You are on page 1of 19

)2023 (2 ‫ العدد‬،12 ‫المجلد‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

‫االقتصاد البنفسجي بني البصمة الثقافية و خمرجات التثاقف‬

‫ غريسي العريب‬، ‫العريب العريب‬

22/02/2021 :‫اإلرسال‬
12/06/2023:‫القبول‬
28 /06/2023:‫النشر‬
‫ يف ِظ ِل األزمات البنيوية اليت عرفها النظام الرأمسايل؛ واالكراهات البيئية؛ وافرازات العوملة بعد اهنيار املعسكر الشرقي؛ وقصر‬: ‫ملخص‬
‫ ماحنًا السلع واخلدمات‬،‫املقارابت التقليدية يف تقدمي حلول انجعة؛ جاء االقتصاد البنفسجي ليعيد موقع الثقافة يف عالقتها ابالقتصاد‬
‫ وتروم هذه الدراسة؛ إبراز أمهية االقتصاد البنفسجي من خالل تركيزان‬.‫ ومـُرِـْبًزا ألمهية قطاع جديد وهو قطاع اقتصاد الثقافة‬،‫بعدا ثقافيًا‬
ً
.‫على عمليات التثاقف والبصمة الثقافية ودورمها يف جتسيد االقتصاد املستدام اجتماعيًا‬

.‫ االقتصاد االجتماعي‬،‫ البصمة الثقافية‬،‫ التثاقف‬،‫ االقتصاد األخضر‬،‫ االقتصاد البنفسجي‬:‫الكلمات الدالة‬

The Purple Economy between the Cultural Footprints


And the Outcomes of Acculturation
Abstract
In the context of the structural crises in the capitalist system; the environmental
constraints; the exigencies of globalization after the Soviet Union collapse; and the
shortening of traditional approaches to provide efficient solutions. The purple economy has
restored a new vision providing goods and services a cultural dimension. Demonstrating the
importance of a new sector called the cultural economy.This study aims; highlighting the
importance of the purple economy through our focus on the processes of acculturation and
the cultural footprint, in order to achieve the sustainable social economy.
Keywords: Purple Economy, Green Economy, Acculturation, Cultural Footprint, Social
Economy.

113
‫العربي‪،‬غريسي‬ ‫االقتصاد البنفسجي بين البصمة الثقـافية ‪...‬‬

‫غَّيت مالمح وبنية النظام الدويل ابجيابياته وسلبياته‪ .‬وال ميكن‬


‫ال أحد ينكر أن العامل عرف طفرات وقفزات تكنولوجية عمالقة؛ ر‬
‫صَر املقارابت التقليدية يف تقدمي حلول انجعة؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫جلاحد أن يـُرنك ـ ـ َـر أن حجم التحدايت زاد وارتفع مبتتالية هندسية؛ أثبتت عجز وق َ‬
‫لإلكرا هات الصعبة اليت واجهها اجملتمع الدويل بعد هناية القرن العشرين‪ .‬كما أن التغَّيات الدولية‪ ،‬وأزمة النظام االقتصادي الليْبايل‪،‬‬
‫حل املشاكل االقتصادية‪ ،‬وحتسني الرفاه‬ ‫وخطر نضوب املوارد الطبيعية‪ ،‬والتوجه حنو العوملة؛ حترم التفكَّي يف أطروحات جديدة تروم ر‬
‫قادرا على مواجهة كل هذه التهديدات؛ وتقدمي حلول هلا‪.‬‬
‫االجتماعي‪ .‬ومل يعد االقتصاد األخضر ً‬
‫وخمرجا ميكن‬
‫ت البحث عن أفضل الطرق؛ لتجسيد التنمية املستدامة‪ .‬فْبز تيار يرى يف الثقافة ركيزة ً‬ ‫ت املبادرات اليت تَـ َو رخ ر‬
‫َكثـُ َـر ر‬
‫دور يف إبراز أمهية البعد الثقايف‪ ،‬يف بناء االسرتاتيجيات‪ .‬ومل يعد التنوع يعين الصدام؛ بل هو‬ ‫التعويل عليه لتجاوز األزمة‪ .‬فكان للعوملة ٌ‬
‫وعنصرا يـُ رولِ ُد االبتكار والتَكيُّف‬
‫ً‬ ‫مصدر للثراء‪ .‬وغدا يـ ـُرنظَُر إليه كجسر لتجاوز اهلوايت اجملرزأة؛ وجماالً للتفاعل وتبادل املنافع واخلْبات‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫والنمو املتوازن‪.‬‬
‫أتسيسا على ذلك؛ جاء االقتصاد البنفسجي ليُ ِ‬
‫عزز هذه املقاربة؛ ويدعو إىل االستثمار يف البعد الثقايف؛ كونه قيمةً مضافةً‪،‬‬ ‫ً‬
‫وتثمينه يف سلسلة االستغالل للقدرات االقتصادية‪ .‬وجعل االقتصاد؛ وسيلة لتجسيد التنوع الثقايف‪ ،‬وتشجيع الشركات املنتجة للسلع‬
‫الثقافية‪ .‬وابلتايل إعادة النظر يف عالقة الثقافة ابالقتصاد؛ وغدت النماذج التنموية بدون ثقافة‪ ،‬هي عوملة للمنتجات مع افقار للمضمون‪.‬‬
‫وبدأ احلديث عن اقتصاد الثقافة؛ ورحبية االستثمار فيه‪ ،‬وبصمات ذلك على التماسك االجتماعي وبناء اهلوايت‪ .‬والنظر إليه‬
‫دور يف تعزيز هذا التوجه اجلديد‪ .‬كما أولت مراكز‬‫كعامل للتجديد‪ ،‬وحمرك لديناميكية احلياة االقتصادية‪ .‬وكان للمقارابت النسوية ٌ‬
‫البحث والشركات الكْبى؛ أمهية قصوى هلذا املتغَّي‪ ،‬من خالل مراعاة البعد الثقايف يف إنتاج السلع واخلدمات‪ .‬واعتبار االقتصاد‬
‫البنفسجي؛ منوذج يروم التنمية املستدامة من خالل التثاقف العمودي واألفقي؛ وافرازات ذلك على البصمة الثقافية‪ ،‬وخمرجاهتا اإلجيابية‪،‬‬
‫على االقتصاد املستدام اجتماعيًا‪.‬‬
‫اشكالية الدراسة وتساؤالهتا ‪ :‬تروم هذه الدراسة؛ اإلجابة على اإلشكالية اجلوهرية املتمثلة يف تشريح أسس االقتصاد البنفسجي‪،‬‬
‫وخلفيات املطالبة ابنتهاجه‪ .‬وتساؤالت فرعية تتمثل يف ماهية التجلِيات؛ وأتثَّيات الثقافة على االقتصاد؟ وما هو املقصود ابلتثاقف‬
‫حمددات البصمة الثقافية؟ مع عرض أبرز املقارابت يف هذا احلقل؛ وخلفيات توظيف هذا املفهوم ذو اللون‬ ‫العمودي واألفقي؟ وماهي ِ‬
‫البنفسجي‪ ،‬لون اخليال واالبداع‪.‬‬
‫فرضيات الدراسة‪.‬‬
‫الفرضية السلبية‪ :‬االقتصاد البنفسجي؛ هو خمرج لألزمة املالية واالقتصادية الراهنة للنظام الرأمسايل‪.‬‬
‫الفرضية اإلجيابية‪ :‬االقتصاد البنفسجي؛ مقاربة جتاوزت االقتصاد األخضر‪ ،‬تروم جتسيد االقتصاد املستدام اجتماعيًا‪.‬‬
‫أهداف الدراسة‪ :‬تكمن يف حداثة املوضوع‪ .‬وتتباين األهداف بني ِعل ِْمية َ‬
‫وع َملِية يتوخاها هذا احلقل اجلديد يف التحليل االقتصادي؛‬
‫قصد جتاوز االكراهات البيئية‪ ،‬والضغوطات اليت عرفها النظام االقتصادي الدويل‪ ،‬وأتثريات ذلك على مستوى الرعاية والرفاه‬
‫فك اخليوط الرابطة بني خمتلف املتغريات املشكلة‬ ‫ٍ‬
‫منهجية؛ تساعدان على ِ‬ ‫االجتماعي‪ .‬مع طرح فرضيات وتساؤالت واعتماد‬
‫لنسيج‬

‫‪116‬‬
‫المجلد ‪ ،12‬العدد ‪)2023 (2‬‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

‫هذه الظاهرة االقتصادية‪ .‬معتمدين على مراجع ابللغات األجنبية التالية؛ اإلجنليزية والفرنسية واالسبانية‪ .‬مع االشارة إىل ُش ِح املراجع‬
‫ابللغة العربية هلذا املوضوع‪ ،‬إن مل جنزم ابنعدامها‪.‬‬
‫تقسيمات الدراسة‪ :‬متحورت حول ثالث حماور أساسية‪:‬‬
‫احملور األول‪ :‬تناول حمطرات بروز االقتصاد البنفسجي؛ وأسباب ظهوره كإجابة على األزمات البنيوية للنظام الليْبايل‪ ،‬والتعاريف املختلفة‬
‫التخصص اجلديد‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫هلذا‬
‫احملور الثاين‪ :‬تعرض ابلتفصيل ملساحات التقاطع بني الثقافة واالقتصاد؛ وبروز التوجهات االبستمولوجية اجلديدة يف ِظل العوملة‪ .‬وحماولة‬
‫االقتصاد البنفسجي تقدمي قراءة معكوسة ملوقع الثقافة يف العوملة؛ من خالل تشجيع التثاقف العمودي واألفقي‪ ،‬ورسم حقل تفاعل تؤطره‬
‫البصمة الثقافية‪.‬‬
‫احملور الثالث‪ :‬تناول أركا ن الرؤى اجلديدة لالقتصاد البنفسجي؛ والدعوة لتشجيع االستثمار يف البىن التحتية؛ بغية االرتقاء مبستوى الرفاه‪،‬‬
‫وجتسيد االستدامة يف االقتصاد االجتماعي‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬االقتصاد البنفسجي‪ ،‬من التعريف إىل حمطَّات تبلور املفهوم‪.‬‬
‫‪-1‬األزمات اهليكلية للنظام االقتصادي العاملي‪ ،‬ومالمح االقتصاد البنفسجي‪.‬‬
‫إن أزمة النظام الليْبايل بشقريه السياسي واالقتصادي؛ ومجلة ِ‬
‫التحدايت اليت واجهها مع بداية القرن الواحد والعشرون؛ كاألزمة االقتصادية‬
‫العاملية‪ ،‬وارتفاع البطالة‪ ،‬واالكراهات البيئية املتفاقمة‪ ،‬وبعض توصيفات املقارابت النسوية وتشرحيها لألزمات؛ سببه نقص يف الرعاية‪.‬‬
‫حيث يغدو اجملتمع أقل قدرة واستعداداً على توفَّي فرص العمل الالئقة‪ ،‬وانعكاسات ذلك على مستوى الرفاه‪ .‬وعلى الرغم من هيمنة‬
‫هذا النظام على املشهد العاملي ألكثر من ثالثة قرون؛ إالر أن تناقضاته الداخلية‪ ،‬أظهرت أن هذه األزمات هيكلية ومتأصلة بعمق يف‬
‫نشاطاته العضوية‪ ،‬كتعايش الثروة والفقر‪ ،‬وتدهور سوق العمل وطول ساعاته‪ ،‬التوجه التنازيل لألجور‪ ،‬وضعف األمن الوظيفي‪...‬كما‬
‫أن اقتصاد السوق اليوم؛)‪ (Ilkkaracan, 2018, pp. 1-2‬هو نظام يعاقب الذين يقدمون خدمات الرعاية غَّي مدفوعة األجر‪،‬‬
‫ويكافئ الذين يفعلون عكس ذلك‪.‬‬
‫هذه املؤشرات؛ أ رسست لغياب املساواة بني اجلنسني‪ ،‬وزايدة التباين بني األسر وفق انتماءاهتا الطبقية‪ ،‬العرقية واالثنية‪...‬ومثالب خمرجاهتا‬
‫كالضغوط النفسية‪ .‬كما أن اهلجرة الدولية للعمالة املنزلية؛ أثررت على الرعاية العائلية واستقرار أفرادها‪ ،‬تولرد عن سلبيتها انعدم املساواة‬
‫على أصعدة متعددة‪.‬‬
‫إن االقتصاد األخضر؛ جاء كإجابة مستقبلية لنظام اقتصادي يقرتح حلوالً لإلكراهات البيئية‪ ،‬وملواجهة ِ‬
‫التحدايت النسقية ألنظمة خمتلفة‪.‬‬
‫أما االقتصاد البنفسجي؛)‪ (Pigeolet, 2016‬هو انعكاس للمعىن الرمزي هلذا اللون؛ لون االبداع واخليال والتكيُّف مع خصوصيات‬
‫كل اجلزئيات؛ وهو مشحون إبرادة تشجع على االبتكار‪ (İpek İlkkaracan, 2016, p. 02) .‬إنه لون اعتمدته احلركات‬
‫النسوية يف العديد من دول العامل‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫العربي‪،‬غريسي‬ ‫االقتصاد البنفسجي بين البصمة الثقـافية ‪...‬‬

