You are on page 1of 8

‫اليوم الثالث عشر‪:‬‬

‫من قوله‪َ ( :‬و ُي ْس َت َحب ال َق َضا ُء ُم َت َتابِعا)‪ ،‬إلى قوله‪َ ( :‬و َل ْو َب ْع َد َر َم َض ٍ‬


‫ان َ‬
‫آخ َر)‬
‫شرح زاد املستقنع‬ ‫‪2‬‬

‫آخ َر ِم ْن َغ ْيرِ ُع ْذ ٍر‪،‬‬ ‫وز إِ َلى َر َم َض ٍ‬


‫ان َ‬ ‫َو ُي ْس َت َحب ال َق َضا ُء ُم َت َتابِعا‪َ ،‬و ََل َي ُج ُ‬
‫ين لِ ُك ِّل َي ْو ٍم ‪َ -‬وإِنْ َم َ‬
‫ات َو َل ْو َب ْع َد‬ ‫اء إِ ْط َع ُام ِم ْسكِ ٍ‬
‫َفإِنْ َف َع َل َف َع َلي ِه م َع ال َق َض ِ‬
‫ْ َ‬
‫ان َ‬
‫آخ َر ‪.-‬‬ ‫َر َم َض ٍ‬

‫قال رمحه اهلل‪َ ( :‬و ُي ْس َت َحب ال َق َضا ُء ُم َت َتابِعا‪.)...‬‬


‫من سماحة اإلسالم أن من كان معذور ًا عن صيام رمضان؛ فيجوز‬
‫أقرب رمضان آخر‪.‬‬‫ِ‬ ‫يقضيه قبل‬ ‫له ِ‬
‫الفطر عىل أن ِ‬

‫واتفق العلماء عىل أن زمن القضاء موسع؛ فله أن يقضيه بعد‬


‫رمضان إىل قبل رمضان الثاين‪.‬‬
‫ون علي‬‫والدليل عىل ذلك أن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪« :‬كان ي ُك ُ‬
‫يع أن أق ِضي ُه إَِّل فِي شعبان» متفق عليه(‪)1‬؛‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصو ُم من رمضان‪ ،‬فما أستط ُ‬
‫فكانت ِّ‬
‫تؤخر صيام القضاء إىل قبل رمضان اآليت‪ ،‬وكان ذلك بعلم‬
‫النبي ﷺ‪.‬‬
‫وتأخير القضاء إىل بعد رمضان آخر ينقسم إىل قسمين‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب‪ :‬متى يقضى قضاء رمضان‪ ،‬رقم (‪)1950‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب قضاء رمضان يف شعبان‪ ،‬رقم (‪.)1146‬‬
‫‪3‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث عشر‬

‫القسم األول‪ :‬أَّل يصوم إَّل بعد رمضان الثاين أو الثالث ل ُعذر‪ ،‬وهذا‬
‫باَّلتفاق‪َّ :‬ل شيء عليه‪ ،‬أي‪َّ :‬ل يأثم وَّل تلزمه الكفارة‪.‬‬
‫والقسم الثاين‪ :‬إذا أخر القضاء من غير عذر؛ ويلزمه حينئذ أمران‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬القضاء؛ وهذا باَّلتفاق‪ ،‬إذا كان قادر ًا عليه‪.‬‬
‫واألمر الثاين‪ :‬الكفارة؛ وسيأيت تفصيل ذلك‪.‬‬
‫لذا قال المصنِّف رمحه اهلل عن ِ‬
‫القسم الثاين ‪ -‬وهو إذا كان تأخيره‬
‫وز) أي‪ :‬تأخير القضاء‪( ،‬إِ َلى َر َم َض ٍ‬
‫ان‬ ‫(و ََل َي ُج ُ‬
‫للقضاء بال عذر ‪ -‬قال‪َ :‬‬
‫آخ َر ِم ْن َغ ْيرِ ُع ْذ ٍر)؛ ألن وقت القضاء الموسع ينتهي بدخول رمضان‬ ‫َ‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫( َفإِنْ َف َع َل) أي‪ :‬أخر القضاء من غير عذر ودخل عليه رمضان ثان‪،‬‬
‫فيلزمه أمران‪:‬‬
‫اء) وهذا باَّلتفاق‪ ،‬كما قال سبحانه‪:‬‬ ‫األمر األول‪َ ( :‬ف َع َلي ِه م َع ال َق َض ِ‬
‫ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ َّ ٌ ْ َ َّ ُ َ‬ ‫﴿ َو َم ْن ََك َن َ‬
‫ريضا أو لَع سف ٍر فعِدة مِن أيا ٍم أخر﴾ [البقرة‪.]185 :‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ين لِ ُك ِّل َي ْومٍ) لكل مسكين نصف‬
‫واألمر الثاين‪ :‬قال‪( :‬إِ ْط َع ُام ِم ْسكِ ٍ‬

