Professional Documents
Culture Documents
963 نظرية التنمية الاقتصادية آرثر لويس
963 نظرية التنمية الاقتصادية آرثر لويس
آرثرلويس
تقديم ومراجعة
دارال ب املصريت
فهرست أثنان النضر
لويس ،آرثر
نظرية التنمية االقتصادية /د .آرثر لويس ,تقدًن كمراجعة :د .سعاد دركيش
-اعبيزة – ككالة الصحافة العربية.
227ص 02*28 ،سم.
الًتقيم الدكذل978 -977 -992 – 254 – 3 :
رقم اإليداع 0202 / 02824 : أ – العنواف
2
نظرية التنمية االقتصادية
3
4
مقدمة
بدأ التنظَت للتنمية االقتصادية خبلؿ فًتة ما بُت اغبربُت العاؼبيتُت األكذل
كالثانية ،كقد تسارعت كتَتتو بعد اغبرب العاؼبية الثانية كمع بداية موجة التحرر
الوطٍت كظهور مشكلة البلداف اؼبُستقلة حديثنا ،كقد كانت النظرايت األكذل،
كعلى مدل عقود نظرايت برجوازية ينتجها أكاديبيو البلداف اؼبتقدمة كيص ّدركهنا
للمستعمرات السابقة ،ككانت بطبيعة اغباؿ تنتمي ُب معظمها للخط الكمي
اليميٍت ،ككاف أشهر النماذج التطبيقية ؽبذه النظرايت ىو مبوذج ىاركد– دكمار
كمينا شديد التبسيط ،يربط النمو مباشرةن مبوذجا ّ
ن الذم كاف بطبيعة اغباؿ
يتجسد على مستول السياسات ّ ابالدخار كمعامل رأس اؼباؿ ،كالذم
كاإلسًتاتيجيات ُب استثمار ُب التصنيع كرأس اؼباؿ االجتماعي كالبنية التحتية،
ضمن سياسات ذبارية هتدؼ إلحبلؿ الواردات ،كسياسات اقتصادية ديبوغرافية
ضل القطاع اغبضرم على القطاع الريفي.
تف ّ
كمع تطور ؿبدكد ابذباه اػبط الكيفي منذ منتصف الستينيات مع
شف النتائج العملية البائسة التباع تلك النظرايت كاإلسًتاتيجيات،لذلك
تك ّ
اتسع أفق نظرايت التنمية ُب الستينات ،ليشمل مزي ندا من اؼبتغَتات كاألبعاد
بعضا من البعد الكيفي اؽبيكلي ُب االعتبار،كمن
الكمية ،كما تطورت لتأخذ ن
النظرايت الشهَتة ُب التنمية االقتصادية ،تلك النظرية اليت قدمعا آرثر لويس،
كقبل أف نعرض ؽبا يستحسن أف نقف على سَتتو الذاتية.
5
سٍزة انًؤنف
كلد االقتصادم الشهَت "سَت آرثر لويس" ُب سانت لوسيا -إحدل
جزر الكارييب ككاحدة من جزر اؽبند الغربية ُ -ب 03يناير 2925ككاف
كالداه مدرساف ىاجرا من آنتيجوا -من جزر األنتيل -منذ 2925
كتوَب كالده عندما كاف ُب السابعة ـبلفا أرملة كطبسة أبناء تًتاكح اعمارىم
بُت طبسة أعواـ كسبعة عشر عاما،كاف لويس كقتها ُب الرابعة عشر من
عمره ،كاضطر إذل ترؾ اؼبدرسة كالتحق ابلعمل ككاتب ُب اػبدمة اؼبدنية،
كبعد ثبلثة أعواـ تقدـ المتحاف للحصوؿ على منحة دراسية تقدمها
كحصل على
ّ اعبامعات الربيطانية ،كفاز ابؼبنحو فسافر إذل لندف
بكالوريوس ُب التجارة كاحملاسبةٍ ،ب كاصل دراستو ليحصل ُب عاـ 2938
على درجة الدكتوراه ُب االقتصاد ،بدأ العمل ُب مشاكل االقتصاد العاؼبي
بناء على اقًتاح فريدريك ىايكٍ ،ب رئيس قسم االقتصاد ُب بورصة لندف،
بعد اغبرب العاؼبية الثانية ،عندما أصبحت اؼبستعمرات السابقة مستقلة،
بدأ لويس دراستو للتنمية االقتصادية .دل يكن لويس يتعاطف مع الرأم
القائل أبف الدكؿ الفقَتة هبب أف تدار من قبل الديكتاتوريُت حىت يتمكنوا
من التطور.
ككاف لويس ؿباضران ُب جامعة لندف ُب الفًتة من 2938إذل
ٍ ،2948ب أستاذ ستانلي جيفونز لبلقتصاد السياسي ُب جامعة مانشسًت
من 2948إذل 2958
كاف انئب رئيس جامعة جزر اؽبند الغربية من 2959إذل 2963
6
كأستاذ االقتصاد السياسي ُب جامعة برينستوف من عاـ 2963حىت
كفاتوُ.ب 25يونيو 2992
االقتصاد انًزدوج
كقد اىتم لويس آرثر بشكل خاص ابلتنمية االقتصادية كلو فيها
نظرية ؿبددة يعرضها ىذا الكتاب ،كلو كتب كدراسات كثَتة هتتم
ابقتصادايت الدكؿ الفقَتة ،كاؼبعرؼ أف ابن سانت لوسيا دل يتس أنو
منحدر من بلد فقَت ،كيعرؼ أف اقتصاد بلده وبتوم على قطاعُت ،أحدنبا
"رأظبارل" صغَت كاآلخر قطاع "تقليدم" كبَت جدا (زراعي)..كقد الحظ أف
أرابب العمل ُب القطاع الرأظبارل يوظفوف العماؿ لكسب اؼباؿ .بينما
أرابب العمل ُب القطاع التقليدم ال وبققوف أقصى قدر من الربح لذلك
يستأجركف عددا كبَتا من العماؿ حبيث تكوف إنتاجيتهم منخفضة جدا.
كيرل لويس أف حل ىذه اإلشكالية يتمثل ربويل العمالة إذل تصنيع
حيث تكوف أكثر إنتاجية .فالرأظباليوف ينقذكف من أرابحهم كيستخدموف
ىذا التوفَت للتوسع ،فبا يضيف إذل النمو .افًتض لويس أف العماؿ ُب
الزراعة ال يوفركف أم شيء ،حبيث يكوف اؼبصدر الوحيد لبلدخار ىو
الرأظباليُت ُب التصنيع.
استخدـ لويس مبوذجو لشرح مبط النمو ُب البلداف بشكل عاـ .ىذه
ىي الطريقة اليت أكضح هبا النمو اؼبقلوب على شكل حرؼ Uكف نقا
للدخل الفردم لبلد ما ..ابلنسبة للبلداف الفقَتة جدا مثل بنجبلديش،
فإف النمو بطيء ألف قطاع الصناعات التحويلية صغَت أك غَت موجود ،كال
5
يوجد مصدر كبَت لبلدخار ..أما البلداف ذات الدخل اؼبتوسط مثل كوراي
كاتيواف ،فإف النمو مرتفع ألف قطاع الصناعات التحويلية ينمو كيسحب
العمالة من الزراعة ،حيث تعاين من نقص العمالة .ابلنسبة للبلداف ذات
الدخل اؼبرتفع ذات قطاع الصناعات التحويلية الكبَتة ،مثل الوالايت
اؼبتحدة ،فإف النمو أبطأ ألف اؼبكاسب الناذبة عن ربويل العمالة من
الزراعة تكاد تستغل كلها.
كقد جاءت ىذه الفكرة على ذىن آرثر لويس كىو ُب الطائرة متجها
من لندف إذل ابقبوؾ غبضور مؤسبر اقتصادم نظمتو اتيبلند عن التنمية
ككاف ذلك ُب عاـ ،2954فتحدث ُب اؼبؤسبر عن مفهومو ؼبا أظباه
"االقتصاد اؼبزدكج" ُب بلد فقَت.
ىذه الفكرة بلورىا آرثر لويس كعاد ؽبا فيما بعد كصاغها ُب نظرية
كانت ؿبورا ألعمالو التالية اليت أكدت رسوخ إظبو كواحد من أىم علماء
االقتصاد ُب العادل ،فمنحتو بريطانيا اعبنسية اإلقبليزيةٍ ،ب منحتو لقب
سَت ،كُب عاـ ،2979حصل على جائزة نوبل ،كذلك تقديرا ألحباثو
الرائدة ُب التنمية االقتصادية مع إيبلء اىتمامو اػباص دبشاكل البلداف
النامية.
نظزبت انتنًٍت
ينتمى ابن مستعمرة سانت لوسيا إذل فريق من االقتصاديُت يهتم
ابلفقراء ،كيهتم ابإلنساف عموما ،فَتل أف التنمية االقتصادية ىي تلك
العملية اليت تتحقق فيها مستوايت أعلى من التوظيف سواء ُب اؼبدينة أكُب
2
القرل كاألرايؼ ،كذلك ؼبواجهة الزايدة اؼبتوقعة ُب السكاف ،كال نعن ىذا
ابلتوظيف أف يكوف منتجا من الناحية االقتصادية فحسب ،بل أف يكوف
أيضا مرضيا للفرد حىت يزرع فيو ركح االبداع كاػبلق كاالستخداـ األكثر
لوقت الفراغ .كما يقصد ابلتنمية االقتصادية "العملية اليت يتم من خبلؽبا
ربقيق زايدة ُب متوسط نصيب الفرد من الدخل اغبقيقي على مدار الزمن،
كربدث من خبلؿ تغَتات ُب كل من ىيكل االنتاج كنوعية السلع
كاػبدمات اؼبنتجة ،إضافة إذل إحداث تغيَت ُب ىيكل توزيع الدخل لصاحل
الفقراء"2
"كما أف التنمية االقتصادية ؽبا أبعاد كاعتبارات زبرج عن كوهنا عبارة
عن االستثمار االقتصادم األمثل للدخل القومي من خبلؿ برامج
كمشاريع تسعى ل تحقيق الرفاىية للمجتمع ،إذل كوهنا عبارة عن استخداـ
اؼبوارد االقتصادية كالطاقات البشرية اؼبدربة كالعمل على تنميتها لرفاىية
كل قطاعات اجملتمع مع اغبفاظ على قيم اجملتمع التارىبية كاألخبلقية
كالسياسية2
كىناؾ تعريفات أكثر مشولية للتنمية االقتصادية ،منها أف "التنمية
االقتصادية ليست عملية اقتصادية حبتة ،بل تشمل دراسة السلوؾ
االجتماعي كالقيم السائدة كاألكضاع السياسية الداخليػة كاػبارجية ،كما
تشمل أيضا تنمية الفرد ألنو تعترب العصب اغبقيقي للتنمية االقتصادية"
فالتنمية ال تصنع ابلتقدـ اؼبادم فقط ،بل البد من الًتكيز على اعبانب
االجتماعي كربسُت مستول األفراد .كىذا ىو ىدفها األساسي الذم
يكسبها جدكاىا كمربرىا.
5
كُب كتابو " نظرية التنمية االقتصادية" تدكر دراستو البحثية حوؿ مبو
اإلنتاج الذم ينتجو كل فرد من السكاف كؽبذا فقد اىتم بنمو اإلنتاج ال
بتوزيعو ،فهناؾ اختبلفا بُت االثنُت ،فقد يتزايد اإلنتاج كمع ذلك يزداد
غالبية الشعب فقرأ ،كدل يهتم كثَتا ابالستهبلؾ ،ألف اإلنتاج قد يتضاعف
ُب الوقت الذم يظل فيو االستهبلؾ يتضاءؿ .كيشَت إذل ثبلثة أسباب
تؤدم إذل النمو االقتصادم ،كىي النشاط االقتصادی ،كاؼبعرفة اؼبتزايدة
رأس اؼباؿ اؼبتزايد .كوبدد مفهومو للنشاط االقتصادم أبنو اجملهود اؼببذكؿ
من أجل مضاعفة نتاج ؾبهود معُت أك مورد معُت ،أك اإلقبلؿ من تكاليف
إنتاجو أف النشاط االقتصادم أمر ال بد منو من أجل توفَت االقتصاد
كمعٌت ىذا ضركرة كجود ؿباكلة ،كبذؿ للجهد ،كإال فلن يكوف ىناؾ مبو
كالنمو ىو الثمرة اليت وبصل عليها اإلنساف بشرط أف يبذؿ ؾبهودا،
كالنمو االقتصادم يتطلب أيضا أف يعمل الناس بوحي من ضمَتىم
كىكذا قبد أف اؼبسألة ىنا ليست مسألة ساعات عمل أكثر بل أف يؤدم
العامل أداء حسنا بقدر ما ُب طاقتو ،كأف يكوف منظما من حيث البدء ُب
العمل كالوفاء دبوعد االنتهاء منو ،كلقد لوحظ أف كجود ىذه الظاىرة ُب
اجملتمعات البدائية مرجعو عدـ تعود الفرد ىناؾ على ظركؼ العمل
اعبديد ،كشركط ىذا العمل أف الفرد ىناؾ قد تعود على العمل ُب اغبقل،
ابلسرعة اليت اعتادىا ،كبدكف كجود ساعة ألغرابو إذف ُب أف يتأخركا عن
مواعيد اؼبصنع بعد ذالك كابؼبثل إذا كاف أفراد اجملتمع قد اعتادكا عبلقات
القرىب ُب العمل ،أك االعتماد على اؼبركز االجتماعي فمن الصعب عليك أف
ذبربىم على التزامات معينة.
01
كال ينهي الكاتب فصولو قبل أف يتحدث عن استحباب التنمية
االقتصادية ،فيقوؿ أف للنمو االقتصادم شبنو ،مثلو ُب ذلك مثل أم شيء
آخر كلو كاف ُب اإلمكاف ربقيق النمو االقتصادم دكف متاعب ليدافع عنو
اعبميع كحبذكه .كلكن ،نظرا ألف للنمو االقتصادم عيوبو فاف الناس
ىبتلفوف ُب تقديره.
كمن مزااي النمو إنو يتيح أماـ اإلنساف فرصا أكرب لبلختيار ،كليست
األمر قاصران على كوف النمو وبقق مزيدا من الثركة ،كليست الثركة شرطا
لتوافر السعادة ،مثاؿ ىذا أف الوالايت اؼبتحدة غنية كمع ذلك فهي أكثر
الدكؿ قلقا كتوترا .كالنمو االقتصادم وبقق قسطا أكفر من اغبرية.
كنستطيع أف نلمس ىذه اغبقيقة إذا كبن قاران بُت كضع اإلنساف البدائي
كىو يواجو الطبيعة ككضع إنساف العصر اغبديث.
كالنمو االقتصادم يوفر أيضا كقت فراغ نستطيع أف ننظم بو أما ُب
اؼبرحلة البدائية فنحن مضطركف إذل بذؿ اعبهد الشاؽ كمع ذلك ال نكاد
نسد رمقنا .أما النمو االقتصادم فيتيح لنا فرصة اؼبناضلة بُت مزيد من
الفراغ أك مزيد من السلع ،كالواقع أننا لبتار االثنُت كنريد االستزادة منهما.
كذلك يوفر مزيدا من اػبدمات .ففي األقطار الفقَتة قبد أف الزراعة سبتص
6٪:أك ٪٪:من السكاف ،أما ُب البلداف الغنية فإهنا ال تستوعب أكثر من
:20أك ،:25كيکفی ىذا العدد لتوفَت الغذاء اؼبطلوب ،من أجل ىذا
تستطيع الدكؿ الغنية أف ذبند النسبة الباقية من السكاف ُب خدمات أخرل
فتجعل منهم األطباء ،كاؼبدرسُت كاؼبوسيقيُت كغَت ذلك ،كىناؾ أكجو نشاط
كثَتة كالفن كاؼبوسيقى كالفلسفة ال يبكن االستمتاع هبا إال إذا كاف ىناؾ مبو
00
اقتصادی ككاف البلد من الغٌت حبيث يستطيع أف يوفر عددا من مواطنيو ؽبذه
األشياء.
كقد تستفيد النساء من النمو االقتصادم أكثر فبا يستفيد الرجاؿ ،ذلك
ألنو يؤثر على كضع اؼبرأة ،فهي ُب البلداف اؼبتخلفة عبء على الرجل ،كىي
تنفق اليوـ كلو ُب أداء أشياء يبكن اقبازىا اليوـ ابلوسائل اغبديثة ،غَت أف النمو
االقتصادم وبررىا كيتيح ؽبا فرصة النضج كاالكتماؿ كاالستمتاع حبقوقها ككائن
بشرم.
كلكن لو كاف النمو االقتصادم عبارة عن مزااي فقط الدافع عنو اعبميع
كحبذكه غَت أف األمر على عكس ذلك ،فهناؾ من يشَتكف إذل بعض العيوب،
كيفضلوف اجملتمعات اؼبستقرة كىم يكرىوف ركح االقتصاد ،كىي شرط من
شركط النمو االقتصادم .كما يعارضوف التنظيمات الضخمة ألهنا تفرض نظاما
صارما فعلى اؼبرء الذم يعمل ُب منظمة كهذه أف يستيقظ كل يوـ ابنتظاـ
كيؤدی عمبل ؿبددا ال يستطيع أف يتهاكف فيو .كىم يهاصبوف النمو االقتصادم
أيضا قائلُت إنو يعتمد على عدـ اؼبساكاة ُب الدخوؿ.
د .سعاد دركيش
02
انفصم األول
نقاط أساسية
ُب البدء أحب أف أكضح النقاط اليت يتناكؽبا ُب ىذا الكتاب ،حتی
ال وبدث لبس أك غموض ،فموضوع الدراسة يدكر حوؿ مبو اإلنتاج الذم
ينتجو كل فرد من السكاف كؽبذا فنحن مهتموف ىنا بنمو اإلنتاج ال بتوزيعو
ذلك الف ىناؾ اختبلفا بُت االثنُت ،فقد يتزايد اإلنتاج كمع ذلك يزداد
غالبية الشعب فقرأ كيستنتج من ىذا أننا لن هنتم دبسألة االستهبلؾ ،ذلك
ألف اإلنتاج قد يتضاعف ُب الوقت الذم يظل فيو االستهبلؾ يتضاءؿ K
كيرجع ىذا إذل أحد أمرين :أما أف اؼبدخرات آخذة ُب التزايد ،كأما أف
اغبكومة تستفيد من اإلنتاج ُب أغراضها ىي ،أغراضها اػباصة هبا كلن
أعرؼ اإلنتاج ىنا ،كسأترؾ تعريفو للذين يضعوف نظرايت االقتصاد
القومي ،ذلك ألف ىناؾ مشاكل عسَتة تتصل دبقارنة إنتاج عاـ بعاـ آخر،
كمشاكل حوؿ األشياء اليت يبكن أف يقاؿ عنها أهنا إنتاج ،كاألشياء اليت
تعترب من قبيل تكاليف اإلنتاج ،مثل نفقات توزيع السلع ،كنفقات
الشحن ،كنفقات اإلعبلف عن اإلنتاج كأريد أيضا أف أدكر حوؿ اإلنتاج
االقتصادم كأف استخدـ كلمة « اقتصادی » ىنا دبعناىا القدًن كلذلك لن
نتناكؿ ىنا مفهوـ الرفاىية ،أك إشباع الرغبات ،أك توفَت السعادة ذلك ألف
اإلنتاج قد يتضاعف كمع ذلك ال وبقق مزيدا من السعادة للفرد أك
03
جملموعة من األفراد ىذا الكتاب ال يتساءؿ إذف :ىل هبب أف نقدـ
للناس مزيدا من السلع كاػبدمات كإمبا يتساءؿ كيف نوفر اؼبزيد من
السلع كاػبدمات ؟ ( مع إيباف اؼبؤلف بوجوب تقدًن اؼبزيد للناس ) ككبن
إذا نظران إذل إنتاج كل فرد من أفراد اجملتمع لوجدانه يعتمد على شيئُت :
موارد ىذا اجملتمع ،كسلوؾ األفراد الذين يعيشوف ُب ظلو كىذا الكتاب
يهتم أكؿ ما يهتم دبسألة السلوؾ ىذه ،كعندما يتعرض للموارد الطبيعية
فذلك ألهنا تؤثر على سلوؾ األفراد اؼبنتخبُت كمن الواضح أف الفركؽ ُب
اؼبوارد الطبيعية تودی إم فركؽ ُب اإلنتاج كلكن قد يتساكل بلداف ُب
مواردنبا الطبيعية كمع ذلك نلمس اختبلفا بُت إنتاج البلدين كىنا نضطر
إذل االلتفات إذل مواطن االختبلؼ بُت سلوؾ الناس ُب البلد األكؿ
كسلوكهم ُب البلد الثاين.
كإذا نظران إذل األسباب اليت تتحكم ُب النمو كجدان أف ىناؾ ثبلثة
أسباب:
( )2الرغبة ُب «االقتصاد» عن طريق زبفيض تكاليف اإلنتاج أك
مضاعفة إنتاج اجملهود اؼببذكؿ أك اؼبوارد اؼبوجودة كىذه الرغبة ُب االقتصاد
قد تتجسم ُب التجربة ،أك اإلقداـ على اؼبغامرة ،أك اؼبركنة ،أك ؿباكلة
التخصص ُب فرع من الفركع.
( )۲ازدايد اؼبعرفة كالتوسع ُب تطبيقها كاؼبعرفة آخذة ُب التزايد على
مر العصور ،غَت أف التضاعف السريع الذم حققو النمو ُب القركف
األخَتة مرتبط بتضاعف معارفنا ۔ بسرعة ُ -ب ميادين اإلنتاج ،كمرتبط
04
بتطبيقنا ؽبذه اؼبعارؼ.
( )۳يتوقف النمو على ازدايد رأس اؼباؿ اؼبوجود أك غَته من اؼبوارد.
كاؼببلحظ أف ىذه األسباب كاف كاف كل منها يتميز عن اآلخر ،إال
أهنا مرتبطة كمتشابكة ،كسنجد أنفسنا مضطرين إذل إلقاء السؤاؿ التارل :
ؼباذا قبد ىذه العوامل تؤثر ُب بعض اجملتمعات أكثر فبا تؤثر ُب األخرل ؟
كؼباذا يزداد أتثَتىا ُب فًتات ُب التاريخ كال يزداد ُب فًتات أخرل ؟ كأم
بيئة تًتعرع فيها العوامل اليت ربقق النمو ؟.
كسنضطر إذل أف نتساءؿ أيضا :ما ىي األنظمة اليت تساعد على
النمو كما ىي األنظمة اليت تعرقل اعبهود ،كتقف عقبة ُب طريق التجديد
أك االستثمار؟ كما الذم هبعل الناس يؤمنوف أبشياء تساعد على النمو أك
أبشياء تعرقلو ؟ كىل يرجع تباين اؼبعتقدات كاألنظمة إذل اختبلؼ
األجناس ،كتنوع الطبيعة اعبغرافية ،أـ أف األمر ال يعدك ؾبرد مصادفة
اترىبية ؟ ىذه األسئلة إمبا هتتم األنظمة أك اؼبعتقدات ،أك البيئات اؼببلئمة
النمو االقتصادم.
كقد قيل أف مثل ىذه األسئلة تتشعب ُب فركع العلوـ االجتماعية
اؼبختلفة كالواقع أف رجاؿ االقتصاد قد درسوا موضوع التخصص ،كرأس
اؼباؿ كأكدكا أيضا أنبية اؼبركنة كاغبركة ،كاالبتكار كاؼبغامرة ،بل لقد قطع
بعض رجاؿ االقتصاد مزيدا من األشواط .فدرسوا النظم اؼبختلفة كأشار
رجاؿ االقتصاد ُب القرف التاسع عشر بصفة خاصة إذل مسألة امتبلؾ
األراضي ،أك التشريعات اػباصة ابلشركات اؼبسانبة كمع ذلك ماتت كل
05
ىذه الرغبات ُب الربع الثاين من القرف العشرين ،بل لقد أكدت ىيئات
مسئولة أف ىذه الدراسات ليست من شأف رجاؿ االقتصاد كإمبا ىي كقف
على رجاؿ االجتماع كاؼبؤرخُت ،كدارسي اؼبعتقدات ،كاؼبشرعُت ،كرجاؿ
علم اغبياة ،كاعبغرافيُت كيساكرين الظن أبف رجاؿ االقتصاد تركوا أمر النظم
االقتصادية لرجاؿ االجتماع ،كترؾ رجاؿ االجتماع أمر النظم االقتصادية
لرجاؿ االقتصاد.
