You are on page 1of 430

‫ﺔ اﻹدارة اﻟﻘ‬

‫ﻀﺎ‬

‫ﺠﻠ‬
‫ﺋﻴﺔ‬

‫ﻣ‬
‫‪REVU‬‬

‫‪E‬‬
‫‪IAIR‬‬
‫‪ED‬‬
‫‪'AD‬‬

‫‪DIC‬‬
‫‪MINI‬‬ ‫‪JU‬‬
‫‪STRTION‬‬

‫ﻣﺠﻠﺔ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻣﺤﻜّﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺎت‬


‫اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ واﻟﻔﻘﻬﻴﺔ واﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻹدارة اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ‬

‫اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﻤﺴﺆول‪:‬‬
‫اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﺠﻴﻼﻟﻲ ﻣﻜﻮط‬

‫رﺋﻴﺲ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‪:‬‬


‫اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻌﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﺎن ﺑﻨﺨﻀﺮة‬

‫ﻣﺠﻠﺔ ﻧﺼﻒ ﺳﻨﻮﻳﺔ ﺗﺼﺪر ﻣﺠﺎﻧﺎ ﻛﻞ ‪ 6‬أﺷﻬﺮ‬

‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺜﺎﱐ ‪ -‬ﺩﺟﻨﱪ ‪2023‬‬

‫ردﻣﺪ ‪ISSN.......7661-2820 ..... :‬‬


‫اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻻﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ‪www.readjud.com :‬‬
‫اﻟﺒﺮﻳﺪ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ‪revnaadju@gmail.com :‬‬
‫ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﺴﻨﺔ ‪2023‬‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫هيئ ـ ـة التح ـ ـريـ ـر‬


‫‪ -‬الدكتور املهدي سالم‬ ‫‪ -‬الدكتور سعبد عبد الرحمان بنخضرة‬
‫‪ -‬الدكتور هشام الخصاص ي‬ ‫‪ -‬الدكتور جواد الهروس؛‬
‫‪ -‬الدكتورة لطيفة نجيبي‬ ‫‪ -‬الدكتور ياسين هريدي؛‬
‫‪ -‬الدكتور عبد هللا ايت الطالب‬ ‫‪ -‬الدكتور الجياللي مكوط‬
‫‪ -‬الدكتور خليل مرزوق‬ ‫‪ -‬الدكتور عبد الرحيم الكندباري‬
‫‪ -‬األستاذ عبد الواحد علومي‬ ‫‪ -‬األستاذ الخاميس الفاضلي‬
‫‪ -‬األستاذ عبد العالي امسيس‬ ‫‪ -‬األستاذ عمر املوريف‬
‫‪ -‬األستاذ عزيز ندا علي‬ ‫‪ -‬األستاذ عمر بوشاوير‬
‫‪ -‬األستاذ محمد الزكراوي‬ ‫‪ -‬األستاذ عبد العالي أشرنان‬

‫اللجنة العلمية‬
‫‪ -‬الدكتور محمد منير ثابت؛‬ ‫‪ -‬الدكتور عز الدين بنستي؛‬
‫‪ -‬الدكتور محمد األزهر؛‬ ‫‪ -‬الدكتور محمد جوهر؛‬
‫‪ -‬الدكتورة حليمة املغاري؛‬ ‫‪ -‬الدكتورة صباح بنقدور‬
‫‪ -‬الدكتور عبد الرحمان سعيد بنخضرة؛ ‪ -‬الدكتور عبد املولى املسعيد؛‬
‫‪ -‬الدكتور مصطفى الغشام الشعيبي؛‬ ‫‪ -‬الدكتور أبو بكر مهم؛‬
‫‪ -‬الدكتور محمد جرموني؛‬ ‫‪ -‬الدكتور الطاكي روشام؛‬
‫‪ -‬الدكتور هشام الخصاص ي‬ ‫‪ -‬الدكتور جواد الهروس؛‬
‫‪ -‬الدكتور عبد هللا شبوبة؛‬ ‫‪ -‬الدكتور محمد زنون؛‬
‫‪ -‬األستاذ عمر املوريف؛‬ ‫‪ -‬األستاذ محمد حبيب؛‬
‫الصفحة ‪1 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫شروط النشربمجلـ ـ ـة‬


‫اإلدارة القضائي ـ ـ ـة‬

‫‪ --1‬أن يكون البحث املطلوب نشره مرتبطا بمجال ومحاور املجلة؛‬


‫‪ - 2‬أن يتسم املوضوع بالجدة واألصالة والعمق في النقاش‪ ،‬والجديد في املعرفة القانونية‪،‬‬
‫والقضائية واإلجرائية‪ ،‬ومحرر بأسلوب قانوني سليم؛‬
‫‪ – 3‬أن يساهم الباحث قبل عرض بحثه على اللجنة العلمية في تنقيح كافة األخطاء النحوية‬
‫واملنهجية التي تشوبه ؛‬
‫‪ – 4‬أن يحترم البحث املنهج األكاديمي في التحليل والوضح في بسط األفكار؛‬
‫‪ – 5‬أن يحترم البحث األمانة العلمية ويعتمد التهميش كآلية إلحالة األفكار واالتجاهات على‬
‫أصحابها؛‬
‫‪ – 6‬يتحمل كاتب كل مساهمة علمية أو بحث معمق منشور باملجلة املسؤولية الكاملة عن كل ما‬
‫يشوبه من سرقات أدبية ومغالطات علمية مع حفظ حق اإلجهزة املشرفة على املجلة في املتابعة‬
‫القانونية؛‬
‫‪ – 7-‬كل اآلراء واملواقف الواردة باملقاالت واملساهمات العلمية املنشورة باملجلة ال تعبر إال عن رأي‬
‫كاتبها وال تعكس بأي حال من األحوال رأي املجلة؛‬
‫‪ – 8‬تتبنى املجلة مبدأ الحياد املطلق تجاه كل التوجهات النقابية أو الجمعوية املهنية بقطاع العدل‪،‬‬
‫وتعتمد في قبول املساهمات من طرف اللجنة العلمية على قيمتها العلمية وإضافتها النوعية بعيدا‬
‫عن كل توجه سياس ي أو نقابي أو جمعوي؛‬
‫‪- – 9‬ترسل البحوث املراد نشرها بصيغة الوورد ‪ word‬لبريد السلسلة اإللكتروني‪:‬‬
‫‪Revnaadju.gmail.com‬‬
‫‪ – 10‬إرسال البحوث ال يعني بالضرورة قبول نشرها إال بعد عرضها على اللجنة العلمية موافقتها‬
‫مدير املجلـ ــة‬ ‫على ذلك؛‬
‫الدكتور الجياللي مكوط‬

‫الصفحة ‪2 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫كلمة الع ــدد الثان ـ ـ ــي‬

‫الحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد عليه أزكى الصالة والسالم‪.‬‬

‫بعد النجاح الذي حققه العدد األول من مجلة اإلدارة القضائية‪ ،‬ها هو العدد الثاني منها‬
‫يأتي استكماال للنهج الذي سطره القائمون عليها‪ ،‬إغناء للمكتبة القانونية املغربية وسدا للفراغ‬
‫الذي تعرفه الساحة في املجالت املتخصصة التي تعنى بتدبير املحاكم‪ ،‬سواء اتخذ هذا التدبير شكله‬
‫فيما هو قضائي أو فيما هو إداري ومالي‪ ،‬وقد تميز هذا العدد الثاني بطابعه الدسم من الناحية‬
‫العلمية واملتنوع من الناحية املعرفية‪ ،‬وهو ما جعل جميع محاوره تكتس ي طابع األهمية‪ ،‬وتلبي رغبة‬
‫الباحثين واملهتمين بمجال اإلدارة القضائية بصفة خاصة والبحث القانوني بصفة عامة‪.‬‬

‫وملا كانت زكاة العلم ال تقوم إال بتعليمه ونشره‪ ،‬حيث جاء عن أبي هريرة رض ي هللا عنه أن‬
‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم قال ‪ ":‬مثل الذي يتعلم العلم ثم ال يحدث به ‪ ،‬كمثل الذي يكنز‬
‫الكنز فال ينفق منه "‪ ،‬فإن طاقم مجلة اإلدارة القضائية قد نحى من جانبه إلى توفير املعلومة‬
‫القانونية والقضائية سواء في شقها العام‪ ،‬أو في جانبها املرتبط باإلدارة القضائية بأقل التكاليف‬
‫حيث اتخذ من مبدأ مجانية املجلة السبيل األقرب واألقل كلفة في الوصول إلى القراء الكرام‪ ،‬خاصة‬
‫منهم فئة الطلبة والباحثين الذين تعوزهم اإلمكانيات وتحول التكلفة املادية للمجلة دون وصولهم إلى‬
‫املبتغى‪ ،‬لذلك نسأل املولى عز وجل أن يجعلها صدقة جارية تحسب لكل من ساهم في إعدادها‬
‫وأعدادها من قريب أو بعيد‪ ،‬وينير بها درب املجتهدين في بلوغ املراتب العليا من العلم واملعرفة‪.‬‬
‫ونتمنى أن يحظى هذا العدد باهتمام وفائق قبول مختلف الباحثين األكاديميين واملهنيين‬
‫واألطر القضائية واإلدارية والتقنية املنتمية لإلدارة القضائية‪ ،‬وأن يجدوا فيه ظالتهم‪ ،‬وأن يشتد به‬
‫عود مجلة اإلدارة القضائية ويجعلها في مستوى تطلعات منتسبيها‪ ،‬إنه هو الهادي إلى ذلك والقادر‬
‫عليه‪.‬‬
‫مدير املجلـ ــة‬

‫الدكتور الجياللي مكوط‬

‫الصفحة ‪3 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫محاور الع ــدد الثان ـ ـ ــي‬


‫‪ -‬كلمة العدد الثاني ‪3 .........................................................................................................................‬‬
‫‪ -‬محاورالعدد الثاني ‪4 ........................................................................................................................‬‬
‫‪ -‬املحور األول ‪ :‬املقاالت القانونية واالقتصادية واالجتماعية ‪6 ............................... :‬‬
‫‪ ‬االلتزام بضمان سالمة املستهلك بين القواعد العامة للمسؤولية املدنية والقانون ‪ 08.31‬القاض ي‬
‫بتحديد تدابيرلحماية املستهلك ‪ .............................‬الدكتورخليل مرزوق ‪7 ................................................................‬‬

‫‪36‬‬ ‫‪‬منهجية االستشارة القانونية ‪ ..........................‬الدكتورالجياللي مكوط ‪.........................................................‬‬

‫‪‬تفاوت الضمانات الحمائية للمرأة بينمدونة الشغل وقانون الوظيفة العمومية ‪ -‬مقال دراسة مقارنة‬
‫‪ ...................................................‬الدكتورة خديجة أبوالقاسم‪51................................................................................‬‬
‫‪‬إشكالية عبارة ترتيب اآلثارالقانونية في منطوق األحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام‬
‫‪ .....................................................‬األستاذ محمد الزكراوي ‪74 ...............................................................................‬‬
‫‪‬الحساب الجاري للشركاء ‪ ..........‬األستاذ البشير العباس ي ‪83 .........................................................................‬‬

‫‪ -‬املحور الثاني ‪ :‬مقاالت اإلدارة القضائية‪109 ..................................................................... :‬‬


‫‪ ‬اإلشعارللغيرالحائزبين امتيازالخزينة وضمانات امللزم‪ ........................‬األستاذ عبد الواحد علومي‪110 .......................‬‬
‫‪ ‬املدرسة الوطنية لكتابة الضبط في املغرب بين الضرورة والتأجيل ‪-‬دراسة مقارنة ‪ ....‬األستاذ عبد العلي اشرنان ‪145 .....‬‬
‫‪ ‬السياسة الجنائية وسؤال االنتقال من الفهم التقليدي إلى محاولة التأصيل العلمي ‪..‬الدكتورعبد هللا آيت الطالب‪165 ....‬‬
‫‪‬اختصاصات وتنظيم املصالح الالممركزة لوزارة العدل‪ ،‬املنطلقات و آفاق التنزيل ‪.....‬الدكتورالجياللي مكوط ‪182 ...........‬‬
‫‪‬بيئة العمل التنظيمية لهيئة كتابة الضبط ‪ ......................‬األستاذ أحمد طبيبي ‪198 .................................................‬‬

‫‪ -‬املحور الثالث ‪ :‬نافذة على الجامعة ‪210 ...................................................................................................... :‬‬


‫‪ ‬التوثيق والذكاء االصطناعي ‪ ...........................................‬األستاذ منيرصالح‪211 .....................................................‬‬

‫‪‬اإلجهاض بين التجريم واملشروعية – قراءة على ضوء التحكيم امللكي ومسودة مشروع القانون الجنائي ‪-‬‬
‫‪230‬‬ ‫‪ .......................................................................................‬الدكتور عصام منصور‪.................................................‬‬
‫‪‬االقتصاد التضامني باملغرب بين املؤسسات التقليدية والتجارب الدولية ‪ :‬تكامل أم تصادم‬
‫‪293‬‬ ‫‪ ........................................... ...........................................‬الدكتورجامع سموك ‪..................................................‬‬
‫‪311‬‬ ‫‪‬القانون والتحوالت التكنولوجية أية عالقة ؟ ‪ ............. Law and technology‬األستاذ أحمد فندو ‪................‬‬
‫‪321‬‬ ‫‪‬رقابة القاض ي الضريبي على إجراءات تحصيل الدين الضريبي‪ ....‬األستاذة نورة جبران واألستاذ ح ـمــزة ل ـقــوز ‪.............‬‬

‫الصفحة ‪4 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪344‬‬ ‫املحور الرابع ‪ :‬فسحة أدبية وشعرية ‪..................................................................................... .......... :‬‬

‫‪ِ ‬سـن ــة ‪ ................................................‬األستاذ عمراملوريف‪345 ....................................................................‬‬


‫‪ ‬خريـ ــف ‪ ........................................ 2005‬األستاذ نبيل بوكريم‪348 ........................................................... ........‬‬

‫‪ -‬املحور الخامس ‪ :‬اجتهادات قضائية ومستجدات قانونية وتنظيمية‪349 ................‬‬

‫‪ -‬املادة الجنائيـ ــة ‪:‬‬


‫‪ ‬التعليق على قرارمحكمة النقض ‪ :‬قيام جريمة الخيانة الزوجية بناء على االعتراف بتبادل القبل‪- :‬تجاذبات م‬
‫تقاطعة في ثنايا قرارمحكمة النقض‪ ........................... -‬األستاذ عبد الحق الحطاب‪350 ..............................................‬‬
‫‪ ‬تقادم العقوبة الجنحية بمرورأربع سنوات من تاريخ اكتساب الحكم أو القرارلقوة األمراملقض ي به يسقط‬
‫تنفيذ العقوبة ‪361 .................................................................................................................................. ...................‬‬
‫‪ ‬جنحة الفرارفي حادثة السيريعاقب عليها بالعقوبة األصلية والعقوبة اإلضافية (سحب رخصة السياقة)‪363 ................:‬‬
‫‪ :‬العقوبات الحبسية النافذة هي التي تخضع لرد االعتبارالقضائي أما العقوبات املوقوفة التنفيذ‬
‫فتخضع لرد االعتباربقوة القانون ‪364............................................................................................................. ...............‬‬

‫املادة الشرعية ‪:‬‬


‫‪ ‬التدليس في عقد الزواج يوجب الفسخ – صفة عزوبة املخطوبة – ‪365 .......................................................................‬‬
‫‪ ‬الخدمة املنزلية ال تعتبرعمال من أعمال الكد والسعاية وال تدخل في تنمية أموال األسرة خالل الزواج ‪367........................‬‬
‫‪ ‬الرجوع لبيت الزوجية يجب أن يكون فعليا وعن حسن نية ومغادرة الزوجة لبيت الزوجية بعد فترة وجيزة من تنفيذها‬
‫لحكم يوجب ايقاف نفقتها واعتبارها ناشزا‪368................................................................................................................ ..‬‬
‫‪ ‬عدم التنصيص صراحة في مدونة األسرة على التوكيل في الطالق ال يعني استبعاده مطلقا‪ ،‬بل هو جائزبشروط‬
‫مذهب اإلمام مالك الذي أحلت عليه املادة ‪ 400‬من مدونة األسرة ‪370 ................................................................................‬‬
‫‪ ‬املصلحة الفضلى للطفل تعتبرمبررموضوعي لطلب التعدد ‪372 ..................................................................................‬‬

‫املستجدات القانونية ‪( :‬النصف الثاني من سنة ‪)2023‬‬


‫‪ ‬القانون الجديد رقم ‪ 37.22‬املنظم للمعهد العالي للقضاء ‪374 ................................................................................‬‬
‫‪ ‬القانون رقم ‪ 44.22‬املعدل للقانون رقم ‪ 45.00‬املتعلق بالخبراء القضائيين ‪386 .............. .........................................‬‬
‫املستجدات التنظيمية ‪( :‬النصف الثاني من سنة ‪)2023‬‬
‫‪ ‬املرسوم رقم ‪ 2.23.565‬الصادرفي ‪ 2‬غشت ‪ 2023‬املتعلق بسن تدابيرمتفرقة تتعلق بالوضعية النظامية للقضاة‪389........‬‬
‫‪ ‬دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.24‬بتاريخ ‪ 22‬سبتمبر‪2023‬حول التنظيم‬
‫الهيكلي لهذا األخير ‪392 ...............................................................................................................................................‬‬

‫الصفحة ‪5 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.25‬بتاريخ ‪ 25‬سبتمبر‪2023‬حول‬
‫تنزيل مقتضيات القانون رقم ‪ 44.22‬املغيرواملتمم للقانون ‪ 45.00‬املتعلق بالخبراء القضائيين ‪396 ........................................‬‬
‫‪ ‬دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.26‬بتاريخ ‪ 09‬أكتوبر‪ 2023‬املتعلقة بصرف‬
‫التعويضات املخولة للقضاة املكلفين بمهام اإلشراف على التدبيروالتسييراإلداري للمحاكم‪399 ............................................‬‬
‫‪ ‬دورية السيد وزيرالعدل عدد ‪ 15‬س ‪ 1/4‬بتاريخ ‪ 26‬سبتمبر‪ 2023‬موجهة للسادة رؤساء كتابة الضبط تتعلق بتصحيح‬
‫العقود املبرمة بين املتعاقدين والتي يكون موضوعها أمالك الجماعات الساللية ‪418 ...........................................................‬‬
‫‪ ‬منشورالسيد وزيرالعدل عدد ‪ 16‬س ‪ 1/4‬بتاريخ ‪ 06‬أكتوبر‪ 2023‬يتعلق بتأمين استمرارية الخدمات وحسن‬
‫التواصل مع املرتفق ‪419............................................................................................................................................. ....‬‬
‫‪‬دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.35‬بتاريخ ‪ 14‬دجنبر ‪ 2023‬حول عقد الجمعيات‬
‫العامة للمحاكم ‪421 ......................................................................................................................................................‬‬
‫‪ -‬خاتمة العدد الثاني ‪424 ................................................................................................................................................‬‬

‫الصفحة ‪6 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املح ـ ــوراألول ‪:‬‬


‫املقاالت القانونيـ ــة واالقتصادي ـ ـ ــة‬
‫واالجتماعي ـ ـ ـةـ‬

‫الصفحة ‪6 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫االلتزام بضمان سالمة المستهلك بين القواعد العامة‬


‫للمسؤولية المدنية والقانون ‪ 08.31‬القاضي بتحديد تدابير‬
‫لحماية المستهلك‬
‫الدكتور خليل مرزوق‬
‫أستاذ القانون الخاص بجامعة ابن زهر أكادير‬
‫كلية الحقوق أيت ملول‬

‫‪ -‬مقدمة ‪:‬‬
‫اكتسب موضوع حماية املستهلك أهمية قصوى على مدار سنوات عديدة‪ ،‬عرفت صراعا‬
‫بين سلطة التشريع داخل الدولة املغربية وجهات جعلت أولويتها محاولة رسم اإلطار الوقائي‬
‫لشريحة املواطنين املقبلين على استهالك ما يروجه كل من املنتج واملوزع داخل السوق االستهالكي ‪.‬‬
‫وقد كان نتيجة لهذا الصراع أن صدرت بشأن موضوعه العديد من التقنيات املتفرقة كان‬
‫أهمها القانون ( ‪ )28.07‬املتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية‪ 1‬والقانون (‪ )83.13‬املتعلق‬
‫بالزجر عن الغش في البضائع‪ 2‬ثم املرسوم رقم ‪ 2.99.89‬املتعلق بمراقبة منتجات اللحوم‬
‫املستحضرة ثم القانون ‪ 31.08‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك‪ 3‬الذي استبشر بصدوره‬
‫املجتمع املغربي في فبراير ‪ 2011‬بعد مخاض طويل ‪.‬‬

‫‪ -1‬ظهير شريف رقم ‪ 1.10.08‬صادر في ‪ 26‬من صفر ‪ 11( 1431‬فبراير ‪ )2010‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 28.07‬المتعلق بالسالمة‬
‫الصحية للمنتجات الغذائية منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5822‬بتاريخ فاتح ربيع اآلخر ‪ 18( 1431‬مارس ‪)2010‬؛ ص ‪.1101‬‬
‫‪ - 2‬ظهير شريف رقم ‪ 1.83.108‬صادر في ‪ 9‬محرم ‪ 5( 1405‬أكتوبر ‪ )1984‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 13.83‬المتعلق بالزجر عن‬
‫الغش في البضائع منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 3777‬بتاريخ ‪ 1985/03/20‬الصفحة ‪395‬‬
‫‪ - 3‬ظهير شريف رقم ‪ 1.11.03‬صادر في ‪ 14‬من ربيع األول ‪ 18(1432‬فبراير ‪ )2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 31.08‬القاضي‬
‫بتحديد تدابير لحماية المستهلك منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5932‬بتاريخ ‪ 3‬جمادى األولى ‪ 7( 1432‬أبريل ‪ ،)2011‬ص‬
‫‪. 1072‬‬

‫الصفحة ‪7 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫هذه القوانين في مجملها استهدف من خاللها املشرع املغربي حماية فئة املستهلكين‪ ،‬وضمان‬
‫ٌ‬
‫ضمان الشك يعتبر من أهم االلتزامات امللقاة على عاتق الفاعلين االقتصاديين من منتجين‬ ‫سالمتهم‪،‬‬
‫وموزعين‪.‬‬
‫إال أنه التزام يعتريه نظرا لخصوصيته بعض اللبس والغموض تحديدا فيما يتعلق بطبيعته‬
‫وكذا أساسه القانوني وآثاره‪ ،‬وهو لبس سنعمل على محاولة إزالته من خالل تناول هذا املوضوع من‬
‫زاويتين‪:‬‬
‫أوالهما تهدف إلى بيان ماهية االلتزام بضمان سالمة املستهلك وتطبيقاته‪ ،‬وثانيهما معالجة‬
‫الضوابط القانونية الخاصة املنظمة لاللتزام بضمان سالمة املستهلك طاملا أن أساسه القانوني غير‬
‫ثابت بنص صريح في أي من القوانين السالفة الذكر‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬األحكام العامة املنظمة لاللتزام‬


‫بضمان سالمة املستهلك‬

‫باعتبار أهمية إبراز ماهية وتطبيقات االلتزام بسالمة املستهلك‪ ،‬فإننا من خالل التفصيل في‬
‫أحكام هذا االلتزام سنحاول قدر اإلمكان أن نعالج كال هذين الجانبين من خالل تناول املاهية في‬
‫مطلب أول‪ ،‬على أن نخصص املطلب الثاني لتطبيقات هذا االلتزام‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬ماهية االلتزام بضمان سالمة املستهلك‬

‫الفقرة األولى‪ :‬املفهوم والطبيعة القانونية‬

‫‪ -‬أوال ‪ :‬املفهوم ‪:‬‬


‫يقال لغة ‪ :‬ضمن الش يء أي التزم التزاما يتحمل نتائجه مجملها أو في الحدود التي يشملها‬
‫هذا الضمان‪ ،‬في حين أن مصطلح "السالمة" يرمي في اللغة إلى الداللة على عدم تعرض الش يء ملا‬
‫يغير من خصائصه إلى درجة أدنى تحط من قيمته بعد أن كان ذا قيمة‪ ،‬وفي ارتباط هذا املصطلح‬

‫الصفحة ‪8 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫باإلنسان فهو يدل على عدم تعرض هذا األخير ملا يؤديه في شخصه أو ماله أو أي ش يء آخر ُينسب‬
‫إليه‪.‬‬
‫ومنه فإن االلتزام بضمان سالمة املستهلك هو التزام مفاده عدم تعريض هذا األخير‬
‫(املستهلك) لخطر ناتج عن عملية استهالكه ملادة أو منتوج معين صادر من امللزم بضمان السالمة‪،‬‬
‫هذا االلتزام الذي نجد له تطبيقات جلية في العديد من التصرفات التي تؤطرها العالقة الثنائية‬
‫(مستهلك ‪ -‬مورد أو منتج)‪ ،‬خصوصا بالنظر إلى بعض العقود التي نذكر منها عقد البيع‪ ،‬عقد نقل‬
‫األشخاص‪ ،‬عقد الكراء‪...‬‬
‫غير أن ما تجدر اإلشارة إليه هو أن االلتزام بضمان سالمة املستهلك ال ينحصر الحديث‬
‫عنه فقط في مرحلة دخول املستهلك مع املنتج في العالقة التعاقدية باستهالك املنتوج‪ ،‬بل هو التزام‬
‫سابق عن هذه املرحلة كونه يرافق املادة املنتجة من بداية إعدادها بفرض ضوابط السالمة على‬
‫املنتج في تحضيرها إلى فترة استهالكها مرورا بمرحلة التسويق عبر مختلف درجاته من املنتج إلى املوزع‬
‫بالجملة إلى املوزع بالتقسيط إلى املستهلك الذي يستهدف املشرع حمايته وضمان سالمته‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه محاولة الستقراء مفهوم االلتزام بضمان سالمة املستهلك فإن تحديد‬
‫طبيعة هذا االلتزام تكتس ي أهمية قصوى بالنظر إلى املسؤولية التي يمكن الحديث عنها عند اإلخالل‬
‫بهذا االلتزام ‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬الطبيعة القانونية لاللتزام بضمان سالمة املستهلك ‪:‬‬


‫اختلف املهتمون بتحديد طبيعة االلتزام بضمان السالمة إلى وجتهي نظر‪ ،‬إحداهما ُّ‬
‫تصر‬
‫على اعتبار هذا االلتزام التزاما ببدل عناية أو التزاما بوسيلة‪ ،‬في حين يرى بعض الفقه أن هذا‬
‫االلتزام ‪ ،‬التزام بتحقيق نتيجة‪.‬‬
‫‪ - 1‬االتجاه القائل بأن االلتزام بضمان السالمة التزام بوسيلة ‪:‬‬
‫تأسيسا على أحد قرارات محكمة النقض الفرنسية الذي جاء فيه أن البائع املحترف ال‬
‫يلتزم فيما يتعلق بسالمة املشتري من األضرار التي قد يلحقها به الش يء املبيع بتحقيق نتيجة‪ ،‬فإن‬
‫االلتزام بضمان السالمة هنا التزام ببذل عناية وهو الرأي الذي توجه إلى التأكيد عليه بعض الفقه‬
‫وبذلك يتعين للقول بمسؤولية املنتج أن يعمل الشخص املتضرر على إثبات أن وقوع الضرر الذي‬
‫أصابه كان بسبب املنتوج محل العقد باإلضافة إلى وجوب إقامته الدليل على تحقق خطأ البائع‬
‫الصفحة ‪9 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املنتج لهذا الخطأ املتمثل في عدم قيامه بما يلزمه به واجب بذل العناية‪ ،‬من اتخاذ االحتياطات‬
‫الالزمة لتالفي الخطورة أو العيب الذي اعترى السلعة أو قيام املتضرر بإثبات عدم قيام املنتج‬
‫بإحاطته بطبيعة األضرار التي ال محالة قد يتعرض لها املستهلك حالة استعماله للسلعة أو املنتوج‬
‫حالة ما إذا كان هذا األخير بالضرورة ذا تأثيرات جانبية بعد االستعمال‪ ،‬أو إثباته في نفس اإلطار‬
‫عدم قيام املنتج بتوجيهه للطريقة اآلمنة التي يتوجب عليه من خاللها استعمال املنتوج والتي‬
‫بمخالفتها يحدث الضرر‪.‬‬
‫وقد تعرض هذا االتجاه لنقد شديد من طرف بعض الفقه ‪ 1‬الذي أطر املسألة من زاوية‬
‫التزام البائع املحترف بتحقيق نتيجة الحترافيته تلك التي تلزمه بتحمل نتائج نشاطه‪.‬‬
‫‪ - 2‬االتجاه القائل بأن االلتزام بضمان السالمة التزام بتحقيق نتيجة ‪:‬‬
‫يرى أنصار هذا الرأي أن االلتزام بضمان سالمة املستهلك التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬ومن تم‬
‫فمتى أصيب املستهلك بضرر أثناء استهالكه للش يء محل التعاقد يكون املنتج قد أخل بالتزامه‬
‫العقدي ما يرتب مسؤوليته ويلزمه بالتعويض وال يمكنه بذلك دفع مسؤوليته إال بإثبات السبب‬
‫األجنبي الذي ال يد له فيه ‪.‬‬
‫وقد أكد القضاء املغربي غير ما مرة على موقفه من طبيعة االلتزام بضمان سالمة املستهلك‬
‫باعتباره التزاما بتحقيق نتيجة وليس مجرد التزام ببدل عناية‪ ،‬حيث جاء في أحد القرارات الصادرة‬
‫عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 28‬فبراير ‪ 1985‬أن املحكمة وهي تطبق مقتضيات الفصل ‪ 106‬من‬
‫مدونة التجارة لم تكن ملزمة بذكر األخطاء املرتكبة من طرف الناقل ذلك أن مسؤولية هذا األخير‬
‫مفترضة ‪.2‬‬
‫وفي نفس اإلطار ذهب قرار آخر ملحكمة النقض‪ 3‬إلى التأكيد على طبيعة هذا االلتزام التي‬
‫توجب على من يقع عليه‪ ،‬واجب احترامه وتحقيق النتيجة الكامنة وراءه وهي عدم تضرر املستهلك‪،‬‬
‫وتأكيدا لنفس القاعدة‪ ،‬قضت محكمة االستئناف بالرباط أن الناقل ملزم باتخاذ كل االحتياطات‬

‫‪ - 1‬جابر محجوب علي‪ ،‬ضمان سالمة المستهلك من أضرار المنتجات الصناعية‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪ - 2‬وفاء الصالحي‪ ،‬االلتزام بضمان السالمة وحماية المستهلك‪ ،‬مجلة المحاكم المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،114‬ص ‪.50‬‬
‫‪ - 3‬قرار صادر بتاريخ ‪ 28‬فبراير ‪ ،1985‬منشور بمجلة رابطة القضاء عدد ‪ 17‬مارس ‪ .1986‬أحالت عليه األستاذة وفاء‬
‫الصالحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬هامش ص ‪.50‬‬

‫الصفحة ‪10 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الضرورية لضمان سالمة ركابه وال يمكن أن يعفى من املسؤولية إال إذا أثبت وجود حادث فجائي أو‬
‫قوة قاهرة ‪.1‬‬
‫‪ - 3‬الطبيعة الخاصة لاللتزام بضمان سالمة املستهلك ‪:‬‬
‫نشير في هذا الصدد إلى أن بعض الفقه يمثله خصوصا األستاذ الفقيه عبد الرزاق‬
‫السنهوري يرى أن هذا النوع من االلتزامات هو ذو طبيعة خاصة أو مختلطة إن صح التعبير‪ ،‬فهو‬
‫تارة يكتس ي طابع االلتزام بتحقيق نتيجة وتارة أخرى التزاما ببدل عناية‪.‬‬
‫كما أن هذه الطبيعة تختلف باختالف نوع العقد الذي يجمع بين املستهلك واملنتج أو‬
‫البائع‪ ،‬فااللتزام بضمان السالمة في بعض العقود هو التزام ببدل عناية كالتزام الطبيب في عالج‬
‫املريض‪ ،‬وفي عقود أخرى كعقد النقل فهو التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬على الرغم من تأكيد البعض‬
‫ودفاعهم على أن االلتزام بضمان السالمة في عقد النقل ال يكون دائما التزاما بتحقيق نتيجة وإنما‬
‫قد يكون أحيانا التزاما ببدل عناية‪.‬‬
‫غير أنه ورغم كل االتجاهات املتباينة في مسألة طبيعة االلتزام‪ ،‬فإنه يبقى التزاما بتحقيق‬
‫نتيجة وقد أسست لهذه الطبيعة مجموعة من القرارات الصادرة عن املحاكم املغربية واألجنبية‪،‬‬
‫منها قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية في ‪ 7‬مارس ‪ 1989‬جاء فيه‪ :‬أن عقد نقل التالميذ‬
‫يقتض ي من الناقل إيصالهم ساملين إلى وجهتهم‪.‬‬
‫وكذا قرار صادر عن محكمة االستئناف بالرباط الذي ألزم الناقل باتخاذ كل االحتياطات‬
‫الضرورية لضمان سالمة ركابه بحيث ال يمكن أن يعفى من املسؤولية إال إذا أثبت وجود حادث‬
‫فجائي أو قوة قاهرة ‪.2‬‬

‫‪ - - 1‬قرار صادر بتاريخ ‪ 23‬أكتوبر ‪ 1984‬منشور بالمجلة المغربية للقانون المقارن‪ ،‬العدد ‪ ،1986 ،4‬ص ‪ .227‬ذكره‬
‫البكاي المزوز‪ ،‬االلتزام بضمان السالمة في مجال نقل األشخاص‪ ،‬المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪ 7‬يونيو‬
‫‪ ،2006‬ص ‪ .10‬وأشارت إليه األستاذة وفاء الصالحي‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.49‬‬

‫‪ - 2‬قرار بتاريخ ‪ 23 / 10 /1984‬منشور بالمجلة المغربية للقانون المقارن عدد ‪ 4‬سنة ‪ 1986‬صفحة ‪227‬‬

‫الصفحة ‪11 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط االلتزام بضمان السالمة ونطاقه الزمني‬

‫‪ -‬أوال ‪ :‬شروط االلتزام بضمان السالمة ‪:‬‬


‫ال يمكن الحديث عن االلتزام بضمان سالمة املستهلك إال بتوفر شروط جاء الحديث عنها‬
‫أساسا في بعض األنشطة التي يكون فيها املستهلك معرضا للضرر في جسده‪ ،1‬كعقد النقل الذي‬
‫يجمع ما بين الزبون والناقل‪ ،‬ونوجز هذه الشروط في ثالثة كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يوجد خطريهدد أحد طرفي العقد في جسده ‪:‬‬
‫من البديهي أنه ال يمكن الحديث عن الضمان في الش يء حالة عدم توفره على ما يهدد‬
‫الشخص بالخطر أو الضرر‪ ،‬مثال ذلك أن تتضمن بعض املنتوجات مواد قابلة إللحاق الضرر‬
‫باملستهلك وعدم اتخاذ املنتج ما يلزم من احتياطات لتوجيه املستعمل إلى الطريقة السليمة‬
‫لالستعمال‪ ،‬أو استهتار املنهي بخصوصيات العقد عندما ينصب على الشخص في جسده‪ ،‬كتهور‬
‫السائق أثناء التوجه إلى مدينة معينة وعدم التزامه بضوابط السالمة التي يضمنها للمسافرين‪،‬‬
‫وبذلك فعندما ال يكون هنالك خطر يهدد املستهلك وتعاقده مع املنهي فإنه ال يمكن الحديث عن‬
‫االلتزام بضمان السالمة‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك ال يمكن لهذا املنهي أن يدفع مسؤوليته عن تحقق‬
‫الضرر في بعض املجاالت واألنشطة االستهالكية خصوصا منها عقد النقل الذي يرتب بالضرورة على‬
‫عاتق الناقل االلتزام بضمان وصول الركاب ساملين إلى وجهة الرحلة دون إمكانية الحديث عن توفر‬
‫عناصر تهدد بالخطر أو انتفاء وجودها‪ ،‬ذلك أن هذا االلتزام في نهاية األمر التزام بتحقيق نتيجة‪.‬‬
‫‪ -2‬تسليم أحد الطرفين نفسه لآلخر ‪:‬‬
‫يری جانب من الفقه أنه إلى جانب توفر الشرط السابق من الضروري تسليم أحد الطرفين‬
‫نفسه لآلخر وبذلك يفقد املستهلك حقه في ممارسة خيارات تحقق السالمة له‪ ،‬مع انتقال هذا الحق‬
‫إلى املنهي‪.‬‬
‫وإذا كان من املمكن تصور وجود هذا الشرط وتحققه في بعض العقود كعقد النقل أو عقد‬
‫التطبيب‪ ،‬فإنه يصعب تصور تحققه في عقود أخرى شهدت تطبيقات في العمل القضائي لاللتزام‬
‫بضمان السالمة فيها من جملتها (عقد البيع‪ ،‬الكراء‪.2 )...‬‬

‫‪ - 1‬ذكرته األستاذة وفاء الصالحي‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.48‬‬


‫‪ - 2‬وفاء الصالحي‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫الصفحة ‪12 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫غير أنه ال يمكن االنتظار إلى حيث تحقق واقعة تسليم الشخص نفسه لآلخر بشكل مباشر‬
‫كحالة الذهاب إلى الطبيب ألجل عمل جراحة تجميلية بل أن هذا التسليم يكون في حاالت أخرى‬
‫ضمنيا‪ ،‬فثقة املستهلك في منتوج غذائي معين وتناوله له فيه تعبير عن تسليم هذا املستهلك نفسه‬
‫روحا وجسدا للمنتج أو البائع وبالتالي فااللتزام بضمان السالمة مفهوم واسع يشمل وقاية املستهلك‬
‫من الضرر أو الخطر مهما كان تنوع العالقة التي تجمع الطرفين‪ ،‬املهم هنا أن يكون موضوعها‬
‫استهالك منتوج‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون املدين بااللتزام بضمان السالمة محترفا‪:‬‬
‫اشتراط بعض الفقه ضرورة توفر صفة االحتراف والخبرة والتخصص كعامل فعال في‬
‫األخذ بمسؤولية املنهي في إخالله بالتزامه بضمان السالمة‪ ،‬بحيث يستوجب عليه أن يعرف جميع‬
‫العيوب التي تشملها األشياء موضوع التعاقد كما يجب عليه العمل على درئها بجميع الوسائل‬
‫املتاحة‪.‬‬
‫وفي نظرنا املتواضع‪ ،‬فإن اشتراط صفة االحتراف في املنهي فيها نوع من التضييق من ضمان‬
‫سالمة املستهلك‪ ،‬ذلك أنه كلما أثبت املنهي احترافيته وأنه اتخذ كل ما يلزم لضمان عدم حدوث‬
‫الضرر نكون أمام رجحان إعفاءه من املسؤولية عن الضرر الناتج للمستهلك وهو ما يتماش ى مع‬
‫االتجاه الذي يعتبر طبيعة هذا االلتزام التزاما ببذل عناية‪.‬‬
‫كما أنه إذا أثبت أنه غير محترف فإنه يخلي مسؤوليته كذلك عن الخطر أو الضرر الذي‬
‫لحق الطرف الثاني‪ ،‬لذلك فإنه من األسلم إخضاع كل عالقة تجمع بين املستهلك واملنهي لهذا االلتزام‬
‫الذي يهدف إلى حماية املستهلك واحترام املنتج أو البائع لضوابط السالمة الواجب احترامها‪ ،‬فإذا‬
‫كان من املمكن القول بوجود منهي محترف في الغالب وفي حاالت نادرة وجود منهي غير محترف‪ ،‬فإن‬
‫الغالب في صف املستهلكين عدم احترافيتهم وحاجتهم إلى التوجيه والتنوير بل أكثر من ذلك ضمان‬
‫سالمتهم‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬النطاق الزمني لاللتزام بضمان سالمة املستهلك ‪:‬‬
‫يمتد النطاق الزمني لهذا االلتزام بصفة عامة من فترة تصنيع املنتوج إلى وضعه بين يدي‬
‫املستهلك املعني بهذا الضمان‪ ،‬ومعنى هذا أن التزام املنتج في فترة تصنيع املنتوج باحترام ضوابط‬

‫الصفحة ‪13 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫السالمة من مراعاته لنسب املقادير املستعملة من املواد األولية املستعملة في تصنيعه ونوعيتها هو‬
‫بداية لاللتزام بضمان السالمة‪ ،‬ألن في احترام هذه الضوابط ضمان مسبق لسالمة من سيقدم على‬
‫استهالك املنتوج بعد خروجه إلى السوق‪.‬‬
‫ويجد هذا التوجه أساسه في املادة ‪ 5‬من القانون رقم ‪ )1( 28.07‬املتعلق بالسالمة الصحية‬
‫للمنتجات الغذائية‪ ،‬التي تنص على ما يلي‪" :‬لكي ال يشكل أي منتوج أولي أو منتوج غذائي أو أية مادة‬
‫معدة لتغذية الحيوانات خطرا على حياة أو صحة اإلنسان والحيوان يجب أن يتم إنتاجها ومناولتها‬
‫ومعالجتها وتحويلها وتلفيفها وتوضيبها ونقلها وخزنها وتوزيعها وعرضها للبيع أو تصديرها وفق شروط‬
‫الصحة والسالمة التي من شأنها الحفاظ على جودتها وضمان سالمتها الصحية‪ "...‬هذا فيما يتعلق‬
‫بإنتاج مادة ملموسة قابلة لالستهالك‪.‬‬
‫أما بخصوص بعض الخدمات التي غالبا ما يكون املستهلك في شخصه معرضا للخطر‬
‫باستهالكها دون الحصول على مادة أو منتج ملموس‪ ،‬فإن نطاق االلتزام بضمان سالمة املستهلك ال‬
‫يبتدئ إال لحظة تطبيق الطرفين للعقد ونأخذ في هذا اإلطار عقد نقل األشخاص نموذجا ‪.2‬‬
‫وهناك مجموعة من العوامل تشترك في تحديد النطاق الزمني لاللتزام بضمان سالمة‬
‫املسافرين منها مدة سريان العقد (عقد النقل)‪ ،‬وعملية صعود وهبوط املسافر من وإلى وسيلة‬
‫النقل‪ ،‬ومن حيث املكان بحاالت تواجده داخل محطة النقل من عدمه‪ ،‬كل هذه العوامل ذات‬
‫أهمية في تحديد نطاق االلتزام بضمان السالمة غير أنه سنتطرق إلى عاملين أولهما‪ :‬وجود الراكب‬
‫داخل الناقلة‪ ،‬وثانيهما تواجده داخل محطة النقل‪.‬‬
‫‪ -1‬وجود الراكب داخل وسيلة النقل ‪:‬‬
‫وجود الراكب داخل الحافلة مثال يجعله أكثر عرضة لخطر الحوادث‪ ،‬وبذلك فالتزام‬
‫الناقل بضمان سالمة الراكب داخل الحافلة ال يقبل الجدل‪ ،‬حيث أن التزام الناقل ال يعد التزاما‬
‫بنتيجة وصول الراكب ساملا معافى إلى وجهته‪ ،‬أي ضمان سالمته ال يعد خیارا تشريعيا بقدر ما هو‬
‫اجتهاد قضائي ‪.3‬‬

‫‪ - 1‬ظهير شريف رقم ‪ 1-10-08‬صادر في ‪ 26‬صفر ‪ 11( 1431‬فبراير ‪ )2010‬بتنفيذ القانون ‪ 28-07‬المتعلق بالسالمة‬
‫الصحية للمنتوجات الغذائية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5822‬الصادرة بتاريخ فاتح ربيع اآلخر ‪ 18( 1431‬مارس ‪ )2010‬ص‬
‫‪.1001‬‬
‫‪ - 2‬البكاي المعزوز‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 3‬قرار لمحكمة النقض الفرنسية‪ ،‬صادر بتاريخ ‪1911/11/21‬‬

‫الصفحة ‪14 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫غير أنه يثار سؤال بشأن استمرار االلتزام على عاتق الناقل في حالة نزول الراكب من‬
‫الحافلة قبل الوصول إلى الوجهة املقصودة؟‬
‫في هذا الشأن يرى بعض الفقه ‪ 1‬أن التزام الناقل بضمان السالمة يتوقف بنزول الراكب‬
‫من الناقلة حتى ولو كان نزوال مؤقتا لقضاء أغراضه الشخصية ثم العودة إلى الناقلة‪ ،‬غير أنه إذا‬
‫كان النزول بناء على أمر من الناقل أو عماله لسبب مثل حدوث خلل بأحد أجهزة املحرك‪ ،‬فإن‬
‫االلتزام بضمان سالمة الراكب يبقى ساري املفعول وهذا ينسجم مع نص املادة ‪ 485‬من مدونة‬
‫التجارة التي جاءت بعبارة "خالل النقل" التي تشمل تواجد الراكب داخل أو خارج الحافلة خالل‬
‫املدة التي يستغرقها نقل الراكب دون إغفال بطبيعة الحال تحمل الراكب املسؤولية عن الخطر‬
‫الذي قد يهدده إذا غادر الحافلة دون أمر الناقل‪ ،‬ذلك أن التزام الناقل يقابله التزام الراكب بالسهر‬
‫على سالمة الشخص بتجنبه الحوادث واألخطار التي تهدده وعدم إهماله وسائل الوقاية والحذر‬
‫التي من شأنها أن تضمن سالمته إلى جانب ما يلتزم به الناقل من تحقيق لهذا الضمان‪.‬‬
‫‪ -2‬تواجد الراكب داخل محطة النقل ‪:‬‬
‫إذا قلنا بان االلتزام بضمان سالمة املستهلك يرتبط بالتنفيذ املادي لعملية النقل فذلك‬
‫يعني أن االلتزام بضمان حماية السالمة يشمل فقط فترة تواجد الراكب داخل وسيلة النقل وعملية‬
‫الصعود والهبوط دون أن يشمل حتى مرحلة تواجد املسافر داخل املحطة‪.‬‬
‫وقد اختلف االجتهاد القضائي ‪ -‬خصوصا في فرنسا ‪ -‬بين األخذ بمسؤولية الناقل عند تواجد‬
‫الراكب داخل املحطة‪ ،‬وعدم األخذ بهذه املسؤولية‪ ،‬ففي البداية أعطى القضاء الفرنس ي مفهوما‬
‫واسعا لضمان السالمة بحيث شمل مرحلة ما قبل ركوب الناقلة أي فترة التواجد داخل املحطة‬
‫وتطبيقا لذلك قض ى بمسؤولية الناقل أثناء انزالق الراكب على رصيف محطة املترو‪.2‬‬
‫ولقد تراجع القضاء الفرنس ي عن هذا التوجه انطالقا من حكم ملحكمة النقض بتاريخ‬
‫يوليوز ‪ 1969‬في نازلة مشابهة للنازلة السابقة‪ ،‬حيث حسمت املحكمة في األمر بنفيها التزام الناقل‬
‫بضمان السالمة الن املصاب لم يستقل القطار بعد وألن التزام الناقل بضمان السالمة ال يقع على‬
‫عاتقه إال وقت تنفيذه عقد النقل‪.‬‬
‫‪ - 1‬البكاي المعزوز‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪2 - paris 7 Mao 1943 . Gazette des palais 31 octobre 1943‬‬
‫ذكره المعزوز البكای‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪15‬‬

‫الصفحة ‪15 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫أما القضاء املغربي فبدوره انقسم إلى اتجاهين أولهما يمثله قرار بتاريخ ‪)1( 1978/01/18‬‬
‫قض ى بأن مسؤولية الناقل تظل قائمة ما دام الراكب متصال بالناقلة‪ ،‬فإذا انقطع عنها بسبب من‬
‫األسباب فإن مسؤولية الناقل العقدية تنقطع لتبدأ مسؤوليته التقصيرية‪ .‬أما االتجاه الثاني فيمثله‬
‫قرار املجلس األعلى جاء فيه أن مسؤولية الناقل في إطار الفصل ‪ 106‬من القانون التجاري القديم‬
‫تبتدئ من وقت دخول املسافر املحطة ‪.2‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬وكما يرى بعض الفقه ‪3‬فإن االلتزام بضمان السالمة للمسافر وإن كان‬
‫التزاما بتحقيق نتيجة فهو التزام ال يمكن أن يكون دائما مطلقا نظرا ملا للراكب من حرية في الحركة‬
‫والتنقل داخل الناقلة‪ ،‬هذه الحرية قد يكون لها دور كبير في وقوع الحادث‪ ،‬وبالتالي التزام الناقل‬
‫بضمان سالمة املستهلك رهين بالتزام الراكب باتخاذ الحيطة والحذر الذي يزيد من قيمة سالمته‬
‫كمستهلك‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬تطبيقات االلتزام بضمان سالمة املستهلك‬

‫تعتبر النقطة املتعلق بنطاق تطبيق االلتزام بضمان السالمة للمستهلك‪ ،‬من أهم النقط‬
‫التي كانت محل خالف فقهي وقضائي ‪-‬كما تمت اإلشارة إلى ذلك في املطلب األول‪ -‬مع عدم وجود نص‬
‫صريح ضمن قانون ‪ 08.31‬يحدد ويرسم مجاالت تطبيق هذا االلتزام ‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة إلى أن االلتزام بضمان السالمة ظهر ألول مرة سنة ‪ 1911‬في مجال ضمان‬
‫سالمة األشخاص‪ ،4‬تماشيا مع الرأي السائد آنذاك والذي كان يعتبر أن االلتزام بضمان السالمة‬
‫ال يكون له وجود إال في العقود التي يسلم فيها أحد األطراف شخصه أو جسمه للطرف اآلخر‪.‬‬

‫غير أن هذا التوجه حسمت فيه محكمة النقض الفرنسية في مجموعة من القرارات‬
‫الصادرة عنها كما سيأتي الحقا إذ أنها لم تكتف باملفهوم الضيق لتسليم أحد األطراف للطرف اآلخر‬

‫‪ - 1‬قرار بتاريخ ‪ 1978-01-18‬منشور بمجلة القضاء والقانون العدد ‪ 29‬السنة ‪ 18‬يوليوز ‪ ،1979‬ص ‪.63‬‬
‫‪ - 2‬قرار بتاريخ ‪ 1985/02/28‬منشور بمجلة رابطة القضاة العددان ‪ 16‬و ‪ 17‬مارس ‪ ،1986‬ص ‪.74‬‬
‫‪ - 3‬البكاي المعزوز‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ - 4‬المسؤولية المدنية للناقل باعتباره مسؤوال عن كل األخطار التي قد تلحق الراكب انطالقا من شراء التذكرة أو الركوب في‬
‫السيارة إلى حين مغادرة المحطة‪.‬‬

‫الصفحة ‪16 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫شخصه أو جسده‪ ،‬وإنما أخذته بمفهومه الواسع الذي يسري على جميع العقود التي من شأنها أن‬
‫تلحق أضرارا باملستهلكين‪.‬‬
‫لدى سوف نتناول االلتزام بضمان السالمة في كل من عقد البيع كأهم العقود التي يقدم‬
‫عليها املستهلكين لتلبية حاجياتهم الضرورية في مجال السلع واملنتوجات‪ ،‬باإلضافة إلى عقد نقل‬
‫األشخاص الذي يعد التطبيق البارز بالنسبة للخدمات التي يتزود بها‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االلتزام بضمان السالمة في عقد البيع‬

‫يرتكز التعامل التجاري على الصدق في التعامل بين التجار‪ ،‬بحيث أنه ال يخفی على أحد أن‬
‫خطر الغش التجاري يؤثر على سالمة املستهلك الشخصية وذمته املالية‪ ،‬بل يتجاوز ذلك‪ ،‬ليكون‬
‫مفسدة لذمم املتعاملين داخل السوق ‪.1‬‬
‫لذلك‪ ،‬نجد املشرع املغربي نظم عقود بيع السلع واملنتوجات املبرمة بين املستهلك واملورد‪،‬‬
‫ضمن القسم الخامس من القانون ‪ 31-08‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك‪ .‬وخص عقد‬
‫البيع بالضمان القانوني لعيوب الش يء املبيع والضمان التعاقدي والخدمة بعد البيع من املادة ‪65‬‬
‫إلى املادة ‪ 73‬من القانون املذكور‪.‬‬
‫إال أن املشرع املغربي اكتفى في املادة ‪ 65‬من القانون رقم ‪ 31-08‬باإلحالة على الفصول ‪459‬‬
‫إلى ‪ 575‬من ظهير االلتزامات والعقود‪ ،‬واملنظمة لنظرية ضمان عيوب الش يء املبيع‪ ،‬مع بعض‬
‫الخصوصيات التي جاء بها املشرع حماية للمستهلك‪ ،‬فهذا دليل قاطع على أن القانون ‪ 31-08‬لم‬
‫يستثن عقد البيع من نطاق االلتزام بضمان السالمة‪.‬‬
‫فمناط االلتزام بضمان السالمة يرتبط بصفة الخطر في البيع‪ ،‬كأن يكون املبيع غير صالح‬
‫لالستعمال فيما أعد له وفقا لطبيعته‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 452‬من ق‪.‬ل‪.‬ع (‪ ،)2‬بحيث‬
‫اشترط فيها املشرع مجموعة من الشروط ليتم االعتداد بالعيب ويخضع بالتالي للضمان‪ ،‬الذي‬
‫يوجب أن يكون العيب مؤثرا ومحسوسا لو علم به املتعاقد ملا أقدم على التعاقد‪ ،‬ويجب أن يكون‬

‫‪ - 1‬سعيدة ابلق‪ :‬مقال تحت عنوان‪ :‬بيع السيارات المستعملة اية حماية للمستهلك المغربي منشور بمجلة ص ‪.112 :‬‬
‫‪ - 2‬ينص الفصل ‪ 549‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪" :‬يضمن البائع عيوب الشيء التي تنقص من قيمته نقصا محسوسا‪ ،‬أو التي تجعله غير صالح‬
‫الستعماله فيما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى العقد‪."...‬‬

‫الصفحة ‪17 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫العيب سابقا على عملية البيع طبقا ملقتضيات الفصل ‪ 552‬ق‪.‬ل‪.‬ع (‪ ،)1‬وتبقى ضرورة رفع الدعوى‬
‫داخل اآلجال املحددة في املادة ‪ 65‬من قانون ‪. 31.08‬‬
‫واملالحظ أن املنتجات والسلع محل البيع لم تكن في السابق تشكل خطرا واضحا بالنسبة‬
‫للمستهلكين فيما يمكن أن يترتب عن استعمالها أو حيازتها من أضرار‪ ،‬لكنه ومع تطور املجتمع على‬
‫املستوى االقتصادي واملستوى التكنولوجي‪ ،‬ظهرت منتجات وسلع جديدة قد يترتب عن استعمالها‬
‫أو حيازتها بدون اتخاذ الحيطة والحذر‪ ،‬أضرار وخيمة تلحق املستهلك إما في ماله أو جسده‪.2‬‬
‫األمر الذي فرض بطبيعة الحال توسيع مسؤولية البائع عن العيوب الخفية املوجودة‬
‫باملبيع كلما شكل خطرا على املستهلك‪ ،‬وفي نفس االتجاه ذهبت محكمة النقض الفرنسية في إحدى‬
‫قراراتها إلى تحميل بائع الدراجة املسؤولية لعدم إفضائه بكيفية تركيب جهاز التوجيه بالدراجة‬
‫مرتكزة على نظرية العيوب الخفية ‪.3‬‬
‫ولكن السؤال املطروح هو ‪ :‬هل يرتبط االلتزام بضمان السالمة بوجود عيب في الش يء‬
‫املبيع؟ أم أنه التزام قائم بذاته يمكن االعتماد عليه دون وجود عيب في املبيع؟ أي أنه يرتبط بوجود‬
‫خطر في السلعة أو املنتوج في حد ذاته؟‪.‬‬
‫نرى بأن هذا التساؤل يجد تبريره في أن القانون رقم ‪ ،31-08‬أقر من خالل مادته ‪ 65‬بأن‬
‫عقود بيع السلع واملنتوجات تطبق عليها األحكام املتعلقة بالضمان القانوني لعيوب الش يء املبيع‬
‫املنظمة بالفصول ‪ 549‬إلى ‪ 575‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬هذه األخيرة التي ترتكز على ضرورة وجود عيب في الش يء‬
‫محل عقد البيع‪.‬‬
‫وفي هذا االتجاه قضت محكمة االستئناف ملونبولييه "بعدم جواز نظر الدعوى ألنها قدمت‬
‫خارج األجل وأيدتها في ذلك محكمة النقض‪ ،‬إال أنها عابت على هذا القرار‪ ،‬ما تأسس عليه‪ ،‬ذلك أن‬
‫مطالبة املدعي بالتعويض لم يكن على أساس وجود عيب في املبيع وإنما تأسيسا على عدم وفاء‬
‫الشركة بااللتزام بضمان السالمة في الوقت الذي لم يستطع املدعي إثبات أنه كان هو والغير‬
‫وأموالهما محال ألي ضرر‪.4‬‬

‫‪ - 1‬ينص الفصل ‪ 552‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على ما يلي‪" :‬ال يضمن البائع العيوب التي كانت موجودة عند البيع‪ ،‬إذا كان المبيع شيئا‬
‫معينا بذاته‪ ،‬أو عند التسليم إذا كان الشيء مثليا بيع بالوزن أو القياس أو على أساس الوصف"‪.‬‬
‫‪ - 2‬بوعبيد عباسي‪ ،‬م ش‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪3 -Cass, civ, juin 1954, J.C 1954-2-8238, OB9, Beckie.‬‬
‫‪4 -Cass. 1er civ, 16 octobre, No 1580, FDN, sansome et autre C/ste.‬‬

‫الصفحة ‪18 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وقضت نفس املحكمة بأن " املسؤولية عن انفجار جهاز تلفاز بعد شرائه بمرور ‪ 8‬سنوات‬
‫ليس له محل‪ ،‬ألن العيب املوجب أو الخلل املوجب للضمان‪ ،‬يجعل الش يء غير صالح لالستعمال‬
‫أصال"‪.‬‬
‫فإذا كان من الثابت أن البائع يلتزم بضمان سالمة املشتري املستهلك فيما يخص استعمال‬
‫الش يء وحيازته‪ ،‬فإن السؤال املطروح هو‪ :‬ما هي طبيعة هذا االلتزام ؟ هل هو التزام بتحقيق نتيجة‬
‫أم أنه مجرد التزام بوسيلة؟‬
‫من وجهة نظرنا املتواضعة يجب التمييز بين الضرر الناتج عن عيب في الش يء لم يصرح به‬
‫البائع‪ ،‬وبين الضرر الناتج عن خطورة الش يء‪ ،‬ونرى بأن التزام البائع في عقد البيع في االلتزام بضمان‬
‫السالمة‪ -‬هو التزام ذو طبيعة خاصة يختلف حسب محل العقد‪ -‬ففي عقد البيع يقوم البائع‬
‫بتحذير املشتري املستهلك ونصحه ويمكن املشتري من االنتفاع بالش يء بكل أمن وأمان واطمئنان‪،‬‬
‫ويعلمه بكل األخطار التي يمكن أن تترتب عن استعمال أو حيازة الش يء املبيع‪ ،‬ويجب أن يكون هذا‬
‫التحذير كافيا وواضحا ومفهوما بالشكل الذي يمكن املشتري من الوقوف على مخاطر املبيع‪.‬‬
‫ولقد قضت محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها بأن "البائع ملزم اتجاه املشتري‬
‫بضمان سالمته من األضرار التي قد تنشأ عن الش يء املبيع‪ ،‬وأن هذا االلتزام هو التزام ببذل عناية‬
‫وليس التزام بتحقيق نتيجة"‪ . 1‬وهو قرار منتقد‪ ،‬ذلك أن البائع املحترف يلتزم دائما بتحقيق النتيجة‬
‫املرجوة من العقد‪.‬‬
‫وفي مجال بيع مواد التجميل قضت محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها بتاريخ ‪22‬‬
‫يناير ‪ 1991‬بتحميل املنتج أو بائع املنتجات املخصصة للعناية بالجسم البشري التزاما بضمان‬
‫السالمة على إثر إصابات خطيرة لحقت بشرة سيدة على إثر استعمالها ملستحضرات التجميل‪. 2‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬أن عقد البيع يعتبر املجال الخصب لتطبيق االلتزام بضمان السالمة‪،‬‬
‫نظرا لكثرة تداول هذا النوع من العقود خصوصا في املجال االستهالكي‪ ،‬بحيث يستوجب األمر على‬
‫البائع املنهي املحترف أن يقوم بإعالم وتحذير املشتري املستهلك بكل ما من شأنه أن يؤثر على‬
‫جسمه‪ K‬وخصوصا في البيوعات الخطرة كاملواد السامة أو املواد الصيدلية واآلالت الحديثة التي‬
‫‪1 - cass. civ 16 mai 1984 gas pal son/ p 320.‬‬
‫‪ -‬أوردته وفاء الصالحي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪2 - cass, 1er ch-civ, 22 janvier, Bull civ, I, No 30.‬‬

‫الصفحة ‪19 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تشكل خطرا حقيقيا على حياة اإلنسان املستهلك لها عامة‪ ،‬وعلى شخص املستهلك الذي يحوزها‬
‫خاصة‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬هل يمكن أن يشمل عقد بيع السيارات املستعملة محال لاللتزام بضمان السالمة؟‬
‫كما هو معلوم فااللتزام بضمان السالمة يجد تطبيقه عندما يوجد في املبيع عيب يؤدي إلى‬
‫عدم إمكانية استعمال الش يء فيما أعد له أو أن يترتب عن هذا العيب ضرر للمستهلك املشتري أو‬
‫إذا كان املبيع يشكل خطرا‪ ،‬وهكذا فقد اعتبرت املحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ‪":‬كون الش يء‬
‫باليا ومستعمال ال يعد عيبا فيه‪ ،‬وبالتالي فال مجال لتطبيق مقتضيات الفصل ‪ 549‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫بشأنه"‪. 1‬‬
‫ونرى أن املحكمة لم تحدد في حكمها العيب املقصود هل هو العيب الظاهر الذي يرتضيه‬
‫املشتري عند إبرام العقد أم العيب الخفي الذي يفاجئ به عند استعمال الش يء‪ ،‬وإن كان هذا الطرح‬
‫األخير فيه إجحاف وتضييق على سالمة املستهلك‪.‬‬
‫وعلى خالف التوجه السابق‪ ،‬ذهب القضاء الفرنس ي إلى اعتبار أن الكسر والتلحيم‬
‫والحوادث بمثابة عيوب موجبة للضمان متى أخفاها البائع عن املشتري عند إبرام العقد‪ ، 2‬وهو‬
‫توجه يضمن حماية أقوى للمستهلك الذي يعتبر الطرف الضعيف في مثل هذه العالقة‪ ،‬بحيث يكون‬
‫غير عالم بتفاصيل األجهزة امليكانيكية للسيارة وال يتوفر على أية خبرة تمكنه من فحصها قبل‬
‫اإلقدام على إبرام العقد‪ ،‬لذلك فهو يستند إلى ما يقدمه له البائع من معلومات ونصائح الهدف منها‬
‫إقامة املساواة في املعارف بين البائع واملشتري‪.3‬‬

‫‪ - - 1‬حكم ادر بتاريخ ‪ 10‬ماي ‪ ،1939‬منشور بمجلة المحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪ 829‬سنة ‪ ،1939‬ص ‪.204‬‬
‫‪2 - cour de poiteir, le 8 mars 1933, encyclopédie, Dalloz, 1933, p 582.‬‬
‫‪ - 3‬لكن هل المشرع كان متوقعا عندما ترك في الجانب المتعلق بالضمان االتفاقي المبادرة للمورد لكي يقترح على المشتري‬
‫شروط ضمان أفضل له‪ ،‬فإن كان األمر بهذا التسامح والصدق في المعاملة‪ ،‬فما هو الدافع إلى سن مقتضيات قانونية تحمي‬
‫المشتري المستهلك من كل الممارسات التعسفية التي من شأنها أن تؤثر على مصالح المستهلك تحت ضغط الحاجة والجهل ببعض‬
‫المعلومات‪ ،‬نرى أنه يجب على المشرع أن يترك الفرصة للمستهلك كذلك ليقترح على المورد بعض الشروط التي تحقق له‬
‫الضمان الكافي من السلعة أو الخدمة مادام العقد شريعة المتعاقدين‪.‬‬

‫الصفحة ‪20 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االلتزام بضمان السالمة في عقد نقل األشخاص‬

‫يعتبر التزام املدين بضمان السالمة في عقد نقل األشخاص‪ ،‬التزاما بتحقيق نتيجة عند‬
‫أغلب الفقه‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للقضاء الفرنس ي خصوصا‪ ،‬بحيث قضت محكمة النقض‬
‫الفرنسية بأن الناقل يلتزم إلى جانب توصيل الراكب أو املسافرين إلى جهة الوصول في امليعاد الذي‬
‫حدده في جداوله‪ ،‬التزاما بضمان السالمة أثناء السفر وتوصيله ساملا إلى نقطة الوصول ‪.1‬‬
‫ويترتب على اعتبار أن التزام الناقل التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬يرتب عند اإلخالل به مسؤوليته‬
‫العقدية التي تقوم على خطأ مفترض في جانب الناقل ال يجوز له دفعه إال إذا أثبت أن الضرر ناتج‬
‫عن السبب األجنبي وال دخل له فيه‪ ،‬إما القوة القاهرة أو الحدث الفجائي أو خطأ املضرور‪.‬‬
‫وهو التوجه الذي تبناه املشرع املغربي في مدونة التجارة من خالل املادة ‪ ،)2( 485‬حيث‬
‫تبرره أبعاد اجتماعية أساسها التعاطف مع الطرف الضعيف والوقوف إلى جانبه‪ ،‬وهو الراكب‬
‫املصاب‪.‬‬
‫كما أنه وفي قرار ملحكمة النقض املصرية قضت فيه بأن ‪":‬عقد نقل تالميذ املدرسة‪ ،‬يفرض‬
‫على الناقل إيصال التالميذ ساملين معافين إلى جهتهم املقصودة أي مكان الوصول" ‪.3‬‬
‫أما القضاء املغربي فأتيحت له الفرصة للتعبير عن موقفه‪ ،‬حيث صدر قرار عن املجلس‬
‫األعلى – محكمة النقض حاليا‪ -‬قض ى فيه "بأن املحكمة وهي تطبق مقتضيات الفصل ‪ 105‬من‬
‫القانون التجاري لم تكن ملزمة بأن تذكر األخطاء املرتكبة من طرف الناقل‪ ،‬ذلك أن مسؤولية هذا‬
‫األخير مفترضة حسب الفصل املذكور‪ ،‬ومن جهة أخرى حيث أن املحكمة عندما جعلت الضحية‬
‫جزءا من املسؤولية بعلة أنها لم تتخذ االحتياطات الالزمة دون أن توضح املحكمة ماهي االحتياطات‬
‫الالزمة‪ ،‬تكون بصنيعها قد أضرت بمصالح الضحية ال بمصالح الطاعن" ‪.4‬‬

‫‪1 - cass civ 21 novembre 1911. D 1913.1.249 serrur cité par B.‬‬
‫‪ -‬أوردته وفاء الصالحي‪ ،‬مس‪ ،‬ص ‪. 48‬‬
‫‪ - 2‬تنص المادة ‪ 485‬من مرت على ما يلي‪" :‬يسأل الناقل عن األضرار الالحقة بشخص المسافر خالل النقل‪ ،‬وال يمكن إعفاؤه‬
‫من هذه المسؤولية إال بإثبات حالة القوة القاهرة أو خطأ المتضرر"‪.‬‬
‫‪ - 3‬واستقر القضاء المصري كذلك على اعتبار مسؤولية الناقل في نقله للراكب تعاقدية محلها التزام بتحقيق نتيجة نقض مصري‬
‫بتاريخ ‪.1962-04-26‬‬

‫‪ - 4‬قرار المجلس األعلى بتاريخ ‪ 1985/02/28‬منشور بمجلة رابطة القضاء عدد ‪ 17-16‬مارس ‪.1986‬‬

‫الصفحة ‪21 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وفي نفس االتجاه قضت محكمة االستئناف‪ ،‬بأن الناقل ملزم باتخاذ كل االحتياطات‬
‫الضرورية لضمان سالمة وكيله وال يمكن أن يعفى من املسؤولية إال إذا أثبت وجود حادث فجائي أو‬
‫قوة قاهرة ‪.1‬‬
‫ونرى أن هذا التوجه يحقق ضمانة قوية ملستهلك خدمات النقل العمومي خصوصا والنقل‬
‫الخاص عموما‪ ،‬إذ أنه يوفر على الراكب عبء إثبات خطأ الناقل الذي قد يستعص ي إثباته في أغلب‬
‫األحيان‪ ،‬في حين أن الناقل ال يتحمل أي خسائر مادية خصوصا مع مبدأ إجبارية التأمين على‬
‫السيارات ‪.2‬‬
‫ويبدو لنا أن التساؤل عن النطاق الزمني لاللتزام بضمان السالمة بعد استعراض هذه‬
‫املعطيات يعتبر أمرا مشروعا‪ ،‬واإلجابة عنه ترتبط بالنطاق الزمني‪ ،‬حيث سنقتصر على دراسة‬
‫فرضيتين أساسيتين‪.‬‬
‫‪ -‬الفرضية األولى‪ :‬وجود الراكب داخل الناقلة‪:‬‬
‫يعد وجود الراكب داخل الناقلة التطبيق العملي والحقيقي لاللتزام بضمان السالمة ألن‬
‫وجوده بها يجعله أكثر عرضة للحوادث‪ ،‬ولذلك فإن التزام الناقل بضمان السالمة للراكب داخل‬
‫الحافلة أصبح أمرا غير قابل للنقاش أو التشكيك في صحته‪ ،‬فقها وقضاء ‪.3‬‬
‫وإذا كان املبدأ هو التزام الناقل بضمان سالمة الراكب أثناء تواجده بالناقلة‪ ،‬فإن هذا‬
‫االلتزام يتوقف بنزول الراكب من الناقلة حتى ولو كان نزوال مؤقتا لقضاء بعض أغراضه الشخصية‬
‫كشراء بعض املشروبات أو شراء جريدة مثال‪ ،‬ثم العودة من جديد إلى مكانه بالناقلة‪ ،‬أما إذا كان‬
‫نزول الراكب من الناقلة بناء على صدور تعليمات من الناقل أو عماله كوجود خلل في الناقلة مثال‪،‬‬
‫فإن التزام الناقل يظل قائما‪.‬‬
‫فمناط وقف التزام الناقل بضمان السالمة عندما يتعرض الراكب للحادث بعيدا عن‬
‫الناقلة وعن تجمع الركاب وبدون إذن من الناقل أو عماله‪ ،‬يجد أساسه في أن الراكب كذلك يقع‬
‫على عاتقه السهر على سالمته الشخصية بحيث يعد املقابل الحقيقي واملكمل لتنفيذ الناقل‬

‫‪ - 1‬قرار استئنافي بتاريخ ‪ 23 / 10 /1981‬منشور بالمجلة المغربية للقانون المقارن عدد ‪ 4‬سنة ‪ 1988‬ص ‪.227‬‬
‫‪ - 2‬البكاي المعزوز مقال تحت عنوان ‪" :‬االلتزام بضمان السالمة في مجال نقل األشخاص"‪ ،‬منشور بالمجلة المغربية لألنظمة‬
‫القانونية والسياسية‪ ،‬عدد ‪ 23‬ص ‪.11‬‬
‫‪ - 3‬البكاي المعزوز‪ ،‬مس‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫الصفحة ‪22 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫اللتزامه بضمان سالمة الراكب‪ ،‬انطالقا من احترام تعليمات وإرشادات الناقل وتنفيذها‪ ،‬بحسن نية‬
‫لتتم عملية النقل بأمان وسالم‪.1‬‬
‫‪ -‬الفرضية ثانية‪ :‬تواجد الراكب داخل محطة النقل ‪:‬‬
‫تستدعي هذه الحالة تواجد املسافر داخل محطة الحافالت أو القطار قبل السفر‪ ،‬للقيام‬
‫ببعض اإلجراءات الضرورية كأخذ التذكرة وانتظار الحافلة أو القطار‪ ،‬لذلك فإننا نتساءل مع بعض‬
‫الفقه ‪ 2‬عن مدى إمكانية امتداد التزام الناقل بضمان السالمة ليشمل اإلصابات التي تحلق‬
‫باملسافرين أثناء تواجدهم بمحطة النقل؟‬
‫ففي ظل غياب حل تشريعي سواء في التشريع املغربي أو التشريع الفرنس ي يتحدث عن‬
‫اإلصابات التي يتعرض لها املسافر داخل املحطة ‪،‬تعين علينا الرجوع إلى االجتهادات القضائية في‬
‫هذا املوضوع‪.‬‬
‫وقد اتجه الرأي القضائي الغالب في فرنسا‪ ،‬إلى األخذ باملفهوم الواسع لاللتزام بضمان‬
‫السالمة‪ ،‬إذ أن الضمان يشمل لحظة ركوب املسافر القطار ونزوله على إثر انتهاء الرحلة بل ويمتد‬
‫ليشمل ضمان السالمة منذ دخوله املحطة والى غاية خروجه من فناء رصيف محطة املترو ‪ ،3‬حيث‬
‫قضت محكمة النقض الفرنسية بمساءلة الناقل عن انزالق الراكب بفعل هبوط عاصفة ثلجية نتج‬
‫عنها بلل في طرقات محطات املترو‪.4‬‬
‫فكل الحاالت املشار إليها سابقا تكون معها مسؤولية الناقل مسؤولية عقدية قائمة على‬
‫عقد النقل الرابط بين الراكب والناقل‪ ،‬وهذا التوجه املبني على التوسع في التفسير يحقق حماية‬
‫أكبر للمتضرر املسافر حتى قبل اتصاله بالناقلة‪.‬‬
‫غير أن القضاء الفرنس ي تراجع عن هذا التوجه بشكل واضح في حكم ملحكمة النقض‬
‫الفرنسية‪ ،‬بحيث قضت بانتفاء املسؤولية عن الناقل في الحالة التي كان الرجل املسن متجها فيها‬

‫‪ - 1‬البكاي المعزوز‪ ،‬مس‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫‪ - 2‬البكاي المعزوز‪ ،‬مس‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪3 -Paris, 7 mai 1943, Gazette du palais 31 octobre 1943‬‬
‫‪ -‬أوردته وفاء الصالحي ‪ :‬م س‪ ،‬ص ‪ 50‬في الهامش‪.‬‬
‫‪4 -Civ. français, 4 mai 1954, Gazette du palais 18 mai 1954.‬‬

‫الصفحة ‪23 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫نحو رصيف املحطة وانزلق نتيجة األمطار‪ ،‬بمبرر أنه لم يستقل القطار بعد‪ ،‬وأن التزام الناقل‬
‫بضمان السالمة ال يقع على عاتقه إال وقت تنفيذ عقد النقل‪. 1‬‬
‫وبالرجوع إلى القضاء املغربي‪ ،‬نجد املجلس األعلى – محكمة النقض‪ -‬قد أعفى في البداية‬
‫الناقل من املسؤولية بحيث جاء في قرار له ه ما يلي‪" :‬إن مسؤولية الناقل تظل قائمة مادام الراكب‬
‫متصال بالناقلة‪ ،‬فإذا انقطع عنها بسبب من األسباب فإن مسؤولية الناقل العقدية تنقطع لتبدأ‬
‫مسؤولية الناقل التقصيرية" ‪. 2‬‬
‫غير أنه تراجع عن هذا املوقف وأكد في قرار آخر‪ ،3‬أن مسؤولية الناقل في‪ ...‬إطار الفصل‬
‫‪ 106‬من القانون التجاري تبتدئ من وقت دخول املسافر املحطة ويكون بذلك قد أخذ باملفهوم‬
‫املوسع لاللتزام بضمان السالمة‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬املبادئ العامة املنظمة لإلخالل‬


‫بااللتزام بضمان سالمة املستهلك‬

‫سنحاول من خالل هذا املبحث وفي سياق استعراض املبادئ املنظمة لإلخالل بااللتزام‬
‫بضمان سالمة املستهلك التطرق لألساس القانوني لاللتزام بضمان السالمة وعالقته ببعض‬
‫االلتزامات األخرى في املطلب األول‪ ،‬على أن نتناول في مطلب ثاني آثار اإلخالل بااللتزام بضمان سالمة‬
‫املستهلك‪.‬‬

‫‪1 - civ. français 1 juillet 1969 cité par Geneviève Viney, p 484.‬‬
‫‪ - 2‬قرار بتاريخ ‪ 1978/01/18‬منشور في مجلة القضاء والقانون العدد ‪ 29‬السنة ‪ 18‬يوليوز ‪ 1979‬ص ‪. 63‬‬
‫‪ - 3‬قرار بتاريخ ‪ 1985/02/28‬منشور بمجلة رابطة القضاة العدد ‪ 17-16‬سنة ‪ 22‬مارس ‪ 1986‬ص ‪.74‬‬

‫الصفحة ‪24 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املطلب األول ‪ :‬األساس القانوني لاللتزام بضمان السالمة‬


‫وعالقته ببعض االلتزامات األخرى‬

‫سنبحث في هذا املطلب عالقة االلتزام بضمان سالمة املستهلك ببعض االلتزامات األخرى‬
‫في فقرة أولى‪ ،‬قبل أن نعرج على تبيان األساس القانوني لاللتزام بضمان سالمة املستهلك في فقرة‬
‫ثانية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عالقة االلتزام بضمان سالمة املستهلك ببعض االلتزامات األخرى‬

‫تتجلى عالقة االلتزام بضمان سالمة املستهلك ببعض االلتزامات األخرى في مظهرين‬
‫أساسيين ‪ :‬األول يتعلق بااللتزام باإلعالم (أوال)‪ ،‬والثاني يتمظهر في االلتزام بالتحذير (ثانيا)‪.‬‬
‫‪ -‬أوال ‪ :‬عالقة االلتزام بضمان السالمة بااللتزام باإلعالم ‪:‬‬
‫اإلعالم لغة هو اإلفضاء بأمر خاص واصطالحا هو بيان أو إشارة أو إدراج تعليمات يمكن‬
‫أن تقدم توضيحا بشأن واقعة أو قضية ما ‪.1‬‬
‫وقد جاء في نص املادة ‪ 3‬من القانون ‪ 31-08‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك أنه ‪":‬‬
‫يجب على كل مورد أن يمكن املستهلك بأي وسيلة مالئمة من معرفة امليزات األساسية للمنتوج أو‬
‫السلعة أو الخدمة وكذا مصدرها وتاريخ الصالحية إن اقتض ى الحال‪ ،‬وأن يقدم إليه املعلومات التي‬
‫من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته‪."....‬‬
‫من هذا املنطلق يتضح لنا أن الغاية األولى التي يرمي إليها املشرع من خالل نصه على إعالم‬
‫املستهلك بظروف وخصائص السلعة هو حماية املستهلك من مخاطر عدم اإلفصاح وعدم بیان‬
‫معطيات املنتوج‪ ،‬والتي على أساسها يمكن أن يقدم املستهلك على اقتناء املنتوج أو عدم اقتناءه له‪،‬‬
‫وبالتالي فإن إيراد بيانات متعلقة بالسلعة وإيصال العلم بها إلى شخص املستهلك يلعب دورا هاما في‬
‫إضفاء املشروعية على العالقة التعاقدية بين املنتج أو البائع واملستهلك‪.‬‬

‫‪ - 1‬بو عبيد عباسي‪ ،‬االلتزام باإلعالم في العقود‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2002‬ص ‪.134‬‬

‫الصفحة ‪25 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ومنه ال يمكننا أن ننفي وجود عالقة ولو نسبية بين االلتزام باإلعالم وااللتزام بضمان سالمة‬
‫املستهلك‪ ،‬ذلك أنه على أساس خصائص املنتوج يمكن تقدير مدى صالحية املنتوج لالستعمال من‬
‫طرف مستهلك معين‪.‬‬
‫ومن الواضح أن هذه املسالة ستتأكد من خالل ضرب مثال توضيحي‪ ،‬فبوسعنا أن نفترض‬
‫عدم قيام املنتج ببيان مكونات املنتوج من املواد األولية املستعملة خصوصا ذات الطبيعة‬
‫الكيميائية و إقدام شخص معين على استهالك املنتوج هذا دون علمه أنه يحتوي على مادة تضاعف‬
‫اإلصابة بانتفاخ معوي‪ ،‬فالضرر الناجم عن تناول املستهلك للسلعة ناجم عن عدم علمه بمكوناتها‬
‫هذا الجهل الناتج بدوره عن مخالفة املنتج ملقتضيات إعالم املستهلك بخصائص السلعة ومكوناتها‪،‬‬
‫وبذلك فإن االلتزام باإلعالم هنا أحد االلتزامات األساسية املنضوية في إطار االلتزام األوسع بضمان‬
‫سالمة املستهلك بتنويره وإعالمه‪.‬‬
‫ويجد كذلك واجب اإلعالم الذي يرمي إلى ضمان سالمة املستهلك أساسه في املادة ‪ 16‬من‬
‫الباب الثالث من القانون رقم ‪ 28 .07‬املتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية املعنون بإعالم‬
‫املستهلك‪ ،‬التي تنص على ضرورة أن يتوفر كل منتوج غذائي أو مادة معدة لتغذية الحيوانات‬
‫معروضة في السوق الوطنية أو سيتم عرضها أو موجهة للتصدير أو مستوردة‪ ،‬على عنونة مطابقة‬
‫للشروط املطبقة عليها بموجب أحكام هذا القانون والنصوص املتخذة لتطبيقه‪ ،‬أو طبقا ألي نص‬
‫تشريعي أو تنظيمي خاص يطبق عليها بهدف تسهيل عملية التتبع‪.‬‬
‫وفي نفس اإلطار نصت املادة ‪ 17‬من نفس القانون ( ‪ ) 28 .07‬على وجوب عنونة املنتوج‬
‫األولي أو املنتوج الغذائي املعروض للبيع بشكل يسمح ملستهلكه النهائي باالطالع على خصائصه‪،‬‬
‫فانطالقا من مواد هذا القانون (‪ )28 .07‬خصوصا منها التي تحت املنتج على إعالم املستهلك‬
‫بخصائص املنتوج يتضح سعي املشرع إلى ترتيب االلتزام بضمان سالمة املستهلك على عاتق املنتج‬
‫بإلزامه باحترام ضوابط الصحة والسالمة في تصنيع املنتوج‪ ،‬هذه الضوابط التي ال ينفصل عنها‬
‫واجب اإلعالم بمكونات السلعة وخصائصها‪.‬‬

‫الصفحة ‪26 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬عالقة االلتزام بضمان السالمة بااللتزام بالتحذير ‪:‬‬


‫حسب بعض الفقه‪ ،‬االلتزام بالتحذير هو االلتزام بلفت نظر املتعاقد اآلخر إلى املخاطر‬
‫املادية أو القانونية املترتبة على التعاقد فهو ‪ -‬أي التحذير ‪ -‬يقع في منطقة وسطى بين االلتزام‬
‫باإلعالم وااللتزام بالنصح‪ ،‬فهو أقوى من مجرد اإلعالم وال يصل إلى حد النصح ‪.1‬‬
‫وقد ظهر االلتزام بالتحذير كالتزام يقع على عاتق بائع أو صانع األشياء واملنتجات الخطرة‪،‬‬
‫فألزمه بتحذير املستهلكين واملشترين وإحاطتهم علما باملخاطر التي تترتب على االستعمال الخاطئ‬
‫لهذه املنتوجات‪ ،‬ومن تم اتخاذ االحتياطات الواجبة لتجنب وقوعها‪ ،‬ويشترط في التحذير أن يكون‬
‫كامال وواضحا ولصيقا باملنتجات‪،‬‬
‫ونظرا لتطلب تحقق االلتزام بضمان سالمة املستهلك إحاطته بنوع الخطر الذي يحفه عند‬
‫استعماله منتوجا معينا وكذا إرشاده إلى كيفية وطريقة استعماله‪ ،‬فإن االلتزام بضمان السالمة‬
‫وااللتزام بالتحذير ال ينفصالن‪ ،‬بل أكثر من ذلك يرى بعض الفقه أن االلتزام بالتحذير التزام تابع‬
‫لاللتزام األوسع وهو االلتزام بضمان السالمة‪ ،‬وهو وسيلته للتحقق كلما توفرت فيه الشروط‬
‫السالفة الذكر‪ ،‬وهي ضرورة أن يكون التحذير كامال يحيط املستهلك بكافة املعلومات املتعلقة‬
‫باألخطار املحتمل حدوثها‪ ،‬ثم أن يكون التحذير واضحا مفهوما من طرف األمي واملتعلم‪ ،‬وكشرط‬
‫أخير وجوب أن يكون التحذير لصيقا باملنتوج حتى يتأتى للمستهلك االطالع عليه عند اقتناءه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬األساس القانوني لاللتزام بضمان سالمة املستهلك‬

‫اختلف الفقه في تحديد األساس القانوني لاللتزام بضمان سالمة املستهلك بين‬
‫اتجاهين ‪ :‬األول يقول بإمكانية تأسيس هذا االلتزام على املبادئ العامة لنظرية التعاقد (أوال)‪،‬‬
‫والثاني يبني االلتزام بضمان سالمة املستهلك على نصوص قوانين حماية املستهلك املغربية (ثانيا)‪.‬‬

‫‪ - 1‬بوعبيد عباسي‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫الصفحة ‪27 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬أوال ‪ :‬االتجاه القائل بإمكانية تأسيس هذا االلتزام على املبادئ العامة لنظرية‬
‫التعاقد‪:‬‬
‫يرى هذا االتجاه إمكانية إسناد مسألة ضمان سالمة املستهلك إلى نظرية ضمان العيوب‬
‫الخفية املنصوص على مقتضياتها في الفضل ‪ 549‬وما يليه إلى الفصل ‪ 575‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬وذلك استنادا إلى فكرة أن ضمان عيوب الش يء املبيع كضمان لسالمة مستهلكه من الضرر‬
‫الذي قد يلحق به بسبب هذا العيب‪.‬‬
‫غير أن هذا االتجاه مردود تماما‪ ،‬ومبرر ذلك أن الش يء املبيع يمكن أن يهدد املستهلك‬
‫ُ‬
‫بالضرر ولو لم يشبه أي عيب‪ ،‬فانفجار قنينة غاز ال يمكن أن يرجع دائما إلى عيب في إنتاجها بقدر‬
‫ما يرجع إلى طبيعتها كمنتوج وتسمم مستهلك قطعة حلوى قد ال يرجع إلى عيب في التلفيف أو‬
‫التصنيع بقدر ما قد يرجع إلى عدم اإلشارة إلى تاريخ انتهاء الصالحية‪ ،‬ومن خالله‪ ،‬إخالل املنتج‬
‫بواجب االلتزام باإلعالم الذي يشكل أحد ركائز ضمان سالمة املستهلك وتنفيذه‪.‬‬
‫هذا ويزيد صواب مسألة عدم إمكانية األخذ بنظرية العيوب الخفية في القول بالتأسيس‬
‫من خاللها االلتزام بضمان سالمة املستهلك‪ ،‬أن املشرع نص على املدة التي يجب أن ترفع فيها دعوى‬
‫الضمان تحت طائلة السقوط وهي ‪ 365‬يوما بالنسبة للعقارات و‪ 30‬يوما بالنسبة لألشياء املنقولة‬
‫والحيوانات‪ ،‬غير أنه إذا كانت هذه املدة كافية ملعرفة عيوب الش يء املبيع فإنها غير كافية تماما‬
‫لتحقيق أمن وسالمة املستهلك‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬االلتزام بضمان سالمة املستهلك من خالل نصوص قوانين حماية املستهلك‬
‫املغربية ‪:‬‬
‫كان سابقا يرجع السبب في تأرجح الفقه بين القواعد العامة للتأسيس لهذا االلتزام إلى‬
‫غياب نص قانوني خاص ينظم املسألة بدقة وبشكل مباشر‪ ،‬إال أنه وبعد املصادقة على القانون‬
‫‪ ،31.08‬فإنه يمكننا اعتماده إلى جانب القوانين األخرى لحماية املستهلك أساسا للقول بوجود‬
‫ومشروعية االلتزام بضمان سالمة املستهلك‪.‬‬
‫غير أن ما نود اإلشارة إليه هو أن هذه القوانين لم تعالج املسألة بشكل مباشر بالتنصيص‬
‫على واجب أو االلتزام بضمان سالمة املستهلك بنص واضح وعام ُيعرف املصطلح ويبين أحكامه‬
‫بقدر ما عملت ‪ -‬أي هذه القوانين ‪ -‬على تهيئة اإلطار العام الذي يستنتج منه مشروعية هذا االلتزام‬

‫الصفحة ‪28 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وذلك بالتركيز على تضمين مدونة قوانين حماية املستهلك موادا ترمي إلى احترام معايير وااللتزام‬
‫بطرق واالمتثال لضوابط تهدف في مجموعها إلى إيصال املنتوج إلى املستهلك النهائي في حلة ال تعتريها‬
‫أخطار تهدد سالمة املستهلك بالضرر‪ ،‬ويمكن أن نجمل هذه القوانين فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬القانون ‪ 31.08‬بتحديد تدابير لحماية املستهلك الذي جاء كنص تكميلي لباقي نصوص‬
‫حماية املستهلك السابقة واملتضمن ملواد أكثر تفصيال ملقتضيات جاء الحديث عنها بشكل عام في‬
‫بعض القوانين األخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬القانون ‪ 28.07‬املتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية‪ ،‬والذي كاد أن يالمس من‬
‫خالل مواده وبشكل مباشر مشروعية هذا االلتزام‪ ،‬حيث تضمن هذا القانون مقتضيات ترمي إلى‬
‫تذكير وتنبيه املنتج إلى ضرورة ووجوب سالمة املنتوجات الغذائية قبل خروجها إلى السوق وذلك من‬
‫خالل العديد من املواد من بينها نص املادة ‪ 5‬باإلضافة إلى مادته األولى التي تتحدث عن نطاق‬
‫التطبيق خصوصا في فقرتها الرابعة التي تقض ي بما يلي‪..." :‬عدم السماح إال بتسويق املنتجات‬
‫السليمة والسيما على وضع القواعد العامة املتعلقة بالصحة والسالمة الصحية‪."...‬‬
‫‪ -3‬الظهير الشريف رقم ‪ 380 . 59 .1‬املتعلق بالزجر عن الجرائم املاسة بصحة األمة والذي‬
‫نص في فصله األول على أنه يعاقب باإلعدام األشخاص الذي قاموا عن تبصر باالتجار أو صنع‬
‫منتوجات أو مواد معدة للتغذية البشرية وخطيرة على الصحة العمومية أو باشروا مسكها أو توزيعها‬
‫أو عرضها للبيع أو بيعها‪.‬‬
‫‪ -4‬مبادئ األمم املتحدة التوجيهية لحماية املستهلك بصيغتها املوسعة سنة ‪ ،1999‬التي‬
‫تنص في بندها الثاني املعنون باملبادئ العامة على أنه ينبغي للحكومات اتباع ووضع سياسة قصد‬
‫توفير حماية قوية للمستهلك‪ ،‬كما أن هذه املبادئ تنص كذلك في نفس البند على ضرورة حماية‬
‫املستهلكين من األخطار التي تهدد صحتهم وسالمتهم‪.‬‬
‫هذه القوانين حاولت في مجملها تأطير النشاط املنهي بشكل قانوني‪ ،‬كما تسمح بتوفير‬
‫ضمانة واقعية للمستهلك‪ ،‬وهو اعتراف ضمني من املشرع بضرورة سهر املنتج والبائع على ضمان‬
‫سالمة املتلقي النهائي للمنتوج وذلك باحترام معايير الصحة والسالمة املنصوص عليها في نطاق‬
‫قوانين حماية املستهلك‪ ،‬والتي صدر آخرها بمقتض ى الظهير الشريف رقم ‪ 03 . 11‬بتاريخ ‪ 18‬فبراير‬
‫‪ 2011‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك‪.‬‬

‫الصفحة ‪29 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬آثاراإلخالل بااللتزام بضمان سالمة املستهلك‬

‫تظهر اآلثار املترتبة عن إخالل البائع أو املنتج بااللتزام بضمان سالمة املستهلك من خالل‬
‫جانبين ‪ :‬يتعلق األول بضرورة تبيان طبيعة املسؤولية املترتبة عن اإلخالل بااللتزام بضمان سالمة‬
‫املستهلك (الفقرة األولى)‪ ،‬ويتمظهر الثاني في األثر (الجزاء)املترتب عن هذا اإلخالل (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬طبيعة املسؤولية املترتبة عن اإلخالل‬


‫بااللتزام بضمان سالمة املستهلك‪.‬‬

‫هناك نوعين من املسؤولية التي تترتب عن اإلخالل بااللتزام بضمان سالمة املستهلك‪ ،‬فإما‬
‫أن يوجد عقد بين األطراف يؤطر التزاماتهما حيث نكون بصدد مسؤولية عقدية‪ ،‬وإما أن تترتب هذه‬
‫املسؤولية نتيجة اإلخالل بالتزام قانوني مؤسس على عدم اإلضرار بالغير ونكون في هذه الحالة‬
‫بصدد مسؤولية تقصيرية‪.‬‬
‫وسنقتصر في دراسة طبيعة كل من املسؤولية العقدية والتقصيرية على عقدي البيع ونقل‬
‫األشخاص‪.‬‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬املسؤولية العقدية للمدين املخل بااللتزام بضمان سالمة املستهلك ‪:‬‬
‫من املعلوم أن املسؤولة العقدية تقوم نتيجة إخالل املدين بااللتزام بضمان السالمة كالتزام‬
‫عقدي ملقى على عاتقه‪ ،‬أساسه واجب إعالم وتحذير وإرشاد املستهلك‪.‬‬
‫فبخصوص عقد البيع نجد القضاء الفرنس ي‪ ،‬أسس مسؤولية البائع على فرضية سوء‬
‫النية‪ ،‬ويفترض هذا التوجه علم البائع أو املنتج بعيوب ومخاطر الش يء املبيع‪ ،‬مما يجعل املخاطر‬
‫واألضرار التي تنجم عن هذه العيوب من األضرار الداخلة في التوقعات التعاقدية وبالتالي انعقاد‬
‫مسؤولية العقدية منها‪.‬‬
‫لذلك ألزمت محكمة االستئناف بروان ‪" :‬البائع بأن يلتزم بتسليم سلعة مؤمنة‪ ،‬وعليه إذا‬
‫باع وسلم زجاجة مياه غازية ال يمكن إمساكها دون خطر‪ ،‬لضآلة جزء من الزجاجة‪ ،‬ألنها صنعت‬
‫بشكل غير عادي‪ ،‬يكون قد أخل بالتزامه العقدي هذا‪ ،‬ويسأل بالتالي عن اإلصابات التي لحقت‬

‫الصفحة ‪30 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫العميل في عينه اليسرى وتكون املسؤولية عن اإلخالل بااللتزام بالتحذير عقدية باعتباره أحد‬
‫االلتزامات الناشئة عن عقد البيع ‪.‬‬
‫كما قضت محكمة النقض الفرنسية في قرارها بتاريخ ‪ 31‬يناير ‪ 1973‬وهي بصدد البت في‬
‫مسؤولية صانع املادة الصقة‪ ،‬عما لحق املستعمل الذي توفي نتيجة اإلصابة‪ ،‬لنقص ما قدمه البائع‬
‫أو املنتج من تحذيرات ومخاطر‪ ،‬وقررت املحكمة املسؤولية العقدية للصانع بتأييد الحكم االستئنافي‬
‫‪.1‬‬
‫أما بخصوص عقد نقل األشخاص‪ ،‬فإنه وكما سبقت اإلشارة أن محكمة النقض كانت قد‬
‫وسعت من النطاق الزمني لاللتزام بضمان سالمة املستهلك‪ ،‬وبالتالي فكل الحاالت التي تدخل ضمن‬
‫الضمان العقدي‪ ،‬باعتبار العقد مبرما بمجرد تواجد املسافر داخل املحطة أو بمجرد تواجده داخل‬
‫الناقلة رغم عدم وجود تذكرة تثبت عقد النقل‪ ،‬فإن االختالالت التي تترتب عنها أضرار للمسافر‬
‫يكون أساسها هو املسؤولية العقدية‪ ،‬ولكن التوجه األخير ملحكمة النقض بخصوص نطاق االلتزام‬
‫بضمان السالمة‪ ،‬ضيق كذلك من مجال تطبيق املسؤولية العقدية‪ ،‬بحيث قصرها على التواجد‬
‫الفعلي للراكب داخل الناقلة‪ ،‬انطالقا من الصعود إليها إلى النزول منها‪ ،‬طيلة هذه الفترة يكون‬
‫اإلخالل بالتزام عقدي أساسه عقد النقل‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬املسؤولية التقصيرية للمدين بااللتزام بضمان سالمة املستهلك ‪:‬‬
‫تقوم هذه املسؤولية على عاتق البائع أو املنتج نتيجة اإلخالل بالتزام قانوني هو "عدم‬
‫اإلضرار بالغير"‪ ،‬وقد تنشأ كذلك في املثالين السابقين عقد البيع وعقد نقل األشخاص قبل وجود‬
‫عالقة تعاقدية تربط البائع أو مقدم الخدمة الناقل باملشتري أو املسافر‪.‬‬
‫ففي عقد البيع يمكن أن ينشأ الضرر في الفترة السابقة على إبرام العقد‪ ،‬وتجد هذه‬
‫الفرضية تطبيقها في الحالة التي يتواجد فيها املشتري باملتجر وقبل أن تتم عملية البيع ‪ -‬مرجان ‪-‬‬
‫أسواق السالم ‪ -‬بمعنى قبل الدخول في العالقة التعاقدية‪ ،‬فإنه وحماية للمستهلك من األخطار التي‬
‫قد يتعرض لها خالل هذه الفترة‪ ،‬تتم مساءلة البائع في إطار املسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫‪1 - cass, civ, 1e" ch 31 janvier 1973.‬‬


‫‪ -‬أورده حمدي أحمد سعد‪ :‬االلتزام باإلفضاء بالصفة الخطرة للشيء المبيع‪ ،‬المكتب الفني لإلصدارات القانونية‪ ،‬طبعة ‪،1999‬‬
‫ص ‪.417‬‬

‫الصفحة ‪31 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وفي هذا االتجاه قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر بتاريخ ‪ 7‬نونبر ‪،1966‬‬
‫بمناسبة طعن تقدم به ورثة أحد عمالء محل أخشاب كان قد توفي على إثر سقوطه من أعلى رصيف‬
‫القطارات الخاصة بهذا املحل‪ ،‬مؤسسين إياه – الطعن‪ -‬على أن محكمة االستئناف رفضت تطبيق‬
‫قواعد املسؤولية العقدية على هذه الواقعة‪ ،‬في حين أن التاجر يلتزم بسالمة عمالئه بمجرد السماح‬
‫لهم بالتجول في األماكن املخصصة لتجارته ‪.1‬‬
‫لذلك فالتاجر يبقى مسؤوال رغم عدم وجود عقد البيع‪ ،‬بحيث أنه يتعهد بااللتزام بسالمة‬
‫كل شخص يدخل لألماكن املخصصة للتجارة بقصد الشراء‪ ،‬وتكون بالتالي قواعد املسؤولية‬
‫التقصيرية هي وحدها واجبة التطبيق في مثل هذه الحاالت ‪.2‬‬
‫أما في عقد نقل األشخاص‪ ،‬فإنه يتم تأسيس مسؤولية الناقل على أساس املسؤولية‬
‫التقصيرية‪ ،‬عندما ينتهي عقد النقل أو قبل وجود هذا األخير‪ ،‬وفي هذا اإلطار نذكر قرار للمجلس‬
‫األعلى صادر بتاريخ ‪ 1978 / 1 /18‬جاء فيه أن مسؤولية الناقل تظل قائمة مادام الراكب متصال‬
‫بالناقلة‪ ،‬فإذا انقطع عنها بسبب من األسباب‪ ،‬فإن مسؤولية الناقل العقدية تنقطع لتبدأ مسؤولية‬
‫الناقل التقصيرية"‪ .‬وعليه فمتى انتهت أو انعدمت العالقة التعاقدية كما حددناها سابقا بين الراكب‬
‫والناقل وجب تطبيق مقتضيات املسؤولية التقصيرية ‪. 3‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬جزاء اإلخالل بااللتزام بضمان سالمة املستهلك‬

‫يترتب على عدم تنفيذ املدين التزامه بضمان السالمة‪ ،‬جزاءات تتصل بشكل مباشر بالعقد‬
‫الرابط بين املستهلك واملورد‪ ،‬ولقد حدد املشرع املغربي املقتضيات القانونية الواجبة التطبيق في‬
‫هذه الحالة كما جاء التنصيص على ذلك في املادة ‪ 65‬من القانون ‪ ،31-08‬بحيث أحال على نصوص‬
‫قانون االلتزامات والعقود من الفصل ‪ 549‬إلى ‪ ،575‬هذا الجزء املعنون بضمان عيوب الش يء املبيع‪.‬‬
‫‪ -‬أوال ‪ :‬دعوى فسخ العقد ‪:‬‬
‫‪1 Cass, civ9 mars, 1972, D.S, 1972, Somm, 119.‬‬
‫‪ -‬أورده عمر عبد الباقي‪ :‬الحماية العقدية للمستهلك‪ ،‬منشأة المعارف الطبعة الثانية‪ ،2008 ،‬ص ‪.611‬‬
‫وفي قرار آخر لمحكمة النقض الفرنسية قضت فيه بان "صاحب المحل مسؤول عن اإلصابة التي تعرضت لها سيدة داخل متجره‬
‫نتيجة انزالق قدمها على ورقة خضر كانت موجودة على أرضية المحل"‪.‬‬
‫‪2 - D, 1962, J, 146, note, FSNEIN, RTD, civ, 1962, p307, ob tuve.‬‬

‫‪ - 3‬قرار منشور في مجلة القضاء والقانون‪ ،‬العدد ‪ 18 ،29‬يوليوز ‪ ،1979‬ص ‪.63 :‬‬

‫الصفحة ‪32 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تعتبر نظرية ضمان العيوب الخفية املنظمة بمقتض ى قانون االلتزامات والعقود هي التي‬
‫تحكم كذلك مطالبة املستهلك الدائن في االلتزام بضمان السالمة عند اإلخالل بهذا االلتزام من‬
‫طرف املدين املورد‪ ،‬فيفسخ العقد محل املعاملة نتيجة عدم تنفيذ املدين بااللتزام بضمان السالمة‬
‫اللتزامه‪ ،‬إذ أنه لم يطلع املشتري على بعض العيوب املوجودة بالش يء املبيع والتي أدت إلى عدم‬
‫إمكانية استعمال الش يء فيما أعد له أو أنه لم يحذره من خطر في السلعة أو املنتوج ترتب عنه ضرر‬
‫للمستهلك‪.‬‬
‫وحسب مقتضيات الفصل ‪ 556‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬الذي ينص على أنه‪" :‬إذا ثبت الضمان‪ ،‬بسبب‬
‫العيب أو بسبب خلو املبيع من صفات معينة كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ورد الثمن‪،"...‬‬
‫يتبين إذن أن املشرع أعطى للمستهلك في حالة وجود عيب في البيع أو خلوه من صفة من الصفات‬
‫التي تعهد البائع بوجودها فيه‪ ،‬الحق في طلب فسخ العقد واسترداد الثمن‪.‬‬
‫كما أن الفصل ‪ 564‬من ق‪.‬ل‪.‬ع أعطى للمشتري الحق في طلب إنقاص الثمن إذا تعيب‬
‫الش يء بخطئه أو بخطأ من يسأل عنهم أو إذا كان قد استعمل الش يء استعماال من شأنه أن ينقص‬
‫من قيمته بكيفية محسوسة‪ ،‬ويطبق نفس الحكم إذا كان قد استعمل الش يء قبل أن يعرف العيب‪،‬‬
‫وإن كان هذا املقتض ى األخير يتعارض مع الحماية املراد توفيرها للمستهلك‪.‬‬
‫ويجب أن تتوفر الشروط املطلوبة لالعتداد بنظرية العيوب الخفية واملحددة سابقا‪،‬‬
‫باإلضافة إلى رفع الدعوى داخل اآلجال املحددة في املادة ‪ 65‬من ق ‪ .31-08‬وهي في العقارات خالل‬
‫سنتين بعد التسليم وبالنسبة لألشياء املنقولة خالل سنة بعد التسليم‪ ،‬وهي آجال معقولة باملقارنة‬
‫مع تلك املحددة في الفل ‪ 573‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ملا توفر من حماية أكبر للمستهلكين‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬دعوى التعويض ‪:‬‬
‫كما هو معلوم‪ ،‬كل إخالل يرتب ضررا كما أن كل ضرر يستدعي بالضرورة جبره من طرف‬
‫املتسبب فيه أو املسؤول عنه‪ ،‬وال يحيد االلتزام بضمان السالمة على هذه القاعدة‪ ،‬إذ أنه كلما أخل‬
‫البائع في عقد البيع بااللتزام بضمان سالمة املشتري من كل األضرار التي قد تلحق هذا األخير سواء‬
‫عن طريق حيازته للش يء املبيع أو استعماله لهذا اآلخر‪ ،‬على اعتبار أن البائع يقع على عاتقه إعالم‬
‫املشتري علما كافيا وتحذيره ونصحه وإرشاده بخصوص الش يء املبيع‪ ،‬إذ تكون النتيجة املباشرة‬
‫إلخالله بما سبق‪ ،‬قیام مسؤوليته اتجاه املشتري طبقا ملا نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل ‪549‬‬
‫من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي جاء فيه‪:‬‬

‫الصفحة ‪33 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫"‪...‬وللمشتري الحق في التعويض‪:‬‬


‫أ‪ -‬إذا كان البائع يعلم بعيوب املبيع أو يعلم خلوه من الصفات التي وعد بها ولم يصرح بأنه‬
‫يبيع بغير ضمان‪ ،‬ويفترض العلم موجودا إذا كان البائع تاجرا أو صانعا وبائعا منتجات الحرفة التي‬
‫يباشرها؛‬
‫ب‪ -‬إذا صرح البائع بعدم وجود العيوب‪ ،‬ما لم تكن العيوب قد ظهرت بعد البيع أو كان‬
‫يمكن للبائع أن يجهلها بحسن نية‪.‬‬
‫ج‪ -‬إذا كانت الصفات التي تبت خلو املبيع منها قد اشترط وجودها صراحة أو كان عرف‬
‫التجارة يقتضيها"‪.‬‬
‫ومن وجهة نظرنا املتواضعة‪ ،‬فإن املشرع عندما أحال على املقتضيات املنظمة لضمان‬
‫الش يء املبيع في ق‪.‬ل‪.‬ع بشكل مجمل‪ ،‬لم ينتبه إلى مجموعة من املقتضيات التي تتعارض في كنهها مع‬
‫حماية املستهلك املقصود من وضع القانون ‪ ،31-08‬لذلك فإن مراجعة هذه املقتضيات أمر وضرورة‬
‫يتطلبها منطق حماية املستهلك‪.‬‬

‫الصفحة ‪34 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬الخاتمـ ـة‪:‬‬
‫لقد حاولنا على امتداد هذه الصفحات املتواضعة أن نعالج موضوعا دقيقا جدا مرتبطا‬
‫بجوهر املراد بسن مجمل قوانين حماية املستهلك‪ ،‬وهو ضمان سالمة املستهلك خالل كل املراحل‬
‫التي يمر منها استهالكه للمنتوج‪.‬‬
‫ولقد زاوجنا في معالجة التزام التاجر واملنتج بضمان سالمة املستهلك‪ ،‬بين قواعد القانون‬
‫القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك وكذا قواعد املسؤولية املدنية املنصوص عليها في قانون‬
‫االلتزامات والعقود‪ ،‬على الرغم من كون قواعد املسؤولية املنصوص عليها في القانون القاض ي‬
‫بتحديد تدابير لحماية املستهلك‪ ،‬ال تعتبر اال امتدادا لتلك املوجودة قبله في ثنايا قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪.‬‬
‫إن االلتزام بضمان السالمة يبقى واحدا من أهم االلتزامات الواقعة على عاتق املنتج‬
‫والتاجر‪ ،‬بل إن هذا االلتزام يعتبر نقطة التقاء كل االلتزامات التي رتبها املشرع املغربي في القانون‬
‫‪ 31.08‬على عاتق املخاطبين بأحكامه‪.‬‬
‫وسواء أناقشنا قواعد املسؤولية عن االلتزام بضمان السالمة من زاوية القانون القاض ي‬
‫بتحديد تدابير لحماية املستهلك والقوانين التي سبقته واملشار اليها في هذه الدراسة‪ ،‬أو ناقشناه من‬
‫زاوية قواعد املسؤولية املنظمة بقواعد قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فإن الخالصة األساسية من ذلك‬
‫النقاش‪ ،‬هو أن املستهلك يبقى دائما مدينا للمنتج خصوصا والتاجر عموما‪ ،‬بالتعويض عن الضرر‬
‫الذي يلحقه من جراء استهالك املنتوج أو الخدمة‪ ،‬شريطة احترام آجال املطالبة بالحق‪.‬‬
‫ورغم كل ما أشار اليه املشرع في مختلف تلك النصوص من أحكام تعزز الحق في ضمان‬
‫السالمة‪ ،‬فإننا نبقى في حاجة ماسة إلى مراجعة قواعد القانون ‪ 31.08‬خصوصا باعتبار التطور‬
‫الحاصل الى غاية العام ‪ 2024‬في شتى املجاالت االستهالكية التي لم تعد تقتصر على استهالك منتج‬
‫أو اقتنائه واقعيا‪ ،‬انما كذلك افتراضيا‪ ،‬وهو مدخل آخر لضمان سالمة املستهلك بمقتضيات‬
‫جديدة ومكملة للقانون الساري النفاذ اليوم‪.‬‬

‫الصفحة ‪35 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫منهجية االستشارة القانونية‬


‫الدكتور الجياللي مكوط‬

‫باحث في مجال قانون األعمال‬

‫مقدمـة‬
‫يمك ننن تقس ننيم من ننااج البح ننث العلم نني الق ننانوني إل ننى قس ننمين متق ننابلين م ننن ج يخص ننص للبح ننث‬
‫العلمن نني القن ننانوني العمين ننق أو الطوين ننل‪ ،‬ومن ننن ج يصن ننلح للبحن ننث العلمن نني القن ننانوني القصن ننير‪ ،‬ولكن ننل من ننن‬
‫املنهاجين خصائصه وشروطه ومراحله‪.‬‬
‫يندرج موضوع االستشارة القانونية ضنمن مننااج البحنث القنانوني القصنير إلنى جاننب كنل منن‬
‫منن ج املقننال ومنن ج التعليننق علنى قنرار ومنن ج تحليننل ننص قننانوني‪ ،‬وهنو يعتبننر منن خننالل نشنأته من جننا‬
‫حننديثا باملقارنننة مننع بنناقي املنننااج األخننرى‪ ،‬وقنند زادت أهميتننه بعنند تطننور الحينناة البشننرية وظهننور أشننكال‬
‫جدينندة مننن املعننامالت يطغننى عليهننا الطننابع الالمننادي وبننروز إشننكاالت ومشنناكل قانونيننة حديثننة‪ ،‬أمالهنا‬
‫تشعب الحياة وتبني املشرع املغربي لقواعد قانونية من نوع جديد تمتاز بعدم ترجمتهنا لواقنع املجتمنع‬
‫املغربنني‪ ،‬وخروجهننا فنني كثيننر مننن األحيننان عننن مبنندأ أساا ن ي مننن مبننادئ القاعنندة القانونيننة‪ ،‬وهننو كونهننا‬
‫قاعدة اجتماعية‪.‬‬
‫كننل هننذا دفننع بالعدي نند مننن األشننخاص س ننواء كننانوا ذاتيننين أو اعتب نناريين إلننى طلننب االستش ننارة‬
‫القانونية من أجل تجاوز هذه املشاكل أو تجنب الوقوع فيها‪.‬‬
‫وغيننر خنناف مننا لالستشننارة القانونيننة مننن أهميننة مننن الناحيننة العلميننة والعمليننة‪ ،‬فمننن الناحيننة‬
‫العلمية فهي تنظير لظاهرة قانونية تأتي في صورة اجتهاد فقهي‪ ،‬ومن الناحية العملينة فهني تعمنل علنى‬
‫إيجاد حلول عملية وتربط القواعند القانونينة بنالواقع حينث أنهنا إمنا أن تنأتي فني صنورة تفسنير أو تأوينل‬
‫أو تحدي نند خي ننار م ننن ب ننين ع نندة خي ننارات‪ ،‬واملستش ننار الق ننانوني يعتم نند ف نني س ننبيل ذل ننك أس ننلوب اإلقن نناع‬
‫والتفسير املنطقي في إبالغ وجهة نظره ورأيه في املوضوع إلى طالب االستشارة‪.‬‬
‫يض نناف إل ننى من نا س ننبق أن االستش ننارة القانوني ننة خاص ننة منه ننا القبلي ننة – أي قب ننل ع ننرض النن نزاع‬
‫موضن ننوع االستشن ننارة علن ننى أنظن ننار التحكن ننيم أو القضن نناء‪ -‬تعتبن ننر وسن ننيلة من ننن الوسن ننائل البديلن ننة لفن ننض‬
‫الصفحة ‪36 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫النزاعننات‪ ،‬وبالتننالي فهنني تحنند مننن كثننرة القضننايا املعروضننة علننى أنظننار القضنناء وتجنننب صنناحبها طننول‬
‫خرج منن جهنة أخنرى بنالرأي النذي يكنون نتاجهنا منن دائنرة القضنايا املجنردة‬ ‫إجراءات البت من جهة‪ ،‬وت ُ‬
‫النظرية إلى دائرة الحلول الواقعية والعملية‪.‬‬
‫وم ننن أج ننل اإلمل ننام بموض ننوع ه ننذا املق ننال‪ ،‬فق نند ارتأين ننا تقس ننيمه إل ننى مبحث ننين ‪ :‬نخص ننص األول‬
‫للحن ننديث عن ننن ماهين ننة االستشن ننارة القانونين ننة‪ ،‬بينمن ننا نعن ننرض فن نني الثن نناني ملن جيتهن ننا ولنمن ننوذج متواضن ننع‬
‫لالستشارة القانونية‪.‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬ماهية االستشارة القانونية‬

‫يقتضن ي الحننديث عننن ماهيننة االستشننارة القانونيننة أن نعننرض ملفهومهننا مننع تحدينند مميزاتهننا فنني‬
‫مطلب أول‪ ،‬ولحاالتها في مطلب ثاني‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬تعريف االستشارة القانونية ومميزاتها‬

‫سنقسنم هنذا املطلننب إلنى فقننرتين نعنرض فنني األولنى لتعريننف االستشنارة القانونيننة بينمنا نتطننرق‬
‫في الثانية ملميزاتها‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تعريف االستشارة القانونية‬

‫عرف بعض الفقه االستشارة القانونية بأنها‪ ":‬استكشاف رأي القنانون فني صندد مسنألة قند ال‬
‫تكننون محننل ننزاع‪ ،‬أو هنني محلننه أو يحتمننل أن تكننون"(‪ ،)1‬ويعرفهننا الننبعض اآلخننر بأنهننا ‪ " :‬تحليننل قننانوني‬
‫يق ننوم ب ننه رج ننل الق ننانون بخص ننوص واقع ننة م ننا ت نندخل ض ننمن اختصاص ننه إلعط نناء الح ننل املالئ ننم بك ننل‬
‫موضوعية وحياد"(‪ ،)2‬ويعرفها محمد حلمي الحجار بأنها ‪ ":‬رأي قانوني يعطيه رجل القانون بنناء علنى‬
‫طلب شخص يرغب في الوقوف على وضع قانوني معين‪ ،‬فيعرض للمستشار العناصر الواقعية طالبا‬

‫‪ - 1‬عكاشة محمد عبد العادل وسامي بديع منصور‪ :‬المنهجية القانونية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬ص‪.536 :‬‬
‫‪ - 2‬محمد العروصي ‪ :‬المختصر في المنهجية القانونية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2009 ،‬ص ‪.114 :‬‬

‫الصفحة ‪37 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تحديند النتنائج القانونينة التني يمكنن أن تترتنب عليهنا‪ ،‬فيسنعفه املستشنار بنالرأي النذي يبنين لنه الوضنع‬
‫القانوني في جميع جوانبه "‪.‬‬
‫ومثالها أن يطلب صاحب شركة ذات مسؤولية محدودة بيان حكم القانون في مسألة‬
‫الدخول بشركته كشريك في شركة تضامن أو شركة التوصية البسيطة أو في شركة مساهمة‪ ،‬أو أن‬
‫تطلب إحدى الشركات بيان حكم القانون في عواقب تسريحها الجماعي ملجموعة من األجراء‪ ،‬أو أن‬
‫تطلب إحدى األبناك من مستشارها بيان الحكم القانوني في زبون تقدم بشيك خالي من بيان التاريخ‬
‫وعمد املستفيد إلى تحرير التاريخ أمام موظف البنك ونحو ذلك من مئات بل آالف الحاالت والوقائع‬
‫َّ‬
‫املماثلة أو الحالة أو املحتملة التي يطرحها األشخاص أو الجهات طالبي االستشارة من مستشاريهم‬
‫القانونيين سواء كانوا يعملون لحسابها على سبيل التفرغ الكلي أو الجزئي أو كان يعمل في مكتبه‬
‫الخاص‪ ،‬وطلب االستشارة أو الرأي القانوني ال يكون بالضرورة في واقعة محل نزاع(‪ )1‬وإنما قد يكون‬
‫أيضا بغرض توقي حالة محتملة أو وقائع فرضية لم يثر أي نزاع بشأنها بعد وإنما يرجح أن يثار‬
‫بالنظر إلى طبيعتها أو لوجود سوابق مشابهة لدى طالب االستشارة أو من غيره ممن سبق وأن دخلوا‬
‫في عالقات مماثلة أو مشابهة(‪ )2‬على ما سنأتي على ذكره في املطلب الثاني‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬مميزات االستشارة القانونية‬

‫ينصرف الحديث عن مميزات االستشارة القانونية إلى تحديد طبيعتها القانونية من جهة‬
‫(أوال)‪ ،‬وتحديد خصوصياتها من جهة أخرى (ثانيا)‪.‬‬
‫‪ -‬أوال ‪ :‬الطبيعة القانونية لالستشارة القانونية ‪:‬‬
‫خالفا ملا يعتقد‪ ،‬فإن مقدم االستشارة القانونية ال يكون ملزما دائما بتلبية رغبة طالبها‪،‬‬
‫وذلك بأن ينحى نحو تحقيق غايته من االستشارة أو حماية مصالحه على ضوئها‪ ،‬فاالستشارة‬
‫القانونية قد تأتي نتيجتها بخالف مصالح الطرف الذي طلبها‪ ،‬ولو كان هو امللزم بأداء أتعابها ‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬يمكن –حسب رأينا املتواضع‪ -‬تكييف االستشارة القانونية على أنها التزام‬
‫أخالقي ومنهي يقع على عاتق رجل القانون بإعطاء الرأي الواضح والصريح واملحايد بشأن واقعة على‬
‫ضوء األسانيد والحجج التي قدمها طالب االستشارة‪ ،‬وال يمكن تكييفها بأي حال من األحوال على‬

‫‪ - 1‬حيث تمتاز االستشارة القانونية في هذه الحالة بكونها ذات طابع عالجي ‪.‬‬
‫‪ - 2‬حيث تكون والحالة هاته ذات طابع وقائي يتجنب طالبها من خاللها الوقوع في النزاع أو يرغب في الحد منه‪.‬‬

‫الصفحة ‪38 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫أنها خدمة يقدمها املستشار القانوني لطالب االستشارة لقاء أتعاب يدفعها هذا األخير‪ ،‬ملا تفرضه‬
‫هذه الخدمة من ضرورة االستجابة ولو جزئيا لطلبات املستشير‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالتزام املستشار القانوني من خالل نظره في النازلة موضوع االستشارة هو التزام‬
‫ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة‪ ،‬ذلك أنه يركز اهتمامه على إيجاد الحل القانوني األكثر مالئمة‬
‫وانطباقا عليها ولو لم يكن لصالح طالب االستشارة ‪.‬‬
‫ومما يزيد من جسامة املسؤولية امللقاة على عاتق املستشار أن استشارته يجب أن تبين‬
‫حكم القانون املوافق لواقع الحالة املعروضة أمامه‪ ،‬وأنه قد يتم اعتمادها في كل حالة مشابهة‪،‬‬
‫وبالتالي تصبح استشارته مرجعا يتم اعتماده دونما حاجة إلى طلب استشارة من جديد‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬خصوصيات االستشارة القانونية ‪:‬‬
‫تمتاز االستشارة القانونية بمجموعة خصوصيات تنصرف إلى ثالث جوانب‪ ،‬جانب يتعلق‬
‫بموضوع االستشارة‪ ،‬وجانب ينصرف إلى طالب االستشارة‪ ،‬وجانب يتمحور حول الشخص‬
‫املستشار‪.‬‬
‫‪ – 1‬موضوع االستشارة ‪:‬‬
‫ال يمكن بأي حال من األحوال حصر موضوع االستشارة القانونية حيث أنها يمكن أن تشمل‬
‫مجاالت متعددة ‪ :‬عالم األعمال‪ ،‬املجال التجاري‪ ،‬البنكي‪ ،‬التأمين‪ ،‬الشغل‪....‬‬
‫وموضوع االستشارة يعتمد عليه في معرفة طبيعة النزاع ‪ :‬تجاري أو مدني او شغل أو جنائي‬
‫أو أسري‪ ...‬وهو ما يمكن املستشار من إعطاء التكييف القانوني املالئم وفق القواعد القانونية‬
‫املنظمة للموضوع‪.‬‬
‫وموضوع االستشارة قد يكون بسيطا كطلب االستشارة بخصوص املدة القانونية لتحرير‬
‫الرأس مال‪ ،‬أو اإلجراءات املتطلبة للزيادة فيه‪ ،‬أو طلب االستشارة بخصوص ضوابط مسطرة‬
‫االستماع لألجير قبل اللجوء إلى طرده‪ ،‬وقد يكون موضوع االستشارة مركبا حيث غالبا ما يتم اللجوء‬
‫بشأنه إلى املتخصصين في مجال القانون من أجل بيان الحكم القانوني فيه‪ ،‬ويتطلب وقتا ليس‬
‫باليسير من أجل تقديمها‪.‬‬

‫الصفحة ‪39 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ – 2‬طالب االستشارة ‪:‬‬


‫يتعين على طالب االستشارة تقديم كافة العناصر الواقعية للمستشار القانوني‪ ،‬حتى توافق‬
‫استشارته وصف القانون(‪ ،)1‬وأن يمكنه من أسانيده وحججه التي على ضوئها سيبني املستشار‬
‫القانوني استشارته‪.‬‬
‫ويلتزم طالب االستشارة بتقديم اإليضاحات الالزمة للمستشار حتى يستجلي حكم القانون‬
‫في النازلة‪ ،‬كأن يستوضح منه في جريمة التزييف الحكمي للعالمة التجارية‪ ،‬هل كان على علم بأن‬
‫املنتوجات التي يبيعها مزيفة أم تم التدليس عليه بشأنها ؟‬
‫‪ – 3‬املستشار ‪:‬‬
‫يلزم في املستشار القانوني الذي يتولى النظر في االستشارة القانونية أن يكون من رجال‬
‫القانون املتخصصين كأن يكون أستاذا جامعيا له باع طويل في تدريس القانون(‪ )2‬أو محامي له‬
‫حنكة وتجربة عملية لسنوات أمام املحاكم(‪ )3‬أو موثقا مرموقا في ممارسته املهنية أو مستشارا‬
‫قانونيا متخصصا(‪.)4‬‬
‫واملست شار القانوني من هذا املنطلق ملزم بالتقيد بمجموعة من الضوابط حتى تأتي‬
‫استشارته صحيحة وحتى يصل في نهاية املطاف إلى بيان الحل القانوني للنازلة موضوع االستشارة‪،‬‬
‫وتتجلى هذه الضوابط في(‪: )5‬‬
‫‪ – 1‬يلزمه التجرد في إبداء رأيه القانوني في اإلشكال موضوع االستشارة‪ ،‬وهذا يقتض ي منه‬
‫االبتعاد عن العواطف وامليوالت الذاتية‪ ،‬وعدم ترجيح كفة مصالح طالبها‪ ،‬فاالستشارة القانونية‬
‫ً‬
‫ابتداءا من التحليل‬ ‫الصحيحة تبنى على إعطاء رأي قانوني موضوعي سليم في كل وقائع النازلة‬

‫‪ - 1‬محمد العروصي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.117 :‬‬


‫‪ - 2‬محمد العروصي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.116 :‬‬
‫‪ - 3‬جاء في المادة ‪ 30‬من قانون ‪ 28.08‬المتعلق بتعديل قانون مهنة المحاماة المنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5680‬بتاريخ ‪ 7‬ذو‬
‫القعدة ‪1429‬الموافق ل ‪ 6‬فبراير ‪ 2008‬ما يلي ‪ ":‬يمارس المحامي مهامه بمجموع تراب المملكة مع مراعاة االستثناء المنصوص‬
‫عليه في المادة ‪ 23‬من غير اإلدالء بوكالة‪.‬‬
‫تشمل هذه المهام ‪:‬‬
‫‪.......‬‬
‫‪ – 5‬إعداد الدراسات واألبحاث وتقديم االستشارات وإعطاء فتاوى واإلرشادات في الميدان القانوني؛‬
‫‪." ......‬‬
‫‪ - 4‬عكس ما هو عليه األمر اآلن بالمغرب‪ ،‬حيث إن الواقع العملي أبان عن ممارسة العديد من األشخاص لهذه المهمة في إطار‬
‫شخصي أو تحت غطاء شركات ذات مسؤولية محدودة‪ ،‬بسبب الفراغ التشريعي في الموضوع‪.‬‬
‫‪ - 5‬عبد الواحد شعير ‪ :‬منهجية القراءة القانونية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2001 ،‬ص‪.86:‬‬

‫الصفحة ‪40 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القانوني لهذه الوقائع ومرورا بطرح الفرضيات وباملقتضيات القانونية الواجبة التطبيق وتفسيرها‬
‫ً‬
‫وانتهاء بإعطاء الحل املناسب‪.‬‬ ‫وتأويلها ومناقشتها‬
‫‪ – 2‬إعطاء الرأي املحايد‪ :‬الذي يأخذ بعين االعتبار حكم القانون في موضوع االستشارة‬
‫دون التحيز لرأي شخص ي أو السعي من خالل االستشارة إلى خدمة مصالح طالبها‪ ،‬وقد وصف بعض‬
‫الفقه موقع املستشار القانوني بموقع القاض ي الذي تقدم له الحجج واألسانيد من قبل أطراف‬
‫الخصومة‪ ،‬حيث أنه يلزم بإيجاد الحل القانوني لها معتمدا على ما توفر له من أسانيد وحجج‬
‫األطراف ومن نصوص قانونية ومن اجتهادات فقهية وقضائية في املوضوع(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬أن تأتي في شكل مكتوب وفق قواعد ومن جية تحريرها – على ما سنبينه في الفرع الثاني‬
‫من هذه الدراسة‪ -‬ومن تم وجب توخي الضبط واالحتراز في سوق الكالم على عواهنه دونما أدنى تدبر‬
‫أو تحقيق‪.‬‬
‫وإذا كان شرط الكتابة الزما في االستشارة ذات الطابع املعقد‪ ،‬فإن االستشارة البسيطة والتي‬
‫تأخذ طابعا داخليا(‪ )2‬ال يلزم فيها في بعض األحيان أن تأتي كتابة‪ ،‬بل قد تكون بطريقة شفوية‬
‫يوضح املستشار من خاللها لصاحب االستشارة الحل القانوني في نازلة معينة‪.‬‬
‫‪ – 4‬أن يأتي الرأي القانوني للمستشار واضحا وصريحا ‪ :‬فالوضوح يقتض ي ضرورة اختيار‬
‫األلفاظ الدالة على املعنى القانوني الصحيح(‪ )3‬وهذا يستدعي أن تكون األلفاظ بسيطة غير محتملة‬
‫ألكثر من تأويل‪ ،‬والصراحة تقتض ي اجتناب الغموض(‪ )4‬إذ ال يجوز إعمال النصوص القانونية إال‬
‫بعد استجالء معانيها وتوضيح مفاهيمها ورفع كل التباس ممكن ملحتوياتها‪ ،‬وذلك باستقراء الغاية‬
‫التي من أجلها عمل املشرع على سنها‪ ،‬ولم ال الرجوع إلى صيغة النص باللغة الفرنسية وإلى اإلعمال‬
‫التحضيرية أمام لجنة العدل والتشريع وإلى املناقشات التي عرفها أمام البرملان‪.‬‬
‫‪ – 5‬ضرورة تعليل االستشارة القانونية والعمل على هيكلتها هيكلة متناسقة ومنطقية‪،‬‬
‫تبتدأ بفحص طلب االستشارة وتحديد عناصره الواقعية وما تثيره من نقاط قانونية تستحق‬
‫املعالجة وتبيان النتائج املترتبة عليها او املتفرعة عنها بالرجوع إلى النصوص التشريعية‪ ،‬وطرح‬

‫‪ - 1‬محمد العروصي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.119 :‬‬


‫‪ - 2‬على ما سنأتي على بيانه في المطلب الثاني المتعلق بحاالت االستشارة القانونية وشروطها ‪ ،‬حيث تعني االستشارة الداخلية‬
‫تبعية المستشار للمستشير تبعية قانونية وخضوعه لسلطته الرقابية والتوجيهية‪.‬‬
‫‪ - 3‬وفقا للقاعدة الفقهية الشهيرة " العبرة بالمقاصد والمعاني وليس باأللفاظ والمباني"‪ ،‬حيث إنه متى وصل المستشار القانوني إلى‬
‫تبليغ مضمون ومحتوى الفكرة‪ ،‬وجب الكف عن البحث في األلفاظ التي استعملها في سبيل ذلك‪.‬‬
‫‪ - 4‬عبد الحق الصافي ‪ :‬ما هي الطريقة المعتمدة لكتابة استشارة قانونية؟ محاضرة لطلبة السنة الثانية من السلك األول‪ ،‬مادة‬
‫القانون المدني‪ ،‬كلية الحقوق بالمحمدية‪ ،‬السنة الجامعية ‪.1998-1997‬‬

‫الصفحة ‪41 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫مختلف الفروض‪ ،‬وتعليل سبب أو سند اختيار املستشار لفرض من هذه الفروض‪،‬مع خروجه في‬
‫النهاية بحل يبرز من خالله رأيه القانوني في موضوع االستشارة بصورة موجزة ومركزة ليعتمد عليها‬
‫طالبها فيما ينوي اتخاذه من مسلك‪.‬‬
‫‪ – 6‬تقديم الحل القانوني في النازلة ‪ :‬ونعني به الخالصة التي ينتهي إليها املستشار القانوني‬
‫في نهاية املطاف والتي تمثل جوابا عن اإلشكال املطروح‪ ،‬حيث أنه من غير املتصور أن ال تختتم‬
‫االستشارة القانونية بتبيان الرأي القانوني السديد للمستشار‪ ،‬بغض النظر عن مدى خدمته‬
‫ملصالح طالب االستشارة من عدمه‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬حاالت االستشارة القانونية‬

‫تأتي االستشارة القانونية في عدة صور فقد تكون داخلية يطلب فيها صاحبها من مختص‬
‫يعمل تحت إمرته تقديم الحل القانوني ملسألة معينة‪ ،‬وقد تطلب من رجل القانون‬
‫املتخصص(الفقرة األولى)‪ ،‬كما أنها قد تأتي في نزاع معروض على أنظار القضاء‪ ،‬وقد تطلب ولو لم‬
‫يكن هذا النزاع مطروحا (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬االستشارة القانونية الداخلية واالستشارة الخارجية‬

‫تكون االستشارة القانونية داخلية عندما يلجأ الشخص الذي يطلبها والذي يكون غالبا‬
‫شخصا اعتباريا إلى طلبها من مستشار تابع له يخضع لتوجيهه ورقابته‪ ،‬ومثال ذلك أن يطلب البنك‬
‫من مستشاره القانوني معرفة حكم القانون في املسائل التي تعرض عليه ليعين له الوجه الصحيح‬
‫الذي ينبغي أن يتصرف وفقه حتى ال يتعرض للمساءلة(‪ ،)1‬أو أن تطلب إحدى الكليات من مستشار‬
‫الجامعة معرفة حكم القانون في الشهادة التي منحت للطالبة منذ أزيد من سنتين بالرغم من أنه‬
‫ثبت لها من خالل مراجع النقط التي حصلت عليها باالمتحانات أنها ال تستحق نيلها‪ ،‬هل هي باطلة أم‬
‫أصبحت حقا مكتسبا ؟‬

‫‪ - 1‬عكاشة محمد عبد العال وسامي بديع منصور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.536 :‬‬

‫الصفحة ‪42 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫أما االستشارة القانونية الخارجية فتتحقق عندما يتم طرق باب رجال القانون املختصين‬
‫من أجل استجالء غموض يلف مسألة واقعية معينة‪ ،‬حيث يكون املستشير واملستشار مستقلين‬
‫بعضهما عن بعض‪ ،‬وتتحقق املسألة بعد طرح املشكل على املستشار وقبول هذا األخير االستشارة‬
‫واالتفاق على األتعاب‪ ،‬ومن تم فهي تختلف عن االستشارة القانونية الداخلية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬استشارة في مسألة موضوع نزاع واستشارة قبلية‬

‫قد تطلب االستشارة ملعرفة حكم القانون بخصوص مسألة موضوع نزاع مطروح أمام‬
‫القضاء‪ ،‬وفي هذه الحالة ال يخلو األمر من حالتين ‪ :‬إما أن تكون نتيجة االستشارة في صالح طالبها‬
‫فيقدمها للمحكمة على سبيل االستئناس ليعزز بها موقفه في الخصومة‪ ،‬وإما أن تعارض نتيجتها‬
‫مصالحه فال يقدم على ذلك‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق تتخذ االستشارة –كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪ -‬طابعا عالجيا‪ ،‬حاسما‬
‫للنزاع في املوضوع متى استقامت على املن جية السديدة والرأي القانوني الوجيه‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة إلى أن املحاكم كثيرا ما تستعين بمثل هذه االستشارات من أجل أيجاد‬
‫حلول قانونية لنزاعات تطرح أمامها ألول مرة عند تطبيق نصوص قانونية حديثة أو تفسير التضارب‬
‫الذي قد تخلقه مع نصوص قانونية سابقة‪.‬‬
‫أما االستشارة القانونية في غياب نزاع في املوضوع(‪ )1‬فيعتمدها طالبها ملعرفة حكم القانون‬
‫في واقعة معينة أو تصرف قانوني معين‪ ،‬وهو يتوخى من خاللها عدم التعرض للمساءلة القانونية(‪)2‬‬
‫أو تجنب خسارة مالية فادحة(‪ )3‬أو تعزيز موقفه التفاوض ي عند إبرام الصفقات مع عمالئه‪.‬‬
‫وتمتاز االستشارة القانونية في هذه الحالة بكونها ذات طائع وقائي‪ ،‬حيث تأخذ شكل تدبير‬
‫مسبق لتفادي الوقوع في املساءلة أو الخسارة‪.‬‬

‫‪ - 1‬أو كما سميتها شخصيا باالستشارة القبلية بسبب أنها تكون سابقة على طرح النزاع أمام القضاء‪.‬‬
‫‪ - 2‬كما هو الشأن بالنسبة لرغبة المشغل في سلوك المسطرة القانونية من أجل فسخ عقد عمل مع أجير تبين له أنه لم يعد يرغب في‬
‫اشتغاله لديه‪.‬‬
‫‪ - 3‬كتقديم استشارة حول الطريقة المثلى لتسريع وثيرة اإلجراءات المتطلبة لمرور بضاعة سريعة التلف دون عوائق من إدارة‬
‫الجمارك‪.‬‬

‫الصفحة ‪43 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬منهجية االستشارة القانونية‬

‫تمتاز من جية االستشارة القانونية بكونها تنضوي تحت خانة منااج البحث العلمي القانوني‬
‫القصير‪ ،‬ومن هذا املنطلق كان البد لها من أن تسلك من جية خاصة بها سنعمل على تبيانها في‬
‫املطلب األول‪ ،‬على أننا سنجازف(‪ )1‬بتقديم نموذج تقريبي خاصة باالستشارة القانونية في املطلب‬
‫الثاني‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬منهجيـة االستشـارة القانونيـة‬

‫تقوم من جية االستشارة القانونية على من جية خاصة تعتمد في شقها األول العناصر‬
‫الجوهرية في من جيات البحث العلمي‪ ،‬وتستقل في شق ثاني بخصوصيات تستمدها من طبيعتها‪،‬‬
‫ويؤدي دمج هاذين املعطيين إلى نشوء استشارة قانونية صحيحة وسديدة‪.‬‬
‫فعلى غرار باقي منااج البحث العلمي القانوني التي تتطلب في تحليلها مقدمة وعرض‬
‫وخاتمة‪ ،‬نجد أن من جية تحرير االستشارة القانونية تسير في نفس املنوال من حيث الشكل ذلك أنها‬
‫تنطلق من مقدمة تمهد للموضوع محل االستشارة (الفقرة األولى)‪ ،‬ويتوسطها عرض يتم فيه تفسير‬
‫وتكييف الوقائع وطرح الحلول وانتقاء السديد منها (الفقرة الثانية)‪ ،‬وأخيرا يقع ختمها بخاتمة يجد‬
‫فيها طالب االستشارة الجواب الشافي إلشكاله (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬املقـدمـة‬

‫بعد أن يطلب املستشار من طالب االستشارة جملة من العناصر الواقعية املتوفرة لديه‬
‫وكافة األوراق واملستندات املتعلقة بعملية االستشارة‪ ،‬يتم عرض هذه وقائع وفق تسلسل األحداث‬
‫مراعيا في ذلك تعاقبها زمنيا‪ ،‬مع ضرورة ربطها باملقتضيات التشريعية وبيان املشاكل القانونية‬
‫املطروحة في شكل تساؤالت‪ ،‬يعلق عليها حل النازلة‪ ،‬حيث يعمد املستشار إلى تقديم التقسيم املالئم‬

‫‪ - 1‬واألمر حقا يستدعي المجازفة على اعتبار أنها أول مرة أقوم بتقديم نموذج الستشارة قانونية استقيت حكمها من محاضرات ذ‬
‫عبد اللطيف هداية هللا في األسدس الثالث من سلك ماستر قانون األعمال المتعلقة بمادة الملكية الصناعية‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2010/2009‬‬
‫يضاف إلى ذلك أن هذا النموذج سوف يعرض على أنظار أستاذنا الجليل‪ ،‬فأرجو منه العذر على ما قد يشوبه من تقصير أو‬
‫خلل‪.‬‬

‫الصفحة ‪44 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وفق التقسيمات الصغرى(‪ ،)1‬هذا األخير الذي يختلف باختالف عدد األسئلة املطروحة‪ ،‬ويتم تفريع‬
‫كل سؤال إلى مجموعة أجزاء حسب النقاط الواردة في الوقائع‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬الع ــرض‬

‫يتم فيه ضبط نطاق الوقائع وفق ما تم اقتراحه من تقسيم في املقدمة‪ ،‬حيث يستخلص‬
‫املستشار النقاط التي تستحق املعالجة ويبين النتائج القانونية املترتبة عليها أو املتفرعة منها إن‬
‫وجدت‪ ،‬وهو يستهدي في سبيل ذلك بمصادر القاعدة القانونية ويركز على اآلراء الفقهية‬
‫واالجتهادات القضائية في املوضوع‪ ،‬ومن تم يتعين على املستشار ضبط القواعد القانونية واالكتفاء‬
‫بما لها من صلة مباشرة بالواقعة(‪ ،)2‬واستحضار النوازل السابقة في املوضوع من أجل تبيان أوجه‬
‫التقارب بينها وبين الواقعة محل االستشارة‪.‬‬
‫ويستحسن قبل ذلك أن يبدأ املستشار بتحليل النصوص القانونية واستجالء الغموض‬
‫الذي قد يكتنفها ويلتزم حكم النص الواضح الصريح‪ ،‬ويقوم بإسقاطها على وقائع النازلة(‪ ،)3‬فإن‬
‫كان النص واضحا صريحا فال إشكال‪ ،‬وإن كان يكتنفه الغموض فسره وفق قواعد التفسير الفقهية‬
‫وعلى ضوء االجتهادات القضائية السابقة‪.‬‬
‫وإذا كانت القاعدة القانونية املنطبقة على موضوع االستشارة محل خالف في الفقه‬
‫والقضاء أشار املستشار إلى اآلراء الفقهية والقضائية في املوضوع‪ ،‬حيث يشير في البداية إلى الرأي‬
‫الذي ال يكون متوافقا مع أحداث النازلة ويسترسل في تقديم اآلراء إلى أن يصل إلى الرأي الذي يساير‬
‫ويوافق النازلة(‪.)4‬‬
‫غير أنه إذا كان لدى املستشار القانوني بعض االستفسارات التي ترتبط باإلجابة أو بالرأي‬
‫القانوني دون أن يتوقف الطرح عليها‪ ،‬فإنه يعمد إلى طرح التساؤل أو االفتراض ويضعه في سياق‬
‫اإلجابة(‪ ،)5‬مثال ذلك إذا كانت االستشارة املطلوبة تتعلق بدعوى أقامها أجير كان يشتغل لدى‬

‫‪ - 1‬عبد الواحد شعير‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.88 :‬‬


‫محمد العروصي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.120 :‬‬
‫‪ - 2‬محمد العروصي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.121 :‬‬
‫‪ - 3‬عكاشة محمد عبد العال‪ ،‬سامي بديع منصور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.539 :‬‬
‫‪ - 4‬محمد العروصي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.121 :‬‬
‫‪ - 5‬د‪ .‬عمر الخولي‪ :‬كيف تقوم بإعداد استشارة قانونية‪ ،‬المقال منقول من مجلة القانون – العدد الثالث‪،‬‬
‫‪www.showthread.php.htm‬‬ ‫ذو القعدة ‪1427‬هـ ‪ -‬ديسمبر ‪2006‬م‪ ،‬الموقع االلكتروني ‪:‬‬

‫الصفحة ‪45 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املشغل صاحب االستشارة ولم يقم هذا األخير بتقديم كافة التفاصيل التي يحتاجها املستشار للبت‬
‫في االستشارة‪ ،‬كطبيعة عقد العمل هل هو محدد املدة أم أن مدته غير محددة؟ فال بأس من اللجوء‬
‫إلى االستطراد ملواجهة االحتماالت بحيث يمكن للمستشار أن يضيف بعض االحتماالت ويجيب على‬
‫كل احتمال على حدة‪ ،‬كأن ال يتم تحديد مدة عقد العمل‪ :‬هل هو محدد أو غير محدد املدة‪ ،‬حيث‬
‫يجيب املستشار بالفرضيات التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان عقد العمل محدد املدة‪ ،‬فاألجير يستحق تعويضا عن إنهاء عقد العمل املحدد‬
‫املدة وفق مقتضيات املادة ‪ 33‬من مدونة الشغل أي مبلغ األجور املستحقة عن الفترة املتراوحة ما‬
‫بين تاريخ إنهاء العقد واألجل الطبيعي إلنهائه‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان عقد العمل غير محدد املدة واشتغل األجير لدى املشغل ملدة توازي أو تفوق ‪6‬‬
‫أشهر فإنه يستحق التعويضات وفق ما هو مقرر في املواد من ‪ 52‬إلى ‪ 60‬من مدونة الشغل‪.‬‬
‫على أنه يجب التنويه إلى أن كثرة االستطرادات نتيجة كثرة الفرضيات واالحتماالت التي لم‬
‫ترد اإلشارة إليها في االستشارة‪ ،‬تضعف من قيمة االستشارة‪ ،‬وتؤدي إلى تشتت ذهن قارئ االستشارة‪،‬‬
‫لذا فإنه في حالة عدم وضوح عدد من النقاط في االستشارة أو التساؤل من األفضل أن يعمل‬
‫املستشار على حصرها وتوجيهها كتابة إلى الجهة طالبة االستشارة من أجل الحصول على معلومات‬
‫وافية بشأنها‪.‬‬
‫من الناحية املن جية يفضل بعض الفقه أن يتضمن العرض مبحثين فقط‪ ،‬وذلك حتى يتم‬
‫التركيز أكثر ما يمكن على النقاط األساسية في االستشارة دون التوسع في تحليلها لكون ذلك يتنافى مع‬
‫ما تستدعيه االستشارة من اختصار وتركيز(‪.)1‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬الخاتمـة‬

‫وهي مفروضة والزمة‪ ،‬لكونها تشكل تلخيصا للرأي القانوني في املسألة محل التساؤل بعبارات‬
‫موجزة ومقتضبة يركن إليها طالب االستشارة فيما ينوي اتخاذه من إجراء كان بمثابة الباعث من‬
‫وراء طلبها‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الواحد شعير‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.88 :‬‬

‫الصفحة ‪46 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ويجب على املستشار القانوني في الخاتمة أن يجيب على سؤال محوري يكون قد سبق له أن‬
‫أثاره في املقدمة‪ ،‬يتجلى في تبيان الحل القانوني لإلشكال القائم‪ ،‬وذلك في قالب موضوعي ومركز‬
‫يتبنى موقف معين من الواقعة يحسم من خالله اإلشكال املحوري‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬نمـوذج استشـارة قانونيـة‬

‫اعتبرت من جانبي الشخص ي أن موضوع االستشارة القانونية يعتبر من بين املواضيع الهامة‬
‫التي قد تطرح مستقبال لكل باحث في املجال القانوني‪ ،‬ذلك أنه بقدر ما يزداد مستوى املعرفة‬
‫العلمية القانونية وترقى درجة الطالب في البحث والتنظير العلمي بقدر ما يكون من الالزم عليه أن‬
‫يجيب ويتصدى ملختلف اإلشكاالت التي تطرح في الواقع العملي‪ ،‬بحيث ال يسمح لهذا األخير التذرع‬
‫بعدم معرفة الجواب الشافي لإلشكال املطروح‪ ،‬واألمر ال يعدو أن يكون في جميع األحوال مجرد‬
‫ً‬
‫محاولة شخصية إلسقاط النص القانوني على الواقع العملي‪ ،‬إسقاطا يراعي ويتوخى تطبيقه تطبيقا‬
‫سليما‪.‬‬
‫من هنا ارتأيت أن أتقدم بنموذج الستشارة قانونية تتعلق بحالة استرعت انتباهي وتمت‬
‫مناقشتها بمناسبة دراسة مادة قانون امللكية الصناعية(‪ ،)1‬واألمر يتعلق هنا بما نص عليه املشرع‬
‫في الفقرة الثانية من املادة ‪ 201‬من قانون ‪ 17.97‬واملتعلقة بالتزييف الحكمي‪ ،‬فإليكم موضوع‬
‫االستشارة‪:‬‬
‫قام زيد –وهو تاجر مالبس رياضية‪ -‬باقتناء أحذية رياضية من نوع معين من أجل إعادة‬
‫بيعها من جديد وتحصيل فارق الثمن‪ ،‬خاصة بعدما أغواه سعرها البخس بتحقيق ربح كبير‪ ،‬بيد‬
‫أنه بعد مدة قصيرة فوجئ بمفوض قضائي يجري له محضر حجز وصفي للبضاعة على اعتبار أنها‬
‫بضاعة مزيفة وأن الشركة املتضررة من عمل التزييف تطالبه في إطار دعوى التزييف بالكف عن‬
‫ترويج املنتوج املزيف وتطلب من املحكمة مصادرة املنتوجات املزيفة وإتالفها‪ ،‬وأدائه لها تعويضا عن‬
‫الضرر الذي لحقها جراء ذلك‪.‬‬

‫‪ - 1‬لألمانة العلمية فنموذج االستشارة تم اقتباسه من نماذج اإلستشارة التي أوردها ذ عبد الواحد شعير في كتابه منهجية القراءة‬
‫القانونية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2001 ،‬ص‪.89 :‬‬

‫الصفحة ‪47 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وهكذا‪ ،‬أصبح زيد يبحث عن وسيلة قانونية من أجل تجنب خسارة باتت مؤكدة ومن أجل‬
‫تجنب املس بسمعته التجارية أمام الفاعلين االقتصاديين بالسوق وتجاه الزبناء على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬فتقدم باستشارة قانونية إلى أحد املختصين من أجل تبيان حكم القانون في النازلة‪.‬‬
‫سنعمل إذن على تحليل هذه االستشارة من خالل تقسيمها إلى ثالثة محاور أساسية‪ ،‬مع‬
‫اإلشارة إلى أن هذه املحاور لن تظهر عند تقديم اإلشتسارة وفق صيغتها النهائية بل استدعتها من جية‬
‫التقسيم ‪:‬‬

‫الفقرة األولـى ‪ :‬املقدمـة‬

‫تأتي مقدمة استشارتنا على الشكل التالي ‪:‬‬


‫تتلخص وقائع النازلة في اقتناء زيد أحذية رياضية من نوع معين من أجل إعادة بيعها من‬
‫جديد وتحصيل فارق الثمن‪ ،‬خاصة بعدما أغواه سعرها البخس بتحقيق ربح كبير‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة في هذا الباب وحسب تصريحات زيد أنه ليس خبيرا في األحذية الرياضية بل‬
‫إن عمله يتوقف على شرائه بالجملة وإعادة بيعها إلى زبنائه وتحصيل فارق الربح‪.‬‬
‫من هنا يثار السؤال املحوري حول التكييف القانوني للعمل الذي قام به زيد واملتمثل في‬
‫اقتناء أحذية رياضية مزيفة دون علمه بتزييفها‪ ،‬والذي يتفرع عنه سؤاالن ‪:‬‬
‫‪ -‬هل تم تسجيل عالمة الشركة املدعية بعدما استوفت جميع الشروط املوضوعية‬
‫والشكلية املتطلبة قانونا إلقرار الحماية؟‬
‫‪ -‬هل يعتبر فعل زيد اقترافا لجريمة التزييف كما هي واردة في قانون ‪ 17.97‬؟‬
‫سنعمل على تناول ذلك من خالل تقسيم هذه االستشارة إلى شقين ‪ :‬شق أول نتناول فيه‬
‫مدى استيفاء الشروط املوضوعية والشكلية لتسجيل العالمة التجارية‪ ،‬ثم نعرض في الشق الثاني‬
‫للتكيف القانوني ملا قام به زيد‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬العــرض‬

‫سنتقسم موضوعنا إلى شقين ‪ :‬شق أول نتناول فيه مدى استيفاء الشركة املصنعة لألحذية‬
‫الرياضية األصلية للشروط املوضوعية والشكلية لتسجيل عالمتها التجارية‪ ،‬وفي الشق الثاني نعرض‬
‫للتكييف القانوني للعمل الذي أقدم عليه زيد‬
‫الصفحة ‪48 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الشق األول ‪ :‬الشروط املوضوعية والشكلية‬

‫بعد االطالع على شهادة التسجيل املتعلقة بعالمة الشركة املصنعة لألحذية الرياضية‬
‫األصلية تبين ما يلي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أنها استوفت الشروط املوضوعية ‪ :‬من شرط الصفة املميزة وشرط الجدة وشرط‬
‫املشروعية وفق ما نص عليه قانون ‪ ،17.97‬وبالتالي فال مجال للحديث عن اختالل شرط من هذه‬
‫الشروط وبالتالي سقوط حق الشركة املذكورة في املطالبة بالحماية القانونية لعالمتها التجارية‪.‬‬
‫‪ – 2‬أما بخصوص الشروط الشكلية ‪ :‬فقد تبين بعد االطالع على شهادة التسجيل الخاصة‬
‫بالعالمة التجارية أنها استوفت شروط اإليداع والتسجيل‪ ،‬بيد أن املدة القانونية املقررة للحماية‬
‫املنصوص عليها في املادة ‪ 152‬من القانون رقم ‪ 17.97‬وهي عشر سنوات من تاريخ إبداع العالمة قد‬
‫تم استيفائها‪ ،‬وأن الشركة املذكورة لم تعمد إلى تقديم طلب تجديد التسجيل داخل ‪ 6‬أشهر‬
‫السابقة أو ‪ 6‬أشهر الالحقة إلنتهاء مدة الحماية القانونية‪ ،‬مما يسقط حقها في طلب الحماية‬
‫القانونية لعالمتها التجارية األصلية‪ ،‬وتكون بذلك قد تنازلت عنها ودخلت في امللك العام‪.‬‬

‫الشق الثاني ‪ :‬التكييف القانونـي‬

‫بعدما عاقبت الفقرة األولى من املادة ‪ 201‬من القانون رقم ‪ 17.95‬عن التزييف املادي الذي‬
‫يقدم عليه منتج العالمة التجارية‪ ،‬نجد الفقرة الثانية من ذات املادة تنص على تزييف من نوع آخر‬
‫وهو يقوم متى قام بائع املنتوجات املزيفة بعرضها للبيع وهو عالم بأنها مزيفة ‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاملشرع من خالل هذه املادة افترض حكما أن علم البائع بتزييف العالمة التجارية‬
‫للبضائع التي يقوم بترويجها يستوجب توقيع الجزاءات املدنية والجنائية عليه‪ ،‬على اعتبار أنه سعى‬
‫بسوء نيته إلى اإلضرار بمالك العالمة األصلية‪.‬‬
‫وفي نازلة الحالة يتبين بجالء أن زيد كان ال يعلم كون البضاعة التي بيعت إليه مزيفة‪،‬‬
‫وسندنا في ذلك قلة خبرته الصناعية‪ ،‬حيث أن عمله كان يقتصر على بيعها دون البحث في مكوناتها‬
‫ومميزاتها‪ ،‬والتي تستدعي منه تكوينا خاصا‪.‬‬

