Professional Documents
Culture Documents
مجلة الإدارة القضائية العدد الثاني
مجلة الإدارة القضائية العدد الثاني
ﻀﺎ
ﺠﻠ
ﺋﻴﺔ
ﻣ
REVU
E
IAIR
ED
'AD
DIC
MINI JU
STRTION
اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﻤﺴﺆول:
اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﺠﻴﻼﻟﻲ ﻣﻜﻮط
اللجنة العلمية
-الدكتور محمد منير ثابت؛ -الدكتور عز الدين بنستي؛
-الدكتور محمد األزهر؛ -الدكتور محمد جوهر؛
-الدكتورة حليمة املغاري؛ -الدكتورة صباح بنقدور
-الدكتور عبد الرحمان سعيد بنخضرة؛ -الدكتور عبد املولى املسعيد؛
-الدكتور مصطفى الغشام الشعيبي؛ -الدكتور أبو بكر مهم؛
-الدكتور محمد جرموني؛ -الدكتور الطاكي روشام؛
-الدكتور هشام الخصاص ي -الدكتور جواد الهروس؛
-الدكتور عبد هللا شبوبة؛ -الدكتور محمد زنون؛
-األستاذ عمر املوريف؛ -األستاذ محمد حبيب؛
الصفحة 1 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
الحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد عليه أزكى الصالة والسالم.
بعد النجاح الذي حققه العدد األول من مجلة اإلدارة القضائية ،ها هو العدد الثاني منها
يأتي استكماال للنهج الذي سطره القائمون عليها ،إغناء للمكتبة القانونية املغربية وسدا للفراغ
الذي تعرفه الساحة في املجالت املتخصصة التي تعنى بتدبير املحاكم ،سواء اتخذ هذا التدبير شكله
فيما هو قضائي أو فيما هو إداري ومالي ،وقد تميز هذا العدد الثاني بطابعه الدسم من الناحية
العلمية واملتنوع من الناحية املعرفية ،وهو ما جعل جميع محاوره تكتس ي طابع األهمية ،وتلبي رغبة
الباحثين واملهتمين بمجال اإلدارة القضائية بصفة خاصة والبحث القانوني بصفة عامة.
وملا كانت زكاة العلم ال تقوم إال بتعليمه ونشره ،حيث جاء عن أبي هريرة رض ي هللا عنه أن
رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم قال ":مثل الذي يتعلم العلم ثم ال يحدث به ،كمثل الذي يكنز
الكنز فال ينفق منه " ،فإن طاقم مجلة اإلدارة القضائية قد نحى من جانبه إلى توفير املعلومة
القانونية والقضائية سواء في شقها العام ،أو في جانبها املرتبط باإلدارة القضائية بأقل التكاليف
حيث اتخذ من مبدأ مجانية املجلة السبيل األقرب واألقل كلفة في الوصول إلى القراء الكرام ،خاصة
منهم فئة الطلبة والباحثين الذين تعوزهم اإلمكانيات وتحول التكلفة املادية للمجلة دون وصولهم إلى
املبتغى ،لذلك نسأل املولى عز وجل أن يجعلها صدقة جارية تحسب لكل من ساهم في إعدادها
وأعدادها من قريب أو بعيد ،وينير بها درب املجتهدين في بلوغ املراتب العليا من العلم واملعرفة.
ونتمنى أن يحظى هذا العدد باهتمام وفائق قبول مختلف الباحثين األكاديميين واملهنيين
واألطر القضائية واإلدارية والتقنية املنتمية لإلدارة القضائية ،وأن يجدوا فيه ظالتهم ،وأن يشتد به
عود مجلة اإلدارة القضائية ويجعلها في مستوى تطلعات منتسبيها ،إنه هو الهادي إلى ذلك والقادر
عليه.
مدير املجلـ ــة
تفاوت الضمانات الحمائية للمرأة بينمدونة الشغل وقانون الوظيفة العمومية -مقال دراسة مقارنة
...................................................الدكتورة خديجة أبوالقاسم51................................................................................
إشكالية عبارة ترتيب اآلثارالقانونية في منطوق األحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام
.....................................................األستاذ محمد الزكراوي 74 ...............................................................................
الحساب الجاري للشركاء ..........األستاذ البشير العباس ي 83 .........................................................................
اإلجهاض بين التجريم واملشروعية – قراءة على ضوء التحكيم امللكي ومسودة مشروع القانون الجنائي -
230 .......................................................................................الدكتور عصام منصور.................................................
االقتصاد التضامني باملغرب بين املؤسسات التقليدية والتجارب الدولية :تكامل أم تصادم
293 ........................................... ...........................................الدكتورجامع سموك ..................................................
311 القانون والتحوالت التكنولوجية أية عالقة ؟ ............. Law and technologyاألستاذ أحمد فندو ................
321 رقابة القاض ي الضريبي على إجراءات تحصيل الدين الضريبي ....األستاذة نورة جبران واألستاذ ح ـمــزة ل ـقــوز .............
دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم 23.25بتاريخ 25سبتمبر2023حول
تنزيل مقتضيات القانون رقم 44.22املغيرواملتمم للقانون 45.00املتعلق بالخبراء القضائيين 396 ........................................
دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم 23.26بتاريخ 09أكتوبر 2023املتعلقة بصرف
التعويضات املخولة للقضاة املكلفين بمهام اإلشراف على التدبيروالتسييراإلداري للمحاكم399 ............................................
دورية السيد وزيرالعدل عدد 15س 1/4بتاريخ 26سبتمبر 2023موجهة للسادة رؤساء كتابة الضبط تتعلق بتصحيح
العقود املبرمة بين املتعاقدين والتي يكون موضوعها أمالك الجماعات الساللية 418 ...........................................................
منشورالسيد وزيرالعدل عدد 16س 1/4بتاريخ 06أكتوبر 2023يتعلق بتأمين استمرارية الخدمات وحسن
التواصل مع املرتفق 419............................................................................................................................................. ....
دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم 23.35بتاريخ 14دجنبر 2023حول عقد الجمعيات
العامة للمحاكم 421 ......................................................................................................................................................
-خاتمة العدد الثاني 424 ................................................................................................................................................
-مقدمة :
اكتسب موضوع حماية املستهلك أهمية قصوى على مدار سنوات عديدة ،عرفت صراعا
بين سلطة التشريع داخل الدولة املغربية وجهات جعلت أولويتها محاولة رسم اإلطار الوقائي
لشريحة املواطنين املقبلين على استهالك ما يروجه كل من املنتج واملوزع داخل السوق االستهالكي .
وقد كان نتيجة لهذا الصراع أن صدرت بشأن موضوعه العديد من التقنيات املتفرقة كان
أهمها القانون ( )28.07املتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية 1والقانون ( )83.13املتعلق
بالزجر عن الغش في البضائع 2ثم املرسوم رقم 2.99.89املتعلق بمراقبة منتجات اللحوم
املستحضرة ثم القانون 31.08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك 3الذي استبشر بصدوره
املجتمع املغربي في فبراير 2011بعد مخاض طويل .
-1ظهير شريف رقم 1.10.08صادر في 26من صفر 11( 1431فبراير )2010بتنفيذ القانون رقم 28.07المتعلق بالسالمة
الصحية للمنتجات الغذائية منشور بالجريدة الرسمية عدد 5822بتاريخ فاتح ربيع اآلخر 18( 1431مارس )2010؛ ص .1101
- 2ظهير شريف رقم 1.83.108صادر في 9محرم 5( 1405أكتوبر )1984بتنفيذ القانون رقم 13.83المتعلق بالزجر عن
الغش في البضائع منشور بالجريدة الرسمية عدد 3777بتاريخ 1985/03/20الصفحة 395
- 3ظهير شريف رقم 1.11.03صادر في 14من ربيع األول 18(1432فبراير )2011بتنفيذ القانون رقم 31.08القاضي
بتحديد تدابير لحماية المستهلك منشور بالجريدة الرسمية عدد 5932بتاريخ 3جمادى األولى 7( 1432أبريل ،)2011ص
. 1072
هذه القوانين في مجملها استهدف من خاللها املشرع املغربي حماية فئة املستهلكين ،وضمان
ٌ
ضمان الشك يعتبر من أهم االلتزامات امللقاة على عاتق الفاعلين االقتصاديين من منتجين سالمتهم،
وموزعين.
إال أنه التزام يعتريه نظرا لخصوصيته بعض اللبس والغموض تحديدا فيما يتعلق بطبيعته
وكذا أساسه القانوني وآثاره ،وهو لبس سنعمل على محاولة إزالته من خالل تناول هذا املوضوع من
زاويتين:
أوالهما تهدف إلى بيان ماهية االلتزام بضمان سالمة املستهلك وتطبيقاته ،وثانيهما معالجة
الضوابط القانونية الخاصة املنظمة لاللتزام بضمان سالمة املستهلك طاملا أن أساسه القانوني غير
ثابت بنص صريح في أي من القوانين السالفة الذكر.
باعتبار أهمية إبراز ماهية وتطبيقات االلتزام بسالمة املستهلك ،فإننا من خالل التفصيل في
أحكام هذا االلتزام سنحاول قدر اإلمكان أن نعالج كال هذين الجانبين من خالل تناول املاهية في
مطلب أول ،على أن نخصص املطلب الثاني لتطبيقات هذا االلتزام.
باإلنسان فهو يدل على عدم تعرض هذا األخير ملا يؤديه في شخصه أو ماله أو أي ش يء آخر ُينسب
إليه.
ومنه فإن االلتزام بضمان سالمة املستهلك هو التزام مفاده عدم تعريض هذا األخير
(املستهلك) لخطر ناتج عن عملية استهالكه ملادة أو منتوج معين صادر من امللزم بضمان السالمة،
هذا االلتزام الذي نجد له تطبيقات جلية في العديد من التصرفات التي تؤطرها العالقة الثنائية
(مستهلك -مورد أو منتج) ،خصوصا بالنظر إلى بعض العقود التي نذكر منها عقد البيع ،عقد نقل
األشخاص ،عقد الكراء...
غير أن ما تجدر اإلشارة إليه هو أن االلتزام بضمان سالمة املستهلك ال ينحصر الحديث
عنه فقط في مرحلة دخول املستهلك مع املنتج في العالقة التعاقدية باستهالك املنتوج ،بل هو التزام
سابق عن هذه املرحلة كونه يرافق املادة املنتجة من بداية إعدادها بفرض ضوابط السالمة على
املنتج في تحضيرها إلى فترة استهالكها مرورا بمرحلة التسويق عبر مختلف درجاته من املنتج إلى املوزع
بالجملة إلى املوزع بالتقسيط إلى املستهلك الذي يستهدف املشرع حمايته وضمان سالمته.
وإذا كانت هذه محاولة الستقراء مفهوم االلتزام بضمان سالمة املستهلك فإن تحديد
طبيعة هذا االلتزام تكتس ي أهمية قصوى بالنظر إلى املسؤولية التي يمكن الحديث عنها عند اإلخالل
بهذا االلتزام .
املنتج لهذا الخطأ املتمثل في عدم قيامه بما يلزمه به واجب بذل العناية ،من اتخاذ االحتياطات
الالزمة لتالفي الخطورة أو العيب الذي اعترى السلعة أو قيام املتضرر بإثبات عدم قيام املنتج
بإحاطته بطبيعة األضرار التي ال محالة قد يتعرض لها املستهلك حالة استعماله للسلعة أو املنتوج
حالة ما إذا كان هذا األخير بالضرورة ذا تأثيرات جانبية بعد االستعمال ،أو إثباته في نفس اإلطار
عدم قيام املنتج بتوجيهه للطريقة اآلمنة التي يتوجب عليه من خاللها استعمال املنتوج والتي
بمخالفتها يحدث الضرر.
وقد تعرض هذا االتجاه لنقد شديد من طرف بعض الفقه 1الذي أطر املسألة من زاوية
التزام البائع املحترف بتحقيق نتيجة الحترافيته تلك التي تلزمه بتحمل نتائج نشاطه.
- 2االتجاه القائل بأن االلتزام بضمان السالمة التزام بتحقيق نتيجة :
يرى أنصار هذا الرأي أن االلتزام بضمان سالمة املستهلك التزام بتحقيق نتيجة ،ومن تم
فمتى أصيب املستهلك بضرر أثناء استهالكه للش يء محل التعاقد يكون املنتج قد أخل بالتزامه
العقدي ما يرتب مسؤوليته ويلزمه بالتعويض وال يمكنه بذلك دفع مسؤوليته إال بإثبات السبب
األجنبي الذي ال يد له فيه .
وقد أكد القضاء املغربي غير ما مرة على موقفه من طبيعة االلتزام بضمان سالمة املستهلك
باعتباره التزاما بتحقيق نتيجة وليس مجرد التزام ببدل عناية ،حيث جاء في أحد القرارات الصادرة
عن محكمة النقض بتاريخ 28فبراير 1985أن املحكمة وهي تطبق مقتضيات الفصل 106من
مدونة التجارة لم تكن ملزمة بذكر األخطاء املرتكبة من طرف الناقل ذلك أن مسؤولية هذا األخير
مفترضة .2
وفي نفس اإلطار ذهب قرار آخر ملحكمة النقض 3إلى التأكيد على طبيعة هذا االلتزام التي
توجب على من يقع عليه ،واجب احترامه وتحقيق النتيجة الكامنة وراءه وهي عدم تضرر املستهلك،
وتأكيدا لنفس القاعدة ،قضت محكمة االستئناف بالرباط أن الناقل ملزم باتخاذ كل االحتياطات
- 1جابر محجوب علي ،ضمان سالمة المستهلك من أضرار المنتجات الصناعية ،ص .181
- 2وفاء الصالحي ،االلتزام بضمان السالمة وحماية المستهلك ،مجلة المحاكم المغربية ،العدد ،114ص .50
- 3قرار صادر بتاريخ 28فبراير ،1985منشور بمجلة رابطة القضاء عدد 17مارس .1986أحالت عليه األستاذة وفاء
الصالحي ،مرجع سابق ،هامش ص .50
الضرورية لضمان سالمة ركابه وال يمكن أن يعفى من املسؤولية إال إذا أثبت وجود حادث فجائي أو
قوة قاهرة .1
- 3الطبيعة الخاصة لاللتزام بضمان سالمة املستهلك :
نشير في هذا الصدد إلى أن بعض الفقه يمثله خصوصا األستاذ الفقيه عبد الرزاق
السنهوري يرى أن هذا النوع من االلتزامات هو ذو طبيعة خاصة أو مختلطة إن صح التعبير ،فهو
تارة يكتس ي طابع االلتزام بتحقيق نتيجة وتارة أخرى التزاما ببدل عناية.
كما أن هذه الطبيعة تختلف باختالف نوع العقد الذي يجمع بين املستهلك واملنتج أو
البائع ،فااللتزام بضمان السالمة في بعض العقود هو التزام ببدل عناية كالتزام الطبيب في عالج
املريض ،وفي عقود أخرى كعقد النقل فهو التزام بتحقيق نتيجة ،على الرغم من تأكيد البعض
ودفاعهم على أن االلتزام بضمان السالمة في عقد النقل ال يكون دائما التزاما بتحقيق نتيجة وإنما
قد يكون أحيانا التزاما ببدل عناية.
غير أنه ورغم كل االتجاهات املتباينة في مسألة طبيعة االلتزام ،فإنه يبقى التزاما بتحقيق
نتيجة وقد أسست لهذه الطبيعة مجموعة من القرارات الصادرة عن املحاكم املغربية واألجنبية،
منها قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية في 7مارس 1989جاء فيه :أن عقد نقل التالميذ
يقتض ي من الناقل إيصالهم ساملين إلى وجهتهم.
وكذا قرار صادر عن محكمة االستئناف بالرباط الذي ألزم الناقل باتخاذ كل االحتياطات
الضرورية لضمان سالمة ركابه بحيث ال يمكن أن يعفى من املسؤولية إال إذا أثبت وجود حادث
فجائي أو قوة قاهرة .2
- - 1قرار صادر بتاريخ 23أكتوبر 1984منشور بالمجلة المغربية للقانون المقارن ،العدد ،1986 ،4ص .227ذكره
البكاي المزوز ،االلتزام بضمان السالمة في مجال نقل األشخاص ،المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية ،العدد 7يونيو
،2006ص .10وأشارت إليه األستاذة وفاء الصالحي ،م .س ،ص .49
- 2قرار بتاريخ 23 / 10 /1984منشور بالمجلة المغربية للقانون المقارن عدد 4سنة 1986صفحة 227
غير أنه ال يمكن االنتظار إلى حيث تحقق واقعة تسليم الشخص نفسه لآلخر بشكل مباشر
كحالة الذهاب إلى الطبيب ألجل عمل جراحة تجميلية بل أن هذا التسليم يكون في حاالت أخرى
ضمنيا ،فثقة املستهلك في منتوج غذائي معين وتناوله له فيه تعبير عن تسليم هذا املستهلك نفسه
روحا وجسدا للمنتج أو البائع وبالتالي فااللتزام بضمان السالمة مفهوم واسع يشمل وقاية املستهلك
من الضرر أو الخطر مهما كان تنوع العالقة التي تجمع الطرفين ،املهم هنا أن يكون موضوعها
استهالك منتوج.
- 3أن يكون املدين بااللتزام بضمان السالمة محترفا:
اشتراط بعض الفقه ضرورة توفر صفة االحتراف والخبرة والتخصص كعامل فعال في
األخذ بمسؤولية املنهي في إخالله بالتزامه بضمان السالمة ،بحيث يستوجب عليه أن يعرف جميع
العيوب التي تشملها األشياء موضوع التعاقد كما يجب عليه العمل على درئها بجميع الوسائل
املتاحة.
وفي نظرنا املتواضع ،فإن اشتراط صفة االحتراف في املنهي فيها نوع من التضييق من ضمان
سالمة املستهلك ،ذلك أنه كلما أثبت املنهي احترافيته وأنه اتخذ كل ما يلزم لضمان عدم حدوث
الضرر نكون أمام رجحان إعفاءه من املسؤولية عن الضرر الناتج للمستهلك وهو ما يتماش ى مع
االتجاه الذي يعتبر طبيعة هذا االلتزام التزاما ببذل عناية.
كما أنه إذا أثبت أنه غير محترف فإنه يخلي مسؤوليته كذلك عن الخطر أو الضرر الذي
لحق الطرف الثاني ،لذلك فإنه من األسلم إخضاع كل عالقة تجمع بين املستهلك واملنهي لهذا االلتزام
الذي يهدف إلى حماية املستهلك واحترام املنتج أو البائع لضوابط السالمة الواجب احترامها ،فإذا
كان من املمكن القول بوجود منهي محترف في الغالب وفي حاالت نادرة وجود منهي غير محترف ،فإن
الغالب في صف املستهلكين عدم احترافيتهم وحاجتهم إلى التوجيه والتنوير بل أكثر من ذلك ضمان
سالمتهم.
-ثانيا :النطاق الزمني لاللتزام بضمان سالمة املستهلك :
يمتد النطاق الزمني لهذا االلتزام بصفة عامة من فترة تصنيع املنتوج إلى وضعه بين يدي
املستهلك املعني بهذا الضمان ،ومعنى هذا أن التزام املنتج في فترة تصنيع املنتوج باحترام ضوابط
السالمة من مراعاته لنسب املقادير املستعملة من املواد األولية املستعملة في تصنيعه ونوعيتها هو
بداية لاللتزام بضمان السالمة ،ألن في احترام هذه الضوابط ضمان مسبق لسالمة من سيقدم على
استهالك املنتوج بعد خروجه إلى السوق.
ويجد هذا التوجه أساسه في املادة 5من القانون رقم )1( 28.07املتعلق بالسالمة الصحية
للمنتجات الغذائية ،التي تنص على ما يلي" :لكي ال يشكل أي منتوج أولي أو منتوج غذائي أو أية مادة
معدة لتغذية الحيوانات خطرا على حياة أو صحة اإلنسان والحيوان يجب أن يتم إنتاجها ومناولتها
ومعالجتها وتحويلها وتلفيفها وتوضيبها ونقلها وخزنها وتوزيعها وعرضها للبيع أو تصديرها وفق شروط
الصحة والسالمة التي من شأنها الحفاظ على جودتها وضمان سالمتها الصحية "...هذا فيما يتعلق
بإنتاج مادة ملموسة قابلة لالستهالك.
أما بخصوص بعض الخدمات التي غالبا ما يكون املستهلك في شخصه معرضا للخطر
باستهالكها دون الحصول على مادة أو منتج ملموس ،فإن نطاق االلتزام بضمان سالمة املستهلك ال
يبتدئ إال لحظة تطبيق الطرفين للعقد ونأخذ في هذا اإلطار عقد نقل األشخاص نموذجا .2
وهناك مجموعة من العوامل تشترك في تحديد النطاق الزمني لاللتزام بضمان سالمة
املسافرين منها مدة سريان العقد (عقد النقل) ،وعملية صعود وهبوط املسافر من وإلى وسيلة
النقل ،ومن حيث املكان بحاالت تواجده داخل محطة النقل من عدمه ،كل هذه العوامل ذات
أهمية في تحديد نطاق االلتزام بضمان السالمة غير أنه سنتطرق إلى عاملين أولهما :وجود الراكب
داخل الناقلة ،وثانيهما تواجده داخل محطة النقل.
-1وجود الراكب داخل وسيلة النقل :
وجود الراكب داخل الحافلة مثال يجعله أكثر عرضة لخطر الحوادث ،وبذلك فالتزام
الناقل بضمان سالمة الراكب داخل الحافلة ال يقبل الجدل ،حيث أن التزام الناقل ال يعد التزاما
بنتيجة وصول الراكب ساملا معافى إلى وجهته ،أي ضمان سالمته ال يعد خیارا تشريعيا بقدر ما هو
اجتهاد قضائي .3
- 1ظهير شريف رقم 1-10-08صادر في 26صفر 11( 1431فبراير )2010بتنفيذ القانون 28-07المتعلق بالسالمة
الصحية للمنتوجات الغذائية ،الجريدة الرسمية عدد 5822الصادرة بتاريخ فاتح ربيع اآلخر 18( 1431مارس )2010ص
.1001
- 2البكاي المعزوز ،م.س ،ص .12
- 3قرار لمحكمة النقض الفرنسية ،صادر بتاريخ 1911/11/21
غير أنه يثار سؤال بشأن استمرار االلتزام على عاتق الناقل في حالة نزول الراكب من
الحافلة قبل الوصول إلى الوجهة املقصودة؟
في هذا الشأن يرى بعض الفقه 1أن التزام الناقل بضمان السالمة يتوقف بنزول الراكب
من الناقلة حتى ولو كان نزوال مؤقتا لقضاء أغراضه الشخصية ثم العودة إلى الناقلة ،غير أنه إذا
كان النزول بناء على أمر من الناقل أو عماله لسبب مثل حدوث خلل بأحد أجهزة املحرك ،فإن
االلتزام بضمان سالمة الراكب يبقى ساري املفعول وهذا ينسجم مع نص املادة 485من مدونة
التجارة التي جاءت بعبارة "خالل النقل" التي تشمل تواجد الراكب داخل أو خارج الحافلة خالل
املدة التي يستغرقها نقل الراكب دون إغفال بطبيعة الحال تحمل الراكب املسؤولية عن الخطر
الذي قد يهدده إذا غادر الحافلة دون أمر الناقل ،ذلك أن التزام الناقل يقابله التزام الراكب بالسهر
على سالمة الشخص بتجنبه الحوادث واألخطار التي تهدده وعدم إهماله وسائل الوقاية والحذر
التي من شأنها أن تضمن سالمته إلى جانب ما يلتزم به الناقل من تحقيق لهذا الضمان.
-2تواجد الراكب داخل محطة النقل :
إذا قلنا بان االلتزام بضمان سالمة املستهلك يرتبط بالتنفيذ املادي لعملية النقل فذلك
يعني أن االلتزام بضمان حماية السالمة يشمل فقط فترة تواجد الراكب داخل وسيلة النقل وعملية
الصعود والهبوط دون أن يشمل حتى مرحلة تواجد املسافر داخل املحطة.
وقد اختلف االجتهاد القضائي -خصوصا في فرنسا -بين األخذ بمسؤولية الناقل عند تواجد
الراكب داخل املحطة ،وعدم األخذ بهذه املسؤولية ،ففي البداية أعطى القضاء الفرنس ي مفهوما
واسعا لضمان السالمة بحيث شمل مرحلة ما قبل ركوب الناقلة أي فترة التواجد داخل املحطة
وتطبيقا لذلك قض ى بمسؤولية الناقل أثناء انزالق الراكب على رصيف محطة املترو.2
ولقد تراجع القضاء الفرنس ي عن هذا التوجه انطالقا من حكم ملحكمة النقض بتاريخ
يوليوز 1969في نازلة مشابهة للنازلة السابقة ،حيث حسمت املحكمة في األمر بنفيها التزام الناقل
بضمان السالمة الن املصاب لم يستقل القطار بعد وألن التزام الناقل بضمان السالمة ال يقع على
عاتقه إال وقت تنفيذه عقد النقل.
- 1البكاي المعزوز ،م .س ،ص .12
2 - paris 7 Mao 1943 . Gazette des palais 31 octobre 1943
ذكره المعزوز البكای ،م.س ،ص 15
أما القضاء املغربي فبدوره انقسم إلى اتجاهين أولهما يمثله قرار بتاريخ )1( 1978/01/18
قض ى بأن مسؤولية الناقل تظل قائمة ما دام الراكب متصال بالناقلة ،فإذا انقطع عنها بسبب من
األسباب فإن مسؤولية الناقل العقدية تنقطع لتبدأ مسؤوليته التقصيرية .أما االتجاه الثاني فيمثله
قرار املجلس األعلى جاء فيه أن مسؤولية الناقل في إطار الفصل 106من القانون التجاري القديم
تبتدئ من وقت دخول املسافر املحطة .2
وخالصة القول ،وكما يرى بعض الفقه 3فإن االلتزام بضمان السالمة للمسافر وإن كان
التزاما بتحقيق نتيجة فهو التزام ال يمكن أن يكون دائما مطلقا نظرا ملا للراكب من حرية في الحركة
والتنقل داخل الناقلة ،هذه الحرية قد يكون لها دور كبير في وقوع الحادث ،وبالتالي التزام الناقل
بضمان سالمة املستهلك رهين بالتزام الراكب باتخاذ الحيطة والحذر الذي يزيد من قيمة سالمته
كمستهلك.
تعتبر النقطة املتعلق بنطاق تطبيق االلتزام بضمان السالمة للمستهلك ،من أهم النقط
التي كانت محل خالف فقهي وقضائي -كما تمت اإلشارة إلى ذلك في املطلب األول -مع عدم وجود نص
صريح ضمن قانون 08.31يحدد ويرسم مجاالت تطبيق هذا االلتزام .
والبد من اإلشارة إلى أن االلتزام بضمان السالمة ظهر ألول مرة سنة 1911في مجال ضمان
سالمة األشخاص ،4تماشيا مع الرأي السائد آنذاك والذي كان يعتبر أن االلتزام بضمان السالمة
ال يكون له وجود إال في العقود التي يسلم فيها أحد األطراف شخصه أو جسمه للطرف اآلخر.
غير أن هذا التوجه حسمت فيه محكمة النقض الفرنسية في مجموعة من القرارات
الصادرة عنها كما سيأتي الحقا إذ أنها لم تكتف باملفهوم الضيق لتسليم أحد األطراف للطرف اآلخر
- 1قرار بتاريخ 1978-01-18منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 29السنة 18يوليوز ،1979ص .63
- 2قرار بتاريخ 1985/02/28منشور بمجلة رابطة القضاة العددان 16و 17مارس ،1986ص .74
- 3البكاي المعزوز ،م.س ،ص .17
- 4المسؤولية المدنية للناقل باعتباره مسؤوال عن كل األخطار التي قد تلحق الراكب انطالقا من شراء التذكرة أو الركوب في
السيارة إلى حين مغادرة المحطة.
شخصه أو جسده ،وإنما أخذته بمفهومه الواسع الذي يسري على جميع العقود التي من شأنها أن
تلحق أضرارا باملستهلكين.
لدى سوف نتناول االلتزام بضمان السالمة في كل من عقد البيع كأهم العقود التي يقدم
عليها املستهلكين لتلبية حاجياتهم الضرورية في مجال السلع واملنتوجات ،باإلضافة إلى عقد نقل
األشخاص الذي يعد التطبيق البارز بالنسبة للخدمات التي يتزود بها.
يرتكز التعامل التجاري على الصدق في التعامل بين التجار ،بحيث أنه ال يخفی على أحد أن
خطر الغش التجاري يؤثر على سالمة املستهلك الشخصية وذمته املالية ،بل يتجاوز ذلك ،ليكون
مفسدة لذمم املتعاملين داخل السوق .1
لذلك ،نجد املشرع املغربي نظم عقود بيع السلع واملنتوجات املبرمة بين املستهلك واملورد،
ضمن القسم الخامس من القانون 31-08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك .وخص عقد
البيع بالضمان القانوني لعيوب الش يء املبيع والضمان التعاقدي والخدمة بعد البيع من املادة 65
إلى املادة 73من القانون املذكور.
إال أن املشرع املغربي اكتفى في املادة 65من القانون رقم 31-08باإلحالة على الفصول 459
إلى 575من ظهير االلتزامات والعقود ،واملنظمة لنظرية ضمان عيوب الش يء املبيع ،مع بعض
الخصوصيات التي جاء بها املشرع حماية للمستهلك ،فهذا دليل قاطع على أن القانون 31-08لم
يستثن عقد البيع من نطاق االلتزام بضمان السالمة.
فمناط االلتزام بضمان السالمة يرتبط بصفة الخطر في البيع ،كأن يكون املبيع غير صالح
لالستعمال فيما أعد له وفقا لطبيعته ،وهذا ما نصت عليه املادة 452من ق.ل.ع ( ،)2بحيث
اشترط فيها املشرع مجموعة من الشروط ليتم االعتداد بالعيب ويخضع بالتالي للضمان ،الذي
يوجب أن يكون العيب مؤثرا ومحسوسا لو علم به املتعاقد ملا أقدم على التعاقد ،ويجب أن يكون
- 1سعيدة ابلق :مقال تحت عنوان :بيع السيارات المستعملة اية حماية للمستهلك المغربي منشور بمجلة ص .112 :
- 2ينص الفصل 549من ق.ل.ع" :يضمن البائع عيوب الشيء التي تنقص من قيمته نقصا محسوسا ،أو التي تجعله غير صالح
الستعماله فيما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى العقد."...
العيب سابقا على عملية البيع طبقا ملقتضيات الفصل 552ق.ل.ع ( ،)1وتبقى ضرورة رفع الدعوى
داخل اآلجال املحددة في املادة 65من قانون . 31.08
واملالحظ أن املنتجات والسلع محل البيع لم تكن في السابق تشكل خطرا واضحا بالنسبة
للمستهلكين فيما يمكن أن يترتب عن استعمالها أو حيازتها من أضرار ،لكنه ومع تطور املجتمع على
املستوى االقتصادي واملستوى التكنولوجي ،ظهرت منتجات وسلع جديدة قد يترتب عن استعمالها
أو حيازتها بدون اتخاذ الحيطة والحذر ،أضرار وخيمة تلحق املستهلك إما في ماله أو جسده.2
األمر الذي فرض بطبيعة الحال توسيع مسؤولية البائع عن العيوب الخفية املوجودة
باملبيع كلما شكل خطرا على املستهلك ،وفي نفس االتجاه ذهبت محكمة النقض الفرنسية في إحدى
قراراتها إلى تحميل بائع الدراجة املسؤولية لعدم إفضائه بكيفية تركيب جهاز التوجيه بالدراجة
مرتكزة على نظرية العيوب الخفية .3
ولكن السؤال املطروح هو :هل يرتبط االلتزام بضمان السالمة بوجود عيب في الش يء
املبيع؟ أم أنه التزام قائم بذاته يمكن االعتماد عليه دون وجود عيب في املبيع؟ أي أنه يرتبط بوجود
خطر في السلعة أو املنتوج في حد ذاته؟.
نرى بأن هذا التساؤل يجد تبريره في أن القانون رقم ،31-08أقر من خالل مادته 65بأن
عقود بيع السلع واملنتوجات تطبق عليها األحكام املتعلقة بالضمان القانوني لعيوب الش يء املبيع
املنظمة بالفصول 549إلى 575من ق.ل.ع ،هذه األخيرة التي ترتكز على ضرورة وجود عيب في الش يء
محل عقد البيع.
وفي هذا االتجاه قضت محكمة االستئناف ملونبولييه "بعدم جواز نظر الدعوى ألنها قدمت
خارج األجل وأيدتها في ذلك محكمة النقض ،إال أنها عابت على هذا القرار ،ما تأسس عليه ،ذلك أن
مطالبة املدعي بالتعويض لم يكن على أساس وجود عيب في املبيع وإنما تأسيسا على عدم وفاء
الشركة بااللتزام بضمان السالمة في الوقت الذي لم يستطع املدعي إثبات أنه كان هو والغير
وأموالهما محال ألي ضرر.4
- 1ينص الفصل 552من ق.ل.ع على ما يلي" :ال يضمن البائع العيوب التي كانت موجودة عند البيع ،إذا كان المبيع شيئا
معينا بذاته ،أو عند التسليم إذا كان الشيء مثليا بيع بالوزن أو القياس أو على أساس الوصف".
- 2بوعبيد عباسي ،م ش ،ص .65
3 -Cass, civ, juin 1954, J.C 1954-2-8238, OB9, Beckie.
4 -Cass. 1er civ, 16 octobre, No 1580, FDN, sansome et autre C/ste.
وقضت نفس املحكمة بأن " املسؤولية عن انفجار جهاز تلفاز بعد شرائه بمرور 8سنوات
ليس له محل ،ألن العيب املوجب أو الخلل املوجب للضمان ،يجعل الش يء غير صالح لالستعمال
أصال".
فإذا كان من الثابت أن البائع يلتزم بضمان سالمة املشتري املستهلك فيما يخص استعمال
الش يء وحيازته ،فإن السؤال املطروح هو :ما هي طبيعة هذا االلتزام ؟ هل هو التزام بتحقيق نتيجة
أم أنه مجرد التزام بوسيلة؟
من وجهة نظرنا املتواضعة يجب التمييز بين الضرر الناتج عن عيب في الش يء لم يصرح به
البائع ،وبين الضرر الناتج عن خطورة الش يء ،ونرى بأن التزام البائع في عقد البيع في االلتزام بضمان
السالمة -هو التزام ذو طبيعة خاصة يختلف حسب محل العقد -ففي عقد البيع يقوم البائع
بتحذير املشتري املستهلك ونصحه ويمكن املشتري من االنتفاع بالش يء بكل أمن وأمان واطمئنان،
ويعلمه بكل األخطار التي يمكن أن تترتب عن استعمال أو حيازة الش يء املبيع ،ويجب أن يكون هذا
التحذير كافيا وواضحا ومفهوما بالشكل الذي يمكن املشتري من الوقوف على مخاطر املبيع.
ولقد قضت محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها بأن "البائع ملزم اتجاه املشتري
بضمان سالمته من األضرار التي قد تنشأ عن الش يء املبيع ،وأن هذا االلتزام هو التزام ببذل عناية
وليس التزام بتحقيق نتيجة" . 1وهو قرار منتقد ،ذلك أن البائع املحترف يلتزم دائما بتحقيق النتيجة
املرجوة من العقد.
وفي مجال بيع مواد التجميل قضت محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها بتاريخ 22
يناير 1991بتحميل املنتج أو بائع املنتجات املخصصة للعناية بالجسم البشري التزاما بضمان
السالمة على إثر إصابات خطيرة لحقت بشرة سيدة على إثر استعمالها ملستحضرات التجميل. 2
وخالصة القول ،أن عقد البيع يعتبر املجال الخصب لتطبيق االلتزام بضمان السالمة،
نظرا لكثرة تداول هذا النوع من العقود خصوصا في املجال االستهالكي ،بحيث يستوجب األمر على
البائع املنهي املحترف أن يقوم بإعالم وتحذير املشتري املستهلك بكل ما من شأنه أن يؤثر على
جسمه Kوخصوصا في البيوعات الخطرة كاملواد السامة أو املواد الصيدلية واآلالت الحديثة التي
1 - cass. civ 16 mai 1984 gas pal son/ p 320.
-أوردته وفاء الصالحي ،م س ،ص .51
2 - cass, 1er ch-civ, 22 janvier, Bull civ, I, No 30.
تشكل خطرا حقيقيا على حياة اإلنسان املستهلك لها عامة ،وعلى شخص املستهلك الذي يحوزها
خاصة.
لكن ،هل يمكن أن يشمل عقد بيع السيارات املستعملة محال لاللتزام بضمان السالمة؟
كما هو معلوم فااللتزام بضمان السالمة يجد تطبيقه عندما يوجد في املبيع عيب يؤدي إلى
عدم إمكانية استعمال الش يء فيما أعد له أو أن يترتب عن هذا العيب ضرر للمستهلك املشتري أو
إذا كان املبيع يشكل خطرا ،وهكذا فقد اعتبرت املحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ":كون الش يء
باليا ومستعمال ال يعد عيبا فيه ،وبالتالي فال مجال لتطبيق مقتضيات الفصل 549من ق.ل.ع
بشأنه". 1
ونرى أن املحكمة لم تحدد في حكمها العيب املقصود هل هو العيب الظاهر الذي يرتضيه
املشتري عند إبرام العقد أم العيب الخفي الذي يفاجئ به عند استعمال الش يء ،وإن كان هذا الطرح
األخير فيه إجحاف وتضييق على سالمة املستهلك.
وعلى خالف التوجه السابق ،ذهب القضاء الفرنس ي إلى اعتبار أن الكسر والتلحيم
والحوادث بمثابة عيوب موجبة للضمان متى أخفاها البائع عن املشتري عند إبرام العقد ، 2وهو
توجه يضمن حماية أقوى للمستهلك الذي يعتبر الطرف الضعيف في مثل هذه العالقة ،بحيث يكون
غير عالم بتفاصيل األجهزة امليكانيكية للسيارة وال يتوفر على أية خبرة تمكنه من فحصها قبل
اإلقدام على إبرام العقد ،لذلك فهو يستند إلى ما يقدمه له البائع من معلومات ونصائح الهدف منها
إقامة املساواة في املعارف بين البائع واملشتري.3
- - 1حكم ادر بتاريخ 10ماي ،1939منشور بمجلة المحاكم المغربية ،عدد 829سنة ،1939ص .204
2 - cour de poiteir, le 8 mars 1933, encyclopédie, Dalloz, 1933, p 582.
- 3لكن هل المشرع كان متوقعا عندما ترك في الجانب المتعلق بالضمان االتفاقي المبادرة للمورد لكي يقترح على المشتري
شروط ضمان أفضل له ،فإن كان األمر بهذا التسامح والصدق في المعاملة ،فما هو الدافع إلى سن مقتضيات قانونية تحمي
المشتري المستهلك من كل الممارسات التعسفية التي من شأنها أن تؤثر على مصالح المستهلك تحت ضغط الحاجة والجهل ببعض
المعلومات ،نرى أنه يجب على المشرع أن يترك الفرصة للمستهلك كذلك ليقترح على المورد بعض الشروط التي تحقق له
الضمان الكافي من السلعة أو الخدمة مادام العقد شريعة المتعاقدين.
يعتبر التزام املدين بضمان السالمة في عقد نقل األشخاص ،التزاما بتحقيق نتيجة عند
أغلب الفقه ،وكذلك األمر بالنسبة للقضاء الفرنس ي خصوصا ،بحيث قضت محكمة النقض
الفرنسية بأن الناقل يلتزم إلى جانب توصيل الراكب أو املسافرين إلى جهة الوصول في امليعاد الذي
حدده في جداوله ،التزاما بضمان السالمة أثناء السفر وتوصيله ساملا إلى نقطة الوصول .1
ويترتب على اعتبار أن التزام الناقل التزام بتحقيق نتيجة ،يرتب عند اإلخالل به مسؤوليته
العقدية التي تقوم على خطأ مفترض في جانب الناقل ال يجوز له دفعه إال إذا أثبت أن الضرر ناتج
عن السبب األجنبي وال دخل له فيه ،إما القوة القاهرة أو الحدث الفجائي أو خطأ املضرور.
وهو التوجه الذي تبناه املشرع املغربي في مدونة التجارة من خالل املادة ،)2( 485حيث
تبرره أبعاد اجتماعية أساسها التعاطف مع الطرف الضعيف والوقوف إلى جانبه ،وهو الراكب
املصاب.
كما أنه وفي قرار ملحكمة النقض املصرية قضت فيه بأن ":عقد نقل تالميذ املدرسة ،يفرض
على الناقل إيصال التالميذ ساملين معافين إلى جهتهم املقصودة أي مكان الوصول" .3
أما القضاء املغربي فأتيحت له الفرصة للتعبير عن موقفه ،حيث صدر قرار عن املجلس
األعلى – محكمة النقض حاليا -قض ى فيه "بأن املحكمة وهي تطبق مقتضيات الفصل 105من
القانون التجاري لم تكن ملزمة بأن تذكر األخطاء املرتكبة من طرف الناقل ،ذلك أن مسؤولية هذا
األخير مفترضة حسب الفصل املذكور ،ومن جهة أخرى حيث أن املحكمة عندما جعلت الضحية
جزءا من املسؤولية بعلة أنها لم تتخذ االحتياطات الالزمة دون أن توضح املحكمة ماهي االحتياطات
الالزمة ،تكون بصنيعها قد أضرت بمصالح الضحية ال بمصالح الطاعن" .4
1 - cass civ 21 novembre 1911. D 1913.1.249 serrur cité par B.
-أوردته وفاء الصالحي ،مس ،ص . 48
- 2تنص المادة 485من مرت على ما يلي" :يسأل الناقل عن األضرار الالحقة بشخص المسافر خالل النقل ،وال يمكن إعفاؤه
من هذه المسؤولية إال بإثبات حالة القوة القاهرة أو خطأ المتضرر".
- 3واستقر القضاء المصري كذلك على اعتبار مسؤولية الناقل في نقله للراكب تعاقدية محلها التزام بتحقيق نتيجة نقض مصري
بتاريخ .1962-04-26
- 4قرار المجلس األعلى بتاريخ 1985/02/28منشور بمجلة رابطة القضاء عدد 17-16مارس .1986
وفي نفس االتجاه قضت محكمة االستئناف ،بأن الناقل ملزم باتخاذ كل االحتياطات
الضرورية لضمان سالمة وكيله وال يمكن أن يعفى من املسؤولية إال إذا أثبت وجود حادث فجائي أو
قوة قاهرة .1
ونرى أن هذا التوجه يحقق ضمانة قوية ملستهلك خدمات النقل العمومي خصوصا والنقل
الخاص عموما ،إذ أنه يوفر على الراكب عبء إثبات خطأ الناقل الذي قد يستعص ي إثباته في أغلب
األحيان ،في حين أن الناقل ال يتحمل أي خسائر مادية خصوصا مع مبدأ إجبارية التأمين على
السيارات .2
ويبدو لنا أن التساؤل عن النطاق الزمني لاللتزام بضمان السالمة بعد استعراض هذه
املعطيات يعتبر أمرا مشروعا ،واإلجابة عنه ترتبط بالنطاق الزمني ،حيث سنقتصر على دراسة
فرضيتين أساسيتين.
-الفرضية األولى :وجود الراكب داخل الناقلة:
يعد وجود الراكب داخل الناقلة التطبيق العملي والحقيقي لاللتزام بضمان السالمة ألن
وجوده بها يجعله أكثر عرضة للحوادث ،ولذلك فإن التزام الناقل بضمان السالمة للراكب داخل
الحافلة أصبح أمرا غير قابل للنقاش أو التشكيك في صحته ،فقها وقضاء .3
وإذا كان املبدأ هو التزام الناقل بضمان سالمة الراكب أثناء تواجده بالناقلة ،فإن هذا
االلتزام يتوقف بنزول الراكب من الناقلة حتى ولو كان نزوال مؤقتا لقضاء بعض أغراضه الشخصية
كشراء بعض املشروبات أو شراء جريدة مثال ،ثم العودة من جديد إلى مكانه بالناقلة ،أما إذا كان
نزول الراكب من الناقلة بناء على صدور تعليمات من الناقل أو عماله كوجود خلل في الناقلة مثال،
فإن التزام الناقل يظل قائما.
فمناط وقف التزام الناقل بضمان السالمة عندما يتعرض الراكب للحادث بعيدا عن
الناقلة وعن تجمع الركاب وبدون إذن من الناقل أو عماله ،يجد أساسه في أن الراكب كذلك يقع
على عاتقه السهر على سالمته الشخصية بحيث يعد املقابل الحقيقي واملكمل لتنفيذ الناقل
- 1قرار استئنافي بتاريخ 23 / 10 /1981منشور بالمجلة المغربية للقانون المقارن عدد 4سنة 1988ص .227
- 2البكاي المعزوز مقال تحت عنوان " :االلتزام بضمان السالمة في مجال نقل األشخاص" ،منشور بالمجلة المغربية لألنظمة
القانونية والسياسية ،عدد 23ص .11
- 3البكاي المعزوز ،مس ،ص .12
اللتزامه بضمان سالمة الراكب ،انطالقا من احترام تعليمات وإرشادات الناقل وتنفيذها ،بحسن نية
لتتم عملية النقل بأمان وسالم.1
-الفرضية ثانية :تواجد الراكب داخل محطة النقل :
تستدعي هذه الحالة تواجد املسافر داخل محطة الحافالت أو القطار قبل السفر ،للقيام
ببعض اإلجراءات الضرورية كأخذ التذكرة وانتظار الحافلة أو القطار ،لذلك فإننا نتساءل مع بعض
الفقه 2عن مدى إمكانية امتداد التزام الناقل بضمان السالمة ليشمل اإلصابات التي تحلق
باملسافرين أثناء تواجدهم بمحطة النقل؟
ففي ظل غياب حل تشريعي سواء في التشريع املغربي أو التشريع الفرنس ي يتحدث عن
اإلصابات التي يتعرض لها املسافر داخل املحطة ،تعين علينا الرجوع إلى االجتهادات القضائية في
هذا املوضوع.
وقد اتجه الرأي القضائي الغالب في فرنسا ،إلى األخذ باملفهوم الواسع لاللتزام بضمان
السالمة ،إذ أن الضمان يشمل لحظة ركوب املسافر القطار ونزوله على إثر انتهاء الرحلة بل ويمتد
ليشمل ضمان السالمة منذ دخوله املحطة والى غاية خروجه من فناء رصيف محطة املترو ،3حيث
قضت محكمة النقض الفرنسية بمساءلة الناقل عن انزالق الراكب بفعل هبوط عاصفة ثلجية نتج
عنها بلل في طرقات محطات املترو.4
فكل الحاالت املشار إليها سابقا تكون معها مسؤولية الناقل مسؤولية عقدية قائمة على
عقد النقل الرابط بين الراكب والناقل ،وهذا التوجه املبني على التوسع في التفسير يحقق حماية
أكبر للمتضرر املسافر حتى قبل اتصاله بالناقلة.
غير أن القضاء الفرنس ي تراجع عن هذا التوجه بشكل واضح في حكم ملحكمة النقض
الفرنسية ،بحيث قضت بانتفاء املسؤولية عن الناقل في الحالة التي كان الرجل املسن متجها فيها
نحو رصيف املحطة وانزلق نتيجة األمطار ،بمبرر أنه لم يستقل القطار بعد ،وأن التزام الناقل
بضمان السالمة ال يقع على عاتقه إال وقت تنفيذ عقد النقل. 1
وبالرجوع إلى القضاء املغربي ،نجد املجلس األعلى – محكمة النقض -قد أعفى في البداية
الناقل من املسؤولية بحيث جاء في قرار له ه ما يلي" :إن مسؤولية الناقل تظل قائمة مادام الراكب
متصال بالناقلة ،فإذا انقطع عنها بسبب من األسباب فإن مسؤولية الناقل العقدية تنقطع لتبدأ
مسؤولية الناقل التقصيرية" . 2
غير أنه تراجع عن هذا املوقف وأكد في قرار آخر ،3أن مسؤولية الناقل في ...إطار الفصل
106من القانون التجاري تبتدئ من وقت دخول املسافر املحطة ويكون بذلك قد أخذ باملفهوم
املوسع لاللتزام بضمان السالمة.
سنحاول من خالل هذا املبحث وفي سياق استعراض املبادئ املنظمة لإلخالل بااللتزام
بضمان سالمة املستهلك التطرق لألساس القانوني لاللتزام بضمان السالمة وعالقته ببعض
االلتزامات األخرى في املطلب األول ،على أن نتناول في مطلب ثاني آثار اإلخالل بااللتزام بضمان سالمة
املستهلك.
1 - civ. français 1 juillet 1969 cité par Geneviève Viney, p 484.
- 2قرار بتاريخ 1978/01/18منشور في مجلة القضاء والقانون العدد 29السنة 18يوليوز 1979ص . 63
- 3قرار بتاريخ 1985/02/28منشور بمجلة رابطة القضاة العدد 17-16سنة 22مارس 1986ص .74
سنبحث في هذا املطلب عالقة االلتزام بضمان سالمة املستهلك ببعض االلتزامات األخرى
في فقرة أولى ،قبل أن نعرج على تبيان األساس القانوني لاللتزام بضمان سالمة املستهلك في فقرة
ثانية
الفقرة األولى :عالقة االلتزام بضمان سالمة املستهلك ببعض االلتزامات األخرى
تتجلى عالقة االلتزام بضمان سالمة املستهلك ببعض االلتزامات األخرى في مظهرين
أساسيين :األول يتعلق بااللتزام باإلعالم (أوال) ،والثاني يتمظهر في االلتزام بالتحذير (ثانيا).
-أوال :عالقة االلتزام بضمان السالمة بااللتزام باإلعالم :
اإلعالم لغة هو اإلفضاء بأمر خاص واصطالحا هو بيان أو إشارة أو إدراج تعليمات يمكن
أن تقدم توضيحا بشأن واقعة أو قضية ما .1
وقد جاء في نص املادة 3من القانون 31-08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك أنه ":
يجب على كل مورد أن يمكن املستهلك بأي وسيلة مالئمة من معرفة امليزات األساسية للمنتوج أو
السلعة أو الخدمة وكذا مصدرها وتاريخ الصالحية إن اقتض ى الحال ،وأن يقدم إليه املعلومات التي
من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته."....
من هذا املنطلق يتضح لنا أن الغاية األولى التي يرمي إليها املشرع من خالل نصه على إعالم
املستهلك بظروف وخصائص السلعة هو حماية املستهلك من مخاطر عدم اإلفصاح وعدم بیان
معطيات املنتوج ،والتي على أساسها يمكن أن يقدم املستهلك على اقتناء املنتوج أو عدم اقتناءه له،
وبالتالي فإن إيراد بيانات متعلقة بالسلعة وإيصال العلم بها إلى شخص املستهلك يلعب دورا هاما في
إضفاء املشروعية على العالقة التعاقدية بين املنتج أو البائع واملستهلك.
- 1بو عبيد عباسي ،االلتزام باإلعالم في العقود ،المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ،الطبعة األولى ،2002ص .134
ومنه ال يمكننا أن ننفي وجود عالقة ولو نسبية بين االلتزام باإلعالم وااللتزام بضمان سالمة
املستهلك ،ذلك أنه على أساس خصائص املنتوج يمكن تقدير مدى صالحية املنتوج لالستعمال من
طرف مستهلك معين.
ومن الواضح أن هذه املسالة ستتأكد من خالل ضرب مثال توضيحي ،فبوسعنا أن نفترض
عدم قيام املنتج ببيان مكونات املنتوج من املواد األولية املستعملة خصوصا ذات الطبيعة
الكيميائية و إقدام شخص معين على استهالك املنتوج هذا دون علمه أنه يحتوي على مادة تضاعف
اإلصابة بانتفاخ معوي ،فالضرر الناجم عن تناول املستهلك للسلعة ناجم عن عدم علمه بمكوناتها
هذا الجهل الناتج بدوره عن مخالفة املنتج ملقتضيات إعالم املستهلك بخصائص السلعة ومكوناتها،
وبذلك فإن االلتزام باإلعالم هنا أحد االلتزامات األساسية املنضوية في إطار االلتزام األوسع بضمان
سالمة املستهلك بتنويره وإعالمه.
ويجد كذلك واجب اإلعالم الذي يرمي إلى ضمان سالمة املستهلك أساسه في املادة 16من
الباب الثالث من القانون رقم 28 .07املتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية املعنون بإعالم
املستهلك ،التي تنص على ضرورة أن يتوفر كل منتوج غذائي أو مادة معدة لتغذية الحيوانات
معروضة في السوق الوطنية أو سيتم عرضها أو موجهة للتصدير أو مستوردة ،على عنونة مطابقة
للشروط املطبقة عليها بموجب أحكام هذا القانون والنصوص املتخذة لتطبيقه ،أو طبقا ألي نص
تشريعي أو تنظيمي خاص يطبق عليها بهدف تسهيل عملية التتبع.
وفي نفس اإلطار نصت املادة 17من نفس القانون ( ) 28 .07على وجوب عنونة املنتوج
األولي أو املنتوج الغذائي املعروض للبيع بشكل يسمح ملستهلكه النهائي باالطالع على خصائصه،
فانطالقا من مواد هذا القانون ( )28 .07خصوصا منها التي تحت املنتج على إعالم املستهلك
بخصائص املنتوج يتضح سعي املشرع إلى ترتيب االلتزام بضمان سالمة املستهلك على عاتق املنتج
بإلزامه باحترام ضوابط الصحة والسالمة في تصنيع املنتوج ،هذه الضوابط التي ال ينفصل عنها
واجب اإلعالم بمكونات السلعة وخصائصها.
اختلف الفقه في تحديد األساس القانوني لاللتزام بضمان سالمة املستهلك بين
اتجاهين :األول يقول بإمكانية تأسيس هذا االلتزام على املبادئ العامة لنظرية التعاقد (أوال)،
والثاني يبني االلتزام بضمان سالمة املستهلك على نصوص قوانين حماية املستهلك املغربية (ثانيا).
-أوال :االتجاه القائل بإمكانية تأسيس هذا االلتزام على املبادئ العامة لنظرية
التعاقد:
يرى هذا االتجاه إمكانية إسناد مسألة ضمان سالمة املستهلك إلى نظرية ضمان العيوب
الخفية املنصوص على مقتضياتها في الفضل 549وما يليه إلى الفصل 575من قانون االلتزامات
والعقود ،وذلك استنادا إلى فكرة أن ضمان عيوب الش يء املبيع كضمان لسالمة مستهلكه من الضرر
الذي قد يلحق به بسبب هذا العيب.
غير أن هذا االتجاه مردود تماما ،ومبرر ذلك أن الش يء املبيع يمكن أن يهدد املستهلك
ُ
بالضرر ولو لم يشبه أي عيب ،فانفجار قنينة غاز ال يمكن أن يرجع دائما إلى عيب في إنتاجها بقدر
ما يرجع إلى طبيعتها كمنتوج وتسمم مستهلك قطعة حلوى قد ال يرجع إلى عيب في التلفيف أو
التصنيع بقدر ما قد يرجع إلى عدم اإلشارة إلى تاريخ انتهاء الصالحية ،ومن خالله ،إخالل املنتج
بواجب االلتزام باإلعالم الذي يشكل أحد ركائز ضمان سالمة املستهلك وتنفيذه.
هذا ويزيد صواب مسألة عدم إمكانية األخذ بنظرية العيوب الخفية في القول بالتأسيس
من خاللها االلتزام بضمان سالمة املستهلك ،أن املشرع نص على املدة التي يجب أن ترفع فيها دعوى
الضمان تحت طائلة السقوط وهي 365يوما بالنسبة للعقارات و 30يوما بالنسبة لألشياء املنقولة
والحيوانات ،غير أنه إذا كانت هذه املدة كافية ملعرفة عيوب الش يء املبيع فإنها غير كافية تماما
لتحقيق أمن وسالمة املستهلك.
-ثانيا :االلتزام بضمان سالمة املستهلك من خالل نصوص قوانين حماية املستهلك
املغربية :
كان سابقا يرجع السبب في تأرجح الفقه بين القواعد العامة للتأسيس لهذا االلتزام إلى
غياب نص قانوني خاص ينظم املسألة بدقة وبشكل مباشر ،إال أنه وبعد املصادقة على القانون
،31.08فإنه يمكننا اعتماده إلى جانب القوانين األخرى لحماية املستهلك أساسا للقول بوجود
ومشروعية االلتزام بضمان سالمة املستهلك.
غير أن ما نود اإلشارة إليه هو أن هذه القوانين لم تعالج املسألة بشكل مباشر بالتنصيص
على واجب أو االلتزام بضمان سالمة املستهلك بنص واضح وعام ُيعرف املصطلح ويبين أحكامه
بقدر ما عملت -أي هذه القوانين -على تهيئة اإلطار العام الذي يستنتج منه مشروعية هذا االلتزام
وذلك بالتركيز على تضمين مدونة قوانين حماية املستهلك موادا ترمي إلى احترام معايير وااللتزام
بطرق واالمتثال لضوابط تهدف في مجموعها إلى إيصال املنتوج إلى املستهلك النهائي في حلة ال تعتريها
أخطار تهدد سالمة املستهلك بالضرر ،ويمكن أن نجمل هذه القوانين فيما يلي:
-1القانون 31.08بتحديد تدابير لحماية املستهلك الذي جاء كنص تكميلي لباقي نصوص
حماية املستهلك السابقة واملتضمن ملواد أكثر تفصيال ملقتضيات جاء الحديث عنها بشكل عام في
بعض القوانين األخرى.
-2القانون 28.07املتعلق بالسالمة الصحية للمنتجات الغذائية ،والذي كاد أن يالمس من
خالل مواده وبشكل مباشر مشروعية هذا االلتزام ،حيث تضمن هذا القانون مقتضيات ترمي إلى
تذكير وتنبيه املنتج إلى ضرورة ووجوب سالمة املنتوجات الغذائية قبل خروجها إلى السوق وذلك من
خالل العديد من املواد من بينها نص املادة 5باإلضافة إلى مادته األولى التي تتحدث عن نطاق
التطبيق خصوصا في فقرتها الرابعة التي تقض ي بما يلي..." :عدم السماح إال بتسويق املنتجات
السليمة والسيما على وضع القواعد العامة املتعلقة بالصحة والسالمة الصحية."...
-3الظهير الشريف رقم 380 . 59 .1املتعلق بالزجر عن الجرائم املاسة بصحة األمة والذي
نص في فصله األول على أنه يعاقب باإلعدام األشخاص الذي قاموا عن تبصر باالتجار أو صنع
منتوجات أو مواد معدة للتغذية البشرية وخطيرة على الصحة العمومية أو باشروا مسكها أو توزيعها
أو عرضها للبيع أو بيعها.
-4مبادئ األمم املتحدة التوجيهية لحماية املستهلك بصيغتها املوسعة سنة ،1999التي
تنص في بندها الثاني املعنون باملبادئ العامة على أنه ينبغي للحكومات اتباع ووضع سياسة قصد
توفير حماية قوية للمستهلك ،كما أن هذه املبادئ تنص كذلك في نفس البند على ضرورة حماية
املستهلكين من األخطار التي تهدد صحتهم وسالمتهم.
هذه القوانين حاولت في مجملها تأطير النشاط املنهي بشكل قانوني ،كما تسمح بتوفير
ضمانة واقعية للمستهلك ،وهو اعتراف ضمني من املشرع بضرورة سهر املنتج والبائع على ضمان
سالمة املتلقي النهائي للمنتوج وذلك باحترام معايير الصحة والسالمة املنصوص عليها في نطاق
قوانين حماية املستهلك ،والتي صدر آخرها بمقتض ى الظهير الشريف رقم 03 . 11بتاريخ 18فبراير
2011القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك.
تظهر اآلثار املترتبة عن إخالل البائع أو املنتج بااللتزام بضمان سالمة املستهلك من خالل
جانبين :يتعلق األول بضرورة تبيان طبيعة املسؤولية املترتبة عن اإلخالل بااللتزام بضمان سالمة
املستهلك (الفقرة األولى) ،ويتمظهر الثاني في األثر (الجزاء)املترتب عن هذا اإلخالل (الفقرة الثانية).
هناك نوعين من املسؤولية التي تترتب عن اإلخالل بااللتزام بضمان سالمة املستهلك ،فإما
أن يوجد عقد بين األطراف يؤطر التزاماتهما حيث نكون بصدد مسؤولية عقدية ،وإما أن تترتب هذه
املسؤولية نتيجة اإلخالل بالتزام قانوني مؤسس على عدم اإلضرار بالغير ونكون في هذه الحالة
بصدد مسؤولية تقصيرية.
وسنقتصر في دراسة طبيعة كل من املسؤولية العقدية والتقصيرية على عقدي البيع ونقل
األشخاص.
-أوال :املسؤولية العقدية للمدين املخل بااللتزام بضمان سالمة املستهلك :
من املعلوم أن املسؤولة العقدية تقوم نتيجة إخالل املدين بااللتزام بضمان السالمة كالتزام
عقدي ملقى على عاتقه ،أساسه واجب إعالم وتحذير وإرشاد املستهلك.
فبخصوص عقد البيع نجد القضاء الفرنس ي ،أسس مسؤولية البائع على فرضية سوء
النية ،ويفترض هذا التوجه علم البائع أو املنتج بعيوب ومخاطر الش يء املبيع ،مما يجعل املخاطر
واألضرار التي تنجم عن هذه العيوب من األضرار الداخلة في التوقعات التعاقدية وبالتالي انعقاد
مسؤولية العقدية منها.
لذلك ألزمت محكمة االستئناف بروان " :البائع بأن يلتزم بتسليم سلعة مؤمنة ،وعليه إذا
باع وسلم زجاجة مياه غازية ال يمكن إمساكها دون خطر ،لضآلة جزء من الزجاجة ،ألنها صنعت
بشكل غير عادي ،يكون قد أخل بالتزامه العقدي هذا ،ويسأل بالتالي عن اإلصابات التي لحقت
العميل في عينه اليسرى وتكون املسؤولية عن اإلخالل بااللتزام بالتحذير عقدية باعتباره أحد
االلتزامات الناشئة عن عقد البيع .
كما قضت محكمة النقض الفرنسية في قرارها بتاريخ 31يناير 1973وهي بصدد البت في
مسؤولية صانع املادة الصقة ،عما لحق املستعمل الذي توفي نتيجة اإلصابة ،لنقص ما قدمه البائع
أو املنتج من تحذيرات ومخاطر ،وقررت املحكمة املسؤولية العقدية للصانع بتأييد الحكم االستئنافي
.1
أما بخصوص عقد نقل األشخاص ،فإنه وكما سبقت اإلشارة أن محكمة النقض كانت قد
وسعت من النطاق الزمني لاللتزام بضمان سالمة املستهلك ،وبالتالي فكل الحاالت التي تدخل ضمن
الضمان العقدي ،باعتبار العقد مبرما بمجرد تواجد املسافر داخل املحطة أو بمجرد تواجده داخل
الناقلة رغم عدم وجود تذكرة تثبت عقد النقل ،فإن االختالالت التي تترتب عنها أضرار للمسافر
يكون أساسها هو املسؤولية العقدية ،ولكن التوجه األخير ملحكمة النقض بخصوص نطاق االلتزام
بضمان السالمة ،ضيق كذلك من مجال تطبيق املسؤولية العقدية ،بحيث قصرها على التواجد
الفعلي للراكب داخل الناقلة ،انطالقا من الصعود إليها إلى النزول منها ،طيلة هذه الفترة يكون
اإلخالل بالتزام عقدي أساسه عقد النقل.
-ثانيا :املسؤولية التقصيرية للمدين بااللتزام بضمان سالمة املستهلك :
تقوم هذه املسؤولية على عاتق البائع أو املنتج نتيجة اإلخالل بالتزام قانوني هو "عدم
اإلضرار بالغير" ،وقد تنشأ كذلك في املثالين السابقين عقد البيع وعقد نقل األشخاص قبل وجود
عالقة تعاقدية تربط البائع أو مقدم الخدمة الناقل باملشتري أو املسافر.
ففي عقد البيع يمكن أن ينشأ الضرر في الفترة السابقة على إبرام العقد ،وتجد هذه
الفرضية تطبيقها في الحالة التي يتواجد فيها املشتري باملتجر وقبل أن تتم عملية البيع -مرجان -
أسواق السالم -بمعنى قبل الدخول في العالقة التعاقدية ،فإنه وحماية للمستهلك من األخطار التي
قد يتعرض لها خالل هذه الفترة ،تتم مساءلة البائع في إطار املسؤولية التقصيرية.
وفي هذا االتجاه قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر بتاريخ 7نونبر ،1966
بمناسبة طعن تقدم به ورثة أحد عمالء محل أخشاب كان قد توفي على إثر سقوطه من أعلى رصيف
القطارات الخاصة بهذا املحل ،مؤسسين إياه – الطعن -على أن محكمة االستئناف رفضت تطبيق
قواعد املسؤولية العقدية على هذه الواقعة ،في حين أن التاجر يلتزم بسالمة عمالئه بمجرد السماح
لهم بالتجول في األماكن املخصصة لتجارته .1
لذلك فالتاجر يبقى مسؤوال رغم عدم وجود عقد البيع ،بحيث أنه يتعهد بااللتزام بسالمة
كل شخص يدخل لألماكن املخصصة للتجارة بقصد الشراء ،وتكون بالتالي قواعد املسؤولية
التقصيرية هي وحدها واجبة التطبيق في مثل هذه الحاالت .2
أما في عقد نقل األشخاص ،فإنه يتم تأسيس مسؤولية الناقل على أساس املسؤولية
التقصيرية ،عندما ينتهي عقد النقل أو قبل وجود هذا األخير ،وفي هذا اإلطار نذكر قرار للمجلس
األعلى صادر بتاريخ 1978 / 1 /18جاء فيه أن مسؤولية الناقل تظل قائمة مادام الراكب متصال
بالناقلة ،فإذا انقطع عنها بسبب من األسباب ،فإن مسؤولية الناقل العقدية تنقطع لتبدأ مسؤولية
الناقل التقصيرية" .وعليه فمتى انتهت أو انعدمت العالقة التعاقدية كما حددناها سابقا بين الراكب
والناقل وجب تطبيق مقتضيات املسؤولية التقصيرية . 3
يترتب على عدم تنفيذ املدين التزامه بضمان السالمة ،جزاءات تتصل بشكل مباشر بالعقد
الرابط بين املستهلك واملورد ،ولقد حدد املشرع املغربي املقتضيات القانونية الواجبة التطبيق في
هذه الحالة كما جاء التنصيص على ذلك في املادة 65من القانون ،31-08بحيث أحال على نصوص
قانون االلتزامات والعقود من الفصل 549إلى ،575هذا الجزء املعنون بضمان عيوب الش يء املبيع.
-أوال :دعوى فسخ العقد :
1 Cass, civ9 mars, 1972, D.S, 1972, Somm, 119.
-أورده عمر عبد الباقي :الحماية العقدية للمستهلك ،منشأة المعارف الطبعة الثانية ،2008 ،ص .611
وفي قرار آخر لمحكمة النقض الفرنسية قضت فيه بان "صاحب المحل مسؤول عن اإلصابة التي تعرضت لها سيدة داخل متجره
نتيجة انزالق قدمها على ورقة خضر كانت موجودة على أرضية المحل".
2 - D, 1962, J, 146, note, FSNEIN, RTD, civ, 1962, p307, ob tuve.
- 3قرار منشور في مجلة القضاء والقانون ،العدد 18 ،29يوليوز ،1979ص .63 :
تعتبر نظرية ضمان العيوب الخفية املنظمة بمقتض ى قانون االلتزامات والعقود هي التي
تحكم كذلك مطالبة املستهلك الدائن في االلتزام بضمان السالمة عند اإلخالل بهذا االلتزام من
طرف املدين املورد ،فيفسخ العقد محل املعاملة نتيجة عدم تنفيذ املدين بااللتزام بضمان السالمة
اللتزامه ،إذ أنه لم يطلع املشتري على بعض العيوب املوجودة بالش يء املبيع والتي أدت إلى عدم
إمكانية استعمال الش يء فيما أعد له أو أنه لم يحذره من خطر في السلعة أو املنتوج ترتب عنه ضرر
للمستهلك.
وحسب مقتضيات الفصل 556من ق.ل.ع ،الذي ينص على أنه" :إذا ثبت الضمان ،بسبب
العيب أو بسبب خلو املبيع من صفات معينة كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ورد الثمن،"...
يتبين إذن أن املشرع أعطى للمستهلك في حالة وجود عيب في البيع أو خلوه من صفة من الصفات
التي تعهد البائع بوجودها فيه ،الحق في طلب فسخ العقد واسترداد الثمن.
كما أن الفصل 564من ق.ل.ع أعطى للمشتري الحق في طلب إنقاص الثمن إذا تعيب
الش يء بخطئه أو بخطأ من يسأل عنهم أو إذا كان قد استعمل الش يء استعماال من شأنه أن ينقص
من قيمته بكيفية محسوسة ،ويطبق نفس الحكم إذا كان قد استعمل الش يء قبل أن يعرف العيب،
وإن كان هذا املقتض ى األخير يتعارض مع الحماية املراد توفيرها للمستهلك.
ويجب أن تتوفر الشروط املطلوبة لالعتداد بنظرية العيوب الخفية واملحددة سابقا،
باإلضافة إلى رفع الدعوى داخل اآلجال املحددة في املادة 65من ق .31-08وهي في العقارات خالل
سنتين بعد التسليم وبالنسبة لألشياء املنقولة خالل سنة بعد التسليم ،وهي آجال معقولة باملقارنة
مع تلك املحددة في الفل 573من ق.ل.ع ملا توفر من حماية أكبر للمستهلكين.
-ثانيا :دعوى التعويض :
كما هو معلوم ،كل إخالل يرتب ضررا كما أن كل ضرر يستدعي بالضرورة جبره من طرف
املتسبب فيه أو املسؤول عنه ،وال يحيد االلتزام بضمان السالمة على هذه القاعدة ،إذ أنه كلما أخل
البائع في عقد البيع بااللتزام بضمان سالمة املشتري من كل األضرار التي قد تلحق هذا األخير سواء
عن طريق حيازته للش يء املبيع أو استعماله لهذا اآلخر ،على اعتبار أن البائع يقع على عاتقه إعالم
املشتري علما كافيا وتحذيره ونصحه وإرشاده بخصوص الش يء املبيع ،إذ تكون النتيجة املباشرة
إلخالله بما سبق ،قیام مسؤوليته اتجاه املشتري طبقا ملا نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 549
من ق.ل.ع الذي جاء فيه:
-الخاتمـ ـة:
لقد حاولنا على امتداد هذه الصفحات املتواضعة أن نعالج موضوعا دقيقا جدا مرتبطا
بجوهر املراد بسن مجمل قوانين حماية املستهلك ،وهو ضمان سالمة املستهلك خالل كل املراحل
التي يمر منها استهالكه للمنتوج.
ولقد زاوجنا في معالجة التزام التاجر واملنتج بضمان سالمة املستهلك ،بين قواعد القانون
القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك وكذا قواعد املسؤولية املدنية املنصوص عليها في قانون
االلتزامات والعقود ،على الرغم من كون قواعد املسؤولية املنصوص عليها في القانون القاض ي
بتحديد تدابير لحماية املستهلك ،ال تعتبر اال امتدادا لتلك املوجودة قبله في ثنايا قانون االلتزامات
والعقود.
إن االلتزام بضمان السالمة يبقى واحدا من أهم االلتزامات الواقعة على عاتق املنتج
والتاجر ،بل إن هذا االلتزام يعتبر نقطة التقاء كل االلتزامات التي رتبها املشرع املغربي في القانون
31.08على عاتق املخاطبين بأحكامه.
وسواء أناقشنا قواعد املسؤولية عن االلتزام بضمان السالمة من زاوية القانون القاض ي
بتحديد تدابير لحماية املستهلك والقوانين التي سبقته واملشار اليها في هذه الدراسة ،أو ناقشناه من
زاوية قواعد املسؤولية املنظمة بقواعد قانون االلتزامات والعقود ،فإن الخالصة األساسية من ذلك
النقاش ،هو أن املستهلك يبقى دائما مدينا للمنتج خصوصا والتاجر عموما ،بالتعويض عن الضرر
الذي يلحقه من جراء استهالك املنتوج أو الخدمة ،شريطة احترام آجال املطالبة بالحق.
ورغم كل ما أشار اليه املشرع في مختلف تلك النصوص من أحكام تعزز الحق في ضمان
السالمة ،فإننا نبقى في حاجة ماسة إلى مراجعة قواعد القانون 31.08خصوصا باعتبار التطور
الحاصل الى غاية العام 2024في شتى املجاالت االستهالكية التي لم تعد تقتصر على استهالك منتج
أو اقتنائه واقعيا ،انما كذلك افتراضيا ،وهو مدخل آخر لضمان سالمة املستهلك بمقتضيات
جديدة ومكملة للقانون الساري النفاذ اليوم.
مقدمـة
يمك ننن تقس ننيم من ننااج البح ننث العلم نني الق ننانوني إل ننى قس ننمين متق ننابلين م ننن ج يخص ننص للبح ننث
العلمن نني القن ننانوني العمين ننق أو الطوين ننل ،ومن ننن ج يصن ننلح للبحن ننث العلمن نني القن ننانوني القصن ننير ،ولكن ننل من ننن
املنهاجين خصائصه وشروطه ومراحله.
يندرج موضوع االستشارة القانونية ضنمن مننااج البحنث القنانوني القصنير إلنى جاننب كنل منن
منن ج املقننال ومنن ج التعليننق علنى قنرار ومنن ج تحليننل ننص قننانوني ،وهنو يعتبننر منن خننالل نشنأته من جننا
حننديثا باملقارنننة مننع بنناقي املنننااج األخننرى ،وقنند زادت أهميتننه بعنند تطننور الحينناة البشننرية وظهننور أشننكال
جدينندة مننن املعننامالت يطغننى عليهننا الطننابع الالمننادي وبننروز إشننكاالت ومشنناكل قانونيننة حديثننة ،أمالهنا
تشعب الحياة وتبني املشرع املغربي لقواعد قانونية من نوع جديد تمتاز بعدم ترجمتهنا لواقنع املجتمنع
املغربنني ،وخروجهننا فنني كثيننر مننن األحيننان عننن مبنندأ أساا ن ي مننن مبننادئ القاعنندة القانونيننة ،وهننو كونهننا
قاعدة اجتماعية.
كننل هننذا دفننع بالعدي نند مننن األشننخاص س ننواء كننانوا ذاتيننين أو اعتب نناريين إلننى طلننب االستش ننارة
القانونية من أجل تجاوز هذه املشاكل أو تجنب الوقوع فيها.
وغيننر خنناف مننا لالستشننارة القانونيننة مننن أهميننة مننن الناحيننة العلميننة والعمليننة ،فمننن الناحيننة
العلمية فهي تنظير لظاهرة قانونية تأتي في صورة اجتهاد فقهي ،ومن الناحية العملينة فهني تعمنل علنى
إيجاد حلول عملية وتربط القواعند القانونينة بنالواقع حينث أنهنا إمنا أن تنأتي فني صنورة تفسنير أو تأوينل
أو تحدي نند خي ننار م ننن ب ننين ع نندة خي ننارات ،واملستش ننار الق ننانوني يعتم نند ف نني س ننبيل ذل ننك أس ننلوب اإلقن نناع
والتفسير املنطقي في إبالغ وجهة نظره ورأيه في املوضوع إلى طالب االستشارة.
يض نناف إل ننى من نا س ننبق أن االستش ننارة القانوني ننة خاص ننة منه ننا القبلي ننة – أي قب ننل ع ننرض النن نزاع
موضن ننوع االستشن ننارة علن ننى أنظن ننار التحكن ننيم أو القضن نناء -تعتبن ننر وسن ننيلة من ننن الوسن ننائل البديلن ننة لفن ننض
الصفحة 36 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
النزاعننات ،وبالتننالي فهنني تحنند مننن كثننرة القضننايا املعروضننة علننى أنظننار القضنناء وتجنننب صنناحبها طننول
خرج منن جهنة أخنرى بنالرأي النذي يكنون نتاجهنا منن دائنرة القضنايا املجنردة إجراءات البت من جهة ،وت ُ
النظرية إلى دائرة الحلول الواقعية والعملية.
وم ننن أج ننل اإلمل ننام بموض ننوع ه ننذا املق ننال ،فق نند ارتأين ننا تقس ننيمه إل ننى مبحث ننين :نخص ننص األول
للحن ننديث عن ننن ماهين ننة االستشن ننارة القانونين ننة ،بينمن ننا نعن ننرض فن نني الثن نناني ملن جيتهن ننا ولنمن ننوذج متواضن ننع
لالستشارة القانونية.
يقتضن ي الحننديث عننن ماهيننة االستشننارة القانونيننة أن نعننرض ملفهومهننا مننع تحدينند مميزاتهننا فنني
مطلب أول ،ولحاالتها في مطلب ثاني.
سنقسنم هنذا املطلننب إلنى فقننرتين نعنرض فنني األولنى لتعريننف االستشنارة القانونيننة بينمنا نتطننرق
في الثانية ملميزاتها.
عرف بعض الفقه االستشارة القانونية بأنها ":استكشاف رأي القنانون فني صندد مسنألة قند ال
تكننون محننل ننزاع ،أو هنني محلننه أو يحتمننل أن تكننون"( ،)1ويعرفهننا الننبعض اآلخننر بأنهننا " :تحليننل قننانوني
يق ننوم ب ننه رج ننل الق ننانون بخص ننوص واقع ننة م ننا ت نندخل ض ننمن اختصاص ننه إلعط نناء الح ننل املالئ ننم بك ننل
موضوعية وحياد"( ،)2ويعرفها محمد حلمي الحجار بأنها ":رأي قانوني يعطيه رجل القانون بنناء علنى
طلب شخص يرغب في الوقوف على وضع قانوني معين ،فيعرض للمستشار العناصر الواقعية طالبا
- 1عكاشة محمد عبد العادل وسامي بديع منصور :المنهجية القانونية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،ص.536 :
- 2محمد العروصي :المختصر في المنهجية القانونية ،الطبعة األولى ،2009 ،ص .114 :
تحديند النتنائج القانونينة التني يمكنن أن تترتنب عليهنا ،فيسنعفه املستشنار بنالرأي النذي يبنين لنه الوضنع
القانوني في جميع جوانبه ".
ومثالها أن يطلب صاحب شركة ذات مسؤولية محدودة بيان حكم القانون في مسألة
الدخول بشركته كشريك في شركة تضامن أو شركة التوصية البسيطة أو في شركة مساهمة ،أو أن
تطلب إحدى الشركات بيان حكم القانون في عواقب تسريحها الجماعي ملجموعة من األجراء ،أو أن
تطلب إحدى األبناك من مستشارها بيان الحكم القانوني في زبون تقدم بشيك خالي من بيان التاريخ
وعمد املستفيد إلى تحرير التاريخ أمام موظف البنك ونحو ذلك من مئات بل آالف الحاالت والوقائع
َّ
املماثلة أو الحالة أو املحتملة التي يطرحها األشخاص أو الجهات طالبي االستشارة من مستشاريهم
القانونيين سواء كانوا يعملون لحسابها على سبيل التفرغ الكلي أو الجزئي أو كان يعمل في مكتبه
الخاص ،وطلب االستشارة أو الرأي القانوني ال يكون بالضرورة في واقعة محل نزاع( )1وإنما قد يكون
أيضا بغرض توقي حالة محتملة أو وقائع فرضية لم يثر أي نزاع بشأنها بعد وإنما يرجح أن يثار
بالنظر إلى طبيعتها أو لوجود سوابق مشابهة لدى طالب االستشارة أو من غيره ممن سبق وأن دخلوا
في عالقات مماثلة أو مشابهة( )2على ما سنأتي على ذكره في املطلب الثاني.
ينصرف الحديث عن مميزات االستشارة القانونية إلى تحديد طبيعتها القانونية من جهة
(أوال) ،وتحديد خصوصياتها من جهة أخرى (ثانيا).
-أوال :الطبيعة القانونية لالستشارة القانونية :
خالفا ملا يعتقد ،فإن مقدم االستشارة القانونية ال يكون ملزما دائما بتلبية رغبة طالبها،
وذلك بأن ينحى نحو تحقيق غايته من االستشارة أو حماية مصالحه على ضوئها ،فاالستشارة
القانونية قد تأتي نتيجتها بخالف مصالح الطرف الذي طلبها ،ولو كان هو امللزم بأداء أتعابها .
ومن هذا املنطلق ،يمكن –حسب رأينا املتواضع -تكييف االستشارة القانونية على أنها التزام
أخالقي ومنهي يقع على عاتق رجل القانون بإعطاء الرأي الواضح والصريح واملحايد بشأن واقعة على
ضوء األسانيد والحجج التي قدمها طالب االستشارة ،وال يمكن تكييفها بأي حال من األحوال على
- 1حيث تمتاز االستشارة القانونية في هذه الحالة بكونها ذات طابع عالجي .
- 2حيث تكون والحالة هاته ذات طابع وقائي يتجنب طالبها من خاللها الوقوع في النزاع أو يرغب في الحد منه.
أنها خدمة يقدمها املستشار القانوني لطالب االستشارة لقاء أتعاب يدفعها هذا األخير ،ملا تفرضه
هذه الخدمة من ضرورة االستجابة ولو جزئيا لطلبات املستشير.
وعليه ،فالتزام املستشار القانوني من خالل نظره في النازلة موضوع االستشارة هو التزام
ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة ،ذلك أنه يركز اهتمامه على إيجاد الحل القانوني األكثر مالئمة
وانطباقا عليها ولو لم يكن لصالح طالب االستشارة .
ومما يزيد من جسامة املسؤولية امللقاة على عاتق املستشار أن استشارته يجب أن تبين
حكم القانون املوافق لواقع الحالة املعروضة أمامه ،وأنه قد يتم اعتمادها في كل حالة مشابهة،
وبالتالي تصبح استشارته مرجعا يتم اعتماده دونما حاجة إلى طلب استشارة من جديد.
-ثانيا :خصوصيات االستشارة القانونية :
تمتاز االستشارة القانونية بمجموعة خصوصيات تنصرف إلى ثالث جوانب ،جانب يتعلق
بموضوع االستشارة ،وجانب ينصرف إلى طالب االستشارة ،وجانب يتمحور حول الشخص
املستشار.
– 1موضوع االستشارة :
ال يمكن بأي حال من األحوال حصر موضوع االستشارة القانونية حيث أنها يمكن أن تشمل
مجاالت متعددة :عالم األعمال ،املجال التجاري ،البنكي ،التأمين ،الشغل....
وموضوع االستشارة يعتمد عليه في معرفة طبيعة النزاع :تجاري أو مدني او شغل أو جنائي
أو أسري ...وهو ما يمكن املستشار من إعطاء التكييف القانوني املالئم وفق القواعد القانونية
املنظمة للموضوع.
وموضوع االستشارة قد يكون بسيطا كطلب االستشارة بخصوص املدة القانونية لتحرير
الرأس مال ،أو اإلجراءات املتطلبة للزيادة فيه ،أو طلب االستشارة بخصوص ضوابط مسطرة
االستماع لألجير قبل اللجوء إلى طرده ،وقد يكون موضوع االستشارة مركبا حيث غالبا ما يتم اللجوء
بشأنه إلى املتخصصين في مجال القانون من أجل بيان الحكم القانوني فيه ،ويتطلب وقتا ليس
باليسير من أجل تقديمها.
القانوني لهذه الوقائع ومرورا بطرح الفرضيات وباملقتضيات القانونية الواجبة التطبيق وتفسيرها
ً
وانتهاء بإعطاء الحل املناسب. وتأويلها ومناقشتها
– 2إعطاء الرأي املحايد :الذي يأخذ بعين االعتبار حكم القانون في موضوع االستشارة
دون التحيز لرأي شخص ي أو السعي من خالل االستشارة إلى خدمة مصالح طالبها ،وقد وصف بعض
الفقه موقع املستشار القانوني بموقع القاض ي الذي تقدم له الحجج واألسانيد من قبل أطراف
الخصومة ،حيث أنه يلزم بإيجاد الحل القانوني لها معتمدا على ما توفر له من أسانيد وحجج
األطراف ومن نصوص قانونية ومن اجتهادات فقهية وقضائية في املوضوع(.)1
-3أن تأتي في شكل مكتوب وفق قواعد ومن جية تحريرها – على ما سنبينه في الفرع الثاني
من هذه الدراسة -ومن تم وجب توخي الضبط واالحتراز في سوق الكالم على عواهنه دونما أدنى تدبر
أو تحقيق.
وإذا كان شرط الكتابة الزما في االستشارة ذات الطابع املعقد ،فإن االستشارة البسيطة والتي
تأخذ طابعا داخليا( )2ال يلزم فيها في بعض األحيان أن تأتي كتابة ،بل قد تكون بطريقة شفوية
يوضح املستشار من خاللها لصاحب االستشارة الحل القانوني في نازلة معينة.
– 4أن يأتي الرأي القانوني للمستشار واضحا وصريحا :فالوضوح يقتض ي ضرورة اختيار
األلفاظ الدالة على املعنى القانوني الصحيح( )3وهذا يستدعي أن تكون األلفاظ بسيطة غير محتملة
ألكثر من تأويل ،والصراحة تقتض ي اجتناب الغموض( )4إذ ال يجوز إعمال النصوص القانونية إال
بعد استجالء معانيها وتوضيح مفاهيمها ورفع كل التباس ممكن ملحتوياتها ،وذلك باستقراء الغاية
التي من أجلها عمل املشرع على سنها ،ولم ال الرجوع إلى صيغة النص باللغة الفرنسية وإلى اإلعمال
التحضيرية أمام لجنة العدل والتشريع وإلى املناقشات التي عرفها أمام البرملان.
– 5ضرورة تعليل االستشارة القانونية والعمل على هيكلتها هيكلة متناسقة ومنطقية،
تبتدأ بفحص طلب االستشارة وتحديد عناصره الواقعية وما تثيره من نقاط قانونية تستحق
املعالجة وتبيان النتائج املترتبة عليها او املتفرعة عنها بالرجوع إلى النصوص التشريعية ،وطرح
مختلف الفروض ،وتعليل سبب أو سند اختيار املستشار لفرض من هذه الفروض،مع خروجه في
النهاية بحل يبرز من خالله رأيه القانوني في موضوع االستشارة بصورة موجزة ومركزة ليعتمد عليها
طالبها فيما ينوي اتخاذه من مسلك.
– 6تقديم الحل القانوني في النازلة :ونعني به الخالصة التي ينتهي إليها املستشار القانوني
في نهاية املطاف والتي تمثل جوابا عن اإلشكال املطروح ،حيث أنه من غير املتصور أن ال تختتم
االستشارة القانونية بتبيان الرأي القانوني السديد للمستشار ،بغض النظر عن مدى خدمته
ملصالح طالب االستشارة من عدمه.
تأتي االستشارة القانونية في عدة صور فقد تكون داخلية يطلب فيها صاحبها من مختص
يعمل تحت إمرته تقديم الحل القانوني ملسألة معينة ،وقد تطلب من رجل القانون
املتخصص(الفقرة األولى) ،كما أنها قد تأتي في نزاع معروض على أنظار القضاء ،وقد تطلب ولو لم
يكن هذا النزاع مطروحا (الفقرة الثانية).
تكون االستشارة القانونية داخلية عندما يلجأ الشخص الذي يطلبها والذي يكون غالبا
شخصا اعتباريا إلى طلبها من مستشار تابع له يخضع لتوجيهه ورقابته ،ومثال ذلك أن يطلب البنك
من مستشاره القانوني معرفة حكم القانون في املسائل التي تعرض عليه ليعين له الوجه الصحيح
الذي ينبغي أن يتصرف وفقه حتى ال يتعرض للمساءلة( ،)1أو أن تطلب إحدى الكليات من مستشار
الجامعة معرفة حكم القانون في الشهادة التي منحت للطالبة منذ أزيد من سنتين بالرغم من أنه
ثبت لها من خالل مراجع النقط التي حصلت عليها باالمتحانات أنها ال تستحق نيلها ،هل هي باطلة أم
أصبحت حقا مكتسبا ؟
- 1عكاشة محمد عبد العال وسامي بديع منصور ،المرجع السابق ،ص.536 :
أما االستشارة القانونية الخارجية فتتحقق عندما يتم طرق باب رجال القانون املختصين
من أجل استجالء غموض يلف مسألة واقعية معينة ،حيث يكون املستشير واملستشار مستقلين
بعضهما عن بعض ،وتتحقق املسألة بعد طرح املشكل على املستشار وقبول هذا األخير االستشارة
واالتفاق على األتعاب ،ومن تم فهي تختلف عن االستشارة القانونية الداخلية.
قد تطلب االستشارة ملعرفة حكم القانون بخصوص مسألة موضوع نزاع مطروح أمام
القضاء ،وفي هذه الحالة ال يخلو األمر من حالتين :إما أن تكون نتيجة االستشارة في صالح طالبها
فيقدمها للمحكمة على سبيل االستئناس ليعزز بها موقفه في الخصومة ،وإما أن تعارض نتيجتها
مصالحه فال يقدم على ذلك.
ومن هذا املنطلق تتخذ االستشارة –كما سبقت اإلشارة إلى ذلك -طابعا عالجيا ،حاسما
للنزاع في املوضوع متى استقامت على املن جية السديدة والرأي القانوني الوجيه.
والبد من اإلشارة إلى أن املحاكم كثيرا ما تستعين بمثل هذه االستشارات من أجل أيجاد
حلول قانونية لنزاعات تطرح أمامها ألول مرة عند تطبيق نصوص قانونية حديثة أو تفسير التضارب
الذي قد تخلقه مع نصوص قانونية سابقة.
أما االستشارة القانونية في غياب نزاع في املوضوع( )1فيعتمدها طالبها ملعرفة حكم القانون
في واقعة معينة أو تصرف قانوني معين ،وهو يتوخى من خاللها عدم التعرض للمساءلة القانونية()2
أو تجنب خسارة مالية فادحة( )3أو تعزيز موقفه التفاوض ي عند إبرام الصفقات مع عمالئه.
وتمتاز االستشارة القانونية في هذه الحالة بكونها ذات طائع وقائي ،حيث تأخذ شكل تدبير
مسبق لتفادي الوقوع في املساءلة أو الخسارة.
- 1أو كما سميتها شخصيا باالستشارة القبلية بسبب أنها تكون سابقة على طرح النزاع أمام القضاء.
- 2كما هو الشأن بالنسبة لرغبة المشغل في سلوك المسطرة القانونية من أجل فسخ عقد عمل مع أجير تبين له أنه لم يعد يرغب في
اشتغاله لديه.
- 3كتقديم استشارة حول الطريقة المثلى لتسريع وثيرة اإلجراءات المتطلبة لمرور بضاعة سريعة التلف دون عوائق من إدارة
الجمارك.
تمتاز من جية االستشارة القانونية بكونها تنضوي تحت خانة منااج البحث العلمي القانوني
القصير ،ومن هذا املنطلق كان البد لها من أن تسلك من جية خاصة بها سنعمل على تبيانها في
املطلب األول ،على أننا سنجازف( )1بتقديم نموذج تقريبي خاصة باالستشارة القانونية في املطلب
الثاني.
املطلب األول :منهجيـة االستشـارة القانونيـة
تقوم من جية االستشارة القانونية على من جية خاصة تعتمد في شقها األول العناصر
الجوهرية في من جيات البحث العلمي ،وتستقل في شق ثاني بخصوصيات تستمدها من طبيعتها،
ويؤدي دمج هاذين املعطيين إلى نشوء استشارة قانونية صحيحة وسديدة.
فعلى غرار باقي منااج البحث العلمي القانوني التي تتطلب في تحليلها مقدمة وعرض
وخاتمة ،نجد أن من جية تحرير االستشارة القانونية تسير في نفس املنوال من حيث الشكل ذلك أنها
تنطلق من مقدمة تمهد للموضوع محل االستشارة (الفقرة األولى) ،ويتوسطها عرض يتم فيه تفسير
وتكييف الوقائع وطرح الحلول وانتقاء السديد منها (الفقرة الثانية) ،وأخيرا يقع ختمها بخاتمة يجد
فيها طالب االستشارة الجواب الشافي إلشكاله (الفقرة الثالثة).
بعد أن يطلب املستشار من طالب االستشارة جملة من العناصر الواقعية املتوفرة لديه
وكافة األوراق واملستندات املتعلقة بعملية االستشارة ،يتم عرض هذه وقائع وفق تسلسل األحداث
مراعيا في ذلك تعاقبها زمنيا ،مع ضرورة ربطها باملقتضيات التشريعية وبيان املشاكل القانونية
املطروحة في شكل تساؤالت ،يعلق عليها حل النازلة ،حيث يعمد املستشار إلى تقديم التقسيم املالئم
- 1واألمر حقا يستدعي المجازفة على اعتبار أنها أول مرة أقوم بتقديم نموذج الستشارة قانونية استقيت حكمها من محاضرات ذ
عبد اللطيف هداية هللا في األسدس الثالث من سلك ماستر قانون األعمال المتعلقة بمادة الملكية الصناعية ،السنة الجامعية
.2010/2009
يضاف إلى ذلك أن هذا النموذج سوف يعرض على أنظار أستاذنا الجليل ،فأرجو منه العذر على ما قد يشوبه من تقصير أو
خلل.
وفق التقسيمات الصغرى( ،)1هذا األخير الذي يختلف باختالف عدد األسئلة املطروحة ،ويتم تفريع
كل سؤال إلى مجموعة أجزاء حسب النقاط الواردة في الوقائع.
يتم فيه ضبط نطاق الوقائع وفق ما تم اقتراحه من تقسيم في املقدمة ،حيث يستخلص
املستشار النقاط التي تستحق املعالجة ويبين النتائج القانونية املترتبة عليها أو املتفرعة منها إن
وجدت ،وهو يستهدي في سبيل ذلك بمصادر القاعدة القانونية ويركز على اآلراء الفقهية
واالجتهادات القضائية في املوضوع ،ومن تم يتعين على املستشار ضبط القواعد القانونية واالكتفاء
بما لها من صلة مباشرة بالواقعة( ،)2واستحضار النوازل السابقة في املوضوع من أجل تبيان أوجه
التقارب بينها وبين الواقعة محل االستشارة.
ويستحسن قبل ذلك أن يبدأ املستشار بتحليل النصوص القانونية واستجالء الغموض
الذي قد يكتنفها ويلتزم حكم النص الواضح الصريح ،ويقوم بإسقاطها على وقائع النازلة( ،)3فإن
كان النص واضحا صريحا فال إشكال ،وإن كان يكتنفه الغموض فسره وفق قواعد التفسير الفقهية
وعلى ضوء االجتهادات القضائية السابقة.
وإذا كانت القاعدة القانونية املنطبقة على موضوع االستشارة محل خالف في الفقه
والقضاء أشار املستشار إلى اآلراء الفقهية والقضائية في املوضوع ،حيث يشير في البداية إلى الرأي
الذي ال يكون متوافقا مع أحداث النازلة ويسترسل في تقديم اآلراء إلى أن يصل إلى الرأي الذي يساير
ويوافق النازلة(.)4
غير أنه إذا كان لدى املستشار القانوني بعض االستفسارات التي ترتبط باإلجابة أو بالرأي
القانوني دون أن يتوقف الطرح عليها ،فإنه يعمد إلى طرح التساؤل أو االفتراض ويضعه في سياق
اإلجابة( ،)5مثال ذلك إذا كانت االستشارة املطلوبة تتعلق بدعوى أقامها أجير كان يشتغل لدى
املشغل صاحب االستشارة ولم يقم هذا األخير بتقديم كافة التفاصيل التي يحتاجها املستشار للبت
في االستشارة ،كطبيعة عقد العمل هل هو محدد املدة أم أن مدته غير محددة؟ فال بأس من اللجوء
إلى االستطراد ملواجهة االحتماالت بحيث يمكن للمستشار أن يضيف بعض االحتماالت ويجيب على
كل احتمال على حدة ،كأن ال يتم تحديد مدة عقد العمل :هل هو محدد أو غير محدد املدة ،حيث
يجيب املستشار بالفرضيات التالية :
-إذا كان عقد العمل محدد املدة ،فاألجير يستحق تعويضا عن إنهاء عقد العمل املحدد
املدة وفق مقتضيات املادة 33من مدونة الشغل أي مبلغ األجور املستحقة عن الفترة املتراوحة ما
بين تاريخ إنهاء العقد واألجل الطبيعي إلنهائه.
-إذا كان عقد العمل غير محدد املدة واشتغل األجير لدى املشغل ملدة توازي أو تفوق 6
أشهر فإنه يستحق التعويضات وفق ما هو مقرر في املواد من 52إلى 60من مدونة الشغل.
على أنه يجب التنويه إلى أن كثرة االستطرادات نتيجة كثرة الفرضيات واالحتماالت التي لم
ترد اإلشارة إليها في االستشارة ،تضعف من قيمة االستشارة ،وتؤدي إلى تشتت ذهن قارئ االستشارة،
لذا فإنه في حالة عدم وضوح عدد من النقاط في االستشارة أو التساؤل من األفضل أن يعمل
املستشار على حصرها وتوجيهها كتابة إلى الجهة طالبة االستشارة من أجل الحصول على معلومات
وافية بشأنها.
من الناحية املن جية يفضل بعض الفقه أن يتضمن العرض مبحثين فقط ،وذلك حتى يتم
التركيز أكثر ما يمكن على النقاط األساسية في االستشارة دون التوسع في تحليلها لكون ذلك يتنافى مع
ما تستدعيه االستشارة من اختصار وتركيز(.)1
وهي مفروضة والزمة ،لكونها تشكل تلخيصا للرأي القانوني في املسألة محل التساؤل بعبارات
موجزة ومقتضبة يركن إليها طالب االستشارة فيما ينوي اتخاذه من إجراء كان بمثابة الباعث من
وراء طلبها.
ويجب على املستشار القانوني في الخاتمة أن يجيب على سؤال محوري يكون قد سبق له أن
أثاره في املقدمة ،يتجلى في تبيان الحل القانوني لإلشكال القائم ،وذلك في قالب موضوعي ومركز
يتبنى موقف معين من الواقعة يحسم من خالله اإلشكال املحوري.
اعتبرت من جانبي الشخص ي أن موضوع االستشارة القانونية يعتبر من بين املواضيع الهامة
التي قد تطرح مستقبال لكل باحث في املجال القانوني ،ذلك أنه بقدر ما يزداد مستوى املعرفة
العلمية القانونية وترقى درجة الطالب في البحث والتنظير العلمي بقدر ما يكون من الالزم عليه أن
يجيب ويتصدى ملختلف اإلشكاالت التي تطرح في الواقع العملي ،بحيث ال يسمح لهذا األخير التذرع
بعدم معرفة الجواب الشافي لإلشكال املطروح ،واألمر ال يعدو أن يكون في جميع األحوال مجرد
ً
محاولة شخصية إلسقاط النص القانوني على الواقع العملي ،إسقاطا يراعي ويتوخى تطبيقه تطبيقا
سليما.
من هنا ارتأيت أن أتقدم بنموذج الستشارة قانونية تتعلق بحالة استرعت انتباهي وتمت
مناقشتها بمناسبة دراسة مادة قانون امللكية الصناعية( ،)1واألمر يتعلق هنا بما نص عليه املشرع
في الفقرة الثانية من املادة 201من قانون 17.97واملتعلقة بالتزييف الحكمي ،فإليكم موضوع
االستشارة:
قام زيد –وهو تاجر مالبس رياضية -باقتناء أحذية رياضية من نوع معين من أجل إعادة
بيعها من جديد وتحصيل فارق الثمن ،خاصة بعدما أغواه سعرها البخس بتحقيق ربح كبير ،بيد
أنه بعد مدة قصيرة فوجئ بمفوض قضائي يجري له محضر حجز وصفي للبضاعة على اعتبار أنها
بضاعة مزيفة وأن الشركة املتضررة من عمل التزييف تطالبه في إطار دعوى التزييف بالكف عن
ترويج املنتوج املزيف وتطلب من املحكمة مصادرة املنتوجات املزيفة وإتالفها ،وأدائه لها تعويضا عن
الضرر الذي لحقها جراء ذلك.
- 1لألمانة العلمية فنموذج االستشارة تم اقتباسه من نماذج اإلستشارة التي أوردها ذ عبد الواحد شعير في كتابه منهجية القراءة
القانونية ،الطبعة األولى ،2001 ،ص.89 :
وهكذا ،أصبح زيد يبحث عن وسيلة قانونية من أجل تجنب خسارة باتت مؤكدة ومن أجل
تجنب املس بسمعته التجارية أمام الفاعلين االقتصاديين بالسوق وتجاه الزبناء على وجه
الخصوص ،فتقدم باستشارة قانونية إلى أحد املختصين من أجل تبيان حكم القانون في النازلة.
سنعمل إذن على تحليل هذه االستشارة من خالل تقسيمها إلى ثالثة محاور أساسية ،مع
اإلشارة إلى أن هذه املحاور لن تظهر عند تقديم اإلشتسارة وفق صيغتها النهائية بل استدعتها من جية
التقسيم :
سنتقسم موضوعنا إلى شقين :شق أول نتناول فيه مدى استيفاء الشركة املصنعة لألحذية
الرياضية األصلية للشروط املوضوعية والشكلية لتسجيل عالمتها التجارية ،وفي الشق الثاني نعرض
للتكييف القانوني للعمل الذي أقدم عليه زيد
الصفحة 48 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
بعد االطالع على شهادة التسجيل املتعلقة بعالمة الشركة املصنعة لألحذية الرياضية
األصلية تبين ما يلي :
– 1أنها استوفت الشروط املوضوعية :من شرط الصفة املميزة وشرط الجدة وشرط
املشروعية وفق ما نص عليه قانون ،17.97وبالتالي فال مجال للحديث عن اختالل شرط من هذه
الشروط وبالتالي سقوط حق الشركة املذكورة في املطالبة بالحماية القانونية لعالمتها التجارية.
– 2أما بخصوص الشروط الشكلية :فقد تبين بعد االطالع على شهادة التسجيل الخاصة
بالعالمة التجارية أنها استوفت شروط اإليداع والتسجيل ،بيد أن املدة القانونية املقررة للحماية
املنصوص عليها في املادة 152من القانون رقم 17.97وهي عشر سنوات من تاريخ إبداع العالمة قد
تم استيفائها ،وأن الشركة املذكورة لم تعمد إلى تقديم طلب تجديد التسجيل داخل 6أشهر
السابقة أو 6أشهر الالحقة إلنتهاء مدة الحماية القانونية ،مما يسقط حقها في طلب الحماية
القانونية لعالمتها التجارية األصلية ،وتكون بذلك قد تنازلت عنها ودخلت في امللك العام.
بعدما عاقبت الفقرة األولى من املادة 201من القانون رقم 17.95عن التزييف املادي الذي
يقدم عليه منتج العالمة التجارية ،نجد الفقرة الثانية من ذات املادة تنص على تزييف من نوع آخر
وهو يقوم متى قام بائع املنتوجات املزيفة بعرضها للبيع وهو عالم بأنها مزيفة .
وعليه ،فاملشرع من خالل هذه املادة افترض حكما أن علم البائع بتزييف العالمة التجارية
للبضائع التي يقوم بترويجها يستوجب توقيع الجزاءات املدنية والجنائية عليه ،على اعتبار أنه سعى
بسوء نيته إلى اإلضرار بمالك العالمة األصلية.
وفي نازلة الحالة يتبين بجالء أن زيد كان ال يعلم كون البضاعة التي بيعت إليه مزيفة،
وسندنا في ذلك قلة خبرته الصناعية ،حيث أن عمله كان يقتصر على بيعها دون البحث في مكوناتها
ومميزاتها ،والتي تستدعي منه تكوينا خاصا.
وحتى على فرض علمه بذلك ،فإن عبء اإلثبات يقع على الشركة باعتبار أنها هي التي تدعي
العلم بكون البائع على دراية بكون املنتوجات املعروضة مزيفة.
وبناء عليه ،ال يمكن اعتبار زيد مزيفا لصراحة نص املادة 201ولعدم إثبات الشركة ذات ً
العالمة األصلية لسوء نية زيد.
الفقرة الثالثة :الخاتمـة
يقع ما ادعته الشركة املصنعة للعالمة األصلية باطال من جانبين :
– 1لعدم تمتعها بالحماية القانونية املقررة بسبب عدم تجديدها لطلب تسجيل العالمة
التجارية داخل املدة القانونية وفق اإلجراءات القانونية املنصوص عليها في املادة 152من القانون
رقم 17.97املتعلق بحماية امللكية الصناعية.
– 2لصراحة نص املادة 201من القانون رقم 17.97خاصة الفقرة الثانية والتي تشترط
العتبار العارض مزيفا علمه بكون البضاعة التي يروجها مزيفة ،وهو األمر الذي عجزت عن إثباته
الشركة.
مما يبقى معه التكييف القانوني للعمل الذي أقدم عليه زيد ال يمكن اعتباره بأي حال من
األحوال جريمة تزييف ،ومن ثم ال يمكن تطبيق الجزاءات املدنية والجنائية في حقه.
لقد كانت الغاية من تحرير هذا املقال املتعلق باملن جية التي يمكن اتباعها من أجل تقديم
االستشارة القانونية سواء جاءت في شكلها الشفوي أو الكتابي ،وسواء كانت سابقة لقيام النزاع أو
بمناسبة عرضه على هيئات الوساطة والتحكيم والقضاء ،هو تسليط الضوء على هذه اآللية التي
كثيرا ما يلجأ إليها األشخاص سواء كانوا ذاتيين أو اعتباريين من أجل استجالء رأي القانون في نوازل
ووقائع معينة.
ويزيد الفراغ التشريعي الذي يعرفه تأطير االستشارة القانونية في تطاول العديد على هذه
العملية وادعاء املعرفة القانونية رغم عدم توفرهم على املؤهل العلمي والتجربة املطلوبة ،مما قد
تكون نتائجه عكسية على طالب االستشارة وعوض أن تؤهله االستشارة إلى إيجاد املخرج القانوني
والحل الصحيح لإلشكال املطروح ،قد تزيد هذه األخيرة من تعميقه ،لذلك فقد بات من الالزم تدخل
املشرع املغربي من أجل تأطير هذه العملية وتحديد شروط وصالحيات القائمين عليها ضمانا لتحقيق
األمن واالستقرار القانوني لكونها تشكل أهم مدخل من مداخل املساعدة القانونية في مفهومها
الشامل.
الصفحة 50 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
واملغرب ،باعتباره دولة الحق والقانون ،كفل هذا الحق دستوريا ،1وأكد على احترامه ،عبر
التنصيص على مجموعة من الضمانات ،أهمها :عدم التمييز بين الجنسين ألي سبب من األسباب.
ولئن كانت املرأة تساهم في عملها ،جنبا إلى جنب مع الرجل ،فإن التطورات االقتصادية
واالجتماعية التي عرفها املغرب ،ساهمت ،بشكل مباشر ،في تقوية مشاركة اليد العاملة النسوية،
ومساهمتها في تنمية االقتصاد الوطني.
