You are on page 1of 7

‫شبكة األلوكة ‪ /‬آفاق الشريعة ‪ /‬منبر الجمعة ‪ /‬الخطب ‪ /‬العبادات ‪ /‬الصيام ورمضان وما يتعلق بهما‬

‫فضل العشر األواخر وليلة القدر‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عبداهلل بن محمد الطيار‬

‫المصدر‪ :‬ألقيت بتاريخ‪23/9/1428 :‬هـ‬


‫مقاالت متعلقة‬

‫تاريخ اإلضافة‪ 12/8/2010 :‬ميالدي ‪ 2/9/1431 -‬هجري‬

‫الزيارات‪61141 :‬‬

‫فضل العشر األواخر وليلة القدر‬

‫الحمد هلل الكريم المنان ذي الفضل واإلحسان والحلم والصفح واإلنعام‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له الذي امتن علينا‬
‫بشهر الصيام والقيام وتالوة القرآن‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي كان أسرع الناس سعيًا لتحصيل رضا الرحمن‪ ،‬فقام وتال‬
‫القرآن‪ ،‬ودعا ربه في كل آن‪ ،‬وسأله العفو والغفران‪ ،‬صلوات ربي وسالمه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فياأيها المؤمنون والمؤمنات أوصيكم ونفسي بتقوى اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬ي ا َأ ُّي َه ا اَّلِذ يَن َآ َم ُنوا اَّتُق وا اَهلل َو ْلَت ْن ُظ ْر َنْف ٌس َم ا َق َّد َم ْت ِل َغ ٍد َو اَّتُق وا اَهلل‬
‫ِإ َّن اَهلل َخ ِب يٌر ِب َم ا َت ْع َم ُلوَن ﴾ [الحشر‪.]18 :‬‬

‫عباد اهلل اعلموا‪:‬‬

‫أن اهلل تعالى وجه عباده إلى التزود للدار اآلخرة‪ ،‬وحثهم على استغالل المواسم الفاضلة‪ ،‬فقال تعالى‪َ ﴿ :‬ي ْو َم َت ِج ُد ُكُّل َنْف ٍس َم ا َع ِم َلْت‬
‫ِم ْن َخ ْي ٍر ُم ْح َض ًر ا َو َم ا َع ِم َلْت ِم ْن ُس وٍء َت َو ُّد َلْو َأ َّن َب ْي َنَه ا َو َب ْي َن ُه َأ َم ًد ا َبِع يًد ا َو ُي َح ِّذ ُر ُكُم اُهلل َنْف َس ُه َو اُهلل َر ُء وٌف ِب الِع َب اِد ﴾ [آل عمران‪.]30 :‬‬
‫ومن عظيم فضل اهلل تعالى أن امتن علينا بهذه الليالي المباركة‪ ،‬ليالي العشر األخيرة من رمضان والتي نحن فيها اآلن والتي قد‬
‫مضى منها ثالث ليال‪ ،‬هذه الليالي المباركة فيها الخيرات والبركات‪ ،‬وتزيد فيها األجور والهبات‪ ،‬وينال فيها نفحات الرحيم الرحمن‪،‬‬
‫فياله من فضل عظيم‪ ،‬وعطاء جزيل من رب العالمين‪ ،‬فنحمده سبحانه حمدًا كثيرًا يرتضيه‪ ،‬ويوفي جزًء ا من آالئه وفضله العميم‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫إن هذه الليالي العظيمة في قدرها وشرفها تنادي أصحاب الهمم العالية‪ ،‬وأصحاب القلوب المؤمنة‪ ،‬والراغبين في الدار اآلخرة أن‬
‫هلموا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها األرض والسماوات‪ ،‬فأين الصادقون الراغبون إلى نعيم القرب من الحليم الكريم‪ ،‬والتلذذ‬
‫بمناجاته ودعائه‪ ،‬والعمل على بذل الجهد من أجل إرضائه‪ ،‬أين رهبان الليل ليتلذذوا بالقيام والركوع والسجود بين يدي موالهم‬
‫لينالوا األجر والثواب يوم الجزاء‪ ،‬أين أصحاب الحاجات والكربات ليرفعوا أيديهم لرب األرض والسماوات ليكشف عنهم ما هم فيه‪،‬‬
‫أين المذنبون الذين يرجون العفو والرحمات ومغفرة الزالت‪ ،‬أين المرضى والمبتلون من دعاء من بيده الشفاء والدواء؟‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫إن هذه الليالي الفاضلة تذكرنا بسيرة السابقين وأولهم سيد المرسلين وخاتم النبيين الذي كان حريصًا على استغالل هذه الليالي‬
‫العشر‪ ،‬فقد روت عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها‪(( :-‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يجتهد في العشر األواخر ما ال يجتهد في‬
‫غيره))؛ رواه مسلم‪.‬‬