‫الصفحة ‪49 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وحتى على فرض علمه بذلك‪ ،‬فإن عبء اإلثبات يقع على الشركة باعتبار أنها هي التي تدعي‬
‫العلم بكون البائع على دراية بكون املنتوجات املعروضة مزيفة‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬ال يمكن اعتبار زيد مزيفا لصراحة نص املادة ‪ 201‬ولعدم إثبات الشركة ذات‬ ‫ً‬
‫العالمة األصلية لسوء نية زيد‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬الخاتمـة‬
‫يقع ما ادعته الشركة املصنعة للعالمة األصلية باطال من جانبين ‪:‬‬
‫‪ – 1‬لعدم تمتعها بالحماية القانونية املقررة بسبب عدم تجديدها لطلب تسجيل العالمة‬
‫التجارية داخل املدة القانونية وفق اإلجراءات القانونية املنصوص عليها في املادة ‪ 152‬من القانون‬
‫رقم ‪ 17.97‬املتعلق بحماية امللكية الصناعية‪.‬‬

‫‪ – 2‬لصراحة نص املادة ‪ 201‬من القانون رقم ‪ 17.97‬خاصة الفقرة الثانية والتي تشترط‬
‫العتبار العارض مزيفا علمه بكون البضاعة التي يروجها مزيفة‪ ،‬وهو األمر الذي عجزت عن إثباته‬
‫الشركة‪.‬‬
‫مما يبقى معه التكييف القانوني للعمل الذي أقدم عليه زيد ال يمكن اعتباره بأي حال من‬
‫األحوال جريمة تزييف‪ ،‬ومن ثم ال يمكن تطبيق الجزاءات املدنية والجنائية في حقه‪.‬‬
‫لقد كانت الغاية من تحرير هذا املقال املتعلق باملن جية التي يمكن اتباعها من أجل تقديم‬
‫االستشارة القانونية سواء جاءت في شكلها الشفوي أو الكتابي‪ ،‬وسواء كانت سابقة لقيام النزاع أو‬
‫بمناسبة عرضه على هيئات الوساطة والتحكيم والقضاء‪ ،‬هو تسليط الضوء على هذه اآللية التي‬
‫كثيرا ما يلجأ إليها األشخاص سواء كانوا ذاتيين أو اعتباريين من أجل استجالء رأي القانون في نوازل‬
‫ووقائع معينة‪.‬‬
‫ويزيد الفراغ التشريعي الذي يعرفه تأطير االستشارة القانونية في تطاول العديد على هذه‬
‫العملية وادعاء املعرفة القانونية رغم عدم توفرهم على املؤهل العلمي والتجربة املطلوبة‪ ،‬مما قد‬
‫تكون نتائجه عكسية على طالب االستشارة وعوض أن تؤهله االستشارة إلى إيجاد املخرج القانوني‬
‫والحل الصحيح لإلشكال املطروح‪ ،‬قد تزيد هذه األخيرة من تعميقه‪ ،‬لذلك فقد بات من الالزم تدخل‬
‫املشرع املغربي من أجل تأطير هذه العملية وتحديد شروط وصالحيات القائمين عليها ضمانا لتحقيق‬
‫األمن واالستقرار القانوني لكونها تشكل أهم مدخل من مداخل املساعدة القانونية في مفهومها‬
‫الشامل‪.‬‬
‫الصفحة ‪50 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تفاوت الضمانات الحمائية للمرأة‬


‫بين‬
‫مدونة الشغل وقانون الوظيفة العمومية‬
‫مقال دراسة مقارنة‬
‫دة‪ .‬خديجة أبوالقاسم‬
‫دكتورة في القانون الخاص‬
‫أستاذة زائرة بكلية الحقوق عين السبع‬
‫جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء‬
‫‪ -‬مقدمة ‪:‬‬
‫يشكل الحق في الشغل أحد الحقوق االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬الذي عرف اهتماما خاصا‬
‫من لدن معظم املعاهدات العاملية واملواثيق الدولية‪ .‬حيث كرسه اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫من خالل املادة ‪ 23‬منه‪ ،‬التي نصت على أن ‪" :‬لكل شخص الحق في العمل وفي حرية اختيار عمله‪،‬‬
‫وفي شروط عادلة ومرضية‪ ،‬وفي الحماية من البطالة"‪.‬‬

‫واملغرب‪ ،‬باعتباره دولة الحق والقانون‪ ،‬كفل هذا الحق دستوريا‪ ،1‬وأكد على احترامه‪ ،‬عبر‬
‫التنصيص على مجموعة من الضمانات‪ ،‬أهمها ‪ :‬عدم التمييز بين الجنسين ألي سبب من األسباب‪.‬‬

‫ولئن كانت املرأة تساهم في عملها‪ ،‬جنبا إلى جنب مع الرجل‪ ،‬فإن التطورات االقتصادية‬
‫واالجتماعية التي عرفها املغرب‪ ،‬ساهمت‪ ،‬بشكل مباشر‪ ،‬في تقوية مشاركة اليد العاملة النسوية‪،‬‬
‫ومساهمتها في تنمية االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫‪ - 1‬كرست دساتير المملكة المغربية الحق في الشغل‪ ،‬وآخرها الدستور الجديد لسنة ‪ ،2011‬من خالل الفصل ‪ 31‬منه‪ ،‬بواسطة‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.91‬الصادر في ‪ 27‬شعبان ‪ 29( ،1432‬يوليو ‪ ،2011‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5964 :‬مكرر‪،‬‬
‫بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 1432‬الموافق ل ‪ 30‬يوليوز ‪.2011‬‬

‫الصفحة ‪51 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وجدير بالذكر أن االهتمام بضرورة إدماج املرأة‪ ،‬في عملية التنمية‪ ،‬إلى جانب الرجل‪،1‬‬
‫شكل أحد أبرز انشغاالت اإلرادة امللكية‪ ،‬التي بلورها صاحب الجاللة امللك محمد السادس‪ ،‬في أول‬
‫خطاب له منذ توليه العرش‪ ،‬حيث عد النساء شقائقا للرجال‪ ،2‬أخذا بالحديث الشريف ‪" :‬إنما‬
‫‪3‬‬
‫النساء شقائق الرجال"‪.‬‬

‫وقد نظم املشرع املغربي عمل املرأة العاملة ‪ -‬أجيرة كانت أم موظفة‪ -‬ضمن إطار قانوني‬
‫مزدوج‪ ،4‬بحسب طبيعة عالقة التبعية الرابطة بين األجيرة ومشغلها‪ ،‬وطبيعة العالقة النظامية‬
‫للموظفة إزاء اإلدارة‪.‬‬

‫وانطالقا من األهمية النظرية والعملية لهذا االختالف‪ ،‬والتي شكلت الباعث األساا ي في‬
‫اختيارنا لهذا املوضوع وتناوله‪ ،‬وذلك بهدف تسليط الضوء على الحماية التي تتمتع بها املرأة‪ ،‬من‬
‫خالل مدونة الشغل والقانون األساا ي للوظيفة العمومية‪.‬‬

‫وتأسيسا عليه‪ ،‬ستتم معالجة هذا املوضوع‪ ،‬استنادا إلى اإلجابة عن اإلشكالية التالية ‪:‬‬

‫ما هي تجليات تفاوت الضمانات الحمائية للمرأة قبل وبعد املساراملنهي؟‬

‫ومن أجل‪ ،‬اإلجابة على هذه اإلشكالية‪ ،‬واإلحاطة بها من مختلف جوانبها‪ ،‬ارتأينا مالمسة‬
‫هذه الورقة البحثية‪ ،‬وفق التصميم اآلتي ‪:‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬مظاهرتفاوت الحماية القبلية‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬مظاهرتفاوت الحماية البعدية‬

‫‪ - 1‬أحمد إد الفقيه إشكالية الشغل النسوي المرأة العاملة والقانون االجتماعي المغربي‪ ،‬منشورات كلية الشريعة بأكادير رسائل‬
‫وأطروحات جامعية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1996 ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪ - 2‬جاء في خطاب ألقاه جاللة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة واألربعين لثورة الملك والشعب بتاريخ ‪ 20‬غشت‬
‫‪" :1999‬وكيف ي تصور بلوغ رقي المجتمع وازدهاره والنساء اللواتي يشكلن زهاء نصفه تهدر مصالحهن في غير مراعاة لما‬
‫منحهن الدين الحنيف من حقوقهن بها شقائق الرجال تتناسب ورسالتهن السامية في إنصاف لهن مما قد يتعرضن له من حيف أو‬
‫عنف مع أنهن بلغن مستوى نافسن به الذكور سواء في ميدان العلم أو العمل"‬
‫‪ - 3‬حديث صحيح أخرجه اإلمام أحمد في باقي مسند األنصار من حديث أم سليم بن ملحان‪.‬‬
‫‪4‬يتعلق األمر بقانون الوظيفة العمومية وقانون الشغل‬

‫الصفحة ‪52 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املبحث األول ‪ :‬مظاهرتفاوت الضمانات الحمائية قبل املساراملنهي‬

‫إن التوظيف في منصب من املناصب يقع عن طريق املباريات‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬فيما عدا‬
‫األعوان املتعاقدين املؤقتين واملياومين والعرضيين‪ ،‬فضال عن أن التوظيف‪ ،‬في إدارة ما‪ ،‬مشروط‬
‫بتوفر منصب مالي‪ ،‬مطابق للوظيفة املطلوبة‪ .‬أما النسبة للقطاع الخاص‪ ،‬فليجأ املشغل إلى فتح‬
‫باب التشغيل‪ ،‬حسب االحتياجات املهنية ملقاولته‪.‬‬

‫وانطالقا من هذا التباين‪ ،‬سيتم تخصيص املطلب األول ‪ :‬للحديث عن االختالف‪ ،‬على‬
‫مستوى الشروط العامة والخاصة للتوظيف والتشغيل‪ ،‬فيما يتفرد املطلب الثاني ‪ :‬للتباين الكائن‬
‫على مستوى آليات التشغيل والتوظيف‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬اختالف الشروط العامة والخاصة‬

‫على مستوى التوظيف والتشغيل‬

‫ال مراء في أن الدستور يكفل حق الولوج إلى الوظائف ومناصب الشغل‪ ،‬لكافة املواطنين‪،‬‬
‫على قدم املساواة‪ ،1‬شريطة خضوع املرشح لشروط عامة وأخرى خاصة‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬اختالف الشروط العامة‬

‫ينص الفصل ‪ 221‬من النظام األساا ي للوظيفة العمومية‪ ،1‬على الشروط العامة الواجب‬
‫توفرها في املرشحين‪ ،‬الراغبين في الولوج إلى إحدى الوظائف العمومية‪ ،‬والتي يمكن إجمالها في اآلتي ‪:‬‬

‫‪ - 1‬راجع الفصل ‪ 31‬من الدستور المغربي ‪.2011‬‬


‫‪ - 2‬ينص الفصل ‪ 21‬من النظام األساسي للوظيفة العمومية على أنه ‪" :‬ال يمكن ألي شخص أن يعين في الوظائف العمومية إن لم‬
‫تتوفر فيه الشروط اآلتية‪:‬‬

‫الصفحة ‪53 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫شرط التمتع بالجنسية وبالحقوق الوطنية واملروءة‪.‬‬ ‫‪−‬‬


‫شرط التمتع بالقدرة البدنية‪.‬‬ ‫‪−‬‬

‫أوال ‪ :‬شرط التمتع بالجنسية و بالحقوق الوطنية واملروءة‬

‫إن اشتراط الجنسية اليثير حزازات في إطار القطاع الخاص‪ ،‬نظرا ملا يتمتع به هذا القطاع‬
‫من مرونة في التشغيل‪ ،2‬إال أنه يالحظ اختفاء هذه املرونة‪ ،‬بفعل فرض املشرع املغربي لضرورة توفر‬
‫الجنسية املغربية‪ ،‬وجوبا‪ ،‬من أجل االلتحاق بالوظائف العمومية‪ ،‬حيث إن تجريد املوظفة من‬
‫الجنسية املغربية‪ ،‬يسفر‪ ،‬حتما‪ ،‬عن عزلها من املنصب العمومي الذي تشغله‪.‬‬

‫كما جعل توظيف األجانب محظورا‪ ،‬إال في حاالت ضيقة‪ ،‬أهمها الحاجة إلى بعض الخبرات‬
‫األجنبية‪ ،‬التي ال يتوفر عليها املواطنون‪ ،‬أو في حالة املعاملة باملثل مع الدول األخرى‪ ،‬وكذا من‬
‫الالجئين‪ ،‬الذين حرموا من فرص العمل فوق تراب أوطانهم‪.‬‬

‫وأما بخصوص شرط التمتع بالحقوق الوطنية‪ 3‬لألجيرة‪ ،‬فلم يتم التنصيص عليه‪ ،‬صراحة‪،‬‬
‫فيما يخص التشغيل بالقطاع الخاص‪ ،‬لكن باملقابل‪ ،‬فرض املشرع كال من األمانة‪ ،‬والصدق‬
‫واإلخالص‪ ،‬وغياب اإلدانة الجنائية‪ ،‬على كل مرشح ملنصب شغل جديد‪.‬‬

‫‪ −‬أن تكون له الجنسية المغربية‪.‬‬


‫‪ −‬أن تكون متمتعا بالحقوق الوظيفة‪ ،‬وذا مروءة‪،‬‬
‫‪ −‬أن يكون مستوفيا لشروط القدرة البدنية التي يتطلبها القيام بالوظيفة‬
‫‪ −‬إذا لم يكن في وضعية تتفق ومقتضيات الخدمة العسكرية‪.‬‬
‫‪ - 1‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.58.008‬بتاريخ ‪ 24‬فبراير ‪ ،1958‬كما تم تغييره وتتميمه بموجب القانون رقم ‪ 05.50‬بتاريخ ‪18‬‬
‫فبراير ‪ ،2011‬ج‪.‬ر‪ ،‬ع‪ 5944 :‬بتاريخ ‪ 19‬مايو ‪ ،2011‬ص‪.2630 :‬‬
‫‪ 2‬مريم بندوز‪ ،‬مبدأ المرونة في عالقات الشغل الفردية على ضوء مدونة الشغل‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون األعمال‬
‫والمقاوالت‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬السويسي الرباط‪ ،‬السنة ‪،2010‬ص‪.10 :‬‬
‫‪ 3‬أحمد محمد قاسمي‪ ،‬التوظيف باإلدارات العمومية والجماعية وأجهزة تدبير شؤون الموظفين‪ ،‬ط األولى‪ ،2003 ،‬ص‪.98 :‬‬

‫الصفحة ‪54 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ثانيا ‪ :‬شرط التمتع بالقدرة البدنية ‪:‬‬

‫إن الهدف من إقرار شرط التمتع بالقدرة البدنية‪ ،‬يرمي إلى ضرورة التأكد من قدرة‬
‫املرشحة لشغل وظيفة ما‪ ،‬من مدى قدرتها على تحمل أعبائها‪ ،‬صحيا وجسديا‪ ،‬والتأكد‪ ،‬كذلك‪ ،‬من‬
‫سالمتها من األمراض املعدية‪ ،‬وكذا العاهات املستديمة‪ ،‬التي قد تعجزها أو تعيقها عن تأدية عملها‪.‬‬

‫ويتم إثبات تحقق هذا الشرط‪ ،‬من خالل شهادة طبية من مستشفى حكومي‪ ،‬تحت طائلة‬
‫إلغاء قرار تعيينها من قبل الجهة املختصة‪ ،‬متى اكتشف ذلك‪ ،‬مع حفظ حق املتضررة في مطالبة‬
‫‪1‬‬
‫اإلدارة‪ ،‬بكافة مستحقاتها عن املدة التي قضتها بالعمل‪.‬‬

‫وأما بالنسبة لألجيرة‪ ،‬فتخضع‪ ،‬وجوبا‪ ،‬لفحوصات وقائية‪ ،‬تبين مدى قدرتها على مزاولة‬
‫العمل وشغل املنصب الذي أسند إليها‪ ،‬وهو األمر الذي نصت عليه املادة ‪ 327‬من مدونة الشغل‪،‬‬
‫والتي تؤكد على ما مفاده‪ ،‬أن املشغل هو املسؤول الوحيد عن إخضاع األجير للفحوصات‪ ،‬قبل‬
‫الشروع في عمله‪ ،‬أو بعد إتمام فترة االختبار‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬اختالف الشروط الخاصة‬

‫باإلضافة إلى الشروط العامة لاللتحاق بعالم الشغل سابق الذكر‪ ،‬هناك أيضا شروط‬
‫خاصة ترتبط وطبيعة األنشطة اإلدارية‪ ،‬واحتياجات كل مشغل على حدة‪ ،‬وما يتطلبه األمر من‬
‫كفاءات علمية‪ ،‬وقدرات ذهنية وبدنية‪ ،‬والتي تجسد بدورها آلية لضبط عملية التشغيل‪ ،‬وتتجلى‪،‬‬
‫عموما‪ ،‬هذه الشروط في ما يلي ‪:‬‬

‫‪ - 1‬لل مزيد من التفصيل الرجوع إلى كتاب مليكة الصروخ‪ ،‬النظام القانوني للموظف العمومي المغربي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،1994،‬ص‪.129 :‬‬

‫الصفحة ‪55 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫أوال ‪ :‬شرط التمتع بالسن القانوني واملؤهل العلمي‬

‫تتفق فلسفة تحديد حد أدنى لسن التوظيف‪ ،‬مع بلوغ املواطن سن النضج‪ ،‬الذي يصبح‬
‫معه قادرا على التصرف‪ ،‬وتحمل األعباء امللقاة على عاتقه‪ ،‬ويكون قد وصل إلى مرحلة معينة من‬
‫التعليم‪ ،‬تخوله الحد األدنى من املعارف‪ ،‬للقيام بالواجبات الوظيفية‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬تتجلى الغاية‪ ،‬من‬
‫تحديد الحد األقص ى‪ ،‬في إبعاد كبار السن عن الوظيفة العمومية‪ ،‬ألن النشاط والقدرة على العمل‬
‫واإلنتاج‪ ،‬قد تضعف وتقل مع التقدم في السن‪.‬‬

‫وإذا ما رجعنا إلى النظام األساا ي للوظيفة العمومية‪ ،‬نجد أنه لم يتعرض لشرط السن‪،‬‬
‫وأعزى هذه املهمة لألنظمة الخاصة التي حددت الحد األدنى لسن التوظيف‪ ،‬والذي يتراوح ما بين ‪18‬‬
‫و‪ 21‬سنة‪ ،‬بالنسبة للوظائف البسيطة‪ ،‬وقد يتحدد في سن أعلى‪ ،‬بالنسبة للمناصب املتوسطة أو‬
‫العليا‪ ،‬حسب نوع وطبيعة ومستوى املسؤوليات املرتبطة بالوظيفة املطلوب شغلها‪ ،‬فكلما كانت‬
‫الوظيفة مهمة‪ ،‬ومسؤوليتها ثقيلة‪ ،‬إال وارتفع السن املطلوب توفره في املرشح لشغلها‪ .‬وأما السن‬
‫األقص ى لتولي الوظائف العامة‪ ،‬فقد حدد في ‪ 40‬سنة‪ ،‬ويمكن تمديده بالنسبة لبعض الوظائف‬
‫شريطة أال يتجاوز ‪ 45‬سنة‪.1‬‬

‫ولئن كان تحديد السن القانوني لولوج سوق الشغل‪ ،‬يعد واحدا من بين الضمانات‬
‫القانونية‪ ،‬لحماية مبدأ تكافؤ الفرص‪ ،‬فقد حدد املشرع املغربي السن األدنى لتشغيل األجيرة في ‪15‬‬
‫سنة شمسية كاملة‪ ،2‬وبذلك فإن سن التشغيل في القطاع الخاص‪ ،‬ال يمكن أن ينزل عن السقف‬
‫األدنى في مدونة الشغل‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬فإن القيام بالواجبات الوظيفية‪ ،‬يحتم على كل موظفة أن تتوفر على‬
‫مستوى علمي‪ ،‬يختلف باختالف األسالك اإلدارية والتقنية‪ ،‬التي تشغل منصبا من مناصبها‪.‬‬

‫‪1‬المادة ‪ 1‬من المرسوم رقم ‪ 2.02.349‬بشأن تحديد السن األقصى للتوظيف ببعض أسالك ودرجات اإلدارات العمومية‬
‫والجماعات المحلية‬
‫‪ 2‬تنص المادة ‪ 143‬من مدونة الشغل‪ :‬على أنه "ال يمكن تشغيل األحداث وال قبولهم في المقاوالت أو لدى المشغلين قبل بلوغهم‬
‫سن خمس عشرة سنة شمسية كاملة"‪.‬‬

‫الصفحة ‪56 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وأما فيما يخص األجيرات‪ ،‬فإن املشغل وحده الذي يملك صالحية تحديد شروط املستوى‬
‫العلمي‪ ،‬حسب كل منصب على حدة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرط التمتع بالقدرة البدنية الخاصة‬

‫إن مصالح تدبير املوارد البشرية مدعوة بمناسبة أي توظيف‪ ،‬وقبل التحاق املرشحين‬
‫بمقرات عملهم‪ ،‬إلى التأكد من استيفاء املعنيين باألمر‪ ،‬بجميع الشروط العامة والخاصة‪ ،‬بالتعيين‬
‫في الدرجة املنشودة‪ ،‬وإلى العمل على تسوية أوضاعهم اإلدارية‪ ،‬في غضون شهرين‪ ،‬ابتداء من تاريخ‬
‫التحاقهم بالعمل‪.‬‬

‫وتأسيسا على منطوق الفصل ‪ 21‬من النظام األساا ي للوظيفة العمومية‪ ،‬فإن بعض‬
‫األنظمة األساسية‪ ،‬تشترط قدرة بدنية خاصة‪ ،‬تبعا ملا تتطلبه أنشطتها الوظيفية‪ ،‬خاصة بالنسبة‬
‫لبعض الوظائف التي تتطلب مواصفات معينة وقدرات جسدية محددة‪ ،‬مما يمكن املرشح من أداء‬
‫وظيفته على أكمل وجه‪.‬‬

‫ولئن كان إقرار هذه الشروط يروم تحقيق األداء الجيد للمهام املرتبطة ببعض الوظائف‪،‬‬
‫فإنه كثيرا ما تم تفسيرها‪ ،‬بشكل أدى إلى إقصاء النساء منها‪ ،‬ال سيما الطبيعة العسكرية واألمنية‪،‬‬
‫بحجة عدم تمتيعها بالقدرة البدنية على تحمل املهام الصعبة‪ ،‬واملسؤوليات الخطرة‪ ،‬وظلت هذه‬
‫الوظائف حكرا على الرجال لفترة طويلة‪ ،‬قبل أن يتم تجاوز التفسير الضيق لهذا الشرط في‬
‫التوظيف‪ .‬وهذا املقتض ى ال تنفرد به الوظيفة العمومية‪ ،‬بل حتى الشغل في القطاع الخاص‪ ،‬إذ أن‬
‫بعض املهن‪ ،‬تتطلب لياقة بدنية خاصة تتالءم وطبيعة العمل‪.‬‬

‫ولعل أهم ما يمكن استخالصه مما سبق‪ ،‬هو أن الشروط املتعلقة بولوج الوظائف العامة‬
‫أو مناصب الشغل الخصوصية‪ ،‬تشكل‪ ،‬وال محال‪ ،‬ضمانة قوية الختيار أكفأ العناصر البشرية‪،‬‬
‫لتحمل املسؤولية في الوسط املنهي‪ ،‬الش يء الذي يدفعنا إلى تسليط الضوء‪ ،‬على اآلليات املعتمدة في‬
‫سوق الشغل‪ ،‬ومدى اختالفها بين األجيرة واملوظفة‪.‬‬

‫الصفحة ‪57 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬اختالف آليات التوظيف و التشغيل‬

‫تختلف آليات التشغيل والتوظيف‪ ،‬باختالف املقاربة التي ن جها املشرع املغربي‪ ،‬في تنظيمه‬
‫للقطاع العام والخاص‪ .‬حيث نص الفصل ‪ 22‬من النظام األساا ي للوظيفة العمومية على أنه ‪:‬‬
‫"يجب أن يتم التوظيف في املناصب العمومية‪ ،‬وفق مساطر‪ ،‬تضمن املساواة بين جميع‬
‫املترشحين لولوج نفس املنصب‪ ،‬والسيما حسب مسطرة املباراة‪.‬‬

‫وتعتبر بمثابة مباراة‪ ،‬امتحانات التخرج من املعاهد واملؤسسات املعهود إليها بالتكوين‪،‬‬
‫حصريا‪ ،‬لفائدة اإلدارة‪"...‬‬

‫في حين تبنى في مدونة الشغل املقاربة التي تقوم على خصوصية وكاالت التشغيل‪ ،‬ومنحها‬
‫‪1‬‬
‫الضوء األخضر للتسيرع في القيام بجميع العمليات الهادفة إلى التقاء العرض والطلب‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬أساليب وطرق التوظيف‬

‫تعمل اإلدارة بأساليب دقيقة في اختيار موظفيها‪ ،‬فقد قيد املشرع اإلدارة بمعطيات‬
‫موضوعية معينة‪ ،‬عليها االلتزام بها قبل إصدار قرار التعيين‪ ،‬والتي يمكن تقسيمها إلى صنفين ‪:‬‬
‫صنف أول‪ ،‬يتمثل في الطرق العادية للتوظيف‪ ،‬ويتعلق األمر بإجراء مباراة‪ ،‬وصنف ثان‪ ،‬يتجلى في‬
‫الطرق االستثنائية‪ ،‬والتي يعد التوظيف املباشر‪ ،‬وجها من أوجهها‪ ،‬إلى جانب التوظيف بموجب‬
‫عقد‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬التوظيف عن طريق إجراء املباراة‬

‫إن اللجوء إلى املباراة‪ ،‬كمبدأ أساا ي للتوظيف في أسالك الوظيفة‪ ،‬بالنسبة للدولة‬
‫والجماعات الترابية‪ ،‬قد أقره النظام األساا ي الخاص بمختلف موظفي اإلدارات العمومية‪،‬‬
‫وتختلف طبيعة ومضمون أسلوب املباراة من إطار آلخر‪ ،‬باختالف الوظائف واألعمال‪.‬‬

‫‪ - 1‬راجع‪ ،‬في ذلك‪ ،‬المادة ‪ 475‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫الصفحة ‪58 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ولكي تباشر اإلدارة التوظيف عن طريق املباراة‪ ،‬البد لها من القيام بجملة من اإلجراءات‬
‫لتنظيمها والسهر عليها‪ ،‬وذلك استنادا إلى املرسوم امللكي املتعلق بسن نظام عام للمباريات‪ ،1‬حيث‬
‫تعلن الدولة‪ ،‬بالوسائل املقررة قانونا‪ ،‬عن حاجياتها‪ ،‬لشغل املناصب املالية الشاغرة ببعض إداراتها‬
‫ومصالحها‪.‬‬

‫ولعل أهمية هذه الطريقة تعزى إلى ما تتميز به من ضمانات‪ ،‬فهي تقوم على أسس‬
‫موضوعية يمكنها أن تساهم في تحقيق النزاهة واملساواة بين املرشحين لها‪ ،‬وبالتالي تفادي كل ما من‬
‫شأنه أن يميز بينهم بسبب القرابة‪ ،‬والوالءات الحزبية‪ ،‬أو العائلية أو الوساطة أو املحسوبية‪ 2.‬ذلك‬
‫أن املباراة تقتض ي إجراء مسابقات فيما بين املرشحين لوظيفة ما‪ ،‬بهدف انتقاء األجدر بها‪ 3.‬ومن هذا‬
‫املنطلق‪ ،‬يمكن القول بأن املباراة تبقى الطريقة األمثل‪ ،‬املعتمدة في بالدنا‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الطرق االستثنائية للتوظيف‬

‫تتجلى الطرق االستثنائية للتوظيف في صنفين اثنين ‪ :‬حيث يتعلق أولهما بالتوظيف‬
‫املباشر‪ ،‬بناء على الشهادات العلمية والدبلومات‪ ،‬فيما يتعلق الثاني بالتوظيف عن طريق التعاقد‪،‬‬
‫إذ يتأسس األول على ترك الحرية املطلقة لإلدارة في اختيار موظفيها‪ ،‬دون قيد أو شرط‪ ،‬وهو األكثر‬
‫استعماال في حالة التعيين في املناصب العليا‪ ،‬التي تنبني على الثقة والوالء للدولة وانسجام الرؤية مع‬
‫توجهات الحكومة‪ ،‬ثم القدرة على تحمل املسؤوليات املرتبطة بهذه املناصب‪ .4‬ولئن كان هذا‬
‫األسلوب مناسبا لبعض الوظائف‪ ،‬التي تتطلب مهارات وكفاءات خاصة‪ ،‬إال أنه يمس بمبدأ املساواة‬
‫‪5‬‬
‫وتكافؤ الفرص بين املواطنين أزاء الوظائف العامة‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمان البكوري‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري المغربي‪ ،‬شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط األولى‪ ،‬الرباط‪،1995 ،‬‬
‫ص‪.415 :‬‬
‫‪ - 2‬حميد أبوالس‪ ،‬تدبير الموارد البشرية‪ ،‬نموذج اإلدارة الجماعية‪ ،‬دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط األولى‪ ،2005 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.214‬‬
‫‪ - 3‬شكرة الحاج‪ ،‬التوظيف في النظم اإلدارية الحديثة وفي الفكر اإلداري اإلسالمي‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة‬
‫محمد الخامس الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال السنة الجامعية‪ ،2000-1999:‬ص‪.171 :‬‬
‫‪ - 4‬مليكة الصروخ‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.154 :‬‬
‫‪ - 5‬رضوان بوجمعة‪ ،‬الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪ ،‬ط األولى‪،2003 ،‬‬
‫ص‪.120 :‬‬

‫الصفحة ‪59 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وأما بخصوص التوظيف عن طريق التعاقد‪ ،‬فقد جاء في إطار اإلصالح اإلداري املنشود‪،‬‬
‫من خالل املساهمة في تحديد دقيق لألهداف املرجوة واملهام املنوطة بمؤشرات واضحة‪ ،‬ثم تمكين‬
‫اإلدارة من سد العجز الحاصل في مواردها البشرية‪ ،‬وبالتالي توفير فرص شغل جديدة‪ ،‬للحد من‬
‫‪1‬‬
‫البطالة التي تهدد السلم االجتماعي‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬ينص النظام األساا ي للوظيفة العمومية‪ ،‬كما تمم وعدل بموجب‬
‫القانون ‪ ،50.05‬من خالل فصله السادس مكرر على أنه ‪" :‬يمكن لإلدارات العمومية‪ ،‬عند‬
‫االقتضاء‪ ،‬أن تشغل أعوانا‪ ،‬بموجب عقود‪ ،‬وفق الشروط والكيفيات املحددة بموجب‬
‫مرسوم‪"...‬‬

‫وعموما‪ ،‬ال يمكن أن يتصف املوظف املتعاقد بصفة املوظف العمومي‪ ،‬حيث ال يتمتع‬
‫بالضمانات القانونية املقررة لهذا األخير‪ ،‬ذلك أنه بإمكان اإلدارة أن تستغني عنه بفسخ عقد‬
‫توظيفه‪ ،‬في الحاالت التي تقتضيها الضرورة‪.2‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬أساليب وطرق التشغيل‬

‫في خضم ما تعرفه الحياة والساحة االقتصادية‪ ،‬من حراك في شتى املجاالت‪ ،‬وما تتسم به‬
‫من سرعة في املعامالت والبحث عن الجودة‪ ،‬في واقع اختلط فيه الحابل بالنابل‪ ،‬إثر العوملة التي‬
‫استحوذت على العالم‪ ،‬وأمام هول انتشار الرأسمالية‪ ،‬عمل املشرع املغربي على خوصصة وكاالت‬
‫التشغيل‪ ،‬من أجل العمل على التقاء العرض بالطلب في ميدان الشغل‪ .‬وفي نفس الوقت‪ ،‬اكتفى‬
‫بترميم جزئي ملقتضيات بعض القنوات الخاصة‪ ،‬وسمح‪ ،‬في إطار الوكاالت الخصوصية‪ ،‬بتأسيس‬

‫‪ - 1‬التوظيف بالتعاقد ضرورة أو اختيار الموقع ‪ http//www.m.hespress.com‬تاريخ الزيارة الجمعة ‪ 12‬أكتوبر ‪ 2023‬على‬
‫الساعة ‪18h22mn :‬‬
‫‪ - 2‬رضوان بوجمعة‪ ،‬الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪ ،‬ط األولى‪،2003 ،‬‬
‫ص ‪.120‬‬

‫الصفحة ‪60 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫مقاوالت التشغيل املؤقت‪ ،‬وفق شروط محددة‪ ،1‬فضال عن الدور الفعال الذي أصبحت تلعبه‬
‫شبكة اإلنترنيت في عصرنا الحالي‪ ،‬والذي كان وراء ظهور الوسيط اإللكتروني في التشغيل‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬وكاالت التشغيل الخصوصية‬

‫لقد تبنى املشرع املغربي إحداث الوكاالت الخصوصية‪ ،‬بعد اقتناعه بعدم قدرة الوكاالت‬
‫العمومية على القيام بهذا الدور وحدها‪ ،‬تماشيا مع التطورات االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬التي‬
‫شهدها املغرب في الوقت الراهن‪ ،‬وبذلك فقد تم خلق فرص قانونية لهذه الوكاالت‪ ،‬لتنشط في‬
‫‪2‬‬
‫ميدان التشغيل‪.‬‬

‫وحيث إن هذه الوكاالت الخصوصية‪ ،‬يكاد ينحصر هاجسها في تحقيق الربح‪ ،‬وفق منطق‬
‫القطاع الحر‪ ،3‬فقد ألزمها املشرع املغربي بضرورة احترام مجموعة من اإلجراءات القانونية‪ ،‬حماية‬
‫لألجيرة‪ ،‬كما أن دورها يقتصر على ربط االتصال بين عارض لفرص الشغل‪ ،‬وطالب لهذا الشغل‪.‬‬
‫هذا الدور الذي ينتهي‪ ،‬بمجرد حصول الفرد على العمل‪ ،‬خالفا ملؤسسات التشغيل املؤقت‪ ،‬التي‬
‫بموجبها تنشأ عالقة مباشرة‪ ،‬بين املؤسسة والشغيلة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬مقاوالت التشغيل املؤقت‬

‫لقد أخذ املشرع املغربي بنظام مقاوالت التشغيل املؤقت‪ ،‬من خالل مدونة الشغل‪ ،‬ضمن‬
‫املواد من ‪ 495‬إلى ‪ ،506‬وتكمن أهمية هذا النوع من الوكاالت‪ ،‬في منح املقاوالت مرونة أكثر من‬
‫‪4‬‬
‫اللجوء إلى املوارد البشرية‪.‬‬

‫ورغبة منه في مسايرة الواقع االقتصادي‪ ،‬وما تمليه االلتزامات الدولية واالقتناع بضرورة‬
‫إشراك القطاع الخاص في سياسة التشغيل‪ ،1‬عمل املشرع على اللجوء إلى مقاوالت التشغيل‬

‫‪ - 1‬انظر المادة ‪ 447‬من مدونة الشغل‪.‬‬


‫‪ - 2‬راجع المادة ‪ 447‬من مدونة الشغل‪.‬‬
‫‪ - 3‬عبد العزيز العتيقي‪ ،‬قانون الشغل المغربي‪ ،‬دون ذكر الطبعة‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية‪ ،‬السنة ‪ ،1997‬ص‪.152 :‬‬
‫‪ - 4‬فريدة المحودي‪ ،‬اشكالية مم ارسة الحق في التشغيل على ضوء قانون الشغل المغربي‪ ،‬اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية االقتصادية واالجتماعية اكدال‪ ،‬السنة ‪ ،2001-2000‬ص‪.121 :‬‬

‫الصفحة ‪61 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املؤقت‪ ،‬الهادفة إلى تحقيق مرونة اقتصادية للمقاوالت واستمرارية أنشطتهم‪ ،‬مع ما يتوافق‬
‫‪2‬‬
‫ومتطلبات السوق‪ ،‬ولو على حساب األجيرة‪.‬‬

‫كما أن الدور الذي أصبحت تلعبه شبكة اإلنترنيت حاليا‪ ،‬كان وراء ظهور الوسيط‬
‫اإللكتروني للتشغيل‪ ،‬واملتمثل في موقع إلكتروني‪ ،‬يعتمد على مجموعة من التقنيات تمكن من نشر‬
‫ومعالجة املعلومات‪ ،‬بهدف تسهيل التقاء العرض بالطلب‪ ،3‬حيث يعمل بسرية تامة باستخدام‬
‫برنامج تشغيل مرقم‪ ،‬من خالله‪ ،‬يقوم على مقابلة كل من جانب الطلب والعرض في سوق الشغل‪،‬‬
‫وذلك باستخدام قوائم وصف األعمال واملهن‪.‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬مظاهرتفاوت الضمانات الحمائية بعد املساراملنهي‬

‫بسبب أن العمل‪ ،‬سواء في القطاع الخاص أو العام‪ ،‬يكاد ال يخلو من املخاطر املؤكدة‪،‬‬
‫كالشيخوخة والوفاة‪ ،‬أو املخاطر االحتمالية‪ ،‬كالعجز واملرض والبطالة‪ ،‬فقد كان لزاما على املشرع‬
‫املغربي‪ ،‬إحداث نظام للحماية االجتماعية التي تعتبر‪ ،‬بمفهومها العام‪ ،‬تأمينا ألفراد املجتمع ضد‬
‫الحاجة االقتصادية‪ ،‬والتي يترتب عنها التحرر من شبح الخوف حاضرا ومستقبال‪.‬‬

‫وتأسيسا عليه‪ ،‬سيتم تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين‪ ،‬حيث ُيرصد أولهما ‪ :‬لتوضيح التباين‬
‫الكائن على مستوى مؤسسات الحماية االجتماعية‪ ،‬بين كل من األجيرة واملوظفة‪( ،‬املطلب األول)‪،‬‬
‫فيما يفرد الثاني بالتطرق للعالقة القائمة بين كل منخرطة على حدة‪ ،‬مع األنظمة االجتماعية التي‬
‫تتصل بها (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد الرماش‪ ،‬مقاوالت التشغيل المؤقت بين القانون المغربي والفرنسي‪ ،‬رسالة لنيل الماستر في القانون والمقاولة‪ ،‬جامعة‬
‫المولى اسماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2011-2010 :‬ص‪.15 :‬‬
‫‪ - 2‬فتحي نوعمة‪ ،‬الوساطة في التشغيل‪ ،‬بن مدونة الشغل وقانون المقارن‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص القانون‬
‫والمقاولة‪ ،‬جامعة المولى اسماعيل مكناس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس‪ ،‬السنة ‪ ،2009-2008‬ص‪.52 :‬‬
‫‪www.marocdroit.com‬‬ ‫‪ - 3‬عبد هللا القاسمي‪ ،‬الوسيط االكتروني في التشغيل‪ ،‬قراءة قانونية أولية منشور في موقع‬

‫الصفحة ‪62 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املطلب األول ‪ :‬تباين مؤسسات الحماية االجتماعية لدى األجيرة واملوظفة‬

‫لتحقيق هدف الحماية والتأمين سعى املغرب‪ ،‬شأنه في ذلك شأن نظرائه‪ ،‬إلى ترجمة هذا‬
‫الهدف على أرض الواقع‪ ،‬حيث أخضع كال من األجيرات واملوظفات لنظام تقاعد ينخرطن فيه بشكل‬
‫إجباري‪ ،‬إذ تضم الفئة األولى إلى الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‪ ،‬وأما الثانية فتخضع لنظام‬
‫املعاشات‪ ،1‬وإلى جانب األنظمة اإلجبارية‪ ،‬تتاح للمنخرطات إمكانية االنخراط في أنظمة ذات طبيعة‬
‫اختيارية أو تكميلية‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬املؤسسات اإلجبارية في التقاعد‬

‫عمل املشرع املغربي على تمتيع فئة األجراء بنظام تقاعد‪ ،‬يوفر لهم الحماية الضرورية‪ ،‬عند‬
‫انتهاء مهامهم‪ ،‬والذي يتمثل في مؤسسة الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‪ ،‬بينما يوجد في القطاع‬
‫العمومي أكثر من نظام للتقاعد‪ ،‬إذ يتغير نوع النظام حسب النظام القانوني الذي تخضع له‬
‫املوظفة‪ ،‬حيث تصبح هذه األخيرة‪ ،‬بمجرد انخراطها في أسالك الوظيفة العمومية‪ ،‬متمرنة كانت أم‬
‫مرسمة‪ ،‬خاضعة وبشكل إجباري لنظام املعاشات‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‬

‫تسعى هذه املؤسسة إلى تطبيق الحماية االجتماعية في القطاع الخاص‪ ،‬وهي مؤسسة‬
‫عمومية تتمتع باالستقالل املالي والشخصية املعنوية‪ ،‬تحت الوصاية اإلدارية لوزارة اإلدماج‬
‫االقتصادي واملقاولة الصغرى والشغل والكفاءات‪ .2‬ويعتبر االشتراك إجباريا‪ ،‬بالنسبة لألشخاص‬
‫الذين يشملهم هذا الصندوق‪ ،‬الذي يعتبر الجهاز الوحيد الذي له حق إجبار املؤسسات الخاضعة‬

‫‪ - 1‬يصبح انخراط الموظفة بمجرد تعيينها اجباريا في هذا النظام‪.‬‬


‫‪ - 2‬طبقا للفصل السادس من الظهير رقم ‪ 1.04.127‬الصادر ب ‪ 4‬نونبر ‪ ،2004‬المنشور بالجريدة الرسمية عدد‪ 5263 :‬الصادر‬
‫ل ‪ 8‬نونبر ‪ ،2004‬ص‪.3876 :‬‬

‫الصفحة ‪63 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫له‪ ،‬على تأدية واجبات االشتراك التي تشكل‪ ،‬إلى جانب مصادر مالية أخرى‪ ،‬املحفظة املالية‬
‫‪1‬‬
‫للمؤسسة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الصندوق املغربي للتقاعد‬

‫ترتبط املوظفة بنظام التقاعد ارتباطا وثيقا‪ ،‬فمنذ التحاقها بأسالك الوظيفة العمومية إلى‬
‫حين مغادرتها إياها‪ ،‬يالزمها التعامل في إطار هذا النظام‪ ،‬حيث إن الحياة اإلدارية للمنخرطة‪ ،‬تضم‬
‫التزامات وتحمالت تلتزم بها خاللها‪ ،‬ولها تأثير واضح وجلي على حياتها‪ ،‬كمتقاعدة قضت مسارا مهنيا‬
‫طويال‪ .‬فبمجرد ما تتعين في وظيفتها‪ ،‬إال وتصبح خاضعة لنظام املعاشات وبشكل إجباري‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن قانون املعاشات املدنية والعسكرية‪ ،‬قد حدد الئحة الفئات املشمولة بتغطيته بشكل‬
‫حصري‪ ،‬إلى جانب االلتزام امللقى عليها وعلى الهيئة املشغلة‪ ،‬بأداء واجبات االنخراط‪.‬‬

‫وقد عهد بتدبير هذا النظام إلى الصندوق املغربي للتقاعد‪ ،‬كمؤسسة عمومية تتمتع‬
‫‪2‬‬
‫بالشخصية املعنوية واالستقالل املالي‪ ،‬الذي تم إحداثه بموجب ظهير ‪ 02‬مارس ‪. 1930‬‬

‫وانطالقا مما سبق‪ ،‬يتبين لنا أن املشرع املغربي‪ ،‬سعى إلى الحفاظ على حقوق كل من األجيرة‬
‫واملوظفة‪ ،‬من خالل إجبارية االنخراط في أنظمة تقاعد‪ ،‬ذات تنظيم وقوة ضاغطة على املساهمين‬
‫واملنخرطين في عدم تجاوزها‪ ،‬مع إحاطتها بمجموعة من الضمانات لألنظمة التكميلية‪ ،‬والتي تتميز‬
‫باختيارية االنخراط‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬األنظمة االختيارية للتقاعد‬

‫يخول للمنخرطين في األنظمة اإلجبارية للتقاعد‪ ،‬إمكانية االنخراط في أنظمة أخرى‪ ،‬ذات‬
‫طابع اختياري أو تكميلي‪ ،‬بغية الرفع من املستوى املعيش ي‪ ،‬بعد اإلحالة على التقاعد‪ ،‬حيث تتجلى‬

‫‪ - 1‬ينص الفصل ‪ 22‬من ظهير ‪ 1972‬الذي جاء فيه‪" :‬أن صاحب العمل هو الذي يظل مسؤؤوال اتجاه الصندوق الوطني للضمان‬
‫االجتماعي عن أداء االشتراكات المهنية"‪.‬‬
‫‪ - 2‬ظهير شريف بتاريخ فاتح شوال ‪ 2( 1348‬مارس ‪ 1930‬الذي تم إعادة تنظيمه بموجب القانون رقم ‪ 43.95‬الصادر بموجب‬
‫تنظيمه الظهير الشريف رقم ‪ 1.96.106‬الصادر في ‪ 21‬من ربيع األول ‪ 7( 1417‬أغسطس ‪ ،1996‬المنشور بالجريدة الرسمية ع‬
‫‪ 4432‬الصادره بتاريخ ‪ 9‬رجب ‪ 21 1417‬نوفمبر ‪.1996‬‬

‫الصفحة ‪64 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الغاية من إحداث هذه األنظمة‪ ،‬بالدرجة األولى‪ ،‬في الزيادة من حجم الضمانات املالية للمنخرطين‪،‬‬
‫والتي تضاف إلى تلك املقدمة من األنظمة اإلجبارية‪ .‬الش يء الذي يفيد أنه يمكن لألجيرة‪ ،‬الراغبة في‬
‫الرفع من معاشها‪ ،‬أو التي ترغب في الحصول على رأسمال‪ ،‬بعد اإلحالة على التقاعد‪ ،‬أن تنخرط‬
‫اختياريا لدى الصندوق املنهي للتقاعد‪ ،1‬وكذلك الشأن بالنسبة للموظفة التي ترغب في الرفع من‬
‫معاشها‪ ،‬يمكنها أن تنخرط في الصندوق املغربي للتقاعد‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الصندوق املنهي املغربي للتقاعد‬

‫تستفيد األجيرة من نظام اختياري يمثله الصندوق املنهي املغربي للتقاعد‪ ،‬وهو مؤسسة‬
‫خاصة‪ ،‬تقف في مصاف الشركات التعاضدية‪ ،‬القائمة على أساس املوارد التشاركية‪ .‬تأسست سنة‬
‫‪ ،1949‬من أجل الرفع من املستوى املعيش ي لفئة الشغيلة‪ ،‬بعد اإلحالة على التقاعد‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬تسهر املؤسسة على تقديم خدمات متعددة للمنخرطين‪ ،‬الذين‬
‫يتقدمون باشتراكاتهم‪ ،‬إلى جانب اشتراكات املشغلين‪ .‬ويسهر على تسييرها مجلس إدارة منتخب‪ ،‬من‬
‫لدن الجمع العام للمنخرطين‪ ،‬كما تخضع لرقابة أربع لجان‪ ،‬تابعة ملجلس اإلدارة‪ ،‬ومراجعان‬
‫للحسابات الخارجية‪.‬‬

‫وتخضع املؤسسة إلى القانون رقم ‪ ،64.12‬القاض ي بإحداث هيئة مراقبة التأمينات‬
‫واالحتياط االجتماعي‪ .‬وتأسيسا عليه‪ ،‬يمكن القول بأن الصندوق املنهي املغربي للتقاعد‪ ،‬يحاول‬
‫تمكين جميع املنخرطين‪ ،‬من الحصول على معاش إضافي‪ ،‬يروم ضمان عيش كريم‪ ،‬خالل سنوات‬
‫التقاعد‪.‬‬

‫‪ - 1‬جمعية ال تهدف إلى الربح أسست سنة ‪ ، 1949‬بمبادرة من جمعية المشغلين في القطاع الخاص وتدير هذه الجمعية مساهمة‬
‫‪ 400000‬أجيرة في القطاع الخاص وتمنح المعاش ألكثر من ‪ 96‬ألف متقاعد‪.‬‬

‫الصفحة ‪65 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ثانيا ‪ :‬النظام التكميلي للصندوق املغربي للتقاعد‬

‫يتميز النظام التكميلي للصندوق املغربي للتقاعد بالطابع االختياري والفردي لالنخراط‪،‬‬
‫عكس النظام األساا ي‪ ،‬حيث إن األمر يتوقف على موافقة املنخرطة لدى النظام األساا ي للتقاعد‪،‬‬
‫إذ يتم االقتطاع من راتبها من املنبع‪ ،‬لتمويل هذا النظام الذي يعتمد‪ ،‬في تسييره املالي‪ ،‬على تقنية‬
‫الرسملة‪ ،‬وبذلك فإن املوظفة املنخرطة في نظام املعاشات املدنية أو العسكرية‪ ،‬ليست ملزمة‬
‫باالنخراط في هذا النظام‪ ،1‬الذي يتسم بطابع االختيارية‪ ،‬وانخراطها فيه‪ ،‬تحكمه قناعتها الخاصة‬
‫وإرادتها الحرة‪.‬‬

‫وحتى يتم انخراطها في هذا النظام‪ ،‬تلتزم املوظفة وجوبا‪ ،‬بتقديم طلب إلى إدارة الصندوق‬
‫املغربي للتقاعد‪ ،‬مرفوقا بترخيص القتطاع االشتراك برسم هذا االنخراط‪ ،‬والذي يسري مفعوله‬
‫ابتداء من تاريخ أول اشتراك‪.‬‬

‫ويهدف هذا النظام التكميلي إلى تكوين معاش مكمل للمعاش املمنوح من طرف النظام‬
‫األساا ي‪ ،‬وذلك لتحسين املستوى املعاش ي للموظفة املنخرطة فيه‪ ،‬من خالل األخذ بعين االعتبار‪،‬‬
‫عند احتساب املعاش‪ ،‬جملة من التعويضات واملكافآت‪ ،‬التي ال تحتسب في وعاء تصفية معاش‬
‫التقاعد األساا ي‪ ،‬وتوفير تغذية إضافية للمنخرطة في حالة العجز‪ ،‬ولعائلتها في حالة الوفاة‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى هذه الجوانب االجتماعية‪ ،‬يساعد خلق أنظمة تكميلية‪ ،‬من منظور اقتصادي‪ ،‬على‬
‫توفير ادخار مؤسس ي يمكن توجيهه نحو السوق املالي من أجل االستثمار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Omayma Achour « Les réformes de régimes de retraite au Maroc » mémoire pour l’obtention du‬‬
‫‪master en droit des affaires, faculté des sciences juridique, économique se sociales, rabat, année‬‬
‫‪universitaire 2010-2011 p :13.‬‬

‫الصفحة ‪66 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬عالقة املنخرطة بأنظمة الحماية االجتماعية‬

‫إن العالقة بين املنخرطة النشيطة‪ ،‬موظفة كانت أم أجيرة‪ ،‬وبين أنظمة التقاعد هي عالقة‬
‫تبادلية‪ ،‬إذ تعمل املنخرطة‪ ،‬إلى جانب الهيئة النشيطة‪ ،‬على تمويل أنظمة التقاعد‪ ،‬عن طريق‬
‫االقتطاعات الشهرية من أجرتها كاملة‪ ،‬خالل مسارها املنهي‪ .‬غير أن هذه العالقة تأخذ منحى آخر‪،‬‬
‫حينما تنتهي العالقة بين املنخرطة والهيئة املشغلة باإلحالة على التقاعد‪ ،‬التي يكون أثرها املباشر‬
‫إلزام نظام التقاعد‪ ،‬بدفع إيراد عمري للمنخرطة مقابل ما تم اقتطاعه من أجرتها‪ ،‬ويتمثل هذا‬
‫اإليراد العمري في الراتب املعاش ي للشيخوخة‪ ،‬والراتب املعاش ي للباقين على قيد الحياة‪ ،‬ثم الراتب‬
‫املعاش ي عن الزمانة‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الراتب املعاش ي عن الشيخوخة‬

‫يعتبر معاش الشيخوخة‪ ،‬بمثابة منحة شهرية يمكن أن تستفيد منها املؤمن لها مدى‬
‫الحياة‪ ،‬متى بلغت السن القانوني لإلحالة على التقاعد‪ ،‬الذي يعرف بمعناه القانوني‪ ،‬بداية انتفاع‬
‫األجيرة أو املوظفة بالحق في تقاض ي معاش أو راتب عن الشيخوخة‪ ،‬وقد أجمعت التعاريف الفقهية‬
‫على أنه ‪ :‬عبارة عن مبلغ من املال تتقاضاه األجيرة أو املوظفة‪ ،‬في شكل إيراد عمري‪ ،‬إثر انتهاء‬
‫خدمتها‪ ،‬بصورة نظامية‪ ،‬أو إصابتها بعجز يؤول إلى املستحقين عنها‪ ،‬وإلى أبويها بعد وفاتها‪ ،‬وذلك‬
‫‪1‬‬
‫مقابل املبالغ التي تقتطع من أجرتها ومساهمات مشغلها‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬راتب معاش األجيرة‬

‫يساهم قانون الضمان االجتماعي في توفير الحماية االجتماعية لفئة املسنين املتقاعدين‪،‬‬
‫وذلك بمنحهم معاشا أو راتبا يعرف براتب الشيخوخة‪ .‬ويخول للمؤمن لها هذا الحق‪ ،‬بالنظر إلى مدة‬

‫‪ - 1‬آمال جالل‪ ،‬حماية األجور ع لى ضوء سياسة التشغيل في المغرب‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫محمد الخامس‪ ،‬الرباط كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،1985-1986 :‬ص‪.264 :‬‬

‫الصفحة ‪67 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫اشتراكها التي تعد املصدر األساا ي لتمويل هذا النوع من التعويضات‪ ،1‬إلى جانب اشتراكات‬
‫مشغلها‪ ،‬وذلك متى توفرت الشروط املنصوص عليها في الفصل ‪ 53‬من قانون الضمان االجتماعي‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن االتفاق االجتماعي‪ ،‬الذي عقد بمناسبة عيد الشغل‪ ،‬في ‪ 29‬أبريل من‬
‫السنة الجارية ‪ ،2023‬بين الحكومة والفرقاء االجتماعيين‪ ،‬قد أسفر على إطالق إصالح شامل‬
‫ملنظومة التقاعد‪ ،‬واستقر على تخفيض شرط االستفادة من راتب الشيخوخة‪ ،‬إلى ‪ 1320‬يوم‪،‬‬
‫بعدما كان محددا في ‪ 3240‬يوم‪ ،‬في أفق وضع نظام موحد خاص بكل نظام على حدة‪.2‬‬

‫ثانيا ‪ :‬راتب معاش املوظفة‬

‫إن حصول املوظفة على معاش التقاعد‪ ،‬يتم مباشرة بعد فك ارتباطها باإلدارة املشغلة‪،‬‬
‫ببلوغ السن القانونية لإلحالة على التقاعد‪ ،‬حيث يؤخذ بعين االعتبار‪ ،‬لتحديد سن التقاعد‪ ،‬التاريخ‬
‫املوجود في أول عقد ازدياد أو الوثيقة التي تقوم مقامه‪ ،‬إال أن عدم التحديد الدقيق لهذه الوثائق‪،‬‬
‫كان بمثابة فراغ قانوني‪ ،‬يحرج اإلدارة في تعاملها مع الوثائق التي تثبت بها املوظفة تاريخ ازديادها‪.3‬‬
‫واستثناء من هذا املبدأ‪ ،‬يمكن أن تحال إلى التقاعد‪ ،‬بصفة حتمية وبدون التقيد باملدة القانونية‪،‬‬
‫كل موظفة أصيبت بعجز دائم أو مؤقت‪ ،‬سواء كان هذا العجز ناتجا عن العمل أو خارج إطار‬
‫العمل‪ ،‬بعد إثباته من طرف لجنة اإلعفاء‪ ،‬باستثناء تلك التي تصاب بضعف البصر أو فقدانه‪ ،‬فال‬
‫يحق لإلدارة عزلها‪ ،‬إذا كانت مهامها ال تستوجب حمل السالح‪ ،‬بل تعمل على إعادة تكوينها وتأهيلها‪.4‬‬

‫‪ - 1‬يالحظ أن بعض الدول الصناعية تخصص نسبة هامة من دخلها اإلجمالي لحماية األشخاص المتقاعدين‪ ،‬إذا وصلت هذه النسبة‬
‫بين ‪ ،1986‬إلى ‪ 7.7‬في الدانمارك وإلى ‪ 9.3‬في فرنسا و إلى ‪ 12,6‬في السويد‪.‬‬
‫‪ -2‬كما تضمن االتفاق مجموعة من المقتضيات‪ ،‬أبرزها الزيادة في الحد األدنى لألجر بنسبة ‪ 10‬في المائة‪ ،‬على دفعتين‪ ،‬ابتداء من‬
‫العام المقبل‬
‫‪ - 3‬حيث اعتبرت المحكمة االدارية بالرباط ان شهادة السوابق القضائية وبطاقة المعلومات والبطاقة الشخصية التي تمال بناء على‬
‫تصريح الموظف ال يمكن أن يعتد بها إلثبات تاريخ االزدياد إلن األولى معدة أساسا إلثبات انعدام السوابق القضائية في حين‬
‫البطاقتين االخيرتين يجب أن تكونا مدعمتين بوثيقة إدارية أخرى كالشهادة المسلمة بهذا الشان من طرف السلطة المحلية في حالة‬
‫عدم تسجيل المعني باالمر بسجالت الحالة المدنية"‪.‬‬
‫‪ -‬انظر حكم المحكمة اإلدارية بالرباط رقم‪ 119‬بتاريخ ‪ ،1998/01/22‬في الملف ‪ ،1301/97‬ع‪ .‬التويجي محمد ضد‬
‫وزي ر المالية وفي حكم آخر صادر عن نفس المحكمة ضد وزير االقتصاد والمالية‪ ،‬حكمين أوردهما رضا التايدي‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.223‬‬
‫‪ - 4‬انظر القانون رقم ‪ 181-5‬المتعلق بالرعاية االجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر‪ ،‬ج ر‪ ،‬ع ‪ ،3636‬بتاريخ ‪ 7‬يونيو ‪.1982‬‬

‫الصفحة ‪68 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬املعاش التقاعدي‬

‫قد تصاب األجيرة أو املوظفة بعائق يحول دون استمراريتها في العمل‪ ،‬الش يء الذي يبرر‬
‫استحقاقها ملعاش الزمانة‪ ،‬وهو أمر تنبهت إليه قوانين التقاعد‪ ،‬وبذلك‪ ،‬سنرصد‪ ،‬خالل هذه‬
‫الفقرة‪ ،‬املعاش التقاعدي عن زمانة األجيرة‪ ،‬أوال‪ ،‬ثم بعد ذلك‪ ،‬نتطرق إلى املعاش التقاعدي عن‬
‫زمانة املوظفة‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬املعاش التقاعدي عن زمانة األجيرة‬

‫الزمانة هي عاهة ينتج عنها عجز كلي مستمر‪ ،‬يحول دون قيام األجيرة بأي عمل‪ ،‬مع احتمال‬
‫ما قد يقع من تحسن أو استفحال في حالة املصابة الصحية‪ .1‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن الزمانة تتعلق‬
‫بحالة واحدة فقط‪ ،‬وهي حالة العجز الكلي لألجيرة التي تصبح عاجزة‪ ،‬عجزا تاما‪ ،‬عن ممارسة أي‬
‫عمل يدر عليها كسبا‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬فإن املؤمن لها التي ال تتوفر على شرط السن‪ ،‬املنصوص عليه بالفصل‬
‫‪ 53‬املذكور‪ ،2‬واملصابة بزمانة‪ ،‬يظن أنها مستمرة‪ ،‬وهي غير خاضعة للقانون رقم ‪ 18.12‬املتعلق‬
‫بحوادث الشغل واألمراض املهنية‪ ،‬تدلي بما يثبت عجزها‪ ،‬على أنه عجز تام‪ ،‬يحول دون إمكانية‬
‫مزاولتها ألي عمل شريف يدر عليها نفعا‪ ،‬لكي ينشأ حقها في راتب معاش‪ ،‬وذلك وفق مقتضيات‬
‫فصول الباب الخامس من نظام الضمان االجتماعي‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬املعاش التقاعدي عن زمانة املوظفة‬

‫تستحق املوظفة بدورها معاش الزمانة‪ ،‬عندما تصبح غير قادرة‪ ،‬بصفة نهائية ومطلقة عن‬
‫مزاولة مهامها‪ ،‬على إثر عجز ناتج عن اإلصابة بمرض أو جروح أملت بها‪ ،‬دون أن يكون العمل أو‬

‫‪ - 1‬علي عمي‪ ،‬الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‪ ،‬موارده‪ ،‬خدماته‪ ،‬مدفوعاته‪ ،‬اشكالية إصالح مرتقب‪ ،‬ط الثالثة‪ ،‬دون ذكر‬
‫المطبعة‪ ،1997 ،‬ص‪.59 :‬‬
‫‪ -2‬انظر الفصل ‪ 53‬من ظهير ‪ 27‬يوليوز ‪ ،1972‬المتعلق بالضمان االجتماعي‪ ،‬كما تم تعديله وتتميمه‬

‫الصفحة ‪69 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫نطاقه سببا فبها‪ 1.‬حيث إذا نتج عن اإلصابة عجز يجعل املوظفة غير قادرة‪ ،‬بصورة مطلقة‪ ،‬على‬
‫االستمرار في مزاولة املهام املنوطة بها‪ ،‬بعد إثبات ذلك‪ ،‬من طرف اللجنة املنصوص عليها بالفصل‬
‫‪ 29‬من القانون رقم ‪ ،71.11‬تحذف األجيرة املعنية من أسالك الوظيفة‪ ،‬وينشأ‪ ،‬باملقابل‪ ،‬حقها في‬
‫االستفادة من معاش الزمانة‪.2‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه إذا كانت العاهة تنسب إلى شخص غير الدولة‪ ،‬تقوم هذه األخيرة‬
‫بممارسة دعوى الرجوع على املتسبب في الحادثة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬الراتب املعاش ي للباقين على قيد الحياة‬

‫ال شك أن وفاة املستفيدة ال يعني بالضرورة إعدام عالقتها بأنظمة التقاعد‪ ،‬بل إن هذه‬
‫العالقة‪ ،‬تستمر لصالح ذوي الحقوق‪ ،‬الذين يحلون محل الهالكة‪ ،‬في استيفاء الحقوق املعاشية من‬
‫هذه األنظمة‪ .‬وبالتالي فإن التغطية االجتماعية ألنظمة التقاعد‪ ،‬ال تقتصر فقط على املتقاعدة‪،‬‬
‫وإنما تمتد إلى ذوي حقوقها‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬معاش ذوي حقوق األجيرة‬

‫حسب الفصل ‪ 57‬من ظهير الضمان االجتماعي‪ ،‬فإن الذين يستحقون الراتب املعاش ي‬
‫للباقين على قيد الحياة‪ ،‬هم الذين تخلفهم وفاة املؤمن لها من زوج و أبناء‪.‬‬

‫يكتسب األرمل حقه في املعاش‪ ،‬ابتداء من تاريخ وفاة زوجته املنخرطة أو املتقاعدة‪ .‬ويؤجل‬
‫صرف معاشه إلى فاتح الشهر الذي يلي تاريخ اكتمال عمره ‪ 60‬سنة‪ ،‬غير أنه إن كان عاجزا عن‬
‫العمل بصفة نهائية‪ ،‬فإن صرف املعاش يحدد في أول الشهر‪ ،‬املوالي لتاريخ ثبوت عجزه من طرف‬

‫‪ - 1‬بشرى الشباني‪ ،‬أنظمة التقاعد في المغرب‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد األول‬
‫وجدة‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2009-2008‬ص‪.8 :‬‬
‫‪ -2‬راجع الفصل ‪ 25‬من القانون رقم ‪ ،011.71‬الذي أحدث بموجبه‪ ،‬نظام معاشات التقاعد المدنية‬

‫الصفحة ‪70 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫لجنة اإلعفاء‪ .‬ويبلغ معاش الزوج املتوفى عنه ‪ 50‬في املائة من مبلغ راتب الزمانة املذكور‪ ،‬كما يشترط‬
‫‪1‬‬
‫أن يكون الزواج قد دام ملدة سنتين كحد أدنى‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬معاش ذوي حقوق املوظفة‬

‫يخول كل من نظام املعاشات املدنية واملعاشات العسكرية‪ ،‬إمكانية استفادة ذوي الحقوق‬
‫من معاش املوظفة املتوفية‪ ،‬سواء كانت مزاولة ملهامها أو متقاعدة أو متغيبة عن مقر سكناها‪ ،‬ملدة‬
‫تزيد عن السنة الواحدة‪ ،‬دون أن تطالب بحقوقها املعاشية‪ ،‬إذ يجوز لهم الحصول على معاش‬
‫بصفة مؤقتة‪ ،‬في أفق تحويله إلى معاش نهائي بثبوت الوفاة بشكل رسمي‪ ،‬أو بإعالن التغيب بموجب‬
‫حكم قضائي‪.2‬‬

‫خاتمة‬

‫وعموما‪ ،‬فقد عمل املشرع املغربي‪ ،‬أسوة بالتشريعات املقارنة املتقدمة‪ ،‬على إيجاد ترسانة‬
‫قانونية تروم‪ ،‬باألساس‪ ،‬حماية حقوق املرأة‪ ،‬وهو األمر الذي نستشفه‪ ،‬من خالل استقراء مجموع‬
‫نصوص مدونة الشغل‪ ،‬والقانون األساا ي العام للوظيفة العمومية‪.‬‬

‫ولئن شكلت قضية املرأة العاملة‪ ،‬محور اهتمام املجتمع الدولي‪ ،‬عامة‪ ،‬واملجتمع املغربي‪،‬‬
‫تحديدا‪ ،‬وكانت وجبة دسمة لعدة دراسات ولقاءات‪ ،‬فإن ذلك قد جاء بعد االقتناع بعملها الدؤوب‪،‬‬
‫على مستوى القطاعين‪ ،‬ودورها الفعال في التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬على حد سواء‪.‬‬

‫ولعل املشرع املغربي‪ ،‬من خالل النظام األساا ي للوظيفة العمومية‪ ،‬ومدونة الشغل‪ ،‬أسس‬
‫لترسانة قانونية تروم حقوق املوظفين واألجراء‪ ،‬عموما‪ ،‬وحقوق املرأة العاملة‪ ،‬تحديدا‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل ما نالحظه‪ ،‬على مستوى هذه املقتضيات الحمائية‪ ،‬التي نظمها متناغمة مع ما جاءت به‬
‫املواثيق واالتفاقيات الدولية‪ ،‬في هذا املجال‪.‬‬

‫‪ - 1‬قبل فاتح يوليوز ‪ 2008‬كانت مدة الزواج محددة في ‪ 5‬سنوات‪.‬‬


‫‪ - 2‬وهو ما يعرف بالموت الحكمي طبقا للمادتين ‪ 74‬و ‪ 327‬من مدونة األسرة‬

‫الصفحة ‪71 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املراجع‪:‬‬

‫‪ −‬ظهير الشريف رقم ‪ 1.11.91‬الصادر في ‪ 27‬شعبان ‪ 29( ،1432‬يوليو ‪ ،2011‬الصادر بالجريدة‬


‫الرسمية ع ‪ ،5964‬مكرر بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 1432‬املوافق ل ‪ 30‬يوليو‪.‬‬
‫‪ −‬أحمد إد الفقيه إشكالية الشغل النسوي املرأة العاملة والقانون االجتماعي املغربي‪ ،‬منشورات‬
‫كلية الشريعة بأكادير رسائل وأطروحات جامعية مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة األولى ‪.1996‬‬
‫‪ −‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.58.008‬بتاريخ ‪ 24‬فبراير ‪ ،1958‬كما تم تغييره وتتميمه بموجب القانون‬
‫رقم ‪ 05.50‬بتاريخ ‪ 18‬فبراير ‪ ،2011‬ج‪.‬ر‪ ،‬ع‪ 5944 :‬بتاريخ ‪ 19‬مايو ‪.2011‬‬
‫‪ −‬عبد اللطيف خالفي‪ ،‬الوسيط في مدونة الشغل‪ ،‬عالقات الشغل الفردية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬املطبعة‬
‫والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬ط األولى ‪.2004‬‬
‫‪ −‬أحمد محمد قاسمي‪ ،‬التوظيف باإلدارات العمومية والجماعية وأجهزة تدبير شؤون املوظفين‪،‬‬
‫ط األولى‪.2003 ،‬‬
‫‪ −‬مليكة الصروخ‪ ،‬النظام القانوني للموظف العمومي املغربي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪.1994،‬‬
‫‪ −‬عبد الرحمان البكوري‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري املغربي‪ ،‬شركة بابل للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط األولى‪ ،‬الرباط‪.1995 ،‬‬
‫‪ −‬حميد أبوالس‪ ،‬تدبير املوارد البشرية‪ ،‬نموذج اإلدارة الجماعية‪ ،‬دار القلم للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط األولى‪.2005 ،‬‬
‫‪ −‬شكرة الحاج‪ ،‬التوظيف في النظم اإلدارية الحديثة وفي الفكر اإلداري اإلسالمي‪ ،‬أطروحة لنيل‬
‫الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫أكدال السنة الجامعية‪.2000-1999:‬‬
‫‪ −‬رضوان بوجمعة‪ ،‬الوظيفة العمومية املغربية على درب التحديث‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‬
‫بالدار البيضاء‪ ،‬ط األولى‪.2003 ،‬‬
‫‪ −‬املوقع ‪.http//www.m.hespress.com‬‬
‫‪ −‬رضوان بوجمعة‪ ،‬الوظيفة العمومية املغربية على درب التحديث‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‬
‫بالدار البيضاء‪ ،‬ط األولى‪.2003 ،‬‬
‫‪ −‬عبد العزيز العتيقي‪ ،‬قانون الشغل املغربي‪ ،‬دون ذكر الطبعة‪ ،‬مطبعة دار النشر املغربية‪،‬‬
‫السنة ‪.1997‬‬

‫الصفحة ‪72 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ −‬فريدة املحودي‪ ،‬اشكالية ممارسة الحق في التشغيل على ضوء قانون الشغل املغربي‪ ،‬اطروحة‬
‫لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية االقتصادية‬
‫واالجتماعية اكدال‪ ،‬السنة ‪.2001-2000‬‬
‫‪ −‬عبد هللا القاسمي‪ ،‬الوسيط االلكتروني في التشغيل‪ ،‬قراءة قانونية أولية‬
‫‪ −‬الظهير رقم ‪ 1.04.127‬الصادر ب ‪ 4‬نونبر ‪ ،2004‬املنشور بالجريدة الرسمية عدد‪ 5263 :‬الصادر‬
‫ل ‪ 8‬نونبر ‪.2004‬‬
‫‪ −‬ظهير شريف بتاريخ فاتح شوال ‪ 2( 1348‬مارس ‪ 1930‬الذي تم إعادة تنظيمه بموجب القانون‬
‫رقم ‪ 43.95‬الصادر بموجب تنظيمه الظهير الشريف رقم ‪ 1.96.106‬الصادر في ‪ 21‬من ربيع األول ‪7( 1417‬‬
‫أغسطس ‪ ،1996‬املنشور بالجريدة الرسمية ع ‪ 4432‬الصادره بتاريخ ‪ 9‬رجب ‪ 21 1417‬نوفمبر ‪.1996‬‬
‫‪ −‬القانون رقم ‪ 181-5‬املتعلق بالرعاية االجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر‪ ،‬ج ر‪ ،‬ع ‪،3636‬‬
‫بتاريخ ‪ 7‬يونيو ‪.1982‬‬
‫‪ −‬علي عمي‪ ،‬الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‪ ،‬موارده‪ ،‬خدماته‪ ،‬مدفوعاته‪ ،‬إشكالية إصالح‬
‫مرتقب‪ ،‬ط الثالثة‪ ،‬دون ذكر املطبعة‪.1997 ،‬‬

‫الصفحة ‪73 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫إشكالية عبارة ترتيب اآلثار القانونية في منطوق‬


‫األحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام‬
‫ذ محمد الزكراوي‬
‫باحث قي الشؤون القانونية و اإلدارية‬

‫من البين أن تنفيذ الحكم القضائي معناه تنفيذ القرار الصادر عن محكمة‪ ،‬أو هيئة‬
‫قضائية بعد إصدا ه بالشكل الصحيح ً‬
‫ووفقا للقانون‪،‬فعملية تنفيذ األحكام القضائية تمثل ً‬
‫جزءا‬ ‫ر‬
‫هاما من مراحل املنازعة القضائية من جهة ومن جهة أخرى فلها القوة و الحجية فيما قضت به ‪،‬‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫مما يتعين معه احترامها واملبادرة إلى أجرأة عملية التنفيذ تنفيذا كامال غير منقوص أخدا بعين‬
‫االعتبار األساس الذي أقام عليه الحكم قضاءه‪ ،‬غير أنه ولئن كانت الحجية قاعدة أساسية تثبت‬
‫لألحكام القضائية الحائزة على قوة الشيئ املقض ي به‪،،‬فإنه يشترط لثبوت حجية الش ئ املحكوم فيه‬
‫ملا يرد في منطوق الحكم أن يكون قد ورد فيه بصيغة الحكم والفصل‪ ،‬فإذا أورد الحكم في منطوقه‬
‫بعض العبارات العارضة التي تشمل أمرا لم تتناوله منازعة الخصوم ولم يرد في طلباتهم‪ ،‬فإننا‬
‫سنكون أمام إشكالية تقتض ي بيان وتفسير منطوق الحكم وفهم مداركه و مقتضياته‪ ،‬إلى جانب رفع‬
‫اللبس الذي قد يحيط بالعبارات الواردة في منطوق الحكم القضائي‪.‬‬
‫ً‬
‫وحيث إن مناط فهم العبارات الواردة بمنطوق الحكم القضائي يثير خالفا حول فهم‬
‫املعنى املراد منها بسبب الغموض أو اإلبهام الذي يالزم الحكم في مقتضاه‪ ،‬سوف نتطرق في هذا‬
‫املقال إلى بعض اإلشكاالت القانونية التي يطرحها تنفيذ األحكام القضائية‪ ،‬مبتدئين بعبارة مع‬
‫(ترتيب األثر القانوني) و التي كثيرا ما نصادفها في منطوق اإلحكام القضائية الصادرة في مواجهة‬
‫أشخاص القانون العام‪ ،‬و التي تطرح أكثر من لغط حول مدى حجيتها و ترتيب أثارها عند تنفيذ‬
‫األحكام القضائية‪ ،‬ال سيما ملا لها من ارتباط بفكرة ودرجة االستقرار التي يجب أن يكتسبها هذا‬
‫الحكم قبل تنفيذه‪.‬‬

‫الصفحة ‪74 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬ماهية الحكم القضائي و منطوقه‬

‫مما ال شك فيه أن الحكم القضائي كما سبق بيانه‪ ،‬هو كل قرار يصدر من املحكمة في‬
‫خصومة قضائية وفقا لقواعد إصدار األحكام القضائية‪ ،‬و بعبارة أكثر وضوحا فهو القرار الذي‬
‫تصدره محكمة مشكلة تشكيال صحيحا‪ ،‬ومختصة في خصومة رفعت إليها‪ ،‬وفقا لإلجراءات‬
‫املسطرية املتبعة‪ ،‬سواء كان صادرا في موضوع الخصومة‪ ،‬أو في شق منها‪ ،‬أو في مسألة متفرعة عنها‪،‬‬
‫ويرى جانب من الفقه أنه كل قرار تصدره املحكمة بمقتض ي سلطتها القضائية‪ ،‬وفاصال في منازعة‬
‫معينة‪.‬‬
‫أما منطوق الحكم القضائي فهو الذي يتضمن ما قضت به املحكمة في النزاع املعروض‬
‫عليها‪ ،‬فاألصل أن منطوق الحكم هو الذي تثبت له الحجية ألنه تتمثل فيه الحقيقة القضائية‪ ،‬غير‬
‫أنه يشترط في ثبوت حجية الش ئ املحكوم فيه ملا يرد في منطوق الحكم أن يكون قد ورد فيه بصيغة‬
‫الحكم والفصل ‪ ،‬فإذا أورد الحكم في منطوقه بعض العبارات العارضة التي تشمل أمرا لم تتناوله‬
‫املطالبة القضائية‪ ،‬ولم يرد في طلبات الخصوم‪ ،‬فمثل هذه العبارات ال تحوز حجية الش ئ املحكوم‬
‫فيه‪ ،‬ما دامت لم ترد فيه بصيغة الحكم والفصل‪ ،‬وقد يفصل املنطوق في بعض نقط النزاع بطريق‬
‫ضمني فتثبت الحجية لهذا املنطوق الضمني ما دام هو النتيجة الحتمية للمنطوق الصريح الصادر‬
‫فني الدعوى‪ ،‬فعلى سبيل املثال إذا كانت دعوى اإللغناء هي دعنوى تهدف إلى إعدام القرار اإلداري‬
‫املخالنف للمشروعينة‪ ،‬فنإن قيمة هذه الدعوى تتحقق في حكمها‪،‬‬
‫إال أنه وفي بعض األحيان‪ ،‬فإن األمر ال يتوقف على صدور الحكم من طرف القضاء‪ ،‬بل‬
‫أن الحكم يتحدد في آثاره وما قد يرتبه من نتائنج و التي قد تطرح العديد من اإلشكاليات فيما قد‬
‫يشتمل عليه منطوق الحكم من عبارات قد تتخذ أوجها عدة‪ ،‬من حيث نطاق ترتيب أثاره و تنفيذه‪،‬‬
‫ولعل أهم هذه العبارات التي تعودنا على قراءتها في منطوق األحكام القضائية السارية في مواجهة‬
‫أشخاص القانون العام‪ ،‬على سبيل املثال ال الحصر تداول عبارة "مع ترتيب اآلثار القانونية" التي‬
‫تطرح من حيث الواقع العملي و القانوني عدة تساؤالت بمناسبة تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في‬
‫مواجهة أشخاص القانون العام‪ ،‬ومختلف املواقف املعلنة في شأنها‪ ،‬وانعكاساتها على مبادئ‬
‫الحكامة اإلدارية والقضائية‪ ،‬وكيفية تعامل اإلدارة معها في مجال التنفيذ‪ ،‬بحيث تصل أحيانا إلى ما‬
‫يمكن وصفه باملساس بمبدأ ملساواة بين املتقاضين ‪.‬‬
‫الصفحة ‪75 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬و نظرا ألهمية املوضوع وضرورة بسط مدلول عبارة( ترتيب اآلثار‬
‫القانونية) عند تنفيذ األحكام القضائية‪ ،‬و حتى يتسنى لنا اإلجابة عن التساؤالت املتعلقة بمدى‬
‫تمتعها بالقوة اإللزامية إلى جانب بسط اإلشكاالت التي قد تعيق تنفيذها ؟ وتحديد مدى اآلثار‬
‫املترتبة عنها أثناء عملية التنفيذ؟ سوف نتناول في الفقرة املوالية ماهية عبارة مع ترتيب اآلثار‬
‫القانونية‪ ،‬والتطرق إلى بعض اإلشكاليات املرتبطة بها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مدلول عبارة ترتيب اآلثار القانونية‬


‫وبعض اإلشكاليات املرتبطة بها‬

‫كما ال يخفى على الجميع‪ ،‬أن املقصود بترتيب اآلثار القانونية في منطوق األحكام‬
‫القضائية أو القرارات اإلدارية‪ ،‬هو تحديد التسلسل أو الترتيب الذي ينبغي أن تتخذه اآلثار‬
‫القانونية املترتبة على صدور حكم قضائي أو قرار قانوني‪ ،‬وتشمل عبارة اآلثار القانونية مجموعة‬
‫من الجزاءات القانونية التي تنجم عن القرارات القضائية‪ ،‬ومثالها االلتزام بالحكم‪ ،‬وتعويض‬
‫املتضررين‪ ،‬وتنفيذ الجزاءات وغيرها‪ ،‬وعادة ما يتم تحديد ترتيب اآلثار القانونية في النص القانوني‪،‬‬
‫أو في النص القضائي الذي يتضمن الحكم أو القرار ويعتمد هذا الترتيب على التشريعات املعمول بها‬
‫والقواعد القانونية الجاري بها في البلد أو النظام القانوني املعني‪ ،‬و على سبيل املثال يكون ترتيب‬
‫اآلثار القانونية بتنفيذ الحكم واالمتثال ملضمونه إلى جانب الحرص على ما قد يترتب عنه من‬
‫تعويض لفائدة املتضررين إذا كان هناك أطراف متضررة من القرار‪ ،‬لكن الواقع العملي لتنفيذ‬
‫األحكام القضائية أبان عن بعض اإلشكاليات املتعلقة بتحديد اآلثار املترتبة عن تنفيذ الحكم‬
‫القضائي خصوصا على مستوى تحديد بعض العبارات املالزمة ملنطوقه وما تثيره من غموض ولبس‬
‫على مستوى نطاق و حدود و إدراك عبارة ترتيب األثر القانوني للحكم القضائي‪ ،‬ذلك أن ترتيب‬
‫اآلثار القانونية في تنفيذ األحكام القضائية املراد به تحديد التسلسل الصحيح لتنفيذ األحكام‬
‫القضائية وترتيب اآلثار الناتجة عن تلك األحكام‪ .‬التي تعتبر مسألة هامة في العمل القضائي‪ ،‬إذ‬
‫يجب أن يتم تنفيذ األحكام القضائية بطريقة تحقق العدالة وتحافظ على حقوق األطراف املعنية‪،‬‬
‫لكن باملقابل والى جانب تنوع اآلثار القانونية لتنفيذ األحكام القضائية وشمولها ملجموعة من‬
‫اإلجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم الصادر من املحكمة‪ .‬يجعلها ال تخلوا من‬

‫الصفحة ‪76 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بعض اإلشكاليات املتعلقة بالتنفيذ املباشر الذي يتم من خالله تنفيذ الحكم عن طريق تنفيذ‬
‫اإلجراءات املحددة فيه‪ ،‬مثل تسليم املمتلكات‪ ،‬أو تنفيذ التزام محدد‪ ،‬أو إلزام طرف بإتمام عمل‬
‫ماليا للطرف الرابح‪ ،‬ويجب تنفيذ‬ ‫ً‬
‫تعويضا ً‬ ‫معين‪ ،‬أو بالتعويض املالي بحيث يمكن أن يتضمن الحكم‬
‫هذا التعويض ودفعه من قبل الطرف الخاسر‪ ،‬كما يمكن للحكم أن يرتب اثأر قانونية تستهدف‬
‫إلغاء األفعال غير القانونية كنتيجة طبيعية للحكم‪.‬‬
‫إال انه بالرغم من تحديد اآلثار القانونية املترتبة على تنفيذ حكم قضائي‪ ،‬فقد يأتي‬
‫منطوق الحكم بعبارات تحتاج إلى تفسير و رفع الغموض الذي تنطوي عليه ‪ ،‬فكثيرا ما نصادف‬
‫أحكام قضائية يشتمل منطوقها على عبارة مع ترتيب اآلثار القانوني و التي تطرح غموضا من حيث‬
‫االلتزام بمدلول هذه العبارة أثناء التنفيذ ومدى ضمان تنفيذ األحكام بطريقة فعالة ومنصفة‪،‬‬
‫وتجنب التعارض بين اآلثار املختلفة التي تتطلب معه أن تتسم األحكام القضائية بصفات خاصة‪،‬‬
‫منها حسن اختيار اللفظ ودقة األداء‪ ،‬والوضوح في صياغة مفردات الحكم مع ضرورة اإلشارة إلى‬
‫نصوص القانون‪ ،‬فالحكم القضائي البد و أن يكون على درجة عالية من الوضوح‪ ،‬مما يتوجب على‬
‫القاض ي أن يختار العبارات الواضحة والتي ال يشوبها غموض أو إبهام‪ ،‬والوضوح في العبارة يتحقق‬
‫باختيار القاض ي لأللفاظ الدالة على املعنى الذي يقصده‪ ،‬وإال سنكون في مواجهة عبارات قد ترد في‬
‫منطوق الحكم تكون لها انعكاسات وخيمة على مبادئ الحكامة اإلدارية والقضائية‪ ،‬قد تصل أحيانا‬
‫إلى ما يمكن وصفه باملساس بمبدأ املساواة بين املواطنين‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬نطاق املطالبة القضائية‬


‫وحدود عبارة ترتيب اآلثار القانونية عند تنفيذ األحكام القضائية‬

‫ا لواضح أن مدى املطالبة القضائية ونطاقها أمر تحدده طلبات الخصوم‪ ،‬وما تنتهي إليه‬
‫املحكمة في قضائها‪ ،‬وفي هذا السياق تجدر اإلشارة إلى أن الطلبات املقدمة للقضاء‪ ،‬تنقسم إلى‬
‫طلبات أصلية وطلبات عارضة أو طارئة‪ ،‬واملراد بالطلب القضائي األصلي صحيفة الدعوى التي تقدم‬
‫ً‬
‫إلى املحكمة من املدعي استعماال لحقه في الدعوى القضائية‪ ،‬ويسمى أيضا بالطلب املفتتح‬
‫ُ‬
‫للخصومة‪ ،‬و أما الطلبات العارضة بمعناها الواسع فهي الطلبات التي تبدى بمناسبة طلب أصلي‬

‫الصفحة ‪77 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وفي أثناء النظر فيه وترمي إلى وقف السير في الطلب األصلي أو منع الحكم به‪ ،‬أو تغيير وجه الحكم‬
‫ً‬ ‫فيه‪ ،‬أو يكون الغرض من إبدائه ّ‬
‫ضمه للطلب األصلي والحكم فيهما معا‪.‬‬
‫وللمدعي الحق في تقديم ما يشاء من الطلبات األصلية طاملا توافرت شروط قبولها‬
‫بخالف الطلبات العارضة التي حدد املشرع حق الخصم في تقديمها للقضاء‪ ،‬وسواء كان الطلب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املرفوع للقضاء أصليا أم عارضا تترتب على رفعه أثار قانونية‪ ،‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فالحكم الصادر‬
‫باإللغاء ال يرتب آثار آلية بإزالة كافة اآلثار القانونية التي خلفها القرار امللغي‪ ،‬و إال كان ذلك بمثابة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حلول املحكمة محل اإلدارة في مباشرة اختصاصاتها اإلدارية‪ ،،‬وإنما يتطلب التنفيذ تدخال إيجابيا‬
‫من اإلدارة بإصدار قرار إداري جديد يقض ي على آثار القرار امللغى‪.‬‬
‫ومن ثم فانه إذا ما تقرر إلغاء القرار‪ ،‬فانه يوجب على اإلدارة االلتزام بإعادة الحال إلى ما‬
‫كان عليه كما لو لم يصدر القرار امللغي بحيث يترتب على اإلدارة التزامان‪ ،‬األول يقتض ي التزام‬
‫اإلدارة بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل صدور القرار امللغي بإزالة كافة اآلثار القانونية واملادية‬
‫التي ترتبت في ظله بأثر رجعي‪ ،‬كما يلزمها بهدم كافة القرارات واألعمال القانونية التي استندت في‬
‫صدورها إلى القرار امللغي‪ ،‬والثاني يتمثل في التزام اإلدارة بعدم انتهاكها قوة الش يء املقض ي به‪ ،‬فعليها‬
‫ً‬
‫أن تمتنع عن تنفيذ القرار امللغي وتمتنع أيضا عن االستمرار في تنفيذه أن بدأت به‪ ،‬كما يفرض هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الواجب على اإلدارة أن ال تعيد إصدار القرار امللغي من خالل إصدارها قرارا جديدا تمنح فيه الحياة‬
‫للقرار امللغي بصورة مباشرة‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فإن مقتض ى تنفيذ الحكم الصادر باإللغاء هو إعادة الحال‬
‫إلى ما كان عليه وقت صدور القرار املقض ي بإلغائه‪ ،‬والوقوف بالتنفيذ عند هذا الحد‪ ،‬دون أن‬
‫يشمل ذلك أيا من القرارات الالحقة‪ ،‬التي يتعين الطعن فيها استقالال‪ ،‬حيث يفتح ميعاد جديد‬
‫للطعن فيها من تاريخ صدور الحكم القاض ي باإللغاء‪ ،‬كما أن الحكم الصادر باإللغاء يمتد ليشمل‬
‫إلغاء القرارات الالحقة كأثر من آثار الحكم‪ ،‬تأسيسا على أن القرار امللغى‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة ‪:‬متالزمة ترتيب األثرالقانونية‬


‫وصعوبة تنفيذ اإلحكام القضائية‬

‫تنفيذ األحكام القضائية ليس امرأ متيسرا في جميع األحوال‪ ،‬بل قد تالقى تصفية‬
‫ً‬
‫األوضاع القانونية التي تمت استنادا إلى منازعة قضائية العديد من الصعوبات الواقعية و‬

‫الصفحة ‪78 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ً‬
‫القانونية‪ ،‬قد تحتاج إلى تفسير منطوقه‪ ،‬والتي تتحول أحيانا إلى استحالة في التنفيذ‪ ،‬فاألصل في‬
‫الحكم القضائي انه واجب التنفيذ فيما اشتمل عليه منطوقه وأسبابه املرتبطة به ارتباطا وثيقا ال‬
‫يمكن فصله عنه‪ ،‬بحيث يحمل الحكم على منطوقه‪ ،‬وهو املعبر عن الحكم بألفاظه الصريحة‬
‫الواضحة وأسبابه‪ ،‬وهي التي تبين بناء الحجج القانونية واألدلة الواقعية التي ُبني عليها الحكم‪ ،‬غير‬
‫انه يجوز للخصوم أن يطلبوا من املحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض‬
‫أو إيهام‪ ،‬ويقدم الطلب وفق اإلجراءات املسطرية املعروفة لرفع الدعوى‪ ،‬ويعتبر الحكم الصادر‬
‫متمما من كل الوجوه للحكم الذي يفسره‪ .‬ويسري عليه ما يسري على هذا الحكم من‬ ‫بالتفسير ً‬
‫القواعد الخاصة بطرق الطعن العادية وغير العادية ‪.‬‬
‫وعليه فإن طلب تفسير الحكم ال يكون إال بالنسبة إلي قضائه الوارد في منطوقة‪ ،‬فهو‬
‫ً‬
‫الذي يحوز حجية الش ئ املقض ي به أو قوته دون أسبابه‪ ،‬إال ما كان من هذه األسباب مرتبطا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومكونا لجزء مكمل له‪ ،‬كما ال يكون إال حيث يلحق بهذا املنطوق أو يشوبه‬ ‫جوهريا‬ ‫باملنطوق ارتباطا‬
‫من غموض أو إبهام يقتض ي اإليضاح والتفسير السنتجالء قصد املحكمة فيما غمض أو أبهم ابتغاء‬
‫الوقوف علي حقيقة املراد منه حتى يتسنى تنفيذ الحكم بما يتفق وهذا القصد‪ ،‬ويعتبر الحكم‬
‫ً‬
‫جديدا‪ ،‬ولذلك يلزم أن يقف‬ ‫متمما للحكم الذي يفسره من جميع الوجوه ال ً‬
‫حكما‬ ‫الصادر بالتفسير ً‬
‫عند حد إيضاح ما أبهم أو غمض بالفعل بحسب تقدير املحكمة ال ما التبس على ذوي الشأن فهمه‬
‫على الرغم من وضوحه‪.‬‬
‫ُ‬
‫ويلتزم الحكم امل َف ِّ ّس ْر بعدم املساس بما قض ي به الحكم محل التفسير بنقص أو زيادة‬
‫أو تعديل‪ ،‬وإال كان في ذلك إخالل بقوة األمر املقض ي‪ .‬والتزاما بهذه القواعد وفي نطاقها يتحدد‬
‫بوضوح طلب التفسير‪ ،‬فال يكون له محل إذا ما تعلق بأسباب منفكة عن املنطوق‪ ،‬أو بمنطوق ال‬
‫غموض فيه وال إبهام أو إذا استهدف تعديل ما قض ي به الحكم زيادة أو نقصانا أو كان قضاءه خاطئا‬
‫أو إذا قصد إلي إعادة مناقشة ما فصل فيه من الطلبات املوضوعية‪ ،‬أيا كان وجه الفصل في هذه‬
‫الطلبات‪ ،‬وترتيبا علي ذلك يتعين استظهار دعوي التفسير علي أساس ما قض ي به الحكم املطلوب‬
‫تفسيره إن كان ثمة وجه في الواقع والقانون‪ ،‬لذلك دون التجناوز إلي تعديل ما قض ي به‪.‬‬
‫وفي هذا السياق ووفق ما أبان عنه الواقع العملي للعمل القضائي‪ ،‬كثيرا ما نصادف‬
‫عبارة مع ترتيب األثر القانوني و ما تثير من صعوبات أثناء عملية تنفيذ األحكام القضائية خصوصا‬
‫على مستوى ادارك و استيعاب اإلدارة املتنازع معها لداللة و مفهوم عبارة مع ترتيب األثر القانوني‪،‬‬
‫على أساس انه في بعض الحاالت نجد اإلدارة نفسها عاجزة عن ترتيب األثر القانوني الواردة في‬

‫الصفحة ‪79 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫منطوق الحكم بحجية أن املطالبة القضائية األصلية ال تشمل على بعض املطالب الفرعية املرتبطة‬
‫بموضوع املنازعة أو لصعوبة تنفيذ اآلثار القانونية لحكم قضائي لسبب تذييل هذا الحكم بعبارة‬
‫مع ترتيب األثر القانوني ‪،‬مما يجعل من هذه العبارة في رأيها تتعدى نطاق ما جاء بالطلب األصلي‬
‫للدعوى‪.‬‬
‫وبناء عليه وأمام هذه الوضعية‪ ،‬نتساءل عن مآل عبارة مع ترتيب األثر القانوني عند‬
‫تنفيذ األحكام القضائية ؟ وهل يمتد أثارها إلى إعمال األثر القانوني فيما لم يتم التنصيص عليه‬
‫باملطالبة القضائية؟‬
‫من وجهة نظرنا‪ ،‬فإن ترتيب األثر القانوني الوارد في منطوق الحكم مرتبط باآلثار التي قد‬
‫تلحق القرار اإلداري نفسه من حيث إلغاؤه أو تعديله ‪ ،‬وهكذا تمتد اثار تلك العبارة لتشمل كل ما‬
‫يمكن أن يترتب ليس فقط عن إلغاء القرار اإلداري موضوع املنازعة ‪،‬و لكن نرى انه يتعدى نطاقها‬
‫كل اآلثار الفرعية التي تنجم عنه‪ ،‬بدءا من إلغاء القرار إلى ما يمكن أن يترتب عنه حتى ولو لم يكن‬
‫موضوع املطالبة القضائية وأساس ذلك أن القضاء ال يمكن أن يحل محل اإلدارة و توجيهها‪ ،‬مما‬
‫يبقى على اإلدارة أن تلتزم كخصم شريف بتنفيذ كل ما يرتبه الحكم القضائي من دالالت و‬
‫استحقاقات للجهة املدعية‪ ،‬في إطار القانون إحقاقا للعدل و اإلنصاف‪ ،‬ذلك أن عبارة ترتيب اآلثار‬
‫القانونية قد تؤسس ملرحلة ما بعد إلغاء القرار اإلداري لتترك لإلدارة حرية و هامش التصرف إعماال‬
‫منها ملبدأ فصل السلط‪. .‬‬

‫الفقرة الخامسة‪ :‬مبدأ عدم رجعية القوانين‬


‫وتطبيق عبارة مع ترتيب اآلثارالقانونية‬

‫من املقرر أن أحكام القوانين ال تجري إال على ما يقع من تاريخ نفاذها‪ ،‬وال تنعطف آثارها‬
‫ويقصد بالقانون على ما جرى عليه العمل‬ ‫إلى ما وقع قبلها ما لم ينص القانون على خالف ذلك‪ُ ،‬‬
‫ً‬
‫القضائي القانون بمعناه املوضوعي‪ ،‬محددا على ضوء النصوص التشريعية التي تتولد عنها مراكز‬
‫قانونية عامة مجردة‪ ،‬سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات األصلية التي تقرها السلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية عمال بالتفويض املقرر‬

‫الصفحة ‪80 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫لها لتقرير القواعد التفصيلية الالزمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء‬
‫من تنفيذها‪.‬‬
‫ً‬
‫وتسري القاعدة القانونية اعتبارا من تاريخ العمل بها على الوقائع التي تتم في ظلها وحتى‬
‫إلغائها‪ ،‬فإذا حلت محل القاعدة القديمة قاعدة قانونية أخرى‪ ،‬فإن القاعدة الجديدة تسري من‬
‫الوقت املحدد لنفاذها ويتوقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها‪ ،‬وبذلك يتحدد النطاق‬
‫الزمني لكل من القاعدتين‪ ،‬وتظل املراكز القانونية التي اكتمل تكوينها ورتبت آثارها في ظل القانون‬
‫القديم‪ ،‬خاضعة لحكمه وحده‪.‬‬
‫ونظرا لخطورة اآلثار التي تترتب على األحكام بمعناها الدقيق بشكل عام وبشكل خاص‬ ‫ً‬
‫وحرصا على عدم تأبيد املنازعات من ناحية‪ ،‬والعمل على‬ ‫ً‬ ‫إعمال عبارة (مع ترتيب اآلثار القانونية)‪،‬‬
‫استقرار الحقوق واملراكز القانونية من ناحية أخرى‪،‬فقد أحاط املشرع إصدار األحكام بضمانات‬
‫كثيرة لم يحظ بمثلها أي من األعمال األخرى التي تصدر عن السلطات العامة فالحكم ال ينش ئ حقا‬
‫جديدا لم يكن موجودا‪ ،‬وال يجدد الحق ‪ ،‬وإنما هو يقويه وينش ئ لصاحبه بعض املزايا‪.‬‬
‫ومن وجهة نظرنا‪ ،‬فإن عبارة‪ -‬مع ترتيب اآلثار القانونية ‪ -‬هي األخرى تسري آثارها –‬
‫كقاعدة عامة – من وقت صدور الحكم القضائي فيما اشتمل عليه في منطوقه‪ ،‬وإن كانت املطالبة‬
‫القضائية تنش ئ آثارا هامة هي التي تسري من وقت رفع الدعوى‪ ،‬ويقررها الحكم الصادر فيها‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإذا كانت الواقعة أو املركز القانوني في طور التكوين إلى أن لحق القاعدة‬
‫القانونية تعديل يمس عنصرا أو أكثر من عناصر هذه الواقعة‪ ،‬أو هذا املركز وجب تطبيق القاعدة‬
‫الجديدة – املركز القانوني الذي يحدثه القرار اإلداري كتصرف قانوني إرادي يترتب بمجرد إفصاح‬
‫الجهة اإلدارية عن إرادتها‪ ،‬فيكتمل بذلك نشوء هذا املركز ومن ثم تكون القاعدة الواجب تطبيقها‬
‫لبيان مدى اتفاق القرار بما رتبه من مركز مع حكمها من عدمه‪ ،‬هي القاعدة التي صدر القرار إبان‬
‫العمل بها‪,‬‬
‫وعليه فترتيب اآلثار القانونية للحكم القضائي و إعمال قاعدة مع ترتيب األثر القانوني‬
‫فيما قض ى فيه يكون مرتبطا بالقانون الجاري به العمل أثناء مرحلة املطالبة القضائية مالم ينص‬
‫القانون على خالف ذلك‪،‬ما عاد إذا كانت الواقعة‪ ،‬أو املركز القانوني في طور التكوين إلى أن لحق‬
‫القاعدة القانونية تعديل يمس عنصرا أو أكثر من عناصر هذه الواقعة‪ ،‬أو هذا املركز وجب تطبيق‬
‫القاعدة ترتيب األثر الفوري للقاعدة القانونية بما يترتب عنها قانونا‪.‬‬

‫الصفحة ‪81 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫و أساس ذلك أن املحكمة صاحبة االختصاص تباشر اختصاصها وهي تزن القرار بميزان‬
‫املشروعية في ضوء أحكام القانون‪ ،‬فإذا ثبتت مخالفته ألحكامه قضت بإلغائه‪ ،‬فحكمها يكون حكما‬
‫كاشفا ملدى صدور ذاك القرار مترمال بصحيح حكم القانون‪،‬‬

‫املراجع‪:‬‬
‫‪ -‬مجلس الدولة – املكتب الفني – مجموعة املبادئ التي قررتها املحكمة اإلدارية العليا‬
‫‪ -‬محمد قصري‪ :‬الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة اإلدارة املمتنعة‬
‫‪ -‬حسين ياسين العبيدي اللغة القضائية و أثارها في صياغة الحكم القضائي‬
‫‪ -‬عالء رضوان – اآلثار املترتبة عن منطوق األحكام القضائية‬
‫‪ -‬لبنى الوزاني ‪:‬منطوق الحكم املدني من دروس املعهد العالي للقضاء‬
‫‪ -‬عبد العلي فتحي ‪ -‬الفرق بين الحيثيات ومنطوق الحكم فى أحكام القضاء‬
‫‪ -‬مجموعة قرارات مصرية حول حجية األحكام‪-‬‬
‫‪ -‬النقض املدني ‪ -‬الفقرة رقم ‪ 1‬من الطعن رقم ‪ 294‬لسنننة ‪ 34‬ق ‪ -‬تاريخ الجلسة ‪1968 / 04 / 18‬‬
‫مكتب فني ‪ 19‬رقم الصفحة ‪.801‬‬
‫‪ -‬النقض املدني ‪ -‬الفقرة رقم ‪ 3‬من الطعن رقم ‪ 218‬لسنننة ‪ 39‬ق ‪ -‬تاريخ الجلسة ‪1975 / 05 / 04‬‬
‫مكتب فني ‪ 26‬رقم الصفحة ‪.913‬‬
‫‪ -‬لنقض املدني ‪ -‬الفقرة رقم ‪ 5‬من الطعن رقم ‪ 89‬لسنننة ‪ 41‬ق ‪ -‬تاريخ الجلسة ‪1976 / 06 / 09‬‬
‫مكتب فني ‪ 27‬رقم الصفحة ‪.1307‬‬
‫‪ -‬النقض املدني ‪ -‬الفقرة رقم ‪ 1‬من الطعن رقم ‪ 915‬لسنننة ‪ 44‬ق ‪ -‬تاريخ الجلسة ‪1978 / 03 / 30‬‬
‫مكتب فني ‪ 29‬رقم الصفحة ‪.932‬‬
‫‪ -‬النقض املدني ‪ -‬الفقرة رقم ‪ 1‬من الطعن رقم ‪ 104‬لسنننة ‪ 43‬ق ‪ -‬تاريخ الجلسة ‪1980 / 01 / 12‬‬
‫مكتب فني ‪ 31‬رقم الصفحة ‪.131‬‬

‫الصفحة ‪82 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الحساب الجاري للشركاء‬


‫ذ البشير العباا ي‬
‫محام بهيئة الدار البيضاء‬

‫مقدمنة‪:‬‬
‫أصبحت املقاوالت في ظل النظام االقتصادي العالمي الحديث تعرف طرقا عديدة‬
‫للتمويل‪ ،‬ذلك أنها استغنت عن الطرق التقليدية للتمويل املتمثلة في الرأسمال االجتماعي املتكون‬
‫أساسا من حصص الشركاء في املقاولة حين إنشائها أو بمناسبة توسيع نشاطها والذي يمثل الضمان‬
‫العام لدائني املقاولة(‪ ،)1‬والتمويل عن طريق االستدانة من البنوك والذي يحتل مركز الصدارة في‬
‫تمويل الشركات ملا يوفره من قدرة على جمع املدخرات وتدبير طرق توظيفها في صورة ائتمان تراعى‬
‫فيه ضوابط أقدم املشرع على تنظيمها في قانون ‪ 103.12‬املتعلق بمؤسسات االئتمان واملؤسسات‬
‫املعتبرة في حكمها كما تم تغييره وتتميمه‪.‬‬
‫ويضاف إلى هاتين الطريقتين من طرق تمويل الشركات طرق حديثة جاءت في صورتين ‪:‬‬
‫صورة منظمة وأخرى غير منظمة‪ ،‬وتظهر الصورة األولى في التمويل عن طريق بورصة القيم(‪ )2‬في‬
‫شكل سندات رأس املال في حالة الزيادة في الرأسمال االجتماعي أو في شكل سندات القرض في حالة‬
‫لجوء الشركة إلى االستدانة(‪ ،)3‬كما أن هناك التمويل عن طريق هيئات التوظيف الجماعي‬
‫للرأسمال‪ ،‬والذي يجد سنده إضافة إلى القانون رقم ‪ 18.14‬القاض ي بتغيير وتتميم القانون رقم‬
‫‪ 41.05‬املتعلق برأسمال املجازفة (‪ ،)4‬في املادتين ‪ 7‬و ‪ 8‬من قانون ‪،103.12‬حيث يمكن لوالي بنك‬

‫‪ -1‬أحمد شكري السباعي‪ :‬الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع االقتصادي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2003 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.397‬‬
‫‪ -2‬المنظمة بالظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم ‪ 1.93.211‬الصادر بتاريخ ‪ 21‬سبتمبر ‪ ،1993‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 4223‬بتاريخ ‪ 6‬أكتوبر ‪ ،1993‬ص‪ ،1882 :‬كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم ‪ 52.01‬الصادر بتاريخ ‪ 21‬أبريل ‪ ،2004‬ج ر‬
‫عدد ‪ 5207 :‬الصادرة بتاريخ ‪ 26‬أبريل ‪ ،2004‬ص‪.1844 :‬‬
‫‪3 - .Manal Zouglami : « les reformes du marché boursier marocain et limité », DESA en sciences‬‬
‫‪economiques, universite faculté de droit aghdal, Rabat, Novembre 2000, p :13.‬‬
‫‪ - 4‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.07‬صادر في ‪ 29‬من ربيع األخر ‪ 19( 1436‬فبراير ‪ ،) 2015‬والمنشور بالجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 6342 :‬الصادرة بتاريخ ‪ 21‬جمادى األولى ‪ 12( 1436‬مارس ‪ ،)2015‬ص ‪ ،1596 :‬والمعدل مؤخرا بالقانون رقم‬

‫الصفحة ‪83 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املغرب بعد استطالع رأي لجنة مؤسسات االئتمان أن يسمح للبنوك باملساهمة في مقاوالت موجودة‬
‫أو مزمع إحداثها وذلك بمنشور يحدد شروط املساهمة‪.‬‬
‫أما الصورة الثانية للتمويل الحديث والتي تمتاز بطابعها غير املنظم قانونا فتتمثل فيما‬
‫أطلق عليه بعض الباحثين(‪ ،)1‬تسمية النظام العرفي املركب‪ ،‬والذي يعد من أحد ابتكارات املنظومة‬
‫املقاوالتية‪ ،‬أال وهو نظام الحساب الجاري للشركاء أو ما يصطلح على تسميته محاسباتيا ب ‪Le‬‬
‫‪.compte courant d’associe‬‬
‫يعد هذا النظام وليد تطور األنظمة املحاسباتية واملالية للمقاوالت‪ ،‬فماذا نعني بهذه‬
‫التقنية ؟ وما هي خصائصها وأحكامها ؟ وما هي الوظائف التي يضطلع بها هذا الحساب في إنعاش‬
‫الخزينة املالية للمقاولة وتعزيز ضمانات هذه األخيرة عند رغبتها في الحصول على االئتمانات ؟ وأخيرا‬
‫ما هي اإلشكاالت التي يطرحها توظيف هذا الحساب من الناحية العملية ؟ هذا ما سنعمل على تناوله‬
‫بالدرس والتحليل من خالل تقسيم موضوع مقالنا إلى فصلين نتناول في الفصل األول ماهية‬
‫الحساب الجاري للشركاء وأحكامه‪ ،‬على أن نتطرق في الفصل الثاني لوظائفه واإلشكاالت التي‬
‫يطرحها من الناحية العملية‪ ،‬مع اإلشارة إلى أننا سنركز في دراستنا للحساب الجاري للشركاء على‬
‫الجانب القانوني مع التطرق بين الفينة واألخرى – وكلما سنحت لنا الفرصة‪ -‬للجانب املحاسبي‬
‫والضريبي‪.‬‬
‫وقبل هذا وذاك‪ ،‬فال بد من التطرق إلى التنظيم القانوني لهذه الوسيلة من وسائل التمويل‬
‫الذاتية للمقاولة في فصل تمهيدي‪.‬‬

‫‪ 58.22‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.23.68‬بتاريخ ‪ 23‬محرم ‪10( 1445‬اغسطس ‪ )2023‬والمنشور بالجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 7228‬بتاريخ ‪ 21‬صفر ‪ 7( 1445‬سبتمبر ‪ ،)2023‬ص ‪.7160 :‬‬
‫‪ -1‬هشام زغوان ‪ :‬الحساب الجاري للشركاء‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق بالدار‬
‫البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2005-2004‬مرجع الخزانة ‪ :‬ددع م – خ – ‪ ،140‬الصفحة ‪.11:‬‬

‫الصفحة ‪84 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫فصل تمهيدي ‪ :‬التنظيم القانوني للحساب الجاري للشركاء‬

‫امتاز التنظيم القانوني للحساب الجاري للشركاء باملغرب بطابعه املحتشم‪ ،‬ذلك أننا نجده‬
‫منظما في نصوص متناثرة هنا وهناك نوردها كما يلي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬يخضع الحساب الجاري باعتباره اتفاقا بين الشريك الفاتح للحساب والشركة‬
‫املستفيدة منه إلى األحكام العامة للعقد وفق ما سطره ظهير االلتزامات والعقود‪ ،‬إضافة إلى األحكام‬
‫الواردة به واملتعلقة بالقرض‪.‬‬
‫‪ – 2‬الفقرة الثانية من املادة ‪ 2‬من قانون ‪ 103.12‬املتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات‬
‫املعتبرة في حكمها ‪:‬والتي أدرجته ضمن األموال التي ال يمكن اعتبارها متلقاة من الجمهور لفائدة‬
‫مؤسسات االئتمان‪ ،‬حيث جاء فيها ‪ ":‬غير أنه ال تعتبر أمواال متلقاة من الجمهور ‪:‬‬
‫‪ -‬األموال املقيدة في حساب شركة باسم الشركاء فيها على وجه التضامن والشركاء املوصين‬
‫في شركات التوصية والشركاء املتضامنين والشركاء واملديرين وأعضاء مجلس اإلدارة وأعضاء مجلس‬
‫اإلدارة الجماعية أو مجلس الرقابة واملساهمين الذين يملكون ما ال يقل عن ‪ %5‬من رأس مال‬
‫الشركة‪."...‬‬
‫واملالحظ أن شرط النسبة في امتالك الرأسمال من أجل فتح حساب جاري للشركاء قد تم‬
‫تعديله في القانون البنكي الجديد إذ أنه كان محددا في في نسبة ‪ %10‬في ظهير ‪ ،1993‬وهو تعديل‬
‫محمود ال سيما إذا علمنا أن املشرع سعى من ورائه إلى تشجيع املساهمين في الشركة على تمويلها‬
‫بهذه الطريقة بما يخدم مصالح الجميع داخلها‪ ،‬حيث وسع من دائرة املستفيدين من هذه التقنية‬
‫ودعم وسائل التمويل الذاتي في اتجاه تقليل فرص اللجوء إلى االستدانة من مؤسسات االئتمان‪.‬‬
‫‪ – 3‬الفقرة الثانية من املادة ‪ 18‬البند ‪ 3‬من قانون ‪ 103.12‬املتعلق بمؤسسات االئتمان‬
‫والهيئات املعتبرة في حكمها‪ :‬ذلك أن هذه املادة تمنع على كل شخص غير معتمد باعتباره مؤسسة‬
‫ائتمان أن يحترف بصفة اعتيادية القيام بالعمليات املشار إليها في املادة ‪ 11‬من قانون ‪ ،103.12‬غير‬
‫أن الفقرة الثانية جاءت باستثناءات واردة على سبيل الحصر تجيز القيام بهده العمليات منها ‪:‬‬

‫الصفحة ‪85 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫" مباشرة عمليات الخزينة مع شركات تكون له معها بصفة مباشرة أو غير مباشرة رأس‬
‫مال تخول إلحداها سلطة مراقبة فعلية على الشركات األخرى"‪.‬‬
‫فاملشرع هنا اشترط في الشريك الفاتح للحساب الجاري للشركاء أن يكون شخصا معنويا‬
‫مع ضرورة توافر روابط رأس مال مشترك‪.‬‬
‫‪ – 4‬املادة ‪ 66‬من قانون ‪ 5.96‬التي تمنع على املسيرين أو الشركاء الطبيعيين تحت طائلة‬
‫بطالن العقد‪ ،‬االقتراض بأي شكل من األشكال من الشركة‪ ،‬كما يمنع عليهم العمل على أن تمنح لهم‬
‫الشركة دائنية في الحساب الجاري أو بأية طريقة أخرى‪."...‬‬
‫وبمفهوم املخالفة فإنه يتحقق ما يلي ‪:‬‬
‫أ – يمكن للشركاء في هذا النوع من الشركات متى كانوا أشخاصا اعتباريين أن يستفيدوا‬
‫من دائنية في الحساب الجاري للشركة‪ ،‬والسبب في ذلك يعود للمراقبة املزدوجة بين الشركة الدائنة‬
‫والشركة املدينة(‪ ،)1‬وهو ما ال يمكن تحقيقه متى كان الشريك شخصا ذاتيا‪.‬‬
‫ب – يمك ننن لألش ننخاص الطبيعين ننين ال ننواردين بامل ننادة ‪ 66‬أع نناله أن يس ننتفيدوا م ننن حس نناب‬
‫جناري للشنركاء دائنن تجناه الشنركة فني شنكل حسناب دائننن ولنيس مندين‪ ،‬لكنن منع الحنذر منن الوقنوع فنني‬
‫الحظر وذلنك عنند إجنراء املوازننة بنين املبلنغ الندائن واملبلنغ املندين‪ ،‬وثبنوت كنونهم مندينين للشنركة‪ ،‬منع‬
‫ما يستتبع ذلك من عقوبات جنائية‪.‬‬
‫‪ – 5‬س ننكوت املش ننرع ف نني امل ننادة ‪ 62‬م ننن ق ننانون ‪ 17.95‬املتعل ننق بش ننركات املس نناهمة وحت ننى بع نند‬
‫التعديالت األخيرة التي عرفها هذا القانون‪ ،‬عن تمديد هذا املنع –أي منح دائنية في الحساب الجاري‪-‬‬
‫إلى املتصرفين غير األشخاص املعنويين‪ ،‬وهو ما دفع البعض(‪ )2‬إلى اعتبار املننع النوارد باملنادة ‪ 66‬منن‬
‫قانون ‪ 5.96‬قابال للتمديد إلى املتصرفين الطبيعيين في شركات املساهمة‪.‬‬
‫‪ – 6‬املادة ‪ 14‬من قانون ‪ 13.97‬املتعلق باملجموعات ذات النفع االقتصادي كمنا تنم تعديلنه‬
‫بالقانون رقم ‪ ،)3(69.13‬والتي جاء فيهنا ‪ ":‬يمكنن أن يمننح األعضناء للمجموعنة قروضنا أو تسنبيقات‬

‫‪ - 1‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.46:‬‬


‫‪ - 2‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.46:‬‬
‫‪ - 3‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.29‬في ‪ 21‬من جمادى األولى ‪ 12( 1436‬مارس ‪ ،)2015‬الجريدة الرسمية عدد‪:‬‬
‫‪ ،6348‬بتاريخ ‪ 12‬جمادى اآلخرة ‪ 2( 1436‬أبريل ‪ ،)2015‬ص ‪.3521:‬‬

‫الصفحة ‪86 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫فنني حسنناب جننار‪ ،‬ويجننوز لهننم أيضننا أن يقننرروا وضننع مجمننوع أو بعننض األربنناح إن تحققننت رهننن تصننرف‬
‫املجموعة في شكل تسبيقات "‪.‬‬
‫واملالحظ أن التسبيقات التي يقدمها أعضاء املجموعة غير مشنمولة باالسنتثناء النذي تننص‬
‫عليه الفقرة الثانية من املادة ‪ 18‬من قانون ‪ 103.12‬املتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات املعتبرة في‬
‫حكمها‪ ،‬والتي تتحدث عن األموال التي تعتبر متلقاة من الجمهور‪ ،‬وال باملنع املنصوص عليه في الفقرة‬
‫الثانية من املادة ‪ 18‬والتي تجيز لبعض األشخاص القيام بعملينات تقتنرب منن عملينات االئتمنان لكنهنا‬
‫ال تنندخل فنني حكمهننا‪ ،‬فبمنناذا يمكننننا أن نكيننف هننذه التسننبيقات؟ هننل تأخننذ شننكل قننروض توضننع رهننن‬
‫إشننارة املجموعننة أم شننكل مسنناهمات لنندعم النشنناط االقتصننادي للمجموعننة‪ ،‬باعتبننار أن الهنندف مننن‬
‫خلننق املجموعننة وحسننب الفق ننرة األخيننرة مننن املننادة ‪ 1‬مننن قننانون ‪ 13.97‬لننيس الننربح‪ ،‬وأنهننا ال تكتسننب‬
‫الصفة التجارية إال بتحديد غرضها ودون ارتباطها بالقيد بالسجل التجاري ؟‬
‫الواقننع‪ ،‬أن هننذه التسننبيقات تأخننذ شننكل نظننام حسنناب جنناري للشننركاء يسننتحق عنهننا العضننو‬
‫املنضننوي تحننت لننواء املجموعننة الفوائنند متننى سننعت ه ننذه األخيننرة إلننى تحقيننق ال ننربح لصننالح أعض ننائها‪،‬‬
‫والعكننس صننحيح فننال داعنني السننتعمال تقنيننة الحسنناب الجنناري للشننركاء مننا دامننت هننذه املجموعننة لننم‬
‫تتجه نحو االستثمار‪ ،‬وبالتالي تحقيق الربح ألعضائها‪.‬‬
‫‪ – 7‬الفقرة ‪ 10‬منن املنادة ‪ 7‬منن القنانون رقنم ‪ 24.86‬املتعلنق بالضنريبة علنى الشنركات‪ ،‬والتني‬
‫جاء فيها ‪ ":‬تشمل التكاليف القابلة للخصم بحسب مدلول املادة ‪ 5‬أعاله ‪...‬‬
‫‪ -10‬املصاريف املالية مثل ‪...‬‬
‫ب – الفوائند املدفوعننة إلنى الشننركاء عنن املبننالغ التني دفعوهننا مقندما إلننى الشنركة ملننا يسننتلزمه‬
‫االستغالل بشرط أن يكون رأس مال الشركة قد تم دفعه بالكامل‪.‬‬
‫على أن مجموع املبالغ املترتبة عليها الفوائد القابلة للخصم ال يجوز أن يفوق مبلغ رأس مال‬
‫الشننركة‪ ،‬كمننا ال يجننوز أن يتعنندى سننعر الفائنندة القابلننة للخصننم سننعرا يحنندد كننل سنننة بق نرار للننوزير‬
‫املكلف باملالية اعتبارا لسنعر الفائندة املتوسنط للسننة السنابقة املسنتحق عنن سنندات الخزيننة لسنتة‬
‫أشهر‪.‬‬
‫‪ – 8‬الفقننرة ‪ 9‬مننن املننادة ‪ 15‬مننن القننانون رقننم ‪ 17.89‬املتعلننق بالضننريبة العامننة علننى النندخل‬
‫والتي جاء فيها ‪:‬‬

‫الصفحة ‪87 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫" تشمل التكاليف القابلة للخصم املنصوص عليها في املادة ‪ 13‬أعاله ‪:‬‬
‫‪ – 9‬املصاريف املالية ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الفوائد املدفوعة الى الشركاء غير الشريك الرئيس ي في شركات التضامن وشركات‬
‫التوصية البسيطة مكافأة على املبالغ التي أسلفوها الشركة ملواجهة ما يستلزمه استغاللها ‪ ،‬بشرط‬
‫أن يكون رأس مال الشركة قد تم دفعه بكامله‪.‬‬
‫على أن مجموع املبالغ املترتبة عليها الفوائد القابلة للخصم ال يجوز أن يفوق مبلغ رأس مال‬
‫الشركة كما ال يجوز أن يتعدى سعر الفوائد القابلة للخصم سعرا يحدد كل سنة بقرار للوزير‬
‫املكلف باملالية اعتبارا لسعر الفائدة املتوسط للسنة السابقة املستحق عن سندات الخزينة لستة‬
‫أشهر"‪.‬‬
‫وفيما يلي جدول يحدد معدالت الفائدة القصوى القابلة للخصم من الوعاء الضريبي‬
‫للشركة‪ ،‬واملترتبة عن الحسابات الجارية الدائنة للشركاء من سنة ‪ 1997‬تاريخ إحداث هذا الخصم‬
‫إلى سنة ‪ 2023‬والخاص بالنصف األول من كل سنة(‪.)1‬‬
‫سعراألقص ى للفائدة القابلة‬ ‫السنة‬
‫للخصم‬
‫‪%9‬‬ ‫‪1997‬‬

‫‪%8‬‬ ‫‪1998‬‬

‫‪% 6.5‬‬ ‫‪1999‬‬

‫‪% 6.25‬‬ ‫‪2000‬‬

‫‪ - 1‬للمزيد من االطالع على هذه النسب المرجو مراجعة موقع بنك المغرب عبر الرابط التالي ‪:‬‬
‫‪https://www.bkam.ma/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%82/%D‬‬
‫‪8%A3%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9/%D8%A3%D8%B3%D8%‬‬
‫‪B9%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9-‬‬
‫‪%D8%B9%D9%84%D9%89-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-‬‬
‫‪%D8%B9%D9%84%D9%89-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%AA%D8%B1?limit=0&block=c1360dae9b4bd8541‬‬
‫‪534f6fd5caff64c&offset=20#address-8e77b3bb422bb1fde8bad3a41a33987e-‬‬
‫‪c1360dae9b4bd8541534f6fd5caff64c‬‬
‫تاريخ االطالع ‪ 2023/10/10‬على الساعة ‪ 11:42‬صباحا‪.‬‬

‫الصفحة ‪88 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪% 5.62‬‬ ‫‪2001‬‬

‫‪% 4.87‬‬ ‫‪2002‬‬

‫‪% 2.85‬‬ ‫‪2003‬‬

‫‪% 3.54‬‬ ‫‪2004‬‬

‫‪% 2.65‬‬ ‫‪2005‬‬

‫‪% 2.61‬‬ ‫‪2006‬‬

‫‪% 2.63‬‬ ‫‪2007‬‬

‫‪%3.48‬‬ ‫‪2008‬‬

‫‪% 3.29‬‬ ‫‪2009‬‬

‫‪2.87‬‬ ‫‪2010‬‬

‫‪2.99‬‬ ‫‪2011‬‬

‫‪2.97‬‬ ‫‪2012‬‬

‫‪3.74‬‬ ‫‪2013‬‬

‫‪3.62‬‬ ‫‪2014‬‬

‫‪2.12‬‬ ‫‪2015‬‬

‫‪2.11‬‬ ‫‪2016‬‬

‫‪% 1.81‬‬ ‫‪2017‬‬

‫‪% 1.84‬‬ ‫‪2018‬‬

‫‪% 1.94‬‬ ‫‪2019‬‬

‫‪% 1.80‬‬ ‫‪2020‬‬

‫‪% 1.63‬‬ ‫‪2021‬‬

‫‪% 1.42‬‬ ‫‪2022‬‬

‫‪% 2.98‬‬ ‫‪2023‬‬

‫واملالحظ أن سعر الفائدة األقص ى عن الحسابات الجارية للشركاء قد عرف تراجعا يرجع‬
‫إلى التراجع الذي عرفته أسعار الفائدة على القروض بمختلف أنواعها‪ ،‬خاصة متى علمنا أنه يحدد‬
‫اعتبارا لسعر الفائدة املتوسط للسنة السابقة املستحق عن سندات الخزينة لستة أشهر‪ ،‬بيد أنه‬

‫الصفحة ‪89 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تضاعف بالنصف سنة ‪ 2023‬لنفس العلة‪ ،‬حيث عرف سعر الفائدة على القروض ارتفاعا من‬
‫‪ %4.34‬خالل الفصل الثالث من سنة ‪ 2020‬إلى ‪ %5.26‬خالل الفصل الثاني من سنة ‪.2023‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬ماهية الحساب الجاري للشركاء وأحكامه‬

‫تنصرف ماهية الحساب الجاري للشركاء إلى تعريفه وبيان خصائصه أوال‪ ،‬ثم تمييزه عن‬
‫النظم املشابهة له ثانيا‪ ،‬وتبيان طبيعته القانونية ثالثا‪ ،‬وذلك في مبحث أول‪ ،‬على أن نتطرق في‬
‫املبحث الثاني لتحديد أحكامه‪.‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬ماهية الحساب الجاري للشركاء‬

‫سنقسم هذا املبحث وكما سبقت اإلشارة إلى ذلك إلى ثالثة مطالب‪ ،‬نعرض في املطلب‬
‫األول لتعريف الحساب الجاري للشركاء وبيان خصائصه‪ ،‬ثم نعمل في مطلب ثان على تمييزه عن‬
‫النظم املشابهة له‪ ،‬بينما نتطرق في مطلب ثالث لطبيعته القانونية‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬تعريف الحساب الجاري للشركاء وبيان خصائصه‬

‫يعتبر الحساب الجاري للشركاء من التقنيات التي ولدت من رحم املنظومة الحديثة لتسير‬
‫املقاولة‪ ،‬لذلك فهو لم يحظى وكما سبق بيانه بتنظيم قانوني واضح املعالم(‪ ،)1‬ومن هذا املنطلق‬
‫كان لزاما علينا وضع تعريف له من ناحية(الفقرة األولى)‪ ،‬وبيان خصائصه من ناحية ثانية (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫‪ - 1‬عكس الحساب البنكي بنوعيه ‪:‬باالطالع أو ألجل‪ ،‬والذي نظمه المشرع المغربي في الباب األول من القسم السابع من مدونة‬
‫التجارة المتعلق بالعقود البنكية في الفصول من ‪ 487‬إلى ‪.508‬‬

‫الصفحة ‪90 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تعريف الحساب الجاري للشركاء‬

‫أمام غياب تنظيم قانوني ملوضع مقالنا – كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪ -‬كان البد لنا من‬
‫الرجوع إلى الفقه والقضاء من أجل استجالء تعريف له‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فقد عرفه أستاذنا عز الدين‬
‫بنستي(‪)1‬بأنه ‪ ":‬التسبيق في شكل حساب جاري يمثل القرض الذي يمنحه الشريك لفائدة الشركة‬
‫والذي يخوله صفة مقرض"‪.‬‬
‫وقد عرفه الفقيه املحاسبي ميشال فاندر ليندن(‪ )2‬بأنه ‪ ":‬الوضعية التي تسجل فيها‬
‫بكيفية متتالية واعتيادية الديون املتقابلة للشركاء والشركة‪ ،‬والتي يملكون فيها في غالب األحيان‬
‫سلطة التسيير"‪.‬‬
‫كما عرفه البعض من الفقهاء املحاسبيين الفرنسيين(‪ ": )3‬الحساب املفتوح باسم الشريك‬
‫في الشركة ضمن دفاترها التجارية‪ ،‬والذي يشمل ديونه املضمنة في خانة الخصوم عن املوازنة املالية‬
‫السنوية واملولدة لفائدة بشرط امتالك هذا األخير ل ‪ %5‬من الرأسمال"‪.‬‬
‫وقد عرفه اتجاه فقهي آخر(‪ )4‬بأنه ‪ ":‬اتفاق مالي ينجز في شكل حساب جاري للشركاء‬
‫يجمع بين شريك فأكثر ومقاولة ويكونون مساهمين في رأسمالها‪ ،‬يلتزم من خالله املقرض بدفع أو‬
‫ترك أموال في صورة تسبيقات نقدية متتالية على أن يستردها فورا عند املطالبة بها"‪.‬‬
‫وعرفه القضاء املغربي(‪ )5‬بأنه ‪":‬حساب يفتح باسم الشريك في الشركة بالدفاتر التجارية‬
‫لهذه األخيرة تدون به العالقة املالية بين الشريك والشركة‪ ،‬هذه العالقة التي تتمثل في تمويل‬
‫الشركة من طرف الشريك إما عن طريق ضخ مبلغ مالي في حسابها لدى البنك أو تغطية بعض ديونها‬
‫أو اقتناء بعض املواد لفائدتها"‪.‬‬

‫‪ - 1‬أستاذنا عز الدين بنستي‪ ،‬الشركات في التشريع المقارن والمغربي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.124 :‬‬
‫‪2- Michel vender lindene courant d’assosie ; les editions du bulletin Pacioli, edition 126,‬‬
‫‪15/09/2002,‬‬
‫‪ - 3‬تعريف مستمد من الموقع االلكتروني وكالة المنشئين للمقاولة الفرنسية‬
‫‪www.apce.com‬‬
‫‪4 - Mireme Geninet :les quasi –apports en societes, rev.soc, n :1,1987, p :30.‬‬
‫‪ - 5‬قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء عدد ‪ ،2004/3608:‬في الملف التجاري عدد ‪،2003/12/4056‬‬
‫بتاريخ ‪ ،2004/12/06‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪91 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ونعرفه بدورنا بأنه ‪ ":‬الحساب الذي يفتحه الشريك في شكل تسبيق مالي للشركة يفتح له‬
‫سجل خاص بدفاترها التجارية‪ ،‬ويكون قابال للتطعيم بمبالغ إضافية‪ ،‬ويمنح للشريك الحق في جني‬
‫الفوائد وصالحية السحب الفوري بمجرد الطلب ما لم يتم االتفاق مع الشركة على خالف ذلك"‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬خصائص الحساب الجاري للشركاء‬

‫يتميز الحساب الجاري للشركاء بعدة خصائص نجملها فيما يلي‪:‬‬


‫‪ – 1‬من حيث املرونة ‪ : La Souplesse‬ففتحه ال يستدعي انعقاد الجمعية العامة العادية‬
‫أو االستثنائية للشركاء‪ ،‬وال يستدعي كذلك إجراء تعديل في النظام األساا ي للشركة كما هو الشأن‬
‫في الزيادة أو التخفيض من رأس املال‪.‬‬
‫‪ – 2‬من حيث إجراءاته الشكلية ‪ :‬ذلك أنه يمتاز بعدم توقفه على إجراء شكلي معين من‬
‫قيد في السجل التجاري أو نشر بالجريدة الرسمية أو الجرائد املخول لها نشر اإلعالنات القانونية‪.‬‬
‫‪ – 3‬من حيث االلتزامات ‪ :‬فهو يتضمن التزامات متقابلة ‪ :‬التزام الشريك بدفع تسبيقات‬
‫للشركة وهو ما يعتبر بالنسبة لها وسيلة من وسائل التمويل الذاتية أي الداخلية‪ ،‬والتزام هذه‬
‫األخيرة في غالب األحيان بمنح فوائد عن هذه التسبيقات‪ ،‬على أن تقوم فيما بعد بخصمها من وعائها‬
‫الضريبي‪ ،‬والبد من اإلشارة أنه يشترط لتحقق هذه الحالة ثالثة شروط أساسية وهي ‪:‬‬
‫أ – تحرير الرأسمال االجتماعي للشركة كامال‪ ،‬وذلك بأداء جميع الحصص واألسهم‪ ،‬فال‬
‫يقبل أن تلجأ الشركة إلى االستدانة – بالرغم من أنها داخلية‪ -‬والرأسمال االجتماعي لها لم يؤد‬
‫بكامله بعد‪ ،‬وعليه فال يمكن للشركات في طور التأسيس وشركات التضامن وشركة التوصية‬
‫البسيطة املؤسسة برأسمال رمزي أن تستفيد من تقنية الحساب الجاري للشركاء ‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدم استغراق املبالغ املدفوعة في الحساب الجاري للشركاء لرأسمال الشركة‪ ،‬وذلك‬
‫إلقرار نوع من التوازن بين مديونية الشركة ورأسمالها االجتماعي‪.‬‬

‫الصفحة ‪92 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ج – امتالك الشريك ل ‪ % 5‬من رأس مال الشركة‪ ،‬وهو ما تم التنصيص عليه صراحة في‬
‫املادة ‪ 2‬من قانون ‪ 103.12‬املتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات املعتبرة في حكمها فيما يخص‬
‫استثناءات األموال املتلقاة من الجمهور‪.‬‬
‫د – أن ال يتعدى سعر الفوائد القابلة للخصم املعدل القانوني املحدد كل سنة بقرار من‬
‫وزير املالية كما سبقت اإلشارة إليه واملحدد في الجدول أعاله ‪.‬‬
‫‪ – 4‬من حيث التمويل ‪ :‬يعتبر الحساب الجاري للشركاء من أهم الوسائل التي تلجأ إليها‬
‫الشركات لتغطية الحاجيات التمويلية للشركة التي تمتاز بطابعها املؤقت‪ ،‬وقد اعتبرها‬
‫البعض(‪)1‬طريقة من طرق التمويل باالستدانة الداخلية تمكن الشركة من تسبيقات نقدية تتميز‬
‫بضعف نسبة فائدتها مقارنة مع ما هو معمول به في القطاع البنكي‪ ،‬باإلضافة إلى دينامية وقابلية‬
‫الفوائد املترتبة عليه للخصم من الوعاء الضريبي للشركة‪ ،‬وهو بهذا الوصف يصنف ضمن مصادر‬
‫التمويل الخارجة عن نطاق األبناك ‪.Extra bancaires‬‬
‫‪ – 5‬من حيث ازدواجية صفة صاحب الحساب الجاري ‪ :‬فهو من جهة شريك في الشركة‬
‫مساهم في رأسمالها‪ ،‬ومن جهة ثانية دائن مقرض لها‪ ،‬ولعل هذا ما دفع القضاء الفرنس ي في العديد‬
‫من أحكامه وقراراته إلى اإلقرار باستقاللية صفة الشريك عن صفة الدائن في الحساب‬
‫الجاري(‪)2‬مستندا في ذلك على أن عالقة املشاركة تجد سندها في عقد الشركة‪ ،‬بينما تجد عالقة‬
‫الدائنية سندها في التسبيقات املمنوحة في شكل قرض تأخذ صورة حساب جاري للشركاء‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬تمييزالحساب الجاري للشركاء‬


‫عن النظم املشابهة له‬

‫من أجل إبراز التمييز الحاصل بين الحساب الجاري للشركاء والنظم املشابهة له سوف‬
‫نعمل على تقسيم هذا املطلب إلى فقرتين ‪ :‬نتناول في األولى تمييز الحساب الجاري للشركاء عن‬

‫‪ - 1‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.98 :‬‬


‫‪ - 2‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.8 :‬‬

‫الصفحة ‪93 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الحساب الجاري العادي‪ ،‬على أساس أن نتناول في الفقرة الثانية تمييز الحساب الجاري للشركاء عن‬
‫حصة الشريك في الشركة‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تمييزالحساب الجاري للشركاء عن الحساب الجاري‬

‫إذا كان الفقه الفرنس ي يعرف كما سبقت اإلشارة إلى ذلك(‪)1‬الحساب الجاري للشركاء على‬
‫أنه تلك التسبيقات املدفوعة من طرف الشركاء في الشركة سواء بدفع أموال بخزينة املقاولة أو‬
‫بترك مبالغ مالية تحت تصرفها مؤقتا‪ ،‬فإن أستاذنا عز الدين بنستي يعرف الحساب الجاري العادي‬
‫بأنه(‪ ":)2‬حساب معد الستقبال عمليات متعددة تتعاقب بسرعة وعلى التوالي تفقد كل عملية‬
‫تقيدها في الحساب الجاري ذاتيتها بنوع من التجديد لتصبح مجرد مفرد من مفردات الحساب"‪.‬‬
‫ويذهب األستاذ شكري السباعي في تعريفه للحساب الجاري على أنه(‪" :)3‬هو االتفاق أو‬
‫العقد الذي يبرمه شخصان يتبادالن فيه عالقة الدائنية واملديونية نتيجة الصفقات واملعامالت‬
‫القانونية التي تجري بينهما‪ ،‬بحيث ال دائن وال مدين إال بعد ختام الحساب ‪la clôture du compte‬‬
‫وتحقيق الرصيد‪ ،‬ويتقرر على ضوء هذا الرصيد مركز أطراف العالقة‪ ،‬فمن كان الرصيد لفائدته‬
‫كان هو الدائن ومن كان الرصيد ضده كان هو املدين"‪.‬‬
‫أما الفقيه ريبر فيذهب في شرحه للتسمية الحساب بالجاري إلى أن العمليات فيه تمتاز‬
‫بكونها مسترسلة أو تتم بالتسلسل‪.‬‬
‫ومن جانب آخر فقد أدخلته املادة ‪ 2‬من ظهير ‪ 6‬يوليوز ‪ 1993‬املتعلق بمؤسسات االئتمان‬
‫في حكم األموال املتلقاة من الجمهور‪ ،‬وفق الصيغة التالية‪ " :‬األموال املودعة في حساب جار –سواء‬
‫كان ذلك بإعالم سابق أو بدونه ولو كان من املمكن أن يصير مدينا"‪.‬‬
‫وقد غيرت صياغة هذه الفقرة عند إعادة النظر في الظهير السابق بالقانون رقم ‪103.12‬‬
‫املتعلق بمؤسسات االئتمان واستعاض عنها املشرع بالصيغة التالية ‪":‬‬

‫‪ - 1‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.7 :‬‬


‫‪ - 2‬أستاذنا عز الدين بنستي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.129:‬‬
‫‪ - 3‬ذ‪.‬شكري السباعي ‪ :‬الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاوالت التجارية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ص‪.121-120:‬‬

‫الصفحة ‪94 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تعتبر في حكم األموال املتلقاة من الجمهور ‪:‬‬


‫‪ -‬األموال املودعة في حساب لسحبها عند الطلب سوء أكان ذلك بإعالم سابق أو بدونه ولو‬
‫كان من املمكن أن يصير الحساب مدينا‪."...‬‬
‫واملالحظ من خالل إعادة النظر في صياغة هذه الفقرة أن العبارات التي طالها التغيير هي‬
‫تحويل صفة الحساب من جار إلى حساب عند الطلب أو حساب باالطالع‪ ،‬والسبب في ذلك راجع –‬
‫حسب رأينا املتواضع‪ -‬إلى رغبة املشرع في إحداث تناسق بين هذه الفقرة وبين املواد املنظمة‬
‫للحساب البنكي بمدونة التجارة(‪ ،)1‬والتي تقسمه إلى حساب باالطالع وحساب ألجل(‪ ،)2‬خاصة متى‬
‫علمنا أن ظهير ‪ 6‬يوليوز ‪ 1993‬سابق من حيث الزمن لتاريخ إصدار مدونة التجارة(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫بناء على ما سبق نتوصل إلى خالصة مفادها أن إرادة األطراف في الحساب الجاري تتجه إلى‬
‫فتحه بغية تسوية املعامالت الرابطة بينهما عن طريق تقييد مبلغ املدفوعات كبنود في الحساب بدل‬
‫تسديد مبلغ كل عملية على حدة‪.‬‬
‫كما أن الحساب الجاري يعتبر عقد بنكيا‪ ،‬بينما الغاية من فتح الحساب الجاري للشركاء‬
‫هو تمويل الشركة عن طريق االستدانة الداخلية تتخذ شكل تسبيقات بين الشريك والشركة(‪،)4‬‬
‫ومن ثم فالحساب الجاري للشركاء ال يعتبر بأي حال من األحوال عقدا بنكيا‪ ،‬حيث يستند في‬
‫مقوماته والغايات املرجوة من إحداثه على العرف التجاري‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬تمييزالحساب الجاري للشركاء‬
‫عن الحصة في الشركة‬
‫إذا كان الحساب الجاري للشركاء عبارة عن تلك التسبيقات املدفوعة من طرف الشركاء‬
‫إلى الشركة‪ ،‬فإن الحصة في الشركة شرط أساا ي وجوهري لتأسيسها إذ يقدم كل شريك حصة في‬
‫رأس املال‪.‬‬

‫‪ - 1‬خاصة الباب األول المعنون ب" الحساب البنكي"‪ ،‬الفصول من ‪ 487‬إلى ‪ 508‬من مدونة التجارة‪ ،‬والذي أدرجه المشرع ضمن‬
‫القسم الرابع المنظم للعقود البنكية‪ ،‬والكل يدخل ضمن الكتاب الخامس من المدونة والمتعلق بالعقود التجارية‪.‬‬
‫‪ - 2‬تنص المادة ‪ 487‬على أن ‪ ":‬الحساب البنكي‪ ،‬إما حساب باالطالع أو حساب ألجل"‬
‫‪ - 3‬صدر بخصوص تنفيذ القانون ‪ 15.95‬المتعلق بمدونة التجارة ظهير شريف رقم ‪ 1.96.83‬بتاريخ ‪ 15‬ربيع األول ‪1417‬‬
‫الموافق لفاتح أغسطس ‪ ،1996‬الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ ‪ 19‬جمادى األولى ‪ 1417‬الموافق ل‪ 3‬أكتوبر ‪ ،1996‬عدد‬
‫‪ ،4418‬صفحة ‪.2187‬‬
‫‪ - 4‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬

‫الصفحة ‪95 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ومعلوم أن الحصة يمكن أن تكون نقدية أو عينية أو حقوقا معنوية‪ ،‬ويمكن أن يقدم‬
‫العمل حصة في رأس املال‪ ،‬إال أنه يجب أن يقدم أحد الشركاء على األقل مبلغا من املال يدخل في‬
‫ذمة الشركة‪ ،‬ويشكل ضمانة لحقوق الدائنين‪ ،‬وإال كانت مدنية وليست تجارية(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫وبناء على ما سبق يمكن استنتاج ما يلي ‪:‬‬
‫يمكن أن يسحب الشريك في أي وقت شاء املبلغ الدائن به للشركة من الحساب الجاري‬
‫للشركاء‪ ،‬وذلك في الحالة التي ال يتفق فيها األطراف على تجميده أو تنظيمه مع األخذ بعين االعتبار‬
‫املصلحة املشتركة لألطراف‪ ،‬وفي املقابل يخضع رأس مال الشركة ملبدأ ثبات الرأس مال‪ ،‬فال يقبل‬
‫كقاعدة عامة املساس به من تخفيض أو زيادة أو توزيعه فيما بين الشركاء‪ ،‬إال بموجب تعديل يقع‬
‫على النظام األساا ي بعد موافقة الجمعية العامة الغير العادية‪.‬‬

‫املطلب الثالث ‪ :‬الطبيعة القانونية للحساب الجاري للشركاء‬

‫يكاد يجمع الفقه والقضاء على اعتبار الحساب الجاري للشركاء بمثابة عقد قرض ينعقد‬
‫بين الشركاء واملقاولة‪ ،‬وعلى الرغم من نسبية هذا الطرح بالنظر إلى عامل املرونة املميز له‪ ،‬والذي‬
‫يجعل منه قابال ألن يوظف ألغراض ائتمانية أخرى من دون القرض‪ ،‬فإنه يشكل في الحقيقة حدا‬
‫أدنى من النظام القانوني لهذا الحساب‪ ،‬ما عدا في الحاالت التي يتفق بموجبها األطراف على توظيفه‬
‫في شكل آخر‪.‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬أحكام الحساب الجاري للشركاء‬

‫من أجل إبراز أحكام الحساب الجاري للشركاء ارتأينا تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين‪،‬‬
‫نتناول في األول فتح الحساب الجاري للشركاء‪ ،‬وفي الثاني كيفية إدارة هذا الحساب‪ ،‬وفي املطلب‬
‫الثالث إغالق الحساب الجاري للشركاء‪.‬‬

‫‪ - 1‬ذ‪.‬فؤاد معالل‪ :‬شرح القانون التجاري المغربي الجديد‪ ،‬طبعة ‪ ،2009‬ص‪.235:‬‬

‫الصفحة ‪96 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املطلب األول ‪ :‬فتح الحساب الجاري للشركاء‬

‫يفتح الحساب الجاري للشركاء بالدفاتر املحاسبية للمقاولة املمولة ‪Les Livres‬‬
‫‪ Comptables‬ويحمل اسم الشريك املقرض ويسجل ضمن خصوم املقاولة‪.‬‬
‫وعادة يخصص املحاسبون أو املسيرون سجال محاسبيا خاصا به يحمل إسم سجل‬
‫الحسابات الجارية للشركاء تدون به جميع التسبيقات وقيمتها وتاريخ دفعها أو التخلي عنها وزمن‬
‫قبضها فعليا من املقاولة املقترضة وطبيعتها والغرض منها وتاريخ استردادها ومعدل الفوائد الناجمة‬
‫عنها‪ ،‬والسؤال املطروح إذن ما هي آليات فتح الحساب الجاري للشركاء بالشركات؟‬
‫جوابا على التساؤل املطروح سوف نتطرق إلى كيفية فتح الحساب الجاري للشركاء في كل‬
‫من شركة املساهمة والشركة ذات املسؤولية املحدودة‪ ،‬ثم في املجموعة ذات النفع االقتصادي‪.‬‬
‫أ – في شركات املساهمة ‪:‬‬
‫بالرجوع إلى القانون رقم ‪ 17.95‬كما تم تغييره وتعديله املنظم لشركات املساهمة يتضح لنا‬
‫بأنه لم يتطرق صراحة إلى مساطر املراقبة والترخيص واملصادقة بشأن الحسابات الجارية للشركاء‬
‫الناشئة بين املساهمين والشركة التي يساهمون فيها‪ ،‬بل تعرض فقط لالتفاقات املالية املنعقدة بين‬
‫الشركة واملتصرفين ومدرائها العامين‪ ،‬وذلك عمال بأحكام املادة ‪ 56‬وما يليها من القانون ‪ 17.95‬إذا‬
‫تعلق األمر بشركة مساهمة ذات مجلس اإلدارة واملواد ‪ 95‬وما يليها من نفس القانون إذا تعلق األمر‬
‫بشركة مساهمة ذات مجلس اإلدارة الجماعية ومجلس الرقابة‪.‬‬
‫بناءا على ما سبق يمكن التوصل إلى نتيجة مفادها أنه إذا لم يكن الشريك الدائن متصرفا‬‫ً‬
‫أو مديرا عاما منتدبا أو عضوا في مجلس الرقابة‪ ،‬فإن فتحه لحساب جاري ال يخضع إطالقا ملسطرة‬
‫الترخيص املسبق‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت‪ ،‬تبقى ملراقب الحسابات مهمة مراقبة وتتبع حسابات الشركة بما في ذلك‬
‫سجل الحساب الجاري للشركاء وفق املسطرة املنصوص عليها باملواد من ‪ 159‬إلى ‪ 181‬من القانون‬
‫‪.)1(17.95‬‬

‫‪ - 1‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.56 :‬‬

‫الصفحة ‪97 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ب – في الشركة ذات املسؤولية املحدودة ‪:‬‬


‫بالرجوع إلى القانون رقم ‪ 5.96‬املنظم للشركة ذات املسؤولية املحدودة وال سيما املادة ‪64‬‬
‫منه يتبين لنا بأن على مسير أو مراقب أو مراقبو الحسابات إن وجدوا أن يقدموا إلى الجمعية العامة‬
‫أو يضيفون إلى الوثائق املقدمة للشركة في حالة استشارة كتابية تقريرا بشأن االتفاقات الحاصلة‬
‫مباشرة أو عن طريق شخص وسيط بين الشركة وأحد املسيرين أو الشركاء أو تبت الجمعية العامة‬
‫في هذا التقرير وال يمكن أن يشترك املسير أو الشريك املعني في التصويت وال تؤخذ أنصبته بعين‬
‫االعتبار عند احتساب النصاب واألغلبية‪.‬‬
‫غير أنه إذا لم يوجد مراقب للحسابات‪ ،‬فإن االتفاقات املبرمة من طرف مسير غير شريك‬
‫تخضع للموافقة املسبقة من طرف الجمعية العامة (‪.)1‬‬
‫ج – املجموعة ذات النفع االقتصادي ‪:‬‬
‫تلعب تسبيقات األعضاء في الحساب الجاري دورا هاما ال يستهان به في ضمان تمويل‬
‫املجموعة ذات النفع االقتصادي‪ ،‬سيما تلك املؤسسة بدون رأسمال اجتماعي‪ ،‬فاملادة ‪ 14‬من‬
‫القانون رقم ‪ 13.97‬تنص على ما يلي ‪:‬‬
‫" يمكن أن يمنح األعضاء للمجموعة قروضا أو تسبيقات في حساب جار‪ ،‬ويجوز لهم أيضا‬
‫أن يقرروا وضع مجموع أو بعض األرباح إن تحققت رهن تصرف املجموعة في شكل تسبيقات "‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬كيفية إدارة الحساب الجاري للشركاء‬

‫تتم إدارة الحساب الجاري للشركاء من قبل مسيري الشركة‪ ،‬وذلك بصرف النظر عن‬
‫كونهم من الشركاء أم ال‪ ،‬فاملسير باعتباره اآللية التنفيذية باملقاولة هو الذي يتكلف بتدبير عمليات‬
‫الحساب وتشغيله بهدف تمويل الحاجيات التمويلية للمقاولة‪ ،‬ولألطراف الحرية املطلقة في إقرار‬
‫القواعد العامة بشأن كيفية تشغيل الحساب الجاري مع إبراز آثاره إزاء األطراف‪.‬‬

‫‪ - 1‬راجع نص المادة ‪ 64‬من قانون ‪ 5.96‬المتعلق بالشركة ذات المسؤولية المحدودة‪.‬‬

‫الصفحة ‪98 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بناء عليه‪ ،‬يكون عقد الحساب الجاري للشركاء مجرد اتفاق إطار يعين الخطوط العريضة‬ ‫ً‬
‫املتعلقة بتنفيذه والغرض منه‪ ،‬على أن يتفق األطراف بتطبيق األعراف التجارية والعادات االتفاقية‬
‫التي ارتضوها‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت‪ ،‬قد يتضمن العقد عددا مهما من الشروط االتفاقية املنظمة لتشغيل‬
‫الحساب‪ ،‬ومن ثمة‪ ،‬فإن العقد يعتبر شريعة املتعاقدين تماشيا مع الفصل ‪ 230‬من ق‪.‬ل‪.‬ع(‪.)1‬‬
‫وبصورة عامة‪ ،‬يترتب على الحساب الجاري للشركاء التزامات متبادلة‪:‬‬
‫أ – التزام الشريك الدائن بدفع مبلغ التسبيقات املتفق عليها‪.‬‬
‫ب – في حين تلتزم الشركة بصورة أساسية وجوهرية برد التسبيقات إلى الشريك بالنظر‬
‫ملواعيد استحقاقها مع االلتزام بدفع الفوائد القانونية أو االتفاقية‪ ،‬بينما قد تقتصر على رد‬
‫التسبيقات فقط إذا كان الحساب بدون فائدة‪.‬‬

‫املطلب الثالث ‪ :‬غلق الحساب الجاري للشركاء‬

‫للشريك الدائن في الحساب الجاري أن يضع حدا لالتفاق املالي الذي يربطه بالشركة‪،‬‬
‫حيث إنه لن يعمل بعد ذلك بطبيعة الحال على تغذية حسابه الجاري بأموال جديدة لتتوقف بذلك‬
‫جميع العمليات الدائنة أو املدينة بغاية تصفية الرصيد‪.‬‬
‫وتتم تصفية الحسابات الجارية للشركاء عبر تحديد أرصدتها النهائية‪ ،‬وتعيين مقدار الدين‬
‫الواجب دفعه من قبل املدين به‪.‬‬
‫وتعد الوثائق املحاسبية الوسيلة القانونية الوحيدة املقبولة إلنجاز وتصفية الرصيد‬
‫والحسم في املنازعات الناشئة بخصوص املبلغ اإلجمالي لرصيد الحساب النهائي‪.‬‬

‫‪ - 1‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.67 :‬‬

‫الصفحة ‪99 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬وظائف الحساب الجاري‬


‫وإشكاالته من الناحية العملية‬

‫تعتبر املقاولة بحق املحرك الرئيس ي القتصاديات الدول املصنعة أو السائرة في طريق‬
‫النمو‪ ،‬وعصب ازدهارها وتطورها‪ ،‬ولكي يتسنى للمقاولة أن تلعب ذلك الدور فالبد لها من إيجاد‬
‫وسائل تمويل بعيدة عن مؤسسات االئتمان التي تمتاز بطابعها الصارم وفوائدها املرتفعة‪ ،‬إضافة‬
‫إلى اشتراطها للضمانات في منحها لالئتمان التجاري‪.‬‬
‫من هذا املنطلق‪ ،‬ظهرت الحاجة إلى التفكير في تغطية الحاجيات املالية للمقاولة من‬
‫شرايينها الداخلية‪ ،‬وقد شكلت تقنية الحساب الجاري للشركاء الوريد الرئيس ي لهذا التمويل‪ ،‬فما هي‬
‫وظائفه؟ وما هي أهم اإلشكاالت التي يطرحها من الناحية العملية؟ هذا ما سنعمل على تناوله‬
‫بالدراسة والتحليل من خالل تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في األول وظائف الحساب‬
‫الجاري للشركاء‪ ،‬بينما نعرض في الثاني ألهم اإلشكاالت التي يطرحها من الناحية العملية‪.‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬وظائف الحساب الجاري للشركاء‬

‫يبدأ الحساب الجاري للشركاء عند استخدامه من طرف الشريك كوسيلة تمويلية (املطلب‬
‫األول)‪ ،‬ثم ما يلبث أن ينقلب إلى وسيلة ائتمانية في مرحلة ثانية تمكن الشركة من تعزيز ضمانها‬
‫العام تجاه الدائنين خاصة مؤسسات االئتمان (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬الوظيفية التمويلية‬

‫مما ال شك فيه أن الشريك يتصرف كبنكي عندما يمول خزينة املقاولة عبر تسبيقات‬
‫بناء عليه فإننا نمركز الحساب الجاري للشركاء ضمن طرق‬ ‫نقدية في الحساب الجاري للشركاء‪ً ،‬‬
‫التمويل باالستدانة الداخلية‪ ،‬وذلك قياسا على االستدانة الخارجية التي تلعب فيها املقاوالت‬