‫صاع‪.‬‬
‫شرح زاد املستقنع‬ ‫‪4‬‬

‫فلو أفطر يف رمضان مخسة أيام وأخره إىل رمضان آخر‪ :‬يجب عليه‬
‫طعم مخسة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع‪.‬‬ ‫قضاء صيام مخسة أيام‪ ،‬وي ِ‬
‫ُ‬
‫والدليل عىل اإلطعام‪ :‬قول ابن عباس وأبي هريرة رضي اهلل عنهم‬
‫قاَّل‪« :‬لِي ُصم ما فات ُه و ُيط ِع ُم مع ك ُِّل يوم مِسكِين ًا»(‪ ،)1‬وإليه ذهب مجهور‬
‫العلماء‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أنه َّل يجب عليه سوى القضاء‪ ،‬وأما اإلطعام فال‬
‫َ‬ ‫َ َّ ٌ ْ َ َّ ُ َ‬
‫يجب عليه؛ ألن الله عز وجل قال‪﴿ :‬فعِدة مِن أيا ٍم أخر﴾ [البقرة‪،]185 :‬‬
‫ومل يذكر سبحانه اإلطعام‪ ،‬ومل ي ِرد عن النبي ﷺ وجوب اإلطعام؛ وإنما‬
‫هو اجتهاد من الصحابة رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫طعم؛ ولكن َّل يجب عليه‪.‬‬‫لذا نقول‪ :‬األحوط أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫ثم ذكر مسألة أخرى وهي‪ :‬لو أخر القضاء مخس رمضانات ‪ -‬مثالً‬
‫ات َو َل ْو َب ْع َد َر َم َض ٍ‬
‫ان َ‬
‫آخ َر) وآخر وآخر‪ :‬فال‬ ‫(وإِنْ َم َ‬
‫‪ -‬ثم مات‪ ،‬فقال‪َ :‬‬

‫(‪ )1‬رواه الدارقطني‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب القبلة للصائم‪ ،‬رقم (‪ )2343‬عن أبي‬
‫هريرة رضي اهلل عنه موقوف ًا‪ ،‬ورواه عن ابن عباس رضي اهلل عنهما موقوف ًا‪،‬‬
‫رقم (‪.)2347‬‬
‫‪5‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث عشر‬

‫يجب عليه سوى إطعام واحد؛ فلو كان عليه مثالً‪ :‬قضاء يوم فقط‪ ،‬وأخره‬
‫مخس سنوات؛ َّل يجب عليه سوى إطعام مسكين واحد مع القضاء‪.‬‬
‫فيتبين مما سبق‪:‬‬
‫أن من مرض واستمر به المرض أو العذر حتى مات‪ :‬فال شيء‬
‫عليه‪ ،‬باإلمجاع‪.‬‬
‫واألمر الثاين‪ :‬إذا كان مريض ًا من أصله‪َّ ،‬ل يستطيع الصيام‪،‬‬
‫كالسرطان مثالً؛ فهنا يلزمه ابتدا ًء‪ :‬أن ُيط ِعم عن كل يوم مسكين ًا‪ ،‬وليس‬
‫َ َ َ َّ َ ُ ُ‬
‫يقونَ ُه ف ِْديَ ٌة َط َع ُ‬
‫ام م ْ‬
‫ِي﴾‬‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫ِس‬ ‫عليه قضاء؛ لقوله سبحانه‪﴿ :‬ولَع اَّلِين ي ِط‬
‫[البقرة‪.]184 :‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬إذا مرض يف رمضان فأفطر ‪ -‬مثالً ‪ -‬مخسة أيام‪ ،‬ثم‬
‫يصم القضاء تفريط ًا منه‪ ،‬ثم مات؛ فهذا يجب‬ ‫ِ‬
‫ُعوفي‪ ،‬ومكث ستة أشهر مل ُ‬
‫عليه أن ي ِ‬
‫طعم أولياؤه عنه عن كل يوم مسكين ًا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫والقول الثاين‪ :‬يجب عىل أولياءه أن يصوموا عنه؛ لقوله عليه الصالة‬
‫والسالم‪« :‬من مات وعلي ِه ِصيا ٌم صام عن ُه ول ِ ُّي ُه»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب من مات وعليه صوم‪ ،‬رقم (‪،)1952‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب قضاء الصيام عن الميت‪ ،‬رقم (‪ )1147‬من‬
‫شرح زاد املستقنع‬ ‫‪6‬‬

