You are on page 1of 4

‫الروحّي‪ ،‬والذي‬

‫ّ‬ ‫أ ّّو ااًل‪ ،‬املع ّّية في طبيعة العمل‬


‫نكراَن الذات‪ .‬إّنّها دعوة للخروج من‬ ‫َ‬ ‫يسوُع‬
‫ُ‬ ‫يدعوه‬
‫الذات‪ ،‬دائم ومستم ّّر‪ ،‬خروج ّّمما ميكن أن يشّكلّ‬
‫منطقة أمان بالنسبة إلينا‪ ،‬خروج من اعتبارات‬ ‫العدد ‪14‬‬ ‫ ‬
‫األحد ‪ 7‬نيسان ‪2024‬‬
‫متراكمة أو حواجز موروثة‪ ،‬خروج من مقاربات بالية‬
‫متحّجرة‪ ،‬خروج من انفعاالت أو عصب ّّيات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أو ذهن ّّية‬ ‫األحد الثالث من الصوم‬
‫إّنّه خروجنا إلى نور اإلميان‪ ،‬فنسّلّط نور الله على كاّفةّ‬ ‫(السجود للصليب املق ّّدس)‬
‫مرافق حياتنا‪ ،‬وك ّّل ما يأتي مّنّا بالقول أو الفعل أو‬ ‫اللحن ‪ - 3‬اإليوثينا ‪11‬‬
‫الفكر‪ ،‬لتصير كّلّها معمولة بهذا النور‪ .‬في ك ّّل هذا‪،‬‬
‫يسوع مثال ومعّلّم في طريق نكران الذات‪ ،‬إذ هو‪ ،‬على‬ ‫تذكار الشهيد كليوبيوس‬
‫اإللهّي‪« ،‬أخلى ذاته‪ ،‬آخ ًًذا صورة عبد»‬
‫ّ‬ ‫صعيد التدبير‬ ‫الق ّّديس جاورجيوس أسقف ميتليني‬
‫(فيلي ّّبي ‪ .)7 :2‬وع ّّبر‪ ،‬في أكثر من مناسبة‪ ،‬عن مسيرة‬
‫نكران ذاته‪ ،‬فهو يت ّّمم أرادة أبيه إذ يصنع وصاياه‬
‫حّب له وطاعة‬ ‫ويقول أقواله ويفعل أفعاله‪ ،‬في حركة ّ‬ ‫كلمة الراعي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كاملة‪ .‬عل ًًما أّنّه‪ ،‬على صعيد الالهوت‪ ،‬هو االبن الوحيد‬
‫املولود من اآلب والذي‪ ،‬عبر حركة إخالء للذات ‪ -‬إذا‬
‫الطريق من وإلى الله‬
‫جاز التعبير‪ -‬يتل ّّقى األلوهة من أبيه‪.‬‬
‫ثان ًًيا‪ ،‬املع ّّية في طريق التزام صنع مشيئة‬
‫في مع ّّية من الصورة إلى الشبه به‬
‫الله‪ ،‬والتي يع ّّبر عنها يسوع بحمل الصليب‪ .‬بالعمق‪،‬‬ ‫في أحد السجود للصليب‪ ،‬تنكشف‪ ،‬في القراءة‬
‫إّنّها مسيرة املصلوب عّنّا والذين صلبوا ذواتهم معه‪،‬‬ ‫اإلجنيل ّّية‪ ،‬معالم طريق لك ّّل ََمن شاء أن يصير تلمي ًًذا‬
‫حتقي ًًقا للصالة التي رفعها يسوع وعاشها وأوصانا‬ ‫ليسوع‪ ،‬فيفرح حينما يأتي يسوع «مبجد أبيه» كما‬
‫بأن نتم ّّثلها بدورنا‪« :‬أبانا الذي في السماوات‪،‬‬ ‫وبرؤيته «ملكوت الله آت ًًيا بق ّّوة» (مرقص ‪ 38 :8‬و‪:9‬‬