- 1كرست دساتير المملكة المغربية الحق في الشغل ،وآخرها الدستور الجديد لسنة ،2011من خالل الفصل 31منه ،بواسطة
الظهير الشريف رقم 1.11.91الصادر في 27شعبان 29( ،1432يوليو ،2011الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964 :مكرر،
بتاريخ 28شعبان 1432الموافق ل 30يوليوز .2011
وجدير بالذكر أن االهتمام بضرورة إدماج املرأة ،في عملية التنمية ،إلى جانب الرجل،1
شكل أحد أبرز انشغاالت اإلرادة امللكية ،التي بلورها صاحب الجاللة امللك محمد السادس ،في أول
خطاب له منذ توليه العرش ،حيث عد النساء شقائقا للرجال ،2أخذا بالحديث الشريف " :إنما
3
النساء شقائق الرجال".
وقد نظم املشرع املغربي عمل املرأة العاملة -أجيرة كانت أم موظفة -ضمن إطار قانوني
مزدوج ،4بحسب طبيعة عالقة التبعية الرابطة بين األجيرة ومشغلها ،وطبيعة العالقة النظامية
للموظفة إزاء اإلدارة.
وانطالقا من األهمية النظرية والعملية لهذا االختالف ،والتي شكلت الباعث األساا ي في
اختيارنا لهذا املوضوع وتناوله ،وذلك بهدف تسليط الضوء على الحماية التي تتمتع بها املرأة ،من
خالل مدونة الشغل والقانون األساا ي للوظيفة العمومية.
وتأسيسا عليه ،ستتم معالجة هذا املوضوع ،استنادا إلى اإلجابة عن اإلشكالية التالية :
ومن أجل ،اإلجابة على هذه اإلشكالية ،واإلحاطة بها من مختلف جوانبها ،ارتأينا مالمسة
هذه الورقة البحثية ،وفق التصميم اآلتي :
- 1أحمد إد الفقيه إشكالية الشغل النسوي المرأة العاملة والقانون االجتماعي المغربي ،منشورات كلية الشريعة بأكادير رسائل
وأطروحات جامعية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،1996 ،ص.12 :
- 2جاء في خطاب ألقاه جاللة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة واألربعين لثورة الملك والشعب بتاريخ 20غشت
" :1999وكيف ي تصور بلوغ رقي المجتمع وازدهاره والنساء اللواتي يشكلن زهاء نصفه تهدر مصالحهن في غير مراعاة لما
منحهن الدين الحنيف من حقوقهن بها شقائق الرجال تتناسب ورسالتهن السامية في إنصاف لهن مما قد يتعرضن له من حيف أو
عنف مع أنهن بلغن مستوى نافسن به الذكور سواء في ميدان العلم أو العمل"
- 3حديث صحيح أخرجه اإلمام أحمد في باقي مسند األنصار من حديث أم سليم بن ملحان.
4يتعلق األمر بقانون الوظيفة العمومية وقانون الشغل
إن التوظيف في منصب من املناصب يقع عن طريق املباريات ،من حيث املبدأ ،فيما عدا
األعوان املتعاقدين املؤقتين واملياومين والعرضيين ،فضال عن أن التوظيف ،في إدارة ما ،مشروط
بتوفر منصب مالي ،مطابق للوظيفة املطلوبة .أما النسبة للقطاع الخاص ،فليجأ املشغل إلى فتح
باب التشغيل ،حسب االحتياجات املهنية ملقاولته.
وانطالقا من هذا التباين ،سيتم تخصيص املطلب األول :للحديث عن االختالف ،على
مستوى الشروط العامة والخاصة للتوظيف والتشغيل ،فيما يتفرد املطلب الثاني :للتباين الكائن
على مستوى آليات التشغيل والتوظيف.
ال مراء في أن الدستور يكفل حق الولوج إلى الوظائف ومناصب الشغل ،لكافة املواطنين،
على قدم املساواة ،1شريطة خضوع املرشح لشروط عامة وأخرى خاصة.
ينص الفصل 221من النظام األساا ي للوظيفة العمومية ،1على الشروط العامة الواجب
توفرها في املرشحين ،الراغبين في الولوج إلى إحدى الوظائف العمومية ،والتي يمكن إجمالها في اآلتي :
إن اشتراط الجنسية اليثير حزازات في إطار القطاع الخاص ،نظرا ملا يتمتع به هذا القطاع
من مرونة في التشغيل ،2إال أنه يالحظ اختفاء هذه املرونة ،بفعل فرض املشرع املغربي لضرورة توفر
الجنسية املغربية ،وجوبا ،من أجل االلتحاق بالوظائف العمومية ،حيث إن تجريد املوظفة من
الجنسية املغربية ،يسفر ،حتما ،عن عزلها من املنصب العمومي الذي تشغله.
كما جعل توظيف األجانب محظورا ،إال في حاالت ضيقة ،أهمها الحاجة إلى بعض الخبرات
األجنبية ،التي ال يتوفر عليها املواطنون ،أو في حالة املعاملة باملثل مع الدول األخرى ،وكذا من
الالجئين ،الذين حرموا من فرص العمل فوق تراب أوطانهم.
وأما بخصوص شرط التمتع بالحقوق الوطنية 3لألجيرة ،فلم يتم التنصيص عليه ،صراحة،
فيما يخص التشغيل بالقطاع الخاص ،لكن باملقابل ،فرض املشرع كال من األمانة ،والصدق
واإلخالص ،وغياب اإلدانة الجنائية ،على كل مرشح ملنصب شغل جديد.
إن الهدف من إقرار شرط التمتع بالقدرة البدنية ،يرمي إلى ضرورة التأكد من قدرة
املرشحة لشغل وظيفة ما ،من مدى قدرتها على تحمل أعبائها ،صحيا وجسديا ،والتأكد ،كذلك ،من
سالمتها من األمراض املعدية ،وكذا العاهات املستديمة ،التي قد تعجزها أو تعيقها عن تأدية عملها.
ويتم إثبات تحقق هذا الشرط ،من خالل شهادة طبية من مستشفى حكومي ،تحت طائلة
إلغاء قرار تعيينها من قبل الجهة املختصة ،متى اكتشف ذلك ،مع حفظ حق املتضررة في مطالبة
1
اإلدارة ،بكافة مستحقاتها عن املدة التي قضتها بالعمل.
وأما بالنسبة لألجيرة ،فتخضع ،وجوبا ،لفحوصات وقائية ،تبين مدى قدرتها على مزاولة
العمل وشغل املنصب الذي أسند إليها ،وهو األمر الذي نصت عليه املادة 327من مدونة الشغل،
والتي تؤكد على ما مفاده ،أن املشغل هو املسؤول الوحيد عن إخضاع األجير للفحوصات ،قبل
الشروع في عمله ،أو بعد إتمام فترة االختبار.
باإلضافة إلى الشروط العامة لاللتحاق بعالم الشغل سابق الذكر ،هناك أيضا شروط
خاصة ترتبط وطبيعة األنشطة اإلدارية ،واحتياجات كل مشغل على حدة ،وما يتطلبه األمر من
كفاءات علمية ،وقدرات ذهنية وبدنية ،والتي تجسد بدورها آلية لضبط عملية التشغيل ،وتتجلى،
عموما ،هذه الشروط في ما يلي :
- 1لل مزيد من التفصيل الرجوع إلى كتاب مليكة الصروخ ،النظام القانوني للموظف العمومي المغربي ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدار البيضاء ،1994،ص.129 :
تتفق فلسفة تحديد حد أدنى لسن التوظيف ،مع بلوغ املواطن سن النضج ،الذي يصبح
معه قادرا على التصرف ،وتحمل األعباء امللقاة على عاتقه ،ويكون قد وصل إلى مرحلة معينة من
التعليم ،تخوله الحد األدنى من املعارف ،للقيام بالواجبات الوظيفية .وفي املقابل ،تتجلى الغاية ،من
تحديد الحد األقص ى ،في إبعاد كبار السن عن الوظيفة العمومية ،ألن النشاط والقدرة على العمل
واإلنتاج ،قد تضعف وتقل مع التقدم في السن.
وإذا ما رجعنا إلى النظام األساا ي للوظيفة العمومية ،نجد أنه لم يتعرض لشرط السن،
وأعزى هذه املهمة لألنظمة الخاصة التي حددت الحد األدنى لسن التوظيف ،والذي يتراوح ما بين 18
و 21سنة ،بالنسبة للوظائف البسيطة ،وقد يتحدد في سن أعلى ،بالنسبة للمناصب املتوسطة أو
العليا ،حسب نوع وطبيعة ومستوى املسؤوليات املرتبطة بالوظيفة املطلوب شغلها ،فكلما كانت
الوظيفة مهمة ،ومسؤوليتها ثقيلة ،إال وارتفع السن املطلوب توفره في املرشح لشغلها .وأما السن
األقص ى لتولي الوظائف العامة ،فقد حدد في 40سنة ،ويمكن تمديده بالنسبة لبعض الوظائف
شريطة أال يتجاوز 45سنة.1
ولئن كان تحديد السن القانوني لولوج سوق الشغل ،يعد واحدا من بين الضمانات
القانونية ،لحماية مبدأ تكافؤ الفرص ،فقد حدد املشرع املغربي السن األدنى لتشغيل األجيرة في 15
سنة شمسية كاملة ،2وبذلك فإن سن التشغيل في القطاع الخاص ،ال يمكن أن ينزل عن السقف
األدنى في مدونة الشغل.
وفي نفس السياق ،فإن القيام بالواجبات الوظيفية ،يحتم على كل موظفة أن تتوفر على
مستوى علمي ،يختلف باختالف األسالك اإلدارية والتقنية ،التي تشغل منصبا من مناصبها.
1المادة 1من المرسوم رقم 2.02.349بشأن تحديد السن األقصى للتوظيف ببعض أسالك ودرجات اإلدارات العمومية
والجماعات المحلية
2تنص المادة 143من مدونة الشغل :على أنه "ال يمكن تشغيل األحداث وال قبولهم في المقاوالت أو لدى المشغلين قبل بلوغهم
سن خمس عشرة سنة شمسية كاملة".
وأما فيما يخص األجيرات ،فإن املشغل وحده الذي يملك صالحية تحديد شروط املستوى
العلمي ،حسب كل منصب على حدة.
إن مصالح تدبير املوارد البشرية مدعوة بمناسبة أي توظيف ،وقبل التحاق املرشحين
بمقرات عملهم ،إلى التأكد من استيفاء املعنيين باألمر ،بجميع الشروط العامة والخاصة ،بالتعيين
في الدرجة املنشودة ،وإلى العمل على تسوية أوضاعهم اإلدارية ،في غضون شهرين ،ابتداء من تاريخ
التحاقهم بالعمل.
وتأسيسا على منطوق الفصل 21من النظام األساا ي للوظيفة العمومية ،فإن بعض
األنظمة األساسية ،تشترط قدرة بدنية خاصة ،تبعا ملا تتطلبه أنشطتها الوظيفية ،خاصة بالنسبة
لبعض الوظائف التي تتطلب مواصفات معينة وقدرات جسدية محددة ،مما يمكن املرشح من أداء
وظيفته على أكمل وجه.
ولئن كان إقرار هذه الشروط يروم تحقيق األداء الجيد للمهام املرتبطة ببعض الوظائف،
فإنه كثيرا ما تم تفسيرها ،بشكل أدى إلى إقصاء النساء منها ،ال سيما الطبيعة العسكرية واألمنية،
بحجة عدم تمتيعها بالقدرة البدنية على تحمل املهام الصعبة ،واملسؤوليات الخطرة ،وظلت هذه
الوظائف حكرا على الرجال لفترة طويلة ،قبل أن يتم تجاوز التفسير الضيق لهذا الشرط في
التوظيف .وهذا املقتض ى ال تنفرد به الوظيفة العمومية ،بل حتى الشغل في القطاع الخاص ،إذ أن
بعض املهن ،تتطلب لياقة بدنية خاصة تتالءم وطبيعة العمل.
ولعل أهم ما يمكن استخالصه مما سبق ،هو أن الشروط املتعلقة بولوج الوظائف العامة
أو مناصب الشغل الخصوصية ،تشكل ،وال محال ،ضمانة قوية الختيار أكفأ العناصر البشرية،
لتحمل املسؤولية في الوسط املنهي ،الش يء الذي يدفعنا إلى تسليط الضوء ،على اآلليات املعتمدة في
سوق الشغل ،ومدى اختالفها بين األجيرة واملوظفة.
تختلف آليات التشغيل والتوظيف ،باختالف املقاربة التي ن جها املشرع املغربي ،في تنظيمه
للقطاع العام والخاص .حيث نص الفصل 22من النظام األساا ي للوظيفة العمومية على أنه :
"يجب أن يتم التوظيف في املناصب العمومية ،وفق مساطر ،تضمن املساواة بين جميع
املترشحين لولوج نفس املنصب ،والسيما حسب مسطرة املباراة.
وتعتبر بمثابة مباراة ،امتحانات التخرج من املعاهد واملؤسسات املعهود إليها بالتكوين،
حصريا ،لفائدة اإلدارة"...
في حين تبنى في مدونة الشغل املقاربة التي تقوم على خصوصية وكاالت التشغيل ،ومنحها
1
الضوء األخضر للتسيرع في القيام بجميع العمليات الهادفة إلى التقاء العرض والطلب.
تعمل اإلدارة بأساليب دقيقة في اختيار موظفيها ،فقد قيد املشرع اإلدارة بمعطيات
موضوعية معينة ،عليها االلتزام بها قبل إصدار قرار التعيين ،والتي يمكن تقسيمها إلى صنفين :
صنف أول ،يتمثل في الطرق العادية للتوظيف ،ويتعلق األمر بإجراء مباراة ،وصنف ثان ،يتجلى في
الطرق االستثنائية ،والتي يعد التوظيف املباشر ،وجها من أوجهها ،إلى جانب التوظيف بموجب
عقد.
إن اللجوء إلى املباراة ،كمبدأ أساا ي للتوظيف في أسالك الوظيفة ،بالنسبة للدولة
والجماعات الترابية ،قد أقره النظام األساا ي الخاص بمختلف موظفي اإلدارات العمومية،
وتختلف طبيعة ومضمون أسلوب املباراة من إطار آلخر ،باختالف الوظائف واألعمال.
ولكي تباشر اإلدارة التوظيف عن طريق املباراة ،البد لها من القيام بجملة من اإلجراءات
لتنظيمها والسهر عليها ،وذلك استنادا إلى املرسوم امللكي املتعلق بسن نظام عام للمباريات ،1حيث
تعلن الدولة ،بالوسائل املقررة قانونا ،عن حاجياتها ،لشغل املناصب املالية الشاغرة ببعض إداراتها
ومصالحها.
ولعل أهمية هذه الطريقة تعزى إلى ما تتميز به من ضمانات ،فهي تقوم على أسس
موضوعية يمكنها أن تساهم في تحقيق النزاهة واملساواة بين املرشحين لها ،وبالتالي تفادي كل ما من
شأنه أن يميز بينهم بسبب القرابة ،والوالءات الحزبية ،أو العائلية أو الوساطة أو املحسوبية 2.ذلك
أن املباراة تقتض ي إجراء مسابقات فيما بين املرشحين لوظيفة ما ،بهدف انتقاء األجدر بها 3.ومن هذا
املنطلق ،يمكن القول بأن املباراة تبقى الطريقة األمثل ،املعتمدة في بالدنا.
تتجلى الطرق االستثنائية للتوظيف في صنفين اثنين :حيث يتعلق أولهما بالتوظيف
املباشر ،بناء على الشهادات العلمية والدبلومات ،فيما يتعلق الثاني بالتوظيف عن طريق التعاقد،
إذ يتأسس األول على ترك الحرية املطلقة لإلدارة في اختيار موظفيها ،دون قيد أو شرط ،وهو األكثر
استعماال في حالة التعيين في املناصب العليا ،التي تنبني على الثقة والوالء للدولة وانسجام الرؤية مع
توجهات الحكومة ،ثم القدرة على تحمل املسؤوليات املرتبطة بهذه املناصب .4ولئن كان هذا
األسلوب مناسبا لبعض الوظائف ،التي تتطلب مهارات وكفاءات خاصة ،إال أنه يمس بمبدأ املساواة
5
وتكافؤ الفرص بين املواطنين أزاء الوظائف العامة.
- 1عبد الرحمان البكوري ،الوجيز في القانون اإلداري المغربي ،شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع ،ط األولى ،الرباط،1995 ،
ص.415 :
- 2حميد أبوالس ،تدبير الموارد البشرية ،نموذج اإلدارة الجماعية ،دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع ،ط األولى ،2005 ،ص:
.214
- 3شكرة الحاج ،التوظيف في النظم اإلدارية الحديثة وفي الفكر اإلداري اإلسالمي ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة
محمد الخامس الرباط ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،أكدال السنة الجامعية ،2000-1999:ص.171 :
- 4مليكة الصروخ ،م س ،ص.154 :
- 5رضوان بوجمعة ،الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث ،مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء ،ط األولى،2003 ،
ص.120 :
وأما بخصوص التوظيف عن طريق التعاقد ،فقد جاء في إطار اإلصالح اإلداري املنشود،
من خالل املساهمة في تحديد دقيق لألهداف املرجوة واملهام املنوطة بمؤشرات واضحة ،ثم تمكين
اإلدارة من سد العجز الحاصل في مواردها البشرية ،وبالتالي توفير فرص شغل جديدة ،للحد من
1
البطالة التي تهدد السلم االجتماعي.
وفي نفس السياق ،ينص النظام األساا ي للوظيفة العمومية ،كما تمم وعدل بموجب
القانون ،50.05من خالل فصله السادس مكرر على أنه " :يمكن لإلدارات العمومية ،عند
االقتضاء ،أن تشغل أعوانا ،بموجب عقود ،وفق الشروط والكيفيات املحددة بموجب
مرسوم"...
وعموما ،ال يمكن أن يتصف املوظف املتعاقد بصفة املوظف العمومي ،حيث ال يتمتع
بالضمانات القانونية املقررة لهذا األخير ،ذلك أنه بإمكان اإلدارة أن تستغني عنه بفسخ عقد
توظيفه ،في الحاالت التي تقتضيها الضرورة.2
في خضم ما تعرفه الحياة والساحة االقتصادية ،من حراك في شتى املجاالت ،وما تتسم به
من سرعة في املعامالت والبحث عن الجودة ،في واقع اختلط فيه الحابل بالنابل ،إثر العوملة التي
استحوذت على العالم ،وأمام هول انتشار الرأسمالية ،عمل املشرع املغربي على خوصصة وكاالت
التشغيل ،من أجل العمل على التقاء العرض بالطلب في ميدان الشغل .وفي نفس الوقت ،اكتفى
بترميم جزئي ملقتضيات بعض القنوات الخاصة ،وسمح ،في إطار الوكاالت الخصوصية ،بتأسيس
- 1التوظيف بالتعاقد ضرورة أو اختيار الموقع http//www.m.hespress.comتاريخ الزيارة الجمعة 12أكتوبر 2023على
الساعة 18h22mn :
- 2رضوان بوجمعة ،الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث ،مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء ،ط األولى،2003 ،
ص .120
مقاوالت التشغيل املؤقت ،وفق شروط محددة ،1فضال عن الدور الفعال الذي أصبحت تلعبه
شبكة اإلنترنيت في عصرنا الحالي ،والذي كان وراء ظهور الوسيط اإللكتروني في التشغيل.
لقد تبنى املشرع املغربي إحداث الوكاالت الخصوصية ،بعد اقتناعه بعدم قدرة الوكاالت
العمومية على القيام بهذا الدور وحدها ،تماشيا مع التطورات االقتصادية واالجتماعية ،التي
شهدها املغرب في الوقت الراهن ،وبذلك فقد تم خلق فرص قانونية لهذه الوكاالت ،لتنشط في
2
ميدان التشغيل.
وحيث إن هذه الوكاالت الخصوصية ،يكاد ينحصر هاجسها في تحقيق الربح ،وفق منطق
القطاع الحر ،3فقد ألزمها املشرع املغربي بضرورة احترام مجموعة من اإلجراءات القانونية ،حماية
لألجيرة ،كما أن دورها يقتصر على ربط االتصال بين عارض لفرص الشغل ،وطالب لهذا الشغل.
هذا الدور الذي ينتهي ،بمجرد حصول الفرد على العمل ،خالفا ملؤسسات التشغيل املؤقت ،التي
بموجبها تنشأ عالقة مباشرة ،بين املؤسسة والشغيلة.
لقد أخذ املشرع املغربي بنظام مقاوالت التشغيل املؤقت ،من خالل مدونة الشغل ،ضمن
املواد من 495إلى ،506وتكمن أهمية هذا النوع من الوكاالت ،في منح املقاوالت مرونة أكثر من
4
اللجوء إلى املوارد البشرية.
ورغبة منه في مسايرة الواقع االقتصادي ،وما تمليه االلتزامات الدولية واالقتناع بضرورة
إشراك القطاع الخاص في سياسة التشغيل ،1عمل املشرع على اللجوء إلى مقاوالت التشغيل
املؤقت ،الهادفة إلى تحقيق مرونة اقتصادية للمقاوالت واستمرارية أنشطتهم ،مع ما يتوافق
2
ومتطلبات السوق ،ولو على حساب األجيرة.
كما أن الدور الذي أصبحت تلعبه شبكة اإلنترنيت حاليا ،كان وراء ظهور الوسيط
اإللكتروني للتشغيل ،واملتمثل في موقع إلكتروني ،يعتمد على مجموعة من التقنيات تمكن من نشر
ومعالجة املعلومات ،بهدف تسهيل التقاء العرض بالطلب ،3حيث يعمل بسرية تامة باستخدام
برنامج تشغيل مرقم ،من خالله ،يقوم على مقابلة كل من جانب الطلب والعرض في سوق الشغل،
وذلك باستخدام قوائم وصف األعمال واملهن.
بسبب أن العمل ،سواء في القطاع الخاص أو العام ،يكاد ال يخلو من املخاطر املؤكدة،
كالشيخوخة والوفاة ،أو املخاطر االحتمالية ،كالعجز واملرض والبطالة ،فقد كان لزاما على املشرع
املغربي ،إحداث نظام للحماية االجتماعية التي تعتبر ،بمفهومها العام ،تأمينا ألفراد املجتمع ضد
الحاجة االقتصادية ،والتي يترتب عنها التحرر من شبح الخوف حاضرا ومستقبال.
وتأسيسا عليه ،سيتم تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين ،حيث ُيرصد أولهما :لتوضيح التباين
الكائن على مستوى مؤسسات الحماية االجتماعية ،بين كل من األجيرة واملوظفة( ،املطلب األول)،
فيما يفرد الثاني بالتطرق للعالقة القائمة بين كل منخرطة على حدة ،مع األنظمة االجتماعية التي
تتصل بها (املطلب الثاني).
- 1محمد الرماش ،مقاوالت التشغيل المؤقت بين القانون المغربي والفرنسي ،رسالة لنيل الماستر في القانون والمقاولة ،جامعة
المولى اسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس ،السنة الجامعية ،2011-2010 :ص.15 :
- 2فتحي نوعمة ،الوساطة في التشغيل ،بن مدونة الشغل وقانون المقارن ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص القانون
والمقاولة ،جامعة المولى اسماعيل مكناس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس ،السنة ،2009-2008ص.52 :
www.marocdroit.com - 3عبد هللا القاسمي ،الوسيط االكتروني في التشغيل ،قراءة قانونية أولية منشور في موقع
لتحقيق هدف الحماية والتأمين سعى املغرب ،شأنه في ذلك شأن نظرائه ،إلى ترجمة هذا
الهدف على أرض الواقع ،حيث أخضع كال من األجيرات واملوظفات لنظام تقاعد ينخرطن فيه بشكل
إجباري ،إذ تضم الفئة األولى إلى الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،وأما الثانية فتخضع لنظام
املعاشات ،1وإلى جانب األنظمة اإلجبارية ،تتاح للمنخرطات إمكانية االنخراط في أنظمة ذات طبيعة
اختيارية أو تكميلية.
عمل املشرع املغربي على تمتيع فئة األجراء بنظام تقاعد ،يوفر لهم الحماية الضرورية ،عند
انتهاء مهامهم ،والذي يتمثل في مؤسسة الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،بينما يوجد في القطاع
العمومي أكثر من نظام للتقاعد ،إذ يتغير نوع النظام حسب النظام القانوني الذي تخضع له
املوظفة ،حيث تصبح هذه األخيرة ،بمجرد انخراطها في أسالك الوظيفة العمومية ،متمرنة كانت أم
مرسمة ،خاضعة وبشكل إجباري لنظام املعاشات.
تسعى هذه املؤسسة إلى تطبيق الحماية االجتماعية في القطاع الخاص ،وهي مؤسسة
عمومية تتمتع باالستقالل املالي والشخصية املعنوية ،تحت الوصاية اإلدارية لوزارة اإلدماج
االقتصادي واملقاولة الصغرى والشغل والكفاءات .2ويعتبر االشتراك إجباريا ،بالنسبة لألشخاص
الذين يشملهم هذا الصندوق ،الذي يعتبر الجهاز الوحيد الذي له حق إجبار املؤسسات الخاضعة
له ،على تأدية واجبات االشتراك التي تشكل ،إلى جانب مصادر مالية أخرى ،املحفظة املالية
1
للمؤسسة.
ترتبط املوظفة بنظام التقاعد ارتباطا وثيقا ،فمنذ التحاقها بأسالك الوظيفة العمومية إلى
حين مغادرتها إياها ،يالزمها التعامل في إطار هذا النظام ،حيث إن الحياة اإلدارية للمنخرطة ،تضم
التزامات وتحمالت تلتزم بها خاللها ،ولها تأثير واضح وجلي على حياتها ،كمتقاعدة قضت مسارا مهنيا
طويال .فبمجرد ما تتعين في وظيفتها ،إال وتصبح خاضعة لنظام املعاشات وبشكل إجباري ،على
اعتبار أن قانون املعاشات املدنية والعسكرية ،قد حدد الئحة الفئات املشمولة بتغطيته بشكل
حصري ،إلى جانب االلتزام امللقى عليها وعلى الهيئة املشغلة ،بأداء واجبات االنخراط.
وقد عهد بتدبير هذا النظام إلى الصندوق املغربي للتقاعد ،كمؤسسة عمومية تتمتع
2
بالشخصية املعنوية واالستقالل املالي ،الذي تم إحداثه بموجب ظهير 02مارس . 1930
وانطالقا مما سبق ،يتبين لنا أن املشرع املغربي ،سعى إلى الحفاظ على حقوق كل من األجيرة
واملوظفة ،من خالل إجبارية االنخراط في أنظمة تقاعد ،ذات تنظيم وقوة ضاغطة على املساهمين
واملنخرطين في عدم تجاوزها ،مع إحاطتها بمجموعة من الضمانات لألنظمة التكميلية ،والتي تتميز
باختيارية االنخراط.
يخول للمنخرطين في األنظمة اإلجبارية للتقاعد ،إمكانية االنخراط في أنظمة أخرى ،ذات
طابع اختياري أو تكميلي ،بغية الرفع من املستوى املعيش ي ،بعد اإلحالة على التقاعد ،حيث تتجلى
- 1ينص الفصل 22من ظهير 1972الذي جاء فيه" :أن صاحب العمل هو الذي يظل مسؤؤوال اتجاه الصندوق الوطني للضمان
االجتماعي عن أداء االشتراكات المهنية".
- 2ظهير شريف بتاريخ فاتح شوال 2( 1348مارس 1930الذي تم إعادة تنظيمه بموجب القانون رقم 43.95الصادر بموجب
تنظيمه الظهير الشريف رقم 1.96.106الصادر في 21من ربيع األول 7( 1417أغسطس ،1996المنشور بالجريدة الرسمية ع
4432الصادره بتاريخ 9رجب 21 1417نوفمبر .1996
الغاية من إحداث هذه األنظمة ،بالدرجة األولى ،في الزيادة من حجم الضمانات املالية للمنخرطين،
والتي تضاف إلى تلك املقدمة من األنظمة اإلجبارية .الش يء الذي يفيد أنه يمكن لألجيرة ،الراغبة في
الرفع من معاشها ،أو التي ترغب في الحصول على رأسمال ،بعد اإلحالة على التقاعد ،أن تنخرط
اختياريا لدى الصندوق املنهي للتقاعد ،1وكذلك الشأن بالنسبة للموظفة التي ترغب في الرفع من
معاشها ،يمكنها أن تنخرط في الصندوق املغربي للتقاعد.
تستفيد األجيرة من نظام اختياري يمثله الصندوق املنهي املغربي للتقاعد ،وهو مؤسسة
خاصة ،تقف في مصاف الشركات التعاضدية ،القائمة على أساس املوارد التشاركية .تأسست سنة
،1949من أجل الرفع من املستوى املعيش ي لفئة الشغيلة ،بعد اإلحالة على التقاعد.
وفي نفس السياق ،تسهر املؤسسة على تقديم خدمات متعددة للمنخرطين ،الذين
يتقدمون باشتراكاتهم ،إلى جانب اشتراكات املشغلين .ويسهر على تسييرها مجلس إدارة منتخب ،من
لدن الجمع العام للمنخرطين ،كما تخضع لرقابة أربع لجان ،تابعة ملجلس اإلدارة ،ومراجعان
للحسابات الخارجية.
وتخضع املؤسسة إلى القانون رقم ،64.12القاض ي بإحداث هيئة مراقبة التأمينات
واالحتياط االجتماعي .وتأسيسا عليه ،يمكن القول بأن الصندوق املنهي املغربي للتقاعد ،يحاول
تمكين جميع املنخرطين ،من الحصول على معاش إضافي ،يروم ضمان عيش كريم ،خالل سنوات
التقاعد.
- 1جمعية ال تهدف إلى الربح أسست سنة ، 1949بمبادرة من جمعية المشغلين في القطاع الخاص وتدير هذه الجمعية مساهمة
400000أجيرة في القطاع الخاص وتمنح المعاش ألكثر من 96ألف متقاعد.
يتميز النظام التكميلي للصندوق املغربي للتقاعد بالطابع االختياري والفردي لالنخراط،
عكس النظام األساا ي ،حيث إن األمر يتوقف على موافقة املنخرطة لدى النظام األساا ي للتقاعد،
إذ يتم االقتطاع من راتبها من املنبع ،لتمويل هذا النظام الذي يعتمد ،في تسييره املالي ،على تقنية
الرسملة ،وبذلك فإن املوظفة املنخرطة في نظام املعاشات املدنية أو العسكرية ،ليست ملزمة
باالنخراط في هذا النظام ،1الذي يتسم بطابع االختيارية ،وانخراطها فيه ،تحكمه قناعتها الخاصة
وإرادتها الحرة.
وحتى يتم انخراطها في هذا النظام ،تلتزم املوظفة وجوبا ،بتقديم طلب إلى إدارة الصندوق
املغربي للتقاعد ،مرفوقا بترخيص القتطاع االشتراك برسم هذا االنخراط ،والذي يسري مفعوله
ابتداء من تاريخ أول اشتراك.
ويهدف هذا النظام التكميلي إلى تكوين معاش مكمل للمعاش املمنوح من طرف النظام
األساا ي ،وذلك لتحسين املستوى املعاش ي للموظفة املنخرطة فيه ،من خالل األخذ بعين االعتبار،
عند احتساب املعاش ،جملة من التعويضات واملكافآت ،التي ال تحتسب في وعاء تصفية معاش
التقاعد األساا ي ،وتوفير تغذية إضافية للمنخرطة في حالة العجز ،ولعائلتها في حالة الوفاة.
وباإلضافة إلى هذه الجوانب االجتماعية ،يساعد خلق أنظمة تكميلية ،من منظور اقتصادي ،على
توفير ادخار مؤسس ي يمكن توجيهه نحو السوق املالي من أجل االستثمار.
1
- Omayma Achour « Les réformes de régimes de retraite au Maroc » mémoire pour l’obtention du
master en droit des affaires, faculté des sciences juridique, économique se sociales, rabat, année
universitaire 2010-2011 p :13.
إن العالقة بين املنخرطة النشيطة ،موظفة كانت أم أجيرة ،وبين أنظمة التقاعد هي عالقة
تبادلية ،إذ تعمل املنخرطة ،إلى جانب الهيئة النشيطة ،على تمويل أنظمة التقاعد ،عن طريق
االقتطاعات الشهرية من أجرتها كاملة ،خالل مسارها املنهي .غير أن هذه العالقة تأخذ منحى آخر،
حينما تنتهي العالقة بين املنخرطة والهيئة املشغلة باإلحالة على التقاعد ،التي يكون أثرها املباشر
إلزام نظام التقاعد ،بدفع إيراد عمري للمنخرطة مقابل ما تم اقتطاعه من أجرتها ،ويتمثل هذا
اإليراد العمري في الراتب املعاش ي للشيخوخة ،والراتب املعاش ي للباقين على قيد الحياة ،ثم الراتب
املعاش ي عن الزمانة.
يعتبر معاش الشيخوخة ،بمثابة منحة شهرية يمكن أن تستفيد منها املؤمن لها مدى
الحياة ،متى بلغت السن القانوني لإلحالة على التقاعد ،الذي يعرف بمعناه القانوني ،بداية انتفاع
األجيرة أو املوظفة بالحق في تقاض ي معاش أو راتب عن الشيخوخة ،وقد أجمعت التعاريف الفقهية
على أنه :عبارة عن مبلغ من املال تتقاضاه األجيرة أو املوظفة ،في شكل إيراد عمري ،إثر انتهاء
خدمتها ،بصورة نظامية ،أو إصابتها بعجز يؤول إلى املستحقين عنها ،وإلى أبويها بعد وفاتها ،وذلك
1
مقابل املبالغ التي تقتطع من أجرتها ومساهمات مشغلها.
يساهم قانون الضمان االجتماعي في توفير الحماية االجتماعية لفئة املسنين املتقاعدين،
وذلك بمنحهم معاشا أو راتبا يعرف براتب الشيخوخة .ويخول للمؤمن لها هذا الحق ،بالنظر إلى مدة
- 1آمال جالل ،حماية األجور ع لى ضوء سياسة التشغيل في المغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا القانون الخاص ،جامعة
محمد الخامس ،الرباط كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال ،السنة الجامعية ،1985-1986 :ص.264 :
اشتراكها التي تعد املصدر األساا ي لتمويل هذا النوع من التعويضات ،1إلى جانب اشتراكات
مشغلها ،وذلك متى توفرت الشروط املنصوص عليها في الفصل 53من قانون الضمان االجتماعي.
وجدير بالذكر أن االتفاق االجتماعي ،الذي عقد بمناسبة عيد الشغل ،في 29أبريل من
السنة الجارية ،2023بين الحكومة والفرقاء االجتماعيين ،قد أسفر على إطالق إصالح شامل
ملنظومة التقاعد ،واستقر على تخفيض شرط االستفادة من راتب الشيخوخة ،إلى 1320يوم،
بعدما كان محددا في 3240يوم ،في أفق وضع نظام موحد خاص بكل نظام على حدة.2
إن حصول املوظفة على معاش التقاعد ،يتم مباشرة بعد فك ارتباطها باإلدارة املشغلة،
ببلوغ السن القانونية لإلحالة على التقاعد ،حيث يؤخذ بعين االعتبار ،لتحديد سن التقاعد ،التاريخ
املوجود في أول عقد ازدياد أو الوثيقة التي تقوم مقامه ،إال أن عدم التحديد الدقيق لهذه الوثائق،
كان بمثابة فراغ قانوني ،يحرج اإلدارة في تعاملها مع الوثائق التي تثبت بها املوظفة تاريخ ازديادها.3
واستثناء من هذا املبدأ ،يمكن أن تحال إلى التقاعد ،بصفة حتمية وبدون التقيد باملدة القانونية،
كل موظفة أصيبت بعجز دائم أو مؤقت ،سواء كان هذا العجز ناتجا عن العمل أو خارج إطار
العمل ،بعد إثباته من طرف لجنة اإلعفاء ،باستثناء تلك التي تصاب بضعف البصر أو فقدانه ،فال
يحق لإلدارة عزلها ،إذا كانت مهامها ال تستوجب حمل السالح ،بل تعمل على إعادة تكوينها وتأهيلها.4
- 1يالحظ أن بعض الدول الصناعية تخصص نسبة هامة من دخلها اإلجمالي لحماية األشخاص المتقاعدين ،إذا وصلت هذه النسبة
بين ،1986إلى 7.7في الدانمارك وإلى 9.3في فرنسا و إلى 12,6في السويد.
-2كما تضمن االتفاق مجموعة من المقتضيات ،أبرزها الزيادة في الحد األدنى لألجر بنسبة 10في المائة ،على دفعتين ،ابتداء من
العام المقبل
- 3حيث اعتبرت المحكمة االدارية بالرباط ان شهادة السوابق القضائية وبطاقة المعلومات والبطاقة الشخصية التي تمال بناء على
تصريح الموظف ال يمكن أن يعتد بها إلثبات تاريخ االزدياد إلن األولى معدة أساسا إلثبات انعدام السوابق القضائية في حين
البطاقتين االخيرتين يجب أن تكونا مدعمتين بوثيقة إدارية أخرى كالشهادة المسلمة بهذا الشان من طرف السلطة المحلية في حالة
عدم تسجيل المعني باالمر بسجالت الحالة المدنية".
-انظر حكم المحكمة اإلدارية بالرباط رقم 119بتاريخ ،1998/01/22في الملف ،1301/97ع .التويجي محمد ضد
وزي ر المالية وفي حكم آخر صادر عن نفس المحكمة ضد وزير االقتصاد والمالية ،حكمين أوردهما رضا التايدي ،م س ،ص:
.223
- 4انظر القانون رقم 181-5المتعلق بالرعاية االجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر ،ج ر ،ع ،3636بتاريخ 7يونيو .1982
قد تصاب األجيرة أو املوظفة بعائق يحول دون استمراريتها في العمل ،الش يء الذي يبرر
استحقاقها ملعاش الزمانة ،وهو أمر تنبهت إليه قوانين التقاعد ،وبذلك ،سنرصد ،خالل هذه
الفقرة ،املعاش التقاعدي عن زمانة األجيرة ،أوال ،ثم بعد ذلك ،نتطرق إلى املعاش التقاعدي عن
زمانة املوظفة.
الزمانة هي عاهة ينتج عنها عجز كلي مستمر ،يحول دون قيام األجيرة بأي عمل ،مع احتمال
ما قد يقع من تحسن أو استفحال في حالة املصابة الصحية .1وبعبارة أخرى ،فإن الزمانة تتعلق
بحالة واحدة فقط ،وهي حالة العجز الكلي لألجيرة التي تصبح عاجزة ،عجزا تاما ،عن ممارسة أي
عمل يدر عليها كسبا.
وفي نفس السياق ،فإن املؤمن لها التي ال تتوفر على شرط السن ،املنصوص عليه بالفصل
53املذكور ،2واملصابة بزمانة ،يظن أنها مستمرة ،وهي غير خاضعة للقانون رقم 18.12املتعلق
بحوادث الشغل واألمراض املهنية ،تدلي بما يثبت عجزها ،على أنه عجز تام ،يحول دون إمكانية
مزاولتها ألي عمل شريف يدر عليها نفعا ،لكي ينشأ حقها في راتب معاش ،وذلك وفق مقتضيات
فصول الباب الخامس من نظام الضمان االجتماعي.
تستحق املوظفة بدورها معاش الزمانة ،عندما تصبح غير قادرة ،بصفة نهائية ومطلقة عن
مزاولة مهامها ،على إثر عجز ناتج عن اإلصابة بمرض أو جروح أملت بها ،دون أن يكون العمل أو
- 1علي عمي ،الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،موارده ،خدماته ،مدفوعاته ،اشكالية إصالح مرتقب ،ط الثالثة ،دون ذكر
المطبعة ،1997 ،ص.59 :
-2انظر الفصل 53من ظهير 27يوليوز ،1972المتعلق بالضمان االجتماعي ،كما تم تعديله وتتميمه
نطاقه سببا فبها 1.حيث إذا نتج عن اإلصابة عجز يجعل املوظفة غير قادرة ،بصورة مطلقة ،على
االستمرار في مزاولة املهام املنوطة بها ،بعد إثبات ذلك ،من طرف اللجنة املنصوص عليها بالفصل
29من القانون رقم ،71.11تحذف األجيرة املعنية من أسالك الوظيفة ،وينشأ ،باملقابل ،حقها في
االستفادة من معاش الزمانة.2
وتجدر اإلشارة إلى أنه إذا كانت العاهة تنسب إلى شخص غير الدولة ،تقوم هذه األخيرة
بممارسة دعوى الرجوع على املتسبب في الحادثة.
ال شك أن وفاة املستفيدة ال يعني بالضرورة إعدام عالقتها بأنظمة التقاعد ،بل إن هذه
العالقة ،تستمر لصالح ذوي الحقوق ،الذين يحلون محل الهالكة ،في استيفاء الحقوق املعاشية من
هذه األنظمة .وبالتالي فإن التغطية االجتماعية ألنظمة التقاعد ،ال تقتصر فقط على املتقاعدة،
وإنما تمتد إلى ذوي حقوقها.
حسب الفصل 57من ظهير الضمان االجتماعي ،فإن الذين يستحقون الراتب املعاش ي
للباقين على قيد الحياة ،هم الذين تخلفهم وفاة املؤمن لها من زوج و أبناء.
يكتسب األرمل حقه في املعاش ،ابتداء من تاريخ وفاة زوجته املنخرطة أو املتقاعدة .ويؤجل
صرف معاشه إلى فاتح الشهر الذي يلي تاريخ اكتمال عمره 60سنة ،غير أنه إن كان عاجزا عن
العمل بصفة نهائية ،فإن صرف املعاش يحدد في أول الشهر ،املوالي لتاريخ ثبوت عجزه من طرف
- 1بشرى الشباني ،أنظمة التقاعد في المغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد األول
وجدة ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة ،السنة الجامعية ،2009-2008ص.8 :
-2راجع الفصل 25من القانون رقم ،011.71الذي أحدث بموجبه ،نظام معاشات التقاعد المدنية
لجنة اإلعفاء .ويبلغ معاش الزوج املتوفى عنه 50في املائة من مبلغ راتب الزمانة املذكور ،كما يشترط
1
أن يكون الزواج قد دام ملدة سنتين كحد أدنى.
يخول كل من نظام املعاشات املدنية واملعاشات العسكرية ،إمكانية استفادة ذوي الحقوق
من معاش املوظفة املتوفية ،سواء كانت مزاولة ملهامها أو متقاعدة أو متغيبة عن مقر سكناها ،ملدة
تزيد عن السنة الواحدة ،دون أن تطالب بحقوقها املعاشية ،إذ يجوز لهم الحصول على معاش
بصفة مؤقتة ،في أفق تحويله إلى معاش نهائي بثبوت الوفاة بشكل رسمي ،أو بإعالن التغيب بموجب
حكم قضائي.2
خاتمة
وعموما ،فقد عمل املشرع املغربي ،أسوة بالتشريعات املقارنة املتقدمة ،على إيجاد ترسانة
قانونية تروم ،باألساس ،حماية حقوق املرأة ،وهو األمر الذي نستشفه ،من خالل استقراء مجموع
نصوص مدونة الشغل ،والقانون األساا ي العام للوظيفة العمومية.
ولئن شكلت قضية املرأة العاملة ،محور اهتمام املجتمع الدولي ،عامة ،واملجتمع املغربي،
تحديدا ،وكانت وجبة دسمة لعدة دراسات ولقاءات ،فإن ذلك قد جاء بعد االقتناع بعملها الدؤوب،
على مستوى القطاعين ،ودورها الفعال في التنمية االقتصادية واالجتماعية ،على حد سواء.
ولعل املشرع املغربي ،من خالل النظام األساا ي للوظيفة العمومية ،ومدونة الشغل ،أسس
لترسانة قانونية تروم حقوق املوظفين واألجراء ،عموما ،وحقوق املرأة العاملة ،تحديدا ،وذلك من
خالل ما نالحظه ،على مستوى هذه املقتضيات الحمائية ،التي نظمها متناغمة مع ما جاءت به
املواثيق واالتفاقيات الدولية ،في هذا املجال.
املراجع:
−فريدة املحودي ،اشكالية ممارسة الحق في التشغيل على ضوء قانون الشغل املغربي ،اطروحة
لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس الرباط ،كلية العلوم القانونية االقتصادية
واالجتماعية اكدال ،السنة .2001-2000
−عبد هللا القاسمي ،الوسيط االلكتروني في التشغيل ،قراءة قانونية أولية
−الظهير رقم 1.04.127الصادر ب 4نونبر ،2004املنشور بالجريدة الرسمية عدد 5263 :الصادر
ل 8نونبر .2004
−ظهير شريف بتاريخ فاتح شوال 2( 1348مارس 1930الذي تم إعادة تنظيمه بموجب القانون
رقم 43.95الصادر بموجب تنظيمه الظهير الشريف رقم 1.96.106الصادر في 21من ربيع األول 7( 1417
أغسطس ،1996املنشور بالجريدة الرسمية ع 4432الصادره بتاريخ 9رجب 21 1417نوفمبر .1996
−القانون رقم 181-5املتعلق بالرعاية االجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر ،ج ر ،ع ،3636
بتاريخ 7يونيو .1982
−علي عمي ،الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،موارده ،خدماته ،مدفوعاته ،إشكالية إصالح
مرتقب ،ط الثالثة ،دون ذكر املطبعة.1997 ،
من البين أن تنفيذ الحكم القضائي معناه تنفيذ القرار الصادر عن محكمة ،أو هيئة
قضائية بعد إصدا ه بالشكل الصحيح ً
ووفقا للقانون،فعملية تنفيذ األحكام القضائية تمثل ً
جزءا ر
هاما من مراحل املنازعة القضائية من جهة ومن جهة أخرى فلها القوة و الحجية فيما قضت به ، ً
ً
مما يتعين معه احترامها واملبادرة إلى أجرأة عملية التنفيذ تنفيذا كامال غير منقوص أخدا بعين
االعتبار األساس الذي أقام عليه الحكم قضاءه ،غير أنه ولئن كانت الحجية قاعدة أساسية تثبت
لألحكام القضائية الحائزة على قوة الشيئ املقض ي به،،فإنه يشترط لثبوت حجية الش ئ املحكوم فيه
ملا يرد في منطوق الحكم أن يكون قد ورد فيه بصيغة الحكم والفصل ،فإذا أورد الحكم في منطوقه
بعض العبارات العارضة التي تشمل أمرا لم تتناوله منازعة الخصوم ولم يرد في طلباتهم ،فإننا
سنكون أمام إشكالية تقتض ي بيان وتفسير منطوق الحكم وفهم مداركه و مقتضياته ،إلى جانب رفع
اللبس الذي قد يحيط بالعبارات الواردة في منطوق الحكم القضائي.
ً
وحيث إن مناط فهم العبارات الواردة بمنطوق الحكم القضائي يثير خالفا حول فهم
املعنى املراد منها بسبب الغموض أو اإلبهام الذي يالزم الحكم في مقتضاه ،سوف نتطرق في هذا
املقال إلى بعض اإلشكاالت القانونية التي يطرحها تنفيذ األحكام القضائية ،مبتدئين بعبارة مع
(ترتيب األثر القانوني) و التي كثيرا ما نصادفها في منطوق اإلحكام القضائية الصادرة في مواجهة
أشخاص القانون العام ،و التي تطرح أكثر من لغط حول مدى حجيتها و ترتيب أثارها عند تنفيذ
األحكام القضائية ،ال سيما ملا لها من ارتباط بفكرة ودرجة االستقرار التي يجب أن يكتسبها هذا
الحكم قبل تنفيذه.
مما ال شك فيه أن الحكم القضائي كما سبق بيانه ،هو كل قرار يصدر من املحكمة في
خصومة قضائية وفقا لقواعد إصدار األحكام القضائية ،و بعبارة أكثر وضوحا فهو القرار الذي
تصدره محكمة مشكلة تشكيال صحيحا ،ومختصة في خصومة رفعت إليها ،وفقا لإلجراءات
املسطرية املتبعة ،سواء كان صادرا في موضوع الخصومة ،أو في شق منها ،أو في مسألة متفرعة عنها،
ويرى جانب من الفقه أنه كل قرار تصدره املحكمة بمقتض ي سلطتها القضائية ،وفاصال في منازعة
معينة.
أما منطوق الحكم القضائي فهو الذي يتضمن ما قضت به املحكمة في النزاع املعروض
عليها ،فاألصل أن منطوق الحكم هو الذي تثبت له الحجية ألنه تتمثل فيه الحقيقة القضائية ،غير
أنه يشترط في ثبوت حجية الش ئ املحكوم فيه ملا يرد في منطوق الحكم أن يكون قد ورد فيه بصيغة
الحكم والفصل ،فإذا أورد الحكم في منطوقه بعض العبارات العارضة التي تشمل أمرا لم تتناوله
املطالبة القضائية ،ولم يرد في طلبات الخصوم ،فمثل هذه العبارات ال تحوز حجية الش ئ املحكوم
فيه ،ما دامت لم ترد فيه بصيغة الحكم والفصل ،وقد يفصل املنطوق في بعض نقط النزاع بطريق
ضمني فتثبت الحجية لهذا املنطوق الضمني ما دام هو النتيجة الحتمية للمنطوق الصريح الصادر
فني الدعوى ،فعلى سبيل املثال إذا كانت دعوى اإللغناء هي دعنوى تهدف إلى إعدام القرار اإلداري
املخالنف للمشروعينة ،فنإن قيمة هذه الدعوى تتحقق في حكمها،
إال أنه وفي بعض األحيان ،فإن األمر ال يتوقف على صدور الحكم من طرف القضاء ،بل
أن الحكم يتحدد في آثاره وما قد يرتبه من نتائنج و التي قد تطرح العديد من اإلشكاليات فيما قد
يشتمل عليه منطوق الحكم من عبارات قد تتخذ أوجها عدة ،من حيث نطاق ترتيب أثاره و تنفيذه،
ولعل أهم هذه العبارات التي تعودنا على قراءتها في منطوق األحكام القضائية السارية في مواجهة
أشخاص القانون العام ،على سبيل املثال ال الحصر تداول عبارة "مع ترتيب اآلثار القانونية" التي
تطرح من حيث الواقع العملي و القانوني عدة تساؤالت بمناسبة تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في
مواجهة أشخاص القانون العام ،ومختلف املواقف املعلنة في شأنها ،وانعكاساتها على مبادئ
الحكامة اإلدارية والقضائية ،وكيفية تعامل اإلدارة معها في مجال التنفيذ ،بحيث تصل أحيانا إلى ما
يمكن وصفه باملساس بمبدأ ملساواة بين املتقاضين .
الصفحة 75 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
وفي هذا السياق ،و نظرا ألهمية املوضوع وضرورة بسط مدلول عبارة( ترتيب اآلثار
القانونية) عند تنفيذ األحكام القضائية ،و حتى يتسنى لنا اإلجابة عن التساؤالت املتعلقة بمدى
تمتعها بالقوة اإللزامية إلى جانب بسط اإلشكاالت التي قد تعيق تنفيذها ؟ وتحديد مدى اآلثار
املترتبة عنها أثناء عملية التنفيذ؟ سوف نتناول في الفقرة املوالية ماهية عبارة مع ترتيب اآلثار
القانونية ،والتطرق إلى بعض اإلشكاليات املرتبطة بها.
كما ال يخفى على الجميع ،أن املقصود بترتيب اآلثار القانونية في منطوق األحكام
القضائية أو القرارات اإلدارية ،هو تحديد التسلسل أو الترتيب الذي ينبغي أن تتخذه اآلثار
القانونية املترتبة على صدور حكم قضائي أو قرار قانوني ،وتشمل عبارة اآلثار القانونية مجموعة
من الجزاءات القانونية التي تنجم عن القرارات القضائية ،ومثالها االلتزام بالحكم ،وتعويض
املتضررين ،وتنفيذ الجزاءات وغيرها ،وعادة ما يتم تحديد ترتيب اآلثار القانونية في النص القانوني،
أو في النص القضائي الذي يتضمن الحكم أو القرار ويعتمد هذا الترتيب على التشريعات املعمول بها
والقواعد القانونية الجاري بها في البلد أو النظام القانوني املعني ،و على سبيل املثال يكون ترتيب
اآلثار القانونية بتنفيذ الحكم واالمتثال ملضمونه إلى جانب الحرص على ما قد يترتب عنه من
تعويض لفائدة املتضررين إذا كان هناك أطراف متضررة من القرار ،لكن الواقع العملي لتنفيذ
األحكام القضائية أبان عن بعض اإلشكاليات املتعلقة بتحديد اآلثار املترتبة عن تنفيذ الحكم
القضائي خصوصا على مستوى تحديد بعض العبارات املالزمة ملنطوقه وما تثيره من غموض ولبس
على مستوى نطاق و حدود و إدراك عبارة ترتيب األثر القانوني للحكم القضائي ،ذلك أن ترتيب
اآلثار القانونية في تنفيذ األحكام القضائية املراد به تحديد التسلسل الصحيح لتنفيذ األحكام
القضائية وترتيب اآلثار الناتجة عن تلك األحكام .التي تعتبر مسألة هامة في العمل القضائي ،إذ
يجب أن يتم تنفيذ األحكام القضائية بطريقة تحقق العدالة وتحافظ على حقوق األطراف املعنية،
لكن باملقابل والى جانب تنوع اآلثار القانونية لتنفيذ األحكام القضائية وشمولها ملجموعة من
اإلجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم الصادر من املحكمة .يجعلها ال تخلوا من
بعض اإلشكاليات املتعلقة بالتنفيذ املباشر الذي يتم من خالله تنفيذ الحكم عن طريق تنفيذ
اإلجراءات املحددة فيه ،مثل تسليم املمتلكات ،أو تنفيذ التزام محدد ،أو إلزام طرف بإتمام عمل
ماليا للطرف الرابح ،ويجب تنفيذ ً
تعويضا ً معين ،أو بالتعويض املالي بحيث يمكن أن يتضمن الحكم
هذا التعويض ودفعه من قبل الطرف الخاسر ،كما يمكن للحكم أن يرتب اثأر قانونية تستهدف
إلغاء األفعال غير القانونية كنتيجة طبيعية للحكم.
إال انه بالرغم من تحديد اآلثار القانونية املترتبة على تنفيذ حكم قضائي ،فقد يأتي
منطوق الحكم بعبارات تحتاج إلى تفسير و رفع الغموض الذي تنطوي عليه ،فكثيرا ما نصادف
أحكام قضائية يشتمل منطوقها على عبارة مع ترتيب اآلثار القانوني و التي تطرح غموضا من حيث
االلتزام بمدلول هذه العبارة أثناء التنفيذ ومدى ضمان تنفيذ األحكام بطريقة فعالة ومنصفة،
وتجنب التعارض بين اآلثار املختلفة التي تتطلب معه أن تتسم األحكام القضائية بصفات خاصة،
منها حسن اختيار اللفظ ودقة األداء ،والوضوح في صياغة مفردات الحكم مع ضرورة اإلشارة إلى
نصوص القانون ،فالحكم القضائي البد و أن يكون على درجة عالية من الوضوح ،مما يتوجب على
القاض ي أن يختار العبارات الواضحة والتي ال يشوبها غموض أو إبهام ،والوضوح في العبارة يتحقق
باختيار القاض ي لأللفاظ الدالة على املعنى الذي يقصده ،وإال سنكون في مواجهة عبارات قد ترد في
منطوق الحكم تكون لها انعكاسات وخيمة على مبادئ الحكامة اإلدارية والقضائية ،قد تصل أحيانا
إلى ما يمكن وصفه باملساس بمبدأ املساواة بين املواطنين.
ا لواضح أن مدى املطالبة القضائية ونطاقها أمر تحدده طلبات الخصوم ،وما تنتهي إليه
املحكمة في قضائها ،وفي هذا السياق تجدر اإلشارة إلى أن الطلبات املقدمة للقضاء ،تنقسم إلى
طلبات أصلية وطلبات عارضة أو طارئة ،واملراد بالطلب القضائي األصلي صحيفة الدعوى التي تقدم
ً
إلى املحكمة من املدعي استعماال لحقه في الدعوى القضائية ،ويسمى أيضا بالطلب املفتتح
ُ
للخصومة ،و أما الطلبات العارضة بمعناها الواسع فهي الطلبات التي تبدى بمناسبة طلب أصلي
وفي أثناء النظر فيه وترمي إلى وقف السير في الطلب األصلي أو منع الحكم به ،أو تغيير وجه الحكم
ً فيه ،أو يكون الغرض من إبدائه ّ
ضمه للطلب األصلي والحكم فيهما معا.
وللمدعي الحق في تقديم ما يشاء من الطلبات األصلية طاملا توافرت شروط قبولها
بخالف الطلبات العارضة التي حدد املشرع حق الخصم في تقديمها للقضاء ،وسواء كان الطلب
ً ً
املرفوع للقضاء أصليا أم عارضا تترتب على رفعه أثار قانونية ،وعلى هذا األساس ،فالحكم الصادر
باإللغاء ال يرتب آثار آلية بإزالة كافة اآلثار القانونية التي خلفها القرار امللغي ،و إال كان ذلك بمثابة
ً ً
حلول املحكمة محل اإلدارة في مباشرة اختصاصاتها اإلدارية ،،وإنما يتطلب التنفيذ تدخال إيجابيا
من اإلدارة بإصدار قرار إداري جديد يقض ي على آثار القرار امللغى.
ومن ثم فانه إذا ما تقرر إلغاء القرار ،فانه يوجب على اإلدارة االلتزام بإعادة الحال إلى ما
كان عليه كما لو لم يصدر القرار امللغي بحيث يترتب على اإلدارة التزامان ،األول يقتض ي التزام
اإلدارة بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل صدور القرار امللغي بإزالة كافة اآلثار القانونية واملادية
التي ترتبت في ظله بأثر رجعي ،كما يلزمها بهدم كافة القرارات واألعمال القانونية التي استندت في
صدورها إلى القرار امللغي ،والثاني يتمثل في التزام اإلدارة بعدم انتهاكها قوة الش يء املقض ي به ،فعليها
ً
أن تمتنع عن تنفيذ القرار امللغي وتمتنع أيضا عن االستمرار في تنفيذه أن بدأت به ،كما يفرض هذا
ً ً
الواجب على اإلدارة أن ال تعيد إصدار القرار امللغي من خالل إصدارها قرارا جديدا تمنح فيه الحياة
للقرار امللغي بصورة مباشرة ،ومن ثم ،فإن مقتض ى تنفيذ الحكم الصادر باإللغاء هو إعادة الحال
إلى ما كان عليه وقت صدور القرار املقض ي بإلغائه ،والوقوف بالتنفيذ عند هذا الحد ،دون أن
يشمل ذلك أيا من القرارات الالحقة ،التي يتعين الطعن فيها استقالال ،حيث يفتح ميعاد جديد
للطعن فيها من تاريخ صدور الحكم القاض ي باإللغاء ،كما أن الحكم الصادر باإللغاء يمتد ليشمل
إلغاء القرارات الالحقة كأثر من آثار الحكم ،تأسيسا على أن القرار امللغى.
تنفيذ األحكام القضائية ليس امرأ متيسرا في جميع األحوال ،بل قد تالقى تصفية
ً
األوضاع القانونية التي تمت استنادا إلى منازعة قضائية العديد من الصعوبات الواقعية و
ً
القانونية ،قد تحتاج إلى تفسير منطوقه ،والتي تتحول أحيانا إلى استحالة في التنفيذ ،فاألصل في
الحكم القضائي انه واجب التنفيذ فيما اشتمل عليه منطوقه وأسبابه املرتبطة به ارتباطا وثيقا ال
يمكن فصله عنه ،بحيث يحمل الحكم على منطوقه ،وهو املعبر عن الحكم بألفاظه الصريحة
الواضحة وأسبابه ،وهي التي تبين بناء الحجج القانونية واألدلة الواقعية التي ُبني عليها الحكم ،غير
انه يجوز للخصوم أن يطلبوا من املحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض
أو إيهام ،ويقدم الطلب وفق اإلجراءات املسطرية املعروفة لرفع الدعوى ،ويعتبر الحكم الصادر
متمما من كل الوجوه للحكم الذي يفسره .ويسري عليه ما يسري على هذا الحكم من بالتفسير ً
القواعد الخاصة بطرق الطعن العادية وغير العادية .
وعليه فإن طلب تفسير الحكم ال يكون إال بالنسبة إلي قضائه الوارد في منطوقة ،فهو
ً
الذي يحوز حجية الش ئ املقض ي به أو قوته دون أسبابه ،إال ما كان من هذه األسباب مرتبطا
ً ً ً
ومكونا لجزء مكمل له ،كما ال يكون إال حيث يلحق بهذا املنطوق أو يشوبه جوهريا باملنطوق ارتباطا
من غموض أو إبهام يقتض ي اإليضاح والتفسير السنتجالء قصد املحكمة فيما غمض أو أبهم ابتغاء
الوقوف علي حقيقة املراد منه حتى يتسنى تنفيذ الحكم بما يتفق وهذا القصد ،ويعتبر الحكم
ً
جديدا ،ولذلك يلزم أن يقف متمما للحكم الذي يفسره من جميع الوجوه ال ً
حكما الصادر بالتفسير ً
عند حد إيضاح ما أبهم أو غمض بالفعل بحسب تقدير املحكمة ال ما التبس على ذوي الشأن فهمه
على الرغم من وضوحه.
ُ
ويلتزم الحكم امل َف ِّ ّس ْر بعدم املساس بما قض ي به الحكم محل التفسير بنقص أو زيادة
أو تعديل ،وإال كان في ذلك إخالل بقوة األمر املقض ي .والتزاما بهذه القواعد وفي نطاقها يتحدد
بوضوح طلب التفسير ،فال يكون له محل إذا ما تعلق بأسباب منفكة عن املنطوق ،أو بمنطوق ال
غموض فيه وال إبهام أو إذا استهدف تعديل ما قض ي به الحكم زيادة أو نقصانا أو كان قضاءه خاطئا
أو إذا قصد إلي إعادة مناقشة ما فصل فيه من الطلبات املوضوعية ،أيا كان وجه الفصل في هذه
الطلبات ،وترتيبا علي ذلك يتعين استظهار دعوي التفسير علي أساس ما قض ي به الحكم املطلوب
تفسيره إن كان ثمة وجه في الواقع والقانون ،لذلك دون التجناوز إلي تعديل ما قض ي به.
وفي هذا السياق ووفق ما أبان عنه الواقع العملي للعمل القضائي ،كثيرا ما نصادف
عبارة مع ترتيب األثر القانوني و ما تثير من صعوبات أثناء عملية تنفيذ األحكام القضائية خصوصا
على مستوى ادارك و استيعاب اإلدارة املتنازع معها لداللة و مفهوم عبارة مع ترتيب األثر القانوني،
على أساس انه في بعض الحاالت نجد اإلدارة نفسها عاجزة عن ترتيب األثر القانوني الواردة في
منطوق الحكم بحجية أن املطالبة القضائية األصلية ال تشمل على بعض املطالب الفرعية املرتبطة
بموضوع املنازعة أو لصعوبة تنفيذ اآلثار القانونية لحكم قضائي لسبب تذييل هذا الحكم بعبارة
مع ترتيب األثر القانوني ،مما يجعل من هذه العبارة في رأيها تتعدى نطاق ما جاء بالطلب األصلي
للدعوى.
وبناء عليه وأمام هذه الوضعية ،نتساءل عن مآل عبارة مع ترتيب األثر القانوني عند
تنفيذ األحكام القضائية ؟ وهل يمتد أثارها إلى إعمال األثر القانوني فيما لم يتم التنصيص عليه
باملطالبة القضائية؟
من وجهة نظرنا ،فإن ترتيب األثر القانوني الوارد في منطوق الحكم مرتبط باآلثار التي قد
تلحق القرار اإلداري نفسه من حيث إلغاؤه أو تعديله ،وهكذا تمتد اثار تلك العبارة لتشمل كل ما
يمكن أن يترتب ليس فقط عن إلغاء القرار اإلداري موضوع املنازعة ،و لكن نرى انه يتعدى نطاقها
كل اآلثار الفرعية التي تنجم عنه ،بدءا من إلغاء القرار إلى ما يمكن أن يترتب عنه حتى ولو لم يكن
موضوع املطالبة القضائية وأساس ذلك أن القضاء ال يمكن أن يحل محل اإلدارة و توجيهها ،مما
يبقى على اإلدارة أن تلتزم كخصم شريف بتنفيذ كل ما يرتبه الحكم القضائي من دالالت و
استحقاقات للجهة املدعية ،في إطار القانون إحقاقا للعدل و اإلنصاف ،ذلك أن عبارة ترتيب اآلثار
القانونية قد تؤسس ملرحلة ما بعد إلغاء القرار اإلداري لتترك لإلدارة حرية و هامش التصرف إعماال
منها ملبدأ فصل السلط. .
من املقرر أن أحكام القوانين ال تجري إال على ما يقع من تاريخ نفاذها ،وال تنعطف آثارها
ويقصد بالقانون على ما جرى عليه العمل إلى ما وقع قبلها ما لم ينص القانون على خالف ذلكُ ،
ً
القضائي القانون بمعناه املوضوعي ،محددا على ضوء النصوص التشريعية التي تتولد عنها مراكز
قانونية عامة مجردة ،سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات األصلية التي تقرها السلطة
التشريعية ،أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية عمال بالتفويض املقرر
لها لتقرير القواعد التفصيلية الالزمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء
من تنفيذها.
ً
وتسري القاعدة القانونية اعتبارا من تاريخ العمل بها على الوقائع التي تتم في ظلها وحتى
إلغائها ،فإذا حلت محل القاعدة القديمة قاعدة قانونية أخرى ،فإن القاعدة الجديدة تسري من
الوقت املحدد لنفاذها ويتوقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها ،وبذلك يتحدد النطاق
الزمني لكل من القاعدتين ،وتظل املراكز القانونية التي اكتمل تكوينها ورتبت آثارها في ظل القانون
القديم ،خاضعة لحكمه وحده.
ونظرا لخطورة اآلثار التي تترتب على األحكام بمعناها الدقيق بشكل عام وبشكل خاص ً
وحرصا على عدم تأبيد املنازعات من ناحية ،والعمل على ً إعمال عبارة (مع ترتيب اآلثار القانونية)،
استقرار الحقوق واملراكز القانونية من ناحية أخرى،فقد أحاط املشرع إصدار األحكام بضمانات
كثيرة لم يحظ بمثلها أي من األعمال األخرى التي تصدر عن السلطات العامة فالحكم ال ينش ئ حقا
جديدا لم يكن موجودا ،وال يجدد الحق ،وإنما هو يقويه وينش ئ لصاحبه بعض املزايا.
ومن وجهة نظرنا ،فإن عبارة -مع ترتيب اآلثار القانونية -هي األخرى تسري آثارها –
كقاعدة عامة – من وقت صدور الحكم القضائي فيما اشتمل عليه في منطوقه ،وإن كانت املطالبة
القضائية تنش ئ آثارا هامة هي التي تسري من وقت رفع الدعوى ،ويقررها الحكم الصادر فيها.
وهكذا ،فإذا كانت الواقعة أو املركز القانوني في طور التكوين إلى أن لحق القاعدة
القانونية تعديل يمس عنصرا أو أكثر من عناصر هذه الواقعة ،أو هذا املركز وجب تطبيق القاعدة
الجديدة – املركز القانوني الذي يحدثه القرار اإلداري كتصرف قانوني إرادي يترتب بمجرد إفصاح
الجهة اإلدارية عن إرادتها ،فيكتمل بذلك نشوء هذا املركز ومن ثم تكون القاعدة الواجب تطبيقها
لبيان مدى اتفاق القرار بما رتبه من مركز مع حكمها من عدمه ،هي القاعدة التي صدر القرار إبان
العمل بها,
وعليه فترتيب اآلثار القانونية للحكم القضائي و إعمال قاعدة مع ترتيب األثر القانوني
فيما قض ى فيه يكون مرتبطا بالقانون الجاري به العمل أثناء مرحلة املطالبة القضائية مالم ينص
القانون على خالف ذلك،ما عاد إذا كانت الواقعة ،أو املركز القانوني في طور التكوين إلى أن لحق
القاعدة القانونية تعديل يمس عنصرا أو أكثر من عناصر هذه الواقعة ،أو هذا املركز وجب تطبيق
القاعدة ترتيب األثر الفوري للقاعدة القانونية بما يترتب عنها قانونا.
و أساس ذلك أن املحكمة صاحبة االختصاص تباشر اختصاصها وهي تزن القرار بميزان
املشروعية في ضوء أحكام القانون ،فإذا ثبتت مخالفته ألحكامه قضت بإلغائه ،فحكمها يكون حكما
كاشفا ملدى صدور ذاك القرار مترمال بصحيح حكم القانون،
املراجع:
-مجلس الدولة – املكتب الفني – مجموعة املبادئ التي قررتها املحكمة اإلدارية العليا
-محمد قصري :الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة اإلدارة املمتنعة
-حسين ياسين العبيدي اللغة القضائية و أثارها في صياغة الحكم القضائي
-عالء رضوان – اآلثار املترتبة عن منطوق األحكام القضائية
-لبنى الوزاني :منطوق الحكم املدني من دروس املعهد العالي للقضاء
-عبد العلي فتحي -الفرق بين الحيثيات ومنطوق الحكم فى أحكام القضاء
-مجموعة قرارات مصرية حول حجية األحكام-
-النقض املدني -الفقرة رقم 1من الطعن رقم 294لسنننة 34ق -تاريخ الجلسة 1968 / 04 / 18
مكتب فني 19رقم الصفحة .801
-النقض املدني -الفقرة رقم 3من الطعن رقم 218لسنننة 39ق -تاريخ الجلسة 1975 / 05 / 04
مكتب فني 26رقم الصفحة .913
-لنقض املدني -الفقرة رقم 5من الطعن رقم 89لسنننة 41ق -تاريخ الجلسة 1976 / 06 / 09
مكتب فني 27رقم الصفحة .1307
-النقض املدني -الفقرة رقم 1من الطعن رقم 915لسنننة 44ق -تاريخ الجلسة 1978 / 03 / 30
مكتب فني 29رقم الصفحة .932
-النقض املدني -الفقرة رقم 1من الطعن رقم 104لسنننة 43ق -تاريخ الجلسة 1980 / 01 / 12
مكتب فني 31رقم الصفحة .131
مقدمنة:
أصبحت املقاوالت في ظل النظام االقتصادي العالمي الحديث تعرف طرقا عديدة
للتمويل ،ذلك أنها استغنت عن الطرق التقليدية للتمويل املتمثلة في الرأسمال االجتماعي املتكون
أساسا من حصص الشركاء في املقاولة حين إنشائها أو بمناسبة توسيع نشاطها والذي يمثل الضمان
العام لدائني املقاولة( ،)1والتمويل عن طريق االستدانة من البنوك والذي يحتل مركز الصدارة في
تمويل الشركات ملا يوفره من قدرة على جمع املدخرات وتدبير طرق توظيفها في صورة ائتمان تراعى
فيه ضوابط أقدم املشرع على تنظيمها في قانون 103.12املتعلق بمؤسسات االئتمان واملؤسسات
املعتبرة في حكمها كما تم تغييره وتتميمه.
ويضاف إلى هاتين الطريقتين من طرق تمويل الشركات طرق حديثة جاءت في صورتين :
صورة منظمة وأخرى غير منظمة ،وتظهر الصورة األولى في التمويل عن طريق بورصة القيم( )2في
شكل سندات رأس املال في حالة الزيادة في الرأسمال االجتماعي أو في شكل سندات القرض في حالة
لجوء الشركة إلى االستدانة( ،)3كما أن هناك التمويل عن طريق هيئات التوظيف الجماعي
للرأسمال ،والذي يجد سنده إضافة إلى القانون رقم 18.14القاض ي بتغيير وتتميم القانون رقم
41.05املتعلق برأسمال املجازفة ( ،)4في املادتين 7و 8من قانون ،103.12حيث يمكن لوالي بنك
-1أحمد شكري السباعي :الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع االقتصادي ،الجزء األول ،الطبعة األولى ،2003 ،ص:
.397
-2المنظمة بالظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.93.211الصادر بتاريخ 21سبتمبر ،1993الجريدة الرسمية عدد
4223بتاريخ 6أكتوبر ،1993ص ،1882 :كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 52.01الصادر بتاريخ 21أبريل ،2004ج ر
عدد 5207 :الصادرة بتاريخ 26أبريل ،2004ص.1844 :
3 - .Manal Zouglami : « les reformes du marché boursier marocain et limité », DESA en sciences
economiques, universite faculté de droit aghdal, Rabat, Novembre 2000, p :13.
- 4الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.07صادر في 29من ربيع األخر 19( 1436فبراير ،) 2015والمنشور بالجريدة
الرسمية عدد 6342 :الصادرة بتاريخ 21جمادى األولى 12( 1436مارس ،)2015ص ،1596 :والمعدل مؤخرا بالقانون رقم
املغرب بعد استطالع رأي لجنة مؤسسات االئتمان أن يسمح للبنوك باملساهمة في مقاوالت موجودة
أو مزمع إحداثها وذلك بمنشور يحدد شروط املساهمة.
أما الصورة الثانية للتمويل الحديث والتي تمتاز بطابعها غير املنظم قانونا فتتمثل فيما
أطلق عليه بعض الباحثين( ،)1تسمية النظام العرفي املركب ،والذي يعد من أحد ابتكارات املنظومة
املقاوالتية ،أال وهو نظام الحساب الجاري للشركاء أو ما يصطلح على تسميته محاسباتيا ب Le
.compte courant d’associe
يعد هذا النظام وليد تطور األنظمة املحاسباتية واملالية للمقاوالت ،فماذا نعني بهذه
التقنية ؟ وما هي خصائصها وأحكامها ؟ وما هي الوظائف التي يضطلع بها هذا الحساب في إنعاش
الخزينة املالية للمقاولة وتعزيز ضمانات هذه األخيرة عند رغبتها في الحصول على االئتمانات ؟ وأخيرا
ما هي اإلشكاالت التي يطرحها توظيف هذا الحساب من الناحية العملية ؟ هذا ما سنعمل على تناوله
بالدرس والتحليل من خالل تقسيم موضوع مقالنا إلى فصلين نتناول في الفصل األول ماهية
الحساب الجاري للشركاء وأحكامه ،على أن نتطرق في الفصل الثاني لوظائفه واإلشكاالت التي
يطرحها من الناحية العملية ،مع اإلشارة إلى أننا سنركز في دراستنا للحساب الجاري للشركاء على
الجانب القانوني مع التطرق بين الفينة واألخرى – وكلما سنحت لنا الفرصة -للجانب املحاسبي
والضريبي.
وقبل هذا وذاك ،فال بد من التطرق إلى التنظيم القانوني لهذه الوسيلة من وسائل التمويل
الذاتية للمقاولة في فصل تمهيدي.
58.22الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.23.68بتاريخ 23محرم 10( 1445اغسطس )2023والمنشور بالجريدة الرسمية
عدد 7228بتاريخ 21صفر 7( 1445سبتمبر ،)2023ص .7160 :
-1هشام زغوان :الحساب الجاري للشركاء ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق بالدار
البيضاء ،السنة الجامعية ،2005-2004مرجع الخزانة :ددع م – خ – ،140الصفحة .11:
امتاز التنظيم القانوني للحساب الجاري للشركاء باملغرب بطابعه املحتشم ،ذلك أننا نجده
منظما في نصوص متناثرة هنا وهناك نوردها كما يلي :
– 1يخضع الحساب الجاري باعتباره اتفاقا بين الشريك الفاتح للحساب والشركة
املستفيدة منه إلى األحكام العامة للعقد وفق ما سطره ظهير االلتزامات والعقود ،إضافة إلى األحكام
الواردة به واملتعلقة بالقرض.
– 2الفقرة الثانية من املادة 2من قانون 103.12املتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات
املعتبرة في حكمها :والتي أدرجته ضمن األموال التي ال يمكن اعتبارها متلقاة من الجمهور لفائدة
مؤسسات االئتمان ،حيث جاء فيها ":غير أنه ال تعتبر أمواال متلقاة من الجمهور :
-األموال املقيدة في حساب شركة باسم الشركاء فيها على وجه التضامن والشركاء املوصين
في شركات التوصية والشركاء املتضامنين والشركاء واملديرين وأعضاء مجلس اإلدارة وأعضاء مجلس
اإلدارة الجماعية أو مجلس الرقابة واملساهمين الذين يملكون ما ال يقل عن %5من رأس مال
الشركة."...
واملالحظ أن شرط النسبة في امتالك الرأسمال من أجل فتح حساب جاري للشركاء قد تم
تعديله في القانون البنكي الجديد إذ أنه كان محددا في في نسبة %10في ظهير ،1993وهو تعديل
محمود ال سيما إذا علمنا أن املشرع سعى من ورائه إلى تشجيع املساهمين في الشركة على تمويلها
بهذه الطريقة بما يخدم مصالح الجميع داخلها ،حيث وسع من دائرة املستفيدين من هذه التقنية
ودعم وسائل التمويل الذاتي في اتجاه تقليل فرص اللجوء إلى االستدانة من مؤسسات االئتمان.
– 3الفقرة الثانية من املادة 18البند 3من قانون 103.12املتعلق بمؤسسات االئتمان
والهيئات املعتبرة في حكمها :ذلك أن هذه املادة تمنع على كل شخص غير معتمد باعتباره مؤسسة
ائتمان أن يحترف بصفة اعتيادية القيام بالعمليات املشار إليها في املادة 11من قانون ،103.12غير
أن الفقرة الثانية جاءت باستثناءات واردة على سبيل الحصر تجيز القيام بهده العمليات منها :
" مباشرة عمليات الخزينة مع شركات تكون له معها بصفة مباشرة أو غير مباشرة رأس
مال تخول إلحداها سلطة مراقبة فعلية على الشركات األخرى".
فاملشرع هنا اشترط في الشريك الفاتح للحساب الجاري للشركاء أن يكون شخصا معنويا
مع ضرورة توافر روابط رأس مال مشترك.
– 4املادة 66من قانون 5.96التي تمنع على املسيرين أو الشركاء الطبيعيين تحت طائلة
بطالن العقد ،االقتراض بأي شكل من األشكال من الشركة ،كما يمنع عليهم العمل على أن تمنح لهم
الشركة دائنية في الحساب الجاري أو بأية طريقة أخرى."...
وبمفهوم املخالفة فإنه يتحقق ما يلي :
أ – يمكن للشركاء في هذا النوع من الشركات متى كانوا أشخاصا اعتباريين أن يستفيدوا
من دائنية في الحساب الجاري للشركة ،والسبب في ذلك يعود للمراقبة املزدوجة بين الشركة الدائنة
والشركة املدينة( ،)1وهو ما ال يمكن تحقيقه متى كان الشريك شخصا ذاتيا.
ب – يمك ننن لألش ننخاص الطبيعين ننين ال ننواردين بامل ننادة 66أع نناله أن يس ننتفيدوا م ننن حس نناب
جناري للشنركاء دائنن تجناه الشنركة فني شنكل حسناب دائننن ولنيس مندين ،لكنن منع الحنذر منن الوقنوع فنني
الحظر وذلنك عنند إجنراء املوازننة بنين املبلنغ الندائن واملبلنغ املندين ،وثبنوت كنونهم مندينين للشنركة ،منع
ما يستتبع ذلك من عقوبات جنائية.
– 5س ننكوت املش ننرع ف نني امل ننادة 62م ننن ق ننانون 17.95املتعل ننق بش ننركات املس نناهمة وحت ننى بع نند
التعديالت األخيرة التي عرفها هذا القانون ،عن تمديد هذا املنع –أي منح دائنية في الحساب الجاري-
إلى املتصرفين غير األشخاص املعنويين ،وهو ما دفع البعض( )2إلى اعتبار املننع النوارد باملنادة 66منن
قانون 5.96قابال للتمديد إلى املتصرفين الطبيعيين في شركات املساهمة.
– 6املادة 14من قانون 13.97املتعلق باملجموعات ذات النفع االقتصادي كمنا تنم تعديلنه
بالقانون رقم ،)3(69.13والتي جاء فيهنا ":يمكنن أن يمننح األعضناء للمجموعنة قروضنا أو تسنبيقات
فنني حسنناب جننار ،ويجننوز لهننم أيضننا أن يقننرروا وضننع مجمننوع أو بعننض األربنناح إن تحققننت رهننن تصننرف
املجموعة في شكل تسبيقات ".
واملالحظ أن التسبيقات التي يقدمها أعضاء املجموعة غير مشنمولة باالسنتثناء النذي تننص
عليه الفقرة الثانية من املادة 18من قانون 103.12املتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات املعتبرة في
حكمها ،والتي تتحدث عن األموال التي تعتبر متلقاة من الجمهور ،وال باملنع املنصوص عليه في الفقرة
الثانية من املادة 18والتي تجيز لبعض األشخاص القيام بعملينات تقتنرب منن عملينات االئتمنان لكنهنا
ال تنندخل فنني حكمهننا ،فبمنناذا يمكننننا أن نكيننف هننذه التسننبيقات؟ هننل تأخننذ شننكل قننروض توضننع رهننن
إشننارة املجموعننة أم شننكل مسنناهمات لنندعم النشنناط االقتصننادي للمجموعننة ،باعتبننار أن الهنندف مننن
خلننق املجموعننة وحسننب الفق ننرة األخيننرة مننن املننادة 1مننن قننانون 13.97لننيس الننربح ،وأنهننا ال تكتسننب
الصفة التجارية إال بتحديد غرضها ودون ارتباطها بالقيد بالسجل التجاري ؟
الواقننع ،أن هننذه التسننبيقات تأخننذ شننكل نظننام حسنناب جنناري للشننركاء يسننتحق عنهننا العضننو
املنضننوي تحننت لننواء املجموعننة الفوائنند متننى سننعت ه ننذه األخيننرة إلننى تحقيننق ال ننربح لصننالح أعض ننائها،
والعكننس صننحيح فننال داعنني السننتعمال تقنيننة الحسنناب الجنناري للشننركاء مننا دامننت هننذه املجموعننة لننم
تتجه نحو االستثمار ،وبالتالي تحقيق الربح ألعضائها.
– 7الفقرة 10منن املنادة 7منن القنانون رقنم 24.86املتعلنق بالضنريبة علنى الشنركات ،والتني
جاء فيها ":تشمل التكاليف القابلة للخصم بحسب مدلول املادة 5أعاله ...
-10املصاريف املالية مثل ...
ب – الفوائند املدفوعننة إلنى الشننركاء عنن املبننالغ التني دفعوهننا مقندما إلننى الشنركة ملننا يسننتلزمه
االستغالل بشرط أن يكون رأس مال الشركة قد تم دفعه بالكامل.
على أن مجموع املبالغ املترتبة عليها الفوائد القابلة للخصم ال يجوز أن يفوق مبلغ رأس مال
الشننركة ،كمننا ال يجننوز أن يتعنندى سننعر الفائنندة القابلننة للخصننم سننعرا يحنندد كننل سنننة بق نرار للننوزير
املكلف باملالية اعتبارا لسنعر الفائندة املتوسنط للسننة السنابقة املسنتحق عنن سنندات الخزيننة لسنتة
أشهر.
– 8الفقننرة 9مننن املننادة 15مننن القننانون رقننم 17.89املتعلننق بالضننريبة العامننة علننى النندخل
والتي جاء فيها :
" تشمل التكاليف القابلة للخصم املنصوص عليها في املادة 13أعاله :
– 9املصاريف املالية .
ب -الفوائد املدفوعة الى الشركاء غير الشريك الرئيس ي في شركات التضامن وشركات
التوصية البسيطة مكافأة على املبالغ التي أسلفوها الشركة ملواجهة ما يستلزمه استغاللها ،بشرط
أن يكون رأس مال الشركة قد تم دفعه بكامله.
على أن مجموع املبالغ املترتبة عليها الفوائد القابلة للخصم ال يجوز أن يفوق مبلغ رأس مال
الشركة كما ال يجوز أن يتعدى سعر الفوائد القابلة للخصم سعرا يحدد كل سنة بقرار للوزير
املكلف باملالية اعتبارا لسعر الفائدة املتوسط للسنة السابقة املستحق عن سندات الخزينة لستة
أشهر".
وفيما يلي جدول يحدد معدالت الفائدة القصوى القابلة للخصم من الوعاء الضريبي
للشركة ،واملترتبة عن الحسابات الجارية الدائنة للشركاء من سنة 1997تاريخ إحداث هذا الخصم
إلى سنة 2023والخاص بالنصف األول من كل سنة(.)1
سعراألقص ى للفائدة القابلة السنة
للخصم
%9 1997
%8 1998
- 1للمزيد من االطالع على هذه النسب المرجو مراجعة موقع بنك المغرب عبر الرابط التالي :
https://www.bkam.ma/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%82/%D
8%A3%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1-
%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9/%D8%A3%D8%B3%D8%
B9%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9-
%D8%B9%D9%84%D9%89-
%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-
%D8%B9%D9%84%D9%89-
%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%AA%D8%B1?limit=0&block=c1360dae9b4bd8541
534f6fd5caff64c&offset=20#address-8e77b3bb422bb1fde8bad3a41a33987e-
c1360dae9b4bd8541534f6fd5caff64c
تاريخ االطالع 2023/10/10على الساعة 11:42صباحا.
%3.48 2008
2.87 2010
2.99 2011
2.97 2012
3.74 2013
3.62 2014
2.12 2015
2.11 2016
واملالحظ أن سعر الفائدة األقص ى عن الحسابات الجارية للشركاء قد عرف تراجعا يرجع
إلى التراجع الذي عرفته أسعار الفائدة على القروض بمختلف أنواعها ،خاصة متى علمنا أنه يحدد
اعتبارا لسعر الفائدة املتوسط للسنة السابقة املستحق عن سندات الخزينة لستة أشهر ،بيد أنه
تضاعف بالنصف سنة 2023لنفس العلة ،حيث عرف سعر الفائدة على القروض ارتفاعا من
%4.34خالل الفصل الثالث من سنة 2020إلى %5.26خالل الفصل الثاني من سنة .2023
تنصرف ماهية الحساب الجاري للشركاء إلى تعريفه وبيان خصائصه أوال ،ثم تمييزه عن
النظم املشابهة له ثانيا ،وتبيان طبيعته القانونية ثالثا ،وذلك في مبحث أول ،على أن نتطرق في
املبحث الثاني لتحديد أحكامه.
سنقسم هذا املبحث وكما سبقت اإلشارة إلى ذلك إلى ثالثة مطالب ،نعرض في املطلب
األول لتعريف الحساب الجاري للشركاء وبيان خصائصه ،ثم نعمل في مطلب ثان على تمييزه عن
النظم املشابهة له ،بينما نتطرق في مطلب ثالث لطبيعته القانونية.
يعتبر الحساب الجاري للشركاء من التقنيات التي ولدت من رحم املنظومة الحديثة لتسير
املقاولة ،لذلك فهو لم يحظى وكما سبق بيانه بتنظيم قانوني واضح املعالم( ،)1ومن هذا املنطلق
كان لزاما علينا وضع تعريف له من ناحية(الفقرة األولى) ،وبيان خصائصه من ناحية ثانية (الفقرة
الثانية).
- 1عكس الحساب البنكي بنوعيه :باالطالع أو ألجل ،والذي نظمه المشرع المغربي في الباب األول من القسم السابع من مدونة
التجارة المتعلق بالعقود البنكية في الفصول من 487إلى .508
أمام غياب تنظيم قانوني ملوضع مقالنا – كما سبقت اإلشارة إلى ذلك -كان البد لنا من
الرجوع إلى الفقه والقضاء من أجل استجالء تعريف له ،وهكذا ،فقد عرفه أستاذنا عز الدين
بنستي()1بأنه ":التسبيق في شكل حساب جاري يمثل القرض الذي يمنحه الشريك لفائدة الشركة
والذي يخوله صفة مقرض".
وقد عرفه الفقيه املحاسبي ميشال فاندر ليندن( )2بأنه ":الوضعية التي تسجل فيها
بكيفية متتالية واعتيادية الديون املتقابلة للشركاء والشركة ،والتي يملكون فيها في غالب األحيان
سلطة التسيير".
كما عرفه البعض من الفقهاء املحاسبيين الفرنسيين( ": )3الحساب املفتوح باسم الشريك
في الشركة ضمن دفاترها التجارية ،والذي يشمل ديونه املضمنة في خانة الخصوم عن املوازنة املالية
السنوية واملولدة لفائدة بشرط امتالك هذا األخير ل %5من الرأسمال".
وقد عرفه اتجاه فقهي آخر( )4بأنه ":اتفاق مالي ينجز في شكل حساب جاري للشركاء
يجمع بين شريك فأكثر ومقاولة ويكونون مساهمين في رأسمالها ،يلتزم من خالله املقرض بدفع أو
ترك أموال في صورة تسبيقات نقدية متتالية على أن يستردها فورا عند املطالبة بها".
وعرفه القضاء املغربي( )5بأنه ":حساب يفتح باسم الشريك في الشركة بالدفاتر التجارية
لهذه األخيرة تدون به العالقة املالية بين الشريك والشركة ،هذه العالقة التي تتمثل في تمويل
الشركة من طرف الشريك إما عن طريق ضخ مبلغ مالي في حسابها لدى البنك أو تغطية بعض ديونها
أو اقتناء بعض املواد لفائدتها".
- 1أستاذنا عز الدين بنستي ،الشركات في التشريع المقارن والمغربي ،الجزء األول ،ص.124 :
2- Michel vender lindene courant d’assosie ; les editions du bulletin Pacioli, edition 126,
15/09/2002,
- 3تعريف مستمد من الموقع االلكتروني وكالة المنشئين للمقاولة الفرنسية
www.apce.com
4 - Mireme Geninet :les quasi –apports en societes, rev.soc, n :1,1987, p :30.
- 5قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء عدد ،2004/3608:في الملف التجاري عدد ،2003/12/4056
بتاريخ ،2004/12/06غير منشور.
ونعرفه بدورنا بأنه ":الحساب الذي يفتحه الشريك في شكل تسبيق مالي للشركة يفتح له
سجل خاص بدفاترها التجارية ،ويكون قابال للتطعيم بمبالغ إضافية ،ويمنح للشريك الحق في جني
الفوائد وصالحية السحب الفوري بمجرد الطلب ما لم يتم االتفاق مع الشركة على خالف ذلك".
ج – امتالك الشريك ل % 5من رأس مال الشركة ،وهو ما تم التنصيص عليه صراحة في
املادة 2من قانون 103.12املتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات املعتبرة في حكمها فيما يخص
استثناءات األموال املتلقاة من الجمهور.
د – أن ال يتعدى سعر الفوائد القابلة للخصم املعدل القانوني املحدد كل سنة بقرار من
وزير املالية كما سبقت اإلشارة إليه واملحدد في الجدول أعاله .
– 4من حيث التمويل :يعتبر الحساب الجاري للشركاء من أهم الوسائل التي تلجأ إليها
الشركات لتغطية الحاجيات التمويلية للشركة التي تمتاز بطابعها املؤقت ،وقد اعتبرها
البعض()1طريقة من طرق التمويل باالستدانة الداخلية تمكن الشركة من تسبيقات نقدية تتميز
بضعف نسبة فائدتها مقارنة مع ما هو معمول به في القطاع البنكي ،باإلضافة إلى دينامية وقابلية
الفوائد املترتبة عليه للخصم من الوعاء الضريبي للشركة ،وهو بهذا الوصف يصنف ضمن مصادر
التمويل الخارجة عن نطاق األبناك .Extra bancaires
– 5من حيث ازدواجية صفة صاحب الحساب الجاري :فهو من جهة شريك في الشركة
مساهم في رأسمالها ،ومن جهة ثانية دائن مقرض لها ،ولعل هذا ما دفع القضاء الفرنس ي في العديد
من أحكامه وقراراته إلى اإلقرار باستقاللية صفة الشريك عن صفة الدائن في الحساب
الجاري()2مستندا في ذلك على أن عالقة املشاركة تجد سندها في عقد الشركة ،بينما تجد عالقة
الدائنية سندها في التسبيقات املمنوحة في شكل قرض تأخذ صورة حساب جاري للشركاء.
من أجل إبراز التمييز الحاصل بين الحساب الجاري للشركاء والنظم املشابهة له سوف
نعمل على تقسيم هذا املطلب إلى فقرتين :نتناول في األولى تمييز الحساب الجاري للشركاء عن
الحساب الجاري العادي ،على أساس أن نتناول في الفقرة الثانية تمييز الحساب الجاري للشركاء عن
حصة الشريك في الشركة.
إذا كان الفقه الفرنس ي يعرف كما سبقت اإلشارة إلى ذلك()1الحساب الجاري للشركاء على
أنه تلك التسبيقات املدفوعة من طرف الشركاء في الشركة سواء بدفع أموال بخزينة املقاولة أو
بترك مبالغ مالية تحت تصرفها مؤقتا ،فإن أستاذنا عز الدين بنستي يعرف الحساب الجاري العادي
بأنه( ":)2حساب معد الستقبال عمليات متعددة تتعاقب بسرعة وعلى التوالي تفقد كل عملية
تقيدها في الحساب الجاري ذاتيتها بنوع من التجديد لتصبح مجرد مفرد من مفردات الحساب".
ويذهب األستاذ شكري السباعي في تعريفه للحساب الجاري على أنه(" :)3هو االتفاق أو
العقد الذي يبرمه شخصان يتبادالن فيه عالقة الدائنية واملديونية نتيجة الصفقات واملعامالت
القانونية التي تجري بينهما ،بحيث ال دائن وال مدين إال بعد ختام الحساب la clôture du compte
وتحقيق الرصيد ،ويتقرر على ضوء هذا الرصيد مركز أطراف العالقة ،فمن كان الرصيد لفائدته
كان هو الدائن ومن كان الرصيد ضده كان هو املدين".
أما الفقيه ريبر فيذهب في شرحه للتسمية الحساب بالجاري إلى أن العمليات فيه تمتاز
بكونها مسترسلة أو تتم بالتسلسل.
ومن جانب آخر فقد أدخلته املادة 2من ظهير 6يوليوز 1993املتعلق بمؤسسات االئتمان
في حكم األموال املتلقاة من الجمهور ،وفق الصيغة التالية " :األموال املودعة في حساب جار –سواء
كان ذلك بإعالم سابق أو بدونه ولو كان من املمكن أن يصير مدينا".
وقد غيرت صياغة هذه الفقرة عند إعادة النظر في الظهير السابق بالقانون رقم 103.12
املتعلق بمؤسسات االئتمان واستعاض عنها املشرع بالصيغة التالية ":
- 1خاصة الباب األول المعنون ب" الحساب البنكي" ،الفصول من 487إلى 508من مدونة التجارة ،والذي أدرجه المشرع ضمن
القسم الرابع المنظم للعقود البنكية ،والكل يدخل ضمن الكتاب الخامس من المدونة والمتعلق بالعقود التجارية.
- 2تنص المادة 487على أن ":الحساب البنكي ،إما حساب باالطالع أو حساب ألجل"
- 3صدر بخصوص تنفيذ القانون 15.95المتعلق بمدونة التجارة ظهير شريف رقم 1.96.83بتاريخ 15ربيع األول 1417
الموافق لفاتح أغسطس ،1996الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 19جمادى األولى 1417الموافق ل 3أكتوبر ،1996عدد
،4418صفحة .2187
- 4هشام زغوان ،المرجع السابق ،ص.22 :
ومعلوم أن الحصة يمكن أن تكون نقدية أو عينية أو حقوقا معنوية ،ويمكن أن يقدم
العمل حصة في رأس املال ،إال أنه يجب أن يقدم أحد الشركاء على األقل مبلغا من املال يدخل في
ذمة الشركة ،ويشكل ضمانة لحقوق الدائنين ،وإال كانت مدنية وليست تجارية(.)1
ً
وبناء على ما سبق يمكن استنتاج ما يلي :
يمكن أن يسحب الشريك في أي وقت شاء املبلغ الدائن به للشركة من الحساب الجاري
للشركاء ،وذلك في الحالة التي ال يتفق فيها األطراف على تجميده أو تنظيمه مع األخذ بعين االعتبار
املصلحة املشتركة لألطراف ،وفي املقابل يخضع رأس مال الشركة ملبدأ ثبات الرأس مال ،فال يقبل
كقاعدة عامة املساس به من تخفيض أو زيادة أو توزيعه فيما بين الشركاء ،إال بموجب تعديل يقع
على النظام األساا ي بعد موافقة الجمعية العامة الغير العادية.
يكاد يجمع الفقه والقضاء على اعتبار الحساب الجاري للشركاء بمثابة عقد قرض ينعقد
بين الشركاء واملقاولة ،وعلى الرغم من نسبية هذا الطرح بالنظر إلى عامل املرونة املميز له ،والذي
يجعل منه قابال ألن يوظف ألغراض ائتمانية أخرى من دون القرض ،فإنه يشكل في الحقيقة حدا
أدنى من النظام القانوني لهذا الحساب ،ما عدا في الحاالت التي يتفق بموجبها األطراف على توظيفه
في شكل آخر.
من أجل إبراز أحكام الحساب الجاري للشركاء ارتأينا تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين،
نتناول في األول فتح الحساب الجاري للشركاء ،وفي الثاني كيفية إدارة هذا الحساب ،وفي املطلب
الثالث إغالق الحساب الجاري للشركاء.
يفتح الحساب الجاري للشركاء بالدفاتر املحاسبية للمقاولة املمولة Les Livres
Comptablesويحمل اسم الشريك املقرض ويسجل ضمن خصوم املقاولة.
وعادة يخصص املحاسبون أو املسيرون سجال محاسبيا خاصا به يحمل إسم سجل
الحسابات الجارية للشركاء تدون به جميع التسبيقات وقيمتها وتاريخ دفعها أو التخلي عنها وزمن
قبضها فعليا من املقاولة املقترضة وطبيعتها والغرض منها وتاريخ استردادها ومعدل الفوائد الناجمة
عنها ،والسؤال املطروح إذن ما هي آليات فتح الحساب الجاري للشركاء بالشركات؟
جوابا على التساؤل املطروح سوف نتطرق إلى كيفية فتح الحساب الجاري للشركاء في كل
من شركة املساهمة والشركة ذات املسؤولية املحدودة ،ثم في املجموعة ذات النفع االقتصادي.
أ – في شركات املساهمة :
بالرجوع إلى القانون رقم 17.95كما تم تغييره وتعديله املنظم لشركات املساهمة يتضح لنا
بأنه لم يتطرق صراحة إلى مساطر املراقبة والترخيص واملصادقة بشأن الحسابات الجارية للشركاء
الناشئة بين املساهمين والشركة التي يساهمون فيها ،بل تعرض فقط لالتفاقات املالية املنعقدة بين
الشركة واملتصرفين ومدرائها العامين ،وذلك عمال بأحكام املادة 56وما يليها من القانون 17.95إذا
تعلق األمر بشركة مساهمة ذات مجلس اإلدارة واملواد 95وما يليها من نفس القانون إذا تعلق األمر
بشركة مساهمة ذات مجلس اإلدارة الجماعية ومجلس الرقابة.
بناءا على ما سبق يمكن التوصل إلى نتيجة مفادها أنه إذا لم يكن الشريك الدائن متصرفاً
أو مديرا عاما منتدبا أو عضوا في مجلس الرقابة ،فإن فتحه لحساب جاري ال يخضع إطالقا ملسطرة
الترخيص املسبق.
وفي نفس الوقت ،تبقى ملراقب الحسابات مهمة مراقبة وتتبع حسابات الشركة بما في ذلك
سجل الحساب الجاري للشركاء وفق املسطرة املنصوص عليها باملواد من 159إلى 181من القانون
.)1(17.95
تتم إدارة الحساب الجاري للشركاء من قبل مسيري الشركة ،وذلك بصرف النظر عن
كونهم من الشركاء أم ال ،فاملسير باعتباره اآللية التنفيذية باملقاولة هو الذي يتكلف بتدبير عمليات
الحساب وتشغيله بهدف تمويل الحاجيات التمويلية للمقاولة ،ولألطراف الحرية املطلقة في إقرار
القواعد العامة بشأن كيفية تشغيل الحساب الجاري مع إبراز آثاره إزاء األطراف.
بناء عليه ،يكون عقد الحساب الجاري للشركاء مجرد اتفاق إطار يعين الخطوط العريضة ً
املتعلقة بتنفيذه والغرض منه ،على أن يتفق األطراف بتطبيق األعراف التجارية والعادات االتفاقية
التي ارتضوها.
وفي نفس الوقت ،قد يتضمن العقد عددا مهما من الشروط االتفاقية املنظمة لتشغيل
الحساب ،ومن ثمة ،فإن العقد يعتبر شريعة املتعاقدين تماشيا مع الفصل 230من ق.ل.ع(.)1
وبصورة عامة ،يترتب على الحساب الجاري للشركاء التزامات متبادلة:
أ – التزام الشريك الدائن بدفع مبلغ التسبيقات املتفق عليها.
ب – في حين تلتزم الشركة بصورة أساسية وجوهرية برد التسبيقات إلى الشريك بالنظر
ملواعيد استحقاقها مع االلتزام بدفع الفوائد القانونية أو االتفاقية ،بينما قد تقتصر على رد
التسبيقات فقط إذا كان الحساب بدون فائدة.
للشريك الدائن في الحساب الجاري أن يضع حدا لالتفاق املالي الذي يربطه بالشركة،
حيث إنه لن يعمل بعد ذلك بطبيعة الحال على تغذية حسابه الجاري بأموال جديدة لتتوقف بذلك
جميع العمليات الدائنة أو املدينة بغاية تصفية الرصيد.
وتتم تصفية الحسابات الجارية للشركاء عبر تحديد أرصدتها النهائية ،وتعيين مقدار الدين
الواجب دفعه من قبل املدين به.
وتعد الوثائق املحاسبية الوسيلة القانونية الوحيدة املقبولة إلنجاز وتصفية الرصيد
والحسم في املنازعات الناشئة بخصوص املبلغ اإلجمالي لرصيد الحساب النهائي.
تعتبر املقاولة بحق املحرك الرئيس ي القتصاديات الدول املصنعة أو السائرة في طريق
النمو ،وعصب ازدهارها وتطورها ،ولكي يتسنى للمقاولة أن تلعب ذلك الدور فالبد لها من إيجاد
وسائل تمويل بعيدة عن مؤسسات االئتمان التي تمتاز بطابعها الصارم وفوائدها املرتفعة ،إضافة
إلى اشتراطها للضمانات في منحها لالئتمان التجاري.
من هذا املنطلق ،ظهرت الحاجة إلى التفكير في تغطية الحاجيات املالية للمقاولة من
شرايينها الداخلية ،وقد شكلت تقنية الحساب الجاري للشركاء الوريد الرئيس ي لهذا التمويل ،فما هي
وظائفه؟ وما هي أهم اإلشكاالت التي يطرحها من الناحية العملية؟ هذا ما سنعمل على تناوله
بالدراسة والتحليل من خالل تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في األول وظائف الحساب
الجاري للشركاء ،بينما نعرض في الثاني ألهم اإلشكاالت التي يطرحها من الناحية العملية.
يبدأ الحساب الجاري للشركاء عند استخدامه من طرف الشريك كوسيلة تمويلية (املطلب
األول) ،ثم ما يلبث أن ينقلب إلى وسيلة ائتمانية في مرحلة ثانية تمكن الشركة من تعزيز ضمانها
العام تجاه الدائنين خاصة مؤسسات االئتمان (املطلب الثاني).
مما ال شك فيه أن الشريك يتصرف كبنكي عندما يمول خزينة املقاولة عبر تسبيقات
بناء عليه فإننا نمركز الحساب الجاري للشركاء ضمن طرق نقدية في الحساب الجاري للشركاءً ،
التمويل باالستدانة الداخلية ،وذلك قياسا على االستدانة الخارجية التي تلعب فيها املقاوالت
البنكية دورا بارزا في ضمان تمويل الشركات التجارية وتجمعاتها بل وتمويل االقتصاد الوطني بصفة
إجمالية(.)1
ال ينحصر دور الحساب الجاري للشركاء في تمويل املقاولة فقط ،بل له دور ثان مهم
وأساا ي ،ويتجلى باألساس في الوظيفية االئتمانية التي تظهر على وجه الخصوص عندما يتم توظيفه
كوسيلة لضمان حصول املقاوالت على األموال الالزمة من قبل مؤسسات االئتمان عبر تجميده
ورهنه أو من خالل تأخير رتبة دينه.
ويقصد باالئتمان التنازل على مال حاضر مقابل مال مستقبل ،ويعد أساس أو عصب
التجارة وشريان عالم األعمال ،وينبني االئتمان على ثالث عناصر أساسية وجوهرية :
– 1الثقة؛
– 2ارتباطه بعقد؛
– 3ارتكازه على الزمن أو األجل.
في ظل غياب تنظيم الحساب الجاري للشركاء ومختلف ميكانيزماته بنصوص صريحة،
أصبح هذا الحساب يطرح العديد من اإلشكاالت تصدى لها الفقه املحاسبي والضرائبي إلى جانب
االجتهاد القضائي ،ومن أهم هذه اإلشكاالت :
– 1ازدواجية صفة صاحب الحساب بين دائن وشريك وأثرها على اتخاذ القرارات داخل
الشركة ؟
– 2مخاطر السحب الفجائي ملجموع الرصيد الدائن للشريك وأثره على مالية الشركة ؟
املطلب األول :ازدواجية الصفة و أثرها على اتخاذ القرارات داخل الشركة
سبق وأن بينا أن صفة الشريك في الشركة الذي يقدم على فتح حساب جاري لصالحها
ضمن دفاترها التجارية تمتاز باالستقاللية عن صفته كدائن ،ذلك أن عالقته في الحالة األولى تمتاز
بطابع املشاركة ،وفي الثانية بالدائنية .
بيد أن آلية الحساب الجاري للشركاء قد تستعمل لتقوية املركز القانوني واملالي للشريك
داخل الشركة ،خاصة إذا كان يتولى اإلدارة والتسيير ويملك حصة ال يستهان بها من رأس مال
الشركة ،وعليه فإنه يصبح هو املتحكم الرئيس ي في تمويل الشركة ويسطر لها مشاريعها التوسعية
ذات الطابع االستثماري داخل السوق ،فينقلب األمر هنا إلى تعسف من لدن الشريك تجاه باقي
الشركاء يمكن أن يؤدي إلى اإلضرار بالغرض االجتماعي الذي أنشأت من أجله الشركة.
وأمام هذه الحالة ،ال يبقى لألطراف املتضررة مناص من اللجوء إلى القضاء من أجل الحد
من هذا التعسف ،خاصة متى علمنا أن الشريك الفاتح للحساب الجاري للشركاء يلوح بين الفينة
واألخرى بسحب رصيده الدائن من حسابه الجاري كورقة للضغط على باقي الشركاء.
وفي هذا االتجاه فإن االجتهاد القضائي الفرنس ي ممثال في محكمة االستئناف
بباريس()1ذهب إلى اعتبار هذه الحالة منافية لنية املشاركة L’affectio societatisوالتي تعتبر من
األركان املوضوعية لعقد الشركة والتي تقوم على الرغبة في التعاون وتوجيه إرادة الشريك نحو
العمل املشترك على قدم املساواة مع باقي الشركاء ،وبالتالي تحقيق الصالح العام للشركة.
1 - Arret de la cour d’appel de paris, 3 eme chambre civile, 25 octobre 2005.
وهكذا ،فقد قضت محكمة االستئناف بباريس برد طلب شركة Tac Intraserوالتي كانت
قد اشترت أسهم شركة Barki agencyالشركة املساهمة بشركة Logoplanإلى جانب حسابها
الجاري بهذه األخيرة واملفتوح بدفاترها التجارية ،ذلك الطلب الرامي إلى تسديد هذا الحساب.
