You are on page 1of 107

‫د‪ .

‬آرثرلويس‬

‫نظرية التنمية االقتصادية‬

‫تقديم ومراجعة‬

‫د‪ .‬سعاد درويط‬


‫الكتاب‪ :‬نظرية التنمية االقتصادية‬
‫الكاتب‪ :‬د‪ .‬آرثر لويس‬
‫تقدًن كمراجعة‪ :‬د‪ .‬سعاد دركيش‬
‫الطبعة‪0202 :‬‬
‫الناصر‪ :‬وكالت الصحافت العربيت ( هاصرون)‬
‫‪ 5‬ش عبد املنعم سالم – الوحدة العربيت – مدكو ر‪ -‬الهرم – الجيزة‬
‫جمهوريت مصرالعربيت‬
‫هاتف ‪35265555 – 35265556 – 35225253 :‬‬
‫فاكس ‪35252353 :‬‬
‫‪http://www. bookapa.com‬‬ ‫‪E-mail: info@bookapa.com‬‬

‫‪All rights reserved. No part of this book may be reproduced,‬‬


‫‪stored in a retrieval system, or transmitted in any form or by any‬‬
‫‪means without prior permission in writing of the publisher.‬‬
‫جميعععل قوق عععوظ ق و ععع ‪ :‬ال يسمممإ ادعممادة هذممدار م ا ال ماب أو أي جمممن من م أو‬
‫جخمين في هطما اسم عادة املعمومماث أو ه مم املي صمألاش مم‪ ،‬دصمألااذن دون ه ن طم‬
‫مسبق م‪ ،‬الناصر‪.‬‬

‫دارال ب املصريت‬
‫فهرست أثنان النضر‬
‫لويس‪ ،‬آرثر‬
‫نظرية التنمية االقتصادية ‪ /‬د‪ .‬آرثر لويس ‪ ,‬تقدًن كمراجعة‪ :‬د‪ .‬سعاد دركيش‬
‫‪ -‬اعبيزة – ككالة الصحافة العربية‪.‬‬
‫‪ 227‬ص‪ 02*28 ،‬سم‪.‬‬
‫الًتقيم الدكذل‪978 -977 -992 – 254 – 3 :‬‬
‫رقم اإليداع ‪0202 / 02824 :‬‬ ‫أ – العنواف‬

‫‪2‬‬
‫نظرية التنمية االقتصادية‬

‫‪3‬‬
4
‫مقدمة‬

‫بدأ التنظَت للتنمية االقتصادية خبلؿ فًتة ما بُت اغبربُت العاؼبيتُت األكذل‬
‫كالثانية‪ ،‬كقد تسارعت كتَتتو بعد اغبرب العاؼبية الثانية كمع بداية موجة التحرر‬
‫الوطٍت كظهور مشكلة البلداف اؼبُستقلة حديثنا‪ ،‬كقد كانت النظرايت األكذل‪،‬‬
‫كعلى مدل عقود نظرايت برجوازية ينتجها أكاديبيو البلداف اؼبتقدمة كيص ّدركهنا‬
‫للمستعمرات السابقة‪ ،‬ككانت بطبيعة اغباؿ تنتمي ُب معظمها للخط الكمي‬
‫اليميٍت‪ ،‬ككاف أشهر النماذج التطبيقية ؽبذه النظرايت ىو مبوذج ىاركد– دكمار‬
‫كمينا شديد التبسيط‪ ،‬يربط النمو مباشرةن‬ ‫مبوذجا ّ‬
‫ن‬ ‫الذم كاف بطبيعة اغباؿ‬
‫يتجسد على مستول السياسات‬ ‫ّ‬ ‫ابالدخار كمعامل رأس اؼباؿ‪ ،‬كالذم‬
‫كاإلسًتاتيجيات ُب استثمار ُب التصنيع كرأس اؼباؿ االجتماعي كالبنية التحتية‪،‬‬
‫ضمن سياسات ذبارية هتدؼ إلحبلؿ الواردات‪ ،‬كسياسات اقتصادية ديبوغرافية‬
‫ضل القطاع اغبضرم على القطاع الريفي‪.‬‬
‫تف ّ‬
‫كمع تطور ؿبدكد ابذباه اػبط الكيفي منذ منتصف الستينيات مع‬
‫شف النتائج العملية البائسة التباع تلك النظرايت كاإلسًتاتيجيات‪،‬لذلك‬
‫تك ّ‬
‫اتسع أفق نظرايت التنمية ُب الستينات‪ ،‬ليشمل مزي ندا من اؼبتغَتات كاألبعاد‬
‫بعضا من البعد الكيفي اؽبيكلي ُب االعتبار‪،‬كمن‬
‫الكمية‪ ،‬كما تطورت لتأخذ ن‬
‫النظرايت الشهَتة ُب التنمية االقتصادية‪ ،‬تلك النظرية اليت قدمعا آرثر لويس‪،‬‬
‫كقبل أف نعرض ؽبا يستحسن أف نقف على سَتتو الذاتية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫سٍزة انًؤنف‬
‫كلد االقتصادم الشهَت "سَت آرثر لويس" ُب سانت لوسيا‪ -‬إحدل‬
‫جزر الكارييب ككاحدة من جزر اؽبند الغربية ‪ُ -‬ب ‪ 03‬يناير ‪ 2925‬ككاف‬
‫كالداه مدرساف ىاجرا من آنتيجوا ‪ -‬من جزر األنتيل ‪-‬منذ ‪2925‬‬
‫كتوَب كالده عندما كاف ُب السابعة ـبلفا أرملة كطبسة أبناء تًتاكح اعمارىم‬
‫بُت طبسة أعواـ كسبعة عشر عاما‪،‬كاف لويس كقتها ُب الرابعة عشر من‬
‫عمره‪ ،‬كاضطر إذل ترؾ اؼبدرسة كالتحق ابلعمل ككاتب ُب اػبدمة اؼبدنية‪،‬‬
‫كبعد ثبلثة أعواـ تقدـ المتحاف للحصوؿ على منحة دراسية تقدمها‬
‫كحصل على‬
‫ّ‬ ‫اعبامعات الربيطانية‪ ،‬كفاز ابؼبنحو فسافر إذل لندف‬
‫بكالوريوس ُب التجارة كاحملاسبة‪ٍ ،‬ب كاصل دراستو ليحصل ُب عاـ ‪2938‬‬
‫على درجة الدكتوراه ُب االقتصاد‪ ،‬بدأ العمل ُب مشاكل االقتصاد العاؼبي‬
‫بناء على اقًتاح فريدريك ىايك‪ٍ ،‬ب رئيس قسم االقتصاد ُب بورصة لندف‪،‬‬
‫بعد اغبرب العاؼبية الثانية‪ ،‬عندما أصبحت اؼبستعمرات السابقة مستقلة‪،‬‬
‫بدأ لويس دراستو للتنمية االقتصادية‪ .‬دل يكن لويس يتعاطف مع الرأم‬
‫القائل أبف الدكؿ الفقَتة هبب أف تدار من قبل الديكتاتوريُت حىت يتمكنوا‬
‫من التطور‪.‬‬
‫ككاف لويس ؿباضران ُب جامعة لندف ُب الفًتة من ‪ 2938‬إذل‬
‫‪ٍ ،2948‬ب أستاذ ستانلي جيفونز لبلقتصاد السياسي ُب جامعة مانشسًت‬
‫من ‪ 2948‬إذل ‪2958‬‬
‫كاف انئب رئيس جامعة جزر اؽبند الغربية من ‪ 2959‬إذل ‪2963‬‬

‫‪6‬‬
‫كأستاذ االقتصاد السياسي ُب جامعة برينستوف من عاـ ‪ 2963‬حىت‬
‫كفاتو‪ُ.‬ب ‪ 25‬يونيو ‪2992‬‬
‫االقتصاد انًزدوج‬
‫كقد اىتم لويس آرثر بشكل خاص ابلتنمية االقتصادية كلو فيها‬
‫نظرية ؿبددة يعرضها ىذا الكتاب‪ ،‬كلو كتب كدراسات كثَتة هتتم‬
‫ابقتصادايت الدكؿ الفقَتة‪ ،‬كاؼبعرؼ أف ابن سانت لوسيا دل يتس أنو‬
‫منحدر من بلد فقَت‪ ،‬كيعرؼ أف اقتصاد بلده وبتوم على قطاعُت‪ ،‬أحدنبا‬
‫"رأظبارل" صغَت كاآلخر قطاع "تقليدم" كبَت جدا (زراعي)‪..‬كقد الحظ أف‬
‫أرابب العمل ُب القطاع الرأظبارل يوظفوف العماؿ لكسب اؼباؿ‪ .‬بينما‬
‫أرابب العمل ُب القطاع التقليدم ال وبققوف أقصى قدر من الربح لذلك‬
‫يستأجركف عددا كبَتا من العماؿ حبيث تكوف إنتاجيتهم منخفضة جدا‪.‬‬
‫كيرل لويس أف حل ىذه اإلشكالية يتمثل ربويل العمالة إذل تصنيع‬
‫حيث تكوف أكثر إنتاجية‪ .‬فالرأظباليوف ينقذكف من أرابحهم كيستخدموف‬
‫ىذا التوفَت للتوسع‪ ،‬فبا يضيف إذل النمو‪ .‬افًتض لويس أف العماؿ ُب‬
‫الزراعة ال يوفركف أم شيء‪ ،‬حبيث يكوف اؼبصدر الوحيد لبلدخار ىو‬
‫الرأظباليُت ُب التصنيع‪.‬‬
‫استخدـ لويس مبوذجو لشرح مبط النمو ُب البلداف بشكل عاـ‪ .‬ىذه‬
‫ىي الطريقة اليت أكضح هبا النمو اؼبقلوب على شكل حرؼ ‪ U‬كف نقا‬
‫للدخل الفردم لبلد ما‪ ..‬ابلنسبة للبلداف الفقَتة جدا مثل بنجبلديش‪،‬‬
‫فإف النمو بطيء ألف قطاع الصناعات التحويلية صغَت أك غَت موجود‪ ،‬كال‬

‫‪5‬‬
‫يوجد مصدر كبَت لبلدخار‪ ..‬أما البلداف ذات الدخل اؼبتوسط مثل كوراي‬
‫كاتيواف‪ ،‬فإف النمو مرتفع ألف قطاع الصناعات التحويلية ينمو كيسحب‬
‫العمالة من الزراعة‪ ،‬حيث تعاين من نقص العمالة‪ .‬ابلنسبة للبلداف ذات‬
‫الدخل اؼبرتفع ذات قطاع الصناعات التحويلية الكبَتة‪ ،‬مثل الوالايت‬
‫اؼبتحدة‪ ،‬فإف النمو أبطأ ألف اؼبكاسب الناذبة عن ربويل العمالة من‬
‫الزراعة تكاد تستغل كلها‪.‬‬
‫كقد جاءت ىذه الفكرة على ذىن آرثر لويس كىو ُب الطائرة متجها‬
‫من لندف إذل ابقبوؾ غبضور مؤسبر اقتصادم نظمتو اتيبلند عن التنمية‬
‫ككاف ذلك ُب عاـ ‪ ،2954‬فتحدث ُب اؼبؤسبر عن مفهومو ؼبا أظباه‬
‫"االقتصاد اؼبزدكج" ُب بلد فقَت‪.‬‬
‫ىذه الفكرة بلورىا آرثر لويس كعاد ؽبا فيما بعد كصاغها ُب نظرية‬
‫كانت ؿبورا ألعمالو التالية اليت أكدت رسوخ إظبو كواحد من أىم علماء‬
‫االقتصاد ُب العادل‪ ،‬فمنحتو بريطانيا اعبنسية اإلقبليزية‪ٍ ،‬ب منحتو لقب‬
‫سَت‪ ،‬كُب عاـ ‪ ،2979‬حصل على جائزة نوبل‪ ،‬كذلك تقديرا ألحباثو‬
‫الرائدة ُب التنمية االقتصادية مع إيبلء اىتمامو اػباص دبشاكل البلداف‬
‫النامية‪.‬‬
‫نظزبت انتنًٍت‬
‫ينتمى ابن مستعمرة سانت لوسيا إذل فريق من االقتصاديُت يهتم‬
‫ابلفقراء‪ ،‬كيهتم ابإلنساف عموما‪ ،‬فَتل أف التنمية االقتصادية ىي تلك‬
‫العملية اليت تتحقق فيها مستوايت أعلى من التوظيف سواء ُب اؼبدينة أكُب‬

‫‪2‬‬
‫القرل كاألرايؼ‪ ،‬كذلك ؼبواجهة الزايدة اؼبتوقعة ُب السكاف‪ ،‬كال نعن ىذا‬
‫ابلتوظيف أف يكوف منتجا من الناحية االقتصادية فحسب‪ ،‬بل أف يكوف‬
‫أيضا مرضيا للفرد حىت يزرع فيو ركح االبداع كاػبلق كاالستخداـ األكثر‬
‫لوقت الفراغ‪ .‬كما يقصد ابلتنمية االقتصادية "العملية اليت يتم من خبلؽبا‬
‫ربقيق زايدة ُب متوسط نصيب الفرد من الدخل اغبقيقي على مدار الزمن‪،‬‬
‫كربدث من خبلؿ تغَتات ُب كل من ىيكل االنتاج كنوعية السلع‬
‫كاػبدمات اؼبنتجة‪ ،‬إضافة إذل إحداث تغيَت ُب ىيكل توزيع الدخل لصاحل‬
‫الفقراء"‪2‬‬
‫"كما أف التنمية االقتصادية ؽبا أبعاد كاعتبارات زبرج عن كوهنا عبارة‬
‫عن االستثمار االقتصادم األمثل للدخل القومي من خبلؿ برامج‬
‫كمشاريع تسعى ل تحقيق الرفاىية للمجتمع‪ ،‬إذل كوهنا عبارة عن استخداـ‬
‫اؼبوارد االقتصادية كالطاقات البشرية اؼبدربة كالعمل على تنميتها لرفاىية‬
‫كل قطاعات اجملتمع مع اغبفاظ على قيم اجملتمع التارىبية كاألخبلقية‬
‫كالسياسية‪2‬‬
‫كىناؾ تعريفات أكثر مشولية للتنمية االقتصادية‪ ،‬منها أف "التنمية‬
‫االقتصادية ليست عملية اقتصادية حبتة‪ ،‬بل تشمل دراسة السلوؾ‬
‫االجتماعي كالقيم السائدة كاألكضاع السياسية الداخليػة كاػبارجية‪ ،‬كما‬
‫تشمل أيضا تنمية الفرد ألنو تعترب العصب اغبقيقي للتنمية االقتصادية"‬
‫فالتنمية ال تصنع ابلتقدـ اؼبادم فقط‪ ،‬بل البد من الًتكيز على اعبانب‬
‫االجتماعي كربسُت مستول األفراد‪ .‬كىذا ىو ىدفها األساسي الذم‬
‫يكسبها جدكاىا كمربرىا‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫كُب كتابو " نظرية التنمية االقتصادية" تدكر دراستو البحثية حوؿ مبو‬
‫اإلنتاج الذم ينتجو كل فرد من السكاف كؽبذا فقد اىتم بنمو اإلنتاج ال‬
‫بتوزيعو‪ ،‬فهناؾ اختبلفا بُت االثنُت‪ ،‬فقد يتزايد اإلنتاج كمع ذلك يزداد‬
‫غالبية الشعب فقرأ‪ ،‬كدل يهتم كثَتا ابالستهبلؾ‪ ،‬ألف اإلنتاج قد يتضاعف‬
‫ُب الوقت الذم يظل فيو االستهبلؾ يتضاءؿ‪ .‬كيشَت إذل ثبلثة أسباب‬
‫تؤدم إذل النمو االقتصادم‪ ،‬كىي النشاط االقتصادی‪ ،‬كاؼبعرفة اؼبتزايدة‬
‫رأس اؼباؿ اؼبتزايد‪ .‬كوبدد مفهومو للنشاط االقتصادم أبنو اجملهود اؼببذكؿ‬
‫من أجل مضاعفة نتاج ؾبهود معُت أك مورد معُت‪ ،‬أك اإلقبلؿ من تكاليف‬
‫إنتاجو أف النشاط االقتصادم أمر ال بد منو من أجل توفَت االقتصاد‬
‫كمعٌت ىذا ضركرة كجود ؿباكلة‪ ،‬كبذؿ للجهد‪ ،‬كإال فلن يكوف ىناؾ مبو‬
‫كالنمو ىو الثمرة اليت وبصل عليها اإلنساف بشرط أف يبذؿ ؾبهودا‪،‬‬
‫كالنمو االقتصادم يتطلب أيضا أف يعمل الناس بوحي من ضمَتىم‬
‫كىكذا قبد أف اؼبسألة ىنا ليست مسألة ساعات عمل أكثر بل أف يؤدم‬
‫العامل أداء حسنا بقدر ما ُب طاقتو‪ ،‬كأف يكوف منظما من حيث البدء ُب‬
‫العمل كالوفاء دبوعد االنتهاء منو‪ ،‬كلقد لوحظ أف كجود ىذه الظاىرة ُب‬
‫اجملتمعات البدائية مرجعو عدـ تعود الفرد ىناؾ على ظركؼ العمل‬
‫اعبديد‪ ،‬كشركط ىذا العمل أف الفرد ىناؾ قد تعود على العمل ُب اغبقل‪،‬‬
‫ابلسرعة اليت اعتادىا‪ ،‬كبدكف كجود ساعة ألغرابو إذف ُب أف يتأخركا عن‬
‫مواعيد اؼبصنع بعد ذالك كابؼبثل إذا كاف أفراد اجملتمع قد اعتادكا عبلقات‬
‫القرىب ُب العمل‪ ،‬أك االعتماد على اؼبركز االجتماعي فمن الصعب عليك أف‬
‫ذبربىم على التزامات معينة‪.‬‬

‫‪01‬‬
‫كال ينهي الكاتب فصولو قبل أف يتحدث عن استحباب التنمية‬
‫االقتصادية‪ ،‬فيقوؿ أف للنمو االقتصادم شبنو‪ ،‬مثلو ُب ذلك مثل أم شيء‬
‫آخر كلو كاف ُب اإلمكاف ربقيق النمو االقتصادم دكف متاعب ليدافع عنو‬
‫اعبميع كحبذكه‪ .‬كلكن‪ ،‬نظرا ألف للنمو االقتصادم عيوبو فاف الناس‬
‫ىبتلفوف ُب تقديره‪.‬‬
‫كمن مزااي النمو إنو يتيح أماـ اإلنساف فرصا أكرب لبلختيار‪ ،‬كليست‬
‫األمر قاصران على كوف النمو وبقق مزيدا من الثركة‪ ،‬كليست الثركة شرطا‬
‫لتوافر السعادة‪ ،‬مثاؿ ىذا أف الوالايت اؼبتحدة غنية كمع ذلك فهي أكثر‬
‫الدكؿ قلقا كتوترا‪ .‬كالنمو االقتصادم وبقق قسطا أكفر من اغبرية‪.‬‬
‫كنستطيع أف نلمس ىذه اغبقيقة إذا كبن قاران بُت كضع اإلنساف البدائي‬
‫كىو يواجو الطبيعة ككضع إنساف العصر اغبديث‪.‬‬
‫كالنمو االقتصادم يوفر أيضا كقت فراغ نستطيع أف ننظم بو أما ُب‬
‫اؼبرحلة البدائية فنحن مضطركف إذل بذؿ اعبهد الشاؽ كمع ذلك ال نكاد‬
‫نسد رمقنا‪ .‬أما النمو االقتصادم فيتيح لنا فرصة اؼبناضلة بُت مزيد من‬
‫الفراغ أك مزيد من السلع‪ ،‬كالواقع أننا لبتار االثنُت كنريد االستزادة منهما‪.‬‬
‫كذلك يوفر مزيدا من اػبدمات‪ .‬ففي األقطار الفقَتة قبد أف الزراعة سبتص‬
‫‪ 6٪:‬أك ‪ ٪٪:‬من السكاف‪ ،‬أما ُب البلداف الغنية فإهنا ال تستوعب أكثر من‬
‫‪ :20‬أك ‪ ،:25‬كيکفی ىذا العدد لتوفَت الغذاء اؼبطلوب‪ ،‬من أجل ىذا‬
‫تستطيع الدكؿ الغنية أف ذبند النسبة الباقية من السكاف ُب خدمات أخرل‬
‫فتجعل منهم األطباء‪ ،‬كاؼبدرسُت كاؼبوسيقيُت كغَت ذلك‪ ،‬كىناؾ أكجو نشاط‬
‫كثَتة كالفن كاؼبوسيقى كالفلسفة ال يبكن االستمتاع هبا إال إذا كاف ىناؾ مبو‬

‫‪00‬‬
‫اقتصادی ككاف البلد من الغٌت حبيث يستطيع أف يوفر عددا من مواطنيو ؽبذه‬
‫األشياء‪.‬‬
‫كقد تستفيد النساء من النمو االقتصادم أكثر فبا يستفيد الرجاؿ‪ ،‬ذلك‬
‫ألنو يؤثر على كضع اؼبرأة‪ ،‬فهي ُب البلداف اؼبتخلفة عبء على الرجل‪ ،‬كىي‬
‫تنفق اليوـ كلو ُب أداء أشياء يبكن اقبازىا اليوـ ابلوسائل اغبديثة‪ ،‬غَت أف النمو‬
‫االقتصادم وبررىا كيتيح ؽبا فرصة النضج كاالكتماؿ كاالستمتاع حبقوقها ككائن‬
‫بشرم‪.‬‬
‫كلكن لو كاف النمو االقتصادم عبارة عن مزااي فقط الدافع عنو اعبميع‬
‫كحبذكه غَت أف األمر على عكس ذلك‪ ،‬فهناؾ من يشَتكف إذل بعض العيوب‪،‬‬
‫كيفضلوف اجملتمعات اؼبستقرة كىم يكرىوف ركح االقتصاد‪ ،‬كىي شرط من‬
‫شركط النمو االقتصادم‪ .‬كما يعارضوف التنظيمات الضخمة ألهنا تفرض نظاما‬
‫صارما فعلى اؼبرء الذم يعمل ُب منظمة كهذه أف يستيقظ كل يوـ ابنتظاـ‬
‫كيؤدی عمبل ؿبددا ال يستطيع أف يتهاكف فيو‪ .‬كىم يهاصبوف النمو االقتصادم‬
‫أيضا قائلُت إنو يعتمد على عدـ اؼبساكاة ُب الدخوؿ‪.‬‬
‫د‪ .‬سعاد دركيش‬

‫‪02‬‬
‫انفصم األول‬

‫نقاط أساسية‬

‫ُب البدء أحب أف أكضح النقاط اليت يتناكؽبا ُب ىذا الكتاب‪ ،‬حتی‬
‫ال وبدث لبس أك غموض‪ ،‬فموضوع الدراسة يدكر حوؿ مبو اإلنتاج الذم‬
‫ينتجو كل فرد من السكاف كؽبذا فنحن مهتموف ىنا بنمو اإلنتاج ال بتوزيعو‬
‫ذلك الف ىناؾ اختبلفا بُت االثنُت‪ ،‬فقد يتزايد اإلنتاج كمع ذلك يزداد‬
‫غالبية الشعب فقرأ كيستنتج من ىذا أننا لن هنتم دبسألة االستهبلؾ‪ ،‬ذلك‬
‫ألف اإلنتاج قد يتضاعف ُب الوقت الذم يظل فيو االستهبلؾ يتضاءؿ ‪K‬‬
‫كيرجع ىذا إذل أحد أمرين ‪ :‬أما أف اؼبدخرات آخذة ُب التزايد‪ ،‬كأما أف‬
‫اغبكومة تستفيد من اإلنتاج ُب أغراضها ىي‪ ،‬أغراضها اػباصة هبا كلن‬
‫أعرؼ اإلنتاج ىنا‪ ،‬كسأترؾ تعريفو للذين يضعوف نظرايت االقتصاد‬
‫القومي‪ ،‬ذلك ألف ىناؾ مشاكل عسَتة تتصل دبقارنة إنتاج عاـ بعاـ آخر‪،‬‬
‫كمشاكل حوؿ األشياء اليت يبكن أف يقاؿ عنها أهنا إنتاج‪ ،‬كاألشياء اليت‬
‫تعترب من قبيل تكاليف اإلنتاج‪ ،‬مثل نفقات توزيع السلع‪ ،‬كنفقات‬
‫الشحن‪ ،‬كنفقات اإلعبلف عن اإلنتاج كأريد أيضا أف أدكر حوؿ اإلنتاج‬
‫االقتصادم كأف استخدـ كلمة « اقتصادی » ىنا دبعناىا القدًن كلذلك لن‬
‫نتناكؿ ىنا مفهوـ الرفاىية‪ ،‬أك إشباع الرغبات‪ ،‬أك توفَت السعادة ذلك ألف‬
‫اإلنتاج قد يتضاعف كمع ذلك ال وبقق مزيدا من السعادة للفرد أك‬

‫‪03‬‬
‫جملموعة من األفراد ىذا الكتاب ال يتساءؿ إذف ‪ :‬ىل هبب أف نقدـ‬
‫للناس مزيدا من السلع كاػبدمات كإمبا يتساءؿ كيف نوفر اؼبزيد من‬
‫السلع كاػبدمات ؟ ( مع إيباف اؼبؤلف بوجوب تقدًن اؼبزيد للناس ) ككبن‬
‫إذا نظران إذل إنتاج كل فرد من أفراد اجملتمع لوجدانه يعتمد على شيئُت ‪:‬‬
‫موارد ىذا اجملتمع‪ ،‬كسلوؾ األفراد الذين يعيشوف ُب ظلو كىذا الكتاب‬
‫يهتم أكؿ ما يهتم دبسألة السلوؾ ىذه‪ ،‬كعندما يتعرض للموارد الطبيعية‬
‫فذلك ألهنا تؤثر على سلوؾ األفراد اؼبنتخبُت كمن الواضح أف الفركؽ ُب‬
‫اؼبوارد الطبيعية تودی إم فركؽ ُب اإلنتاج كلكن قد يتساكل بلداف ُب‬
‫مواردنبا الطبيعية كمع ذلك نلمس اختبلفا بُت إنتاج البلدين كىنا نضطر‬
‫إذل االلتفات إذل مواطن االختبلؼ بُت سلوؾ الناس ُب البلد األكؿ‬
‫كسلوكهم ُب البلد الثاين‪.‬‬
‫كإذا نظران إذل األسباب اليت تتحكم ُب النمو كجدان أف ىناؾ ثبلثة‬
‫أسباب‪:‬‬
‫(‪ )2‬الرغبة ُب «االقتصاد» عن طريق زبفيض تكاليف اإلنتاج أك‬
‫مضاعفة إنتاج اجملهود اؼببذكؿ أك اؼبوارد اؼبوجودة كىذه الرغبة ُب االقتصاد‬
‫قد تتجسم ُب التجربة‪ ،‬أك اإلقداـ على اؼبغامرة‪ ،‬أك اؼبركنة‪ ،‬أك ؿباكلة‬
‫التخصص ُب فرع من الفركع‪.‬‬
‫(‪ )۲‬ازدايد اؼبعرفة كالتوسع ُب تطبيقها كاؼبعرفة آخذة ُب التزايد على‬
‫مر العصور‪ ،‬غَت أف التضاعف السريع الذم حققو النمو ُب القركف‬
‫األخَتة مرتبط بتضاعف معارفنا ۔ بسرعة ‪ُ -‬ب ميادين اإلنتاج‪ ،‬كمرتبط‬

‫‪04‬‬
‫بتطبيقنا ؽبذه اؼبعارؼ‪.‬‬
‫(‪ )۳‬يتوقف النمو على ازدايد رأس اؼباؿ اؼبوجود أك غَته من اؼبوارد‪.‬‬
‫كاؼببلحظ أف ىذه األسباب كاف كاف كل منها يتميز عن اآلخر‪ ،‬إال‬
‫أهنا مرتبطة كمتشابكة‪ ،‬كسنجد أنفسنا مضطرين إذل إلقاء السؤاؿ التارل ‪:‬‬
‫ؼباذا قبد ىذه العوامل تؤثر ُب بعض اجملتمعات أكثر فبا تؤثر ُب األخرل ؟‬
‫كؼباذا يزداد أتثَتىا ُب فًتات ُب التاريخ كال يزداد ُب فًتات أخرل ؟ كأم‬
‫بيئة تًتعرع فيها العوامل اليت ربقق النمو ؟‪.‬‬
‫كسنضطر إذل أف نتساءؿ أيضا ‪ :‬ما ىي األنظمة اليت تساعد على‬
‫النمو كما ىي األنظمة اليت تعرقل اعبهود‪ ،‬كتقف عقبة ُب طريق التجديد‬
‫أك االستثمار؟ كما الذم هبعل الناس يؤمنوف أبشياء تساعد على النمو أك‬
‫أبشياء تعرقلو ؟ كىل يرجع تباين اؼبعتقدات كاألنظمة إذل اختبلؼ‬
‫األجناس‪ ،‬كتنوع الطبيعة اعبغرافية‪ ،‬أـ أف األمر ال يعدك ؾبرد مصادفة‬
‫اترىبية ؟ ىذه األسئلة إمبا هتتم األنظمة أك اؼبعتقدات‪ ،‬أك البيئات اؼببلئمة‬
‫النمو االقتصادم‪.‬‬
‫كقد قيل أف مثل ىذه األسئلة تتشعب ُب فركع العلوـ االجتماعية‬
‫اؼبختلفة كالواقع أف رجاؿ االقتصاد قد درسوا موضوع التخصص‪ ،‬كرأس‬
‫اؼباؿ كأكدكا أيضا أنبية اؼبركنة كاغبركة‪ ،‬كاالبتكار كاؼبغامرة‪ ،‬بل لقد قطع‬
‫بعض رجاؿ االقتصاد مزيدا من األشواط‪ .‬فدرسوا النظم اؼبختلفة كأشار‬
‫رجاؿ االقتصاد ُب القرف التاسع عشر بصفة خاصة إذل مسألة امتبلؾ‬
‫األراضي‪ ،‬أك التشريعات اػباصة ابلشركات اؼبسانبة كمع ذلك ماتت كل‬

‫‪05‬‬
‫ىذه الرغبات ُب الربع الثاين من القرف العشرين‪ ،‬بل لقد أكدت ىيئات‬
‫مسئولة أف ىذه الدراسات ليست من شأف رجاؿ االقتصاد كإمبا ىي كقف‬
‫على رجاؿ االجتماع كاؼبؤرخُت‪ ،‬كدارسي اؼبعتقدات‪ ،‬كاؼبشرعُت‪ ،‬كرجاؿ‬
‫علم اغبياة‪ ،‬كاعبغرافيُت كيساكرين الظن أبف رجاؿ االقتصاد تركوا أمر النظم‬
‫االقتصادية لرجاؿ االجتماع‪ ،‬كترؾ رجاؿ االجتماع أمر النظم االقتصادية‬
‫لرجاؿ االقتصاد‪.‬‬
‫من أجل ىذا آمل أال وبسدين أحد على جرأٌب‪ .‬كؿباكليت استعراض‬
‫اؼبوقف بصفة عامة‪ ،‬ذلك ألين كجدت كل كاحد غَتم زبلى عن ىذه‬
‫اؼبهمة‪.‬‬

‫‪06‬‬
‫انفصم انثاني‬

‫انرغبة يف االقتصاد‬

‫أشران‪ُ ،‬ب الفصل السابق‪ ،‬إذل األسباب الثبلثة اؼبًتابطة اليت تؤدم‬
‫إذل النمو االقتصادم‪ ،‬كىي ‪ :‬النشاط االقتصادی ۔ اؼبعارؼ اؼبتزايدة رأس‬
‫اؼباؿ اؼبتزايد كالفصل اغبارل‪ ،‬كالذم يليو يدكراف حوؿ السبب األكؿ كىو‬
‫‪ :‬النشاط االقتصادم‪ ،‬كنعٍت بو اجملهود اؼببذكؿ من أجل مضاعفة نتاج‬
‫ؾبهود معُت أك مورد معُت‪ ،‬أك اإلقبلؿ من تكاليف إنتاجو أف النشاط‬
‫االقتصادم أمر ال بد منو من أجل توفَت االقتصاد كمعٌت ىذا ضركرة‬
‫كجود ؿباكلة‪ ،‬كبذؿ للجهد‪ ،‬كإال فلن يكوف ىناؾ مبو كالنمو ىو الثمرة‬
‫اليت وبصل عليها اإلنساف بشرط أف يبذؿ ؾبهودا‪ ،‬ذلك الف الطبيعة‬
‫ليست رحيمة ابإلنساف‪ ،‬أهنار ‪ -‬لو تر کت كشأهنا ذبعل اغبشائش اؼبضادة‬
‫تنمو بدؿ النبااتت النافعة‪ ،‬كًب الربوع ابألكبئة كاإلنساف ال يدفع عنو غائلة‬
‫كل ىذه الكوارث إال ابإلقداـ على إجراءات معينة كببذؿ ؾبهود معُت‬
‫كىكذا يقف اإلنساف كيواجو ربدم الطبيعة‪ ،‬كهبذا يستطيع أف ينتزع منها‬
‫إنتاجا أكفر لقاء ؾبهود أقل‪.‬‬
‫كقبولنا التحدم الطبيعة معناه استعدادان لؤلقداـ على التجارب‬
‫كالسعي كراء الفرص‪ ،‬كاالستجابة لؤلبواب اؼبفتوحة‪ ،‬كإجراء اؼبناكرات‪ ،‬أف‬
‫أعظم قدر من النمو أمبا وبدث ُب اجملتمعات اليت يتصيد أصحاهبا الفرص‬