‫ليأِت ملكوتك‪ ،‬لتكْنْ مشيئتك‪ ،‬كما في‬ ‫ليتق ّّد ْْس اسمك‪ِ ،‬‬ ‫السماوّي بأن‬
‫ّ‬ ‫‪ .)1‬إّنّه الطريق الذي يت ّّوج سعي اآلب‬
‫الّسماء كذلك على األرض» (لوقا ‪ .)2 :11‬نعم‪ ،‬دعانا‬ ‫ّ‬ ‫يجمع أبناءه في ملكوته‪ ،‬حيث مجده هو مجد أبنائه‪،‬‬
‫إلى أن نتعّلّم منه‪ ،‬وأعطانا وصاياه‪ ،‬ومنحنا روحه‬ ‫واملمَّجدين منه‬
‫َ‬ ‫املمِّجدين له‬
‫ِ‬ ‫وحيث ق ّّوة ملكوته هي تأّلّق‬
‫الق ّّدوس ليرشدنا في عمل ما أوصانا به‪.‬‬ ‫بآن‪ ،‬على غرار ابنه يسوع املسيح‪.‬‬
‫ثال ًًثا‪ ،‬املع ّّية في الصيرورة‪ ،‬والتي يتق ّّدمها‬ ‫فما هو الطريق الذي انكشف اكتماله مبجيء‬
‫يسوع ويسير بنا إلى حيث يشاء اآلب‪ .‬حركة اّتّباعنا‬ ‫يسوع في مجده؟ هذا ع ّّبر عنه يسوع نفسه بدعوته‬
‫قائٍل إّنّها‬
‫رَّب ٍ‬‫ليسوع هي مسيرة ذات أوجه مختلفة‪َ .‬‬ ‫إ ّّيانا‪ََ « :‬من أراد أن يأتي ورائي فلينك ْْر نفسه ويحم ْْل‬
‫مسيرة الراعي وخرافه‪ ،‬أو مسيرة املعّلّم وتالميذه‪ ،‬أو‬ ‫سّطر‬ ‫ّ‬ ‫صليبه ويتب ْْعني» (مرقص ‪ ،)34 :8‬دعوة‬
‫الرّب والساجدين‬ ‫ّ‬ ‫مسيرة الس ّّيد وخ ّّدامه‪ ،‬أو مسيرة‬ ‫مضمونها في نفسه‪ ،‬ليكون هو األ ّّول في ك ّّل شيء‪ .‬لذا‬
‫ألبيه بالروح واحلّقّ ‪ ،‬أو مسيرة املصلوب والقائم‬ ‫الطبيعّي أن يقول عن نفسه‪« :‬أنا هو الطريق»‬ ‫ّ‬ ‫كان من‬
‫واملصلوبني والقائمني معه‪ ،‬أو مسيرة االبن الوحيد‬ ‫(يوحّنّا ‪ ،)6 :14‬طريق تكشف لنا مسار يسوع نفسه‬
‫وإخوته‪ ،‬أو مسيرة الوارث والوارثني معه‪ .‬إّنّها بالعمق‬ ‫وهو يدعونا إلى السير فيها‪ ،‬في مع ّّية صميم ّّية معه‪.‬‬
‫مسيرة صيرورتنا على شبه االبن الوحيد‪ ،‬نتعّلّم‬ ‫فلنتت ّّب ْْع إ ًًذا أوجهها الثالثة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الناس‪ ،‬فيما هو لله ليقِّرّ ب تقادم وذبائح عن اخلطايا‬ ‫فيها ك ّّل يوم كيف منوت معه لنحيا معه‪ ،‬عبر خروج‬
‫في إمكانه أن ُُيشفق على الذين يجهلون ويضّلّون لكونه‬ ‫من الذات من دون كلل إلى حيث يدعونا‪ ،‬ومواجهة‬
‫هو ً‬