وقد استندت محكمة االستئناف بباريس في ردها لطلب شركة Tac Intraserعلى أن شركة
Logoplanكانت قد اشترطت على شركة Barki agencyعدم سداد الحساب الجاري إال بعد
استشارة املجلس اإلدارة ووفق ما تسمح به خزينة الشركة دون املساس بنشاط الشركة وتطوره
والذي من شأنه أن يمس بفعل هذا السحب.
املطلب الثاني :مخاطرالسحب الفجائي للرصيد الدائن للشريك و أثره على مالية
الشركة
يأتي هذا اإلشكال كمحصلة لإلشكال السابق ،ففي غياب النص على كيفية السحب التي
يجيرها الشريك على األموال املوضوعة في حسابه الجاري لدى خزينة الشركة سواء في النظام
األساا ي أو في اتفاق مستقل ،فإن هذا السحب الفجائي من شأنه أن يشكل خطرا على حياة الشركة
وأن يمس ببرامجها االستثمارية املسطرة.
وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها( )1إلى القول بأن مطالبة
الشريك بالسداد الفوري لحسابه الجاري الدائن يمثل تعارضا مع مصالح الفاعلين في الشركة
ويتنافى مع الهدف من نية املشاركة ،ويكون مدفوعا بالرغبة في التعسف في استعمال الحق ،بل إن
محكمة النقض الفرنسية ذهبت أبعد من ذلك واعتبرت أن الشرط الذي يربط السداد الفوري
للمبلغ الدائن للشريك بموافقة املجلس اإلداري للشركة شرط صحيح وزادت على ذلك أن هذا
السداد يجب أن يتماش ى مع قدرة الخزينة على السداد ،ودون أن يؤدي هذا السداد إلى توقف
استغالل الشركة أو املس بتطور حياتها االقتصادية.
وهذا القرار يوضح مستوى تدخل القضاء الفرنس ي والنضج الذي اتسم به في معالجة
مواضيع تمتاز في جانب كبير منها بالصبغة اقتصادية.
1 - Arret cours de cassation N : 06.19060, ch com, du 09 oct 2007, Non publie
نود بداية أن نشير إلى أن الحساب الجاري للشركاء يخضع إلرادة الطرفين عند االتفاق،
فهو قد يكون بفائدة يتفق عليها الطرفان ،وقد يكون بدون فائدة ،فيوصف آنذاك أنه حساب جاري
بدون فوائد.
واإلشكال يثار عند عدم وجود اتفاق مكتوب يحدد الفائدة املستخلصة من الحساب ،هل
يتم األخذ بها أم يتم تجاهلها ،وفي حالة األخذ بها ،ما هي طبيعتها هل هي اتفاقية أم قانونية؟ هذا ما
سنعمل على تحليله عن طريق التعليق على قرار ملحكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء ()1
صدر بتاريخ 2009/10/27بعد أن أحيل عليها امللف من محكمة النقض الذي كان قد نقض قرار
سابق لها بين نفس األطراف.
-موجزالوقائع :
تتلخص وقائع هذا النزاع في أنه بتاريخ 15يناير 2002تقدم ورثة الحاج (ع.ب) بمقال
افتتاحي أمام املحكمة التجارية بالدار البيضاء في مواجهة شركة (أ) عرضوا فيه أن مورثهم الحاج
(ع.ب) توفي بتاريخ 1999/05/06وأنه كان متصرفا عضوا بمجلسها اإلداري ،و أنه كان يتوفر
بصفته مساهما في املدعى عليها على حساب جاري كان يقوم بتطعيمه حسب حاجيات الشركة،
وأنهم بعثوا بتاريخ 2001/09/10برسالة مضمونة إلى الشركة يطالبونها بإيفائهم بكشف شامل
للمبالغ املسجلة بدائنية ومديونية الحساب الجاري للهالك منذ 1990لكن دون جدوى ،وأن املدعى
عليها كانت تفيدهم أن رئيسها يوجد خارج املغرب ،مما اضطرهم إلى استصدار أمر من السيد رئيس
املحكمة التجارية بالدار البيضاء قصد تعيين خبير تكون مهمته االطالع على جميع الحسابات
الجارية للمساهمين واملسيرين ومعاينة حساب الهالك منذ سنة 1990إلى غاية يومه ،وأنه بعد أخد
ورد تمكن الخبير املعين السيد (ي.س) بعد دراسة وتحليل الوثائق املدلى بها من طرفهم ومن طرف
املدعى عليها بتاريخ 2001/11/05من إنجاز مهمته التي خلص فيها إلى أن قدر الدين الشامل للفوائد
املتوفرة لفائدته بلغ 12.778.460،13حيث كان مصدره سنة )10.300.000،00( 1990ولم يسدد
منه سنة 1998سوى مبلغ 7.667.078،95درهم.
- 1قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 2009/10/27تحت عدد ،2009/5117في الملف
،12/2008/3173غير منشور.
وبعد إدراج امللف للمناقشة صدر حكم تمهيدي بتاريخ 2002/11/21قض ى بإجراء خبرة
حسابية بين الطرفين على يد الخبير السيد (ت.م) انتهى في تقريره املؤرخ في 2003/05/20إلى تحديد
مبلغ الحساب الجاري موضوع الدعوى منذ سنة 1990إلى غاية 2001/12/31كما يلي :
-أصل الحساب الجاري2.650.000،00 :
9.313.763،74 -الفوائد القانونية املترتبة :
11.963.763،74 -املجموع :
فقضت املحكمة التجارية وفق الخبرة مع استبعاد مبلغ التعويض لكونه غير مبرر.
-التعليق :
يثير هذا النزاع موضوعا بالغ األهمية يتمحور حول الهدف من فتح الحساب الجاري
للشركاء من طرف الشريك ،وإلى أي حد يترجم رغبته في تطوير حياة الشركة مع استفادته باملقابل
من تعويضات هذه املبالغ تأخذ شكل فوائد.
والقرار األول محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 2004/12/06
باستبعاده لهذه الفوائد في احتساب املبلغ الدائن لورثة الشريك والثابتة من خالل خبرتين
قضائيتين ،يكون غير مستوعب لتقنية الحساب الجاري للشركاء ،خصوصا وأننا نجده في تعليله
للقرار( )1يخلط املفاهيم ويحصر املستفيد من الحساب الجاري في املتصرفين أو املديرين العامين
بقوله ... ":كما أنه يستشف من هذه املواد بأن الحساب الجاري هذا ال يمكن االتفاق بشأنه إال مع
املتصرفين أو املديرين العامين والذين هم شركاء في الشركة."...
والحال أن هذه املواد تتحدث عن االتفاقات املبرمة بين الشركة من جهة وبين متصرفيها
ومديرها العام من جهة ثانية والتي تخضع لترخيص مسبق من طرف مجلس اإلدارة ،والتي يروم
املشرع من خالل إخضاعها للترخيص املسبق حماية مصالح الشركاء في الشركة ،وإضفاء الشفافية
على عملياتها املالية.
- 1جاء في الفقرة كاملة ما يلي " :وحيث عن الحساب الجاري للشركاء في الشركة يدخل ضمن االتفاقات التي تبرمها الشركة مع
أحد متصرفيها أو مديرها العام المنصوص عليها في المواد 56إلى 62من قانون شركات المساهمة ،كما أنه يستشف من هذه
المواد بأن الحساب الجاري هذا ال يمكن االتفاق بشأنه إال مع المتصرفين او المديرين العامين والذين هم شركاء في الشركة."...
بيد أن محكمة النقض في قرارها القاض ي بنقض القرار املذكور ومؤاخذته عليه عدم أخذه
بالخبرتين الحضوريتين املأمور بهما من طرف املحكمة ،حيث نصت األولى على أن نسبة الفائدة هي
%7والثانية على أن هذه النسبة هي ، %6يكون قد استبعد وجود اتفاق مسبق بين الطرفين كتابة
يحدد نسبة الفائدة وأن هذه الفائدة تم إقرارها ضمنيا ما دامت الوثائق املحاسبية للشركة تشير
إليها من خالل ما توصل إليها الخبيران في تقريرهما.
والقرار االستئنافي الثاني والذي راعى في حكمه النقطة التي نقض القرار من أجلها ،ذهب في
اتجاه آخر ،واستند إلى الفصل 872الذي جاء فيه بأن ":فوائد املبالغ التي تتضمنها الحسابات
الجارية تستحق بقوة القانون على من يكون مدينا بها من الطرفين ،ابتداء من يوم ثبوت تقديمها".
وزكت طرحها بالخبرتين املأمور بهما من طرف املحكمة واللتان تشيران إلى هاته الفوائد،
واعتبرت استنادا إلى الفصل املذكور أنه ال مجال للحديث عن الفوائد االتفاقية ما دام أنها
منصوص عليها بمقتض ى القانوني ،وبالتالي فهي قانونية.
املطلب الرابع :موقع صاحب الحساب الجاري للشركاء في مسطرة صعوبة املقاولة
يعتبر الشريك الدائن للشركة بحساب جاري دائنا عاديا يأتي في مرتبة متأخرة بعد الدائنين
املمتازين والدائنين املرتهنين .وعليه ،فهو ال يستحق أي مبلغ في حالة استغراق هذه الديون
ملوجودات الشركة.
واإلشكال الذي يطرح هو عندما تخضع الشركة لنظام معالجة صعوبات املقاولة ،هل
نضحي باملصلحة االجتماعية ونمكن الشريك من دينه أم نقيد هذا الحق متى كانت املقاولة خاضعة
لهذه املسطرة ،ونستعيض عنه بدمجه في رأس مالها االجتماعي أو بالتخلي املؤقت عنه إلى حين
اجتياز الصعوبة ؟
ثم هل الحساب الجاري للشريك يعتبر من العقود الجارية أو التي في طور التنفيذ والذي
خولت املادة 573بمقتضاه للسنديك وحده أن يطالب بها دون إذن القاض ي املنتدب أو من رئيس
املقاولة.
مما ال شك فيه أن أحكام الكتاب الخامس تعتبر من النظام العام ،وتأسيسا على نص
املادة ،573فالسنديك وحده من يملك سلطة طلب تنفيذ الحساب الجاري للشريك أو املطالبة
بإقفالها حسب املصلحة االجتماعية واالقتصادية للمقاولة ،وهو ما يشكل قيدا بارزا وحيدا على
قاعدة التسديد الفوري للحساب الجاري للشريك(.)1
وقد استقر العمل القضائي الفرنس ي على مجموعة من القيود اإلضافية التي ترد على
قاعدة التسديد الفوري للحساب الجاري للشركاء في حالة توقف املقاولة عن الدفع ،نجملها فيما
يلي :
– 1ال يجوز املطالبة بهذا التسديد بمجرد توقف املقاولة عن الدفع؛
– 2سبق ملحكمة Lyonالتجارية الفرنسية( )2أن رفضت طلب التسديد بعلة ضرورة
استمرار النشاط االجتماعي للمقاولة.
وتبقى الحالة الغالبة أن الشريك الدائن للشركة بالحساب الجاري للشركاء يقوم بدمج
دينه برأس مال الشركة بغية التقليص من الخصوم ،ولتبني مخطط االستمرارية ،وفي هذا اإلطار
جاء في حكم صادر عن املحكمة التجارية بالدار البيضاء(:)3
"...بناء على التقرير الذي أودعه سنديك التسوية القضائية السيد الشكدالي بكتابة
بناء على الحكم القاض ي بحصر مخطط االستمرارية في حق مؤسسة (ع.ج)، الضبط جاء فيه أنه ً
والذي حدد التزامات وهي الزيادة في الرأسمال وتدعيم الحساب الجاري للشركاء وتسديد الديون
وفق الجدول ،فإنه بخصوص االلتزام األول وهو الزيادة في الرأسمال ،فإن رئيس املقاولة زوده
بمحضر جمع عام استثنائي منعقد بتاريخ 2001/04/06يفيد رفع الرأسمال بقيمة 10.000درهم
بواسطة اندماج الحساب الجاري الدائن إلى حدود ،1999وبذلك فرأسمال الشركة ارتفع إلى
550.000درهم.".....
وجاء في تعليل حكم آخر صادر عن نفس املحكمة بمناسبة وضع شركة حافالت (ر) في
نظام التسوية القضائية( )1ما يلي :
" حيث يرمي تقرير القاض ي املنتدب في املسطرة إلى الحكم وفقا القتراح سنديك التسوية
القضائية ،وذلك بحضر مخطط استمرارية شركة حافالت (ر) ،وذلك طبقا ملا جاء في تقرير
السنديك.
وحيث يستفاد من تقرير السنديك أن نجاح مخطط االستمرارية وتحقيق نتائج إيجابية
على املستوى االقتصادي يمكن تحقيقه اعتمادا على تصحيح الوضعية القانونية للشركة ،وذلك
برفع رأسمالها بمبلغ 164.500.000درهم ،وذلك عن طريق تحويل مبلغ الحساب الجاري
للمساهمين البالغ قدره 34.250.000درهم وتقديم دفعات نقدية من طرف املساهمين بمبلغ
130.250.000درهم."...
وقد قضت املحكمة بما يلي ":تصرح املحكمة بجلستها العلنية ابتدائيا وحضوريا :
-بحصر مخطط االستمرارية لشركة حافالت (ر) الكائن مقرها االجتماعي بزنقة محمد
الراض ي السالوي ،الرقم ،35الدار البيضاء.
-بتنفيذ رئيس املقاولة السيد (أ.ع) ما التزم به من الزيادة في رأسمال الشركة ،وجعله
مطابقا للمقتضيات القانونية:
أ -دمج الحساب الجاري للشركاء؛
ب – ضخ مبلغ 30.000.000درهم نقدا في حسابات الشركة وفقا املبين أدناه."...
- 1حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ ،2002/04/08تحت عدد ،2002/142:ملف تجاري عدد
.10/2002/94:
- 1عدد المشرع المغربي من خالل المادة 3من القانون رقم 15.97بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية المحاسبون المكلفين
بتحصيل الديون العمومي.
- 2ذ /محمد قصري في كتابه المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة امام القضاء المغربي ،ابي رقراق للطباعة
والنشر الطبعة الثانية .2009
- 3المادة 1من القانون 15.97بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية.
بمقتضاه خول املشرع من خالل املواد 95و100و 101و 104من مدونة التحصيل للمحاسب املكلف
إمكانية متابعة الغير الحائز لألموال اململوكة للمدين األصلي عن طريق مباشرة هذه املسطرة (.)1
وقد أبان التطبيق العملي لهذه املسطرة عن عدة عيوب و خروقات كادت أن تعصف بالثقة
املفروضة بين اإلدارة الضريبية وامللزم وتخل بالتوازن الالزم في العالقة بينهما ،مما حدا بالحكومة إلى
املسارعة بوضع ميثاق ملزم لإلدارات املكلفة بالتحصيل وللمواطن يعيد ضبط وثر هذه اآللية ،و
تطويعها لتعزيز مناخ الثقة بين اإلدارة و دافعي الضرائب في أفق إعادة املصالحة بينهما لتحقيق
نغمة التوازن الضروري بين حقوق امللزم وحقوق اإلدارة الجبائية.
فما هي إذن خصائص اإلشعار للغير الحائز والذي بمقتضاه منح االمتياز للخزينة ونطاق
تطبيقه وآثاره؟ وهل هناك من أوجه تشابه بينه وبين مساطر قانونية أخرى؟ و ما هي الضمانات
القانونية التي منحها املشرع للملزم في مقابل هذه االمتيازات املمنوحة لإلدارة الجبائية ؟ و أخيرا هل
تصدى القضاء اإلداري لفرض رقابته على أعمال السلطة اإلدارية بغية منع التجاوزات التي تصدر
عن هذه اإلدارة خالل التنزيل الواقعي لهذه املسطرة من خالل بعض نماذج أحكام قرارات القضاء
اإلداري؟ وعلى هدى هذه التوطئة تتضح معالم هذا املوضوع ،إذ سوف أتناول في املبحث األول منه
تجليات امتياز اإلدارة الجبائية من خالل التعريف بمسطرة اإلشعار للغير الحائز ،خصائصه ،نطاق
تطبيقه واآلثار املترتبة عنه.
أما املبحث الثاني فسأخصصه للوقوف على ضمانات امللزم من خالل هذه املسطرة
وتجلياتها القانونية ،اإلدارية دون إغفال الضمانات القضائية متمثلة في تدخل القضاء اإلداري في
عملية التحصيل هاته لتكريس وترسيخ الضمانات الجبائية التي خولها املشرع للطرف األضعف في
العالقة الجبائية (امللزم) بل وإرساء ضمانات أكثر كلما كان ذلك متاحا في حال سكوت املشرع
الجبائي أو غموض ما جاء به(. )2
- 1عبد الرحيم الكنبداري في تحصيل الديون الضريبية ،مقاربة قانونية قضائية سلسلة المعارف القانونية والقضائية.
- 2ذ عبد الرحيم الكنداري المرجع السابق ص .119
املبحث األول
امتيازالخزينة العامة في التحصيل من خالل اإلشعارللغيرالحائز
ألزم املشرع املغربي الغير املودعة لديه أموال املدين األصلي بأداء الضرائب وباقي الديون
العمومية إما تلقائيا أو بناء على طلب املحاسب تحت طائلة ترتيب املسؤولية باألداء على وجه
التضامن ،وقد اعتبر وزير املالية أثناء مناقشة مشروع مدونة التحصيل أمام لجنة املالية بمجلس
النواب ،أن إجراء اإلشعار للغير الحائز يعد من بين اإلجراءات التي لها أهمية متميزة في ميدان
التحصيل ،حيث يعد اللجوء إليه مسلكا ناجعا ،يغني اإلدارة عن حجز وبيع منقوالت املدين(.)1
إال أن هذا اإلجراء االستثنائي للتحصيل يلفه الكثير من الغموض حول مفهومه ،طبيعته
وحدوده ،غموض على مستوى التشريع ،استتبعه بالضرورة جدل فقهي وتضارب في العمل القضائي
فهناك من اعتبره سالحا فتاكا بين يدي اإلدارة الضريبية ،يمكنها من استخالص الديون العمومية في
أسرع وقت وبأدنى جهد وان القباض لجؤوا اليه بشكل آلي ومكثف ملا ملسوه فيه من فعالية و
مردودية( )2بل ذهب بعض الباحثين الى اعتباره انه إذا كان لظهير 21غشت 1935قوته الضاربة
املتمثلة في اإلكراه البدني( )3فان مدونة التحصيل املالية امتلكت بدورها عنصر قوتها في اإلشعار
للغير الحائز بعدما أصبح اإلكراه البدني جد معقد قانونيا(.)4
وهناك اتجاه ثان يرى بان التشريع الخاص باالشعار للغير الحائز يتميز بنوع من "التراخي"
والال وضوح وغياب الحماية( ،)5في ظل غياب تام للشكليات وعدم وجود اجل قانوني للمحاسب
العمومي للقيام به وعدم التنصيص على وجوب إخبار امللزم ملباشرته ،بل ان االنتقاد طال حتى
تسميته التي توهم بان القصد من املسطرة هو إشعار ،اخطار ،في حين ان األمر أعمق من ذلك
بكثير ،فهو حجز ألموال املدين لدى الغير ،وهو ما يعكس التناقض بين الطابع السكوني للكلمة
- 1عبد الرحمان ابليال ،عبد الرحيم الطور،تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة ،مطبعة االمينة ص.30
- 2في سنة 2007كان عدد االشعارات للغير الحائز على مستوى 11قباضة بالدائرة المالية لمكناس هو 1653وفي سنة 2008
ارتفع الى 4248أي بزيادة %31وقد بلغ الى حدود 2009/09/30رقم 5063اشعار المصدر (الخزينة الجهوية بمكناس) وارد
ايضا بمؤلف عبد الرحيم الكنداري المرجع السابق ص.84
- 3كانت شروط هذه المسطرة جد مبسطة ،وتثمتل اساسا في كونها مسطرة ادارية وليست قضائية ،كما في القانون المحلي ويتم
اللجوء اليها مباشرة بعد االنذار في اطار اختيارات المحاسب وليس وفق تراتبية دقيقة كما في القانون الحالي (المرجع السابق).
- 4العربي العزيز االشعار للغير الحائز والمنازعة فيه ،عرض منشور بمجلتي القسطاس والزيتونة مطبعة سلسبيل يوليوز 2010
ص 173و.174
- 5عبد الرحمان حداد ،االشعار للغير الحائز بين التشريع والممارسة القضائية ،عرض منشور بالمرجع السابق ص.205
املستعملة "اإلشعار" والطابع القهري اإلجباري للمسطرة( )1وفي اعتقادي ان االتجاهين معا
يتقاطعان في نقطة عدم حماية امللزم ،وإال ملا تدخل القضاء اإلداري ملحاولة خلق التوازن بين
الطرفين وللوقوف أكثر عند هذا اإلجراء ومعرفة مدى امتياز الخزينة العامة في التحصيل من خالل
هذه املسطرة ومحاولة استجالء الغموض الذي يعتريه ارتأيت تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين كما
يلي :اإلشعار للغير الحائز التعريف والخصائص (املطلب األول) ،نطاق التطبيق واآلثار (املطلب
الثاني).
املطلب األول :تعريف اإلشعارللغيرالحائزوخصائصه
الفقرة األولى :التعريف
ظهرت مسطرة اإلشعار للغير الحائز في فرنسا منذ سنة 1808وتعتبر مقتضيات الفصلين
262و 263من كتاب املساطر الجبائية املرجع األساس ي لهذا اإلجراء( ،)2الذي حظي باهتمام من لدن
اإلدارة الجبائية التي خصصت له العديد من الدوريات،ومن لدن القضاء اإلداري الذي تعددت
تدخالته للسهر على حسن تطبيق املسطرة او التنصيص على بعض الشكليات التي أهملها
التشريع(.)3
وقد اقتبس املشرع املغربي هذا االجراء من القانون الفرنس ي ،وتم التنصيص عليه ألول مرة
باملغرب في ظهير 21غشت 1935من خالل مقتضيات املادتين 61و 62منه ،اال انه لم يحظ باهتمام
بالغ اال من خالل مدونة تحصيل الديون العمومية الحالية (قانون )97.15حيث اعتبر كوسيلة
اضافية غير مكلفة وفعالة لتحصيل ديون الخزينة العامة( )4واملالحظ غياب تعريف لهذا االجراء في
النصوص القانونية املنظمة له ،واكتفى بتنظيم مقتضياته في الباب الخامس من املدونة املعنون
بالتزامات املودع لديهم واالغيار الحائزين( ،)5وأيضا على مستوى االجتهاد القضائي املغربي ال نجد
تعريفا دقيقا ومستقال لهذا اإلجراء( )1واعتبرت محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر عنها بتاريخ 2
يونيو 1980اإلشعار للغير الحائز بمثابة حكم بالتصديق على حجز ما للمدين لدى الغير حائزة
لقوة الش يء املقض ي به وال يخضع ألي شرط شكلي يهدف إلى إجبار الغير لتسليم املبالغ التي يحوزها
او هو مدين بها للملزم وفاء بالضرائب والرسوم والديون األخرى الواجبة على هذا الغير واملتمتعة
بامتياز الخزينة(.)2
وقد عرفه بعض الباحثين( )3بأنه إجراء تنفيذي استثنائي يتمتع بصفة حكم بالتصديق على
حجز ما للمدين لدى الغير حائز لقوة الش يء املقض ي به يتعين على االغيار الحائزين على أساسه
تسليم األموال التي يحوزونها او يدينون بها للملزم للمحاسب العمومي فورا ،وفاءا بالضرائب
والرسوم والديون الواجبة على هذا األخير واملتمتعة بامتياز الخزينة في حدود مبلغ الدين الضريبي،
تحت طائلة ترتيب مسؤولياتهم.
وعرف ميثاق تحصيل الديون العمومية االشعار للغير الحائز( )4بأنه مسطرة قانونية من
بين مساطر تحصيل الديون العمومية ،والذي تتم مباشرته عبر طلب موجه من طرف املحاسب
العمومي الى احد االغيار الحائزين او املودع لديهم ،من اجل دفع األموال التي يحوزونها والتي تعود
للملزمين الذين لم يؤدوا عند االجال املقدرة ما بذمتهم من ديون ".يتضح من خالل ما سبق ان
اإلشعار للغير الحائز هو مسطرة خاصة والية قانونية تمكن الدائن (الخزينة ..الخ) بدين عمومي من
استخالص دينه من يد الغير بطريقة غير مباشرة بدل استخالصه مباشرة من يد املدين (امللزم).
ويمتد مفعول هذا التسليم إلى الديون بأجل أو الديون املشروطة التي للمدين على االغيار
الحائزين املتابعين.
- 1تطرقت بعض احكام القضاء االداري لالشعار للغير الحائز من دون تقديم تعريف دقيق له منها الحكم الصادر عن ادارية الرباط
بتاريخ 2013/06/17امر عدد 468من الملف رقم 2013/01/435غير منشور حيث اعتبره من االجراءات التنفيذية لتحصيل
الديون العمومية طبقا للمادة 102من مدونة تحصيل الديون العمومية.
- 2عبد الرحيم الكنداري مرجع سابق ص .85
- 3العربي الغمري مرجع سابق ص .126
- 4هو ميثاق موقع بتاريخ 17ابريل 2014من طرف الخزينة العامة للمملكة ،المديرية العامة للضرائب ،االتحاد العام لمقاوالت
المغرب،المجموعة المهنية البناك المغرب وزارة التشغيل والشؤون االجتماعية وزارة االقتصاد والمالية وغيرها من الفاعلين في
مجال المال واالعمال تجاوبا مع النقاش العمومي الذي اثاره الفاعلون السياسيون واالقتصاديون واالجتماعيون بخصوص مسطرة
تحصيل الديون العمومية بواسطة األشعار للغير الحائز ،بما يعزز الثقة بين االدارة والملزم ويساهم في تحسين مناخ األعمال
ببالدنا ،كما جاء بديباجة هذا الميثاق.
وعليه ،فان املحاسب املكلف بالتحصيل تبعا لهذه االلية يمكن له املطالبة باستخالص
وتحويل مبلغ الضرائب والرسوم وغيرها من الديون املتمتعة بامتياز الخزينة من يد مديني امللزمين
بهذه الديون إلى حساب االدارة التابع لها وذلك عن طريق توجيه اشعار لالغيار الحائزين ملبالغ
يملكها امللزمون من اجل الوفاء عن هؤالء في حدود ما ترتب في ذمتهم من ديون عمومية ،وقد يكون
االغيار الذين يوجه إليهم اإلشعار من املحاسبين العموميين او املقتصدين او املكترين وبصفة عامة
كل الحائزين او املدينين بمبالغ تعود او ينبغي ان تعود الى املدينين بتلك الديون ،وهؤالء الحائزين
ملزمين تحت طائلة التعرض للعقوبات املسطرة باملادة 104من املدونة بتسليم فورا املبالغ التي في
حوزتهم في حدود طلب املحاسب بناء على السند الضريبي الذي يعتبر بمثابة سند تنفيذي ( )1وفي
حالة عدم امتثال االغيار الحائزين بالتسليم الفوري ،تحل مسؤوليتهم محل مسؤولية املدينين
الضريبين على سبيل التضامن ويصبحون خاضعين لكل إجراءات التحصيل الجبري ماعدا اإلكراه
البدني تبعا ملقتضيات املادة 104من مدونة التحصيل ،ويمكنهم دفع هذه املسؤولية عن طريق
الدفع بكون املبالغ املعنية وقع الحجز عليها من طرف جهات أخرى تتمتع بحق االمتياز او انه سبق
(.)2
التوصل بإشعار سابق للغير الحائز وفي هذه الحاالت يجب تقديم الحجة املثبتة لذلك
ونظرا للطابع االستثنائي لهذه املسطرة ،فانها تتميز بمجموعة من الخصائص ،فما هي اذن
خصائص االشعار للغير الحائز؟ وبالتالي تجليات امتياز الخزينة العامة من خالل هذه املسطرة
االستثنائية؟
- 1جاء قرار محكمة النقض تحت عدد 1069بتاريخ 98/11/26ملف عدد 97/77وحيث ان االمر يتعلق باجراء قانوني يلزم
المحجوز لديه يعدم اخراج االموال المذكورة اال بعد اداء الديون التي تتمتع باالمتياز وهو بمثابة حكم حائز لقوة الشيء المقضي به
،قرار غير منشور.
- 2االثبات في المادة الجبائية بين القواعد العامة وخصوصيات المادة الدكتور عبد الرحمان ابليال ص .172
منها تحصين الدين ما لم يتأت تحصيله( )1فانه يتميز بمجموعة من الخصائص لعل أبرزها البساطة،
املباغثة والفعالية.
- 1البساطة :وتتمثل في عدم خضوع هذه املسطرة ألي إجراء شكلي مما ينم عن غاية
املشرع وراء سن اإلشعار للغير الحائز واملتمثلة في عدم تقيد املحاسب بالشكليات اإلدارية املعتادة في
باقي اإلجراءات التنفيذية والتحفظية املرتبطة بمساطر التحصيل الجبري ،فبمجرد الحصول على
الترخيص من طرف الخازن اإلقليمي وتوجيه هذا اإلشعار متضمنا العناصر األساسية الكفيلة
بتعيين املدين وتحديد خصائص الدين تلقى املسؤولية مباشرة على هذا الغير الحائز بما يقتضيه
القانون تالفيا إلثارة مسؤوليته( ،)2إال أن هذه البساطة التي تعد من بين أهم خصائص اإلشعار
للغير الحائز التي يشيد بها مؤيدو هذا اإلجراء تلقى انتقادات الذعة من لدن مجموعة من الباحثين
الذين يستغربون الغياب شبه التام لشكليات تطبيق املسطرة ،والتي تضع حقوق امللزم على
الهامش ،خصوصا حقه في االخبار و التعرض ،في ظل الصمت املقصود( )3من لدن املشرع حول
وجوب احترام اي مقتض ى قانوني من لدن املحاسب قبل مباشرة هذا اإلجراء ،ومن تم كان من الالزم
التساؤل حول انعكاسات هذه البساطة على املستوى العملي والقضائي؟
فعلى الصعيد العملي ،يعتبر املحاسبون املكلفون بالتحصيل ان عدم تطرق املشرع الى
الشكل والطريقة واإلجراءات األولية التي يتعين على املحاسب القيام بها قبل ممارسته هذه املسطرة
ليس غموضا بقدر ما هو امتياز لإلدارة ضد كل تهرب او سوء نية من جانب امللزمين ،اذ كيف لهذا
االجراء ان يحقق الفعالية املرجوة منه اذ علم به امللزم وقام بسحب أمواله قبل مصادرتها من قبل
اإلدارة.
ان هذه القراءة من جانب اإلدارة كثيرا ما اصطدمت بقاض إداري ال يتوانى في تفسير
النصوص القانونية بما يراعي مبادئ املشروعية وآثار خرقها على حرية ومصلحة الفرد ،فغموض
النص ال يجب ان ينظر اليه على انه منح صالحية واسعة لإلدارة الجبائية في استعمال امتيازاتها دون
قيد او شرط اذ كيف يعقل ان تطالب اإلدارة االغيار بتسليم ما بين ايديهم من اموال تعود للملزم
دون ان يكون هذا األخير على علم بذلك( ،)1حيث جاء باحدى أحكامه( ")2وحيث انه باستقراء
املقتضيات القانونية أعاله تثبت ان املشرع وان كان لم يشترط ضرورة احترام إجراءات معينة إزاء
امللزم قبل اللجوء إلى مسطرة اإلشعار للغير الحائز فانه ونظرا للطابع االستثنائي للمسطرة املذكورة
وما يترتب عنها من تسليم فوري للمبالغ املوجودة في حوزة االغيار واملودع لديهم مع ما قد يسفر عنه
ذلك للمعني باألمر من أضرار ،واعتبارا كذلك ملبدأ حق الدفاع الذي يعد من املبادئ األساسية
الواجب احترامها في حالة عدم النص عليها صراحة ،فان القابض يبقى ملزما بتوجيه إشعار إلى
الخاضع قصد إخباره بإجراءات االستخالص املباشرة في حقه عن طريق اإلشعار للغير الحائز "وهذا
ما أيدته محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في إحدى قراراتها) (3حيث جاء به" لكن حيث انه مما ال
مراء فيه انه يتعين على القابض عمال بمقتضيات املادتين 36و 41من مدونة تحصيل الديون
العمومية ،احترام مبدأ تدرج إجراءات التحصيل ومباشرتها داخل االجل املحدد قانونا ،بدون صائر
يجعل اجراءات تحصيل الدين العمومي وما يترتب عنها غير قانونية وحيث استقر االجتهاد القضائي
للغرفة اإلدارية على اعتبار ان عدم ثبوت احترام تدرج إجراءات التحصيل وذلك بتبليغ اإلنذار
القانوني للمخاطب باألداء قبل سلوك باقي إجراءات التحصيل الجبري يجعل مسطرة التحصيل
معيبة" وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض حيث جاء باحدى قراراته االخيرة ( >> )4لكن
حيث انه وبمقتض ى املادة 36من مدونة تحصيل الديون العمومية فانه ال يمكن مباشرة التحصيل
الجبري اال بعد إرسال آخر إشعار الى املدين ...ومؤدى ذلك ان تبليغ اإلشعار بدون صائر قبل اللجوء
الى مسطرة التحصيل الجبري يعتبر ضمانة أساسية للملزم ال يمكن تجازوها بمجرد التقييد في
الجدول بل ال بد من إثبات املحاسب املكلف بالتحصيل قيامه بتبليغ اإلشعار املذكور واملحكمة التي
اعتبرت ان عدم ادالء الطالب بما يفيد توصل املطلوب باإلشعار املذكور يجعل إجراءات التحصيل
الغية تكون قد سايرت املقتض ى املذكور مما يجعل قرارها مرتكزا على أساس.<<...
- 2الفعالية :تبقى فعالية اي إجراء في النتيجة التي يحققها واملدة التي يستغرقها لتحقيق
هذه النتيجة ،واذا ما أسقطنا هذه القاعدة على اإلشعار للغير الحائز ومقارنته بطرق التحصيل
- 1جهد كان حجية وارد بكتاب المنازعات الضريبة وتحصيل الديون العمومية جمع وتنسيق زكرياء العماري السابق ص -184
.185
- 2حكم المحكمة االدارية بمراكش رقم 216بتاريخ 2010/03/13بالملف عدد 2009/09/843وارد بمؤلف زكرياء العماري
المرجع السابق ص .185
- 3قرار عدد 85بتاريخ 25يناير 2012غير منشور.
- 4قرار محكمة النقض عدد 2/331وتاريخ 2015/04/16ملف اداري (الثاني) عدد 2014/2/4/2041غير منشور.
األخرى نجده اكثر فعالية حيث يحتل الوسيلة األجدى بين يدي املحاسبين العموميين لتحصيل
ديون امللزمين بعد استنفاد التحصيل الودي ،حيث يضع نقطة النهاية للضرائب والرسوم موضوعه
على خالف اإلجراءات األخرى التي يفض ي بعضها الى بعض ضمن مراحل متواصلة ومتداخلة تستهلك
وقت املحاسب و جهده بتعقيداتها املسطرية و ضعف مردوديتها ( )1فتوسيع قاعدة املخاطبين
واملعنيين بمسطرة اإلشعار للغير الحائز وامتدادها إلى غير امللزم من املودع لديهم أموال هذا
األخير( )2وكذا التسليم الفوري لهذه املبالغ والذي تنص عليه املادة 102من مدونة التحصيل تجعل
من هذه املسطرة تتميز بفعالية خطيرة على مصالح امللزم واالغيار ،حيث يكفي املحاسب البحث
والتحري وتحين الفرصة.
ان استخالص الديون العمومية وأداء االغيار الحائزين لديون امللزمين وتحقيق املسؤولية
املالية والشخصية للمحاسب ليس فقط التجسيدين الوحيدين لفعالية اإلشعار للغير الحائز ،بل
ان امتداد مفعوله الى الديون باجل والديون املشروطة ،اي استمراره في الزمن في مواجهة الغير
الحائز واملدين ،له من األهمية والخطورة الش يء الكثير(.)3
وهكذا وفي نازلة تتعلق بممارسة هذه املسطرة ،طالب القابض املالي رئيس كتابة الضبط
تسليم األموال املتحصلة من ثمن بيع العقار املحجوز حجزا تنفيذيا عن طريق ممارسة مسطرة
اإلشعار للغيرالحائز ،فطالب ورثة املدين أمام القضاء اإلداري االستعجالي برفع التعرض املقدم امام
رئيس كتابة الضبط الستخالص الدين الضريبي في إطار مسطرة اإلشعار للغير الحائز ،غير ان
رئيس املحكمة اإلدارية قض ى برفض طلب رفع التعرض وسن قاعدة مفادها " انه يجوز للقابض
املالي ان يطالب بواسطة اإلشعار للغير الحائز املنصوص عليه باملادتين 100و 101من القانون -97
15رئيس كتابة الضبط بتسلم األموال املتحصلة من بيع عقار محجوز حجزا تنفيذيا الستخالص
الدين العمومي املترتب في ذمة املدين باعتباره خلفا عاما للملزم الحقيقي بالدين العمومي " وقد جاء
في تعليل األمر( ) 4املذكور انه "حيث إنه بموجب الفصل 100من مدونة التحصيل ال يمكن لكتاب
الضبط أن يسلموا األموال الناتجة عن عمليات التفويت للورثة أو املستحقين لها إال بعد إثبات أداء
الضرائب والرسوم الواجبة على األشخاص الذين يمتلكون تلك األموال او العقارات املبيعة و يتعين
على كل الحائزين لتلك األموال بمقتض ى املادة 101بناء على طلب من هذا األخير في شكل إشعار
للغير الحائز "...هذا طبعا اذا كانت ملكية األموال املبيعة تعود الى امللزم باعتبار ان الورثة ال
يسألون عن الضريبة اال في حدود التركة ،وهذا ما كرسه قضاء محكمة النقض حيث جاء بإحدى
قراراته( " )1لكن حيث ان محكمة االستئناف ملا انتهت إلى أن التضامن يجب ان ينص عليه القانون،
وانه ليس مفترضا بين الورثة ،و ان االلتزام بأداء الضريبة حق للدولة في ذمة الهالك ال يسأل الورثة
عنه اال في حدود التركة و ال يمتد الى أموالهم الخاصة .و ان اإلدارة عندما تابعت واحدا من الورثة
بمجموع الدين تكون قد ألزمته بما ال يلزمه ،تكون قد طبقت القانون تطبيقا صحيحا وما اثير غير
جدير باالعتبار " إال أن مقومات هذه الفعالية و التي حدت بالقابض الى اللجوء اليه بشكل كبير
جدا خصوصا نحو املؤسسات البنكية باعتبارها الوجهة املفضلة و اليسيرة ،جعلت هذه األخيرة
تخش ى فقدان ثقة الزبائن فيها ،مما بات يهدد مصالحها االقتصادية وينعكس سلبيا على االقتصاد
الوطني ككل ،حيث أصبحت العديد من االبناك ،للحد من سيف هذا اإلجراء ،تقترح على زبائنها من
رجال األعمال فتح حسابات بأسماء شركات ذات مسؤولية محدودة عوض الحسابات املفتوحة
بأسمائهم الشخصية (.) 2
- 3املباغتة :باعتبار أن اإلشعار للغير الحائز هو إجراء من إجراءات التحصيل الجبري،
فيكفي ملمارسته تبعا للمادة 36من م .ت .د.ع مباشرة بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صوائر،
وتقييد تاريخ إرسال هذا اإلشعار في جدول الضرائب و الرسوم او في أي سند تنفيذي اخر ،مما يمنح
للمحاسب امتياز مباغتة امللزم او املودع لديهم بالحجز على األموال التي في حوزتهم في أي لحظة شاء
دون التقيد بأي شرط او إجراء إضافي ،فتستخلص تبعا لذلك ديون امللزم في حين غفلة منه نظرا
لغياب النص القانوني الذي يلزم املحاسب بإشعار امللزم بينما التشريع الفرنس ي ال يسمح للمحاسب
املكلف بالتحصيل بإجبار الغير على التسليم اال بعد انقضاء اجل شهرين املفتوحة في وجه امللزم
للتعرض ،فاملشرع الفرنس ي يميز بين تاريخ اإلشعار وتاريخ اإلجبار وهو التمييز الغير الوارد في مدونة
تحصيل الديون العمومية بالرغم من أهميته ،مما يطرح معه بحدة سؤال املوازنة بين مصلحة
امللزم وصالحيات الخزينة خاصة أن املشرع املغربي اقتبس هذه املسطرة من نظيره الفرنس ي ولم
تتدارك السلطات الجبائية هذا املقتض ى عندما أتيحت لها فرصة التوقيع على ميثاق تحصيل
الديون العمومية بواسطة اإلشعار للغير الحائز سنة 2014حيث اكد وزير االقتصاد واملالية
مباشرة بعد التوقيع على امليثاق خالل الندوة الصحفية التى عقدها ان امليثاق يهدف معالجة
اإلشكاليات العملية املتعلقة بتطبيق املسطرة ،بما يعزز الثقة بين اإلدارة و امللزم ،ويسهم في تحسين
مناخ األعمال ،و تحقق التوازن الالزم بين حقوق امللزم وحقوق خزينة الدولة ،في أفق إعادة
املصالحة بين اإلدارة و دافعي الضرائب.
وقد لقيت هذه الخاصية بدورها انتقادات حادة من لدن بعض الباحثين و الفاعلين
االقتصاديين الذين وجدوا في غياب شرط التوقيت فراغا آخر في التشريع الخاص باإلشعار للغير
الحائز ينضاف إلى غياب شرط االخبار ليضع حقيقة الضمانات التي خولها املشرع للمدين في مدونة
التحصيل موضع تساؤل( )1ويكرس امتياز الخزينة العامة.
- 2من حيث األموال :بالرجوع إلى املادة 102من م.ت.د.ع والتي تنص صراحة على انه "
يترتب على اإلشعار للغير الحائز ،التسليم الفوري للمبالغ املوجودة في حوزة االغيار املشار إليهم في
املادتين السابقتين ،في حدود مبلغ الضرائب و الرسوم و الديون األخرى املطلوب أداؤها " ...نجد ان
املشرع أشار إلى مقتضيين مهمين األول انه يتعين حيازة األموال لدى االغيار في حدود مبلغ الدين
الضريبي املبين في اإلشعار دون حجز املبلغ املوجود بالحساب برمته ،اما الثاني فيتعلق بكون
االشعار للغير الحائز ينصب على األموال فقط دون القيم املنقولة التي تباشر في شأنها مسطرة
الحجز العادية ،حيث يعين هذا الغير حارسا عليها و اوردها املشرع في فروع مختلف من م ت د ع
كالفرع الخامس املتعلق ببعض مساطر التحصيل الجبري الخاصة ببعض األصناف من األموال
كحجز السفن و بيعها اال ان مفهوم االموال القابلة للحجز تثير عدة إشكاليات امام عدم تحديد
املشرع املقصود من األموال القابلة للحجز بصفة دقيقة ،حيث يذهب االتجاه املدافع عن حقوق
الخزينة الى ان غموض هذا املفهوم يخلق عدة إشكاليات وصعوبات عملية للقابض اثناء ممارسة
هذا االجراء خاصة عندما يتعلق األمر بأموال مودوعة لدى البنوك سواء على شاكلة حسابات
جارية او حسابات ودائع كحسابات املحامين واملوثقين اذ غالبا ما يتعلل هؤالء بان األموال املودوعة
في حساباتهم تعود ملكيتها لزبنائهم(.)1
وقد تصدى القضاء اإلداري للحسم في مثل هذه اإلشكاالت عن حق حيث جاء في إحدى
أحكامه " الحساب املنهي للمحامي املنظم بظهير 93/9/10يعتبر حسابا للزبون وليس حسابا خاصا
للمحامي مما يجعل الحجز املضروب عليه لتنفيذ دين ضريبي في ذمة املحامي غير مؤسس –رفضه-
نعم(.")2
- 3من حيث األشخاص :من خالل املادتين 100و 101من م.ت.د.ع يتضح ان األشخاص
الذين يباشر اإلشعار للغير الحائز في مواجهتهم ينقسمون الى قسمين وقد ميزهم املشرع من خالل
عنوان الباب الخامس ،الذي اورد به مسطرة اإلشعار للغير الحائز عوض ان يلحقها بمساطر
التحصيل الجبري او يعنونها بمساطر خاصة للتحصيل الجبري ،فمنهم املصفين القضائيين،
املوثقين الحراس ،مصفي الشركات املنحلة ،كتاب الضبط ،املفوضون القضائيون ،املحامون
- 1االشعار للغير الحائز بين هاجس الفعالية و اكراهات التطبيق،الحسين الحايلة إطار بالخزينة العامة باحث في سلك الدكتوراه
ص .189
- 2امر رئيس المحكمة االدارية بالرباط رقم 701بتاريخ 2006/6/26ملف عدد 06/476وارد بمقال الحسين الحايلة مرجع
سابق ص .189
وسماهم املشرع املودع لديهم ،وهذه الفئة ملزمة بأداء املبالغ املودعة لديها بصفة تلقائية وبصرف
النظر عن وجود تعرض من لدن املدين او الغير دونما حاجة الى تقديم طلب من طرف املحاسب،
وقد جرى العمل اإلجرائي بأقسام التنفيذ باملحاكم عند بيع عقار محجوز او من خالل دعوى
القسمة بين الورثة ان ال يتم تسليم املبالغ اال بعد تقديم األطراف لوثيقة بين يدي مامور التنفيذ
تفيد خلو العقار املبيع وذمة االطراف من التزامات ضريبية ،ومنهم الفئة الثانية وهي التي خاطبتها
املادة 101من مدونة التحصيل وتضم املحاسبين العموميين و املقتصدين و املكترين وكل الحائزين
و املديين اآلخرين بمبالغ يملكها او ينبغي ان تعود لفائدة املدين كاملؤسسات البنكية ورؤساء
كتابات الضبط بصفتهم محاسبين عموميين وهذه الفئة سماها املشرع باالغيار الحائزين وهي ملزمة
بأداء املبالغ الحائزة لها بناء على طلب املحاسب املكلف بالتحصيل على شكل إشعار للغير الحائز.
الديون ،اما ميثاق تحصيل الديون العمومية فقد نص على انه ال يتم اقتطاعها اال بعد تاريخ حلول
اجلها او تاريخ تحقق شرطها.
وفي حالة عدم امتثال االغيار الحائزين واملودع لديهم لاللتزامات املفروضة عليهم بموجب
مسطرة اإلشعار للغير الحائز ،تحل مسؤوليتهم محل مسؤولية املدين على سبيل التضامن
ويصبحون خاضعين لكل إجراءات التحصيل الجبري باستثناء اإلكراه البدني.
والجدير بالذكر انه في حالة حصول امللزم على قرار قضائي لفائدته يتعين على املحاسب
إيقاف إجراءات تحصيل الدين ،اذا تبين للقاض ي اإلداري االستعجالي جدية املنازعة أي املنازعة
املنصبة على صفة امللزم او على عدم قانونية تأسيس الضريبة وفرضها ،وهذا ما ذهبت اليه العديد
من القرارات( )1وكرستها محكمة النقض( )2أيضا بغض النظر عن وضع الضمانات الكافية وفق ما
هو منصوص عليه بمقتض ى املادتين 117و 118من مدونة التحصيل .من خالل ما سبق يتضح ان
أهم اآلثار املترتبة عن اإلشعار للغير الحائز هي التسليم الفوري للمبالغ .
ويعتقد بعض الفقه( )3ان اإلشعار للغير الحائز مؤسسة استحدثت نتيجة تحوير وتطويع
املشرع ملؤسسة قانونية موجودة أصال ،وهي الحجز لدى الغير( )4مع إضافات ترمي إلى تجاوز نقائص
هذه املؤسسة واالستفادة من مكامن قوتها لتغدو أكثر فاعلية ونجاعة خدمة لهدف اقتصادي
محض هو استخالص الديون العمومية بأقل تكلفة ،وهي ليست املرة األولى التي يعهد فيها التشريع
القانوني الى تطويع مؤسسات قانونية من اجل تحقيق أهداف معينة فيحدث مؤسسات جديدة،
نذكر على سبيل املثال الضمان االحتياطي في القانون الصرفي كتطوير للكفالة وغيرها ،اال ان
الغالب في اعتقاد هذا الفقه هو الضمانات التي خولها املشرع الجبائي للملزم سواء منها التشريعية
او القضائية ،ألنه ال يمكن القفز على هذه الضمانات لتحقيق بعض األهداف كيفما كان نوعها
- 1قرار محكمة االستئناف االدارية بمراكش عدد 83وتاريخ 2013/10/23ملف عدد 2013/1902/42غير منشور .
- 2قرار محكمة النقض عدد 10بتاريخ 03يناير .2002
- 3المرحوم مصطفى التراب مرجع سابق ص .344
- 4هناك اختالف بين مؤسسة اإلشعار للغير الحائز و الحجز لدى الغير يكفي ان نذكر ان الحجز لدى الغير ال يصبح سندا تنفيذيا
اال بعد عقد جلسة االتفاق الودي او ما يسمى المصادقة على الحجز من طرف السيد رئيس المحكمة اما االشعار للغير الحائز فال
تحتاج لذلك ،حيث ان الغير ملزم بتسليم المبالغ الى المحاسب حاال؛ اضف الى ذلك ان الحجز لدى الغير يمكن ان ينصب على
االموال او اشياء منقولة يحوزها المحجوز بين يدي ه وال يمكن تصور غير االموال كمحل للحجز في مسطرة االشعار للغير الحائز
وبصريح المادة 102من م.ت.د.ع للمزيد من معرفة اوجه التشابه واالختالف انظر ذ مصطفى التراب تغمده هللا برحمته ،مدى
المقاربة والمفارقة بين الحجز لدى الغير واالشعار للغير الحائز ،سلسلة الندوات الجهوية طيلة سنة 2007المنظمة من طرف
المجلس االعلى (محكمة النقض حاليا) بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيسه في الندوة الجهوية السادسة تحت عنوان المنازعات
االنتخابية والجبائية من خالل اجتهادات المجلس االعلى-مطبعة االمينة الرباط 2007 -ص.341
بالقدر الذي يضمن حسن وعدالة تطبيق هذه املسطرة ،تحقيقا للتوازن الالزم بين حقوق امللزم
وضمانات خالل جميع مراحل التحصيل وحقوق اإلدارة الجبائية .فما هي إذن ضمانات امللزم من
خالل هذه املسطرة ؟
خول املشرع لإلدارة الجبائية سلطات واسعة وامتيازات كبرى باعتبارها الجهة املناط بها
تحصيل الديون الضريبية وفي املقابل منح للمدين امللزم مجموعة من الضمانات القانونية التي توفر
بعض الحماية القانونية ملصالحه وملركزه االجتماعي واالقتصادي في املجتمع سعيا منه لتحقيق نوع
من التوازن في العالقة الجبائية ومحاولة منه ألنسنة إجراءات التحصيل بما يعزز الثقة بين اإلدارة
وامللزم ويسهم في تحسين مناخ األعمال ( ،)1إال أن هذه الضمانات تبقى محدودة في ظل غياب
مسطرة تواجهية تحترم حقوق امللزم بما يضمن التخلي عن عنصر املفاجأة الناتج عن االقتطاعات
املباشرة من الحسابات البنكية لألشخاص وهو ما حدا بالقضاء اإلداري املغربي إلى العمل على
محاولة توفير هذه الحماية والضمانة من خالل إقراره ملجموعة من األحكام والقرارات والقواعد التي
تم إرساؤها بناء على تواتر مجموعة من األحكام العاكسة ملنحى وتوجه معين للقضاء املغربي في
تناوله إلشكاليات مختلفة كشف عنها تطبيق مقتضيات م .ت .د .ع في مباشرة إجراءات التحصيل في
مواجهة املدين وعلى هذا املنحى سنقسم هذا املبحث ملطلبين :
نخصص املطلب األول للضمانات القانونية املخولة للملزم ،ثم نخصص املطلب الثاني
ألوجه الحماية القضائية للمدين خالل مرحلة التحصيل.
- 1مقتطفات من المداخلة التي ألقاها وزير االقتصاد والمالية خالل انعقاد المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات التي انعقدت في
29و 30ابريل من سنة .2013
يمنع تحت طائلة العقاب جنائيا استخالص أي ضريبة مهما كان الوصف أو االسم الذي تجبى به
غير ما دون فيها بموجب أحكام القانون(.)1
- 2عدم رجعية القوانين املؤسسة ملساطير التحصيل :يجد هذا املبدأ سنده الدستوري
في القاعدة املشهورة عدم رجعية القوانين وقد تبنى الدستور املغربي هذا املبدأ من خالل الفقرة 4
من الفصل السادس ولو أن هذا املبدأ يرد عليه بعض االستثناءات نظرا لخصوصية القانون
الجبائي ,مثل القوانين الجبائية التفسيرية أو تغير األسعار في بعض الضرائب (.)2
- 3الحق في استرداد املبالغ التي تزيد عن املبلغ الواجب دفعه :إذا تبين أن الضريبة التي
أداها امللزم بضريبة إضافية أو مزدوجة أو في غير محلها أو نتيجة خطأ مادي ارتكبته اإلدارة أمكنه
استرداد املبالغ التي تم تحصيلها زيادة على مبلغ الضريبة عن طريق توجيه طلب إلى إدارة التحصيل
داخل األربع سنوات املوالية لتاريخ أداء املبالغ الزائدة وإال سقط هذا الحق بالتقادم (.)3
- 4حق امللزم في اللجوء إلى القضاء :كفلت جميع الدساتير العاملية حق لجوء املواطنين
إلى القضاء لرد املظالم دفاعا عن مصالحهم الذاتية وقد حرص الدستور املغربي الذي ينهل من
املواثيق العاملية في بعدها الكوني( )4على ضمان إعمال هذا الحق في محتواه املقرر دستوريا بجعله
االتفاقيات الدولية ،وكما صادق عليها املغرب ،تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية ،وحق
التقاض ي ال يجوز معه قصر مباشرته على فئة دون أخرى أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها أو
إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته ،لضمان أن يكون النفاد إليه حقا لكل من يلوذ به غير مقيد في ذلك
إال بالقيود التي يقتضيها تنظيمه والتي ال يجوز بحال ان تصل في مداها إلى حد مصادرته( .)5و يبقى
حق اللجوء إلى القضاء حق أصيل ال يمكن الحد من مداه أو استعماله إال وفق القانون( .)6وقد ورد
باملادة 141من مدونة تحصيل الديون العمومية بان تعرض النزاعات التي قد تنشأ عن تطبيق
أحكام هذا القانون على املحاكم اإلدارية املوجودة باملكان الذي تستحق فيه الديون العمومية.
- 1غالبا ما ينص المشرع على هذه المقتضيات ضمن الباب المتعلق باالحكام االنتقالية انظر المادة 143من م.ت.ع.
- 2عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص .114
- 3قانون رقم 56.03يتعلق بتقادم الديون المستحقة على الدولة والجماعات المحلية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم
1.04.10بتاريخ 21ابريل 2004الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5208وتاريخ 29ابريل 2004ص .1895-1894
- 4تعتبر المادة 5من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة 1948هي المؤسس لهذا الحق والتي تنص على ان لكل شخص الحق
في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية إلنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق األساسية التي يمنحها له القانون.
- 5مقتطفات من قرار المحكمة الدستورية العليا المصرية قضية رقم 15لسنة 2014مكتبة حقوق اإلنسان جامعة منيسوتا.
- 6قاعدة حكم إدارية اكادير عدد 2006/481بتاريخ 06-12-28ملف عدد 2005/568ش غير منشور.
- 5حق ضمان احترام السر املنهي :في مقابل حق االطالع الذي خوله املشرع لإلدارة
الجبائية ألزمها بكتمان السر املنهي بمناسبة مشاركة كل شخص أثناء مزاولته ملهامه أو اختصاصه
في تحديد الضرائب والواجبات والرسوم ومراقبتها واستيفائها أو املنازعات املتعلقة بها حيث يجب
على إدارة التحصيل أن تحافظ على سرية الوثائق واملعلومات التي تحصل عليها أثناء القيام بمهامها
تبعا ملقتضيات املادة 140من مدونة التحصيل(.)1
- 6احترام حق امللكية والسالمة الشخصية :يعتبر حق امللكية من الحقوق الكونية بل
هناك من أضفى عليه صفة القدسية( )2لذلك نجد جميع الدساتير تنص على احترامه وعدم املس به
إال في حدود ضيقة وطبقا للقانون ويمكن تعريف حق امللكية بأنه حق عيني على ش يء معين يخول
صاحبه دون غيره بصورة مطلقة استعمال هذا الش يء واستغالله والتصرف فيه وذلك في حدود
القانون و النظام دون تعسف ،أما احترام السالمة الشخصية للفرد فينبثق من الحق في الحياة
حيث ال يمكن اعتقال الفرد إال طبقا للقانون تبعا للحاالت التي أجاز فيها املشرع اللجوء إلى اإلكراه
البدني في ميدان التحصيل ،وقد نص الدستور املغربي على الحق في الحياة والسالمة وحماية امللكية
في املادتين 20و 21والفصل .)3( 35
وعليه فإنه ال يمكن اللجوء إلى اإلجبار املالي والجسدي للملزم إال بعد استنفاد جميع
املساطر الرضائية ،وقد كرست مدونة التحصيل الطابع االستثنائي لإلشعار للغير الحائز كوسيلة
لتحصيل الديون العمومية من خالل املادة 36مما يفيد أنه ال يتم اللجوء إلى هذا اإلجراء إال بعد
سلك جميع وسائل التحصيل الجبري األخرى من إشعار و إنذار تحت رقابة القضاء ،طبعا لضمان
عدم تعسف إدارة التحصيل في استخدام السلطات املخولة لها قانونا .هذا بخصوص الضمانات
ا لعامة التي يشترك فيها امللزم مع باقي مواطني البلد فماذا عن الضمانات الخاصة التي خولها املشرع
للمدين خالل مرحلة التحصيل.
- 1تنص المادة 140من مدونة التحصيل "يلزم بكتمان السر المهني وفق أحكام التشريع الجنائي الجاري به العمل لكل شخص
يشارك بمناسبة مزاولة مهامه واختصاصه في تحصيل الديون العمومية بمقتضى هذا القانون".
- 2اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان و المواطن الصادر عام 1789بعد الثورة الفرنسية.
- 3ينص الفصل 20من الدستور المغربي "الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان و يحمي القانون هذا الحق" الفصل 21
ينص على أنه "لكل فرد الحق في سالمة شخصه و أقربائه و حماية ممتلكاته".
يقصد بالضمانات الخاصة مجموع الحقوق واالمتيازات التي يخولها التشريع املنظم
ملساطر استخالص الدين العمومي للملزم( )1وتتنوع هذه الحقوق على مستوى مساطر التحصيل
لتشمل كل ما قررته تلك املساطر من إجراءات تحمل في طياتها ضمانات لفائدة امللزمين تفرض على
إدارة التحصيل وجوب التقيد بشكلياتها وآجالها تحت طائلة بطالن تصرفاتها ( )2وتتلخص أهمها فيما
يلي :
- 1حق اإلخبار واآلجال والشكلية التي ينبغي احترمها قبل الشروع في التحصيل :جعل
املشرع اإلجراءات الجبرية ال تبتدأ إال بعد استنفاد جميع الطرق الحبية في استخالص الدين
العمومي وفق ترتيب معين وضعه املشرع من خالل املادة 39من القانون 97/15املتعلق بتحصيل
الديون العمومية ( )3بهدف أنسنة إجراءات التحصيل من جهة وتحفيز امللزمين على الوفاء وديا
بالديون العمومية ورغبة في تحسين العالقة بين اإلدارة وامللزم من جهة ثانية ،حيث حرص على أن ال
يتم تبليغ اإلنذار إليهم إال بعد انصرام اآلجال املقررة باملادة 30( 91يوما ابتداء من تاريخ االستحقاق
و 20يوما على األقل بعد إرسال أخر إشعار املنصوص عليه في املادة )36وتعتبر هذه اآلجال كاملة
تبعا للمادة 17من مدونة التحصيل ( )4بحيث ال يحسب اليوم األول الذي يقع فيه تبليغ اإلنذار
الضريبي وال اليوم األخير الذي يقع فيه هذا اإلجراء ،كل ذلك رغبة من املشرع في انتفاع امللزم من
اكبر فترة ممكنة وتكريسا لضمانة اإلخبار ومنح متسع من الوقت للملزم ألداء ما بذمته من ديون
عمومية ،حيث جاء بميثاق تحصيل الديون العمومية بواسطة اإلشعار للغير الحائز ضمن عنوان
الضمانات التي يتمتع بها امللزم بخصوص حق اإلخبار واآلجال التي ينبغي احترامها قبل الشروع في
التحصيل بواسطة اإلشعار للغير الحائز .يتم إخبار امللزم بواسطة إعالم بالضريبة يتضمن تاريخ
الشروع في التحصيل وتاريخ استحقاق الدين وفي هذا الصدد يتعين على امللزم أن يخبر اإلدارة
الجبائية واإلدارة املكلفة بالتحصيل في آن واحد بعنوانه الحقيقي وبكل تغيير يطرأ على هذا العنوان
- 1محمد عبد اللطيف الضمانات الدستورية في المجال الضريبي مطبوعات جامعة الكويت الطبعة األولى 1999ص .242
- 2عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص .116
- 3تنص المادة " 39تباشر إجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية حسب الترتيب التالي-:اإلنذار الحجز – البيع."...
- 4تنص المادة 17من ق.ل.ع "عندما يصادف حلول األجل يوما معطال ،يرجأ تاريخ اإلستحقاق إلى أول يوم عمل موال و
تعتبر اآلجال المنصوص عليها في هذه المدونة آجاال كاملة".
وذلك من اجل ضمان توصله باإلشعارات واملراسالت تحت طائلة تحمله مسؤولية اآلثار القانونية
املترتبة عن عدم قيامه بذلك وفي املقابل تلتزم كل اإلدارات املكلفة بالتحصيل بعدم مباشرة أي
إجراء زجري في حق امللزم إال بعد انصرام فترة التحصيل الرضائي وإخباره بما بقي في ذمته من ديون
أصبحت مستحقة وهكذا يستفيد امللزم ابتداء من تاريخ الشروع في تحصيل الدين من أجل سبعين
يوما على األقل لألداء التلقائي لديونه قبل الشروع في مسطرة تحصيل الديون العمومية بواسطة
اإلشعار الغير الحائز" .وبعد إنذار امللزم بضرورة أداء ما بذمته من ديون ضمن اآلجال املحددة وعند
عدم وفائه تبدأ في حقه مباشرة اإلجراءات املوالية من حجز تم البيع مع إلزام املحاسبين املكلفين
بالتحصيل بوجوب الحصول على ترخيص من رئيس اإلدارة التي ينتمون إليها قبل مباشرة إجراءات
التحصيل الجبري هاته ،باستثناء اإلنذار ،واللجوء إلى القضاء للحصول على موافقته في حال رغبتهم
في اتخاذ إجراءات التحصيل الجبري ذات الطبيعة الخاصة واالستثنائية كحجز العقارات والسفن
واألصول التجارية واإلكراه البدني.
وجعلت املدونة هذه اإلجراءات تحت إشراف ورقابة القضاء ملدى سالمة وصحة املسطرة
املتخذة في حق املدين كما نصت على عدم جواز الحجز على بعض األموال العتبارات إنسانية
اجتماعية شخصية (.)1
- 2الحق في االستفادة من التقادم الضريبي :التقادم هو مض ي املدة والتقادم الجبائي في
التحصيل هو سقوط حق اإلدارة الجبائية (املحاسب) في املطالبة بالدين العمومي .واستنادا
ملقتضيات املادة 123من املدونة فان إجراءات تحصيل الضرائب والرسوم والحقوق الجمركية
وحقوق التسجيل و التمبر تتقادم بمض ي 4سنوات من تاريخ الشروع في التحصيل .ويعد التقادم من
الضمانات األساسية املقررة لفائدة امللزم املدين بالضريبة في مواجهة اإلدارة املكلفة بالتحصيل،
ويمكن أن يتم قطع تقادم الديون بسبب مباشرة املكلفين بالتحصيل ألي إجراء من إجراءات
()3
التحصيل الجبري ( )2أو بأحد اإلجراءات املنصوص عليها في الفصلين 381و 382من ق.ل.ع
ولالستفادة من سقوط الحق بالتقادم يجب على امللزم أن يدفع به وإذا تم إجباره باألداء يمكنه
اللجوء إلى القضاء اإلداري لوقف املسطرة املطبقة وال يتقيد في ذلك بمقتضيات الفصلين 117و
118من مدونة التحصيل التي تقتض ي تقديم املطالبة وتكوين الضمانات والغاية من استفادة امللزم
من الحق في التقادم هو حتى ال يظل سيف اإلدارة الجبائية مسلطا عليه من جهة والدفع باملحاسب
املكلف لعدم التقاعس في تحصيل الدين الضريبي من جهة أخرى ،وتجدر اإلشارة إلى انه إذا أوفى
املدين امللزم بدينه بعد انقضاء اجل التقادم فانه ال يستطيع املطالبة باسترجاع املبالغ املؤداة
بدعوى انه دفع دينا انقض ى بالتقادم()1ويبقى أهم اثر للدفع بالتقادم في حال ثبوته هو سقوط
الدين العمومي مع كافة توابعه من فوائد التأخير وصوائر التحصيل حتى ولو لم تكن هذه التوابع
قد سقطت هي ذاتها استقالال بالتقادم الخاص بها تبعا ملقتضيات الفصل 376من ق.ل.ع الذي
ينص على أن التقادم يسقط الدعاوى املتعلقة بااللتزامات التبعية في نفس الوقت الذي تسقط فيه
الدعوى املتعلقة بااللتزام األصلي ولو كان الزمن املحدد لتقادم االلتزامات التبعية لم ينقض بعد".
ويظل املحاسب مسؤوال عن عدم اتخاذ التدابير الالزمة ملنع تقادم الديون العمومية من القيام
اإلجراءات القاطعة له(.)2
- 2منح تسهيالت في األداء ووقف أداء الدين الضريبي :القاعدة العامة انه ال يحق ألي
سلطة عمومية أو إدارية أن توقف أو تؤجل تحصيل الضرائب والرسوم و الديون األخرى ،أو أن
تعرقل سيره العادي تحت طائلة إثارة مسؤوليتها الشخصية(.)3
أما اإلستثناء فهو إمكانية املحاسب املكلف بالتحصيل أو رئيس اإلدارة التي ينتمي إليها أن
يقبال من املدينين تبرئة ذمتهم على أقساط ،مقابل تقديم الضمانات املنصوص عليها في املادة 118
أعاله( )4وإذا كانت جل التشريعات املعاصرة تنص على إمكانية منح تسهيالت لألداء للمدين وتشترط
أن يكون املدين حسن النية وفي ضائقة مالية فإنها ال تنص على وجوب تقديم الضمانات كما يشترط
ذلك املشرع املغربي ،بل تكتفي بالتنصيص على وجوب تقديم املدين تعهدا كتابيا بموجبه بأداء دينه
الضريبي على أقساط( )5بمثابة استعطاف وحماية مؤقتة( )1أما بخصوص الحق بوقف الدين
- 1نصت المادة 73من ق.ل.ع على أن " :الدفع الذي يتم تنفيذا لدين سقط بالتقادم ال يخول اإلسترداد ،ولو كان الدافع يجهل واقعة
التقادم".
- 2تنص المادة 125من مدونة التحصيل على أن " :المحاسبين المكلفين بالتحصيل الذين تركوا أجل التقادم يمر دون القيام
بإجراءات التحصيل أو الذين شرعوا فيها ثم تخلوا عنها إلى أن تقادمت ...غير أنهم يبقون مسؤولين تجاه الهيئات العمومية ."..
- 3الفقرة األولى من المادة 124من مدونة التحصيل.
- 4الفقرة الثانية من المادة 124من مدونة التحصيل.
- 5عبد الرحمان ابيال رحيم طور مرجع سابق ص ، 66وقد كانت وزارة العدل والحريات سباقة ورائدة في تفسير الفقرة ما قبل
األخيرة من المادة 118من مدونة التحصيل عندما اعتبرت التزام المنفذ عليه باألداء بمثابة ضمانة وفقا للسلطة التقديرية التي
العمومي فهو حق وضمان مخول بمقتض ى القانون للمدين في اللجوء إلى املحاسب املكلف من اجل
أن يوقف أدائه للدين العمومي أو متابعته بإجراء من إجراءات التحصيل الجبري وذلك إلى حين
البث في شكايته املتعلقة بوقف الدين من طرف اإلدارة الجبائية وهو ما يطلق عليه باملسطرة
اإلدارية التي تتيح للملزم إرجاء الوفاء بالضريبة املتنازع بشأنها( )2أو بعضها وأن يطلبوا من املحاسب
املكلف بالتحصيل إيقاف األداء في الجزء املتنازع بشأنه .وقد نصت مدونة التحصيل على
املقتضيات املنظمة ملسطرة وقف األداء في املواد من 117إلى 120و وضعت مجموعة من الشروط
الشكلية واملوضوعية لالستفادة من هذا الحق .وتتمثل هذه الشروط الشكلية في :
تقديم طلب ممن لم الصفة وهو املدين سواء املدين الرئيس ي املباشر أو املدينين
املشار إليهم في املواد من 93إلى 99من مدونة التحصيل.
ضرورة وجود منازعة في أصل الضريبة موازية لطلب وقف األداء.
ضرورة تقديم الطلب داخل اآلجال املنصوص عليها في القوانين واألنظمة الجاري بها
العمل(.)3
أما الشروط املوضوعية فتتلخص في :
أن يكون الطلب قد انصب على الجزء املتنازع فيه .
تقديم ضمانات من شانها أن تؤمن تحصيل الديون أو الجزء املتنازع فيه تبعا للمادة
118من مدونة التحصيل.
وعند اعتبار املحاسب للطلب مستوفى لجميع الشروط الشكلية و املوضوعية وكون
الضمانات املقدمة من طرف املدين كافية( )4فإن املحاسب يوقف جميع إجراءات التحصيل الجبري
منحها المشرع إلى المحاسب المكلف بالتحصيل من خالل الرسالة الدورية عدد 63س 1وتاريخ 24شتنبر 2014حول موضوع
التدابير اآلنية الواجب اتخاذها للرفع من مردودية وحدة التبليغ والتحصيل بالمحاكم.
- 1تنفيذ األحكام اإلدارية و الحقوق التي تحجز إداريا إلقتضائها ،الطيب برادة ،األمنية بالرباط.
- 2تحصيل الديون الضريبية مقاربة قانونية و قضائية ،عبد الرحيم الكنبداري ،مرجع سابق.
- 3نظرا لعدم تحديد اآلجال و غموضها فإن صياغة المادة 117من مدونة التحصيل لقيت انتقادات عديدة ،للمزيد انظر عبد الرحيم
ابليال و عبد الرحيم طور مرجع سابق ص .71
- 4عدد الفصل 118من م.ت هذه الضمانات في السندات العمومية و غيرها من القيم المنقولة و الكفالة البنكية و الديون على
الخزينة العامة و سندات التخزين و رهن األصل التجاري أو تخصيص عقار بالرهن الرسمي أو أية ضمانات أخرى تقبل من
طرف المحاسب .انظر الهامش 66قبله بخصوص ريادة وزارة العدل و الحريات في التوسع في تفسير عبارة "الضمانات
األخرى" الواردة بالفقرة ما قبل األخيرة من م 118من مدونة التحصيل.
الجارية في حق املدين األصلي املباشر وكذا املتضامنين واألغيار والحائزين حتى ولو لم يكونوا هم
الذين تقدموا بطلب وقف األداء.
أما في حالة عدم تكوين ضمانات أو عندما يعتبر املحاسب املكلف بالتحصيل أن الضمانات
املعروضة غير كافية فانه يتابع اإلجراءات إلى حين استيفاء الدين ( )1وقد اعتبر القضاء اإلداري عدم
تقييد الضمانة املتمثلة في رهن األصل التجاري بالسجل التجاري رغم اإلشهاد على تقديمها بمقتض ى
أمر استعجالي ومرور ما يناهز شهرين على التزام طالب اإليقاف بالتقييد يجعل محصل الضرائب
محقا في اإلستمرار في عملية االستخالص(.)2
وباإلضافة إلى كل هذه الضمانات التي خولها املشرع للمدين في مرحلة التحصيل وخاصة
بمناسبة مسطرة اإلشعار للغير الحائز فان القضاء اإلداري املغربي بدوره عمل على تكريس مجموعة
من الضمانات لفائدة املدين املواجه بهذه املسطرة من خالل مجموعة من األحكام الصادرة عن
مختلف درجات املحاكم املختصة في املادة اإلدارية والتي حاولت إحداث توازن في العالقة الجبائية
بين طرف قوي يملك العديد من الصالحيات واالمتيازات و طرف ضعيف يملك بعض الضمانات
التي ال يمكن بحال من األحوال ان تقارن بتلك املخولة إلدارة التحصيل( ،)3حول هذه الضمانات التي
حاول القضاء اإلداري املغربي ترسيخها لفائدة املدين من خالل مسطرة اإلشعار للغير الحائز
سيتمحور املطلب الثاني.
التحصيل ترتبط بالشرعية االجرائية ومبدأ الشك يفسر لصالح امللزم ,كما انه تخفيفا عن امللزم
فقد جعل عبئ اإلثبات موزعا بين إدارة التحصيل وبين امللزم وجعلها من الضمانات املخولة للملزم
عند ما يكون اإلثبات على عاتق اإلدارة الجبائية()1حيث تأخذ املنازعة في مسطرة اإلشعار للغير
الحائز أوجها متعددة فرضها غموض موقع هذا اإلجراء من درجات املتابعة من جهة ،ومن جهة
أخرى اإلشكالية القانونية املتمثلة في تحديد طبيعة هذه املنازعة ،هل هي منازعة وقتية يختص
بالبت فيها قاض ي املستعجالت ؟ أم هي منازعة موضوعية يرجع فيها االختصاص ملحكمة املوضوع ؟
()2
وأمام صمت املشرع ،فإن أغلب توجهات القضاء اإلداري املغربي قد سارت في نفس املنحى
الذي ذهب إليه الفقه في اعتبار اإلشعار للغير الحائز حجزا تنفيذيا(.)3
ويمكن أن نميز داخل الضمانات التي كرسها القضاء اإلداري املغربي بين ضمانات كرسها
القضاء أالستعجالي وأخرى كرسها قضاء املوضوع.
- 1نجد هذه القاعدة مكرسة في قراري محكمة النقض عدد 2/58تاريخ 2016-01-28ملف اداري الثاني عدد 2015/2/4/1193
والقرار عدد 4/2وتاريخ 2016-01-07ملف اداري الثاني عدد 2015/2/4/4141غير منشورين ,حيث قضى االول<< لكن
حيث ان المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما عللت قضاءها بما جاءت به من انه لم يثبت من خالل وثائق الملف ان االدارة
المستانفة قد ادلت سواء ا مام محكمة الدرجة االولى رغم التزامها بذلك في محضر جلسة البحت او امام هذه المحكمة رغم التزامها
بذلك في عريضة الطعن باالستئناف بما يفيد ويثبت قيامها بسلوك تلك المسطرة كما يفرضها القانون المحتج به والتي تشكل احدى
الضمانات المخولة لفائدة الملزم في عملية التصحيح الضريبي وهو ما يرتب كجزاء إلغاء التصحيح الضريبي الذي اقدمت عليه
ادارة الضرائب بشان الضريبة موضوع المنازعة تكون قد ردت عن صواب الدفوع المثارة بتعليالت سائغة يؤكدها واقع الملف ....
فالعبرة ليست باالقوال واالشارات في المذكرات والمقاالت بان المسطرة تم التقيدبها بل البد من اثبات ذلك وتعزيزه بالوثائق
والحجج الدالة عل ذلك >>...اما الثاني فاكد انه << ...حيث ان المادة 224من المدونة العامة للضرائب قد اوجبت على مفتش
الضرائب إذا الحظ ما يستوجب القيام ببعض التصحيحات او تقدير ثمن التملك أو نفقات االستتمار ...ان يبلغ الخاضع للضريبة
االساس الجديد المصحح إال أنها لو تشترط ان يثبت هذا المفتش التصحيح بمقتضى عقود مقارنة وال ان يتبث امام المحكمة عند
المنازعة القضائية الثمن المصحح من طرفه وان المحكمة لها من وسائل التحقيق ما يكفيها من التحقق من ذلك واعمال سلطتها في
تقدير ال قيمة المناسبة ،والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما اعتبرت ان <<المشرع افترض ان االصل هو الثمن المصرح به
في صلب عقد التفويت وأتاح لالدارة امكانية اللجوء الى تقويم نقصان االثمنة المعبر عنها في العقود اذا تبث لها من قيامها بقياس
متوسط االثمنة المعمول بها في السوق العقارية بمكان وزمان معين باعتماد المقارنة مع عقود البيع التي تقدم الدارة التسجيل قصد
تسجيلها وانه لما كان من الواضح ان المستانف عليها نازعت صراحة في مقالها للدعوى في صحة االسسس المعتمدة في عملية
التصحيح فان ادارة الضرائب تكون في المقابل مطالبة باال دالء يمراكز المقارنة التي تتبت موضوعية مسطرة التصحيح التي
نهجتها مما يجعل العقود المذكورة ال تصلح كعناصر للمقارنة >>..فانها تكون قد جعلت من عناصر المقارنة شرطا لقبول مبدأ
تصحيح الضريبة في حين ان المشرع لم يتطلب ذلك بمقتضى المادة 224من المدونة العامة للضرائب كما ان المحكمة اذا كانت
تملك سلطة تقدير عناصر المقارنة فان استبعادها لهذه العناصر في غياب اثبات الملزم ما يخالف ذلك كان يقتضي منها اجراء
تحقيق بواسطة خبير مختص وهي لما لم تفعل فانها لم تمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على ما انتهت إليه.>>...
- 2عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص .92
- 3قرار محكمة االستئناف االدارية بمراكش عدد 61بتاريخ 03يوليوز 2013ملف رقم 2013/1902/14غير منشور.
الفوري ألموال املدين املوجودة لدى الجهات املعنية باألمر ومن تم فان هذه االجراءات تستدعي
تدخل قاض ي املستعجالت كلما كانت مراكز االطراف واضحة وبالتالي فان الدعوى املرفوعة الى هذا
األخير تعتبر مقبولة حتى وان كانت غير مسبوقة بأية مطالبة ادارية ودون تقديم اية ضمانة الش ئ
الذي يبقى معه ما اثير بخصوص خرق مقتضيات املادتين 117و 118من مدونة التحصيل الديون
العمومية غير جدير باالعتبار.
وحيث من جهة اخرى فان االستجابة لطلب ايقاف تنفيذ اجراءات التحصيل رهينة بتوفر
عنصري االستعجال وجدية املنازعة.
وحيث ان حالة االستعجال تنشأ من طبيعة الحق املطلوب صيانته ومن الظروف املحيطة
به ويستنتجها قاض ي املستعجالت من ظروف ومالبسات الدعوى املعروضة عليه اما جدية املنازعة
فهي تتجلى إما في منازعة امللزم في صفته كخاضع للضريبة او في قانونية تأسيسها وفرضها وإجراءات
استخالصها حسبما استقر عليه االجتهاد القضائي في هذا الصدد وكرسته محكمة النقض الغرفة
االدارية في العديد من قرارتها منها القرار عدد 10الصادر بتاريخ 2002-1-3في امللف عدد
. 2/1/4/1628
وحيث ان حالة االستعجال تعتبر قائمة في نازلة الحال بالنظر الى ان من شان متابعة
اجراءات االستخالص املباشرة في حق املعني باألمر عن طريق االشعار للغير الحائز غل يده ومنعه
من التصرف في حسابه البنكي مع ما قد ينجم عن ذلك من أضرار >>...
وجاء في احدى حيثيات االمر الصادر عن السيد رئيس املحكمة االدارية بالرباط( " :)1وحيث
تواتر االجتهاد القضائي على االستجابة لطلبات إيقاف اجراءات تحصيل الديون العمومية كلما
قامت جدية املنازعة في صفة امللزم او في البطالن الظاهر ملسطرة الفرض أو التحصيل أو في تقادم
هذه االخيرة او متى توفر عنصر االستعجال بمفهوم الضرر الذي يتعذر تداركه وذلك دونما حاجة
إلى تقديم الضمانات املنصوص عليها في املادة 117من مدونة تحصيل الديون العمومية " ..
ومعلوم أن املنازعة في بطالن مسطرة اإلشعار للغير الحائز ليست من اختصاص القضاء
اإلداري االستعجالي ألنه ال يمكنه النظر إليها إال بالتفحص والتدقيق واملساس بالجوهر وهي بالتالي
تكون من اختصاص قضاء املوضوع حيث جاء في قرار ملحكمة النقض ما يلي( ..." :)1حيث ان مناط
انعقاد اختصاص قاض ي املستعجالت هو توفر عنصر االستعجال في النازلة وعدم املساس بما
يمكن ان يقض ي به في الجوهر وحيت ان الطلب يهدف إلى رفع اإلشعار للغير الحائز وهو طلب بشكل
منازعة جوهرية تقتض ي النظر في مشروعية إجراءات التحصيل وهو يخرج عن اختصاص قاض ي
املستعجالت ويكون االمر بما قض ى بخالف ذلك واجب اإللغاء "..
وجاء في قرار اخر صادر عن محكمة االستئناف االدارية بمراكش( )2ما يلي " :وحيث انه مما
ال مراء فيه ومما استقر عليه االجتهاد القضائي ملحكمة النقض ان االشعار للغير الحائز يعتبر إجراء
من إجراءات التحصيل وان املطالبة برفعه تشكل منازعة موضوعية تخرج عن اختصاص القضاء
االستعجالي في البث فيها ملا فيها من مساس في جوهر الحق خاصة وان املراكز القانونية لإلطراف
بخصوص الدين العمومي موضوع املنازعة الحالية غير واضحة ومن تم فان قاض ي املستعجالت ملا
قض ى برفع الحجز على الحساب البنكي للمستأنف عليها املفتوح لدى بنك ...يكون قد جانب
الصواب ويتعين لذلك التصريح بإلغاء هذا الشق من االمر املستأنف والحكم تصديا بعدم
اختصاص قاض ي املستعجالت للبت فيه " ،بعدما كان في وقت سابق يحور الطلبات املرفوعة إليه
بشأن رفع الحجز إلى طلبات إيقاف إجراءات التحصيل ،حيث جاء في قرار صادر عن نفس املحكمة
(" : )3لكن حيث إنه وبغض النظر عن تلك املنازعة املوضوعية ،فإن قضاء االستعجال دأب على
تحويل الطلبات املقدمة إليه بشأن رفع الحجز املوقع بمقتض ى اإلشعار للغير الحائز على الحساب
البنكي وإعادة تكييفها إلى طلبات إيقاف إجراءات التحصيل .باعتبار أن ذلك هو الجوهر الحقيقي
لتلك الطلبات ما دام تم تقديمها إلى قضاء االستعجال "...
لكن مع ذلك يمكن أن ينعقد اختصاص القضاء االستعجالي للبت في طلب رفع اإلشعار
للغير الحائز( )4التي تكون فيها املراكز القانونية لإلطراف واضحة وال تحتاج إلى فحص هدا اإلشعار أو
- 1قرار عدد 532ملف اداري عدد 2003/2/4/258بتاريخ 2006-6-21منشور بمؤلف محمد قصري المرجع السابق ص
.618-617
- 2قرار عدد 61بتاريخ 3يوليوز 2013ملف عدد 13/1902/14غير منشور.
- 3قرار عدد 142بتاريخ 2008-04-09ملف عدد 2007/2/76منشور بمجلة المحاكم اإلدارية عدد 2008/03ص .198
- 4جاء باألمر الصادر عن السيد رئيس المحكمة اإلدارية بالبيضاء بتاريخ 2007-12-20ما يلي ...( :وحيث يختص قاضي
األمور المستعجلة بالبت في طلبات رفع الحجز متى تبت أن الحجز وقع بطالنا مطلقا لعدم استيفائه األركان الالزمة لصحته أو لعدم
تحقق األوضاع الشكلية الضرورية إليقاعه ،كحالة حصوله بدون سند ،أو انعدام المديونية أو كونه انصب خطأ على حساب بنكي
مملوك للغير...وحيث إن االشعار للغير الحائز يترتب عليه التسليم الفوري للمبالغ المحجوزة ،مما يجعل شرط االستعجال قائما في
تقييمه من الناحية املوضوعية كان يكون الدين العمومي قد تم تسديده من قبل امللزم ولهذا األخير
الدليل املثبت لذلك فهنا يكون دور قاض ي املستعجالت هو معاينة أن اإلشعار للغير الحائز لم يعد
له مبرر.
من خالل ما سبق يتضح أن القضاء االستعجالي قد أبدى في مسعاه لتحقيق الضمانات
الالزمة للطرف األضعف في العالقة الجبائية نوعا من التدخل االيجابي في تأويل وتفسير بعض
النصوص وتحديد نطاق مقتضياتها ,فما هي يا ترى الضمانات التي حاول قضاء املوضوع جاهدا
تكرسيها في سبيل تحقيق نوع من التوازن في العالقة الجبائية بين اإلدارة وامللزم وهو ما سوف يكون
موضوع الفقرة الثانية .
الفقرة الثانية :الضمانات التي كرسها قضاء املوضوع
لقد أجمع القضاء املغربي على اعتبار أن املنازعة في صحة أو مشروعية مسطرة اإلشعار
الغير الحائز من اختصاص قضاء املوضوع ألنها إما منصبة على تدرج اإلجراءات ومدى احترامها من
قبل املحاسب املكلف بالتحصيل أو منصبة على مشروعية الضريبة موضوع اإلشعار أو منصبة على
صفة امللزم بالضريبة وكلها منازعات يفترض فيها املساس بالجوهر وتبقى من اختصاص قضاء
املوضوع ،جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش( )1ما يلي" :حيث لئن كان إجراء
اإلشعار للغير الحائز املخول للقابض اللجوء إليه تطبيقا للمادة 101وما بعدها من مدونة تحصيل
الديون العمومية هو إجراء تنفيذي استثنائي يعتبر النزاع بشأنه كما هو الشأن بالنسبة للمنازعة في
باقي إجراءات التحصيل – نزاعا موضوعيا ال يختص به قاض ي االستعجال نظرا ملساسه بجوهر
النزاع فان البث في مشروعيته التي أثارها الطرفان بمقتض ى الطعن باالستئناف ...هو من قبيل
املنازعة املوضوعية التي من شان البث فيها التعرض لجوهر املنازعة وهو خارج عن اختصاص
قاض ي االستعجال ."...و من بين أهم الضمانات التي كرسها قضاء املوضوع قاعدة تدرج املتابعات
ورتب على عدم احترامها بطالن اإلشعار للغير الحائز بالرغم من االرتباك الذي عرفته مدونة
التحصيل العمومية وهي تتطرق لإلشعار الغير الحائز حيث لم تدرجه ضمن ترابية إجراءات
النازلة ،وحيث إنه بالنظر لألثر الفوري لإلشعار للغير الحائز كإجراء تنفيذي مباغت ارتأينا األمر مؤقتا برفع الحجز على الحساب
البنكي للطالب) أورده عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص .96
- 1قرار عدد 142بتاريخ 2008-04-09في الملف عدد 2007/2/67منشور بمجلة المحاكم االدارية عدد 2008/3الصفحة
.199-194
التحصيل وفق املادة 39منها وخصته بباب مستقل هو الباب الخامس تحت عنوان التزامات املودع
لديهم واالغيار الحائزين ،حيث جاء في أمر صادر عن السيد رئيس املحكمة اإلدارية بالرباط( )1مايلي
" وحيث ان الحجز بواسطة اإلشعار للغير الحائز يعتبر في حد ذاته حجزا تنفيذيا على أموال املدين
ومن تم يشترط أن ينصب على أموال خاصة باملدين دون غيره وان تحترم بشأنه قاعدة تدرج
املتابعات كما هي منصوص عليها في القانون 15/97من توجيه لإلشعار بدون صائر وتبليغ قانوني
لإلنذار الضريبي قبل الحجز وان كل إخالل بهاته الشروط يجعل إجراء الحجز غير مبرر" وجاء في
أمر حديث آخر عن نفس الجهة (" )2وحيث انه من جهة أخرى فان املشرع اوجب من خالل مدونة
تحصيل الديون العمومية احترام تراتبية إجراءات التحصيل وفق ما استقر عليه العمل القضائي في
إطار الضمانات املخولة للملزمين وانه في ظل عدم تبوث توجيه إنذار قانوني باألداء يكون لجوء
القابض إلى مسطرة اإلشعار للغير الحائز مع ما تتضمنه من أمر مباشر بتحويل املبالغ إلى الجهة
الدائنة ينطوي على مخالفة ملبدأ التدرج املقرر في مدونة تحصيل الديون العمومية وهي اإلجراءات
اآلمرة امللزمة لالداراة والتي ينجم عن مخالفتها بطالن إجراءات التحصيل كما في نازلة الحال ،الش يء
الذي يتعين معه التصريح ببطالن اإلشعار للغير الحائز موضوع الدعوى وترتيب اآلثار القانونية على
ذلك "...
وجاء بقرار صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش مايلي( ...": )3وحيث استقر
االجتهاد القضائي للغرفة اإلدارية على اعتماد أن عدم ثبوت احترام تدرج إجراءات التحصيل الجبري
يجعل مسطرة التحصيل معيبة( ،قرار الغرفة اإلدارية عدد 53بتاريخ 21يناير 2004امللف عدد
"...) 2003-2-4-758و فعال هذا ما كرسته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض حسب أخر قراراتها في
املوضوع (" )4لكن حيث انه و بمقتض ى املادة 36من مدونة تحصيل الديون العمومية فانه ال يمكن
مباشرة التحصيل الجبري إال بعد إرسال (آخر إشعار إلى املدين) ...ومؤدى ذلك أن تبليغ اإلشعار
بدون صائر قبل اللجوء إلى مسطرة التحصيل الجبري يعتبر ضمانة أساسية للملزم ال يمكن تجاوزها
بمجرد التقييد في الجدول بل ال بد من إثبات املحاسب املكلف بالتحصيل قيامه بتبليغ اإلشعار
- 1امر عدد 1015بتاريخ 2009-7-28ملف رقم 2009/01/860غير منشور اورده عبد الرحيم الكنبداري.
- 2امر صادر عن السيد رئيس المحكمة االدارية بالرباط بتاريخ 2016-4-5ملف عدد 2016/7109/14المرجع السابق ص
123هامش 462غيرمنشور.
- 3القرار عدد 85بتاريخ 25يناير 2012ملف عدد 2- 2010/09/200غير منشور.
- 4قرار عدد 2/331بتارخ 2015-04-16ملف اداري الثاني عدد 2014/2/4/2041غير منشور.
املذكور واملحكمة التي اعتبرت أن عدم إدالء الطالب بما يفيد توصل املطلوب باإلشعار املذكور
يجعل إجراءات التحصيل الغية ،تكون قد طبقت املقتض ى املذكور مما يجعل قرارها مرتكزا على
أساس ومعلال تعليال سليما والوسيلة على غير أساس " ...من خالل قراءة سريعة ملختلف هذه
األحكام والقرارات الصادرة عن مختلف درجات القضاء اإلداري املغربي يتضح انه اعتبر مسطرة
اإلشعار للغير الحائز حجزا تنفيذيا من شانه غل يد امللزم عن التصرف في ماله وتحويله حاال إلى
خزينة الدولة ويجب احترام تدرج وتراتبية املتابعات شأنه وفي ذلك تعزيز اكبر لضمانات امللزم
الضريبي وبالطبع ليست هي الضمانة الوحيدة التي كرسها قضاء املوضوع حيث نجد أيضا حق امللزم
في التبليغ القانوني بآخر إشعار بدون صائر تم اإلنذار قبل ممارسة مسطرة اإلشعار للغير الحائز
حيث ذهب القضاء اإلداري إلى اعتبار تضمينات الجدول الضريبي وان كانت صحيحة إال أنها ال تنزل
منزلة التبليغ حيث جاء بقرار للغرفة اإلدارية انه "لئن كان كل ما اثبت بمستخرج الجداول من
البيانات ينهض حجة على أن محصل املالية وجه التنبيه بدون صائر فإنها ال تنهض حجة على امللزم
أمام إنكاره املستمر توصله باإلعالم الضريبي وبالتنبيه باألداء بدون صائر وباإلنذار باألداء قبل
مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري" ( )1إال ان بعض الفقه( )2ذهب ابعد من ذلك وأكد أن العمل
القضائي اعتبر الرسالة التبليغية التي تبعثها اإلدارة وترجع حاملة لعبارة (غير مطلوب) ال تعتبر
توصال صحيحا ،إال أن املتمعن في االجتهادات القضائية في املادة اإلدارية يرى العكس حيث جاء
بقاعدة قرار صادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش مايلي(": )3توجيه اإلشعار الضريبي إلى
الخاضع للضريبة عن طريق البريد املضمون مع اإلشعار بالتوصل إلى العنوان الوارد بإقراره او في
العقد موضوع الضريبة أو في مراسالته والذي رجع بمالحظة (غير مطالب به) يعد تبليغا صحيحا
ومرتبا لجميع أثاره القانونية بعد انصرام اجل 10أيام التالية لتاريخ إثبات تعذر التسليم."...
و هذا ما أكدته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض في إحدى قراراتها األخيرة( )4الذي جاء فيه :
" ....حيث انه وطبقا للمادة 10من كتاب املساطر الجبائية فانه عند تعذر التبليغ لألسباب
املذكورة بهذه املادة ومنها رجوع الرسالة بمالحظة (غير مطالب به) فان التبليغ يعتبر متحققا بعد
- 1قرار عدد 369بتاريخ 2003/06/15ملف إداري عدد 2002/4/1437أورده عبد الرحيم الكنبداري مرجع سابق ص 123
عن زكرياء الدغمي مرجع سابق هامش ص رقم .458
- 2محمد االعرج المنازاعات الجائية في العمل القضائي للمحاكم االدارية ص .58
- 3قرار عدد 403بتاريخ 29ابريل 2010ملف رقم 2010/9/15غير منشور.
- 4قرار عدد 2/29بتاريخ 2016/01/21ملف اداري الثاني عدد 2010 2015/2/4/75غير منشور.
مرور اليوم العاشر لتعذر التبليغ ."...وفي هذا الصدد وكما عبر عن ذلك ميثاق تحصيل الديون
العمومية بواسطة اإلشعار للغير الحائز فانه يتعين على امللزم أن يخبر اإلدارة الجبائية و اإلدارة
املكلفة بالتحصيل في آن واحد بعنوانه الحقيقي وبكل تغيير على هذا العنوان وذلك من اجل ضمان
توصله باإلشعارات واملراسالت تحت طائلة تحمله مسؤولية اآلثار القانونية املترتبة عن عدم قيامه
بذلك .أما مالحظة (الرجوع الى املرسل) فلم يعتبرها قضاء الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض تبليغا
حيث جاء بإحدى قراراتها األخيرة( .." )1واملحكمة مصدرة القرار املطعون فيه بتأييدها للحكم
املستأنف تكون قد تبنت تعليله الذي ورد فيه ( ان اإلدارة صرحت خالل جلسة البحث أنها وجهت
رسالة التبليغ األولى إلى املدعى -املطلوب -بعنوانه املضمن بعقد البيع والتي رجعت بمالحظة -غير
مطالب به -دون ان تدلى بما يثبت تلك الواقعة رغم تكليفها بذلك وهو تعليل مطابق لواقع امللف
الذي بالرجوع إليه يلفي ان رسالتي التبليغ أرجعتا بمالحظة -الرجوع إلى املرسل -دون أي إفادة بشأن
حصول التبليغ من عدمه علما بان إدارة البريد اذا كانت هي الجهة املكلفة بالتبليغ فان ذلك ال ينفي
دور إدارة الضرائب في التحقق منه وتتبع إجراءاته لتحقيق ضمانة التبليغ القانوني والحال خالف
ذلك في النازلة ."...وهو ما أكدته أيضا في حيثية أخرى من نفس القرار ":و املحكمة مصدرة القرار
املطعون فيه التي ثبت لها من خالل وثائق امللف و محضر البحث االبتدائي أن االدارة أدلت بصورة
لرسالة تذكير أولى و ثانية و ظرفي البريد املضمون يحمالن مالحظة (الرجوع إلى املرسل) دون أي
إفادة و رتبت عن ذلك بأن الظرفين املذكولرين ال يفيدان شيئا في سلوك مسطرة الفرض و أيدت
الحكم املستأنف بإلغاء إجراءات فرض الضريبة ...تكون قد راعت مجمل ما ذكر "...
وباإلضافة إلى الضمانات التي كرسها قضاء املوضوع استقالال عن القضاء االستعجالي نجد
أنه أكد بعض الضمانات األخرى التي سبق ان كرسها هذا األخير ،منها عدم التقيد باملطالبة
اإلدارية وتقديم الضمانة عندما ال يتم ممارسة مسطرة اإلشعار للغير الحائز بطريقة قانونية و
سليمة حيث جاء بقرار حديث للغرفة اإلدارية بمحكمة النقض( )2مايلي" ...على اعتبار أن امللزم ال
يكون مقيدا بسلوك مسطرة التظلم اإلداري متى ثبت للمحكمة ان الفرض الضريبي قد ثم حيادا عن
الضوابط القانونية املنظمة له و املرتبة لبطالنه "...و هو ما سبق أن أكدته في العديد من القرارات
السابقة (. )1
ومعلوم أيضا أن منازعة امللزم في سقوط الحق في التحصيل بناء على التقادم يعفي من
التظلم اإلداري و تقديم الضمانة أيضا كما أكدت ذلك العديد من القرارات الصادرة عن الغرفة
اإلدارية ( )2حيث جاء بإحداها ":لكن حيث إن إجراءات التحصيل تتقادم بمض ي أربع سنوات بين
تاريخ الشروع في التحصيل أو إجراء من إجراءاته و بين تاريخ اإلجراء املوالي له ،و املحكمة ملا تبث لها
من أوراق امللف و الوثائق املدلى بها من طرف الطاعن أن هذا األخير لئن كان قد شرع فعال في
تحصيل الضرائب ....فإن املدة الفاصلة بين هذا اإلجراء األخير و بين تاريخ حصول املطلوبة على
مستخرج الجداول ...تجاوز أربع سنوات دون أن يتخللها أي إجراء قاطع للتقادم تكون قد طبقت
مقتضيات املادة 123من مدونة تحصيل الديون العمومية املحتج بها تطبيقا سليما ...لكن حيث إن
مسطرة املطالبة املسبقة املنصوص عليها في املادة 120املحتج بها ال تكون واجبة إال في حالة املنازعة
في صحة إجراءات التحصيل أو لعدم اعتبار أداءات يكون الطاعن قد قام بها طبقا للمادة 119من
مدونة التحصيل ،و أما املنازعة في إجراءات التحصيل لسقوط حق الخازن في التحصيل فال يتوقف
قبولها على املطالبة املذكورة و املحكمة ملا ردت الدفع املذكور بتعليلها لم تخرق ما احتج به و تكون
الوسيلة غير جديرة باإلعتبار." ...
ومعلوم أن التقادم ينقطع بكل إجراء من إجراءات التحصيل الجبري يتم بمسعى من
املحاسب املكلف بالتحصيل أو بإحدى اإلجراءات املنصوص عليها في الفصلين 381و 382من
الظهير بمثابة قانون اإللتزامات و العقود ،و عبأ إثبات القيام بهذه اإلجراءات يقع على اإلدارة
الجبائية ،و هذا ما أكدته الغرفة اإلدارية ملحكمة النقض في العديد من قراراتها ( .)3حيث جاء
- 1منها القرار عدد 2/76و تاريخ 2015/01/29ملف إداري (الثاني) عدد 2015/2/4/1733و القرار عدد 258بتاريخ
2015/04/02ملف إداري (الثاني) عدد 2014/2/4/1136حيث جاء بحيثياته "...لكن حيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على
اعتبار الخاضع للضريبة غير ملزم بسلوك مسطرة التظلم اإلداري قبل اللجوء إلى الطعن القضائي متى كانت منازعته منصبة حول
صفته كملزم أو حول عدم تقيد اإلدارة الجبائية بشرط الفرض الضريبي ."..
- 2قرار عدد 242و تاريخ 2011/12/29ملف إداري عدد 2010/1/4/722و هو نفس التوجه الذي سلكته من خالل قرار آخر
حديث لها تحت عدد 2/825و تاريخ 2015/11/19ملف إداري (الثاني) عدد 2015/2/4/1837حيث جاء بإحدى حيثياته " ...و
هذا ما سار عليه اجتهاد محكمة النقض باعتبار أن الطرف المطلوب في النقض ينازع في صفته كملزم ...مما يجعله غير ملزم
بسلوك مسطرة المطالبة اإلدارية المنصوص عليها في المادة ." ... 120
- 3القرار عدد 1/1106المؤرخ في 2015/06/04ملف إداري رقم ،2015/1/4/962و هو نفس المبدأ كرسته الغرفة في القرار
عدد 1/1141المؤرخ في 2015/6/04ملف رقم 2015/1/4/1144و كذا عدد 1/1303المؤرخ في 2015/6/25ملف إداري
رقم 2013/1/4/3599غير منشورين.
بإحداها "لكن حيث إن الطالبين قد اقتصرا في الوسيلة على اإلشارة إلى نص املادة 123من مدونة
تحصيل الديون العمومية ،دون أن يبينا ما هي اإلجراءات القاطعة للتقادم التي قاما بها ،و كيف ثم
خرق نص املادة ،مما لم يمكن معه محكمة النقض من معرفة ما يعيبانه على القرار املطعون
فيه."...
ومعلوم أن طلب امللزم املواجه بمسطرة اإلشعار للغير الحائز و قيامه باألداء استجابة
لإلشعار باعتباره من إجراءات التنفيذ الجبري تجنبا للحجز على أمواله ال يشكل اعترافا يؤدي إلى
قطع التقادم و هذا ما أكده القرار الصادر عن الغرفة اإلدارية ملحكمة النقض(": )1و من جهة ثانية
حيث إن ما قام به املدين من طلب مهلة و أداء استجابة إلجراءات التنفيذ الجبري عليه و تجنبا
للحجز على أمواله كما هو ثابت مما عرض و نوقش و ليس من شأن ما قام به أن يشكل اعترافا
يؤدي إلى قطع التقادم فكان جميع ما أتير بدون أساس "...
و تتقادم ديون الصندوق الوطني للضمان اإلجتماعي تبعا ملقتضيات الفصل )2( 76من
ظهير 1972/07/27بمض ي أربع سنوات من اليوم األول من الشهر الذي يلي صدور البيان الحسابي
السنوي الذي يوجهه الصندوق إلى املدين حيث جاء في إحدى حيثيات القرار الصادر عن الغرفة
اإلدارية ( )3ما يلي " ...و مؤدى الفصل املذكور و خصوصا في فقرته الثانية التي تحيل على مقتضيات
الفقرة األولى أنها تجعل تطبيقها بشأن التقادم الرباعي مشروطا بتوجيه الكشف الحسابي املذكور،
و ال يعتبر عدم توجيهه كل سنة مؤديا إلى سقوط الحق ألن القول بذلك يجعل الدين يتقادم بمض ي
سنة و هو ما يناقض مفهوم النص القائم على أن عدم توجيه الكشف و البيان الحسابي السنوي
كل سنة يجعل الدين متقادما بمض ي أربع سنوات ،مما يكون معه القرار الذي ذهب خالف ذلك
خارقا للفصل 76املذكور و معلال تعليال ناقصا عرضة للنقض "...
باإلضافة إلى كل هذه الضمانات األساسية نجد أن هناك بعض الضمانات املتفرقة من بينها
إمكانية الجمع في دعوى واحدة بين عدة ضرائب ما دامت املنازعة في فرضها أو تحصيلها تخص نفس
- 1القرار عدد 100المؤرخ في 2002/12/26الملف اإلداري عدد 2000/1/4/1281منشور بمؤلف األستاذ محمد قصري
المرجع السابق ص .562,563
- 2ينص الفصل 76المذكور على أنه "تتقادم دعوى التحصيل المقامة منفصلة عن الدعوى العمومية بمضي أربع سنوات من
اليوم األول من الشهر الذي شهر صدور البيان الحسابي و السنوي الذي يوجهه الصندوق ...إلى المدين ...و من أجل تطبيق
أحكام الفقرة السابقة يجب على الصندوق ...أن يوجه إلى المدين قبل 31ديسمبر من كل سنة و إال سقط حقه بيانا حسابيا،
يتضمن العمليات المتعلقة به و ما عليه فيما يخص السنة المالية السابقة"...
- 3يتعلق األمر بالقرار عدد 12/115المؤرخ في 2013/02/21ملف إداري رقم 2011/2/4/886غير منشور.
امللزم ( ،)1عدم التعسف في استخدام السلطات املخولة للخزينة حيث أكد املجلس األعلى (محكمة
النقض حاليا) في احد قراراته أن "بقاء هذا الضمان –حجز تحفظي -ألكثر من سنتين دون رفع
دعوى في موضوع املديونية ...يجعل من الواجب رفع الحجز( ، ".. )2األخذ باآلجال األفيد للملزم و
االعتداد بالتظلم ولو رفع الى جهة غير مختصة مادام انه بإمكان الجهة املتظلم لديها الرتباطها
العضوي بالجهة املعنية احالة التظلم اليها باالضافة الى مجموعة من الضمانات االدارية االضافية
التي اتى بها ميثاق تحصيل الديون العمومية بواسطة االشعار للغير الحائز نذكر منها التزام االدارة
باخبار امللزم بمباشرة مسطرة االشعار للغير الحائز عبر توجيه رسالة إليه في هذا الشأن باملوازاة
مع تبليغ االشعار للغير الحائز ،التزام االدرارات املكلفة بالتحصيل بتخويل امللزم فرصة التخاد ما
يراه مناسبا ملواجهة هذا االمر ،وذلك بارجاء دفع املبالغ املحجوزة للمحاسب املعني الى 72ساعة،
بعد عملية اقتطاع املبلغ من طرف املودع لديه او الغير الحائز الذي توجد اموال امللزم تحت
عهدته ،وال يتم اقتطاع املبالغ بالنسبة للديون بأجل و الديون املشروطة اال بعد تاريخ حلول اجلها
او تاريخ تحقق شرطها،
إال ان العقبة التي تعترض القضاء االداري في تفعيل هذه الضمانات االدارية االضافية
بالرغم من محدوديتها ،انها ال ترقى الى درجة القانون ،وخاصة فيما يتعلق باالجل املمنوح للملزم
التخاذ ما يراه مناسبا حسب تعبير امليثاق ،وهو 72ساعة عكس املشرع الفرنس ي الذي منحه اجل
شهرين باعتبار ان االدارة الجبائية تضمن اداء الدين العمومي عن طريق حجز الحساب تحفظيا و
ان امللزم ال يمكنه التصرف في املبلغ املحجوز من حسابه داخل اجل الشهرين وهناك فرق كبير بين
72ساعة وشهرين فيما يتعلق باتخاذ امللزم ما يراه مناسبا.
يتضح من خالل هذه الضمانات التي اوردتها ان القضاء االداري أنه حاول جاهدا التخفيف
على املدين وتكريس الضمانات التي خولها اياه املشرع بل وإحداث ضمانات جديدة في حال سكوت
النص القانوني او غموض مقتضياته لخلق التوازن النسبي بين طرفي العالقة الجبائية .