‫‪05‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬كينشطوف كيغتنموف ىذه الفرص‪.‬‬
‫كالواقع أف اجملتمعات زبتلف من حيث رغبة أفرادىا ُب اعبری كراء‬
‫الفرص االقتصادية‪ ،‬كانتهازىا‪ ،‬كؿباكلة استغبلؽبا بل أف اعبماعات‪ ،‬داخل‬
‫اجملتمع الواحد‪ ،‬زبتلف ُب ىذه النقطة أيضا‪ ،‬كاجملتمع نفسو يتعرض‬
‫التغَتات نتيجة للمراحل التارىبية اليت يبر هبا‪ ,‬كىذا التباين‪ ،‬كاالختبلؼ‪،‬‬
‫مرجعهما أسباب ثبلثة‪ ،‬يتميز كل بسبب منها عن اآلخر ‪ :‬فقد يرجع‬
‫االختبلؼ إذل اختبلؼ ُب تقدير قيمة النفع اؼبادم ابلنسبة للمجهود الذم‬
‫بذؿ من أجل ربقيقو كقد يرجع إذل اختبلؼ الفرص اؼبتاحة أك إلی مدی‬
‫تشجيع اؼبسئولُت لعملية اإلنتاج‪ ،‬كذلك إبزالة العوائق أماـ الفرد دبنحو‬
‫شبار جهده‪ ،‬كلقد أىتم اؼبصلحوف االجتماعيوف دبوضوع األنظمة اؼبعموؿ‬
‫هبا ُب اجملتمع‪ ،‬كالذم يريد منهم توفَت النمو االقتصادم يهتم إبدخاؿ‬
‫تعديبلت على األنظمة‪ ،‬كذلك عن طريق الدعاية أك التشريع‪.‬‬
‫غَت أف الرغبة ُب بذؿ اعبهد‪ ،‬من أجل ربقيق النمو االقتصادم‪،‬‬
‫تتباين أيضا نتيجة العوامل سيکلوجية كقد تكوف ىناؾ طائفة من طوائف‬
‫اجملتمع ال تعترب إنتاج السلع أمرا ذا ابؿ‪ ،‬كال تراه يستحق اعبهد الذم‬
‫يبذؿ فيو كقد يرجع ىذا إذل أحد سببُت‪:‬‬
‫(‪ ) ۱‬عدـ تقدير السلع ( أما بسبب التقشف أك االىتماـ أكجو نشاط‬
‫أخرل ‪ :‬أك ضيق اآلفاؽ )‪.‬‬
‫(‪ )۲‬تقدير اجملهود اؼبطلوب تقديرا نفسيا عاليا ( كاجملهود اؼبطلوب يتطلب دكف‬
‫شك انتهاز الفرص كاستغبلؽبا‪ ،‬كالسعي كراء اغبركة كاؼبركنة كاالستثمار )‪.‬‬

‫‪02‬‬
‫كسنحاكؿ دراسة كل موقف من اؼبواقف السالف ذكرىا على جدة‬
‫(‪ )1‬انزغبت فً انحصىل ػهى سهغ‬

‫تعًتؼ قوانُت التقشف أبنو من األفضل للمرء أف يستهلك بنسبة‬


‫أقل من استهبلؾ غَته كبعض ىذه القوانُت تؤكد أنبية تدريب اؼبرء على‬
‫السيطرة على رغباتو الطبيعية ُب الطعاـ كاعبنس كالراحة كغَتىا من اؼبتع‪،‬‬
‫ىذه القوانُت تشجع على الصياـ كغَته من اؼبشاؽ‪ ،‬كتعترب ىذه اجملهودات‬
‫كسيلة التحقيق الشفافية الركحية كىناؾ القوانُت القائلة أبف سعي اإلنساف‬
‫كراء رزقو يستهلك من الوقت ما هبب أنفاقو ُب التأمل أك أداء الطقوس‬
‫الدينية اؼبختلفة كليست كل الدايانت تعتنق ىذا الرأم‪ ،‬فبعضها يعترب‬
‫العمل عبادة‪ ،‬مثلو ُب ذلك مثل الصبلة كبعض قوانُت التقشف تؤمن أبف‬
‫سعي اؼبرء كراء قوت يومو يورطو ُب إجراءات عدكانية يستهدؼ ؽبا أخوانو‬
‫من البشر‪ ،‬كأف من األفضل ذبنب ىذا اؼبسلك‪ ،‬كذلك ابستهبلؾ أقل‬
‫قدر فبكن من اؼبواد‪ .‬كمعظم القوانُت تفرؽ بُت ما هبب أف نتوقعو من‬
‫القسيس‪ ،‬كما هبب أف نتوقعو من عامة الناس‪ ،‬إذ هبب على القس أف‬
‫يظلوا فقراء‪ ،‬كىذه الظاىرة غَت عامة ُب معظم اغباالت‪ ،‬فهناؾ قسس‬
‫ينعموف برخاء كترؼ كبَتين‪.‬‬
‫كنستطيع أف نؤكد أف عامة الناس‪ُ ،‬ب كل ركن من أركاف العادل‪ ،‬ال‬
‫يبكن أف يرفضوا الفرص الكفيلة برفع مستول معيشتهم‪ ،‬كقليل ىم الذين‬
‫يعتربكف رفع مستول اؼبعيشة أمرا وبوؿ بينهم كبُت اػببلص الركحي كىكذا‬

‫‪05‬‬
‫لو قدمنا بذكرا فبتازة أك أظبدة صناعية ؼبزارعي اؽبند أك بورما فليس ىناؾ‪،‬‬
‫ُب داينتهم‪ ،‬ما يبنعهم من استخداـ ىذه العناصر ُب أرضهم‪ ،‬أك االستمتاع‬
‫ابلثمار اؼبمتازة اليت سيحصلوف عليها نتيجة ؽبذه العوامل اؼبساعدة‪.‬‬

‫من اؼببلحظ‪ُ ،‬ب معظم اجملتمعات‪ ،‬أف مباىج التقشف ؿبدكدة اذا ما‬
‫قيست دبباىج الثركة‪ ،‬ابعتبار الثركة كسيلة لتحقيق مرموؽ‪ .‬السلطة كالنفوذ‪،‬‬
‫أك الداللة على أف صاحبها يتمتع دبركز اجتماعی مرموؽ‪.‬‬
‫كمغرايت االستهبلؾ الظاىر للعياف أماـ اعبميع‪ ،‬ىي مغرايت مألوفة‪،‬‬
‫معركفة بل أف ىناؾ من يرغبوف ُب السلع من أجل ىذه الظاىرة كحدىا‬
‫ابلرغم من أهنم قد ال يستمتعوف هبا‪ ،‬كما أكثر الذين يقتنوف أشياء كال‬
‫ينعموف هبا‪ ،‬كالدافع الوحيد كراء سعيهم ىو أف يؤكدكا مكانتهم كمركزىم‬
‫كالكتب فبلوءة أبخبار أانس وبتفظوف ُب منازؽبم أبجهزة بيانو ال ذبد من‬
‫يعزؼ عليها‪ ،‬كلوحات فضية ال ذبد من يتذكقها كقطعاف من اؼباشية ربتفظ‬
‫هبا القبيلة ال لتستفيد من غبمها أك لبنها كإمبا لتطلع الناس على مرکزىا بُت‬
‫بقية القبائل كأكثر الذين يتجهوف ىذا االذباه أانس انتقلوا من طبقة‬
‫اجتماعية دنيا إذل طبقة اجتماعية مرتفعة‪ ،‬كُب الصناعية قبد أف ىذه الفئة‬
‫التواقة إذل الظهور ىي فئة ؿبدثي النعمة أك ما يطلق عليهم ابلفرنسية «‬
‫األثرايء اعبدد » كُب البلداف اػباضعة لبلستعمار قبد أف الطبقة اغباكمة‬
‫اؼبنعمة زبتلف ‪ُ -‬ب اعبنس عن الطبقة اغبكومة‪ ،‬كلكنا نفاجأ بظهور بعض أفراد‬
‫الطبقة اغبكومة الذين يريدكف أف هباركا اغباكمُت ُب بذخهم كتر فهم كقصورىم‬
‫كيؤثر ىذا على اقتصادايت الوطنيُت كوبوؿ دكف ذبميع رؤكس أمواؿ‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫كىناؾ من يرغب ُب الثركة ألنو يرل فيها كسيلة لتحقيق النفوذ‬
‫كالسلطة‪ ،‬سواء سبثلت ىذه السلطة ُب القدرة على الرشوة‪ ،‬أك ُب النفوذ‬
‫السياسي‪ ،‬أك القدرة على السيطرة على اؼبرؤكسُت‪ ،‬أك أم نوع آخر من‬
‫أنواع النفوذ‪.‬‬
‫كمع ذلك فليست الثركة دائما أيسر طريق لتحقيق النفوذ أك اؽبيبة‬
‫أف أم شخص ثرم‪ُ ،‬ب اجملتمعات الرأظبالية اغبديثة‪ ،‬يستطيع أف يرتقي إذل‬
‫أرفع اؼبناصب ُب ؾبتمعو‪ ،‬كلكن ليس اغباؿ كذلك ُب ؾبتمعات أخرل‬
‫كثَتة فالكل‪ُ ،‬ب اجملتمع اؽبندكکی‪ ،‬وبًتموف طبقة الكهنة دكف غَتىم‪ ،‬كُب‬
‫الصُت القديبة كاف أرفع قدر من االحًتاـ كقفا على العلماء كحدىم كقبد‬
‫ُب أمكنة أخرل أف الذم يتمتع ابلنفوذ كاؽبيبة ىو اعبندم‪ ،‬أك الشخص‬
‫الذم ينحدر من أسرة نببلء كُب أم بلد قبد أف الشباب النشط ىبتار‬
‫الطريق الذم هبد أنو وبظى أبكرب قدر من الرفعة كالسمو‪ ،‬أنو يذىب إذل‬
‫اغبرب إذا كاف اجملد كالسؤدد ُب اغبرب‪ ،‬أك إذل ميداف الصيد‪ ،‬أك الدين‬
‫البَتكقراطية كلن تتجو أذىاف الشاب الطامح إذل النشاط االقتصادم إال‬
‫إ ذا كجد أف النشاط االقتصادم ىو الذم سيحقق لو اجملد كُب أايـ االرباد‬
‫السوفيييت األكذل كاف منظمو النشاط االقتصادم موضع احتقار‪ ،‬ككاف‬
‫اجملد من نصيب أفراد اغبزب‪ ،‬أك عضو النقابة العمالية‪ ،‬أك العادل‪ ،‬أما مدير‬
‫اؼبصنع فبل يتمتع بتقدير كبَت غَت أف األكضاع تغَتت اليوـ كثَتا‪ ،‬فمدير‬
‫اؼبصنع الناجح يتقاضى أجرا كبَتا كينعم ابمتيازات خاصة ُب اؼبسكن‪ ،‬كُب‬
‫اؼبتع‪ ،‬كدل يعد خاضعا للعماؿ ُب مصنعو أضف إذل ىذا أف يصل إذل أعلى‬
‫اؼبراتب االجتماعية‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫كيقودان ىذا إذل القوؿ أبف بعض الدكؿ تتوؽ إذل الثركة أكثر فبا تتوؽ‬
‫إليها دكؿ أخرل غَت أف اؼبسألة ىنا مسألة كم‪ ،‬ففي كل بلداف العادل‪ ،‬دكف‬
‫استثناء ربقق الثركة االحًتاـ كاؽبيبة‪.‬‬
‫كُب كل ؾبتمع تقريبا قبد أف الثركة كاؽبيبة‪ ،‬كالنفوذ‪ ،‬أمور نرتبط‬
‫ببعضها ارتباطا كثيقا كاالختبلؼ اعبوىرم بُت اجملتمعات ىو اختبلؼ ُب‬
‫مصادر الثركة اليت ربقق اؽبيبة كالنفوذ ففي اجملتمعات اليت دل تصبح بعد‬
‫رأظبالية قبد أف الناس ‪ -‬ينفقوف ثركاهتم ُب أشياء غَت إنتاجية‪ ،‬أما ُب‬
‫اجملتمعات الرأظبالية فيستثمركهنا بطريقة إنتاجية كنسبة النمو االقتصادم‬
‫تتأثر بصورة ىائلة ابلطريقة اليت ينفق هبا األغنياء ثركاهتم فهناؾ فارؽ ىائل‬
‫الُت إنفاؽ النقود ُب بناء قصور فخمة‪ ،‬كُب إنفاقها ُب أعماؿ الرم أك‬
‫اؼبناجم أك غَتىا من أكجو النشاط اإلنتاجي أف طريقة االستثمار اإلنتاجي‬
‫ىي اليت سبيز األمة الغنية عن األمة الفقَتة كنقطة التحوؿ اؽبامة ُب حياة‬
‫ؾبتمع من اجملتمعات ليست ُب احًتامو للثركة كإمبا لبلستثمار اإلنتاجي‪،‬‬
‫كللثركة اليت ربقق ىذا النوع من االستثمار النافع‪.‬‬

‫نصل اآلف إذل أىم قيد يؤثر ُب رغبات الناس ُب السلع‪ ،‬إال كىو‬
‫اآلفاؽ احملدكدة‪.‬‬
‫كالنقطة اليت نريد اإلشارة إليها ىنا ىي أف الرغبات تصبح ؿبدكدة حُت‬
‫تكوف السلع اليت يسمع عنها اإلنساف كيستطيع أف استخدمها ؿبدكدة‬
‫بدكرىا كتتفاكت القيود من ؾبتمع آلخر كىی تعتمد على العناصر التالية‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫(‪ )۱‬رأس اؼباؿ اؼبادم اؼبوجود‪.‬‬
‫(‪ )۲‬رأس اؼباؿ اغبضارم اؼبوجود‪.‬‬
‫(‪ )3‬العادات كاحملظورات‪.‬‬
‫(‪ )4‬اعبهل‪.‬‬
‫كنعٍت برأس اؼباؿ اؼبادم تلك البيئة اؼبادية اليت ال بد منها لبلستمتاع‬
‫بنعم معينة كقد تكوف ىذه البيئة طبيعية كقد تكوف مصنوعة صنعا كىكذا‬
‫قبد أف السكاف الذم يعيشوف ُب بلد ببل أهنار ال وبتاجوف إذل قوارب‪ ،‬كأف‬
‫الذين يعيشوف ُب القطب ال يطلبوف اآليس كرًن‪ ،‬كُب نقل الوقت ال يفكر‬
‫سكاف اؼبناطق القارية ُب اغبصوؿ على فراء للتدثر بو كالذين يقطنوف بيوات‬
‫صغَتة مظلمة ال يفكركف كثَتا ُب األاثث كاألماكن احملركمة من التيار‬
‫الكهرابئي ال تطلب األجهزة الكهرابئية من جراموفوف إذل غسالة كهرابئية‪،‬‬
‫إذل شواية‪ ،‬إذل مكنسة كهرابئية كحيث ال توجد طرقات ال توجد سيارات‪،‬‬
‫كىكذا كُب مثل ىذه اغباالت كلها قبد أف السلع اليت يستطيع الفرد‬
‫شراءىا كيستطيع استخدامها ىي سلع ؿبدكدة‪.‬‬
‫أما رأس اؼباؿ اغبضارم‪ ،‬فعبارة عن إطار اؼبعرفة الذم يتمتع بو‬
‫اجملتمع كىكذا قبد أف الفرد األمر ال وبتاج إذل اعبرائد كالکتب ككافة‬
‫السلع االستهبلكية اليت تشًتط إؼباـ الفرد ابلقراءة لك استطيع االستمتاع‬
‫هبا كإذا كاف الوعي اؼبوسيقي للمجتمع ُب اغبضيض فإنو ال يطلب كثَتا‬
‫اآلالت اؼبوسيقية أك اغبفبلت اؼبوسيقية كابؼبثل أيضا يتوقف كجود اؼبسرح‬
‫كالسينما‪ ،‬كاإلستاد الرايضي كقاعة الرقص ككافة أشكاؿ التسلية اعبماعية‬
‫‪23‬‬
‫على طبيعة الثقافة اليت يتمتع هبا أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫كقبد أيضا أف االحتياجات تتقيد أحياان ابلرغبات كاحملظورات ففي‬
‫اؼبستوايت الدنيا للمعيشة قبد أف الغذاء كالكساء‪ 0/3‬الدخل أك أكثر‬
‫كىبضع الغذاء كالكساء التقاليد كعادات اجتماعية ذات أنبية كىكذا‬
‫يتعذر عليك أف تقنع أانسا ربسبُت مستول كجبتهم الغذائية إذا كاف ُب‬
‫ىذا اإلجراء تقيم لعاداتو ُب الطعاـ‪ ،‬كطريقة طهيهم لو‪ ،‬كإذا كاف يؤدم إذل‬
‫استخداـ أنواع جديدة كابؼبثل ذبد أف « اؼبوديبلت » اعبديدة ُب اؼببلبس‬
‫قد تقابل ابلرفض ُب بعض اجملتمعات‪.‬‬
‫كتتحدد الرغبات أيضا نتيجة للجهل‪ ،‬فقد هبهل األفراد ُب ؾبتمع من‬
‫اجملتمعات ‪ -‬كجود سلع معينة‪ ،‬كبذلك تنعدـ حاجتهم إليها أصبل كينتج‬
‫عن ىذا أيضا أهنم ال يطمعوف كثَتا ُب رفع أجورىم ذلك ألف مطالبهم‬
‫ؿبدكدة كحىت لو حدث كارتفعت أجورىم‪ ،‬فإهنم سينفقوهنا ُب شراء نفس‬
‫السلع اليت اعتادكىا‪ ،‬دكف التطلع إذل سلع جديدة هبهلوف أمرىا كىكذا‬
‫قبد أف حصوؿ الفرد على أجر أكرب‪ُ ،‬ب ىذه اجملتمعات‪ ،‬معناه أيضا شراؤه‬
‫ؼبزيد من الشراب‪ ،‬أك مزيد من الزكجات‪ ،‬أك مزيد من الثياب‪ ،‬كال شيء‬
‫غَت ىذا‪.‬‬
‫كاجملتمعات البدائية‪ ،‬حُت يزيد دخلها ال تستطيع أف تستمتع ابلزايدة‬
‫ابلطريقة اليت تستمتع هبا اجملتمعات الناىضة هبا‪ ،‬كذلك الضيق اجملاؿ الذم‬
‫تستخدـ فيو كسيكوف ىناؾ‪ ،‬ابلطبع‪ ،‬اعبهد اؼببذكؿ ‪ :‬فالدراجات تقلل‬
‫اغباجة إذل السَت‪ ،‬كالبنادؽ ذبعل من األيسر قتل اغبيواانت اؼبتوحشة‬

‫‪24‬‬
‫كاؼبستودعات اغبفظ اؼباء كتيسره للطعاـ أك ربميو من التلوث‪.‬‬
‫كاؼببلحظ أف االحتياجات تتزايد بتزايد اعبهاز اؼبادم اؼبوجود‪،‬‬
‫كاضمحبلؿ سلطة التقاليد اؼبوركثة‪ ،‬كإبؼباـ مزيد من النوع بوجوب اؼبزيد‬
‫من السلع كىذا العنصر األخَت ىو الذم يتحكم ُب تزايد االحتياجات‬
‫ذلك ألف التعرؼ على كجود سلع جديدة يساعد ُب ربطيم التقاليد أك‬
‫تغَت البيئة اؼبادية‪.‬‬
‫(‪ )2‬تكانٍف انجهذ انًبذول‬
‫الناس يقدركف أشياء أخرل إذل جانب تقديرىم للثركة أهنم يقدركف‬
‫كقت الفراغ‪ ،‬كعبلقاهتم الطيبة مع اآلخرين تلك العبلقات اليت قد يسيء‬
‫إليها سعيهم اعبامح كراء الثركة كيقدركف صلة األصدقاء كذكم القرىب فبن‬
‫سيًتكوهنم إذا ىاجركا كراء الفرص االقتصادية كما أف ؽبم ربيزات قد ربوؿ‬
‫بينهم كبُت االستفادة من الفرص اؼبتاحة ؽبم‪ ،‬ألننا لو سلمنا أبف الناس‬
‫متساككف ُب رغبتهم إال أف جهودىم زبتلف نتيجة الختبلؼ ُب نظرهتم إذل‬
‫ىذه اعبهود‪.‬‬

‫كسنبدأ بنظرة الناس إذل العمل كموقفهم منو فلو تساكی الناس ُب‬
‫رغبتهم ُب السلع اال أهنم سيقللوف ؾبهودىم إذا كجدكا أف العمل شاؽ‪،‬‬
‫كسيضاعفوف من اعبهد حُت ال يكوف العمل شاقا ككبن نسلم ابلطبع أبف‬
‫اؼبقاييس اليت يقيسوف هبا صعوبة العمل أك سهولتو ىی مقاييس ذاتية‬
‫كموضوعية فمن الناحية اؼبوضوعية‪ ،‬قد يكوف العمل شاقا إذا كاف هبهد‬

‫‪25‬‬
‫إنساان معينا أكثر فبا هبهد اآلخرين كقد يرجع ىذا اإلجهاد إذل ضعف ىذا‬
‫اإلنساف‪ ،‬أك إذل ترکيبو‪ ،‬أك إذل طبيعة بيئتو كمن الناحية الذاتية قد يبدك‬
‫العمل شاقا الف صاحبو ال يبيل إذل العمل کسبيل من سبل اغبياة‪.‬‬
‫كالبياف اعبسدم ىبتلف من جنس اآلخر‪ ،‬كىبتلف من قرد آخر‬
‫داخل اعبنس الواحد كىناؾ عوامل تتحكم ُب ىذا البياف‪ ،‬منها التغذية‪،‬‬
‫كالبيئة‪ ،‬كالوراثة على سبيل اؼبثاؿ كسوء التغذية كاألمراض اؼبزمنة ىي‬
‫السبب الرئيسي ‪ -‬تقريبا ‪ُ -‬ب أحساس سكاف البلداف اؼبختلفة ابإلرىاؽ‬
‫السريع كىذه الظاىرة تؤدم بدكرىا إذل قلة اإلنتاج‪ ،‬كقلة اإلنتاج يؤدم‬
‫بدكره إ ذل نقص الغذاء كظهور األمراض اؼبزمنة كىكذا تدكر اغبلقة‬
‫كالشركات الضخمة اليت تعمل ُب بيئات كهذه أف ىي اىتمت بغذاء ؽبم‬
‫عماؽبا كحالتهم الصحية ككفرت ؽبم العبلج اجملاين إذا اقتضى األمر بل إف‬
‫ُب بعض البلداف الصناعية اؼبتقدمة مثل الوالايت اؼبتحدة كاقبلًتا‪ ،‬شركات‬
‫تقدـ كجبات رخيصة ُب منتصف النهار كخاصة إذا كاف لديها عامبلت‬
‫کثَتات‪.‬‬
‫كتتحكم البيئة أيضا ُب إحساس العامل ابإلرىاؽ أك استعداده للعمل‬
‫كىكذا يتضايق العامل الذم يعمل ُب جو ابرد جدا أك حار جدا‪ ،‬كيبدك‬
‫أف اعبسم يصبح ُب أحسن حاالتو‪ ،‬كيصبح أكثر استعدادا للعمل‪ ،‬عندما‬
‫تًتاكح درجة اغبرارة بُت ‪ ۰٪‬ك‪٪٪‬درجة مئوية كىكذا سبتاز البلداف ذات‬
‫اؼبناخ اؼبعتدؿ على البلداف ذات اؼبناخ القاری‪.‬‬
‫كأخَتا قبد أف عمبل معينا قد يكوف أشق من اآلخر أما ألنو يتطلب‬

‫‪26‬‬
‫مزيدا من اعبهد ُب الوحدات الزمنية أك ألنو غَت مستحب‪..‬‬
‫غَت أف ىذه العوامل قد يلغى بعضها البعض فالعماؿ يرحبوف ابلعمل‬
‫الشاؽ إذا كانت الظركؼ االجتماعية فيو أفضل من ظركؼ العمل السهل‬
‫كالعماؿ الفقراء الذين يعانوف من الضعف قد يفوقوف غَتىم إذا كانت‬
‫ظركفهم ُب العمل أفضل‪.‬‬
‫كالعمل كسيلة للحصوؿ على السلع كاػبدمات‪ ،‬غَت أنو ‪ -‬أيضا ‪-‬‬
‫أسلوب ُب العيش‪ ،‬كىكذا قبد أف البعض يبيلوف إليو بينما ال يبيل إليو‬
‫البعض اآلخر ككل إنساف ينظر إذل العمل على أنو شيء مغلق إذل حد ما‪،‬‬
‫كعلى أنو فضيلة إذل حد ما‪ ،‬غَت أف ىناؾ من يؤيد ىذا العنصر أك ذالك‬
‫كيغلبو على العنصر اآلخر ككثَتا ما زبضع ىذه النظرة إذل العمل لداينة‬
‫العامل فبعض الدايانت تنادم أبف اػببلص أك النعيم الركحي‪ ،‬إمبا يوجد ُب‬
‫التأمل أك الصبلة‪ ،‬بينما تنادم دايانت أخرل أبف اػببلص إمبا يوجد ُب‬
‫العمل‪ ،‬ذالك ألنو يهذب الركح كما أننا مطالبوف ۔ أخبلقيا ۔ ابستغبلؿ‬
‫اؼبواىب كاؼبوارد اليت انعم هللا علينا هبا‪.‬‬
‫كىناؾ عوامل أخرل تؤثر على نظراهتم إذل العمل‪ ،‬كلکنا لسنا على‬
‫يقُت منها سب اما فهناؾ من يتحدث عن االختبلفات البيولوجية‪ ،‬أك رداءة‬
‫العمل كقيمتو اإلنتاجية‪ ،‬أك البياف االجتماعي ُب البلد غَت أف اؼبشكلة قد‬
‫ال تكوف مشكلة‪ ،‬تكوين بيولوجی أك بياف اجتماعی‪ ،‬كإمبا قد ترجع إذل‬
‫قركف عدة ماضية قركف تشكلت فيها تقاليد معينة‪ ،‬كنظرة معينة‪.‬‬
‫كىناؾ من يعزم اختبلؼ الناس ( ُب نظرهتم إذل العمل ) إذل سلوؾ‬

‫‪25‬‬
‫الطبقات العليا اؼبوجودة داخل اجملتمع كىذا النفر يقوؿ أف الناس وبًتموف‬
‫العمل عامة كيقدركنو إذا كاف اعبميع‪ُ ،‬ب ىذا اجملتمع‪ ،‬يعملوف كاف ىذا‬
‫الوضع يتغَت ُب اجملتمعات اليت تظهر فيها طبقة عاطلة ال تعمل ذلك ألف‬
‫الناس يقلدكف من ىم أرفع منهم مرتبة‪ ،‬كإذا كاف الذين ينعموف ابؼبرتبة‬
‫الرفيعة وبتقركف العمل كيركنو أمرا مهينا فاف اآلخرين سيذلوف ُب العمل‬
‫أقل جهد فبكن كاؼببلحظ أف الطبقات اؼبهيمنة ُب اجملتمع تود عادة لو‬
‫اشتغل الناس ابنتظاـ كاجتهاد‪ ،‬كىم يريدكف أف يشتغل العامل أربعُت ساعة‬
‫أك يزيد كل أسبوع‪ .‬كالرأظباليوف كأصحاب العمل يريدكف عامبل كادحا‬
‫ؾبدا‪ ،‬ذلك ألف العمل حُت يتضاعف فاف ذلك تعود على الرأظباليُت‬
‫كالرؤساء ابلنفع‪ ،‬كالف أرابحهم تتضاعف بتضاعف اإلنتاج‪ .‬كاغبكومات‬
‫أيضا سواء كانت ديبقراطية أـ استبدادية تريد لشعبها أف يعمل‪ ،‬ذلك ألف‬
‫زايدة اإلنتاج معناىا كجود ضرائب أكثر‪ ،‬كاغبكومات تريد ىذا الدخل‬
‫الذم أيتيها من الضرائب‪ ،‬كىي تنفقو ُب كجوه زبتلف ابختبلؼ اذباىاهتا‪.‬‬
‫كلقد لوحظ أف اغبكومات « اؼبتطرفة » اليت انتخبها الناس ألهنا كعدت‬
‫بتخفيض ساعات العمل للعماؿ‪ ،‬تطالب العماؿ بعد ذلك أف يضاعفوا‬
‫من عملهم‪ ،‬كيرفعوا ساعات العمل‪ ،‬كذلك بعد أف تستقر أمورىا‬
‫كاإلنسانيوف بدكرىم وببذكف العمل الدؤكب لئلنساف ذلك ألهنم يكرىوف‬
‫الفقر كيكرىوف ما هبره الفقر من كيبلت‪ ،‬كيريدكف للشعب أف ينعم‬
‫دبستول معقوؿ للمعيشة‪.‬‬
‫غَت أين أحب اإلشارة إذل حقيقة ىامة تتصل ابؼبوضوع الذم يدكر‬
‫حولو ىذا الكتاب أساسا‪ .‬أف االستعداد للعمل الساعات األكثر ليس شرطا‬

‫‪22‬‬
‫أساسيا لتحقيق النمو االقتصادم ككبن ال هنتم ُب کتابنا ىذا ۔ ابؼبستول‬
‫اؼبطلق لئلنتاج‪ ،‬كإمبا ابلسرعة اليت ينمو هبا ىذا اإلنتاج كإذا استبعدان‬
‫التغَتات الطفيفة ُب ساعات العمل كجدان أف اإلنتاج ينمو عادة ال ألف‬
‫الناس يشتغلوف دبزيد من الكد كإمبا الف الساعات اليت يعملوف فيها تنتج‬
‫أكثر كذلك بفضل العلم‪ ،‬أك رأس اؼباؿ‪ ،‬أك فرص التخصص كاالستثمار‪.‬‬
‫كالنمو االقتصادم يتطلب أيضا أف يعمل الناس بوحي من ضمَتىم‬
‫كىكذا قبد أف اؼبسألة ىنا ليست مسألة ساعات عمل أكثر فعلى الرجل‬
‫أف يكوف على استعداد لبلنصراؼ بكليتو إذل العمل‪ ،‬كأف يؤدم أداء‬
‫حسنا بقدر ما ُب طاقتو‪ ،‬كأف يكوف منظما من حيث البدء ُب العمل‬
‫كالوفاء دبوعد االنتهاء منو كمن اؼبؤسف لو حقا أف ىذه الصفات معدكمة‬
‫ُب بعض اجملتمعات اليت ال يكًتث فيها الناس ابلوفاء بعقودىم اؼبرسومة‬
‫كلقد لوحظ أف كجود ىذه الظاىرة ُب اجملتمعات البدائية مرجعو عدـ تعود‬
‫الفرد ىناؾ على ظركؼ العمل اعبديد‪ ،‬كشركط ىذا العمل أف الفرد ىناؾ‬
‫قد تعود على العمل ُب اغبقل‪ ،‬ابلسرعة اليت اعتادىا‪ ،‬كبدكف كجود ساعة‬
‫ألغرابو إذف ُب أف يتأخركا عن مواعيد اؼبصنع بعد ذالك كابؼبثل إذا كاف‬
‫أفراد اجملتمع قد اعتادكا عبلقات القرىب ُب العمل‪ ،‬أك االعتماد على اؼبركز‬
‫االجتماعي فمن الصعب عليك أف ذبربىم على التزامات معينة‪ ،‬كقد‬
‫يقتضى إقرار الركح اعبديدة مركر جيلُت أك ثبلثة أجياؿ‪.‬‬