‫أيًضا متل ّّب ًًسا بالضعف‪ ،‬ولهذا يجب عليه أن ُُيقِّرّ ب‬ ‫سقوطنا بالنهوض مج ّّد ًًدا باسمه‪ ،‬والتقاط فتات اخلبز‬
‫عن اخلطايا ألجل نفسه كما يقِّرّ ب ألجل الشعب‪ .‬وليس‬ ‫النازل من عن مائدته‪ ،‬والثقة بغلبته من أجلنا ومع ّّيته‬
‫أحد يأخذ لنفسه الكرامة بل ََمن دعاه الله كما دعا‬ ‫لنا حّتّى انقضاء الدهر‪ ،‬واإلميان بوعوده لنا واالّتّكال‬
‫مُيمّجد نفسه ليصير رئيس كهنة‬ ‫هرون‪ .‬كذلك املسيح لم ّ‬ ‫عليه في ك ّّل شيء‪.‬‬
‫َ‬
‫بل الذي قال له‪« :‬أنت ابني وأنا اليوم ولدُتَُك»‪ ،‬كما‬ ‫هذا كّلّه مسار تدريب دائم وتر ّّيض مستم ّّر‪،‬‬
‫يقول في موضع آخر‪« :‬أنت كاهن إلى األبد على رتبة‬ ‫شاّقّ وجا ّّد‪ ،‬مفعم بالرجاء‪ ،‬عبر إبحار إلى العمق ال‬
‫ملكيصادق»‪.‬‬ ‫يك ّّل حّتّى الفوز بالصيد الثمني‪ ،‬ونستحيل إلى ص ّّيادي‬
‫الناس‪ ،‬جنمعهم بشباك الكلمة اإلله ّّية‪ ،‬ونرفعهم إلى‬
‫اإلجنيل‪ :‬مرقس ‪ ٣٨-٣٤ :٨‬و‪١ :٩‬‬ ‫سفينة الكنيسة‪ ،‬ونغسلهم مباء املعمود ّّية‪ ،‬ونرعى‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫مواهبهم املعطاة لهم بالروح القدس‪ ،‬ونفرح معهم‬
‫الرّب‪ :‬من أراد أن يتبعني فليكف ْْر بنفسه‬ ‫قال ّ‬ ‫باشتراكنا م ًًعا في العجل املس ّّمن‪ ،‬ونخدمهم خدمة‬
‫ويحمل صليبه ويتبعني‪ ،‬ألّنّ ََمن أراد أن يخّلّص َ‬
‫نفَسه‬
‫العبد األمني على وكالته‪ ،‬ونكون معهم تالميذ ليسوع‬
‫ُُيهلكها‪ ،‬و ََمن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل اإلجنيل‬ ‫حاملني صليبه برجاء‪ّ ،‬‬
‫الرّب املقبولة‪،‬‬
‫بَسنة ّ‬‫ونبّشر معهم َ‬
‫يخّلّصها‪ .‬فإّنّه ماذا ينفع اإلنسان لو ربح العالم كّلّه‬
‫للرّب بني أترابنا‪.‬‬
‫ونصير معهم شهو ًًدا ّ‬
‫وخسر نفسه‪ ،‬أم ماذا يعطي اإلنسان فداء عن نفسه؟‬
‫عسانا‪ ،‬بهذا‪ ،‬نصير في مع ّّية مع يسوع‬
‫ألّنّ من يستحيي بي وبكالمي في هذا اجليل الفاسق‬
‫ومع أترابنا بآن‪ ،‬في مسيرة صيرورة يلتحق بها ََمن‬
‫اخلاطئ يستحيي به ابُنُ البشر متى أتى في مجد أبيه‬
‫تل ّّقى دعوة يسوع أو ََمن ُُأرسلنا إليهم لنخاطبهم بها‬
‫مع املالئكة الق ّّديسني‪ .‬وقال لهم‪ :‬احلّقّ أقول لكم إّنّ‬ ‫ونعيشها معهم‪ .‬أال ِ‬
‫رّب أن نرتضي نيرك‬ ‫أعِطنا يا ّ‬
