You are on page 1of 150

1

‫مقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫إن الح ديث عن الت اريخ الوط ني يس تدعي االنطالق من اللبن ة األساس ية اال و هي الت اريخ‬
‫المحلي‪ ،‬حيث ان النظ رة الش مولية للت اريخ الوط ني ال تي تم يز اغلب الدراس ات و األبح اث‬
‫االكاديمي ـــة التاريخي ة تقتض ي االلم ام بالت اريخ المحلي‪ ،‬فال يمكن للم ؤرخ أو الب احث أن ي دعي‬
‫للحقيقـ ــة المطلقة دون التعمق أو البحث في المعطيات المحلية ‪ ،‬التي تب نى‬ ‫امتالكه‬
‫أساس ا على مص در رئيس ي يتمثــل في المذكــرات الشخصيــة خاص ة و أنــها ه ذه األخيــرة تعتبــر‬
‫م ادة دسمــة و مدون ة للتـــاريخ الج ـــزائري كتب على لس ان الف اعلين ال ذين ص نعوا و عاص روا‬
‫الثورة (الشهادات الحية للمجاهدين التي تم روايتها)‬

‫و في إط ار كتـــابة التــاريخ المحـلي ف ان موضوـع البحـث في ه ذه الدراس ة ه و الث ورة في‬


‫المنطقــة التاريخي ة األولى – الوالي ة األولى‪ -‬ألن ه ال يمكن الح ديث عن الث ورة التحريري ة‬
‫الجزائري ة دون التط رق الى ت اريخ المنطق ة ‪ ،‬نتيج ة للعالق ة الوطي دة ال تي تربطهم ا‪ ،‬حيث ش كلت‬
‫منطق ة االوراس خالل ف ترة المقاوم ات الش عبية بيئ ة مناهض ة لالس تعمار الفرنس ي‪ ،‬احت وت ك ل‬
‫تي ارات الحرك ة الوطني ة على اختالف مناهجه ا‪ ،‬بس بب جغرافيته ا من جه ة‪ ،‬و النزع ة التحرري ة‬
‫التي اتسم بها سكان االوراس خاصة األرياف و القرى المحصنة في الجبال من جهة أخرى‪ ،‬فقد‬
‫ك انت له ا ش رف احتض ان الخالي ا الثوري ة من خالل توف ير االي واء للمجاه دين و الث وار و‬
‫و اس تطاعت‬ ‫االس تعدادات الحديث ة من ت دريب على الس الح و توزيع ه‪،‬‬
‫باإلمكاني ات الذاتي ة ال تي تك اد ان تك ون منعدم ة أن تك ون ب ؤرة لتفج ير الث ورة و توس عها‬
‫و شموليتها‪ ،‬االمر الذي يعبر بص دق عن مدى الجهد المبذول من طرف أبناءه ا و على راسهم‬
‫مصطفى بن بولعيد‪ ،‬من خالل التخطيط الجيد و التنظيم المحكم‪.‬‬

‫ومن هـنا المنطلـق ارتأين ا تس ليط الض وء على ج وانب من التحض ير واالع داد للث ورة‬
‫في االوراس ‪ ،1954-1950‬من خالل مذكرات الشخصية‪ ،‬والتي ستكون موضوع دراستنا‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬

‫ان اختيارنا لهدا الموضوع جاء نتيجة لمجموعة من الدوافع يمكن اجمالها في دوافع ذاتية‬
‫ودوافع موضوعية‬

‫الدوافع الذاتية‪:‬‬

‫الرغب ة الذاتي ة في تس ليط الض وء على ف ترة تعت بر من أهم الف ترات التاريخي ة للث ورة‬
‫التحريرية‪ ،‬والتي كان لها الدور األبرز في استرداد الحرية للشعب الجزائري (في منظورنا)‪.‬‬

‫ان اهتمامن ا بالمجال التاريخي بص فة عامة وت اريخ الجزائر المعاصر بصفة خاصة‪ ،‬دفعنا‬
‫الى اختيار هذا العنوان‪ ،‬رغبة منا في محاولة االلمام بالحقائق المتعلقة به‪ ،‬وهو دافع ذاتي يحرك ه‬
‫فضول علمي للبحث واالطالع‬

‫كما ان جذور االنتماء الى المنطقة حرك فينا رغبة ملحة في البحث في تاريخ المنطقة‪.‬‬

‫الدوافع الموضوعية‪:‬‬

‫محاول ة المس اهمة في إض فاء مجه ود علمي ت اريخي ي دعم وي ثري حق ل الدراس ات العلمي ة‬
‫المتخصص ة في دراس ة ت اريخ الجزائ ر وخاص ة ت اريخ الث ورة في األوراس مرك زين على ف ترة‬
‫التحضير‪ ،‬وتسليط الضوء على النشاط المحلي في إطار تفجيرها‪.‬‬

‫ضف الى ذلك الحظنا من خالل اطالعنا على مختلف الكتابات التاريخية سواء مقاالت أو‬
‫كتب أنها تتناول الجوانب التاريخية دون التعمق في الجزئيات فمثال في دراستنا نجد أن هناك قلة‬
‫قليلة من المؤرخين تطرقت الى موضوع االعداد للثورة بجزئياتها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫أهمية اختيار الموضوع‪:‬‬

‫ان الدوافع التي تم ذكرها تبرز أهمية هذه الدراسة في البحث‪ ،‬والتي تكمن في الحديث عن‬
‫ظ روف انطالق الث ورة ب األوراس وأهم التحض يرات ال تي س بقتها‪ ،‬وتس ليط الض وء على خباي ا‬
‫مراحل الثورة في هذه الفترة خاصة وان تاريخ الثورة التحريرية ما يزال بكرا لم يعالج ويجهله‬
‫الشباب‪.‬‬

‫إشكالية الموضوع‪:‬‬

‫ان دراس تنا لموض وع "التحضــير واالعــداد للثــورة في األوراس" يجعلن ا نق ف أم ام إش كالية‬
‫رئيسية أساسية يمكننا صياغتها على النحو التالي‪ :‬ان ثورة نوفمبر مثل يفتدى به‪ ،‬وكان لمنطقة‬
‫األوراس الفضل في انطالق هذه الثورة من خالل نشاطها السياسي والعسكري‪ ،‬المادي والمعن وي‬
‫الذي جعل منها ملحمة من مالحم الثورة المباركة‪ ،‬ومما سبق نطرح اإلشكالية التالية‪:‬‬

‫م ا هي الكيفي ة ال تي ان دلعت به ا ث ورة التحري ر في اح دى معاقله ا األولى وهي األوراس؟‬


‫وكيف تم التحضير لها في ظل األوضاع العامة التي شهدتها المنطقة وكيف ساهم القادة في حفظ‬
‫أح داث ه ذه الف ترة في ال ذاكرة الوطني ة‪ ،‬وكي ف تم توزي ع األس لحة؟ واألف واج؟ والنق اط المعين ة‬
‫للهجوم عليها في خطة األوراس؟‬

‫تندرج تحت هذه اإلشكالية تساؤالت عديدة تستدعي اإلجابة عليها وهي كاآلتي‪:‬‬

‫م اهي الظ روف السياس ة والتاريخي ة ال تي تم فيه ا االع داد لث ورة نوفم بر‪ 54‬في‬ ‫‪‬‬

‫األوراس؟‬

‫فيما تمثل النشاط العسكري في األوراس خالل الفترة ما بين ‪1954-1947‬؟‬ ‫‪‬‬

‫ماهي أهم االجتماعات التحضيرية للثورة قبل اندالعها باألوراس؟‬ ‫‪‬‬

‫كيف تمت هيكلة وتنظيم الثورة في األوراس؟‬ ‫‪‬‬

‫‪4‬‬
‫مقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫كانت هذه اإلشكالية والتساؤالت‪ ،‬كفيلة بأن تجعلنا نقسم البحث الى ثالثة فصول‪ ،‬كان ما‬
‫قبلها مدخال تمهيديا لرصد أهمية المذكرات الشخصية في الكتابة التاريخية‪ ،‬تضمن ثالثة عناصر‪،‬‬
‫بداية بتعريف المذكرات الشخصية وأهميتها في كتابة تاريخ الجزائر وكيفية التعامل معها‪.‬‬

‫تناولنا بعدها الفصل األول وال ذي ج اء بعن وان‪" :‬األوضاع العامة في األوراس قبل انــدالع الثــورة‬
‫الجزائريــة"‪ ،‬وق د تطرقن ا في المبحث األول من ه الى الخص ائص الجغرافي ة والبش رية والتاريخي ة‬
‫لمنطق ة األوراس‪ ،‬وبالنس بة للمبحث الث اني تح دثت عن األوض اع الداخلي ة في األوراس قب ل‬
‫‪ ،1954‬حيث عرض نا في ه األوض اع االقتص ادية واالجتماعي ة‪ ،‬الثقافي ة للمنطق ة وأخ يرا الوض ع‬
‫اإلداري والسياسي فيها‪.‬‬

‫خصصنا الفصل الثاني للحديث عن‪" :‬التحضير واالعداد للثورة في األوراس من خالل الكتابــات‬
‫التاريخي ــة"‪ ،‬تكلمن ا في المبحث األول من ه عن النش اط العس كري في إط ار التحض ير للث ورة‬
‫باألوراس‪ ،‬عرضنا فيه نشاط المنظمة الخاصة وأثر اكتشافها على األوراس‪ ،‬وقضية التسليح‪،‬‬
‫ثم في المبحث الثاني تناولنا أزمة الحركة الوطنية وانعكاس اتها على التيار الثوري‪ ،‬تحدثنا عن‬
‫بوادر أزمة حزب الشعب‪ ،‬واالجتماعات التحضيرية التي سبقت اندالع الثورة في األوراس‪ ،‬ثم‬
‫انطالقها‪.‬‬

‫وفي الفص ل الث الث المعن ون ب‪" :‬التحضير للثورة في األوراس من خالل المذكرات" اعتمن ا في ه‬
‫انم وذجين من الم ذكرات‪ ،‬خصص نا المبحث األول من ه للح ديث عن التحض ير للث ورة من خالل‬
‫مذكرة الحاج لخضر‪ :‬قبسات من ثورة نوفمبر كما عايشها العقيد‪ ،‬معرفين ب ه وبنش اطه السياسي‬
‫في اطار االعداد للثورة‪ ،‬وكيفية التخطيط للثورة وانطالقها من خالل روايته‪ ،‬ام ا المبحث الث اني‬
‫تناولن ا في ه التحض ير للث ورة من خالل م ذكرة لهاليلي محم د الص غير‪ :‬ش اهد على الث ورة في‬
‫األوراس‪ ،‬مع رفين ب ه وبنش اطه السياس ي ك ذلك روايت ه عن التحض ير إلعالن الث ورة في‬
‫األوراس‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫واختتمت ه ذه الدراس ة بخاتم ة حوص لة لم ا تم التط رق الي ه في الفص ول الس ابقة‪ ،‬محاول ة ك ذلك‬
‫اإلجابة على اإلشكالية والتساؤالت المطروحة في المقدمة‪.‬‬

‫المنهج المتبع‪:‬‬

‫لدراسة هذه الخطة وتماشيا مع طبيعة الموضوع ارتأينا استخدام المنهج التاريخي الوصفي‬
‫والتحليلي باعتباره أنسب المناهج لدراسة الموضوع‪،‬‬

‫المنهج الت اريخ الوص في‪ :‬ك ان نتاج ا لم ا تم جمع ه من معلوم ات وال ذي يتناس ب م ع ع رض‬
‫األحداث والوق ائع التاريخية التي تطرقنا اليها‪ ،‬وكذا وص فها كرونولوجيا لتتبع مراحل انطالق‬
‫الثورة في األوراس والتعرف على جزئياتها التاريخية‪.‬‬

‫المنهج التحليلي‪ :‬ال ذي ف رض نفس ه كمنهج من المن اهج المس تخدمة لدراس تنا‪ ،‬وب النظر لض رورة‬
‫تحليل المذكرات واستخالص مرحلة التحضير منها والتعقيب لها من خالل الكتابات التاريخية‪.‬‬

‫حدود الدراسة‪:‬‬

‫تتناول هذه الدراسة "التحضير واالعداد للثورة في األوراس من خالل المذكرات من ‪1950‬‬
‫الى ‪ ،"1954‬وب ذلك فق د ح ددت مجاله ا الزم اني ب الفترة من ‪ 1950‬الى ‪ 1954‬والمك اني‬
‫األوراس‪ ،‬مع بعض التجاوزات الزمانية والمكانية التي تقتضيها طبيعة الدراسة‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬

‫في إطار اعدادنا للمذكرة قمنا باالستعانة بعدد من الدراسات السابقة التي عالجت الموضوع‬
‫والتي نذكر منها‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫مقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫أطروح ة دكت وراه للب احث عم راوي ق يرود تحت عن وان‪( :‬هيكل ة وتنظيم الث ورة في‬ ‫‪.1‬‬

‫المنطقة ‪-‬الوالية التاريخية ‪ )1958-1954‬والتي تناولت االعداد والتحضير للثورة في‬


‫األوراس‪ ،‬وما تخلله من مجهودات تنظيمية للثورة‪.‬‬

‫أطروح ة دكت وراه للب احث ناص ري معم ر تحت عن وان‪( :‬اس تراتيجية جيش التحري ر في‬ ‫‪.2‬‬

‫مواجه ة االس تعمار الفرنس ي الوالي ة األولى انموذج ا ‪ )1962-1956‬وال تي تن اول فيه ا‬
‫الثورة التحريرية في المنطقة األولى األوراس‪.‬‬

‫وتختلف مذكرتنا عن المذكرات السابقة بالنظر لكونها عالجت موضوع التحضير واالعداد‬
‫للثورة في األوراس من خالل االعتماد على المذكرات الشخصية التاريخية ناهيك عن قيامنا‬
‫بتحليل المذكرات من خالل الكتابات التاريخية‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬

‫وقد استعنا في دراسة هذا الموضوع على مجموعة من المصادر والمراجع التي نجدها في‬
‫األخير مفهرسة ومنظم‪ ،‬ولعلي أذكر في المقدمة أهمها‪:‬‬

‫المذكرات الشخصية‪ :‬نذكر منها‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫م ذكرة الح اج لخض ر "قبس ات من ث ورة نوفم بر كم ا عايش ها العقي د" أف ادتني كث يرا في الفص ل‬
‫الثالث‪ ،‬حيث ذكر بالتفصيل عملية التحضير للثورة خاصة وأنه شاهد عيان وصانع للثورة‪.‬‬

‫مذكرة لهاليلي محمد الصغير "شاهد على الثورة في األوراس"‪.‬‬

‫المصادر‪:‬‬ ‫‪.2‬‬

‫"محط ات حاس مة في ث ورة نوفم بر" لمؤلف ه عم ار مالح‪ ،‬ال ذي تع رض لنش اط الحرك ة الوطني ة‬
‫والتحضير لثورة نوفمبر‪ ،1954‬واندالعها وانتشار الثورة في منطقة األوراس‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫"التحضير ألول نوفمبر" لمؤلفه محمد بوضياف‪ ،‬اعتمد عليه كثيرا لما له من أهمية كبرى حيث‬
‫تطرق للتحضير للثورة‪.‬‬

‫المراجع‪ :‬اعتمدت على العديد من المراجع نذكر منها‪:‬‬ ‫‪.3‬‬

‫"األوراس مهد الثورة" لصاحبه عثمان مسعود‪ ،‬افادنا كثيرنا في الفصل األول والثاني‪.‬‬

‫"األوراس اب ان ف ترة االحتالل الفرنس ي" لعب د الحمي د زوزو‪ ،‬اس تعنا ب ه خاص ة في الفص ل األول‬
‫الوضاع الداخلية للمنطقة‪.‬‬

‫" األوفي اء ي ذكرونك ي ا عب اس لغ رور" لت ابليت عم ر‪ ،‬وكت اب "ث ورة نوفم بر‪ 54‬في الجزائ ر‬
‫(األوراس ‪-‬النمامشة) لصاحبه محمد العيد مطمر‪.‬‬

‫الصعوبات‪:‬‬

‫وكأي بحث أكاديمي ال يخلو من الصعوبات‪ ،‬صادفتنا أثناء انجازنا هذه المذكرة جملة من‬
‫الصعوبات نذكر منها‪:‬‬

‫الكتاب ة عن الث ورة ليس ت س هلة ألن المص ادر والمراج ع ال تي نعتم دها تك اد تك ون‬ ‫‪‬‬

‫ن ادرة‪ ،‬ألن أغلب المجاه دين لم يس جلوا م ذكراتهم ال تي تس اعدنا على كش ف الحق ائق‬
‫والتطلع على الجزئيات خاصة عند الكتابة حول التاريخ المحلي‪.‬‬

‫غياب االجتهادات والدراسات التي تناولت هذا الموضوع أي المذكرات‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫‪‬‬

‫صعوبة الوصول اليها األمر الذي جعل دراستنا يغلب عليها الطابع النظري‪.‬‬

‫ضيق الوقت الذي حال دون توسعنا لمعالجة موضوع دراستنا وفقا لما كان مسطر‬ ‫‪‬‬
‫له‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مدخل تمهيدي‪ :‬أهمية المذكرات في الكتابة التاريخية‬

‫تمهيد‪ :‬أهمية المذكرات الشخصية في الكتابة التاريخية‬

‫تكمن مهمة المؤرخ في بناء الماضي من خالل آثاره الباقية‪ ،‬وبذلك فهو يحتاج الى عدد‬
‫كبير ومتنوع من المصادر الوثائقية والشفوية التي دونها االنسان وخلفها بشأن نشاطاته السابقة‪،‬‬
‫سواء كانت مصادر مادية‪ ،‬كلمة منطوقة أو مدونة‪ ،‬فاذا كان التاريخ القديم يعتمد على النقوش‬
‫والحفريات والدراسات األثرية‪ ،‬فان التاريخ الحديث والمعاصر يعتمد على الوثائق والشهادات‪،‬‬
‫والتي تتفاوت أهميتها من مصدر الى آخر حسب نوعه (المصدر) وطبيعة الموضوع المعالج‪.‬‬

‫و ت اريخ الجزائ ر حاف ل باألح داث التاريخي ة ع بر مختل ف مراحل ه‪ ،‬ف اذا وقفن ا عن د أي‬
‫مرحل ة فإنن ا نج د تاريخه ا ق د دونت ه مص ادر اجنبي ة ت أتي في مق دمتها الكتاب ات الفرنس ية‪ ،‬و هي‬
‫تنقس م الى قس مين األولى‪ :‬تض م كتاب ات تاريخي ة وردت في ش كل تق ارير متنوع ة لجواس يس و‬
‫رحال ة اورب يين‪ ،‬ام ا الثاني ة عب ارة عن م ذكرات لق ادة فرنس يين عس كريين ك انوا‪ ،‬أو كت اب و‬
‫م ؤرخين أمث ال " ش ارل ان دري جولي ان" و"جلب ار مين" وغ يرهم‪ ،‬فكتاب اتهم حملت الكث ير من‬
‫المغالط ات‪ ،‬فعلى س بيل المث ال‪ ،‬اذا وقفن ا عن د ف ترة االس تعمار الفرنس ي للجزائ ر‪ ،‬نج د بعض هم‬
‫اعتبر أن األحداث التي جرت في الجزائر خاصة في الفترة الممتدة بين ‪( 1954/1962‬الثورة‬
‫التحريرية الجزائرية)‪ ،‬انما هي عبارة عن حرب الجزائر‪ ،‬ولم يعترف هؤالء على األقل بأنها‬
‫ح رب تحريري ة خاض ها ش عب احتلت بالده وس لبت من ه س يادته و طمس ت مقومات ه الشخص ية‪،‬‬
‫ففي مؤلف اتهم غلب مص طلح ح رب "‪ "guerre‬ب دال من ث روة "‪ " révolution‬وه ذا نك ران وع دم‬
‫االعتراف بالعمل الثوري ومحاولة لطمس مآثر الشعب الجزائري وتجريده من الوطنية والروح‬
‫‪.2‬‬ ‫‪1‬‬
‫الحماسية وسلخها من بعدها االستقاللي‬

‫‪ 1‬يمينة بن رحال‪ :‬أهمية المذكرات الشخصية في كتابة تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬حوليات التاريخ والجغرافيا‪ ،‬المجلد‪ ،5:‬العدد‪:‬‬
‫‪31 ،09‬ديسمبر ‪ ،2015‬ص ‪.220‬‬
‫‪2‬‬
‫‪9‬‬
‫مدخل تمهيدي‪ :‬أهمية المذكرات في الكتابة التاريخية‬

‫له ذا وجب البحث عن مص ادر أخ رى لكتاب ة الت اريخ تك ون محلي ة وب أقالم جزائري ة ممن‬
‫عاشوا وعايشوا أحداث الثورة التحريرية‪ ،‬وبالفعل تنوعت مصادر كتابة تاريخ الثورة الجزائرية‬
‫بين الوث ائق األرش يفية والش هادات والم ذكرات الشخص ية وال تي أض حت من المص ادر المهم ة‬
‫خاصة مذكرات القادة السياسيين والعسكريين الذين كانوا أطرافا فاعلة فيها‪.1‬‬

‫فبع د االس تقالل ع رفت الجزائ ر ظ اهرة كتاب ة الم ذكرات الشخص ية لمجموع ة من ق ادة‬
‫الثورة‪ ،‬وكان من أشهرها مذكرات "حسين ايت احمد"‪ " ،‬فرحات عباس" ‪ ،...‬حيث كتبت باللغة‬
‫الفرنس ية‪ ،‬وص درت في فرنس ا وبقيت لف ترة طويل ة ممنوع ة من ال دخول الى الجزائ ر ألس باب‬
‫سياسية‪ .‬وهذه الكتابات مساهمات جديدة في الحياة الفكرية والسياسية بالجزائر‪ ،‬فالرجوع بحياة‬
‫االنس ان الى ال وراء ومراجع ة أعمال ه وعالقات ه بنفس ه ورواي ة أخب اره في ص ورة ذاتي ة تعتم د‬
‫القص والتدخل الشخصي‪ ،‬كل ذلك جديد‪.2‬‬

‫ومع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي‪ ،‬انتعش هذا النوع من الكثابة مع صدور عدد‬
‫من المذكرات في الجزائر باللغة العربية‪ ،‬وذلك لعدة عوامل منها‪ ،‬وفرة جو من الحريات وزيادة‬
‫االهتمام بالتاريخ الوطني‪ .3‬فالمذكرات معلم مهم في كتابة التاريخ‪ ،‬ويمكن الوقوف على ذلك من‬
‫خالل مفهومه ا وتاريخه ا وقيمته ا العلمي ة‪ .‬وظه رت في اآلون ة األخ يرة مجموع ة من الش هادات‬
‫مدون ة في كتب لمناض لين جزائ ريين ش اركوا في الث ورة التحريري ة‪ ،‬ال يظه ر فيه ا األن ا المتكلم‬
‫على نح و جلي يق رب الموض وع من ال ذات‪ ،‬أو يمكن ال ذات من االق تراب من الموض وع الم راد‬
‫روايته‪ ،4‬فمثال المجاهد هاليلي محمد الصغير فيما يرويه في شهادته المتعلقة بالثورة التحريرية‬
‫"شاهد على الثورة في األوراس"‪ ،‬سرد وقائع الثورة في الوالية األولى كما عاشها ودورها في‬

‫‪ 1‬درعي فاطمة‪ :‬أهمية المذكرات الشخصية في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية (مذكرات علي كافي نموذجا)‪ ،‬مجلة الحوار‬
‫الثقافي‪ ،‬المجلد ‪ ،11:‬العدد ‪ ،01:‬جوان ‪ ،2022‬ص ‪.289‬‬
‫‪ 2‬أبو قاسم سعد اهلل‪ :‬تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬ج‪ ،7:‬ط‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،1998 ،‬ص ‪.450‬‬
‫‪ 3‬بن رحال يمينة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪ 4‬نور الدين ثنيو‪ :‬الذاكرة والشهادة في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية (‪ ،)1960-1954‬مجلة أسطور‪ ،‬العدد ‪ ،02‬يوليو‬
‫‪ ،2015‬ص ‪.31‬‬
‫‪10‬‬
‫مدخل تمهيدي‪ :‬أهمية المذكرات في الكتابة التاريخية‬

‫االع داد للث ورة‪ ،‬وفي ه ذه الش هادة ال يتح دث المجاه د بأن اه الخ اص مباش رة بق در م ا يس رد عن‬
‫تاريخ الثورة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف المذكرات الشخصية‪:‬‬

‫الذاكرة تقودنا مباشرة الى التاريخ ألنها الحاملة األولى له ولوالها لما كان هناك من علم‬
‫لكتابة التاريخ‪ ،‬اذ أن المصدر األول لمعلومات المؤرخ هو الشهادة‪ ،‬شهادة أولئك الذين حضروا‬
‫الحدث‪ ،1‬وتعرف المذكرات بأنها جنسا تاريخيا يحكي فيه الكاتب وقائع الحياة العامة التي كان‬
‫شاهدا عليها‪ ،‬أو كان له فيها دورا ما‪ ،‬وغالبا ما تكون األهمية التي أعطيت لألحداث والتاريخ‬
‫في ه ذه المؤلف ات أك ثر من األهمي ة ال تي تعطى لشخص ية الك اتب‪ ،‬له ذا يطل ق عليه ا اس م‬
‫المذكرات‪.2‬‬

‫ويم يز الم ؤرخ الفرنس ي "ج اك لوغ وف" ‪ Jaques le Goff‬في كتاب ه "الت اريخ وال ذاكرة"‬
‫بين ن وعين من الت واريخ‪ :‬ت اريخ ال ذاكرة الجماعي ة وت اريخ الم ؤرخين‪ ،‬ويص ف الن وع األول‬
‫(تاريخ الذاكرة الجماعية)‪ :‬باألسطرة أو األسطورية‪ ،‬ألنها مشوهة‪ ،‬خالطة لألزمنة لكنه يعترف‬
‫بأنها حالة لزمن يتقاطع فيه الماضي والحاضر‪ ،‬أما النوع الثاني (تاريخ المؤرخين)‪ :‬يراه مطلبا‬
‫ومسارا معرفيا مصححا لتاريخ الذاكرة‪ ،‬فهو مصحح للتاريخ التقليدي المغلوط‪.3‬‬

‫والمذكرات نوع من أنواع الكتابة التاريخية وثيقة الصلة بالسيرة الذاتية والفرق بينهما هو‬
‫ان السيرة الذاتية تروي قصة حياة الكاتب وتسجل خبراته ومنجزاته في المقام األول‪ ،‬في حين‬

‫‪ 1‬بول ريكو‪ :‬الذاكرة‪-‬التاريخ والنسيان‪ ،‬تر‪ :‬جورج زيناتي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتاب الجديد المتحدة‪ ،‬ليبيا‪ ،2009 ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ 2‬فاتح رجب قدارة‪ :‬التأريخ لألحداث المعاصرة من خالل المذكرات والشهادات الشخصية‪ ،‬مجلة أسطور‪ ،‬ع ‪،2017 ،06‬‬
‫ص‪.82‬‬
‫‪ 3‬وجيه كوثراني‪ :‬التاريخ والذاكرة والكتابة التاريخية (دراسة نماذج‪ :‬سايكس بيكو‪ ،‬الخالفة‪ ،‬ذاكرات طوائف لبنان)‪ ،‬مجلة‬
‫أسطور‪ ،‬العدد ‪ ،04‬يوليو ‪ ،2016‬ص ‪.14‬‬
‫‪11‬‬
‫مدخل تمهيدي‪ :‬أهمية المذكرات في الكتابة التاريخية‬

‫ان الم ذكرات توص ف باألح داث وتعلله ا وبالت الي فهي عب ارة عن ادالء ش هادات لص ناع الق رار‬
‫والحدث‪.1‬‬

‫يق ول عب د العظيم رمض ان في تعريف ه للم ذكرات‪" :‬الم ذكرات هي ك ل م ا روي على لس ان‬
‫الش هود س واء في ش كل تق ارير يرس لها الس فراء‪ ،‬والقناص ل‪ ،‬أو ش هادات رس مية أم ام المح اكم‬
‫وجهات التحقيق أو روايات تروى في احداث شخصية أو عامة‪ ،‬بل إن الروايات التي يرويها‬
‫مراسلو الصحف من واقع المشاهدة العينية‪ ،‬تندرج تحت باب المذكرات‪ ،‬و هذا أمر غير معقول‬
‫ألنه إذا كان صحيحا فإنها تصبح شكال من أشكال الروايات‪ ،‬إال أنها تنفرد بخصوصية مميزة‬
‫تتجلى في الج انب الشخص ي ف المؤرخ ال يخ ترع الح وادث ال تي تناوله ا من ذهن ه و خيال ه‪ ،‬ب ل‬
‫يستقيها من ينابيعها حتى تصبح مرجعية أساسية للكتابة التاريخية‪.2‬‬