من أجل ىذا آمل أال وبسدين أحد على جرأٌب .كؿباكليت استعراض
اؼبوقف بصفة عامة ،ذلك ألين كجدت كل كاحد غَتم زبلى عن ىذه
اؼبهمة.
06
انفصم انثاني
انرغبة يف االقتصاد
أشرانُ ،ب الفصل السابق ،إذل األسباب الثبلثة اؼبًتابطة اليت تؤدم
إذل النمو االقتصادم ،كىي :النشاط االقتصادی ۔ اؼبعارؼ اؼبتزايدة رأس
اؼباؿ اؼبتزايد كالفصل اغبارل ،كالذم يليو يدكراف حوؿ السبب األكؿ كىو
:النشاط االقتصادم ،كنعٍت بو اجملهود اؼببذكؿ من أجل مضاعفة نتاج
ؾبهود معُت أك مورد معُت ،أك اإلقبلؿ من تكاليف إنتاجو أف النشاط
االقتصادم أمر ال بد منو من أجل توفَت االقتصاد كمعٌت ىذا ضركرة
كجود ؿباكلة ،كبذؿ للجهد ،كإال فلن يكوف ىناؾ مبو كالنمو ىو الثمرة
اليت وبصل عليها اإلنساف بشرط أف يبذؿ ؾبهودا ،ذلك الف الطبيعة
ليست رحيمة ابإلنساف ،أهنار -لو تر کت كشأهنا ذبعل اغبشائش اؼبضادة
تنمو بدؿ النبااتت النافعة ،كًب الربوع ابألكبئة كاإلنساف ال يدفع عنو غائلة
كل ىذه الكوارث إال ابإلقداـ على إجراءات معينة كببذؿ ؾبهود معُت
كىكذا يقف اإلنساف كيواجو ربدم الطبيعة ،كهبذا يستطيع أف ينتزع منها
إنتاجا أكفر لقاء ؾبهود أقل.
كقبولنا التحدم الطبيعة معناه استعدادان لؤلقداـ على التجارب
كالسعي كراء الفرص ،كاالستجابة لؤلبواب اؼبفتوحة ،كإجراء اؼبناكرات ،أف
أعظم قدر من النمو أمبا وبدث ُب اجملتمعات اليت يتصيد أصحاهبا الفرص
05
االقتصادية ،كينشطوف كيغتنموف ىذه الفرص.
كالواقع أف اجملتمعات زبتلف من حيث رغبة أفرادىا ُب اعبری كراء
الفرص االقتصادية ،كانتهازىا ،كؿباكلة استغبلؽبا بل أف اعبماعات ،داخل
اجملتمع الواحد ،زبتلف ُب ىذه النقطة أيضا ،كاجملتمع نفسو يتعرض
التغَتات نتيجة للمراحل التارىبية اليت يبر هبا ,كىذا التباين ،كاالختبلؼ،
مرجعهما أسباب ثبلثة ،يتميز كل بسبب منها عن اآلخر :فقد يرجع
االختبلؼ إذل اختبلؼ ُب تقدير قيمة النفع اؼبادم ابلنسبة للمجهود الذم
بذؿ من أجل ربقيقو كقد يرجع إذل اختبلؼ الفرص اؼبتاحة أك إلی مدی
تشجيع اؼبسئولُت لعملية اإلنتاج ،كذلك إبزالة العوائق أماـ الفرد دبنحو
شبار جهده ،كلقد أىتم اؼبصلحوف االجتماعيوف دبوضوع األنظمة اؼبعموؿ
هبا ُب اجملتمع ،كالذم يريد منهم توفَت النمو االقتصادم يهتم إبدخاؿ
تعديبلت على األنظمة ،كذلك عن طريق الدعاية أك التشريع.
غَت أف الرغبة ُب بذؿ اعبهد ،من أجل ربقيق النمو االقتصادم،
تتباين أيضا نتيجة العوامل سيکلوجية كقد تكوف ىناؾ طائفة من طوائف
اجملتمع ال تعترب إنتاج السلع أمرا ذا ابؿ ،كال تراه يستحق اعبهد الذم
يبذؿ فيو كقد يرجع ىذا إذل أحد سببُت:
( ) ۱عدـ تقدير السلع ( أما بسبب التقشف أك االىتماـ أكجو نشاط
أخرل :أك ضيق اآلفاؽ ).
( )۲تقدير اجملهود اؼبطلوب تقديرا نفسيا عاليا ( كاجملهود اؼبطلوب يتطلب دكف
شك انتهاز الفرص كاستغبلؽبا ،كالسعي كراء اغبركة كاؼبركنة كاالستثمار ).
02
كسنحاكؿ دراسة كل موقف من اؼبواقف السالف ذكرىا على جدة
( )1انزغبت فً انحصىل ػهى سهغ
05
لو قدمنا بذكرا فبتازة أك أظبدة صناعية ؼبزارعي اؽبند أك بورما فليس ىناؾ،
ُب داينتهم ،ما يبنعهم من استخداـ ىذه العناصر ُب أرضهم ،أك االستمتاع
ابلثمار اؼبمتازة اليت سيحصلوف عليها نتيجة ؽبذه العوامل اؼبساعدة.
من اؼببلحظُ ،ب معظم اجملتمعات ،أف مباىج التقشف ؿبدكدة اذا ما
قيست دبباىج الثركة ،ابعتبار الثركة كسيلة لتحقيق مرموؽ .السلطة كالنفوذ،
أك الداللة على أف صاحبها يتمتع دبركز اجتماعی مرموؽ.
كمغرايت االستهبلؾ الظاىر للعياف أماـ اعبميع ،ىي مغرايت مألوفة،
معركفة بل أف ىناؾ من يرغبوف ُب السلع من أجل ىذه الظاىرة كحدىا
ابلرغم من أهنم قد ال يستمتعوف هبا ،كما أكثر الذين يقتنوف أشياء كال
ينعموف هبا ،كالدافع الوحيد كراء سعيهم ىو أف يؤكدكا مكانتهم كمركزىم
كالكتب فبلوءة أبخبار أانس وبتفظوف ُب منازؽبم أبجهزة بيانو ال ذبد من
يعزؼ عليها ،كلوحات فضية ال ذبد من يتذكقها كقطعاف من اؼباشية ربتفظ
هبا القبيلة ال لتستفيد من غبمها أك لبنها كإمبا لتطلع الناس على مرکزىا بُت
بقية القبائل كأكثر الذين يتجهوف ىذا االذباه أانس انتقلوا من طبقة
اجتماعية دنيا إذل طبقة اجتماعية مرتفعة ،كُب الصناعية قبد أف ىذه الفئة
التواقة إذل الظهور ىي فئة ؿبدثي النعمة أك ما يطلق عليهم ابلفرنسية «
األثرايء اعبدد » كُب البلداف اػباضعة لبلستعمار قبد أف الطبقة اغباكمة
اؼبنعمة زبتلف ُ -ب اعبنس عن الطبقة اغبكومة ،كلكنا نفاجأ بظهور بعض أفراد
الطبقة اغبكومة الذين يريدكف أف هباركا اغباكمُت ُب بذخهم كتر فهم كقصورىم
كيؤثر ىذا على اقتصادايت الوطنيُت كوبوؿ دكف ذبميع رؤكس أمواؿ.
21
كىناؾ من يرغب ُب الثركة ألنو يرل فيها كسيلة لتحقيق النفوذ
كالسلطة ،سواء سبثلت ىذه السلطة ُب القدرة على الرشوة ،أك ُب النفوذ
السياسي ،أك القدرة على السيطرة على اؼبرؤكسُت ،أك أم نوع آخر من
أنواع النفوذ.
كمع ذلك فليست الثركة دائما أيسر طريق لتحقيق النفوذ أك اؽبيبة
أف أم شخص ثرمُ ،ب اجملتمعات الرأظبالية اغبديثة ،يستطيع أف يرتقي إذل
أرفع اؼبناصب ُب ؾبتمعو ،كلكن ليس اغباؿ كذلك ُب ؾبتمعات أخرل
كثَتة فالكلُ ،ب اجملتمع اؽبندكکی ،وبًتموف طبقة الكهنة دكف غَتىم ،كُب
الصُت القديبة كاف أرفع قدر من االحًتاـ كقفا على العلماء كحدىم كقبد
ُب أمكنة أخرل أف الذم يتمتع ابلنفوذ كاؽبيبة ىو اعبندم ،أك الشخص
الذم ينحدر من أسرة نببلء كُب أم بلد قبد أف الشباب النشط ىبتار
الطريق الذم هبد أنو وبظى أبكرب قدر من الرفعة كالسمو ،أنو يذىب إذل
اغبرب إذا كاف اجملد كالسؤدد ُب اغبرب ،أك إذل ميداف الصيد ،أك الدين
البَتكقراطية كلن تتجو أذىاف الشاب الطامح إذل النشاط االقتصادم إال
إ ذا كجد أف النشاط االقتصادم ىو الذم سيحقق لو اجملد كُب أايـ االرباد
السوفيييت األكذل كاف منظمو النشاط االقتصادم موضع احتقار ،ككاف
اجملد من نصيب أفراد اغبزب ،أك عضو النقابة العمالية ،أك العادل ،أما مدير
اؼبصنع فبل يتمتع بتقدير كبَت غَت أف األكضاع تغَتت اليوـ كثَتا ،فمدير
اؼبصنع الناجح يتقاضى أجرا كبَتا كينعم ابمتيازات خاصة ُب اؼبسكن ،كُب
اؼبتع ،كدل يعد خاضعا للعماؿ ُب مصنعو أضف إذل ىذا أف يصل إذل أعلى
اؼبراتب االجتماعية.
20
كيقودان ىذا إذل القوؿ أبف بعض الدكؿ تتوؽ إذل الثركة أكثر فبا تتوؽ
إليها دكؿ أخرل غَت أف اؼبسألة ىنا مسألة كم ،ففي كل بلداف العادل ،دكف
استثناء ربقق الثركة االحًتاـ كاؽبيبة.
كُب كل ؾبتمع تقريبا قبد أف الثركة كاؽبيبة ،كالنفوذ ،أمور نرتبط
ببعضها ارتباطا كثيقا كاالختبلؼ اعبوىرم بُت اجملتمعات ىو اختبلؼ ُب
مصادر الثركة اليت ربقق اؽبيبة كالنفوذ ففي اجملتمعات اليت دل تصبح بعد
رأظبالية قبد أف الناس -ينفقوف ثركاهتم ُب أشياء غَت إنتاجية ،أما ُب
اجملتمعات الرأظبالية فيستثمركهنا بطريقة إنتاجية كنسبة النمو االقتصادم
تتأثر بصورة ىائلة ابلطريقة اليت ينفق هبا األغنياء ثركاهتم فهناؾ فارؽ ىائل
الُت إنفاؽ النقود ُب بناء قصور فخمة ،كُب إنفاقها ُب أعماؿ الرم أك
اؼبناجم أك غَتىا من أكجو النشاط اإلنتاجي أف طريقة االستثمار اإلنتاجي
ىي اليت سبيز األمة الغنية عن األمة الفقَتة كنقطة التحوؿ اؽبامة ُب حياة
ؾبتمع من اجملتمعات ليست ُب احًتامو للثركة كإمبا لبلستثمار اإلنتاجي،
كللثركة اليت ربقق ىذا النوع من االستثمار النافع.
نصل اآلف إذل أىم قيد يؤثر ُب رغبات الناس ُب السلع ،إال كىو
اآلفاؽ احملدكدة.
كالنقطة اليت نريد اإلشارة إليها ىنا ىي أف الرغبات تصبح ؿبدكدة حُت
تكوف السلع اليت يسمع عنها اإلنساف كيستطيع أف استخدمها ؿبدكدة
بدكرىا كتتفاكت القيود من ؾبتمع آلخر كىی تعتمد على العناصر التالية:
22
( )۱رأس اؼباؿ اؼبادم اؼبوجود.
( )۲رأس اؼباؿ اغبضارم اؼبوجود.
( )3العادات كاحملظورات.
( )4اعبهل.
كنعٍت برأس اؼباؿ اؼبادم تلك البيئة اؼبادية اليت ال بد منها لبلستمتاع
بنعم معينة كقد تكوف ىذه البيئة طبيعية كقد تكوف مصنوعة صنعا كىكذا
قبد أف السكاف الذم يعيشوف ُب بلد ببل أهنار ال وبتاجوف إذل قوارب ،كأف
الذين يعيشوف ُب القطب ال يطلبوف اآليس كرًن ،كُب نقل الوقت ال يفكر
سكاف اؼبناطق القارية ُب اغبصوؿ على فراء للتدثر بو كالذين يقطنوف بيوات
صغَتة مظلمة ال يفكركف كثَتا ُب األاثث كاألماكن احملركمة من التيار
الكهرابئي ال تطلب األجهزة الكهرابئية من جراموفوف إذل غسالة كهرابئية،
إذل شواية ،إذل مكنسة كهرابئية كحيث ال توجد طرقات ال توجد سيارات،
كىكذا كُب مثل ىذه اغباالت كلها قبد أف السلع اليت يستطيع الفرد
شراءىا كيستطيع استخدامها ىي سلع ؿبدكدة.
أما رأس اؼباؿ اغبضارم ،فعبارة عن إطار اؼبعرفة الذم يتمتع بو
اجملتمع كىكذا قبد أف الفرد األمر ال وبتاج إذل اعبرائد كالکتب ككافة
السلع االستهبلكية اليت تشًتط إؼباـ الفرد ابلقراءة لك استطيع االستمتاع
هبا كإذا كاف الوعي اؼبوسيقي للمجتمع ُب اغبضيض فإنو ال يطلب كثَتا
اآلالت اؼبوسيقية أك اغبفبلت اؼبوسيقية كابؼبثل أيضا يتوقف كجود اؼبسرح
كالسينما ،كاإلستاد الرايضي كقاعة الرقص ككافة أشكاؿ التسلية اعبماعية
23
على طبيعة الثقافة اليت يتمتع هبا أفراد اجملتمع.
كقبد أيضا أف االحتياجات تتقيد أحياان ابلرغبات كاحملظورات ففي
اؼبستوايت الدنيا للمعيشة قبد أف الغذاء كالكساء 0/3الدخل أك أكثر
كىبضع الغذاء كالكساء التقاليد كعادات اجتماعية ذات أنبية كىكذا
يتعذر عليك أف تقنع أانسا ربسبُت مستول كجبتهم الغذائية إذا كاف ُب
ىذا اإلجراء تقيم لعاداتو ُب الطعاـ ،كطريقة طهيهم لو ،كإذا كاف يؤدم إذل
استخداـ أنواع جديدة كابؼبثل ذبد أف « اؼبوديبلت » اعبديدة ُب اؼببلبس
قد تقابل ابلرفض ُب بعض اجملتمعات.
كتتحدد الرغبات أيضا نتيجة للجهل ،فقد هبهل األفراد ُب ؾبتمع من
اجملتمعات -كجود سلع معينة ،كبذلك تنعدـ حاجتهم إليها أصبل كينتج
عن ىذا أيضا أهنم ال يطمعوف كثَتا ُب رفع أجورىم ذلك ألف مطالبهم
ؿبدكدة كحىت لو حدث كارتفعت أجورىم ،فإهنم سينفقوهنا ُب شراء نفس
السلع اليت اعتادكىا ،دكف التطلع إذل سلع جديدة هبهلوف أمرىا كىكذا
قبد أف حصوؿ الفرد على أجر أكربُ ،ب ىذه اجملتمعات ،معناه أيضا شراؤه
ؼبزيد من الشراب ،أك مزيد من الزكجات ،أك مزيد من الثياب ،كال شيء
غَت ىذا.
كاجملتمعات البدائية ،حُت يزيد دخلها ال تستطيع أف تستمتع ابلزايدة
ابلطريقة اليت تستمتع هبا اجملتمعات الناىضة هبا ،كذلك الضيق اجملاؿ الذم
تستخدـ فيو كسيكوف ىناؾ ،ابلطبع ،اعبهد اؼببذكؿ :فالدراجات تقلل
اغباجة إذل السَت ،كالبنادؽ ذبعل من األيسر قتل اغبيواانت اؼبتوحشة
24
كاؼبستودعات اغبفظ اؼباء كتيسره للطعاـ أك ربميو من التلوث.
كاؼببلحظ أف االحتياجات تتزايد بتزايد اعبهاز اؼبادم اؼبوجود،
كاضمحبلؿ سلطة التقاليد اؼبوركثة ،كإبؼباـ مزيد من النوع بوجوب اؼبزيد
من السلع كىذا العنصر األخَت ىو الذم يتحكم ُب تزايد االحتياجات
ذلك ألف التعرؼ على كجود سلع جديدة يساعد ُب ربطيم التقاليد أك
تغَت البيئة اؼبادية.
( )2تكانٍف انجهذ انًبذول
الناس يقدركف أشياء أخرل إذل جانب تقديرىم للثركة أهنم يقدركف
كقت الفراغ ،كعبلقاهتم الطيبة مع اآلخرين تلك العبلقات اليت قد يسيء
إليها سعيهم اعبامح كراء الثركة كيقدركف صلة األصدقاء كذكم القرىب فبن
سيًتكوهنم إذا ىاجركا كراء الفرص االقتصادية كما أف ؽبم ربيزات قد ربوؿ
بينهم كبُت االستفادة من الفرص اؼبتاحة ؽبم ،ألننا لو سلمنا أبف الناس
متساككف ُب رغبتهم إال أف جهودىم زبتلف نتيجة الختبلؼ ُب نظرهتم إذل
ىذه اعبهود.
كسنبدأ بنظرة الناس إذل العمل كموقفهم منو فلو تساكی الناس ُب
رغبتهم ُب السلع اال أهنم سيقللوف ؾبهودىم إذا كجدكا أف العمل شاؽ،
كسيضاعفوف من اعبهد حُت ال يكوف العمل شاقا ككبن نسلم ابلطبع أبف
اؼبقاييس اليت يقيسوف هبا صعوبة العمل أك سهولتو ىی مقاييس ذاتية
كموضوعية فمن الناحية اؼبوضوعية ،قد يكوف العمل شاقا إذا كاف هبهد
25
إنساان معينا أكثر فبا هبهد اآلخرين كقد يرجع ىذا اإلجهاد إذل ضعف ىذا
اإلنساف ،أك إذل ترکيبو ،أك إذل طبيعة بيئتو كمن الناحية الذاتية قد يبدك
العمل شاقا الف صاحبو ال يبيل إذل العمل کسبيل من سبل اغبياة.
كالبياف اعبسدم ىبتلف من جنس اآلخر ،كىبتلف من قرد آخر
داخل اعبنس الواحد كىناؾ عوامل تتحكم ُب ىذا البياف ،منها التغذية،
كالبيئة ،كالوراثة على سبيل اؼبثاؿ كسوء التغذية كاألمراض اؼبزمنة ىي
السبب الرئيسي -تقريبا ُ -ب أحساس سكاف البلداف اؼبختلفة ابإلرىاؽ
السريع كىذه الظاىرة تؤدم بدكرىا إذل قلة اإلنتاج ،كقلة اإلنتاج يؤدم
بدكره إ ذل نقص الغذاء كظهور األمراض اؼبزمنة كىكذا تدكر اغبلقة
كالشركات الضخمة اليت تعمل ُب بيئات كهذه أف ىي اىتمت بغذاء ؽبم
عماؽبا كحالتهم الصحية ككفرت ؽبم العبلج اجملاين إذا اقتضى األمر بل إف
ُب بعض البلداف الصناعية اؼبتقدمة مثل الوالايت اؼبتحدة كاقبلًتا ،شركات
تقدـ كجبات رخيصة ُب منتصف النهار كخاصة إذا كاف لديها عامبلت
کثَتات.
كتتحكم البيئة أيضا ُب إحساس العامل ابإلرىاؽ أك استعداده للعمل
كىكذا يتضايق العامل الذم يعمل ُب جو ابرد جدا أك حار جدا ،كيبدك
أف اعبسم يصبح ُب أحسن حاالتو ،كيصبح أكثر استعدادا للعمل ،عندما
تًتاكح درجة اغبرارة بُت ۰٪ك٪٪درجة مئوية كىكذا سبتاز البلداف ذات
اؼبناخ اؼبعتدؿ على البلداف ذات اؼبناخ القاری.
كأخَتا قبد أف عمبل معينا قد يكوف أشق من اآلخر أما ألنو يتطلب
26
مزيدا من اعبهد ُب الوحدات الزمنية أك ألنو غَت مستحب..
غَت أف ىذه العوامل قد يلغى بعضها البعض فالعماؿ يرحبوف ابلعمل
الشاؽ إذا كانت الظركؼ االجتماعية فيو أفضل من ظركؼ العمل السهل
كالعماؿ الفقراء الذين يعانوف من الضعف قد يفوقوف غَتىم إذا كانت
ظركفهم ُب العمل أفضل.
كالعمل كسيلة للحصوؿ على السلع كاػبدمات ،غَت أنو -أيضا -
أسلوب ُب العيش ،كىكذا قبد أف البعض يبيلوف إليو بينما ال يبيل إليو
البعض اآلخر ككل إنساف ينظر إذل العمل على أنو شيء مغلق إذل حد ما،
كعلى أنو فضيلة إذل حد ما ،غَت أف ىناؾ من يؤيد ىذا العنصر أك ذالك
كيغلبو على العنصر اآلخر ككثَتا ما زبضع ىذه النظرة إذل العمل لداينة
العامل فبعض الدايانت تنادم أبف اػببلص أك النعيم الركحي ،إمبا يوجد ُب
التأمل أك الصبلة ،بينما تنادم دايانت أخرل أبف اػببلص إمبا يوجد ُب
العمل ،ذالك ألنو يهذب الركح كما أننا مطالبوف ۔ أخبلقيا ۔ ابستغبلؿ
اؼبواىب كاؼبوارد اليت انعم هللا علينا هبا.
كىناؾ عوامل أخرل تؤثر على نظراهتم إذل العمل ،كلکنا لسنا على
يقُت منها سب اما فهناؾ من يتحدث عن االختبلفات البيولوجية ،أك رداءة
العمل كقيمتو اإلنتاجية ،أك البياف االجتماعي ُب البلد غَت أف اؼبشكلة قد
ال تكوف مشكلة ،تكوين بيولوجی أك بياف اجتماعی ،كإمبا قد ترجع إذل
قركف عدة ماضية قركف تشكلت فيها تقاليد معينة ،كنظرة معينة.
كىناؾ من يعزم اختبلؼ الناس ( ُب نظرهتم إذل العمل ) إذل سلوؾ
25
الطبقات العليا اؼبوجودة داخل اجملتمع كىذا النفر يقوؿ أف الناس وبًتموف
العمل عامة كيقدركنو إذا كاف اعبميعُ ،ب ىذا اجملتمع ،يعملوف كاف ىذا
الوضع يتغَت ُب اجملتمعات اليت تظهر فيها طبقة عاطلة ال تعمل ذلك ألف
الناس يقلدكف من ىم أرفع منهم مرتبة ،كإذا كاف الذين ينعموف ابؼبرتبة
الرفيعة وبتقركف العمل كيركنو أمرا مهينا فاف اآلخرين سيذلوف ُب العمل
أقل جهد فبكن كاؼببلحظ أف الطبقات اؼبهيمنة ُب اجملتمع تود عادة لو
اشتغل الناس ابنتظاـ كاجتهاد ،كىم يريدكف أف يشتغل العامل أربعُت ساعة
أك يزيد كل أسبوع .كالرأظباليوف كأصحاب العمل يريدكف عامبل كادحا
ؾبدا ،ذلك ألف العمل حُت يتضاعف فاف ذلك تعود على الرأظباليُت
كالرؤساء ابلنفع ،كالف أرابحهم تتضاعف بتضاعف اإلنتاج .كاغبكومات
أيضا سواء كانت ديبقراطية أـ استبدادية تريد لشعبها أف يعمل ،ذلك ألف
زايدة اإلنتاج معناىا كجود ضرائب أكثر ،كاغبكومات تريد ىذا الدخل
الذم أيتيها من الضرائب ،كىي تنفقو ُب كجوه زبتلف ابختبلؼ اذباىاهتا.