‫الصفحة ‪100 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫البنكية دورا بارزا في ضمان تمويل الشركات التجارية وتجمعاتها بل وتمويل االقتصاد الوطني بصفة‬
‫إجمالية(‪.)1‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬الوظيفة االئتمانية‬

‫ال ينحصر دور الحساب الجاري للشركاء في تمويل املقاولة فقط‪ ،‬بل له دور ثان مهم‬
‫وأساا ي‪ ،‬ويتجلى باألساس في الوظيفية االئتمانية التي تظهر على وجه الخصوص عندما يتم توظيفه‬
‫كوسيلة لضمان حصول املقاوالت على األموال الالزمة من قبل مؤسسات االئتمان عبر تجميده‬
‫ورهنه أو من خالل تأخير رتبة دينه‪.‬‬
‫ويقصد باالئتمان التنازل على مال حاضر مقابل مال مستقبل‪ ،‬ويعد أساس أو عصب‬
‫التجارة وشريان عالم األعمال‪ ،‬وينبني االئتمان على ثالث عناصر أساسية وجوهرية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬الثقة؛‬
‫‪ – 2‬ارتباطه بعقد؛‬
‫‪ – 3‬ارتكازه على الزمن أو األجل‪.‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬اإلشكاالت العملية للحساب الجاري للشركاء‬

‫في ظل غياب تنظيم الحساب الجاري للشركاء ومختلف ميكانيزماته بنصوص صريحة‪،‬‬
‫أصبح هذا الحساب يطرح العديد من اإلشكاالت تصدى لها الفقه املحاسبي والضرائبي إلى جانب‬
‫االجتهاد القضائي‪ ،‬ومن أهم هذه اإلشكاالت ‪:‬‬
‫‪ – 1‬ازدواجية صفة صاحب الحساب بين دائن وشريك وأثرها على اتخاذ القرارات داخل‬
‫الشركة ؟‬
‫‪ – 2‬مخاطر السحب الفجائي ملجموع الرصيد الدائن للشريك وأثره على مالية الشركة ؟‬

‫‪ - 1‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.98-97 :‬‬

‫الصفحة ‪101 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ – 3‬طبيعة الفوائد املستحقة عن الحساب الجاري للشركاء‪ ،‬أهي اتفاقية أم قانونية ؟‬


‫‪ – 4‬موقع صاحب الحساب الجاري للشركاء من مسطرة صعوبة املقاولة ؟‬
‫هذا ما سنعمل على تناوله بالدرس والتحليل من خالل بعض اآلراء الفقية املحاسبية‬
‫وبعض االجتهادات الفقيه املغربية واملقارنة ؟‬

‫املطلب األول ‪ :‬ازدواجية الصفة و أثرها على اتخاذ القرارات داخل الشركة‬

‫سبق وأن بينا أن صفة الشريك في الشركة الذي يقدم على فتح حساب جاري لصالحها‬
‫ضمن دفاترها التجارية تمتاز باالستقاللية عن صفته كدائن‪ ،‬ذلك أن عالقته في الحالة األولى تمتاز‬
‫بطابع املشاركة‪ ،‬وفي الثانية بالدائنية ‪.‬‬
‫بيد أن آلية الحساب الجاري للشركاء قد تستعمل لتقوية املركز القانوني واملالي للشريك‬
‫داخل الشركة‪ ،‬خاصة إذا كان يتولى اإلدارة والتسيير ويملك حصة ال يستهان بها من رأس مال‬
‫الشركة‪ ،‬وعليه فإنه يصبح هو املتحكم الرئيس ي في تمويل الشركة ويسطر لها مشاريعها التوسعية‬
‫ذات الطابع االستثماري داخل السوق‪ ،‬فينقلب األمر هنا إلى تعسف من لدن الشريك تجاه باقي‬
‫الشركاء يمكن أن يؤدي إلى اإلضرار بالغرض االجتماعي الذي أنشأت من أجله الشركة‪.‬‬
‫وأمام هذه الحالة‪ ،‬ال يبقى لألطراف املتضررة مناص من اللجوء إلى القضاء من أجل الحد‬
‫من هذا التعسف‪ ،‬خاصة متى علمنا أن الشريك الفاتح للحساب الجاري للشركاء يلوح بين الفينة‬
‫واألخرى بسحب رصيده الدائن من حسابه الجاري كورقة للضغط على باقي الشركاء‪.‬‬
‫وفي هذا االتجاه فإن االجتهاد القضائي الفرنس ي ممثال في محكمة االستئناف‬
‫بباريس(‪)1‬ذهب إلى اعتبار هذه الحالة منافية لنية املشاركة ‪ L’affectio societatis‬والتي تعتبر من‬
‫األركان املوضوعية لعقد الشركة والتي تقوم على الرغبة في التعاون وتوجيه إرادة الشريك نحو‬
‫العمل املشترك على قدم املساواة مع باقي الشركاء‪ ،‬وبالتالي تحقيق الصالح العام للشركة‪.‬‬

‫‪1 - Arret de la cour d’appel de paris, 3 eme chambre civile, 25 octobre 2005.‬‬

‫الصفحة ‪102 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وهكذا‪ ،‬فقد قضت محكمة االستئناف بباريس برد طلب شركة ‪Tac Intraser‬والتي كانت‬
‫قد اشترت أسهم شركة ‪ Barki agency‬الشركة املساهمة بشركة ‪ Logoplan‬إلى جانب حسابها‬
‫الجاري بهذه األخيرة واملفتوح بدفاترها التجارية‪ ،‬ذلك الطلب الرامي إلى تسديد هذا الحساب‪.‬‬
‫وقد استندت محكمة االستئناف بباريس في ردها لطلب شركة ‪ Tac Intraser‬على أن شركة‬
‫‪ Logoplan‬كانت قد اشترطت على شركة ‪ Barki agency‬عدم سداد الحساب الجاري إال بعد‬
‫استشارة املجلس اإلدارة ووفق ما تسمح به خزينة الشركة دون املساس بنشاط الشركة وتطوره‬
‫والذي من شأنه أن يمس بفعل هذا السحب‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬مخاطرالسحب الفجائي للرصيد الدائن للشريك و أثره على مالية‬
‫الشركة‬

‫يأتي هذا اإلشكال كمحصلة لإلشكال السابق‪ ،‬ففي غياب النص على كيفية السحب التي‬
‫يجيرها الشريك على األموال املوضوعة في حسابه الجاري لدى خزينة الشركة سواء في النظام‬
‫األساا ي أو في اتفاق مستقل‪ ،‬فإن هذا السحب الفجائي من شأنه أن يشكل خطرا على حياة الشركة‬
‫وأن يمس ببرامجها االستثمارية املسطرة‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها(‪ )1‬إلى القول بأن مطالبة‬
‫الشريك بالسداد الفوري لحسابه الجاري الدائن يمثل تعارضا مع مصالح الفاعلين في الشركة‬
‫ويتنافى مع الهدف من نية املشاركة‪ ،‬ويكون مدفوعا بالرغبة في التعسف في استعمال الحق‪ ،‬بل إن‬
‫محكمة النقض الفرنسية ذهبت أبعد من ذلك واعتبرت أن الشرط الذي يربط السداد الفوري‬
‫للمبلغ الدائن للشريك بموافقة املجلس اإلداري للشركة شرط صحيح وزادت على ذلك أن هذا‬
‫السداد يجب أن يتماش ى مع قدرة الخزينة على السداد‪ ،‬ودون أن يؤدي هذا السداد إلى توقف‬
‫استغالل الشركة أو املس بتطور حياتها االقتصادية‪.‬‬
‫وهذا القرار يوضح مستوى تدخل القضاء الفرنس ي والنضج الذي اتسم به في معالجة‬
‫مواضيع تمتاز في جانب كبير منها بالصبغة اقتصادية‪.‬‬

‫‪1 - Arret cours de cassation N : 06.19060, ch com, du 09 oct 2007, Non publie‬‬

‫الصفحة ‪103 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املطلب الثالث ‪ :‬طبيعة الفوائد في الحساب الجاري للشركاء‬

‫نود بداية أن نشير إلى أن الحساب الجاري للشركاء يخضع إلرادة الطرفين عند االتفاق‪،‬‬
‫فهو قد يكون بفائدة يتفق عليها الطرفان‪ ،‬وقد يكون بدون فائدة‪ ،‬فيوصف آنذاك أنه حساب جاري‬
‫بدون فوائد‪.‬‬
‫واإلشكال يثار عند عدم وجود اتفاق مكتوب يحدد الفائدة املستخلصة من الحساب‪ ،‬هل‬
‫يتم األخذ بها أم يتم تجاهلها‪ ،‬وفي حالة األخذ بها‪ ،‬ما هي طبيعتها هل هي اتفاقية أم قانونية؟ هذا ما‬
‫سنعمل على تحليله عن طريق التعليق على قرار ملحكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء (‪)1‬‬
‫صدر بتاريخ ‪ 2009/10/27‬بعد أن أحيل عليها امللف من محكمة النقض الذي كان قد نقض قرار‬
‫سابق لها بين نفس األطراف‪.‬‬
‫‪ -‬موجزالوقائع ‪:‬‬
‫تتلخص وقائع هذا النزاع في أنه بتاريخ ‪ 15‬يناير ‪ 2002‬تقدم ورثة الحاج (ع‪.‬ب) بمقال‬
‫افتتاحي أمام املحكمة التجارية بالدار البيضاء في مواجهة شركة (أ) عرضوا فيه أن مورثهم الحاج‬
‫(ع‪.‬ب) توفي بتاريخ ‪ 1999/05/06‬وأنه كان متصرفا عضوا بمجلسها اإلداري‪ ،‬و أنه كان يتوفر‬
‫بصفته مساهما في املدعى عليها على حساب جاري كان يقوم بتطعيمه حسب حاجيات الشركة‪،‬‬
‫وأنهم بعثوا بتاريخ ‪ 2001/09/10‬برسالة مضمونة إلى الشركة يطالبونها بإيفائهم بكشف شامل‬
‫للمبالغ املسجلة بدائنية ومديونية الحساب الجاري للهالك منذ ‪ 1990‬لكن دون جدوى‪ ،‬وأن املدعى‬
‫عليها كانت تفيدهم أن رئيسها يوجد خارج املغرب‪ ،‬مما اضطرهم إلى استصدار أمر من السيد رئيس‬
‫املحكمة التجارية بالدار البيضاء قصد تعيين خبير تكون مهمته االطالع على جميع الحسابات‬
‫الجارية للمساهمين واملسيرين ومعاينة حساب الهالك منذ سنة ‪ 1990‬إلى غاية يومه‪ ،‬وأنه بعد أخد‬
‫ورد تمكن الخبير املعين السيد (ي‪.‬س) بعد دراسة وتحليل الوثائق املدلى بها من طرفهم ومن طرف‬
‫املدعى عليها بتاريخ ‪ 2001/11/05‬من إنجاز مهمته التي خلص فيها إلى أن قدر الدين الشامل للفوائد‬
‫املتوفرة لفائدته بلغ ‪ 12.778.460،13‬حيث كان مصدره سنة ‪ )10.300.000،00( 1990‬ولم يسدد‬
‫منه سنة ‪ 1998‬سوى مبلغ ‪ 7.667.078،95‬درهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 2009/10/27‬تحت عدد ‪ ،2009/5117‬في الملف‬
‫‪ ،12/2008/3173‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪104 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وبعد إدراج امللف للمناقشة صدر حكم تمهيدي بتاريخ ‪ 2002/11/21‬قض ى بإجراء خبرة‬
‫حسابية بين الطرفين على يد الخبير السيد (ت‪.‬م) انتهى في تقريره املؤرخ في ‪ 2003/05/20‬إلى تحديد‬
‫مبلغ الحساب الجاري موضوع الدعوى منذ سنة ‪ 1990‬إلى غاية ‪ 2001/12/31‬كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬أصل الحساب الجاري‪2.650.000،00 :‬‬
‫‪9.313.763،74‬‬ ‫‪ -‬الفوائد القانونية املترتبة ‪:‬‬
‫‪11.963.763،74‬‬ ‫‪ -‬املجموع ‪:‬‬
‫فقضت املحكمة التجارية وفق الخبرة مع استبعاد مبلغ التعويض لكونه غير مبرر‪.‬‬
‫‪ -‬التعليق ‪:‬‬
‫يثير هذا النزاع موضوعا بالغ األهمية يتمحور حول الهدف من فتح الحساب الجاري‬
‫للشركاء من طرف الشريك‪ ،‬وإلى أي حد يترجم رغبته في تطوير حياة الشركة مع استفادته باملقابل‬
‫من تعويضات هذه املبالغ تأخذ شكل فوائد‪.‬‬
‫والقرار األول محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ ‪2004/12/06‬‬
‫باستبعاده لهذه الفوائد في احتساب املبلغ الدائن لورثة الشريك والثابتة من خالل خبرتين‬
‫قضائيتين‪ ،‬يكون غير مستوعب لتقنية الحساب الجاري للشركاء‪ ،‬خصوصا وأننا نجده في تعليله‬
‫للقرار(‪ )1‬يخلط املفاهيم ويحصر املستفيد من الحساب الجاري في املتصرفين أو املديرين العامين‬
‫بقوله ‪... ":‬كما أنه يستشف من هذه املواد بأن الحساب الجاري هذا ال يمكن االتفاق بشأنه إال مع‬
‫املتصرفين أو املديرين العامين والذين هم شركاء في الشركة‪."...‬‬
‫والحال أن هذه املواد تتحدث عن االتفاقات املبرمة بين الشركة من جهة وبين متصرفيها‬
‫ومديرها العام من جهة ثانية والتي تخضع لترخيص مسبق من طرف مجلس اإلدارة‪ ،‬والتي يروم‬
‫املشرع من خالل إخضاعها للترخيص املسبق حماية مصالح الشركاء في الشركة‪ ،‬وإضفاء الشفافية‬
‫على عملياتها املالية‪.‬‬

‫‪ - 1‬جاء في الفقرة كاملة ما يلي ‪" :‬وحيث عن الحساب الجاري للشركاء في الشركة يدخل ضمن االتفاقات التي تبرمها الشركة مع‬
‫أحد متصرفيها أو مديرها العام المنصوص عليها في المواد ‪ 56‬إلى ‪ 62‬من قانون شركات المساهمة‪ ،‬كما أنه يستشف من هذه‬
‫المواد بأن الحساب الجاري هذا ال يمكن االتفاق بشأنه إال مع المتصرفين او المديرين العامين والذين هم شركاء في الشركة‪."...‬‬

‫الصفحة ‪105 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بيد أن محكمة النقض في قرارها القاض ي بنقض القرار املذكور ومؤاخذته عليه عدم أخذه‬
‫بالخبرتين الحضوريتين املأمور بهما من طرف املحكمة‪ ،‬حيث نصت األولى على أن نسبة الفائدة هي‬
‫‪ %7‬والثانية على أن هذه النسبة هي ‪ ، %6‬يكون قد استبعد وجود اتفاق مسبق بين الطرفين كتابة‬
‫يحدد نسبة الفائدة وأن هذه الفائدة تم إقرارها ضمنيا ما دامت الوثائق املحاسبية للشركة تشير‬
‫إليها من خالل ما توصل إليها الخبيران في تقريرهما‪.‬‬
‫والقرار االستئنافي الثاني والذي راعى في حكمه النقطة التي نقض القرار من أجلها‪ ،‬ذهب في‬
‫اتجاه آخر‪ ،‬واستند إلى الفصل ‪ 872‬الذي جاء فيه بأن‪ ":‬فوائد املبالغ التي تتضمنها الحسابات‬
‫الجارية تستحق بقوة القانون على من يكون مدينا بها من الطرفين‪ ،‬ابتداء من يوم ثبوت تقديمها"‪.‬‬
‫وزكت طرحها بالخبرتين املأمور بهما من طرف املحكمة واللتان تشيران إلى هاته الفوائد‪،‬‬
‫واعتبرت استنادا إلى الفصل املذكور أنه ال مجال للحديث عن الفوائد االتفاقية ما دام أنها‬
‫منصوص عليها بمقتض ى القانوني‪ ،‬وبالتالي فهي قانونية‪.‬‬

‫املطلب الرابع ‪ :‬موقع صاحب الحساب الجاري للشركاء في مسطرة صعوبة املقاولة‬

‫يعتبر الشريك الدائن للشركة بحساب جاري دائنا عاديا يأتي في مرتبة متأخرة بعد الدائنين‬
‫املمتازين والدائنين املرتهنين‪ .‬وعليه‪ ،‬فهو ال يستحق أي مبلغ في حالة استغراق هذه الديون‬
‫ملوجودات الشركة‪.‬‬
‫واإلشكال الذي يطرح هو عندما تخضع الشركة لنظام معالجة صعوبات املقاولة‪ ،‬هل‬
‫نضحي باملصلحة االجتماعية ونمكن الشريك من دينه أم نقيد هذا الحق متى كانت املقاولة خاضعة‬
‫لهذه املسطرة‪ ،‬ونستعيض عنه بدمجه في رأس مالها االجتماعي أو بالتخلي املؤقت عنه إلى حين‬
‫اجتياز الصعوبة ؟‬
‫ثم هل الحساب الجاري للشريك يعتبر من العقود الجارية أو التي في طور التنفيذ والذي‬
‫خولت املادة ‪ 573‬بمقتضاه للسنديك وحده أن يطالب بها دون إذن القاض ي املنتدب أو من رئيس‬
‫املقاولة‪.‬‬

‫الصفحة ‪106 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫مما ال شك فيه أن أحكام الكتاب الخامس تعتبر من النظام العام‪ ،‬وتأسيسا على نص‬
‫املادة ‪ ،573‬فالسنديك وحده من يملك سلطة طلب تنفيذ الحساب الجاري للشريك أو املطالبة‬
‫بإقفالها حسب املصلحة االجتماعية واالقتصادية للمقاولة‪ ،‬وهو ما يشكل قيدا بارزا وحيدا على‬
‫قاعدة التسديد الفوري للحساب الجاري للشريك(‪.)1‬‬
‫وقد استقر العمل القضائي الفرنس ي على مجموعة من القيود اإلضافية التي ترد على‬
‫قاعدة التسديد الفوري للحساب الجاري للشركاء في حالة توقف املقاولة عن الدفع‪ ،‬نجملها فيما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬ال يجوز املطالبة بهذا التسديد بمجرد توقف املقاولة عن الدفع؛‬
‫‪ – 2‬سبق ملحكمة ‪ Lyon‬التجارية الفرنسية(‪ )2‬أن رفضت طلب التسديد بعلة ضرورة‬
‫استمرار النشاط االجتماعي للمقاولة‪.‬‬
‫وتبقى الحالة الغالبة أن الشريك الدائن للشركة بالحساب الجاري للشركاء يقوم بدمج‬
‫دينه برأس مال الشركة بغية التقليص من الخصوم‪ ،‬ولتبني مخطط االستمرارية‪ ،‬وفي هذا اإلطار‬
‫جاء في حكم صادر عن املحكمة التجارية بالدار البيضاء(‪:)3‬‬
‫"‪...‬بناء على التقرير الذي أودعه سنديك التسوية القضائية السيد الشكدالي بكتابة‬
‫بناء على الحكم القاض ي بحصر مخطط االستمرارية في حق مؤسسة (ع‪.‬ج)‪،‬‬ ‫الضبط جاء فيه أنه ً‬
‫والذي حدد التزامات وهي الزيادة في الرأسمال وتدعيم الحساب الجاري للشركاء وتسديد الديون‬
‫وفق الجدول‪ ،‬فإنه بخصوص االلتزام األول وهو الزيادة في الرأسمال‪ ،‬فإن رئيس املقاولة زوده‬
‫بمحضر جمع عام استثنائي منعقد بتاريخ ‪ 2001/04/06‬يفيد رفع الرأسمال بقيمة ‪ 10.000‬درهم‬
‫بواسطة اندماج الحساب الجاري الدائن إلى حدود ‪ ،1999‬وبذلك فرأسمال الشركة ارتفع إلى‬
‫‪ 550.000‬درهم‪.".....‬‬
‫وجاء في تعليل حكم آخر صادر عن نفس املحكمة بمناسبة وضع شركة حافالت (ر) في‬
‫نظام التسوية القضائية(‪ )1‬ما يلي ‪:‬‬

‫‪ - 1‬هشام زغوان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.83:‬‬


‫‪2 - Jugement du 10 janvier 1995, T.comm de Lyon.‬‬
‫‪ - 3‬حكم تجاري صادر عن غرفة المشورة بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 10‬يونيو ‪.2002‬‬

‫الصفحة ‪107 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫" حيث يرمي تقرير القاض ي املنتدب في املسطرة إلى الحكم وفقا القتراح سنديك التسوية‬
‫القضائية‪ ،‬وذلك بحضر مخطط استمرارية شركة حافالت (ر)‪ ،‬وذلك طبقا ملا جاء في تقرير‬
‫السنديك‪.‬‬
‫وحيث يستفاد من تقرير السنديك أن نجاح مخطط االستمرارية وتحقيق نتائج إيجابية‬
‫على املستوى االقتصادي يمكن تحقيقه اعتمادا على تصحيح الوضعية القانونية للشركة‪ ،‬وذلك‬
‫برفع رأسمالها بمبلغ ‪ 164.500.000‬درهم‪ ،‬وذلك عن طريق تحويل مبلغ الحساب الجاري‬
‫للمساهمين البالغ قدره ‪ 34.250.000‬درهم وتقديم دفعات نقدية من طرف املساهمين بمبلغ‬
‫‪ 130.250.000‬درهم‪."...‬‬
‫وقد قضت املحكمة بما يلي ‪":‬تصرح املحكمة بجلستها العلنية ابتدائيا وحضوريا ‪:‬‬
‫‪ -‬بحصر مخطط االستمرارية لشركة حافالت (ر) الكائن مقرها االجتماعي بزنقة محمد‬
‫الراض ي السالوي‪ ،‬الرقم ‪ ،35‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪ -‬بتنفيذ رئيس املقاولة السيد (أ‪.‬ع) ما التزم به من الزيادة في رأسمال الشركة‪ ،‬وجعله‬
‫مطابقا للمقتضيات القانونية‪:‬‬
‫أ‪ -‬دمج الحساب الجاري للشركاء؛‬
‫ب – ضخ مبلغ ‪ 30.000.000‬درهم نقدا في حسابات الشركة وفقا املبين أدناه‪."...‬‬

‫‪ - 1‬حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ ،2002/04/08‬تحت عدد ‪ ،2002/142:‬ملف تجاري عدد‬
‫‪.10/2002/94:‬‬

‫الصفحة ‪108 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املح ـ ــورالثانـ ــي ‪:‬‬


‫مقاالت خاصة باإلدارة القضائي ــة‬

‫الصفحة ‪109 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫اإلشعار للغير الحائز‬


‫بين‬
‫امتياز الخزينة وضمانات الملزم‬
‫ذ عبد الواحد علومي‬
‫استاذ باحث زائرباملعهد العالي للقضاء‬
‫رئيس كتابة الضبط بمحكمة االستئناف اإلدارية بمراكش‬

‫مقدم ــة ‪:‬‬


‫عهد املشرع املغربي للسلطة العامة ممثلة في الخزينة العامة‪ ،‬وبعض اإلدارات األخرى (‪ )1‬أمر‬
‫تأسيس الضرائب وتحصيلها وزودها من السلطات واالمتيازات العامة بما يكفي ألداء وظيفتها تلك‪،‬‬
‫وسن لها قواعد إجرائية تقنن مجال تدخلها للمحافظة على حقوق الخزينة‪ ،‬كما سن في املقابل‬
‫ضمانات واسعة للخاضعين للضريبة لحمايتهم من كل تعسف أو شطط قد يرتكب في حقهم من‬
‫طرف اإلدارة ضد حقوقهم املالية (‪ )2‬عن طريق مساطر قانونية تضبط مجال تدخلها وحدوده‪.‬‬
‫وإذا كان التحصيل الجبائي هو مجموع العمليات واإلجراءات التي تهدف إلى حمل مديني‬
‫الدولة والجماعات املحلية وهيأتها واملؤسسات العمومية على تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتض ى‬
‫القوانين واألنظمة الجاري بها العمل‪ ،‬أو ناتجة عن أحكام وقرارات القضاء أو عن االتفاقات(‪ .)3‬فان‬
‫تتبع مسار هذه العمليات واإلجراءات يقودنا عبر محطات قانونية عدة قبل الوصول إلى املحطة‬
‫النهائية وهي التحصيل الفعلي للدين العمومي‪ ،‬ومن بين املحطات التي أسالت مدادا كثيرا ونقاشا‬
‫عموميا واسعا بين الفاعلين السياسين والحقوقين واالقتصاديين مسطرة اإلشعار للغير الحائز‪،‬‬
‫باعتباره إجراءا استثنائيا وفعاال جاء في إطار توسيع قاعدة ضمان استخالص الدين العمومي ‪،‬‬

‫‪ - 1‬عدد المشرع المغربي من خالل المادة ‪ 3‬من القانون رقم ‪ 15.97‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية المحاسبون المكلفين‬
‫بتحصيل الديون العمومي‪.‬‬
‫‪ - 2‬ذ‪ /‬محمد قصري في كتابه المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة امام القضاء المغربي‪ ،‬ابي رقراق للطباعة‬
‫والنشر الطبعة الثانية ‪.2009‬‬
‫‪ - 3‬المادة ‪ 1‬من القانون ‪ 15.97‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬

‫الصفحة ‪110 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بمقتضاه خول املشرع من خالل املواد ‪ 95‬و‪100‬و‪ 101‬و‪ 104‬من مدونة التحصيل للمحاسب املكلف‬
‫إمكانية متابعة الغير الحائز لألموال اململوكة للمدين األصلي عن طريق مباشرة هذه املسطرة (‪.)1‬‬
‫وقد أبان التطبيق العملي لهذه املسطرة عن عدة عيوب و خروقات كادت أن تعصف بالثقة‬
‫املفروضة بين اإلدارة الضريبية وامللزم وتخل بالتوازن الالزم في العالقة بينهما‪ ،‬مما حدا بالحكومة إلى‬
‫املسارعة بوضع ميثاق ملزم لإلدارات املكلفة بالتحصيل وللمواطن يعيد ضبط وثر هذه اآللية‪ ،‬و‬
‫تطويعها لتعزيز مناخ الثقة بين اإلدارة و دافعي الضرائب في أفق إعادة املصالحة بينهما لتحقيق‬
‫نغمة التوازن الضروري بين حقوق امللزم وحقوق اإلدارة الجبائية‪.‬‬
‫فما هي إذن خصائص اإلشعار للغير الحائز والذي بمقتضاه منح االمتياز للخزينة ونطاق‬
‫تطبيقه وآثاره؟ وهل هناك من أوجه تشابه بينه وبين مساطر قانونية أخرى؟ و ما هي الضمانات‬
‫القانونية التي منحها املشرع للملزم في مقابل هذه االمتيازات املمنوحة لإلدارة الجبائية ؟ و أخيرا هل‬
‫تصدى القضاء اإلداري لفرض رقابته على أعمال السلطة اإلدارية بغية منع التجاوزات التي تصدر‬
‫عن هذه اإلدارة خالل التنزيل الواقعي لهذه املسطرة من خالل بعض نماذج أحكام قرارات القضاء‬
‫اإلداري؟ وعلى هدى هذه التوطئة تتضح معالم هذا املوضوع‪ ،‬إذ سوف أتناول في املبحث األول منه‬
‫تجليات امتياز اإلدارة الجبائية من خالل التعريف بمسطرة اإلشعار للغير الحائز‪ ،‬خصائصه‪ ،‬نطاق‬
‫تطبيقه واآلثار املترتبة عنه‪.‬‬
‫أما املبحث الثاني فسأخصصه للوقوف على ضمانات امللزم من خالل هذه املسطرة‬
‫وتجلياتها القانونية‪ ،‬اإلدارية دون إغفال الضمانات القضائية متمثلة في تدخل القضاء اإلداري في‬
‫عملية التحصيل هاته لتكريس وترسيخ الضمانات الجبائية التي خولها املشرع للطرف األضعف في‬
‫العالقة الجبائية (امللزم) بل وإرساء ضمانات أكثر كلما كان ذلك متاحا في حال سكوت املشرع‬
‫الجبائي أو غموض ما جاء به(‪. )2‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرحيم الكنبداري في تحصيل الديون الضريبية‪ ،‬مقاربة قانونية قضائية سلسلة المعارف القانونية والقضائية‪.‬‬
‫‪ - 2‬ذ عبد الرحيم الكنداري المرجع السابق ص ‪.119‬‬

‫الصفحة ‪111 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املبحث األول‬
‫امتيازالخزينة العامة في التحصيل من خالل اإلشعارللغيرالحائز‬
‫ألزم املشرع املغربي الغير املودعة لديه أموال املدين األصلي بأداء الضرائب وباقي الديون‬
‫العمومية إما تلقائيا أو بناء على طلب املحاسب تحت طائلة ترتيب املسؤولية باألداء على وجه‬
‫التضامن‪ ،‬وقد اعتبر وزير املالية أثناء مناقشة مشروع مدونة التحصيل أمام لجنة املالية بمجلس‬
‫النواب‪ ،‬أن إجراء اإلشعار للغير الحائز يعد من بين اإلجراءات التي لها أهمية متميزة في ميدان‬
‫التحصيل‪ ،‬حيث يعد اللجوء إليه مسلكا ناجعا‪ ،‬يغني اإلدارة عن حجز وبيع منقوالت املدين(‪.)1‬‬
‫إال أن هذا اإلجراء االستثنائي للتحصيل يلفه الكثير من الغموض حول مفهومه‪ ،‬طبيعته‬
‫وحدوده‪ ،‬غموض على مستوى التشريع‪ ،‬استتبعه بالضرورة جدل فقهي وتضارب في العمل القضائي‬
‫فهناك من اعتبره سالحا فتاكا بين يدي اإلدارة الضريبية‪ ،‬يمكنها من استخالص الديون العمومية في‬
‫أسرع وقت وبأدنى جهد وان القباض لجؤوا اليه بشكل آلي ومكثف ملا ملسوه فيه من فعالية و‬
‫مردودية(‪ )2‬بل ذهب بعض الباحثين الى اعتباره انه إذا كان لظهير ‪ 21‬غشت ‪ 1935‬قوته الضاربة‬
‫املتمثلة في اإلكراه البدني(‪ )3‬فان مدونة التحصيل املالية امتلكت بدورها عنصر قوتها في اإلشعار‬
‫للغير الحائز بعدما أصبح اإلكراه البدني جد معقد قانونيا(‪.)4‬‬
‫وهناك اتجاه ثان يرى بان التشريع الخاص باالشعار للغير الحائز يتميز بنوع من "التراخي"‬
‫والال وضوح وغياب الحماية(‪ ،)5‬في ظل غياب تام للشكليات وعدم وجود اجل قانوني للمحاسب‬
‫العمومي للقيام به وعدم التنصيص على وجوب إخبار امللزم ملباشرته‪ ،‬بل ان االنتقاد طال حتى‬
‫تسميته التي توهم بان القصد من املسطرة هو إشعار‪ ،‬اخطار‪ ،‬في حين ان األمر أعمق من ذلك‬
‫بكثير‪ ،‬فهو حجز ألموال املدين لدى الغير‪ ،‬وهو ما يعكس التناقض بين الطابع السكوني للكلمة‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمان ابليال ‪،‬عبد الرحيم الطور‪،‬تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة‪ ،‬مطبعة االمينة ص‪.30‬‬
‫‪ - 2‬في سنة ‪ 2007‬كان عدد االشعارات للغير الحائز على مستوى ‪ 11‬قباضة بالدائرة المالية لمكناس هو ‪ 1653‬وفي سنة ‪2008‬‬
‫ارتفع الى ‪ 4248‬أي بزيادة ‪ %31‬وقد بلغ الى حدود ‪ 2009/09/30‬رقم ‪ 5063‬اشعار المصدر (الخزينة الجهوية بمكناس) وارد‬
‫ايضا بمؤلف عبد الرحيم الكنداري المرجع السابق ص‪.84‬‬
‫‪ - 3‬كانت شروط هذه المسطرة جد مبسطة‪ ،‬وتثمتل اساسا في كونها مسطرة ادارية وليست قضائية‪ ،‬كما في القانون المحلي ويتم‬
‫اللجوء اليها مباشرة بعد االنذار في اطار اختيارات المحاسب وليس وفق تراتبية دقيقة كما في القانون الحالي (المرجع السابق)‪.‬‬
‫‪ - 4‬العربي العزيز االشعار للغير الحائز والمنازعة فيه‪ ،‬عرض منشور بمجلتي القسطاس والزيتونة مطبعة سلسبيل يوليوز ‪2010‬‬
‫ص ‪ 173‬و‪.174‬‬
‫‪ - 5‬عبد الرحمان حداد‪ ،‬االشعار للغير الحائز بين التشريع والممارسة القضائية‪ ،‬عرض منشور بالمرجع السابق ص‪.205‬‬

‫الصفحة ‪112 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املستعملة "اإلشعار" والطابع القهري اإلجباري للمسطرة(‪ )1‬وفي اعتقادي ان االتجاهين معا‬
‫يتقاطعان في نقطة عدم حماية امللزم‪ ،‬وإال ملا تدخل القضاء اإلداري ملحاولة خلق التوازن بين‬
‫الطرفين وللوقوف أكثر عند هذا اإلجراء ومعرفة مدى امتياز الخزينة العامة في التحصيل من خالل‬
‫هذه املسطرة ومحاولة استجالء الغموض الذي يعتريه ارتأيت تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين كما‬
‫يلي‪ :‬اإلشعار للغير الحائز التعريف والخصائص (املطلب األول)‪ ،‬نطاق التطبيق واآلثار (املطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬تعريف اإلشعارللغيرالحائزوخصائصه‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬التعريف‬
‫ظهرت مسطرة اإلشعار للغير الحائز في فرنسا منذ سنة ‪ 1808‬وتعتبر مقتضيات الفصلين‬
‫‪ 262‬و‪ 263‬من كتاب املساطر الجبائية املرجع األساس ي لهذا اإلجراء(‪ ،)2‬الذي حظي باهتمام من لدن‬
‫اإلدارة الجبائية التي خصصت له العديد من الدوريات‪،‬ومن لدن القضاء اإلداري الذي تعددت‬
‫تدخالته للسهر على حسن تطبيق املسطرة او التنصيص على بعض الشكليات التي أهملها‬
‫التشريع(‪.)3‬‬
‫وقد اقتبس املشرع املغربي هذا االجراء من القانون الفرنس ي‪ ،‬وتم التنصيص عليه ألول مرة‬
‫باملغرب في ظهير ‪ 21‬غشت ‪ 1935‬من خالل مقتضيات املادتين ‪ 61‬و‪ 62‬منه‪ ،‬اال انه لم يحظ باهتمام‬
‫بالغ اال من خالل مدونة تحصيل الديون العمومية الحالية (قانون ‪ )97.15‬حيث اعتبر كوسيلة‬
‫اضافية غير مكلفة وفعالة لتحصيل ديون الخزينة العامة(‪ )4‬واملالحظ غياب تعريف لهذا االجراء في‬
‫النصوص القانونية املنظمة له‪ ،‬واكتفى بتنظيم مقتضياته في الباب الخامس من املدونة املعنون‬
‫بالتزامات املودع لديهم واالغيار الحائزين(‪ ،)5‬وأيضا على مستوى االجتهاد القضائي املغربي ال نجد‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمان حداد مرجع سابق ص‪ 205‬و‪.206‬‬


‫‪ - 2‬يشار الى هذه المسطرة اختصارا بفرنسا )‪ ،avis à tiers détenteur (ATD‬منظم بمقتضى كتاب المساطر الجبائية الفصول‬
‫‪ 263L‬و ‪ L262‬قانون ‪ 9‬يوليوز‪ 1991‬قانون رقم ‪.91-650‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمان حداد المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ - 4‬المنازعات الضريبية وتحصيل الدين العمومية سلسلة "دراسات وابحاث"جمع وتنسيق زكرياء العماري ص‪ 183‬كما ورد‬
‫بالهامش ان هناك ما يناهز ‪ 611.260‬اشعار للغير الحائز سنة ‪ 1997‬تمت االستجابة الى ما يقارب ‪ 188.995‬نسبة مئوية تقدر ب‬
‫‪.%30.9‬‬
‫‪ - 5‬نظم المشرع المغربي هذا االجراء من خالل مدونة تحصيل الديون العمومية من المادة ‪ 100‬الى ‪.104‬‬

‫الصفحة ‪113 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تعريفا دقيقا ومستقال لهذا اإلجراء(‪ )1‬واعتبرت محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر عنها بتاريخ ‪2‬‬
‫يونيو ‪ 1980‬اإلشعار للغير الحائز بمثابة حكم بالتصديق على حجز ما للمدين لدى الغير حائزة‬
‫لقوة الش يء املقض ي به وال يخضع ألي شرط شكلي يهدف إلى إجبار الغير لتسليم املبالغ التي يحوزها‬
‫او هو مدين بها للملزم وفاء بالضرائب والرسوم والديون األخرى الواجبة على هذا الغير واملتمتعة‬
‫بامتياز الخزينة(‪.)2‬‬
‫وقد عرفه بعض الباحثين(‪ )3‬بأنه إجراء تنفيذي استثنائي يتمتع بصفة حكم بالتصديق على‬
‫حجز ما للمدين لدى الغير حائز لقوة الش يء املقض ي به يتعين على االغيار الحائزين على أساسه‬
‫تسليم األموال التي يحوزونها او يدينون بها للملزم للمحاسب العمومي فورا‪ ،‬وفاءا بالضرائب‬
‫والرسوم والديون الواجبة على هذا األخير واملتمتعة بامتياز الخزينة في حدود مبلغ الدين الضريبي‪،‬‬
‫تحت طائلة ترتيب مسؤولياتهم‪.‬‬
‫وعرف ميثاق تحصيل الديون العمومية االشعار للغير الحائز(‪ )4‬بأنه مسطرة قانونية من‬
‫بين مساطر تحصيل الديون العمومية‪ ،‬والذي تتم مباشرته عبر طلب موجه من طرف املحاسب‬
‫العمومي الى احد االغيار الحائزين او املودع لديهم‪ ،‬من اجل دفع األموال التي يحوزونها والتي تعود‬
‫للملزمين الذين لم يؤدوا عند االجال املقدرة ما بذمتهم من ديون‪ ".‬يتضح من خالل ما سبق ان‬
‫اإلشعار للغير الحائز هو مسطرة خاصة والية قانونية تمكن الدائن (الخزينة ‪..‬الخ) بدين عمومي من‬
‫استخالص دينه من يد الغير بطريقة غير مباشرة بدل استخالصه مباشرة من يد املدين (امللزم)‪.‬‬
‫ويمتد مفعول هذا التسليم إلى الديون بأجل أو الديون املشروطة التي للمدين على االغيار‬
‫الحائزين املتابعين‪.‬‬

‫‪ - 1‬تطرقت بعض احكام القضاء االداري لالشعار للغير الحائز من دون تقديم تعريف دقيق له منها الحكم الصادر عن ادارية الرباط‬
‫بتاريخ ‪ 2013/06/17‬امر عدد ‪ 468‬من الملف رقم ‪ 2013/01/435‬غير منشور حيث اعتبره من االجراءات التنفيذية لتحصيل‬
‫الديون العمومية طبقا للمادة ‪ 102‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬
‫‪ - 2‬عبد الرحيم الكنداري مرجع سابق ص ‪.85‬‬
‫‪ - 3‬العربي الغمري مرجع سابق ص ‪.126‬‬
‫‪ - 4‬هو ميثاق موقع بتاريخ ‪ 17‬ابريل ‪ 2014‬من طرف الخزينة العامة للمملكة‪ ،‬المديرية العامة للضرائب‪ ،‬االتحاد العام لمقاوالت‬
‫المغرب‪،‬المجموعة المهنية البناك المغرب وزارة التشغيل والشؤون االجتماعية وزارة االقتصاد والمالية وغيرها من الفاعلين في‬
‫مجال المال واالعمال تجاوبا مع النقاش العمومي الذي اثاره الفاعلون السياسيون واالقتصاديون واالجتماعيون بخصوص مسطرة‬
‫تحصيل الديون العمومية بواسطة األشعار للغير الحائز‪ ،‬بما يعزز الثقة بين االدارة والملزم ويساهم في تحسين مناخ األعمال‬
‫ببالدنا‪ ،‬كما جاء بديباجة هذا الميثاق‪.‬‬

‫الصفحة ‪114 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وعليه‪ ،‬فان املحاسب املكلف بالتحصيل تبعا لهذه االلية يمكن له املطالبة باستخالص‬
‫وتحويل مبلغ الضرائب والرسوم وغيرها من الديون املتمتعة بامتياز الخزينة من يد مديني امللزمين‬
‫بهذه الديون إلى حساب االدارة التابع لها وذلك عن طريق توجيه اشعار لالغيار الحائزين ملبالغ‬
‫يملكها امللزمون من اجل الوفاء عن هؤالء في حدود ما ترتب في ذمتهم من ديون عمومية‪ ،‬وقد يكون‬
‫االغيار الذين يوجه إليهم اإلشعار من املحاسبين العموميين او املقتصدين او املكترين وبصفة عامة‬
‫كل الحائزين او املدينين بمبالغ تعود او ينبغي ان تعود الى املدينين بتلك الديون‪ ،‬وهؤالء الحائزين‬
‫ملزمين تحت طائلة التعرض للعقوبات املسطرة باملادة ‪ 104‬من املدونة بتسليم فورا املبالغ التي في‬
‫حوزتهم في حدود طلب املحاسب بناء على السند الضريبي الذي يعتبر بمثابة سند تنفيذي (‪ )1‬وفي‬
‫حالة عدم امتثال االغيار الحائزين بالتسليم الفوري‪ ،‬تحل مسؤوليتهم محل مسؤولية املدينين‬
‫الضريبين على سبيل التضامن ويصبحون خاضعين لكل إجراءات التحصيل الجبري ماعدا اإلكراه‬
‫البدني تبعا ملقتضيات املادة ‪ 104‬من مدونة التحصيل‪ ،‬ويمكنهم دفع هذه املسؤولية عن طريق‬
‫الدفع بكون املبالغ املعنية وقع الحجز عليها من طرف جهات أخرى تتمتع بحق االمتياز او انه سبق‬
‫(‪.)2‬‬
‫التوصل بإشعار سابق للغير الحائز وفي هذه الحاالت يجب تقديم الحجة املثبتة لذلك‬
‫ونظرا للطابع االستثنائي لهذه املسطرة‪ ،‬فانها تتميز بمجموعة من الخصائص‪ ،‬فما هي اذن‬
‫خصائص االشعار للغير الحائز؟ وبالتالي تجليات امتياز الخزينة العامة من خالل هذه املسطرة‬
‫االستثنائية؟‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬خصائص اإلشعارللغيرالحائزوتجليات امتياز‬


‫الخزينة العامة من خاللها‪.‬‬
‫باعتبار ان اإلشعار للغير الحائز إجراء تنفيذي ومباشر يمكن املحاسب من تحصيل الدين‬
‫العمومي على خالف اإلجراءات التحفظية وإجراءات التحصيل األخرى التي غالبا ما يكون القصد‬

‫‪ - 1‬جاء قرار محكمة النقض تحت عدد ‪ 1069‬بتاريخ ‪ 98/11/26‬ملف عدد ‪ 97/77‬وحيث ان االمر يتعلق باجراء قانوني يلزم‬
‫المحجوز لديه يعدم اخراج االموال المذكورة اال بعد اداء الديون التي تتمتع باالمتياز وهو بمثابة حكم حائز لقوة الشيء المقضي به‬
‫‪،‬قرار غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 2‬االثبات في المادة الجبائية بين القواعد العامة وخصوصيات المادة الدكتور عبد الرحمان ابليال ص ‪.172‬‬

‫الصفحة ‪115 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫منها تحصين الدين ما لم يتأت تحصيله(‪ )1‬فانه يتميز بمجموعة من الخصائص لعل أبرزها البساطة‪،‬‬
‫املباغثة والفعالية‪.‬‬
‫‪ - 1‬البساطة ‪ :‬وتتمثل في عدم خضوع هذه املسطرة ألي إجراء شكلي مما ينم عن غاية‬
‫املشرع وراء سن اإلشعار للغير الحائز واملتمثلة في عدم تقيد املحاسب بالشكليات اإلدارية املعتادة في‬
‫باقي اإلجراءات التنفيذية والتحفظية املرتبطة بمساطر التحصيل الجبري‪ ،‬فبمجرد الحصول على‬
‫الترخيص من طرف الخازن اإلقليمي وتوجيه هذا اإلشعار متضمنا العناصر األساسية الكفيلة‬
‫بتعيين املدين وتحديد خصائص الدين تلقى املسؤولية مباشرة على هذا الغير الحائز بما يقتضيه‬
‫القانون تالفيا إلثارة مسؤوليته(‪ ،)2‬إال أن هذه البساطة التي تعد من بين أهم خصائص اإلشعار‬
‫للغير الحائز التي يشيد بها مؤيدو هذا اإلجراء تلقى انتقادات الذعة من لدن مجموعة من الباحثين‬
‫الذين يستغربون الغياب شبه التام لشكليات تطبيق املسطرة‪ ،‬والتي تضع حقوق امللزم على‬
‫الهامش‪ ،‬خصوصا حقه في االخبار و التعرض‪ ،‬في ظل الصمت املقصود(‪ )3‬من لدن املشرع حول‬
‫وجوب احترام اي مقتض ى قانوني من لدن املحاسب قبل مباشرة هذا اإلجراء‪ ،‬ومن تم كان من الالزم‬
‫التساؤل حول انعكاسات هذه البساطة على املستوى العملي والقضائي؟‬
‫فعلى الصعيد العملي‪ ،‬يعتبر املحاسبون املكلفون بالتحصيل ان عدم تطرق املشرع الى‬
‫الشكل والطريقة واإلجراءات األولية التي يتعين على املحاسب القيام بها قبل ممارسته هذه املسطرة‬
‫ليس غموضا بقدر ما هو امتياز لإلدارة ضد كل تهرب او سوء نية من جانب امللزمين‪ ،‬اذ كيف لهذا‬
‫االجراء ان يحقق الفعالية املرجوة منه اذ علم به امللزم وقام بسحب أمواله قبل مصادرتها من قبل‬
‫اإلدارة‪.‬‬
‫ان هذه القراءة من جانب اإلدارة كثيرا ما اصطدمت بقاض إداري ال يتوانى في تفسير‬
‫النصوص القانونية بما يراعي مبادئ املشروعية وآثار خرقها على حرية ومصلحة الفرد‪ ،‬فغموض‬
‫النص ال يجب ان ينظر اليه على انه منح صالحية واسعة لإلدارة الجبائية في استعمال امتيازاتها دون‬
‫قيد او شرط اذ كيف يعقل ان تطالب اإلدارة االغيار بتسليم ما بين ايديهم من اموال تعود للملزم‬

‫‪ - 1‬عبد الرحيم الكنداري المرجع السابق ص‪.86‬‬


‫‪ - 2‬العربي الغمري مرجع سابق ص ‪.179‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحيم الكنداري المرجع السابق ص‪ 87‬للمزيد انظر عبد الرحمان حداد "االشعار للغير الحائزين التشريع والممارسة‬
‫القضائية" مرجع سابق ص‪.207‬‬

‫الصفحة ‪116 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫دون ان يكون هذا األخير على علم بذلك(‪ ،)1‬حيث جاء باحدى أحكامه(‪ ")2‬وحيث انه باستقراء‬
‫املقتضيات القانونية أعاله تثبت ان املشرع وان كان لم يشترط ضرورة احترام إجراءات معينة إزاء‬
‫امللزم قبل اللجوء إلى مسطرة اإلشعار للغير الحائز فانه ونظرا للطابع االستثنائي للمسطرة املذكورة‬
‫وما يترتب عنها من تسليم فوري للمبالغ املوجودة في حوزة االغيار واملودع لديهم مع ما قد يسفر عنه‬
‫ذلك للمعني باألمر من أضرار‪ ،‬واعتبارا كذلك ملبدأ حق الدفاع الذي يعد من املبادئ األساسية‬
‫الواجب احترامها في حالة عدم النص عليها صراحة‪ ،‬فان القابض يبقى ملزما بتوجيه إشعار إلى‬
‫الخاضع قصد إخباره بإجراءات االستخالص املباشرة في حقه عن طريق اإلشعار للغير الحائز "وهذا‬
‫ما أيدته محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في إحدى قراراتها)‪ (3‬حيث جاء به" لكن حيث انه مما ال‬
‫مراء فيه انه يتعين على القابض عمال بمقتضيات املادتين ‪ 36‬و‪ 41‬من مدونة تحصيل الديون‬
‫العمومية‪ ،‬احترام مبدأ تدرج إجراءات التحصيل ومباشرتها داخل االجل املحدد قانونا‪ ،‬بدون صائر‬
‫يجعل اجراءات تحصيل الدين العمومي وما يترتب عنها غير قانونية وحيث استقر االجتهاد القضائي‬
‫للغرفة اإلدارية على اعتبار ان عدم ثبوت احترام تدرج إجراءات التحصيل وذلك بتبليغ اإلنذار‬
‫القانوني للمخاطب باألداء قبل سلوك باقي إجراءات التحصيل الجبري يجعل مسطرة التحصيل‬
‫معيبة" وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض حيث جاء باحدى قراراته االخيرة (‪ >> )4‬لكن‬
‫حيث انه وبمقتض ى املادة ‪ 36‬من مدونة تحصيل الديون العمومية فانه ال يمكن مباشرة التحصيل‬
‫الجبري اال بعد إرسال آخر إشعار الى املدين‪ ...‬ومؤدى ذلك ان تبليغ اإلشعار بدون صائر قبل اللجوء‬
‫الى مسطرة التحصيل الجبري يعتبر ضمانة أساسية للملزم ال يمكن تجازوها بمجرد التقييد في‬
‫الجدول بل ال بد من إثبات املحاسب املكلف بالتحصيل قيامه بتبليغ اإلشعار املذكور واملحكمة التي‬
‫اعتبرت ان عدم ادالء الطالب بما يفيد توصل املطلوب باإلشعار املذكور يجعل إجراءات التحصيل‬
‫الغية تكون قد سايرت املقتض ى املذكور مما يجعل قرارها مرتكزا على أساس‪.<<...‬‬
‫‪ - 2‬الفعالية ‪ :‬تبقى فعالية اي إجراء في النتيجة التي يحققها واملدة التي يستغرقها لتحقيق‬
‫هذه النتيجة‪ ،‬واذا ما أسقطنا هذه القاعدة على اإلشعار للغير الحائز ومقارنته بطرق التحصيل‬

‫‪ - 1‬جهد كان حجية وارد بكتاب المنازعات الضريبة وتحصيل الديون العمومية جمع وتنسيق زكرياء العماري السابق ص ‪-184‬‬
‫‪.185‬‬
‫‪ - 2‬حكم المحكمة االدارية بمراكش رقم ‪ 216‬بتاريخ ‪ 2010/03/13‬بالملف عدد ‪ 2009/09/843‬وارد بمؤلف زكرياء العماري‬
‫المرجع السابق ص ‪.185‬‬
‫‪ - 3‬قرار عدد ‪ 85‬بتاريخ ‪ 25‬يناير ‪ 2012‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 4‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 2/331‬وتاريخ ‪ 2015/04/16‬ملف اداري (الثاني) عدد ‪ 2014/2/4/2041‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪117 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫األخرى نجده اكثر فعالية حيث يحتل الوسيلة األجدى بين يدي املحاسبين العموميين لتحصيل‬
‫ديون امللزمين بعد استنفاد التحصيل الودي‪ ،‬حيث يضع نقطة النهاية للضرائب والرسوم موضوعه‬
‫على خالف اإلجراءات األخرى التي يفض ي بعضها الى بعض ضمن مراحل متواصلة ومتداخلة تستهلك‬
‫وقت املحاسب و جهده بتعقيداتها املسطرية و ضعف مردوديتها (‪ )1‬فتوسيع قاعدة املخاطبين‬
‫واملعنيين بمسطرة اإلشعار للغير الحائز وامتدادها إلى غير امللزم من املودع لديهم أموال هذا‬
‫األخير(‪ )2‬وكذا التسليم الفوري لهذه املبالغ والذي تنص عليه املادة ‪ 102‬من مدونة التحصيل تجعل‬
‫من هذه املسطرة تتميز بفعالية خطيرة على مصالح امللزم واالغيار‪ ،‬حيث يكفي املحاسب البحث‬
‫والتحري وتحين الفرصة‪.‬‬
‫ان استخالص الديون العمومية وأداء االغيار الحائزين لديون امللزمين وتحقيق املسؤولية‬
‫املالية والشخصية للمحاسب ليس فقط التجسيدين الوحيدين لفعالية اإلشعار للغير الحائز‪ ،‬بل‬
‫ان امتداد مفعوله الى الديون باجل والديون املشروطة‪ ،‬اي استمراره في الزمن في مواجهة الغير‬
‫الحائز واملدين‪ ،‬له من األهمية والخطورة الش يء الكثير(‪.)3‬‬
‫وهكذا وفي نازلة تتعلق بممارسة هذه املسطرة‪ ،‬طالب القابض املالي رئيس كتابة الضبط‬
‫تسليم األموال املتحصلة من ثمن بيع العقار املحجوز حجزا تنفيذيا عن طريق ممارسة مسطرة‬
‫اإلشعار للغيرالحائز‪ ،‬فطالب ورثة املدين أمام القضاء اإلداري االستعجالي برفع التعرض املقدم امام‬
‫رئيس كتابة الضبط الستخالص الدين الضريبي في إطار مسطرة اإلشعار للغير الحائز‪ ،‬غير ان‬
‫رئيس املحكمة اإلدارية قض ى برفض طلب رفع التعرض وسن قاعدة مفادها " انه يجوز للقابض‬
‫املالي ان يطالب بواسطة اإلشعار للغير الحائز املنصوص عليه باملادتين ‪ 100‬و‪ 101‬من القانون ‪-97‬‬
‫‪ 15‬رئيس كتابة الضبط بتسلم األموال املتحصلة من بيع عقار محجوز حجزا تنفيذيا الستخالص‬
‫الدين العمومي املترتب في ذمة املدين باعتباره خلفا عاما للملزم الحقيقي بالدين العمومي " وقد جاء‬
‫في تعليل األمر(‪ ) 4‬املذكور انه "حيث إنه بموجب الفصل ‪ 100‬من مدونة التحصيل ال يمكن لكتاب‬
‫الضبط أن يسلموا األموال الناتجة عن عمليات التفويت للورثة أو املستحقين لها إال بعد إثبات أداء‬

‫‪ - 1‬عبد الرحيم الكنداري المرجع السابق ص ‪.87‬‬


‫‪ - 2‬راجع المادتين ‪ 100‬و ‪ 101‬من مدونة تحصيل الديون‪.‬‬
‫‪ - 3‬العربي الغمري مرجع سابق ص ‪.180‬‬
‫‪ - 4‬امر رئيس المحكمة االدارية بفاس عدد ‪ 1090‬ملف استعجالي عدد‪ 04/ 19‬اورده االستاذ محمد قصري المرجع السابق ص‬
‫‪.234‬‬

‫الصفحة ‪118 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الضرائب والرسوم الواجبة على األشخاص الذين يمتلكون تلك األموال او العقارات املبيعة و يتعين‬
‫على كل الحائزين لتلك األموال بمقتض ى املادة ‪ 101‬بناء على طلب من هذا األخير في شكل إشعار‬
‫للغير الحائز‪ "...‬هذا طبعا اذا كانت ملكية األموال املبيعة تعود الى امللزم باعتبار ان الورثة ال‬
‫يسألون عن الضريبة اال في حدود التركة‪ ،‬وهذا ما كرسه قضاء محكمة النقض حيث جاء بإحدى‬
‫قراراته(‪ " )1‬لكن حيث ان محكمة االستئناف ملا انتهت إلى أن التضامن يجب ان ينص عليه القانون‪،‬‬
‫وانه ليس مفترضا بين الورثة‪ ،‬و ان االلتزام بأداء الضريبة حق للدولة في ذمة الهالك ال يسأل الورثة‬
‫عنه اال في حدود التركة و ال يمتد الى أموالهم الخاصة‪ .‬و ان اإلدارة عندما تابعت واحدا من الورثة‬
‫بمجموع الدين تكون قد ألزمته بما ال يلزمه‪ ،‬تكون قد طبقت القانون تطبيقا صحيحا وما اثير غير‬
‫جدير باالعتبار " إال أن مقومات هذه الفعالية و التي حدت بالقابض الى اللجوء اليه بشكل كبير‬
‫جدا خصوصا نحو املؤسسات البنكية باعتبارها الوجهة املفضلة و اليسيرة ‪ ،‬جعلت هذه األخيرة‬
‫تخش ى فقدان ثقة الزبائن فيها ‪ ،‬مما بات يهدد مصالحها االقتصادية وينعكس سلبيا على االقتصاد‬
‫الوطني ككل‪ ،‬حيث أصبحت العديد من االبناك‪ ،‬للحد من سيف هذا اإلجراء‪ ،‬تقترح على زبائنها من‬
‫رجال األعمال فتح حسابات بأسماء شركات ذات مسؤولية محدودة عوض الحسابات املفتوحة‬
‫بأسمائهم الشخصية (‪.) 2‬‬
‫‪ - 3‬املباغتة ‪ :‬باعتبار أن اإلشعار للغير الحائز هو إجراء من إجراءات التحصيل الجبري‪،‬‬
‫فيكفي ملمارسته تبعا للمادة ‪ 36‬من م ‪.‬ت ‪.‬د‪.‬ع مباشرة بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صوائر‪،‬‬
‫وتقييد تاريخ إرسال هذا اإلشعار في جدول الضرائب و الرسوم او في أي سند تنفيذي اخر‪ ،‬مما يمنح‬
‫للمحاسب امتياز مباغتة امللزم او املودع لديهم بالحجز على األموال التي في حوزتهم في أي لحظة شاء‬
‫دون التقيد بأي شرط او إجراء إضافي‪ ،‬فتستخلص تبعا لذلك ديون امللزم في حين غفلة منه نظرا‬
‫لغياب النص القانوني الذي يلزم املحاسب بإشعار امللزم بينما التشريع الفرنس ي ال يسمح للمحاسب‬
‫املكلف بالتحصيل بإجبار الغير على التسليم اال بعد انقضاء اجل شهرين املفتوحة في وجه امللزم‬
‫للتعرض‪ ،‬فاملشرع الفرنس ي يميز بين تاريخ اإلشعار وتاريخ اإلجبار وهو التمييز الغير الوارد في مدونة‬
‫تحصيل الديون العمومية بالرغم من أهميته‪ ،‬مما يطرح معه بحدة سؤال املوازنة بين مصلحة‬

‫‪ - 1‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 670‬وتاريخ ‪ 2010/9/23‬ملف عدد ‪ 2010/1/4/525‬غير منشور‪.‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحيم الكنبداري المرجع السابق ص ‪.87‬‬

‫الصفحة ‪119 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫امللزم وصالحيات الخزينة خاصة أن املشرع املغربي اقتبس هذه املسطرة من نظيره الفرنس ي ولم‬
‫تتدارك السلطات الجبائية هذا املقتض ى عندما أتيحت لها فرصة التوقيع على ميثاق تحصيل‬
‫الديون العمومية بواسطة اإلشعار للغير الحائز سنة ‪ 2014‬حيث اكد وزير االقتصاد واملالية‬
‫مباشرة بعد التوقيع على امليثاق خالل الندوة الصحفية التى عقدها ان امليثاق يهدف معالجة‬
‫اإلشكاليات العملية املتعلقة بتطبيق املسطرة‪ ،‬بما يعزز الثقة بين اإلدارة و امللزم‪ ،‬ويسهم في تحسين‬
‫مناخ األعمال‪ ،‬و تحقق التوازن الالزم بين حقوق امللزم وحقوق خزينة الدولة‪ ،‬في أفق إعادة‬
‫املصالحة بين اإلدارة و دافعي الضرائب‪.‬‬
‫وقد لقيت هذه الخاصية بدورها انتقادات حادة من لدن بعض الباحثين و الفاعلين‬
‫االقتصاديين الذين وجدوا في غياب شرط التوقيت فراغا آخر في التشريع الخاص باإلشعار للغير‬
‫الحائز ينضاف إلى غياب شرط االخبار ليضع حقيقة الضمانات التي خولها املشرع للمدين في مدونة‬
‫التحصيل موضع تساؤل(‪ )1‬ويكرس امتياز الخزينة العامة‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬نطاق التطبيق و اآلثار‬


‫الفقرة األولى ‪ :‬نطاق تطبيق اإلشعارللغيرالحائز‬
‫(‪)2‬‬
‫في نطاق تطبيق اإلشعار للغير الحائز بين نطاق التطبيق من حيث‬ ‫ميز بعض الفقه‬
‫الديون ‪،‬األموال واألشخاص‪.‬‬
‫‪ - 1‬من حيث الديون ‪ :‬يستغرق هذا اإلجراء كافة الديون املتحملة بشكل مشروع من لدن‬
‫املحاسب املكلف بالتحصيل بغض النظر عن العيوب التي قد تكون شابتها في مرحلة الوعاء‪ ،‬سواء‬
‫من ناحية املشروعية او من الناحية املسطرية شرط أن تكون مستحقة في تاريخ تبليغ اإلشعار‪.‬‬
‫ويمتد مفعول التسليم إلى الديون باجل او الديون املشروطة التي للمدين على االغيار الحائزين‬
‫املتابعين تبعا للفقرة الثانية من املادة ‪ 102‬م‪.‬ت‪.‬و ‪.‬ع من قبيل األجور و الصفقات العمومية والتي‬
‫تنص على انه "يمتد مفعول هذا التسليم الى الديون باجل او الديون املشروطة التي للمدين على‬
‫االغيار الحائزين املتابعين"‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمان حداد مرجع سابق ص ‪.207‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص ‪.88‬‬

‫الصفحة ‪120 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ - 2‬من حيث األموال ‪ :‬بالرجوع إلى املادة ‪ 102‬من م‪.‬ت‪.‬د‪.‬ع والتي تنص صراحة على انه "‬
‫يترتب على اإلشعار للغير الحائز‪ ،‬التسليم الفوري للمبالغ املوجودة في حوزة االغيار املشار إليهم في‬
‫املادتين السابقتين‪ ،‬في حدود مبلغ الضرائب و الرسوم و الديون األخرى املطلوب أداؤها‪ " ...‬نجد ان‬
‫املشرع أشار إلى مقتضيين مهمين األول انه يتعين حيازة األموال لدى االغيار في حدود مبلغ الدين‬
‫الضريبي املبين في اإلشعار دون حجز املبلغ املوجود بالحساب برمته‪ ،‬اما الثاني فيتعلق بكون‬
‫االشعار للغير الحائز ينصب على األموال فقط دون القيم املنقولة التي تباشر في شأنها مسطرة‬
‫الحجز العادية‪ ،‬حيث يعين هذا الغير حارسا عليها و اوردها املشرع في فروع مختلف من م ت د ع‬
‫كالفرع الخامس املتعلق ببعض مساطر التحصيل الجبري الخاصة ببعض األصناف من األموال‬
‫كحجز السفن و بيعها اال ان مفهوم االموال القابلة للحجز تثير عدة إشكاليات امام عدم تحديد‬
‫املشرع املقصود من األموال القابلة للحجز بصفة دقيقة‪ ،‬حيث يذهب االتجاه املدافع عن حقوق‬
‫الخزينة الى ان غموض هذا املفهوم يخلق عدة إشكاليات وصعوبات عملية للقابض اثناء ممارسة‬
‫هذا االجراء خاصة عندما يتعلق األمر بأموال مودوعة لدى البنوك سواء على شاكلة حسابات‬
‫جارية او حسابات ودائع كحسابات املحامين واملوثقين اذ غالبا ما يتعلل هؤالء بان األموال املودوعة‬
‫في حساباتهم تعود ملكيتها لزبنائهم(‪.)1‬‬
‫وقد تصدى القضاء اإلداري للحسم في مثل هذه اإلشكاالت عن حق حيث جاء في إحدى‬
‫أحكامه " الحساب املنهي للمحامي املنظم بظهير ‪ 93/9/10‬يعتبر حسابا للزبون وليس حسابا خاصا‬
‫للمحامي مما يجعل الحجز املضروب عليه لتنفيذ دين ضريبي في ذمة املحامي غير مؤسس –رفضه‪-‬‬
‫نعم(‪.")2‬‬
‫‪ - 3‬من حيث األشخاص ‪ :‬من خالل املادتين ‪ 100‬و ‪ 101‬من م‪.‬ت‪.‬د‪.‬ع يتضح ان األشخاص‬
‫الذين يباشر اإلشعار للغير الحائز في مواجهتهم ينقسمون الى قسمين وقد ميزهم املشرع من خالل‬
‫عنوان الباب الخامس‪ ،‬الذي اورد به مسطرة اإلشعار للغير الحائز عوض ان يلحقها بمساطر‬
‫التحصيل الجبري او يعنونها بمساطر خاصة للتحصيل الجبري‪ ،‬فمنهم املصفين القضائيين‪،‬‬
‫املوثقين الحراس‪ ،‬مصفي الشركات املنحلة‪ ،‬كتاب الضبط‪ ،‬املفوضون القضائيون‪ ،‬املحامون‬

‫‪ - 1‬االشعار للغير الحائز بين هاجس الفعالية و اكراهات التطبيق‪،‬الحسين الحايلة إطار بالخزينة العامة باحث في سلك الدكتوراه‬
‫ص ‪.189‬‬
‫‪ - 2‬امر رئيس المحكمة االدارية بالرباط رقم ‪ 701‬بتاريخ ‪ 2006/6/26‬ملف عدد ‪ 06/476‬وارد بمقال الحسين الحايلة مرجع‬
‫سابق ص ‪.189‬‬

‫الصفحة ‪121 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وسماهم املشرع املودع لديهم‪ ،‬وهذه الفئة ملزمة بأداء املبالغ املودعة لديها بصفة تلقائية وبصرف‬
‫النظر عن وجود تعرض من لدن املدين او الغير دونما حاجة الى تقديم طلب من طرف املحاسب‪،‬‬
‫وقد جرى العمل اإلجرائي بأقسام التنفيذ باملحاكم عند بيع عقار محجوز او من خالل دعوى‬
‫القسمة بين الورثة ان ال يتم تسليم املبالغ اال بعد تقديم األطراف لوثيقة بين يدي مامور التنفيذ‬
‫تفيد خلو العقار املبيع وذمة االطراف من التزامات ضريبية‪ ،‬ومنهم الفئة الثانية وهي التي خاطبتها‬
‫املادة ‪ 101‬من مدونة التحصيل وتضم املحاسبين العموميين و املقتصدين و املكترين وكل الحائزين‬
‫و املديين اآلخرين بمبالغ يملكها او ينبغي ان تعود لفائدة املدين كاملؤسسات البنكية ورؤساء‬
‫كتابات الضبط بصفتهم محاسبين عموميين وهذه الفئة سماها املشرع باالغيار الحائزين وهي ملزمة‬
‫بأداء املبالغ الحائزة لها بناء على طلب املحاسب املكلف بالتحصيل على شكل إشعار للغير الحائز‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬آثاراإلشعارللغيرالحائز‬


‫يترتب على اإلشعار للغير الحائز التسليم الفوري للمبالغ املوجودة في حوزة االغيار‬
‫الحائزين في حدود مبلغ الدين العمومي املطلوب أداؤه‪ ،‬وذلك استنادا ملقتضيات املادة ‪ 102‬من‬
‫املدونة عكس املشرع الفرنس ي كما سبق بيانه‪ ،‬وتسلم مقابل هذا التسليم وصوالت من طرف‬
‫املحاسب يمكن االعتداد بها في مواجهة امللزمين أنفسهم عكس املشرع الفرنس ي كما سبق بيانه وفي‬
‫هذا الصدد حاولت الحكومة من خالل ميثاق تحصيل الديون العمومية بواسطة االشعار للغير‬
‫الحائز التخفيف من حدة هذه االثار بالتنصيص على مجموعة من املقتضيات الجديدة منها التزام‬
‫اإلدارة بإخبار امللزم بمباشرة اإلشعار للغير الحائز عبر توجيه رسالة اليه في هذا الشأن باملوازاة مع‬
‫تبليغ اإلشعار للغير الحائز‪ ،‬هذا األخير الذي يقوم أيضا بمجرد توصله باإلشعار بإخبار املدين‬
‫الواقع تحت طائلة هذا اإلجراء ‪ ،‬واذا تعلق األمر بمؤسسة بنكية‪ ،‬يتم إخبار املدين بكل الوسائل‬
‫املعمول بها في تواصلها مع زبنائها بما فيها الرسائل عبر الهاتف النقال ان كان ذلك ممكنا وذلك بعد‬
‫عملية االقتطاع باإلضافة الى ذلك تلتزم اإلدارة الجبائية بتحويل امللزم فرصة التخاذ ما يراه مناسبا‬
‫ملواجهة هذا األمر‪ ،‬وذلك بإرجاء دفع املبالغ املحجوزة للمحاسب املعني الى ‪ 72‬ساعة بعد عملية‬
‫اقتطاع املبلغ من طرف املودع لديه او الغير الحائز الذي توجد اموال امللزم تحت عهدته ‪ .‬هذا فيما‬
‫يتعلق بالديون الحالة االجل‪ ،‬اما الديون بأجل او املشروطة التي للمدين على االغيار الحائزين‬
‫املتابعين فإن الفقرة الثانية من املادة ‪ 102‬من املدونة تقض ي بأن التسليم الفوري يمتد الى هذه‬
‫الصفحة ‪122 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الديون‪ ،‬اما ميثاق تحصيل الديون العمومية فقد نص على انه ال يتم اقتطاعها اال بعد تاريخ حلول‬
‫اجلها او تاريخ تحقق شرطها‪.‬‬
‫وفي حالة عدم امتثال االغيار الحائزين واملودع لديهم لاللتزامات املفروضة عليهم بموجب‬
‫مسطرة اإلشعار للغير الحائز‪ ،‬تحل مسؤوليتهم محل مسؤولية املدين على سبيل التضامن‬
‫ويصبحون خاضعين لكل إجراءات التحصيل الجبري باستثناء اإلكراه البدني‪.‬‬
‫والجدير بالذكر انه في حالة حصول امللزم على قرار قضائي لفائدته يتعين على املحاسب‬
‫إيقاف إجراءات تحصيل الدين‪ ،‬اذا تبين للقاض ي اإلداري االستعجالي جدية املنازعة أي املنازعة‬
‫املنصبة على صفة امللزم او على عدم قانونية تأسيس الضريبة وفرضها‪ ،‬وهذا ما ذهبت اليه العديد‬
‫من القرارات(‪ )1‬وكرستها محكمة النقض(‪ )2‬أيضا بغض النظر عن وضع الضمانات الكافية وفق ما‬
‫هو منصوص عليه بمقتض ى املادتين ‪ 117‬و‪ 118‬من مدونة التحصيل‪ .‬من خالل ما سبق يتضح ان‬
‫أهم اآلثار املترتبة عن اإلشعار للغير الحائز هي التسليم الفوري للمبالغ ‪.‬‬
‫ويعتقد بعض الفقه(‪ )3‬ان اإلشعار للغير الحائز مؤسسة استحدثت نتيجة تحوير وتطويع‬
‫املشرع ملؤسسة قانونية موجودة أصال‪ ،‬وهي الحجز لدى الغير(‪ )4‬مع إضافات ترمي إلى تجاوز نقائص‬
‫هذه املؤسسة واالستفادة من مكامن قوتها لتغدو أكثر فاعلية ونجاعة خدمة لهدف اقتصادي‬
‫محض هو استخالص الديون العمومية بأقل تكلفة‪ ،‬وهي ليست املرة األولى التي يعهد فيها التشريع‬
‫القانوني الى تطويع مؤسسات قانونية من اجل تحقيق أهداف معينة فيحدث مؤسسات جديدة‪،‬‬
‫نذكر على سبيل املثال الضمان االحتياطي في القانون الصرفي كتطوير للكفالة وغيرها‪ ،‬اال ان‬
‫الغالب في اعتقاد هذا الفقه هو الضمانات التي خولها املشرع الجبائي للملزم سواء منها التشريعية‬
‫او القضائية ‪ ،‬ألنه ال يمكن القفز على هذه الضمانات لتحقيق بعض األهداف كيفما كان نوعها‬

‫‪ - 1‬قرار محكمة االستئناف االدارية بمراكش عدد ‪ 83‬وتاريخ ‪ 2013/10/23‬ملف عدد ‪ 2013/1902/42‬غير منشور ‪.‬‬
‫‪ - 2‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 10‬بتاريخ ‪ 03‬يناير ‪.2002‬‬
‫‪ - 3‬المرحوم مصطفى التراب مرجع سابق ص ‪.344‬‬
‫‪ - 4‬هناك اختالف بين مؤسسة اإلشعار للغير الحائز و الحجز لدى الغير يكفي ان نذكر ان الحجز لدى الغير ال يصبح سندا تنفيذيا‬
‫اال بعد عقد جلسة االتفاق الودي او ما يسمى المصادقة على الحجز من طرف السيد رئيس المحكمة اما االشعار للغير الحائز فال‬
‫تحتاج لذلك‪ ،‬حيث ان الغير ملزم بتسليم المبالغ الى المحاسب حاال؛ اضف الى ذلك ان الحجز لدى الغير يمكن ان ينصب على‬
‫االموال او اشياء منقولة يحوزها المحجوز بين يدي ه وال يمكن تصور غير االموال كمحل للحجز في مسطرة االشعار للغير الحائز‬
‫وبصريح المادة ‪ 102‬من م‪.‬ت‪.‬د‪.‬ع للمزيد من معرفة اوجه التشابه واالختالف انظر ذ مصطفى التراب تغمده هللا برحمته‪ ،‬مدى‬
‫المقاربة والمفارقة بين الحجز لدى الغير واالشعار للغير الحائز‪ ،‬سلسلة الندوات الجهوية طيلة سنة ‪ 2007‬المنظمة من طرف‬
‫المجلس االعلى (محكمة النقض حاليا) بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيسه في الندوة الجهوية السادسة تحت عنوان المنازعات‬
‫االنتخابية والجبائية من خالل اجتهادات المجلس االعلى‪-‬مطبعة االمينة الرباط‪ 2007 -‬ص‪.341‬‬

‫الصفحة ‪123 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بالقدر الذي يضمن حسن وعدالة تطبيق هذه املسطرة‪ ،‬تحقيقا للتوازن الالزم بين حقوق امللزم‬
‫وضمانات خالل جميع مراحل التحصيل وحقوق اإلدارة الجبائية‪ .‬فما هي إذن ضمانات امللزم من‬
‫خالل هذه املسطرة ؟‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬ضمانات امللزم من خالل مسطرة اإلشعار للغيرالحائز‬

‫خول املشرع لإلدارة الجبائية سلطات واسعة وامتيازات كبرى باعتبارها الجهة املناط بها‬
‫تحصيل الديون الضريبية وفي املقابل منح للمدين امللزم مجموعة من الضمانات القانونية التي توفر‬
‫بعض الحماية القانونية ملصالحه وملركزه االجتماعي واالقتصادي في املجتمع سعيا منه لتحقيق نوع‬
‫من التوازن في العالقة الجبائية ومحاولة منه ألنسنة إجراءات التحصيل بما يعزز الثقة بين اإلدارة‬
‫وامللزم ويسهم في تحسين مناخ األعمال (‪ ،)1‬إال أن هذه الضمانات تبقى محدودة في ظل غياب‬
‫مسطرة تواجهية تحترم حقوق امللزم بما يضمن التخلي عن عنصر املفاجأة الناتج عن االقتطاعات‬
‫املباشرة من الحسابات البنكية لألشخاص وهو ما حدا بالقضاء اإلداري املغربي إلى العمل على‬
‫محاولة توفير هذه الحماية والضمانة من خالل إقراره ملجموعة من األحكام والقرارات والقواعد التي‬
‫تم إرساؤها بناء على تواتر مجموعة من األحكام العاكسة ملنحى وتوجه معين للقضاء املغربي في‬
‫تناوله إلشكاليات مختلفة كشف عنها تطبيق مقتضيات م ‪.‬ت ‪.‬د ‪.‬ع في مباشرة إجراءات التحصيل في‬
‫مواجهة املدين وعلى هذا املنحى سنقسم هذا املبحث ملطلبين ‪:‬‬
‫نخصص املطلب األول للضمانات القانونية املخولة للملزم‪ ،‬ثم نخصص املطلب الثاني‬
‫ألوجه الحماية القضائية للمدين خالل مرحلة التحصيل‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬الضمانات القانونية املخولة للملزم‬


‫يمكن التمييز داخل الضمانات القانونية املخولة للملزم بين الضمانات القانونية العامة‬
‫والضمانات القانونية الخاصة ملسطرة اإلشعار للغير الحائز‪ ،‬لذلك سنتطرق للضمانات العامة‬
‫(الفقرة األولى)‪ ،‬ونخصص الفقرة الثانية للضمانات الخاصة‪.‬‬

‫‪ - 1‬مقتطفات من المداخلة التي ألقاها وزير االقتصاد والمالية خالل انعقاد المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات التي انعقدت في‬
‫‪ 29‬و‪ 30‬ابريل من سنة ‪.2013‬‬

‫الصفحة ‪124 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الضمانات العامة‬


‫جعل املغرب من تدعيم وإقرار دولة الحق والقانون اختيارا سياسيا ال محيد عنه وعكست‬
‫املدونة الجديدة للتحصيل االحترام الدقيق لحقوق اإلنسان من خالل إقرارها ملجموعة من‬
‫الضمانات للمدين(‪ )1‬واملقصود بالضمانات العامة‪ ،‬الضمانات الدستورية التي اقرها دستور اململكة‬
‫للفرد وتبنتها مدونة تحصيل الديون العمومية نظرا لتعلق موضوع الضريبة بحقوق اإلنسان كما هي‬
‫متعارف عليها دوليا فيما يخص العدالة الضريبة لتحقيق التعايش السلمي بين الفرد والدولة‬
‫والوفاق ليساهم كل طرف في خدمة األخر سعيا وراء تكريس املصلحة العليا للبالد والتي تتجسد‬
‫أساسا في بلوغ التنمية االقتصادية واالجتماعية املنشودة حتى تتحقق صور التعايش بين الدولة‬
‫واألفراد املتمثلة في قبول األخيرين بدفع الضرائب لألولى مما يمكنها من القيام بنشاطها وإقبال‬
‫أصحاب رؤوس األموال على استثمار أموالهم في املشاريع التي تخططها الدولة (‪ )2‬ومن بين هذه‬
‫الضمانات العامة التي أقرتها مدونة التحصيل العمومية نجد ‪:‬‬
‫‪ - 1‬مبدأ شرعية التضريب ‪ :‬يقصد بالشرعية عامة سيادة حكم القانون أو ضرورة احترام‬
‫القواعد القانونية العامة من طرف كافة سلطات الدولة‪ ،‬وتقع حماية هذا املبدأ على كاهل السلطة‬
‫القضائية‪ ،‬أما شرعية التضريب فيجد سنده في نص الدستور واملواثيق الدولية ويعني حق السلطة‬
‫الشرعية وحدها صالحية سن الضرائب وتوزيعها حيث ينص الفصل ‪ 39‬من دستور اململكة لسنة‬
‫‪ 2011‬بأنه "على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية‪ ،‬التي للقانون وحده‬
‫إحداثها وتوزيعها وفق اإلجراءات املنصوص عليها في هذا الدستور"‪ .‬وتكلفت مدونة التحصيل‬
‫بتأصيل شرعية التحصيل كضمانة شكلية تجعل من مباشرة أي إجراء لتحصيل الديون العمومية‬
‫خارج اإلجراءات املنصوص عليها في مدونة التحصيل باطال وغير شرعي يخول ملن كان عرضة له حق‬
‫استرداد ما دفعه من مبالغ بل وإمكانية مقاضاة املحاسب املكلف بالتحصيل الذي باشر اإلجراء غير‬
‫الشرعي اتجاهه ومطالبته بالتعويض بل إن القوانين املالية في كل سنة تحرص على التأكيد على انه‬

‫‪ - 1‬عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص‪.112‬‬


‫‪ - 2‬عبد هللا حداد تطبيقات الدعوى االدارية في القانون المغربي منشورات عكاط الرباط ‪ 1999‬ص ‪.34‬‬

‫الصفحة ‪125 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫يمنع تحت طائلة العقاب جنائيا استخالص أي ضريبة مهما كان الوصف أو االسم الذي تجبى به‬
‫غير ما دون فيها بموجب أحكام القانون(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬عدم رجعية القوانين املؤسسة ملساطير التحصيل ‪ :‬يجد هذا املبدأ سنده الدستوري‬
‫في القاعدة املشهورة عدم رجعية القوانين وقد تبنى الدستور املغربي هذا املبدأ من خالل الفقرة ‪4‬‬
‫من الفصل السادس ولو أن هذا املبدأ يرد عليه بعض االستثناءات نظرا لخصوصية القانون‬
‫الجبائي‪ ,‬مثل القوانين الجبائية التفسيرية أو تغير األسعار في بعض الضرائب (‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬الحق في استرداد املبالغ التي تزيد عن املبلغ الواجب دفعه ‪ :‬إذا تبين أن الضريبة التي‬
‫أداها امللزم بضريبة إضافية أو مزدوجة أو في غير محلها أو نتيجة خطأ مادي ارتكبته اإلدارة أمكنه‬
‫استرداد املبالغ التي تم تحصيلها زيادة على مبلغ الضريبة عن طريق توجيه طلب إلى إدارة التحصيل‬
‫داخل األربع سنوات املوالية لتاريخ أداء املبالغ الزائدة وإال سقط هذا الحق بالتقادم (‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬حق امللزم في اللجوء إلى القضاء ‪ :‬كفلت جميع الدساتير العاملية حق لجوء املواطنين‬
‫إلى القضاء لرد املظالم دفاعا عن مصالحهم الذاتية وقد حرص الدستور املغربي الذي ينهل من‬
‫املواثيق العاملية في بعدها الكوني(‪ )4‬على ضمان إعمال هذا الحق في محتواه املقرر دستوريا بجعله‬
‫االتفاقيات الدولية‪ ،‬وكما صادق عليها املغرب‪ ،‬تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية‪ ،‬وحق‬
‫التقاض ي ال يجوز معه قصر مباشرته على فئة دون أخرى أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها أو‬
‫إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته‪ ،‬لضمان أن يكون النفاد إليه حقا لكل من يلوذ به غير مقيد في ذلك‬
‫إال بالقيود التي يقتضيها تنظيمه والتي ال يجوز بحال ان تصل في مداها إلى حد مصادرته(‪ .)5‬و يبقى‬
‫حق اللجوء إلى القضاء حق أصيل ال يمكن الحد من مداه أو استعماله إال وفق القانون(‪ .)6‬وقد ورد‬
‫باملادة ‪ 141‬من مدونة تحصيل الديون العمومية بان تعرض النزاعات التي قد تنشأ عن تطبيق‬
‫أحكام هذا القانون على املحاكم اإلدارية املوجودة باملكان الذي تستحق فيه الديون العمومية‪.‬‬

‫‪ - 1‬غالبا ما ينص المشرع على هذه المقتضيات ضمن الباب المتعلق باالحكام االنتقالية انظر المادة ‪ 143‬من م‪.‬ت‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ - 2‬عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص ‪.114‬‬
‫‪ - 3‬قانون رقم ‪ 56.03‬يتعلق بتقادم الديون المستحقة على الدولة والجماعات المحلية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.04.10‬بتاريخ ‪ 21‬ابريل ‪ 2004‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5208‬وتاريخ ‪ 29‬ابريل ‪ 2004‬ص ‪.1895-1894‬‬
‫‪ - 4‬تعتبر المادة ‪ 5‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة ‪ 1948‬هي المؤسس لهذا الحق والتي تنص على ان لكل شخص الحق‬
‫في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية إلنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق األساسية التي يمنحها له القانون‪.‬‬
‫‪ - 5‬مقتطفات من قرار المحكمة الدستورية العليا المصرية قضية رقم ‪ 15‬لسنة ‪ 2014‬مكتبة حقوق اإلنسان جامعة منيسوتا‪.‬‬
‫‪ - 6‬قاعدة حكم إدارية اكادير عدد ‪ 2006/481‬بتاريخ ‪ 06-12-28‬ملف عدد ‪ 2005/568‬ش غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪126 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ - 5‬حق ضمان احترام السر املنهي ‪ :‬في مقابل حق االطالع الذي خوله املشرع لإلدارة‬
‫الجبائية ألزمها بكتمان السر املنهي بمناسبة مشاركة كل شخص أثناء مزاولته ملهامه أو اختصاصه‬
‫في تحديد الضرائب والواجبات والرسوم ومراقبتها واستيفائها أو املنازعات املتعلقة بها حيث يجب‬
‫على إدارة التحصيل أن تحافظ على سرية الوثائق واملعلومات التي تحصل عليها أثناء القيام بمهامها‬
‫تبعا ملقتضيات املادة ‪ 140‬من مدونة التحصيل(‪.)1‬‬
‫‪ - 6‬احترام حق امللكية والسالمة الشخصية ‪ :‬يعتبر حق امللكية من الحقوق الكونية بل‬
‫هناك من أضفى عليه صفة القدسية(‪ )2‬لذلك نجد جميع الدساتير تنص على احترامه وعدم املس به‬
‫إال في حدود ضيقة وطبقا للقانون ويمكن تعريف حق امللكية بأنه حق عيني على ش يء معين يخول‬
‫صاحبه دون غيره بصورة مطلقة استعمال هذا الش يء واستغالله والتصرف فيه وذلك في حدود‬
‫القانون و النظام دون تعسف‪ ،‬أما احترام السالمة الشخصية للفرد فينبثق من الحق في الحياة‬
‫حيث ال يمكن اعتقال الفرد إال طبقا للقانون تبعا للحاالت التي أجاز فيها املشرع اللجوء إلى اإلكراه‬
‫البدني في ميدان التحصيل‪ ،‬وقد نص الدستور املغربي على الحق في الحياة والسالمة وحماية امللكية‬
‫في املادتين ‪ 20‬و ‪ 21‬والفصل ‪.)3( 35‬‬
‫وعليه فإنه ال يمكن اللجوء إلى اإلجبار املالي والجسدي للملزم إال بعد استنفاد جميع‬
‫املساطر الرضائية‪ ،‬وقد كرست مدونة التحصيل الطابع االستثنائي لإلشعار للغير الحائز كوسيلة‬
‫لتحصيل الديون العمومية من خالل املادة ‪ 36‬مما يفيد أنه ال يتم اللجوء إلى هذا اإلجراء إال بعد‬
‫سلك جميع وسائل التحصيل الجبري األخرى من إشعار و إنذار تحت رقابة القضاء‪ ،‬طبعا لضمان‬
‫عدم تعسف إدارة التحصيل في استخدام السلطات املخولة لها قانونا‪ .‬هذا بخصوص الضمانات‬
‫ا لعامة التي يشترك فيها امللزم مع باقي مواطني البلد فماذا عن الضمانات الخاصة التي خولها املشرع‬
‫للمدين خالل مرحلة التحصيل‪.‬‬

‫‪ - 1‬تنص المادة ‪ 140‬من مدونة التحصيل "يلزم بكتمان السر المهني وفق أحكام التشريع الجنائي الجاري به العمل لكل شخص‬
‫يشارك بمناسبة مزاولة مهامه واختصاصه في تحصيل الديون العمومية بمقتضى هذا القانون"‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان و المواطن الصادر عام ‪ 1789‬بعد الثورة الفرنسية‪.‬‬
‫‪ - 3‬ينص الفصل ‪ 20‬من الدستور المغربي "الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان و يحمي القانون هذا الحق" الفصل ‪21‬‬
‫ينص على أنه "لكل فرد الحق في سالمة شخصه و أقربائه و حماية ممتلكاته"‪.‬‬

‫الصفحة ‪127 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬الضمانات الخاصة‬

‫يقصد بالضمانات الخاصة مجموع الحقوق واالمتيازات التي يخولها التشريع املنظم‬
‫ملساطر استخالص الدين العمومي للملزم(‪ )1‬وتتنوع هذه الحقوق على مستوى مساطر التحصيل‬
‫لتشمل كل ما قررته تلك املساطر من إجراءات تحمل في طياتها ضمانات لفائدة امللزمين تفرض على‬
‫إدارة التحصيل وجوب التقيد بشكلياتها وآجالها تحت طائلة بطالن تصرفاتها (‪ )2‬وتتلخص أهمها فيما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حق اإلخبار واآلجال والشكلية التي ينبغي احترمها قبل الشروع في التحصيل ‪ :‬جعل‬
‫املشرع اإلجراءات الجبرية ال تبتدأ إال بعد استنفاد جميع الطرق الحبية في استخالص الدين‬
‫العمومي وفق ترتيب معين وضعه املشرع من خالل املادة ‪ 39‬من القانون ‪ 97/15‬املتعلق بتحصيل‬
‫الديون العمومية (‪ )3‬بهدف أنسنة إجراءات التحصيل من جهة وتحفيز امللزمين على الوفاء وديا‬
‫بالديون العمومية ورغبة في تحسين العالقة بين اإلدارة وامللزم من جهة ثانية‪ ،‬حيث حرص على أن ال‬
‫يتم تبليغ اإلنذار إليهم إال بعد انصرام اآلجال املقررة باملادة ‪ 30( 91‬يوما ابتداء من تاريخ االستحقاق‬
‫و‪ 20‬يوما على األقل بعد إرسال أخر إشعار املنصوص عليه في املادة ‪ )36‬وتعتبر هذه اآلجال كاملة‬
‫تبعا للمادة ‪ 17‬من مدونة التحصيل (‪ )4‬بحيث ال يحسب اليوم األول الذي يقع فيه تبليغ اإلنذار‬
‫الضريبي وال اليوم األخير الذي يقع فيه هذا اإلجراء‪ ،‬كل ذلك رغبة من املشرع في انتفاع امللزم من‬
‫اكبر فترة ممكنة وتكريسا لضمانة اإلخبار ومنح متسع من الوقت للملزم ألداء ما بذمته من ديون‬
‫عمومية‪ ،‬حيث جاء بميثاق تحصيل الديون العمومية بواسطة اإلشعار للغير الحائز ضمن عنوان‬
‫الضمانات التي يتمتع بها امللزم بخصوص حق اإلخبار واآلجال التي ينبغي احترامها قبل الشروع في‬
‫التحصيل بواسطة اإلشعار للغير الحائز‪ .‬يتم إخبار امللزم بواسطة إعالم بالضريبة يتضمن تاريخ‬
‫الشروع في التحصيل وتاريخ استحقاق الدين وفي هذا الصدد يتعين على امللزم أن يخبر اإلدارة‬
‫الجبائية واإلدارة املكلفة بالتحصيل في آن واحد بعنوانه الحقيقي وبكل تغيير يطرأ على هذا العنوان‬

‫‪ - 1‬محمد عبد اللطيف الضمانات الدستورية في المجال الضريبي مطبوعات جامعة الكويت الطبعة األولى ‪ 1999‬ص ‪.242‬‬
‫‪ - 2‬عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص ‪.116‬‬
‫‪ - 3‬تنص المادة ‪" 39‬تباشر إجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية حسب الترتيب التالي‪-:‬اإلنذار الحجز – البيع‪."...‬‬
‫‪ - 4‬تنص المادة ‪ 17‬من ق‪.‬ل‪.‬ع "عندما يصادف حلول األجل يوما معطال‪ ،‬يرجأ تاريخ اإلستحقاق إلى أول يوم عمل موال و‬
‫تعتبر اآلجال المنصوص عليها في هذه المدونة آجاال كاملة"‪.‬‬

‫الصفحة ‪128 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وذلك من اجل ضمان توصله باإلشعارات واملراسالت تحت طائلة تحمله مسؤولية اآلثار القانونية‬
‫املترتبة عن عدم قيامه بذلك وفي املقابل تلتزم كل اإلدارات املكلفة بالتحصيل بعدم مباشرة أي‬
‫إجراء زجري في حق امللزم إال بعد انصرام فترة التحصيل الرضائي وإخباره بما بقي في ذمته من ديون‬
‫أصبحت مستحقة وهكذا يستفيد امللزم ابتداء من تاريخ الشروع في تحصيل الدين من أجل سبعين‬
‫يوما على األقل لألداء التلقائي لديونه قبل الشروع في مسطرة تحصيل الديون العمومية بواسطة‬
‫اإلشعار الغير الحائز"‪ .‬وبعد إنذار امللزم بضرورة أداء ما بذمته من ديون ضمن اآلجال املحددة وعند‬
‫عدم وفائه تبدأ في حقه مباشرة اإلجراءات املوالية من حجز تم البيع مع إلزام املحاسبين املكلفين‬
‫بالتحصيل بوجوب الحصول على ترخيص من رئيس اإلدارة التي ينتمون إليها قبل مباشرة إجراءات‬
‫التحصيل الجبري هاته‪ ،‬باستثناء اإلنذار‪ ،‬واللجوء إلى القضاء للحصول على موافقته في حال رغبتهم‬
‫في اتخاذ إجراءات التحصيل الجبري ذات الطبيعة الخاصة واالستثنائية كحجز العقارات والسفن‬
‫واألصول التجارية واإلكراه البدني‪.‬‬
‫وجعلت املدونة هذه اإلجراءات تحت إشراف ورقابة القضاء ملدى سالمة وصحة املسطرة‬
‫املتخذة في حق املدين كما نصت على عدم جواز الحجز على بعض األموال العتبارات إنسانية‬
‫اجتماعية شخصية (‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬الحق في االستفادة من التقادم الضريبي ‪ :‬التقادم هو مض ي املدة والتقادم الجبائي في‬
‫التحصيل هو سقوط حق اإلدارة الجبائية (املحاسب) في املطالبة بالدين العمومي‪ .‬واستنادا‬
‫ملقتضيات املادة ‪ 123‬من املدونة فان إجراءات تحصيل الضرائب والرسوم والحقوق الجمركية‬
‫وحقوق التسجيل و التمبر تتقادم بمض ي ‪ 4‬سنوات من تاريخ الشروع في التحصيل‪ .‬ويعد التقادم من‬
‫الضمانات األساسية املقررة لفائدة امللزم املدين بالضريبة في مواجهة اإلدارة املكلفة بالتحصيل‪،‬‬
‫ويمكن أن يتم قطع تقادم الديون بسبب مباشرة املكلفين بالتحصيل ألي إجراء من إجراءات‬
‫(‪)3‬‬
‫التحصيل الجبري (‪ )2‬أو بأحد اإلجراءات املنصوص عليها في الفصلين ‪ 381‬و ‪ 382‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫ولالستفادة من سقوط الحق بالتقادم يجب على امللزم أن يدفع به وإذا تم إجباره باألداء يمكنه‬

‫‪ - 1‬نص المادة ‪ 46‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬


‫‪ - 2‬بالرغم من أن االشعار للغير الحائز لم يورده المشرع ضمن الباب المتعلق بدرجات التحصيل الجبري‪ ،‬إال أنه يبقى إجراءا من‬
‫إجراءات التحصيل الجبري القاطعة للتقادم‪( ،‬المحكمة اإلدارية بالرباط) أمر تحت عدد ‪ 468‬و تاريخ ‪ 2013-06-17‬ملف رقم‬
‫‪ 2013-1-453‬و قرار محكمة االستئناف اإلدارية عدد ‪ 517‬تاريخ ‪ 23‬ماي ‪ 2012‬ملف رقم ‪ 11/9/472‬و قرار محكمة‬
‫اإلستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 226‬بتاريخ ‪.)2007-04-30‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحيم الكنداري مرجع سابق ص ‪.117‬‬

‫الصفحة ‪129 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫اللجوء إلى القضاء اإلداري لوقف املسطرة املطبقة وال يتقيد في ذلك بمقتضيات الفصلين ‪ 117‬و‬
‫‪ 118‬من مدونة التحصيل التي تقتض ي تقديم املطالبة وتكوين الضمانات والغاية من استفادة امللزم‬
‫من الحق في التقادم هو حتى ال يظل سيف اإلدارة الجبائية مسلطا عليه من جهة والدفع باملحاسب‬
‫املكلف لعدم التقاعس في تحصيل الدين الضريبي من جهة أخرى‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى انه إذا أوفى‬
‫املدين امللزم بدينه بعد انقضاء اجل التقادم فانه ال يستطيع املطالبة باسترجاع املبالغ املؤداة‬
‫بدعوى انه دفع دينا انقض ى بالتقادم(‪)1‬ويبقى أهم اثر للدفع بالتقادم في حال ثبوته هو سقوط‬
‫الدين العمومي مع كافة توابعه من فوائد التأخير وصوائر التحصيل حتى ولو لم تكن هذه التوابع‬
‫قد سقطت هي ذاتها استقالال بالتقادم الخاص بها تبعا ملقتضيات الفصل ‪ 376‬من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي‬
‫ينص على أن التقادم يسقط الدعاوى املتعلقة بااللتزامات التبعية في نفس الوقت الذي تسقط فيه‬
‫الدعوى املتعلقة بااللتزام األصلي ولو كان الزمن املحدد لتقادم االلتزامات التبعية لم ينقض بعد"‪.‬‬
‫ويظل املحاسب مسؤوال عن عدم اتخاذ التدابير الالزمة ملنع تقادم الديون العمومية من القيام‬
‫اإلجراءات القاطعة له(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬منح تسهيالت في األداء ووقف أداء الدين الضريبي ‪ :‬القاعدة العامة انه ال يحق ألي‬
‫سلطة عمومية أو إدارية أن توقف أو تؤجل تحصيل الضرائب والرسوم و الديون األخرى‪ ،‬أو أن‬
‫تعرقل سيره العادي تحت طائلة إثارة مسؤوليتها الشخصية(‪.)3‬‬
‫أما اإلستثناء فهو إمكانية املحاسب املكلف بالتحصيل أو رئيس اإلدارة التي ينتمي إليها أن‬
‫يقبال من املدينين تبرئة ذمتهم على أقساط‪ ،‬مقابل تقديم الضمانات املنصوص عليها في املادة ‪118‬‬
‫أعاله(‪ )4‬وإذا كانت جل التشريعات املعاصرة تنص على إمكانية منح تسهيالت لألداء للمدين وتشترط‬
‫أن يكون املدين حسن النية وفي ضائقة مالية فإنها ال تنص على وجوب تقديم الضمانات كما يشترط‬
‫ذلك املشرع املغربي‪ ،‬بل تكتفي بالتنصيص على وجوب تقديم املدين تعهدا كتابيا بموجبه بأداء دينه‬
‫الضريبي على أقساط(‪ )5‬بمثابة استعطاف وحماية مؤقتة(‪ )1‬أما بخصوص الحق بوقف الدين‬
‫‪ - 1‬نصت المادة ‪ 73‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على أن ‪ " :‬الدفع الذي يتم تنفيذا لدين سقط بالتقادم ال يخول اإلسترداد‪ ،‬ولو كان الدافع يجهل واقعة‬
‫التقادم"‪.‬‬
‫‪ - 2‬تنص المادة ‪ 125‬من مدونة التحصيل على أن ‪ " :‬المحاسبين المكلفين بالتحصيل الذين تركوا أجل التقادم يمر دون القيام‬
‫بإجراءات التحصيل أو الذين شرعوا فيها ثم تخلوا عنها إلى أن تقادمت ‪ ...‬غير أنهم يبقون مسؤولين تجاه الهيئات العمومية ‪."..‬‬
‫‪ - 3‬الفقرة األولى من المادة ‪ 124‬من مدونة التحصيل‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفقرة الثانية من المادة ‪ 124‬من مدونة التحصيل‪.‬‬
‫‪ - 5‬عبد الرحمان ابيال رحيم طور مرجع سابق ص ‪ ، 66‬وقد كانت وزارة العدل والحريات سباقة ورائدة في تفسير الفقرة ما قبل‬
‫األخيرة من المادة ‪ 118‬من مدونة التحصيل عندما اعتبرت التزام المنفذ عليه باألداء بمثابة ضمانة وفقا للسلطة التقديرية التي‬

‫الصفحة ‪130 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫العمومي فهو حق وضمان مخول بمقتض ى القانون للمدين في اللجوء إلى املحاسب املكلف من اجل‬
‫أن يوقف أدائه للدين العمومي أو متابعته بإجراء من إجراءات التحصيل الجبري وذلك إلى حين‬
‫البث في شكايته املتعلقة بوقف الدين من طرف اإلدارة الجبائية وهو ما يطلق عليه باملسطرة‬
‫اإلدارية التي تتيح للملزم إرجاء الوفاء بالضريبة املتنازع بشأنها(‪ )2‬أو بعضها وأن يطلبوا من املحاسب‬
‫املكلف بالتحصيل إيقاف األداء في الجزء املتنازع بشأنه‪ .‬وقد نصت مدونة التحصيل على‬
‫املقتضيات املنظمة ملسطرة وقف األداء في املواد من ‪ 117‬إلى ‪ 120‬و وضعت مجموعة من الشروط‬
‫الشكلية واملوضوعية لالستفادة من هذا الحق‪ .‬وتتمثل هذه الشروط الشكلية في ‪:‬‬
‫‪ ‬تقديم طلب ممن لم الصفة وهو املدين سواء املدين الرئيس ي املباشر أو املدينين‬
‫املشار إليهم في املواد من ‪ 93‬إلى ‪ 99‬من مدونة التحصيل‪.‬‬
‫‪ ‬ضرورة وجود منازعة في أصل الضريبة موازية لطلب وقف األداء‪.‬‬
‫‪ ‬ضرورة تقديم الطلب داخل اآلجال املنصوص عليها في القوانين واألنظمة الجاري بها‬
‫العمل(‪.)3‬‬
‫أما الشروط املوضوعية فتتلخص في ‪:‬‬
‫‪ ‬أن يكون الطلب قد انصب على الجزء املتنازع فيه ‪.‬‬
‫‪ ‬تقديم ضمانات من شانها أن تؤمن تحصيل الديون أو الجزء املتنازع فيه تبعا للمادة‬
‫‪ 118‬من مدونة التحصيل‪.‬‬
‫وعند اعتبار املحاسب للطلب مستوفى لجميع الشروط الشكلية و املوضوعية وكون‬
‫الضمانات املقدمة من طرف املدين كافية(‪ )4‬فإن املحاسب يوقف جميع إجراءات التحصيل الجبري‬

‫منحها المشرع إلى المحاسب المكلف بالتحصيل من خالل الرسالة الدورية عدد ‪ 63‬س‪ 1‬وتاريخ ‪ 24‬شتنبر ‪ 2014‬حول موضوع‬
‫التدابير اآلنية الواجب اتخاذها للرفع من مردودية وحدة التبليغ والتحصيل بالمحاكم‪.‬‬
‫‪ - 1‬تنفيذ األحكام اإلدارية و الحقوق التي تحجز إداريا إلقتضائها‪ ،‬الطيب برادة‪ ،‬األمنية بالرباط‪.‬‬
‫‪ - 2‬تحصيل الديون الضريبية مقاربة قانونية و قضائية‪ ،‬عبد الرحيم الكنبداري‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 3‬نظرا لعدم تحديد اآلجال و غموضها فإن صياغة المادة ‪ 117‬من مدونة التحصيل لقيت انتقادات عديدة‪ ،‬للمزيد انظر عبد الرحيم‬
‫ابليال و عبد الرحيم طور مرجع سابق ص ‪.71‬‬
‫‪ - 4‬عدد الفصل ‪ 118‬من م‪.‬ت هذه الضمانات في السندات العمومية و غيرها من القيم المنقولة و الكفالة البنكية و الديون على‬
‫الخزينة العامة و سندات التخزين و رهن األصل التجاري أو تخصيص عقار بالرهن الرسمي أو أية ضمانات أخرى تقبل من‬
‫طرف المحاسب‪ .‬انظر الهامش ‪ 66‬قبله بخصوص ريادة وزارة العدل و الحريات في التوسع في تفسير عبارة "الضمانات‬
‫األخرى" الواردة بالفقرة ما قبل األخيرة من م ‪ 118‬من مدونة التحصيل‪.‬‬

‫الصفحة ‪131 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الجارية في حق املدين األصلي املباشر وكذا املتضامنين واألغيار والحائزين حتى ولو لم يكونوا هم‬
‫الذين تقدموا بطلب وقف األداء‪.‬‬
‫أما في حالة عدم تكوين ضمانات أو عندما يعتبر املحاسب املكلف بالتحصيل أن الضمانات‬
‫املعروضة غير كافية فانه يتابع اإلجراءات إلى حين استيفاء الدين (‪ )1‬وقد اعتبر القضاء اإلداري عدم‬
‫تقييد الضمانة املتمثلة في رهن األصل التجاري بالسجل التجاري رغم اإلشهاد على تقديمها بمقتض ى‬
‫أمر استعجالي ومرور ما يناهز شهرين على التزام طالب اإليقاف بالتقييد يجعل محصل الضرائب‬
‫محقا في اإلستمرار في عملية االستخالص(‪.)2‬‬
‫وباإلضافة إلى كل هذه الضمانات التي خولها املشرع للمدين في مرحلة التحصيل وخاصة‬
‫بمناسبة مسطرة اإلشعار للغير الحائز فان القضاء اإلداري املغربي بدوره عمل على تكريس مجموعة‬
‫من الضمانات لفائدة املدين املواجه بهذه املسطرة من خالل مجموعة من األحكام الصادرة عن‬
‫مختلف درجات املحاكم املختصة في املادة اإلدارية والتي حاولت إحداث توازن في العالقة الجبائية‬
‫بين طرف قوي يملك العديد من الصالحيات واالمتيازات و طرف ضعيف يملك بعض الضمانات‬
‫التي ال يمكن بحال من األحوال ان تقارن بتلك املخولة إلدارة التحصيل(‪ ،)3‬حول هذه الضمانات التي‬
‫حاول القضاء اإلداري املغربي ترسيخها لفائدة املدين من خالل مسطرة اإلشعار للغير الحائز‬
‫سيتمحور املطلب الثاني‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬الضمانات القضائية املمنوحة للملزم‬


‫كرس القضاء اإلداري املغربي عدة ضمانات لفائدة املدين املواجه بمسطرة االشعار للغير‬
‫الحائز من خالل معالجته للنوازل املعروضة عليه سواء في تفسيره للقواعد القانونية بشكل يضيف‬
‫عناصر للقاعدة وهذا ما يعرف بالتقنين اإلضافي ‪ )4(le normatif additionnel‬أو يخلق على مستوى‬
‫أعلى قاعدة بأكملها وهذا ما يدعى بالتقنين األصلي ‪ le normatif original‬مستندا في ذلك على‬
‫مجموعة من املبادئ التي تحكم مساطر التحصيل كمبدأ التفسير الواسع‪ ،‬باعتبار قواعد‬

‫‪ - 1‬الفقرة الثانية من الفصل ‪ 117‬من مدونة التحصيل‪.‬‬


‫‪ - 2‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 99‬مؤرخ في ‪ 2000-10-26‬ملف إداري عدد ‪ 2000/1/4165‬أورده محمد قصري المرجع السابق‬
‫ص ‪.623‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص ‪.119‬‬
‫‪ - 4‬عبد القادر تعالتي‪ ،‬الضمانات الجبائية من خالل التشريع والقضاء‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ا‪.‬م وعدد ‪ 1997/19‬ص ‪.33‬‬

‫الصفحة ‪132 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫التحصيل ترتبط بالشرعية االجرائية ومبدأ الشك يفسر لصالح امللزم ‪,‬كما انه تخفيفا عن امللزم‬
‫فقد جعل عبئ اإلثبات موزعا بين إدارة التحصيل وبين امللزم وجعلها من الضمانات املخولة للملزم‬
‫عند ما يكون اإلثبات على عاتق اإلدارة الجبائية(‪)1‬حيث تأخذ املنازعة في مسطرة اإلشعار للغير‬
‫الحائز أوجها متعددة فرضها غموض موقع هذا اإلجراء من درجات املتابعة من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى اإلشكالية القانونية املتمثلة في تحديد طبيعة هذه املنازعة‪ ،‬هل هي منازعة وقتية يختص‬
‫بالبت فيها قاض ي املستعجالت ؟ أم هي منازعة موضوعية يرجع فيها االختصاص ملحكمة املوضوع ؟‬
‫(‪)2‬‬

‫وأمام صمت املشرع‪ ،‬فإن أغلب توجهات القضاء اإلداري املغربي قد سارت في نفس املنحى‬
‫الذي ذهب إليه الفقه في اعتبار اإلشعار للغير الحائز حجزا تنفيذيا(‪.)3‬‬
‫ويمكن أن نميز داخل الضمانات التي كرسها القضاء اإلداري املغربي بين ضمانات كرسها‬
‫القضاء أالستعجالي وأخرى كرسها قضاء املوضوع‪.‬‬

‫‪ - 1‬نجد هذه القاعدة مكرسة في قراري محكمة النقض عدد ‪ 2/58‬تاريخ ‪ 2016-01-28‬ملف اداري الثاني عدد ‪2015/2/4/1193‬‬
‫والقرار عدد ‪ 4/2‬وتاريخ ‪ 2016-01-07‬ملف اداري الثاني عدد ‪ 2015/2/4/4141‬غير منشورين‪ ,‬حيث قضى االول<< لكن‬
‫حيث ان المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما عللت قضاءها بما جاءت به من انه لم يثبت من خالل وثائق الملف ان االدارة‬
‫المستانفة قد ادلت سواء ا مام محكمة الدرجة االولى رغم التزامها بذلك في محضر جلسة البحت او امام هذه المحكمة رغم التزامها‬
‫بذلك في عريضة الطعن باالستئناف بما يفيد ويثبت قيامها بسلوك تلك المسطرة كما يفرضها القانون المحتج به والتي تشكل احدى‬
‫الضمانات المخولة لفائدة الملزم في عملية التصحيح الضريبي وهو ما يرتب كجزاء إلغاء التصحيح الضريبي الذي اقدمت عليه‬
‫ادارة الضرائب بشان الضريبة موضوع المنازعة تكون قد ردت عن صواب الدفوع المثارة بتعليالت سائغة يؤكدها واقع الملف ‪....‬‬
‫فالعبرة ليست باالقوال واالشارات في المذكرات والمقاالت بان المسطرة تم التقيدبها بل البد من اثبات ذلك وتعزيزه بالوثائق‬
‫والحجج الدالة عل ذلك ‪ >>...‬اما الثاني فاكد انه <<‪ ...‬حيث ان المادة ‪ 224‬من المدونة العامة للضرائب قد اوجبت على مفتش‬
‫الضرائب إذا الحظ ما يستوجب القيام ببعض التصحيحات او تقدير ثمن التملك أو نفقات االستتمار ‪ ...‬ان يبلغ الخاضع للضريبة‬
‫االساس الجديد المصحح إال أنها لو تشترط ان يثبت هذا المفتش التصحيح بمقتضى عقود مقارنة وال ان يتبث امام المحكمة عند‬
‫المنازعة القضائية الثمن المصحح من طرفه وان المحكمة لها من وسائل التحقيق ما يكفيها من التحقق من ذلك واعمال سلطتها في‬
‫تقدير ال قيمة المناسبة‪ ،‬والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما اعتبرت ان <<المشرع افترض ان االصل هو الثمن المصرح به‬
‫في صلب عقد التفويت وأتاح لالدارة امكانية اللجوء الى تقويم نقصان االثمنة المعبر عنها في العقود اذا تبث لها من قيامها بقياس‬
‫متوسط االثمنة المعمول بها في السوق العقارية بمكان وزمان معين باعتماد المقارنة مع عقود البيع التي تقدم الدارة التسجيل قصد‬
‫تسجيلها وانه لما كان من الواضح ان المستانف عليها نازعت صراحة في مقالها للدعوى في صحة االسسس المعتمدة في عملية‬
‫التصحيح فان ادارة الضرائب تكون في المقابل مطالبة باال دالء يمراكز المقارنة التي تتبت موضوعية مسطرة التصحيح التي‬
‫نهجتها مما يجعل العقود المذكورة ال تصلح كعناصر للمقارنة‪ >>..‬فانها تكون قد جعلت من عناصر المقارنة شرطا لقبول مبدأ‬
‫تصحيح الضريبة في حين ان المشرع لم يتطلب ذلك بمقتضى المادة ‪ 224‬من المدونة العامة للضرائب كما ان المحكمة اذا كانت‬
‫تملك سلطة تقدير عناصر المقارنة فان استبعادها لهذه العناصر في غياب اثبات الملزم ما يخالف ذلك كان يقتضي منها اجراء‬
‫تحقيق بواسطة خبير مختص وهي لما لم تفعل فانها لم تمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على ما انتهت إليه‪.>>...‬‬
‫‪ - 2‬عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص ‪.92‬‬
‫‪ - 3‬قرار محكمة االستئناف االدارية بمراكش عدد ‪ 61‬بتاريخ ‪ 03‬يوليوز ‪ 2013‬ملف رقم ‪ 2013/1902/14‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪133 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الضمانات التي كرسها القضاء أالستعجالي اإلداري‬


‫استمد القضاء اإلداري االستعجالي اختصاصه باعتبار ان طلبات إيقاف تنفيذ الدين‬
‫العمومي طلبات وإجراءات وقتية ويكتنفها الطابع االستعجالي باعتبار ان امللزم بها يكون مداهما‬
‫بالتنفيذ على امواله لكون الغير الحائز ملزم بتسليم االموال لإلدارة الجبائية حاال وإال اعتبر‬
‫مسؤوال‪ ،‬لذلك فالقضاء االستعجالي هو املختص بالنظر في مثل هاته الطلبات ملا يتوفر عليه من‬
‫سرعة في البث وتقصير في املواعيد ويسر في ‪.‬اإلجراءات(‪ )1‬مما يشكل امتيازا وضمانا حقيقيا للملزم‬
‫املواجه بمسطرة االشعار للغير الحائز وهذا ما عبر عنه القرار الصادر عن محكمة االستئناف‬
‫االدارية بالرباط(‪ ...( )2‬لكن حيث ان االشعار للغير الحائز هو اجراء من إجراءات التحصيل الجبري‬
‫وانه وان كان يكتسب القوة التنفيذية بمجرد صدوره فانه يمكن لقاض ي املستعجالت االمر بإيقاف‬
‫تنفيذه متى كان هناك موجبا لذلك مما يكون معه السبب غير مرتكز على أساس‪ )...‬وجاء في األمر‬
‫الصادر عن السيد رئيس املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء(‪ )3‬ما يلي ‪:‬‬
‫"وحيث ان اإلشعار للغير الحائز حسب مقتضيات املواد ‪ 100‬وما بعدها من مدونة‬
‫التحصيل يترتب عنه التسليم الفوري للمبالغ املحجوزة وبالتالي استخالص الدين الضريبي في اي‬
‫وقت الش يء الذي تكون معه حالة االستعجال متوفرة في النازلة خالفا ملا يدعيه املدعى عليه ‪ ..‬وحيث‬
‫ان الضرائب املذكورة تكون مشمولة باإلشعار للغير الحائز املتحدث عنه سابقا مما يكون معه‬
‫الطلب بخصوص هذه السنوات جديا‪. "...‬‬
‫وبخصوص الضمانات التي كرسها القضاء االستعجالي فقد أعفى امللزم في حال تقديمه‬
‫طلب بإيقاف التنفيذ من التقيد بمسطرة الطعن اإلداري وكذا من وجوب توفير الضمانة الكفيلة‬
‫بسداد الدين العمومي‪ ،‬حيث جاء بالقرار الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش (‪" : )4‬‬
‫وحيث إن الطلب في نازلة الحال يهدف في الحقيقة إلى التعرض على اإلشعار للغير الحائز ومعلوم أن‬
‫هذا اإلجراء يدخل في حكم طبيعته في زمرة االجراءات االستثنائية التي يمكن عن طريقها للمحاسب‬
‫العمومي استيفاء حقوق الخزينة العامة وفقا الجراءات مبسطة وسريعة و يترتب عليها التسليم‬

‫‪ - 1‬محمد القصري المرجع السابق ص ‪.191‬‬


‫‪ - 2‬قرار عدد ‪ 226‬بتاريخ ‪ 2007-04-30‬ملف عدد ‪ 2-06-87‬اورده المرحوم الثراب المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ - 3‬أمر عدد ‪ 370‬صادر بتاريخ ‪ 2006-06-15‬في الملف عدد ‪ 2006/368‬س غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 4‬قرار محكمة االستئناف اإلدارية مراكش عدد ‪ 92‬وتاريخ ‪ 2013-11-13‬ملف عدد ‪ 2013/1902/65‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪134 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفوري ألموال املدين املوجودة لدى الجهات املعنية باألمر ومن تم فان هذه االجراءات تستدعي‬
‫تدخل قاض ي املستعجالت كلما كانت مراكز االطراف واضحة وبالتالي فان الدعوى املرفوعة الى هذا‬
‫األخير تعتبر مقبولة حتى وان كانت غير مسبوقة بأية مطالبة ادارية ودون تقديم اية ضمانة الش ئ‬
‫الذي يبقى معه ما اثير بخصوص خرق مقتضيات املادتين ‪ 117‬و ‪ 118‬من مدونة التحصيل الديون‬
‫العمومية غير جدير باالعتبار‪.‬‬
‫وحيث من جهة اخرى فان االستجابة لطلب ايقاف تنفيذ اجراءات التحصيل رهينة بتوفر‬
‫عنصري االستعجال وجدية املنازعة‪.‬‬
‫وحيث ان حالة االستعجال تنشأ من طبيعة الحق املطلوب صيانته ومن الظروف املحيطة‬
‫به ويستنتجها قاض ي املستعجالت من ظروف ومالبسات الدعوى املعروضة عليه اما جدية املنازعة‬
‫فهي تتجلى إما في منازعة امللزم في صفته كخاضع للضريبة او في قانونية تأسيسها وفرضها وإجراءات‬
‫استخالصها حسبما استقر عليه االجتهاد القضائي في هذا الصدد وكرسته محكمة النقض الغرفة‬
‫االدارية في العديد من قرارتها منها القرار عدد ‪ 10‬الصادر بتاريخ ‪ 2002-1-3‬في امللف عدد‬
‫‪. 2/1/4/1628‬‬
‫وحيث ان حالة االستعجال تعتبر قائمة في نازلة الحال بالنظر الى ان من شان متابعة‬
‫اجراءات االستخالص املباشرة في حق املعني باألمر عن طريق االشعار للغير الحائز غل يده ومنعه‬
‫من التصرف في حسابه البنكي مع ما قد ينجم عن ذلك من أضرار ‪>>...‬‬
‫وجاء في احدى حيثيات االمر الصادر عن السيد رئيس املحكمة االدارية بالرباط(‪ " :)1‬وحيث‬
‫تواتر االجتهاد القضائي على االستجابة لطلبات إيقاف اجراءات تحصيل الديون العمومية كلما‬
‫قامت جدية املنازعة في صفة امللزم او في البطالن الظاهر ملسطرة الفرض أو التحصيل أو في تقادم‬
‫هذه االخيرة او متى توفر عنصر االستعجال بمفهوم الضرر الذي يتعذر تداركه وذلك دونما حاجة‬
‫إلى تقديم الضمانات املنصوص عليها في املادة ‪ 117‬من مدونة تحصيل الديون العمومية ‪" ..‬‬
‫ومعلوم أن املنازعة في بطالن مسطرة اإلشعار للغير الحائز ليست من اختصاص القضاء‬
‫اإلداري االستعجالي ألنه ال يمكنه النظر إليها إال بالتفحص والتدقيق واملساس بالجوهر وهي بالتالي‬

‫‪ - 1‬امر رقم ‪ 2350‬بتاريخ ‪ 2015-10-02‬ملف رقم ‪.2013/7101/2389‬‬

‫الصفحة ‪135 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تكون من اختصاص قضاء املوضوع حيث جاء في قرار ملحكمة النقض ما يلي(‪ ..." :)1‬حيث ان مناط‬
‫انعقاد اختصاص قاض ي املستعجالت هو توفر عنصر االستعجال في النازلة وعدم املساس بما‬
‫يمكن ان يقض ي به في الجوهر وحيت ان الطلب يهدف إلى رفع اإلشعار للغير الحائز وهو طلب بشكل‬
‫منازعة جوهرية تقتض ي النظر في مشروعية إجراءات التحصيل وهو يخرج عن اختصاص قاض ي‬
‫املستعجالت ويكون االمر بما قض ى بخالف ذلك واجب اإللغاء ‪"..‬‬
‫وجاء في قرار اخر صادر عن محكمة االستئناف االدارية بمراكش(‪ )2‬ما يلي ‪ " :‬وحيث انه مما‬
‫ال مراء فيه ومما استقر عليه االجتهاد القضائي ملحكمة النقض ان االشعار للغير الحائز يعتبر إجراء‬
‫من إجراءات التحصيل وان املطالبة برفعه تشكل منازعة موضوعية تخرج عن اختصاص القضاء‬
‫االستعجالي في البث فيها ملا فيها من مساس في جوهر الحق خاصة وان املراكز القانونية لإلطراف‬
‫بخصوص الدين العمومي موضوع املنازعة الحالية غير واضحة ومن تم فان قاض ي املستعجالت ملا‬
‫قض ى برفع الحجز على الحساب البنكي للمستأنف عليها املفتوح لدى بنك ‪ ...‬يكون قد جانب‬
‫الصواب ويتعين لذلك التصريح بإلغاء هذا الشق من االمر املستأنف والحكم تصديا بعدم‬
‫اختصاص قاض ي املستعجالت للبت فيه "‪ ،‬بعدما كان في وقت سابق يحور الطلبات املرفوعة إليه‬
‫بشأن رفع الحجز إلى طلبات إيقاف إجراءات التحصيل‪ ،‬حيث جاء في قرار صادر عن نفس املحكمة‬
‫(‪" : )3‬لكن حيث إنه وبغض النظر عن تلك املنازعة املوضوعية‪ ،‬فإن قضاء االستعجال دأب على‬
‫تحويل الطلبات املقدمة إليه بشأن رفع الحجز املوقع بمقتض ى اإلشعار للغير الحائز على الحساب‬
‫البنكي وإعادة تكييفها إلى طلبات إيقاف إجراءات التحصيل‪ .‬باعتبار أن ذلك هو الجوهر الحقيقي‬
‫لتلك الطلبات ما دام تم تقديمها إلى قضاء االستعجال ‪"...‬‬
‫لكن مع ذلك يمكن أن ينعقد اختصاص القضاء االستعجالي للبت في طلب رفع اإلشعار‬
‫للغير الحائز(‪ )4‬التي تكون فيها املراكز القانونية لإلطراف واضحة وال تحتاج إلى فحص هدا اإلشعار أو‬

‫‪ - 1‬قرار عدد ‪ 532‬ملف اداري عدد ‪ 2003/2/4/258‬بتاريخ ‪ 2006-6-21‬منشور بمؤلف محمد قصري المرجع السابق ص‬
‫‪.618-617‬‬
‫‪ - 2‬قرار عدد ‪ 61‬بتاريخ ‪ 3‬يوليوز ‪ 2013‬ملف عدد ‪ 13/1902/14‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 3‬قرار عدد ‪ 142‬بتاريخ ‪ 2008-04-09‬ملف عدد ‪ 2007/2/76‬منشور بمجلة المحاكم اإلدارية عدد ‪ 2008/03‬ص ‪.198‬‬
‫‪ - 4‬جاء باألمر الصادر عن السيد رئيس المحكمة اإلدارية بالبيضاء بتاريخ ‪ 2007-12-20‬ما يلي ‪ ...( :‬وحيث يختص قاضي‬
‫األمور المستعجلة بالبت في طلبات رفع الحجز متى تبت أن الحجز وقع بطالنا مطلقا لعدم استيفائه األركان الالزمة لصحته أو لعدم‬
‫تحقق األوضاع الشكلية الضرورية إليقاعه‪ ،‬كحالة حصوله بدون سند‪ ،‬أو انعدام المديونية أو كونه انصب خطأ على حساب بنكي‬
‫مملوك للغير‪...‬وحيث إن االشعار للغير الحائز يترتب عليه التسليم الفوري للمبالغ المحجوزة‪ ،‬مما يجعل شرط االستعجال قائما في‬

‫الصفحة ‪136 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تقييمه من الناحية املوضوعية كان يكون الدين العمومي قد تم تسديده من قبل امللزم ولهذا األخير‬
‫الدليل املثبت لذلك فهنا يكون دور قاض ي املستعجالت هو معاينة أن اإلشعار للغير الحائز لم يعد‬
‫له مبرر‪.‬‬
‫من خالل ما سبق يتضح أن القضاء االستعجالي قد أبدى في مسعاه لتحقيق الضمانات‬
‫الالزمة للطرف األضعف في العالقة الجبائية نوعا من التدخل االيجابي في تأويل وتفسير بعض‬
‫النصوص وتحديد نطاق مقتضياتها ‪,‬فما هي يا ترى الضمانات التي حاول قضاء املوضوع جاهدا‬
‫تكرسيها في سبيل تحقيق نوع من التوازن في العالقة الجبائية بين اإلدارة وامللزم وهو ما سوف يكون‬
‫موضوع الفقرة الثانية ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الضمانات التي كرسها قضاء املوضوع‬
‫لقد أجمع القضاء املغربي على اعتبار أن املنازعة في صحة أو مشروعية مسطرة اإلشعار‬
‫الغير الحائز من اختصاص قضاء املوضوع ألنها إما منصبة على تدرج اإلجراءات ومدى احترامها من‬
‫قبل املحاسب املكلف بالتحصيل أو منصبة على مشروعية الضريبة موضوع اإلشعار أو منصبة على‬
‫صفة امللزم بالضريبة وكلها منازعات يفترض فيها املساس بالجوهر وتبقى من اختصاص قضاء‬
‫املوضوع‪ ،‬جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش(‪ )1‬ما يلي‪" :‬حيث لئن كان إجراء‬
‫اإلشعار للغير الحائز املخول للقابض اللجوء إليه تطبيقا للمادة ‪ 101‬وما بعدها من مدونة تحصيل‬
‫الديون العمومية هو إجراء تنفيذي استثنائي يعتبر النزاع بشأنه كما هو الشأن بالنسبة للمنازعة في‬
‫باقي إجراءات التحصيل – نزاعا موضوعيا ال يختص به قاض ي االستعجال نظرا ملساسه بجوهر‬
‫النزاع فان البث في مشروعيته التي أثارها الطرفان بمقتض ى الطعن باالستئناف ‪ ...‬هو من قبيل‬
‫املنازعة املوضوعية التي من شان البث فيها التعرض لجوهر املنازعة وهو خارج عن اختصاص‬
‫قاض ي االستعجال‪ ."...‬و من بين أهم الضمانات التي كرسها قضاء املوضوع قاعدة تدرج املتابعات‬
‫ورتب على عدم احترامها بطالن اإلشعار للغير الحائز بالرغم من االرتباك الذي عرفته مدونة‬
‫التحصيل العمومية وهي تتطرق لإلشعار الغير الحائز حيث لم تدرجه ضمن ترابية إجراءات‬

‫النازلة‪ ،‬وحيث إنه بالنظر لألثر الفوري لإلشعار للغير الحائز كإجراء تنفيذي مباغت ارتأينا األمر مؤقتا برفع الحجز على الحساب‬
‫البنكي للطالب) أورده عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص ‪.96‬‬
‫‪ - 1‬قرار عدد ‪ 142‬بتاريخ ‪ 2008-04-09‬في الملف عدد ‪ 2007/2/67‬منشور بمجلة المحاكم االدارية عدد ‪ 2008/3‬الصفحة‬
‫‪.199-194‬‬

‫الصفحة ‪137 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫التحصيل وفق املادة ‪ 39‬منها وخصته بباب مستقل هو الباب الخامس تحت عنوان التزامات املودع‬
‫لديهم واالغيار الحائزين‪ ،‬حيث جاء في أمر صادر عن السيد رئيس املحكمة اإلدارية بالرباط(‪ )1‬مايلي‬
‫" وحيث ان الحجز بواسطة اإلشعار للغير الحائز يعتبر في حد ذاته حجزا تنفيذيا على أموال املدين‬
‫ومن تم يشترط أن ينصب على أموال خاصة باملدين دون غيره وان تحترم بشأنه قاعدة تدرج‬
‫املتابعات كما هي منصوص عليها في القانون ‪ 15/97‬من توجيه لإلشعار بدون صائر وتبليغ قانوني‬
‫لإلنذار الضريبي قبل الحجز وان كل إخالل بهاته الشروط يجعل إجراء الحجز غير مبرر" وجاء في‬
‫أمر حديث آخر عن نفس الجهة (‪" )2‬وحيث انه من جهة أخرى فان املشرع اوجب من خالل مدونة‬
‫تحصيل الديون العمومية احترام تراتبية إجراءات التحصيل وفق ما استقر عليه العمل القضائي في‬
‫إطار الضمانات املخولة للملزمين وانه في ظل عدم تبوث توجيه إنذار قانوني باألداء يكون لجوء‬
‫القابض إلى مسطرة اإلشعار للغير الحائز مع ما تتضمنه من أمر مباشر بتحويل املبالغ إلى الجهة‬
‫الدائنة ينطوي على مخالفة ملبدأ التدرج املقرر في مدونة تحصيل الديون العمومية وهي اإلجراءات‬
‫اآلمرة امللزمة لالداراة والتي ينجم عن مخالفتها بطالن إجراءات التحصيل كما في نازلة الحال‪ ،‬الش يء‬
‫الذي يتعين معه التصريح ببطالن اإلشعار للغير الحائز موضوع الدعوى وترتيب اآلثار القانونية على‬
‫ذلك ‪"...‬‬
‫وجاء بقرار صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش مايلي(‪ ...": )3‬وحيث استقر‬
‫االجتهاد القضائي للغرفة اإلدارية على اعتماد أن عدم ثبوت احترام تدرج إجراءات التحصيل الجبري‬
‫يجعل مسطرة التحصيل معيبة‪( ،‬قرار الغرفة اإلدارية عدد ‪ 53‬بتاريخ ‪ 21‬يناير ‪ 2004‬امللف عدد‬
‫‪ "...) 2003-2-4-758‬و فعال هذا ما كرسته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض حسب أخر قراراتها في‬
‫املوضوع (‪" )4‬لكن حيث انه و بمقتض ى املادة ‪ 36‬من مدونة تحصيل الديون العمومية فانه ال يمكن‬
‫مباشرة التحصيل الجبري إال بعد إرسال (آخر إشعار إلى املدين) ‪ ...‬ومؤدى ذلك أن تبليغ اإلشعار‬
‫بدون صائر قبل اللجوء إلى مسطرة التحصيل الجبري يعتبر ضمانة أساسية للملزم ال يمكن تجاوزها‬
‫بمجرد التقييد في الجدول بل ال بد من إثبات املحاسب املكلف بالتحصيل قيامه بتبليغ اإلشعار‬

‫‪ - 1‬امر عدد ‪ 1015‬بتاريخ ‪ 2009-7-28‬ملف رقم ‪ 2009/01/860‬غير منشور اورده عبد الرحيم الكنبداري‪.‬‬
‫‪ - 2‬امر صادر عن السيد رئيس المحكمة االدارية بالرباط بتاريخ ‪ 2016-4-5‬ملف عدد ‪ 2016/7109/14‬المرجع السابق ص‬
‫‪ 123‬هامش ‪ 462‬غيرمنشور‪.‬‬
‫‪ - 3‬القرار عدد ‪ 85‬بتاريخ ‪ 25‬يناير ‪ 2012‬ملف عدد ‪ 2- 2010/09/200‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 4‬قرار عدد ‪ 2/331‬بتارخ ‪ 2015-04-16‬ملف اداري الثاني عدد ‪ 2014/2/4/2041‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪138 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املذكور واملحكمة التي اعتبرت أن عدم إدالء الطالب بما يفيد توصل املطلوب باإلشعار املذكور‬
‫يجعل إجراءات التحصيل الغية‪ ،‬تكون قد طبقت املقتض ى املذكور مما يجعل قرارها مرتكزا على‬
‫أساس ومعلال تعليال سليما والوسيلة على غير أساس ‪ " ...‬من خالل قراءة سريعة ملختلف هذه‬
‫األحكام والقرارات الصادرة عن مختلف درجات القضاء اإلداري املغربي يتضح انه اعتبر مسطرة‬
‫اإلشعار للغير الحائز حجزا تنفيذيا من شانه غل يد امللزم عن التصرف في ماله وتحويله حاال إلى‬
‫خزينة الدولة ويجب احترام تدرج وتراتبية املتابعات شأنه وفي ذلك تعزيز اكبر لضمانات امللزم‬
‫الضريبي وبالطبع ليست هي الضمانة الوحيدة التي كرسها قضاء املوضوع حيث نجد أيضا حق امللزم‬
‫في التبليغ القانوني بآخر إشعار بدون صائر تم اإلنذار قبل ممارسة مسطرة اإلشعار للغير الحائز‬
‫حيث ذهب القضاء اإلداري إلى اعتبار تضمينات الجدول الضريبي وان كانت صحيحة إال أنها ال تنزل‬
‫منزلة التبليغ حيث جاء بقرار للغرفة اإلدارية انه "لئن كان كل ما اثبت بمستخرج الجداول من‬
‫البيانات ينهض حجة على أن محصل املالية وجه التنبيه بدون صائر فإنها ال تنهض حجة على امللزم‬
‫أمام إنكاره املستمر توصله باإلعالم الضريبي وبالتنبيه باألداء بدون صائر وباإلنذار باألداء قبل‬
‫مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري" (‪ )1‬إال ان بعض الفقه(‪ )2‬ذهب ابعد من ذلك وأكد أن العمل‬
‫القضائي اعتبر الرسالة التبليغية التي تبعثها اإلدارة وترجع حاملة لعبارة (غير مطلوب) ال تعتبر‬
‫توصال صحيحا‪ ،‬إال أن املتمعن في االجتهادات القضائية في املادة اإلدارية يرى العكس حيث جاء‬
‫بقاعدة قرار صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش مايلي(‪": )3‬توجيه اإلشعار الضريبي إلى‬
‫الخاضع للضريبة عن طريق البريد املضمون مع اإلشعار بالتوصل إلى العنوان الوارد بإقراره او في‬
‫العقد موضوع الضريبة أو في مراسالته والذي رجع بمالحظة (غير مطالب به) يعد تبليغا صحيحا‬
‫ومرتبا لجميع أثاره القانونية بعد انصرام اجل ‪ 10‬أيام التالية لتاريخ إثبات تعذر التسليم‪."...‬‬
‫و هذا ما أكدته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض في إحدى قراراتها األخيرة(‪ )4‬الذي جاء فيه ‪:‬‬
‫"‪ ....‬حيث انه وطبقا للمادة ‪ 10‬من كتاب املساطر الجبائية فانه عند تعذر التبليغ لألسباب‬
‫املذكورة بهذه املادة ومنها رجوع الرسالة بمالحظة (غير مطالب به) فان التبليغ يعتبر متحققا بعد‬

‫‪ - 1‬قرار عدد ‪ 369‬بتاريخ ‪ 2003/06/15‬ملف إداري عدد ‪ 2002/4/1437‬أورده عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص ‪123‬‬
‫عن زكرياء الدغمي مرجع سابق هامش ص رقم ‪.458‬‬
‫‪ - 2‬محمد االعرج المنازاعات الجائية في العمل القضائي للمحاكم االدارية ص ‪.58‬‬
‫‪ - 3‬قرار عدد ‪ 403‬بتاريخ ‪ 29‬ابريل ‪ 2010‬ملف رقم ‪ 2010/9/15‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 4‬قرار عدد ‪ 2/29‬بتاريخ ‪ 2016/01/21‬ملف اداري الثاني عدد ‪ 2010 2015/2/4/75‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪139 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫مرور اليوم العاشر لتعذر التبليغ‪ ."...‬وفي هذا الصدد وكما عبر عن ذلك ميثاق تحصيل الديون‬
‫العمومية بواسطة اإلشعار للغير الحائز فانه يتعين على امللزم أن يخبر اإلدارة الجبائية و اإلدارة‬
‫املكلفة بالتحصيل في آن واحد بعنوانه الحقيقي وبكل تغيير على هذا العنوان وذلك من اجل ضمان‬
‫توصله باإلشعارات واملراسالت تحت طائلة تحمله مسؤولية اآلثار القانونية املترتبة عن عدم قيامه‬
‫بذلك‪ .‬أما مالحظة (الرجوع الى املرسل) فلم يعتبرها قضاء الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض تبليغا‬
‫حيث جاء بإحدى قراراتها األخيرة(‪ .." )1‬واملحكمة مصدرة القرار املطعون فيه بتأييدها للحكم‬
‫املستأنف تكون قد تبنت تعليله الذي ورد فيه ( ان اإلدارة صرحت خالل جلسة البحث أنها وجهت‬
‫رسالة التبليغ األولى إلى املدعى ‪-‬املطلوب‪ -‬بعنوانه املضمن بعقد البيع والتي رجعت بمالحظة ‪-‬غير‬
‫مطالب به‪ -‬دون ان تدلى بما يثبت تلك الواقعة رغم تكليفها بذلك وهو تعليل مطابق لواقع امللف‬
‫الذي بالرجوع إليه يلفي ان رسالتي التبليغ أرجعتا بمالحظة ‪-‬الرجوع إلى املرسل‪ -‬دون أي إفادة بشأن‬
‫حصول التبليغ من عدمه علما بان إدارة البريد اذا كانت هي الجهة املكلفة بالتبليغ فان ذلك ال ينفي‬
‫دور إدارة الضرائب في التحقق منه وتتبع إجراءاته لتحقيق ضمانة التبليغ القانوني والحال خالف‬
‫ذلك في النازلة ‪ ."...‬وهو ما أكدته أيضا في حيثية أخرى من نفس القرار ‪ ":‬و املحكمة مصدرة القرار‬
‫املطعون فيه التي ثبت لها من خالل وثائق امللف و محضر البحث االبتدائي أن االدارة أدلت بصورة‬
‫لرسالة تذكير أولى و ثانية و ظرفي البريد املضمون يحمالن مالحظة (الرجوع إلى املرسل) دون أي‬
‫إفادة و رتبت عن ذلك بأن الظرفين املذكولرين ال يفيدان شيئا في سلوك مسطرة الفرض و أيدت‬
‫الحكم املستأنف بإلغاء إجراءات فرض الضريبة ‪ ...‬تكون قد راعت مجمل ما ذكر ‪"...‬‬
‫وباإلضافة إلى الضمانات التي كرسها قضاء املوضوع استقالال عن القضاء االستعجالي نجد‬
‫أنه أكد بعض الضمانات األخرى التي سبق ان كرسها هذا األخير‪ ،‬منها عدم التقيد باملطالبة‬
‫اإلدارية وتقديم الضمانة عندما ال يتم ممارسة مسطرة اإلشعار للغير الحائز بطريقة قانونية و‬
‫سليمة حيث جاء بقرار حديث للغرفة اإلدارية بمحكمة النقض(‪ )2‬مايلي"‪ ...‬على اعتبار أن امللزم ال‬
‫يكون مقيدا بسلوك مسطرة التظلم اإلداري متى ثبت للمحكمة ان الفرض الضريبي قد ثم حيادا عن‬

‫‪ - 1‬قرارعدد ‪ 2/76‬وتاريخ ‪ 2015-01-29‬ملف اداري الثاني عدد ‪ 2013/2/4 1733‬غير منشور‪.‬‬


‫‪ - 2‬قرارعدد ‪ 2/67‬و تاريخ ‪ 2016/02/04‬ملف إداري الثاني رقم ‪ 2015/2/4/994‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪140 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الضوابط القانونية املنظمة له و املرتبة لبطالنه ‪ "...‬و هو ما سبق أن أكدته في العديد من القرارات‬
‫السابقة (‪. )1‬‬
‫ومعلوم أيضا أن منازعة امللزم في سقوط الحق في التحصيل بناء على التقادم يعفي من‬
‫التظلم اإلداري و تقديم الضمانة أيضا كما أكدت ذلك العديد من القرارات الصادرة عن الغرفة‬
‫اإلدارية (‪ )2‬حيث جاء بإحداها ‪":‬لكن حيث إن إجراءات التحصيل تتقادم بمض ي أربع سنوات بين‬
‫تاريخ الشروع في التحصيل أو إجراء من إجراءاته و بين تاريخ اإلجراء املوالي له‪ ،‬و املحكمة ملا تبث لها‬
‫من أوراق امللف و الوثائق املدلى بها من طرف الطاعن أن هذا األخير لئن كان قد شرع فعال في‬
‫تحصيل الضرائب ‪ ....‬فإن املدة الفاصلة بين هذا اإلجراء األخير و بين تاريخ حصول املطلوبة على‬
‫مستخرج الجداول ‪ ...‬تجاوز أربع سنوات دون أن يتخللها أي إجراء قاطع للتقادم تكون قد طبقت‬
‫مقتضيات املادة ‪ 123‬من مدونة تحصيل الديون العمومية املحتج بها تطبيقا سليما ‪ ...‬لكن حيث إن‬
‫مسطرة املطالبة املسبقة املنصوص عليها في املادة ‪ 120‬املحتج بها ال تكون واجبة إال في حالة املنازعة‬
‫في صحة إجراءات التحصيل أو لعدم اعتبار أداءات يكون الطاعن قد قام بها طبقا للمادة ‪ 119‬من‬
‫مدونة التحصيل‪ ،‬و أما املنازعة في إجراءات التحصيل لسقوط حق الخازن في التحصيل فال يتوقف‬
‫قبولها على املطالبة املذكورة و املحكمة ملا ردت الدفع املذكور بتعليلها لم تخرق ما احتج به و تكون‬
‫الوسيلة غير جديرة باإلعتبار‪." ...‬‬
‫ومعلوم أن التقادم ينقطع بكل إجراء من إجراءات التحصيل الجبري يتم بمسعى من‬
‫املحاسب املكلف بالتحصيل أو بإحدى اإلجراءات املنصوص عليها في الفصلين ‪ 381‬و ‪ 382‬من‬
‫الظهير بمثابة قانون اإللتزامات و العقود‪ ،‬و عبأ إثبات القيام بهذه اإلجراءات يقع على اإلدارة‬
‫الجبائية‪ ،‬و هذا ما أكدته الغرفة اإلدارية ملحكمة النقض في العديد من قراراتها (‪ .)3‬حيث جاء‬

‫‪ - 1‬منها القرار عدد ‪ 2/76‬و تاريخ ‪ 2015/01/29‬ملف إداري (الثاني) عدد ‪ 2015/2/4/1733‬و القرار عدد ‪ 258‬بتاريخ‬
‫‪ 2015/04/02‬ملف إداري (الثاني) عدد ‪ 2014/2/4/1136‬حيث جاء بحيثياته ‪ "...‬لكن حيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على‬
‫اعتبار الخاضع للضريبة غير ملزم بسلوك مسطرة التظلم اإلداري قبل اللجوء إلى الطعن القضائي متى كانت منازعته منصبة حول‬
‫صفته كملزم أو حول عدم تقيد اإلدارة الجبائية بشرط الفرض الضريبي ‪."..‬‬
‫‪ - 2‬قرار عدد ‪ 242‬و تاريخ ‪ 2011/12/29‬ملف إداري عدد ‪ 2010/1/4/722‬و هو نفس التوجه الذي سلكته من خالل قرار آخر‬
‫حديث لها تحت عدد ‪ 2/825‬و تاريخ ‪ 2015/11/19‬ملف إداري (الثاني) عدد ‪ 2015/2/4/1837‬حيث جاء بإحدى حيثياته "‪ ...‬و‬
‫هذا ما سار عليه اجتهاد محكمة النقض باعتبار أن الطرف المطلوب في النقض ينازع في صفته كملزم ‪ ...‬مما يجعله غير ملزم‬
‫بسلوك مسطرة المطالبة اإلدارية المنصوص عليها في المادة ‪." ... 120‬‬
‫‪ - 3‬القرار عدد ‪ 1/1106‬المؤرخ في ‪ 2015/06/04‬ملف إداري رقم ‪ ،2015/1/4/962‬و هو نفس المبدأ كرسته الغرفة في القرار‬
‫عدد ‪ 1/1141‬المؤرخ في ‪ 2015/6/04‬ملف رقم ‪ 2015/1/4/1144‬و كذا عدد ‪ 1/1303‬المؤرخ في ‪ 2015/6/25‬ملف إداري‬
‫رقم ‪ 2013/1/4/3599‬غير منشورين‪.‬‬

‫الصفحة ‪141 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بإحداها "لكن حيث إن الطالبين قد اقتصرا في الوسيلة على اإلشارة إلى نص املادة ‪ 123‬من مدونة‬
‫تحصيل الديون العمومية‪ ،‬دون أن يبينا ما هي اإلجراءات القاطعة للتقادم التي قاما بها‪ ،‬و كيف ثم‬
‫خرق نص املادة‪ ،‬مما لم يمكن معه محكمة النقض من معرفة ما يعيبانه على القرار املطعون‬
‫فيه‪."...‬‬
‫ومعلوم أن طلب امللزم املواجه بمسطرة اإلشعار للغير الحائز و قيامه باألداء استجابة‬
‫لإلشعار باعتباره من إجراءات التنفيذ الجبري تجنبا للحجز على أمواله ال يشكل اعترافا يؤدي إلى‬
‫قطع التقادم و هذا ما أكده القرار الصادر عن الغرفة اإلدارية ملحكمة النقض(‪": )1‬و من جهة ثانية‬
‫حيث إن ما قام به املدين من طلب مهلة و أداء استجابة إلجراءات التنفيذ الجبري عليه و تجنبا‬
‫للحجز على أمواله كما هو ثابت مما عرض و نوقش و ليس من شأن ما قام به أن يشكل اعترافا‬
‫يؤدي إلى قطع التقادم فكان جميع ما أتير بدون أساس ‪"...‬‬
‫و تتقادم ديون الصندوق الوطني للضمان اإلجتماعي تبعا ملقتضيات الفصل ‪ )2( 76‬من‬
‫ظهير ‪ 1972/07/27‬بمض ي أربع سنوات من اليوم األول من الشهر الذي يلي صدور البيان الحسابي‬
‫السنوي الذي يوجهه الصندوق إلى املدين حيث جاء في إحدى حيثيات القرار الصادر عن الغرفة‬
‫اإلدارية (‪ )3‬ما يلي "‪ ...‬و مؤدى الفصل املذكور و خصوصا في فقرته الثانية التي تحيل على مقتضيات‬
‫الفقرة األولى أنها تجعل تطبيقها بشأن التقادم الرباعي مشروطا بتوجيه الكشف الحسابي املذكور‪،‬‬
‫و ال يعتبر عدم توجيهه كل سنة مؤديا إلى سقوط الحق ألن القول بذلك يجعل الدين يتقادم بمض ي‬
‫سنة و هو ما يناقض مفهوم النص القائم على أن عدم توجيه الكشف و البيان الحسابي السنوي‬
‫كل سنة يجعل الدين متقادما بمض ي أربع سنوات‪ ،‬مما يكون معه القرار الذي ذهب خالف ذلك‬
‫خارقا للفصل ‪ 76‬املذكور و معلال تعليال ناقصا عرضة للنقض ‪"...‬‬
‫باإلضافة إلى كل هذه الضمانات األساسية نجد أن هناك بعض الضمانات املتفرقة من بينها‬
‫إمكانية الجمع في دعوى واحدة بين عدة ضرائب ما دامت املنازعة في فرضها أو تحصيلها تخص نفس‬

‫‪ - 1‬القرار عدد ‪ 100‬المؤرخ في ‪ 2002/12/26‬الملف اإلداري عدد ‪ 2000/1/4/1281‬منشور بمؤلف األستاذ محمد قصري‬
‫المرجع السابق ص ‪.562,563‬‬
‫‪ - 2‬ينص الفصل ‪ 76‬المذكور على أنه "تتقادم دعوى التحصيل المقامة منفصلة عن الدعوى العمومية بمضي أربع سنوات من‬
‫اليوم األول من الشهر الذي شهر صدور البيان الحسابي و السنوي الذي يوجهه الصندوق‪ ...‬إلى المدين ‪ ...‬و من أجل تطبيق‬
‫أحكام الفقرة السابقة يجب على الصندوق ‪ ...‬أن يوجه إلى المدين قبل ‪ 31‬ديسمبر من كل سنة و إال سقط حقه بيانا حسابيا‪،‬‬
‫يتضمن العمليات المتعلقة به و ما عليه فيما يخص السنة المالية السابقة‪"...‬‬
‫‪ - 3‬يتعلق األمر بالقرار عدد ‪ 12/115‬المؤرخ في ‪ 2013/02/21‬ملف إداري رقم ‪ 2011/2/4/886‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪142 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫امللزم (‪ ،)1‬عدم التعسف في استخدام السلطات املخولة للخزينة حيث أكد املجلس األعلى (محكمة‬
‫النقض حاليا) في احد قراراته أن "بقاء هذا الضمان –حجز تحفظي‪ -‬ألكثر من سنتين دون رفع‬
‫دعوى في موضوع املديونية ‪ ...‬يجعل من الواجب رفع الحجز(‪ ، ".. )2‬األخذ باآلجال األفيد للملزم و‬
‫االعتداد بالتظلم ولو رفع الى جهة غير مختصة مادام انه بإمكان الجهة املتظلم لديها الرتباطها‬
‫العضوي بالجهة املعنية احالة التظلم اليها باالضافة الى مجموعة من الضمانات االدارية االضافية‬
‫التي اتى بها ميثاق تحصيل الديون العمومية بواسطة االشعار للغير الحائز نذكر منها التزام االدارة‬
‫باخبار امللزم بمباشرة مسطرة االشعار للغير الحائز عبر توجيه رسالة إليه في هذا الشأن باملوازاة‬
‫مع تبليغ االشعار للغير الحائز‪ ،‬التزام االدرارات املكلفة بالتحصيل بتخويل امللزم فرصة التخاد ما‬
‫يراه مناسبا ملواجهة هذا االمر‪ ،‬وذلك بارجاء دفع املبالغ املحجوزة للمحاسب املعني الى ‪ 72‬ساعة‪،‬‬
‫بعد عملية اقتطاع املبلغ من طرف املودع لديه او الغير الحائز الذي توجد اموال امللزم تحت‬
‫عهدته‪ ،‬وال يتم اقتطاع املبالغ بالنسبة للديون بأجل و الديون املشروطة اال بعد تاريخ حلول اجلها‬
‫او تاريخ تحقق شرطها‪،‬‬
‫إال ان العقبة التي تعترض القضاء االداري في تفعيل هذه الضمانات االدارية االضافية‬
‫بالرغم من محدوديتها‪ ،‬انها ال ترقى الى درجة القانون ‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق باالجل املمنوح للملزم‬
‫التخاذ ما يراه مناسبا حسب تعبير امليثاق ‪ ،‬وهو ‪ 72‬ساعة عكس املشرع الفرنس ي الذي منحه اجل‬
‫شهرين باعتبار ان االدارة الجبائية تضمن اداء الدين العمومي عن طريق حجز الحساب تحفظيا و‬
‫ان امللزم ال يمكنه التصرف في املبلغ املحجوز من حسابه داخل اجل الشهرين وهناك فرق كبير بين‬
‫‪ 72‬ساعة وشهرين فيما يتعلق باتخاذ امللزم ما يراه مناسبا‪.‬‬
‫يتضح من خالل هذه الضمانات التي اوردتها ان القضاء االداري أنه حاول جاهدا التخفيف‬
‫على املدين وتكريس الضمانات التي خولها اياه املشرع بل وإحداث ضمانات جديدة في حال سكوت‬
‫النص القانوني او غموض مقتضياته لخلق التوازن النسبي بين طرفي العالقة الجبائية ‪.‬‬

‫‪ - 1‬هذا ما أكده القرار الصادر عن الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) تحت عدد ‪ 653‬بتاريخ ‪2006/7/19‬‬
‫ملف إداري عدد ‪ 2003/2/4/298‬وارد بمؤلف ذ‪ /‬محمد قصري المرجع السابق ص ‪.608‬‬
‫‪ - 2‬قرار الغرفة المدنية عدد ‪ 93/2770‬بتاريخ ‪ 1993/04/02‬ملف رقم ‪ 95/725‬منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد ‪ ،86‬ص‬
‫‪.134‬‬

‫الصفحة ‪143 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫اال ان االستفادة من كل هذه الضمانات من لدن امللزم تبقى رهينة بمدى وعيه بحقوقه‪،‬‬
‫وسعيه للحصول عليها عبر اللجوء الى القضاء(‪ .)1‬مما يستدعي من االدارة الجبائية التكثيف من‬
‫حمالت التعبئة والتوعية لبناء جسور الثقة بينها وبين امللزمين‪ ،‬وكذا ترجمة ميثاق تحصيل الديون‬
‫العمومية بواسطة االشعار للغير الحائز الى قانون ملزم لإلدارة و امللزم معا مع التركيز على منح اجل‬
‫كاف للملزم‪ ،‬على غرار التشريع الفرنس ي ‪ ،‬بإرجاء دفع املبالغ املحجوزة للمحاسب املعني‪.‬‬
‫فهل يمكن الحديث مستقبال عن قانون ينص صراحة على تعزيز ضمانات امللزم خاصة‬
‫فيما يتعلق بالتحصيل بواسطة االشعار للغير الحائز في مقابل امتياز الخزينة ؟‬

‫‪ - 1‬عبد الرحيم الكنبداري‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.125‬‬

‫الصفحة ‪144 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫المدرسة الوطنية لكتابة الضبط في المغرب‬