‫ىناؾ من عنده الرغبة ُب التصرؼ ُب العمل بذىن متحرر من التقاليد‬


‫كاػبضوع للخطورات‪ ،‬كذىن يتطلع إذل اؼبغامرة‪ ،‬كيتقبل االنتقاؿ من مكاف‬
‫‪25‬‬
‫إذل آخر كلما استدعت الضركرة‪.‬‬
‫كالتقاليد كاحملظورات قد تضيق اػبناؽ على الفرص اؼبتاحة ذلك ألهنا‬
‫قد تقيد استخداـ اؼبوارد‪ ،‬كمن األمثلة الشهَتة على ذلك موقف‬
‫اؽبندككيُت من البقرة اؼبقدسة كُب معظم اجملتمعات الغربية‪ .‬قبد أهنم ال‬
‫يرحبوف أبدا ابستخداـ اجملارم ُب تسميد اغبقوؿ‪ ،‬كىكذا تضيع مواد مهمة‬
‫للًتبة‪ ،‬تضيع ُب البحر كلكل ؾبتمع ربيزاتو اليت ىبضع ؽبا‪ ،‬كاليت ربوؿ بينو‬
‫كبُت استخداـ اؼبوارد اؼبتاحة أمامو استخداما کامبلن كيبدك أف أىم ربيز‬
‫وبوؿ ُب الوقت اغبارل دكف التنمية االقتصادية ىو موقن البعض من اؼباشية‬
‫ففي آسيا كأفريقيا ؾبتمعات زراعية ال تنظر إذل اؼباشية نظرة ذبارية‪ ،‬كىي‬
‫تفشل ُب استغبلؿ القطعاف اليت سبلكها كتفشل ُب ذبنيدىا للعمل‪ ،‬كبذلك‬
‫ذبلب على نفسها الدمار‪ ،‬ذلك ألهنا ال تستفيد منها من حيث تشغيلها ُب‬
‫اغبقوؿ‪ ،‬كاستخراج األلباف منها كاالستفادة من غبومها كإمبا ربتفظ أبعداد‬
‫ىائلة منها دكف فائدة‪.‬‬
‫كىناؾ ؿبظورات كربيزات تتصل ابألسرة‪ ،‬كخباصة ما يتعلق بطبيعة‬
‫العمل الذم تستطيع اؼبرأة أف تؤديو‪ ،‬كما يتعلق أيضا بتحديد النسل كىذه‬
‫العوامل قد تعرقل سَت النمو االقتصادم ُب مراحلو األكذل كىناؾ أيضا‬
‫ربيزات‪ ،‬ضد أنواع معينة من العمل‪ ،‬كمن أبرز ىذه األمثلة أف اؼبهندسُت ُب‬
‫البلداف اؼبتخلفة يرفضوف مزاكلة عمل هبعل أيديهم تتسخ كتتلوث‪ ،‬كىذه‬
‫اجملتمعات تؤمن أبف العمل اليدكم هبب أف يبارسو من ىم ُب اؼبرتبة الدنيا ‪-‬‬
‫كىی تعد شيئا اظبو اؽبيبة االجتماعية‪.‬‬
‫كُب حديثنا عن ركح اؼبغامرة كأثر ىذه الركح‪ ،‬قبد أف الناس ىبتلفوف‬
‫‪31‬‬
‫فيما بينهم من حيث استعدادىم للعمل مع األجانب كإهباد ركابط اقتصادية‬
‫بُت الطرفُت كىناؾ من يضيق بركح اؼبغامرة اليت تتمثل ُب اؼبنافسة‬
‫االقتصادية‪ ،‬مع أف اؼبنافسة موجودة ُب اللعب‪ ،‬كالصيد‪ ،‬كما شاكل ذلك‬
‫كاؼببلحظ‪ ،‬أف االقتصادايت الفقَتة ال تكفل اجملاؿ للمنافسة غَت أف اؼبنافسة‬
‫ظاىرة موجودة‪ ،‬حىت كلو دل يردىا البائعوف فستظل موجودة طاؼبا أف أماـ‬
‫اؼبشًتی حق اختيار ىذه السلعة دكف ذلك كؾباؿ ىذا االختيار يضيق ُب‬
‫حالة ما إذا تضامن كل من يعمل ُب صناعة معينة أضف إذل ىذا أف حدة‬
‫اؼبنافسة تزداد إذا كاف بعض الباعة حريصُت على االستيبلء على جزء كبَت من‬
‫السوؽ سواء ًب ىذا عن طريق سلع أفضل أك زبفيض أشباف ىذه السلع أك‬
‫االعتماد على اإلعبلف أك على ؾبرد الغش‪.‬‬

‫كليس من شك ُب أف اؼبنافسة تضر شخصا ما‪ ..‬ىذا أمر مؤكد‬


‫كىكذا قبد أف العامل الذم ينتج ُب اؼبصنع أكثر من اؼبعتاد قد يسيء إذل‬
‫اآلخرين أك يضرىم ذلك ألنو وبيط اللثاـ عن كسلهم أك ألنو يشجع‬
‫صاحب العمل على رفع الكمية كاؼبستول اؼبطلوبُت‪ ،‬أك ألنو أبخذ أكرب‬
‫قسط من العمل كبذلك ال يًتؾ لآلخرين ما يعملوف كوبدث عن ىذا‬
‫نفسو ُب اغبقل الصناعي‪ ،‬فالشركة رباكؿ الفوز بنصيب األسد ُب السوؽ‬
‫تقيد الشركات األخرل‪ ،‬كقد تؤدم هبا إذل اإلفبلس الواقع أف اؼبرء ال‬
‫يستطيع أف يعد طبق « األكمليت » دكف أف يكسر البيض‪.‬‬
‫كُب بعض اجملتمعات بتعرض الضعيف للدمار كال يذرؼ عليو‬
‫اآلخركف دموعا كثَتة أف اآلماؿ الراسخة تتعرض لصدمات عنيفة ُب بلداف‬
‫كالوالايت اؼبتحدة كاالرباد السوفيييت‪ ،‬كالياابف‪ ،‬كىي صدمات ال بد منها‬

‫‪30‬‬
‫ُب بلداف يتم فيها النمو االقتصادم خبطى سريعة جدا كُب نفس الوقت‪،‬‬
‫ىناؾ ‪ُ -‬ب بلداف أخرل من رغبة ُب عدـ ربطيم اآلماؿ كتعريضها‬
‫للصدمات‪ ،‬كىذه البلداف تعترب العدكاف أمر سيء‪ ،‬كال تريد أف يكد‬
‫البعض على حساب اآلخرين‪ .‬أك يسبب الفرد ؼبنافسو خسائر‪.‬‬
‫كاآلف كقد انتهينا من حديثنا من موقف الناس من التنافس بتحوؿ‬
‫إذل موقفهم من اؼبغامرة أف االستعداد للمغامرة يرجع إذل مزاج اؼبغامر كارل‬
‫قدراتو‪ ،‬كاذل التقاليد اليت نشأ فيها كتربی عليها كاؼببلحظ أنو كلما كاف‬
‫كضع الفرد مأموان من الناحية االقتصادية كاف أكثر استعدادا كقدرة على‬
‫اؼبغامرة كىكذا يستطيع اؼبزارع الفٍت أف هبرب اغببوب اعبديدة‪ ،‬أما‬
‫الفبلحوف الذين يعيشوف على الكفاؼ فيكتفوف بزراعة اغببوب التقليدية‬
‫اليت يعرفوف جيدا أهنا كفيلة أبف تسد رمقهم كمن انحية أخرل قبد أف‬
‫الشعب الفقَت جدا الذم ليس لديو ما ىبسره قد يكوف أكثر استعدادا‬
‫للقياـ دبغامرة االضراب‪ ،‬كىكذا إذا ظبع العاطلوف عن العمل أبف ىناؾ‬
‫إضرااب على مسَتة مئات األمياؿ فإهنم أكثر استعدادا لبلنضماـ إليو من‬
‫العماؿ الذين يتقاضوف أجور معقولة كىكذا تتسع الفرص أماـ اؼبغامرات‬
‫ُب اجملتمعات الغنية جدا كاجملتمعات الفقَتة جدا‪ ،‬كال قبدىا هبذه النسبة ُب‬
‫اجملتمعات اؼبعتدلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬انًىارد واالستجابت‬
‫إذا حبثنا عن أىم اؼبوارد الطبيعية كجدان أهنا تتألف من اؼبناخ‪ ،‬كاؼباء‬
‫العذب‪ ،‬كالًتبية اػبصبة‪ ،‬كاؼبعادف النافعة‪ ،‬كالتكوين اعبغراُب الذم پيسر‬

‫‪32‬‬
‫سبل اؼبواصبلت كال نستطيع أف نقوؿ عن أم عنصر من ىذه العناصر أنو‬
‫غٍت بصورة مطلقة أك فقَت بصورة مطلقة ذلك ألف العنصر القيم ُب يومنا‬
‫اغبارل قد يصبح غَت ذم جدكل غدا كىبضع ىذا التغَتات اليت تطرأ على‬
‫األساليب‪ ،‬كاألذكاؽ‪ ،‬كما ىبضع لظهور اکتشافات كـبًتعات جديدة فلم‬
‫يكن النجم ذم قيمة إال حُت عرؼ الناس كيف وبرقونو‪ ،‬كال يستطيع أحد‬
‫اليوـ أف يتحدث عن مستقبلو ُب ثقة‪ .‬خبلؿ اؼبائيت عاـ القادمة‪.‬‬
‫كاآلف نتساءؿ ‪ :‬إذل أم حد يعتمد النمو االقتصادم ‪ُ -‬ب سرعتو ‪-‬‬
‫على كفرة اؼبوارد الطبيعية أك ندرهتا ُب بلد من البلداف ؟ الواقع أف الواحد‬
‫منهما يعتمد على اآلخر كاذا تساكت صبيع العوامل األخرل كجدان أف‬
‫الناس يستطيعوف استغبلؿ اؼبوارد الغنية أفضل فبا يستطيعوف استغبلؿ‬
‫اؼبوارد الفقَتة كىكذا نتوقع من البلداف اليت تنعم بفرص كبَتة أف ربقق‬
‫أكرب قدر من التنمية‪.‬‬
‫فإذا سلمنا بوجود موارد ُب البلد‪ ،‬كجدان أف سرعة مبوىا تتحدد بعد‬
‫ذلك بطريقة سلوؾ شعبها‪ ،‬كبشكل اؼبنظمات اؼبوجودة داخل ىذا البلد‬
‫أف سرعة النمو زبضع عبربكت العقل‪ ،‬كدبوقف الناس من اؼبادة‪ ،‬كمن‬
‫استعدادىم لبلدخار كاستثمار أمواؽبم فيما يعود ابلنفع كيؤدم إذل رفع‬
‫اإلنتاج‪ ،‬كما زبضع أيضا اغبرية اؼبنظمات اؼبوجودة‪ ،‬كمركنتها‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫انفصم انثانث‬

‫األنظمة االقتصادية‬

‫ربدثنا ُب الفصل السابق عن مدل استعداد الناس لبذؿ اعبهد‬


‫اؼبطلوب ُب النمو االقتصادم ‪ -‬كُب الفصل اغبارل نتحدث عن اجملاؿ‬
‫الذم تتيحو األنظمة االقتصادية أماـ ىذا اعبهد اؼببذكؿ كالواقع أف ىناؾ‬
‫صلة بُت اعبهد الذم يقدـ عليو الناس كاألنظمة ُب ظلها‪ ،‬كإذا كانت ىذه‬
‫اؼبنظمات االقتصادية اليت يعمل الناس فبتازة فإف الناس سيزدادكف إقباال‬
‫على العمل ‪ -‬كابؼبثل ‪ :‬إذا قويت رغبة الناس ُب العمل أثر ىذا على‬
‫اؼبنظمات كاقتضى تعديلها لقوائم األكضاع اعبديدة كربن تفصل بُت‬
‫االثنُت إال من أجل الدراسة كالتحليل‪.‬‬
‫كاألنظمة تشجع على النمو أك تقيده دبقدار ضبايتها للجهد الذم يبذلو‬
‫الناس كالفرص اليت تتيحها ػبدمة التخصص‪ ،‬كحرية اؼبناكرات اليت تسمع هبا‬
‫كسنناقش كل نقطة من ىذه النقاط على حدة كبعد أف ربل بعض األنظمة‬
‫ابلتفصيل سننتقل من اغبديث عن تطور األنظمة‪ ،‬كأسلوب التغَت‪.‬‬
‫(‪ )0‬انحق فً انجزاء‬
‫لن يبذؿ الناس جهدا ما دل يتأكدكا من أهنم سيحصلوف على حقهم‬
‫إزاء اعبهد اؼببذكؿ كالقسط األكرب من كفاح اؼبصلحُت يًتكز ُب اؼبطالبة‬
‫بتعديل األنظمة االقتصادية لكي ربمي العاملُت‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫كثَتا ما اندم الفبلسفة اؼبثاليوف أف اإلنساف أف يعمل من أجل اعبزاء‬
‫اؼبادم كحده‪ ،‬كأف اإلنساف ـبلوؽ يستطيع أف يعمل من أجل الشعور‬
‫ابؼبتعة اإلبداعية فقط‪ ،‬أك اإلحساس أبنو ىبدـ‬
‫اآلخرين كلقد ابت من اؼبؤكد ‪ُ -‬ب أايمنا ىذه ‪ -‬أف الناس وبصلوف‬
‫من عملهم على متع أخرل غَت اعبزاء اؼبادم‪ ،‬كبعض األعماؿ تتيح فرصة‬
‫التعبَت الذاٌب تتم دكف نظر اذل جزاء مادم كبَت بل كدكف نظر إذل أم جزاء‬
‫على اإلطبلؽ غَت أف معظم األعماؿ ليست من ىذا الطراز‪ ،‬كأستاذ‬
‫اعبامعة الذم يشعر دبتعة كىو ينقل اؼبعرفة إذل الذم يشعر دبتعة كىو ينقل‬
‫اؼبعرفة إذل طلبتو يضيق بعد ذلك لكثرة تكراره حملاضراتو كلو اعتمد اجملتمع‬
‫على العمل الذم يطيب للناس فقط ؼبا أقبز معظم عملو‪.‬‬
‫كلكن‪ ،‬ليس من شك ُب أف إحساس العامل أبنو ىبدـ اآلخرين‬
‫يضيف إليو متعة كما أف الفبلسفة اؼبثاليُت دل ىبطئوا حُت قالوا أف العامل‬
‫يشعر دبتعة ُب العمل‪ ،‬دكف نظر كبَت إذل اعبزاء إذا كجد أف يتساكل مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬كأنو ليس ىناؾ من ينعم جبزاء كبَت على حسابو ىو‪.‬‬

‫يعترب تكوين رأس اؼباؿ شرطا من شركط النمو االقتصادم ككجود‬


‫قانوف للملكية كىو شرط من شركط تكوين رأس اؼباؿ‪ ،‬كنعٍت ابؼبلكية اغبق‬
‫الشرعي ُب أبعاد اآلخرين عن استخداـ مورد معُت‪ ،‬كقد يتمثل ىذا اغبق ُب‬
‫شخص أك سلطة عامة كمهما يكن األمر فإف ىذا اغبق جوىرم‪ ،‬ككبن نؤكد‬

‫‪35‬‬
‫ىذه النقطة ألف الكثَتين يظنوف أف اؼبلكية ليست سول ملكية خاصة أف‬
‫اؼبدمرة اليت سبلكها اغبكومة ملكية مثلما أف الفداف الذم يبلكو اؼبزارع ملكية‬
‫كابلرغم من أف اؼبدمرة ملك لكافة الناس من انحية من النواحي‪ ،‬إال أف‬
‫القانوف ينص على أف استخدامها ؿبدكداهتا ليست مشاعا بينهم‪.‬‬
‫ككافة النظم االقتصادية هتتم ابؼبفهوـ القانوين للملكية سواء كانت‬
‫رأظبالية أك اشًتاكية‪ ،‬سواء كانت إقطاعية أك غَت إقطاعية فاؼبورد أك الثورة‬
‫أف دل ذبد من وبميها من اجملموع فإنو سيساء استخدامها ال ؿبالة‪ ،‬كمنم‬
‫أجل ىذا سبتد اغبماية القانونية للملكية‪ ،‬سبتد إذل كافة اؼبوارد دبجرد أف‬
‫تصبح اندرة كالبلد اؼبكتظ ابلسكاف كالذم تقل فيو اؼبوارد‪ ،‬يضطر إذل‬
‫السيطرة على ىذه اؼبوارد‪ ،‬أف اؼبوارد تصبح ملكية خاصة‪ ،‬كحىت إذا‬
‫اعتربت ملكية عامة فإف تصريف شئوهنا ىبضع لتنظيم الدكلة أك أی سلطة‬
‫من السلطات اغباكمة‪.‬‬
‫كاؼبلكية نظاـ معًتؼ بو ُب كل ركن من أركاف العادل‪ ،‬كلواله ؼبا أحرز‬
‫اعبنس البشرم أ تقدـ على اإلطبلؽ‪ ،‬إذ سيفتقر إذل الدافع الذم يدفعو‬
‫إذل النهوض ببيئتو غَت أف اجملتمعات زبتلف فيما بينها اختبلفا كبَتا فيما‬
‫يتعلق بتعقد القوانُت كاألساليب اػباصة ابؼبلكية‪.‬‬
‫كإ ذا نظران إذل األمور من زاكية النمو االقتصادم كجدان أف الشرط‬
‫األساسي ىو إحساس اؼبستثمر أبنو سيسًتد مالو‪ ،‬مضافا إليو تعويضات‬
‫ألنو دل يستهلك ما لديو كإمبا وباكؿ أف ينتفع بو كىذا اؼبطلب ينطبق على‬
‫اؼبستثمر الفردم كينطبق أيضا على السلطة العامة‪ ،‬ذلك ألف اغبكومات‬

‫‪36‬‬
‫نفسها ال تستثمر أمواؽبا ما دل تتوقع جزاء كامبل ألمواؽبا‪.‬‬
‫كمن أعقد اؼبشاكل اليت تواجو ؾبتمعنا ذلك الصراع بُت الذين‬
‫يبتلكوف كالذين يتم استخدامهم للعمل لقاء أجر كىناؾ من يتطرؼ كوببذ‬
‫العبودية فينادم أبف العامل هبب اال أيخذ أكثر فبا يكفي السد رمقو‪ ،‬كاف‬
‫الفائض الذم يفيض بعد ىذا اغبد هبب أف يذىب إذل جيب اؼببلؾ كىناؾ‬
‫من يقف عند الطرؼ اآلخر سباما كيتطرؼ أيضا فيؤكد أف اعبهد اؼببذكؿ‬
‫كحده ىو الذم يؤدم إذل ظهور إنتاج كاف للعامل اغبق ُب كل اإلنتاج‬
‫الذم تصنعو يداه كبُت ىذين الطرفُت اؼبتناقضُت تقف مقًتحات عديدة‬
‫تنادم ابقتساـ اإلنتاج‪.‬‬

‫قلنا أف الناس لن يبذلوا أقصى ما ُب مقدكرىم إال إذا أتكدكا من أهنم‬


‫سيحصلوف على شبرة جهودىم‪ ،‬كستربز اؼبشاكل حاؼبا يتغذل التفريق بُت‬
‫شبرة جهودىم كأم شبار أخرل ‪ -‬وبدث ىذا إذا كانوا يشتغلوف معنا داخل‬
‫مشركع مشًتؾ‪ ،‬أك يشتغلوف مستخدمُت ُب ذلك فبتلكات ال زبصهم كإمبا‬
‫زبص آخرين ) كالعمل اؼبشًتؾ يصبح أمرا ضركراي دبجرد ظهور‬
‫اقتصادايت ذات ؾباالت ضخمة كلتدرس حالة أانس يعملوف عمبل‬
‫مشًتکا مستخدمُت ُب ذلك ملكياهتم ىم كىذه الظاىرة قائمة ُب االستثمار‬
‫التعاكين كبن نستخدـ ىذا اؼبعٌت اغبرُب لكلمة التعاكين) فالكبلـ‬
‫ىنا عن اؼبنظمات اليت يبلك فيها العماؿ‪ .‬كيديركف أمبلكهم كيوزعوف‬
‫الثمار فيما بينهم كاغباجة إذل التعاكف للعمل اعبماعي تظهر دبجرد التعرؼ‬

‫‪35‬‬
‫على مزااي العمل الضخم‪ .‬كىنا تواجو الوحدات التعاكنية مشكلتُت ‪ :‬أ‪-‬‬
‫البواعث‪( ،‬ب) السلطة‪ ،‬ففيما يتعلق ابلبواعث كاغبوافز يضطر كل شريك‬
‫إذل االعتماد على نوااي شركائو الطيبة كعلى عدـ تلكؤىم على حساب‬
‫اآلخرين كمن اؼبمكن أف ينجح ىذا النظاـ عندما يكوف عدد الشركاء‬
‫ؿب دكدا كيستطيع ستة أك دستة من العماؿ اؼبهرة أك اؼبزارعُت أف يشتغلوا س‬
‫كاي العشرات من السنُت دكف حدكث خبلؼ كبَت غَت أهنم ال ينجحوف ُب‬
‫ىذا بصفة مستمرة بل أف اؼبشركعات العائلية ال تعدـ الكسل‪ ،‬كالًتاخي‪،‬‬
‫كاالفتقار إذل البواعث كنشوب اػببلفات‪.‬‬
‫كلكن حُت يتطلب العمل تضخم عدد اؼبسانبُت فيو حىت يتعذر‬
‫االعتماد على الثقة اؼبتبادلة أك التعاطف اؼبوجود بُت األفراد كإذ ذاؾ‬
‫يصبح من الضركرم مكافأة كل عامل حبسب ما يعملو من الساعات‪،‬‬
‫كحبسب مهارتو كمن اؼبمكن بعد ذلك توزيع الفائض على أساس تعاكنی‬
‫غَت أف األمر يتطلب االعتماد على بواعث األجور‪ ،‬على السعر ابلقطعة‪،‬‬
‫كاؼبكافأة التشجيعية‪ ،‬كما شاكل ذلك كمن شأف ىذا أف يعاقب اؼبشًتؾ‬
‫الذم يتلكأ‪ ،‬كيكافئ اؼبشًتؾ الذم يبذؿ جهدا أكرب‪.‬‬
‫كلكن ليست ىذه ىي اؼبشكلة الوحيدة اليت تواجو التعاكنيات‬
‫الضخمة فهناؾ أيضا مشكلة اإلدارة‪ ،‬فبل بد من كجود نظاـ كسلطة‪ ،‬البد‬
‫من كجود أانس يصوغوف القرارات‪ ،‬كأانس يضعوهنا موضع التنفيذ كقد‬
‫يتساكی اؼبشًتكوف ُب اؼبشركع من حيث أنصبتهم‪ ،‬كلكنهم ال يبكن أف‬
‫يتساككا من حيث حظهم ُب السلطة كعليهم‪ُ ،‬ب حالة كثرة عددىم‪ ،‬أف‬
‫يكلوا أمر السلطة إذل عبنة كمعٌت ىذا ُب هناية األمر أف معظم اؼبسانبُت ُب‬
‫‪32‬‬
‫مشركع من اؼبشركعات يكونوف القرارات كعليهم أف ينفذكا األكامر كما لو‬
‫كانوا مرؤكسا يتقاضى أجرا كيضيقوف هبذا عزـ السلطة على االحتفاظ‬
‫ببعض األرابح كاحتياطي‪ ،‬كُب النهاية تتمزؽ اؼبنظمة بفعل اػببلفات‬
‫الداخلية لذا ال تنجح اؼبنظمات الضخمة اليت تسَت على النظاـ التعاكين‬
‫مثلما تنجح اؼبنظمات اليت ال تسَت على ىذا النظاـ كاالستثناء يثبت‬
‫القاعدة فاؼبزارع التعاكنية ُب اإلرباد السوفيييت ليست تعاكنية إال ابالسم‬
‫فقط‪ ،‬أما اإلدارة فيقوـ هبا أعضاء اغبزب الشيوعي الذين يبلوف على كل‬
‫عضو ما هبب عليو عملو‪ ،‬كينقدكنو أجران يتناسب مع ؾبهوده‪ ،‬كيشًتكوف ُب‬
‫أخذ الفائض طبقا ؼبقدار األرابح‪.‬‬
‫كىكذا قبد أف مشاكل الباعث‪ ،‬كالسلطة‪ ،‬ىي مشاكل موجودة ُب‬
‫كافة اؼبنظمات الضخمة‪ ،‬حىت كلو أف العماؿ يبتلكوف األشياء اليت‬
‫يعملوف هبا غَت آف فصل اؼبلكية من العمل نفسو ىبلق مشكلة اثلثة ‪-‬‬
‫كىي‪ :‬توزيع األنصبة بُت الذين يعملوف كالذين يبلكوف كُب اجملتمعات‬
‫الرأظبالية كاالشًتاكية قبد أف اؼبلكية أما زبص الرأظبالية أك زبص الدكلة‪،‬‬
‫كُب كلتا اغبالتُت يطالب اؼبالك حبقو ُب بعض اعبزاء‪ ،‬كما يطالب أيضا حبقو‬
‫ُب اؼبسانبة ُب اإلشراؼ على سَت العمل كالتحكم فيو كنريد أف نؤكد أف‬
‫أتميم اؼبلكية ال وبل مشكلة من ىذه اؼبشاكل كاالشًتاكية دل تنقل اؼبلكية‬
‫إذل العماؿ كإمبا نقلتها إذل الدكلة أك أم سلطة عامة أخرل‪ ،‬كىذه تقوـ‬
‫دبهمة اإلشراؼ كتشًتؾ ُب العمليات‪ .‬فما رأم العامل ُب ىذه األكضاع ؟‬
‫أف ىذا يتوقف على موقفو من الدكلة كنظرتو إليها‪ ،‬فقد وببذ تدخل الدكلة‬
‫كاشًتاكها ُب األرابح كىناؾ من العماؿ من يقاكـ ىذا الوضع ألنو يعود‬

‫‪35‬‬
‫على أف ىباؼ من اغبكومة كيصادؽ رؤسائو‪ ،‬كىناؾ آخركف يعملوا كيف‬
‫يكرىوف « طبقة الرؤساء » كوبًتموف « الدكلة الديبقرانية »‬
‫(‪ )2‬انتجارة وانتخصص‬
‫ننتقل اآلف إذل اغبديث عن الفرص اليت تتيحها األنظمة ‪-‬‬
‫كاالقتصادية أماـ التجارة كالتخصص ‪ -‬ذلك الف اطراد التجارة كاتساع‬
‫رقعة التخصص أمر حيوم للنمو االقتصادم‪.‬‬

‫من اؼببلحظ أف التجارة تنشط النمو كتدفع إليو‪ ،‬ذلك ألهنا تنشط‬
‫الطلب كذلك بطرح سلع جديدة ُب األسواؽ‪ ،‬كإذ ذاؾ قد يرغب‬
‫اؼبستهلك ُب مضاعفة عملو لكي يستطيع شراء ىذه السلع كالتجارة تقلل‬
‫أيضا من حاجة اجملتمع إذل رأس ماؿ عامل‪ .‬كالتجارة تستقدـ أفكارا‬
‫جديدة‪ ،‬كأغبلطا استهبلكية جديدة‪ ،‬أك تستقدـ آراء جديدة تتعلق‬
‫ابلركابط االجتماعية‪ ،‬كإذا درسنا اتريخ أم بلد ككجدان أنو حقق فجأة مبو‬
‫اقتصاداي سريعا‪ ،‬أك ربوال ُب اؼبعتقدات أك تغَتات ُب الركابط االجتماعية‪،‬‬
‫فمعٌت ىذا أف ىناؾ فرصا مضاعفة أماـ التجارة‪.‬‬
‫كاالذبار يدفع أيضا إذل التخصص‪ ،‬ذلك الف تقسيم العمل يعتمد‬
‫على مساحة السوؽ كلقد اغبق آدـ ظبيت بتقسيم العمل أنبية كربل إذل‬
‫حد أنو اعتربه السبب ُب تطور التكنولوجيا‪ ،‬كتطبيق رأس اؼباؿ كلكنا‬
‫نقوؿ‪ُ ،‬ب ىذه األايـ‪ ،‬أف التخصص كاؼبعرفة كرأس اؼباؿ‪ ،‬كل ىذه األشياء‬
‫تنموا ُب كقت كاحد كليس من شك ُب الدكر اؽباـ الذم يلعبو التخصص‬

‫‪41‬‬
‫ُب ميداف النمو االقتصادم غَت أف للتخصص شبنو أيضا‪ُ ،‬ب التخصص قد‬
‫يذكؽ الويبلت إذا قل الطلب على السلعة اليت زبصص فيها كاؼببلحظ أف‬
‫الطلب ىبتلف كيتنوع دبركر الوقت الف األذكاؽ‪ ،‬تتغَت‪ ،‬أك ألف األساليب‬
‫اعبديدة كالسلع اعبديدة ذبعل ىذه السلع القديبة شيئا عتيقا ابليا كلو‬
‫ليجرب اؼبتخصص حظو ُب سلعة أخرل فانو قد يفقده دخلو كإذا كاف‬
‫ىذا تنطبق على الفرد فانو ينطبق أيضا على اجملتمع ُب ؾبموعو‪ ،‬فكلما‬
‫عظم التخصص كلما زادت اغباجة إذل اؼبركنة ُب القياـ ابألعماؿ اؼبختلفة‪،‬‬
‫كىذا خَت ضماف ض د اؼبطالب كاألذكاؽ اليت تتغَت أبدا كمن عيوب‬
‫التخصص أيضا أنو يؤدم إذل ضياع التوازف‪ ،‬كىذا يتضح‪ ،‬بصورة جلية ُب‬
‫العمليات الزراعية فالتخصص اؼبفرط ُب ؿبصوؿ معُت قد يؤدم إذل فقداف‬
‫انتشار لؤلمراض توازف بيولوجي‪ ،‬كقد يظهر ىذا ُب صورة إجهاد للًتبية‪،‬‬
‫أك كاألكبئة كما أف التخصص يؤدم إذل افتقار الذىن البشرم إذل التوازف‬
‫فالشعب الذم يتخصص ُب التعدين ال يرل العادل ابلصورة اليت يراه عليها‬
‫شعب خصص ُب الزراعة‪.‬‬

‫كلما اتسع السوؽ كتضخم كلما تضاعفت إمكانيات التخصص‬


‫كيعتمد السوؽ ‪ُ -‬ب حجمو ‪ -‬على درجة الكفاية الذاتية داخل البيوت‪،‬‬
‫كعلى عدد السكاف‪ ،‬كعلى رخص كسائل اؼبواصبلت‪ ،‬كحفظ اجملتمع من‬
‫الثراء‪ ،‬كعلى رباسب األذكاؽ كالقيود اليت يصنعها اإلنساف بنفسو كيضعها‬
‫أماـ التجارة ‪ :‬مثاؿ ذلك الرسوـ كالتعريفات اعبمركية كاحملظورات‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ما أف يشرع الناس ُب التخصص حىت يصبح من الضركرم استنباط‬
‫كسيلة للتنسيق بُت أكجو نشاطهم كُب اجملتمع الكبَت يقوـ السوؽ دبهمة‬
‫التنسيق فالعرض كالطلب وبدداف السعر على سبيل اؼبثاؿ‪ ،‬غَت أف جهاز‬
‫السعر ال وبل كافة اؼبشاكل االجتماعية‪ ،‬ذلك ألنو يفتقر إذل الكماؿ‪ ،‬كىو‬
‫يتأثر جبهود الناس‪ ،‬كىي اعبهود اليت يبذلوهنا لعرقلة سَته‪ ،‬كتقييده فنظاـ‬
‫السعر ىبضع‪ُ ،‬ب كل مكاف لبلحتكاريُت أك اغبكومات‪ ،‬كلكن ال يبكن‬
‫التخلي عنو أبدا بل أف االرباد السوفيييت نفسو يعتمد عليو‪ ،‬كوباكؿ خلق‬
‫اؼبهارات النادرة‪ ،‬كتنشيط اإلنتاج الزراعي‪ ،‬كعدـ تشجيع الناس على‬
‫استهبلؾ السلع غَت اؼبتوفرة‪ ،‬كإجبار الصناعات اغبكومية على أف تصل‬
‫إذل مراتب اإلتقاف كإذا كاف اعبهاز السعر أف ينجح ُب ىذا كلو‪ ،‬فبلبد أف‬
‫يكوف ىناؾ أانس يستجيبوف لو ككبن نتحدث عن أسلوب السعر ىنا ألننا‬
‫نتحدث أساسا عن النمو االقتصادم فالنمو االقتصادم يقتضي كجود‬
‫لبصص‪ ،‬كالتخصص يقتضي كجود تنسيق بُت أكجو النشاط اإلنتاجي‬
‫اؼبختلة‪ ،‬كال يتم ىذا التنسيق إال بواسطة جهاز السعر كالتنسيق ال يتم إال‬
‫إذا كاف الناس يستجيبوف حقا للتغَتات اليت تطرأ على األسعار كالواقع أف‬
‫مسألة االستجابة ىذه ربتاج اذل تعلم‪ ،‬مثلما يتعلم اؼبرء أم فرع آخر من‬
‫فركع ثقافتو‪.‬‬
‫كالتخصص يقتضي أيضا استخداـ النقود‪ ،‬كالواقع أف اخًتاع النقود‬
‫يعد من أكرب اقبازات اعبنس البشرم‪ ،‬أنو شبو اخًتاع األجبدية أك اكتشاؼ‬
‫طريقة إشعاؿ النار كلو دل يكن ىناؾ نقود لظل الناس يعتمدكف على نظاـ‬
‫‪42‬‬
‫اؼبقايضة‪ ،‬كالضطر كل منزؿ إذل زبزين كل فبتلكاتو ُب مستودعات بدال من‬
‫أف يعقد على شراء ما وبتاجو عن طريق الذىاب إذل اغبوانيت كاستخداـ‬
‫العملة كلو دل تكن ىناؾ نقود ؼبا كاف ىناؾ أقراض أك استثمار كبَتين‬
‫كابلرغم من قيمتها إال أهنا دل تنتشر بعد ُب كل ركن من أركاف العادل‬
‫كاستخداـ النقود يغَت األنظمة االجتماعية‪ ،‬كذلك ألنو يضاعف من أنبية‬
‫السوؽ‪ ،‬كما أنو يؤدم إ ذل تعديل االذباىات كاؼبواقف البشرية فما أف تبدأ‬
‫النقود ُب االنتشار داخل اجملتمع‪ ،‬كما أف يصبح اإلنتاج شائعا ُب األسواؽ‪،‬‬
‫حىت تبتعد العبلقات االقتصادية عن الطابع الشخصي‪ ،‬كال يعد للمركزكف‪،‬‬
‫كإمبا يًتكز الوزف ُب النقود اليت يبلكها اؼبرء كمن السهل جٍت ثركة ُب صورة‬
‫نقود‪ ،‬بدؽبا من اغبصوؿ عليها ُب صورة أبقار أك جواالت فبلوءة ابغببوب‪.‬‬
‫ككبن نبلحظ بعد ذلك أف التخصص كالتجارة يتطلباف تنظيم أماكن‬
‫األسواؽ كاالفتقار إذل األسواؽ عبلمة من عبلمات اجملتمع البدائي‪،‬‬
‫كالتخصص يقتضي نوعا معينا من األسواؽ‪ ،‬أسواؽ لؤليدم العاملة‪،‬‬
‫كأسواؽ للمساكن‪ ،‬كأسواؽ لؤلرض كأسواؽ للعمبلت األجنبية‪ ،‬كأسواؽ‬
‫للقركض‪ ...‬اخل‪ ..‬اخل‪ ...‬كبقدر شراء اجملتمع بقدر تنوع أسواقو كتضاعف‬
‫عددىا‪.‬‬
‫(‪ )3‬انحزٌت االقتصادٌت‬