‫ويعرف جون توش المذكرات بأنها‪" :‬سرد تاريخي شخصي كتب من قبل شخص م ا ك ان‬
‫يش غل منص ب م ا في الحي اة العام ة وأع د لكي ينش ر بع د موت ه لم دة ال ب أس به ا من ال زمن‪،‬‬
‫والغ رض من ذل ك ه و ت دوين الحق ائق والمعتق دات ال تي من المحتم ل أن تك ون تص رفا خط يرا‪،‬‬
‫وتكون بهذا أكثر اثارة للقارئ مما إذا نشرت كسيرة ذاتية سياسية"‪.3‬‬

‫تعتبر المذكرات الشخصية تكملة لما سكتت عنه الوثائق التاريخية أو تغاضت عن ذكره‪،‬‬
‫فال يجب على الم ؤرخ رغم قيم ة ه ذا المص در‪ ،‬أن يأخ ذه على أن ه الحقيق ة المطلق ة ب ل علي ه‬
‫مراعاة صدقها من كذبها لطالما تكون هناك نزعة ذاتية أو ضغوط أو انحياز إلى فئة معينة أو‬
‫ت برير لموق ف يتالءم م ع ص احب الم ذكرات خاص ة بعض األح داث التاريخي ة ال تي حكم عليه ا‬
‫التاريخ بالسلب‪ ،‬وبالتالي توفر ملكة النقد لدى دارس التاريخ أمر ضروري‪.4‬‬

‫‪ 1‬بن رحال يمينة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.221‬‬


‫‪ 2‬درعي فاطمة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.290‬‬
‫‪ 3‬جون توش‪ :‬المنهج في دراسة التاريخ (االتجاهات وأهداف جديدة في دراسة التاريخ)‪ ،‬تر‪ :‬ميالد المقرحي‪ ،‬ط ‪،01‬‬
‫منشورات جامعة قاريونس‪ ،‬بنغازي‪ ،1994 ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ 4‬واضح مداني‪ :‬أهمية المصادر التاريخية عند المؤرخ‪ ،‬مجلة القرطاس‪ ،‬العدد‪ ،10 :‬نوفمبر ‪ ،2018‬ص ‪.156-155‬‬
‫‪12‬‬
‫مدخل تمهيدي‪ :‬أهمية المذكرات في الكتابة التاريخية‬

‫ثانيا‪ :‬أهمية المذكرات في الكتابة التاريخية‪:‬‬

‫يكتب التاريخ في جانب منه من الذاكرة‪ ،‬وكلما نشطت الذاكرة وأبدت القدرة على التذكر‪ ،‬كانت‬
‫الكتابة التاريخية أفضل‪ ،‬ويضفي ذلك مصداقية وجدية على التاريخ نفسه خاصة إذا ما تعددت‬
‫الشهادات حول حادثة معينة‪ ،‬وعندما نتحدث عن التاريخ فإننا نتحدث بالضرورة عن الذاكرة‪،‬‬
‫أي عن رواية الحوادث وسردها وعرض المواقف التي مازالت معلقة بذاكرة الشاهد‪.1‬‬

‫المذكرات ذات أهمية كبيرة للباحثين والمهتمين بالتاريخ لما تتميز به من محاوالت جادة إلثراء‬
‫وتوثيق كم هائل من الوثائق والصور والمراسالت واألخبار والتحليالت والحقائق والمعتقدات أو‬
‫معلومات تفصيلية ومفيدة عن تاريخ المنطقة‪ ،‬يرغب صاحبها في كتابتها أو في ايصالها ونقلها‬
‫الى اآلخ رين لس د ثغ رات يستش عرها الب احثون ال ذين يمطرون ه بنق دهم وتس اؤالتهم ومالحظ اتهم‬
‫فتتح ول إلى نص م دون يص بح في متن اول الب احثين والم ؤرخين ال ذين ربم ا ال يمكنهم العث ور‬
‫عليها في الوثيقة التاريخية‪.‬‬

‫تعتبر من مصادر الكتابة التي ال غنى لنا عنها لفهم تشكل بعض الوعي الجمعي الجزائري في‬
‫تلك الفترة‪ ،‬ومصدرا مكمال يجدد أو يحدد الوقائع التي وثقتها المصادر التقليدية التي قد يكون‬
‫الوصول اليها صعبا‪.2‬‬

‫تكتب الم ذكرات ت اريخ المجتم ع بك ل فئات ه‪ ،‬ألن أص حابها تب دأ س يرتهم من عم ق األس رة‬
‫ال تي ترعرع وا فيه ا‪ ،‬والوس ط الش عبي ال ذي انتم وا الي ه‪ ،‬بك ل بس اطته وس ذاجة أص حابه‬
‫واهتمام اتهم‪ ،‬وأوض اعهم الخاص ة‪ ،‬وهي ص فحات غالي ة من ت اريخ العام ة‪ ،‬والحي اة المعيش ية‬
‫الصعبة في عهود االستعمار‪ ،‬والمعاناة التي عاش فيها الكاتب والذي لم يكن يحلم في تلك الفترة‬
‫األولى الى بلقمة تسد رمقه‪ ،‬أو ما يوفره من نقود تساعده على إتمام دراسته‪ ،‬أو اصالح شأنه‪،‬‬

‫‪ 1‬نور الدين ثنيو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.25‬‬


‫‪ 2‬محمد غربي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪13‬‬
‫مدخل تمهيدي‪ :‬أهمية المذكرات في الكتابة التاريخية‬

‫يكتب المذكرات السياسيون والزعماء‪ ،‬والقادة والمقاتلون في الحروب والذين ساهموا في صنع‬
‫ت اريخ بالدهم بأنص بة متفاوت ة‪ ،‬وكلم ا ك انوا أق رب الى ص نع الق رار في مس تواهم وامتالكهم‬
‫الوث ائق والمعلوم ات‪ ،‬تك ون م ذكرتهم أك ثر نفع ا‪ ،‬بحكم أنهم ش هود عي ان‪ ،‬تمت از كتاب اتهم بك ثرة‬
‫التفاصيل ودقة الوصف‪.1‬‬

‫كما تكشف لنا المذكرات المتعلقة بتاريخ الجزائر رؤية خاصة لفترة معينة‪ ،‬فهي تفيدنا‬
‫في ت ركيب الكث ير من الموض وعات‪ ،‬فنج د ال راوي يض حي بوقت ه ويك رس جه وده من أج ل أداء‬
‫مهم ة تاريخي ة على أكم ل وج ه‪ ،‬واله دف منه ا ه و خدم ة وطن ه وأمت ه‪ ،‬كم ا تكش ف أيض ا عن‬
‫حوادث ووقائع تاريخ الجزائر وثورته المباركة في مراحلها المختلفة وجوانبها المتعددة‪ ،‬حيث‬
‫تق دم ص ورة داخلي ة عن الحي اة اليومي ة للمجاه دين‪ ،‬وت برز الخالف ات األيديولوجي ة والص راعات‬
‫حول القيادة داخل صفوف منظري ومسؤولي الثورة الجزائرية‪.‬‬

‫ضف الى ذلك انها تحفظ التراث اإلنساني لألجيال القادمة وتوفر القدوة الصالحة لألبناء‪:‬‬
‫نأخ ذ منه ا الع بر حيث أنه ا تجرب ة بش رية يمكن االس تفادة منه ا‪ ،‬وينبغي للم ؤرخ اتج اه ه ذه‬
‫الم ذكرات مقارنته ا م ع كتاب ات أخ رى واس تعمال أدوات المنهجي ة العلمي ة للتعام ل م ع تل ك‬
‫المذكرات‪ ،‬وهذه للحصول على المعلومات التاريخية الحقيقية‪.2‬‬

‫ثالثا‪ :‬كيفية التعامل مع المذكرات الشخصية في الكتابة التاريخية‪:‬‬

‫لتوظي ف الم ذكرات الشخص ية واالس تفادة منه ا بم ا يخ دم البحث الت اريخي وجب أن نق ف‬
‫ونتخذ العديد من القواعد في طريقة التعامل معها‪ ،‬يمكن أن نلخصها في مايلي‪:‬‬

‫‪ 1‬علي غنابزية‪ :‬القيمة التاريخية للمذكرات الشخصية في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية‪ ،‬مجلة الحوار المتوسطي‪ ،‬المجلد ‪،11‬‬
‫العدد ‪ ،01‬مارس ‪ ،2019‬ص ‪.124‬‬
‫‪ 2‬رشيد مياد‪ :‬كتابة تاريخ الجزائر المعاصر من خالل المذكرات الشخصية‪ :‬األهمية والمحاذير‪ ،‬مجلة تاريخ العلوم‪ ،‬المجلد‪:‬‬
‫‪ ،5‬العدد‪ ،13 :‬جوان ‪ ،2020‬ص ‪.106‬‬
‫‪14‬‬
‫مدخل تمهيدي‪ :‬أهمية المذكرات في الكتابة التاريخية‬

‫ال يمكن ألي ب احث في الت اريخ أن يتح رى الص دق والموض وعية‪ ،‬في البحث ويكتب‬ ‫‪‬‬

‫تاريخ ا أو يحكم على ف ترة معين ة اال إذا اطل ع على وث ائق ثري ة حوته ا تل ك المرحل ة‪،‬‬
‫ف المؤرخ في كتابات ه لألح داث التاريخي ة ق د يك ون بعي د عن الموض وعية وتطغى ب ذلك‬
‫النزع ة الذاتي ة‪ ،‬وبالت الي ض رورة الدراس ة الواعي ة المتعمق ة‪ ،‬به ا نح اول أن نكش ف عن‬
‫أهداف ه من الكتابة وم دى اعتق اده في ص حة م ا كتبه‪ ،‬بمعنى آخر يجب أن تت وفر دراسة‬
‫دقيقة الستخالص الحقائق‪.‬‬

‫ض رورة معرف ة الظ روف ال تي أح اطت ب المؤلف‪ ،‬فنجم ع أوف ر قس ط من المعلوم ات عن‬ ‫‪‬‬

‫المؤلف وعن ثقة الناس به وعن العصر الذي كتب فيه وعن الوثائق المشابهة ال تي روت‬
‫نفس الحادث‪ ،‬بمعنى يجب أن نضع مجموعة من األسئلة حول ان كان المؤلف قد كذب‬
‫في روايته‪ ،‬فاألسباب الداعية للكذب أشهرها‪ :‬أن المؤلف قصد الى التزييف لحاجة ما‪،‬‬
‫كأن يستفيد ماديا‪ ،‬أن يكون المؤلف قد أجبر واضطر الى هذا التزييف‪ ،‬أو يكون المؤلف‬
‫م دفوعا ب دافع البغض اء والكراهي ة لجماع ة من الجماع ات ديني ة أو وطني ة أو ب دافع‬
‫االختالف في الرأي مع مبدأ من مبادئ أو حزب من األحزاب‪ ،‬فيميل في هذه الحالة الى‬
‫تمجيد جماعته أو مبادئ حزبه والحط من قيمة خصومه‪.1‬‬

‫وكث يرا م ا تخ ون االنس ان ملك ة ال ذاكرة‪ ،‬فق د ينس ى الكث ير من األح داث ل ذلك ال يجب أن‬ ‫‪‬‬

‫تثق في الرواية لمجرد أن صاحبها شاهد عيان‪ ،‬فشهادة العيان ليست بصحيحة في كل‬
‫الح االت ألن ص احبها ق د يخطئ وق د يك ون عرض ة لكث ير من األوه ام‪ ،‬فمن الض روري‬
‫مالحظ ة الف ترة الزمني ة الفاص لة بين ت اريخ الح دث وت اريخ الت دوين‪ ،‬ذل ك أن ال ذاكرة‬
‫الشخصية قادرة على استحضار األحداث القريبة زمنيا‪ .‬ولكن يعوزها استرجاع ذكريات‬
‫بعي دة‪ .‬ك ذلك ظ اهرة التحف ظ على ذك ر بعض األح داث‪ ،‬حيث يتعم د ص احب الم ذكرة أو‬
‫الش هادة النس يان م ع االختي ار ال واعي في س رد بعض الحق ائق‪ ،‬ال تي من ش أنها أن تمس‬

‫‪ 1‬بن رحال يمينة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ :‬ص ‪.224‬‬


‫‪15‬‬
‫مدخل تمهيدي‪ :‬أهمية المذكرات في الكتابة التاريخية‬

‫بمكانت ه النض الية‪ ،‬وت ؤدي الى ص راعات وفتن بين أط راف مختلف ة وربم ا يمكن ارج اع‬
‫قض ية النس يان إلى مب دأ الس رية والكتم ان ال ذي اعت اد علي ه أف راد جيش وجبه ة التحري ر‬
‫الوطني في نضالهم ضد االستعمار‪.1‬‬

‫على المؤرخ أال يثق بذاكرة الشهود وأن يمررها في منطقة النقد عن طريق المقارن ة بين‬ ‫‪‬‬

‫مختلف الشهادات‪ ،‬ذلك أن الشهادة هي شهادة حين تكون أمام الجمهور‪ ،‬كي نكون هناك‬
‫إمكانية المتحان مدى الثقة بالشاهد‪ ،2‬والخروج من دائرة الشك الى اليقين‪.‬‬

‫ض رورة االنتب اه إلى نزع ة التف اخر والمباه اة ال تي تس يطر على النفس البش رية ذل ك أن‬ ‫‪‬‬

‫األشخاص الذين يستسلمون لهذه النزعة يستغلون كل الفرص ألجل اثبات فاعلية دورهم‬
‫في األحداث المفصلية من تاريخ أمتهم مع أنه قد يكون دورا ضئيال‪.‬‬

‫وفي األخ ير يمكن الق ول ب أن ال ذاكرة تبقى مص در مهم في كتاب ة ت اريخ الجزائ ر‬
‫وثورته ا‪ ،‬ألن أص حابها ك انوا ينقل ون األح داث من مكانه ا وزمانه ا ودونوه ا لتبقى ش هادة حي ة‬
‫للتاريخ ولألجيال القادمة‪ ،‬ورغم ما يمكن أن تحتويه من تناقضات مختلفة باختالف كتابه ا اال أن‬
‫المؤرخ الحقيقي يجب أن يخضع الحادثة للتحليل والتمحيص حتى يصل الى الحقائق التاريخية‪.3‬‬

‫‪ 1‬رشيد مياد‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.226‬‬


‫‪ 2‬بول ريكو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ 3‬بن رحال يمينة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪16‬‬
‫الفصـــــــل األول‬

‫األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬


‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في األوراس قبل اندالع الثورة الجزائرية ‪.1954‬‬

‫المبحث األول‪ :‬منطقة األوراس‪ ،‬اإلطار الجغرافي والتاريخي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطار الجغرافي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المكون البشري‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اإلطار التاريخي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األوضاع الداخلية في المنطقة قبل ‪.1954‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الوضع اإلقتصادي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوضع اإلجتماعي والثقافي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الوضع اإلداري والسياسي‪.‬‬

‫المبحث األول‪:‬‬

‫منطقة األوراس‪ ،‬اإلطار الجغرافي والتاريخي‬


‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫إن الحديث عن األوضاع العامة في األوراس قبل اندالع الثورة الجزائرية يستدعي تحديد‬
‫اإلط ار الجغ رافي للمنطق ة‪ ،‬وك ذا تبي ان المك ون البش ري و اإلط ار الت اريخي له ا‪ ،‬و ه و م ا‬
‫سنتطرق اليه من خالل المطالب التالية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطار الجغرافي‪:‬‬

‫أصل التسمية‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫األوراس‪ :‬اس م علم لسلس ة أعالم راس ية ش اهقة وأط واد س امقة باذخ ة وأغ وار ومغ ارات‬
‫ذات مض ائق ومع اطف وش عاب ملتوي ة‪ ،‬وتل ك هي م ا يع بر عن ه الجغرافي ون باس م األطلس‬
‫الص حراوي الق ائم جن وب قس نطينة من أرض الجزائ ر‪ ،1‬وردت لفظ ة األوراس عن د "بطليم وس"‬
‫‪ Ptolémé‬في القرن الثاني باسم ‪ Audus‬ووردت عند المؤرخ البيزنطي "بركوب" ‪Procope‬‬
‫في القرن السادس باسم ‪ Mons Aurasius‬وهي تسمية تطلق على والية من واليات الجزائر‬
‫وقد اشتهرت المنطقة في العصور القديمة بأنها جبل يقطعه المسافر خالل ثالثة أيام كاملة من‬
‫السير‪.2‬‬

‫نالح ظ عن د الرج وع الى الق واميس والمع اجم وج ود مص طلح األوراس فمثال ذك ره ي اقوت‬
‫الحم وي في كتاب ه "معجم البلدان" أن أص ل التس مية يع ود إلى جب ل ب أرض إفريقي ة تقيم فيه ع دة‬
‫بالد وقبائ ل من ال بربر‪ ،3‬كم ا وردت التس مية عن اليعق وبي بوص فه في كتاب ه " البل دان" بقول ه‪" :‬‬
‫جبل يقال له األوراس يقع عليه الثلج"‪ ،4‬ذكر أيضا عند اإلدريسي وسط القرن السادس في كتابه‬
‫" نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق" وهو يقول في وصفه لها‪" :‬وجبل األوراس قطعة تقال أنها‬
‫متصلة من جبل درن بالمغرب وهو كالم منحنى األطراف وطوله نحو ‪ 12‬يوم"‪ ،‬وذكرت كذلك‬
‫عند البكري في كتابه" المسالك والممالك" في القرن الخامس باسمه الحاضر األوارس حيث ق ال‪:‬‬
‫‪ 1‬عبد الرحمان جياللي‪ :‬شخصيات المعة من األوراس‪ ،‬مجلة المصادر‪ ،‬العدد ‪ ،62-61‬ص ‪.103‬‬
‫‪ 2‬عبد الحميد زوزو‪ :‬األوراس إبان فترة االستعمار الفرنسي‪ :‬التطورات السياسية االقتصادية واالجتماعية ‪،1939-1837‬‬
‫تر‪ :‬مسعود الحاج مسعود‪ ،‬ج‪ ،1‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار هومة للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2005 ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ 3‬ياقوت الحموي‪ :‬معجم البلدان‪ ،‬المجلد ‪ ،01‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1988 ،‬ص ‪.278‬‬
‫‪ 4‬أحمد أبي يعقوب إسحاق بن جعفر‪ :‬كتاب البلدان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪19‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫"هو جبل على مسيرة سبعة أيام وفيه قالع كثيرة تسكنها قبائل هوانه ومكناسة" وكذلك ذكرت‬
‫عن د ابن خل دون في تاريخ ه‪ ،1‬وحس ب أبح اث "‪ "Gustave Mercier‬و"‪ "Louis Rinn‬توج د‬
‫فرضيتان لتفسير لفظة األوراس‪:‬‬
‫األولى‪ :‬لفظة األوراس تعني بالد األرز تلك الشجرة التي كانت تغطي المنطقة‪ 2‬في القديم‪.‬‬
‫الثانيــة‪ :‬تس تلهم داللته ا من الل ون األش قر أو األص هب وق د تش مل الدالل ة الع الم الحي واني أيض ا‬
‫حين ي ذهب في قول ه إلى أن لفظ ة األوراس تع ني عن د س كان م راكش األوس ط "الل ون الكميت"‬
‫‪3‬‬
‫(وهي صفة الفرس األسمر) وأن لفظة إيهراس قد تعني "اللون الرمادي"‪.‬‬
‫وق د ذك ر األس تاذ عب د الرحم ان الجياللي ان ه ذه الجب ال ك انت تس مى في الق ديم باس م‪:‬‬
‫"أوريس أو أورايوس‪ ،‬أوروس" وهو قريب جدا لما يسمى اآلن باألوراس‪.4‬‬
‫الموقع الجغرافي‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫جغرافيـــــا‪ :‬تق ع األوراس على بع د ثم انين ميال‪ 5‬من بجاي ة وس تين ميال من قس نطينة‪ ،‬وهي‬
‫مفصولة عن الجبال األخرى‪ ،‬تتاخم األوراس جنوبا صحراء نوميديا‪ ،6‬تقع في الشرق الجزائري‬
‫وتشمل واليات كل من باتنة‪ ،‬خنشلة وأم البواقي‪ ،‬تبسة‪ ،‬وهي تتمثل في مجموع الجبال الممتدة‬
‫من جبال بوطالب والحضنة الشرقية غربا حتى الحدود التونسية شرقا‪ ،‬ومن وراء بسكرة جنوبا‬
‫حتى حدود والية قسنطينة شماال‪ ،‬وهذا التقسيم كان معموال به في الفترة االستعمارية‪ ،‬وتعتبر‬
‫جبال األوراس همزة وصل بين األطلس التلي والصحراوي‪.7‬‬

‫‪ 1‬عبد الرحمان جياللي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.103‬‬


‫‪ 2‬عبد الحميد زوزو‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 4‬عبد الرحمان الجياللي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ 5‬ميال‪ :‬ثالثة االف ذراع عند الجغرافيين‪.‬‬
‫‪ 6‬الحسن بن محمد الوزاني الفاسي‪ :‬وصف افريقيا‪ ،‬تر‪ :‬محمد حجي ومحمد األخضر‪ ،‬ط ‪ ،02‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،1983 ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ 7‬أمزيان وناس‪ :‬االنصهار الثقافي األمازيغي العربي في منطقة األوراس وتأثيره في هوية السكان‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية في ظل‪ ،‬عدد خاص‪ ،‬الملتقى الدولي األول حول الهوية والمجاالت االجتماعية في ظل التحوالت السوسيوثقافية في‬
‫مجتمع الجزائري‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬ص‪.453‬‬
‫‪20‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫تتضمن األوراس الرباعي المتمثل في باتنة‪ ،‬بسكرة‪ ،‬سيدي ناجي وخنشلة‪ ،‬يبلغ طولها من‬
‫الش رق الى الغ رب ح والي ‪ 100‬كيلوم تر‪ ،‬وعرض ها من الش مال الى الجن وب ‪100‬كيلوم تر‪،‬‬
‫وهي من القمم الرئيس ية للجزائ ر‪ ،1‬في ه ذه الص دد أيض ا ي ذكر ب أن ه ذه السلس ة (سلس لة جب ال‬
‫األوراس) أو الرب اعي يبل غ طول ه من الش مال الى الجن وب ‪ 65‬ميال ويغطي جن وب ش مال‬
‫قسنطينة مساحة قدرها ‪ 3600‬ميل مرب ع‪ ،‬وفي نهاية هذه الجبال من الغرب تالل الزاب قليلة‬
‫االرتف اع ال تي ك انت تجتازه ا في الق ديم الطري ق الروماني ة الواص لة من المبري دي الى بس كرة‪،‬‬
‫ويجتازها حاليا الطريق الحديدي الواصل من باتنة الى بسكرة‪ .2‬وتمتد حدودها كاآلتي‪:‬‬

‫من الناحية الشرقية‪ :‬تمتد من جبل سيدي صالح شماال الى نقرين جنوبا على الحدود التونسية‪.‬‬

‫أم ا ح دودها الغربي ة‪ :‬فتنطل ق من مدين ة ال برج الى المس يلة بم ا فيه ا المدين ة من ت راب المنطق ة‬
‫األولى‪.‬‬

‫ومن الناحي ة الش مالية‪ :‬تب دأ ح دود األوراس من ب رج ب وعريريج‪ ،‬س طيف بم ا فيه ا المدين ة ثم‬
‫طري ق الس كة الحديدي ة كح دود بين الوالي ة األولى والثالث ة‪ ،‬ومن س طيف الى العلم ة الى أوالد‬
‫رحم ون فس يقوس‪ ،‬قص ر الص بيحي‪ ،‬س دراته وم داوروش كح دود م ع الوالي ة الثاني ة‪ ،‬ثم ال ونزة‪،‬‬
‫المريج وجبل سيدي صالح كحدود مع القاعدة الشرقية‪.‬‬
‫أما من الناحية الجنوبية‪ :‬فتمتد من مدينة لمسيلة عبر شط الحضنة‪ ،‬بريكة‪ ،‬الجب ل األزرق‪ ،‬خنق ة‬
‫ب ني س ليمان‪ ،‬جب ل أحم ر خ دو ش ماال‪ ،‬س يدي عقب ة خنق ة س يدي ن اجي‪ ،‬زريب ة ال وادي‪ ،‬بوقش ة‬
‫جنوب نقرين بالحدود التونسية كحدود مع الوالية السادسة‪.3‬‬

‫تضاريس األوراس‪:‬‬ ‫‪.3‬‬

‫‪1 Colonel De Lartigue de Laures, De 3 zouaves, Constantine, 1904, P 4 /285.‬‬


‫‪ 2‬دائرة المعارف اإلسالمية‪ ،‬تر‪ :‬عباس محمود وآخرون‪ ،‬المطبعة العربية‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬ص ‪.119‬‬
‫‪ 3‬التقرير الجهوي للوالية األولى المقدم للملتقى الوطني الرابع لتسجيل أحداث الثورة التحريرية‪ ،‬أحداث الثورة التحريرية‬
‫األوراس‪ ،‬الجزء األول‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫تتم يز تض اريس منطق ة األوراس ب التنوع وغلب عليه ا الط ابع الجبلي وتنقس م إلى ثالث‬
‫أقسام‪:‬‬

‫المرتفعــات الجبليــة الغربيــة‪ :‬وتتش كل من جب ل متليلي وأوالد س لطان وقم ة أرفاع ة وجب ل‬ ‫‪-‬‬

‫الش لعلع ومس تاوة وأوالد علي وبوط الب‪ ،‬و تتض من ه ذه الجب ال في م ا بينه ا س هوال مث ل‪:‬‬
‫سهل بلزمة وزان ة ومنخفض وادي الشعير‪ ،‬والتي تعتبر من أخصب األراض ي الزراعية‪،‬‬
‫ونظ را ألهميته ا ق ام االس تعمار باالس تيالء عليه ا وب ني فيه ا مراك ز اس تيطانية مث ل مروان ة‬
‫وراس العيون وسريانة وطردوا سكانها‪.‬‬

‫مرتفعــات األوراس الوســطى‪ :‬فإنه ا تتك ون من الجب ل األزرق وأحم ر خ دو وآريس وش لية‬ ‫‪-‬‬

‫وك اف محم ل وبوعري ف وتط ل كله ا على خ رائب تيمق اد الروماني ة كم ا تط ل جنوب ا على‬
‫بسكرة وخنقة سيدي ناجي وزريبة الواد‪.‬‬

‫مرتفعــات األوراس الشــرقية‪ 1:‬تتك ون من الجب ال المتوازي ة والمتجه ة من الجن وب الغ ربي‬ ‫‪-‬‬

‫إلى الشمال الشرقي على شكل سلسلة مسننة‪ ،‬تنقطع مشكلة فتحات تستغل كممرات للدخول‬
‫إلى وس طها‪ .2‬فيت ألف من غاب ة ابن مل ول وهي أك بر وأهم غاب ة في األوراس باإلض افة إلى‬
‫غابة كيمل وجبل عيدل وتترك بينها سهوال ومنخفضات منها منخفض الغوفي وفم تاغيت‬
‫والقنطرة‪.3‬‬
‫كما تعتبر األودية من المظاهر التضاريسية في منطقة األوراس‪ ،‬من األودية التي تسيل فيها‪:‬‬

‫‪ 1‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس ـ باتنة‪ :‬ثورة األوراس ‪ ،1916‬طبعة خاصة وزارة المجاهدين‪،‬‬
‫دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬عين مليلة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪ 2‬محمد محدادي‪ :‬الحركة اإلصالحية في األوراس ودورها الثقافي واالجتماعي إبان الفترة الكولونيالية(‪1931‬ـ‪ ،)1956‬مذكرة‬
‫لنيل شهادة الماجستير‪ ،‬تخصص تاريخ الحديث والمعاصر‪ ،‬قسم التاريخ وعلم اآلثار‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة‬
‫الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪2010 ،‬ـ‪ ،2011‬ص‪.51‬‬
‫‪ 3‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪22‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫وادي عبدي‪ :‬يتك ون من منبعين‪ :‬منبع عين أجزيرة وعين قرزة‪ ،‬ينطلق وادي عب دي من (عين‬
‫قرزه) الى (منعة) على مسافة ‪ 40‬كلم‪ ،‬ويصب فيه وادي األحمر‪ .‬وله روافد عديدة منه ا‪ :‬وادي‬
‫تاغيت‪ ،‬وادي ناره‪...1‬‬
‫وادي األبيض‪ :‬في ال ركن الغ ربي من المنطق ة‪ ،‬المتج ه من الش مال الى الجن وب ويعت بر فاص ال‬
‫بين منطق تي النمامش ة واألوراس‪ ،‬عن د التق اء ه ذا ال واد م ع واد مالق و المنح در من األوراس‬
‫يكونان واديا واحدا يسمى واد عرب‪.‬‬
‫وادي العــرب‪ :‬يفص ل بين األوراس والنمامش ة‪ ،‬وتنح در من جب ال األوراس ع دة ودي ان متجه ة‬
‫صوب واد العرب حيث توجد مواقع متميزة نذكر منها‪ :‬خيران‪ ،‬شيليه‪ ،‬الولجة‪...‬‬
‫إضافة الى مجموعة من أودية نذكر منها‪ :‬واد شناورة‪ ،‬واد العرس‪ ،‬وادي قشطان‪ ...‬وغيرهم‪.2‬‬
‫المنــــــــــــــــــــــــاخ‪:‬‬ ‫‪.4‬‬