‫إن مصطلح االقتصاد البنفسجي؛ يروم نقل املقاربة النسوية لنظام اقتصادي قائم على املساواة‪ ،‬إىل شرائح أوسع من اجملتمع املدين‪،‬‬
‫وإعادة النظر يف الرؤية اجلماهَّيية لالقتصاد األخضر‪ .‬رأى فرـلُو "‪"Flo‬؛ أن هاجس االنشغال ابلنمو االقتصادي املادي يف النموذج‬
‫االقتصادي الرأمسايل؛)‪ (İpek İlkkaracan, 2016, p. 02‬مل يعاجل متطلبات الرعاية املتعلقة ابحلفاظ على اإلنسان‪ ،‬واالستقرار‬
‫كاف‪ ،‬بل ساهم يف خلق األزمات وتقويتها‪ .‬أما "‪ "Himmelweit‬فح رذر من‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ومتطلبات النظام اإليكولوجي بشكل ٍ‬
‫هكذا ميكانزمات؛ اليت تدفع ابلتحول احلتمي حنو جمتمع أقل قدرة واستعدادا للوفاء مبعايَّي الرعاية‪ ،‬إذا مل يكن هناك تدخل من قبل‬
‫السلطات السياسية‪ ،‬واهتمام من لدهنا‪.‬‬
‫إن االقتصاد األخضر؛ ينبهنا على أننا نعتمد على الثروات الطبيعية لألرض بشكل أساسي؛ وهي عناصر مهمة يف رفاه االنسان‪ ،‬مع‬
‫وجوب إنشاء نظام اقتصادي حيرتم النظم االيكولوجية‪ .‬أما االقتصاد البنفسجي؛ فيعتْب االهتمام ابلوظائف مكون أساسي لنسيج الرفاه‪،‬‬
‫ما ُحيتِم ضرورة بناء نظام اقتصادي يتيح توفَّيها بطريقة مستدامة‪ ،‬دون اعتماد آليات تكرس عدم املساواة حسب نوع اجلنس‪ ،‬الطبقة أو‬
‫األصل‪ .‬فالوظائف الالئقة ال ختدم رفاه االنسان واجملتمعات فقط؛ بل حتافظ على االستدامة البيئية والنظام األيكولوجي‪.‬‬
‫التعاريف املختلفة لالقتصاد البنفسجي‪.‬‬
‫هناك العديد من التعاريف‪ ،‬ميكننا أن نذكر منها ما يلي‪ :‬هو ذلك اجلزء من االقتصاد؛ الذي يساهم يف التنمية املستدامة‪،‬‬
‫)‪ (Economía púrpura, 2018‬من خالل تعزيز اإلمكاانت الثقافية ومراعاة جوانبها يف حتديد قيمة السلع واخلدمات‪.‬إنه‬
‫االقتصاد الذي يتناسب واجملموعات السكنية؛ وأبعادها الثقافية يف ِظل العوملة‪ .‬كما يرتبط النشاط اإلنتاجي فيه ابحليوية الثقافية لكل‬
‫إقليم؛ واالستفادة من البعد الثقايف املالزم لكل قطاع‪.‬‬
‫• يشري االقتصاد البنفسجي إىل نظام اقتصادي )‪ (Purple Economy, 2016‬يركز على االستدامة يف الوظائف والرعاية‬
‫"‪ " Care‬اإلنسانية من خالل حتمل النظام حمليا لألعباء والتكاليف‪ .‬مثلما ينشد االقتصاد األخضر؛ استدامة الطبيعة واحلفاظ عليها‪،‬‬
‫عنصرا أساسي الرفاه اإلنسان‪ .‬أي إنشاء نظام اقتصادي يعمل على توفَّي الرفاه بطريقة‬
‫فإن االقتصاد البنفسجي يعتْب العمل اإلنساين ً‬
‫مستدامة؛ دون اللجوء إىل آليات تعيد إنتاج التفاوتت على أسس متايز غَّي عقالنية؛ كالعرق أو اجلنس أو الدين‪.‬‬
‫• االقتصاد البنفسجي‪ :‬لكل نشاط بشري بصمة ثقافية؛ ‪(L'économie mauve, une nouvelle alliance entre‬‬
‫)‪ culture et économie, 2015‬ترتك أاثرها على البيئة‪ .‬ويهدف االقتصاد البنفسجي أتطَّي هذه النشاطات؛ قصد حتسني‬
‫هذه البصمة عْب تشجيع الثراء والتنويع االقتصادي‪ .‬إنه اقتصاد " ‪ "Transversale‬أفقي؛ يعتمد على اجلانب الالمادي‪ ،‬ويروج‬
‫ٍ‬
‫الستهالك أقل للموارد الطبيعية؛ مع تكييف للمؤسسات ومعطيات السوق اجلديدة‪.‬‬
‫• إذًا هو نظام اقتصادي؛ يتمحور حول االستدامة يف رعاية العمل التضامين‪ ،‬من خالل إعادة التوزيع الداخلي لتكاليف هذه الرعاية‪،‬‬
‫ويتحملها النظام‪ .‬مثل اسرتاتيجية االقتصاد األخضر يف توفَّي التكاليف البيئية عْب استيعاهبا ضمن أمناط اإلنتاج واالستهالك‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫المجلد ‪ ،12‬العدد ‪)2023 (2‬‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

‫‪-3‬االقتصاد البنفسجي‪ ،‬وحمطَّات تبلور املفهوم‪.‬‬


‫ظهر هذا املصطلح)‪(The Purple Economy: an Objective, an Opportunity, 2013, p. 02‬‬
‫للعلن ألول مرة يف فرنسا يوم ‪ 19‬ماي ‪2011‬؛ مببادرة من وكالة ديفرسوم "‪ 1"Diversum‬يف بيان نشر جبريدة "‪"Le Monde‬‬
‫الفرنسية‪ .‬وعقدت اجلمعية املنتدى الدويل األول لالقتصاد البنفسجي شهر أكتوبر ‪ (Jacinthe, 2012, p. 02) ،2011‬حتت‬
‫رعاية كل من اليونسكو‪ ،‬املفوضية والْبملان األوريب‪ ،‬وشريكيهما وزاريت الثقافة واالتصال الفرنسيتني‪ .‬وقد مجعت الطبعة األوىل؛ مشاركون‬
‫صات خمتلفة‪ ،‬أ ركدوا على أمهية الثقافة يف الدوائر االقتصادية‪ ،‬مع تبادل ملبادرات وممارسات وسياسات أُطرلِقرت هلذا الغرض‪.‬‬ ‫من ختص ر‬
‫ص امللتقى عْب تقريره اخلتامي يف جزئه األول؛ ُمَركًِزا على جدلية العالقة بني الثقافة واالقتصاد‪ .‬أما يف اجلزء الثاين؛ فحاول‬
‫َخلُ َ‬
‫س اليت يركن هلا‪ ،‬والتأسيس خلريطة مبدئية للمهن املعنية؛ واجلهات الفاعلة‪ ،‬والوسائل‬ ‫ُس َ‬
‫تقدمي أحسن تعريف لالقتصاد البنفسجي واأل ُ‬
‫املدعمة له‪ ،‬ومن يتحملون مسؤولية بنائه‪ .‬إىل جانب حتديد نقاط التقاطع بني االقتصاد البنفسجي‪ ،‬واالقتصاد األخضر‪ ،‬واالقتصاد‬
‫"؛ وأتثَّي اجلماعات واألشخاص ‪Cultural Footprint‬االجتماعي‪ .‬وحماولة حتديد خصائص قياس ما يعرف بـالبصمة الثقافية "‬
‫ت مناسبات؛ امتدرت من سبتمْب ‪ 2012‬إىل أكتوبر ‪.2013‬‬ ‫على البيئة الثقافية‪ .‬والتقى فريق العمل يف ِس ِ‬