كلقد لوحظ أف اغبكومات « اؼبتطرفة » اليت انتخبها الناس ألهنا كعدت
بتخفيض ساعات العمل للعماؿ ،تطالب العماؿ بعد ذلك أف يضاعفوا
من عملهم ،كيرفعوا ساعات العمل ،كذلك بعد أف تستقر أمورىا
كاإلنسانيوف بدكرىم وببذكف العمل الدؤكب لئلنساف ذلك ألهنم يكرىوف
الفقر كيكرىوف ما هبره الفقر من كيبلت ،كيريدكف للشعب أف ينعم
دبستول معقوؿ للمعيشة.
غَت أين أحب اإلشارة إذل حقيقة ىامة تتصل ابؼبوضوع الذم يدكر
حولو ىذا الكتاب أساسا .أف االستعداد للعمل الساعات األكثر ليس شرطا
22
أساسيا لتحقيق النمو االقتصادم ككبن ال هنتم ُب کتابنا ىذا ۔ ابؼبستول
اؼبطلق لئلنتاج ،كإمبا ابلسرعة اليت ينمو هبا ىذا اإلنتاج كإذا استبعدان
التغَتات الطفيفة ُب ساعات العمل كجدان أف اإلنتاج ينمو عادة ال ألف
الناس يشتغلوف دبزيد من الكد كإمبا الف الساعات اليت يعملوف فيها تنتج
أكثر كذلك بفضل العلم ،أك رأس اؼباؿ ،أك فرص التخصص كاالستثمار.
كالنمو االقتصادم يتطلب أيضا أف يعمل الناس بوحي من ضمَتىم
كىكذا قبد أف اؼبسألة ىنا ليست مسألة ساعات عمل أكثر فعلى الرجل
أف يكوف على استعداد لبلنصراؼ بكليتو إذل العمل ،كأف يؤدم أداء
حسنا بقدر ما ُب طاقتو ،كأف يكوف منظما من حيث البدء ُب العمل
كالوفاء دبوعد االنتهاء منو كمن اؼبؤسف لو حقا أف ىذه الصفات معدكمة
ُب بعض اجملتمعات اليت ال يكًتث فيها الناس ابلوفاء بعقودىم اؼبرسومة
كلقد لوحظ أف كجود ىذه الظاىرة ُب اجملتمعات البدائية مرجعو عدـ تعود
الفرد ىناؾ على ظركؼ العمل اعبديد ،كشركط ىذا العمل أف الفرد ىناؾ
قد تعود على العمل ُب اغبقل ،ابلسرعة اليت اعتادىا ،كبدكف كجود ساعة
ألغرابو إذف ُب أف يتأخركا عن مواعيد اؼبصنع بعد ذالك كابؼبثل إذا كاف
أفراد اجملتمع قد اعتادكا عبلقات القرىب ُب العمل ،أك االعتماد على اؼبركز
االجتماعي فمن الصعب عليك أف ذبربىم على التزامات معينة ،كقد
يقتضى إقرار الركح اعبديدة مركر جيلُت أك ثبلثة أجياؿ.
30
ُب بلداف يتم فيها النمو االقتصادم خبطى سريعة جدا كُب نفس الوقت،
ىناؾ ُ -ب بلداف أخرل من رغبة ُب عدـ ربطيم اآلماؿ كتعريضها
للصدمات ،كىذه البلداف تعترب العدكاف أمر سيء ،كال تريد أف يكد
البعض على حساب اآلخرين .أك يسبب الفرد ؼبنافسو خسائر.
كاآلف كقد انتهينا من حديثنا من موقف الناس من التنافس بتحوؿ
إذل موقفهم من اؼبغامرة أف االستعداد للمغامرة يرجع إذل مزاج اؼبغامر كارل
قدراتو ،كاذل التقاليد اليت نشأ فيها كتربی عليها كاؼببلحظ أنو كلما كاف
كضع الفرد مأموان من الناحية االقتصادية كاف أكثر استعدادا كقدرة على
اؼبغامرة كىكذا يستطيع اؼبزارع الفٍت أف هبرب اغببوب اعبديدة ،أما
الفبلحوف الذين يعيشوف على الكفاؼ فيكتفوف بزراعة اغببوب التقليدية
اليت يعرفوف جيدا أهنا كفيلة أبف تسد رمقهم كمن انحية أخرل قبد أف
الشعب الفقَت جدا الذم ليس لديو ما ىبسره قد يكوف أكثر استعدادا
للقياـ دبغامرة االضراب ،كىكذا إذا ظبع العاطلوف عن العمل أبف ىناؾ
إضرااب على مسَتة مئات األمياؿ فإهنم أكثر استعدادا لبلنضماـ إليو من
العماؿ الذين يتقاضوف أجور معقولة كىكذا تتسع الفرص أماـ اؼبغامرات
ُب اجملتمعات الغنية جدا كاجملتمعات الفقَتة جدا ،كال قبدىا هبذه النسبة ُب
اجملتمعات اؼبعتدلة.
( )3انًىارد واالستجابت
إذا حبثنا عن أىم اؼبوارد الطبيعية كجدان أهنا تتألف من اؼبناخ ،كاؼباء
العذب ،كالًتبية اػبصبة ،كاؼبعادف النافعة ،كالتكوين اعبغراُب الذم پيسر
32
سبل اؼبواصبلت كال نستطيع أف نقوؿ عن أم عنصر من ىذه العناصر أنو
غٍت بصورة مطلقة أك فقَت بصورة مطلقة ذلك ألف العنصر القيم ُب يومنا
اغبارل قد يصبح غَت ذم جدكل غدا كىبضع ىذا التغَتات اليت تطرأ على
األساليب ،كاألذكاؽ ،كما ىبضع لظهور اکتشافات كـبًتعات جديدة فلم
يكن النجم ذم قيمة إال حُت عرؼ الناس كيف وبرقونو ،كال يستطيع أحد
اليوـ أف يتحدث عن مستقبلو ُب ثقة .خبلؿ اؼبائيت عاـ القادمة.
كاآلف نتساءؿ :إذل أم حد يعتمد النمو االقتصادم ُ -ب سرعتو -
على كفرة اؼبوارد الطبيعية أك ندرهتا ُب بلد من البلداف ؟ الواقع أف الواحد
منهما يعتمد على اآلخر كاذا تساكت صبيع العوامل األخرل كجدان أف
الناس يستطيعوف استغبلؿ اؼبوارد الغنية أفضل فبا يستطيعوف استغبلؿ
اؼبوارد الفقَتة كىكذا نتوقع من البلداف اليت تنعم بفرص كبَتة أف ربقق
أكرب قدر من التنمية.
فإذا سلمنا بوجود موارد ُب البلد ،كجدان أف سرعة مبوىا تتحدد بعد
ذلك بطريقة سلوؾ شعبها ،كبشكل اؼبنظمات اؼبوجودة داخل ىذا البلد
أف سرعة النمو زبضع عبربكت العقل ،كدبوقف الناس من اؼبادة ،كمن
استعدادىم لبلدخار كاستثمار أمواؽبم فيما يعود ابلنفع كيؤدم إذل رفع
اإلنتاج ،كما زبضع أيضا اغبرية اؼبنظمات اؼبوجودة ،كمركنتها.
33
انفصم انثانث
األنظمة االقتصادية
35
ىذه النقطة ألف الكثَتين يظنوف أف اؼبلكية ليست سول ملكية خاصة أف
اؼبدمرة اليت سبلكها اغبكومة ملكية مثلما أف الفداف الذم يبلكو اؼبزارع ملكية
كابلرغم من أف اؼبدمرة ملك لكافة الناس من انحية من النواحي ،إال أف
القانوف ينص على أف استخدامها ؿبدكداهتا ليست مشاعا بينهم.
ككافة النظم االقتصادية هتتم ابؼبفهوـ القانوين للملكية سواء كانت
رأظبالية أك اشًتاكية ،سواء كانت إقطاعية أك غَت إقطاعية فاؼبورد أك الثورة
أف دل ذبد من وبميها من اجملموع فإنو سيساء استخدامها ال ؿبالة ،كمنم
أجل ىذا سبتد اغبماية القانونية للملكية ،سبتد إذل كافة اؼبوارد دبجرد أف
تصبح اندرة كالبلد اؼبكتظ ابلسكاف كالذم تقل فيو اؼبوارد ،يضطر إذل
السيطرة على ىذه اؼبوارد ،أف اؼبوارد تصبح ملكية خاصة ،كحىت إذا
اعتربت ملكية عامة فإف تصريف شئوهنا ىبضع لتنظيم الدكلة أك أی سلطة
من السلطات اغباكمة.
كاؼبلكية نظاـ معًتؼ بو ُب كل ركن من أركاف العادل ،كلواله ؼبا أحرز
اعبنس البشرم أ تقدـ على اإلطبلؽ ،إذ سيفتقر إذل الدافع الذم يدفعو
إذل النهوض ببيئتو غَت أف اجملتمعات زبتلف فيما بينها اختبلفا كبَتا فيما
يتعلق بتعقد القوانُت كاألساليب اػباصة ابؼبلكية.
كإ ذا نظران إذل األمور من زاكية النمو االقتصادم كجدان أف الشرط
األساسي ىو إحساس اؼبستثمر أبنو سيسًتد مالو ،مضافا إليو تعويضات
ألنو دل يستهلك ما لديو كإمبا وباكؿ أف ينتفع بو كىذا اؼبطلب ينطبق على
اؼبستثمر الفردم كينطبق أيضا على السلطة العامة ،ذلك ألف اغبكومات
36
نفسها ال تستثمر أمواؽبا ما دل تتوقع جزاء كامبل ألمواؽبا.
كمن أعقد اؼبشاكل اليت تواجو ؾبتمعنا ذلك الصراع بُت الذين
يبتلكوف كالذين يتم استخدامهم للعمل لقاء أجر كىناؾ من يتطرؼ كوببذ
العبودية فينادم أبف العامل هبب اال أيخذ أكثر فبا يكفي السد رمقو ،كاف
الفائض الذم يفيض بعد ىذا اغبد هبب أف يذىب إذل جيب اؼببلؾ كىناؾ
من يقف عند الطرؼ اآلخر سباما كيتطرؼ أيضا فيؤكد أف اعبهد اؼببذكؿ
كحده ىو الذم يؤدم إذل ظهور إنتاج كاف للعامل اغبق ُب كل اإلنتاج
الذم تصنعو يداه كبُت ىذين الطرفُت اؼبتناقضُت تقف مقًتحات عديدة
تنادم ابقتساـ اإلنتاج.
35
على مزااي العمل الضخم .كىنا تواجو الوحدات التعاكنية مشكلتُت :أ-
البواعث( ،ب) السلطة ،ففيما يتعلق ابلبواعث كاغبوافز يضطر كل شريك
إذل االعتماد على نوااي شركائو الطيبة كعلى عدـ تلكؤىم على حساب
اآلخرين كمن اؼبمكن أف ينجح ىذا النظاـ عندما يكوف عدد الشركاء
ؿب دكدا كيستطيع ستة أك دستة من العماؿ اؼبهرة أك اؼبزارعُت أف يشتغلوا س
كاي العشرات من السنُت دكف حدكث خبلؼ كبَت غَت أهنم ال ينجحوف ُب
ىذا بصفة مستمرة بل أف اؼبشركعات العائلية ال تعدـ الكسل ،كالًتاخي،
كاالفتقار إذل البواعث كنشوب اػببلفات.
كلكن حُت يتطلب العمل تضخم عدد اؼبسانبُت فيو حىت يتعذر
االعتماد على الثقة اؼبتبادلة أك التعاطف اؼبوجود بُت األفراد كإذ ذاؾ
يصبح من الضركرم مكافأة كل عامل حبسب ما يعملو من الساعات،
كحبسب مهارتو كمن اؼبمكن بعد ذلك توزيع الفائض على أساس تعاكنی
غَت أف األمر يتطلب االعتماد على بواعث األجور ،على السعر ابلقطعة،
كاؼبكافأة التشجيعية ،كما شاكل ذلك كمن شأف ىذا أف يعاقب اؼبشًتؾ
الذم يتلكأ ،كيكافئ اؼبشًتؾ الذم يبذؿ جهدا أكرب.
كلكن ليست ىذه ىي اؼبشكلة الوحيدة اليت تواجو التعاكنيات
الضخمة فهناؾ أيضا مشكلة اإلدارة ،فبل بد من كجود نظاـ كسلطة ،البد
من كجود أانس يصوغوف القرارات ،كأانس يضعوهنا موضع التنفيذ كقد
يتساكی اؼبشًتكوف ُب اؼبشركع من حيث أنصبتهم ،كلكنهم ال يبكن أف
يتساككا من حيث حظهم ُب السلطة كعليهمُ ،ب حالة كثرة عددىم ،أف
يكلوا أمر السلطة إذل عبنة كمعٌت ىذا ُب هناية األمر أف معظم اؼبسانبُت ُب
32
مشركع من اؼبشركعات يكونوف القرارات كعليهم أف ينفذكا األكامر كما لو
كانوا مرؤكسا يتقاضى أجرا كيضيقوف هبذا عزـ السلطة على االحتفاظ
ببعض األرابح كاحتياطي ،كُب النهاية تتمزؽ اؼبنظمة بفعل اػببلفات
الداخلية لذا ال تنجح اؼبنظمات الضخمة اليت تسَت على النظاـ التعاكين
مثلما تنجح اؼبنظمات اليت ال تسَت على ىذا النظاـ كاالستثناء يثبت
القاعدة فاؼبزارع التعاكنية ُب اإلرباد السوفيييت ليست تعاكنية إال ابالسم
فقط ،أما اإلدارة فيقوـ هبا أعضاء اغبزب الشيوعي الذين يبلوف على كل
عضو ما هبب عليو عملو ،كينقدكنو أجران يتناسب مع ؾبهوده ،كيشًتكوف ُب
أخذ الفائض طبقا ؼبقدار األرابح.
كىكذا قبد أف مشاكل الباعث ،كالسلطة ،ىي مشاكل موجودة ُب
كافة اؼبنظمات الضخمة ،حىت كلو أف العماؿ يبتلكوف األشياء اليت
يعملوف هبا غَت آف فصل اؼبلكية من العمل نفسو ىبلق مشكلة اثلثة -
كىي :توزيع األنصبة بُت الذين يعملوف كالذين يبلكوف كُب اجملتمعات
الرأظبالية كاالشًتاكية قبد أف اؼبلكية أما زبص الرأظبالية أك زبص الدكلة،
كُب كلتا اغبالتُت يطالب اؼبالك حبقو ُب بعض اعبزاء ،كما يطالب أيضا حبقو
ُب اؼبسانبة ُب اإلشراؼ على سَت العمل كالتحكم فيو كنريد أف نؤكد أف
أتميم اؼبلكية ال وبل مشكلة من ىذه اؼبشاكل كاالشًتاكية دل تنقل اؼبلكية
إذل العماؿ كإمبا نقلتها إذل الدكلة أك أم سلطة عامة أخرل ،كىذه تقوـ
دبهمة اإلشراؼ كتشًتؾ ُب العمليات .فما رأم العامل ُب ىذه األكضاع ؟
أف ىذا يتوقف على موقفو من الدكلة كنظرتو إليها ،فقد وببذ تدخل الدكلة
كاشًتاكها ُب األرابح كىناؾ من العماؿ من يقاكـ ىذا الوضع ألنو يعود
35
على أف ىباؼ من اغبكومة كيصادؽ رؤسائو ،كىناؾ آخركف يعملوا كيف
يكرىوف « طبقة الرؤساء » كوبًتموف « الدكلة الديبقرانية »
( )2انتجارة وانتخصص
ننتقل اآلف إذل اغبديث عن الفرص اليت تتيحها األنظمة -
كاالقتصادية أماـ التجارة كالتخصص -ذلك الف اطراد التجارة كاتساع
رقعة التخصص أمر حيوم للنمو االقتصادم.
من اؼببلحظ أف التجارة تنشط النمو كتدفع إليو ،ذلك ألهنا تنشط
الطلب كذلك بطرح سلع جديدة ُب األسواؽ ،كإذ ذاؾ قد يرغب
اؼبستهلك ُب مضاعفة عملو لكي يستطيع شراء ىذه السلع كالتجارة تقلل
أيضا من حاجة اجملتمع إذل رأس ماؿ عامل .كالتجارة تستقدـ أفكارا
جديدة ،كأغبلطا استهبلكية جديدة ،أك تستقدـ آراء جديدة تتعلق
ابلركابط االجتماعية ،كإذا درسنا اتريخ أم بلد ككجدان أنو حقق فجأة مبو
اقتصاداي سريعا ،أك ربوال ُب اؼبعتقدات أك تغَتات ُب الركابط االجتماعية،
فمعٌت ىذا أف ىناؾ فرصا مضاعفة أماـ التجارة.
كاالذبار يدفع أيضا إذل التخصص ،ذلك الف تقسيم العمل يعتمد
على مساحة السوؽ كلقد اغبق آدـ ظبيت بتقسيم العمل أنبية كربل إذل
حد أنو اعتربه السبب ُب تطور التكنولوجيا ،كتطبيق رأس اؼباؿ كلكنا
نقوؿُ ،ب ىذه األايـ ،أف التخصص كاؼبعرفة كرأس اؼباؿ ،كل ىذه األشياء
تنموا ُب كقت كاحد كليس من شك ُب الدكر اؽباـ الذم يلعبو التخصص
41
ُب ميداف النمو االقتصادم غَت أف للتخصص شبنو أيضاُ ،ب التخصص قد
يذكؽ الويبلت إذا قل الطلب على السلعة اليت زبصص فيها كاؼببلحظ أف
الطلب ىبتلف كيتنوع دبركر الوقت الف األذكاؽ ،تتغَت ،أك ألف األساليب
اعبديدة كالسلع اعبديدة ذبعل ىذه السلع القديبة شيئا عتيقا ابليا كلو
ليجرب اؼبتخصص حظو ُب سلعة أخرل فانو قد يفقده دخلو كإذا كاف
ىذا تنطبق على الفرد فانو ينطبق أيضا على اجملتمع ُب ؾبموعو ،فكلما
عظم التخصص كلما زادت اغباجة إذل اؼبركنة ُب القياـ ابألعماؿ اؼبختلفة،
كىذا خَت ضماف ض د اؼبطالب كاألذكاؽ اليت تتغَت أبدا كمن عيوب
التخصص أيضا أنو يؤدم إذل ضياع التوازف ،كىذا يتضح ،بصورة جلية ُب
العمليات الزراعية فالتخصص اؼبفرط ُب ؿبصوؿ معُت قد يؤدم إذل فقداف
انتشار لؤلمراض توازف بيولوجي ،كقد يظهر ىذا ُب صورة إجهاد للًتبية،
أك كاألكبئة كما أف التخصص يؤدم إذل افتقار الذىن البشرم إذل التوازف
فالشعب الذم يتخصص ُب التعدين ال يرل العادل ابلصورة اليت يراه عليها
شعب خصص ُب الزراعة.
40
ما أف يشرع الناس ُب التخصص حىت يصبح من الضركرم استنباط
كسيلة للتنسيق بُت أكجو نشاطهم كُب اجملتمع الكبَت يقوـ السوؽ دبهمة
التنسيق فالعرض كالطلب وبدداف السعر على سبيل اؼبثاؿ ،غَت أف جهاز
السعر ال وبل كافة اؼبشاكل االجتماعية ،ذلك ألنو يفتقر إذل الكماؿ ،كىو
يتأثر جبهود الناس ،كىي اعبهود اليت يبذلوهنا لعرقلة سَته ،كتقييده فنظاـ
السعر ىبضعُ ،ب كل مكاف لبلحتكاريُت أك اغبكومات ،كلكن ال يبكن
التخلي عنو أبدا بل أف االرباد السوفيييت نفسو يعتمد عليو ،كوباكؿ خلق
اؼبهارات النادرة ،كتنشيط اإلنتاج الزراعي ،كعدـ تشجيع الناس على
استهبلؾ السلع غَت اؼبتوفرة ،كإجبار الصناعات اغبكومية على أف تصل
إذل مراتب اإلتقاف كإذا كاف اعبهاز السعر أف ينجح ُب ىذا كلو ،فبلبد أف
يكوف ىناؾ أانس يستجيبوف لو ككبن نتحدث عن أسلوب السعر ىنا ألننا
نتحدث أساسا عن النمو االقتصادم فالنمو االقتصادم يقتضي كجود
لبصص ،كالتخصص يقتضي كجود تنسيق بُت أكجو النشاط اإلنتاجي
اؼبختلة ،كال يتم ىذا التنسيق إال بواسطة جهاز السعر كالتنسيق ال يتم إال
إذا كاف الناس يستجيبوف حقا للتغَتات اليت تطرأ على األسعار كالواقع أف
مسألة االستجابة ىذه ربتاج اذل تعلم ،مثلما يتعلم اؼبرء أم فرع آخر من
فركع ثقافتو.
كالتخصص يقتضي أيضا استخداـ النقود ،كالواقع أف اخًتاع النقود
يعد من أكرب اقبازات اعبنس البشرم ،أنو شبو اخًتاع األجبدية أك اكتشاؼ
طريقة إشعاؿ النار كلو دل يكن ىناؾ نقود لظل الناس يعتمدكف على نظاـ
42
اؼبقايضة ،كالضطر كل منزؿ إذل زبزين كل فبتلكاتو ُب مستودعات بدال من
أف يعقد على شراء ما وبتاجو عن طريق الذىاب إذل اغبوانيت كاستخداـ
العملة كلو دل تكن ىناؾ نقود ؼبا كاف ىناؾ أقراض أك استثمار كبَتين
كابلرغم من قيمتها إال أهنا دل تنتشر بعد ُب كل ركن من أركاف العادل
كاستخداـ النقود يغَت األنظمة االجتماعية ،كذلك ألنو يضاعف من أنبية
السوؽ ،كما أنو يؤدم إ ذل تعديل االذباىات كاؼبواقف البشرية فما أف تبدأ
النقود ُب االنتشار داخل اجملتمع ،كما أف يصبح اإلنتاج شائعا ُب األسواؽ،
حىت تبتعد العبلقات االقتصادية عن الطابع الشخصي ،كال يعد للمركزكف،
كإمبا يًتكز الوزف ُب النقود اليت يبلكها اؼبرء كمن السهل جٍت ثركة ُب صورة
نقود ،بدؽبا من اغبصوؿ عليها ُب صورة أبقار أك جواالت فبلوءة ابغببوب.
ككبن نبلحظ بعد ذلك أف التخصص كالتجارة يتطلباف تنظيم أماكن
األسواؽ كاالفتقار إذل األسواؽ عبلمة من عبلمات اجملتمع البدائي،
كالتخصص يقتضي نوعا معينا من األسواؽ ،أسواؽ لؤليدم العاملة،
كأسواؽ للمساكن ،كأسواؽ لؤلرض كأسواؽ للعمبلت األجنبية ،كأسواؽ
للقركض ...اخل ..اخل ...كبقدر شراء اجملتمع بقدر تنوع أسواقو كتضاعف
عددىا.
( )3انحزٌت االقتصادٌت
أف مبو دخل الفرد ُب غريب أكركاب كأمريكا الشمالية ُب القركف القليلة
اؼباضية مرتبط -حبق -بنمو اغبرية االقتصادية :حرية الفرد ُب تغيَت
43
مركزه االجتماعي ،كتغيَت عملو ،كحريتو ُب حلب اؼبوارد كاستخدامها
بطريقة ربقق لو أنتاجا أكفر بتكاليف أقل ،كحرية الدخوؿ ُب ذبارة ينافس
فيها اآلخرين فبن رسخت أقدامهم ُب ىذه التجارة غَت أننا كبب أف نؤكد
أف اؼبذىب الفردم ليس ابلضركرة أسرع طريق للتنمية االقتصادية .ذلك
ألف اإلجراءات اعبماعية ضركرية أيضا ،كىي تؤدم ُ -ب بعض اغباالت -
إذل نتائج أسرع فاإلجراء اعبماعيُ ،ب صورة تصرؼ حکومی ،ضركرة حىت
كلو اقتصر دكرة على تكملة اإلجراءات الفردية كأماـ اغبكومات كظائف
ضخمة ربقق دبقتضاىا التنمية االقتصادية كقد تقتصر كظيفتها على مد
الطرؽ أك التشجيع على البحث ،غَت أهنا قد تصل إذل اغبد الذم تضجع
فيو استثمارات جديدة رك تقدـ رأس اؼباؿ لبعض األعماؿ الفردية -ككلما
قل خطأ األفراد من اؼبغامرة كاؼبا ازداد العبء اؼبلقى على عاتق اغبكومة.