- 1هذا ما أكده القرار الصادر عن الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) تحت عدد 653بتاريخ 2006/7/19
ملف إداري عدد 2003/2/4/298وارد بمؤلف ذ /محمد قصري المرجع السابق ص .608
- 2قرار الغرفة المدنية عدد 93/2770بتاريخ 1993/04/02ملف رقم 95/725منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد ،86ص
.134
اال ان االستفادة من كل هذه الضمانات من لدن امللزم تبقى رهينة بمدى وعيه بحقوقه،
وسعيه للحصول عليها عبر اللجوء الى القضاء( .)1مما يستدعي من االدارة الجبائية التكثيف من
حمالت التعبئة والتوعية لبناء جسور الثقة بينها وبين امللزمين ،وكذا ترجمة ميثاق تحصيل الديون
العمومية بواسطة االشعار للغير الحائز الى قانون ملزم لإلدارة و امللزم معا مع التركيز على منح اجل
كاف للملزم ،على غرار التشريع الفرنس ي ،بإرجاء دفع املبالغ املحجوزة للمحاسب املعني.
فهل يمكن الحديث مستقبال عن قانون ينص صراحة على تعزيز ضمانات امللزم خاصة
فيما يتعلق بالتحصيل بواسطة االشعار للغير الحائز في مقابل امتياز الخزينة ؟
- 1معجم اللغة العربية المعاصر ،المؤلف أحمد مختار عمر ،الناشر عالم الكتب ،القاهرة سنة النشر 2008
والصنع ،والتصوير. 1وملا كانت اإلدارة القضائية في املغرب تتميز بخصوصيتها فقد ظلت تشغل حيزا
كبيرا من اهتمام وانشغاالت كاتب الضبط املغربي ورغبته في االرتقاء بمهنته ،وفق منهجية واضحة
تروم تطوير هذا املرفق الحيوي الذي يشكل عصب الدولة في تحقيق األمن القضائي والنجاعة
القضائية و الحكامة الجيدة و العدالة وبسط سيادة القانون .
واإلدارة القضائية كمصطلح حديث ورد في القانون التنظيمي للمجلس األعلى للسلطة
القضائية 2والقانون التنظيمي املتعلق بالنظام األساس ي لرجال القضاء 3و قانون 38.15املتعلق
بالتنظيم القضائي ،4كنتيجة الستقالل السلطة القضائية عن وزارة العدل غير أننا لم نجد في إطار
بحثنا هذا تعريفا جامعا لها بل تتعدد التعاريف وتختلف حسب سياق كل موضوع وطرح كل باحث
ويرى البعض في “اإلدارة القضائية” مجموع إجراءات التسيير اإلداري التي يتخذها القضاة ،والتي ال
تكون قابلة للطعن سواء تعلقت بتسيير العمل داخل املحكمة ،كما هو الحال حين يحدد رئيس
املحكمة ،بعد استشارة الجمعية العمومية ،تشكيلة الجلسات واأليام التي ستعقد فيها ،أو تعلقت
بتدبير القضايا املعروضة ،كما هو الحال حين يقرر رئيس الجلسة تأخير القضية ويحدد تاريخا
معينا للنظر فيها .فمثل هذه القرارات تندرج في خانة إجراءات اإلدارة القضائي".5
غير أن هذا التعريف يظل غير دقيق كون إجراءات التسيير اإلداري يقوم بها أيضا رؤساء
كتابة الضبط تحت إشراف املسؤولين القضائيين وال تشمل فقط تنظيم جدول املحكمة وتصريف
وعرف البعض اإلدارة القضائية بكونها "مجموع املهام التي يقوم بها املوظفون اإلداريون امللفات ّ ،
باملحاكم أو اإلدارة املركزية لوزارة العدل واملصالح التابعة لها التي ال تدخل ضمن اختصاصات
السلطة القضائية ،والتدبير املعقلن ملختلف الوسائل للمساهمة في القيام بالعملية القضائية على
الوجه األكمل ،وتلبية حاجيات املواطنين في التقاض ي بنجاعة وفعالية ". 6
غير أن هذا التعريف يظل هو األخر ناقصا كون اإلدارة القضائية ال تضم فقط املوظفين
اإلداريين وانما موظفين ذوو مهام شبه قضائية واملهندسين والتقنيين .....الخ .كما أن قرار املحكمة
الدستورية في امللف رقم 041/19عدد 89/19م.د نص على "....وحيث إنه ،إلى جانب األعمال
اإلدارية واملالية لإلدارة القضائية ،فإن هذه األخيرة ،تتميز عن باقي اإلدارات العمومية ،في أدائها
لعمل موسوم بالطبيعة القضائية ،ما ُيضفي خصوصية على نشاط مرفق العدالة قياسا بباقي
املرافق اإلدارية األخرى ،فتلقي الشكايات ،على سبيل املثال ،واملحاضر واملقاالت وتحرير
االستدعاءات وحضور االستنطاق وتحصيل الرسوم القضائية وأداء مهام التبليغ واملشاركة في هيئة
الحكم وتحرير محاضر الجلسات وعمل التنفيذ ،وهي أعمال تندرج في خانة الولوج إلى العدالة
وإجراءات التقاض ي ،مما ُيسبغ صفة مساعدي القضاء على هيئة كتابة الضبط املشكلة للمورد
غيبت مفهوما مهما البشري لإلدارة القضائية" 1غير أن هذه التعاريف تبقى تعاريف كالسيكية ّ
وحديثا وهو اإلدارة القضائية اإللكترونية التي برزت أهميتها القصوى خالل جائحة كورونا وقد
عرفت منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ) (OECDاإلدارة اإللكترونية كما يلي "استعمال
تكنولوجيا االعالم واالتصال وخصوصا االنترنيت كأداة لتحقيق إدارة جيدة " 2وعرفها مشروع
املدونة الرقمية رقم 67.13بكونها "مجموعة التكنولوجيات واالستعماالت املرتبطة باإلمكانية
املتاحة امام املستعمل ،سواء كان شخصا ذاتيا او معنويا ،من اجل اخباره وتوجيهه ولتمكينه من
مباشرة املساطر اإلدارية بواسطة الخدمات عبر الخط وكذا بإمكانية اإلدارة من التواصل مع
املستعمل عبر نفس الخدمات" 3وهذه التعاريف يعتريها بعض النقص كون اإلدارة االلكترونية
القضائية فريدة من نوعها فيما تقدمه من خدمات تشمل تبادل الوثائق إلكترونيا والتأكد من
صحتها وتقديم الوثائق بطريقة رقمية وتحيين امللفات رقميا بخالف باقي اإلدارات العمومية الرقمية .
وبما أن موضوعنا سيتمحور حول تكوين كاتب الضبط ،وفق إطار قانوني ومؤسساتي
.فإننا نتساءل جميعا عن ماهية هذا التكوين والجهة التي تقوم به وتعمل على تنزيله ؟ وأهدافه ؟
وأنواعه ؟كما ال ننس ى الحديث عن سياق تراجع وزارة العدل عن إنشاء املدرسة الوطنية لكتابة
الضبط كمؤسسة مستقبلية ال محيد عنها وعن وجودها في تكوين كاتب الضبط واستبدالها بمعهد
املهن القضائية القانونية وكتابة الضبط ،وال ننس ى ذكر نماذج لهذه املدارس في كل من فرنسا التي
تتقدم علينا بخطوات كبيرة في هذا املجال وكذا املدرسة الوطنية ملستخدمي أمانات الضبط في
الجزائر كنوع من الدراسات املقارنة ،مع ذكر االقتراحات والتوصيات التي نقدمها في سبيل إخراج
املدرسة الوطنية لكتابة الضبط لحيز الوجود .
وعليه ،فإن دراستنا لهذا املوضوع ستنطلق من محور أول نعرض فيه للتكوين الذي كانت
تعرفه هيئة كتابة الضبط في ظل املعهد العالي للقضاء سابقا ،قبل أن نتناول التجارب املقارنة في
املوضوع من خالل التجربة الفرنسية والتجربة الجزائرية.
1
-الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.23.60بتاريخ 23محرم 10( 1445اغسطس ،)2023والمنشور بالجريدة الرسمية
عدد ،7228بتاريخ 21صفر 7( 1445شتنبر ،)2023ص .7147 :
-التكوين األساس ي واملستمر في ميدان كتابة الضبط :تلقين علوم وتقنيات ومناهج
التسيير والتدريب وخدمة الوافدين وقواعد وأسس اإلجراءات املسطرية املتبعة أمام مختلف
درجات املحاكم ودراسة قواعد وإجراءات تنفيذ األحكام والقرارات واألوامر القضائية؛
-تنظيم دورات التكوين األساس ي واملستمر والتخصص ي لفائدة مساعدي القضاء
وممارس ي املهن القانونية؛
-القيام بالنشر و األبحات و الدراسات العلمية في مختلف امليادين القانونية و القضائية
و الفقهية؛
-القيام بتنظيم دورات أو ندوات تكوينية في املجال القانوني و القضائي لفائدة أطر و
أعوان الدولة و الجماعات املحلية و املؤسسات العامة و الخاصة؛
-القيام في نطاق اتفاقيات التعاون الثقافي و التقني و القضائي املبرمة بين اململكة املغربية
و الدول األجنبية بقبول طلبة أجانب للمشاركة في دورات تكوين امللحقين القضائيين و موظفي كتابة
الضبط ،و تنظيم ندوات تكوينية متخصصة لفائدة القضاة أو األطر القضائية أو أطر كتابة
الضبط األجنبية ،و القيام بمهام الخبرة و اإلستشارة و التدريس لدى الدول املذكورة.1
لكن ما يهمنا في هذه الدراسة هو التكوين الذي يهم كاتب الضبط سواء األساس ي أو
املستمر ،ذلك أن الولوج لجهاز كتابة الضبط كان يتم من خالل املشاركة في املباريات الخاصة
بموظفي وزارة العدل حسب األطر التالية:
-منتدبين قضائيين
-محررين قضائيين
-كتاب الضبط
-تقنيين معلوماتيين
-مهندسين
2
-مساعدين اجتماعيين
وهؤالء األطر يخضعون لتكوين أساس ي في املعهد العالي وتكوين مستمر .
- 1لمزيد من التفاصيل أنظر الظهير رقم 1.02.240المتعلق بتنفيذ القانون رقم 09.01الصادر في 3أكتوبر 2002
- 2أنظر النظام األساسي لموظفي هيئة كتابة الضبط
- 1المعهد العالي للقضاء ،تكوين كتاب الضبط عنوان الصفحة على األنترنيت:
ism.ma/basic/web/index.php?r=entry/greffiers
واألقسام وإنجاز نفس األشغال التي يقوم بها كتاب الضبط بمختلف فئاتهم ،وجعلهم ،أيضا ،في
احتكاك مباشر مع محيط العمل املنهي لتمكينهم من التأقلم مع الضوابط اإلدارية واملهنية املنظمة
للمرافق القضائية ،واختبار قدراتهم السلوكية والتواصلية في ميدان العمل.
أما بالنسبة لبرامج التكوين األساس ي فتشمل املجاالت التالية :
التعريف باملرفق القضائي ووظائفه األساسية؛
التمكين من املفاهيم األساسية للقانون؛
التعريف بقواعد العمل في املؤسسة القضائية؛
تحقيق الحماية املهنية للموظف الجديد من خالل تعريفه بحقوقه وواجباته
املنصوص عليها قانونا؛
تسهيل االندماج في محيط العمل وذلك من خالل التمكن من آليات التواصل وقواعد
السلوك املنهي لكاتب الضبط.
-2التقييم واملتابعة :
يتم تقييم ومتابعة التكوين األساس ي عبر آليتين:
-استمارات التقييم اآلني املعبأة من قبل املتكونين بعد كل حصة تكوينية؛
-دفتر التداريب باملحاكم املتضمن ملالحظات رؤساء مصالح كتابة الضبط والنيابة العامة
املشرفين على التدريب.1
- 1المعهد العالي للقضاء ،اهداف التكوين األساسي وبرامجه ،الصفحة على األنترنيت:
ism.ma/basic/web/index.php?r=formationi/greffiers
-تقرير الحلقة التكوينية املنجز من طرف املؤطر ،خاصة في جانبه املتعلق باإلشكاليات
والحلول املثارة أثناء الحصة التكوينية،
-االستمارة الخاصة بكل مشارك في الحصة التكوينية.1
لقد حظي إصالح منظومة العدالة بعناية ملكية سامية من طرف جاللة امللك محمد
السادس منذ اعتالئه العرش ،إذ ما فتئ يعطي توجيهاته السامية للنهوض بورش العدالة .من خالل
تحديث القضاء ،وتخليقه وعصرنته ،وترسيخ استقالله ،وجعله في صلب السياسات العمومية
والبرامج الحكومية ،بهدف إحقاق الحقوق ورفع املظالم ،وتوفير مناخ الثقة ،كمحفز على التنمية
واالستثمار .2وكان من نتائج دذه العناية السامية انطالق امليثاق الوطني إلصالح منظومة
العدالة الذي أوص ى باعتماد مبدأ الزامية التكوين األساس ي للموظفين الجدد امللتحقين بهيئة كتابة
الضبط ،ووضع برامج للتكوين األساس ي مناسبة لكل فئة من فئات هيئة كتابة الضبط ،والجمع بين
التكوين األساس ي والتكوين التخصص ي لكتاب الضبط ،وكذا سن مقتضيات قانونية العتماد معايير
موضوعية في تقييم أداء موظفي هيئة كتابة الضبط ،تنبني مبدئيا على القدرة على ضبط وتنظيم
األشغال ،وسرعة تصريف اإلجراءات والتطبيق السليم للقانون وحسن التواصل والكفاءة العلمية.3
وقد سبق لوزارة العدل أن طلبت من النقابات مدها بتصورها حول املدرسة الوطنية
لكتابة الضبط في مارس 2022تاريخ انعقاد جلسة الحوار القطاعي 4وهو ما يوضح رغبة الوزارة
آنذاك في تنزيل هذا املشروع الهام ،كما أن النقابات مدعوة اليوم لفتح نقاش مع قواعدها
-1المعهد العالي للقضاء أهداف التكوين المستمر وبرامجه ،الصفحة على األنترنيت
ism.ma/basic/web/index.php?r=formationc/greffiers
-2مقالة على وكالة المغرب العربي لألنباء بعنوان " تنزيل ميثاق إصالح منظومة العدالة من أولويات أوراش التحديث
المؤسسي والتنموي".
-3مقالة على هيسبريس بعنوان "وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة كتابة الضبط " عنوان المقال على االنترنيت
وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة الضبط )(hespress.com
- 4نفس المقال أعاله ،رابط الخبر وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة الضبط). (hespress.com
بخصوص هذه املقترحات لفتح آفاق مستقبلية جديدة حول آفاق تكوين كتاب الضبط بمختلف
فئاتهم ،وجعل هذا التكوين رافعة أساسية للنهوض باإلدارة القضائية .
واملالحظ أن وزارة العدل قد طرحت مؤخرا مشروعا جديدا ملعهد املهن القضائية
والقانونية وكتابة الضبط على جميع الفاعلين في القطاع يعد بديال عن املدرسة الوطنية لكتابة
الضبط التي سبق للميثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة أن اقترحها كمؤسسة وطنية مستقلة
تعنى بمختلف مجاالت التكوين باإلدارة القضائية من خالل التوصية رقم 143الواردة في الهدف
الفرعي األول املتعلق ب "التأهيل املؤسس ي الحتضان الجودة وضمان التميز" ،من الهدف الرئيس ي
الخامس املعنون ب "إنماء القدرات املؤسسة ملنظومة العدالة".
ناهيك عن أن التوصية رقم 144من نفس مجاالت األهداف قد نصت هي األخرى على
إحداث مؤسسة مستقلة لتكوين املحامين ،ومعهد وطني مستقل للتوثيق ،ومركز مستقل لتكوين
العدول واملفوضين القضائيين والخبراء القضائيين.
من املفارقات أثناء بحثنا عن مراجع تخص املدرسة الوطنية ملستخدمي أمانات الضبط في
الجزائر ،أننا وجدنا املواقع الرسمية للجزائر محجوبة في املغرب ،وهو ش يء يحز في النفس وفعل غير
مبرر ،ويطرح أكثر من سؤال حول الغاية من هذا الحجب وأهدافه ؟ وقد حاولنا االجتهاد قدر
املستطاع من خالل الوصول إلى معلومات متفرقة في مواقع مختلفة .
يسير املدرسة مجلس إدارة و يديرها مدير ،و هي مزودة بمجلس بيداغوجي و علمي.
-5هياكل املدرسة:
تضم املدرسة الوطنية ملستخدمي امانات الضبط الهياكل اآلتية:
-األمانة العامة.
-املديرية الفرعية للتكوين املتخصص.
-املديرية الفرعية للتكوين املستمر و تجديد املعارف.
-املديرية الفرعية للتربصات.
-ملحقات.
-5املهام:
تتولى املدرسة مهام تكوين مستخدمي أمانات الضبط للجهات القضائية بالجزائر ،وتتكلف
في هذا اإلطار ،على الخصوص بما يأتي:
-ضمان التكوين املتخصص لفائدة املتربصين املنتمين لألسالك الخاصة بمستخدمي
أمانات الضبط،
-ضمان التكوين الذي يسبق شغل املنصب و التكوين الذي يسبق الترقية و التكوين
التخصص ي،
-تنظيم نشاطات تحسين املستوى و تجديد املعارف،
-تنظيم االمتحانات و املسابقات،
-تنظيم املحاضرات و امللتقيات و األيام الدراسية ذات الصلة بمهامها،
-إعداد البحوث و الدراسات ذات الصلة بمهامها و ضمان نشرها،
-إقامة عالقات التعاون و التبادل مع املؤسسات املماثلة الوطنية و األجنبية.
ويمكن للمدرسة ،زيادة عن ذلك ،تنظيم محاضرات ولقاءات وأيام دراسية ودورات تكوينية
لفائدة قطاعات أخرى وفقا للكيفيات املحددة بموجب اتفاقيات.1
- 1األمانة العامة للمدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا مهامها وهيكلتها ،الصفحة على األنترنيت :
http://www.eng.justice.fr/index.php?rubrique=204&ssrubrique=11818
وتشارك املدرسة في وضع وتنفيذ الدورتين األولى و الثانية من التكوين القانوني لألمناء
اإلداريين واملساعدين اإلداريين واملساعدين التقنيين التي تنظمها األمانة العامة لوزارة العدل
والحريات ،عمال باملرسوم املؤرخ 22كانون األول/ديسمبر .2009
وكجزء من مهامها ،تقوم املدرسة الوطنية بأعمال بحثية ويمكنها تقديم الدعم التربوي
والخبرة للمحاكم.
وفي إطار خطة تكافؤ الفرص ،تنظم املدرسة الوطنية للتسجيل دروسا تحضيرية إلعداد
الخريجين الشباب للمسابقات الخارجية للموظفين القضائيين ،كما توفر بعثات للتدريب والتعاون
الفني وقد تقترح على مدير الخدمات القضائية اتفاقيات مع مؤسسات أو منظمات تعليمية أو
1
بحثية فرنسية أو أجنبية أخرى.
-3التكوين املستمر :
توفر املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا التدريب أثناء الخدمة لجميع موظفي
املحاكم القضائية الفرنسية.
ويتمتع املحاضرون من جميع املناطق ،بما في ذلك اإلدارات واألقاليم الخارجية ،الذين
تستضيفهم ديجون في مؤسسة تابعة لوزارة العدل ،بظروف مثالية للتدريب ،حيث تضع تحت
تصرفهم فصول دراسية حديثة تتكيف مع التقنيات الجديدة ،وحرية الوصول إلى محطات
الوسائط املتعددة ومركز املوارد الوثائقية ،وأثناء تدريبهم ،يستفيدون من اإلقامة املجانية في
املدرسة واإلطعام املجاني .
ويستهدف برنامجها السنوي ،الذي تثريه اإلصالحات القانونية والتغييرات في أساليب العمل
ونشر التكنولوجيات الجديدة ،جمهورا واسعا ،كمكان للتعلم وتحسين املمارسات املهنية في مهن
التسجيل ،حيث تستقبل املدرسة كل عام أكثر من 1500متدرب بمناسبة دورات التكوين املستمر
التي يتم تنظيمها في املقرات التابعة لها.
- 1قرار مؤرخ في 17ابريل 2022يحدد تنظيم ومهام المدرسة الوطنية لكتابة الضبط ،الموقع على األنترنيت:
Arrêté du 17 avril 2012 fixant l'organisation et les missions de l'Ecole nationale des greffes -
Légifrance (legifrance.gouv.fr).
يتم تحديدها سنويا من طرف املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بالتشاور مع مديرية
الخدمات القضائية التابعة للمستشارية ووفقا ألولويات اإلدارة املحددة في وثيقة توجيه التدريب
املتعددة السنوات وترتبط باالحتياجات التدريبية املحددة بين موظفي املحكمة ،وهي تشكل بنية
برنامج التكوين املستمر الذي اقترحه قسم األنشطة التربوية باملدرسة.
وتهدف جميع الدورات التدريبية املقدمة إلى تحسين نوعية الخدمة العامة من خالل تعزيز
املهارات التقنية ملوظفي كتابة الضبط باملحاكم.1
-1نبذة عن التكوين المستمر في المدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا ،الصفحة على األنترنيت
Ministère de la Justice - Ecole nationale greffes
-خاتمة :
ال يسعنا في الختام إال القول أننا في املغرب ال زالنا متأخرين في مأسسة تكوين كتاب
الضبط بشكل أكثر تنظيما وتخصصا ،على غرار بعض الدول كفرنسا التي تأسست فيها املدرسة
الوطنية لكتابة الضبط سنة 1974بينما ظلت الفكرة في املغرب تراوح مكانها منذ انطالق جوالت
الحوار الوطني حول إصالح منظومة العدالة سنة ، 2011لهذا فوزارة العدل مدعوة اليوم لتنزيل
وإخراج املدرسة الوطنية لكتابة الضبط كمؤسسة تكوينية مستقلة ال غنى عنها في سبيل تطوير
كتابة الضبط املغربية التي تبقى املدخل األساس ي لتحقيق حكامة املرفق القضائي وترسيخ بنيان
العدالة وتقديم خدمة تليق باملرتفق وباقي املتداخلين في املنظومة القضائية ،وإلى ذلك نقترح ما يلي :
-1العمل على إحياء النقاش مجددا حول املدرسة الوطنية لكتابة الضبط لتلقي
االقتراحات من مختلف الفاعلين بهيئة كتابة الضبط ومن نخبها املنتجة لألفكار ،تمهيدا إلخراجها
لحيز الوجود في أقرب وقت ؛
-2الرفع من مدة التكوين األساس ي الذي يجب أال يقل عن سنتين للمنتدب القضائي
بحكم املستجدات القانونية التي أوجدها املشرع في قانون التنظيم القضائي الجديد رقم 38.15بما
فيها إحداث رؤساء أقسام ورؤساء املصالح ،وسنة ونصف للمحرر القضائي ،وسنة واحدة لكاتب
الضبط و تتوج بشهادة نهاية التخرج ؛
-3إحداث تعويضات مادية عن التكوين املحلي والجهوي املستمر ،الذي يكون خارج
دائرة املحاكم االبتدائية أو االستئنافية ؛
-4إدراج الذكاء االصطناعي ضمن مواد التدريس وكذا ضمن اليات التواصل والعمل
داخل اإلدارة القضائية (التوجيه ،االستقبال )...؛
-5ترسيخ اعراف املهنة من خالل استقبال األطر الجديدة واملتخرجة .
-موقع املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بديجون بفرنسا ،املوقع االلكتروني Ministère de
la Justice - Ecole nationale greffes
-األمانة العامة للمدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا مهامها وهيكلتها ،الصفحة على
األنترنيت http://www.eng.justice.fr/index.php?rubrique=204&ssrubrique=11818
-قرار مؤرخ في 17ابريل 2022يحدد تنظيم ومهام املدرسة الوطنية لكتابة الضبط ،املوقع
على األنترنيت Arrêté du 17 avril 2012 fixant l'organisation et les missions de l'Ecole
)nationale des greffes - Légifrance (legifrance.gouv.fr
-التكوين املستمر في املدرسة الوطنية لكتابة الضبط بفرنسا ،الصفحة على األنترنيت
Ministère de la Justice - Ecole nationale greffes
-موقع وزارة العدل الجزائرية :
https://enpg.mjustice.dz/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%
D9%8A%D9%81-
%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9/%D8%A
7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9
-مقالة على وكالة املغرب العربي لألنباء بعنوان " تنزيل ميثاق إصالح منظومة العدالة
من أولويات أوراش التحديث املؤسس ي والتنموي"
-مقالة على هيسبريس بعنوان "وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة كتابة
الضبط " عنوان املقال على االنترنيت :
وزارة العدل تستعد إلحداث مدرسة وطنية لهيئة الضبط)(hespress.com
-مقال على موقع زنقة 20بتاريخ 15مارس 2022بعنوان "شروط جديدة لاللتحاق باملحاماة
،شهادة املاستر ومعهد للتكوين مقره بمدينة سال (وثيقة).
-املقاالت القانونية :
-ذ.رشيد صدوق محام عام بمحكمة النقض "اإلدارة القضائية ومبدأ استقالل القضاء في
املغرب " .
-ذ.عبدهللا عصفوري ،منتدب قضائي ،باحث في القانون العام "اإلدارة القضائية بين
التبعية واإلشراف ومبدأ فصل السلط "
-املعاجم :
-معجم اللغة العربية املعاصر املؤلف أحمد مختار عمر ،عالم الكتب القاهرة سنة
النشر2008
-معنى التكوين في املعاجم العربية واألنطولوجيا ،الصفحة على األنترنيت :
https://ontology.birzeit.edu/term/%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%8A%D9
%86
-منظمات دولية :
-منظمة التعاون االقتصادي والتنمية (OECD):املوقع االلكتروني للمنظمة:
https://www.oecd.org/fr/apropos
تعد مسألة تنظيم املجتمعات من املسائل األكثر استقطابا الهتمام الدولة حيث عملت
هذه األخيرة منذ نشأتها على البحث عن أنجع السبل لتنظيم حياة أفرادها سواء من الناحية
السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية ،واتباع سياسة جنائية محددة تستطيع من خاللها حماية
املجتمع من اإلجرام من جهة ،وبسط سلطتها عليه من جهة أخرى ،وذلك بوضع نصوص قانونية
تتسم باملوضوعية تحدد لهؤالء السلوكيات املحظورة التي يجب االبتعاد عنها ،وفي حالة مخالفتها
تقوم الدولة بتوقيع العقاب على مرتكبيها.
بيد أن السياسة الجنائية في بداية نشأتها كانت تهدف إلى تبيان جوانب النقص والقصور في
الوسائل واألنظمة املتبعة في مجتمع ما من أجل التصدي ومكافحة السلوك االنحرافي والجرمي ،ثم
تطور مفهومها تدريجيا بعد استلهام التفسير العلمي لفهم الظاهرة اإلجرامية ،فأصبحت تعنى
بالتوجه العلمي للتشريعات الجنائية في ضوء دراسة شخصية املجرم ،وفي مرحلة الحقة تطور
املفهوم تبعا لتطور علم اإلجرام ومدارسه وباقي علوم الجريمة لتؤسس ملفهوم حديث يقوم على أن
السياسة الجنائية تروم التنظيم العقالني واالستراتيجي لرد الفعل االجتماعي ضد االنحراف
والجريمة في مجتمع ما وفي زمن معين.
وألن التطرق ملفهوم السياسة الجنائية يضعنا رأسا ألول وهلة أمام إشكالية التعريف ،ذلك
أن الفقه تباينت مواقفه كثيرا عند محاولة إيراد تعريف للسياسة الجنائية من الناحية النظرية
باختالف املشارب املعرفية والعلمية ،وكذلك نتيجة التطورات والتحوالت التي عرفتها الظاهرة
اإلجرامية ،1حيث عكست التعاريف األحوال التي كانت سائدة في حقبة زمنية معينة ووسائل التعامل
مع السلوك اإلجرامي ،وكلما تطورت األوضاع االجتماعية والسياسية واألمنية إال ونضجت املناهج
الفكرية والعلمية وأدى ذلك إلى التأثير على مفهوم السياسة الجنائية وأولوياتها ،وبالتالي تغيرها
لتتماش ى مع الوضع الجديد الذي أصبح سائدا.
ويبدو أن مفهوم السياسة الجنائية يتقاطبه مفهومين أساسيين ارتبط كل منهما بمقومات
وأسس فكرية وفلسفية متميزة ،حاول الفقه تصنيفها إلى مفهوم كالسيكي للسياسة الجنائية
(املطلب األول) ،ومفهوم حديث علمي لهذه األخيرة (املطلب الثاني).
-1ساس سياسة الدواب ،قام عليها ورضاها ،والقوم :دبرهم وتولى أمرهم ،وسوس الطعام ،وقع فيه السوس ،انظر في مرادفات
السياسة المنجد األبجدي ،الطبعة األولى ،دار المشرق ،بيروت ،1967 ،ص .572 – 531
املصطلح في اللغة من ساس يسوس سياسة أي الرجل الدابة قام عليها وراضها وساس الوالي الرعية
أي دربها وأحسن النظر إليها.
وسوس الجمع فالنا ،أي ملكوه أمرهم وجعلوه يسوسهم ،وسوس له أمرا زينه له،
والوسواس داء يصيب الخيل في أعناقها لييبسها.1
والرياسة عند الفقهاء املسلمين من قول بعضهم سوسه القوم إن جعلوه يسوسهم أي
ملكوه أمرهم وساس الرعية سياسة إذا أومر عليهم وفي الحديث النبوي الشريف في صحيح البخاري
ورد أنه كانت بنو إسرائيل تسوسهم األنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي.2
أما الجنائية في اللغة كمرادف للسياسة فهي مشتقة من الجناية ،والجناية والجريمة
لفظتان مترادفتان يحل إحداهما مكان األخرى في لغة أهل العرب ويقصد بها الذنب يقال جنى
الذنب جناية أي أترفه وارتكبه ،والجناية مصدر مأخوذ من الفعل جنى.
والجناية لغة اسم ملا يجنيه اإلنسان من شر وما اكتسبه ،تسمية باملصدر من جنى عليه
شرا ،وهو عام في اللفظ إال أنه خص بما يحرم دون غيره.3
ووردت في األثر بمعنى الترويض والتدليل وهو ما يقوم به السائس للدواب واألنعام من
ترويض لها وتدليل ،وتفيد كذلك معنى القيام على الش يء بما يقوم اعوجاجه أو يصلحه.4
والجناية بالكسر مصدر وهي الذنب والخطيئة والزلة ،وعند الحكام الذنب العظيم الذي
يجر العقوبة الجنائية على مقترفه ،فيقال عنده جنى جناية (جني) أي اقترف ذنبا أو خطيئة ،ومنها
جنيا وجنى الثمار أي تناولها من الشجر ،وقيل جنى على نفسه ،وجنى على قومه وعشيرته وجنى
الذنب على فالن أو فالنة أي يجره إليه ،والثمرة ونحوها جنى ،وجنيا أي تناولها من منبتها ،ويقال
جنى الثمار لفالن وجنى الثمرة فالنا ،وجاني عليه بمعنى ادعى عليه جناية لم يقترفها ،وتجنى عليه أي
جانى عليه ويقال تجني عليه جناية ،أما الجنائي فهو املختص بالجناية. 5
-1أبو عبد الرحمن محمد بن عبد هللا قاسم ،معجم الطالب ،ط ،2مكتبة لبنان ناشرون ،بيروت ،1995ص .473
-2محمد بن إسماعيل البخاري ،كتاب أحاديث األنبياء ،باب ما ذكر عن بني إسرائيل ،ج ،3ط ،3دار ابن كثير اليمامة ،بيروت،
،1987 / 1401ص .1273
-3عبد القادر عودة ،التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي ،ج ،1الطبعة الثانية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت،
لبنان2018 ،ص .67
-4لسان العرب ابن منظور ،ج ،62ص ،)431-425( 394-392ط ،1دار إحياء التراث العربي ،بيروت 1988 ،م ،ص
394-392؛ .431-425
-5المنجد األبجدي ،نقس المصدر ،ص .336
ولفظ السياسة الجنائية لغة من ساس يسوس سياسة شرعية ،وقد ورد هذا اللفظ في
اللغة بمعان كثيرة كما سبق أن قلنا.
-1عثمانية لخميستي ،عولمة التجريم والعقاب ،دار هومة ،الجزائر ،2006 ،ص .129
-2كثيرا ما نجد مصطلح السياسة الجنائية في ترجمته الفرنسية بتسمية politique criminelleأو politique pénale
يفيدان نفس المعنى خاصة في تصور الفقيه ،Feurbachولكن ذهب Queloz Nicolasالباحث في القانون الجنائي إلى
التساؤل حول ما إذا كان المفهومين مختلفين بقوله:
Les concepts de politique criminelle et de la politique pénale sont-ils déférents
فاستخلص ما يلي:
-quand la politique Pénale n’est qu’un sous-ensemble de la politique criminelle,
avrai dire quand a la politique pénale, comme l’un seulement des types d’action
de politique criminelle, elle vise à élaborer les incriminations (définition des
infractions) et les sanctions qui s’ensuivent et qui s’individualisent dans les
sentences prononcées par la justice pénale ».
Voir NICOLAS. Queloz, Dictionnaire de criminologie en ligne,
www.criminologie.com, p 1.
-تاريخ االطالع 2021/1/12على الساعة 13h :20.
3-JAQUELINE. Bernat de Célis, La politique criminelle a la recherche d’elle-même,
البحث العلمي حول أسبابها فيكون بذلك قد جمع بين العلم الجنائي وسياسة الدولة في محاربة
الجريمة ،أي بين العلم وفن السياسة ،إال أن هذا التعريف يؤخذ عنه أنه بقي مرتكزا على قانون
الجزاء كوسيلة ملواجهة الجريمة والتصدي لها.1
ويتفق هذا التحديد مع تعريف الفقيه األملاني ميتسجر للسياسة الجنائية بأنها رد فعل
الدولة ضد الجريمة بواسطة قانون العقوبات ،وفي نفس املعنى عرفها الفقيه دوفابر Donnedieu
De Vabresبأنها السياسة التي تحدد رد الفعل العقابي والجزائي وبتعبير آخر أنها ليست إال قانون
العقوبات في حالة الحركة.2
تباينت مواقف الفقه إذن في تحديد تعريف للسياسة الجنائية من الناحية النظرية
التقليدية ،حيث ينطلق جانب منهم من املنظور الذي يعتبر أنها سياسة حمائية للحقوق وذلك
بقولهم "إن السياسة الجنائية هي مجموع الوسائل التي تحددها الدولة للمعاقبة على الجريمة"،
وهو الرأي الذي عارضه جانب آخر من منطلق أن الجريمة ظاهرة اجتماعية فإن هناك وسائل
أخرى غير العقاب وغير الوسائل التي تحددها الدولة في مكافحة الجريمة واالنحراف من قبيل
األديان السماوية واألخالق ودرجة الوعي املجتمعي ،باإلضافة لالعتبارات األخرى.3
وتبعا لهذه التعاريف يوحي املفهوم التقليدي للسياسة الجنائية على أنها مازالت تقوم على
مرتكزات ميتافيزيقية وأفكار تجريدية صرفة تحاكي الواقع دون أن تالمسه ،فكانت النظرة إلى
السياسة الجنائية قاصرة في كونها ال تعدو أن تكون الوسيلة التي يعتمد عليها املشرع الجنائي عند
صياغة نصوص التجريم والعقاب ،أو بصيغة أخرى السياسة الجنائية هي التي تبين املبادئ التي
يجب السير عليها في تحديد ما يمكن اعتباره جريمة والعقوبات املقررة لها والتدابير املانعة ،فهي
بذلك تعمل على توجيه املشرع في سبيل تطوير التشريع الجنائي.4
وال شك أن املفهوم التقليدي للسياسة الجنائية ارتبط ببروز أنظمة سياسية قمعية
استخدمت كلها التشريع الجزائي كوسيلة لفرض املفاهيم الفكرية اإليديولوجية وتوجيه سياسة
-1مصطفى العوجي ،دروس في العلم الجنائي ،ج ،1الجريمة والمجتمع مؤسسة نوفل ،بيروت ،1980،ص .124
2-J.DONNEDIEU. Devabres, La justice pénale d’aujourd’hui, Paris, 1929, p 6.
وقد انتقد هذا الموقف ألنه يركز فقط على فكرة الجزاء المترتب وال يأخذ بعين االعتبار الظاهرة اإلجرامية.
-3محمد التغدويني ،واقعية السياسة الجنائية المغربية ،من منظور التشريع الجنائي المغربي ،مجلة طنجيس ،ع ،2009 ،8ص
.89-88
-4توفيق مصباح ،المحطات الكبرى في السياسة الجنائية المغربية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،ماستر المهن
القانونية والقضائية جامعة عبد المالك السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة ،2016-2015 ،ص .14
الدولة والقضاء نحو قمع كل معارض لهذه التيارات ،فطرح سؤال له حمولته هو هل السياسة
الجنائية سياسة إيديولوجية لخدمة األنظمة السياسية التسلطية واالستبدادية ،وترسيخ
أيديولوجيتها بوسائل القمع الزجري؟ أم أنها وسيلة ملحاربة ومكافحة الجريمة التي تهدد حقوق
ومصالح املواطنين ؟.1
ونتيجة لذلك نشأ وتقوى في ظل هذه املرحلة املذهب التقليدي أو النظام الكالسيكي
le système classiqueللقانون الجنائي الذي أخذ في االعتبار الحل القمعي للمشكلة الجنائية ،وهذا
الحل هو في واقع األمر أقدم الحلول وأكثرها استمرارية وشيوعا على كل الحلول األخرى املطروحة
ملحاربة الظواهر اإلجرامية واالنحرافية ،وقد وصف باملذهب التقليدي ألنه ظهر بين سنة 1748
تاريخ نشر كتاب مونتسكيو روح القوانين Esprit des loisسنة 1813تاريخ ظهور القانون الجنائي
البافاري املستمد أساسا من أفكار فورباخ ،Feubachولكن هذا املذهب الزالت فلسفته تنمو
وتنتشر إلى وقتنا الحاضر ،رغم األفكار التي جلبتها املذاهب التقليدية الجديدة املتأخرة ،ألن أفكار
هذا املذهب ليست أفكارا مبعثرة غير ذات قيمة ،بل هو فقه تأثرت به التشريعات الجنائية
املعاصرة ،وميزته أنه في الواقع تقليدي ألنه مألوف ولم يحدث على األقل انقالبا عميقا فيما يخص
حل املشكلة الجنائية ،فالحل الذي يقترحه هذا املذهب ملكافحة الجريمة هو كما كان في السابق حل
قمعي.2
وهكذا استمر املفهوم التقليدي للسياسة الجنائية إلى غاية 1947حيث كان االهتمام
السائد هو البحث في توجهات السياسة الجنائية التشريعية كوسيلة ملواجهة الجريمة بالقوانين
الجزائية القامعة واملعاقبة ،فعانى القانون الجنائي من أزمة حادة في هذه املرحلة إذ أن مفهومه
التقليدي باعتباره وسيلة تشريعية تحدد سلوك الفرد والجزاءات التي تلحق بمن يخرج على هذا
السلوك ،وليس وسيلة قمع وإخضاع لتيارات سياسية وفكرية تفرضها األنظمة الحاكمة لتسوس
املواطنين وفقا أليديولوجيتها ولو بقوة الزجر.
غير أن مفهوم السياسة الجنائية تطور نسبيا بعد الحرب العاملية الثانية وإن بقي حبيس
املذهب التقليداني بوصف السياسة الجنائية من حيث الهدف على أنها تطوير القانون الجنائي
1-J.DONNEDIEU. De Vabres, La crise moderne du droit pénal, la politique
criminelle des Etats autoritaire, Paris-Sirey, 1938, p 91.
-2محم د الرازقي ،علم اإلجرام والسياسة الجنائية ،دراسة حول الظاهرة اإلجرامية من حيث أسبابها وطرق القضاء عليها ،ط،3
دار الكتاب الجديد المتحدة ،بنغازي ،ليبيا ،2004 ،ص .129-124
ملواجهة الجريمة التي تعرض حقوق املواطن ونفسه وسالمته وماله للخطر1؛ فرغم أن املذاهب
الكالسيكية في مراحل تطورها حاولت أن تحدد مفهوم السياسة الجنائية من منطلق فهم السلوك
اإلجرامي وتفسيره ،فتسأل األستاذ دونديو دو فابر Donnedieu de Vabresهل الجريمة تعتبر خرقا
للقواعد األخالقية أم استعماال سيئا للحرية يستوجب الجزاء أم حالة مرضية فردية أو جماعية
يجب عالجها؟ وهل أن القانون الجنائي قانون قمعي أم قانون رضائي؟ ،بمعنى أنه وسيلة توجيه
سلوك اإلنسان وفكره وتوافقه االجتماعي ،ومن ثم بعد أن بدأت العلوم الجنائية تهتم بدراسة
الظواهر اإلجرامية والسلوكيات االنحرافية تغير مفهوم السياسة الجنائية إلى أنه فن غايته
اكتشاف وسائل محاربة الجريمة.2
وعموما فإن املفهوم التقليدي الضيق للسياسة الجنائية ،3بعدما بدأت املناهج العلمية أو
الوضعية تطفو على السطح ،تأكد أن هذا املنهج الفكري في تعريف السياسة الجنائية تأثر بالفكر
امليتافيزيقي الذي ظل يقوم على التنظير للسياسة الجنائية على التصور والخيال لشرعية ممارسة
الدولة لحقها وسلطتها املطلقة على العقاب -رغم تأثر سياستها الشرعية الجنائية واملوضوعية
اإلجرائية -وتقوية نفوذ السلطة بواسطة تجريم األفعال واصطناع الجرائم التي يطلق عليها الجرائم
الشكلية أو االصطناعية ،على حساب مصادرة الحقوق والحريات الفردية ،وبالتالي يالحظ أنه يقصر
الهدف من السياسة الجنائية على تحديد الجزاء الجنائي املترتب على ارتكاب الجريمة ،4وهو تعريف
قاصر ال يكفل قيامها بوظيفتها في تطوير القانون الجنائي برمته ،5مما أفض ى إلى االنتقال بمفهوم
وفكرة السياسة الجنائية من املرحلة التقليدية إلى املفهوم العلمي.
لقد مر معنا أن تعاريف الفكر الفلسفي التقليدي للسياسة الجنائية تباينت بحسب
الظروف الحضارية والسياسية واالجتماعية والبيئية ،إال أن املسلمات املشتركة بينها ال تنطلق من
حقائق علمية تجعل من البحث في مفهوم السياسة الجنائية يتجه نحو الشمولية واتساع آفاق
ومجال مصطلح السياسة الجنائية ،بل في املقابل التضييق من مدلولها ،وقصره في إنتاج النص
الجنائي للمنفعة االجتماعية على حساب النظرة املجردة والبعيدة عن شخصية املجرم.
لكن واقعية السياسة الجنائية جعلت مفهومها يتطور ويتغير حسب الظروف املختلفة
واإلمكانات املتوفرة ،1ومن هنا تبلورت فكرة السياسة الجنائية أكثر فأكثر ببروز أنصار املفهوم
العلمي انطالقا من معيار الذاتية في تحديد املفهوم؛ ولعل ما تميز به الفكر العلمي الحديث ،أكثر
من غيره هو محاولة التأسيس للمنهاج التجريبي لفهم وتفسير السلوك اإلجرامي ،باعتباره املدخل
لفهم وتعريف السياسة الجنائية ،من خالل طرح تساؤالت ذات أهمية من قبيل ما إذا كانت أبحاث
وأفكار السياسة الجنائية ترقى إلى مستوى النظريات العلمية أم مجرد أبحاث ودراسات؟ وبصيغة
أخرى هل السياسة الجنائية علم أم مجرد مهارات فنية؟ وإذا سلمنا بالعلمية ما مدى استقاللية أو
تبعية علم السياسة الجنائية للعلوم الجنائية األخرى؟
مما جعل مفهوم السياسة الجنائية يتحرك من الدائرة الضيقة ملفهوم التصدي للجريمة
املباشر إلى مجال أوسع وأرحب تأثرا بأفكار الدفاع االجتماعي ،1التي أعطت للسياسة الجنائية
مدلوال يجمع بين الوقاية من االنحراف والجريمة والتصدي لها عبر التشريعات الجزائية ومعالجة
املجرمين وتطوير املؤسسات وأجهزة العدالة الجنائية ،بجعلها مواكبة وأكثر فعالية في فهم
واستيعاب االنتقال من املستوى النظري املجرد واالفتراض ي لسياسة الدولة في التجريم والعقاب إلى
املستوى العلمي وامليداني البحثي الهادف إلى تحقيق منجزات تساهم في حماية الدولة من االنحراف
والجريمة ،وفي الوقت نفسه تحديد مسؤولية الدولة عن تأهيل وإصالح املجرم وتأهيله اجتماعيا،
ليعود لحظيرة الجماعة ساملا معافى ،وتحيد العوامل املؤثرة واملساعدة في االنحراف باتخاذ سبل
الوقاية.2
وهكذا ،يتبين أن تأهيل شخص املجرم للحياة االجتماعية يضمن الدفاع االجتماعي ،إال أنه
يجب إطالق بحوث علمية ذاتية للتحقق من مدى فاعلية الجزاءات في تحقيق أغراض الردع العام
والخاص ،كما أن القواعد الجنائية التي نشأ عن هذا البحث ،تعتبر بمثابة مبادئ يجب أن ترتكز
عليها كل سياسة جنائية مستقلة ،قد أبدع الفقيه ميرل وفتي merle,Vituفي تصوير ذلك بقولهما
"إن السياسة الجنائية هي التي تكشف وتنظم بطريقة منطقية أفضل الحلول املمكنة ملختلف
مشاكل املوضوع والشكل التي تثيرها الظاهرة اإلجرامية".1
انطالقا من هذا التعريف يظهر أن الصفة العلمية للسياسة الجنائية حسب املدارس
العلمية توحي بأنها مجموعة من املبادئ العلمية التي يتحدد على أساسها كيفية توجيه نشاط الدولة
في مجال التجريم والعقاب واملنع ،وتكون تلك املبادئ منسجمة مع املبادئ العامة ،والظروف الذاتية
للمجتمع والظروف الفردية والنظام السياس ي القائم ،بخالف ما جاءت به املدرسة امليتافيزيقية في
تصورها النظري العقلي ،وذلك في سعيها وراء العدالة الجنائية املطلقة وتوجيه املشرع الجنائي بعيدا
عن الواقع االجتماعي.2
ومن زاوية ارتباط السياسة الجنائية باملصالح الجديرة بالحماية اجتماعيا ،عرفها جانب من
الفقه بأنها مجموعة الوسائل الهادفة إلى مكافحة الجريمة وظاهرة اإلجرام في مجتمع معين ،خالل
حقبة ما وموضوعها تحديد ما يعتبر من األفعال املنافية ملصلحة وقيم الجماعة جديرا بالتجريم
والعقاب ،وما ينبغي إخراجه من دائرة التجريم ألنه أصبح غير مناف ملصلحة وقيم الجماعة ،كما
تشمل صورا للجزاء الجنائي األكثر فعالية ،والكفيل بالحد من ظاهرة اإلجرام ،3أو هي عبارة عن
مجموعة النظم واللوائح واملواد التي يتصدى بها املجتمع للجريمة بغرض محاصرتها والتقليل من
مخاطرها،وترد السياسة الجنائية بشموليتها إلى األجهزة التي تتولى رسم وتنفيذ السياسة الجنائية
ونعني بها السلطة التشريعية ،القضائية ،أجهزة األمن والتي غالبا ما تتولى مسؤولية التنفيذ
العقابي.4
وتأييدا لهذا الرأي يمكن أن نقترح للسياسة الجنائية تعريفا يصب في كونها فكر علمي
يؤسس لشرعية الدولة في سياسة التجريم والعقاب ،وذلك برسم األدداف الكبرى للنظام
الجنائي ،بدأ من صياغة نظرية علمية لسياسة التجريم تحمي املصالح الجديرة بالحماية،
وتقوية أجهزة العدالة الجنائية وتفعيل دوردا في تنفيذ أدداف السياسة العقابية للتصدي
للجريمة ،فضال إلى إرشاد القادة لتحديد أولويات وأدداف االستراتيجيات ،والتخطيط الجنائي
للسياسة الوقاية والتصدي لألفعال االنحر افية والجرمية.
1-R.Merle et A. Vitu, Traité de droit criminel, Paris, 1967, p 7.
-2أنظر في نفس المعنى؛ محمد التغدويني ،م س ،ص .90-89
-3سليمان عبد المنعم ،مبادئ علم الجزاء الجنائي ،الطبعة األولى ،المؤسسة الجامعية للدراسة والنشر ،2002 ،ص .28
-4ثورية بوصلعة ،السياسة الجنائية واألمنية في مواجهة الجريمة العابرة للحدود جريمة اإلرهاب ،م س ،ص .31-30
وبذلك يالحظ أن االتجاه الحديث يعطي تعريفا أوسع للسياسة الجنائية املعاصرة على
ضوء وظائفها ،فهي سياسة وقائية تركز على السياسة االجتماعية الرامية إلى تسريع التنمية
االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية التي تحيد العوامل املساعدة واملهيئة لالنحراف
واإلجرام ،وسياسة ملجابهة والتصدي للحدث الجرمي بالوسائل الفاعلة والقادرة على ضبطه
وإخضاعه لإلجراءات القانونية وإصالح وتأهيل الجاني ليعود سويا للمجتمع ،وهي باألساس من
منظور أحد فقهاء السياسة الجنائية سياسة عمومية أمنية للدولة سواء على املستوى الداخلي أو
الخارجي باعتبارها فرع من السياسة اإلجرامية ويحبذ وصف السياسة الجنائية بالسياسة املضادة
للجريمة.1
-1فوزية عبد الستار ،مبادئ علم اإلجرام وعلم العقاب ،الطبعة الخامسة ،دار النهضة العربية بيروت ،بدون سنة ،ص .211
-2ولئن كان المشرع المغربي لم يعرف السياسة الجنائية أسوة بباقي التشريعات المقارنة فإن المجلس الدستوري قد أتى ببيان بعض
مالمحها بالقول" ،أن صالحية وضع السياسة الجنائية التي تعد من السياسات العمومية ،من خالل سن قواعد وقائية وزجرية
لمكافحة الجريمة ،حماية للنظام العمومي وصيانة لسالمة األشخاص وممتلكاتهم وحرياتهم" ،قرار المجلس الدستوري ع -16
992بتاريخ 15مارس ،2016وقد اعتبر كذلك التقرير الثاني لرئاسة النيابة العامة لسنة 2018أن السياسة الجنائية هي
"سياسة عمومية من سياسات الدولة يتم وضعها من طرف البرلمان وتنفذ من طرف النيابة العامة تحت إشراف رئيسها
ومسؤوليته" ،أنظر التقرير الثاني لرئاسة النيابة العامة ،2018 ،ص .150-149
-3مصطفى العوجي ،األمن االجتماعي ،مؤسسة نوفل بيروت ،1983 ،ص 15وما بعدها.
الجنائية لتقييم مدى مالئمة التجريم في النظام القانوني في دولة ما ،وكذا حاالت اإلعفاء من
العقوبة والظروف التي تراها أكثر مالئمة في إطار التجريم.1
ويرى جانب آخر أن علم السياسة الجنائية علم يقوم بدور الوسيط بين علم اإلجرام
وقانون العقوبات ،ودراسة التشريع القائم في ضوء هذا العلم دراسة نقدية للوصول إلى معرفة مدى
التطابق بينه وبين وظيفته االجتماعية وهي حماية املصالح األساسية ،وهذا من منطلق أن املصالح
ليست كلها جديرة بالحماية الجنائية ،فهناك مصالح تحمى إداريا وأخرى مدنيا فتندرج الحماية
القانونية للمصالح بحسب أهميتها .2وفي نظر الفقيه فون ليست Von Lisztيعد علم السياسة
الجنائية علما يعتمد على اإلملام والتنسيق بين الفروع املختلفة للعلم للحصول على تعاون مثمر في
مجال الوقاية من الجريمة أو العقاب عنها ،ومن ثم فهو يتجاوز حدود القانون.3
وعلم السياسة الجنائية حسب االتجاه السابق علم استكمل شرائطه ونظرياته وإن كان
يعتمد على مساعدة علوم أخرى كعلم اإلجرام ،هذا األخير الذي يمده بالنظريات العلمية لفهم
وتفسير الظواهر السلوكية اإلجرامية واالنحرافية ،والوسائل الكفيلة بإخمادها أو محاصرتها
اعتماد على مناهج علمية لإلحصاء الجنائي ،ومنهجي املالحظة والتجريب على العينات املخبرية ،وغيره
من العلوم اإلنسانية األخرى املساعدة واملكملة ،مما يجعله علما يهدف إلى البحث عن الصيغ
واآلليات املالئمة التي تستطيع التوفيق بين متناقضين ومتالزمين في الوقت نفسه ،بين إلزام األفراد
بقاعدة تجريمية تالءم طباعهم االجتماعية ،ويعتقدون بإلزامية الخضوع لها طواعية ،وتنوع الغرائز
واالحتياجات واملصالح الالمحدودة لألفراد من ناحية أخرى ،وكل ذلك على أسس نظرية وعليمة
تستهدف تحديث الفكر الجنائي وباقي أدوات الردع االجتماعية ،وجعلها تتفاعل تأثيرا وتأثرا مع
الواقع االجتماعي والعلم الحديث.
ورغم أن الواقع يساند هذا الطرح الفقهي ملبرراته العلمية وأسسه الفكرية ،فإن جانب آخر
من الفقه يؤمن بأن أفكار السياسة الجنائية وعبر مراحل تطورها ال تعدو أن تكون مجرد أبحاث
ودراسات ال تكتمل فيها ضوابط ومقومات البحوث والنظريات العلمية ،وأن ما اعتمدت عليه كتب
القانون الجنائي من فهم وتفسير للسلوك اإلجرامي في ظل النظريات العلمية يخرج من موضوعات
السياسة الجنائية ويندرج ضمن اختصاص علماء اإلجرام.1
وخالفا ذهب البعض اآلخر إلى إدماج علم اإلجرام في السياسة الجنائية واعتباره جزءا منها،
بينما يرى فريق ثالث على العكس من ذلك أن السياسة الجنائية ليست إال الفن التطبيقي لتكييف
النتائج العلمية لعلم االجتماع الجنائي ،وفي شق آخر أنها –أي السياسة الجنائية -جزء من علم
اإلجرام التطبيقي ،2أو فن املمكن على حد تعبير رئيس النيابة العامة سابقا محمد عبد النبوي.3
ومهما يكن من تباين بين املواقف السابقة ،فإن االعتقاد بقيام علم للسياسة الجنائية قائم
بذاته موقف له ما يبرره من الناحية العلمية والواقعية ،ألن مجاله كما حدده الفقيه اإليطالي
غريسبني يكمن في دراسة النشاط الذي يجب أن تمارسه الدول في سبيل الوقاية من الجريمة وقمعها
ونظرياته الزالت تستند إلى علوم أخرى ،مما يجعله علم فتي الحداثة والنشأة ،يستمد أسسه
ونظرياته في تفسير وفهم اإلدراك العلمي للسلوك االنحرافي واإلجرامي من علم اإلجرام لبحث تطور
مختلف الظواهر اإلجرامية والتركيز جانبا على تحليل القاعدة القانونية والجزائية ،وتحديد مدى
قابليتها للتطبيق التلقائي بما يوفر الحماية املطلوبة للمصالح والقيم اعتمادا على علم اإلجرام
ومختلف العلوم الجنائية املهتمة بالحقل املعرفي للظاهرة اإلجرامية.
-1أنكر البعض الذاتية العلمية للسياسة الجنائية ب حجة أنها ال تعالج موضوعا ذاتيا يتفرد به علم اإلجرام ،وأنها ال تنفرد بنموذج أو
منهج علمي معين ،بل تعتمد اعتمادا كليا على ما يضعه علم اإلجرام من نتائج ،وقصروا وظيفتها على صياغة هذه النتائج في
صورة اتجاهات عامة للدفاع ضد الجريمة ،ومن ثم فإنها ال تتمتع ببنيان علمي مستقل ،ومن مناصري هذا الرأي:
-عبد الباسط محمد حسن ،أصول البحث االجتماعي 1966 ،ص ،49أورده أحمد فتحي سرور في مؤلفه أصول السياسة
الجنائية ،م س ،ص .31
-عبد الفتاح مصطفى الصبغي الذي اعتبر أن البحث في السياسة الجنائية هو بحث في علم اإلجرام بالذات ألن علم اإلجرام يتولى
وصف الظاهرة اإلجرامية سواء بصفتها سلوكا فرديا صادرا عن اإلنسان أو بصفتها واقعة اجتماعية وهو نفس ما تدرسه
األنثروبولوجيا الجنائية وتقدمه كنتائج عملية لتبني عليها السياسة الجنائية استراتيجياتها .انظر:
-عبد الفتاح مصطفى الصبغي ،علم اإلجرام ،دار النهضة العربية ،اإلسكندرية ،1996ص .149
-2أحمد فتحي سرور ،أصول السياسة الجنائية ،م س ،ص ،29
بينما ذهب مأمون سالمة إلى القول بأن دراسات السياسة الجنائية ال يمكن أن تدخل في علم اإلجرام وإنما تقترب إلى حد كبير من
دراسات فن التشريع ،وهي تأخذ ما تقدمه دراسات علم اإلجرام من أبحاث فيما يتعلق بالوقاية من الجريمة لتنوعها وتقديمه ألولي
األمر إلعادة النظر في تشريع قائم أو مراعاته في تشريع جديد.
-3لقاء تواصلي لرئيس النيابة العامة مع طلبة ماستر المنظومة الجنائية جامعة ابن زهر أكادير بتاريخ .2017-11-26
وال ضير في اعتقادنا أن حداثة نشأة علم السياسة الجنائية يمكن أن تقدح من صفته
العلمية ألن كافة العلوم املهتمة بواقعة االختالل السلوكي ،تتفاعل فيما بينها في إطار دراسة متكاملة
ال تنقص من قيمة الحقول املعرفية ،1ألن اإلملام بالنفس البشرية وطباعها يبقى من الصعوبة بما
كان لتغيرها من شخص آلخر ومن بيئة ألخرى ومن زمن آلخر ،والختالف زوايا ورؤى البحث ،بين ما
هو نفس ي ،اجتماعي ،ثقافي ،سلوكي ،انحرافي ،إجرامي ،سياس ي ،اقتصادي ....الخ .وال شك أن
التطور الذي أحرزه علم اإلجرام والعلوم النفسية واالجتماعية والتربوية وباقي علوم األنثروبولوجيا
الجنائية ،2كان من العوامل األساسية في تطور األبحاث والدراسات في علم السياسة الجنائية ونقلها
من الطابع املجرد والتخميني إلى الطابع املوضوعي العلمي الواقعي.
فمن ناحية أثبتت األبحاث والدراسات التي اهتمت بالتأسيس لعلم السياسة الجنائية
الحديث على أنه البد للمعرفة العلمية حتى تكتمل شروطها من خالل مجال علم السياسة الجنائية
أن تهتم بتحليل وفهم ثالث أبعادحيوية ومهمة ،3البعد االجتماعي الذي يجعل منطلق دراسات علم
السياسة الجنائية ونظرياته تنطلق من الواقع االجتماعي املعاش لكل دولة ،والبعد الثاني علمي
ينصب على دراسة وتفسير السلوك اإلنحرافي واإلجرامي ،دراسة علمية تسند إلى املناهج العلمية
التجريبية واملالحظة وغيرها من املناهج األخرى للعلوم اإلنسانية والبعد الثالث أخالقي يعترف
-1لقد دافع ع لى هذا الموقف الدكتور أحمد فتحي سرور معتبرا أن اعتماد الحقل المعرفي على معطيات العلوم األخرى ال يؤثر في
ذاتيته العلمية ،طالما أن هذا العلم يستهدف من أبحاثه صياغة قوانين علمية وحلوال عامة للموضوعات التي تعالجها ،وأول ما
يحتاجه العلم للتمتع بكيانه واستقالله هو إقامة نظرية أساسية ،باعتبار أنه ال يمكن للعلم أن ينشد االستقالل والذاتية بدون أن يتوافر
له أساس واضح ،وإذا طبقنا هذا المعيار على السياسة الجنائية نجد أن اعتمادها على معطيات العلوم األخرى (علم االجتماع
القانوني ،علم اإلجرام ،علم العقاب )...ال يحول في حد ذاته دون التسليم بالكيان العلمي المستقل للسياسة الجنائية ألنها تختلف عن
هذه العلوم في منهجها والعناصر التي تقوم عليها ،فرغم اعتماده على النتائج التي يقوم بها الباحثون في العلوم األخرى ،يتمتع
بذاتيته العلمية ألنه يهدف غاية أخرى من الغايات التي تستهدفها هذه العلوم ويشق طريقا مستقال عنها مقتصرا على التعاون معها
في رسم اإلطار النهائي للمجاالت التي يبحث فيها وهي التجريم والعقاب والمنع .انظر ،أحمد فتحي سرور ،أصول السياسة
الجنائية ،م س ،ص .32
-2تعتبر األنثروبولوجيا أحد أنواع الفروع العلمية الحديثة التي اهتمت بدراسة اإلنسان ومشكالته الفردية وقد جاءت كلمة
anthropologieمكونة من مترادفتين antropoالتي تعني اإلنسان و Logieالتي تعني العلم أو الدراسة المنهجية العلمية
وبذلك يكون المفهوم اللفظي هو الدراسة العلمية لإلنسان،
واصطالحا العلم الذي يعنى بدراسة اإلنسان ،وتعود اإلرهاصات األولى لهذا العلم للفقيه بوركا Brocaكمؤسس لعلم األجناس
البشرية الحديثة الذي أنشأ أول جمعية أنثروبولوجيا في مدينة باريس عام ،1858ورغم اختالف الباحثين في تجسيد فروع علم
األنثروبولوجيا الجنائية إال أنهم اتفقوا على أنه يعد أهم العلوم الجنائية لدراسة الظاهرة اإلجرامية.
أنظر للمزيد في دراسات هذا العلم -:أحمد أكرم نشأت ،علم األنثروبولوجيا الجنائية ،ط ،2عمان ،األردن.2008 ،
-PIERRE Grapier, anthropologie criminelle, Paris, 1973.
-3تفقد في نفس المعنى سمير عالية ،مبادئ علوم اإلجرام والعقاب والسياسة الجزائية ،أسباب اإلجرام ومكافحتها ،م س ،ص
.496
باملسؤولية الشخصية للمجرم ومدى استحقاقه للعقوبة أو التدابير الوقائية ،وما يفترض في أجهزة
العدالة الجنائية من شروط مؤهلة الزمة لقيام العدالة الجيدة وذات مصداقية تحظى بالثقة
وتتمتع باحترام املتقاضين .
ومن ناحية ثانية بين تطور مفهوم علم السياسة الجنائية ،تخوف البعض من الفقه،1مما
أسموه أزمة الثقة أو مشكلة علم اإلجرام والسياسة الجنائية ،ليس فقط في مستوى حدود ونطاق
السياسة الجنائية التي تمتد عند الرأي الغالب -ممن يتبنى التعريف املوسع إلى البحث في علم
السياسة الجنائية -الى تلكم التدابير ولو ذات طبيعة اقتصادية أو اجتماعية ملواجهة املجرم بعد
ارتكاب الجريمة ،بل وتتجاوزها إلى مرحلة ما قبل ارتكاب الفعل الجرمي "االنحراف" ليشمل نطاق
الحماية االجتماعية واالقتصادية ،ذلك أن مجال الوقاية يخرج من نطاق القانون الجنائي و يتخلى
علم السياسة الجنائية عن دراسته لعلوم أخرى مثل علم التنمية اإلنسانية ،األنثروبولوجيا ،علم
االقتصاد ،علم السياسة ،علم االجتماع ...إلخ).
هذا العمل الوقائي من قبيل السياسة االجتماعية ملواجهة الخطورة االجتماعية للمنحرفين
ال الجنائية الصرفة املرتبطة بتدابير الخطورة اإلجرامية ،تعد ضرورية من مجاالت السياسة
الجنائية ،والتي قد تجعل نظريات علم اإلجرام قاصرة في شق املكافحة والتصدي دون الوقاية حتى
في النظام العقابي،وحتى في مجال املكافحة املباشرة الزال واضعو السياسة الجنائية متشككون في
سالمة نتائج علم اإلجرام.2لكن الحقيقة أن علم السياسة الجنائية كما أسلفنا الذكر علم قائم
بذاته لكنه بتعدد نطاقه وتنوع مجاالته يحتاج إلى خالصات علوم أخرى كعلم اإلجرام وباقي العلوم
اإلنسانية ،وإلى ما أسماه الفقه بعلم السياسة الجنائية املقارنة من أجل الوصول إلى أحسن
الوسائل املنتقاة ملواجهة الظواهر االنحرافية واإلجرامية.
وال ننكر من ناحية ثالثة أن التطور الذي أحرزه علم اإلجرام والعلوم النفسية واالجتماعية
والتربوية وباقي علوم األنثروبولوجيا الجنائية ،كان من العوامل املساهمة في تطور نظريات علم
السياسة الجنائية ونقلها من الطابع املجرد والتخميني إلى الطابع املوضوعي العلمي الواقعي،
فأضحت لعلم السياسة الجنائية خصوصية وأهمية في مد وإرشاد األجهزة الفاعلة في السياسة
-1عبد الرحيم صدقي ،السياسة الجنائية في العالم المعاصر ،م س ،ص .126
-2عبد الرحيم صدقي ،السياسة الجنائية في العالم المعاصر ،م س ،ص.126
الجنائية بالنظريات العلمية للبحث عن الوسائل التي تهدف عقلنة رد الفعل الذي تنتهجه الدولة
ملجابهة االنحراف والجريمة.
ويمكن علم السياسة الجنائية من تطوير التشريعات الجزائية وإيجاد آليات لتطوير
االستراتيجيات املستقبلية للدولة في مجال الوقاية من الجريمة والتصدي لها ،وال يعوز الصبغة
العلمية ما ذهب إليه اتجاه من الفقه من كون أن بعض مذاهب السياسة الجنائية لم تتصف
بالعلمية ألنها ارتكزت على أساس ميتافيزيقي قوامه التصور العقلي املجرد ال املنهج العلمي في البحث
وبالتحديد املدارس الكالسيكية والنيو كالسيكية ،وألن أولى محاوالت التأسيس العلمي للسياسة
الجنائية ظهرت تزامنا مع ظهور املدارس الوضعية التي أدخلت املناهج التجريبية واملالحظة لتتوالى
بعدها النظريات العلمية الحديثة.إال أن الواقع يبرز أن الدول النامية الزالت لم تستجمع بعد
العناصر والنظريات العلمية والفكرية التي تؤهل سياساتها الجنائية وتطبعها بالواقعية والفعالية؛
فرغم ما نلمسه من انفتاح وتفاعل السياسة الجنائية املغربية مثال في السنين األخيرة مع أفكار
املدارس املعاصرة وتوصيات وخالصات املؤتمرات واملعاهدات الدولية ،إال أن الفاعل السياس ي الزال
متوجسا من الطابع العلمي للسياسة الجنائية ويعتبرها شأنا سياسيا للدولة يرتبط بمفهوم السيادة
،واالقتصار في كثير من األحيان على استيراد القوالب الجاهزة والجامدة لخطط واستراتيجيات
نشأت واستهلكت في بيئة تختلف تمام االختالف عن بلد التطبيق.1
واعتقدنا أن التفكير في إنشاء املرصد الوطني لإلجرام ،2وتحديد اختصاصاته العلمية
والتوجيهية في مجال البحث والدراسة في االنحراف والجريمة بناء على مناهج وأسس معرفية ،من
شأنه أن يعطي بعدا ذاتيا لتطوير علم السياسة الجنائية باملغرب،وإن كنا نرى أن األمر يتجاوز ذلك
إلى الحاجة امللحة لتأهيل املعاهد والكليات للقيام بالدراسات واألبحاث الجامعية التي تعنى بمواضيع
السياسة الجنائية والعلوم التي تستمد منها نظرياتها كعلم اإلجرام وعلم النفس الجنائي وعلم
االجتماع الجنائي .....والتي تعنى بدراسة السلوك الجرمي واالنحرافي عموما ،وألن من أهم أسباب
فشل السياسات الجنائية في البلدان النامية في إيقاف تصاعد الظاهرة اإلجرامية ،مرده باألساس إلى
-1في هذا الشأن تؤكد الباحثة لويس مير في إحدى دراساتها سنة 1984حول "األنثروبولوجيا والتنمية" على أنه يجب أال تنفذ
الخطط الجاهزة التي يضعها الخبراء سواء كانوا وطنيين أو كانت خططا مستوردة أو كان واضعوها أجانب وكأنها قواعد جامدة
يحتاج المستهدفون منها إلى أن يتغيروا ليصبحوا منسجمين معها ،أنظر:
-فتحية محمد إبراهيم ،مصطفى حمدي الشنوائي ،األنثروبولوجيا المعرفية ،دار المريخ للنشر ،الرباط ،1992ص .190
-2إال أنه ولألسف تبخر الحلم وأضحى مجرد مصلحة بمديرية الشؤون الجنائية والعفو في التنظيم الهيكلي لوزارة العدل الجديد،
والدي نتمنى أن يستوعب الفاعلين جملة الطموحات واألهداف التي الزمت المشروع في مهده.
تسليم البعض بكفاية النتائج والنظريات العلمية الجاهزة في تقديم الحلول الشاملة للتعقيدات
وآثار السلوك على الواقع االجتماعي رغم تعقده وبنيته وتباين بيئته ،وبالتالي تهميش العلوم التي من
شأنها أن تساهم في كشف أغوار السلوك اإلجرامي والتنبؤ بتغيراته املستقبلية ملساعدة األجهزة
الفاعلة على تحديد أهداف السياسة الجنائية بدقة وبواقعية واستحضار خصائصها املتفردة التي
وضعها الفكر الجنائي الوضعي .
وقد تجلت أولى خطوات إعادة هيكلة وزارة العدل ألقسامها ومصالحها على الصعيد
املركزي ،بعد املصادقة على املرسوم رقم 2.22.400بتاريخ 18اكتوبر 2022بتحديد اختصاصات
وتنظيم وزارة العدل( ،)1وذلك على ضوء املستجدات التي عرفتها الوزارة خاصة منها استقالل
السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ونقل اختصاصات السيد وزير العدل للسيد الوكيل العام
لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة.
كما أن تجليات توجه املشرع املغربي نحو إقرار الالتمركز اإلداري واملالي ألقسام ومصالح
وزارة العدل قد بدت واضحة من خالل فصلين من فصول قانون التنظيم القضائي الجديد رقم
،38.15والتي جعلت من ممثل املصالح الالممركزة لوزارة العدل مكونا أساسيا من مكونات محاكم
اململكة(.)2
لذلك ،فإن مقاربتنا لهذا التوجه الجديد ،وحتى نكون فاعلين وموضوعيين في مالمسة أهم
محاورها ،البد أن تنطلق من إطار عام تمهيدي يحدد املرجعيات التي على أساسها تم تبني هذه
املقاربة(محور أول) ،قبل أن نعرض لتصور تنظيم املصالح الالممركزة لوزارة العدل من حيث
الشكل (محور ثاني) ،وننتهي بعرض تصور لتنظيمها من حيث املوضوع (محور ثالث).
- 1الصادر بتاريخ 21ربيع األول 18(1444اكتوبر ،)2022والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 7143بتاريخ 19ربيع اآلخر
14(1444نونبر ،)2022ص .7436 :
- 2والمثال يصدق على المادة 21من قانون التنظيم القضائي الجديد التي جعلت ممثل المصالح الالممركزة للسلطة الحكومية
المكلفة بالعدل يتولى على الصعيد الجهوي والمحلي التنسيق والتعاون مع المسؤولين القضائيين واإلداريين بالمحاكم في إطار
منظومة تدبير المحاكم ،ويُ ِعدُّ وفق نفس المادة وعلى نفس المستوى برامج نجاعة أداء المحاكم ويحدد أهداف كل برنامج ومؤشرات
القياس المرتبطة به ،والمادة 24التي مكنته من العضوية الكاملة بلجنة التنسيق على صعيد كل محكمة من محاكم المملكة ،حتى
يكون على اطالع بالمشاكل والحاجيات المثارة من لدن اللجنة المذكورة والعمل على تجاوزها وتلبيتها في الحدود الممكنة أو
برمجتها ضمن مشروع الميزانية الفرعية المقبلة لوزارة العدل.
املح ـ ـ ــوراألول
اإلطارالعام املرجعي لتنظيم املصالح الالممركزة لوزارة العدل
ينطلق تصور تنزيل الالتمركز اإلداري واملالي على صعيد املصالح الالممركزة لوزارة العدل
من إطار مرجعي عام هدفه الرقي باألداء اإلداري الالممركز للدولة ،ويتكون هذا اإلطار املرجعي
عموما من :
-أوال :الدستور :
نص الدستور املغربي لسنة 2011على العديد من املقتضيات التي تزكي الالتمركز اإلداري
وتدعو إلى الجهوية املوسعة من أهمها :
– 1الفقرة األخيرة من الفصل األول من الدستور التي تنص على أن ":التنظيم الترابي
للمملكة تنظيم ال مركزي ،يقوم على الجهوية املتقدمة"؛
– 2الفصل 136الذي ينص على أنه ":يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير
الحر ،وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان املعنيين في تدبير شؤونهم ،والرفع من
مساهمتهم في التنمية البشرية املندمجة واملستدامة"؛
– 3الفقرة األخيرة من الفصل 145التي تنص على أنه ":يقوم الوالة والعمال ،تحت سلطة
الوزراء املعنيين ،بتنسيق أنشطة املصالح الالممركزة لإلدارة املركزية ،ويسهرون على حسن سيرها".
– 4الفصل 154الذي ينص على أنه " :يتم تنظيم املرافق العمومية على أساس املساواة بين
املواطنات واملواطنين في الولوج إليها ،واإلنصاف في تغطية التراب الوطني ،واالستمرارية في أداء
الخدمات.
تخضع املرافق العمومية ملعايير الجودة والشفافية واملحاسبة واملسؤولية ،وتخضع في تسييرها
للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور".
-ثانيا :الخطب امللكية :
كان لنظام الالتمركز اإلداري حضور وازن بالنسبة للمؤسسة امللكية ،حيث اعتبره صاحب
الجاللة في العديد من خطبه بعدا استراتيجيا في تدبير الشأن الترابي للمملكة بهدف االستجابة
ملتطلبات وتطلعات املواطنين في مجال التنمية ،وملواجهة التحديات التي تعرفها البالد وإكراهات
الظرفية االقتصادية واإلجتماعية خاصة بعد جائحة كورونا ،ومن أهم هذه الخطب نجد :
– 1الخطاب امللكي في 6نونبر 2008الذي أكد على اعداد ميثاق وطني لعدم التركيز ،يتوخى
حكامة نظام فعال إلدارة ال ممركزة ،نظام يعتمد مقاربة ترابية ،ويقوم على نقل صالحيات مركزية
للمصالح الخارجية؛
- 2خطاب 14من أكتوبر ، 2016بمناسبة افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية األولى
من الوالية التشريعية العاشرة ،والذي جاء فيه " :إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل
املؤسسات ،هو خدمة املواطن......فعالقة املواطن باإلدارة ،سواء تعلق األمر باملصالح املركزية،
واإلدارة الترابية ،أو باملجالس املنتخبة ،واملصالح الجهوية للقطاعات الوزارية ،هي تمكينه من
قضاء مصالحه ،في أحسن الظروف واآلجال ،وتبسيط املساطر ،وتقريب املرافق والخدمات
األساسية منه".
- 3الخطاب امللكي ل 29يوليوز 2017الذي نص على أن من بين املشاكل التي تعيق تقدم
املغرب ،هو ضعف اإلدارة العمومية ،سواء من حيث الحكامة ،أو مستوى النجاعة أو جودة
الخدمات ،التي تقدمها للمواطنين.
- 4الخطاب امللكي السامي 29يوليوز ، 2018الذي دعى فيه جاللته إلى إصدار ميثاق
الالتمركز اإلداري ،داخل أجل ال يتعدى نهاية شهر أكتوبر من نفس السنة ،بما يتيح للمسؤولين
املحليين ،اتخاذ القرارات ،وتنفيذ برامج التنمية االقتصادية واالجتماعية ،في انسجام وتكامل مع
الجهوية املتقدمة.
-ثالثا :امليثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة :
اعتمد امليثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة الذي نال ثقة جاللة امللك بعد عرضه عليه يوم
الخميس 7ماي 2013على ستة أهداف استراتيجية كبرى و 36هدفا فرعيا و 200آلية تنفيذ،
ويمكن من خالل رصد هذه األهداف وآليات التنفيذ املرتبطة بالالتمركز اإلداري للمصالح
الخارجية لوزارة العدل تسجيل اإلشارة الصريحة في امليثاق الوطني إلصالح منظومة العدالة في
جزئه األول املتعلق باألسس العامة إلصالح منظومة العدالة خاصة منها التشخيص الشامل
والعميق إلصالح هذه املنظومة ،كما عكسته مختلف ندوات الحوار الوطني والتقارير الوطنية في
املوضوع ،من خالل النقطة السادسة الفقرة الثانية إلى أنه" :تعاني اإلدارة القضائية من نقص في
الالتمركز اإلداري واملالي ،ومن محدودية األخذ بقواعد الحكامة الحديثة ،ومن الجمع بين مهام
املسؤولية القضائية واملسؤولية اإلدارية على صعيد املحاكم"(.)1
-رابعا :قانون التنظيم القضائي رقم :38.15
نص قانون التنظيم القضائي رقم 38.15على توجه جديد لالتمركز اإلداري واملالي لوزارة
العدل ،وذلك من خالل ثالث نقاط أساسية :
– 1أن قانون التنظيم القضائي الجديد رقم 38.15راعى من خالل الفقرة الثانية من مادته
الثانية عند تحديده للخريطة القضائية وتوزيع املحاكم ،التقسيم اإلداري للمملكة كمعطى أساس ي
يرمي إلى تحقيق االنسجام الذي لطاملا نادى به العديد من الباحثين بين التقسيم الترابي للمملكة
والتقسيم القضائي للخريطة القضائية( ،)2كما أنه وألول مرة يتم األخذ بعين االعتبار حجم
الخدمات اإلدارية املقدمة من طرف املحاكم كمعطى ومؤشر يساعد في تحديث وتحيين الخريطة
القضائية إما بإضافة محاكم وأقسام جديدة أو إسقاطها()3؛
– 2ويظهر هذا التوجه الجديد للمشرع املغربي في تكريس لالتمركز اإلداري واملالي لوزارة
العدل من خالل املادة 21من قانون التنظيم القضائي املغربي الجديد رقم 38.15التي أسندت
-1المرجو مراجعة الصفحة 46من الميثاق الوطني إصالح منظومة العدالة ،خاصة منها الفقرة السادسة المتعلقة بمستوى أساليب
تدبير مرفق القضاء ،المنشور بالموقع الرسمي لوزارة العدل :
http://www.justice.gov.ma/lg-1/documents/doccat-0.aspx
- 2يمكن حسب رأينا المتواضع تحقيق هذا االنسجام عبر إحداث 12مديرية جهوية لوزارة العدل بعدد جهات المملكة مع اإلبقاء
على المديريات االقليمية لدى محاكم االستئناف بالمملكة التي يصل عددها اآلن إلى 23مديرية جهوية بحسب عدد هذه المحاكم،
وتتبع المديريات االقليمية في تقسيمها التراب ي للمديريات الجهوية التي تدخل في دائرة نفودها الترابي ،مثال ذلك عند إحداث
المديرية الجهوية لوزارة العدل لجهة الدار البيضاء سطات ستكون هذه المديرية الجهوية مشرفة على ثالث مديريات إقليمية وهي :
المديرية االقليمية لدى محكمة االستئناف بالدار البيضاء و المديرية االقليمية لدى محكمة االستئناف بالجديدة والمديرية االقليمية لدى
محكمة االستئناف بسطات.
- 3يقصد بالخدمات اإلدارية حسب مدلول هذه الفقرة الخدمات التي يقدمها موظفو محاكم المملكة والتي ال عالقة لها بالنزاعات
والخصومات القضائية من قبيل الخدمات التالية:
-السجل العدلي؛
-السجل التجاري؛
-شواهد الجنسية؛
-اإلجراءات اإلدارية للزواج؛
-المصادقة على مطابقة الوثائق ألصولها؛
-المصادقة على الوثائق الرسمية Apostille؛
-االستفادة من تسبيقات صندوق التكافل العائلي .....إلى غير ذلك من الخدمات المستجدة والتي أملتها الرغبة الملحة لوزارة العدل
في تلبية رغبات المرتفقين ،والتي لم تكن مدرجة كمعيار موضوعي في تحديد الخريطة القضائية ،حيث يتم االكتفاء بمعيار عدد
الملفات الرائجة أو المحكومة.
ملمثل املصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل على الصعيد الجهوي واملحلي التنسيق
والتعاون مع املسؤولين القضائيين واإلداريين باملحاكم في إطار منظومة تدبير املحاكم ،وجعله ُي ِع ُّد
وفق نفس املادة وعلى نفس املستوى برامج نجاعة أداء املحاكم ويحدد أهداف كل برنامج
ومؤشرات القياس املرتبطة به(.)1
– 3ويتجلى هذا التوجه أخيرا في املادة 24من نفس القانون التي مكنت ممثل املصالح الالممركزة
للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل من العضوية الكاملة بلجنة التنسيق على صعيد كل محكمة من
محاكم اململكة ،سواء كانت محاكم الدرجة األولى أو محاكم الدرجة الثانية ،عادية أو متخصصة،
وذلك حتى يكون على اطالع باملشاكل والحاجيات املثارة من لدن اللجان املذكورة ويعمل على تجاوزها
وتلبيتها في الحدود املمكنة أو برمجتها ضمن مشروع امليزانية الفرعية للمديرية الجهوية أو االقليمية
التي تشكل في مجموعها امليزانية الفرعية املقبلة لوزارة العدل.
والبد في هذا الباب من اإلشارة إلى أن املشرع املغربي من خالل قانون التنظيم القضائي املغربي
الجديد رقم 38.15كان حكيما في عدم إشارته للمندوب الجهوي الذي يمثل املندوبيات الجهوية
التابعة لوزارة العدل وال للمدير االقليمي الذي يمثل املديرية االقليمية لدى محكمة االستئناف
املعنية ،في صلب املادتين املذكورتين وترك الباب مفتوحا وفقا للصيغة التي سيستقر عليها مشروع
هذه املصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل.
-خامسا :املراسيم املنظمةلالتمركزاإلداري املرتبطة بوزارة العدل:
- 1الواقع أن هذه النقطة تأتي في إطار تنزيل القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13الصادر بتاريخ 02يونيو ،2015
خاصة منه المادة 39المتعلقة بإعداد برنامج نجاعة األداء المتعلق بالقطاعات الوزارية ،حيث جاء فيها ":البرنامج عبارة عن
مجموعة متناسقة من المشاريع أو العمليات التابعة لنفس القطاع الوزاري أو المؤسسة تقرن به أهداف محددة وفق غايات ذات
من فعة عامة ،وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة والتي ستخضع للتقييم قصد التحقق من شروط الفعالية والنجاعة والجودة
المرتبطة باإلنجازات.
يعين بكل قطاع وزاري أو مؤسسة مسؤول عن كل برنامج يعهد له بتحديد أهداف ومؤشرات القياس المرتبطة به وتتبع تنفيذه.
تضمن أهدا ف برنامج معين والمؤشرات المتعلقة به في مشروع نجاعة األداء المعد من طرف القطاع الوزاري أو المؤسسة
المعنية .ويقدم هذا المشروع للجنة البرلمانية المعنية رفقة مشروع ميزانية القطاع الوزاري أو المؤسسة المذكورة.
يؤخذ بعين االعتبار معيار النوع في تحديد األهداف والمؤشرات المشار إليها أعاله.
توزع االعتمادات المخصصة للبرنامج ،حسب الحالة ،داخل :
-الفصول المرتبطة بميزانية القطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية ؛
-الفصول المرتبطة بمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة التابعة للقطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية ؛
-الحسابات المرصدة ألمور خصوصية التابعة للقطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية".
على الصعيد الجهوي واملحلي من اتخاذ بعض القرارات التي ال تحتاج إلى التدخل املباشر لوزارة
العدل ،ومن جهة أخرى فاملواطن واملوظف على الصعيد املحلي والجهوي بحاجة إلى بنيات
إدارية وتقنية ومالية قريبة ومتفاعلة وفق املنظور الجهوي الجديد.
لذلك ،فإن التصور الصحيح لتحديد املصالح الالممركزة لوزارة العدل والتي تنوب عن هذه
األخيرة في تنزيل برنامجها وسياستها الحكومية ،مع مراعاة خصوصية اإلدارة القضائية التي تمارس
وفق قرار املحكمة الدستورية رقم 89.19ومشروع قانون التنظيم القضائي املصادق عليها مؤخرا
من طرف مجلس املستشارين ينبني على تحديد هذه األخيرة على الصعيد الجهوي في مندوبيات
جهوية وفق التقسيم الترابي للمملكة ،وعلى الصعيد اإلقليمي أو املحلي في مديريات إقليمية وفق
الخريطة القضائية للمملكة ،وبذلك تكون املصالح الالممركزة لوزارة العدل قد راعت خصوصية
اإلدارة القضائية املستمدة أصال من خصوصية القطاع ،ووموائمت بين التقسيم الترابي والخريطة
القضائية للمملكة.
بناء على مسودة مشروع قرار وزير العدل بشأن إحداث وتحديد اختصاصات وتنظيم ً –2
املصالح الالممركزة التابعة لوزارة العدل ،والتي تم تداولها بداية سنة 2022يمكن أن نسجل
مالحظة حول عنونة مشروع القرار ،تستدعي ضرورة إسقاط مصطلح "إحداث" ومصطلح "التابعة"
الذي عنون به املشروع حاليا ،لكون وزارة العدل كما سبق القول قد عرفت إحداث مديريات فرعية
إقليمية تابعة للدوائر االستئنافية للمحاكم بمقتض ى قرار لوزير العدل رقم 516.90بتاريخ 12
ديسمبر ،1989ولكون مصطلح "التابعة" يعتبر حشوا في الكالم ما دام حرف "ل" أي "لوزارة العدل"
كاف لتبليغ املقصود من املصطلح.
كما أنه وإلبراز الطابع اإلداري واملالي لهذه األقسام واملصالح وحفاظا على استقاللية
السلطة القضائية ،فالبد من استعمال مصطلح أكثر دقة وتعبيرا يتعلق ب "السلطة الحكومية
املكلفة بالعدل" عوض "وزارة العدل" ،وهو نفس املصطلح الذي أكد عليه املشرع املغربي من خالل
أحكام املادتين 21و 24من قانون التنظيم القضائي الجديد .38.15
لذلك ،فإننا نقترح العنوان التالي ملشروع القرار ":قرار وزير العدل عدد .........بتاريخ ............
بشأن تحديد اختصاصات وتنظيم املصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل".
- 3أن استثناء وزارة العدل بمقتض ى املادة 46من امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري سنة
2018جعلها لم تواكب هذا التطور التنظيمي الذي عرفته بعض القطاعات الوزارية املوازية على
املستوى الجهوي واإلقليمي ،كما أنها لم تحدد بعد املقصود بمصالحها الالممركزة ،وعليه يمكن أن
نميز جيدا بهذا الخصوص بين مصطلحين أساسيين :املصالح الخارجية لوزارة العدل واملقصود بها
هنا املديريات الفرعية اإلقليمية و مراكز الحفظ الجهوي ،ومصالح كتابات الضبط ومصالح كتابات
النيابة العامة لدى محاكم اململكة سواء منها العادية أو غير العادية ،وبين املصالح الالممركزة لوزارة
العدل التي يقصد بها البنيات اإلدارية الجهوية واإلقليمية التي لها حق البت نهائيا أو جزئيا بمقتض ى
قرارات في بعض األمور الجهوية دون الرجوع إلى اإلدارة املركزية (املندوبيات الجهوية واملديريات
اإلقليمية).
لذلك ،فإن التوجه الصحيح في تقديرنا املتواضع لتحديد املصالح الالممركزة لوزارة العدل
ينطلق من تحديدها في مندوبيات جهوية تتولى التدبير اإلداري واملالي لجميع محاكم الجهة،لكون
نتدب ،واملفعول ُمنتدب يعني النيابة والتكليف ،ومديريات انتدابا ،فهو ُم ِ
ً فعل انتدب ينتدب ،
إقليمية تشرف على هذا التدبير على صعيد الدوائر االستئنافية ،ألن كلمة مدير تعتبر اسم فاعل
ً َّ
مؤسسة ويكون مسئوال عن ُحسن تنفيذ يتولى إدارة عمل أو مشروع أو َّ لفعل أدار وهو كل من
األعمال.
إضافة إلى ما سبق فإن هذا التوجه لم يأتي من فراغ ،بل يجد أساسه في التعريف الذي
أعطته املادة الرابعة من ميثاق الوطني لالتمركز اإلداري ،والتي أكدت في فقرتها الثانية على أنه
يقصد باملصالح الالممركزة للدولة " :التمثيليات أو البنيات اإلدارية الترابية املمثلة لإلدارات
املركزية ،على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو اإلقليم ،سواء كانت تابعة لقطاع وزاري معين،
أو مشتركة بين قطاعين أو أكثر ،كيفما كان شكل تنظيم هذه التمثيليات أو البنيات ،وأيا كانت
مسمياتها".
–4البد كذلك ومن حيث الشكل ،قبل إصدار وقرار وزير العدل املتعلق بتحديد
اختصاصات وتنظيم املصالح الالممركزة للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل من تعديل املادة 46من
املرسوم رقم 2.17.618بتاريخ 28أكتوبر 2018املتعلق بامليثاق الوطني لالتمركز اإلداري التي جاء
فيها ":ال تسري أحكام هذا املرسوم على القطاعات الوزارية املكلفة بالعدل وباألوقاف والشؤون
اإلسالمية وبإدارة الدفاع الوطني واإلدارات املكلفة باألمن الداخلي والقطاعات الوزارية التي ال تتوفر
على مصالح الممركزة".
وذلك بإخراج وزارة العدل من االستثناء املذكور العتبارين أساسيين :أولها أن قرار املحكمة
الدستورية رقم 89.19والذي يعتبر ملزما للجميع ،جاء بعد صدور املرسوم املذكور ،حيث إنه قد
حسم في طبيعة اإلدارة القضائية ،والتي شكلت خصوصيتها الدافع األساس ي لهذا االستثناء ،وثانيا
أن وزارة العدل ستصبح بمقتض ى قرار وزير العدل املنظم للمندوبيات الجهوية واملديريات اإلقليمية
تتوفر على مصالح ال ممركزة ،وهو ما يستوجب عليها بالتبعية تنزيل مقتضيات مرسوم امليثاق
الوطني لالتمركز اإلداري.
– 5أن تنظيم العمل الالممركز لوزارة العدل يستدعي تقسيمه إلى عمل يمكن فيه لهذه
األخيرة التفويض للمصالح الالممركزة في اتخاذ القرار ،وبين عمل يرجع فيه حق اتخاذ القرار إلى
املندوب الجهوي أو إلى اإلدارة املركزية ،ولذلك فإننا نفترح تسمية املديريات الجهوية باملندوبيات
الجهوية ،حيث إن مصطلح مندوب يتضمن إشارة واضحة إلى وجود صالحيات كبيرة في اتخاذ
القرارات وفق توجيهات السلطة الحكومية املكلفة بالعدل ،كما أن املندوب يكون هو املسؤول عن
تنفيذ االستراتيجيات القطاعية في مجال العدل على صعيد الجهة ،في حين يتم اإلبقاء على مصطلح
مديرية إقليمية تتولى إنجاز وتنفيذ وتتبع هذه البرامج واملشاريع على صعيد الدائرة االستئنافية ،عبر
املندوبية الجهوية التابعة لها.
املح ـ ـ ــورالثالث
تصورالالتمركزاإلداري واملالي للمصالح الممركزة
لوزارة العدل من حيث املوضوع
ال شك أن إحداث مصالح الممركزة لوزارة العدل على الصعيد الجهوي الترابي واإلقليمي
القضائي ،من شأنه الدفع قدما نحو تنزيل ورش التدبير الالممركز لإلدارة املركزية لوزارة العدل،
وتحقيق التوطين الترابي للسياسة الحكومية املتعلقة بمجال العدل ،كما أنه سوف يساهم في الحد
من الهوة التي لطاملا عانى منها التدبير الجهوي اإلداري واملالي على مستوى جهات وأقاليم اململكة،
وتقريب وجهات النظر والسياسات االقتصادية واالجتماعية واملرفقية على صعيد الجهة أو اإلقليم،
وذلك باألخذ بعين االعتبار خصوصيات الجهة أو اإلقليم في إعداد هذه األخيرة.
لذلك ،فإن مشروع قرار السيد وزير العدل بإحداث مصالح الممركزة لوزارة العدل على
صعيد الجهات واألقاليم سوف يكون له أثر إيجابي في الدفع بالتدبير الجهوي واإلقليمي نحو
األحسن واألجود عبر ما يلي :
– 1إسقاط االستثناء الذي نصت عليه املادة 46من امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري سنة
،2018حتى تتمكن وزارة العدل كقطاع حكومي فاعل ومؤثر في تنزيل سياستها الحكومية على صعيد
الجهة أو اإلقليم ،ودائما في حدود تدخلها اإلداري واملالي دون القضائي ،الذي أسند كما هو معروف
للمجلس األعلى للسلطة القضائية ،وهو األمر الذي يستدعى إصدار مرسوم لرئيس الحكومة يقض ي
بتعديل املقتض ى املذكور قبل صدور قرار وزير العدل املنظم للمصالح الالممركزة لوزارة العدل؛
– 2اعتبار املندوبيات الجهوية لوزارة العدل في حكم مديريات مركزية بوزارة العدل
واملديريات اإلقليمية في حكم أقسام بهذه اإلدارة ،وذلك لكون املندوبيات الجهوية سوف تتولى تنزيل
السياسة الحكومية في مجال العدل املتعلقة بجميع مديريات اإلدارة املركزية على مستوى الجهة،
كما أنها تضم في هيكلتها رؤساء اقسام ،مما يستوجب اعتبارها بمثابة مديرية مركزية ،كما أنه وفي
إطار التسلسل اإلداري وجب اعتبار املديريات اإلقليمية التي ستشتغل تحت إشراف املندوبيات
الجهوية بمثابة أقسام باإلدارة املركزية ،ناهيك عن كونها تضم في هيكلتها اإلدارية مجموعة من
املصالح.
إلى جانب ذلك وانسجاما مع مقتضيات مرسوم امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري ،خاصة
منه املادة ،44فإن التمثيليات اإلدارية الجهوية تعتبر في حكم مديريات باإلدارة املركزية .كما تعتبر
التمثيليات اإلدارية على مستوى العمالة أو اإلقليم في حكم قسم باإلدارة املركزية.
ويستفيد رؤساء التمثيليات اإلدارية الجهوية تبعا لذلك من األجر والتعويضات املخولة
ملدير باإلدارة املركزية ،كما يستفيد رؤساء التمثيليات اإلدارية على مستوى العمالة أو اإلقليم هم
اآلخرون من التعويضات املخولة لرئيس قسم باإلدارة املركزية
– 3كانت القطاعات الوزارية قبل صدور مرسوم امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري تنظم
مصالحها الالممركزة سواء كانت جهوية أو إقليمية بمقتض ى قرار للوزير املكلف بالقطاع الوزاري،
بيد أن املرسوم املذكور قد أحدث نقلة نوعية من حيث الجهة املكلفة بإحداث هذه التمثيليات
القطاعية ،فأسند وفق أحكام املادة 11إحداث التمثيليات اإلدارية الجهوية القطاعية وتحديد
اختصاصاتها وتنظيمها لرئيس الحكومة بمقتض ى مرسوم ،في حين أبقى على سلطة الوزير املكلف
اإلداري في تنزيله ،وحتى تضمن وزارة العدل انخراطها في ورش الجهوية املوسعة الذي هو ورش ملكي
ً
مبني أساسا على أولوية الالتمركز اإلداري ،وحتى تضمن كذلك تنسيقها الجهوي واالقليمي مع باقي
القطاعات الوزارية.
وقد أثار إشراف الوالي أو العامل في حالة إحداث املصالح الالممركز لوزارة العدل على
الصعيد الجهوي واإلقليمي مجموعة من االنتقادات ،تتعلق أساسا بأن من شأن هذا اإلشراف أن
يؤثر على استقالل السلطة القضائية ،ويؤدي بالتالي إلى جعل مجموعة من املوارد املادية والبشرية
واللوجستيكية للمحاكم بيد السلطة التنفيذية ،لكن هذا التخوف سرعان ما سوف ينجلي إذا ما
استحضرنا العوامل التالية :
أ – أن قرار املحكمة الدستورية الذي جاء بعد صدور امليثاق الوطني لالتمركز اإلداري قد
حسم في إسناد املهام اإلدارية واملالية للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل ،حيث تعتبر هي املسؤولة
عن تدبير املرافق اإلدارية والقضائية التابعة لها من هذه الناحية؛
ب – أن التدبير اإلداري الجهوي واالقليمي ال يستقيم وفقا ألحكام املادة 145من الدستور
وأحكام املادة )1( 19من مرسوم امليثاق ،إال بإشراف السادة الوالة والعمال على املصالح الالممركزة
لجميع القطاعات الحكومية؛
ج – أن تنسيق أنشطة املصالح الالممركزة لوزارة العدل ،والسهر على حسن سيرها
ومراقبتها من طرف الوالي أو العامل باعتباره معينا بظهير وممثال للسلطة املركزية على صعيد الجهة،
يجعل هذا األخير ووفقا ألحكام املادة )2(5من امليثاق خاضعا بدوره لسلطة ومراقبة وزير العدل ،بما
- 1تنص املادة 19من املرسوم رقم 2-17-618صادر يف 18من ربيع اآلخر 26( 1440ديسمرب )2018مبثابة ميثاق وطين لالمتركز اإلداري،
املنشور ابجلريدة الرمسية عدد 6738بتاريخ 19ربيع اآلخر 27( 1440دجنرب ،)2018ص ،9787 :على أنه ":ميارس ،حتت إشراف وايل اجلهة أو
عامل العمالة أو اإلقليم ،حسب احلالة ،رؤساء املصاحل الالممركزة للدولة وخمتلف العاملني حتت إمرهتم مهامهم بكامل املسؤولية ،طبقا ألحكام النصوص التشريعية
والتنظيمية اجلاري هبا العمل ،حتت سلطة الوزراء املعنيني.
- 2تنص المادة الخامسة من مرسوم ميثاق الالتمركز اإلداري على أنه ":تقوم سياسة الالتمركز اإلداري على المرتكزين
األساسيين التاليين:
-الجهة باعتبارها الفضاء الترابي المالئم لبلورة السياسة الوطنية لالتمركز اإلداري ،بالنظر لما تحتله من صدارة في التنظيم
اإلداري للمملكة ،بما يجعلها مستوى بينيا لتدبير العالقة بين اإلدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى الترابي ؛
يحقق النجاعة والفعالية وااللتقائية املطلوبة في تنفيذ السياسات الحكومية لقطاع العدل على
مستوى الجهة وتتبعها.
د -أن والي الجهة أو عامل العمالة أو اإلقليم –رغم األسانيد السابقة -يستويان مع وزير
العدل في توفير الحاجيات من املوارد املادية والبشرية واللوجستيكية الخاصة بدعم املحاكم،
لكونهما معا يمثالن السلطة التنفيذية ،التي ينبغي أن تظل في جميع األحوال مستقلة عن السلطة
القضائية ،وبالتالي فالقول بأن إشراف الوالي أو العامل على هذه املصالح فيه مس بهذه االستقاللية
يستدعي القول كذلك بأن إشراف وزير العدل على التدبير اإلداري واملالي باملحاكم له نفس التأثير؛
– 8أن تجربة وزارة العدل في تحديد اختصاصات وتنظيم مصالحها الخارجية ،قد سبقتها
لذلك تجارب وطنية من قبيل وزارة الصحة التي قسمت مصالحها الالممركزة إلى مديريات جهوية
للصحة وإلى مندوبيات بالعماالت واألقاليم( ،)1ووزارة التربية الوطنية التي حددت مصالحها
الالممركزة في األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين على مستوى جهات اململكة ،وفي مديريات
إقليمية على مستوى العماالت واألقاليم ،وزارة املالية التي تأخذ بنظام التمركز إداري في الشق
املتعلق بالضرائب ،حيث تمثل الوزارة على الصعيد الجهوي مديريات جهوية للضرائب.
كما أنه على مستوى التجارب املقارنة ،خاصة منها التجربة الفرنسية التي ينهل املغرب الش يء
الكثير ،فإنها تعرف تدبيرا جهويا لقطاع العدالة يعرف بنظام األقسام اإلدارية الجهوية تتولى التدبير
اإلداري واملالي للدوائر القضائية التابعة لها ( ،)SAR: Service Administratif Régionaleوفق ما
هو مفصل في الفصول من R312-70إلى R312-82من التنظيم القضائي الفرنس ي.
وقد تبنت هولندا نظاما لالتمركز اإلداري واملالي ملصالح وزارة العدل أبعد من التصور الذي
نحن بصدد دراسته ،حيث انقلت اختصاصات وزارة العدل مباشرة إلى املحاكم فيما بات يعرف
بالتدبير أو اإلدارة املتكاملة ،Gestion intégraleحيث أصبح لكل محكمة ميزانيتها الخاصة تتضمن
املوارد والنفقات ،وتتولى التوظيف والتعاقد دون الرجوع إلى اإلدارة املركزية ،وقد عرف هذا
-الدور المحوري لوالي الجهة ،باعتباره ممثال للسلطة المركزية على المستوى الجهوي ،في تنسيق أنشطة المصالح الالممركزة،
والسهر على حسن سيرها ومراقبتها ،تحت سلطة الوزراء المعنيين ،بما يحقق النجاعة والفعالية وااللتقائية المطلوبة في تنفيذ
السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها.
1
-المادة األولى من قرار وزير الصحة رقم 003.16بتاريخ 4يناير 2016بشأن إحداث وتحديد اختصاصات وتنظيم المصالح
الالممركزة لوزارة الصحة ،منشور بالجريدة الرسمية عدد 6452بتاريخ 21جمادي اآلخرة 31(1437مارس ،)2016ص:
.2888
الالتمركز على الصعيد املحلي للمحاكم بهولندا في األول تدبيرا مشتركا بين رئاسة املحكمة ونيابتها
العامة ،modèle collégialوانتقل بعد ذلك إلى التدبير األحادي modèle dualلكل من رئاسة
املحكمة ونيابتها العامة.
– 9أن من شأن إحداث هذه املصالح الالممركزة لوزارة العدل تحقيق الغايات التالية :
-ملئ الحلقة الفارغة على مستوى التدبير اإلداري واملالي بين السلطة الحكومية املكلفة
بالعدل ومحاكم جهات وعماالت وأقاليم اململكة؛
-العمل على تنزيل استراتيجية سياسة السلطة الحكومية املكلفة بالعدل على الصعيد
الجهوي؛
-التنسيق والتعاون بين هذه املصالح الالممركزة وباقي القطاعات الحكومية الالممركزة على
صعيد الجهة ،خاصة فيما يتعلق بتدبير البنايات والتجهيز وتحصيل الديون العمومية ،وتبادل
املعلومات واملعطيات وتدبير العمليات املالية؛
-ترشيد نفقات املحاكم وتسريع وثيرة إنجاز املشاريع على الصعيد املحلي والجهوي واملواكبة
الفعلية لها عبر ضمان التحديد الحقيقي والفعلي للحاجيات؛
-التدبير الجيد للوضعيات اإلدارية للموظفين بما يستجيب لالنتظارات و نهج سياسة القرب
مع املوارد البشرية الجهوية) تجزئ الرخص ،االستيداع ،الرخص اإلدارية ،الترقية.....(.
-إرساء آليات الحكامة الجيدة ،وترسيخ ثقافة حسن التدبير وتخليق الحياة اإلدارية
واملهنية؛
-تقريب مركز القرار من املواطن ،وتقليص آماد اتخاذه ،تحقيقا للسرعة والفعالية في أداء
املرافق
اإلدارية الالممركزة لوزارة العدل.
كانت هذه باقتضاب شديد دراسة متواضعة حول مسودة مشروع املصالح الالممركزة
للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل املرتقب إحداثها ،والتي سوف تشكل وال شك قفزة نوعية نحو
تبني وزارة العدل ملقاربة جديدة في تعاطيها مع إشكاالت التدبير اإلداري واملالي على الصعيد الجهوي
واإلقليمي واملحلي ،وجعله أكثر نجاعة وقريبا من املواطن ومن مختلف الفاعلين في منظومة العدالة.
ذ أحمد طبيبي
باحث جامعي
-مقدمة:
تعد هيئة كتابة الضبط محور اإلدارة القضائية بما تملك من اختصاصات إدارية وقضائية
ومالية تشرف من خاللها على العديد من اإلجراءات ،من مرحلة تسجيل مقال الدعوى إلى تنفيذ
الحكم القضائي ،وقد نصت املادة الثالثة من القانون األساس ي لهيئة كتابة الضبط على أن
املوظفين املنتمين للهيئة يمارسون تحت سلطة رئيس اإلدارة ،املهام التي تدخل في مجال اختصاصهم
بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ،ويساعدون القضاء على أداء رسالته.
ويمكن معاينة العديد من املظاهر واملؤشرات املهنية واإلدارية التي تساعد موظفي كتابة الضبط
على أداء مهامهم في ظروف جيدة.
وبالنظر للدور الذي تلعبه كتابة الضبط في العملية القضائية وحجم تدخلها و موقعها في
منظومة العدالة نتساءل في هذه الدراسة عن مدى وجود عوامل بيئية محفزة لنشاطها ومدى
انعكاس املكونات واملتغيرات املكونة لبيئة العمل في الرفع أو خفض وتيرة أدائها ؟
وتعتبرالبيئة التنظيمية من أهم املتغيرات التي تميز املنظمات عن بعضها البعض ،فباختالف
وعي املوظفين للخصائص املكونة للبيئة التنظيمية تتباين سلوكاتهم واتجاهاتهم نحو منظماتهم.
وسنحاول في هذا املقال تسليط الضوء على مفهوم البيئة التنظيمية واسقاط مدلوله على
الواقع البيئي لكتابة الضبط.
يرى بأنها" :مجموعة الخصائص التي تميز بيئة املشروع الداخلية التي يعمل الفرد ضمنها ،فتؤثر على
قيمهم واتجاهاتهم وإدراكاتهم ،وذلك ألنها تتمتع بدرجة عالية من االستقرار والثبات النسبي".1
وقد أكد هذا التوجه بعض الباحثين حين ركزوا على أهمية وتأثير األبعاد املشكلة للبيئة
الداخلية للتنظيم في سلوك املوظفين والعمال واملتمثلة في" :مجموعة النظم السياسات ،املكان،
الظروف ،العالقات الوظيفية واالجتماعية واإلنسانية بين مستويات ،املوظفين والتي تشكل جو
2
العمل الذي يمارس فيه العاملون مهامهم".