‫أف مبو دخل الفرد ُب غريب أكركاب كأمريكا الشمالية ُب القركف القليلة‬
‫اؼباضية مرتبط ‪ -‬حبق ‪ -‬بنمو اغبرية االقتصادية ‪ :‬حرية الفرد ُب تغيَت‬

‫‪43‬‬
‫مركزه االجتماعي‪ ،‬كتغيَت عملو‪ ،‬كحريتو ُب حلب اؼبوارد كاستخدامها‬
‫بطريقة ربقق لو أنتاجا أكفر بتكاليف أقل‪ ،‬كحرية الدخوؿ ُب ذبارة ينافس‬
‫فيها اآلخرين فبن رسخت أقدامهم ُب ىذه التجارة غَت أننا كبب أف نؤكد‬
‫أف اؼبذىب الفردم ليس ابلضركرة أسرع طريق للتنمية االقتصادية‪ .‬ذلك‬
‫ألف اإلجراءات اعبماعية ضركرية أيضا‪ ،‬كىي تؤدم ‪ُ -‬ب بعض اغباالت ‪-‬‬
‫إذل نتائج أسرع فاإلجراء اعبماعي‪ُ ،‬ب صورة تصرؼ حکومی‪ ،‬ضركرة حىت‬
‫كلو اقتصر دكرة على تكملة اإلجراءات الفردية كأماـ اغبكومات كظائف‬
‫ضخمة ربقق دبقتضاىا التنمية االقتصادية كقد تقتصر كظيفتها على مد‬
‫الطرؽ أك التشجيع على البحث‪ ،‬غَت أهنا قد تصل إذل اغبد الذم تضجع‬
‫فيو استثمارات جديدة رك تقدـ رأس اؼباؿ لبعض األعماؿ الفردية ‪ -‬ككلما‬
‫قل خطأ األفراد من اؼبغامرة كاؼبا ازداد العبء اؼبلقى على عاتق اغبكومة‪.‬‬
‫كقد تكوف ىناؾ مشاعر قوية تعرب عن نفسها ُب صورة سباسك قومی‬
‫كمن شأف ىذا‪ ،‬أف يساعد على التنمية االقتصادية كحُت يعتاد أفراد‬
‫اجملتمع على التطلع إذل زعامة كالرضوخ ؽبذه الزعامة يسهل حينئذ إدخاؿ‬
‫التعديبلت كالتغَتات اليت يتطلبها النمو االقتصادم ‪ -‬كىبتلف الوضع‬
‫سباما حُت يكوف كل عضو ُب اجملتمع فرداي عنيدا كاإلجراء اعبماعي‬
‫كاؼبشاعر اؼبتماسكة ليست أمرا ضركراي للنمو فحسب‪ ،‬كإمبا قد ربقق من‬
‫النتائج ما يفوؽ النتائج اليت وبققها اؼبذىب الفردم‪ .‬فاجملموعة اؼبتماسكة‬
‫اليت يتم تنظيمها كفقا لشركط صارمة أقدر على ربقيق أىدافها من ؾبموعة‬
‫ذات مزاج فردی‪ ،‬كستحقق نسبة أعلى من النمو االقتصادم إذا كاف‬
‫رئيسها أدرل ‪ -‬من أم فرد فيها ابإلجراءات اليت يتطلبها النمو‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫يرتبط النمو االقتصادی ارتباطا كبَتا بدرجة عالية من اؼبركنة الرأسية‬
‫إذل أعلى كارل أسفل كىناؾ أسباب عديدة ؽبذه الظاىرة فالطبقات العليا‬
‫ُب دكائر العمل‪ ،‬كاغبكومة‪ ،‬كالعلم‪ ،‬كغَتىا من الدكائر هبب أف تنتعش‬
‫على الدكاـ عن طريق االعتماد على القاعدة‪ ،‬كأف دل تفعل ذلك تدىورت‪،‬‬
‫بيولوجيا كحضاراي أف الطبقة العليا السوية ىي الطبقة اليت تسمح‬
‫ألعضائها الضعفاء ابالكبدار إذل طبقات دنيا‪ ،‬كُب كل جيل تنتقى من‬
‫الطبقات الدنيا العناصر الناجحة كتضمها إليها كهبب أال لبلط بُت ىذه‬
‫الظاىرة كمبدأ اؼبساكاة ففي كل ؾبتمع من اجملتمعات طبقات اجتماعية‬
‫عليا كطبقات اجتماعيا دنيا‪ ،‬ىناؾ دائما أانس يسيطركف على أانس سواء‬
‫ُب العمل أك اغبكم أك الدين كالذين يقوموف دبهاـ السيطرة ُب حاجة إذل‬
‫تدريب خاص‪ ،‬كىم يتلقوف علوما تفوؽ علوـ اآلخرين كبعض اجملتمعات‬
‫الغنية تستطيع أف توفر ألبنائها تعليم عاليا يتكلف كثَتا‪ ،‬غَت أف معظم‬
‫اجملتمعات ال تقدر على ىذا كمن أجل ىذا تضطر إذل االختيار كالتميز‪.‬‬
‫كال يبكن ربقيق النمو االقتصادم إذا كانت اؼبسئولية كفقا على‬
‫ؾبموعة ؿبدكدة تسد الباب أماـ اآلخرين كىذا يقودان إذل عدة نقاط ىامة‪،‬‬
‫منها أف النمو االقتصادم قد يقتضى خلع الطبقة اؼبهيمنة اؼبوجودة‪،‬‬
‫كإ حبلؿ طبقة أخرل ؿبلها ككبن نبلحظ أف النمو االقتصادم ىبلق الطبقة‬
‫اؼبتوسطة أك يؤدم إذل اتساع رقعتها كذلك عن طريق احتضاهنا ألفراد من‬
‫الطبقة الدنيا كالطبقة اؼبتوسطة كما يتطلب مزيدا من التنسيق ُب اؼبوارد‬
‫كاتساع سبل اؼبعرفة‪ ،‬كتطبيقها‪ ،‬يتطلباف نسبة متزايدة من اؼبلمُت بشئوف‬
‫‪45‬‬
‫اإلنتاج‪ ،‬أهنما يتطلباف مهندسُت‪ ،‬كعلماء‪ ،‬كأانسا يتفاكت خطهم من‬
‫اؼبعرفة كالتدريب‪.‬‬
‫كاؼببلحظ أيضا أف ارتفاع مستول اؼبعيشة يؤدم إذل ظهور طلبات‬
‫جديدة اذ تظهر اغباجة إذل اػبدمات اليت تتطلب مهارة‪ ،‬کاغباجة إذل أطباء‬
‫أسناف كمدرسُت‪ ،‬كموسيقيُت كغَتىم كما أف النمو وبتاج إذل التنسيق ألنو‬
‫مرتبط دبسألة التخصص‪.‬‬
‫كمن أجل ىذا كلو ال نتوقع أف وبدث النمو االقتصادم الساحق ُب‬
‫ؾبتمعات ؿبركمة من اؼبركنة االجتماعية‪ ،‬كحرماهنا من اعبنس‪ ،‬أك التحذلق‬
‫االجتماعي‪ ،‬أك التميز بُت األدايف‪.‬‬

‫يتطلب النمو االقتصادم أف يكوف الناس أحرارا ُب اغبصوؿ على‬


‫اؼبوارد كالدخوؿ ُب العمليات اؼبختلفة‪ ،‬سواء ًب ىذا بوصفهم أفراد أك‬
‫بوصفهم أعضاء ُب ىيئة حكومية هبب أف يكوف ُب مقدكرىم شراء كسائل‬
‫اإلنتاج أك استدانتها أك استئجارىا ككبب أف نقوؿ‪ُ ،‬ب معرض اغبديث أف‬
‫النمو يتعرض لبعض القيود إذا كاف الدين أك تقاليد البلد‪ ،‬ال وببذ‬
‫االستدانة لقاء فائدة كاذل جانب اغبصوؿ على اؼبوارد كرأس اؼباؿ هبب أف‬
‫يكوف الطريق ميسرا أماـ اغبصوؿ على األرض أيضا كقد يصبح اغبصوؿ‬
‫على األرض مقيدا كلكن من أجل الصاحل العاـ‪ ،‬كذلك حُت ىبشى‬
‫اؼبسئولوف على األرض من كثرة اؼبطالبُت حوؽبا فبا يؤدم إذل اإلقبلؿ من‬
‫اؼبوارد الطبيعية كمن اؼبؤكد أف ىناؾ بعض استخدامات لؤلرض تؤدم إذل‬

‫‪46‬‬
‫أضعاؼ مواردىا الطبيعية‪ ،‬كالتعدين مثبل أك تشييد مطارات فوؽ أرض‬
‫خصبة صاغبة للزراعة‪.‬‬
‫كهبب أف يكوف الطريق فبهدا أيضا أماـ اغبصوؿ على األيدی‬
‫العاملة‪ ،‬كهبب أف تكوف ىناؾ قدرة على تنظيم أعداد فقَتة من العماؿ‬
‫الذين يعملوف ربت إشراؼ إدارة مركزية ( إذا كانت االقتصادايت ذات‬
‫إنتاج ضخم ) كينطبق ىذا الوضع على االستثمارات اعبماعية‪ ،‬أك‬
‫اغبكومية‪ ،‬أك على االستثمارات اػباصة كنظرا ألف النمو معناه التغَت‬
‫كجب أف تكوف الطاقة العاملة مرنة‪ ،‬كأف تًتؾ بعض االستثمارات لتتجو‬
‫إذل أخرل كُب اجملتمعات االستبدادية تصدر األكامر للعماؿ كتبلغهم‬
‫ابؼبكاف الذم هبب أف يشتغلوا فيو‪ ،‬بل أف اجملتمعات الديبقراطية نفسها‬
‫تضطر إذل ازباذ ىذا اإلجراء عينة زمن اغبرب أما ُب زمن السلم فاف‬
‫اجملتمعات الديبقراطية تعتمد على إجراءات كأساليب السوؽ فيتم طرد‬
‫الطاقة العاملة الفائضة‪ ،‬كُب الوقت نفسو تكوف ىناؾ استثمارات تتطلب‬
‫اؼبزيد من العماؿ‪ ،‬كإذ ذاؾ ربقق عن طريق عرض األجور على العماؿ‪.‬‬
‫نتجو بعد ذلك إذل االستهبلؾ أف النمو االقتصادم يقتضي إاتحة‬
‫اغبرية ألصحاب األفكار اعبديدة لكي يضعوا ىذه األفكار موضع التنفيذ‪،‬‬
‫ابلرغم من أف ىذا قد يسيء إذل منافسيهم‪ .‬فاف النمو يتطلب اغبرية ُب‬
‫اؼبنافسة‪ ،‬كُب نفس الوقت قد يسيء النمو إذل اؼبتنافسُت لدرجة أنو‬
‫يقتضى قمع اؼبنافسة كاؼبنافسة اليت تعرب عنها األفكار اعبديدة ( منتجات‬
‫جديدة ‪ -‬أساليب جديدة ُب اإلنتاج أك التوزيع ‪ -‬موديبلت جديدة ‪-‬‬
‫مصادر جديدة ُب اإلنتاج ) ىذه اؼبنافسة ال تسيء إال اللذين يرتبط‬
‫‪45‬‬
‫مصَتىم بكل ما ىو قدًن‪ ،‬كابللذين يتسم مواردىم ابعبود ‪ -‬ذلك أهنم ال‬
‫يستطيعوف أف يتأقلموا مع األفكار اعبديدة‪ ،‬أك يعجزكا عن االذباه إذل‬
‫نشاط آخر دكف أف تلحق هبم خسارة‪ .‬أما االحتكارات‪ ،‬فاؼببلحظ أف‬
‫أضرارىا‪ُ .‬ب ميداف النمو االقتصادم أكضح من أضرارىا ُب أم ميداف‬
‫آخر كلكنا نقوؿ أنو مهما اختلفت اآلراء حوؿ مبدأ فاف الكل متفق على‬
‫أف االحتكارات سليمة إذا كانت تؤدم إذل النمو االقتصادم كأهنا سيئة‬
‫إذا كانت تقيد ىذا النمو كتعرقلو كاالحتكارات قد تفيد النمو ألف‬
‫االحتكارات كحدىا ىي اليت تستطيع إنفاؽ اؼببالغ الضخمة اؼبطلوبة ُب‬
‫البحث كالتطور ُب أايمنا ىذه‪.‬‬
‫أما عن الصناعات اعبديدة‪ ،‬فاف من اؼبستحب ضباية ىذه الصناعات‬
‫ُب مراحل تطورىا األكذل كلكن بشرط سحب ىذه اغبماية بعد مضي عدد‬
‫معقوؿ من السنُت كأف دل يتم ىذا التقييد الزمٍت أساء ىذا إذل النمو‬
‫االقتصادی‪.‬‬
‫انتحىل انذي ٌطزأ ػهى األنظًت‬
‫بعد أف ربدثنا عن األنظمة االقتصادية كصلتها ابلنمو االقتصادم‬
‫تنتقل إذل اغبديث عن الكيفية اليت تتغَت هبا ىذه األنظمة‪ ،‬كما إذا كاف‬
‫التغَت يسَت كفقا ػبطة مرسومة‪ ،‬كإذ نؤكد أف التغَت االقتصادم ليس كليد‬
‫التغَت ُب األنظمة بصورة اتمة‪ .‬فقد وبدث النمو االقتصادم نتيجة االزدايد‬
‫ُب رأس ماؿ‪ ،‬أك اغبصوؿ على معارؼ جديدة كما شاكل ذلك كالنمو‬
‫الذم وبدث هبذه الطريقة يؤثر ببل شك على طريقة تكوين األنظمة‬

‫‪42‬‬
‫االقتصادية كيؤدم إذل حدكث تغَت فيها كُب نفس الوقت قد يطرأ على‬
‫األنظمة االقتصادية تغَتات ليست كليدة تغَت اقتصادی‪ ،‬كوبدث ىذا مثبل‬
‫بتأثَت من انتفاضات كثورات دينية أك سياسية أك طبيعية‪.‬‬
‫كمن أىم السمات اليت سبيز األنظمة من كجهة نظر النمو االقتصادم‬
‫مقدار اغبرية اليت تتيحها أماـ اؼبناكرات فما أف يصبح ُب مقدكر الناس‬
‫انتهاز الفرص االقتصادية حىت تبدأ اؼبنظمات احمللية ُب عملية التكييف‬
‫لكي ربمي الدكافع كالبواعث كتشجع كالتجارة أما إذا قلت الفرص‪ ،‬فاف‬
‫ألنمو سيتضاءؿ كتبدأ اؼبنظمات كيف نفسها كفقا لطابع الركود كاعبود‪.‬‬
‫كعندما تتكيف اؼبنظمات كفقا للظركؼ االقتصادية اؼبتغَتة قد ربدث‬
‫أشياء مؤؼبة ذلك الف ىذا التكيف ال يكوف متوازان أك كامبل‪ .‬كإذ ذاؾ‬
‫ىبتلط القدًن ابعبديد بطريقة غَت منطقية‪ ،‬كبنسب غريبة عجيبة‪ ،‬زبتلف‬
‫من ؾبتمع إذل آخر كال يكوف التحوؿ کامبل ابؼبرة كمن أجل ىذا نلمس‬
‫كجود تباين كاختبلؼ بُت دكؿ الغرب الرأظبالية‪ ،‬على سبيل اؼبثاؿ ذلك‬
‫ألف كل كاحدة منها ربتفظ بنسب ـبتلفة‪ ،‬أبفكار سائدة قبل قدكـ‬
‫الرأظبالية إليها كالواقع أف التحوؿ وبتاج إذل كقت طويل لكي يتعود الناس‬
‫على األكضاع اعبديدة كيتأقلموف كاألمر يتطلب زمنا كبَتان لكي يتأقلم‬
‫الناس مع اقتصادايت اؼباؿ‪ ،‬كيتعلموف كيف يغتنموف الفرص اؼبمثلة ُب‬
‫اؼباؿ‪ ،‬ككيف ينفقوف النقود كوبصلوف عليها أك كيف وبتفظوف هبا عندما‬
‫وبصلوف عليها كىم ُب حاجة إذل مبط أخبلقي جديد‪ ،‬كقد وبتاج ظهور‬
‫ىذا النمط إذل كقت طويل جدا‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ككثَتكف من الناس يشعركف بذىوؿ إزاء اؼبتناقضات اليت يتضمنها‬
‫التغَت‪ ،‬كىم يتساءلوف ‪ :‬أال يبكن تنظيم التغَت االجتماعي ربقيق التوازف‬
‫فيو ؟ كالواقع أننا قد نعجز عن التكهن بطاقة التغَتات اليت ستنتج عن‬
‫حادث معُت‪ ،‬غَت أف ىذا ال يعٍت أننا عاجزكف عن التحكم ُب ؾبرل التغَت‬
‫بوسيلة من الوسائل مثاؿ ىذا أننا نعرؼ أف التصنيع قد أدل إذل ظهور‬
‫أحياء قذرة ُب بلداف كثَتة حدث ىذا ُب اؼباضي‪ ،‬كلكن ليس معٌت ذلك‬
‫أننا ال نستطيع أف نطالب اليوـ بتخطيط اؼبدف الستيعاب الذين يعملوف ُب‬
‫ظل نظاـ التصنيع‪ ،‬كتوفَت شركط اإلسكاف الصحي ؽبم‪.‬‬
‫كاؼببلحظ ُب نظرية النمو االقتصادم أبف "األشخاص اعبدد" ىم‬
‫الذين يلعبوف دكرا كبَتا ُب أحداث التغَت‪ ،‬كجعل ىذا التغَت نقطة ربوؿ‪.‬‬
‫كىكذا قبد أف الذين ينتهزكف الفرص اعبديدة ليسوا من صنوؼ الطبقة‬
‫اؼبهيمنة التقليدية‪.‬‬
‫ذلك ألف الطبقة اؼبهيمنة ‪ -‬قبل كل شيء ‪ -‬ترضي سباما عن الوضع‬
‫الراىن كليست حباجة إذل السعي كراء فرص جديدة كإذا كاف من ُب القمة‬
‫ال وبدثوف ألتغَت فاف من ُب القاع ال وبدثوف أيضا‪ ،‬ذلك ألف أصحاب‬
‫القاع ردبا كانوا أرقاء أك خاضعُت أك قد يبلغ هبم الفقر كاعبهل جدا هبعلهم‬
‫ىبافوف اإلقداـ كاالستمساؾ ابلشجاعة كىكذا يظهر الرجاؿ اعبدد من بُت‬
‫الطبقة اليت تتوسط اؼبرتبتُت‪ ،‬االجتماعيتُت كالفرص اعبديدة قد تتحدل‬
‫السلطاف االقتصادم الطبقة اؼبهيمنة اؼبوجودة‪ ،‬كقد يغَت قيمة األرض اليت‬
‫يعتمد عليها أفراد ىذه الطبقة للحصوؿ على ثركهتم أك قد تتحدل الرؽ‬
‫كالعبودية‪ ،‬أك تتيح فرصا أفضل للتشغيل كتؤدم إذل رفع األجور فبا يضايق‬
‫‪51‬‬
‫أفراد الطبقة اؼبشار إليها كىكذا تعادم ىذه الطبقة للفرص اعبديدة‪ ،‬كقد‬
‫يدكر الصراع من أجل النفوذ بل قد يؤدم إذل حرب أىلية‪.‬‬
‫كىناؾ من يقوؿ أف رجاؿ اؼبدف ىم الذين يلعبوف دائما الدكر اغباسم‬
‫ُب التعجيل ابلنمو االقتصادم كالواقع أف رجاؿ اؼبدف يفوقوف سكاف الريف‬
‫ُب مسانبتهم ُب حقل التغَت ‪ -‬كليس األمر راجعا إذل تكوين بيولوجي يتفوؽ‬
‫فيو اغبضريوف على الريفيوف‪ ،‬كإمبا يرجع األمر كلو إذل أسباب تتصل ابلبيئة أك‬
‫الفرص‪ ،‬كىكذا تزعمت اؼبدف اؼبعركة اليت دارت ُب أكركاب ُب أكاخر العصور‬
‫الوسطى من أجل اؼبزيد من اغبرية االقتصادية‪.‬‬

‫كنريد أف نشَت إذل عنصر ىاـ غَت مباشر‪ ،‬كىو مبو الركح القومية‪،‬‬
‫فالركح القومية تؤثر ُب ىذه األايـ على النمو االقتصادم ‪ -‬كبصورة‬
‫ملموسة للغاية ككبن نربط اغبركات السياسية القومية ابلبلداف اليت تعاين‬
‫من االستعمار أك كانت تعاين منو ٍب حصلت على استقبلؽبا أخَتا‪ .‬غَت أف‬
‫اؼبشاعر القومية ليست كفقا على ىذه البلداف كحدىا أبم حاؿ من‬
‫األحواؿ‪ ،‬ففي أايمنا ىذه قبد أف كافة البلداف‪" ،‬اؼبتأخرة" تنقم على‬
‫أتخرىا كال ترضى بو‪ ،‬كىي تواقة إذل ربقيق النمو‪ ،‬كنظرا ألف « التأخر‬
‫اصطبلح نسی سباما‪ ،‬كجدان أف كل بلد وباكؿ أال يتخلف عن ركب النمو‬
‫االقتصادم‪ ،‬سواء كاف ىذا البلد بريطانيا أـ الصُت‪.‬‬
‫كاآلف لننتقل إذل نقطة أخرل‪ ،‬كىي " نظرايت التطور االجتماعي"‪..‬‬
‫ىل ىناؾ طريق تسَت فيو التغَتات اليت تطرأ على األنظمة كال ربيد عنو‬
‫أبدا ؟ ىل تتعاقب اؼبراحل ؟ ىل ىناؾ " تقدـ" حىت ال مفر منو ؟ أـ أف‬
‫حركة التاريخ تسَت ُب شكل إلبفائو دائرية ؟ الواقع أف الكثَتين من الناس‬
‫‪50‬‬
‫يركف أف كل ؾبتمع البد كأف يبر دبراحل ؿبدكدة من مراحل التطور‪،‬‬
‫كىبتلف الكتاب ُب تعريفهم ؽبذه اؼبراحل‪ ،‬فقد يفسركهنا على ضوء‬
‫االقتصاد‪ ،‬أك السياسة‪ .‬أك الدين‪ .‬كاؼببلحظ أف فكرة تتابع اؼبراحل‬
‫كتبلحقها دل تعد ربظى ابالنتشار‪ .‬بل أف الشيوعُت أنفسهم تبذكا الفكرة‬
‫القائلة أبف البلد ال بد أف يبر ابلرأظبالية أكال لكي يصل بعد ذلك إذل‬
‫االشًتاكية‪ .‬لقد ابت من الواضح اليوـ أف ُب مقدكر اجملتمع أف يتخطى‬
‫مرحلة أك مرحلتُت من ىذه اؼبراحل‪ .‬كمن األسباب اليت أدت إذل ظهور‬
‫ىذه الفكرة اعبديدة أف اجملتمعات أصبحت تتأثر ببعضها‪ .‬أما ُب اؼباضي‬
‫فقد كاف كل ؾبتمع معزكؿ كبذلك كاف البد أبف يبر بكل مرحلة ابنتظاـ‪،‬‬
‫أما اليوـ فهو يستفيد خبربات اجملتمعات األخرل‪ ،‬كبذلك ىبتزؿ مراحلو‪.‬‬
‫كرفضنا للنمو أك التدىور اغبتمي ليس معناه قبولنا ؼبفاىيم الدكرات اذ‬
‫كاف حراي بنا أف نتخذ موقفا حياداي‪ ،‬كهبذا ننكر حتمية السرعة اليت يسَت هبا‬
‫النمو‪ ،‬كننكر أيضا حتمية اغبركة الدائرية كذلك ألف التغَتات اليت تطرأ على‬
‫سرعة النمو ليست راجعة ‪ -‬ابلضركرة ‪ -‬إذل تغَتات ُب األنظمة‪ .‬كالواقع‬
‫أف النمو قد يتباطأ ُب سرعتو الف عدد السكاف فاؽ اؼبوارد اؼبوجودة أك‬
‫الوقوع كارثة طبيعية‪ ،‬أك حدكث تغَت ُب طرؽ العادل التجارية‪ ،‬أك قلة‬
‫الطلب على السلع اليت زبصص فيها بلد من البلداف‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫انفصم انرابع‬

‫ادلعرفة‬

‫قلنا أف السبب ُب النمو االقتصادم ىو الرغبة ُب االقتصاد‪ ،‬كذبمع‬


‫اؼبعرفة‪ ،‬كتراكم رأس اؼباؿ‪ ،‬كقد حبثنا ُب العنصر األكؿ ُب الصفحات‬
‫السالفة كنتحدث اآلف عن اؼبعرفة‪ ،‬كالواقع أف النمو االقتصادم يعتمد‬
‫على اؼبعارؼ التكنولوجية اػباصة ابألشياء كالكائنات اغبية‪ ،‬كما يعتمد‬
‫على اؼبعارؼ االجتماعية اػباصة ابإلنساف كبعبلقاتو مع أخيو اإلنساف‪.‬‬
‫كاؼبعرفة أمبا تنمو ألف اإلنساف بطبعو ؿبب لئلستطاع ؿبب اإلجراء‬
‫التجارب كحبو لبلستطبلع يدفعو إذل استكناه سر األشياء‪ ،‬ذلك ألف ىذه‬
‫األشياء ذبتذب انتباىو ابلرغم من أهنا قد ال تتصل ۔ بصورة مباشرة ‪-‬‬
‫دبشاكلو الراىنة‪..‬كما أف رغبتو ُب التجربة تسَت بوحي من اؼبهاـ اليت‬
‫يبارسها‪ ،‬كاؼبشاكل اليت يتطلب العمل حلها‪ .‬كنظرا الف كل جيل يبنی معارفو‬
‫على أساس اعبيل السابق كانت الكتابة من أىم اؼبخًتعات اليت أدت إذل‬
‫ذبمع اؼبعرفة‪ .‬كأىم اخًتاع بعد ذلك ىو اؼبنهج العلمي‪ ،‬كلقد كاف لو دكره‬
‫الذم ال ينسي ُب التعجيل بنمو اؼبعارؼ‪.‬‬
‫كالبد ابستمرار من ظهور أفكار جديدة‪ ،‬كاألفكار اعبديدة ُب حاجة‬
‫إذل تطبيق‪ ،‬كلكن من اؼببلحظ أف ىناؾ ىوة دائما بُت ما يعرفو اػبرباء‬
‫كيدركوف مدل أنبيتو من أجل اقباز األشياء‪ ،‬كما يتم ابلفعل ُب كاقع اغبياة‬

‫‪53‬‬
‫على يد الغالبية العظمى من الناس‪ ،‬ال يكفي أبدا أف تنمو اؼبعرفة كتزدىر‪،‬‬
‫كإمبا هبب إشاعتها‪ ،‬كتطبيقها بصورة عملية‪ ،‬كتتوقف السرعة اليت تسَت هبا‬
‫اؼبعرفة على مدل استعداد الناس لقبوؽبا‪ ،‬كما تتوقف األيدم على مدل‬
‫استعداد اؼبنظمات لتشجيعها‪ .‬كاؼببلحظ أف األفكار اعبديدة تلقى‬
‫استجابة سريعة ُب اجملتمعات اليت اعتاد فيها الناس كجود كجهات نظر‬
‫متنوعة‪ ،‬أك اجملتمعات اليت تعود فيها الناس على التغَت‪ ،‬كمن ٍب تتسم‬
‫نظرهتم ابلطابع التجرييب ( الربصباسی‪ ،‬كما يتوقف سرعة تقبل الفكرة على‬
‫طابع ىذه الفكرة نفسها‪ .‬فليست كل األفكار اعبديدة مبلئمة‪ ،‬ابلرغم من‬
‫أهنا قد تكوف انفعة ابلنسبة البلد آخر كقد تتطلب الفكرة اعبديدة أحداث‬
‫تغَتات اجتماعية كمن ٍب تقابل ابلرفض كاؼبقاكمة ؽبذا السبب ابلذات‪..‬‬
‫كما أف التحديد قد يلقي مقاكمة عنيفة حُت ينشب الصراع بينو كبُت‬
‫احملظورات أك اؼببادلء الدينية السائدة كالكثَت يتوقف على السؤاؿ التارل‬
‫‪ :‬من ىم الذين يتبنوف الفكرة اعبديدة ؟ فاذا كاف الذين يتبنوهنا من ذكم‬
‫اؼبكانة ُب اجملتمع فإهنا ستحقق انتشارا سريعا ۔ كىذا ىبتلف عن كضعها‬
‫فيما لو قاـ ابحتضاهنا أانس ال كزف ؽبم‪.‬‬
‫كُب ميداف االنتاج‪ ،‬هبب أف تكوف اؼبعارؼ مثمرة‪ ،‬كهبب أف تعود‬
‫ابلربح على اآلخرين‪ ،‬كبذلك تقابل ابلًتحيب كالقبوؿ‪.‬‬
‫ننتقل بعد ذلك إذل الربامج اػباصة ابلتدريب‪،‬فالتنمية االقتصادية تتطلب‬
‫إهباد تسهيبلت تعليمية ىائلة ُب كافة اؼبستوايت‪ .‬كالطلب يزداد على التعليم‬
‫االبتدائي الذم يبلغ ذركتو ُب اؼبطالبة هبعل التعليم إجباراي‪ .‬كاألمر وبتاج أيضا‬
‫إذل اؼبزيد من اؼبدارس الثانوية‪ ،‬كذلك من أجل إعداد البعض الدخوؿ اعبامعة‪،‬‬
‫‪54‬‬
‫كإدخاؿ اآلخرين معاىد فنية‪ ،‬كإعداد السكراتريُت‪ ،‬كاؼبدرسُت كالفنيُت‪.‬‬
‫كاؼبعركؼ أف البلد ذم اؼبيزانية اؼبنخفضة ال يستطيع أف يوفر كل ىذه‬
‫التسهيبلت كمن ٍب يضطر إذل االختيار على أساس األىم فاؼبهم‪ ...‬ىل يعد‬
‫قلة من اؼبدربُت تدريبا متقنا أـ عددا كبَتا من اؼبدربُت تدريبا متوسطا ؟ ىل‬
‫يفضل التعليم الثانوم أـ الفٍت‪ ،‬اؼبعارؼ اإلنسانية أـ علوـ التكنولوجيا ؟‬
‫كاؼببلحظ أف كجهات النظر السياسية ذباه مسألة األفضلية تتغَت على الدكاـ‪.‬‬
‫كىناؾ السؤاؿ اؽباـ ‪ :‬ىل يعترب التعليم اعبامعي خدمة استهبلكية أـ‬
‫خدمة استثمارية ؟ أف اإلجابة على ىذا السؤاؿ تتوقف على نسبة العرض‬
‫اذل الطلب كُب البلداف ذات الدخل اؼبنخفض‪ ،‬كاليت زبرج فيها من كليات‬
‫اآلداب عدد كبَت من العاطلُت قبد أف التعليم اعبامعي ىو خدمة‬
‫استهبلكية االستثمارية كىذا كضع ال يبكن أتييده كالدفاع عنو‪ ،‬ألف تعليم‬
‫الطالب اعبامعي يتكلف الكثَت‪ ،‬كذلك إذا كاف ىذا التعليم اعبامعي ؾبرد‬
‫خدمة استهبلكية كاف من األفضل كاألسلم إنفاؽ نقود دافعي الضرائب ُب‬
‫إعداد مزيد من اؼبدارس االبتدائية أك الثانوية‪.‬‬
‫غَت أف الوضع يتغَت ُب ؾبتمع تقطع فيو التنمية االقتصادية أشواطا‬
‫كاسعة أف الطالب ُب ىذه اغبالة يزداد على األطباء كاؼبهندسُت‪ ،‬كالبيولوجيُت‪،‬‬
‫كرجاؿ اإلدارة‪ ،‬ككافة خرهبي اعبامعة كتغَت اآلراء يؤثر على اؼبيزانية اؼبخصصة‬
‫للتعليم فمنذ طبسُت عاما كاف الًتكيز منصبا على التعليم االبتدائي‪ ،‬غَت أف‬
‫التعليم العارل كالفٍت يتمتع اليوـ ابىتماـ كبَت‪.‬‬
‫ننتقل اآلف إذل موقف النمو االقتصادم من الزراعة كالصناعة‪،‬‬