‫قو ًًما من القائمني ههنا ال يذوقون املوت حّتّى يروا‬
‫الهنّين وما اقترن به من تضحية‪ ،‬ونقبل حملك اخلفيف‬
‫ملكوت الله قد أتى بق ّّوة‪.‬‬
‫وما اقترن به من رجاء‪ ،‬شاكرين ومس ّّبحني إ ّّياك مع‬
‫أن نذكر الفقراء‬ ‫ك ّّل مختاريك على مدى األدهار‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪ +‬سلوان‬
‫يحصر بعض الباحثني األكادمي ّّيني‪ ،‬وغيرهم‬ ‫متروبوليت جبيل والبترون وما يليهم‬
‫ّّممن يتبعونهم في أفكارهم‪ ،‬خدمة بولس الرسول في‬ ‫(جبل لبنان)‬
‫شخًصا‪ ،‬أي‬‫ً‬ ‫كرازة الكلمة‪ .‬يقولون‪ّّ ،‬مما يقولون‪ ،‬إّنّ‬
‫بولس الرسول نفسه‪ ،‬يحتّلّه كّلّه أّنّ املسيح سيأتي‬ ‫الرسالة‪ :‬عبران ّّيني ‪ ١٦-١٤ :٤‬و‪٦-١ :٥‬‬
‫ثاني ًًة عن قريب‪ ،‬ال ميكن أن يسمح لشيء أن يصرفه‬ ‫ـــــــــــــــــــ‬
‫املسّطر هنا هو واحد‬ ‫ّ‬ ‫عن خدمة الكلمة‪ .‬هذا العنوان‬ ‫يا إخوة إذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز‬
‫من اإلشارات البليغة إلى أّنّ الرسول كان‪ ،‬في تعليمه‬ ‫فلنتمّسك باالعتراف‪ ،‬ألّنّ‬
‫ّ‬ ‫السماوات‪ ،‬يسوع ابن الله‪،‬‬
‫الكنائس‪ ،‬يريد للناس خالصهم بأن يذكروا أب ًًدا أن‬ ‫ليس لنا رئيس كهنة غير قادر على أن يرثي ألوهاننا بل‬
‫يخدموا الفقراء (غالطية ‪.)١٠ :٢‬‬ ‫مجَّرّ ب في ك ّّل شيء مثلنا ما خال اخلطيئة‪ .‬فلُنُقبل إ ًًذا‬
‫الذين قرأوا إرث بولس ميكنهم أن يذكروا‬ ‫بثقة إلى عرش النعمة لننال رحمة وجند ثقة لإلغاثة في‬
‫أمثل ًًة عديد ًًة تبنّين ح ّّبه للفقراء الذين يس ّّميهم هنا‬ ‫أوانها‪ .‬فإّنّ ك ّّل رئيس كهنة مّتّخذ من الناس يقام ألجل‬

‫‪2‬‬
‫بيسوع في مجتمع حتكمه يهود ّّية مجنونة ال تؤمن ّ‬
‫إّال‬ ‫مثًال‪ :‬رومية ‪ ٢٥ :١٥‬و‪.)٢٦‬‬ ‫وهناك ق ّّديسني (أنظر ً‬
‫بذاتها‪ ،‬يعني أن متوت‪ .‬انبرى بولس ض ّّد هذه اجلرمية‬ ‫املسّطرة في العنوان (أن نذكر الفقراء)‬ ‫ّ‬ ‫ولكّنّ العبارة‬
‫اجلماع ّّية التي تع ّّرضت لها الكنيسة األ ّّم‪ .‬ماذا فعل؟‬ ‫ً‬
‫تأتي‪ ،‬في موقعها‪ ،‬دليًال دامًغًا على أّنّ الرسول هو‪،‬‬