وفي تعريف آخر ومن زاوية أخرى هناك من يركز عناصر البيئة التنظيمية في تعريفه لها بأنها
" :مجموعـة مـن األفكـار واملفاهيم واالتجاهـات التـي تـسـود جـو العمـل فـي املنظمة" ،3ويقصد أيضا
بالبيئة التنظيمية بأنها " :مقدار الفرق بين الصورة التي يكونها الفرد عـن املنظمة التي يود االلتحاق
بها من حيث أحوال املنظمة وظروف العمل فيها ونظم اإلشـراف التي يتبعها املشرفون ،ونظم الردع
والعقاب املعمول بها ،وما أدركه من واقع األمر عن أحوال تلك املنظمة بعد االلتحاق بها ،كما
يستخدم هذا التعبير في اإلدارة للداللة علـى مجموعة العوامل التي تؤثر في سلوك العاملين داخل
التنظيم كنمط القيـادة وطبيعـة الهيكـل التنظيمي والتشريعي املعمول به ،والحوافز واملفاهيم
اإلدراكية ،وخصائص البيئـة الداخليـة للتنظيم وغيرها من العوامل واألبعاد التي تؤثر على سلوك
العاملين داخل املنظمة".
وهي بهذا تعتبر وسيط بين الرضا عن العمل واألداء ،فاملستوى املرتفـع مـن الرضا يدل على
وجود بيئة تنظيمية إيجابية تحفز على الرفع من األداء والعكس صحيح .ومن خالل تحـسين البيئة
التنظيمية تستطيع اإلدارة التأثير على الفرد أو العنصر البشري الذي يعد جوهر عملية رفع مستوى
األداء باملنظمة ،وبناء على التعاريف السابقة نستطيع أن نحدد بالتتابع خصائص وأهمية عناصر
البيئة التنظيمية:4
-1محمد كامل المغربي :السلوك التنظيمي ،ومفاهيم وأسس سلوك الفرد والجماعة في التنظيم ،دار الفكر والنشر والتوزيع ،عمان،
طبعة ،2010ص.303.
-2محمد حبيب الصحاف :معجم إدارة الموارد البشرية وشؤون العاملين ،مكتبة لبنان ناشرون ،طبعة ،2003ص.90
-3محمود سلمان العميان :السلوك التنظيمي في منظمات األعمال ،دار وائل للطباعة والنشر ،طبعة ،2010ص.320 .
-4محمد كامل المغربي :السلوك التنظيمي ،ومفاهيم وأسس سلوك الفرد والجماعة في التنظيم ،مرجع سابق ،ص .220
-1الهيكل التنظيمي :يتمثل الهيكل التنظيمي بنمط إحداث األنظمة الفرعيـة مـن أدوات
وأقسام ،ويحدد نمط السلطة وأسلوب اتخاذ القرارات.
-2نمط القيادة :وهي طريقة التأثير في التابعين ،وهي على أنواع منها الديكتاتورية أو
االوتوقراطية أو الديموقراطية.
-3نمط االتصال :االتصال الفعال هو االتصال ذو اتجاهين (الهابط والصاعد) الذي يتيح
للعاملين فرص إبداء الرأي وتبادل األفكار واآلراء واملعلومات.
-4املشاركة في اتخاذ القرارات :أن املشاركة في اتخاذ القرارات تتيح فرصـة إبـداء الرأي
وترشيد القرارات يؤدي إلى رفع معنويات املرؤوسين وتحقيق االنسجام فـي بيئة العمل.
-5طبيعة العمل :أن العمل الروتيني يقود إلى إحداث امللل واالهمال وعـدم االكتراث
والالمباالة نحو التحديث والتطوير بسبب عدم تشجيع االبداع وشعور الفرد بأن عمله ليس بذي
أهمية.
-6التكنولوجيا :تحقق التكنولوجيا الكثير من املزايا في املنظمات ،إال أنها تفـضـي إلى مآخذ
منها االنعزالية ،ألن الفرد يتعامل مع آلة وليس مع عناصـر بـشرية.
وتكتسب البيئة التنظيمية أهمية خاصة كونها تؤثر على الوظيفة ،واألداء ،والرضا الوظيفي.
فاملوظفون يكونون أكثر إنتاجية ،ورضا في املنظمات التي تتميز ببيئة تنظيمية جيدة أكثر من غيرها.
كما أصبح موضوع البيئة التنظيمية من املواضيع الهامة التي تستحوذ على اهتمام اإلداريين نظرا
لتأثيره على العديد من املتغيرات املرتبطة بسلوك املوظفين ،الذي يعتبر أساس العمل ،ويمكن
إجمال أهمية البيئة التنظيمية على النحو اآلتي:
-وجود عالقة بين البيئة اإليجابية داخل اإلدارة ،وتحسين سلوك املوظفين ،وأدائهم لتنفيذ
أهدافها.
-تأثير البيئة التنظيمية على سلوكيات املوظفين ،إذ يقض ي املوظف معظم وقته في العمل,
حيث االحتكاك بالرؤساء ,واملرؤوسين على كافة املستويات ،فهو يخضع في سلوكه لتأثيرات البيئة
التنظيمية بأبعادها املختلفة ،كما أنه خاضع للتغير عبر الزمن.
-أن البيئة التنظيمية تمتاز بنوعية ثابتة ،بمعنى أن شخصية اإلدارة هي عملية مكتسبة،
فالبيئة التنظيمية تتحدد من خالل تفاعل املوظف معها.
-أن توفير البيئة التنظيمية املالئمة ،هو مفتاح النجاح لإلدارة الفعالة ،واالهتمام املستمر
بخلق بيئة تنظيمية صحية يسهم في تطوير األداء ،وتحقيق أهداف املنظمة بكفـاءة وفعالية
عاليتين.1
1نائل عبد الحفيظ العواملة ،تطور المنظمات المفاهيم والهياكل واألساليب ،دار زهران للنشر والتوزيع ،طبعة ،2013.ص.
غير منشور.
-2قرار المحكمة الدستورية عدد 19/89بتاريخ 08فبراير 2019منشور على موقع :
https://www.cour-constitutionnelle.ma/Decision?id=1953&Page=Decision
( حيث إنه ،إلى جانب األعمال اإلدارية واملالية لإلدارة القضائية ،فإن هذه األخيرة ،تتميز عن
باقي اإلدارات العمومية ،في أدائها لعمل موسوم بالطبيعة القضائية ،ما ُيضفي خصوصية على
نشاط مرفق العدالة قياسا بباقي املرافق اإلدارية األخرى ،فتلقي الشكايات ،على سبيل املثال،
واملحاضر واملقاالت وتحرير االستدعاءات وحضور االستنطاق وتحصيل الرسوم القضائية وأداء
مهام التبليغ واملشاركة في هيئة الحكم وتحرير محاضر الجلسات وعمل التنفيذ ،أعمال تندرج في
خانة الولوج إلى العدالة وإجراءات التقاض ي ،مما ُيسبغ صفة مساعدي القضاء على هيئة كتابة
الضبط املشكلة للمورد البشري لإلدارة القضائية).
من جانب آخر يشكل جمود التنظيم الهيكلي الحالي لكتابة الضبط رغم التطور النوعي
والكمي في أعداد وفئات الوظائف و االنشطة أحد العوامل الكابحة للتطور والتغيير التنظيمي .1
ب -تعدد وتنوع الوظائف واألنشطة :
تتميز املهام املسندة لكتابة الضبط بالتعدد والتنوع ،فهي تشمل باإلضافة إلى الوظائف
واملهام ذات الطبيعة اإلجرائية والقانونية والتدبيرية والتقنية ،العديد من الوظائف الجديدة
املتخصصة مثل املحاسبة العمومية ،واملراقبة والتدقيق ،وتدبير الصفقات العمومية ،وتدبير
2
األنظمة املعلوماتية ،وتدبير األرشيف ،واملساعدة االجتماعية ،والترجمة...
وانطالقا من تلك االختصاصات ،تقوم كتابة الضبط بدور محوري في العملية القضائية
اليومية فهي تتدخل في مختلف مراحل الدعاوي والقضايا ،كما تباشر رصد وضبط الحسابات
وتحصيل الرسوم والغرامات والعقوبات املالية القضائية وتوثيق العقود وحفظ أصول األحكام
والتوقيع عليها ،واإلشهاد بصحتها ،وأعمال الشبكة والصيانة املعلوماتية وإجراء األبحاث واالستماع
إلى النساء واألطفال ضحايا العنف وتقديم الدعم واملساعدة القانونية لهم وتقديم خدمات املؤازرة
القانونية واالجتماعية ،كما ال يمكن للمحكمة أن تكون قانونا مكونة من دون كاتب الضبط.
وانطالقا من مشروع الدليل املرجعي للوظائف والكفاءات يمكننا حصر املجال الوظيفي لكتابة
الضبط في عشرين وظيفة نوعية داخل مختلف املحاكم العادية واملتخصصة.
-1في انتظار صدور النصوص التنظيمية الجديدة المرتبطة بالقانون 38.15المتعلق بالتنظيم القضائي
2
-مشروع الدليل المرجعي للوظائف والكفاءات لموظفي و ازرة العدل (غير منشور) :
وتطرق القانون املتعلق بالتنظيم القضائي رقم )1( 38.15إلى كتابة الضبط ،برئاسة املحكمة
وبالنيابة العامة .ويقوم رؤساء كتابة الضبط بهذه األقسام بتوزيع املهام التي تناط بالشعب واملكاتب
التابعة لهم في بداية كل سنة قضائية في جدول رسمي يبين األنشطة واملهام املختلفة ملوظفي كتابة
الضبط حسب الكفاءات والخبرة والتخصصات والدرجات الوظيفية وحسب حاجيات املرفق .وهذا
التنوع في املهام يساعد املسؤول اإلداري في اعتماد نظام املداورة والتناوب على املهام ،بين مختلف
املوظفين لتخفيف ضغط العمل بالنسبة لفئة من املوظفين ،ممن تتطلب املهام املنوطة بهم ساعات
إضافية داخل مقرات املحاكم ،ككتاب الجلسات ومساعدي قاض ي التحقيق وموظفي النيابات
العامة ومكاتب الحسابات والرسوم القضائية .كما تسمح عملية إعادة توزيع املهام السنوية على
جميع املوظفين إلى تكسير الرتابة في نفوسهم ،وخلق الحيوية وتجديد حماس العمل في وسطهم
سيما أن بعض املهام البسيطة تثير امللل لدى الكثير من األطر اإلدارية بكتابة الضبط ،والتي ال
تتناسب مع طبيعة كفاءتهم العلمية واملهنية .وتساهم طبيعة املهام التي يؤديها موظفي كتابة الضبط
في رفع الروح املعنوية لهم وتنمية الشعور لديهم بأهمية العمل املناط بهم الرتباطه بالقضاء وخدمة
العدالة ،مما يؤدي إلى بذل الجهود إلتمام األشغال املكلفين بها على نحو مرض يواكب أهداف اإلدارة
القضائية في تحقيق رسالتها السامية.
لكن بسبب عدم تفعيل مرجعية الوظائف والكفاءات الذي يحدد معايير الكفاءات لكل
املهام املنوطة بكتابة الضبط يشتكي العديد من األطر الحاملة للشواهد العليا واألطر املتمرسة ذات
الخبرة من سوء توزيع املهام من طرف املسؤولين التي تخضع للمزاجية أو الوالءات أو ملعايير ذاتية
2
وغير مهنية
ج -دامش املشاركة في اتخاذ القرار:
1
-ظهير شريف رقم 38.22.1صادر في 30من ذي القعدة 30(1443يونيو )2022بتنفيذ القانون رقم 15.38المتعلق
بالتنظيم القضائي .ج.ر .عدد 7108بتاريخ 14ذو الحجة 14( 1443يوليو،)2022ص.4568.
-2نموذج من االحتجاجات النقابية على سوء توزيع األشغال:
في آسفي https://www.safitoday.com/2017/04/25 :
في أصيال https://al-jalia.com/2022/12/06/:
في الدار البيضاء https://ihata.ma/post/250402/:
فيما يتعلق باملشاركة في اتخاذ القرار يمكن أن ننظر إليها من زاويتين اثنين:
-من الجانب اإلداري املؤسساتي :بخالف النموذج التنظيمي الفرنس ي الذي ينص في قانون
التنظيم القضائي على أجهزة موازية للقضاة ولكتابة الضبط في التنظيم الهيكلي للمحاكم من خالل
الجمعيات العمومية ومكاتب التدبير ،1في املغرب يقتصر قانون التنظيم القضائي على عضوية
القضاة في الهيئات التقريرية باملحاكم ويكتفي بعضوية رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة في
تلك األجهزة بصفتهم مالحظين الغير.2
-من جانب آخر يشارك موظفي كتابة الضبط في تقرير مصيرهم الوظيفي من خالل
ممثليهم بصفة استشارية في اللجان اإلدارية املتساوية األعضاء سواء تعلق األمر بالترقيات أو
بالتأديب .3
-أما عن الضمانات املمنوحة ملوظفي كتابة الضبط ،فعلى غرار موظفي القطاع العام،
وباعتبارهم يعملون داخل مرفق العدالة املرتبط بالسلطة القضائية ،لذلك أحاطهم املشرع املغربي
1
)- Article R212-22 Modifié par Décret n°2019-912 du 30 août 2019 - art. 23 (V
« Le tribunal judiciaire se réunit en assemblée générale dans les conditions prévues à la présente
; section selon l'une des formations suivantes : -1° L'assemblée des magistrats du siège
; 2° L'assemblée des magistrats du parquet ;-3° L'assemblée des magistrats du siège et du parquet
; 4° Les assemblées des fonctionnaires du greffe et du secrétariat de parquet autonome
5° L'assemblée plénière des magistrats et des fonctionnaires.
L'assemblée plénière des magistrats et des fonctionnaires comporte une commission plénière.
Dans les tribunaux judiciaires comportant un effectif d'au moins vingt magistrats, l'assemblée des
magistrats du siège, l'assemblée des magistrats du parquet, l'assemblée des magistrats du siège et du
parquet et les assemblées des fonctionnaires du greffe et du secrétariat de parquet autonome
comportent une commission restreinte » Code de l'organisation judiciaire ,» publie sur le site :
https://www.legifrance.gouv.fr/codes/section_lc/LEGITEXT000006071164/LEGISCTA000018919
347/#LEGISCTA000018922854
-2تنص المادة 30من قانون التنظيم القضائي المشار إليه أعاله ،على مايلي :
"تتكون الجمعية العامة لمحاكم الدرجة األولى ومحاكم الدرجة الثانية من جميع قضاة األحكام وقضاة النيابة العامة العاملين بها .
يحضر رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة أشغال الجمعية العامة بصفة استشارية
تنعقد الجمعية"......
-3المرسوم رقم 2-59-0200الصادر في 26شعبان 5( 1378ماي )1959يطبق بموجبه بخصوص اللجان اإلدارية
المتساوية األعضاء الفصل 11من الظهير الشريف الصادر بمثابة النظام األساسي العام للوظيفة العمومية،.ج.ر.ع2429 .
بتاريخ 7ذي القعدة 15( 1378ماي،)1959ص.1522.
بالعديد من الحقوق ومجموعة من الضمانات اإلدارية واملهنية أثناء ممارستهم لعملهم ،ويمكن
إجمالها فيما يلي:
.1ممارسة الحريات العامة :يتمتع موظفو كتابة الضبط بكافة الحقوق املتعلقة بالحريات
العامة التي يقرها الدستور املغربي لكافة املوطنين املغاربة ،مع بعض القيود الواردة عليها والتي ال
تحد من ممارستها داخل املرافق العمومية بل تعمل على تنظيمها بشكل يسمح بضمان التوازن بين
الحرية التي يتمتع بها املوظف وبين السلطة املادية واملعنوية التي يجسدها.
وفي هذا النطاق يضمن القانون الحرية النقابية للموظف بما يعني ذلك ،حقه في االنخراط في
العمل النقابي ،وتشكيل نقابات قطاعية واتحادات نقابية ،وممارسة حق اإلضراب وحرية الرأي
والتعبير ،واالستفادة من التفرغ النقابي ،والتغيب ألسباب نقابية ،وتأسيس جمعيات خاصة
1
باملوظفين ،اجتماعية رياضية ثقافية ،ترفيهية...
- 2الحماية القانونية:
يتمتع موظف كتابة الضبط في نطاق تمتعه بمجموعة من الضمانات بأنواع متعددة من
الحماية القانونية:
-الحماية الجنائية:
وتكمن في مختلف الجرائم والعقوبات الواردة في القانون الجناني والرامية إلى معاقبة مختلف
أنواع أعمال العنف واالعتداء ضد املوظفين ،وقد أشار الفصل 19من النظام األساس ي العام
للوظيفة العمومية ( ظهير 24فبرابر )1958إلى التزام اإلدارة بحماية املوظفين من التهديدات
والتهجمات واإلهانات والتشنيع والسباب التي قد يستهدفون لها بمناسبة القيام بمهامهم ،وتعوض
إن اقتض ى الحال وطبقا للنظام الجاري به العمل الضرر الناتج عن ذلك في كل األحوال التي ال
يضبطها تشريع خاص برواتب التقاعد وبضمانة الوفاة ،حيث إن الدولة هي التي تقوم مقام املصاب
في الدعاوي ضد املتسبب في الضرر. 2
-1مقتبس من رسالة نيل الماستر في القانون العام تحت عنوان :الحق النقابي للموظف للطالب احمد طبيبي ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية بوجده ،السنة الجامعية . 2011-2010
-2عبد القادر باينة ،الوسائل البشرية للنشاط اإلداري ،منشورات زاوية ،طبعة ،2009ص.102 .
-1النسخة العربية لقانون االلتزامات والعقود ،منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والفضائية ،سلسلة النصوص القانونية ،العدد
،14سنة .2009
-2ورقة حول الحركة االنتقالية بقطاع العدل صادرة عن مديرية الموارد البشرية منشورة على الرابط التالي:
http://drh.justice.gov.ma/sp/personnel/docs/AVIS_MU.pdf
-3وتتم مسطرة البت في طلبات االنتقال طبقا للرسالة الدورية لوزير العدل والحريات عدد 45س 1/4بتاريخ 26فبراير .2014
كما يلي:
أ -تصنيف الطلبات حسب طبيعة المهام المسندة لطالبي االنتقال ،والبت فيهـا بما يسمح بالحفاظ على تواجد مجموعة من
التخصصات بكل المرافق أو بإعادة توزيعها؛
ب -االستجابة لمجموعة من طلبات الموظفين رغم حداثة عهدهم بالوظيفة أو قلة النقط المحصل عليها ،مادام ذلك يغطي
الخصاص باألماكن التي يرغبون في االنتقال إليها؛
ج -اللجوء إلى المفاضلة بين بعض طالبي االنتقال المتساوين في عدد النقط على أساس السن؛
د -وبالنظر إلى ترابط االنتقاالت فيما بينها ،فإن اإلدارة ترفض إمكانية العدول عن ق اررات االنتقال ووجوب تنفيذها ابتداء من فاتح
يوليو الموالي على طلب االنتقال.
العدل باألساس وانخراطا مسؤوال لكافة املتدخلين والشركاء (السلطة القضائية ورئاسة النيابة
العامة) وموظفي كتابة الضبط وممثليهم.
وبالدرجة األولى يجب التخلص من الرؤية التقليدية املرتبطة بالقطاع والذي يعتبر من
القطاعات التقليدية غير املنتجة التي ليس لها تأثير كبير داخل الحياة االقتصادية واالجتماعية
والسياسية حيث ظلت هذه الصفة تالزمه لسنين عديدة وانعكست بشكل كبير على كافة الجوانب
وبصفة أساسية على جوانب التحفيز ،حيث ترتب عنه وجود حوافز ال تتالءم مع املهام الوظيفية
ملوارده البشرية.
وعلى مستوى االختيارات والتوجهات العامة :إعادة النظر في منظومة تدبير املوارد البشرية
بقطاع العدل وذلك بتوطين مناهج التدبير العمومي الجديدة ،نظرا ملا تتيحه هذه األدوات التدبريية
الحديثة :الدالئل املرجعية للوظائف والكفاءات ،التدبير التوقعي للوظائف واألعداد والكفاءات...
من إمكانيات هائلة في إرساء دعائم وظيفة عمومية فعالة وناجعة ،تتجاوز التسيير التقليدي
1
للموظفين ،وتتبنى التدبر االستراتيجي الحديث للرأس املال البشري
-1احمد بنعامر اليوبي :السياسة العمومية في ميدان تدبير الموارد البشرية ،أطروحة لنيل الدكتورة ،كلية الحقوق وجدة ،سنة
.2021ص.383.
منير صالح
-تمهي ـد :
يعد الذكاء االصطناعي موضوع الساعة واملادة الدسمة التي تؤثث النقاش الحلي
واملتواصل في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها مجال التكنولوجيا ،حيث تخطــى العالم
مؤخرا ما يسمى « بتقنية املعلوميــات» التي يعتمد فيها اإلنســان على الحاســوب في عملية جمــع
البيانات واستــرجاعها ،وحفظها من طرف اإلنسان الذي يقوم ذاتيا بعملية االستدالل ِ واالستنتاج
واتخاذ القرارات -اعتمادا على هذه البيانات -التي وفرها الحاسوب ،ليتجاوز العالم في اآلونة األخيرة
هاته الوضعية( ) 1وينتقل إلى عالم الربوتات ،واآلالت ،والوسائل الذكية ،حيث أصبحت هذه األخيرة
بديال لإلنسان والحاسوب في عدة ميادين كونها تستطيع خلق وإيجاد الحلول وضبط القرارات بناء
على العديد من التقنيات التي تقوم بها تلقائيا أو عن طريق نظام التحكم في الذي جاءت به
مستجدات الذكاء اإلصطناعي ،والتي غزت العالم وال زالت ستشمل معظم امليادين والخدمات
واملهن التي كانت تعتمد أساسا على املوارد البشرية ( الذاتية ) املتمثلة في السلوك البشري املتسم
بالذكاء الطبيعي .
وال شك أن مهنة التوثيق ملا كانت تعتبر من املهن الضرورية في حياة األشخاص (الذاتيين
و االعتباريين ) فالبد وأن تتأثر بدورها بثورة الذكاء االصطناعي ،العتبارها من املهن املساعدة
للقضاء وملا لها من فضائل ومميزات في توفير األمن التعاقدي وتحقيق التوازن والعدالة العقديين
بين األطراف بمختلف املعامالت والتصرفات ،وكذلك ما تحققه من ضمانات الثقة واالئتمان ،مع
أحمد حبيــب وعبد هللا موســى الــذكاء االصطناعي :ثورة في تقنيات العصر المجموعة العربية للتدريب والنشر -القاهرة ،الطبعة األولى 2019ص 20،
، : -1
تنظيم وأرشفة الحقوق والواجبات بين األفراد واملؤسسات على تنوعها ،وكذا جميع أشكال العقود
التي يريد أطرافها أن تكتس ي طابعا رسميا ،تماشيا مع القواعد العامة املؤطرة لذلك(.)1
فالتوثيق على هذا النحو وقبل ظهور عالم التكنولوجيا شهد تطورا ملحوظا ببالدنا حيث
كان األصل فيه االعتماد على األنماط التقليدية في تحرير العقود وإبرام التصرفات عن طريق
استعمال الدعامات التقليدية ( الكتب ،االوراق ،الخشب ،الحجر وغيرها )...والتي كانت تعتبر
وسائل لحفظ الحقوق حيث استنبطت قيمتها ومكانتها من أحكام الشرائع السماوية ،خاصة
الشريعة اإلسالمية التي نادت منذ األزل بضرورة توثيق املعامالت والحقوق سواء ما يتعلق بالديون
أو غيره من التصرفات لقوله تعالى في هذا الشأن " يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل
مسمى فاكتبوه .)2("...
وعلى هذا النحو لم تكن مهنة التوثيق محاطة بشكليات معقدة ولم تكن محتكرة من
أشخاص خواص أو محددين بل كانت حرة ومتاحة للجميع ،حيث يجوز لألفراد تحرير ما شاءوا
من عقود تحت مبدأ سلطان اإلرادة وتوثيقها كتابة بينهما على الورق أو على الجلد وغيرها من
وسائل التوثيق التقليدية ،كما لهم تحريرها أمام جهات أخرى تجعل عقدهم أكثر رسمية ،وكل ذلك
حسب إرادتهم وحرياتهم ،إال أنه ومع مرور الزمن شهدت مؤسسة التوثيق تحوال شمل بعض
أساساتها وجزئياتها إبان دخول املستعمر الذي سن لتنظيمها ظهير ماي 1925املنظم للتوثيق
والذي لم يكن إال نصا قانونيا يخدم مصلحة من شرعه فقط .
ولم يتوقف مسلسل تطور هذه املهنة هنا ،بل استمر بفعل تدخل املشرع املغربي بعد
اإلستقالل وفي بداية األلفية الثالثة حيث حاول إعادة هيكلة النظام التوثيقي باملغرب للقضاء على
معيقاته وإشكاالته وذلك عبر خلق ترسانة تشريعية حديثة ابتدأت بسنه القانون 16.03املتعلق
بخطة العدالة ،و القانون 32.09املتعلق بمهنة التوثيق حيث حمال في طياتهما مجموعة من
املستجدات التي كان املأمول من سنها تالفي املشاكل املطروحة سلفا ،وجعلها مواكبة للتحوالت
والتطورات التي تشهدها " األنظمة التعاقدية " وذلك عبر تجديد الجهات املؤهلة لذلك وحصرها
وتحديد الضوابط الخاصة بها وبشكلياتها التي جاءت بها هذه النصوص القانونية(:)3
وقد تضمنت هذه األخيرة بنودا ونصوصا تخول إمكانية اعتماد اآلليات الحديثة لتحيين
نظام التوثيق عبر استعمال وسائل التكنولوجيا في تحرير العقود بغية تذليل كافة الصعاب التي
تقف عثرة أمام تطوير مهنة التوثيق واستفادة املرتفقين من خدمة التوثيق عبر تبسيط املساطر
واعتماد الوسائط اإللكترونية للعمل على تعزيز القدرات البشرية وترشيد وعقلنة املوارد املالية
خاصة مع انتشار نظم الرقمنة والذكاء االصطناعي ( ،)1فالعالم اليوم لم يعد يفكر فقط في اعتماد
التوثيق اإللكتروني بديال للتوثيق التقليدي القائم على الدعامات الورقية ،بل ينتظر تعويضه
مستقبال بآليات الذكاء اإلصطناعي ونخص بالذكر هنا "الربوتات الذكية" الش يء الذي يفتح الباب
أمام طابور زويل ومستمر من الجدل والنقاش املستفيض حول مستقبل مهنة التوثيق في ظل ثورة
الذكاء اإلصطناعي ،التي يعد املغرب من الدول األوائل التي تنخرط فيها وتعمل على تنفيذ توصية
"الهيئة األممية ألخالقيات أنظمة الذكاء االصطناعي.
وفي هذا الصدد ،فقد أكدت املديرة العامة لليونسكو السيدة أودري أزوالي أن" :املغرب
من البلدان األوائل التي حضرت ضمن 193دولة عضو خالل اعتماد التوصية املتعلقة بأخالقيات
الذكاء االصطناعي" ،مبرزة أن املغرب أصبح من بين أوائل البلدان التي نفذت هذه التوصية
والعمليات التي تسمح باالستفادة منها بالكامل على األرجح في ظل انتشار اآلالت والربوتات في الحياة
اليومية ومنافستها لإلنسان ليس في حركاته ومهاراته فقط ،بل حتى في تفكيره ،مما ينتج عنه
إشكاالت قانونية تتعلق وترتبط بتحديد املركز القانوني للروبوت سواء من حيث مدى االعتراف له
بالشخصية القانونية من عدمها ،وتكييف املسؤولية القانونية املترتبة على عمله ،ومدى قدرته على
القيام بمهام التوثيق مستقبال" .
ومن هذا كله تتضح لنا أهمية موضوعنا كونه يتعرض لدراسة عنصرين مهمين في
الجانب العلمي والعملي هما " :التوثيق كمهنة ضرورية والذكاء االصطناعي كضرورة ملحة في عصرنا
الحالي" ،وكونهما يشتركان في األهمية القانونية التي تتجلي في مدى قدرة املشرع على تحديث
املنظومة التشريعية لتنظيم كل من الذكاء اإلصطناعي والتوثيق لخلق كيان ومساحة للنقاش
مستقبال ،ومن جهة أخرى تتجلى أهمية هذا املوضوع من الناحية العلمية في خلق دينامية وسيولة
لألقالم األكاديمية بغية إثراء املكتبة القانونية ،ناهيك عن األهمية االقتصادية التي وال شك أن
يمكن تعريف الذكاء اإلصطناعي من جهتنا بكونه ذلك التطور الحاصل في وسائل التكنولوجيا والمعتمد على اآللة والربوت التي لها ذكاء مصطنع للعمل به في جل الميادين لمضاهاة الذكاء
-1
البشري الطبيعي
الذكاء االصطناعي و التطور التكنولوجي املستمر سيعود بالنفع االقتصادي على البلد كونها وسائل
تختصر الجهد والوقت ،وتساهم في الربح السريع .
ويتمخض عما سبق بروز إشكالية محورية ملوضوع دراستنا مفادها :هل سيتمكن
املشرع املغربي مستقبال من ملئ الفراغ التشريعي بخصوص الذكاء االصطناعي واملسؤولية املترتبة
عنه من جهة ،وما مدى قدرة مهنة التوثيق على الصمود أمام املد التكنولوجي في ظل هيمنة الربوتات
على معظم املجاالت ؟ وبناء على اإلشكالية اعاله يمكن أن نطرح مجموعة من التساؤالت من قبيل :
_ ماهي التطورات التي شهدتها مهنة التوثيق باعتبارها ذات أهمية بالغة باملغرب ؟
_ هل يمكن تعويض منهي التوثيق "العدول واملوثيقين" بالربوتات أو آالت الذكاء
االصطناعي مستقبال ؟
_ هل يمكن أن يخضع الربوت (الذكاء اإلصطناعي) للقواعد العامة للمسؤولية املدنية ؟
ولإلجابة عن هذه اإلشكالية سأعتمد تصميم ينطلق من مطلب أول نعرض فيه لتطور
وأهمية مهنة التوثيق باملغرب (من اآلليات التقليدية إلى الوسائل الحديثة) ،ثم نعالج في مطلب ثاني
مستقبل مهنة التوثيق في ظل الذكاء اإلصطناعي (إشكالية قيام الربوت بدور املوثق ومدى استجابته
لقواعد املسؤولية املدنية).
يعتبر التوثيق ضمانة اساسية وأداة هامة في حماية الحقوق الشخصية ،املالية
(املنقولة ،العينية ) والحفاظ عليها وصيانتها في ظل تشعب الحياة االجتماعية واالقتصادية ،حيث
أضحت معها عالقات وحقوق األطراف في خطر محدق ،إذ صرنا نالمس التداخل في هاته العالقات
بالكيفية التي أصبح معها االصطدام بين مصالح األفراد قاب قوسين ،وفي مبتغى تفادي هذا
اإلصطدام يرمي املشرع إلى توفير الترسانة التشريعية الكافية لتالفي ذلك مع أخذه بكل احتياطات
الرصد املستمر ملنع االعتداء على حقوق الناس من أي طرف آخر ظلما وعدو انا مما يفرض ضرورة
التوجه نحو تعميم نظام التوثيق وشكليته سواء كان ذلك قائما على الدعامات والوسائط
التقليدية أو اإللكترونية والذكية أيضا مثل الربوتات الذكية ،للتمكن من حماية الحقوق
والتصرفات في جل مراحلها منذ إنشاء وتكوين العقد أو عند تنفيذه ،بل حتى عندما يتطلب األمر
الصفحة 214 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
إقامة الدليل في النزاعات ،كون الكتابة أقوى وسائل اإلثبات في النزاعات والتي تعنى باهتمام كبير
. أيضا القضاء حتى بل والفقه التشريع قبل من
وهذا اإلهتمام املتزايد بالتوثيق (شكلية الكتابة) لم يكن وليد اللحظة بل ظهر منذ القدم نظرا ملا لها
من ضمانات متعددة في حفظ مختلف الحقوق وإثبات املعامالت املالية منها ( كالتجارة والكسب
والبيع والشراء) ،أو املعتبرة قربة هلل عز وجل كالهبة والوقف والصدقة ،أو املرتبطة باألسرة (الزواج
والطالق ) على حد السواء.
فاملتأمل في هيكلة نظام التوثيق ببالدنا ،تظهر له جليا تلك االزدواجية القانونية التي
يقوم عليها التوثيق من خالل وجود نظامين أحدهما ذو بعد إسالمي عايش فترة ما قبل الحماية وبني
على أسس تشريعية وقواعد فقهية مالكية ،وآخر عصري سطع بعد فترة الحماية متشبعا بالرحيق
القانوني الفرنس ي حيث كان موجها باألساس للرعايا األجانب ،ناهيك عن بروز التوثيق اإللكتروني في
عصرنا الحالي املعتمد على التكنولوجيا والذي يمكن أن يتوجه ويتحول من توثيق إلكتروني إلى أخر
آلي (ذكي) وهو ما تبناه املشروع العالمي ملا يسمى بالذكاء االصطناعي ،وهذا ما سنعالجه من خالل (
الفقرة األولى ) املخصصة لدراسة تطور أنماط التوثيق باملغرب ثم التطرق في (الفقرة الثانية)
ألهمية التوثيق في عدة مجاالت باملغرب .
تدرج نظام التوثيق ومر من مراحل متعددة جعلته يساير الفترة الزمنية التي يعاصرها،
ففي عصر ما قبل التطور اإللكتروني ،كان نظام التوثيق تقليديا بحيث كان األصل فيه هو التوثيق
العادي القائم على نمط العمل واملجهود البدني ( اليدوي ) في تحرير العقود واملعامالت ،ومنه تم
اإلنتقال إلى عصر الوسائل الحديثة (الحاسوب )...التي أدت إلى بروز نوع جديد من التوثيق يدعى "
التوثيق اإللكتروني " الذي صاحب الثورة الرقمية ،ناهيك عن ظهور نظام توثيقي حديث يعتمد
على نظم الذكاء اإلصطناعي في القيام بمهام التوثيق كما هو حاصل في الكثير من التجارب املقارنة .
فالنمط التقليدي للتوثيق كما أشرت أعاله كان يعتمد على الكتابة والتحرير اليدوي
للعقود واملعامالت ،وقد ارتبط بشكل مباشر منذ القدم بنظام ذو طابع إسالمي يسمى التوثيق
العدلي(،)1ونظام التوثيق العصري( )2الذي ينظمه ظهير 4ماي 1925واملأخوذ من القانون األساس ي
لنظام التوثيق الفرنس ي الصادر في 16مارس 1803والذي يطلق عليه قانون فانتوز املعدل حديثا .
وإذا كان التوثيق العدلي ال يختلف عن التوثيق العصري إال من حيث القواعد
املوضوعية املنظمة للتصرفات القانونية املراد توثيقها ،ذلك أن الذي يريد أن يوثق عقد بيع مثال
سواء لجأ إلى العدول أو املوثقين فاألمر ال يختلف من حيث نتيجته في هذا املساق أو ذاك كون كال
النظامين يقوم على ألية التحرير اليدوي للمحررات والعقود وهو األصل في التوثيق قبل ظهور
الوسائل الحديثة(.)3
فالغاية من هاذين النظامين هي إضفاء الرسمية على بعض العقود لصحتها ،فقد نظم
املشرع املغربي األوراق الرسمية بمقتض ى الفصول من 418إلى 423من قانون االلتزامات والعقود،
وعرف الفصل 418من قانون االلتزامات والعقود الورقة الرسمية بأنها" ....هي التي يتلقاها املوظفون
العموميون الذين لهم صالحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.
وتكون رسمية أيضا - :األوراق املخاطب عليها من القضاة في محاكمهم -األحكام
الصادرة عن املحاكم املغربية واألجنبية ،بمعنى أن هذه األحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة
التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها".
في حين عرفها -أي األوراق الرسمية -أحد الفقهاء ،بأنها تلك التي يقوم بتوثيقها موظف
عام مختص بذلك( ،)4و البد أن نشير أنه ال يكفي لكي يكون املحرر رسميا أن يتم بواسطة هؤالء
األشخاص ،بل ال بد أن يكونوا مختصين بكتابة هذا املحرر من حيث موضوعه ومكان تحريره أي أن
تكون لهم والية موضوعية على املحرر الذي أقاموه وأن تكون هذه الوالية في املكان الذي حرروه
فيه( ،)5ناهيك عن ضرورة التقيد بالعديد من الضوابط الشكلية التي تعتبر بمثابة ضمانات لحماية
حقوق املتعاقدين كتلك التي تتعلق بتلقي الشهادة وحفظها وكذا املخاطبة عليها أو تلك التي تهم
بيانات الوثيقة التي وجب أن تكون صحيحة .
ونظرا لتعدد اإلكراهات التي تطال نظام التوثيق التقليدي كان لزاما أن تظهر أشكال
أخرى تساير ما يشهده العالم من تحوالت طالت الثورة املعلوماتية و التكنولوجية ،إذ كان لتطور
هذه األخيرة أثر واضح على املبادئ العامة للتوثيق ،خاصة في الشق املرتبط بشكليات (الكتابة
والتوقيع) التي كانت تقوم على وسط مادي محسوس وملموس ،وقد صاحب هذا التطور ظهور
أنماط وأشكال متعددة للوسائل التي يتم من خاللها إبرام التصرفات القانونية على دعامات غير
تقليدية من قبيل التعاقد عبر األنترنت أو اإليمايل أو باعتماد الحاسوب والهاتف الذكي(.)1
ومواكبة منه لهذه الثورة الرقمية والتفاعل معها ،تدخل املشرع املغربي مستجيبا
ملتطلبات التطور فأصدر العديد من النصوص التي من املأمول أن تكفي لتنظيم املجال الرقمي في
شقه التعاقدي ،ومن أهما نجد القانون رقم 53-05املتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات
القانونية والذي بموجبه تم اعتماد عوض الدعامات التقليدية آلية الدعامة اإللكترونية التي تعتمد
العديد من البيانات التي تبين كيفية إبرام العقود اإللكترونية ،وتشفيرها ،والتوقيع واملصادقة
اإللكترونيين عليها .
فالقانون رقم 53-05يعتبر أول أساس قانوني للتوثيق اإللكتروني ببالدنا حيث فتح
املجال لهيمنة العهد الرقمي بشكل ال لبس فيه ،مما يرمي على تحقيق األهداف العامة والخاصة
الرامية إلى تشجيع ولوج املغرب إلى تكنولوجيا اإلعالم واالتصال ،ولالستجابة لتطلعات املتعاملين
املتعطشين للسرعة والفعالية في النظام القانوني مع اإلستفادة من الجانب اإللكتروني أيضا في
مجال الخدمات واملرافق األخرى التي يسعى املشرع املغربي إلى تبسيط الولوج واإلنتفاع منها عبر
تفعيل مسار اإلدارة اإللكترونية .
وفي سبيل تحقيق كل ما قيل فقد أصدر املشرع املغربي العديد من النصوص القانونية
من بينها القانون 09.08الخاص بحماية املعطيات الشخصية ،ناهيك عن القانون رقم 43.20
الخاص بخدمات الثقة بشأن املعامالت اإللكترونية الصادر في أواخر سنة 2021وغيرها من
النصوص التي ستعود بالنفع اإلقتصادي على بالدنا ،نظرا لكون التعامل اإللكتروني والعقود املبرمة
بهذا الشكل تمتاز بعدة خصائص منها الغياب املادي للمتعاقدين أثناء تبادل التعبير عن إرادتهم،
-1عبد الفتاح بيومي حجازي" :النظام القانوني للتوقيع االلكتروني" ،دار الكتب القانونية ،2008 ،ص .8
حيث يتم التعبير عن اإليجاب والقبول فيه من خالل وسائل االتصال عن بعد مما يوفر الوقت
والجهد (.)1
وبه يمكن يمكن القول أنه يمكن ملحرري التوثيق بشقيه العدلي والعصري يسوغ لهما
إبرام العقود اإللكترونية التي تلعب دورا مهما في الحياة التعاقدية مع التقيد بالقواعد اإلجرائية التي
جاءت بها القوانين والتي من بينها القانون رقم 53.05الذي أطر الشروط والبيانات الواجب توفرها
في العملية التعاقدية املبرمة إلكترونيا لخلق وثيقة إلكترونية صحيحة شكال ومضمونا ويمكن
اإلحتجاج بها (.)2
وتبعا لهذا لتطور التكنولوجي لم يعد النقاش منصبا على الوسائل والدعامات التي
تساعد اليد العاملة واملوار البشرية على القيام باألعمال والخدمات أيا كانت طبيعتها-مثل "خدمات
التوثيق" -بل أصبح الرهان اآلن هو البحث عن السبل الكفيلة بتعويض املوارد البشرية باملوارد
اآللية والربوتات في ظل إنتشار الذكاء اإلصطناعي وما صاحبه من تحوالت قد تهدد نوعا ما مستقبال
(الذكاء الطبيعي) وتجعله على املحك ،خاصة وأن أغلب الدول إعتمدت برامج الذكاء اإلصطناعي
الذي إنخرط املغرب في مسلسله مؤخرا ،حيث سيعمل مشرعنا ال محالة على ملئ الفراغ التشريعي
في املستقبل القريب إلستفادة املغرب من هذه التجربة التي ستعود بالنفع على اإلقتصاد و املجتمع
املغربيين شريطة توفير الضمانات الكافية والضرورية لهذا املجال خاصة وأننا على إجماع بخطورة
امليدان التكنولوجي وحساسيته كمجال خصب إلرتكاب الجريمة ،وإختراق النظم والبيانات
املعلوماتية مما قد ينعكس سلبا على إستراتيجية الدولة بهذا الخصوص.
فالثورة التكنولوجية الرقمية ،أسفرت عن اختراعات عظيمة من بينها
الحاسوب سابقا و اآللة أو الروبوت حاليا حيث ستشمل هذه اإلختراعات كل امليادين بما فيها ميدان
التوثيق والذي قد يعوض اليد العاملة بالروبوت و اآلالت اإللكترونية الحديثة ،كونها تمتلك القدرة
على القيام بما برمجت عليه مع التعلم واكتساب املعرفة ،وله القدرة على التسيير الذاتي واتخاذ
تفاعله عن فضال اإلنسان، تدخل دون باستقاللية القرارات
مع الوسط الخارجي ( ،)3وغيرها من املميزات التي قد تنهي مهام اليد العاملة مستقبال وقد تقض ي
على بعض املهن .
زينب بنعومر – الحجية القانونية للمستندات االلكترونية في التشريع المغربي – عرض في اطار التكوين المستمر للمحكمة التجارية بمراكش منشور بالموقع االلكتروني التالي " - :
-1
https://www.fichier/pdf.fr/2015/04/10/docelectroniaueendroitmarocainتاريخ اإلطالع 2023-03-22
-2أحمد أدريوش ،تأمالت حول قانون التبادل االلكتروني للمعطيات القانونية ،م.س ،ص.60
أحمد سعد علي البرعي تطبيقات الذكاء االصطناعي والروبوت من منظور الفقه اإلسالمي بحث منشور بمجلة األزهر العدد 48ص 455
-3
عبد القادر العرعاري ،ضمان العيوب الخفية في عقد البيع ،طبعة 1996مطبوعات المعارف الجديدة ،ص .9
-1
2من هذه العقود :بيع العقار في طور اإلنجاز ،اإليجار المفضي إلى تملك العقار ،االئتمان االيجاري.....
-
3محمد الربيعي ،محررات الموثقين وحجيتها في اإلثبات في التشريع المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية واالقتصادية
-
واالجتماعية ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية ،1988-1987ص .35
نذكر هنا القانون 14,07المنظم للتحفيظ العقاري والقانون 39.08الخاص بمدونة الحقوق العينية...
-4
وبناءا عليه فنظام التوثيق بشقيه التقليدي و الحديث هو من الضمانات ويعد أمرا هاما وضروري
وإجراء الزم لتحقيق اإلستقرار املنشود لشتى املحاالت .
من املالحظ على املستوى العملي باملغرب أنه يصعب التكهن بفشل أو نجاح مهام
"الربوت" في جل امليادين ليس فقط في مجال التوثيق ،كون األمر الزال لم يتم تنزيله على أرض
الواقع ،وهو ما يصعب التسليم به نظرا ملكانة نظام التوثيق القائم على خصوصيات وضوابط
تجعله ال يستقيم وال يجد ضالته إال بوجود العناصر البشرية املتمتعة بالذكاء الطبيعي "املوثقون
والعدول وغيرهم" ،وبالتالي ولو سلمنا وقلنا على سبيل املثال أن الربوت توغل في ميدان التوثيق
ودخله ،فإنه يستحال عليه إتقان هذه املهنة في خضم الوضع الراهن ،وذلك لعدة مبررات من قبيل
كون التوثيق ينتج بعض املحررات والوثائق التي تستلزم أحيانا بعض اإلجراءات الشكلية (كالتسجيل
في إدارة الضرائب أو التسجيل في املحافظة العقارية ،أو االنتقال أحيانا إلى مكان التعاقد) ()1الش يء
الذي يجعل مهمة الربوت في هذه املهنة محدودة إن لم نقل مستحيلة ،ويزكي استمرار نظام التوثيق
التقليدي الذي تتحقق فيه شروط الثقة التي لن يحظى بها أي نظام توثيقي حديث حاليا .
وفرضا لو شاءت الظروف والتطورات التكنولوجية إقحام الربوت للقيام بهاته املهام
التوثيقية ،فستعترضه صعوبات كثيرة ،ومنه يمكن أن يفلح في عمله فقط كعنصر اصطناعي ذكي
مساعد للشخص الطبيعي املكلف بالتوثيق ،وعلى األرجح اإلستفادة منه ومن فضائله في إسراع
العمليات التعاقدية وتبسيطها من خالل محاولة التوفيق والتنسيق بين إيجابيات التعاقد
اإللكتروني ومزايا الذكاء اإلصطناعي .
وعالقة باملوضوع فالش يء الذي يعضض ما قيل ويؤكد صعوبة حلول الربوت مكان
الجهات املكلفة بالتوثيق (املوثق او العدل ) في القيام بهذه املهنة هو وجود كما أشرنا إكراهات
متعددة سنختار منها ما يرتبط باإلكراهات القانونية واللوجستيكية.
فبالنسبة للعوائق القانونية نجد أن هناك فراغ قانوني في هذا اإلطار اللهم االتفاقية
التي شارك فيها املغرب في باب الذكاء االصطناعي( ،)2مما يجعلنا ننوه وندعو املشرع املغربي إلى
خوض مضمار خلق ترسانة تشريعية معاصرة تتوفر فيها ضمانات هامة لالستفادة من الذكاء
االصطناعي بمختلف امليادين وليس فقط التوثيق.
أما بخصوص املشاكل اللوجستيكية التي قد تمنع أحيانا الربوت من مهمته كونه -أي
الربوت -يحتاج إلى الكثير من الطاقة الكهربائية أو املغناطيسية او غيرها وهو ما قد يحد من دوره
بفرضية وجود عطل في الطاقة التي يشتغل بها ،فعلى املستوى الواقعي قد تبرز هذه اإلشكالية ويتم
عرقلة وضياع التصرف أو الش يء املتعاقد عليه ،وبالتالي يصبح الذكاء اإلصطناعي مضرة وليس
منفعة هذا من جهة .
ومن جهة أخرى أرى أنه ال يمكن تصور وجود "الربوتات " في كل اإلدارات مستقبال
لخصوصية بعض املهن التي ال يمكن االستغناء فيها عن اإلنسان واألشخاص الذاتيين ومن غير
املمكن تعويضها بالعامل اآللي أو الربوت ،ومن بينها املحاماة والقضاء وغيرها ،وبالتالي نظرتنا من
إضافة إلى وجود بعض العقود التي من المستحيل أن يقوم بها الربوت حاليا مثل توثيق عقد الزواج نظرا لقيمنه اإلجتماعية
-1
أزوالي -ا لــذكاء االصطناعي ،تقرير اللجنة العالمية ألخالقيات المعارف العلمية والتكنولوجيا التابعة لليونســكو لسنة 2017م بشأن إعداد و دراسة أولية بشأن أخالقيات الذكاء
- 2أوندري
االصطناعي منشور بمجلة رســالة اليونســكو ،عدد ســبتمبرلسنة 2018
هذه الزاوية تتبنى -كما سبق القول -فرضية مكنة االستعانة ببعض الربوتات في عمليات ضبط
امللفات وتشفيرها وكذا املساعدة داخل اإلدارات املكلفة بالتوثيق وباقي اإلدارات األخرى .
وعالوة على ما قيل أنفا البد من التنويه بالذكاء اإلصطناعي وفوائده ،مما سيساعد
الدولة على تنمية اقتصادها وتلبية حاجياتها الضرورية عبر إنقاص اليد العاملة التي تشغل مناصب
تظفر بها اليد العاملة الطبيعية وتعويضها بالربوت للقيام بها لتوفير السيولة املالية في باب
التوظيف و تحقيق املردودية والنجاعة كون الربوت يبرمج ألهداف معينة ويصعب أن يتماطل فيها
او في إنجازها على خالف اليد العاملة الطبيعية .
ويعتبر الربوت ذكي جدا إذ يقوم بواجبه وفق عدة فروع وتقسيمات تشمل أنواعه
وتشمل كذلك طرق عمله :منها الربوت الحديثة والتي يمكن أن يكون التحكم فيها خارجي من طرف
اإلنسان ومنها تلك التي يمكن أن تعمل بشكل مستقل و ذاتي ،فاألولى املتحكم فيها هي الربوتات التي
يعتمد سلوكها على برنامج تحكم يعمل وفق خوارزميات معينة ويمكن التمثيــل لها بالربوتات
الصناعية املســتخدمة اآلن في معظــم املصانــع والشركات ،فهــي تعتبر مجرد آالت مبرمجة بطريقة
معينــة ألداء مجموعة من املهام املحددة بشكل دقيق سلفا (.)1
أما النوع األخر ويسمى الربوتات ذاتية التشغيل ،فهــي ربوتــات متعلمــة تتمتع بقــدرات
تحاكــي قدرات اإلنســان ،مثــل اإلدراك واستعمال اللغة والتفاعل وحل املشكالت والتعلم واإلبداع،
وتستند في طريقة عملها إلى التعلم اآللي والخبرات املعرفية ،ويصعب التنبؤ بسلوكها ألنها تعمل
بطريقة ذاتية من غير تحكم بشــري ،وتســمى بـ«الربوتــات املعرفية» العتمادهــا في قراراتها على جمع
البيانات الضخمة وتحليلهــا واتخاذ القرار بنــاء عليها ويمكن تســميتها أيضا «الربوتات املســتقلة» أو
التشــغيل» «الذاتية
الستقاللها في اتخــاذ قراراتها بعيدا عن تحكم اإلنســان(.)2
عموما فبلدنا ال محالة ستلجأ ألنظمة الذكاء االصطناعي مستقبال في مختلف امليادين
تلبية لحاجيات الدولة واملواطنين معا في ظل الثورة الرقمية الرابعة التي تجاوزت االعتماد على
الوسائط والدعامات اإللكترونية والعمل عن بعد ،مما أهلها لتعويض الطرق التقليدية في التعاقد
واملعامالت و التي كانت تعتمد الدعامات املادية واملستندات الورقية.
ضياء الدين زاهر ،ـ تكنولوجيا الروبوت :اإلمكانات واإلشكاليات مقال بمجلة مستقبل الربية العربية ،المركز العربي للتعليم والتنمية ،مجلد -9عدد 28،يناير 2003م ،ص24.
-1
نيفين فاروق فؤاد ا آللــة بيــن الذكاء الطبيعــي والذكاء االصطناعي :دراســة مقارنة ، ،بحث منشــور بمجلة البحث العلمي في اآلداب ،جامعة عين شمس -عدد -13جزء 3ص500
-2
يرتبط مفهوم املسؤولية بتحمل الشخص نتائج وعواقب اإلخالل الصادر عن مخالفته
الواجبات امللقاة على عاتقه أو على عاتق من يتولى رقابته واإلشراف عليه ،وهي الجزاء الذي يقوم
مكان مخالفة الواجب ويقومه ،وهذه املخالفة قد تكون أخالقية تستوجب جزاءا أدبيا ،أو قانونية
تستوجب جزاءا لجبر الضرر ،وقد يكون الجبر فيها إما ماديا يسمى تعويضا في إطار القواعد العامة
للمسؤولية املدنية( ،)1وقد يكون التعويض فيه مساس بالذمة املالية وبذات املخالف معا كما هو في
قواعد املسؤولية الجنائية (.)2
وملا كان حديثنا عن عالقة الذكاء االصطناعي بالتوثيق ،فنرى أنه من األفضل واألجدر
التطرق إلشكالية خضوع الربوت لقواعد املسؤولية املدنية من عدمه والتي عهدنا تطبيق قواعدها
على الشخص الطبيعي واإلعتباري ،فكيف هو الحال بالنسبة لإلنسان اآللي أو الربوت ،وبالتالي هل
الربوت مسؤول عن أخطائه بشكل مستقل ،أم أنه تابع في مسؤوليته لشخص ما أم هو مجرد ش يء
محروس؟ فهذه كلها إشكاالت ستعمق النقاش في باب املسؤولية املدنية للروبوت التي يستعص ي
تحديدها دون معرفة الطبيعة القانونية للربوت ،ومن ثم البحث عن قواعد املسؤولية املدنية
املناسبة و املراد تطبيقها عليه ملعرفة املسؤول األول عن الضرر الحاصل إللزامه بالتعويض.
وهذا حتما ما يجعلنا ال نستسيغ التسليم بفكرة خضوع الربوت لقواعد املسؤولية
املدنية بشكل مجرد كشخص مستقل ،والتي ال تقوم إال بالتوفر على األركان الضرورية املتمثلة في (
الخطأ والضرر والعالقة السببية ) لقيام هاته املسؤولية ،سواء كان مصدرها العقد ،أو كانت
تقصيرية مصدرها القانون " العمل غير املشروع" ،ومن جهتنا ونحن بصدد هذه اإلشكالية نرى أن
املسؤولية التقصيرية هي األقرب تطبيقا على"الربوت" من الناحية النظرية إذ يمكن مستقبال أن
يخضع لقواعدها بخالف العقدية املترتبة على اإلخالل باإللتزامات التعاقدية التي ال زالت في باب
التوثيق تقتصر في إنجازها على العنصر البشري ،اللهم إذا استفادت مهن التوثيق من الربوت
انظر قواعد المسؤولية المدنية المنصوص عليها في الكتاب األول من قانون االلتزامات والعقود المغربي
-1
انظر قواعد المسؤولية الجنائية المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي المغربي
-2
كعنصر مساعد كما أشرنا سابقا في ضبط التعاقدات وتوفير الوقت والثقة للمهنة للحلول دون
مسؤوليته في هذا الشأن .
فصعوبة التكييف الصحيح لشخصية الربوت هي التي تزيد األمر تعقيدا من الزاوية
الفقهية بل حتى القضائية خاصة عند ترتيب الجزاء املناسب للضرر( ، )1وفي سبيل التوضيح أكثر
ونظرا لكون الربوت ال يعد إال ش يء( ،)2فمنه نقترح مستقبال إمكانية تطبيق أحكام املسؤولية
التقصيرية الناشئة عن حراسة األشياء عليه املنصوص عليها في القانون املدني املغربي(،) 3حيث أراد
بها املشرع األخذ بيد املضرور بغية تخفيف عبء اإلثبات عليه عندما يطالب بالتعويض عن
األضرار التي تسببها له اآلالت امليكانيكية و الربوتات الخطيرة التي خلفها التطور الصناعي.
فاملشرع في هذه املسؤولية حاول أن يعفي املضرور من إثبات خطأ حارس الش يء الذي
أحدث الضرر ،باعتبار أن مسؤولية الحارس تقوم على خطأ مفترض من جانبه في رقابته وبالتالي
يمكن أن يخضع الربوت لهاته الحالة من حاالت املسؤولية ألنها األقرب للواقع فعلى الرغم من
استمرار الخالف في اآلراء على تحديد أساس مسؤولية حارس األشياء ومدى اعتبار الربوت ش يء
وليس صفة ،فالبعض يقول أن أساس هذه املسؤولية هو تحمل التبعة ،فمن يستفيد من الش يء
عليه تحمل تبعة الضرر الذي يحدثه للغير ،وعليه لكي تطبق قواعد املسؤولية لحراسة الش يء على
الربوت البد من توفر شرطين هامين :أولهما استجابة الربوت للحراسة وإحداث ضرر للغير( ،)4هذه
الفرضيات كلها بسبب قيام املسؤولية املدنية على االعتبار الشخص ي أي على أساس الخطأ
الشخص ي املباشر أو غير املباشر(.)5
فاإلشكالية تبدو غاية في التشعب بين املؤيد والرافض للفكرة ،وبين من اعتبره وكيال،
فقد استبعد أصحاب اإلتجاه األول فكرة اإلعتراف بالشخصية القانونية للروبوت واعتبروا أن
الربوتات مجرد أشياء من الناحية القانونية وما ينتج عنها من أضرار يعالج وفقا لنظام التأمين
اإللزامي عن حوادث الربوت ،أما عن أصحاب االتجاه الثاني فقد طرحوا فكرة الربوت الوكيل ،أي
مدى اعتباره وكيال عن اإلنسان للقيام بما أوكل إليه ،بينما وجد جانب آخر من الفقهاء اعتبر
المسؤوولية المدنية للووووت وين الواقع واستشواف المسؤتقبل مقال منشور بمجلة القانون الدولي والتنمية المجلد 10العدد االول لسنة 2022ص334
- 1هشماوي اسية :
2عبد الرزاق وهبة سيد احمد محمد ،المسؤولية المدنية عن أضرار الذكاء االصطناعي "دراسة تحليلية" ،مجلة جيل ،األبحاث القانونية المعمقة ،العدد 43،أكتوبر 2020
-
3نظم المشرع المسؤولية المدنية لحارس الشيء في الفصل 88من ق ل ع وغيره .
-
4محمد عرفان الخطيب ،المسؤولية المدنية والذكاء االصطناعي...إمكانية المسألة؟ دراسة تحليلية معمقة لقواعد المسؤولية المدنية في القانون المدني في القانون المدني الفرنسي ،مجلة كلية
-
القانون الكويتية العالمية ،السنة الثامنة ،العدد 1،مارس 2020
محمد عرفان الخطيب ،المركز القانوني لإلنسآلة ( " )Robotsالشخصية والمسؤولية .دراسة تأصيلية مقارنة" قراءة في القواعد األوروبية للقانون المدني لإلنسآلة لعام 2017،مثال منشور
-5
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ،السنة السادسة ،العدد 4،ديسمبر 2018
الربوت شخصا معنويا يمكن او يوجد له اسم ،موطن ،ذمة مالية مستقلة ،جنسية وأهلية يسجل
فيها كافة املعلومات املتعلقة بالربوت ( ،)1لكن هذه الفكرة في حد ذاتها ليست مستساغة إلى حد
كبير ،فالشخص املعنوي غير مستقل تماما ،بل يديره ويسيره اإلنسان.
ولكي نحسم في إشكالية تحديد طبيعة شخصية الربوت ومسؤوليته التي ال هي شخصية
طبيعية وال اعتبارية ،برز اتجاه جديد نؤيده ،ونقول أنه من الواجب استحداث شخصية قانونية
جديدة تناسب خصوصية الربوت أمام عجز قواعد املسؤولية التقليدية عن تغطية األضرار الناتجة
عن أعماله (. )2
فهذا االتجاه األخير هو الذي يؤيد توجه التشريع األوروبي( ،)3والذي يدعم فكرة
االعتراف بالشخصية القانونية للربوت عندما يصل مرحلة االستقاللية التامة ،فإذا لم يصل لذلك
وجب خضوعه لنظام النائب اإلنساني ليتحمل بقوة القانون مسؤولية تعويض املضرور عن أخطاء
التشغيل الصادرة من الربوت (.)4
وما هذا املوقف ،في الواقع ،إال إعادة لتأهيل لقواعد املسؤولية التقصيرية التقليدية
لحارس الش يء ،وبالتالي وجب على التشريع املغربي تحيين ترسانته التشريعية في باب املسؤولية
املدنية على غرار التشريعات املقارنة التي كانت سباقة في " تجربة الربوت وأنظمة الذكاء
اإلصطناعي"(.)5
بيد أن البرملان األوربي عندما طالب منح الشخصية القانونية لآلالت الذكية لم يقصد
كل آالت الذكاء االصطناعي بل أراد بذلك اآلالت األكثر تقنية ،والتي تعمل بشكل ذاتي ( ، )6إال أن
القرار األوروبي لم يفصل في الجوانب القانونية املرتبطة بالشخصية القانونية للربوت فيما يخص
الحقوق املتصلة بالحريات األساسية كحق العمل ،التملك ،الذمة املالية املستقلة ،اللجوء للقضاء
وغيرها ،و لم يصنف الروبوتات ضمن األشياء ،الش يء الذي يفهم منه توجه املشرع األوروبي
لتأسيس منزلة الربوت اآللي الكامل األهلية والذي يتمتع بالشخصية القانونية()7
حبيب الكرار جهلول وحسام عبيس عودة ،م س ص33
-1
- 2حبيب الكرار جهلول وحسام عبيس عودة ،المسؤولية المدنية عن األضرار التي يسببها الروبوت– دراسة تحليلية مقارنة ،-مجلة ريس ،المجلد 6،العدد 5لسنة ، 2019
ليحي كريمة ،إشكاالت تحديد المسؤولية المدنية لألشخاص في إطار نظم الذكاء االصطناعي ،مسطرة إجرائية ،مختارات من أشغال الملتقى الوطني حول ،مستقبل المسؤولية المدنية ،نظمته
-3
كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم القانون الخاص ،جامعة امحمد بوقرة ،بومرداس ،يوم 28جانفي 2020م ،ص 4.
على فياللي ،الشخصية القانونية كوسيلة لحماية الطبيعة ،مجلة االجتهاد للدراسات القانونية واالقتصادية ،المجلد 9،العدد 1، 2020م ،ص3
-4
5عماد عبد الرحيم الدحيات ،نحو تنظيم قانوني للذكاء االصطناعي في حياتنا :اشكالية العالقة بين البشر واآللة ،مجلة االجتهاد للدراسات القانونية واالقتصادية ،المجلد 8،العدد ، 2019، 5ص.
-
25وما يليها
عماد عبد الرحيم الدحيات ،نحو تنظيم قانوني للذكاء االصطناعي في حياتنا م_س ص 33وما يليها
، ، -6
هشماوي أسية ،لمسؤولية المدنية للربوت بين الواقع واستشراف المستقبل مقال منشور بمجلة القانون الدولي والتنمية المجلد 8العدد 1لسنة ،2022ص 333وما يليها
. ، ، ، ، ا -7
وعليه ،ونظرا لحساسية هذه اإلشكالية واالختالف املستمر في طبيعة مسؤولية الربوت
وفي تكييف شخصيته نرى ضرورة مواصلة البحث في تأصيل فكرة مسؤولية الروبوت ببالدنا و
خاصة في قواعد القانون املدني املؤطرة للمسؤولية املدنية والبحث عن سبل ملئ الفراغ التشريعي
املتعلق بذلك(.)1
-خاتم ــة
في ختام حديثنا عن موضوع مهنة التوثيق والذكاء اإلصطناعي املستشرف مستقبال
يتضح أنه يصعب تحقيق النتائج التي حققها في العديد من التجارب املقارنة ،نظرا لكون املغرب
الزال لم ينخرط فعليا في هذه الثورة الرقمية الرابعة ،وبالتالي يمكن القول ان مهنة التوثيق لن تتأثر
حاليا بنظام الذكاء اإلصطناعي ،بل سيستمر مسلسل اإلعتماد على العنصر البشري كما هو معهود
في العديد من املهن األخرى ،والتي يصعب أو يستحيل تعويضها بالربوتات أو اآلالت الذكية املبرمجة
وفق نظم الذكاء اإلصطناعي ( كالقضاة و املحاماة ) هذا من جهة .
ومن جهة ثانية ،يمكن أن نستفيد من أنظمة ووسائل الذكاء اإلصطناعي في الحالة التي
قد ال تنعكس مسؤولية الربوت على املستفيدين كالقطاع التربوي أو الرياض ي ...وبالتالي فالربوت قد
ال يسبب ضررا للمتعلم أو الرياض ي بخالف ميدان التوثيق ،فقد يخطأ الربوت ولو فرضا ويلحق
الضرر بحقوق املتعاقدين وهو ما ال نصبوا إليه .
وقد خلصنا في معرض حديثنا في الشق الثاني لهذه الدراسة أنه من الصعب ضبط
وتكييف شخصية الربوت وتحديد املسؤولية املدنية املناسبة له ،نظرا لقصور صور و قواعد
املسؤولية املدنية التقليدية ببالدنا وعدم شموليتها ملسؤولية الربوتات في أحكام قانون اإللتزامات
والعقود ،ولذلك ال بد من البحث في مدى إمكانية اإلستفادة من هذه التجربة وملئ الفراغ التشريعي
على غرار املشرع األوروبي ،وملا ال اإلعتراف بالشخصية القانونية للروبوت مستقبال باملغرب.
هذا وقد ارتأينا أن نشير إلى بعض النتائج املهمة إزاء موضوعنا هذا من قبيل :
همام القوصي ،أخطاء ربوت التداول الخوارزمي العامل بالذكاء االصطناعي ،دراسة استشرافية في آفاق المسؤولية المدنية بالبورصة ،مقال منشور في مجلة جيل ،األبحاث القانونية المعمقة،
-1
العام الخامس ،العدد 41،يوليو 2020م ،ص.15:
-الئحة املراجع
-الكتب :
_ أحمد خرطة ،قانون التوثيق العصري مع مستجدات مشروع قانون التوثيق 32,08املتطلبات،
املجال ،الحجية ،مطبعة الجسور طبعة ،2006
_ عبد هللا موســى ،د .أحمد حبيــب الــذكاء االصطناعي :ثورة في تقنيات العصر ،د املجموعة العربية
للتدريب والنشر -القاهرة ،الطبعة األولى 2019
_ محمد الكشبور" ،رقابة املجلس األعلى على محاكم املوضوع في املواد املدنية محاولة للتمييز بين
الواقع والقانون ،الطبعة األولى 2001مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء
_ أحمد أبو الوفا" ،التعليق على نصوص قانون اإلثبات ،طبعة 1987منشأة املعارف اإلسكندرية
_ عبد الفتاح بيومي حجازي" :النظام القانوني للتوقيع االلكتروني" ،دار الكتب القانونية2008 ،
_ عبد القادر العرعاري ،ضمان العيوب الخفية في عقد البيع ،طبعة 1996مطبوعات املعارف
الجديدة،
: -املقاالت
-هشماوي اسية املسؤولية املدنية للربوت وين الواقع واستشراف املسقبل مقال منشور بمجلة
القانون الدولي والتنمية املجلد 10العدد االول لسنة 2022
-ضياء الدين زاهر ـ تكنولوجيا الروبوت :اإلمكانات واإلشكاليات ،د ، .مقال بمجلة مستقبل الربية
العربية ،املركز العربي للتعليم والتنمية ،مجلد -9عدد 28،يناير 2003م
ٌ ٌ ً ٌ
االلكترونية في التشريع املغربي – مقال في اطار القانونة للمستندات -زينب بنعومر – الحجية
التالي " - : ً التكوين املستمر للمحكمة التجارية بمراكش ،منشور باملوقع االلكتروني
https://www.fichier/pdf.fr/2015/04/10/docelectroniaueendroitmarocain
-نيفين فاروق فؤاد ،اآللــة بيــن الذكاء الطبيعــي والذكاء االصطناعي :دراســة مقارنة ،بحث منشــور
بمجلة البحث العلمي في اآلداب ،جامعة عين شمس -عدد -13جزء 3،
-أودري أزوالي -الــذكاء االصطناعي ،تقرير اللجنة العاملية ألخالقيات املعارف العلمية والتكنولوجيا
التابعة لليونســكو لسنة 2017م بشأن إعداد و دراسة أولية بشأن أخالقيات الذكاء االصطناعي منشور بمجلة
رســالة اليونســكو ،عدد ســبتمبرلسنة 2018
-أودري أزوالي -الــذكاء االصطناعي ،تقرير اللجنة العاملية ألخالقيات املعارف العلمية والتكنولوجيا
التابعة لليونســكو لسنة 2017م بشأن إعداد و دراسة أولية بشأن أخالقيات الذكاء االصطناعي منشور بمجلة
رســالة اليونســكو ،عدد ســبتمبرلسنة 2018
_ عبد الرزاق وهبة سيد احمد محمد ،املسؤولية املدنية عن أضرار الذكاء االصطناعي "دراسة
أكتوبر ،432020مجلة جيل ،األبحاث القانونية املعمقة ،العدد "،تحليلية
-محمد عرفان الخطيب ،املسؤولية املدنية والذكاء االصطناعي...إمكانية املسألة؟ دراسة تحليلية
معمقة لقواعد املسؤولية املدنية في القانون املدني في القانون املدني الفرنس ي ،مجلة كلية القانون الكويتية
العاملية ،السنة الثامنة ،العدد 1،مارس 2020م
محمد عرفان الخطيب ،املركز القانوني لإلنسآلة ( " )Robotsالشخصية واملسؤولية .دراسة
تأصيلية مقارنة" قراءة في القواعد األوروبية للقانون املدني لإلنسآلة لعام 2017،مجلة كلية القانون الكويتية
العاملية ،السنة السادسة ،العدد 4،ديسمبر 2018
-حبيب الكرار جهلول وحسام عبيس عودة ،املسؤولية املدنية عن األضرار التي يسببها الروبوت–
دراسة تحليلية مقارنة ،-مجلة ريس ،املجلد 6،العدد 5لسنة ، 2019
-عماد عبد الرحي م الدحيات ،نحو تنظيم قانوني للذكاء االصطناعي في حياتنا :اشكالية العالقة بين
البشر واآللة ،مجلة االجتهاد للدراسات القانونية واالقتصادية ،املجلد 8،العدد 2019، 5
-همام القوص ي ،أخطاء ربوت التداول الخوارزمي العامل بالذكاء االصطناعي ،دراسة استشرافية في
آفاق املسؤولية املدنية بالبورصة مقال منشور في مجلة جيل ،األبحاث القانونية املعمقة ،العام الخامس ،العدد
41،يوليو 2020
-املجالت :
-مجلة القانون الدولي والتنمية
-مجلة مستقبل الربية العربية ،املركز العربي للتعليم والتنمية
-مجلة البحث العلمي في اآلداب ،جامعة عين شمس
د عصام منصور
دكتور في القانون الخاص ،خريج ماستر األسرة والتوثيق
(مختبر الفلسفة واألســرة واملجتمع) ،جامعة سيدي محمد بن
عبد هللا ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
ظهر مهراز – فاس
-تقديم:
كانت معظم الشعوب البدائية األولى ال تعير اهتماما بالجنين خاصة إن كانت األسـرة تعج
باألفراد ،فكانت املرأة معتادة على اإلجهاض ووأد األطفال ،معتمدة في ذلك على األعشاب املجهضة،
وفي حالة نجى الجنين من اإلجهاض فلن ينجو من الوأد عقب والدته مباشرة ،حيث كان اإلجهاض
شائعا بين النساء البدائيات الالئي أعياهن الحمل ،ويحصرن سبب ذلك في قولهن" :عبء األطفال
ثقيل ،فلقد سئمناهم ألنهم ينهكون قوانا " ،1ومع تقدم الحركة التاريخية وظهور املعالم الحضارية
املادية منها والفكرية ،تبلورت جملة من القوانين املنظمة لحياة الناس ،من أقدمها "شريعة
حمورابــي ".2
-1ويل ديورانت " ،قضيـة الحضارة " ،الجزء األول ،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم دار الجيل للطباعة والنشـر
والتوزيع – بيروت ،ص .643
-2ولم يشهد مشكل اإلجهاض في الفترة الحديثة بخاصة سكونا أو حسما نهائيا ال من الناحية القانونية وال من الناحية األخالقية،
فكان كلما تغير قانون كما حدث مؤخرا في اسبانيا ومحاولة برلمانها تقنين اإلجهاض ،أو صدر نص كالمصرح به من طرف "
رجب طيب أردوغان " ،والذي أعتبر اإلجهاض جريمة قتل قائال " :يجب أال يحصل أحد على الحق في السماح باإلجهاض ،ال
فرق إن قتلتم الطفل في أحشاء أمه أو قتلتموه بعد والدته " ،حتى ينفجر الرأي العام ويعج الشارع بالمتظاهرين المنقسمين بين
معارض ساخط وبين مؤيد ،فإسبانيا وعقب محاولة تقنين اإلجهاض نظمت مسيرات رافضة لألمر امتدت إلى الشارع الفرنسي،
والذي أعلن في جزء منه مساندته لمطلب المتظاهرات االسبانيات والمتظاهرين في رفض التقنين ،وهو ما حدث أيضا في الشارع
التركي عقب تصريح رجب طيب أردوغان أين خرج عدد كبير من النساء مستنكرات االتهام ،تترأسهن ناشطات نسويات والالئي
صرحن قائالت أن اإلجهاض في األسابيع العشر األولى من حق المرأة ،وقد ضمنه القانون وهو ال يعتبر جريمة قتل ،ألن الجنين
في تلك المرحلة لم يكتسب بعد صفة " البشرية" ولم تقتصر المظاهرات على المعارضات بل كان في الجانب اآلخر مساندين
للتعديالت انطالقا من مبدأ حق الحميل في الحياة والتي تبدأ من أول يوم حمل.
فال شك في أن الحق في الحياة يعد من الحقوق األصلية لآلدمية ،إذ ال يجوز املساس به
بصفة مطلقة وبأي شكل من األشكال ،لذلك نجد املشرع املغربي أولى اهتمام خاص لهذا الحق من
خالل تجريمه لكل الصور التي تستهدف إياه ،منذ بداية الحمل ،1وعند الوضع ،وما بعد الوالدة،2
وعليه ،فاإلجهاض يهدد حق الجنين في استمرار حمله وتهيئه للحياة اإلنسانية ،والعلة من تجريمه
تكمن في إبعاد أي أذى قد يصيبه منذ مراحله األولى في التكون ،وحماية لألم من األخطار التي تهدد
حياتها وحقوقها اإلنسانية ،وأمام هذا الوضع لم يجد املشرع املغربي بدا من التدخل بمجموعة من
النصوص القانونية ،تجرم وتعاقب كل شخص سولت له نفسه بأن يساهم في القضاء على حياة
جنين ال زال في بطن أمه ،باعتباره من أبشع الجرائم املدرجة ضمن قائمة األفعال املرتكبة ضد نظام
األسرة واألخالق العامة.3
لقد عرفت اململكة املغربية تفعيل مجموعة من اإلصالحات تهم مختلف الجوانب التنموية
من بينها اعتماد دستور جديد للمملكة ابتداء من فاتح يوليوز ،2011والذي حث على احترام
مجموعة من الحقوق ،تماشيا مع املواثيق الدولية ،على رأسها الحق في الحياة باعتباره أول حق لكل
إنسان ،وكذلك ضرورة تعبئة كل الوسائل املتاحة لتيسير استفادة املواطنات واملواطنين على قدم
املساواة من الحق في العالج والعناية الصحية والحماية االجتماعية ،وكذا وضع وتفعيل سياسات
موجهة إلى األشخاص والفئات ذوي االحتياجات الخاصة قصد معالجة األوضاع الهشة التي تعاني
منها النساء واألمهات واألطفال والوقاية منها وعمال باملواثيق الدولية -واملغرب من بين الدول املوقعة
عليها ،فجمعيات املجتمع املدني والهيئات الحقوقية ،إضافة إلى األطباء وفقهاء القانون ،طالبوا
-1أثير نقاش حول تحديد اللحظة التي يبدأ منها اتصال الجنين بأمه وتلك التي ينتهي عندها ذلك االتصال ،وذهب االتجاه الغالب في
الفقه إلى أن حياة الجنين تبدأ منذ لحظة اإلخصاب ،أي تلقيح الحيوان المنوي للرجل لبويضة المرأة وذلك عن طريق اندماج
الخليتين اللتين يتكون منها الجنين ،مما يجعل حماية الجنين رهينة بنصوص اإلجهاض منذ تلك اللحظة ،وتستمر تلك الحماية طوال
حالة الحمل ونمو الجنين نموا طبيعيا خالل اتصاله بأمه.
انظر في هذا االتجاه:
محمود مصطفى " ،شرح قانون العقوبات – القسم الخاص " ،الطبعة الخامسة ،القاهرة ،ص .294
محمود نجيب حسني " ،شرح قانون العقوبات – القسم الخاص " ،دار النهضة العربية – القاهرة ،طبعة ،1986ص .223
-2أشرف الصابري " ،جريمة التحريض على اإلجهاض في التشريع المغربي" ،مجلة المعرفة القانونية والقضائية ،عدد مزدوج
،3 – 2ص .265
-3ال بد من اإلشارة هنا إلى أن شرط األسد في حاالت اإلجهاض دائما ما يكون نتيجة للحمل غير المرغوب فيه ،والناتج عن
عالقات جنسية غير شرعية ،حيث أن هذا الحمل يضع المرأة الحبلى أمام االختيار المرير بين القبول بواقع العار والهوان ،أو
التخلص منه عن طريق اإلجهاض في الخفاء دون أن يذاع سرها ،والحمل الناتج عن هذه العالقات إن لم يكن دافعا لإلجهاض قد
يكون دافعا لجريمة قتل الوليد.
للمزيد من التوضيحات في هذا اإلطار راجع:
عبد الحفيظ بلقاضي " ،جريمة قتل األم لطفلها الوليد في القانون المغربي " ،منشور بمجلة المحاكم المغربية ،عدد 88يونيو
،2001ص 75والهامش رقم .2
باإلسراع بإخراج قانون جناني جديد إلى الوجود في مسودته التي رأت النور سنه ،2015والذي يضم
في طياته تعديال فيما يخص قضية اإلجهاض.1
حيث أصبح االقتناع راسخا بتغيير القانون الجنائي بالنظر لتصاعد ظاهرة الجريمة وظهور
أنواع جديدة لها ارتباط بالتقدم العلمي وبالظروف االجتماعية واالقتصادية ،أبان هذا القانون عن
قصور في مكافحتها ،هذا فضال عن وجود ثغرات ومشاكل مرتبطة بالنصوص القانونية أو بالواقع
العلمي ،إضافة للطفرة الكبرى التي عرفها مجال حقوق اإلنسان باملغرب ،ففي إطار حرصه على
صيانتها ،تم التنصيص عليها ضمن دستور 2011وتحديد آليات للحفاظ عليها ،والتي تعد من أهمها
منح املواثيق الدولية األولوية في التطبيق على القوانين الوطنية ملالءمتها من التوجه العالمي ،وملا كان
القانون الجنائي كغيره من القوانين األخرى ،يطبق على مجتمع يتمتع بخصوصيته الثقافية
واملجتمعية ،فإن األمر يفرض على التعديل الجديد الذي يعرفه هذا القانون ،استحضار املرجعيات
األساسية والكبرى التي تؤطر القيم واملثل العليا ألفراد املجتمع املغربي ،بهدف تعزيز العدالة
الجنائية وتطوير سياسة التجريم والعقاب.2
-1هذه المسودة جاءت بعد حراك مجتمعي وطني ،بعد اللقاء التلفزي الذي قام به الدكتور الشرايبي ،فتدخل القصر الملكي على
الخط حيث أعطى الملك أمرا لصياغة نص قانو ني يأخذ بعين االعتبار التطورات السياسية والحقوقية دون الخروج عن روح الدين
اإلسالمي .إذ قامت لجنة رسمية مكونة من وزير العدل ووزير الشؤون اإلسالمية ورئيس المجلس الوطني لحقوق اإلنسان -هذا
الذي يدل على أن هذا الموضوع تجب مقاربته من الجانب اإلسالمي والحقوقي والقضائي -لتدارس المستجدات في القانون الجنائي
ومن بينها جريمة اإلجهاض ،وكان ذلك في 11مارس 2015فخلصوا إلى تجريم الظاهرة مبدئيا لما يتسببه من آثار صحية ونفسية
واجتماعية سيئة على المرأة واألسرة والجنين والمجتمع بكامله ومن بين هذه اآلثار :االنتحار ،جرائم الشرف والهروب من العائلة
والتخلص من الحمل أو الرضيع ،مما قد يدخل هذه األم إلى مجال الدعارة من بابه الواسع ،إال أن هذا التجريم المبدئي قيد
باستثناءات أكثر مما كان في القانون الجنائي الحالي ،غالبا ستضاف إلى الفصل .453
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن أطياف المجتمع المغ ربي قد انقسمت إزاء موضوع الترخيص بإجراء عمليات اإلجهاض إلى ثالثة
أقسام :فئة من الفقهاء شددوا على ضرورة تحريم اإلجهاض في جميع األحوال باستثناء الخطر على األم ،وفئة من علماء الدين
وجمعيات نسائية ذهبوا إلى أنه يتوجب تجريم اإلجهاض باستثناء حاالت معينة يقدرها األطباء ،بينما دعا أطباء وحقوقيون إلى
تقنين اإلجهاض أي إباحته بشكل أوسع اقتداء بالمشرع التونسي كما جاء في بيان جمعية ربيع الكرامة أن جسد المرأة ملك لصاحبته
وال يحق ألحد أن ينوب عنها في اتخاذ القرار بشأنه..
-2منال منصور " ،إشكالية اإلجهاض بين البعد الشرعي والنص القانوني " ،مجلة الملف ،العدد 23نونبر ،2015ص .39
فنظرا ألهمية الموضوع ،فقد عرفت قضية اإلجهاض ببالدنا نقاشا مجتمعيا بين مختلف الفرقاء جعلت منه حديث الساعة يتجدد
ويأخذ في كل عصر أبعادا معينة في تناوله ،خاصة فيما يتعلق بتحديد حاالت اإلباحة والتجريم والدعوات إلدخال تعديالت تشريعية
على القانون الجنائي تواكب هذه المطالب ،على ضوء ما تعكسه المعطيات اإلحصائية الوطنية والدولية حول واقع اإلجهاض
وآثاره ،في هذا السياق تعددت اآلراء بخصوص مسألة اإلجهاض ما بين اإلباحة المطلقة باالستناد على مرجعية حقوق اإلنسان،
والت ي تقضي وفق هذا المنظور بضرورة تمكين المرأة من الحرية المطلقة في التصرف في جسدها ،وبين من ينادي بضرورة
مواكبة القانون الجنائي المغربي لحاالت معتبرة من الناحية الشرعية واالجتماعية والطبية من خالل استثناء اإلجهاض في حالة
االغتصاب أو زنا المحارم أو التشوهات ال جينية والخلقية من العقوبة ،وبين من يرفض اإلجهاض مستندا في ذلك على الحق في
الحياة باعتباره مقدما على جميع الحقوق.
وبعد رفع نتيجة املشاورات حول موضوع اإلجهاض إلى العلم السامي لجاللة امللك ،1صدر
بالغ من الديوان امللكي يتجه إلى تأكيد تجريم اإلجهاض غير الشرعي ،مع استثناء بعض حاالته من
العقاب ،لوجود مبررات قاهرة كالحمل الذي يشكل خطرا على حياة األم أو على صحتها ،وفي حاالت
الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا املحارم ،وفي حاالت التشوهات الخلقية الخطيرة ،واألمراض
الصعبة التي قد يصاب بها الجنين ،كما أشار البالغ إلى ضرورة التنسيق بين وزيري العدل والصحة
مع إشراك األطباء املختصين لبلورة خالصات املشاورات في مشروع مقتضيات قانونية جديدة
إلدخالها في القانون الجنائي.2
وعليه أكد البالغ امللكي 3في هذا الشأن على اعتبار أن األغلبية الساحقة تتجه إلى تجريم
اإلجهاض غير الشرعي باستثناء بعض الحاالت من العقاب لوجود مبررات قاهرة ،وذلك ملا تسببه من
معاناة وملا لها من آثار صحية ونفسية واجتماعية سيئة على املرأة والجنين تنعكس سلبا على
استقرار وأمن املجتمع ككل ،واستنادا إلى هذه الخالصات أصدر جاللته تعليماته السامية إلى كل
من وزير العدل ووزير الصحة قصد التنسيق بينهما وإشراك األطباء املختصين من أجل بلورة
خالصات هذه املشاورات في مشروع مقتضيات قانونية قصد إدراجها في مدونة القانون الجنائي،
وذلك في إطار احترام تعاليم الدين اإلسالمي والتحلي بفضائل االجتهاد وبما يتماش ى مع تطورات
املجتمع املغربي وقيمه القائمة على االنفتاح واالعتدال وبما يراعي وحدته وخصوصياته ،إضافة
-1كما أن التدخل الملكي في هذه القضية الجدالية مجتمعي له دالالت سياسية ورمزية .إذ تعتبر هذه المبادرة تفعيال للمقتضيات
المنصوص عليها في الدستور الجديد لعام ،2011في باب األدوار الدستورية المنوطة بالمؤسسة الملكية بموجب الفصلين ،42-41
كأمير للمؤمنين ،ورئيس الدولة .كما أن تعيين لجنة مكونة من ممثل المجلس الوطني لحقوق اإلنسان ،ووزير العدل ووزير األوقاف
والشؤون اإلسالمية ،فيه إشارة ،للمنهجية التوفيقية بين المرجعية الكونية لحقوق اإلنسان ،والخصوصية الثقافية والدينية للمجتمع
المغربي ،والتي ينبغي التقاطها من طرف الفاعلين الوطنيين .وهي تفيد أيضا بأن" قضية اإلجهاض السري لم تعد خطا أحمر ،بل
"الرهاب" التي كانت سائدة قبل ذلك لدى الفاعلين في المجال العام ،وباألخص مكوناتصارت "قضية طبية بامتياز" ،لتجاوز حالة ُّ
الحركة النسوية الوطنية.
-2هشام مالطي " ،حكم إجهاض المغتصبة بين الشرع والقانون " ،مجلة المحاكم المغربية – العدد ،150ص .67
-3المالحظ أن المبادرة الملكية أضفت على النقاش العمومي طابعا مؤسساتيًّا ،فقد تفاعلت معها كل الفعاليات المدنية والحقوقية
والثقافية من مختلف التيارات األيديولوجية والسياسية ،وتقاسمت مواقفها وتصوراتها مع مؤسسات رسمية متنوعة ،عكس
المحاوالت السابقة ،التي كانت محدودة من حيث مضمون النقاش أو الجهات المساهمة فيه ،كما أدى النقاش العمومي المؤسساتي
حول اإلجهاض إلى تهيئة بيئة تفاعلية داخل المجال العام سمحت لكل الفاعلين من مختلف التيارات الدينية والسياسية والثقافية،
بتجاوز حالة "الصمت" أو الالمباالة ،إلى وضع المشاركة والتدافع حول شرعنة اإلجهاض أو إباحته ،لكن المالحظ أن التدخل
الملكي في الموضوع أدى إلى رسم الحدود المرجعية ،واآلفاق المحتملة للوضع التشريعي الجديد لإلجهاض .وعلى الرغم من كون
اإلجهاض معضلة اجتماعية تترتب عنها عدة مخاطر صحية ونفسية واجتماعية ،نتيجة اإلقبال المتزايد على ممارسته خارج أي
إطار قانوني وأي حماية صحية لألمهات واألطفال ،فقد انحصرت المشاورات العمومية حول الموضوع في توسيع قاعدة
االستثناءات المبيحة لإلجهاض فقط ،وفق سقف مرجعي "محافظ" ،يسمح باالجتهاد والتشاور في إطار ما يقتضيه" :احترام تعاليم
الدين اإلسالمي الحنيف والتحلي بفضائل االجتهاد ،وبما يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطلعاته ،وبما
يراعي وحدته وتماسكه وخصوصياته".
للتأكيد على التوعية والوقاية ونشر وتبسيط املعرفة العلمية واألخالقية لتحصين املجتمع من
األسباب التي قد تؤدي إلى اإلجهاض نظرا لكون القانون وحده ال يكفي للحد منه.
وتماشيا مع التعليمات امللكية املشار إليها أعاله ،تم توسيع الحوار العمومي مع كافة الفاعلين
من أطباء وحقوقيين ورجال قانون ودين وممثلي األحزاب السياسية والنقابات املمثلة بالبرملان،
يمكن القول على أن اآلراء املستطلعة لم تخرج على النقاش العام الدولي الدائر حول املوضوع،
والذي يعرف ثالثة اتجاهات رئيسية:1
اتجاه أول :اعتبر اإلجهاض جريمة في جميع األحوال ال مبرر لها لكونها تمس بحق الجنين في
الحياة؛
اتجاه ثان :يبيح اإلجهاض بصفة مطلقة على أساس أن املرأة حرة في التصرف بجسدها تأسيسا
على ما تضمنته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد املرأة (سيداو)؛
اتجاه ثالث :اتجاه وسط يدعو إلى تجريم اإلجهاض كأصل ،مع إقرار بعض الحاالت االستثنائية
إلباحته.
ألجل ذلك عملت الحكومة املغربية على إحالة مشروع قانون رقم 10.16القاض ي بتغيير
وتتميم مجموعة القانون الجنائي على البرملان في 24يونيو ( 2016من أجل املناقشة في القراءة األولى
لدى لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان بمجلس النواب ،وتم سحبه من طرف الحكومة
الجديدة في 08نونبر 2021ليطرح التساؤل حول مصير نقاش قضية اإلجهاض من جديد.
-أهمية املوضوع:
تكمن أهمية املوضوع في كونه له أهمية في نطاق القانون الجنائي على أساس أنه ال يوجد
تشريع يقر عدم العقاب على اإلجهاض مطلقا ،ومن تم كان من حق رجال الفقه الجنائي أن يجعلوه
موضعا لبحثهم ،إال أن هذه األهمية ال تبرز في نطاق القانون الجنائي فحسب ،ولكن أيضا في نطاق
القوانين املنظمة ملهنتي الطب والتوليد ،والشريعة اإلسالمية ،ويشهد على ذلك انعقاد العديد من
املؤتمرات الدولية واإلقليمية من أجل الوقوف على مدى جواز اإلجهاض أو تجريمه من النواحي
-1وقد تقدمت وزارة العدل والحريات بمسودة مشروع القانون الجنائي ،والتي تضمنت العديد من المستجدات ،شملت محاور
وقضايا كثيرة ومتنوعة ،ومن بين المواضيع التي أثارت النقاش بين الحقوقيين بالمجتمع المغربي ،وهو موضوع تقنين اإلجهاض
الذي تعددت بشأنه مواقف إما تحكمها هواجس دينية وأخالقية أو حداثية ،تجلت فيما بين من يعتبره حقا من حقوق المرأة التي تملك
جميع الصالحيات لتقرير مصير جنينها ،وبين من يعتبره متناقضا واإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الذي ينص على حق اإلنسان
في الحياة ،ويخالف ما جاءت به الشريعة اإلسالمية ،ويتنافى وخصوصية المجتمع المغربي المحافظ.
القانونية والطبية والشرعية ،كما تبدو أهمية هذا البحث في أن ما يقوم به األطباء من عمليات
اإلجهاض يحتاجون فيه ملعرفة الحاالت التي يسمح فيها القانون لهم بإجراء هذه العملية دون أن
يخضعوا لطائلة العقوبات القانونية ،ال سيما وأن املشرع قد جرم األفعال التي يترتب عليها إسقاط
الحوامل بصفة عامة ،وشدد العقاب إذا كان محدث هذا الفعل طبيبا أو من في حكمه.
كما تبرز أهمية البحث في هذا املوضوع في معرفة الدراسة املقارنة بين التشريعات األجنبية
بهدف الوقوف على الحاالت التي يمكن للمشرع املغربي أن يجيز فيها اإلجهاض والحاالت التي ال يمكن
له فيها السماح بإجرائه ،فاملوضوع يعتبر أحد أهم املواضيع املطروحة للنقاش في الوقت الراهن،
باعتبارها من الجرائم املسكوت عنها وال يسمح بها إال العتبارات طبية ،ومع ارتفاع الفاحشة وتزايد
الدعوة إلى اإلباحة املطلقة لإلجهاض ،وفي ظل األرقام الرهيبة الحقيقية لإلجهاض في العالم عامة
واملغرب خاصة ،إضافة إلى ذلك يحظى موضوع البحث في اإلجهاض بأهمية بالغة ألنه يثار من حين
آلخر ،ونظرا للتطور الهائل الذي يعرفه العالم ،إضافة إلى الجمعيات النسوية واملجتمع املدني
واملؤتمرات املتعددة التي تنادي بإباحة إجهاض الجنين ،واحترام رغبة املرأة في اإلجهاض.
-اإلشكاليــة:
إن اإلشكالية التي تطرحها قضية اإلجهاض نابعة من جملة املشاكل العقدية والفلسفية
واألخالقية العميقة والعريقة التي تحملها في طياتها ،فنجد أن اإلجهاض يتعلق من جهة بمفهوم
"الحريـة" ،حرية الحامل في التصرف بجسدها وفق رغبتها الحرة ،فهي من يقرر إن كان عليها القيام
بإنزال محتويات رحمها أو الحفاظ عليها ،األمـر الذي يقودنا رأسا للمشكلة الثانية وهي " الحق في
الحياة وقدسيتها " ،حياة الجنين باعتباره موجودا " وجودا بالقوة " ،حيث يثير اإلجهاض عدة
مشكالت خلقية وفلسفية؛ فهل الجنين شخص له الحقوق الخلقية نفسها للكائنات الراشدة؟ ،هل
إجهاض الجنين مسموحا به خلقيا؟ أو هل اإلجهاض مسموح به خلقيا في ظروف معينة؟ وإذا كان
اإلجهاض مسموح به في بعض األحيان فما األسباب؟ وفي أي مرحلة من مراحل نمو الجنين ال يسمح
باإلجهاض؟ وهل قدرة الجنين على النمو والحياة تشكل موقفا خلقيا مغايرا نحو اإلجهاض؟ وهل
دبيب الحياة والركود داخل أحشاء األم يشكل موقفا أخالقيا مختلفا؟ ثم ماذا لو تعارض حق األم
مع حق الجنين في الحياة؟.
إلى أي حد استطاع املشرع من خالل مقتضيات القانون الجنائي الحد من اإلجهاض
السري واستيعاب بعض حاالته وتزكية اإلطارالقانوني لجريمة اإلجهاض؟
-التساؤالت الفرعية:
هل يحق لألم وفقا ملبدأ الحرية أن توقف حياة إنسان أو كما يقال " مشروع إنسان "؟
أال يتمتع الجنين على اختالف مراحل تشكله بحق في الوجود واالكتمال؟
من يقرر مستقبل األم ومستقبل الجنين؟
هل الجنين يعد كائنا بشريا ،وإذا كان ذلك صحيحا ،ففي أي مرحلة يصير الجنين كائنا بشريا له
الحق الخلقي على نفسه في الحياة والذي يمتلكه الكائن البشري الراشد؟
متى يمكن لألم وألعضاء آخرين من املجتمع أن يتجاوزوا حقوق الجنين؟
هل يعتبر الجنين في املرحلة التي تسبق نفخ الروح إنسانا؟
أي مقاربة أو مقاربات حقوقية قانونية ،طبية ،فلسفية ،شرعية اجتماعية يمكن اعتمادها في
معالجة موضوع اإلجهاض؟.
ما هي مستندات القائلين بمواصلة منع اإلجهاض مهما كانت الحاالت وما هي مبررات القائلين
بإباحته في بعض الحاالت؟
هل الحاالت املثارة في النقاش العمومي تستوجب إباحة اإلجهاض وإلى أي مدى وبأي ضمانات؟
ذلك ما سنعمل على تناوله بالدرس والتحليل من خالل تقسيم هذا املقال إلى مبحثين
نتناول في األول اإلجهاض بين الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد ،ونعالج العالقة الجدلية
بينهما ،ثم نتطرق في املبحث الثاني ملستجدات اإلجهاض على ضوء مسودة القانون الجنائي املغربي
احتدم النقاش احتداما عنيفا بين من يدافع عن األجنة وحقهم في االكتمال والخروج للحياة
ويطلق عليهم "حــركة أنصار الحياة ،Pro Life Mouvementوبين من يرى في اإلجهاض حق من
حقوق املرأة طاملا أن األمر يتعلق بجسدها من جهة وبأجنة لم تكتسب بعد صفة البشرية أو
اإلنسانية ويطلق عليهم بــ " :حركة حرية االختيار ،Pro choice Mouvementهذا االنقسام
والتعارض في الرأي والذي وصل حد التصادم إذ ":سدد النظر إلى وضعية الحياة البشرية قبل
الوالدة " ،1جعلنا نطرح التساؤالت التالية :هل اإلجهاض قضية فردية تخص شخص املرأة وحدها؟
أم أن للجنين الحق في الحياة فيعتبر فعل املرأة قتال؟ ثم هل يعتبر الجنين إنسانا فيجرم قتله أم أنه
مجموعة من الخاليا املتكتلة فيكون إجهاضه مجرد استئصال لغدد غير مرغوب فيها؟
ذلك ما سنعمل على تحليله من خالل تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين نعالج في املطلب األول
قضية اإلجهاض بين دعاة التقنين ومعارضيه ،بينما نتناول في املطلب الثاني نقض مزاعم دعاة
تقنين اإلجهاض
1 -يورغن هابرماس " ،مستقبل الطبيعة اإلنسانية نحو مسألة ليبرالية " ،ترجمة جورد كتورة ،من أنطوان الهاشم ،المكتبة
الشرقية ،لبنان ،الطبعة األولى ،2006ص .40
باإلجهاض في جميع الحاالت ،رافضين هذه العمليات لكونها " تشكل إجحافا في حق حياة الجنين،
باعتبارأن الحياة هي أقدس ش يء في الشرائع الدينية ".
وألن قضية اإلجهاض تعتبر من أكثر القضايا املثيرة للجدل في العالم ،فقد ظلت تتراوحت في
العقود الخمسة املاضية بين الرفض والتقنين واإلباحة املطلقة ،فما هي طبيعة اإلشكاالت التي
يطرحها جدل اإلجهاض باملجتمع املغربي؟ وما هي أبرز اتجاهات الرأي لدى مكونات الحركة النسوية
بخصوصه؟
يرى أنصار "حرية االختيار" املدافعون عن اإلجهاض 1أن الشخص ال يتحدد فقط وجوده
بوجود مادة وراثية بشرية ،بل يتحدد أيضا بتشكل الشعور املعنوي والتعبير عن األحاسيس والقدرة
على التواصل والوعي بالذات واالعتراف االجتماعي ،وبما أن هذه الخصائص ال نجدها عند الجنين،
فإنهم ال يعتبرونه شخصا ،2فتكون األجنة بذلك مجموعة من الخاليا املتراصة يحق لألبوين
استئصالها ،فهوية الفرد كشخص وكإنسان تتحدد بفاعليته االجتماعية وعالقته باآلخرين اجتماعيا
وسياسيا وثقافيا.
لكن هل يعني هذا الكالم أن املجنون هو اآلخر يمكن قتله الشتراكه والجنين في نفس
الصفات؟ يرى أصحاب الحركة أن املجنون يختلف عن الجنين كونه صاحب "تاريخ" أما الجنين فال
يكون له تاريخ إال بعد ميالده ،وبالتالي ال يتحقق وجود الجنين كشخص إال بعد والدته.
فالجنين عندهم مجرد "تجمع للخاليا" وبعبارة أدق هو محض "ش يء" ،يستدل بعضهم على
ذلك بقولهم إن الدين اإلسالمي مثال ال يكفن الجنين بخرقة وال يدفنه إال بعد مرور أربعة أشهر "
فالسقط إذا كان في عمره أربعة أشهر فصاعدا يلف بخرقه ويدفن " ،3فماذا عن املدة التي تسبق
-1تجدر االشارة هنا إلى أن االجهاض االختياري يتحدد على أقصى تقدير باألسابيع الست االولى باستثناء اليابان التي أباحت
االجهاض حتى الشهر التاسع كنتيجة لالنفجار الديموغرافي الذي يعتبر من أهم أسباب اإلجهاض بهذا البلد.
-2عمر بوفنتاش " ،البيوايتيقا – األخالقيات الجديدة في مواجهة تجاوزات البيوتكنولوجيا " ،إفريقيا الشرق ،المغرب ،الطبعة
األولى ،2011ص .218
-3زهير األعرجي " ،النظام العائلي ودور األسـرة في البناء االجتماعي اإلسالمي " ،قم المشرقـة ،الطبعة األولى 1415هــ ،ص
.55
األربعة أشهـر؟ واهتمامهم من جهة أخرى بالعالقة التي ستربط الطفل بوالديه بعد إنجابه وهما ال
يرغبان به.
حيث يرى أنصار االختيار أن للمرأة حق اختيار ما تفعله بجسدها ،حيث يعتبرون السماح
باإلجهاض أكثر أمانا للمرأة ،وهم يستشهدون بإحصاءات تبين ارتفاع املوت الناجم عن حاالت
اإلجهاض غير القانونية ،حيث كان هناك آالف الوفيات قبل قضية "روى في واد" ،ثم أصبحت قليلة
بعدما أصبحت عمليات االجهاض تجرى في املستشفيات واملراكز الطبية ،كما أنهم يجادلون بأن
لدى املرأة حقا في اإلجهاض حين تكون ضحية اغتصاب أو سفاح قربى ،وأيدت حركة حق اإلجهاض
املرأة في مسيرتها الطويلة في املطالبة بحقوقها اإلنجابية ،فلها حق اإلجهاض بوصفها مخلوقا يتمتع
بحس أخالقي وقدرة على اتخاذ القرارات ،لذلك يكون اإلجهاض اختيار أخالقي ومنطقي ،حيث إنه" :
ال يوجد من هو أفضل من املرأة نفسها لتقييم ظروف حياتها ،وال يوجد من هو أحق منها في تقدير
وجود طفل من عدمه ،وإن املوقف املتعسف من قبل األطباء والسياسيين واملشرعين أنصار االتجاه
املحافظ الذين يصرون على منع اإلجهاض ،يعني ضمنا أن املرأة تفتقر إلى القدرة على اتخاذ قرارات
عقالنية بشأن نفسها وتحمل مسؤوليتها.1
كما أن حق املرأة في اتخاذ القرار هو االعتبار الحاسم في قضية اإلجهاض ،واألساس املنطقي
للقاعدة القانونية القائلة بعدم اختيار األسباب ،هو إن للمرأة الحق في أن تتحكم في تكاثرها
واملخاطر املضمنة في الحمل ،وأي اختيارات عامة أو طبية لهذه األسباب ستيهئ الفرصة إلعاقة
وإحباط التزام املجتمع بمنح املرأة حرية تحديد مستقبلها التكاثري ،واألفضل لكي نمنع إعاقة حرية
اإلدارة ،أال يكون ثمة اختبارات عامة لألسباب.2
ففي حالة الحمل غير املرغوب فيه ،سواء الناتج عن االغتصاب أو ضعف وسائل منع
الحمل ،يكون من حق املرأة إنهاء الحمل وحماية جسدها ضد انتهاك الجنين ،فال األم وال أي شخص
آخر مطالب أخالقيا بتقديم تضحيات واسعة ،باألهداف ،واملصالح ،والصحة ملدة تسعة أشهر من
أجل حماية حياة شخص آخر ،وعلى الرغم من أن طومسون قد استطاعت بهذا القياس أن تكون
عالمة فارقة ومهمة في تاريخ أخالقيات اإلجهاض ،ألنها " :دافعت عن الحق في االستقاللية الجسدية
1
- Dworking, R, Life’s Dominion, An Argument About Abortion And Euthanasia, Harper Collins,
London, 1993, P 166.
-2روث كوارتز ،ليرودي هود " ،التكنولوجيا الوراثية والخيار التناسلي " ،ضمن كتاب :الجينوم البشري ،تحرير دانييل كلفن،
ترجمة أحمد مستجير ،عالم المعرفة ،الكويت ،الطبعة األولى ،1997ص .239
للمرأة دون النظر إلى الحتمية البيولوجية ،وهوية الجندر ،Gender Identity1إال أنه ينطوي على
مفارقات شتى ،فمن ناحية نالحظ أن عالقة األم بالجنين ال يمكن مقارنتها بعالقة عارضة بين اثنين
من الغرباء ،فالحمل بالجنين حتى وإن كان غير مرغوب فيه ينطوي على معنى إرادي ،ذاك املعنى
املتضمن صراحة في طبيعة العالقة الزوجية ،والذي من شأنه إلزام األم بمسؤوليات وواجبات تجاه
الجنين أخصها الحفاظ على حياته.
وقد ساند هذا االتجاه الكثير من التنظيمات النسوية ،خاصة وأن املوجة النسوية الثالثة قد
ركزت اهتمامها على القضايا الحساسة الخاصة باملرأة كالختان والحرية الجنسية وحرية الجسد
واالجهاض ،فاملرأة كائن عاقل واعي ذو إرادة حرة تستطيع السيطرة على جسدها وتملك الحرية في
التصرف به وحدها ،طاملا أنه جسدها هي وال وصاية ألحد عليه وطاملا أن الجنين هو جزء من هذا
الجسد فيسري عليه نفس االمر ،فان فرضت عليها الظروف أو اختارت هي االجهاض فلها ذلك.
وقد سبقت سيمون دو بوفوار هذه املوجة في طرق املوضوع والدعوة لتسهيل االجهاض إذ
ترى أن املرأة ولكي تتحرر من التبعية وتخرج من ركن التاريخ املظلم ما عليها سوى أن تنفك من سجن
التناسل " املستمر واملتكرر" فتقول ":إن السبب العميق الذي حصر املرأة في العمل املنزلي ،في
بداية التاريخ ،ومنعها من املساهمة في تعميرالعالم هو استعبادها لوظيفة يخص تحديد النسل،
قلبت الديانة املسيحية املفاهيم وجعلت الرشيم ذو روح حينئذ أصبح االجهاض جريمة ضد
الجنين ذاته " ،2وحملت سيمون دو بوفوار الديانة املسيحية مسؤولية تحريم االجهاض ألنها أضفت
على األجنة روحا ،مما حال دون ذلك تكريما وإجالال للروح ،وقد ساندها في فكرتها الفيلسوف جون
بول سارتر الذي يرى في االجهاض حق من حقوق املرأة وحدها.
كما نجد مالمح اتجاه ثالث يرى في اإلجهاض جريمة ال إنسانية في حق الطفل واألم على
السواء ،في حق الطفل الذي حرم الحياة ،وفي حق األم التي تمر بكل أشكال األلم والعذاب النفس ي
والجسدي أثناء لفظ جنينها خارج جسدها وهو ميت (باستثناء حركة فيمن األصولية).
وعلى الرغم من وحشية اإلجهاض إال أنه يجب أن يتمتع بصفة الشرعية ويأخذ صبغة
قانونية ،ذلك أن املرأة إذا عزمت ومهما اشتد بها العذاب النفس ي فإن الظروف الخارجية الخانقة
التي اضطرتها لإلجهاض باقية لن تتغير كاألم العزباء التي تخلى عنها رجلها وتكاتفت الضغوط عليها،
1
- Williams, M, An Ethias Ensemble : Abortion, Thomson, Finnis and the Case of the Violine
Player, In Journal of Ratio Jurais, 2004, Vol 17, N 17, P 385.