‫تقع األوراس ض من ثالث ثالث نطاقات متباينة من حيث الحرارة والنباتات واألمطار وهو ما‬
‫يبين ه اختالف المن اخ ال ذي يتم يز فص ل الش تاء بمن اخ ش ديد ال برودة مص حوبة بس قوط الثلج في‬
‫بعض األحيان‪ ،‬وتكون الفروق الحرارية كبيرة المدى بحيث تسجل في فصل الصيف ‪ °45‬في‬
‫الظل نهارا ثم تنخفض الى حدود ‪ °0‬ليال‪ ،‬كما تنخفض درجة الحرارة في فصل الشتاء الى ما‬
‫دون الصفر‪.3‬‬

‫فمنظ ر الس هول األوراس ية المفق رة ش اهد على ن وع المن اخ الس ائد فيه ا حيث تق ل المس احة ال تي‬
‫تغطيه ا الغاب ات قب ل ان تختفي تمام ا تارك ة المج ال للجف اف‪ ،‬تس ود في المنطق ة بعض النبات ات‬

‫‪ 1‬جمعية أول نوفمبر في األوراس‪ :‬تاريخ األوراس ونظام التركيبة االجتماعية واإلدارية قبل االحتالل ‪ ،1954-1837‬دار‬
‫الشهاب‪ ،‬باتنة‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ 2‬دومينيك فارال‪ :‬جبال النمامشة‪ ،‬تر‪ :‬مسعود الحاج مسعود‪ ،‬طبعة خاصة‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،2008 ،‬ص ‪-22‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ 3‬دومينيك فارال‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪23‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫مث ل‪":‬الزعي ترة" المت وفرة بك ثرة أو "الش يح" ال ذي يس تعمل في التدفئ ة والتط ييب‪ ،‬ه ذه العين ة من‬
‫‪1‬‬
‫النباتات تتاح للمناخ القاري الحار صيفا والشديد برودة شتاء‪.‬‬

‫وما يميز منطقة األوراس أنها جمعت بين المناخين‪ :‬مناخ التل ومناخ الصحراء‪ ،‬قسم التل‬
‫يمتاز بسرعة التقلبات الجوية وتغيرات األحوال‪ ،‬أما قسم الصحراء فيمتاز غالبا باالعتدال هو‬
‫ما جعل بعض السكان يحاولون تقسيم سنتهم بين المكث في الصحراء واإلقامة في الجبال‪.2‬‬

‫المطلـــــب الثــــــــاني‪ :‬المكــــــــون البشـــــــري‪:‬‬


‫تعت بر التركيب ة البش رية لمنطق ة االوراس مم يزة حيث انه ا ع رفت تمازج ا بين ال بربر و‬
‫العرب و سنتناول فيمايلي اصل سكان منطقة االوراس و كيفية تعايشهم‪.‬‬
‫‪1‬ـ ًأصل السكان‪:‬‬
‫يتألف سكان األوراس من عناصر مختلفة‪ ،‬فقد انضم الى البربر الذين هم الجنس األصلي‬
‫عناصر أخرى‪ ،‬فمثال انضم اليهم أوال سالئل المستعمرين الرومان والبيزنطيين وغزاة الوندال‪،‬‬
‫وانضم اليهم العرب بعد ذلك‪ ،‬والعنصر البربري ال يزال من أهم العناصر‪ ،‬حيث يوجدون في‬
‫أبع د األج زاء جب ال األوراس من اال وأش دها وع رة‪ ،‬أم ا العنص ر الع ربي فنج ده في األودي ة وفي‬
‫الجهات المجاورة للصحراء الكبرى‪.3‬‬
‫يعرف سكان منطقة األوراس في الوقت الراهن باسم الشاوية‪ ،‬والواقع أن تسميتهم تغيرت‬
‫مرارا بالرغم من أنهم ظلوا يشكلون نفس فئة السكان‪ ،‬كان االغريق في القرن الخامس يطلقون‬

‫‪ 1‬عبد الحميد زوزو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫‪ 2‬جمعية أول نوفمبر في األوراس‪ :‬تاريخ األوراس نظام التركيبة االجتماعية واإلدارية‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 3‬دائرة المعارف اإلسالمية‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪24‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫على السكان األصليين اسم الليبيون وعلى منطقة شمال افريقيا اسم "الليبو"‪ ،‬ثم أطلقوا عليهم اسم‬
‫"النوميد" (الرحل)‪ ،1‬وأطلق البيزنطيين على األوراس صفة البرابرة (الوحشيين)‪ ،‬والتي شاعت‬
‫في المنطق ة ب الرغم من رفض الس كان له ا وال ذين ك انوا يس مون أنفس هم "م ازيغ" (الرج ال‬
‫األحرار)‪ ،‬وأدخل العرب كلمة البربر ابتداءا من القرن الخامس الى القرن الثاني عش ر‪ ،‬ويتك ون‬
‫الش عب ال بربري من‪ :‬ال برانس والب تر وال تي ينتمي اليه ا قبائ ل "دراوة" و"ه وارة" و"زنات ة" وهي‬
‫منتشرة حاليا تحت تسمية "الشاوية" التي تعني الراعي أو حارس الغنم أو البدوي الدائم الترحال‬
‫بحثا عن مناطق العشب والماء الضروري لقطعان ماشيته‪ ،‬وأصبح يطلق على أي شعب يمارس‬
‫الرعي بدءا من العرب أنفسهم وهم بدو رحل أساسا‪.2‬‬
‫ك انت العش ائرية س ائدة بالمنطق ة األوراس ية وه و جع ل العالق ات االجتماعي ة تتص ف‬
‫بالخش ونة والقس وة‪ ،‬وتتم يز بالتن احر والع داء ال ذي جع ل أه الي األوراس على اس تعداد دائم‬
‫لمواجهة المهاجمين دفاعا عن استقاللهم‪ ،‬حيث وصف االدريسي طبيعة الحياة العشائرية ألهالي‬
‫األوراس بقوله‪ " :‬جبل األوراس‪...‬وفي أهله نخوة وتسلط على من جاورهم من الناس"‪.3‬‬
‫األمازيغ البربر(الشاوية)‪ :‬وهذه الفئة تنقسم إلى عدة فروع موزعة على المنطقة نذكر منها‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫*قبائ ل الش اوية في ش مال األوراس‪ :‬من بين القبائ ل ال تي تتمرك ز في ه ذا الح يز‪ :‬أوالد س الم‪،‬‬
‫الس قنية‪ ،‬الحراكت ة‪ ،‬ه وارة‪ ،‬الحيدوس ين‪ ،‬وتتمرك ز ه ذه القبائ ل ش مال غ رب باتن ة‪ ،‬ك ذلك ش رقي‬
‫بلدة سطيف‪ ،‬وشمال شرق مدينة المسيلة‪ ،‬قبائل الوسط األوراسي‪ :‬يتمركز في ه ذا الحيز‪ :‬أوالد‬
‫ش ليح‪ ،‬أوالد حط ة‪ ،‬والد س يدي يح يى وهي تتش ابه ثقافي ا م ع قبائ ل الش مال األوراس ي‪ ،‬و قبائ ل‬
‫الجن وب األوراس ي‪ :‬وتعت بر ه ذه المنطق ة الحاض نة الك برى للقبائ ل الش اوية ال تي تك ون نس بة‬

‫‪ 1‬عبد الحميد زوزو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪ 3‬ناصر الدين سعيدوني‪ :‬االنسان األوراسي وبيئته الخاصة‪ :‬دراسة في التاريخ االقتصادي واالجتماعي لمدينة األوراس‪ ،‬مجلة‬
‫المصادر‪ ،‬العدد ‪ ،62-61‬ص ‪.130‬‬
‫‪25‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫اختالطها بالعرب قليلة مقارنة من بالقبائل األخرى ومن بين هذه القبائل التوابة‪ ،‬أوالد فاضل‪،‬‬
‫أوالد أوجانة‪ ،‬العشاش‪ ،‬بني ملول‪ ،‬عمامرة‪ ،‬بنو سليمان وغيرها‪.1‬‬
‫العنصر العربي‪ :‬وترجع أصوله إلى بني هالل‪ ،‬الذين قدموا من مصر في ‪1051‬م‪ ،‬أين‬ ‫‪-‬‬

‫لعبت الهجرة الهاللية دورا هاما في تعريب المغرب ونشر اللغة العربية‪ ،2‬من بين هذه الفروع‬
‫العربي ة نج د‪ :‬البوازي د‪ ،‬ب ني ف رح‪ ،‬أوالد س يدي أحم د بن عم ر‪ ،‬أوالد دراج وتتمرك ز ه ذه‬
‫الفروع العربية بالمنطقة الوسطى والشمالية لألوراس‪ ،‬أما المنطقة الوسطى نجد‪ :‬الخضران‪،‬‬
‫الحشاشنة‪ ،‬السوامع‪ ،‬الشعابنة‪ ،‬أما األوراس الجنوبي نجد قبيلة السراحنة‪.3‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬اإلطار التاريخي‪:‬‬

‫بع د االس تيالء على مدين ة قس نطينة في ع ام ‪ .1837‬رأت الس لطات االس تعمارية ض رورة‬
‫احتالل وإ خض اع الجن وب الش رقي من قس نطينة ومن ضــمنه األوراس‪ ،‬ال تي اعتص م ب ه أحم د‬
‫ب اي‪ 4‬وخليف ة األم ير عب د الق ادر محم د الص غير عب د الرحم ان بن أحم د بلح اج‪ ،‬ومن تبعهم ا من‬
‫المق اومين لالحتالل‪ ،5‬وكانت قي ادة القوات الفرنسية تقدر صعوبة غزو منطقة األوراس نظرا‬
‫لطابعه ا الجغ رافي المتم يز‪ 6‬خاص ة وأن ه ك ان يواج ه ص عوبات جم ة من الس كان في مختل ف‬
‫المناطق الداخلية‪.‬‬

‫‪ 1‬فالته فيصل‪ :‬أزمة القيادة الثورية في األوراس‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬تاريخ الثورة الجزائرية‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬كلية العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة باتنة‪ ،2018-2017 ،01-‬ص‪.16‬‬
‫‪ 2‬سمية فالق‪ :‬المثل الشعبي في منطقة األوراس‪ ،‬مذكرة ماجستير في األدب الشعبي‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬قسم اللغة العربية‪،‬‬
‫جامعة محمد منتوري‪ ،‬قسنطينة‪2004،‬ـ‪ ،2005‬ص‪.17‬‬
‫‪ 3‬فالته فيصل‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 4‬احمد باي‪ :‬باي قسنطينة األخير من ألمع وجوه المقاومة في الجزائر قبل ‪ 1830‬كان بايا إداريا عاديا‪ ،‬بعد احتالل قسنطينة‬
‫‪ 1837‬تحول نحو الجنوب واتخذ من األوراس وبعض مناطق الصحراء ميدانا للجهاد ضد الجيوش الفرنسية الغازية‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫محمد الطيب العلوي‪ :‬مظاهر المقاومة الجزائرية من عام ‪ 1830‬حتى نوفمبر ‪ ،1954‬ط‪ ،1‬دار البحث للنشر‪ ،‬قسنطينة‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،1985،‬ص‪.51‬‬
‫‪ 5‬جمعية أول نوفمبر في األوراس‪ :‬تاريخ األوراس ونظام التركيبة االجتماعية واإلدارية‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪ 6‬عثماني مسعود‪ :‬األوراس مهد الثورة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬عين مليلة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪26‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫مقاومــة الحــاج أحمــد بــاي في جبــال األوراس‪ :‬بع د احتالل مدين ة قس نطينة اعتص م الح اج‬
‫أحمد في الجنوب الشرقي لقسنطينة باتنة فنزل عند مختلف القبائل األوراسية التي وجد عندها‬
‫الس ند وحس ن االس تقبال‪ ،1‬وك ان يحث الس كان على الجه اد ويعم ل على ايق اظ ش عور القبائ ل‬
‫وتعبئتها للنهوض كتلة واحدة ضد المحتل‪ ،‬وصلت تحركاته (الحاج أحمد) الى الحدود التونسية‬
‫على أمل توحيد القبائل لشن هجوم على العدو‪ ،‬هذا األخير الذي تركز عمله لوضع حد لمقاومة‬
‫الحاج أحمد والتي أرهقت القوات الغازية‪.2‬‬

‫الحملة األولى‪ :‬محاولة اقتحام األوراس من الجنوب‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وقد توجهت القوات الفرنسية من قسنطينة إلى الجنوب الشرقي بقيادة الدوق دومال‪Duc( 3‬‬
‫‪ )Daumale‬وفي طريقه ا واجهت مقاوم ة عنيف ة من س كان المن اطق ال تي ح اولت اجتيازه ا‬
‫ووصلت إلى باتنة في ‪ 4‬فيفري ‪ 1844‬وكونت معسكر لقواتها كمرحلة أولى‪ ،‬وواصلت الحملة‬
‫تق دمها جنوب ا ع بر مم ر القنط رة إلى مدين ة بس كرة فتم احتالله ا في ‪ 4‬م ارس ‪ ،1844‬و بع د‬
‫تمركز القوات في بسكرة وتكوين معسكريها بلغها أن مقاتلي األوراس يعدون لتحرير المدينة‪،‬‬
‫ففي ‪ 15‬مارس ‪ 1844‬توجهت الحمل ة إلى بواب ة األوراس الجنوبية قرية مش ونش وتجمع فيها‬
‫المجاهدون من مختلف أعراش األوراس بقيادة محمد الصغير‪ ،‬وكانت المواجهة ش ديدة وض ارية‬
‫انه زم فيه ا الغ زاة بمش ونش‪ ،‬وع اد ال دوق دوم ال إلى بس كرة ليلتح ق بمعس كر الجيش بباتن ة‬
‫ووقعت ع دة هجوم ات في م ارس ‪ 1844‬إال أن محاول ة اخ تراق األوراس من الجن وب فش لت‬
‫وأعيد النظر في إمكانية تعديل خطط الهجوم القتحام األوراس‪.4‬‬

‫‪ 1‬عبد الحميد زوزو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪ 2‬صالح فركوس‪ :‬الحاج أحمد باي قسنطينة (‪ ،)1850-1826‬د‪.‬ط‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص ‪-83‬‬
‫‪.86‬‬
‫‪ 3‬الدوق دومال‪ :‬من مواليد ‪ 1822‬االبن الرابع للملك لويس فيليب‪ ،‬تقلد رتبة نقيب في ‪ ،1839‬عاد إلى الجزائر ‪ ،1842‬تولى‬
‫القيادة العسكرية بالمدية حتى ‪ ،1843‬اشتهر باالستيالء على زمالة األمير ‪1843‬ن عين حاكما عاما في الجزائر ‪.1847‬‬
‫انظر‪ :‬تلمساني بن يوسف‪ :‬التوغل الفرنسي في منطقتي األوراس والزيبان‪ ،‬المصادر‪ ،‬عدد ‪ ،22‬ص ‪.49‬‬
‫‪ 4‬محمد العيد مطمر‪ :‬الغزو واالحتالل الفرنسي لألوراس وأثره على الحالة االجتماعية لسكان المنطقة (‪1844‬ـ‪ ،)1884‬مجلة‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،10‬كلية العلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة محمد الخضر‪ ،‬بسكرة‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫الحملة الثانية‪ :‬اقتحام األوراس من الشمال‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫في ‪ 14‬فيف ري ‪ 1844‬ق دم الج نرال ب ودو إلى ال والي الع ام تقري را عن الحال ة األمني ة في‬
‫األوراس ورد في ه م ا يلي‪ " :‬أن س كان ه ذه الودي ان والجب ال المعارض ين للوج ود الفرنس ي وهم‬
‫س كان‪ :‬وادي عب دي‪ ،‬وادي األبيض وجب ل أحم ر خ دو وب ني وجان ة‪ ،‬وعلي ه ف إنني س أخرج إليهم‬
‫بقوة من مختلف األسلحة وأتمركز في المدينة قريبا من جبال شيليا‪.".....‬وفي ‪ 1‬ماي من نفس‬
‫السنة تم تنظيم هذه القوات استعدادا النطالق حملة الشمال وتمركزت القوة بوادي سودس‪ 1‬قرب‬
‫تيمقاد‪ ،‬وثاني يوم واصلت الحملة زحفها إلى منطقة الشروف ثم سهل يابوس وهنا وردت أخب ار‬
‫تؤك د أن هن اك أك ثر من ‪ 2500‬مجاه د بقي ادة أحم د ب اي مس تعدة للمواجه ة واخض عت الق وات‬
‫الغازية في بني وجانة وكيمل وبوحمامة وشيليا قهرا‪.2‬‬
‫وفي ‪ 4‬ج وان ‪ 1845‬توج ه الج نرال بي دو نح و اع راش الجه ة الش رقية ال تي ك انت تنتظ ره‬
‫للقتال وهذه األعراش هي‪ :‬بني سليمان والسراخنة والشرفاء وبني ملكم وأوالد أيوب ولغواسير‬
‫وأوالد عبد الرحمان أكباش وأوالد سليمان بن عيسى وبني محمد ولقد ضحى الجنرال بالكثير‬
‫من القتلى إلخض اع ه ذه األع راش‪ ،‬وبع دها وص لت الحمل ة إلى مش ونش واجت احت الجه ة من‬
‫الشمال‪ ،‬وواصلت قوات الحملة تقدمها إلى أن بلغت خنقة سيدي ناجي‪.‬‬
‫وهك ذا تم احتالل األوراس بأكمل ه وع اد الج نرال ب ودو إلى معس كره تارك ا بجب ال األوراس‬
‫العقيد هيربيون‪ ،3‬الذي أسندت له مهمة تهدئة السكان وإ عانة المشايخ واألعيان على األعراش‪.4‬‬
‫أهم الثورات واالنتفاضات في األوراس‪:‬‬

‫‪ 1‬وادي سودس‪ :‬ينبع من جبل بلعشير‪ ،‬ويمر عبر ملاير‪ ،‬ثم قرب سيدي معنصر وتيمقاد على تكابوات حيث يلتقي بوادي الطاقة‬
‫ليصب في حوض الشمرة‪.‬‬
‫‪ 2‬جمعية أول نوفمبر في األوراس‪ :‬تاريخ األوراس ونظام التركيبة االجتماعية واإلدارية فترة االحتالل‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‬
‫‪.123‬‬
‫‪ 3‬هيربون‪" :‬عندئذ يشغل قائد الناحية العسكرية الشرقية (افليم قسنطينة و من ضمنه الزعاطشة )" ‪ ،‬ينظر ‪ :‬أبو قاسم سعد اهلل‪:‬‬
‫الحركة الوطنية الجزائرية ‪ ،‬ج ‪ ،01 :‬ط خاصة ‪ ،‬عالم المعرفة للنشر و التوزيع ‪ ،‬الجزائر‪ ،2015 ،‬ص ‪.330‬‬
‫‪ 4‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪143‬‬
‫‪28‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫‪ -‬انتفاضــة الزعاطشــة‪ :1‬ك انت على الص عيد العس كري من الم آثر المش هودة كم ا تم يزت على‬
‫الص عيد السياس ي بالكف اح المنس ق والش امل ال ذي انض وت تحت لوائ ه جمي ع قبائ ل األوراس‪.‬‬
‫انطلقت االنتفاض ة في جويلي ة ‪ ،21849‬يعت بر بعض الكت اب ان م ا ح دث في واح ة الزعاطش ة‬
‫حادثة منعزلة‪ ،‬جاءت بعد تهدئة األوضاع في الجزائر‪ ،‬حدثت بقيادة مرابط يدعى "بوزيان"‪،3‬‬
‫حيث تم تخريب الواحة وقطع نخيلها وقتل قائدها‪ ،4‬يذكر أبو قاسم سعد اهلل في كتابه "الحركة‬
‫الوطني ة الجزائري ة" أن ه ذا األم ر لم يكن ك ذلك بالض بط‪ ،‬فق د اس تمرت الث ورة ع دة ش هور‪،‬‬
‫وشملت األوراس والحضنة‪ ،‬واستنفدت من العدو قوات ومعدات ضخمة‪ ،‬لم يكتب عنها شيئا في‬
‫س جالت الع دو ال ذي اعت اد فق ط على كتاب ة انتص اراته‪ ،‬وم ا فعل ه في الزعاطش ة لم يكن ال‬
‫انتصاروال بطولة وال إنسانية لذلك ضرب عنها صفحا‪...‬انها ليست حربا ولكن اعتداء صارخ‬
‫على ك ل القيم باس تعمال الحرائ ق األلغ ام والحص ار الطوي ل ونس ف ال ديار‪ ،‬وقط ع ال رؤوس‬
‫البشرية وتعليقها على األبواب والبنادق تشفيا وازدراءا"‪ .‬كان السبب ورائ هذه الثورة الجنرال‬
‫ه يربون‪ ،‬المس ؤول األول عن تخ ريب ه ذه الواح ة‪ ،‬س انده في ذل ك العقي د ك انروبيرت‪ 5‬وبعض‬
‫الضباط الذين عرفوا بالغطرسة وحب النهب والقتل‪.6‬‬

‫‪ 1‬الزعاطشة‪ :‬واحة تقع على بعد ‪ 35‬كيلومتر جنوب غرب بسكرة‪ .‬انظر‪ :‬عبد الحميد زوزو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 3‬عبد الرحمان بوزيان‪ :‬كان من موظفي إدارة األمير عبد القادر بالمنطقة‪ ،‬لقب شيخ على واحة الزعاطشة‪ ،‬حارب ضد جنود‬
‫الحاج أحمد سنة ‪ ،1831‬واستشهد عام ‪.1849‬‬
‫‪ 4‬أبو قاسم سعد اهلل‪ :‬الحركة الوطنية الجزائرية (‪ ،)1900-1830‬ج ‪ ،01‬ط ‪ ،01‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪،1992 ،‬‬
‫ص ‪.329‬‬
‫‪ 5‬كانروبيرت‪ :‬ولد بسان سير في ‪ 27‬يونيو ‪ ،1809‬عضو مجلس الشيوخ عن اإلمبراطورية الثانية‪ ،‬مالزم عام ‪ ،1832‬ذهب‬
‫الى الجزائر وشهد عدة معارك وأصيب في قسنطينة‪ ،‬ترقى الى نقيب في ‪ ،1837‬كان أحد عمالء االنقالب العسكري عام‬
‫‪.1851‬‬
‫‪http://www.semat.fr/senateur-2nd-empire/canrobert.francois0394r.html.‬‬
‫تم االطالع عليه يوم ‪ 18‬مارس ‪ ،2023‬سا ‪.18:59‬‬
‫‪ 6‬أبو قاسم سعد اهلل‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.331-330‬‬
‫‪29‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫‪ -‬ثورة ‪ :1858‬انطلقت ثورة أخرى من جبال األوراس قادها أحد مجاهدي ثورة الزعاطشة‬
‫وهو سي الصادق بن الحاج‪ 1‬واستطاع أن يوسع ثورته إلى منطقة الزيبان وقام بعدة هجومات‬
‫على المراك ز الفرنس ية‪ ،‬إال أن مص ير ه ذه الث ورة انتهى بإلق اء القبض على س ي الص ادق بن‬
‫‪2‬‬
‫الحاج في جانفي ‪.1859‬‬

‫‪ -‬ثورة األوراس ‪ :1879‬كان اندالع االنتفاضة غير متوقع بالفعل بعدما اعتقد الفرنسيون أن‬
‫الس يطرة على األه الي ب اتت نهائي ا بع د انته اء انتفاض ة ‪ 1871‬واس تالم القبائ ل الث ائرة‪ ،3‬لكن‬
‫الثورة اندلعت من جديد سنة ‪1879‬م باألوراس تحت قيادة شيخ زاوية الرحمانية اإلمام محمد‬
‫أمزي ان‪ ،4‬حيث اع ترض س كان األوراس ي وم ‪ 29‬م اي ‪ 1879‬على حبس "بورم ة" من ط رف‬
‫"القاي د الهاش مي بوض ياف" ثم هجم انص ار بورم ة على القاي د و اض رموا الن يران في ممتلك اتهم‬
‫وقتل وا واح دا منهم اس مه مص طفى بن باش طارزي (‪ 31‬م اي ‪ )1879‬كم ا وقعت ع دة اش تباكات‬
‫في النواحي الموجودة بين باتنة وخنشلة والقنطرة شماال وذلك في شهر جوان ‪ ،1879‬أسفرت‬
‫االش تباكات على خس ائر كب يرة في ص فوف الفرنس يين والمجاه دين‪ .5‬حيث رف ع محم د امزي ان‬
‫راي ة الجه اد ض د االس تعمار الفرنس ي وق ام رفق ة المجاه دين بمهاجم ة مراك ز الجيش الفرنس ي‬
‫ودخ ل معهم في مع ارك‪ ،‬إال أن الق وات الفرنس ية ك انت أق وى من ه ع دة وعت ادا‪ ،‬ولم ا اش تد‬
‫الض غط علي ه انس حب إلى ت ونس وفي الطري ق ع ثر الجيش الفرنس ي على قوات ه هلكى من ش دة‬

‫‪ 1‬سي الصادق بن الحاج‪ :‬شخصية صوفية ومجاهد بمنطقة الزيبان‪ ،‬من مواليد ‪ 1791‬بوالية بسكرة حاليا‪ ،‬نشأ في أسرة‬
‫متدينة‪ ،‬قاوم االستعمار منذ دخوله المنطقة‪ ،‬توفي عام ‪ .1862‬انظر‪ :‬عباس كحول‪ :‬مقاومة الصادق بن الحاج وأحمر خدو‬
‫واألوراس‪ ،‬المجلة الجزائرية للدراسات التاريخية‪ ،‬العدد‪ ،06 :‬ديسمبر ‪ ،2018‬ص ‪.48-47‬‬
‫‪ 2‬العربي منور‪ :‬تاريخ المقاومة الجزائرية في القرن ‪ ،19‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬الجزائر‪ ،2006 ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪ 3‬عبد الحميد زوزو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪ 4‬محمد أمزيان‪ :‬هو محمد بن محمد الصالح بن عبد الرحمان من قرية جار اهلل من عرش بني بو سليمان ولد حوالي ‪1849‬‬
‫اشتغل بتدريس القرءان بقرية جار اهلل‪ .‬انظر‪ :‬عبد الحميد زوزو‪ :‬ثورة األوراس ‪ ،1879‬د‪ .‬ط‪ ،‬موقم للنشر‪ ،‬الجزائر‪،2010 ،‬‬
‫ص ‪.61‬‬
‫‪ 5‬بوعالم بن حمودة‪ :‬الثورة الجزائرية‪ :‬ثورة أول نوفمبر ‪ 1954‬ومعالمها األساسية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬د‪.‬‬
‫ب‪ ،2014 ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪30‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫الجوع والعطش‪ ،‬أما الشيخ محمد امزيان فقد سلمته السلطات التونسية رفقة رفاقه المتبقين إلى‬
‫الجيش الفرنسي أين حكم عليه في محكمة قسنطينة ‪ 1880‬باإلعدام‪.1‬‬

‫‪ -‬ثورة ‪ :1916‬بعد المقاومة السلبية ضد قانون الخدمة العسكرية االجبارية وضد اكراه عمال‬
‫المس تعمرة على الهج رة‪ ،‬للمس اهمة في المجه ود الح ربي ج اءت االنتفاض ة المعلن ة في نوفم بر‬
‫‪ ،2 1916‬والتي بدأت بوادرها منذ سبتمبر ‪ ،1914‬حيث تعود الحادثة إلى كون ‪ 34‬مسلم من‬
‫دوار سقانة وسفيانه تم تحريرهم فالذوا بالفرار‪ ،‬ثم وقعت عدة عمليات فرار أخرى و تكررت‬
‫حاالت رفض االمتثال للتجنيد في هذه المنطقة وفي البلديات المجاورة حتى سنة‪ ،1916‬انتشرت‬
‫حرك ة التم رد على الخص وص في المنطق ة الواقع ة ش مال باتن ة( بلدي ة عين القص ر وبلدي ة عين‬
‫مليل ة) الرافض ون للتجني د‪ ،3‬و ب دأ الث وار ب التنظيم من ‪ 11‬إلى ‪ 18‬ديس مبر ‪ 1916‬أين س يطروا‬
‫على األوضاع قبل مجيء العسكر الفرنسي تزعمه ابن النوي و قام هؤالء الثوار بالهجوم على‬
‫منطقة برج عين توتة والحقوا خسائر بها‪ ،4‬وتوسعت هذه العمليات في ‪ 11‬نوفمبر ‪ 1916‬أين‬
‫جرت وقعت عدة هجومات‪ ،‬هاجم فيها الثوار مزرعة "المعمر فرانجي" في بلدية بريكة وقطعوا‬
‫الخطوط التلغرافية فيها وفي نفس الليلة تم الهجوم على "برج مالك ماهون "مقر بلدية عين توتة‬
‫المختلطة التي كان يتواجد بها مسير مدينة باتنة ومحافظها‪ ،‬الرجلين تقدموا للتفاوض مع الثوار‬
‫لكن كل منهما لقي حتفه وتم احراق البرج والملحقة بالكامل‪ ،‬استمرت هاته العمليات‪.5‬‬