‫طلب من الكنائس في العالم أن تتب ّّرع كّلّها للق ّّديسني‬ ‫في ك ّّل شيء‪ ،‬ملتصق بكنيسة الله التي من تكليفها أن‬
‫الرّب‪ .‬قال حرفًّي�ًا‪« :‬وأ ّّما‬
‫في اجتماع يوم األحد‪ ،‬يوم ّ‬ ‫تخدم الفقراء‪« .‬أن نذكر الفقراء» ليست هي كلمة بولس‬
‫أوصيُت كنائس‬‫ُ‬ ‫من جهة اجلمع ألجل الق ّّديسني‪ ،‬فكما‬ ‫أصًال‪ ،‬بل هي كلمة يعقوب وصفا (بطرس) ويوحّنّا‬ ‫ً‬
‫ّ‬
‫أيًضا‪ .‬في كّل أ ّّول أسبوع‪،‬‬ ‫غالطية‪ ،‬هكذا افعلوا أنتم ً‬ ‫إلى بولس ورفيقه في الكرازة برنابا‪ .‬دعونا نسترجع‬
‫تيّسر‪ ،‬حتى‬ ‫ليضع ك ّّل واحد منكم عنده‪ ،‬خازًنًا ما ّ‬ ‫بسرعة الكلمة كما وردت في سياقها‪ .‬يقول بولس‪« :‬فإذ‬
‫جئُت ال يكون جمع حينئذ‪ .‬ومتى حضرت‪ ،‬فالذين‬ ‫إذا ُ‬ ‫علم بالنعمة املعطاة لي يعقوب وصفا ويوحّنّا املعت ََبرون‬
‫تستحسنونهم أرسلهم برسائل‪ ،‬ليحملوا إحسانكم إلى‬ ‫أّنّهم أعمدة‪ ،‬أعطوني وبرنابا ميني الشركة‪ ،‬لنكون نحن‬
‫أورشليم» (‪١‬كورنثوس ‪ .)٣-١ :١٦‬ماذا يعني هذا؟‬ ‫لألمم‪ ،‬وأ ّّما هم فللختان‪ .‬غير أن نذكر الفقراء‪ .‬وهذا‬
‫يعني أّنّه كان يرى أّنّ خدمة الفقراء نبعها عبادة الله‬ ‫اعتنيُت أن أفعله» (‪ ٩ :٢‬و‪.)١٠‬‬
‫ُ‬ ‫كنُت‬
‫عينه ُ‬
‫التي تقوم على ح ّّبه واإلميان به وقبوله كلم ًًة وقرابني‪.‬‬ ‫الحظوا‪ .‬يذ ّّكر السياق بنهاية األزمة الالهوت ّّية‬
‫احلّج إلى الله يتبعه‬ ‫هذه هي رسمة بولس في اخلدمة‪ّ :‬‬ ‫األولى التي عرفتها الكنيسة الناشئة‪ .‬يذ ّّكر بالنقاش‬
‫حّج إلى احملتاجني‪ .‬اخلدمة تنشئ اخلدمات‪.‬‬‫ّ‬ ‫الذي جرى حول قبول املهتدين إلى اإلميان من األمم‪.‬‬
‫هذا جعله‪ ،‬في تعليمه املؤمنني‪ ،‬يدفعهم إلى أن‬ ‫كان هناك في الكنيسة ََمن يقول إّنّ على املهتدي جدي ًًدا‬
‫ينبذوا الكسل واجلشع والظلم‪ .‬ال مسيح ّّية صحيحة‬ ‫أن يختنت قبل أن يعتمد‪ ،‬أي أن مي ّّر بالعهد القدمي أ ّّو ًًال‪.‬‬
‫ال ينتج فيها اإلنسان أو يكتفي فيها اإلنسان بنفسه‪.‬‬ ‫بولس كان ينادي أّنّ اخلتان والغرلة ال ينفعان‪ ،‬بل‬
‫ال مسيح ّّية من دون مح ّّبة للناس‪ .‬ال مح ّّبة صادق ًًة لله‬ ‫اخلليقة اجلديدة (غالطية ‪ ٦ :٥‬و‪ ،)١٥ :٦‬أي يقول إّنّ‬