‫وقالت أيضًا‪(( :‬كان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله))؛ رواه البخاري ومسلم‪ .‬وهذا‬
‫دليل صريح على فضيلة هذه العشر ألن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها‪ ،‬وهذا شامل‬
‫لالجتهاد في جميع أنواع العبادة من صالة وقراءة للقرآن‪ ،‬وذكر‪ ،‬ودعاء‪ ،‬وصدقة وغير ذلك‪ ،‬وألنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يشد‬
‫مئزره أي يعتزل أهله ويتفرغ للصالة والذكر‪ ،‬وألنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يحيي ليالي العشر بالصالة والقراءة والذكر طلبًا‬
‫لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر‪ .‬وألنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يوقظ أهله في هذه العشر‪ ،‬وهذا فيه بيان مزية لهذه‬
‫العشر دون سواها‪.‬‬

‫والشك أن المسلم العاقل اللبيب يسعى الغتنام هذه األوقات قبل أن ترحل لعل اهلل أن يدركه برحمته‪ ،‬وإنه لمن الحرمان والعياذ باهلل‬
‫أن تمر هذه الليالي المباركة على الشخص وهو يسرح ويمرح بأصناف الملذات والمحرمات‪ ،‬وإنه لمن الحرمان أيضًا أن يعمر المسلم‬
‫نهاره بالنوم وليله بالعبث واللهو واللعب المحرم الذي يجر عليه من المصائب ما اهلل به عليم‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫الحظوا الفرق بين واقعنا اليوم وواقع السلف سابقًا‪ ،‬فقد كانوا يقضون نهارهم بالصيام والذكر وتالوة القرآن‪ ،‬وليلهم بالقيام والتسبيح‬
‫والتهليل واالستغفار‪ ،‬ويقضي الكثيرون منا نهارهم بالنوم وليلهم باللهو واللعب المحرم وشرب الدخان ولعب الورق وغير ذلك مما‬
‫ابتلي به أهل زماننا من الغفلة واإلعراض عن طاعة اهلل‪.‬‬

‫فكيف يليق بمسلم يؤمن باهلل والدار اآلخر‪ ،‬ويعلم أنه موقوف بين يدي ربه‪ ،‬وأنه سيحاسبه عن كل صغيرة وكبيرة أن يفرط في مثل‬
‫هذه الليالي الفاضلة والتي تحمل بين طياتها ليلة عظيمة جعلها اهلل ذخرًا لمن قامها إيمانًا واحتسابًا‪ ،‬فيا ليت شعري أين المشمرون‪،‬‬
‫واين المتنافسون؟ وأين المجتهدون ليروا اهلل منهم خيرا‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫لقد كان السلف يسمعون كالم اهلل فيتأثرون ويبكون ويبادرون إلى العمل من أجل إرضائه‪ ،‬وأما اآلن فنجد الكثيرين يسمعون كالم‬
‫اهلل وال يتأثرون‪ ،‬وال يبكون بل وال يتباكون‪ ،‬وال يبادرون إلى العمل الصالح ليقربهم إلى اهلل‪ ،‬كان السلف يجتهدون اجتهادًا عظيمًا‬
‫لنيل األجر والثواب‪ ،‬أما اآلن ‪ -‬نسأل اهلل تعالى أن يعفو عنا ‪ -‬فنحن إذا قمنا لصالة التراويح مع اإلمام اكتفينا بها عن صالة القيام‪ ،‬بل‬
‫ربما يمُّن أحدنا على اهلل أنه صلى وصام‪ ،‬وما علم هذا المسكين أن الفضل أوًال وآخرًا لربه الذي أعانه ووفقه للصيام والقيام‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫إن هذه الليالي الفاضلة تحتاج منا إلى المبادرة بشغل األوقات بما يعود علينا بالنفع في الدارين‪ ،‬وكم من عبادة جليلة علمنا إياها‬
‫رسولنا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لنستفيد منها ومن تلك العبادات‪:‬‬