‫يف يونيو ‪2013‬؛ )‪ (Purple Economy, 2016‬مت نشر توصيات أول جمموعة عمل مشرتكة بني املؤسسات املعنية‬
‫ابالقتصاد البنفسجي‪ .‬ض رمت خْباء من اليونسكو‪ ،‬ومنظمة التعاون والتنمية‪ ،‬واملنظمة الدولية للفرانكفونية‪ ،‬وشركات‪ ،‬وفعاليات من‬
‫ت الضوء على ظاهرة التثاقف"‪ "Culturalisation‬وتفاعالهتا‪ ،‬احتمالية أتثَّياهتا البنيوية على‬ ‫اجملتمع املدين‪ .‬صدر عنها وثيقة سلرطَ ر‬
‫أي اقتصاد‪ ،‬وأاثر ذلك على فرص العمل والتكوين‪ .‬وميرز التقريربني املهن‪ ،‬والوظائف البنفسجية‪(L’économie mauve : .‬‬
‫)‪ Un objectif, une opportunité, 2013, pp. 12-13‬فاألوىل ترتبط مباشرة بغاية بيئتها الثقافية؛ مثل البنائني‬
‫واملهندسني‪ .‬بينما الوظيفة ختضع لعملية التثاقف؛ كاملناصب يف املوارد البشرية‪ ،‬أو وظائف التسويق واالتصاالت‪ .‬وقد أشارت الوثيقة‬
‫املرجعية اليت نشرت يف يونيو ‪2017‬؛ إىل جوانب خمتلفة من احمليط البشري الذي ميكن لالقتصاد أن ينتج فيه فوائد ثقافية؛ مثل اهلندسة‬
‫املعمارية‪ ،‬التدريب‪ ،‬الفن‪ ،‬اخليال‪ ،‬الرتاث‪ ،‬املهارات االجتماعية‪...‬‬
‫لقد كان للعوملة)‪ (The Purple Economy: an Objective, an Opportunity, 2013, p. 02‬دور‬
‫ٍ‬
‫وهندسة استفادت منها الدول املتطورة أكثر‬ ‫يف إعادة توزيع السلطة‪ ،‬الذكاء‪ ،‬وخمرجات ذلك على مستوى الرفاه‪ ،‬وإعادة التموقع الثقايف؛‬
‫من غَّيها‪ .‬ما َحترم اعادة النظر يف أساليب النمو املعتمدة؛ لسلبياهتا على املدى الطويل‪ ،‬والنظر يف اخللفيات الثقافية‪ ،‬ومنها العالقة بني‬
‫الثقافة واالقتصاد‪ .‬كما أن توحيد أساليب اإلنتاج دون مراعاة األبعاد الثقافية احمللية؛ يؤدي إىل هدر للموارد‪ ،‬وأن ٍي عن اجلدوى‪ .‬أما‬
‫إدراج اجملال الثقايف؛ فيقدم خدمةً لالقتصاد ولقطاعات أخرى‪ .‬فعلى الثقافة أن تكون املـُ َح ِفز لكل النشاطات البشرية؛ ألن كل الالعبني‬
‫يستمدون اهلامهم من الثقافة‪ ،‬وينتجون معارف ثقافية متباينة‪(The Purple Economy: an Objective, an .‬‬
‫)‪ Opportunity, 2013, p. 05‬وللعوملة افرازات جتلرت يف‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫هي وكالة تخضع لها نشاطات حوالي ‪ 2000‬منظمة من ‪-DIVERSUM : L’agence de notation extra-financière, Diversum SAS.‬‬
‫أوربا وأمريكا الشمالية للتقييم وفق نموذج للتنقيط تخضع له القطاعات التالية ‪ :‬الموارد البشرية‪ ،‬االتصاالت‪ ،‬االشهار‪ ،‬الضمان االجتماعي‪ ،‬الحكامة‬
‫بغية معرفة مدى التواجد الثقافي في برامج المؤسسات حيال التنمية المستدامة‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫العربي‪،‬غريسي‬ ‫االقتصاد البنفسجي بين البصمة الثقـافية ‪...‬‬

‫▪ ابرازها لدرجة التفاعل بني الثقافة واالقتصاد‪.‬‬


‫▪ أن الوعي العاملي بثقا فة بيئية مشرتكة؛ يساعد على فقه خمرجات التفاعل بني الثقافة واالقتصاد؛ عْب قياس البصمة الثقافية للمجموعات‬
‫واألفراد‪.‬‬
‫▪ أن التحول حنو االقتصاد الثقايف؛ له آاثر مستقبلية على العمالة والتدريب‪.‬‬

‫اثنيًا‪ :‬جدلية العالقة بني الثقافة واالقتصاد‪ ،‬وجماالت التأثري‪.‬‬


‫‪-1‬اهنيار املقارابت التقليدية‪ ،‬وبروز اجتاهات معرفية جديدة‪.‬‬
‫إن التطور التكنلوجي اهلائل الذي عرفه العامل؛ وكذا التجاذابت اجليو‪-‬سياسية والدميغرافية‪ ،‬تركت بصمات غائرة على املشهد‬
‫السياسي العاملي‪ ،‬كما ش رككت يف العديد من املقارابت والنظرايت اليت خيرمت على احلقل االبستمولوجي واملعريف؛ وق روضت ركائز أسس‬
‫التوازانت االقتصادية والسياسية اليت تلت فرتة ما بعد احلرب الباردة‪ ،‬وسياسة االنفراج والتعايش السلمي‪ .‬وغدا من املعقرد التفكَّي يف‬
‫توظيف نفس الوسائل واآلليات؛ ملواجهة ظواهر جديدة‪ ،‬تستلزم ِ‬
‫الدقة والسرعة يف إجياد احللول‪.‬‬
‫هذا املشهد اجلديد؛ دفع إبعادة النظر يف جدلية العالقة بني الثقافة واالقتصاد‪ .‬حيث مل تعد الثقافة للتباهي والرتف العلمي؛ بل غدت‬
‫وسيلة ضرورية للتنقيب عن احللول وتقدمي الوصفات الناجعة؛ لألزمات اخلانقة اليت تعيشها الساكنة على مستوى اجملتمع الدويل‪ .‬بل إهنا‬
‫نظام إيكولوجي شديد احل رساسية للنشاطات البشرية؛ من حيث التأثَّي على التوازانت اليت تشكل الثراء الثقايف؛ عْب توظيف وسائط‬
‫الفضاء األزرق؛ يف التأسيس للوحدة والتنوع‪ ،‬واالثراء واالبداع‪ ،‬أو نشر الفنت واذكاء النزاعات العرقية والصدامات االثنية‪ ،‬وأتثَّيات ذلك‬
‫على الرفاه والتقدم االقتصادي‪.‬‬
‫إن أي سلوك بشري يرتك بصماته الثقافية؛ ويصنع بيئة اقتصادية ختضع لقيرم معينة‪ .‬هذا التفاعل بني احلقلني‪ ،‬دفع إىل رسم‬
‫حدود ملنطقة فاصلة‪ ،‬ومراقبة التفاعالت داخلها‪ ،‬واستلهام اجيابيات هذا التداخل والتمازج‪ ،‬من خالل تثمني اإلمكاانت الثقافية‪،‬‬
‫واستغالل القدرات االقتصادية‪ .‬يف ِ‬
‫ظل تفاقم لظاهرة الندرة‪ ،‬وتدهور للنظام البيئي الذي كان سببا يف الدعوة إىل اقتصاد لونه بنفسجي‪،‬‬
‫وحمفز على االبداع‪.‬‬
‫مفعم ابخليال ٌّ‬
‫ت؛)‪ (Jacinthe, 2012, p. 02‬كانت العالقة بني االقتصاد والثقافة تـُ َقيرم على أساس مسامهة‬ ‫على مدى عقود َخلَ ر‬
‫الفنانني واألعمال الثقافية يف التنمية االقتصادية‪ ،‬وهو ما اصطلح عليه بـاقتصاد الثقافة‪ .‬وقد تناول بعض االقتصاديني على غرار آدم‬
‫مسيث ودافيد ريكاردو وجون ما ينار كينز؛ جماالت املسامهة للثقافة والفنون‪ ،‬وأمهيتها يف ثراء اجملتمعات‪ .‬إالر أن كتاب " ‪William J.‬‬
‫‪ "Baumol‬عام ‪1966‬؛ اعتْب نقطة انطالق حلقل التحليل االقتصادي للثقافة‪.‬‬
‫إن التطور التكنولوجي والعوملة اليت شهدها اجملتمع الدويل مع هناية القرن العشرين؛ سامها يف تطوير الصناعات الثقافية كطباعة‬
‫الكتب واجملالت‪ ،‬واإلنتاج الفين والسينمائي‪ ،‬وزايدة املداخيل منها وارتفاعها‪ .‬ودفع بعض احلكومات إىل أتييد املؤسسات والشركات اليت‬
‫تنشط يف امليدان الثقايف؛ من خالل صناعة السياسات العامة‪ ،‬وإصدار تشريعات تنظيمية على غرار قانون حق امللكية الفكرية‪ ،‬ورد رع ِمها‬
‫ابلتفضيالت واملزااي الضريبية‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫المجلد ‪ ،12‬العدد ‪)2023 (2‬‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