‫ال مت ّّر مبح ّّبة القريب‪ .‬الذين يقولون إّنّ بولس كان‬ ‫املهتدين ميكنهم أن ينضووا إلى الكنيسة باملعمود ّّية‪،‬‬
‫مشغو ًًفا مبجيء يسوع ثاني ًًة‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬يجب أن‬ ‫إّال مبا هو مّتّفق عليه جماعًّي�ًا‪.‬‬ ‫من دون أن ُُيلَزَموا ّ‬
‫يقولوا‪ ،‬في آن‪ ،‬إّنّ اإلميان بهذا اجمليء ذاته هو ثورة‬ ‫انتصر احلّقّ ‪ .‬ث ّّم يكشف السياق أّنّ بولس‪ ،‬قبل هذا‬
‫على املوت في مظاهره جمل ًًة (اجلوع وما إليه)‪ .‬هذا‬ ‫مثًال‪:‬‬‫كّلّه‪ ،‬كان يذكر الفقراء في حّلّه وترحاله (أنظر ً‬
‫وعد املسيح‪ ،‬الذي يحيا في بولس‪ ،‬أّنّ الذين له في‬ ‫أعمال الرسل ‪.)٣٥-٣٣ :٢٠ ،٣٠-٢٧ :١١‬‬
‫األبد هم الذين يخدمون حياته هنا في األرض‪.‬‬ ‫ال أجتاوز ما يقوله الباحثون والذين يتبعونهم‪،‬‬
‫الزمان دائ ًًما موافق خلدمة احمل ّّبة‪ .‬نحن‬ ‫فعًال مشغو ًًفا بخدمة الكلمة‬ ‫بل أفهمه كثي ًًرا‪ .‬بولس كان ً‬
‫مدع ّّوون دائ ًًما إلى أن يعظم كرهنا للموت‪ ،‬موت‬ ‫حّب املسيح اآلتي (‪١‬تسالونيكي ‪.)١٧-١٣ :٤‬‬ ‫يحكمه ّ‬
‫الناس‪ ،‬إخوتنا‪ ،‬من اخلطايا ومن اجلوع وك ّّل ضرر‪.‬‬ ‫أعتقد أّنّ علينا أن نفهم شغفه دالل ًًة أبد ّّي ًًة على أّنّ‬
‫هذا من رائحة الفصح الباقي‪ .‬هذا هو السخاء الذي‬ ‫نشاًطا اجتماعًّي�ًا‪ ،‬بل هي الك ّّل‪ .‬كيف‬ ‫ً‬ ‫الكنيسة ليست‬
‫قال بولس إّنّه « ُُينشئ شك ًًرا لله» (‪٢‬كورنثوس ‪)١١ :٩‬‬ ‫ّ‬
‫نفهم أب ًًدا أّنّ كّل شيء يفعله املؤمنون‪ ،‬أو يجب أن‬
‫للرّب؟‬ ‫يفعلوه‪ ،‬إمّنم ا يبنى على يسوع وح ّّبه واإلميان الذي‬
‫كيف تشهد ّ‬ ‫من عنده؟ هذا هو الك ّّل الذي اجتهد بولس في أن‬
‫الذهبّي الفم‬
‫ّ‬ ‫للقديس يوحنا‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫يظهره في خدمة الكلمة واملوائد (أي خدمة الفقراء)‬
‫للرّب ليست أم ًًرا صع ًًبا كما قد‬ ‫ّ‬ ‫شهادتك‬ ‫مثًال‪ .‬عندما آمن الناس‬ ‫وغير خدمة أخرى‪ .‬سأعطيكم ً‬
‫ّ‬
‫لئّال يتعّطل صليب‬ ‫تظّنّ ‪ ،‬ألّنّ كرازتك «ال بحكمة كالم ّ‬ ‫في أورشليم‪ ،‬خسر كثير منهم وظائفهم‪ .‬أن تؤمن‬

‫‪3‬‬
‫مبعناه ال يتوافق والصوم‪ .‬يحتفظ س ّّر الشكر في‬ ‫املسيح» (‪1‬كورنثوس ‪ ،)17 :1‬بل بإعالن الصليب‬