-2سيمون دو بوفوار " ،الجنس اآلخـر" ،ترجمة :ندى حداد ،األهلية للنشــر ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى ،2008ص .63
فال تستطيع تحمل مسؤولية الجنين املادية واملعنوية ،أو قد تكون خائفة من موت محتم لضياع
شرفها فيكون الحل الوحيد هو اإلجهاض ،لذلك فاإلجهاض واقع ال محالة سواء شرع له أم ال،
بمعنى أنه وإن لم يكن ذو صفة قانونية فلن يتوقف بل هو في تزايد مستمر ،لذلك كان من األجدر
بالدولة أن تشرف على عمليات اإلجهاض اآلمن بتوفير ظروف صحية مناسبة إلنقاذ حياة األم.
ويمثل املطالبين بالترخيص لإلجهاض باملغرب التيار اليساري والعلماني ،ويعتبرون اإلجهاض
ساحة صراع بينهم وبين املحافظين على غرار مدونة األسرة وتعميم توزيع العازل الطبي ،فهم
يعتبرون أن تقنين اإلجهاض في املغرب مطلب أصبح أكثر إلحاحا من النساء أوال ومن حقوقيين،
متذعرين بكون املرأة تملك حرية التصرف في جسدها وتدرك مصلحتها ،وأنه ال يجوز ألحد أن يتدخل
في حريتها ،كما يقدم املطالبون بتقنين اإلجهاض التبريرات التالية:
تأخر سن الزواج وما يترتب عنه من عالقات خارج إطار الزواج؛
مضاعفات اإلجهاض تتسبب في نسبة مهمة من وفيات األمها؛ .
تزايد عدد األمهات العازبات ومآس ي قتل املواليد غير الشرعيين؛
التخلي عن األطفال حديثو الوالدة ،وتزايد معدل جرائم بيع الرضع.؛
التدابير التي تتخذها وزارة الصحة لتفادي الحمل غير املرغوب فيه وتفادي اإلجهاض السري هي
تدابير غير كافية وغير فعالة رغم أهميتها ،وأنها تهم فقط النساء املتزوجات؛
انتشار االغتصاب وزنا املحارم.
الفقرة الثانية :القائلون بقدسية الحياة اإلنسانية منذ لحيضات التبرعم األصلية في
الرحم -ر افضون لتقنين اإلجهاض-
يرى معارضو اإلجهاض أنه إذا كان الجنين يحمل جينات ،تسبب العذاب واآلالم لحاملها
وألسرته ،مما يعني الرحمة بالوليد وبأهله ،فإن عملية اإلجهاض ،مهما كانت الدوافع وراءها ،هي
عملية قتل وإزهاق روح وتحطيم متعمد لحياة شخص لم يولد ،وهي عملية مهينة تحط من قيمة
الحياة البشرية التي تعتبر أثمن ما في الوجود ،كما أن اإلجهاض يحول اإلنسان إلى سلعة وبضاعة
يلزم أن تفحص قبل أن تنتج وتعرض ،ليستبعد منها ما هو غير مطابق "للمواصفات " ،من سيضع
هذه املواصفات؟ أال تقود هذه املجسات حقا جديدة تسلحت بالعلم الحديث ،تعيد الحياة مرة
أخرى إلى تلك الفكرة الجهنمية إلنتاج السوبرمان التي استولت على أذهان املفكرين والنازيين في
العقود األولى من القرن املاض ي ،أهي اليوجينيا إذن تدخل علينا من الباب الخلفي وقد ارتدت ثياب
العلم ،متخفية تحت اسم "اليوجينيا اليوتوبية" لتذيع الدمار مدعية أنها تسعى إلى تقليل آالم
اإلنسان القتل باسم الرحمة؟ هل سنعود إلى ما قاله يوما هافلوك إليس :يلقي الرجل العطوف
قرشا للمتسول ،أما األكثر عطفا فيبنى له ملجأ حتى ال يحتاج إلى التسول ،لكن ربما كان أكثرنا عطفا
هو من يدبر األمر بحيث ال يولد املتسول؟ نستبدل باملتسول املريض بمرض وراثي؟.1
إذا ما وافقنا على أن من حق املجتمع أن يسمح لألمهات بإجهاض األجنة التي تحمل أمراضا
وراثية ،فأي األمراض الوراثية نعني؟ عمى األلوان؟ قصر النظر؟ الحول؟ السكر الوراثي؟ هل نمض ي
لنجهض األجنة للمرض الوراثي الذي ال يقتل إال في نحو سن األربعين (ومجسه الوراثي جاهز بالفعل
منذ الثمانينيات؟) أو الحاملة ملرض الزهايمر الذي يصيب اإلنسان عادة بعد سن الستين؟ لو أننا
استخدامنا املجس الوراثي الخاص بمرض ألجهضنا الجنين الذي أصبح ستيفن هوكنج أستاذ
الفيزياء الفلكية بجامعة كمبريدج أشهر من سبر أصل الكون في عصرنا ،وماذا لو طلب أحدهم
إجهاض الجنين ألن أعينه ليسن زرقاء مثال؟ فمن املمكن بالطبع أن تصنع مجسات وراثية تكشف
لون العين في الجنين ،نحن نعرف على أية حال أن هناك في البشر أكثر من أربعة آالف مرض وراثي،
وأن كل فرد منا يحمل في املتوسط أربعة أمراض منها ،ال بد من أن تكون هي األمراض التي تقتل في
الطفولة ،التي يعجز حاملها عن أن يرعى أموره وأن يتحمل مسؤوليات حياته ،أم ترى الواجب أن
يترك القرار لألم الحامل – كما يرى الكثير – بعد أن يشرح لها بالتفصيل كل ما هو معروف عن
املرض؟ لكن ....أليس للجنين هو اآلخر حقوق؟.2
فالقائلون " بحق األجنة " يرون أن " حياة اإلنسان تبدأ مع منطلق الحمل ،" ..ويرون أنه ال
مجال الختيار أقل األضرار إذ كان ذلك يقتض ي التخلص من الحميل ،الذي يعتبر شخصا منذ
البداية ،ألن الحميل ليس مجرد تابع وال يمكن التضحية به ألجل مصالح شخص آخر ولو كان هذا
الشخص هو أمه ،3فرحم املرأة في تعريفه اللغوي هو الوعاء الذي يحوي الجنين ،وبالتالي ال يمكن
اعتباره عضوا خالصا خاصا باملرأة وحدها ،فهو من جهة مستقبل لنطف الرجل ،ومن جهة أخرى
هو بيت للجنين وعلى هذا األساس ال يحق لها أن تتصرف فيه.
-1أحمد مستجير " ،قراءة في كتابنا الوراثي " ،الهيئة العامـة للكتاب ،القاهرة ،الطبعة األولى ،2013ص .86 – 85
-2أحمد مستجير " ،قراءة في كتابنا الوراثي " ،الهيئة العامـة للكتاب ،القاهرة ،الطبعة األولى ،2013ص .87
-3عمر بوفنتاش " ،البيوايتيقا – األخالقيات الجديدة في مواجهة تجاوزات البيوتكنولوجيا " ،إفريقيا الشرق ،المغرب ،الطبعة
األولى ،2011ص .219
كما نجد أن أعلى نسبة لإلجهاض مردها الحرية الجنسية الحرية املطلقة الالمسؤولة،
فممارسة املرأة للجنس يجب أن تتبعه جملة من االعتبارات واالحتياطات حتى ال يقع الحمل غير
املرغوب فيه ،فإن حدث الحمل فعليها أن تتحمل تبعات أعمالها فال تلفظ الجنين ،الذي ليس له أي
ذنب في األمـر ،فيحرم من الحياة بعد أن تجمعت خالياه الحية األولى مبشرة بمستقبل قادم.
وحتى إن افترض أصحاب هذه الحركة انتفاء صفة اإلنسانية عن الجنين بحجة أنه مجموعة
خاليا ،فإنهم يرون أن هذه الخاليا تتميز بكونها نابضة حيوية فاعلة متطورة تحوي في ذاتها بذور
إنسان قيد التحقق بمعنى أن تلك الخاليا هي "مشروع إنسان" قابل للتحقق مستقبال وإذا استعرنا
عبارة أرسطو فنقول عن الخاليا أنها "إنسان" "بالقوة فيكون اإلجهاض بذلك هو عملية قتل
لألجنة ( )....قتل لإلنسانية ،ال يعتبر الجنين عضوا من أعضاء املرأة وإن اتصل بها بل هو مشروع
إنسان سينفصل عنها نهائيا بعد مدة" ،فإخصاب الخاليا اإلنسانية يشكل البداية الفعلية لسيرورة
تطويرية ليس فقط تنظم نفسها بنفسها بل غدت تتمتع باالنفراد تبعا لهذا التصور كل ما يمكن
تحديده بيولوجيا بوصفه نموذجا إنسانيا يجب النظر إليه بوصفه شخصا بالقوة ،وهو صاحب
حقوق أساسية 1وعلى رأسها توفير الحماية له.
وفي مقابل االتجاه األول ،اجتمعت عدة تنظيمات نسائية ومدنية إسالمية ،تهتم بقضايا
األسرة واملرأة والطفل ،في إطار تحالف مدني ،للتصدي لدعوات تحرير اإلجهاض ،تحت لواء"
االئتالف الوطني للدفاع عن حق الجنين في الحياة ،"2وقد شدد على ضرورة مقاربة القضية ،من
منظور يراعي الخصوصية الدينية والثقافية للمجتمع املغربي ،وعلى مراعاة مصلحة الجنين أيضا،
ولم يمانع من مناقشة باقي االستثناءات املتعلقة بالصحة الجسدية للمرأة وظروف حملها خارج إطار
الزواج ،ومسألة التشوهات الخلقية.
ويأتي تأسيس االئتالف الوطني للدفاع عن حق الجنين في الحياة ،كرد فعل على دعوات
تحرير اإلجهاض ،وانطالقا مما تسجله من تزايد حاالت اإلجهاض السري وما يترتب عن ذلك من
انتهاك للحق في الحياة بالنسبة للجنين ،فاالئتالف يحرص على مقاربة املوضوع من منطلق أن األصل
هو حق الجنين في الحياة ،بخالف املنطلقات املرجعية لالتجاه األول .وهكذا ساهم االئتالف في إثراء
-1زهير األعرجي " ،النظام العائلي ودور األسـرة في البناء االجتماعي اإلسالمي " ،قم المشرقـة ،الطبعة األولى 1415هــ ،ص
.56
-2منظمة تجديد الوعي النسائي :هي منظمة مغربية مستقلة تعمل على مساندة المرأة لنيل حقوقها ومطالبها االجتماعية العادلة،
تأسست المنظمة عام 1995من أجل المحافظة على أصالة المرأة وعلى هويتها اإلسالمية ،ومن أجل تقديم خدمة اجتماعية تتميز
بالفعالية واالقتراب من المشاكل الحقيقية للمرأة والطفل في األسرة المغربية.
النقاش العمومي حول قضية اإلجهاض من خالل إعداد مذكرة ترافعية في املوضوع ،وجهها للهيئة
العليا للحوار الوطني إلصالح منظومة العدالة.
وبخصوص حاالت إباحة اإلجهاض رفض االئتالف "الربط غير املنطقي الذي يجعل من
مطلب تقنين اإلجهاض حال للمشاكل املترتبة عن االغتصاب وزنا املحارم في حالة حدوث حمل "،
ودعت إلى إصالح نصوص القانون الجنائي خاصة املتعلقة بهذه الجرائم ،بما يعزز من ضمانات
حماية الحق في الحياة ويضمن والدة طبيعية لألجنة وكذا الحرص على تفعيل النصوص املوجودة
بما يكرس مبدأ عدم اإلفالت من العقاب ،خصوصا وأن معدالت اإلجهاض في ارتفاع متزايد ،وأن
الجريمة ال تكون إال بفعل فاعل واستمرار التعاطي مع الظواهر االجتماعية بالتساهل وغض الطرف
ال يساهم في حلها وإنما يزيد من تفاقمها وتعقيدها .وقدم االئتالف بهذا الخصوص مجموعة من
املقترحات واإلجراءات املسطرية من شأنها تعزيز حق املغتصبة وحمايتها وتفعيل الجانب املسطري
(التبليغ واإلثبات) وتسريعه.
ويجادل أنصار حق الحياة بأنه ال حق ألحد في إنكار الحياة ،ألنهم يرون أن الجنين ،مهما كان
صغيرا فهو حياة بشرية ،ومن الخطأ أخالقيا استغالل حياة بشرية ،وأن حق الطفل الذي لم يولد
بعد يتوجب أن يسمو على حق املرأة في أال تحمل ،أيضا فإنهم يجادلون بأن من يجري عملية
اإلجهاض يحط من قدر إنسانية كل من يتعلق بهم األمر ،بمن فيهم األم ،والطبيب ،واملشتغلون
بالرعاية الصحية.1
وهكذا فبالنسبة لحنان اإلدريس ي رئيسة "االئتالف الوطني للدفاع عن حق الجنين" ،فإنه
ينبغي التعامل مع اإلجهاض من منطلق أنه جريمة ينبغي أن يعاقب عليها القانون ،مع إعمال
منظومة حقوق اإلنسان وعلى رأسها الحق في الحياة ،2وذلك من منطلق ما تعتبره "أبا الحقوق"
والحق األول الذي تتأسس عليه منظومة حقوق اإلنسان كاملة وذلك الرتباطه بحفظ النفس
البشرية؛ إذ ال يستقيم التمتع ببقية الحقوق إال بحماية الحق األساس ي .وتحتج في ذلك بكون جميع
الشرائع السماوية واملواثيق الدولية والقوانين الوطنية اتفقت على حماية هذا الحق ،3ويرفض
-1فرمجن " ،القانون الطبي واألخالق " ،ترجمة نجيب الحصادي ،المشروع القومي للترجمة ،القاهرة ،الطبعة األولى ،2013
ص .174
-2حنان اإلدريسي " ،في نقض مزاعم دعاة تقنين اإلجهاض ،مقاربة طبية مقارنة" ،الرجواني ،عصام (تنسيق) ،اإلجهاض بين
الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد ،الرباط ،منشورات المركز المغربي للدراسات واألبحاث المعاصرة ،ماي ،2015ص
37-17
-3نظر مداخلة ،العثماني سعد الدين" ،أي مقاربة لتعديل القانون الجنائي في مادة اإلجهاض" ،منشورات المركز المغربي
للدراسات واألبحاث المعاصرة ،المرجع السابق ،ص.17
االئتالف إطالق تعبير "اآلمن" على عملية اإلجهاض ،ألنه ليس كذلك ،فاألصل فيه أنه" :عنف ضد
املرأة وخطرعلى صحتها الجسدية والنفسية عكس ما يدعيه دعاة اإلجهاض"
وترى الجمعية من جهتها أن تقنين اإلجهاض يتناقض مع حماية حق الجنين في الحياة ،ومن
ُ
شأن ذلك توسيع دائرة املقبالت على عمليات اإلجهاض ،كما أنه سيشجع على زيادة العالقات
الجنسية خارج الزواج ،والدليل على ذلك ارتفاع نسبته بعدد من الدول التي تقننه مثل فرنسا.
واعتبرت عائشة فضلي رئيسة الجمعية أن األطباء الذين يقومون بعمليات اإلجهاض "يشاركون في
جرائم قتل ،ويسهمون في عملية تطهير للعرق البشري ،ودعت إلى التراجع عن استعمال مفهوم
اإلجهاض اآلمن ألنه ليس كذلك "
يمثل الرافضون لإلجهاض التيار املحافظ ،فهم يرون أن تجند اليساريين للدفاع عن تقنين
اإلجهاض هو ركوب على هذه املوجة ملغالبة الفكر املحافظ وسحب البساط من تحت أرجله خاصة
أن هذا التدافع يكتس ي أيضا طابع سياس ي بوجود بعض الرافضين في الحكومة .فالرافضون لتقنين
اإلجهاض يحتجون أنه ال يجوز التصرف في حياة الجنين إال إذا كان يشكل خطرا حقيقيا على صحة
األم أو يحمل تشوها كبيرا ويحرم إجهاضه ملجرد الرغبة في إخفاء الحمل أو لظروف اقتصادية .هذا
ويبني أصحاب هذا املوقف على األسباب التالية:
حق الجنين في الحياة حق كل شخص؛
الجنين ال يتحمل أخطاء الوالدين؛
معالجة اإلجهاض يجب أن تكون في إطار شمولي يبدأ من معالجة األسباب املؤدية للحمل الناجم
عن الزنا أو الحمل غير املرغوب فيه؛
تقنين اإلجهاض سيشجع العالقات الجنسية الخارجة عن الزواج وسيزيد من قتل األجنة التي لها
الحق كذلك في الحياة؛
اإلجهاض تجارة مربحة يعمل تقنينها على توفير الغطاء القانوني لألطباء واللوبيات عديمي
الضمير؛
اإلجهاض جريمة في حق األجنة وعنف جسدي ونفس ي ضد املرأة .
من خالل تحليلنا ملعطيات السالفة الذكــر نالحظ أن هناك صراع بين دعاة إباحة اإلجهاض
ودعاة تجريم اإلجهاض ،فحسب االتجاه الداعي إلى تقنين اإلجهاض فإن رفع القيود القانونية عن
اإلجهاض وإباحته ،وتسهيل اللجوء إليه من شأنه تحقيق نتيجتين:
-1خالد الحمدونــي " ،اإلجهاض في المغرب بين التجريم والدعوة إلى التقنين " ،مجلة الباحث لدراسات القانونية والقضائية ،العدد
24نونبر ،2020ص .266
-2مشير باسيل عون " ،قراءة ثقافية في قضية امتالك حق اإلجهاض وإمكان إبطاله " ،األربعاء 6يوليو 2022على الموقع
اإللكترونـــي التالي https://www.independentarabia.com/node :تاريخ االطالع 2023/09/06 :على الساعــة:
.12:50
وتبقى املشكلة في نص القانون الذي يوجب احترام الحياة اإلنسانية منذ بدايتها ،بيد أن
ً
مفهوم البداية ما زال غامضا ،إذ إن أغلب التشريعات تبيح اإلجهاض قبل األسبوع الثاني عشر ،وإذا
أردنا أن نوجز االختالف القانوني في تسويغ اإلجهاض ،يمكننا أن نورد األسباب التي يستند إليها
الليبراليون املستحسنون املؤيدون لإلجهاض ،واألسباب التي يعتمدها املحافظون الزاجرون
الوازعون املانعون لإلجهاض.
ً
وهكذا يقوم املنطق الليبرالي على القول إن الجنين قبل انقضاء أربعة وعشرين أسبوعا ،ليس
ً ً
شخصا كامل األوصاف متمتعا بالوعي الذاتي الذي يمنحه الحقوق الشخصية املطلقة .ومن ثم،
يجوز للمرأة ،في أحوال خطيرة خاصة ،أن تجهض جنينها قبل املهلة البيولوجية القانونية ،أما
تسويغ الحظر ،فيستند إلى تصور الجنين في مقام الشخص اإلنساني الذي يمتلك ،منذ هنيهات
اإلخصاب األول ،الحق األصلي املطلق في الحياة .وعليه ،ال يجوز إجهاض الجنين حتى ولو عارض
ذلك حق األم في التصرف الحر بجسدها ،إذ إن مثل هذا الحق يخضع لحق الجنين في الحياة .يكفي
أن نتذكر أن تبرعم الجنين مسار تدرجي تطوري مذهل ،ال يستطيع املرء أن يترصد كل أحواله ،إذ
تنعقد في دماغ الجنين ،حين يأخذ في التكون ،ثالثة آالف خلية عصبية في الثانية الواحدة.1
إذا ثبت ما سبق ،صح لنا طرح التساؤل اآلتــي :هل تقنين اإلجهاض يحافظ على صحة
املرأة؟ ولعل هذا االدعاء من بين املغالطات الكبرى التي يروج لها دعاة إباحة اإلجهاض الذين
يناضلون من أجل اإلجهاض حماية لصحة املرأة ،كل هذا سيدحض بالحجج العلمية كما هو مبين
في عدد من البحوث والدراسات ،فاالدعاء بأن تقنين اإلجهاض سيخفض من نسبة وفيات املرأة
الحامل ،يبقى واهيا لكون املغرب يتوفر على برنامج قوي وضعته وزارة الصحة لتخفيض عدد
الوفيات.
فالرهان املعقود لتخفيض نسبة الوفيات عند الوالدة باملغرب ال يقوم على تقنين وإباحة
اإلجهاض وإنما على تحسين جودة الخدمات الصحية بالنسبة للمرأة الحامل سواء في العالم
الحضري أو القروي ،فإذا كانت عددا من املنظمات الدولية تنادي بأن هناك حاجة ماسة لتشريع
اإلجهاض للحد من الوفيات املرتبطة بالحمل في البلدان النامية ،فإنه باملقابل هناك رصيد مهم من
األدلة العلمية التي تدحض هذه األقوال على اعتبار أن الحد من الوفيات املرتبطة بالوالدة يتم من
-1مشير باسيل عون " ،قراءة ثقافية في قضية امتالك حق اإلجهاض وإمكان إبطاله " ،األربعاء 6يوليو 2022على الموقع
اإللكترونـــي التالي https://www.independentarabia.com/node :تاريخ االطالع 2023/09/06 :على الساعــة:
.13:30
خالل نوعية الرعاية الصحية املقدمة لألمهات ( وغيرها من العوامل غير املباشرة ) ،وليس إباحة
اإلجهاض وتسوية وضعيته القانونية ،وبالتالي يمكن أن نجزم بأنه ليست هناك حاجة لتشريع
اإلجهاض لتحسين صحة األم وإنقاذ حياة املرأة.1
وتعتبر متطلبات الرعاية الصحية أثناء الحمل ذات أهمية كبرى في تجنب اإلجهاض التلقائي،
حيث تزداد أهمية الفحص الطبي وزيارة الطبيب أثناء الحمل حسب صحة األم ،فإذا كانت تعاني من
حالة مرضية كمرض السكري وأمراض الكلى والصرع والضغط الدموي ومرض القلب أو جراحة
قديمة على مستوى الرحم وغيرها أو مشكلة قديمة في حمل سابق أو الحمل الحالي ،فيجب عليها أن
تنال رعاية أكثر لتفادي املضاعفات الخطيرة التي تحدث أثناء الحمل مثل اإلجهاض والوالدة
القيصرية أو وفاة الجنين وغيرها من تعقيدات الحمل والوالدة،وويعتبر التواصل املستمر مع
الطبيب األخصائي عبر الزيارات املبرمجة ،مع ضرورة ممارسة بعض التمارين الرياضية وأهمها املش ي
من اآلثار اإليجابية التي تلقي بظاللها على سير الحمل والوالدة ،كما أن تثقيف املرأة الحامل بكيفية
التعامل مع قرب موعد الوالدة والعالمات الدالة عليها يساعد في ذلك.2
لذلك يجب العمل على إجراء فحوصات روتينية واختبارات البول والدم من أجل رصد نتائج
تقدم الحمل وصحته وصحة األم ،كما توص ي منظمة الصحة العاملية النساء الحوامل بتوصيات من
شأنها ضمان حمل سليم بدأ من التغذية الجيدة التي تعتمد على الخضروات والخضراء ،والبرتقال،
واللحوم واألسماك والبقوليات واملكسرات والحبوب الكاملة والفاكهة التي توفر الطاقة والبروتين
والفيتامينات واملعادن للصحة الجيدة والحفاظ على النشاط البدني ،كما توص ي بفحوصات األم
والجنين الروتينية والتدابير الوقائية الالزمة أثناء الحمل ملنع حدوث املضاعفات ،وتطبيق املشورات
املقدمة من طرف الطبيب إلى غاية الوالدة باإلضافة إلى الدعم النفس ي والعاطفي من خالل األسرة
والزوج ،ومن أجل السيطرة على تأزم الحمل ومضاعفاته على الحامل االهتمام بقياس الضغط
الدموي املنتظم وسماع صوت قلب الجنين وغيرها من الفحوصات الروتينية عند الطبيب واملكمالت
الغذائية أثناء الحمل وقبله ،ويجب أن تكون الوالدة تحت إشراف أطباء متخصصين أو قابالت
مؤهالت في املناطق الريفية ،وتنصح منظمة الصحة العاملية من أجل صحة األم والجنين وانخفاض
معدالت وفيات األمهات االلتزام بما ال يقل عن ثماني زيارات قبل الوالدة موزعة حسب توقيت الحمل
-1حنان اإلدريسي " ،في نقض مزاعم دعاة تقنين اإلجهاض – مقاربة طبية مقارنة " ،المركز المغربي للدراسات واألبحاث
المعاصرة ،ندوة اإلجهاض بين الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد ،مطبعة :طوب بريس – الرباط ،الطبعة األولى ماي
،2015ص 42
-2أحمد محمد بدح وآخرون " ،الثقافة الصحية " ،دار المسيرة للنشر والتوزيع ،ص .235
على النحو التالي ،زيارة في الربع األول من الحمل وزيارتين في الربع الثاني وخمس زيارات في الربع
1
الثالث
وإذا كان مروجو تقنين اإلجهاض أو توسيع دائرة إباحته يقدمون أرقاما تشير إلى أن الدول
التي تجرم اإلجهاض ،وتجعله حقا للمرأة ويمارس في املستشفيات وعالنية ،وتلقى فيه خدمات
صحية نوعية ،حيث انخفضت فيها نسبة وفيات الحوامل مقارنة مع الدول التي تجرمه ،ألن
اإلجهاض فيها يتم في السـر ويؤدي في الغالب إلى وفاة األم ،2فإنه مع ذلك تبقى هذه اإلحصاءات غير
رسمية ،بل أنه لوحظ أن نسبة انخفاض الوفيات لدى النساء الحوامل منخفض في الدول املتقدمة
عنه في الدول األخرى ترتبط في الحقيقة بجودة الخدمات الصحية التي توفرها تلك الدولة وال عالقة
لذلك بإباحة اإلجهاض.
1
- Recommandations de L’OMS Concernant les soins prénatals pour que la grossesse soit une
expérience positive Janvier 2018, P 2.
-2اليزابيث أهمن ،إقبال شاة " ،اإلجهاض غيــر اآلمــن :تقديرات عالمية لعام ،" 2000مجلة قضايا الصحة اإلنجابية (الطبعة
العربية) ،العدد الثالث عشــر ،2008ص .8 – 7
-3على الرغم من كون روسيا تعد من أوائل الدول التي قننت اإلجهاض وجعلته وسيلة من وسائل التحكم في الخصوبة ،إال أنها
تعد من أكثر الدول األوربية التي يحدث فيها اإلجهاض غير اآلمن أو السري ومن ثمة تعرف ارتفاع نسبة وفيات الحوامل مقارنة
ببقية الدو ل ،وذلك ألن اإلجهاض القانوني يتم خالل الثالثة أشهر األولى من الحمل ،ومن ثم تلجأ النساء في الثالثة أشهر الثانية من
الحمل إلى اإلجهاض السري .هذا ما تشير إليه تقارير مروجو تقنين اإلجهاض من خالل مجلة قضايا الصحة اإلنجابية؛ لذا ومن
تقاريرهم يتبين أن توسيع دائرة إباحة اإلجهاض في الدول التي تمنعه السيما الدول اإلسالمية والترويج إلى أن السماح به سيقضي
على اإلجهاض غير اآلمن قول مردود عليه ،ومن خالل إحصاءاتهم وتقاريرهم ألنه سيكون دوما ثمة حاجة للجوء إلى اإلجهاض
السري كما هو الحال في روسيا.
يمكن االطالع على هذه اإلحصاءات في :مجلة قضايا الصحة اإلنجابيـة – (الطبعة العربية) ،العدد الثالث عشـر ،2008ص
.113
كما أن إباحة اإلجهاض لن يقضـي تماما على اإلجهاض السري ،ألن اإلجهاض مباح في فترة
زمنية محددة من الحمل ،لذا فسيبقى اللجوء إلى اإلجهاض السري وارد حتى لدى الدول التي تنظمه،
وذلك إذا ما رغبت امرأة التخلص من الجنين في مرحلة متأخرة من الحمل دون دواع طبية أو أسباب
تدعو إلى ذلك.
إن الحجة بشأن اإلجهاض قد أخطأت في الوصول إلى املقصد منها ،فهو يؤكد أن النقاش
ينبغي أن يركز على ما إذا كان من الخطأ قتل إنسان بريء بدال من الجدل ما إذا كان الجنين إنسانا
بريئا أو ال ،إن الحجج املؤيدة إلباحة اإلجهاض حول متى تبدأ شخصية اإلنسان تبقى غامضة،
وبالتالي ال يمكن أن تحدد لحظة معينة لبداية الشخصية ،ونظرا ألن العقل يمكنه أن يذهب بعيدا
فقط في قدرته على تحديد األخالق.1
وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف "رونالد دفوركين " ،إن تركيز الجدل حول شخصية الجنين
يغفل القضية األساسية ،إلن االختالف حول شرعية اإلجهاض إنما يعود في األصل إلى اختالف
األفكار حول قيمة الحياة البشرية ،فمن يحرمون اإلجهاض كلية ،أو من يرون أن يحد منه كثيرا،
هؤالء يجعلون حياة اإلنسان قيمة مقدسة ال بد من أن تصان ،أما الليبراليون فيرون أن قيمة
بناء على تم من استثمار بشري فيها ،وعند إجهاض بعض األجنة – تلك التي تحمل الحياة إنما تنشأ ً
أمراضا تميت أو تقعد – إنما يعني ذلك االجهاض التقليل من قيمة الحياة؛ حياة اآلباء وحياة أطفال
العائلة التي سيولد بها الصغير املريض ،وبالتالي سنقلل من قيمة حياة اآلباء وآبائهم املوجودين ،تلك
-1بنين جامد جبار " ،أخالق اإلجهاض والرحم الصناعي " ،مجلة متون ،Moutouneالمجلد ،15العدد الثالث ،2022ص
.134
التي استوعبت بالفعل استثمارا بشريا كبيرا ،وستكون الخسارة إذنا أكبر بكثير مما نخسره بإجهاض
حياة لم تصبح بعد حياة حقة.1
ويعد اإلجهاض الغير اآلمن من أكثر تحديات الصحة العامة في كل بلدان العالم ،ملا له
من أثار وخيمة على صحة النساء وحياتهن ،كما أن حمل املراهقات غير املخطط وما ينجر عنه من
مضاعفات يمثل أهم أسباب الوفاة في الفئة العمرية 19-15سنة ،خاصة في البلدان النامية ،حيث
يسهم اإلجهاض غير اآلمن والذي يقوم به أشخاص غير مؤهلون في وسط غير صحي بشكل كبير في
حدوث تلك الوفيات ،علما أن أغلب حاالت الحمل غير املقصود يتم إجهاضها إراديا في هذه
الظروف.
وبناء على دراسة قامت بها منظمة الصحة العاملية تبين أن حوالي خمس حاالت الحمل
اإلجمالية املقدرة بحوالي 42مليون من أصل 210ماليين حالة كل سنة يتم إجهاضها بشكل طوعي
وتحدث حوالي 22مليون حالة في ظروف صحية فقط بينما تتم األخرى خارج اإلطار القانوني .
وفي شمال إفريقيا ومنطقة الشرق األوسط نجد أغلب الدول تتخذ إجراءات تقيد اإلجهاض
أو يحظر فيها باستثناء إنقاذ حياة األم ،ويعشن فيها حوالي %80من النساء التي تواجه عوائق
قانونية ضد اإلجهاض .ونجد تركيا وتونس الدولتين الوحيدتين على مستوى العالم اإلسالمي التي
يسمح فيها باإلجهاض بشكل قانوني خالل الثالث األشهر األولى من الحمل بناء على طلب األم ،وقد
انخفضت فيها نسب اإلجهاض بسبب ارتفاع استخدام وسائل منع الحمل الحديثة ،2وتحتل
الواليات املتحدة األمريكية املرتبة األولى عامليا بمليون حالة إجهاض سنويا ،كما تتصدر املغرب
املرتبة األولى عربيا من حيث عدد حاالت االجهاض السرية والتي تصل إلى 1400حالة يوميا منها
الشرعية وغير الشرعية ،وتليها تونس حيث سجلت سنة 2014حسب الديوان الوطني لألسرة
والعمران في تونس 14ألف حالة سنويا تتم في وحدات الصحة العمومية ،وتغيب احصائيات
اإلجهاض السري ،وتشير بعض التقارير في تونس أنها تتم حوالي 400حالة إجهاض سري يوميا.
وحسب تقديرات منظمة الصحة العاملية ارتفع عدد حاالت االجهاض سنة 2015إلى ما
يقارب 56مليون حالة في العالم ،وتنتشر أكثر الحاالت في البلدان الفقيرة والنامية ،وهذا راجع إلى
النمو السكاني وعدم الرغبة في زيادة عدد أفراد األسرة ،وتشير تقديرات املنظمة إلى حدوث 25
مليون حالة إجهاض غير آمن في العالم كل سنة ،مما تشكل أزمة صحية عاملية ،كما نجد أن حوالي
-1أحمد مستجير " ،قراءة في كتابنا الوراثي " ،الهيئة العامـة للكتاب ،القاهرة ،الطبعة األولى ،2013ص .90
-2رشا دبش وفرزانة رودي " ،اإلجهاض في الشرق األوسط وشمال إفريقيا " ،المكتب المرجعي للسكان ،2008 ،ص.2 :
%43من حاالت الحمل كل سنة في العالم غير مرغوب فيها ،ويبين الجدول التالي حاالت الحمل في
العالم النامي:
1
حاالت الحمل في العالم النامي
عدد الحاالت (ميلون) الحاالت املسجلة
89 حمل غيرمرغوب فيه
30 والدة غيرمخطط لها
84 عملية إجهاض
10 إسقاط الحمل
1 وفيات مواليد
-1عالم منقسم " ،الصحة اإلنجابية والحقوق اإلنجابية في زمن عدم المساواة " ،حالة سكان العالم ،2017صندوق األمم المتحدة،
ص .66
جاء مشروع قانون رقــم 10.16بمجموعة من املستجدات ملحاربة جريمة اإلجهاض بما فيها
تجريم اإلجهاض غيـر الشرعي واإلجهاض الذي يخرق املعايير الطبية ،باإلضافة إلى اإلجهاض
القسري ،مع رفع التجريم عن اإليقاف اإلرادي للحمل تحت إشراف طبي ،حيث أدرج أربع حاالت
تبيح هذا الفعل ،بمعنى ثالث حاالت إضافية على الحالة التي جاء بها الفصل 453من القانون
الجنائي ،حيث تم استثناء هذه الحاالت من العقاب لوجود مبررات قاهرة ،وذلك ملا تسببه من
معاناة وملا لها من آثار صحية ونفسية واجتماعية سيئة على املرأة واألسرة والجنين ،بل واملجتمع
أيضا ويتعلق األمر بالحاالت االستثنائية التالية:
أوال – حاالت الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا املحارم؛
ثانيا – الحاالت التي تكون فيها الحامل مصابة بمرض من األمراض املعتبرة في حكم الخلل
العقلي؛
ثالثا – حاالت تبوث إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة
للعالج وقت التشخيص؛
رابعا – عندما يشكل الحمل خطرا على حياة األم أو على صحتها.
الفقرة األولى :إمكانية رفع التجريـ ــم عن إجهاض املغتصبة في التشريع املغربي
لقد أثار موضوع إجهاض املرأة املغتصبة تباينا كبيرا في اآلراء واملواقف بين مؤيدين
ومعارضين ،1حاولوا إيجاد جواب عن سؤال عريض؛ هل من مصلحة الجنين الناتج عن االغتصاب
أن يخرج إلى الوجود أم ينتهي إلى العدم ؟ ثم هل يمكن إضافة االغتصاب كأحد أسباب إباحة
اإلجهاض في التشريع املغربي؟ وما هي املبررات الداعية إلى ذلك؟ وفي حالة إقرار إباحة إجهاض
املغتصبة داخل التشـ ــريع املغربي ،ما هي الضوابط التي ينبغي وضعها لتفادي أي انفالت في املمارسـة
من شأنه تجاوز الضوابط الشرعية والقانونية املؤطرة للموضوع؟ ما هو مصير الفتيات املغتصبات
؟ وما ذنب األطفال الذين يولدون من فعل اغتصاب؟ وخاصة إذا وقع االغتصاب جماعيا وتعذر
حينها تحديد األب الشرعي؟
إن إجهاض املرأة املغتصبة هو إنهاء حالة الحمل الناتج عن جريمة اغتصاب ارتكبت بحق
هذه املرأة التي ال ذنب لها سوى أنها كانت ضحية للمجرم الذي اغتصبها ،فأثمرت جريمة االغتصاب
حمال للضحية في بطنها جعلها تفكر في كيفية التخلص منه بطريقة مشروعة ال أن تكون متهمة
بارتكاب جريمة اإلجهاض ،األمر الذي دفع بعض التشريعات الجنائية الوضعية إلى إيجاد حل
ومخرج قانوني ملثل هذه الحالة.2
فمن أبرز النتائج التي تترتب على جريمة االغتصاب أن تجد املرأة املغتصبة نفسها وهي تحمل
جنينا ناتجا عن الجريمة التي ارتكبت في حقها ،وهذا من شأنه أن يزيد في محنتها وحيرتها وخصوصا
متى كان الفاعل (مرتكب جناية االغتصاب) مجهوال أو متعددا ،كأن تتعرض املرأة لالغتصاب من
قبل مجموعة من األشخاص عديمي الضمير ،فاسدي األخالق ،فهل يتقبل الواقع االجتماعي لهذه
الضحية طفال ناتجا عن االغتصاب ينضاف إلى الضحية الرئيسية وهما معا ( أي األم وولدها)
ضحيتان محكوم عليهما مسبقا ( كالفاعل) بعقوبات قاسية ربما تتجاوز عقوبة املجرم الذي يحكم
عليه من أجل االغتصاب بعقوبات سجنية يقضيها بإحدى املؤسسات السجنية ويخرج بعد انقضاء
-1تجدر اإلشارة إلى وجود اختالف فقهي حول مسألة اإلجهاض في حالة االغتصاب ،فالبعض أباح اإلجهاض بشرط أن يمارس
في المدة الزمنية السابقة لزمن نفخ الروح في الجنين ،فحين ذهب فقهاء آخرون إال عدم إباحته ويقصرون اإلباحة على حالة إنقاذ
حياة األم .وما ينبغي التنويه إليه ،أن الفقهاء الذين أجازوا اإلجهاض في حالة االغتصاب لم يجيزوه في حالة ما إذا كان الحمل ناتج
عن الزنا ،ووجه االستدالل بقصة المرأة الغامدية حينما جاءت إلى النبي ،واعترفت بالزنا وأبلغته بحملها ،فلم يقضي الرسول ﷺ
بإجهاضها ولم يسأل عن عمر الجنين ،وإنما أخر إقامة الحد على هذه المرأة إلى غاية وضعها لحملها ،وانتهاء حولين كاملين
للرضاعة ،وهذا يدل على حرمة اسقاط الجنين ،كما أن إباحة اسقاط الحمل للزنا هو تشجيع على الزنا بانتفاء الهاجس أمام المرأة.
محمد علي البار " ،مشكلة اإلجهاض – دراسة طبية فقهية " ،الرياض ،الطبعة األولى ،1985ص .65 – 64
-2علي الفيل " ،إجهاض المرأة المغتصبة " ،بحث منشور في مجلة علوم إنسانية ،2009 ،ص .3
مدتها ليستعيد حياته من جديد ،وربما يعاود جريمته ليخلف املزيد من الضحايا ،وأما املرأة وجنينها
املغتصبين فمحكوم عليهما بعقوبة مؤبدة تجلب لهما العار مدى الحياة ،1فاملرأة املغتصبة في هذه
الحالة ،تكون قد تضررت عندما ارتكب في حقها جريمة اغتصاب نتج عنها حمل غير مرغوب فيه،
مما يزيد في محنتها وحيرتها فال تجد سبيال السترجاع توازنها االجتماعي ،إال بالتخلص من هذا الجنين
بطريقة ما؟
من هنا ظهر تصور جديد لإلجهاض ،وهو إمكانية إجهاض املرأة املغتصبة ضحية جريمة
االغتصاب ،فهل يقبل واقع املرأة االجتماعي الطفل الناتج عن مثل هذا الحمل؟ هناك عدة عوامل
تتحكم في نظرة القانون إلى مسألة إجهاض املغتصبة أهمها العوامل الدينية ،واالجتماعية،
والثقافية ،واألهم من ذلك مصلحة الجنين الذي سيخرج إلى الوجود ليصطدم باملجتمع وهو نتاج
لحظة آثمة ،فهل من مصلحة هذا الجنين أن يخرج إلى الوجود؟.2
لم يخرج القانون الجنائي املغربي عن التوجه القاض ي بعدم مشروعية إجهاض املرأة
املغتصبة ،3منذ إقراره سنة ،1962حيث كانت أحكام املادة 453قبل أن تعدل سنة 1967ترفع
التجريم عن اإلجهاض في حالة وحيدة تتعلق بضرورة إنقاذ حياة األم من الخطر دون حالة إجهاض
املغتصبة " ال عقاب على اإلجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة األم من الخطر ،متى قام به
طبيب أو جراح عالنية ،وبعد إخطار السلطة اإلدارية " ،ورغم التعديل الذي طال مقتضيات املادة
453من مجموعة القانون الجنائي سنة 1967فإن املشرع املغربي اكتفى بإضافة حالة " ضرورة
املحافظة على صحة األم " ،إلى حالة إنقاذ حياتها من الخطر وأبقى على حالة إجهاض املغتصبة
داخل دائرة التجريم.4
-1إلهام العلمي " ،إشكال الحمل الناتج عن االغتصاب – بين االعتراف الجنائي بالخبرة الطبية ورفض مدونة األسرة إقرار النسب
" ،المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية ،العدد 13أكتوبر ،2016ص .140
-2بن عودة حسكر مراد " ،االغتصاب داخل األســرة وإمكانية إجهاض المرأة المغتصبة في القانون الوضعي " ،مجلة دراسات
قانونية ،العدد الخامس عشـر ،2012ص .46-45
-3هناك اتجاه ثان :يقر بمشروعي ة إجهاض المغتصبة ،ولكن ليس صراحة وإنما في إطار ما يسمى " بالتوقيف اإلرادي للحمل "،
الذي يبقى جائزا خالل مدة معينة للمرأة الحامل حسب رغبتها وإرادتها.
اتجاه ثالث :يقر بمشروعية إجهاض المغتصبة من خالل التنصيص على ذلك صراحة ،وتمثله العديد من التشريعات الغربية
كقبرص وفنلندا وبولونيا
اتجاه رابع :لم يقر بمشروعية إجهاض المغتصبة ،ولكنه متع المرأة الحامل التي أجهضت نفسها أو ذويها بعذر مخفف من العقوبة
بدافع الحفاظ على الشرف ودرء العار والفضيحة ،واختلف هذا االتجاه في تقدير العذر المخفف ،فمنهم من اعتبره عذرا قانونيا
مخففا في حين اعتبره البعض األخر قضائيا مخففا.
-4ينص الفصل 453من القانون الجنائي على أنه " :ال عقاب على اإلجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة األم
متى قام به عالنية طبيب أو جراح بإذن من الزوج.
وال يطالب بهذا اإلذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة األم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو اإلقليم.
والواضح أن هذا التعديل يتسم باملرونة التي تؤدي في الواقع إلى إباحة اإلجهاض في أغلب
حاالت الحمل غير املرغوب فيها ،ال سيما من طرف املرأة التي حملت كرها إما من جراء اغتصاب أو
نتيجة عالقة جنسية مع إحدى املحارم ،إال أن املتمعن في الفصل يدرك تمام اإلدراك أن املشرع
املغربي ،شأنه في ذلك شأن جل التشريعات العربية ،لم يفرق بين اإلجهاض العادي ،واإلجهاض
الناش ئ عن إكراه ،فسواء أكانت املرأة مرتكبة اإلجهاض مغتصبة أو غير ذلك ،فاألمر سيان من
وجهة نظره ،وبذلك ال يميز القانون الجنائي املغربي بين املغتصبة وغيرها ،فاإلجهاض غير مشروع
سواء كان الحمل ناتجا عن زواج صحيح أو زنا أو اغتصاب فالحكم واحد ،كما ال يفرق بين الباعث
على اإلجهاض أكان محمودا أم مذموما.1
فباالستناد إلى املقتضيات القانونية املجرمة لإلجهاض نجد أنها ال تجعل من االغتصاب
ضرورة تبيح اإلجهاض ،واملشرع ملا نص على االستثناء الذي يسمح من خالله باإلجهاض ويزيل عنه
الصفة الجرمية ،تناول فقط حالة الضرورة للمحافظة على صحة األم من خالل الفصل 435
السالف الذكر ،فلو كان الحمل الناتج عن اغتصاب يشكل ضرار على حياة وصحة الحامل ،فإن
اإلباحة تشملها على أساس الخطر الذي يهدد األم وليس بناء على كون الجنين ناتجا عن اغتصاب،
فسكوت املشرع بعدم النص على اإلجهاض في حاالت االغتصاب معناه أنه ال يستثني هذه الحالة من
العقاب.2
وفي هذا اإلطار ،نادت مجموعة من الفعاليات الجمعوية والحقوقية بمراجعة املقتضيات
القانونية املتعلقة باإلجهاض ،بما يبيح للمغتصبة في حالة نشوء حمل عن جريمة االغتصاب التي
تعرضت لها اللجوء إلى اإلجهاض ،لوجود عدة اعتبارات منها؛ انعدام رضا هذه املغتصبة في الواقعة
التي تعرضت لها ،أو فرار املغتصب املتسبب في الحمل أو إنكاره لواقعة االغتصاب وعدم موافقته
على نسبة الجنين إليه ،وبالتالي يبقى مصير نسب هذا الجنين غير معروف ،مما يسبب له وألمه أملا
وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج من إعطاء موافقته أو عاقه عن ذلك عائق فإنه ال يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم
بالعملية الجراحية أو يستعمل عالجا يمكن أن يترتب عنه اإلجهاض إال بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيس للعمالة أو اإلقليم
يصرح فيها بأن صحة األم ال تمكن المحافظة عليها إال باستعمال مثل هذا العالج".
تم تغيير هذا الفصل بموجب الفصل األول من مرسوم ملكي رقم 181.66بتاريخ 22ربيع األول ( 1387فاتح يوليوز )1967
بمثابة قانون يتعلق بتغيير الفصل 453من القانون الجنائي وتتميم الفصل 455من نفس القانون وإلغاء الظهير الشريف المؤرخ في
22جمادى األولى 10( 1358يوليوز )1939؛ الجريدة الرسمية عدد 2854بتاريخ 4ربيع الثاني 12( 1387يوليوز ،)1967
ص .1547
-1إلهام العلمي " ،إشكال الحمل الناتج عن االغتصاب – بين االعتراف الجنائي بالخبرة الطبية ورفض مدونة األسرة إقرار النسب
" ،مرجع سابق ،ص .145-144
-2مليكة بن عزة ثابت " ،اإلجهاض لدوافع أخالقية واقتصادية بين الشريعة اإلسالمية والقانون الجنائي الجزائري " ،مجلة
دراسات قانونية ،العدد الرابع عشر ،2012 ،ص .73
نفسيا ووسما اجتماعيا ونظرة متدنية في املجتمع الذي يعيش فيه ،وأيضا لتالفي اإلجهاض السري
املرتبط بهذه الحالة والتقليل من حاالت اللجوء إليه.1
هنا أصبح التساؤل يطرح نفسه بقوة حول مدى إمكانية توسيع دائرة اإلباحة بالنسبة
لبعض حاالت اإلجهاض اإلنسانية واالجتماعية القصوى كحالة إجهاض املغتصبة؟ حيث ِعيب
على املشرع املغربي عدم مسايرته للتطور السريع الذي عرفه املجتمع وضرورة تدخله في القريب
العاجل لتعديل الفصل 453وغيره من الفصول املنظمة لإلجهاض بما يسمح للمرأة املغتصبة
بالسماح لها بإجهاض نفسها والتخلص من الجنين الذي يشكل وصمة عار ستذكرها في كل لحظة
بالجريمة الشنعاء التي أكرهت عليها رغما عنها ،وقد تضمن املقترح الجديد ملسودة تعديل القانون
الجنائي املغربي مادة فريدة تقض ي بتعديل الفصل 453من القانون الجنائي بما يلي " :ال عقاب على
اإلجهاض متى قام به عالنية طبيب أو جراح:
– 1خالل األسابيع الستة األولى من الحمل إذا ترتب الحمل عن اغتصاب أو زنى
املحارم."...
هذا ،وما يبرر الدعوة إلى رفع التجريم عن إجهاض املغتصبة تزايد حاالت جرائم االغتصاب،
كما أنه في إطار تفادي أي انفالت في املمارسة من شأنه تجاوز الضوابط الشرعية والقانونية املؤطرة
إلجهاض املغتصبة والخروج عن الغاية املتوخاة من إباحتها ،يقترح وضع شروط وقيود محددة
تحديدا دقيقا تقيد طالب اإلجهاض وممارسه ،من قبيل:2
عدم إمكانية إجراء اإلجهاض بسبب االغتصاب ،إال بعد اإلدالء بما يفيد تبليغ
السلطات القضائية أو األمنية بوقوع جريمة االغتصاب ،كاإلدالء بنسخة من الشكاية املودعة لدى
السلطة القضائية أو األمنية املختصة أو بشهادة أو وصل من طرف هذه األخيرة؛
إحالة املغتصبة فورا إلى املراكز الصحية قصد تسليمها حبوب منع الحمل إذا كانت
واقعة االغتصاب حديثة؛
إلزام الطبيب بتبصير املرأة الحامل بمخاطر اإلجهاض والطرق الطبية البديلة مع
إنجاز تقرير بذلك يوضع بامللف قصد الرجوع إليه عند الحاجة؛
-1ا لمصطفى طايل " ،إسقاط الجنين للضرورة بين الفقه اإلسالمي والقوانين الجنائية المغاربية " ،مجلة المتوسط للدراسات
القانونية والقضائية ،العدد الثاني ،دجنبر ،2016ص 55-54
-2هشام مالطي " ،حكم إجهاض المغتصبة بين الشرع والقانون " ،مرجع سابق ،ص .75 – 74
إحالة املرأة وجوبا على مساعدة اجتماعية أو أحد املراكز االجتماعية لتقديم
االستشارات الالزمة بخصوص اإلمكانية املتوفرة للتكفل بالطفل؛
إجراء اإلجهاض وجوبا داخل مصحة عمومية أو مصحة خاصة معتمدة بقرار لوزير
الصحة ،ومنع إجراء اإلجهاض داخل أي مؤسسة صحية خارج اإلطار املذكور؛
إشعار الطبيب الرئيس ي لإلقليم أو العمالة أو مدير الوحدة الصحية من طرف
الطبيب الذي يود إجراء العملية؛
إشعار الطبيب الرئيس ي لإلقليم أو العمالة أو مدير الوحدة الصحية للنيابة العامة
املختصة؛
وضع سجل إقليمي ووطني لحاالت اإلجهاض من طرف املؤسسات واملستشفيات
الصحية ،يمكن االطالع عليه من قبل السلطة الحكومة املكلفة بالصحة والسلطة القضائية
املختصة (النيابة العامة) كما هو معمول به في مجال زرع األعضاء البشرية؛
تشديد عقوبة االغتصاب إذا تعلق األمر باالغتصاب الناتج عنه حمل؛
تشديد العقوبة في حالة تقديم معلومات كاذبة عن واقعة اغتصاب غير صحيحة
بهدف إجراء عملية إجهاض؛
كل تعديل في املوضوع ينبغي أن يكون وفق التوجه الفقهي الذي سمح بجواز
اإلجهاض مع تقييده بضوابط محددة دون التوسع في تفسيرها أو تأويلها ،وذلك بإجرائه قبل نفخ
الروح في الجنين ،أو أن يشكل خطرا على حياة أو صحة األم ،وأن تتم عملية اإلجهاض تحت إشراف
طبي وجراحي متخصص وبطلب من األم وبناء على تقرير طبي مفصل.
في نهاية هذه النقطة نؤكد على أن اللجوء إلى اإلجهاض للتخلص من الحمل الناتج عن
االغتصاب ،قد أصبح رخصة وحاجة أفتى بها كثير من أهل العلم لكل امرأة تعرضت لجريمة
االغتصاب اآلثمة ،فأفتوا للمرأة بذلك إذا لم تتحمل نفسيا اإلبقاء على الجنين ،ولم تتحمل عائلتها
لوثة االعتداء على شرف ابنتهم ،غير أن الفتوى بالجواز هي ملن لم تتحمل آثار االغتصاب الوحش ي،
وأما إذا أرادت الحفاظ على الجنين واالعتناء به ،وتعلقت به ،ولم يكن تمت حرج نفس ي أو مادي أو
غيرهما عليها ،فإن املقول به هو اإلبقاء عليه ،وهناك دليال قاطعا في السنة على عدم قتل الجنين
الذي حملت به املرأة نتيجة لزنا أو اغتصاب ،وهو أن النبي ﷺ لم يرجم الغامدية وفي بطنها ثمرة
الزنا وربما قد تكون اغتصبت ورضيت بالزنا ،فلم يرد خبر بهذا أو ذاك ،وقال لها النبي ﷺ " انتظري
حتى تضعي " ،فلما جاءت باملولود بعد أن وضعته قال لها النبي ﷺ " انتظري حتى تفطميه " ،فلما
جاءت به يمش ي بجوارها وفي يده كسرة من خبز ،دفع بها النبي ﷺ إلى أصحابه وأوص ى به خيرا ثم أمر
بها ورجمت ،ولو أن ابن الزنا يجوز إسقاطه لفعله النبي ﷺ .1
من هنا ال ريب أن اغتصاب املرأة عذر قوي يجيز اإلجهاض خصوصا وأن املشرع املغربي عدل
الفصل 475من القانون الجنائي الخاص بإلغاء زواج املغتصب باملغتصبة ،2وذلك بحذف الفقرة
الثانية من الفصل املتعلق بسقوط العقوبة في حالة زواج الفتاة القاصر املختطفة مع من اختطفها
أو غرر بها ،وللقطيعة املطلقة بينهما ال بد من تمكينها من إيقاف الحمل الناتج عن االغتصاب ،مع
جعلها ظرف تشديد في عقوبة االغتصاب وإحاطتها في نفس الوقت بإجراءات دقيقة مثل وضع
مسطرة إلثبات واقعة االغتصاب ،مراعاة مدة زمنية معينة ما بين واقعة االغتصاب ويوم اإلجهاض
مثال في أجل أقصاه 40يوما ،تفاديا للدخول في متاهات الخالف الفقهي.3
-1مليكة ب ونجوم " ،نازلة إجهاض المرأة المغتصبة بين المجيزين والمانعين " ،مجلة دراسات تراثية ،كلية اآلداب والعلوم
اإلنسانية ظهر المهراز – فاس ،ص .55
-2القانون رقم 15.14القاضي بتغيير وتتميم الفصل 475من مجموعة القانون الجنائي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.14.06
بتاريخ 20من ربيع اآلخر 20 – 1435فبراير ،2014الجريدة الرسمية عدد 6238بتاريخ 11جمادى األولى 13 – 1435
مارس ،2014ص .3138
-3رشيدة بنسرغين " ،اإلجهاض بين التنظيم القانوني وإكراهات الواقع " ،منشورات مجلة دفاتر قانونية – دفاتر أسرية ،العدد
الثاني – يوليوز ،2017ص .154-153
الحمل قد يعرضها للخطر الجسيم واإليذاء من جانب أهلها ،وقد تحاول املرأة وهي تحت تأثير خشية
الفضيحة والعار وانكشاف أمرها إلى التخلص من الحمل بطرق يكون فيها خطر على حياتها وصحتها
أو قتل نفسها انتحارا إلنهاء حالة الضيق التي أملت بها.
وعليه فإن الذين يبيحون اإلجهاض في هذه الحالة يعتبرون املرأة في حالة دفاع شرعي ،ومن
تم يباح لها إسقاط الحمل دفعا للخطر الذي قد يحصل لها ،وهذا القول فيه نظر ألن املرأة هنا
ليست في حالة الدفاع الشرعي الذي من شروطه األساسية أن يوجه فعل الدفاع إلى املعتدي وليس
األمر هنا هكذا ،على اعتبار أن املرأة في حالة إجهاضها تكون تعتدي على من لم يعتد على أحد فهي
تقتل جنينا ال ذنب له.
وبالرجوع إلى القانون الجنائي املغربي نجده لم يتحدث عن جريمة سماها زنا املحارم ،في
الوقت الذي تشدد بمناسبة تنظيمه جرائم هتك العرض واالغتصاب في الحالة التي يكون فيها
املجرم أصال للطفل الضحية ،غير أن هذا التشديد لم يأت لحماية األسرة ،وإنما جاء لحماية الطفل
نظرا لضعفه البدني والنفس ي ،وهذا راجع ربما إلى اعتقاد املشرع أن مثل هذه الجرائم ال يمكنها أن
تقع في مجتمع مسلم ومحافظ.
بيد أن انتشار هذه الجرائم مؤخرا ،يجعل املشرع املغربي ملزما بالتنصيص عليها صراحة،
وإفراد نصوص خاصة تنص عليها وعلى عقوباتها ،1على غرار ما ذهبت إليه مجموعة من التشريعات
العربية ،كالتشريع الجزائري في املادة 337من القانون الجزائي ،2لذلك ندعو املشرع املغربي إلى
اعتماد نفس النهج ،وتحيين بعض فصول القانون الجنائي ،وتشديد العقوبات الزجرية في هذه
الحالة سيما وأنها ستدخل في مستجدات اإلجهاض.
-1رشيدة بنسرغين " ،اإلجهاض بين التنظيم القانوني وإكراهات الواقع " ،مرجع سابق ،ص .155
-2تنص المادة 337من القانون الجزائي التي تنص على ما يلي " :يعتبر زنا المحارم من الفواحش بين ذوي المحارم والعالقات
التي ترتكب بين األقارب من الفروع أو األصول ،اإلخوة واألخوات ،األشقاء من األب واألم ،بين شخص وابن أحد إخوته أو
أخواته من األب أو األم أو أحد فروعه :األم أو األب ،الزوج أو الزوجة واألرمل أو أرملة ابنه أو مع أحد آخر من فروعه ،والد
الزوج أو الزوجة ،أو الزوجة ،أو زوج األم أو زوجة األب أو فرع الزوج اآلخر ،أومن أشخاص يكون أحدهم زوجا ألخ أو ألخت،
وتكون العقوبة بالسجن من 10إلى 20سنة ،في الحالتين األولى والثانية وبالحبس من 5إلى 10سنوات في الحاالت رقم 03 :و
04و ،05وبالسجن من سنتين إلى 5سنوات في الحالة رقم 06وتكون العقوبة المؤبد ،إذا كان االعتداء الجنسي على القاصر ".
للتطور العلمي في مجال الهندسة الوراثية الفضل الكبير في معرفة حالة الجنين وهو في رحم
أمه ،وتبيان التشوهات التي يعاني منها ،ولكن إن ثبت ذلك تقع العديد من اإلشكاالت ،فهل لهذا
الجنين في كل الحاالت حق في الحياة مهما كانت الوضعية الصحية التي هو عليها؟ أم أن اإلجهاض
حتمية ال مفر منها؟
جعل هذا األمر الباحثين والفقهاء في اختالف دائم ،ألن املسألة ليست باألمر الهين ما دامت
تتعلق بحياة كائن حي ليس لبشر الحق في الحكم عليه باإلعدام بعد دب الروح فيه ،فاملسألة فيها ما
يقال من الناحية القانونية والشرعية ما دام الفقهاء لم يتوصلوا إلى قرار موحد ونهائي ،1وهنا يثار
التساؤل التالي :هل لهذا الجنين املشوه 2حق في الحياة؟ أم أن حالته الصحية تجعل من اإلجهاض
حتمية ال خيارا ؟ وهل علم األم بحملها في جنين مشوه يعتبر من األسباب املؤثرة في حالتها النفسية
والعقلية ؟ فقد يقع اإلشكال في حالة اكتشاف تشوه خلقي ،أو أمراض تجعل من تكوينه صعبا
داخل رحم أمه ،أو أن قدومه إلى الحياة سيجعل حياته وحياة أمه معرضة للخطر ،أو أنه سيولد
مشوها.3
-1صباح عبد الرحيم " ،عن إشكاالت الجنين المشوه في التشريع الجزائري " ،دفاتر السياسة والقانون ،المجلد – 12العدد – 01
،2020ص .357
-2يسمى التشوه الخلقي ،أو االضطراب الخلقي أو العيوب الوالديــة ،وهي الشذوذات البنيوية أو الوظيفية بما فيها االضطرابات
االستقاللية الموجودة منذ الوالدة.
-عبد الجواد الصاوي " ،أطوار تطور الجنين ونفخ الروح " ،مقال منشور في مجلة اإلعجاز العلمي التي تصدر عن هيئة
اإلعجاز العلمي في القرآن والسنة ،رابطة العالم اإلسالمي ،العدد 8شوال 1421هــ ،ص .12 – 11
يقصد به حدو ث خلل في خلقة الجنين بحيث يكون هذا الخلل ظاهرا يمكن تصويره ورأيته ،خاصة مع التطور العلمي في المجال
الطبي ،وتحدث هذه التشوهات عموما في مراحل مبكرة من حياة الجنين ،بل قد تحدث قبل تشكل الجنين عندما يكون الخلل في
الحيوان المنوي ،أو البويضة األنثوية ،وتنتج هذه التشوهات عن عدة أسباب منها ما هي وراثية انتقلت للجنين عن طريق األب أو
األم ،ومنها ما هو مكتسب عارض يكون ناجم عن عوامل خارجية تؤثر على األم ،مثل التعرض لإلشعاعات وتناول أدوية وعقاقير
بها مواد مؤثرة تؤدي إلى التشوهات.
محمد علي البار " ،الجنين المشوه واألمراض الوراثية " ،دار القلم – دمشق ،الطبعة األولى ،1991ص .51
سانَ فِي أَحْ َ
س ِن تَ ْق ِو ٍيم" ( ،سورة التين ،اآلية ،)4وقال -لقد خلق هللا اإلنسان وصوره في أحسن صورة ،قال تعالى " :لَقَدْ َخلَ ْقنَا ْ ِ
اإل ْن َ
3
يستطيع معها الطفل مسايرة الحياة بشكل طبيعي يقدر معه على االندماج في المجتمع ،إن التقدم الطبي الحاصل اليوم يجعلنا قادرين
على معرفة مدى سالمة الجنين وفي أغلب الحاالت في األشهر الثالثة األولى
رشيدة بنسرغين " ،اإلجهاض بين التنظيم القانوني وإكراهات الواقع " ،مرجع سابق ،ص .158
-1سورة الحج ،اآليــة .6 – 5
-2سورة المؤمنون ،اآليات .14 – 13 – 12
-3عبد الرزاق الكيالنـي " ،الحقائق الطبية في اإلسالم " ،دار القلم للطباعة والنشـر ،دمشق ،سوريا ،الطبعة األولى ،1996ص
.30
-التشوهات الخلقية البسيطة :هي التشوهات التي ال تقض ي على األجنة ،ويمكن للطفل
واإلنسان أن يتعايش معها بسهولة أو قد يحتاج إلى إجراء عمليات جراحية بسيطة لتصحيها وإزالتها،
أو يمكن معالجة بعضها طبيا باألدويـة والعقاقير.1
-التشوهات الخلقية املتوسطة الخطورة :هي ما قد تسمح بحياة الجنين داخل الرحم ولكنها
قد تقض ي عليه بعد الوالدة مباشرة ،إذ يكون غير قادر على التكيف مع الحياة خارج الرحم ،مثال
لذلك؛ التشوهات التي تصيب الجهاز العصبي أو القلب واألوعية الدموية ،أو التشوهات الكبيرة في
جدار البطن والجهاز البولي ونقص نمو الجمجمة أو املخ أو انسداد القصبة الهوائية وغيرها،
فيمكن تشخيص بعضها بواسطة جهاز التصوير أثناء فترة الحمل والجنين ال يزال داخل الرحم،
ولكنها تكون ظاهرة وواضحة للعيان عند والدة الجنين مباشرة.2
-التشوهات الخلقية الخطيرة جدا :التشوهات الخلقية شديدة الخطورة تجعل الجنين غيـر
قابل للحياة وتقض ي عليه مبكرا في مراحل الحياة األولى ،وبالتالي غالبا ما يجهض الحمل في األشهـر
األولى ،أو قد يولد الجنين ميتا أو يتوفى بعد الوالدة مباشرة ،هذه التشوهات الشديدة من أهم
أسباب اإلجهاض التلقائي لدى الحوامل ،مثال ذلك التشوهات الكبيرة في املخ أو القلب وغيرها.3
-1شيخة سالم العريض " ،الوراثة ...مالها وما عليها " ،سلسلة األمراض الوراثية ،مركز دراسات وبحوث المعوقين أطفال
الخليج ،دار الحرف العربي للنشـر والتوزيع ،الطبعة األولى ،2003ص .116
-2شيخة سالم العريض " ،الوراثة ...مالها وما عليها " ،مرجع سابق ،ص .115
-3شيخة سالم العريض " ،الوراثة ...مالها وما عليها " ،مرجع سابق ،ص .116
4
- Ministère de la santé, direction de la planification et ressources financières division de la
planification et des études, service des études et de l’information sanitaire, SANTE EN CHIFFRES
2017 et 2018 et 2019.
التوزيع عدد التشوهات الخلقية 2019عدد التشوهات الخلقية 2018عدد التشوهات الخلقية 2017
حسب املجموع املجال املجال املجموع املجال املجال املجموع املجال املجال
القروي الحضري الجهات القروي الحضري القروي الحضري
Tanger 73 71 144 137 131 268 81 82 163
Tétouan
Hoceima
Oriental 64 71 135 72 51 123 106 78 184
– Fès 77 92 169 108 120 228 96 120 216
Meknès
– Rabat 55 107 162 40 84 124 46 78 124
– Salé
Kénitra
Beni 44 110 154 54 115 169 78 206 284
Mellal-
Kénitra
Casablanc 77 74 151 146 438 584 133 134 264
a - Settat
Marrakec 29 228 257 32 143 175 27 150 177
h - Safi
Daraa - 64 130 194 46 121 167 63 151 214
Tafilalet
Souss - 60 89 149 59 203 262 35 93 122
Massa
Guelmim 16 7 23 21 6 27 18 5 23
Oued
Noun
Laayoune 23 0 23 22 0 22 22 0 22
– Sakiael
Hamra
Dakhla- 8 0 8 17 0 17 22 0 22
Ouededda
hab
املجموع 590 979 1569 754 1412 2166 727 1097 1824
نالحظ من خالل تحليل املعطيات الواردة أعاله ،أن هناك ارتفاعا ملحوظا في عدد املواليد
املصابين بتشوهات خلقية من بين ،2019 – 2017كما أن سنة 2018عرفت على الخصوص
تسجيل أعلى عدد من التشوهات الخلقية بما مجموعه 2166حالة مقابل 1569حالة فقط سنة
،2017كما نجد أن هناك تباينا واضحا بين أعداد التشوهات الخلقية املسجلة في كل من املجالين
الحضري والقروي ،بحيث إنه في سنة 2019تم تسجيل 60 %من التشوهات باملجال القروي
مقابل 40%من الحاالت املصابة باملجال الحضري ،وعليه يمكن تفسير هذا التباين بغياب أو نقص
تتبع حاالت الحمل باملجال القروي ،مما يحول دون إجراء التدخالت الطبية الالزمة حالة اكتشاف
التشوه الخلقي لألجنة قبل الوالدة.
كما أن هناك أقسام وأنواع من التشوهات واألمراض الجينية ،كالعيوب واألمراض الوراثية
غير قابلة للحياة ،ونذكر منها التثلت الصبغي 18-13وتعدد الصيغ الصبغية وتشوهات
كروموسومية ،ثم األمراض الوراثية الخطيرة جدا والتي ال عالج لها من قبيل التخلف العقلي
واألمراض العصبية والعضلية ،ثم هناك األمراض الوراثية مع إمكانية عالجها.
وبخصوص أسباب التشوهات نجد أن أكثر من 50%أسبابها غير معروفة ،و 20%متعددة
األسباب ويمكن أن تدخل بدورها في خانة غير املعروفة و 7,5%تتعلق بطفرات جينية ،و 6%
مرتبطة بتشوهات صبغية وما بين 2%و 3%مرتبطة بالتعفن ،و 1,5%مرتبطة بداء السكري
وبين 1 %و 2%مرتبطة باألدوية أو األعشاب أو غيرها التي تتناولها املرأة الحامل.
وفي هذا السياق تجدر اإلشارة أن 15%من هذه الحاالت تنتهي إلى اإلجهاض العضوي والتي
تمثل فيها التشوهات الكروموسومية تقريبا النصف ،غير أن 6%تبقى على قيد الحياة ،1فعلى
الرغم من إجراء العديد من األبحاث في مجال تشوه األجنة إال أن 50%من التشوهات الخلقية غير
معروفة ،و 25%من النسبة الباقية ترجع التشوه إلى عيوب كروموسومية ،وأقل من 10%ترجع إلى
عوامل بيئية والنسبة الباقية -أي - 15%إلى عوامل بيئية وراثية ،حيث إن هناك العديد من
األساليب التشخيصية التي تساعد على اكتشاف تشوه الجنين وتتضمن هذه األساليب التشخيص
داخل الرحم.
- 1كريــم أولظيم " ،التوقيف الطبي للحمل المرتبط باألمراض الجينية والتشوهات الخلقية" ،ندوة اإلجهاض بين الحق في الحياة
وحرية التصرف في الجسد – مرجع سابق ،ص .68-67
الفقرة الثانية :حكم إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي والطب الحديث
اإلجهاض أو اإلسقاط عموما من املسائل التي تم التطرق لها في كتب الفقه اإلسالمي القديمة
وأبحاثه املعاصرة ،إال أن الجديد فيه يأتي من جهة إمكان تشخيص العديد من التشوهات الخلقية
في الجنين وهو ال يزال في الرحم ،وهذا األمر لم يكن ممكنا في العصور املاضية ،وإنما صار ممكنا في
هذا العصر الذي تقدم فيه العلم ،وأثبت أن معظم تشوهات األجنة تحدث في مرحلة مبكرة من
تكوين الجنين ،وأن مدة تكون األعضاء والتي تبدأ من األسبوع الثالث إلى األسبوع الثامن هي املدة
الحرجة التي تتأثـر فيها األجنة باملؤثرات الخارجية مثل األشعة أو املواد الكيميائية.1
فإذا كان الجنين مشوه تشوه خلقي ال يمكن عالجه وعلم والديه بحاله ،فهل يجوز لهما
إجهاضه ،لحاجتهما الداعية إلى ذلك ،دفعا للحرج الالحق لهما بسبب وجود تلك العاهات
والتشوهات التي يتصف بها ولدهما فيما بعد أم ال يجوز ذلك؟ هنا يقع إشكال في أحقية األم
باالحتفاظ بالجنين ،ومواصلة أشهر الحمل ،أم أننا نلجأ إلى اإلجهاض كوسيلة طبية للتخلص من
هذا املولود ،خاصة وأن اإلجهاض بدوره يطرح العديد من التساؤالت حول مشروعيته قانونا وشرعا،
مع ما يسببه قدوم هذا الجنين إلى الحياة في حالة االحتفاظ به ،من حالة اضطرابات داخل أسرته،
وآالم ومشاكل صحية ونفسية للمولود ،والذي يبقى طوال حياته يعاني من هذه التشوهات التي
تعيق تعايشه بسالم في مجتمع ال زالت نظرته ملن يعاني نظرة نقص وشفقة ،كما أنه للمجتمع حق
تمتع تركيبته البشرية بكامل قواها العقلية والخلقية والجسدية.
– أوال :مدى مشروعية إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي :
بالنسبة لفقهاء القدامى ،وإن كانوا ذكروا أمثلة للجنين املشوه وتكلموا عن الحكم الشرعي
لها ،إال أنهم لم يتعرضوا لحكم اإلجهاض ،ألن هذه املسألة لم تثر في عصرهم نظرا لعدم إمكان
كشف تشوه الجنين وهو في بطن أمه في ذلك الوقت ،2ألنه وبكل بساطة لم تكن هناك الوسائل
العلمية التي تشخص حالة الجنين وهو داخل الرحم ،وبالتالي لم تكن مسألة إجهاض الجنين املشوه
مطروحة آنذاك ،أما ما كان معروفا قديما فهو اإلسقاط بصفة عامة ،وقد أجمع الفقهاء على
-1محمد فحفوحي " ،المسؤولية القانونية عن التشوهات الخلقية للجنين – دراسة مقارنة " ،مجلة الباحث للدراسات واألبحاث
القانونية والقضائية ،العدد ،100سنة ،2023ص 98
-2مصباح المتولي حماد " ،حكم اإلجهاض وما يثار حوله من أقوال المعاصرين " ،مطبعة اإليمان ،الطبعة األولى ،2000ص
.276 – 275
تجريمه بعد نفخ الروح فيه ،أما قبل نفخ الروح فقد أجاز بعض الفقهاء إسقاطه ،وقال بجرمته
آخرين.1
أما الفقهاء املعاصرون فقد اتفقوا على عدم جواز إجهاض الجنين املشوه إذا تم نفخ الروح
فيه ،ألنه صار إنسانا محصنا من القتل كأي إنسان يدب في األرض ال يباح قتله بسبب مرضه أو
عيوبه الخلقية ،2أما بالنسبة ملرحلة ما قبل نفخ الروح ،فقد اختالف الفقهاء ما بين رأيين :اتجاه
مجيز إلجهاض الجنين املشوه ( ،)1واتجاه مانع (املعارض) إلجهاض الجنين املشوه (.)2
.1االتجاه املجيزإلجهاض الجنين املشــوه (اآلراء الفقهية املبيحة إلجهاض الجنين املشوه):
أ .جوازإجهاض الجنين املشوه قبل نفخ الروح :
رجح كثير من فقهاء العالم اإلسالمي والباحثين املحدثين جواز إجهاض الجنين املشوه تشويها
خطيرا كان وغير قابل للعالج في مرحلة ما قبل نفخ الروح ،فإذا ما ابتليت حامل بجنين فيه تشوه
جسيم ،وهذا التشوه ال عالج له ويعيق الحياة الطبيعية للجنين ،أو كان الجنين مصابا بأمراض
وراثية خطيرة ،واكتشف األطباء ذلك قبل مرحلة نفخ الروح ،أي قبل مائة وعشرين يوما من يوم
التلقيح ،فإنه يجوز ويرخص لهذه الحامل -حسب هؤالء الفقهاء -بإجهاض جنينها ،هذا التوجه
يجيز اإلجهاض قبل نفخ الروح فيه شرطا أن يثبت علميا وواقعيا خطورة ما به من عيوب وراثية
تدخل في النطاق املرض ي الذي ال شفاء منه ،أما العيوب الجسدية كالعمى أو نقص إحدى اليدين أو
غير ذلك فإنها ال تعتبر ذريعة مقبولة لإلجهاض ال سيما مع التقدم العلمي في الوسائل التعويضية
للمعوقين ،3ويستند الفقهاء الذين يجيزون إجهاض الجنين املشوه قبل نفخ الروح إلى العديد من
الحجج لعل أهمها ما يلي:
-مقصد الشريعة في التيسير ورفع الحرج ،ذلك أن إجهاض الجنين املشوه أو املصاب
بأمراض وراثية خطيرة ال عالج لها ،سوف يكون سببا للتيسير ورفع الحرج ،فوالدة أجنة مشوهة
يعانون في مستقبلهم املشقة والعنت في تعامالتهم يسبب ال شك الحرج لهم من خالل نظرة املجتمع
-1بضليس مصطفى " ،حكم إجهاض الجنين المشوه في القانون والفقه اإلسالمي " ،مجلة أفاق ،المجلد ،11العدد ،2019 ،2ص
.151
-2محمد علي البار " ،الجنين المشوه واألمراض الوراثية " ،مرجع سابق ،ص .435
-3عبد النبي محمد أبو العينين " ،الحماية الجنائية للجنين " ،دار الجامعة الحديثة ،اإلسكندرية ،الطبعة األولى ،2006ص .312
إليهم ،بل وسيعاني معهم أهلهم الحرج واملشقة فكان في جواز اإلجهاض تيسيرا للناس ورفعا للحرج
عنهم وذلك مقصد الشريعة.1
-إعمال "قاعدة إذا ضاق األمر اتسع" ،2ألن املرأة التي تكون بحاجة لإلجهاض بسبب هذا
العذر الشرعي املقبول ،تعد مشمولة بحكم القاعدة ،فدرجة تشوه الجنين أو مرضه الوراثي
الخطير ،يجعلها في ضيق يستوجب السعة ،ويكون املقصد من وسيلة اإلجهاض في هذه الحالة ،هو
دفع املفاسد املحققة ،وجلب املصالح الراجحة ،وللوسائل أحكام املقاصد ،فالوسيلة إلى أفضل
املقاصد هي أفضل الوسائل ،3فإذا ثبت بتقرير لجنة طبية بعد إجراء الفحوصات الالزمة أن تشوه
الجنين من النوع الخطير الذي ال يمكن عالجه ،فعندئذ نكون أمام عذر شرعي يبيح وسيلة
اإلجهاض قبل نفخ الروح لتحقيق مقصد رفع الضيق عن املرأة والتيسير عليها وعلى أسرتها.4
-إعمال قاعدة -إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها بارتكاب أخفهما وهاته القاعدة يعبر
عنها الفقهاء بعبارات مختلفة كقولهم إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفها 5أو
أهون الشرين ،وهي أحد األصول الشرعية املهمة التي يمكن للمجتهد أن يلجأ إليها عند النظر في
أحكام النوازل التي تجتمع فيها املصالح واملفاسد ،أي وجوب املوازنة بين املصلحة واملفسدة ودفع
أعظم املفسدتين وال ريب أن مفسدة إسقاط الجنين في هذه الصورة أخف من مفسدة بقائه إذا
كان بهذه الدرجة من التشوه ،ولم تنفخ فيه الروح بعد ،فاملوازنة بين نطفة أو علقة أو مضغة لم
تنفخ فيها الروح بعد ،وبين كائن حي ،يتألم و يشقى بالتشوهات الخطيرة بعد والدته ،تقتض ي دفع
املفسدة األكبر وهي معاناة هذا اإلنسان ،لو قدر له أن يعيش وتجنب ما قد يلقاه في حياته من
ضنك وعسر ،ثم موته املحقق بعد العذاب ،باإلضافة إلى ما يسببه لذويه من حرج و للمجتمع من
أعباء وتكاليف.
-إن مفسدة والدة جنين مشوه تشوها كبيرا ال يمكن عالجه وما يتبعها من معاناة ومشقة
وحرج سواء لهذا املخلوق أو ألسرته أو للمجتمع ،أهون من مفسدة اإلجهاض لذلك تصير هذه
-1محمد رماش لخضر بن قومار " ،التشوهات الجينية وأثرها في حكم اإلجهاض " ،الملتقى الدولي الثاني – المستجدات الفقهية
في أحكام األسـرة ،المنعقدة بتاريخ 24و ،2018/10 /25معهد العلوم اإلسالمية ،جامعة الوادي ،ص .585
-2زين الدين ابن إبراهيم ابن نجيم " ،األشياء والنظائر " ،دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان ،الطبعة األولى ،ص .84
-3العز بن عبد السالم " ،قواعد األحكام في مصالح األنام " ،الجزء األول ،دار الفكر – بيروت ،الطبعة األولى ،1388ص .84
-4محمد مطلق عساف " ،حكم إجهاض الجنين بسبب التشوهات الخلقية في ضوء المقاصد الشرعية والقواعد الفقهية " ،المؤتمر
العلمي الدولي التاسع لكلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية ،الطبعة األولى ،2019ص .15
-5ابن نجيم " ،األشياء والنظائر " ،مرجع سابق ،ص .89
األخيرة عذرا للدرء أهون الشرين ،ال سيما وأن اإلجهاض يتم قبل نفخ الروح وقبل أن تكون للجنين
صفة اآلدمي.1
-إعمال قاعدة الدفع أقوى من الرفع ،2فإذا أمكن دفع الضرر قبل وقوعه فهذا أولى وأسهل
من رفعه بعد الوقوع ،ألنه من امليسور أن ندفع الش يء في بداية األمر ،ولكن قد ال يمكن رفعه بعد
الذي سيؤول إليه من مفاسد محققة ،فكان ال بد من اعتبار مآالت األحكام ،ألن "النظر في مآالت
األحكام مقصود شرعا" لذلك فإن إجهاض الجنين وهو في بطن أمه ،ولم تنفخ فيه الروح بعد،
يمكن القيام به خالفا ملفسدة والدته ومعاناته في الحياة والتي ال يمكن رفعها بعد ذلك.
ب .جوازإجهاض الجنين املشوه ألم في حالة الخطر :
وضحنا فيما سبق أن اإلجماع منعقد بين عامة الفقهاء على تحريم إجهاض الجنين بعد نفخ
الروح فيه ،وهذا الحكم العام يسري على الجنين سواء كان سليما أو مشوها ،لكن هل هناك أسباب
إباحة تعتري هذا الحكم وتجعل من فعل اإلجهاض مباحا حتى بعد نفخ الروح في الجنين فنكون أمام
حالة تقتض ي أن اإلجهاض جائز ويمكن القيام به؟
أخذ الفقه اإلسالمي ال سيما الفقه املعاصر ببعض أسباب اإلباحة وأجاز اإلجهاض حتى وإن
حصل بعد نفخ الروح -ألسباب عالجية تتمثل في إنقاذ حياة األم وألسباب أخالقية عندما يكون
الجنين نتيجة فعل اغتصاب وإن كان في هاته الحالة األخيرة مسموح به قبل نفخ الروح فقط .يتضح
مما تقدم أن الحالة الوحيدة التي يكاد يجمع الفقهاء على إباحة اإلجهاض فيها حالة إنقاذ األم من
الهالك ،ويستوي في ذلك أن يكون الجنين الذي تحمله سليما أو مشوها وسواء كان ذلك قبل نفخ
الروح أو بعده.3
-1محمد فتح هللا النشار" ،إجهاض الحمل قبل نفخ الروح " ،مجلة البحوث الفقهية والقانونية ،جامعة الزهـر ،كلية الشريعة
والقانون ،مصر ،المجلد 23لسنة ،2008ص .102
-2تاج الدين عبد الوهاب السبكي " ،األشياء والنظائر " ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى ،1991ص .127
-3يستدل الفقهاء في إباحة اإلجهاض بدافع إنقاذ االم من الموت بعدة ادلة من المعقول أهمها:
يجوز اإلجهاض لداعي إنقاذ األم لدفع الضرر عنها -والضرر يزال -وألن هذا النوع من المشقة يقتضي التيسير وال يقال ذلك
ارتكابا ألمر محرم ،ألن الضرورات تبيح المحظورات وألن هذا من باب عن دفع أعظم الضررين.
األ م سبب في وجود جنينها فال يكون سببا في إعدامها وألن األم هي األصل والجنين فرع تابع لها ،فيقدم إنقاذ حياتها على
حياته ألن المتبوع ال يتقدم على التابع ،وألن األصل يقدم على الفرع.
حاجة الزوج واألوالد لألم أكبر وأعظم ،فوجودها في بيتها ضرورة مقدمة على حياة الجنين ،حفاظا على وحدة األسرة من
التفكك والتشرد.
حياة األم ظاهرة يقينا ،بينما الجنين المشوه في بطنها يحتمل الحياة والممات والجنين وأمه في حالة الخطر الداهم؛ فيقدم هنا
اليقين على االحتمال ،لقوة اليقين ،وضعف االحتمال؛ فيجوز إجهاض من احتملت حياته على من تيقنت حياته .إضافة إلى
ذلك ،تعد األم الحامل أصال ولودا ،والجنين فرع مولود يتسنى لألم أن تلد غيره إذا ما أجهضته.
غالبا ما تكون فرصة نجاح إنقاذ األم أكبر من نسبة نجاح إنقاذ الجنين نظرا الستقرار حياتها بخالف الجنين
- 2االتجاه املانع(املعارض) إلجهاض الجنين املشوه (اآلراء الفقهية املحرمة إلجهاض
الجنين املشوه):
أ .إجماع الفقهاء على تجريم اإلجهاض بسبب التشوه بعد نفخ الروح:
أجمعت األمة اإلسالمية على مر عصورها وباختالف مذاهبها على تحريم اإلجهاض بعد نفخ
الروح ،مهما اختلفت أسبابه دواعيه ،وجاء في املوسوعة الفقهية " وال يعلم خالفا بين الفقهاء في
تحريم اإلجهاض بعد نفخ الروح نصوا على أنه إذا نفخت في الجنين الروح حرم اإلجهاض إجماعا،
وقالوا إنه قتل له بال خالف ،فالفقهاء القدامى قالوا بتحريم اإلجهاض بعد نفخ الروح دون تفريق
منهم لكونه يشكل خطرا على أمه أم ال ،إذ ال يتصور أي سبب يؤدي إلى إباحة اإلجهاض في هذه
املرحلة.1
ولعل في إجماع الفقهاء على تحريم اإلجهاض بعد نفخ الروح وعدم اعتبار التشوه عذرا يلغي
التحريم هو الذي حدى بمجمع الفقه اإلسالمي أن يصدر قراره الصريح بالتحريم والذي جاء فيه" :
إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوما ،فال يجوز إسقاطه ،ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه
مشوه الخلقة " ،2وفضال على عموم النهي في القرآن الكريم واألحاديث الشريفة عن قتل النفس يبرر
العلماء إجماعهم على تحريم إجهاض الجنين املشوه بعد نفخ الروح بمجموعة من الحجج:3
جمال أحمد زيد الكيالني " ،حكم إجهاض الجنين المشوه في الفقه اإلسالمي " ،مجلة جامعة األقصى ،سلسلة العلوم
اإلنسانية ،المجلد التاسع ،العدد الثاني ،غزة – فلسطين 31 ،ديسمبر ،2005ص )399
-1محمد نعيم ياسين " ،أحكام اإلجهاض " ،مجلة الشريعة والدراسات اإلسالمية ،مجلس النشر العلمي ،جامعة الكويت ،المجلد
السادس ،العدد الثالث عشر ،1989 ،ص .248
-2قرارات مجمع الفقه اإلسالمي بمكة المكرمة - ،الدورة ،12عام ،1990ص .277
-3استدلوا بالحجج التالية:
أنه إذا رأى اإلنسان المبتلى حمد هللا عز وجل على نعمته عليه حيث فضله عليه ،وزاده ذلك تعلقا بربه ،كما أن فيه معرفة لقدرة
ْف يَشَا ُء} فاهلل تعالى يري خلقه مظاهر قدرته وعجائب،ص ِو ُر ُك ْم فِي ْاأل َ ْر َح ِام َكي َ
هللا عز وجل وتحقيقا لقوله تعالى {ه َُو الَّذِي يُ َ
صنعه ،وإجهاضه محادة لهذه اإلرادة وكم يشهد الواقع لبعض حاالت التشوه الخلقي التي عاشت وتكيفت مع الحياة وبرزت في
بعض نواحيها بما يثبت عظيم صنع هللا في خلقه.
إن النقص والتمام في األعضاء هو قدر هللا فمنهم من يخلق له األعضاء جميعا ،ومنهم من يكون قضاء هللا خديجا ناقصا غير
تام ،فالتشوهات هي من هللا ،وما دامت قدر هي من وقدره ،فال يصح االعتراض عليها بإباحة اإلجهاض ،إنما الواجب هو
التداوي ،إذ ه و المشروع في ديننا .وإجماع الفقهاء على تحريم إجهاض الجنين المشوه ال يرتبط بدرجة التشوه أو نوعه إذ يظل
هذا التحريم يخضع للقاعدة العامة في حرمة قتل النفس ،ورغم أن هناك مذاهب أو آراء قد تتجه إلى إثارة الخالف في هاته
المسألة على أساس أن مفسدة وجود مشوه في المجتمع وبقائه مع هذا التشوه واآلالم الجسدية عليه ،وعلى والديه أعظم وأكبر
من مفسدة إجهاضه إال أن الفقهاء مجمعون على حرمة اإلجهاض بعد نفخ الروح على أساس أن مقاصد المكلف ال تطغى
مقاصد الشارع( أحمد بن عبد هللا الضويحي " ،القول المختار في إجهاض األجنة المشوهة من خالل القواعد الفقهية " ،ورقة
عمل مقدمة لندوة تطبيق القواعد الفقهية ،منظم بالرياض خالل 07 – 06محرم 1429هــ ،ص )17
ب .اآلراء الفقهية التي تجرم إجهاض الجنين املشوه قبل نفخ الروح :
مبررين ذلك أن العلوم الطبية ليست يقينية بل يحوم عارض آخرون إجهاض الجنين املشوه ّ
حولها الشك ،وهذا ما ال يدخل التنبؤ الطبي ضمن حالة الضرورة الشرعية املبنية على الجزم
واليقين ،1وقيل أيضا في إجازة إجهاض الجنين املشوه أنه قد يفتح املجال للمرأة الحامل لتناول
أدوية تؤدي إلى تشويه الجنين تبريرا لإلجهاض أو لعدم رغبتها في الحمل.
وأبعد من ذلك أكد املعارضون أن التشوه ال يعد عائقا أمام التفوق فكم من عباقرة
مشوهين ،ضف إلى ذلك فإن الطب في تطور مستمر ويومي وما استعص ى البارحة أضحى اليوم سهل
املشوه ،2حيث يرى هذا الفريق 3أن تحريم ّ العالج ،فمن غير العدل واإلنصاف إجهاض الجنين
إجهاض الجنين املشوه ال يقتصر على مرحلة ما بعد نفخ الروح التي تعرف إجماع على التحريم ،بل
وحتى في مرحلة ما قبل نفخ الروح ،حيث ال يمكن القول بجواز اإلجهاض لوجود عيوب خلقية
بالجنين ،فهذه العيوب ال يمكن أن تشكل سببا أو عذرا إلزالة حكم التحريم ،فيحرم إجهاض الجنين
املشوه في جميع األحوال سواء قبل نفخ الروح أو بعده لعدم توفر أركان الضرورة الشرعية في
إجهاضه من جهة ،إضافة إلى أن تبني هذا التوجه سيفتح الباب على مصراعيه لالدعاءات الكيدية
وللتذرع إما من طبيب ال أخالق له ،أو من امرأة أرادت التخلص من الحمل ألي سبب من األسباب
من جهة أخرى.4
ويرى بعض العلماء أن أركان الضرورة الشرعية غير متكاملة في هذه القضية ،حيث إن الطب
لم يصل فيها إلى اليقين أو الظن الغالب بأن هذا الجنين مشوه ،وال يعدو األمر كونه احتماال حذر
-1بن يحي بن حسين النجيمي " ،اإلجهاض أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي – دراسة مقارنة " ،مكتبة
العبيكان ،الرياض ،الطبعة األولى ،2011ص .108
-2محمد علي البار " ،الجنين المشوه واألمراض الوراثية – األسباب والعالمات واألحكام " ،دار القلم ،دمشق ،الطبعة األولـى
،1991ص .435
-3انظر:
محمد سعيد رمضان البوطي " ،موقف الشريعة اإلسالمية من التحكم بنوع وأوصاف الجنين باإلسقاط عند ظن التشوه "،
بحث مقدم لمؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون ،جامعة اإلمارات العربية ،كلية الشريعة والقانون ،في الفترة ما بين
22إلى 24صفـر 1423الموافق 7 – 5ماي ،2002ص .298
عبد هللا حسين باسالمة " ،الجنين وتطوراته وتشوهاته " ،بحث مطبوع من كتاب محمد علي البار " ،الجنين المشوه
واألمراض الوراثية للبار" ،ملحق رقم ،5دار القلم ،دمشق ،1991ص .491
مصباح المتولي السيد حماد " ،حكم اإلجهاض وما يثار حوله من أقوال بعض المعاصرين – دراسة فقهية مقارنة " ،اإليمان
للطباعة ،القاهرة ،الطبعة األولى ،2000ص .293
محمد بن يحي حسن النجيمي " ،اإلجهاض أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي – دراسة مقارنة "،
العبيكان للنشر ،الرياض ،الطبعة األولى ،2011ص .107
-4جمال أحمد الكيالني " ،حكم الجنين المشوه في الفقه اإلسالمي " ،مرجع سابق ،ص .397 – 396
منه األطباء ،ولذا فإن مثل هذه الحال ال تعد من الضرورة ،ولهذا ال يجوز اإلجهاض للتشوه ،1كما
صدر قرار املجمع الفقهي اإلسالمي التابع لرابطة العالم اإلسالمي في دورته الثانية عشرة والذي نص
على " :إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوما ،فال يجوز إسقاطه ،ولو كان التشخيص الطبي يفيد
أنه مشوه الخلقة ،إال إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من األطباء الثقات املختصين أن بقاء الحمل فيه
خطر مؤكد على حياة األم ،فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوها أم ال دفعا ألعظم الضررين "،2
ويستدل القائلون بحرمة إجهاض الجنين املشوه تشوها شديدا قبل مرحلة نفخ الروح بالعديد من
الحجج.3
إن قتل الجنين في هذه الحالة بسبب التشوهات يمكن وصفه مصغرة ملا يعرف بقتل الرحمة
املحرم شرعا وقانونا ،واملنافي ألهم مقصد من مقاصد الشريعة وهو مقصد حفظ النفس ،وإذا كان
-1علي يوسف المحمدي " ،بحوث فقهية في مسائل طبية معاصرة " ،دار البشائر – بيروت ،لبنان ،الطبعة الثالثة ،2008ص
.222
-2قرار المجمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العالم اإلسالمي رقم )12/4( 71بشأن " الجنين المشوه خلقيا " ،على الموقع اإللكتروني
www.themwl.org
-3التي تذكر أهمها ما يلي:
ق} ،فمثل هذه س الَّتِي َح َّر َم هللاُ ِإ َّال ِب ْال َح ِ
{و َال ت َ ْقتُلُوا النَّ ْف َ
عموم النهي عن قتل النفس الوارد في كتاب هللا عز وجل كقوله تعالى َ
اآلية ،وغيرها كثير دلت بمنطوقها على حرمة قتل النفس بغير حق والجنين نفس محرمة ال يجوز قتله بغير حق وليس من
الحق قتل بريء ألنه سيولد مشوها .كما يستدلون بحديث عبد هللا هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :ال مسعود
رضي بن يحل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " ،فداللة الحديث
أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حدد األمور التي يباح بها دم المسلم ولم يرد فيه حق قتل الجنين ألنه سيولد مشوها ،ومن
األحاديث أيضا ذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "ال يتمن أحدكم الموت
لضرر نزل به فإن كان ال بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ،وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي ".
يرى الفقهاء المعاصرون الذين حرموا اإلجهاض (قبل نفخ الروح) بسبب التشوه أن أركان الضرورة الشرعية ،غير متكاملة
في هذه القضية (قضية الجنين المشوه) ،حيث أن الطب لم يصل فيها إلى اليقين أو الظن الغالب بأن الجنين مشوه ،فهي تدخل
في منطقة الظن واالحتمال وتخرج من منطقة اليقين والجزم ،لذلك ال تدخل تحت قانون الضرورة ،إذ ال بد للضرورة
الشرعية من ثالثة عناصر األول أن تكون أسبابها قائمة ال متوقعة ،والثاني أن تكون نتائجها يقينية أو غالبة على الظن،
والثالث أن تكون المفسدة المترتبة على المحظور أعظم من خطر المفسدة المترتبة على ارتكابه (محمد سعيد رمضان
البوطي " ،مسألة تحديد النســل وقاية وعالجا " ،دار الفكر المعاصر ،دمشق ،دون ذكر الطبعة ،ص .)93
إن في والدة الجنين المشوه عظة للمتعافين فإذا رأى اإلنسان مبتلى حمد هللا عز وجل على نعمته ،عندما فضله عليه وزاده
ذلك تعلقا بربه ،كما أن فيه معرفة لقدرة هللا عز وجل وتحقيقا لقوله تعالى " :هو الذي يصوركم في األرحام كيف يشاء " ،فاهلل
تعالى يري خلقه عجائب قدرته.
أن عناية الشارع الحكيم بالجنين ظاهرة جلية في صور متعددة فقد رخص للحامل باإلفطار – وإن كان الصوم واجبا – وهذا حشية
إلحاق الضرر بحملها ،وكذلك أوجب تأخير العقوبات البدنية على الحامل حتى تضع حملها ،وجعل للجنين أهلية ناقصة وحفظ له
العديد من الحقوق كالميراث والوصية والنسب وتعمد إجهاضه مناقض للمقصود من األحكام (منال يوسف عز الدين " ،التوائم
السيامية إجهاضها ،وفصلها ،وأحكام العبادات " ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الجنائية وعلم اإلجرام ،جامعة أبو بكر
بلقايد ،تلمسان ،السنة الجامعية ،2010/2009ص )34
إن التقدم العلمي القائم والتقنيات الحديثة استطاعت في كثير من األحيان مداواة بعض أمراض األجنة في أرحام أمهاتهم أثناء
الحمل في كثير من الحاالت ولعل التطور المتصاعد للطب في المستقبل يعالج كثير من الصعوبات الطبية لمرضى التشوهات
الخلقية مما يؤدي بإذن هللا إلى استقرار حياتهم وتالشي معاناتهم (فتيحة عطوي مصطفى " ،اإلجهاض بين الشرع والطب
والقانون " ،المنشورات الحقوقية ،بيروت ،الطبعة األولى ،2001ص )299
السلف الصالح يسدون الذريعة إلى املفاسد في عصرهم ،ويعللون بعض اجتهاداتهم بمراعاة فساد
الزمان ،وهم في حياة الوحي ،فما بالك في زماننا الذي انتشر فيه املنكر وتحكم الشر والهوى في
نفوس الخلق ،فاألخذ فيه باالحتياط والحزم والتحرز مما عسـى أن يكون طريقا إلى الفساد أوجب
وأولى.1
ويتلخص الحكم الشرعي إلجهاض الجنين املشـوه في ثالث نقاط:
-منع هذه التشوهات إن أمكن ،وذلك باالحتياط لألجنـة ،فتحتاط األم ويحتاط األب بالوقاية
من املؤثرات الخارجية التي قد تؤدي إلى التأثير على الجنين ،وتجنب األسباب املؤدية إلى التشوهات.2
-عالج هذه التشوهات ،فإذا أمكن عالج الجنين وهو في بطن أمه ،وذلك في حالة ما إذا تحقق
األطباء من وجود هذه التشوهات فإن هذا هو الواجب.
-اإلجهاض؛ وهل يصار إليه أو ال يصار إليه إذا لم يتمكن األطباء من عالج هذه التشوهات.
هذه التشوهات يقسمها الفقهاء في الوقت الحاضـر إلى مرحلتين:
-املرحلة األولــى :التشوهات التي تصل قبل نفخ الروح؛ يعني يكتشف أن هذا الجنين قد
حصلت له عيوب خلقية قبل نفخ الروح ،فهنا أكثـر املعاصرين يجيزون إجهاض الجنين في هذه
املرحلة لقاعدة :ارتكاب أخف الضررين ،فاإلجهاض ضرر وخروجه معيبا عيبا خلقيا ضرر عليه وعلى
والديه ،لكن ال يجب أن ننسـى أن هناك العديد من الفقهاء من حرم اإلجهاض في هذه املرحلة ،على
اعتبار أن حالة الضرورة غيـر متوفرة على حد قولهم ،ألن من شروط الضرورة الشرعية أن تكون
النتائج املتوقعة يقينية أو غالبة على الظن بموجب أدلة علمية ،وهذا حسبهم مفقود في هذه
الحالة.3
-املرحلة الثانية :اكتشاف العيوب والتشوهات الخلقية بعد نفخ الروح؛ فهنا ال يجوز
إجهاضه وذلك لحرمة قتل النفـس ألنه بعد نفخ الروح أصبح نفسا معصومة ال يجوز اإلقدام على
قتلها وانتهاك حرمتها ،لكن هناك من يجيزون إجهاض الجنين بعد نفخ الروح إذا كان في بقائه ضرر
محقق على أمه ،وعلى هذا إذا كان الجنين مشوها خلقيا ومريضا ومرضه سيؤدي إلى تضرر األم.4
-1قطب الريسونـي " ،صناعة الفتوى في القضايا المعاصرة " ،دار ابن حزم ،لبنان ،الطبعة األولى ،2004ص .119
-2محمد بن يحي بن حسن النجيمي " ،اإلجهاض ،أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعـي – دراسة مقارنة "،
مكتبة العبيكان ،الطبعة األولــى 1430هــ 2011 /م ،ص .173
-3محمد بن يحي بن حسن النجيمي " ،اإلجهاض ،أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعـي – دراسة مقارنة "،
مكتبة العبيكان ،الطبعة األولــى 1430هــ 2011 /م ،ص .140
-4إبراهيم بن محمد قاسم بن محمد رحيم " ،أحكام اإلجهاض في الفقه اإلسالمي " ،سلسلة إصدارات الحكمة ،الطبعة األولى
،2002ص .177
الحياة خارج الرحم 2% - 1%من األجنة وبها تشوهات خلقية تستدعي العناية واملعاناة من األهل
واألسـر واملجتمع ،ومن رحمة هللا بالناس أن جعل مصير العديد من األجنة املشوهة إلى اإلجهاض
واملوت قبل الوالدة.1
– ثالثا :الحاالت التي يجوز فيها إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي والطب
الحديث :
قد توجد دواعي طبية كلما ثبت إصابة الجنين ببعض التشوهات واألمراض الوراثية ،فهل
اكتشاف هذه التشوهات تصلح أن تكون مبررا قويا إلسقاط الجنين أم ال؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أن هناك بعض الحاالت يجوز فيها إسقاط الجنين املشوه ،وذلك
لوجود مبرر قوي يبيح هذه العملية بشرط أن يكون اإلسقاط قبل نفخ الروح أي قبل مرور مائة
وعشرين يوما ،وبالتالي فحاالت التي يجوز فيها إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي والطب
كاآلتي:
-الحالة األولى :حالة التشوه الشديد غير قابل للعالج :وهذه التشوهات أو النواقص
الخلقية الكبيرة تقض ي على حياة الجنين مبكرا ،مثل أن يكون بال دماغ – أو قلب ،أو من غير كلي،
وهكذا ،2وبالتالي يسقط الحمل تلقائيا ،وهذه التشوهات من أهم أسباب اإلسقاط عند الحوامل،
وعادة ما تظهر هذه التشوهات الخلقية في األسبوعين األولين من الحمل ،وال تستمر معها الحياة،
لذلك ال داعي ملعرفة حكم إجهاضها ،لسقوطه املبكر في أغلب األحيان.3
وفي كتب الفقه الحنفي" :إن من األعذار التي تبيح اإلسقاط قبل نفخ الروح انقطاع اللبن
بسبب الحمل ،وهي ترضع طفلها آلخر وليس لزوجها والد الطفل ما يستأجر به املرضع له ويخاف
هالكه وفي نطاق هذا املثال الفقهي ،وإذا لم يمكن ابتداء وقف الحمل بين زوجين ظهر بهما أو
بأحدهما مرضا أو عيبا خطيرا وراثيا يسري إلى الذرية ،ثم ظهر .الحمل ،وثبت ثبوت قطعي دون ريب
-1عبد هللا باسالمة " ،الجنين المشوه واألمراض الوراثية " ،مرجع سابق ،ص .434
-2أحيانا يكون سبب التشوه تعرض األم الحامل للعالج باألشعة بكميات كبيرة لمداواة سرطان في عنق الرحم مثال ،أو تعاطي
عقاقير السرطان واألورام الخبيثة التي تقتل الجنين أو تحدث فيه تشوها بالغا ،أو تصاب األم بالحصبة األلمانية في الشهر األول من
الحمل ،وهنا احتمال تشوه كبير جدا نسبته ففي الغاب يسقط الجنين تلقائيا ،وإن أسقط في األربعين األولى – كما في حالة األم إذا
أصيبت بالحصبة األلمانية – فال مانع من ذلك لوجود العذر القوي المبيح لإلسقاط فضال عن أن كثير من العلماء قد أجازه وهذا
الرأي هو ما اختاره الشيخ جاد الحق شيخ األزهـر رحمه هللا " :والذي أختاره وأميل إليه في اإلجهاض قبل استكمال الجنين مائة
وعشرين يوما رحميا ،أنه يجوز عند الضرورة التي عبر عنها الفقهاء بالعذر ".
محمد بدر السيد إسماعيل ،ص .214 – 213
-3عمر بن محمد بن إبراهيم غانم " ،أحكام الجنين في الفقه اإلسالمي " ،دار األندلس الخضراء للنشـر والتوزيع ،جدة ،الطبعة
األولى ،2001ص .181
ً
بالوسائل العلمية والتجريبية أن بالجنين عيوبا وراثية خطيرة ،ال تتالءم مع الحياة العادية وأنها
تسري بالوراثة في ساللة أسرته ،جاز إسقاطه ما دام لم تبلغ أيامه الرحمية مائة وعشرين يوما ".1
-الحالة الثانية :التشوهات الخطيرة واملمكنة العالج ولكن بصعوبة أو عناية فائقة :وهي
تشوهات خلقية كبيرة ،مثل التي تصيب الجهاز العصبي وروافده ،أو القلب أو األوعية الدموية ،أو
الجهاز البولي ،وتظهر هذه التشوهات في العادة في مرحلة التخلق لألعضاء ،أي بين األسبوعين
الثالث والثامن ،وقد تقض ي هذه التشوهات على حياة الجنين داخل الرحم ،أو فور والدته ،وقد
يعيش الطفل بها ولكنها تتطلب عالجا مستمرا ،وعناية فائقة ،واعتمادا على الغير بسبب تعطل كثير
من وظائف أعضائه.
– رابعا :شروط اإلجهاض املشروع للجنين املشوه :
ً
إذا لم يبلغ عمر الجنين مائة وعشرين يوما ،وثبت بالتشخيص الدقيق أن هذا الجنين مصاب
بتشوهات تستحيل أو تصعب معها الحياة ،وكانت نتائج هذا التشخيص حقيقية ال ظنية وال وهمية
وأن حياته تكون سيئة ،ويترتب على ذلك آالم عليه وعلى أهله ،فال بأس حينئذ كما تقدمنا من
إسقاط هذا الجنين على مذهب الكثير من الفقهاء الذين تقدم ذكرهم ،ولكن هذا اإلسقاط ليس
على إطالقه ،بل إن الفقهاء الذين أجازوا اإلسقاط لهذا العذر قيدوه بكثير من الشروط وملجرد
وجود بعض التشوهات البسيطة التي يمكن أن يعيش الجنين بها ومعها ،أو يمكن عالجها داخل أو
خارج الرحم ،وقد اشترطوا لذلك الشروط التالية:
أن يكون اإلجهاض قبل نفخ الروح – أي قبل مرور مائة وعشرين يوما – ألنه ال يجوز إجهاض
الجنين بعد نفخ الروح فيه إال في حالة واحدة ،وهي إذا ما خيف على حياة األم من بقاء الجنين في
بطنها ،وأي عذر بعد نفخ الروح غير هذا فهو غير معتبر شرعا ،كما قرر ذلك الفقهاء.2
أن يكون هناك عذر أو ضرورة معتبرة شرعا إلباحة إسقاط الجنين.