‫ابرزا يف العديد من القطاعات؛ وأركان االسرتاتيجيات االنتاج فيها‪ .‬حيث تلجأ‬ ‫إن أتثَّي الثقافة على االقتصاد غدا اليوم ً‬
‫املصم ِمني‪ ،‬وخْباء اإلعالانت‬
‫العديد)‪ (Borg, 2005, pp. 27-28‬من شركات التصنيع واخلدمات إىل توظيف املبدعني من ِ‬
‫واملختصون يف االشهار وحىت "فنانوا املنازل" ”‪“House Artists‬واملديرون الثقافيون‪ ،‬كجزء من نشاطاهتم يف إطار مصلحة العالقات‬
‫العامة اخلاصة ابلشركة‪ .‬وابلتايل ضرورة التميِيز بني الصناعات الثقافية‪ ،‬وسلسلة اإلنتاج الصناعي الرأمسايل‪ ،‬وأتثَّيات الثقافة على ذلك‪.‬‬
‫وتشَّي دراسة ِدي ماراي "‪ "Di Maria‬عام ‪2004‬؛ أن الثقافة كانت سببًا بطريقة مباشرة وغَّي مباشرة يف ظهور ‪ 6.250‬وظيفة يف‬
‫مدينة البندقية "‪ "Venice‬االيطالية‪ .‬وض رخت أكثر من مليار أورو يف اقتصاد املدينة‪ ،‬ساعدها يف ذلك الرصيد التارخيي والثقايف املعبأ‬
‫ابألحداث واحملطرات‪ ،‬وجلبه للزوار والسياح‪ .‬ما دفع ابلسلطات احمللية؛ االستثمار أكثر يف القطاع الثقايف‪ ،‬حىت يغدو أكثر جاهزية‬
‫وجاذبية للمال والزائرين على ٍ‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫إن استخدام املكوانت احمللية؛ ‪(L’économie mauve : Un objectif, une opportunité, 2013,‬‬
‫)‪ p. 11‬يْبز العالقة احملتملة بني االقتصاد األخضر‪ ،‬واالقتصاد البنفسجي‪ .‬ويظهر ذلك من خالل زايدة املنتجات الزراعية اإلقليمية؛‬
‫مع احلفاظ على التنوع البيولوجي‪ ،‬وتشجيع املواد احمللية التقليدية‪ ،‬ومسارات التكامل بني اهلندسة والبيئة‪ .‬ومن بني الشركات اليت مت‬
‫استجواهبا؛ ذكرت كل من جمموعة فلو وكارفور"‪ "Flo and Carrefour‬أمهية املنتجات احمللية يف الرفع من عالمات اجلودة‪ ،‬وقيمة‬
‫منتجاهتا‪.‬‬
‫البعد الثقايف يف البناء االقتصادي‪ ،‬وأثره على التماسك االجتماعي‪.‬‬
‫إن موقع املكوانت الثقافية يف التوجهات العاملية‪ ،‬آخذة يف االرتفاع‪ .‬فاالقتصاد البنفسجي؛ ‪(The Purple Economy:‬‬
‫)‪ an Objective, an Opportunity, 2013, p. 02‬يعكس التأثَّيات الثقافية على االقتصاد‪ ،‬عْب تكييفه مع التنوع‬
‫البشري يف ِظل العوملة؛ ارتباطا ابألبعاد الثقافية عند منح القيمة للسلع واخلدمات‪.‬‬
‫إن الرتكيز على البعد الثقايف يف البناء االقتصادي؛ يساهم يف تقوية املهن املتوفرة‪ ،‬أو املهن اليت حتتاج إىل التكيف مع املعطيات‬
‫حتداي رئيسيًا‬
‫املستقبلية‪ (The Purple Economy: an Objective, an Opportunity, 2013, p. 14).‬وميثل ً‬
‫لسياسات التدريب‪ ،‬اليت تتطلب مواءمة الْبامج التعليمية مع احتياجات السوق اجلديدة‪ .‬كما ترتبط العديد من املهن املوجودة‪ ،‬ارتباطا‬
‫مباشرا ابلبيئة الثقافية‪ .‬إهنا وظائف بنفسجية؛ ميكنها املسامهة يف ظهور اقتصاد ثقايف؛ مثل وظائف املعلمني وأساتذة العلوم اإلنسانية‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والقائمني على البحث وخمططي املدن‪ ،‬واملهن السياحية‪ .‬لتزامن نشاطهم مع التحوالت الثقافية‪ ،‬وحماولة فهم أبعادها وتتبع‬
‫ِ‬
‫وخمططي املدن؛ أخذ تطلعات اجملموعات البشرية‪ ،‬واحرتام عاداهتا وتقاليدها‪ ،‬وإعادة تفسَّيها بطريقة‬ ‫مساراهتا‪ .‬إىل جانب ِ‬
‫حث املطورين‬
‫حديثة‪ .‬وحتمية احرتام املهن السياحية للثقافات احمللية يف اهلندسة املعمارية‪ ،‬واخلصوصيات املرتبطة هبا‪ ،‬ومهن أخرى تساهم يف تعزيز‬
‫االقتصاد البنفسجي‪.‬‬
‫إن مؤشر احلياة األفضل"‪"The Better Life Index‬؛ الذي وضعته منظمة التعاون والتنمية يف امليدان االقتصادي‪،‬‬
‫موضوعا رئيسيًا وهي‪(L’économie mauve : Un objectif, :‬‬ ‫ً‬ ‫استنادا إىل املعايَّي املرتبطة ابلرفاه‪ ،‬تض رمن إحدى عشر‬
‫ً‬
‫)‪une opportunité, 2013, p. 12‬‬

‫‪121‬‬
‫العربي‪،‬غريسي‬ ‫االقتصاد البنفسجي بين البصمة الثقـافية ‪...‬‬

‫▪ السكن‪ ،‬الدخل‪ ،‬الوظيفة‪ ،‬اجملتمع‪ ،‬التعليم‪ ،‬البيئة‪ ،‬املشاركة املدنية‪ ،‬الصحة‪ ،‬الرضا عن احلياة‪ ،‬األمن‪ ،‬التوازن بني العمل واحلياة‪.‬‬
‫العديد من هذه املواضيع ُمطر َع ٌم ابألبعاد الثقافية؛ اليت ال ميكن امهال دورها يف التأسيس لرفاهية احلياة املنشودة من قبل اجلميع‪.‬‬
‫تـُ َقـ ـير ُم عالقة الثقافة ابالقتصاد من خالل قياس درجة مسامهتها يف التنمية االقتصادية؛ وهو ما اصطلح عليه ابقتصاد الثقافة‬
‫"‪(Jacinthe, 2012, p. 02)."l’économie de la culture‬واستُ رخ ِدم هذا الفرع من التحليل االقتصادي لتقييم األثر‬
‫االقتصادي واالجتماعي للسلع واخلدمات الثقافية‪ .‬وخيضع اإلنفاق العام على الثقافة ملراجعات دورية؛ أظهرت العديد من الدراسات؛‬
‫أن االستثمار يف الثقافة ‪ ،‬مربح وينتج عنه عائدات ضخمة‪ .‬وتقاس املسامهة االقتصادية للقطاع الثقايف من حيث العمالة‪ ،‬واملسامهة يف‬
‫الناتج احمللي اإلمجايل"‪ "PIB‬لبلد أو مقاطعة أو مدينة ما‪.‬‬
‫لقد أ ركدت دراسات أجرهتا هيئة اإلحصاء الكندية‪ ،‬وجملس املؤمترات‪ ،‬ووزارة الثقافة واالتصاالت على دور الثقافة ومسامهتها يف‬
‫البناء االقتصادي يف مقاطعة كيبيك‪ ،‬بكندا‪ .‬فعلى سبيل املثال؛ قدررت هيئة اإلحصاء الكندية مسامهة القطاع الثقايف يف الناتج احمللي‬
‫" ‪Board‬اإلمجايل لكندا يف عام ‪ ،2004‬بـ ‪ 40‬مليار دوالر‪ ،‬وتوفَّي ‪ 600.000‬وظيفة مباشرة‪ .‬سنوات بعد ذلك؛ أشار تقرير مؤمتر "‬
‫عام ‪ 2008‬ابلتنسيق مع احلكومة الفدرالية؛ أنه تولرد عن القطاع الثقايف الكندي ‪ 84.6‬مليار دوالر من الفوائد املباشرة وغَّي املباشرة‪،‬‬
‫من إمجايل اإليرادات للناتج احمللي اخلام‪ .‬وأشارت التقديرات إىل أن أكثر من مليون وظيفة عام ‪2007‬؛ ‪%‬أي ما مقداره ‪7.4‬‬
‫استوعبها قطاع الفنون والثقافة‪ .‬كما نشرت العديد من املنظمات الثقافية والفنية؛ دراسات أوضحت فيها الفوائد االقتصادية ألنشطتها‪.‬‬
‫دليال للمنظمات الثقافية؛ حدرد فيها الطرق املختلفة اليت مت تطويرها هبدف قياس التأثَّي‬‫وأصدر جملس الفنون يف إجنلرتا عام ‪ً 2012‬‬
‫لقد كان لعمل الباحثني‪ ،‬وطرق تطوير قياس الفوائد االقتصادية للفنون والثقافة؛ دور فعال يف إبراز أمهية هذا القطاع‪. ،‬االقتصادي للثقافة‬
‫كما م رهد اقتصاد الثقافة الطريق حنو االقتصاد البنفسجي‪.‬‬

‫إن جدوى القطاع الثقايف؛)‪ (Jacinthe, 2012, p. 03‬مل يقتصر على الثقل االقتصادي فقط؛ بل جتاوزه إىل أتثَّيات‬
‫اجتماعية ابرزة‪ ،‬ميكن معرفتها من خالل تقييم نتائجها على التماسك االجتماعي وبناء اهلوية‪ .‬كما أن العوملة أفرزت خماطر توحيد‬
‫حدودا للعوملة الثقافية‪ ،‬ويقيد من جماالت‬
‫ً‬ ‫الثقافة‪ ،‬جاء االقتصاد البنفسجيليجعل االقتصاد وسيلة للتنوع الثقايف؛ وليس سجنًا يرسم‬
‫التحرك فيها‪.‬‬
‫التخصصات‪ ،‬وال سيما العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جيعل من املمكن التوقع املستقبلي وتوجيه‬
‫ُّ‬ ‫إن التدريب ِ‬
‫املستمر يف خمتلف‬
‫خاصة يف ِظل التوجه العاملي حنو التشابك والشمولية‪ .‬كما أثبتت الوقائع‬
‫املسارات للتطورات الثقافية‪ ،‬وتنظيم اآلاثر العملية املرتتبة عليها‪ًّ ،‬‬
‫التخصصات‪ ،‬وجدلية العالقة بني خمتلف احلقول املعرفية وإجيابية التفاعل فيما بينها‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أمهية تكامل كافة‬

‫‪-3‬التثاقف العمودي واألفقي‪ ،‬وجتديد األدوات املفاهيمية‪.‬‬


‫إن املقصود ابلتثاقف؛ هو األخذ والعطاء الثقايف واملعريف والعلمي بني اجملموعات البشرية واحلضارات املختلفة‪ ،‬للقيرم والتقاليد‬
‫وطمس‬
‫َ‬ ‫ط‬‫والعادات‪ ،‬االبداع واالبتكارات يف خمتلف امليادين واجملاالت‪ .‬سواء عن طريق االعجاب والرضا‪ ،‬أو اجلْب واالكراه‪ ،‬يروم تنمي َ‬
‫املقومات الثقافية واحلضارية لآلخر‪ .‬فالتثاقف هو مسار كوين وحتمي؛ ووضعية طبيعية لتطور الثقافات‪ .‬ميثل خطوط متاس للتواصل‬
‫الثقايف بني احلضارات احليرة؛ ويْبز جماالت التقاطع والتداخل بينها‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫المجلد ‪ ،12‬العدد ‪)2023 (2‬‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