‫وق د ردت الس لطات االس تعمارية بعن ف وقص وى على الث ورة‪ ،‬إذ كلفت خمس ة كت ائب من‬
‫الجنود السنغاليين بمالحقة الثوار‪ ،‬وتهديم القرى واحراق السكنات‪ ،‬فارتكبت العديد من المجازر‬

‫‪ 1‬العربي منور‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.201‬‬


‫‪ 2‬عبد الحميد زوزو‪ :‬األوراس إبان فترة االستعمار الفرنسي‪ :‬التطورات السياسية واالقتصادية واالجتماعية (‪1837‬ـ‪،)1939‬‬
‫تر‪ :‬مسعود حاج مسعود‪ ،‬ج‪ ،2‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار هزمة للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2005 ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 3‬شارل روبير وآخرون‪ :‬الجزائريون المسلمون وفرنسا (‪1871‬ـ‪ ،)1919‬ج‪ ،2‬دار الرائد للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص‬
‫‪821‬ـ‪.822‬‬
‫‪ 4‬علي رزيق‪ :‬مظاهر رفض الجزائريين للتجنيد االجباري (ثورة األوراس ‪ )1916‬انموذجا‪ ،‬مجلة قضايا تاريخية‪ ،‬عدد‪،11‬‬
‫جويلية ‪ ،2019‬ص ‪.97‬‬
‫‪ 5‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪31‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫التي اعترفت لجنة التحقيق البرلمانية بقصوتها‪ ،‬وانتهت هذه الثورة في ماي ‪ 1917‬بعد أن بلغ‬
‫ع دد القتلى الفرنس يين ‪ 15‬رج ل وقتلى الجزائ ريين أك ثر من ‪ 100‬حس ب مص ادر فرنس ية‬
‫وصودرت الممتلكات وفرضت على السكان مبالغ مالية ضخمة‪.1‬‬

‫‪ 1‬مقالتي عبد اهلل‪ :‬المرجع في تاريخ الجزائر المعاصر (‪1830‬ـ‪ ،)1954‬د‪ .‬ط‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬د‪ .‬ب‪،2014 ،‬‬
‫ص ‪.135‬‬
‫‪32‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫المبحـــــث الثــــاني‪ :‬األوضـــاع الداخليــــة في المنطقـــــة األولى قبل ‪.1954‬‬

‫بعد احتالل المنطقة انتهجت فرنسا سياسة استعمارية انعكست على األوضاع االقتصادية‪،‬‬
‫واالجتماعية اإلدارية والسياسية وهو ما سيتم التطرق له من خالل المطالب التالية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األوضاع االقتصادية‬

‫تتم يز منطق ة األوراس بكونه ا إح دى الكت ل الجبلي ة الحص ينة ال تي تس هل ال دفاع عنه ا ولكن‬
‫يص عب اختراقه ا والتغلغ ل داخله ا وه و م ا أكس ب األح داث ال تي عرفته ا منطق ة األوراس ع بر‬
‫العصور أهمية بالغة فإذا رجعنا إلى الحقب التاريخية القديمة من ت اريخ األوراس نج د أن توطيد‬
‫االس تعمار مرتب ط باس تغالل األرض وتوس يع زراع ة الحب وب والزيت ون انطالق ا من المراك ز‬
‫العسكرية المتاخمة لألوراس (تبسة‪ ،‬خنشلة‪ ،‬تيمقاد‪ ،‬تازولت‪ ،‬بسكرة)‪.1‬‬
‫ذلك ان األوراس وعلى غرار عموم الجزائر عرفت اقتصادا يعتمد على األسلوب التقليدي‬
‫في الزراع ة والص ناعة والتج ارة في حين اعتم د االس تعمار الفرنس ي على اس تخدام اآلل ة والي د‬
‫العامل ة الرخيص ة في محاول ة لتع ويض م ا خس ره في الح رب العالمي ة الثاني ة‪ ،‬معتم دا في ذل ك‬
‫سياسة السلب والنهب متبوع بالقتل والتشريد كله على حساب الشعب الجزائري‪.2‬‬
‫القطـــاع الـــزراعي والرعـــوي‪ :‬من النش اطات األساس ية في المنطق ة وال تي مارس ها االنس ان‬
‫األوراسي الزراعة التي تعتبر المورد الرئيسي للسكان حيث قدرت الملكية الصغيرة التي كانت‬
‫سائدة في األوراس ب ‪ %55‬من األراضي الزراعية‪ ،‬وكانت تربية المواشي قد رافقت الزراعة‬
‫ألنها ضرورية في حياة الفالح‪ ،3‬كما تعتبر زراعة الحبوب المحصول الرئيسي في غذائه وكان‬
‫يش تغل أك بر مس احة من أراض يهم الزراعي ة إال أن كميات ه قليل ة وألش د حاجي اتهم‪ ،‬كم ا اكتس ى‬

‫‪ 1‬ناصر الدين سعيدوني‪ :‬ورقات جزائرية‪ :‬دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر في العهد العثماني‪ ،‬ط‪ ،2‬دار البصائر‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2008 ،‬ص‪.417‬‬
‫‪ 2‬إسماعيل خنفوق وليلى تيتة‪ :‬األوضاع العامة في المنطقة األولى من الوالية األولى قبل ‪ ،1954‬مجلة مقدمة للدراسات‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلد‪ ،6 :‬عدد‪ ،2021 ،6 :‬ص ‪.260‬‬
‫‪ 3‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬ثورة األوراس‪ ،1916‬طبعة خاصة‪ ،‬دار الهدى للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪.219-215‬‬
‫‪33‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫نش اط ال رعي أهمي ة بالغ ة في الحي اة االقتص ادية وه و م ا فرض ته الطبيع ة الجغرافي ة والمناخي ة‬
‫للمنطقة بطرق وأساليب تقليدية‪.1‬‬
‫وأول عم ل ق ام ب ه االس تعمار الفرنس ي ه و االس تيالء الالش رعي على أراض ي الس كان في وقت‬
‫مبك ر إب ان عملي ة االس تيطان فاألراض ي الخص بة ال تي تتم يز به ا المنطق ة‪ ،‬تح ولت إلى ض يعات‬
‫للمعمرين ولم يبق في يد سكان المنطقة إال النذر اليسير من األراضي ومعظمها جبال ال تصلح‬
‫وبذلك سن المستعمر عدة مراسيم وقوانين تمكنه تبرير هذا االستالء‪.‬‬ ‫للزراعة‪،2‬‬

‫ومن أهم المراسيم والقوانين العقارية لمصادرة األراضي‪:‬‬

‫مرس وم ‪ 21‬جويلي ة ‪ 1846‬و‪ 16‬ج وان ‪ 1851‬الل ذان أعلن ا أن األراض ي ال تي ال‬ ‫‪‬‬

‫يستطيع أصحابها إثبات ملكيتها تصير ملكية للدولة الفرنسية‪ ،‬وكذلك تنزع أراضي البور من‬
‫أهليها بدعوى الشعور وعدم االستغالل‪.‬‬
‫ق انون ‪ 16‬ج وان ‪ 1851‬أعطى أراض ي الع رش للس لطة العام ة للدول ة‪ ،‬وح ق ملكي ة‬ ‫‪‬‬

‫الرقاب ة على األراض ي الجماعي ة إال في ح ال إثب ات الملكي ة بعق ود ال ذي لم يكن في األص ل‬
‫معتمد في النظام القبلي السائد في مجتمعات جنوب قسنطينة‪.‬‬
‫ق انون س يناتوس كونس يلت ‪ 22‬ابري ل ‪ 1863‬ال ذي س وق ل ه ن ابليون الث الث في زيارت ه‬ ‫‪‬‬

‫للجزائر‪ ،‬ونص هذا الق انون على تحديد مناطق القبائل وتقسيم أراضيها بين مختلف الدواوير‬
‫ونص على تأسيس الملكية الفردية غير أن حقيقة هذا القانون تسهيل عملية انتقال الملكية من‬
‫الجزائريين إلى المعمرين كما يهدف إلى تفكيك النسيج االجتماعي آنذاك‪ .3‬شرع في تنفيذ هذا‬
‫الق انون التش ريعي في منطق ة األوراس بع د أرب ع أش هر من دخول ه ح يز التط بيق وال ذي ج اء‬
‫مبدئيا لتهدئة خواطر القبائل المهددة بالحصر‪ ،‬إال أنه في الواقع جاء لتسوية األوضاع الناجمة‬

‫‪ 1‬محمد محدادي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪37‬ـ‪.39‬‬


‫‪ 2‬إسماعيل خنفوق وليلى تيتة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪260‬ـ‪.261‬‬
‫‪ 3‬هواري مختار‪ :‬نماذج من القمع اإلداري االستعماري تجاه بعض القبائل في الجنوب القسنطيني ‪1871‬ـ‪ ،1916‬أطروحة‬
‫مقدمة لنيل شهادة دكتوراه‪ ،‬تخصص التاريخ الحديث والمعاصر‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪،‬‬
‫باتنة‪2016 ،‬ـ‪ ،2017‬ص ‪189‬ـ‪.191‬‬
‫‪34‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫عن االس تحواذ على أمالك الس كان بص ورة غ ير قانوني ة‪ ،‬ولق د م ر بن ا س ابقا أن ك ل األراض ي‬
‫المنزوع ة ك انت من ص نف أراض ي الع روش‪ .‬وال ذي طب ق على ‪ 13‬قبيل ة من بين ‪ 27‬ال تي‬
‫تشكل مجموع سكان المنطقة حيث مس مجمل األراضي الواقعة في السهول‪.1‬‬
‫ق انون ‪ 27‬أبري ل ‪ 1887‬ومص ادرة األراض ي‪ :‬يع رف بق انون س يناتوس كونس يلت‬ ‫‪‬‬

‫المصغر ‪ ،1887‬وهو بمثابة تكملة قانونية وتوطئة استدراكية لفهم قانون فاريني‪ ،‬فقد اشتمل‬
‫خصوصا على بيع األراضي الجزائرية الجماعية في المزاد العلني‪ ،‬والغرض من هذا القانون‬
‫هو فرنسة األراضي الجزائرية ال غير أي‪:‬‬
‫اخضاع األمالك الجزائرية للقانون الفرنسي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫االعتراف بالحقوق الفردية في األمالك الخاصة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ـتفكيك األراضي الجماعية وانشاء ملكيات فردية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تس هيل عملي ة اإلتج ار ب األرض تحقيق ا وتمكين ا النتقاله ا من أي دي الجزائ ريين إلى أي دي‬ ‫‪-‬‬

‫‪2‬‬
‫المعمرين‪.‬‬
‫ويعت بر ه ذا الق انون من أخبث م ا طب ق في االوراس حيث ش مل جمي ع المن اطق الجبلي ة‬
‫الص حراوية ال تي تقطن فيه ا ‪ 14‬قبيل ة‪ ،3‬من بين ه ذه القبائ ل واألع راش‪ :‬قبيل ة العش اش‪ ،‬أوالد‬
‫سلطان‪ ،‬بني بو سليمان‪ ،‬بسكرة‪ ،‬أوالد فضالة‪ ،‬بني فرح‪ ،‬أوالد داوود‪ ...‬اختلفت فيم ا بينهم سنة‬
‫‪4‬‬
‫تطبيق قانون ‪.1878‬‬
‫القطاع الصناعي‪ :‬ك انت الص ناعة في المنطق ة قليل ة جدا ويس يطر عليه ا األوروب يين‪ ،‬وهي ذات‬
‫ط ابع تقلي دي وأهمه ا ص ناعة الحلف اء المنتش رة بق وة في جب ال األوراس الغ ربي وتس تخدم في‬
‫ص ناعة الحب ال و الحص ائر واألحذي ة وبعض أدوات النق ل كالقف ة وال تيس وغط اء المن ازل‪،‬‬
‫وتنتش ر ك ذلك ص ناعة الخش ب مث ل القص عة والمغ ارف‪ ،‬وأدوات الح رق والحص اد‪ ،‬كم ا اهتم‬
‫‪ 1‬عبد الحميد زوزو‪ :‬األوراس ابان فترة االستعمار‪ ،‬ج‪ ،1‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪285‬ـ‪.286‬‬
‫‪ 2‬فؤاد عزوز‪ :‬التشريعات العقارية الفرنسية في الجزائر خالل فترة الحكم المدني ‪1870‬ـ‪ ،1900‬مدارات تاريخية‪ ،‬المجلد‪،1 :‬‬
‫عدد خاص‪ ،‬افريل ‪ ،2019‬ص ‪301‬ـ‪.302‬‬
‫‪ 3‬عبد الحميد زوزو‪ :‬األوراس ابان الفترة االستعمارية‪ ،‬جزء‪ ،1 :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.311‬‬
‫‪ 4‬هواري مختار‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪35‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫األوروبيون أكثر بالمعادن في المنطقة‪ ،‬كاستغالل منجم الرصاص قرب مدينة باتنة‪ ،‬والذي كان‬
‫من أه داف ليل ة أول نوفم بر‪ ، 1‬وك ذا ص ناعة القرمي د في س طيف وص ناعة التب غ والس جاد‬
‫ومعاص ر الزيت ون في ب رج ب وعريريج وقالل‪ ،‬كم ا ع رفت منطق ة المعاض يد بالمس يلة ص ناعة‬
‫السجاد حيث أنتجت سنة ‪ 1953‬ما يقارب ‪ 300‬سجاد‪.‬‬

‫القطــاع التجــاري‪ :‬ع رفت منطق ة األوراس نش اط تج اري متواض ع س اهم في ه الموق ع الوس ط‬
‫لألوراس الرابط بين التل والصحراء وأيضا الحاجة إلى تصريف فائض اإلنتاج وجلب الحاجات‬
‫ال توفره ا نش اطات س كان األوراس وق د ت وزعت التج ارة في األوراس بين‬ ‫ال تي‬
‫تجارة داخلية وخارجية‪.‬‬
‫التجارة الداخلية محلية كانت مكثفة بين سكان المناطق الجبلية في أسواق أسبوعية وإ قليمية‬
‫تت وزع حس ب أي ام األس بوع حيث يك ون لك ل قبيل ة ي وم مح دد في األس بوع يتواف د غليه ا س كان‬
‫الجهات المجاورة ومن أهم هذه األسواق األوراسية‪ :‬سوق باتنة‪ ،‬خنشلة‪ ،‬بريكة‪ ،‬مروانة‪ ،‬راس‬
‫العيون‪ ...‬وكان يغلب على هذه المعامالت التجارية المقايضة‪.‬‬
‫وتجارة خارجية ارتبطت بطريق القوافل البدوية والطريق االستعماري الطريق األول ربط‬
‫األوراس ببالد الس ودان والواح ات الش رقية والبالد التونس ية‪ ،‬أم ا الطري ق اآلخ ر ال ذي ظه ر‬
‫بظه ور االس تعمار وتمث ل في اقتن اء الش ركات التجاري ة األجنبي ة من األوراس المنتوج ات‬
‫الزراعية واألخشاب والمنتوجات الحيوانية‪ ،‬كما قامت هذه الشركات بتزويد السوق الجزائرية‬
‫بالبضائع الخارجية (شاي ـسكر) وكانت تتم هذه المعامالت بالنقد‪.2‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األوضاع اإلجتماعية والثقافية‬
‫عرفت منطقة االوراس قبل اندالع الثورة التحريرية اوضاعا اجتماعية و ثقافية اثرت في‬
‫الجانب الثوري يمكن تبيناها كما يلي‪:‬‬
‫األوضاع اإلجتماعية‪:‬‬

‫‪ 1‬إسماعيل خنفوق وليلى تيتة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.261‬‬


‫‪ 2‬محمد محدادي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪43‬ـ‪.45‬‬
‫‪36‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫ظل الشعب الجزائري ولفترة طويلة بسبب الجهل والتضليل يعتقد بحتمية الوجود الفرنسي‬
‫في الجزائ ر وع دم إمكاني ة التخلص من ه‪ ،‬اال ان ه وبع د الوض عية ال تي يعيش ها الش عب قب ل وبع د‬
‫الحروب العالمية خاصة من الناحية االجتماعية تغيرت نظرة الحتمية وضرورة التغيير‪ ،1‬خاصة‬
‫بعد انعكاس السياسة االستعمارية االقتصادية على األوضاع االجتماعية فقد تحول سكان المنطق ة‬
‫الى الغرب اء في وطنهم وخماس ين في ارض هم ب أبخس االثم ان‪ ،‬اين اش تد الفق ر ام ام قل ة عط اء‬
‫الع رض وتن اقص قطع ان المواش ي وك ثرة الض رائب المفروض ة على الس كان وال تي ش ملت ك ل‬
‫الممتلك ات وح تى على اف راد العائل ة حيث يق ول ج ان ب ول س ارتر في كتاب ه عارن ا في الجزائ ر‪:‬‬
‫"اما الثوار فال يملكون أي شيء اال الثقة وتأييد قسم كبير من الشعب لهم"‪ ،‬وهي مقولة ت دل على‬
‫األساليب المسخرة لفرض السيطرة الفرنسية بجميع اإلمكانيات بما فيها القوة‪.2‬‬
‫لم تكن األوض اع االجتماعي ة لس كان االوراس بأحس ن ح ال من إخ وانهم في ب اقي القط ر‬
‫الجزائري على طوال فترة االحتالل الفرنسي للجزائر‪ ،‬حيث كان الفرنسيون قبيل الثورة بسنتين‬
‫ينعت ون األوراس يون ب أقبح االوص اف ق ائلين‪" :‬يب دوا ان ب الطبع األوراس ي جن وح الى الص علكة‬
‫ولذلك ال تمر فرصة حتى يهتز العصيان والتمرد وخاصة اثناء الحروب وهذا ما جعل السلطان‬
‫‪3‬‬
‫في شغل شاغل معهم لتدارك الهدوء"‪.‬‬
‫الوض عية الديموغرافي ة والفئ ات االجتماعي ة‪ :‬بل غ تع داد الس كان المس لمين في البل ديات‬
‫المختلط ة في االوراس س نة ‪1939‬الى ‪ 272,052‬نس مة بينم ا ك ان تع دادها في ‪1892:136‬‬
‫نسمة أي انه انتقل الى الضعف تقريبا في ظرف ‪ 50‬سنة‪ ،‬فتزايد السكان رغم منحنى تطوره‬
‫في عكس اتج اه مص ادر العيش ال تي ك انت في تن اقص مس تمر‪ ،‬وترج ع وت يرة ه ذا التزاي د‬
‫الديموغرافي مع حلول القرن ‪ 20‬الى تحسن األوضاع الصحية وتراجع االمراض المعدية بعد‬
‫محاربتها لفترات معينة‪ ،‬كما تعود أسباب هذه الزيادة الديموغرافية الى أسباب اجتماعية ومنها‬
‫‪ 1‬مسعود فلوسي‪ :‬مذكرات الرائد مصطفى مراردة‪ :‬شهادات ومواقف من مسيرة الثورة في الوالية األولى‪ ،‬ط‪ ،2‬د‪ .‬د‪ ،‬د‪ .‬ب‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص‪.36‬‬
‫‪ 2‬إسماعيل خنفوق وليلى تيتة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.262‬‬
‫‪ 3‬لخميسي قريح‪ :‬العقيد سي الحواس مسيرة قائد الوالية السادسة (‪1923‬ـ‪ ،)1959‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار الجسور للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪37‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫رغبة الفالحيين في إنجاب أكبر عدد ممكن من األوالد أي ان عدد الوفيات يقابلها زيادة في عدد‬
‫الوالدات‪.1‬‬

‫تتن وع الفئ ات االجتماعي ة لألوراس على غ رار ب اقي المجتم ع الجزائ ري خالل ف ترة‬
‫االحتالل بين فئة طبقة األثرياء ثم الميسورين ثم الطبقة المتوسطة فالفقراء والمعدومين‪.‬‬

‫فئ ة األثري اء والميس ورين‪ :‬ت اتي على راس الطبق ات نس بتها ض ئيلة ت تراوح بين (‪15‬الى ‪)19‬‬
‫في المن اطق قليل ة االس تيطان وتنخفض الى ‪ 2‬في المن اطق األك ثر اس تيطان‪ ،‬وه ذا يع ود الى‬
‫احتك ار المس توطنين لك ل مص ادر ال رزق والث ورة‪ ،‬وي دخل ض من ه ذه الفئ ة ع ائالت القي اد‬
‫والجماعات الدينية وأصحاب المناصب اإلدارية‪ ،2‬ان االنتماء الى فئة المترفين معناه ان يحوز‬
‫الى مس احات واس عة من األراض ي وقطع ان كب يرة من الغنم‪ ،‬فالبرجوازي ة األوراس ية مختلط ة‬
‫المشارب أي انها مزيج من أصناف الحضر والقرويين‪.3‬‬

‫الفئ ة المتوس طة‪ :‬ال تي تص نف في المرتب ة غ ير الفق يرة وال الغني ة فهي تل ك ال تي تتش كل من‬
‫الفالحين ال ذين ي تراوح دخلهم بين (‪2000‬و‪4000‬فرن ك) وال تي تتمث ل بين (‪40‬الى‪ 50‬بالمئ ة)‬
‫من مجموع السكان في األماكن اقل استيطانا‪ ،‬كان النشاط الغالب لهم هو الفالحة والرعي لكن‬
‫تختلف من منطقة الى أخرى‪ ،‬اين يغلب في القسم الجنوبي لبلدية خنشلة المختلطة ونجد النشاط‬
‫الفالحي يغلب في وادي عب دي بقلب االوراس‪ ،‬كم ا يض اف الى ه ذه الطبق ة او الفئ ة التج ار‬
‫والحرفيون المتواجدون في مراكز االستيطان وفي التجمعات السكانية الهامة اين يمتهنون تجارة‬
‫بس يطة تتمث ل في الم واد الغذائي ة وتزوي د الفالحين بالس كر والبن والش مع والك بريت والتب غ‬
‫وغيره‪.4‬‬

‫‪ 1‬عبد الحميد زوزو‪ :‬األوراس إبان فترة االستعمار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪388‬ـ‪392‬ـ‪.393‬‬
‫‪ 2‬محمد محدادي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪48‬ـ‪.50‬‬
‫‪ 3‬عبد الحميد زوزو‪ :‬األوراس إبان فترة االستعمار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪390‬ـ‪.391‬‬
‫‪ 4‬لخميسي فريح‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪38‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫فئة الفقراء‪ :‬ويصنفون ضمن فئة التائهين او العمال الموسميين أو الرعاة أو المساكين البؤساء‪،‬‬
‫سواء كانوا قادرين على العمل ام ال فلقد كان اغلبهم يعينون اسرهم أساسا بالمساعدات التي تقدم‬
‫لهم على مستوى كل بلدية أو توزعها لجان إغاثة المساكين التي كانت تقدم لهم العون واالكل‬
‫وااللبس ة‪ ،‬وك ان ينص ون تحت فئ ة طبق ة الفق راء جمي ع الخماس ين والعم ال الزراع يين ممن ال‬
‫يتجاوز دخلهم السنوي ‪1,500‬او ‪ 1,800‬فرنك‪ ،‬يتمركزون في أماكن االستيطان بكثرة‪.1‬‬
‫مســكن األوراســيين‪ :‬ان مس كن االنس ان األوراس ي عب ارة عن ك وخ (بيت ب دائي) يش يد‬
‫ب الحجر او الط وب ويغطى بطبق ة من طين أو من "ال ديس " من الحلف اء أو من القش ويس ند‬
‫بأخش اب ويوج د نوع ان منه ا‪ :‬المس اكن البس يطة هي‪ :‬المس كن ال ذي يب نى وف ق المعم ار الب دائي‬
‫ويتم يز بالبس اطة الى اقص ى ح د ينج زه الس كان انفس هم من غ ير اهتم ام بتس وية الج دران او‬
‫السقوف وال يلجأ الى حفر األسس فالبناء منخفض ومساحته محدودة ونادرا ما يتجاوز ارتفاعه‬
‫مترين ومساحته أربعة امطار مربع وهو بناء بسيط غير مكلف‪ ،‬وهذا النوع من المسكن كان‬
‫موج ودا س نة ‪ 1939‬في بل ديات عين القص ر وبلزم ة‪ ،‬ام ا في بل ديات األوراس وعين توت ة‪،‬‬
‫فك انت س قوف مس اكنها مبني ة ب الطوب‪ ،‬يلج أ الس كان في المن اطق الجبلي ة الى بن اء مس اكنه على‬
‫الص خر او بناءه ا في الفج وات الطبيعي ة المطل ة على الفج اج والس هول ب دافع من توف ير االمن‬
‫واالقتصاد في التكاليف والوقاية من البرد‪ ،‬النوع الثاني‪ :‬هو الكوخ الذي تدخل عليه تحسينات‬
‫في الطراز تجعله أقرب الى المساكن العادية (مفردها ثادرات وتجمع على تيدار)‪.2‬‬
‫الهجــرة الى فرنســا‪ :‬م ع بداي ة ع ام ‪ 1910‬ب دأت هج رة األوراس يين الى فرنس ا‪ ،‬وال تي‬
‫ش هدت تس ارعا م ع دخ ول ح رب العالمي ة األولى م ا بين ‪1914‬و ‪ ،1918‬وه و م ا سيش كل‬
‫منعطفا حاسما في حياة المجتمع الجزائري‪ ،‬من خالل احتكاكهم بفئات أخرى‪ ،‬في جبهات القتال‬
‫دفاعا عن فرنسا والعالم الحر في الحرب العالمية األولى‪ ،‬في الفترة ما بين ‪ 1919_1914‬م‪،‬‬
‫فاحتك اكهم ب المجتمع الفرنس ي جعلهم يكتش فون واقع ا جدي دا يختل ف عن حي اتهم التعيس ة في‬

‫‪ 1‬عبد الحميد زوزو‪ :‬األوراس إبان فترة االستعمار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.388‬‬
‫‪ 2‬عبد الحميد زوزو‪ :‬األوراس إبان فترة االستعمار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.398‬‬
‫‪39‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫بالدهم‪ ،1‬وحاج ة فرنس ا الى الي د العامل ة دفعه ا الى انته اج سياس ة االغ راء حين ا والج بر أحيان ا‬
‫أخرى‪ ،‬لتجنيد العاملة خاصة بعد صدور مرسوم ‪ 1916‬المتعلق بتجنيد العمال الذين استجابوا‬
‫للذهاب والعمل في فرنسا حيث بلغ مجموعهم ‪ ،1254‬رغم انهم كانوا يعيشون ظروف مزرية‬
‫ويقيم ون في اقام ات ي رثى له ا‪ ،‬ينعكس على الحي اة االقتص ادية للمنطق ة‪ ،‬خاص ة وأن طبيع ة‬
‫االقتص اد األوراس ي يعتم د على الي د العامل ة لع دم وج ود اآلالت‪ ،‬ورغم ان الهج رة ت ركت مـآس‬
‫في حق سكان المنطقة اال انها نمت جانبا اخر جعلت انسان المنطقة ينفتح على أوروبا‪ ،2‬ويغير‬
‫نظرت ه الى المس تعمر خاص ة بع د انخ راطهم في االعم ال السياس ية (األح زاب) واحتك وا بواق ع‬
‫المجتم ع الفرنس ي ورأوا الف رق الشاس ع بين م ا ك ان يتنعم ب ه الفرنس يون وم ا ك ان يقاس يه‬
‫الجزائري ون‪ ،‬ل ذلك وبع د ع ودتهم الى الجزائ ر ك انوا يبث ون في نف وس اف راد الش عب ال وعي‬
‫بضرورة الدفاع عن الحقوق المطالبة بها‪ ،‬وبالتالي بدأ يتكون الوعي التحرري شيئا فشيئا‪.3‬‬
‫وظل نهب ممتلكات وارزاق سكان االوراس مستمرا الى قبيل الثورة اندالع ثورة اول نوفمبر‬
‫‪ 1954‬من طرف ممثلي اإلدارة االستعمارية مثلما حصل اثناء ما سمي بحوادث االوراس في‬
‫خري ف‪ 1951‬في دواوي ر‪ :‬زالط و‪ ،‬كيم ل‪ ،‬غس يرة‪ ،‬اش مول‪ ،‬وقري ة آريس‪ ،‬وم ا فعل ه القي اد من‬
‫فرض دفع مبالغ مالية وتسليم عشرات رؤوس الغنم لتموين الجنود‪.‬‬