‫‪55‬‬
‫فاؼببلحظ أف النمو االقتصادم يؤدل إذل تدىور أنبية الزراعة ابلنسبة‬
‫ؼبوارد التشغيل األخرل كىكذا تستوعب الصناعة عاملُت من اغبقل‬
‫الزراعي‪ .‬كلقد اتفق اعبميع على أف إنتاج العامل الذم أتى التوه من‬
‫الريف ىو إنتاج منخفض جدا إذا ما قيس إبنتاج العامل الذم مضت‬
‫عليو‪ُ ،‬ب اؼبصنع‪ ،‬فًتة طويلة كسبب ىذا أف أسلوب العيش ُب اؼبيداف‬
‫الزراعي‪ ،‬ىبتلف عن أسلوب العيش ُب اؼبيداف اآلخر‪ ،‬فاؼبزارع يعمل من‬
‫الفجر حىت اؼبساء‪ ،‬كيقضي فًتات ُب عمل شاؽ مرىق‪ ،‬غَت أنو هبد أيضا‬
‫ساعات فراغ طواؿ ُب بعض اؼبواسم‪ ..‬أما الصناعة فتتطلب من العامل أف‬
‫يعمل بصورة منتظمة كُب أكقات ؿبدكدة كُب الزراعة قبد أف الفبلح سيد‬
‫نفسو أما العامل فيخضع إلشراؼ الرؤساء‪ ،‬كيتعلم مهارات جديدة ال‬
‫وبتاج إليها الفبلح الذم يتوارث أسلوب أجداده‪ .‬كىبتلف اجملتمع الزراعي‬
‫عن اجملتمع الصناعي ُب أف الفرد ُب اجملتمع األكؿ يعمل كحده أما ُب الثاين‬
‫فانو يعمل مع اآلخرين‪ ،‬كقد يواجو عددا ىائبل من الزمبلء دل يكن لو يد ُب‬
‫اختيارىم كىكذا يقتضى األمر مركر كقت طويل لكي يتأقلم كيستقر‬
‫كيتمشى مع مطالب األسلوب اعبديد ُب اؼبعيشة كاؼببلحظ أف القادمُت اعبدد‬
‫إذل أماكن الصناعة يعيشوف ُب بداية األمر ُب إحياء كازقة قذرة‪ ،‬دكف أدىن‬
‫استمتاع دبباىج العيش ُب اؼبدف‪ ،‬كال ندرم ؼباذا ال يتم زبطيط اؼبدف الصناعية‬
‫اعبديدة بطريقة الئقة‪ ،‬مع تزكيدىا ابؼبساكن اليت تتسع ألسر كاملة‪ ،‬كإنشاء‬
‫اؼبدارس‪ ،‬كفتح اؼبنتزىات كبناء دكر السينما ككل ما من شأنو هبذب إليو‬
‫العاملُت ىذا كمن األمور اؽبامة جدا العناية بصحة العماؿ اعبدد كغذائهم‪.‬‬
‫أتٌب بعد ذلك مسالة إدارة األعماؿ‪ ،‬أف التمنية االقتصادية تتطلب‬
‫‪56‬‬
‫كجود مديرين أكفاء‪ ،‬سواء ُب ميداف العمل أك اػبدمات العامة‬
‫كاالقتصادايت اليت تنتج على نطاؽ كاسع تستطيع أف تدر دخوال كبَتة‪،‬‬
‫كلكن على شريطة أف يكوف ىناؾ أشخاص أكفاء يستطيعوف إدارة‬
‫األعماؿ اؼبختلفة‪ .‬كمدير األعماؿ يستطيع أف يتعلم بعض خرباتو عن‬
‫طريق العمل ُب اؼبؤسسات األجنبية ُب الداخل أك اػبارج كاؼببلحظ أف‬
‫البلداف اليت تقطع اؼبراحل األكذل ُب مبوىا ذبد أنو من األفضل ؽبا إرساؿ‬
‫شباهبا إذل اػبارج لبلستفادة من اػبربة ُب اؼبؤسسات األجنبية كىكذا أرسل‬
‫األؼباف عددا كبَتا من شباهبم إذل اقبلًتا للعمل ىناؾ‪ ،‬كذلك ُب الربع‬
‫األخَت من القرف التاسع عشر‪ٍ ،‬ب اقتفت الياابف أثرىم بعد ذلك كأرسلت‬
‫أبفراد من شعبها إذل أؼبانيا كارل الوالايت اؼبتحدة األمريكية‪ .‬كعندما عاد‬
‫ىؤالء أستقل البعض أبعماؽبم بينما ذىبت الغالبية إذل اؼبؤسسات‬
‫اؼبوجودة‪ ،‬سواء كانت ىذه اؼبؤسسات ؿبلية أـ أجنبية‪ ،‬كالبعض اآلخر‬
‫اشتغل ُب السلك اغبكومي‪ ،‬كاؼببلحظ أف ىذا السلك وبتاج بدكره إذل‬
‫خربة كدراية بكيفية إدارة األعماؿ كقد ال يكوف من السهل على الشعوب‬
‫اؼبلونة أف تطبق ىذه السياسة إذ الزاؿ ىناؾ ربيز عنصری ُب بعض‬
‫البلداف الناىضة‪ ،‬كمن ٍب قد ال تقبل بعض اؼبصانع كاؼبؤسسات قبوؿ‬
‫اؼبلونُت للتدريب على العمل فيها غَت أف الفرص اؼبوجودة ابلفعل أكثر من‬
‫الفرص اليت تستغل كالواقع أف ىناؾ بعض البلداف الصناعية اليت تريد‬
‫ابلفعل توثيق عرل عبلقتها الشخصية ببعض البلداف الفقَتة‪ ،‬كذلك لكي‬
‫يصدر البلد الصناعي منتجاتو ؽبذا البلد الفقَت‪.‬‬
‫غَت أف اؼبدرسة الرئيسية اليت تكفل خربة ابلعمل إمبا تتمثل ُب صغار‬
‫‪55‬‬
‫العاملُت الذين يشتغلوف ابالذبار‪ ،‬أك بتشغيل انقلتُت أك أكثر أك أدارة‬
‫مصنع صغَت ككثَتكف من ىؤالء يصلوف ُب النهاية إذل ىاكية اإلفبلس‪ ،‬غَت‬
‫أف البعض يشتد ساعده كيشتد‪ ،‬كدبركر الوقت تتضاعف خرباتو ككفاءاتو‪،‬‬
‫كُب النهاية يدير أعماال كمهاـ ضخمة‪.‬‬
‫كبعض اغبكومات ربرس على النهوض ابالستثمارات اليت تستخدـ‬
‫اؼبوارد احمللية حقبل ؽبا‪ ،‬كؽبذا تنشئ ىذه اغبكومات بعض اؼبؤسسات اؼبالية‬
‫اػباصة اليت تقوـ إبقراض اؼباؿ الصغار رجاؿ األعماؿ‪ ،‬كىذه اػبطوة ربقق‬
‫نفعا كبَتا إ ذا كاف العيب متصبل بعجز ُب رأس اؼباؿ كلكن ندر أف يكوف‬
‫الوضع على ىذه الصورة كحدىا‪،‬ألف الرأظباليُت احملليُت يفتقركف أيضا إذل‬
‫الكفاءة كاؼبهارة ُب إدارة األعماؿ كإقراض اؼباؿ الصغار رجاؿ األعماؿ‬
‫دكف إشراؼ أشبو دبن يصب اؼباء ُب متاىة ال فائدة منها‪ ،‬فالواقع أف‬
‫ىؤالء الناس وبتاجوف أكال إذل اإلشراؼ كالرقابة‪ ،‬كما وبتاجوف إذل النصح‬
‫كبعد ذلك أتٌب مسألة رأس اؼباؿ‪.‬‬
‫كىناؾ ؾباؿ آخر لتدريب رجاؿ األعماؿ على مهاـ اإلدارة‪ ،‬كىذا‬
‫اجملاؿ ىو اغبركات التعاكنية‪ ،‬ذلك ألهنا حُت تسَت على األسس الديبقراطية‬
‫تتيح الفرصة لعدد كبَت من الناس لکی يتعرفوا على مشاكل العمل‪ ،‬كالواقع أف‬
‫ىذا اؼبظهر أجدی مظهر ُب اغبركات التعاكنية‪ ،‬فاعبمعيات التعاكنية تقوـ‬
‫بتسويق اإلنتاج‪ ،‬كتقسيم اؼبدخرات كتوزيعها على الفركع اؼبختلفة‪ ،‬كتشًتل ما‬
‫ربتاج إليو من اؼبواد‪ ،‬كبذلك تكفل خربة كبَتة للعاملُت فيها‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫انفصم اخلام‬

‫رأس ادلال‬

‫يرتبط النمو االقتصادم بنسبة دخل الفرد ُب اجملتمع‪ ،‬كلقد رأينا‬


‫كيف أنو يرتبط أبشياء أخرل أيضا كاؼبنظمات اليت ربفز إذل بذؿ اعبهد‪،‬‬
‫كاؼبواقف كاالذباىات اليت تقيم الكفاءة االقتصادية‪ ،‬كاؼبعارؼ الفنية‬
‫اؼبتزايدة‪ ..‬اخل كرأس اؼباؿ ليس الشرط الوحيد لتحقيق النمو االقتصادم‪،‬‬
‫كلو توفر رأس اؼباؿ دكف كجود أطار مثمر فانو سيضيع عبثا‬
‫ما مدل فائدة رأس اؼباؿ ؟ الواقع أنو سؤاؿ ليس من اليسَت اإلجابة‬
‫عليو لقد لوحظ أف البلداف اؼبتخلفة أقل قدرة من البلداف اؼبتطورة على‬
‫إنتاج سلع رأس اؼباؿ‪ ،‬ذلك ألهنا أقدر على إنتاج السلع االستهبلكية ككبن‬
‫مضطركف إذل تقسيم مسألة تكوين‬
‫اؼباؿ إذل قسمُت رئيسيُت ‪ :‬مسألة البناء كالتعمَت كصناعة رأس‬
‫الوسائل البلزمة كقد يبكن اقباز التعمَت ُب الداخل‪ ،‬كُب نفس الوقت يبكن‬
‫استَتاد األجهزة‪ ،‬كبذلك يتسٌت تفادم العجز الذم يتسبب عن اإلنتاج‬
‫احمللي‪ .‬كستكوف القدرة اإلنتاجية الرأس اؼباؿ ُب البلداف اؼبتخلفة أقل‪،‬‬
‫ذلك ألهنا ُب حاجة إذل اؼبعارؼ التكنولوجية‪ .‬موجز القوؿ أف الدخل‪ُ ،‬ب‬
‫البلداف اؼبتقدمة‪ ،‬ينمو الف اؼبعارؼ تنمو‪ ،‬كقد يظل ينمو ابلرغم من أف‬
‫رأس اؼباؿ قد يتوقف عن النمو‪ ،‬أما ُب البلداف اؼبتخلفة فنبلحظ أف‬

‫‪55‬‬
‫التكنولوجية تسَت خبطى بطيئة كمن ٍب ال تسهم كثَتا ُب اطراد رأس اؼباؿ‬
‫كإ ذا كاف رأس اؼباؿ مثمرا ُب حالة استخدامو إلدخاؿ أساليب جديدة‪،‬‬
‫فانو يثمر أيضا إذا استغل ُب افتتاح موارد فنية دل تكن معركفة من قبل‪.‬‬
‫كمن أجل ىذا قيل أف البلداف اؼبتأخرة تستطيع أف تستفيد برأس‬
‫اؼباؿ أكثر فبا تستفيد بو الدكلة اؼبتقدمة‪ .‬كال نستطيع أف كبكم بثقة قاطعة‬
‫ككبن نقارف بُت أفضلية قطاع اقتصادم على قطاع آخر كاؼببلحظ أف نسبة‬
‫رؤكس األمواؿ كالدخوؿ تتباين بشدة بُت قطاعات االقتصاد اؼبختلفة‬
‫كىكذا ترتفع النسبة ُب اؼبنافع العامة كتفوؽ النسبة اؼبوجودة ُب التصنيع‬
‫كمن انحية أخرل إذا استثمران رأس اؼباؿ ُب العامة فانو قد يضاعف اؼبنافع‬
‫من الطاقة اإلنتاجية ال ُب ىذا القطاع كحده كإمبا ُب بقية قطاعات‬
‫االقتصاد أضف إذل ىذا أف ىناؾ اختبلفات جوىرية بُت مطالب رأس‬
‫اؼباؿ ُب القطاع الزراعي كمطالبو ُب القطاع الصناعي‪.‬‬
‫كاغبديث عن بذؿ رأس اؼباؿ يقودان إذل النقطة التالية ‪ :‬هبب‬
‫استخداـ رأس اؼباؿ ‪ُ -‬ب البلداف اؼبتخلفة ‪ -‬بطريقة اقتصادية كىذا‬
‫الوضع ىبتلف ابلطبع عن كضع رأس اؼباؿ ُب الدكؿ النامية‪ .‬ال تكلف‬
‫الكثَت كُب نفس كؽبذا يقتضى األمر ُب اغبالة األكذل السعي كراء األساليب‬
‫اليت الوقت ربقق إنتاجا ملموسا‪ .‬كمن األفضل أف يبٍت اإلنساف العشرين‬
‫عاما بدال من طبسُت‪.‬‬
‫كاالفتقار إذل اؼبهارة وبوؿ بُت الناس كبُت استغبلؿ رأس اؼباؿ بصورة‬
‫مثمرة‪ ،‬كقد رأينا كيف أف أكثر من نصف رأس اؼباؿ يذىب ُب البناء‬

‫‪61‬‬
‫كالتشييد‪ .‬كمن ٍب يتوقف امتداد رأس اؼباؿ على نسبة التوسع ُب صناعة‬
‫البناء كالتشييد كال يبكن كضع اػبطط موضع التنفيذ ما دل يكن ىناؾ‬
‫قباركف كمهندسوف ككهرابئيوف‪ ،‬سواء أكاف العمل عبارة عن مد للطرؽ أك‬
‫إقامة للقناطر أك السدكد أك تشييد للمصانع أك مراكز القوی أك اؼبساكن‪،‬‬
‫إخل‪ ..‬كفيما يتعلق دبسألة اؼبهارة اليت أشران إليها نقوؿ انو من اؼبمكن‬
‫استَتاد أك تدريب احملليُت على إجادهتا‪ .‬كلقد اعتمدت ركديسيا الشمالية‬
‫على استَتاد اؼبهارات كحققت امتدادا سريعا ُب تكوين رأس اؼباؿ دكف أف‬
‫سبب ؽبا‪ ،‬ذلك إرىاقا للطاقة اؼبادية غَت أف امتداد رأس اؼباؿ يعتمد ُب‬
‫أماكن أخرل على التدريب ككثَت من الربامج التخطيطية اليت تفشل إمبا‬
‫تفشل لعدـ االىتماـ دبرحلة التدريب ىذه كعدـ إحبلؽبا احملل األكؿ‪.‬‬
‫نصل بعد ذلك إذل تكوين رأس اؼباؿ‪ ،‬كالواقع أننا ال نعرؼ الكثَت‬
‫عن نسبة إصبارل االستثمار إذل صاُب االستثمار‪ ،‬بل أف التقسيم بُت االثنُت‬
‫يشَت عقبات نظرية كثَتة حىت ُب البلداف الصناعية‪.‬‬
‫كالواقع أف صاُب االستثمار ظل ُب أمريكا يبثل حوالی‪ ۱۳:‬كبلغ‬
‫إصبارل االستثمار ابلنسبة إلصبارل اإلنتاج القومی ‪ : ۲٪‬أما ابلنسبة‬
‫التقسيم االستثمار اؼبختلف لرأس اؼباؿ بُت قطاعات االقتصاد اؼبتنوعة كُب‬
‫ىذه البلد أف يبلغ االستثمار حوالی ‪ ۲٪:‬من اإلنتاج القومي كالواقع أف‬
‫ىذه البلداف تتباين كتتنوع ُب استثماراهتا‪ ،‬غَت أننا إذا فكران ُب برانمج‬
‫يبثلها كجدان أف االستثمار الثابت قد قبی على النحو التارل‪:‬‬
‫حوارل ‪:05‬‬ ‫اإلسكاف‬

‫‪60‬‬
‫حوارل ‪:35‬‬ ‫اؼبنشآت كاؼبنافع العامة‬
‫حوارل ‪:32‬‬ ‫الصناعة كالزراعة‬
‫حوارل ‪:22‬‬ ‫أعماؿ أخرل‬
‫‪:222‬‬

‫كىذه األرقاـ تقريبية‪ ،‬كسبتد لسنوات طواؿ‪ ،‬كوبدث أثناء ذلك‬


‫تقلبات زبتلف من عاـ إذل آخر كإذا حاكلنا الوقوؼ عند ىذه التقسيمات‬
‫قليبل كاجهتنا مسألة اإلسكاف‪ ،‬كاف الكثَتين قد يدىشوف حُت يركف أهنا‬
‫تشغل ىذا اغبيز‪ ،‬غَت أف ىذه الظاىرة حقيقة كاقعة‪ ،‬كىي حقيقة كاقعة ُب‬
‫البلداف الصناعية على األقل كزبتلف النسبة من بلد آلخر طبقا لنمو‬
‫السكاف‪ ،‬كىی ترتفع ُب البلد الذم ينتقل فيو السكاف من الزراعة إذل‬
‫التصنيع‪ ،‬ألف ىذا الوضع يتطلب التوسع ُب اؼبدف من أجل ىذا كصلت‬
‫نسبة االستثمارات اػباصة ابلسكاف ُب بريطانيا حوارل ‪ ۱٪:‬ككاصلت ُب‬
‫الوالايت اؼبتحدة األمريكية إذل ‪ :32‬كيبدك أف االىتماـ هبذه اؼبسألة‬
‫غاب عن ذىن االرباد السوفييت كىو يتبع مشركع السنوات اػبمس‬
‫األكؿ‪.‬‬
‫كالواقع أف البلداف اؼبتخلفة ربتاج إذل زبصيص أكثر من ‪ :۲5‬من‬
‫استثماراهتا ُب اإلسكاف‪ ،‬كذلك لكي تتجنب الكوارث اليت جربتها معظم‬
‫االنقبلابت الصناعية‪.‬‬
‫كاألرقاـ تؤكد أيضا مدل أنبية اؼبنشآت كاؼبنافع العامة ( كالطرؽ‬
‫كاؼبوانئ‪ .‬كالنقل‪ .‬كاؼبياه‪ .‬كالكهرابء‪ .‬كاؼبدارس كاؼبستشفيات‪ ..‬كاؼبباين‬

‫‪62‬‬
‫اغبكومية ) بل أف ىذا الباب ُب اؼبدف الصناعية أيخذ من رأس‪ ،‬اؼباؿ أكثر‬
‫فبا أيخذه النشاط الصناعي‪.‬‬
‫كترتفع النسبة ُب السنوات األكذل من التنمية االقتصادية ٍب تتدىور‬
‫بعد ذلك‪ ،‬ذلك ألف التنمية‪ُ ،‬ب أعوامها األكذل‪ ،‬بعد ذلك إذل نفقات‬
‫تتطلبو كضع إطار للمنافع‪ ،‬كابلرغم من أف ىذه اؼبنافع ربتاج خاصة‬
‫بصيانتها كإصبلحها كالتوسع فيها كتعديلها‪ ،‬إال أف ىذه النفقات ليست‬
‫ُب ضخامة نفقات اإلنشاء األكلی‪.‬‬
‫كاالستثمارات العامة ُب ىذا اؼبيداف ىاـ جدا إذا ما قيست‬
‫ابالستثمارات اػباصة‪ .‬كُب البلداف اليت تًتؾ أمَت اؼبنافع العامة ُب يد‬
‫االستثمارات اػباصة قبد أف استثمارات اغبكومة ضئيلة جدا ابلنسبة‬
‫إلصبارل االستثمارات ‪ -‬كردبا كقفت ىذه النسب عند ‪ ۱٪:‬أك تقل ىذه‬
‫النسبة ارتفاعا إذا أخذت اغبكومة على عاتقها مهمة اإلسكاف‪.‬‬
‫كلقد قررت بلداف ـبتلفة كثَتة االضطبلع هبذه اؼبسئوليات‪ .‬أما‬
‫توزيع االستثمار بُت التصنيع كالزراعة فيتوقف على أنبية ىذه القطاعات‬
‫ابلنسبة لبلقتصاد‪ .‬ففي بريطانيا ال يتعدی نصيب الزراعة من االستثمار‬
‫ىز‪ ،‬غَت أف الزراعة‪ ،‬ىناؾ ال تشغل بدكم ‪ :5‬من السكاف‪.‬‬
‫أما النسبة ُب الوالايت اؼبتحدة فتًتاكح بُت ‪ ۱٪: ،٪:‬كُب كافة‬
‫البلداف يؤدم اطراد دخل الفرد إذل التوسع ُب التصنيع كطغيانو على‬
‫الزراعة ذلك ألف الناس كلما ازدادكا غنی ضاعفوا من شرائهم لؤلشياء‬
‫اؼبصنوعة‪ ،‬كأنفقوا فيها أكثر فبا ينفقوف ُب استهبلؾ الطعاـ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫كمن أجل ىذا يكوف ىناؾ ميل طبيعي إذل ارتفاع نسبة اؼبستثمر ُب‬
‫الصناعة‪ ،‬كُب نفس الوقت تتضاءؿ نسبة اؼبستثمر ُب الزراعة‪ .‬كاذل جانب‬
‫ىذا تعتمد نسبة كل قطاع من ىذين القطاعُت على موارد البلد الطبيعية‪،‬‬
‫كنسبة ىذه اؼبوارد إذل عدد السكاف اؼبوجودين فيها‪.‬‬
‫كقد قلنا ُب موضع سابق أف االستثمار ضركری‪ .‬للنمو االقتصادم‬
‫كلبلص من ىذا أيضا إذل أف االدخار ضركری ؽبذا النمو‪ ،‬ذلك ألف‬
‫االستثمار يتطلب ُب نفس الوقت ادخارا‪.‬‬
‫كىناؾ من يتساءؿ ‪ :‬ىل االدخار ضركری‪ ،‬أفبل وبسن بنا أف نشجع‬
‫الناس على اإلنفاؽ لتنشيط اؼبسبوؽ كالعمليات اإلنتاجية ؟ الواقع أف‬
‫االدخار ضركری جدا‪ ،‬غَت أنو إذا زاد أك قل عن النسبة اؼبعقولة أدل إذل‬
‫نتائج ضارة‪ ،‬كإذا نظران إذل موقف الطبقات من االدخار كجدان أف طبقة‬
‫اؼبزارعُت ذبمع بُت اؼبتناقضات‪ ،‬فهي طبقة حريصة ُب أنفاقها ذلك ألهنا‬
‫تعرؼ أهنا تعيش دائما على شفا اإلفبلس‪ ،‬كمع ذلك تقع ابستمرار ُب‬
‫الديوف ابلرغم من حرصها‪.‬‬
‫أما الطبقات اليت يعمل أفرادىا كيتلقوف مقابل عملهم أجورا كركاتب‬
‫فاف دخلها أكثر ثباات من دخل اؼبزارعُت‪ ،‬كمع ذلك فهی ال تدخر كثَتا‬
‫ذلك ألف عقليتها منصرفة إذل اإلنفاؽ بدال من االدخار‪.‬‬
‫كُب أم ؾبتمع من اجملتمعات قبد أف مدخرات الطبقة الوسطى ال‬
‫تلعب دكرا كبَتا ُب االستثمار اإلنتاجي‪ ،‬كوبدث ىذا بصفة خاصة ُب‬
‫اجملتمعات اليت زبتلف فيها الطبقة العليا عن الطبقة الوسطى من انحية‬

‫‪64‬‬
‫اعبنس‪ ،‬كإذ ذاؾ تعتمده الطبقة الوسطى إذل تعويض ش عورىا ابلنقص‬
‫كرباكؿ الظهور دبظهر الثرية‪ ،‬كذلك عن طريق إنفاؽ دخلها كاستهبلؾ الكثَت‬
‫من اؼبواد‪.‬‬
‫كعندما يدخر أفراد ىذه الطبقة‪ ،‬فإمبا يشيدكف منزال يعد ذلك أك‬
‫يشًتكف عربة جديدة‪ ،‬كيصلوف إذل اؼبستول الذم كصل إليو اعبار كزكجتو‬
‫كمن اؼبهم جدا تشجيع اؼبزارعُت على االدخار‪ ،‬ذلك ألف الزراعة‬
‫تلعب دكرىا الكبَت ُب التنمية االقتصادية كاؼببل حل أف النمو االقتصادم‬
‫يؤدم إذل التوسع ُب كافة أكجو النشاط األخرل‪ ،‬كيكوف التوسع على‬
‫حساب الزراعة دبعٌت أف اؼبهن األخرل تتزايد كتتسع رقعتها ابستمرار‪،‬‬
‫كالذين يشتغلوف ُب ىذه اؼبهن حباجة إذل الطعاـ‪ ،‬كىذا الطعاـ إمبا هبيء من‬
‫إنتاج العماؿ الذين ظلوا يشتغلوف ابلزراعة‪ ،‬كمن ٍب فاف النمو االقتصادم‬
‫يقتضي رفع نسبة إنتاج كل فرد يشتغل ابلزراعة‪ ،،‬كإهباد فائض إنتاج‬
‫إلطعاـ من يعملوف ُب القطاعات األخرل‪.‬‬
‫كمن اؼبمكن أف تتم التنمية االقتصادية دكف أف يقتضي األمر‬
‫االعتماد عل ى اؼبزارعُت لتمويل االعتمادات البلزمة لرؤكس األمواؿ ‪-‬‬
‫على شرط أف ذبيء األمواؿ البلزمة من مصادر أخرل ‪ -‬كالواقع أف ىذه‬
‫اؼبصادر األخرل كانت تتمثل ُب اؼباضي ُب األرابح اليت ذبيء من‬
‫استثمارات األعماؿ‪ ،‬كىذه االستثمارات ُب البلداف اؼبتخالفة ‪ -‬سبيل إذل‬
‫النمو ابلنسبة للدخل القومي ىذا إذا كانت الظركؼ مبلئمة‪.‬‬
‫كالتفسَت اعبوىری ألم " انقبلب صناعي" كنقصد بو أم ارتفاع‬

‫‪65‬‬
‫مفاجئ ُب سرعة تكوين رأس اؼباؿ‪ ،‬ىو أف الفرص قد تضاعفت فجأة أماـ‬
‫صبع اؼباؿ سواء سبثلت ىذه الفرص ُب االخًتاعات اعبديدة‪ ،‬أك التغيَتات‬
‫اليت تطرأ على األنظمة كاليت ذبعل ُب اإلمكاف استغبلؿ اإلمكانيات‬
‫اؼبوجودة‪.‬‬
‫كالواقع أف ىذا التفسَت ينطبق على االنقبلابت الصناعية اليت كقعت‬
‫عليها بريطانيا‪ ،‬كالياابف‪ ،‬كاالرباد السوفييت‪ .‬كُب ىذه اغبالة ال تذىب مزااي‬
‫اإلنتاج اؼبتضاعف إذل الطبقات اليت ترفع من حدة استهبلكها ‪ -‬اؼبزارعُت‬
‫الذين يعملوف لقاء أجر كإمبا تذىب إذل ميداف األرابح اػباصة كالضرائب‬
‫العامة‪ ،‬كىنا يستغل لتكوين مزيد من رؤكس األمواؿ‪.‬‬
‫فإذا تركنا مسألة االدخار إذل موضوع التمويل اػبارجي كجدان أف كل‬
‫دكلة انمية تقريبا تضطر إذل االعتماد على أمواؿ أجنبية‪ ،‬كذلك لكي‬
‫تكمل هبا مدخراهتا الضعيفة ُب اؼبراحل األكذل من مراحل مبوىا‬
‫االقتصادم‪ .‬مثاؿ ىذا أف اقبلًتا استدانت من ىولندا ُب القرف السابع‬
‫عشر كالقرف الثامن عشر‪ٍ ،‬ب أصبحت بعد ذلك تقرض كل بلد ُب العادل‬
‫تقريبا‪ ،‬كذلك ُب القرنُت التاسع عشر كالعشرين‪.‬‬
‫كالوالايت اؼبتحدة األمريكية اليت تعترب اليوـ أغٌت دكلة ُب العادل‬
‫كانت تستدين كثَتا ُب القرف التاسع عشر‪ ،‬غَت أهنا أصبحت ُب القرف‬
‫العشرين أكرب مقرض‪.‬‬
‫كقد تكوف اؼبساعدات األجنبية ُب صورة منح أك قرض كحىت نشوب‬
‫اغبرب العاؼبية الثانية كانت اؼبساعدات األجنبية تكاد تعتمد سباما على‬

‫‪66‬‬
‫إجراءات فردية‪ ،‬ككانت ىذه اإلجراءات زبضع بدكرىا ؼبسألة اؼبقارنة بُت‬
‫االستفادة من الفرص ُب الداخل كاالستفادة منها ُب اػبارج‪ ،‬ككانت الدكؿ‬
‫اؼبقرضة ىي الدكؿ النامية‪ ،‬بينما كانت الدكؿ اؼبستدينة أقل حظا ُب‬
‫مضمار النمو‬
‫كالواقع أف رؤكس األمواؿ سبيل إذل التدفق إذل األماكن اليت تظهر‬
‫فيها إمكانيات اؼبوارد الطبيعية الفنية‪ ،‬كلقد كانت بريطانيا ُب القرف التاسع‬
‫عشر‪ ،‬تستثمر أمواؽبا ُب أم مكاف تراه صاغبا لبلستثمار‪ .‬كلقد استثمرت‬
‫ُب أمريكا البلتينية‪ٍ ،‬ب ُب مشركعات اغبديد ُب أكركاب‪ٍ ،‬ب أخذت تستثمر‬
‫أمواؽبا ُب مصر‪.‬‬
‫كالدكر الذم يلعبو االستثمار األجنيب اؼبباشر ُب ميداف التنمية‬
‫االقتصادية كثَتا ما يساء فهمو‪ ،‬سواء عن طريق اؼبؤيدين أك اؼبعارضُت‬
‫كالقضية اليت تدافع عنو تقوؿ أف يوفر العمبلت األجنبية‪ ،‬كيرفع الدخل‬
‫احمللي‪ ،‬كما يرفع مستول اؼبهارات احمللية كالدخل احمللى يزيد الف‬
‫اؼبشركعات تدفع للوطنيُت أجورا كركاتب‪ ،‬كتشًتم منتجات ؿبلية كتدفع‬
‫ضرائب للحكومة كىذه اؼبدفوعات ترفع بدكرىا من نسبة االستهبلؾ‪،‬‬
‫كيؤدم ىذا إذل رفع نسبة اإلنتاج أيضا‪ .‬كال تقتصر الفائدة على ىذه‬
‫اؼبيادين كحدىا‪ ،‬كإمبا قبد أيضا أف نسبة اؼبدخرات ترتفع نتيجة ؽبذا كلو ‪-‬‬
‫كما تتاح الفرصة أماـ بناء اؼبدارس كاإلنفاؽ على اػبدمات الطبية‪ ،‬كغَت‬
‫ذلك من اإلصبلحات الدائمة‪.‬‬
‫كإذا كاف االختيار ىو اختيار بُت رأس ماؿ ؿبلي كرأس ماؿ أجنيب‬