‫• االعتكاف ولو لليلة واحدة‪ ،‬والحمد هلل أن غالبنا اآلن في إجازة‪ ،‬فيمكن للمسلم الذي ليس عنده أعمال مهمة‪ ،‬أو أداء حقوق أهله‬
‫وأوالده‪ ،‬أو والديه‪ ،‬أن يجلس ولو ليوم واحد في المسجد ليزكي نفسه‪ ،‬ويطهر قلبه وعقله من شواغل الدنيا وهمومها‪ ،‬فينقطع عن‬
‫الدنيا متقربًا إلى ربه بالصيام والقيام وتالوة القرآن والذكر والدعاء‪ ،‬وسائر القربات‪ ،‬فيا لذة من تقرب إلى ربه‪ ،‬وبادر إلى طاعته‬
‫ومرضاته‪ ،‬وسارع إلى جنته ورضوانه‪ ،‬وواهلل ثم واهلل لو ذاق المعتكف لذة المناجاة‪ ،‬والقرب من اهلل‪ ،‬لحرص على هذه األوقات في‬
‫كل حين وآن‪.‬‬

‫• وأيضًا في هذه العشر ليلة خير من ألف شهر‪ ،‬من قامها أيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪:-‬‬
‫((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))؛ متفق عليه‪ ،‬فيالها من منحة عظيمة قَّل من اجتهد لتحصيلها‪ ،‬ولقد‬
‫أخفاها اهلل عن عباده كي يحرصوا على االجتهاد في طلبها ولئال يقصروا في غيرها‪ ،‬وكان من دعاء الحبيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫في هذه الليلة (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عنا)‪.‬‬

‫• ومن ذلك أيضًا الحرص على اإلكثار من الدعاء والبكاء بين يدي اهلل‪ ،‬وطلب رحمته وعفوه ومغفرته‪ ،‬فال ملجأ ومال منجى إال إليه‪،‬‬
‫فمن لم يتب في رمضان فمتى يتوب‪ ،‬ومن لم يرجع إلى ربه ويئوب متى يرجع‪ ،‬ومن كثرت ذنوبه فمن يغفرها له سوى اهلل‪ ،‬ومن‬
‫أراد النجاة من النار‪ ،‬والفوز بالجنان متى يطلب ذلك من اهلل سوى في هذه األيام‪ ،‬فالبدار البدار قبل انقضاء اآلجال‪ ،‬وتصرم الليالي‬
‫واأليام‪ ،‬فنتحسر على التفريط في جنب اهلل‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬أ ْن َتُق وَل َنْف ٌس َي ا َح ْس َر َت ا َع َلى َم ا َف َّر ْط ُت ِف ي َج ْن ِب اِهلل ﴾ [الُّز مر‪.]56 :‬‬
‫ومن ذلك تربية النفس على الصبر والتواضع واحتقار الذات‪ ،‬فكم من الناس من يتكبر على خلق اهلل‪ ،‬ويؤذيهم بسوء خلقه فإذا خال‬
‫بربه وشعر بضعفه وفقره احتقر نفسه‪ ،‬وبادر إلى إصالحها كي ينال رضا ربه‪ .‬فبادروا رحمكم اهلل قبل رحيل هذه األيام‪ ،‬واعلموا أن‬
‫األعمال بالخواتيم‪ ،‬فمن قدم لنفسه وجد الخير الكثير‪ ،‬ومن فرط في جنب ربه نال الخسران المبين‪.‬‬

‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪َ ﴿ :‬و اَّتُق وا َي ْو ًم ا ُت ْر َج ُع وَن ِف يِه ِإ َلى اِهلل ُث َّم ُت َو َّف ى ُكُّل َنْف ٍس َم ا َكَس َب ْت َو ُه ْم اَل ُي ْظ َلُم وَن ﴾ [البقرة‪.]281 :‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من اآليات والذكر الحكيم‪.‬‬

‫أقول ما سمعتم فاستغفروا اهلل يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وعد المتقين بالعتق من النيران والفوز بالجنان‪ ،‬ووعد الكافرين بالعذاب األليم والخلود في دار الهوان‪،‬‬
‫والصالة والسالم على الرسول الكريم محمد بن عبد اهلل الذي علم أمته كل خير‪ ،‬ووجههم ‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فاتقوا اهلل عباد اهلل‪ ،‬واعلموا أن المواسم الفاضلة هبة ومنحة من اهلل امتن بها على عباده‪ ،‬فبادروا باستغاللها‪ ،‬واجتهدوا في تحصيل‬
‫فضلها‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫لقد صدر بيان من سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه اهلل بَّي ن فيه خطورة سفر بعض الشباب للخارج‬
‫بحجة الجهاد‪ ،‬وقد بَّي ن سماحته آثار هذا الخروج من مفاسد عظيمة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ )1‬عصيان ولي أمرهم واالفتيات عليه‪ ،‬وهذا كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪(( :-‬من أطاع األمير فقد‬
‫أطاعني‪ ،‬ومن عصى األمير فقد عصاني))‪ ،‬ويقول أيضًا‪(( :‬السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره)) واألدلة في تحريم‬
‫معصية ولي األمر كثيرة‪.‬‬