‫بين الضرورة والتأجيل ‪-‬دراسة مقارنة‬
‫ذ عبد العلي اشرنان‬
‫أستاذ باحث‬
‫‪ -‬املقدم ـ ـة ‪:‬‬
‫يعد إصالح القضاء ومن خالله إصالح اإلدارة القضائية من أبرز األوراش االصالحية‬
‫باملغرب التي انطلقت منذ سنة ‪ 2011‬والتي تعزيز أسس الحكامة القضائية ‪،‬وقد تكرس هذا التجه‬
‫مع الدستور الجديد الذي كان ثمرة إرادة ملكية سامية‪ ،‬حيث تم تنظيم العديد من الندوات‬
‫املتعلقة بالحوار الوطني إلصالح منظومة العدالة‪ ،‬حيث أدرجت النجاعة والفعالية القضائية‬
‫كمحور من املحاور الهامة التي طرحت للنقاش لصلتها باملرفق القضائي وأهميتها في تحقيق العدالة ‪.‬‬
‫والنجاعة القضائية أو الفعالية في األداء القضائي أو املردودية القضائية ‪،‬أسماء مختلفة‬
‫ملعنى واحد‪ ،‬يتمثل في سلوك أيسر املساطر القانونية في أسرع اآلجال لتحقيق العدالة‪ ،‬وتوزيعها على‬
‫املتقاضين إنهاءا للخصومة القضائية وهذه األمور ال تتحقق في غياب أي مكون من مكونات العدالة‬
‫التي تشمل القاض ي وكاتب الضبط واملحامي واملفوض القضائي والعدل والخبير‪...‬الخ وحتي‬
‫املتقاض ي‪.‬‬
‫وملا كان التكوين هو املدخل لتحقيق هذه األهداف املرجوة فإن تكوين كاتب الضبط يحتل‬
‫أهمية قصوى في فكر وزارة العدل للرقي باإلدارة القضائية مع العلم أن التكوين من منطلقه الفكري‬
‫واالجتماعي ال يستثني أحدا ويشمل الجميع القاض ي وكاتب الضبط واملحامي واملفوض القضائي‬
‫والتلميذ والطالب والحرفي والصانع ‪...‬الخ فهو ضروري وهام لكي يرتقي اإلنسان بمستواه الفكري‬
‫والقانوني والعملي واإلداري‪.‬‬
‫كون وحسب معجم اللغة العربية املعاصرة‬ ‫والتكوين مفرد وجمعه تكوينات من مصدر ّ‬
‫املقصود به التدريب والتعليم ‪ ،1‬وبعبارة أوسع يقصد به اإلحداث‪ ،‬والتبصر‪ ،‬والتخليق ‪،‬واالختراع‪،‬‬

‫‪ - 1‬معجم اللغة العربية المعاصر‪ ،‬المؤلف أحمد مختار عمر ‪،‬الناشر عالم الكتب ‪،‬القاهرة سنة النشر ‪2008‬‬

‫الصفحة ‪145 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫والصنع ‪،‬والتصوير‪. 1‬وملا كانت اإلدارة القضائية في املغرب تتميز بخصوصيتها فقد ظلت تشغل حيزا‬
‫كبيرا من اهتمام وانشغاالت كاتب الضبط املغربي ورغبته في االرتقاء بمهنته‪ ،‬وفق منهجية واضحة‬
‫تروم تطوير هذا املرفق الحيوي الذي يشكل عصب الدولة في تحقيق األمن القضائي والنجاعة‬
‫القضائية و الحكامة الجيدة و العدالة وبسط سيادة القانون ‪.‬‬
‫واإلدارة القضائية كمصطلح حديث ورد في القانون التنظيمي للمجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية‪ 2‬والقانون التنظيمي املتعلق بالنظام األساس ي لرجال القضاء‪ 3‬و قانون ‪ 38.15‬املتعلق‬
‫بالتنظيم القضائي ‪،4‬كنتيجة الستقالل السلطة القضائية عن وزارة العدل غير أننا لم نجد في إطار‬
‫بحثنا هذا تعريفا جامعا لها بل تتعدد التعاريف وتختلف حسب سياق كل موضوع وطرح كل باحث‬
‫ويرى البعض في “اإلدارة القضائية” مجموع إجراءات التسيير اإلداري التي يتخذها القضاة‪ ،‬والتي ال‬
‫تكون قابلة للطعن سواء تعلقت بتسيير العمل داخل املحكمة‪ ،‬كما هو الحال حين يحدد رئيس‬
‫املحكمة‪ ،‬بعد استشارة الجمعية العمومية‪ ،‬تشكيلة الجلسات واأليام التي ستعقد فيها‪ ،‬أو تعلقت‬
‫بتدبير القضايا املعروضة‪ ،‬كما هو الحال حين يقرر رئيس الجلسة تأخير القضية ويحدد تاريخا‬
‫معينا للنظر فيها‪ .‬فمثل هذه القرارات تندرج في خانة إجراءات اإلدارة القضائي"‪.5‬‬
‫غير أن هذا التعريف يظل غير دقيق كون إجراءات التسيير اإلداري يقوم بها أيضا رؤساء‬
‫كتابة الضبط تحت إشراف املسؤولين القضائيين وال تشمل فقط تنظيم جدول املحكمة وتصريف‬
‫وعرف البعض اإلدارة القضائية بكونها "مجموع املهام التي يقوم بها املوظفون اإلداريون‬ ‫امللفات ‪ّ ،‬‬
‫باملحاكم أو اإلدارة املركزية لوزارة العدل واملصالح التابعة لها التي ال تدخل ضمن اختصاصات‬
‫السلطة القضائية‪ ،‬والتدبير املعقلن ملختلف الوسائل للمساهمة في القيام بالعملية القضائية على‬
‫الوجه األكمل ‪،‬وتلبية حاجيات املواطنين في التقاض ي بنجاعة وفعالية "‪. 6‬‬
‫غير أن هذا التعريف يظل هو األخر ناقصا كون اإلدارة القضائية ال تضم فقط املوظفين‬
‫اإلداريين وانما موظفين ذوو مهام شبه قضائية واملهندسين والتقنيين ‪.....‬الخ ‪.‬كما أن قرار املحكمة‬

‫‪ - 1‬معنى التكوين في المعاجم العربية واألنطولوجيا ‪،‬الصفحة على األنترنيت‪:‬‬


‫‪https://ontology.birzeit.edu/term/%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%8A%D9%86‬‬
‫‪ - 2‬أنظر القانون التنظيمي رقم ‪ 100.13‬المتعلق بالمجلس األعلى للسلطة القضائية‬
‫‪ - 3‬أنظرا لقانون التنظيمي رقم ‪106.13‬المتعلق بالنظام األساسي للقضاة‬
‫‪ - 4‬أنظر قانون ‪ 38.15‬المتعلق بالتنظيم القضائي المغربي‬
‫‪ - 5‬ذ‪.‬رشيد صدوق محام عام بمحكمة النقض "اإلدارة القضائية ومبدأ استقالل القضاء في المغرب " ‪.‬‬
‫‪ -6‬ذ‪.‬عبد هللا عصفوري ‪،‬منتدب قضائي ‪،‬باحث في القانون العام "اإلدارة القضائية بين التبعية واإلشراف ومبدأ فصل السلط "‬

‫الصفحة ‪146 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الدستورية في امللف رقم ‪ 041/19‬عدد ‪ 89/19‬م‪.‬د نص على "‪....‬وحيث إنه‪ ،‬إلى جانب األعمال‬
‫اإلدارية واملالية لإلدارة القضائية‪ ،‬فإن هذه األخيرة‪ ،‬تتميز عن باقي اإلدارات العمومية‪ ،‬في أدائها‬
‫لعمل موسوم بالطبيعة القضائية‪ ،‬ما ُيضفي خصوصية على نشاط مرفق العدالة قياسا بباقي‬
‫املرافق اإلدارية األخرى‪ ،‬فتلقي الشكايات‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬واملحاضر واملقاالت وتحرير‬
‫االستدعاءات وحضور االستنطاق وتحصيل الرسوم القضائية وأداء مهام التبليغ واملشاركة في هيئة‬
‫الحكم وتحرير محاضر الجلسات وعمل التنفيذ‪ ،‬وهي أعمال تندرج في خانة الولوج إلى العدالة‬
‫وإجراءات التقاض ي‪ ،‬مما ُيسبغ صفة مساعدي القضاء على هيئة كتابة الضبط املشكلة للمورد‬
‫غيبت مفهوما مهما‬ ‫البشري لإلدارة القضائية"‪ 1‬غير أن هذه التعاريف تبقى تعاريف كالسيكية ّ‬
‫وحديثا وهو اإلدارة القضائية اإللكترونية التي برزت أهميتها القصوى خالل جائحة كورونا وقد‬
‫عرفت منظمة التعاون االقتصادي والتنمية )‪ (OECD‬اإلدارة اإللكترونية كما يلي "استعمال‬
‫تكنولوجيا االعالم واالتصال وخصوصا االنترنيت كأداة لتحقيق إدارة جيدة " ‪ 2‬وعرفها مشروع‬
‫املدونة الرقمية رقم ‪ 67.13‬بكونها "مجموعة التكنولوجيات واالستعماالت املرتبطة باإلمكانية‬
‫املتاحة امام املستعمل‪ ،‬سواء كان شخصا ذاتيا او معنويا‪ ،‬من اجل اخباره وتوجيهه ولتمكينه من‬
‫مباشرة املساطر اإلدارية بواسطة الخدمات عبر الخط وكذا بإمكانية اإلدارة من التواصل مع‬
‫املستعمل عبر نفس الخدمات"‪ 3‬وهذه التعاريف يعتريها بعض النقص كون اإلدارة االلكترونية‬
‫القضائية فريدة من نوعها فيما تقدمه من خدمات تشمل تبادل الوثائق إلكترونيا والتأكد من‬
‫صحتها وتقديم الوثائق بطريقة رقمية وتحيين امللفات رقميا بخالف باقي اإلدارات العمومية الرقمية ‪.‬‬
‫وبما أن موضوعنا سيتمحور حول تكوين كاتب الضبط ‪،‬وفق إطار قانوني ومؤسساتي‬
‫‪.‬فإننا نتساءل جميعا عن ماهية هذا التكوين والجهة التي تقوم به وتعمل على تنزيله ؟ وأهدافه ؟‬
‫وأنواعه ؟كما ال ننس ى الحديث عن سياق تراجع وزارة العدل عن إنشاء املدرسة الوطنية لكتابة‬
‫الضبط كمؤسسة مستقبلية ال محيد عنها وعن وجودها في تكوين كاتب الضبط واستبدالها بمعهد‬
‫املهن القضائية القانونية وكتابة الضبط ‪ ،‬وال ننس ى ذكر نماذج لهذه املدارس في كل من فرنسا التي‬

‫‪ - 1‬قرار المحكمة الدستورية رقم ‪ 014/19‬عدد ‪ 89/19‬م‪.‬د ‪،‬الصفحة على األنترنيت‬


‫)‪ (cour-constitutionnelle.ma‬المحكمة الدستورية | ‪Cour Constitutionnelle‬‬
‫‪ -2‬منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ‪ (OECD):‬هي منظمة دولية تعمل من أجل سياسات أفضل من أجل حياة أفضل‪ ،‬هدفها‬
‫هو تعزيز السياسات العامة التي تعزز الرخاء وتكافؤ الفرص والرفاهية للجميع‪ .‬يوجد مقرها بباريس‪ ،‬وانشات سنة ‪ 1948‬عن‬
‫منظمة التعاون االقتصادي االوروبي‪.‬انظر ‪:‬الموقع االلكتروني للمنظمة‪: https://www.oecd.org/fr/apropos‬‬
‫‪ -3‬أنظر مشروع المدونة الرقمية رقم ‪67.13‬‬

‫الصفحة ‪147 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تتقدم علينا بخطوات كبيرة في هذا املجال وكذا املدرسة الوطنية ملستخدمي أمانات الضبط في‬
‫الجزائر كنوع من الدراسات املقارنة ‪،‬مع ذكر االقتراحات والتوصيات التي نقدمها في سبيل إخراج‬
‫املدرسة الوطنية لكتابة الضبط لحيز الوجود ‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن دراستنا لهذا املوضوع ستنطلق من محور أول نعرض فيه للتكوين الذي كانت‬
‫تعرفه هيئة كتابة الضبط في ظل املعهد العالي للقضاء سابقا‪ ،‬قبل أن نتناول التجارب املقارنة في‬
‫املوضوع من خالل التجربة الفرنسية والتجربة الجزائرية‪.‬‬

‫املحوراألول ‪ :‬تكوين كتاب الضبط وفق التجرب ـ ـة املغربي ـ ـة‬


‫املالحظ من خالل القانون الجديد املنظم للمعهد العالي للقضاء رقم ‪ 37.22‬الصادر بتاريخ‬
‫‪ ،12023/08/10‬خاصة مادته ‪ 4‬أنه حصر مهام املعهد وفق صيغته الجديدة في التكوين األساس ي‬
‫والتخصص ي واملستمر لفائدة القضاة‪ ،‬وفي التكوين في مجال اإلدارة القضائية لفائدة املسؤولين‬
‫القضائيين‪ ،‬حيث أخرج تكوين هيئة كتابة الضبط سواء تعلق بالتكوين األساس ي أو املستمر أو‬
‫التأهيلي من مجاالت اختصاصه‪ ،‬ذلك أنه سيسند في مرحلة الحقة إلى الجهة التي سوف تختص به‪.‬‬
‫بالرجوع إلى الوضع السابق لقانون ‪ 37.22‬نجد تكوين موظفي هيئة كتابة الضبط كان‬
‫مسندا للمعهد العالي للقضاء الذي سبق أن تأسس بمقتض ى ظهير ‪ 1.02.240‬املتعلق بتنفيذ‬
‫القانون رقم ‪ 09.01‬الصادر في ‪ 3‬أكتوبر ‪ 2002‬بعدما كان يسمى في السابق باملعهد الوطني للدراسات‬
‫القانونية والقضائية واملحدث سابقا بمقتض ى مرسوم امللكي رقم ‪ 2.69.587‬الصادر في ‪ 29‬يناير‬
‫‪ 1970‬ومن أهم أهداف هذا املعهد ‪:‬‬
‫‪ -‬التكوين األساس ي للملحقين القضائيين ‪:‬أسالك دراسية وندوات وتداريب تطبيقية‪،‬‬
‫بغاية اكتساب املعارف واملهارات والسلوكيات الالزمة ملمارسة القضاء؛‬
‫‪ -‬التكوين املستمر والتخصص ي للقضاة ‪:‬دورات دراسية وندوات وتداريب داخل املغرب‬
‫وخارجه؛‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.23.60‬بتاريخ ‪ 23‬محرم ‪ 10( 1445‬اغسطس ‪ ،)2023‬والمنشور بالجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ ،7228‬بتاريخ ‪ 21‬صفر ‪ 7( 1445‬شتنبر ‪ ،)2023‬ص ‪.7147 :‬‬

‫الصفحة ‪148 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬التكوين األساس ي واملستمر في ميدان كتابة الضبط ‪:‬تلقين علوم وتقنيات ومناهج‬
‫التسيير والتدريب وخدمة الوافدين وقواعد وأسس اإلجراءات املسطرية املتبعة أمام مختلف‬
‫درجات املحاكم ودراسة قواعد وإجراءات تنفيذ األحكام والقرارات واألوامر القضائية؛‬
‫‪ -‬تنظيم دورات التكوين األساس ي واملستمر والتخصص ي لفائدة مساعدي القضاء‬
‫وممارس ي املهن القانونية؛‬
‫‪ -‬القيام بالنشر و األبحات و الدراسات العلمية في مختلف امليادين القانونية و القضائية‬
‫و الفقهية؛‬
‫‪ -‬القيام بتنظيم دورات أو ندوات تكوينية في املجال القانوني و القضائي لفائدة أطر و‬
‫أعوان الدولة و الجماعات املحلية و املؤسسات العامة و الخاصة؛‬
‫‪ -‬القيام في نطاق اتفاقيات التعاون الثقافي و التقني و القضائي املبرمة بين اململكة املغربية‬
‫و الدول األجنبية بقبول طلبة أجانب للمشاركة في دورات تكوين امللحقين القضائيين و موظفي كتابة‬
‫الضبط‪ ،‬و تنظيم ندوات تكوينية متخصصة لفائدة القضاة أو األطر القضائية أو أطر كتابة‬
‫الضبط األجنبية‪ ،‬و القيام بمهام الخبرة و اإلستشارة و التدريس لدى الدول املذكورة‪.1‬‬
‫لكن ما يهمنا في هذه الدراسة هو التكوين الذي يهم كاتب الضبط سواء األساس ي أو‬
‫املستمر ‪،‬ذلك أن الولوج لجهاز كتابة الضبط كان يتم من خالل املشاركة في املباريات الخاصة‬
‫بموظفي وزارة العدل حسب األطر التالية‪:‬‬
‫‪ -‬منتدبين قضائيين‬
‫‪ -‬محررين قضائيين‬
‫‪ -‬كتاب الضبط‬
‫‪ -‬تقنيين معلوماتيين‬
‫‪ -‬مهندسين‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مساعدين اجتماعيين‬
‫وهؤالء األطر يخضعون لتكوين أساس ي في املعهد العالي وتكوين مستمر ‪.‬‬

‫‪ - 1‬لمزيد من التفاصيل أنظر الظهير رقم ‪ 1.02.240‬المتعلق بتنفيذ القانون رقم ‪ 09.01‬الصادر في ‪ 3‬أكتوبر ‪2002‬‬
‫‪ - 2‬أنظر النظام األساسي لموظفي هيئة كتابة الضبط‬

‫الصفحة ‪149 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬التكوين األساي ي لكاتب الضبط أددافه وبرامجه‬


‫‪ – 1‬أهداف التكوين األساس ي ‪:‬‬
‫تخضع كل فئة مهنية من الفئات املذكورة لتكوين باملعهد العالي للقضاء‪ ،‬وتتراوح مدته بين‬
‫أسبوعين إلى ‪ 4‬أسبوع‪ ،‬وعمليا يتكون كتاب الضبط باملعهد وفق برنامج تكويني يشمل ما يلي‪:‬‬
‫‪ o‬املعارف القانونية األساسية للعمل بوزارة العدل و الحريات؛‬
‫‪ o‬اإلجراءات املسطرية املتبعة أمام مختلف املحاكم؛‬
‫‪ o‬قواعد وإجراءات تنفيذ األحكام والقرارات واألوامر القضائية؛‬
‫‪ o‬قواعد السلوك املنهي والتواصلي الخاص بمجال العمل؛‬
‫كما يخضع كتاب الضبط في طور التكوين لدورات تدريبية باملحاكم أو باملؤسسات املركزية‬
‫لوزارة العدل أو باملؤسسات العامة والخاصة عند االقتضاء‪ ،‬ملدة تتراوح بين ثالثة أسابيع و‪12‬‬
‫أسبوعا‪.‬‬
‫وعمليا يتم تكوين كتاب الضبط باملعهد ضمن مجموعات‪ ،‬تحت إشراف أستاذ أو عدة‬
‫أساتذة‪ ،‬وفق مناهج بيداغوجية حديثة تعتمد منهجية املشاركة والتفاعل والورشات التطبيقية‪.‬‬
‫وتتم مراقبة سلوك وأداء كتاب الضبط‪ ،‬وتتبع مدى استيعابهم للمعلومات وكذا تقييم‬
‫نشاطهم وما اكتسبوه من مؤهالت‪ ،‬من خالل اختبارات وأعمال توجيهية‪ ،‬ومشاريع أحكام محررة‪.‬‬
‫وأثناء التخرج‪ ،‬يخضع كتاب الضبط لتقييم عام حول ما اكتسبوه من معارف ومهارات أثناء‬
‫فترة التكوين باملعهد والتداريب العملية باملحاكم وغيرها‪.1‬‬
‫على أن التكوين األساس ي لكتاب الضبط يتم عبر مرحلتين‪:‬‬
‫‪ -‬مرحلة التكوين النظري والتطبيقي باملعهد أو املراكز املحدثة لهذا الغرض‪ ،‬حيث يخضع‬
‫املتكون خاللها لتكوين مكثف في كل املعارف واملساطر الضرورية له ملزاولة مهامه بشكل سلس‬
‫وفعال أثناء التحاقه بمقر تعيينه؛‬
‫‪ -‬مرحلة التدريب العملي باملحاكم تحت إشراف رؤساء مصالح كتابة الضبط وكتابة النيابة‬
‫العامة‪ ،‬وتهدف إلى تمكين املتدربين من ممارسة اإلجراءات األساسية لكتابة الضبط بكافة الشعب‬

‫‪ - 1‬المعهد العالي للقضاء ‪،‬تكوين كتاب الضبط عنوان الصفحة على األنترنيت‪:‬‬
‫‪ism.ma/basic/web/index.php?r=entry/greffiers‬‬

‫الصفحة ‪150 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫واألقسام وإنجاز نفس األشغال التي يقوم بها كتاب الضبط بمختلف فئاتهم‪ ،‬وجعلهم‪ ،‬أيضا‪ ،‬في‬
‫احتكاك مباشر مع محيط العمل املنهي لتمكينهم من التأقلم مع الضوابط اإلدارية واملهنية املنظمة‬
‫للمرافق القضائية‪ ،‬واختبار قدراتهم السلوكية والتواصلية في ميدان العمل‪.‬‬
‫أما بالنسبة لبرامج التكوين األساس ي فتشمل املجاالت التالية ‪:‬‬
‫‪ ‬التعريف باملرفق القضائي ووظائفه األساسية؛‬
‫‪ ‬التمكين من املفاهيم األساسية للقانون؛‬
‫‪ ‬التعريف بقواعد العمل في املؤسسة القضائية؛‬
‫‪ ‬تحقيق الحماية املهنية للموظف الجديد من خالل تعريفه بحقوقه وواجباته‬
‫املنصوص عليها قانونا؛‬
‫‪ ‬تسهيل االندماج في محيط العمل وذلك من خالل التمكن من آليات التواصل وقواعد‬
‫السلوك املنهي لكاتب الضبط‪.‬‬
‫‪-2‬التقييم واملتابعة ‪:‬‬
‫يتم تقييم ومتابعة التكوين األساس ي عبر آليتين‪:‬‬
‫‪ -‬استمارات التقييم اآلني املعبأة من قبل املتكونين بعد كل حصة تكوينية؛‬
‫‪ -‬دفتر التداريب باملحاكم املتضمن ملالحظات رؤساء مصالح كتابة الضبط والنيابة العامة‬
‫املشرفين على التدريب‪.1‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬التكوين املستمرلكاتب الضبط ‪ :‬أددافه وبرامجه‬


‫‪-1‬أهداف التكوين املستمر ‪:‬‬
‫بناء على الفقرة الثانية من املادة ‪ 2‬من القانون ‪ 09.01‬السابق الذي كان ينظم املعهد العالي‬
‫للقضاء‪ ،‬واستنادا إلى مرسوم ‪ 12‬يناير ‪ 2006‬املتعلق بالتكوين املستمر لفائدة موظفي وأعوان‬
‫الدولة‪ ،‬انخرط املعهد العالي للقضاء في التكوين املستمر لكتاب الضبط بشكل منتظم ومتواتر‪.‬‬
‫‪ ‬تحسين كفاءات وخبرات و مردودية موظفي جهاز كتابة الضبط؛‬

‫‪ - 1‬المعهد العالي للقضاء ‪،‬اهداف التكوين األساسي وبرامجه ‪،‬الصفحة على األنترنيت‪:‬‬
‫‪ism.ma/basic/web/index.php?r=formationi/greffiers‬‬

‫الصفحة ‪151 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬استكمال خبرة أطر وموظفي كتابة الضبط في املجاالت التقنية واملعلوماتية؛‬


‫‪ ‬مواكبة املستجدات القانونية واملسطرية الخاصة بمجال كتابة الضبط؛‬
‫‪ ‬تلقين معارف التدبير والتسيير وخدمة الوافدين على فضاءات العدالة؛‬
‫‪ ‬ترسيخ قواعد السلوك والتواصل الفعال في املجال املنهي‬
‫‪ -2‬حاجيات التكوين املستمر‪:‬‬
‫تحدد الحاجيات التكوينية لبرنامج التكوين املستمر لكتاب الضبط بعد االستشارة مع‬
‫املسؤولين القضائيين واإلداريين ومؤطري كتاب الضبط بمختلف محاكم اململكة‪ ،‬حيث توجه‬
‫مديرية تكوين كتاب الضبط كتابا في املوضوع من أجل اقتراح املواضيع الكفيلة بتلبية الخصاص‬
‫التكويني للموظفين على مستوى مختلف املساطر واإلجراءات التي يمارسونها‪.‬‬
‫وبناء على جواب السادة املسؤولين وتحديدهم للمواضيع ذات األولية من حيث التكوين‬ ‫ً‬
‫املستمر‪ ،‬يضع املعهد برنامجا للتكوين املستمر على مستوى مختلف الدوائر القضائية للمملكة‪،‬‬
‫ويسهر على تنفيذه بعد املصادقة عليه من طرف مجلس اإلدارة‪.‬‬
‫وتعقد حلقات للتكوين املستمر بمختلف املحاكم محليا وجهويا؛‬
‫تنصب برامج التكوين املستمر لكتاب الضبط على املجاالت التالية‪:‬‬
‫‪ ‬املجال التنظيمي والتدبيري (خاص برؤساء املصالح)‬
‫‪ ‬املجال املدني‬
‫‪ ‬املجال الزجري‬
‫‪ ‬املجال األسري‬
‫‪ ‬مجال القضاء املتخصص (اإلداري والتجاري)‬
‫‪ ‬مجال الحسابات‬
‫‪ ‬مجال الطعون القضائية‬
‫‪ ‬املجال السلوكي والتواصلي‬
‫‪ ‬املجال املهاراتي والفني‬
‫‪ ‬مجال املعلوميات‬
‫‪-3‬التقييم واملتابعة ‪:‬‬
‫يتم تقييم وتتبع التكوين املستمر من خالل‪:‬‬

‫الصفحة ‪152 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬تقرير الحلقة التكوينية املنجز من طرف املؤطر‪ ،‬خاصة في جانبه املتعلق باإلشكاليات‬
‫والحلول املثارة أثناء الحصة التكوينية‪،‬‬
‫‪ -‬االستمارة الخاصة بكل مشارك في الحصة التكوينية‪.1‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪:‬املعهد الوطني للمهن القضائية والقانونية وكتابة الضبط‬


‫بدل املدرسة الوطنية لكتابة الضبط‬

‫لقد حظي إصالح منظومة العدالة بعناية ملكية سامية من طرف جاللة امللك محمد‬
‫السادس منذ اعتالئه العرش‪ ،‬إذ ما فتئ يعطي توجيهاته السامية للنهوض بورش العدالة ‪.‬من خالل‬
‫تحديث القضاء‪ ،‬وتخليقه وعصرنته‪ ،‬وترسيخ استقالله‪ ،‬وجعله في صلب السياسات العمومية‬
‫والبرامج الحكومية‪ ،‬بهدف إحقاق الحقوق ورفع املظالم‪ ،‬وتوفير مناخ الثقة‪ ،‬كمحفز على التنمية‬
‫واالستثمار‪ .2‬وكان من نتائج دذه العناية السامية انطالق امليثاق الوطني إلصالح منظومة‬
‫العدالة الذي أوص ى باعتماد مبدأ الزامية التكوين األساس ي للموظفين الجدد امللتحقين بهيئة كتابة‬
‫الضبط‪ ،‬ووضع برامج للتكوين األساس ي مناسبة لكل فئة من فئات هيئة كتابة الضبط‪ ،‬والجمع بين‬
‫التكوين األساس ي والتكوين التخصص ي لكتاب الضبط‪ ،‬وكذا سن مقتضيات قانونية العتماد معايير‬
‫موضوعية في تقييم أداء موظفي هيئة كتابة الضبط‪ ،‬تنبني مبدئيا على القدرة على ضبط وتنظيم‬
‫األشغال‪ ،‬وسرعة تصريف اإلجراءات والتطبيق السليم للقانون وحسن التواصل والكفاءة العلمية‪.3‬‬
‫وقد سبق لوزارة العدل أن طلبت من النقابات مدها بتصورها حول املدرسة الوطنية‬
‫لكتابة الضبط في مارس‪ 2022‬تاريخ انعقاد جلسة الحوار القطاعي ‪ 4‬وهو ما يوضح رغبة الوزارة‬
‫آنذاك في تنزيل هذا املشروع الهام‪ ،‬كما أن النقابات مدعوة اليوم لفتح نقاش مع قواعدها‬

‫‪ -1‬المعهد العالي للقضاء أهداف التكوين المستمر وبرامجه ‪،‬الصفحة على األنترنيت‬
‫‪ism.ma/basic/web/index.php?r=formationc/greffiers‬‬
‫‪ -2‬مقالة على وكالة المغرب العربي لألنباء بعنوان " تنزيل ميثاق إصالح منظومة العدالة من أولويات أوراش التحديث‬
‫المؤسسي والتنموي"‪.‬‬
‫‪ -3‬مقالة على هيسبريس بعنوان "وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة كتابة الضبط " عنوان المقال على االنترنيت‬
‫وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة الضبط )‪(hespress.com‬‬
‫‪ - 4‬نفس المقال أعاله ‪،‬رابط الخبر وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة الضبط)‪. (hespress.com‬‬

‫الصفحة ‪153 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بخصوص هذه املقترحات لفتح آفاق مستقبلية جديدة حول آفاق تكوين كتاب الضبط بمختلف‬
‫فئاتهم‪ ،‬وجعل هذا التكوين رافعة أساسية للنهوض باإلدارة القضائية ‪.‬‬
‫واملالحظ أن وزارة العدل قد طرحت مؤخرا مشروعا جديدا ملعهد املهن القضائية‬
‫والقانونية وكتابة الضبط على جميع الفاعلين في القطاع يعد بديال عن املدرسة الوطنية لكتابة‬
‫الضبط التي سبق للميثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة أن اقترحها كمؤسسة وطنية مستقلة‬
‫تعنى بمختلف مجاالت التكوين باإلدارة القضائية من خالل التوصية رقم ‪ 143‬الواردة في الهدف‬
‫الفرعي األول املتعلق ب "التأهيل املؤسس ي الحتضان الجودة وضمان التميز"‪ ،‬من الهدف الرئيس ي‬
‫الخامس املعنون ب "إنماء القدرات املؤسسة ملنظومة العدالة"‪.‬‬
‫ناهيك عن أن التوصية رقم ‪ 144‬من نفس مجاالت األهداف قد نصت هي األخرى على‬
‫إحداث مؤسسة مستقلة لتكوين املحامين‪ ،‬ومعهد وطني مستقل للتوثيق‪ ،‬ومركز مستقل لتكوين‬
‫العدول واملفوضين القضائيين والخبراء القضائيين‪.‬‬

‫الصفحة ‪154 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املحورالثاني ‪ :‬املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا والجزائر‬

‫من املفارقات أثناء بحثنا عن مراجع تخص املدرسة الوطنية ملستخدمي أمانات الضبط في‬
‫الجزائر ‪،‬أننا وجدنا املواقع الرسمية للجزائر محجوبة في املغرب‪ ،‬وهو ش يء يحز في النفس وفعل غير‬
‫مبرر ‪،‬ويطرح أكثر من سؤال حول الغاية من هذا الحجب وأهدافه ؟ وقد حاولنا االجتهاد قدر‬
‫املستطاع من خالل الوصول إلى معلومات متفرقة في مواقع مختلفة ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬املدرسة الوطنية ملستخدمي أمانات الضبط‬


‫بالجزائر‪E.N.P.G‬‬
‫‪-1‬الطبيعة القانونية‪:‬‬
‫املدرسة الوطنية ملستخدمي امانات الضبط هي مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تتمتع‬
‫بالشخصية املعنوية و االستقالل املالي وهي موضوعة تحت وصاية وزير العدل‪ ،‬حافظ األختام‪،‬‬
‫مقرها مدينة الجزائر‪.1‬‬
‫‪-2‬النشأة‪:‬‬
‫أنشأت املدرسة الوطنية ملستخدمي امانات الضبط بموجب املرسوم التنفيذي رقم ‪-91‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ 184‬املؤرخ في ‪ 18‬ذي القعدة عام ‪ 1411‬املوافق أول يونيو سنة ‪. 1991‬‬
‫واملدرسة منظمة حاليا بموجب املرسوم التنفيذي رقم ‪ 240-11‬املؤرخ في ‪ 10‬جويلية ‪2011‬‬
‫‪3‬‬
‫املتضمن إعادة تنظيمها و سيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬املقر‪:‬‬
‫يقع مقر املدرسة بالجزائر العاصمة‪ ،‬االختصاص اإلقليمي لبلدية الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪ -4‬تنظيم و تسيير املدرسة‪:‬‬
‫‪ - 1‬موقع وزارة العدل الجزائرية ‪:‬‬
‫‪https://enpg.mjustice.dz/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81-‬‬
‫‪%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%‬‬
‫‪84%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9‬‬
‫‪ - 2‬الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ‪/‬العدد ‪30، 73‬ذو الحجة عام ‪ 1429‬ه موافق ‪ 28‬ديسمبر ‪2008‬م‬
‫‪ - 3‬أنظر المرسوم التنفيذي رقم ‪ 240-11‬المؤرخ في ‪ 10‬جويليه ‪. 2011‬‬

‫الصفحة ‪155 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫يسير املدرسة مجلس إدارة و يديرها مدير‪ ،‬و هي مزودة بمجلس بيداغوجي و علمي‪.‬‬
‫‪ -5‬هياكل املدرسة‪:‬‬
‫تضم املدرسة الوطنية ملستخدمي امانات الضبط الهياكل اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬األمانة العامة‪.‬‬
‫‪ -‬املديرية الفرعية للتكوين املتخصص‪.‬‬
‫‪ -‬املديرية الفرعية للتكوين املستمر و تجديد املعارف‪.‬‬
‫‪ -‬املديرية الفرعية للتربصات‪.‬‬
‫‪ -‬ملحقات‪.‬‬
‫‪-5‬املهام‪:‬‬
‫تتولى املدرسة مهام تكوين مستخدمي أمانات الضبط للجهات القضائية بالجزائر‪ ،‬وتتكلف‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬على الخصوص بما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬ضمان التكوين املتخصص لفائدة املتربصين املنتمين لألسالك الخاصة بمستخدمي‬
‫أمانات الضبط‪،‬‬
‫‪ -‬ضمان التكوين الذي يسبق شغل املنصب و التكوين الذي يسبق الترقية و التكوين‬
‫التخصص ي‪،‬‬
‫‪ -‬تنظيم نشاطات تحسين املستوى و تجديد املعارف‪،‬‬
‫‪ -‬تنظيم االمتحانات و املسابقات‪،‬‬
‫‪ -‬تنظيم املحاضرات و امللتقيات و األيام الدراسية ذات الصلة بمهامها‪،‬‬
‫‪ -‬إعداد البحوث و الدراسات ذات الصلة بمهامها و ضمان نشرها‪،‬‬
‫‪ -‬إقامة عالقات التعاون و التبادل مع املؤسسات املماثلة الوطنية و األجنبية‪.‬‬
‫ويمكن للمدرسة‪ ،‬زيادة عن ذلك‪ ،‬تنظيم محاضرات ولقاءات وأيام دراسية ودورات تكوينية‬
‫لفائدة قطاعات أخرى وفقا للكيفيات املحددة بموجب اتفاقيات‪.1‬‬

‫‪ - 1‬نفس المرجع ‪،‬وزارة العدل الجزائرية ‪،‬الموقع الرسمي ‪.‬‬

‫الصفحة ‪156 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا ‪E.N.G‬‬


‫الهيكلة والتكوين واألدداف‬
‫تأسست هذه املدرسة بموجب مرسوم في ‪ 29‬ابريل لسنة ‪ 1974‬بمدينة ديجون الفرنسية‪،‬‬
‫عرفت توسعة في مساحتها على عدة مراحل بدءا من شهر غشت ‪ 1979‬إلى أكتوبر ‪ 1981‬ثم املرحلة‬
‫الثانية من يناير ‪ 2006‬إلى يوليوز ‪ 2007‬لتنتقل املساحة اإلجمالية من ‪ 11.400‬متر مربع إلى ‪25.516‬‬
‫متر مربع بحمولة تتسع ‪ 374‬متدرب‪ ،‬و‪ 300‬مقعد في املطعم وحضانة أطفال ‪ ،‬تعاقب على تسيريها‬
‫‪1‬‬
‫‪ 10‬مدراء منذ ‪ 1974‬إلى اليوم‬
‫‪ -1‬هيكلة املدرسة ومرافقها اللوجستية ‪:‬‬
‫تتكون املدرسة في هيكلها من األمانة العامة للمدرسة الوطنية للكتبة يرأسها أمين عام‬
‫يساعده نائب‪.‬‬
‫وتتمثل مهمتها في برمجة وتنظيم وإعداد ومراقبة الخدمات الالزمة لتشغيل املدرسة من‬
‫حيث الخدمات اللوجستية‪.‬‬
‫وتتكون األمانة العامة من ‪ 60‬موظفا مقسمين إلى ثمانية مستويات‪.‬‬
‫وتتألف األمانة العامة من‪:‬‬
‫‪ ‬قسم مسؤول عن التنظيم اإلداري للموظفين ‪،‬‬
‫‪ ‬قسم مسؤول عن التنظيم اإلداري للمتدربين ‪،‬‬
‫‪ ‬إدارة مسؤولة عن جرد األموال املنقولة‪.‬‬
‫قسم الداخلية واملشتريات مسؤول عن الخدمات اللوجستية واملشتريات في املدرسة‪:‬‬
‫وتتعلق أقطاب االختصاص هذه بما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬الدعم الفني واللوجستي ‪،‬‬
‫‪ ‬االستقبال‪،‬‬
‫‪ ‬نقل‬
‫‪ ‬االستنساخ أو النسخ ‪.‬‬

‫‪ - 1‬موقع المدرسة الوطنية لكتابة الضبط بديجون‪ ،‬الموقع االلكتروني‪:‬‬


‫‪Ministère de la Justice - Ecole nationale greffes‬‬

‫الصفحة ‪157 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ويتضمن قسم تكنولوجيا املعلومات تشغيل شبكة الكمبيوتر الخاصة باملدرسة‪.‬‬


‫كما يتضمن نظام املعلوميات‪:‬‬
‫‪ 1758 ‬نقطة وصول إلى شبكة الحرم الجامعي ‪،‬‬
‫‪ ‬حوالي ألف جهاز كمبيوتر وأجهزة لوحية مختلفة ‪،‬‬
‫‪ ‬جهازان لعقد املؤتمرات عبر الفيديو ‪،‬‬
‫‪ ‬أدوات للتعويض عن ضعف البصر ‪،‬‬
‫‪ ‬تطبيقات خاصة باإلدارة اإلدارية والتربوية للمتعلمين‪.‬‬
‫ويتم تقسيم اإلدارة املالية إلى ثالثة أقطاب‪:‬‬
‫‪ ‬شعبة األجور والبدالت (أجور املوظفين واملتدربين في التدريب األولي)‪،‬‬
‫‪ ‬قطب امليزانية (التنبؤ وتنفيذ نفقات التشغيل) ‪،‬‬
‫‪ ‬شعبة إدارية (سداد نفقات السفر)‪.‬‬
‫وإلى جانب ذلك‪ ،‬فإن املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا تقدم خدمات خاصة من‬
‫قبيل ‪:‬‬
‫‪ -‬الحضانة تتسع ل ‪ 15‬طفال تتراوح أعمارهم بين ‪ 10‬أسابيع و ‪ 4‬سنوات‪.1‬‬
‫‪ -‬توفير الولوجيات لذوي االحتياجات الخاصة‬
‫‪ -2‬اهداف املدرسة ‪:‬‬
‫تتمثل مهمة املدرسة الوطنية لكتابة الضبط في تنفيذ السياسة الوطنية بشأن التدريب‬
‫املنهي للموظفين القضائيين‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن املدرسة الوطنية لكتابة الضبط تعتبر مسؤولة عن‪:‬‬
‫‪-‬التدريب األولي ملديري دوائر التسجيل وكتاب الضبط املكلفين بالخدمات القضائية؛‬
‫‪-‬القيام بأعمال التدريب املستمر لفائدة موظفي الخدمات القضائية؛‬
‫‪ -‬القيام بأنشطة تدريبية ملديري دوائر التسجيل وكتاب الضبط الذين قد يطلب منهم‬
‫التدريب ‪ ،‬ال سيما في حالة تغيير املهمة ؛‬
‫‪ -‬القيام بأنشطة التدريب املستمر لصالح باقي املسؤولين واملراجعين املنتمين ملهن حرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬األمانة العامة للمدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا مهامها وهيكلتها ‪،‬الصفحة على األنترنيت ‪:‬‬
‫‪http://www.eng.justice.fr/index.php?rubrique=204&ssrubrique=11818‬‬

‫الصفحة ‪158 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وتشارك املدرسة في وضع وتنفيذ الدورتين األولى و الثانية من التكوين القانوني لألمناء‬
‫اإلداريين واملساعدين اإلداريين واملساعدين التقنيين التي تنظمها األمانة العامة لوزارة العدل‬
‫والحريات‪ ،‬عمال باملرسوم املؤرخ ‪ 22‬كانون األول‪/‬ديسمبر ‪.2009‬‬
‫وكجزء من مهامها ‪ ،‬تقوم املدرسة الوطنية بأعمال بحثية ويمكنها تقديم الدعم التربوي‬
‫والخبرة للمحاكم‪.‬‬
‫وفي إطار خطة تكافؤ الفرص‪ ،‬تنظم املدرسة الوطنية للتسجيل دروسا تحضيرية إلعداد‬
‫الخريجين الشباب للمسابقات الخارجية للموظفين القضائيين‪ ،‬كما توفر بعثات للتدريب والتعاون‬
‫الفني وقد تقترح على مدير الخدمات القضائية اتفاقيات مع مؤسسات أو منظمات تعليمية أو‬
‫‪1‬‬
‫بحثية فرنسية أو أجنبية أخرى‪.‬‬
‫‪-3‬التكوين املستمر ‪:‬‬
‫توفر املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا التدريب أثناء الخدمة لجميع موظفي‬
‫املحاكم القضائية الفرنسية‪.‬‬
‫ويتمتع املحاضرون من جميع املناطق‪ ،‬بما في ذلك اإلدارات واألقاليم الخارجية‪ ،‬الذين‬
‫تستضيفهم ديجون في مؤسسة تابعة لوزارة العدل‪ ،‬بظروف مثالية للتدريب‪ ،‬حيث تضع تحت‬
‫تصرفهم فصول دراسية حديثة تتكيف مع التقنيات الجديدة‪ ،‬وحرية الوصول إلى محطات‬
‫الوسائط املتعددة ومركز املوارد الوثائقية‪ ،‬وأثناء تدريبهم ‪ ،‬يستفيدون من اإلقامة املجانية في‬
‫املدرسة واإلطعام املجاني ‪.‬‬
‫ويستهدف برنامجها السنوي‪ ،‬الذي تثريه اإلصالحات القانونية والتغييرات في أساليب العمل‬
‫ونشر التكنولوجيات الجديدة‪ ،‬جمهورا واسعا‪ ،‬كمكان للتعلم وتحسين املمارسات املهنية في مهن‬
‫التسجيل ‪ ،‬حيث تستقبل املدرسة كل عام أكثر من ‪ 1500‬متدرب بمناسبة دورات التكوين املستمر‬
‫التي يتم تنظيمها في املقرات التابعة لها‪.‬‬

‫‪ -4‬توجهات التكوين املستمر للمدرسة الوطنية لكتابة الضبط ‪:‬‬

‫‪ - 1‬قرار مؤرخ في ‪ 17‬ابريل ‪ 2022‬يحدد تنظيم ومهام المدرسة الوطنية لكتابة الضبط ‪،‬الموقع على األنترنيت‪:‬‬
‫‪Arrêté du 17 avril 2012 fixant l'organisation et les missions de l'Ecole nationale des greffes -‬‬
‫‪Légifrance (legifrance.gouv.fr).‬‬

‫الصفحة ‪159 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫يتم تحديدها سنويا من طرف املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بالتشاور مع مديرية‬
‫الخدمات القضائية التابعة للمستشارية ووفقا ألولويات اإلدارة املحددة في وثيقة توجيه التدريب‬
‫املتعددة السنوات وترتبط باالحتياجات التدريبية املحددة بين موظفي املحكمة ‪ ،‬وهي تشكل بنية‬
‫برنامج التكوين املستمر الذي اقترحه قسم األنشطة التربوية باملدرسة‪.‬‬

‫وتهدف جميع الدورات التدريبية املقدمة إلى تحسين نوعية الخدمة العامة من خالل تعزيز‬
‫املهارات التقنية ملوظفي كتابة الضبط باملحاكم‪.1‬‬

‫‪ -1‬نبذة عن التكوين المستمر في المدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا ‪،‬الصفحة على األنترنيت‬
‫‪Ministère de la Justice - Ecole nationale greffes‬‬

‫الصفحة ‪160 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬خاتمة ‪:‬‬
‫ال يسعنا في الختام إال القول أننا في املغرب ال زالنا متأخرين في مأسسة تكوين كتاب‬
‫الضبط بشكل أكثر تنظيما وتخصصا ‪ ،‬على غرار بعض الدول كفرنسا التي تأسست فيها املدرسة‬
‫الوطنية لكتابة الضبط سنة ‪ 1974‬بينما ظلت الفكرة في املغرب تراوح مكانها منذ انطالق جوالت‬
‫الحوار الوطني حول إصالح منظومة العدالة سنة ‪، 2011‬لهذا فوزارة العدل مدعوة اليوم لتنزيل‬
‫وإخراج املدرسة الوطنية لكتابة الضبط كمؤسسة تكوينية مستقلة ال غنى عنها في سبيل تطوير‬
‫كتابة الضبط املغربية التي تبقى املدخل األساس ي لتحقيق حكامة املرفق القضائي وترسيخ بنيان‬
‫العدالة وتقديم خدمة تليق باملرتفق وباقي املتداخلين في املنظومة القضائية ‪،‬وإلى ذلك نقترح ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬العمل على إحياء النقاش مجددا حول املدرسة الوطنية لكتابة الضبط لتلقي‬
‫االقتراحات من مختلف الفاعلين بهيئة كتابة الضبط ومن نخبها املنتجة لألفكار ‪،‬تمهيدا إلخراجها‬
‫لحيز الوجود في أقرب وقت ؛‬
‫‪ -2‬الرفع من مدة التكوين األساس ي الذي يجب أال يقل عن سنتين للمنتدب القضائي‬
‫بحكم املستجدات القانونية التي أوجدها املشرع في قانون التنظيم القضائي الجديد رقم ‪ 38.15‬بما‬
‫فيها إحداث رؤساء أقسام ورؤساء املصالح ‪،‬وسنة ونصف للمحرر القضائي ‪ ،‬وسنة واحدة لكاتب‬
‫الضبط و تتوج بشهادة نهاية التخرج ؛‬
‫‪ -3‬إحداث تعويضات مادية عن التكوين املحلي والجهوي املستمر‪ ،‬الذي يكون خارج‬
‫دائرة املحاكم االبتدائية أو االستئنافية ؛‬
‫‪ -4‬إدراج الذكاء االصطناعي ضمن مواد التدريس وكذا ضمن اليات التواصل والعمل‬
‫داخل اإلدارة القضائية (التوجيه ‪ ،‬االستقبال ‪)...‬؛‬
‫‪ -5‬ترسيخ اعراف املهنة من خالل استقبال األطر الجديدة واملتخرجة ‪.‬‬

‫الصفحة ‪161 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬املراجع املعتمدة ‪:‬‬


‫‪ -‬القوانين والقرارات ‪:‬‬
‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.02.240‬املتعلق بتنفيذ القانون رقم ‪ 09.01‬الصادر في ‪ 3‬أكتوبر‬
‫‪2002‬‬
‫‪-‬القانون التنظيمي رقم ‪ 100.13‬املتعلق باملجلس األعلى للسلطة القضائية‬
‫‪-‬القانون التنظيمي رقم ‪106.13‬املتعلق بالنظام األساس ي للقضاة‬
‫‪-‬قانون ‪ 38.15‬املتعلق بالتنظيم القضائي املغربي‬
‫‪-‬قرار املحكمة الدستورية رقم ‪ 014/19‬عدد ‪ 89/19‬م‪.‬د ‪،‬الصفحة على األنترنيت‬
‫| ‪Cour Constitutionnelle‬املحكمة الدستورية)‪(cour-constitutionnelle.ma‬‬
‫‪-‬النظام األساس ي ملوظفي هيئة كتابة الضبط‬
‫‪-‬مشروع املدونة الرقمية رقم ‪67.13‬‬
‫‪-‬الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ‪/‬العدد ‪30، 73‬ذو الحجة عام ‪ 1429‬ه موافق ‪28‬‬
‫ديسمبر ‪2008‬م‬
‫‪-‬املرسوم التنفيذي رقم ‪ 240-11‬املؤرخ في ‪ 10‬جويليه ‪. 2011‬‬
‫‪ -‬املواقع االلكترونية الرسمية واملقاالت اإلخبارية ‪:‬‬
‫‪-‬بوابة وزارة العدل املغربية ‪،‬املوقع على األنترنيت‬
‫املصادقة اليوم باملجلس الحكومي على مشروع قانون ‪ 37.22‬املتعلق باملعهد العالي للقضاء‬
‫‪- Ministère de la Justice‬‬
‫‪-‬املعهد العالي للقضاء ‪،‬تكوين كتاب الضبط عنوان الصفحة على األنترنيت ‪:‬‬
‫‪ism.ma/basic/web/index.php?r=entry/greffiers‬‬

‫‪ -‬موقع املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بديجون بفرنسا‪ ،‬املوقع االلكتروني ‪Ministère de‬‬
‫‪la Justice - Ecole nationale greffes‬‬
‫‪ -‬األمانة العامة للمدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا مهامها وهيكلتها ‪،‬الصفحة على‬
‫األنترنيت ‪http://www.eng.justice.fr/index.php?rubrique=204&ssrubrique=11818‬‬

‫الصفحة ‪162 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬قرار مؤرخ في ‪ 17‬ابريل ‪ 2022‬يحدد تنظيم ومهام املدرسة الوطنية لكتابة الضبط ‪،‬املوقع‬
‫على األنترنيت ‪Arrêté du 17 avril 2012 fixant l'organisation et les missions de l'Ecole‬‬
‫)‪nationale des greffes - Légifrance (legifrance.gouv.fr‬‬
‫‪ -‬التكوين املستمر في املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا ‪،‬الصفحة على األنترنيت‬
‫‪Ministère de la Justice - Ecole nationale greffes‬‬
‫‪ -‬موقع وزارة العدل الجزائرية ‪:‬‬
‫‪https://enpg.mjustice.dz/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%‬‬
‫‪D9%8A%D9%81-‬‬
‫‪%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9/%D8%A‬‬
‫‪7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9‬‬
‫‪-‬مقالة على وكالة املغرب العربي لألنباء بعنوان " تنزيل ميثاق إصالح منظومة العدالة‬
‫من أولويات أوراش التحديث املؤسس ي والتنموي"‬
‫‪-‬مقالة على هيسبريس بعنوان "وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة كتابة‬
‫الضبط " عنوان املقال على االنترنيت ‪:‬‬
‫وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة الضبط)‪(hespress.com‬‬
‫‪-‬مقال على موقع زنقة‪ 20‬بتاريخ ‪ 15‬مارس‪ 2022‬بعنوان "شروط جديدة لاللتحاق باملحاماة‬
‫‪،‬شهادة املاستر ومعهد للتكوين مقره بمدينة سال (وثيقة)‪.‬‬
‫‪ -‬املقاالت القانونية ‪:‬‬
‫‪ -‬ذ‪.‬رشيد صدوق محام عام بمحكمة النقض "اإلدارة القضائية ومبدأ استقالل القضاء في‬
‫املغرب " ‪.‬‬
‫‪ -‬ذ‪.‬عبدهللا عصفوري ‪،‬منتدب قضائي ‪،‬باحث في القانون العام "اإلدارة القضائية بين‬
‫التبعية واإلشراف ومبدأ فصل السلط "‬
‫‪ -‬املعاجم ‪:‬‬
‫‪-‬معجم اللغة العربية املعاصر املؤلف أحمد مختار عمر ‪،‬عالم الكتب القاهرة سنة‬
‫النشر‪2008‬‬
‫‪-‬معنى التكوين في املعاجم العربية واألنطولوجيا ‪،‬الصفحة على األنترنيت ‪:‬‬

‫الصفحة ‪163 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪https://ontology.birzeit.edu/term/%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%8A%D9‬‬
‫‪%86‬‬
‫‪ -‬منظمات دولية ‪:‬‬
‫‪ -‬منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ‪ (OECD):‬املوقع االلكتروني للمنظمة‪:‬‬
‫‪https://www.oecd.org/fr/apropos‬‬

‫الصفحة ‪164 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫السياسة الجنائية وسؤال االنتقال من الفهم التقليدي‬


‫إلى محاولة التأصيل العلمي‬
‫عبد هللا آيت الطالب‬
‫دكتور في الحقوق‬

‫تعد مسألة تنظيم املجتمعات من املسائل األكثر استقطابا الهتمام الدولة حيث عملت‬
‫هذه األخيرة منذ نشأتها على البحث عن أنجع السبل لتنظيم حياة أفرادها سواء من الناحية‬
‫السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية‪ ،‬واتباع سياسة جنائية محددة تستطيع من خاللها حماية‬
‫املجتمع من اإلجرام من جهة‪ ،‬وبسط سلطتها عليه من جهة أخرى‪ ،‬وذلك بوضع نصوص قانونية‬
‫تتسم باملوضوعية تحدد لهؤالء السلوكيات املحظورة التي يجب االبتعاد عنها‪ ،‬وفي حالة مخالفتها‬
‫تقوم الدولة بتوقيع العقاب على مرتكبيها‪.‬‬
‫بيد أن السياسة الجنائية في بداية نشأتها كانت تهدف إلى تبيان جوانب النقص والقصور في‬
‫الوسائل واألنظمة املتبعة في مجتمع ما من أجل التصدي ومكافحة السلوك االنحرافي والجرمي‪ ،‬ثم‬
‫تطور مفهومها تدريجيا بعد استلهام التفسير العلمي لفهم الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬فأصبحت تعنى‬
‫بالتوجه العلمي للتشريعات الجنائية في ضوء دراسة شخصية املجرم‪ ،‬وفي مرحلة الحقة تطور‬
‫املفهوم تبعا لتطور علم اإلجرام ومدارسه وباقي علوم الجريمة لتؤسس ملفهوم حديث يقوم على أن‬
‫السياسة الجنائية تروم التنظيم العقالني واالستراتيجي لرد الفعل االجتماعي ضد االنحراف‬
‫والجريمة في مجتمع ما وفي زمن معين‪.‬‬
‫وألن التطرق ملفهوم السياسة الجنائية يضعنا رأسا ألول وهلة أمام إشكالية التعريف‪ ،‬ذلك‬
‫أن الفقه تباينت مواقفه كثيرا عند محاولة إيراد تعريف للسياسة الجنائية من الناحية النظرية‬
‫باختالف املشارب املعرفية والعلمية‪ ،‬وكذلك نتيجة التطورات والتحوالت التي عرفتها الظاهرة‬
‫اإلجرامية‪ ،1‬حيث عكست التعاريف األحوال التي كانت سائدة في حقبة زمنية معينة ووسائل التعامل‬

‫‪1-MARC‬‬ ‫‪Ancel, La réforme pénale et dépénalisation chronique de défense social,‬‬


‫‪(R.S.C.D.C), n° 1983, p 145.‬‬

‫الصفحة ‪165 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫مع السلوك اإلجرامي‪ ،‬وكلما تطورت األوضاع االجتماعية والسياسية واألمنية إال ونضجت املناهج‬
‫الفكرية والعلمية وأدى ذلك إلى التأثير على مفهوم السياسة الجنائية وأولوياتها‪ ،‬وبالتالي تغيرها‬
‫لتتماش ى مع الوضع الجديد الذي أصبح سائدا‪.‬‬
‫ويبدو أن مفهوم السياسة الجنائية يتقاطبه مفهومين أساسيين ارتبط كل منهما بمقومات‬
‫وأسس فكرية وفلسفية متميزة‪ ،‬حاول الفقه تصنيفها إلى مفهوم كالسيكي للسياسة الجنائية‬
‫(املطلب األول)‪ ،‬ومفهوم حديث علمي لهذه األخيرة (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املفهوم الكالسيكي للسياسة الجنائية‬


‫إن مدلول السياسة الجنائية التقليدية أو املعاصرة ليس بذلك الوضوح والدقة التي‬
‫تجعالن الباحث واملهتم يدرك تباين أبعاده ونطاقه‪ ،‬ومكمن صعوبة وضع مفهوم موحد ومتفق عليه‬
‫للسياسة الجنائية يرجع باألساس إلى تطور واختالف األدوات والوسائل واملعلومات التي تمثل رد‬
‫فعل مجتمع معين في زمن معين حيال الجريمة‪ ،‬بين املفهوم التقليدي الذي يرى أن تقتصر تلك‬
‫الجهود على مكافحة الجريمة والتصدي لها مباشرة‪ ،‬والفكر املعاصر الذي بلور أفكاره على ضوء‬
‫نظريات العلوم الجنائية كعلم اإلجرام وعلم النفس االجتماعي وباقي علوم الجريمة بغية الوقاية من‬
‫الجريمة والتصدي ملرتكبيها‪ ،‬وتوقيع الجزاء الزجري املالئم عليهم ومعاملتهم بقصد إعادتهم إلى‬
‫حظيرة املجتمع من جديد‪.‬‬
‫وألن دراسة أي موضوع ال يكتمل إال ببيان مفاهيمه ومصطلحاته من أجل اإلحاطة‬
‫بمدلوالته والوصول إلى غاياته‪ ،‬لذلك ينبغي أن نقف عند املعنى اللغوي للسياسة الجنائية في فقرة‬
‫أولى‪ ،‬وبعده نتطرق للتعريف االصطالحي في الفقرة الثانية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التعريف اللغوي للسياسة الجنائية‬


‫السياسة مصدر معناه استصالح الخلق بإرشادهم إلى الطريق القويم في العاجل أو اآلجل‬
‫من أحوالهم‪ ،‬وتأتي في معنى يفيد الحكم وضبط شؤون الدولة الداخلية والخارجية‪ ،1‬وأصل‬

‫‪ -1‬ساس سياسة الدواب‪ ،‬قام عليها ورضاها‪ ،‬والقوم‪ :‬دبرهم وتولى أمرهم‪ ،‬وسوس الطعام‪ ،‬وقع فيه السوس‪ ،‬انظر في مرادفات‬
‫السياسة المنجد األبجدي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،1967 ،‬ص ‪.572 – 531‬‬

‫الصفحة ‪166 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املصطلح في اللغة من ساس يسوس سياسة أي الرجل الدابة قام عليها وراضها وساس الوالي الرعية‬
‫أي دربها وأحسن النظر إليها‪.‬‬
‫وسوس الجمع فالنا‪ ،‬أي ملكوه أمرهم وجعلوه يسوسهم‪ ،‬وسوس له أمرا زينه له‪،‬‬
‫والوسواس داء يصيب الخيل في أعناقها لييبسها‪.1‬‬
‫والرياسة عند الفقهاء املسلمين من قول بعضهم سوسه القوم إن جعلوه يسوسهم أي‬
‫ملكوه أمرهم وساس الرعية سياسة إذا أومر عليهم وفي الحديث النبوي الشريف في صحيح البخاري‬
‫ورد أنه كانت بنو إسرائيل تسوسهم األنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي‪.2‬‬
‫أما الجنائية في اللغة كمرادف للسياسة فهي مشتقة من الجناية‪ ،‬والجناية والجريمة‬
‫لفظتان مترادفتان يحل إحداهما مكان األخرى في لغة أهل العرب ويقصد بها الذنب يقال جنى‬
‫الذنب جناية أي أترفه وارتكبه‪ ،‬والجناية مصدر مأخوذ من الفعل جنى‪.‬‬
‫والجناية لغة اسم ملا يجنيه اإلنسان من شر وما اكتسبه‪ ،‬تسمية باملصدر من جنى عليه‬
‫شرا‪ ،‬وهو عام في اللفظ إال أنه خص بما يحرم دون غيره‪.3‬‬
‫ووردت في األثر بمعنى الترويض والتدليل وهو ما يقوم به السائس للدواب واألنعام من‬
‫ترويض لها وتدليل‪ ،‬وتفيد كذلك معنى القيام على الش يء بما يقوم اعوجاجه أو يصلحه‪.4‬‬
‫والجناية بالكسر مصدر وهي الذنب والخطيئة والزلة‪ ،‬وعند الحكام الذنب العظيم الذي‬
‫يجر العقوبة الجنائية على مقترفه‪ ،‬فيقال عنده جنى جناية (جني) أي اقترف ذنبا أو خطيئة‪ ،‬ومنها‬
‫جنيا وجنى الثمار أي تناولها من الشجر‪ ،‬وقيل جنى على نفسه‪ ،‬وجنى على قومه وعشيرته وجنى‬
‫الذنب على فالن أو فالنة أي يجره إليه‪ ،‬والثمرة ونحوها جنى‪ ،‬وجنيا أي تناولها من منبتها‪ ،‬ويقال‬
‫جنى الثمار لفالن وجنى الثمرة فالنا‪ ،‬وجاني عليه بمعنى ادعى عليه جناية لم يقترفها‪ ،‬وتجنى عليه أي‬
‫جانى عليه ويقال تجني عليه جناية‪ ،‬أما الجنائي فهو املختص بالجناية‪. 5‬‬

‫‪ -1‬أبو عبد الرحمن محمد بن عبد هللا قاسم‪ ،‬معجم الطالب‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت ‪ ،1995‬ص ‪.473‬‬
‫‪ -2‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب ما ذكر عن بني إسرائيل‪ ،‬ج ‪ ،3‬ط‪ ،3‬دار ابن كثير اليمامة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ ،1987 / 1401‬ص ‪.1273‬‬
‫‪ -3‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي‪ ،‬ج‪ ،1‬الطبعة الثانية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪2018 ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ -4‬لسان العرب ابن منظور‪ ،‬ج ‪ ،62‬ص ‪ ،)431-425( 394-392‬ط‪ ،1‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ 1988 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪394-392‬؛ ‪.431-425‬‬
‫‪ -5‬المنجد األبجدي‪ ،‬نقس المصدر‪ ،‬ص ‪.336‬‬

‫الصفحة ‪167 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ولفظ السياسة الجنائية لغة من ساس يسوس سياسة شرعية‪ ،‬وقد ورد هذا اللفظ في‬
‫اللغة بمعان كثيرة كما سبق أن قلنا‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التعريف االصطالحي والفقهي للسياسة الجنائية‬


‫يعود أصل العبارة إلى الفقيه األملاني فيورباخ‪ ،‬الذي نسبت إليه تسمية السياسة الجنائية‬
‫ألول مرة في كتابه القانون الجنائي الصادر سنة ‪ 1803‬حيث أطلقها على مجموعة الوسائل القمعية‬
‫(أي الجزائية) التي تواجه بها الدولة الجريمة‪ ،1‬وبتعبير أدق عرفها على أنها الخطوط العامة التي‬
‫تحدد اتجاه املشرع الجنائي والسلطات القائمة على تطبيق التشريع وتنفيذه من أجل تحقيق الدفاع‬
‫االجتماعي‪.2‬‬
‫كما عرفها األملاني كالينشود ‪ kleinchrod‬بأنها فن تشريعي يحدد الوسائل التي يبحث عنها‬
‫املشرع في سبيل منع الجرائم وحماية حقوق املواطنين‪ ،‬وذلك وفقا ألوضاع كل دولة؛ وبعده حاول‬
‫الفقيه فون ليست ‪ Vonlizt‬تحديد املفهوم التقليدي للسياسة الجنائية على أنها مجموعة منظمة‬
‫من املبادئ التي تعتمدها الدولة لتنظيم عملية محاربة الجريمة‪ ،‬أو هي استعمال القانون الجنائي في‬
‫سبيل مقاومة فاعلة للجريمة‪ ،3‬مضيفا للمفهوم األول كون التصدي للجريمة يتم باالستناد إلى‬

‫‪ -1‬عثمانية لخميستي‪ ،‬عولمة التجريم والعقاب‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،2006 ،‬ص ‪.129‬‬
‫‪ -2‬كثيرا ما نجد مصطلح السياسة الجنائية في ترجمته الفرنسية بتسمية ‪ politique criminelle‬أو ‪politique pénale‬‬
‫يفيدان نفس المعنى خاصة في تصور الفقيه ‪ ،Feurbach‬ولكن ذهب ‪ Queloz Nicolas‬الباحث في القانون الجنائي إلى‬
‫التساؤل حول ما إذا كان المفهومين مختلفين بقوله‪:‬‬
‫‪Les concepts de politique criminelle et de la politique pénale sont-ils déférents‬‬
‫فاستخلص ما يلي‪:‬‬
‫‪-quand la politique Pénale n’est qu’un sous-ensemble de la politique criminelle,‬‬
‫‪avrai dire quand a la politique pénale, comme l’un seulement des types d’action‬‬
‫‪de politique criminelle, elle vise à élaborer les incriminations (définition des‬‬
‫‪infractions) et les sanctions qui s’ensuivent et qui s’individualisent dans les‬‬
‫‪sentences prononcées par la justice pénale ».‬‬
‫‪Voir‬‬ ‫‪NICOLAS.‬‬ ‫‪Queloz,‬‬ ‫‪Dictionnaire‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪criminologie‬‬ ‫‪en‬‬ ‫‪ligne,‬‬
‫‪www.criminologie.com, p 1.‬‬
‫‪-‬تاريخ االطالع ‪ 2021/1/12‬على الساعة ‪13h :20.‬‬
‫‪3-JAQUELINE. Bernat de Célis, La politique criminelle a la recherche d’elle-même,‬‬

‫‪in archives de politique criminelle N°2, 1977, P 3-60.‬‬


‫‪Aussi : EL Aoufir CHAkIB, La politique criminelle français (1975-1981) discours‬‬
‫‪et pratique, thèse de doctorat université de bordeaux 1, faculté de droit et des‬‬
‫‪sciences sociales et politiques, 1983, p 12.‬‬

‫الصفحة ‪168 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫البحث العلمي حول أسبابها فيكون بذلك قد جمع بين العلم الجنائي وسياسة الدولة في محاربة‬
‫الجريمة‪ ،‬أي بين العلم وفن السياسة‪ ،‬إال أن هذا التعريف يؤخذ عنه أنه بقي مرتكزا على قانون‬
‫الجزاء كوسيلة ملواجهة الجريمة والتصدي لها‪.1‬‬
‫ويتفق هذا التحديد مع تعريف الفقيه األملاني ميتسجر للسياسة الجنائية بأنها رد فعل‬
‫الدولة ضد الجريمة بواسطة قانون العقوبات‪ ،‬وفي نفس املعنى عرفها الفقيه دوفابر ‪Donnedieu‬‬
‫‪ De Vabres‬بأنها السياسة التي تحدد رد الفعل العقابي والجزائي وبتعبير آخر أنها ليست إال قانون‬
‫العقوبات في حالة الحركة‪.2‬‬
‫تباينت مواقف الفقه إذن في تحديد تعريف للسياسة الجنائية من الناحية النظرية‬
‫التقليدية‪ ،‬حيث ينطلق جانب منهم من املنظور الذي يعتبر أنها سياسة حمائية للحقوق وذلك‬
‫بقولهم "إن السياسة الجنائية هي مجموع الوسائل التي تحددها الدولة للمعاقبة على الجريمة"‪،‬‬
‫وهو الرأي الذي عارضه جانب آخر من منطلق أن الجريمة ظاهرة اجتماعية فإن هناك وسائل‬
‫أخرى غير العقاب وغير الوسائل التي تحددها الدولة في مكافحة الجريمة واالنحراف من قبيل‬
‫األديان السماوية واألخالق ودرجة الوعي املجتمعي‪ ،‬باإلضافة لالعتبارات األخرى‪.3‬‬
‫وتبعا لهذه التعاريف يوحي املفهوم التقليدي للسياسة الجنائية على أنها مازالت تقوم على‬
‫مرتكزات ميتافيزيقية وأفكار تجريدية صرفة تحاكي الواقع دون أن تالمسه‪ ،‬فكانت النظرة إلى‬
‫السياسة الجنائية قاصرة في كونها ال تعدو أن تكون الوسيلة التي يعتمد عليها املشرع الجنائي عند‬
‫صياغة نصوص التجريم والعقاب‪ ،‬أو بصيغة أخرى السياسة الجنائية هي التي تبين املبادئ التي‬
‫يجب السير عليها في تحديد ما يمكن اعتباره جريمة والعقوبات املقررة لها والتدابير املانعة‪ ،‬فهي‬
‫بذلك تعمل على توجيه املشرع في سبيل تطوير التشريع الجنائي‪.4‬‬
‫وال شك أن املفهوم التقليدي للسياسة الجنائية ارتبط ببروز أنظمة سياسية قمعية‬
‫استخدمت كلها التشريع الجزائي كوسيلة لفرض املفاهيم الفكرية اإليديولوجية وتوجيه سياسة‬

‫‪ -1‬مصطفى العوجي‪ ،‬دروس في العلم الجنائي‪ ،‬ج ‪ ،1‬الجريمة والمجتمع مؤسسة نوفل‪ ،‬بيروت ‪ ،1980،‬ص ‪.124‬‬
‫‪2-J.DONNEDIEU. Devabres, La justice pénale d’aujourd’hui, Paris, 1929, p 6.‬‬

‫وقد انتقد هذا الموقف ألنه يركز فقط على فكرة الجزاء المترتب وال يأخذ بعين االعتبار الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬
‫‪ -3‬محمد التغدويني‪ ،‬واقعية السياسة الجنائية المغربية‪ ،‬من منظور التشريع الجنائي المغربي‪ ،‬مجلة طنجيس‪ ،‬ع ‪ ،2009 ،8‬ص‬
‫‪.89-88‬‬
‫‪ -4‬توفيق مصباح‪ ،‬المحطات الكبرى في السياسة الجنائية المغربية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬ماستر المهن‬
‫القانونية والقضائية جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،2016-2015 ،‬ص ‪.14‬‬

‫الصفحة ‪169 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الدولة والقضاء نحو قمع كل معارض لهذه التيارات‪ ،‬فطرح سؤال له حمولته هو هل السياسة‬
‫الجنائية سياسة إيديولوجية لخدمة األنظمة السياسية التسلطية واالستبدادية‪ ،‬وترسيخ‬
‫أيديولوجيتها بوسائل القمع الزجري؟ أم أنها وسيلة ملحاربة ومكافحة الجريمة التي تهدد حقوق‬
‫ومصالح املواطنين ؟‪.1‬‬
‫ونتيجة لذلك نشأ وتقوى في ظل هذه املرحلة املذهب التقليدي أو النظام الكالسيكي‬
‫‪ le système classique‬للقانون الجنائي الذي أخذ في االعتبار الحل القمعي للمشكلة الجنائية‪ ،‬وهذا‬
‫الحل هو في واقع األمر أقدم الحلول وأكثرها استمرارية وشيوعا على كل الحلول األخرى املطروحة‬
‫ملحاربة الظواهر اإلجرامية واالنحرافية‪ ،‬وقد وصف باملذهب التقليدي ألنه ظهر بين سنة ‪1748‬‬
‫تاريخ نشر كتاب مونتسكيو روح القوانين ‪ Esprit des lois‬سنة ‪ 1813‬تاريخ ظهور القانون الجنائي‬
‫البافاري املستمد أساسا من أفكار فورباخ‪ ،Feubach‬ولكن هذا املذهب الزالت فلسفته تنمو‬
‫وتنتشر إلى وقتنا الحاضر‪ ،‬رغم األفكار التي جلبتها املذاهب التقليدية الجديدة املتأخرة‪ ،‬ألن أفكار‬
‫هذا املذهب ليست أفكارا مبعثرة غير ذات قيمة‪ ،‬بل هو فقه تأثرت به التشريعات الجنائية‬
‫املعاصرة‪ ،‬وميزته أنه في الواقع تقليدي ألنه مألوف ولم يحدث على األقل انقالبا عميقا فيما يخص‬
‫حل املشكلة الجنائية‪ ،‬فالحل الذي يقترحه هذا املذهب ملكافحة الجريمة هو كما كان في السابق حل‬
‫قمعي‪.2‬‬
‫وهكذا استمر املفهوم التقليدي للسياسة الجنائية إلى غاية ‪ 1947‬حيث كان االهتمام‬
‫السائد هو البحث في توجهات السياسة الجنائية التشريعية كوسيلة ملواجهة الجريمة بالقوانين‬
‫الجزائية القامعة واملعاقبة‪ ،‬فعانى القانون الجنائي من أزمة حادة في هذه املرحلة إذ أن مفهومه‬
‫التقليدي باعتباره وسيلة تشريعية تحدد سلوك الفرد والجزاءات التي تلحق بمن يخرج على هذا‬
‫السلوك‪ ،‬وليس وسيلة قمع وإخضاع لتيارات سياسية وفكرية تفرضها األنظمة الحاكمة لتسوس‬
‫املواطنين وفقا أليديولوجيتها ولو بقوة الزجر‪.‬‬
‫غير أن مفهوم السياسة الجنائية تطور نسبيا بعد الحرب العاملية الثانية وإن بقي حبيس‬
‫املذهب التقليداني بوصف السياسة الجنائية من حيث الهدف على أنها تطوير القانون الجنائي‬
‫‪1-J.DONNEDIEU.‬‬ ‫‪De Vabres, La crise moderne du droit pénal, la politique‬‬
‫‪criminelle des Etats autoritaire, Paris-Sirey, 1938, p 91.‬‬
‫‪ -2‬محم د الرازقي‪ ،‬علم اإلجرام والسياسة الجنائية‪ ،‬دراسة حول الظاهرة اإلجرامية من حيث أسبابها وطرق القضاء عليها‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫دار الكتاب الجديد المتحدة‪ ،‬بنغازي‪ ،‬ليبيا‪ ،2004 ،‬ص ‪.129-124‬‬

‫الصفحة ‪170 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ملواجهة الجريمة التي تعرض حقوق املواطن ونفسه وسالمته وماله للخطر‪1‬؛ فرغم أن املذاهب‬
‫الكالسيكية في مراحل تطورها حاولت أن تحدد مفهوم السياسة الجنائية من منطلق فهم السلوك‬
‫اإلجرامي وتفسيره‪ ،‬فتسأل األستاذ دونديو دو فابر‪ Donnedieu de Vabres‬هل الجريمة تعتبر خرقا‬
‫للقواعد األخالقية أم استعماال سيئا للحرية يستوجب الجزاء أم حالة مرضية فردية أو جماعية‬
‫يجب عالجها؟ وهل أن القانون الجنائي قانون قمعي أم قانون رضائي؟‪ ،‬بمعنى أنه وسيلة توجيه‬
‫سلوك اإلنسان وفكره وتوافقه االجتماعي‪ ،‬ومن ثم بعد أن بدأت العلوم الجنائية تهتم بدراسة‬
‫الظواهر اإلجرامية والسلوكيات االنحرافية تغير مفهوم السياسة الجنائية إلى أنه فن غايته‬
‫اكتشاف وسائل محاربة الجريمة‪.2‬‬
‫وعموما فإن املفهوم التقليدي الضيق للسياسة الجنائية‪ ،3‬بعدما بدأت املناهج العلمية أو‬
‫الوضعية تطفو على السطح‪ ،‬تأكد أن هذا املنهج الفكري في تعريف السياسة الجنائية تأثر بالفكر‬
‫امليتافيزيقي الذي ظل يقوم على التنظير للسياسة الجنائية على التصور والخيال لشرعية ممارسة‬
‫الدولة لحقها وسلطتها املطلقة على العقاب ‪-‬رغم تأثر سياستها الشرعية الجنائية واملوضوعية‬
‫اإلجرائية‪ -‬وتقوية نفوذ السلطة بواسطة تجريم األفعال واصطناع الجرائم التي يطلق عليها الجرائم‬
‫الشكلية أو االصطناعية‪ ،‬على حساب مصادرة الحقوق والحريات الفردية‪ ،‬وبالتالي يالحظ أنه يقصر‬
‫الهدف من السياسة الجنائية على تحديد الجزاء الجنائي املترتب على ارتكاب الجريمة‪ ،4‬وهو تعريف‬
‫قاصر ال يكفل قيامها بوظيفتها في تطوير القانون الجنائي برمته‪ ،5‬مما أفض ى إلى االنتقال بمفهوم‬
‫وفكرة السياسة الجنائية من املرحلة التقليدية إلى املفهوم العلمي‪.‬‬

‫‪ -1‬مصطفى العوجي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.125-124‬‬


‫وفي نفس السياق عرفها الفقيه ‪ Pinatel‬على أنها مجموعة الوسائل التي تستخدم لمنع الجريمة والعقاب عليها‪.‬‬
‫‪-J. PINATEL, La société criminogène, éd, calman-ley, Paris, 1971, p 11.‬‬
‫‪2-J. DONNEDIEUDe Vabres, Traité de droit criminelle et de législation pénal‬‬

‫‪comparée 3éme éd, édition Sirey,1974 n° 11, p 21.‬‬


‫‪ -3‬فالمفهوم ال ضيق إذا يعتبر السياسة الجنائية أنها هي مجموعة الوسائل والتدابير التي ينبغي على الدولة اتخاذها لزجر الجريمة‬
‫بأكثر قدر من الفعالية‪ ،‬وبذلك كان مفهوم السياسة الجنائية وظل يتأرجح بين التجريم والعقاب من جهة وما يتعلق بالتدابير‬
‫واإلجراءات المسطرية من جهة أخرى‪ ،‬حيث كان األمر يعالج الظاهرة اإلجرامية في المستويين الموضوعي والشكلي انظر‪:‬‬
‫‪-‬مصطفى العوجي‪ ،‬دروس في العلم الجنائي‪ ،‬مؤسسة نوفل للنشر والطباعة بيروت‪ ،1980 ،‬ص ‪.163‬‬
‫‪ -4‬توفيق مصباح‪ ،‬المحطات الكبرى للسياسة الجنائية المغربية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ -5‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬أصول السياسة الجنائية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ‪ ،1972‬ص ‪.14‬‬

‫الصفحة ‪171 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املطلب الثاني‪ :‬املفهوم العلمي للسياسة الجنائيـ ـة‬

‫لقد مر معنا أن تعاريف الفكر الفلسفي التقليدي للسياسة الجنائية تباينت بحسب‬
‫الظروف الحضارية والسياسية واالجتماعية والبيئية‪ ،‬إال أن املسلمات املشتركة بينها ال تنطلق من‬
‫حقائق علمية تجعل من البحث في مفهوم السياسة الجنائية يتجه نحو الشمولية واتساع آفاق‬
‫ومجال مصطلح السياسة الجنائية‪ ،‬بل في املقابل التضييق من مدلولها‪ ،‬وقصره في إنتاج النص‬
‫الجنائي للمنفعة االجتماعية على حساب النظرة املجردة والبعيدة عن شخصية املجرم‪.‬‬
‫لكن واقعية السياسة الجنائية جعلت مفهومها يتطور ويتغير حسب الظروف املختلفة‬
‫واإلمكانات املتوفرة‪ ،1‬ومن هنا تبلورت فكرة السياسة الجنائية أكثر فأكثر ببروز أنصار املفهوم‬
‫العلمي انطالقا من معيار الذاتية في تحديد املفهوم؛ ولعل ما تميز به الفكر العلمي الحديث‪ ،‬أكثر‬
‫من غيره هو محاولة التأسيس للمنهاج التجريبي لفهم وتفسير السلوك اإلجرامي‪ ،‬باعتباره املدخل‬
‫لفهم وتعريف السياسة الجنائية‪ ،‬من خالل طرح تساؤالت ذات أهمية من قبيل ما إذا كانت أبحاث‬
‫وأفكار السياسة الجنائية ترقى إلى مستوى النظريات العلمية أم مجرد أبحاث ودراسات؟ وبصيغة‬
‫أخرى هل السياسة الجنائية علم أم مجرد مهارات فنية؟ وإذا سلمنا بالعلمية ما مدى استقاللية أو‬
‫تبعية علم السياسة الجنائية للعلوم الجنائية األخرى؟‬

‫الفقرة األولى‪ :‬املفهوم الوضعي الحديث للسياسة الجنائية‬


‫أثرت التحوالت التي طرأت على األنظمة السياسة إلى ظهور تعريفات حاول من خاللها فقهاء‬
‫القانون الجنائي وضع وتحديد مفهوم حديث للسياسة الجنائية‪ ،‬حيث عرفها الفقيه مارك‬
‫أنسل‪ Marc Ancel‬بأنها مجموعة املبادئ والتدابير واإلجراءات التي يواجه بها املجتمع ظاهرة‬
‫الجريمة بهدف الوقاية منها ومكافحتها ومعاملة املجرمين‪ ،‬وبصيغة أخرى تهدف في النهاية الوصول‬
‫إلى أفضل صيغة لقواعد القانون وتوجيه كل من املشرع الذي يضع القانون والقاض ي الذي يقوم‬
‫بتطبيقه واإلدارة العقابية املكلفة بتنفيذ ما يقض ي به هذا القاض ي‪.2‬‬

‫‪ -1‬مصطفى العوجي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.145‬‬


‫‪2-‬‬ ‫‪voir: MARC Ancel, La défense social nouvelle, Op.Cit, P 14.‬‬

‫الصفحة ‪172 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫مما جعل مفهوم السياسة الجنائية يتحرك من الدائرة الضيقة ملفهوم التصدي للجريمة‬
‫املباشر إلى مجال أوسع وأرحب تأثرا بأفكار الدفاع االجتماعي‪ ،1‬التي أعطت للسياسة الجنائية‬
‫مدلوال يجمع بين الوقاية من االنحراف والجريمة والتصدي لها عبر التشريعات الجزائية ومعالجة‬
‫املجرمين وتطوير املؤسسات وأجهزة العدالة الجنائية ‪ ،‬بجعلها مواكبة وأكثر فعالية في فهم‬
‫واستيعاب االنتقال من املستوى النظري املجرد واالفتراض ي لسياسة الدولة في التجريم والعقاب إلى‬
‫املستوى العلمي وامليداني البحثي الهادف إلى تحقيق منجزات تساهم في حماية الدولة من االنحراف‬
‫والجريمة‪ ،‬وفي الوقت نفسه تحديد مسؤولية الدولة عن تأهيل وإصالح املجرم وتأهيله اجتماعيا‪،‬‬
‫ليعود لحظيرة الجماعة ساملا معافى‪ ،‬وتحيد العوامل املؤثرة واملساعدة في االنحراف باتخاذ سبل‬
‫الوقاية‪.2‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين أن تأهيل شخص املجرم للحياة االجتماعية يضمن الدفاع االجتماعي‪ ،‬إال أنه‬
‫يجب إطالق بحوث علمية ذاتية للتحقق من مدى فاعلية الجزاءات في تحقيق أغراض الردع العام‬
‫والخاص‪ ،‬كما أن القواعد الجنائية التي نشأ عن هذا البحث‪ ،‬تعتبر بمثابة مبادئ يجب أن ترتكز‬
‫عليها كل سياسة جنائية مستقلة‪ ،‬قد أبدع الفقيه ميرل وفتي ‪ merle,Vitu‬في تصوير ذلك بقولهما‬

‫‪-MARC Ancel, l’étude systématique de la politique Criminelle, APC, N°1, 1975,‬‬


‫‪P 15-20.‬‬
‫ويمكن القول إن تعريف الفقيه ‪ MARC ANCEL‬أقرب التعاريف إلى حقيقة السياسة الجنائية ألنه ال يقتصر على توجيه‬
‫المشرع‪ ،‬بل يمتد إلى إرشاد جميع السلطات المعنية بتطبيق القانون بحيث يشمل جميع التدابير والوسائل التي تستخدم في المواجهة‬
‫الدائمة والمستمرة ضد الظاهرة اإلجرامية للوقاية منها قبل وقوعها أو المبادئ والتوجهات التي يعتمدها المشرع في سن التشريع‬
‫الجنائي لمحاربة اإلجرام وتوجيه مختلف أجهزة الدولة المكلفة بهذه المهمة‪ ،‬أنظر في التعليق على أهمية هذا التعريف أيضا‪:‬‬
‫‪ -‬سناء الوزيري‪ ،‬السياسة الجنائية في ميدان الشركات التجارية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬شعبة القانون الخاص وحدة‬
‫التكوين والبحث في قانون األعمال‪ ،‬جامعة محمد الخامس أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،2006-2005 ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ -1‬اعتبر الفقيه فتحي سرور أن السياسة الجنائية ال تتقيد بقانون العقوبات‪ ،‬فهو ليس إال مجرد عنصر أو أداة لتحقيقها‪ ،‬وأنها تعتبر‬
‫المرشد الذي يستهدف به المشرع اختيار ما يتخذه من تدابير‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪-‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬أصول السياسة الجنائية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.15-14‬‬
‫‪ -2‬ويبقى أفضل تعريف لمفهوم السياسة الجنائية الحديث تعريف كوسن ‪ CUSSON‬الذي ربط السياسة الجنائية مفهوما وداللة‬
‫بالضبط االجتماعي لإلجرام بقوله‪:‬‬
‫‪« La politique criminelle désigner les efforts de tous pour maintenir la délinquance‬‬
‫‪dans des limites supportable » ou « l’ensemble des moyens mis en œuvre par les‬‬
‫‪membres d’une société dans le but spécifique de contenir ou de faire reculer le‬‬
‫‪nombre et la gravité des délis »,la définition…exclut donc…les politiques‬‬
‫‪économiques sociales ou démographique qui produisent ce résultat sans que‬‬
‫‪leurs participants en aient l’intention nette » M. Cusson, Le contrôle social du‬‬
‫‪crime,PUF,Paris,1983,p119.‬‬

‫الصفحة ‪173 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫"إن السياسة الجنائية هي التي تكشف وتنظم بطريقة منطقية أفضل الحلول املمكنة ملختلف‬
‫مشاكل املوضوع والشكل التي تثيرها الظاهرة اإلجرامية‪".1‬‬
‫انطالقا من هذا التعريف يظهر أن الصفة العلمية للسياسة الجنائية حسب املدارس‬
‫العلمية توحي بأنها مجموعة من املبادئ العلمية التي يتحدد على أساسها كيفية توجيه نشاط الدولة‬
‫في مجال التجريم والعقاب واملنع‪ ،‬وتكون تلك املبادئ منسجمة مع املبادئ العامة‪ ،‬والظروف الذاتية‬
‫للمجتمع والظروف الفردية والنظام السياس ي القائم‪ ،‬بخالف ما جاءت به املدرسة امليتافيزيقية في‬
‫تصورها النظري العقلي‪ ،‬وذلك في سعيها وراء العدالة الجنائية املطلقة وتوجيه املشرع الجنائي بعيدا‬
‫عن الواقع االجتماعي‪.2‬‬
‫ومن زاوية ارتباط السياسة الجنائية باملصالح الجديرة بالحماية اجتماعيا‪ ،‬عرفها جانب من‬
‫الفقه بأنها مجموعة الوسائل الهادفة إلى مكافحة الجريمة وظاهرة اإلجرام في مجتمع معين ‪،‬خالل‬
‫حقبة ما وموضوعها تحديد ما يعتبر من األفعال املنافية ملصلحة وقيم الجماعة جديرا بالتجريم‬
‫والعقاب‪ ،‬وما ينبغي إخراجه من دائرة التجريم ألنه أصبح غير مناف ملصلحة وقيم الجماعة‪ ،‬كما‬
‫تشمل صورا للجزاء الجنائي األكثر فعالية‪ ،‬والكفيل بالحد من ظاهرة اإلجرام‪ ،3‬أو هي عبارة عن‬
‫مجموعة النظم واللوائح واملواد التي يتصدى بها املجتمع للجريمة بغرض محاصرتها والتقليل من‬
‫مخاطرها‪،‬وترد السياسة الجنائية بشموليتها إلى األجهزة التي تتولى رسم وتنفيذ السياسة الجنائية‬
‫ونعني بها السلطة التشريعية‪ ،‬القضائية‪ ،‬أجهزة األمن والتي غالبا ما تتولى مسؤولية التنفيذ‬
‫العقابي‪.4‬‬
‫وتأييدا لهذا الرأي يمكن أن نقترح للسياسة الجنائية تعريفا يصب في كونها فكر علمي‬
‫يؤسس لشرعية الدولة في سياسة التجريم والعقاب‪ ،‬وذلك برسم األدداف الكبرى للنظام‬
‫الجنائي‪ ،‬بدأ من صياغة نظرية علمية لسياسة التجريم تحمي املصالح الجديرة بالحماية‪،‬‬
‫وتقوية أجهزة العدالة الجنائية وتفعيل دوردا في تنفيذ أدداف السياسة العقابية للتصدي‬
‫للجريمة‪ ،‬فضال إلى إرشاد القادة لتحديد أولويات وأدداف االستراتيجيات‪ ،‬والتخطيط الجنائي‬
‫للسياسة الوقاية والتصدي لألفعال االنحر افية والجرمية‪.‬‬
‫‪1-R.Merle‬‬ ‫‪et A. Vitu, Traité de droit criminel, Paris, 1967, p 7.‬‬
‫‪-2‬أنظر في نفس المعنى؛ محمد التغدويني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.90-89‬‬
‫‪ -3‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬مبادئ علم الجزاء الجنائي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسة والنشر‪ ،2002 ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -4‬ثورية بوصلعة‪ ،‬السياسة الجنائية واألمنية في مواجهة الجريمة العابرة للحدود جريمة اإلرهاب‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.31-30‬‬

‫الصفحة ‪174 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وبذلك يالحظ أن االتجاه الحديث يعطي تعريفا أوسع للسياسة الجنائية املعاصرة على‬
‫ضوء وظائفها‪ ،‬فهي سياسة وقائية تركز على السياسة االجتماعية الرامية إلى تسريع التنمية‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية التي تحيد العوامل املساعدة واملهيئة لالنحراف‬
‫واإلجرام‪ ،‬وسياسة ملجابهة والتصدي للحدث الجرمي بالوسائل الفاعلة والقادرة على ضبطه‬
‫وإخضاعه لإلجراءات القانونية وإصالح وتأهيل الجاني ليعود سويا للمجتمع‪ ،‬وهي باألساس من‬
‫منظور أحد فقهاء السياسة الجنائية سياسة عمومية أمنية للدولة سواء على املستوى الداخلي أو‬
‫الخارجي باعتبارها فرع من السياسة اإلجرامية ويحبذ وصف السياسة الجنائية بالسياسة املضادة‬
‫للجريمة‪.1‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إشكالية التأصيل لعلم السياسة الجنائية‬


‫ملا كانت السياسة الجنائية تحدد املبادئ العامة التي توجه للمشرع الجزائي إلى ما ينبغي أن‬
‫تكون عليه نصوص التجريم والعقوبات والتدابير التي تالءم كل جريمة‪ ،‬وأفضل النظم التي تتبع في‬
‫تنفيذ الجزاء بعد صدور الحكم بإدانة املدعى عليه‪ ،‬ثم بيان أساليب الوقاية الالزمة ملنع ارتكاب‬
‫الجريمة‪ ،2‬وهكذا أضحى للسياسة الجنائية أهداف تتجاوز مفهوم التصدي املباشر إلى الوقاية قبل‬
‫قيام الفعل الجرمي‪.3‬‬
‫ونتيجة لذلك ظهرت بوادر املنظور العلمي للسياسة الجنائية‪ ،‬وإن اختلف الفقه حول مدى‬
‫اعتبار علم السياسة علما قائما بذاته؟ أم أنه مجرد دراسات وأبحاث علمية تستند إلى علوم أخرى؟‬
‫يميل اتجاه إلى أن السياسة الجنائية علم قائم بذاته يتضمن دراسة وتقدير املصالح االجتماعية‬
‫التي تعد جديرة بالحماية‪ ،‬فتحدد السياسة الجنائية تلك املصالح مع بيان العقوبات األكثر فعالية‬
‫في تحقيق الغرض الذي تهدف إليه‪ ،‬وعليه فإنه علم يهتم بالدراسة والتحليل ملجاالت السياسة‬

‫‪ -1‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مبادئ علم اإلجرام وعلم العقاب‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار النهضة العربية بيروت‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ -2‬ولئن كان المشرع المغربي لم يعرف السياسة الجنائية أسوة بباقي التشريعات المقارنة فإن المجلس الدستوري قد أتى ببيان بعض‬
‫مالمحها بالقول‪" ،‬أن صالحية وضع السياسة الجنائية التي تعد من السياسات العمومية‪ ،‬من خالل سن قواعد وقائية وزجرية‬
‫لمكافحة الجريمة‪ ،‬حماية للنظام العمومي وصيانة لسالمة األشخاص وممتلكاتهم وحرياتهم"‪ ،‬قرار المجلس الدستوري ع ‪-16‬‬
‫‪ 992‬بتاريخ ‪ 15‬مارس ‪ ،2016‬وقد اعتبر كذلك التقرير الثاني لرئاسة النيابة العامة لسنة ‪ 2018‬أن السياسة الجنائية هي‬
‫"سياسة عمومية من سياسات الدولة يتم وضعها من طرف البرلمان وتنفذ من طرف النيابة العامة تحت إشراف رئيسها‬
‫ومسؤوليته"‪ ،‬أنظر التقرير الثاني لرئاسة النيابة العامة‪ ،2018 ،‬ص ‪.150-149‬‬
‫‪ -3‬مصطفى العوجي‪ ،‬األمن االجتماعي‪ ،‬مؤسسة نوفل بيروت‪ ،1983 ،‬ص ‪ 15‬وما بعدها‪.‬‬

‫الصفحة ‪175 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الجنائية لتقييم مدى مالئمة التجريم في النظام القانوني في دولة ما‪ ،‬وكذا حاالت اإلعفاء من‬
‫العقوبة والظروف التي تراها أكثر مالئمة في إطار التجريم‪.1‬‬
‫ويرى جانب آخر أن علم السياسة الجنائية علم يقوم بدور الوسيط بين علم اإلجرام‬
‫وقانون العقوبات‪ ،‬ودراسة التشريع القائم في ضوء هذا العلم دراسة نقدية للوصول إلى معرفة مدى‬
‫التطابق بينه وبين وظيفته االجتماعية وهي حماية املصالح األساسية‪ ،‬وهذا من منطلق أن املصالح‬
‫ليست كلها جديرة بالحماية الجنائية‪ ،‬فهناك مصالح تحمى إداريا وأخرى مدنيا فتندرج الحماية‬
‫القانونية للمصالح بحسب أهميتها‪ .2‬وفي نظر الفقيه فون ليست ‪ Von Liszt‬يعد علم السياسة‬
‫الجنائية علما يعتمد على اإلملام والتنسيق بين الفروع املختلفة للعلم للحصول على تعاون مثمر في‬
‫مجال الوقاية من الجريمة أو العقاب عنها‪ ،‬ومن ثم فهو يتجاوز حدود القانون‪.3‬‬
‫وعلم السياسة الجنائية حسب االتجاه السابق علم استكمل شرائطه ونظرياته وإن كان‬
‫يعتمد على مساعدة علوم أخرى كعلم اإلجرام‪ ،‬هذا األخير الذي يمده بالنظريات العلمية لفهم‬
‫وتفسير الظواهر السلوكية اإلجرامية واالنحرافية‪ ،‬والوسائل الكفيلة بإخمادها أو محاصرتها‬
‫اعتماد على مناهج علمية لإلحصاء الجنائي‪ ،‬ومنهجي املالحظة والتجريب على العينات املخبرية‪ ،‬وغيره‬
‫من العلوم اإلنسانية األخرى املساعدة واملكملة‪ ،‬مما يجعله علما يهدف إلى البحث عن الصيغ‬
‫واآلليات املالئمة التي تستطيع التوفيق بين متناقضين ومتالزمين في الوقت نفسه‪ ،‬بين إلزام األفراد‬
‫بقاعدة تجريمية تالءم طباعهم االجتماعية‪ ،‬ويعتقدون بإلزامية الخضوع لها طواعية‪ ،‬وتنوع الغرائز‬
‫واالحتياجات واملصالح الالمحدودة لألفراد من ناحية أخرى‪ ،‬وكل ذلك على أسس نظرية وعليمة‬
‫تستهدف تحديث الفكر الجنائي وباقي أدوات الردع االجتماعية‪ ،‬وجعلها تتفاعل تأثيرا وتأثرا مع‬
‫الواقع االجتماعي والعلم الحديث‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪-MARC Ancel, la défense sociale, op cit, p 15.‬‬


‫وقد مثل هذا االتجاه أغلب الفقه الجنائي الحديث أنظر مثال‪:‬‬
‫‪-MEREILLE Delmas- Marty, Modèles et mouvement de politique criminelle, éd‬‬
‫‪Economica, Paris, 1982, p 22.‬‬
‫‪ -‬سمير عالية‪ ،‬مبادئ علم اإلجرام والعقاب والسياسة الجنائية أسباب اإلجرام ومكافحتها جزائيا‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.401‬‬
‫‪ -2‬خيري أحمد الكباش‪ ،‬الحماية الجنائية لحقوق اإلنسان‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجامعين‪ ،‬مصر‪ ،2002 ،‬ص ‪.387‬‬
‫‪-‬محمود صالح العدلي‪ ،‬موسوعة القانون الجنائي لإلرهاب‪ ،‬ج ‪ ،2‬ط‪ ،1‬دار الفكر الجامعي اإلسكندرية‪ ،2003 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪3- STEPHAN. Hurwitz, FRANZ. Von Liszt, la politique criminelle contemporaine,‬‬

‫‪in-REV. Inter, Dr ،Pén-1958, p 259 et S.‬‬

‫الصفحة ‪176 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ورغم أن الواقع يساند هذا الطرح الفقهي ملبرراته العلمية وأسسه الفكرية‪ ،‬فإن جانب آخر‬
‫من الفقه يؤمن بأن أفكار السياسة الجنائية وعبر مراحل تطورها ال تعدو أن تكون مجرد أبحاث‬
‫ودراسات ال تكتمل فيها ضوابط ومقومات البحوث والنظريات العلمية‪ ،‬وأن ما اعتمدت عليه كتب‬
‫القانون الجنائي من فهم وتفسير للسلوك اإلجرامي في ظل النظريات العلمية يخرج من موضوعات‬
‫السياسة الجنائية ويندرج ضمن اختصاص علماء اإلجرام‪.1‬‬
‫وخالفا ذهب البعض اآلخر إلى إدماج علم اإلجرام في السياسة الجنائية واعتباره جزءا منها‪،‬‬
‫بينما يرى فريق ثالث على العكس من ذلك أن السياسة الجنائية ليست إال الفن التطبيقي لتكييف‬
‫النتائج العلمية لعلم االجتماع الجنائي‪ ،‬وفي شق آخر أنها –أي السياسة الجنائية ‪-‬جزء من علم‬
‫اإلجرام التطبيقي‪ ،2‬أو فن املمكن على حد تعبير رئيس النيابة العامة سابقا محمد عبد النبوي‪.3‬‬
‫ومهما يكن من تباين بين املواقف السابقة‪ ،‬فإن االعتقاد بقيام علم للسياسة الجنائية قائم‬
‫بذاته موقف له ما يبرره من الناحية العلمية والواقعية‪ ،‬ألن مجاله كما حدده الفقيه اإليطالي‬
‫غريسبني يكمن في دراسة النشاط الذي يجب أن تمارسه الدول في سبيل الوقاية من الجريمة وقمعها‬
‫ونظرياته الزالت تستند إلى علوم أخرى‪ ،‬مما يجعله علم فتي الحداثة والنشأة‪ ،‬يستمد أسسه‬
‫ونظرياته في تفسير وفهم اإلدراك العلمي للسلوك االنحرافي واإلجرامي من علم اإلجرام لبحث تطور‬
‫مختلف الظواهر اإلجرامية والتركيز جانبا على تحليل القاعدة القانونية والجزائية‪ ،‬وتحديد مدى‬
‫قابليتها للتطبيق التلقائي بما يوفر الحماية املطلوبة للمصالح والقيم اعتمادا على علم اإلجرام‬
‫ومختلف العلوم الجنائية املهتمة بالحقل املعرفي للظاهرة اإلجرامية‪.‬‬

‫‪ -1‬أنكر البعض الذاتية العلمية للسياسة الجنائية ب حجة أنها ال تعالج موضوعا ذاتيا يتفرد به علم اإلجرام‪ ،‬وأنها ال تنفرد بنموذج أو‬
‫منهج علمي معين‪ ،‬بل تعتمد اعتمادا كليا على ما يضعه علم اإلجرام من نتائج‪ ،‬وقصروا وظيفتها على صياغة هذه النتائج في‬
‫صورة اتجاهات عامة للدفاع ضد الجريمة‪ ،‬ومن ثم فإنها ال تتمتع ببنيان علمي مستقل‪ ،‬ومن مناصري هذا الرأي‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الباسط محمد حسن‪ ،‬أصول البحث االجتماعي‪ 1966 ،‬ص ‪ ،49‬أورده أحمد فتحي سرور في مؤلفه أصول السياسة‬
‫الجنائية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ -‬عبد الفتاح مصطفى الصبغي الذي اعتبر أن البحث في السياسة الجنائية هو بحث في علم اإلجرام بالذات ألن علم اإلجرام يتولى‬
‫وصف الظاهرة اإلجرامية سواء بصفتها سلوكا فرديا صادرا عن اإلنسان أو بصفتها واقعة اجتماعية وهو نفس ما تدرسه‬
‫األنثروبولوجيا الجنائية وتقدمه كنتائج عملية لتبني عليها السياسة الجنائية استراتيجياتها‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الفتاح مصطفى الصبغي‪ ،‬علم اإلجرام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،1996‬ص ‪.149‬‬
‫‪ -2‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬أصول السياسة الجنائية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪،29‬‬
‫بينما ذهب مأمون سالمة إلى القول بأن دراسات السياسة الجنائية ال يمكن أن تدخل في علم اإلجرام وإنما تقترب إلى حد كبير من‬
‫دراسات فن التشريع‪ ،‬وهي تأخذ ما تقدمه دراسات علم اإلجرام من أبحاث فيما يتعلق بالوقاية من الجريمة لتنوعها وتقديمه ألولي‬
‫األمر إلعادة النظر في تشريع قائم أو مراعاته في تشريع جديد‪.‬‬
‫‪ -3‬لقاء تواصلي لرئيس النيابة العامة مع طلبة ماستر المنظومة الجنائية جامعة ابن زهر أكادير بتاريخ ‪.2017-11-26‬‬

‫الصفحة ‪177 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وال ضير في اعتقادنا أن حداثة نشأة علم السياسة الجنائية يمكن أن تقدح من صفته‬
‫العلمية ألن كافة العلوم املهتمة بواقعة االختالل السلوكي‪ ،‬تتفاعل فيما بينها في إطار دراسة متكاملة‬
‫ال تنقص من قيمة الحقول املعرفية‪ ،1‬ألن اإلملام بالنفس البشرية وطباعها يبقى من الصعوبة بما‬
‫كان لتغيرها من شخص آلخر ومن بيئة ألخرى ومن زمن آلخر‪ ،‬والختالف زوايا ورؤى البحث‪ ،‬بين ما‬
‫هو نفس ي‪ ،‬اجتماعي‪ ،‬ثقافي‪ ،‬سلوكي‪ ،‬انحرافي‪ ،‬إجرامي‪ ،‬سياس ي‪ ،‬اقتصادي ‪ ....‬الخ‪ .‬وال شك أن‬
‫التطور الذي أحرزه علم اإلجرام والعلوم النفسية واالجتماعية والتربوية وباقي علوم األنثروبولوجيا‬
‫الجنائية‪ ،2‬كان من العوامل األساسية في تطور األبحاث والدراسات في علم السياسة الجنائية ونقلها‬
‫من الطابع املجرد والتخميني إلى الطابع املوضوعي العلمي الواقعي‪.‬‬
‫فمن ناحية أثبتت األبحاث والدراسات التي اهتمت بالتأسيس لعلم السياسة الجنائية‬
‫الحديث على أنه البد للمعرفة العلمية حتى تكتمل شروطها من خالل مجال علم السياسة الجنائية‬
‫أن تهتم بتحليل وفهم ثالث أبعادحيوية ومهمة‪ ،3‬البعد االجتماعي الذي يجعل منطلق دراسات علم‬
‫السياسة الجنائية ونظرياته تنطلق من الواقع االجتماعي املعاش لكل دولة‪ ،‬والبعد الثاني علمي‬
‫ينصب على دراسة وتفسير السلوك اإلنحرافي واإلجرامي‪ ،‬دراسة علمية تسند إلى املناهج العلمية‬
‫التجريبية واملالحظة وغيرها من املناهج األخرى للعلوم اإلنسانية والبعد الثالث أخالقي يعترف‬

‫‪ -1‬لقد دافع ع لى هذا الموقف الدكتور أحمد فتحي سرور معتبرا أن اعتماد الحقل المعرفي على معطيات العلوم األخرى ال يؤثر في‬
‫ذاتيته العلمية‪ ،‬طالما أن هذا العلم يستهدف من أبحاثه صياغة قوانين علمية وحلوال عامة للموضوعات التي تعالجها‪ ،‬وأول ما‬
‫يحتاجه العلم للتمتع بكيانه واستقالله هو إقامة نظرية أساسية‪ ،‬باعتبار أنه ال يمكن للعلم أن ينشد االستقالل والذاتية بدون أن يتوافر‬
‫له أساس واضح‪ ،‬وإذا طبقنا هذا المعيار على السياسة الجنائية نجد أن اعتمادها على معطيات العلوم األخرى (علم االجتماع‬
‫القانوني‪ ،‬علم اإلجرام‪ ،‬علم العقاب‪ )...‬ال يحول في حد ذاته دون التسليم بالكيان العلمي المستقل للسياسة الجنائية ألنها تختلف عن‬
‫هذه العلوم في منهجها والعناصر التي تقوم عليها‪ ،‬فرغم اعتماده على النتائج التي يقوم بها الباحثون في العلوم األخرى‪ ،‬يتمتع‬
‫بذاتيته العلمية ألنه يهدف غاية أخرى من الغايات التي تستهدفها هذه العلوم ويشق طريقا مستقال عنها مقتصرا على التعاون معها‬
‫في رسم اإلطار النهائي للمجاالت التي يبحث فيها وهي التجريم والعقاب والمنع‪ .‬انظر‪ ،‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬أصول السياسة‬
‫الجنائية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ -2‬تعتبر األنثروبولوجيا أحد أنواع الفروع العلمية الحديثة التي اهتمت بدراسة اإلنسان ومشكالته الفردية وقد جاءت كلمة‬
‫‪ anthropologie‬مكونة من مترادفتين ‪ antropo‬التي تعني اإلنسان و‪ Logie‬التي تعني العلم أو الدراسة المنهجية العلمية‬
‫وبذلك يكون المفهوم اللفظي هو الدراسة العلمية لإلنسان‪،‬‬
‫واصطالحا العلم الذي يعنى بدراسة اإلنسان‪ ،‬وتعود اإلرهاصات األولى لهذا العلم للفقيه بوركا‪ Broca‬كمؤسس لعلم األجناس‬
‫البشرية الحديثة الذي أنشأ أول جمعية أنثروبولوجيا في مدينة باريس عام ‪ ،1858‬ورغم اختالف الباحثين في تجسيد فروع علم‬
‫األنثروبولوجيا الجنائية إال أنهم اتفقوا على أنه يعد أهم العلوم الجنائية لدراسة الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬
‫أنظر للمزيد في دراسات هذا العلم‪ -:‬أحمد أكرم نشأت‪ ،‬علم األنثروبولوجيا الجنائية‪ ،‬ط‪ ،2‬عمان‪ ،‬األردن‪.2008 ،‬‬
‫‪-PIERRE Grapier, anthropologie criminelle, Paris, 1973.‬‬
‫‪ -3‬تفقد في نفس المعنى سمير عالية‪ ،‬مبادئ علوم اإلجرام والعقاب والسياسة الجزائية‪ ،‬أسباب اإلجرام ومكافحتها‪ ،‬م س‪ ،‬ص‬
‫‪.496‬‬

‫الصفحة ‪178 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫باملسؤولية الشخصية للمجرم ومدى استحقاقه للعقوبة أو التدابير الوقائية‪ ،‬وما يفترض في أجهزة‬
‫العدالة الجنائية من شروط مؤهلة الزمة لقيام العدالة الجيدة وذات مصداقية تحظى بالثقة‬
‫وتتمتع باحترام املتقاضين ‪.‬‬
‫ومن ناحية ثانية بين تطور مفهوم علم السياسة الجنائية‪ ،‬تخوف البعض من الفقه‪،1‬مما‬
‫أسموه أزمة الثقة أو مشكلة علم اإلجرام والسياسة الجنائية‪ ،‬ليس فقط في مستوى حدود ونطاق‬
‫السياسة الجنائية التي تمتد عند الرأي الغالب ‪ -‬ممن يتبنى التعريف املوسع إلى البحث في علم‬
‫السياسة الجنائية‪ -‬الى تلكم التدابير ولو ذات طبيعة اقتصادية أو اجتماعية ملواجهة املجرم بعد‬
‫ارتكاب الجريمة‪ ،‬بل وتتجاوزها إلى مرحلة ما قبل ارتكاب الفعل الجرمي "االنحراف" ليشمل نطاق‬
‫الحماية االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬ذلك أن مجال الوقاية يخرج من نطاق القانون الجنائي و يتخلى‬
‫علم السياسة الجنائية عن دراسته لعلوم أخرى مثل علم التنمية اإلنسانية‪ ،‬األنثروبولوجيا‪ ،‬علم‬
‫االقتصاد‪ ،‬علم السياسة‪ ،‬علم االجتماع ‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫هذا العمل الوقائي من قبيل السياسة االجتماعية ملواجهة الخطورة االجتماعية للمنحرفين‬
‫ال الجنائية الصرفة املرتبطة بتدابير الخطورة اإلجرامية‪ ،‬تعد ضرورية من مجاالت السياسة‬
‫الجنائية‪ ،‬والتي قد تجعل نظريات علم اإلجرام قاصرة في شق املكافحة والتصدي دون الوقاية حتى‬
‫في النظام العقابي‪،‬وحتى في مجال املكافحة املباشرة الزال واضعو السياسة الجنائية متشككون في‬
‫سالمة نتائج علم اإلجرام‪.2‬لكن الحقيقة أن علم السياسة الجنائية كما أسلفنا الذكر علم قائم‬
‫بذاته لكنه بتعدد نطاقه وتنوع مجاالته يحتاج إلى خالصات علوم أخرى كعلم اإلجرام وباقي العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وإلى ما أسماه الفقه بعلم السياسة الجنائية املقارنة من أجل الوصول إلى أحسن‬
‫الوسائل املنتقاة ملواجهة الظواهر االنحرافية واإلجرامية‪.‬‬
‫وال ننكر من ناحية ثالثة أن التطور الذي أحرزه علم اإلجرام والعلوم النفسية واالجتماعية‬
‫والتربوية وباقي علوم األنثروبولوجيا الجنائية‪ ،‬كان من العوامل املساهمة في تطور نظريات علم‬
‫السياسة الجنائية ونقلها من الطابع املجرد والتخميني إلى الطابع املوضوعي العلمي الواقعي‪،‬‬
‫فأضحت لعلم السياسة الجنائية خصوصية وأهمية في مد وإرشاد األجهزة الفاعلة في السياسة‬

‫‪ -1‬عبد الرحيم صدقي‪ ،‬السياسة الجنائية في العالم المعاصر‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ -2‬عبد الرحيم صدقي‪ ،‬السياسة الجنائية في العالم المعاصر‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.126‬‬

‫الصفحة ‪179 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الجنائية بالنظريات العلمية للبحث عن الوسائل التي تهدف عقلنة رد الفعل الذي تنتهجه الدولة‬
‫ملجابهة االنحراف والجريمة‪.‬‬
‫ويمكن علم السياسة الجنائية من تطوير التشريعات الجزائية وإيجاد آليات لتطوير‬
‫االستراتيجيات املستقبلية للدولة في مجال الوقاية من الجريمة والتصدي لها‪ ،‬وال يعوز الصبغة‬
‫العلمية ما ذهب إليه اتجاه من الفقه من كون أن بعض مذاهب السياسة الجنائية لم تتصف‬
‫بالعلمية ألنها ارتكزت على أساس ميتافيزيقي قوامه التصور العقلي املجرد ال املنهج العلمي في البحث‬
‫وبالتحديد املدارس الكالسيكية والنيو كالسيكية ‪ ،‬وألن أولى محاوالت التأسيس العلمي للسياسة‬
‫الجنائية ظهرت تزامنا مع ظهور املدارس الوضعية التي أدخلت املناهج التجريبية واملالحظة لتتوالى‬
‫بعدها النظريات العلمية الحديثة‪.‬إال أن الواقع يبرز أن الدول النامية الزالت لم تستجمع بعد‬
‫العناصر والنظريات العلمية والفكرية التي تؤهل سياساتها الجنائية وتطبعها بالواقعية والفعالية؛‬
‫فرغم ما نلمسه من انفتاح وتفاعل السياسة الجنائية املغربية مثال في السنين األخيرة مع أفكار‬
‫املدارس املعاصرة وتوصيات وخالصات املؤتمرات واملعاهدات الدولية‪ ،‬إال أن الفاعل السياس ي الزال‬
‫متوجسا من الطابع العلمي للسياسة الجنائية ويعتبرها شأنا سياسيا للدولة يرتبط بمفهوم السيادة‬
‫‪ ،‬واالقتصار في كثير من األحيان على استيراد القوالب الجاهزة والجامدة لخطط واستراتيجيات‬
‫نشأت واستهلكت في بيئة تختلف تمام االختالف عن بلد التطبيق‪.1‬‬
‫واعتقدنا أن التفكير في إنشاء املرصد الوطني لإلجرام‪ ،2‬وتحديد اختصاصاته العلمية‬
‫والتوجيهية في مجال البحث والدراسة في االنحراف والجريمة بناء على مناهج وأسس معرفية‪ ،‬من‬
‫شأنه أن يعطي بعدا ذاتيا لتطوير علم السياسة الجنائية باملغرب‪،‬وإن كنا نرى أن األمر يتجاوز ذلك‬
‫إلى الحاجة امللحة لتأهيل املعاهد والكليات للقيام بالدراسات واألبحاث الجامعية التي تعنى بمواضيع‬
‫السياسة الجنائية والعلوم التي تستمد منها نظرياتها كعلم اإلجرام وعلم النفس الجنائي وعلم‬
‫االجتماع الجنائي ‪ .....‬والتي تعنى بدراسة السلوك الجرمي واالنحرافي عموما‪ ،‬وألن من أهم أسباب‬
‫فشل السياسات الجنائية في البلدان النامية في إيقاف تصاعد الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬مرده باألساس إلى‬

‫‪ -1‬في هذا الشأن تؤكد الباحثة لويس مير في إحدى دراساتها سنة ‪ 1984‬حول "األنثروبولوجيا والتنمية" على أنه يجب أال تنفذ‬
‫الخطط الجاهزة التي يضعها الخبراء سواء كانوا وطنيين أو كانت خططا مستوردة أو كان واضعوها أجانب وكأنها قواعد جامدة‬
‫يحتاج المستهدفون منها إلى أن يتغيروا ليصبحوا منسجمين معها‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪ -‬فتحية محمد إبراهيم‪ ،‬مصطفى حمدي الشنوائي‪ ،‬األنثروبولوجيا المعرفية‪ ،‬دار المريخ للنشر‪ ،‬الرباط ‪ ،1992‬ص ‪.190‬‬
‫‪ -2‬إال أنه ولألسف تبخر الحلم وأضحى مجرد مصلحة بمديرية الشؤون الجنائية والعفو في التنظيم الهيكلي لوزارة العدل الجديد‪،‬‬
‫والدي نتمنى أن يستوعب الفاعلين جملة الطموحات واألهداف التي الزمت المشروع في مهده‪.‬‬

‫الصفحة ‪180 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تسليم البعض بكفاية النتائج والنظريات العلمية الجاهزة في تقديم الحلول الشاملة للتعقيدات‬
‫وآثار السلوك على الواقع االجتماعي رغم تعقده وبنيته وتباين بيئته‪ ،‬وبالتالي تهميش العلوم التي من‬
‫شأنها أن تساهم في كشف أغوار السلوك اإلجرامي والتنبؤ بتغيراته املستقبلية ملساعدة األجهزة‬
‫الفاعلة على تحديد أهداف السياسة الجنائية بدقة وبواقعية واستحضار خصائصها املتفردة التي‬
‫وضعها الفكر الجنائي الوضعي ‪.‬‬

‫الصفحة ‪181 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫اختصاصات وتنظيم المصالح الالممركزة لوزارة العدل‪،‬‬


‫المنطلقات وآفاق التنزيل‬
‫د الجياللي مكوط‬
‫باحث في اإلدارة القضائية‬
‫‪ -‬تقديم‪:‬‬
‫ينطلق تصورنا في تحديد اختصاصات وتنظيم املصالح الالممركزة لوزارة العدل من وضع‬
‫راهن ألقسام ومصالح قائمة بذاتها ظلت دون تنظيم أو أنها تتضمن تنظيما محتشما‪ ،‬ومن وضع‬
‫مستقبلي يستشرف وضعية أقسام ومصالح استدعت الضرورة إحداثها من أجل تنزيل ورش‬
‫الجهوية املوسعة والجهوية املتقدمة اللذين نادى بهما جاللة امللك في العديد من خطبه السامية‪،‬‬
‫واللذين انبثق عنهما ميثاق الالتمركز اإلداري‪.‬‬
‫وال يمكن بأي حال من األحوال البحث واستجالء التنظيم املحكم واملتكامل لهذه األقسام‬
‫واملصالح دون األخذ بعين االعتبار التنظيم اإلداري املغربي الذي يمتاز بتبنيه لنظامين أساسيين ‪:‬‬
‫نظام وحدة السلطة اإلدارية‪ ،‬وهي املركزية اإلدارية‪ ،‬ونظام تعدد السلطات وهي الالمركزية اإلدارية‪،‬‬
‫وإذا كان النظام الثاني ال يطرح أي إشكال من حيث تفويض الدولة ملجموعة من سلطاتها إلى‬
‫الهيئات املنتخبة محليا وجهويا‪ ،‬فإن النظام األول بدأ يعرف نوعا من تفويض اختصاص بعض‬
‫الوزارات إلى مصالح الممركزة لها‪ ،‬فيما بات يعرف بالالتمركز اإلداري‪ ،‬الذي مكن هذه األخيرة بفضل‬
‫التفويض الذي منح لها من تحقيق فعالية وقرب وسرعة في األداء‪ ،‬خاصة مع التطور الذي عرفه‬
‫ورش الجهوية املوسعة التي أصبحت تشكل محور التدبير اإلداري على مختلف املستويات‬
‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية ونافذة لتنزيل السياسات الحكومية على الصعيد الترابي‪.‬‬
‫ولم تكن وزارة العدل لتحيد عن هذا النهج‪ ،‬على الرغم من طبيعة إدارتها القضائية التي‬
‫تمتاز بنوع من الخصوصية املستمدة من خصوصية وطبيعة املهام التي يتولى تدبيرها موظفو هذه‬
‫الفئة من الوزارات‪ ،‬والتي كانت موضوع العديد من قرارات املحكمة الدستورية كان آخرها القرار‬
‫عدد ‪ 89.19‬بتاريخ ‪ 08‬فبراير ‪ ،2019‬حيث أنها بدأت تأسس لهذا النوع من املقاربة الجهوية في‬
‫تدبيرها ملصالحها الخارجية‪ ،‬وتنزيال كذلك لتوصيات امليثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة‪.‬‬

‫الصفحة ‪182 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وقد تجلت أولى خطوات إعادة هيكلة وزارة العدل ألقسامها ومصالحها على الصعيد‬
‫املركزي‪ ،‬بعد املصادقة على املرسوم رقم ‪ 2.22.400‬بتاريخ ‪ 18‬اكتوبر ‪ 2022‬بتحديد اختصاصات‬
‫وتنظيم وزارة العدل(‪ ،)1‬وذلك على ضوء املستجدات التي عرفتها الوزارة خاصة منها استقالل‬
‫السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ونقل اختصاصات السيد وزير العدل للسيد الوكيل العام‬
‫لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة‪.‬‬
‫كما أن تجليات توجه املشرع املغربي نحو إقرار الالتمركز اإلداري واملالي ألقسام ومصالح‬
‫وزارة العدل قد بدت واضحة من خالل فصلين من فصول قانون التنظيم القضائي الجديد رقم‬
‫‪ ،38.15‬والتي جعلت من ممثل املصالح الالممركزة لوزارة العدل مكونا أساسيا من مكونات محاكم‬
‫اململكة(‪.)2‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن مقاربتنا لهذا التوجه الجديد‪ ،‬وحتى نكون فاعلين وموضوعيين في مالمسة أهم‬
‫محاورها‪ ،‬البد أن تنطلق من إطار عام تمهيدي يحدد املرجعيات التي على أساسها تم تبني هذه‬
‫املقاربة(محور أول)‪ ،‬قبل أن نعرض لتصور تنظيم املصالح الالممركزة لوزارة العدل من حيث‬
‫الشكل (محور ثاني)‪ ،‬وننتهي بعرض تصور لتنظيمها من حيث املوضوع (محور ثالث)‪.‬‬

‫‪ - 1‬الصادر بتاريخ ‪ 21‬ربيع األول ‪ 18(1444‬اكتوبر ‪ ،)2022‬والمنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 7143‬بتاريخ ‪ 19‬ربيع اآلخر‬
‫‪ 14(1444‬نونبر ‪ ،)2022‬ص ‪.7436 :‬‬
‫‪ - 2‬والمثال يصدق على المادة ‪ 21‬من قانون التنظيم القضائي الجديد التي جعلت ممثل المصالح الالممركزة للسلطة الحكومية‬
‫المكلفة بالعدل يتولى على الصعيد الجهوي والمحلي التنسيق والتعاون مع المسؤولين القضائيين واإلداريين بالمحاكم في إطار‬
‫منظومة تدبير المحاكم‪ ،‬ويُ ِعدُّ وفق نفس المادة وعلى نفس المستوى برامج نجاعة أداء المحاكم ويحدد أهداف كل برنامج ومؤشرات‬
‫القياس المرتبطة به‪ ،‬والمادة ‪ 24‬التي مكنته من العضوية الكاملة بلجنة التنسيق على صعيد كل محكمة من محاكم المملكة‪ ،‬حتى‬
‫يكون على اطالع بالمشاكل والحاجيات المثارة من لدن اللجنة المذكورة والعمل على تجاوزها وتلبيتها في الحدود الممكنة أو‬
‫برمجتها ضمن مشروع الميزانية الفرعية المقبلة لوزارة العدل‪.‬‬

‫الصفحة ‪183 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املح ـ ـ ــوراألول‬
‫اإلطارالعام املرجعي لتنظيم املصالح الالممركزة لوزارة العدل‬
‫ينطلق تصور تنزيل الالتمركز اإلداري واملالي على صعيد املصالح الالممركزة لوزارة العدل‬
‫من إطار مرجعي عام هدفه الرقي باألداء اإلداري الالممركز للدولة‪ ،‬ويتكون هذا اإلطار املرجعي‬
‫عموما من ‪:‬‬
‫‪ -‬أوال ‪:‬الدستور ‪:‬‬
‫نص الدستور املغربي لسنة ‪ 2011‬على العديد من املقتضيات التي تزكي الالتمركز اإلداري‬
‫وتدعو إلى الجهوية املوسعة من أهمها ‪:‬‬
‫‪ – 1‬الفقرة األخيرة من الفصل األول من الدستور التي تنص على أن ‪ ":‬التنظيم الترابي‬
‫للمملكة تنظيم ال مركزي‪ ،‬يقوم على الجهوية املتقدمة"؛‬
‫‪ – 2‬الفصل ‪ 136‬الذي ينص على أنه ‪ ":‬يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير‬
‫الحر‪ ،‬وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان املعنيين في تدبير شؤونهم‪ ،‬والرفع من‬
‫مساهمتهم في التنمية البشرية املندمجة واملستدامة"؛‬
‫‪ – 3‬الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 145‬التي تنص على أنه ‪ ":‬يقوم الوالة والعمال‪ ،‬تحت سلطة‬
‫الوزراء املعنيين‪ ،‬بتنسيق أنشطة املصالح الالممركزة لإلدارة املركزية‪ ،‬ويسهرون على حسن سيرها"‪.‬‬
‫‪ – 4‬الفصل ‪ 154‬الذي ينص على أنه ‪" :‬يتم تنظيم املرافق العمومية على أساس املساواة بين‬
‫املواطنات واملواطنين في الولوج إليها‪ ،‬واإلنصاف في تغطية التراب الوطني‪ ،‬واالستمرارية في أداء‬
‫الخدمات‪.‬‬
‫تخضع املرافق العمومية ملعايير الجودة والشفافية واملحاسبة واملسؤولية‪ ،‬وتخضع في تسييرها‬
‫للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور"‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪:‬الخطب امللكية ‪:‬‬
‫كان لنظام الالتمركز اإلداري حضور وازن بالنسبة للمؤسسة امللكية‪ ،‬حيث اعتبره صاحب‬
‫الجاللة في العديد من خطبه بعدا استراتيجيا في تدبير الشأن الترابي للمملكة بهدف االستجابة‬

‫الصفحة ‪184 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ملتطلبات وتطلعات املواطنين في مجال التنمية‪ ،‬وملواجهة التحديات التي تعرفها البالد وإكراهات‬
‫الظرفية االقتصادية واإلجتماعية خاصة بعد جائحة كورونا‪ ،‬ومن أهم هذه الخطب نجد ‪:‬‬
‫‪ – 1‬الخطاب امللكي في ‪ 6‬نونبر ‪ 2008‬الذي أكد على اعداد ميثاق وطني لعدم التركيز‪ ،‬يتوخى‬
‫حكامة نظام فعال إلدارة ال ممركزة‪ ،‬نظام يعتمد مقاربة ترابية‪ ،‬ويقوم على نقل صالحيات مركزية‬
‫للمصالح الخارجية؛‬
‫‪ - 2‬خطاب ‪ 14‬من أكتوبر ‪ ، 2016‬بمناسبة افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية األولى‬
‫من الوالية التشريعية العاشرة‪ ،‬والذي جاء فيه ‪" :‬إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل‬
‫املؤسسات‪ ،‬هو خدمة املواطن‪......‬فعالقة املواطن باإلدارة‪ ،‬سواء تعلق األمر باملصالح املركزية‪،‬‬
‫واإلدارة الترابية‪ ،‬أو باملجالس املنتخبة‪ ،‬واملصالح الجهوية للقطاعات الوزارية‪ ،‬هي تمكينه من‬
‫قضاء مصالحه‪ ،‬في أحسن الظروف واآلجال‪ ،‬وتبسيط املساطر‪ ،‬وتقريب املرافق والخدمات‬
‫األساسية منه"‪.‬‬
‫‪ - 3‬الخطاب امللكي ل ‪ 29‬يوليوز ‪ 2017‬الذي نص على أن من بين املشاكل التي تعيق تقدم‬
‫املغرب‪ ،‬هو ضعف اإلدارة العمومية‪ ،‬سواء من حيث الحكامة ‪ ،‬أو مستوى النجاعة أو جودة‬
‫الخدمات‪ ،‬التي تقدمها للمواطنين‪.‬‬
‫‪ - 4‬الخطاب امللكي السامي ‪ 29‬يوليوز ‪ ، 2018‬الذي دعى فيه جاللته إلى إصدار ميثاق‬
‫الالتمركز اإلداري‪ ،‬داخل أجل ال يتعدى نهاية شهر أكتوبر من نفس السنة‪ ،‬بما يتيح للمسؤولين‬
‫املحليين‪ ،‬اتخاذ القرارات‪ ،‬وتنفيذ برامج التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬في انسجام وتكامل مع‬
‫الجهوية املتقدمة‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثا ‪:‬امليثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة ‪:‬‬
‫اعتمد امليثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة الذي نال ثقة جاللة امللك بعد عرضه عليه يوم‬
‫الخميس ‪ 7‬ماي ‪ 2013‬على ستة أهداف استراتيجية كبرى و‪ 36‬هدفا فرعيا و ‪ 200‬آلية تنفيذ‪،‬‬
‫ويمكن من خالل رصد هذه األهداف وآليات التنفيذ املرتبطة بالالتمركز اإلداري للمصالح‬
‫الخارجية لوزارة العدل تسجيل اإلشارة الصريحة في امليثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة في‬
‫جزئه األول املتعلق باألسس العامة إلصالح منظومة العدالة خاصة منها التشخيص الشامل‬
‫والعميق إلصالح هذه املنظومة‪ ،‬كما عكسته مختلف ندوات الحوار الوطني والتقارير الوطنية في‬

‫الصفحة ‪185 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املوضوع‪ ،‬من خالل النقطة السادسة الفقرة الثانية إلى أنه‪" :‬تعاني اإلدارة القضائية من نقص في‬
‫الالتمركز اإلداري واملالي‪ ،‬ومن محدودية األخذ بقواعد الحكامة الحديثة‪ ،‬ومن الجمع بين مهام‬
‫املسؤولية القضائية واملسؤولية اإلدارية على صعيد املحاكم"(‪.)1‬‬
‫‪ -‬رابعا ‪ :‬قانون التنظيم القضائي رقم ‪:38.15‬‬
‫نص قانون التنظيم القضائي رقم ‪ 38.15‬على توجه جديد لالتمركز اإلداري واملالي لوزارة‬
‫العدل‪ ،‬وذلك من خالل ثالث نقاط أساسية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن قانون التنظيم القضائي الجديد رقم ‪ 38.15‬راعى من خالل الفقرة الثانية من مادته‬
‫الثانية عند تحديده للخريطة القضائية وتوزيع املحاكم‪ ،‬التقسيم اإلداري للمملكة كمعطى أساس ي‬
‫يرمي إلى تحقيق االنسجام الذي لطاملا نادى به العديد من الباحثين بين التقسيم الترابي للمملكة‬
‫والتقسيم القضائي للخريطة القضائية(‪ ،)2‬كما أنه وألول مرة يتم األخذ بعين االعتبار حجم‬
‫الخدمات اإلدارية املقدمة من طرف املحاكم كمعطى ومؤشر يساعد في تحديث وتحيين الخريطة‬
‫القضائية إما بإضافة محاكم وأقسام جديدة أو إسقاطها(‪)3‬؛‬
‫‪ – 2‬ويظهر هذا التوجه الجديد للمشرع املغربي في تكريس لالتمركز اإلداري واملالي لوزارة‬
‫العدل من خالل املادة ‪ 21‬من قانون التنظيم القضائي املغربي الجديد رقم ‪ 38.15‬التي أسندت‬

‫‪ -1‬المرجو مراجعة الصفحة ‪ 46‬من الميثاق الوطني إصالح منظومة العدالة‪ ،‬خاصة منها الفقرة السادسة المتعلقة بمستوى أساليب‬
‫تدبير مرفق القضاء‪ ،‬المنشور بالموقع الرسمي لوزارة العدل ‪:‬‬
‫‪http://www.justice.gov.ma/lg-1/documents/doccat-0.aspx‬‬
‫‪ - 2‬يمكن حسب رأينا المتواضع تحقيق هذا االنسجام عبر إحداث ‪ 12‬مديرية جهوية لوزارة العدل بعدد جهات المملكة مع اإلبقاء‬
‫على المديريات االقليمية لدى محاكم االستئناف بالمملكة التي يصل عددها اآلن إلى ‪ 23‬مديرية جهوية بحسب عدد هذه المحاكم‪،‬‬
‫وتتبع المديريات االقليمية في تقسيمها التراب ي للمديريات الجهوية التي تدخل في دائرة نفودها الترابي‪ ،‬مثال ذلك عند إحداث‬
‫المديرية الجهوية لوزارة العدل لجهة الدار البيضاء سطات ستكون هذه المديرية الجهوية مشرفة على ثالث مديريات إقليمية وهي ‪:‬‬
‫المديرية االقليمية لدى محكمة االستئناف بالدار البيضاء و المديرية االقليمية لدى محكمة االستئناف بالجديدة والمديرية االقليمية لدى‬
‫محكمة االستئناف بسطات‪.‬‬
‫‪ - 3‬يقصد بالخدمات اإلدارية حسب مدلول هذه الفقرة الخدمات التي يقدمها موظفو محاكم المملكة والتي ال عالقة لها بالنزاعات‬
‫والخصومات القضائية من قبيل الخدمات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬السجل العدلي؛‬
‫‪ -‬السجل التجاري؛‬
‫‪ -‬شواهد الجنسية؛‬
‫‪ -‬اإلجراءات اإلدارية للزواج؛‬
‫‪ -‬المصادقة على مطابقة الوثائق ألصولها؛‬
‫‪ -‬المصادقة على الوثائق الرسمية ‪Apostille‬؛‬
‫‪ -‬االستفادة من تسبيقات صندوق التكافل العائلي ‪ .....‬إلى غير ذلك من الخدمات المستجدة والتي أملتها الرغبة الملحة لوزارة العدل‬
‫في تلبية رغبات المرتفقين‪ ،‬والتي لم تكن مدرجة كمعيار موضوعي في تحديد الخريطة القضائية‪ ،‬حيث يتم االكتفاء بمعيار عدد‬
‫الملفات الرائجة أو المحكومة‪.‬‬

‫الصفحة ‪186 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ملمثل املصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل على الصعيد الجهوي واملحلي التنسيق‬
‫والتعاون مع املسؤولين القضائيين واإلداريين باملحاكم في إطار منظومة تدبير املحاكم‪ ،‬وجعله ُي ِع ُّد‬
‫وفق نفس املادة وعلى نفس املستوى برامج نجاعة أداء املحاكم ويحدد أهداف كل برنامج‬
‫ومؤشرات القياس املرتبطة به(‪.)1‬‬
‫‪ – 3‬ويتجلى هذا التوجه أخيرا في املادة ‪ 24‬من نفس القانون التي مكنت ممثل املصالح الالممركزة‬
‫للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل من العضوية الكاملة بلجنة التنسيق على صعيد كل محكمة من‬
‫محاكم اململكة‪ ،‬سواء كانت محاكم الدرجة األولى أو محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬عادية أو متخصصة‪،‬‬
‫وذلك حتى يكون على اطالع باملشاكل والحاجيات املثارة من لدن اللجان املذكورة ويعمل على تجاوزها‬
‫وتلبيتها في الحدود املمكنة أو برمجتها ضمن مشروع امليزانية الفرعية للمديرية الجهوية أو االقليمية‬
‫التي تشكل في مجموعها امليزانية الفرعية املقبلة لوزارة العدل‪.‬‬
‫والبد في هذا الباب من اإلشارة إلى أن املشرع املغربي من خالل قانون التنظيم القضائي املغربي‬
‫الجديد رقم ‪ 38.15‬كان حكيما في عدم إشارته للمندوب الجهوي الذي يمثل املندوبيات الجهوية‬
‫التابعة لوزارة العدل وال للمدير االقليمي الذي يمثل املديرية االقليمية لدى محكمة االستئناف‬
‫املعنية‪ ،‬في صلب املادتين املذكورتين وترك الباب مفتوحا وفقا للصيغة التي سيستقر عليها مشروع‬
‫هذه املصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل‪.‬‬
‫‪ -‬خامسا ‪:‬املراسيم املنظمةلالتمركزاإلداري املرتبطة بوزارة العدل‪:‬‬

‫‪ - 1‬الواقع أن هذه النقطة تأتي في إطار تنزيل القانون التنظيمي لقانون المالية رقم ‪ 130.13‬الصادر بتاريخ ‪ 02‬يونيو ‪،2015‬‬
‫خاصة منه المادة ‪ 39‬المتعلقة بإعداد برنامج نجاعة األداء المتعلق بالقطاعات الوزارية‪ ،‬حيث جاء فيها ‪ ":‬البرنامج عبارة عن‬
‫مجموعة متناسقة من المشاريع أو العمليات التابعة لنفس القطاع الوزاري أو المؤسسة تقرن به أهداف محددة وفق غايات ذات‬
‫من فعة عامة‪ ،‬وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة والتي ستخضع للتقييم قصد التحقق من شروط الفعالية والنجاعة والجودة‬
‫المرتبطة باإلنجازات‪.‬‬
‫يعين بكل قطاع وزاري أو مؤسسة مسؤول عن كل برنامج يعهد له بتحديد أهداف ومؤشرات القياس المرتبطة به وتتبع تنفيذه‪.‬‬
‫تضمن أهدا ف برنامج معين والمؤشرات المتعلقة به في مشروع نجاعة األداء المعد من طرف القطاع الوزاري أو المؤسسة‬
‫المعنية‪ .‬ويقدم هذا المشروع للجنة البرلمانية المعنية رفقة مشروع ميزانية القطاع الوزاري أو المؤسسة المذكورة‪.‬‬
‫يؤخذ بعين االعتبار معيار النوع في تحديد األهداف والمؤشرات المشار إليها أعاله‪.‬‬
‫توزع االعتمادات المخصصة للبرنامج‪ ،‬حسب الحالة‪ ،‬داخل ‪:‬‬
‫‪ -‬الفصول المرتبطة بميزانية القطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية ؛‬
‫‪ -‬الفصول المرتبطة بمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة التابعة للقطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية ؛‬
‫‪ -‬الحسابات المرصدة ألمور خصوصية التابعة للقطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية"‪.‬‬

‫الصفحة ‪187 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬مرسوم ‪ 2.93.625‬بتاريخ ‪ 20‬أكتوبر ‪ 1993‬املتعلق بالالتركيز اإلداري؛‬


‫‪ -‬مرسوم ‪ 2.05.1369‬بتاريخ ‪02‬دجنبر‪ 2005‬املتعلق بتحديد قواعد وتنظيم القطاعات‬
‫الوزارية والالتمركز اإلداري؛‬
‫‪ -‬مرسوم ‪ 2.17.618‬بتاريخ ‪ 28‬أكتوبر ‪ 2018‬املتعلق بامليثاق الوطني لالتمركز اإلداري؛‬
‫‪-‬مرسوم للسيد الوزير األول رقم ‪ 385/98‬بتاريخ ‪ 1998/06/ 23‬املتعلق بهيكلة وزارة العدل‬
‫وتنظيمها؛‬
‫‪ -‬مرسوم ‪ 2.10.310‬بتاريخ ‪ 11‬أبريل ‪ 2011‬بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة العدل؛‬
‫‪ -‬قرار لوزير العدل رقم ‪ 516.90‬بتاريخ ‪ 12‬ديسمبر ‪ 1989‬بإحداث مديريات فرعية إقليمية‬
‫تابعة لإلدارة العامة واملوظفين وتحديد اختصاصاتها وتنظيمها ودوائر نفوذها‪.‬‬

‫‪ -‬سادسا ‪ :‬تقارير املؤسسات الدستورية واللجان الجهوية ‪:‬‬


‫‪ -‬تقرير اللجنة االستشارية للجهوية حول الجهوية املتقدمة املعينة من طرف جاللة امللك‬
‫بتاريخ ‪ 3‬يناير ‪ ، .2010‬والذي رفع إلى العناية السامية لصاحب الجاللة امللك محمد السادس‬
‫‪ -‬تقرير املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي حول متطلبات الجهوية املتقدمة وتحديات‬
‫إدماج السياسات القطاعية‪ ،‬رقم ‪ ،2016/22‬من إعداد اللجنة الدائمة املكلفة بالجهوية املتقدمة‬
‫والتنمية القروية والترابية؛‬
‫‪ -‬توصيات تقرير املجلس األعلى للحسابات الخاص بالوظيفة العمومية أكتوبر ‪،2017‬‬
‫الذي اختار وزارة العدل ضمن ‪ 11‬قطاعا حكوميا باعتبارها ذات أهمية من حيث عدد املوارد‬
‫البشرية أو من حيث املهام املوكولة إليها‪ ،‬أو من حيث عالقتها باملواطنين‪ ،‬وأوص ى في خالصاته بأنه ال‬
‫يمكن تحقيق أهداف التنمية بدون إدارة قادرة على ترجمة ومواكبة استراتيجيات التنمية‬
‫االقتصادية واالجتماعية للمملكة‪ ،‬حيث يتطلب األمر إدارة متجددة جذريا باملقارنة مع اإلدارة‬
‫التقليدية‪ ،‬ويجب أن تكون إدارة متميزة بأدائها الجيد وكفاءتها وفعاليتها وابتكارها وتواصلها‪.‬‬

‫الصفحة ‪188 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املح ـ ـ ــورالثان ــي‬


‫تصورالالتمركزاإلداري واملالي للمصالح الالممركزة‬
‫لوزارة العدل من حيث الشكل‬
‫ظلت وزارة العدل باعتبارها وزارة سيادة إلى حدود بداية سنة ‪ 2017‬تضم مكونين في تدبيرها‬
‫الجهوي واملحلي ‪ :‬وهما سلطة تنفيذية تضم موظفين نظاميين تابعين لوزارة العدل وسلطة قضائية‬
‫مستقلة عن هذه األخيرة‪ ،‬وقد كان البد لوزارة العدل بعد استقالل السلطة القضائية عن السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬وبعد التصور الواضح الذي قدمه قرار املحكمة الدستورية رقم ‪ 89.19‬حول مفهوم‬
‫اإلدارة القضائية‪ ،‬ونقاط التماس التي تميز هذه األخيرة عن باقي إدارات الدولة األخرى‪ ،‬وتحديد دور‬
‫وزارة العدل على الصعيد الجهوي واملحلي‪ ،‬من أن تندمج في مشروع الالتمركز اإلداري واملالي‬
‫ملصالحها الخارجية لترسيخ مفهوم إدارة قضائية قريبة من املواطن‪ ،‬والدفع باألداء اإلداري واملالي‬
‫الجهوي واملحلي نحو النجاعة والسرعة والجودة املطلوبة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن تصورنا لهذا الالتمركز اإلداري واملالي للمصالح الخارجية لوزارة العدل يجب أن‬
‫ينطلق من مجموعة من املقومات الشكلية األساسية نوردها كما يلي ‪:‬‬
‫‪– 1‬أن املنطلق األول في هذا التصور الشكلي ينطلق في تحديد املقصود باملصالح الخارجية‬
‫الالممركزة لوزارة العدل‪ ،‬هل نقصد بها املديريات الفرعية اإلقليمية املتواجدة حاليا والتابعة‬
‫للدوائر االستئنافية محاكم اململكة واملنظمة بمقتض ى قرار لوزير العدل رقم ‪ 516.90‬بتاريخ ‪12‬‬
‫ديسمبر ‪ ،1989‬أم يتعدى ذلك إلى مراكز الحفظ الجهوي‪ ،‬ومصالح كتابات الضبط ومصالح‬
‫كتابات النيابة العامة لدى محاكم اململكة سواء منها العادية أو املتخصصة‪ ،‬أم أن التصور الجديد‬
‫سيأخذ بعين االعتبار إحداث مندوبيات أو مديريات جهوية جديدة تسير وفق التقسيم الترابي‬
‫للمملكة ؟‬
‫إن الجواب على هذا التصور يستدعي منها أوال تحديد الغاية من تنزيل الالتمركز اإلداري‬
‫واملالي لوزارة العدل على الصعيد الجهوي واإلقليمي‪ ،‬واعتماد هذه الغاية في تحديد املصالح‬
‫الالممركزة لهذه األخيرة‪.‬‬
‫ومعلوم أن هذه الغاية تعتبر متقابلة إن شئنا القول‪ :‬فمن جهة فاإلدارة املركزية لوزارة‬
‫العدل بحاجة إلى من يمثلها جهويا ومحليا ويخفف العبء عليها‪ ،‬مع تمكين املوظفين املسؤولين‬
‫الصفحة ‪189 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫على الصعيد الجهوي واملحلي من اتخاذ بعض القرارات التي ال تحتاج إلى التدخل املباشر لوزارة‬
‫العدل‪ ،‬ومن جهة أخرى فاملواطن واملوظف على الصعيد املحلي والجهوي بحاجة إلى بنيات‬
‫إدارية وتقنية ومالية قريبة ومتفاعلة وفق املنظور الجهوي الجديد‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن التصور الصحيح لتحديد املصالح الالممركزة لوزارة العدل والتي تنوب عن هذه‬
‫األخيرة في تنزيل برنامجها وسياستها الحكومية‪ ،‬مع مراعاة خصوصية اإلدارة القضائية التي تمارس‬
‫وفق قرار املحكمة الدستورية رقم ‪ 89.19‬ومشروع قانون التنظيم القضائي املصادق عليها مؤخرا‬
‫من طرف مجلس املستشارين ينبني على تحديد هذه األخيرة على الصعيد الجهوي في مندوبيات‬
‫جهوية وفق التقسيم الترابي للمملكة‪ ،‬وعلى الصعيد اإلقليمي أو املحلي في مديريات إقليمية وفق‬
‫الخريطة القضائية للمملكة‪ ،‬وبذلك تكون املصالح الالممركزة لوزارة العدل قد راعت خصوصية‬
‫اإلدارة القضائية املستمدة أصال من خصوصية القطاع‪ ،‬ووموائمت بين التقسيم الترابي والخريطة‬
‫القضائية للمملكة‪.‬‬
‫بناء على مسودة مشروع قرار وزير العدل بشأن إحداث وتحديد اختصاصات وتنظيم‬ ‫‪ً –2‬‬
‫املصالح الالممركزة التابعة لوزارة العدل‪ ،‬والتي تم تداولها بداية سنة ‪ 2022‬يمكن أن نسجل‬
‫مالحظة حول عنونة مشروع القرار‪ ،‬تستدعي ضرورة إسقاط مصطلح "إحداث" ومصطلح "التابعة"‬
‫الذي عنون به املشروع حاليا‪ ،‬لكون وزارة العدل كما سبق القول قد عرفت إحداث مديريات فرعية‬
‫إقليمية تابعة للدوائر االستئنافية للمحاكم بمقتض ى قرار لوزير العدل رقم ‪ 516.90‬بتاريخ ‪12‬‬
‫ديسمبر ‪ ،1989‬ولكون مصطلح "التابعة" يعتبر حشوا في الكالم ما دام حرف "ل" أي "لوزارة العدل"‬
‫كاف لتبليغ املقصود من املصطلح‪.‬‬
‫كما أنه وإلبراز الطابع اإلداري واملالي لهذه األقسام واملصالح وحفاظا على استقاللية‬
‫السلطة القضائية‪ ،‬فالبد من استعمال مصطلح أكثر دقة وتعبيرا يتعلق ب "السلطة الحكومية‬
‫املكلفة بالعدل" عوض "وزارة العدل"‪ ،‬وهو نفس املصطلح الذي أكد عليه املشرع املغربي من خالل‬
‫أحكام املادتين ‪ 21‬و ‪ 24‬من قانون التنظيم القضائي الجديد ‪.38.15‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإننا نقترح العنوان التالي ملشروع القرار ‪":‬قرار وزير العدل عدد ‪ .........‬بتاريخ ‪............‬‬
‫بشأن تحديد اختصاصات وتنظيم املصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل"‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن استثناء وزارة العدل بمقتض ى املادة ‪ 46‬من امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري سنة‬
‫‪ 2018‬جعلها لم تواكب هذا التطور التنظيمي الذي عرفته بعض القطاعات الوزارية املوازية على‬

‫الصفحة ‪190 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املستوى الجهوي واإلقليمي‪ ،‬كما أنها لم تحدد بعد املقصود بمصالحها الالممركزة‪ ،‬وعليه يمكن أن‬
‫نميز جيدا بهذا الخصوص بين مصطلحين أساسيين ‪ :‬املصالح الخارجية لوزارة العدل واملقصود بها‬
‫هنا املديريات الفرعية اإلقليمية و مراكز الحفظ الجهوي‪ ،‬ومصالح كتابات الضبط ومصالح كتابات‬
‫النيابة العامة لدى محاكم اململكة سواء منها العادية أو غير العادية‪ ،‬وبين املصالح الالممركزة لوزارة‬
‫العدل التي يقصد بها البنيات اإلدارية الجهوية واإلقليمية التي لها حق البت نهائيا أو جزئيا بمقتض ى‬
‫قرارات في بعض األمور الجهوية دون الرجوع إلى اإلدارة املركزية (املندوبيات الجهوية واملديريات‬
‫اإلقليمية)‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن التوجه الصحيح في تقديرنا املتواضع لتحديد املصالح الالممركزة لوزارة العدل‬
‫ينطلق من تحديدها في مندوبيات جهوية تتولى التدبير اإلداري واملالي لجميع محاكم الجهة‪،‬لكون‬
‫نتدب ‪ ،‬واملفعول ُمنتدب يعني النيابة والتكليف‪ ،‬ومديريات‬ ‫انتدابا ‪ ،‬فهو ُم ِ‬
‫ً‬ ‫فعل انتدب ينتدب ‪،‬‬
‫إقليمية تشرف على هذا التدبير على صعيد الدوائر االستئنافية‪ ،‬ألن كلمة مدير تعتبر اسم فاعل‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫مؤسسة ويكون مسئوال عن ُحسن تنفيذ‬ ‫يتولى إدارة عمل أو مشروع أو َّ‬ ‫لفعل أدار وهو كل من‬
‫األعمال‪.‬‬
‫إضافة إلى ما سبق فإن هذا التوجه لم يأتي من فراغ‪ ،‬بل يجد أساسه في التعريف الذي‬
‫أعطته املادة الرابعة من ميثاق الوطني لالتمركز اإلداري‪ ،‬والتي أكدت في فقرتها الثانية على أنه‬
‫يقصد باملصالح الالممركزة للدولة ‪" :‬التمثيليات أو البنيات اإلدارية الترابية املمثلة لإلدارات‬
‫املركزية‪ ،‬على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو اإلقليم‪ ،‬سواء كانت تابعة لقطاع وزاري معين‪،‬‬
‫أو مشتركة بين قطاعين أو أكثر‪ ،‬كيفما كان شكل تنظيم هذه التمثيليات أو البنيات‪ ،‬وأيا كانت‬
‫مسمياتها"‪.‬‬

‫‪–4‬البد كذلك ومن حيث الشكل‪ ،‬قبل إصدار وقرار وزير العدل املتعلق بتحديد‬
‫اختصاصات وتنظيم املصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل من تعديل املادة ‪ 46‬من‬
‫املرسوم رقم ‪ 2.17.618‬بتاريخ ‪ 28‬أكتوبر ‪ 2018‬املتعلق بامليثاق الوطني لالتمركز اإلداري التي جاء‬
‫فيها ‪ ":‬ال تسري أحكام هذا املرسوم على القطاعات الوزارية املكلفة بالعدل وباألوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية وبإدارة الدفاع الوطني واإلدارات املكلفة باألمن الداخلي والقطاعات الوزارية التي ال تتوفر‬
‫على مصالح الممركزة"‪.‬‬

‫الصفحة ‪191 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وذلك بإخراج وزارة العدل من االستثناء املذكور العتبارين أساسيين ‪ :‬أولها أن قرار املحكمة‬
‫الدستورية رقم ‪ 89.19‬والذي يعتبر ملزما للجميع‪ ،‬جاء بعد صدور املرسوم املذكور‪ ،‬حيث إنه قد‬
‫حسم في طبيعة اإلدارة القضائية‪ ،‬والتي شكلت خصوصيتها الدافع األساس ي لهذا االستثناء‪ ،‬وثانيا‬
‫أن وزارة العدل ستصبح بمقتض ى قرار وزير العدل املنظم للمندوبيات الجهوية واملديريات اإلقليمية‬
‫تتوفر على مصالح ال ممركزة‪ ،‬وهو ما يستوجب عليها بالتبعية تنزيل مقتضيات مرسوم امليثاق‬
‫الوطني لالتمركز اإلداري‪.‬‬

‫‪ – 5‬أن تنظيم العمل الالممركز لوزارة العدل يستدعي تقسيمه إلى عمل يمكن فيه لهذه‬
‫األخيرة التفويض للمصالح الالممركزة في اتخاذ القرار‪ ،‬وبين عمل يرجع فيه حق اتخاذ القرار إلى‬
‫املندوب الجهوي أو إلى اإلدارة املركزية‪ ،‬ولذلك فإننا نفترح تسمية املديريات الجهوية باملندوبيات‬
‫الجهوية‪ ،‬حيث إن مصطلح مندوب يتضمن إشارة واضحة إلى وجود صالحيات كبيرة في اتخاذ‬
‫القرارات وفق توجيهات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل‪ ،‬كما أن املندوب يكون هو املسؤول عن‬
‫تنفيذ االستراتيجيات القطاعية في مجال العدل على صعيد الجهة‪ ،‬في حين يتم اإلبقاء على مصطلح‬
‫مديرية إقليمية تتولى إنجاز وتنفيذ وتتبع هذه البرامج واملشاريع على صعيد الدائرة االستئنافية‪ ،‬عبر‬
‫املندوبية الجهوية التابعة لها‪.‬‬

‫املح ـ ـ ــورالثالث‬
‫تصورالالتمركزاإلداري واملالي للمصالح الممركزة‬
‫لوزارة العدل من حيث املوضوع‬
‫ال شك أن إحداث مصالح الممركزة لوزارة العدل على الصعيد الجهوي الترابي واإلقليمي‬
‫القضائي‪ ،‬من شأنه الدفع قدما نحو تنزيل ورش التدبير الالممركز لإلدارة املركزية لوزارة العدل‪،‬‬
‫وتحقيق التوطين الترابي للسياسة الحكومية املتعلقة بمجال العدل‪ ،‬كما أنه سوف يساهم في الحد‬
‫من الهوة التي لطاملا عانى منها التدبير الجهوي اإلداري واملالي على مستوى جهات وأقاليم اململكة‪،‬‬
‫وتقريب وجهات النظر والسياسات االقتصادية واالجتماعية واملرفقية على صعيد الجهة أو اإلقليم‪،‬‬
‫وذلك باألخذ بعين االعتبار خصوصيات الجهة أو اإلقليم في إعداد هذه األخيرة‪.‬‬