-1زيم الدين ابن نجيم الحنفي ابن عابدين " ،البحر الرائق شرح كنز الحقائق " ،ج الرابع ،دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان،
الطبعة األولى 1418هـــ 1997/م ،ص .335
-2انظر:
شمس الدين محمد عرفة الدسوقي " ،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " ،ج الثاني ،دار الفكر العربي ،بيروت ،الطبعة
األولى ،1982ص .311
علي أحمد الندوي " ،القواعد الفقهية " ،دار القلم ،دمشق ،الطبعة الثالثة 1414هــ 1994 /م ،ص .141
أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي " ،إحياء علوم الدين " ،ج الثاني ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى
،1993ص .51
إصابة الجنين بتشوهات خطيرة ال يمكن أو يصعب عالجها ،فإذا ثبت لألطباء أن الجنين
مصاب بتشوهات خلقية واسعة تؤدي في الغالب إلى موته ولو بعد فترة من والدته جاز إسقاطه لهذا
السبب إذا لم يبلغ مائة وعشرين يوما ،فاملعيار في جواز اإلجهاض قبل استكمال الجنين مائة
وعشرين يوما رحميا ،هو أن يثبت علميا وواقعيا خطورة ما به من عيوب وراثية ،وأن هذه العيوب
تدخل في النطاق املرض الذي ال شفاء منه وأنها تنتقل إلى الذريـة.1
-1دار اإلفتاء المصرية" ،الفتاوى اإلسالمية من دار اإلفتاء المصرية " ،المجلد التاسـع ،الناشـر المجلس األعلى للشؤون
اإلسالمية ،مصـر 23 ،نوفمبر ،2009ص .3107
تمت اإلشارة في املسودة إلى التشوهات كحالة من ضمن الحاالت املبررة لإلجهاض ،واملقصود
بها التشوهات الكبرى التي تستحيل معها الحياة بعد الوالدة ،على أن تكون في الشهور الثالثة األولى
درءا للشبهات وابتعادا عن الخالفات الفقهية ،مع ضرورة تشكيل لجنة للحسم في التشوهات التي
تعتبر خطيرة وتستدعي اإلجهاض وجعلها في الئحة حصرية ،من تم ينبغي عند إباحة إجهاض الجنين
املشوه توافر مجموعة من الضوابط التي تكفل ضمان قصرها على حاالت الضرورة فقط ،وال تتخذ
وسيلة لتحقيق أغراض أخرى ،ومن هذه الضوابط:
-ال يجوز إجراء عملية اإلسقاط إال بتقرير من لجنة طبية مكونة من ثالثة أطباء على األقل،
شريطة أن يكون هؤالء األطباء مسلمين ،ويوضح التقرير تأكيد إصابة الجنين بتشوهات ال يمكن
عالجها ،ويوضح في هذا التقرير أيضا حالة املرأة الصحية بالتفصيل وما يمكن أن تؤول إليه حالتها
في الحالتين حالة اإلجهاض وعدمه.
ُ -يعرض هذا التقرير على لجنة من الفقهاء املختصين إلبداء حكم الشرع في التقرير وما إذا
كانت الحالة يباح فيها اإلسقاط أم ال ،ويجوز أن يجتمع األطباء مع الفقهاء في حالة الحاجة إلى مزيد
من اإليضاح ،ويجب أن يتم ذلك كله في وقت مناسب حرصا على صحة األم وحياتها.
-يجب أن تجرى هذه العملية في مستشفى عام تابع للدولة ،وتحت إشراف إدارة املستشفى.
في رأينا يجب أن يكون معيار إباحة إجهاض الجنين املشوه من عدمه ،هو درجة خطورة
التشوه ومدى تعايش هذا الجنين مع هذا العيب بعد الوالدة ،فيجب أن تكون القاعدة في اإلجهاض
املنع والتحريم واالستثناء هو اإلجهاض ويكون كاآلتي:
-إذا كان التشوه خطيرا ويشكل خطر على حياة األم أوال ،وعلى حياة الجنين ثانيا فيجوز
اإلجهاض ،ألنه ال أمل في والدته دون أن يسبب خطرا على حياة األم أو على حياته ،فيستدعي األمر
التدخل الجراحي ،وهنا لن يكون إال بتقرير مفصل للطبيب ،ويعتبر الخطر املحقق واملهدد لحياة
األم هو املعيار ،فقد يكون الولد مشوها ولكن يوجد له حل طبي ،كوالدة التوائم امللتصقة فقد
أثبت التطور العلمي أنه تمت العديد من الجراحات وتم فصلهم ،رغم أن االلتصاق قد يكون أحيانا
في مناطق جد صعبة كالرأس واملخ ،...فال يجب علينا التسرع في الحكم على كائنات حية وهبها هللا
نعمة الحياة.
-إذا كان التشوه من قبيل العيوب الخلقية والتي يمكن للطب مستقبال عالجها ،فال يجوز
اإلجهاض ،فالعلم الحديث استطاع أن يكشف أنواع التشوهات مثل تشوه حجرة القلب وتشوه
خطير في النخاع الشوكي والعمود الفقري ...فهذه التشوهات يمكن للجنين أن يعيش بعضه بعد
الوالدة ،كما يمكن إصالحها بعد الوالدة ،فال يجوز إسقاطه ألن العلم في تطور مستمر ويمكن أن
يعيش هذا الجنين أو يعالج فكيف لنا أن نحكم بقتل شخص قد ينعم مستقبال بنعمة الحياة.
-ال بد من اإلدراك التام بأن القاعدة العامة في اإلجهاض هي املنع والتحريم ،ولذلك ال يجب
علينا التوسع في هذه املسألة ،ألن للجنين املشوه حق في الحياة ،وهذا الحق كرمه به هللا سبحانه
وتعالى ،فال يجب للفرد أن يتدخل ويسحب منه هذا الحق ،خاصة في وقتنا الحاضر ،والذي يعرف
تطورا هائال في مجال التكنولوجيات الطبية ،فالعديد من التشوهات تم عالجها.
-عقد مؤتمرات وندوات متخصصة يشرف عليها علماء الطب والفقه اإلسالمي والقانون
تضبط من خاللها آليات التعامل مع األجنة املشوهة ،كطرق الكشف عنها ،وتصنيفها ،ثم تصدر
املواقف – قدر اإلمكان – بخصوص التعامل مع تلك األجنة املشوهة.
-ضرورة رعاية املرأة في املرحلة التي تسبق الحمل ،وأثناء الحمل ،تفاديا لكثير من التشوهات
التي تصيب الجنين.
-التذكير بأن االلتزام بتعاليم الدين الحنيف يحمي من وقوع التشوهات التي يكون سببها
األمراض املعدية املنقولة جنسيا ،باللجوء إلى الفاحشة التي حرم هللا مجرد االقتراب منها ،فضال
عن اقترافها.
-عدم اللجوء إلى إجهاض الجنين املشوه بعد نفخ الروح ،إال إذا كان في بقاء هذا الجنين خطر
محقق على األم.
-عدم اللجوء إلى إجهاض الجنين املشوه قبل نفخ الروح ،إال إذا ثبت بطريقة علمية مؤكدة
أن تشوهه كبير ،وسيجعل حياته متعبة له ولغيره.
-ال يجب على الدول اإلسالمية أن تنساق وراء هذه القوانين الغربية التي تبيح اإلجهاض
ألسباب واهية ،بل يجب أن تعمل على تجريم هذه الظاهرة والحد من انتشارها وذلك بسن قوانين
صارمة تعاقب كل األطراف املسؤولة عن هذه التصرفات والعمليات.
-ال يعتبر التشوه سببا ومبررا إلجهاض الجنين ،فإجهاضه يعتبر اعتداء على نفس إنسانية
بريئة ،إال إذا كان هذا التشوه كبيرا ال تتحقق معه الحياة ،أو أنه يشكل خطرا على حياة األم ،فإنه
في هذه الحالة يجوز اإلجهاض.
-تطوير األبحاث العلمية في علم األجنة الذي يسمح باالكتشاف املبكر لحاالت التشوه
وبالتالي إمكانية معالجة هذه الحاالت في مرحلة متقدمة من حياة الجنين.
-أن يتم اختيار الزوج والزوجة على أساس الصالح من الناحيتين الخلقية والخلقية ،وضرورة
تعزيز إجراء الفحوصات الطبية الوقائية قبل الزواج ،للتأكد من عدم وجود األمراض التي قد
تنتقل إلى الذرية.
-الفحص الطبي املستمر للجنين للتأكد من سالمته وإمكانية عالجه وهو في رحم أمه.
-دراسة األسباب والعوامل التي قد تؤدي إلى التشوهات الخلقية واألمراض الوراثية ،ومحاولة
إيجاد الحلول الالزمة التي تعدمها أو تقلل منها ،ألن الدين أمرنا بالتداوي وما خلق هللا من داء إال
وخلق له الدواء كما جاء في قول رسولنا الكريم.
-تعزيز حماية الجنين املشوه بالنصوص العقابية الرادعة لإلجهاض حتى ال يكون التشوه
ذريعة لإلجهاض ،واستعمال الجنين املشوه في أغراض غير مشروعة ،ومن ثمة غلق الباب أمام
املتالعبين بخلقة هللا – عز وجل – في ظل ظهور مستجدات حديثة كثيرة مثل اختيار الجنين،
واألجنة املجمدة ،واستعمال بيوض األجنة في األبحاث العلمية وظهور تجارة األجنة وغيرها.
-خاتمة:
الواقع أن عمليات اإلجهاض ال تحتاج لفتوى أو قانون يشرعها حتى تلجأ إليها املرأة ،فهذه
العمليات منتشرة وعلى نطاق واسع سواء أبيحت أو حرمت ،ولكنها تتم في إطار غير قانوني تغيب
فيه الضمانات الصحية ،وتكون فيه حياة األم مهددة هـي األخرى باملوت ،لهذا نجد الكثير من
الندوات والتظاهرات الفكرية والتي تقودها ناشطات نسويات ينادين بضرورته حتى يتم تجنب
حاالت الوفيات املنتشرة من جراء غياب الرعاية الصحية الالزمة ،كما أن تدخل الدين من جهة
والقانون من جهة أخرى خاصة في الدول املحافظة قد حد من فعل اإلجهاض وقننه ،لكن ماذا عن
الجانب األخالقي وكيف تناول املوضوع؟.
لقد تم طرح قضية اإلجهاض في املغرب وفق مقاربة محافظة تستحضر الخصوصية
الثقافية والدينية للمجتمع املغربي ،وعلى الرغم من ظهور بعض األصوات التي تدافع عن الحرية
الفردية للمرأة في التصرف في حقوقها الجنسية واإلنجابية ،إال أن صداها بقي منحصرا في حدود
ضيقة ،ولم يحظ بترحيب باقي القوى املجتمعية .كما أن بعض الجمعيات الحقوقية عبرت عن
استيائها من املشروع الجديد للقانون الجنائي في شقه املتعلق باإلجهاض الذي ال يعالج حسبها إال
الحاالت النادر وقوعها؛ فأغلب الحاالت التي تلجأ إلى اإلجهاض السري ،تكون ناجمة عن حمل بعد
عالقة جنسية حرة وغير شرعية.
وإذا وظفنا مفهوم املسؤولية كمفهوم مالزم ملفهوم الحريـة ،فإن القانون الداخلي لكل بلد
بيده أن يمنح للجنين حقه الذي منحه إياه الخالق تعالى وليس األم ،وبالتالي فهذه األخيرة ال تملك
قرار سلبه الحياة والتحكم فيها ،وهذه املسؤولية هي التي ستجبرها على التطلع لألسباب البعيدة التي
ستضطرها بعد أشهر معدودات إلى القيام بفعل اإلجهاض ،وعلى الحالة النفسية التي ستمر بها
والتي تعرضها لالكتئاب املزمن ،كما حدث للكثير منهن.
فهل سيكون الحل إذن هو تجريم فعل اإلجهاض أم تقنينه ومنح الرعاية الصحية الالزمة
للراغبات فالفعل ،وإذا ما سلمنا بالتصور فإن األمهات العازبات مضطرات للقيام بذلك في جنح
الظالم وفي ظروف صحية سيئة وبطرق خطيرة قد تؤدي بحياتها ،وإن كرسنا التصور الثاني صار
اإلجهاض أمرا طبيعيا في املجتمع وحق يكفله القانون لكل أم لم يرق لها أمر حملها فتتميع القضية.
وعلى الرغم من انطالق النقاش العمومي حول اإلجهاض منذ زمن طويل ،فإنه لم يفض إلى
قلب املنطلقات األيديولوجية والدينية املهيمنة ،والتي تقوم على استدامة التراتبية االجتماعية في
العالقة بين الرجل واملرأة ،فهذه األخيرة ال تملك حرية االختيار املطلق في االحتفاظ بجنينها أو
الصفحة 282 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
التخلص منه ،إال في ظل االستثناءات والتي تجعل حياة الجنين أولى من حرية املرأة سواء أكانت
متزوجة أو ال .وهي املنطلقات التي حاول دعاة اإلجهاض خلخلتها من خالل تقديم بنية حجاجية
بديلة ،تقوم على الحرية الفردية للمرأة والتركيز على املخاطر االجتماعية من استمرار الوضع
القانوني السابق ،والذي يضيق على حرية ممارسة اإلجهاض ويسمح بالنتيجة بتزايد حاالت اللجوء
لإلجهاض غير اآلمن.1
-االستنتاجات:
الجنين ليس جزءا من جسد املرأة تتصرف فيه كيفما تشاء بل هو كائن قائم بذاته له على
الحامل به حقوق وليس عليه اتجاهها واجبات.
ليس هناك إجهاض آمن بالنسبة للمرأة ،فكل إجهاض هو عملية مؤملة ومعقدة وذات
مخاطر وتبعات سلبية على صحة املرأة جسديا ونفسيا ،وفيه مخاطر ولو تم في املستشفيات وتحت
الرعاية الطبية ،فوسائل اإلجهاض تنطوي على خطورة على صحة األم حتى ولو تمت بطريقة آمنة،
فمثال اإلجهاض قد يحدث نزيف ،أو تعفنات في الرحم ،كما قد يؤدي إلى الوفاة ،وال تسلم صحة األم
من الخطر حتى إذا تم اللجوء إلى اإلجهاض عن طريق حبوب اإلجهاض ،ألن هذه األخيرة قد تؤدي إلى
مضاعفات خطيرة على صحتها ،إذا اإلجهاض هو عنف جسدي وحتى نفس ي يهدد صحة األم،
باإلضافة إلى ذلك هو عنف جسدي يمارس ضد الجنين ككائن إنساني ،فإذا تم استخدام تقنية
الشطف في اإلجهاض ،فإن الجنين يشعر باأللم ويصارع املوت ،كما قد يشطف دون أن يموت في
رحم األم فيتم تركه جانبا إلى املوت.
اإلجهاض ال يتم اللجوء إليه بدافع اللذة وإنما هو خيار صعب اإلقبال عليه يكون لضرورة
الطبية لكن غالبا ما يتم االعتماد عليه كوسيلة لتفادي الحمل الغير املرغوب فيه الناتج عن الزنا.
على الرغم من املنهج املقيد لإلجهاض في التشريع الجنائي املغربي ،إال أن ذلك لم يمنع من
انتشار عمليات االعتداء على األجنـة باإلجهاض السري ،وهذا إن دل على ش يء إنما يدل على قصور
نصوص التجريم عن تحقيق الحماية املرجوة لحق الجنين في الحياة من الناحية الواقعية.
-1للمزيد حول استمرار الهيمنة الذكورية في العالقات الجنسية الرضائية بين الرجل والمرأة ،أنظر:
Bakass, F. ; Ferrand, M. (2017), « L'entrée en sexualité à Rabat : les nouveaux
"arrangements" entre les sexes », Population, 1/2013, (Vol. 68), p. 41-65
http://www.cairn.info/revue-population-2013-1-page-41.htm (consultée le 13 Février 2017).
-التوصيات:
التأكيد باإلجماع على أن األصل في الحياة اإلنسانية التي خلقها هللا تعالى الحفظ والحماية
خاصة الحياة الجنينية للحمل ،وال يجوز إجهاضه مطلقا إال في حالة الضرورة القصوى التي يقدرها
ويحكم بها أهل االختصاص من الفقهاء وبتتبع من األطباء ،مع صدور أمر قضائي بذلك بعد دراسة
ملف كل حالة تتطلب التدخل لإلجهاض ،بحيث تعطي فيها األهمية واألولوية ألجل إنقاذ حياة األم
الحامل وذلك قبل نفخ الروح في جنينها باإلجماع ،وال يجوز التوسع فيه باعتباره قضية شأن عام تهم
استقرار وأمن املجتمع إال بقدر املصلحة وما يسمح به االجتهاد ،حسب ما ذهب إليه رأي املجلس
العلمي األعلى باعتباره صاحب سلطة الفتوى وأعلى هيئة دينية باملغرب في بالغ أصدرته أمانته
العامة في 3دجنبر 2019استنادا للمقاصد الشرعية القائمة على جلب املصلحة ودفع املفسدة
وحفظ النفس والنسل في املقام األول.
ضرورة وجود الضابط الشرعي للمصلحة املعتبرة دون التوسع فيه عند األخذ بتوصيات
وخالصات االستشارات املوسعة حول قضية اإلجهاض ،التي قدمتها اللجنة امللكية الوزارية املشتركة،
لجاللة امللك بالدار البيضاء بتاريخ 15ماي ،2015والتي انتهت إلى أن األغلبية الساحقة تتجه إلى
تجريم اإلجهاض غير الشرعي ،مع استثناء بعض حاالته من العقاب لوجود مبررات قاهرة ،وبالتالي
الدعوة للحفاظ على مكتسبات اإلجماع الحكومي والحقوقي املغربي لخالصات اللجنة االستشارية
امللكية حول قضية اإلجهاض دون الرجوع لنقطة الصفر من جديد ،والتي تبلورت في مشروع القانون
رقم 10.16القاض ي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي الذي يطرح التساؤل عن مصيره بعد
أن كان في طور املناقشة للتصويت عليه منذ سنة ،2016وفجأة تم سحبه من الحكومة الجديدة في
8نونبر .2021
معالجة مشكل اإلجهاض ال يكفيه فتح نقاش مجتمعي يقوده أهل االختصاص من الفقهاء
مع االنفتاح على جل املتدخلين من رجال القانون والقضاء وكذا هيئات الحكومة واملجتمع املدني،
ألجل التوصل لقانون جامع يوصل للحماية املكفولة للحمل ويحدد حاالت التجريم واإلباحة
إلسقاطه للضرورة ،بل يحتاج ملعالجته من جذوره من خالل الوقاية من أسبابه بالرجوع للقيم
األخالقية والدينية السمحة واألعراف والتقاليد األصلية ،إضافة إلعادة تفعيل دور األسرة واملسجد
والحي واملدرسة والجامعة وغيرهم ....بهدف توعية وتربية الجيل الصاعد على املثل العليا واملعرفة
العلمية الصحيحة خاصة ما يهم التربية األسرية والصحة اإلنجابية والثقافة الجنسية الهادفة،
ألجل تحصين املجتمع دينيا وأخالقيا ومعرفيا من السلوكيات املنحرفة والسلبيات الدخيلة على
الصفحة 284 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
قيمنا ومبادئنا مثل دعوات اإلباحية الجنسية خارج مؤسسة الزواج بل والحمل منها ،مما يناقض
مقاصد الشرع في حماية الكليات الخمس وحماية النفس البشرية.
يجب اإلبقاء على مبدأ تجريم اإلجهاض في القانون الجنائي املغربــي.
يجب فتح نقاش عميق وواسع بين كل املعنيين من فقهاء وأطباء ورجال القانون حول حاالت
الحمل الناتج عن زنا املحارم أو عن جرائم االغتصاب أو حاالت األجنة املشوهة تشوها خلقيا كبيرا
وعقليا.
تطوير األبحاث العلمية في علم األجنة الذي يسمح باالكتشاف املبكر لحاالت التشوه،
وبالتالي إمكانية معالجة هذه الحاالت في مرحلة متقدمة من حياة الجنين.
وضع القيود والشروط الدقيقة لإلجهاض في إطار املرجعية اإلسالمية ،في حاالت زنا املحارم
واالغتصاب والتشوه الخلقي للجنين فقط.
يبقى موضوع اإلجهاض يشعل الجدل إلى اآلن بين الجمعيات الحقوقية ،فاإلجهاض في املغرب
موضوع شائك ومعقدا جدا ،ويبقى السؤال املطروح :ملاذا بقي البرملان مستنكفا على قانون ينظم
األمـر رغم تدخل جاللة امللك ومناقشته بين اللجان الثالث؟
-اإلحصائيات :
-الئحة املراجع:
-املصادرالفقهية:
أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوس ي " ،إحياء علوم الدين " ،ج الثاني ،دار الكتب
العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى .1993
زيم الدين ابن نجيم الحنفي ابن عابدين " ،البحر الرائق شرح كنز الحقائق " ،ج الرابع ،دار
الكتب العلمية ،بيروت – لبنان ،الطبعة األولى 1418ه ــ 1997/م.
شمس الدين محمد عرفة الدسوقي " ،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " ،ج الثاني ،دار
الفكر العربي ،بيروت ،الطبعة األولى .1982
علي أحمد الندوي " ،القواعد الفقهية " ،دار القلم ،دمشق ،الطبعة الثالثة 1414هــ1994 /
م.
-الكتب:
إبراهيم بن محمد قاسم بن محمد رحيم " ،أحكام اإلجهاض في الفقه اإلسالمي " ،سلسلة
إصدارات الحكمة ،الطبعة األولى .2002
أحمد مستجير " ،قراءة في كتابنا الوراثي " ،الهيئة العامـة للكتاب ،القاهرة ،الطبعة األولى
.2013
بن يحي بن حسين النجيمي " ،اإلجهاض أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون
الوضعي – دراسة مقارنة " ،مكتبة العبيكان ،الرياض ،الطبعة األولى .2011
تاج الدين عبد الوهاب السبكي " ،األشياء والنظائر " ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة
األولى .1991
زهير األعرجي " ،النظام العائلي ودور األسـرة في البناء االجتماعي اإلسالمي " ،قلم املشرقـة،
الطبعة األولى 1415ه ـ.
زين الدين ابن إبراهيم ابن نجيم " ،األشياء والنظائر " ،دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان،
الطبعة األولى.
سيمون دو بوفوار " ،الجنس اآلخـر" ،ترجمة :ندى حداد ،األهلية للنشــر ،بيروت ،لبنان،
الطبعة األولى .2008
شيخة سالم العريض " ،الوراثة ...مالها وما عليها " ،سلسلة األمراض الوراثية ،مركز دراسات
وبحوث املعوقين أطفال الخليج ،دار الحرف العربي للنشـر والتوزيع ،الطبعة األولى .2003
عبد النبي محمد أبو العينين " ،الحماية الجنائية للجنين " ،دار الجامعة الحديثة،
اإلسكندرية ،الطبعة األولى .2006
العز بن عبد السالم " ،قواعد األحكام في مصالح األنام " ،الجزء األول ،دار الفكر – بيروت،
الطبعة األولى .1388
علي يوسف املحمدي " ،بحوث فقهية في مسائل طبية معاصرة " ،دار البشائر – بيروت،
لبنان ،الطبعة الثالثة .2008
عمر بن محمد بن إبراهيم غانم " ،أحكام الجنين في الفقه اإلسالمي " ،دار األندلس الخضراء
للنشـر والتوزيع ،جدة ،الطبعة األولى .2001
عمر بوفنتاش " ،البيوايتيقا – األخالقيات الجديدة في مواجهة تجاوزات البيوتكنولوجيا "،
إفريقيا الشرق ،املغرب ،الطبعة األولى .2011
فتيحة عطوي مصطفى " ،اإلجهاض بين الشرع والطب والقانون " ،املنشورات الحقوقية،
بيروت ،الطبعة األولى .2001
قطب الريسونـي " ،صناعة الفتوى في القضايا املعاصرة " ،دار ابن حزم ،لبنان ،الطبعة األولى
.2004
محمد بن يحي بن حسن النجيمي " ،اإلجهاض ،أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية
والقانون الوضعـي – دراسة مقارنة " ،مكتبة العبيكان ،الطبعة األولــى 1430ه ـ 2011 /م.
الصفحة 288 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
محمد بن يحي حسن النجيمي " ،اإلجهاض أحكامه وحدوده في الشريعة اإلسالمية والقانون
الوضعي – دراسة مقارنة " ،العبيكان للنشر ،الرياض ،الطبعة األولى .2011
محمد علي البار " ،الجنين املشوه واألمراض الوراثية – األسباب والعالمات واألحكام " ،دار
القلم ،دمشق ،الطبعة األولـى .1991
محمد علي البار " ،الجنين املشوه واألمراض الوراثية – األسباب والعالمات واألحكام " ،دار
القلم ،دمشق ،الطبعة األولـى .1991
محمد علي البار " ،الجنين املشوه واألمراض الوراثية " ،دار القلم – دمشق ،الطبعة األولى
.1991
محمد علي البار " ،مشكلة اإلجهاض – دراسة طبية فقهية " ،الرياض ،الطبعة األولى .1985
محمود نجيب حسني " ،شرح قانون العقوبات – القسم الخاص " ،دار النهضة العربية –
القاهرة ،طبعة .1986
مصباح املتولي السيد حماد " ،حكم اإلجهاض وما يثار حوله من أقوال بعض املعاصرين –
دراسة فقهية مقارنة " ،اإليمان للطباعة ،القاهرة ،الطبعة األولى .2000
مصباح املتولي حماد " ،حكم اإلجهاض وما يثارحوله من أقوال املعاصرين " ،مطبعة اإليمان،
الطبعة األولى .2000
ويل ديورانت " ،قضيـة الحضارة " ،الجزء األول ،املنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم دار
الجيل للطباعة والنشـر والتوزيع – بيروت.
يورغن هابرماس " ،مستقبل الطبيعة اإلنسانية نحو مسألة ليبرالية " ،ترجمة جورد كتورة،
من أنطوان الهاشم ،املكتبة الشرقية ،لبنان ،الطبعة األولى .2006
-الندوات العلمية:
ندوة :اإلجهاض بين الحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد ،الرباط ،منشورات املركز
املغربي للدراسات واألبحاث املعاصرة ،ماي .2015
-مداخلــة:
-اإلدريس ي حنان" ،في نقض مزاعم دعاة تقنين اإلجهاض ،مقاربة طبية مقارنة
-العثماني سعد الدين" ،أي مقاربة لتعديل القانون الجنائي في مادة اإلجهاض"،
-كريــم أولظيم " ،التوقيف الطبي للحمل املرتبط باألمراض الجينية والتشوهات
الخلقية"،
-أحمد بن عبد هللا الضويحي " ،القول املختار في إجهاض األجنة املشوهة من خالل
القواعد الفقهية " ،ورقة عمل مقدمة لندوة تطبيق القواعد الفقهية ،منظم بالرياض خالل – 06
07محرم 1429هـ
-امللتقيات:
محمد رماش لخضر بن قومار " ،التشوهات الجينية و أثرها في حكم اإلجهاض " ،امللتقى
الدولي الثاني – املستجدات الفقهية في أحكام األسـرة ،املنعقدة بتاريخ 24و ،2018/10 /25معهد
العلوم اإلسالمية ،جامعة الوادي
-املؤتمرات:
محمد سعيد رمضان البوطي " ،موقف الشريعة اإلسالمية من التحكم بنوع وأوصاف
الجنين باإلسقاط عند ظن التشوه " ،بحث مقدم ملؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون،
جامعة اإلمارات العربية ،كلية الشريعة والقانون ،في الفترة ما بين 22إلى 24صفـر 1423املوافق 5
– 7ماي .2002
محمد مطلق عساف " ،حكم إجهاض الجنين بسبب التشوهات الخلقية في ضوء املقاصد
الشرعية والقواعد الفقهية " ،املؤتمر العلمي الدولي التاسع لكلية الشريعة في جامعة النجاح
الوطنية ،الطبعة األولى .2019
-املقاالت العلمية:
أشرف الصابري " ،جريمة التحريض على اإلجهاض في التشريع املغربي" ،مجلة املعرفة
القانونية والقضائية ،عدد مزدوج 3 – 2
إلهام العلمي " ،إشكال الحمل الناتج عن االغتصاب – بين االعتراف الجنائي بالخبرة
الطبية ورفض مدونة األسرة إقرارالنسب " ،املجلة املغربية للدراسات القانونية والقضائية ،العدد
13أكتوبر 2016
بضليس مصطفى " ،حكم إجهاض الجنين املشوه في القانون والفقه اإلسالمي " ،مجلة
أفاق ،املجلد ،11العدد 2019 ،2
بنين جامد جبار " ،أخالق اإلجهاض والرحم الصناعي " ،مجلة متون ،Moutouneاملجلد
،15العدد الثالث 2022
جمال أحمد زيد الكيالني " ،حكم إجهاض الجنين املشوه في الفقه اإلسالمي " ،مجلة
جامعة األقص ى ،سلسلة العلوم اإلنسانية ،املجلد التاسع ،العدد الثاني ،غزة – فلسطين31 ،
ديسمبر 2005
خالد الحمدونــي " ،اإلجهاض في املغرب بين التجريم والدعوة إلى التقنين " ،مجلة الباحث
لدراسات القانونية والقضائية ،العدد 24نونبر ،2020
رشيدة بنسرغين " ،اإلجهاض بين التنظيم القانوني و إكراهات الو اقع " ،منشورات مجلة
دفاتر قانونية – دفاتر أسرية ،العدد الثاني – يوليوز 2017
صباح عبد الرحيم " ،عن إشكاالت الجنين املشوه في التشريع الجزائري " ،دفاتر السياسة
والقانون ،املجلد – 12العدد 2020 – 01
عبد الجواد الصاوي " ،أطوارتطورالجنين ونفخ الروح " ،مقال منشور في مجلة اإلعجاز
العلمي التي تصدر عن هيئة اإلعجاز العلمي في القرآن والسنة ،رابطة العالم اإلسالمي ،العدد 8
شوال 1421هـ
عبد الحفيظ بلقاض ي " ،جريمة قتل األم لطفلها الوليد في القانون املغربي " ،منشور
بمجلة املحاكم املغربية ،عدد 88يونيو 2001
علي الفيل " ،إجهاض املرأة املغتصبة " ،بحث منشور في مجلة علوم إنسانية2009 ،
محمد فتح هللا النشار" ،إجهاض الحمل قبل نفخ الروح " ،مجلة البحوث الفقهية
والقانونية ،جامعة الزهـر ،كلية الشريعة والقانون ،مصر ،املجلد 23لسنة 2008
محمد فحفوحي " ،املسؤولية القانونية عن التشوهات الخلقية للجنين – دراسة مقارنة "،
مجلة الباحث للدراسات واألبحاث القانونية والقضائية ،العدد ،100سنة 2023
محمد نعيم ياسين " ،أحكام اإلجهاض " ،مجلة الشريعة والدراسات اإلسالمية ،مجلس
النشر العلمي ،جامعة الكويت ،املجلد السادس ،العدد الثالث عشر1989 ،
املصطفى طايل " ،إسقاط الجنين للضرورة بين الفقه اإلسالمي والقوانين الجنائية
املغاربية " ،مجلة املتوسط للدراسات القانونية والقضائية ،العدد الثاني ،دجنبر 2016
مليكة بن عزة ثابت " ،اإلجهاض لدو افع أخالقية و اقتصادية بين الشريعة اإلسالمية
والقانون الجنائي الجزائري " ،مجلة دراسات قانونية ،العدد الرابع عشر2012 ،
منال منصور " ،إشكالية اإلجهاض بين البعد الشرعي والنص القانوني " ،مجلة امللف،
العدد 23نونبر 2015
هدى عبد هللا طاهر " ،التشوهات الخلقية لألجنة بين املاض ي والحاضـر " ،مجلة التراث
العلمي العربي ،العدد 2019 – 40
هشام مالطي " ،حكم إجهاض املغتصبة بين الشرع والقانون " ،مجلة املحاكم املغربية –
العدد 150
-مراجع باللغة الفرنسية:
Bakass, F. ; Ferrand, M. (2017), « L'entrée en sexualité à Rabat : les nouveaux
"arrangements" entre les sexes », Population, 1/2013, (Vol. 68),
:مستخلص
يتمحور الفعل التضامني االقتصادي االجتماعي حول جميع مساهمات وحدات املجتمع
التضامنية كاألفراد و املؤسسات و الدولة في السعي لتقليص الفوارق مهما كانت ،وترسيخ التنمية،
وأمام التغيرات التي تعرفها األدبيات التنموية والفكر االقتصادي التي أفرزتها الوضعية العاملية.
تحاول الدول النامية البحث عن حلول للمشاكل املتراكمة التي تؤرق مجتمعاتها.
الكلمات املفتاحية:
االقتصاد ،التضامن ،التعاون.
Abstract:
The social, economic, and solidarity action revolves around
all the contributions of the solidarity units of society, such as
individuals, institutions, and the state, in striving to reduce
differences, whatever they may be, and to consolidate
development. .
Keywords:
Economy, solidarity, cooperation
-مقدمة:
بدأ اهتمام الدول النامية بقضايا التنمية االقتصادية في خمسينيات وستينيات القرن
املاض ي ،عقب تسارع حركات االستقالل من االستعمار الغربي ،وقد كان التحدي األكبر لهذه الدول
هو اللحاق بركب التقدم االقتصادي واالجتماعي التنموي ،ومن ثمة حظيت سياسة االنخراط في
برامج التصنيع باالهتمام األكبر إال أن حصيلة هذا الجهد التنموي كانت محدودة حيث الزالت الهوة
بين الطبقات واألقاليم قائمة مما دفع إلى ضرورة إعادة النظر في االتجاهات التنموية مند ثمانينيات
القرن املاض ي بغية صياغة نمط اقتصادي تنموي بمنظور أخالقي انساني واجتماعي وبيئي.
وبعد األزمة االقتصادية لعام 2008تزايد االهتمام باالقتصاد االجتماعي والتضامني السيما
في ظل اختالالت االقتصاد الرأسمالي وعدم استقراره البنيوي ،مما دفع إلى التفكير في مدخالت
للموازنة بين معادلة خلق فرص العمل وبين إدماج الفئات املهمشة ،ولعل االقتصاد التضامني أخذ
باملوازنة بين اإلنصاف والتمكين والعدالة االجتماعية حيث يجعل اإلنسان في صلب اهتمام العملية
التنموية بعيدا عن الربح من جهة ،كما حققت النماذج االقتصادية التقليدية بعض النجاح النسبي
في دعم النمو االقتصادي ببلدان العالم الثالث ،إال أنها عجزت عن مواجهة األزمات االقتصادية
واالجتماعية والبيئية املتكررة ،مما دفع بالخبراء إلى التفكير في أدوات شاملة وجامعة ملعالجة
مشاكل التنمية ،مما عزز من لظهور نمط االقتصاد التضامني كلبنة أولى في صرح التنمية
املستدامة.
-أهمية املوضوع:
مما ال شك فيه أن اإلحاطة ولو جزئيا بالجانب النظري لالقتصاد التضامني في شقه
اإلبستمولوجي واملفاهيمي يشكل مدخال لتحليل الظاهرة ،لكنه ال يكفي ملعرفة واقعه وتداعياته على
املجتمع املغربي حاضرا ومستقبال إذ البد من اعتماد أرقام ومؤشرات لرصد حجم الظاهرة وسيرورتها
التاريخية ،وهو ما سنحاول معالجته في هذا املقال املوسوم ب "االقتصاد التضامني باملغرب بين
املؤسسات التقليدية والتجارب الدولية :تكامل أم تصادم".
-اإلشكالية :
نسعى من خالل هذا املقال إلى استقراء واقع االقتصاد االجتماعي باملغرب السيما وأنه
حديث العهد خاصة في شقه الحديث الذي يعتمد آليات ومؤسسات حديثة من جهة والقطع مع
النمط التقليدي املجسد لهذا النوع من االقتصاد قديما من جهة أخرى .وفي محاولة لإلجابة على
إشكالية مدى قدرة االقتصاد التضامني على تحقيق التنمية االجتماعية من خالل آليات وطنية
ومحلية؟ واستعراض تجارب مقارنة قصد استجالء املشترك بين النمطين املحلي واألجنبي؟
-املنهجيـ ـة :
إن املعطيات الواردة في هذا املقال تقتض ي قراءتها قراءة تحليلية ومقارنة في نفس الوقت ال
سيما مع تجارب بعض الدول في ما يخص أدوار وأهمية مؤسسات االقتصاد التضامني ،وبالنظر
لكون املوضوع يتداخل فيه القانوني واالقتصادي واإلنساني ،فإن توظيف منهج التحليل السياس ي
هو اآلخر سيكون مفيدا في رسم تصور شمولي حول آليات االقتصاد التضامني في ظل "النموذج
التنموي الجديد" كمدخل "ربما" يستبطن آمال ملتاعب الفئات املستهدفة بفلسفة هذا النوع من
االقتصاد باملغرب.
ولبسط اإلشكالية التي يتمحور حولها هذا املقال ،سنبرز سياق نشأة االقتصاد التضامني
وسيروته (الفقرة األولى) ،ونقف عند حجم هذا النمط من االقتصاد كمدخل لتحقيق اإلقالع
التنموي ،السيما باعتماد حكامة اقتصادية وطنيا وجهويا ،كما نرى أنه من املفيد التطرق إلى
خصائصه باستعراض املؤسسات الفاعلة في شقيها التقليد والحديث (الفقرة الثانية) ،على أن
نختم هذا املقال باستعراض بعض التجارب املقارنة.
وقد عرف املجلس االقتصادي واالجتماعي األوروبي تعريفا شامال لالقتصاد االجتماعي
والتضامني بأنه ":املؤسسات الخاصة ذات التنظيم املهيكل والتي تتوفر على استقاللية القرار
وتتمتع بحرية االنخراط."...
إن استعراض مفهوم االقتصاد االجتماعي وإن بشكل جد مختصر يقتض ي أيضا استجالء
أهم االتجاهات الفكرية التي خاضت في هذا النمط من االقتصاد ،وتكمن هذه األخيرة في االتجاه
التقليدي والذي ترجع جذوره حسب بعض الباحثين إلى نهاية القرن ،17حيث تراجع دور الدولة في
االقتصاد أمام ظهور فواعل وأنظمة اقتصادية جديدة ،أما بخصوص االتجاه الثاني والحديث فإنه
عرف توظيف ترسانة مفاهيمية مستمدة من البيئة والتنمية باعتبار أهميتهما في ضمان التوازن
التنموي بين النموذجين السالف ذكرهما .ومما الشك فيه أن التعاريف السالف ذكرها تتقاطع كلية
في جملة من الخصائص املميزة لالقتصاد التضامني ومنها؛ املشاركة والتضامن ثم االبتكار والتطوع،
واالستقالل ثم املصلحة العامة.
وعلى ضوء هذه املعطيات أصبح نموذج االقتصاد التضامني الذي طبق في العديد من
البلدان األوربية واألمريكية بعد إصدار نصوص تنظيمية ورصد آليات تنزيله ،يسعى إلى تحقيق
الرفاهية االجتماعية والحرص على بلوغ العدالة االجتماعية في ظل انتشار الوحي االجتماعي.
والجدير بالقول أن تداخل وارتباط االقتصاد باالجتماع في أوربا كان مدخال لظهور
مؤسسات غير حكومية ذات غرض اجتماعي ،ويندرج ضمن هذا املفهوم على سبيل املثال ال الحصر،
الصناديق املالية املشتركة ،التعاونيات ،الجمعيات.)1()...
-ثانيا :سياق النشأة:
إن املجتمعات البشرية منذ القدم لم تخل من مؤسسات خيرية ال ربحية مثل مؤسسات
الوقف والتعاونيات ،تهتم بضمان خدمات انسانية للطبقات الفقيرة واملحتاجة ،وقد أطلق بعض
الباحثين على هذه املؤسسات "القطاع الثالث" أو "الطريق الثالث" تمييزا له عن القطاع العام
والقطاع الخاص.
وباستقراء سيرورة االقتصاد التضامني بالعالم ،يظهر أن أولى لبناته تعود إلى عام 1920من
قبل منظمة العمل الدولية بإنشاء "وحدة تعاونيات" ،مباشرة بعد تأسيس هذه املنظمة ،وقد
نصت أول وثيقة دولية رسمية على دور مؤسسات االقتصاد التضامني مند سنة .1922
وحري بالقول أن التراث اإلسالمي يعتبر سباقا إلى اعتماد الوقف كأرقى مؤسسة لترسيخ
ثقافة االقتصاد التضامني خصوصا في املجتمعات العربية واالسالمية ،السيما وأنه يستمد
مشروعيته من القرآن الكريم والسنة النبوية من جهة ،عالوة على مساهمته الرائدة في في تعزيز فعل
التضامن املجتمعي من جهة أخرى ،من خالل التنصيص على الصدقة الجارية وعمل الخير
واالحسان في املجتمع.
وتجدر اإلشارة إلى أن مؤسسة الوقف ساهمت عبر التاريخ االسالمي في بناء املدن واملساجد
وتعبيد الطرق وإنشاء دور العبادة واملارستانات أو ما يسمى حاليا باملستشفيات ومراكز ايواء
املسنين واملرض ى النفسانيين ،أو املالجئ التي يقصدها عابروا السبيل أو الفارين من االضطهاد في
أماكن أخرى.
وبخصوص افريقيا ،فإن االقتصاد التضامني يؤدي دورا مهما في مجاالت التمويل السيما
املقاوالت الصغيرة ،كما يضمن نوعا من الحماية االجتماعية والتأمين فضال عن التسويق والتوريد
للمنتوجات الزراعية املحلية ،مما بوأ هذا النوع من االقتصاد مكانة مهمة باعتباره بديال وتكميال في
اآلن نفسه للنماذج التنموية القائمة بهذه البلدان.
ُ
وفي هذا الصدد أنشأت بعض اإلدارات والوزارات املخصصة بتعزيز االقتصاد االجتماعي في
كل من مالي واملغرب والكاميرون( .)1ومن جهة أخرى أنشأت شبكات افريقية لالقتصاد التضامني
واالجتماعي على سبيل املثال ال الحصر(،الشبكة االفريقية لالقتصاد االجتماعي التضامني ""RAESS
سنة ،2010ثم الشبكة االفريقية ألصحاب املشاريع االجتماعية" "ASENوشبكة املنشآت
االجتماعية في شرق أفريقيا "."EASEN
وعطفا على ما سبق ،فإن تعاريف االقتصاد التضامني تتعدد حسب الزمان واملكان ،حيث
يرجع ظهورها إلى ثمانينيات القرن املاض ي نتيجة لتصدع املعسكر االشتراكي كامتداد لالقتصاد
االجتماعي)2( .
وحري بالذكر أن ثمة تعاريف يحتويها املفهوم الفرنس ي واملؤطر بثالت أنظمة ،وهي:
(التعاونيات ،التعاضديات ،االتحادات) من جهة ،أو املفهوم األنجلوساكسوني الذي يصنف هذا
النوع من االقتصاد ضمن القطاع الثالث أو ما يسمى بقطاع التطوع من جهة أخرى ،ويتجلى
التفاوت املفاهيمي بتفاوت التعابير الدلة عليه فدول االتحاد األوربي ودول حوض البحر األبيض
1
- ESMED ,2011, p : 27.
2
- prades , 2005,p :7.
املتوسط تطلق عليه اسم "االقتصاد االجتماعي" ،بينما في الواليات املتحدة األمريكية يسمى "
املنظمات غير الريفية" ،وفي انجلترا يسمى ب" القطاع التعاوني" عكس دول أمريكا الالتينية التي
تصنفه ضمن "االقتصاد التضامني" أو "االقتصاد الشعبي").(1
وعموما فاالختالف الوارد بين املصطلحات اآلنفة الذكر ال ينفي التضامن كمبدأ لهذا النوع
من االقتصاد وأيضا التقاطع واالشتراك في نفس نمط العمل واآلليات.
وبغض النظر عن تعدد مصطلحات ومفاهيم "االقتصاد التضامني" فإن أهميته أصبحت
في تزايد مستمر السيما في ظل عجز السياسات االقتصادية واالجتماعية حيث يعمل على سد
النقص من خالل إشراك املواطنين املتضامنين حول إنتاج السلع واملشاركة في تنمية دورة
االقتصادات املحلية ملجتمعاتهم (..)2
1
- prades ,2005,p :9.
-زياني الطاهر :اقتصاد التضامن والتخفيض من الفقر :أية عقالنية؟ مجلة االقتصاد والتدبير ،جامعة أبوبكر القايد)2006(، 2
في املجتمع املغربي في مواجهة الفقر وسد الفوارق بين فئات املجتمعات الفقيرة ،سواء في املجال
الحضري أو القروي (.)1
وحري بالذكر أن األشكال السالف ذكرها كانت تضطلع بدور ريادي في التحسيس والتعبئة
كمدخل للتنمية املحلية في مختلف مجاالتها االقتصادية واالجتماعية ،وقصد استجالء سيرورة
التضامن االجتماعي في املغرب نرى أنه من املفيد رصد بعض صور هذا األخير في شكليه التقليدي
والحديث.
– أوال :املؤسسات التقليدية :
يتميز املجتمع املغربي بتنوعه وبتعدده الثقافي مما جعل التشبت بالتقاليد االجتماعية
التقليدية سائدا ،وهو ما انعكس على أداء املجتمع في مناحي عديدة؛ اقتصادية ،اجتماعية وثقافية،
السيما وأن ثمة بعض النماذج للتضامن التقليدي الزالت سارية في البوادي والقرى املغربية ،أضف
إلى ذلك "مؤسسة انفالس"" ،الخماس".
وتجدر اإلشارة إلى أن تحوالت املجتمع املدني ساهمت في تجاوز الشكل التقليداني املؤطر
ُ
باألعراف والتقاليد حيث تتقاطع شبكات التضامن في شقيها السالف ذكره والتي من خاللها تلبى
حاجيات فئات املجتمع عن طريق اآلليات التعاونية.
أ -تاويزا
كلمة "تاويزا" هي عبارة عن شكل من أشكال العمل التضامني القروي يكون بالتناوب لصالح
فرد من املشتركين ،استجابة لضرورة إنتاجية ،أو استهالكية خالل فترة الحصاد أو فترة الزراعة ،كما
يستعمل هذا النظام التعاضدي والنمط التضامني في صناعة الحصائر ونسج الخيام والزرابي ،وقد
انتشر اليوم في املدن والحواضر الكبرى خاصة في هوامشها مما يؤكد فاعلية مؤسسة "تاويزا".
وكان التحول التاريخي الذي شهدته العديد من البلدان العربية بانتقالها على املستوى
االقتصادي من النظم االشتراكية والشعبوية ،إلى السياسات الرأسمالية الليبرالية عبر اإلصالح
االقتصادي وبرنامج التقويم الهيكلي إلى تحلل مسؤولية الدولة التي نفضت يدها من كل ما هو
اجتماعي ،حيث تفاقم الوضع بارتفاع عدد الفقراء وتدهور املستوى املعيش ي للطبقات الفقيرة.
وفي هذا السياق اعتبر "جوزيف ستيغليتز" أن نموذج املستقبل هو وجود اقتصاد متوازن،
بقطاع خاص تقليدي وقطاع عمومي فعال ،واقتصاد اجتماعي في طور التقدم" ( .)1وكان من نتائج
1
-واحي العربي:مقاربة النوع والتنمية .منشورات رمسيس )2008(،الرباط ،ص .18 :
هذه التحوالت ظهور فاعل جديد في املجال االقتصادي وهو "االقتصاد التضامني" وعلى ضوء
األزمات االقتصادية خالل العقود األخيرة تبوأ هذا النوع من االقتصاد مكانة مهمة واعترف به
كقطاع قائم الذات وكنمط خاص مللكية وسائل االنتاج وإعادة توزيع الدخل (.)2
ويشكل االقتصاد التضامني في املغرب قطاعا ثالثا يؤسس مع القطاعين العام والخاص
نموذجا تنمويا يسعى إلى بلوغ التوازن الجغرافي بين املناطق والجهات من جهة ،والتوازن البشري بين
الرجال والنساء من جهة أخرى ،وذلك في انسجام تام مع أهداف املبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وقد أكدت املقاربات التنموية املتبعة عدم قدرتها على مجابهة التحديات املطروحة من
الفقر والبطالة ،وما أنتجته من فوارق اجتماعية كانت سببا في انتفاضات بعض شعوب املنطقة
التي رفعت عاليا مطلب الشغل والحرية والعدالة االجتماعية.
ب -املمارسات العرفية للتضامن
لقد تعددت املصطلحات التي تشير إلى االقتصاد التضامني والذي محوره االنسان ،وهو ما
يجعله يختلف عن النماذج االقتصادية العادية ،فضال عن كونه يرتكز على مؤسسات اقتصادية
تخدم االنسان وليس األسواق ومن بين هذه املؤسسات كما سلف الذكر (الجمعيات ،التعاونيات،
التعاضديات).
وتجدر اإلشارة إلى أن مبادرات االقتصاد االجتماعي التضامني تنشط في املنطقة العربية،
من خالل هذه املؤسسات ،إال أن هذه املبادرات ال تزال تواجه تحديات جسيمة ،وأن البلدان
العربية التي تمر بمرحلة انتقالية والتي تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية بحاجة إلى االقتصاد
االجتماعي التضامني لتحقيق العدالة االجتماعية.
وباستقراء الحياة الثقافية واالجتماعية باملجتمع املغربي السيما في املجال القروي فإن ثمة
تجليات لالقتصاد التضامني بأشكال عديدة من الطقوس واملمارسات التعبيرية مثال( ،تاغنجا،
تاويزا ،إمروكا ،العنصرة).
وإذا كان "آدم سميث" من واضعي فكرة توزيع العمل في القرن 18فإن السبق يعود إلى ابن
خلدون الذي دعى إلى ضرورة التفريق بين العمل العادي والعمل املتخصص باعتبارها مكونات
االقتصاد االجتماعي في مجال الفالحة والصناعة والتجارة (.)1
ويعتبر ابن خلدون من مؤسس ي الخطاب حول االقتصاد االجتماعي في العالم العربي
االسالمي ،حيث وضع رؤية وتصور انطالقا من عالقة االقتصاد بالدورة السياسية من جهة،
وتداخله مع الظواهر االجتماعية من جهة أخرى ،ويحسب البن خلدون أن اعتبر أن عدد السكان
عامل أساس ي في النمو واالزدهار باعتبار أن القوة البشرية بمثابة الثروة األولى للبلدان (.)2
لقد سبق القول أنه في ظل محدودية املؤسسات التقليدية لإلقتصاد التضامني السيما في
خضم تزايد العجز الحكومي للدول أمام تحديات االنفاق العام ،تم اللجوء إلى توظيف آليات
جديدة مسايرة لإلتجاهات التنموية الحديثة ،هكذا نشأت الحاجة إلى تفعيل "رأس املال
االجتماعي" ،كمدخل لتمكين املجتمعات من املشاركة االنتاجية النافعة ملجتمعهم ،باعتماد العادات
والتقاليد والتراث التاريخي.
-ثانيا :مؤسسات االقتصاد االجتماعي الحديثة :
تتعدد مكونات االقتصاد التضامني في صيغته الحديثة من املؤسسات التي ترتكز أهدافها
أوال ،على الجانب االجتماعي الذي يجعل من الفرد واالنسان بصفة عامة محور اشتغاله ويمكن
رصد بعض مكونات هذا النمط من االقتصاد في التعاونيات والجمعيات والتعاضديات.
أ -التعاونيات :
تعتبر التعاونيات نموذجا للتنظيمات التي تضم مجموعة من األشخاص تجمع بينهم رابطة
عمل من أجل تحقيق رغباتهم وحاجياتهم االقتصادية واالجتماعية وذلك في ظل القوانين والضوابط
املتعارف عليها في شأن التعاونيات(.)3
وباستقراء تاريخ التعاونيات في املغرب فإنه وبعد حصوله على االستقالل فقد سجل ما
مجموعه 57تعاونية السيما في القطاع الفالحي والصناعة التقليدية ،وكانت هذه التعاونيات مؤطرة
بقوانين فرنسية النشأة وذات نظرة اقطاعية متناقضة مع قيم وفلسفة املجتمع املغربي. (4).
ورغبة من املشرع املغربي في تدبير وتنظيم املجال التعاوني ملا له من أهمية في إرساء أسس
تنموية محلية ووطنية فقد تم إحداث مكتب تنمية التعاون وذلك بمقتض ى ظهير 146-62-1
الصادر في 18شتنبر ،1962في شأن سن سياسة عامة لتنمية التعاون إال أنه في ظل اعتماد التقويم
- 1ولعلو فتح هللا :االقتصاد السياسي .ط .2.دار النشر المغربية ،)1974(،ص . 85 :
- 2ولعلو فتح هللا ،م س ،ص 88 :
- 3خالص حكيمة :من أجل إرساء اقتصاد اجتماعي يعتمد على الذات .ط .1.دار توبقال )2004( .المغرب ،ص .21 :
4
- ghazali,op.cit, 2013,p :89.
الهيكلي خالل ثمانينيات القرون املاض ي عرف املغرب تحوالت أدت إلى اعتماد مفهوم االقتصاد
االجتماعي نظرا ملا يوفره هذا القطاع من إمكانيات في مجال املشاركة واإلبداع وتنمية روح التضامن
واملسؤولية بين املواطنين). (1
وقد بدأت تنضج مقاربة جديدة في السنوات األخيرة لتنمية االقتصاد التضامني تقوم على
أساس استغالل االمكانيات قصد التخفيف من البطالة والفقر باعتماد مقاربة جهوية ،تصب في
تأهيل ودعم التعاونيات في إطار ما يسمى ب "املبادرة الوطنية للتنمية البشرية" من جهة ،وأيضا
نتيجة الدعم األجنبي لبعض البرامج من جهة أخرى.
ونسوق في هذا الباب على سبيل املثال ال الحصر ،برنامج "أركان" املمول من طرف االتحاد
األوربي في املغرب ،مما فتح املجال للتعاونيات لالنخراط في تنزيل هذه البرامج على أرض الواقع و هو
ما يعكس ارتفاع عدد التعاونيات املؤسسة في هذا السياق ،مما بوأها لتصبح رافعة أساسية
لالقتصاد التضامني باملغرب إلى جانب الجمعيات املدنية(.)2
ب -الجمعيات
تعرف الجمعية بكونها اتفاق قصد بلوغ تعاون دائم وقائم بين شخصين أو مجموعة من
األشخاص بخصوص توظيف واستغالل معارفهم ومهاراتهم لغرض غير ربحي ،وقد حدد املشرع
املغربي الجمعية وشروط تأسيسها من خالل الظهير الشريف رقم 1.58.376الصادر بتاريخ 15
نونبر ،1958في شأن حق تأسيس الجمعيات.
وقد عرف " Albert Meisterألبير ميستر" الجمعية بكونها تجمع مؤسس على االنخراط
اإلرادي ومساهمة األعضاء بمعارفهم وأنشطتهم من أجل الجماعة ألهداف غير اقتسام األرباح. (3).
وعلى اعتبار أهمية الجمعيات وأدوارها الرائدة في التنمية املحلية ،فإنها قد حظيت بمكانة
خاصة في الخطب امللكية حيث جاء في بعضها ...":تشكل هذه الجمعيات نموذجا يجسد سياسة
االنفتاح التي تنهجهها لتمكين كل مواطن تحدوه روح املبادرة والتطوع ،من أن يشارك مشاركة تامة،
وعلى مختلف األصعدة في الحياة الجماعية الهامة في تناسق وتكامل مع املهام التي تضطلع بها
1
- ghazali,op.cit, 2013,p :92.
- 2كويمينة نجيب :االقتصاد االجتماعي :حدود المقاربة الجديدة ،المغرب االجتماعي .2009-2008دار للعلم.
الرباط ،ص .59 :
3
- Albert, M : « vers une sociologie des associations ». Edition ouvriers. (2011)" Paris, France,
p :15.
السلطات العمومية والهيئات املنتخبة وفعاليات القطاع الخاص وبذلك تساهم هذه الجمعيات
بدعمها ومساعدتها للفئات املحرومة وللسكان.)1( "...
وحري بالذكر أن العمل الجمعوي يعتمد على مبادئ التطوع والتكافل والتضامن كمدخالت
لبلوغ األهداف النبيلة التي يسعى النسيج الجمعوي إلى تحقيقها إال أن هذا األخير وبالرغم من كثرته
وتعدده يطرح سؤال النجاعة في االنجاز من جهة ،والتدبير من جهة أخرى ،فعلى سبيل املثال ال
الحصر تفيد بعض اإلحصائيات أن عدد الجمعيات ناهزت حوالي ( 100.000جمعية) بصرف النظر
عن الجمعيات التي ال توجد إال في الوثائق أو من أجل االستفادة من املنح.
ويتميز النسيج الجمعوي باملغرب بشموليته لكافة امليادين واالهتمامات من أعمال خيرية و
إحسانية ،وفنية وثقافية و اجتماعية من جهة ،كما تستهدف أيضا فئات عريضة بتدخالتها
واهتماماتها بفئات :النساء ،األطفال ،األشخاص املسنين ،أو األشخاص من ذوي االحتياجات
الخاصة من جهة أخرى ،دون أن ننس ى تغطيتها لجميع مناطق املغرب ،سواء على املستوى الجهوي
واملحلي واالقليمي والوطني ،مما أكسب مؤسسة املجتمع املدني هوية متعددة األبعاد (دولية،
وطنية ،جهوية) (.)2
وال غرو أن الجمعيات في العقد األخير قد برهنت على دينامية كبيرة فيما يتعلق باملقاربة
التشاركية في تدبير مجاالت متنوعة ،وقد كرس دستور 2011هذا الوضع حيث أصبحت الجمعيات
شريكا أساسيا للسلطات العمومية محليا ووطنيا ،السيما وأن املشرع املغربي قد أقر للنسيج
الجمعوي أدوار دستورية ألول مرة في الفصول (11؛12؛13من دستور ،)2011أضف إلى ذلك
تخصيص مصادر تمويل من ميزانية الدولة ومن الدعم الخارجي في شكل مساعدات دون أن نغفل
انخراط األعضاء وتبرعات القطاع الخاص ،وحسب بعض االحصائيات الصادرة عن املندوبية
السامية للتخطيط ،فقد تمكنت الجمعيات من تعبئة حوالي 9,8مليار درهم سنة.)3( .2015
ج-التعاضديات
تصنف التعاضديات ضمن مؤسسات االقتصاد التضامني ،وقد ظهرت بفرنسا خالل
القرن 19كخطوة أولى نحو تفويض املجتمع صالحيات تدبير شؤونه االجتماعية باالعتماد على
الذات بدل االتكالية وانتظار الدعم واملساعدة من الدولة.
وتعتبر التعاضديات بمثابة نموذج حديث للتضامن والتكافل والذي قطع مع األنماط
التقليدية التي كانت تتأسس على القرابة والدم والدوافع الدينية والعقدية(.)1
وقد ارتبط اهتمام التعاضديات في أول األمر بالجانب الصحي حيث يضمن للمنخرطين
وأفراد أسرهم تسهيالت في هذا الشأن ،قبل أن يعمم على باقي املجاالت والقطاعات االنتاجية
والفالحية والصناعية والخدماتية(.)2
وباستقراء تاريخ التعاضديات في املغرب ،فإن ظهورها ارتبط بنظام الحماية الفرنسية في
سياق توفير التغطية الصحية للمعمرين حيث تمكن املؤمنين من االستفادة من الخدمات الصحية
بتكلفة أقل.
وتبنت السلطات املغربية فكرة التعاضد ُبعيد االستقالل من خالل إنشاء تعاضديات
مماثلة في بعض القطاعات ،على سبيل املثال ال الحصر" ،التعاضدية العامة للتربية الوطنية" والتي
تأسست سنة 1963ثم بعدها" ،تعاضدية القوات املسلحة" ،التي تم إحداثها سنة .1976ويعتبر
الظهير رقم 1-57-187الصادر في 11نونبر 1969بمثابة اللبنة األولى لتقنين التعاضد في املغرب
حيث يشرح هذا الظهير دور املؤسسة التعاضدية وكيفية اشتغالها.
ويشمل النسيج التعاضدي املغربي مجاالت كثيرة ومنها :الصحة ،.التأمين ،التعليم ،والتي
تمثل أكثر من نصف هذا النسيج حيث بلغ عدد منخرطيها ما بين 1.5و 2مليون منخرط(.)3
وتجدر اإلشارة إلى أن أهمية التعاضديات تكمن في سد العجز الذي تعاني منه املنظومة
الصحية السيما في ظل ضعف وقلة الخدمات املوجهة للعالم القروي ولساكنة هذا الوسط .دون أن
ننس ى مساهمتها أيضا في بنيات االقتصاد االجتماعي والتضامني في خلق وإحداث فرص الشغل ذات
األثر في تحقيق اندماج اجتماعي واقتصادي على أساس التضامن بغية بلوغ أهداف التنمية
املستدامة لسنة ،2030املتمثل في تعزيز النمو االقتصادي املطرد والشامل للجميع واملستدام
واملنتج ،وتوفير العمل الالئق للجميع(.)1
وعلى ضوء ما سبق تعتبر الجمعيات والتعاونيات والتعاضديات النواة األولى لالقتصاد
التضامني والتي تنتشر في العالم القروي بدرجة أكبر ،حيث أصبح هذا النمط من االقتصاد فرصة
لدعم املنتوجات املحلية فالحية كانت أو صناعية أو سياحية أو غيرها ،وبالتالي تعزيز قدرات
الفئات املستهدفة بخدمات هذه املؤسسات سواء في العالم القروي أو الحضري في اآلونة األخيرة
(.)2
الفقرة الثالثة :نماذج من تجارب االقتصاد التضامني
إن الحديث عن تداعيات التحوالت االقتصادية التي يعرفها العالم والتي أفضت إلى عجز
الدولة عن تلبية حاجيات املواطنين السيما في ظل تعدد وتنوع هذه األخيرة ،بل وانتقالها من
الضروريات إلى الكماليات فالثانويات ،واختالل ميزان تعميمها على جميع الشعوب خاصة شعوب
العالم الثالث أفضت إلى اعتماد االقتصاد التضامني أو التعاوني كخيار مكمل ألدوار الدولة
التقليدية ،وعلى هذا األساس سنعرض بعض تجارب الدول املقارنة ،الغربية والعربية خاصة
التجربة املغربية.
أ -نموذج الواليات املتحدة األمريكية :يبلغ عدد املنظمات الخيرية في الواليات املتحدة
األمريكية حوالي 1.5مليون منظمة ،تمكنت عام 2018من جذب 427,71بليون دوالر معظمها
موجه نحو دور العبادة ( ،)%29واملنح والخدمات االنسانية ( ،)%24ثم مجاالت التعليم (،)%14
وأخيرا مجاالت الصحة ((3). )%9
ب -نموذج أوروبا والهند :تعمل املنظمات العاملة في مجال االقتصاد التضامني بأوربا
والتي يبلغ عددها حوالي ( 2مليون منظمة) وهي تمثل ( ،)%10من مجمل عدد الشركات األوروبية
تعمل في نطاق واسع من املجاالت االنتاجية والخدماتية ،ويبلغ عدد املنشآت االجتماعية والتضامنية
في اململكة املتحدة وحدها حوالي ( 62ألف) منشأة بها حوالي ( 800ألف موظف).
وفي الهند تعتبر مؤسسة " "AMULأكبر مؤسسة مختصة في تسويق السلع الغذائية حيث
وظفت حوالي ( 3,1مليون) ُمنتج من مجموعات اجتماعية وتضامنية ،تسمى مجموعات العون
الذاتي self-helpبمداخيل بلغت حوالي ( 2,5مليون دوالر) سنويا ومعظم مستخدميها من
النساء (1).
إن مقاربة مفهوم االقتصاد التضامني تختلف من بلد آلخر ،إال أن القاسم املشترك بين
مختلف التعاريف التي تناولت هذا املفهوم يكمن في مبدأ التماسك والتضامن والتآزر ،وباستقراء
تجليات هذا النمط من االقتصاد وفي بعض التشريعات الغربية ،فإن املشرع االسباني اعتبر من
خالل املادة 2من القانون رقم ،5/2011الصادر في ،2011االقتصاد االجتماعي أو التضامني ":
مجموعة من األنشطة االقتصادية وأنشطة أرباب العمل التي تقوم بها بصورة جيدة مؤسساتها في
القطاع الخاص ،متبعة إما املنفعة الجماعية أو املنفعة العامة أو هما معا" (.)2
ويعرف التشريع البلجيكي االقتصاد االجتماعي بأنه ":مجموعة من األنشطة االقتصادية
املنتجة للسلع والخدمات ،التي يقوم بها أساسا شركات تعاونية أو ذات أهداف اجتماعية كما تقوم
بها التعاضديات" .بينما في فرنسا نص املشرع الفرنس ي من خالل القانون املتعلق باالقتصاد
االجتماعي والتضامني ،على أنه ":صيغة من صيغ املقاولة والتنمية االقتصادية التي تناسب جميع
مجاالت النشاط البشري الذي ينخرط فيه األشخاص"(.)3
إن ظهور النموذج التعاوني في أوربا مند أواخر القرن ،18جاء كرد فعل للثورة الصناعية
ومؤسساتها الرسمالية التي دأبت في أول عهدها على تشغيل القوى العاملة من رجال ونساء وأطفال
لفترة طويلة وبأجور زهيدة وفي بيئة عمل ال إنسانية بهدف تحقيق أكبر قدر من األرباح.
ورغم تعدد التجارب في مختلف أرجاء أوربا لكن تأسيس جمعية "روتشديل" التعاونية عام
،1844يعتبر أول نموذج غربي لجمعية تعاونية في صيغتها الحديثة ،وكانت التجربة البريطانية في هذا
الشأن سببا في انتشار التجربة التعاونية في سائر الدول األوربية (فرنسا ،أملانيا ،ايطاليا ،بلجيكا،
الدنمارك ،)...وعلى هذا األساس تأسست الجمعية الدولية للتعاونيات" "ICAعام 1895بهدف نشر
1
- Albert, M, op.cit, p : 16.
-2المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي ،2015 ،ص .40 :
- 3العيسوي إبراهيم :العدالة االجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها .المركز العربي لألبحاث
ودراسة السياسات )2014( .الدوحة .قطر ،ص .203 :
القيم التعاونية كمدخل ملحاربة االستغالل الرأسمالي وتخفيف الفوارق االجتماعية وتحسين
األحوال املعيشية لألفراد واملجتمعات األوربية.
ومن خالل التعاريف السالف ذكرها يمكن القول أنها تتقاطع في جملة من املبادئ وهي:
حرية االنخراط ،التضامن ،ثم االستقالل الذاتي والتحرر ،ذلك أن املمارسة الديمقراطية
واالجتماعية تستدعي االعتماد على الذات واملشاركة في ظل تحمل املسؤولية واملشاركة مع اآلخرين في
األرباح واملنافع.
ج– االقتصاد التضامني في البلدان املغاربية :نموذج التجربة املغربية
تتميز املجتمعات العربية واالسالمية بكونها من أكثر املجتمعات البشرية تأهيال العتماد
نمط االقتصاد التضامني نظرا ملا تتمتع به من نسيج اجتماعي مبني على قيمة التضامن والتكافل.
ومن تمة فال غرو أن نشير إلى أن املغرب بلور نموذجا لالقتصاد االجتماعي التضامني والذي عرفه
املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي بأنه ":تعبير عن مجموع األنشطة االقتصادية واالجتماعية
التي تنظم في شكل بنيات مهيكلة أو تجمعات ألشخاص ذاتيين أو معنويين بهدف تحقيق املصلحة
الجماعية".
وعلى اعتبار أهمية وأدوار االقتصاد التضامني فقد أولى املغرب أهمية بالغة له ،حيث
اعتبر من الدول السباقة على مستوى شمال افريقيا والتي أصدرت قوانين تنظم االقتصاد
االجتماعي فضال عن وضع استراتيجية تدبير وتفعيل دور هذا االقتصاد في تحقيق التنمية
االقتصادية واالجتماعية (.)1
وجدير بالذكر أن املغرب يعتبر من أوائل الدول العربية التي عرفت نظام التعاونيات مند
أواسط القرن املاض ي ،وترجم هذا االهتمام من خالل تدخل املشرع املغربي الذي قام بدسترة العمل
املدني من خالل دستور 2011ألول مرة في الحياة الدستورية باملغرب ،وهو مؤشر أيضا على تنامي
النشاط التعاوني في املغرب السيما وأنه مرتبط ارتباطا مباشرا بالنمو املطرد للسكان سواء في املدن
أو القرى املغربية ،حيث تعكس املؤشرات ارتفاع نسبة التمدن من ( )%8قبل 1955إلى ()% 29,2
سنة 1964و ( )% 60,3خالل 2014في انتظار وصوله ( )% 67,3سنة ،2030وينجم عن هذا
التطور تنامي معدالت البطالة في أوساط الشباب واتساع الفوارق االجتماعية باملدن.
-أبوه الهادي عبدو.)2014( .االقتصاد التضامني والتنمية االجتماعية ،االمكانيات والواقع في موريتانيا ،تلمسان .الجزائر، 1
ص.120 :
وبخصوص السياسة االجتماعية لالقتصاد التضامني في املغرب ،فقد قامت الدولة على
مدار العقدين السابقين بإحداث مجموعة من املؤسسات العمومية والشبه عمومية على سبيل
املثال ال الحصر ،وكالة التنمية االجتماعية ،وكاالت إنعاش وتنمية األقاليم الشمالية والجنوبية
والشرقية ،كما تم إنشاء أقسام خاصة بالعمل االجتماعي واالقتصادي على مستوى العماالت
واألقاليم ،دون أن ننس ى إحداث وزارة األسرة والتضامن والتنمية االجتماعية ،وتهدف هذه األجهزة
مجتمعة إلى بلوغ االنصاف واملساواة والعدالة االجتماعية.
وحري بالذكر أن االقتصاد التضامني في املغرب يعتمد على التعاونيات والتعاضديات التي
بلغ عدد منخرطيها حوالي 15مليون منخرط ،ثلثهم من النساء ،وذلك بعدما عانى املجتمع املغربي من
تفش ي مظاهر الفقر والحرمان.
-خاتمة :
يمكن الخلوص في نهاية هذا املقال إلى أن التاريخ البشري ،عرف أفكارا اقتصادية متعدد
ومختلفة ،من حيث طرق تقسيمها سواء على أساس املنطلق الفكري أو املنبع التاريخي أو املجتمعي،
مما يفسر كون معالجتها للقضايا واألوضاع مرحلي وظرفي من جهة ،ويجعل صيرورة األزمات
االقتصادية دورية ومستمرة داخل املنظومة االقتصادية الدولية واملحلية.
ولعل أواخر القرن العشرين شكلت منعطفا نحو تبني ثقافة مضادة ومغايرة ،من حيث
السماح باالعتماد على النفس في التشغيل الذاتي وخلق املقاولة الشخصية ،وهو ما أسس ملفهوم
التضامن والتعاضد االجتماعي ،الذي يجعل اإلنسان قطب الرحى في صلب العملية االقتصادية
واالنتاجية.
-الئحة املراجع:
أوال – املراجع باللغة العربية:
-جون بولي .)2004( .العوملة الطوفان أم اإلنقاد؟ الجوانب الثقافية والسياسية
واالقتصادية .املنظمة العربية للترجمة .بيروت.لبنان.
-زياني الطاهر .)2006( .اقتصاد التضامن والتخفيض من الفقر :أية عقالنية؟ .مجلة
االقتصاد والتدبير ،جامعة أبوبكر القايد ،تلمسان ،الجزائر.
-بوحنية قوي .)2014( .املجتمع املدني في ليبيا وموريتانيا :عندما تزحف القبيلة على
السياسة والبداوة على السلطة القانونية .مركز الجزيرة للدراسات ،الدوحة .قطر.
-واحي العربي.)2008( .مقاربة النوع والتنمية .منشورات رمسيس ،الرباط .
-ولعلو فتح هللا .)1974( .االقتصاد السياس ي .ط .2.دار النشر املغربية .
-الزرهوني محمد.)2003( .االقتصاد االجتماعي سند التنمية الترابية باملجال الجبلي .ط.1
-خالص حكيمة .)2004( .من أجل إرساء اقتصاد اجتماعي يعتمد على الذات .ط .1.دار
توبقال .املغرب.
-كويمينة نجيب .)2009( .االقتصاد االجتماعي :حدود املقاربة الجديدة ،املغرب االجتماعي
.2009-2008دار للعلم .الرباط.
-كريم محمد .)2011( .االقتصاد االجتماعي باملغرب ،التنمية املعاقة وجدلية االقتصاد
واملجتمع .ط .1مطابع افريقيا الشرق.الدارالبيضاء .املغرب.
-أبوه الهادي عبدو.)2014( .االقتصاد التضامني والتنمية االجتماعية ،االمكانيات والواقع
في موريتانيا ،تلمسان .الجزائر.
-أزملاط محمد .)2014( .عالقة االقتصاد االجتماعي بالديمقراطية لتحقيق التنمية
االجتماعية .منشورات الجماعة القروية إلغزران .تارودانت .املغرب.
-العيسوي إبراهيم .)2014( .العدالة االجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص
بحالة مصر وثورتها .املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات .الدوحة .قطر.
القانون هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم حياة الفرد داخل املجتمع ،ومن
خصائصه أنه قاعدة اجتماعية فهو ينبثق من داخل املجتمع ويطبق فيه ما يجعله في عالقة تأثير
وتأثر مع املحيط الذي يشكل مجال تطبيق له ،األمر الذي يدفعه للتطور الدائم ملواكبة كافة
التطورات االقتصادية واالجتماعية والثقافية والتكنولوجية.
وهو ما يمكن تلمسه من خالل مجموعة من القوانين التي تعكس توجه املشرع في مجال
الرقمنة ،وخير مثال على ذلك القانون 53.05املتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات االلكترونية
الذي ساوى فيه املشرع بين الوثيقة االلكترونية ونظيرتها الورقية ،زد على ذلك القانون 88.17
الخاص بإنشاء املقاوالت بشكل الكتروني ناهيك عن السجل التجاري االلكتروني وفي األخير القانون
73.17الخاص بنظام الوقاية ومعالجة صعوبة املقاولة الذي رسخ ثقافة التعامل عن بعد عبر
الحث على تقديم طلب فتح مساطر معالجة صعوبات املقابلة بشكل االلكتروني وربط سريان ذلك
بصدور نص تنظيمي ،وغيرها من القوانين التي عالجت رقمنة املعامالت واإلجراءات.
ومن خالل ما سبق يمكن القول أن أهمية موضوعنا تبرز في شقين األول نظري والذي
يتجلى في راهنية املوضوع وحداثته إضافة إلى شساعته واتساع نطاقه ،بحيث ال يقتصر على قانون
أو مجال محدد وإنما هو توجه عام خاصة مع ما رافق وباء كورونا املستجد من إجراءات رسخت
ثقافة التعامل عبر الوسائل االلكترونية،وعززت من إرادة االنفتاح على التكنولوجيا في شتى مناحي
الحياة.
أما الشق الثاني فهو عملي يرتبط أساسا بتبسيط اإلجراءات واملعامالت وما ينتج عنها من
اقتصاد في الوقت والنفقات والسرعة في انجاز املعامالت تجارية كانت أم مدنية،األمر الذي سيؤثر
إيجابا على األمن التعاقدي وتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية ومن ثم يحق لنا طرح التساؤل
األتي:ما مدى تأثرومسايرة القانون للتحوالت التكنولوجية الراهنة؟
إلجابة عن هذا التساؤل سنقسم موضوعنا إلى مبحثين نتطرق في األول إلى تأثر املعامالت
املدنية بالتحوالت التكنولوجية على أن نخصص املبحث الثاني لدور الدليل العلمي في اإلثبات
الجنائي.
املبحث األول :تأثراملعامالت املدنية بالتحوالت التكنولوجية
احتراما للتقسيم الثنائي املعتمد في هذه الدراسة سنقسم هذا املبحث ملطلبين نعالج في
األول االعتراف التشريعي بالكتابة االلكترونية على أن نعرج في املطلب الثاني على التوقيع االلكتروني.
لقي موضوع االعتراف التشريعي بالكتابة االلكترونية اهتماما دوليا ،في ظل تزايد أهمية
التجارة االلكترونية وارتفاع رقم معامالتها ليتوج هذا االهتمام باالعتراف الدولي باملحررات
االلكترونية وذلك بموجب القانون النموذجي للتجارة االلكترونية الصادر عن لجنةاألمم املتحدة
للقانون التجاري الدولي –األونسترال -سنة 1996بحيث منح الحجية لجميع رسائل البيانات التي
يمكن إنشاؤها وحفظها أو إبالغها عبر الوسائل الحديثة 1هذا االعتراف الدولي نتج عنه إرساء عده
مبادئ مؤطرة لحجية الوثائق االلكترونية أهمها:
عدم التمييز القانوني إزاء الرسائل االلكترونية وهو ما أرسته املادة الخامسة
من القانون املذكور.
الحياد التقني والوسائطي :ومعناه أن الدليل العلمي يكون مقبوال أيا كانت
دعامته ،مع حفظ حق األطراف في االتفاق على منح القوة الثبوتية لوسائط دون غيرها.2
-1خديجة قبال":الكتابة االلكترونية -دراسة مقارنة -رسالة لنيل شهادة الماستر ،السنة الجامعية ،2006/2005ص.121-119:
-2سليمان الفخفاخ":دور القاضي في اإلثبات بدليل االلكتروني دراسة في قانون التبادل االلكتروني للمعطيات القانونية" رسالة،
السنة ،2009/2010ص.69:
- 1خديجة قبال،م،س،ص.101:
- 2نفس األمر ينطبق على حالة الفقد أو وجود مانع حال دون الحصول على الدليل الكتابي المنصوص عليها في الفصل 448من
قانون االلتزامات والعقود.
- 3يونس لعناني":اإلثبات في العقود التجارية" رسالة لنيل شهادة الماستر ،السنة الجامعية ،2019/2018ص.15:
- 4شروط االعتداد بالوثيقة االلكترونية هي:
-أن تكون الجهة المصدرة لها معلومة؛
-أن تحفظ بطريقة مؤمنة تضمن سالمتها من كل تعديل أو تحريف أو تالعب في محتواها ،ولعل أهم طريقة لحفظ هذه
البيانات هي التشفير.
والجدير بالذكر أن هذا الخالف حول أساس قبول املحررات الرسمية قد زال مع دخول
القانون 53.05حيز التنفيذ ،حيث تم االعتراف وبقوه القانون بحجية هذه املحررات وبالكتابة
بصفة عامة سواء كانت كتابة الكترونية أو كتابة تقليدية ،بحيث ساوى الفصل 417من قانون
االلتزامات والعقود بين الدليل االلكتروني والورقي كيفما كانت دعامته ما لم يتفق األطراف على
خالف ذلك.1
كما أن نسخ املحررات تتمتع بنفس القوه الثبوتية ولو لم يتم مطابقتها لألصل بواسطة
موظف مختص ،2وإن في كثير من األحيان يصعب التفرقة بين الوثيقة األصلية ونسختها فيما يتعلق
باملحررات االلكترونية.إذا كان هذا بشكل مقتضب ما يتعلق بالكتابة االلكترونية فماذا عن التوقيع
االلكتروني وهو ما نتطرق له في املطلب الثاني.
-1بنسالم أو ديجا " :سلطة القاضي في اإلثبات في المادة المدنية" ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ،2014 /2015ص.352:
- 2الفقرة الثانية من الفصل 440من قانون االلتزامات والعقود.
- 3سليمان الفخفاخ،م،س،ص.54:
- 4المحرر االلكترونية نوعان:
-محرر الكتروني عرفي :لم يشترط في المشرع شكال معينا وحجيته تقوم بالتوقيع عليه توقيعا مؤمنا ممن صدر منه
االلتزام.
-محرر الكتروني رسمي :هي التي يتلقاها الموظف العمومي المختص بحيث يكون شاهدا على مضمون المحرر وعلى
وضوح إرادة األطراف مع توقيعه هو األخر على المحرر حتى يوصف أنه محرر رسمي.للمزيد من التفاصيل انظر محمد اهتوت:
"شكلية اإلثبات في العقود االلكترونية" مقال السنة ،2018ص.12-10-9-8:
أما الصنف األول فيضم التوقيع البيومتري وهو توقيع يعتمد على خواص كل شخص على
حدى كبصمة اليد مثال ،كما أنه يدرس املظهر الخارجي للتوقيع كدرجة ضغط يد املوقع على القلم
االلكتروني وكمية االهتزازات التي تكون في الكتابة.1
ويقوم هذا النوع من التوقيع على تقنية pen /onأي التوقيع بالقلم االلكتروني .ثم هناك
التوقيع الرقمي ،وسمي رقميا ألنه يحتوي على قن سري ال يعرفه إال صاحبه ويعتمد على تقنية
التشفير ،la cryptographieوأخيرا هناك التوقيع بواسطة البطاقة البنكية والذي يستنبط أساسه
من القانون ،230/2000فإدخال البطاقة وتركيب الرقم السري حسب هذا القانون هو بمثابة
توقيع ألنه يخص العميل فقط ،وهو نفس توجه الفقه املغربي.2فالتوقيع االلكتروني يعد مقبوال في
اإلثبات متى كان صادرا عن املوقع بواسطة آلية مؤمنة بشهادة وأمكن االحتفاظ به وبآليات إنشائه
دون تعديل أو تحريف.
أما الصنف الثاني فنجده يضم التوقيع االلكتروني املؤمن وهو التوقيع الذي يحترم
الشروط املنصوص عليها أعاله ،إضافة إلى التوقيع االلكتروني العادي املعتمد على استعمال وسيلة
تعريف موثوقة تضمن ارتباطه بالوثيقة املوقع عليها ،ويقع إثبات هذه املوثوقية على من يتمسك
بالتوقيع االلكتروني العادي معتمدا في ذلك على الخبرة أو على الشهادة االلكترونية البسيطة 3التي
تحدد مدى موثوقية النظام املعتمد ،مع العلم أن هذه الشهادة في حالة عدم وجودها ال تنقص من
حجية هذا النوع من التوقيع االلكتروني.
وفي األخير نشير إلى أن التوقيع االلكتروني سواء كان عاديا أو مؤمنا -مصادقا عليه -فإن
حجيته في اإلثبات ثابتة تشريعيا وقضائيا ،مع اختالف في درجة هذه الثبوتية فالتوقيع املؤمن يعد
قرينة قانونية على االلتزام وعلى نسبة مضمون االلتزام للموقع مما يجعل إنكاره صعبا ،عكس
التوقيع العادي الذي يسهل هدم حجيته بكافة الوسائل.
إذن كان هذا ما يخص مسايرة املشرع للتحوالت التكنولوجية فيما يخص املعامالت املدنية
والتجارية .فهل يا ترى سار املشرع املغربي على نفس النهج فيما يخص اإلثبات في املادة الجنائية
خاصة مع استفحال ما يسمى بالجريمة املعلوماتية أو االلكترونية و هو ما سنخصص له املبحث
الثاني من هذه الدراسة.
- 1عبد الجليل فدادي":اإلثبات في نظام البطاقة البنكية" رسالة لنيل الماستر ،السنة الجامعية ،2015/2014ص.11:
- 2سليمان فخفاخ ،م س ،ص 55 :و.56
- 3وهي عكس الشهادة االلكترونية المؤمنة التي حددت شروطها المادة 11من القانون .53.05
- 1محمد زكي أبو عامر" :اإلثبات في المواد الجنائية -دراسة فقهية وعلمية إلرساء نظرية عامة -كتاب طبعة ،2011ص.108:
2
- Ann Jacols : « L’autorité de la chose jugée en matière pénale livre 2010, p :40.
بعد هذه التوطئة التي حاولنا من خاللها التعريف بمبدأ االقتناع الوجداني للقاض ي
الجنائي ،يحق لنا التساؤل عن قيمة الدليل العلمي في اإلثبات الجنائي.
1
- Anthony Ben : « Les différents modes de preuves au cours du procès : Les témoignages et
attestations de témoins, article publié le 27/09/2011, p :1.
- 2عبد الرزاق الزركاني ":دور القاضي في تقدير أدلة اإلثبات ،مقال ،2009ص.3-1:
- 3محمد زروق":حجية الدليل االلكتروني مشروعيته أمام القضاء الجنائي مقال منشور في مجلة القانون واألعمال ،السنة
،2018ص.10:
- 4محمد زروق،م،س،ص.11:
- 5كالمادة 108من قانون االلتزامات والعقود التي نظمت التقاط المكالمات وأخذ نسخها وتسجيلها.
أم النفي ،على اعتبار أن الجريمة هي كيان مادي ونفس ي وواقعي 1يمكن أن تثبت بكافة طرق اإلثبات
املشروعة ،مع التزام القاض ي بتعليل 2اقتناعه الشخص ي وتبرير سلطته التقديرية تجنبا للتحكم
وضمانا للتطبيق األمثل للعدالة والقانون ،ناهيك عن تسهيل تبسيط محكمة النقض لرقابتها على
املقرر عبر قياس مدى استيعاب القاض ي للدعوى و األدلة تحقيقا لألمن القضائي عبر قبول
األطراف واملجتمع ملا يصدر عن قضاة املوضوع من أحكام.
خاتمة:
خالصة ملا سبق يتضح أن املشرع املغربي حاول مسايرة التكنولوجية في شتى امليادين
واملجاالت سواء تعلقت بجانب االستثمار أو فيما يخص تقريب اإلدارة من املواطنين،إضافة إلى أن
وباء كورونا-كوفيد -19وما فرضه من قيود تتعلق بالتنقل كانت وراء تشجيع العمل عن بعد وبروز ما
يسمى باملحاكمة عن بعد كلها عوامل دفعت املشرع إلى تنظيم هذه املستجدات بقواعد قانونية ذات
طابع تقني ،إال أن مثل هذه التطورات املتسارعة وغير املستقرة في الزمان ستؤدي ال محال إلى
مراجعة القوانين بصفة دائمة ،وهو ما من شأنه التأثير على األمن القانوني ،بحيث أن املخاطبين
بهذه القواعد سيجيدون أنفسهم أمام قواعد قانونية تتغير بسرعة مما قد يمس استقرار معاملتهم.
إال أن مثل هاته اإلشكاالت يمكن تجاوزها بمجموعة من اآلليات لعل أبرزها النشر املسبق
أواالستباقي الذي تعتمده محكمة النقض في تقريرها السنوي إذا ما ارتأت تعديل اجتهاداتها،فهذه
التجارب 3الناجحة يمكن أن تعتمدها أيضا السلطة التشريعية حتى يكون املخاطبين بهذه القواعد
على علم باملستجدات القانونية التي قد تمس اتفاقاتهم ومعامالتهم.
- 1بدوي المهدي":السلطة التقديرية للقاضي الجنائي وفقا للتشريع المغربي والمقارن" ،مقال سنة النشر.2019
2
-Pierre Bolza : « Le droit à la preuve contraire en procédure pénale », thèse 2010, p :260, 261,
269.
- 3كذلك هناك على سبيل المثال ال الحصر مشاريع القوانين التي يتم نشرها في موقع األمانة العامة للحكومة ،رغم أنها لم يصادق
عليها البرلمان إال أنه يمكن أن تمنح للمخاطب بالقاعدة القانونية الخطوط العريضة لمشاريع القوانين.
الئحة املراجع:
-الكتب:
محمد زكي أبو عامر":اإلثبات في املواد الجنائية -دراسة فقهية وعلمية إلرساء نظرية عامة-
طبعة .2011
-الرسائل واألطروحات:
خديجة قبال":الكتابة االلكترونية -دراسة مقارنة -رسالة لنيل شهادة املاستر ،السنة
الجامعية .2006/2005
سليمان الفخفاخ":دور القاض ي في اإلثبات بدليل االلكتروني دراسة في قانون التبادل
االلكتروني للمعطيات القانونية" رسالة لنيل شهادة املاستر ،السنة .2009/2010
يونس لعناني":اإلثبات في العقود التجارية" رسالة لنيل شهادة املاستر ،السنة الجامعية
.2019/2018
بنسالم أوديجا":سلطة القاض ي في اإلثبات في املدنية" أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه /2015
.2014
عبد الجليل فدادي":اإلثبات في نظام البطاقة البنكية" رسالة لنيل املاستر ،السنة الجامعية
.2015/2014
-املقاالت:
محمد أهتوت":شكلية اإلثبات في العقود االلكترونية" مقال سنة النشر .2018
عبد الرزاق الزركاني ":دور القاض ي في تقدير أدلة اإلثبات ،مقال نشر سنة .2009
محمد زروق":حجية الدليل االلكتروني مشروعيته أمام القضاء الجنائي مقال منشور في
مجلة القانون واألعمال ،السنة .2018
بدوي املهدي":السلطة التقديرية للقاض ي الجنائي وفقا للتشريع املغربي واملقارن" ،مقال سنة
النشر.2019
مراجع باللغة الفرنسية:
ولعل من أهم مظاهر هذا االهتمام إصدار القانون رقم )2( 15-97بمثابة مدونة تحصيل
الديون العمومية الذي شكل حدثا قانونيا هاما جدا ،ذلك أن إصالح املنظومة القانونية العامة
املتعلقة بمجال األعمال ابتداء من صدور مدونة التجارة وقوانين جديدة للشركات ومدونة جديدة
للجمارك والضرائب غير املباشرة وغيرها من اإلصالحات القانونية ،وقبلها إحداث محاكم
متخصصة في املجال اإلداري والتجاري ،كل ذلك كان سيظل ناقصا وغير فعال دون إعادة النظر
جذريا في مسطرة وأليات تحصيل الديون العمومية باعتبار تجاوز وعدم مالئمة التشريع القديم
املتمثل أساسا في ظهير 21غشت 1935املتعلق بنظام املتابعات في ميدان الضرائب املباشرة
والرسوم املماثلة والديون األحرى من جهة ،والظهير الصادر في 22نونبر 1924الخاص بتحصيل
- 1سعيد اولعربي ،إشكالية تحصيل ديون الدولة ،الطبعة األولى ،مطبعة المعارف الجديدة ،2016 ،الصفحة.11 :
- 2ظهير شريف رقم 1.00.175صادر في 28من محرم 1421الموافق ل 3ماي 2000بتنفيذ القانون رقم 15-97بمثابة
مدونة تحصيل الديون العمومية ،الجريدة الرسمية عدد 4800بتاريخ فاتح يونيو .2000
ديون الدولة من جهة أخرى ،1وهكذا جاءت مدونة تحصيل الديون العمومية في الوقت املناسب
تكريسا لدولة الحق والقانون واستجابة لتطورات األوساط االقتصادية واالجتماعية والسياسية في
هذا املجال.
وقد عرف القانون رقم 15-97في املادة األولى منه التحصيل بأنه مجموع العمليات
واإلجراءات التي تهدف إلى حمل مديني الدولة والجماعات الترابية وهيأتها واملؤسسات العمومية على
تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتض ى القوانين واألنظمة الجاري بها العمل ،أو ناتجة عن أحكام
وقرارات القضاء أو عن االتفاقات ،كما أن املادة الثانية من نفس القانون جعلت في حكم الديون
العمومية كل من الضرائب املباشرة للدولة والرسوم املماثلة ،وكذا الضريبة على القيمة املضافة
املشار إليها بعبارة " الضرائب والرسوم " ،وكذلك ضرائب ورسوم الجماعات الترابية وهيئاتها.
إن مصطلح التحصيل يعبر عن عبارات متعددة كاإلستيفاء واألداء واإلستحقاق كلها تفيد
إجراءات وعمليات من خاللها يتم أداء ما بذمة امللزم اتجاه اإلدارة الضريبية ،ومعلوم أن تحصيل
الدين الضريبي وفق مدونة تحصيل الديون العمومية يكون إما رضائي يبتدئ من تاريخ الشروع في
التحصيل أو اإلصدار إلى تاريخ اإلستحقاق ،وقد يكون جبريا يطبق على املدين الذي لم يؤدي ما
بذمته داخل آجل األداء الرضائي.
وهكذا فقد ألزم املشرع املغربي في إطار مسطرة التحصيل الجبري اإلدارة الضريبية بضرورة
التقيد بإجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي كضمانات للملزم ،وذلك من حيث احترام
التسلسل ،وكذلك من حيث صحة اإلجراءات املتخذة من لدن اإلدارة الضريبية.
وتنبع أهمية موضوع منازعات تحصيل الدين الضريبي من خالل األهمية التي تحظى بها
الضرائب في املشاركة في تمويل وتحمل النفقات العمومية حسب القدرة التكليفية لكل مواطن ،وهو
ما جاء في ثنايا الدستور املغربي في الفصل 39منه( ،) 2كما أن منازعات تحصيل الدين الضريبي
تعرف ارتفاعا مضطردا أمام القضاء اإلداري بالنظر إلى الغموض الذي يكتس ي بعض بنود النص
- 1عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي ،اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون العمومية ،الطبعة األولى ،دار
النشر المغربية ،الدار البيضاء ،2000 ،الصفحة .17
- 2ظهير شريف رقم 1.11.91صادر في 27من شعبان 1432الموافق ل 29يوليو 2011بتنفيذ نص الدستور ،الجريدة
الرسمية عدد 5964مكرر بتاريخ 30يوليوز ،2001الصفحة .3600
القانوني املنظم لعملية التحصيل ،كما تبرز أهمية هذا املوضوع من خالل تحوالت مواقف القضاء
اإلداري في الوقت الراهن بخصوص بعض القضايا التي تطرحها منازعات التحصيل.
من منطلق هذه األهمية ،تبرز اإلشكالية املحورية التي يطرحها موضوع منازعات تحصيل
الدين الضريبي في بحث دور لرقابة القضاء الضريبي على إجراءات تحصيل الدين الضريبي
بالشكل الذي يحقق العدالة؟
وعلى ضوء هذه اإلشكالية يمكن القول على أن القضاء اإلداري بتعامله مع مقتضيات
مدونة تحصيل الديون العمومية في إطار منازعات إجراءات تحصيل الدين الضريبي قد استطاع
فرض رقابته على اإلدارة الضريبية من خالل إجراءات التحصيل وكذلك ساهم بأحكامه الجريئة
واالنشائية بتحقيق التوازن بين أطراف العالقة الضريبية.
وعلى هذا األساس سيتم مقاربة هذا املوضوع وفق التصميم التالي:
املبحث األول :رقابة القضاء على تسلسل إجراءات التحصيل
ويمكن أيضا اللجوء إلى اإلكراه البدني لتحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية
األخرى وفق الشروط املنصوص عليها في املواد 76إلى ." 83
وتشمل إجراءات التحصيل تلك اإلجراءات التي ألزم املشرع املحاسب املكلف بالتحصيل أن
يقوم بها قبل مباشرة التحصيل الجبري للدين الضريبي (املطلب األول) ،كما تشمل إجراءات
التحصيل كذلك ما نصت عليه املادة 39في إطار إجراءات التحصيل الجبري (املطلب الثاني).
بالرجوع للمادة 36من مدونة تحصيل الديون العمومية نجد املشرع نص على أنه " :ال
يمكن مباشرة التحصيل الجبري إال بعد إرسال أخرإشعارللمدين دون صائر ،ويجب تقييد تاريخ
إرسال هذا اإلشعار في جدول الضرائب والرسوم أو في أي سند تنفيذي أخر ،ويعتد بهذا التقييد
ما لم يطعن فيه بالزور" ،كما نص املشرع بموجب املادة 37على ضرورة الحصول على ترخيص
مسبق من رئيس اإلدارة التي ينتمي إليها املحاسب املكلف بالتحصيل أو من الشخص املفوض له
ذلك.
ً
يشكل إرسال أخر إشعار بدون صائر إجراء شكليا من إجراءات التحصيل الرضائي للدين
الضريبي ،يهدف إلى تنبيه امللزم وتذكيره باملديونية التي لم يتم سددها بعد في إطار التحصيل
الرضائي للدين الضريبي ،وتظهر أهمية هذا اإلجراء من خالل ضرورة تقييده في جدول الضرائب أو
الرسوم متى تعلق األمر بالضرائب أو الرسوم ،وإما تقييده في أي سند تنفيذي أخر متى تعلق األمر
بديون عمومية أخرى.
واملثير لالنتباه في هذا الصدد أن املشرع اقتصر فقط على مجرد إرسال هذا اإلشعار ولم
ً
ينص على التبليغ ،مما يشكل ضربا في أحد الضمانات التي يتمتع بها املدين ،خصوصا وأن اإلدارة
توجه هذا اإلنذار بالبريد العادي دون املضمون مع اإلشعار بالتوصل.
إذن ،فاإلشكال الذي يطرحه هذا اإلجراء يتمثل في ما الفائدة من إرسال اإلشعار ما لم يتم
التوصل به من طرف امللزم؟ وما هي األثر املترتبة عن عدم احترام هذا اإلجراء قبل الشروع في
مسطرة التحصيل الجبري؟
لقد ذهب العمل القضائي إلى إلزام القابض باإلدالء بما يفيد أنه وجه إشعار دون صائر إلى
امللزم قبل مباشرة إجراءات التحصيل الجبري تحت طائلة بطالن إجراءات التحصيل الجبري ،حيث
جاء في أحد قرارات محكمة النقض 1ما يلي " :لكن حيث أن املحكمة ملا تبت لها من وثائق امللف أن
القابض لم يدل بما يفيد أنه وجه إشعار دون صائر إلى املعني باألمر قبل مباشرة إجراءات التحصيل
في حقه ،وأن قوائم اإلنذارات املدلى بها من طرفه خالية من أي تقييد يفيد ذلك ،واعتبرت أن
ً
إجراءات التحصيل الجبري املذكورة باطلة طبقا ملقتضيات املادة 36من مدونة تحصيل الديون
العمومية ،مع ما يترتب عن ذلك قانونا من إبطال إلجراء اإلنذار العقاري ،تكون قد بنت قضاءها
على أساس سليم من القانون ،ولم تخرق املقتضيات القانونية املحتج بها في ش يء ،وما بالوسيلة على
غير أساس".
وعلى نفس املنوال سارت محاكم املوضوع ،حيث قضت محكمة االستئناف اإلدارية
بمراكش في قرار حديث لها 2بما يلى " ...لكن حيث إنه خالفا ملا أثير بمقتض ى سبب اإلستئناف فإنه
بإستقراء املادة 36من مدونة تحصيل الديون العمومية يتضح أنه ال يمكن مباشرة التحصيل
الجبري إال بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صوائر ،وأنه ملا أحجمت إدارة الضرائب عن اإلدالء
بوثيقة تؤكد تحقق الشرط املذكور قبل مباشرة إجراءات التحصيل الجبري ،فإن تلك اإلجراءات
- 1قرار محكمة النقض عدد 515/1الصادر بتاريخ 2013/5/30في الملف اإلداري عدد ،2012/1/4/1615أورده عمر
أزوكار ،الدليل العملي لمدونة تحصيل الديون العمومية ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،2017 ،الصفحة
.13
- 2قرار محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش عدد 662الصادر بتاريخ 2019/4/3في الملف عدد ،2018/7209/2237غير
منشور.
تكون باطلة وأن ما تمسكت به اإلدارة بمقتض ى وسائل استئنافها غير منتج ألن العبرة من تنصيص
ً
حاسما املشرع على إرسال اإلشعار بدون صائر تكون بتوصل امللزم به بصفة قانونية بإعتباره إجر ًاء
يفصل بين مرحلتي التحصيل الرضائي والجبري ،مما تبقى معه جهة التحصيل ملزمة بتبليغه للملزم
ومطالبة بإثبات التوصل به ...مما يبقى معه الحكم املستأنف ملا قض ى بإلغاء إجراءات التحصيل
لتلك العلة صائبا وواجب التأييد ".
أما في ما يخص اإلكتفاء بإرسال اإلشعار دون تبليغه ،فمحاكم املوضوع تستند على قضاء
ً
محكمة النقض في هذا اإلطار وتحديدا في قرارها عدد 93الصادر بتاريخ 2011/10/27في امللف
عدد 806/4/2/2009املؤيد للحكم بعدم قانونية اإلشعار بدون صائر الذي لم يقع تبليغه إلى
املدين ،وهذا ما يستفاد مما جاء في قرار ملحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط ... " :يتضح بأن جهة
الخزينة قد تخلفت عن اإلدالء بما يفيد تبليغها إلى املستأنف أخر إنذار بدون صائر بخصوص
الضرائب موضوع الطلب الوارد ذكرها أعاله ،خارقة بذلك مقتضيات الفصلين 36و 41من القانون
97-15املنظم ملدونة تحصيل الديون العمومية ،مما يجعل الحكم (املستأنف) مجانبا للصواب،
وهو ما يقتض ي إلغاءه ...وذلك تماشيا مع ما درج عليه العمل القضائي اإلداري كما يصادف في قرار
الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض عدد 93بتاريخ 2011/10/27في امللف رقم 2009/2/4/806الذي
أوجب على محكمة املوضوع التحقق من تبليغ اإلشعار بدون صائر إلى امللزم وعدم االعتداد بمجرد
توجيه أو إرسال ذلك اإلشعار" .1
وقضاء املوضوع اإلداري مازال على نفس النهج ،حيث صدر عن محكمة االستئناف اإلدارية
بمراكش قرار حديث سنة )2( 2019جاء فيه ... " :لكن حيث تبين للمحكمة من خالل اطالعها على
الوثائق املدلى بها من طرف إدارة الضرائب رفقة مقال استئنافها أنها ال تتضمن ما يفيد توصل
املستأنف عليه سواء بأخر إشعارات بدون صائر املؤرخة في 2014/07/22و2015/03/04
و ،2015/10/31أو باإلنذار املؤرخ في ،2014/06/13مما تكون معه مسطرة اإلشعار للغير الحائز
التي باشرها القابض في مواجهة املستأنف عليه مخالفة لقانون كما انتهى إلى ذلك عن صواب
الحكم املستأنف الذي يتعين الحكم بتأييده ".
- 1قرار محكمة اإلستئناف اإلدارية بالرباط عدد 3928الصادر بتاريخ 2012/10/15في الملف عدد ،771/12/9أورده عمر
أزوكار ،مرجع سابق ،الصفحة .13
- 2قرار محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش عدد 381الصادر بتاريخ 2019/02/21في الملف عدد ،2018/7209/1823غير
منشور.
بذلك فإن عدم تبليغ إشعار بدون صائر يعد خرق ملبدأ تدرج إجراءات تحصيل الدين
العمومي بصفة عامة والدين الضريبي بصفة خاصة ،مما يترتب عنه بطالن ما يستتبعه من
إجراءات التحصيل.
وفيما يخص موعد توجيه اإلشعار بدون صائر ،فإنه يتوجب على املحاسب أن يقوم بهذا
اإلجراء داخل عشرة أيام بعد تاريخ اإلستحقاق ،وذلك على أبعد تقدير ،وهذا ما يستفاد من املادة
41من مدونة تحصيل الديون العمومية.
عمل املشرع في إطار اإلجراءات السابقة إلجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي إلى سن
أحد اإلجراءات التي ال تقل أهمية عن إرسال أخر إشعار بدون صائر وهو ضرورة حصول املحاسب
املكلف بالتحصيل على ترخيص مسبق يعد بمثابة اإلذن له بالتنفيذ على أموال املدين.
وتبرز أهمية هذا اإلجراء من خالل ما رتبه املشرع من جزاء على مخالفته بموجب املادة 35
من مدونة تحصيل الديون العمومية والتي جاء فيها " ....يمنع تحت طائلة العزل على مأموري التبليغ
والتنفيذ للخزينة وعلى أي شخص مؤهل لذلك ،القيام بأعمال التحصيل الجبري دون ترخيص
مسبق وفق األشكال املحددة في هذا القانون".
وفي هذا الصدد أقرت محكمة النقض عدم أحقية القابض ملمارسة الحجز إال بناء على
سند تنفيذي ،لذلك قضت ببطالن حجز مبالغ مالية من حساب أحد األفراد في غياب اإلدالء
بالسند التنفيذي ،حيث جاء في قرار لها ... " 1ومن جهة ثالثة ،فإن محكمة اإلستئناف اإلدارية ملا
تبت لها من وثائق امللف أن املطلوب في النقض قد نازع في حجز وسحب املبلغ املذكور من حسابه،
وأن القابض لم يدلي بالسند التنفيذي الذي على أساسه تم حجز وسحب ذلك املبلغ ،واعتبرت أن
إجراء الحجز والسحب غير مؤسس وتم إجراءه بدون وجه حق ويبقى واجب اإللغاء مع ترتيب األثر
القانونية على ذلك بتمكين املطلوب في النقض من املبلغ املسحوب من حسابه البنكي ،تكون قد بنت
قضاءها على أساس سليم من القانون وعللت قرارها تعليل كافي ."....
- 1قرار محكمة النقض عدد 1098الصادر بتاريخ 2012/12/27في الملف اإلداري عدد ،2012/1/4/692أورده عمر
أزوكار ،مرجع سابق ،الصفحة .42
تجدر اإلشارة إلى أن هذا اإلجراء ترد عليه بعض االستثناءات بموجب املادة 53من مدونة
تحصيل الديون العمومية ،بحيث أنه عندما يتعلق األمر بأخذ املدين لألثاث والثمار خفية ويخش ى
معها ضياع ضمان الخزينة فإن املحاسب املكلف بالتحصيل إذا بلغ إلى علمه ذلك يجري مباشرة
حجز على املحاصيل أو الثمار من دون الحاجة إلى ترخيص ،وهذا ما زكته محكمة االستئناف
اإلدارية بالرباط في قرار لها جاء فيه ... " 1حيث إن القابض لذى إخباره لقيام الشركة املستأنف
عليها بنقل االليات من الورش ونظرا ألنية هذا التصرف من حيث الزمان واملكان ولعدم حصول
املستأنف عليها على ترخيص بإستغالل امللك العمومي مؤقتا وعدم توفر الجماعة والقابض على
عنوان مقرها االجتماعي ،يكون اإلنذار بمثابة حجز تحفظي املتخذ من طرفه ( القابض ) ...إجراء
قانونيا مشروعا والحكم املستأنف ملا نحى غير هذا املنحى يكون مجانبا للصواب وواجب اإللغاء في
الشق القاض ي بإلغاء مسطرة التحصيل ".
إذا كانت مدونة تحصيل الديون العمومية قد أقرت بضرورة إحترام اإلدارة الضريبية
لدرجات التحصيل الجبري للدين الضريبي ،فإن مسطرة اإلشعار للغير الحائز تثير إشكال فيما
يخص مدى خضوعها للتسلسل في إجراءات التحصيل.
كما أن الفصل 30من ذات الظهير نص على جواز إجراء اإلكراه البدني من أجل استخالص
الضرائب وغيرها من الديون الواجب الوفاء بها حيال املدينين الذين لم يكونوا في ظرف 20يوم
املوالية لتاريخ تبليغ اإلنذار إما قد باشروا أداء دينهم بتمامه ،أو قد أبدو عسرهم.