كقد تكوف ىناؾ مشاعر قوية تعرب عن نفسها ُب صورة سباسك قومی
كمن شأف ىذا ،أف يساعد على التنمية االقتصادية كحُت يعتاد أفراد
اجملتمع على التطلع إذل زعامة كالرضوخ ؽبذه الزعامة يسهل حينئذ إدخاؿ
التعديبلت كالتغَتات اليت يتطلبها النمو االقتصادم -كىبتلف الوضع
سباما حُت يكوف كل عضو ُب اجملتمع فرداي عنيدا كاإلجراء اعبماعي
كاؼبشاعر اؼبتماسكة ليست أمرا ضركراي للنمو فحسب ،كإمبا قد ربقق من
النتائج ما يفوؽ النتائج اليت وبققها اؼبذىب الفردم .فاجملموعة اؼبتماسكة
اليت يتم تنظيمها كفقا لشركط صارمة أقدر على ربقيق أىدافها من ؾبموعة
ذات مزاج فردی ،كستحقق نسبة أعلى من النمو االقتصادم إذا كاف
رئيسها أدرل -من أم فرد فيها ابإلجراءات اليت يتطلبها النمو.
44
يرتبط النمو االقتصادی ارتباطا كبَتا بدرجة عالية من اؼبركنة الرأسية
إذل أعلى كارل أسفل كىناؾ أسباب عديدة ؽبذه الظاىرة فالطبقات العليا
ُب دكائر العمل ،كاغبكومة ،كالعلم ،كغَتىا من الدكائر هبب أف تنتعش
على الدكاـ عن طريق االعتماد على القاعدة ،كأف دل تفعل ذلك تدىورت،
بيولوجيا كحضاراي أف الطبقة العليا السوية ىي الطبقة اليت تسمح
ألعضائها الضعفاء ابالكبدار إذل طبقات دنيا ،كُب كل جيل تنتقى من
الطبقات الدنيا العناصر الناجحة كتضمها إليها كهبب أال لبلط بُت ىذه
الظاىرة كمبدأ اؼبساكاة ففي كل ؾبتمع من اجملتمعات طبقات اجتماعية
عليا كطبقات اجتماعيا دنيا ،ىناؾ دائما أانس يسيطركف على أانس سواء
ُب العمل أك اغبكم أك الدين كالذين يقوموف دبهاـ السيطرة ُب حاجة إذل
تدريب خاص ،كىم يتلقوف علوما تفوؽ علوـ اآلخرين كبعض اجملتمعات
الغنية تستطيع أف توفر ألبنائها تعليم عاليا يتكلف كثَتا ،غَت أف معظم
اجملتمعات ال تقدر على ىذا كمن أجل ىذا تضطر إذل االختيار كالتميز.
كال يبكن ربقيق النمو االقتصادم إذا كانت اؼبسئولية كفقا على
ؾبموعة ؿبدكدة تسد الباب أماـ اآلخرين كىذا يقودان إذل عدة نقاط ىامة،
منها أف النمو االقتصادم قد يقتضى خلع الطبقة اؼبهيمنة اؼبوجودة،
كإ حبلؿ طبقة أخرل ؿبلها ككبن نبلحظ أف النمو االقتصادم ىبلق الطبقة
اؼبتوسطة أك يؤدم إذل اتساع رقعتها كذلك عن طريق احتضاهنا ألفراد من
الطبقة الدنيا كالطبقة اؼبتوسطة كما يتطلب مزيدا من التنسيق ُب اؼبوارد
كاتساع سبل اؼبعرفة ،كتطبيقها ،يتطلباف نسبة متزايدة من اؼبلمُت بشئوف
45
اإلنتاج ،أهنما يتطلباف مهندسُت ،كعلماء ،كأانسا يتفاكت خطهم من
اؼبعرفة كالتدريب.
كاؼببلحظ أيضا أف ارتفاع مستول اؼبعيشة يؤدم إذل ظهور طلبات
جديدة اذ تظهر اغباجة إذل اػبدمات اليت تتطلب مهارة ،کاغباجة إذل أطباء
أسناف كمدرسُت ،كموسيقيُت كغَتىم كما أف النمو وبتاج إذل التنسيق ألنو
مرتبط دبسألة التخصص.
كمن أجل ىذا كلو ال نتوقع أف وبدث النمو االقتصادم الساحق ُب
ؾبتمعات ؿبركمة من اؼبركنة االجتماعية ،كحرماهنا من اعبنس ،أك التحذلق
االجتماعي ،أك التميز بُت األدايف.
46
أضعاؼ مواردىا الطبيعية ،كالتعدين مثبل أك تشييد مطارات فوؽ أرض
خصبة صاغبة للزراعة.
كهبب أف يكوف الطريق فبهدا أيضا أماـ اغبصوؿ على األيدی
العاملة ،كهبب أف تكوف ىناؾ قدرة على تنظيم أعداد فقَتة من العماؿ
الذين يعملوف ربت إشراؼ إدارة مركزية ( إذا كانت االقتصادايت ذات
إنتاج ضخم ) كينطبق ىذا الوضع على االستثمارات اعبماعية ،أك
اغبكومية ،أك على االستثمارات اػباصة كنظرا ألف النمو معناه التغَت
كجب أف تكوف الطاقة العاملة مرنة ،كأف تًتؾ بعض االستثمارات لتتجو
إذل أخرل كُب اجملتمعات االستبدادية تصدر األكامر للعماؿ كتبلغهم
ابؼبكاف الذم هبب أف يشتغلوا فيو ،بل أف اجملتمعات الديبقراطية نفسها
تضطر إذل ازباذ ىذا اإلجراء عينة زمن اغبرب أما ُب زمن السلم فاف
اجملتمعات الديبقراطية تعتمد على إجراءات كأساليب السوؽ فيتم طرد
الطاقة العاملة الفائضة ،كُب الوقت نفسو تكوف ىناؾ استثمارات تتطلب
اؼبزيد من العماؿ ،كإذ ذاؾ ربقق عن طريق عرض األجور على العماؿ.
نتجو بعد ذلك إذل االستهبلؾ أف النمو االقتصادم يقتضي إاتحة
اغبرية ألصحاب األفكار اعبديدة لكي يضعوا ىذه األفكار موضع التنفيذ،
ابلرغم من أف ىذا قد يسيء إذل منافسيهم .فاف النمو يتطلب اغبرية ُب
اؼبنافسة ،كُب نفس الوقت قد يسيء النمو إذل اؼبتنافسُت لدرجة أنو
يقتضى قمع اؼبنافسة كاؼبنافسة اليت تعرب عنها األفكار اعبديدة ( منتجات
جديدة -أساليب جديدة ُب اإلنتاج أك التوزيع -موديبلت جديدة -
مصادر جديدة ُب اإلنتاج ) ىذه اؼبنافسة ال تسيء إال اللذين يرتبط
45
مصَتىم بكل ما ىو قدًن ،كابللذين يتسم مواردىم ابعبود -ذلك أهنم ال
يستطيعوف أف يتأقلموا مع األفكار اعبديدة ،أك يعجزكا عن االذباه إذل
نشاط آخر دكف أف تلحق هبم خسارة .أما االحتكارات ،فاؼببلحظ أف
أضرارىاُ .ب ميداف النمو االقتصادم أكضح من أضرارىا ُب أم ميداف
آخر كلكنا نقوؿ أنو مهما اختلفت اآلراء حوؿ مبدأ فاف الكل متفق على
أف االحتكارات سليمة إذا كانت تؤدم إذل النمو االقتصادم كأهنا سيئة
إذا كانت تقيد ىذا النمو كتعرقلو كاالحتكارات قد تفيد النمو ألف
االحتكارات كحدىا ىي اليت تستطيع إنفاؽ اؼببالغ الضخمة اؼبطلوبة ُب
البحث كالتطور ُب أايمنا ىذه.
أما عن الصناعات اعبديدة ،فاف من اؼبستحب ضباية ىذه الصناعات
ُب مراحل تطورىا األكذل كلكن بشرط سحب ىذه اغبماية بعد مضي عدد
معقوؿ من السنُت كأف دل يتم ىذا التقييد الزمٍت أساء ىذا إذل النمو
االقتصادی.
انتحىل انذي ٌطزأ ػهى األنظًت
بعد أف ربدثنا عن األنظمة االقتصادية كصلتها ابلنمو االقتصادم
تنتقل إذل اغبديث عن الكيفية اليت تتغَت هبا ىذه األنظمة ،كما إذا كاف
التغَت يسَت كفقا ػبطة مرسومة ،كإذ نؤكد أف التغَت االقتصادم ليس كليد
التغَت ُب األنظمة بصورة اتمة .فقد وبدث النمو االقتصادم نتيجة االزدايد
ُب رأس ماؿ ،أك اغبصوؿ على معارؼ جديدة كما شاكل ذلك كالنمو
الذم وبدث هبذه الطريقة يؤثر ببل شك على طريقة تكوين األنظمة
42
االقتصادية كيؤدم إذل حدكث تغَت فيها كُب نفس الوقت قد يطرأ على
األنظمة االقتصادية تغَتات ليست كليدة تغَت اقتصادی ،كوبدث ىذا مثبل
بتأثَت من انتفاضات كثورات دينية أك سياسية أك طبيعية.
كمن أىم السمات اليت سبيز األنظمة من كجهة نظر النمو االقتصادم
مقدار اغبرية اليت تتيحها أماـ اؼبناكرات فما أف يصبح ُب مقدكر الناس
انتهاز الفرص االقتصادية حىت تبدأ اؼبنظمات احمللية ُب عملية التكييف
لكي ربمي الدكافع كالبواعث كتشجع كالتجارة أما إذا قلت الفرص ،فاف
ألنمو سيتضاءؿ كتبدأ اؼبنظمات كيف نفسها كفقا لطابع الركود كاعبود.
كعندما تتكيف اؼبنظمات كفقا للظركؼ االقتصادية اؼبتغَتة قد ربدث
أشياء مؤؼبة ذلك الف ىذا التكيف ال يكوف متوازان أك كامبل .كإذ ذاؾ
ىبتلط القدًن ابعبديد بطريقة غَت منطقية ،كبنسب غريبة عجيبة ،زبتلف
من ؾبتمع إذل آخر كال يكوف التحوؿ کامبل ابؼبرة كمن أجل ىذا نلمس
كجود تباين كاختبلؼ بُت دكؿ الغرب الرأظبالية ،على سبيل اؼبثاؿ ذلك
ألف كل كاحدة منها ربتفظ بنسب ـبتلفة ،أبفكار سائدة قبل قدكـ
الرأظبالية إليها كالواقع أف التحوؿ وبتاج إذل كقت طويل لكي يتعود الناس
على األكضاع اعبديدة كيتأقلموف كاألمر يتطلب زمنا كبَتان لكي يتأقلم
الناس مع اقتصادايت اؼباؿ ،كيتعلموف كيف يغتنموف الفرص اؼبمثلة ُب
اؼباؿ ،ككيف ينفقوف النقود كوبصلوف عليها أك كيف وبتفظوف هبا عندما
وبصلوف عليها كىم ُب حاجة إذل مبط أخبلقي جديد ،كقد وبتاج ظهور
ىذا النمط إذل كقت طويل جدا.
45
ككثَتكف من الناس يشعركف بذىوؿ إزاء اؼبتناقضات اليت يتضمنها
التغَت ،كىم يتساءلوف :أال يبكن تنظيم التغَت االجتماعي ربقيق التوازف
فيو ؟ كالواقع أننا قد نعجز عن التكهن بطاقة التغَتات اليت ستنتج عن
حادث معُت ،غَت أف ىذا ال يعٍت أننا عاجزكف عن التحكم ُب ؾبرل التغَت
بوسيلة من الوسائل مثاؿ ىذا أننا نعرؼ أف التصنيع قد أدل إذل ظهور
أحياء قذرة ُب بلداف كثَتة حدث ىذا ُب اؼباضي ،كلكن ليس معٌت ذلك
أننا ال نستطيع أف نطالب اليوـ بتخطيط اؼبدف الستيعاب الذين يعملوف ُب
ظل نظاـ التصنيع ،كتوفَت شركط اإلسكاف الصحي ؽبم.
كاؼببلحظ ُب نظرية النمو االقتصادم أبف "األشخاص اعبدد" ىم
الذين يلعبوف دكرا كبَتا ُب أحداث التغَت ،كجعل ىذا التغَت نقطة ربوؿ.
كىكذا قبد أف الذين ينتهزكف الفرص اعبديدة ليسوا من صنوؼ الطبقة
اؼبهيمنة التقليدية.
ذلك ألف الطبقة اؼبهيمنة -قبل كل شيء -ترضي سباما عن الوضع
الراىن كليست حباجة إذل السعي كراء فرص جديدة كإذا كاف من ُب القمة
ال وبدثوف ألتغَت فاف من ُب القاع ال وبدثوف أيضا ،ذلك ألف أصحاب
القاع ردبا كانوا أرقاء أك خاضعُت أك قد يبلغ هبم الفقر كاعبهل جدا هبعلهم
ىبافوف اإلقداـ كاالستمساؾ ابلشجاعة كىكذا يظهر الرجاؿ اعبدد من بُت
الطبقة اليت تتوسط اؼبرتبتُت ،االجتماعيتُت كالفرص اعبديدة قد تتحدل
السلطاف االقتصادم الطبقة اؼبهيمنة اؼبوجودة ،كقد يغَت قيمة األرض اليت
يعتمد عليها أفراد ىذه الطبقة للحصوؿ على ثركهتم أك قد تتحدل الرؽ
كالعبودية ،أك تتيح فرصا أفضل للتشغيل كتؤدم إذل رفع األجور فبا يضايق
51
أفراد الطبقة اؼبشار إليها كىكذا تعادم ىذه الطبقة للفرص اعبديدة ،كقد
يدكر الصراع من أجل النفوذ بل قد يؤدم إذل حرب أىلية.
كىناؾ من يقوؿ أف رجاؿ اؼبدف ىم الذين يلعبوف دائما الدكر اغباسم
ُب التعجيل ابلنمو االقتصادم كالواقع أف رجاؿ اؼبدف يفوقوف سكاف الريف
ُب مسانبتهم ُب حقل التغَت -كليس األمر راجعا إذل تكوين بيولوجي يتفوؽ
فيو اغبضريوف على الريفيوف ،كإمبا يرجع األمر كلو إذل أسباب تتصل ابلبيئة أك
الفرص ،كىكذا تزعمت اؼبدف اؼبعركة اليت دارت ُب أكركاب ُب أكاخر العصور
الوسطى من أجل اؼبزيد من اغبرية االقتصادية.
كنريد أف نشَت إذل عنصر ىاـ غَت مباشر ،كىو مبو الركح القومية،
فالركح القومية تؤثر ُب ىذه األايـ على النمو االقتصادم -كبصورة
ملموسة للغاية ككبن نربط اغبركات السياسية القومية ابلبلداف اليت تعاين
من االستعمار أك كانت تعاين منو ٍب حصلت على استقبلؽبا أخَتا .غَت أف
اؼبشاعر القومية ليست كفقا على ىذه البلداف كحدىا أبم حاؿ من
األحواؿ ،ففي أايمنا ىذه قبد أف كافة البلداف" ،اؼبتأخرة" تنقم على
أتخرىا كال ترضى بو ،كىي تواقة إذل ربقيق النمو ،كنظرا ألف « التأخر
اصطبلح نسی سباما ،كجدان أف كل بلد وباكؿ أال يتخلف عن ركب النمو
االقتصادم ،سواء كاف ىذا البلد بريطانيا أـ الصُت.
كاآلف لننتقل إذل نقطة أخرل ،كىي " نظرايت التطور االجتماعي"..
ىل ىناؾ طريق تسَت فيو التغَتات اليت تطرأ على األنظمة كال ربيد عنو
أبدا ؟ ىل تتعاقب اؼبراحل ؟ ىل ىناؾ " تقدـ" حىت ال مفر منو ؟ أـ أف
حركة التاريخ تسَت ُب شكل إلبفائو دائرية ؟ الواقع أف الكثَتين من الناس
50
يركف أف كل ؾبتمع البد كأف يبر دبراحل ؿبدكدة من مراحل التطور،
كىبتلف الكتاب ُب تعريفهم ؽبذه اؼبراحل ،فقد يفسركهنا على ضوء
االقتصاد ،أك السياسة .أك الدين .كاؼببلحظ أف فكرة تتابع اؼبراحل
كتبلحقها دل تعد ربظى ابالنتشار .بل أف الشيوعُت أنفسهم تبذكا الفكرة
القائلة أبف البلد ال بد أف يبر ابلرأظبالية أكال لكي يصل بعد ذلك إذل
االشًتاكية .لقد ابت من الواضح اليوـ أف ُب مقدكر اجملتمع أف يتخطى
مرحلة أك مرحلتُت من ىذه اؼبراحل .كمن األسباب اليت أدت إذل ظهور
ىذه الفكرة اعبديدة أف اجملتمعات أصبحت تتأثر ببعضها .أما ُب اؼباضي
فقد كاف كل ؾبتمع معزكؿ كبذلك كاف البد أبف يبر بكل مرحلة ابنتظاـ،
أما اليوـ فهو يستفيد خبربات اجملتمعات األخرل ،كبذلك ىبتزؿ مراحلو.
كرفضنا للنمو أك التدىور اغبتمي ليس معناه قبولنا ؼبفاىيم الدكرات اذ
كاف حراي بنا أف نتخذ موقفا حياداي ،كهبذا ننكر حتمية السرعة اليت يسَت هبا
النمو ،كننكر أيضا حتمية اغبركة الدائرية كذلك ألف التغَتات اليت تطرأ على
سرعة النمو ليست راجعة -ابلضركرة -إذل تغَتات ُب األنظمة .كالواقع
أف النمو قد يتباطأ ُب سرعتو الف عدد السكاف فاؽ اؼبوارد اؼبوجودة أك
الوقوع كارثة طبيعية ،أك حدكث تغَت ُب طرؽ العادل التجارية ،أك قلة
الطلب على السلع اليت زبصص فيها بلد من البلداف.
52
انفصم انرابع
ادلعرفة
53
على يد الغالبية العظمى من الناس ،ال يكفي أبدا أف تنمو اؼبعرفة كتزدىر،
كإمبا هبب إشاعتها ،كتطبيقها بصورة عملية ،كتتوقف السرعة اليت تسَت هبا
اؼبعرفة على مدل استعداد الناس لقبوؽبا ،كما تتوقف األيدم على مدل
استعداد اؼبنظمات لتشجيعها .كاؼببلحظ أف األفكار اعبديدة تلقى
استجابة سريعة ُب اجملتمعات اليت اعتاد فيها الناس كجود كجهات نظر
متنوعة ،أك اجملتمعات اليت تعود فيها الناس على التغَت ،كمن ٍب تتسم
نظرهتم ابلطابع التجرييب ( الربصباسی ،كما يتوقف سرعة تقبل الفكرة على
طابع ىذه الفكرة نفسها .فليست كل األفكار اعبديدة مبلئمة ،ابلرغم من
أهنا قد تكوف انفعة ابلنسبة البلد آخر كقد تتطلب الفكرة اعبديدة أحداث
تغَتات اجتماعية كمن ٍب تقابل ابلرفض كاؼبقاكمة ؽبذا السبب ابلذات..
كما أف التحديد قد يلقي مقاكمة عنيفة حُت ينشب الصراع بينو كبُت
احملظورات أك اؼببادلء الدينية السائدة كالكثَت يتوقف على السؤاؿ التارل
:من ىم الذين يتبنوف الفكرة اعبديدة ؟ فاذا كاف الذين يتبنوهنا من ذكم
اؼبكانة ُب اجملتمع فإهنا ستحقق انتشارا سريعا ۔ كىذا ىبتلف عن كضعها
فيما لو قاـ ابحتضاهنا أانس ال كزف ؽبم.
كُب ميداف االنتاج ،هبب أف تكوف اؼبعارؼ مثمرة ،كهبب أف تعود
ابلربح على اآلخرين ،كبذلك تقابل ابلًتحيب كالقبوؿ.
ننتقل بعد ذلك إذل الربامج اػباصة ابلتدريب،فالتنمية االقتصادية تتطلب
إهباد تسهيبلت تعليمية ىائلة ُب كافة اؼبستوايت .كالطلب يزداد على التعليم
االبتدائي الذم يبلغ ذركتو ُب اؼبطالبة هبعل التعليم إجباراي .كاألمر وبتاج أيضا
إذل اؼبزيد من اؼبدارس الثانوية ،كذلك من أجل إعداد البعض الدخوؿ اعبامعة،
54
كإدخاؿ اآلخرين معاىد فنية ،كإعداد السكراتريُت ،كاؼبدرسُت كالفنيُت.
كاؼبعركؼ أف البلد ذم اؼبيزانية اؼبنخفضة ال يستطيع أف يوفر كل ىذه
التسهيبلت كمن ٍب يضطر إذل االختيار على أساس األىم فاؼبهم ...ىل يعد
قلة من اؼبدربُت تدريبا متقنا أـ عددا كبَتا من اؼبدربُت تدريبا متوسطا ؟ ىل
يفضل التعليم الثانوم أـ الفٍت ،اؼبعارؼ اإلنسانية أـ علوـ التكنولوجيا ؟
كاؼببلحظ أف كجهات النظر السياسية ذباه مسألة األفضلية تتغَت على الدكاـ.
كىناؾ السؤاؿ اؽباـ :ىل يعترب التعليم اعبامعي خدمة استهبلكية أـ
خدمة استثمارية ؟ أف اإلجابة على ىذا السؤاؿ تتوقف على نسبة العرض
اذل الطلب كُب البلداف ذات الدخل اؼبنخفض ،كاليت زبرج فيها من كليات
اآلداب عدد كبَت من العاطلُت قبد أف التعليم اعبامعي ىو خدمة
استهبلكية االستثمارية كىذا كضع ال يبكن أتييده كالدفاع عنو ،ألف تعليم
الطالب اعبامعي يتكلف الكثَت ،كذلك إذا كاف ىذا التعليم اعبامعي ؾبرد
خدمة استهبلكية كاف من األفضل كاألسلم إنفاؽ نقود دافعي الضرائب ُب
إعداد مزيد من اؼبدارس االبتدائية أك الثانوية.
غَت أف الوضع يتغَت ُب ؾبتمع تقطع فيو التنمية االقتصادية أشواطا
كاسعة أف الطالب ُب ىذه اغبالة يزداد على األطباء كاؼبهندسُت ،كالبيولوجيُت،
كرجاؿ اإلدارة ،ككافة خرهبي اعبامعة كتغَت اآلراء يؤثر على اؼبيزانية اؼبخصصة
للتعليم فمنذ طبسُت عاما كاف الًتكيز منصبا على التعليم االبتدائي ،غَت أف
التعليم العارل كالفٍت يتمتع اليوـ ابىتماـ كبَت.