‫الصفحة ‪192 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫لذلك‪ ،‬فإن مشروع قرار السيد وزير العدل بإحداث مصالح الممركزة لوزارة العدل على‬
‫صعيد الجهات واألقاليم سوف يكون له أثر إيجابي في الدفع بالتدبير الجهوي واإلقليمي نحو‬
‫األحسن واألجود عبر ما يلي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬إسقاط االستثناء الذي نصت عليه املادة ‪ 46‬من امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري سنة‬
‫‪ ،2018‬حتى تتمكن وزارة العدل كقطاع حكومي فاعل ومؤثر في تنزيل سياستها الحكومية على صعيد‬
‫الجهة أو اإلقليم‪ ،‬ودائما في حدود تدخلها اإلداري واملالي دون القضائي‪ ،‬الذي أسند كما هو معروف‬
‫للمجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ،‬وهو األمر الذي يستدعى إصدار مرسوم لرئيس الحكومة يقض ي‬
‫بتعديل املقتض ى املذكور قبل صدور قرار وزير العدل املنظم للمصالح الالممركزة لوزارة العدل؛‬
‫‪– 2‬اعتبار املندوبيات الجهوية لوزارة العدل في حكم مديريات مركزية بوزارة العدل‬
‫واملديريات اإلقليمية في حكم أقسام بهذه اإلدارة‪ ،‬وذلك لكون املندوبيات الجهوية سوف تتولى تنزيل‬
‫السياسة الحكومية في مجال العدل املتعلقة بجميع مديريات اإلدارة املركزية على مستوى الجهة‪،‬‬
‫كما أنها تضم في هيكلتها رؤساء اقسام‪ ،‬مما يستوجب اعتبارها بمثابة مديرية مركزية‪ ،‬كما أنه وفي‬
‫إطار التسلسل اإلداري وجب اعتبار املديريات اإلقليمية التي ستشتغل تحت إشراف املندوبيات‬
‫الجهوية بمثابة أقسام باإلدارة املركزية‪ ،‬ناهيك عن كونها تضم في هيكلتها اإلدارية مجموعة من‬
‫املصالح‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك وانسجاما مع مقتضيات مرسوم امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري‪ ،‬خاصة‬
‫منه املادة ‪،44‬فإن التمثيليات اإلدارية الجهوية تعتبر في حكم مديريات باإلدارة املركزية‪ .‬كما تعتبر‬
‫التمثيليات اإلدارية على مستوى العمالة أو اإلقليم في حكم قسم باإلدارة املركزية‪.‬‬
‫ويستفيد رؤساء التمثيليات اإلدارية الجهوية تبعا لذلك من األجر والتعويضات املخولة‬
‫ملدير باإلدارة املركزية‪ ،‬كما يستفيد رؤساء التمثيليات اإلدارية على مستوى العمالة أو اإلقليم هم‬
‫اآلخرون من التعويضات املخولة لرئيس قسم باإلدارة املركزية‬
‫‪ – 3‬كانت القطاعات الوزارية قبل صدور مرسوم امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري تنظم‬
‫مصالحها الالممركزة سواء كانت جهوية أو إقليمية بمقتض ى قرار للوزير املكلف بالقطاع الوزاري‪،‬‬
‫بيد أن املرسوم املذكور قد أحدث نقلة نوعية من حيث الجهة املكلفة بإحداث هذه التمثيليات‬
‫القطاعية‪ ،‬فأسند وفق أحكام املادة ‪ 11‬إحداث التمثيليات اإلدارية الجهوية القطاعية وتحديد‬
‫اختصاصاتها وتنظيمها لرئيس الحكومة بمقتض ى مرسوم‪ ،‬في حين أبقى على سلطة الوزير املكلف‬

‫الصفحة ‪193 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بالقطاع في إحداث التمثيليات اإلدارية القطاعية اإلقليمية وتحديد اختصاصاتها وتنظيمها‬


‫بمقتض ى قرار‪.‬‬
‫‪ – 4‬نفس األمر ينطبق على سلطة التسمية حيث إن سلطة تسمية املسؤولين عن املصالح‬
‫الالممركزة للقطاعات الوزارية سواء كانت جهوية أو إقليمية كانت تسند إلى الوزير الوص ي على‬
‫القطاع‪ ،‬بيد أن املادة ‪ 13‬من مرسوم امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري فقد فرق بين املندوبين‬
‫الجهوين للقطاعات الحكومية الذين يعينون بموجب مرسوم‪ ،‬وبين املديرين االقليمين الذين‬
‫يعينون بموجب قرارات من السلطة الحكومية املعنية‪.‬‬
‫‪ –5‬ترك املشرع املغربي من خالل أحكام املادة ‪ 24‬من قانون التنظيم القضائي الجديد رقم‬
‫‪ 38.15‬املجال مفتوحا أمام املندوب الجهوي أو املدير االقليمي لحضور أشغال لجنة التنسيق‪،‬‬
‫بحسب أهمية ودرجة املحكمة التي تنتمي إليها هذه اللجنة‪ ،‬حيث استعمل في املادة املذكورة مصطلح‬
‫"ممثل املصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل"‪ ،‬ونقترح من جانبنا املتواضع حضور‬
‫املندوب الجهوي لجان التنسيق على مستوى محاكم االستئناف وحضور املدير االقليمي على‬
‫مستوى محاكم الدرجة األولى‪ ،‬على أنه ليس هناك ما يمنع من حضور رؤساء األقسام واملصالح‬
‫باملكونين معا أشغال هذه اللجان‪ ،‬ما دام مصطلح "ممثل" جاء عاما وشامال لكل عضو ينتمي‬
‫لألقسام واملصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل‪.‬‬
‫‪ –6‬يضم قسم التنسيق على مستوى املندوبيات الجهوية مجموعة من املصالح كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬مصلحة التنسيق الجهوي "تضم مكتب التنسيق مع املديريات الجهوية‪ ،‬ومكتب التنسيق‬
‫مع محاكم الجهة‪ ،‬ومكتب التنسيق الجهوي مع باقي القطاعات"‪.‬‬
‫‪ -‬مصلحة التنسيق املركزي "وتضم مكتب التنسيق مع وزارة العدل‪ ،‬ومكتب التنسيق مع‬
‫وزارة االقتصاد واملالية‪ ،‬ومكتب التنسيق مع املجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ،‬ومكتب التنسيق مع‬
‫رئاسة النيابة العامة"‪.‬‬
‫‪ – 7‬أن تجربة إحداث املصالح الالممركزة لوزارة العدل سوف تسير وفق النسق الذي تأخذ‬
‫به تدبير اإلدارة القضائية على صعيد محاكم اململكة في ظل قانون التنظيم القضائي رقم ‪،38.15‬‬
‫حيث ستشتغل املندوبيات الجهوية واملديريات االقليمية تحت سلطة ومراقبة الوزارة املكلفة بالعدل‬
‫مع إشراف والي الجهة فيما يتعلق باملندوبيات الجهوية وإشراف عامل العمالة أو اإلقليم فيما يتعلق‬
‫باملديريات االقليمية‪ ،‬وذلك تماشيا مع مقتضيات املادة ‪ 19‬من مرسوم امليثاق الوطني لالتمركز‬

‫الصفحة ‪194 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫اإلداري في تنزيله‪ ،‬وحتى تضمن وزارة العدل انخراطها في ورش الجهوية املوسعة الذي هو ورش ملكي‬
‫ً‬
‫مبني أساسا على أولوية الالتمركز اإلداري‪ ،‬وحتى تضمن كذلك تنسيقها الجهوي واالقليمي مع باقي‬
‫القطاعات الوزارية‪.‬‬
‫وقد أثار إشراف الوالي أو العامل في حالة إحداث املصالح الالممركز لوزارة العدل على‬
‫الصعيد الجهوي واإلقليمي مجموعة من االنتقادات‪ ،‬تتعلق أساسا بأن من شأن هذا اإلشراف أن‬
‫يؤثر على استقالل السلطة القضائية‪ ،‬ويؤدي بالتالي إلى جعل مجموعة من املوارد املادية والبشرية‬
‫واللوجستيكية للمحاكم بيد السلطة التنفيذية‪ ،‬لكن هذا التخوف سرعان ما سوف ينجلي إذا ما‬
‫استحضرنا العوامل التالية ‪:‬‬
‫أ – أن قرار املحكمة الدستورية الذي جاء بعد صدور امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري قد‬
‫حسم في إسناد املهام اإلدارية واملالية للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل‪ ،‬حيث تعتبر هي املسؤولة‬
‫عن تدبير املرافق اإلدارية والقضائية التابعة لها من هذه الناحية؛‬
‫ب – أن التدبير اإلداري الجهوي واالقليمي ال يستقيم وفقا ألحكام املادة ‪ 145‬من الدستور‬
‫وأحكام املادة ‪)1( 19‬من مرسوم امليثاق‪ ،‬إال بإشراف السادة الوالة والعمال على املصالح الالممركزة‬
‫لجميع القطاعات الحكومية؛‬
‫ج – أن تنسيق أنشطة املصالح الالممركزة لوزارة العدل‪ ،‬والسهر على حسن سيرها‬
‫ومراقبتها من طرف الوالي أو العامل باعتباره معينا بظهير وممثال للسلطة املركزية على صعيد الجهة‪،‬‬
‫يجعل هذا األخير ووفقا ألحكام املادة ‪ )2(5‬من امليثاق خاضعا بدوره لسلطة ومراقبة وزير العدل‪ ،‬بما‬

‫‪ - 1‬تنص املادة ‪ 19‬من املرسوم رقم ‪ 2-17-618‬صادر يف ‪ 18‬من ربيع اآلخر ‪ 26( 1440‬ديسمرب ‪ )2018‬مبثابة ميثاق وطين لالمتركز اإلداري‪،‬‬
‫املنشور ابجلريدة الرمسية عدد ‪ 6738‬بتاريخ ‪ 19‬ربيع اآلخر ‪ 27( 1440‬دجنرب ‪ ،)2018‬ص ‪ ،9787 :‬على أنه ‪ ":‬ميارس‪ ،‬حتت إشراف وايل اجلهة أو‬
‫عامل العمالة أو اإلقليم‪ ،‬حسب احلالة‪ ،‬رؤساء املصاحل الالممركزة للدولة وخمتلف العاملني حتت إمرهتم مهامهم بكامل املسؤولية‪ ،‬طبقا ألحكام النصوص التشريعية‬
‫والتنظيمية اجلاري هبا العمل‪ ،‬حتت سلطة الوزراء املعنيني‪.‬‬

‫‪ - 2‬تنص المادة الخامسة من مرسوم ميثاق الالتمركز اإلداري على أنه ‪ ":‬تقوم سياسة الالتمركز اإلداري على المرتكزين‬
‫األساسيين التاليين‪:‬‬
‫‪ -‬الجهة باعتبارها الفضاء الترابي المالئم لبلورة السياسة الوطنية لالتمركز اإلداري‪ ،‬بالنظر لما تحتله من صدارة في التنظيم‬
‫اإلداري للمملكة‪ ،‬بما يجعلها مستوى بينيا لتدبير العالقة بين اإلدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى الترابي ؛‬

‫الصفحة ‪195 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫يحقق النجاعة والفعالية وااللتقائية املطلوبة في تنفيذ السياسات الحكومية لقطاع العدل على‬
‫مستوى الجهة وتتبعها‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن والي الجهة أو عامل العمالة أو اإلقليم –رغم األسانيد السابقة ‪ -‬يستويان مع وزير‬
‫العدل في توفير الحاجيات من املوارد املادية والبشرية واللوجستيكية الخاصة بدعم املحاكم‪،‬‬
‫لكونهما معا يمثالن السلطة التنفيذية‪ ،‬التي ينبغي أن تظل في جميع األحوال مستقلة عن السلطة‬
‫القضائية‪ ،‬وبالتالي فالقول بأن إشراف الوالي أو العامل على هذه املصالح فيه مس بهذه االستقاللية‬
‫يستدعي القول كذلك بأن إشراف وزير العدل على التدبير اإلداري واملالي باملحاكم له نفس التأثير؛‬
‫‪ – 8‬أن تجربة وزارة العدل في تحديد اختصاصات وتنظيم مصالحها الخارجية‪ ،‬قد سبقتها‬
‫لذلك تجارب وطنية من قبيل وزارة الصحة التي قسمت مصالحها الالممركزة إلى مديريات جهوية‬
‫للصحة وإلى مندوبيات بالعماالت واألقاليم(‪ ،)1‬ووزارة التربية الوطنية التي حددت مصالحها‬
‫الالممركزة في األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين على مستوى جهات اململكة‪ ،‬وفي مديريات‬
‫إقليمية على مستوى العماالت واألقاليم‪ ،‬وزارة املالية التي تأخذ بنظام التمركز إداري في الشق‬
‫املتعلق بالضرائب‪ ،‬حيث تمثل الوزارة على الصعيد الجهوي مديريات جهوية للضرائب‪.‬‬
‫كما أنه على مستوى التجارب املقارنة‪ ،‬خاصة منها التجربة الفرنسية التي ينهل املغرب الش يء‬
‫الكثير‪ ،‬فإنها تعرف تدبيرا جهويا لقطاع العدالة يعرف بنظام األقسام اإلدارية الجهوية تتولى التدبير‬
‫اإلداري واملالي للدوائر القضائية التابعة لها (‪ ،)SAR: Service Administratif Régionale‬وفق ما‬
‫هو مفصل في الفصول من ‪R312-70‬إلى ‪ R312-82‬من التنظيم القضائي الفرنس ي‪.‬‬
‫وقد تبنت هولندا نظاما لالتمركز اإلداري واملالي ملصالح وزارة العدل أبعد من التصور الذي‬
‫نحن بصدد دراسته‪ ،‬حيث انقلت اختصاصات وزارة العدل مباشرة إلى املحاكم فيما بات يعرف‬
‫بالتدبير أو اإلدارة املتكاملة ‪ ،Gestion intégrale‬حيث أصبح لكل محكمة ميزانيتها الخاصة تتضمن‬
‫املوارد والنفقات‪ ،‬وتتولى التوظيف والتعاقد دون الرجوع إلى اإلدارة املركزية‪ ،‬وقد عرف هذا‬

‫‪ -‬الدور المحوري لوالي الجهة‪ ،‬باعتباره ممثال للسلطة المركزية على المستوى الجهوي‪ ،‬في تنسيق أنشطة المصالح الالممركزة‪،‬‬
‫والسهر على حسن سيرها ومراقبتها‪ ،‬تحت سلطة الوزراء المعنيين‪ ،‬بما يحقق النجاعة والفعالية وااللتقائية المطلوبة في تنفيذ‬
‫السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬المادة األولى من قرار وزير الصحة رقم ‪ 003.16‬بتاريخ ‪ 4‬يناير ‪ 2016‬بشأن إحداث وتحديد اختصاصات وتنظيم المصالح‬
‫الالممركزة لوزارة الصحة‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6452‬بتاريخ ‪ 21‬جمادي اآلخرة ‪ 31(1437‬مارس ‪ ،)2016‬ص‪:‬‬
‫‪.2888‬‬

‫الصفحة ‪196 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الالتمركز على الصعيد املحلي للمحاكم بهولندا في األول تدبيرا مشتركا بين رئاسة املحكمة ونيابتها‬
‫العامة ‪ ،modèle collégial‬وانتقل بعد ذلك إلى التدبير األحادي ‪ modèle dual‬لكل من رئاسة‬
‫املحكمة ونيابتها العامة‪.‬‬
‫‪ – 9‬أن من شأن إحداث هذه املصالح الالممركزة لوزارة العدل تحقيق الغايات التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬ملئ الحلقة الفارغة على مستوى التدبير اإلداري واملالي بين السلطة الحكومية املكلفة‬
‫بالعدل ومحاكم جهات وعماالت وأقاليم اململكة؛‬
‫‪ -‬العمل على تنزيل استراتيجية سياسة السلطة الحكومية املكلفة بالعدل على الصعيد‬
‫الجهوي؛‬
‫‪ -‬التنسيق والتعاون بين هذه املصالح الالممركزة وباقي القطاعات الحكومية الالممركزة على‬
‫صعيد الجهة‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بتدبير البنايات والتجهيز وتحصيل الديون العمومية‪ ،‬وتبادل‬
‫املعلومات واملعطيات وتدبير العمليات املالية؛‬
‫‪ -‬ترشيد نفقات املحاكم وتسريع وثيرة إنجاز املشاريع على الصعيد املحلي والجهوي واملواكبة‬
‫الفعلية لها عبر ضمان التحديد الحقيقي والفعلي للحاجيات؛‬
‫‪ -‬التدبير الجيد للوضعيات اإلدارية للموظفين بما يستجيب لالنتظارات و نهج سياسة القرب‬
‫مع املوارد البشرية الجهوية) تجزئ الرخص‪ ،‬االستيداع‪ ،‬الرخص اإلدارية‪ ،‬الترقية‪.....(.‬‬
‫‪ -‬إرساء آليات الحكامة الجيدة‪ ،‬وترسيخ ثقافة حسن التدبير وتخليق الحياة اإلدارية‬
‫واملهنية؛‬
‫‪ -‬تقريب مركز القرار من املواطن‪ ،‬وتقليص آماد اتخاذه‪ ،‬تحقيقا للسرعة والفعالية في أداء‬
‫املرافق‬
‫اإلدارية الالممركزة لوزارة العدل‪.‬‬
‫كانت هذه باقتضاب شديد دراسة متواضعة حول مسودة مشروع املصالح الالممركزة‬
‫للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل املرتقب إحداثها‪ ،‬والتي سوف تشكل وال شك قفزة نوعية نحو‬
‫تبني وزارة العدل ملقاربة جديدة في تعاطيها مع إشكاالت التدبير اإلداري واملالي على الصعيد الجهوي‬
‫واإلقليمي واملحلي‪ ،‬وجعله أكثر نجاعة وقريبا من املواطن ومن مختلف الفاعلين في منظومة العدالة‪.‬‬

‫الصفحة ‪197 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بيئة العمل التنظيمية لهيئة كتابة الضبط‬

‫ذ أحمد طبيبي‬
‫باحث جامعي‬
‫‪ -‬مقدمة‪:‬‬
‫تعد هيئة كتابة الضبط محور اإلدارة القضائية بما تملك من اختصاصات إدارية وقضائية‬
‫ومالية تشرف من خاللها على العديد من اإلجراءات‪ ،‬من مرحلة تسجيل مقال الدعوى إلى تنفيذ‬
‫الحكم القضائي‪ ،‬وقد نصت املادة الثالثة من القانون األساس ي لهيئة كتابة الضبط على أن‬
‫املوظفين املنتمين للهيئة يمارسون تحت سلطة رئيس اإلدارة‪ ،‬املهام التي تدخل في مجال اختصاصهم‬
‫بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪ ،‬ويساعدون القضاء على أداء رسالته‪.‬‬
‫ويمكن معاينة العديد من املظاهر واملؤشرات املهنية واإلدارية التي تساعد موظفي كتابة الضبط‬
‫على أداء مهامهم في ظروف جيدة‪.‬‬
‫وبالنظر للدور الذي تلعبه كتابة الضبط في العملية القضائية وحجم تدخلها و موقعها في‬
‫منظومة العدالة نتساءل في هذه الدراسة عن مدى وجود عوامل بيئية محفزة لنشاطها ومدى‬
‫انعكاس املكونات واملتغيرات املكونة لبيئة العمل في الرفع أو خفض وتيرة أدائها ؟‬
‫وتعتبرالبيئة التنظيمية من أهم املتغيرات التي تميز املنظمات عن بعضها البعض‪ ،‬فباختالف‬
‫وعي املوظفين للخصائص املكونة للبيئة التنظيمية تتباين سلوكاتهم واتجاهاتهم نحو منظماتهم‪.‬‬
‫وسنحاول في هذا املقال تسليط الضوء على مفهوم البيئة التنظيمية واسقاط مدلوله على‬
‫الواقع البيئي لكتابة الضبط‪.‬‬

‫‪ -‬أوال ‪ :‬تعريف البيئة التنظيمية ‪:‬‬


‫يركز األستاذ "كامل محمد املغربي" في تعريفه للبيئة التنظيمية على أهمية خصائص البيئة‬
‫الداخلية في التأثير على سلوكات واتجاهات العمال‪ ،‬كونها تتميز بنوع من الثبات النسبي كالقيم‬
‫والعادات‪ ،‬عكس خصائص البيئة الخارجية كاألسواق واألسعار التي تتميز بعدم االستقرار‪ .‬حيث‬

‫الصفحة ‪198 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫يرى بأنها‪" :‬مجموعة الخصائص التي تميز بيئة املشروع الداخلية التي يعمل الفرد ضمنها‪ ،‬فتؤثر على‬
‫قيمهم واتجاهاتهم وإدراكاتهم‪ ،‬وذلك ألنها تتمتع بدرجة عالية من االستقرار والثبات النسبي"‪.1‬‬
‫وقد أكد هذا التوجه بعض الباحثين حين ركزوا على أهمية وتأثير األبعاد املشكلة للبيئة‬
‫الداخلية للتنظيم في سلوك املوظفين والعمال واملتمثلة في‪" :‬مجموعة النظم السياسات‪ ،‬املكان‪،‬‬
‫الظروف‪ ،‬العالقات الوظيفية واالجتماعية واإلنسانية بين مستويات‪ ،‬املوظفين والتي تشكل جو‬
‫‪2‬‬
‫العمل الذي يمارس فيه العاملون مهامهم‪".‬‬
‫وفي تعريف آخر ومن زاوية أخرى هناك من يركز عناصر البيئة التنظيمية في تعريفه لها بأنها‬
‫‪" :‬مجموعـة مـن األفكـار واملفاهيم واالتجاهـات التـي تـسـود جـو العمـل فـي املنظمة"‪ ،3‬ويقصد أيضا‬
‫بالبيئة التنظيمية بأنها ‪" :‬مقدار الفرق بين الصورة التي يكونها الفرد عـن املنظمة التي يود االلتحاق‬
‫بها من حيث أحوال املنظمة وظروف العمل فيها ونظم اإلشـراف التي يتبعها املشرفون‪ ،‬ونظم الردع‬
‫والعقاب املعمول بها‪ ،‬وما أدركه من واقع األمر عن أحوال تلك املنظمة بعد االلتحاق بها‪ ،‬كما‬
‫يستخدم هذا التعبير في اإلدارة للداللة علـى مجموعة العوامل التي تؤثر في سلوك العاملين داخل‬
‫التنظيم كنمط القيـادة وطبيعـة الهيكـل التنظيمي والتشريعي املعمول به‪ ،‬والحوافز واملفاهيم‬
‫اإلدراكية‪ ،‬وخصائص البيئـة الداخليـة للتنظيم وغيرها من العوامل واألبعاد التي تؤثر على سلوك‬
‫العاملين داخل املنظمة‪".‬‬
‫وهي بهذا تعتبر وسيط بين الرضا عن العمل واألداء‪ ،‬فاملستوى املرتفـع مـن الرضا يدل على‬
‫وجود بيئة تنظيمية إيجابية تحفز على الرفع من األداء والعكس صحيح‪ .‬ومن خالل تحـسين البيئة‬
‫التنظيمية تستطيع اإلدارة التأثير على الفرد أو العنصر البشري الذي يعد جوهر عملية رفع مستوى‬
‫األداء باملنظمة‪ ،‬وبناء على التعاريف السابقة نستطيع أن نحدد بالتتابع خصائص وأهمية عناصر‬
‫البيئة التنظيمية‪:4‬‬

‫‪ -1‬محمد كامل المغربي‪ :‬السلوك التنظيمي‪ ،‬ومفاهيم وأسس سلوك الفرد والجماعة في التنظيم‪ ،‬دار الفكر والنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫طبعة ‪ ،2010‬ص‪.303.‬‬
‫‪ -2‬محمد حبيب الصحاف‪ :‬معجم إدارة الموارد البشرية وشؤون العاملين ‪،‬مكتبة لبنان ناشرون ‪،‬طبعة ‪ ،2003‬ص‪.90‬‬
‫‪ -3‬محمود سلمان العميان‪ :‬السلوك التنظيمي في منظمات األعمال‪ ،‬دار وائل للطباعة والنشر‪ ،‬طبعة ‪ ،2010‬ص‪.320 .‬‬
‫‪ -4‬محمد كامل المغربي‪ :‬السلوك التنظيمي‪ ،‬ومفاهيم وأسس سلوك الفرد والجماعة في التنظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬

‫الصفحة ‪199 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -1‬الهيكل التنظيمي‪ :‬يتمثل الهيكل التنظيمي بنمط إحداث األنظمة الفرعيـة مـن أدوات‬
‫وأقسام‪ ،‬ويحدد نمط السلطة وأسلوب اتخاذ القرارات‪.‬‬
‫‪ -2‬نمط القيادة‪ :‬وهي طريقة التأثير في التابعين‪ ،‬وهي على أنواع منها الديكتاتورية أو‬
‫االوتوقراطية أو الديموقراطية‪.‬‬
‫‪ -3‬نمط االتصال‪ :‬االتصال الفعال هو االتصال ذو اتجاهين (الهابط والصاعد) الذي يتيح‬
‫للعاملين فرص إبداء الرأي وتبادل األفكار واآلراء واملعلومات‪.‬‬
‫‪ -4‬املشاركة في اتخاذ القرارات‪ :‬أن املشاركة في اتخاذ القرارات تتيح فرصـة إبـداء الرأي‬
‫وترشيد القرارات يؤدي إلى رفع معنويات املرؤوسين وتحقيق االنسجام فـي بيئة العمل‪.‬‬
‫‪ -5‬طبيعة العمل‪ :‬أن العمل الروتيني يقود إلى إحداث امللل واالهمال وعـدم االكتراث‬
‫والالمباالة نحو التحديث والتطوير بسبب عدم تشجيع االبداع وشعور الفرد بأن عمله ليس بذي‬
‫أهمية‪.‬‬
‫‪ -6‬التكنولوجيا‪ :‬تحقق التكنولوجيا الكثير من املزايا في املنظمات‪ ،‬إال أنها تفـضـي إلى مآخذ‬
‫منها االنعزالية‪ ،‬ألن الفرد يتعامل مع آلة وليس مع عناصـر بـشرية‪.‬‬
‫وتكتسب البيئة التنظيمية أهمية خاصة كونها تؤثر على الوظيفة‪ ،‬واألداء‪ ،‬والرضا الوظيفي‪.‬‬
‫فاملوظفون يكونون أكثر إنتاجية‪ ،‬ورضا في املنظمات التي تتميز ببيئة تنظيمية جيدة أكثر من غيرها‪.‬‬
‫كما أصبح موضوع البيئة التنظيمية من املواضيع الهامة التي تستحوذ على اهتمام اإلداريين نظرا‬
‫لتأثيره على العديد من املتغيرات املرتبطة بسلوك املوظفين‪ ،‬الذي يعتبر أساس العمل‪ ،‬ويمكن‬
‫إجمال أهمية البيئة التنظيمية على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬وجود عالقة بين البيئة اإليجابية داخل اإلدارة‪ ،‬وتحسين سلوك املوظفين‪ ،‬وأدائهم لتنفيذ‬
‫أهدافها‪.‬‬
‫‪-‬تأثير البيئة التنظيمية على سلوكيات املوظفين‪ ،‬إذ يقض ي املوظف معظم وقته في العمل‪,‬‬
‫حيث االحتكاك بالرؤساء‪ ,‬واملرؤوسين على كافة املستويات‪ ،‬فهو يخضع في سلوكه لتأثيرات البيئة‬
‫التنظيمية بأبعادها املختلفة‪ ،‬كما أنه خاضع للتغير عبر الزمن‪.‬‬
‫‪-‬أن البيئة التنظيمية تمتاز بنوعية ثابتة‪ ،‬بمعنى أن شخصية اإلدارة هي عملية مكتسبة‪،‬‬
‫فالبيئة التنظيمية تتحدد من خالل تفاعل املوظف معها‪.‬‬

‫الصفحة ‪200 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪-‬أن توفير البيئة التنظيمية املالئمة‪ ،‬هو مفتاح النجاح لإلدارة الفعالة‪ ،‬واالهتمام املستمر‬
‫بخلق بيئة تنظيمية صحية يسهم في تطوير األداء‪ ،‬وتحقيق أهداف املنظمة بكفـاءة وفعالية‬
‫عاليتين‪.1‬‬

‫‪ -‬ثانيا‪ :‬خصائص البيئة التنظيمية لكتابة الضبط ‪:‬‬


‫بناء على ورد في الفقرة السابقة حول العناصر املحدد للبيئة التنظيمية سوف نتناول هذه‬
‫املحددات على مستوى هيئة كتابة الضبط كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬التنظيم الهيكلي واستقاللية كتابة الضبط ‪:‬‬
‫يعد جهاز كتابة الضبط مرفقا عموميا تابعا لوزارة العدل بموجب املادة الثالثة من النظام‬
‫األساس ي املشار إليه أعاله‪ ،‬فهو يباشر مهامه انطالقا من النصوص القانونية والتنظيمية التي تحدد‬
‫هيكلته املؤسساتية‪ ،‬ونطاق وظائفه‪ .‬وإذا ما أخذنا بعين االعتبار تسلسه الهرمي فهو جهاز إداري‬
‫يخضع لسلطة وزير العدل التابع للسلطة التنفيذية‪ ،‬ويخضع موظفوه للنظام األساس ي العام‬
‫للوظيفة العمومية الذي يعتبر بمثابة دستور الوظيفة العمومية ويشمل قواعد تدبير الوضعيات‬
‫اإلدارية ملوظفي القطاعات الحكومية‪.‬‬
‫وتتعدد مظاهر االستقالل الوظيفي لجهاز كتابة الضبط في مجموع املهام التي تباشرها‬
‫بمقتض ى املساطر والقوانين التي تنظم عملها‪ .‬غير أن خضوعها للسلطتين القضائية و التنفيذية في‬
‫اآلن ذاته يثير لبسا ووضعا جدليا مربكا‪ ،‬وهو ما انعكس على املفهوم الوظيفي لإلدارة القضائية‪،‬‬
‫وجعل العديد من املتتبعين ملرفق العدالة ينظرون إلى موضوع استقاللية هيئة كتابة الضبط بشكل‬
‫نسبي نظرا للتداخل القائم بين املجالين القضائي واإلداري في عمل كتابة الضبط وهذا ما أكده قرار‬
‫املحكمة الدستورية عدد‪ 19/89‬الصادر بتاريخ ‪ 08‬فبراير ‪:2 2019‬‬

‫‪1‬نائل عبد الحفيظ العواملة‪ ،‬تطور المنظمات المفاهيم والهياكل واألساليب‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،‬طبعة ‪ ،2013.‬ص‪.‬‬
‫غير منشور‪.‬‬
‫‪ -2‬قرار المحكمة الدستورية عدد ‪ 19/89‬بتاريخ ‪ 08‬فبراير ‪ 2019‬منشور على موقع ‪:‬‬
‫‪https://www.cour-constitutionnelle.ma/Decision?id=1953&Page=Decision‬‬

‫الصفحة ‪201 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫( حيث إنه‪ ،‬إلى جانب األعمال اإلدارية واملالية لإلدارة القضائية‪ ،‬فإن هذه األخيرة‪ ،‬تتميز عن‬
‫باقي اإلدارات العمومية‪ ،‬في أدائها لعمل موسوم بالطبيعة القضائية‪ ،‬ما ُيضفي خصوصية على‬
‫نشاط مرفق العدالة قياسا بباقي املرافق اإلدارية األخرى‪ ،‬فتلقي الشكايات‪ ،‬على سبيل املثال‪،‬‬
‫واملحاضر واملقاالت وتحرير االستدعاءات وحضور االستنطاق وتحصيل الرسوم القضائية وأداء‬
‫مهام التبليغ واملشاركة في هيئة الحكم وتحرير محاضر الجلسات وعمل التنفيذ‪ ،‬أعمال تندرج في‬
‫خانة الولوج إلى العدالة وإجراءات التقاض ي‪ ،‬مما ُيسبغ صفة مساعدي القضاء على هيئة كتابة‬
‫الضبط املشكلة للمورد البشري لإلدارة القضائية)‪.‬‬
‫من جانب آخر يشكل جمود التنظيم الهيكلي الحالي لكتابة الضبط رغم التطور النوعي‬
‫والكمي في أعداد وفئات الوظائف و االنشطة أحد العوامل الكابحة للتطور والتغيير التنظيمي ‪.1‬‬
‫ب ‪ -‬تعدد وتنوع الوظائف واألنشطة ‪:‬‬
‫تتميز املهام املسندة لكتابة الضبط بالتعدد والتنوع ‪ ،‬فهي تشمل باإلضافة إلى الوظائف‬
‫واملهام ذات الطبيعة اإلجرائية والقانونية والتدبيرية والتقنية‪ ،‬العديد من الوظائف الجديدة‬
‫املتخصصة مثل املحاسبة العمومية‪ ،‬واملراقبة والتدقيق ‪،‬وتدبير الصفقات العمومية‪ ،‬وتدبير‬
‫‪2‬‬
‫األنظمة املعلوماتية‪ ،‬وتدبير األرشيف‪ ،‬واملساعدة االجتماعية‪ ،‬والترجمة‪...‬‬
‫وانطالقا من تلك االختصاصات‪ ،‬تقوم كتابة الضبط بدور محوري في العملية القضائية‬
‫اليومية فهي تتدخل في مختلف مراحل الدعاوي والقضايا‪ ،‬كما تباشر رصد وضبط الحسابات‬
‫وتحصيل الرسوم والغرامات والعقوبات املالية القضائية وتوثيق العقود وحفظ أصول األحكام‬
‫والتوقيع عليها‪ ،‬واإلشهاد بصحتها‪ ،‬وأعمال الشبكة والصيانة املعلوماتية وإجراء األبحاث واالستماع‬
‫إلى النساء واألطفال ضحايا العنف وتقديم الدعم واملساعدة القانونية لهم وتقديم خدمات املؤازرة‬
‫القانونية واالجتماعية‪ ،‬كما ال يمكن للمحكمة أن تكون قانونا مكونة من دون كاتب الضبط‪.‬‬
‫وانطالقا من مشروع الدليل املرجعي للوظائف والكفاءات يمكننا حصر املجال الوظيفي لكتابة‬
‫الضبط في عشرين وظيفة نوعية داخل مختلف املحاكم العادية واملتخصصة‪.‬‬

‫‪ -1‬في انتظار صدور النصوص التنظيمية الجديدة المرتبطة بالقانون ‪ 38.15‬المتعلق بالتنظيم القضائي‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مشروع الدليل المرجعي للوظائف والكفاءات لموظفي و ازرة العدل (غير منشور) ‪:‬‬

‫الصفحة ‪202 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وتطرق القانون املتعلق بالتنظيم القضائي رقم ‪ )1( 38.15‬إلى كتابة الضبط‪ ،‬برئاسة املحكمة‬
‫وبالنيابة العامة‪ .‬ويقوم رؤساء كتابة الضبط بهذه األقسام بتوزيع املهام التي تناط بالشعب واملكاتب‬
‫التابعة لهم في بداية كل سنة قضائية في جدول رسمي يبين األنشطة واملهام املختلفة ملوظفي كتابة‬
‫الضبط حسب الكفاءات والخبرة والتخصصات والدرجات الوظيفية وحسب حاجيات املرفق‪ .‬وهذا‬
‫التنوع في املهام يساعد املسؤول اإلداري في اعتماد نظام املداورة والتناوب على املهام‪ ،‬بين مختلف‬
‫املوظفين لتخفيف ضغط العمل بالنسبة لفئة من املوظفين‪ ،‬ممن تتطلب املهام املنوطة بهم ساعات‬
‫إضافية داخل مقرات املحاكم‪ ،‬ككتاب الجلسات ومساعدي قاض ي التحقيق وموظفي النيابات‬
‫العامة ومكاتب الحسابات والرسوم القضائية‪ .‬كما تسمح عملية إعادة توزيع املهام السنوية على‬
‫جميع املوظفين إلى تكسير الرتابة في نفوسهم‪ ،‬وخلق الحيوية وتجديد حماس العمل في وسطهم‬
‫سيما أن بعض املهام البسيطة تثير امللل لدى الكثير من األطر اإلدارية بكتابة الضبط‪ ،‬والتي ال‬
‫تتناسب مع طبيعة كفاءتهم العلمية واملهنية‪ .‬وتساهم طبيعة املهام التي يؤديها موظفي كتابة الضبط‬
‫في رفع الروح املعنوية لهم وتنمية الشعور لديهم بأهمية العمل املناط بهم الرتباطه بالقضاء وخدمة‬
‫العدالة‪ ،‬مما يؤدي إلى بذل الجهود إلتمام األشغال املكلفين بها على نحو مرض يواكب أهداف اإلدارة‬
‫القضائية في تحقيق رسالتها السامية‪.‬‬
‫لكن بسبب عدم تفعيل مرجعية الوظائف والكفاءات الذي يحدد معايير الكفاءات لكل‬
‫املهام املنوطة بكتابة الضبط يشتكي العديد من األطر الحاملة للشواهد العليا واألطر املتمرسة ذات‬
‫الخبرة من سوء توزيع املهام من طرف املسؤولين التي تخضع للمزاجية أو الوالءات أو ملعايير ذاتية‬
‫‪2‬‬
‫وغير مهنية‬
‫ج ‪ -‬دامش املشاركة في اتخاذ القرار‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 38.22.1‬صادر في ‪ 30‬من ذي القعدة ‪ 30(1443‬يونيو ‪ )2022‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 15.38‬المتعلق‬
‫بالتنظيم القضائي‪ .‬ج‪.‬ر‪ .‬عدد ‪ 7108‬بتاريخ ‪ 14‬ذو الحجة ‪14( 1443‬يوليو‪،)2022‬ص‪.4568.‬‬
‫‪ -2‬نموذج من االحتجاجات النقابية على سوء توزيع األشغال‪:‬‬
‫في آسفي ‪https://www.safitoday.com/2017/04/25 :‬‬
‫في أصيال ‪https://al-jalia.com/2022/12/06/:‬‬
‫في الدار البيضاء ‪https://ihata.ma/post/250402/:‬‬

‫الصفحة ‪203 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫فيما يتعلق باملشاركة في اتخاذ القرار يمكن أن ننظر إليها من زاويتين اثنين‪:‬‬
‫‪ -‬من الجانب اإلداري املؤسساتي‪ :‬بخالف النموذج التنظيمي الفرنس ي الذي ينص في قانون‬
‫التنظيم القضائي على أجهزة موازية للقضاة ولكتابة الضبط في التنظيم الهيكلي للمحاكم من خالل‬
‫الجمعيات العمومية ومكاتب التدبير‪ ،1‬في املغرب يقتصر قانون التنظيم القضائي على عضوية‬
‫القضاة في الهيئات التقريرية باملحاكم ويكتفي بعضوية رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة في‬
‫تلك األجهزة بصفتهم مالحظين الغير‪.2‬‬
‫‪ -‬من جانب آخر يشارك موظفي كتابة الضبط في تقرير مصيرهم الوظيفي من خالل‬
‫ممثليهم بصفة استشارية في اللجان اإلدارية املتساوية األعضاء سواء تعلق األمر بالترقيات أو‬
‫بالتأديب ‪.3‬‬
‫‪ -‬أما عن الضمانات املمنوحة ملوظفي كتابة الضبط‪ ،‬فعلى غرار موظفي القطاع العام‪،‬‬
‫وباعتبارهم يعملون داخل مرفق العدالة املرتبط بالسلطة القضائية‪ ،‬لذلك أحاطهم املشرع املغربي‬

‫‪1‬‬
‫)‪- Article R212-22 Modifié par Décret n°2019-912 du 30 août 2019 - art. 23 (V‬‬
‫‪« Le tribunal judiciaire se réunit en assemblée générale dans les conditions prévues à la présente‬‬
‫; ‪section selon l'une des formations suivantes : -1° L'assemblée des magistrats du siège‬‬
‫; ‪2° L'assemblée des magistrats du parquet ;-3° L'assemblée des magistrats du siège et du parquet‬‬
‫; ‪4° Les assemblées des fonctionnaires du greffe et du secrétariat de parquet autonome‬‬
‫‪5° L'assemblée plénière des magistrats et des fonctionnaires.‬‬
‫‪L'assemblée plénière des magistrats et des fonctionnaires comporte une commission plénière.‬‬
‫‪ Dans les tribunaux judiciaires comportant un effectif d'au moins vingt magistrats, l'assemblée des‬‬
‫‪magistrats du siège, l'assemblée des magistrats du parquet, l'assemblée des magistrats du siège et du‬‬
‫‪parquet et les assemblées des fonctionnaires du greffe et du secrétariat de parquet autonome‬‬
‫‪comportent une commission restreinte » Code de l'organisation judiciaire ,» publie sur le site :‬‬
‫‪https://www.legifrance.gouv.fr/codes/section_lc/LEGITEXT000006071164/LEGISCTA000018919‬‬
‫‪347/#LEGISCTA000018922854‬‬
‫‪ -2‬تنص المادة ‪ 30‬من قانون التنظيم القضائي المشار إليه أعاله‪ ،‬على مايلي ‪:‬‬
‫"تتكون الجمعية العامة لمحاكم الدرجة األولى ومحاكم الدرجة الثانية من جميع قضاة األحكام وقضاة النيابة العامة العاملين بها ‪.‬‬
‫يحضر رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة أشغال الجمعية العامة بصفة استشارية‬
‫تنعقد الجمعية‪"......‬‬
‫‪ -3‬المرسوم رقم ‪ 2-59-0200‬الصادر في ‪ 26‬شعبان ‪ 5( 1378‬ماي ‪ )1959‬يطبق بموجبه بخصوص اللجان اإلدارية‬
‫المتساوية األعضاء الفصل ‪ 11‬من الظهير الشريف الصادر بمثابة النظام األساسي العام للوظيفة العمومية‪،.‬ج‪.‬ر‪.‬ع‪2429 .‬‬
‫بتاريخ‪ 7‬ذي القعدة ‪ 15( 1378‬ماي‪،)1959‬ص‪.1522.‬‬

‫الصفحة ‪204 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بالعديد من الحقوق ومجموعة من الضمانات اإلدارية واملهنية أثناء ممارستهم لعملهم‪ ،‬ويمكن‬
‫إجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬ممارسة الحريات العامة‪ :‬يتمتع موظفو كتابة الضبط بكافة الحقوق املتعلقة بالحريات‬
‫العامة التي يقرها الدستور املغربي لكافة املوطنين املغاربة‪ ،‬مع بعض القيود الواردة عليها والتي ال‬
‫تحد من ممارستها داخل املرافق العمومية بل تعمل على تنظيمها بشكل يسمح بضمان التوازن بين‬
‫الحرية التي يتمتع بها املوظف وبين السلطة املادية واملعنوية التي يجسدها‪.‬‬
‫وفي هذا النطاق يضمن القانون الحرية النقابية للموظف بما يعني ذلك‪ ،‬حقه في االنخراط في‬
‫العمل النقابي‪ ،‬وتشكيل نقابات قطاعية واتحادات نقابية ‪ ،‬وممارسة حق اإلضراب وحرية الرأي‬
‫والتعبير ‪ ،‬واالستفادة من التفرغ النقابي‪ ،‬والتغيب ألسباب نقابية ‪ ،‬وتأسيس جمعيات خاصة‬
‫‪1‬‬
‫باملوظفين‪ ،‬اجتماعية رياضية ثقافية ‪ ،‬ترفيهية‪...‬‬
‫‪ - 2‬الحماية القانونية‪:‬‬
‫يتمتع موظف كتابة الضبط في نطاق تمتعه بمجموعة من الضمانات بأنواع متعددة من‬
‫الحماية القانونية‪:‬‬
‫‪ -‬الحماية الجنائية‪:‬‬
‫وتكمن في مختلف الجرائم والعقوبات الواردة في القانون الجناني والرامية إلى معاقبة مختلف‬
‫أنواع أعمال العنف واالعتداء ضد املوظفين‪ ،‬وقد أشار الفصل ‪ 19‬من النظام األساس ي العام‬
‫للوظيفة العمومية ( ظهير ‪ 24‬فبرابر ‪ )1958‬إلى التزام اإلدارة بحماية املوظفين من التهديدات‬
‫والتهجمات واإلهانات والتشنيع والسباب التي قد يستهدفون لها بمناسبة القيام بمهامهم ‪ ،‬وتعوض‬
‫إن اقتض ى الحال وطبقا للنظام الجاري به العمل الضرر الناتج عن ذلك في كل األحوال التي ال‬
‫يضبطها تشريع خاص برواتب التقاعد وبضمانة الوفاة‪ ،‬حيث إن الدولة هي التي تقوم مقام املصاب‬
‫في الدعاوي ضد املتسبب في الضرر‪. 2‬‬

‫‪ -1‬مقتبس من رسالة نيل الماستر في القانون العام تحت عنوان‪ :‬الحق النقابي للموظف للطالب احمد طبيبي‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية بوجده ‪ ،‬السنة الجامعية ‪. 2011-2010‬‬
‫‪ -2‬عبد القادر باينة‪ ،‬الوسائل البشرية للنشاط اإلداري‪ ،‬منشورات زاوية‪ ،‬طبعة ‪ ،2009‬ص‪.102 .‬‬

‫الصفحة ‪205 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬الحماية املدنية ‪:‬‬


‫تظهر الحماية املدنية للموظف من خالل تدخل الدولة ملجابهة مسؤولية قيامه بوظيفته في‬
‫مجال املسؤولية اإلدارية‪ ،‬خاصة في األخطاء املرفقية‪ ،‬وأحيانا في األخطاء الشخصية طبقا‬
‫ملقتضيات الفصلين ‪ 79‬و‪ 80‬من ظهير ‪ 12‬غشت ‪ 1913‬املتعلق بقانون االلتزامات والعقود‪.1‬‬
‫‪ - 3‬الحركة االنتقالية ‪:‬‬
‫تشكل الحركة االنتقالية عصب الحياة اإلدارية واالجتماعية للموارد البشرية ولإلدارة على‬
‫السواء‪ ،‬وألجل خلق التوازن بين املصلحة العامة والخاصة فقد اعتمدت اإلدارة على مجموعة من‬
‫املعايير املوضوعية والتي تمكن من الحفاظ على التوازن الالزم للموارد البشرية داخل املرافق‬
‫اإلدارية والقضائية سواء على مستوى أعداد املوظفين أو على مستوى نوعية املهن والتخصصات‪،‬في‬
‫الوقت ذاته عملت على مراعاة الظروف االجتماعية للموظفين بما يضمن استقرارهم ويساعدهم‬
‫على أداء واجباتهم والتزاماتهم في أحسن األحوال‪.2‬‬
‫وقد مكنت حوسبة الحركة االنتقالية من مرحلة اإلعالن عن فتح املجال لتقديم طلبات‬
‫االنتقال إلى غاية مرحلة اإلعالن عن نتائجها‪ ،‬من تحقيق الشفافية التامة في هذه املسطرة‪ ،‬بحيث‬
‫يتمكن املوظفون من االطالع على أماكن العمل الشاغرة حسب املدن‪ ،‬ومعرفة عدد النقط املحصل‬
‫عليها وترتيبها ضمن باقي الطلبات األخرى‪ ،‬هذا باإلضافة إلى إرجاء تعيين املوظفين الجدد برسم‬
‫السنة املوالية إلى غاية التوصل بطلبات انتقال املوظفين ودراسة إمكانية االستجابة لها‪ .‬ليتم في‬
‫األخير عرض كافة النتائج على التمثيليات النقابية وأخذ مالحظاتها واقتراحاتها قدر اإلمكان‪.3‬‬

‫‪-1‬النسخة العربية لقانون االلتزامات والعقود‪ ،‬منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والفضائية‪ ،‬سلسلة النصوص القانونية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،14‬سنة ‪.2009‬‬
‫‪ -2‬ورقة حول الحركة االنتقالية بقطاع العدل صادرة عن مديرية الموارد البشرية منشورة على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪http://drh.justice.gov.ma/sp/personnel/docs/AVIS_MU.pdf‬‬
‫‪ -3‬وتتم مسطرة البت في طلبات االنتقال طبقا للرسالة الدورية لوزير العدل والحريات عدد ‪ 45‬س ‪ 1/4‬بتاريخ ‪ 26‬فبراير ‪.2014‬‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تصنيف الطلبات حسب طبيعة المهام المسندة لطالبي االنتقال‪ ،‬والبت فيهـا بما يسمح بالحفاظ على تواجد مجموعة من‬
‫التخصصات بكل المرافق أو بإعادة توزيعها؛‬

‫الصفحة ‪206 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ - 4‬نمط القيادة السائد‪:‬‬


‫القيادة اإلدارية منظور شامل يقتض ي القدرة على التكيف وصياغة التوجهات العامة‬
‫باستشراف املستقبل في ظل الظروف البيئية املتغيرة باعتماد املهارات التواصلية لتحقيق األهداف‬
‫وأفضل النتائج وباألداء األحسن للموظفين وتحفيزهم لالرتقاء بهذا األداء باستمرار وزيادة والءهم‬
‫التنظيمي‪.‬‬
‫ويقودنا هذا املفهوم إلى عدد من التساؤالت األساسية عن الطبيعة التنظيمية والوظيفية‬
‫للقيادة اإلدارية في قطاع العدل ؟ ومدى تأثيرها و تحفيزها للموظفين؟ كيف ينجح املسؤولون‬
‫املركزيون في النهوض بما يجب أن ينهضوا به؟ وكيف يدفع ذلك موظفي كتابة الضبط لتقديم والئهم‬
‫للعمل؟ ثم كيف يقيم الجهود التعاونية ألفراد مجموعة العمل؟ وما أسلوبهم في ممارسة السلطة‬
‫وفي متابعة العمل اليومي وتأثير ذلك على إنتاجية ومعنويات العاملين بكتابة الضبط؟‬
‫وحسب طبيعة البناء الهرمي ملرفق العدالة على املستوى التنظيمي يوجد نوعين من القيادة‬
‫‪ :‬قيادة استراتيجية وقيادة تنفيذية ‪.‬‬
‫‪ -1‬القيادة االستراتجية ‪ :‬وهي قيادة متداخلة بين القيادة السياسية و القيادة اإلدارية‬
‫وأحيانا يحصل التباعد بين الرؤية السياسية و الرؤية التكنوقراطية للعمل و األهداف ووسائل‬
‫تحقيقها‪.‬‬
‫‪ -2‬القيادة التنفيذية ‪ :‬وهي القيادة اإلدارية املحلية التي تباشر مهامها في ارتباط مع ماهو‬
‫موكول للموظفين من مهام من خالل النصوص التشريعية والتنظيمية ويتنوع اسلوبها بين من‬
‫يفضل األسلوب األوتوقراطي الصارم وبين من يوظف األسلوب التشاركي الفعال في مواكبته ملهام‬
‫مرؤوسيه ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬االستجابة لمجموعة من طلبات الموظفين رغم حداثة عهدهم بالوظيفة أو قلة النقط المحصل عليها‪ ،‬مادام ذلك يغطي‬
‫الخصاص باألماكن التي يرغبون في االنتقال إليها؛‬
‫ج ‪ -‬اللجوء إلى المفاضلة بين بعض طالبي االنتقال المتساوين في عدد النقط على أساس السن؛‬
‫د ‪ -‬وبالنظر إلى ترابط االنتقاالت فيما بينها‪ ،‬فإن اإلدارة ترفض إمكانية العدول عن ق اررات االنتقال ووجوب تنفيذها ابتداء من فاتح‬
‫يوليو الموالي على طلب االنتقال‪.‬‬

‫الصفحة ‪207 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ - 5‬استعمال وسائل تكنولوجيا املعلوميات واالتصال‪:‬‬


‫تعيش كتابة الضبط واملحاكم على وقع التحول الرقمي من خالل تنفيذ مشاريع رقمنة‬
‫اإلجراءات واملساطر اإلدارية والقضائية والتي تمثل نسبة مهمة من مهام كتابة الضبط‪.‬‬
‫وتعرف هذه العملية وتيرة متسارعة على غرار باقي القطاعات الحكومية‪ .‬ويشكل هذا املشروع‬
‫االستراتيجي رهانا كبيرا لوزارة العدل وملوظفي كتابة الضبط من أجل‪:‬‬
‫‪-‬التخلص من العبئ الورقي للقضايا الذي يعيق العمل ويؤخره بالنظر للعدد الكبير من‬
‫املتدخلين في اإلجراءات القضائية؛‬
‫‪-‬تقليص الجهد والوقت املبذول في العمل؛‬
‫‪-‬تبسيط اإلجراءات البينية مع مختلف املهن القضائية؛‬
‫‪-‬دقة البيانات وجودة املعطيات املعلوماتية التي توفرها األنظمة والتي تعين املسؤولين‬
‫اإلداريين في إعداد املخططات العملياتية داخل املحكمة خصوصا توزيع املهام بين املوظفين‪.‬‬
‫‪-‬الشفافية في رصد أداء املوظفين بحكم وجود تطبيقات تسجل العمل املنجز باسم صاحبه؛‬
‫‪-‬تحسين التواصل اإلداري مع املوظفين من خالل إحداث منصة رقمية لتتبع وضعياتهم‬
‫اإلدارية مع إمكانية التواصل مع مديرية املوارد البشرية عبر هذا املنصة‪.‬‬
‫ورغم أن مشاريع التحول الرقمي تظل من البرامج االستراتيجية الطموحة إال أنها تطرح‬
‫تحديات تكنولوجية غير مسبوقة‪ ،‬حيث تحتاج إلى املواكبة املستمرة من قبل اإلدارة وإلى بنية تحتية‬
‫قوية ومتجددة على مدار السنين‪ ،‬وموظفين لهم مهارات کافية وذلك ما يزيد من رفع التكلفة سنويا‬
‫أمام نقص املوارد املالية وامليزانيات املخصصة لبرنامج التحول الرقمي‪.‬‬
‫خالصة القول أنه من الصعوبة بمكان أن نصل إلى نتائج يقينية عند دراسة متغيرات بيئة‬
‫العمل التنظيمية بالنظر إلى تنوعها و غموضها من جهة و من جهة أخرى ارتباطها الجدلي بعوامل‬
‫خارجية (النظام السياس ي واالقتصادي و االجتماعي السائد ‪ ،‬وعومل داخلية (بيئة العمل املادية ‪،‬‬
‫بيئة العمل الصحية والنفسية‪ ،‬بيئة العمل االجتماعية ‪ )...‬فاليمكن أن نهمل تأثير كل هذه العوامل‬
‫ودورها في ترسيخ نمط محدد من الثقافة التنظيمية لدى موظفي كتابة الضبط‪.‬‬
‫واعتقد أن أي تطوير إيجابي للمتغيرات املتحدث عنها ال يتوقف على بعض التعديالت‬
‫التقنية‪ .‬بل يستدعي إجراءات عميقة‪ ،‬وهو ما يتطلب التزاما سياسيا قويا من طرف الحكومة ووزارة‬

‫الصفحة ‪208 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫العدل باألساس وانخراطا مسؤوال لكافة املتدخلين والشركاء (السلطة القضائية ورئاسة النيابة‬
‫العامة) وموظفي كتابة الضبط وممثليهم‪.‬‬
‫وبالدرجة األولى يجب التخلص من الرؤية التقليدية املرتبطة بالقطاع والذي يعتبر من‬
‫القطاعات التقليدية غير املنتجة التي ليس لها تأثير كبير داخل الحياة االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية حيث ظلت هذه الصفة تالزمه لسنين عديدة وانعكست بشكل كبير على كافة الجوانب‬
‫وبصفة أساسية على جوانب التحفيز‪ ،‬حيث ترتب عنه وجود حوافز ال تتالءم مع املهام الوظيفية‬
‫ملوارده البشرية‪.‬‬
‫وعلى مستوى االختيارات والتوجهات العامة‪ :‬إعادة النظر في منظومة تدبير املوارد البشرية‬
‫بقطاع العدل وذلك بتوطين مناهج التدبير العمومي الجديدة‪ ،‬نظرا ملا تتيحه هذه األدوات التدبريية‬
‫الحديثة‪ :‬الدالئل املرجعية للوظائف والكفاءات‪ ،‬التدبير التوقعي للوظائف واألعداد والكفاءات‪...‬‬
‫من إمكانيات هائلة في إرساء دعائم وظيفة عمومية فعالة وناجعة‪ ،‬تتجاوز التسيير التقليدي‬
‫‪1‬‬
‫للموظفين‪ ،‬وتتبنى التدبر االستراتيجي الحديث للرأس املال البشري‬

‫‪ -1‬احمد بنعامر اليوبي ‪ :‬السياسة العمومية في ميدان تدبير الموارد البشرية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتورة ‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪ ،‬سنة‬
‫‪.2021‬ص‪.383.‬‬

‫الصفحة ‪209 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املح ـ ــورالثالث ‪:‬‬


‫نافـ ـ ــذة على الجامع ــة‬

‫الصفحة ‪210 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫التوثيق والذكاء االصطناعي‬

‫منير صالح‬

‫باحث في سلك الدكتوراه‬

‫القانون الخاص‪ -‬جامعة القاض ي عياض‬

‫‪ -‬تمهي ـد ‪:‬‬
‫يعد الذكاء االصطناعي موضوع الساعة واملادة الدسمة التي تؤثث النقاش الحلي‬
‫واملتواصل في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها مجال التكنولوجيا‪ ،‬حيث تخطــى العالم‬
‫مؤخرا ما يسمى « بتقنية املعلوميــات» التي يعتمد فيها اإلنســان على الحاســوب في عملية جمــع‬
‫البيانات واستــرجاعها‪ ،‬وحفظها من طرف اإلنسان الذي يقوم ذاتيا بعملية االستدالل ِ واالستنتاج‬
‫واتخاذ القرارات ‪ -‬اعتمادا على هذه البيانات‪ -‬التي وفرها الحاسوب‪ ،‬ليتجاوز العالم في اآلونة األخيرة‬
‫هاته الوضعية( ‪) 1‬وينتقل إلى عالم الربوتات‪ ،‬واآلالت‪ ،‬والوسائل الذكية ‪ ،‬حيث أصبحت هذه األخيرة‬
‫بديال لإلنسان والحاسوب في عدة ميادين كونها تستطيع خلق وإيجاد الحلول وضبط القرارات بناء‬
‫على العديد من التقنيات التي تقوم بها تلقائيا أو عن طريق نظام التحكم في الذي جاءت به‬
‫مستجدات الذكاء اإلصطناعي‪ ،‬والتي غزت العالم وال زالت ستشمل معظم امليادين والخدمات‬
‫واملهن التي كانت تعتمد أساسا على املوارد البشرية ( الذاتية ) املتمثلة في السلوك البشري املتسم‬
‫بالذكاء الطبيعي ‪.‬‬
‫وال شك أن مهنة التوثيق ملا كانت تعتبر من املهن الضرورية في حياة األشخاص (الذاتيين‬
‫و االعتباريين ) فالبد وأن تتأثر بدورها بثورة الذكاء االصطناعي ‪ ،‬العتبارها من املهن املساعدة‬
‫للقضاء وملا لها من فضائل ومميزات في توفير األمن التعاقدي وتحقيق التوازن والعدالة العقديين‬
‫بين األطراف بمختلف املعامالت والتصرفات‪ ،‬وكذلك ما تحققه من ضمانات الثقة واالئتمان ‪ ،‬مع‬

‫أحمد حبيــب وعبد هللا موســى الــذكاء االصطناعي‪ :‬ثورة في تقنيات العصر المجموعة العربية للتدريب والنشر‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2019‬ص ‪20،‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫الصفحة ‪211 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تنظيم وأرشفة الحقوق والواجبات بين األفراد واملؤسسات على تنوعها‪ ،‬وكذا جميع أشكال العقود‬
‫التي يريد أطرافها أن تكتس ي طابعا رسميا‪ ،‬تماشيا مع القواعد العامة املؤطرة لذلك(‪.)1‬‬
‫فالتوثيق على هذا النحو وقبل ظهور عالم التكنولوجيا شهد تطورا ملحوظا ببالدنا حيث‬
‫كان األصل فيه االعتماد على األنماط التقليدية في تحرير العقود وإبرام التصرفات عن طريق‬
‫استعمال الدعامات التقليدية ( الكتب ‪،‬االوراق ‪ ،‬الخشب ‪ ،‬الحجر وغيرها‪ )...‬والتي كانت تعتبر‬
‫وسائل لحفظ الحقوق حيث استنبطت قيمتها ومكانتها من أحكام الشرائع السماوية ‪ ،‬خاصة‬
‫الشريعة اإلسالمية التي نادت منذ األزل بضرورة توثيق املعامالت والحقوق سواء ما يتعلق بالديون‬
‫أو غيره من التصرفات لقوله تعالى في هذا الشأن " يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل‬
‫مسمى فاكتبوه ‪.)2("...‬‬
‫وعلى هذا النحو لم تكن مهنة التوثيق محاطة بشكليات معقدة ولم تكن محتكرة من‬
‫أشخاص خواص أو محددين بل كانت حرة ومتاحة للجميع ‪ ،‬حيث يجوز لألفراد تحرير ما شاءوا‬
‫من عقود تحت مبدأ سلطان اإلرادة وتوثيقها كتابة بينهما على الورق أو على الجلد وغيرها من‬
‫وسائل التوثيق التقليدية‪ ،‬كما لهم تحريرها أمام جهات أخرى تجعل عقدهم أكثر رسمية‪ ،‬وكل ذلك‬
‫حسب إرادتهم وحرياتهم‪ ،‬إال أنه ومع مرور الزمن شهدت مؤسسة التوثيق تحوال شمل بعض‬
‫أساساتها وجزئياتها إبان دخول املستعمر الذي سن لتنظيمها ظهير ماي ‪ 1925‬املنظم للتوثيق‬
‫والذي لم يكن إال نصا قانونيا يخدم مصلحة من شرعه فقط ‪.‬‬
‫ولم يتوقف مسلسل تطور هذه املهنة هنا ‪،‬بل استمر بفعل تدخل املشرع املغربي بعد‬
‫اإلستقالل وفي بداية األلفية الثالثة حيث حاول إعادة هيكلة النظام التوثيقي باملغرب للقضاء على‬
‫معيقاته وإشكاالته وذلك عبر خلق ترسانة تشريعية حديثة ابتدأت بسنه القانون ‪ 16.03‬املتعلق‬
‫بخطة العدالة ‪،‬و القانون ‪ 32.09‬املتعلق بمهنة التوثيق حيث حمال في طياتهما مجموعة من‬
‫املستجدات التي كان املأمول من سنها تالفي املشاكل املطروحة سلفا ‪ ،‬وجعلها مواكبة للتحوالت‬
‫والتطورات التي تشهدها " األنظمة التعاقدية " وذلك عبر تجديد الجهات املؤهلة لذلك وحصرها‬
‫وتحديد الضوابط الخاصة بها وبشكلياتها التي جاءت بها هذه النصوص القانونية(‪:)3‬‬

‫انظر الفصول ‪ 418‬وما بعدها من ق ل ع‪ ،‬التي تنظم المحررات الرسمية‬


‫‪-1‬‬
‫‪ 2‬سورة البقرة اآلية ‪. 281‬‬
‫‪: ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ 3‬أنظر شروط ولوج مهنة العدول والموثقين ‪ ،‬وضوابط تحرير الوثائق في القوانين ‪ 16.0‬و‪32.09‬‬
‫‪-‬‬

‫الصفحة ‪212 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وقد تضمنت هذه األخيرة بنودا ونصوصا تخول إمكانية اعتماد اآلليات الحديثة لتحيين‬
‫نظام التوثيق عبر استعمال وسائل التكنولوجيا في تحرير العقود بغية تذليل كافة الصعاب التي‬
‫تقف عثرة أمام تطوير مهنة التوثيق واستفادة املرتفقين من خدمة التوثيق عبر تبسيط املساطر‬
‫واعتماد الوسائط اإللكترونية للعمل على تعزيز القدرات البشرية وترشيد وعقلنة املوارد املالية‬
‫خاصة مع انتشار نظم الرقمنة والذكاء االصطناعي (‪ ،)1‬فالعالم اليوم لم يعد يفكر فقط في اعتماد‬
‫التوثيق اإللكتروني بديال للتوثيق التقليدي القائم على الدعامات الورقية‪ ،‬بل ينتظر تعويضه‬
‫مستقبال بآليات الذكاء اإلصطناعي ونخص بالذكر هنا "الربوتات الذكية" الش يء الذي يفتح الباب‬
‫أمام طابور زويل ومستمر من الجدل والنقاش املستفيض حول مستقبل مهنة التوثيق في ظل ثورة‬
‫الذكاء اإلصطناعي‪ ،‬التي يعد املغرب من الدول األوائل التي تنخرط فيها وتعمل على تنفيذ توصية‬
‫"الهيئة األممية ألخالقيات أنظمة الذكاء االصطناعي‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬فقد أكدت املديرة العامة لليونسكو السيدة أودري أزوالي أن‪" :‬املغرب‬
‫من البلدان األوائل التي حضرت ضمن ‪ 193‬دولة عضو خالل اعتماد التوصية املتعلقة بأخالقيات‬
‫الذكاء االصطناعي"‪ ،‬مبرزة أن املغرب أصبح من بين أوائل البلدان التي نفذت هذه التوصية‬
‫والعمليات التي تسمح باالستفادة منها بالكامل على األرجح في ظل انتشار اآلالت والربوتات في الحياة‬
‫اليومية ومنافستها لإلنسان ليس في حركاته ومهاراته فقط ‪ ،‬بل حتى في تفكيره‪ ،‬مما ينتج عنه‬
‫إشكاالت قانونية تتعلق وترتبط بتحديد املركز القانوني للروبوت سواء من حيث مدى االعتراف له‬
‫بالشخصية القانونية من عدمها‪ ،‬وتكييف املسؤولية القانونية املترتبة على عمله‪ ،‬ومدى قدرته على‬
‫القيام بمهام التوثيق مستقبال" ‪.‬‬
‫ومن هذا كله تتضح لنا أهمية موضوعنا كونه يتعرض لدراسة عنصرين مهمين في‬
‫الجانب العلمي والعملي هما‪ " :‬التوثيق كمهنة ضرورية والذكاء االصطناعي كضرورة ملحة في عصرنا‬
‫الحالي" ‪ ،‬وكونهما يشتركان في األهمية القانونية التي تتجلي في مدى قدرة املشرع على تحديث‬
‫املنظومة التشريعية لتنظيم كل من الذكاء اإلصطناعي والتوثيق لخلق كيان ومساحة للنقاش‬
‫مستقبال ‪،‬ومن جهة أخرى تتجلى أهمية هذا املوضوع من الناحية العلمية في خلق دينامية وسيولة‬
‫لألقالم األكاديمية بغية إثراء املكتبة القانونية‪ ،‬ناهيك عن األهمية االقتصادية التي وال شك أن‬

‫يمكن تعريف الذكاء اإلصطناعي من جهتنا بكونه ذلك التطور الحاصل في وسائل التكنولوجيا والمعتمد على اآللة والربوت التي لها ذكاء مصطنع للعمل به في جل الميادين لمضاهاة الذكاء‬
‫‪-1‬‬
‫البشري الطبيعي‬

‫الصفحة ‪213 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الذكاء االصطناعي و التطور التكنولوجي املستمر سيعود بالنفع االقتصادي على البلد كونها وسائل‬
‫تختصر الجهد والوقت ‪ ،‬وتساهم في الربح السريع ‪.‬‬
‫ويتمخض عما سبق بروز إشكالية محورية ملوضوع دراستنا مفادها ‪ :‬هل سيتمكن‬
‫املشرع املغربي مستقبال من ملئ الفراغ التشريعي بخصوص الذكاء االصطناعي واملسؤولية املترتبة‬
‫عنه من جهة‪ ،‬وما مدى قدرة مهنة التوثيق على الصمود أمام املد التكنولوجي في ظل هيمنة الربوتات‬
‫على معظم املجاالت ؟ وبناء على اإلشكالية اعاله يمكن أن نطرح مجموعة من التساؤالت من قبيل ‪:‬‬
‫_ ماهي التطورات التي شهدتها مهنة التوثيق باعتبارها ذات أهمية بالغة باملغرب ؟‬
‫_ هل يمكن تعويض منهي التوثيق "العدول واملوثيقين" بالربوتات أو آالت الذكاء‬
‫االصطناعي مستقبال ؟‬
‫_ هل يمكن أن يخضع الربوت (الذكاء اإلصطناعي) للقواعد العامة للمسؤولية املدنية ؟‬
‫ولإلجابة عن هذه اإلشكالية سأعتمد تصميم ينطلق من مطلب أول نعرض فيه لتطور‬
‫وأهمية مهنة التوثيق باملغرب (من اآلليات التقليدية إلى الوسائل الحديثة)‪ ،‬ثم نعالج في مطلب ثاني‬
‫مستقبل مهنة التوثيق في ظل الذكاء اإلصطناعي (إشكالية قيام الربوت بدور املوثق ومدى استجابته‬
‫لقواعد املسؤولية املدنية)‪.‬‬

‫املطلب األول تطور وأهمية مهنة التوثيق باملغرب‬


‫(من اآلليات التقليدية إلى الوسائل الحديثة)‬

‫يعتبر التوثيق ضمانة اساسية وأداة هامة في حماية الحقوق الشخصية ‪،‬املالية‬
‫(املنقولة‪ ،‬العينية ) والحفاظ عليها وصيانتها في ظل تشعب الحياة االجتماعية واالقتصادية ‪ ،‬حيث‬
‫أضحت معها عالقات وحقوق األطراف في خطر محدق‪ ،‬إذ صرنا نالمس التداخل في هاته العالقات‬
‫بالكيفية التي أصبح معها االصطدام بين مصالح األفراد قاب قوسين ‪ ،‬وفي مبتغى تفادي هذا‬
‫اإلصطدام يرمي املشرع إلى توفير الترسانة التشريعية الكافية لتالفي ذلك مع أخذه بكل احتياطات‬
‫الرصد املستمر ملنع االعتداء على حقوق الناس من أي طرف آخر ظلما وعدو انا مما يفرض ضرورة‬
‫التوجه نحو تعميم نظام التوثيق وشكليته سواء كان ذلك قائما على الدعامات والوسائط‬
‫التقليدية أو اإللكترونية والذكية أيضا مثل الربوتات الذكية ‪ ،‬للتمكن من حماية الحقوق‬
‫والتصرفات في جل مراحلها منذ إنشاء وتكوين العقد أو عند تنفيذه‪ ،‬بل حتى عندما يتطلب األمر‬
‫الصفحة ‪214 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫إقامة الدليل في النزاعات ‪ ،‬كون الكتابة أقوى وسائل اإلثبات في النزاعات والتي تعنى باهتمام كبير‬
‫‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫القضاء‬ ‫حتى‬ ‫بل‬ ‫والفقه‬ ‫التشريع‬ ‫قبل‬ ‫من‬
‫وهذا اإلهتمام املتزايد بالتوثيق (شكلية الكتابة) لم يكن وليد اللحظة بل ظهر منذ القدم نظرا ملا لها‬
‫من ضمانات متعددة في حفظ مختلف الحقوق وإثبات املعامالت املالية منها ( كالتجارة والكسب‬
‫والبيع والشراء)‪ ،‬أو املعتبرة قربة هلل عز وجل كالهبة والوقف والصدقة ‪ ،‬أو املرتبطة باألسرة (الزواج‬
‫والطالق ) على حد السواء‪.‬‬
‫فاملتأمل في هيكلة نظام التوثيق ببالدنا ‪ ،‬تظهر له جليا تلك االزدواجية القانونية التي‬
‫يقوم عليها التوثيق من خالل وجود نظامين أحدهما ذو بعد إسالمي عايش فترة ما قبل الحماية وبني‬
‫على أسس تشريعية وقواعد فقهية مالكية ‪ ،‬وآخر عصري سطع بعد فترة الحماية متشبعا بالرحيق‬
‫القانوني الفرنس ي حيث كان موجها باألساس للرعايا األجانب‪ ،‬ناهيك عن بروز التوثيق اإللكتروني في‬
‫عصرنا الحالي املعتمد على التكنولوجيا والذي يمكن أن يتوجه ويتحول من توثيق إلكتروني إلى أخر‬
‫آلي (ذكي) وهو ما تبناه املشروع العالمي ملا يسمى بالذكاء االصطناعي ‪ ،‬وهذا ما سنعالجه من خالل (‬
‫الفقرة األولى ) املخصصة لدراسة تطور أنماط التوثيق باملغرب ثم التطرق في (الفقرة الثانية)‬
‫ألهمية التوثيق في عدة مجاالت باملغرب ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تطورأنماط التوثيق باملغرب‬

‫تدرج نظام التوثيق ومر من مراحل متعددة جعلته يساير الفترة الزمنية التي يعاصرها‪،‬‬
‫ففي عصر ما قبل التطور اإللكتروني ‪ ،‬كان نظام التوثيق تقليديا بحيث كان األصل فيه هو التوثيق‬
‫العادي القائم على نمط العمل واملجهود البدني ( اليدوي ) في تحرير العقود واملعامالت ‪ ،‬ومنه تم‬
‫اإلنتقال إلى عصر الوسائل الحديثة (الحاسوب‪ )...‬التي أدت إلى بروز نوع جديد من التوثيق يدعى "‬
‫التوثيق اإللكتروني " الذي صاحب الثورة الرقمية‪ ،‬ناهيك عن ظهور نظام توثيقي حديث يعتمد‬
‫على نظم الذكاء اإلصطناعي في القيام بمهام التوثيق كما هو حاصل في الكثير من التجارب املقارنة ‪.‬‬
‫فالنمط التقليدي للتوثيق كما أشرت أعاله كان يعتمد على الكتابة والتحرير اليدوي‬
‫للعقود واملعامالت‪ ،‬وقد ارتبط بشكل مباشر منذ القدم بنظام ذو طابع إسالمي يسمى التوثيق‬

‫الصفحة ‪215 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫العدلي(‪،)1‬ونظام التوثيق العصري(‪ )2‬الذي ينظمه ظهير ‪ 4‬ماي ‪ 1925‬واملأخوذ من القانون األساس ي‬
‫لنظام التوثيق الفرنس ي الصادر في ‪ 16‬مارس ‪ 1803‬والذي يطلق عليه قانون فانتوز املعدل حديثا ‪.‬‬
‫وإذا كان التوثيق العدلي ال يختلف عن التوثيق العصري إال من حيث القواعد‬
‫املوضوعية املنظمة للتصرفات القانونية املراد توثيقها‪ ،‬ذلك أن الذي يريد أن يوثق عقد بيع مثال‬
‫سواء لجأ إلى العدول أو املوثقين فاألمر ال يختلف من حيث نتيجته في هذا املساق أو ذاك كون كال‬
‫النظامين يقوم على ألية التحرير اليدوي للمحررات والعقود وهو األصل في التوثيق قبل ظهور‬
‫الوسائل الحديثة(‪.)3‬‬
‫فالغاية من هاذين النظامين هي إضفاء الرسمية على بعض العقود لصحتها ‪ ،‬فقد نظم‬
‫املشرع املغربي األوراق الرسمية بمقتض ى الفصول من ‪ 418‬إلى ‪ 423‬من قانون االلتزامات والعقود‪،‬‬
‫وعرف الفصل ‪ 418‬من قانون االلتزامات والعقود الورقة الرسمية بأنها"‪ ....‬هي التي يتلقاها املوظفون‬
‫العموميون الذين لهم صالحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك في الشكل الذي يحدده القانون‪.‬‬
‫وتكون رسمية أيضا ‪ - :‬األوراق املخاطب عليها من القضاة في محاكمهم‪ -‬األحكام‬
‫الصادرة عن املحاكم املغربية واألجنبية‪ ،‬بمعنى أن هذه األحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة‬
‫التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها‪".‬‬
‫في حين عرفها ‪ -‬أي األوراق الرسمية ‪ -‬أحد الفقهاء‪ ،‬بأنها تلك التي يقوم بتوثيقها موظف‬
‫عام مختص بذلك(‪ ،)4‬و البد أن نشير أنه ال يكفي لكي يكون املحرر رسميا أن يتم بواسطة هؤالء‬
‫األشخاص‪ ،‬بل ال بد أن يكونوا مختصين بكتابة هذا املحرر من حيث موضوعه ومكان تحريره أي أن‬
‫تكون لهم والية موضوعية على املحرر الذي أقاموه وأن تكون هذه الوالية في املكان الذي حرروه‬
‫فيه(‪ ،)5‬ناهيك عن ضرورة التقيد بالعديد من الضوابط الشكلية التي تعتبر بمثابة ضمانات لحماية‬
‫حقوق املتعاقدين كتلك التي تتعلق بتلقي الشهادة وحفظها وكذا املخاطبة عليها أو تلك التي تهم‬
‫بيانات الوثيقة التي وجب أن تكون صحيحة ‪.‬‬

‫المؤطر بالقانون ‪ 16.03‬الخاص بخطة العدالة‬


‫‪-1‬‬
‫المؤطر بالقانون ‪ 32.09‬المتعلق بمهنة التوثيق العصري‬
‫‪-2‬‬
‫المتطلبات‪ ،‬المجال‪ ،‬الحجية‪ ،‬مطبعة الجسور طبعة ‪ ،2006‬ص ‪.2‬‬ ‫‪ 3‬أستاذنا أحمد خرطة‪ ،‬قانون التوثيق العصري مع مستجدات مشروع قانون التوثيق ‪82– 03‬‬
‫‪-‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‪ ،‬ص‪274‬‬
‫‪ - 4‬محمد الكشبور‪" ،‬رقابة المجلس األعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية محاولة للتمييز بين الواقع والقانون ‪ ،‬الطبعة األولى ‪، 2001‬‬
‫‪ 5‬أحمد أبو الوفا‪" ،‬التعليق على نصوص قانون اإلثبات‪ ،‬طبعة ‪ 1987‬منشأة المعارف اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪-‬‬

‫الصفحة ‪216 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ونظرا لتعدد اإلكراهات التي تطال نظام التوثيق التقليدي كان لزاما أن تظهر أشكال‬
‫أخرى تساير ما يشهده العالم من تحوالت طالت الثورة املعلوماتية و التكنولوجية ‪ ،‬إذ كان لتطور‬
‫هذه األخيرة أثر واضح على املبادئ العامة للتوثيق ‪ ،‬خاصة في الشق املرتبط بشكليات (الكتابة‬
‫والتوقيع) التي كانت تقوم على وسط مادي محسوس وملموس‪ ،‬وقد صاحب هذا التطور ظهور‬
‫أنماط وأشكال متعددة للوسائل التي يتم من خاللها إبرام التصرفات القانونية على دعامات غير‬
‫تقليدية من قبيل التعاقد عبر األنترنت أو اإليمايل أو باعتماد الحاسوب والهاتف الذكي(‪.)1‬‬
‫ومواكبة منه لهذه الثورة الرقمية والتفاعل معها ‪ ،‬تدخل املشرع املغربي مستجيبا‬
‫ملتطلبات التطور فأصدر العديد من النصوص التي من املأمول أن تكفي لتنظيم املجال الرقمي في‬
‫شقه التعاقدي‪ ،‬ومن أهما نجد القانون رقم ‪ 53-05‬املتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات‬
‫القانونية والذي بموجبه تم اعتماد عوض الدعامات التقليدية آلية الدعامة اإللكترونية التي تعتمد‬
‫العديد من البيانات التي تبين كيفية إبرام العقود اإللكترونية‪ ،‬وتشفيرها‪ ،‬والتوقيع واملصادقة‬
‫اإللكترونيين عليها ‪.‬‬
‫فالقانون رقم ‪ 53-05‬يعتبر أول أساس قانوني للتوثيق اإللكتروني ببالدنا حيث فتح‬
‫املجال لهيمنة العهد الرقمي بشكل ال لبس فيه‪ ،‬مما يرمي على تحقيق األهداف العامة والخاصة‬
‫الرامية إلى تشجيع ولوج املغرب إلى تكنولوجيا اإلعالم واالتصال ‪ ،‬ولالستجابة لتطلعات املتعاملين‬
‫املتعطشين للسرعة والفعالية في النظام القانوني مع اإلستفادة من الجانب اإللكتروني أيضا في‬
‫مجال الخدمات واملرافق األخرى التي يسعى املشرع املغربي إلى تبسيط الولوج واإلنتفاع منها عبر‬
‫تفعيل مسار اإلدارة اإللكترونية ‪.‬‬
‫وفي سبيل تحقيق كل ما قيل فقد أصدر املشرع املغربي العديد من النصوص القانونية‬
‫من بينها القانون ‪ 09.08‬الخاص بحماية املعطيات الشخصية ‪ ،‬ناهيك عن القانون رقم ‪43.20‬‬
‫الخاص بخدمات الثقة بشأن املعامالت اإللكترونية الصادر في أواخر سنة ‪ 2021‬وغيرها من‬
‫النصوص التي ستعود بالنفع اإلقتصادي على بالدنا‪ ،‬نظرا لكون التعامل اإللكتروني والعقود املبرمة‬
‫بهذا الشكل تمتاز بعدة خصائص منها الغياب املادي للمتعاقدين أثناء تبادل التعبير عن إرادتهم‪،‬‬

‫‪ -1‬عبد الفتاح بيومي حجازي‪" :‬النظام القانوني للتوقيع االلكتروني"‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،2008 ،‬ص ‪.8‬‬

‫الصفحة ‪217 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫حيث يتم التعبير عن اإليجاب والقبول فيه من خالل وسائل االتصال عن بعد مما يوفر الوقت‬
‫والجهد (‪.)1‬‬
‫وبه يمكن يمكن القول أنه يمكن ملحرري التوثيق بشقيه العدلي والعصري يسوغ لهما‬
‫إبرام العقود اإللكترونية التي تلعب دورا مهما في الحياة التعاقدية مع التقيد بالقواعد اإلجرائية التي‬
‫جاءت بها القوانين والتي من بينها القانون رقم ‪ 53.05‬الذي أطر الشروط والبيانات الواجب توفرها‬
‫في العملية التعاقدية املبرمة إلكترونيا لخلق وثيقة إلكترونية صحيحة شكال ومضمونا ويمكن‬
‫اإلحتجاج بها (‪.)2‬‬
‫وتبعا لهذا لتطور التكنولوجي لم يعد النقاش منصبا على الوسائل والدعامات التي‬
‫تساعد اليد العاملة واملوار البشرية على القيام باألعمال والخدمات أيا كانت طبيعتها‪-‬مثل "خدمات‬
‫التوثيق"‪ -‬بل أصبح الرهان اآلن هو البحث عن السبل الكفيلة بتعويض املوارد البشرية باملوارد‬
‫اآللية والربوتات في ظل إنتشار الذكاء اإلصطناعي وما صاحبه من تحوالت قد تهدد نوعا ما مستقبال‬
‫(الذكاء الطبيعي) وتجعله على املحك‪ ،‬خاصة وأن أغلب الدول إعتمدت برامج الذكاء اإلصطناعي‬
‫الذي إنخرط املغرب في مسلسله مؤخرا‪ ،‬حيث سيعمل مشرعنا ال محالة على ملئ الفراغ التشريعي‬
‫في املستقبل القريب إلستفادة املغرب من هذه التجربة التي ستعود بالنفع على اإلقتصاد و املجتمع‬
‫املغربيين شريطة توفير الضمانات الكافية والضرورية لهذا املجال خاصة وأننا على إجماع بخطورة‬
‫امليدان التكنولوجي وحساسيته كمجال خصب إلرتكاب الجريمة ‪ ،‬وإختراق النظم والبيانات‬
‫املعلوماتية مما قد ينعكس سلبا على إستراتيجية الدولة بهذا الخصوص‪.‬‬
‫فالثورة التكنولوجية الرقمية‪ ،‬أسفرت عن اختراعات عظيمة من بينها‬
‫الحاسوب سابقا و اآللة أو الروبوت حاليا حيث ستشمل هذه اإلختراعات كل امليادين بما فيها ميدان‬
‫التوثيق والذي قد يعوض اليد العاملة بالروبوت و اآلالت اإللكترونية الحديثة‪ ،‬كونها تمتلك القدرة‬
‫على القيام بما برمجت عليه مع التعلم واكتساب املعرفة‪ ،‬وله القدرة على التسيير الذاتي واتخاذ‬
‫تفاعله‬ ‫عن‬ ‫فضال‬ ‫اإلنسان‪،‬‬ ‫تدخل‬ ‫دون‬ ‫باستقاللية‬ ‫القرارات‬
‫مع الوسط الخارجي (‪ ،)3‬وغيرها من املميزات التي قد تنهي مهام اليد العاملة مستقبال وقد تقض ي‬
‫على بعض املهن ‪.‬‬
‫زينب بنعومر – الحجية القانونية للمستندات االلكترونية في التشريع المغربي – عرض في اطار التكوين المستمر للمحكمة التجارية بمراكش منشور بالموقع االلكتروني التالي ‪" - :‬‬
‫‪-1‬‬
‫‪https://www.fichier/pdf.fr/2015/04/10/docelectroniaueendroitmarocain‬تاريخ اإلطالع ‪2023-03-22‬‬
‫‪ -2‬أحمد أدريوش‪ ،‬تأمالت حول قانون التبادل االلكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫أحمد سعد علي البرعي تطبيقات الذكاء االصطناعي والروبوت من منظور الفقه اإلسالمي بحث منشور بمجلة األزهر العدد ‪ 48‬ص ‪455‬‬
‫‪-3‬‬

‫الصفحة ‪218 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬أهمية مهنة التوثيق‬


‫ال يخفى عن الجميع أن ملهنة التوثيق مكانة هامة ببالدنا في مختلف القطاعات واملحاالت‬
‫وخاصة في الشق العقاري والتجاري‪ ،‬حيث أضحت مؤسسة التوثيق تسدي خدمات مهمة في هاذين‬
‫املجالين لألشخاص الذاتيين منهم واالعتباريين‪ ،‬وصارت مقصدهم لطلب االستشارات والنصائح‬
‫فيما يريدون القيام به من تصرفات ويبرمونه من عقود‪ ،‬فاألشخاص في الوقت الحاضر وأمام تطور‬
‫املعامالت التي لم تعد كما كانت عليه في السابق(‪ ،)1‬وبسبب ظهور عدة عقود لم تكن معروفة من‬
‫قبل(‪ )2‬أصبحوا في حاجة ماسة إلى من يوجههم التوجيه القانوني السليم لضبط تصرفاتهم وضمان‬
‫حقوقهم(‪.)3‬‬
‫أما في املجال العقاري فتظهر أهمية التوثيق من خالل صيانة األموال العقارية من أن‬
‫تكون عرضة للضياع بإنكارها وعدم إثباتها إذا لم تكن هناك وثيقة تحفظها‪ ،‬والحد من النزاعات بين‬
‫األشخاص من خالل شكلية الكتابة التي تقطع الشك باليقين وتضمن الحقوق ألهلها ‪ ،‬وتؤدي إلى‬
‫تثبيت واستقرار املعامالت العقارية وتحقيق أبعاد األمن العقاري املرجوة من النصوص القانونية‬
‫ذات الصلة بالعقار (‪.)4‬‬
‫أما عن أهمية التوثيق في املجال التجاري فتكمن في دوره في مسار تشجيع االستثمارات و‬
‫تحسين مناخ األعمال من خالل ضمان استقرار املعامالت التجارية و خلق جو من الثقة لدى‬
‫املستثمرين ‪ ،‬مع السعي تدريجيا نحو تعميم رسمية املعامالت التجارية ملا تتميز به من خصوصيات‪،‬‬
‫فالتوثيق هو السبيل لتقوية التجارة وحفظ الحقوق املالية التي تتطور مع تطور امليدان التجاري‬
‫والذي يحتاج مزيدا من الثقة واإلئتمان عند إبرام التصرفات التجارية التي تقوم على حرية اإلثبات‬
‫وفقا للمادة ‪ 334‬من مدونة التجارة ‪.‬‬
‫فالتوثيق مهم جدا لهذا املجال لكونه يشكل دليال على املعاملة ويقال أن التوثيق أقوى‬
‫من اإلثبات‪ ،‬فالتاجر عندما يقوم بتوثيق أعماله فهو في مركز قوة عن الذي يسعى إلى اإلثبات ‪.‬‬

‫عبد القادر العرعاري‪ ،‬ضمان العيوب الخفية في عقد البيع‪ ،‬طبعة ‪ 1996‬مطبوعات المعارف الجديدة‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪-1‬‬
‫‪ 2‬من هذه العقود‪ :‬بيع العقار في طور اإلنجاز‪ ،‬اإليجار المفضي إلى تملك العقار‪ ،‬االئتمان االيجاري‪.....‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ 3‬محمد الربيعي‪ ،‬محررات الموثقين وحجيتها في اإلثبات في التشريع المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫‪-‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1988-1987‬ص ‪.35‬‬
‫نذكر هنا القانون ‪ 14,07‬المنظم للتحفيظ العقاري والقانون ‪ 39.08‬الخاص بمدونة الحقوق العينية‪...‬‬
‫‪-4‬‬

‫الصفحة ‪219 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وبناءا عليه فنظام التوثيق بشقيه التقليدي و الحديث هو من الضمانات ويعد أمرا هاما وضروري‬
‫وإجراء الزم لتحقيق اإلستقرار املنشود لشتى املحاالت ‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬مستقبل مهنة التوثيق في ظل الذكاء االصطناعي‬


‫(إشكالية قيام الربوت بدوراملوثق ومدى استجابته لقواعد املسؤولية املدنية)‬

‫الواقع أن الحديث عن مستقبل مهن التوثيق وعالقتها بالذكاء االصطناعي بخصوص‬


‫إمكانية تعويض مهنة التوثيق" بالربوتات أو اآلالت " ببالدنا يبقى حديثا مفترضا من الناحية النظرية‬
‫فقط ‪ ،‬إلى حين أن نعيش هذه التجربة في الواقع ‪ ،‬والتي ال شك أن التطور التكنولوجي الحالي‬
‫واملستمر سيسفر عنها مستقبال وسيجعل مهنة التوثيق ومسارها على املحك ‪ ،‬الش يء الذي سيعمق‬
‫النقاش بين مؤيدي الوسائل التقليدية املعتمدة على للموارد البشرية وبين التيارات الحديثة التي‬
‫تسعى للقضاء على اليد العاملة وتعويضها بأنظمة الذكاء اإلصطناعي ‪ ،‬لذلك سنحاول إيضاح هذه‬
‫الفكرة ولو من جانب ضيق عندما نتطرق إلشكالية مدى استطاعة " الربوت " القيام بمهنة التوثيق‬
‫في الفقرة األولى‪ ،‬ثم نعرج على موقع الربوت من قواعد املسؤلية املدنية ومدى خضوعه لها عند‬
‫ارتكاب أخطاء مهنية معينة في الفقرة الثانية‪.‬‬

‫الفقرة األولى إشكالية قيام الربوت بمهنة التوثيق مستقبال باملغرب‬

‫من املالحظ على املستوى العملي باملغرب أنه يصعب التكهن بفشل أو نجاح مهام‬
‫"الربوت" في جل امليادين ليس فقط في مجال التوثيق‪ ،‬كون األمر الزال لم يتم تنزيله على أرض‬
‫الواقع‪ ،‬وهو ما يصعب التسليم به نظرا ملكانة نظام التوثيق القائم على خصوصيات وضوابط‬
‫تجعله ال يستقيم وال يجد ضالته إال بوجود العناصر البشرية املتمتعة بالذكاء الطبيعي "املوثقون‬
‫والعدول وغيرهم" ‪،‬وبالتالي ولو سلمنا وقلنا على سبيل املثال أن الربوت توغل في ميدان التوثيق‬
‫ودخله‪ ،‬فإنه يستحال عليه إتقان هذه املهنة في خضم الوضع الراهن‪ ،‬وذلك لعدة مبررات من قبيل‬
‫كون التوثيق ينتج بعض املحررات والوثائق التي تستلزم أحيانا بعض اإلجراءات الشكلية (كالتسجيل‬

‫الصفحة ‪220 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫في إدارة الضرائب أو التسجيل في املحافظة العقارية ‪ ،‬أو االنتقال أحيانا إلى مكان التعاقد) (‪)1‬الش يء‬
‫الذي يجعل مهمة الربوت في هذه املهنة محدودة إن لم نقل مستحيلة‪ ،‬ويزكي استمرار نظام التوثيق‬
‫التقليدي الذي تتحقق فيه شروط الثقة التي لن يحظى بها أي نظام توثيقي حديث حاليا ‪.‬‬
‫وفرضا لو شاءت الظروف والتطورات التكنولوجية إقحام الربوت للقيام بهاته املهام‬
‫التوثيقية‪ ،‬فستعترضه صعوبات كثيرة ‪ ،‬ومنه يمكن أن يفلح في عمله فقط كعنصر اصطناعي ذكي‬
‫مساعد للشخص الطبيعي املكلف بالتوثيق ‪ ،‬وعلى األرجح اإلستفادة منه ومن فضائله في إسراع‬
‫العمليات التعاقدية وتبسيطها من خالل محاولة التوفيق والتنسيق بين إيجابيات التعاقد‬
‫اإللكتروني ومزايا الذكاء اإلصطناعي ‪.‬‬
‫وعالقة باملوضوع فالش يء الذي يعضض ما قيل ويؤكد صعوبة حلول الربوت مكان‬
‫الجهات املكلفة بالتوثيق (املوثق او العدل ) في القيام بهذه املهنة هو وجود كما أشرنا إكراهات‬
‫متعددة سنختار منها ما يرتبط باإلكراهات القانونية واللوجستيكية‪.‬‬
‫فبالنسبة للعوائق القانونية نجد أن هناك فراغ قانوني في هذا اإلطار اللهم االتفاقية‬
‫التي شارك فيها املغرب في باب الذكاء االصطناعي(‪ ،)2‬مما يجعلنا ننوه وندعو املشرع املغربي إلى‬
‫خوض مضمار خلق ترسانة تشريعية معاصرة تتوفر فيها ضمانات هامة لالستفادة من الذكاء‬
‫االصطناعي بمختلف امليادين وليس فقط التوثيق‪.‬‬
‫أما بخصوص املشاكل اللوجستيكية التي قد تمنع أحيانا الربوت من مهمته كونه ‪-‬أي‬
‫الربوت‪ -‬يحتاج إلى الكثير من الطاقة الكهربائية أو املغناطيسية او غيرها وهو ما قد يحد من دوره‬
‫بفرضية وجود عطل في الطاقة التي يشتغل بها‪ ،‬فعلى املستوى الواقعي قد تبرز هذه اإلشكالية ويتم‬
‫عرقلة وضياع التصرف أو الش يء املتعاقد عليه ‪ ،‬وبالتالي يصبح الذكاء اإلصطناعي مضرة وليس‬
‫منفعة هذا من جهة ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى أرى أنه ال يمكن تصور وجود "الربوتات " في كل اإلدارات مستقبال‬
‫لخصوصية بعض املهن التي ال يمكن االستغناء فيها عن اإلنسان واألشخاص الذاتيين ومن غير‬
‫املمكن تعويضها بالعامل اآللي أو الربوت‪ ،‬ومن بينها املحاماة والقضاء وغيرها‪ ،‬وبالتالي نظرتنا من‬

‫إضافة إلى وجود بعض العقود التي من المستحيل أن يقوم بها الربوت حاليا مثل توثيق عقد الزواج نظرا لقيمنه اإلجتماعية‬
‫‪-1‬‬
‫أزوالي‪ -‬ا لــذكاء االصطناعي‪ ،‬تقرير اللجنة العالمية ألخالقيات المعارف العلمية والتكنولوجيا التابعة لليونســكو لسنة ‪2017‬م بشأن إعداد و دراسة أولية بشأن أخالقيات الذكاء‬
‫‪ - 2‬أوندري‬
‫االصطناعي منشور بمجلة رســالة اليونســكو‪ ،‬عدد ســبتمبرلسنة ‪2018‬‬

‫الصفحة ‪221 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫هذه الزاوية تتبنى ‪ -‬كما سبق القول ‪ -‬فرضية مكنة االستعانة ببعض الربوتات في عمليات ضبط‬
‫امللفات وتشفيرها وكذا املساعدة داخل اإلدارات املكلفة بالتوثيق وباقي اإلدارات األخرى ‪.‬‬
‫وعالوة على ما قيل أنفا البد من التنويه بالذكاء اإلصطناعي وفوائده‪ ،‬مما سيساعد‬
‫الدولة على تنمية اقتصادها وتلبية حاجياتها الضرورية عبر إنقاص اليد العاملة التي تشغل مناصب‬
‫تظفر بها اليد العاملة الطبيعية وتعويضها بالربوت للقيام بها لتوفير السيولة املالية في باب‬
‫التوظيف و تحقيق املردودية والنجاعة كون الربوت يبرمج ألهداف معينة ويصعب أن يتماطل فيها‬
‫او في إنجازها على خالف اليد العاملة الطبيعية ‪.‬‬
‫ويعتبر الربوت ذكي جدا إذ يقوم بواجبه وفق عدة فروع وتقسيمات تشمل أنواعه‬
‫وتشمل كذلك طرق عمله ‪ :‬منها الربوت الحديثة والتي يمكن أن يكون التحكم فيها خارجي من طرف‬
‫اإلنسان ومنها تلك التي يمكن أن تعمل بشكل مستقل و ذاتي ‪ ،‬فاألولى املتحكم فيها هي الربوتات التي‬
‫يعتمد سلوكها على برنامج تحكم يعمل وفق خوارزميات معينة ويمكن التمثيــل لها بالربوتات‬
‫الصناعية املســتخدمة اآلن في معظــم املصانــع والشركات‪ ،‬فهــي تعتبر مجرد آالت مبرمجة بطريقة‬
‫معينــة ألداء مجموعة من املهام املحددة بشكل دقيق سلفا (‪.)1‬‬
‫أما النوع األخر ويسمى الربوتات ذاتية التشغيل‪ ،‬فهــي ربوتــات متعلمــة تتمتع بقــدرات‬
‫تحاكــي قدرات اإلنســان‪ ،‬مثــل اإلدراك واستعمال اللغة والتفاعل وحل املشكالت والتعلم واإلبداع‪،‬‬
‫وتستند في طريقة عملها إلى التعلم اآللي والخبرات املعرفية ‪ ،‬ويصعب التنبؤ بسلوكها ألنها تعمل‬
‫بطريقة ذاتية من غير تحكم بشــري‪ ،‬وتســمى بـ«الربوتــات املعرفية» العتمادهــا في قراراتها على جمع‬
‫البيانات الضخمة وتحليلهــا واتخاذ القرار بنــاء عليها ويمكن تســميتها أيضا «الربوتات املســتقلة» أو‬
‫التشــغيل»‬ ‫«الذاتية‬
‫الستقاللها في اتخــاذ قراراتها بعيدا عن تحكم اإلنســان(‪.)2‬‬
‫عموما فبلدنا ال محالة ستلجأ ألنظمة الذكاء االصطناعي مستقبال في مختلف امليادين‬
‫تلبية لحاجيات الدولة واملواطنين معا في ظل الثورة الرقمية الرابعة التي تجاوزت االعتماد على‬
‫الوسائط والدعامات اإللكترونية والعمل عن بعد‪ ،‬مما أهلها لتعويض الطرق التقليدية في التعاقد‬
‫واملعامالت و التي كانت تعتمد الدعامات املادية واملستندات الورقية‪.‬‬

‫ضياء الدين زاهر‪ ،‬ـ تكنولوجيا الروبوت‪ :‬اإلمكانات واإلشكاليات مقال بمجلة مستقبل الربية العربية‪ ،‬المركز العربي للتعليم والتنمية‪ ،‬مجلد ‪-9‬عدد ‪28،‬يناير ‪2003‬م‪ ،‬ص‪24.‬‬
‫‪-1‬‬
‫نيفين فاروق فؤاد ا آللــة بيــن الذكاء الطبيعــي والذكاء االصطناعي‪ :‬دراســة مقارنة‪ ، ،‬بحث منشــور بمجلة البحث العلمي في اآلداب‪ ،‬جامعة عين شمس‪ -‬عدد ‪-13‬جزء ‪ 3‬ص‪500‬‬
‫‪-2‬‬

‫الصفحة ‪222 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إشكالية سريان قواعد املسؤولية املدنية‬


‫على أنظمة الذكاء االصطناعي (الربوتات نموذجا)‬

‫يرتبط مفهوم املسؤولية بتحمل الشخص نتائج وعواقب اإلخالل الصادر عن مخالفته‬
‫الواجبات امللقاة على عاتقه أو على عاتق من يتولى رقابته واإلشراف عليه‪ ،‬وهي الجزاء الذي يقوم‬
‫مكان مخالفة الواجب ويقومه ‪ ،‬وهذه املخالفة قد تكون أخالقية تستوجب جزاءا أدبيا‪ ،‬أو قانونية‬
‫تستوجب جزاءا لجبر الضرر‪ ،‬وقد يكون الجبر فيها إما ماديا يسمى تعويضا في إطار القواعد العامة‬
‫للمسؤولية املدنية(‪ ،)1‬وقد يكون التعويض فيه مساس بالذمة املالية وبذات املخالف معا كما هو في‬
‫قواعد املسؤولية الجنائية (‪.)2‬‬
‫وملا كان حديثنا عن عالقة الذكاء االصطناعي بالتوثيق‪ ،‬فنرى أنه من األفضل واألجدر‬
‫التطرق إلشكالية خضوع الربوت لقواعد املسؤولية املدنية من عدمه والتي عهدنا تطبيق قواعدها‬
‫على الشخص الطبيعي واإلعتباري‪ ،‬فكيف هو الحال بالنسبة لإلنسان اآللي أو الربوت ‪ ،‬وبالتالي هل‬
‫الربوت مسؤول عن أخطائه بشكل مستقل‪ ،‬أم أنه تابع في مسؤوليته لشخص ما أم هو مجرد ش يء‬
‫محروس؟ فهذه كلها إشكاالت ستعمق النقاش في باب املسؤولية املدنية للروبوت التي يستعص ي‬
‫تحديدها دون معرفة الطبيعة القانونية للربوت ‪ ،‬ومن ثم البحث عن قواعد املسؤولية املدنية‬
‫املناسبة و املراد تطبيقها عليه ملعرفة املسؤول األول عن الضرر الحاصل إللزامه بالتعويض‪.‬‬
‫وهذا حتما ما يجعلنا ال نستسيغ التسليم بفكرة خضوع الربوت لقواعد املسؤولية‬
‫املدنية بشكل مجرد كشخص مستقل ‪ ،‬والتي ال تقوم إال بالتوفر على األركان الضرورية املتمثلة في (‬
‫الخطأ والضرر والعالقة السببية ) لقيام هاته املسؤولية ‪،‬سواء كان مصدرها العقد ‪ ،‬أو كانت‬
‫تقصيرية مصدرها القانون " العمل غير املشروع" ‪ ،‬ومن جهتنا ونحن بصدد هذه اإلشكالية نرى أن‬
‫املسؤولية التقصيرية هي األقرب تطبيقا على"الربوت" من الناحية النظرية إذ يمكن مستقبال أن‬
‫يخضع لقواعدها بخالف العقدية املترتبة على اإلخالل باإللتزامات التعاقدية التي ال زالت في باب‬
‫التوثيق تقتصر في إنجازها على العنصر البشري‪ ،‬اللهم إذا استفادت مهن التوثيق من الربوت‬

‫انظر قواعد المسؤولية المدنية المنصوص عليها في الكتاب األول من قانون االلتزامات والعقود المغربي‬
‫‪-1‬‬
‫انظر قواعد المسؤولية الجنائية المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي المغربي‬
‫‪-2‬‬

‫الصفحة ‪223 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫كعنصر مساعد كما أشرنا سابقا في ضبط التعاقدات وتوفير الوقت والثقة للمهنة للحلول دون‬
‫مسؤوليته في هذا الشأن ‪.‬‬
‫فصعوبة التكييف الصحيح لشخصية الربوت هي التي تزيد األمر تعقيدا من الزاوية‬
‫الفقهية بل حتى القضائية خاصة عند ترتيب الجزاء املناسب للضرر(‪ ، )1‬وفي سبيل التوضيح أكثر‬
‫ونظرا لكون الربوت ال يعد إال ش يء(‪ ،)2‬فمنه نقترح مستقبال إمكانية تطبيق أحكام املسؤولية‬
‫التقصيرية الناشئة عن حراسة األشياء عليه املنصوص عليها في القانون املدني املغربي(‪،) 3‬حيث أراد‬
‫بها املشرع األخذ بيد املضرور بغية تخفيف عبء اإلثبات عليه عندما يطالب بالتعويض عن‬
‫األضرار التي تسببها له اآلالت امليكانيكية و الربوتات الخطيرة التي خلفها التطور الصناعي‪.‬‬
‫فاملشرع في هذه املسؤولية حاول أن يعفي املضرور من إثبات خطأ حارس الش يء الذي‬
‫أحدث الضرر‪ ،‬باعتبار أن مسؤولية الحارس تقوم على خطأ مفترض من جانبه في رقابته وبالتالي‬
‫يمكن أن يخضع الربوت لهاته الحالة من حاالت املسؤولية ألنها األقرب للواقع فعلى الرغم من‬
‫استمرار الخالف في اآلراء على تحديد أساس مسؤولية حارس األشياء ومدى اعتبار الربوت ش يء‬
‫وليس صفة‪ ،‬فالبعض يقول أن أساس هذه املسؤولية هو تحمل التبعة‪ ،‬فمن يستفيد من الش يء‬
‫عليه تحمل تبعة الضرر الذي يحدثه للغير‪ ،‬وعليه لكي تطبق قواعد املسؤولية لحراسة الش يء على‬
‫الربوت البد من توفر شرطين هامين ‪ :‬أولهما استجابة الربوت للحراسة وإحداث ضرر للغير(‪ ،)4‬هذه‬
‫الفرضيات كلها بسبب قيام املسؤولية املدنية على االعتبار الشخص ي أي على أساس الخطأ‬
‫الشخص ي املباشر أو غير املباشر(‪.)5‬‬
‫فاإلشكالية تبدو غاية في التشعب بين املؤيد والرافض للفكرة‪ ،‬وبين من اعتبره وكيال‪،‬‬
‫فقد استبعد أصحاب اإلتجاه األول فكرة اإلعتراف بالشخصية القانونية للروبوت واعتبروا أن‬
‫الربوتات مجرد أشياء من الناحية القانونية وما ينتج عنها من أضرار يعالج وفقا لنظام التأمين‬
‫اإللزامي عن حوادث الربوت‪ ،‬أما عن أصحاب االتجاه الثاني فقد طرحوا فكرة الربوت الوكيل‪ ،‬أي‬
‫مدى اعتباره وكيال عن اإلنسان للقيام بما أوكل إليه‪ ،‬بينما وجد جانب آخر من الفقهاء اعتبر‬

‫المسؤوولية المدنية للووووت وين الواقع واستشواف المسؤتقبل مقال منشور بمجلة القانون الدولي والتنمية المجلد ‪ 10‬العدد االول لسنة ‪ 2022‬ص‪334‬‬
‫‪ - 1‬هشماوي اسية ‪:‬‬
‫‪ 2‬عبد الرزاق وهبة سيد احمد محمد‪ ،‬المسؤولية المدنية عن أضرار الذكاء االصطناعي "دراسة تحليلية"‪ ،‬مجلة جيل‪ ،‬األبحاث القانونية المعمقة‪ ،‬العدد ‪43،‬أكتوبر ‪2020‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ 3‬نظم المشرع المسؤولية المدنية لحارس الشيء في الفصل ‪ 88‬من ق ل ع وغيره ‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ 4‬محمد عرفان الخطيب‪ ،‬المسؤولية المدنية والذكاء االصطناعي‪...‬إمكانية المسألة؟ دراسة تحليلية معمقة لقواعد المسؤولية المدنية في القانون المدني في القانون المدني الفرنسي‪ ،‬مجلة كلية‬
‫‪-‬‬
‫القانون الكويتية العالمية‪ ،‬السنة الثامنة‪ ،‬العدد ‪1،‬مارس ‪2020‬‬
‫محمد عرفان الخطيب‪ ،‬المركز القانوني لإلنسآلة‪ ( " )Robots‬الشخصية والمسؤولية‪ .‬دراسة تأصيلية مقارنة" قراءة في القواعد األوروبية للقانون المدني لإلنسآلة لعام ‪ 2017،‬مثال منشور‬
‫‪-5‬‬
‫مجلة كلية القانون الكويتية العالمية‪ ،‬السنة السادسة‪ ،‬العدد ‪4،‬ديسمبر ‪2018‬‬

‫الصفحة ‪224 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الربوت شخصا معنويا يمكن او يوجد له اسم‪ ،‬موطن‪ ،‬ذمة مالية مستقلة‪ ،‬جنسية وأهلية يسجل‬
‫فيها كافة املعلومات املتعلقة بالربوت (‪ ،)1‬لكن هذه الفكرة في حد ذاتها ليست مستساغة إلى حد‬
‫كبير‪ ،‬فالشخص املعنوي غير مستقل تماما‪ ،‬بل يديره ويسيره اإلنسان‪.‬‬
‫ولكي نحسم في إشكالية تحديد طبيعة شخصية الربوت ومسؤوليته التي ال هي شخصية‬
‫طبيعية وال اعتبارية‪ ،‬برز اتجاه جديد نؤيده‪ ،‬ونقول أنه من الواجب استحداث شخصية قانونية‬
‫جديدة تناسب خصوصية الربوت أمام عجز قواعد املسؤولية التقليدية عن تغطية األضرار الناتجة‬
‫عن أعماله (‪. )2‬‬
‫فهذا االتجاه األخير هو الذي يؤيد توجه التشريع األوروبي(‪ ،)3‬والذي يدعم فكرة‬
‫االعتراف بالشخصية القانونية للربوت عندما يصل مرحلة االستقاللية التامة‪ ،‬فإذا لم يصل لذلك‬
‫وجب خضوعه لنظام النائب اإلنساني ليتحمل بقوة القانون مسؤولية تعويض املضرور عن أخطاء‬
‫التشغيل الصادرة من الربوت (‪.)4‬‬
‫وما هذا املوقف‪ ،‬في الواقع‪ ،‬إال إعادة لتأهيل لقواعد املسؤولية التقصيرية التقليدية‬
‫لحارس الش يء‪ ،‬وبالتالي وجب على التشريع املغربي تحيين ترسانته التشريعية في باب املسؤولية‬
‫املدنية على غرار التشريعات املقارنة التي كانت سباقة في " تجربة الربوت وأنظمة الذكاء‬
‫اإلصطناعي"(‪.)5‬‬
‫بيد أن البرملان األوربي عندما طالب منح الشخصية القانونية لآلالت الذكية لم يقصد‬
‫كل آالت الذكاء االصطناعي بل أراد بذلك اآلالت األكثر تقنية‪ ،‬والتي تعمل بشكل ذاتي (‪ ، )6‬إال أن‬
‫القرار األوروبي لم يفصل في الجوانب القانونية املرتبطة بالشخصية القانونية للربوت فيما يخص‬
‫الحقوق املتصلة بالحريات األساسية كحق العمل‪ ،‬التملك‪ ،‬الذمة املالية املستقلة‪ ،‬اللجوء للقضاء‬
‫وغيرها‪ ،‬و لم يصنف الروبوتات ضمن األشياء‪ ،‬الش يء الذي يفهم منه توجه املشرع األوروبي‬
‫لتأسيس منزلة الربوت اآللي الكامل األهلية والذي يتمتع بالشخصية القانونية(‪)7‬‬
‫حبيب الكرار جهلول وحسام عبيس عودة‪ ،‬م س ص‪33‬‬
‫‪-1‬‬
‫‪ - 2‬حبيب الكرار جهلول وحسام عبيس عودة‪ ،‬المسؤولية المدنية عن األضرار التي يسببها الروبوت– دراسة تحليلية مقارنة ‪ ،-‬مجلة ريس‪ ،‬المجلد ‪6،‬العدد ‪ 5‬لسنة ‪، 2019‬‬
‫ليحي كريمة‪ ،‬إشكاالت تحديد المسؤولية المدنية لألشخاص في إطار نظم الذكاء االصطناعي‪ ،‬مسطرة إجرائية‪ ،‬مختارات من أشغال الملتقى الوطني حول‪ ،‬مستقبل المسؤولية المدنية‪ ،‬نظمته‬
‫‪-3‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم القانون الخاص‪ ،‬جامعة امحمد بوقرة‪ ،‬بومرداس‪ ،‬يوم ‪28‬جانفي ‪2020‬م‪ ،‬ص ‪4.‬‬
‫على فياللي‪ ،‬الشخصية القانونية كوسيلة لحماية الطبيعة‪ ،‬مجلة االجتهاد للدراسات القانونية واالقتصادية‪ ،‬المجلد ‪9،‬العدد ‪1، 2020‬م‪ ،‬ص‪3‬‬
‫‪-4‬‬
‫‪ 5‬عماد عبد الرحيم الدحيات‪ ،‬نحو تنظيم قانوني للذكاء االصطناعي في حياتنا‪ :‬اشكالية العالقة بين البشر واآللة‪ ،‬مجلة االجتهاد للدراسات القانونية واالقتصادية‪ ،‬المجلد ‪8،‬العدد ‪، 2019، 5‬ص‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫‪25‬وما يليها‬
‫عماد عبد الرحيم الدحيات‪ ،‬نحو تنظيم قانوني للذكاء االصطناعي في حياتنا م_س ص ‪ 33‬وما يليها‬
‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫هشماوي أسية‪ ،‬لمسؤولية المدنية للربوت بين الواقع واستشراف المستقبل مقال منشور بمجلة القانون الدولي والتنمية المجلد ‪ 8‬العدد ‪ 1‬لسنة ‪ ،2022‬ص ‪ 333‬وما يليها‬
‫‪.‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬ ‫‪-7‬‬

‫الصفحة ‪225 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وعليه‪ ،‬ونظرا لحساسية هذه اإلشكالية واالختالف املستمر في طبيعة مسؤولية الربوت‬
‫وفي تكييف شخصيته نرى ضرورة مواصلة البحث في تأصيل فكرة مسؤولية الروبوت ببالدنا و‬
‫خاصة في قواعد القانون املدني املؤطرة للمسؤولية املدنية والبحث عن سبل ملئ الفراغ التشريعي‬
‫املتعلق بذلك(‪.)1‬‬

‫‪ -‬خاتم ــة‬
‫في ختام حديثنا عن موضوع مهنة التوثيق والذكاء اإلصطناعي املستشرف مستقبال‬
‫يتضح أنه يصعب تحقيق النتائج التي حققها في العديد من التجارب املقارنة‪ ،‬نظرا لكون املغرب‬
‫الزال لم ينخرط فعليا في هذه الثورة الرقمية الرابعة‪ ،‬وبالتالي يمكن القول ان مهنة التوثيق لن تتأثر‬
‫حاليا بنظام الذكاء اإلصطناعي‪ ،‬بل سيستمر مسلسل اإلعتماد على العنصر البشري كما هو معهود‬
‫في العديد من املهن األخرى‪ ،‬والتي يصعب أو يستحيل تعويضها بالربوتات أو اآلالت الذكية املبرمجة‬
‫وفق نظم الذكاء اإلصطناعي ( كالقضاة و املحاماة ) هذا من جهة ‪.‬‬
‫ومن جهة ثانية‪ ،‬يمكن أن نستفيد من أنظمة ووسائل الذكاء اإلصطناعي في الحالة التي‬
‫قد ال تنعكس مسؤولية الربوت على املستفيدين كالقطاع التربوي أو الرياض ي‪ ...‬وبالتالي فالربوت قد‬
‫ال يسبب ضررا للمتعلم أو الرياض ي بخالف ميدان التوثيق‪ ،‬فقد يخطأ الربوت ولو فرضا ويلحق‬
‫الضرر بحقوق املتعاقدين وهو ما ال نصبوا إليه ‪.‬‬
‫وقد خلصنا في معرض حديثنا في الشق الثاني لهذه الدراسة أنه من الصعب ضبط‬
‫وتكييف شخصية الربوت وتحديد املسؤولية املدنية املناسبة له‪ ،‬نظرا لقصور صور و قواعد‬
‫املسؤولية املدنية التقليدية ببالدنا وعدم شموليتها ملسؤولية الربوتات في أحكام قانون اإللتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬ولذلك ال بد من البحث في مدى إمكانية اإلستفادة من هذه التجربة وملئ الفراغ التشريعي‬
‫على غرار املشرع األوروبي‪ ،‬وملا ال اإلعتراف بالشخصية القانونية للروبوت مستقبال باملغرب‪.‬‬
‫هذا وقد ارتأينا أن نشير إلى بعض النتائج املهمة إزاء موضوعنا هذا من قبيل ‪:‬‬

‫همام القوصي‪ ،‬أخطاء ربوت التداول الخوارزمي العامل بالذكاء االصطناعي‪ ،‬دراسة استشرافية في آفاق المسؤولية المدنية بالبورصة‪ ،‬مقال منشور في مجلة جيل‪ ،‬األبحاث القانونية المعمقة‪،‬‬
‫‪-1‬‬
‫العام الخامس‪ ،‬العدد ‪41،‬يوليو ‪2020‬م‪ ،‬ص‪.15:‬‬

‫الصفحة ‪226 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫_ اعتبار الــذكاء االصطناعي هو أســاس الثورة الصناعية (ثــورة القرن الحادي‬


‫والعشــرين) والتي فرضت علــى الفقهاء كثيرا مــن النوازل واملســتجدات التي يجب عليهم أن يتصدوا‬
‫لبيان أحكامها‪.‬‬
‫_ االعتراف بقدرة الذكاء االصطناعي في نفع البشــرية بمختلف املجاالت‪ ،‬وملا ال املهن‬
‫املساعدة للقضاء مستقبال‪ ،‬مما يفرض االعتراف بالشخصية القانونية لنظم الذكاء االصطناعي‬
‫كالربوتات‪.‬‬
‫_ نظرا لخصوصية الدين اإلسالمي القائم في املغرب على الفقه املالكي فالبد من عدم‬
‫معارضة الذكاء اإلصطناعي في مختلف امليادين ومخالفته ألحكام الشريعة اإلسالمية السمحة‪.‬‬

‫‪ -‬الئحة املراجع‬
‫‪ -‬الكتب ‪:‬‬
‫_ أحمد خرطة‪ ،‬قانون التوثيق العصري مع مستجدات مشروع قانون التوثيق ‪ 32,08‬املتطلبات‪،‬‬
‫املجال‪ ،‬الحجية‪ ،‬مطبعة الجسور طبعة ‪،2006‬‬
‫_ عبد هللا موســى‪ ،‬د‪ .‬أحمد حبيــب الــذكاء االصطناعي‪ :‬ثورة في تقنيات العصر‪ ،‬د املجموعة العربية‬
‫للتدريب والنشر‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪2019‬‬
‫_ محمد الكشبور‪" ،‬رقابة املجلس األعلى على محاكم املوضوع في املواد املدنية محاولة للتمييز بين‬
‫الواقع والقانون ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2001‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‬
‫_ أحمد أبو الوفا‪" ،‬التعليق على نصوص قانون اإلثبات‪ ،‬طبعة ‪ 1987‬منشأة املعارف اإلسكندرية‬
‫_ عبد الفتاح بيومي حجازي‪" :‬النظام القانوني للتوقيع االلكتروني"‪ ،‬دار الكتب القانونية‪2008 ،‬‬
‫_ عبد القادر العرعاري‪ ،‬ضمان العيوب الخفية في عقد البيع‪ ،‬طبعة ‪ 1996‬مطبوعات املعارف‬
‫الجديدة‪،‬‬
‫‪:‬‬ ‫‪ -‬املقاالت‬
‫‪ -‬هشماوي اسية املسؤولية املدنية للربوت وين الواقع واستشراف املسقبل مقال منشور بمجلة‬
‫القانون الدولي والتنمية املجلد ‪ 10‬العدد االول لسنة ‪2022‬‬
‫‪ -‬ضياء الدين زاهر ـ تكنولوجيا الروبوت‪ :‬اإلمكانات واإلشكاليات‪ ،‬د‪ ، .‬مقال بمجلة مستقبل الربية‬
‫العربية‪ ،‬املركز العربي للتعليم والتنمية‪ ،‬مجلد ‪-9‬عدد ‪28،‬يناير ‪2003‬م‬

‫الصفحة ‪227 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ٌ‬ ‫ٌ ً‬ ‫ٌ‬
‫االلكترونية في التشريع املغربي – مقال في اطار‬ ‫القانونة للمستندات‬ ‫‪ -‬زينب بنعومر – الحجية‬
‫التالي ‪" - :‬‬ ‫ً‬ ‫التكوين املستمر للمحكمة التجارية بمراكش ‪ ،‬منشور باملوقع االلكتروني‬
‫‪https://www.fichier/pdf.fr/2015/04/10/docelectroniaueendroitmarocain‬‬
‫‪ -‬نيفين فاروق فؤاد‪ ،‬اآللــة بيــن الذكاء الطبيعــي والذكاء االصطناعي‪ :‬دراســة مقارنة‪ ،‬بحث منشــور‬
‫بمجلة البحث العلمي في اآلداب‪ ،‬جامعة عين شمس‪ -‬عدد ‪-13‬جزء ‪3،‬‬
‫‪ -‬أودري أزوالي‪ -‬الــذكاء االصطناعي‪ ،‬تقرير اللجنة العاملية ألخالقيات املعارف العلمية والتكنولوجيا‬
‫التابعة لليونســكو لسنة ‪2017‬م بشأن إعداد و دراسة أولية بشأن أخالقيات الذكاء االصطناعي منشور بمجلة‬
‫رســالة اليونســكو‪ ،‬عدد ســبتمبرلسنة ‪2018‬‬
‫‪ -‬أودري أزوالي‪ -‬الــذكاء االصطناعي‪ ،‬تقرير اللجنة العاملية ألخالقيات املعارف العلمية والتكنولوجيا‬
‫التابعة لليونســكو لسنة ‪2017‬م بشأن إعداد و دراسة أولية بشأن أخالقيات الذكاء االصطناعي منشور بمجلة‬
‫رســالة اليونســكو‪ ،‬عدد ســبتمبرلسنة ‪2018‬‬
‫_ عبد الرزاق وهبة سيد احمد محمد‪ ،‬املسؤولية املدنية عن أضرار الذكاء االصطناعي "دراسة‬
‫أكتوبر ‪ ،432020‬مجلة جيل‪ ،‬األبحاث القانونية املعمقة‪ ،‬العدد ‪"،‬تحليلية‬
‫‪ -‬محمد عرفان الخطيب‪ ،‬املسؤولية املدنية والذكاء االصطناعي‪...‬إمكانية املسألة؟ دراسة تحليلية‬
‫معمقة لقواعد املسؤولية املدنية في القانون املدني في القانون املدني الفرنس ي‪ ،‬مجلة كلية القانون الكويتية‬
‫العاملية‪ ،‬السنة الثامنة‪ ،‬العدد ‪1،‬مارس ‪2020‬م‬
‫محمد عرفان الخطيب‪ ،‬املركز القانوني لإلنسآلة‪ ( " )Robots‬الشخصية واملسؤولية‪ .‬دراسة‬
‫تأصيلية مقارنة" قراءة في القواعد األوروبية للقانون املدني لإلنسآلة لعام ‪2017،‬مجلة كلية القانون الكويتية‬
‫العاملية‪ ،‬السنة السادسة‪ ،‬العدد ‪4،‬ديسمبر ‪2018‬‬
‫‪ -‬حبيب الكرار جهلول وحسام عبيس عودة‪ ،‬املسؤولية املدنية عن األضرار التي يسببها الروبوت–‬
‫دراسة تحليلية مقارنة ‪ ،-‬مجلة ريس‪ ،‬املجلد ‪6،‬العدد ‪ 5‬لسنة ‪، 2019‬‬
‫‪ -‬عماد عبد الرحي م الدحيات‪ ،‬نحو تنظيم قانوني للذكاء االصطناعي في حياتنا‪ :‬اشكالية العالقة بين‬
‫البشر واآللة‪ ،‬مجلة االجتهاد للدراسات القانونية واالقتصادية‪ ،‬املجلد ‪8،‬العدد ‪2019، 5‬‬
‫‪ -‬همام القوص ي‪ ،‬أخطاء ربوت التداول الخوارزمي العامل بالذكاء االصطناعي‪ ،‬دراسة استشرافية في‬
‫آفاق املسؤولية املدنية بالبورصة مقال منشور في مجلة جيل‪ ،‬األبحاث القانونية املعمقة‪ ،‬العام الخامس‪ ،‬العدد‬
‫‪41،‬يوليو ‪2020‬‬
‫‪ -‬املجالت ‪:‬‬
‫‪ -‬مجلة القانون الدولي والتنمية‬
‫‪ -‬مجلة مستقبل الربية العربية‪ ،‬املركز العربي للتعليم والتنمية‬
‫‪ -‬مجلة البحث العلمي في اآلداب‪ ،‬جامعة عين شمس‬

‫الصفحة ‪228 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬مجلة رســالة اليونســكو‪ ،‬عدد ســبتمبرلسنة‬


‫‪ -‬مجلة جيل‪ ،‬األبحاث القانونية املعمقة‬
‫‪ -‬مجلة كلية القانون الكويتية العاملية‬
‫‪ -‬الدراسات الجامعية ‪:‬‬
‫‪ -‬محمد الربيعي‪ ،‬محررات املوثقين وحجيتها في اإلثبات في التشريع املغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪،1988-1987‬‬
‫‪ -‬القوانين ‪:‬‬
‫‪ 16,03 -‬املتعلق بخطة العدالة‬

‫‪ 32.09 -‬املتعلق بمهنة التوثيق‬

‫‪ 44.00 -‬املتعلق ببيع العقار في طور االنجاز‬

‫‪ 51.00 -‬املتعلق باليجار املفض ي لتملك العقار‬

‫‪ -‬ظهير اإللتزامات والعقود‬

‫الصفحة ‪229 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫اإلجهاض بين التجريم والمشروعية – قراءة على ضوء‬


‫التحكيم الملكي ومسودة مشروع القانون الجنائي‬

‫د عصام منصور‬
‫دكتور في القانون الخاص‪ ،‬خريج ماستر األسرة والتوثيق‬
‫(مختبر الفلسفة واألســرة واملجتمع)‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن‬
‫عبد هللا‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫ظهر مهراز – فاس‬

‫‪ -‬تقديم‪:‬‬
‫كانت معظم الشعوب البدائية األولى ال تعير اهتماما بالجنين خاصة إن كانت األسـرة تعج‬
‫باألفراد‪ ،‬فكانت املرأة معتادة على اإلجهاض ووأد األطفال‪ ،‬معتمدة في ذلك على األعشاب املجهضة‪،‬‬
‫وفي حالة نجى الجنين من اإلجهاض فلن ينجو من الوأد عقب والدته مباشرة‪ ،‬حيث كان اإلجهاض‬
‫شائعا بين النساء البدائيات الالئي أعياهن الحمل‪ ،‬ويحصرن سبب ذلك في قولهن‪" :‬عبء األطفال‬
‫ثقيل‪ ،‬فلقد سئمناهم ألنهم ينهكون قوانا "‪ ،1‬ومع تقدم الحركة التاريخية وظهور املعالم الحضارية‬
‫املادية منها والفكرية‪ ،‬تبلورت جملة من القوانين املنظمة لحياة الناس‪ ،‬من أقدمها "شريعة‬
‫حمورابــي "‪.2‬‬

‫‪ -1‬ويل ديورانت‪ " ،‬قضيـة الحضارة "‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم دار الجيل للطباعة والنشـر‬
‫والتوزيع – بيروت‪ ،‬ص ‪.643‬‬
‫‪ -2‬ولم يشهد مشكل اإلجهاض في الفترة الحديثة بخاصة سكونا أو حسما نهائيا ال من الناحية القانونية وال من الناحية األخالقية‪،‬‬
‫فكان كلما تغير قانون كما حدث مؤخرا في اسبانيا ومحاولة برلمانها تقنين اإلجهاض‪ ،‬أو صدر نص كالمصرح به من طرف "‬
‫رجب طيب أردوغان "‪ ،‬والذي أعتبر اإلجهاض جريمة قتل قائال‪ " :‬يجب أال يحصل أحد على الحق في السماح باإلجهاض‪ ،‬ال‬
‫فرق إن قتلتم الطفل في أحشاء أمه أو قتلتموه بعد والدته "‪ ،‬حتى ينفجر الرأي العام ويعج الشارع بالمتظاهرين المنقسمين بين‬
‫معارض ساخط وبين مؤيد‪ ،‬فإسبانيا وعقب محاولة تقنين اإلجهاض نظمت مسيرات رافضة لألمر امتدت إلى الشارع الفرنسي‪،‬‬
‫والذي أعلن في جزء منه مساندته لمطلب المتظاهرات االسبانيات والمتظاهرين في رفض التقنين‪ ،‬وهو ما حدث أيضا في الشارع‬
‫التركي عقب تصريح رجب طيب أردوغان أين خرج عدد كبير من النساء مستنكرات االتهام‪ ،‬تترأسهن ناشطات نسويات والالئي‬
‫صرحن قائالت أن اإلجهاض في األسابيع العشر األولى من حق المرأة‪ ،‬وقد ضمنه القانون وهو ال يعتبر جريمة قتل‪ ،‬ألن الجنين‬
‫في تلك المرحلة لم يكتسب بعد صفة " البشرية" ولم تقتصر المظاهرات على المعارضات بل كان في الجانب اآلخر مساندين‬
‫للتعديالت انطالقا من مبدأ حق الحميل في الحياة والتي تبدأ من أول يوم حمل‪.‬‬

‫الصفحة ‪230 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫فال شك في أن الحق في الحياة يعد من الحقوق األصلية لآلدمية‪ ،‬إذ ال يجوز املساس به‬
‫بصفة مطلقة وبأي شكل من األشكال‪ ،‬لذلك نجد املشرع املغربي أولى اهتمام خاص لهذا الحق من‬
‫خالل تجريمه لكل الصور التي تستهدف إياه‪ ،‬منذ بداية الحمل‪ ،1‬وعند الوضع‪ ،‬وما بعد الوالدة‪،2‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاإلجهاض يهدد حق الجنين في استمرار حمله وتهيئه للحياة اإلنسانية‪ ،‬والعلة من تجريمه‬
‫تكمن في إبعاد أي أذى قد يصيبه منذ مراحله األولى في التكون‪ ،‬وحماية لألم من األخطار التي تهدد‬
‫حياتها وحقوقها اإلنسانية‪ ،‬وأمام هذا الوضع لم يجد املشرع املغربي بدا من التدخل بمجموعة من‬
‫النصوص القانونية‪ ،‬تجرم وتعاقب كل شخص سولت له نفسه بأن يساهم في القضاء على حياة‬
‫جنين ال زال في بطن أمه‪ ،‬باعتباره من أبشع الجرائم املدرجة ضمن قائمة األفعال املرتكبة ضد نظام‬
‫األسرة واألخالق العامة‪.3‬‬
‫لقد عرفت اململكة املغربية تفعيل مجموعة من اإلصالحات تهم مختلف الجوانب التنموية‬
‫من بينها اعتماد دستور جديد للمملكة ابتداء من فاتح يوليوز ‪ ،2011‬والذي حث على احترام‬
‫مجموعة من الحقوق‪ ،‬تماشيا مع املواثيق الدولية‪ ،‬على رأسها الحق في الحياة باعتباره أول حق لكل‬
‫إنسان‪ ،‬وكذلك ضرورة تعبئة كل الوسائل املتاحة لتيسير استفادة املواطنات واملواطنين على قدم‬
‫املساواة من الحق في العالج والعناية الصحية والحماية االجتماعية‪ ،‬وكذا وضع وتفعيل سياسات‬
‫موجهة إلى األشخاص والفئات ذوي االحتياجات الخاصة قصد معالجة األوضاع الهشة التي تعاني‬
‫منها النساء واألمهات واألطفال والوقاية منها وعمال باملواثيق الدولية ‪ -‬واملغرب من بين الدول املوقعة‬
‫عليها‪ ،‬فجمعيات املجتمع املدني والهيئات الحقوقية‪ ،‬إضافة إلى األطباء وفقهاء القانون‪ ،‬طالبوا‬

‫‪ -1‬أثير نقاش حول تحديد اللحظة التي يبدأ منها اتصال الجنين بأمه وتلك التي ينتهي عندها ذلك االتصال‪ ،‬وذهب االتجاه الغالب في‬
‫الفقه إلى أن حياة الجنين تبدأ منذ لحظة اإلخصاب‪ ،‬أي تلقيح الحيوان المنوي للرجل لبويضة المرأة وذلك عن طريق اندماج‬
‫الخليتين اللتين يتكون منها الجنين‪ ،‬مما يجعل حماية الجنين رهينة بنصوص اإلجهاض منذ تلك اللحظة‪ ،‬وتستمر تلك الحماية طوال‬
‫حالة الحمل ونمو الجنين نموا طبيعيا خالل اتصاله بأمه‪.‬‬
‫انظر في هذا االتجاه‪:‬‬
‫‪ ‬محمود مصطفى‪ " ،‬شرح قانون العقوبات – القسم الخاص "‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪ ‬محمود نجيب حسني‪ " ،‬شرح قانون العقوبات – القسم الخاص "‪ ،‬دار النهضة العربية – القاهرة‪ ،‬طبعة ‪ ،1986‬ص ‪.223‬‬
‫‪ -2‬أشرف الصابري‪ " ،‬جريمة التحريض على اإلجهاض في التشريع المغربي"‪ ،‬مجلة المعرفة القانونية والقضائية‪ ،‬عدد مزدوج‬
‫‪ ،3 – 2‬ص ‪.265‬‬
‫‪ -3‬ال بد من اإلشارة هنا إلى أن شرط األسد في حاالت اإلجهاض دائما ما يكون نتيجة للحمل غير المرغوب فيه‪ ،‬والناتج عن‬
‫عالقات جنسية غير شرعية‪ ،‬حيث أن هذا الحمل يضع المرأة الحبلى أمام االختيار المرير بين القبول بواقع العار والهوان‪ ،‬أو‬
‫التخلص منه عن طريق اإلجهاض في الخفاء دون أن يذاع سرها‪ ،‬والحمل الناتج عن هذه العالقات إن لم يكن دافعا لإلجهاض قد‬
‫يكون دافعا لجريمة قتل الوليد‪.‬‬
‫للمزيد من التوضيحات في هذا اإلطار راجع‪:‬‬
‫‪ ‬عبد الحفيظ بلقاضي‪ " ،‬جريمة قتل األم لطفلها الوليد في القانون المغربي "‪ ،‬منشور بمجلة المحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪ 88‬يونيو‬
‫‪ ،2001‬ص ‪ 75‬والهامش رقم ‪.2‬‬

‫الصفحة ‪231 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫باإلسراع بإخراج قانون جناني جديد إلى الوجود في مسودته التي رأت النور سنه ‪ ،2015‬والذي يضم‬
‫في طياته تعديال فيما يخص قضية اإلجهاض‪.1‬‬
‫حيث أصبح االقتناع راسخا بتغيير القانون الجنائي بالنظر لتصاعد ظاهرة الجريمة وظهور‬
‫أنواع جديدة لها ارتباط بالتقدم العلمي وبالظروف االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬أبان هذا القانون عن‬
‫قصور في مكافحتها‪ ،‬هذا فضال عن وجود ثغرات ومشاكل مرتبطة بالنصوص القانونية أو بالواقع‬
‫العلمي‪ ،‬إضافة للطفرة الكبرى التي عرفها مجال حقوق اإلنسان باملغرب‪ ،‬ففي إطار حرصه على‬
‫صيانتها‪ ،‬تم التنصيص عليها ضمن دستور ‪ 2011‬وتحديد آليات للحفاظ عليها‪ ،‬والتي تعد من أهمها‬
‫منح املواثيق الدولية األولوية في التطبيق على القوانين الوطنية ملالءمتها من التوجه العالمي‪ ،‬وملا كان‬
‫القانون الجنائي كغيره من القوانين األخرى‪ ،‬يطبق على مجتمع يتمتع بخصوصيته الثقافية‬
‫واملجتمعية‪ ،‬فإن األمر يفرض على التعديل الجديد الذي يعرفه هذا القانون‪ ،‬استحضار املرجعيات‬
‫األساسية والكبرى التي تؤطر القيم واملثل العليا ألفراد املجتمع املغربي‪ ،‬بهدف تعزيز العدالة‬
‫الجنائية وتطوير سياسة التجريم والعقاب‪.2‬‬

‫‪ -1‬هذه المسودة جاءت بعد حراك مجتمعي وطني‪ ،‬بعد اللقاء التلفزي الذي قام به الدكتور الشرايبي‪ ،‬فتدخل القصر الملكي على‬
‫الخط حيث أعطى الملك أمرا لصياغة نص قانو ني يأخذ بعين االعتبار التطورات السياسية والحقوقية دون الخروج عن روح الدين‬
‫اإلسالمي‪ .‬إذ قامت لجنة رسمية مكونة من وزير العدل ووزير الشؤون اإلسالمية ورئيس المجلس الوطني لحقوق اإلنسان ‪ -‬هذا‬
‫الذي يدل على أن هذا الموضوع تجب مقاربته من الجانب اإلسالمي والحقوقي والقضائي ‪ -‬لتدارس المستجدات في القانون الجنائي‬
‫ومن بينها جريمة اإلجهاض‪ ،‬وكان ذلك في ‪ 11‬مارس ‪ 2015‬فخلصوا إلى تجريم الظاهرة مبدئيا لما يتسببه من آثار صحية ونفسية‬
‫واجتماعية سيئة على المرأة واألسرة والجنين والمجتمع بكامله ومن بين هذه اآلثار ‪ :‬االنتحار‪ ،‬جرائم الشرف والهروب من العائلة‬
‫والتخلص من الحمل أو الرضيع‪ ،‬مما قد يدخل هذه األم إلى مجال الدعارة من بابه الواسع‪ ،‬إال أن هذا التجريم المبدئي قيد‬
‫باستثناءات أكثر مما كان في القانون الجنائي الحالي‪ ،‬غالبا ستضاف إلى الفصل ‪.453‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن أطياف المجتمع المغ ربي قد انقسمت إزاء موضوع الترخيص بإجراء عمليات اإلجهاض إلى ثالثة‬
‫أقسام‪ :‬فئة من الفقهاء شددوا على ضرورة تحريم اإلجهاض في جميع األحوال باستثناء الخطر على األم‪ ،‬وفئة من علماء الدين‬
‫وجمعيات نسائية ذهبوا إلى أنه يتوجب تجريم اإلجهاض باستثناء حاالت معينة يقدرها األطباء‪ ،‬بينما دعا أطباء وحقوقيون إلى‬
‫تقنين اإلجهاض أي إباحته بشكل أوسع اقتداء بالمشرع التونسي كما جاء في بيان جمعية ربيع الكرامة أن جسد المرأة ملك لصاحبته‬
‫وال يحق ألحد أن ينوب عنها في اتخاذ القرار بشأنه‪..‬‬
‫‪ -2‬منال منصور‪ " ،‬إشكالية اإلجهاض بين البعد الشرعي والنص القانوني "‪ ،‬مجلة الملف‪ ،‬العدد ‪ 23‬نونبر ‪ ،2015‬ص ‪.39‬‬
‫فنظرا ألهمية الموضوع‪ ،‬فقد عرفت قضية اإلجهاض ببالدنا نقاشا مجتمعيا بين مختلف الفرقاء جعلت منه حديث الساعة يتجدد‬
‫ويأخذ في كل عصر أبعادا معينة في تناوله‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بتحديد حاالت اإلباحة والتجريم والدعوات إلدخال تعديالت تشريعية‬
‫على القانون الجنائي تواكب هذه المطالب‪ ،‬على ضوء ما تعكسه المعطيات اإلحصائية الوطنية والدولية حول واقع اإلجهاض‬
‫وآثاره‪ ،‬في هذا السياق تعددت اآلراء بخصوص مسألة اإلجهاض ما بين اإلباحة المطلقة باالستناد على مرجعية حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫والت ي تقضي وفق هذا المنظور بضرورة تمكين المرأة من الحرية المطلقة في التصرف في جسدها‪ ،‬وبين من ينادي بضرورة‬
‫مواكبة القانون الجنائي المغربي لحاالت معتبرة من الناحية الشرعية واالجتماعية والطبية من خالل استثناء اإلجهاض في حالة‬
‫االغتصاب أو زنا المحارم أو التشوهات ال جينية والخلقية من العقوبة‪ ،‬وبين من يرفض اإلجهاض مستندا في ذلك على الحق في‬
‫الحياة باعتباره مقدما على جميع الحقوق‪.‬‬

‫الصفحة ‪232 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وبعد رفع نتيجة املشاورات حول موضوع اإلجهاض إلى العلم السامي لجاللة امللك‪ ،1‬صدر‬
‫بالغ من الديوان امللكي يتجه إلى تأكيد تجريم اإلجهاض غير الشرعي‪ ،‬مع استثناء بعض حاالته من‬
‫العقاب‪ ،‬لوجود مبررات قاهرة كالحمل الذي يشكل خطرا على حياة األم أو على صحتها‪ ،‬وفي حاالت‬
‫الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا املحارم‪ ،‬وفي حاالت التشوهات الخلقية الخطيرة‪ ،‬واألمراض‬
‫الصعبة التي قد يصاب بها الجنين‪ ،‬كما أشار البالغ إلى ضرورة التنسيق بين وزيري العدل والصحة‬
‫مع إشراك األطباء املختصين لبلورة خالصات املشاورات في مشروع مقتضيات قانونية جديدة‬
‫إلدخالها في القانون الجنائي‪.2‬‬
‫وعليه أكد البالغ امللكي‪ 3‬في هذا الشأن على اعتبار أن األغلبية الساحقة تتجه إلى تجريم‬
‫اإلجهاض غير الشرعي باستثناء بعض الحاالت من العقاب لوجود مبررات قاهرة‪ ،‬وذلك ملا تسببه من‬
‫معاناة وملا لها من آثار صحية ونفسية واجتماعية سيئة على املرأة والجنين تنعكس سلبا على‬
‫استقرار وأمن املجتمع ككل‪ ،‬واستنادا إلى هذه الخالصات أصدر جاللته تعليماته السامية إلى كل‬
‫من وزير العدل ووزير الصحة قصد التنسيق بينهما وإشراك األطباء املختصين من أجل بلورة‬
‫خالصات هذه املشاورات في مشروع مقتضيات قانونية قصد إدراجها في مدونة القانون الجنائي‪،‬‬
‫وذلك في إطار احترام تعاليم الدين اإلسالمي والتحلي بفضائل االجتهاد وبما يتماش ى مع تطورات‬
‫املجتمع املغربي وقيمه القائمة على االنفتاح واالعتدال وبما يراعي وحدته وخصوصياته‪ ،‬إضافة‬

‫‪ -1‬كما أن التدخل الملكي في هذه القضية الجدالية مجتمعي له دالالت سياسية ورمزية‪ .‬إذ تعتبر هذه المبادرة تفعيال للمقتضيات‬
‫المنصوص عليها في الدستور الجديد لعام ‪ ،2011‬في باب األدوار الدستورية المنوطة بالمؤسسة الملكية بموجب الفصلين ‪،42-41‬‬
‫كأمير للمؤمنين‪ ،‬ورئيس الدولة‪ .‬كما أن تعيين لجنة مكونة من ممثل المجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪ ،‬ووزير العدل ووزير األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية‪ ،‬فيه إشارة‪ ،‬للمنهجية التوفيقية بين المرجعية الكونية لحقوق اإلنسان‪ ،‬والخصوصية الثقافية والدينية للمجتمع‬
‫المغربي‪ ،‬والتي ينبغي التقاطها من طرف الفاعلين الوطنيين‪ .‬وهي تفيد أيضا بأن" قضية اإلجهاض السري لم تعد خطا أحمر‪ ،‬بل‬
‫"الرهاب" التي كانت سائدة قبل ذلك لدى الفاعلين في المجال العام‪ ،‬وباألخص مكونات‬‫صارت "قضية طبية بامتياز"‪ ،‬لتجاوز حالة ُّ‬
‫الحركة النسوية الوطنية‪.‬‬
‫‪ -2‬هشام مالطي‪ " ،‬حكم إجهاض المغتصبة بين الشرع والقانون "‪ ،‬مجلة المحاكم المغربية – العدد ‪ ،150‬ص ‪.67‬‬
‫‪ -3‬المالحظ أن المبادرة الملكية أضفت على النقاش العمومي طابعا مؤسساتيًّا‪ ،‬فقد تفاعلت معها كل الفعاليات المدنية والحقوقية‬
‫والثقافية من مختلف التيارات األيديولوجية والسياسية‪ ،‬وتقاسمت مواقفها وتصوراتها مع مؤسسات رسمية متنوعة‪ ،‬عكس‬
‫المحاوالت السابقة‪ ،‬التي كانت محدودة من حيث مضمون النقاش أو الجهات المساهمة فيه‪ ،‬كما أدى النقاش العمومي المؤسساتي‬
‫حول اإلجهاض إلى تهيئة بيئة تفاعلية داخل المجال العام سمحت لكل الفاعلين من مختلف التيارات الدينية والسياسية والثقافية‪،‬‬
‫بتجاوز حالة "الصمت" أو الالمباالة‪ ،‬إلى وضع المشاركة والتدافع حول شرعنة اإلجهاض أو إباحته‪ ،‬لكن المالحظ أن التدخل‬
‫الملكي في الموضوع أدى إلى رسم الحدود المرجعية‪ ،‬واآلفاق المحتملة للوضع التشريعي الجديد لإلجهاض‪ .‬وعلى الرغم من كون‬
‫اإلجهاض معضلة اجتماعية تترتب عنها عدة مخاطر صحية ونفسية واجتماعية‪ ،‬نتيجة اإلقبال المتزايد على ممارسته خارج أي‬
‫إطار قانوني وأي حماية صحية لألمهات واألطفال‪ ،‬فقد انحصرت المشاورات العمومية حول الموضوع في توسيع قاعدة‬
‫االستثناءات المبيحة لإلجهاض فقط‪ ،‬وفق سقف مرجعي "محافظ"‪ ،‬يسمح باالجتهاد والتشاور في إطار ما يقتضيه‪" :‬احترام تعاليم‬
‫الدين اإلسالمي الحنيف والتحلي بفضائل االجتهاد‪ ،‬وبما يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطلعاته‪ ،‬وبما‬
‫يراعي وحدته وتماسكه وخصوصياته"‪.‬‬

‫الصفحة ‪233 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫للتأكيد على التوعية والوقاية ونشر وتبسيط املعرفة العلمية واألخالقية لتحصين املجتمع من‬
‫األسباب التي قد تؤدي إلى اإلجهاض نظرا لكون القانون وحده ال يكفي للحد منه‪.‬‬
‫وتماشيا مع التعليمات امللكية املشار إليها أعاله‪ ،‬تم توسيع الحوار العمومي مع كافة الفاعلين‬
‫من أطباء وحقوقيين ورجال قانون ودين وممثلي األحزاب السياسية والنقابات املمثلة بالبرملان‪،‬‬
‫يمكن القول على أن اآلراء املستطلعة لم تخرج على النقاش العام الدولي الدائر حول املوضوع‪،‬‬
‫والذي يعرف ثالثة اتجاهات رئيسية‪:1‬‬
‫‪ ‬اتجاه أول‪ :‬اعتبر اإلجهاض جريمة في جميع األحوال ال مبرر لها لكونها تمس بحق الجنين في‬
‫الحياة؛‬
‫‪ ‬اتجاه ثان‪ :‬يبيح اإلجهاض بصفة مطلقة على أساس أن املرأة حرة في التصرف بجسدها تأسيسا‬
‫على ما تضمنته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد املرأة (سيداو)؛‬
‫‪ ‬اتجاه ثالث‪ :‬اتجاه وسط يدعو إلى تجريم اإلجهاض كأصل‪ ،‬مع إقرار بعض الحاالت االستثنائية‬
‫إلباحته‪.‬‬
‫ألجل ذلك عملت الحكومة املغربية على إحالة مشروع قانون رقم ‪ 10.16‬القاض ي بتغيير‬
‫وتتميم مجموعة القانون الجنائي على البرملان في ‪ 24‬يونيو ‪( 2016‬من أجل املناقشة في القراءة األولى‬
‫لدى لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان بمجلس النواب‪ ،‬وتم سحبه من طرف الحكومة‬
‫الجديدة في ‪ 08‬نونبر ‪ 2021‬ليطرح التساؤل حول مصير نقاش قضية اإلجهاض من جديد‪.‬‬
‫‪ -‬أهمية املوضوع‪:‬‬
‫تكمن أهمية املوضوع في كونه له أهمية في نطاق القانون الجنائي على أساس أنه ال يوجد‬
‫تشريع يقر عدم العقاب على اإلجهاض مطلقا‪ ،‬ومن تم كان من حق رجال الفقه الجنائي أن يجعلوه‬
‫موضعا لبحثهم‪ ،‬إال أن هذه األهمية ال تبرز في نطاق القانون الجنائي فحسب‪ ،‬ولكن أيضا في نطاق‬
‫القوانين املنظمة ملهنتي الطب والتوليد‪ ،‬والشريعة اإلسالمية‪ ،‬ويشهد على ذلك انعقاد العديد من‬
‫املؤتمرات الدولية واإلقليمية من أجل الوقوف على مدى جواز اإلجهاض أو تجريمه من النواحي‬

‫‪ -1‬وقد تقدمت وزارة العدل والحريات بمسودة مشروع القانون الجنائي‪ ،‬والتي تضمنت العديد من المستجدات‪ ،‬شملت محاور‬
‫وقضايا كثيرة ومتنوعة‪ ،‬ومن بين المواضيع التي أثارت النقاش بين الحقوقيين بالمجتمع المغربي‪ ،‬وهو موضوع تقنين اإلجهاض‬
‫الذي تعددت بشأنه مواقف إما تحكمها هواجس دينية وأخالقية أو حداثية‪ ،‬تجلت فيما بين من يعتبره حقا من حقوق المرأة التي تملك‬
‫جميع الصالحيات لتقرير مصير جنينها‪ ،‬وبين من يعتبره متناقضا واإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الذي ينص على حق اإلنسان‬
‫في الحياة‪ ،‬ويخالف ما جاءت به الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ويتنافى وخصوصية المجتمع المغربي المحافظ‪.‬‬

‫الصفحة ‪234 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القانونية والطبية والشرعية‪ ،‬كما تبدو أهمية هذا البحث في أن ما يقوم به األطباء من عمليات‬
‫اإلجهاض يحتاجون فيه ملعرفة الحاالت التي يسمح فيها القانون لهم بإجراء هذه العملية دون أن‬
‫يخضعوا لطائلة العقوبات القانونية‪ ،‬ال سيما وأن املشرع قد جرم األفعال التي يترتب عليها إسقاط‬
‫الحوامل بصفة عامة‪ ،‬وشدد العقاب إذا كان محدث هذا الفعل طبيبا أو من في حكمه‪.‬‬
‫كما تبرز أهمية البحث في هذا املوضوع في معرفة الدراسة املقارنة بين التشريعات األجنبية‬
‫بهدف الوقوف على الحاالت التي يمكن للمشرع املغربي أن يجيز فيها اإلجهاض والحاالت التي ال يمكن‬
‫له فيها السماح بإجرائه‪ ،‬فاملوضوع يعتبر أحد أهم املواضيع املطروحة للنقاش في الوقت الراهن‪،‬‬
‫باعتبارها من الجرائم املسكوت عنها وال يسمح بها إال العتبارات طبية‪ ،‬ومع ارتفاع الفاحشة وتزايد‬
‫الدعوة إلى اإلباحة املطلقة لإلجهاض‪ ،‬وفي ظل األرقام الرهيبة الحقيقية لإلجهاض في العالم عامة‬
‫واملغرب خاصة‪ ،‬إضافة إلى ذلك يحظى موضوع البحث في اإلجهاض بأهمية بالغة ألنه يثار من حين‬
‫آلخر‪ ،‬ونظرا للتطور الهائل الذي يعرفه العالم‪ ،‬إضافة إلى الجمعيات النسوية واملجتمع املدني‬
‫واملؤتمرات املتعددة التي تنادي بإباحة إجهاض الجنين‪ ،‬واحترام رغبة املرأة في اإلجهاض‪.‬‬
‫‪ -‬اإلشكاليــة‪:‬‬
‫إن اإلشكالية التي تطرحها قضية اإلجهاض نابعة من جملة املشاكل العقدية والفلسفية‬
‫واألخالقية العميقة والعريقة التي تحملها في طياتها‪ ،‬فنجد أن اإلجهاض يتعلق من جهة بمفهوم‬
‫"الحريـة"‪ ،‬حرية الحامل في التصرف بجسدها وفق رغبتها الحرة‪ ،‬فهي من يقرر إن كان عليها القيام‬
‫بإنزال محتويات رحمها أو الحفاظ عليها‪ ،‬األمـر الذي يقودنا رأسا للمشكلة الثانية وهي " الحق في‬
‫الحياة وقدسيتها "‪ ،‬حياة الجنين باعتباره موجودا " وجودا بالقوة "‪ ،‬حيث يثير اإلجهاض عدة‬
‫مشكالت خلقية وفلسفية؛ فهل الجنين شخص له الحقوق الخلقية نفسها للكائنات الراشدة؟‪ ،‬هل‬
‫إجهاض الجنين مسموحا به خلقيا؟ أو هل اإلجهاض مسموح به خلقيا في ظروف معينة؟ وإذا كان‬
‫اإلجهاض مسموح به في بعض األحيان فما األسباب؟ وفي أي مرحلة من مراحل نمو الجنين ال يسمح‬
‫باإلجهاض؟ وهل قدرة الجنين على النمو والحياة تشكل موقفا خلقيا مغايرا نحو اإلجهاض؟ وهل‬
‫دبيب الحياة والركود داخل أحشاء األم يشكل موقفا أخالقيا مختلفا؟ ثم ماذا لو تعارض حق األم‬
‫مع حق الجنين في الحياة؟‪.‬‬
‫إلى أي حد استطاع املشرع من خالل مقتضيات القانون الجنائي الحد من اإلجهاض‬
‫السري واستيعاب بعض حاالته وتزكية اإلطارالقانوني لجريمة اإلجهاض؟‬