‫االحتفالّي والبهيج‪ .‬فهو‬
‫ّ‬ ‫األرثوذكسّي بطابعه‬
‫ّ‬ ‫التقليد‬ ‫في حياتك العمل ّّية‪ .‬بالصليب‪ ،‬تدوس سطوة اخلطيئة‪،‬‬
‫ّ‬
‫قبل كّل شيء س ّّر مجيء املسيح وحضوره بني تالميذه‪،‬‬ ‫اخلارجّي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للرّب في حياتك الداخل ّّية وسلوكك‬
‫وتشهد ّ‬
‫وبالتالي هو االحتفال بقيامته‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬الصوم‬ ‫في أفكارك اخلف ّّية وتص ّّرفاتك الظاهرة‪ ،‬في عواطفك‬
‫حّج نحو هذا‬
‫هو مسيرة الكنيسة نحو ملكوت الله‪ ،‬هو ّ‬ ‫للرّب‪،‬‬
‫وأحاسيسك‪ ...‬شهادتك له‪ ...‬أن تكون سفي ًًرا ّ‬
‫امللكوت‪ ،‬يقول السيد‪« :‬ال يستطيعون أن يصوموا ما‬ ‫مبح ّّبة البشر ّّية كّلّها‪ .‬يّتّسع قلبك للمسيئني إليك‬
‫دام العريس معهم» (متى ‪ .)15 :9‬عندما ُُيرفع العريس‬ ‫الرّب‬
‫وناكري اإلميان‪ ،‬وحّتّى اجمل ّّدفني‪ ...‬لقد أرسلك ّ‬
‫ينتظرون‪ .‬الصوم هو هذا االنتظار‪.‬‬ ‫ً‬
‫حمًال بني ذئاب‪...‬‬
‫التلميذ‪ :‬ملاذا إ ًًذا نتناول القدسات السابق تقديسها‬ ‫من تعليمنا األرثوذكسي‪:‬‬
‫في الصوم؟‬ ‫ليتورجيا القدسات السابق تقديسها‬
‫املرشد‪ :‬هنا يجب أن نشير إلى اجلانب اآلخر من‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الروحّي‪ .‬فاملناولة إلى جانب‬
‫ّ‬ ‫س ّّر الشكر وهو اجلانب‬ ‫ً‬
‫عوًضا عن القداس‬ ‫التلميذ‪ :‬ما هي اخلدمة التي تقام‬
‫أيًضا ينبوع ق ّّوة‬‫كونها استبا ًًقا للفرح األخير‪ ،‬فهي ً‬ ‫اإللهّي خالل الصوم الكبير؟‬ ‫ّ‬
‫وعضد في املسيرة نحو هذا امللكوت‪ .‬الصوم هو هذه‬ ‫املرشد‪ :‬إّنّها خدمة «القدسات السابق تقديسها»‪ .‬كما‬
‫املسيرة‪ ،‬وهو مسيرة صعبة‪ ،‬فيه نواجه الش ّّرير وق ّّواته‬ ‫هو واضح من التسمية‪ ،‬هذه الليتورجية هي كناية‬
‫وج ًًها لوجه‪ ،‬نصير في صراع مع قوى هذا العالم‬ ‫عن صالة غروب لها شكل خاص وهي ً‬
‫أيًضا خدمة‬
‫والشهوات‪ .‬في صراعنا هذا ال ب ّّد لنا من معني واملعني‬ ‫تناول القدسات التي ّمتّ تقديسها وتكريسها في قداس‬
‫هو املناولة نفسها‪ .‬ولئن كانت املناولة كمال اجلهاد‬ ‫سابق‪ .‬وهي اخلدمة التي تقام في أيام الصوم الكبير‪،‬‬