ننتقل اآلف إذل موقف النمو االقتصادم من الزراعة كالصناعة،
55
فاؼببلحظ أف النمو االقتصادم يؤدل إذل تدىور أنبية الزراعة ابلنسبة
ؼبوارد التشغيل األخرل كىكذا تستوعب الصناعة عاملُت من اغبقل
الزراعي .كلقد اتفق اعبميع على أف إنتاج العامل الذم أتى التوه من
الريف ىو إنتاج منخفض جدا إذا ما قيس إبنتاج العامل الذم مضت
عليوُ ،ب اؼبصنع ،فًتة طويلة كسبب ىذا أف أسلوب العيش ُب اؼبيداف
الزراعي ،ىبتلف عن أسلوب العيش ُب اؼبيداف اآلخر ،فاؼبزارع يعمل من
الفجر حىت اؼبساء ،كيقضي فًتات ُب عمل شاؽ مرىق ،غَت أنو هبد أيضا
ساعات فراغ طواؿ ُب بعض اؼبواسم ..أما الصناعة فتتطلب من العامل أف
يعمل بصورة منتظمة كُب أكقات ؿبدكدة كُب الزراعة قبد أف الفبلح سيد
نفسو أما العامل فيخضع إلشراؼ الرؤساء ،كيتعلم مهارات جديدة ال
وبتاج إليها الفبلح الذم يتوارث أسلوب أجداده .كىبتلف اجملتمع الزراعي
عن اجملتمع الصناعي ُب أف الفرد ُب اجملتمع األكؿ يعمل كحده أما ُب الثاين
فانو يعمل مع اآلخرين ،كقد يواجو عددا ىائبل من الزمبلء دل يكن لو يد ُب
اختيارىم كىكذا يقتضى األمر مركر كقت طويل لكي يتأقلم كيستقر
كيتمشى مع مطالب األسلوب اعبديد ُب اؼبعيشة كاؼببلحظ أف القادمُت اعبدد
إذل أماكن الصناعة يعيشوف ُب بداية األمر ُب إحياء كازقة قذرة ،دكف أدىن
استمتاع دبباىج العيش ُب اؼبدف ،كال ندرم ؼباذا ال يتم زبطيط اؼبدف الصناعية
اعبديدة بطريقة الئقة ،مع تزكيدىا ابؼبساكن اليت تتسع ألسر كاملة ،كإنشاء
اؼبدارس ،كفتح اؼبنتزىات كبناء دكر السينما ككل ما من شأنو هبذب إليو
العاملُت ىذا كمن األمور اؽبامة جدا العناية بصحة العماؿ اعبدد كغذائهم.
أتٌب بعد ذلك مسالة إدارة األعماؿ ،أف التمنية االقتصادية تتطلب
56
كجود مديرين أكفاء ،سواء ُب ميداف العمل أك اػبدمات العامة
كاالقتصادايت اليت تنتج على نطاؽ كاسع تستطيع أف تدر دخوال كبَتة،
كلكن على شريطة أف يكوف ىناؾ أشخاص أكفاء يستطيعوف إدارة
األعماؿ اؼبختلفة .كمدير األعماؿ يستطيع أف يتعلم بعض خرباتو عن
طريق العمل ُب اؼبؤسسات األجنبية ُب الداخل أك اػبارج كاؼببلحظ أف
البلداف اليت تقطع اؼبراحل األكذل ُب مبوىا ذبد أنو من األفضل ؽبا إرساؿ
شباهبا إذل اػبارج لبلستفادة من اػبربة ُب اؼبؤسسات األجنبية كىكذا أرسل
األؼباف عددا كبَتا من شباهبم إذل اقبلًتا للعمل ىناؾ ،كذلك ُب الربع
األخَت من القرف التاسع عشرٍ ،ب اقتفت الياابف أثرىم بعد ذلك كأرسلت
أبفراد من شعبها إذل أؼبانيا كارل الوالايت اؼبتحدة األمريكية .كعندما عاد
ىؤالء أستقل البعض أبعماؽبم بينما ذىبت الغالبية إذل اؼبؤسسات
اؼبوجودة ،سواء كانت ىذه اؼبؤسسات ؿبلية أـ أجنبية ،كالبعض اآلخر
اشتغل ُب السلك اغبكومي ،كاؼببلحظ أف ىذا السلك وبتاج بدكره إذل
خربة كدراية بكيفية إدارة األعماؿ كقد ال يكوف من السهل على الشعوب
اؼبلونة أف تطبق ىذه السياسة إذ الزاؿ ىناؾ ربيز عنصری ُب بعض
البلداف الناىضة ،كمن ٍب قد ال تقبل بعض اؼبصانع كاؼبؤسسات قبوؿ
اؼبلونُت للتدريب على العمل فيها غَت أف الفرص اؼبوجودة ابلفعل أكثر من
الفرص اليت تستغل كالواقع أف ىناؾ بعض البلداف الصناعية اليت تريد
ابلفعل توثيق عرل عبلقتها الشخصية ببعض البلداف الفقَتة ،كذلك لكي
يصدر البلد الصناعي منتجاتو ؽبذا البلد الفقَت.
غَت أف اؼبدرسة الرئيسية اليت تكفل خربة ابلعمل إمبا تتمثل ُب صغار
55
العاملُت الذين يشتغلوف ابالذبار ،أك بتشغيل انقلتُت أك أكثر أك أدارة
مصنع صغَت ككثَتكف من ىؤالء يصلوف ُب النهاية إذل ىاكية اإلفبلس ،غَت
أف البعض يشتد ساعده كيشتد ،كدبركر الوقت تتضاعف خرباتو ككفاءاتو،
كُب النهاية يدير أعماال كمهاـ ضخمة.
كبعض اغبكومات ربرس على النهوض ابالستثمارات اليت تستخدـ
اؼبوارد احمللية حقبل ؽبا ،كؽبذا تنشئ ىذه اغبكومات بعض اؼبؤسسات اؼبالية
اػباصة اليت تقوـ إبقراض اؼباؿ الصغار رجاؿ األعماؿ ،كىذه اػبطوة ربقق
نفعا كبَتا إ ذا كاف العيب متصبل بعجز ُب رأس اؼباؿ كلكن ندر أف يكوف
الوضع على ىذه الصورة كحدىا،ألف الرأظباليُت احملليُت يفتقركف أيضا إذل
الكفاءة كاؼبهارة ُب إدارة األعماؿ كإقراض اؼباؿ الصغار رجاؿ األعماؿ
دكف إشراؼ أشبو دبن يصب اؼباء ُب متاىة ال فائدة منها ،فالواقع أف
ىؤالء الناس وبتاجوف أكال إذل اإلشراؼ كالرقابة ،كما وبتاجوف إذل النصح
كبعد ذلك أتٌب مسألة رأس اؼباؿ.
كىناؾ ؾباؿ آخر لتدريب رجاؿ األعماؿ على مهاـ اإلدارة ،كىذا
اجملاؿ ىو اغبركات التعاكنية ،ذلك ألهنا حُت تسَت على األسس الديبقراطية
تتيح الفرصة لعدد كبَت من الناس لکی يتعرفوا على مشاكل العمل ،كالواقع أف
ىذا اؼبظهر أجدی مظهر ُب اغبركات التعاكنية ،فاعبمعيات التعاكنية تقوـ
بتسويق اإلنتاج ،كتقسيم اؼبدخرات كتوزيعها على الفركع اؼبختلفة ،كتشًتل ما
ربتاج إليو من اؼبواد ،كبذلك تكفل خربة كبَتة للعاملُت فيها.
52
انفصم اخلام
رأس ادلال
55
التكنولوجية تسَت خبطى بطيئة كمن ٍب ال تسهم كثَتا ُب اطراد رأس اؼباؿ
كإ ذا كاف رأس اؼباؿ مثمرا ُب حالة استخدامو إلدخاؿ أساليب جديدة،
فانو يثمر أيضا إذا استغل ُب افتتاح موارد فنية دل تكن معركفة من قبل.
كمن أجل ىذا قيل أف البلداف اؼبتأخرة تستطيع أف تستفيد برأس
اؼباؿ أكثر فبا تستفيد بو الدكلة اؼبتقدمة .كال نستطيع أف كبكم بثقة قاطعة
ككبن نقارف بُت أفضلية قطاع اقتصادم على قطاع آخر كاؼببلحظ أف نسبة
رؤكس األمواؿ كالدخوؿ تتباين بشدة بُت قطاعات االقتصاد اؼبختلفة
كىكذا ترتفع النسبة ُب اؼبنافع العامة كتفوؽ النسبة اؼبوجودة ُب التصنيع
كمن انحية أخرل إذا استثمران رأس اؼباؿ ُب العامة فانو قد يضاعف اؼبنافع
من الطاقة اإلنتاجية ال ُب ىذا القطاع كحده كإمبا ُب بقية قطاعات
االقتصاد أضف إذل ىذا أف ىناؾ اختبلفات جوىرية بُت مطالب رأس
اؼباؿ ُب القطاع الزراعي كمطالبو ُب القطاع الصناعي.
كاغبديث عن بذؿ رأس اؼباؿ يقودان إذل النقطة التالية :هبب
استخداـ رأس اؼباؿ ُ -ب البلداف اؼبتخلفة -بطريقة اقتصادية كىذا
الوضع ىبتلف ابلطبع عن كضع رأس اؼباؿ ُب الدكؿ النامية .ال تكلف
الكثَت كُب نفس كؽبذا يقتضى األمر ُب اغبالة األكذل السعي كراء األساليب
اليت الوقت ربقق إنتاجا ملموسا .كمن األفضل أف يبٍت اإلنساف العشرين
عاما بدال من طبسُت.
كاالفتقار إذل اؼبهارة وبوؿ بُت الناس كبُت استغبلؿ رأس اؼباؿ بصورة
مثمرة ،كقد رأينا كيف أف أكثر من نصف رأس اؼباؿ يذىب ُب البناء
61
كالتشييد .كمن ٍب يتوقف امتداد رأس اؼباؿ على نسبة التوسع ُب صناعة
البناء كالتشييد كال يبكن كضع اػبطط موضع التنفيذ ما دل يكن ىناؾ
قباركف كمهندسوف ككهرابئيوف ،سواء أكاف العمل عبارة عن مد للطرؽ أك
إقامة للقناطر أك السدكد أك تشييد للمصانع أك مراكز القوی أك اؼبساكن،
إخل ..كفيما يتعلق دبسألة اؼبهارة اليت أشران إليها نقوؿ انو من اؼبمكن
استَتاد أك تدريب احملليُت على إجادهتا .كلقد اعتمدت ركديسيا الشمالية
على استَتاد اؼبهارات كحققت امتدادا سريعا ُب تكوين رأس اؼباؿ دكف أف
سبب ؽبا ،ذلك إرىاقا للطاقة اؼبادية غَت أف امتداد رأس اؼباؿ يعتمد ُب
أماكن أخرل على التدريب ككثَت من الربامج التخطيطية اليت تفشل إمبا
تفشل لعدـ االىتماـ دبرحلة التدريب ىذه كعدـ إحبلؽبا احملل األكؿ.
نصل بعد ذلك إذل تكوين رأس اؼباؿ ،كالواقع أننا ال نعرؼ الكثَت
عن نسبة إصبارل االستثمار إذل صاُب االستثمار ،بل أف التقسيم بُت االثنُت
يشَت عقبات نظرية كثَتة حىت ُب البلداف الصناعية.
كالواقع أف صاُب االستثمار ظل ُب أمريكا يبثل حوالی ۱۳:كبلغ
إصبارل االستثمار ابلنسبة إلصبارل اإلنتاج القومی : ۲٪أما ابلنسبة
التقسيم االستثمار اؼبختلف لرأس اؼباؿ بُت قطاعات االقتصاد اؼبتنوعة كُب
ىذه البلد أف يبلغ االستثمار حوالی ۲٪:من اإلنتاج القومي كالواقع أف
ىذه البلداف تتباين كتتنوع ُب استثماراهتا ،غَت أننا إذا فكران ُب برانمج
يبثلها كجدان أف االستثمار الثابت قد قبی على النحو التارل:
حوارل :05 اإلسكاف
60
حوارل :35 اؼبنشآت كاؼبنافع العامة
حوارل :32 الصناعة كالزراعة
حوارل :22 أعماؿ أخرل
:222
62
اغبكومية ) بل أف ىذا الباب ُب اؼبدف الصناعية أيخذ من رأس ،اؼباؿ أكثر
فبا أيخذه النشاط الصناعي.
كترتفع النسبة ُب السنوات األكذل من التنمية االقتصادية ٍب تتدىور
بعد ذلك ،ذلك ألف التنميةُ ،ب أعوامها األكذل ،بعد ذلك إذل نفقات
تتطلبو كضع إطار للمنافع ،كابلرغم من أف ىذه اؼبنافع ربتاج خاصة
بصيانتها كإصبلحها كالتوسع فيها كتعديلها ،إال أف ىذه النفقات ليست
ُب ضخامة نفقات اإلنشاء األكلی.
كاالستثمارات العامة ُب ىذا اؼبيداف ىاـ جدا إذا ما قيست
ابالستثمارات اػباصة .كُب البلداف اليت تًتؾ أمَت اؼبنافع العامة ُب يد
االستثمارات اػباصة قبد أف استثمارات اغبكومة ضئيلة جدا ابلنسبة
إلصبارل االستثمارات -كردبا كقفت ىذه النسب عند ۱٪:أك تقل ىذه
النسبة ارتفاعا إذا أخذت اغبكومة على عاتقها مهمة اإلسكاف.
كلقد قررت بلداف ـبتلفة كثَتة االضطبلع هبذه اؼبسئوليات .أما
توزيع االستثمار بُت التصنيع كالزراعة فيتوقف على أنبية ىذه القطاعات
ابلنسبة لبلقتصاد .ففي بريطانيا ال يتعدی نصيب الزراعة من االستثمار
ىز ،غَت أف الزراعة ،ىناؾ ال تشغل بدكم :5من السكاف.
أما النسبة ُب الوالايت اؼبتحدة فتًتاكح بُت ۱٪: ،٪:كُب كافة
البلداف يؤدم اطراد دخل الفرد إذل التوسع ُب التصنيع كطغيانو على
الزراعة ذلك ألف الناس كلما ازدادكا غنی ضاعفوا من شرائهم لؤلشياء
اؼبصنوعة ،كأنفقوا فيها أكثر فبا ينفقوف ُب استهبلؾ الطعاـ.
63
كمن أجل ىذا يكوف ىناؾ ميل طبيعي إذل ارتفاع نسبة اؼبستثمر ُب
الصناعة ،كُب نفس الوقت تتضاءؿ نسبة اؼبستثمر ُب الزراعة .كاذل جانب
ىذا تعتمد نسبة كل قطاع من ىذين القطاعُت على موارد البلد الطبيعية،
كنسبة ىذه اؼبوارد إذل عدد السكاف اؼبوجودين فيها.
كقد قلنا ُب موضع سابق أف االستثمار ضركری .للنمو االقتصادم
كلبلص من ىذا أيضا إذل أف االدخار ضركری ؽبذا النمو ،ذلك ألف
االستثمار يتطلب ُب نفس الوقت ادخارا.
كىناؾ من يتساءؿ :ىل االدخار ضركری ،أفبل وبسن بنا أف نشجع
الناس على اإلنفاؽ لتنشيط اؼبسبوؽ كالعمليات اإلنتاجية ؟ الواقع أف
االدخار ضركری جدا ،غَت أنو إذا زاد أك قل عن النسبة اؼبعقولة أدل إذل
نتائج ضارة ،كإذا نظران إذل موقف الطبقات من االدخار كجدان أف طبقة
اؼبزارعُت ذبمع بُت اؼبتناقضات ،فهي طبقة حريصة ُب أنفاقها ذلك ألهنا
تعرؼ أهنا تعيش دائما على شفا اإلفبلس ،كمع ذلك تقع ابستمرار ُب
الديوف ابلرغم من حرصها.
أما الطبقات اليت يعمل أفرادىا كيتلقوف مقابل عملهم أجورا كركاتب
فاف دخلها أكثر ثباات من دخل اؼبزارعُت ،كمع ذلك فهی ال تدخر كثَتا
ذلك ألف عقليتها منصرفة إذل اإلنفاؽ بدال من االدخار.
كُب أم ؾبتمع من اجملتمعات قبد أف مدخرات الطبقة الوسطى ال
تلعب دكرا كبَتا ُب االستثمار اإلنتاجي ،كوبدث ىذا بصفة خاصة ُب
اجملتمعات اليت زبتلف فيها الطبقة العليا عن الطبقة الوسطى من انحية
64
اعبنس ،كإذ ذاؾ تعتمده الطبقة الوسطى إذل تعويض ش عورىا ابلنقص
كرباكؿ الظهور دبظهر الثرية ،كذلك عن طريق إنفاؽ دخلها كاستهبلؾ الكثَت
من اؼبواد.
كعندما يدخر أفراد ىذه الطبقة ،فإمبا يشيدكف منزال يعد ذلك أك
يشًتكف عربة جديدة ،كيصلوف إذل اؼبستول الذم كصل إليو اعبار كزكجتو
كمن اؼبهم جدا تشجيع اؼبزارعُت على االدخار ،ذلك ألف الزراعة
تلعب دكرىا الكبَت ُب التنمية االقتصادية كاؼببل حل أف النمو االقتصادم
يؤدم إذل التوسع ُب كافة أكجو النشاط األخرل ،كيكوف التوسع على
حساب الزراعة دبعٌت أف اؼبهن األخرل تتزايد كتتسع رقعتها ابستمرار،
كالذين يشتغلوف ُب ىذه اؼبهن حباجة إذل الطعاـ ،كىذا الطعاـ إمبا هبيء من
إنتاج العماؿ الذين ظلوا يشتغلوف ابلزراعة ،كمن ٍب فاف النمو االقتصادم
يقتضي رفع نسبة إنتاج كل فرد يشتغل ابلزراعة ،،كإهباد فائض إنتاج
إلطعاـ من يعملوف ُب القطاعات األخرل.
كمن اؼبمكن أف تتم التنمية االقتصادية دكف أف يقتضي األمر
االعتماد عل ى اؼبزارعُت لتمويل االعتمادات البلزمة لرؤكس األمواؿ -
على شرط أف ذبيء األمواؿ البلزمة من مصادر أخرل -كالواقع أف ىذه
اؼبصادر األخرل كانت تتمثل ُب اؼباضي ُب األرابح اليت ذبيء من
استثمارات األعماؿ ،كىذه االستثمارات ُب البلداف اؼبتخالفة -سبيل إذل
النمو ابلنسبة للدخل القومي ىذا إذا كانت الظركؼ مبلئمة.
كالتفسَت اعبوىری ألم " انقبلب صناعي" كنقصد بو أم ارتفاع
65
مفاجئ ُب سرعة تكوين رأس اؼباؿ ،ىو أف الفرص قد تضاعفت فجأة أماـ
صبع اؼباؿ سواء سبثلت ىذه الفرص ُب االخًتاعات اعبديدة ،أك التغيَتات
اليت تطرأ على األنظمة كاليت ذبعل ُب اإلمكاف استغبلؿ اإلمكانيات
اؼبوجودة.
كالواقع أف ىذا التفسَت ينطبق على االنقبلابت الصناعية اليت كقعت
عليها بريطانيا ،كالياابف ،كاالرباد السوفييت .كُب ىذه اغبالة ال تذىب مزااي
اإلنتاج اؼبتضاعف إذل الطبقات اليت ترفع من حدة استهبلكها -اؼبزارعُت
الذين يعملوف لقاء أجر كإمبا تذىب إذل ميداف األرابح اػباصة كالضرائب
العامة ،كىنا يستغل لتكوين مزيد من رؤكس األمواؿ.
فإذا تركنا مسألة االدخار إذل موضوع التمويل اػبارجي كجدان أف كل
دكلة انمية تقريبا تضطر إذل االعتماد على أمواؿ أجنبية ،كذلك لكي
تكمل هبا مدخراهتا الضعيفة ُب اؼبراحل األكذل من مراحل مبوىا
االقتصادم .مثاؿ ىذا أف اقبلًتا استدانت من ىولندا ُب القرف السابع
عشر كالقرف الثامن عشرٍ ،ب أصبحت بعد ذلك تقرض كل بلد ُب العادل
تقريبا ،كذلك ُب القرنُت التاسع عشر كالعشرين.
كالوالايت اؼبتحدة األمريكية اليت تعترب اليوـ أغٌت دكلة ُب العادل
كانت تستدين كثَتا ُب القرف التاسع عشر ،غَت أهنا أصبحت ُب القرف
العشرين أكرب مقرض.
كقد تكوف اؼبساعدات األجنبية ُب صورة منح أك قرض كحىت نشوب
اغبرب العاؼبية الثانية كانت اؼبساعدات األجنبية تكاد تعتمد سباما على
66
إجراءات فردية ،ككانت ىذه اإلجراءات زبضع بدكرىا ؼبسألة اؼبقارنة بُت
االستفادة من الفرص ُب الداخل كاالستفادة منها ُب اػبارج ،ككانت الدكؿ
اؼبقرضة ىي الدكؿ النامية ،بينما كانت الدكؿ اؼبستدينة أقل حظا ُب
مضمار النمو
كالواقع أف رؤكس األمواؿ سبيل إذل التدفق إذل األماكن اليت تظهر
فيها إمكانيات اؼبوارد الطبيعية الفنية ،كلقد كانت بريطانيا ُب القرف التاسع
عشر ،تستثمر أمواؽبا ُب أم مكاف تراه صاغبا لبلستثمار .كلقد استثمرت
ُب أمريكا البلتينيةٍ ،ب ُب مشركعات اغبديد ُب أكركابٍ ،ب أخذت تستثمر
أمواؽبا ُب مصر.
كالدكر الذم يلعبو االستثمار األجنيب اؼبباشر ُب ميداف التنمية
االقتصادية كثَتا ما يساء فهمو ،سواء عن طريق اؼبؤيدين أك اؼبعارضُت
كالقضية اليت تدافع عنو تقوؿ أف يوفر العمبلت األجنبية ،كيرفع الدخل
احمللي ،كما يرفع مستول اؼبهارات احمللية كالدخل احمللى يزيد الف
اؼبشركعات تدفع للوطنيُت أجورا كركاتب ،كتشًتم منتجات ؿبلية كتدفع
ضرائب للحكومة كىذه اؼبدفوعات ترفع بدكرىا من نسبة االستهبلؾ،
كيؤدم ىذا إذل رفع نسبة اإلنتاج أيضا .كال تقتصر الفائدة على ىذه
اؼبيادين كحدىا ،كإمبا قبد أيضا أف نسبة اؼبدخرات ترتفع نتيجة ؽبذا كلو -
كما تتاح الفرصة أماـ بناء اؼبدارس كاإلنفاؽ على اػبدمات الطبية ،كغَت
ذلك من اإلصبلحات الدائمة.
كإذا كاف االختيار ىو اختيار بُت رأس ماؿ ؿبلي كرأس ماؿ أجنيب
65
فبلشك أف األكؿ يكوف أفضل ،أما إذا كاف االختيار ىو اختيار بُت رأس
ماؿ أجنيب أك ترؾ اؼبوارد دكف تنمية ،فليس من شك ُب أف رأس اؼباؿ
األجنيب سيلعبو ُب ىذه اغبالة دكرا كبَتا ،ذلك ألنو سيكفل دخبل ننفق منو
على مستوايت أعلى ُب االستهبلؾ ،كعلى التعليم كاالستثمار احمللى،
كلكن ىناؾ ما ىو أىم من رأس اؼباؿ األجنيب ،إال كىو اؼبهارة األجنبية.
فالواقع أف األجنيب ُب بلداف كثَتة متخلفة يستقدـ أساليب جديدة
مستحدثة ،من أجل ىذا سعت بعض البلداف إذل دعوهتم كتشييد صناعات
جديدة من اجل االستفادة خبرباهتم فيها .كلن يستفيد البلد كثَتا إذا
احتفظ األجنبی "سر مهنتو" كمن أجل ىذا قد يشًتط البلد الذم يستقبل
خرباء أجانب أف يدرب ىؤالء اػبرباء اؼبواطنُت احملليُت.
كالبلداف اؼبتخلفة زبشى االستثمارات األجنبية ألسباب سياسية
كاقتصادية ،فمن الناحية السياسية قبد أف ىذه البلداف زبشى أف يؤدم
األمر فقداهنا الستقبلؽبا.
كالواقع أف البلداف اؼبقرضة قد سبيل إذل اإلقداـ على تصرفات
استعمارية عندما ذبد أف األنظمةُ ،ب البلداف اؼبدينة ،زبتلف عن أنظمتها
كقد يكوف فقداف البلد الستقبللو جزئيا كقد يكوف کامبلن .كىذه اؼبخاكؼ
كلها منتشرة شائعة كلكنها تعتمد ُب الواقع على البلد اؼبدين نفسو ،إذ
يقتضي األمر أف يكفل ىذا البلد اغبماية لبلستثمارات األجنبية كتكوف
سياسة حازـ ،حبيث وبوؿ دكف الرشوة األجنبية.
أما من الناحية االقتصادية فنجد أف بعض الشعوب زبشی
62
االستثمارات األجنبية خوفا من أف تؤدم ىذه االستثمارات إذل أرابح
ابىظة ،كىذا اػبوؼ قد يكوف مبالغا فيو ،فاالستثمار األجنيب عادة قد ال
يزيد ُب أرابحو على االستثمارات احمللية.