- 1قرار محكمة االستئناف بالرباط عدد 120الصادر بتاريخ 2012/1/16في الملف عدد ،398/11/9أشار إليه عمر أزوكار،
مرجع سابق ،الصفحة .44
وقد حسمت مدونة تحصيل الديون العمومية الجديدة هذا اإلشكال القانوني ،حيث
تطرقت املدونة في املادة 39بكل وضوح لدرجات التحصيل الجبري حسب ترتيبها املنطقي اإلنذار
والحجز تم البيع ،وأضافت نفس املادة في الفقرة األخيرة أنه يمكن اللجوء إلى اإلكراه البدني وفق
الشروط املنصوص عليها في املواد 76إلى ،83وبهذا املقتض ى الجديد تكون املدونة قد منحت مديني
الدولة فرصة أخيرة لتمكينهم من التحلل من ديونهم الضريبية قبل أن تصبح خاضعة لصوائر
وإضافات مالية تفوق في بعض األحيان أصل الدين الضريبي ،لذلك فبعد استيفاء اآلجال املحددة
للتحصيل الرضائي ،يكون القابض في هذه املرحلة ملزما بإتباع مختلف التدابير واإلجراءات قصد
الضغط على املدين ألداء ديون الخزينة .1
والقضاء اإلداري من جانبه استقر على ضرورة احترام اإلدارة ملبدأ تسلسل إجراءات
التحصيل تحت طائلة بطالن اإلجراء الالحق لإلجراء السابق ،ذلك أنه من حق الخاضع للضريبة في
حالة ما إذا عمدت مصالح الخزينة إلى إجراء حجز على عقاره مثال دون سلوك اإلجراءات السابقة
لهذا االجراء ،أن يطعن في هذه اإلجراءات لعدم احترام مبدأ تدرج املتابعة واملطالبة ببطالن إجراءات
التحصيل الجبري.
لذلك ،فالقضاء يمارس رقابته على اإلدارة من حيث مدى إحترامها ملبدأ تسلسل إجراءات
التحصيل ،وفي هذا املضمار قض ى املجلس األعلى سابقا في إحدى قراراته بما يلى ... " 2لكن حيث إن
املادتين 36و 41من مدونة تحصيل الديون العمومية توجب على القابض إحترام تدرج إجراءات
التحصيل وقطعها مرحلة مرحلة وفي اآلجال املنصوص عليه في القانون ،وذلك بالقيام باإلجراء
السابق تراعي فيه الشكليات القانونية ثم الذي يليه بنفس الكيفية تحت طائلة بطالن تلك
اإلجراءات ،وهذه املسطرة مستقلة بذاتها وال تتعلق بمقتضيات املادة 119من نفس املدونة وليست
تعرضا على االجراء املتخذ من حيث الشكل يستوجب التكوين املسبق للضمانات املنصوص عليها في
املادة 118ويكون ما أثير بدون أساس ....لكن حيث إن املستأنف لم يثبت تبليغ اإلشعار بدون صائر
إلى املستأنف عليه حتى يكون صحيحا ومنتجا ألثاره ،ألن هذا التبليغ يعتبر ضمانة جوهرية للمدين
قبل فرض غرامات التأخير عليه وال يكفي تقييد تاريخ اإلرسال بالجدول الضريبي وإحترام اآلجل
- 1نجالء أحمينة " ،اإلجراءات العادية واالستثنائية لتحصيل الديون العمومية " ،مجلة المنارة ،عدد خاص ،2018الصفحة .289
- 2قرار المجلس األعلى عدد 53الصادر بتاريخ 2004/2/21في الملف اإلداري عدد ،2003/2/4/785أورده محمد قصري،
المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء اإلداري ،الطبعة الثانية ،دار ابي رقراق للطباعة والنشر ،الرباط،
،2009الصفحة 552وما يليها.
القانوني ملباشرة إجراءات التحصيل الالحقة بل البد من تبليغ اإلشعار املذكور تحت طائلة بطالن
تلك اإلجراءات وأن الحكم املستأنف ملا صار على هذا النوع كان صائبا وواجب التأييد ".
وعلى منوال الغرفة اإلدارية باملجلس األعلى أوضحت إدارية الرباط في حكم لها ما يلي... " 1
لكن حيث من جهة أخرى ،تنص املادة 39من نفس املدونة على أن إجراءات التحصيل للديون
العمومية تباشر حسب الترتيب ابتداء من اإلنذار ثم الحجز ثم البيع ،وطبقا ملقتضيات املادة 36
فإنه ال يمكن مباشرة التحصيل الجبري إال بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صائر ويجب تقييد
تاريخ إرساله في جدول الضرائب والرسوم أو أي سند تنفيذي أخر ،ويعتد بهذا التقييد ما لم يطعن
فيه بالزور.
وحيث بالرجوع إلى اإلنذارات املحتج بها من طرف القابض ،يتضح أن االنذارين األول
والثالث ...يخصان الضريبة على القيمة املضافة والضريبة العامة على الدخل وال عالقة لهما
بالضرائب موضوع النزاع ،كما أن اإلنذار الرابع رقم 433بتاريخ 2006/5/10وإن أشير إليه في طلب
مذكرة الجواب ،إال أنه لم يقع االدالء به ،في حين أن اإلنذار الثاني رقم 2359بتاريخ 2005/5/11
يتعلق فقط بالضريبة على الشركات دون الضريبة املهنية ،كما تم بشأنه اللجوء إلى مسطرة التعليق
طبقا للمادة 43من املدونة ...باإلضافة إلى أنه لم يدل بما يفيد أنه قام كذلك بإرسال أخر إشعار
بدون صائر وتقييده في الجدول الضريبي عمال بمقتضيات املادة 36أعاله ،األمر الذي تكون معه
إجراءات التحصيل التي باشرها القابض سواء بالنسبة للضريبة على الشركات أو الضريبة املهنية
غير سليمة ويتعين التصريح ببطالنها ".
عموما يتبين من خالل رصدنا لهذه املقررات القضائية بأن إجراءات التحصيل الجبري
إجراءات واردة على سبيل الترتيب وال يمكن لإلدارة الضريبية أن تحل إجراء الحق محل إجراء سابق،
وإال اعتبرت معه مسطرة التحصيل الجبري للدين الضريبي باطلة ،ذلك ان املشرع والقضاء أيضا من
خالل إقرارهما ملبدأ تدرج املتابعة راعيا الهدف منه وهو حماية امللزم بالضريبية بصفة خاصة
وبالدين العمومي بصفة عامة باعتباره الطرف الضعيف في الحلقة الجبائية والحد من تعسف
اإلدارة الضريبية.
- 1حكم إدارية الرباط عدد 88الصادر بتاريخ 2008/1/9في الملف رقم ،06/148حكم غير منشور.
يشكل اإلشعار للغير الحائز وسيلة قانونية تمكن املحاسب من استخالص الدين
الضريبي املتمتع بامتياز الخزينة بين يدي األغيار الحائزين لها ،ذلك أن اللجوء إليها ال يكون إال بعد
استنفاذ مرحلة التحصيل الرضائي التي منحها املشرع للمدين من أجل تسوية وضعيته بشكل حبي،
فهي إذن مسطرة جبرية تنطوي على وسيلة االكراه املباشر ،كما أنها تعد مسطرة بسيطة ال تتطلب
كثرة اإلجراءات الشكلية املطلوبة في غيرها من إجراءات التحصيل الجبري ،الش يء الذي جعل منها
الوسيلة األنجع بالنسبة للمكلفين بتحصيل الديون الضريبية.
ومدونة تحصيل الديون العمومية لم تدرج مسطرة االشعار للغير الحائز في درجات املتابعة
املنصوص عليها في املادة 39من املدونة ،الش يء الذي أدى معه إلى التساؤل حول مدى خضوع هذه
املسطرة للتدرج في إجراءات التحصيل ،والذي يعد من أهم حقوق امللزم ،إذ كيف يعقل أن تلجأ
اإلدارة الضريبية للحجز مباشرة على أموال املدين بواسطة مسطرة االشعار للغير الحائز بدون
احترام مبدأ تدرج املتابعة الذي يقتض ي أوال إنذار املدين ،تم الحجز فالبيع مع إمكانية سلوك
مسطرة االكراه البدني.
أمام هذا الغموض التشريعي الذي يعتري مسطرة اإلشعار للغير الحائز فيما يخص مدى
خضوعها ملبدأ التدرج في املتابعة ،فقد تدخل القضاء اإلداري من خالل مجموعة من املقررات
القضائية لتكييف اإلشعار للغير الحائز ضمن اإلجراءات املنصوص عليها في املادة 39من مدونة
تحصيل الديون العمومية ،وفي هذا قضت إدارية أكادير بأن الحجز بواسطة اإلشعار للغير للحائز
يعتبر في حد ذاته حجزا تنفيذيا على أموال املدين ،ومن تم يشترط أن ينصب على أموال املدين دون
غيره ،وأن تحترم بشأنه قاعدة تدرج املتابعات كما هي منصوص عليها في القانون 15-97من توجيه
اإلنذار بدون صائر وتبليغ قانوني لإلنذار الضريبي قبل الحجز ،وأن كل إخالل بهذه الشروط يجعل
إجراء الحجز غير مبرر .1
- 1حكم إدارية أكدير عدد 2009/29الصادر بتاريخ 2009/01/28في الملف عدد ،2009/29غير منشور.
والقضاء اإلداري مازال مستقر على هذا التوجه الذي يعتبر مسطرة اإلشعار للغير الحائز
تدخل ضمن اإلجراءات الجبرية املنصوص عليها في املادة 39من مدونة التحصيل ،إذ يجب أن تحترم
بشأنها قاعدة تدرج املتابعات تحت طائلة بطالن إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي ،وفي
هذا قضت إدارية الدار البيضاء في حكم حديث لها صادر سنة 2018بما يلي " ...وحيث أسس
املدعي طلبه على وسلتين ،كون الجهة املدعى عليها قد قامت بسلوك مسطرة اإلشعار للغير الحائز
بدون احترام املقتضيات املنصوص عليها في املادتين 36و 39من مدونة تحصيل الديون العمومية
من خالل عدم احترام مبدأ التدرج في املتابعات وكذا كونه معفى مؤقتا من أداء الضريبة على
األراض ي املبنية برسم السنوات .2013/2012/2011
وحيث أمسك املجلس املدعى عليه عن الجواب بخصوص ما تمسك به املدعي من بطالن
مسطرة اإلشعار للغير الحائز ولم يدلي بأية وثيقة تفيد احترامه ملبدأ التدرج في إجراءات التحصيل
الجبري ،طبقا ملقتضيات املادتين 36و 39من املدونة السالفة الذكر التي تنص على أن إجراءات
التحصيل الجبري للديون العمومية تباشر حسب الترتيب بدءا باإلنذار ثم الحجز ثم البيع فاإلكراه
البدني .كما أنه ال يمكن الشروع فيها إال بعد إرسال آخر إشعار للمدين بدون صائر مع وجوب تقييد
تاريخ إرساله في جداول الضرائب والرسوم أو في أي سند تنفيذي أخر ،ويعتد بهذا التقييد ما لم
يطعن فيه بالزور ،وأنه ونظرا لعدم احترام مسطرة اإلنذار القانوني ،قبل اللجوء إلى مباشرة مسطرة
اإلشعار للغير الحائز مما يشكل ذلك خرقا ملبدأ التدرج في املتابعة ،وهو األمر الذي يترتب عنه بطالن
الحجز الذي باشره القابض على الحساب البنكي للمدعي عن طريق اإلشعار لغير الحائز لعدم
سلوك اإلجراءات السابقة عليه طبقا للقانون .1 " ......
وما يثير االستغراب أن نفس املحكمة -إدارية الدار البيضاء -سبق لها وفي ظرف مدة زمنية
ال تتعدى 15يوما عن صدور الحكم املذكور أعاله ،أن اعتبرت مسطرة االشعار للغير الحائز غير
مخاطبة بالتراتبية التي تنطبق على إجراءات التحصيل الجبري طبقا للمادة 39من مدونة التحصيل،
وقد جاء في حكم حديث لها ... " 2وحيث أنه فيما يخص الوسيلة الثانية املستمدة من عدم احترام
مبدأ تدرج املتابعات طبقا ملدونة التحصيل ،فإن املشرع حدد على سبيل الحصر على مستوى الباب
الثالث من نفس املدونة وذلك بموجب املادة 39منها إجراءات التحصيل الجبري وهي اإلنذار ثم
الحجز والبيع ،بينما نظم مسطرة اإلشعار الغير الحائز في الباب الخامس من املدونة في إطار
1حكم إدارية البيضاء عدد 162الصادر بتاريخ 2018/01/18في الملف عدد ،17/7113/583غير منشور.
2حكم إدارية البيضاء عدد 37الصادر بتاريخ 2018/01/03في الملف عدد ،2016/7113/744غير منشور.
التزامات املودع لديهم واالغيار والحائزين ،وبالتالي فإنه ال يتعين مخاطبة املسطرة املذكورة بالتراتبية
التي تنطبق على إجراءات التحصيل الجبري أعاله ،مما يجعل الوسيلة املثارة غير جديرة باالعتبار
ويتعين ردها ."...
وعلى العموم فإن مسطرة إشعار الغير الحائز من ناحية خضوعها ملبدأ تدرج املتابعات من
عدمه تبقى إشكالية قائمة تحتاج لتدخل تشريعي للحسم فيها.
انطالقا من املادة 39من مدونة تحصيل الديون العمومية فقد أخضع املشرع املغربي
إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي ملبدأ التدرج في التحصيل نظرا ملا تنطوي عليه من
خطورة ،لذلك سنعمل على دراسة صحة كل إجراء على حدة من خالل ما تطلبه املشرع من شروط
لصحته على ضوء ما استقر عليه العمل القضائي ،وعليه فإن الطعن أمام القضاء في عدم صحة
إجراءات التحصيل يشكل أحد أهم األسباب التي يعتمد عليها امللزم في منازعات التحصيل.
يعتبر اإلنذار أول إجراء من إجراءات التحصيل للدين الضريبي الذي من خالله ينذر امللزم
بالضريبة واملتأخر عن األداء بتسديد دينه الجبائي (الفقرة االولى) ،ويقصد بالحجز كدرجة من
درجات التحصيل الجبري تلك الوسيلة التنفيذية الجبرية املخولة للمحاسب املكلف بالتحصيل
والتي تهدف إلى تثبيت جزء من أموال املدين محل التنفيذ لتغطية الدين الضريبي املتخلذ في ذمته
(الفقرة الثانية).
تنص املادة 41من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه ال يمكن تبليغ اإلنذار إال بعد
مض ي أجل تالتين يوما ابتداء من تاريخ االستحقاق و 20يوما من تاريخ توجيه اخر إشعار بدون
صائر ،وعليه فإن اإلدارة تتقيد بهذا اآلجال حتى يعتد باإلنذار بحيث يتوجب احترام مدة عشرين
ً
يوما بين تاريخ إرسال اخر إشعار بدون صائر من جهة ،وتاريخ توجيه اإلنذار القانوني باألداء من
جهة أخرى ،وهذا ما أقرته محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط في قرار لها جاء فيه... " : 1فالثابت من
أوراق امللف أن القابض املكلف بالتحصيل وتبليغ املستأنف باإلنذار القانوني رقم 3251بتاريخ
،2009/7/22بادر إلى توجيه اخر إشعار بدون صائر بتاريخ 2009/6/2عن رسم السكن و
الخدمات الجماعية املفروض عن سنة 2008كما تم تقييد التاريخ املذكور بالجدول الضريبي و
الذي يفيد في احترام األجل الذي يفصل بين أرسال الشعار وتبليغ اإلنذار .".....
وفي نفس السياق قد أقر القضاء أنه يتوجب على القابض في حالة تعدد الدين الضريبي
لنفس امللزم أن يخص كل دين عمومي بإنذار ،بحيث ال يحق له جمع الدين الضريبي للملزم في إنذار
واحد تحت طائلة البطالن ،وهذا ما جاء في قرار ملحكمة النقض " :لكن حيث إن محكمة االستئناف
ملا تبين لها أن كل إندار من اإلنذارات التي يحتج بها القابض في قطع التقادم في مواجهة املدين تتعلق
بضريبة بعينها اعتمادا على املراجع املشار إليها ال بمجموع الدين الضريبي ،وما دام كل إندار تم
سلوكه بخصوص ضريبة معينة قد تبت بجرد كل إنذار من اإلنذارات املتوصل بها بطريقة قانونية
وما تضمنته من ضرائب محددة وأن ما قض ى به الحكم املستأنف صائب ومطابق ملقتضيات
الفصل 123من مدونة تحصيل الديون العمومية.2 "...
- 1قرار محكمة اإلستئناف اإلدارية بالرباط عدد 1518الصادر بتاريخ 2012/4/9في الملف عدد ،9/10/499أورده عمر
أزوكار ،مرجع سابق ،الصفحة .21
- 2قرار محكمة النقض عدد 618الصادر بتاريخ 2012 /8/23في الملف عدد ،9/10/499أشار إليه عمر أزوكار ،مرجع
سابق ،الصفحة .22
وتجدر اإلشارة أنه ال يعتد بمستخرج الجداول الضريبية في إطار اإلنذارات الجماعية وال
تقوم مقام اإلنذار القانوني بوصفه إجراء من إجراءات تحصيل الدين الضريبي ،رغم أن اإلدارة
الضريبية ال زالت تتمسك لحد األن باإلنذارات الجماعية في مواجهة امللزم ورغم أن القضاء أكد على
أن تبليغات الجداول الجماعية ال تعتبر ذات حجية أمام ما يتمتع به اإلنذار القانوني.
وبالرجوع للمادة 41فقد حاول املشرع تنظيم تبليغ اإلنذار بحيث خصه بمجموعة من
ً
األحكام حتى يعتد به صحيحا ،ألن اإلنذار ال يأتي مفعوله إال إذا بلغ للمعني باألمر ،فالتبليغ هو الذي
يجعل امللزم في حالة مطل ،لذلك فإن اإلنذار ال ينتج أثره إال بعد توصل املدين به وإال حق للمدين
طلب بطالن إجراءات التحصيل املحتج بها في مواجهته ،وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار
لها "...ألن توجيه اإلنذار ال ينتج أثره إال بعد توصل املدين به ،واملحكمة ملا قضت بإبطال إجراءات
التحصيل وبرفع الحجز تكون قد بنت قضاءها على أساس سليم .1"....
غير أنه قد يتعذر تبليغ امللزم فيتم تبليغ الغير نيابة عنه ،وهذا ما أقره املشرع بحيث أجاز
إمكانية تسليم اإلنذار إلى أحد أقارب املدين أو مستخدميه أو أي شخص اخر يسكن معه ،لذلك
وجب بيان االسم الكامل للمبلغ إليه ملعرفة هل يدخل ضمن األشخاص املخول لهم القانون النيابة
عن املعني باألمر ،وهذا ما أقرته محكمة النقض في قرار لهاها 2جاء فيه ":لكن حيث إنه بالرجوع إلى
اإلنذارات القانونية املشار إليها أعاله يتبين أنها جميعها باستثناء اإلنذار عدد 2002/4130أشير فيها
إلى أنها بلغت للشركة دون أي إشارة للشخص الذي توصل بهذه اإلنذارات ،مما بقيت معه هذه
ً
اإلنذارات غير مبلغة تبليغا قانونيا."...
إن تبليغ اإلنذار قد يصطدم برفض امللزم تسليم اإلنذار أو عدم العثور عليه واملشرع عالج
هذه اإلشكالية من خالل الفقرتين الرابعة و الخامسة من املادة ،43حيث اعتبر في حالة الرفض أن
التبليغ يصير صحيحا بانصرام أجل 8أيام من تاريخ الرفض ،أما بخصوص حالة عدم العتور على
امللزم فإن التبليغ يعتبر صحيحا بعد 10أيام من تعليقه في أخر موطن له ،غير أن اللجوء ملسطرة
تعليق اإلنذار يتطلب إثبات تعذر تبليغ امللزم بمقتض ى محضر قانوني محرر بهذه الواقعة وإال اعتبر
- 1قرار محكمة النقض عدد 72الصادر بتاريخ 2013/01/17في الملف عدد ،2012/1/4/501أشار إليه عمر أزوكار ،مرجع
سابق ،الصفحة .30
- 2قرار للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) عدد 2011الصادر بتاريخ 2008/03/05في الملف عدد 2008/2/4/3019
والملف ٍ ،2006/2/4/3020أشار إليه عمر أزوكار ،مرجع سابق ،الصفحة .30
التبليغ غير منتج ألثاره القانونية ،وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرارها لها جاء فيه" : 1
...فانه ال يعتد بتعليق االنذار في أخر موطن للملزم كإجراء صحيح تطبيقا للمادة 43من مدونة
تحصيل الديون العمومية ،إال إذا تعذر تبليغه فعال بالطرق العادية وإدالء اإلدارة املكلفة
بالتحصيل بما يثبت ذلك ،"...إن مسألة حصول التبليغ بعد مرور مدة زمنية على تعليق اإلشعار في
أخر موطن للمدين قد يعتبر وسيلة في يد اإلدارة لتبرير عجزها عن مالحقة املدين ،ولذلك فإنه
يجب أن ال يكون القاعدة ،و بناء عليه فاإلدارة تتحمل عبء إثبات قيامها باإلجراءات السابقة ،وأنه
لم يكن أمامها بد من اللجوء إلى هذه الوسيلة .2
بقي أن نشير في األخير أن منازعات التحصيل ال تصنف ضمن منازعات اإللغاء حتى يعتد
بقاعدة العلم اليقيني بحيث ال تقوم مقام التبليغ بالضريبة أو باإلنذار في إطار التحصيل الجبري
للدين الضريبي.
الفق ـرة الثاني ـة :الحج ـ ـ ـز
يشكل الحجز املسطرة املوالية إلجراء اإلنذار القانوني وهو ينصب على املنقوالت
والعقارات ،ويبقى أهم ما أشارت إليه مدونة تحصيل الديون العمومية بالنسبة لهذا اإلجراء هو
استبعاد بعض األشياء من هذه املسطرة واملحددة في املادة ،3 46وقد اشترط املشرع في إطار
الحجز وجوب احترام مجموعة من الشكليات الواجبة االتباع تحت طائلة عدم االعتداد بالحجز،
كما خص القانون بعض األموال القابلة للحجز بمقتضيات تتالءم وطبيعتها ،لذلك فإن الحجز
يطرح بعض اإلشكاليات ترتبط بشروط ممارسة الحجز وإجراءاته إضافة إلى طبيعة الحجز في
التحصيل الجبري.
لقد ألزم املشرع القابض في إطار شروط ممارسة الحجز الحصول على ترخيص من طرف
رئيس اإلدارة التابع لها قبل مباشرة الحجز مع مراعاة االستثناء الوارد في املادة 53من املدونة،
- 1قرار محكمة النقض عدد 758/1الصادر بتاريخ 2014/06/5في الملف عدد ،2013/1/4/805أشار إليه محمد بفقير ،العمل
القضائي للغرفة اإلدارية بمحكمة النقض خالل سنتي 2014و ،2015الجزء الثاني ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة،
البيضاء ،2016 ،الصفحة .94
- 2عبد الرحمان ابليال ورحيم الطور ،تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة ،مطبعة األمنية،2000،
الصفحة .40
- 3إبراهيم عقاش" ،إجراءات التحصيل الجبرية في مدونة تحصيل الديون العمومية" ،مجلة المناهح ،عدد 9و،2006 ،10
الصفحة .62
إضافة إلى أن إجراءات الحجز ال يمكن اللجوء إليها إال بعد انقضاء آجل 30يوما من تاريخ تبليغ
اإلنذار القانوني .1
وإذا كانت الشروط املذكورة أعاله ال تثير أي إشكال من الناحية العملية ،فإن االمتيازات
املمنوحة لإلدارة الضريبية والتي تخول لها حق الحجز على األمتعة وغيرها من املنقوالت التي يملكها
املدين أينما وجدت ،وكذا على املعدات والسلع املوجودة في املؤسسة املفروضة عليها الضريبة
واملخصصة إلستغاللها 2هي التي تثير إشكاالت من الناحية العملية ،حيث إن بعض املحاسبين
يلجأون عند إنتقالهم إلى املحل املفروض عليه الضريبة إلى حجز املنقوالت املتواجدة باملحل دون
التأكد من صفة مالكها ،وفي هذا قضت إدارية مراكش في حكم لها بأنه ":لكن حيث إن اإلمتياز
الذي تمنحه املادة 105للخزينة لتحصيل الضرائب والرسوم يسري على املنقوالت التي يملكها املدين
وتلك التي توجد في املؤسسة املفروضة عليه الضريبة أمام الحجز الذي باشرته الخزينة والذي
يشكل موضوع الطعن في النازلة فقد انصب على منقوالت ال تملكها الشركة الخاضعة من جهة،
وليست موجودة فيها ومخصصة إلستغاللها وإنما توجد في حوزة املدعية وتخصص ملمارسة نشاطها
هي ،ال لنشاط امللزم التي لم يبق لها وجود مادي باملحل املستغل حاليا من طرف املدعية ،وبذلك
يكون استناد القابض للمادة 105في غير محله .3 "...
وملا كانت إجراءات التحصيل الجبري مبنية على سند قانوني ثابت وهو الجدول الضريبي،
فال يحتاج األمر إلى البدء بالحجز التحفظي ولكن يصار إلى الحجز التنفيذي مباشرة ،4وعليه
فالحجز الذي تتحدث عنه املدونة هو الحجز التنفيذي رغم عدم التنصيص صراحة على ذلك
بإستثناء ما نص عليه املشرع في املادة 29من املدونة ،وأمام هذه الطبيعة للحجز في إطار إجراءات
التحصيل الجبري يطرح السؤال عن مدى إمكانية اللجوء إلى القضاء االستعجالي لرفع هذا الحجز؟
مادام أن هذا الحجز يرتكز على سند تنفيذي بمثابة أمر بالتحصيل فإنه ال يتصور اللجوء
إلى القضاء االستعجالي لرفع الحجز ألن الفصل في طلب الحجز رهين بمناقشة صحة السند من
طرف القضاء االستعجالي ،وهذا محضور على هذا الصنف من القضاء ،وفي هذا صدر حكم
- 1مقتضيات المادة 44من مدونة تحصيل الديون العمومية.
- 2المادة 105من مدونة تحصيل الديون العمومية.
- 3حكم إدارية مراكش عدد 2006/12/311الصادر بتاريخ ،372007/8أوردته لمياء رافع ،مرجع سابق ،الصفحة .63
- 4عبد الرحيم حزيكر ،إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة الحسن الثاني ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بالبيضاء ،2003/2003 ،الصفحة .96
إلدارية وجدة جاء فيه ... " : 1ومن ثم فتقدير ما إذا كان الطالب هو املالك الحقيقي للمحجوز دون
املحجوز عليه في ضوء الوسائل واملستندات املضافة للملف يفض ي إلى املساس بجوهر الحق
املحضور تناوله على قاض ي املستعجالت بالتفسير والتأويل ،ومن تم فالبت في الطلب من شأنه
املساس بما يمكن أن يقض ي به في الجوهر ،ومن تم يتعين التصريح برفع النظر عن عدم
اإلختصاص "...
أما إذا قض ى قضاء املوضوع بإلغاء أمر بالتحصيل ،فإن الرجوع إلى القضاء االستعجالي
لرفع الحجز يكون دائما ممكنا ألنه ال يعدو إال أن يكون كاشفا ملا قض ي به في املوضوع .2
سيتم في هذا اإلطار الوقوف عند املنازعة في مدى صحة البيع واإلكراه البدني كآخير إجرائين
للتحصيل الجبري للدين الضريبي.
للقيام بإجراءات البيع كدرجة ثالثة من إجراءات التحصيل الجبري ،فالبد من توافر بعض
الشروط أولها حصول املحاسب املكلف بالتحصيل على ترخيص من رئيس اإلدارة طبقا للمادة 37
من مدونة التحصيل ،3وكذا انصرام أجل 8أيام من تاريخ الحجز مالم يتم االتفاق بين القابض أو
ممثله واملدين امللزم بالدين الضريبي على أجل أقل ،4كما يجب أن يتم البيع من قبل املحاسب
املكلف بالتحصيل أو لحسابه من طرف مأمور التبليغ أو التنفيذ التابع للخزينة ،وإما بطلب من
- 1أمر إستعجالي للمحكمة اإلدارية بوحدة عدد 2001/70الصادر بتاريخ ،2001/8/30أورده أحمد بوعشيق ،الدليل العملي
لإلجتهاد القضائي في المادة اإلدارية ،الجزء الثالث ،الطبعة األولى ،مطبعة المعارف الجديد ،الرباط ،2004 ،الصفحة .110
- 2عمر أزوكار ،مرجع سابق ،الصفحتان 47و.48
- 3المادة 58من مدونة تحصيل الديون العمومية.
- 4المادة 59من مدونة تحصيل الديون العمومية.
املحاسب ملأموري كتابات الضبط أو املفوضين القضائيين ،1أو استثناء من قبل املدين وبتوفر
شروط محددة .2
ومدونة تحصيل الديون العمومية مراعاة منها ملصلحة املدين املحجوز عليه ،نصت في
الفقرة األخيرة من املادة 60على ضرورة مراعاة الترتيب الذي يرغب فيه املدين في إطار بيع األشياء
املحجوزة ،وفي نفس السياق أشارت املدونة في املادة 62أنه يمكن للمحاسبين أو ممثلهم أو مأموري
التبليغ والتنفيذ للخزينة أو مأموري كتاب الضبط أو املفوضين القضائيين حينما يتم بيع
املحجوزات متفرقة أو على شكل حصص أن يوقفوا البيع بمجرد ما يكون محصوله كافيا لتسديد
مجموع املبالغ الواجبة.
بقي أن نشير في األخير أنه عندما يكون محل الحجز أصل تجاري فإن اإلختصاص يعود
للمحكمة التجارية بالبيع اإلجمالي لألصل التجاري إلستيفاء الدين العمومي ،وذلك طبقا للمادة 68
من مدونة تحصيل الديون العمومية ،وفي هذا قضت محكمة النقض في قرار لها " ...ومن جهة
أخرى فإن محكمة االستئناف قضت باختصاص املحكمة اإلدارية لكون الدعوى أي طلب تحويل
حجز تحفظي إلى تنفيذي تهدف في النهاية إلى تحصيل دين مستحق للخزينة العامة ،وذلك أن الحجز
املذكور ينصب على عقار ،وهو تعليل ال يطابق واقع امللف الذي يشتمل على محضر حجز تحفظي
على محل تجاري ،والواقع الذي من شأنه أن يجعل االختصاص منعقدا للمحكمة التجارية طبقا
للفقرة الثامنة من املادة 68من مدونة تحصيل الديون العمومية.3 " ...
إذا لم ِتؤدي طرق التنفيذ الجبري لتحصيل الدين الضريبي إلى نتيجة ،فإنه يتابع
التحصيل الجبري بواسطة اإلكراه البدني باعتباره أخر درجة من درجات التحصيل مع مراعاة
بطبيعة الحال االستثناءات الواردة في املادتين 77و 78من مدونة التحصيل.
يرجع االختصاص في البت في طلبات اإلكراه البدني وكذلك تحديد مدته في مواجهة املدين
بدين عمومي إلى رئيس املحكمة االبتدائية بصفته قاضيا للمستعجالت .1
وتطرح املنازعة في صحة اإلكراه البدني إشكالية حول تنازع االختصاص القضائي فهل
ينعقد االختصاص للقضاء العادي أم للقضاء اإلداري ،ذلك أن املشرع في إطار املادة 141من
املدونة أسند االختصاص للمحاكم اإلدارية للبت في جميع النزاعات الناشئة عن تطبيق مدونة
تحصيل الديون العمومية ،وفي سبيل اإلجابة عن ذلك نستحضر قرار ملحكمة النقض جاء فيه ... " :
وحيث إنه لئن كانت املادة 141من مدونة تحصيل الديون العمومية ،تسند االختصاص في النزاعات
الناشئة عن تطبيقها للمحاكم اإلدارية املوجودة باملكان الذي تستحق فيه الديون العمومية كأصل
عام ،فإن املادة 80هي من تسند االختصاص فيما يتعلق باإلكراه البدني للمحكمة االبتدائية،حيث
يتولى قاض ي املستعجالت البت في الطلب مع مراعاة مقتضيات املادة 141املشار إليها ،فيكون
الحكم املستأنف في غير محله وواجب اإللغاء " .2
وتجدر اإلشارة إلى أن املدينين الذين صدر في حقهم االكراه البدني يمكنهم أن يتجنبوا األداء
شريطة املنازعة في مسطرة اإلكراه البدني ،وتتم هذه املنازعة في حاالت معينة ،كحالة عدم توصل
املدين باإلنذار املتعلق باإلكراه البدني ،باإلضافة كذلك الى حالة عدم صحة اإلجراءات املتعلقة
باألسباب الراجعة الى اللجوء الى مسطرة االكراه البدني وكذلك الجهة القضائية املختصة باألمر
بتنفيذ االكراه البدني.
وما نسجله في هذا اإلطار أن مدونة تحصيل الديون العمومية ملا اعتبرت االكراه البدني أخر
درجة من درجات التحصيل الجبري للدين الضريبي تكون قد أخلت بااللتزامات الدولية ،بحيث يعتبر
من بين املصادقين على اتفاقية االعالن العالمي لحقوق االنسان لعام ،1948والتي نصت في املادة
11منها على انه ال يمكن حبس شخص عن طريق االكراه ،لذلك ينبغي على املشرع مراجعة فصول
االكراه البدني في مدونة التحصيل العمومية ،وذلك بحذفها من دراجات التحصيل الجبري
واالكتفاء بمسطرة البيع كأخر اجراء لتحصيل الجبري.
-خاتمة:
شكلت مدونة تحصيل الديون العمومية محطة مهمة في اإلصالح القانوني الضريبي ،والتي
تهدف إلى دعم اإلقتصاد الوطني قصد تحقيق معادلة قانونية من خالل تفعيل سبل تحصيل
الضريبة من جهة وتحسيس املواطن بالضريبة بكونها واجب وطني يجد سنده في الدستور من جهة
أخرى.
وأمام ضعف آلية التواصل بين اإلدارة الضريبية وامللزم بما يضمن مساهمة هذا األخير في
تحمل أعباء الدولة املالية من خالل إلتزامه بالوفاء الرضائي للدين الضريبي ،كان البد من سن
إجراءات من شأنها أن تجبر امللزم بأداء ما بذمته ،وإذا كانت هذه اإلجراءات تشكل ضمانات بالنسبة
لإلدارة الضريبية فإنها تنطوي على خطورة بخصوص طابعها الجبري تجاه امللزم ،ونطرا لخطورة
إجراءات التحصيل الجبري والتي قد تصل إلى حد املس بحرية امللزم ،فقد أدى القضاء اإلداري أدوار
مشرقة في تطبيقه ملقتضيات هذه املدونة ،حيث استطاع بأحكامه الجريئة فرض رقابته على اإلدارة
الضريبية في كافة مراحل تحصيل الدين الضريبي.
وإلعطاء نوع من الفعالية والنجاعة ملنظومة تحصيل الدين الضريبي ،نعرض بعض
املقترحات التي من شأنها أن تخفف من منازعات التحصيل:
-تجويد النصوص القانونية املؤطرة لعملية التحصيل وتجميعها في مدونة واحدة تشمل كل
اإلجراءات اإلدارية والقضائية للتحصيل تراعى فيها خصوصية الدين الضريبي ،مع القطع مع
سياسة اإلحالة إلى نصوص القانون الخاص؛
-العمل على خلق وعي جبائي حقيقي ،عبر تعزيز آلية التواصل بين اإلدارة الضريبية وامللزم
حتى ال تبقى الضريبة عبارة عن إكراه يحاول امللزمين بها اإلفالت منه؛
-الرفع من جودة استقبال امللزم ،وذلك عبر تفعيل الوسائل التكنولوجيا؛
-تأهيل املوارد البشرية العاملة في إدارة التحصيل من خالل تكوينهم وتحفيزهم وفي املقابل
اعتماد مقاربة دقيقة ملسألتهم؛
-إعطاء الفعالية للقضاء ،وذلك للوصول إلى هدفه املتمثل في تحقيق العدل وإلحاق
الحقوق بأصحابها ،من خالل إحداث قضاء ضريبي متخصص؛
والبد في األخير من التأكيد على عدم كفاية الحل التشريعي ،ما لم يصاحبه إصالح شمولي
يقوم على أساس تقديم الحلول الشافية من منطلق التشخيص الشمولي والعميق ألمراض
التحصيل ،ذلك أن التحصيل قضية وطنية تنهض بها سياسة عمومية فعالة.
-الئحة املراجع:
-الكتب:
-أحمد بوعشيق ،الدليل العملي لإلجتهاد القضائي في املادة اإلدارية ،الجزء الثالث،
الطبعة األولى ،مطبعة املعارف الجديد ،الرباط.2004 ،
-محمد قصري ،املنازعات الجبائية املتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء
اإلداري ،الطبعة الثانية ،دار ابي رقراق للطباعة والنشر ،الرباط.2009 ،
-محمد بفقير ،العمل القضائي للغرفة اإلدارية بمحكمة النقض خالل سنتي 2014
و ،2015الجزء الثاني ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة ،البيضاء.2016 ،
-عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي ،اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب
والديون العمومية ،الطبعة األولى ،دار النشر املغربية ،الدار البيضاء.2000 ،
-عمر أزوكار ،الدليل العملي ملدونة تحصيل الديون العمومية ،الطبعة األولى ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء.2017 ،
-عبد الرحمان ابليال ورحيم الطور ،تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء
املدونة الجديدة ،مطبعة األمنية.2000،
-سعيد اولعربي ،إشكالية تحصيل ديون الدولة ،الطبعة األولى ،مطبعة املعارف
الجديدة.2016 ،
-أطروحة جامعية:
-عبد الرحيم حزيكر ،إشكالية تحصيل الضرائب باملغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في
القانون العام ،جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية
بالبيضاء.2003/2003 ،
-املقاالت واملجالت:
-نجالء أحمينة " ،اإلجراءات العادية واالستثنائية لتحصيل الديون العمومية " ،مجلة
املنارة ،عدد خاص .2018
-إبراهيم عقاش" ،إجراءات التحصيل الجبرية في مدونة تحصيل الديون العمومية"،
مجلة املناهح ،عدد 9و.10
ِسـنـ ـة...
ذ عمر املوريف
أديب وروائي مغربي
يظل جالسا على سريره الذي رافقه طيلة حياته يغلق ميمون حقيبته العتيقة ،يتنهدُّ ،
الزوجية ،خارت قواه فلم يستطع الوقوف ،كان كمن حكم عليه باملوت وحان وقت تنفيذ الحكم في
ً
روحه ...روحه ماتت مذ بقي وحيدا على حين غفلة ،مرت السنوات اإلثني عشر التي قضاها بين حق ِ
جدران هذا البيت الذي سكن جوارحه قبل أن يسكنه هو بجسده وروحه ،بماضيه وذكرياته ،بمرارة
األيام الكثيرة ،وحلوها النادرة.
ً
رفع بصره إلى سقف الغرفة كمن يشاهد شيئا ما يفارقه وال يستطيع له طلبا ،سحبته ٌيد
خفية إلى حيت دهر العمر تالش ى في رمشة عين .بين هذه الجدران التي ال تزال تصدع بأصوات
ٌ
أصوات أكثرها مزعج وخانق ،لكن لها وقع الحنين في النفس ،ال مضطربة ال تنفصل عنها البتة،
َ
يدري ميمون ِملا كل األحزان تمس ي أحن ش يء ،ال لش يء سوى أنها من بنات املاض ي ،ونحن أمة تحب
املاض ي وتقدسه .كل ش يء يتحدث في هذا البيت الذي تحول إلى ما يشبه املتحف ،أعضاؤه كلها
ً
عتيقة محنطة ،صورته وزوجه املعلقة على الجدار الذي نسج عليه العنكبوت خيوطا تنبئ بفوات
الوقت ودنو األجل ،كانا شابين جميلين ،كان هو ابن السادسة والعشرين من عمره ،بينما هي لم
تتجاوز التاسعة عشر ،كانا مبتسمين في الصورة قبل أن تهجرهما االبتسامة إلى األبد ،لم تهجرهما
دفعة واحدة ،بل كانت تخفو ببطئ ملدة فاقت الخمس وعشرين سنة ،قبل أن تتالش ى باملرة حينما
قررت زوجه االنفصال عنه ألنه لم يعد كما عرفته ،لقد سرقته الوظيفة ،وأثقلته أقساط البيت
والسيارة ومصاريف البيت واألوالد حتى شاخ قبل األوان ،أصبح ذميما ،أصلعا ،وكثير الصمت...
وهي ،كانت ال تزال في مقتبل العمر ،وتريد أن تعيش الحياة الوردية بكل تفاصيلها ،لكنه ال يستطيع
ألن يحققأن يحقق لها ما تريد .كان يحاول مرا ا أن يشرح لها أن عجزه هذا ما هو إال نتيجة سعيه ْ
ر
لها رغبتها في امتالك بيت وسيارة ،لكنها ال تريد أن تفهم أو أن تصغي ...تريد الرحيل وحسب ،وكان لها
ما أرادات!.
الولدان بدورها رافقا أمهما لصغرهما ،كان يظن أنهما بعد أن يعقال سيعودان إليه ،فمن
حد ذبحة حصلت له في أجلهما ضحى بكل ش يء ،بوقته ،بصحته ،بهواياته الكثيرة ...لكن ظنه خاب ّ
الفؤاد تقض ي له املضجع ،وترفع النوم من على جفونه ،كانا كعصفورين تعلما التحليق لتوهما،
فغادرا العش ،دون أن يعودا إليه البتة ...فظل ميمون وحيدا في النهاية.
لم يؤنس وحشة ميمون مذ غادرت أسرته الصغيرة البيت عدا انغماسه في وظيفته التي
يحب ،وعودته إلى هواية كان قد تركها مرغما :القراءة والكتابة .كانت مكتبته تتسع في البيت على
حساب املتاع ،وكانت كتاباته تتناسل كنجوم بدأت تتألأل في بداية الدجى ..كل ذاك كان له بلسما
ودافعا في االستمرار .لكنه العمر الذي ال يرحم ،تقدمه في السن جعل من الوهن يد ُّب إليه،
ً
واألمراض تطل عليه صبحا وعشية ،كانت على األقل هذه األمراض أفضل من أسرته التي تركته ولم
تعد تتذكره أو تحس بوجوده .كانت لحظة فارقة تلك الليلة األسبوع املاض ي حين حلت به حمى كادت
أن تؤدي بحياته ،لم يجد من يقدم له حتى شربة ماء ،حتى أحباله الصوتية كانت في حالة تخدير لم
يستطع من خاللها الصراخ واالستغاثة ،وحتى وإن أراد أن يستغيث من النافذة فلم تكن له طاقة
للوقوف .لم يحضره وقتها إال عناوين صحف محتفلة بالعثور على جثمان شيخ قض ى نحبه وحيدا في
بيته ،ولم يدل على وفاته غير الرائحة التي انبعثت من البيت كأنها عقبان أنهت نهش جيفة.
بعد أن عادت إليه نفحات من العافية ،توجه صوب الطبيب ،شخص حالته وطمأنه بأنها
أمور طبيعي أن تحصل ملن في سنه ،لكن الش يء الذي ليس طبيعيا هو أن يبقى وحيدا في هذه الفترة
َّ
من حياته ،سأله عن أهله ،صرح له ميمون أنه وحيد بال أصل وال جذر .ملح له الطبيب بأن الحل
الوحيد هو أن يقصد دارا للعجزة!.
التقط ميمون إشارة الطبيب ،لم يجد حال آخر غير تطبيق نصيحته املستترة كي ال يجرح
شعوره ،أخذ اليوم قراره الحاسم بأن يلجأ إلى أحد هذه الدور التي انتشرت في هذه املدينة .تساءل
ونفسه :هل سيتركونه يزور هذا البيت بين الفينة واألخرى؟ وملا ال يجعل هذا البيت دارا أخرى
للعجزة؟؟.
ابتسم بحرقة ،ودع كل ذكرياته في هذا البيت ،تبادر إلى سمعه صوت طفليه وهما صغيرين،
تألم كثيرا ،عاتب هذه الذاكرة التي أبت إال أن تعمق جراحه ،ال زال صوت الطفلين يرتفع...يزدادا في
االرتفاع :بابا...بابا!.
ش يء من الظلمة تحل باملكان ،شلل يضمه إليه فعجز عن الحركة ،ثقل تنفسه ّ
حد
الضيق ،وكأنه مقبل على اإلغماء ...هل هو املوت يستعجله الرحيل؟
صوت الطفلين ال يزال يرن في أذنيه...غاص في عمق سحيق ال قاع له ،شعر بعدها بيد
يم الظلمة التي حوته والتهمته ،النور تهزه بش يء من العنف ...بصيص من النور يحل وسط ّ تحركهّ ،
ً
يزداد إشعاعا ،تحسن تنفسه ،فتح عينيه بصعوبة ،بجانبه طفليه تغمرهما السعادة وهما في ثياب
الخروج ،صدع الصغير بنشوة :هيا يا بابا ...حديقة األلعاب في انتظارنا.
سألته ابنته ذات العشر سنوات من عمرها بسخرية :أم أنك تراجعت عن وعدك لنا
بإخراجنا؟
ٌ
سحبهما إليه وضمهما بقوة ،ذرف دموعا كثيرة ،انتبهت الصغيرة ،استفسرت :ما بك يا أبي...
أتبكي؟.
مسح دموعه بطرف يده مصطنعا الضحكة :قطعا يا صغيرتي...هي دموع التثاؤب ال غير...
ضحكوا ثالثتهم ،ونهض بخفة سائال :أين املاما؟
ً ّ
هنا...هيا بنا ،فالليل مشرف على الوصول .ثم سبقتهم خارجا .كانت سمع زوجه ترد :أنا
متجهمة كعادتها .أدرك أنها ال تزال في غضبها الذي ال ينتهي ..تغضب منه في كل صغيرة وكبيرة .أصبح
الغضب جزء من شخصيتها ..وجزء من حياته!.
أدرك أنه كان في سنة نوم..كان في حلم أو كابوس...أو إشارة ملا هو آت!!.
من يدري؟.
خري ـ ـف 2005
ذ نبيل بوكريم
شاعـ ـ ـ ـر
تبا للحـ ـ ــب حتى الجنــون أدون كــالم ـ ــي وأق ـ ــول
تــطل علي بوابل من الحـنان ك ــانـت في سمــائي ن ــجمة
دون عـ ـنــف وال ع ـ ــدوان تـ ـغ ــزو الكيان فت ــحت ــله
واقت ــض ى أمــرها أن ت ــدان إلى أن انطفأت شمعة األحالم
فال ـغـدر عنـصر من اإلنــسان فلمــاذا أت ـعــجب من األحوال
فج ــأة بغير موعد أو استئـذان زارنــي في ي ــوم م ــن األيام
مخلفة وراءها األلم واألحـزان ها هــي محبوبتي تعدو أمامي
فوق أطــالل الحـب والوجـدان يشـرق بدرها الساطع اللــماح
سيصـير قلبـي مل ـيـئا باألدران أمــا أن ــا ف ـب ــدون اح ـتـمال
هـي النتيجة الطبيعية للهــجران ك ـ ــره ،أســف وأوهـ ـ ــام
يطـفـئ حـرارة وضعف الكـيان هــي الدمــوع فقـط وال نسيان
ال يـســمع له صــوت وال أنــين إنـي أعيـش الحاضـر األل ــيم
ألجــد روحــي في خــبر ك ــان أحـاور اآلن ف ــقط األط ــالل
حتـى صـارت لي عـادة وإدمان أتـخـبط وسـط ذكريـات األيـام
وال تضـني أنه هلوسة أو هذيان فاقـرئي يا حبـيـبتي هذا الكالم
حـفرت في صـدري منذ أزمان بـل هي ســطور مــن دم ــوع
أضحى االجتهاد القضائي في املغرب يفرض نفسه يوما بعد يوما ،كرافد من روافد تفسير
القاعدة القانونية ،وتقديم التنزيل الصحيح لها ،وبغض النظر عن السجال الفقهي الذي عرفه
تكييف االجتهاد القضائي من حيث اعتباره مصدر من مصادر القانون من عدمه ،فإن االجتهاد
القضائي املغربي – خاصة منه املتخصص – قد أبان عن علو كعبه في تنزيل مجموعة من النصوص
القانونية ومواكبة التطور االجتماعي واالقتصادي الذي يعرفه املجتمع املغربي ،وهو األمر الذي
أفض ى إلى إيجاد مجموعة من الحلول الواقعية في مختلف الخصومات القضائية املعروضة على
أنظار املحاكم.
لذلك ،فإن مجلة اإلدارة القضائية تعتبر هذا املحور الخامس ،من أهم املحاور التي يعول
عليها في تنوير مختلف الفاعلين بمنظومة العدالة ،واستجالء الغموض الذي قد يكتنف بعض
النصوص القانونية أو االلتباس الذي قد يعتريها عند التنزيل ،كما أن هذا املحور من شأنه تنوير
الرأي العام الوطني من الناحية القانونية حول بعض الوقائع التي تستشكل عليهم ،وتمكينه من
توسيع مداركه القانونية واإلحاطة املثلى بمختلف املظاهر االجتماعية واالقتصادية في إطار توفير
املعلومة القانونية أو ما بات يعرف باملساعدة القانونية بمفهومها الواسع ولو قبل ظهور املنازعات
والخصومات القضائية.
وقد اعتمدت املجلة من أجل هيكلة طريقة معالجة هذه االجتهادات على طريقة جديدة
تقوم على التقديم لالجتهاد القضائي بإعطاء صورة مختصرة عن املوضوع الذي يطرحه قبل عرض
هذا األخير من خالل التوجه القضائي في املوضوع ،على أمل أن تحقق هذه الطريقة الجديدة الغاية
املثلى منها في تقريب القارئ من االجتهادات القضائية وفهمها وتحليلها أكثر قبل الوصول إلى درجة
التعليق عليها.
كباحث ،وأنا بصدد االطالع على زمرة من اإلنتاجات النابعة عن محاكم مملكتنا الشريفة
خالل الفترة الزمنية األخيرة ،صادفت عيناي قرارا قضائيا حديثا مهما صدر عن محكمة النقض
ببالدنا تحت عدد ،3/1431بتاريخ ،2018/10/17في امللف الجنائي عدد ،2017/6/21974مفاده
أن اعتراف زوجة بتبادل قبل مع رجل أجنبي عنها يجعل جريمة الخيانة الزوجية قائمة في حقها،
الش يء الذي أدى إلى إثارة ضجة ضخمة على جميع املستويات لدى املهتمين بالشأن القانوني
والحقوقي ،وكذا املجال الشرعي واالجتماعي.
وبالعودة إلى تفاصيل القرار ووقائعه ،يتبين جليا أن سيدة تنحدر من نواحي مدينة بوملان قد
توبعت بجنحة الخيانة الزوجية من طرف النيابة العامة ،وبعد استنفاذ جلسات املحاكمة ،صدر
حكم عن املحكمة االبتدائية بنفس املدينة قض ى في منطوقه ببراءتها منها ،ثم أحيل ملف القضية
على أنظار غرفة االستئنافات الجنحية بعد الطعن فيه من لدن النيابة العامة ،فأصدرت قرارها
املؤرخ في 2017/07/25في امللف الجنحي عدد ،17/209بإلغاء الحكم االبتدائي ،وبعد التصدي
الحكم عليها بأربعة أشهر حبسا نافذة ،وأدائها تضامنا مع شريكها تعويضا مدنيا قدره 5000درهم،
األمر الذي جعل دفاع املعنية باألمر يتقدم بطعن بالنقض في مواجهة القرار.
وأمام محكمة النقض ،ورد في الوسيلة املثارة من طرف دفاع الزوجة في العريضة املقدمة
من طرفه أن القرار االستئنافي خرق إجراءات املسطرة الجنائية لعدم معاينة ضابط الشرطة
القضائية الذي حرر محضر وقائع القضية حالة تلبس ،إضافة إلى عدم ارتكاز القرار على أساس
حينما اعتبر أن مجرد تبادل القبل يدخل في صميم االعتراف القضائي ،وقض ى بإدانة املتهمة من
أجل الخيانة الزوجية ،قبل أن تنهي محكمة النقض النزاع برفض الطعن.
وهكذا ،تدعو الخالصة التي انبثقت عن أعلى هيئة بالهرم القضائي إلى وقفة تأملية متأنية
انطالقا من مختلف الزوايا ،وتطرح معها عدة تساؤالت من قبيل:
-هل يدخل االعتراف الوارد بمحضر الضابطة القضائية ضمن مفهوم املكاتيب الصادرة عن
املتهم املنصوص عليها في الفصل 493من القانون الجنائي املغربي كوسيلة إثبات لقيام جريمة
الخيانة الزوجية؟
-وكيف يمكن استنتاج عنصر التلبس في هذه الحالة؟
-وهل جاء موقف محكمة النقض مصادفا للصواب ومحترما للقواعد القانونية والتشريعية
واملبادئ الراسخة املطبقة على النازلة ،ال سيما من حيث الشرعية الجنائية والعرف اإلسالمي؟
وعليه ،وإن لم يكن لي شرف السبق للتعليق على القرار موضوع الدراسة ،1إال أن الدراسات
واآلراء التي تطرقت إلى املوضوع ،لم تشف الغليل ،مما حذا بي بدوري إلى محاولة املغامرة في سبر
أغواره بشكل مغاير منهجيا نوعا معا.
وللجواب عن هذه األسئلة املشار إليها ،سأعمل على تبيان موقف محكمة النقض واألسانيد
التي اعتمدت عليها لتبريره ،قبل مناقشته من خالل إبراز شتى اآلراء ومعالجة وجهات نظر التيارات
إزاء املوضوع سواء من حيث التأييد أو املعارضة ،وإبداء موقفنا الشخص ي منها.
أوال :موقف محكمة النقض
جاء موقف محكمة النقض مؤيدا لقرار اإلدانة السابق الذي عبرت عنه غرفة االستينافات
الجنحية باملحكمة االبتدائية بمدينة بوملان في حق الزوجة باعتبارها مرتكبة الفعل الجرمي املتمثل
-القاضي حكيم يعلق على حكم ”القبلة خيانة ”2019-01-20منشور بالموقع االلكتروني : 1
https://casaoui.ma/1497936405.html
-العربي بوبكري" :رأي آخر في قبلة الخيانة" ،تعليق منشور بالموقع االلكتروني https://www.maroclaw.com
-يوسف الزوجال :مدى اعتبار القبلة خيانة زوجية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد المزدوج ،151-150
يناير/أبريل .2020
في الخيانة الزوجية ،استنادا إلى سيد األدلة في القانون الجنائي ،أي االعتراف الصادر عنها واملدون
بمحضر الضابطة القضائية الذي يشكل وثيقة إثبات تدخل ضمن جملة وسائل اإلثبات املنصوص
عليها في الفصل 493منه ،من خالل تبني التعليل اآلتي“ :يتجلى من تنصيصات القرار املطعون فيه
أن املحكمة املصدرة له استندت على صواب في إدانة الطاعنة من أجل جنحة الخيانة الزوجية إلى
اعترافها في محضر الشرطة القضائية بتبادل القبل مع رجل أجنبي عنها" ،مضيفة في اآلن ذاته أن
االعتراف “:فعل يشكل خيانة زوجية في حق زوجها ،فهو خيانة لرابطة الزوجية والوفاء والثقة بين
الزوجين ،وإن هذا االعتراف ينزل منزلة االعتراف الذي تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عنها ،وبالتالي
وسيلة إثبات قانونية طبقا ملقتضيات الفصل 493من القانون الجنائي ،وتكون املحكمة قد طبقت
القانون تطبيقا سليما”.
ولقد نص املشرع املغربي على هذا النوع من املحاضر في الفصل 290من قانون املسطرة
الجنائية الذي جاء فيه ما يلي " :املحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن
التثبت من الجنح واملخالفات ،يوثق بمضمنها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل اإلثبات".
وتبعا للمعطى سالف الذكر ،فإن قرار محكمة النقض يتماش ى مع القاعدة القانونية العامة
املطبقة في املادة الزجرية والجنحية بصفة رئيسية بحكم حجيتها ،ما دام لم يثبت عكس ذلك وال
لبس أو منازعة بشأنها.
ثانيا :مناقشة رأي محكمة النقض
لفت القرار الذي نحن بصدد مناقشة حيثياته أنظار املهتمين بالحقل القضائي والشأن
القانوني باملغرب ،حيث انقسموا إلى تيارين :األول مؤيد لرأي محكمة النقض ،والثاني معارض له.
وهذا يحتم على املرء عرض أسانيد كل منهما على حدة.
- 1عرض أوجه االتجاه املؤيد لرأي محكمة النقض وأسانيده :
يعكس هذا القرار اتجاها قضائيا ينتصر إلى تغليب األفكار املحافظة ،فالتحفظ في املجتمع
راجع إلى تأثير الشريعة اإلسالمية التي تؤسس لحرمة العرض وتزكي ذلك بخصوص جسد املرأة
عموما والزوجة على وجه التحديد.
وغني عن البيان ،أن الشرع الحنيف حرم الزنا بمقتض ى دالئل قطعية صريحة وملموسة
مستمدة من القرآن والسنة ،فقد قال هللا تعالى" :وال تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيال". 1
وقد ميز اإلسالم بين نوعين من الزنا :الزنا الفعلي الحقيقي والزنا املجازي.
فالزنا الفعلي أو الذي يصطلح عليه فقها بالزنا الحقيقي أو الزنا األكبر له عدة شروط
يجب توافرها حتى يتحقق :تعمد حدوث اإليالج مع العلم بحرمانيته ،ويشترط في هذا التعمد توافر
عنصرين :هما العلم بحالله أو بحرامه وعقوبته وصوره وحدوده ،والنية لتحقيقه والسعي مرارا في
طلبه ،أي اإلرادة .وإذا اجتمع هذين الشرطين تحقق الزنا ووجب الحد ،أما إذا انتفى أحدهما فال يقع
الحد.
أما الزنا املجازي أو الزنا األصغر ،فقد ورد في حديث نبوي شريف .فعن أبي هريرة عن النبي
صلى هللا عليه وسلم قال " :إن هللا كتب على ابن آدم حظه من الزنا ،أدرك ذلك ال محالة ،فزنا
والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه ".1العين النظر ،وزنا اللسان املنطق ،والنفس تتمنى وتشتهيْ ،
وفي هذا السياق ،قال النووي في شرح مسلم :إن ابن آدم قدر عليه نصيبه من الزنا ،فمنهم
ً
من يكون زناه حقيقيا بإدخال الفرج في الفرج الحرام ،ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر إلى الحرام أو
االستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله ،أو باملس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو بتقبيلها ،أو باملش ي
بالرجل إلى الزنا ،أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب.2
وهكذا ،ال يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة واملالمسة والنظر فهي
كلها محرمات ،وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا.
ويقول ابن القيم الجوزية في كتابه إعالم املوقعين" :إن املعاص ي ثالثة أنواع :نوع فيه الحد
وال كفارة فيه ،ونوع فيه الكفارة وال حد فيه ،ونوع ال حد فيه وال كفارة ; فاألول -كالسرقة والشرب
والزنا والقذف -والثاني :كالوطء في نهار رمضان ،والوطء في اإلحرام ,والثالث :كوطء األمة املشتركة
بينه وبين غيره وقبلة األجنبية ،والخلوة بها ،ودخول الحمام بغير مئزر ،وأكل امليتة والدم ولحم
الخنزير ،ونحو ذلك".3
فإذا كان النظر محرما فمن باب أولى القبلة ،ألن القبلة أعظم أثرا في النفس من مجرد
النظر ،حيث إن القبلة أكثر إثارة للشهوة وأقوى داعيا للفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم
ذلك .
ومما يدل على تحريم تقبيل املرأة األجنبية ما ورد في الحديث عن معقل بن يسار رض ي هللا
عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال" :ألن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له
من أن يمس امرأة ال تحل له".1
وفي نفس السياق ،ورد في الحديث عن أبي اليسر قال :أتتني امرأة تبتاع تمرا ،فقلت :إن في
البيت تمرا أطيب منه ،فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها ،فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له،
فقال" :استر على نفسك وتب وال تخبر أحدا" ،فلم أصبر ،فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال" :استر
على نفسك ،وتب وال تخبر أحدا" ،فلم أصبر ،فأتيت النبي صلى هللا عليه وسلم فذكرت ذلك له
فقال له" :أخلفت غازيا في سبيل هللا في أهله بمثل هذا؟" حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إال تلك الساعة
ً
حتى ظن أنه من أهل النار ،قال :وأطرق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم طويال حتى أوحي إليه{ :وأقم
ّ
النهار وزلفا من الليل ّإن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} ،قال أبو الصالة طرفي ّ
اليسر :فأتيته فقرأها علي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فقال أصحابه :يا رسول هللا ألهذا خاصة
أم للناس عامة؟ فقال" :بل للناس عامة".2
كما أن ما تميز به العرب هو الغيرة الشديدة واملحافظة على العرض والشرف سواء في عهد
الجاهلية أو في ظل اإلسالم .فقد كانوا يقدسون هذا األمر ويعظمونه ،بل إنهم يتمسكون بالعفة،
ويشيمون عن الرذائل ،ويبتعدون عن مساوئ األخالق.
وقد عبر عن ذلك الشاعر املتنبي في إحدى قصائده ،بقوله" :يهون علينا أن تصاب جسومنا
وتسلم أعر ٌ
اض لنـا وعقـول".
وقد ورد في قصيدة شعرية أخرى لصاحبها البيت الشعري اآلتي:
ال بارك هللا بعد العرض في املال أصون عرض ي بمالي ال أبدده
3
ولست للعرض إن أودى بمحتال أحتال للمال إن أودى فأكسبه
ويسير على ذات املنوال الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد ،حينما عبر عن ذلك:
وما لسواد جلدي من دواء لئن أك أسودا فاملسك لوني
كبعد األرض عن جو السماء ولكن تبعد الفحشاء عني
1
-رواه الطبراني والبيهقي
- 2رواه الترمذي
- 3شرح ديوان الحماسة ،أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي األصفهاني (المتوفى 421 :هـ) ،المحقق :غريد الشيخ،
وضع فهارسه العامة :إبراهيم شمس الدين ،دار الكتب العلمية ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى 1424هـ2003 -م ،ص .1184
وعلى هذا األساس ،فإن اتجاه محكمة النقض إلى اعتبار القبلة الشهوانية خيانة لرابطة
الزوجية وللوفاء والثقة بين الزوجين ،هو تفسير ينسجم وطبيعة املصلحة املحمية من وراء التجريم
املتمثلة في صيانة حرمة الزواج ورابطته املقدسة.
- 1بسط أوجه االتجاه الر افض لرأي محكمة النقض وأسانيده :
ركز مناهضو هذا القرار سهام نقدهم الالذع بناء على كونه جاء مخالفا لقاعدة الشرعية
الجنائية ،بعلة أن القانون الجنائي املغربي الذي يجرم العالقات الجنسية الرضائية بين الراشدين
يميز بين جريمتي الفساد والخيانة الزوجية.
كما أن قواعد املادة الجنائية التي تخضع ملبدأ حرية اإلثبات جعلت املشرع يتقيد عند إثبات
جرائم الفساد أو الخيانة الزوجية بوسائل واردة على سبيل الحصر ،حيث نص في الفصل 493من
القانون الجنائي على أن هذه الجرائم ال تثبت إال بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة
القضائية في حالة التلبس ،أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن املتهم أو اعتراف
قضائي.
من جهة ثانية ،يرى جانب آخر من املهتمين أن القرار املذكور يخالف االجتهاد القضائي
باملغرب والذي درج على اشتراط وجود العالقة الجنسية في جريمتي الفساد أو الخيانة الزوجية،
حيث ال يتصور قيام الجريمتين دون وجود محضر تلبس أو اعتراف في مكاتيب ،أو اعتراف قضائي
بممارسة الجنس.
وقد ذهب مناصرو هذا التيار أيضا إلى أن القرار لم يصدر فقط مخالفا للقانون الجنائي
الذي يشترط العالقة الجنسية الكاملة لإلدانة في جريمتي الفساد والخيانة الزوجية ،وإنما أيضا
معاكس ألحكام مختلف املذاهب الفقهية اإلسالمية التي تشترط حالة التلبس بالزنا ،وحضور أربعة
شهود يعاينون العملية وال يقام الحد إذا اختلت هذه الشهود ،كما أن املعلوم في الشريعة اإلسالمية
أن القبلة مجرد صغيرة من الصغائر وال تعد من كبائر الذنوب ،ويكفي أن يتوضأ الشخص لكي
تسقط عنه.
فالفقه الكالسيكي التقليدي يرى أن فعل الخيانة الزوجية هو تدنيس فراش الزوجية
وانتهاك حرمته بتمام الوطء ،ويميز بين نوعين من هذا الفعل الجنس ي:
-خيانة زوجية بسيطة ) (Simple Adultèreيرتكبها الشخص املتزوج مع شخص أجنبي غير
متزوج.
-ثم خيانة زوجية ثنائية ) (Adultère Doubleيرتكبها الشخص املتزوج مع شخص آخر يكون
هو اآلخر متزوجا أيضا. 1
عموما ،سار أعمدة الفقه العربي عموما إلى وصف الخيانة الزوجية على أنها ارتكاب الوطء
غير املشروع من طرف شخص متزوج مع شخص آخر برضاه ،وذلك حال قيام العالقة الزوجية فعال
أو حكما ،2ويذهب معه رواد الفقه القانوني باملغرب في اتجاه التطبيق الحرفي ملضامين فصول
القانون الجنائي فيما يتعلق بالتلبس الجنس ي ،أي أن يكونا الطرفان في وضعية ممارسة الجنس أو
بصدد املمارسة أو االنتهاء منه.3
ثالثا :موقفنا الشخص ي
قد يبدو منذ الوهلة األولى أن قرار محكمة النقض خلق رؤية قضائية استثنائية وفريدة
غير معهودة وفتح من جديد النقاش حول حماية الحريات الخاصة للمواطنين واملواطنات ،إال أنه
بالتمعن في مضمون حيثياته وتعليله ،يتضح أن أساس الخالف الواقع بين التيارات التي سقناها
أعاله بخصوص جريمة الخيانة الزوجية راجع بشكل رئيس ي إلى الغموض الذي يكتنف مراد املشرع
من مفهوم ” الخيانة الزوجية“ ،الش يء الذي يجعل االلتباس قائما بخصوص تحديد ماهية الركن
املادي لهذه الجنحة ،ناهيك عن مكونات ركنها املعنوي.
وبالرغم من أنه قد يضفي عليه البعض الطابع الشاذ كما رأينا لعدم انسجامه مع االجتهاد
القضائي الوطني املتواتر سابقا من لدن قضاء محكمة النقض ،مع بوادر افتراض تناقضه مع مبادئ
الشرعية الجنائية بالنسبة للبعض اآلخر كما سبق بيانه ،فإنه في رأيي الشخص ي وليس دفاعا عن
القرار والهيئة املصدرة له ،لم يخرج عن نطاق نص الفصول املنظمة لجريمة الخيانة الزوجية ،وجاء
مطابقا ملقتضياتها واحترم روح القانون ،كما أنه لم يتوسع في فحواه عند تفسيره ،بل ظل متشبعا
باملرجعية الدستورية والدينية التي تعد من مقومات الدولة وتشريعها ،ذلك أن املوقف الذي ذهبت
1
- On entend par simple adultère la conjonction illicite qu’a une personne mariée avec une qui lest
pas. Et par adultere double l on entend la conjonction illicite qu’a une personne mariée avec une qui
est aussi mariée.
M. claude et joseph de Ferriere : nouvelle introduction a la pratique contenant lexplication des
termes de pratique de droit et de coutume avec les juridictions de France p : 46. Consultable sur le
site web : www.books.google.com
- 2عبد الحكيم فودة ،الجرائم الماسة باآلداب العامة و العرض ،دار الكتب القانونية ،مصر ،القاهرة ،طبعة ،2004ص 605
أحمد حافظ نور ،الزنا في القانون المصري والمقارن ،دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ,طبعة ،1958ص .610
- 3أنظر :امحمد أق بلي وعابد العمراني ،القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح ،مكتبة الرشاد للنشر والتوزيع ،ط األولى ،2020ص / 190
-عبد الواحد العلمي ،شرح القانون الجنائي المغربي ،القسم الخاص ،ص / 218
-أحمد الخمليشي ،القانون الجنائي الخاص ،ج ،2مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ،الطبعة الثانية ،1405-1986ص 249
إليه محكمة النقض يعتبر في اعتقادي موقفا سليما على اعتبار أنه يمنع تفسير النصوص القانونية
ذات الطابع الجنائي إال وفق ما أراده املشرع.
ولكل هذا ،ال بد من اإلشادة بقضاة محكمة النقض الذين تولوا زمام مراقبة تطبيق القانون
إزاء النازلة املطروحة ،ونصفق لهم بحرارة على الجرأة والشجاعة التي تحلوا بها .ومرد ميولنا إلى
رجاحة موقف املحكمة وصوابيته إلى ما يلي:
أن استخدام املشرع عبارة "الخيانة الزوجية" بدل "املواقعة الجنسية بين رجل وامرأة
أحدهما متزوج" لم يأتي من فراغ أو اعتباطيا ،بل الغرض منه توسيع مجال ارتكاب هذه الجنحة بما
هو متوافق مع املرجعية األخالقية اإلسالمية التي تعتبر الباعث واملصدر وراء تجريم هذا الفعل،
وبالتالي فمرد اقتصار فهم هذه الجنحة على أن املقصود بها هو املواقعة الجنسية هو فهم قاصر
ومخالف ملا قصده املشرع ،حيث إنه حينما ننظر إلى هذه الجنحة من املنظور الشرعي ،فإن الخيانة
الزوجية ال تسع املواقعة الجنسية خارج مؤسسة الزواج التي يكون أحد أطرافها متزوجا فقط ،بل
إنما يشمل كل عالقة غير مشروعة قد تنشأ بين أحد الزوجين وشخص أجنبي عن العالقة الزوجية،
فتعتبر عالقة محرمة شرعا وعرفا سواء بلغت حد الزنا أو لم تبلغ ،ويشمل ذلك تبادل القبل.
وبهذا ،يكون مردودا على أصحابه القول بأن القرار جاء مخالفا لقاعدة الشرعية الجنائية.
وبالتالي فمحكمة النقض ملا اعتبرت تبادل القبل فعال يشكل خيانة زوجية تكون قد حققت غاية
املشرع باستعمال لفظ الخيانة الزوجية في صيغته العامة والواسعة واملطلقة.
أن القول بأن القرار جاء مخالفا لالجتهاد القضائي ملحكمة النقض الصادر في فترات
ماضية ال يستقيم ،بل إن العكس هو الصحيح ،ذلك أن تجريم تبادل القبل من طرفها ليس جديدا
أو وليد اليوم ،بل سبق في قرار لها أن اعتبرت مجرد السالم بالوجه يعتبر أمرا عاديا ،في حين أن
تبادل القبل مع قاصر مجرم ويقع تحت طائلة جريمة هتك عرض قاصر.1
أن القول بكون القرار سار في منحى متناقض مع الشريعة اإلسالمية من حيث ضرورة
وجود إيالج وعالقة جنسية كاملة األركان يبقى غير جدي ،لتشبت التيار املدافع عن هذه الفكرة بالزنا
الحقيقي أو الفعلي الذي أوضحنا معناه آنفا ،دون االلتفات إلى النوع الثاني من الزنا أي الزنا
املجازي ،والذي يدخل ضمن خانته القبل وتبادلها مع شخص أجنبي عن الزوج ،وهو ما يؤكد سالمة
املوقف املتخذ من لدن محكمة النقض بشأن هذا الشق املتعلق بالشرع اإلسالمي.
أن االتجاه الذي نحت إليه محكمة النقض يتوافق أيضا مع السياسة الجنائية
الوطنية التي تسلتزم سن نظام حمائي مجتمعي بصفة مزدوجة ،أي عام وأسري بصفة خاصة.
أن االعتراف املدون بمحضر الضابطة القضائية بارتكاب الخيانة الزوجية تأخذ به
املحاكم وليس وليد اليوم ،ويظهر جليا من خالل مجموعة من االجتهادات القضائية ،نذكر على
سبيل املثال ال الحصر:
-قرار محكمة النقض (املجلس األعلى) سابقا رقم 11س 25الصادر بتاريخ 14يناير
1982ملف جنحي عدد 60184الذي جاء فيه" :االعتراف املحرر من لدن الضابطة القضائية واملوقع
عليه من طرف صاحبه ينزل منزلة اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن املتهم في ميدان إثبات
الخيانة الزوجية أو املشاركة فيها".
-قرار محكمة النقض رقم 2305س 21الصادر بتاريخ 9نونبر 1978الذي ورد فيه ما
يلي" :إن توقيع املتهم على املحضر الصحيح الشكل يعتبر بمثابة االعتراف الذي تضمنته مكاتيب أو
أوراق صادرة عن املتهم دون اشتراط التلبس وأناط املجلس األعلى ذلك باقتناع املحكمة بما ورد
باملحضر".1
ومجمل القول ،ولرفع اللبس عن خبايا جريمة الخيانة الزوجية وفك عناصرها التكوينية
فيما يتعلق بركنها املادي ،فإن املشرع املغربي مدعو في إطار مراجعة وبلورة التصور الجديد للسياسة
الجنائية عند اإلقدام على تعديل أحكام مجموعة القانون الجنائي ،وال سيما فيما له صلة وطيدة
بالنقاش املحتدم الدائر بين الفعاليات الحقوقية حول الحق في ممارسة الحريات الفردية ،إلى األخذ
بعين االعتبار مختلف العوامل املؤثرة في تحديد ماهية الجريمة التي نحن بصددها واإلحاطة
بعواملها ،حتى يتسنى لجميع املمارسين التمييز والفصل بينها وبين األفعال الجرمية األخرى كجريمة
الفساد.
كما أن التوجه الحديث املتخذ من طرف محكمة النقض حول مسائل خاصة ترتبط بهذه
الجريمة بعينها ،من خالل الحسم في الحالة التي يكون مرتكب فعل الخيانة الزوجية قاصرا ،يجعل
التشريع الجنائي املغربي مطالبا بتوحيد الرؤى واالقتصار على تطبيق الفصول من 491إلى 493من
القانون الجنائي على الراشدين فقط دون تمديده إلى فئة األحداث ،عبر إضافة فقرة خاصة تنص
صراحة على ذلك ،بدل الخوض في تساؤالت أخرى من حيث التكييف :هل يتم متابعته طبقا
- 1أورد هذه االجتهادات ،إيهاب عبد المطلب وسمير صبحي :الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح القانون الجنائي المغربي في ضوء الفقه وأحكام المجلس
األعلى المغربي ومحكمة النقض المصرية المجلد الرابع 2011-2010توزيع مكتبة الرشاد سطات ،ص.76
ملقتضيات املادة 22من مدونة األسرة ،التي تنص على أن القاصر التي تحصل على إذن قضائي
بالزواج تكتسب األهلية املدنية في ممارسة الحق في التقاض ي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من
حقوق والتزامات ،مما يؤدي أيضا إلى ترتيب املسؤولية الجنائية في حقه ،أم التصريح ببراءته بحكم
أنه حدث غير مكتمل التمييز؛ وهو ما يفرض التعامل معه كضحية تستحق الحماية القانونية طبقا
ملقتضيات املادة 484من القانون الجنائي ،ومن ثم ،ال يمكن اعتباره فاعال أصليا في جنحة الخيانة
الزوجية ،طاملا لم يتجاوز 18سنة ،ألنه ال يعتد بإرادته في العالقات الجنسية مع الغير وأن كل
اتصال جنس ي به ولو بإرادته يشكل جريمة هتك عرض قاصر.
املرجع :قرارمحكمة النقض عدد 349بتاريخ 18مارس 2015في امللف الجنحي عدد 2014/1/6/9194
-الوسيلة :
في شأن وسيلة النقض الوحيدة املتخذة من الخرق الجوهري للقانون وخرق مقتضيات
املادة 650من قانون املسطرة الجنائية ،ذلك أن القرار االستئنافي القاض ي عليه بالعقوبة الحبسية
املعنية بالطلب صدر بتاريخ عاشر أكتوبر ،2006وأن تبليغه إليه تم بتاريخ تاسع يوليوز 2013بعد
أن تقادمت هذه العقوبة الحبسية ،ولذلك ال يمكن اعتبار التبليغ املذكور سببا النقطاع التقادم،
وال يؤثر بأي شكل على القرار املبلغ ،ألن مقتضيات املادة 650من قانون املسطرة الجنائية لم ترتب
على هذا التبليغ أي أثر موقف أو قاطع للتقادم ،واملحكمة املطعون في قرارها عندما اعتبرت تاريخ
إجراء التبليغ منطلقا الحتساب تقادم العقوبة وقررت رفض طلب العارض الرامي إلى التصريح
بتقادم العقوبة في حقه فقد خرقت مقتضيات فصل القانون املذكور وعرضت بذلك قرارها
للنقض.
حيث يتجلى من القرار املطلوب التصريخ بتقادم العقوبة الحبسية فيه (وهي ثالث
سنوات) ،قد صدر بمثابة حضوري بتاريخ 10أكتوبر 2006وبلغ إلى املحكوم عليه – الطالب –
بتاريخ 09يوليوز 2013أي بعد مرور أكثر من أربع سنوات على صدوره.
وحيث إنه بمقتض ى املادتين 1/648و 1/650من قانون املسطرة الجنائية ،يتخلص املحكوم
عليه بعقوبة حنجية من آثار هذا الحكم للتقادم ،إذا لم تنفذ عليه تلك العقوبة خالل أجل أريع
سنوات من تاريخ اكتساب القرار القاض ي بها قوة الش يء املقض ي به ،ويكتسب القرار الصادر بمثابة
الحضوري هذه القوة إذا لم تسع الجهة املكلفة بالتنفيذ إلى تبليغه إلى املحكوم عليه وتنفيذ عقوبته
عليه قبل أن تسقط بالتقادم.
الصفحة 361 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
وحيث إن ما ذهبت إله املحكمة املطعون فيه قرارها ،وهي تنظر في نزاع يتعلق بالتنفيذ ،من
أن تبليغ القرار بمثابة الحضوري املؤرخ في 2006/10/10إلى املحكوم عليه العارض بتاريخ
2013/07/09بعد مض ي أمد تقادم عقوبته ،جعله ال يكتسب قوة الش يء املقض ي به ،قول ال يساير
املقتضيات القانونية املشار إليها أعاله ،إذ إن تبليغ القرار الذي يتم بعد مض ي أمد تقادم العقوبة،
ال يترتب عنه أي أثر قانوني ،مما يعرض القرار املطعون فيه للنقض واإلبطال.
املرجع :قرارمحكمة النقض عدد 481بتاريخ 03أبريل 2014في امللف الجنحي عدد 2014/10/6/650
-الوسيلة :
في شأن وسيلة النقض الفريدة املتخذة من انعدام األساس القانوني ،ذلك أن الغرفة االستئنافية
أدانت املتعم من أجل جنحة الفرار عقب وقوع الحادثة وعاقبته بغرامة فقط دون األمر بتوقيف رخصة
السياقة في املدة املنصوص عليها في املادة 182من مدونة السير وتتراوح بين سنة وسنتين ،فجاء قرارها غير
مستند على أساس قانوني ومعرضا للنقض.
بناء على الفصلين 365و 370من قانون املسطرة الجنائية وبمقتضاهما يجب أن تكون األحكام
والقرارات معلله من الناحيتين الواقهية والقانونية ،وإال كانت باطلة.
حيث إن املادة 182من مدونة السير تعاقب على جنحة الفرار فضال عن العقوبات األصلية املحدد فيها
وهي الحبس والغرامة بعقوبة إضافية هي توقيف رخصة السياقة ملدة تتراوح بين سنة وسنتين ،واملحكمة
املصدرة للقرار املطعون فيه ملا ادانت الظنين من أجل جنحة الفرار وعاقبته بغرامة نافذة فقط ،وقضت بإرجاع
رخصة السياقة له تكون قد خرقت املقتضيات القانونية املشار إليها أعاله ،ولم تحمل لقضائها من أساس
وعرضته للنقض.
القاعدة :العقوبات الحبسية النافذة هي التي تخضع لرد االعتبارالقضائي أما العقوبات
املوقوفة التنفيذ فتخضع لرد االعتباربقوة القانون
املرجع :قرارمحكمة النقض عدد 492بتاريخ 23مارس 2022في امللف الجنحي عدد 2021/1/6/23381
-الوسيلة :
في شأن وسيلة النقض الوحيدة والتي جاء فيها أن القرار املطلوب رد االعتبار فيه قض ى في الدعوى
العمومية بإدانة الطالب بسنة حبسا مؤجال ،وبغرامة مالية قدرها 5000درهم ،وفي الدعوى املدنية بأدائه وباقي
املتهمين تضامنا تعويضا مدنيا قدره 120.000درهم ،غير أن رد االعتبار القضائي ال يمكن تصوره إال في
العقوبات النافذة السالبة للحرية ،األمر الذي نصت عليه املادة 690من قانون املسطرة الجنائية ،بالقول أنه
يجب أن يكون طلب رد االعتبار شامال ملجموع املقررات القضائية بعقوبات نافذة لم يسبق محوها ال عن طريق
رد اعتبار سابق ،وال عن طريق العفو الشامل ،كما أن املادة 692من قانون املسطرة الجنائية جعلت احتساب
أمد رد االعتبار القضائي ابتداء من يوم اإلفراج بالنسبة للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية ،ولم يحدد املشرع
أي أجل لرد االعتبار القضائي فيما يخص العقوبات املوقوفة التنفيذ ،مما يتعذر معه على املحكمة احتساب
أمد سريان أجل رد االعتبار بشأنها ،األمر الذي يعرض القرار للنقض واإلبطال.
املرجع :قرارمحكمة النقض عدد 149بتاريخ 2011/04/05في امللف الشرعي عدد 2009/1/2/292
-الوسيلة :
في شأن الوسيلة األولى املتخذة من خرق املادة 63من مدونة األسرة والفصل 52من قانون االلتزامات
والعقود ،ذلك أنه حسب املادة املذكورة فإن املدلس عليه في عقد الزواج بوقائع أثرت على إرادته وأفسدتها تخول
له طلب فسخ العقد قبل البناء وبعده داخل أجل شهرين من تاريخ العلم بوقوع التدليس ،كما أن الفصل 52من
قانون االلتزامات والعقود ينص على أن التدليس يخول اإلبطال إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد
املتعاقدين أو نائبه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لوالها ملا تعاقد الطرف اآلخر ،واملطلوبة استعملت وسائل
التضليل بإدالئها بشهادة العزوبة والخطوبة والتصريح أمام العدلين بكونها لم يسبق لها الزواج قاصدة من ورائها
مظهرا خادعا إليقاعه في غلط حتى يتزوج بها ،وقد تأتى لها ذلك وتزوجها تحت تأثير هاذ التدليس وأصدقها
صداق البكر 30.000درهم ،ناهيك عن كثره الهدايا ومراسيم الزواج التي كلفته 25.000درهم ،وذلك كله على
أساس أنها لم يسبق لها زواج ،والقرار املطعون فيه ملا اعتبر شهادة الخطوبة ليست شرطا في عقد الزواج أو ركنا
فيه ،وأنها ال تدخل ضمن موجبات فسخ الزواج واستبعد كل ما أدلى به من حجج واعتبرها ال تشكل تدليسا ،فإنه
يكون قد خرق مقتضيات املادة 63من مدونة األسرة والفصل 52من قانون االلتزامات والعقود مما يعرضه
للنقض.
الزواج ،والحال أنها كانت متزوجة برجل آخر وطلقت منه حسب نسخة من رسم الطالق عدد 129بتاريخ
2001/08/18والذي بقي بدون مطعن ،تكون قد دلست على الطاعن بوقائع كانت هي الدافع إلى قبول الزواج،
واملحكمة ملا عللت قرارها بأن موجبات فسخ الزواج هي ما اصطلح عليها في املدونة من املمنوعات املؤقتة
واملمنوعات املحرمة تكون قد عللت قرارها تعليال فاسدا ،وخرقت مقتضيات املادة 63من مدونة األسرة ،مما
يعرض قرارها للنقض.
القاعدة :الخدمة املنزلية ال تعتبرعمال من أعمال الكد والسعاية وال تدخل في تنمية أموال
األسرة خالل الزواج
املرجع :قرارمحكمة النقض عدد 770بتاريخ 2016/12/06في امللف الشرعي عدد 2016/1/2/154
-الوسيلة الثالثة:
حيث تعيب الطاعنة على القرار بخرق الدستور (الفصلين 19و 32منه) ،ذلك أنه حمل
الطاعنة عبء إثبات املساهمة املادية في الثروة ،وتقييد ذلك بدورها في العمل املدر للدخل دون
اعتبار الدور التشاركي في قيام األسرة وتأسيس الثروة األسرية على اعتبار أنها لم تبخل على زوجها
بمالها ،مما يكون معه القرار معرضا للنقض.
لكن ،حيث إن املحكمة ملا لم يثبت لديها بمقبول أن الطاعنة ساهمت فعليا في تنمية أموال
األسرة ،واعتبرت أن الخدمة املنزلية من التزاماتها العادية بنص املادة 51من مدونة األسرة ،وقضت
برفض الطلب ،فإنها طبقت القانون وعللت قرارها تعليال كافيا ،وكان ما بالنعي على غير أساس.
القاعدة :الرجوع لبيت الزوجية يجب أن يكون فعليا وعن حسن نية ومغادرة الزوجة لبيت
الزوجية بعد فترة وجيزة من تنفيذها لحكم يوجب ايقاف نفقتها واعتبارها ناشزا
املرجع :قرارمحكمة النقض عدد 324بتاريخ 2006/06/17في امللف الشرعي عدد 2008/1/2/95
-الوسيلة :
حيث يعيب الطاعن القرار املطعون فيه بضعف التعليل الذي هو بمثابة انعدامه ،ذلك أن
املطلوبة هي التي استصدرت الحكم القاض ي بالرجوع إلى بيت الزوجية لرفع حالة النشوز والحصول
على النفقة التي كان قد تم إيقافها من طرف املحكمة المتناعها عن الرجوع إلى بيت الزوجية سابقا،
وأنها لم تكن حسنة النية إذ بمجرد ما ادخلها العون القضائي (ن.م) إلى بيت الزوجية غادرته على
الساعة السادسة والنصف مساء حسب محضر معاينة املنجز من طرف العون القضائي السيد
ً
مساء ،وبقي إلى الساعة الثامنة والنصف (ب.م) الذي حضر إلى بيت الزوجية على الساعة السابعة
من نفس اليوم ،دون أن يظهر لها أثر ،والذي أورد في محضره بأن املسمى سعيد صاحب الدكان
املجاور أخبره بأن املطلوبة غادرت بيت الزوجية على الساعدة السادسة والنصف ،واملحكمة ملا
اعتمدت محضر التنفيذ املنجز من طرف العون القضائي (ن.م) لرفع حالة النشوز مع أن هذا
املحضر قد تم دحضه بمحضر العون القضائي (م.ب) تكون قد عللت قرارها تعليال ناقصا وهو
بمثابة انعدامه ،مما يعرضه للنقض.
حيث صح ما عابه الطاعن على القرار املطعون فيه ،ذلك أنه بمقتض ى املادة 195من
مدونة األسرة ،فإن نفقة الزوجة تسقط إذا حكم عليها بالرجوع إلى بيت الزوجية وامتنعت ،واستنادا
إلى هذه املادة ،فإن الزوجة الناشز ال تستحق نفقتها إال بعد رجوعها إلى بيت الزوجية رجوعا فعليا
وعن حسن نية ،والثابت من محضر معاينة وإثبات واستجواب املنجز من طرف العون القضائي
(م.ن) أن املطلوبة رجعت إلى بيت الزوجية على الساعة السادسة وخمس دقائق مساء من يوم
2002/07/05وغادرته على الساعة السابعة مساء من نفس اليوم حسب محضر معاينة املنجز من
طرف العون القضائي (م.ب) بناء على أمر السيد رئيس املحكمة عدد ،2002/1161والذي بقي
بدون مطعن ،واملحكمة ملا اعتبرت دخول الزوجة إلى بيت الزوجية وخروجها منه بعد أقل من ساعة
وعدم رجوعها إليه لحد اآلن رجوعا إلى بيت الزوجية ،ورتبت عنه أداء الطاعن لنفقتها ابتداء من
ذلك التاريخ تكون قد عللت قرارها تعليال فاسدا وهو بمثابة انعدامه ،مما يعرضه للنقض.
القاعدة :عدم التنصيص صراحة في مدونة األسرة على التوكيل في الطالق ال يعني استبعاده
مطلقا ،بل هو جائزبشروط مذهب اإلمام مالك الذي أحلت عليه املادة 400من مدونة األسرة
املرجع :قرارمحكمة النقض عدد 418بتاريخ 221/09/14في امللف الشرعي عدد 2020/1/2/279
-الوسيلة :
حيث يعيب الطالب القرار في الوسيلة الفريدة بنقصان التعليل الذي يوازي انعدامه
بدعوى أنه لم يتمكن من الحضور إلى املغرب قصد الحضور باملحكمة لجلسة الصلح لصدور
مذكرة بحث في حقه إثر شكاية كيدية رفعتها املطلوبة في مواجهته ودون تمتيعه بضمانة الحضور أو
الدفاع عن نفسه ،وأنه وكل دفاعه لحضور جلسات الصلح ،وأن محكمة الدرجة األولى قضت بعدم
قبول طلبه وأيدتها محكمة االستئناف في ذلك ،دون مناقشة ما أثاره من أن محكمة النقض أخذت
بالوكالة للتطليق في قرار سابق لها رقم 941صادر بتاريخ ،2013/12/24بناء على إجازة الفقه
االسالمي للطالق بالوكالة ،وأنه كان على املحكمة فك عصمته من املطلوبة الستفحال املشاكل
بينهما ،وتحديد املستحقات ،والتمس نقض القرار وإرجاع امللف إلى املحكمة االبتدائية للبت فيه
طبقا للقانون.
حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ،ذلك أنه لئن كان املشرع قد نص في املادة 81من
مدونة األسرة على استدعاء الطرفين شخصيا لحضور جلسة الصلح بينهما إليجاد حل للخالفات
بينهما ،واعتبرت توصل الزوج وعدم حضوره تراجعا منه عن طلبه ،وكانت فلسفة املشرع بما صاغه
في مدونة األسرة هو الحرص على األسرة والحفاظ على استقرارها ،فإن عدم تنصيصه على التوكيل
صراحة كما كان عليه األمر في الفصل 44من مدونة األحوال الشخصية ،ال يعني استبعاده مطلقا،
إذ أنه جائز في مذهب اإلمام مالك الذي أحالت عليه مدونة األسرة في املادة ،400ومعمول به قضاء
في بعض حاالت املبعدين أو املحكوم عليهم بالسجن أو الحبس ملدد طويلة أو املوجودين في دول
يتعذر عليهم مغادرتها ويكون للطالق ما يبرره ،ومن شأن تعليقه إلحاق الضرر بأحد الزوجين ،فال هو
الصفحة 370 : مجلة إلكترونية علمية قانونية محكمة
العدد الثاني ،دجنبر 2023 مجلة اإلدارة القضائية
باملتزوج وال املطلق ،وهو ما يتنافى مع قوله تعالى ":فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" ،والطالب ملا
تمسك بطلب الطالق ،وبأنه لم يتمكن من الحضور للجلسة املذكورة بنفسه ،وأناب عنه دفاعه
األستاذ (ح.أ) بمقتض ى وكالة مصادق عليها بالقنصلية العامة للمملكة املغربية ب ....بتاريخ
2019/02/25للنيابة عنه في جميع اإلجراءات اإلدارية والقانونية من أجل تطليق املطلوبة من
عصمته ،وبرر بها عدم حضوره الشخص ي كونه يوجد خارج أرض الوطن وأنه موضوع بحث في
متابعة ً
بناء على شكاية رفعتها املطلوبة في مواجهته ،وأن بقاء املطلوبة في عصمته وهو مبحوث عنه
خارج أرض الوطن مع استحالة العشرة فيه ضرر كبير له ،فإن املحكمة ملا أيدت الحكم املستأنف
القاض ي بعدم قبول دعواه ،ودون البحث فيما أثاره الطالب ومناقشة والتأكد من صحته ،والبت
وفق ما ينتهي إليه تحقيقها بتطبيق القواعد الفقهية املذكورة ،والتي هي بمثابة قانون ،فإن قرارها
جاء غير مؤسس ،وناقص التعليل وهو بمثابة انعدامه ،مما يعرضه للنقض.
املرجع :حكم املحكمة االبتدائية االجتماعية بالدا البيضاء عدد 4831بتاريخ 2020/10/26
في امللف الشرعي عدد 2020/1618/168
-موجزالوقائع :
تتلخص وقائع هذه النازلة في أن املدعي تقدم بمقال افتتاحي واصالحي للدعوى يعرض فيه
أنه متزوج من السيدة ....وأنه يرغب في إرجاع طليقته السيدة ....التي له منها اإلبن ......وأن له موارد
مالية كافية إلعالة أسرتين ويلتمس اإلذن له بالتعدد.
وبعد تأكيد املدعي ملطالبه وتأكيد املدعى عليها أنها توافق على التعدد دون شروط وإدالء
النيابة العامة مللتمسها بتطبيق القانون صدر الحكم القاض ي باإلذن بالتعدد.
ش ـ ـ ـ ــهد النصـ ـ ـ ـ ــف الثـ ـ ـ ـ ــاني مـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ــنة 2023صـ ـ ـ ـ ــدور العديـ ـ ـ ـ ــد مـ ـ ـ ـ ــن القـ ـ ـ ـ ــوانين الجديـ ـ ـ ـ ــدة
والتع ـ ـ ـ ـ ــديالت الت ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ــم نش ـ ـ ـ ـ ــرها بالجري ـ ـ ـ ـ ــدة الرس ـ ـ ـ ـ ــمية ،والت ـ ـ ـ ـ ــي له ـ ـ ـ ـ ــا ارتب ـ ـ ـ ـ ــاط وثي ـ ـ ـ ـ ــق بمج ـ ـ ـ ـ ــال
اإلدارة القض ـ ـ ـ ـ ــائية ،حي ـ ـ ـ ـ ــث إن املجل ـ ـ ـ ـ ــة ارت ـ ـ ـ ـ ــأت م ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ــاب إط ـ ـ ـ ـ ــالع قرائه ـ ـ ـ ـ ــا الكـ ـ ـ ـ ـ ـرام عليه ـ ـ ـ ـ ــا أن
تض ـ ـ ـ ـ ــعهم ف ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ــلب التوجه ـ ـ ـ ـ ــات ا لجدي ـ ـ ـ ـ ــدة للمش ـ ـ ـ ـ ــرع املغرب ـ ـ ـ ـ ــي ،غايته ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ــي ذلل ـ ـ ـ ـ ــك تحي ـ ـ ـ ـ ــين
النص ـ ـ ـ ـ ــوص القانونيـ ـ ـ ـ ـ ــة وبسـ ـ ـ ـ ـ ــط القواعـ ـ ـ ـ ـ ــد القانونيـ ـ ـ ـ ـ ــة الجديـ ـ ـ ـ ـ ــدة ،والت ـ ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـ ــؤدي بالض ـ ـ ـ ـ ــرورة
إلى تحيين املعلومة القانونية.
ويتعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر بق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانونين مهم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاة اإلدارة القض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائية األول يتعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق
بإعـ ـ ـ ـ ــادة تنظ ـ ـ ـ ـ ــيم املعه ـ ـ ـ ـ ــد الع ـ ـ ـ ـ ــالي للقض ـ ـ ـ ـ ــاء بواس ـ ـ ـ ـ ــطة الق ـ ـ ـ ـ ــانون رق ـ ـ ـ ـ ــم 37.22بع ـ ـ ـ ـ ــد اس ـ ـ ـ ـ ــتقالل
املجلـ ـ ـ ـ ــس األعلـ ـ ـ ـ ــى للسـ ـ ـ ـ ــلطة القضـ ـ ـ ـ ــائية حيـ ـ ـ ـ ــث أصـ ـ ـ ـ ــبح السـ ـ ـ ـ ــيد الـ ـ ـ ـ ــرئيس املنتـ ـ ـ ـ ــدب للمجلـ ـ ـ ـ ــس
هـ ـ ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ــذي ي ـ ـ ـ ـ ـرأس املجلـ ـ ـ ـ ــس اإلداري بـ ـ ـ ـ ــدال مـ ـ ـ ـ ــن وزيـ ـ ـ ـ ــر العـ ـ ـ ـ ــدل ،ويتعلـ ـ ـ ـ ــق الثـ ـ ـ ـ ــاني بالقـ ـ ـ ـ ــانون
رقـ ـ ـ ـ ـ ــم 44.22الـ ـ ـ ـ ـ ــذي عـ ـ ـ ـ ـ ــدل القـ ـ ـ ـ ـ ــانون رقـ ـ ـ ـ ـ ــم 45.00املتعلـ ـ ـ ـ ـ ــق ب ـ ـ ـ ـ ـ ـالخبراء القضـ ـ ـ ـ ـ ــائيين ،حيـ ـ ـ ـ ـ ــث
فـ ـ ـ ــتح لهـ ـ ـ ــم بـ ـ ـ ــاب ممارسـ ـ ـ ــة مهـ ـ ـ ــام الخبـ ـ ـ ــرة القضـ ـ ـ ــائي فـ ـ ـ ــي شـ ـ ـ ــكل شـ ـ ـ ــخص اعتبـ ـ ـ ــاري سـ ـ ـ ــواء كـ ـ ـ ــان
منتميا للقطاع الخاص أو للقطاع العام.
ع ـ ـ ـ ـ ـ ــرف النص ـ ـ ـ ـ ـ ــف الث ـ ـ ـ ـ ـ ــاني م ـ ـ ـ ـ ـ ــن س ـ ـ ـ ـ ـ ــنة 2023ص ـ ـ ـ ـ ـ ــدور العدي ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ــن املس ـ ـ ـ ـ ـ ــتجدات
التنظيميـ ـ ـ ـ ــة ،والتـ ـ ـ ـ ــي لهـ ـ ـ ـ ــا ارتبـ ـ ـ ـ ــاط وثيـ ـ ـ ـ ــق بمجـ ـ ـ ـ ــال اإلدارة القضـ ـ ـ ـ ــائية ،حيـ ـ ـ ـ ــث إن املجلـ ـ ـ ـ ــة مـ ـ ـ ـ ــن
ب ـ ـ ــاب إط ـ ـ ــالع الـ ـ ـ ـرأي الع ـ ـ ــام املا ـ ـ ــي والق ـ ـ ــانوني ارت ـ ـ ــأت نش ـ ـ ــرها ف ـ ـ ــي ه ـ ـ ــذا ال ـ ـ ــركن ،غايته ـ ـ ــا ف ـ ـ ــي ذلل ـ ـ ــك
املس ـ ـ ـ ــاهمة ف ـ ـ ـ ــي نش ـ ـ ـ ــر املعلوم ـ ـ ـ ــة التنظيمي ـ ـ ـ ـة والت ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ــأتي غالب ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ــن أج ـ ـ ـ ــل تفس ـ ـ ـ ــير وتوض ـ ـ ـ ــيح
النص ـ ـ ـ ـ ــوص القانوني ـ ـ ـ ـ ــة وتبس ـ ـ ـ ـ ــيطها ،وم ـ ـ ـ ـ ــن أج ـ ـ ـ ـ ــل ك ـ ـ ـ ـ ــذلك تبي ـ ـ ـ ـ ــان الط ـ ـ ـ ـ ــرق الفض ـ ـ ـ ـ ــلى للعم ـ ـ ـ ـ ــل
بها .
وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأتي عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى رأس ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه املسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تجدات التش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريعية املرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم رق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم 2.23.565
الص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي 2غش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت 2023املتعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق بس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدابير متفرق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تتعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق بالوض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعية
النظامي ـ ـ ـ ـ ـ ــة للقض ـ ـ ـ ـ ـ ــاة ،والدوريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة رق ـ ـ ـ ـ ـ ــم 24.23الص ـ ـ ـ ـ ـ ــادرة بت ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ 22س ـ ـ ـ ـ ـ ــبتمبر 2023ع ـ ـ ـ ـ ـ ــن
الس ـ ـ ـ ــيد ال ـ ـ ـ ــرئيس املنت ـ ـ ـ ــدب للمجل ـ ـ ـ ــس األعل ـ ـ ـ ــى للس ـ ـ ـ ــلطة القض ـ ـ ـ ــائية ح ـ ـ ـ ــول التنظ ـ ـ ـ ــيم الهيكل ـ ـ ـ ــي
له ـ ـ ـ ـ ــذا األخي ـ ـ ـ ـ ــر ،الد وري ـ ـ ـ ـ ــة ع ـ ـ ـ ـ ــدد 23/25الص ـ ـ ـ ـ ــادرة م ـ ـ ـ ـ ــن نف ـ ـ ـ ـ ــس الجه ـ ـ ـ ـ ــة بت ـ ـ ـ ـ ــاريخ 25س ـ ـ ـ ـ ــبتمبر
2023املتعلق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بتنزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل مقتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيات الق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانون رق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم 44.22املغي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وامل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتمم للق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانون
45.00املتعلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق بـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالخبراء القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائيين ،والدوريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة رقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم 23/26الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادرة مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن نفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس
الجه ـ ـ ـ ـ ـ ــة بت ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ 09أكتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبر 2023واملتعلق ـ ـ ـ ـ ـ ــة بمس ـ ـ ـ ـ ـ ــطرة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف التعويض ـ ـ ـ ـ ـ ــات املخولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
للقضاة املكلفين بمهام اإلشراف على التدبير والتسيير اإلداري للمحاكم.
وم ـ ـ ـ ـ ــن جان ـ ـ ـ ـ ــب آخ ـ ـ ـ ـ ــر فق ـ ـ ـ ـ ــد ص ـ ـ ـ ـ ــدرت دوري ـ ـ ـ ـ ــة للس ـ ـ ـ ـ ــيد وزي ـ ـ ـ ـ ــر الع ـ ـ ـ ـ ــدل ع ـ ـ ـ ـ ــدد 15س1/4
بتـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ 26سـ ـ ـ ـ ـ ــبتمبر 2023موجهـ ـ ـ ـ ـ ــة للسـ ـ ـ ـ ـ ــادة رؤسـ ـ ـ ـ ـ ــاء كتابـ ـ ـ ـ ـ ــة الضـ ـ ـ ـ ـ ــبط تتعلـ ـ ـ ـ ـ ــق بتصـ ـ ـ ـ ـ ــحيح
العقـ ـ ـ ـ ــود املبرمـ ـ ـ ـ ــة بـ ـ ـ ـ ــين املتعاقـ ـ ـ ـ ــدين والتـ ـ ـ ـ ــي يك ـ ـ ـ ــون موضـ ـ ـ ـ ــوعها أم ـ ـ ـ ــالك الجماعـ ـ ـ ـ ــات الس ـ ـ ـ ــاللية،
ومنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور للس ـ ـ ـ ـ ـ ــيد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوزير ع ـ ـ ـ ـ ـ ــدد 16س 1/4بتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ 06أكت ـ ـ ـ ـ ـ ــوبر 2023يتعل ـ ـ ـ ـ ـ ــق بتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأمين
استمرارية الخدمات وحسن التواصل مع املرتفق.
"وقالوا الحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا هللا" ،هي آية محكمة من
سورة األعراف ،رقم ،43 :وإن كانت تصف املؤمنين الصالحين عند دخلوهم الجنة ورؤيتهم ملكارم
هللا عز وجل ،ورحمته بهم بأن صرف عنهم عذاب جهنم ،إال أنها يمكن أن تنطبق على الثناء والحمد
الواجب هلل عز وجل بأن ألهمنا وسددنا إلى إخراج هذا العدد الثاني من مجلة اإلدارة القضائية،
والتي كانت حلما راود العديد من املنتسبين لإلدارة القضائية بمفهومها الجديد من موظفي كتابة
الضبط وقضاة األحكام وقضاة النيابة العامة ،وبمفهومها الواسع من السادة املحامون واملفوضون
القضائيون والخبراء والعدول والتراجمة ،وجميع من يساهم في تدبير هذه اإلدارة سواء بطريقة
مباشرة أو غير مباشرة.
وأملنا كبير في أن يجد هذا العدد الثاني صداه وبعده القانوني وإشعاعه الفكري القانوني
واالقتصادي واالجتمايي لد ئةة واسعة من املمارسين والباحثين والطلبة واملهتمين بالأأن
القانوني والقضائي ،وأن يأكل إحد اللبنات األولى إلعطاء االنطقاقة الحقيقة لنهضة ئكرية
قانونية في جسم اإلدارة القضائية املغربية ،ويحفز العديد من املنتسبين إليها وئق التفصيل الوارد
أعقاه على البحث العلمي والبذل والعطاء الفكري ،ويأكل أرضية خصبة لتبادل التجارب وتناقح
األئكار بين مجموعة من املمارسات الفضلى لد محاكم اململكة سواء تعلقت بمجال العمل
القضائي وتدبيره اإلداري أو بعمل هيةة كتابة الضبط املرتبط بمجال اإلدارة القضائية في شقها
اإلداري واملالي.
كما أننا نستغل كلمة اختتام هذا العدد للدعوة إلى دعم هذا املولود الجديد ،وشد عوده
باملساهمة املكثفة من طرف املهتمين في العدد الثالث الذي من املرتقب أن يصدر في النصف األول
من سنة ،2024والذي نتمنى أن يكون ناجحا بإذن هللا ،وهللا ولي التوئيق وهو الهادي إلى سبيل
الرشاد.
تفاوت الضمانات الحمائية للمرأة بينمدونة الشغل وقانون الوظيفة العمومية -مقال دراسة مقارنة
...................................................الدكتورة خديجة أبوالقاسم51........................................................................
إشكالية عبارة ترتيب اآلثارالقانونية في منطوق األحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام
.....................................................األستاذ محمد الزكراوي 74 ...............................................................................
الحساب الجاري للشركاء ..........األستاذ البشير العباس ي 83 .........................................................................
اإلجهاض بين التجريم واملشروعية – قراءة على ضوء التحكيم امللكي ومسودة مشروع القانون الجنائي -
.......................................................................................الدكتور عصام منصور230 ...........................................
االقتصاد التضامني باملغرب بين املؤسسات التقليدية والتجارب الدولية :تكامل أم تصادم
........................................... ...........................................الدكتورجامع سموك 293 ..................................................
القانون والتحوالت التكنولوجية أية عالقة ؟ ............. Law and technologyاألستاذ أحمد فندو 311 ................
رقابة القاض ي الضريبي على إجراءات تحصيل الدين الضريبي ....األستاذة نورة جبران واألستاذ ح ـمــزة ل ـقــوز 321 .............
دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم 23.25بتاريخ 25سبتمبر2023حول
تنزيل مقتضيات القانون رقم 44.22املغيرواملتمم للقانون 45.00املتعلق بالخبراء القضائيين 396 ........................................
دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم 23.26بتاريخ 09أكتوبر 2023املتعلقة بصرف
التعويضات املخولة للقضاة املكلفين بمهام اإلشراف على التدبيروالتسييراإلداري للمحاكم399 ............................................
دورية السيد وزيرالعدل عدد 15س 1/4بتاريخ 26سبتمبر 2023موجهة للسادة رؤساء كتابة الضبط تتعلق بتصحيح
العقود املبرمة بين املتعاقدين والتي يكون موضوعها أمالك الجماعات الساللية 418 ........................................................
منشورالسيد وزيرالعدل عدد 16س 1/4بتاريخ 06أكتوبر 2023يتعلق بتأمين استمرارية الخدمات وحسن
التواصل مع املرتفق 419....................................................................................................................................... ....
دورية السيد الرئيس املنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية رقم 23.35بتاريخ 14دجنبر 2023حول عقد الجمعيات
العامة للمحاكم 421 .................................................................................................................................................
-خاتمة العدد الثاني 424 ...........................................................................................................................................
ﻣ
REVU
IAIRE
D'A
E
IC
DMI JUD
NISTRTION