‫ولم تكف سياسة السلب والتجويع التي اتبعتها اإلدارة االستعمارية مع سكان االوراس بل زادتها‬
‫سياسة اثارة الشقاق والتفكيك بين قبائل االوراس مثل ما هو الحال بين‪" :‬ال دواودة التوابة" و"بني‬
‫‪4‬‬
‫سليمان" سنة‪.1951‬‬

‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬هيكلة وتنظيم الثورة في المنطقة ‪-‬الوالية األولى‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬قسم التاريخ‬
‫واآلثار‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر باتنة‪ ،2022-2021 ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪2‬مختار هواري‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.353‬‬
‫‪ 3‬مسعود فلوسي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 4‬لخميسي فريح‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪40‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫األوضاع الثقافية‪ :‬يتميز سكان منطقة االوراس بتمسكهم بدينهم وعاداتهم وتقاليدهم‪ ،‬اين‬
‫ارتبطت الحياة الثقافية والدينية في المنطقة بظاهرة التصوف التي انتشرت بقوة خالل القرن‪1‬‬
‫‪ ،19‬ومن اهم الطرق التي عرفتها المنطقة‪:‬‬
‫الطريق ة القادري ة‪ :‬هي طريق ة ص وفية ديني ة تنس ب الى مؤسس ها الش يخ "عب د الق ادر الجياللي"‬
‫المك نى "بمحي ال دين ابي محم د عب د الق ادر الجيالني بن ابي موس ى الحس يني"‪ ،‬وه و من اهم‬
‫الشخصيات الصوفية األولى في العالم اإلسالمي انتشرت في االوراس مع بداية العهد العثماني‬
‫على يد الشيخ إبراهيم بن موسى‪ ،‬قدمت عائلة بني عباس لألوراس من نواحي الساقية الحمراء‬
‫واستقرت بمنعة واسست بها زاويتها االم واسست لها فرعين بخنشلة و‪ 3711‬تابع و‪ 37‬مقدم‪،‬‬
‫حيث ب دخول ه ذه العائل ة الى المنطق ة اس تتب االمن وت راجعت الح روب بين القبائ ل األوراس ية‬
‫المتن احرة‪ ،‬كم ا س اهمت ه ذه الزاوي ة في بداي ة االحتالل بمقاوم ة التوس ع الفرنس ي ووقوفه ا الى‬
‫جانب احمد باي واحمد بلحاج‪.‬‬

‫الطريقة الشاذلية‪ :‬هذه الطريقة الصوفية تعود في تأسيسها الى الشيخ "تاج الدين أبو الحسن علي‬
‫الش اذلي بن عط ا اهلل بن عب د الجب ار"‪ ،‬اسس ت ه ذه الطريق ة في االوراس بزاوي تين هم ا‪ :‬الزاوي ة‬
‫الناصرية‪ :‬فرع من فروع الشاذلية ظهرت في المغرب األقصى ودخلت الجزائر على يد عائلة‬
‫بن ناص ر مطل ع الق رن (‪ )17‬بق دوم الش يخ س يدي مب ارك بن ن اجي الى منطق ة س يدي ن اجي اين‬
‫أسس مسجده وأصبحت المدينة تعرف باسمه‪.‬‬

‫ثاني ا‪ :‬زاوي ة تم رة‪ :‬ظه رت في االوراس في الجن وب الغ ربي لخنش لة وس يرت من ط رف‬
‫أوالد سيدي بوبكر وقد بلغ عدد اتباعها في بداية احتالل المنطقة حوالي ‪ 2511‬اخ‪.2‬‬

‫الطريق ة الرحماني ة‪ :‬طريق ة ديني ة ص وفية نش أت في الجزائ ر أواخ ر الق رن‪12‬ه المواف ق ل‪،19‬‬
‫على يد الشيخ سي محمد بن عبد الرحمان القشتولي الجرجي االزهري‪ ،‬عرفت الطريقة نجاحا‬
‫وانتش ارا واس عين في القط ر الجزائ ري خاص ة خالل الق رن ‪19‬م‪ ،‬حيث وص ل ص يتها منطق ة‬
‫‪ 1‬إسماعيل خنفوق وليلى تيتة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪ 2‬محمد محدادي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.61-58‬‬
‫‪41‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫االوراس وانتشرت فيها بشكل واسع وسريع في كل مناطقها وعند اغلب قبائلها‪ ،‬فأصبحت هي‬
‫الطريق ة األولى من حيث الحض ور الع ددي واالنتش ار الجغ رافي‪ ،‬خاص ة وان تع اليم الطريق ة‬
‫تتواف ق م ع الذهني ة والعقلي ة األوراس ية‪ ،‬فانتش رت في المنطق ة من جمي ع جهاته ا ب أهم زواي ا‬
‫ومراك ز اش عاع الرحماني ة مث ل‪ :‬زاوي ة حفيظي بخنق ة س يدي ن اجي‪ ،‬زاوي ة بن ع زوز ب البرج‪،‬‬
‫وعثماني بطولقة‪ ،‬ومختار بن خليفة بأوالد جالل‪.1‬‬

‫ه ذه الط رق ال تي تعت بر قطب للحي اة الديني ة ومراك ز ثقافي ة‪ ،‬وك ان له ا دور كب ير في‬
‫المحافظ ة على تع اليم ال دين اإلس المي ونش ر ال وعي أوس اط الش عب وتحري ك االنتفاض ات‬
‫والمقاومات في االوراس ضد المحتل الفرنسي‪.2‬‬

‫التعليم في المدارس القرآنية (الكتاتيب) والمدارس الحرة‪ :‬وه ذه المرتب ة من التعليم ك انت‬
‫منتشرة انتشارا واسعا في الجزائر وهو حال انتشارها في االوراس والصحراء الشرقية كثيرا‪،‬‬
‫تمس ك به ا س كان المنطق ة رغم الص عوبات ال تي القوه ا من االحتالل الفرنس ي‪ ،‬ام ا الم دارس‬
‫التعليمي ة الح رة نش أت من ذ ح والي ‪ 1920‬لنش ر التعليم الع ربي اإلس المي حيث ك انت تحف ظ‬
‫القرءان في األساس باإلضافة الى مواد أخرى‪ ،‬أصبحت تسمي نفسها باسم المدارس العصرية‬
‫او الحديث ة‪ ،‬وهي م دارس تن درج ض منها تل ك الم دارس ال تي اخ ذت جمعي ة العلم اء تس عى في‬
‫تأسيسها ‪ ،1931‬بعد المرسوم الذي نص على إمكانية فتح مدارس حرة‪ ،‬وفي هذا اإلطار كانت‬
‫ق رى وم دن االوراس بم ا فيه ا بس كرة س نة‪ 1939‬تش مل على ع دد معت بر من المؤسس ات‬
‫المتخصصة في تدريس القرءان والتربية الدينية بحيث يوجد خمس ‪ 5‬زوايا في بسكرة و‪ 2‬في‬
‫‪3‬‬
‫خنشلة الى جانب ‪ 16‬مدرسة قرآنية وفي باتنة ‪ 14‬مدرسة قرآنية‪.‬‬
‫التعليم الرســمي (المدرســة الفرنســية العربيــة)‪ :‬ح اربت الس لطات الفرنس ية الزواي ا بخل ق‬
‫نوع جديد من التعليم يختلف عن التعليم التقليدي الذي كان س ائدا من خالل نشر بعض المدارس‬

‫‪ 1‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬


‫‪ 2‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 3‬لخميسي قريح‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪42‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫ال تي تلقن اللغ ة الفرنس ية‪ .1‬وه و المس مى ب التعليم االبت دائي ال ذي يتب ع نظ ام التعليم في فرنس ا و‬
‫يخض ع لق وانين ‪28‬م ارس‪ 1882‬المتعل ق بإجباريت ه على األوروب يين دون األه الي الجزائ ريين‬
‫وه و التعليم ال ذي ع رف انطالق ة كب يرة خاص ة م ا بين الح ربين‪ ،‬ثم م ا بع د الح رب العالمي ة‬
‫الثاني ة‪ ،2‬كم ا ق امت الس لطات االس تعمارية بإنش اء بعض الم دارس المخصص ة للفرنس يين في‬
‫االوراس‪ ،‬وبالرغم من وضعيتها الخاصة وجدت نفسها مجبرة على تدريس الشباب حيث بلغ‬
‫ع دد المتمدرس ين في الم دارس االبتدائي ة العلي ا في باتن ة س نة‪ 1921‬ح والي ‪ 50‬تلمي ذ منهم ‪19‬‬
‫داخليا‪.3‬‬
‫الجمعيــات والنــوادي الثقافيــة‪ :‬خالل الثالثين ات من الق رن الماض ي وبع د تأس يس جمعي ة‬
‫العلم اء المس لمين‪ ،‬ونظ را لم ا لمس ه مؤسس وها من فض ل للجمعي ات والن وادي في ونش ر ال وعي‬
‫والثقافة من خالل الخطب واالجتماعات التي كانت تقام‪ ،‬كان لالوراس حضها في هذه النوادي‪،‬‬
‫فحس ب وث ائق االحتالل ثم إحص اء في دائ رة باتن ة (االوراس) ‪ 34‬ن ادي وجمعي ة ديني ة وثقافي ة‬
‫ص رحت بنش اطها بين ‪ 1934‬و‪ 1937‬احتض نت منه ا جب ال االوراس ‪ 9‬ن وادي ثقافي ة و‪4‬‬
‫جمعيات تربوية دينية‪.‬‬
‫ومن أهم الجمعيات التي نشطت خالل هذه الفترة في مدينة باتنة نجد نادي اإلصالح الذي‬
‫تأس س في ‪ 1933‬وحاض ر في ه الش يخ ابن ب اديس ع دة م رات‪ ،‬وك ذلك الجمعي ة اإلس المية ال تي‬
‫تأسست في ‪ 1937‬ومقرها في المسجد الجامع‪.‬‬

‫ويظه ر ان ه ذه الن وادي انتعش ت أك ثر في األربعين ات ال س يما م ع نش اط األح زاب ال ذي‬


‫انتشرت له خاليا منها حزب الشعب الذي أصبح مكتسحا لساحة السياسية‪ ،‬ومن النوادي التي‬
‫‪4‬‬
‫برزت أنشطتها هناك‪ :‬النادي الرياضي الباتني وفوج الكشافة في باتنة وغيرها‪.‬‬

‫‪ 1‬غرينة عبد النور‪ :‬األوراس في الكتابات الفرنسية إبان الفترة الكولونيالية ‪1840‬ـ‪ ،1939‬مفكرة الماجستير في تاريخ األوراس‬
‫الحديث والمعاصر‪ ،‬قسم‪ :‬التاريخ‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪2009 ،‬ـ‪ ،2010‬ص ‪.37‬‬
‫‪ 2‬لخميسي قريح‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ 3‬غرينة عبد النور‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ 4‬لخميسي فريح‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪43‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫ولم تتوقف اإلدارة الفرنسية عن ضرب المقاومات الروحية للشعب الجزائري ومحاولة قطع‬
‫صلته بالعالم العربي واإلسالمي‪ ،‬كما استهدفت مراكز الثقافة العربية مثل المساجد والمدارس‬
‫بمختلف مستوياتها‪ ،‬واتخذت من سياسة التجهيل العمدي وسيلة لتحقيق أهدافها وحرمت أجيال‬
‫عديدة من التعليم واستبدلتها بمدارس فرنسية في مناطق مختلفة في االوراس مثل بسكرة وباتنة‪،‬‬
‫واخض عتها مباشرة الى المك اتب العربية ‪ .1SAS‬وك انت ترمي ه ذه السياسة الى رب ط المجتمع‬
‫الجزائ ري بالثقاف ة الفرنس ية‪ ،‬وس لخه عن هويت ه اإلس المية ل ذلك لقيت ه ذه الم دارس رفض ا من‬
‫طرف أهالي االوراس‪.2‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬األوضاع اإلدارية والسياسية‪:‬‬

‫بعد تبيان األوضاع االجتماعية و الثقافية التي كانت سائدة في منطقة االوراس‪ ،‬نتناول‬
‫من خالل النقاط الموالية االنظمة اإلدارية و األوضاع السياسية للمنطقة‪:‬‬
‫التنظيم اإلداري‪:‬‬
‫تكونت منطقة االوراس فكانت ملحقة لمقاطعة قسنطينة‪ ،‬شملت عدة بلديات مختلطة‪،3‬‬
‫اعتمدت فيها السلطة االستعمارية تنظيما إداريا صارما بعد احتاللها للمنطقة في ‪ 1844‬تواله‬
‫ض باط فرنس يون بواس طة مك اتب عربي ة لتك ون واس طة بين الفرنس يين والس كان (األه الي) ‪،4‬‬
‫حيث في سنة ‪1885‬م ظهرت بلدية باتنة كمنطقة فرعية تمارس سلطتها على االوراس وخالل‬
‫العام التالي تم تأسيس ثالث بلديات وهي‪ :‬باتنة‪ ،‬المييز‪ ،‬وتازولت الحالية في الشمال‪ ،‬وبسكرة‬
‫في الجنوب‪ ،‬واربع بلديات مختلطة هي‪ :‬عين القصر في الشمال‪ ،‬وماك ماهون‪ ،‬عين توتة في‬

‫‪ 1‬المكاتب العربية‪ :‬هي حلقة وصل بين الجنس األوروبي الذي استوطن الجزائر منذ ‪ 1830‬والسكان المحليين‪ .‬بنظر‪ :‬سلماني‬
‫عبد القادر‪ :‬دور المكاتب العربية في توطيد‪ ،‬مجلة البدر‪ ،‬ع‪ ،2011 ،3:‬ص ‪.70‬‬
‫‪ 2‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 3‬حليس علي‪ :‬التنظيم اإلداري للبلديات المختلطة في األوراس ‪ :1919-1870‬بلدية باتنة انموذجا‪ ،‬مذكرة ماجستير‪ ،‬تاريخ‬
‫الجزائر الحديث والمعاصر‪ ،‬تخصص‪ :‬تاريخ األوراس‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪،‬‬
‫‪ ،2015-2014‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 4‬محمد العيد مطمر‪ :‬التنظيم اإلداري في عهد االحتالل الفرنسي وأثره على الحياة االجتماعية للسكان بمنطقة األوراس‪ ،‬مجلة‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد‪ ،04 :‬ماي ‪ ،2003‬ص ‪.41‬‬
‫‪44‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫الغ رب‪ ،‬وخنش لة في الش رق‪ ،‬واريس ال تي أص بحت العاص مة الداخلي ة لكتل ة االوراس‪ ،‬ثم في‬
‫وقت الحق أضيفت بلديتان اخريان هما‪ :‬بلدية بلزمة في الشمال الغربي وبلدية بريكة في الغرب‬
‫‪،‬وحس ب م ا نش ره موق ع األرش يف الفرنس ي ـارشيف م ا وراء البحارـ ‪ ،A.O.M‬ف إن التقس يم‬
‫‪1‬‬
‫اإلداري لمنطقة االوراس في الفترة االستعمارية‪ ،‬كان على الشكل التالي‪:‬‬
‫محافظ ة االوراس(باتن ة)‪ :‬وهي واح دة من اح دى المحافظ ات الفرعي ة الس بع في مدين ة‬
‫قس نطينة بين ع امي ‪1848‬و ‪ ،1956‬وفي وقت الح ق اعي د تنظيم األق اليم الش مالية الى اث ني‬
‫عشرة مقاطعة بما في ذلك باتنة‪.‬‬

‫بلدي ة عين لقص ر المختلط ة‪ :‬تش كلت بم وجب مرس وم ص ادر في ‪29‬ديس مبر‪ ،1884‬وتق ع‬
‫في ض واحي باتن ة‪ ،‬اغلبي ة س كانها مس لمة‪ ،‬ويوج د به ا ‪ 9‬مراك ز اس تيطانية و‪ 18‬دوارا‪ ،‬واقس ام‬
‫لسكان األصليين‪ ،‬يرأسها رجل يديرها بصفة دائمة وفق نظام الجماعة وتنقسم هذه البلدية الى‬
‫عدة بلديات هي‪ :‬المعذر وجرمة‪ ،‬الشمرة وبومية وبعض دواويرها‪ ،‬استمرت هذه البلدية أكثر‬
‫من‪ 70‬سنة الى ان تم الغاء البلديات المختلطة بموجب مرسوم ‪.1957‬‬

‫بلدية بلزمة المختلطة‪ :‬تأسست بموجب مرسوم ‪ ،1904‬تقع شمال باتنة‪ ،‬و(حديقة بلزمة)‪،‬‬
‫وجن وب س طيف على الح دود م ع البل ديات المختلط ة‪ :‬عين لقص ر‪ ،‬عين توت ة‪ ،‬واوالد س لطان‪،‬‬
‫يوج د به ا مرك زيين اس تيطانيين هم ا‪ :‬كورني ل وبرني ل‪ ،‬و‪ 14‬دوارا اس تمرت ه ذه البلدي ة ح تى‬
‫الغاء المرسوم في ‪.1957‬‬

‫بلدية عين توتة المختلطة‪ :‬تقع على الجانب الغربي من سفوح االوراس‪ ،‬ويعود تأسيسها الى‬
‫التقسيم اإلداري لعام ‪ 1919‬بعد ان كانت مركزا عسكريا عام ‪ 1854‬ومركزا لالستيطان عام‬
‫‪ ،1872‬الى ان تق رر دس تور البلدي ة المختلط ة بم وجب ق انون ‪ ،1884‬يوج د به ا أربع ة مراك ز‬
‫استيطانية و‪ 13‬دوارا‪ ،‬يرأسها قائد يخضع لنظام الجماعة‪ ،‬وتضم هذه البلدية عدة بلديات هي‪:‬‬

‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫‪45‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫عين زعط وط‪ ،‬وب رانيس‪ ،‬وكوندورس ي‪ ،‬وجم ورة‪ ،‬والقنط رة‪ ،‬ولوطاي ا‪ ،‬وم اك م اهون‪ ،‬أوالد‬
‫‪1‬‬
‫عوف‪ ،‬وتاهانانت‪ ،‬وبعض الدواوير‪ ،‬الغيت بمرسوم ‪.1957‬‬

‫بلدي ة عين مليل ة المختلط ة‪ :‬تش كلت بم وجب مرس وم ‪28‬نوفم بر‪1874‬م‪ ،‬وهي ج زء من‬
‫‪2‬‬
‫ضاحية قسنطينة‪ ،‬الغيت بموجب مرسوم المقيم العام ‪.1957‬‬

‫بلدي ة خنش لة المختلط ة‪ :‬تمت د من ش ط الط ارف في الش مال الى ش ط ملغي غ في الجن وب‪،‬‬
‫وتشمل الى الغرب الجزء الشرقي من االوراس‪ ،‬وهي أيضا جزء من جبال النمامشة‪ ،‬تأسست‬
‫بم وجب مرس وم أكت وبر ‪ ،1889‬ثم توس عت بم وجب مرس وم ‪20‬م ارس‪ ،1911‬حيث ض مت‪:‬‬
‫دوارلولجة‪ ،‬شش ار‪ ،‬عالي الن اس‪ ،‬تبردقة‪ ،‬خنقة س يدي ن اجي‪ ،‬المحم ل‪ ،‬مغ ادة‪ ،‬تم اروت‪ .‬يوجد‬
‫بها تسعة مراكز استيطانية‪ ،‬يشرف عليها مستشارون بلديون‪.‬‬

‫بلدية بسكرة المختلطة‪ :‬تقع جنوب االطلس الصحراوي‪ ،‬يحدها من الشمال جبال االوراس‬
‫ومن الجن وب الش ط الكب ير (ش ط ملغي غ)‪ ،‬وهي تمث ل بواب ة األق اليم الجنوبي ة‪ ،‬تم احتالله ا ع ام‬
‫‪ 1844‬من قب ل ق وات "ال دوق دوم ال"‪ ،‬ثم تأسس ت كبلدي ة لس كان األص ليين بم وجب مرس وم‬
‫نوفمبر ‪ ،1874‬ثم بلدية مختلطة بموجب مرسوم ابريل ‪ 1933‬والذي تم الغاؤه في عام ‪،1957‬‬
‫تنقسم بلدية بسكرة الى ملحقين رئيسيين هما‪ :‬بسكرة‪ ،‬أوالد جالل‪ ،‬تسكنها أغلبية مسلمة‪ ،‬وهي‬
‫مقس مة الى ثالث قبائ ل‪ :‬الزيب ان‪ ،‬وال زاب الش رقي‪ ،‬واوالد س يدي ص الح‪ ،‬وه ذه القبائ ل موزع ة‬
‫الى ‪ 12‬دوارا‪ ،‬يشرف على تسييرها مجموعة من الشيوخ‪ ،‬ويمثلهم القائد في اإلدارة الفرنسية‪،‬‬
‫ترتب ط ارتباط ا وثيق ا بمقاطع ة االوراس‪ ،‬والقي ادة المدني ة والعس كرية لألوراس النمامش ة‪ ،‬ال تي‬
‫ستدعمها بشكل خاص في الثورة التحريرية‪.‬‬
‫بلدية تبسة‪ :‬أنشئت بلدية تبسة كبلدية مختلطة بموجب مرسوم ‪ 15‬نوفمبر‪ 1912‬قبل الغائها‬
‫بموجب مرسوم جانفي ‪.1957‬‬

‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.30‬‬


‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪46‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫بلدية بريكة‪ :‬كانت مركز عسكري حتى نهاية ‪ ،1880‬ثم تحولت الى مرك ز للسكان الملحق‬
‫بالبلدية المختلطة بريكة والتي أنشأت بموجب مرسوم ‪ 15‬أكتوبر‪.11907‬‬
‫ه ذا الن وع من التنظيم ال يخ دم س وى مص الح اإلدارة العس كرية وال يس تفيد من ه الس كان‬
‫المسلمين سوى فئة القياد وعائالتهم‪.2‬‬
‫األوضاع السياسية‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫على ال رغم من خض وع منطق ة االوراس والش رقية تحت إدارة النظ ام العس كري وم ا ك انت‬
‫تفرضه هذه اإلدارة من شبه عزلة سياسية واقتصادية واجتماعية على السكان‪ ،‬إال أن المنطقة‬
‫لم تكن بمع زل عن تل ك التط ورات السياس ية ال تي ب دأت تعرفه ا الجزائ ر م ع دخ ول عق د‬
‫العش رينات‪ ،3‬في ظ ل القم ع المس لط على أه الي االوراس ومط اردة الث ائرين أو كم ا تس ميهم‬
‫السلطات االستعمارية قطاع الطرق واللصوص الخارجين عن القانون‪ ،‬دخلت منطقة االوراس‬
‫بعد الحرب العالمية األولى ومع الحركة السياسية التي بدأ يحدثها "األمير خالد"‪ 4‬كزعيم وطني‪،‬‬
‫بدأت في مدينة بسكرة تظهر حركة إصالحية ال عهد للجزائر بها على حد وصف المؤرخ "أبو‬
‫قاس م س عد اهلل" ك ان ص احبها الش يخ "الطيب العق بي"‪ 5‬بع د عودت ه من الحج از في ‪ 1920‬و‬
‫اس تقراره به ا‪ ،‬اين اتخ ذ من من ابر مس اجدها‪ ،‬ومج الس الن اس من اج ل نش ر أفك اره الداعي ة الى‬
‫الس لفية واإلس الم الق ائم على العلم والق وة‪ ،‬وهي األفك ار ال تي لم يتوق ف عن دها الش يخ العق بي ب ل‬

‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.33‬‬


‫‪ 2‬عبد الحميد زوزو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ 3‬لخميسي فريح‪ :‬المقاومة السياسية في منطقة الزيبان ‪1919‬ـ‪ ،1954‬مجلة العلوم اإلنسان والمجتمع‪ ،‬ع‪ ،08 :‬ديسمبر ‪،2013‬‬
‫ص ‪.400‬‬
‫‪ 4‬األمير خالد‪ :‬هو األمير خالد بن الهاشمي بن الحاج عبد القادر‪ ،‬ولد في دمشق ‪ 1875‬بعد مغادرة اسرته الجزائر في ‪،1848‬‬
‫سياسي جزائري من رواد العمل السياسي واإلصالح في الجزائر قدم عريضة لمؤتمر الصلح سنة ‪ 1919‬ويطالب فيها بحق‬
‫تقرير المصير‪ .‬انظر‪ :‬عبد المجيد بن عدة‪ :‬من أعالم الوطنية واإلصالح في الجزائر األمير خالد (‪1875‬ـ‪ ،)1936‬دراسات في‬
‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬العدد‪ ،4 :‬ديسمبر ‪ ،2014‬ص ‪.151‬‬
‫‪ 5‬الطيب العقبي‪ :‬من مواليد شوال ‪1307‬هـ ببلدة سيدي عقبة‪ ،‬هاجر مع أسرته إلى البقاع المقدسة وترعرع فيها‪ ،‬ثم نفي إلى‬
‫تركيا من طرف السلطة التركية العثمانية إبان الحرب العالمية األولى ثم بعدها عاد إلى الحجاز واستقر فيها وعاد إلى الجزائر‬
‫السترجاع أمالك أسرته واستقر في بسكرة اين اجتمع مع بعض الشيوخ ويكون هذا اللقاء نواة النهضة الوطنية‪ ،‬انظر‪ :‬محمد‬
‫الطاهر فضالء‪ :‬الطيب العقبي‪ :‬رائدا لحركة اإلصالح الديني في الجزائر د‪ .‬ط‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص ‪.37-16‬‬
‫‪47‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫تع داها الى مهاجم ة الطرقي ة والش عوذة والخراف ات والمت اجرة بال دين‪ ،‬ال تي ب دأ يس لكها ش يوخ‬
‫الزوايا بعد ترويضهم من طرف السلطات الفرنسية‪ ،‬أسس الشيخ "الطيب العقبي" مطبعة وجري دة‬
‫اطل ق عليه ا اس م(ص دى الص حراء) في خري ف ‪ ،1925‬وهي أول جري دة دعت لتأس يس‬
‫ح زب(دي ني) إص الحي‪ ،‬بع دها ص درت جري دة اإلص الح س نة ‪ ،1927‬القت الس لطات الفرنس ية‬
‫لقبض على الش يخ بع د انعق اد الم ؤتمر اإلس المي ‪ ،1936‬ام ا الحرك ة اإلص الحية في االوراس‬
‫ظهرت في مدينة باتنة ويعود الفضل في ذلك الى المجهود الذي بذله "سي الطاهر مسعودان بن‬
‫مبارك" المدعو بالشيخ "سي الطاهر الحركاتي" الذي أصبح قبله للكثير من الطلبة الذين نهلوا من‬
‫‪1‬‬
‫علمه‪.‬‬
‫اتحــاد المنتخــبين المســلمين الجزائــريين‪ :‬ظه ر ه ذا االتح اد في ‪ 1927‬وأص بح فرع ه في‬
‫قس نطينة ه و األك ثر نش اطا‪ ،‬وك ان يش رف علي ه ال دكتور‪" :‬محم د الص الح‪ 2‬بن جل ول"‪ .‬وحس ب‬
‫جرم ان تب ون لم يكن ل ه أث ر في منطق ة االوراس‪ ،‬حيث اقتص ر االم ر على بعض األس ماء‬
‫المشهورة في االوراس‪ :‬الشيخ عبد الحميد بن باديس‪ ،3‬الطيب العقبي وعلى الخصوص من ل دى‬
‫اهل سيدي عقبة واحمر خدو‪ ،‬كان يمثل هذا التيار في مدينة باتنة كل من الدكتور "عبد السالم‬
‫بن خليل" والمحامي "إبراهيم خليل" وكان هؤالء في مواجهة محمد الشريف سيسبان الذي برز‬
‫كمرشح لإلدارة الفرنسية‪ ،‬اما في بسكرة فقد كان يمثله الدكتور‪" :‬محمد الشريف سعدان" وكان‬
‫نش اطه في بس كرة ام ام مواجه ة عب د العزي ز بن قان ة‪ ،‬الملقب بش يخ الع رب وص احب نف وذ ل دى‬

‫‪ 1‬لخميسي فريح‪ :‬العقيد سي الحواس‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪48‬ـ‪.50‬‬