كمن اؽباـ جدا أيضا أف مبيز بُت االستثمارات األجنبية اليت تنطوم
على احتكار كاالستثمارات اليت ال تنطوم على شيء من ىذاُ ،ب حالة
االحتكار ال يستطيع السكاف احملليوف زحزحة اؼبستثمر األجنيب كىذا
وبدث ُب حالة استغبلؿ اؼبعادف على سبيل اؼبثاؿ ،أما االستثمار ُب
التجارة أك التصنيع فأقل من ذلك ،خطر ،فما أف هبد السكاف احملليوف
اؼباؿ البلزـ كوبصلوف على الكفاءة اؼبطلوبة ،حىت يستطيعوف أف وبلوا ؿبل
األجانب.
65
انفصم انسادس
انسكان وادلىارد
يبحث ىذا الفصل ُب العبلقة بُت اؼبوارد كالسكاف كاإلنتاج أكالٍ ،ب
عن العبلقة بُت اؼبوارد كالسكاف كانتقاؿ الناس كالسلع عرب اغبدكد
الدكلية.
انسكاٌ واإلنتاج -نًى انسكاٌ :
كيف يؤثر النمو االقتصادم على مبو السكاف ؟ أاثرت إجاابت ىذا
السؤاؿ جدال مازاؿ مستمرا حتی اليوـ ،فقد قيل أف ارتفاع مستول
اؼبعيشة سيؤدم إذل ازدايد عدد السكاف .كأشار اثنيا إذل أف مبو السكاف
سَتبو على نسبة إنتاج الطعاـ كلكن ،ليس ىناؾ من األدلة ما يثبت أف
نسبة اؼبواليد ارتفعت مع النمو االقتصادم بل أف ىناؾ من األدلة ما
يثبت أهنا البفضت.
كمن اغبمق أف نربط بُت زايدة عدد السكاف كبُت أنتاج الغذاء بطريقة
مباشرة .كلقد أكد "مالتس" أف زايدة عدد السكاف مآؽبا إذل التوقف ال
ؿبالة عندما يضيق اإلمداد الغذائي ؽبا كال يصبح كافيا إلطعاـ كل األفواه.
غَت أف أحداث القرف التاسع عشر قد كذبت ىذا اعبزء من نظريتو .فقبل
اغبرب العاؼبية األكذل كاف عدد السكاف آخذا ُب التزايد كُب نفس الوقت
أخذت نسبة اؼبواد الغذائية ترتفع أيضا .كلقد ابلغ مالتس ُب تقديره ألثر
51
اإلصبلحات ُ -ب ميداف التغذية -على الزايدة ُب عدد السكاف.
كالواقع أف مشكلة التغذية قد ازبذت أبعادا كموقفا جديدا ،ألننا قد
نستطيع استنباط الغذاء من ذرات اؽبيدركجُت كإذ ذاؾ تنتج منو كميات
ألحد ؽبا -كلكن ستبقى ىناؾ مشكلة األرض اليت ستظل مساحتها كما
ىي ،دبا عليها من تربة كحبار كجزر ،كحىت إذا استبعدان ىذه االعتبارات
الكونية كجدان أف البلد الذم ترتفع فيو نسبة اؼبواليد كتقل الوفيات يدفع
شبن ىذه الظاىرة كيدفع الثمن ابىظا ،فعليو أكال أف يعوؿ األطفاؿ كبينما
قبد أف أطفاؿ بريطانيا يشكلوف ۲٪:من السكاف ،قبد أف أطفاؿ
بويرتوريکو يشكلوف :42من إصبارل السكاف .كىكذا قبد أف السكاف ُب
بويرتوريكو يتحملوف عبئا كبَتا ،كعليهم أف ىبصصوا الوقت كاؼبوارد
الكافية لتنشئة ىؤالء األطفاؿ.
كمن أجل ىذا قد يؤدم البفاض نسبة الوفيات ُب النهاية إذل البفاض
ُب نسبة اؼبواليد أيضا ،أف عاجبل أك آجبل ..كما أف كجود جيل صاعد قد
يؤثر على حصة كل فرد من اإلنتاج ،كىناؾ قلة من البلداف فقط فبن
تؤدم فيها زايدة السكاف إذل زايدة اإلنتاج كزايدة الفرص ..كىذه البلداف
موجودة بصفة خاصة ُب إفريقية كُب أمريكا البلتينية غَت أهنا ُب ؾبموعها
قليلة ُب العدد كُب معظم ببلد العادل قبد أف ازدايد عدد السكاف يؤدم إذل
خفض اإلنتاج اؼبخصص لكل فرد ،ما دل يستغل رأس اؼباؿ ُب االستفادة
من موارد جديدة؛ كتشغيل أيدی إضافية فيها.
ككبن قبد ،غبسن اغبظ أف الدالئل اؼبوجودة توحي أبف البفاض نسبة
50
الوفيات ،يؤدی دبركر الوقت إذل البفاض ُب نسبة اؼبواليد ،كلكننا ال
نستطيع أف نتأكد من ىذه النقطة سباما ألننا ال نعرؼ ُب الواقع ؼباذا
البفضت نسبة اؼبواليد ،غَت أننا تعرؼ ؼباذا البفضت نسبة الوفيات .كُب
اؼبائة عاـ اؼباضية البفضت نسبة اؼبواليد ُب أكركاب من ۳5لكل ألف
نسمة إذل 25لكل ألف ،كمن بُت األسباب اليت أدت إذل ىذه الظاىرة
زايدة عدد النسوة البلئي دل يتزكجن ،كردبا كاف من بُت األسباب أيضا أتخر
الكثَت ُب الزكاج كمن بُت األسباب القوية عدـ استعداد الكثَتين إلقباب
أطفاؿ .كلكننا نعرؼ على كجو التأكيد .ما الذم أدل إذل ىذا االلبفاض
اغبق .أننا نفًتض كتقوؿ أف ىذا االلبفاض جاء نتيجة ضركرية للنمو
االقتصادم ،كأنو سيتكرر من أجل ىذا ُ -ب كافة البلداف اليت سبر بنفس
التجربة .كلكننا لسنا متأكدين من ىذا.
كردبا كاف من األسلم أف نقوؿ أف البفاض نسبة اؼبواليد مرجعو تغَت
النظرة إذل اإلقباب ال ؾبرد ظهور أساليب جديدة للتحكم ُب النسل ،كالذم
يدفعنا إ ذل ىذا أف البفاض نسبة اؼبواليد كقع قبل استخداـ األساليب
اعبديدة .كلقد بدأت نسبة اؼبواليد تنخفض ُب فرنسا ُب أكائل القرف التاسع
عشر -كما بدأت تنخفض ُب بلداف أكربية أخرل ُب أكاسط القرف ىذا
ابلرغم من أف كسائل ربديد النسل بدأت تطبق ُب هناية ذلك القرف .كالسبب
الثاين أف الغالبية العظمى من الناس الذين ينجحوف ُب ربديد نسلهم ال
يستخدموف الوسائل اغبديثة ،أهنم يطبقوف الطريقة اليت جاء ذكرىا ُب اإلقبيل
كاليت عرفها اعبنس البشرم منذ عصور سحيقة.
ككبن نتساءؿ :ما الذم جعل الناس يغَتكف نظرهتم إذل إقباب
52
األطفاؿ كيبيلوف إذل ربديد النسل؟
الواقع أف أىم سبب دفعهم إذل ذلك ىو أف نسبة الوفيات قد
البفضت كُب اجملتمعات القديبة كاف 6٪:من األطفاؿ الذين يولدكف ال
يعيشوف حىت يبلغوا سن النضج ،كمن أجل ىذا إذا أرادت األسرة ُ -ب
ذلك اجملتمع -أف يكوف ؽبا ثبلثة أكالد ابلغُت فعليها أف تنجب شبانية
أطفاؿ سيموت منهم طبسة ُب طفولتهم ..غَت أف ىذا الوضع يتغَت عندما
تنخفض نسبة اؼبواليد ،ففي ىذه اغبالة دل تعد ىناؾ ضركرة إلقباب مثل
ىذا العدد من األطفاؿ.
كىناؾ عوامل أخرل تتحكم ُب الظاىرة اغبديث ،أال كىي ربسُت
كضع اؼبرأة ،كقد جاء ىذا نتيجة -لتعليمها ،كما جاء أيضا نتيجة التساع
الفرص أماـ تشغيل الناس خارج بيوهتم ،كىذا هبعل بعض النساء ينظرف
إذل إقباب األطفاؿ على أنو مرحلة مؤقتة ُب حياهتن ،كأف ىذه اؼبرحلة س
تنتهي بسرعة كبعدىا يكوف أمامهن فرصة االنصراؼ إذل أشياء أخرل.
أضف إ ذل ىذا ظهور أشياء أخرل جديدة ينفق اإلنساف فيها كقتو.
كأف النمو االقتصادم معناه زايدة الدخل الذم يستمتع بو اإلنساف ،فبا
يقتضي كجود كقت .كلقد ازدادت اؼبتع اؼبوجودة خارج اؼبنزؿ کالسينما؛
كشاطئ البحر ..ىذا الوضع ىبتلف كثَتا عن كضع اؼبرأة ُب القرف التاسع
عشر على سبيل اؼبثاؿ ،لقد كانت ىناؾ بعض النسوة البلئي يعشن على
دخل ؿبدكد دكف كجود من يساعدىن على أداء شئوف اؼبنزؿ كمن ٍب دل
يكن لديهن كقت ىبرجن فيو من اؼبنزؿ ،اللهم إال حُت يتوجهن إذل
53
الكنيسة ..أما اليوـ فإهنن يطلنب اؼبزيد من حرية التحرؾ كالتنقل.
كلقد قيل أحياان أف السر ُب ربديد النسل ىو إدخاؿ الكهرابء إذل
اؼبنازؿ ،كؽبذا يتسع اؼبساء أماـ األسرة للقياـ أبكجو نشاط كثَتة ،بدال من
الذىاب إذل الفراش عند غركب الشمس ،كلكننا ال نستطيع ،ابلطبع أف
أنخذ ىذا التفسَت مأخذ اعبد .كمسالة استغبلؿ اإلنساف اغبديث لوقت
ليس معناىا أهنا ربوؿ دكف إقباب األطفاؿ ،كإمبا معناىا أف تربيتهم
أصبحت عبئا ثقيبل ..كىناؾ سبب آخر كىو أف نفقات العناية ابألطفاؿ
قد أصبحت ابىظة ،كدل يعد من اؼبستطاع االنتظار حىت يبلغوا السابعة أك
الثامنة لَتسلوا بعد ذلك إذل العمل ُب اؼبصانع ،كإمبا هبب إدخاؽبم اؼبدارس
إذل أف يبلغوا اػبامسة عشر أك يزيد.
ككل ىذه العوامل ما ىي إال شبرة للنمو االقتصادم كىكذا وبق لنا أف
نقوؿ أف النمو االقتصادم يؤدم إذل البفاض نسبة اؼبواليد كبذلك يعيد
التوازف الذم كاف النمو االقتصادم قد قضى عليو ُب البلداف كىذا
التحليل مرتبط بقضية ىبتلف حوؽبا كاضعو سياسة اإلسكاف.
فهناؾ مدرسة من مدارس الفكر تقوؿ انك إذا أردت زبفيض نسبة
اؼبواليد فعليك أف تركز جهودؾ ُب الدعاية لوسائل ربديد النسل اعبديدة
أما اؼبدرسة األخرل فتؤمن ابستحالة تطبيق ىذه الوسائل ما دل يكن ىناؾ
أكال تطور ُب نظرة الناس إذل مسألة إقباب األطفاؿ .كىذا التطور هبيء
نتيجة للنمو االقتصادم ،كىكذا إذا كاف لنا أف لبفض نسبة اؼبواليد فعلينا
أف هنتم ابلتنمية االقتصادية.
54
كالواقع أف مشكلة السكاف ُب البلداف اؼبتخلفة اشد حدة منها ُب
البلداف األكربية ،ذلك ألف نسبة الزايدة ُب عدد السكاف األكربيُت دل تزد
عن : 3سنواي .كإذا كنا نقوؿ أف مشكلة السكاف ُب بعض الببلد الفقَتة
خطَتة جدا ،فاف الزايدة ُب عدد السكاف ليست السبب الرئيسي ُب
البفاض مستوايت اؼبعيشية .فسكاف اؽبند يزيدكف بنسبة :11كل عاـ،
كمع ذلك فهذه النسبة أقل من نسبة مبو السكاف ُب الوالايت اؼبتحدة
حيث يتضاعف اإلنتاج ،لكل فرد بو إذل الضعف كل أربعُت عاما .كلو
استطاعت الياابف أف تضاعف إنتاجها كل طبسة كعشرين عاما منذ عاـ
۱٪٪٪الستطاعت آسيا كأفريقيا أف تفعبل مثلها ،كالواقع أف زايدة عدد
السكاف ابلنسب اؼبشار إليها ليس مقيمة ُب الطريق فقد بدأت بريطانيا
كأمريكا ؿباكلة االتصاؿ ابغبكومات اعبديدة على أسس كمفاىيم جديدة،
تنبثق من األفكار كليس من القوة؛ كمن العوامل االقتصادية كليس من
األسلحة ،كمن التنظيمات العاؼبية كليس من األحبلؼ اجملردة.
انؼالقاث انذونٍت
56
نسبة التجارة اػبارجية إذل الدخل القومي منخفضة غَت أف النسبة ترتفع
بسرعة مع التنمية .كالواقع أف التجارة اػبارجية نفسها تلعب دكرا ىاما ُب
إنعاش التنمية االقتصادية .كُب مراحل التنمية اؼببكرة تنمو التجارة
اػبارجية أبسرع فبا ينمو الدخل ،كالبلد ُب مراحلو األكذل يكفي نفسو
بنفسو ألف الشطر األكرب من اإلنتاج يتم على أيدم مزارعُت يكفوف
نفسهم بنفسهم ،كىؤالء من إنتاجهم .ال يتعاملوف دببالغ كبَتة من اؼباؿ،
كال يتاجركف إال جبزء بسيط من إنتاجهم.
كمن أجل ىذا قبد أف الواردات ال تشكل إال : ۱٪من الدخل القومي
ُب نيجَتاي ك ٪:من الدخل القومي ُب اؽبند ،كمن اؼبؤکد بُت اؼبناطق النائية :
أف ىذه النسبة ستنمو بنمو الدخل ،كبتحسُت كسائل اؼبواصبلت بُت اؼبناطق
النائية.
كإذا نظران إذل مسألة اإلنتاج من كجهة النظر االقتصادية كجدان أنو ليس
من اؼبستحب أف تضع البلد سلعة تسن تشًتيها من اػبارج يثمن أرخص.
كُب بعض البلداف الصغَتة قبد أف التصنيع وبتاج إذل ضباية السوؽ
احمللي بصورة مؤقتة ،كما وبتاج إذل االىتماـ دبسألة اعبمارؾ ،كالواقع أف
مشاكل التسويق كالتكاليف اؼببدئية اػبطوط اعبديدة كاعبهل كل ىذا يعرقل
اليوـ سَت التصنيع ُب البلداف اؼبتخلفة أكثر فبا كاف يعرقلها ُب القرف التاسع
عشر ،ذلك الف الدكؿ الصناعية اؼبتحضرة تنعم اليوـ بتفوؽ ملحوظ ُب
ميداف اؼبعرفة الفنية ،كبذلك تسبق األقطار األخرل اليت تفتقر إذل ىذا
اإلؼباـ ،كما دل يتخذ البلد اؼبتخلف إجراءات كقائية ،ربميو فاف اؽبوة ستتسع
بينو كبُت األمة الصناعية.
55
كقبد أيضا أف البلد الذم يفوؽ سكانو اؼبوارد اؼبوجودة فيو مضطر
إذل ضباية صناعاتو كازباذ إجراءات كقائية ،غَت أنو ُب حاجة إذل التعجيل
بتصنيع نفسو أكثر من أم بلد أخر ،كبذلك تعظم مشاكلو إذ كيف
سيتصرؼ ُب إنتاجو الغزير ؟ أف البفاض مستول اؼبعيشة عنده هبعلو
يطلب الطعاـ أكثر فبا يطلب مصنوعات ..كىكذا يهدؼ برانمج تصنيعو
– إذل تصدير اؼبصنوعات وبصل ُب مقابلها على كاردات من الطعاـ .كلقد
حدث ىذا ُب بريطانيا .كأؼبانيا .كالياابف ،كسيحدث ُب الوقت اؼبناسب ُب
اؽبند كُب غَتىا من البلداف.
كمن اؼبشاكل اليت تتعرض ؽبا الدكؿ اؼبتخلفة ُب برامج تصنيعها أهنا
مضطرة إذل ربديد أجورىا بطريقة تسمح ؽبا بتنافس األسواؽ اػبارجية كىذه
العقبة تتصل ابلفارؽ بُت التكاليف النقدية كالتكاليف اغبقيقية كأجور العماؿ
هبب أف تكوف أكثر من أجور اؼبزارعُت حىت يبكن اجتذاب ىؤالء العماؿ إذل
اؼبدف اليت قبد أف تكاليف اؼبعيشة فيها مرتفعة.
من ىذا لبلص إذل أف خوض األسواؽ العاؼبية وبتاج إذل شجاعة كعزـ
كتصميم حىت تتاح أماـ األمة فرص النجاح ..كلقد فعلت بريطانيا ذلك
ُب النصف األكؿ من القرف التاسع عشر ،إذ أرسلت ذبارىا إذل كل ركن
من أركاف اؼبعمورة ككانت مهمتها سهلة نسبيا أذا ما قورنت ابلوضع
الراىن ،ألهنا دل تكن مضطرة إذل مواجهة منافسُت أقوايء ُب ذلك اغبُت ٍب
حذت أؼبانيا حذكىا ،بل ككانت أكثر من بريطانيا عزما كتصميما أما اؽبند
كايطاليا فكانت تنقصها اإلرادة.
52
ىناؾ أسباب كثَتة جدا للهجرة الدكلية من قطر إذل آخر ،كىي ال
ترتبط ابلنمو االقتصادم على اإلطبلؽ ،فقد يكوف ىناؾ سبب دينی كراء
ىذه اؽبجرة أك سياسي أك عنصرم ،كُب ىذه اغبالة يكوف اؼبهاجر أحد
شخصُت :شخص يهاجر فرارا إذل خارج كطنو ،أك شخص وبمل رسالة
يتحمس ؽبا كيريد أف ينقلها إذل اػبارج.
أما إذا قصران أنفسنا على اؼبيداف االقتصادم ،فسنجد أف بعض
ىجرات التاريخ الضخمة جاءت نتيجة غبدكث ؾباعة فإذا انتقلنا من ىذا
السبب إذل سبب آخر كجدان أف بعض الناس يهاجركف ألهنم أيملوف ُب
اغبصوؿ على فرص أك فَت ُب اػبارج ،كمن أبرز األمثلة اغبديثة على ىذه
الظاىرة تلك اؽبجرات اعبماعية اؼبنتظمة اليت قاـ هبا األكربيوف كالصينيوف
كاؽبنود كلقد بدأت ىذه اغبركة ُب كبو نصف القرف التاسع عشر ٍب
استمرت بعد ذلك إذل ما قبل اغبرب العاؼبية األكذل سباما.
كالذين يربطوف بُت اؽبجرة كبُت مسالة النمو االقتصادم إمبا يشَتكف
إذل مسألة تزايد عدد السكاف كتضخمهم .فقد يكوف ىناؾ بلد ينعم بنسبة
معقولة من السكاف ،كيتمتع دبستول معيشة الئق ألف لديو موارد زراعية أك
موارد خاـ ،كقد يكوف ىذا البلد قد حقق من الرقى ما يؤدم إذل البفاض
نسبة الوفيات ،ذلك ألنو يطبق أحدث األساليب الصحية .كإذ ذاؾ سبر
أعواـ كإذا بو يكاد ىبتنق ،أف عدد السكاف ،يتزايد فيو بسرعة كذلك
يتطالع حواليو يريد لو كجد أرضا جديدة يعيش فيها ىذا العدد الزائد من
اؼبكاف .كلقد تكررت ىذه الظاىرة كثَتا ُب التاريخ .كمن األمثلة اغبديثة
55
على ذلك اؽبجرات اليت قامت من أيرلنده ،كبريطانيا كاؽبند كايطاليا،
كالصُت كالياابف.
كمن اؼبضحك أف اؽبجرة ال ربل مشكلة االكتظاظ إال بصفة مؤقتة
فقط ،ذلك أف السكاف يتزايدكف بعد ذلك دبركر السنُت فيملئوف الفجوة
اليت تركها اؼبهاجركف كهبد البلد نفسو كقد كاجهتو مشكلة االزدحاـ
كاؽبجرة من جديد ،كلكن الواقع أف مشكلة االزدحاـ دل تعد حتمية مثلما
كانت ُب اؼباضي ذلك ألننا نستطيع اآلف أف نقطع أشواطا كبَتة ُب ربديد
النسل ،كاذل جانب ىذا ال نستطيع أف نتكهن دبا وبملو لنا اؼبستقبل من
امكانيات.
كالذم هبب أف نشَت أليو ىو أف اؽبجرة ليست اغبل الوحيد االزدحاـ
السكاف كحاجتهم إذل مزيد من الطعاـ ،كعدـ كجود ىذا الطعاـ ُب
الداخل .ذلك ألهنم يستطيعوف اإلسهاـ ُب حل مشكلتهم عن طريق
االعتماد على التجارة اػبارجية ،أبف يطوركا صناعاهتم ،أك يعتمدكا على
اؼببلحة أك التأمُت أك السياحة أك األفبلـ ،أك غَت ذاؾ من مصادر التبادؿ
األجنيب الذم يبكن اغبصوؿ على طعاـ ُب مقابلو.
كقبد ُب بعض األحياف أف البلد اؼبكتظ ابلسكاف يتوؽ إذل تسهيل
أمَت اؽبجرة بقدر اإلمكاف ..كيطلعنا التاريخ على قبائل كانت تبيع بعض
أفرادىا كتسلمهم بذلك إذل العبودية كالرؽ .كقد كانت الصُت كاؽبند
زبوالف لبعض األجانب حق دخوؿ أراضيهما كاستئجار عماؿ ،كدل يكن
ىذا ليختلف عن الربؽ كثَتا .كاؼبملكة اؼبتحدة قد شجعت بدكرىا على
21
اؽبجرة كتنوعت أساليبها من أجل ربقيق ذاؾ ،ففي القرف السابع عشر
كالثامن عشر كالتاسع عشر قامت بًتحيل اؼبذنبُت كاؼبتمردين أما ُب القرف
العشرين فقد أخذت تدفع إعاانت للذين يهاجركف إذل اؼبناطق التابعة ؽبا.
كاؽبجرة تشَت مشاكل كثَتة البلد الذم يهاجر منو اؼبواطنوف .فهذا
مضطر إذل ضباية اؼبهاجرين لكيبل ىبدعهم أصحاب العمل األجانب
كمضطر إ ذل ضبايتهم من السفر ُب بواخر مزدضبة أك متعبة ،كمن االضطهاد
العنصرم أك الديٍت ُب الببلد اعبديد ..كىذه اؼبشاكل معقدة كعنيفة
للغاية ،كقد بلغ من عنفها أف اغبكومة اؽبندية قررت مرة حظر اؽبجرة إذل
البلداف اليت رأت أهنا تعامل رعاايىا بقسوة .كمن اكرب اؼبشاكل ىنا مشكلة
تبعية اؼبهاجر ككالئو .فبعض البلداف اليت تستقبل اؼبهاجرين تريد استيعاهبم
كامتصاصهم حىت ال تعد أمامها مشكلة أقليات كلكي ربقق ىذا ال تعًتؼ
بلغة اؼبهاجرين ُب مدارسها أك ؿباكمها كىذا ىو األساس الذم تستند إليو
سياسة الوالايت اؼبتحدة ابلنسبة للمهاجرين .كلقد انتهجت بريطانيا نفس
السياسة ذباه اؼبهاجرين إليها من أكراب ،كذلك ُب القرنُت السادس عشر
كالسابع عشر ،غَت أف اؼبهاجرين أنفسهم يعارضوف ىذه السياسة ألهنم
يريدكف االحتفاظ بلغتهم كثقافتهم ،كمن أجل ق ذا رفض الصينيوف
اؼبهاجرين أف يتخلوا عن كالئهم للصُت.