‫الصفحة ‪235 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬التساؤالت الفرعية‪:‬‬
‫‪ ‬هل يحق لألم وفقا ملبدأ الحرية أن توقف حياة إنسان أو كما يقال " مشروع إنسان "؟‬
‫‪ ‬أال يتمتع الجنين على اختالف مراحل تشكله بحق في الوجود واالكتمال؟‬
‫‪ ‬من يقرر مستقبل األم ومستقبل الجنين؟‬
‫‪ ‬هل الجنين يعد كائنا بشريا‪ ،‬وإذا كان ذلك صحيحا‪ ،‬ففي أي مرحلة يصير الجنين كائنا بشريا له‬
‫الحق الخلقي على نفسه في الحياة والذي يمتلكه الكائن البشري الراشد؟‬
‫‪ ‬متى يمكن لألم وألعضاء آخرين من املجتمع أن يتجاوزوا حقوق الجنين؟‬
‫‪ ‬هل يعتبر الجنين في املرحلة التي تسبق نفخ الروح إنسانا؟‬
‫‪ ‬أي مقاربة أو مقاربات حقوقية قانونية‪ ،‬طبية‪ ،‬فلسفية‪ ،‬شرعية اجتماعية يمكن اعتمادها في‬
‫معالجة موضوع اإلجهاض؟‪.‬‬
‫‪ ‬ما هي مستندات القائلين بمواصلة منع اإلجهاض مهما كانت الحاالت وما هي مبررات القائلين‬
‫بإباحته في بعض الحاالت؟‬
‫‪ ‬هل الحاالت املثارة في النقاش العمومي تستوجب إباحة اإلجهاض وإلى أي مدى وبأي ضمانات؟‬
‫ذلك ما سنعمل على تناوله بالدرس والتحليل من خالل تقسيم هذا املقال إلى مبحثين‬
‫نتناول في األول اإلجهاض بين الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد‪ ،‬ونعالج العالقة الجدلية‬
‫بينهما‪ ،‬ثم نتطرق في املبحث الثاني ملستجدات اإلجهاض على ضوء مسودة القانون الجنائي املغربي‬

‫الصفحة ‪236 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املبحث األول‪ :‬اإلجهاض بين الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد‬


‫(العالقة الجدلية بين الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد)‬

‫احتدم النقاش احتداما عنيفا بين من يدافع عن األجنة وحقهم في االكتمال والخروج للحياة‬
‫ويطلق عليهم "حــركة أنصار الحياة ‪ ،Pro Life Mouvement‬وبين من يرى في اإلجهاض حق من‬
‫حقوق املرأة طاملا أن األمر يتعلق بجسدها من جهة وبأجنة لم تكتسب بعد صفة البشرية أو‬
‫اإلنسانية ويطلق عليهم بــ‪ " :‬حركة حرية االختيار ‪ ،Pro choice Mouvement‬هذا االنقسام‬
‫والتعارض في الرأي والذي وصل حد التصادم إذ‪ ":‬سدد النظر إلى وضعية الحياة البشرية قبل‬
‫الوالدة "‪ ،1‬جعلنا نطرح التساؤالت التالية‪ :‬هل اإلجهاض قضية فردية تخص شخص املرأة وحدها؟‬
‫أم أن للجنين الحق في الحياة فيعتبر فعل املرأة قتال؟ ثم هل يعتبر الجنين إنسانا فيجرم قتله أم أنه‬
‫مجموعة من الخاليا املتكتلة فيكون إجهاضه مجرد استئصال لغدد غير مرغوب فيها؟‬
‫ذلك ما سنعمل على تحليله من خالل تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين نعالج في املطلب األول‬
‫قضية اإلجهاض بين دعاة التقنين ومعارضيه‪ ،‬بينما نتناول في املطلب الثاني نقض مزاعم دعاة‬
‫تقنين اإلجهاض‬

‫املطلب األول‪ :‬قضية اإلجهاض بين دعاة التقنين ومعارضيه‬


‫اشتد النقاش مؤخرا حول موضوع اإلجهاض باملغرب‪ ،‬وأثار ردود أفعال ومواقف مختلفة‪،‬‬
‫أحيانا حادة ومثيرة لالنتباه‪ ،‬حيث ينطلق كل طرف من مرجعيته وأيديولوجية وخلفياته‪ ،‬ولكل طرف‬
‫مبرراته‪ ،‬فهذا يدافع عن صحة املرأة واآلخر يدافع عن حق الجنين في الحياة‪ ،‬وأبان اللقاء الوطني‬
‫األخير حول اإلجهاض السري الذي دعت إليه الجمعية املغربية ملحاربة اإلجهاض السري عن‬
‫اختالفات جوهرية بين عدد من التيارات‪ ،‬حيث إن جمعيات نسائية وناشطين مدنيين‪ ،‬طالبوا‬
‫بالترخيص لعمليات اإلجهاض‪ ،‬بهدف محاربة آفة اإلجهاض السري الذي يتم بطرق غير قانونية‪،‬‬
‫وباملقابل وقفت أطراف أخرى ضد هذه املمارسة في املغرب‪ ،‬مخافة أن تتوسع اإلباحة إلى القبول‬

‫‪ 1 -‬يورغن هابرماس‪ " ،‬مستقبل الطبيعة اإلنسانية نحو مسألة ليبرالية "‪ ،‬ترجمة جورد كتورة‪ ،‬من أنطوان الهاشم‪ ،‬المكتبة‬
‫الشرقية‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2006‬ص ‪.40‬‬

‫الصفحة ‪237 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫باإلجهاض في جميع الحاالت‪ ،‬رافضين هذه العمليات لكونها " تشكل إجحافا في حق حياة الجنين‪،‬‬
‫باعتبارأن الحياة هي أقدس ش يء في الشرائع الدينية "‪.‬‬
‫وألن قضية اإلجهاض تعتبر من أكثر القضايا املثيرة للجدل في العالم‪ ،‬فقد ظلت تتراوحت في‬
‫العقود الخمسة املاضية بين الرفض والتقنين واإلباحة املطلقة‪ ،‬فما هي طبيعة اإلشكاالت التي‬
‫يطرحها جدل اإلجهاض باملجتمع املغربي؟ وما هي أبرز اتجاهات الرأي لدى مكونات الحركة النسوية‬
‫بخصوصه؟‬

‫الفقرة األول‪ :‬املدافعون عن حرية املرأة في التصرف بجسدها‬


‫‪ -‬املطالبون بتقنين اإلجهاض ‪-‬‬

‫يرى أنصار "حرية االختيار" املدافعون عن اإلجهاض‪ 1‬أن الشخص ال يتحدد فقط وجوده‬
‫بوجود مادة وراثية بشرية‪ ،‬بل يتحدد أيضا بتشكل الشعور املعنوي والتعبير عن األحاسيس والقدرة‬
‫على التواصل والوعي بالذات واالعتراف االجتماعي‪ ،‬وبما أن هذه الخصائص ال نجدها عند الجنين‪،‬‬
‫فإنهم ال يعتبرونه شخصا‪ ،2‬فتكون األجنة بذلك مجموعة من الخاليا املتراصة يحق لألبوين‬
‫استئصالها‪ ،‬فهوية الفرد كشخص وكإنسان تتحدد بفاعليته االجتماعية وعالقته باآلخرين اجتماعيا‬
‫وسياسيا وثقافيا‪.‬‬
‫لكن هل يعني هذا الكالم أن املجنون هو اآلخر يمكن قتله الشتراكه والجنين في نفس‬
‫الصفات؟ يرى أصحاب الحركة أن املجنون يختلف عن الجنين كونه صاحب "تاريخ" أما الجنين فال‬
‫يكون له تاريخ إال بعد ميالده‪ ،‬وبالتالي ال يتحقق وجود الجنين كشخص إال بعد والدته‪.‬‬
‫فالجنين عندهم مجرد "تجمع للخاليا" وبعبارة أدق هو محض "ش يء"‪ ،‬يستدل بعضهم على‬
‫ذلك بقولهم إن الدين اإلسالمي مثال ال يكفن الجنين بخرقة وال يدفنه إال بعد مرور أربعة أشهر "‬
‫فالسقط إذا كان في عمره أربعة أشهر فصاعدا يلف بخرقه ويدفن "‪ ،3‬فماذا عن املدة التي تسبق‬

‫‪ -1‬تجدر االشارة هنا إلى أن االجهاض االختياري يتحدد على أقصى تقدير باألسابيع الست االولى باستثناء اليابان التي أباحت‬
‫االجهاض حتى الشهر التاسع كنتيجة لالنفجار الديموغرافي الذي يعتبر من أهم أسباب اإلجهاض بهذا البلد‪.‬‬
‫‪ -2‬عمر بوفنتاش‪ " ،‬البيوايتيقا – األخالقيات الجديدة في مواجهة تجاوزات البيوتكنولوجيا "‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،2011‬ص ‪.218‬‬
‫‪ -3‬زهير األعرجي‪ " ،‬النظام العائلي ودور األسـرة في البناء االجتماعي اإلسالمي "‪ ،‬قم المشرقـة‪ ،‬الطبعة األولى ‪1415‬هــ‪ ،‬ص‬
‫‪.55‬‬

‫الصفحة ‪238 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫األربعة أشهـر؟ واهتمامهم من جهة أخرى بالعالقة التي ستربط الطفل بوالديه بعد إنجابه وهما ال‬
‫يرغبان به‪.‬‬
‫حيث يرى أنصار االختيار أن للمرأة حق اختيار ما تفعله بجسدها‪ ،‬حيث يعتبرون السماح‬
‫باإلجهاض أكثر أمانا للمرأة‪ ،‬وهم يستشهدون بإحصاءات تبين ارتفاع املوت الناجم عن حاالت‬
‫اإلجهاض غير القانونية‪ ،‬حيث كان هناك آالف الوفيات قبل قضية "روى في واد"‪ ،‬ثم أصبحت قليلة‬
‫بعدما أصبحت عمليات االجهاض تجرى في املستشفيات واملراكز الطبية‪ ،‬كما أنهم يجادلون بأن‬
‫لدى املرأة حقا في اإلجهاض حين تكون ضحية اغتصاب أو سفاح قربى‪ ،‬وأيدت حركة حق اإلجهاض‬
‫املرأة في مسيرتها الطويلة في املطالبة بحقوقها اإلنجابية‪ ،‬فلها حق اإلجهاض بوصفها مخلوقا يتمتع‬
‫بحس أخالقي وقدرة على اتخاذ القرارات‪ ،‬لذلك يكون اإلجهاض اختيار أخالقي ومنطقي‪ ،‬حيث إنه‪" :‬‬
‫ال يوجد من هو أفضل من املرأة نفسها لتقييم ظروف حياتها‪ ،‬وال يوجد من هو أحق منها في تقدير‬
‫وجود طفل من عدمه‪ ،‬وإن املوقف املتعسف من قبل األطباء والسياسيين واملشرعين أنصار االتجاه‬
‫املحافظ الذين يصرون على منع اإلجهاض‪ ،‬يعني ضمنا أن املرأة تفتقر إلى القدرة على اتخاذ قرارات‬
‫عقالنية بشأن نفسها وتحمل مسؤوليتها‪.1‬‬
‫كما أن حق املرأة في اتخاذ القرار هو االعتبار الحاسم في قضية اإلجهاض‪ ،‬واألساس املنطقي‬
‫للقاعدة القانونية القائلة بعدم اختيار األسباب‪ ،‬هو إن للمرأة الحق في أن تتحكم في تكاثرها‬
‫واملخاطر املضمنة في الحمل‪ ،‬وأي اختيارات عامة أو طبية لهذه األسباب ستيهئ الفرصة إلعاقة‬
‫وإحباط التزام املجتمع بمنح املرأة حرية تحديد مستقبلها التكاثري‪ ،‬واألفضل لكي نمنع إعاقة حرية‬
‫اإلدارة‪ ،‬أال يكون ثمة اختبارات عامة لألسباب‪.2‬‬
‫ففي حالة الحمل غير املرغوب فيه‪ ،‬سواء الناتج عن االغتصاب أو ضعف وسائل منع‬
‫الحمل‪ ،‬يكون من حق املرأة إنهاء الحمل وحماية جسدها ضد انتهاك الجنين‪ ،‬فال األم وال أي شخص‬
‫آخر مطالب أخالقيا بتقديم تضحيات واسعة‪ ،‬باألهداف‪ ،‬واملصالح‪ ،‬والصحة ملدة تسعة أشهر من‬
‫أجل حماية حياة شخص آخر‪ ،‬وعلى الرغم من أن طومسون قد استطاعت بهذا القياس أن تكون‬
‫عالمة فارقة ومهمة في تاريخ أخالقيات اإلجهاض‪ ،‬ألنها ‪" :‬دافعت عن الحق في االستقاللية الجسدية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Dworking, R, Life’s Dominion, An Argument About Abortion And Euthanasia, Harper Collins,‬‬
‫‪London, 1993, P 166.‬‬
‫‪ -2‬روث كوارتز‪ ،‬ليرودي هود‪ " ،‬التكنولوجيا الوراثية والخيار التناسلي "‪ ،‬ضمن كتاب‪ :‬الجينوم البشري‪ ،‬تحرير دانييل كلفن‪،‬‬
‫ترجمة أحمد مستجير‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1997‬ص ‪.239‬‬

‫الصفحة ‪239 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫للمرأة دون النظر إلى الحتمية البيولوجية‪ ،‬وهوية الجندر ‪ ،Gender Identity1‬إال أنه ينطوي على‬
‫مفارقات شتى‪ ،‬فمن ناحية نالحظ أن عالقة األم بالجنين ال يمكن مقارنتها بعالقة عارضة بين اثنين‬
‫من الغرباء‪ ،‬فالحمل بالجنين حتى وإن كان غير مرغوب فيه ينطوي على معنى إرادي‪ ،‬ذاك املعنى‬
‫املتضمن صراحة في طبيعة العالقة الزوجية‪ ،‬والذي من شأنه إلزام األم بمسؤوليات وواجبات تجاه‬
‫الجنين أخصها الحفاظ على حياته‪.‬‬
‫وقد ساند هذا االتجاه الكثير من التنظيمات النسوية‪ ،‬خاصة وأن املوجة النسوية الثالثة قد‬
‫ركزت اهتمامها على القضايا الحساسة الخاصة باملرأة كالختان والحرية الجنسية وحرية الجسد‬
‫واالجهاض‪ ،‬فاملرأة كائن عاقل واعي ذو إرادة حرة تستطيع السيطرة على جسدها وتملك الحرية في‬
‫التصرف به وحدها‪ ،‬طاملا أنه جسدها هي وال وصاية ألحد عليه وطاملا أن الجنين هو جزء من هذا‬
‫الجسد فيسري عليه نفس االمر‪ ،‬فان فرضت عليها الظروف أو اختارت هي االجهاض فلها ذلك‪.‬‬
‫وقد سبقت سيمون دو بوفوار هذه املوجة في طرق املوضوع والدعوة لتسهيل االجهاض إذ‬
‫ترى أن املرأة ولكي تتحرر من التبعية وتخرج من ركن التاريخ املظلم ما عليها سوى أن تنفك من سجن‬
‫التناسل " املستمر واملتكرر" فتقول‪ ":‬إن السبب العميق الذي حصر املرأة في العمل املنزلي‪ ،‬في‬
‫بداية التاريخ‪ ،‬ومنعها من املساهمة في تعميرالعالم هو استعبادها لوظيفة يخص تحديد النسل‪،‬‬
‫قلبت الديانة املسيحية املفاهيم وجعلت الرشيم ذو روح حينئذ أصبح االجهاض جريمة ضد‬
‫الجنين ذاته "‪ ،2‬وحملت سيمون دو بوفوار الديانة املسيحية مسؤولية تحريم االجهاض ألنها أضفت‬
‫على األجنة روحا‪ ،‬مما حال دون ذلك تكريما وإجالال للروح‪ ،‬وقد ساندها في فكرتها الفيلسوف جون‬
‫بول سارتر الذي يرى في االجهاض حق من حقوق املرأة وحدها‪.‬‬
‫كما نجد مالمح اتجاه ثالث يرى في اإلجهاض جريمة ال إنسانية في حق الطفل واألم على‬
‫السواء‪ ،‬في حق الطفل الذي حرم الحياة‪ ،‬وفي حق األم التي تمر بكل أشكال األلم والعذاب النفس ي‬
‫والجسدي أثناء لفظ جنينها خارج جسدها وهو ميت (باستثناء حركة فيمن األصولية)‪.‬‬
‫وعلى الرغم من وحشية اإلجهاض إال أنه يجب أن يتمتع بصفة الشرعية ويأخذ صبغة‬
‫قانونية‪ ،‬ذلك أن املرأة إذا عزمت ومهما اشتد بها العذاب النفس ي فإن الظروف الخارجية الخانقة‬
‫التي اضطرتها لإلجهاض باقية لن تتغير كاألم العزباء التي تخلى عنها رجلها وتكاتفت الضغوط عليها‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪- Williams, M, An Ethias Ensemble : Abortion, Thomson, Finnis and the Case of the Violine‬‬
‫‪Player, In Journal of Ratio Jurais, 2004, Vol 17, N 17, P 385.‬‬
‫‪ -2‬سيمون دو بوفوار‪ " ،‬الجنس اآلخـر"‪ ،‬ترجمة‪ :‬ندى حداد‪ ،‬األهلية للنشــر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2008‬ص ‪.63‬‬

‫الصفحة ‪240 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫فال تستطيع تحمل مسؤولية الجنين املادية واملعنوية‪ ،‬أو قد تكون خائفة من موت محتم لضياع‬
‫شرفها فيكون الحل الوحيد هو اإلجهاض‪ ،‬لذلك فاإلجهاض واقع ال محالة سواء شرع له أم ال‪،‬‬
‫بمعنى أنه وإن لم يكن ذو صفة قانونية فلن يتوقف بل هو في تزايد مستمر‪ ،‬لذلك كان من األجدر‬
‫بالدولة أن تشرف على عمليات اإلجهاض اآلمن بتوفير ظروف صحية مناسبة إلنقاذ حياة األم‪.‬‬
‫ويمثل املطالبين بالترخيص لإلجهاض باملغرب التيار اليساري والعلماني‪ ،‬ويعتبرون اإلجهاض‬
‫ساحة صراع بينهم وبين املحافظين على غرار مدونة األسرة وتعميم توزيع العازل الطبي‪ ،‬فهم‬
‫يعتبرون أن تقنين اإلجهاض في املغرب مطلب أصبح أكثر إلحاحا من النساء أوال ومن حقوقيين‪،‬‬
‫متذعرين بكون املرأة تملك حرية التصرف في جسدها وتدرك مصلحتها‪ ،‬وأنه ال يجوز ألحد أن يتدخل‬
‫في حريتها‪ ،‬كما يقدم املطالبون بتقنين اإلجهاض التبريرات التالية‪:‬‬
‫‪ ‬تأخر سن الزواج وما يترتب عنه من عالقات خارج إطار الزواج؛‬
‫‪ ‬مضاعفات اإلجهاض تتسبب في نسبة مهمة من وفيات األمها؛ ‪.‬‬
‫‪ ‬تزايد عدد األمهات العازبات ومآس ي قتل املواليد غير الشرعيين؛‬
‫‪ ‬التخلي عن األطفال حديثو الوالدة‪ ،‬وتزايد معدل جرائم بيع الرضع‪.‬؛‬
‫‪ ‬التدابير التي تتخذها وزارة الصحة لتفادي الحمل غير املرغوب فيه وتفادي اإلجهاض السري هي‬
‫تدابير غير كافية وغير فعالة رغم أهميتها‪ ،‬وأنها تهم فقط النساء املتزوجات؛‬
‫‪ ‬انتشار االغتصاب وزنا املحارم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬القائلون بقدسية الحياة اإلنسانية منذ لحيضات التبرعم األصلية في‬
‫الرحم ‪ -‬ر افضون لتقنين اإلجهاض‪-‬‬

‫يرى معارضو اإلجهاض أنه إذا كان الجنين يحمل جينات‪ ،‬تسبب العذاب واآلالم لحاملها‬
‫وألسرته‪ ،‬مما يعني الرحمة بالوليد وبأهله‪ ،‬فإن عملية اإلجهاض‪ ،‬مهما كانت الدوافع وراءها‪ ،‬هي‬
‫عملية قتل وإزهاق روح وتحطيم متعمد لحياة شخص لم يولد‪ ،‬وهي عملية مهينة تحط من قيمة‬
‫الحياة البشرية التي تعتبر أثمن ما في الوجود‪ ،‬كما أن اإلجهاض يحول اإلنسان إلى سلعة وبضاعة‬
‫يلزم أن تفحص قبل أن تنتج وتعرض‪ ،‬ليستبعد منها ما هو غير مطابق "للمواصفات "‪ ،‬من سيضع‬
‫هذه املواصفات؟ أال تقود هذه املجسات حقا جديدة تسلحت بالعلم الحديث‪ ،‬تعيد الحياة مرة‬

‫الصفحة ‪241 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫أخرى إلى تلك الفكرة الجهنمية إلنتاج السوبرمان التي استولت على أذهان املفكرين والنازيين في‬
‫العقود األولى من القرن املاض ي‪ ،‬أهي اليوجينيا إذن تدخل علينا من الباب الخلفي وقد ارتدت ثياب‬
‫العلم‪ ،‬متخفية تحت اسم "اليوجينيا اليوتوبية" لتذيع الدمار مدعية أنها تسعى إلى تقليل آالم‬
‫اإلنسان القتل باسم الرحمة؟ هل سنعود إلى ما قاله يوما هافلوك إليس‪ :‬يلقي الرجل العطوف‬
‫قرشا للمتسول‪ ،‬أما األكثر عطفا فيبنى له ملجأ حتى ال يحتاج إلى التسول‪ ،‬لكن ربما كان أكثرنا عطفا‬
‫هو من يدبر األمر بحيث ال يولد املتسول؟ نستبدل باملتسول املريض بمرض وراثي؟‪.1‬‬
‫إذا ما وافقنا على أن من حق املجتمع أن يسمح لألمهات بإجهاض األجنة التي تحمل أمراضا‬
‫وراثية‪ ،‬فأي األمراض الوراثية نعني؟ عمى األلوان؟ قصر النظر؟ الحول؟ السكر الوراثي؟ هل نمض ي‬
‫لنجهض األجنة للمرض الوراثي الذي ال يقتل إال في نحو سن األربعين (ومجسه الوراثي جاهز بالفعل‬
‫منذ الثمانينيات؟) أو الحاملة ملرض الزهايمر الذي يصيب اإلنسان عادة بعد سن الستين؟ لو أننا‬
‫استخدامنا املجس الوراثي الخاص بمرض ألجهضنا الجنين الذي أصبح ستيفن هوكنج أستاذ‬
‫الفيزياء الفلكية بجامعة كمبريدج أشهر من سبر أصل الكون في عصرنا‪ ،‬وماذا لو طلب أحدهم‬
‫إجهاض الجنين ألن أعينه ليسن زرقاء مثال؟ فمن املمكن بالطبع أن تصنع مجسات وراثية تكشف‬
‫لون العين في الجنين‪ ،‬نحن نعرف على أية حال أن هناك في البشر أكثر من أربعة آالف مرض وراثي‪،‬‬
‫وأن كل فرد منا يحمل في املتوسط أربعة أمراض منها‪ ،‬ال بد من أن تكون هي األمراض التي تقتل في‬
‫الطفولة‪ ،‬التي يعجز حاملها عن أن يرعى أموره وأن يتحمل مسؤوليات حياته‪ ،‬أم ترى الواجب أن‬
‫يترك القرار لألم الحامل – كما يرى الكثير – بعد أن يشرح لها بالتفصيل كل ما هو معروف عن‬
‫املرض؟ لكن‪ ....‬أليس للجنين هو اآلخر حقوق؟‪.2‬‬
‫فالقائلون " بحق األجنة " يرون أن " حياة اإلنسان تبدأ مع منطلق الحمل‪ ،" ..‬ويرون أنه ال‬
‫مجال الختيار أقل األضرار إذ كان ذلك يقتض ي التخلص من الحميل‪ ،‬الذي يعتبر شخصا منذ‬
‫البداية‪ ،‬ألن الحميل ليس مجرد تابع وال يمكن التضحية به ألجل مصالح شخص آخر ولو كان هذا‬
‫الشخص هو أمه‪ ،3‬فرحم املرأة في تعريفه اللغوي هو الوعاء الذي يحوي الجنين‪ ،‬وبالتالي ال يمكن‬
‫اعتباره عضوا خالصا خاصا باملرأة وحدها‪ ،‬فهو من جهة مستقبل لنطف الرجل‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫هو بيت للجنين وعلى هذا األساس ال يحق لها أن تتصرف فيه‪.‬‬
‫‪ -1‬أحمد مستجير‪ " ،‬قراءة في كتابنا الوراثي "‪ ،‬الهيئة العامـة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2013‬ص ‪.86 – 85‬‬
‫‪ -2‬أحمد مستجير‪ " ،‬قراءة في كتابنا الوراثي "‪ ،‬الهيئة العامـة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2013‬ص ‪.87‬‬
‫‪ -3‬عمر بوفنتاش‪ " ،‬البيوايتيقا – األخالقيات الجديدة في مواجهة تجاوزات البيوتكنولوجيا "‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،2011‬ص ‪.219‬‬

‫الصفحة ‪242 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫كما نجد أن أعلى نسبة لإلجهاض مردها الحرية الجنسية الحرية املطلقة الالمسؤولة‪،‬‬
‫فممارسة املرأة للجنس يجب أن تتبعه جملة من االعتبارات واالحتياطات حتى ال يقع الحمل غير‬
‫املرغوب فيه‪ ،‬فإن حدث الحمل فعليها أن تتحمل تبعات أعمالها فال تلفظ الجنين‪ ،‬الذي ليس له أي‬
‫ذنب في األمـر‪ ،‬فيحرم من الحياة بعد أن تجمعت خالياه الحية األولى مبشرة بمستقبل قادم‪.‬‬
‫وحتى إن افترض أصحاب هذه الحركة انتفاء صفة اإلنسانية عن الجنين بحجة أنه مجموعة‬
‫خاليا‪ ،‬فإنهم يرون أن هذه الخاليا تتميز بكونها نابضة حيوية فاعلة متطورة تحوي في ذاتها بذور‬
‫إنسان قيد التحقق بمعنى أن تلك الخاليا هي "مشروع إنسان" قابل للتحقق مستقبال وإذا استعرنا‬
‫عبارة أرسطو فنقول عن الخاليا أنها "إنسان" "بالقوة فيكون اإلجهاض بذلك هو عملية قتل‬
‫لألجنة (‪ )....‬قتل لإلنسانية‪ ،‬ال يعتبر الجنين عضوا من أعضاء املرأة وإن اتصل بها بل هو مشروع‬
‫إنسان سينفصل عنها نهائيا بعد مدة"‪ ،‬فإخصاب الخاليا اإلنسانية يشكل البداية الفعلية لسيرورة‬
‫تطويرية ليس فقط تنظم نفسها بنفسها بل غدت تتمتع باالنفراد تبعا لهذا التصور كل ما يمكن‬
‫تحديده بيولوجيا بوصفه نموذجا إنسانيا يجب النظر إليه بوصفه شخصا بالقوة‪ ،‬وهو صاحب‬
‫حقوق أساسية‪ 1‬وعلى رأسها توفير الحماية له‪.‬‬
‫وفي مقابل االتجاه األول‪ ،‬اجتمعت عدة تنظيمات نسائية ومدنية إسالمية‪ ،‬تهتم بقضايا‬
‫األسرة واملرأة والطفل‪ ،‬في إطار تحالف مدني‪ ،‬للتصدي لدعوات تحرير اإلجهاض‪ ،‬تحت لواء"‬
‫االئتالف الوطني للدفاع عن حق الجنين في الحياة‪ ،"2‬وقد شدد على ضرورة مقاربة القضية‪ ،‬من‬
‫منظور يراعي الخصوصية الدينية والثقافية للمجتمع املغربي‪ ،‬وعلى مراعاة مصلحة الجنين أيضا‪،‬‬
‫ولم يمانع من مناقشة باقي االستثناءات املتعلقة بالصحة الجسدية للمرأة وظروف حملها خارج إطار‬
‫الزواج‪ ،‬ومسألة التشوهات الخلقية‪.‬‬
‫ويأتي تأسيس االئتالف الوطني للدفاع عن حق الجنين في الحياة‪ ،‬كرد فعل على دعوات‬
‫تحرير اإلجهاض‪ ،‬وانطالقا مما تسجله من تزايد حاالت اإلجهاض السري وما يترتب عن ذلك من‬
‫انتهاك للحق في الحياة بالنسبة للجنين‪ ،‬فاالئتالف يحرص على مقاربة املوضوع من منطلق أن األصل‬
‫هو حق الجنين في الحياة‪ ،‬بخالف املنطلقات املرجعية لالتجاه األول‪ .‬وهكذا ساهم االئتالف في إثراء‬

‫‪ -1‬زهير األعرجي‪ " ،‬النظام العائلي ودور األسـرة في البناء االجتماعي اإلسالمي "‪ ،‬قم المشرقـة‪ ،‬الطبعة األولى ‪1415‬هــ‪ ،‬ص‬
‫‪.56‬‬
‫‪ -2‬منظمة تجديد الوعي النسائي‪ :‬هي منظمة مغربية مستقلة تعمل على مساندة المرأة لنيل حقوقها ومطالبها االجتماعية العادلة‪،‬‬
‫تأسست المنظمة عام ‪ 1995‬من أجل المحافظة على أصالة المرأة وعلى هويتها اإلسالمية‪ ،‬ومن أجل تقديم خدمة اجتماعية تتميز‬
‫بالفعالية واالقتراب من المشاكل الحقيقية للمرأة والطفل في األسرة المغربية‪.‬‬

‫الصفحة ‪243 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫النقاش العمومي حول قضية اإلجهاض من خالل إعداد مذكرة ترافعية في املوضوع‪ ،‬وجهها للهيئة‬
‫العليا للحوار الوطني إلصالح منظومة العدالة‪.‬‬
‫وبخصوص حاالت إباحة اإلجهاض رفض االئتالف "الربط غير املنطقي الذي يجعل من‬
‫مطلب تقنين اإلجهاض حال للمشاكل املترتبة عن االغتصاب وزنا املحارم في حالة حدوث حمل "‪،‬‬
‫ودعت إلى إصالح نصوص القانون الجنائي خاصة املتعلقة بهذه الجرائم‪ ،‬بما يعزز من ضمانات‬
‫حماية الحق في الحياة ويضمن والدة طبيعية لألجنة وكذا الحرص على تفعيل النصوص املوجودة‬
‫بما يكرس مبدأ عدم اإلفالت من العقاب‪ ،‬خصوصا وأن معدالت اإلجهاض في ارتفاع متزايد‪ ،‬وأن‬
‫الجريمة ال تكون إال بفعل فاعل واستمرار التعاطي مع الظواهر االجتماعية بالتساهل وغض الطرف‬
‫ال يساهم في حلها وإنما يزيد من تفاقمها وتعقيدها‪ .‬وقدم االئتالف بهذا الخصوص مجموعة من‬
‫املقترحات واإلجراءات املسطرية من شأنها تعزيز حق املغتصبة وحمايتها وتفعيل الجانب املسطري‬
‫(التبليغ واإلثبات) وتسريعه‪.‬‬
‫ويجادل أنصار حق الحياة بأنه ال حق ألحد في إنكار الحياة‪ ،‬ألنهم يرون أن الجنين‪ ،‬مهما كان‬
‫صغيرا فهو حياة بشرية‪ ،‬ومن الخطأ أخالقيا استغالل حياة بشرية‪ ،‬وأن حق الطفل الذي لم يولد‬
‫بعد يتوجب أن يسمو على حق املرأة في أال تحمل‪ ،‬أيضا فإنهم يجادلون بأن من يجري عملية‬
‫اإلجهاض يحط من قدر إنسانية كل من يتعلق بهم األمر‪ ،‬بمن فيهم األم‪ ،‬والطبيب‪ ،‬واملشتغلون‬
‫بالرعاية الصحية‪.1‬‬
‫وهكذا فبالنسبة لحنان اإلدريس ي رئيسة "االئتالف الوطني للدفاع عن حق الجنين"‪ ،‬فإنه‬
‫ينبغي التعامل مع اإلجهاض من منطلق أنه جريمة ينبغي أن يعاقب عليها القانون‪ ،‬مع إعمال‬
‫منظومة حقوق اإلنسان وعلى رأسها الحق في الحياة‪ ،2‬وذلك من منطلق ما تعتبره "أبا الحقوق"‬
‫والحق األول الذي تتأسس عليه منظومة حقوق اإلنسان كاملة وذلك الرتباطه بحفظ النفس‬
‫البشرية؛ إذ ال يستقيم التمتع ببقية الحقوق إال بحماية الحق األساس ي‪ .‬وتحتج في ذلك بكون جميع‬
‫الشرائع السماوية واملواثيق الدولية والقوانين الوطنية اتفقت على حماية هذا الحق‪ ،3‬ويرفض‬

‫‪ -1‬فرمجن‪ " ،‬القانون الطبي واألخالق "‪ ،‬ترجمة نجيب الحصادي‪ ،‬المشروع القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪،2013‬‬
‫ص ‪.174‬‬
‫‪ -2‬حنان اإلدريسي ‪" ،‬في نقض مزاعم دعاة تقنين اإلجهاض‪ ،‬مقاربة طبية مقارنة"‪ ،‬الرجواني‪ ،‬عصام (تنسيق)‪ ،‬اإلجهاض بين‬
‫الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد‪ ،‬الرباط‪ ،‬منشورات المركز المغربي للدراسات واألبحاث المعاصرة‪ ،‬ماي ‪ ،2015‬ص‬
‫‪37-17‬‬
‫‪ -3‬نظر مداخلة‪ ،‬العثماني سعد الدين‪" ،‬أي مقاربة لتعديل القانون الجنائي في مادة اإلجهاض"‪ ،‬منشورات المركز المغربي‬
‫للدراسات واألبحاث المعاصرة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫الصفحة ‪244 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫االئتالف إطالق تعبير "اآلمن" على عملية اإلجهاض‪ ،‬ألنه ليس كذلك‪ ،‬فاألصل فيه أنه‪" :‬عنف ضد‬
‫املرأة وخطرعلى صحتها الجسدية والنفسية عكس ما يدعيه دعاة اإلجهاض"‬
‫وترى الجمعية من جهتها أن تقنين اإلجهاض يتناقض مع حماية حق الجنين في الحياة‪ ،‬ومن‬
‫ُ‬
‫شأن ذلك توسيع دائرة املقبالت على عمليات اإلجهاض‪ ،‬كما أنه سيشجع على زيادة العالقات‬
‫الجنسية خارج الزواج‪ ،‬والدليل على ذلك ارتفاع نسبته بعدد من الدول التي تقننه مثل فرنسا‪.‬‬
‫واعتبرت عائشة فضلي رئيسة الجمعية أن األطباء الذين يقومون بعمليات اإلجهاض "يشاركون في‬
‫جرائم قتل‪ ،‬ويسهمون في عملية تطهير للعرق البشري‪ ،‬ودعت إلى التراجع عن استعمال مفهوم‬
‫اإلجهاض اآلمن ألنه ليس كذلك "‬
‫يمثل الرافضون لإلجهاض التيار املحافظ‪ ،‬فهم يرون أن تجند اليساريين للدفاع عن تقنين‬
‫اإلجهاض هو ركوب على هذه املوجة ملغالبة الفكر املحافظ وسحب البساط من تحت أرجله خاصة‬
‫أن هذا التدافع يكتس ي أيضا طابع سياس ي بوجود بعض الرافضين في الحكومة‪ .‬فالرافضون لتقنين‬
‫اإلجهاض يحتجون أنه ال يجوز التصرف في حياة الجنين إال إذا كان يشكل خطرا حقيقيا على صحة‬
‫األم أو يحمل تشوها كبيرا ويحرم إجهاضه ملجرد الرغبة في إخفاء الحمل أو لظروف اقتصادية‪ .‬هذا‬
‫ويبني أصحاب هذا املوقف على األسباب التالية‪:‬‬
‫‪ ‬حق الجنين في الحياة حق كل شخص؛‬
‫‪ ‬الجنين ال يتحمل أخطاء الوالدين؛‬
‫‪ ‬معالجة اإلجهاض يجب أن تكون في إطار شمولي يبدأ من معالجة األسباب املؤدية للحمل الناجم‬
‫عن الزنا أو الحمل غير املرغوب فيه؛‬
‫‪ ‬تقنين اإلجهاض سيشجع العالقات الجنسية الخارجة عن الزواج وسيزيد من قتل األجنة التي لها‬
‫الحق كذلك في الحياة؛‬
‫‪ ‬اإلجهاض تجارة مربحة يعمل تقنينها على توفير الغطاء القانوني لألطباء واللوبيات عديمي‬
‫الضمير؛‬
‫‪ ‬اإلجهاض جريمة في حق األجنة وعنف جسدي ونفس ي ضد املرأة ‪.‬‬
‫من خالل تحليلنا ملعطيات السالفة الذكــر نالحظ أن هناك صراع بين دعاة إباحة اإلجهاض‬
‫ودعاة تجريم اإلجهاض‪ ،‬فحسب االتجاه الداعي إلى تقنين اإلجهاض فإن رفع القيود القانونية عن‬
‫اإلجهاض وإباحته‪ ،‬وتسهيل اللجوء إليه من شأنه تحقيق نتيجتين‪:‬‬

‫الصفحة ‪245 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬األول ــى‪ :‬تخفيض حاالت اإلجهاض‪.‬‬


‫‪ -‬الثانية‪ :‬الوصول لإلجهاض اآلمن للتقليل حاالت وفيات األمهات‪.‬‬
‫فهم يعتبرون اإلجهاض اآلمن والشرعي أحد مفاتيح الصحة اإلنجابية ويساعد من خفض‬
‫نسبة اإلجهاض‪.‬‬
‫أما االتجاه الداعي إلى تجريم اإلجهاض ينطلق من نقطة أن إباحة اإلجهاض دون ضوابط‬
‫يشكل خطورة على املرأة واألســرة واملجتمع ككل‪ ،‬إذ يؤدي إلى ارتفاع نسبة الفاحشة حيث إن وجوده‬
‫يعني وجود الحل للتخلص بسهولة من العار‪ ،‬وهو آثـر الزنا لدى ينبغي التعامل مع اإلجهاض من‬
‫منطلق أنه جريمة ينبغي أن يعاقب عليها القانون‪ ،‬وعلة تجريمه تكمن في سعي القانون إلى حماية‬
‫الحقوق التي تحميها الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وهي حماية حق الجنين في الحياة وحماية األم من األخطار‬
‫وحماية حق املجتمع‪ ،‬لذلك فتجريم اإلجهاض في القانون املغربـي ينسجم مع موقف الفقهاء‬
‫‪.1‬‬
‫والتوجهات الدينية للمملكة‬

‫املطلب الثاني‪ :‬في نقض مزاعم دعاة تقنين اإلجهاض‬


‫ال ريب في أن املسألة األخالقية األساسية في اإلجهاض تتعلق بمقام الحياة وبهوية الجنين‬
‫اإلنساني املعنوية‪ ،‬ذلك أن األبحاث الفلسفية والالهوتية ما برحت تتناول الوقائع البيولوجية التي‬
‫تسبق الوالدة‪ ،‬أي مراحل تطور البذرة اإلخصابية منذ النطفة األولى حتى خروج الوليد من الرحم‪،‬‬
‫فهل يكون التراب والنطفة والعلقة واملضغة مستودع الشخص اإلنساني في تكونه األول؟ إذا ثبت أن‬
‫الوقائع البيولوجية هذه تكتسب مقام الحياة األخالقية‪ ،‬من غير أن نستطيع مع ذلك أن نعين مرتبة‬
‫الوعي الذي ينشط فيها‪ ،‬فال بد من االستفسار عن عواقب اإلجهاض األخالقية‪ ،‬إذ إن اإلنسان ال‬
‫يجوز له أن يقتل الحياة إال في الحاالت الضرورية القاهرة‪ ،‬كالسعي إلى إنقاذ األم التي تنذرها باملوت‬
‫في أوضاع الحمل السقيم املعتل‪ ،‬أو التحقق من التشوهات الجسدية الجسيمة التي تعوق نشوء‬
‫الكيان الجسدي والذهني السليم‪ ،‬أو اإلجماع األخالقي على صون السوية النفسية في حال املرأة‬
‫املغتصبة املعنفة املذلولة أو في حال سفاح القربى املقيت‪.2‬‬

‫‪ -1‬خالد الحمدونــي‪ " ،‬اإلجهاض في المغرب بين التجريم والدعوة إلى التقنين "‪ ،‬مجلة الباحث لدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬العدد‬
‫‪ 24‬نونبر ‪ ،2020‬ص ‪.266‬‬
‫‪ -2‬مشير باسيل عون‪ " ،‬قراءة ثقافية في قضية امتالك حق اإلجهاض وإمكان إبطاله "‪ ،‬األربعاء ‪ 6‬يوليو ‪ 2022‬على الموقع‬
‫اإللكترونـــي التالي‪ https://www.independentarabia.com/node :‬تاريخ االطالع‪ 2023/09/06 :‬على الساعــة‪:‬‬
‫‪.12:50‬‬

‫الصفحة ‪246 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وتبقى املشكلة في نص القانون الذي يوجب احترام الحياة اإلنسانية منذ بدايتها‪ ،‬بيد أن‬
‫ً‬
‫مفهوم البداية ما زال غامضا‪ ،‬إذ إن أغلب التشريعات تبيح اإلجهاض قبل األسبوع الثاني عشر‪ ،‬وإذا‬
‫أردنا أن نوجز االختالف القانوني في تسويغ اإلجهاض‪ ،‬يمكننا أن نورد األسباب التي يستند إليها‬
‫الليبراليون املستحسنون املؤيدون لإلجهاض‪ ،‬واألسباب التي يعتمدها املحافظون الزاجرون‬
‫الوازعون املانعون لإلجهاض‪.‬‬
‫ً‬
‫وهكذا يقوم املنطق الليبرالي على القول إن الجنين قبل انقضاء أربعة وعشرين أسبوعا‪ ،‬ليس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شخصا كامل األوصاف متمتعا بالوعي الذاتي الذي يمنحه الحقوق الشخصية املطلقة‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫يجوز للمرأة‪ ،‬في أحوال خطيرة خاصة‪ ،‬أن تجهض جنينها قبل املهلة البيولوجية القانونية‪ ،‬أما‬
‫تسويغ الحظر‪ ،‬فيستند إلى تصور الجنين في مقام الشخص اإلنساني الذي يمتلك‪ ،‬منذ هنيهات‬
‫اإلخصاب األول‪ ،‬الحق األصلي املطلق في الحياة‪ .‬وعليه‪ ،‬ال يجوز إجهاض الجنين حتى ولو عارض‬
‫ذلك حق األم في التصرف الحر بجسدها‪ ،‬إذ إن مثل هذا الحق يخضع لحق الجنين في الحياة‪ .‬يكفي‬
‫أن نتذكر أن تبرعم الجنين مسار تدرجي تطوري مذهل‪ ،‬ال يستطيع املرء أن يترصد كل أحواله‪ ،‬إذ‬
‫تنعقد في دماغ الجنين‪ ،‬حين يأخذ في التكون‪ ،‬ثالثة آالف خلية عصبية في الثانية الواحدة‪.1‬‬
‫إذا ثبت ما سبق‪ ،‬صح لنا طرح التساؤل اآلتــي‪ :‬هل تقنين اإلجهاض يحافظ على صحة‬
‫املرأة؟ ولعل هذا االدعاء من بين املغالطات الكبرى التي يروج لها دعاة إباحة اإلجهاض الذين‬
‫يناضلون من أجل اإلجهاض حماية لصحة املرأة‪ ،‬كل هذا سيدحض بالحجج العلمية كما هو مبين‬
‫في عدد من البحوث والدراسات‪ ،‬فاالدعاء بأن تقنين اإلجهاض سيخفض من نسبة وفيات املرأة‬
‫الحامل‪ ،‬يبقى واهيا لكون املغرب يتوفر على برنامج قوي وضعته وزارة الصحة لتخفيض عدد‬
‫الوفيات‪.‬‬
‫فالرهان املعقود لتخفيض نسبة الوفيات عند الوالدة باملغرب ال يقوم على تقنين وإباحة‬
‫اإلجهاض وإنما على تحسين جودة الخدمات الصحية بالنسبة للمرأة الحامل سواء في العالم‬
‫الحضري أو القروي‪ ،‬فإذا كانت عددا من املنظمات الدولية تنادي بأن هناك حاجة ماسة لتشريع‬
‫اإلجهاض للحد من الوفيات املرتبطة بالحمل في البلدان النامية‪ ،‬فإنه باملقابل هناك رصيد مهم من‬
‫األدلة العلمية التي تدحض هذه األقوال على اعتبار أن الحد من الوفيات املرتبطة بالوالدة يتم من‬

‫‪ -1‬مشير باسيل عون‪ " ،‬قراءة ثقافية في قضية امتالك حق اإلجهاض وإمكان إبطاله "‪ ،‬األربعاء ‪ 6‬يوليو ‪ 2022‬على الموقع‬
‫اإللكترونـــي التالي‪ https://www.independentarabia.com/node :‬تاريخ االطالع‪ 2023/09/06 :‬على الساعــة‪:‬‬
‫‪.13:30‬‬

‫الصفحة ‪247 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫خالل نوعية الرعاية الصحية املقدمة لألمهات ( وغيرها من العوامل غير املباشرة )‪ ،‬وليس إباحة‬
‫اإلجهاض وتسوية وضعيته القانونية‪ ،‬وبالتالي يمكن أن نجزم بأنه ليست هناك حاجة لتشريع‬
‫اإلجهاض لتحسين صحة األم وإنقاذ حياة املرأة‪.1‬‬
‫وتعتبر متطلبات الرعاية الصحية أثناء الحمل ذات أهمية كبرى في تجنب اإلجهاض التلقائي‪،‬‬
‫حيث تزداد أهمية الفحص الطبي وزيارة الطبيب أثناء الحمل حسب صحة األم‪ ،‬فإذا كانت تعاني من‬
‫حالة مرضية كمرض السكري وأمراض الكلى والصرع والضغط الدموي ومرض القلب أو جراحة‬
‫قديمة على مستوى الرحم وغيرها أو مشكلة قديمة في حمل سابق أو الحمل الحالي‪ ،‬فيجب عليها أن‬
‫تنال رعاية أكثر لتفادي املضاعفات الخطيرة التي تحدث أثناء الحمل مثل اإلجهاض والوالدة‬
‫القيصرية أو وفاة الجنين وغيرها من تعقيدات الحمل والوالدة‪،‬وويعتبر التواصل املستمر مع‬
‫الطبيب األخصائي عبر الزيارات املبرمجة ‪ ،‬مع ضرورة ممارسة بعض التمارين الرياضية وأهمها املش ي‬
‫من اآلثار اإليجابية التي تلقي بظاللها على سير الحمل والوالدة‪ ،‬كما أن تثقيف املرأة الحامل بكيفية‬
‫التعامل مع قرب موعد الوالدة والعالمات الدالة عليها يساعد في ذلك‪.2‬‬
‫لذلك يجب العمل على إجراء فحوصات روتينية واختبارات البول والدم من أجل رصد نتائج‬
‫تقدم الحمل وصحته وصحة األم‪ ،‬كما توص ي منظمة الصحة العاملية النساء الحوامل بتوصيات من‬
‫شأنها ضمان حمل سليم بدأ من التغذية الجيدة التي تعتمد على الخضروات والخضراء‪ ،‬والبرتقال‪،‬‬
‫واللحوم واألسماك والبقوليات واملكسرات والحبوب الكاملة والفاكهة التي توفر الطاقة والبروتين‬
‫والفيتامينات واملعادن للصحة الجيدة والحفاظ على النشاط البدني‪ ،‬كما توص ي بفحوصات األم‬
‫والجنين الروتينية والتدابير الوقائية الالزمة أثناء الحمل ملنع حدوث املضاعفات‪ ،‬وتطبيق املشورات‬
‫املقدمة من طرف الطبيب إلى غاية الوالدة باإلضافة إلى الدعم النفس ي والعاطفي من خالل األسرة‬
‫والزوج‪ ،‬ومن أجل السيطرة على تأزم الحمل ومضاعفاته على الحامل االهتمام بقياس الضغط‬
‫الدموي املنتظم وسماع صوت قلب الجنين وغيرها من الفحوصات الروتينية عند الطبيب واملكمالت‬
‫الغذائية أثناء الحمل وقبله‪ ،‬ويجب أن تكون الوالدة تحت إشراف أطباء متخصصين أو قابالت‬
‫مؤهالت في املناطق الريفية‪ ،‬وتنصح منظمة الصحة العاملية من أجل صحة األم والجنين وانخفاض‬
‫معدالت وفيات األمهات االلتزام بما ال يقل عن ثماني زيارات قبل الوالدة موزعة حسب توقيت الحمل‬
‫‪ -1‬حنان اإلدريسي‪ " ،‬في نقض مزاعم دعاة تقنين اإلجهاض – مقاربة طبية مقارنة "‪ ،‬المركز المغربي للدراسات واألبحاث‬
‫المعاصرة‪ ،‬ندوة اإلجهاض بين الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد‪ ،‬مطبعة‪ :‬طوب بريس – الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ماي‬
‫‪ ،2015‬ص ‪42‬‬
‫‪ -2‬أحمد محمد بدح وآخرون‪ " ،‬الثقافة الصحية "‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪.235‬‬

‫الصفحة ‪248 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫على النحو التالي‪ ،‬زيارة في الربع األول من الحمل وزيارتين في الربع الثاني وخمس زيارات في الربع‬
‫‪1‬‬
‫الثالث‬
‫وإذا كان مروجو تقنين اإلجهاض أو توسيع دائرة إباحته يقدمون أرقاما تشير إلى أن الدول‬
‫التي تجرم اإلجهاض‪ ،‬وتجعله حقا للمرأة ويمارس في املستشفيات وعالنية‪ ،‬وتلقى فيه خدمات‬
‫صحية نوعية‪ ،‬حيث انخفضت فيها نسبة وفيات الحوامل مقارنة مع الدول التي تجرمه‪ ،‬ألن‬
‫اإلجهاض فيها يتم في السـر ويؤدي في الغالب إلى وفاة األم‪ ،2‬فإنه مع ذلك تبقى هذه اإلحصاءات غير‬
‫رسمية‪ ،‬بل أنه لوحظ أن نسبة انخفاض الوفيات لدى النساء الحوامل منخفض في الدول املتقدمة‬
‫عنه في الدول األخرى ترتبط في الحقيقة بجودة الخدمات الصحية التي توفرها تلك الدولة وال عالقة‬
‫لذلك بإباحة اإلجهاض‪.‬‬

‫نسبة الوفيات‬ ‫البلد‬


‫‪3‬‬
‫‪67/100000‬‬ ‫روسيا‬ ‫دول مقننة لإلجهاض‬
‫‪17/100000‬‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية‬
‫‪5/100000‬‬ ‫إيرلندا‬ ‫دول غيرمقننة لإلجهاض‬
‫‪13/100000‬‬ ‫بولونيا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Recommandations de L’OMS Concernant les soins prénatals pour que la grossesse soit une‬‬
‫‪expérience positive Janvier 2018, P 2.‬‬
‫‪ -2‬اليزابيث أهمن‪ ،‬إقبال شاة‪ " ،‬اإلجهاض غيــر اآلمــن‪ :‬تقديرات عالمية لعام ‪ ،" 2000‬مجلة قضايا الصحة اإلنجابية (الطبعة‬
‫العربية)‪ ،‬العدد الثالث عشــر ‪ ،2008‬ص ‪.8 – 7‬‬
‫‪ -3‬على الرغم من كون روسيا تعد من أوائل الدول التي قننت اإلجهاض وجعلته وسيلة من وسائل التحكم في الخصوبة‪ ،‬إال أنها‬
‫تعد من أكثر الدول األوربية التي يحدث فيها اإلجهاض غير اآلمن أو السري ومن ثمة تعرف ارتفاع نسبة وفيات الحوامل مقارنة‬
‫ببقية الدو ل‪ ،‬وذلك ألن اإلجهاض القانوني يتم خالل الثالثة أشهر األولى من الحمل‪ ،‬ومن ثم تلجأ النساء في الثالثة أشهر الثانية من‬
‫الحمل إلى اإلجهاض السري‪ .‬هذا ما تشير إليه تقارير مروجو تقنين اإلجهاض من خالل مجلة قضايا الصحة اإلنجابية؛ لذا ومن‬
‫تقاريرهم يتبين أن توسيع دائرة إباحة اإلجهاض في الدول التي تمنعه السيما الدول اإلسالمية والترويج إلى أن السماح به سيقضي‬
‫على اإلجهاض غير اآلمن قول مردود عليه‪ ،‬ومن خالل إحصاءاتهم وتقاريرهم ألنه سيكون دوما ثمة حاجة للجوء إلى اإلجهاض‬
‫السري كما هو الحال في روسيا‪.‬‬
‫‪ ‬يمكن االطالع على هذه اإلحصاءات في‪ :‬مجلة قضايا الصحة اإلنجابيـة – (الطبعة العربية)‪ ،‬العدد الثالث عشـر ‪ ،2008‬ص‬
‫‪.113‬‬

‫الصفحة ‪249 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫كما أن إباحة اإلجهاض لن يقضـي تماما على اإلجهاض السري‪ ،‬ألن اإلجهاض مباح في فترة‬
‫زمنية محددة من الحمل‪ ،‬لذا فسيبقى اللجوء إلى اإلجهاض السري وارد حتى لدى الدول التي تنظمه‪،‬‬
‫وذلك إذا ما رغبت امرأة التخلص من الجنين في مرحلة متأخرة من الحمل دون دواع طبية أو أسباب‬
‫تدعو إلى ذلك‪.‬‬
‫إن الحجة بشأن اإلجهاض قد أخطأت في الوصول إلى املقصد منها‪ ،‬فهو يؤكد أن النقاش‬
‫ينبغي أن يركز على ما إذا كان من الخطأ قتل إنسان بريء بدال من الجدل ما إذا كان الجنين إنسانا‬
‫بريئا أو ال‪ ،‬إن الحجج املؤيدة إلباحة اإلجهاض حول متى تبدأ شخصية اإلنسان تبقى غامضة‪،‬‬
‫وبالتالي ال يمكن أن تحدد لحظة معينة لبداية الشخصية‪ ،‬ونظرا ألن العقل يمكنه أن يذهب بعيدا‬
‫فقط في قدرته على تحديد األخالق‪.1‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف "رونالد دفوركين "‪ ،‬إن تركيز الجدل حول شخصية الجنين‬
‫يغفل القضية األساسية‪ ،‬إلن االختالف حول شرعية اإلجهاض إنما يعود في األصل إلى اختالف‬
‫األفكار حول قيمة الحياة البشرية‪ ،‬فمن يحرمون اإلجهاض كلية‪ ،‬أو من يرون أن يحد منه كثيرا‪،‬‬
‫هؤالء يجعلون حياة اإلنسان قيمة مقدسة ال بد من أن تصان‪ ،‬أما الليبراليون فيرون أن قيمة‬
‫بناء على تم من استثمار بشري فيها‪ ،‬وعند إجهاض بعض األجنة – تلك التي تحمل‬ ‫الحياة إنما تنشأ ً‬
‫أمراضا تميت أو تقعد – إنما يعني ذلك االجهاض التقليل من قيمة الحياة؛ حياة اآلباء وحياة أطفال‬
‫العائلة التي سيولد بها الصغير املريض‪ ،‬وبالتالي سنقلل من قيمة حياة اآلباء وآبائهم املوجودين‪ ،‬تلك‬

‫‪ -1‬بنين جامد جبار‪ " ،‬أخالق اإلجهاض والرحم الصناعي "‪ ،‬مجلة متون ‪ ،Moutoune‬المجلد ‪ ،15‬العدد الثالث ‪ ،2022‬ص‬
‫‪.134‬‬

‫الصفحة ‪250 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫التي استوعبت بالفعل استثمارا بشريا كبيرا‪ ،‬وستكون الخسارة إذنا أكبر بكثير مما نخسره بإجهاض‬
‫حياة لم تصبح بعد حياة حقة‪.1‬‬
‫ويعد اإلجهاض الغير اآلمن من أكثر تحديات الصحة العامة في كل بلدان العالم ‪ ،‬ملا له‬
‫من أثار وخيمة على صحة النساء وحياتهن ‪ ،‬كما أن حمل املراهقات غير املخطط وما ينجر عنه من‬
‫مضاعفات يمثل أهم أسباب الوفاة في الفئة العمرية ‪ 19-15‬سنة ‪ ،‬خاصة في البلدان النامية ‪ ،‬حيث‬
‫يسهم اإلجهاض غير اآلمن والذي يقوم به أشخاص غير مؤهلون في وسط غير صحي بشكل كبير في‬
‫حدوث تلك الوفيات‪ ،‬علما أن أغلب حاالت الحمل غير املقصود يتم إجهاضها إراديا في هذه‬
‫الظروف‪.‬‬
‫وبناء على دراسة قامت بها منظمة الصحة العاملية تبين أن حوالي خمس حاالت الحمل‬
‫اإلجمالية املقدرة بحوالي ‪ 42‬مليون من أصل ‪ 210‬ماليين حالة كل سنة يتم إجهاضها بشكل طوعي‬
‫وتحدث حوالي ‪ 22‬مليون حالة في ظروف صحية فقط بينما تتم األخرى خارج اإلطار القانوني ‪.‬‬
‫وفي شمال إفريقيا ومنطقة الشرق األوسط نجد أغلب الدول تتخذ إجراءات تقيد اإلجهاض‬
‫أو يحظر فيها باستثناء إنقاذ حياة األم‪ ،‬ويعشن فيها حوالي ‪ %80‬من النساء التي تواجه عوائق‬
‫قانونية ضد اإلجهاض‪ .‬ونجد تركيا وتونس الدولتين الوحيدتين على مستوى العالم اإلسالمي التي‬
‫يسمح فيها باإلجهاض بشكل قانوني خالل الثالث األشهر األولى من الحمل بناء على طلب األم‪ ،‬وقد‬
‫انخفضت فيها نسب اإلجهاض بسبب ارتفاع استخدام وسائل منع الحمل الحديثة‪ ،2‬وتحتل‬
‫الواليات املتحدة األمريكية املرتبة األولى عامليا بمليون حالة إجهاض سنويا‪ ،‬كما تتصدر املغرب‬
‫املرتبة األولى عربيا من حيث عدد حاالت االجهاض السرية والتي تصل إلى ‪ 1400‬حالة يوميا منها‬
‫الشرعية وغير الشرعية‪ ،‬وتليها تونس حيث سجلت سنة ‪ 2014‬حسب الديوان الوطني لألسرة‬
‫والعمران في تونس ‪ 14‬ألف حالة سنويا تتم في وحدات الصحة العمومية‪ ،‬وتغيب احصائيات‬
‫اإلجهاض السري‪ ،‬وتشير بعض التقارير في تونس أنها تتم حوالي ‪ 400‬حالة إجهاض سري يوميا‪.‬‬
‫وحسب تقديرات منظمة الصحة العاملية ارتفع عدد حاالت االجهاض سنة ‪ 2015‬إلى ما‬
‫يقارب ‪ 56‬مليون حالة في العالم‪ ،‬وتنتشر أكثر الحاالت في البلدان الفقيرة والنامية‪ ،‬وهذا راجع إلى‬
‫النمو السكاني وعدم الرغبة في زيادة عدد أفراد األسرة‪ ،‬وتشير تقديرات املنظمة إلى حدوث ‪25‬‬
‫مليون حالة إجهاض غير آمن في العالم كل سنة‪ ،‬مما تشكل أزمة صحية عاملية‪ ،‬كما نجد أن حوالي‬

‫‪ -1‬أحمد مستجير‪ " ،‬قراءة في كتابنا الوراثي "‪ ،‬الهيئة العامـة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2013‬ص ‪.90‬‬
‫‪ -2‬رشا دبش وفرزانة رودي‪ " ،‬اإلجهاض في الشرق األوسط وشمال إفريقيا "‪ ،‬المكتب المرجعي للسكان‪ ،2008 ،‬ص‪.2 :‬‬

‫الصفحة ‪251 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ %43‬من حاالت الحمل كل سنة في العالم غير مرغوب فيها‪ ،‬ويبين الجدول التالي حاالت الحمل في‬
‫العالم النامي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫حاالت الحمل في العالم النامي‬
‫عدد الحاالت (ميلون)‬ ‫الحاالت املسجلة‬
‫‪89‬‬ ‫حمل غيرمرغوب فيه‬
‫‪30‬‬ ‫والدة غيرمخطط لها‬
‫‪84‬‬ ‫عملية إجهاض‬
‫‪10‬‬ ‫إسقاط الحمل‬
‫‪1‬‬ ‫وفيات مواليد‬

‫‬

‫‪ -1‬عالم منقسم‪ " ،‬الصحة اإلنجابية والحقوق اإلنجابية في زمن عدم المساواة "‪ ،‬حالة سكان العالم ‪ ،2017‬صندوق األمم المتحدة‪،‬‬
‫ص ‪.66‬‬

‫الصفحة ‪252 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املبحث الثاني‪ :‬مستجدات اإلجهاض على ضوء‬


‫مسودة القانون الجنائي املغربي‬

‫جاء مشروع قانون رقــم ‪ 10.16‬بمجموعة من املستجدات ملحاربة جريمة اإلجهاض بما فيها‬
‫تجريم اإلجهاض غيـر الشرعي واإلجهاض الذي يخرق املعايير الطبية‪ ،‬باإلضافة إلى اإلجهاض‬
‫القسري‪ ،‬مع رفع التجريم عن اإليقاف اإلرادي للحمل تحت إشراف طبي‪ ،‬حيث أدرج أربع حاالت‬
‫تبيح هذا الفعل‪ ،‬بمعنى ثالث حاالت إضافية على الحالة التي جاء بها الفصل ‪ 453‬من القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬حيث تم استثناء هذه الحاالت من العقاب لوجود مبررات قاهرة‪ ،‬وذلك ملا تسببه من‬
‫معاناة وملا لها من آثار صحية ونفسية واجتماعية سيئة على املرأة واألسرة والجنين‪ ،‬بل واملجتمع‬
‫أيضا ويتعلق األمر بالحاالت االستثنائية التالية‪:‬‬
‫أوال – حاالت الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا املحارم؛‬
‫ثانيا – الحاالت التي تكون فيها الحامل مصابة بمرض من األمراض املعتبرة في حكم الخلل‬
‫العقلي؛‬
‫ثالثا – حاالت تبوث إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة‬
‫للعالج وقت التشخيص؛‬
‫رابعا – عندما يشكل الحمل خطرا على حياة األم أو على صحتها‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مسوغات إباحة اإلجهاض ألسباب اجتماعية‬


‫إن إجهاض املرأة املغتصبة أو الحامل من زنا املحارم هو جريمة عادية شأنها شأن بقية‬
‫جرائم اإلجهاض أخضعها املشــرع الجنائي املغربي لذات األحكام‪ ،‬فاملشـرع لم يعتبر ذلك حالة إباحة‬
‫كالتشريع السودانــي الذي يبيحه خالل التسعين يوم من الحمل‪ ،‬وال عذرا قانونيا مخففا من العقاب‬
‫كالتشريع األردنــي‪ ،‬وظرفا قضائيا كالتشريع العراقي‪ ،‬لذا ظهرت أصوات تنادي املشرع بتوسيع دائرة‬
‫إباحة اإلجهاض‪ ،‬ومن املبررات التي يستند إليها هؤالء هو أن اإلجهاض يعتبر الوسيلة التي تمكن‬
‫املرأة من التخلص من حمل ناتج عن اغتصاب‪ ،‬أو عن زنا املحارم‪ ،‬وهنا يتبادر إلى أذهاننا التساؤل‬
‫عن أي الحقين أولى بالحماية‪ ،‬الحق في الشرف أم الحق في الحياة؟‬

‫الصفحة ‪253 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إمكانية رفع التجريـ ــم عن إجهاض املغتصبة في التشريع املغربي‬

‫لقد أثار موضوع إجهاض املرأة املغتصبة تباينا كبيرا في اآلراء واملواقف بين مؤيدين‬
‫ومعارضين‪ ،1‬حاولوا إيجاد جواب عن سؤال عريض؛ هل من مصلحة الجنين الناتج عن االغتصاب‬
‫أن يخرج إلى الوجود أم ينتهي إلى العدم ؟ ثم هل يمكن إضافة االغتصاب كأحد أسباب إباحة‬
‫اإلجهاض في التشريع املغربي؟ وما هي املبررات الداعية إلى ذلك؟ وفي حالة إقرار إباحة إجهاض‬
‫املغتصبة داخل التشـ ــريع املغربي‪ ،‬ما هي الضوابط التي ينبغي وضعها لتفادي أي انفالت في املمارسـة‬
‫من شأنه تجاوز الضوابط الشرعية والقانونية املؤطرة للموضوع؟ ما هو مصير الفتيات املغتصبات‬
‫؟ وما ذنب األطفال الذين يولدون من فعل اغتصاب؟ وخاصة إذا وقع االغتصاب جماعيا وتعذر‬
‫حينها تحديد األب الشرعي؟‬
‫إن إجهاض املرأة املغتصبة هو إنهاء حالة الحمل الناتج عن جريمة اغتصاب ارتكبت بحق‬
‫هذه املرأة التي ال ذنب لها سوى أنها كانت ضحية للمجرم الذي اغتصبها‪ ،‬فأثمرت جريمة االغتصاب‬
‫حمال للضحية في بطنها جعلها تفكر في كيفية التخلص منه بطريقة مشروعة ال أن تكون متهمة‬
‫بارتكاب جريمة اإلجهاض‪ ،‬األمر الذي دفع بعض التشريعات الجنائية الوضعية إلى إيجاد حل‬
‫ومخرج قانوني ملثل هذه الحالة‪.2‬‬
‫فمن أبرز النتائج التي تترتب على جريمة االغتصاب أن تجد املرأة املغتصبة نفسها وهي تحمل‬
‫جنينا ناتجا عن الجريمة التي ارتكبت في حقها‪ ،‬وهذا من شأنه أن يزيد في محنتها وحيرتها وخصوصا‬
‫متى كان الفاعل (مرتكب جناية االغتصاب) مجهوال أو متعددا‪ ،‬كأن تتعرض املرأة لالغتصاب من‬
‫قبل مجموعة من األشخاص عديمي الضمير‪ ،‬فاسدي األخالق‪ ،‬فهل يتقبل الواقع االجتماعي لهذه‬
‫الضحية طفال ناتجا عن االغتصاب ينضاف إلى الضحية الرئيسية وهما معا ( أي األم وولدها)‬
‫ضحيتان محكوم عليهما مسبقا ( كالفاعل) بعقوبات قاسية ربما تتجاوز عقوبة املجرم الذي يحكم‬
‫عليه من أجل االغتصاب بعقوبات سجنية يقضيها بإحدى املؤسسات السجنية ويخرج بعد انقضاء‬

‫‪ -1‬تجدر اإلشارة إلى وجود اختالف فقهي حول مسألة اإلجهاض في حالة االغتصاب‪ ،‬فالبعض أباح اإلجهاض بشرط أن يمارس‬
‫في المدة الزمنية السابقة لزمن نفخ الروح في الجنين‪ ،‬فحين ذهب فقهاء آخرون إال عدم إباحته ويقصرون اإلباحة على حالة إنقاذ‬
‫حياة األم‪ .‬وما ينبغي التنويه إليه‪ ،‬أن الفقهاء الذين أجازوا اإلجهاض في حالة االغتصاب لم يجيزوه في حالة ما إذا كان الحمل ناتج‬
‫عن الزنا‪ ،‬ووجه االستدالل بقصة المرأة الغامدية حينما جاءت إلى النبي‪ ،‬واعترفت بالزنا وأبلغته بحملها‪ ،‬فلم يقضي الرسول ﷺ‬
‫بإجهاضها ولم يسأل عن عمر الجنين‪ ،‬وإنما أخر إقامة الحد على هذه المرأة إلى غاية وضعها لحملها‪ ،‬وانتهاء حولين كاملين‬
‫للرضاعة‪ ،‬وهذا يدل على حرمة اسقاط الجنين‪ ،‬كما أن إباحة اسقاط الحمل للزنا هو تشجيع على الزنا بانتفاء الهاجس أمام المرأة‪.‬‬
‫‪ ‬محمد علي البار‪ " ،‬مشكلة اإلجهاض – دراسة طبية فقهية "‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1985‬ص ‪.65 – 64‬‬
‫‪ -2‬علي الفيل‪ " ،‬إجهاض المرأة المغتصبة "‪ ،‬بحث منشور في مجلة علوم إنسانية‪ ،2009 ،‬ص ‪.3‬‬

‫الصفحة ‪254 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫مدتها ليستعيد حياته من جديد‪ ،‬وربما يعاود جريمته ليخلف املزيد من الضحايا‪ ،‬وأما املرأة وجنينها‬
‫املغتصبين فمحكوم عليهما بعقوبة مؤبدة تجلب لهما العار مدى الحياة‪ ،1‬فاملرأة املغتصبة في هذه‬
‫الحالة‪ ،‬تكون قد تضررت عندما ارتكب في حقها جريمة اغتصاب نتج عنها حمل غير مرغوب فيه‪،‬‬
‫مما يزيد في محنتها وحيرتها فال تجد سبيال السترجاع توازنها االجتماعي‪ ،‬إال بالتخلص من هذا الجنين‬
‫بطريقة ما؟‬
‫من هنا ظهر تصور جديد لإلجهاض‪ ،‬وهو إمكانية إجهاض املرأة املغتصبة ضحية جريمة‬
‫االغتصاب‪ ،‬فهل يقبل واقع املرأة االجتماعي الطفل الناتج عن مثل هذا الحمل؟ هناك عدة عوامل‬
‫تتحكم في نظرة القانون إلى مسألة إجهاض املغتصبة أهمها العوامل الدينية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬
‫والثقافية‪ ،‬واألهم من ذلك مصلحة الجنين الذي سيخرج إلى الوجود ليصطدم باملجتمع وهو نتاج‬
‫لحظة آثمة‪ ،‬فهل من مصلحة هذا الجنين أن يخرج إلى الوجود؟‪.2‬‬
‫لم يخرج القانون الجنائي املغربي عن التوجه القاض ي بعدم مشروعية إجهاض املرأة‬
‫املغتصبة‪ ،3‬منذ إقراره سنة ‪ ،1962‬حيث كانت أحكام املادة ‪ 453‬قبل أن تعدل سنة ‪ 1967‬ترفع‬
‫التجريم عن اإلجهاض في حالة وحيدة تتعلق بضرورة إنقاذ حياة األم من الخطر دون حالة إجهاض‬
‫املغتصبة " ال عقاب على اإلجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة األم من الخطر‪ ،‬متى قام به‬
‫طبيب أو جراح عالنية‪ ،‬وبعد إخطار السلطة اإلدارية "‪ ،‬ورغم التعديل الذي طال مقتضيات املادة‬
‫‪ 453‬من مجموعة القانون الجنائي سنة ‪ 1967‬فإن املشرع املغربي اكتفى بإضافة حالة " ضرورة‬
‫املحافظة على صحة األم "‪ ،‬إلى حالة إنقاذ حياتها من الخطر وأبقى على حالة إجهاض املغتصبة‬
‫داخل دائرة التجريم‪.4‬‬

‫‪ -1‬إلهام العلمي‪ " ،‬إشكال الحمل الناتج عن االغتصاب – بين االعتراف الجنائي بالخبرة الطبية ورفض مدونة األسرة إقرار النسب‬
‫"‪ ،‬المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪ 13‬أكتوبر ‪ ،2016‬ص ‪.140‬‬
‫‪ -2‬بن عودة حسكر مراد‪ " ،‬االغتصاب داخل األســرة وإمكانية إجهاض المرأة المغتصبة في القانون الوضعي "‪ ،‬مجلة دراسات‬
‫قانونية‪ ،‬العدد الخامس عشـر ‪ ،2012‬ص ‪.46-45‬‬
‫‪ -3‬هناك اتجاه ثان‪ :‬يقر بمشروعي ة إجهاض المغتصبة‪ ،‬ولكن ليس صراحة وإنما في إطار ما يسمى " بالتوقيف اإلرادي للحمل "‪،‬‬
‫الذي يبقى جائزا خالل مدة معينة للمرأة الحامل حسب رغبتها وإرادتها‪.‬‬
‫اتجاه ثالث‪ :‬يقر بمشروعية إجهاض المغتصبة من خالل التنصيص على ذلك صراحة‪ ،‬وتمثله العديد من التشريعات الغربية‬
‫كقبرص وفنلندا وبولونيا‬
‫اتجاه رابع‪ :‬لم يقر بمشروعية إجهاض المغتصبة‪ ،‬ولكنه متع المرأة الحامل التي أجهضت نفسها أو ذويها بعذر مخفف من العقوبة‬
‫بدافع الحفاظ على الشرف ودرء العار والفضيحة‪ ،‬واختلف هذا االتجاه في تقدير العذر المخفف‪ ،‬فمنهم من اعتبره عذرا قانونيا‬
‫مخففا في حين اعتبره البعض األخر قضائيا مخففا‪.‬‬
‫‪ -4‬ينص الفصل ‪ 453‬من القانون الجنائي على أنه‪ " :‬ال عقاب على اإلجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة األم‬
‫متى قام به عالنية طبيب أو جراح بإذن من الزوج‪.‬‬
‫وال يطالب بهذا اإلذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة األم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو اإلقليم‪.‬‬

‫الصفحة ‪255 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫والواضح أن هذا التعديل يتسم باملرونة التي تؤدي في الواقع إلى إباحة اإلجهاض في أغلب‬
‫حاالت الحمل غير املرغوب فيها‪ ،‬ال سيما من طرف املرأة التي حملت كرها إما من جراء اغتصاب أو‬
‫نتيجة عالقة جنسية مع إحدى املحارم‪ ،‬إال أن املتمعن في الفصل يدرك تمام اإلدراك أن املشرع‬
‫املغربي‪ ،‬شأنه في ذلك شأن جل التشريعات العربية‪ ،‬لم يفرق بين اإلجهاض العادي‪ ،‬واإلجهاض‬
‫الناش ئ عن إكراه‪ ،‬فسواء أكانت املرأة مرتكبة اإلجهاض مغتصبة أو غير ذلك‪ ،‬فاألمر سيان من‬
‫وجهة نظره‪ ،‬وبذلك ال يميز القانون الجنائي املغربي بين املغتصبة وغيرها‪ ،‬فاإلجهاض غير مشروع‬
‫سواء كان الحمل ناتجا عن زواج صحيح أو زنا أو اغتصاب فالحكم واحد‪ ،‬كما ال يفرق بين الباعث‬
‫على اإلجهاض أكان محمودا أم مذموما‪.1‬‬
‫فباالستناد إلى املقتضيات القانونية املجرمة لإلجهاض نجد أنها ال تجعل من االغتصاب‬
‫ضرورة تبيح اإلجهاض‪ ،‬واملشرع ملا نص على االستثناء الذي يسمح من خالله باإلجهاض ويزيل عنه‬
‫الصفة الجرمية‪ ،‬تناول فقط حالة الضرورة للمحافظة على صحة األم من خالل الفصل ‪435‬‬
‫السالف الذكر‪ ،‬فلو كان الحمل الناتج عن اغتصاب يشكل ضرار على حياة وصحة الحامل‪ ،‬فإن‬
‫اإلباحة تشملها على أساس الخطر الذي يهدد األم وليس بناء على كون الجنين ناتجا عن اغتصاب‪،‬‬
‫فسكوت املشرع بعدم النص على اإلجهاض في حاالت االغتصاب معناه أنه ال يستثني هذه الحالة من‬
‫العقاب‪.2‬‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬نادت مجموعة من الفعاليات الجمعوية والحقوقية بمراجعة املقتضيات‬
‫القانونية املتعلقة باإلجهاض‪ ،‬بما يبيح للمغتصبة في حالة نشوء حمل عن جريمة االغتصاب التي‬
‫تعرضت لها اللجوء إلى اإلجهاض‪ ،‬لوجود عدة اعتبارات منها؛ انعدام رضا هذه املغتصبة في الواقعة‬
‫التي تعرضت لها‪ ،‬أو فرار املغتصب املتسبب في الحمل أو إنكاره لواقعة االغتصاب وعدم موافقته‬
‫على نسبة الجنين إليه‪ ،‬وبالتالي يبقى مصير نسب هذا الجنين غير معروف‪ ،‬مما يسبب له وألمه أملا‬

‫وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج من إعطاء موافقته أو عاقه عن ذلك عائق فإنه ال يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم‬
‫بالعملية الجراحية أو يستعمل عالجا يمكن أن يترتب عنه اإلجهاض إال بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيس للعمالة أو اإلقليم‬
‫يصرح فيها بأن صحة األم ال تمكن المحافظة عليها إال باستعمال مثل هذا العالج"‪.‬‬
‫تم تغيير هذا الفصل بموجب الفصل األول من مرسوم ملكي رقم ‪ 181.66‬بتاريخ ‪ 22‬ربيع األول ‪( 1387‬فاتح يوليوز ‪)1967‬‬
‫بمثابة قانون يتعلق بتغيير الفصل ‪ 453‬من القانون الجنائي وتتميم الفصل ‪ 455‬من نفس القانون وإلغاء الظهير الشريف المؤرخ في‬
‫‪ 22‬جمادى األولى ‪ 10( 1358‬يوليوز ‪)1939‬؛ الجريدة الرسمية عدد ‪ 2854‬بتاريخ ‪ 4‬ربيع الثاني ‪ 12( 1387‬يوليوز ‪،)1967‬‬
‫ص ‪.1547‬‬
‫‪ -1‬إلهام العلمي‪ " ،‬إشكال الحمل الناتج عن االغتصاب – بين االعتراف الجنائي بالخبرة الطبية ورفض مدونة األسرة إقرار النسب‬
‫"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.145-144‬‬
‫‪ -2‬مليكة بن عزة ثابت‪ " ،‬اإلجهاض لدوافع أخالقية واقتصادية بين الشريعة اإلسالمية والقانون الجنائي الجزائري "‪ ،‬مجلة‬
‫دراسات قانونية‪ ،‬العدد الرابع عشر‪ ،2012 ،‬ص ‪.73‬‬

‫الصفحة ‪256 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫نفسيا ووسما اجتماعيا ونظرة متدنية في املجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬وأيضا لتالفي اإلجهاض السري‬
‫املرتبط بهذه الحالة والتقليل من حاالت اللجوء إليه‪.1‬‬
‫هنا أصبح التساؤل يطرح نفسه بقوة حول مدى إمكانية توسيع دائرة اإلباحة بالنسبة‬
‫لبعض حاالت اإلجهاض اإلنسانية واالجتماعية القصوى كحالة إجهاض املغتصبة؟ حيث ِعيب‬
‫على املشرع املغربي عدم مسايرته للتطور السريع الذي عرفه املجتمع وضرورة تدخله في القريب‬
‫العاجل لتعديل الفصل ‪ 453‬وغيره من الفصول املنظمة لإلجهاض بما يسمح للمرأة املغتصبة‬
‫بالسماح لها بإجهاض نفسها والتخلص من الجنين الذي يشكل وصمة عار ستذكرها في كل لحظة‬
‫بالجريمة الشنعاء التي أكرهت عليها رغما عنها‪ ،‬وقد تضمن املقترح الجديد ملسودة تعديل القانون‬
‫الجنائي املغربي مادة فريدة تقض ي بتعديل الفصل ‪ 453‬من القانون الجنائي بما يلي‪ " :‬ال عقاب على‬
‫اإلجهاض متى قام به عالنية طبيب أو جراح‪:‬‬
‫‪ – 1‬خالل األسابيع الستة األولى من الحمل إذا ترتب الحمل عن اغتصاب أو زنى‬
‫املحارم‪."...‬‬
‫هذا‪ ،‬وما يبرر الدعوة إلى رفع التجريم عن إجهاض املغتصبة تزايد حاالت جرائم االغتصاب‪،‬‬
‫كما أنه في إطار تفادي أي انفالت في املمارسة من شأنه تجاوز الضوابط الشرعية والقانونية املؤطرة‬
‫إلجهاض املغتصبة والخروج عن الغاية املتوخاة من إباحتها‪ ،‬يقترح وضع شروط وقيود محددة‬
‫تحديدا دقيقا تقيد طالب اإلجهاض وممارسه‪ ،‬من قبيل‪:2‬‬
‫‪ ‬عدم إمكانية إجراء اإلجهاض بسبب االغتصاب‪ ،‬إال بعد اإلدالء بما يفيد تبليغ‬
‫السلطات القضائية أو األمنية بوقوع جريمة االغتصاب‪ ،‬كاإلدالء بنسخة من الشكاية املودعة لدى‬
‫السلطة القضائية أو األمنية املختصة أو بشهادة أو وصل من طرف هذه األخيرة؛‬
‫‪ ‬إحالة املغتصبة فورا إلى املراكز الصحية قصد تسليمها حبوب منع الحمل إذا كانت‬
‫واقعة االغتصاب حديثة؛‬
‫‪ ‬إلزام الطبيب بتبصير املرأة الحامل بمخاطر اإلجهاض والطرق الطبية البديلة مع‬
‫إنجاز تقرير بذلك يوضع بامللف قصد الرجوع إليه عند الحاجة؛‬

‫‪ -1‬ا لمصطفى طايل‪ " ،‬إسقاط الجنين للضرورة بين الفقه اإلسالمي والقوانين الجنائية المغاربية "‪ ،‬مجلة المتوسط للدراسات‬
‫القانونية والقضائية‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪ ،2016‬ص ‪55-54‬‬
‫‪ -2‬هشام مالطي‪ " ،‬حكم إجهاض المغتصبة بين الشرع والقانون "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.75 – 74‬‬

‫الصفحة ‪257 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬إحالة املرأة وجوبا على مساعدة اجتماعية أو أحد املراكز االجتماعية لتقديم‬
‫االستشارات الالزمة بخصوص اإلمكانية املتوفرة للتكفل بالطفل؛‬
‫‪ ‬إجراء اإلجهاض وجوبا داخل مصحة عمومية أو مصحة خاصة معتمدة بقرار لوزير‬
‫الصحة‪ ،‬ومنع إجراء اإلجهاض داخل أي مؤسسة صحية خارج اإلطار املذكور؛‬
‫‪ ‬إشعار الطبيب الرئيس ي لإلقليم أو العمالة أو مدير الوحدة الصحية من طرف‬
‫الطبيب الذي يود إجراء العملية؛‬
‫إشعار الطبيب الرئيس ي لإلقليم أو العمالة أو مدير الوحدة الصحية للنيابة العامة‬ ‫‪‬‬
‫املختصة؛‬
‫‪ ‬وضع سجل إقليمي ووطني لحاالت اإلجهاض من طرف املؤسسات واملستشفيات‬
‫الصحية‪ ،‬يمكن االطالع عليه من قبل السلطة الحكومة املكلفة بالصحة والسلطة القضائية‬
‫املختصة (النيابة العامة) كما هو معمول به في مجال زرع األعضاء البشرية؛‬
‫تشديد عقوبة االغتصاب إذا تعلق األمر باالغتصاب الناتج عنه حمل؛‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬تشديد العقوبة في حالة تقديم معلومات كاذبة عن واقعة اغتصاب غير صحيحة‬
‫بهدف إجراء عملية إجهاض؛‬
‫‪ ‬كل تعديل في املوضوع ينبغي أن يكون وفق التوجه الفقهي الذي سمح بجواز‬
‫اإلجهاض مع تقييده بضوابط محددة دون التوسع في تفسيرها أو تأويلها‪ ،‬وذلك بإجرائه قبل نفخ‬
‫الروح في الجنين‪ ،‬أو أن يشكل خطرا على حياة أو صحة األم‪ ،‬وأن تتم عملية اإلجهاض تحت إشراف‬
‫طبي وجراحي متخصص وبطلب من األم وبناء على تقرير طبي مفصل‪.‬‬
‫في نهاية هذه النقطة نؤكد على أن اللجوء إلى اإلجهاض للتخلص من الحمل الناتج عن‬
‫االغتصاب‪ ،‬قد أصبح رخصة وحاجة أفتى بها كثير من أهل العلم لكل امرأة تعرضت لجريمة‬
‫االغتصاب اآلثمة‪ ،‬فأفتوا للمرأة بذلك إذا لم تتحمل نفسيا اإلبقاء على الجنين‪ ،‬ولم تتحمل عائلتها‬
‫لوثة االعتداء على شرف ابنتهم‪ ،‬غير أن الفتوى بالجواز هي ملن لم تتحمل آثار االغتصاب الوحش ي‪،‬‬
‫وأما إذا أرادت الحفاظ على الجنين واالعتناء به‪ ،‬وتعلقت به‪ ،‬ولم يكن تمت حرج نفس ي أو مادي أو‬
‫غيرهما عليها‪ ،‬فإن املقول به هو اإلبقاء عليه‪ ،‬وهناك دليال قاطعا في السنة على عدم قتل الجنين‬
‫الذي حملت به املرأة نتيجة لزنا أو اغتصاب‪ ،‬وهو أن النبي ﷺ لم يرجم الغامدية وفي بطنها ثمرة‬
‫الزنا وربما قد تكون اغتصبت ورضيت بالزنا‪ ،‬فلم يرد خبر بهذا أو ذاك‪ ،‬وقال لها النبي ﷺ " انتظري‬

‫الصفحة ‪258 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫حتى تضعي "‪ ،‬فلما جاءت باملولود بعد أن وضعته قال لها النبي ﷺ " انتظري حتى تفطميه "‪ ،‬فلما‬
‫جاءت به يمش ي بجوارها وفي يده كسرة من خبز‪ ،‬دفع بها النبي ﷺ إلى أصحابه وأوص ى به خيرا ثم أمر‬
‫بها ورجمت‪ ،‬ولو أن ابن الزنا يجوز إسقاطه لفعله النبي ﷺ ‪.1‬‬
‫من هنا ال ريب أن اغتصاب املرأة عذر قوي يجيز اإلجهاض خصوصا وأن املشرع املغربي عدل‬
‫الفصل ‪ 475‬من القانون الجنائي الخاص بإلغاء زواج املغتصب باملغتصبة‪ ،2‬وذلك بحذف الفقرة‬
‫الثانية من الفصل املتعلق بسقوط العقوبة في حالة زواج الفتاة القاصر املختطفة مع من اختطفها‬
‫أو غرر بها‪ ،‬وللقطيعة املطلقة بينهما ال بد من تمكينها من إيقاف الحمل الناتج عن االغتصاب‪ ،‬مع‬
‫جعلها ظرف تشديد في عقوبة االغتصاب وإحاطتها في نفس الوقت بإجراءات دقيقة مثل وضع‬
‫مسطرة إلثبات واقعة االغتصاب‪ ،‬مراعاة مدة زمنية معينة ما بين واقعة االغتصاب ويوم اإلجهاض‬
‫مثال في أجل أقصاه ‪ 40‬يوما‪ ،‬تفاديا للدخول في متاهات الخالف الفقهي‪.3‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬زنا املحارم‬


‫إن من التربية األسرية والجنسية التي دعا إليها اإلسالم ضرورة الفصل في املضاجع بين األبناء‬
‫واآلباء والذكور واإلناث خصوصا في سن البلوغ‪ ،‬مع التزام الحدود في التعامل مع الجسد بأخالق‬
‫الشرع كالحشمة والحياء والوقار‪ ،‬من أجل ضمان حميمية الجسد حتى ال تستباح حرمته والحفاظ‬
‫على نقاء النفس والفطرة السليمة ضمن التماسك األسري‪ ،‬إال أنه وبالنظر إلى الفوارق االجتماعية‬
‫واالقتصادية لبعض األسـر التي تضطر إلى العيش في غرفة واحدة أو في بيت القصدير الذي ال تتسع‬
‫لكل أفراد في األسرة‪ ،‬إضافة لضعف الوازع الديني ونقص التوجيه األسري والتربوي خاصة في جانب‬
‫الثقافة الجنسية والصحة اإلنجابية‪ ،‬فإن هذا األمر يؤدي للوقوع في جرم الزنا وزنا املحارم‪.‬‬
‫لقد اختلفت التشريعات الوضعية في مدى تجريم أو إباحة اإلجهاض من حمل نتيجة الزنا‪،‬‬
‫حيث تبيح بعض التشريعات الغربية إجهاض املرأة إن حملت سفاحا استنادا ملبرر أن استمرار‬

‫‪ -1‬مليكة ب ونجوم‪ " ،‬نازلة إجهاض المرأة المغتصبة بين المجيزين والمانعين "‪ ،‬مجلة دراسات تراثية‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم‬
‫اإلنسانية ظهر المهراز – فاس‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ -2‬القانون رقم ‪ 15.14‬القاضي بتغيير وتتميم الفصل ‪ 475‬من مجموعة القانون الجنائي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف ‪1.14.06‬‬
‫بتاريخ ‪ 20‬من ربيع اآلخر ‪ 20 – 1435‬فبراير ‪ ،2014‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6238‬بتاريخ ‪ 11‬جمادى األولى ‪13 – 1435‬‬
‫مارس ‪ ،2014‬ص ‪.3138‬‬
‫‪ -3‬رشيدة بنسرغين‪ " ،‬اإلجهاض بين التنظيم القانوني وإكراهات الواقع "‪ ،‬منشورات مجلة دفاتر قانونية – دفاتر أسرية‪ ،‬العدد‬
‫الثاني – يوليوز ‪ ،2017‬ص ‪.154-153‬‬

‫الصفحة ‪259 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الحمل قد يعرضها للخطر الجسيم واإليذاء من جانب أهلها‪ ،‬وقد تحاول املرأة وهي تحت تأثير خشية‬
‫الفضيحة والعار وانكشاف أمرها إلى التخلص من الحمل بطرق يكون فيها خطر على حياتها وصحتها‬
‫أو قتل نفسها انتحارا إلنهاء حالة الضيق التي أملت بها‪.‬‬
‫وعليه فإن الذين يبيحون اإلجهاض في هذه الحالة يعتبرون املرأة في حالة دفاع شرعي‪ ،‬ومن‬
‫تم يباح لها إسقاط الحمل دفعا للخطر الذي قد يحصل لها‪ ،‬وهذا القول فيه نظر ألن املرأة هنا‬
‫ليست في حالة الدفاع الشرعي الذي من شروطه األساسية أن يوجه فعل الدفاع إلى املعتدي وليس‬
‫األمر هنا هكذا‪ ،‬على اعتبار أن املرأة في حالة إجهاضها تكون تعتدي على من لم يعتد على أحد فهي‬
‫تقتل جنينا ال ذنب له‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى القانون الجنائي املغربي نجده لم يتحدث عن جريمة سماها زنا املحارم‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي تشدد بمناسبة تنظيمه جرائم هتك العرض واالغتصاب في الحالة التي يكون فيها‬
‫املجرم أصال للطفل الضحية‪ ،‬غير أن هذا التشديد لم يأت لحماية األسرة‪ ،‬وإنما جاء لحماية الطفل‬
‫نظرا لضعفه البدني والنفس ي‪ ،‬وهذا راجع ربما إلى اعتقاد املشرع أن مثل هذه الجرائم ال يمكنها أن‬
‫تقع في مجتمع مسلم ومحافظ‪.‬‬
‫بيد أن انتشار هذه الجرائم مؤخرا‪ ،‬يجعل املشرع املغربي ملزما بالتنصيص عليها صراحة‪،‬‬
‫وإفراد نصوص خاصة تنص عليها وعلى عقوباتها‪ ،1‬على غرار ما ذهبت إليه مجموعة من التشريعات‬
‫العربية‪ ،‬كالتشريع الجزائري في املادة ‪ 337‬من القانون الجزائي‪ ،2‬لذلك ندعو املشرع املغربي إلى‬
‫اعتماد نفس النهج ‪ ،‬وتحيين بعض فصول القانون الجنائي‪ ،‬وتشديد العقوبات الزجرية في هذه‬
‫الحالة سيما وأنها ستدخل في مستجدات اإلجهاض‪.‬‬

‫‪ -1‬رشيدة بنسرغين‪ " ،‬اإلجهاض بين التنظيم القانوني وإكراهات الواقع "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪ -2‬تنص المادة ‪ 337‬من القانون الجزائي التي تنص على ما يلي‪ " :‬يعتبر زنا المحارم من الفواحش بين ذوي المحارم والعالقات‬
‫التي ترتكب بين األقارب من الفروع أو األصول‪ ،‬اإلخوة واألخوات‪ ،‬األشقاء من األب واألم‪ ،‬بين شخص وابن أحد إخوته أو‬
‫أخواته من األب أو األم أو أحد فروعه‪ :‬األم أو األب‪ ،‬الزوج أو الزوجة واألرمل أو أرملة ابنه أو مع أحد آخر من فروعه‪ ،‬والد‬
‫الزوج أو الزوجة‪ ،‬أو الزوجة‪ ،‬أو زوج األم أو زوجة األب أو فرع الزوج اآلخر‪ ،‬أومن أشخاص يكون أحدهم زوجا ألخ أو ألخت‪،‬‬
‫وتكون العقوبة بالسجن من ‪ 10‬إلى ‪ 20‬سنة‪ ،‬في الحالتين األولى والثانية وبالحبس من ‪ 5‬إلى ‪ 10‬سنوات في الحاالت رقم‪ 03 :‬و‬
‫‪ 04‬و ‪ ،05‬وبالسجن من سنتين إلى ‪ 5‬سنوات في الحالة رقم ‪ 06‬وتكون العقوبة المؤبد‪ ،‬إذا كان االعتداء الجنسي على القاصر "‪.‬‬

‫الصفحة ‪260 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املطلب الثاني‪ :‬إجهاض الحنين املصاب‬


‫بالتشوهات الخلقية الخطيرة واألمراض الصعبة‬

‫للتطور العلمي في مجال الهندسة الوراثية الفضل الكبير في معرفة حالة الجنين وهو في رحم‬
‫أمه‪ ،‬وتبيان التشوهات التي يعاني منها‪ ،‬ولكن إن ثبت ذلك تقع العديد من اإلشكاالت‪ ،‬فهل لهذا‬
‫الجنين في كل الحاالت حق في الحياة مهما كانت الوضعية الصحية التي هو عليها؟ أم أن اإلجهاض‬
‫حتمية ال مفر منها؟‬
‫جعل هذا األمر الباحثين والفقهاء في اختالف دائم‪ ،‬ألن املسألة ليست باألمر الهين ما دامت‬
‫تتعلق بحياة كائن حي ليس لبشر الحق في الحكم عليه باإلعدام بعد دب الروح فيه‪ ،‬فاملسألة فيها ما‬
‫يقال من الناحية القانونية والشرعية ما دام الفقهاء لم يتوصلوا إلى قرار موحد ونهائي‪ ،1‬وهنا يثار‬
‫التساؤل التالي‪ :‬هل لهذا الجنين املشوه‪ 2‬حق في الحياة؟ أم أن حالته الصحية تجعل من اإلجهاض‬
‫حتمية ال خيارا ؟ وهل علم األم بحملها في جنين مشوه يعتبر من األسباب املؤثرة في حالتها النفسية‬
‫والعقلية ؟ فقد يقع اإلشكال في حالة اكتشاف تشوه خلقي‪ ،‬أو أمراض تجعل من تكوينه صعبا‬
‫داخل رحم أمه‪ ،‬أو أن قدومه إلى الحياة سيجعل حياته وحياة أمه معرضة للخطر‪ ،‬أو أنه سيولد‬
‫مشوها‪.3‬‬

‫‪ -1‬صباح عبد الرحيم‪ " ،‬عن إشكاالت الجنين المشوه في التشريع الجزائري "‪ ،‬دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬المجلد ‪ – 12‬العدد ‪– 01‬‬
‫‪ ،2020‬ص ‪.357‬‬
‫‪ -2‬يسمى التشوه الخلقي‪ ،‬أو االضطراب الخلقي أو العيوب الوالديــة‪ ،‬وهي الشذوذات البنيوية أو الوظيفية بما فيها االضطرابات‬
‫االستقاللية الموجودة منذ الوالدة‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الجواد الصاوي‪ " ،‬أطوار تطور الجنين ونفخ الروح "‪ ،‬مقال منشور في مجلة اإلعجاز العلمي التي تصدر عن هيئة‬
‫اإلعجاز العلمي في القرآن والسنة‪ ،‬رابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬العدد ‪ 8‬شوال ‪1421‬هــ‪ ،‬ص ‪.12 – 11‬‬
‫يقصد به حدو ث خلل في خلقة الجنين بحيث يكون هذا الخلل ظاهرا يمكن تصويره ورأيته‪ ،‬خاصة مع التطور العلمي في المجال‬
‫الطبي‪ ،‬وتحدث هذه التشوهات عموما في مراحل مبكرة من حياة الجنين‪ ،‬بل قد تحدث قبل تشكل الجنين عندما يكون الخلل في‬
‫الحيوان المنوي‪ ،‬أو البويضة األنثوية‪ ،‬وتنتج هذه التشوهات عن عدة أسباب منها ما هي وراثية انتقلت للجنين عن طريق األب أو‬
‫األم‪ ،‬ومنها ما هو مكتسب عارض يكون ناجم عن عوامل خارجية تؤثر على األم‪ ،‬مثل التعرض لإلشعاعات وتناول أدوية وعقاقير‬
‫بها مواد مؤثرة تؤدي إلى التشوهات‪.‬‬
‫‪ ‬محمد علي البار‪ " ،‬الجنين المشوه واألمراض الوراثية "‪ ،‬دار القلم – دمشق‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1991‬ص ‪.51‬‬
‫سانَ فِي أَحْ َ‬
‫س ِن تَ ْق ِو ٍيم"‪ ( ،‬سورة التين‪ ،‬اآلية ‪ ،)4‬وقال‬ ‫‪ -‬لقد خلق هللا اإلنسان وصوره في أحسن صورة‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬لَقَدْ َخلَ ْقنَا ْ ِ‬
‫اإل ْن َ‬
‫‪3‬‬

‫ورةٍ َّما شَا َء َر َّكبَكَ "‪(،‬سورة االنفطار‪ ،‬اآلية ‪6‬‬


‫ص َ‬‫س َّواكَ فَعَدَلَكَ ‪ ،‬فِي أَي ِ ُ‬ ‫سانُ َما غ ََّركَ بِ َربِكَ ا ْلك َِر ِيم‪ ،‬الَّذِي َخلَقَكَ فَ َ‬ ‫تعالى‪ " :‬يَا أ َ ُّي َها ْ ِ‬
‫اإلن َ‬
‫– ‪ ) 7‬لكن إرادة هللا قد تقتضي أن يصاب الجنين ببعض التشوهات وهو في بطن أنه‪ ،‬والتشوهات الخلقية أو العيوب الوالدية هي‬
‫عبارة عن تخلق غير طبيعي في أحد أعضاء الجسم أو األنسجة في مرحلة تخلق الجنين‪ ،‬تحدث أثناء الشهور الثالثة األولى من‬
‫الحمل وتكون نسبة حدوثها ‪ 1%‬إلى ‪ 3%‬وترجع أسبابها إلى عوامل متعددة كتناول أدوية أثناء الحمل مثل اليود المشع‪ ،‬التدخين‬
‫والكحول‪ ،‬سوء التغذية‪ ،‬عوامل وراثية كزواج األقارب‪ ،‬مما يزيد من فرص حدوث التشوه‪ ،‬والتشوهات المقصودة هي تلك التي ال‬

‫الصفحة ‪261 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع التشوهات التي تصيب األجنة وإحصاءاتها‬


‫كي يتصف الجنين بكونه سويا ال بد وأن يمـر بمراحل التطور املذكورة في القرآن الكريم‪ ،‬قال‬
‫ُ َْ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ُ ْ ْ ُ َ ُ‬ ‫اس إ ْن ُك ْن ُت ْم في َرْ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ‬
‫اب ث َّم ِم ْن نطف ٍة ث َّم‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫اك‬ ‫ن‬ ‫ق‬ ‫ل‬‫خ‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫إ‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ٍ ِ‬‫ب‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الن‬ ‫سبحانه وتعالى‪ " :‬يا أيها‬
‫ْ َ َ َ ُ َّ ْ ُ ْ َ ُ َ َّ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ ُ ُّ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ٰ َ َ ُ َ ًّ َُّ‬
‫ِمن علق ٍة ثم ِمن مضغ ٍة مخلق ٍة وغي ِر مخلق ٍة ِلنب ِين لكم ۚ ون ِقر ِفي األرح ِام ما نشاء ِإلى أج ٍل مسمى ثم‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ َّ ْ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ْا ُ َ ُ ُ َ ُ ُ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫نخ ِر ُجك ْم ِطفال ث َّم ِلت ْبلغوا أش َّدك ْم ۖ َو ِمنك ْم َم ْن ُيت َوف ٰى َو ِمنك ْم َم ْن ُي َر ُّد ِإل ٰى أ ْرذ ِل ال ُع ُم ِر ِلك ْيال َي ْعل َم ِم ْن‬
‫َ ْ ْ َ ْ ا َ َ َ ى ْ َ ْ َ َ َ ا َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ْ ُ وَ‬
‫ْ‬
‫بع ِد ِعل ٍم شيئا ۚ وتر األرض ه ِامدة ف ِإذا أنزلنا عليها املاء اهتزت وربت و أنبتت ِمن ك ِل ز ٍج‬
‫ََ‬ ‫َ َّ َ ُ َ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َبهيج‪َٰ ،‬ذل َك ب َأ َّن َّ َ‬
‫َّللا ُه َو ال َح ُّق َو أن ُه ُي ْح ِيي املوتى َو أن ُه َعل ٰى ك ِل ش ْي ٍء ق ِدير"‪ ،1‬وقوله تعالى أيضا‪ " :‬لق ْد‬ ‫ِ ٍ ِ ِ‬
‫ُ َّ َ َ ْ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َََْ‬
‫ٱإلنسان ِمن سالل ٍة ِمن ِط ٍين‪ ،‬ث َّم جعلناه نطفة ِفي ق َر ٍار َّم ِك ٍين‪ ،‬ثم خلقنا ٱلنطفة علقة‬ ‫ِ‬ ‫خلقنا‬
‫َ ْ ا ُ َّ َ َ ْ َ ُ َ ْ ا َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ ََ َ َ ُ ْ َ ا َ َ َ ْ َ ُْ ْ َ َ َ َ َ َ‬
‫آخرَ‬ ‫ضغة ِعظ ااما فك َس ْونا ولعظام لحما ثم أنشأناه خلقا‬ ‫فخلقنا ٱلعلقة مضغة فخلقنا ٱمل‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫ٱَّلل أ ْح َس ُن ٱلخ ِال ِقين "‪.2‬‬ ‫فتبارك‬
‫ففي هذه اآليات القرآنية يبين سبحانه وتعالى وصف الجنين السوي بأدق وأوضح الكلمات‬
‫الربانية والتي تبين أنه من اجتاز بدءا من تمام عملية التلقيح والتخصيب‪ ،‬ومرورا باالنغراس في‬
‫بطانة الرحم واملراحل الالحقة لعمليات التكوين والنمو وحتى الوالدة بكامل الخلقة وسليم األطوار‬
‫املختلفة داخل املرأة بصورة طبيعية دون أن يحتاج إلى أي مساعدة أو تدخل طبي‪ ،‬أما إذا اقتضت‬
‫حالته الصحية التدخل الطبي الستمراره في الحياة أو إذا أصيب بنقص أو آفة في أية مرحلة من‬
‫مراحل التكوين والنمو فعندئذ ال يوصف بأنه جنين سوي بل يمكن وصفه بالجنين املشوه‪.3‬‬
‫–أوال ‪ :‬أنواع التشوهات الخلقية التي تصيب األجنة ‪:‬‬
‫التشوهات الخلقية التي تصيب األجنة كثيرة ومتعددة ويمكن تقسيمها إلى ثالثة أقسام على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫يستطيع معها الطفل مسايرة الحياة بشكل طبيعي يقدر معه على االندماج في المجتمع‪ ،‬إن التقدم الطبي الحاصل اليوم يجعلنا قادرين‬
‫على معرفة مدى سالمة الجنين وفي أغلب الحاالت في األشهر الثالثة األولى‬
‫‪ ‬رشيدة بنسرغين‪ " ،‬اإلجهاض بين التنظيم القانوني وإكراهات الواقع "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫‪ -1‬سورة الحج‪ ،‬اآليــة ‪.6 – 5‬‬
‫‪ -2‬سورة المؤمنون‪ ،‬اآليات ‪.14 – 13 – 12‬‬
‫‪ -3‬عبد الرزاق الكيالنـي‪ " ،‬الحقائق الطبية في اإلسالم "‪ ،‬دار القلم للطباعة والنشـر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1996‬ص‬
‫‪.30‬‬

‫الصفحة ‪262 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬التشوهات الخلقية البسيطة‪ :‬هي التشوهات التي ال تقض ي على األجنة‪ ،‬ويمكن للطفل‬
‫واإلنسان أن يتعايش معها بسهولة أو قد يحتاج إلى إجراء عمليات جراحية بسيطة لتصحيها وإزالتها‪،‬‬
‫أو يمكن معالجة بعضها طبيا باألدويـة والعقاقير‪.1‬‬
‫‪ -‬التشوهات الخلقية املتوسطة الخطورة‪ :‬هي ما قد تسمح بحياة الجنين داخل الرحم ولكنها‬
‫قد تقض ي عليه بعد الوالدة مباشرة‪ ،‬إذ يكون غير قادر على التكيف مع الحياة خارج الرحم‪ ،‬مثال‬
‫لذلك؛ التشوهات التي تصيب الجهاز العصبي أو القلب واألوعية الدموية‪ ،‬أو التشوهات الكبيرة في‬
‫جدار البطن والجهاز البولي ونقص نمو الجمجمة أو املخ أو انسداد القصبة الهوائية وغيرها‪،‬‬
‫فيمكن تشخيص بعضها بواسطة جهاز التصوير أثناء فترة الحمل والجنين ال يزال داخل الرحم‪،‬‬
‫ولكنها تكون ظاهرة وواضحة للعيان عند والدة الجنين مباشرة‪.2‬‬
‫‪ -‬التشوهات الخلقية الخطيرة جدا‪ :‬التشوهات الخلقية شديدة الخطورة تجعل الجنين غيـر‬
‫قابل للحياة وتقض ي عليه مبكرا في مراحل الحياة األولى‪ ،‬وبالتالي غالبا ما يجهض الحمل في األشهـر‬
‫األولى‪ ،‬أو قد يولد الجنين ميتا أو يتوفى بعد الوالدة مباشرة‪ ،‬هذه التشوهات الشديدة من أهم‬
‫أسباب اإلجهاض التلقائي لدى الحوامل‪ ،‬مثال ذلك التشوهات الكبيرة في املخ أو القلب وغيرها‪.3‬‬

‫– ثانيا ‪ :‬إحصائيات حول التشوهات الخلقية ‪:‬‬


‫يوضح الجدول أسفله توزيع عدد التشوهات الخلقية عند حديثي الوالدة املسجلة على‬
‫مستوى مستشفيات الوالدة باملغرب حسب اإلقليم والجهة‪ ،‬لسنة ‪.42019 – 2018 – 2017‬‬

‫‪ -1‬شيخة سالم العريض‪ " ،‬الوراثة‪ ...‬مالها وما عليها "‪ ،‬سلسلة األمراض الوراثية‪ ،‬مركز دراسات وبحوث المعوقين أطفال‬
‫الخليج‪ ،‬دار الحرف العربي للنشـر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2003‬ص ‪.116‬‬
‫‪ -2‬شيخة سالم العريض‪ " ،‬الوراثة‪ ...‬مالها وما عليها "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ -3‬شيخة سالم العريض‪ " ،‬الوراثة‪ ...‬مالها وما عليها "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ministère de la santé, direction de la planification et ressources financières division de la‬‬
‫‪planification et des études, service des études et de l’information sanitaire, SANTE EN CHIFFRES‬‬
‫‪2017 et 2018 et 2019.‬‬

‫الصفحة ‪263 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫التوزيع‬ ‫عدد التشوهات الخلقية ‪ 2019‬عدد التشوهات الخلقية ‪ 2018‬عدد التشوهات الخلقية ‪2017‬‬
‫حسب‬ ‫املجموع املجال املجال املجموع املجال املجال املجموع املجال املجال‬
‫القروي الحضري الجهات‬ ‫القروي الحضري‬ ‫القروي الحضري‬
‫‪Tanger‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪144‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪268‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪163‬‬
‫‪Tétouan‬‬
‫‪Hoceima‬‬
‫‪Oriental‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪184‬‬
‫– ‪Fès‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪120‬‬ ‫‪228‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪120‬‬ ‫‪216‬‬
‫‪Meknès‬‬
‫– ‪Rabat‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪162‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪124‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪124‬‬
‫– ‪Salé‬‬
‫‪Kénitra‬‬
‫‪Beni‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪154‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪206‬‬ ‫‪284‬‬
‫‪Mellal-‬‬
‫‪Kénitra‬‬
‫‪Casablanc‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪151‬‬ ‫‪146‬‬ ‫‪438‬‬ ‫‪584‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪264‬‬
‫‪a - Settat‬‬
‫‪Marrakec‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪228‬‬ ‫‪257‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪175‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪150‬‬ ‫‪177‬‬
‫‪h - Safi‬‬
‫‪Daraa -‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪130‬‬ ‫‪194‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪167‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪151‬‬ ‫‪214‬‬
‫‪Tafilalet‬‬
‫‪Souss -‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪203‬‬ ‫‪262‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪122‬‬
‫‪Massa‬‬
‫‪Guelmim‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪23‬‬
‫‪Oued‬‬
‫‪Noun‬‬
‫‪Laayoune‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪22‬‬
‫‪– Sakiael‬‬
‫‪Hamra‬‬

‫الصفحة ‪264 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪Dakhla-‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪22‬‬
‫‪Ouededda‬‬
‫‪hab‬‬
‫املجموع‬ ‫‪590‬‬ ‫‪979‬‬ ‫‪1569‬‬ ‫‪754‬‬ ‫‪1412‬‬ ‫‪2166‬‬ ‫‪727‬‬ ‫‪1097‬‬ ‫‪1824‬‬

‫نالحظ من خالل تحليل املعطيات الواردة أعاله‪ ،‬أن هناك ارتفاعا ملحوظا في عدد املواليد‬
‫املصابين بتشوهات خلقية من بين ‪ ،2019 – 2017‬كما أن سنة ‪ 2018‬عرفت على الخصوص‬
‫تسجيل أعلى عدد من التشوهات الخلقية بما مجموعه ‪ 2166‬حالة مقابل ‪ 1569‬حالة فقط سنة‬
‫‪ ،2017‬كما نجد أن هناك تباينا واضحا بين أعداد التشوهات الخلقية املسجلة في كل من املجالين‬
‫الحضري والقروي‪ ،‬بحيث إنه في سنة ‪ 2019‬تم تسجيل ‪ 60 %‬من التشوهات باملجال القروي‬
‫مقابل ‪ 40%‬من الحاالت املصابة باملجال الحضري‪ ،‬وعليه يمكن تفسير هذا التباين بغياب أو نقص‬
‫تتبع حاالت الحمل باملجال القروي‪ ،‬مما يحول دون إجراء التدخالت الطبية الالزمة حالة اكتشاف‬
‫التشوه الخلقي لألجنة قبل الوالدة‪.‬‬

‫الصفحة ‪265 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫كما أن هناك أقسام وأنواع من التشوهات واألمراض الجينية‪ ،‬كالعيوب واألمراض الوراثية‬
‫غير قابلة للحياة‪ ،‬ونذكر منها التثلت الصبغي ‪ 18-13‬وتعدد الصيغ الصبغية وتشوهات‬
‫كروموسومية‪ ،‬ثم األمراض الوراثية الخطيرة جدا والتي ال عالج لها من قبيل التخلف العقلي‬
‫واألمراض العصبية والعضلية‪ ،‬ثم هناك األمراض الوراثية مع إمكانية عالجها‪.‬‬
‫وبخصوص أسباب التشوهات نجد أن أكثر من ‪ 50%‬أسبابها غير معروفة‪ ،‬و ‪ 20%‬متعددة‬
‫األسباب ويمكن أن تدخل بدورها في خانة غير املعروفة و ‪ 7,5%‬تتعلق بطفرات جينية‪ ،‬و ‪6%‬‬
‫مرتبطة بتشوهات صبغية وما بين ‪ 2%‬و ‪ 3%‬مرتبطة بالتعفن‪ ،‬و ‪ 1,5%‬مرتبطة بداء السكري‬
‫وبين ‪ 1 %‬و ‪ 2%‬مرتبطة باألدوية أو األعشاب أو غيرها التي تتناولها املرأة الحامل‪.‬‬
‫وفي هذا السياق تجدر اإلشارة أن ‪ 15%‬من هذه الحاالت تنتهي إلى اإلجهاض العضوي والتي‬
‫تمثل فيها التشوهات الكروموسومية تقريبا النصف‪ ،‬غير أن ‪ 6%‬تبقى على قيد الحياة‪ ،1‬فعلى‬
‫الرغم من إجراء العديد من األبحاث في مجال تشوه األجنة إال أن ‪ 50%‬من التشوهات الخلقية غير‬
‫معروفة‪ ،‬و‪ 25%‬من النسبة الباقية ترجع التشوه إلى عيوب كروموسومية‪ ،‬وأقل من ‪ 10%‬ترجع إلى‬
‫عوامل بيئية والنسبة الباقية ‪ -‬أي ‪ - 15%‬إلى عوامل بيئية وراثية‪ ،‬حيث إن هناك العديد من‬
‫األساليب التشخيصية التي تساعد على اكتشاف تشوه الجنين وتتضمن هذه األساليب التشخيص‬
‫داخل الرحم‪.‬‬

‫‪ - 1‬كريــم أولظيم‪ " ،‬التوقيف الطبي للحمل المرتبط باألمراض الجينية والتشوهات الخلقية"‪ ،‬ندوة اإلجهاض بين الحق في الحياة‬
‫وحرية التصرف في الجسد – مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.68-67‬‬

‫الصفحة ‪266 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حكم إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي والطب الحديث‬
‫اإلجهاض أو اإلسقاط عموما من املسائل التي تم التطرق لها في كتب الفقه اإلسالمي القديمة‬
‫وأبحاثه املعاصرة‪ ،‬إال أن الجديد فيه يأتي من جهة إمكان تشخيص العديد من التشوهات الخلقية‬
‫في الجنين وهو ال يزال في الرحم‪ ،‬وهذا األمر لم يكن ممكنا في العصور املاضية‪ ،‬وإنما صار ممكنا في‬
‫هذا العصر الذي تقدم فيه العلم‪ ،‬وأثبت أن معظم تشوهات األجنة تحدث في مرحلة مبكرة من‬
‫تكوين الجنين‪ ،‬وأن مدة تكون األعضاء والتي تبدأ من األسبوع الثالث إلى األسبوع الثامن هي املدة‬
‫الحرجة التي تتأثـر فيها األجنة باملؤثرات الخارجية مثل األشعة أو املواد الكيميائية‪.1‬‬
‫فإذا كان الجنين مشوه تشوه خلقي ال يمكن عالجه وعلم والديه بحاله‪ ،‬فهل يجوز لهما‬
‫إجهاضه‪ ،‬لحاجتهما الداعية إلى ذلك‪ ،‬دفعا للحرج الالحق لهما بسبب وجود تلك العاهات‬
‫والتشوهات التي يتصف بها ولدهما فيما بعد أم ال يجوز ذلك؟ هنا يقع إشكال في أحقية األم‬
‫باالحتفاظ بالجنين‪ ،‬ومواصلة أشهر الحمل‪ ،‬أم أننا نلجأ إلى اإلجهاض كوسيلة طبية للتخلص من‬
‫هذا املولود‪ ،‬خاصة وأن اإلجهاض بدوره يطرح العديد من التساؤالت حول مشروعيته قانونا وشرعا‪،‬‬
‫مع ما يسببه قدوم هذا الجنين إلى الحياة في حالة االحتفاظ به‪ ،‬من حالة اضطرابات داخل أسرته‪،‬‬
‫وآالم ومشاكل صحية ونفسية للمولود‪ ،‬والذي يبقى طوال حياته يعاني من هذه التشوهات التي‬
‫تعيق تعايشه بسالم في مجتمع ال زالت نظرته ملن يعاني نظرة نقص وشفقة‪ ،‬كما أنه للمجتمع حق‬
‫تمتع تركيبته البشرية بكامل قواها العقلية والخلقية والجسدية‪.‬‬
‫– أوال ‪ :‬مدى مشروعية إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي ‪:‬‬
‫بالنسبة لفقهاء القدامى‪ ،‬وإن كانوا ذكروا أمثلة للجنين املشوه وتكلموا عن الحكم الشرعي‬
‫لها‪ ،‬إال أنهم لم يتعرضوا لحكم اإلجهاض‪ ،‬ألن هذه املسألة لم تثر في عصرهم نظرا لعدم إمكان‬
‫كشف تشوه الجنين وهو في بطن أمه في ذلك الوقت‪ ،2‬ألنه وبكل بساطة لم تكن هناك الوسائل‬
‫العلمية التي تشخص حالة الجنين وهو داخل الرحم‪ ،‬وبالتالي لم تكن مسألة إجهاض الجنين املشوه‬
‫مطروحة آنذاك‪ ،‬أما ما كان معروفا قديما فهو اإلسقاط بصفة عامة‪ ،‬وقد أجمع الفقهاء على‬

‫‪ -1‬محمد فحفوحي‪ " ،‬المسؤولية القانونية عن التشوهات الخلقية للجنين – دراسة مقارنة "‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات واألبحاث‬
‫القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪ ،100‬سنة ‪ ،2023‬ص ‪98‬‬
‫‪ -2‬مصباح المتولي حماد‪ " ،‬حكم اإلجهاض وما يثار حوله من أقوال المعاصرين "‪ ،‬مطبعة اإليمان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2000‬ص‬
‫‪.276 – 275‬‬

‫الصفحة ‪267 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تجريمه بعد نفخ الروح فيه‪ ،‬أما قبل نفخ الروح فقد أجاز بعض الفقهاء إسقاطه‪ ،‬وقال بجرمته‬
‫آخرين‪.1‬‬
‫أما الفقهاء املعاصرون فقد اتفقوا على عدم جواز إجهاض الجنين املشوه إذا تم نفخ الروح‬
‫فيه‪ ،‬ألنه صار إنسانا محصنا من القتل كأي إنسان يدب في األرض ال يباح قتله بسبب مرضه أو‬
‫عيوبه الخلقية‪ ،2‬أما بالنسبة ملرحلة ما قبل نفخ الروح‪ ،‬فقد اختالف الفقهاء ما بين رأيين‪ :‬اتجاه‬
‫مجيز إلجهاض الجنين املشوه (‪ ،)1‬واتجاه مانع (املعارض) إلجهاض الجنين املشوه (‪.)2‬‬
‫‪ .1‬االتجاه املجيزإلجهاض الجنين املشــوه (اآلراء الفقهية املبيحة إلجهاض الجنين املشوه)‪:‬‬
‫أ‪ .‬جوازإجهاض الجنين املشوه قبل نفخ الروح ‪:‬‬
‫رجح كثير من فقهاء العالم اإلسالمي والباحثين املحدثين جواز إجهاض الجنين املشوه تشويها‬
‫خطيرا كان وغير قابل للعالج في مرحلة ما قبل نفخ الروح‪ ،‬فإذا ما ابتليت حامل بجنين فيه تشوه‬
‫جسيم‪ ،‬وهذا التشوه ال عالج له ويعيق الحياة الطبيعية للجنين‪ ،‬أو كان الجنين مصابا بأمراض‬
‫وراثية خطيرة‪ ،‬واكتشف األطباء ذلك قبل مرحلة نفخ الروح‪ ،‬أي قبل مائة وعشرين يوما من يوم‬
‫التلقيح‪ ،‬فإنه يجوز ويرخص لهذه الحامل ‪ -‬حسب هؤالء الفقهاء‪ -‬بإجهاض جنينها‪ ،‬هذا التوجه‬
‫يجيز اإلجهاض قبل نفخ الروح فيه شرطا أن يثبت علميا وواقعيا خطورة ما به من عيوب وراثية‬
‫تدخل في النطاق املرض ي الذي ال شفاء منه‪ ،‬أما العيوب الجسدية كالعمى أو نقص إحدى اليدين أو‬
‫غير ذلك فإنها ال تعتبر ذريعة مقبولة لإلجهاض ال سيما مع التقدم العلمي في الوسائل التعويضية‬
‫للمعوقين‪ ،3‬ويستند الفقهاء الذين يجيزون إجهاض الجنين املشوه قبل نفخ الروح إلى العديد من‬
‫الحجج لعل أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬مقصد الشريعة في التيسير ورفع الحرج‪ ،‬ذلك أن إجهاض الجنين املشوه أو املصاب‬
‫بأمراض وراثية خطيرة ال عالج لها‪ ،‬سوف يكون سببا للتيسير ورفع الحرج‪ ،‬فوالدة أجنة مشوهة‬
‫يعانون في مستقبلهم املشقة والعنت في تعامالتهم يسبب ال شك الحرج لهم من خالل نظرة املجتمع‬

‫‪ -1‬بضليس مصطفى‪ " ،‬حكم إجهاض الجنين المشوه في القانون والفقه اإلسالمي "‪ ،‬مجلة أفاق‪ ،‬المجلد ‪ ،11‬العدد ‪ ،2019 ،2‬ص‬
‫‪.151‬‬
‫‪ -2‬محمد علي البار‪ " ،‬الجنين المشوه واألمراض الوراثية "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.435‬‬
‫‪ -3‬عبد النبي محمد أبو العينين‪ " ،‬الحماية الجنائية للجنين "‪ ،‬دار الجامعة الحديثة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2006‬ص ‪.312‬‬

‫الصفحة ‪268 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫إليهم‪ ،‬بل وسيعاني معهم أهلهم الحرج واملشقة فكان في جواز اإلجهاض تيسيرا للناس ورفعا للحرج‬
‫عنهم وذلك مقصد الشريعة‪.1‬‬
‫‪ -‬إعمال "قاعدة إذا ضاق األمر اتسع"‪ ،2‬ألن املرأة التي تكون بحاجة لإلجهاض بسبب هذا‬
‫العذر الشرعي املقبول‪ ،‬تعد مشمولة بحكم القاعدة‪ ،‬فدرجة تشوه الجنين أو مرضه الوراثي‬
‫الخطير‪ ،‬يجعلها في ضيق يستوجب السعة‪ ،‬ويكون املقصد من وسيلة اإلجهاض في هذه الحالة‪ ،‬هو‬
‫دفع املفاسد املحققة‪ ،‬وجلب املصالح الراجحة‪ ،‬وللوسائل أحكام املقاصد‪ ،‬فالوسيلة إلى أفضل‬
‫املقاصد هي أفضل الوسائل‪ ،3‬فإذا ثبت بتقرير لجنة طبية بعد إجراء الفحوصات الالزمة أن تشوه‬
‫الجنين من النوع الخطير الذي ال يمكن عالجه‪ ،‬فعندئذ نكون أمام عذر شرعي يبيح وسيلة‬
‫اإلجهاض قبل نفخ الروح لتحقيق مقصد رفع الضيق عن املرأة والتيسير عليها وعلى أسرتها‪.4‬‬
‫‪ -‬إعمال قاعدة ‪ -‬إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها بارتكاب أخفهما وهاته القاعدة يعبر‬
‫عنها الفقهاء بعبارات مختلفة كقولهم إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفها‪ 5‬أو‬
‫أهون الشرين‪ ،‬وهي أحد األصول الشرعية املهمة التي يمكن للمجتهد أن يلجأ إليها عند النظر في‬
‫أحكام النوازل التي تجتمع فيها املصالح واملفاسد‪ ،‬أي وجوب املوازنة بين املصلحة واملفسدة ودفع‬
‫أعظم املفسدتين وال ريب أن مفسدة إسقاط الجنين في هذه الصورة أخف من مفسدة بقائه إذا‬
‫كان بهذه الدرجة من التشوه‪ ،‬ولم تنفخ فيه الروح بعد‪ ،‬فاملوازنة بين نطفة أو علقة أو مضغة لم‬
‫تنفخ فيها الروح بعد‪ ،‬وبين كائن حي‪ ،‬يتألم و يشقى بالتشوهات الخطيرة بعد والدته‪ ،‬تقتض ي دفع‬
‫املفسدة األكبر وهي معاناة هذا اإلنسان‪ ،‬لو قدر له أن يعيش وتجنب ما قد يلقاه في حياته من‬
‫ضنك وعسر‪ ،‬ثم موته املحقق بعد العذاب‪ ،‬باإلضافة إلى ما يسببه لذويه من حرج و للمجتمع من‬
‫أعباء وتكاليف‪.‬‬
‫‪ -‬إن مفسدة والدة جنين مشوه تشوها كبيرا ال يمكن عالجه وما يتبعها من معاناة ومشقة‬
‫وحرج سواء لهذا املخلوق أو ألسرته أو للمجتمع‪ ،‬أهون من مفسدة اإلجهاض لذلك تصير هذه‬

‫‪ -1‬محمد رماش لخضر بن قومار‪ " ،‬التشوهات الجينية وأثرها في حكم اإلجهاض "‪ ،‬الملتقى الدولي الثاني – المستجدات الفقهية‬
‫في أحكام األسـرة‪ ،‬المنعقدة بتاريخ ‪ 24‬و‪ ،2018/10 /25‬معهد العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الوادي‪ ،‬ص ‪.585‬‬
‫‪ -2‬زين الدين ابن إبراهيم ابن نجيم‪ " ،‬األشياء والنظائر "‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪ -3‬العز بن عبد السالم‪ " ،‬قواعد األحكام في مصالح األنام "‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1388‬ص ‪.84‬‬
‫‪ -4‬محمد مطلق عساف‪ " ،‬حكم إجهاض الجنين بسبب التشوهات الخلقية في ضوء المقاصد الشرعية والقواعد الفقهية "‪ ،‬المؤتمر‬
‫العلمي الدولي التاسع لكلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2019‬ص ‪.15‬‬
‫‪ -5‬ابن نجيم‪ " ،‬األشياء والنظائر "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬

‫الصفحة ‪269 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫األخيرة عذرا للدرء أهون الشرين‪ ،‬ال سيما وأن اإلجهاض يتم قبل نفخ الروح وقبل أن تكون للجنين‬
‫صفة اآلدمي‪.1‬‬
‫‪ -‬إعمال قاعدة الدفع أقوى من الرفع‪ ،2‬فإذا أمكن دفع الضرر قبل وقوعه فهذا أولى وأسهل‬
‫من رفعه بعد الوقوع‪ ،‬ألنه من امليسور أن ندفع الش يء في بداية األمر‪ ،‬ولكن قد ال يمكن رفعه بعد‬
‫الذي سيؤول إليه من مفاسد محققة‪ ،‬فكان ال بد من اعتبار مآالت األحكام‪ ،‬ألن "النظر في مآالت‬
‫األحكام مقصود شرعا" لذلك فإن إجهاض الجنين وهو في بطن أمه‪ ،‬ولم تنفخ فيه الروح بعد‪،‬‬
‫يمكن القيام به خالفا ملفسدة والدته ومعاناته في الحياة والتي ال يمكن رفعها بعد ذلك‪.‬‬
‫ب‪ .‬جوازإجهاض الجنين املشوه ألم في حالة الخطر ‪:‬‬
‫وضحنا فيما سبق أن اإلجماع منعقد بين عامة الفقهاء على تحريم إجهاض الجنين بعد نفخ‬
‫الروح فيه‪ ،‬وهذا الحكم العام يسري على الجنين سواء كان سليما أو مشوها‪ ،‬لكن هل هناك أسباب‬
‫إباحة تعتري هذا الحكم وتجعل من فعل اإلجهاض مباحا حتى بعد نفخ الروح في الجنين فنكون أمام‬
‫حالة تقتض ي أن اإلجهاض جائز ويمكن القيام به؟‬
‫أخذ الفقه اإلسالمي ال سيما الفقه املعاصر ببعض أسباب اإلباحة وأجاز اإلجهاض حتى وإن‬
‫حصل بعد نفخ الروح ‪ -‬ألسباب عالجية تتمثل في إنقاذ حياة األم وألسباب أخالقية عندما يكون‬
‫الجنين نتيجة فعل اغتصاب وإن كان في هاته الحالة األخيرة مسموح به قبل نفخ الروح فقط‪ .‬يتضح‬
‫مما تقدم أن الحالة الوحيدة التي يكاد يجمع الفقهاء على إباحة اإلجهاض فيها حالة إنقاذ األم من‬
‫الهالك‪ ،‬ويستوي في ذلك أن يكون الجنين الذي تحمله سليما أو مشوها وسواء كان ذلك قبل نفخ‬
‫الروح أو بعده‪.3‬‬

‫‪ -1‬محمد فتح هللا النشار‪" ،‬إجهاض الحمل قبل نفخ الروح "‪ ،‬مجلة البحوث الفقهية والقانونية‪ ،‬جامعة الزهـر‪ ،‬كلية الشريعة‬
‫والقانون‪ ،‬مصر‪ ،‬المجلد ‪ 23‬لسنة ‪ ،2008‬ص ‪.102‬‬
‫‪ -2‬تاج الدين عبد الوهاب السبكي‪ " ،‬األشياء والنظائر "‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1991‬ص ‪.127‬‬
‫‪ -3‬يستدل الفقهاء في إباحة اإلجهاض بدافع إنقاذ االم من الموت بعدة ادلة من المعقول أهمها‪:‬‬
‫‪ ‬يجوز اإلجهاض لداعي إنقاذ األم لدفع الضرر عنها ‪ -‬والضرر يزال‪ -‬وألن هذا النوع من المشقة يقتضي التيسير وال يقال ذلك‬
‫ارتكابا ألمر محرم‪ ،‬ألن الضرورات تبيح المحظورات وألن هذا من باب عن دفع أعظم الضررين‪.‬‬
‫‪ ‬األ م سبب في وجود جنينها فال يكون سببا في إعدامها وألن األم هي األصل والجنين فرع تابع لها‪ ،‬فيقدم إنقاذ حياتها على‬
‫حياته ألن المتبوع ال يتقدم على التابع‪ ،‬وألن األصل يقدم على الفرع‪.‬‬
‫‪ ‬حاجة الزوج واألوالد لألم أكبر وأعظم‪ ،‬فوجودها في بيتها ضرورة مقدمة على حياة الجنين‪ ،‬حفاظا على وحدة األسرة من‬
‫التفكك والتشرد‪.‬‬
‫‪ ‬حياة األم ظاهرة يقينا‪ ،‬بينما الجنين المشوه في بطنها يحتمل الحياة والممات والجنين وأمه في حالة الخطر الداهم؛ فيقدم هنا‬
‫اليقين على االحتمال‪ ،‬لقوة اليقين‪ ،‬وضعف االحتمال؛ فيجوز إجهاض من احتملت حياته على من تيقنت حياته‪ .‬إضافة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬تعد األم الحامل أصال ولودا‪ ،‬والجنين فرع مولود يتسنى لألم أن تلد غيره إذا ما أجهضته‪.‬‬
‫‪ ‬غالبا ما تكون فرصة نجاح إنقاذ األم أكبر من نسبة نجاح إنقاذ الجنين نظرا الستقرار حياتها بخالف الجنين‬

‫الصفحة ‪270 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪- 2‬االتجاه املانع(املعارض) إلجهاض الجنين املشوه (اآلراء الفقهية املحرمة إلجهاض‬
‫الجنين املشوه)‪:‬‬
‫أ‪ .‬إجماع الفقهاء على تجريم اإلجهاض بسبب التشوه بعد نفخ الروح‪:‬‬
‫أجمعت األمة اإلسالمية على مر عصورها وباختالف مذاهبها على تحريم اإلجهاض بعد نفخ‬
‫الروح‪ ،‬مهما اختلفت أسبابه دواعيه‪ ،‬وجاء في املوسوعة الفقهية " وال يعلم خالفا بين الفقهاء في‬
‫تحريم اإلجهاض بعد نفخ الروح نصوا على أنه إذا نفخت في الجنين الروح حرم اإلجهاض إجماعا‪،‬‬
‫وقالوا إنه قتل له بال خالف‪ ،‬فالفقهاء القدامى قالوا بتحريم اإلجهاض بعد نفخ الروح دون تفريق‬
‫منهم لكونه يشكل خطرا على أمه أم ال‪ ،‬إذ ال يتصور أي سبب يؤدي إلى إباحة اإلجهاض في هذه‬
‫املرحلة‪.1‬‬
‫ولعل في إجماع الفقهاء على تحريم اإلجهاض بعد نفخ الروح وعدم اعتبار التشوه عذرا يلغي‬
‫التحريم هو الذي حدى بمجمع الفقه اإلسالمي أن يصدر قراره الصريح بالتحريم والذي جاء فيه‪" :‬‬
‫إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوما‪ ،‬فال يجوز إسقاطه‪ ،‬ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه‬
‫مشوه الخلقة "‪ ،2‬وفضال على عموم النهي في القرآن الكريم واألحاديث الشريفة عن قتل النفس يبرر‬
‫العلماء إجماعهم على تحريم إجهاض الجنين املشوه بعد نفخ الروح بمجموعة من الحجج‪:3‬‬

‫‪ ‬جمال أحمد زيد الكيالني‪ " ،‬حكم إجهاض الجنين المشوه في الفقه اإلسالمي "‪ ،‬مجلة جامعة األقصى‪ ،‬سلسلة العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬المجلد التاسع‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬غزة – فلسطين‪ 31 ،‬ديسمبر ‪ ،2005‬ص ‪)399‬‬
‫‪ -1‬محمد نعيم ياسين‪ " ،‬أحكام اإلجهاض "‪ ،‬مجلة الشريعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬مجلس النشر العلمي‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬المجلد‬
‫السادس‪ ،‬العدد الثالث عشر‪ ،1989 ،‬ص ‪.248‬‬
‫‪ -2‬قرارات مجمع الفقه اإلسالمي بمكة المكرمة‪ - ،‬الدورة ‪ ،12‬عام ‪ ،1990‬ص ‪.277‬‬
‫‪ -3‬استدلوا بالحجج التالية‪:‬‬
‫‪ ‬أنه إذا رأى اإلنسان المبتلى حمد هللا عز وجل على نعمته عليه حيث فضله عليه‪ ،‬وزاده ذلك تعلقا بربه‪ ،‬كما أن فيه معرفة لقدرة‬
‫ْف يَشَا ُء} فاهلل تعالى يري خلقه مظاهر قدرته وعجائب‪،‬‬‫ص ِو ُر ُك ْم فِي ْاأل َ ْر َح ِام َكي َ‬
‫هللا عز وجل وتحقيقا لقوله تعالى {ه َُو الَّذِي يُ َ‬
‫صنعه‪ ،‬وإجهاضه محادة لهذه اإلرادة وكم يشهد الواقع لبعض حاالت التشوه الخلقي التي عاشت وتكيفت مع الحياة وبرزت في‬
‫بعض نواحيها بما يثبت عظيم صنع هللا في خلقه‪.‬‬
‫‪ ‬إن النقص والتمام في األعضاء هو قدر هللا فمنهم من يخلق له األعضاء جميعا‪ ،‬ومنهم من يكون قضاء هللا خديجا ناقصا غير‬
‫تام‪ ،‬فالتشوهات هي من هللا‪ ،‬وما دامت قدر هي من وقدره‪ ،‬فال يصح االعتراض عليها بإباحة اإلجهاض‪ ،‬إنما الواجب هو‬
‫التداوي‪ ،‬إذ ه و المشروع في ديننا‪ .‬وإجماع الفقهاء على تحريم إجهاض الجنين المشوه ال يرتبط بدرجة التشوه أو نوعه إذ يظل‬
‫هذا التحريم يخضع للقاعدة العامة في حرمة قتل النفس‪ ،‬ورغم أن هناك مذاهب أو آراء قد تتجه إلى إثارة الخالف في هاته‬
‫المسألة على أساس أن مفسدة وجود مشوه في المجتمع وبقائه مع هذا التشوه واآلالم الجسدية عليه‪ ،‬وعلى والديه أعظم وأكبر‬
‫من مفسدة إجهاضه إال أن الفقهاء مجمعون على حرمة اإلجهاض بعد نفخ الروح على أساس أن مقاصد المكلف ال تطغى‬
‫مقاصد الشارع( أحمد بن عبد هللا الضويحي‪ " ،‬القول المختار في إجهاض األجنة المشوهة من خالل القواعد الفقهية "‪ ،‬ورقة‬
‫عمل مقدمة لندوة تطبيق القواعد الفقهية‪ ،‬منظم بالرياض خالل ‪ 07 – 06‬محرم ‪ 1429‬هــ‪ ،‬ص ‪)17‬‬

‫الصفحة ‪271 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ب ‪.‬اآلراء الفقهية التي تجرم إجهاض الجنين املشوه قبل نفخ الروح ‪:‬‬
‫مبررين ذلك أن العلوم الطبية ليست يقينية بل يحوم‬ ‫عارض آخرون إجهاض الجنين املشوه ّ‬
‫حولها الشك‪ ،‬وهذا ما ال يدخل التنبؤ الطبي ضمن حالة الضرورة الشرعية املبنية على الجزم‬
‫واليقين‪ ،1‬وقيل أيضا في إجازة إجهاض الجنين املشوه أنه قد يفتح املجال للمرأة الحامل لتناول‬
‫أدوية تؤدي إلى تشويه الجنين تبريرا لإلجهاض أو لعدم رغبتها في الحمل‪.‬‬
‫وأبعد من ذلك أكد املعارضون أن التشوه ال يعد عائقا أمام التفوق فكم من عباقرة‬
‫مشوهين‪ ،‬ضف إلى ذلك فإن الطب في تطور مستمر ويومي وما استعص ى البارحة أضحى اليوم سهل‬
‫املشوه‪ ،2‬حيث يرى هذا الفريق‪ 3‬أن تحريم‬ ‫ّ‬ ‫العالج‪ ،‬فمن غير العدل واإلنصاف إجهاض الجنين‬
‫إجهاض الجنين املشوه ال يقتصر على مرحلة ما بعد نفخ الروح التي تعرف إجماع على التحريم‪ ،‬بل‬
‫وحتى في مرحلة ما قبل نفخ الروح‪ ،‬حيث ال يمكن القول بجواز اإلجهاض لوجود عيوب خلقية‬
‫بالجنين‪ ،‬فهذه العيوب ال يمكن أن تشكل سببا أو عذرا إلزالة حكم التحريم‪ ،‬فيحرم إجهاض الجنين‬
‫املشوه في جميع األحوال سواء قبل نفخ الروح أو بعده لعدم توفر أركان الضرورة الشرعية في‬
‫إجهاضه من جهة‪ ،‬إضافة إلى أن تبني هذا التوجه سيفتح الباب على مصراعيه لالدعاءات الكيدية‬
‫وللتذرع إما من طبيب ال أخالق له‪ ،‬أو من امرأة أرادت التخلص من الحمل ألي سبب من األسباب‬
‫من جهة أخرى‪.4‬‬
‫ويرى بعض العلماء أن أركان الضرورة الشرعية غير متكاملة في هذه القضية‪ ،‬حيث إن الطب‬
‫لم يصل فيها إلى اليقين أو الظن الغالب بأن هذا الجنين مشوه‪ ،‬وال يعدو األمر كونه احتماال حذر‬

‫‪ -1‬بن يحي بن حسين النجيمي‪ " ،‬اإلجهاض أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي – دراسة مقارنة "‪ ،‬مكتبة‬
‫العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2011‬ص ‪.108‬‬
‫‪ -2‬محمد علي البار‪ " ،‬الجنين المشوه واألمراض الوراثية – األسباب والعالمات واألحكام "‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولـى‬
‫‪ ،1991‬ص ‪.435‬‬
‫‪ -3‬انظر‪:‬‬
‫‪ ‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ " ،‬موقف الشريعة اإلسالمية من التحكم بنوع وأوصاف الجنين باإلسقاط عند ظن التشوه "‪،‬‬
‫بحث مقدم لمؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون‪ ،‬جامعة اإلمارات العربية‪ ،‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬في الفترة ما بين‬
‫‪ 22‬إلى ‪ 24‬صفـر ‪ 1423‬الموافق ‪ 7 – 5‬ماي ‪ ،2002‬ص ‪.298‬‬
‫‪ ‬عبد هللا حسين باسالمة‪ " ،‬الجنين وتطوراته وتشوهاته "‪ ،‬بحث مطبوع من كتاب محمد علي البار‪ " ،‬الجنين المشوه‬
‫واألمراض الوراثية للبار"‪ ،‬ملحق رقم ‪ ،5‬دار القلم‪ ،‬دمشق ‪ ،1991‬ص ‪.491‬‬
‫‪ ‬مصباح المتولي السيد حماد‪ " ،‬حكم اإلجهاض وما يثار حوله من أقوال بعض المعاصرين – دراسة فقهية مقارنة "‪ ،‬اإليمان‬
‫للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2000‬ص ‪.293‬‬
‫‪ ‬محمد بن يحي حسن النجيمي‪ " ،‬اإلجهاض أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي – دراسة مقارنة "‪،‬‬
‫العبيكان للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2011‬ص ‪.107‬‬
‫‪ -4‬جمال أحمد الكيالني‪ " ،‬حكم الجنين المشوه في الفقه اإلسالمي "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.397 – 396‬‬

‫الصفحة ‪272 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫منه األطباء‪ ،‬ولذا فإن مثل هذه الحال ال تعد من الضرورة‪ ،‬ولهذا ال يجوز اإلجهاض للتشوه‪ ،1‬كما‬
‫صدر قرار املجمع الفقهي اإلسالمي التابع لرابطة العالم اإلسالمي في دورته الثانية عشرة والذي نص‬
‫على‪ " :‬إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوما‪ ،‬فال يجوز إسقاطه‪ ،‬ولو كان التشخيص الطبي يفيد‬
‫أنه مشوه الخلقة‪ ،‬إال إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من األطباء الثقات املختصين أن بقاء الحمل فيه‬
‫خطر مؤكد على حياة األم‪ ،‬فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوها أم ال دفعا ألعظم الضررين "‪،2‬‬
‫ويستدل القائلون بحرمة إجهاض الجنين املشوه تشوها شديدا قبل مرحلة نفخ الروح بالعديد من‬
‫الحجج‪.3‬‬
‫إن قتل الجنين في هذه الحالة بسبب التشوهات يمكن وصفه مصغرة ملا يعرف بقتل الرحمة‬
‫املحرم شرعا وقانونا‪ ،‬واملنافي ألهم مقصد من مقاصد الشريعة وهو مقصد حفظ النفس‪ ،‬وإذا كان‬

‫‪ -1‬علي يوسف المحمدي‪ " ،‬بحوث فقهية في مسائل طبية معاصرة "‪ ،‬دار البشائر – بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،2008‬ص‬
‫‪.222‬‬
‫‪ -2‬قرار المجمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العالم اإلسالمي رقم ‪ )12/4( 71‬بشأن " الجنين المشوه خلقيا "‪ ،‬على الموقع اإللكتروني‬
‫‪www.themwl.org‬‬
‫‪ -3‬التي تذكر أهمها ما يلي‪:‬‬
‫ق}‪ ،‬فمثل هذه‬ ‫س الَّتِي َح َّر َم هللاُ ِإ َّال ِب ْال َح ِ‬
‫{و َال ت َ ْقتُلُوا النَّ ْف َ‬
‫‪ ‬عموم النهي عن قتل النفس الوارد في كتاب هللا عز وجل كقوله تعالى َ‬
‫اآلية‪ ،‬وغيرها كثير دلت بمنطوقها على حرمة قتل النفس بغير حق والجنين نفس محرمة ال يجوز قتله بغير حق وليس من‬
‫الحق قتل بريء ألنه سيولد مشوها‪ .‬كما يستدلون بحديث عبد هللا هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬ال مسعود‬
‫رضي بن يحل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة "‪ ،‬فداللة الحديث‬
‫أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حدد األمور التي يباح بها دم المسلم ولم يرد فيه حق قتل الجنين ألنه سيولد مشوها‪ ،‬ومن‬
‫األحاديث أيضا ذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "ال يتمن أحدكم الموت‬
‫لضرر نزل به فإن كان ال بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي‪ ،‬وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي "‪.‬‬
‫‪ ‬يرى الفقهاء المعاصرون الذين حرموا اإلجهاض (قبل نفخ الروح) بسبب التشوه أن أركان الضرورة الشرعية‪ ،‬غير متكاملة‬
‫في هذه القضية (قضية الجنين المشوه)‪ ،‬حيث أن الطب لم يصل فيها إلى اليقين أو الظن الغالب بأن الجنين مشوه‪ ،‬فهي تدخل‬
‫في منطقة الظن واالحتمال وتخرج من منطقة اليقين والجزم‪ ،‬لذلك ال تدخل تحت قانون الضرورة‪ ،‬إذ ال بد للضرورة‬
‫الشرعية من ثالثة عناصر األول أن تكون أسبابها قائمة ال متوقعة‪ ،‬والثاني أن تكون نتائجها يقينية أو غالبة على الظن‪،‬‬
‫والثالث أن تكون المفسدة المترتبة على المحظور أعظم من خطر المفسدة المترتبة على ارتكابه (محمد سعيد رمضان‬
‫البوطي‪ " ،‬مسألة تحديد النســل وقاية وعالجا "‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬دمشق‪ ،‬دون ذكر الطبعة‪ ،‬ص ‪.)93‬‬
‫‪ ‬إن في والدة الجنين المشوه عظة للمتعافين فإذا رأى اإلنسان مبتلى حمد هللا عز وجل على نعمته‪ ،‬عندما فضله عليه وزاده‬
‫ذلك تعلقا بربه‪ ،‬كما أن فيه معرفة لقدرة هللا عز وجل وتحقيقا لقوله تعالى‪ " :‬هو الذي يصوركم في األرحام كيف يشاء "‪ ،‬فاهلل‬
‫تعالى يري خلقه عجائب قدرته‪.‬‬
‫أن عناية الشارع الحكيم بالجنين ظاهرة جلية في صور متعددة فقد رخص للحامل باإلفطار – وإن كان الصوم واجبا – وهذا حشية‬
‫إلحاق الضرر بحملها‪ ،‬وكذلك أوجب تأخير العقوبات البدنية على الحامل حتى تضع حملها‪ ،‬وجعل للجنين أهلية ناقصة وحفظ له‬
‫العديد من الحقوق كالميراث والوصية والنسب وتعمد إجهاضه مناقض للمقصود من األحكام (منال يوسف عز الدين‪ " ،‬التوائم‬
‫السيامية إجهاضها‪ ،‬وفصلها‪ ،‬وأحكام العبادات "‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الجنائية وعلم اإلجرام‪ ،‬جامعة أبو بكر‬
‫بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2010/2009‬ص ‪)34‬‬
‫‪ ‬إن التقدم العلمي القائم والتقنيات الحديثة استطاعت في كثير من األحيان مداواة بعض أمراض األجنة في أرحام أمهاتهم أثناء‬
‫الحمل في كثير من الحاالت ولعل التطور المتصاعد للطب في المستقبل يعالج كثير من الصعوبات الطبية لمرضى التشوهات‬
‫الخلقية مما يؤدي بإذن هللا إلى استقرار حياتهم وتالشي معاناتهم (فتيحة عطوي مصطفى‪ " ،‬اإلجهاض بين الشرع والطب‬
‫والقانون "‪ ،‬المنشورات الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2001‬ص ‪)299‬‬

‫الصفحة ‪273 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫السلف الصالح يسدون الذريعة إلى املفاسد في عصرهم‪ ،‬ويعللون بعض اجتهاداتهم بمراعاة فساد‬
‫الزمان‪ ،‬وهم في حياة الوحي‪ ،‬فما بالك في زماننا الذي انتشر فيه املنكر وتحكم الشر والهوى في‬
‫نفوس الخلق‪ ،‬فاألخذ فيه باالحتياط والحزم والتحرز مما عسـى أن يكون طريقا إلى الفساد أوجب‬
‫وأولى‪.1‬‬
‫ويتلخص الحكم الشرعي إلجهاض الجنين املشـوه في ثالث نقاط‪:‬‬
‫‪ -‬منع هذه التشوهات إن أمكن‪ ،‬وذلك باالحتياط لألجنـة‪ ،‬فتحتاط األم ويحتاط األب بالوقاية‬
‫من املؤثرات الخارجية التي قد تؤدي إلى التأثير على الجنين‪ ،‬وتجنب األسباب املؤدية إلى التشوهات‪.2‬‬
‫‪ -‬عالج هذه التشوهات‪ ،‬فإذا أمكن عالج الجنين وهو في بطن أمه‪ ،‬وذلك في حالة ما إذا تحقق‬
‫األطباء من وجود هذه التشوهات فإن هذا هو الواجب‪.‬‬
‫‪ -‬اإلجهاض؛ وهل يصار إليه أو ال يصار إليه إذا لم يتمكن األطباء من عالج هذه التشوهات‪.‬‬
‫هذه التشوهات يقسمها الفقهاء في الوقت الحاضـر إلى مرحلتين‪:‬‬
‫‪ -‬املرحلة األولــى‪ :‬التشوهات التي تصل قبل نفخ الروح؛ يعني يكتشف أن هذا الجنين قد‬
‫حصلت له عيوب خلقية قبل نفخ الروح‪ ،‬فهنا أكثـر املعاصرين يجيزون إجهاض الجنين في هذه‬
‫املرحلة لقاعدة‪ :‬ارتكاب أخف الضررين‪ ،‬فاإلجهاض ضرر وخروجه معيبا عيبا خلقيا ضرر عليه وعلى‬
‫والديه‪ ،‬لكن ال يجب أن ننسـى أن هناك العديد من الفقهاء من حرم اإلجهاض في هذه املرحلة‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن حالة الضرورة غيـر متوفرة على حد قولهم‪ ،‬ألن من شروط الضرورة الشرعية أن تكون‬
‫النتائج املتوقعة يقينية أو غالبة على الظن بموجب أدلة علمية‪ ،‬وهذا حسبهم مفقود في هذه‬
‫الحالة‪.3‬‬
‫‪ -‬املرحلة الثانية‪ :‬اكتشاف العيوب والتشوهات الخلقية بعد نفخ الروح؛ فهنا ال يجوز‬
‫إجهاضه وذلك لحرمة قتل النفـس ألنه بعد نفخ الروح أصبح نفسا معصومة ال يجوز اإلقدام على‬
‫قتلها وانتهاك حرمتها‪ ،‬لكن هناك من يجيزون إجهاض الجنين بعد نفخ الروح إذا كان في بقائه ضرر‬
‫محقق على أمه‪ ،‬وعلى هذا إذا كان الجنين مشوها خلقيا ومريضا ومرضه سيؤدي إلى تضرر األم‪.4‬‬

‫‪ -1‬قطب الريسونـي‪ " ،‬صناعة الفتوى في القضايا المعاصرة "‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2004‬ص ‪.119‬‬
‫‪ -2‬محمد بن يحي بن حسن النجيمي‪ " ،‬اإلجهاض‪ ،‬أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعـي – دراسة مقارنة "‪،‬‬
‫مكتبة العبيكان‪ ،‬الطبعة األولــى ‪ 1430‬هــ ‪ 2011 /‬م‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪ -3‬محمد بن يحي بن حسن النجيمي‪ " ،‬اإلجهاض‪ ،‬أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعـي – دراسة مقارنة "‪،‬‬
‫مكتبة العبيكان‪ ،‬الطبعة األولــى ‪ 1430‬هــ ‪ 2011 /‬م‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪ -4‬إبراهيم بن محمد قاسم بن محمد رحيم‪ " ،‬أحكام اإلجهاض في الفقه اإلسالمي "‪ ،‬سلسلة إصدارات الحكمة‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ ،2002‬ص ‪.177‬‬

‫الصفحة ‪274 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫– ثانيا ‪ :‬إجهاض الجنين املشوه طبيا ‪:‬‬


‫نظر األطباء العرب املسلمين لهذه العيوب الخلقية نظرة علمية‪ ،‬وحاولوا أن يشرحوها بشكل‬
‫يتالءم مع املعلومات الطبية التي كانت معروفة وسائدة بشكل كبير يومئذ‪ ،‬فكانت عالجاتهم ناتجة‬
‫عن وجهة نظرهم أن الصحة واملرض والعيوب الخلقية ناجمة عن خلل في التوازن بين األخالط‬
‫األربعة لجسم اإلنسان‪ ،‬وهـي؛ الصفراء – السوداء – البلغم – الدم‪ ،‬وقد ظل هذا االعتقاد سائدا‬
‫لفترة طويلة من الزمن‪ ،1‬وقد انقسم األطباء في مسألة إسقاط الجنين املشوه إلى فريقين‪ ،‬فريق يبيح‬
‫ذلك بشروط وفريق يرى عدم اإلسقاط مطلقا‬
‫‪ -‬الفريق األول‪ :‬يرى أنه إذا ما ثبت وجود تشوهات بالجنين بصورة دقيقة قاطعة ال تقبل‬
‫الشك‪ ،‬من خالل لجنة طبية موثوقة‪ ،‬وكان هذا التشوه غير قابل للعالج ضمن اإلمكانات البشرية‬
‫املتاحة ألهل االختصاص‪ ،‬فالراجح هو إباحة اإلسقاط في هذه الحالة‪ ،‬نظرا ملا يلحقه من مشاق‬
‫وصعوبات في حياته‪ ،‬وما يسببه لذويه من حرج‪ ،‬وللمجتمع من أعباء ومسؤوليات وتكاليف في‬
‫رعايته‪ ،‬ولكن هذا اإلسقاط ليس على إطالقه‪ ،‬ولكنه مقيد بشروط منها‪:‬‬
‫‪ ‬أن يكون بعد موافقة الوالدين؛‬
‫‪ ‬أن يكون هذا اإلسقاط قبل مرور مائة وعشرين يوما من بدء الحمل‪ ،2‬أما إذا كان الجنين‬
‫املشوه قد نفخت فيه الروح وبلغ مائة وعشرين يوما‪ ،‬فإنه ال يجوز إسقاطه مهما كان التشوه‪ ،‬إال إذا‬
‫كان في بقاء الحمل خطر على حياة األم‪ ،‬فعندئذ يجوز إسقاطه‪ ،‬سواء كان مشوها أم ال دفعا ألعظم‬
‫الضررين‪ ،‬وذلك ألن الجنين بعد نفخ الروح فيه أصبح نفسا‪ ،‬يجب صيانتها واملحافظة عليها‪ ،‬سواء‬
‫كانت سليمة من اآلفات واألمراض أو كانت مصابة بش يء من ذلك‪ ،‬وسواء رجي شفائها مما بها أم لم‬
‫يرج‪.3‬‬
‫‪ -‬الفريق الثاني‪ :‬يرى عدم جواز إجهاض الجنين املشوه مطلقا‪ ،‬فالتشوهات الخلقية قد‬
‫أرادها هللا لبعض عباده‪ ،‬فمن صبر فقد ظفر‪ ،‬وهي أمور تحدث على مر التاريخ‪ ،‬ومن املؤسف أن‬
‫الدراسات تدل على أن نسبة اإلصابة بالتشوهات الخلقية في ازدياد‪ ،‬وذلك نتيجة تلوث البيئة‪ ،‬وكثرة‬
‫اإلشعاعات الضارة التي تنشر في األجواء‪ ،‬والتي لم تكن معروفة من قبل‪ ،‬وال بد من أن تصل إلى‬
‫‪ -1‬هدى عبد هللا طاهر‪ " ،‬التشوهات الخلقية لألجنة بين الماضي والحاضـر "‪ ،‬مجلة التراث العلمي العربي‪ ،‬العدد ‪،2019 – 40‬‬
‫ص ‪.433‬‬
‫‪ -2‬محمد علي البار‪ " ،‬الجنين المشوه واألمراض الوراثية – األسباب والعالمات واألحكام "‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولـى‬
‫‪ ،1991‬ص ‪.439‬‬
‫‪ -3‬محمد علي البار‪ " ،‬الجنين المشوه واألمراض الوراثية – األسباب والعالمات واألحكام "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.441‬‬