‫خيضع التثاقف لتفاعالت ثقافية على املستوى العمودي واألفقي؛ ميكننا التفصيل فيها على الشكل التايل‪:‬‬
‫)‪(The Purple Economy: an Objective, an Opportunity, 2013, pp. 6-7‬‬
‫أ‪-‬التثاقف األفقي‪"Horizontal Culturalization":‬مع بروز العوملة اعتقد اجلميع أبهنا ستأسس لثقافة استهالكية عاملية‬
‫موحدة؛ وصنع مستهلك عاملي مشرتك يف السلوكيات‪ ،‬فاق ٌد حمللية اخلصوصيات الثقافية‪ .‬لكن األزمات االقتصادية واملالية اليت عرفتها‬
‫الدول املتقدمة؛ وكذا االقتصادات الناشئة؛ طرحت تساؤالت ُمل رحة حول ضرورة إعادة النظر يف االسرتاتيجيات‪ ،‬والبحث عن أدوات‬
‫أيضا‪ .‬فالنظام العاملي اجلديد‪ ،‬يتناغم وتنوع‬
‫اقتصاداي فحسب‪ ،‬بل مشل احلقل الثقايف ً‬ ‫ً‬ ‫مفاهيمية ومقارابت جديدة‪ .‬ألن هذا التطور ليس‬
‫الثقافات‪ .‬وقد تفطرنت العديد من املؤسسات هلذا التغَّي؛ وبدأت يف التحضَّي للمشهد اجلديد‪ .‬فعمدوا إىل تنظيم نشاطاهتم وفق املناطق‬
‫استثمارا فكرًاي‬
‫ً‬ ‫اجلغرافية‪ ،‬بدالً من التوجه االقتصادي أو خط األعمال‪ ،‬املـ ـُرنـتَـ َهج قصد التكيُّف مع العادات والثقافات احمللية اليت تتطلب‬
‫مستداما‪ ،‬استباقيًا‪ ،‬وعايل املستوى‪ ،‬لقياس مدى التناغم مع هذه الثورة الثقافية‪ .‬فمؤسسة َك ِري ُفور "‪ "Carrefour‬أخذت بعني االعتبار‬ ‫ً‬
‫الثقافة الصينية؛ وأضافت أقسام األطعمة الطازجة‪ ،‬وما تبع ذلك من تكيِيف للمتاجر‪ .‬هذا التكيِيف؛ صاحبه جهد كبَّي من الشركة‬
‫الفرنسية؛ كان من مثاره فهم لتوجهات الرأي العام الصيين‪ ،‬وإطار أفضل لفقه جماالت التحرك السياسي‪ ،‬وخيوط القوة ومكامن الضعف‬
‫يف البعد الثقايف للعقلية الصينية‪.‬‬
‫‪Essilor‬أتسيسا على هذه املعطيات؛ عمدت "‬
‫ً‬ ‫" على توزيع مراكز البحث والتطوير التابعة هلا بني فرنسا ‪International‬‬
‫والوالايت املتحدة األمريكية وسنغافورة والياابن‪ ،‬بغية دمج جمموعة من أمناط االستهالك‪ ،‬وفق ميزة ثقافية ومادية موحدة‪ .‬وتـُ َع ُّد شركة‬
‫" أبرز مثال على التثقيف األفقي‪ ،‬فغالبية مبيعاهتا ‪"Vivendi‬؛ وهي إحدى الشركات التابعة لــ"‪"Universal Music Group‬‬
‫أي ‪ ٪60‬حت رق َقت بفضل موهبة الفنانني احملليني؛ ملسامهتهم يف رسم اإلطار العام هلذا التحرك‪ ،‬اعتمادا على ِ‬
‫احملددات واملعايَّي الثقافية‪.‬‬ ‫ً‬
‫إن ظهور عامل متعدد الثقافات؛ جعل من التنوع الثقايف حمور ِ‬
‫هم الشركات يف رسم اسرتاتيجياهتا‪ .‬كما أن األبعاد الثقافية للمواقع‬
‫كزا للتنويع العاملي يف اإلمداد ابلسلع واخلدمات‪ ،‬إىل جانب اجلودة يف اإلنتاج وعالقتها ابلرصيد الثقايف وأبعاده‬ ‫اجلغرافية؛ كانت مر ً‬
‫احلضارية‪ ،‬كالصناعات األملانية والياابنية املشهود هلا ابجلودة واالتقان‪ ،‬عكس ما طبع النموذج الصناعي الصيين من مثالب ال يستطيع‬
‫اخفاءها‪.‬‬
‫ب‪-‬التثاقف العمودي‪ ،‬وإعادة التوازن بني االقتصاد واجملتمع‪ "Vertical Culturalization":‬توازًاي مع الثقافة اجلغرافية‪ ،‬فإن‬
‫الطلب على املنتجات ذات اجلودة العالية يف تزايد مضطرد‪(The Purple Economy: an Objective, an ،‬‬
‫)‪ Opportunity, 2013, p. 08‬خاصة يف الدول املتطورة‪ .‬لكن االكراهات البيئية حترمت التفكَّي يف مقارابت جديدة؛ يف‬
‫ظل نداءات التشكيك يف أن اقتصاد السوق هو غاية يف ِ‬
‫حد ذاته‪ ،‬بدالً من كونه جييب على حاجيات اإلنسان املادية منها والرمزية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كما أن املساحة اجلديدة للمستهلك اليت أتحها التطور التكنلوجي؛ سامهت يف استغالل اخلصائص الثقافية إلثراء جودة السلع‬
‫واخلدمات‪ ،‬من خالل مراكز التسوق الكْبى‪ .‬وأيضا يف جمال اهلندسة واملعمار‪ ،‬حيث كانت البناايت تشوه املنظر العام للمدينة‪ ،‬فغدا‬
‫بعض املس تثمرين اآلن جيندون خدمات كبار املهندسني املعماريني لالستفادة من ابداعاهتم‪ ،‬كما زاد نشاط الشركات العقارية يف هذا‬
‫اجملال‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫العربي‪،‬غريسي‬ ‫االقتصاد البنفسجي بين البصمة الثقـافية ‪...‬‬

‫إن الرتكيز على الثقافة؛ سيساعد على استعادة التوازن بني االقتصاد واجملتمع‪ ،‬ابستخدام مقاربة موحدة للتوفيق بني تطلعات‬
‫الثروة‪ ،‬ومبدأ االعتدال يف االستهالك‪ .‬كما أن االجتاه حنو الثقافة اجلغرافية وما ينتج عنها‪ ،‬وتقاطع العنصر الثقايف مع منو السلع واخلدمات‪،‬‬
‫هي دعوة إلعادة النظر يف جدلية العالقة بني االقتصاد والثقافة‪.‬‬

‫‪-4‬البصمة الثقافية‪ ،‬ومبدأ التنوع الثقايف‪.‬‬


‫أ‪-‬البصمة الثقافية"‪ :"Cultural Footprint‬يرى املدافعون عن االقتصاد البنفسجي؛)‪ (Jacinthe, 2012, p. 01‬أن‬
‫اعتمادا على مبادئ االستدامة‪ .‬كما جيمع هذا النوع من االقتصاد بني اختيار اللون؛ وحساب‬
‫ً‬ ‫مفتاح للتنمية االقتصادية؛‬
‫الثقافة هي ٌ‬
‫البصمة الثقافية‪ .‬وجيعل من البعد الثقايف قيمة مضافة؛ ورهان حقيقي للتنمية املستدامة‪.‬‬
‫إن ديناميكية العالقة بني الثقافة واالقتصاد؛ ‪(L’économie mauve : Un objectif, une opportunité,‬‬
‫)‪ 2013, p. 10‬جتعل الثقافة جماالً للفرص واملسؤوليات‪ ،‬وهلا دورها يف إجناح االقتصاد املستدام‪ .‬فاالقتصاد البنفسجي؛ تطبعه البصمة‬
‫الثقافية "‪ ،"Cultural Footprint‬وينضوي حتت االقتصاد املستدام"‪ " Economy Sustainable‬الذي يشمل االقتصاد‬
‫االجتماعي ببصمته االجتماعية"‪ ،"Social Footprint‬واالقتصاد األخضر وبصمته األيكولوجية " ‪Ecological‬‬
‫‪."Footprint‬‬
‫▪ ماهي البصمة الثقافية؟)‪(L’économie mauve : Un objectif, une opportunité, 2013, p. 10‬‬
‫تندرج النشاطات البشرية مبختلف أنواعها ضمن ضوابط ثقافية تؤطر مساراهتا‪ ،‬وينتج عنها خمرجات هلا بصمات ثقافية سواء على مستوى‬
‫األفراد أو املؤسسات‪ .‬فتغدو الثقافة بيئة يعتمد عليها الوكالء االقتصاديون‪ ،‬ويرتكون وراءهم بصمات ثقافية هلا أتثَّيات جلية؛ تضم كل‬
‫العوامل اخلارجية اإلجيابية والسلبية؛ وما نتج عن أعمال الوكالء ونشاطاهتم؛ يف بيئة ثقافية معينة‪.‬‬
‫▪ فالبصمة الثقافية‪ (Jacinthe, 2012, p. 02):‬هي نِتاج ملسامهة املؤسسات واجلماعات احمللية واملنظمات واإلدارات العمومية‬
‫وسلوكياهتا على املستوى الثقايف؛ وجمهوداهتا للحفاظ على البصمة الثقافية وإثراء التنوع الثقايف‪ ،‬وتشجيع التوجه حنو االقتصاد البنفسجي‪.‬‬

‫ختضع البصمة الثقافية ملختلف القطاعات واملؤسسات للتقيِيم‪ (Jacinthe, 2012, p. 07).‬كلما كان تنقيطها مر ً‬
‫تفعا؛‬
‫تـُ ررِج َم ذلك بقدرة املؤسسة على التكيُّف مع التنوع الثقايف داخل اجملتمع الدويل املعومل‪ ،‬وتشجيعها للمنتجات احمللية يف األسواق الدولية‪.‬‬
‫جتاواب مع خصائص‬
‫فبالنسبة لإلدارة العامة؛ تَُ ررت َج ُم البصمة الثقافية من خالل صناعة سياسات ثقافية ضمن برامج التنمية املستدامة؛ ً‬
‫مؤشرا يرتجم مدى التحول حنو االقتصاد البنفسجي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫البيئة الثقافية احمللية وحمدداهتا‪ ،‬كما ميكنها أن تكون ً‬
‫ب‪-‬مبدأ التنوع الثقايف‪(L’économie mauve : Un objectif, une opportunité, 2013, p. 10):‬إن‬
‫البصمة الثقافية للنشاط االقتصادي؛ تثري التنوع الثقايف‪ ،‬وتعتْب قيمة مضافة‪ .‬كما أهنا تعمل على توحيد اجلهود لتجسيد أهداف مشرتكة‪،‬‬
‫وتطوير قدراهتا التنموية االقتصادية والثقافية‪ .‬هذا التنوع الثقايف؛ ميثل ضما ًان لوجود تدفق من التبادالت اإلبداعية ذات املنفعة املتبادلة‪،‬‬
‫أتسيسا ملنظومة أخالقية جديدة‪ .‬وال ميكن النظر للتنوع‬ ‫ً‬ ‫ويسمح للوكالء بتعزيز ممارساهتم وأصوهلم الثقافية دون ازدواجية‪ ،‬وقد تكون‬
‫ف والنمو املتوازن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعنصرا يـُ رول ُد االبتكار والتَ َكيُّ َ‬
‫ً‬ ‫الثقايف مبثابة جتاوز للهوايت اجملزأة‪ ،‬بل جماالً للتفاعل والتبادل للمنافع واخلْبات‪،‬‬
‫إن التفاعل بني البيئة احمللية والبيئة العاملية؛ ‪(L’économie mauve : Un objectif, une opportunité,‬‬
‫)‪ 2013, p. 11‬يتم عْب املنتجات اخلاصة مبنطقة معينة‪ ،‬وجتاوزها لإلقليم‪ .‬فاألنشطة ذات التأثَّي احمللي؛ يتمخض عنها عوامل خارجية‬
‫‪124‬‬
‫المجلد ‪ ،12‬العدد ‪)2023 (2‬‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