كالواقع أنو ال يبكن حل مشاكل اؽبجرة إذا رفض اؼبهاجركف شيئا من
االستيعاب أك إذا تدخلت الدكلة اليت ىاجركا منها ُب الشئوف الداخلية
للدكلة اليت ىاجركا إليها.
فإذا تركنا ىذه اؼبشاكل السياسية للهجرة كاجهتنا مشاكل اقتصادية
20
فمعظم اؼبهاجرين ُب العقد الثاين كالثالث من عمرىم كالوطن مضطر إذل
احتماؿ تكاليف تربيتهم كتعليمهم ،كعندما يبلغوف السن اليت يستطيعوف
أف يعملوا فيها هبد أهنم يًتكونو كيهاجركف إذل ببلد جديدة .كعندما يغادر
اؼبهاجركف الشباف أرض الوطن ترتفع نسبة الذين زبطوا مرحلة الشباب.
كنسبة العجزة الذين ال يستطيعوف أف يعولوا أنفسهم كىكذا يتحمل الذين
يعملوف أعباء جديدة ..كلكن قد ىبفف ىذا العبء إذا قاـ اؼبهاجر
إبرساؿ نقود إذل أىلو من اػبارج ألف ذلك سيفيد كطنو ،كيؤدم رسالتو ُب
ميزاف اؼبدفوعات ُب ىذا الوطن.
كمن مشاكل اؽبجرة أهنا تؤدم إذل ارتفاع نسبة اإلانث مقابل نسبة
الرجاؿ .كُب ابرابدكسُ ،ب عشرينيات القرف التاسع عشر كانت نسبة
اإلانث ضعف نسبة الرجاؿ اؼبوجودين ،كذلك نتيجة للهجرة اليت سبت
على نطاؽ ضخم .كالبلد الذم يهاجر منو اؼبواطنوف قد ال يرضى عن ىذه
اؽبجرة ألنو ال يريد أف يفقد بعض أصحاب اؼبهارات كاؼبتخصصُت ُب فركع
ىامة ،كُب نفس الوقت ؽ د ال يرحب هبم البلد الذم يستقبل اؼبهاجرين؛
ألنو ىبشى من اؼبنافسة كىناؾ بلداف كثَتة حالت دكف ىجرة العماؿ اؼبهرة
من أجل ىذا السبب ،كمنها بريطانيا ُب القرف الثامن عشر.
ليست أساليب االستعمار اقتصادية سباما ،كمع ذلك فإننا قبد أف
األسباب السياسية نفسها تتصل دبرحلة النمو االقتصادم من قريب أك
بعيد ..كنبدأ أكال بدراسة األسباب االقتصادية ) ٍب نعرج بعد ذلك إذل
األسباب السياسية ،كبعدىا نتجو إذل اغبديث عن آاثر االستعمار سواء
22
على الدكلة االستعمارية أك الدكلة اػباضعة ؽبذا االستعمار .كالواقع أف ىذه
اؼبشكلة ضخمة للغاية كلن نستطيع أف نربط بينها كبُت التحليل االقتصادی
ربطا كبَتا ،ككل ما نستطيع أف نفعلو ىو أف نشَت إليها إاثرة موجزة.
لنبدأ ابألسباب االقتصادية ،فبعض األمم تضطر إذل بسط نفوذىا
عٍت أمم أخرل كالعمل على استعمارىا ألهنا تبحث عن مزيد من األراضي
كعلى أراض أفضل ،لتستطيع بذلك أف تستوعب سكاهنا كتوفَت ؽبم
الغذاء ،كقد رأينا أف ىذا اإلجراء قد يكوف أحد نتائج النمو االقتصادم،
كذلك ألف أكؿ ما يسفر عنو النمو االقتصادم ىو أنو يؤدم إذل زايدة
عدد السكاف كمن احملتمل أف يصبح البلد عاجزا عن مواجهتو ىذه الزايدة
ُب يوـ من األايـ كإزاء ىذا يفتش عن حل ،كال هبده إال ُب أمر من األمور
الثبلثة التالية:
اؽبجرة ( أ)
(ب) االعتماد على التصدير
(ت) فرض مطالب على بلد آخر
كاؼببلحظ أف أم سبب من ىذه األسباب الثبلثة قد يؤدم إذل اغبرب
فقد تنشب اغبرب ،ألف بلداان أخرل ترفض قبوؿ اؼبهاجرين أك ألهنا
تعاملهم معاملة سيئة أك ألف اؼبهاجرين يريدكف طرد اؼبواطنُت أك حرماهنم
من حقوقهم ،ىذا ،كليس من الضركرم أف يكوف السبب ُب االستعمار
ضركرة اقتصادية ،فليس من الضركرم أف يكوف اؼبستعمر كالدا يعاين من
اكتظاظ السكاف ،فهناؾ مستعمركف ال يعانوف ُب كطنهم من ىذه
23
اؼبشكلة ،كإمبا يريدكف السعي كراء أراضي جديدة كبقرات وبلبوهنا
كيستنزفوف خَتاهتا .كليس من الضركرم ،أف تكوف الدكلة اؼبتحضرة ىي
اليت هتاجم الدكلة األقل ربضرا.
أما فيما يتعلق ابلتجارة اػبارجية كحل ؼبشكلة النمو االقتصادم،
فإننا قبد أهنا قد تؤدم إذل اغبرب ،كابلتارل إذل االستعمار كلو قد كاف العادل
حرا الستطاع أف يطبق سياسة التجارة اػبارجية دكف حرب ،غَت أننا لسوء
اغبظ ال نعيش ُب عادل حر .فقد ال ربتاج األمم إذل شراء مصنوعات أـ
غَتىا ،كقد تصر على االكتفاء دبصنوعاهتا احمللية ،كقد يفضي ق ذا
اؼبوقف إذل اغبرب .كقد ازبذت بعض األمم األكربية ىذا اؼبوقف عذرا
تنتحلو لتحارب أسبانيا ُب أمريكا البلتينية كذلك ُب القرف السادس عشر
كالسابع عشر كما أف ىذا اؼبوقف نفسو يكمن كراء العبلقات بُت أكراب
كالياابف ُب القرف التاسع عشر ،كما كاف من بُت األسباب اليت دفعت
األمم األكربية إذل التشاجر لكي يكوف لكل كاحدة منها نصيب ُب أفريقية.
كقد تنشب حرب « متحررة » لكي تفتح سبل التجارة أماـ الدكلة
اؼبعتدية كقد تنشب حرب « غَت متحررة » لكي ربصل الدكلة اؼبعتدية
على بعض االمتيازات كمن بُت أىداؼ االستعمار إخضاع بعض الشعوب
كإرغامها على شراء منتجات الدكلة االستعمارية أبشباف مرتفعة ،كُب الوقت
نفسو تبيع ىذه الشعوب منتجاهتا للمستعمرين بثمن خبس ،كيستمر اغباؿ
على ىذا اؼبنواؿ ما دل يستنبط العادل من األنظمة ما يلغي اغبرب إلغاء.
كالشك أف البحث عن األسواؽ ،كالسعي كراء العملة األجنبية
24
كالتفتيش عن مصادر الطعاـ كاؼبادة اػباـ .كلها عبارة عن أشكاؿ ـبتلفة
لظاىرة كاحدة ،كهبب أال لبلط بُت ىذا كبُت قوؿ القائلُت أبف األمة
الصناعية مضطرة إذل البحث عن أسواؽ خارجية ألهنا ال تستطيع أف
تستهلك إنتاجها كلو .إذ أ ف علينا أف مبيز بُت التصدير من أجل استَتاد
بضائع ُب مقابل التصدير ،كالتصدير من أجل احملافظة على اؽبوة بُت
االستهبلؾ كاإلنتاج .كاألمة الصانعة قد تفتش عن أسواؽ خارجية ؼبنتجاهتا
لكي تستطيع استَتاد طعاـ ُب مقابل ذلك .كىي مضطرة إذل ذلك بدكف
شك ،إذا كاف عدد السكاف أكثر فبا ربتمل األرض .أك قد تسعى كراء
التصدير ألهنا بلد صغَت ال يستطيع أف ينعم ابقتصادايت اإلنتاج الضخم
ما دل تتخصص ُب بعض صناعات معينة ،كتنتج ُب ىذه الصناعات كمية
تفوؽ الكمية اليت ربتاج إليها؛ كتقوـ بتصدير الفائض ،كُب مقابل ذلك
تستوعب كأرادت ..كقد تتضمن ىذه الواردات بعض اؼبواد اػباـ .كىذا
يفسر لنا ؼباذا قبد أف الدكؿ الصناعية نفسها تستورد مصنوعات كثَتة ُب
نفس الوقت مثاؿ ىولندا كالس كيد ،فهما قد حققتا مبدأ االكتفاء الذاٌب ُب
الطعاـ؛ غَت أهنما تقوماف بتصدير بعض اؼبصنوعات ُب مقابل استَتاد
مصنوعات أخرل أك مواد خاـ .ككل ىذا ىبتلف سباما عن تصدير اؼبصنوعات،
لوجود عجز ُب االستهبلؾ ُب الداخل ،ذلك ألنو لو كاف ىناؾ عجز ُب
االستهبلؾ كعدـ كجود طلب كثَت فاف ىذا البلد لن يستطيع أيضا أف
يستوعب كيستهلك الواردات.
نعود إذل موضوع االستعمار ،قد رأينا أف ىناؾ أسبااب اقتصادية كثَتة تدفع
إذل االستعمار كاغبركب ،كقد تتمثل ىذه األسباب ُب كجود ؾباعة أك اغباجة إذل
25
أرض أك أسواؽ أك مواد أكلية .كقد تتمثل ىذه األسباب ُب اعبشع كاغبسد،
فتظهر ُب صورة رغبة ُب االستغبلؿ كالبحث عن مزيد من الثركات .كالذين
يؤمنوف أبف أسباب اغبرب ىي أسباب اقتصادية فقط پر کزكف اىتمامهم على
الدكافع السابق ذكرىا ( اجملاعة ..اغباجة إذل مواد أكلية ..اخل .)...كيركف أنو
من اؼبمكن منع اغبرب عن طريق القضاء على ىذه األسباب السالفة .فهم
يؤمنوف أبننا نستطيع أف نقلل من خطر اغبرب إذا آمنت كافة البلداف حبرية
التجارة كسياسة الباب اؼبفتوح.
كلكن ىل ىناؾ ما يضمن لنا أف كافة البلداف ستطبق سياسة الباب
اؼبفتوح ؟
كىناؾ فريق آخر أيمل ُب التقليل من خطر اغبرب عن طريق إخضاع كل
الدكؿ االستعمارية لئلشراؼ الدكرل ،أك إخضاع كل اؼبستعمرات للوصاية
الدكلية على األقل .فيقوؿ إذا أردان أف نقضي على اغبرب حقا فلن يتسٌت لنا
ذلك إال إذا هنضنا ابلدكؿ اؼبتخلفة ُب أسرع كقت فبكن ،كإذ ذاؾ ال تعد ىذه
الدكلة ضعيفة يستغلها اآلخركف.
26
انفصم انسابع
احلكىمة
25
دكرىا كلؤلفراد دكرىم ،كمن أجل ىذا يقتصركف على توجيو السؤاؿ التارل
:ما ىو الدكر الذم يستطيع كل جانب أف يلعبو ،كيسهم بو ُب ربقيق
التقدـ االقتصادم ؟؟.
كالواقع أف اغبكومات قد تفشل ُب ربقيق التقدـ االقتصادم ألهنا
مقصرة ُب أدائو أك ألهنا تنظمو أكثر من البلزـ ..كسنناقش أكال ما الذم
نستطيع أف تفعلو اغبكومة لكي ربقق التنمية االقتصادية بطريقة ؾبديةٍ ،ب
ننتقل بعد ذلك إ ذل اغبديث عن األساليب اليت تتبعها بعض اغبكومات
فتعرقل هبا ركب النمو أك تسبب الركود كالتدىور.
-1إطار االستثًار
سنتحدث ُب ىذا القسم عن العبلقة بُت اغبكومة كاالقتصاد الكل،
كنناقش ُب القسم الذم يليو القطاع العاـ ُب االقتصاد بصفة خاصة ،كمن
أجل ىذا هنتم ُب القسم الذم بُت أيدينا ابلقطاع اػباص.
25
كإذ ذاؾ يضطر زعماء اغبكومة إذل إبداء الرأم ُب أشياء كثَتة كانوا
سيًتکوف حق الكبلـ فيها لآلخرين لو كاف اجملتمع مستقرا .كىذه الظاىرة
من بُت األسباب اليت ذبعل زعماء أم ثورة سواء دموية أك سلمية -
يشرعوف ُب إبعاد الزعماء القدامى من قطاعات اغبياة اؼبختلفة ،من
الكنيسة ،كدكر الصحف ،كاحملاكم ،كالوظائف كاعبيش ،كالبنوؾ،
كاعبامعات ،كالصناعة اخل ...كالثوار الذين ال يثبتوف ثورهتم ُب كل قطاع
من قطاعات اغبياة يفشلوف ُب ربقيق أغراضهم ،أك يفشلوف ُب السيطرة
على زماـ اغبكم.
ننتقل بعد ذلك إذل األنظمة السياسية ،فعلى كل حكومة أف تتخذ
موقفها من اؼبسائل التالية :ىل رببذ االستثمار الواسع النطاؽ ،فم
االستثمار احملدكد ؟ اؼبنافسة أك االحتكار ؟ اؼبلكية اػباصة أـ اؼبلكية
التعاكنية أك العامة ؟ كىل تعزز موقفها إبصدار تشريعات؟
كلبلص من ىذا إذل أنو من الواجبُ ،ب مراحل التنمية االقتصادية
األكذل ،أف تستصدر اغبكومة تشريعات جديدة أكثر مبلئمة للنمو
االقتصادم.
كاغبكومات ُب حاجة إذل التأثَت ُب طريقة استغبلؿ اؼبوارد ،ذلك الف
سياسة السعر ،اليت ربدد طريقة استغبلؿ اؼبوارد قد تسفر عن نتائج ُب
غَت صاحل اجملتمع .فقد يستغل األفراد الًتبة أك اؼباء أك الغاابت أك اؼبناجم
بطرؽ مبددة ،أك قد ترغب اغبكومة ُب استغبلؿ مورد أساسي معُت،
كحوض أحد األهنار ،كؽبذا تضطر إذل التحكم ُب طريقة استغبلؿ األرض
51
اؼبوجودة ُب منطقة حوض النهر كلها.
أما مسألة توزيع الدخل فتثَت مشاكل معقدة ،كخباصة ابلنسبة
للبلداف اؼبتخلفة ،ذلك ألف ىذه البلداف تريد أف ذبمع بُت اؼبساكاة ُب
الدخل كبُت إهباد اغبوافز كالتشجيع على االدخار الكبَت .غَت أف النمو
االقتصادم يتطلب تفاكات ُب الدخل يتناسب مع اؼبهارات كالعمل الشاؽ
كالتعليم كاستعداد البعض التحمل اؼبسئولية .كما أنو يتطلب أيضا أف
تتحوؿ بعض الزايدات ُب الدخل القومي إذل مدخرات بدال من أف تذىب
إذل جيوب مستهلكُت ،كالواقع أف البلداف األكثر زبلفا قد استيقظت ُب
قرف ىو القرف العشرين ككجدت كل فرد فيها وباكؿ أف يبتطى صهوة
حصانُت ُب كقت كاحد ،اغبصاف األكؿ ىو اؼبساكاة االقتصادية ،كالثاين
التنمية االقتصادية .كلقد أكتشف االرباد السوفيييت أف ىذين اغبصانُت لن
يسَتا ُب اذباه كاحد ،كمن أجل ذلك زبلى عن أحدنبا.
ننتقل بعد ذلك إذل عنصر آخر من العناصر اليت أشران إليها ُب
مستهل ىذا القسم ،أال كىو ربكيم الدكلة ُب كمية النقود كاؼببلحظ أنو لو
كانت النقود عبارة عن معادف نفيسة فقط ؼبا كانت اغبكومة ُب حاجة إذل
تنظيم كمياهتا .غَت أف النقود تصنع اليوـ من مواد أقل من قيمة النقود
نفسها كلو دل تقم اغبكومة ابإلشراؼ على الكمية اليت تستصدر ال نفرد
بعض األشخاص إبنتاج كميات ىائلة من النقد كلما حبلؽبم ذلك ،كيؤدم
ىذا بدكره إذل ارتفاع األسعار بصورة عنيفة إذل أف تصبح القيمة االظبية
كالقيمة اغبقيقة للعملة كاحدة ،كحينما تصنع النقود من كرؽ أك معادف
رخيصة كجب ربديد كمياهتا بدقة ،كقد يتم ىذا التحديد بطريقة
50
أكتوماتيكية .مثاؿ ىذا أف ميزاف الذىب ينص على أف كمية النقود اليت
يصدرىا البنك اؼبركزم تتحدد دبقدار الذىب اؼبوجود لديو .كُب حالة نظاـ
العملة اؼبوجودة ُب اؼبستعمرات التابعة لربيطانيا قبد أف األكراؽ اليت
يصدرىا البنك أك اؼبسئولوف عن النقد هبب أف تقف كراءىا كمية فباثلة
من مستودعات اإلسًتليٍت.
غَت أف كمية النقد قد ال ربدد بطريقة أكتوماتيكية ،كإمبا ربدد عن
عمد ،أم أف اغبكومة ربتفظ لنفسها حبق إصدار نقد أك اسحبو كذلك
كيفما يًتاءل ؽبا ،بصرؼ النظر عن كجود ذىب أك إسًتليٍت .كمن انحية
أخرل قد يًتؾ للبنك حرية ربديد مقدار اؼبستودعات اؼبوجودة لديو كىذا
أىم أنواع النقود ُب البلداف الصناعية ،أك قد يًتؾ األمر ُب يد البنك
اؼبركزم ،أك قد تقوـ اغبكومة دبهمة التحديد كاإلشراؼ كتتخذ من ىذا
البنك اؼبركزم كسيلة لتنفيذ سياستها.
من اؼبمكن رسم برانمج كامل لبلقتصاد يبُت الطريقة اليت تريد هبا اغبكومة
االستفادة من موارد الببلد ،كاعبانب اإلحصائي من ىذه الربامج يتخذ شكل
جداكؿ ـبتلفة بُت كل منها مظهرا من مظاىر االقتصاد ،فهناؾ جدكؿ يبُت
األشكاؿ اؼبختلفة للطاقة ( اؼبهارات اؼبختلفة ) كالصناعات كاػبدمات اليت
سيتم تشغيل اؼبواطنُت فيها ،كجداكؿ أخرل تبُت طرؽ االستفادة من اؼبواد
اػباـ ،أك األراضي ،أك اؼبباين؛ أك األجهزة .كجدكؿ آخر يبُت اإلنتاج اؼبتوقع
من كل صناعة ،طبقا لطريقة توزيع اؼبوارد.
كإعداد برامج اإلنتاج يثَت مشاكل كثَتة أكؽبا :ما ىي نقطة التحرؾ؟
52
كاثنيها :كيف تعرؼ الطريقة اليت نستفيد هبا من اؼبوارد؛ كىذه ىي
مشكلة النمو اؼبتوازف .أما اؼبشكلة الثالثة ،فهي مشكلة التناسق كعدـ
التناقض .كالرابعة ىي :كيف نًتجم اآلماؿ إذل كقائع ؟.
كمن انحية التخطيط كببذ التخطيط اعبزئي على التخطيط الشامل
ذلك الف النوع الثاين معرض للوقوع ُب أخطاء كثَتة ،أم أننا نفضل الًتكيز
على مسائل ؿبدكدة ،كمستول الصادرات أك تكوين رأس اؼباؿ ،أك اإلنتاج
الصناعي ،أك إنتاج الغذاء ،اترکُت بقية قطاعات االقتصاد تتأقلم مع
العرض كالطلب.
أف األمر يقتضي كجود شيء من التخطيط ،ذلك الف نتائج العرض
كالطلب ليست مقبولة كلها ابلنسبة لصاحل اجملتمع .كالتخطيط اعبزئي
ضركرم ُب قطاعات االقتصاد اليت ينفلت فيها عيار العرض كالطلب.
وهناك قٍىد ثالثت تحذد شكم يؼظى بزايح اإلنتاج وهً :
أ -قلة رأس اؼباؿ.
ب -قلة العماؿ اؼبهرة.
ج -قلة النقد األجنيب.
كليست كل االقتصادايت تعاين من قلة رأس اؼباؿ .بل لقد كانت
ىناؾ عقب اغبرب العاؼبية الثانية مباشرة -بضعة بلداف سبلك رؤكس
أمواؿ كافية ،كنقد أجنبی کاؼ ،تستطيع هبا سبويل برامج االستثمار
الضخمة -غَت أهنا كانت تفتقر على سبيل اؼبثاؿ إذل األيدم العاملة
53
اؼباىرة أك إذل بعض الوسائل اؼبادية كالصلب كاالظبنت.
كمعظم البلداف اؼبختلفة قد عادت مرة أخرل إذل كضعها اؼبزمن
الذم يتمثل ُب افتقارىا إذل رأس ماؿ کاؼ كىي مضطرة من اجل ىذا إذل
قصر برامج االستثمار داخل نطاؽ اؼباؿ اؼبوجود ،كالی اغبصوؿ على مزيد
من اؼباؿ عن طريق تقييد االستهبلؾ ,كمن الضركری إهباد توازف سليم بُت
االستثمار كاؼبدخرات الف أم اختبلؼ جوىری بينهما يؤدم إذل التضخم.
كاالفتقار إذل رأس اؼباؿ الكاُب يؤثر على اختياران للمشركعات كعلى
األساليب اليت سنستخدمها ُب تنفيذ ما اخًتانه من مشركعات.
كمن اؼبمكن تنفيذ أم مشركع تقريبا عن طريق األساليب اليت تستخدـ
رأس اؼباؿ طريقة حذرة كاعية ،أك بطرؽ اکثر رأظبالية كإذا كاف رأس اؼباؿ
قليبل كجب على اؼبرء أف ىبتار الوسائل األقل رأظبالية .كعلى األمم اليت
لديها فائض كبَت من األيدم العاملة الغَت اؼباىرة ،أف أتخذ حذرىا ،ذلك
ألف األجور ُب ىذه اغبالة لن تعكس التكاليف اغبقيقية لئلنتاج ،كُب ىذه
اغبالة لن يكوف رأس اؼباؿ مثمرا إذا استخدـ ُب أشياء تستطيع الطاقة العاملة
أف تنجزىا مثلو ،كإذا سلمنا هبذا اؼبستول من األجور فاف مثل ىذه
االستثمارات ستعود بربح كافر على الرأظبالية غَت أهنا ال تفيد اجملتمع ككل
ذلك ألهنا تضاعف من حدة التعطل كال تضاعف اإلنتاج.
كىذه الطريقة اؼبضيعة لرأس اؼباؿ ربدث ُب الغالب عند إدخاؿ نظاـ
اآللة على الزراعة ،كُب منافسة الصناعات اليت كانت تتم داخل أكواخ
العماؿ ،كأحياان قد ال يضيف االستثمار شيئا إذل كمية اإلنتاج كمع ذالك
54
ينجذب إليو اؼبستثمركف ألنو يوفر األيدم العاملة .كلكننا نكرر قولنا أف
من العبث -من كجهة النظر االجتماعية -أف تستخدـ اآللة ُب الببلد
اليت تستطيع فيها األيدم العاملة الفائضة أف تنجز ما تنجزه اآللة سباما،
كسيكوف رأس اؼباؿ أكثر إنتاجية إذا استخدـ ُب مضاعفة فرص العمل
كذلك عن طريق القياـ دبشركعات ال يبكن اقبازىا ابليد العاملة ،أك حيث
يكوف استخداـ اليد العاملة فيها فبنوعا.
كىناؾ أيضا مسالك يؤدم فيها رأس اؼباؿ إذل مضاعفة اإلنتاج القومي
غَت أنو يؤدم أيضا إذل زايدة للتعطل كمن أمثلة ىذا ما وبدث حُت يزيد
الطعاـ اؼبتوافر لبلستهبلؾ نتيجة إلحبلؿ اآللة ؿبل اعبياد كالناس.