‫الصفحة ‪275 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الحياة خارج الرحم ‪ 2% - 1%‬من األجنة وبها تشوهات خلقية تستدعي العناية واملعاناة من األهل‬
‫واألسـر واملجتمع‪ ،‬ومن رحمة هللا بالناس أن جعل مصير العديد من األجنة املشوهة إلى اإلجهاض‬
‫واملوت قبل الوالدة‪.1‬‬
‫– ثالثا ‪ :‬الحاالت التي يجوز فيها إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي والطب‬
‫الحديث ‪:‬‬
‫قد توجد دواعي طبية كلما ثبت إصابة الجنين ببعض التشوهات واألمراض الوراثية‪ ،‬فهل‬
‫اكتشاف هذه التشوهات تصلح أن تكون مبررا قويا إلسقاط الجنين أم ال؟‬
‫ذهب بعض الفقهاء إلى أن هناك بعض الحاالت يجوز فيها إسقاط الجنين املشوه‪ ،‬وذلك‬
‫لوجود مبرر قوي يبيح هذه العملية بشرط أن يكون اإلسقاط قبل نفخ الروح أي قبل مرور مائة‬
‫وعشرين يوما‪ ،‬وبالتالي فحاالت التي يجوز فيها إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي والطب‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬الحالة األولى‪ :‬حالة التشوه الشديد غير قابل للعالج‪ :‬وهذه التشوهات أو النواقص‬
‫الخلقية الكبيرة تقض ي على حياة الجنين مبكرا‪ ،‬مثل أن يكون بال دماغ – أو قلب‪ ،‬أو من غير كلي‪،‬‬
‫وهكذا‪ ،2‬وبالتالي يسقط الحمل تلقائيا‪ ،‬وهذه التشوهات من أهم أسباب اإلسقاط عند الحوامل‪،‬‬
‫وعادة ما تظهر هذه التشوهات الخلقية في األسبوعين األولين من الحمل‪ ،‬وال تستمر معها الحياة‪،‬‬
‫لذلك ال داعي ملعرفة حكم إجهاضها‪ ،‬لسقوطه املبكر في أغلب األحيان‪.3‬‬
‫وفي كتب الفقه الحنفي‪" :‬إن من األعذار التي تبيح اإلسقاط قبل نفخ الروح انقطاع اللبن‬
‫بسبب الحمل‪ ،‬وهي ترضع طفلها آلخر وليس لزوجها والد الطفل ما يستأجر به املرضع له ويخاف‬
‫هالكه وفي نطاق هذا املثال الفقهي‪ ،‬وإذا لم يمكن ابتداء وقف الحمل بين زوجين ظهر بهما أو‬
‫بأحدهما مرضا أو عيبا خطيرا وراثيا يسري إلى الذرية‪ ،‬ثم ظهر‪ .‬الحمل‪ ،‬وثبت ثبوت قطعي دون ريب‬

‫‪ -1‬عبد هللا باسالمة‪ " ،‬الجنين المشوه واألمراض الوراثية "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.434‬‬
‫‪ -2‬أحيانا يكون سبب التشوه تعرض األم الحامل للعالج باألشعة بكميات كبيرة لمداواة سرطان في عنق الرحم مثال‪ ،‬أو تعاطي‬
‫عقاقير السرطان واألورام الخبيثة التي تقتل الجنين أو تحدث فيه تشوها بالغا‪ ،‬أو تصاب األم بالحصبة األلمانية في الشهر األول من‬
‫الحمل‪ ،‬وهنا احتمال تشوه كبير جدا نسبته ففي الغاب يسقط الجنين تلقائيا‪ ،‬وإن أسقط في األربعين األولى – كما في حالة األم إذا‬
‫أصيبت بالحصبة األلمانية – فال مانع من ذلك لوجود العذر القوي المبيح لإلسقاط فضال عن أن كثير من العلماء قد أجازه وهذا‬
‫الرأي هو ما اختاره الشيخ جاد الحق شيخ األزهـر رحمه هللا‪ " :‬والذي أختاره وأميل إليه في اإلجهاض قبل استكمال الجنين مائة‬
‫وعشرين يوما رحميا‪ ،‬أنه يجوز عند الضرورة التي عبر عنها الفقهاء بالعذر "‪.‬‬
‫محمد بدر السيد إسماعيل‪ ،‬ص ‪.214 – 213‬‬
‫‪ -3‬عمر بن محمد بن إبراهيم غانم‪ " ،‬أحكام الجنين في الفقه اإلسالمي "‪ ،‬دار األندلس الخضراء للنشـر والتوزيع‪ ،‬جدة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،2001‬ص ‪.181‬‬

‫الصفحة ‪276 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ً‬
‫بالوسائل العلمية والتجريبية أن بالجنين عيوبا وراثية خطيرة‪ ،‬ال تتالءم مع الحياة العادية وأنها‬
‫تسري بالوراثة في ساللة أسرته‪ ،‬جاز إسقاطه ما دام لم تبلغ أيامه الرحمية مائة وعشرين يوما "‪.1‬‬
‫‪ -‬الحالة الثانية‪ :‬التشوهات الخطيرة واملمكنة العالج ولكن بصعوبة أو عناية فائقة‪ :‬وهي‬
‫تشوهات خلقية كبيرة‪ ،‬مثل التي تصيب الجهاز العصبي وروافده‪ ،‬أو القلب أو األوعية الدموية‪ ،‬أو‬
‫الجهاز البولي‪ ،‬وتظهر هذه التشوهات في العادة في مرحلة التخلق لألعضاء‪ ،‬أي بين األسبوعين‬
‫الثالث والثامن‪ ،‬وقد تقض ي هذه التشوهات على حياة الجنين داخل الرحم‪ ،‬أو فور والدته‪ ،‬وقد‬
‫يعيش الطفل بها ولكنها تتطلب عالجا مستمرا‪ ،‬وعناية فائقة‪ ،‬واعتمادا على الغير بسبب تعطل كثير‬
‫من وظائف أعضائه‪.‬‬
‫– رابعا ‪ :‬شروط اإلجهاض املشروع للجنين املشوه ‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا لم يبلغ عمر الجنين مائة وعشرين يوما‪ ،‬وثبت بالتشخيص الدقيق أن هذا الجنين مصاب‬
‫بتشوهات تستحيل أو تصعب معها الحياة‪ ،‬وكانت نتائج هذا التشخيص حقيقية ال ظنية وال وهمية‬
‫وأن حياته تكون سيئة‪ ،‬ويترتب على ذلك آالم عليه وعلى أهله‪ ،‬فال بأس حينئذ كما تقدمنا من‬
‫إسقاط هذا الجنين على مذهب الكثير من الفقهاء الذين تقدم ذكرهم‪ ،‬ولكن هذا اإلسقاط ليس‬
‫على إطالقه‪ ،‬بل إن الفقهاء الذين أجازوا اإلسقاط لهذا العذر قيدوه بكثير من الشروط وملجرد‬
‫وجود بعض التشوهات البسيطة التي يمكن أن يعيش الجنين بها ومعها‪ ،‬أو يمكن عالجها داخل أو‬
‫خارج الرحم‪ ،‬وقد اشترطوا لذلك الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ ‬أن يكون اإلجهاض قبل نفخ الروح – أي قبل مرور مائة وعشرين يوما – ألنه ال يجوز إجهاض‬
‫الجنين بعد نفخ الروح فيه إال في حالة واحدة‪ ،‬وهي إذا ما خيف على حياة األم من بقاء الجنين في‬
‫بطنها‪ ،‬وأي عذر بعد نفخ الروح غير هذا فهو غير معتبر شرعا‪ ،‬كما قرر ذلك الفقهاء‪.2‬‬
‫‪ ‬أن يكون هناك عذر أو ضرورة معتبرة شرعا إلباحة إسقاط الجنين‪.‬‬

‫‪ -1‬زيم الدين ابن نجيم الحنفي ابن عابدين‪ " ،‬البحر الرائق شرح كنز الحقائق "‪ ،‬ج الرابع‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1418‬هـــ‪ 1997/‬م‪ ،‬ص ‪.335‬‬
‫‪ -2‬انظر‪:‬‬
‫‪ ‬شمس الدين محمد عرفة الدسوقي‪ " ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير "‪ ،‬ج الثاني‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،1982‬ص ‪.311‬‬
‫‪ ‬علي أحمد الندوي‪ " ،‬القواعد الفقهية "‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1414‬هــ‪ 1994 /‬م‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ ‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي‪ " ،‬إحياء علوم الدين "‪ ،‬ج الثاني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ ،1993‬ص ‪.51‬‬

‫الصفحة ‪277 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬إصابة الجنين بتشوهات خطيرة ال يمكن أو يصعب عالجها‪ ،‬فإذا ثبت لألطباء أن الجنين‬
‫مصاب بتشوهات خلقية واسعة تؤدي في الغالب إلى موته ولو بعد فترة من والدته جاز إسقاطه لهذا‬
‫السبب إذا لم يبلغ مائة وعشرين يوما‪ ،‬فاملعيار في جواز اإلجهاض قبل استكمال الجنين مائة‬
‫وعشرين يوما رحميا‪ ،‬هو أن يثبت علميا وواقعيا خطورة ما به من عيوب وراثية‪ ،‬وأن هذه العيوب‬
‫تدخل في النطاق املرض الذي ال شفاء منه وأنها تنتقل إلى الذريـة‪.1‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬موقف املشرع املغربي من إجهاض الجنين املشوه‬


‫بالرجوع إلى املواد املنظمة لجريمة اإلجهاض نجد املشرع املغربي لم يميز في حماية حق الجنين‬
‫في الحياة بين جنين مشوه وجنين طبيعي‪ ،‬بل جاءت هذه الحماية مطلقة تشمل جميع األجنة‪،‬‬
‫فالقانون الجنائي املغربي أقر حماية للجنين وهو في بطن أمه‪ ،‬وذلك بإلحاق العقوبات على عملية‬
‫اإلجهاض وممارسيها‪ ،‬ولم يفرق بين الجنين املشوه والجنين غير املشوه‪ ،‬فالنصوص التشريعية لم‬
‫تفرق بين الحالتين‪ ،‬فاملشرع املغربي لم يعترف بالوقف اإلرادي للحمل‪ ،‬ولم يأخذ بعين االعتبار حالة‬
‫الجنين الذي سيولد‪ ،‬وإنما ربط إباحة اإلجهاض العالجي بوجود تهديد لحياة األم‪ ،‬مما يعني أن‬
‫القانون الجنائي لم يستثني إمكانية لجوء األم إلى إنزال جنينها إذا ثبت من خالل الفحوصات التي‬
‫قامت بها أنه سيولد مشوها أو من ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬ويعتبر هذا التوجه نفسه املنصوص‬
‫عليه في مدونة أخالقيات األطباء املغربي في الفصل ‪ 32‬الذي نص على أنه‪ " :‬ال يمكن اللجوء إلى‬
‫اإلجهاض العالجي إال إذا كانت حياة األم في خطر‪ ،‬وأن هذه العملية من شأنها إنقاذ حياتها"‪.‬‬
‫وقد حمل مشروع القانون الجنائي في طياته مقترحات تجيز عملية إجهاض الجنين املشوه‪،‬‬
‫رغم أنها أثارت جدال واسعا في أوساط املغاربية‪ ،‬كونه يجيز إجهاض الجنين املشوه‪ ،‬لكن ومع عدم‬
‫املصادقة على املشروع تبقى مشكلة إجهاض الجنين املشوه مطروحة‪ ،‬كون املشروع لم يفصل في‬
‫األمراض أو الحاالت التي تؤدي إلى اإليقاف العالجي للحمل‪ ،‬وهو ما يجعل املجال مفتوحا للتأويالت‬
‫واالحتماالت‪ ،‬حيث من األمور التي تؤثر على التوازن النفس ي والعقلي لألم‪ ،‬علمها ومعرفتها بأنها‬
‫تحمل في بطنها جنينا مشوها أو معاقا‪ ،‬فهل يمكن في هذه الحالة إجهاض هذا الجنين املشوه تحت‬
‫مسمى اإليقاف العالجي أم ال؟‬

‫‪ -1‬دار اإلفتاء المصرية‪" ،‬الفتاوى اإلسالمية من دار اإلفتاء المصرية "‪ ،‬المجلد التاسـع‪ ،‬الناشـر المجلس األعلى للشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬مصـر‪ 23 ،‬نوفمبر ‪ ،2009‬ص ‪.3107‬‬

‫الصفحة ‪278 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تمت اإلشارة في املسودة إلى التشوهات كحالة من ضمن الحاالت املبررة لإلجهاض‪ ،‬واملقصود‬
‫بها التشوهات الكبرى التي تستحيل معها الحياة بعد الوالدة‪ ،‬على أن تكون في الشهور الثالثة األولى‬
‫درءا للشبهات وابتعادا عن الخالفات الفقهية‪ ،‬مع ضرورة تشكيل لجنة للحسم في التشوهات التي‬
‫تعتبر خطيرة وتستدعي اإلجهاض وجعلها في الئحة حصرية‪ ،‬من تم ينبغي عند إباحة إجهاض الجنين‬
‫املشوه توافر مجموعة من الضوابط التي تكفل ضمان قصرها على حاالت الضرورة فقط‪ ،‬وال تتخذ‬
‫وسيلة لتحقيق أغراض أخرى‪ ،‬ومن هذه الضوابط‪:‬‬
‫‪ -‬ال يجوز إجراء عملية اإلسقاط إال بتقرير من لجنة طبية مكونة من ثالثة أطباء على األقل‪،‬‬
‫شريطة أن يكون هؤالء األطباء مسلمين‪ ،‬ويوضح التقرير تأكيد إصابة الجنين بتشوهات ال يمكن‬
‫عالجها‪ ،‬ويوضح في هذا التقرير أيضا حالة املرأة الصحية بالتفصيل وما يمكن أن تؤول إليه حالتها‬
‫في الحالتين حالة اإلجهاض وعدمه‪.‬‬
‫‪ُ -‬يعرض هذا التقرير على لجنة من الفقهاء املختصين إلبداء حكم الشرع في التقرير وما إذا‬
‫كانت الحالة يباح فيها اإلسقاط أم ال‪ ،‬ويجوز أن يجتمع األطباء مع الفقهاء في حالة الحاجة إلى مزيد‬
‫من اإليضاح‪ ،‬ويجب أن يتم ذلك كله في وقت مناسب حرصا على صحة األم وحياتها‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن تجرى هذه العملية في مستشفى عام تابع للدولة‪ ،‬وتحت إشراف إدارة املستشفى‪.‬‬
‫في رأينا يجب أن يكون معيار إباحة إجهاض الجنين املشوه من عدمه‪ ،‬هو درجة خطورة‬
‫التشوه ومدى تعايش هذا الجنين مع هذا العيب بعد الوالدة‪ ،‬فيجب أن تكون القاعدة في اإلجهاض‬
‫املنع والتحريم واالستثناء هو اإلجهاض ويكون كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان التشوه خطيرا ويشكل خطر على حياة األم أوال‪ ،‬وعلى حياة الجنين ثانيا فيجوز‬
‫اإلجهاض‪ ،‬ألنه ال أمل في والدته دون أن يسبب خطرا على حياة األم أو على حياته‪ ،‬فيستدعي األمر‬
‫التدخل الجراحي‪ ،‬وهنا لن يكون إال بتقرير مفصل للطبيب‪ ،‬ويعتبر الخطر املحقق واملهدد لحياة‬
‫األم هو املعيار‪ ،‬فقد يكون الولد مشوها ولكن يوجد له حل طبي‪ ،‬كوالدة التوائم امللتصقة فقد‬
‫أثبت التطور العلمي أنه تمت العديد من الجراحات وتم فصلهم‪ ،‬رغم أن االلتصاق قد يكون أحيانا‬
‫في مناطق جد صعبة كالرأس واملخ‪ ،...‬فال يجب علينا التسرع في الحكم على كائنات حية وهبها هللا‬
‫نعمة الحياة‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان التشوه من قبيل العيوب الخلقية والتي يمكن للطب مستقبال عالجها‪ ،‬فال يجوز‬
‫اإلجهاض‪ ،‬فالعلم الحديث استطاع أن يكشف أنواع التشوهات مثل تشوه حجرة القلب وتشوه‬
‫خطير في النخاع الشوكي والعمود الفقري‪ ...‬فهذه التشوهات يمكن للجنين أن يعيش بعضه بعد‬

‫الصفحة ‪279 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الوالدة‪ ،‬كما يمكن إصالحها بعد الوالدة‪ ،‬فال يجوز إسقاطه ألن العلم في تطور مستمر ويمكن أن‬
‫يعيش هذا الجنين أو يعالج فكيف لنا أن نحكم بقتل شخص قد ينعم مستقبال بنعمة الحياة‪.‬‬
‫‪ -‬ال بد من اإلدراك التام بأن القاعدة العامة في اإلجهاض هي املنع والتحريم‪ ،‬ولذلك ال يجب‬
‫علينا التوسع في هذه املسألة‪ ،‬ألن للجنين املشوه حق في الحياة‪ ،‬وهذا الحق كرمه به هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬فال يجب للفرد أن يتدخل ويسحب منه هذا الحق‪ ،‬خاصة في وقتنا الحاضر‪ ،‬والذي يعرف‬
‫تطورا هائال في مجال التكنولوجيات الطبية‪ ،‬فالعديد من التشوهات تم عالجها‪.‬‬
‫‪ -‬عقد مؤتمرات وندوات متخصصة يشرف عليها علماء الطب والفقه اإلسالمي والقانون‬
‫تضبط من خاللها آليات التعامل مع األجنة املشوهة‪ ،‬كطرق الكشف عنها‪ ،‬وتصنيفها‪ ،‬ثم تصدر‬
‫املواقف – قدر اإلمكان – بخصوص التعامل مع تلك األجنة املشوهة‪.‬‬
‫‪ -‬ضرورة رعاية املرأة في املرحلة التي تسبق الحمل‪ ،‬وأثناء الحمل‪ ،‬تفاديا لكثير من التشوهات‬
‫التي تصيب الجنين‪.‬‬
‫‪ -‬التذكير بأن االلتزام بتعاليم الدين الحنيف يحمي من وقوع التشوهات التي يكون سببها‬
‫األمراض املعدية املنقولة جنسيا‪ ،‬باللجوء إلى الفاحشة التي حرم هللا مجرد االقتراب منها‪ ،‬فضال‬
‫عن اقترافها‪.‬‬
‫‪ -‬عدم اللجوء إلى إجهاض الجنين املشوه بعد نفخ الروح‪ ،‬إال إذا كان في بقاء هذا الجنين خطر‬
‫محقق على األم‪.‬‬
‫‪ -‬عدم اللجوء إلى إجهاض الجنين املشوه قبل نفخ الروح‪ ،‬إال إذا ثبت بطريقة علمية مؤكدة‬
‫أن تشوهه كبير‪ ،‬وسيجعل حياته متعبة له ولغيره‪.‬‬
‫‪ -‬ال يجب على الدول اإلسالمية أن تنساق وراء هذه القوانين الغربية التي تبيح اإلجهاض‬
‫ألسباب واهية‪ ،‬بل يجب أن تعمل على تجريم هذه الظاهرة والحد من انتشارها وذلك بسن قوانين‬
‫صارمة تعاقب كل األطراف املسؤولة عن هذه التصرفات والعمليات‪.‬‬
‫‪ -‬ال يعتبر التشوه سببا ومبررا إلجهاض الجنين‪ ،‬فإجهاضه يعتبر اعتداء على نفس إنسانية‬
‫بريئة‪ ،‬إال إذا كان هذا التشوه كبيرا ال تتحقق معه الحياة‪ ،‬أو أنه يشكل خطرا على حياة األم‪ ،‬فإنه‬
‫في هذه الحالة يجوز اإلجهاض‪.‬‬
‫‪ -‬تطوير األبحاث العلمية في علم األجنة الذي يسمح باالكتشاف املبكر لحاالت التشوه‬
‫وبالتالي إمكانية معالجة هذه الحاالت في مرحلة متقدمة من حياة الجنين‪.‬‬

‫الصفحة ‪280 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬أن يتم اختيار الزوج والزوجة على أساس الصالح من الناحيتين الخلقية والخلقية‪ ،‬وضرورة‬
‫تعزيز إجراء الفحوصات الطبية الوقائية قبل الزواج‪ ،‬للتأكد من عدم وجود األمراض التي قد‬
‫تنتقل إلى الذرية‪.‬‬
‫‪ -‬الفحص الطبي املستمر للجنين للتأكد من سالمته وإمكانية عالجه وهو في رحم أمه‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة األسباب والعوامل التي قد تؤدي إلى التشوهات الخلقية واألمراض الوراثية‪ ،‬ومحاولة‬
‫إيجاد الحلول الالزمة التي تعدمها أو تقلل منها‪ ،‬ألن الدين أمرنا بالتداوي وما خلق هللا من داء إال‬
‫وخلق له الدواء كما جاء في قول رسولنا الكريم‪.‬‬
‫‪ -‬تعزيز حماية الجنين املشوه بالنصوص العقابية الرادعة لإلجهاض حتى ال يكون التشوه‬
‫ذريعة لإلجهاض‪ ،‬واستعمال الجنين املشوه في أغراض غير مشروعة‪ ،‬ومن ثمة غلق الباب أمام‬
‫املتالعبين بخلقة هللا – عز وجل – في ظل ظهور مستجدات حديثة كثيرة مثل اختيار الجنين‪،‬‬
‫واألجنة املجمدة‪ ،‬واستعمال بيوض األجنة في األبحاث العلمية وظهور تجارة األجنة وغيرها‪.‬‬

‫الصفحة ‪281 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬خاتمة‪:‬‬
‫الواقع أن عمليات اإلجهاض ال تحتاج لفتوى أو قانون يشرعها حتى تلجأ إليها املرأة‪ ،‬فهذه‬
‫العمليات منتشرة وعلى نطاق واسع سواء أبيحت أو حرمت‪ ،‬ولكنها تتم في إطار غير قانوني تغيب‬
‫فيه الضمانات الصحية‪ ،‬وتكون فيه حياة األم مهددة هـي األخرى باملوت‪ ،‬لهذا نجد الكثير من‬
‫الندوات والتظاهرات الفكرية والتي تقودها ناشطات نسويات ينادين بضرورته حتى يتم تجنب‬
‫حاالت الوفيات املنتشرة من جراء غياب الرعاية الصحية الالزمة‪ ،‬كما أن تدخل الدين من جهة‬
‫والقانون من جهة أخرى خاصة في الدول املحافظة قد حد من فعل اإلجهاض وقننه‪ ،‬لكن ماذا عن‬
‫الجانب األخالقي وكيف تناول املوضوع؟‪.‬‬
‫لقد تم طرح قضية اإلجهاض في املغرب وفق مقاربة محافظة تستحضر الخصوصية‬
‫الثقافية والدينية للمجتمع املغربي‪ ،‬وعلى الرغم من ظهور بعض األصوات التي تدافع عن الحرية‬
‫الفردية للمرأة في التصرف في حقوقها الجنسية واإلنجابية‪ ،‬إال أن صداها بقي منحصرا في حدود‬
‫ضيقة‪ ،‬ولم يحظ بترحيب باقي القوى املجتمعية‪ .‬كما أن بعض الجمعيات الحقوقية عبرت عن‬
‫استيائها من املشروع الجديد للقانون الجنائي في شقه املتعلق باإلجهاض الذي ال يعالج حسبها إال‬
‫الحاالت النادر وقوعها؛ فأغلب الحاالت التي تلجأ إلى اإلجهاض السري‪ ،‬تكون ناجمة عن حمل بعد‬
‫عالقة جنسية حرة وغير شرعية‪.‬‬
‫وإذا وظفنا مفهوم املسؤولية كمفهوم مالزم ملفهوم الحريـة‪ ،‬فإن القانون الداخلي لكل بلد‬
‫بيده أن يمنح للجنين حقه الذي منحه إياه الخالق تعالى وليس األم‪ ،‬وبالتالي فهذه األخيرة ال تملك‬
‫قرار سلبه الحياة والتحكم فيها‪ ،‬وهذه املسؤولية هي التي ستجبرها على التطلع لألسباب البعيدة التي‬
‫ستضطرها بعد أشهر معدودات إلى القيام بفعل اإلجهاض‪ ،‬وعلى الحالة النفسية التي ستمر بها‬
‫والتي تعرضها لالكتئاب املزمن‪ ،‬كما حدث للكثير منهن‪.‬‬
‫فهل سيكون الحل إذن هو تجريم فعل اإلجهاض أم تقنينه ومنح الرعاية الصحية الالزمة‬
‫للراغبات فالفعل‪ ،‬وإذا ما سلمنا بالتصور فإن األمهات العازبات مضطرات للقيام بذلك في جنح‬
‫الظالم وفي ظروف صحية سيئة وبطرق خطيرة قد تؤدي بحياتها‪ ،‬وإن كرسنا التصور الثاني صار‬
‫اإلجهاض أمرا طبيعيا في املجتمع وحق يكفله القانون لكل أم لم يرق لها أمر حملها فتتميع القضية‪.‬‬
‫وعلى الرغم من انطالق النقاش العمومي حول اإلجهاض منذ زمن طويل‪ ،‬فإنه لم يفض إلى‬
‫قلب املنطلقات األيديولوجية والدينية املهيمنة‪ ،‬والتي تقوم على استدامة التراتبية االجتماعية في‬
‫العالقة بين الرجل واملرأة‪ ،‬فهذه األخيرة ال تملك حرية االختيار املطلق في االحتفاظ بجنينها أو‬
‫الصفحة ‪282 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫التخلص منه‪ ،‬إال في ظل االستثناءات والتي تجعل حياة الجنين أولى من حرية املرأة سواء أكانت‬
‫متزوجة أو ال‪ .‬وهي املنطلقات التي حاول دعاة اإلجهاض خلخلتها من خالل تقديم بنية حجاجية‬
‫بديلة‪ ،‬تقوم على الحرية الفردية للمرأة والتركيز على املخاطر االجتماعية من استمرار الوضع‬
‫القانوني السابق‪ ،‬والذي يضيق على حرية ممارسة اإلجهاض ويسمح بالنتيجة بتزايد حاالت اللجوء‬
‫لإلجهاض غير اآلمن‪.1‬‬
‫‪ -‬االستنتاجات‪:‬‬
‫‪ ‬الجنين ليس جزءا من جسد املرأة تتصرف فيه كيفما تشاء بل هو كائن قائم بذاته له على‬
‫الحامل به حقوق وليس عليه اتجاهها واجبات‪.‬‬
‫‪ ‬ليس هناك إجهاض آمن بالنسبة للمرأة‪ ،‬فكل إجهاض هو عملية مؤملة ومعقدة وذات‬
‫مخاطر وتبعات سلبية على صحة املرأة جسديا ونفسيا‪ ،‬وفيه مخاطر ولو تم في املستشفيات وتحت‬
‫الرعاية الطبية‪ ،‬فوسائل اإلجهاض تنطوي على خطورة على صحة األم حتى ولو تمت بطريقة آمنة‪،‬‬
‫فمثال اإلجهاض قد يحدث نزيف‪ ،‬أو تعفنات في الرحم‪ ،‬كما قد يؤدي إلى الوفاة‪ ،‬وال تسلم صحة األم‬
‫من الخطر حتى إذا تم اللجوء إلى اإلجهاض عن طريق حبوب اإلجهاض‪ ،‬ألن هذه األخيرة قد تؤدي إلى‬
‫مضاعفات خطيرة على صحتها‪ ،‬إذا اإلجهاض هو عنف جسدي وحتى نفس ي يهدد صحة األم‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك هو عنف جسدي يمارس ضد الجنين ككائن إنساني‪ ،‬فإذا تم استخدام تقنية‬
‫الشطف في اإلجهاض‪ ،‬فإن الجنين يشعر باأللم ويصارع املوت‪ ،‬كما قد يشطف دون أن يموت في‬
‫رحم األم فيتم تركه جانبا إلى املوت‪.‬‬
‫‪ ‬اإلجهاض ال يتم اللجوء إليه بدافع اللذة وإنما هو خيار صعب اإلقبال عليه يكون لضرورة‬
‫الطبية لكن غالبا ما يتم االعتماد عليه كوسيلة لتفادي الحمل الغير املرغوب فيه الناتج عن الزنا‪.‬‬
‫‪ ‬على الرغم من املنهج املقيد لإلجهاض في التشريع الجنائي املغربي‪ ،‬إال أن ذلك لم يمنع من‬
‫انتشار عمليات االعتداء على األجنـة باإلجهاض السري‪ ،‬وهذا إن دل على ش يء إنما يدل على قصور‬
‫نصوص التجريم عن تحقيق الحماية املرجوة لحق الجنين في الحياة من الناحية الواقعية‪.‬‬

‫‪ -1‬للمزيد حول استمرار الهيمنة الذكورية في العالقات الجنسية الرضائية بين الرجل والمرأة‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪ Bakass, F. ; Ferrand, M. (2017), « L'entrée en sexualité à Rabat : les nouveaux‬‬
‫‪"arrangements" entre les sexes », Population, 1/2013, (Vol. 68), p. 41-65‬‬
‫‪http://www.cairn.info/revue-population-2013-1-page-41.htm (consultée le 13 Février 2017).‬‬

‫الصفحة ‪283 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬التوصيات‪:‬‬
‫‪ ‬التأكيد باإلجماع على أن األصل في الحياة اإلنسانية التي خلقها هللا تعالى الحفظ والحماية‬
‫خاصة الحياة الجنينية للحمل‪ ،‬وال يجوز إجهاضه مطلقا إال في حالة الضرورة القصوى التي يقدرها‬
‫ويحكم بها أهل االختصاص من الفقهاء وبتتبع من األطباء‪ ،‬مع صدور أمر قضائي بذلك بعد دراسة‬
‫ملف كل حالة تتطلب التدخل لإلجهاض‪ ،‬بحيث تعطي فيها األهمية واألولوية ألجل إنقاذ حياة األم‬
‫الحامل وذلك قبل نفخ الروح في جنينها باإلجماع‪ ،‬وال يجوز التوسع فيه باعتباره قضية شأن عام تهم‬
‫استقرار وأمن املجتمع إال بقدر املصلحة وما يسمح به االجتهاد‪ ،‬حسب ما ذهب إليه رأي املجلس‬
‫العلمي األعلى باعتباره صاحب سلطة الفتوى وأعلى هيئة دينية باملغرب في بالغ أصدرته أمانته‬
‫العامة في ‪ 3‬دجنبر ‪ 2019‬استنادا للمقاصد الشرعية القائمة على جلب املصلحة ودفع املفسدة‬
‫وحفظ النفس والنسل في املقام األول‪.‬‬
‫‪ ‬ضرورة وجود الضابط الشرعي للمصلحة املعتبرة دون التوسع فيه عند األخذ بتوصيات‬
‫وخالصات االستشارات املوسعة حول قضية اإلجهاض‪ ،‬التي قدمتها اللجنة امللكية الوزارية املشتركة‪،‬‬
‫لجاللة امللك بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 15‬ماي ‪ ،2015‬والتي انتهت إلى أن األغلبية الساحقة تتجه إلى‬
‫تجريم اإلجهاض غير الشرعي‪ ،‬مع استثناء بعض حاالته من العقاب لوجود مبررات قاهرة‪ ،‬وبالتالي‬
‫الدعوة للحفاظ على مكتسبات اإلجماع الحكومي والحقوقي املغربي لخالصات اللجنة االستشارية‬
‫امللكية حول قضية اإلجهاض دون الرجوع لنقطة الصفر من جديد‪ ،‬والتي تبلورت في مشروع القانون‬
‫رقم ‪ 10.16‬القاض ي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي الذي يطرح التساؤل عن مصيره بعد‬
‫أن كان في طور املناقشة للتصويت عليه منذ سنة ‪ ،2016‬وفجأة تم سحبه من الحكومة الجديدة في‬
‫‪ 8‬نونبر ‪.2021‬‬
‫‪ ‬معالجة مشكل اإلجهاض ال يكفيه فتح نقاش مجتمعي يقوده أهل االختصاص من الفقهاء‬
‫مع االنفتاح على جل املتدخلين من رجال القانون والقضاء وكذا هيئات الحكومة واملجتمع املدني‪،‬‬
‫ألجل التوصل لقانون جامع يوصل للحماية املكفولة للحمل ويحدد حاالت التجريم واإلباحة‬
‫إلسقاطه للضرورة‪ ،‬بل يحتاج ملعالجته من جذوره من خالل الوقاية من أسبابه بالرجوع للقيم‬
‫األخالقية والدينية السمحة واألعراف والتقاليد األصلية‪ ،‬إضافة إلعادة تفعيل دور األسرة واملسجد‬
‫والحي واملدرسة والجامعة وغيرهم‪ ....‬بهدف توعية وتربية الجيل الصاعد على املثل العليا واملعرفة‬
‫العلمية الصحيحة خاصة ما يهم التربية األسرية والصحة اإلنجابية والثقافة الجنسية الهادفة‪،‬‬
‫ألجل تحصين املجتمع دينيا وأخالقيا ومعرفيا من السلوكيات املنحرفة والسلبيات الدخيلة على‬
‫الصفحة ‪284 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫قيمنا ومبادئنا مثل دعوات اإلباحية الجنسية خارج مؤسسة الزواج بل والحمل منها‪ ،‬مما يناقض‬
‫مقاصد الشرع في حماية الكليات الخمس وحماية النفس البشرية‪.‬‬
‫‪ ‬يجب اإلبقاء على مبدأ تجريم اإلجهاض في القانون الجنائي املغربــي‪.‬‬
‫‪ ‬يجب فتح نقاش عميق وواسع بين كل املعنيين من فقهاء وأطباء ورجال القانون حول حاالت‬
‫الحمل الناتج عن زنا املحارم أو عن جرائم االغتصاب أو حاالت األجنة املشوهة تشوها خلقيا كبيرا‬
‫وعقليا‪.‬‬
‫‪ ‬تطوير األبحاث العلمية في علم األجنة الذي يسمح باالكتشاف املبكر لحاالت التشوه‪،‬‬
‫وبالتالي إمكانية معالجة هذه الحاالت في مرحلة متقدمة من حياة الجنين‪.‬‬
‫‪ ‬وضع القيود والشروط الدقيقة لإلجهاض في إطار املرجعية اإلسالمية‪ ،‬في حاالت زنا املحارم‬
‫واالغتصاب والتشوه الخلقي للجنين فقط‪.‬‬
‫يبقى موضوع اإلجهاض يشعل الجدل إلى اآلن بين الجمعيات الحقوقية‪ ،‬فاإلجهاض في املغرب‬
‫موضوع شائك ومعقدا جدا‪ ،‬ويبقى السؤال املطروح‪ :‬ملاذا بقي البرملان مستنكفا على قانون ينظم‬
‫األمـر رغم تدخل جاللة امللك ومناقشته بين اللجان الثالث؟‬

‫الصفحة ‪285 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬اإلحصائيات ‪:‬‬

‫التغيرات في األسرالقانونية لإلجهاض في العالم ‪2013 – 2005 – 1996‬‬


‫‪2013‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪1996‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪24‬‬ ‫عند الطلب‬
‫‪36‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪31‬‬ ‫ألسباب اجتماعية واقتصادية‬
‫‪52‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪42‬‬ ‫بسبب ضعف الجنين‬
‫‪52‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪43‬‬ ‫في حالة االغتصاب أو زنا املحارم‬
‫‪64‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪52‬‬ ‫للحفاظ على الصحة العقلية للمرأة‬
‫‪66‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪63‬‬ ‫للحفاظ على الصحة البدنية للمرأة‬
‫‪97‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪97‬‬ ‫إلنقاذ حياة املرأة‬

‫الصفحة ‪286 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬الئحة املراجع‪:‬‬
‫‪ -‬املصادرالفقهية‪:‬‬
‫‪ ‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوس ي‪ " ،‬إحياء علوم الدين "‪ ،‬ج الثاني‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1993‬‬
‫‪ ‬زيم الدين ابن نجيم الحنفي ابن عابدين‪ " ،‬البحر الرائق شرح كنز الحقائق "‪ ،‬ج الرابع‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬ه ــ‪ 1997/‬م‪.‬‬
‫‪ ‬شمس الدين محمد عرفة الدسوقي‪ " ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير "‪ ،‬ج الثاني‪ ،‬دار‬
‫الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1982‬‬
‫‪ ‬علي أحمد الندوي‪ " ،‬القواعد الفقهية "‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1414‬هــ‪1994 /‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ -‬الكتب‪:‬‬
‫‪ ‬إبراهيم بن محمد قاسم بن محمد رحيم‪ " ،‬أحكام اإلجهاض في الفقه اإلسالمي "‪ ،‬سلسلة‬
‫إصدارات الحكمة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2002‬‬
‫‪ ‬أحمد مستجير‪ " ،‬قراءة في كتابنا الوراثي "‪ ،‬الهيئة العامـة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.2013‬‬
‫‪ ‬بن يحي بن حسين النجيمي‪ " ،‬اإلجهاض أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون‬
‫الوضعي – دراسة مقارنة "‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2011‬‬

‫الصفحة ‪287 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬تاج الدين عبد الوهاب السبكي‪ " ،‬األشياء والنظائر "‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪.1991‬‬
‫‪ ‬زهير األعرجي‪ " ،‬النظام العائلي ودور األسـرة في البناء االجتماعي اإلسالمي "‪ ،‬قلم املشرقـة‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1415‬ه ـ‪.‬‬
‫‪ ‬زين الدين ابن إبراهيم ابن نجيم‪ " ،‬األشياء والنظائر "‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ ‬سيمون دو بوفوار‪ " ،‬الجنس اآلخـر"‪ ،‬ترجمة‪ :‬ندى حداد‪ ،‬األهلية للنشــر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.2008‬‬
‫‪ ‬شيخة سالم العريض‪ " ،‬الوراثة‪ ...‬مالها وما عليها "‪ ،‬سلسلة األمراض الوراثية‪ ،‬مركز دراسات‬
‫وبحوث املعوقين أطفال الخليج‪ ،‬دار الحرف العربي للنشـر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2003‬‬
‫‪ ‬عبد النبي محمد أبو العينين‪ " ،‬الحماية الجنائية للجنين "‪ ،‬دار الجامعة الحديثة‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2006‬‬
‫‪ ‬العز بن عبد السالم‪ " ،‬قواعد األحكام في مصالح األنام "‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.1388‬‬
‫‪ ‬علي يوسف املحمدي‪ " ،‬بحوث فقهية في مسائل طبية معاصرة "‪ ،‬دار البشائر – بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪.2008‬‬
‫‪ ‬عمر بن محمد بن إبراهيم غانم‪ " ،‬أحكام الجنين في الفقه اإلسالمي "‪ ،‬دار األندلس الخضراء‬
‫للنشـر والتوزيع‪ ،‬جدة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2001‬‬
‫‪ ‬عمر بوفنتاش‪ " ،‬البيوايتيقا – األخالقيات الجديدة في مواجهة تجاوزات البيوتكنولوجيا "‪،‬‬
‫إفريقيا الشرق‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2011‬‬
‫‪ ‬فتيحة عطوي مصطفى‪ " ،‬اإلجهاض بين الشرع والطب والقانون "‪ ،‬املنشورات الحقوقية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2001‬‬
‫‪ ‬قطب الريسونـي‪ " ،‬صناعة الفتوى في القضايا املعاصرة "‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.2004‬‬
‫‪ ‬محمد بن يحي بن حسن النجيمي‪ " ،‬اإلجهاض‪ ،‬أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية‬
‫والقانون الوضعـي – دراسة مقارنة "‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الطبعة األولــى ‪ 1430‬ه ـ ‪ 2011 /‬م‪.‬‬
‫الصفحة ‪288 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬محمد بن يحي حسن النجيمي‪ " ،‬اإلجهاض أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون‬
‫الوضعي – دراسة مقارنة "‪ ،‬العبيكان للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2011‬‬
‫‪ ‬محمد علي البار‪ " ،‬الجنين املشوه واألمراض الوراثية – األسباب والعالمات واألحكام "‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولـى ‪.1991‬‬
‫‪ ‬محمد علي البار‪ " ،‬الجنين املشوه واألمراض الوراثية – األسباب والعالمات واألحكام "‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولـى ‪.1991‬‬
‫‪ ‬محمد علي البار‪ " ،‬الجنين املشوه واألمراض الوراثية "‪ ،‬دار القلم – دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.1991‬‬
‫‪ ‬محمد علي البار‪ " ،‬مشكلة اإلجهاض – دراسة طبية فقهية "‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1985‬‬
‫‪ ‬محمود نجيب حسني‪ " ،‬شرح قانون العقوبات – القسم الخاص "‪ ،‬دار النهضة العربية –‬
‫القاهرة‪ ،‬طبعة ‪.1986‬‬
‫‪ ‬مصباح املتولي السيد حماد‪ " ،‬حكم اإلجهاض وما يثار حوله من أقوال بعض املعاصرين –‬
‫دراسة فقهية مقارنة "‪ ،‬اإليمان للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2000‬‬
‫‪ ‬مصباح املتولي حماد‪ " ،‬حكم اإلجهاض وما يثارحوله من أقوال املعاصرين "‪ ،‬مطبعة اإليمان‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.2000‬‬
‫‪ ‬ويل ديورانت‪ " ،‬قضيـة الحضارة "‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬املنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم دار‬
‫الجيل للطباعة والنشـر والتوزيع – بيروت‪.‬‬
‫‪ ‬يورغن هابرماس‪ " ،‬مستقبل الطبيعة اإلنسانية نحو مسألة ليبرالية "‪ ،‬ترجمة جورد كتورة‪،‬‬
‫من أنطوان الهاشم‪ ،‬املكتبة الشرقية‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2006‬‬

‫الصفحة ‪289 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬الندوات العلمية‪:‬‬
‫‪ ‬ندوة‪ :‬اإلجهاض بين الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد‪ ،‬الرباط‪ ،‬منشورات املركز‬
‫املغربي للدراسات واألبحاث املعاصرة‪ ،‬ماي ‪.2015‬‬
‫‪ -‬مداخلــة‪:‬‬
‫‪ -‬اإلدريس ي حنان‪" ،‬في نقض مزاعم دعاة تقنين اإلجهاض‪ ،‬مقاربة طبية مقارنة‬
‫‪ -‬العثماني سعد الدين‪" ،‬أي مقاربة لتعديل القانون الجنائي في مادة اإلجهاض"‪،‬‬
‫‪ -‬كريــم أولظيم‪ " ،‬التوقيف الطبي للحمل املرتبط باألمراض الجينية والتشوهات‬
‫الخلقية"‪،‬‬
‫‪ -‬أحمد بن عبد هللا الضويحي‪ " ،‬القول املختار في إجهاض األجنة املشوهة من خالل‬
‫القواعد الفقهية "‪ ،‬ورقة عمل مقدمة لندوة تطبيق القواعد الفقهية‪ ،‬منظم بالرياض خالل ‪– 06‬‬
‫‪ 07‬محرم ‪ 1429‬هـ‬
‫‪ -‬امللتقيات‪:‬‬
‫‪ ‬محمد رماش لخضر بن قومار‪ " ،‬التشوهات الجينية و أثرها في حكم اإلجهاض "‪ ،‬امللتقى‬
‫الدولي الثاني – املستجدات الفقهية في أحكام األسـرة‪ ،‬املنعقدة بتاريخ ‪ 24‬و‪ ،2018/10 /25‬معهد‬
‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الوادي‬
‫‪ -‬املؤتمرات‪:‬‬
‫‪ ‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ " ،‬موقف الشريعة اإلسالمية من التحكم بنوع وأوصاف‬
‫الجنين باإلسقاط عند ظن التشوه "‪ ،‬بحث مقدم ملؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون‪،‬‬
‫جامعة اإلمارات العربية‪ ،‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬في الفترة ما بين ‪ 22‬إلى ‪ 24‬صفـر ‪ 1423‬املوافق ‪5‬‬
‫– ‪ 7‬ماي ‪.2002‬‬
‫‪ ‬محمد مطلق عساف‪ " ،‬حكم إجهاض الجنين بسبب التشوهات الخلقية في ضوء املقاصد‬
‫الشرعية والقواعد الفقهية "‪ ،‬املؤتمر العلمي الدولي التاسع لكلية الشريعة في جامعة النجاح‬
‫الوطنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2019‬‬

‫الصفحة ‪290 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬املقاالت العلمية‪:‬‬
‫‪ ‬أشرف الصابري‪ " ،‬جريمة التحريض على اإلجهاض في التشريع املغربي"‪ ،‬مجلة املعرفة‬
‫القانونية والقضائية‪ ،‬عدد مزدوج ‪3 – 2‬‬
‫‪ ‬إلهام العلمي‪ " ،‬إشكال الحمل الناتج عن االغتصاب – بين االعتراف الجنائي بالخبرة‬
‫الطبية ورفض مدونة األسرة إقرارالنسب "‪ ،‬املجلة املغربية للدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬العدد‬
‫‪ 13‬أكتوبر ‪2016‬‬
‫‪ ‬بضليس مصطفى‪ " ،‬حكم إجهاض الجنين املشوه في القانون والفقه اإلسالمي "‪ ،‬مجلة‬
‫أفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،11‬العدد ‪2019 ،2‬‬
‫‪ ‬بنين جامد جبار‪ " ،‬أخالق اإلجهاض والرحم الصناعي "‪ ،‬مجلة متون ‪ ،Moutoune‬املجلد‬
‫‪ ،15‬العدد الثالث ‪2022‬‬
‫‪ ‬جمال أحمد زيد الكيالني‪ " ،‬حكم إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي "‪ ،‬مجلة‬
‫جامعة األقص ى‪ ،‬سلسلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬املجلد التاسع‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬غزة – فلسطين‪31 ،‬‬
‫ديسمبر ‪2005‬‬
‫‪ ‬خالد الحمدونــي‪ " ،‬اإلجهاض في املغرب بين التجريم والدعوة إلى التقنين "‪ ،‬مجلة الباحث‬
‫لدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪ 24‬نونبر ‪،2020‬‬
‫‪ ‬رشيدة بنسرغين‪ " ،‬اإلجهاض بين التنظيم القانوني و إكراهات الو اقع "‪ ،‬منشورات مجلة‬
‫دفاتر قانونية – دفاتر أسرية‪ ،‬العدد الثاني – يوليوز ‪2017‬‬
‫‪ ‬صباح عبد الرحيم‪ " ،‬عن إشكاالت الجنين املشوه في التشريع الجزائري "‪ ،‬دفاتر السياسة‬
‫والقانون‪ ،‬املجلد ‪ – 12‬العدد ‪2020 – 01‬‬
‫‪ ‬عبد الجواد الصاوي‪ " ،‬أطوارتطورالجنين ونفخ الروح "‪ ،‬مقال منشور في مجلة اإلعجاز‬
‫العلمي التي تصدر عن هيئة اإلعجاز العلمي في القرآن والسنة‪ ،‬رابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬العدد ‪8‬‬
‫شوال ‪1421‬هـ‬
‫‪ ‬عبد الحفيظ بلقاض ي‪ " ،‬جريمة قتل األم لطفلها الوليد في القانون املغربي "‪ ،‬منشور‬
‫بمجلة املحاكم املغربية‪ ،‬عدد ‪ 88‬يونيو ‪2001‬‬
‫‪ ‬علي الفيل‪ " ،‬إجهاض املرأة املغتصبة "‪ ،‬بحث منشور في مجلة علوم إنسانية‪2009 ،‬‬

‫الصفحة ‪291 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬محمد فتح هللا النشار‪" ،‬إجهاض الحمل قبل نفخ الروح "‪ ،‬مجلة البحوث الفقهية‬
‫والقانونية‪ ،‬جامعة الزهـر‪ ،‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬مصر‪ ،‬املجلد ‪ 23‬لسنة ‪2008‬‬
‫‪ ‬محمد فحفوحي‪ " ،‬املسؤولية القانونية عن التشوهات الخلقية للجنين – دراسة مقارنة "‪،‬‬
‫مجلة الباحث للدراسات واألبحاث القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪ ،100‬سنة ‪2023‬‬
‫‪ ‬محمد نعيم ياسين‪ " ،‬أحكام اإلجهاض "‪ ،‬مجلة الشريعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬مجلس‬
‫النشر العلمي‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬املجلد السادس‪ ،‬العدد الثالث عشر‪1989 ،‬‬
‫‪ ‬املصطفى طايل‪ " ،‬إسقاط الجنين للضرورة بين الفقه اإلسالمي والقوانين الجنائية‬
‫املغاربية "‪ ،‬مجلة املتوسط للدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2016‬‬
‫‪ ‬مليكة بن عزة ثابت‪ " ،‬اإلجهاض لدو افع أخالقية و اقتصادية بين الشريعة اإلسالمية‬
‫والقانون الجنائي الجزائري "‪ ،‬مجلة دراسات قانونية‪ ،‬العدد الرابع عشر‪2012 ،‬‬
‫‪ ‬منال منصور‪ " ،‬إشكالية اإلجهاض بين البعد الشرعي والنص القانوني "‪ ،‬مجلة امللف‪،‬‬
‫العدد ‪ 23‬نونبر ‪2015‬‬
‫‪ ‬هدى عبد هللا طاهر‪ " ،‬التشوهات الخلقية لألجنة بين املاض ي والحاضـر "‪ ،‬مجلة التراث‬
‫العلمي العربي‪ ،‬العدد ‪2019 – 40‬‬
‫‪ ‬هشام مالطي‪ " ،‬حكم إجهاض املغتصبة بين الشرع والقانون "‪ ،‬مجلة املحاكم املغربية –‬
‫العدد ‪150‬‬
‫‪ -‬مراجع باللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪ Bakass, F. ; Ferrand, M. (2017), « L'entrée en sexualité à Rabat : les nouveaux‬‬
‫‪"arrangements" entre les sexes », Population, 1/2013, (Vol. 68),‬‬

‫الصفحة ‪292 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫االقتصاد التضامني بالمغرب بين المؤسسات التقليدية‬


‫والتجارب الدولية ‪ :‬تكامل أم تصادم‬
‫د جامع سموك‬
‫دكتور في القانون العام والعلوم السياسية‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‬

‫‪:‬‬‫مستخلص‬
‫يتمحور الفعل التضامني االقتصادي االجتماعي حول جميع مساهمات وحدات املجتمع‬
‫التضامنية كاألفراد و املؤسسات و الدولة في السعي لتقليص الفوارق مهما كانت‪ ،‬وترسيخ التنمية‪،‬‬
‫وأمام التغيرات التي تعرفها األدبيات التنموية والفكر االقتصادي التي أفرزتها الوضعية العاملية‪.‬‬
‫تحاول الدول النامية البحث عن حلول للمشاكل املتراكمة التي تؤرق مجتمعاتها‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪:‬‬
‫االقتصاد‪ ،‬التضامن‪ ،‬التعاون‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪The social, economic, and solidarity action revolves around‬‬
‫‪all the contributions of the solidarity units of society, such as‬‬
‫‪individuals, institutions, and the state, in striving to reduce‬‬
‫‪differences, whatever they may be, and to consolidate‬‬
‫‪development. .‬‬
‫‪Keywords:‬‬
‫‪Economy, solidarity, cooperation‬‬

‫الصفحة ‪293 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬مقدمة‪:‬‬
‫بدأ اهتمام الدول النامية بقضايا التنمية االقتصادية في خمسينيات وستينيات القرن‬
‫املاض ي‪ ،‬عقب تسارع حركات االستقالل من االستعمار الغربي‪ ،‬وقد كان التحدي األكبر لهذه الدول‬
‫هو اللحاق بركب التقدم االقتصادي واالجتماعي التنموي‪ ،‬ومن ثمة حظيت سياسة االنخراط في‬
‫برامج التصنيع باالهتمام األكبر إال أن حصيلة هذا الجهد التنموي كانت محدودة حيث الزالت الهوة‬
‫بين الطبقات واألقاليم قائمة مما دفع إلى ضرورة إعادة النظر في االتجاهات التنموية مند ثمانينيات‬
‫القرن املاض ي بغية صياغة نمط اقتصادي تنموي بمنظور أخالقي انساني واجتماعي وبيئي‪.‬‬
‫وبعد األزمة االقتصادية لعام ‪ 2008‬تزايد االهتمام باالقتصاد االجتماعي والتضامني السيما‬
‫في ظل اختالالت االقتصاد الرأسمالي وعدم استقراره البنيوي‪ ،‬مما دفع إلى التفكير في مدخالت‬
‫للموازنة بين معادلة خلق فرص العمل وبين إدماج الفئات املهمشة‪ ،‬ولعل االقتصاد التضامني أخذ‬
‫باملوازنة بين اإلنصاف والتمكين والعدالة االجتماعية حيث يجعل اإلنسان في صلب اهتمام العملية‬
‫التنموية بعيدا عن الربح من جهة‪ ،‬كما حققت النماذج االقتصادية التقليدية بعض النجاح النسبي‬
‫في دعم النمو االقتصادي ببلدان العالم الثالث‪ ،‬إال أنها عجزت عن مواجهة األزمات االقتصادية‬
‫واالجتماعية والبيئية املتكررة‪ ،‬مما دفع بالخبراء إلى التفكير في أدوات شاملة وجامعة ملعالجة‬
‫مشاكل التنمية‪ ،‬مما عزز من لظهور نمط االقتصاد التضامني كلبنة أولى في صرح التنمية‬
‫املستدامة‪.‬‬
‫‪ -‬أهمية املوضوع‪:‬‬
‫مما ال شك فيه أن اإلحاطة ولو جزئيا بالجانب النظري لالقتصاد التضامني في شقه‬
‫اإلبستمولوجي واملفاهيمي يشكل مدخال لتحليل الظاهرة‪ ،‬لكنه ال يكفي ملعرفة واقعه وتداعياته على‬
‫املجتمع املغربي حاضرا ومستقبال إذ البد من اعتماد أرقام ومؤشرات لرصد حجم الظاهرة وسيرورتها‬
‫التاريخية‪ ،‬وهو ما سنحاول معالجته في هذا املقال املوسوم ب "االقتصاد التضامني باملغرب بين‬
‫املؤسسات التقليدية والتجارب الدولية ‪ :‬تكامل أم تصادم"‪.‬‬
‫‪ -‬اإلشكالية ‪:‬‬
‫نسعى من خالل هذا املقال إلى استقراء واقع االقتصاد االجتماعي باملغرب السيما وأنه‬
‫حديث العهد خاصة في شقه الحديث الذي يعتمد آليات ومؤسسات حديثة من جهة والقطع مع‬
‫النمط التقليدي املجسد لهذا النوع من االقتصاد قديما من جهة أخرى‪ .‬وفي محاولة لإلجابة على‬

‫الصفحة ‪294 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫إشكالية مدى قدرة االقتصاد التضامني على تحقيق التنمية االجتماعية من خالل آليات وطنية‬
‫ومحلية؟ واستعراض تجارب مقارنة قصد استجالء املشترك بين النمطين املحلي واألجنبي؟‬
‫‪ -‬املنهجيـ ـة ‪:‬‬
‫إن املعطيات الواردة في هذا املقال تقتض ي قراءتها قراءة تحليلية ومقارنة في نفس الوقت ال‬
‫سيما مع تجارب بعض الدول في ما يخص أدوار وأهمية مؤسسات االقتصاد التضامني‪ ،‬وبالنظر‬
‫لكون املوضوع يتداخل فيه القانوني واالقتصادي واإلنساني‪ ،‬فإن توظيف منهج التحليل السياس ي‬
‫هو اآلخر سيكون مفيدا في رسم تصور شمولي حول آليات االقتصاد التضامني في ظل "النموذج‬
‫التنموي الجديد" كمدخل "ربما" يستبطن آمال ملتاعب الفئات املستهدفة بفلسفة هذا النوع من‬
‫االقتصاد باملغرب‪.‬‬
‫ولبسط اإلشكالية التي يتمحور حولها هذا املقال‪ ،‬سنبرز سياق نشأة االقتصاد التضامني‬
‫وسيروته (الفقرة األولى)‪ ،‬ونقف عند حجم هذا النمط من االقتصاد كمدخل لتحقيق اإلقالع‬
‫التنموي‪ ،‬السيما باعتماد حكامة اقتصادية وطنيا وجهويا‪ ،‬كما نرى أنه من املفيد التطرق إلى‬
‫خصائصه باستعراض املؤسسات الفاعلة في شقيها التقليد والحديث (الفقرة الثانية)‪ ،‬على أن‬
‫نختم هذا املقال باستعراض بعض التجارب املقارنة‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬االقتصاد التضامني ‪ :‬املفهوم والنشأة‬


‫–أوال ‪ :‬مفهوم االقتصاد التضامني ‪:‬‬
‫يشير مصطلح االقتصاد التضامني أو االقتصاد االجتماعي أو الشعبي‪ ،‬إلى االقتصاد‬
‫املتمحور حول اإلنسان الذي يهدف إلى إنتاج السلع والخدمات تلبية لحاجيات الناس وليس لتحقيق‬
‫األرباح ويقوم هذا النمط من االقتصاد على مؤسسات اقتصادية تعمل على خدمة جميع الناس‬
‫وليس خدمة السوق من خالل سلع وخدمات توفر الرعاية االجتماعية وليس مكاسب مادية أو‬
‫ربحية (‪ ،)1‬وثمة مؤسسات االقتصاد االجتماعي التضامني ذات بعدين تقليدي وحداثي‪ ،‬ويندرج‬
‫ضمن الصنف األول على سبيل املثال ال الحصر مؤسسة (تاويزا‪ ،‬نظام انفالس بمنطقة سوس‪،‬‬
‫نظام لوزيعة‪ ،‬الرباع ‪ ،‬الخماس‪،)...‬بينما الصنف الثاني يضم (الجمعيات املدنية‪ ،‬املنظمات األهلية‪،‬‬
‫التعاضديات‪.)...‬‬
‫‪ -1‬جون بولي‪ :‬العولمة الطوفان أم اإلنقاد؟ الجوانب الثقافية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪)2004( .‬‬
‫بيروت‪.‬لبنان‪ ،‬ص‪.654 :‬‬

‫الصفحة ‪295 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وقد عرف املجلس االقتصادي واالجتماعي األوروبي تعريفا شامال لالقتصاد االجتماعي‬
‫والتضامني بأنه‪ ":‬املؤسسات الخاصة ذات التنظيم املهيكل والتي تتوفر على استقاللية القرار‬
‫وتتمتع بحرية االنخراط‪."...‬‬
‫إن استعراض مفهوم االقتصاد االجتماعي وإن بشكل جد مختصر يقتض ي أيضا استجالء‬
‫أهم االتجاهات الفكرية التي خاضت في هذا النمط من االقتصاد‪ ،‬وتكمن هذه األخيرة في االتجاه‬
‫التقليدي والذي ترجع جذوره حسب بعض الباحثين إلى نهاية القرن ‪ ،17‬حيث تراجع دور الدولة في‬
‫االقتصاد أمام ظهور فواعل وأنظمة اقتصادية جديدة‪ ،‬أما بخصوص االتجاه الثاني والحديث فإنه‬
‫عرف توظيف ترسانة مفاهيمية مستمدة من البيئة والتنمية باعتبار أهميتهما في ضمان التوازن‬
‫التنموي بين النموذجين السالف ذكرهما‪ .‬ومما الشك فيه أن التعاريف السالف ذكرها تتقاطع كلية‬
‫في جملة من الخصائص املميزة لالقتصاد التضامني ومنها؛ املشاركة والتضامن ثم االبتكار والتطوع‪،‬‬
‫واالستقالل ثم املصلحة العامة‪.‬‬
‫وعلى ضوء هذه املعطيات أصبح نموذج االقتصاد التضامني الذي طبق في العديد من‬
‫البلدان األوربية واألمريكية بعد إصدار نصوص تنظيمية ورصد آليات تنزيله‪ ،‬يسعى إلى تحقيق‬
‫الرفاهية االجتماعية والحرص على بلوغ العدالة االجتماعية في ظل انتشار الوحي االجتماعي‪.‬‬
‫والجدير بالقول أن تداخل وارتباط االقتصاد باالجتماع في أوربا كان مدخال لظهور‬
‫مؤسسات غير حكومية ذات غرض اجتماعي‪ ،‬ويندرج ضمن هذا املفهوم على سبيل املثال ال الحصر‪،‬‬
‫الصناديق املالية املشتركة‪ ،‬التعاونيات‪ ،‬الجمعيات‪.)1()...‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬سياق النشأة‪:‬‬
‫إن املجتمعات البشرية منذ القدم لم تخل من مؤسسات خيرية ال ربحية مثل مؤسسات‬
‫الوقف والتعاونيات‪ ،‬تهتم بضمان خدمات انسانية للطبقات الفقيرة واملحتاجة‪ ،‬وقد أطلق بعض‬
‫الباحثين على هذه املؤسسات "القطاع الثالث" أو "الطريق الثالث" تمييزا له عن القطاع العام‬
‫والقطاع الخاص‪.‬‬
‫وباستقراء سيرورة االقتصاد التضامني بالعالم‪ ،‬يظهر أن أولى لبناته تعود إلى عام ‪ 1920‬من‬
‫قبل منظمة العمل الدولية بإنشاء "وحدة تعاونيات"‪ ،‬مباشرة بعد تأسيس هذه املنظمة‪ ،‬وقد‬
‫نصت أول وثيقة دولية رسمية على دور مؤسسات االقتصاد التضامني مند سنة ‪.1922‬‬

‫‪ - 1‬إدارة الشؤون االقتصادية واالجتماعية باألمم المتحدة‪،2005 ،‬ص‪.11:‬‬

‫الصفحة ‪296 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وحري بالقول أن التراث اإلسالمي يعتبر سباقا إلى اعتماد الوقف كأرقى مؤسسة لترسيخ‬
‫ثقافة االقتصاد التضامني خصوصا في املجتمعات العربية واالسالمية‪ ،‬السيما وأنه يستمد‬
‫مشروعيته من القرآن الكريم والسنة النبوية من جهة‪ ،‬عالوة على مساهمته الرائدة في في تعزيز فعل‬
‫التضامن املجتمعي من جهة أخرى‪ ،‬من خالل التنصيص على الصدقة الجارية وعمل الخير‬
‫واالحسان في املجتمع‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن مؤسسة الوقف ساهمت عبر التاريخ االسالمي في بناء املدن واملساجد‬
‫وتعبيد الطرق وإنشاء دور العبادة واملارستانات أو ما يسمى حاليا باملستشفيات ومراكز ايواء‬
‫املسنين واملرض ى النفسانيين‪ ،‬أو املالجئ التي يقصدها عابروا السبيل أو الفارين من االضطهاد في‬
‫أماكن أخرى‪.‬‬
‫وبخصوص افريقيا‪ ،‬فإن االقتصاد التضامني يؤدي دورا مهما في مجاالت التمويل السيما‬
‫املقاوالت الصغيرة‪ ،‬كما يضمن نوعا من الحماية االجتماعية والتأمين فضال عن التسويق والتوريد‬
‫للمنتوجات الزراعية املحلية‪ ،‬مما بوأ هذا النوع من االقتصاد مكانة مهمة باعتباره بديال وتكميال في‬
‫اآلن نفسه للنماذج التنموية القائمة بهذه البلدان‪.‬‬
‫ُ‬
‫وفي هذا الصدد أنشأت بعض اإلدارات والوزارات املخصصة بتعزيز االقتصاد االجتماعي في‬
‫كل من مالي واملغرب والكاميرون(‪ .)1‬ومن جهة أخرى أنشأت شبكات افريقية لالقتصاد التضامني‬
‫واالجتماعي على سبيل املثال ال الحصر‪(،‬الشبكة االفريقية لالقتصاد االجتماعي التضامني "‪"RAESS‬‬
‫سنة ‪ ،2010‬ثم الشبكة االفريقية ألصحاب املشاريع االجتماعية"‪ "ASEN‬وشبكة املنشآت‬
‫االجتماعية في شرق أفريقيا "‪."EASEN‬‬
‫وعطفا على ما سبق‪ ،‬فإن تعاريف االقتصاد التضامني تتعدد حسب الزمان واملكان‪ ،‬حيث‬
‫يرجع ظهورها إلى ثمانينيات القرن املاض ي نتيجة لتصدع املعسكر االشتراكي كامتداد لالقتصاد‬
‫االجتماعي‪)2( .‬‬
‫وحري بالذكر أن ثمة تعاريف يحتويها املفهوم الفرنس ي واملؤطر بثالت أنظمة ‪،‬وهي‪:‬‬
‫(التعاونيات‪ ،‬التعاضديات‪ ،‬االتحادات) من جهة‪ ،‬أو املفهوم األنجلوساكسوني الذي يصنف هذا‬
‫النوع من االقتصاد ضمن القطاع الثالث أو ما يسمى بقطاع التطوع من جهة أخرى‪ ،‬ويتجلى‬
‫التفاوت املفاهيمي بتفاوت التعابير الدلة عليه فدول االتحاد األوربي ودول حوض البحر األبيض‬
‫‪1‬‬
‫‪- ESMED ,2011, p : 27.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- prades , 2005,p :7.‬‬

‫الصفحة ‪297 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املتوسط تطلق عليه اسم "االقتصاد االجتماعي"‪ ،‬بينما في الواليات املتحدة األمريكية يسمى "‬
‫املنظمات غير الريفية"‪ ،‬وفي انجلترا يسمى ب" القطاع التعاوني" عكس دول أمريكا الالتينية التي‬
‫تصنفه ضمن "االقتصاد التضامني" أو "االقتصاد الشعبي")‪.(1‬‬
‫وعموما فاالختالف الوارد بين املصطلحات اآلنفة الذكر ال ينفي التضامن كمبدأ لهذا النوع‬
‫من االقتصاد وأيضا التقاطع واالشتراك في نفس نمط العمل واآلليات‪.‬‬
‫وبغض النظر عن تعدد مصطلحات ومفاهيم "االقتصاد التضامني" فإن أهميته أصبحت‬
‫في تزايد مستمر السيما في ظل عجز السياسات االقتصادية واالجتماعية حيث يعمل على سد‬
‫النقص من خالل إشراك املواطنين املتضامنين حول إنتاج السلع واملشاركة في تنمية دورة‬
‫االقتصادات املحلية ملجتمعاتهم (‪..)2‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مؤسسات االقتصاد التضامني‬


‫تتجلى أهمية االقتصاد التضامني في سد الفجوة بين إمكانيات الدول الفقيرة والنمو‬
‫السكاني واتساع تطلعات الشعوب االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫وقد عرف املجتمع املغربي التضامن كقيمة اجتماعية وانسانية واقتصادية‪ ،‬وشهد هذا‬
‫التضامن بدوره عدة تطورات في مفهومه ووسائله ومنطلقاته مسايرة للتطورات املجتمعية‪ ،‬فبعد أن‬
‫كان يقتصر على الصيغ التقليدية املتمحورة على الرعاية واإلعانة املجتمعية أصبح اليوم يقوم بدور‬
‫رئيس ي في التنمية املحلية‪ .‬وإذا كان الطابع التضامني لهذا االقتصاد يالمس حاجيات والفئات‬
‫االجتماعية الفقيرة فإن أهدافه بصفة عامة متشعبة وشاملة ملختلف مناحي الحياة (‪.)3‬‬
‫عرف األثر املغربي في ما يخص التضامن االجتماعي مزيجا بين األشكال التقليدية‬
‫والحديثة‪ ،‬على سبيل املثال ال الحصر(تويزا‪ ،‬مؤسسة انفالس‪ ،‬الوزيعة‪ ،‬الخماس‪ ،‬الرباع‪ ،)...‬أو‬
‫(الجمعيات‪ ،‬التعاونيات‪ ،‬املقاوالت الصغيرة)‪ ،‬ويكشف هذا التنوع عن مدى قيمة التآزر والتضامن‬

‫‪1‬‬
‫‪- prades ,2005,p :9.‬‬
‫‪ -‬زياني الطاهر‪ :‬اقتصاد التضامن والتخفيض من الفقر‪ :‬أية عقالنية؟ مجلة االقتصاد والتدبير‪ ،‬جامعة أبوبكر القايد‪)2006(،‬‬ ‫‪2‬‬

‫تلمسان‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.17:‬‬


‫‪ -‬بوحنية قوي‪ :‬المجتمع المدني في ليبيا وموريتانيا‪ :‬عندما تزحف القبيلة على السياسة والبداوة على السلطة القانونية ‪ .‬مركز‬ ‫‪3‬‬

‫الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ .‬قطر‪ )2014( ،‬ص ‪.3 :‬‬

‫الصفحة ‪298 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫في املجتمع املغربي في مواجهة الفقر وسد الفوارق بين فئات املجتمعات الفقيرة‪ ،‬سواء في املجال‬
‫الحضري أو القروي (‪.)1‬‬
‫وحري بالذكر أن األشكال السالف ذكرها كانت تضطلع بدور ريادي في التحسيس والتعبئة‬
‫كمدخل للتنمية املحلية في مختلف مجاالتها االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وقصد استجالء سيرورة‬
‫التضامن االجتماعي في املغرب نرى أنه من املفيد رصد بعض صور هذا األخير في شكليه التقليدي‬
‫والحديث‪.‬‬
‫– أوال ‪ :‬املؤسسات التقليدية ‪:‬‬
‫يتميز املجتمع املغربي بتنوعه وبتعدده الثقافي مما جعل التشبت بالتقاليد االجتماعية‬
‫التقليدية سائدا‪ ،‬وهو ما انعكس على أداء املجتمع في مناحي عديدة؛ اقتصادية‪ ،‬اجتماعية وثقافية‪،‬‬
‫السيما وأن ثمة بعض النماذج للتضامن التقليدي الزالت سارية في البوادي والقرى املغربية‪ ،‬أضف‬
‫إلى ذلك "مؤسسة انفالس"‪" ،‬الخماس"‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن تحوالت املجتمع املدني ساهمت في تجاوز الشكل التقليداني املؤطر‬
‫ُ‬
‫باألعراف والتقاليد حيث تتقاطع شبكات التضامن في شقيها السالف ذكره والتي من خاللها تلبى‬
‫حاجيات فئات املجتمع عن طريق اآلليات التعاونية‪.‬‬
‫أ‪ -‬تاويزا‬
‫كلمة "تاويزا" هي عبارة عن شكل من أشكال العمل التضامني القروي يكون بالتناوب لصالح‬
‫فرد من املشتركين‪ ،‬استجابة لضرورة إنتاجية‪ ،‬أو استهالكية خالل فترة الحصاد أو فترة الزراعة‪ ،‬كما‬
‫يستعمل هذا النظام التعاضدي والنمط التضامني في صناعة الحصائر ونسج الخيام والزرابي‪ ،‬وقد‬
‫انتشر اليوم في املدن والحواضر الكبرى خاصة في هوامشها مما يؤكد فاعلية مؤسسة "تاويزا"‪.‬‬
‫وكان التحول التاريخي الذي شهدته العديد من البلدان العربية بانتقالها على املستوى‬
‫االقتصادي من النظم االشتراكية والشعبوية‪ ،‬إلى السياسات الرأسمالية الليبرالية عبر اإلصالح‬
‫االقتصادي وبرنامج التقويم الهيكلي إلى تحلل مسؤولية الدولة التي نفضت يدها من كل ما هو‬
‫اجتماعي‪ ،‬حيث تفاقم الوضع بارتفاع عدد الفقراء وتدهور املستوى املعيش ي للطبقات الفقيرة‪.‬‬
‫وفي هذا السياق اعتبر "جوزيف ستيغليتز" أن نموذج املستقبل هو وجود اقتصاد متوازن‪،‬‬
‫بقطاع خاص تقليدي وقطاع عمومي فعال‪ ،‬واقتصاد اجتماعي في طور التقدم" (‪ .)1‬وكان من نتائج‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬واحي العربي‪:‬مقاربة النوع والتنمية‪ .‬منشورات رمسيس‪ )2008(،‬الرباط‪ ،‬ص ‪.18 :‬‬

‫الصفحة ‪299 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫هذه التحوالت ظهور فاعل جديد في املجال االقتصادي وهو "االقتصاد التضامني" وعلى ضوء‬
‫األزمات االقتصادية خالل العقود األخيرة تبوأ هذا النوع من االقتصاد مكانة مهمة واعترف به‬
‫كقطاع قائم الذات وكنمط خاص مللكية وسائل االنتاج وإعادة توزيع الدخل (‪.)2‬‬
‫ويشكل االقتصاد التضامني في املغرب قطاعا ثالثا يؤسس مع القطاعين العام والخاص‬
‫نموذجا تنمويا يسعى إلى بلوغ التوازن الجغرافي بين املناطق والجهات من جهة‪ ،‬والتوازن البشري بين‬
‫الرجال والنساء من جهة أخرى‪ ،‬وذلك في انسجام تام مع أهداف املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪.‬‬
‫وقد أكدت املقاربات التنموية املتبعة عدم قدرتها على مجابهة التحديات املطروحة من‬
‫الفقر والبطالة‪ ،‬وما أنتجته من فوارق اجتماعية كانت سببا في انتفاضات بعض شعوب املنطقة‬
‫التي رفعت عاليا مطلب الشغل والحرية والعدالة االجتماعية‪.‬‬
‫ب‪ -‬املمارسات العرفية للتضامن‬
‫لقد تعددت املصطلحات التي تشير إلى االقتصاد التضامني والذي محوره االنسان‪ ،‬وهو ما‬
‫يجعله يختلف عن النماذج االقتصادية العادية‪ ،‬فضال عن كونه يرتكز على مؤسسات اقتصادية‬
‫تخدم االنسان وليس األسواق ومن بين هذه املؤسسات كما سلف الذكر (الجمعيات‪ ،‬التعاونيات‪،‬‬
‫التعاضديات)‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن مبادرات االقتصاد االجتماعي التضامني تنشط في املنطقة العربية‪،‬‬
‫من خالل هذه املؤسسات‪ ،‬إال أن هذه املبادرات ال تزال تواجه تحديات جسيمة‪ ،‬وأن البلدان‬
‫العربية التي تمر بمرحلة انتقالية والتي تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية بحاجة إلى االقتصاد‬
‫االجتماعي التضامني لتحقيق العدالة االجتماعية‪.‬‬
‫وباستقراء الحياة الثقافية واالجتماعية باملجتمع املغربي السيما في املجال القروي فإن ثمة‬
‫تجليات لالقتصاد التضامني بأشكال عديدة من الطقوس واملمارسات التعبيرية مثال‪( ،‬تاغنجا‪،‬‬
‫تاويزا‪ ،‬إمروكا‪ ،‬العنصرة)‪.‬‬
‫وإذا كان "آدم سميث" من واضعي فكرة توزيع العمل في القرن ‪ 18‬فإن السبق يعود إلى ابن‬
‫خلدون الذي دعى إلى ضرورة التفريق بين العمل العادي والعمل املتخصص باعتبارها مكونات‬
‫االقتصاد االجتماعي في مجال الفالحة والصناعة والتجارة (‪.)1‬‬

‫‪ - 1‬واحي العربي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.18 :‬‬


‫‪ -2‬الزرهوني محمد ‪ :‬االقتصاد االجتماعي سند التنمية الترابية بالمجال الجبلي‪ .‬ط‪ ،)2003(،1‬ص ‪.37:‬‬

‫الصفحة ‪300 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ويعتبر ابن خلدون من مؤسس ي الخطاب حول االقتصاد االجتماعي في العالم العربي‬
‫االسالمي‪ ،‬حيث وضع رؤية وتصور انطالقا من عالقة االقتصاد بالدورة السياسية من جهة‪،‬‬
‫وتداخله مع الظواهر االجتماعية من جهة أخرى‪ ،‬ويحسب البن خلدون أن اعتبر أن عدد السكان‬
‫عامل أساس ي في النمو واالزدهار باعتبار أن القوة البشرية بمثابة الثروة األولى للبلدان (‪.)2‬‬
‫لقد سبق القول أنه في ظل محدودية املؤسسات التقليدية لإلقتصاد التضامني السيما في‬
‫خضم تزايد العجز الحكومي للدول أمام تحديات االنفاق العام‪ ،‬تم اللجوء إلى توظيف آليات‬
‫جديدة مسايرة لإلتجاهات التنموية الحديثة‪ ،‬هكذا نشأت الحاجة إلى تفعيل "رأس املال‬
‫االجتماعي"‪ ،‬كمدخل لتمكين املجتمعات من املشاركة االنتاجية النافعة ملجتمعهم‪ ،‬باعتماد العادات‬
‫والتقاليد والتراث التاريخي‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬مؤسسات االقتصاد االجتماعي الحديثة ‪:‬‬
‫تتعدد مكونات االقتصاد التضامني في صيغته الحديثة من املؤسسات التي ترتكز أهدافها‬
‫أوال‪ ،‬على الجانب االجتماعي الذي يجعل من الفرد واالنسان بصفة عامة محور اشتغاله ويمكن‬
‫رصد بعض مكونات هذا النمط من االقتصاد في التعاونيات والجمعيات والتعاضديات‪.‬‬
‫أ ‪ -‬التعاونيات ‪:‬‬
‫تعتبر التعاونيات نموذجا للتنظيمات التي تضم مجموعة من األشخاص تجمع بينهم رابطة‬
‫عمل من أجل تحقيق رغباتهم وحاجياتهم االقتصادية واالجتماعية وذلك في ظل القوانين والضوابط‬
‫املتعارف عليها في شأن التعاونيات(‪.)3‬‬
‫وباستقراء تاريخ التعاونيات في املغرب فإنه وبعد حصوله على االستقالل فقد سجل ما‬
‫مجموعه ‪ 57‬تعاونية السيما في القطاع الفالحي والصناعة التقليدية‪ ،‬وكانت هذه التعاونيات مؤطرة‬
‫بقوانين فرنسية النشأة وذات نظرة اقطاعية متناقضة مع قيم وفلسفة املجتمع املغربي‪. (4).‬‬
‫ورغبة من املشرع املغربي في تدبير وتنظيم املجال التعاوني ملا له من أهمية في إرساء أسس‬
‫تنموية محلية ووطنية فقد تم إحداث مكتب تنمية التعاون وذلك بمقتض ى ظهير ‪146-62-1‬‬
‫الصادر في ‪ 18‬شتنبر ‪ ،1962‬في شأن سن سياسة عامة لتنمية التعاون إال أنه في ظل اعتماد التقويم‬

‫‪ - 1‬ولعلو فتح هللا ‪ :‬االقتصاد السياسي ‪ .‬ط‪ .2.‬دار النشر المغربية‪ ،)1974(،‬ص ‪. 85 :‬‬
‫‪ - 2‬ولعلو فتح هللا‪ ،‬م س ‪ ،‬ص ‪88 :‬‬
‫‪ - 3‬خالص حكيمة ‪ :‬من أجل إرساء اقتصاد اجتماعي يعتمد على الذات ‪ .‬ط‪ .1.‬دار توبقال‪ )2004( .‬المغرب‪ ،‬ص ‪.21 :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- ghazali,op.cit, 2013,p :89.‬‬

‫الصفحة ‪301 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الهيكلي خالل ثمانينيات القرون املاض ي عرف املغرب تحوالت أدت إلى اعتماد مفهوم االقتصاد‬
‫االجتماعي نظرا ملا يوفره هذا القطاع من إمكانيات في مجال املشاركة واإلبداع وتنمية روح التضامن‬
‫واملسؤولية بين املواطنين)‪. (1‬‬
‫وقد بدأت تنضج مقاربة جديدة في السنوات األخيرة لتنمية االقتصاد التضامني تقوم على‬
‫أساس استغالل االمكانيات قصد التخفيف من البطالة والفقر باعتماد مقاربة جهوية‪ ،‬تصب في‬
‫تأهيل ودعم التعاونيات في إطار ما يسمى ب "املبادرة الوطنية للتنمية البشرية" من جهة‪ ،‬وأيضا‬
‫نتيجة الدعم األجنبي لبعض البرامج من جهة أخرى‪.‬‬
‫ونسوق في هذا الباب على سبيل املثال ال الحصر‪ ،‬برنامج "أركان" املمول من طرف االتحاد‬
‫األوربي في املغرب‪ ،‬مما فتح املجال للتعاونيات لالنخراط في تنزيل هذه البرامج على أرض الواقع و هو‬
‫ما يعكس ارتفاع عدد التعاونيات املؤسسة في هذا السياق‪ ،‬مما بوأها لتصبح رافعة أساسية‬
‫لالقتصاد التضامني باملغرب إلى جانب الجمعيات املدنية(‪.)2‬‬
‫ب ‪ -‬الجمعيات‬
‫تعرف الجمعية بكونها اتفاق قصد بلوغ تعاون دائم وقائم بين شخصين أو مجموعة من‬
‫األشخاص بخصوص توظيف واستغالل معارفهم ومهاراتهم لغرض غير ربحي‪ ،‬وقد حدد املشرع‬
‫املغربي الجمعية وشروط تأسيسها من خالل الظهير الشريف رقم ‪ 1.58.376‬الصادر بتاريخ ‪15‬‬
‫نونبر ‪ ،1958‬في شأن حق تأسيس الجمعيات‪.‬‬
‫وقد عرف ‪" Albert Meister‬ألبير ميستر" الجمعية بكونها تجمع مؤسس على االنخراط‬
‫اإلرادي ومساهمة األعضاء بمعارفهم وأنشطتهم من أجل الجماعة ألهداف غير اقتسام األرباح‪. (3).‬‬
‫وعلى اعتبار أهمية الجمعيات وأدوارها الرائدة في التنمية املحلية‪ ،‬فإنها قد حظيت بمكانة‬
‫خاصة في الخطب امللكية حيث جاء في بعضها‪ ...":‬تشكل هذه الجمعيات نموذجا يجسد سياسة‬
‫االنفتاح التي تنهجهها لتمكين كل مواطن تحدوه روح املبادرة والتطوع‪ ،‬من أن يشارك مشاركة تامة‪،‬‬
‫وعلى مختلف األصعدة في الحياة الجماعية الهامة في تناسق وتكامل مع املهام التي تضطلع بها‬

‫‪1‬‬
‫‪- ghazali,op.cit, 2013,p :92.‬‬
‫‪ - 2‬كويمينة نجيب ‪ :‬االقتصاد االجتماعي‪ :‬حدود المقاربة الجديدة‪ ،‬المغرب االجتماعي ‪ .2009-2008‬دار للعلم‪.‬‬
‫الرباط‪ ،‬ص ‪.59 :‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- Albert, M : « vers une sociologie des associations ». Edition ouvriers. (2011)" Paris, France,‬‬
‫‪p :15.‬‬

‫الصفحة ‪302 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫السلطات العمومية والهيئات املنتخبة وفعاليات القطاع الخاص وبذلك تساهم هذه الجمعيات‬
‫بدعمها ومساعدتها للفئات املحرومة وللسكان‪.)1( "...‬‬
‫وحري بالذكر أن العمل الجمعوي يعتمد على مبادئ التطوع والتكافل والتضامن كمدخالت‬
‫لبلوغ األهداف النبيلة التي يسعى النسيج الجمعوي إلى تحقيقها إال أن هذا األخير وبالرغم من كثرته‬
‫وتعدده يطرح سؤال النجاعة في االنجاز من جهة‪ ،‬والتدبير من جهة أخرى‪ ،‬فعلى سبيل املثال ال‬
‫الحصر تفيد بعض اإلحصائيات أن عدد الجمعيات ناهزت حوالي (‪ 100.000‬جمعية) بصرف النظر‬
‫عن الجمعيات التي ال توجد إال في الوثائق أو من أجل االستفادة من املنح‪.‬‬
‫ويتميز النسيج الجمعوي باملغرب بشموليته لكافة امليادين واالهتمامات من أعمال خيرية و‬
‫إحسانية‪ ،‬وفنية وثقافية و اجتماعية من جهة‪ ،‬كما تستهدف أيضا فئات عريضة بتدخالتها‬
‫واهتماماتها بفئات‪ :‬النساء‪ ،‬األطفال‪ ،‬األشخاص املسنين‪ ،‬أو األشخاص من ذوي االحتياجات‬
‫الخاصة من جهة أخرى‪ ،‬دون أن ننس ى تغطيتها لجميع مناطق املغرب‪ ،‬سواء على املستوى الجهوي‬
‫واملحلي واالقليمي والوطني‪ ،‬مما أكسب مؤسسة املجتمع املدني هوية متعددة األبعاد (دولية‪،‬‬
‫وطنية‪ ،‬جهوية) (‪.)2‬‬
‫وال غرو أن الجمعيات في العقد األخير قد برهنت على دينامية كبيرة فيما يتعلق باملقاربة‬
‫التشاركية في تدبير مجاالت متنوعة‪ ،‬وقد كرس دستور ‪ 2011‬هذا الوضع حيث أصبحت الجمعيات‬
‫شريكا أساسيا للسلطات العمومية محليا ووطنيا‪ ،‬السيما وأن املشرع املغربي قد أقر للنسيج‬
‫الجمعوي أدوار دستورية ألول مرة في الفصول (‪11‬؛‪12‬؛‪13‬من دستور ‪ ،)2011‬أضف إلى ذلك‬
‫تخصيص مصادر تمويل من ميزانية الدولة ومن الدعم الخارجي في شكل مساعدات دون أن نغفل‬
‫انخراط األعضاء وتبرعات القطاع الخاص‪ ،‬وحسب بعض االحصائيات الصادرة عن املندوبية‬
‫السامية للتخطيط‪ ،‬فقد تمكنت الجمعيات من تعبئة حوالي ‪ 9,8‬مليار درهم سنة‪.)3( .2015‬‬

‫‪ - 1‬الرسالة الملكية ‪ 15،‬فبراير ‪.2002‬‬


‫‪ - 2‬كريم محمد ‪ :‬االقتصاد االجتماعي بالمغرب‪ ،‬التنمية المعاقة وجدلية االقتصاد والمجتمع‪ .‬ط‪ .)2011( .1‬مطابع افريقيا الشرق‪.‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫‪www.cese.ma‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ -3‬المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪2015 ،‬‬

‫الصفحة ‪303 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ج‪-‬التعاضديات‬
‫تصنف التعاضديات ضمن مؤسسات االقتصاد التضامني‪ ،‬وقد ظهرت بفرنسا خالل‬
‫القرن ‪ 19‬كخطوة أولى نحو تفويض املجتمع صالحيات تدبير شؤونه االجتماعية باالعتماد على‬
‫الذات بدل االتكالية وانتظار الدعم واملساعدة من الدولة‪.‬‬
‫وتعتبر التعاضديات بمثابة نموذج حديث للتضامن والتكافل والذي قطع مع األنماط‬
‫التقليدية التي كانت تتأسس على القرابة والدم والدوافع الدينية والعقدية(‪.)1‬‬
‫وقد ارتبط اهتمام التعاضديات في أول األمر بالجانب الصحي حيث يضمن للمنخرطين‬
‫وأفراد أسرهم تسهيالت في هذا الشأن‪ ،‬قبل أن يعمم على باقي املجاالت والقطاعات االنتاجية‬
‫والفالحية والصناعية والخدماتية(‪.)2‬‬
‫وباستقراء تاريخ التعاضديات في املغرب‪ ،‬فإن ظهورها ارتبط بنظام الحماية الفرنسية في‬
‫سياق توفير التغطية الصحية للمعمرين حيث تمكن املؤمنين من االستفادة من الخدمات الصحية‬
‫بتكلفة أقل‪.‬‬
‫وتبنت السلطات املغربية فكرة التعاضد ُبعيد االستقالل من خالل إنشاء تعاضديات‬
‫مماثلة في بعض القطاعات ‪ ،‬على سبيل املثال ال الحصر‪" ،‬التعاضدية العامة للتربية الوطنية" والتي‬
‫تأسست سنة ‪ 1963‬ثم بعدها‪" ،‬تعاضدية القوات املسلحة"‪ ،‬التي تم إحداثها سنة ‪ .1976‬ويعتبر‬
‫الظهير رقم ‪ 1-57-187‬الصادر في ‪ 11‬نونبر ‪ 1969‬بمثابة اللبنة األولى لتقنين التعاضد في املغرب‬
‫حيث يشرح هذا الظهير دور املؤسسة التعاضدية وكيفية اشتغالها‪.‬‬
‫ويشمل النسيج التعاضدي املغربي مجاالت كثيرة ومنها‪ :‬الصحة ‪ ،.‬التأمين‪ ،‬التعليم‪ ،‬والتي‬
‫تمثل أكثر من نصف هذا النسيج حيث بلغ عدد منخرطيها ما بين ‪ 1.5‬و ‪ 2‬مليون منخرط(‪.)3‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن أهمية التعاضديات تكمن في سد العجز الذي تعاني منه املنظومة‬
‫الصحية السيما في ظل ضعف وقلة الخدمات املوجهة للعالم القروي ولساكنة هذا الوسط‪ .‬دون أن‬
‫ننس ى مساهمتها أيضا في بنيات االقتصاد االجتماعي والتضامني في خلق وإحداث فرص الشغل ذات‬
‫األثر في تحقيق اندماج اجتماعي واقتصادي على أساس التضامن بغية بلوغ أهداف التنمية‬

‫‪ - 1‬كريم محمد‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.15:‬‬


‫‪ -2‬كريم محمد‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.11:‬‬
‫‪www.cese.ma‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ -3‬المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪2015 ،‬‬

‫الصفحة ‪304 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املستدامة لسنة ‪ ،2030‬املتمثل في تعزيز النمو االقتصادي املطرد والشامل للجميع واملستدام‬
‫واملنتج‪ ،‬وتوفير العمل الالئق للجميع(‪.)1‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق تعتبر الجمعيات والتعاونيات والتعاضديات النواة األولى لالقتصاد‬
‫التضامني والتي تنتشر في العالم القروي بدرجة أكبر‪ ،‬حيث أصبح هذا النمط من االقتصاد فرصة‬
‫لدعم املنتوجات املحلية فالحية كانت أو صناعية أو سياحية أو غيرها‪ ،‬وبالتالي تعزيز قدرات‬
‫الفئات املستهدفة بخدمات هذه املؤسسات سواء في العالم القروي أو الحضري في اآلونة األخيرة‬
‫(‪.)2‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬نماذج من تجارب االقتصاد التضامني‬
‫إن الحديث عن تداعيات التحوالت االقتصادية التي يعرفها العالم والتي أفضت إلى عجز‬
‫الدولة عن تلبية حاجيات املواطنين السيما في ظل تعدد وتنوع هذه األخيرة‪ ،‬بل وانتقالها من‬
‫الضروريات إلى الكماليات فالثانويات‪ ،‬واختالل ميزان تعميمها على جميع الشعوب خاصة شعوب‬
‫العالم الثالث أفضت إلى اعتماد االقتصاد التضامني أو التعاوني كخيار مكمل ألدوار الدولة‬
‫التقليدية‪ ،‬وعلى هذا األساس سنعرض بعض تجارب الدول املقارنة‪ ،‬الغربية والعربية خاصة‬
‫التجربة املغربية‪.‬‬
‫أ‪ -‬نموذج الواليات املتحدة األمريكية‪ :‬يبلغ عدد املنظمات الخيرية في الواليات املتحدة‬
‫األمريكية حوالي ‪ 1.5‬مليون منظمة‪ ،‬تمكنت عام ‪ 2018‬من جذب ‪ 427,71‬بليون دوالر معظمها‬
‫موجه نحو دور العبادة (‪ ،)%29‬واملنح والخدمات االنسانية (‪ ،)%24‬ثم مجاالت التعليم (‪،)%14‬‬
‫وأخيرا مجاالت الصحة (‪(3). )%9‬‬
‫ب‪ -‬نموذج أوروبا والهند ‪ :‬تعمل املنظمات العاملة في مجال االقتصاد التضامني بأوربا‬
‫والتي يبلغ عددها حوالي (‪ 2‬مليون منظمة) وهي تمثل (‪ ،)%10‬من مجمل عدد الشركات األوروبية‬
‫تعمل في نطاق واسع من املجاالت االنتاجية والخدماتية‪ ،‬ويبلغ عدد املنشآت االجتماعية والتضامنية‬
‫في اململكة املتحدة وحدها حوالي (‪ 62‬ألف) منشأة بها حوالي (‪ 800‬ألف موظف)‪.‬‬

‫‪ -1‬كريم محمد‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.190:‬‬


‫‪ - 2‬أزلماط محمد ‪:‬عالقة االقتصاد االجتماعي بالديمقراطية لتحقيق التنمية االجتماعية‪ ،‬منشورات الجماعة القروية إلغزران‪،‬‬
‫(‪ ،)2014‬تارودانت‪ .‬المغرب‪ ،‬ص ‪.29 :‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Albert, M, op.cit, p : 19.‬‬

‫الصفحة ‪305 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وفي الهند تعتبر مؤسسة "‪ "AMUL‬أكبر مؤسسة مختصة في تسويق السلع الغذائية حيث‬
‫وظفت حوالي (‪ 3,1‬مليون) ُمنتج من مجموعات اجتماعية وتضامنية‪ ،‬تسمى مجموعات العون‬
‫الذاتي ‪ self-help‬بمداخيل بلغت حوالي (‪ 2,5‬مليون دوالر) سنويا ومعظم مستخدميها من‬
‫النساء ‪(1).‬‬
‫إن مقاربة مفهوم االقتصاد التضامني تختلف من بلد آلخر‪ ،‬إال أن القاسم املشترك بين‬
‫مختلف التعاريف التي تناولت هذا املفهوم يكمن في مبدأ التماسك والتضامن والتآزر‪ ،‬وباستقراء‬
‫تجليات هذا النمط من االقتصاد وفي بعض التشريعات الغربية‪ ،‬فإن املشرع االسباني اعتبر من‬
‫خالل املادة ‪ 2‬من القانون رقم ‪ ،5/2011‬الصادر في ‪ ،2011‬االقتصاد االجتماعي أو التضامني ‪":‬‬
‫مجموعة من األنشطة االقتصادية وأنشطة أرباب العمل التي تقوم بها بصورة جيدة مؤسساتها في‬
‫القطاع الخاص‪ ،‬متبعة إما املنفعة الجماعية أو املنفعة العامة أو هما معا" (‪.)2‬‬
‫ويعرف التشريع البلجيكي االقتصاد االجتماعي بأنه‪ ":‬مجموعة من األنشطة االقتصادية‬
‫املنتجة للسلع والخدمات‪ ،‬التي يقوم بها أساسا شركات تعاونية أو ذات أهداف اجتماعية كما تقوم‬
‫بها التعاضديات"‪ .‬بينما في فرنسا نص املشرع الفرنس ي من خالل القانون املتعلق باالقتصاد‬
‫االجتماعي والتضامني‪ ،‬على أنه‪ ":‬صيغة من صيغ املقاولة والتنمية االقتصادية التي تناسب جميع‬
‫مجاالت النشاط البشري الذي ينخرط فيه األشخاص"(‪.)3‬‬
‫إن ظهور النموذج التعاوني في أوربا مند أواخر القرن ‪ ،18‬جاء كرد فعل للثورة الصناعية‬
‫ومؤسساتها الرسمالية التي دأبت في أول عهدها على تشغيل القوى العاملة من رجال ونساء وأطفال‬
‫لفترة طويلة وبأجور زهيدة وفي بيئة عمل ال إنسانية بهدف تحقيق أكبر قدر من األرباح‪.‬‬
‫ورغم تعدد التجارب في مختلف أرجاء أوربا لكن تأسيس جمعية "روتشديل" التعاونية عام‬
‫‪ ،1844‬يعتبر أول نموذج غربي لجمعية تعاونية في صيغتها الحديثة‪ ،‬وكانت التجربة البريطانية في هذا‬
‫الشأن سببا في انتشار التجربة التعاونية في سائر الدول األوربية (فرنسا‪ ،‬أملانيا‪ ،‬ايطاليا‪ ،‬بلجيكا‪،‬‬
‫الدنمارك‪ ،)...‬وعلى هذا األساس تأسست الجمعية الدولية للتعاونيات" ‪ "ICA‬عام ‪ 1895‬بهدف نشر‬
‫‪1‬‬
‫‪- Albert, M, op.cit, p : 16.‬‬
‫‪ -2‬المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،2015 ،‬ص ‪.40 :‬‬
‫‪ - 3‬العيسوي إبراهيم‪ :‬العدالة االجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها‪ .‬المركز العربي لألبحاث‬
‫ودراسة السياسات‪ )2014( .‬الدوحة‪ .‬قطر‪ ،‬ص ‪.203 :‬‬

‫الصفحة ‪306 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القيم التعاونية كمدخل ملحاربة االستغالل الرأسمالي وتخفيف الفوارق االجتماعية وتحسين‬
‫األحوال املعيشية لألفراد واملجتمعات األوربية‪.‬‬
‫ومن خالل التعاريف السالف ذكرها يمكن القول أنها تتقاطع في جملة من املبادئ وهي‪:‬‬
‫حرية االنخراط‪ ،‬التضامن‪ ،‬ثم االستقالل الذاتي والتحرر‪ ،‬ذلك أن املمارسة الديمقراطية‬
‫واالجتماعية تستدعي االعتماد على الذات واملشاركة في ظل تحمل املسؤولية واملشاركة مع اآلخرين في‬
‫األرباح واملنافع‪.‬‬
‫ج– االقتصاد التضامني في البلدان املغاربية ‪ :‬نموذج التجربة املغربية‬
‫تتميز املجتمعات العربية واالسالمية بكونها من أكثر املجتمعات البشرية تأهيال العتماد‬
‫نمط االقتصاد التضامني نظرا ملا تتمتع به من نسيج اجتماعي مبني على قيمة التضامن والتكافل‪.‬‬
‫ومن تمة فال غرو أن نشير إلى أن املغرب بلور نموذجا لالقتصاد االجتماعي التضامني والذي عرفه‬
‫املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي بأنه‪ ":‬تعبير عن مجموع األنشطة االقتصادية واالجتماعية‬
‫التي تنظم في شكل بنيات مهيكلة أو تجمعات ألشخاص ذاتيين أو معنويين بهدف تحقيق املصلحة‬
‫الجماعية"‪.‬‬
‫وعلى اعتبار أهمية وأدوار االقتصاد التضامني فقد أولى املغرب أهمية بالغة له‪ ،‬حيث‬
‫اعتبر من الدول السباقة على مستوى شمال افريقيا والتي أصدرت قوانين تنظم االقتصاد‬
‫االجتماعي فضال عن وضع استراتيجية تدبير وتفعيل دور هذا االقتصاد في تحقيق التنمية‬
‫االقتصادية واالجتماعية (‪.)1‬‬
‫وجدير بالذكر أن املغرب يعتبر من أوائل الدول العربية التي عرفت نظام التعاونيات مند‬
‫أواسط القرن املاض ي‪ ،‬وترجم هذا االهتمام من خالل تدخل املشرع املغربي الذي قام بدسترة العمل‬
‫املدني من خالل دستور ‪ 2011‬ألول مرة في الحياة الدستورية باملغرب‪ ،‬وهو مؤشر أيضا على تنامي‬
‫النشاط التعاوني في املغرب السيما وأنه مرتبط ارتباطا مباشرا بالنمو املطرد للسكان سواء في املدن‬
‫أو القرى املغربية‪ ،‬حيث تعكس املؤشرات ارتفاع نسبة التمدن من (‪ )%8‬قبل ‪ 1955‬إلى (‪)% 29,2‬‬
‫سنة ‪ 1964‬و (‪ )% 60,3‬خالل ‪ 2014‬في انتظار وصوله (‪ )% 67,3‬سنة ‪ ،2030‬وينجم عن هذا‬
‫التطور تنامي معدالت البطالة في أوساط الشباب واتساع الفوارق االجتماعية باملدن‪.‬‬

‫‪ -‬أبوه الهادي عبدو‪.)2014( .‬االقتصاد التضامني والتنمية االجتماعية‪ ،‬االمكانيات والواقع في موريتانيا‪ ،‬تلمسان‪ .‬الجزائر‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.120 :‬‬

‫الصفحة ‪307 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وبخصوص السياسة االجتماعية لالقتصاد التضامني في املغرب‪ ،‬فقد قامت الدولة على‬
‫مدار العقدين السابقين بإحداث مجموعة من املؤسسات العمومية والشبه عمومية على سبيل‬
‫املثال ال الحصر‪ ،‬وكالة التنمية االجتماعية‪ ،‬وكاالت إنعاش وتنمية األقاليم الشمالية والجنوبية‬
‫والشرقية‪ ،‬كما تم إنشاء أقسام خاصة بالعمل االجتماعي واالقتصادي على مستوى العماالت‬
‫واألقاليم‪ ،‬دون أن ننس ى إحداث وزارة األسرة والتضامن والتنمية االجتماعية‪ ،‬وتهدف هذه األجهزة‬
‫مجتمعة إلى بلوغ االنصاف واملساواة والعدالة االجتماعية‪.‬‬
‫وحري بالذكر أن االقتصاد التضامني في املغرب يعتمد على التعاونيات والتعاضديات التي‬
‫بلغ عدد منخرطيها حوالي ‪ 15‬مليون منخرط‪ ،‬ثلثهم من النساء‪ ،‬وذلك بعدما عانى املجتمع املغربي من‬
‫تفش ي مظاهر الفقر والحرمان‪.‬‬
‫‪ -‬خاتمة ‪:‬‬
‫يمكن الخلوص في نهاية هذا املقال إلى أن التاريخ البشري‪ ،‬عرف أفكارا اقتصادية متعدد‬
‫ومختلفة‪ ،‬من حيث طرق تقسيمها سواء على أساس املنطلق الفكري أو املنبع التاريخي أو املجتمعي‪،‬‬
‫مما يفسر كون معالجتها للقضايا واألوضاع مرحلي وظرفي من جهة‪ ،‬ويجعل صيرورة األزمات‬
‫االقتصادية دورية ومستمرة داخل املنظومة االقتصادية الدولية واملحلية‪.‬‬
‫ولعل أواخر القرن العشرين شكلت منعطفا نحو تبني ثقافة مضادة ومغايرة‪ ،‬من حيث‬
‫السماح باالعتماد على النفس في التشغيل الذاتي وخلق املقاولة الشخصية‪ ،‬وهو ما أسس ملفهوم‬
‫التضامن والتعاضد االجتماعي‪ ،‬الذي يجعل اإلنسان قطب الرحى في صلب العملية االقتصادية‬
‫واالنتاجية‪.‬‬

‫الصفحة ‪308 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬الئحة املراجع‪:‬‬
‫أوال – املراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫‪ -‬جون بولي‪ .)2004( .‬العوملة الطوفان أم اإلنقاد؟ الجوانب الثقافية والسياسية‬
‫واالقتصادية ‪ .‬املنظمة العربية للترجمة‪ .‬بيروت‪.‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -‬زياني الطاهر‪ .)2006( .‬اقتصاد التضامن والتخفيض من الفقر‪ :‬أية عقالنية؟ ‪ .‬مجلة‬
‫االقتصاد والتدبير‪ ،‬جامعة أبوبكر القايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬بوحنية قوي‪ .)2014( .‬املجتمع املدني في ليبيا وموريتانيا‪ :‬عندما تزحف القبيلة على‬
‫السياسة والبداوة على السلطة القانونية ‪ .‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ .‬قطر‪.‬‬
‫‪ -‬واحي العربي‪.)2008( .‬مقاربة النوع والتنمية‪ .‬منشورات رمسيس‪ ،‬الرباط ‪.‬‬
‫‪ -‬ولعلو فتح هللا ‪ .)1974( .‬االقتصاد السياس ي ‪ .‬ط‪ .2.‬دار النشر املغربية ‪.‬‬
‫‪ -‬الزرهوني محمد‪.)2003( .‬االقتصاد االجتماعي سند التنمية الترابية باملجال الجبلي‪ .‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬خالص حكيمة ‪ .)2004( .‬من أجل إرساء اقتصاد اجتماعي يعتمد على الذات ‪ .‬ط‪ .1.‬دار‬
‫توبقال‪ .‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬كويمينة نجيب ‪.)2009( .‬االقتصاد االجتماعي‪ :‬حدود املقاربة الجديدة‪ ،‬املغرب االجتماعي‬
‫‪ .2009-2008‬دار للعلم‪ .‬الرباط‪.‬‬
‫‪ -‬كريم محمد‪ .)2011( .‬االقتصاد االجتماعي باملغرب‪ ،‬التنمية املعاقة وجدلية االقتصاد‬
‫واملجتمع‪ .‬ط‪ .1‬مطابع افريقيا الشرق‪.‬الدارالبيضاء‪ .‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬أبوه الهادي عبدو‪.)2014( .‬االقتصاد التضامني والتنمية االجتماعية‪ ،‬االمكانيات والواقع‬
‫في موريتانيا‪ ،‬تلمسان‪ .‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬أزملاط محمد ‪.)2014( .‬عالقة االقتصاد االجتماعي بالديمقراطية لتحقيق التنمية‬
‫االجتماعية ‪ .‬منشورات الجماعة القروية إلغزران‪ .‬تارودانت‪ .‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬العيسوي إبراهيم ‪ .)2014( .‬العدالة االجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص‬
‫بحالة مصر وثورتها‪ .‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ .‬الدوحة‪ .‬قطر‪.‬‬

‫الصفحة ‪309 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


2023 ‫ دجنبر‬،‫العدد الثاني‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

: ‫ثانيا – املراجع األجنبية‬

- Albert, M. (2011)" vers une sociologie des associations".


Edition ouvriers.Paris.France.
- Ghazali,A . (2009) "les cooperatives au Maroc".El Maarif
aljaadida .Rabat.Maroc.
- Jaques, P.(2005) " l’economie solidaire prendre sa vie en
main",Edition Milan.France .
- Marie, J.(2008) "l’evaluation de l’économie sociale et
solidaire une perspective critique et internationale".

310 : ‫الصفحة‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القانون والتحوالت التكنولوجية أية عالقة ؟‬


‫‪Law and technology‬‬
‫ذ أحمد فندو‬
‫طالب باحث في سلك الدكتوراه‬
‫كلية العلوم القانونية أكدال‬

‫القانون هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم حياة الفرد داخل املجتمع‪ ،‬ومن‬
‫خصائصه أنه قاعدة اجتماعية فهو ينبثق من داخل املجتمع ويطبق فيه ما يجعله في عالقة تأثير‬
‫وتأثر مع املحيط الذي يشكل مجال تطبيق له‪ ،‬األمر الذي يدفعه للتطور الدائم ملواكبة كافة‬
‫التطورات االقتصادية واالجتماعية والثقافية والتكنولوجية‪.‬‬
‫وهو ما يمكن تلمسه من خالل مجموعة من القوانين التي تعكس توجه املشرع في مجال‬
‫الرقمنة‪ ،‬وخير مثال على ذلك القانون ‪ 53.05‬املتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات االلكترونية‬
‫الذي ساوى فيه املشرع بين الوثيقة االلكترونية ونظيرتها الورقية‪ ،‬زد على ذلك القانون ‪88.17‬‬
‫الخاص بإنشاء املقاوالت بشكل الكتروني ناهيك عن السجل التجاري االلكتروني وفي األخير القانون‬
‫‪ 73.17‬الخاص بنظام الوقاية ومعالجة صعوبة املقاولة الذي رسخ ثقافة التعامل عن بعد عبر‬
‫الحث على تقديم طلب فتح مساطر معالجة صعوبات املقابلة بشكل االلكتروني وربط سريان ذلك‬
‫بصدور نص تنظيمي‪ ،‬وغيرها من القوانين التي عالجت رقمنة املعامالت واإلجراءات‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق يمكن القول أن أهمية موضوعنا تبرز في شقين األول نظري والذي‬
‫يتجلى في راهنية املوضوع وحداثته إضافة إلى شساعته واتساع نطاقه‪ ،‬بحيث ال يقتصر على قانون‬
‫أو مجال محدد وإنما هو توجه عام خاصة مع ما رافق وباء كورونا املستجد من إجراءات رسخت‬
‫ثقافة التعامل عبر الوسائل االلكترونية‪،‬وعززت من إرادة االنفتاح على التكنولوجيا في شتى مناحي‬
‫الحياة‪.‬‬
‫أما الشق الثاني فهو عملي يرتبط أساسا بتبسيط اإلجراءات واملعامالت وما ينتج عنها من‬
‫اقتصاد في الوقت والنفقات والسرعة في انجاز املعامالت تجارية كانت أم مدنية‪،‬األمر الذي سيؤثر‬

‫الصفحة ‪311 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫إيجابا على األمن التعاقدي وتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية ومن ثم يحق لنا طرح التساؤل‬
‫األتي‪:‬ما مدى تأثرومسايرة القانون للتحوالت التكنولوجية الراهنة؟‬
‫إلجابة عن هذا التساؤل سنقسم موضوعنا إلى مبحثين نتطرق في األول إلى تأثر املعامالت‬
‫املدنية بالتحوالت التكنولوجية على أن نخصص املبحث الثاني لدور الدليل العلمي في اإلثبات‬
‫الجنائي‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬تأثراملعامالت املدنية بالتحوالت التكنولوجية‬
‫احتراما للتقسيم الثنائي املعتمد في هذه الدراسة سنقسم هذا املبحث ملطلبين نعالج في‬
‫األول االعتراف التشريعي بالكتابة االلكترونية على أن نعرج في املطلب الثاني على التوقيع االلكتروني‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬االعتراف التشريعي بالكتابة االلكترونية‬

‫لقي موضوع االعتراف التشريعي بالكتابة االلكترونية اهتماما دوليا‪ ،‬في ظل تزايد أهمية‬
‫التجارة االلكترونية وارتفاع رقم معامالتها ليتوج هذا االهتمام باالعتراف الدولي باملحررات‬
‫االلكترونية وذلك بموجب القانون النموذجي للتجارة االلكترونية الصادر عن لجنةاألمم املتحدة‬
‫للقانون التجاري الدولي –األونسترال‪ -‬سنة ‪ 1996‬بحيث منح الحجية لجميع رسائل البيانات التي‬
‫يمكن إنشاؤها وحفظها أو إبالغها عبر الوسائل الحديثة‪ 1‬هذا االعتراف الدولي نتج عنه إرساء عده‬
‫مبادئ مؤطرة لحجية الوثائق االلكترونية أهمها‪:‬‬
‫‪ ‬عدم التمييز القانوني إزاء الرسائل االلكترونية وهو ما أرسته املادة الخامسة‬
‫من القانون املذكور‪.‬‬
‫‪ ‬الحياد التقني والوسائطي‪ :‬ومعناه أن الدليل العلمي يكون مقبوال أيا كانت‬
‫دعامته‪ ،‬مع حفظ حق األطراف في االتفاق على منح القوة الثبوتية لوسائط دون غيرها‪.2‬‬

‫‪ -1‬خديجة قبال‪":‬الكتابة االلكترونية ‪ -‬دراسة مقارنة‪ -‬رسالة لنيل شهادة الماستر‪ ،‬السنة الجامعية ‪،2006/2005‬ص‪.121-119:‬‬
‫‪ -2‬سليمان الفخفاخ‪":‬دور القاضي في اإلثبات بدليل االلكتروني دراسة في قانون التبادل االلكتروني للمعطيات القانونية" رسالة‪،‬‬
‫السنة ‪ ،2009/2010‬ص‪.69:‬‬

‫الصفحة ‪312 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬املعادلة الوظيفية‪ :‬فالوثيقة االلكترونية أو رسالة البيانات لها نفس قوة‬


‫الوثيقة الورقية‪.‬إذا كانت الجهة التي أصدرتها معلومة وتم تدوينها وحفظها بطريقة تضمن‬
‫سالمتها‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بقانون االلتزامات والعقود باملغرب فإنه قبل قانون ‪ 53.05‬لم يكن هناك‬
‫قانون يعترف بحجية الكتابة االلكترونية أو املحرر االلكتروني‪ ،‬مما جعل الفقه يبحث عن األساس‬
‫القانوني لقبول هذه املحررات‪ .‬فذهب البعض منهم إلى أن حجية هذه املحررات تجد سندها في‬
‫إرادةاألطراف‪ 1‬عبر االتفاقات املعدلة لقواعد اإلثبات املوضوعية على اعتبار أن هذه األخيرة ليست‬
‫من النظام العام عكس القواعد اإلجرائية املنظمة‪ 2‬لسير العدالة‪.‬‬
‫كما أن البعض اعتبرها بداية حجة كتابية إذا توفرت شروط الفصل ‪ 447‬والتي يمكن‬
‫إجمالها في األتي‪:‬‬
‫وجود كتابة؛‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أن تكون الكتابة صادرة عن الخصم؛‬
‫‪ -‬أن تجعل هذه الكتابة الحق قريب لالحتمال‪ ،‬وهو شرط من صنع القضاء؛‬
‫أما االتجاه األخير فقد ربط حجية الوثائق االلكترونية باملعامالت البسيطة التي تخرج من‬
‫نطاق تطبيق الفصل ‪ 443‬أو بعبارة أدق االلتزامات التي يقل مبلغها عن ‪ 10.000‬درهم فهذه‬
‫املعامالت يمكن إثباتها بكل الوسائل بما فيها املحررات االلكترونية‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق باملعامالت التجارية‪ ،‬وألن األصل حسب املادة ‪ 334‬من مدونة التجارة هو‬
‫حرية اإلثبات ما عدا إذا نص القانون على خالف ذلك‪ .3‬فإن قبول املحررات والكتابة االلكترونية‬
‫أمر بديهي إذا توفرت الشروط املتطلبة قانونا‪4‬وللقضاء في إطار سلطته التقديرية قبول هذه‬
‫املحررات أو ردها عند عدم االقتناع بها أو عند الشك حول سالمتها وذلك في إطار رقابته على صحة‬
‫هذه املحررات‪.‬‬

‫‪ - 1‬خديجة قبال‪،‬م‪،‬س‪،‬ص‪.101:‬‬
‫‪ - 2‬نفس األمر ينطبق على حالة الفقد أو وجود مانع حال دون الحصول على الدليل الكتابي المنصوص عليها في الفصل ‪ 448‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫‪ - 3‬يونس لعناني‪":‬اإلثبات في العقود التجارية" رسالة لنيل شهادة الماستر‪ ،‬السنة الجامعية ‪،2019/2018‬ص‪.15:‬‬
‫‪ - 4‬شروط االعتداد بالوثيقة االلكترونية هي‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون الجهة المصدرة لها معلومة؛‬
‫‪ -‬أن تحفظ بطريقة مؤمنة تضمن سالمتها من كل تعديل أو تحريف أو تالعب في محتواها‪ ،‬ولعل أهم طريقة لحفظ هذه‬
‫البيانات هي التشفير‪.‬‬

‫الصفحة ‪313 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫والجدير بالذكر أن هذا الخالف حول أساس قبول املحررات الرسمية قد زال مع دخول‬
‫القانون ‪ 53.05‬حيز التنفيذ‪ ،‬حيث تم االعتراف وبقوه القانون بحجية هذه املحررات وبالكتابة‬
‫بصفة عامة سواء كانت كتابة الكترونية أو كتابة تقليدية‪ ،‬بحيث ساوى الفصل ‪ 417‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود بين الدليل االلكتروني والورقي كيفما كانت دعامته ما لم يتفق األطراف على‬
‫خالف ذلك‪.1‬‬
‫كما أن نسخ املحررات تتمتع بنفس القوه الثبوتية ولو لم يتم مطابقتها لألصل بواسطة‬
‫موظف مختص‪ ،2‬وإن في كثير من األحيان يصعب التفرقة بين الوثيقة األصلية ونسختها فيما يتعلق‬
‫باملحررات االلكترونية‪.‬إذا كان هذا بشكل مقتضب ما يتعلق بالكتابة االلكترونية فماذا عن التوقيع‬
‫االلكتروني وهو ما نتطرق له في املطلب الثاني‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬حجية التوقيع االلكتروني‬


‫يعد التوقيع عنصرا أساسيا من عناصر الدليل الكتابي‪،‬فهو ينسب الكتابة ملن وقعها حتى‬
‫ولو لم يكن هو الذي كتبها بخط يده‪ ،‬كما أنه يمنح الحجية للدليل الكتابي سواء كان عرفيا أو‬
‫رسميا ورقيا أو الكترونيا‪ 3‬والتوقيع كما هو معلوم من املفاهيم التي لم تحظى بتعريف تشريعي مما‬
‫جعل البعض يعرفه بأنه مجموع الرموز أو الخطوط أو الكلمات أو أي عالمة أخرى تصدر ممن‬
‫صدر عنه االلتزام بغية نسب مضمونه له‪.‬‬
‫فهو يعتبر عن إرادة الطرف في االلتزام وفي ترتيب اآلثار القانونية عن هذا التصرف‪ ،4‬و ما‬
‫يستنتج من هذا التعريف أنه جاء عاما شامال لكل الحاالت التي قد يأتي بها التوقيع‪.‬أما التوقيع‬
‫االلكتروني فهو الذي يصدر عبر إحدى الوسائط االلكترونية أيا كان نوعها أو شكلها‪ ،‬وللتوقيع‬
‫االلكتروني عدة أنواع يمكن تصنيفها إلى صنفين‪ ،‬صنف يعتمد على الوسيط الذي انصب عليه‬
‫التوقيع وصنف يعتمد على قوة التوقيع االلكتروني الثبوتية‪.‬‬

‫‪ -1‬بنسالم أو ديجا‪ " :‬سلطة القاضي في اإلثبات في المادة المدنية"‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ‪،2014 /2015‬ص‪.352:‬‬
‫‪ - 2‬الفقرة الثانية من الفصل ‪ 440‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫‪ - 3‬سليمان الفخفاخ‪،‬م‪،‬س‪،‬ص‪.54:‬‬
‫‪ - 4‬المحرر االلكترونية نوعان‪:‬‬
‫‪ -‬محرر الكتروني عرفي‪ :‬لم يشترط في المشرع شكال معينا وحجيته تقوم بالتوقيع عليه توقيعا مؤمنا ممن صدر منه‬
‫االلتزام‪.‬‬
‫‪ -‬محرر الكتروني رسمي‪ :‬هي التي يتلقاها الموظف العمومي المختص بحيث يكون شاهدا على مضمون المحرر وعلى‬
‫وضوح إرادة األطراف مع توقيعه هو األخر على المحرر حتى يوصف أنه محرر رسمي‪.‬للمزيد من التفاصيل انظر محمد اهتوت‪:‬‬
‫"شكلية اإلثبات في العقود االلكترونية" مقال السنة ‪،2018‬ص‪.12-10-9-8:‬‬

‫الصفحة ‪314 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫أما الصنف األول فيضم التوقيع البيومتري وهو توقيع يعتمد على خواص كل شخص على‬
‫حدى كبصمة اليد مثال‪ ،‬كما أنه يدرس املظهر الخارجي للتوقيع كدرجة ضغط يد املوقع على القلم‬
‫االلكتروني وكمية االهتزازات التي تكون في الكتابة‪.1‬‬
‫ويقوم هذا النوع من التوقيع على تقنية‪ pen /on‬أي التوقيع بالقلم االلكتروني‪ .‬ثم هناك‬
‫التوقيع الرقمي‪ ،‬وسمي رقميا ألنه يحتوي على قن سري ال يعرفه إال صاحبه ويعتمد على تقنية‬
‫التشفير‪ ،la cryptographie‬وأخيرا هناك التوقيع بواسطة البطاقة البنكية والذي يستنبط أساسه‬
‫من القانون ‪ ،230/2000‬فإدخال البطاقة وتركيب الرقم السري حسب هذا القانون هو بمثابة‬
‫توقيع ألنه يخص العميل فقط‪ ،‬وهو نفس توجه الفقه املغربي‪.2‬فالتوقيع االلكتروني يعد مقبوال في‬
‫اإلثبات متى كان صادرا عن املوقع بواسطة آلية مؤمنة بشهادة وأمكن االحتفاظ به وبآليات إنشائه‬
‫دون تعديل أو تحريف‪.‬‬
‫أما الصنف الثاني فنجده يضم التوقيع االلكتروني املؤمن وهو التوقيع الذي يحترم‬
‫الشروط املنصوص عليها أعاله‪ ،‬إضافة إلى التوقيع االلكتروني العادي املعتمد على استعمال وسيلة‬
‫تعريف موثوقة تضمن ارتباطه بالوثيقة املوقع عليها‪ ،‬ويقع إثبات هذه املوثوقية على من يتمسك‬
‫بالتوقيع االلكتروني العادي معتمدا في ذلك على الخبرة أو على الشهادة االلكترونية البسيطة‪ 3‬التي‬
‫تحدد مدى موثوقية النظام املعتمد‪ ،‬مع العلم أن هذه الشهادة في حالة عدم وجودها ال تنقص من‬
‫حجية هذا النوع من التوقيع االلكتروني‪.‬‬
‫وفي األخير نشير إلى أن التوقيع االلكتروني سواء كان عاديا أو مؤمنا ‪ -‬مصادقا عليه‪ -‬فإن‬
‫حجيته في اإلثبات ثابتة تشريعيا وقضائيا‪ ،‬مع اختالف في درجة هذه الثبوتية فالتوقيع املؤمن يعد‬
‫قرينة قانونية على االلتزام وعلى نسبة مضمون االلتزام للموقع مما يجعل إنكاره صعبا‪ ،‬عكس‬
‫التوقيع العادي الذي يسهل هدم حجيته بكافة الوسائل‪.‬‬
‫إذن كان هذا ما يخص مسايرة املشرع للتحوالت التكنولوجية فيما يخص املعامالت املدنية‬
‫والتجارية‪ .‬فهل يا ترى سار املشرع املغربي على نفس النهج فيما يخص اإلثبات في املادة الجنائية‬
‫خاصة مع استفحال ما يسمى بالجريمة املعلوماتية أو االلكترونية و هو ما سنخصص له املبحث‬
‫الثاني من هذه الدراسة‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الجليل فدادي‪":‬اإلثبات في نظام البطاقة البنكية" رسالة لنيل الماستر‪ ،‬السنة الجامعية ‪،2015/2014‬ص‪.11:‬‬
‫‪ - 2‬سليمان فخفاخ‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪ 55 :‬و‪.56‬‬
‫‪ - 3‬وهي عكس الشهادة االلكترونية المؤمنة التي حددت شروطها المادة ‪ 11‬من القانون ‪.53.05‬‬

‫الصفحة ‪315 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املبحث الثاني‪ :‬حجية الدليل العلمي أو التقني في اإلثبات الجنائي‬


‫ملعالجة هذا املبحث سنخصص املطلب األول ملبدأ االقتناع الوجداني للقاض ي على أن‬
‫نتطرق في املطلب الثاني لسلطة القاض ي التقديرية في قبول الدليل العلمي‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬االقتناع الوجداني للقاض ي الجنائي‬


‫نصت املادة ‪ 286‬من قانون املسطرة الجنائية على أن الجرائم تثبت بجميع وسائل اإلثبات‬
‫سواء كانت هذه الوسائل تقليدية كالشهادة أو االعتراف أو حديثة مرتبطة بالحاسب اآللي وبوسائل‬
‫التكنولوجيا العصرية‪،‬شريطة أن يكون الدليل مشروعا أي متحصل عليه بإجراءات قانونية سليمة‬
‫شكال ومضمونا وتمت مناقشته في جلسة علنية تحترم حقوق الدفاع ومبدأ التواجهية‪ ،‬وال يحده في‬
‫ذلك إال القانون واملنطق‪.‬‬
‫وبناء عليه يتضح أن القاض ي الجنائي له سلطة تقديرية واسعة‪ -‬في إطار القانون طبعا‪ -‬في‬
‫تقدير األدلة كما ونوعا وال رقابة عليه إال فيما يتعلق بالتعليل أو التسبيب‪ ،‬لكن التسليم بإطالقية‬
‫هذا املبدأ يمكن أن تؤدي إلى اختالف األحكام في النوازل املتشابهة‪ ،‬مما يمس سلبا باألمن القضائي‬
‫والقانوني‪ .‬كما أن مبدأ االقتناع الوجداني إذا لم يؤطر قانونا يمكن أن يؤدي إلى التحكم‪ ،‬وهو األمر‬
‫الذي وعى به املشرع ودفعه إلى التنصيص على مجموعة من القيود تعد بمثابة ضوابط لهذا املبدأ‪.‬‬
‫وتقسم هذه القيود إلى قيود قانونية وأخرى قضائية‪ ،‬فأما القيود القانونية فهي التي تؤطر‬
‫عملية اإلثبات وخير مثال يستشهد به في هذا املجال عدم القضاء بالعلم الشخص ي للقاض ي‪ ،‬وأن‬
‫الدليل املدني يخضع لقواعد القانون املدني‪ ،‬كما أنه يتوجب احترام وسائل اإلثبات الحصرية في‬
‫بعض الجرائم كما هو الحل بالنسبة لجريمتي الفساد والخيانة الزوجية‪.1‬‬
‫أما القيود القضائية فتظهر في عدم مخالفة التقدير العقل واملنطق ثم أن تكون األدلة في‬
‫حالة تعددها أو تركيبها متساندة يدعم بعضها بعضا‪ ،‬وأخيرا قيام الحكم على اليقين وفي حالة‬
‫الشك يحكم بالبراءة‪ 2‬ألن الشك يفسر صالحه املتهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد زكي أبو عامر‪" :‬اإلثبات في المواد الجنائية ‪ -‬دراسة فقهية وعلمية إلرساء نظرية عامة‪ -‬كتاب طبعة ‪،2011‬ص‪.108:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ann Jacols : « L’autorité de la chose jugée en matière pénale livre 2010, p :40.‬‬

‫الصفحة ‪316 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بعد هذه التوطئة التي حاولنا من خاللها التعريف بمبدأ االقتناع الوجداني للقاض ي‬
‫الجنائي‪ ،‬يحق لنا التساؤل عن قيمة الدليل العلمي في اإلثبات الجنائي‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬قيمة الدليل العلمي أو التكنولوجي في اإلثبات الجنائي‬


‫من املسلمات القانونية في مجال اإلثبات أن الحق غير املثبت ال وجود له ‪ ،1‬على اعتبار أن‬
‫الطرف الذي يكسب الدعوى ليس هو صاحب الحق دائما وإنما األقدر على اإلثبات أمام القضاء‪.‬‬
‫فاإلثبات هو طريق الحقيقة واإلثبات في امليدان الجنائي له ثالثة مراحل أولها االستدالل‬
‫عبر جمع عناصر التحقيق والثانية هي مرحلة التحقيق أما املرحلة األخيرة فهي املحاكمة‪ ،‬وكما سبق‬
‫الذكر فاملشرع املغربي مراعاة منه للتطورات التكنولوجية التي أخرجت للوجود ما يصطلح عليه‬
‫بالدليل العلمي‪ 2‬قد حاول إضفاء املرونة على نظام اإلثبات الجنائي عبر جعله حرا وغير مقيد‬
‫بوسائل بعينها وهو ما يجعل الدليل الكتروني مقبوال قانونا في اإلثبات‪.‬‬
‫واملقصود بالدليل العلمي كل وسيلة إثبات ال يتحصل عليها أو ال يتم االطالع عليها إال‬
‫باستعمال وسائل علمية تقنية كما أن الدليل العلمي‪ ،‬وحتى يعتد به يجب أن يحفظ بطرق مؤمنة‬
‫تضمن عدم تحريفه بشكل رقمي‪3‬أو املس بمحتواه‪ ،‬األمر الذي يتطلب متخصصين تقنيين في هذا‬
‫املجال كما يتطلب قضاة جنائيين مختصين وذوو تكوين عالي في مجال اإلعالميات والرقمنة‪.‬‬
‫واملالحظ أن بعض التشريعات املقارنة قد نظمت الدليل العلمي بمختلف أصنافه في‬
‫تشريعاتها الجنائية‪ ،‬ومنها على سبيل املثال املشرع البلجيكي الذي نظمه بمقتض ى املادة ‪ 39‬مكرر من‬
‫قانون التحقيق الجنائي الصادر في ‪ 28‬نونبر ‪ 2000‬مما سهل ضبط هذه األدلة ونسخها‪.4‬‬
‫بيد أن املشرع املغربي وإن لم يتطرق بشكل صريح لألدلة العلمية‪،‬إال في نصوص قليلة‬
‫ومتفرقة‪،5‬إال أنه وسع من نطاق القواعد املنظمة لإلثبات الجنائي وجعلها مرنة تتسع ملا استجد من‬
‫أدلة بهذا الخصوص‪ .‬وهو ما يجعلها مقبولة وذات حجية أمام القضاء سواء كانت خاصة باإلثبات‬

‫‪1‬‬
‫‪- Anthony Ben : « Les différents modes de preuves au cours du procès : Les témoignages et‬‬
‫‪attestations de témoins, article publié le 27/09/2011, p :1.‬‬
‫‪ - 2‬عبد الرزاق الزركاني‪ ":‬دور القاضي في تقدير أدلة اإلثبات‪ ،‬مقال ‪،2009‬ص‪.3-1:‬‬
‫‪ - 3‬محمد زروق‪":‬حجية الدليل االلكتروني مشروعيته أمام القضاء الجنائي مقال منشور في مجلة القانون واألعمال‪ ،‬السنة‬
‫‪،2018‬ص‪.10:‬‬
‫‪ - 4‬محمد زروق‪،‬م‪،‬س‪،‬ص‪.11:‬‬
‫‪ - 5‬كالمادة ‪ 108‬من قانون االلتزامات والعقود التي نظمت التقاط المكالمات وأخذ نسخها وتسجيلها‪.‬‬

‫الصفحة ‪317 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫أم النفي‪ ،‬على اعتبار أن الجريمة هي كيان مادي ونفس ي وواقعي‪ 1‬يمكن أن تثبت بكافة طرق اإلثبات‬
‫املشروعة‪ ،‬مع التزام القاض ي بتعليل‪ 2‬اقتناعه الشخص ي وتبرير سلطته التقديرية تجنبا للتحكم‬
‫وضمانا للتطبيق األمثل للعدالة والقانون‪ ،‬ناهيك عن تسهيل تبسيط محكمة النقض لرقابتها على‬
‫املقرر عبر قياس مدى استيعاب القاض ي للدعوى و األدلة تحقيقا لألمن القضائي عبر قبول‬
‫األطراف واملجتمع ملا يصدر عن قضاة املوضوع من أحكام‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫خالصة ملا سبق يتضح أن املشرع املغربي حاول مسايرة التكنولوجية في شتى امليادين‬
‫واملجاالت سواء تعلقت بجانب االستثمار أو فيما يخص تقريب اإلدارة من املواطنين‪،‬إضافة إلى أن‬
‫وباء كورونا‪-‬كوفيد ‪ -19‬وما فرضه من قيود تتعلق بالتنقل كانت وراء تشجيع العمل عن بعد وبروز ما‬
‫يسمى باملحاكمة عن بعد كلها عوامل دفعت املشرع إلى تنظيم هذه املستجدات بقواعد قانونية ذات‬
‫طابع تقني‪ ،‬إال أن مثل هذه التطورات املتسارعة وغير املستقرة في الزمان ستؤدي ال محال إلى‬
‫مراجعة القوانين بصفة دائمة‪ ،‬وهو ما من شأنه التأثير على األمن القانوني‪ ،‬بحيث أن املخاطبين‬
‫بهذه القواعد سيجيدون أنفسهم أمام قواعد قانونية تتغير بسرعة مما قد يمس استقرار معاملتهم‪.‬‬
‫إال أن مثل هاته اإلشكاالت يمكن تجاوزها بمجموعة من اآلليات لعل أبرزها النشر املسبق‬
‫أواالستباقي الذي تعتمده محكمة النقض في تقريرها السنوي إذا ما ارتأت تعديل اجتهاداتها‪،‬فهذه‬
‫التجارب‪ 3‬الناجحة يمكن أن تعتمدها أيضا السلطة التشريعية حتى يكون املخاطبين بهذه القواعد‬
‫على علم باملستجدات القانونية التي قد تمس اتفاقاتهم ومعامالتهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬بدوي المهدي‪":‬السلطة التقديرية للقاضي الجنائي وفقا للتشريع المغربي والمقارن"‪ ،‬مقال سنة النشر‪.2019‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Pierre Bolza : « Le droit à la preuve contraire en procédure pénale », thèse 2010, p :260, 261,‬‬
‫‪269.‬‬
‫‪ - 3‬كذلك هناك على سبيل المثال ال الحصر مشاريع القوانين التي يتم نشرها في موقع األمانة العامة للحكومة‪ ،‬رغم أنها لم يصادق‬
‫عليها البرلمان إال أنه يمكن أن تمنح للمخاطب بالقاعدة القانونية الخطوط العريضة لمشاريع القوانين‪.‬‬

‫الصفحة ‪318 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫‪ -‬الكتب‪:‬‬
‫‪ ‬محمد زكي أبو عامر‪":‬اإلثبات في املواد الجنائية ‪ -‬دراسة فقهية وعلمية إلرساء نظرية عامة‪-‬‬
‫طبعة ‪.2011‬‬
‫‪ -‬الرسائل واألطروحات‪:‬‬
‫‪ ‬خديجة قبال‪":‬الكتابة االلكترونية ‪ -‬دراسة مقارنة‪ -‬رسالة لنيل شهادة املاستر‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.2006/2005‬‬
‫‪ ‬سليمان الفخفاخ‪":‬دور القاض ي في اإلثبات بدليل االلكتروني دراسة في قانون التبادل‬
‫االلكتروني للمعطيات القانونية" رسالة لنيل شهادة املاستر‪ ،‬السنة ‪.2009/2010‬‬
‫‪ ‬يونس لعناني‪":‬اإلثبات في العقود التجارية" رسالة لنيل شهادة املاستر‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2019/2018‬‬
‫‪ ‬بنسالم أوديجا‪":‬سلطة القاض ي في اإلثبات في املدنية" أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ‪/2015‬‬
‫‪.2014‬‬
‫‪ ‬عبد الجليل فدادي‪":‬اإلثبات في نظام البطاقة البنكية" رسالة لنيل املاستر‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2015/2014‬‬
‫‪ -‬املقاالت‪:‬‬
‫محمد أهتوت‪":‬شكلية اإلثبات في العقود االلكترونية" مقال سنة النشر ‪.2018‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد الرزاق الزركاني‪ ":‬دور القاض ي في تقدير أدلة اإلثبات‪ ،‬مقال نشر سنة ‪.2009‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد زروق‪":‬حجية الدليل االلكتروني مشروعيته أمام القضاء الجنائي مقال منشور في‬ ‫‪‬‬
‫مجلة القانون واألعمال‪ ،‬السنة ‪.2018‬‬
‫بدوي املهدي‪":‬السلطة التقديرية للقاض ي الجنائي وفقا للتشريع املغربي واملقارن"‪ ،‬مقال سنة‬ ‫‪‬‬
‫النشر‪.2019‬‬
‫مراجع باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫الصفحة ‪319 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


2023 ‫ دجنبر‬،‫العدد الثاني‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

- Ann Jacols : « L’autorité de la chose jugée en matière pénale


livre 2010.
- Anthony Ben : « Les différents modes de preuves au cours du
procès : Les témoignages et attestations de témoins, article
publié le 27/09/2011.
- Pierre Bolza : « Le droit à la preuve contraire en procédure
pénale », thèse 2010.