‫‪ 2‬محمد الصالح بن جلول‪ :‬من مواليد ‪ ،1896‬بقسنطينة رائد الحركة المطلبية في الجزائر ابان فترة االحتالل وتحديدا من بداية‬
‫الثالثينات الى نهاية الحرب العالمية الثانية حيث بدأ نجمه يختفي بعد أن كان زعيما للنخبة االندماجية قبل الحرب‪ .‬انظر‪:‬‬
‫صفصاف هواري وصافر فتيحة‪ :‬الدكتور محمد الصالح بن جلول ونضاله السياسي داخل النخبة االندماجية‪ ،‬المجلة المغاربية‬
‫للدراسات التاريخية‪ ،‬المجلد‪ ،13 :‬العدد‪ ،02 :‬ديسمبر ‪ ،2021‬ص ‪.206-204‬‬
‫‪ 3‬عبد الحميد بن باديس‪ :‬هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن المكي‪ ،‬ولد بقسنطينة ‪ 1889‬من رجال اإلصالح في الوطن‬
‫العربي ورائد النهضة اإلسالمية في الجزائر ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين‪ .‬انظر‪ :‬عبد الحميد عمروش‪ :‬عبد‬
‫الحميد بن باديس علم األمة الجزائرية ورجل اإلصالح الوطني دراسة في روافد التأثر والتأثير‪ ،‬مجلة اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫العدد‪ ،01 :‬جوان ‪ ،2015‬ص ‪.10‬‬
‫‪48‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫السلطة االستعمارية‪ ،1‬حيث عرفت الحياة السياسية انتعاشا جديدا سنة ‪ 1935‬اثناء االنتخابات‬
‫البلدي ة في باتن ة و أظه رت ه ذه االنتخاب ات تف وق ح زب المنتخ بين المس لمين في جمي ع المراك ز‬
‫الحضارية‪.2‬‬
‫جمعية العلماء المسلمين الجزائريين‪ :‬تأسست في ماي ‪ 1931‬في الجزائر على اليد الش يخ‬
‫"عب د الحمي د بن ب اديس" وترك ز نش اطها في قس نطينة‪ ،‬أعلنت من ذ البداي ة على انه ا جمعي ة‬
‫إص الحية‪ ،‬وفي س نة ‪ 1936‬أس س عم ر دردور رفق ة جماع ة من الطلب ة االوراس يين والعلم اء‬
‫الش عبة األوراس ية لجمعي ة العلم اء المس لمين وق د ق اموا بنش اط ه ام في مج ال التربي ة والتعليم‬
‫والتك وين السياس ي‪ ،‬مم ا دف ع اإلدارة االس تعمارية المحلي ة لمراقب ة نش اطهم التعليمي والتثقيفي‪،‬‬
‫وه دفوا الى توقي ف نش اط الحرك ة اإلص الحية وغل ق مدارس ها الن فتح مدرس ة لتعليم اللغ ة‬
‫العربية في نظر الفرنسيين أخطر من فتح مصنع إلنتاج األسلحة والذخائر‪.3‬‬
‫فمن ذ نش أت الحرك ة اإلص الحية في أريس ونواحيه ا‪ ،‬ك ان الح اكم الفرنس ي يق وم بع دة‬
‫مؤتمرات واستفزازات ضدها ومتابعتها واضطهاد شيوخها واغالق الكتاتيب ومنع القاء الدروس‬
‫وتسليط عقوبات مالية وتقديم المعلمين للمحاكم كمخالفين للقانون‪ .‬وامام هذه اإلج راءات الردعي ة‬
‫ضاعفت الجمعيات والنوادي الثقافية في االوراس من عملها كل هذا في إطار التثقيف والتوعية‬
‫الوطنية والدينية لجميع الفئات‪ .‬وتركز على بناء المدارس الحرة وتشييد المساجد وانشاء النوادي‬
‫الثقافي ة والجمعي ات الخيري ة مث ل جمعي ة اله دى في القنط رة‪ ،‬ون ادي العالء في خنش لة ‪،1935‬‬
‫ونادي الحياة عين توتة في ‪ ،1935‬نادي اإلصالح في عين زعطوط فيفري ‪ ،1935‬ثم أنشأت‬
‫الرابط ة اإلسالمية في منطقة ي ابوس في أوت ‪ ،41936‬ولم يقتص ر عم ل علماء اإلص الح على‬

‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.44‬‬


‫‪ 2‬عبد الحميد زوزو‪ :‬األوراس إبان فترة االستعمار‪ ،‬ج ‪ ،2‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪38‬ـ‪.40‬‬
‫‪ 3‬لوصيف سفيان‪ :‬الزوايا والحركة اإلصالحية في األوراس ‪1830‬ـ‪ ،1939‬مجلة الباحث في العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬ع‪:‬‬
‫‪ ،01‬جوان ‪ ،2017‬ص ‪.262‬‬
‫‪ 4‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪49‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫المي دان ال ديني والثق افي فق ط‪ ،‬ب ل انص ب نش اطهم ك ذلك على التوجي ه السياس ي وتق ديم خطب‬
‫ودروس على الحياة االجتماعية واإلدارية وعلى الظروف القاسية التي يعيشها سكان األوراس‪.1‬‬

‫حــزب الشــعب‪ :‬تأس س في م ارس ‪ 1937‬على ي د ك ل من مص الي الح اج‪ ،‬ايم اش عم ار‪،‬‬
‫ومحم د ارزقي‪ ...‬على أس س ومب ادئ النجم ولكن على ص عيد جزائ ري‪ ،‬وب دأ ينش ر أفك اره عن‬
‫طري ق جري دة األم ة لس ان ح ال الح زب في أوس اط الطبق ات الش عبية المختلف ة‪ ،2‬أم ا في منطق ة‬
‫األوراس فقد أجمع معظم المهتمين بتاريخ المنطقة‪ ،‬أن هذه الفترة اعتبرت فترة خصبة للحركة‬
‫الوطني ة في األوراس حيث ش هدت توس عا ملحوظ ا في القاع دة النض الية‪ ،3‬حيث ع رفت منطق ة‬
‫األوراس والص حراء الش رقية وبس كرة دون س واها تأس يس أول ف رع لح زب الش عب الجزائ ري‬
‫على اثر سعي قيادة الحزب والفضل في ذلك يرجع إلى المناضل "دحمان عمر" رئيس فيدرالية‬
‫قسنطينة‪ ،‬ومن خالل تقرير فرنسي يعود إلى سنة ‪ 1941‬عثر عليه في أرشيف ما وراء البحار‬
‫(آكس آن بروفانس)‪ ،‬يشير إلى عناصر خلية الحزب ومن بينهم "بن عمارة محمد" وهو الرئيس‬
‫السابق للخلية ويشير أيضا إلى أبرز عناصره وهما "الحاج بن جياللي" من سيدي عقبة و"علي‬
‫زيوش" من بسكرة‪ ،‬و"رحمون أحمد بن حاج ساعد"‪ ،‬إضافة إلى عدة أعضاء‪ ،4‬وتمت اإلشارة‬
‫إلى أن ه خالل س نة ‪ 1941‬ك ان على رأس ه أحم د غ ريب المع روف بـ "ب دة غ ريب" وهي أيض ا‬
‫الف ترة ال تي تك ونت فيه ا ن واة الح زب الش يوعي الجزائ ري حس ب م ذكرات ش باح المكي أح د‬
‫مناضليه البارزين‪.‬‬

‫الواقع السياسي في األوراس بعد الحرب العالمية الثانية‪:‬‬

‫‪1‬لوصيف سفيان‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.263‬‬


‫‪ 2‬يحيى بوعزيز‪ :‬سياسة التسلط االستعماري والحركة الوطنية الجزائرية ‪1830‬ـ‪ ،1954‬د‪ .‬ط‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2007 ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 3‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫‪ 4‬لخميسي فريح‪ :‬النشاط السياسي لحزب الشعب الجزائري في الزيبان (‪1937‬ـ‪ ،)1954‬المجلة التاريخية الجزائرية‪ ،‬المجلد‪:‬‬
‫‪ ،05‬عدد‪ ،2021 ،01 :‬ص ‪.586‬‬
‫‪50‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫تم يزت س نوات ‪ 1940‬إلى ‪ 1942‬بغي اب النش اط الح زب العل ني للحرك ات السياس ية‬
‫الجزائرية بسبب قرارات الحصر الصادرة بشأنها من جهة ولألساليب القمعية التي تسلطت ضد‬
‫كل من حاول من الجزائريين مناوشة فرنسا المنهزمة‪ ،‬ولمواجهة تلك الوضعية عمل مناضلو‬
‫ح زب الش عب الجزائ ري وك ذا الح زب الش يوعي الجزائ ري على مواص لة نش اطهم س ريا في‬
‫األوساط الشعبية مستغلين حالة فرنسا لتوعية الجماهير بطروحاتهم وأفكارهم الحزبية‪ ،1‬وعلى‬
‫إث ر ان دالع الح رب العالمي ة الثاني ة حكمت الس لطات االس تعمارية على مناض لي ح زب الش عب‬
‫المحظور باإلقامة الجبرية في األوراس لتثبيط عزائمهم‪ ،‬إال أنهم بالرغم من ذلك لعب وا دور مهم‬
‫في نش ر األفك ار الوطني ة االس تقاللية بين األوراس يين ودفعهم إلى الخ روج من العزل ة السياس ية‬
‫التي كانوا فيها ودفعهم إلى الخروج من العزلة السياسية التي كانوا فيها واالنطواء االجتماعي‬
‫‪2‬‬
‫الذي ألفوه‪.‬‬

‫حيث أخذوا يعملون على إنشاء خاليا سرية له عبر مختلف المناطق‪ ،‬وفي هذا اإلطار نصبت‬
‫الخاليا بمدينة بسكرة على إثر اجتماع مارس ‪ 1944‬بمنزل "حراشي" (برأس القرية) وحضره‬
‫بعض القادة أمثال‪" :‬حيواني لخضر"‪" ،‬مبارك فياللي"‪" ،‬أحمد غريب"‪ ،‬و"عمارة بن عم ارة"‪ .‬وفي‬
‫نفس الس نة وب األوراس بلدي ة "آريس" بالض بط تأسس ت أول خلي ة ك ان من ورائه ا الم دعو "محي‬
‫ال دين بك وش"‪ ،‬وفي ه ذه الس نة أيض ا ب دأت تحرك ات الح زب الش يوعي الجزائ ري في منطق ة‬
‫‪4‬‬
‫األوراس تظهر بقيادة "موريس البان"‪ 3‬والذي ساهم بغرسها في المنطقة‪.‬‬

‫‪ 1‬بوشيخي شيخ‪ :‬الحركة الوطنية والثورة الجزائرية ‪1954‬ـ‪ ،1962‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،2018 ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪ 2‬عبد الوهاب شاللي‪ :‬األوراس مهد ثورة التحرير الوطني بامتياز‪ ،‬ومصطفى بن بولعيد مفجرها باقتدار‪ ،‬مجلة المعارف‬
‫للبحوث والدراسات التاريخية‪ ،‬العدد‪ ،13 :‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 3‬موريس البان‪ :‬من مواليد ‪ 1914‬في بسكرة‪ ،‬انخرط في الحزب الشيوعي منذ شبابه األول‪ ،‬في ‪ 1936‬ذهب لمحاربة‬
‫"فرانكو" في اسبانيا أين التحق بفرق الدولة‪ ،‬عاد إلى الجزائر بداية الحرب العالمية الثانية بسنتي ‪1939‬ـ‪ ،1940‬التحق بالثورة‬
‫في ‪ 1955‬وأصبح يحمل اسم "سي مسعود"‪ ،‬ينظر‪ :‬لخميسي فريح‪ :‬العقيد سي الحواس‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ 4‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪51‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األوضاع العامة في منطقة األوراس قبل اندالع الثورة‬

‫تركت حوادث ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬في قلوب الجزائريين جرحا ال يندمل وحطمت آم الهم على‬
‫وعود فرنسا والحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية‪ ،1‬فكان لها انعكاسات عديدة على الصعيد‬
‫الوط ني وهي انعكاس ات وان اختلفت مرحلي ا من حيث طبيعته ا وتأثيره ا فق د التقت في النهاي ة‬
‫عند نقطة واحدة‪ ،‬وهي أنه الفائدة تنتظر من استمرار نفس األساليب النضالية التي كانت سائدة‬
‫قبل ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬في تعامل الحركة الوطنية مع السلطات االستعمارية‪ ،2‬فالحت بوادر عهد‬
‫عم ل سياس ي جدي د‪ ،‬خاص ة بع دما ق امت الس لطات الفرنس ية ب إطالق س راح المعتقلين وتوس يع‬
‫دائرة االنتخابات لألهالي‪ ،‬وفي خصم هذه األحداث عاد مصالي الحاج على الجزائر من منفاه‬
‫ح امال مع ه برنامج ا سياس يا‪ ،‬وب رز الح زب من جدي د تحت اس م حرك ة انتص ار الحري ات‬
‫الديمقراطية‪.‬‬

‫إدراك ا من الحرك ة الوطني ة ألهمي ة منطق ة األوراس‪ ،‬بعث إليه ا من جدي د الص الح بوس تة‬
‫وإ ب راهيم حش اني حيث قام ا بتحدي د النش اط السياس ي للح زب هن اك وإ عط اءه دافع ا قوي ا فعمت‬
‫الحرك ة في دواوي ر مش ونش‪ ،‬غس يرة‪ ،‬كيم ل‪ ،‬أريس‪ ،‬اش مول‪ ،‬زالط و‪ ،‬وتم تحدي د قائم ة بأس ماء‬
‫مسؤولي القسمات‪ ،‬وبعد هذا التقسيم عقد هؤالء اجتماعا عينوا فيه رؤساء األفواج بهدف توسيع‬
‫النشاط السياسي في المناطق المجاورة‪.3‬‬

‫وه و م ا مه د لظه ور التي ار الث وري ال ذي ب رز بوض وح في منطق ة األوراس م ع نهاي ة‬


‫الحرب العالمية الثانية ممثال في حزب الشعب (حركة انتصار الحريات الديمقراطية)‪ ،‬الذي بدأ‬
‫‪4‬‬
‫في عملية التحضير للثورة التحريرية في منطقة األوراس مع نهاية سنة ‪.1947‬‬

‫‪ 1‬قدادرة شايب‪ :‬تحوالت الحركة الوطنية الجزائرية بعد الحرب العالمية الثانية ‪1945‬ـ‪ ،1954‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬المجلد‪:‬‬
‫‪ ،1‬العدد‪ ،30 :‬ديسمبر ‪ ،2008‬ص ‪.146‬‬
‫‪ 2‬عامر رخيلة‪ 8 :‬ماي ‪ :1945‬المنعطف الحاسم في مسار الحركة الوطنية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪.‬‬
‫س‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪ 3‬ليلى تيتة‪ :‬موقف مناضلي حركة انتصار الحريات الديمقراطية بمنطقة األوراس من أزمة الحزب وتداعياتها من خالل‬
‫الوثائق األرشيفية والشهادات‪ ،‬مجلة الباحث في العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلد‪ ،5 :‬العدد‪ ،1 :‬جوان ‪ ،2014‬ص ‪.4‬‬
‫‪ 4‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪52‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫التحضير واالعداد للثورة في األوراس من خالل الكتابات التاريخية‬
‫‪1954- 1947‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫التحضير واالعداد للثورة في األوراس من خالل الكتابات التاريخية‬
‫‪1954 - 1947‬‬

‫المبحث األول‪ :‬النشاط العسكري للتحضير للثورة‬

‫المطلب األول‪ :‬نشاط المنظمة الخاصة في األوراس‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أثر اكتشاف المنظمة الخاصة على األوراس‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التسليح في منطقة األوراس‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أزمة الحركة الوطنية وانعكاساتها على التيار الثوري‬

‫المطلب األول‪ :‬بوادر أزمة ركة انتصار الحريات الديمقراطية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االجتماعات التحضيرية الندالع الثورة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬انطالق الثورة في األوراس‬

‫المبحث األول‪:‬‬
‫النشاط العسكري للتحضير للثورة في األوراس‬
‫لم يكن اندالع الثورة في األوراس وليد الصدفة بل جاء ذلك بعد تحضيرات وجهود جمة‬
‫سياسية وعسكرية‪ ،‬سنتطرق لها من خالل هذا المبحث‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نشاط المنظمة الخاصة في األوراس‬


‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫يرج ع العدي د من الم ؤرخين اإلع داد المباش ر للث ورة المس لحة إلى س نة ‪ 1947‬أي ت اريخ‬
‫ظه ور المنظم ة ش به العس كرية ال تي ك ان ه دفها ه و التحض ير للعم ل المس لح‪ ،‬فتمت عملي ة قي ام‬
‫المنظمة الخاصة في الفترة ما بين ‪1947‬ـ‪ 1948‬حيث عقد اجتماعا يوم ‪ 15‬فيفري ببوزريعة‬
‫العاص مة ي وم ‪ 16‬بـ "بلكور" وتق رر تكوينه ا‪،1‬وتم اختي ار مناض ليها من ض من أعض اء المنظم ة‬
‫السياسية السرية لحزب الشعب الجزائري‪ ،‬طبقا لبعض المقاييس مثل‪ :‬القناعة‪ ،‬الشجاعة‪ ،‬القوة‬
‫الجس دية‪ ،‬الكتم ان‪ ،‬الس رية‪ ...‬إلخ‪ ،‬و أوكلت مهم ة القي ادة إلى هيئ ة أرك ان وطني ة تتش كل من‬
‫منس ق وط ني ه و محم د بل وزداد‪ ،2‬ومس ؤول عس كري بلح اج جياللي‪ ،3‬ومس ؤول سياس ي وه و‬
‫حسين آيت أحمد‪.4‬‬

‫ومسؤولون اقليميون‪ :‬منظمة وهران‪ :‬ابن بلة‪.‬‬


‫وسط الجزائر‪ :‬محمد مروك‪.‬‬
‫الجزائر ومتيجة‪ :‬أرقيمي جياللي‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد العيد مطمر‪ :‬ثورة نوفمبر ‪ 54‬في الجزائر أو فاتحة النار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ 2‬محمد بلوزداد‪ :‬المدعو "مسعود"‪ ،‬ولد في ‪9‬نوفمبر ‪ ،1924‬وسط عائلة عاصمية بسيطة‪ ،‬نشأ وتعلم بمدينة الجزائر حت‬
‫تحصل على شهادة األهلية العليا (معادلة للباكالوريا)‪ ،‬انقطع عن الدراسة وتخلى عن منصبه في اإلدارة الفرنسية‪ ،‬انخرط في‬
‫‪ PPA‬سنة ‪ 1943‬وعمره ال يتعدى ‪19‬عاما‪ ،‬وبصم مشاركته بتأسيس منظمة ثورية مع مجموعة من الشباب تحت اسم لجنة‬
‫شباب بلكور هدفها التنظيم للعمل المسلح‪ ،‬رئيس المنظمة الخاصة ‪ 1947‬توفي في جانفي ‪ .1952‬ينظر‪ :‬حباش فاطمة‪ :‬محمد‬
‫بلوزداد المناضل الجزائري (‪ ،)1952_1924‬مجلة العصور‪ ،‬العدد‪ ،16 :‬ديسمبر‪ ،2015‬ص ‪.318-313‬‬
‫‪ 3‬بلحاج جياللي‪ :‬المدعو "كويبس"‪ ،‬من قدماء ‪ MTLD‬و‪ ،OS‬أسر والتحق بالعدو ليصبح مخبرا‪ ،‬استخدمته مصالح‬
‫االستخبارات الفرنسية في برنامج المقاومة بغية زعزعة ‪ ،ALN‬عمل على تجنيد مقاومون ينضمون ل ‪ ALN‬القطاع العاصمي‪،‬‬
‫استخدم مزرعته كمركز للقيادة‪ ،‬لكن سرعان ما انتبه أنصاره أنه ال يخوض أية عملية ضد الفرنسيين وتحرك الجيش بهجمات‬
‫صاعقة بواسطة مغاوير جمال في ‪ ،1957‬تدخل الطيران الفرنسي في وضح النهار للدفاع عن عميلها وهو ما أدى الى انحالل‬
‫مجموعات بلحاج‪ .‬ينظر‪ :‬عاشور شرفي‪ :‬قاموس الثورة (‪ ،)1960-1954‬تر‪ :‬عالم مختار‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2007‬ص‪.285‬‬
‫‪ 4‬حسين آيت أحمد‪ :‬ولد عام ‪ ،1926‬بعين الحمام (تيزي وزو) في عائلة كبيرة من المرابطين‪ ،‬حصل على الدرجة األولى من‬
‫الباكالوريا‪ ،‬انخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري‪ ،‬دعى الى العمل المسلح منذ ‪ ،1946‬عضو اللجنة المركزية ثم عضو‬
‫في المكتب السياسي المكلف بقيادة أركان المنظمة الخاصة‪ 1951 ،‬أصبح عضو في الوفد الخارجي ل ‪ ،MTLD‬عضو المجلس‬
‫الوطني للثورة الجزائرية (‪ ،)1962-1956‬وزير دولة في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (‪ .)1662-1958‬ينظر‪:‬‬
‫عاشور شرفي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫قسنطينة‪ :‬محمد بوضياف‪.1‬‬


‫القبائل‪ :‬آيت أحمد‪.‬‬
‫وك ان محم د بل وزداد يق وم بعملي ة التنس يق م ع المكتب السياس ي لح زب الش عب الجزائ ري‬
‫والذي كان عضوا فيه‪ ،2‬كانت هيكلة القاعدة على المستوى التنظيمي تتشكل من نصف فوج من‬
‫مناضلين اثنين ورئيس نصف الفوج‪ ،‬ثم يشكل نصف فوجين فوجا يعني ‪ 1+3+3‬رئيس الفوج‪:‬‬
‫‪ 7‬مناضلين‪ ،‬ويوجد فوق الفوج القسمة التي تتركب من فوجين يترأسهما رئيس قسمة يعني في‬
‫المجموع ‪ 15‬شخصا‪ .‬كانت القسمة هي أعلى مستوى الهيكلة التنظيمية‪ ،‬فوقها توجد القرية‪ ،‬فإن‬
‫زاد في القرية أكثر من ‪ 15‬مناضال يتعين إنشاء قسمة أخرى‪ ،‬كانت هذه البينات منفص لة بكيفي ة‬
‫دقيقة بينها‪ :‬فكل نصف فوج يقوم بنشاط منفصل وليس له عالقة مع أنصاف األفواج األخرى‪،‬‬
‫بل غ ع دد أعض ائها بين ‪ 1000‬و‪ 1500‬مناض ل‪ ،‬م ع اس تقرار ح ول األل ف في نهاي ة س نة‬
‫تأسيسها‪ ،3‬وهناك من يذكر أعداد أكبر من ذلك‪.‬‬

‫وكان عمل بلوزداد يتمثل في الشرح والتوعية والتنظيم والهيكلة‪ ،‬وتأسيس مخازن لألسلحة‬
‫في المن اطق الجبلي ة ب األوراس والش مال القس نطيني ومنطق ة القبائ ل والونش ريس وفي الم دن‬
‫الرئيسية‪ :‬الجزائر العاصمة‪ ،‬وهران وقسنطينة‪ .4‬وجمع األموال والبحث عن مالجئ للمناضلين‬
‫المط اردين‪ ،‬وبن اء ش بكة خالي ا تش مل القط ر‪ ،‬وق د ت راوح ع دد أعض ائها من أل ف إلى ‪1750‬‬

‫‪ 1‬محمد بوضياف‪ :‬المدعو "سي طيب"‪ ،‬واد في ‪23‬جوان ‪ 1919‬بالعرقوب بمدينة المسيلة‪ ،‬من عائلة تنتمي الى أعراش أوالد‬
‫ماضي بالمسيلة‪ ،‬عايش بوضياف مجازر ماي ‪ 1945‬وكان من الداعين للعمل الثوري‪ ،‬انخرط في ‪ ،PPA /MTLD‬نادى‬
‫بتكوين جهاز عسكري ‪ LOS‬وعين مسؤوال عليه في الشرق الجزائري‪ ،‬شارك في تأسيس ‪ CRUA‬ومجموعة ل ‪ 22‬ولجنة ‪،6‬‬
‫عين كمنسق بين قادة المناطق وبين الداخل والخارج‪ .‬ينظر‪ :‬رفيق تلي محمد بوضياف ودوره النضالي في الثورة التحريرية‬
‫الجزائرية‪ ،‬مجلة االحياء‪ ،‬المجلد‪ ،21:‬العدد‪ ،29:‬أكتوبر‪ ،2021‬ص ‪.787-778‬‬
‫‪ 2‬عمار مالح‪ :‬محطات حاسمة في ثورة أول نوفمبر ‪ ،1954‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،2007 ،‬‬
‫ص‪.33‬‬
‫‪ 3‬محمد بوضياف‪ :‬التحضير ألول نوفمبر ‪ ،1954‬تقديم‪ :‬عيسى بوضياف‪ ،‬ط‪ ،2 :‬دار النعمان للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2011‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 4‬بن يوسف بن خدة‪ :‬جذور أول نوفمبر ‪ ،1954‬تر‪ :‬مسعود حاج مسعود‪ ،‬ط‪ ،2 :‬دار الشاطبية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2012‬ص‪.183 :‬‬
‫‪56‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫عض و مطل ع ‪ ،1950‬وك ان بحوزته ا آن ذاك بض ع مئ ات من قط ع الس الح‪ ،‬معظمه ا ب األوراس‪.‬‬


‫وقد تداول على قيادة المنظمة الخاصة ثالثة مناضلين هم‪ :‬محمد بلوزداد إلى أن أقعده المرض‬
‫‪1‬‬
‫عام ‪.1948‬‬
‫و تس لم مقالي د المنظم ة الخاص ة آيت أحم د ال ذي ق ام بإع ادة تش كيل هيئ ة أرك ان المنظم ة أواخ ر‬
‫‪ ،1948‬وتضمن هذا التغيير ثالث تعديالت أساسية حسب آيت أحمد وهي‪:‬‬
‫ـدمج مقاطعتي الجزائر (‪ )1‬والجزائر (‪ )2‬في مقاطعة واحدة‪.‬‬
‫ـتقسيم مقاطعة قسنطينة إلى مقاطعتين‪ :‬شمالية وجنوبية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ـتشكيل مقاطعة جديدة تتمثل في الصحراء‪.‬‬
‫وعليه فإن البنية اإلقليمية للمنظمة الخاصة في القطاع القسنطيني كانت كاآلتي‪:‬‬
‫منطقة الشمال‪ :‬وتولى قيادتها شرقي إبراهيم منذ أواخر ‪ 1948‬وخلفه ديدوش مراد بعد انتقاله‬
‫الى مقاطعة وهران‪.‬‬
‫منطق ة قس نطينة‪ :‬بع د انتق ال مس ؤولها دي دوش م راد الى الش مال عوض ه نائب ه عب د الرحم ان‬
‫قيراس‪.‬‬
‫منطقة سطيف‪ :‬أشرف عليها العربي بن مهيدي منذ ‪ 1949‬ومع مطلع ‪ 1950‬عوضه ص الح‬
‫عليان‪.‬‬
‫منطقة الجنوب‪ :‬كان قائدها األول العربي بن مهيدي ولما انتقل إلى الشمال حل محله عبد القادر‬
‫العمودي‪ .‬وتشكلت منطقة الجنوب من ثالث نواحي هي‪:‬‬

‫أـ ناحي ة بس كرة‪ :‬وأول من أش رف عليه ا ه و " ت رودي الهاش مي" ثم عوض ه "واع راب علي"‬
‫وض مت ح والي ‪ 15‬عض و من بينهم‪ :‬خ راز الطيب وكاش مي عب د اهلل‪ ،‬عم ار خبي ني ومي دا عب د‬
‫اهلل وش نجل محم د والهاش مي قواس م ومن اني عب د اهلل‪ ....‬وك انوا مهيكلين في ع دة أنص اف‬
‫مجموعات منها ثالثة أو أربعة بمدينة بسكرة وواحدة بسيدي عقبة‪.‬‬

‫‪ 1‬بشير بالح‪ :‬تاريخ الجزائر المعاصر ‪1830‬ـ‪ ،1989‬ج‪ ،1 :‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬الجزائر‪ ،2006 ،‬ص ‪.474‬‬
‫‪ 2‬مصطفى سعداوي‪ :‬المنظمة الخاصة ودورها في اإلعداد لثورة نوفمبر‪ ،‬هدية من وزارة المجاهدين‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪57‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫بـ ـ ناحية واد سوف‪ :‬كان مسؤولها األول هو "عبد القادر العمودي"‪ ،‬ولما انتقل إلى قيادة المنطقة‬
‫خلف ا البن مهي دي‪ ،‬عين مكان ه "أونيس ي مول دي"‪ ،‬وتك ونت من فص يلة واح دة من ‪ 13‬مناض ل‬
‫منهم‪ :‬بلقاس م عدوك ة‪ ،‬س عيد س عود عم راني‪ ،‬عب د الك ريم ميل ودي ومناض ل ي دعى س الم ومحم د‬
‫بلحاج‪.....‬‬