كالواقع أف احملك االقتصادم اغباسم يًتكز ُب إصبارل اإلنتاج القومي
ُب النهاية ،كيًتكز أيضا فيما وبدث للمشكلة العمل أك التكاليف النقدية،
كلكن ليس من السهل ُب كاقع اغبياة ،كمن الناحية السياسية ،أف وبوؿ
دكف تبديد شيء من رأس اؼباؿ حُت وبل ؿبل العمل عندما تكوف
التكاليف النقدية أقل ،أك تشغيل الطاقة العاملة بطريقة تبديدية بدال من
رأس اؼباؿ ،خوفا من حدكث تعطل.
كقلة اؼبهارات تثَت من اؼبشاكل ما تثَته قلة رأس اؼباؿ ،فإذا كانت
اؼبهارة شحيحة كجب االقتصاد ُب استخدامها ،كذلك ابختيار الوسائل
اليت تتطلب مهارات كثَتة.
كمن أبرز األمثلة على ضحالة اؼبهارات عدـ كجود أشخاص كثَتين
يستطيعوف إدارة اؼبشركعات الضخمة ،كىكذا يتحتم على البلداف
55
اؼبتخلفة كىي تضع براؾبها ،أف هتتم ابلتنظيمات احملدكدة اؼبدل بدال من
التنظيمات الضخمة ،كمن الضركرم أيضا أف يتحدد الربانمج الشامل
دبدل اؼبهارات اؼبوجودة ،حىت ال وبدث اضطراب أك تبديد للماؿ كاعبهد.
كىذا ينطبق بصفة خاصة على صناعة البناء .كلقد سبق أف أشران أف
:52أك : 62من االستثمار تذىب ُب نفقات اإلنشاء كالتعمَت كأف
ندرة اإلمكانيات الواجب توافرىا للبناء ىي العقبة األساسية اليت ربوؿ
دكف تكوين رأس اؼباؿ بصورة مرضية.
كالواقع أف ىذه العقبة ليست مستعصية على اغبل ،فليس التوسع ُب
صناعة البناء أبصعب من التوسع ُب إعداد اعبيش ،ككل ما ُب األمر أف
اؼبسألة تقتضي أف أيخذىا اؼبسئولوف مأخذ اعبد ،كيتخذكا اإلجراءات
الكفيلة بتجنيد اؼبطلوبُت ُب عملية البناء كتدريبهم .كاألمر الذم يثَت
الدىشة أف برامج اإلنتاج كثَتا ما تفشل ُب ربقيق ىذا الشرط.
أما فقر البلد من انحية العملة األجنبية فيتوقف على ما إذا كانت
التنمية تتم أساسا ُب قطاع صادراهتا ،كما يتوقف على مقدار رأس اؼباؿ
األجنيب الذم تستورده .كإذا كانت التنمية مركزة ُب القطاع احمللى ( كما
حدث ُب اؽبند كُب اسًتاليا ) فاف العملة األجنبية ستشكل عقبة ،كُب ىذه
اغبالة يبيل اؼبسئولوف إذل االقتصاد ُب استخداـ األجهزة اؼبستوردة كاؼبواد
اػباـ اؼبستوردة ،كما سيحبذكف تدعيم الصناعات اليت ذبلب نقدان أجنبيا
أك توفره.
كعلى كل برانمج للتنمية أف يسعى إذل إهباد توازف بُت التجارة
56
الداخلية كالتجارة اػبارجية .كُب كثَت من األحياف قبد أف ضحالة النقد
األجنبی مرجعها عدـ القدرة على ربقيق توازف بُت الصناعة كالزراعة ،ففي
حالة زايدة اإلنتاج ُب احد ىذين القطاعُت ،قبد أف الطلب يزيد أيضا على
منتجات القطاع الثاين ،كأم عجز ُب ىذا األمر يثقل كاىل ميزاف
اؼبدفوعات.
كالشك أف النمو السريع ُب الصناعة يتطلب مبوا سريعا ُب الزراعة،
فعماؿ الصناعة سيحتاجوف إذل اؼبزيد من الطعاـ ،كاؼبصانع ستحتاج إذل
عماؿ قادمُت من الريف ،كسيقتضى األمر الرجوع إذل سوؽ اؼبزارعُت
اآلخذة ُب االمتداد كذلك لكي تستوعب ىذه السوؽ اؼبنتجات
االستهبلكية .كقد يقتضى األمر الرجوع إذل الضرائب اؼبفركضة على
اؼبزارعُت ،كاذل مدخراهتم ،كذلك لتمويل اؼبشركعات الصناعية..
كابؼبثل إذا كانت الزراعة آخذة ُب التوسع فإهنا ستحتاج إذل صناعة
آخذة ُب التوسع بدكرىا ،كذلك لكي تستوعب عماؽبا كمنتجاهتا كلكي
توفر للفبلحُت اؼبزيد من السلع االستهبلكية كالسلع اإلنتاجية .كركود
اإل نتاج الزراعي ابلنسبة لكل فرد عامل ُب الزراعة يؤدل إذل رکود صناعي
كما يؤثر على ميزاف اؼبدفوعات ،ذلك الف الصناعة النامية ستحتاج إذل
مزيد من الواردات ،كقد تضطر إذل التخلص من فائض إنتاجها ،كذلك
بتصديره.
كإذا كاف اإلنتاج الزراعي آخذا ُب االزدايد ،فاف اإلنتاج الصناعی
هبب أف يسبقو ُب الزايدة ،ذلك ألف الطلب على اؼبصنوعات يزيد أبسرع
55
فبا يزيد الطلب على الطعاـ ،كالنمو اؼبتوازف ال يعٍت النمو ابلتساكی كإمبا
ابلنسب اؼبنطقية ،كإذا أنبلنا ىذا التوازف بُت الزراعة كالصناعة ( كقد
حدث ىذا ُب اسًتاليا كُب األرجنتُت ) فاف ىذا يوقف سَت التقدـ كلقد
تفادت الياابف ىذا اػبطأ ،فأدی إذل تفوقها على البلدين السالف ذكرنبا،
كقبحت الياابف ُب التخطيط الذم حقق ؽبا ىدفها من التنمية.
لقد كانت مناقشاتنا ُب الصفحات السابقة قاصرة فقط على اػبطط
اؼبعدة على الورؽ ،أم على ربديد األىداؼ القطاعات اؼبختلفة لبلقتصاد.
غَت أف ىذه األىداؼ اؼبوضوعة على الورؽ ليست ىي كل
اؼبطلوب ،أف الذم يهمنا حقا ىو تلك اإلجراءات اليت تتخذ ابلفعل
التوجيو اؼبوارد الوجهة الصحيحة ،كمضاعفة اإلنتاج الغذائي ،كتقييد
االستهبلؾ كالتشجيع على االستثمار كما شاكل ذلك.
كالواقع أف ىذا اعبزء من التخطيط ىو أصعب األجزاء صبيعا ،كىو
أيضا أكثر األجزاء تعرضها لئلنباؿ ،كقد يكوف من السهل تنفيذ القطاع
العاـ من اػبطة ،كال يكوف من السهل تنفيذ القطاع اػباص ،فمن الصعب
إقناع الطاقة العاملة ابالذباه إذل القطاعات اؼبناسبة ،أك الدخوؿ ُب
دراسات تدريبية أك أقناع أصحاب األعماؿ ابلتوسع ُب االستثمار ،أك
حث اعبمهور على االدخار ،أك مطالبة اؼبزارعُت بتطبيق األساليب اغبديثة
أك األجانب بلعب الدكر اؼبطلوب منهم.
زبلص من ىذا إذل أف االختبار الرىيب اغباسم ألم برانمج إنتاجي
ىو قدرتو على التعامل مع األفراد ،أی مع القطاع اػباص ،كلكن ربقق
52
اغبكومات تعاكف األفراد فإهنا تعتمد على االستمالة كعلى القوة .كعلى
اعبزاء .كاال ستثمار ال يعدك أف يكوف دبثابة التوابل اليت توضع ُب طبق
الطعاـ ،كالناس لن يستمركا طويبل ُب التصرؼ كفقا ؼبا يقولو ؽبم السياسة
من أف ىذا ىبدـ صاحل اجملتمع ،أهنم يريدكف أف يشبعوا اىتماماهتم كرغباهتم
اػباصة.
إف كل فرد قد يقتنع ُب البداية ابػبطب كالدعاية كلكنو يريد أف
يعرؼ آخر األمر ما الذم يستفيده كما الذم سيجنيو من ىذه الربامج،
كاستخداـ القوة ؿبدكد حبدكد .فقد تستطيع استخداـ القوة التمنع الناس
من عمل أشياء ال تريدىا أنت .كلكنك ال تستطيع أف تعتمد على القوة
إلجبار الناس على عمل أشياء تريدىا أنت ۔ خاصة إذا كنت تعيش ُب
ديبقراطية.
كىكذا هبب أف يكوف اعبزاء أك اؼبكافأة ىو الوسيلة الوحيدة
التحقيق برامج التنمية .كإذا أردان للعماؿ أف ينجزكا ما نريده منهم فعلينا
أف نقدـ ؽبم أجورا تتناسب مع اجملهود الذم يبذلونو .كإذا أردان ألصحاب
األعماؿ أف يستثمركا أمواؽبم فيجب أف نوفر ؽبم أرابحا مناسبة .ككثَتا ما
تكوف أفضل كسيلة إلقباح برامج التنمية ىي فرض الضرائب على النشاط
الذم ال نريد تشجيعو ،كتقدًن معوانت ألكجو النشاط اليت نريد تشجيعها.
كىناؾ درس آخر :إذا كانت برامج اإلنتاج تعتمد على تعاكف القطاع
اػباص كجب ربقيق خطة اإلنتاج عن طريق استشارة ىذا القطاع اػباص
كأخذ رأيو .كليس ىذا اإلجراء ابؼبهمة السهلة على الدكاـ ،فبعض
55
اغبكومات ُب البلداف اؼبتخلفة تبدم عداء لبلستعمار اػباص عامة،
كلبلستثمار األجنيب بصفة خاصة ،كلن تسمح ؽبذين الفريقُت ابالشًتاؾ ُب
التخطيط اإلنتاجي ،فاألمر إذف يتطلب تعاكان كثيقا بُت اعبانبُت لتنفيذ
الربامج اؼبطلوبة كمن اؼبؤكد أف بعض اؼببلؾ سيًتددكف ُب تنفيذ بعض
االستثمارات اليت تريدىا اغبكومة ،غَت أف الياابف استطاعت أف ربقق
التعاكف اؼبنشود .كاألمر يقتضى أيضا التعاكف مع اؼبزارعُت ،كىنا يقع العبء
على عباف اغبكومة اليت تقوـ إبجراء البحوث ،كرباكؿ إقناع الفبلحُت بتطوير
األساليب اليت يستخدموهنا ُب الزراعة كتقوـ إبقراضهم نقودا كتسهم ُب
تسويق منتجاهتم ،كدخوؿ اؼبياه النقية إذل قراىم ...اخل ..كلن ربقق اغبكومة
أغراضها ما دل تكسب ثقة اؼبزارعُت.
كبعض اغبكومات تفضل تنفيذ براؾبها كحدىا إذا رأت من القطاع
اػباص نکوصان كترددا كرفضا ،كىكذا تنشئ اؼبزارع اعبماعية كتركز
جهودىا ُب مضاعفة اإلنتاج ُب قطاعاهتا ىي .كلقد انتهج االرباد
السوفيييت ىذه السياسة ُب عشرينيات القرف العشرين ،كما انتهجتها
اغبكومة الربيطانية ُب القطاع الزراعي ُب افريقية بدال من أف تضاعف
اإلنتاج على يد اؼبزارع اإلفريقي نفسو ،كعندما فشلت ىذه السياسة ُب
االرباد السوفيييت عادت اغبكومة إذل سياسة إجبار اؼبزارعُت على العمل ُب
اؼبزارع اعبماعية ،كىناؾ يطلب منهم أف يفعلوا ما يبلى عليهم.
011
انقطاع انؼاو
البد من كجود برانمج للنفقات العامة ،سواء كاف برانمج اإلنتاج
شامبل لبلقتصاد كلو أـ ال .ككل حكومة ُب العادل تضع برانؾبا سنواي
لئلنفاؽ كتدؾبو ُب اؼبيزانية .كمعظم البلداف اؼبتخلفة ال تقتصر ىذا الربانمج
على عاـ ،كإمبا ذبعل الفًتة الزمنية سبتد إذل أكثر من عاـ ،كأحياان تصل إذل
طبسة أعواـ ،أك ستة ،بل كعشرة أعواـ أحياان ..كالواقع أف بعض الدكؿ
اؼبتخلفة مطالبة بعمل ذلك كشرط لتقدًن مساعدات دكلية ؽبا.
ففي عاـ 2945خصصت حكومة اؼبملكة اؼبتحدة مبلغ ۱۲٪
مليوف جنيو إسًتليٍت اؼبساعدة اغبكومات التابعة ؽبا ،غَت أهنا طالبت كل
حكومة من ىذه اغبكومات بتقدًن برانمج تبُت فيو أكجو اإلنفاؽ اػباص
ابلتنمية ُب مدم عشر سنوات .ىذا كقد طلب من البلداف اليت يتضمنها
مشركع كولومبو أف تعرض خططها لست سنوات ،كذلك ُب عاـ .۱۰5٪
ىذا كوببذ البنك الدكرل االطبلع على مثل ىذه اػبطط ،كيعلن عن
استعداده إلرساؿ مبعوثُت إذل البلداف اؼبتخلفة للمساعدة ُب إعداد ىذه
اػبطط ،بل لقد ذىبت الوالايت اؼبتحدة األمريكية إذل أبعد من ذلك
عندما قدمت مشركع مارشاؿ ؼبساعدة دكؿ أكركاب ،فلقد طلبت من كل
بلد يتلقى صورة من ىذا اؼبشركع أف يقدـ خطة سبتد ألربع سنوات،
كتتضمن كل قطاع من قطاعات االقتصاد ،سواء القطاع العاـ فيو أك
اػباص.
كالواقع أف مزااي التخطيط الذم يشمل عدة سنوات ىي مزااي
010
كاضحة للعياف .كىو يتطلب قدرة على التعرؼ على التفاصيل اليت ستتم
ُب اؼبستقبل .كالتطلع إذل اؼبستقبل تتيح كجود ىدؼ ،كسلسلة من
اؼبراحل كالواقع أف أعداد اػبطة على ىذا النحو سيجعل التنسيق من
أكجو النشاط اؼبختلفة أمرا ضركراي ،فاؼببلحظ أف يد اغبكومة اليمٍت ذبهل
ما تفعلو اليد اليسرل ،كبذلك يتيح ؽبا الوضع اعبديد فرصة التنسيق بُت
األعماؿ اؼبختلفة.
غَت أف للتخطيط الذم يبتد ألعواـ عيوبو أيضا ،إذ ال يبكن التكهن
ابؼبستقبل ،حىت كلو كاف ىذا اؼبستقبل عبارة عن طبس سنوات قادمة فقد
يكتشف اؼبسئولوف أف بعض الربامج قد عفا عليها الزمن بسرعة كقد ترتفع
األسعار بشدة ألف االعتمادات اؼبخصصة جاءت أقل من اؼبطلوب -كبعض
اؼبشركعات يتم تنفيذىا قبل اؼبوعد اؼبقرر ؽبا بينما يتأجل تنفيذ البعض اآلخر
لعدـ كجود اؼبواد البلزمة أك العماؿ اؼبهرة أك العلماء أك اؼباؿ.
كفيما يتعلق ابلقطاع اػباص هبب أف يكوف برانمج القطاع العاـ متصبل
ابلقطاع اػباص بطريقة مناسبة فربانمج اؼبرافق العامة أبكملو
سكك حديد كموانئ ،كمياه ،ككهرابء ...،اخل ...هبب أف يبلئم أغراض
اؼبستثمرين األفراد أيضا ،حىت يبكن تقدًن ( من التسهيبلت ُب الوقت
كاؼبكاف اؼبناسبُت كاؼبطلوبُت .كىكذا يقتضی األمر إعداد خطة النفقات
العامة كخطة اإلنتاج معا حىت يتحقق التنسيق البلزـ .كعلى اؼبسئولُت أف
يتعرفوا على نوااي أفراد القطاع اػباص ،كعلى رجاؿ األعماؿ ُب القطاع
اػباص بدكرىم أف يسهموا ُب تشكيل الربانمج اػباص ابلقطاع العاـ.
كىناؾ بعض برامج توحي أبف االىتماـ األكرب مركز على العاصمة.،
012
كأف الريف يعاين من اإلنباؿ .فهناؾ برامج كثَتة التجميل اؼبدف ،كبناء
مساكن الئقة هبا ،كتزكيدىا ابؼبدارس ،كاؼبياه ،كاػبدمات الطبية ،كقد هبيء
ىذا على حساب اؼبناطق الزراعية اليت يسكنها الكثَتكف،كقد تضع
العاصمة للريف برامج استعراضية فقط ليتفرج عليها الزائركف ،مع أف
األمر يقتضي على سبيل اؼبثاؿ -االىتماـ ابلشوارع الصغَتة اليت تصل
اؼبزرعة ابلسوؽ.
من أجل ىذا يتطلب األمر تطبيق سياسة البلمركزية ُب الربامج اػباصة
ابؼبدف كالريف .كهبب تشجيع اؼبناطق الزراعية على كضع خططها اػباصة هبا
بنفسها.
كللتنمية داخل اجملتمع ميزة أخرل ،كىي أهنا ذبد من التبذير ُب إنفاؽ
رأس اؼباؿ كىو عيب من عيوب برامج كثَتة .كرأس اؼباؿ ُب الدكؿ اؼبتخلفة
اندر جدا لدرجة انو هبب استخدامو حبرص .كقد يقتضي األمر ُب كثَت من
األحياف ،اختيار أرخص شيء ينجز اؼبهمة .كمن اػبطأ ُب ىذه اغبالة ،بناء
مدارس أك مستشفيات أك ؿبطات حرارية ػبمسُت عاما قادمةُ ،ب الوقت
الذم توفر فيو شيئا من النفقات إذا كبن قصران اؼبدة على ثبلثُت عاما فقط.
كابؼبثل ،فإف استخداـ اآلالت اؼبستعملة قد يكوف أكثر مبلئمة من استخداـ
آالت جديدة ،بل كقد يكوف من األفضل شراء عتاد تعتربه الدكؿ األكثر
تقدما عتيقا ،كأف اإلفراط ُب استخداـ االظبنت كالصلب من األخطاء
الشائعة اليت تقع فيها بعض الدكؿ اليت تقوـ بتنفيذ برامج التنمية.
كىناؾ خطأ آخر تقع فيو الدكلة ،كىي أهنا حُت تفكر ُب االستثمار
فإهنا تفكر ُب أشياء ملموسة ،كلكنها ال تفكر ُب استثمار األشخاص،
013
كىذا العيب ظهر كاضحا ُب عدـ كجود برامج للصحة العامة ،كبرامج
التعليم.
كمن اؼببلحظ أف العناية ابلصحة كتنفيذ براؾبها كاالىتماـ ابؼبواد
الغذائية كالقضاء على األمراض ،كل ىذا يؤدم ُب النهاية إذل مضاعفة
اإلنتاج .أما التعليم فيجب ،إذل جانب اؼبدارس أبنواعها ،أف زبصص
اغبكومة :2من إنتاجها القومي لئلنفاؽ على البحوث الزراعية كالتوسع
ُب الزراعة.
كإذل جانب الدكر الذم تلعبو اغبكومة ُب توفَت رأس اؼباؿ الستخدامو
ُب القطاع العاـ ،قبد أهنا تسهم أيضا ُب القطاع اػباص ،كقد تضطر إذل ىذا
حُت تلمس قلة اؼبدخرات احمللية ،كاذ ذالك توفر رأس اؼباؿ للزراعة احملدكدة،
كللتنمية الصناعية ،كاؼبرافق العامة ،كاإلسكاف كقد هبیء رأس اؼباؿ ىذا من
اؼبدخرات أك من اػبارج.
كاحتياجات اغبكومات إذل اؼباؿ تتزايد ابستمرار ،ذلك الف القطاع
العاـ ينمو أبسرع فبا ينمو االقتصاد ،كنستطيع أف نقيس ىذا دبقاييس عدة
بعدد اؼبوظفُت الذين تستخدمهم اغبكومة ،كاؼبوارد اليت تستغلها ،أك نسبة
الضرائب على الدخل القومي.
هم اننًى االقتصادي يستحب ؟
النمو االقتصادم لو شبنو ،مثلو ُب ذلك مثل أم شيء آخر كلو كاف ُب
اإلمكاف ربقيق النمو االقتصادم دكف متاعب ليدافع عنو اعبميع كحبذكه.
كلكن ،نظرا ألف للنمو االقتصادم عيوبو فإف الناس ىبتلفوف ُب تقديره ،كمن
014
مزااي النمو أنو يتيح أماـ اإلنساف فرصا أكرب لبلختيار ،كليست األمر قاصران
على كوف النمو وبقق مزيدا من الثركة ،كليست الثركة شرطا لتوافر السعادة،
مثاؿ ىذا أف الوالايت اؼبتحدة غنية كمع ذلك فهي أكثر الدكؿ قلقا كتوترا،
كالنمو االقتصادم وبقق قسطا أكفر من اغبرية ،كنستطيع أف نلمس ىذه
اغبقيقة إذا كبن قاران بُت كضع اإلنساف البدائي كىو يواجو الطبيعة ككضع
إنساف العصر اغبديث.
كالنمو االقتصادم يوفر أيضا كقت فراغ نستطيع أف ننظم بو أما ُب
اؼبرحلة البدائية فنحن مضطركف إذل بذؿ اعبهد الشاؽ كمع ذلك ال نكاد
نسد رمقنا .كيتيح أيضا فرصة اؼبفاضلة بُت مزيد من الفراغ أك مزيد من
السلع ،كالواقع أننا لبتار االثنُت كنريد االستزادة منهما.
كالنمو االقتصادم يوفر مزيدا من اػبدمات ،ففي األقطار الفقَتة قبد
أف الزراعة سبتص 6٪:أك ٪٪:من السكاف ،أما ُب البلداف الغنية فإهنا ال
تستوعب أكثر من :20أك ،:25كيکفی ىذا العدد لتوفَت الغذاء
اؼبطلوب .من أجل ىذا تستطيع الدكؿ الغنية أف ذبند النسبة الباقية من
السكاف ُب خدمات أخرل فتجعل منهم األطباء ،كاؼبمرضُت كأطباء األسناف،
كاؼبدرسُت كاؼبمثلُت؛ كالفنانُت ،كاؼبوسيقيُت كىناؾ أكجو نشاط كثَتة كالفن
كاؼبوسيقى كالفلسفة ال يبكن االستمتاع هبا إال إذا كاف ىناؾ مبو اقتصادی
ككاف البلد من الغٌت حبيث يستطيع أف يوفر عددا من مواطنيو ؽبذه األشياء.
كقد تستفيد النساء من النمو االقتصادم أكثر فبا يستفيد الرجاؿ،
ذلك ألنو يؤثر على كضع اؼبرأة ،فهي ُب البلداف اؼبتخلفة عبء على الرجل،
كىي تنفق اليوـ كلو ُب أداء أشياء يبكن اقبازىا اليوـ ابلوسائل اغبديثة .غَت
015
أف النمو االقتصادم وبررىا كيتيح ؽبا فرصة النضج كاالكتماؿ كاالستمتاع
حبقوقها ككائن بشرم.
كلكن لو كاف النمو االقتصادم عبارة عن مزااي فقط الدافع عنو اعبميع
كحبذكه غَت أف األمر على عكس ذلك ،فهناؾ من يشَتكف إذل بعض
العيوب ،كيفضلوف اجملتمعات اؼبستقرة كىم يكرىوف ركح االقتصاد ،كىي
شرط من شركط النمو االقتصادم .كما يعارضوف التنظيمات الضخمة ألهنا
تفرض نظاما صارما فعلى اؼبرء الذم يعمل ُب منظمة كهذه أف يستيقظ كل
يوـ ابنتظاـ كيؤدی عمبل ؿبددا ال يستطيع أف يتهاكف فيو .كىم يهاصبوف
النمو االقتصادم أيضا قائلُت إنو يعتمد على عدـ اؼبساكاة ُب الدخوؿ.
016
انفهرس
015