320 : ‫الصفحة‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫رقابة القاضي الضريبي على إجراءات تحصيل الدين‬


‫الضريبي‬
‫نورة جبران‬
‫ح ـمــزة ل ـقــوز‬
‫خريجي ماستر قانون املنازعات بالكلية‬
‫متعددة التخصصات بالرشيدية‬
‫‪ -‬مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر تحصيل الديون العمومية بصفة عامة‪ ،‬وتحصيل الدين الضريبي خصوصا من أهم‬
‫مواضيع املالية العامة‪ ،‬التي لم تنل كل ما تستحق من الدراسة بفعل عوامل استئثار قضايا الوعاء‬
‫بالعناية أكثر على حساب مادة التحصيل وسيادة ثقافة تنحو نحو اختزال هذه املادة األخيرة تقريبا‬
‫في االستيفاء التلقائي أو الطوعي لديون الدولة ‪ ،1‬غير أنه مع تراكم الباقي استخالصه وتفاقم ظاهرة‬
‫التملص من الوفاء بالديون العمومية‪ ،‬قفز املوضوع إلى واجهة االهتمام‪.‬‬

‫ولعل من أهم مظاهر هذا االهتمام إصدار القانون رقم ‪ )2( 15-97‬بمثابة مدونة تحصيل‬
‫الديون العمومية الذي شكل حدثا قانونيا هاما جدا‪ ،‬ذلك أن إصالح املنظومة القانونية العامة‬
‫املتعلقة بمجال األعمال ابتداء من صدور مدونة التجارة وقوانين جديدة للشركات ومدونة جديدة‬
‫للجمارك والضرائب غير املباشرة وغيرها من اإلصالحات القانونية‪ ،‬وقبلها إحداث محاكم‬
‫متخصصة في املجال اإلداري والتجاري‪ ،‬كل ذلك كان سيظل ناقصا وغير فعال دون إعادة النظر‬
‫جذريا في مسطرة وأليات تحصيل الديون العمومية باعتبار تجاوز وعدم مالئمة التشريع القديم‬
‫املتمثل أساسا في ظهير ‪ 21‬غشت ‪ 1935‬املتعلق بنظام املتابعات في ميدان الضرائب املباشرة‬
‫والرسوم املماثلة والديون األحرى من جهة‪ ،‬والظهير الصادر في ‪ 22‬نونبر ‪ 1924‬الخاص بتحصيل‬

‫‪ - 1‬سعيد اولعربي‪ ،‬إشكالية تحصيل ديون الدولة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،2016 ،‬الصفحة‪.11 :‬‬
‫‪ - 2‬ظهير شريف رقم ‪ 1.00.175‬صادر في ‪ 28‬من محرم ‪ 1421‬الموافق ل ‪ 3‬ماي ‪ 2000‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 15-97‬بمثابة‬
‫مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4800‬بتاريخ فاتح يونيو ‪.2000‬‬

‫الصفحة ‪321 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ديون الدولة من جهة أخرى ‪ ،1‬وهكذا جاءت مدونة تحصيل الديون العمومية في الوقت املناسب‬
‫تكريسا لدولة الحق والقانون واستجابة لتطورات األوساط االقتصادية واالجتماعية والسياسية في‬
‫هذا املجال‪.‬‬

‫وقد عرف القانون رقم ‪ 15-97‬في املادة األولى منه التحصيل بأنه مجموع العمليات‬
‫واإلجراءات التي تهدف إلى حمل مديني الدولة والجماعات الترابية وهيأتها واملؤسسات العمومية على‬
‫تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتض ى القوانين واألنظمة الجاري بها العمل‪ ،‬أو ناتجة عن أحكام‬
‫وقرارات القضاء أو عن االتفاقات‪ ،‬كما أن املادة الثانية من نفس القانون جعلت في حكم الديون‬
‫العمومية كل من الضرائب املباشرة للدولة والرسوم املماثلة‪ ،‬وكذا الضريبة على القيمة املضافة‬
‫املشار إليها بعبارة " الضرائب والرسوم " ‪ ،‬وكذلك ضرائب ورسوم الجماعات الترابية وهيئاتها‪.‬‬

‫إن مصطلح التحصيل يعبر عن عبارات متعددة كاإلستيفاء واألداء واإلستحقاق كلها تفيد‬
‫إجراءات وعمليات من خاللها يتم أداء ما بذمة امللزم اتجاه اإلدارة الضريبية‪ ،‬ومعلوم أن تحصيل‬
‫الدين الضريبي وفق مدونة تحصيل الديون العمومية يكون إما رضائي يبتدئ من تاريخ الشروع في‬
‫التحصيل أو اإلصدار إلى تاريخ اإلستحقاق‪ ،‬وقد يكون جبريا يطبق على املدين الذي لم يؤدي ما‬
‫بذمته داخل آجل األداء الرضائي‪.‬‬

‫وهكذا فقد ألزم املشرع املغربي في إطار مسطرة التحصيل الجبري اإلدارة الضريبية بضرورة‬
‫التقيد بإجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي كضمانات للملزم‪ ،‬وذلك من حيث احترام‬
‫التسلسل‪ ،‬وكذلك من حيث صحة اإلجراءات املتخذة من لدن اإلدارة الضريبية‪.‬‬

‫وتنبع أهمية موضوع منازعات تحصيل الدين الضريبي من خالل األهمية التي تحظى بها‬
‫الضرائب في املشاركة في تمويل وتحمل النفقات العمومية حسب القدرة التكليفية لكل مواطن‪ ،‬وهو‬
‫ما جاء في ثنايا الدستور املغربي في الفصل ‪ 39‬منه(‪ ،) 2‬كما أن منازعات تحصيل الدين الضريبي‬
‫تعرف ارتفاعا مضطردا أمام القضاء اإلداري بالنظر إلى الغموض الذي يكتس ي بعض بنود النص‬

‫‪ - 1‬عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي‪ ،‬اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون العمومية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار‬
‫النشر المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2000 ،‬الصفحة ‪.17‬‬

‫‪ - 2‬ظهير شريف رقم ‪ 1.11.91‬صادر في ‪ 27‬من شعبان ‪ 1432‬الموافق ل ‪ 29‬يوليو ‪ 2011‬بتنفيذ نص الدستور‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 5964‬مكرر بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ ،2001‬الصفحة ‪.3600‬‬

‫الصفحة ‪322 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القانوني املنظم لعملية التحصيل‪ ،‬كما تبرز أهمية هذا املوضوع من خالل تحوالت مواقف القضاء‬
‫اإلداري في الوقت الراهن بخصوص بعض القضايا التي تطرحها منازعات التحصيل‪.‬‬

‫من منطلق هذه األهمية‪ ،‬تبرز اإلشكالية املحورية التي يطرحها موضوع منازعات تحصيل‬
‫الدين الضريبي في بحث دور لرقابة القضاء الضريبي على إجراءات تحصيل الدين الضريبي‬
‫بالشكل الذي يحقق العدالة؟‬

‫وعلى ضوء هذه اإلشكالية يمكن القول على أن القضاء اإلداري بتعامله مع مقتضيات‬
‫مدونة تحصيل الديون العمومية في إطار منازعات إجراءات تحصيل الدين الضريبي قد استطاع‬
‫فرض رقابته على اإلدارة الضريبية من خالل إجراءات التحصيل وكذلك ساهم بأحكامه الجريئة‬
‫واالنشائية بتحقيق التوازن بين أطراف العالقة الضريبية‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس سيتم مقاربة هذا املوضوع وفق التصميم التالي‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رقابة القضاء على تسلسل إجراءات التحصيل‬

‫املبحث الثاني‪ :‬الرقابة القضائية على صحة إجراءات التحصيل‬

‫الصفحة ‪323 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املبحث األول‪ :‬رقابة القضاء على تسلسل إجراءات التحصيل‬


‫حدد املشرع املغربي درجات تحصيل الدين العمومي سواء أكان ضريبيا أو غير ذلك بموجب‬
‫املادة ‪ 39‬من مدونة تحصيل الديون العمومية والتي تنص على أنه‪ " :‬تباشر إجراءات التحصيل‬
‫الجبري لديون العمومية حسب الترتيب التالي‪ - :‬اإلنذار؛ ‪ -‬الحجز؛ ‪ -‬البيع‪.‬‬

‫ويمكن أيضا اللجوء إلى اإلكراه البدني لتحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية‬
‫األخرى وفق الشروط املنصوص عليها في املواد ‪ 76‬إلى ‪." 83‬‬

‫وتشمل إجراءات التحصيل تلك اإلجراءات التي ألزم املشرع املحاسب املكلف بالتحصيل أن‬
‫يقوم بها قبل مباشرة التحصيل الجبري للدين الضريبي (املطلب األول)‪ ،‬كما تشمل إجراءات‬
‫التحصيل كذلك ما نصت عليه املادة ‪ 39‬في إطار إجراءات التحصيل الجبري (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬اإلجراءات السابقة للتحصيل الجبري للدين الضريبي‬

‫بالرجوع للمادة ‪ 36‬من مدونة تحصيل الديون العمومية نجد املشرع نص على أنه‪ " :‬ال‬
‫يمكن مباشرة التحصيل الجبري إال بعد إرسال أخرإشعارللمدين دون صائر‪ ،‬ويجب تقييد تاريخ‬
‫إرسال هذا اإلشعار في جدول الضرائب والرسوم أو في أي سند تنفيذي أخر‪ ،‬ويعتد بهذا التقييد‬
‫ما لم يطعن فيه بالزور"‪ ،‬كما نص املشرع بموجب املادة ‪ 37‬على ضرورة الحصول على ترخيص‬
‫مسبق من رئيس اإلدارة التي ينتمي إليها املحاسب املكلف بالتحصيل أو من الشخص املفوض له‬
‫ذلك‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلشع ـ ـار‬

‫ً‬
‫يشكل إرسال أخر إشعار بدون صائر إجراء شكليا من إجراءات التحصيل الرضائي للدين‬
‫الضريبي‪ ،‬يهدف إلى تنبيه امللزم وتذكيره باملديونية التي لم يتم سددها بعد في إطار التحصيل‬
‫الرضائي للدين الضريبي‪ ،‬وتظهر أهمية هذا اإلجراء من خالل ضرورة تقييده في جدول الضرائب أو‬

‫الصفحة ‪324 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الرسوم متى تعلق األمر بالضرائب أو الرسوم‪ ،‬وإما تقييده في أي سند تنفيذي أخر متى تعلق األمر‬
‫بديون عمومية أخرى‪.‬‬
‫واملثير لالنتباه في هذا الصدد أن املشرع اقتصر فقط على مجرد إرسال هذا اإلشعار ولم‬
‫ً‬
‫ينص على التبليغ‪ ،‬مما يشكل ضربا في أحد الضمانات التي يتمتع بها املدين‪ ،‬خصوصا وأن اإلدارة‬
‫توجه هذا اإلنذار بالبريد العادي دون املضمون مع اإلشعار بالتوصل‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬فاإلشكال الذي يطرحه هذا اإلجراء يتمثل في ما الفائدة من إرسال اإلشعار ما لم يتم‬
‫التوصل به من طرف امللزم؟ وما هي األثر املترتبة عن عدم احترام هذا اإلجراء قبل الشروع في‬
‫مسطرة التحصيل الجبري؟‬

‫لقد ذهب العمل القضائي إلى إلزام القابض باإلدالء بما يفيد أنه وجه إشعار دون صائر إلى‬
‫امللزم قبل مباشرة إجراءات التحصيل الجبري تحت طائلة بطالن إجراءات التحصيل الجبري‪ ،‬حيث‬
‫جاء في أحد قرارات محكمة النقض‪ 1‬ما يلي‪ " :‬لكن حيث أن املحكمة ملا تبت لها من وثائق امللف أن‬
‫القابض لم يدل بما يفيد أنه وجه إشعار دون صائر إلى املعني باألمر قبل مباشرة إجراءات التحصيل‬
‫في حقه‪ ،‬وأن قوائم اإلنذارات املدلى بها من طرفه خالية من أي تقييد يفيد ذلك‪ ،‬واعتبرت أن‬
‫ً‬
‫إجراءات التحصيل الجبري املذكورة باطلة طبقا ملقتضيات املادة ‪ 36‬من مدونة تحصيل الديون‬
‫العمومية‪ ،‬مع ما يترتب عن ذلك قانونا من إبطال إلجراء اإلنذار العقاري‪ ،‬تكون قد بنت قضاءها‬
‫على أساس سليم من القانون‪ ،‬ولم تخرق املقتضيات القانونية املحتج بها في ش يء‪ ،‬وما بالوسيلة على‬
‫غير أساس"‪.‬‬

‫وعلى نفس املنوال سارت محاكم املوضوع‪ ،‬حيث قضت محكمة االستئناف اإلدارية‬
‫بمراكش في قرار حديث لها‪ 2‬بما يلى " ‪ ...‬لكن حيث إنه خالفا ملا أثير بمقتض ى سبب اإلستئناف فإنه‬
‫بإستقراء املادة ‪ 36‬من مدونة تحصيل الديون العمومية يتضح أنه ال يمكن مباشرة التحصيل‬
‫الجبري إال بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صوائر‪ ،‬وأنه ملا أحجمت إدارة الضرائب عن اإلدالء‬
‫بوثيقة تؤكد تحقق الشرط املذكور قبل مباشرة إجراءات التحصيل الجبري‪ ،‬فإن تلك اإلجراءات‬
‫‪ - 1‬قرار محكمة النقض عدد‪ 515/1‬الصادر بتاريخ ‪ 2013/5/30‬في الملف اإلداري عدد‪ ،2012/1/4/1615‬أورده عمر‬
‫أزوكار‪ ،‬الدليل العملي لمدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2017 ،‬الصفحة‬
‫‪.13‬‬
‫‪ - 2‬قرار محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش عدد ‪ 662‬الصادر بتاريخ ‪ 2019/4/3‬في الملف عدد ‪ ،2018/7209/2237‬غير‬
‫منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪325 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تكون باطلة وأن ما تمسكت به اإلدارة بمقتض ى وسائل استئنافها غير منتج ألن العبرة من تنصيص‬
‫ً‬
‫حاسما‬ ‫املشرع على إرسال اإلشعار بدون صائر تكون بتوصل امللزم به بصفة قانونية بإعتباره إجر ًاء‬
‫يفصل بين مرحلتي التحصيل الرضائي والجبري‪ ،‬مما تبقى معه جهة التحصيل ملزمة بتبليغه للملزم‬
‫ومطالبة بإثبات التوصل به ‪ ...‬مما يبقى معه الحكم املستأنف ملا قض ى بإلغاء إجراءات التحصيل‬
‫لتلك العلة صائبا وواجب التأييد "‪.‬‬
‫أما في ما يخص اإلكتفاء بإرسال اإلشعار دون تبليغه‪ ،‬فمحاكم املوضوع تستند على قضاء‬
‫ً‬
‫محكمة النقض في هذا اإلطار وتحديدا في قرارها عدد ‪ 93‬الصادر بتاريخ ‪ 2011/10/27‬في امللف‬
‫عدد ‪ 806/4/2/2009‬املؤيد للحكم بعدم قانونية اإلشعار بدون صائر الذي لم يقع تبليغه إلى‬
‫املدين‪ ،‬وهذا ما يستفاد مما جاء في قرار ملحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط‪ ... " :‬يتضح بأن جهة‬
‫الخزينة قد تخلفت عن اإلدالء بما يفيد تبليغها إلى املستأنف أخر إنذار بدون صائر بخصوص‬
‫الضرائب موضوع الطلب الوارد ذكرها أعاله‪ ،‬خارقة بذلك مقتضيات الفصلين ‪ 36‬و‪ 41‬من القانون‬
‫‪ 97-15‬املنظم ملدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬مما يجعل الحكم (املستأنف) مجانبا للصواب‪،‬‬
‫وهو ما يقتض ي إلغاءه ‪ ...‬وذلك تماشيا مع ما درج عليه العمل القضائي اإلداري كما يصادف في قرار‬
‫الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض عدد ‪ 93‬بتاريخ ‪ 2011/10/27‬في امللف رقم ‪ 2009/2/4/806‬الذي‬
‫أوجب على محكمة املوضوع التحقق من تبليغ اإلشعار بدون صائر إلى امللزم وعدم االعتداد بمجرد‬
‫توجيه أو إرسال ذلك اإلشعار" ‪.1‬‬
‫وقضاء املوضوع اإلداري مازال على نفس النهج ‪ ،‬حيث صدر عن محكمة االستئناف اإلدارية‬
‫بمراكش قرار حديث سنة ‪)2( 2019‬جاء فيه‪ ... " :‬لكن حيث تبين للمحكمة من خالل اطالعها على‬
‫الوثائق املدلى بها من طرف إدارة الضرائب رفقة مقال استئنافها أنها ال تتضمن ما يفيد توصل‬
‫املستأنف عليه سواء بأخر إشعارات بدون صائر املؤرخة في ‪ 2014/07/22‬و‪2015/03/04‬‬
‫و‪ ،2015/10/31‬أو باإلنذار املؤرخ في ‪ ،2014/06/13‬مما تكون معه مسطرة اإلشعار للغير الحائز‬
‫التي باشرها القابض في مواجهة املستأنف عليه مخالفة لقانون كما انتهى إلى ذلك عن صواب‬
‫الحكم املستأنف الذي يتعين الحكم بتأييده "‪.‬‬

‫‪ - 1‬قرار محكمة اإلستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 3928‬الصادر بتاريخ ‪ 2012/10/15‬في الملف عدد ‪ ،771/12/9‬أورده عمر‬
‫أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.13‬‬
‫‪ - 2‬قرار محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش عدد ‪ 381‬الصادر بتاريخ ‪ 2019/02/21‬في الملف عدد ‪ ،2018/7209/1823‬غير‬
‫منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪326 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫بذلك فإن عدم تبليغ إشعار بدون صائر يعد خرق ملبدأ تدرج إجراءات تحصيل الدين‬
‫العمومي بصفة عامة والدين الضريبي بصفة خاصة‪ ،‬مما يترتب عنه بطالن ما يستتبعه من‬
‫إجراءات التحصيل‪.‬‬

‫وفيما يخص موعد توجيه اإلشعار بدون صائر‪ ،‬فإنه يتوجب على املحاسب أن يقوم بهذا‬
‫اإلجراء داخل عشرة أيام بعد تاريخ اإلستحقاق‪ ،‬وذلك على أبعد تقدير‪ ،‬وهذا ما يستفاد من املادة‬
‫‪ 41‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحصول على ترخيص مسبق‬

‫عمل املشرع في إطار اإلجراءات السابقة إلجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي إلى سن‬
‫أحد اإلجراءات التي ال تقل أهمية عن إرسال أخر إشعار بدون صائر وهو ضرورة حصول املحاسب‬
‫املكلف بالتحصيل على ترخيص مسبق يعد بمثابة اإلذن له بالتنفيذ على أموال املدين‪.‬‬

‫وتبرز أهمية هذا اإلجراء من خالل ما رتبه املشرع من جزاء على مخالفته بموجب املادة ‪35‬‬
‫من مدونة تحصيل الديون العمومية والتي جاء فيها "‪ ....‬يمنع تحت طائلة العزل على مأموري التبليغ‬
‫والتنفيذ للخزينة وعلى أي شخص مؤهل لذلك‪ ،‬القيام بأعمال التحصيل الجبري دون ترخيص‬
‫مسبق وفق األشكال املحددة في هذا القانون"‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد أقرت محكمة النقض عدم أحقية القابض ملمارسة الحجز إال بناء على‬
‫سند تنفيذي‪ ،‬لذلك قضت ببطالن حجز مبالغ مالية من حساب أحد األفراد في غياب اإلدالء‬
‫بالسند التنفيذي‪ ،‬حيث جاء في قرار لها‪ ... " 1‬ومن جهة ثالثة‪ ،‬فإن محكمة اإلستئناف اإلدارية ملا‬
‫تبت لها من وثائق امللف أن املطلوب في النقض قد نازع في حجز وسحب املبلغ املذكور من حسابه‪،‬‬
‫وأن القابض لم يدلي بالسند التنفيذي الذي على أساسه تم حجز وسحب ذلك املبلغ‪ ،‬واعتبرت أن‬
‫إجراء الحجز والسحب غير مؤسس وتم إجراءه بدون وجه حق ويبقى واجب اإللغاء مع ترتيب األثر‬
‫القانونية على ذلك بتمكين املطلوب في النقض من املبلغ املسحوب من حسابه البنكي‪ ،‬تكون قد بنت‬
‫قضاءها على أساس سليم من القانون وعللت قرارها تعليل كافي ‪."....‬‬

‫‪ - 1‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 1098‬الصادر بتاريخ ‪ 2012/12/27‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،2012/1/4/692‬أورده عمر‬
‫أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.42‬‬

‫الصفحة ‪327 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن هذا اإلجراء ترد عليه بعض االستثناءات بموجب املادة ‪ 53‬من مدونة‬
‫تحصيل الديون العمومية‪ ،‬بحيث أنه عندما يتعلق األمر بأخذ املدين لألثاث والثمار خفية ويخش ى‬
‫معها ضياع ضمان الخزينة فإن املحاسب املكلف بالتحصيل إذا بلغ إلى علمه ذلك يجري مباشرة‬
‫حجز على املحاصيل أو الثمار من دون الحاجة إلى ترخيص‪ ،‬وهذا ما زكته محكمة االستئناف‬
‫اإلدارية بالرباط في قرار لها جاء فيه‪ ... " 1‬حيث إن القابض لذى إخباره لقيام الشركة املستأنف‬
‫عليها بنقل االليات من الورش ونظرا ألنية هذا التصرف من حيث الزمان واملكان ولعدم حصول‬
‫املستأنف عليها على ترخيص بإستغالل امللك العمومي مؤقتا وعدم توفر الجماعة والقابض على‬
‫عنوان مقرها االجتماعي‪ ،‬يكون اإلنذار بمثابة حجز تحفظي املتخذ من طرفه ( القابض ) ‪ ...‬إجراء‬
‫قانونيا مشروعا والحكم املستأنف ملا نحى غير هذا املنحى يكون مجانبا للصواب وواجب اإللغاء في‬
‫الشق القاض ي بإلغاء مسطرة التحصيل "‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬درجات التحصيل الجبري للدين الضريبي‬

‫إذا كانت مدونة تحصيل الديون العمومية قد أقرت بضرورة إحترام اإلدارة الضريبية‬
‫لدرجات التحصيل الجبري للدين الضريبي‪ ،‬فإن مسطرة اإلشعار للغير الحائز تثير إشكال فيما‬
‫يخص مدى خضوعها للتسلسل في إجراءات التحصيل‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬امللزم وضرورة الخضوع للتدرج في إجراءات التحصيل‬


‫أثار ترتيب إجراءات التحصيل الجبري نقاشا واسعا في ظل النظام السابق للتحصيل‪ ،‬وذلك‬
‫لكون الفصل ‪ 27‬من ظهير ‪ 21‬غشت ‪ 1935‬كان ينص على أن درجات املتابعات ترتب كالتالي‪-1 :‬‬
‫اإلنذار‪ -2 ،‬أ‪ .‬اإلكراه البدني ب‪ .‬الحجز‪ -3 ،‬البيع‪.‬‬

‫كما أن الفصل ‪ 30‬من ذات الظهير نص على جواز إجراء اإلكراه البدني من أجل استخالص‬
‫الضرائب وغيرها من الديون الواجب الوفاء بها حيال املدينين الذين لم يكونوا في ظرف ‪ 20‬يوم‬
‫املوالية لتاريخ تبليغ اإلنذار إما قد باشروا أداء دينهم بتمامه‪ ،‬أو قد أبدو عسرهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬قرار محكمة االستئناف بالرباط عدد ‪ 120‬الصادر بتاريخ ‪ 2012/1/16‬في الملف عدد ‪ ،398/11/9‬أشار إليه عمر أزوكار‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.44‬‬

‫الصفحة ‪328 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وقد حسمت مدونة تحصيل الديون العمومية الجديدة هذا اإلشكال القانوني‪ ،‬حيث‬
‫تطرقت املدونة في املادة ‪ 39‬بكل وضوح لدرجات التحصيل الجبري حسب ترتيبها املنطقي اإلنذار‬
‫والحجز تم البيع‪ ،‬وأضافت نفس املادة في الفقرة األخيرة أنه يمكن اللجوء إلى اإلكراه البدني وفق‬
‫الشروط املنصوص عليها في املواد ‪ 76‬إلى ‪ ،83‬وبهذا املقتض ى الجديد تكون املدونة قد منحت مديني‬
‫الدولة فرصة أخيرة لتمكينهم من التحلل من ديونهم الضريبية قبل أن تصبح خاضعة لصوائر‬
‫وإضافات مالية تفوق في بعض األحيان أصل الدين الضريبي‪ ،‬لذلك فبعد استيفاء اآلجال املحددة‬
‫للتحصيل الرضائي‪ ،‬يكون القابض في هذه املرحلة ملزما بإتباع مختلف التدابير واإلجراءات قصد‬
‫الضغط على املدين ألداء ديون الخزينة ‪.1‬‬

‫والقضاء اإلداري من جانبه استقر على ضرورة احترام اإلدارة ملبدأ تسلسل إجراءات‬
‫التحصيل تحت طائلة بطالن اإلجراء الالحق لإلجراء السابق‪ ،‬ذلك أنه من حق الخاضع للضريبة في‬
‫حالة ما إذا عمدت مصالح الخزينة إلى إجراء حجز على عقاره مثال دون سلوك اإلجراءات السابقة‬
‫لهذا االجراء‪ ،‬أن يطعن في هذه اإلجراءات لعدم احترام مبدأ تدرج املتابعة واملطالبة ببطالن إجراءات‬
‫التحصيل الجبري‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فالقضاء يمارس رقابته على اإلدارة من حيث مدى إحترامها ملبدأ تسلسل إجراءات‬
‫التحصيل‪ ،‬وفي هذا املضمار قض ى املجلس األعلى سابقا في إحدى قراراته بما يلى‪ ... " 2‬لكن حيث إن‬
‫املادتين ‪ 36‬و‪ 41‬من مدونة تحصيل الديون العمومية توجب على القابض إحترام تدرج إجراءات‬
‫التحصيل وقطعها مرحلة مرحلة وفي اآلجال املنصوص عليه في القانون‪ ،‬وذلك بالقيام باإلجراء‬
‫السابق تراعي فيه الشكليات القانونية ثم الذي يليه بنفس الكيفية تحت طائلة بطالن تلك‬
‫اإلجراءات‪ ،‬وهذه املسطرة مستقلة بذاتها وال تتعلق بمقتضيات املادة ‪ 119‬من نفس املدونة وليست‬
‫تعرضا على االجراء املتخذ من حيث الشكل يستوجب التكوين املسبق للضمانات املنصوص عليها في‬
‫املادة ‪ 118‬ويكون ما أثير بدون أساس‪ ....‬لكن حيث إن املستأنف لم يثبت تبليغ اإلشعار بدون صائر‬
‫إلى املستأنف عليه حتى يكون صحيحا ومنتجا ألثاره‪ ،‬ألن هذا التبليغ يعتبر ضمانة جوهرية للمدين‬
‫قبل فرض غرامات التأخير عليه وال يكفي تقييد تاريخ اإلرسال بالجدول الضريبي وإحترام اآلجل‬
‫‪ - 1‬نجالء أحمينة‪ " ،‬اإلجراءات العادية واالستثنائية لتحصيل الديون العمومية "‪ ،‬مجلة المنارة‪ ،‬عدد خاص ‪ ،2018‬الصفحة ‪.289‬‬
‫‪ - 2‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 53‬الصادر بتاريخ ‪ 2004/2/21‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،2003/2/4/785‬أورده محمد قصري‪،‬‬
‫المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء اإلداري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار ابي رقراق للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪ ،2009‬الصفحة ‪ 552‬وما يليها‪.‬‬

‫الصفحة ‪329 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القانوني ملباشرة إجراءات التحصيل الالحقة بل البد من تبليغ اإلشعار املذكور تحت طائلة بطالن‬
‫تلك اإلجراءات وأن الحكم املستأنف ملا صار على هذا النوع كان صائبا وواجب التأييد "‪.‬‬
‫وعلى منوال الغرفة اإلدارية باملجلس األعلى أوضحت إدارية الرباط في حكم لها ما يلي‪... " 1‬‬
‫لكن حيث من جهة أخرى‪ ،‬تنص املادة ‪ 39‬من نفس املدونة على أن إجراءات التحصيل للديون‬
‫العمومية تباشر حسب الترتيب ابتداء من اإلنذار ثم الحجز ثم البيع‪ ،‬وطبقا ملقتضيات املادة ‪36‬‬
‫فإنه ال يمكن مباشرة التحصيل الجبري إال بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صائر ويجب تقييد‬
‫تاريخ إرساله في جدول الضرائب والرسوم أو أي سند تنفيذي أخر‪ ،‬ويعتد بهذا التقييد ما لم يطعن‬
‫فيه بالزور‪.‬‬
‫وحيث بالرجوع إلى اإلنذارات املحتج بها من طرف القابض‪ ،‬يتضح أن االنذارين األول‬
‫والثالث ‪ ...‬يخصان الضريبة على القيمة املضافة والضريبة العامة على الدخل وال عالقة لهما‬
‫بالضرائب موضوع النزاع‪ ،‬كما أن اإلنذار الرابع رقم ‪ 433‬بتاريخ ‪ 2006/5/10‬وإن أشير إليه في طلب‬
‫مذكرة الجواب‪ ،‬إال أنه لم يقع االدالء به‪ ،‬في حين أن اإلنذار الثاني رقم ‪ 2359‬بتاريخ ‪2005/5/11‬‬
‫يتعلق فقط بالضريبة على الشركات دون الضريبة املهنية‪ ،‬كما تم بشأنه اللجوء إلى مسطرة التعليق‬
‫طبقا للمادة ‪ 43‬من املدونة ‪ ...‬باإلضافة إلى أنه لم يدل بما يفيد أنه قام كذلك بإرسال أخر إشعار‬
‫بدون صائر وتقييده في الجدول الضريبي عمال بمقتضيات املادة ‪ 36‬أعاله‪ ،‬األمر الذي تكون معه‬
‫إجراءات التحصيل التي باشرها القابض سواء بالنسبة للضريبة على الشركات أو الضريبة املهنية‬
‫غير سليمة ويتعين التصريح ببطالنها "‪.‬‬
‫عموما يتبين من خالل رصدنا لهذه املقررات القضائية بأن إجراءات التحصيل الجبري‬
‫إجراءات واردة على سبيل الترتيب وال يمكن لإلدارة الضريبية أن تحل إجراء الحق محل إجراء سابق‪،‬‬
‫وإال اعتبرت معه مسطرة التحصيل الجبري للدين الضريبي باطلة‪ ،‬ذلك ان املشرع والقضاء أيضا من‬
‫خالل إقرارهما ملبدأ تدرج املتابعة راعيا الهدف منه وهو حماية امللزم بالضريبية بصفة خاصة‬
‫وبالدين العمومي بصفة عامة باعتباره الطرف الضعيف في الحلقة الجبائية والحد من تعسف‬
‫اإلدارة الضريبية‪.‬‬

‫‪ - 1‬حكم إدارية الرباط عدد ‪ 88‬الصادر بتاريخ ‪ 2008/1/9‬في الملف رقم ‪ ،06/148‬حكم غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪330 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مسطرة اإلشعارللغيرالحائز‬


‫وإشكالية الخضوع للتدرج في إجراءات التحصيل‬

‫يشكل اإلشعار للغير الحائز وسيلة قانونية تمكن املحاسب من استخالص الدين‬
‫الضريبي املتمتع بامتياز الخزينة بين يدي األغيار الحائزين لها‪ ،‬ذلك أن اللجوء إليها ال يكون إال بعد‬
‫استنفاذ مرحلة التحصيل الرضائي التي منحها املشرع للمدين من أجل تسوية وضعيته بشكل حبي‪،‬‬
‫فهي إذن مسطرة جبرية تنطوي على وسيلة االكراه املباشر‪ ،‬كما أنها تعد مسطرة بسيطة ال تتطلب‬
‫كثرة اإلجراءات الشكلية املطلوبة في غيرها من إجراءات التحصيل الجبري‪ ،‬الش يء الذي جعل منها‬
‫الوسيلة األنجع بالنسبة للمكلفين بتحصيل الديون الضريبية‪.‬‬

‫ومدونة تحصيل الديون العمومية لم تدرج مسطرة االشعار للغير الحائز في درجات املتابعة‬
‫املنصوص عليها في املادة ‪ 39‬من املدونة‪ ،‬الش يء الذي أدى معه إلى التساؤل حول مدى خضوع هذه‬
‫املسطرة للتدرج في إجراءات التحصيل‪ ،‬والذي يعد من أهم حقوق امللزم‪ ،‬إذ كيف يعقل أن تلجأ‬
‫اإلدارة الضريبية للحجز مباشرة على أموال املدين بواسطة مسطرة االشعار للغير الحائز بدون‬
‫احترام مبدأ تدرج املتابعة الذي يقتض ي أوال إنذار املدين‪ ،‬تم الحجز فالبيع مع إمكانية سلوك‬
‫مسطرة االكراه البدني‪.‬‬

‫أمام هذا الغموض التشريعي الذي يعتري مسطرة اإلشعار للغير الحائز فيما يخص مدى‬
‫خضوعها ملبدأ التدرج في املتابعة‪ ،‬فقد تدخل القضاء اإلداري من خالل مجموعة من املقررات‬
‫القضائية لتكييف اإلشعار للغير الحائز ضمن اإلجراءات املنصوص عليها في املادة ‪ 39‬من مدونة‬
‫تحصيل الديون العمومية‪ ،‬وفي هذا قضت إدارية أكادير بأن الحجز بواسطة اإلشعار للغير للحائز‬
‫يعتبر في حد ذاته حجزا تنفيذيا على أموال املدين‪ ،‬ومن تم يشترط أن ينصب على أموال املدين دون‬
‫غيره‪ ،‬وأن تحترم بشأنه قاعدة تدرج املتابعات كما هي منصوص عليها في القانون ‪ 15-97‬من توجيه‬
‫اإلنذار بدون صائر وتبليغ قانوني لإلنذار الضريبي قبل الحجز‪ ،‬وأن كل إخالل بهذه الشروط يجعل‬
‫إجراء الحجز غير مبرر ‪.1‬‬

‫‪ - 1‬حكم إدارية أكدير عدد ‪ 2009/29‬الصادر بتاريخ ‪ 2009/01/28‬في الملف عدد ‪ ،2009/29‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪331 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫والقضاء اإلداري مازال مستقر على هذا التوجه الذي يعتبر مسطرة اإلشعار للغير الحائز‬
‫تدخل ضمن اإلجراءات الجبرية املنصوص عليها في املادة ‪ 39‬من مدونة التحصيل‪ ،‬إذ يجب أن تحترم‬
‫بشأنها قاعدة تدرج املتابعات تحت طائلة بطالن إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي‪ ،‬وفي‬
‫هذا قضت إدارية الدار البيضاء في حكم حديث لها صادر سنة ‪ 2018‬بما يلي " ‪ ...‬وحيث أسس‬
‫املدعي طلبه على وسلتين‪ ،‬كون الجهة املدعى عليها قد قامت بسلوك مسطرة اإلشعار للغير الحائز‬
‫بدون احترام املقتضيات املنصوص عليها في املادتين ‪ 36‬و‪ 39‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‬
‫من خالل عدم احترام مبدأ التدرج في املتابعات وكذا كونه معفى مؤقتا من أداء الضريبة على‬
‫األراض ي املبنية برسم السنوات ‪.2013/2012/2011‬‬
‫وحيث أمسك املجلس املدعى عليه عن الجواب بخصوص ما تمسك به املدعي من بطالن‬
‫مسطرة اإلشعار للغير الحائز ولم يدلي بأية وثيقة تفيد احترامه ملبدأ التدرج في إجراءات التحصيل‬
‫الجبري‪ ،‬طبقا ملقتضيات املادتين ‪ 36‬و‪ 39‬من املدونة السالفة الذكر التي تنص على أن إجراءات‬
‫التحصيل الجبري للديون العمومية تباشر حسب الترتيب بدءا باإلنذار ثم الحجز ثم البيع فاإلكراه‬
‫البدني‪ .‬كما أنه ال يمكن الشروع فيها إال بعد إرسال آخر إشعار للمدين بدون صائر مع وجوب تقييد‬
‫تاريخ إرساله في جداول الضرائب والرسوم أو في أي سند تنفيذي أخر‪ ،‬ويعتد بهذا التقييد ما لم‬
‫يطعن فيه بالزور‪ ،‬وأنه ونظرا لعدم احترام مسطرة اإلنذار القانوني‪ ،‬قبل اللجوء إلى مباشرة مسطرة‬
‫اإلشعار للغير الحائز مما يشكل ذلك خرقا ملبدأ التدرج في املتابعة‪ ،‬وهو األمر الذي يترتب عنه بطالن‬
‫الحجز الذي باشره القابض على الحساب البنكي للمدعي عن طريق اإلشعار لغير الحائز لعدم‬
‫سلوك اإلجراءات السابقة عليه طبقا للقانون ‪.1 " ......‬‬
‫وما يثير االستغراب أن نفس املحكمة ‪ -‬إدارية الدار البيضاء ‪ -‬سبق لها وفي ظرف مدة زمنية‬
‫ال تتعدى ‪ 15‬يوما عن صدور الحكم املذكور أعاله‪ ،‬أن اعتبرت مسطرة االشعار للغير الحائز غير‬
‫مخاطبة بالتراتبية التي تنطبق على إجراءات التحصيل الجبري طبقا للمادة ‪ 39‬من مدونة التحصيل‪،‬‬
‫وقد جاء في حكم حديث لها‪ ... " 2‬وحيث أنه فيما يخص الوسيلة الثانية املستمدة من عدم احترام‬
‫مبدأ تدرج املتابعات طبقا ملدونة التحصيل‪ ،‬فإن املشرع حدد على سبيل الحصر على مستوى الباب‬
‫الثالث من نفس املدونة وذلك بموجب املادة ‪ 39‬منها إجراءات التحصيل الجبري وهي اإلنذار ثم‬
‫الحجز والبيع‪ ،‬بينما نظم مسطرة اإلشعار الغير الحائز في الباب الخامس من املدونة في إطار‬

‫‪1‬حكم إدارية البيضاء عدد ‪ 162‬الصادر بتاريخ ‪ 2018/01/18‬في الملف عدد ‪ ،17/7113/583‬غير منشور‪.‬‬
‫‪2‬حكم إدارية البيضاء عدد ‪ 37‬الصادر بتاريخ ‪ 2018/01/03‬في الملف عدد ‪ ،2016/7113/744‬غير منشور‪.‬‬

‫الصفحة ‪332 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫التزامات املودع لديهم واالغيار والحائزين‪ ،‬وبالتالي فإنه ال يتعين مخاطبة املسطرة املذكورة بالتراتبية‬
‫التي تنطبق على إجراءات التحصيل الجبري أعاله‪ ،‬مما يجعل الوسيلة املثارة غير جديرة باالعتبار‬
‫ويتعين ردها ‪."...‬‬
‫وعلى العموم فإن مسطرة إشعار الغير الحائز من ناحية خضوعها ملبدأ تدرج املتابعات من‬
‫عدمه تبقى إشكالية قائمة تحتاج لتدخل تشريعي للحسم فيها‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬الرقابة القضائية على صحة إجراءات التحصيل‬

‫انطالقا من املادة ‪ 39‬من مدونة تحصيل الديون العمومية فقد أخضع املشرع املغربي‬
‫إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي ملبدأ التدرج في التحصيل نظرا ملا تنطوي عليه من‬
‫خطورة‪ ،‬لذلك سنعمل على دراسة صحة كل إجراء على حدة من خالل ما تطلبه املشرع من شروط‬
‫لصحته على ضوء ما استقر عليه العمل القضائي‪ ،‬وعليه فإن الطعن أمام القضاء في عدم صحة‬
‫إجراءات التحصيل يشكل أحد أهم األسباب التي يعتمد عليها امللزم في منازعات التحصيل‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املنازعة في صحة اإلنذاروالحجز‬

‫يعتبر اإلنذار أول إجراء من إجراءات التحصيل للدين الضريبي الذي من خالله ينذر امللزم‬
‫بالضريبة واملتأخر عن األداء بتسديد دينه الجبائي (الفقرة االولى)‪ ،‬ويقصد بالحجز كدرجة من‬
‫درجات التحصيل الجبري تلك الوسيلة التنفيذية الجبرية املخولة للمحاسب املكلف بالتحصيل‬
‫والتي تهدف إلى تثبيت جزء من أموال املدين محل التنفيذ لتغطية الدين الضريبي املتخلذ في ذمته‬
‫(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الصفحة ‪333 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الفقرة األول ـ ـ ـى‪ :‬اإلنـ ـذار‬


‫يجب أن تتوفر في اإلنذار القانوني مجموعة من البيانات‪ ،‬وأن يستجيب لعدة مقتضيات‬
‫تشريعية وقضائية حتى يتم االعتداد به‪ ،‬لذلك البد من توفر بعض الشروط السابقة لتوجيه‬
‫اإلنذار القانوني وكذا تبليغه تبليغا صحيحا‪.‬‬

‫تنص املادة ‪ 41‬من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه ال يمكن تبليغ اإلنذار إال بعد‬
‫مض ي أجل تالتين يوما ابتداء من تاريخ االستحقاق و‪ 20‬يوما من تاريخ توجيه اخر إشعار بدون‬
‫صائر‪ ،‬وعليه فإن اإلدارة تتقيد بهذا اآلجال حتى يعتد باإلنذار بحيث يتوجب احترام مدة عشرين‬
‫ً‬
‫يوما بين تاريخ إرسال اخر إشعار بدون صائر من جهة‪ ،‬وتاريخ توجيه اإلنذار القانوني باألداء من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وهذا ما أقرته محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في قرار لها جاء فيه‪... " : 1‬فالثابت من‬
‫أوراق امللف أن القابض املكلف بالتحصيل وتبليغ املستأنف باإلنذار القانوني رقم ‪ 3251‬بتاريخ‬
‫‪ ،2009/7/22‬بادر إلى توجيه اخر إشعار بدون صائر بتاريخ ‪ 2009/6/2‬عن رسم السكن و‬
‫الخدمات الجماعية املفروض عن سنة ‪ 2008‬كما تم تقييد التاريخ املذكور بالجدول الضريبي و‬
‫الذي يفيد في احترام األجل الذي يفصل بين أرسال الشعار وتبليغ اإلنذار ‪.".....‬‬

‫وفي نفس السياق قد أقر القضاء أنه يتوجب على القابض في حالة تعدد الدين الضريبي‬
‫لنفس امللزم أن يخص كل دين عمومي بإنذار‪ ،‬بحيث ال يحق له جمع الدين الضريبي للملزم في إنذار‬
‫واحد تحت طائلة البطالن‪ ،‬وهذا ما جاء في قرار ملحكمة النقض ‪" :‬لكن حيث إن محكمة االستئناف‬
‫ملا تبين لها أن كل إندار من اإلنذارات التي يحتج بها القابض في قطع التقادم في مواجهة املدين تتعلق‬
‫بضريبة بعينها اعتمادا على املراجع املشار إليها ال بمجموع الدين الضريبي ‪ ،‬وما دام كل إندار تم‬
‫سلوكه بخصوص ضريبة معينة قد تبت بجرد كل إنذار من اإلنذارات املتوصل بها بطريقة قانونية‬
‫وما تضمنته من ضرائب محددة وأن ما قض ى به الحكم املستأنف صائب ومطابق ملقتضيات‬
‫الفصل ‪ 123‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.2 "...‬‬

‫‪ - 1‬قرار محكمة اإلستئناف اإلدارية بالرباط عدد ‪ 1518‬الصادر بتاريخ ‪ 2012/4/9‬في الملف عدد ‪ ،9/10/499‬أورده عمر‬
‫أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.21‬‬
‫‪ - 2‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 618‬الصادر بتاريخ ‪ 2012 /8/23‬في الملف عدد ‪ ،9/10/499‬أشار إليه عمر أزوكار‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬الصفحة ‪.22‬‬

‫الصفحة ‪334 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وتجدر اإلشارة أنه ال يعتد بمستخرج الجداول الضريبية في إطار اإلنذارات الجماعية وال‬
‫تقوم مقام اإلنذار القانوني بوصفه إجراء من إجراءات تحصيل الدين الضريبي‪ ،‬رغم أن اإلدارة‬
‫الضريبية ال زالت تتمسك لحد األن باإلنذارات الجماعية في مواجهة امللزم ورغم أن القضاء أكد على‬
‫أن تبليغات الجداول الجماعية ال تعتبر ذات حجية أمام ما يتمتع به اإلنذار القانوني‪.‬‬

‫وبالرجوع للمادة ‪ 41‬فقد حاول املشرع تنظيم تبليغ اإلنذار بحيث خصه بمجموعة من‬
‫ً‬
‫األحكام حتى يعتد به صحيحا‪ ،‬ألن اإلنذار ال يأتي مفعوله إال إذا بلغ للمعني باألمر‪ ،‬فالتبليغ هو الذي‬
‫يجعل امللزم في حالة مطل‪ ،‬لذلك فإن اإلنذار ال ينتج أثره إال بعد توصل املدين به وإال حق للمدين‬
‫طلب بطالن إجراءات التحصيل املحتج بها في مواجهته‪ ،‬وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار‬
‫لها "‪...‬ألن توجيه اإلنذار ال ينتج أثره إال بعد توصل املدين به‪ ،‬واملحكمة ملا قضت بإبطال إجراءات‬
‫التحصيل وبرفع الحجز تكون قد بنت قضاءها على أساس سليم ‪.1"....‬‬

‫غير أنه قد يتعذر تبليغ امللزم فيتم تبليغ الغير نيابة عنه‪ ،‬وهذا ما أقره املشرع بحيث أجاز‬
‫إمكانية تسليم اإلنذار إلى أحد أقارب املدين أو مستخدميه أو أي شخص اخر يسكن معه‪ ،‬لذلك‬
‫وجب بيان االسم الكامل للمبلغ إليه ملعرفة هل يدخل ضمن األشخاص املخول لهم القانون النيابة‬
‫عن املعني باألمر‪ ،‬وهذا ما أقرته محكمة النقض في قرار لهاها ‪ 2‬جاء فيه ‪ ":‬لكن حيث إنه بالرجوع إلى‬
‫اإلنذارات القانونية املشار إليها أعاله يتبين أنها جميعها باستثناء اإلنذار عدد ‪ 2002/4130‬أشير فيها‬
‫إلى أنها بلغت للشركة دون أي إشارة للشخص الذي توصل بهذه اإلنذارات‪ ،‬مما بقيت معه هذه‬
‫ً‬
‫اإلنذارات غير مبلغة تبليغا قانونيا‪."...‬‬
‫إن تبليغ اإلنذار قد يصطدم برفض امللزم تسليم اإلنذار أو عدم العثور عليه واملشرع عالج‬
‫هذه اإلشكالية من خالل الفقرتين الرابعة و الخامسة من املادة ‪ ،43‬حيث اعتبر في حالة الرفض أن‬
‫التبليغ يصير صحيحا بانصرام أجل ‪ 8‬أيام من تاريخ الرفض‪ ،‬أما بخصوص حالة عدم العتور على‬
‫امللزم فإن التبليغ يعتبر صحيحا بعد ‪ 10‬أيام من تعليقه في أخر موطن له‪ ،‬غير أن اللجوء ملسطرة‬
‫تعليق اإلنذار يتطلب إثبات تعذر تبليغ امللزم بمقتض ى محضر قانوني محرر بهذه الواقعة وإال اعتبر‬

‫‪ - 1‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 72‬الصادر بتاريخ ‪ 2013/01/17‬في الملف عدد ‪ ،2012/1/4/501‬أشار إليه عمر أزوكار‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬الصفحة ‪.30‬‬
‫‪ - 2‬قرار للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد ‪ 2011‬الصادر بتاريخ ‪ 2008/03/05‬في الملف عدد ‪2008/2/4/3019‬‬
‫والملف ‪ ٍ ،2006/2/4/3020‬أشار إليه عمر أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.30‬‬

‫الصفحة ‪335 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫التبليغ غير منتج ألثاره القانونية‪ ،‬وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرارها لها جاء فيه‪" : 1‬‬
‫‪...‬فانه ال يعتد بتعليق االنذار في أخر موطن للملزم كإجراء صحيح تطبيقا للمادة ‪ 43‬من مدونة‬
‫تحصيل الديون العمومية‪ ،‬إال إذا تعذر تبليغه فعال بالطرق العادية وإدالء اإلدارة املكلفة‬
‫بالتحصيل بما يثبت ذلك ‪ ،"...‬إن مسألة حصول التبليغ بعد مرور مدة زمنية على تعليق اإلشعار في‬
‫أخر موطن للمدين قد يعتبر وسيلة في يد اإلدارة لتبرير عجزها عن مالحقة املدين‪ ،‬ولذلك فإنه‬
‫يجب أن ال يكون القاعدة‪ ،‬و بناء عليه فاإلدارة تتحمل عبء إثبات قيامها باإلجراءات السابقة‪ ،‬وأنه‬
‫لم يكن أمامها بد من اللجوء إلى هذه الوسيلة ‪.2‬‬
‫بقي أن نشير في األخير أن منازعات التحصيل ال تصنف ضمن منازعات اإللغاء حتى يعتد‬
‫بقاعدة العلم اليقيني بحيث ال تقوم مقام التبليغ بالضريبة أو باإلنذار في إطار التحصيل الجبري‬
‫للدين الضريبي‪.‬‬
‫الفق ـرة الثاني ـة‪ :‬الحج ـ ـ ـز‬

‫يشكل الحجز املسطرة املوالية إلجراء اإلنذار القانوني وهو ينصب على املنقوالت‬
‫والعقارات‪ ،‬ويبقى أهم ما أشارت إليه مدونة تحصيل الديون العمومية بالنسبة لهذا اإلجراء هو‬
‫استبعاد بعض األشياء من هذه املسطرة واملحددة في املادة ‪ ،3 46‬وقد اشترط املشرع في إطار‬
‫الحجز وجوب احترام مجموعة من الشكليات الواجبة االتباع تحت طائلة عدم االعتداد بالحجز‪،‬‬
‫كما خص القانون بعض األموال القابلة للحجز بمقتضيات تتالءم وطبيعتها‪ ،‬لذلك فإن الحجز‬
‫يطرح بعض اإلشكاليات ترتبط بشروط ممارسة الحجز وإجراءاته إضافة إلى طبيعة الحجز في‬
‫التحصيل الجبري‪.‬‬

‫لقد ألزم املشرع القابض في إطار شروط ممارسة الحجز الحصول على ترخيص من طرف‬
‫رئيس اإلدارة التابع لها قبل مباشرة الحجز مع مراعاة االستثناء الوارد في املادة ‪ 53‬من املدونة‪،‬‬

‫‪ - 1‬قرار محكمة النقض عدد‪ 758/1‬الصادر بتاريخ ‪ 2014/06/5‬في الملف عدد ‪ ،2013/1/4/805‬أشار إليه محمد بفقير‪ ،‬العمل‬
‫القضائي للغرفة اإلدارية بمحكمة النقض خالل سنتي ‪ 2014‬و‪ ،2015‬الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫البيضاء‪ ،2016 ،‬الصفحة ‪.94‬‬
‫‪ - 2‬عبد الرحمان ابليال ورحيم الطور‪ ،‬تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة‪ ،‬مطبعة األمنية‪،2000،‬‬
‫الصفحة ‪.40‬‬
‫‪ - 3‬إبراهيم عقاش‪" ،‬إجراءات التحصيل الجبرية في مدونة تحصيل الديون العمومية"‪ ،‬مجلة المناهح‪ ،‬عدد ‪ 9‬و‪،2006 ،10‬‬
‫الصفحة ‪.62‬‬

‫الصفحة ‪336 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫إضافة إلى أن إجراءات الحجز ال يمكن اللجوء إليها إال بعد انقضاء آجل ‪ 30‬يوما من تاريخ تبليغ‬
‫اإلنذار القانوني ‪.1‬‬

‫وإذا كانت الشروط املذكورة أعاله ال تثير أي إشكال من الناحية العملية‪ ،‬فإن االمتيازات‬
‫املمنوحة لإلدارة الضريبية والتي تخول لها حق الحجز على األمتعة وغيرها من املنقوالت التي يملكها‬
‫املدين أينما وجدت‪ ،‬وكذا على املعدات والسلع املوجودة في املؤسسة املفروضة عليها الضريبة‬
‫واملخصصة إلستغاللها ‪ 2‬هي التي تثير إشكاالت من الناحية العملية‪ ،‬حيث إن بعض املحاسبين‬
‫يلجأون عند إنتقالهم إلى املحل املفروض عليه الضريبة إلى حجز املنقوالت املتواجدة باملحل دون‬
‫التأكد من صفة مالكها‪ ،‬وفي هذا قضت إدارية مراكش في حكم لها بأنه ‪ ":‬لكن حيث إن اإلمتياز‬
‫الذي تمنحه املادة ‪ 105‬للخزينة لتحصيل الضرائب والرسوم يسري على املنقوالت التي يملكها املدين‬
‫وتلك التي توجد في املؤسسة املفروضة عليه الضريبة أمام الحجز الذي باشرته الخزينة والذي‬
‫يشكل موضوع الطعن في النازلة فقد انصب على منقوالت ال تملكها الشركة الخاضعة من جهة‪،‬‬
‫وليست موجودة فيها ومخصصة إلستغاللها وإنما توجد في حوزة املدعية وتخصص ملمارسة نشاطها‬
‫هي‪ ،‬ال لنشاط امللزم التي لم يبق لها وجود مادي باملحل املستغل حاليا من طرف املدعية‪ ،‬وبذلك‬
‫يكون استناد القابض للمادة ‪ 105‬في غير محله ‪.3 "...‬‬

‫وملا كانت إجراءات التحصيل الجبري مبنية على سند قانوني ثابت وهو الجدول الضريبي‪،‬‬
‫فال يحتاج األمر إلى البدء بالحجز التحفظي ولكن يصار إلى الحجز التنفيذي مباشرة ‪ ،4‬وعليه‬
‫فالحجز الذي تتحدث عنه املدونة هو الحجز التنفيذي رغم عدم التنصيص صراحة على ذلك‬
‫بإستثناء ما نص عليه املشرع في املادة ‪ 29‬من املدونة‪ ،‬وأمام هذه الطبيعة للحجز في إطار إجراءات‬
‫التحصيل الجبري يطرح السؤال عن مدى إمكانية اللجوء إلى القضاء االستعجالي لرفع هذا الحجز؟‬

‫مادام أن هذا الحجز يرتكز على سند تنفيذي بمثابة أمر بالتحصيل فإنه ال يتصور اللجوء‬
‫إلى القضاء االستعجالي لرفع الحجز ألن الفصل في طلب الحجز رهين بمناقشة صحة السند من‬
‫طرف القضاء االستعجالي‪ ،‬وهذا محضور على هذا الصنف من القضاء‪ ،‬وفي هذا صدر حكم‬
‫‪ - 1‬مقتضيات المادة ‪ 44‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬
‫‪ - 2‬المادة ‪ 105‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬
‫‪ - 3‬حكم إدارية مراكش عدد ‪ 2006/12/311‬الصادر بتاريخ ‪ ،372007/8‬أوردته لمياء رافع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.63‬‬
‫‪ - 4‬عبد الرحيم حزيكر‪ ،‬إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بالبيضاء‪ ،2003/2003 ،‬الصفحة ‪.96‬‬

‫الصفحة ‪337 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫إلدارية وجدة جاء فيه‪ ... " : 1‬ومن ثم فتقدير ما إذا كان الطالب هو املالك الحقيقي للمحجوز دون‬
‫املحجوز عليه في ضوء الوسائل واملستندات املضافة للملف يفض ي إلى املساس بجوهر الحق‬
‫املحضور تناوله على قاض ي املستعجالت بالتفسير والتأويل‪ ،‬ومن تم فالبت في الطلب من شأنه‬
‫املساس بما يمكن أن يقض ي به في الجوهر‪ ،‬ومن تم يتعين التصريح برفع النظر عن عدم‬
‫اإلختصاص ‪"...‬‬

‫أما إذا قض ى قضاء املوضوع بإلغاء أمر بالتحصيل‪ ،‬فإن الرجوع إلى القضاء االستعجالي‬
‫لرفع الحجز يكون دائما ممكنا ألنه ال يعدو إال أن يكون كاشفا ملا قض ي به في املوضوع ‪.2‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬املنازعة في صحة البيع واإلكراه البدني‬

‫سيتم في هذا اإلطار الوقوف عند املنازعة في مدى صحة البيع واإلكراه البدني كآخير إجرائين‬
‫للتحصيل الجبري للدين الضريبي‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬البي ـ ـع‬

‫للقيام بإجراءات البيع كدرجة ثالثة من إجراءات التحصيل الجبري‪ ،‬فالبد من توافر بعض‬
‫الشروط أولها حصول املحاسب املكلف بالتحصيل على ترخيص من رئيس اإلدارة طبقا للمادة ‪37‬‬
‫من مدونة التحصيل ‪ ،3‬وكذا انصرام أجل ‪ 8‬أيام من تاريخ الحجز مالم يتم االتفاق بين القابض أو‬
‫ممثله واملدين امللزم بالدين الضريبي على أجل أقل ‪ ،4‬كما يجب أن يتم البيع من قبل املحاسب‬
‫املكلف بالتحصيل أو لحسابه من طرف مأمور التبليغ أو التنفيذ التابع للخزينة‪ ،‬وإما بطلب من‬

‫‪ - 1‬أمر إستعجالي للمحكمة اإلدارية بوحدة عدد ‪2001/70‬الصادر بتاريخ ‪ ،2001/8/30‬أورده أحمد بوعشيق‪ ،‬الدليل العملي‬
‫لإلجتهاد القضائي في المادة اإلدارية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة المعارف الجديد‪ ،‬الرباط‪ ،2004 ،‬الصفحة ‪.110‬‬
‫‪ - 2‬عمر أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحتان ‪ 47‬و‪.48‬‬
‫‪ - 3‬المادة ‪ 58‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬
‫‪ - 4‬المادة ‪ 59‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬

‫الصفحة ‪338 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املحاسب ملأموري كتابات الضبط أو املفوضين القضائيين ‪ ،1‬أو استثناء من قبل املدين وبتوفر‬
‫شروط محددة ‪.2‬‬

‫ومدونة تحصيل الديون العمومية مراعاة منها ملصلحة املدين املحجوز عليه‪ ،‬نصت في‬
‫الفقرة األخيرة من املادة ‪ 60‬على ضرورة مراعاة الترتيب الذي يرغب فيه املدين في إطار بيع األشياء‬
‫املحجوزة‪ ،‬وفي نفس السياق أشارت املدونة في املادة ‪ 62‬أنه يمكن للمحاسبين أو ممثلهم أو مأموري‬
‫التبليغ والتنفيذ للخزينة أو مأموري كتاب الضبط أو املفوضين القضائيين حينما يتم بيع‬
‫املحجوزات متفرقة أو على شكل حصص أن يوقفوا البيع بمجرد ما يكون محصوله كافيا لتسديد‬
‫مجموع املبالغ الواجبة‪.‬‬

‫بقي أن نشير في األخير أنه عندما يكون محل الحجز أصل تجاري فإن اإلختصاص يعود‬
‫للمحكمة التجارية بالبيع اإلجمالي لألصل التجاري إلستيفاء الدين العمومي‪ ،‬وذلك طبقا للمادة ‪68‬‬
‫من مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬وفي هذا قضت محكمة النقض في قرار لها " ‪ ...‬ومن جهة‬
‫أخرى فإن محكمة االستئناف قضت باختصاص املحكمة اإلدارية لكون الدعوى أي طلب تحويل‬
‫حجز تحفظي إلى تنفيذي تهدف في النهاية إلى تحصيل دين مستحق للخزينة العامة‪ ،‬وذلك أن الحجز‬
‫املذكور ينصب على عقار‪ ،‬وهو تعليل ال يطابق واقع امللف الذي يشتمل على محضر حجز تحفظي‬
‫على محل تجاري‪ ،‬والواقع الذي من شأنه أن يجعل االختصاص منعقدا للمحكمة التجارية طبقا‬
‫للفقرة الثامنة من املادة ‪ 68‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.3 " ...‬‬

‫الفقرة الثاني ـة‪ :‬اإلكراه البدن ـ ـ ـي‬

‫إذا لم ِتؤدي طرق التنفيذ الجبري لتحصيل الدين الضريبي إلى نتيجة‪ ،‬فإنه يتابع‬
‫التحصيل الجبري بواسطة اإلكراه البدني باعتباره أخر درجة من درجات التحصيل مع مراعاة‬
‫بطبيعة الحال االستثناءات الواردة في املادتين ‪ 77‬و‪ 78‬من مدونة التحصيل‪.‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 60‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬


‫‪ - 2‬المادة ‪ 61‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪.‬‬
‫‪ - 3‬قرار المجلس األعلى سابقا عدد ‪ 757‬الصادر بتاريخ ‪ 2010/10/21‬في الملف عدد ‪ ،2010/1/4/408‬أورده عمر أزوكار‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.83‬‬

‫الصفحة ‪339 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫يرجع االختصاص في البت في طلبات اإلكراه البدني وكذلك تحديد مدته في مواجهة املدين‬
‫بدين عمومي إلى رئيس املحكمة االبتدائية بصفته قاضيا للمستعجالت ‪.1‬‬

‫وتطرح املنازعة في صحة اإلكراه البدني إشكالية حول تنازع االختصاص القضائي فهل‬
‫ينعقد االختصاص للقضاء العادي أم للقضاء اإلداري‪ ،‬ذلك أن املشرع في إطار املادة ‪ 141‬من‬
‫املدونة أسند االختصاص للمحاكم اإلدارية للبت في جميع النزاعات الناشئة عن تطبيق مدونة‬
‫تحصيل الديون العمومية‪ ،‬وفي سبيل اإلجابة عن ذلك نستحضر قرار ملحكمة النقض جاء فيه ‪... " :‬‬
‫وحيث إنه لئن كانت املادة ‪ 141‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬تسند االختصاص في النزاعات‬
‫الناشئة عن تطبيقها للمحاكم اإلدارية املوجودة باملكان الذي تستحق فيه الديون العمومية كأصل‬
‫عام‪ ،‬فإن املادة ‪ 80‬هي من تسند االختصاص فيما يتعلق باإلكراه البدني للمحكمة االبتدائية‪،‬حيث‬
‫يتولى قاض ي املستعجالت البت في الطلب مع مراعاة مقتضيات املادة ‪ 141‬املشار إليها‪ ،‬فيكون‬
‫الحكم املستأنف في غير محله وواجب اإللغاء " ‪.2‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن املدينين الذين صدر في حقهم االكراه البدني يمكنهم أن يتجنبوا األداء‬
‫شريطة املنازعة في مسطرة اإلكراه البدني‪ ،‬وتتم هذه املنازعة في حاالت معينة‪ ،‬كحالة عدم توصل‬
‫املدين باإلنذار املتعلق باإلكراه البدني‪ ،‬باإلضافة كذلك الى حالة عدم صحة اإلجراءات املتعلقة‬
‫باألسباب الراجعة الى اللجوء الى مسطرة االكراه البدني وكذلك الجهة القضائية املختصة باألمر‬
‫بتنفيذ االكراه البدني‪.‬‬
‫وما نسجله في هذا اإلطار أن مدونة تحصيل الديون العمومية ملا اعتبرت االكراه البدني أخر‬
‫درجة من درجات التحصيل الجبري للدين الضريبي تكون قد أخلت بااللتزامات الدولية‪ ،‬بحيث يعتبر‬
‫من بين املصادقين على اتفاقية االعالن العالمي لحقوق االنسان لعام ‪ ،1948‬والتي نصت في املادة‬
‫‪ 11‬منها على انه ال يمكن حبس شخص عن طريق االكراه‪ ،‬لذلك ينبغي على املشرع مراجعة فصول‬
‫االكراه البدني في مدونة التحصيل العمومية‪ ،‬وذلك بحذفها من دراجات التحصيل الجبري‬
‫واالكتفاء بمسطرة البيع كأخر اجراء لتحصيل الجبري‪.‬‬

‫‪ - 1‬تراجع المادة ‪ 80‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‬


‫‪ -2‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 563‬الصادر بتاريخ ‪ 2010/8/19‬في الملف اإلداري عدد ‪ ،2010/1/4/505‬أشار إليه عمر‬
‫أزوكار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.110‬‬

‫الصفحة ‪340 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬خاتمة‪:‬‬
‫شكلت مدونة تحصيل الديون العمومية محطة مهمة في اإلصالح القانوني الضريبي‪ ،‬والتي‬
‫تهدف إلى دعم اإلقتصاد الوطني قصد تحقيق معادلة قانونية من خالل تفعيل سبل تحصيل‬
‫الضريبة من جهة وتحسيس املواطن بالضريبة بكونها واجب وطني يجد سنده في الدستور من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫وأمام ضعف آلية التواصل بين اإلدارة الضريبية وامللزم بما يضمن مساهمة هذا األخير في‬
‫تحمل أعباء الدولة املالية من خالل إلتزامه بالوفاء الرضائي للدين الضريبي‪ ،‬كان البد من سن‬
‫إجراءات من شأنها أن تجبر امللزم بأداء ما بذمته‪ ،‬وإذا كانت هذه اإلجراءات تشكل ضمانات بالنسبة‬
‫لإلدارة الضريبية فإنها تنطوي على خطورة بخصوص طابعها الجبري تجاه امللزم‪ ،‬ونطرا لخطورة‬
‫إجراءات التحصيل الجبري والتي قد تصل إلى حد املس بحرية امللزم‪ ،‬فقد أدى القضاء اإلداري أدوار‬
‫مشرقة في تطبيقه ملقتضيات هذه املدونة‪ ،‬حيث استطاع بأحكامه الجريئة فرض رقابته على اإلدارة‬
‫الضريبية في كافة مراحل تحصيل الدين الضريبي‪.‬‬

‫وإلعطاء نوع من الفعالية والنجاعة ملنظومة تحصيل الدين الضريبي‪ ،‬نعرض بعض‬
‫املقترحات التي من شأنها أن تخفف من منازعات التحصيل‪:‬‬

‫‪ -‬تجويد النصوص القانونية املؤطرة لعملية التحصيل وتجميعها في مدونة واحدة تشمل كل‬
‫اإلجراءات اإلدارية والقضائية للتحصيل تراعى فيها خصوصية الدين الضريبي‪ ،‬مع القطع مع‬
‫سياسة اإلحالة إلى نصوص القانون الخاص؛‬
‫‪ -‬العمل على خلق وعي جبائي حقيقي‪ ،‬عبر تعزيز آلية التواصل بين اإلدارة الضريبية وامللزم‬
‫حتى ال تبقى الضريبة عبارة عن إكراه يحاول امللزمين بها اإلفالت منه؛‬
‫‪ -‬الرفع من جودة استقبال امللزم‪ ،‬وذلك عبر تفعيل الوسائل التكنولوجيا؛‬
‫‪ -‬تأهيل املوارد البشرية العاملة في إدارة التحصيل من خالل تكوينهم وتحفيزهم وفي املقابل‬
‫اعتماد مقاربة دقيقة ملسألتهم؛‬
‫‪ -‬إعطاء الفعالية للقضاء‪ ،‬وذلك للوصول إلى هدفه املتمثل في تحقيق العدل وإلحاق‬
‫الحقوق بأصحابها‪ ،‬من خالل إحداث قضاء ضريبي متخصص؛‬

‫‪ -‬العناية بالجانب التكويني للقضاة ومساعديهم؛‬


‫الصفحة ‪341 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫والبد في األخير من التأكيد على عدم كفاية الحل التشريعي‪ ،‬ما لم يصاحبه إصالح شمولي‬
‫يقوم على أساس تقديم الحلول الشافية من منطلق التشخيص الشمولي والعميق ألمراض‬
‫التحصيل‪ ،‬ذلك أن التحصيل قضية وطنية تنهض بها سياسة عمومية فعالة‪.‬‬

‫‪ -‬الئحة املراجع‪:‬‬
‫‪ -‬الكتب‪:‬‬
‫‪ -‬أحمد بوعشيق‪ ،‬الدليل العملي لإلجتهاد القضائي في املادة اإلدارية‪ ،‬الجزء الثالث‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة املعارف الجديد‪ ،‬الرباط‪.2004 ،‬‬
‫‪ -‬محمد قصري‪ ،‬املنازعات الجبائية املتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار ابي رقراق للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪.2009 ،‬‬
‫‪ -‬محمد بفقير‪ ،‬العمل القضائي للغرفة اإلدارية بمحكمة النقض خالل سنتي ‪2014‬‬
‫و‪ ،2015‬الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬البيضاء‪.2016 ،‬‬
‫‪ -‬عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي‪ ،‬اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب‬
‫والديون العمومية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪.2000 ،‬‬
‫‪ -‬عمر أزوكار‪ ،‬الدليل العملي ملدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.2017 ،‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمان ابليال ورحيم الطور‪ ،‬تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء‬
‫املدونة الجديدة‪ ،‬مطبعة األمنية‪.2000،‬‬
‫‪ -‬سعيد اولعربي‪ ،‬إشكالية تحصيل ديون الدولة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة املعارف‬
‫الجديدة‪.2016 ،‬‬
‫‪ -‬أطروحة جامعية‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرحيم حزيكر‪ ،‬إشكالية تحصيل الضرائب باملغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫بالبيضاء‪.2003/2003 ،‬‬

‫الصفحة ‪342 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬املقاالت واملجالت‪:‬‬
‫‪ -‬نجالء أحمينة‪ " ،‬اإلجراءات العادية واالستثنائية لتحصيل الديون العمومية "‪ ،‬مجلة‬
‫املنارة‪ ،‬عدد خاص ‪.2018‬‬
‫‪ -‬إبراهيم عقاش‪" ،‬إجراءات التحصيل الجبرية في مدونة تحصيل الديون العمومية"‪،‬‬
‫مجلة املناهح‪ ،‬عدد ‪ 9‬و‪.10‬‬

‫الصفحة ‪343 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املح ـ ــورالراب ــع ‪:‬‬


‫فسحة أدبيـ ــة وشعريـ ــة‬

‫الصفحة ‪344 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ِسـنـ ـة‪...‬‬
‫ذ عمر املوريف‬
‫أديب وروائي مغربي‬

‫يظل جالسا على سريره الذي رافقه طيلة حياته‬ ‫يغلق ميمون حقيبته العتيقة‪ ،‬يتنهد‪ُّ ،‬‬
‫الزوجية‪ ،‬خارت قواه فلم يستطع الوقوف‪ ،‬كان كمن حكم عليه باملوت وحان وقت تنفيذ الحكم في‬
‫ً‬
‫روحه‪ ...‬روحه ماتت مذ بقي وحيدا على حين غفلة‪ ،‬مرت السنوات اإلثني عشر التي قضاها بين‬ ‫حق ِ‬
‫جدران هذا البيت الذي سكن جوارحه قبل أن يسكنه هو بجسده وروحه‪ ،‬بماضيه وذكرياته‪ ،‬بمرارة‬
‫األيام الكثيرة‪ ،‬وحلوها النادرة‪.‬‬
‫ً‬
‫رفع بصره إلى سقف الغرفة كمن يشاهد شيئا ما يفارقه وال يستطيع له طلبا‪ ،‬سحبته ٌيد‬
‫خفية إلى حيت دهر العمر تالش ى في رمشة عين‪ .‬بين هذه الجدران التي ال تزال تصدع بأصوات‬
‫ٌ‬
‫أصوات أكثرها مزعج وخانق‪ ،‬لكن لها وقع الحنين في النفس‪ ،‬ال‬ ‫مضطربة ال تنفصل عنها البتة‪،‬‬
‫َ‬
‫يدري ميمون ِملا كل األحزان تمس ي أحن ش يء‪ ،‬ال لش يء سوى أنها من بنات املاض ي‪ ،‬ونحن أمة تحب‬
‫املاض ي وتقدسه‪ .‬كل ش يء يتحدث في هذا البيت الذي تحول إلى ما يشبه املتحف‪ ،‬أعضاؤه كلها‬
‫ً‬
‫عتيقة محنطة‪ ،‬صورته وزوجه املعلقة على الجدار الذي نسج عليه العنكبوت خيوطا تنبئ بفوات‬
‫الوقت ودنو األجل‪ ،‬كانا شابين جميلين‪ ،‬كان هو ابن السادسة والعشرين من عمره‪ ،‬بينما هي لم‬
‫تتجاوز التاسعة عشر‪ ،‬كانا مبتسمين في الصورة قبل أن تهجرهما االبتسامة إلى األبد‪ ،‬لم تهجرهما‬
‫دفعة واحدة‪ ،‬بل كانت تخفو ببطئ ملدة فاقت الخمس وعشرين سنة‪ ،‬قبل أن تتالش ى باملرة حينما‬
‫قررت زوجه االنفصال عنه ألنه لم يعد كما عرفته‪ ،‬لقد سرقته الوظيفة‪ ،‬وأثقلته أقساط البيت‬
‫والسيارة ومصاريف البيت واألوالد حتى شاخ قبل األوان‪ ،‬أصبح ذميما‪ ،‬أصلعا‪ ،‬وكثير الصمت‪...‬‬
‫وهي‪ ،‬كانت ال تزال في مقتبل العمر‪ ،‬وتريد أن تعيش الحياة الوردية بكل تفاصيلها‪ ،‬لكنه ال يستطيع‬
‫ألن يحقق‬‫أن يحقق لها ما تريد‪ .‬كان يحاول مرا ا أن يشرح لها أن عجزه هذا ما هو إال نتيجة سعيه ْ‬
‫ر‬
‫لها رغبتها في امتالك بيت وسيارة‪ ،‬لكنها ال تريد أن تفهم أو أن تصغي‪ ...‬تريد الرحيل وحسب‪ ،‬وكان لها‬
‫ما أرادات!‪.‬‬

‫الصفحة ‪345 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الولدان بدورها رافقا أمهما لصغرهما‪ ،‬كان يظن أنهما بعد أن يعقال سيعودان إليه‪ ،‬فمن‬
‫حد ذبحة حصلت له في‬ ‫أجلهما ضحى بكل ش يء‪ ،‬بوقته‪ ،‬بصحته‪ ،‬بهواياته الكثيرة‪ ...‬لكن ظنه خاب ّ‬
‫الفؤاد تقض ي له املضجع‪ ،‬وترفع النوم من على جفونه‪ ،‬كانا كعصفورين تعلما التحليق لتوهما‪،‬‬
‫فغادرا العش‪ ،‬دون أن يعودا إليه البتة‪ ...‬فظل ميمون وحيدا في النهاية‪.‬‬
‫لم يؤنس وحشة ميمون مذ غادرت أسرته الصغيرة البيت عدا انغماسه في وظيفته التي‬
‫يحب‪ ،‬وعودته إلى هواية كان قد تركها مرغما‪ :‬القراءة والكتابة‪ .‬كانت مكتبته تتسع في البيت على‬
‫حساب املتاع‪ ،‬وكانت كتاباته تتناسل كنجوم بدأت تتألأل في بداية الدجى‪ ..‬كل ذاك كان له بلسما‬
‫ودافعا في االستمرار‪ .‬لكنه العمر الذي ال يرحم‪ ،‬تقدمه في السن جعل من الوهن يد ُّب إليه‪،‬‬
‫ً‬
‫واألمراض تطل عليه صبحا وعشية‪ ،‬كانت على األقل هذه األمراض أفضل من أسرته التي تركته ولم‬
‫تعد تتذكره أو تحس بوجوده‪ .‬كانت لحظة فارقة تلك الليلة األسبوع املاض ي حين حلت به حمى كادت‬
‫أن تؤدي بحياته‪ ،‬لم يجد من يقدم له حتى شربة ماء‪ ،‬حتى أحباله الصوتية كانت في حالة تخدير لم‬
‫يستطع من خاللها الصراخ واالستغاثة‪ ،‬وحتى وإن أراد أن يستغيث من النافذة فلم تكن له طاقة‬
‫للوقوف‪ .‬لم يحضره وقتها إال عناوين صحف محتفلة بالعثور على جثمان شيخ قض ى نحبه وحيدا في‬
‫بيته‪ ،‬ولم يدل على وفاته غير الرائحة التي انبعثت من البيت كأنها عقبان أنهت نهش جيفة‪.‬‬
‫بعد أن عادت إليه نفحات من العافية‪ ،‬توجه صوب الطبيب‪ ،‬شخص حالته وطمأنه بأنها‬
‫أمور طبيعي أن تحصل ملن في سنه‪ ،‬لكن الش يء الذي ليس طبيعيا هو أن يبقى وحيدا في هذه الفترة‬
‫َّ‬
‫من حياته‪ ،‬سأله عن أهله‪ ،‬صرح له ميمون أنه وحيد بال أصل وال جذر‪ .‬ملح له الطبيب بأن الحل‬
‫الوحيد هو أن يقصد دارا للعجزة!‪.‬‬
‫التقط ميمون إشارة الطبيب‪ ،‬لم يجد حال آخر غير تطبيق نصيحته املستترة كي ال يجرح‬
‫شعوره‪ ،‬أخذ اليوم قراره الحاسم بأن يلجأ إلى أحد هذه الدور التي انتشرت في هذه املدينة‪ .‬تساءل‬
‫ونفسه‪ :‬هل سيتركونه يزور هذا البيت بين الفينة واألخرى؟ وملا ال يجعل هذا البيت دارا أخرى‬
‫للعجزة؟؟‪.‬‬
‫ابتسم بحرقة‪ ،‬ودع كل ذكرياته في هذا البيت‪ ،‬تبادر إلى سمعه صوت طفليه وهما صغيرين‪،‬‬
‫تألم كثيرا‪ ،‬عاتب هذه الذاكرة التي أبت إال أن تعمق جراحه‪ ،‬ال زال صوت الطفلين يرتفع‪...‬يزدادا في‬
‫االرتفاع‪ :‬بابا‪...‬بابا!‪.‬‬
‫ش يء من الظلمة تحل باملكان‪ ،‬شلل يضمه إليه فعجز عن الحركة‪ ،‬ثقل تنفسه ّ‬
‫حد‬
‫الضيق‪ ،‬وكأنه مقبل على اإلغماء‪ ...‬هل هو املوت يستعجله الرحيل؟‬

‫الصفحة ‪346 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫صوت الطفلين ال يزال يرن في أذنيه‪...‬غاص في عمق سحيق ال قاع له‪ ،‬شعر بعدها بيد‬
‫يم الظلمة التي حوته والتهمته‪ ،‬النور‬ ‫تهزه بش يء من العنف‪ ...‬بصيص من النور يحل وسط ّ‬ ‫تحركه‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫يزداد إشعاعا‪ ،‬تحسن تنفسه‪ ،‬فتح عينيه بصعوبة‪ ،‬بجانبه طفليه تغمرهما السعادة وهما في ثياب‬
‫الخروج‪ ،‬صدع الصغير بنشوة‪ :‬هيا يا بابا‪ ...‬حديقة األلعاب في انتظارنا‪.‬‬
‫سألته ابنته ذات العشر سنوات من عمرها بسخرية‪ :‬أم أنك تراجعت عن وعدك لنا‬
‫بإخراجنا؟‬
‫ٌ‬
‫سحبهما إليه وضمهما بقوة‪ ،‬ذرف دموعا كثيرة‪ ،‬انتبهت الصغيرة‪ ،‬استفسرت‪ :‬ما بك يا أبي‪...‬‬
‫أتبكي؟‪.‬‬
‫مسح دموعه بطرف يده مصطنعا الضحكة‪ :‬قطعا يا صغيرتي‪...‬هي دموع التثاؤب ال غير‪...‬‬
‫ضحكوا ثالثتهم‪ ،‬ونهض بخفة سائال‪ :‬أين املاما؟‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫هنا‪...‬هيا بنا‪ ،‬فالليل مشرف على الوصول‪ .‬ثم سبقتهم خارجا‪ .‬كانت‬ ‫سمع زوجه ترد‪ :‬أنا‬
‫متجهمة كعادتها‪ .‬أدرك أنها ال تزال في غضبها الذي ال ينتهي‪ ..‬تغضب منه في كل صغيرة وكبيرة‪ .‬أصبح‬
‫الغضب جزء من شخصيتها‪ ..‬وجزء من حياته!‪.‬‬
‫أدرك أنه كان في سنة نوم‪..‬كان في حلم أو كابوس‪...‬أو إشارة ملا هو آت!!‪.‬‬
‫من يدري؟‪.‬‬

‫الصفحة ‪347 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫خري ـ ـف ‪2005‬‬
‫ذ نبيل بوكريم‬
‫شاعـ ـ ـ ـر‬

‫تبا للحـ ـ ــب حتى الجنــون‬ ‫أدون كــالم ـ ــي وأق ـ ــول‬
‫تــطل علي بوابل من الحـنان‬ ‫ك ــانـت في سمــائي ن ــجمة‬
‫دون عـ ـنــف وال ع ـ ــدوان‬ ‫تـ ـغ ــزو الكيان فت ــحت ــله‬
‫واقت ــض ى أمــرها أن ت ــدان‬ ‫إلى أن انطفأت شمعة األحالم‬
‫فال ـغـدر عنـصر من اإلنــسان‬ ‫فلمــاذا أت ـعــجب من األحوال‬
‫فج ــأة بغير موعد أو استئـذان‬ ‫زارنــي في ي ــوم م ــن األيام‬
‫مخلفة وراءها األلم واألحـزان‬ ‫ها هــي محبوبتي تعدو أمامي‬
‫فوق أطــالل الحـب والوجـدان‬ ‫يشـرق بدرها الساطع اللــماح‬
‫سيصـير قلبـي مل ـيـئا باألدران‬ ‫أمــا أن ــا ف ـب ــدون اح ـتـمال‬
‫هـي النتيجة الطبيعية للهــجران‬ ‫ك ـ ــره‪ ،‬أســف وأوهـ ـ ــام‬
‫يطـفـئ حـرارة وضعف الكـيان‬ ‫هــي الدمــوع فقـط وال نسيان‬
‫ال يـســمع له صــوت وال أنــين‬ ‫إنـي أعيـش الحاضـر األل ــيم‬
‫ألجــد روحــي في خــبر ك ــان‬ ‫أحـاور اآلن ف ــقط األط ــالل‬
‫حتـى صـارت لي عـادة وإدمان‬ ‫أتـخـبط وسـط ذكريـات األيـام‬
‫وال تضـني أنه هلوسة أو هذيان‬ ‫فاقـرئي يا حبـيـبتي هذا الكالم‬
‫حـفرت في صـدري منذ أزمان‬ ‫بـل هي ســطور مــن دم ــوع‬

‫الصفحة ‪348 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املح ـ ــورالخام ــس ‪:‬‬


‫اجتهادات قضائي ــة‬
‫ومستجدات قانوني ــة وتنظيمي ــة‬

‫الصفحة ‪349 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬أوال ‪ :‬االجتهادات القضائية ‪:‬‬

‫أضحى االجتهاد القضائي في املغرب يفرض نفسه يوما بعد يوما‪ ،‬كرافد من روافد تفسير‬
‫القاعدة القانونية‪ ،‬وتقديم التنزيل الصحيح لها‪ ،‬وبغض النظر عن السجال الفقهي الذي عرفه‬
‫تكييف االجتهاد القضائي من حيث اعتباره مصدر من مصادر القانون من عدمه‪ ،‬فإن االجتهاد‬
‫القضائي املغربي – خاصة منه املتخصص – قد أبان عن علو كعبه في تنزيل مجموعة من النصوص‬
‫القانونية ومواكبة التطور االجتماعي واالقتصادي الذي يعرفه املجتمع املغربي‪ ،‬وهو األمر الذي‬
‫أفض ى إلى إيجاد مجموعة من الحلول الواقعية في مختلف الخصومات القضائية املعروضة على‬
‫أنظار املحاكم‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن مجلة اإلدارة القضائية تعتبر هذا املحور الخامس‪ ،‬من أهم املحاور التي يعول‬
‫عليها في تنوير مختلف الفاعلين بمنظومة العدالة‪ ،‬واستجالء الغموض الذي قد يكتنف بعض‬
‫النصوص القانونية أو االلتباس الذي قد يعتريها عند التنزيل‪ ،‬كما أن هذا املحور من شأنه تنوير‬
‫الرأي العام الوطني من الناحية القانونية حول بعض الوقائع التي تستشكل عليهم‪ ،‬وتمكينه من‬
‫توسيع مداركه القانونية واإلحاطة املثلى بمختلف املظاهر االجتماعية واالقتصادية في إطار توفير‬
‫املعلومة القانونية أو ما بات يعرف باملساعدة القانونية بمفهومها الواسع ولو قبل ظهور املنازعات‬
‫والخصومات القضائية‪.‬‬
‫وقد اعتمدت املجلة من أجل هيكلة طريقة معالجة هذه االجتهادات على طريقة جديدة‬
‫تقوم على التقديم لالجتهاد القضائي بإعطاء صورة مختصرة عن املوضوع الذي يطرحه قبل عرض‬
‫هذا األخير من خالل التوجه القضائي في املوضوع‪ ،‬على أمل أن تحقق هذه الطريقة الجديدة الغاية‬
‫املثلى منها في تقريب القارئ من االجتهادات القضائية وفهمها وتحليلها أكثر قبل الوصول إلى درجة‬
‫التعليق عليها‪.‬‬

‫الصفحة ‪350 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫امل ــادة الجنائية‬


‫قيام جريمة الخيانة الزوجية بناء على االعتراف بتبادل القبل‪:‬‬

‫‪-‬تجاذبات متقاطعة في ثنايا قرار محكمة النقض‪-‬‬


‫ذ‪.‬عبد الحق الحطاب‬
‫باحث في الشؤون القانونية‬
‫عضو املركزاملتوسطي للدراسات القانونية والقضائية‬
‫عضو املنتدى الوطني ألطراإلدارة القضائية الباحثين‬

‫كباحث‪ ،‬وأنا بصدد االطالع على زمرة من اإلنتاجات النابعة عن محاكم مملكتنا الشريفة‬
‫خالل الفترة الزمنية األخيرة‪ ،‬صادفت عيناي قرارا قضائيا حديثا مهما صدر عن محكمة النقض‬
‫ببالدنا تحت عدد ‪ ،3/1431‬بتاريخ ‪ ،2018/10/17‬في امللف الجنائي عدد ‪ ،2017/6/21974‬مفاده‬
‫أن اعتراف زوجة بتبادل قبل مع رجل أجنبي عنها يجعل جريمة الخيانة الزوجية قائمة في حقها‪،‬‬
‫الش يء الذي أدى إلى إثارة ضجة ضخمة على جميع املستويات لدى املهتمين بالشأن القانوني‬
‫والحقوقي‪ ،‬وكذا املجال الشرعي واالجتماعي‪.‬‬
‫وبالعودة إلى تفاصيل القرار ووقائعه‪ ،‬يتبين جليا أن سيدة تنحدر من نواحي مدينة بوملان قد‬
‫توبعت بجنحة الخيانة الزوجية من طرف النيابة العامة‪ ،‬وبعد استنفاذ جلسات املحاكمة‪ ،‬صدر‬
‫حكم عن املحكمة االبتدائية بنفس املدينة قض ى في منطوقه ببراءتها منها‪ ،‬ثم أحيل ملف القضية‬
‫على أنظار غرفة االستئنافات الجنحية بعد الطعن فيه من لدن النيابة العامة‪ ،‬فأصدرت قرارها‬
‫املؤرخ في ‪ 2017/07/25‬في امللف الجنحي عدد ‪ ،17/209‬بإلغاء الحكم االبتدائي‪ ،‬وبعد التصدي‬
‫الحكم عليها بأربعة أشهر حبسا نافذة‪ ،‬وأدائها تضامنا مع شريكها تعويضا مدنيا قدره ‪ 5000‬درهم‪،‬‬
‫األمر الذي جعل دفاع املعنية باألمر يتقدم بطعن بالنقض في مواجهة القرار‪.‬‬

‫الصفحة ‪351 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وأمام محكمة النقض‪ ،‬ورد في الوسيلة املثارة من طرف دفاع الزوجة في العريضة املقدمة‬
‫من طرفه أن القرار االستئنافي خرق إجراءات املسطرة الجنائية لعدم معاينة ضابط الشرطة‬
‫القضائية الذي حرر محضر وقائع القضية حالة تلبس‪ ،‬إضافة إلى عدم ارتكاز القرار على أساس‬
‫حينما اعتبر أن مجرد تبادل القبل يدخل في صميم االعتراف القضائي‪ ،‬وقض ى بإدانة املتهمة من‬
‫أجل الخيانة الزوجية‪ ،‬قبل أن تنهي محكمة النقض النزاع برفض الطعن‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تدعو الخالصة التي انبثقت عن أعلى هيئة بالهرم القضائي إلى وقفة تأملية متأنية‬
‫انطالقا من مختلف الزوايا‪ ،‬وتطرح معها عدة تساؤالت من قبيل‪:‬‬
‫‪-‬هل يدخل االعتراف الوارد بمحضر الضابطة القضائية ضمن مفهوم املكاتيب الصادرة عن‬
‫املتهم املنصوص عليها في الفصل ‪ 493‬من القانون الجنائي املغربي كوسيلة إثبات لقيام جريمة‬
‫الخيانة الزوجية؟‬
‫‪-‬وكيف يمكن استنتاج عنصر التلبس في هذه الحالة؟‬
‫‪-‬وهل جاء موقف محكمة النقض مصادفا للصواب ومحترما للقواعد القانونية والتشريعية‬
‫واملبادئ الراسخة املطبقة على النازلة‪ ،‬ال سيما من حيث الشرعية الجنائية والعرف اإلسالمي؟‬
‫وعليه‪ ،‬وإن لم يكن لي شرف السبق للتعليق على القرار موضوع الدراسة‪ ،1‬إال أن الدراسات‬
‫واآلراء التي تطرقت إلى املوضوع‪ ،‬لم تشف الغليل‪ ،‬مما حذا بي بدوري إلى محاولة املغامرة في سبر‬
‫أغواره بشكل مغاير منهجيا نوعا معا‪.‬‬
‫وللجواب عن هذه األسئلة املشار إليها‪ ،‬سأعمل على تبيان موقف محكمة النقض واألسانيد‬
‫التي اعتمدت عليها لتبريره‪ ،‬قبل مناقشته من خالل إبراز شتى اآلراء ومعالجة وجهات نظر التيارات‬
‫إزاء املوضوع سواء من حيث التأييد أو املعارضة‪ ،‬وإبداء موقفنا الشخص ي منها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬موقف محكمة النقض‬
‫جاء موقف محكمة النقض مؤيدا لقرار اإلدانة السابق الذي عبرت عنه غرفة االستينافات‬
‫الجنحية باملحكمة االبتدائية بمدينة بوملان في حق الزوجة باعتبارها مرتكبة الفعل الجرمي املتمثل‬

‫‪ -‬القاضي حكيم يعلق على حكم ”القبلة خيانة ‪ ”2019-01-20‬منشور بالموقع االلكتروني ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪https://casaoui.ma/1497936405.html‬‬
‫‪ -‬العربي بوبكري‪" :‬رأي آخر في قبلة الخيانة"‪ ،‬تعليق منشور بالموقع االلكتروني ‪https://www.maroclaw.com‬‬
‫‪ -‬يوسف الزوجال‪ :‬مدى اعتبار القبلة خيانة زوجية‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬العدد المزدوج ‪،151-150‬‬
‫يناير‪/‬أبريل ‪.2020‬‬

‫الصفحة ‪352 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫في الخيانة الزوجية‪ ،‬استنادا إلى سيد األدلة في القانون الجنائي‪ ،‬أي االعتراف الصادر عنها واملدون‬
‫بمحضر الضابطة القضائية الذي يشكل وثيقة إثبات تدخل ضمن جملة وسائل اإلثبات املنصوص‬
‫عليها في الفصل ‪ 493‬منه‪ ،‬من خالل تبني التعليل اآلتي‪“ :‬يتجلى من تنصيصات القرار املطعون فيه‬
‫أن املحكمة املصدرة له استندت على صواب في إدانة الطاعنة من أجل جنحة الخيانة الزوجية إلى‬
‫اعترافها في محضر الشرطة القضائية بتبادل القبل مع رجل أجنبي عنها"‪ ،‬مضيفة في اآلن ذاته أن‬
‫االعتراف ‪“:‬فعل يشكل خيانة زوجية في حق زوجها‪ ،‬فهو خيانة لرابطة الزوجية والوفاء والثقة بين‬
‫الزوجين‪ ،‬وإن هذا االعتراف ينزل منزلة االعتراف الذي تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عنها‪ ،‬وبالتالي‬
‫وسيلة إثبات قانونية طبقا ملقتضيات الفصل ‪ 493‬من القانون الجنائي‪ ،‬وتكون املحكمة قد طبقت‬
‫القانون تطبيقا سليما‪”.‬‬
‫ولقد نص املشرع املغربي على هذا النوع من املحاضر في الفصل ‪ 290‬من قانون املسطرة‬
‫الجنائية الذي جاء فيه ما يلي‪ " :‬املحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن‬
‫التثبت من الجنح واملخالفات ‪ ،‬يوثق بمضمنها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل اإلثبات"‪.‬‬
‫وتبعا للمعطى سالف الذكر‪ ،‬فإن قرار محكمة النقض يتماش ى مع القاعدة القانونية العامة‬
‫املطبقة في املادة الزجرية والجنحية بصفة رئيسية بحكم حجيتها‪ ،‬ما دام لم يثبت عكس ذلك وال‬
‫لبس أو منازعة بشأنها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مناقشة رأي محكمة النقض‬
‫لفت القرار الذي نحن بصدد مناقشة حيثياته أنظار املهتمين بالحقل القضائي والشأن‬
‫القانوني باملغرب‪ ،‬حيث انقسموا إلى تيارين‪ :‬األول مؤيد لرأي محكمة النقض‪ ،‬والثاني معارض له‪.‬‬
‫وهذا يحتم على املرء عرض أسانيد كل منهما على حدة‪.‬‬
‫‪ - 1‬عرض أوجه االتجاه املؤيد لرأي محكمة النقض وأسانيده ‪:‬‬
‫يعكس هذا القرار اتجاها قضائيا ينتصر إلى تغليب األفكار املحافظة‪ ،‬فالتحفظ في املجتمع‬
‫راجع إلى تأثير الشريعة اإلسالمية التي تؤسس لحرمة العرض وتزكي ذلك بخصوص جسد املرأة‬
‫عموما والزوجة على وجه التحديد‪.‬‬
‫وغني عن البيان‪ ،‬أن الشرع الحنيف حرم الزنا بمقتض ى دالئل قطعية صريحة وملموسة‬
‫مستمدة من القرآن والسنة‪ ،‬فقد قال هللا تعالى‪" :‬وال تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيال"‪. 1‬‬

‫‪ - 1‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.32 :‬‬

‫الصفحة ‪353 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وقد ميز اإلسالم بين نوعين من الزنا‪ :‬الزنا الفعلي الحقيقي والزنا املجازي‪.‬‬
‫فالزنا الفعلي أو الذي يصطلح عليه فقها بالزنا الحقيقي أو الزنا األكبر له عدة شروط‬
‫يجب توافرها حتى يتحقق‪ :‬تعمد حدوث اإليالج مع العلم بحرمانيته‪ ،‬ويشترط في هذا التعمد توافر‬
‫عنصرين‪ :‬هما العلم بحالله أو بحرامه وعقوبته وصوره وحدوده‪ ،‬والنية لتحقيقه والسعي مرارا في‬
‫طلبه‪ ،‬أي اإلرادة‪ .‬وإذا اجتمع هذين الشرطين تحقق الزنا ووجب الحد‪ ،‬أما إذا انتفى أحدهما فال يقع‬
‫الحد‪.‬‬
‫أما الزنا املجازي أو الزنا األصغر‪ ،‬فقد ورد في حديث نبوي شريف‪ .‬فعن أبي هريرة عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال ‪ " :‬إن هللا كتب على ابن آدم حظه من الزنا ‪ ،‬أدرك ذلك ال محالة ‪ ،‬فزنا‬
‫والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه "‪.1‬‬‫العين النظر ‪ ،‬وزنا اللسان املنطق ‪ ،‬والنفس تتمنى وتشتهي‪ْ ،‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬قال النووي في شرح مسلم ‪:‬إن ابن آدم قدر عليه نصيبه من الزنا‪ ،‬فمنهم‬
‫ً‬
‫من يكون زناه حقيقيا بإدخال الفرج في الفرج الحرام‪ ،‬ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر إلى الحرام أو‬
‫االستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله‪ ،‬أو باملس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو بتقبيلها‪ ،‬أو باملش ي‬
‫بالرجل إلى الزنا‪ ،‬أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب‪.2‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ال يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة واملالمسة والنظر فهي‬
‫كلها محرمات ‪ ،‬وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا‪.‬‬
‫ويقول ابن القيم الجوزية في كتابه إعالم املوقعين‪" :‬إن املعاص ي ثالثة أنواع ‪ :‬نوع فيه الحد‬
‫وال كفارة فيه‪ ،‬ونوع فيه الكفارة وال حد فيه‪ ،‬ونوع ال حد فيه وال كفارة ; فاألول‪ -‬كالسرقة والشرب‬
‫والزنا والقذف‪ -‬والثاني‪ :‬كالوطء في نهار رمضان‪ ،‬والوطء في اإلحرام ‪ ,‬والثالث ‪ :‬كوطء األمة املشتركة‬
‫بينه وبين غيره وقبلة األجنبية‪ ،‬والخلوة بها ‪ ،‬ودخول الحمام بغير مئزر‪ ،‬وأكل امليتة والدم ولحم‬
‫الخنزير‪ ،‬ونحو ذلك"‪.3‬‬
‫فإذا كان النظر محرما فمن باب أولى القبلة‪ ،‬ألن القبلة أعظم أثرا في النفس من مجرد‬
‫النظر‪ ،‬حيث إن القبلة أكثر إثارة للشهوة وأقوى داعيا للفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫‪ - 1‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫‪ - 2‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي‪ :‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المؤلف‪( :‬المتوفى‪676 :‬هـ )الناشر‪ :‬دار‬
‫إحياء التراث العربي ‪ -‬بيروت الطبعة‪ :‬الثانية ‪ ،1392‬المجلد ‪ ، 16‬ص ‪.206‬‬
‫‪ - 3‬ابن القيم الجوزية‪ :‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬اعتنى به احمد عبد السالم الزعبي‪ ،‬الجزء ‪ ،1‬شركة دار األرقم بن أبي‬
‫األرقم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1997 ،‬ص ‪.366‬‬

‫الصفحة ‪354 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ومما يدل على تحريم تقبيل املرأة األجنبية ما ورد في الحديث عن معقل بن يسار رض ي هللا‬
‫عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬ألن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له‬
‫من أن يمس امرأة ال تحل له"‪.1‬‬
‫وفي نفس السياق‪ ،‬ورد في الحديث عن أبي اليسر قال‪ :‬أتتني امرأة تبتاع تمرا‪ ،‬فقلت‪ :‬إن في‬
‫البيت تمرا أطيب منه‪ ،‬فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها‪ ،‬فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له‪،‬‬
‫فقال‪" :‬استر على نفسك وتب وال تخبر أحدا"‪ ،‬فلم أصبر‪ ،‬فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال‪" :‬استر‬
‫على نفسك‪ ،‬وتب وال تخبر أحدا"‪ ،‬فلم أصبر‪ ،‬فأتيت النبي صلى هللا عليه وسلم فذكرت ذلك له‬
‫فقال له‪" :‬أخلفت غازيا في سبيل هللا في أهله بمثل هذا؟" حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إال تلك الساعة‬
‫ً‬
‫حتى ظن أنه من أهل النار‪ ،‬قال‪ :‬وأطرق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم طويال حتى أوحي إليه‪{ :‬وأقم‬
‫ّ‬
‫النهار وزلفا من الليل ّإن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}‪ ،‬قال أبو‬ ‫الصالة طرفي ّ‬
‫اليسر‪ :‬فأتيته فقرأها علي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال أصحابه‪ :‬يا رسول هللا ألهذا خاصة‬
‫أم للناس عامة؟ فقال‪" :‬بل للناس عامة"‪.2‬‬
‫كما أن ما تميز به العرب هو الغيرة الشديدة واملحافظة على العرض والشرف سواء في عهد‬
‫الجاهلية أو في ظل اإلسالم‪ .‬فقد كانوا يقدسون هذا األمر ويعظمونه‪ ،‬بل إنهم يتمسكون بالعفة‪،‬‬
‫ويشيمون عن الرذائل‪ ،‬ويبتعدون عن مساوئ األخالق‪.‬‬
‫وقد عبر عن ذلك الشاعر املتنبي في إحدى قصائده‪ ،‬بقوله‪" :‬يهون علينا أن تصاب جسومنا‬
‫وتسلم أعر ٌ‬
‫اض لنـا وعقـول"‪.‬‬
‫وقد ورد في قصيدة شعرية أخرى لصاحبها البيت الشعري اآلتي‪:‬‬
‫ال بارك هللا بعد العرض في املال‬ ‫أصون عرض ي بمالي ال أبدده‬
‫‪3‬‬
‫ولست للعرض إن أودى بمحتال‬ ‫أحتال للمال إن أودى فأكسبه‬
‫ويسير على ذات املنوال الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد‪ ،‬حينما عبر عن ذلك‪:‬‬
‫وما لسواد جلدي من دواء‬ ‫لئن أك أسودا فاملسك لوني‬
‫كبعد األرض عن جو السماء‬ ‫ولكن تبعد الفحشاء عني‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬رواه الطبراني والبيهقي‬
‫‪ - 2‬رواه الترمذي‬
‫‪ - 3‬شرح ديوان الحماسة‪ ،‬أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي األصفهاني (المتوفى‪ 421 :‬هـ)‪ ،‬المحقق ‪:‬غريد الشيخ‪،‬‬
‫وضع فهارسه العامة‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1424‬هـ‪2003 -‬م‪ ،‬ص ‪.1184‬‬

‫الصفحة ‪355 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن اتجاه محكمة النقض إلى اعتبار القبلة الشهوانية خيانة لرابطة‬
‫الزوجية وللوفاء والثقة بين الزوجين‪ ،‬هو تفسير ينسجم وطبيعة املصلحة املحمية من وراء التجريم‬
‫املتمثلة في صيانة حرمة الزواج ورابطته املقدسة‪.‬‬
‫‪ - 1‬بسط أوجه االتجاه الر افض لرأي محكمة النقض وأسانيده ‪:‬‬
‫ركز مناهضو هذا القرار سهام نقدهم الالذع بناء على كونه جاء مخالفا لقاعدة الشرعية‬
‫الجنائية‪ ،‬بعلة أن القانون الجنائي املغربي الذي يجرم العالقات الجنسية الرضائية بين الراشدين‬
‫يميز بين جريمتي الفساد والخيانة الزوجية‪.‬‬
‫كما أن قواعد املادة الجنائية التي تخضع ملبدأ حرية اإلثبات جعلت املشرع يتقيد عند إثبات‬
‫جرائم الفساد أو الخيانة الزوجية بوسائل واردة على سبيل الحصر‪ ،‬حيث نص في الفصل ‪ 493‬من‬
‫القانون الجنائي على أن هذه الجرائم ال تثبت إال بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة‬
‫القضائية في حالة التلبس‪ ،‬أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن املتهم أو اعتراف‬
‫قضائي‪.‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬يرى جانب آخر من املهتمين أن القرار املذكور يخالف االجتهاد القضائي‬
‫باملغرب والذي درج على اشتراط وجود العالقة الجنسية في جريمتي الفساد أو الخيانة الزوجية‪،‬‬
‫حيث ال يتصور قيام الجريمتين دون وجود محضر تلبس أو اعتراف في مكاتيب‪ ،‬أو اعتراف قضائي‬
‫بممارسة الجنس‪.‬‬
‫وقد ذهب مناصرو هذا التيار أيضا إلى أن القرار لم يصدر فقط مخالفا للقانون الجنائي‬
‫الذي يشترط العالقة الجنسية الكاملة لإلدانة في جريمتي الفساد والخيانة الزوجية‪ ،‬وإنما أيضا‬
‫معاكس ألحكام مختلف املذاهب الفقهية اإلسالمية التي تشترط حالة التلبس بالزنا‪ ،‬وحضور أربعة‬
‫شهود يعاينون العملية وال يقام الحد إذا اختلت هذه الشهود‪ ،‬كما أن املعلوم في الشريعة اإلسالمية‬
‫أن القبلة مجرد صغيرة من الصغائر وال تعد من كبائر الذنوب‪ ،‬ويكفي أن يتوضأ الشخص لكي‬
‫تسقط عنه‪.‬‬
‫فالفقه الكالسيكي التقليدي يرى أن فعل الخيانة الزوجية هو تدنيس فراش الزوجية‬
‫وانتهاك حرمته بتمام الوطء‪ ،‬ويميز بين نوعين من هذا الفعل الجنس ي‪:‬‬
‫‪-‬خيانة زوجية بسيطة )‪ (Simple Adultère‬يرتكبها الشخص املتزوج مع شخص أجنبي غير‬
‫متزوج‪.‬‬

‫الصفحة ‪356 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪-‬ثم خيانة زوجية ثنائية )‪ (Adultère Double‬يرتكبها الشخص املتزوج مع شخص آخر يكون‬
‫هو اآلخر متزوجا أيضا‪. 1‬‬
‫عموما‪ ،‬سار أعمدة الفقه العربي عموما إلى وصف الخيانة الزوجية على أنها ارتكاب الوطء‬
‫غير املشروع من طرف شخص متزوج مع شخص آخر برضاه‪ ،‬وذلك حال قيام العالقة الزوجية فعال‬
‫أو حكما‪ ،2‬ويذهب معه رواد الفقه القانوني باملغرب في اتجاه التطبيق الحرفي ملضامين فصول‬
‫القانون الجنائي فيما يتعلق بالتلبس الجنس ي‪ ،‬أي أن يكونا الطرفان في وضعية ممارسة الجنس أو‬
‫بصدد املمارسة أو االنتهاء منه‪.3‬‬
‫ثالثا‪ :‬موقفنا الشخص ي‬
‫قد يبدو منذ الوهلة األولى أن قرار محكمة النقض خلق رؤية قضائية استثنائية وفريدة‬
‫غير معهودة وفتح من جديد النقاش حول حماية الحريات الخاصة للمواطنين واملواطنات‪ ،‬إال أنه‬
‫بالتمعن في مضمون حيثياته وتعليله‪ ،‬يتضح أن أساس الخالف الواقع بين التيارات التي سقناها‬
‫أعاله بخصوص جريمة الخيانة الزوجية راجع بشكل رئيس ي إلى الغموض الذي يكتنف مراد املشرع‬
‫من مفهوم ” الخيانة الزوجية“‪ ،‬الش يء الذي يجعل االلتباس قائما بخصوص تحديد ماهية الركن‬
‫املادي لهذه الجنحة‪ ،‬ناهيك عن مكونات ركنها املعنوي‪.‬‬
‫وبالرغم من أنه قد يضفي عليه البعض الطابع الشاذ كما رأينا لعدم انسجامه مع االجتهاد‬
‫القضائي الوطني املتواتر سابقا من لدن قضاء محكمة النقض‪ ،‬مع بوادر افتراض تناقضه مع مبادئ‬
‫الشرعية الجنائية بالنسبة للبعض اآلخر كما سبق بيانه‪ ،‬فإنه في رأيي الشخص ي وليس دفاعا عن‬
‫القرار والهيئة املصدرة له‪ ،‬لم يخرج عن نطاق نص الفصول املنظمة لجريمة الخيانة الزوجية‪ ،‬وجاء‬
‫مطابقا ملقتضياتها واحترم روح القانون‪ ،‬كما أنه لم يتوسع في فحواه عند تفسيره‪ ،‬بل ظل متشبعا‬
‫باملرجعية الدستورية والدينية التي تعد من مقومات الدولة وتشريعها‪ ،‬ذلك أن املوقف الذي ذهبت‬
‫‪1‬‬
‫‪- On entend par simple adultère la conjonction illicite qu’a une personne mariée avec une qui lest‬‬
‫‪pas. Et par adultere double l on entend la conjonction illicite qu’a une personne mariée avec une qui‬‬
‫‪est aussi mariée.‬‬
‫‪M. claude et joseph de Ferriere : nouvelle introduction a la pratique contenant lexplication des‬‬
‫‪termes de pratique de droit et de coutume avec les juridictions de France p : 46. Consultable sur le‬‬
‫‪site web : www.books.google.com‬‬
‫‪ - 2‬عبد الحكيم فودة‪ ،‬الجرائم الماسة باآلداب العامة و العرض‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة ‪ ،2004‬ص ‪605‬‬
‫أحمد حافظ نور‪ ،‬الزنا في القانون المصري والمقارن‪ ،‬دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ,‬طبعة ‪ ،1958‬ص ‪.610‬‬
‫‪ - 3‬أنظر ‪:‬امحمد أق بلي وعابد العمراني‪ ،‬القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح‪ ،‬مكتبة الرشاد للنشر والتوزيع‪ ،‬ط األولى ‪ ،2020‬ص ‪/ 190‬‬
‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجنائي المغربي‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬ص ‪/ 218‬‬
‫‪ -‬أحمد الخمليشي‪ ،‬القانون الجنائي الخاص‪ ،‬ج ‪ ،2‬مكتبة المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1405-1986‬ص ‪249‬‬

‫الصفحة ‪357 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫إليه محكمة النقض يعتبر في اعتقادي موقفا سليما على اعتبار أنه يمنع تفسير النصوص القانونية‬
‫ذات الطابع الجنائي إال وفق ما أراده املشرع‪.‬‬
‫ولكل هذا‪ ،‬ال بد من اإلشادة بقضاة محكمة النقض الذين تولوا زمام مراقبة تطبيق القانون‬
‫إزاء النازلة املطروحة‪ ،‬ونصفق لهم بحرارة على الجرأة والشجاعة التي تحلوا بها‪ .‬ومرد ميولنا إلى‬
‫رجاحة موقف املحكمة وصوابيته إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬أن استخدام املشرع عبارة "الخيانة الزوجية" بدل "املواقعة الجنسية بين رجل وامرأة‬
‫أحدهما متزوج" لم يأتي من فراغ أو اعتباطيا‪ ،‬بل الغرض منه توسيع مجال ارتكاب هذه الجنحة بما‬
‫هو متوافق مع املرجعية األخالقية اإلسالمية التي تعتبر الباعث واملصدر وراء تجريم هذا الفعل‪،‬‬
‫وبالتالي فمرد اقتصار فهم هذه الجنحة على أن املقصود بها هو املواقعة الجنسية هو فهم قاصر‬
‫ومخالف ملا قصده املشرع‪ ،‬حيث إنه حينما ننظر إلى هذه الجنحة من املنظور الشرعي‪ ،‬فإن الخيانة‬
‫الزوجية ال تسع املواقعة الجنسية خارج مؤسسة الزواج التي يكون أحد أطرافها متزوجا فقط‪ ،‬بل‬
‫إنما يشمل كل عالقة غير مشروعة قد تنشأ بين أحد الزوجين وشخص أجنبي عن العالقة الزوجية‪،‬‬
‫فتعتبر عالقة محرمة شرعا وعرفا سواء بلغت حد الزنا أو لم تبلغ‪ ،‬ويشمل ذلك تبادل القبل‪.‬‬
‫وبهذا‪ ،‬يكون مردودا على أصحابه القول بأن القرار جاء مخالفا لقاعدة الشرعية الجنائية‪.‬‬
‫وبالتالي فمحكمة النقض ملا اعتبرت تبادل القبل فعال يشكل خيانة زوجية تكون قد حققت غاية‬
‫املشرع باستعمال لفظ الخيانة الزوجية في صيغته العامة والواسعة واملطلقة‪.‬‬
‫‪ ‬أن القول بأن القرار جاء مخالفا لالجتهاد القضائي ملحكمة النقض الصادر في فترات‬
‫ماضية ال يستقيم‪ ،‬بل إن العكس هو الصحيح‪ ،‬ذلك أن تجريم تبادل القبل من طرفها ليس جديدا‬
‫أو وليد اليوم‪ ،‬بل سبق في قرار لها أن اعتبرت مجرد السالم بالوجه يعتبر أمرا عاديا‪ ،‬في حين أن‬
‫تبادل القبل مع قاصر مجرم ويقع تحت طائلة جريمة هتك عرض قاصر‪.1‬‬
‫‪ ‬أن القول بكون القرار سار في منحى متناقض مع الشريعة اإلسالمية من حيث ضرورة‬
‫وجود إيالج وعالقة جنسية كاملة األركان يبقى غير جدي‪ ،‬لتشبت التيار املدافع عن هذه الفكرة بالزنا‬
‫الحقيقي أو الفعلي الذي أوضحنا معناه آنفا‪ ،‬دون االلتفات إلى النوع الثاني من الزنا أي الزنا‬
‫املجازي‪ ،‬والذي يدخل ضمن خانته القبل وتبادلها مع شخص أجنبي عن الزوج‪ ،‬وهو ما يؤكد سالمة‬
‫املوقف املتخذ من لدن محكمة النقض بشأن هذا الشق املتعلق بالشرع اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ - 1‬قرار مؤرخ في ‪.2010/03/11‬‬

‫الصفحة ‪358 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬أن االتجاه الذي نحت إليه محكمة النقض يتوافق أيضا مع السياسة الجنائية‬
‫الوطنية التي تسلتزم سن نظام حمائي مجتمعي بصفة مزدوجة‪ ،‬أي عام وأسري بصفة خاصة‪.‬‬
‫‪ ‬أن االعتراف املدون بمحضر الضابطة القضائية بارتكاب الخيانة الزوجية تأخذ به‬
‫املحاكم وليس وليد اليوم‪ ،‬ويظهر جليا من خالل مجموعة من االجتهادات القضائية‪ ،‬نذكر على‬
‫سبيل املثال ال الحصر‪:‬‬
‫‪ -‬قرار محكمة النقض (املجلس األعلى) سابقا رقم ‪ 11‬س ‪ 25‬الصادر بتاريخ ‪ 14‬يناير‬
‫‪ 1982‬ملف جنحي عدد ‪ 60184‬الذي جاء فيه‪" :‬االعتراف املحرر من لدن الضابطة القضائية واملوقع‬
‫عليه من طرف صاحبه ينزل منزلة اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن املتهم في ميدان إثبات‬
‫الخيانة الزوجية أو املشاركة فيها"‪.‬‬
‫‪ -‬قرار محكمة النقض رقم ‪ 2305‬س ‪ 21‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬نونبر ‪ 1978‬الذي ورد فيه ما‬
‫يلي‪" :‬إن توقيع املتهم على املحضر الصحيح الشكل يعتبر بمثابة االعتراف الذي تضمنته مكاتيب أو‬
‫أوراق صادرة عن املتهم دون اشتراط التلبس وأناط املجلس األعلى ذلك باقتناع املحكمة بما ورد‬
‫باملحضر"‪.1‬‬
‫ومجمل القول‪ ،‬ولرفع اللبس عن خبايا جريمة الخيانة الزوجية وفك عناصرها التكوينية‬
‫فيما يتعلق بركنها املادي‪ ،‬فإن املشرع املغربي مدعو في إطار مراجعة وبلورة التصور الجديد للسياسة‬
‫الجنائية عند اإلقدام على تعديل أحكام مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬وال سيما فيما له صلة وطيدة‬
‫بالنقاش املحتدم الدائر بين الفعاليات الحقوقية حول الحق في ممارسة الحريات الفردية‪ ،‬إلى األخذ‬
‫بعين االعتبار مختلف العوامل املؤثرة في تحديد ماهية الجريمة التي نحن بصددها واإلحاطة‬
‫بعواملها‪ ،‬حتى يتسنى لجميع املمارسين التمييز والفصل بينها وبين األفعال الجرمية األخرى كجريمة‬
‫الفساد‪.‬‬
‫كما أن التوجه الحديث املتخذ من طرف محكمة النقض حول مسائل خاصة ترتبط بهذه‬
‫الجريمة بعينها‪ ،‬من خالل الحسم في الحالة التي يكون مرتكب فعل الخيانة الزوجية قاصرا‪ ،‬يجعل‬
‫التشريع الجنائي املغربي مطالبا بتوحيد الرؤى واالقتصار على تطبيق الفصول من ‪ 491‬إلى ‪ 493‬من‬
‫القانون الجنائي على الراشدين فقط دون تمديده إلى فئة األحداث‪ ،‬عبر إضافة فقرة خاصة تنص‬
‫صراحة على ذلك‪ ،‬بدل الخوض في تساؤالت أخرى من حيث التكييف‪ :‬هل يتم متابعته طبقا‬
‫‪ - 1‬أورد هذه االجتهادات‪ ،‬إيهاب عبد المطلب وسمير صبحي‪ :‬الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح القانون الجنائي المغربي في ضوء الفقه وأحكام المجلس‬
‫األعلى المغربي ومحكمة النقض المصرية المجلد الرابع ‪ 2011-2010‬توزيع مكتبة الرشاد سطات‪ ،‬ص‪.76‬‬

‫الصفحة ‪359 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫ملقتضيات املادة ‪ 22‬من مدونة األسرة‪ ،‬التي تنص على أن القاصر التي تحصل على إذن قضائي‬
‫بالزواج تكتسب األهلية املدنية في ممارسة الحق في التقاض ي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من‬
‫حقوق والتزامات‪ ،‬مما يؤدي أيضا إلى ترتيب املسؤولية الجنائية في حقه‪ ،‬أم التصريح ببراءته بحكم‬
‫أنه حدث غير مكتمل التمييز؛ وهو ما يفرض التعامل معه كضحية تستحق الحماية القانونية طبقا‬
‫ملقتضيات املادة ‪ 484‬من القانون الجنائي‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬ال يمكن اعتباره فاعال أصليا في جنحة الخيانة‬
‫الزوجية‪ ،‬طاملا لم يتجاوز ‪ 18‬سنة‪ ،‬ألنه ال يعتد بإرادته في العالقات الجنسية مع الغير وأن كل‬
‫اتصال جنس ي به ولو بإرادته يشكل جريمة هتك عرض قاصر‪.‬‬

‫الصفحة ‪360 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القاعدة ‪ :‬تقادم العقوبة الجنحية بمرورأربع سنوات من تاريخ اكتساب‬


‫الحكم أو القرارلقوة األمر املقض ي به يسقط تنفيذ العقوبة‬

‫املرجع ‪ :‬قرارمحكمة النقض عدد ‪ 349‬بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪ 2015‬في امللف الجنحي عدد ‪2014/1/6/9194‬‬

‫‪ -‬الوسيلة ‪:‬‬

‫في شأن وسيلة النقض الوحيدة املتخذة من الخرق الجوهري للقانون وخرق مقتضيات‬
‫املادة ‪ 650‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬ذلك أن القرار االستئنافي القاض ي عليه بالعقوبة الحبسية‬
‫املعنية بالطلب صدر بتاريخ عاشر أكتوبر ‪ ،2006‬وأن تبليغه إليه تم بتاريخ تاسع يوليوز ‪ 2013‬بعد‬
‫أن تقادمت هذه العقوبة الحبسية‪ ،‬ولذلك ال يمكن اعتبار التبليغ املذكور سببا النقطاع التقادم‪،‬‬
‫وال يؤثر بأي شكل على القرار املبلغ‪ ،‬ألن مقتضيات املادة ‪ 650‬من قانون املسطرة الجنائية لم ترتب‬
‫على هذا التبليغ أي أثر موقف أو قاطع للتقادم‪ ،‬واملحكمة املطعون في قرارها عندما اعتبرت تاريخ‬
‫إجراء التبليغ منطلقا الحتساب تقادم العقوبة وقررت رفض طلب العارض الرامي إلى التصريح‬
‫بتقادم العقوبة في حقه فقد خرقت مقتضيات فصل القانون املذكور وعرضت بذلك قرارها‬
‫للنقض‪.‬‬

‫‪ -‬جواب الوسيلة ‪:‬‬

‫حيث يتجلى من القرار املطلوب التصريخ بتقادم العقوبة الحبسية فيه (وهي ثالث‬
‫سنوات)‪ ،‬قد صدر بمثابة حضوري بتاريخ ‪ 10‬أكتوبر ‪ 2006‬وبلغ إلى املحكوم عليه – الطالب –‬
‫بتاريخ ‪ 09‬يوليوز ‪ 2013‬أي بعد مرور أكثر من أربع سنوات على صدوره‪.‬‬

‫وحيث إنه بمقتض ى املادتين ‪ 1/648‬و‪ 1/650‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬يتخلص املحكوم‬
‫عليه بعقوبة حنجية من آثار هذا الحكم للتقادم‪ ،‬إذا لم تنفذ عليه تلك العقوبة خالل أجل أريع‬
‫سنوات من تاريخ اكتساب القرار القاض ي بها قوة الش يء املقض ي به‪ ،‬ويكتسب القرار الصادر بمثابة‬
‫الحضوري هذه القوة إذا لم تسع الجهة املكلفة بالتنفيذ إلى تبليغه إلى املحكوم عليه وتنفيذ عقوبته‬
‫عليه قبل أن تسقط بالتقادم‪.‬‬
‫الصفحة ‪361 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫وحيث إن ما ذهبت إله املحكمة املطعون فيه قرارها‪ ،‬وهي تنظر في نزاع يتعلق بالتنفيذ‪ ،‬من‬
‫أن تبليغ القرار بمثابة الحضوري املؤرخ في ‪ 2006/10/10‬إلى املحكوم عليه العارض بتاريخ‬
‫‪ 2013/07/09‬بعد مض ي أمد تقادم عقوبته‪ ،‬جعله ال يكتسب قوة الش يء املقض ي به‪ ،‬قول ال يساير‬
‫املقتضيات القانونية املشار إليها أعاله‪ ،‬إذ إن تبليغ القرار الذي يتم بعد مض ي أمد تقادم العقوبة‪،‬‬
‫ال يترتب عنه أي أثر قانوني‪ ،‬مما يعرض القرار املطعون فيه للنقض واإلبطال‪.‬‬

‫الصفحة ‪362 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫جنحة الفرار في حادثة السيريعاقب عليها بالعقوبة األصلية والعقوبة‬


‫اإلضافية‬

‫املرجع ‪ :‬قرارمحكمة النقض عدد ‪ 481‬بتاريخ ‪ 03‬أبريل ‪ 2014‬في امللف الجنحي عدد ‪2014/10/6/650‬‬

‫‪ -‬الوسيلة ‪:‬‬
‫في شأن وسيلة النقض الفريدة املتخذة من انعدام األساس القانوني‪ ،‬ذلك أن الغرفة االستئنافية‬
‫أدانت املتعم من أجل جنحة الفرار عقب وقوع الحادثة وعاقبته بغرامة فقط دون األمر بتوقيف رخصة‬
‫السياقة في املدة املنصوص عليها في املادة ‪ 182‬من مدونة السير وتتراوح بين سنة وسنتين‪ ،‬فجاء قرارها غير‬
‫مستند على أساس قانوني ومعرضا للنقض‪.‬‬

‫‪ -‬الجواب على الوسيلة ‪:‬‬

‫بناء على الفصلين ‪ 365‬و‪ 370‬من قانون املسطرة الجنائية وبمقتضاهما يجب أن تكون األحكام‬
‫والقرارات معلله من الناحيتين الواقهية والقانونية‪ ،‬وإال كانت باطلة‪.‬‬

‫حيث إن املادة ‪ 182‬من مدونة السير تعاقب على جنحة الفرار فضال عن العقوبات األصلية املحدد فيها‬
‫وهي الحبس والغرامة بعقوبة إضافية هي توقيف رخصة السياقة ملدة تتراوح بين سنة وسنتين‪ ،‬واملحكمة‬
‫املصدرة للقرار املطعون فيه ملا ادانت الظنين من أجل جنحة الفرار وعاقبته بغرامة نافذة فقط‪ ،‬وقضت بإرجاع‬
‫رخصة السياقة له تكون قد خرقت املقتضيات القانونية املشار إليها أعاله‪ ،‬ولم تحمل لقضائها من أساس‬
‫وعرضته للنقض‪.‬‬

‫الصفحة ‪363 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القاعدة ‪ :‬العقوبات الحبسية النافذة هي التي تخضع لرد االعتبارالقضائي أما العقوبات‬
‫املوقوفة التنفيذ فتخضع لرد االعتباربقوة القانون‬

‫املرجع ‪ :‬قرارمحكمة النقض عدد ‪ 492‬بتاريخ ‪ 23‬مارس ‪ 2022‬في امللف الجنحي عدد ‪2021/1/6/23381‬‬

‫‪ -‬الوسيلة ‪:‬‬
‫في شأن وسيلة النقض الوحيدة والتي جاء فيها أن القرار املطلوب رد االعتبار فيه قض ى في الدعوى‬
‫العمومية بإدانة الطالب بسنة حبسا مؤجال‪ ،‬وبغرامة مالية قدرها ‪ 5000‬درهم‪ ،‬وفي الدعوى املدنية بأدائه وباقي‬
‫املتهمين تضامنا تعويضا مدنيا قدره ‪ 120.000‬درهم‪ ،‬غير أن رد االعتبار القضائي ال يمكن تصوره إال في‬
‫العقوبات النافذة السالبة للحرية‪ ،‬األمر الذي نصت عليه املادة ‪ 690‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬بالقول أنه‬
‫يجب أن يكون طلب رد االعتبار شامال ملجموع املقررات القضائية بعقوبات نافذة لم يسبق محوها ال عن طريق‬
‫رد اعتبار سابق‪ ،‬وال عن طريق العفو الشامل‪ ،‬كما أن املادة ‪ 692‬من قانون املسطرة الجنائية جعلت احتساب‬
‫أمد رد االعتبار القضائي ابتداء من يوم اإلفراج بالنسبة للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية‪ ،‬ولم يحدد املشرع‬
‫أي أجل لرد االعتبار القضائي فيما يخص العقوبات املوقوفة التنفيذ‪ ،‬مما يتعذر معه على املحكمة احتساب‬
‫أمد سريان أجل رد االعتبار بشأنها‪ ،‬األمر الذي يعرض القرار للنقض واإلبطال‪.‬‬

‫‪ -‬جواب الوسيلة ‪:‬‬


‫حيث يقتصر رد االعتبار القضائي طبقا ملقتضيات املادة ‪ 690‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬على‬
‫العقوبات النافذة التي لم يسبق محوها‪ ،‬ال عن طريق رد اعتبار سابق‪ ،‬وال عن طريق العفو الشامل‪ ،‬أما‬
‫العقوبات الحبسية موقوفة التنفيذ فتخضع لرد االعتبار بقوة القانون وفق ما تنص عليه املادة ‪ 689‬من نفس‬
‫القانون‪ ،‬ومقتضيات املادة ‪ 56‬من القانون الجنائي التي تجعل الحكم بإيقاف التنفيذ كأن لم يكن‪ ،‬بعد مض ي‬
‫خمس سنوات من اليوم الذي يصير فيه الحكم حائزا لقوة الش يء املحكوم به‪ ،‬واملحكمة مصدرة القرار املطعون‬
‫فيه‪ ،‬ملا استجابت لطلب رد اعتبار يتعلق بعقوبة موقوفة التنفيذ‪ ،‬تكون قد حادت عن التطبيق السليم‬
‫للقانون‪ ،‬فجاء قرارها خارقا للقانون املوجب للنقض واإلبطال‪.‬‬

‫الصفحة ‪364 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫امل ــادة الشرعي ـ ــة‬


‫القاعدة ‪ :‬التدليس في عقد الزواج يوجب الفسخ – صفة عزوبة املخطوبة –‬

‫املرجع ‪ :‬قرارمحكمة النقض عدد ‪ 149‬بتاريخ ‪ 2011/04/05‬في امللف الشرعي عدد ‪2009/1/2/292‬‬

‫‪ -‬الوسيلة ‪:‬‬
‫في شأن الوسيلة األولى املتخذة من خرق املادة ‪ 63‬من مدونة األسرة والفصل ‪ 52‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬ذلك أنه حسب املادة املذكورة فإن املدلس عليه في عقد الزواج بوقائع أثرت على إرادته وأفسدتها تخول‬
‫له طلب فسخ العقد قبل البناء وبعده داخل أجل شهرين من تاريخ العلم بوقوع التدليس‪ ،‬كما أن الفصل ‪ 52‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود ينص على أن التدليس يخول اإلبطال إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد‬
‫املتعاقدين أو نائبه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لوالها ملا تعاقد الطرف اآلخر‪ ،‬واملطلوبة استعملت وسائل‬
‫التضليل بإدالئها بشهادة العزوبة والخطوبة والتصريح أمام العدلين بكونها لم يسبق لها الزواج قاصدة من ورائها‬
‫مظهرا خادعا إليقاعه في غلط حتى يتزوج بها‪ ،‬وقد تأتى لها ذلك وتزوجها تحت تأثير هاذ التدليس وأصدقها‬
‫صداق البكر ‪ 30.000‬درهم‪ ،‬ناهيك عن كثره الهدايا ومراسيم الزواج التي كلفته ‪ 25.000‬درهم‪ ،‬وذلك كله على‬
‫أساس أنها لم يسبق لها زواج‪ ،‬والقرار املطعون فيه ملا اعتبر شهادة الخطوبة ليست شرطا في عقد الزواج أو ركنا‬
‫فيه‪ ،‬وأنها ال تدخل ضمن موجبات فسخ الزواج واستبعد كل ما أدلى به من حجج واعتبرها ال تشكل تدليسا‪ ،‬فإنه‬
‫يكون قد خرق مقتضيات املادة ‪ 63‬من مدونة األسرة والفصل ‪ 52‬من قانون االلتزامات والعقود مما يعرضه‬
‫للنقض‪.‬‬

‫‪ -‬جواب الوسيلة ‪:‬‬


‫حيث صح ما عابه الطاعن على القرار املطعون فيه‪ ،‬ذلك أنه طبقا للمادة ‪ 4‬من مدونة األسرة فإن‬
‫الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام‪ ،‬غايته اإلحصان والعفاف وإنشاء أسرة‬
‫مستقرة برعاية الزوجين‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال إذا بني هذا الزواج على نقاء السريرة وحسن الطوية واملطلوبة ملا أدلت‬
‫بشهادة الخطوبة التي أنجزتها والتي تتضمن بأنها عازبة ولم يسبق لها زواج الش يء الذي أكدته أمام عدلي تلقي‬
‫الصفحة ‪365 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الزواج‪ ،‬والحال أنها كانت متزوجة برجل آخر وطلقت منه حسب نسخة من رسم الطالق عدد ‪ 129‬بتاريخ‬
‫‪ 2001/08/18‬والذي بقي بدون مطعن‪ ،‬تكون قد دلست على الطاعن بوقائع كانت هي الدافع إلى قبول الزواج‪،‬‬
‫واملحكمة ملا عللت قرارها بأن موجبات فسخ الزواج هي ما اصطلح عليها في املدونة من املمنوعات املؤقتة‬
‫واملمنوعات املحرمة تكون قد عللت قرارها تعليال فاسدا‪ ،‬وخرقت مقتضيات املادة ‪ 63‬من مدونة األسرة‪ ،‬مما‬
‫يعرض قرارها للنقض‪.‬‬

‫الصفحة ‪366 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القاعدة ‪ :‬الخدمة املنزلية ال تعتبرعمال من أعمال الكد والسعاية وال تدخل في تنمية أموال‬
‫األسرة خالل الزواج‬

‫املرجع ‪ :‬قرارمحكمة النقض عدد ‪ 770‬بتاريخ ‪ 2016/12/06‬في امللف الشرعي عدد ‪2016/1/2/154‬‬

‫‪ -‬الوسيلة الثالثة‪:‬‬

‫حيث تعيب الطاعنة على القرار بخرق الدستور (الفصلين ‪ 19‬و‪ 32‬منه)‪ ،‬ذلك أنه حمل‬
‫الطاعنة عبء إثبات املساهمة املادية في الثروة‪ ،‬وتقييد ذلك بدورها في العمل املدر للدخل دون‬
‫اعتبار الدور التشاركي في قيام األسرة وتأسيس الثروة األسرية على اعتبار أنها لم تبخل على زوجها‬
‫بمالها‪ ،‬مما يكون معه القرار معرضا للنقض‪.‬‬

‫‪ -‬جواب الوسيلة الثالثة ‪:‬‬

‫لكن‪ ،‬حيث إن املحكمة ملا لم يثبت لديها بمقبول أن الطاعنة ساهمت فعليا في تنمية أموال‬
‫األسرة‪ ،‬واعتبرت أن الخدمة املنزلية من التزاماتها العادية بنص املادة ‪ 51‬من مدونة األسرة‪ ،‬وقضت‬
‫برفض الطلب‪ ،‬فإنها طبقت القانون وعللت قرارها تعليال كافيا‪ ،‬وكان ما بالنعي على غير أساس‪.‬‬

‫الصفحة ‪367 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القاعدة ‪ :‬الرجوع لبيت الزوجية يجب أن يكون فعليا وعن حسن نية ومغادرة الزوجة لبيت‬
‫الزوجية بعد فترة وجيزة من تنفيذها لحكم يوجب ايقاف نفقتها واعتبارها ناشزا‬

‫املرجع ‪ :‬قرارمحكمة النقض عدد ‪ 324‬بتاريخ ‪ 2006/06/17‬في امللف الشرعي عدد ‪2008/1/2/95‬‬

‫‪ -‬الوسيلة ‪:‬‬

‫حيث يعيب الطاعن القرار املطعون فيه بضعف التعليل الذي هو بمثابة انعدامه‪ ،‬ذلك أن‬
‫املطلوبة هي التي استصدرت الحكم القاض ي بالرجوع إلى بيت الزوجية لرفع حالة النشوز والحصول‬
‫على النفقة التي كان قد تم إيقافها من طرف املحكمة المتناعها عن الرجوع إلى بيت الزوجية سابقا‪،‬‬
‫وأنها لم تكن حسنة النية إذ بمجرد ما ادخلها العون القضائي (ن‪.‬م) إلى بيت الزوجية غادرته على‬
‫الساعة السادسة والنصف مساء حسب محضر معاينة املنجز من طرف العون القضائي السيد‬
‫ً‬
‫مساء‪ ،‬وبقي إلى الساعة الثامنة والنصف‬ ‫(ب‪.‬م) الذي حضر إلى بيت الزوجية على الساعة السابعة‬
‫من نفس اليوم‪ ،‬دون أن يظهر لها أثر‪ ،‬والذي أورد في محضره بأن املسمى سعيد صاحب الدكان‬
‫املجاور أخبره بأن املطلوبة غادرت بيت الزوجية على الساعدة السادسة والنصف‪ ،‬واملحكمة ملا‬
‫اعتمدت محضر التنفيذ املنجز من طرف العون القضائي (ن‪.‬م) لرفع حالة النشوز مع أن هذا‬
‫املحضر قد تم دحضه بمحضر العون القضائي (م‪.‬ب) تكون قد عللت قرارها تعليال ناقصا وهو‬
‫بمثابة انعدامه‪ ،‬مما يعرضه للنقض‪.‬‬

‫‪ -‬جواب الوسيلة ‪:‬‬

‫حيث صح ما عابه الطاعن على القرار املطعون فيه‪ ،‬ذلك أنه بمقتض ى املادة ‪ 195‬من‬
‫مدونة األسرة‪ ،‬فإن نفقة الزوجة تسقط إذا حكم عليها بالرجوع إلى بيت الزوجية وامتنعت‪ ،‬واستنادا‬
‫إلى هذه املادة‪ ،‬فإن الزوجة الناشز ال تستحق نفقتها إال بعد رجوعها إلى بيت الزوجية رجوعا فعليا‬
‫وعن حسن نية‪ ،‬والثابت من محضر معاينة وإثبات واستجواب املنجز من طرف العون القضائي‬
‫(م‪.‬ن) أن املطلوبة رجعت إلى بيت الزوجية على الساعة السادسة وخمس دقائق مساء من يوم‬

‫الصفحة ‪368 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ 2002/07/05‬وغادرته على الساعة السابعة مساء من نفس اليوم حسب محضر معاينة املنجز من‬
‫طرف العون القضائي (م‪.‬ب) بناء على أمر السيد رئيس املحكمة عدد ‪ ،2002/1161‬والذي بقي‬
‫بدون مطعن‪ ،‬واملحكمة ملا اعتبرت دخول الزوجة إلى بيت الزوجية وخروجها منه بعد أقل من ساعة‬
‫وعدم رجوعها إليه لحد اآلن رجوعا إلى بيت الزوجية‪ ،‬ورتبت عنه أداء الطاعن لنفقتها ابتداء من‬
‫ذلك التاريخ تكون قد عللت قرارها تعليال فاسدا وهو بمثابة انعدامه‪ ،‬مما يعرضه للنقض‪.‬‬

‫الصفحة ‪369 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القاعدة ‪ :‬عدم التنصيص صراحة في مدونة األسرة على التوكيل في الطالق ال يعني استبعاده‬
‫مطلقا‪ ،‬بل هو جائزبشروط مذهب اإلمام مالك الذي أحلت عليه املادة ‪ 400‬من مدونة األسرة‬

‫املرجع ‪ :‬قرارمحكمة النقض عدد ‪ 418‬بتاريخ ‪ 221/09/14‬في امللف الشرعي عدد ‪2020/1/2/279‬‬

‫‪ -‬الوسيلة ‪:‬‬

‫حيث يعيب الطالب القرار في الوسيلة الفريدة بنقصان التعليل الذي يوازي انعدامه‬
‫بدعوى أنه لم يتمكن من الحضور إلى املغرب قصد الحضور باملحكمة لجلسة الصلح لصدور‬
‫مذكرة بحث في حقه إثر شكاية كيدية رفعتها املطلوبة في مواجهته ودون تمتيعه بضمانة الحضور أو‬
‫الدفاع عن نفسه‪ ،‬وأنه وكل دفاعه لحضور جلسات الصلح‪ ،‬وأن محكمة الدرجة األولى قضت بعدم‬
‫قبول طلبه وأيدتها محكمة االستئناف في ذلك‪ ،‬دون مناقشة ما أثاره من أن محكمة النقض أخذت‬
‫بالوكالة للتطليق في قرار سابق لها رقم ‪ 941‬صادر بتاريخ ‪ ،2013/12/24‬بناء على إجازة الفقه‬
‫االسالمي للطالق بالوكالة‪ ،‬وأنه كان على املحكمة فك عصمته من املطلوبة الستفحال املشاكل‬
‫بينهما‪ ،‬وتحديد املستحقات‪ ،‬والتمس نقض القرار وإرجاع امللف إلى املحكمة االبتدائية للبت فيه‬
‫طبقا للقانون‪.‬‬

‫‪ -‬جواب الوسيلة ‪:‬‬

‫حيث صح ما عابه الطاعن على القرار‪ ،‬ذلك أنه لئن كان املشرع قد نص في املادة ‪ 81‬من‬
‫مدونة األسرة على استدعاء الطرفين شخصيا لحضور جلسة الصلح بينهما إليجاد حل للخالفات‬
‫بينهما‪ ،‬واعتبرت توصل الزوج وعدم حضوره تراجعا منه عن طلبه‪ ،‬وكانت فلسفة املشرع بما صاغه‬
‫في مدونة األسرة هو الحرص على األسرة والحفاظ على استقرارها‪ ،‬فإن عدم تنصيصه على التوكيل‬
‫صراحة كما كان عليه األمر في الفصل ‪ 44‬من مدونة األحوال الشخصية‪ ،‬ال يعني استبعاده مطلقا‪،‬‬
‫إذ أنه جائز في مذهب اإلمام مالك الذي أحالت عليه مدونة األسرة في املادة ‪ ،400‬ومعمول به قضاء‬
‫في بعض حاالت املبعدين أو املحكوم عليهم بالسجن أو الحبس ملدد طويلة أو املوجودين في دول‬
‫يتعذر عليهم مغادرتها ويكون للطالق ما يبرره‪ ،‬ومن شأن تعليقه إلحاق الضرر بأحد الزوجين‪ ،‬فال هو‬
‫الصفحة ‪370 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫باملتزوج وال املطلق‪ ،‬وهو ما يتنافى مع قوله تعالى ‪":‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"‪ ،‬والطالب ملا‬
‫تمسك بطلب الطالق‪ ،‬وبأنه لم يتمكن من الحضور للجلسة املذكورة بنفسه‪ ،‬وأناب عنه دفاعه‬
‫األستاذ (ح‪.‬أ) بمقتض ى وكالة مصادق عليها بالقنصلية العامة للمملكة املغربية ب‪ ....‬بتاريخ‬
‫‪ 2019/02/25‬للنيابة عنه في جميع اإلجراءات اإلدارية والقانونية من أجل تطليق املطلوبة من‬
‫عصمته‪ ،‬وبرر بها عدم حضوره الشخص ي كونه يوجد خارج أرض الوطن وأنه موضوع بحث في‬
‫متابعة ً‬
‫بناء على شكاية رفعتها املطلوبة في مواجهته‪ ،‬وأن بقاء املطلوبة في عصمته وهو مبحوث عنه‬
‫خارج أرض الوطن مع استحالة العشرة فيه ضرر كبير له‪ ،‬فإن املحكمة ملا أيدت الحكم املستأنف‬
‫القاض ي بعدم قبول دعواه‪ ،‬ودون البحث فيما أثاره الطالب ومناقشة والتأكد من صحته‪ ،‬والبت‬
‫وفق ما ينتهي إليه تحقيقها بتطبيق القواعد الفقهية املذكورة‪ ،‬والتي هي بمثابة قانون‪ ،‬فإن قرارها‬
‫جاء غير مؤسس‪ ،‬وناقص التعليل وهو بمثابة انعدامه‪ ،‬مما يعرضه للنقض‪.‬‬

‫الصفحة ‪371 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القاعدة ‪ :‬املصلحة الفضلى للطفل تعتبرمبررموضوعي لطلب التعدد‬

‫املرجع ‪ :‬حكم املحكمة االبتدائية االجتماعية بالدا البيضاء عدد ‪ 4831‬بتاريخ ‪2020/10/26‬‬
‫في امللف الشرعي عدد ‪2020/1618/168‬‬

‫‪ -‬موجزالوقائع ‪:‬‬

‫تتلخص وقائع هذه النازلة في أن املدعي تقدم بمقال افتتاحي واصالحي للدعوى يعرض فيه‬
‫أنه متزوج من السيدة ‪ ....‬وأنه يرغب في إرجاع طليقته السيدة ‪ ....‬التي له منها اإلبن ‪ ......‬وأن له موارد‬
‫مالية كافية إلعالة أسرتين ويلتمس اإلذن له بالتعدد‪.‬‬
‫وبعد تأكيد املدعي ملطالبه وتأكيد املدعى عليها أنها توافق على التعدد دون شروط وإدالء‬
‫النيابة العامة مللتمسها بتطبيق القانون صدر الحكم القاض ي باإلذن بالتعدد‪.‬‬

‫‪ -‬تعليل الحكم االبتدائي ‪:‬‬


‫بنت املحكمة االبتدائية االجتماعية بالدار البيضاء تعليلها للحكم االبتدائي على مجموعة‬
‫من املؤيدات أهمها ‪:‬‬
‫‪ – 1‬إدالء الزوجة املراد الزواج علها بموافقة مصححة اإلمضاء‪ ،‬وتصريحها أمام املحكمة‬
‫بعدم ممانعتها في التعدد؛‬
‫‪ – 2‬عدم اشتراط الزوجة املراد التزوج عليها في عقد الزواج عدم الزواج عليها؛‬
‫‪ – 3‬إثبات الزوج لوضعه املادي املريح بدخل مادي يتراوح بين ‪ 200‬إلى ‪ 400‬درهم يوميا؛‬
‫‪ – 4‬رغبة الزوج في إرجاع طليقته التي له منها اإلبن؛‬
‫‪ – 5‬اعتبار املحكمة أن املصلحة الفضلى لألبناء تقتض ي لم شمل األسرة‪ ،‬وبأن يعيش‬
‫األبوان تحت سقف واحد‪.‬‬

‫الصفحة ‪372 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬املستجدات القانونية ‪:‬‬

‫ش ـ ـ ـ ــهد النصـ ـ ـ ـ ــف الثـ ـ ـ ـ ــاني مـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ــنة ‪ 2023‬صـ ـ ـ ـ ــدور العديـ ـ ـ ـ ــد مـ ـ ـ ـ ــن القـ ـ ـ ـ ــوانين الجديـ ـ ـ ـ ــدة‬
‫والتع ـ ـ ـ ـ ــديالت الت ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ــم نش ـ ـ ـ ـ ــرها بالجري ـ ـ ـ ـ ــدة الرس ـ ـ ـ ـ ــمية‪ ،‬والت ـ ـ ـ ـ ــي له ـ ـ ـ ـ ــا ارتب ـ ـ ـ ـ ــاط وثي ـ ـ ـ ـ ــق بمج ـ ـ ـ ـ ــال‬
‫اإلدارة القض ـ ـ ـ ـ ــائية‪ ،‬حي ـ ـ ـ ـ ــث إن املجل ـ ـ ـ ـ ــة ارت ـ ـ ـ ـ ــأت م ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ــاب إط ـ ـ ـ ـ ــالع قرائه ـ ـ ـ ـ ــا الكـ ـ ـ ـ ـ ـرام عليه ـ ـ ـ ـ ــا أن‬
‫تض ـ ـ ـ ـ ــعهم ف ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ــلب التوجه ـ ـ ـ ـ ــات ا لجدي ـ ـ ـ ـ ــدة للمش ـ ـ ـ ـ ــرع املغرب ـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬غايته ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ــي ذلل ـ ـ ـ ـ ــك تحي ـ ـ ـ ـ ــين‬
‫النص ـ ـ ـ ـ ــوص القانونيـ ـ ـ ـ ـ ــة وبسـ ـ ـ ـ ـ ــط القواعـ ـ ـ ـ ـ ــد القانونيـ ـ ـ ـ ـ ــة الجديـ ـ ـ ـ ـ ــدة‪ ،‬والت ـ ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـ ــؤدي بالض ـ ـ ـ ـ ــرورة‬
‫إلى تحيين املعلومة القانونية‪.‬‬
‫ويتعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر بق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانونين مهم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاة اإلدارة القض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائية األول يتعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬
‫بإعـ ـ ـ ـ ــادة تنظ ـ ـ ـ ـ ــيم املعه ـ ـ ـ ـ ــد الع ـ ـ ـ ـ ــالي للقض ـ ـ ـ ـ ــاء بواس ـ ـ ـ ـ ــطة الق ـ ـ ـ ـ ــانون رق ـ ـ ـ ـ ــم ‪ 37.22‬بع ـ ـ ـ ـ ــد اس ـ ـ ـ ـ ــتقالل‬
‫املجلـ ـ ـ ـ ــس األعلـ ـ ـ ـ ــى للسـ ـ ـ ـ ــلطة القضـ ـ ـ ـ ــائية حيـ ـ ـ ـ ــث أصـ ـ ـ ـ ــبح السـ ـ ـ ـ ــيد الـ ـ ـ ـ ــرئيس املنتـ ـ ـ ـ ــدب للمجلـ ـ ـ ـ ــس‬
‫هـ ـ ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ــذي ي ـ ـ ـ ـ ـرأس املجلـ ـ ـ ـ ــس اإلداري بـ ـ ـ ـ ــدال مـ ـ ـ ـ ــن وزيـ ـ ـ ـ ــر العـ ـ ـ ـ ــدل‪ ،‬ويتعلـ ـ ـ ـ ــق الثـ ـ ـ ـ ــاني بالقـ ـ ـ ـ ــانون‬
‫رقـ ـ ـ ـ ـ ــم ‪ 44.22‬الـ ـ ـ ـ ـ ــذي عـ ـ ـ ـ ـ ــدل القـ ـ ـ ـ ـ ــانون رقـ ـ ـ ـ ـ ــم ‪ 45.00‬املتعلـ ـ ـ ـ ـ ــق ب ـ ـ ـ ـ ـ ـالخبراء القضـ ـ ـ ـ ـ ــائيين‪ ،‬حيـ ـ ـ ـ ـ ــث‬
‫فـ ـ ـ ــتح لهـ ـ ـ ــم بـ ـ ـ ــاب ممارسـ ـ ـ ــة مهـ ـ ـ ــام الخبـ ـ ـ ــرة القضـ ـ ـ ــائي فـ ـ ـ ــي شـ ـ ـ ــكل شـ ـ ـ ــخص اعتبـ ـ ـ ــاري سـ ـ ـ ــواء كـ ـ ـ ــان‬
‫منتميا للقطاع الخاص أو للقطاع العام‪.‬‬

‫الصفحة ‪373 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القانون الجديد رقم ‪ 37.22‬املنظم للمعهد العالي للقضاء‬

‫الصفحة ‪374 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪375 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪376 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪377 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪378 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪379 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪380 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪381 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪382 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪383 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪384 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪385 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫القانون رقم ‪ 44.22‬املعدل للقانون رقم ‪ 45.00‬املتعلق بالخبراء القضائيين‬

‫الصفحة ‪386 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪387 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ -‬ثالثا ‪ :‬املستجدات التنظيمية ‪:‬‬

‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ــرف النص ـ ـ ـ ـ ـ ــف الث ـ ـ ـ ـ ـ ــاني م ـ ـ ـ ـ ـ ــن س ـ ـ ـ ـ ـ ــنة ‪ 2023‬ص ـ ـ ـ ـ ـ ــدور العدي ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ــن املس ـ ـ ـ ـ ـ ــتجدات‬
‫التنظيميـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬والتـ ـ ـ ـ ــي لهـ ـ ـ ـ ــا ارتبـ ـ ـ ـ ــاط وثيـ ـ ـ ـ ــق بمجـ ـ ـ ـ ــال اإلدارة القضـ ـ ـ ـ ــائية‪ ،‬حيـ ـ ـ ـ ــث إن املجلـ ـ ـ ـ ــة مـ ـ ـ ـ ــن‬
‫ب ـ ـ ــاب إط ـ ـ ــالع الـ ـ ـ ـرأي الع ـ ـ ــام املا ـ ـ ــي والق ـ ـ ــانوني ارت ـ ـ ــأت نش ـ ـ ــرها ف ـ ـ ــي ه ـ ـ ــذا ال ـ ـ ــركن‪ ،‬غايته ـ ـ ــا ف ـ ـ ــي ذلل ـ ـ ــك‬
‫املس ـ ـ ـ ــاهمة ف ـ ـ ـ ــي نش ـ ـ ـ ــر املعلوم ـ ـ ـ ــة التنظيمي ـ ـ ـ ـة والت ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ــأتي غالب ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ــن أج ـ ـ ـ ــل تفس ـ ـ ـ ــير وتوض ـ ـ ـ ــيح‬
‫النص ـ ـ ـ ـ ــوص القانوني ـ ـ ـ ـ ــة وتبس ـ ـ ـ ـ ــيطها‪ ،‬وم ـ ـ ـ ـ ــن أج ـ ـ ـ ـ ــل ك ـ ـ ـ ـ ــذلك تبي ـ ـ ـ ـ ــان الط ـ ـ ـ ـ ــرق الفض ـ ـ ـ ـ ــلى للعم ـ ـ ـ ـ ــل‬
‫بها ‪.‬‬
‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأتي عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى رأس ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه املسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تجدات التش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريعية املرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم رق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ‪2.23.565‬‬
‫الص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ‪ 2‬غش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ‪ 2023‬املتعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق بس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدابير متفرق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تتعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق بالوض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعية‬
‫النظامي ـ ـ ـ ـ ـ ــة للقض ـ ـ ـ ـ ـ ــاة‪ ،‬والدوريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة رق ـ ـ ـ ـ ـ ــم ‪ 24.23‬الص ـ ـ ـ ـ ـ ــادرة بت ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ ‪ 22‬س ـ ـ ـ ـ ـ ــبتمبر ‪ 2023‬ع ـ ـ ـ ـ ـ ــن‬
‫الس ـ ـ ـ ــيد ال ـ ـ ـ ــرئيس املنت ـ ـ ـ ــدب للمجل ـ ـ ـ ــس األعل ـ ـ ـ ــى للس ـ ـ ـ ــلطة القض ـ ـ ـ ــائية ح ـ ـ ـ ــول التنظ ـ ـ ـ ــيم الهيكل ـ ـ ـ ــي‬
‫له ـ ـ ـ ـ ــذا األخي ـ ـ ـ ـ ــر ‪،‬الد وري ـ ـ ـ ـ ــة ع ـ ـ ـ ـ ــدد ‪ 23/25‬الص ـ ـ ـ ـ ــادرة م ـ ـ ـ ـ ــن نف ـ ـ ـ ـ ــس الجه ـ ـ ـ ـ ــة بت ـ ـ ـ ـ ــاريخ ‪ 25‬س ـ ـ ـ ـ ــبتمبر‬
‫‪ 2023‬املتعلق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بتنزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل مقتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيات الق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانون رق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ‪ 44.22‬املغي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وامل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتمم للق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانون‬
‫‪ 45.00‬املتعلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق بـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالخبراء القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائيين‪ ،‬والدوريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة رقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ‪ 23/26‬الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادرة مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن نفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس‬
‫الجه ـ ـ ـ ـ ـ ــة بت ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ ‪ 09‬أكتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبر ‪ 2023‬واملتعلق ـ ـ ـ ـ ـ ــة بمس ـ ـ ـ ـ ـ ــطرة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف التعويض ـ ـ ـ ـ ـ ــات املخولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫للقضاة املكلفين بمهام اإلشراف على التدبير والتسيير اإلداري للمحاكم‪.‬‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ــن جان ـ ـ ـ ـ ــب آخ ـ ـ ـ ـ ــر فق ـ ـ ـ ـ ــد ص ـ ـ ـ ـ ــدرت دوري ـ ـ ـ ـ ــة للس ـ ـ ـ ـ ــيد وزي ـ ـ ـ ـ ــر الع ـ ـ ـ ـ ــدل ع ـ ـ ـ ـ ــدد ‪15‬س‪1/4‬‬
‫بتـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ ‪ 26‬سـ ـ ـ ـ ـ ــبتمبر ‪ 2023‬موجهـ ـ ـ ـ ـ ــة للسـ ـ ـ ـ ـ ــادة رؤسـ ـ ـ ـ ـ ــاء كتابـ ـ ـ ـ ـ ــة الضـ ـ ـ ـ ـ ــبط تتعلـ ـ ـ ـ ـ ــق بتصـ ـ ـ ـ ـ ــحيح‬
‫العقـ ـ ـ ـ ــود املبرمـ ـ ـ ـ ــة بـ ـ ـ ـ ــين املتعاقـ ـ ـ ـ ــدين والتـ ـ ـ ـ ــي يك ـ ـ ـ ــون موضـ ـ ـ ـ ــوعها أم ـ ـ ـ ــالك الجماعـ ـ ـ ـ ــات الس ـ ـ ـ ــاللية‪،‬‬
‫ومنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور للس ـ ـ ـ ـ ـ ــيد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوزير ع ـ ـ ـ ـ ـ ــدد ‪ 16‬س ‪ 1/4‬بتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ ‪ 06‬أكت ـ ـ ـ ـ ـ ــوبر ‪ 2023‬يتعل ـ ـ ـ ـ ـ ــق بتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأمين‬
‫استمرارية الخدمات وحسن التواصل مع املرتفق‪.‬‬

‫الصفحة ‪388 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫املرسوم رقم ‪ 2.23.565‬الصادرفي ‪ 2‬غشت ‪ 2023‬املتعلق بسن تدابيرمتفرقة‬


‫تتعلق بالوضعية النظامية للقضاة‬

‫الصفحة ‪389 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪390 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪391 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫‪2023‬‬ ‫‪22‬دجنبر‬
‫سبتمبر‬ ‫الثاني‪،‬‬
‫بتاريخ‬‫العدد‬ ‫القضائية‬
‫الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪23.24‬‬ ‫اإلدارة‬
‫السيد‬ ‫مجلة‬
‫دورية‬
‫‪2023‬حول التنظيم الهيكلي لهذا األخير‬

‫الصفحة ‪392 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪393 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪394 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪395 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫‪2023‬‬ ‫دجنبر‬
‫الثانييخ‪25 ،‬‬
‫سبتمبر‬ ‫العدد بتار‬ ‫القضائية‬
‫الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪23.25‬‬ ‫اإلداةرةالسيد‬
‫مجلةدوري‬
‫‪2023‬حول تنزيل مقتضيات القانون رقم ‪ 44.22‬املغير واملتمم للقانون ‪ 45.00‬املتعلق بالخبراء القضائيين‬

‫الصفحة ‪396 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪397 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪398 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫أكتوبر‪2023‬‬
‫‪2023‬‬ ‫‪ ،09‬دجنبر‬
‫الثاني‬
‫العددريخ‬ ‫السيدالقضائية‬
‫الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.26‬بتا‬ ‫دوريةاإلدارة‬
‫مجلة‬
‫املتعلقة بصرف التعويضات املخولة للقضاة املكلفين بمهام اإلشراف على التدبير والتسيير اإلداري للمحاكم‬

‫الصفحة ‪399 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪400 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪401 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪402 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪403 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪404 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪405 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪406 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪407 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪408 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪409 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪410 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪411 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪412 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪413 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪414 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪415 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪416 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪417 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫الضبط‬
‫كتابة‪2023‬‬
‫رؤساءدجنبر‬
‫للسادةالثاني‪،‬‬
‫العدل عدد ‪ 15‬س ‪ 1/4‬بتاريخ ‪ 26‬سبتمبر ‪ 2023‬موجهة العدد‬ ‫السيدةوزير‬
‫القضائية‬ ‫دوريةلة اإلدار‬
‫مج‬
‫تتعلق بتصحيح العقود املبرمة بين املتعاقدين والتي يكون موضوعها أمالك الجماعات الساللية‬

‫الصفحة ‪418 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫يتعلقدجنبر ‪2023‬‬ ‫منشورالسيد وزيرالعدل عدد ‪ 16‬س ‪ 1/4‬بتاريخ ‪ 06‬أكتوبرالعدد‬
‫‪2023‬الثاني‪،‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬
‫بتأمين استمرارية الخدمات وحسن التواصل مع املرتفق‬

‫الصفحة ‪419 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪420 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫‪2023‬‬
‫دجنبر‪2023‬‬
‫‪ ،14‬دجنبر‬ ‫العددريخ‬
‫الثاني‬ ‫القضائيةاملنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.35‬بتا‬
‫السيدة الرئيس‬
‫دوريةلة اإلدار‬
‫مج‬
‫حول عقد الجمعيات العامة للمحاكم‬

‫الصفحة ‪421 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪422 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫الصفحة ‪423 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫خاتمـ ــة الع ــدد الثان ـ ــي‬

‫"وقالوا الحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا هللا"‪ ،‬هي آية محكمة من‬
‫سورة األعراف‪ ،‬رقم ‪ ،43 :‬وإن كانت تصف املؤمنين الصالحين عند دخلوهم الجنة ورؤيتهم ملكارم‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬ورحمته بهم بأن صرف عنهم عذاب جهنم‪ ،‬إال أنها يمكن أن تنطبق على الثناء والحمد‬
‫الواجب هلل عز وجل بأن ألهمنا وسددنا إلى إخراج هذا العدد الثاني من مجلة اإلدارة القضائية‪،‬‬
‫والتي كانت حلما راود العديد من املنتسبين لإلدارة القضائية بمفهومها الجديد من موظفي كتابة‬
‫الضبط وقضاة األحكام وقضاة النيابة العامة‪ ،‬وبمفهومها الواسع من السادة املحامون واملفوضون‬
‫القضائيون والخبراء والعدول والتراجمة‪ ،‬وجميع من يساهم في تدبير هذه اإلدارة سواء بطريقة‬
‫مباشرة أو غير مباشرة‪.‬‬

‫وأملنا كبير في أن يجد هذا العدد الثاني صداه وبعده القانوني وإشعاعه الفكري القانوني‬
‫واالقتصادي واالجتمايي لد ئةة واسعة من املمارسين والباحثين والطلبة واملهتمين بالأأن‬
‫القانوني والقضائي‪ ،‬وأن يأكل إحد اللبنات األولى إلعطاء االنطقاقة الحقيقة لنهضة ئكرية‬
‫قانونية في جسم اإلدارة القضائية املغربية‪ ،‬ويحفز العديد من املنتسبين إليها وئق التفصيل الوارد‬
‫أعقاه على البحث العلمي والبذل والعطاء الفكري‪ ،‬ويأكل أرضية خصبة لتبادل التجارب وتناقح‬
‫األئكار بين مجموعة من املمارسات الفضلى لد محاكم اململكة سواء تعلقت بمجال العمل‬
‫القضائي وتدبيره اإلداري أو بعمل هيةة كتابة الضبط املرتبط بمجال اإلدارة القضائية في شقها‬
‫اإلداري واملالي‪.‬‬

‫كما أننا نستغل كلمة اختتام هذا العدد للدعوة إلى دعم هذا املولود الجديد‪ ،‬وشد عوده‬
‫باملساهمة املكثفة من طرف املهتمين في العدد الثالث الذي من املرتقب أن يصدر في النصف األول‬
‫من سنة ‪ ،2024‬والذي نتمنى أن يكون ناجحا بإذن هللا‪ ،‬وهللا ولي التوئيق وهو الهادي إلى سبيل‬
‫الرشاد‪.‬‬

‫مدير املجلـ ــة‬

‫الدكتور الجيقالي مكوط‬


‫الصفحة ‪424 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫فهرس العـ ـ ــدد الثان ـ ــي‬


‫‪ -‬كلمة العدد الثاني ‪3 .........................................................................................................................‬‬
‫‪ -‬محاورالعدد الثاني ‪4 ........................................................................................................................‬‬
‫‪ -‬املحور األول ‪ :‬املقاالت القانونية واالقتصادية واالجتماعية ‪6 ............................... :‬‬
‫‪ ‬االلتزام بضمان سالمة املستهلك بين القواعد العامة للمسؤولية املدنية والقانون ‪ 08.31‬القاض ي‬
‫بتحديد تدابيرلحماية املستهلك ‪ .........................‬الدكتورخليل مرزوق ‪7 ................................................................‬‬

‫‪36‬‬ ‫‪‬منهجية االستشارة القانونية ‪ ..........................‬الدكتورالجياللي مكوط ‪.........................................................‬‬

‫‪‬تفاوت الضمانات الحمائية للمرأة بينمدونة الشغل وقانون الوظيفة العمومية ‪ -‬مقال دراسة مقارنة‬
‫‪ ...................................................‬الدكتورة خديجة أبوالقاسم‪51........................................................................‬‬
‫‪‬إشكالية عبارة ترتيب اآلثارالقانونية في منطوق األحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام‬
‫‪ .....................................................‬األستاذ محمد الزكراوي ‪74 ...............................................................................‬‬
‫‪‬الحساب الجاري للشركاء ‪ ..........‬األستاذ البشير العباس ي ‪83 .........................................................................‬‬

‫‪ -‬املحور الثاني ‪ :‬مقاالت اإلدارة القضائية‪109 ..................................................................... :‬‬


‫‪ ‬اإلشعارللغيرالحائزبين امتيازالخزينة وضمانات امللزم‪ ........................‬األستاذ عبد الواحد علومي‪110 .......................‬‬
‫‪ ‬املدرسة الوطنية لكتابة الضبط في املغرب بين الضرورة والتأجيل ‪-‬دراسة مقارنة ‪ ....‬األستاذ عبد العلي اشرنان ‪145 .....‬‬
‫‪ ‬السياسة الجنائية وسؤال االنتقال من الفهم التقليدي إلى محاولة التأصيل العلمي ‪..‬الدكتورعبد هللا آيت الطالب‪165 ....‬‬
‫‪‬اختصاصات وتنظيم املصالح الالممركزة لوزارة العدل‪ ،‬املنطلقات و آفاق التنزيل ‪.....‬الدكتورالجياللي مكوط ‪182 ...........‬‬
‫‪‬بيئة العمل التنظيمية لهيئة كتابة الضبط ‪ ......................‬األستاذ أحمد طبيبي ‪198 .................................................‬‬

‫‪ -‬املحور الثالث ‪ :‬نافذة على الجامعة ‪210 ...................................................................................................... :‬‬


‫‪ ‬التوثيق والذكاء االصطناعي ‪ ...........................................‬األستاذ منيرصالح‪211 .....................................................‬‬

‫‪‬اإلجهاض بين التجريم واملشروعية – قراءة على ضوء التحكيم امللكي ومسودة مشروع القانون الجنائي ‪-‬‬
‫‪ .......................................................................................‬الدكتور عصام منصور‪230 ...........................................‬‬
‫‪‬االقتصاد التضامني باملغرب بين املؤسسات التقليدية والتجارب الدولية ‪ :‬تكامل أم تصادم‬
‫‪ ........................................... ...........................................‬الدكتورجامع سموك ‪293 ..................................................‬‬
‫‪‬القانون والتحوالت التكنولوجية أية عالقة ؟ ‪ ............. Law and technology‬األستاذ أحمد فندو ‪311 ................‬‬
‫‪‬رقابة القاض ي الضريبي على إجراءات تحصيل الدين الضريبي‪ ....‬األستاذة نورة جبران واألستاذ ح ـمــزة ل ـقــوز ‪321 .............‬‬

‫الصفحة ‪425 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪344‬‬ ‫املحور الرابع ‪ :‬فسحة أدبية وشعرية ‪............................................................................................... :‬‬

‫‪ِ ‬سـن ــة ‪ ................................................‬األستاذ عمراملوريف ‪345 .........................................................................‬‬


‫‪ ‬خريـ ــف ‪ ........................................ 2005‬األستاذ نبيل بوكريم‪348 ................................................................ ........‬‬

‫‪ -‬املحور الخامس ‪ :‬اجتهادات قضائية ومستجدات قانونية وتنظيمية‪349 ......................‬‬

‫‪ -‬املادة الجنائيـ ــة ‪:‬‬


‫‪ ‬التعليق على قرار محكمة النقض ‪ :‬قيام جريمة الخيانة الزوجية بناء على االعتراف بتبادل القبل‪- :‬تجاذبات متقاطعة في ثنايا‬
‫قرارمحكمة النقض‪ .............................................. -‬األستاذ عبد الحق الحطاب‪350 ..................................................‬‬
‫‪ ‬تقادم العقوبة الجنحية بمرورأربع سنوات من تاريخ اكتساب الحكم أو القرارلقوة األمراملقض ي به يسقط‬
‫تنفيذ العقوبة ‪361 ................................................................................................................................ ...................‬‬
‫‪ ‬جنحة الفرارفي حادثة السيريعاقب عليها بالعقوبة األصلية والعقوبة اإلضافية (سحب رخصة السياقة)‪363 ..................:‬‬
‫‪ :‬العقوبات الحبسية النافذة هي التي تخضع لرد االعتبارالقضائي أما العقوبات املوقوفة التنفيذ‬
‫فتخضع لرد االعتباربقوة القانون ‪364............................................................................................................. ...............‬‬

‫املادة الشرعية ‪:‬‬


‫‪ ‬التدليس في عقد الزواج يوجب الفسخ – صفة عزوبة املخطوبة – ‪365 ........................................................................‬‬
‫‪ ‬الخدمة املنزلية ال تعتبرعمال من أعمال الكد والسعاية وال تدخل في تنمية أموال األسرة خالل الزواج ‪367...........................‬‬
‫‪ ‬الرجوع لبيت الزوجية يجب أن يكون فعليا وعن حسن نية ومغادرة الزوجة لبيت الزوجية بعد فترة وجيزة من تنفيذها‬
‫لحكم يوجب ايقاف نفقتها واعتبارها ناشزا‪368....................................................................................................... .........‬‬
‫‪ ‬عدم التنصيص صراحة في مدونة األسرة على التوكيل في الطالق ال يعني استبعاده مطلقا‪ ،‬بل هو جائزبشروط‬
‫مذهب اإلمام مالك الذي أحلت عليه املادة ‪ 400‬من مدونة األسرة‪370 ............................................................................... .‬‬
‫‪ ‬املصلحة الفضلى للطفل تعتبرمبررموضوعي لطلب التعدد ‪372 ..................................................................................‬‬

‫املستجدات القانونية ‪( :‬النصف الثاني من سنة ‪)2023‬‬


‫‪ ‬القانون الجديد رقم ‪ 37.22‬املنظم للمعهد العالي للقضاء ‪374 ................................................................................‬‬
‫‪ ‬القانون رقم ‪ 44.22‬املعدل للقانون رقم ‪ 45.00‬املتعلق بالخبراء القضائيين ‪386 ..............................................................‬‬
‫املستجدات التنظيمية ‪( :‬النصف الثاني من سنة ‪)2023‬‬
‫‪ ‬املرسوم رقم ‪ 2.23.565‬الصادرفي ‪ 2‬غشت ‪ 2023‬املتعلق بسن تدابيرمتفرقة تتعلق بالوضعية النظامية للقضاة‪389...........‬‬
‫‪ ‬دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.24‬بتاريخ ‪ 22‬سبتمبر‪2023‬حول التنظيم‬
‫الهيكلي لهذا األخير ‪392 ............................................................................................................................................‬‬

‫الصفحة ‪426 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫العدد الثاني‪ ،‬دجنبر ‪2023‬‬ ‫مجلة اإلدارة القضائية‬

‫‪ ‬دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.25‬بتاريخ ‪ 25‬سبتمبر‪2023‬حول‬
‫تنزيل مقتضيات القانون رقم ‪ 44.22‬املغيرواملتمم للقانون ‪ 45.00‬املتعلق بالخبراء القضائيين ‪396 ........................................‬‬
‫‪ ‬دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.26‬بتاريخ ‪ 09‬أكتوبر‪ 2023‬املتعلقة بصرف‬
‫التعويضات املخولة للقضاة املكلفين بمهام اإلشراف على التدبيروالتسييراإلداري للمحاكم‪399 ............................................‬‬
‫‪ ‬دورية السيد وزيرالعدل عدد ‪ 15‬س ‪ 1/4‬بتاريخ ‪ 26‬سبتمبر‪ 2023‬موجهة للسادة رؤساء كتابة الضبط تتعلق بتصحيح‬
‫العقود املبرمة بين املتعاقدين والتي يكون موضوعها أمالك الجماعات الساللية ‪418 ........................................................‬‬
‫‪ ‬منشورالسيد وزيرالعدل عدد ‪ 16‬س ‪ 1/4‬بتاريخ ‪ 06‬أكتوبر‪ 2023‬يتعلق بتأمين استمرارية الخدمات وحسن‬
‫التواصل مع املرتفق ‪419....................................................................................................................................... ....‬‬
‫‪‬دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم ‪ 23.35‬بتاريخ ‪ 14‬دجنبر ‪ 2023‬حول عقد الجمعيات‬
‫العامة للمحاكم ‪421 .................................................................................................................................................‬‬
‫‪ -‬خاتمة العدد الثاني ‪424 ...........................................................................................................................................‬‬

‫الصفحة ‪427 :‬‬ ‫مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة‬


‫ﻘ‬‫ﺔ اﻹدارة اﻟ‬
‫ﻀﺎ‬
‫ﺠﻠ‬
‫ﺋﻴﺔ‬

‫ﻣ‬
‫‪REVU‬‬
‫‪I‬‬‫‪A‬‬‫‪IRE‬‬

‫‪D'A‬‬
‫‪E‬‬
‫‪IC‬‬

‫‪DMI‬‬ ‫‪J‬‬‫‪U‬‬‫‪D‬‬
‫‪NISTRTION‬‬

‫ردﻣﺪ ‪ISSN.......7661-2820 ..... :‬‬


‫اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻻﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ‪www.readjud.com :‬‬
‫اﻟﺒﺮﻳﺪ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ‪revnaadju@gmail.com :‬‬
‫ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬

You might also like