‫جـ ـ ناحي ة األوراس‪ :‬تش ير بعض الش هادات أن قائ دها األول ه و "مس عود بلعق ون" ثم عوض ه‬
‫مصطفى بن بولعيد‪ ،1‬حيث اتفقت أغلب المصادر التاريخية على أن بداية ظهور التنظيم السري‬
‫في منطق ة األوراس‪ ،‬ك ان في ش هر فيف ري من س نة ‪ ،1947‬حيث وبع د تع يين مص طفى بن‬
‫بولعي د‪ 2‬على رأس المنظم ة الخاص ة‪ ،‬ق دم الع ربي بن مهي دي إلى آريس‪ ،‬وب دأ مش اوراته م ع‬
‫مصطفى بن بولعيد‪ ،‬حول الكيفية التي يتم بها تفعيل التنظيم السري في المنطقة‪ 3.‬والتي تولى‬
‫فيها بن بولعيد مهمة االتصال بالمناضلين في مختلف أنحاء البالد‪ .‬واختار مصطفى بن بولعيد‬
‫مناض لين من الحرك ة الوطني ة أص حاب ثق ة وعم ل وثب ات أمث ال‪ :‬أحم د ن واورة‪ ،‬م دور ع زوي‬
‫وبلقاسم سمايحي ولخضر بن عمار‪ ،‬وأمرهم بجمع السالح وتخزينه والحفاظ عليه‪ ،‬والعم ل على‬
‫‪4‬‬
‫عدم تبذير الذخيرة الحربية في الصيد وغيره‪ ،‬وجمع ما أمكن من األلبسة العسكرية‪.‬‬

‫‪ 1‬مصطفى سعداوي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.123‬‬


‫‪ 2‬مصطفى بن بولعيد‪ :‬من مواليد ‪ ،1917‬تزامن ميالده مع آخر انتفاضة في األوراس سنة ‪ ،1916‬وهو من أبرز مؤسسي‬
‫المنظمة السرية‪ ،‬كان من المؤمنين بالعمل المسلح وأخذوا يعدون له‪ ،‬دار االجتماع التاريخي الذي قرر فيه اندالع الثورة‬
‫المبركة‪ .‬ينظر‪ :‬محمد الشريف عباس‪ :‬من وحي نوفمبر (مداخالت وخطب)‪ ،‬طبعة خاصة‪ ،‬دار الفجر‪ ،‬الجزائر‪ ،2005 ،‬ص‬
‫‪.116‬‬
‫‪ 3‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ 4‬محمد العيد مطمر‪ :‬فاتحة النار‪ :‬العقيد مصطفى بن بولعيد‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار الهدى للطبع والنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪58‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫تم يزت المرحل ة األولى للتنظيم ش به الث وري ال ذي امت د من نوفم بر ‪ 1947‬إلى ديس مبر‬
‫‪ 1948‬بالعم ل على توف ير األس لحة والوس ائل الض رورية للش روع في التك وين والت دريب ش به‬
‫العس كري‪ ،‬وإ ع داد اإلط ارات الق ادرة على قي ادة العم ل الث وري‪ ،‬حيث ك ان المناض ل يتعلم من‬
‫خالل ك تيب كيفي ة اس تعمال الس الح والمتفج رات والت دريب على القت ال الف ردي‪ ،1‬كم ا عم ل بن‬
‫في العالق ات بين المواط نين‪ ،‬وش دد على االنض باط‬ ‫بولعي د على خل ق ج و من الثق ة‬
‫السياس ي والح رص على مب دأ الس رية في العم ل‪ ،‬ال ذي تم يزت ب ه منطق ة األوراس في إط ار‬
‫الجهود الرامية إلى تأهيل السكان وإ عدادهم للمعركة المقبلة‪ ،‬وذلك من خالل ضبط السلوكيات‬
‫ال تي يجب تجاوزه ا‪ ،‬فكثيرا ما ك انت تفرض غرام ات وعقوب ات على البعض من ال ذين أطلقوا‬
‫ألس نتهم إلى الح د ال ذي ق د يش كل خط را على التنظيم الس ري في المنطق ة‪ .‬وينس ف العملي ة‬
‫‪2‬‬
‫التحضيرية برمتها‪.‬‬
‫الخاليا السرية‪ :‬تشكلت المنظمة الخاصة في األوراس من ‪ 20‬عضو‪ ،‬مهيكلين في خمس خاليا‬
‫رباعية وهي‪:‬‬

‫الخليــة األولى‪ :‬بمدين ة آريس‪ ،‬وتتك ون من س مايحي بلقاس م (قائ دا)‪ ،‬وص الحي لم ير ومخت اري محم د‬ ‫‪-‬‬

‫الصالح وبلدي دوعلي‪.‬‬

‫الخليــة الثانيــة‪ :‬بقري ة الجع اج‪ ،‬وتض م محم د بع زي (قائ دا) وبلقاس م ب ورزان وعلي بوغ وث ولمب ارك‬ ‫‪-‬‬

‫عزوي‪.‬‬

‫الخلية الرابعة‪ :‬بالمدينة وتتكون من مسعود عايسي (قائدا) وعمار بلهروال ومحمد الشريف بن عكشة‬ ‫‪-‬‬

‫ومحمد الصغير تيطرة‪.‬‬

‫الخلية الخامسة ‪ :‬بفم الطوب وتتألف من محمد الهادي بخلوف (قائدا) والصالح نجاوي وعيسى ج ار اهلل‬ ‫‪-‬‬

‫وعلي بن الطيب جار اهلل‪.3‬‬

‫‪ 1‬ناصري معمر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.34‬‬


‫‪ 2‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ 3‬مصطفى سعداوي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪59‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫أم ا عن التك وين ال ذي ك ان يتلق اه المناض لين فيتمث ل في التربي ة النض الية (تربي ة أخالقي ة)‬
‫أك ثر من أن تك ون سياس ية‪ ،‬تحت وي ه ذه التربي ة على دروس في ص فات المناض ل الث وري‬
‫وحقوقه وواجباته ودوره‪ ،‬وحب التضحية والمبادرة والتستر في الجهد والتصرف النضالي تجاه‬
‫وإ لى ج انب ه ذا يلقن للمناض لين تكوين ا عس كريا يعتم د على‬ ‫الش رطة‪ ....‬إلخ‪.‬‬
‫كتابين يحتوي كل منهما على اثني عشر درسا‪ ،1‬حرره القائد الوطني للمنظمة حسين آيت أحمد‬
‫وم دربها العس كري جياللي بلح اج بلغ ة بس يطة وأس لوب مرك ز بين ديس مبر ‪ 1947‬وج انفي‬
‫‪ 1948‬وصادقــت علي ه هيئــة األركــان في لق اء نظمت ه أواخ ر ج انفي ‪ .1948‬حيث ع الج هـــذا‬
‫الك تيب مواض يع عس كرية مختلف ة‪ ،‬ب دأ من خطب ة الكف اح المس لح‪ ،2‬ت دريس الرماي ة والمهم ات‬
‫الفردية‪ ،‬تنظيم منطقة لحرب العصابات وكـــان يث ـــري هذه الدروس النظرية استعمال ومعالجة‬
‫عن‬ ‫األس لحة‪ ،‬ومن اورات في المي دان وت داريب الط وارئ وبعض المبـــادئ‬
‫المتفجرات والقنابل‪ .‬بعد هذا التكوين يصبح المناضل قادرا على القيام بتنظيم وتنفيذ أي عمـــل‬
‫مس لح‪ .3‬ولض مان مس توى ع الي لعملي ة الت دريب‪ ،‬عملت قي ادة المنظم ة الخاص ة على توس يع‬
‫وتعميــق معارف القادة المدربين نظريا وعلميا وذلك من خالل تنظيم تربصات ميدانية‪ ،‬وطنية‬
‫ومحلية‪.‬‬

‫حيث ب دأت التربص ات أواخ ر ج انفي ‪ 1948‬ش ارك في ه جمي ع أعض اء هيئ ة األرك ان‬
‫العام ة وعق د في المعه د اإلس المي ‪ Medersa‬بحي القص بة بالعاص مة‪ ،‬وك ذلك ال تربص ال ذي‬
‫احتض نته ض يعة مص طفى بن بولعي د بفم الط وب ب األوراس في س نة ‪ 1949‬وك ان موض وعه‪:‬‬
‫ص نع المتفج رات واس تخدامها‪ ،‬وأش رف علي ه عب د الق ادر العم ودي إلى ج انب اختصاص ي في‬

‫‪ 1‬محمد بوضياف‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.22‬‬


‫‪ 2‬مصطفى سعداوي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪ 3‬محمد بوضياف‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪60‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫ابن بولعيد ومحمد معيزه ومناضل من العلمة وعبد الحميد‬ ‫المتفجرات‪ ،‬حضره‬
‫مناني وبعض مناضلي األوراس‪.1‬‬

‫كم ا عم ل القائ د "مص طفى بن بولعي د" في ه ذا اإلط ار على احت واء مجموع ة من الش بان‬
‫تنشط عسكريا بجبال األوراس والتي يطلق عليها "لصوص الشرف"‪ ،‬حيث رفض إعالن الحرب‬
‫عليهم واحت وائهم كي ال ي ؤجج الش قاق بين العش ائر‪ ،‬وعم ل على اس تمالتهم وأحب ط ب ذلك‬
‫مخططات اإلدارة االستعمارية التي كانت تسعى في استعمالهم لضرب ومكافحة مناضلي حركة‬
‫االنتص ار‪ ،‬وق د انض م أغلبهم الى الح زب والمنظم ة الخاص ة‪ ،‬وطلب منهم بن بولعي د مهاجم ة‬
‫مراكز الدرك ومنازل القيادة من حين الى آخر‪.‬‬

‫لقد استفادت خاليا المنظمة الخاصة في األوراس من أسلحة ونشاط الخارجين عن القانون‬
‫"لص وص الش رف"‪ ،‬من خالل نش اطهم العس كري حيث س اهموا في عملي ة ت دريب المنخ رطين‬
‫وجم ع األس لحة واع داد المخ ابئ في مغ امرات "اش مول" و"الش لية" و"الص راع" ح تى "مش ونش"‬
‫الجنوبي‪ ،‬حيث يجتهد كل واحد منهم في جمع أكبر قدر من السالح ثم تغمس في الشحم وتغلف‬
‫ب القش‪ ،‬وت دس تحت األرض في ج رار أو تح اط بخ زق وتخب أ في ش قوق مهي أة بين الص خور‪،‬‬
‫ويس تعملون التبن لتجنب اكتش افها من الع دو‪ ،‬ويتم أيض ا ت دريب المق اومون على فن ون الرماي ة‬
‫وصناعة القنابل التقليدية‪ ،‬كما يتعلمون قواعد التمويه وكيفية استخدام كلمة السر والتصرف مع‬
‫رج ال الش رطة في حال ة الق اء القبض عليهم واس تنطاقهم‪ 2.‬وك ل ه ذا يس اعد على القي ام بالعم ل‬
‫الثوري‪.‬‬

‫وفي أواخر سنة ‪ ،1949‬كانت المنظمة الخاصة قد أنهت تكوينها‪ ،‬هنا وهناك بدأ الشعور‬
‫بنف اد الص بر يتص اعد ألن القاع دة ك انت تري د الم رور الى مرحل ة أخ رى‪ ،‬وق د اعلمت قي ادة‬
‫الحزب بهذه الصعاب والمخاطر حول غموض المهام المستقبلية للمنظمة‪ ،‬الخطر الذي كان يهدد‬

‫‪ 1‬مصطفى سعداوي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.164‬‬


‫‪ 2‬ناصري معمر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪35‬ـ‪.36‬‬
‫‪61‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫ح تى أمن المنظم ة ال تي ح افظت ح تى ذل ك ال وقت على الس رية ش به تام ة‪ ،‬ولكن لم تكن هن اك‬
‫إجاب ات حيث بقت غامض ة ولم تعطي أي ح ل فعم الت ذمر‪ ،‬وأص بح من الص عب الحف اظ على‬
‫‪1‬‬
‫التماسك‪ ،‬ولم يعد المناضلين أمرا ممكنا إذا ام يتم القيام بتحديد النشاطات أو األعمال‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬‬

‫أثر اكتشاف المنظمة الخاصة على األوراس‪:‬‬

‫على ال رغم من الط ابع الس ري ال ذي تم يز ب ه نش اط المنظم ة الخاص ة‪ ،‬اال أن المص الح‬
‫الفرنسية استطاعت أن تكتشفها‪ ،‬وتعتقل أغلب نشطائها‪ ،‬على أثر الحادثة المشهورة‪ ،‬والمتعلقة‬
‫بحادثة تأديب المناضل رحيم‪ 2.‬التي قام بها كومندوس تابع للمنظمة الخاصة في ليلة ‪18‬مارس‪1‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ ،950‬والتي ترتب عنها اكتشاف المنظمة وتفكيكها على المستوى الوطني‪.‬‬

‫حيث ي ذكر بوض ياف أن ح ادث تاف ه في منطق ة تبس ة تس بب في اكتش اف كم ا س رده علي ه‬
‫"ابن المهي دي"‪ ،‬أن الم دعم "أرحيم" وه و إط ار في المنظم ة‪ ،‬متهم ا بتزوي د الش رطة بالمعلوم ات‪،‬‬
‫فأقصي من الحزب وكلف "بن مهيدي" بالتحقيق‪ ،‬أرسلت كذلك مجموعة من الفدائيين الى عين‬
‫المك ان‪ ،‬اش تد غض ب س ائق الف دائيين على "ارحيم" وأخ ذ يه دده‪ .‬ه رب "أرجيم" وأخ بر الش رطة‬
‫بأعضاء مجموعة الفدائيين‪ ،‬فألقت القبض عليهم‪ .‬كانت هذه نقطة انطالق الموجة القمعية التي‬
‫‪4‬‬
‫اجتاحت كل المنظمة‪.‬‬

‫‪ 1‬عمار مالح‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.34‬‬


‫‪ 2‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ 3‬مصطفى سعداوي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫‪ 4‬محمد بوضياف‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪62‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫بع د أن كش ف "رحيم" ل دى مس اءلته عن أس رار المنظم ة الس رية‪ ،‬تم اعتق ال العدي د من‬
‫القي ادات واألعض اء في المنظم ة من بينهم زيغ ود يوس ف‪ ،1‬عم ار بن ع ودة‪ ،2‬وهي الف ترة ال تي‬
‫تعرض ت فيه ا مخ ازن ال ذخيرة والس الح ال ذي جمع ه بن بولعي د في مخ ازن القمح والش عير في‬
‫األوراس الى انفجار كاد يفض ح األمر‪ ،3‬وبعد سنة من االجترار ال محالة إلنهاء ردود القاعدة‬
‫الممكن ة‪ ،‬حيث ق رر الح زب وبك ل بس اطة ح ل المنظم ة الخاص ة واع ادة دمج أعض ائها في‬
‫‪4‬‬
‫المنظمة السياسية‪.‬‬

‫لق د ك ان الكتش اف المنظم ة الخاص ة ع ام‪ 1950‬آث ارا كارثي ة على عم ل ح زب حرك ة‬
‫انتص ار الحري ات الديموقراطي ة وال ذي ك اد أن يعرض ه للح ل‪ .5‬ولم تكن منطق ة األوراس رغم‬
‫ابقائه ا على نش اط التنظيم الس ري في من أى عن اإلج راءات القمعي ة الفرنس ية‪ ،‬ال تي أعقبت‬
‫اكتش اف المنظم ة‪ ،‬فق د ش هدت المنطق ة في أوت‪ 1951‬حمل ة تف تيش واس عة‪ ،‬بع دما أحس ت‬
‫المصالح االستعمارية بنشاط غير عادي في المنطقة وبحجة البحث عن العناصر المسلحة‪ ،‬حيث‬
‫س ارعت الى نش ر وح دات من ال درك والش رطة والح رس المتنقل ة‪ ،‬وب دأت في تف تيش الق رى‬
‫والمداش ر والجب ال‪ ،‬وبطريق ة تعس فية تع رض خالله ا الس كان الى انته اك الحرم ات وعملي ات‬
‫السلب والنهب ألموالهم ومواشيهم‪ ،‬وخاصة في ناحية آريس‪ ،‬حيث أقدمت القوات الفرنس ية على‬
‫تطويق منازل المناضلين المعروفين‪ ،‬بما فيهم بن بولعيد‪ ،‬ورغم كل هذه اإلجراءات القمعية فان‬

‫‪ 1‬زيغود يوسف‪ :‬ولد في ‪18‬فيفري ‪ ،1921‬ببلدية كوندي السمندو (زيغود يوسف حاليا)‪ ،‬درس بالكتاب وبالمدرسة الفرنسية‪،‬‬
‫حاز على الشهادة االبتدائية‪ ،‬شارك في المنظمة الخاصة وفي التحضير للثورة‪ ،‬تولى قيادة منطقة الشمال القسنطيني اثر استشهاد‬
‫قائدها ديدوش مراد‪ ،‬اشتهر بقيادته الحكيمة ومبادراته لتفعيل وتقوية الثورة‪ ،‬منها هجمات ‪20‬أوت ‪ ،1955‬ومقترحه لعقد‬
‫مؤتمر وطني جامع لتنظيم وتوحيد الثورة‪ ،‬استشهد في سبتمبر‪ .1956‬ينظر‪ :‬مقالتي عبد اهلل‪ :‬دور الشهيد زيغود يوسف في‬
‫الثورة التحريرية‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد‪ ،06:‬سبتمبر‪ ،2018‬ص ‪.92-77‬‬
‫‪ 2‬عمار بن عودة‪ :‬بن عودة بن مصطفى المدعو‪ :‬عمار بن عودة‪ ،‬من مواليد ‪ 1925‬بعنابة انخرط في حزب الشعب نهاية‬
‫ح‪.‬ع‪ ،2.‬عضو في ‪ OS‬في ‪ ،1948‬عضو في ل‪ )1954( 22‬وعضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية (‪ )1957‬وعضو‬
‫لجنة القيادة العسكرية في المنطقة الشرقية (‪ .)1958‬انظر‪ :‬عاشور شرفي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪ 3‬العقيد الطاهر الزبيري‪ :‬مذكرات آخر قادة األوراس التاريخيين (‪1929‬ـ‪ ،)1962‬منشورات ‪ ،ANEP‬ص ‪.35‬‬
‫‪ 4‬عمار مالح‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪ 5‬ناصري معمر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪63‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫ه ذه العملي ة انتهت بش ل ذري ع‪ ،‬نظ را لم ا تتم يز ب ه المنطق ة من موق ع اس تراتيجي‪ ،‬وتض اريس‬
‫صعبة‪ ،‬وأيضا مناعة عنصرها البشري من االختراق‪.‬‬

‫وبع د ح ل المنظم ة الخاص ة‪ ،‬ق رر مص طفى بن بولعي د الحف اظ على التنظيم الس ري‬
‫ومواصلة نشاطه التحضيري في األوراس‪ ،1‬حيث ان دوره برز بعد اكتشاف المنظمة‪ ،‬وظهر‬
‫بص ورة جلي ة عن دما تكف ل ب إيواء العدي د من المناض لين الف ارين من من اطق عدي دة من ال وطن‪،‬‬
‫والذين ظلوا محل المتابعة والمطاردة من قبل مصالح األمن الفرنسي التي سارعت لش ن حمالت‬
‫‪2‬‬
‫واسعة بمنطقة األوراس‪.‬‬

‫ظلت األوراس تمث ل حص نا منيع ا للث ورات والقطعي ة م ع اإلدارة االس تعمارية‪ ،‬فق د لج أ‬
‫اليها العديد من ال مناض لي الحركة الوطنية –إطارات المنظمة الخاصة‪ -‬التي لم ينج منها اال‬
‫عناصر المنظمة في األوراس التي ستكون بحق مهد للثورة ويكون لها الشرف احتضان النواة‬
‫األولى للثورة‪،‬‬

‫و لم يج د الن اجون من قبض ة الب وليس االس تعماري من إط ارات المنظم ة والف ارين من‬
‫السجن ملجأ يلوذون به سوى األوراس‪ ،‬وتتكون مجموعة الهاربين من سجن عنابة حسب رواي ة‬
‫‪1‬ـ عم ار بن ع ودة‪ .2 ،‬زيغ ود يوس ف‪ .3 ،‬برك ات س ليمان‪.4 ،‬‬ ‫ابن ع ودة‪:‬‬
‫بكوش علي‪ ،‬الباقي اتجهوا فور نجاتهم الى سمندوا فلما علم مصطفى بن بولعيد بذللك استقدمهم‬
‫الى األوراس ووفر لهم اإلقامة واالمن الضروريين‪ ،‬وكان قد سبقهم الى األوراس كل من‪ :‬رابح‬
‫ابن طوب ال‪ ،‬محم د بن ج دو‪ ،‬وك ان‬ ‫بيط اط‪ ،‬عب د الس الم حباش ي‪ ،‬لخض ر‬
‫المش رف على ه ذه الجماع ة من إط ارات المنظم ة المناض ل‪ :‬إب راهيم حش اني المع روف حركي ا‬
‫ب‪ :‬سي الصالح مع العلم هناك من المناضلين من تمكن من الفرار الى فرنسا خفية‪ ،‬ومنهم من‬

‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪90‬ـ‪.91‬‬


‫‪ 2‬المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬الشهيد مصطفى بن بولعيد‪ ،‬سلسلة رموز الثورة الجزائرية ‪1954‬ـ‪ ،2000 ،1962‬ص ‪.49‬‬
‫‪64‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫اس تأنف نش اطه السياس ي وس ط العم ال المه اجرين‪ 1،‬كم ا عم ل أعض اء المنظم ة الخاص ة ال ذين‬
‫‪2‬‬
‫لجأوا الى األوراس منذ ‪ 1951‬الى تهيئة سكان الريف للكفاح المسلح‪.‬‬

‫ي ذكر رابح بيط اط في روايت ه‪" :‬بع د اكتش اف أم ر المنظم ة الخاص ة أن مجموع ة من‬
‫المناضلين قبض عليها وعذبت وحوكمت وزج بها في السجون‪ ،‬بينما لجأت مجموعة أخرى الى‬
‫العاص مة‪ ،‬ومجموعة أخرى الى شرق البالد بعد ‪ 1950‬تفرقت (أعض اء المنظمة) وعاش كل‬
‫واحد منا حسب ما تيسر له ذلك‪ ،‬وخالل مدة تتراوح بين شهر وأربعة أشهر بدأ الحزب يهتم بنا‬
‫ويجم ع ش تاتنا ويض عنا حيث يجب أن نك ون وكنت أن ا من بين المتواج دين في جه ة الق رارم‬
‫وسليانة وتنقلنا بين عدة أماكن والتقينا بعض االخوان من جملتهم سي عبد اهلل بن طوبال‪ ،‬وبعد‬
‫م دة قليل ة جاءن ا س ي بلعق ون بص حبة أح د االخ وان من ميل ة ونقلون ا الى األوراس واس تقبلنا‬
‫بداخل المدينة‪ ،‬حيث استقبلنا الحاج لخضر‬ ‫االخوان قبل أن ندخل باتنة لكي ال نمر‬
‫أن س ي بن بولعي د‬ ‫وص عدنا الى الجب ل وهك ذا أص بحنا في األوراس‪ ،‬وي ذكر‬
‫لنا ان نبقى‬ ‫مصطفى رحمه اهلل كان عضوا في اللجنة المركزية‪ ،‬وكانت التعليمات الصادرة‬
‫في األماكن المحددة لنا دون أن نغادرها‪ ،‬كما التقينا في هذه المدة اخوة من القبائل الكبرى منهم‬
‫من هو متواجد فيها بصفة دائمة ومنهم من هو متواجد فيها بصفة مؤقتة‪ ،‬ورغم قساوة الطبيعة‬
‫اال أننا لم نتخل عن نشاطنا وكنا نتسق أعمالنا بالعمل الحزبي ألن المنطقة كانت صالحة لتكون‬
‫منطلقا للكفاح المسلح وعلى هذا األساس كنا نعمل على توعية الجماهير‪ ،‬وفي هذه الفترة التحق‬
‫بنا اخوان كانوا قد فروا من سجن عنابة واشتغلنا مع مناضلي تلك المنطقة التي لم يتمكن منها‬
‫‪3‬‬
‫االستعمار"‪.‬‬

‫‪ 1‬عثماني مسعود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.192‬‬


‫‪ 2‬محفوظ قداش‪ :‬وتحررت الجزائر‪ ،‬تر‪ :‬العربي بوينون‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار األمة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2011 ،‬ص‬
‫‪.11‬‬
‫‪ 3‬الطريق إلى نوفمبر كما يرويها المجاهدون‪ :‬المقاومة الوطنية والحركات السياسية حتى ليلة نوفمبر ‪ ،1954‬المجلد‪ ،1 :‬ج‪:‬‬
‫‪.10‬‬ ‫‪ ،03‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،1981 ،‬ص‬
‫‪65‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫كم ا ي ذكر لخض ر بن طوب ال في تعقيب ه‪" :‬ان ه عن دما ذهبن ا الى األوراس واالخ وان ال ذين‬
‫كانوا هناك‪ :‬كاألخ بن عودة‪ ،‬صالح بيطاط‪ ،‬وجدنا الشعب قد سبقنا بخطوات أي سبق الحزب‬
‫ال ذي ك ان يق ول ب أن الش عب ليس مس تعدا‪ ،‬وفي رأيي أن ه ذا س بب قل ة ايم ان الح زب بالش عب‪،‬‬
‫ألن االنفصال قد وقع بين القيادة والشعب‪ ،‬وقد كنا نعيش في المدن وال نعرف حقيقة الوضع في‬
‫البوادي‪ ،‬واألوراس بالنسبة لنا كانت مدرسة كبيرة وأدركنا أنه لو تأخرنا أكثر ألصيب الشعب‬
‫‪1‬‬
‫باليأس"‪.‬‬

‫وفي هذه الفترة عملت اإلطارات التي لجأت الى األوراس على توعية الجماهير وتنشيط‬
‫العمل بعد رفض بن بولعيد حل المنظم ة في األوراس‪ ،‬حيث استندت لكل واحد منهم مسؤولية‬
‫االشراف على قيادة ناحية معينة‪.‬‬

‫‪ -‬بن طوبال على ناحية بني بو سليمان (دوار زالطو)‪.‬‬


‫‪ -‬بيطاط على ناحية توابة (عرش بن بولعيد)‪.‬‬
‫‪ -‬حباشي على جزء من ناحية بني بو سليمان‪.2‬‬
‫وفي هذا الصدد يذكر حباشي عبد السالم أنه عند اكتشاف المنظمة الخاصة لج أوا الى األوراس‬
‫الذي لم يكونوا يعرفوه من قبل‪ ،‬وحاولوا التأقلم مع الوضع بالرغم من الصعوبات المثبطة سواء‬
‫على مستوى الطقس أو الحياة اليومية‪ ،‬واندمجوا بين أوساط المجتمع األوراسي بل وأصبحوا‬
‫يجندون األفراد ويقومون بالتنظيم حسب مخطط ينطبق مع القواعد األساسية للمنظمة السرية‪.3‬‬

‫وكان مسؤول الدائرة هو إبراهيم حشاني‪ ،‬العضو الدائم في التنظيم السياسي المتمثل في‬
‫حزب الشعب ‪ -‬حركة انتصار الحريات الديموقراطية ‪. 4-‬‬

‫‪ 1‬الطريق إلى نوفمبر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.28‬‬


‫‪ 2‬يوسف بن خدة‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 3‬عبد السالم حباشي‪ :‬من الحركة الوطنية الى االستقالل (مسار مناضل)‪ ،‬طبعة خاصة‪ ،‬دار القصبة للنشر‪،2008 ،‬ص ‪.325‬‬
‫‪ 4‬يوسف بن خدة‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪66‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫واس تمر بق اء المناض لين في األوراس الى ‪ 1952‬وخرج وا بس بب ترك يز الحمالت‬


‫التفتيش ية على األوراس بحث ا عنهم وعن الخ ارجين عن الق انون الفرنس ي الع ام‪ ،‬وعن مناض لي‬
‫‪1‬‬
‫المنظمة السرية‪ ،‬وعن السالح في األوراس‪ ،‬وقصد كل منهم مسقط رأسه كما أمر الحزب‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التسليح في منطقة األوراس‬

‫ه ذا النص دلي ل على أن‬ ‫"‬ ‫نري د ثالث ة أش ياء األس لحة‪ ،‬ثم األس لحة‪ ،‬ودائم ا األس لحة‬ ‫"‬
‫عملية التسليح كانت الشغل الشاغل في تلك المرحلة‪ ،‬وهو مأخوذ من التقرير الذي قدمته قيادة‬
‫المنظم ة الخاص ة في اجتم اع "زدين" في ديسمبر ‪ 1948‬وه و يعكس حيوي ة العملي ة‪ ،‬ألن ه ب دون‬
‫سالح جميع الجهود المبذولة من تخطيط وتنظيم وتجنيد وتدريب ‪ ...‬ستكون عديمة الفائدة بل‬
‫وه و م ا زاد في رغب ة الجزائ ريين المتالك الس الح ال ذي أص بح في‬ ‫مخ اطرة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫مخيلتهم رمزا للحرية والسلطة‪ ،‬وعدم امتالك سالح فردي هو من عالمات االستعباد‪.‬‬