‫أيًضا مصدر لهذا اجلهاد وبداية له‪.‬‬ ‫وهدفه‪ ،‬إاّلا أّنّها ً‬ ‫باستثناء يومي السبت واألحد‪ ،‬وفي ممارستنا احلالية‬
‫ليس هناك احتفال بس ّّر الشكر في أ ّّيام الصوم ألّنّ‬ ‫تقام يومي األربعاء واجلمعة‪.‬‬
‫االحتفال هو حركة مستم ّّرة للفرح‪ ،‬إمّنم ا هناك وجود‬ ‫التلميذ‪ :‬متى بدأت ممارسة هذه اخلدمة؟ وملاذا ال نقيم‬
‫لثمار س ّّر الشكر‪.‬‬ ‫قداًسا إلهًّي�ًا في أيام الصوم الكبير؟‬
‫ً‬
‫التلميذ‪ :‬ملاذا يقام قداس يوم السبت أو األحد في‬ ‫املرشد‪ :‬أقدم اإلشارات الواضحة عن هذه املمارسة في‬
‫الصوم؟‬ ‫الكنيسة تعود إلى بداية القرن السابع (‪ .)615‬هناك‬
‫املرشد‪ :‬في القوانني الكنسية منع للصوم يو ََمي السبت‬ ‫قوانني مجمع ّّية متنع إقامة القداس أو التقدمة في أيام‬
‫الرّب‪،‬‬‫ّ‬ ‫واألحد‪ .‬أساس هذا هو أّنّ يوم األحد‪ ،‬يوم‬ ‫الصوم‪ .‬فالقانون ‪ 94‬من مجمع الالذقية احمللي املنعقد‬
‫يتجاوز الصوم كما يتجاوز الزمن‪ُُ ،‬يكسر الصوم بس ّّر‬ ‫ينّص على أّنّه «ال يجوز تقدمي اخلبز‬ ‫بني ‪ 343‬و‪381‬م ّ‬
‫الشكر الذي هو حتقيق لالنتظار‪ .‬يوم األحد نتذ ّّكر‬ ‫الرّب»‪.‬‬
‫في أ ّّيام الصوم الكبير‪ ،‬باستثناء السبت ويوم ّ‬
‫قيامة السيد‪ ،‬فهو إ ًًذا يوم امللكوت الذي ال ميكننا أن‬ ‫ويشير القانون ‪ 25‬من اجملمع املس ّّمى اخلامس ‪-‬‬
‫نحسبه من هذا الزمن‪ ،‬لكّنّنا في السبوت واآلحاد في‬ ‫السادس (ترللو) املنعقد في سنة ‪692‬م إلى أّنّه «يقام‬
‫الصوم نستم ّّر في ما نسميه «القطاعة» أي االمتناع‬ ‫ق ّّداس القدسات السابق تقديسها في ك ّّل أ ّّيام الصوم‬
‫عن بعض األطعمة‪ .‬هذا النوع من الصيام يستم ّّر إلى‬ ‫الكبير ما عدا السبوت واآلحاد ويوم عيد البشارة‬
‫العادّي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يوم العيد وال يتو ّّقف كما احلال مع الصيام‬ ‫عادّي في أ ّّيام الصوم‬
‫ّ‬ ‫املق ّّدس»‪ .‬أ ّّما عدم إقامة ق ّّداس‬
‫أي االمتناع عن طعام لفترة مح ّّددة من اليوم‪.‬‬ ‫هو تعبير عن الوعي بأّنّ س ّّر الـشكر (االفخـارسـت ّّيـا)‬

‫‪4‬‬

You might also like