‫‪ )2‬وجد من بعض الشباب الذين خرجوا لما يظنونه جهادًا خلع بيعة صحيحة منعقدة لولي أمر هذه البالد الطاهرة بإجماع أهل الحل‬
‫والعقد‪ ،‬وهذا محرم ومن كبائر الذنوب‪ ،‬يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪(( :-‬من خلع يدًا من طاعة لقي اهلل يوم القيامة وال حجة‬
‫له‪ ،‬ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))؛ أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ )3‬وقوعهم فريسة سهلة لكل من أراد اإلفساد في األرض‪ ،‬واستغالل حماستهم حتى جعلوهم أفخاخًا متحركة يقتلون أنفسهم‬
‫لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية لجهات مشبوهة‪.‬‬

‫‪ )4‬استغاللهم من قبل أطراف خارجية إلحراج هذه البالد الطاهرة‪ ،‬وإلحاق الضرر والعنت بها‪ ،‬وتسليط األعداء عليها‪ ،‬وتبرير‬
‫مطامعهم فيها‪ .‬وهذا من أخطر األمور إذ هذا الفعل منهم قد تعدى ضرره على األمة المسلمة‪ ،‬وطال شره بالدًا آمنة مطمئنة‪ ،‬وفعلهم‬
‫هذا فيه إدخال للوهن على هذه البالد وأهلها‪.‬‬

‫ومعلوم أن أمر الجهاد موكول إلى ولي األمر‪ ،‬وعليه يقع واجب إعداد العدة وتجهيز الجيوش‪ ،‬وله الحق في تسيير الجيوش والنداء‬
‫للجهاد وتحديد الجهة التي يقصدها والزمان الذي يصلح للقتال إلى غير ذلك من أمور الجهاد كلها موكولة لولي األمر‪ ،‬بل إن علماء‬
‫األمة أهل الحديث واألثر قد أدخلوا ذلك في عقائدهم‪ ،‬وأكدوا عليه في كالمهم‪ ،‬يقول الحسن البصري ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في األمراء‪( :‬هم‬
‫يلون من أمورنا وإن جاروا وظلموا‪ ،‬واهلل لما يصلح اهلل بهم أكثر مما يفسدون‪ ،‬مع أن واهلل إن طاعتهم لغيظ وإن فرقتهم لكفر)‪.‬‬

‫‪ )5‬خمسًا‪ :‬الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود‪ ،‬واهلل ما يستقيم الدين إال بهم‪ ،‬ويقول الطحاوي ‪ -‬رحمه اهلل ‪( :-‬والحج‬
‫والجهاد ماضيان مع أولي األمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلى يوم القيامة‪ ،‬ال يبطلهما شيء وال ينقضهما)‪.‬‬

‫ويقول ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في العقيدة الواسطية‪( :‬ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع واألعياد مع األمراء أبرارًا كانوا أو‬
‫فجارًا )‪.‬‬

‫وهذا األمر مستقر عند أهل السنة والجماعة أن ال جهاد إال بأمر اإلمام وتحت رايته‪ ،‬واألصل في هذا قول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪(( :-‬إنما اإلمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به‪ ،‬فإن أمر بتقوى اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وعدل كان له بذلك أجر‪ ،‬وإن يأمر بغيره كان‬
‫عليه منه))؛ أخرجه الشيخان‪.‬‬

‫وغيره من األحاديث في هذا الباب وعلى هذا جرى إجماع الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬ومن بعدهم من سائر المسلمين‪ ،‬وعليه فإن‬
‫الذهاب بغير إذن ولي األمر مخالفة لألصول الشرعية‪ ،‬وارتكاب لكبائر الذنوب والمحرض لهؤالء رجالن‪:‬‬