‫‪65‬‬
‫فبلشك أف األكؿ يكوف أفضل‪ ،‬أما إذا كاف االختيار ىو اختيار بُت رأس‬
‫ماؿ أجنيب أك ترؾ اؼبوارد دكف تنمية‪ ،‬فليس من شك ُب أف رأس اؼباؿ‬
‫األجنيب سيلعبو ُب ىذه اغبالة دكرا كبَتا‪ ،‬ذلك ألنو سيكفل دخبل ننفق منو‬
‫على مستوايت أعلى ُب االستهبلؾ‪ ،‬كعلى التعليم كاالستثمار احمللى‪،‬‬
‫كلكن ىناؾ ما ىو أىم من رأس اؼباؿ األجنيب‪ ،‬إال كىو اؼبهارة األجنبية‪.‬‬
‫فالواقع أف األجنيب ُب بلداف كثَتة متخلفة يستقدـ أساليب جديدة‬
‫مستحدثة‪ ،‬من أجل ىذا سعت بعض البلداف إذل دعوهتم كتشييد صناعات‬
‫جديدة من اجل االستفادة خبرباهتم فيها‪ .‬كلن يستفيد البلد كثَتا إذا‬
‫احتفظ األجنبی "سر مهنتو" كمن أجل ىذا قد يشًتط البلد الذم يستقبل‬
‫خرباء أجانب أف يدرب ىؤالء اػبرباء اؼبواطنُت احملليُت‪.‬‬
‫كالبلداف اؼبتخلفة زبشى االستثمارات األجنبية ألسباب سياسية‬
‫كاقتصادية‪ ،‬فمن الناحية السياسية قبد أف ىذه البلداف زبشى أف يؤدم‬
‫األمر فقداهنا الستقبلؽبا‪.‬‬
‫كالواقع أف البلداف اؼبقرضة قد سبيل إذل اإلقداـ على تصرفات‬
‫استعمارية عندما ذبد أف األنظمة‪ُ ،‬ب البلداف اؼبدينة‪ ،‬زبتلف عن أنظمتها‬
‫كقد يكوف فقداف البلد الستقبللو جزئيا كقد يكوف کامبلن‪ .‬كىذه اؼبخاكؼ‬
‫كلها منتشرة شائعة كلكنها تعتمد ُب الواقع على البلد اؼبدين نفسو‪ ،‬إذ‬
‫يقتضي األمر أف يكفل ىذا البلد اغبماية لبلستثمارات األجنبية كتكوف‬
‫سياسة حازـ‪ ،‬حبيث وبوؿ دكف الرشوة األجنبية‪.‬‬
‫أما من الناحية االقتصادية فنجد أف بعض الشعوب زبشی‬

‫‪62‬‬
‫االستثمارات األجنبية خوفا من أف تؤدم ىذه االستثمارات إذل أرابح‬
‫ابىظة‪ ،‬كىذا اػبوؼ قد يكوف مبالغا فيو‪ ،‬فاالستثمار األجنيب عادة قد ال‬
‫يزيد ُب أرابحو على االستثمارات احمللية‪.‬‬
‫كمن اؽباـ جدا أيضا أف مبيز بُت االستثمارات األجنبية اليت تنطوم‬
‫على احتكار كاالستثمارات اليت ال تنطوم على شيء من ىذا‪ُ ،‬ب حالة‬
‫االحتكار ال يستطيع السكاف احملليوف زحزحة اؼبستثمر األجنيب كىذا‬
‫وبدث ُب حالة استغبلؿ اؼبعادف على سبيل اؼبثاؿ‪ ،‬أما االستثمار ُب‬
‫التجارة أك التصنيع فأقل من ذلك‪ ،‬خطر‪ ،‬فما أف هبد السكاف احملليوف‬
‫اؼباؿ البلزـ كوبصلوف على الكفاءة اؼبطلوبة‪ ،‬حىت يستطيعوف أف وبلوا ؿبل‬
‫األجانب‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫انفصم انسادس‬

‫انسكان وادلىارد‬

‫يبحث ىذا الفصل ُب العبلقة بُت اؼبوارد كالسكاف كاإلنتاج أكال‪ٍ ،‬ب‬
‫عن العبلقة بُت اؼبوارد كالسكاف كانتقاؿ الناس كالسلع عرب اغبدكد‬
‫الدكلية‪.‬‬
‫انسكاٌ واإلنتاج ‪ -‬نًى انسكاٌ ‪:‬‬
‫كيف يؤثر النمو االقتصادم على مبو السكاف ؟ أاثرت إجاابت ىذا‬
‫السؤاؿ جدال مازاؿ مستمرا حتی اليوـ‪ ،‬فقد قيل أف ارتفاع مستول‬
‫اؼبعيشة سيؤدم إذل ازدايد عدد السكاف‪ .‬كأشار اثنيا إذل أف مبو السكاف‬
‫سَتبو على نسبة إنتاج الطعاـ كلكن‪ ،‬ليس ىناؾ من األدلة ما يثبت أف‬
‫نسبة اؼبواليد ارتفعت مع النمو االقتصادم بل أف ىناؾ من األدلة ما‬
‫يثبت أهنا البفضت‪.‬‬
‫كمن اغبمق أف نربط بُت زايدة عدد السكاف كبُت أنتاج الغذاء بطريقة‬
‫مباشرة‪ .‬كلقد أكد "مالتس" أف زايدة عدد السكاف مآؽبا إذل التوقف ال‬
‫ؿبالة عندما يضيق اإلمداد الغذائي ؽبا كال يصبح كافيا إلطعاـ كل األفواه‪.‬‬
‫غَت أف أحداث القرف التاسع عشر قد كذبت ىذا اعبزء من نظريتو‪ .‬فقبل‬
‫اغبرب العاؼبية األكذل كاف عدد السكاف آخذا ُب التزايد كُب نفس الوقت‬
‫أخذت نسبة اؼبواد الغذائية ترتفع أيضا‪ .‬كلقد ابلغ مالتس ُب تقديره ألثر‬
‫‪51‬‬
‫اإلصبلحات ‪ُ -‬ب ميداف التغذية ‪ -‬على الزايدة ُب عدد السكاف‪.‬‬
‫كالواقع أف مشكلة التغذية قد ازبذت أبعادا كموقفا جديدا‪ ،‬ألننا قد‬
‫نستطيع استنباط الغذاء من ذرات اؽبيدركجُت كإذ ذاؾ تنتج منو كميات‬
‫ألحد ؽبا ‪ -‬كلكن ستبقى ىناؾ مشكلة األرض اليت ستظل مساحتها كما‬
‫ىي‪ ،‬دبا عليها من تربة كحبار كجزر‪ ،‬كحىت إذا استبعدان ىذه االعتبارات‬
‫الكونية كجدان أف البلد الذم ترتفع فيو نسبة اؼبواليد كتقل الوفيات يدفع‬
‫شبن ىذه الظاىرة كيدفع الثمن ابىظا‪ ،‬فعليو أكال أف يعوؿ األطفاؿ كبينما‬
‫قبد أف أطفاؿ بريطانيا يشكلوف ‪ ۲٪:‬من السكاف‪ ،‬قبد أف أطفاؿ‬
‫بويرتوريکو يشكلوف ‪ :42‬من إصبارل السكاف‪ .‬كىكذا قبد أف السكاف ُب‬
‫بويرتوريكو يتحملوف عبئا كبَتا‪ ،‬كعليهم أف ىبصصوا الوقت كاؼبوارد‬
‫الكافية لتنشئة ىؤالء األطفاؿ‪.‬‬
‫كمن أجل ىذا قد يؤدم البفاض نسبة الوفيات ُب النهاية إذل البفاض‬
‫ُب نسبة اؼبواليد أيضا‪ ،‬أف عاجبل أك آجبل‪ ..‬كما أف كجود جيل صاعد قد‬
‫يؤثر على حصة كل فرد من اإلنتاج‪ ،‬كىناؾ قلة من البلداف فقط فبن‬
‫تؤدم فيها زايدة السكاف إذل زايدة اإلنتاج كزايدة الفرص‪ ..‬كىذه البلداف‬
‫موجودة بصفة خاصة ُب إفريقية كُب أمريكا البلتينية غَت أهنا ُب ؾبموعها‬
‫قليلة ُب العدد كُب معظم ببلد العادل قبد أف ازدايد عدد السكاف يؤدم إذل‬
‫خفض اإلنتاج اؼبخصص لكل فرد‪ ،‬ما دل يستغل رأس اؼباؿ ُب االستفادة‬
‫من موارد جديدة؛ كتشغيل أيدی إضافية فيها‪.‬‬
‫ككبن قبد‪ ،‬غبسن اغبظ أف الدالئل اؼبوجودة توحي أبف البفاض نسبة‬

‫‪50‬‬
‫الوفيات‪ ،‬يؤدی دبركر الوقت إذل البفاض ُب نسبة اؼبواليد‪ ،‬كلكننا ال‬
‫نستطيع أف نتأكد من ىذه النقطة سباما ألننا ال نعرؼ ُب الواقع ؼباذا‬
‫البفضت نسبة اؼبواليد‪ ،‬غَت أننا تعرؼ ؼباذا البفضت نسبة الوفيات‪ .‬كُب‬
‫اؼبائة عاـ اؼباضية البفضت نسبة اؼبواليد ُب أكركاب من ‪ ۳5‬لكل ألف‬
‫نسمة إذل ‪ 25‬لكل ألف‪ ،‬كمن بُت األسباب اليت أدت إذل ىذه الظاىرة‬
‫زايدة عدد النسوة البلئي دل يتزكجن‪ ،‬كردبا كاف من بُت األسباب أيضا أتخر‬
‫الكثَت ُب الزكاج كمن بُت األسباب القوية عدـ استعداد الكثَتين إلقباب‬
‫أطفاؿ‪ .‬كلكننا نعرؼ على كجو التأكيد‪ .‬ما الذم أدل إذل ىذا االلبفاض‬
‫اغبق‪ .‬أننا نفًتض كتقوؿ أف ىذا االلبفاض جاء نتيجة ضركرية للنمو‬
‫االقتصادم‪ ،‬كأنو سيتكرر من أجل ىذا ‪ُ -‬ب كافة البلداف اليت سبر بنفس‬
‫التجربة‪ .‬كلكننا لسنا متأكدين من ىذا‪.‬‬
‫كردبا كاف من األسلم أف نقوؿ أف البفاض نسبة اؼبواليد مرجعو تغَت‬
‫النظرة إذل اإلقباب ال ؾبرد ظهور أساليب جديدة للتحكم ُب النسل‪ ،‬كالذم‬
‫يدفعنا إ ذل ىذا أف البفاض نسبة اؼبواليد كقع قبل استخداـ األساليب‬
‫اعبديدة‪ .‬كلقد بدأت نسبة اؼبواليد تنخفض ُب فرنسا ُب أكائل القرف التاسع‬
‫عشر ‪ -‬كما بدأت تنخفض ُب بلداف أكربية أخرل ُب أكاسط القرف ىذا‬
‫ابلرغم من أف كسائل ربديد النسل بدأت تطبق ُب هناية ذلك القرف‪ .‬كالسبب‬
‫الثاين أف الغالبية العظمى من الناس الذين ينجحوف ُب ربديد نسلهم ال‬
‫يستخدموف الوسائل اغبديثة‪ ،‬أهنم يطبقوف الطريقة اليت جاء ذكرىا ُب اإلقبيل‬
‫كاليت عرفها اعبنس البشرم منذ عصور سحيقة‪.‬‬
‫ككبن نتساءؿ ‪ :‬ما الذم جعل الناس يغَتكف نظرهتم إذل إقباب‬

‫‪52‬‬
‫األطفاؿ كيبيلوف إذل ربديد النسل؟‬
‫الواقع أف أىم سبب دفعهم إذل ذلك ىو أف نسبة الوفيات قد‬
‫البفضت كُب اجملتمعات القديبة كاف ‪ 6٪:‬من األطفاؿ الذين يولدكف ال‬
‫يعيشوف حىت يبلغوا سن النضج‪ ،‬كمن أجل ىذا إذا أرادت األسرة ‪ُ -‬ب‬
‫ذلك اجملتمع ‪ -‬أف يكوف ؽبا ثبلثة أكالد ابلغُت فعليها أف تنجب شبانية‬
‫أطفاؿ سيموت منهم طبسة ُب طفولتهم‪ ..‬غَت أف ىذا الوضع يتغَت عندما‬
‫تنخفض نسبة اؼبواليد‪ ،‬ففي ىذه اغبالة دل تعد ىناؾ ضركرة إلقباب مثل‬
‫ىذا العدد من األطفاؿ‪.‬‬
‫كىناؾ عوامل أخرل تتحكم ُب الظاىرة اغبديث‪ ،‬أال كىي ربسُت‬
‫كضع اؼبرأة‪ ،‬كقد جاء ىذا نتيجة ‪ -‬لتعليمها‪ ،‬كما جاء أيضا نتيجة التساع‬
‫الفرص أماـ تشغيل الناس خارج بيوهتم‪ ،‬كىذا هبعل بعض النساء ينظرف‬
‫إذل إقباب األطفاؿ على أنو مرحلة مؤقتة ُب حياهتن‪ ،‬كأف ىذه اؼبرحلة س‬
‫تنتهي بسرعة كبعدىا يكوف أمامهن فرصة االنصراؼ إذل أشياء أخرل‪.‬‬
‫أضف إ ذل ىذا ظهور أشياء أخرل جديدة ينفق اإلنساف فيها كقتو‪.‬‬
‫كأف النمو االقتصادم معناه زايدة الدخل الذم يستمتع بو اإلنساف‪ ،‬فبا‬
‫يقتضي كجود كقت‪ .‬كلقد ازدادت اؼبتع اؼبوجودة خارج اؼبنزؿ کالسينما؛‬
‫كشاطئ البحر‪ ..‬ىذا الوضع ىبتلف كثَتا عن كضع اؼبرأة ُب القرف التاسع‬
‫عشر على سبيل اؼبثاؿ‪ ،‬لقد كانت ىناؾ بعض النسوة البلئي يعشن على‬
‫دخل ؿبدكد دكف كجود من يساعدىن على أداء شئوف اؼبنزؿ كمن ٍب دل‬
‫يكن لديهن كقت ىبرجن فيو من اؼبنزؿ‪ ،‬اللهم إال حُت يتوجهن إذل‬

‫‪53‬‬
‫الكنيسة‪ ..‬أما اليوـ فإهنن يطلنب اؼبزيد من حرية التحرؾ كالتنقل‪.‬‬
‫كلقد قيل أحياان أف السر ُب ربديد النسل ىو إدخاؿ الكهرابء إذل‬
‫اؼبنازؿ‪ ،‬كؽبذا يتسع اؼبساء أماـ األسرة للقياـ أبكجو نشاط كثَتة‪ ،‬بدال من‬
‫الذىاب إذل الفراش عند غركب الشمس‪ ،‬كلكننا ال نستطيع‪ ،‬ابلطبع أف‬
‫أنخذ ىذا التفسَت مأخذ اعبد‪ .‬كمسالة استغبلؿ اإلنساف اغبديث لوقت‬
‫ليس معناىا أهنا ربوؿ دكف إقباب األطفاؿ‪ ،‬كإمبا معناىا أف تربيتهم‬
‫أصبحت عبئا ثقيبل‪ ..‬كىناؾ سبب آخر كىو أف نفقات العناية ابألطفاؿ‬
‫قد أصبحت ابىظة‪ ،‬كدل يعد من اؼبستطاع االنتظار حىت يبلغوا السابعة أك‬
‫الثامنة لَتسلوا بعد ذلك إذل العمل ُب اؼبصانع‪ ،‬كإمبا هبب إدخاؽبم اؼبدارس‬
‫إذل أف يبلغوا اػبامسة عشر أك يزيد‪.‬‬
‫ككل ىذه العوامل ما ىي إال شبرة للنمو االقتصادم كىكذا وبق لنا أف‬
‫نقوؿ أف النمو االقتصادم يؤدم إذل البفاض نسبة اؼبواليد كبذلك يعيد‬
‫التوازف الذم كاف النمو االقتصادم قد قضى عليو ُب البلداف كىذا‬
‫التحليل مرتبط بقضية ىبتلف حوؽبا كاضعو سياسة اإلسكاف‪.‬‬
‫فهناؾ مدرسة من مدارس الفكر تقوؿ انك إذا أردت زبفيض نسبة‬
‫اؼبواليد فعليك أف تركز جهودؾ ُب الدعاية لوسائل ربديد النسل اعبديدة‬
‫أما اؼبدرسة األخرل فتؤمن ابستحالة تطبيق ىذه الوسائل ما دل يكن ىناؾ‬
‫أكال تطور ُب نظرة الناس إذل مسألة إقباب األطفاؿ‪ .‬كىذا التطور هبيء‬
‫نتيجة للنمو االقتصادم‪ ،‬كىكذا إذا كاف لنا أف لبفض نسبة اؼبواليد فعلينا‬
‫أف هنتم ابلتنمية االقتصادية‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫كالواقع أف مشكلة السكاف ُب البلداف اؼبتخلفة اشد حدة منها ُب‬
‫البلداف األكربية‪ ،‬ذلك ألف نسبة الزايدة ُب عدد السكاف األكربيُت دل تزد‬
‫عن‪ : 3‬سنواي‪ .‬كإذا كنا نقوؿ أف مشكلة السكاف ُب بعض الببلد الفقَتة‬
‫خطَتة جدا‪ ،‬فاف الزايدة ُب عدد السكاف ليست السبب الرئيسي ُب‬
‫البفاض مستوايت اؼبعيشية‪ .‬فسكاف اؽبند يزيدكف بنسبة ‪ :11‬كل عاـ‪،‬‬
‫كمع ذلك فهذه النسبة أقل من نسبة مبو السكاف ُب الوالايت اؼبتحدة‬
‫حيث يتضاعف اإلنتاج‪ ،‬لكل فرد بو إذل الضعف كل أربعُت عاما‪ .‬كلو‬
‫استطاعت الياابف أف تضاعف إنتاجها كل طبسة كعشرين عاما منذ عاـ‬
‫‪ ۱٪٪٪‬الستطاعت آسيا كأفريقيا أف تفعبل مثلها‪ ،‬كالواقع أف زايدة عدد‬
‫السكاف ابلنسب اؼبشار إليها ليس مقيمة ُب الطريق فقد بدأت بريطانيا‬
‫كأمريكا ؿباكلة االتصاؿ ابغبكومات اعبديدة على أسس كمفاىيم جديدة‪،‬‬
‫تنبثق من األفكار كليس من القوة؛ كمن العوامل االقتصادية كليس من‬
‫األسلحة‪ ،‬كمن التنظيمات العاؼبية كليس من األحبلؼ اجملردة‪.‬‬
‫انؼالقاث انذونٍت‬

‫حُت يساىم بلد من البلداف ُب التجارة الدكلية فانو يعتمد ُب ذلك‬


‫على موارده‪ ،‬كعلى الفرص اؼبتاحة أماـ التجارة؛ كعلى حظة من التنمية‬
‫كالبلد الذم ينعم دبوارد طبيعية متعددة «أرض خصبة‪ ،‬مناخ متنوع ثركات‬
‫معدنية» يستطيع أف ينعم ابكتفاء ذاتی‪ ،‬كمن أبرز أمثلة على ذلك‬
‫الوالايت اؼبتحدة األمريكية‪ ،‬إذ ال تزيد كارداهتا على ‪ :4‬من دخلها‬
‫القومي‪ .‬أما اؼبملكة اؼبتحدة فقد بلغت كارداهتا ُب يوـ من األايـ ‪%05‬‬
‫‪55‬‬
‫ٍب ارتفعت إلی ‪ : ۳٪‬من ىنا قبد أف مساحة البلد تؤثر على نسبة ذبارهتا‬
‫اػبارجية‪.‬‬
‫كما تتأثر أيضا بسياسة البلد‪ .‬ففي مقدكر كل بلد أف وباكؿ تطبيق‬
‫مبدأ االكتفاء الذاٌب نسبيا‪ ،‬أك عدـ تطبيقو على اإلطبلؽ كمنذ مئات‬
‫السنُت كالنقاش حوؿ حق اغبكومة أك عدـ حقها ُب تقييد التجارة‬
‫اػبارجية كالذين يدافعوف عن حرية التجارة يشَتكف إذل مزااي التخصص‬
‫الدكرل‪ ،‬كىي مزااي كاضحة للعياف‪.‬‬
‫أما الذين يهاصبوف حرية التجارة فيشَتكف إذل العيوب اؼبوجودة ُب‬
‫نظاـ االستثمار اغبر‪ ،‬فهذا النظاـ ال هبعل األسعار دليبل حقيقيا على‬
‫التكاليف‪ .‬كقد يقيد البلد كإرادتو ألنو ال هبد من العمبلت األجنبية ما‬
‫يكفي الشراء ىذه الواردات‪ .‬كىذا يدؿ ُب العادة على عدـ كجود تناسب‬
‫بُت ما ينتجو لبلستهبلؾ‪ ،‬كما ينتجو للتصدير‪.‬‬
‫كاؼببلحظ أف االقتصادايت اؼبتخلفة معرضة للوقوع ُب ىذه العقوبة‬
‫كذلك إذا اىتمت إبنتاجها احمللي دكف احملافظة على توازف سليم بُت قطاعات‬
‫االقتصاد اؼبختلفة‪ .‬كىناؾ عقبة أخرل تواجو االقتصادايت اؼبتخلفة أف‬
‫عليها مواجهة التقلبات الدكرية ُب أرابحها األجنبية كذلك نتيجة للتقلبات‬
‫العنيفة اليت تتعرض أسعار اؼبنتجات األكلية‪ ،‬كمن أجل ىذا ربتاج إذل نسبة‬
‫أكرب من احتياطي العمبلت األجنبية كذلك حىت تستطيع التغلب على‬
‫التقلبات الدكرية دكف اػبضوع لقيود النقد األجنيب‪.‬‬
‫كاؼببلحظ ُب االقتصادايت البدائية اليت تسبق التنمية االقتصادية أف‬

‫‪56‬‬
‫نسبة التجارة اػبارجية إذل الدخل القومي منخفضة غَت أف النسبة ترتفع‬
‫بسرعة مع التنمية‪ .‬كالواقع أف التجارة اػبارجية نفسها تلعب دكرا ىاما ُب‬
‫إنعاش التنمية االقتصادية‪ .‬كُب مراحل التنمية اؼببكرة تنمو التجارة‬
‫اػبارجية أبسرع فبا ينمو الدخل‪ ،‬كالبلد ُب مراحلو األكذل يكفي نفسو‬
‫بنفسو ألف الشطر األكرب من اإلنتاج يتم على أيدم مزارعُت يكفوف‬
‫نفسهم بنفسهم‪ ،‬كىؤالء من إنتاجهم‪ .‬ال يتعاملوف دببالغ كبَتة من اؼباؿ‪،‬‬
‫كال يتاجركف إال جبزء بسيط من إنتاجهم‪.‬‬
‫كمن أجل ىذا قبد أف الواردات ال تشكل إال ‪: ۱٪‬من الدخل القومي‬
‫ُب نيجَتاي ك‪ ٪:‬من الدخل القومي ُب اؽبند‪ ،‬كمن اؼبؤکد بُت اؼبناطق النائية ‪:‬‬
‫أف ىذه النسبة ستنمو بنمو الدخل‪ ،‬كبتحسُت كسائل اؼبواصبلت بُت اؼبناطق‬
‫النائية‪.‬‬
‫كإذا نظران إذل مسألة اإلنتاج من كجهة النظر االقتصادية كجدان أنو ليس‬
‫من اؼبستحب أف تضع البلد سلعة تسن تشًتيها من اػبارج يثمن أرخص‪.‬‬

‫كُب بعض البلداف الصغَتة قبد أف التصنيع وبتاج إذل ضباية السوؽ‬
‫احمللي بصورة مؤقتة‪ ،‬كما وبتاج إذل االىتماـ دبسألة اعبمارؾ‪ ،‬كالواقع أف‬
‫مشاكل التسويق كالتكاليف اؼببدئية اػبطوط اعبديدة كاعبهل كل ىذا يعرقل‬
‫اليوـ سَت التصنيع ُب البلداف اؼبتخلفة أكثر فبا كاف يعرقلها ُب القرف التاسع‬
‫عشر‪ ،‬ذلك الف الدكؿ الصناعية اؼبتحضرة تنعم اليوـ بتفوؽ ملحوظ ُب‬
‫ميداف اؼبعرفة الفنية‪ ،‬كبذلك تسبق األقطار األخرل اليت تفتقر إذل ىذا‬
‫اإلؼباـ‪ ،‬كما دل يتخذ البلد اؼبتخلف إجراءات كقائية‪ ،‬ربميو فاف اؽبوة ستتسع‬
‫بينو كبُت األمة الصناعية‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫كقبد أيضا أف البلد الذم يفوؽ سكانو اؼبوارد اؼبوجودة فيو مضطر‬
‫إذل ضباية صناعاتو كازباذ إجراءات كقائية‪ ،‬غَت أنو ُب حاجة إذل التعجيل‬
‫بتصنيع نفسو أكثر من أم بلد أخر‪ ،‬كبذلك تعظم مشاكلو إذ كيف‬
‫سيتصرؼ ُب إنتاجو الغزير ؟ أف البفاض مستول اؼبعيشة عنده هبعلو‬
‫يطلب الطعاـ أكثر فبا يطلب مصنوعات‪ ..‬كىكذا يهدؼ برانمج تصنيعو‬
‫– إذل تصدير اؼبصنوعات وبصل ُب مقابلها على كاردات من الطعاـ‪ .‬كلقد‬
‫حدث ىذا ُب بريطانيا‪ .‬كأؼبانيا‪ .‬كالياابف‪ ،‬كسيحدث ُب الوقت اؼبناسب ُب‬
‫اؽبند كُب غَتىا من البلداف‪.‬‬
‫كمن اؼبشاكل اليت تتعرض ؽبا الدكؿ اؼبتخلفة ُب برامج تصنيعها أهنا‬
‫مضطرة إذل ربديد أجورىا بطريقة تسمح ؽبا بتنافس األسواؽ اػبارجية كىذه‬
‫العقبة تتصل ابلفارؽ بُت التكاليف النقدية كالتكاليف اغبقيقية كأجور العماؿ‬
‫هبب أف تكوف أكثر من أجور اؼبزارعُت حىت يبكن اجتذاب ىؤالء العماؿ إذل‬
‫اؼبدف اليت قبد أف تكاليف اؼبعيشة فيها مرتفعة‪.‬‬
‫من ىذا لبلص إذل أف خوض األسواؽ العاؼبية وبتاج إذل شجاعة كعزـ‬
‫كتصميم حىت تتاح أماـ األمة فرص النجاح‪ ..‬كلقد فعلت بريطانيا ذلك‬
‫ُب النصف األكؿ من القرف التاسع عشر‪ ،‬إذ أرسلت ذبارىا إذل كل ركن‬
‫من أركاف اؼبعمورة ككانت مهمتها سهلة نسبيا أذا ما قورنت ابلوضع‬
‫الراىن‪ ،‬ألهنا دل تكن مضطرة إذل مواجهة منافسُت أقوايء ُب ذلك اغبُت ٍب‬
‫حذت أؼبانيا حذكىا‪ ،‬بل ككانت أكثر من بريطانيا عزما كتصميما أما اؽبند‬
‫كايطاليا فكانت تنقصها اإلرادة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ىناؾ أسباب كثَتة جدا للهجرة الدكلية من قطر إذل آخر‪ ،‬كىي ال‬
‫ترتبط ابلنمو االقتصادم على اإلطبلؽ‪ ،‬فقد يكوف ىناؾ سبب دينی كراء‬
‫ىذه اؽبجرة أك سياسي أك عنصرم‪ ،‬كُب ىذه اغبالة يكوف اؼبهاجر أحد‬
‫شخصُت ‪ :‬شخص يهاجر فرارا إذل خارج كطنو‪ ،‬أك شخص وبمل رسالة‬
‫يتحمس ؽبا كيريد أف ينقلها إذل اػبارج‪.‬‬
‫أما إذا قصران أنفسنا على اؼبيداف االقتصادم‪ ،‬فسنجد أف بعض‬
‫ىجرات التاريخ الضخمة جاءت نتيجة غبدكث ؾباعة فإذا انتقلنا من ىذا‬
‫السبب إذل سبب آخر كجدان أف بعض الناس يهاجركف ألهنم أيملوف ُب‬
‫اغبصوؿ على فرص أك فَت ُب اػبارج‪ ،‬كمن أبرز األمثلة اغبديثة على ىذه‬
‫الظاىرة تلك اؽبجرات اعبماعية اؼبنتظمة اليت قاـ هبا األكربيوف كالصينيوف‬
‫كاؽبنود كلقد بدأت ىذه اغبركة ُب كبو نصف القرف التاسع عشر ٍب‬
‫استمرت بعد ذلك إذل ما قبل اغبرب العاؼبية األكذل سباما‪.‬‬
‫كالذين يربطوف بُت اؽبجرة كبُت مسالة النمو االقتصادم إمبا يشَتكف‬
‫إذل مسألة تزايد عدد السكاف كتضخمهم‪ .‬فقد يكوف ىناؾ بلد ينعم بنسبة‬
‫معقولة من السكاف‪ ،‬كيتمتع دبستول معيشة الئق ألف لديو موارد زراعية أك‬
‫موارد خاـ‪ ،‬كقد يكوف ىذا البلد قد حقق من الرقى ما يؤدم إذل البفاض‬
‫نسبة الوفيات‪ ،‬ذلك ألنو يطبق أحدث األساليب الصحية‪ .‬كإذ ذاؾ سبر‬
‫أعواـ كإذا بو يكاد ىبتنق‪ ،‬أف عدد السكاف‪ ،‬يتزايد فيو بسرعة كذلك‬
‫يتطالع حواليو يريد لو كجد أرضا جديدة يعيش فيها ىذا العدد الزائد من‬
‫اؼبكاف‪ .‬كلقد تكررت ىذه الظاىرة كثَتا ُب التاريخ‪ .‬كمن األمثلة اغبديثة‬
‫‪55‬‬
‫على ذلك اؽبجرات اليت قامت من أيرلنده‪ ،‬كبريطانيا كاؽبند كايطاليا‪،‬‬
‫كالصُت كالياابف‪.‬‬
‫كمن اؼبضحك أف اؽبجرة ال ربل مشكلة االكتظاظ إال بصفة مؤقتة‬
‫فقط‪ ،‬ذلك أف السكاف يتزايدكف بعد ذلك دبركر السنُت فيملئوف الفجوة‬
‫اليت تركها اؼبهاجركف كهبد البلد نفسو كقد كاجهتو مشكلة االزدحاـ‬
‫كاؽبجرة من جديد‪ ،‬كلكن الواقع أف مشكلة االزدحاـ دل تعد حتمية مثلما‬
‫كانت ُب اؼباضي ذلك ألننا نستطيع اآلف أف نقطع أشواطا كبَتة ُب ربديد‬
‫النسل‪ ،‬كاذل جانب ىذا ال نستطيع أف نتكهن دبا وبملو لنا اؼبستقبل من‬
‫امكانيات‪.‬‬
‫كالذم هبب أف نشَت أليو ىو أف اؽبجرة ليست اغبل الوحيد االزدحاـ‬
‫السكاف كحاجتهم إذل مزيد من الطعاـ‪ ،‬كعدـ كجود ىذا الطعاـ ُب‬
‫الداخل‪ .‬ذلك ألهنم يستطيعوف اإلسهاـ ُب حل مشكلتهم عن طريق‬
‫االعتماد على التجارة اػبارجية‪ ،‬أبف يطوركا صناعاهتم‪ ،‬أك يعتمدكا على‬
‫اؼببلحة أك التأمُت أك السياحة أك األفبلـ‪ ،‬أك غَت ذاؾ من مصادر التبادؿ‬
‫األجنيب الذم يبكن اغبصوؿ على طعاـ ُب مقابلو‪.‬‬
‫كقبد ُب بعض األحياف أف البلد اؼبكتظ ابلسكاف يتوؽ إذل تسهيل‬
‫أمَت اؽبجرة بقدر اإلمكاف‪ ..‬كيطلعنا التاريخ على قبائل كانت تبيع بعض‬
‫أفرادىا كتسلمهم بذلك إذل العبودية كالرؽ‪ .‬كقد كانت الصُت كاؽبند‬
‫زبوالف لبعض األجانب حق دخوؿ أراضيهما كاستئجار عماؿ‪ ،‬كدل يكن‬
‫ىذا ليختلف عن الربؽ كثَتا‪ .‬كاؼبملكة اؼبتحدة قد شجعت بدكرىا على‬