‫إجيابية‪ ،‬حيث تستخدم املوارد اليت مت استخراجها أو املنتجات اليت مترت زراعتها أو معاجلتها حملياً‪ ،‬لتتجاوز إطارها اإلقليمي حنو اجملال‬
‫العاملي‪ ،‬واسهاماهتا يف إثراء التنوع الثقايف للمنطقة املعنية‪ ،‬من خالل التواصل والتفاعل‪ .‬أما األنشطة ذات التأثَّي األوسع نطاقاً؛ فيتولد‬
‫أيضا أتثَّيات خا رجية إجيابية‪ .‬حيث يساهم هذا التنوع الثقايف‪ ،‬يف تشجيع التبادالت والقدوم على طلب هذا التباين املفقود‪.‬‬ ‫عنها ً‬
‫وملعرفة الفواعل اليت هلا آاثر إجيابية أو سلبية على البصمة الثقافية جيب حتليل مسارات اإلنتاج واالستهالك بعمق‪.‬‬
‫اثلثًا‪ :‬االقتصاد البنفسجي؛ أركان لرؤى جديدة‪.‬‬
‫ميكننا حصر هذه الركائز يف األركان األربعة التالية‪(İlkkaracan, the Purple Economy :‬‬
‫‪Complimenting the Green: Towards Sustainable Economies, Caring Societies, 2016,‬‬
‫)‪pp. 8-9‬‬
‫‪ -1‬بنية حتتية قوية للرعاية االجتماعية‪.‬‬
‫إن األسر هي نواة اجملتمع؛ وأضلع قوته‪ (Kendall, 2011, p. 166).‬فهي تصنع األفراد‪ ،‬وترسم جمال حتركاهتم‪ .‬تعلمهم‬
‫القيرم‪ ،‬وتغرس فيهم الثقة‪ ،‬وتقدم هلم املادة اخلام لبناء شخصيتهم‪ .‬إن قدرة اآلابء على حتمل أعباء األسر وجتاوز اكراهات مطالبها؛ متغَّي‬
‫مستقل يف توازن اجملتمعات واستقرارها؛ من خالل جتاوز الفقر والالمساواة االجتماعية‪ ،‬وحتسني شروط احلياة والرفاه‪ .‬فتنعكس على‬
‫سلوكيات األطفال يف املدارس‪ ،‬وطرق تعاملهم مع املعرفة واالكتساب‪ .‬فاألسر؛ تقدم احلنان والتوازن النفسي للمجتمعات‪ ،‬ما يؤهلها‬
‫ألن تكون احلجر األساس يف قلب أي اسرتاتيجية مستقبلية للبناء‪.‬‬
‫حمددات لبناء بنية حتتية شاملة للرعاية؛ ‪(İlkkaracan, the Purple Economy‬‬ ‫هذه املعطيات هي ِ‬
‫‪Complimenting the Green: Towards Sustainable Economies, Caring Societies, 2016,‬‬
‫)‪ pp. 8-9‬وتعين أن مجيع األسر لديها فرص متساوية يف احلصول على خدمات رعاية جيدة؛ بشكل مستقل عن قدرهتم على الدفع‪.‬‬
‫وتستلزم تقدمي خدمات الرعاية للجميع‪ ،‬عْب مؤسسات عامة أو خاصة‪ ،‬مثل املستشفيات ومراكز رعاية األطفال ودور احلضانة‪ ،‬ومراكز‬
‫الرعاية املدرسية‪ ،‬ومراكز للمسنني واملعوقني‪ .‬كما ميكن تقدمي الرعاية االجتماعية ألفراد األسر؛ عن طريق قيامهم ابخلدمات املنزلية‬
‫َج ٍر يتقاضونه‪ .‬هذه السياسات؛ تتطلب استثمار يف قطاعات خدمات الرعاية االجتماعية‪ ،‬مع استلزام‬ ‫ألهاليهم‪ ،‬بعد تكوينهم مقابل أ ر‬
‫ترتيب األولوايت يف اإلنفاق املايل‪ ،‬والعمل على توفَّي اخلدمات العامة للمحتاجني‪.‬‬
‫وحت ِسن من رأس املال البشري‪ ،‬وتزيل الفروق بني األطفال حسب‬ ‫هذه االسرتاتيجية؛ تؤسس للتساوي يف االختيار الوظيفي‪ُ ،‬‬
‫وضعهم االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬عْب االستثمار يف برامج التنمية والتعليم‪ ،‬فتكون آاثرها غَّي املباشرة إجيابية على النمو واإلنتاجية‪ .‬وأن‬
‫الرعاية االجتماعية‪ ،‬ختفف من حدرة األزمات االقتصادية‪ ،‬وتساعد على جتاوزها من خالل الوظائف البنفسجية‪.‬‬
‫سلسلة من الدراسات احلديثة؛)‪ (İpek İlkkaracan, 2016, p. 11‬قيرمت التأثَّي الكلي واجلزئي لالستثمارات العامة‬
‫يف قطاعات الرعاية االجتماعية‪ ،‬منها رعاية األطفال جبنوب إفريقيا‪ ،‬والرعاية النهارية للمسنني ابلوالايت املتحدة‪ ،‬ورعاية األطفال والتعليم‬
‫ت كلها؛ إىل أن اإلنفاق على البنية التحتية للرعاية االجتماعية‪ ،‬يساوي ضعف القدرة على توليد العمالة عْب‬ ‫صر‬‫قبل املدرسي برتكيا‪َ .‬خلُ َ‬
‫اإلنفاق املماثل على البنية التحتية املادية‪ ،‬مبا فيها البنية التحتية اخلضراء‪ .‬وتعتْب جتربة كوراي اجلنوبية ملواجهة األزمة االقتصادية يف آسيا‬
‫عام ‪1997‬؛ مثاالً لفوائد االستثمار يف الرعاية االجتماعية‪ .‬حيث عمدت احلكومة إىل دعم االستثمار يف قطاع خدمات الرعاية‬

‫‪125‬‬
‫العربي‪،‬غريسي‬ ‫االقتصاد البنفسجي بين البصمة الثقـافية ‪...‬‬

‫االجتماعية‪ ،‬واعتباره "حمرك النمو اجلديد" لالقتصاد‪ .‬ورأت أن األزمة الدميغرافية هي امتداد ألزمة الرعاية‪ .‬وقدرمت اسرتاتيجية لالستثمار‬
‫االجتماعي‪ ،‬وخلق فرص متساوية لإلدماج‪.‬‬
‫‪-2‬تنظيم السوق؛ هبدف جتسيد التوازن بني العمل واحلياة‪ ،‬ومقاربة السياسات التحفيزية املنصفة حيال اجلنسني‪.‬‬
‫ينشد االقتصاد البنفسجي رؤية تكرس للمساواة بني اجلنسني؛ ‪(İlkkaracan, Purple Economy A Strategy‬‬
‫)‪for Women’s Equal Economic Participation towards Sustainable Cities, 2018, p. 01‬‬
‫قصد جتسيد االقتصاد املستدام اجتماعيًا‪ .‬ويَـ رف َِرت ُ‬
‫ض أن السبب اجلوهري لغياب املشاركة االقتصادية للمرأة؛ هو التمايز يف فرص العمل‬
‫التضامين بني اجلنسني‪ .‬ما يستلزم توفَّي اخلدمات للفئات اليت حتتاج الرعاية دون متييز‪ ،‬كاألطفال واملسنني واملرضى واألشخاص ذوي‬
‫اإلعاقة والبالغني املتقاعدين‪.‬‬
‫إن تنظيم سوق العمل؛ ‪(İlkkaracan, the Purple Economy Complimenting the Green:‬‬
‫)‪ Towards Sustainable Economies, Caring Societies, 2016, p. 11‬وفتح الفرص يف التوظيف ابلتساوي‬
‫مهما يف البنية التحتية‪ ،‬ومكمالً خلدمات الرعاية االجتماعية‪ .‬ويعتمد هذا الركن على أربعة مكوانت فرعية‪:‬‬
‫بني اجلنسني؛ يعتْب مكو ًان ً‬
‫▪ احلقوق القانونية لرعاية األطفال املدفوعة وغَّي املدفوعة األجر‪ ،‬مع االستحقاقات واحلوافز املتساوية لكل من الرجل واملرأة‪.‬‬
‫▪ تنظيم ساعات العمل‪ ،‬وتوفَّي الوظائف الالئقة‪.‬‬
‫▪ احلق يف أوقات عمل مرنة؛ للتمكني من تلبية احتياجات الرعاية املنزلية‪.‬‬
‫▪ القضاء على التمييز يف سوق العمل؛ واألجر املتساوي دون اعتبارات اثنية دينية أو عرقية‪.‬‬
‫هذه السياسات التنظيمية لسوق العمل؛ ‪(İlkkaracan, the Purple Economy Complimenting the‬‬
‫)‪ Green: Towards Sustainable Economies, Caring Societies, 2016, p. 12‬تروم إعادة تشكيل بنية‬
‫األسرة وحتويلها من االعتماد على ُمعِ ٍيل واحد يتمثل يف الرجل‪ ،‬أو منوذج ربة منزل بدوام كامل‪ ،‬أو منوذج عامل واحد حنو منوذج مزدوج‪،‬‬
‫قصد إعالة األسرة والقيام ابلرعاية املنزلية‪ ،‬إىل مقاربة جديدة‪ .‬فإجازة األمومة؛ هي معيار اثبت يف معظم البلدان‪ .‬أما إجازة األبوة؛ فهي‬
‫الوالِ ِديَة‬
‫كبَّيا‪ .‬إالر أن التجربة السويدية؛ أظهرت أن إجازة َ‬
‫ِ‬
‫حمدودة للغاية؛ بل غَّي موجودة يف الكثَّي من احلاالت‪ ،‬والزالت تشكل حتد ًاي ً‬
‫غَّي قابلة للتحويل واملدفوعة األجر ابلكامل‪ ،‬ميكنها أن تكون اسرتاتيجية فعالة‪ ،‬وتتيح إحراز تقدم كبَّي يف التوزيع األكثر إنصافًا للعمل‬
‫غَّي املأجور بني الرجل واملرأة‪ .‬ك ما ميكن تنفيذ إجازة رعاية الطفل اإللزامية لآلابء‪ ،‬واليت قد حتل حمل اخلدمة العسكرية اإللزامية‪ ،‬اليت ال‬
‫تزال قائمة يف العديد من البلدان‪.‬‬
‫تؤكد االحصاءات العاملية على وجود خلل يف أعمال الرعاية؛ ما يكرس سلوكيات التفاوت والتمايز‪ .‬فحسب تقرير التنمية البشرية‬
‫"‪ "UNDP‬لعام ‪2015‬؛ ‪(İlkkaracan, the Purple Economy Complimenting the Green:‬‬
‫)‪ Towards Sustainable Economies, Caring Societies, 2016, p. 08‬أن أعمال الرعاية غَّي املدفوعة‬
‫األجر‪ ،‬ش ركلت ما يقارب من نصف وقت العمل اإلنتاجي‪ .‬وأن ‪ %41‬من إمجايل وقت العمل على الصعيد العاملي؛ غَّي مدفوع لألجر‪.‬‬
‫إىل جانب مسة عاملية أخرى؛ تتمثل يف التوزيع غَّي املتساوي للعمل التضامين بني اجلنسني‪ 76 .‬يف املائة من وقت العمل غَّي املدفوع‬

‫‪126‬‬
‫المجلد ‪ ،12‬العدد ‪)2023 (2‬‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