‫• إما جاهل بحقيقة الحال؛ فهذا يجب عليه تقوى اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬في نفسه وفي بالده‪ ،‬وفي المسلمين‪ ،‬وفي هؤالء الشباب‪ ،‬فال يزج‬
‫بهم في ميادين تختلط فيها الرايات وتلتبس فيها األمور‪ ،‬فال تتضح الراية الصحيحة من غيرها ويزعم أن ذلك جهادًا ‪.‬‬
‫• وإما رجل يعرف حقيقة الحال‪ ،‬ويقصد إلحاق الضرر بهذه البالد وأهلها بصنيعه هذا‪ ،‬فهذا والعياذ باهلل يخشى عليه أن يكون من‬
‫المظاهرين ألعداء الدين على بالد التوحيد وأهل التوحيد‪ ،‬وهذا خطر عظيم‪.‬‬

‫وواجب الجميع تقوى اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬والتبصر في حال األمة‪ ،‬والعمل وفق شرع اهلل‪ ،‬والصبر في طريق العلم والتعليم والدعوة‪،‬‬
‫وعدم االستعجال والتهور‪ ،‬وليعلم الجميع أن األيام دول‪ ،‬وأن اهلل ناصر من نصر دينه‪ ،‬وأن العاقبة ألهل التقوى‪ ،‬فالنصيحة أن نجتهد‬
‫في تعليم الناس التوحيد ونحملهم عليه‪ ،‬وعلى القيام بحق اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وهذا واجب العلماء والدعاة وطلبة العلم‪ ،‬مع إعداد القوة‬
‫والتهيؤ للعدو‪ ،‬وهذا من واجبات ولي األمر‪.‬‬

‫كما أوصي أبنائي الشباب بطاعة اهلل قبل كل شيء ثم والة أمرهم‪ ،‬واالرتباط بعلمائهم‪ ،‬هذا مقتضى الشريعة‪ ،‬وأوصي أصحاب‬
‫األموال بالحذر فيما ينفقون حتى ال تعود أموالهم بالضرر على المسلمين‪ ،‬كما أحث إخواني من العلماء وطلبة العلم على بيان الحق‬
‫للناس‪ ،‬واألخذ على أيدي الشباب وتبصيرهم بالواقع‪ ،‬وتحذيرهم من مغبة االنسياق وراء الهوى‪ ،‬والحماسة غير المضبطة بالعلم‬
‫النافع‪.‬‬

‫أسأل اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أن يجعلنا هداة مهتدين‪ ،‬وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه‪ ،‬والباطل باطًال ويرزقنا اجتنابه‪ ،‬وأن يبصرنا‬
‫بمواطن الزلل منا‪ ،‬كما اسأله سبحانه أن يعز دينه ويعلي كلمته وينصر عباده الموحدين‪ ،‬وأن يحفظ على بالدنا وسائر بالد المسلمين‬
‫األمن واإليمان‪ ،‬وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬واسأله سبحانه أن يغفر لنا ويرحمنا وأن ال يسلط علينا بذنوبنا من ال‬
‫يخافه فينا وال يرحمنا إنه سبحانه سميع مجيب‪.‬‬

‫وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته)‪ .‬انتهى كالمه ‪ -‬حفظه اهلل ‪.-‬‬

‫وأنبه هنا إلى أمر مهم وهو أن العيد إذا وافق يوم الجمعة فمن صلى مع اإلمام صالة العيد سقطت عنه صالة الجمعة‪ ،‬لكن يجب أن‬
‫يصليها ظهرًا وال يكون ذلك في المساجد بل من رغب أن يصلي جماعة فليصل مع اإلمام الجمعة‪ ،‬لكن لو خرج للبر أو الستراحة أو‬
‫مزرعة فال حرج عليه أن يصلي ظهرًا ألن الجمعة سقطت عنه‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون‪ ،‬فاذكروا اهلل العظيم‬
‫يذكركم‪ ،‬واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر اهلل أكبر واهلل يعلم ما تصنعون‪.‬‬

‫هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم اهلل بذلك فقال جل من قائل عليمًا‪ِ ﴿ :‬إ َّن اَهَّلل َو َم الِئ َكَت ُه ُي َص ُّلوَن َع َلى الَّن ِب ِّي َي ا‬
‫َأ ُّي َه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا َص ُّلوا َع َلْي ِه َو َس ِّلُم وا َت ْس ِل يمًا ﴾ [األحزاب‪.]٥٦ :‬‬
‫حقوق النشر محفوظة © ‪1445‬هـ ‪2024 /‬م لموقع األلوكة‬
‫آخر تحديث للشبكة بتاريخ ‪24/9/1445 :‬هـ ‪ -‬الساعة‪14:35 :‬‬

You might also like