‫يصم عنه أولياؤه؛ فيجب عىل أوليائه‬


‫والجمع بينهام‪ :‬أنه إذا مل ُ‬
‫اإلطعام‪.‬‬
‫ويذكر العلماء هنا مسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬تقديم النافلة عىل القضاء‪ ،‬هل ُيقدم أو َّل؟‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو أن شخص ًا عليه قضاء عشرة أيام‪ ،‬فهل له أن يصوم‬
‫عرفة‪ ،‬وعاشوراء‪ ،‬واَّلثنين والخميس‪ ،‬قبل الفرض ‪ -‬الذي هو القضاء‬
‫‪ -‬أم َّل؟ عىل قولين‪:‬‬
‫القول األول‪َّ :‬ل يجوز تقديم النافلة عىل الفرض‪ ،‬ولو فعل؛ بطل‬
‫صيام النافلة‪ ،‬وَّل يصح منه؛ واستدلوا عىل ذلك بأن الفرض مقدم عىل‬
‫النافلة‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أنه يجوز تقديم صوم النفل عىل القضاء؛ فله أن‬
‫ويؤجل القضاء ‪ -‬مثالً ‪-‬‬
‫ِّ‬ ‫يصوم عرفة ولو كان عليه قضاء من رمضان‪،‬‬
‫بعد عرفة بشهر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وهذا هو القول الراجح؛ ألن عائشة رضي الله عنها كانت ِّ‬
‫تؤخر‬
‫صوم الفريضة إىل شعبان‪ ،‬فال ُيظ ُّن أهنا َّل تصوم أي نافلة‪.‬‬

‫حديث عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬


‫‪7‬‬ ‫مقرر اليوم الثالث عشر‬

‫وأيض ًا‪ :‬ألنه يجوز فعل النافلة قبل الفريضة يف الوقت الموسع؛‬
‫مثل‪ :‬لو أذن المغرب فلإلنسان أن يتنفل قبل الفريضة وإن كان وقت‬
‫الفريضة قد دخل‪ ،‬وكذا قضاء الصوم‪ :‬واجب‪ ،‬ووقته موسع إىل رمضان‬
‫آخر‪ :‬فيجوز تقدُّ م النافلة عليه‪.‬‬
‫أما إذا ضاق وقت القضاء إىل رمضان آخر‪ :‬فال يجوز فعل النافلة‬
‫قبل الفريضة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو كان شخص عليه قضاء عشرة أيام‪ ،‬ودخل عليه‬
‫شعبان يف آخره مل يبق سوى عشرة أيام؛ نقول‪َّ :‬ل يجوز لك أن تتنفل هذه‬
‫العشر‪ ،‬وإنما تقضي ما فاتك من رمضان السابق‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬ويذكر العلماء أيض ًا هنا مسألة ثانية‪ ،‬وهي‪ :‬من أفطر‬
‫يف رمضان بعذر فال يصوم س ّت ًا من شوال حتى ُيتِم القضاء؛ ألن النبي ﷺ‬
‫قال‪« :‬من صام رمضان» يعني‪ :‬أتمه سواء أدا ًء أو قضا ًء‪ُ « ،‬ثم أتبع ُه ِس ّت ًا مِن‬
‫شوال‪ ،‬كان ك ِصيا ِم الده ِر»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباع ًا‬
‫لرمضان‪ ،‬رقم (‪ ،)1164‬من حديث أبي أيوب األنصاري رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح زاد املستقنع‬ ‫‪8‬‬

‫***‬

You might also like