‫األجر تقوم به املرأة‪ ،‬مقابل ‪ 43‬يف املائة من العمل املدفوع األجر‪ .‬وإذا مجعنا بني العمل املدفوع وغَّي املدفوع األجر‪ ،‬النساء يعملن‬
‫أكثر من الرجال‪ ،‬حيث يَـ ُق رم َن بـ ‪ 52‬يف املائة من جمموع ساعات العمل‪.‬‬
‫مهما يف حتسني بيئة التوازن بني العمل واحلياة‪ .‬حيث‬
‫عدا ً‬ ‫إىل جانب إجازات الرعاية واخلدمات‪ ،‬يعد وقت العمل األسبوعي بُ ً‬
‫تشَّي الدراسات املقارنة داخل البالد نفسها؛ إىل التباينات يف ساعات العمل القانونية داخل سوق العمل بني الشمال واجلنوب‪ .‬حيث‬
‫مصدرا الختالل التوازن بني العمل واحلياة حسب الطبيعة واجلغرافيا‪ ،‬وضرورة انتهاج سياسات عمل مرنة حسب البيئة املتواجد‬‫ً‬ ‫تعتْب‬
‫فيها‪ .‬كما أكدت دراسات للحالة اهلولندية؛ على خماطر الرتكيز يف الدوام اجلزئي للنساء فقط‪ ،‬كوسيلة للتوفيق بني مسؤوليات العمل‪،‬‬
‫والرعاية املدفوعة األجر‪ .‬حيث تساهم يف الفصل بني اجلنسني من الناحية املهنية‪ ،‬وتعمق الفجوة رأسيًا على مستوى األجور‪ .‬فتنظيم‬
‫سوق العمل؛ يزيل فجوة األجور بني اجلنسني‪ ،‬ويعتْب وسيلة مهمة لتجسيد املساواة يف احلوافز املقدمة للرجال والنساء أثناء قيامهم‬
‫ألعمال مأجورة‪ ،‬أو بدون أجر‪.‬‬
‫إن غياب التأمني االجتماعي خطر كبَّي على استقرار اجملتمعات؛)‪ (Reeves, 2011, p. 145‬فهو شبح يطارد العمال‬
‫مدى حياهتم‪ ،‬ويزرع الالأمن يف نظرهتم للمستقبل املنظور‪ .‬هنا يغدو دور الدولة حمورًاي يف صناعة الثقة لدى املـ ـُ َـؤَمنِني؛ واستشرافهم لغد‬
‫أفضل‪ ،‬واختاذهم قرارات تالئم حياةً يريدوهنا‪ .‬ويتم ذلك من خالل مقاربة لسياسة اجتماعية تروم العدالة يف الفرص وتوزيع القيم؛ اليت‬
‫تصنع الرفاه وتضمن العدالة االجتماعية للجميع‪ .‬وهو نفس ما أك رد عليه تقرير "‪"Beveridge‬؛ يف كيفية بناء دولة الرفاه‪ ،‬وجتسيد‬
‫تطلعاهتا‪.‬‬
‫مادًي واجتماعيًا لتلبية مطالب اجملتمع الريفي ورعايته‪.‬‬
‫‪-3‬بنية حتتية سليمة بيئيًا‪ ،‬قوية ً‬
‫يتم ذلك عْب انتهاج سياسات تليب احلاجيات اخلاصة للمجتمعات الريفية؛ ‪(İlkkaracan, the Purple Economy‬‬
‫‪Complimenting the Green: Towards Sustainable Economies, Caring Societies, 2016,‬‬
‫)‪ p. 11‬وتنطوي على أعمال الرعاية غَّي املدفوعة األجر على جمموعة أكْب من األنشطة اإلنتاجية (يقوم أبغلبها العنصر النسوي) اليت‬
‫تتطلب توافر املوارد الطبيعية‪ .‬ففي افريقيا وآسيا؛ هناك العديد من العائالت تعيش على اقتصاد الكفاف الريفي القائم على الزراعة‪ .‬تقوم‬
‫فيه النساء بدور العامالت دون احلصول على مقابل من األجر‪ ،‬مع اختالف مييزه االنتماء الطبقي والوضع االجتماعي‪ .‬فجمعهم‬
‫للحطب‪ ،‬ومحلهم للمياه‪ ،‬وحتضَّيهم لوجبات الغذاء والعشاء‪ ،‬هي جزء من األعمال الشاقرة اليت تتشكل منها الرعاية‪ .‬وتُظهر االحصاءات؛‬
‫أن النساء يف األسر الفقَّية ابهلند‪ ،‬يقضني ما متوسطه ‪ 19‬ساعة أسبوعيًا يف زراعة احملاصيل واملياه ومجع احلطب وتقدمي العلف‪ ،‬بينما‬
‫ال تزال النساء يف األسر غَّي الفقَّية يقضني ‪ 13.5‬ساعة أسبوعيًا يف مثل هذه املهام‪.‬‬
‫تظهر البياانت املتاحة من مجيع أحناء العامل؛ ‪(İlkkaracan, Purple Economy A Strategy for‬‬
‫)‪ Women’s Equal Economic Participation towards Sustainable Cities, 2018, p. 02‬أن تركيا‬
‫لديها أعلى فجوة بني اجلنسني يف العمل غَّي مدفوع األجر‪ .‬فوقت العمل املنزيل غَّي املدفوع األجر للمرأة؛ يبلغ مخسة أضعاف الوقت‬
‫صص للرجال مبعدل ‪ 30‬ساعة من العمل أسبوعيًا للنساء‪ ،‬مقابل ‪ 6‬ساعات فقط للرجال‪ .‬بينما يبلغ متوسط الفجوة بني اجلنسني‬ ‫املخ ر‬
‫يف منظمة التعاون والتنمية ‪ 2.2‬مرة؛ أي مبعدل ‪ 24‬ساعة من العمل املنزيل غَّي مدفوع األجر يف األسبوع للنساء‪ ،‬مقابل ‪ 11‬ساعة‬
‫للرجال‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫العربي‪،‬غريسي‬ ‫االقتصاد البنفسجي بين البصمة الثقـافية ‪...‬‬

‫النساء العامالت يف تركيا لديهن أعلى إمجايل ساعات عمل غَّي مدفوعة األجر‪ .‬حيث يعملن ‪ ٪28‬من الساعات أكثر من‬
‫رابت البيوت املتفرغات بدوام كامل؛ و‪ ٪10‬ساعات أكثر من الرجال العاملني‪ .‬ويتمتعن أبقل قدر من وقت الفراغ؛ أي بنسبة ‪٪ 39‬‬
‫أقل من رابت البيوت‪ ،‬و‪ ٪ 77‬من الرجال العاملني‪.‬‬
‫إالر أن الوضع يف الدول العربية؛ ال يبدو يف أحسن حال‪ ،‬بل هو أكثر سلبية منه يف تركيا‪ .‬فغياب املعطيات‪ ،‬وعدم توافر‬
‫اإلحصاءات‪ ،‬ال جيعلنا ننكر الوضع املزري الذي تعيشه املرأة‪ ،‬والفجوة الشاسعة بني اجلنسني‪ ،‬وكذا املعطى الثقايف يف صناعة املوقف‬
‫اجملتمعي من هذه الظواهر‪.‬‬
‫إن انعدام بنية حتتية مادية قوية؛)‪ (İpek İlkkaracan, 2016, p. 13‬جيعل أعباء الرعاية أكثر ثقالً عند مواجهة‬
‫الصدمات اخلارجية‪ ،‬كالتدهور يف الظروف البيئية‪ ،‬نضوب موارد املياه أو إزالة الغاابت أو الصدمات الصحية‪ .‬وبناء بنية حتتية فعالة‬
‫للرعاية يف هذه اجملتمعات؛ حيتاج إىل أكثر من توفَّي خدمات الرعاية العامة‪ ،‬بل يدعو إىل استثمارات واسعة يف شبكات الري والطاقة‬
‫احمللية والنقل الريفي‪ .‬استثمارات يف البنية التحتية الريفية‪ ،‬والقطاعات اخلضراء العامة واخلاصة يف القطاع الزراعي‪ ،‬وبرامج نقل التكنولوجيا‬
‫اخلضراء‪ ،‬اليت تعتمد على املعرفة احمللية للمرأة ابلنظم اإليكولوجية‪ ،‬واإلعاانت الزراعية املوجهة للنساء‪ ،‬وبرامج التوظيف اليت تستهدف‬
‫النساء املعدمات يف القطاعات اخلضراء مثل الزراعة العضوية‪ ،‬وبرامج تضمن مناصب شغل ترتدها النساء‪.‬‬
‫‪-4‬تنظيم بيئة االقتصاد الكلي للحفاظ على الطبيعة‪ ،‬والرتكيز على التغذية كهدف أساسي‪.‬‬
‫متكني االقتصاد الكلي يساعد على جتسيد األركان السابقة؛ وابلتايل ضرورة إعادة النظر يف التحيزات التقليدية لسياسة االقتصاد‬
‫الكلي‪ ،‬مثل اليت أشار هلا كل من "‪ (İpek İlkkaracan, 2016, p. 14)"Çağatay and Elson‬واملتمثلة فيالتحيز‬
‫حل مشكلة التضخم والسيطرة عليها بدال لتوجه حنو خلق فرص العمل‪ .‬إىل‬ ‫االنكماشي يف النسيج االقتصادي؛ الناتج على الرتكيز يف ِ‬
‫جانب االحنياز اجملحف للعنصر الذكوري‪ ،‬على حساب املرأة وهضم العديد من حقوقها‪.‬‬
‫إن االقتصاد البنفسجي؛ ‪(İlkkaracan, Purple Economy A Strategy for Women’s Equal‬‬
‫قائما على‬
‫اقتصاداي ً‬
‫ً‬ ‫منوذجا‬
‫)‪ Economic Participation towards Sustainable Cities, 2018, p. 03‬يقدم ً‬
‫ثالثة أعمدة؛ تتيح احل رد من أعمال الرعاية غَّي املدفوعة األجر للمرأة‪ ،‬وابلتايل تكافؤ الفرص يف مشاركتها يف جمال السوق على أساس‬
‫الشروط واحلوافز املتساوية للرجال والنساء‪ ،‬ومتكني األسر من نشاط وظيفي متوازن‪ ،‬تشجيع إجياد فرص عمل الئقة ابعتبارها اهلدف‬
‫الرئيسي لسياسات منو االقتصاد الكلي‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫المجلد ‪ ،12‬العدد ‪)2023 (2‬‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

‫‪-5‬من االقتصاد األخضر إىل االقتصاد البنفسجي‪ ،‬جماالت للتقاطع‪.‬‬

‫ميكننا حصر جماالت التقاطع بينهما يف اجلدول التايل‪(İpek İlkkaracan, 2016, p. 04):‬‬