‫‪21‬‬
‫اؽبجرة كتنوعت أساليبها من أجل ربقيق ذاؾ‪ ،‬ففي القرف السابع عشر‬
‫كالثامن عشر كالتاسع عشر قامت بًتحيل اؼبذنبُت كاؼبتمردين أما ُب القرف‬
‫العشرين فقد أخذت تدفع إعاانت للذين يهاجركف إذل اؼبناطق التابعة ؽبا‪.‬‬
‫كاؽبجرة تشَت مشاكل كثَتة البلد الذم يهاجر منو اؼبواطنوف‪ .‬فهذا‬
‫مضطر إذل ضباية اؼبهاجرين لكيبل ىبدعهم أصحاب العمل األجانب‬
‫كمضطر إ ذل ضبايتهم من السفر ُب بواخر مزدضبة أك متعبة‪ ،‬كمن االضطهاد‬
‫العنصرم أك الديٍت ُب الببلد اعبديد‪ ..‬كىذه اؼبشاكل معقدة كعنيفة‬
‫للغاية‪ ،‬كقد بلغ من عنفها أف اغبكومة اؽبندية قررت مرة حظر اؽبجرة إذل‬
‫البلداف اليت رأت أهنا تعامل رعاايىا بقسوة‪ .‬كمن اكرب اؼبشاكل ىنا مشكلة‬
‫تبعية اؼبهاجر ككالئو‪ .‬فبعض البلداف اليت تستقبل اؼبهاجرين تريد استيعاهبم‬
‫كامتصاصهم حىت ال تعد أمامها مشكلة أقليات كلكي ربقق ىذا ال تعًتؼ‬
‫بلغة اؼبهاجرين ُب مدارسها أك ؿباكمها كىذا ىو األساس الذم تستند إليو‬
‫سياسة الوالايت اؼبتحدة ابلنسبة للمهاجرين‪ .‬كلقد انتهجت بريطانيا نفس‬
‫السياسة ذباه اؼبهاجرين إليها من أكراب‪ ،‬كذلك ُب القرنُت السادس عشر‬
‫كالسابع عشر‪ ،‬غَت أف اؼبهاجرين أنفسهم يعارضوف ىذه السياسة ألهنم‬
‫يريدكف االحتفاظ بلغتهم كثقافتهم‪ ،‬كمن أجل ق ذا رفض الصينيوف‬
‫اؼبهاجرين أف يتخلوا عن كالئهم للصُت‪.‬‬
‫كالواقع أنو ال يبكن حل مشاكل اؽبجرة إذا رفض اؼبهاجركف شيئا من‬
‫االستيعاب أك إذا تدخلت الدكلة اليت ىاجركا منها ُب الشئوف الداخلية‬
‫للدكلة اليت ىاجركا إليها‪.‬‬
‫فإذا تركنا ىذه اؼبشاكل السياسية للهجرة كاجهتنا مشاكل اقتصادية‬
‫‪20‬‬
‫فمعظم اؼبهاجرين ُب العقد الثاين كالثالث من عمرىم كالوطن مضطر إذل‬
‫احتماؿ تكاليف تربيتهم كتعليمهم‪ ،‬كعندما يبلغوف السن اليت يستطيعوف‬
‫أف يعملوا فيها هبد أهنم يًتكونو كيهاجركف إذل ببلد جديدة‪ .‬كعندما يغادر‬
‫اؼبهاجركف الشباف أرض الوطن ترتفع نسبة الذين زبطوا مرحلة الشباب‪.‬‬
‫كنسبة العجزة الذين ال يستطيعوف أف يعولوا أنفسهم كىكذا يتحمل الذين‬
‫يعملوف أعباء جديدة‪ ..‬كلكن قد ىبفف ىذا العبء إذا قاـ اؼبهاجر‬
‫إبرساؿ نقود إذل أىلو من اػبارج ألف ذلك سيفيد كطنو‪ ،‬كيؤدم رسالتو ُب‬
‫ميزاف اؼبدفوعات ُب ىذا الوطن‪.‬‬
‫كمن مشاكل اؽبجرة أهنا تؤدم إذل ارتفاع نسبة اإلانث مقابل نسبة‬
‫الرجاؿ‪ .‬كُب ابرابدكس‪ُ ،‬ب عشرينيات القرف التاسع عشر كانت نسبة‬
‫اإلانث ضعف نسبة الرجاؿ اؼبوجودين‪ ،‬كذلك نتيجة للهجرة اليت سبت‬
‫على نطاؽ ضخم‪ .‬كالبلد الذم يهاجر منو اؼبواطنوف قد ال يرضى عن ىذه‬
‫اؽبجرة ألنو ال يريد أف يفقد بعض أصحاب اؼبهارات كاؼبتخصصُت ُب فركع‬
‫ىامة‪ ،‬كُب نفس الوقت ؽ د ال يرحب هبم البلد الذم يستقبل اؼبهاجرين؛‬
‫ألنو ىبشى من اؼبنافسة كىناؾ بلداف كثَتة حالت دكف ىجرة العماؿ اؼبهرة‬
‫من أجل ىذا السبب‪ ،‬كمنها بريطانيا ُب القرف الثامن عشر‪.‬‬

‫ليست أساليب االستعمار اقتصادية سباما‪ ،‬كمع ذلك فإننا قبد أف‬
‫األسباب السياسية نفسها تتصل دبرحلة النمو االقتصادم من قريب أك‬
‫بعيد‪ ..‬كنبدأ أكال بدراسة األسباب االقتصادية ) ٍب نعرج بعد ذلك إذل‬
‫األسباب السياسية‪ ،‬كبعدىا نتجو إذل اغبديث عن آاثر االستعمار سواء‬
‫‪22‬‬
‫على الدكلة االستعمارية أك الدكلة اػباضعة ؽبذا االستعمار‪ .‬كالواقع أف ىذه‬
‫اؼبشكلة ضخمة للغاية كلن نستطيع أف نربط بينها كبُت التحليل االقتصادی‬
‫ربطا كبَتا‪ ،‬ككل ما نستطيع أف نفعلو ىو أف نشَت إليها إاثرة موجزة‪.‬‬
‫لنبدأ ابألسباب االقتصادية‪ ،‬فبعض األمم تضطر إذل بسط نفوذىا‬
‫عٍت أمم أخرل كالعمل على استعمارىا ألهنا تبحث عن مزيد من األراضي‬
‫كعلى أراض أفضل‪ ،‬لتستطيع بذلك أف تستوعب سكاهنا كتوفَت ؽبم‬
‫الغذاء‪ ،‬كقد رأينا أف ىذا اإلجراء قد يكوف أحد نتائج النمو االقتصادم‪،‬‬
‫كذلك ألف أكؿ ما يسفر عنو النمو االقتصادم ىو أنو يؤدم إذل زايدة‬
‫عدد السكاف كمن احملتمل أف يصبح البلد عاجزا عن مواجهتو ىذه الزايدة‬
‫ُب يوـ من األايـ كإزاء ىذا يفتش عن حل‪ ،‬كال هبده إال ُب أمر من األمور‬
‫الثبلثة التالية‪:‬‬
‫اؽبجرة‬ ‫( أ)‬
‫(ب) االعتماد على التصدير‬
‫(ت) فرض مطالب على بلد آخر‬
‫كاؼببلحظ أف أم سبب من ىذه األسباب الثبلثة قد يؤدم إذل اغبرب‬
‫فقد تنشب اغبرب‪ ،‬ألف بلداان أخرل ترفض قبوؿ اؼبهاجرين أك ألهنا‬
‫تعاملهم معاملة سيئة أك ألف اؼبهاجرين يريدكف طرد اؼبواطنُت أك حرماهنم‬
‫من حقوقهم‪ ،‬ىذا‪ ،‬كليس من الضركرم أف يكوف السبب ُب االستعمار‬
‫ضركرة اقتصادية‪ ،‬فليس من الضركرم أف يكوف اؼبستعمر كالدا يعاين من‬
‫اكتظاظ السكاف‪ ،‬فهناؾ مستعمركف ال يعانوف ُب كطنهم من ىذه‬

‫‪23‬‬
‫اؼبشكلة‪ ،‬كإمبا يريدكف السعي كراء أراضي جديدة كبقرات وبلبوهنا‬
‫كيستنزفوف خَتاهتا‪ .‬كليس من الضركرم‪ ،‬أف تكوف الدكلة اؼبتحضرة ىي‬
‫اليت هتاجم الدكلة األقل ربضرا‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق ابلتجارة اػبارجية كحل ؼبشكلة النمو االقتصادم‪،‬‬
‫فإننا قبد أهنا قد تؤدم إذل اغبرب‪ ،‬كابلتارل إذل االستعمار كلو قد كاف العادل‬
‫حرا الستطاع أف يطبق سياسة التجارة اػبارجية دكف حرب‪ ،‬غَت أننا لسوء‬
‫اغبظ ال نعيش ُب عادل حر‪ .‬فقد ال ربتاج األمم إذل شراء مصنوعات أـ‬
‫غَتىا‪ ،‬كقد تصر على االكتفاء دبصنوعاهتا احمللية‪ ،‬كقد يفضي ق ذا‬
‫اؼبوقف إذل اغبرب‪ .‬كقد ازبذت بعض األمم األكربية ىذا اؼبوقف عذرا‬
‫تنتحلو لتحارب أسبانيا ُب أمريكا البلتينية كذلك ُب القرف السادس عشر‬
‫كالسابع عشر كما أف ىذا اؼبوقف نفسو يكمن كراء العبلقات بُت أكراب‬
‫كالياابف ُب القرف التاسع عشر‪ ،‬كما كاف من بُت األسباب اليت دفعت‬
‫األمم األكربية إذل التشاجر لكي يكوف لكل كاحدة منها نصيب ُب أفريقية‪.‬‬
‫كقد تنشب حرب « متحررة » لكي تفتح سبل التجارة أماـ الدكلة‬
‫اؼبعتدية كقد تنشب حرب « غَت متحررة » لكي ربصل الدكلة اؼبعتدية‬
‫على بعض االمتيازات كمن بُت أىداؼ االستعمار إخضاع بعض الشعوب‬
‫كإرغامها على شراء منتجات الدكلة االستعمارية أبشباف مرتفعة‪ ،‬كُب الوقت‬
‫نفسو تبيع ىذه الشعوب منتجاهتا للمستعمرين بثمن خبس‪ ،‬كيستمر اغباؿ‬
‫على ىذا اؼبنواؿ ما دل يستنبط العادل من األنظمة ما يلغي اغبرب إلغاء‪.‬‬
‫كالشك أف البحث عن األسواؽ‪ ،‬كالسعي كراء العملة األجنبية‬

‫‪24‬‬
‫كالتفتيش عن مصادر الطعاـ كاؼبادة اػباـ‪ .‬كلها عبارة عن أشكاؿ ـبتلفة‬
‫لظاىرة كاحدة‪ ،‬كهبب أال لبلط بُت ىذا كبُت قوؿ القائلُت أبف األمة‬
‫الصناعية مضطرة إذل البحث عن أسواؽ خارجية ألهنا ال تستطيع أف‬
‫تستهلك إنتاجها كلو‪ .‬إذ أ ف علينا أف مبيز بُت التصدير من أجل استَتاد‬
‫بضائع ُب مقابل التصدير‪ ،‬كالتصدير من أجل احملافظة على اؽبوة بُت‬
‫االستهبلؾ كاإلنتاج‪ .‬كاألمة الصانعة قد تفتش عن أسواؽ خارجية ؼبنتجاهتا‬
‫لكي تستطيع استَتاد طعاـ ُب مقابل ذلك‪ .‬كىي مضطرة إذل ذلك بدكف‬
‫شك‪ ،‬إذا كاف عدد السكاف أكثر فبا ربتمل األرض‪ .‬أك قد تسعى كراء‬
‫التصدير ألهنا بلد صغَت ال يستطيع أف ينعم ابقتصادايت اإلنتاج الضخم‬
‫ما دل تتخصص ُب بعض صناعات معينة‪ ،‬كتنتج ُب ىذه الصناعات كمية‬
‫تفوؽ الكمية اليت ربتاج إليها؛ كتقوـ بتصدير الفائض‪ ،‬كُب مقابل ذلك‬
‫تستوعب كأرادت‪ ..‬كقد تتضمن ىذه الواردات بعض اؼبواد اػباـ‪ .‬كىذا‬
‫يفسر لنا ؼباذا قبد أف الدكؿ الصناعية نفسها تستورد مصنوعات كثَتة ُب‬
‫نفس الوقت مثاؿ ىولندا كالس كيد‪ ،‬فهما قد حققتا مبدأ االكتفاء الذاٌب ُب‬
‫الطعاـ؛ غَت أهنما تقوماف بتصدير بعض اؼبصنوعات ُب مقابل استَتاد‬
‫مصنوعات أخرل أك مواد خاـ‪ .‬ككل ىذا ىبتلف سباما عن تصدير اؼبصنوعات‪،‬‬
‫لوجود عجز ُب االستهبلؾ ُب الداخل‪ ،‬ذلك ألنو لو كاف ىناؾ عجز ُب‬
‫االستهبلؾ كعدـ كجود طلب كثَت فاف ىذا البلد لن يستطيع أيضا أف‬
‫يستوعب كيستهلك الواردات‪.‬‬
‫نعود إذل موضوع االستعمار‪ ،‬قد رأينا أف ىناؾ أسبااب اقتصادية كثَتة تدفع‬
‫إذل االستعمار كاغبركب‪ ،‬كقد تتمثل ىذه األسباب ُب كجود ؾباعة أك اغباجة إذل‬

‫‪25‬‬
‫أرض أك أسواؽ أك مواد أكلية‪ .‬كقد تتمثل ىذه األسباب ُب اعبشع كاغبسد‪،‬‬
‫فتظهر ُب صورة رغبة ُب االستغبلؿ كالبحث عن مزيد من الثركات‪ .‬كالذين‬
‫يؤمنوف أبف أسباب اغبرب ىي أسباب اقتصادية فقط پر کزكف اىتمامهم على‬
‫الدكافع السابق ذكرىا ( اجملاعة‪ ..‬اغباجة إذل مواد أكلية‪ ..‬اخل‪ .)...‬كيركف أنو‬
‫من اؼبمكن منع اغبرب عن طريق القضاء على ىذه األسباب السالفة‪ .‬فهم‬
‫يؤمنوف أبننا نستطيع أف نقلل من خطر اغبرب إذا آمنت كافة البلداف حبرية‬
‫التجارة كسياسة الباب اؼبفتوح‪.‬‬
‫كلكن ىل ىناؾ ما يضمن لنا أف كافة البلداف ستطبق سياسة الباب‬
‫اؼبفتوح ؟‬
‫كىناؾ فريق آخر أيمل ُب التقليل من خطر اغبرب عن طريق إخضاع كل‬
‫الدكؿ االستعمارية لئلشراؼ الدكرل‪ ،‬أك إخضاع كل اؼبستعمرات للوصاية‬
‫الدكلية على األقل‪ .‬فيقوؿ إذا أردان أف نقضي على اغبرب حقا فلن يتسٌت لنا‬
‫ذلك إال إذا هنضنا ابلدكؿ اؼبتخلفة ُب أسرع كقت فبكن‪ ،‬كإذ ذاؾ ال تعد ىذه‬
‫الدكلة ضعيفة يستغلها اآلخركف‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫انفصم انسابع‬

‫احلكىمة‬

‫يلعب سلوؾ اغبكومات دكرا كبَتا ُب ربريك النشاط االقتصادم أك‬


‫تثبيط نبتو‪ ،‬كبلغ ىذا الدكر ُب أنبيتو الدكر الذم يلعبو رجاؿ األعماؿ‪،‬‬
‫كاؼببلؾ كاألدابء كالعلماء كرجاؿ الدين‪ ..‬أم ‪ :‬الدكر الذم يلعبو األفراد‪،‬‬
‫غَت أننا من الصعب علينا أف نتكلم عن دكر اغبكومة بطريقة موضوعية‬
‫نظرا للتحيز السياسی‪ ،‬فهناؾ من ال يؤمنوف ابعبهود كالدكافع الفردية‬
‫كيبيلوف إذل اؼببالغة ُب تصوير الدكر الذم تلعبو اغبكومة‪ .‬كىناؾ‪ ،‬من انحية‬
‫أخرل‪ ،‬من يسيء الظن ابغبكومات كيسعى إذل أتكيد أنبية الدكر الذم‬
‫يلعبو األفراد كُب مقدكر كل طرؼ أف يفتش ُب صفحات التاريخ فيجد من‬
‫األمثلة ما يؤكد رأيو كيعززه‪.‬‬
‫فليس ىناؾ بلد دل وبقق تقدما اقتصاداي دكف أف تساعده ُب ذلك‬
‫حكومات ذكية كاعية‪ ،‬مثاؿ ىذا ما حدث ُب بريطانيا منذ أايـ اؼبلك‬
‫ادكارد الثالث‪ ،‬كما حدث ُب الوالايت اؼبتحدة اليت لعبت حکومتها‬
‫اؼبركزية كالفيدرالية دكرا ىاما ُب تشكيل النشاط االقتصادم‪.‬‬
‫كمن انحية أخرل‪ ،‬ىناؾ أمثلة كثَتة ُب التاريخ تشَت إذل األذل الذم‬
‫سببتو اغبكومات للحياة االقتصادية ُب ىذا البلد أك ذاؾ‪ ،‬كالواقع أف‬
‫العقبلء ال يورطوف أنفسهم ُب جدؿ كهذا كإمبا يعرفوف أف للحكومات‬

‫‪25‬‬
‫دكرىا كلؤلفراد دكرىم‪ ،‬كمن أجل ىذا يقتصركف على توجيو السؤاؿ التارل‬
‫‪ :‬ما ىو الدكر الذم يستطيع كل جانب أف يلعبو‪ ،‬كيسهم بو ُب ربقيق‬
‫التقدـ االقتصادم ؟؟‪.‬‬
‫كالواقع أف اغبكومات قد تفشل ُب ربقيق التقدـ االقتصادم ألهنا‬
‫مقصرة ُب أدائو أك ألهنا تنظمو أكثر من البلزـ‪ ..‬كسنناقش أكال ما الذم‬
‫نستطيع أف تفعلو اغبكومة لكي ربقق التنمية االقتصادية بطريقة ؾبدية‪ٍ ،‬ب‬
‫ننتقل بعد ذلك إ ذل اغبديث عن األساليب اليت تتبعها بعض اغبكومات‬
‫فتعرقل هبا ركب النمو أك تسبب الركود كالتدىور‪.‬‬
‫‪ -1‬إطار االستثًار‬
‫سنتحدث ُب ىذا القسم عن العبلقة بُت اغبكومة كاالقتصاد الكل‪،‬‬
‫كنناقش ُب القسم الذم يليو القطاع العاـ ُب االقتصاد بصفة خاصة‪ ،‬كمن‬
‫أجل ىذا هنتم ُب القسم الذم بُت أيدينا ابلقطاع اػباص‪.‬‬

‫سبارس اغبكومة نشاطها ُب ميادين متعددة تتصل ابلنمو االقتصادم‬


‫كنستطيع أف نقسم ىذه اؼبيادين إذل تسعة ‪ :‬القياـ أبمر اػبدمات العامة‪،‬‬
‫التأثَت على االذباىات‪ ،‬تشکيل األنظمة االقتصادية‪ ،‬التحكم ُب طريقة‬
‫استغبلؿ اؼبوارد‪ ،‬التأثَت على طريقة توزيع الدخل‪ ،‬التحكم ُب كمية اؼباؿ‪،‬‬
‫التحكم ُب التقلبات‪ ،‬ضماف تشغيل كافة العماؿ‪ ،‬التأثَت على حجم‬
‫االستثمار‪.‬‬
‫فما يتعلق ابػبدمات العامة قبد أف من مهاـ اغبكومة األكذل تتمثل ُب‬
‫‪22‬‬
‫احملافظة على القانوف كالنظاـ‪ ،‬كدبركر الوقت يضاؼ إذل ىذه اػبدمات‬
‫خدمات أخرل كالطرؽ كاؼبدارس كالصحة العامة‪ ،‬كاؼبسح‪ ،‬كالبحوث‪،‬‬
‫كالقائمة تتسع ألشياء أخرل كثَتة‪ .‬كإذل جانب ىذا النشاط الداخلي ُب‬
‫ؾباؿ اػبدمات العامة‪ ،‬قبد أف نشاط اغبكومة يبتد إذل اػبارج‪ ،‬كيتمثل ُب‬
‫ضباية مواطنيها‪ ،‬كإبراـ اؼبعاىدات‪ ،‬كالدخوؿ ُب اغبرب‪ ..‬اخل‪.‬‬
‫أما االذباىات فتتمثل ُب موقف اغبكومة من العمل‪ ،‬كمن حجم‬
‫األسرة كرجاؿ األعماؿ األجانب‪ ،‬كعدـ اؼبساكاة ُب الدخل‪ ،‬كاؼبركنة‬
‫االجتماعية كصبيع األرابح‪ ،‬كاألساليب اعبديدة‪ ...‬اخل‪ ) ...‬كقد رأينا كيف‬
‫أف النمو االقتصادم يعتمد ‪ -‬إذل حد كبَت على موقف اجملتمع منو‪،‬‬
‫كالواقع أف اغبكومات تلعب دكرا كبَتا ُب ربديد ىذا اؼبوقف‪.‬‬
‫كتقوـ اغبكومة أيضا بدكر الزعيم‪ ،‬كىي تشًتؾ ُب ىذا الدكر مع‬
‫زعماء آخرين داخل اجملتمع کرجاؿ الدين‪ ،‬كأصحاب الصحف كزعماء‬
‫النقاابت العمالية‪ ،‬كاؼبدرسُت‪ ،‬كغَتىم فبن آلرائهم كزف‪ .‬كُب اجملتمعات‬
‫اؼبستقرة قبد أف اغبكومة ال تتدخل كثَتا فتًتؾ الرجاؿ الدين أمر إبداء‬
‫الرأم ُب مشكلة ربديد النسل‪ ،‬كالعلماء مهمة إبداء الرأم ُب األظبدة‬
‫الكيماكية غَت أف اغبكومة ال تستطيع أف تتجاىل أم شيء تقريبا أك تًتكو‬
‫لآلخرين ُب اجملتمع الذم يبر بفًتة انتقاؿ‪ .‬كاجملتمعات اليت تنتقل من‬
‫مرحلة الركود إذل مرحلة النمو االقتصادم تتعرض لتوتر كبَت ُب كل قطاع‬
‫من قطاعات حياهتا ‪ :‬الدين‪ ،‬كالعبلقات بُت الطبقات كاألخبلؽ كحياة‬
‫األسرة كما شاكل ذلك‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كإذ ذاؾ يضطر زعماء اغبكومة إذل إبداء الرأم ُب أشياء كثَتة كانوا‬
‫سيًتکوف حق الكبلـ فيها لآلخرين لو كاف اجملتمع مستقرا‪ .‬كىذه الظاىرة‬
‫من بُت األسباب اليت ذبعل زعماء أم ثورة سواء دموية أك سلمية ‪-‬‬
‫يشرعوف ُب إبعاد الزعماء القدامى من قطاعات اغبياة اؼبختلفة‪ ،‬من‬
‫الكنيسة‪ ،‬كدكر الصحف‪ ،‬كاحملاكم‪ ،‬كالوظائف كاعبيش‪ ،‬كالبنوؾ‪،‬‬
‫كاعبامعات‪ ،‬كالصناعة اخل‪ ...‬كالثوار الذين ال يثبتوف ثورهتم ُب كل قطاع‬
‫من قطاعات اغبياة يفشلوف ُب ربقيق أغراضهم‪ ،‬أك يفشلوف ُب السيطرة‬
‫على زماـ اغبكم‪.‬‬
‫ننتقل بعد ذلك إذل األنظمة السياسية‪ ،‬فعلى كل حكومة أف تتخذ‬
‫موقفها من اؼبسائل التالية ‪ :‬ىل رببذ االستثمار الواسع النطاؽ‪ ،‬فم‬
‫االستثمار احملدكد ؟ اؼبنافسة أك االحتكار ؟ اؼبلكية اػباصة أـ اؼبلكية‬
‫التعاكنية أك العامة ؟ كىل تعزز موقفها إبصدار تشريعات؟‬
‫كلبلص من ىذا إذل أنو من الواجب‪ُ ،‬ب مراحل التنمية االقتصادية‬
‫األكذل‪ ،‬أف تستصدر اغبكومة تشريعات جديدة أكثر مبلئمة للنمو‬
‫االقتصادم‪.‬‬
‫كاغبكومات ُب حاجة إذل التأثَت ُب طريقة استغبلؿ اؼبوارد‪ ،‬ذلك الف‬
‫سياسة السعر‪ ،‬اليت ربدد طريقة استغبلؿ اؼبوارد قد تسفر عن نتائج ُب‬
‫غَت صاحل اجملتمع‪ .‬فقد يستغل األفراد الًتبة أك اؼباء أك الغاابت أك اؼبناجم‬
‫بطرؽ مبددة‪ ،‬أك قد ترغب اغبكومة ُب استغبلؿ مورد أساسي معُت‪،‬‬
‫كحوض أحد األهنار‪ ،‬كؽبذا تضطر إذل التحكم ُب طريقة استغبلؿ األرض‬

‫‪51‬‬
‫اؼبوجودة ُب منطقة حوض النهر كلها‪.‬‬
‫أما مسألة توزيع الدخل فتثَت مشاكل معقدة‪ ،‬كخباصة ابلنسبة‬
‫للبلداف اؼبتخلفة‪ ،‬ذلك ألف ىذه البلداف تريد أف ذبمع بُت اؼبساكاة ُب‬
‫الدخل كبُت إهباد اغبوافز كالتشجيع على االدخار الكبَت‪ .‬غَت أف النمو‬
‫االقتصادم يتطلب تفاكات ُب الدخل يتناسب مع اؼبهارات كالعمل الشاؽ‬
‫كالتعليم كاستعداد البعض التحمل اؼبسئولية‪ .‬كما أنو يتطلب أيضا أف‬
‫تتحوؿ بعض الزايدات ُب الدخل القومي إذل مدخرات بدال من أف تذىب‬
‫إذل جيوب مستهلكُت‪ ،‬كالواقع أف البلداف األكثر زبلفا قد استيقظت ُب‬
‫قرف ىو القرف العشرين ككجدت كل فرد فيها وباكؿ أف يبتطى صهوة‬
‫حصانُت ُب كقت كاحد‪ ،‬اغبصاف األكؿ ىو اؼبساكاة االقتصادية‪ ،‬كالثاين‬
‫التنمية االقتصادية‪ .‬كلقد أكتشف االرباد السوفيييت أف ىذين اغبصانُت لن‬
‫يسَتا ُب اذباه كاحد‪ ،‬كمن أجل ذلك زبلى عن أحدنبا‪.‬‬
‫ننتقل بعد ذلك إذل عنصر آخر من العناصر اليت أشران إليها ُب‬
‫مستهل ىذا القسم‪ ،‬أال كىو ربكيم الدكلة ُب كمية النقود كاؼببلحظ أنو لو‬
‫كانت النقود عبارة عن معادف نفيسة فقط ؼبا كانت اغبكومة ُب حاجة إذل‬
‫تنظيم كمياهتا‪ .‬غَت أف النقود تصنع اليوـ من مواد أقل من قيمة النقود‬
‫نفسها كلو دل تقم اغبكومة ابإلشراؼ على الكمية اليت تستصدر ال نفرد‬
‫بعض األشخاص إبنتاج كميات ىائلة من النقد كلما حبلؽبم ذلك‪ ،‬كيؤدم‬
‫ىذا بدكره إذل ارتفاع األسعار بصورة عنيفة إذل أف تصبح القيمة االظبية‬
‫كالقيمة اغبقيقة للعملة كاحدة‪ ،‬كحينما تصنع النقود من كرؽ أك معادف‬
‫رخيصة كجب ربديد كمياهتا بدقة‪ ،‬كقد يتم ىذا التحديد بطريقة‬
‫‪50‬‬
‫أكتوماتيكية‪ .‬مثاؿ ىذا أف ميزاف الذىب ينص على أف كمية النقود اليت‬
‫يصدرىا البنك اؼبركزم تتحدد دبقدار الذىب اؼبوجود لديو‪ .‬كُب حالة نظاـ‬
‫العملة اؼبوجودة ُب اؼبستعمرات التابعة لربيطانيا قبد أف األكراؽ اليت‬
‫يصدرىا البنك أك اؼبسئولوف عن النقد هبب أف تقف كراءىا كمية فباثلة‬
‫من مستودعات اإلسًتليٍت‪.‬‬
‫غَت أف كمية النقد قد ال ربدد بطريقة أكتوماتيكية‪ ،‬كإمبا ربدد عن‬
‫عمد‪ ،‬أم أف اغبكومة ربتفظ لنفسها حبق إصدار نقد أك اسحبو كذلك‬
‫كيفما يًتاءل ؽبا‪ ،‬بصرؼ النظر عن كجود ذىب أك إسًتليٍت‪ .‬كمن انحية‬
‫أخرل قد يًتؾ للبنك حرية ربديد مقدار اؼبستودعات اؼبوجودة لديو كىذا‬
‫أىم أنواع النقود ُب البلداف الصناعية‪ ،‬أك قد يًتؾ األمر ُب يد البنك‬
‫اؼبركزم‪ ،‬أك قد تقوـ اغبكومة دبهمة التحديد كاإلشراؼ كتتخذ من ىذا‬
‫البنك اؼبركزم كسيلة لتنفيذ سياستها‪.‬‬

‫من اؼبمكن رسم برانمج كامل لبلقتصاد يبُت الطريقة اليت تريد هبا اغبكومة‬
‫االستفادة من موارد الببلد‪ ،‬كاعبانب اإلحصائي من ىذه الربامج يتخذ شكل‬
‫جداكؿ ـبتلفة بُت كل منها مظهرا من مظاىر االقتصاد‪ ،‬فهناؾ جدكؿ يبُت‬
‫األشكاؿ اؼبختلفة للطاقة ( اؼبهارات اؼبختلفة ) كالصناعات كاػبدمات اليت‬
‫سيتم تشغيل اؼبواطنُت فيها‪ ،‬كجداكؿ أخرل تبُت طرؽ االستفادة من اؼبواد‬
‫اػباـ‪ ،‬أك األراضي‪ ،‬أك اؼبباين؛ أك األجهزة‪ .‬كجدكؿ آخر يبُت اإلنتاج اؼبتوقع‬
‫من كل صناعة‪ ،‬طبقا لطريقة توزيع اؼبوارد‪.‬‬

‫كإعداد برامج اإلنتاج يثَت مشاكل كثَتة أكؽبا‪ :‬ما ىي نقطة التحرؾ؟‬
‫‪52‬‬
‫كاثنيها ‪ :‬كيف تعرؼ الطريقة اليت نستفيد هبا من اؼبوارد؛ كىذه ىي‬
‫مشكلة النمو اؼبتوازف‪ .‬أما اؼبشكلة الثالثة‪ ،‬فهي مشكلة التناسق كعدـ‬
‫التناقض‪ .‬كالرابعة ىي ‪ :‬كيف نًتجم اآلماؿ إذل كقائع ؟‪.‬‬
‫كمن انحية التخطيط كببذ التخطيط اعبزئي على التخطيط الشامل‬
‫ذلك الف النوع الثاين معرض للوقوع ُب أخطاء كثَتة‪ ،‬أم أننا نفضل الًتكيز‬
‫على مسائل ؿبدكدة‪ ،‬كمستول الصادرات أك تكوين رأس اؼباؿ‪ ،‬أك اإلنتاج‬
‫الصناعي‪ ،‬أك إنتاج الغذاء‪ ،‬اترکُت بقية قطاعات االقتصاد تتأقلم مع‬
‫العرض كالطلب‪.‬‬
‫أف األمر يقتضي كجود شيء من التخطيط‪ ،‬ذلك الف نتائج العرض‬
‫كالطلب ليست مقبولة كلها ابلنسبة لصاحل اجملتمع‪ .‬كالتخطيط اعبزئي‬
‫ضركرم ُب قطاعات االقتصاد اليت ينفلت فيها عيار العرض كالطلب‪.‬‬
‫وهناك قٍىد ثالثت تحذد شكم يؼظى بزايح اإلنتاج وهً ‪:‬‬
‫أ‪ -‬قلة رأس اؼباؿ‪.‬‬
‫ب‪ -‬قلة العماؿ اؼبهرة‪.‬‬
‫ج‪ -‬قلة النقد األجنيب‪.‬‬
‫كليست كل االقتصادايت تعاين من قلة رأس اؼباؿ‪ .‬بل لقد كانت‬
‫ىناؾ عقب اغبرب العاؼبية الثانية مباشرة ‪ -‬بضعة بلداف سبلك رؤكس‬
‫أمواؿ كافية‪ ،‬كنقد أجنبی کاؼ‪ ،‬تستطيع هبا سبويل برامج االستثمار‬
‫الضخمة ‪ -‬غَت أهنا كانت تفتقر على سبيل اؼبثاؿ إذل األيدم العاملة‬