‫االقتصاد البنفسجي‬ ‫االقتصاد األخضر‬


‫يدعو حلساب قيمة أعمال الرعاية غَّي املدفوعة األجر " ‪"the‬‬ ‫يرى أن إعادة التنظيم االقتصادي حتتاج إىل حساب قيمة‬
‫‪" Value of Unpaid Care Work‬‬ ‫الطبيعة "‪"the Value of Nature‬‬
‫حيتاج إىل إعادة تنظيم لإلنتاج واالستهالك ضمن نظام عادل‬ ‫حيتاج إىل إعادة تنظيم لعمليات اإلنتاج واالستهالك بوتَّية تُوائم‬
‫ومستدام لتجسيد الرفاه‬ ‫الطاقات ال ُـمتَ َج ِد َدة للموارد الطبيعية‬
‫يوسع مفهوم الرفاه للتأكيد أيضا على الدور الذي تلعبه الرعاية‬ ‫يعرتف أبن رفاه اإلنسان يتم من خالل النظم اإليكولوجية‬
‫اجليدة ونوعيتها "‪"Quality Care‬‬ ‫الصحية‬
‫يدعو إىل ضرورة رعاية العمل واعتباره عنصر ال غىن عنه يف‬ ‫الرفاهية تعتمد بشدرة على املوارد الطبيعية لألرض‪ ،‬وابلتايل جيب‬
‫رفاهية اإلنسان‬ ‫على النظام االقتصادي احرتام سالمة النظم اإليكولوجية‬
‫يتم استيعاب تكاليف األعمال التضامنية والغَّي املدفوعة األجر‬ ‫إعادة هيكلة النظام االقتصادي يقوم على استيعاب التكاليف‬
‫يضا‬
‫"‪ "Caring Labor‬حمليًا أ ً‬ ‫البيئية حمليا‬
‫القضاء على عدم املساواة بني اجلنس‪ ،‬الطبقة‪ ،‬واالنتماء االثين‬ ‫يروم القضاء على أوجه عدم املساواة بني األجيال‬
‫إعادة ترتيب األولوايت بوضع رعاية االنسان يف مركز االهتمام‬ ‫ترتيب األولوايت؛ الطبيعة املتغَّي املستقل واالهتمام هبا ورعايتها‬
‫اقرتح اجاابت لألزمة االقتصادية والبطالة عْب الوظائف‬ ‫يف سياق األزمة االقتصادية العاملية‪ ،‬قدرم حلوالً ملشكل البطالة‬
‫البنفسجية‬ ‫عْب الوظائف اخلضراء‬
‫خالصة القول‪ ،‬أن كلتا الرؤيتني تؤكدان على أن منو الناتج احمللي اإلمجايل؛ ال ميكن وال ينبغي أن يكون املقياس الوحيد أو األولوية‬
‫يف األداء االقتصادي‪ ،‬بل اهلدف هو حتقيق منو املستدام والعادل‬

‫‪129‬‬
‫المجلد ‪ ،12‬العدد ‪)2023 (2‬‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

‫اخلامتة‬
‫على الرغم من قطع العديد من الدول أشواطَا متقدمة يف انتهاج سياسات جتسيد االقتصاد األخضر؛ إالر أن‬
‫جل املقارابت الراهنة؛ كفيلة‬
‫االكراهات املتباينة املصادر‪ ،‬ما زالت تتصدر املشهد االقتصادي على املستوى العاملي‪ .‬ومل تعد ُّ‬
‫بتقدمي حلول وقراءات عقالنية‪ ،‬دفعت بضرورة التفكَّي يف رؤى معرفية جديدة؛ على غرار املطالبة بضرورة االنتقال حنو‬
‫االقتصاد البنفسجي يف ِظ ِل جمتمع دويل معومل‪ ،‬واضافاهتا أمهية البعد الثقايف وخطورته يف نفس الوقت‪.‬‬
‫إن االكراهات البيئية؛ استدعت ضرورة تظافر اجلهود بني الفواعل املختلفة لبناء اسرتاتيجية شاملة‪ ،‬أتخذ بعني‬
‫االعتبار األبعاد الثقافية‪ ،‬ومسامهة هذه الفواعل يف إثراء التنوع الثقايف‪ .‬كما أن رواد االقتصاد البنفسجي؛ دافعوا على الثقافة‬
‫ورأوا أهنا مل تعد ترفًا علميًا‪ ،‬بل وجب النظر إليها كسلعة ميكن االستثمار فيها؛ يف إطار حقل اقتصاد الثقافة‪ .‬وعليه؛ فإن‬
‫النتائج اليت ميكننا استخالصها من وراء هذه الدراسة‪ ،‬ميكن حصرها يف احملطرات التالية‪:‬‬
‫يطبع هذا النظام البصمة الثقافية؛ وجيعل من البعد الثقايف قيمةً مضافةً‪ ،‬تستدعي توظيفها كآلية لإلبداع وخلق الثروة‪،‬‬ ‫▪‬
‫فهي رهان حقيقي للتنمية املستدامة‪.‬‬
‫أن التفاعل بني الثقافة واالقتصاد؛ هو جوهر هذا النموذج االقتصادي املميرز بلونه البنفسجي‪ ،‬واملرتكز على التثاقف‬ ‫▪‬
‫العمودي واألفقي يف غاايت إنتاج السلع واخلدمات‪ ،‬واسرتاتيجيات تصديرها‪.‬‬
‫مصدرا لإلهلام اإلجيايب‪.‬‬
‫ً‬ ‫اعرتافه ابملبادرات ذات األبعاد الثقافية للمؤسسات واجلماعات احمللية وتشجيعها‪ ،‬كوهنا‬ ‫▪‬
‫يروم التأسيس لنظام اقتصادي حيرتم احلدود االيكولوجية‪ ،‬ألن استدامة املوارد الطبيعية تفرض تنظيم استهالكها وفق‬ ‫▪‬
‫القدرات البيئية‪ ،‬والعمل على توفَّي الوظائف البنفسجية لتجسيد االستدامة البيئية‪.‬‬
‫رركز على جدوى االستثمار يف قطاع الرعاية االجتماعية‪ .‬وأثبتت الدراسات أن االنفاق على البنية التحتية للرعاية‬ ‫▪‬
‫االجتماعية؛ يساوي ضعف القدرة على توليد العمالة عْب االنفاق املماثل على البنية التحتية املادية‪ ،‬مبا فيها البنية التحتية‬
‫اخلضراء‪.‬‬
‫يعتْب هذا النموذج وسيلة لتخفيف ِحدرة الفقر‪ ،‬وخلق فرص عمل جديدة مرتبطة ابالقتصاد البنفسجي‪ ،‬مع توفَّي إطار‬ ‫▪‬
‫اقتصادي مستدام؛ يروم القضاء على الالمساواة بني اجلنس والطبقة والعرق‪ ،‬وفق مقارابت الرؤية النسوية‪.‬‬
‫مكمل لالقتصاد األخضر؛ وأيمل أن يكون وسيلة أخرى لتسهيل هذا التحول النموذجي‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫إنه نظامٌ‬ ‫▪‬

‫االحاالت واملراجع‬
‫‪(n.d.).‬‬
‫‪Borg, J. v. (2005). The Impacts of Culture on the Economic Development of Cities. (E.‬‬
‫‪U. European Institute for Comparative Urban Research, Ed.) Rotterdam, Holand.‬‬
‫‪Retrieved june 05, 2019‬‬
‫‪Economía púrpura. (2018, juilet 31). Retrieved Aout 08, 2019, from Wikipedia:‬‬
‫‪https://es.wikipedia.org/wiki/Economía_púrpura‬‬
‫‪İlkkaracan, İ. (2016, March 16). the Purple Economy Complimenting the Green: Towards‬‬
‫‪Sustainable Economies, Caring Societies. Gender and Macroeconomics: Current‬‬
‫‪State of Research and Future Directions, p. 02. Retrieved‬‬

‫‪131‬‬
‫لعيا‬،‫عزوز‬ ... ‫واقع تطبيق متطلبات إدارة المعرفة لدى أساتذة الجامعة‬

https://cssh.northeastern.edu/economics/event/the-purple-economy/
Ilkkaracan, I. (2018). Four Things to Know about the Purple Economy.Istanbul: Istanbul
Technical University. Récupéré sur P.P.1-2. https://www.iwraw-ap.org/wp-
content/uploads/2018/10/Four-Things-to-Know-about-the-Purple-
Economy.pdf
İlkkaracan, İ. (2018, March). Purple Economy A Strategy for Women’s Equal Economic
Participation towards Sustainable Cities. In İ. T. Faculty of Management (Ed.). (p.
01). İstanbul: Faculty of Management, İstanbul Technical University.
İpek İlkkaracan. (2016, March 09). the Purple Economy Complimenting the Green:
Towards Sustainable Economies, Caring Societies. Gender and Macroeconomics:
Current State of Research and Future Directions, p. 02. Retrieved from
https://cssh.northeastern.edu/economics/event/the-purple-economy/
Jacinthe, G. (2012). L’économie mauve : Économie, Développement durable et diversité
culturelle.Rapport N:12, L’Université de l’administration publique , Québec,
Canada.
Kendall, L. (2011). Putting Families First: Universal Care from Cradle to Grave.London,
Great Britain: Bite back publishing Ltd.
(2013). L’économie mauve : Un objectif, une opportunité. PARIS: Premier groupe de
travail interinstitutionnel sur l’économie mauve. 16 juin 2019
L'économie mauve, une nouvelle alliance entre culture et économie. (n.d.). Le Monde.
Récupérédu https://www.lemonde.fr/idees/article/2011/05/19/l-economie-
mauve-une-nouvelle-alliance-entre-culture-et economie_1524674_3232.html
L'économie mauve, une nouvelle alliance entre culture et économie. (2015). Le Monde.
Récupéré du https://www.lemonde.fr/idees/article/2011/05/19/l-economie-
mauve-une-nouvelle-alliance-entre-culture-et economie_1524674_3232.html
Pigeolet, F. (2016). Economie mauve. Consulté le 15 juillet2019, sur
https://www.francoisepigeolet.be/fiscalite-economie-commerce/economie-
emploi/economie-mauve/
Purple Economy. (Octuber 19, 2016). Retrieved july 10, 2019, from
https://cssh.northeastern.edu/economics/event/the-purple-economy/
Purple Economy. (2016, Octuber 19). nternational Affairs Program, Department of
Economics, College of Social Sciences and humanities, North Eastern University,
Massachusetts, USA. Retrieved june 20, 2019, from
https://cssh.northeastern.edu/economics/event/the-purple-economy/
Reeves, R. (2011). Securing Social Justice: Savings and Pensions for All. In J. W. Stephen
Twigg, The Purple Book A Progressive Future for Labour (p. 145). London:
Biteback Publishing Ltd.
132
)2023 (2 ‫ العدد‬،12 ‫المجلد‬ ‫مجلـة التنـظـيم والعمـل‬

(2013). The Purple Economy: an Objective, an Opportunity. First inter-institutional


working group on the purple economy, Paris. Retrieved july 16, 2019, from
http://www.diversum.net/fichiers/File/The%20purple%20economy,%20an%20objective,%20an%
20opportunity.pdf

133

You might also like