‫‪53‬‬
‫اؼباىرة أك إذل بعض الوسائل اؼبادية كالصلب كاالظبنت‪.‬‬
‫كمعظم البلداف اؼبختلفة قد عادت مرة أخرل إذل كضعها اؼبزمن‬
‫الذم يتمثل ُب افتقارىا إذل رأس ماؿ کاؼ كىي مضطرة من اجل ىذا إذل‬
‫قصر برامج االستثمار داخل نطاؽ اؼباؿ اؼبوجود‪ ،‬كالی اغبصوؿ على مزيد‬
‫من اؼباؿ عن طريق تقييد االستهبلؾ ‪ ,‬كمن الضركری إهباد توازف سليم بُت‬
‫االستثمار كاؼبدخرات الف أم اختبلؼ جوىری بينهما يؤدم إذل التضخم‪.‬‬
‫كاالفتقار إذل رأس اؼباؿ الكاُب يؤثر على اختياران للمشركعات كعلى‬
‫األساليب اليت سنستخدمها ُب تنفيذ ما اخًتانه من مشركعات‪.‬‬
‫كمن اؼبمكن تنفيذ أم مشركع تقريبا عن طريق األساليب اليت تستخدـ‬
‫رأس اؼباؿ طريقة حذرة كاعية‪ ،‬أك بطرؽ اکثر رأظبالية كإذا كاف رأس اؼباؿ‬
‫قليبل كجب على اؼبرء أف ىبتار الوسائل األقل رأظبالية‪ .‬كعلى األمم اليت‬
‫لديها فائض كبَت من األيدم العاملة الغَت اؼباىرة‪ ،‬أف أتخذ حذرىا‪ ،‬ذلك‬
‫ألف األجور ُب ىذه اغبالة لن تعكس التكاليف اغبقيقية لئلنتاج‪ ،‬كُب ىذه‬
‫اغبالة لن يكوف رأس اؼباؿ مثمرا إذا استخدـ ُب أشياء تستطيع الطاقة العاملة‬
‫أف تنجزىا مثلو‪ ،‬كإذا سلمنا هبذا اؼبستول من األجور فاف مثل ىذه‬
‫االستثمارات ستعود بربح كافر على الرأظبالية غَت أهنا ال تفيد اجملتمع ككل‬
‫ذلك ألهنا تضاعف من حدة التعطل كال تضاعف اإلنتاج‪.‬‬
‫كىذه الطريقة اؼبضيعة لرأس اؼباؿ ربدث ُب الغالب عند إدخاؿ نظاـ‬
‫اآللة على الزراعة‪ ،‬كُب منافسة الصناعات اليت كانت تتم داخل أكواخ‬
‫العماؿ‪ ،‬كأحياان قد ال يضيف االستثمار شيئا إذل كمية اإلنتاج كمع ذالك‬

‫‪54‬‬
‫ينجذب إليو اؼبستثمركف ألنو يوفر األيدم العاملة‪ .‬كلكننا نكرر قولنا أف‬
‫من العبث ‪ -‬من كجهة النظر االجتماعية ‪ -‬أف تستخدـ اآللة ُب الببلد‬
‫اليت تستطيع فيها األيدم العاملة الفائضة أف تنجز ما تنجزه اآللة سباما‪،‬‬
‫كسيكوف رأس اؼباؿ أكثر إنتاجية إذا استخدـ ُب مضاعفة فرص العمل‬
‫كذلك عن طريق القياـ دبشركعات ال يبكن اقبازىا ابليد العاملة‪ ،‬أك حيث‬
‫يكوف استخداـ اليد العاملة فيها فبنوعا‪.‬‬
‫كىناؾ أيضا مسالك يؤدم فيها رأس اؼباؿ إذل مضاعفة اإلنتاج القومي‬
‫غَت أنو يؤدم أيضا إذل زايدة للتعطل كمن أمثلة ىذا ما وبدث حُت يزيد‬
‫الطعاـ اؼبتوافر لبلستهبلؾ نتيجة إلحبلؿ اآللة ؿبل اعبياد كالناس‪.‬‬
‫كالواقع أف احملك االقتصادم اغباسم يًتكز ُب إصبارل اإلنتاج القومي‬
‫ُب النهاية‪ ،‬كيًتكز أيضا فيما وبدث للمشكلة العمل أك التكاليف النقدية‪،‬‬
‫كلكن ليس من السهل ُب كاقع اغبياة‪ ،‬كمن الناحية السياسية‪ ،‬أف وبوؿ‬
‫دكف تبديد شيء من رأس اؼباؿ حُت وبل ؿبل العمل عندما تكوف‬
‫التكاليف النقدية أقل‪ ،‬أك تشغيل الطاقة العاملة بطريقة تبديدية بدال من‬
‫رأس اؼباؿ‪ ،‬خوفا من حدكث تعطل‪.‬‬
‫كقلة اؼبهارات تثَت من اؼبشاكل ما تثَته قلة رأس اؼباؿ‪ ،‬فإذا كانت‬
‫اؼبهارة شحيحة كجب االقتصاد ُب استخدامها‪ ،‬كذلك ابختيار الوسائل‬
‫اليت تتطلب مهارات كثَتة‪.‬‬
‫كمن أبرز األمثلة على ضحالة اؼبهارات عدـ كجود أشخاص كثَتين‬
‫يستطيعوف إدارة اؼبشركعات الضخمة‪ ،‬كىكذا يتحتم على البلداف‬

‫‪55‬‬
‫اؼبتخلفة كىي تضع براؾبها‪ ،‬أف هتتم ابلتنظيمات احملدكدة اؼبدل بدال من‬
‫التنظيمات الضخمة‪ ،‬كمن الضركرم أيضا أف يتحدد الربانمج الشامل‬
‫دبدل اؼبهارات اؼبوجودة‪ ،‬حىت ال وبدث اضطراب أك تبديد للماؿ كاعبهد‪.‬‬
‫كىذا ينطبق بصفة خاصة على صناعة البناء‪ .‬كلقد سبق أف أشران أف‬
‫‪ :52‬أك ‪ : 62‬من االستثمار تذىب ُب نفقات اإلنشاء كالتعمَت كأف‬
‫ندرة اإلمكانيات الواجب توافرىا للبناء ىي العقبة األساسية اليت ربوؿ‬
‫دكف تكوين رأس اؼباؿ بصورة مرضية‪.‬‬
‫كالواقع أف ىذه العقبة ليست مستعصية على اغبل‪ ،‬فليس التوسع ُب‬
‫صناعة البناء أبصعب من التوسع ُب إعداد اعبيش‪ ،‬ككل ما ُب األمر أف‬
‫اؼبسألة تقتضي أف أيخذىا اؼبسئولوف مأخذ اعبد‪ ،‬كيتخذكا اإلجراءات‬
‫الكفيلة بتجنيد اؼبطلوبُت ُب عملية البناء كتدريبهم‪ .‬كاألمر الذم يثَت‬
‫الدىشة أف برامج اإلنتاج كثَتا ما تفشل ُب ربقيق ىذا الشرط‪.‬‬
‫أما فقر البلد من انحية العملة األجنبية فيتوقف على ما إذا كانت‬
‫التنمية تتم أساسا ُب قطاع صادراهتا‪ ،‬كما يتوقف على مقدار رأس اؼباؿ‬
‫األجنيب الذم تستورده‪ .‬كإذا كانت التنمية مركزة ُب القطاع احمللى ( كما‬
‫حدث ُب اؽبند كُب اسًتاليا ) فاف العملة األجنبية ستشكل عقبة‪ ،‬كُب ىذه‬
‫اغبالة يبيل اؼبسئولوف إذل االقتصاد ُب استخداـ األجهزة اؼبستوردة كاؼبواد‬
‫اػباـ اؼبستوردة‪ ،‬كما سيحبذكف تدعيم الصناعات اليت ذبلب نقدان أجنبيا‬
‫أك توفره‪.‬‬
‫كعلى كل برانمج للتنمية أف يسعى إذل إهباد توازف بُت التجارة‬

‫‪56‬‬
‫الداخلية كالتجارة اػبارجية‪ .‬كُب كثَت من األحياف قبد أف ضحالة النقد‬
‫األجنبی مرجعها عدـ القدرة على ربقيق توازف بُت الصناعة كالزراعة‪ ،‬ففي‬
‫حالة زايدة اإلنتاج ُب احد ىذين القطاعُت‪ ،‬قبد أف الطلب يزيد أيضا على‬
‫منتجات القطاع الثاين‪ ،‬كأم عجز ُب ىذا األمر يثقل كاىل ميزاف‬
‫اؼبدفوعات‪.‬‬
‫كالشك أف النمو السريع ُب الصناعة يتطلب مبوا سريعا ُب الزراعة‪،‬‬
‫فعماؿ الصناعة سيحتاجوف إذل اؼبزيد من الطعاـ‪ ،‬كاؼبصانع ستحتاج إذل‬
‫عماؿ قادمُت من الريف‪ ،‬كسيقتضى األمر الرجوع إذل سوؽ اؼبزارعُت‬
‫اآلخذة ُب االمتداد كذلك لكي تستوعب ىذه السوؽ اؼبنتجات‬
‫االستهبلكية‪ .‬كقد يقتضى األمر الرجوع إذل الضرائب اؼبفركضة على‬
‫اؼبزارعُت‪ ،‬كاذل مدخراهتم‪ ،‬كذلك لتمويل اؼبشركعات الصناعية‪..‬‬
‫كابؼبثل إذا كانت الزراعة آخذة ُب التوسع فإهنا ستحتاج إذل صناعة‬
‫آخذة ُب التوسع بدكرىا‪ ،‬كذلك لكي تستوعب عماؽبا كمنتجاهتا كلكي‬
‫توفر للفبلحُت اؼبزيد من السلع االستهبلكية كالسلع اإلنتاجية‪ .‬كركود‬
‫اإل نتاج الزراعي ابلنسبة لكل فرد عامل ُب الزراعة يؤدل إذل رکود صناعي‬
‫كما يؤثر على ميزاف اؼبدفوعات‪ ،‬ذلك الف الصناعة النامية ستحتاج إذل‬
‫مزيد من الواردات‪ ،‬كقد تضطر إذل التخلص من فائض إنتاجها‪ ،‬كذلك‬
‫بتصديره‪.‬‬
‫كإذا كاف اإلنتاج الزراعي آخذا ُب االزدايد‪ ،‬فاف اإلنتاج الصناعی‬
‫هبب أف يسبقو ُب الزايدة‪ ،‬ذلك ألف الطلب على اؼبصنوعات يزيد أبسرع‬

‫‪55‬‬
‫فبا يزيد الطلب على الطعاـ‪ ،‬كالنمو اؼبتوازف ال يعٍت النمو ابلتساكی كإمبا‬
‫ابلنسب اؼبنطقية‪ ،‬كإذا أنبلنا ىذا التوازف بُت الزراعة كالصناعة ( كقد‬
‫حدث ىذا ُب اسًتاليا كُب األرجنتُت ) فاف ىذا يوقف سَت التقدـ كلقد‬
‫تفادت الياابف ىذا اػبطأ‪ ،‬فأدی إذل تفوقها على البلدين السالف ذكرنبا‪،‬‬
‫كقبحت الياابف ُب التخطيط الذم حقق ؽبا ىدفها من التنمية‪.‬‬
‫لقد كانت مناقشاتنا ُب الصفحات السابقة قاصرة فقط على اػبطط‬
‫اؼبعدة على الورؽ‪ ،‬أم على ربديد األىداؼ القطاعات اؼبختلفة لبلقتصاد‪.‬‬
‫غَت أف ىذه األىداؼ اؼبوضوعة على الورؽ ليست ىي كل‬
‫اؼبطلوب‪ ،‬أف الذم يهمنا حقا ىو تلك اإلجراءات اليت تتخذ ابلفعل‬
‫التوجيو اؼبوارد الوجهة الصحيحة‪ ،‬كمضاعفة اإلنتاج الغذائي‪ ،‬كتقييد‬
‫االستهبلؾ كالتشجيع على االستثمار كما شاكل ذلك‪.‬‬
‫كالواقع أف ىذا اعبزء من التخطيط ىو أصعب األجزاء صبيعا‪ ،‬كىو‬
‫أيضا أكثر األجزاء تعرضها لئلنباؿ‪ ،‬كقد يكوف من السهل تنفيذ القطاع‬
‫العاـ من اػبطة‪ ،‬كال يكوف من السهل تنفيذ القطاع اػباص‪ ،‬فمن الصعب‬
‫إقناع الطاقة العاملة ابالذباه إذل القطاعات اؼبناسبة‪ ،‬أك الدخوؿ ُب‬
‫دراسات تدريبية أك أقناع أصحاب األعماؿ ابلتوسع ُب االستثمار‪ ،‬أك‬
‫حث اعبمهور على االدخار‪ ،‬أك مطالبة اؼبزارعُت بتطبيق األساليب اغبديثة‬
‫أك األجانب بلعب الدكر اؼبطلوب منهم‪.‬‬
‫زبلص من ىذا إذل أف االختبار الرىيب اغباسم ألم برانمج إنتاجي‬
‫ىو قدرتو على التعامل مع األفراد‪ ،‬أی مع القطاع اػباص‪ ،‬كلكن ربقق‬

‫‪52‬‬
‫اغبكومات تعاكف األفراد فإهنا تعتمد على االستمالة كعلى القوة‪ .‬كعلى‬
‫اعبزاء‪ .‬كاال ستثمار ال يعدك أف يكوف دبثابة التوابل اليت توضع ُب طبق‬
‫الطعاـ‪ ،‬كالناس لن يستمركا طويبل ُب التصرؼ كفقا ؼبا يقولو ؽبم السياسة‬
‫من أف ىذا ىبدـ صاحل اجملتمع‪ ،‬أهنم يريدكف أف يشبعوا اىتماماهتم كرغباهتم‬
‫اػباصة‪.‬‬
‫إف كل فرد قد يقتنع ُب البداية ابػبطب كالدعاية كلكنو يريد أف‬
‫يعرؼ آخر األمر ما الذم يستفيده كما الذم سيجنيو من ىذه الربامج‪،‬‬
‫كاستخداـ القوة ؿبدكد حبدكد‪ .‬فقد تستطيع استخداـ القوة التمنع الناس‬
‫من عمل أشياء ال تريدىا أنت‪ .‬كلكنك ال تستطيع أف تعتمد على القوة‬
‫إلجبار الناس على عمل أشياء تريدىا أنت ۔ خاصة إذا كنت تعيش ُب‬
‫ديبقراطية‪.‬‬
‫كىكذا هبب أف يكوف اعبزاء أك اؼبكافأة ىو الوسيلة الوحيدة‬
‫التحقيق برامج التنمية‪ .‬كإذا أردان للعماؿ أف ينجزكا ما نريده منهم فعلينا‬
‫أف نقدـ ؽبم أجورا تتناسب مع اجملهود الذم يبذلونو‪ .‬كإذا أردان ألصحاب‬
‫األعماؿ أف يستثمركا أمواؽبم فيجب أف نوفر ؽبم أرابحا مناسبة‪ .‬ككثَتا ما‬
‫تكوف أفضل كسيلة إلقباح برامج التنمية ىي فرض الضرائب على النشاط‬
‫الذم ال نريد تشجيعو‪ ،‬كتقدًن معوانت ألكجو النشاط اليت نريد تشجيعها‪.‬‬
‫كىناؾ درس آخر ‪ :‬إذا كانت برامج اإلنتاج تعتمد على تعاكف القطاع‬
‫اػباص كجب ربقيق خطة اإلنتاج عن طريق استشارة ىذا القطاع اػباص‬
‫كأخذ رأيو‪ .‬كليس ىذا اإلجراء ابؼبهمة السهلة على الدكاـ‪ ،‬فبعض‬

‫‪55‬‬
‫اغبكومات ُب البلداف اؼبتخلفة تبدم عداء لبلستعمار اػباص عامة‪،‬‬
‫كلبلستثمار األجنيب بصفة خاصة‪ ،‬كلن تسمح ؽبذين الفريقُت ابالشًتاؾ ُب‬
‫التخطيط اإلنتاجي ‪ ،‬فاألمر إذف يتطلب تعاكان كثيقا بُت اعبانبُت لتنفيذ‬
‫الربامج اؼبطلوبة كمن اؼبؤكد أف بعض اؼببلؾ سيًتددكف ُب تنفيذ بعض‬
‫االستثمارات اليت تريدىا اغبكومة‪ ،‬غَت أف الياابف استطاعت أف ربقق‬
‫التعاكف اؼبنشود‪ .‬كاألمر يقتضى أيضا التعاكف مع اؼبزارعُت‪ ،‬كىنا يقع العبء‬
‫على عباف اغبكومة اليت تقوـ إبجراء البحوث‪ ،‬كرباكؿ إقناع الفبلحُت بتطوير‬
‫األساليب اليت يستخدموهنا ُب الزراعة كتقوـ إبقراضهم نقودا كتسهم ُب‬
‫تسويق منتجاهتم‪ ،‬كدخوؿ اؼبياه النقية إذل قراىم‪ ...‬اخل‪ ..‬كلن ربقق اغبكومة‬
‫أغراضها ما دل تكسب ثقة اؼبزارعُت‪.‬‬
‫كبعض اغبكومات تفضل تنفيذ براؾبها كحدىا إذا رأت من القطاع‬
‫اػباص نکوصان كترددا كرفضا‪ ،‬كىكذا تنشئ اؼبزارع اعبماعية كتركز‬
‫جهودىا ُب مضاعفة اإلنتاج ُب قطاعاهتا ىي‪ .‬كلقد انتهج االرباد‬
‫السوفيييت ىذه السياسة ُب عشرينيات القرف العشرين‪ ،‬كما انتهجتها‬
‫اغبكومة الربيطانية ُب القطاع الزراعي ُب افريقية بدال من أف تضاعف‬
‫اإلنتاج على يد اؼبزارع اإلفريقي نفسو‪ ،‬كعندما فشلت ىذه السياسة ُب‬
‫االرباد السوفيييت عادت اغبكومة إذل سياسة إجبار اؼبزارعُت على العمل ُب‬
‫اؼبزارع اعبماعية‪ ،‬كىناؾ يطلب منهم أف يفعلوا ما يبلى عليهم‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫انقطاع انؼاو‬
‫البد من كجود برانمج للنفقات العامة‪ ،‬سواء كاف برانمج اإلنتاج‬
‫شامبل لبلقتصاد كلو أـ ال‪ .‬ككل حكومة ُب العادل تضع برانؾبا سنواي‬
‫لئلنفاؽ كتدؾبو ُب اؼبيزانية‪ .‬كمعظم البلداف اؼبتخلفة ال تقتصر ىذا الربانمج‬
‫على عاـ‪ ،‬كإمبا ذبعل الفًتة الزمنية سبتد إذل أكثر من عاـ‪ ،‬كأحياان تصل إذل‬
‫طبسة أعواـ‪ ،‬أك ستة‪ ،‬بل كعشرة أعواـ أحياان‪ ..‬كالواقع أف بعض الدكؿ‬
‫اؼبتخلفة مطالبة بعمل ذلك كشرط لتقدًن مساعدات دكلية ؽبا‪.‬‬
‫ففي عاـ ‪ 2945‬خصصت حكومة اؼبملكة اؼبتحدة مبلغ ‪۱۲٪‬‬
‫مليوف جنيو إسًتليٍت اؼبساعدة اغبكومات التابعة ؽبا‪ ،‬غَت أهنا طالبت كل‬
‫حكومة من ىذه اغبكومات بتقدًن برانمج تبُت فيو أكجو اإلنفاؽ اػباص‬
‫ابلتنمية ُب مدم عشر سنوات‪ .‬ىذا كقد طلب من البلداف اليت يتضمنها‬
‫مشركع كولومبو أف تعرض خططها لست سنوات‪ ،‬كذلك ُب عاـ ‪.۱۰5٪‬‬
‫ىذا كوببذ البنك الدكرل االطبلع على مثل ىذه اػبطط‪ ،‬كيعلن عن‬
‫استعداده إلرساؿ مبعوثُت إذل البلداف اؼبتخلفة للمساعدة ُب إعداد ىذه‬
‫اػبطط‪ ،‬بل لقد ذىبت الوالايت اؼبتحدة األمريكية إذل أبعد من ذلك‬
‫عندما قدمت مشركع مارشاؿ ؼبساعدة دكؿ أكركاب‪ ،‬فلقد طلبت من كل‬
‫بلد يتلقى صورة من ىذا اؼبشركع أف يقدـ خطة سبتد ألربع سنوات‪،‬‬
‫كتتضمن كل قطاع من قطاعات االقتصاد‪ ،‬سواء القطاع العاـ فيو أك‬
‫اػباص‪.‬‬
‫كالواقع أف مزااي التخطيط الذم يشمل عدة سنوات ىي مزااي‬

‫‪010‬‬
‫كاضحة للعياف‪ .‬كىو يتطلب قدرة على التعرؼ على التفاصيل اليت ستتم‬
‫ُب اؼبستقبل‪ .‬كالتطلع إذل اؼبستقبل تتيح كجود ىدؼ‪ ،‬كسلسلة من‬
‫اؼبراحل كالواقع أف أعداد اػبطة على ىذا النحو سيجعل التنسيق من‬
‫أكجو النشاط اؼبختلفة أمرا ضركراي‪ ،‬فاؼببلحظ أف يد اغبكومة اليمٍت ذبهل‬
‫ما تفعلو اليد اليسرل‪ ،‬كبذلك يتيح ؽبا الوضع اعبديد فرصة التنسيق بُت‬
‫األعماؿ اؼبختلفة‪.‬‬
‫غَت أف للتخطيط الذم يبتد ألعواـ عيوبو أيضا‪ ،‬إذ ال يبكن التكهن‬
‫ابؼبستقبل‪ ،‬حىت كلو كاف ىذا اؼبستقبل عبارة عن طبس سنوات قادمة فقد‬
‫يكتشف اؼبسئولوف أف بعض الربامج قد عفا عليها الزمن بسرعة كقد ترتفع‬
‫األسعار بشدة ألف االعتمادات اؼبخصصة جاءت أقل من اؼبطلوب ‪ -‬كبعض‬
‫اؼبشركعات يتم تنفيذىا قبل اؼبوعد اؼبقرر ؽبا بينما يتأجل تنفيذ البعض اآلخر‬
‫لعدـ كجود اؼبواد البلزمة أك العماؿ اؼبهرة أك العلماء أك اؼباؿ‪.‬‬
‫كفيما يتعلق ابلقطاع اػباص هبب أف يكوف برانمج القطاع العاـ متصبل‬
‫ابلقطاع اػباص بطريقة مناسبة فربانمج اؼبرافق العامة أبكملو‬
‫سكك حديد كموانئ‪ ،‬كمياه‪ ،‬ككهرابء‪ ...،‬اخل‪ ...‬هبب أف يبلئم أغراض‬
‫اؼبستثمرين األفراد أيضا‪ ،‬حىت يبكن تقدًن ( من التسهيبلت ُب الوقت‬
‫كاؼبكاف اؼبناسبُت كاؼبطلوبُت‪ .‬كىكذا يقتضی األمر إعداد خطة النفقات‬
‫العامة كخطة اإلنتاج معا حىت يتحقق التنسيق البلزـ‪ .‬كعلى اؼبسئولُت أف‬
‫يتعرفوا على نوااي أفراد القطاع اػباص‪ ،‬كعلى رجاؿ األعماؿ ُب القطاع‬
‫اػباص بدكرىم أف يسهموا ُب تشكيل الربانمج اػباص ابلقطاع العاـ‪.‬‬
‫كىناؾ بعض برامج توحي أبف االىتماـ األكرب مركز على العاصمة‪.،‬‬
‫‪012‬‬
‫كأف الريف يعاين من اإلنباؿ‪ .‬فهناؾ برامج كثَتة التجميل اؼبدف‪ ،‬كبناء‬
‫مساكن الئقة هبا‪ ،‬كتزكيدىا ابؼبدارس‪ ،‬كاؼبياه‪ ،‬كاػبدمات الطبية‪ ،‬كقد هبيء‬
‫ىذا على حساب اؼبناطق الزراعية اليت يسكنها الكثَتكف‪،‬كقد تضع‬
‫العاصمة للريف برامج استعراضية فقط ليتفرج عليها الزائركف‪ ،‬مع أف‬
‫األمر يقتضي على سبيل اؼبثاؿ ‪ -‬االىتماـ ابلشوارع الصغَتة اليت تصل‬
‫اؼبزرعة ابلسوؽ‪.‬‬
‫من أجل ىذا يتطلب األمر تطبيق سياسة البلمركزية ُب الربامج اػباصة‬
‫ابؼبدف كالريف‪ .‬كهبب تشجيع اؼبناطق الزراعية على كضع خططها اػباصة هبا‬
‫بنفسها‪.‬‬
‫كللتنمية داخل اجملتمع ميزة أخرل‪ ،‬كىي أهنا ذبد من التبذير ُب إنفاؽ‬
‫رأس اؼباؿ كىو عيب من عيوب برامج كثَتة‪ .‬كرأس اؼباؿ ُب الدكؿ اؼبتخلفة‬
‫اندر جدا لدرجة انو هبب استخدامو حبرص‪ .‬كقد يقتضي األمر ُب كثَت من‬
‫األحياف‪ ،‬اختيار أرخص شيء ينجز اؼبهمة‪ .‬كمن اػبطأ ُب ىذه اغبالة‪ ،‬بناء‬
‫مدارس أك مستشفيات أك ؿبطات حرارية ػبمسُت عاما قادمة‪ُ ،‬ب الوقت‬
‫الذم توفر فيو شيئا من النفقات إذا كبن قصران اؼبدة على ثبلثُت عاما فقط‪.‬‬
‫كابؼبثل‪ ،‬فإف استخداـ اآلالت اؼبستعملة قد يكوف أكثر مبلئمة من استخداـ‬
‫آالت جديدة‪ ،‬بل كقد يكوف من األفضل شراء عتاد تعتربه الدكؿ األكثر‬
‫تقدما عتيقا‪ ،‬كأف اإلفراط ُب استخداـ االظبنت كالصلب من األخطاء‬
‫الشائعة اليت تقع فيها بعض الدكؿ اليت تقوـ بتنفيذ برامج التنمية‪.‬‬
‫كىناؾ خطأ آخر تقع فيو الدكلة‪ ،‬كىي أهنا حُت تفكر ُب االستثمار‬
‫فإهنا تفكر ُب أشياء ملموسة‪ ،‬كلكنها ال تفكر ُب استثمار األشخاص‪،‬‬
‫‪013‬‬
‫كىذا العيب ظهر كاضحا ُب عدـ كجود برامج للصحة العامة‪ ،‬كبرامج‬
‫التعليم‪.‬‬
‫كمن اؼببلحظ أف العناية ابلصحة كتنفيذ براؾبها كاالىتماـ ابؼبواد‬
‫الغذائية كالقضاء على األمراض‪ ،‬كل ىذا يؤدم ُب النهاية إذل مضاعفة‬
‫اإلنتاج‪ .‬أما التعليم فيجب‪ ،‬إذل جانب اؼبدارس أبنواعها‪ ،‬أف زبصص‬
‫اغبكومة ‪ :2‬من إنتاجها القومي لئلنفاؽ على البحوث الزراعية كالتوسع‬
‫ُب الزراعة‪.‬‬
‫كإذل جانب الدكر الذم تلعبو اغبكومة ُب توفَت رأس اؼباؿ الستخدامو‬
‫ُب القطاع العاـ‪ ،‬قبد أهنا تسهم أيضا ُب القطاع اػباص‪ ،‬كقد تضطر إذل ىذا‬
‫حُت تلمس قلة اؼبدخرات احمللية‪ ،‬كاذ ذالك توفر رأس اؼباؿ للزراعة احملدكدة‪،‬‬
‫كللتنمية الصناعية‪ ،‬كاؼبرافق العامة‪ ،‬كاإلسكاف كقد هبیء رأس اؼباؿ ىذا من‬
‫اؼبدخرات أك من اػبارج‪.‬‬
‫كاحتياجات اغبكومات إذل اؼباؿ تتزايد ابستمرار‪ ،‬ذلك الف القطاع‬
‫العاـ ينمو أبسرع فبا ينمو االقتصاد‪ ،‬كنستطيع أف نقيس ىذا دبقاييس عدة‬
‫بعدد اؼبوظفُت الذين تستخدمهم اغبكومة‪ ،‬كاؼبوارد اليت تستغلها‪ ،‬أك نسبة‬
‫الضرائب على الدخل القومي‪.‬‬
‫هم اننًى االقتصادي يستحب ؟‬
‫النمو االقتصادم لو شبنو‪ ،‬مثلو ُب ذلك مثل أم شيء آخر كلو كاف ُب‬
‫اإلمكاف ربقيق النمو االقتصادم دكف متاعب ليدافع عنو اعبميع كحبذكه‪.‬‬
‫كلكن‪ ،‬نظرا ألف للنمو االقتصادم عيوبو فإف الناس ىبتلفوف ُب تقديره‪ ،‬كمن‬

‫‪014‬‬
‫مزااي النمو أنو يتيح أماـ اإلنساف فرصا أكرب لبلختيار‪ ،‬كليست األمر قاصران‬
‫على كوف النمو وبقق مزيدا من الثركة‪ ،‬كليست الثركة شرطا لتوافر السعادة‪،‬‬
‫مثاؿ ىذا أف الوالايت اؼبتحدة غنية كمع ذلك فهي أكثر الدكؿ قلقا كتوترا‪،‬‬
‫كالنمو االقتصادم وبقق قسطا أكفر من اغبرية‪ ،‬كنستطيع أف نلمس ىذه‬
‫اغبقيقة إذا كبن قاران بُت كضع اإلنساف البدائي كىو يواجو الطبيعة ككضع‬
‫إنساف العصر اغبديث‪.‬‬
‫كالنمو االقتصادم يوفر أيضا كقت فراغ نستطيع أف ننظم بو أما ُب‬
‫اؼبرحلة البدائية فنحن مضطركف إذل بذؿ اعبهد الشاؽ كمع ذلك ال نكاد‬
‫نسد رمقنا‪ .‬كيتيح أيضا فرصة اؼبفاضلة بُت مزيد من الفراغ أك مزيد من‬
‫السلع‪ ،‬كالواقع أننا لبتار االثنُت كنريد االستزادة منهما‪.‬‬
‫كالنمو االقتصادم يوفر مزيدا من اػبدمات‪ ،‬ففي األقطار الفقَتة قبد‬
‫أف الزراعة سبتص ‪ 6٪:‬أك ‪ ٪٪:‬من السكاف‪ ،‬أما ُب البلداف الغنية فإهنا ال‬
‫تستوعب أكثر من ‪ :20‬أك ‪ ،:25‬كيکفی ىذا العدد لتوفَت الغذاء‬
‫اؼبطلوب‪ .‬من أجل ىذا تستطيع الدكؿ الغنية أف ذبند النسبة الباقية من‬
‫السكاف ُب خدمات أخرل فتجعل منهم األطباء‪ ،‬كاؼبمرضُت كأطباء األسناف‪،‬‬
‫كاؼبدرسُت كاؼبمثلُت؛ كالفنانُت‪ ،‬كاؼبوسيقيُت كىناؾ أكجو نشاط كثَتة كالفن‬
‫كاؼبوسيقى كالفلسفة ال يبكن االستمتاع هبا إال إذا كاف ىناؾ مبو اقتصادی‬
‫ككاف البلد من الغٌت حبيث يستطيع أف يوفر عددا من مواطنيو ؽبذه األشياء‪.‬‬
‫كقد تستفيد النساء من النمو االقتصادم أكثر فبا يستفيد الرجاؿ‪،‬‬
‫ذلك ألنو يؤثر على كضع اؼبرأة‪ ،‬فهي ُب البلداف اؼبتخلفة عبء على الرجل‪،‬‬
‫كىي تنفق اليوـ كلو ُب أداء أشياء يبكن اقبازىا اليوـ ابلوسائل اغبديثة‪ .‬غَت‬

‫‪015‬‬
‫أف النمو االقتصادم وبررىا كيتيح ؽبا فرصة النضج كاالكتماؿ كاالستمتاع‬
‫حبقوقها ككائن بشرم‪.‬‬
‫كلكن لو كاف النمو االقتصادم عبارة عن مزااي فقط الدافع عنو اعبميع‬
‫كحبذكه غَت أف األمر على عكس ذلك‪ ،‬فهناؾ من يشَتكف إذل بعض‬
‫العيوب‪ ،‬كيفضلوف اجملتمعات اؼبستقرة كىم يكرىوف ركح االقتصاد‪ ،‬كىي‬
‫شرط من شركط النمو االقتصادم‪ .‬كما يعارضوف التنظيمات الضخمة ألهنا‬
‫تفرض نظاما صارما فعلى اؼبرء الذم يعمل ُب منظمة كهذه أف يستيقظ كل‬
‫يوـ ابنتظاـ كيؤدی عمبل ؿبددا ال يستطيع أف يتهاكف فيو‪ .‬كىم يهاصبوف‬
‫النمو االقتصادم أيضا قائلُت إنو يعتمد على عدـ اؼبساكاة ُب الدخوؿ‪.‬‬

‫‪016‬‬
‫انفهرس‬

‫مقدمة ‪5 ................. ................................‬‬


‫الفصل األكؿ ‪ :‬نقاط أساسية ‪23 ............................‬‬
‫الفصل الثاين ‪ :‬الرغبة ُب االقتصاد ‪27 .......................‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬األنظمة االقتصادية ‪34 .....................‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬اؼبعرفة ‪53 .. ................................‬‬
‫الفصل اػبامس ‪ :‬رأس اؼباؿ ‪59 .............................‬‬
‫الفصل السادس ‪ :‬السكاف كاؼبوارد ‪72 ......................‬‬
‫الفصل السابع ‪ :‬اغبكومة ‪87 ...............................‬‬

‫‪015‬‬

You might also like