‫ط رحت مس ألة التس ليح على المكتب السياس ي لح‪ .‬ا‪ .‬ح‪ .‬د ‪ MTLD‬من ذ ش هر م ارس‬
‫‪ 1947‬وتم االتفاق بين مناضلي واطارات الحركة على أن حلها يجب البحث عنه عند األحزاب‬
‫المعادية لالستعمار والبلدان العربية والحكومات المتهمة بمعركة التحرير في الجزائر وعلى هذا‬
‫األساس أعطيت األمر للبحث عن مصادر للتزويد بالسالح‪ .‬حيث يذكر المناضل آيت أحمد في‬
‫تقري ر المنظم ة الخاص ة خالل اجتم اع زدين في ديس مبر‪ 1948‬ب أن المنظم ة ح ددت أه دافها في‬
‫مج ال التس ليح والعم ل على توف ير الح د األدنى من الس الح لض مان اس تمرارية العم ل المس لح‬

‫‪ 1‬ناصر معمر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ :‬ص ‪.37‬‬


‫‪ 2‬مصطفى سعداوي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪67‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫وانشاء مخازن لألسلحة والذخيرة في كامل المناطق‪،1‬خاصة بعد ح‪ .‬ع‪ 2 .‬حيث ظهرت تجارة‬
‫مزده رة في مج ال جم ع األس لحة وال ذخائر المتنوع ة من مخلف ات الح رب األخ يرة بين ق وات‬
‫المحور والخلفاء‪ ،2‬ففي األوراس عموما يكاد العمل العسكري يكون موازيا للعمل السياسي منذ‬
‫البداي ة‪ ،‬ه ذا إذا اعتبرن ا نش اط جم ع األس لحة والحث على اقتنائه ا‪ ،3‬وجم ع ال ذخيرة وص ناعة‬
‫األلغام وفكها عمال ذا صبغة عسكرية‪.‬‬

‫كانت األسلحة قبل أن يعم الوعي السياسي هو وسيلة للزينة والتفاخر وتستعمل ألغراض‬
‫ترفيهي ة كالص يد واألف راح‪ ،‬ح تى دعت القي ادات السياس ية المحلي ة الس كان للبحث عن األس لحة‬
‫الحربي ة ال تي ك انت منتش رة في ك ل من ليبي ا ومص ر وت ونس ال تي ك انت ق د وقعت فيه ا مع ارك‬
‫طاحن ة بين الحلف اء والمحور‪ ،‬فتح ولت الى أس واق للمت اجرة باألس لحة‪ ،‬وتعت بر األوراس مقارن ة‬
‫بغيره ا من المن اطق في ال وطن أوف ر حظ ا بحكم الج وار‪ ،‬فظه رت في البداي ة عناص ر مغ امرة‬
‫مهرب ة لألس لحة الى المن اطق الداخلي ة لألوراس بغ رض المت اجرة فتن افس الس كان القتنائه ا‪ ،‬و‬
‫يذكر عاجل عجول تاريخ بدأ تهريب األسلحة لفائدة الحركة الوطنية سنة ‪ 1946‬قبل دخوله في‬
‫حرك ة االنتص ار‪ ،‬وك ان يدفع ه الى محم د بع زي بن لخض ر وه و من أعض اء المنظم ة الس رية‬
‫واشترك معه في جمع السالح كل من عزوي م دور وعثمان كعباشي وكان السالح من النوع‬
‫اإليطالي واألمريكي واأللماني‪ ،‬كما ذكر لخضر بعزي أمين مستودع السالح في قرية الحجاج‪:‬‬
‫أن جمع السالح كان من أهداف المنظمة العسكرية السرية‪.4‬‬
‫في هذا السياق يشير المجاهد الطاهر عزوي الى أن قيادة المنظمة الخاصة امرت بمهمة‬
‫تزوي د األوراس بالس الح‪ ،‬حيث أن ه في ربي ع ‪ 1948‬أرس لت بعث ة مكون ة من ع زوي م دور‬
‫وكعباشي عثمان الى تونس عبر صحراء النمامشة‪ ،‬وبعد شهر عادت القافلة محملة بالسالح و‬

‫‪1‬الطاهر جبلي‪ :‬االمداد بالسالح خالل الثورة الجزائرية ‪1954‬ـ‪ ،1962‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار االمة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص ‪.43‬‬
‫‪ 2‬ناصري معمر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ 3‬عثماني مسعود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ 4‬عثماني مسعود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.217‬‬
‫‪68‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫الذخيرة ‪ ،‬وعند وصولها الى السفح الجنوبي لألوراس وجدت في استقبالها كل من عزوي أحمد‬
‫و بعزي علي وأسمايحي بلقاسم ومعهم قافلة بغال نقلوا عليها شحنة األسلحة الى قرية الحجاج‬
‫لت وزع على المط امير في مس جد ع زوي أحم د وع زوي م دور ودار بع زي الص الح بن لمب ارك‬
‫على سفح جبال ال درعان على الجانب األسفل من الطريق الرابط بين باتن ة وآريس‪ :‬كما أشار‬
‫عبد الرحمان عمراني في شهادته بأن معظم األسلحة القادمة من الجنوب مصدرها ليبيا عبر واد‬
‫سوف ثم بسكرة الى األوراس‪ ،‬ويعود الفضل في ةذلك الى الدور الذي لعبته المنظمة الخاصة‬
‫خالل س نوات ‪1948‬الى ‪ ،1950‬حيث جلبت كمي ة من الس الح ووض عتها في مخ ابئ س رية‬
‫‪1‬‬
‫باألوراس‪.‬‬
‫حيث أنه من خالل الشهادات المتوفرة منطقة األوراس كانت أوفر حظا من حيث التس ليح‬
‫مقارنة مع بقية المناطق األخرى نظرا لقربها من مناطق التموين بالسالح‪ ،2‬ومنه يمكن القول‬
‫ب أن منطق ة األوراس ك انت ت تربع على أك بر كمي ة من األس لحة‪ ،‬األم ر ال ذي أهله ا لكي تتحم ل‬
‫أعباء الثورة طيلة أحد عشر شهرا وهي المسؤولية التي تحملها مصطفى بن بولعيد أم ام زمالئ ه‬
‫النطالق العمل المسلح‪ ،‬باإلضافة الى أنها قدمت الكثير من االمتدادات الى المناطق األخرى‪.‬‬
‫ومم ا ال ش ك في ه أن غ نى منطق ة األوراس بالس الح‪ ،‬م رده الى موقعه ا االس تراتيجي‬
‫كمنطقة حدودية (مع توني وليبيا) األمر الذي جعلها مسرحا لنشاط أكبر عمليات ته ريب وتج ارة‬
‫األس لحة الى ال داخل بالنس بة لزعم اء الحرك ة الوطني ة في إط ار التنظيم الس ري من جه ة وه دفا‬
‫لعملي ات المراقب ة والمتابع ة من ط رف المص الح الفرنس ية الخاص ة ال تي كثفت عملياته ا على‬
‫الح دود المش تركة م ع ت ونس للح د من ته ريب األس لحة وال ذخيرة‪ ،3‬ومن العوام ل ال تي س اعدت‬
‫أيضا الى توفير األسلحة في األوراس‪ ،‬هو طبيعة المجمع األوراسي‪ ،‬الذي كان شغوفا بامتالك‬
‫األس لحة وال ذخيرة‪ ،‬كم ا ب رز المناض الن ف رحي س اعي ولزه ر ش ريط‪ ،‬في جم ع األس لحة‬

‫‪ 1‬الطاهر جبلي وسعاد يمينة شبوط‪ :‬الواقع العسكري للثورة التحريرية في المنطقة األولى" األوراسـ النمامشة"‪ ،‬دورية كان‬
‫التاريخية‪ ،‬العدد‪ ،54 :‬ديسمبر ‪ ،2021‬ص ‪.179‬‬
‫‪ 2‬الطاهر جبلي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪69‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫وتخزينها في شرق األوراس (ناحية تبسة) استعدادا للثورة‪ ،‬وكان المناضل فرحي ساعي قدر به‬
‫االتص ال بالمناض ل "عم ارة إب راهيم بن رابح"‪ ،‬ال ذي ك ان مكلف ا بجم ع األس لحة الى المق اومين‬
‫التونس يين‪ ،‬واتفق مع ه على مواص لة العملية وتس ليم السالح ه ذه المرة الى الجزائ ريين المقبلين‬
‫على الثورة‪.1‬‬
‫كما يذكر بن طوبال‪ ":2‬كل دار في األوراس لديها بندقية عسكرية‪ ،‬وكان الناس ينتظ رون‬
‫م تى ي أتي األم ر من الح زب لل دخول في الكف اح المس لح‪ ،‬كم ا اش ترت المنظم ة الس الح من‬
‫صحراء فيض أوالد عامر قرب زربية الواد بالقرب من بسكرة سنة ‪ ،1948‬وبلغ عدد القطع‬
‫‪ 320‬بندقية حربية‪ ،‬وفي ربيع نفس العام اشترى مرة ثانية ‪ 230‬بندقية حربية‪ ،‬وتوجه بعض‬
‫المناض لون الى ت ونس لنفس الغ رض وك انت تل ك األس لحة تخ زن في األوراس‪ ،‬يرج ع ت وافر‬
‫األسلحة بمنطقة صحراء فيض أوالد عامر‪ ،‬الى تواجد الجيش األمريكي بها بعد انهزام ألمانيا‬
‫وإ يطالي ا في الح رب العالمي ة الثاني ة‪ ،‬ه ذان الجيش ان الل ذان كان ا بت ونس ذل ك بغض النظ ر عن‬
‫العناص ر المس لحة من المواط نين ال ذين لجئ وا الى جب ال األوراس بع د أح داث م اي ‪،1945‬‬
‫أعطينا الكثير من األسلحة واسترجعنا القليل منها‪ ،‬ألن أغلبها بقي في المداشر"‪.3‬‬
‫كما يضيف آيت أحمد أن نقص األموال هو السبب في عدم الحصول على كميات كبيرة‬
‫من األس لحة من غ دامس الى وادي س وف ثم بس كرة الى األوراس ليتم تخزينه ا‪ ،‬حيث تتف ق‬
‫من الرواي ات على أن الش حنة ال تي تم نقله ا من غ دامس الليبي ة الى‬ ‫الكث ير‬
‫ال وادي ثم الى زربي ة حام د (ب الزاب الش رقي) تحت اش راف عب د الق ادر عم ودي‪ ،‬ونظ را لبع د‬
‫هذه الشحنة بواحة طوماس بين زربية‬ ‫المسافة وكثافة عمليات المراقبة أنزلت‬
‫حامد وزربية الواد لتسلم هذه الكمية الى مصطفى بن بولعيد الذي أشرف على عملية نقلها بنفسه‬
‫في ناحي ة كيم ل‪،4‬‬ ‫الى األوراس في ظ روف ص عبة ج دا وخ زنت ه ذه الش حنة‬

‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.86‬‬


‫‪ 2‬سعدي وهيبة‪ :‬الثورة الجزائرية ومشكلة السالح (‪1954‬ـ‪ ،)1962‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 3‬سعدي وهيبة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 4‬الطاهر جبلي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪70‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫وح تى عملي ة ش راء األس لحة لم تكن معمم ة على مختل ف من اطق القط ر الجزائ ري بحيث نج د‬
‫مناض لوا الش مال القس نطيني لم يتمكن وا من الحص ول س وى على‪ 6‬أو‪ 7‬قط ع من األس لحة‪،‬‬
‫فالمنطق ة الوحي دة ال تي ك انت تت وفر على كمي ة ال ب أس به ا من األس لحة هي األوراس ال تي هي‬
‫‪1‬‬
‫نفسها فقيرة في هذا الجانب ألن األسلحة التي كانت تمتلكها أغلبها غير صالحة لالستعمال‪.‬‬

‫كما تشير بعض المصادر التاريخية الى أسلوب آخر في تزويد المنظمة الخاصة بالمواد‬
‫المتفجرة لص نع القناب ل كم ادة "ال ديناميت" وه و أس لوب الهج وم على المن اجم والمح اجر‪ ،‬كعملي ة‬
‫"ال وترة" ال تي اس تهدف فيه ا عناص ر "س ويداني بوجمع ة" محج رة تابع ة لالس تعمار الفرنس ي‪،‬‬
‫واستولوا على كمية كبيرة من المتفجرات‪ ،‬كما يذكر عبد القادر العمودي في شهادته‪ ،‬أن هناك‬
‫ش حنة أخ رى من األس لحة تم الحص ول عليه ا س نة ‪ 1948‬من منطق ة حاس ي خليف ة ق رب ول د‬
‫في كمية من المتفجرات‪ ،‬سلمت لبغض األشخاص الذين كانوا‬ ‫سوف وقد تمثلت هذه األسلحة‬
‫يقومون بغرس أشجار النخيل‪ ،‬األمر الذي دفع السلطات الفرنسية تسلم مادة الديناميت للمعنيين‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫غير أن التنظيم السري للمنظمة حول مادة الديناميت الى منطقة االوراس‪.‬‬

‫دور بن بولعيد في توفير السالح والذخيرة‪:‬‬

‫لقد تم تعيين مصطفى بن بولعيد على رأس المنطقة العسكرية السرية بمنطقة األوراس‪،‬‬
‫كان قد أختير لهذا المنصب لعدة خصائص يمتاز بها البطل الشهيد وهو اخالصه لل وطن وتفانيه‬
‫لخدمته ويتمتع بسمعة غالية في وسط القبائل األوراس‪ ،‬خصوصا أنه ينتمي إلى عرش توابة من‬
‫دائ رة آريس قلب األوراس ومنب ع الث ورة‪ ،‬كم ا لعب دور كب ير في كبت الخالف ات وحس مها‬
‫بالطرق السلمية بين القبائل يختلقها المستعمر ليوقع بينهما‪ ،‬كما أنه يتمتع بثروة هائلة تغنيه عن‬
‫اغراءات االستعمار وتكفيه حاجياته وما تحتاجه المنظمة العسكرية السرية عند الضرورة‪ .‬كانت‬

‫‪ 1‬أحسن بومالي‪ :‬استراتيجية الثورة الجزائرية في مرحلتها األولى ‪1954‬ـ‪ ،1956‬منشورات المتحف الوطني للمجاهد‪،‬‬
‫المؤسسة الوطنية لالتصال والنشر واالشهار‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ 2‬بدرة غجاتي وبوضرساية بوغرة‪ :‬استراتيجية قيادة الثورة في التسليح قبيل اندالع الثورة الجزائرية‪ ،‬مجلة العلوم االنسانيو‪،‬‬
‫المجلد‪ ،21 :‬العدد‪ ،2021 ،01 :‬ص ‪.945‬‬
‫‪71‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫تحت هيكلة بن بولعيد حوالي سبعة وعشرين مناضل يساعدونه في تنفيذ مخطط ات المنظمة كل‬
‫وقت‪ ،‬سواء في تدريب المناضلين على السالح أو حرب العصابات وكذلك بنقل وجلب األسلحة‬
‫التي يشتريها من جنوب شرق الجزائر ووادي سوف وزريبة الوادي والجنوب التونسي وحتى‬
‫من طرابلس وهذه كانت من مخلفات الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وتخزن عند بعض أعضاء المنظمة‬
‫‪1‬‬
‫السرية الذين هم أهل صدق وثقة له وللوطن‪.‬‬

‫رب ط بن بولعي د من ذ تولي ه قي ادة المنظم ة في األوراس عالق ات م ع بعض تج ار الس وق‬
‫السوداء في المنطقة الحدودية‪ ،‬الذين كانوا ينشطون بين الجزائر‪ ،‬تونس وليبي ا في جلب األس لحة‬
‫والذخيرة الحربية من مخلفات الحرب األخيرة‪ ،‬على ظهور الجمال من منطقة فزان وطرابلس‪،‬‬
‫فاقتنى منه كميات محددة‪ ،‬واعتمد في نقلها إلى األوراس على تاجر يدعى عمار معاش‪ ،‬مشهور‬
‫بـ‪ :‬عمار سوق سوداء‪ ،‬وفي عام ‪ ،1947‬ساهم بنفسه في نقل بعض قطع السالح وكميات من‬
‫ال ذخيرة الحربي ة م ع بعض المناض لين إلى غاي ة األوراس‪ ،‬ك ان ق د تس لمها من المناض ل عب د‬
‫الق ادر العم ودي‪ ،‬وال ذي حص ل عليه ا من الش حنة األولى ال تي جلبه ا محم د بل وزداد من ليبي ا‪،‬‬
‫بفض ل مس اعدة المناض لين إب راهيم عص امي‪ ،‬والبش ير ميهي‪ ،‬احت وت تل ك الش حنة على ‪103‬‬
‫بندقية حربية من نوع "ستاتي"‪ ،‬وأربعة صناديق ذخيرة‪ ،‬حيث ذكر بن خدة يوسف أن قسما من‬
‫‪2‬‬
‫هذه الشحنة استخدم في ليلة الفاتح من نوفمبر لتفجير الثورة‪.‬‬

‫كم ا ت ولى مص طفى بن بولعي د رفق ة اث نين من المناض لين عملي ة نق ل األس لحة من زريب ة‬
‫حامد إلى األوراس‪ ،‬حيث سيتم استعمالها فيما بعد لتفجير الثورة‪ ،‬والجدير بالذكر أن هذه العملية‬
‫كانت سنة ‪1948‬ـ‪ ،31949‬وفي إطار إعداد العدة لتفجير الثورة المسلحة‪ ،‬استغل مصطفى بن‬
‫بولعي د فرص ة تواج د كمي ة ال يس تهان به ا من األس لحة ل دى المواط نين وهي من بقاي ا الح رب‬

‫‪ 1‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس (باتنة)‪ :‬معالم بارزة في ثورة نوفمبر ‪ 1954‬في الملتقى األول‬
‫بباتنة ‪ ،1989‬مطبعة عمار قرفي‪ ،‬باتنة‪ ،1992 ،‬ص ‪81‬ـ‪.82‬‬
‫‪ 2‬عبد الوهاب شاللي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪21‬ـ‪.22‬‬
‫‪ 3‬يوسف بن خدة‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪72‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫األخيرة فبادر إلى دعوة كل مناضل أو محب للحزب المتالك بندقية وذخيرة لها‪ ،‬استعدادا لليوم‬
‫الحاسم‪.‬‬

‫ومما يروى أنه أشاع بين الناس فكرة هي غاية من الذكاء‪ ،‬ظلت تروج على نطاق واسع‬
‫ولمدة طويلة‪ ،‬وهي‪" :‬أن االنسان الذي ال يملك بندقية ال يستحق أن يكون رجال"‪ .‬وقد كانت سببا‬
‫‪1‬‬
‫في تسابق المواطنين إلى امتالك السالح والذخيرة بدون تردد‪.‬‬

‫وج اء في تقري ر لقائ د مف رزة الجندرم ة في باتن ة‪ ،‬م ؤرخ في ‪ 27‬ج وان ‪ ،1947‬ح ول‬
‫تج ارة األس لحة في الس وق الس وداء بمنطق ة األوراس‪ ،‬أن‪" :‬مص طفى بن بولعي د ين وي ال ذهاب‬
‫قريبا إلى تونس ويسعى إلى االنتقال من هناك إلى مصر"‪.‬‬

‫وفي عام ‪ ،1948‬أشرف بن بولعيد على نقل شحنة أخرى من األسلحة مكونة من ح والي‬
‫‪ 50‬بندقية من أوالد بن خديجة بزريبة الوادي إلى آريس‪ ،‬جلبها المجاهد وادة علي بن الضيف‬
‫من ليبي ا م ع مجموع ة من المناض لين الوطن يين ب وادي س وف‪ .2‬واس تنادا إلى ش هادة بعض‬
‫المناض لين ال ذين عاص روه‪ ،‬ف إن مص طفى بن بولعيد قد س اهم بمال ه الخ اص م ع المناض لين في‬
‫‪3‬‬
‫شراء كميات معتبرة من األسلحة والذخيرة وقد تم جلبها من ليبيا وتونس‪.‬‬
‫وذك ر المراس ل الح ربي الكب ير بجري دة لوفيغ ارو الفرنس ية‪ :‬س يرج بروم برجي‪ ،‬أن‬
‫مص طفى بن بولعي د حم ل بنفس ه في ‪ 29‬أكت وبر ‪ ،1954‬ذخ يرة وقناب ل يدوي ة إلى بعض ق ادة‬
‫الث ورة على متن س يارته‪ ،‬فس لم لقي ادة الث ورة في عين مليل ة ‪ 8‬قناب ل يدوي ة‪ ،‬ومثله ا لقي ادة‬
‫الخ روب‪ ،‬وس بع بن ادق حربي ة لقي ادة عين كرش ة‪ ،‬لم يقتص ر دور بن بولعي د في ج انب توف ير‬
‫السالح وتخزينه‪ ،‬وتصنيع المتفجرات على منطقة األوراس والحدود الشرقية فقط‪ ،‬بل تعداه إلى‬
‫منطقة وسط الجزائر‪.4‬‬

‫‪ 1‬المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬مصطفى بن بولعيد‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 2‬عبد الوهاب شاللي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 3‬المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬مصطفى بن بولعيد‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ 4‬عبد الوهاب شاللي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪73‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫صناعة القنابل التقليدية‪:‬‬


‫يكتس ي س الح المتفج رات أهمي ة كب يرة كس الح هج ومي فع ال في العملي ات القتالية‪ ،1‬ولن‬
‫يكتفي المقاتلون بالمواجهات العسكرية التقليدية‪ ،‬فعندما شعر القادة بضعف رصيدهم من وسائل‬
‫القت ال التقليدي ة (األس لحة)‪ ،‬راح وا يبحث ون عن وس ائل أخ رى لتع ويض النقص‪ ،‬ومن بين ه ذه‬
‫الوسائل القنابل التقليدية واأللغام‪.2‬‬
‫أش رفت على ه ذه المهم ة مص لحة الهندس ة ال تي أنش أت عقب م ؤتمر زدين في ديس مبر‬
‫‪ ،1948‬الك ائن مقره ا بالعاص مة‪ ،‬وق د نص ت المص الح العام ة بس رعة ويتعل ق األم ر بتعليم‬
‫‪3‬‬
‫المناضلين تقنيات صنع المتفجرات ولهذا الغرض أنشأت عدة ورشات‪.‬‬

‫ك انت منطق ة األوراس من بين المن اطق الس باقة في مج ال تص نيع األس لحة محلي ا‪ ،‬حيث‬
‫عبد الحميد مهدي أثناء تقديمه لكتاب "مهندسو الثورة" ب أن األوراس أول من ق امت‬ ‫يذكر‬
‫مصنعا لألسلحة على ترابها بقوله‪" :‬لقد أدى بن بولعيد المهمة التي كلف بها أحسن أداء فأنشأ‬
‫ورشة صنع المتفجرات في دوار الحجاج‪ ،‬واإلنتاج صار كافيا للشروع في توزيعه على مختل ف‬
‫التراب الجزائري‪.4‬‬

‫تتف ق الرواي ات على أن ص ناعة األلغ ام في األوراس أقيمت له ا ورش تان في ض عتي بن‬
‫بولعي د في أس الف "بفم الط وب" وفي "ت ازولت" ق رب باتن ة‪ ،‬لكنهم ا غ ير ث ابتتين‪ .‬أم ا عن الم واد‬
‫المس تخدمة ك المتفجرات يتم الحص ول عليه ا بواس طة المناض ل‪ :‬أحم د أن واورة عام ل في منجم‬
‫ايش مول‪ ،‬وي أتي بعض ها بواس طة‪ :‬س ليمان ملكمي‪ ،‬وك انت القناب ل المع دة لالس تعمال تنق ل في‬
‫ص ناديق تعلوه ا خض ر وفواك ه الى باتن ة‪ ،‬وت ودع في مح ل األخ وين‪ :‬الس عيد ومس عود مش لق‪،‬‬
‫حيث يتحدث هذا األخير في استجواب أجرته معه جمعية أول نوفمبر حول موضوع "صناعة‬
‫األلغ ام" فيق ول‪..." :‬أم ا الم ادة ال تي تص نع منه ا القناب ل‪ ،‬فت ارة يش تريها ص انعوا القناب ل وهم‪:‬‬
‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‬
‫‪ 2‬عثماني مسعود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫‪ 3‬الطاهر جبلي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪ 4‬ناصري معمر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪74‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫(أس مايحي بلقاس م‪ ،‬ع زوي م دور‪ ،‬محم د بع زي وعلي برغ وث) وت ارة يش تريها مش لق مس عود‬
‫‪1‬‬
‫بنفسه‪ ،‬في شكل شرائح من نحاس يدفع ثمنها أحيانا بن بولعيد وأحيانا الراوي نفسه"‪.‬‬

‫بقت األم ور على ه ذا الح ال س واء في جم ع األس لحة أو ص نع القناب ل‪ ،‬وتم جم ع الكث ير‬
‫من القنابل والمتفجرات األمر الذي أصبح يستدعي التخفيف منها‪ ،‬غير أنه حدث ما لم يكن في‬
‫الحسبان‪ ،‬حيث وقع انفجار كبير وسط ظروف غامضة في ورشة صنع القنابل بدوار الحجاج‬
‫التي كان يعول عليها كل من بن بولعيد وبوضياف كثيرا في تفجير الثورة‪ ،‬و تمكن المناضلون‬
‫في ه ذه الورش ة من اع داد مخزون ات كافي ة من القناب ل والمتفج رات للمرحل ة األولى من الث ورة‬
‫وكانت هناك أوامر للشروع في توزيعها في مناطق أخرى من الوطن‪ ،‬وكان قد تم تخزينها في‬
‫أحد المخابئ التي كانت تجمع فيها الذخيرة في دكان مشلق‪ ،‬غير أن هذا المخبأ تعرض النفجار‬
‫مه ول في ‪ 1953‬تارك ا مدينة باتنة وض واحيها تحت الص دمة وذعر كبير‪ ،‬خاص ة من الطرف‬
‫‪2‬‬
‫الفرنسي الذي اكتشف شحنة كبيرة من المتفجرات أكلتها النيران‪.‬‬

‫لم يتأثر النشاط التحضيري في المنطقة بهذه الحادثة‪ ،‬ولم يأمر بن بولعيد بتوقيف ه أو حتى‬
‫تجميده‪ ،‬رغم حل المنظمة الخاصة‪ ،‬وبفضل حكمته وحنكته السياسية‪ ،‬وحسه الوطني‪ ،‬لم تتمكن‬
‫المص الح الفرنس ية من اكتش اف مخ ازن الس الح المنتش رة في األوراس رغم طيل ة الم دة‬
‫التحض يرية من ‪ 1948‬الى غاي ة نوفم بر ‪ ،1954‬وه و م ا أك د على تم يز منطق ة األوراس عن‬
‫غيرها من مناطق البالد‪ ،‬وقد أرجعها بعض الباحثين الى طبيعة المنطقة المغلقة‪ ،‬ودرجة ال وعي‬
‫السياسي عند أهلها وعامل السرية واليقظة‪ ،‬الذي يتحلى به نشاط المناضلين في األوراس وعلى‬
‫‪3‬‬
‫راسهم مصطفى بن بولعيد‪.‬‬

‫‪ 1‬عثماني مسعود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.225‬‬


‫‪ 2‬الطاهر جبلي ويمينة شبوط‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.183‬‬
‫‪ 3‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪75‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬‬

‫أزمة الحركة الوطنية وانعكاساتها على التيار الثوري في األوراس‪:‬‬

‫بعد ان تطرقنا الى النشاط العسكري والمجهودات الت قام بها مناضلو االوراس و التي‬
‫تعتبر تمهيدا لتفجير الثورة‪ ،‬سنتاول من خالل هذا المبحث ازمة الحركة الوطنية و انعكاساتها‬
‫على التيار الثوري‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أزمة حركة انتصار الحريات الديموقراطية‬

‫تع د الحرك ة الوطني ة في نظرن ا من أهم األس باب ال تي عجلت في تفج ير الث ورة‪ ،‬وبع د اص طدام‬
‫جيلين‪ :‬الجي ل الق ديم ال ذي أل ف الحي اة السياس ية وم ا تم يز ب ه من ص راعات انتخابي ة ح ول ع دد‬
‫قليل من المقاعد في سائر المستويات‪ ،‬وجيل الثورة الذي يدعوا الى العنف والسالح‪ ،‬ايمانا منه‬
‫بأنه السبيل الوحيد للتخلص من السيطرة األجنبية‪.1‬‬

‫‪ 1‬محمد العربي الزبيري‪ :‬الثورة الجزائرية في عامها األول‪ ،‬ط‪ ،01 :‬ص ‪.56‬‬
‫‪76‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫لم تكن ازمة حزب الشعب (حركة انتصار الحريات الديموقراطية) مجرد أزمة قيادة كما‬
‫يض ن البعض ب ل هي أزم ة هيكل ة إيديولوجي ة وتنظيم ش ملت الحرك ة‪ .1‬وقس مت مناض ليها الى‬
‫قسمين متخاصمين‪ ،‬حيث يمكن ارجاع جذور هذه األزمة‪:‬‬

‫‪ -‬اكتش اف المنظم ة الخاص ة في م ارس ‪ 1950‬ال تي ب اتت ق وة عس كرية منظم ة ومدرب ة تض م‬


‫نحو ‪ 1000‬مناضل‪.‬‬

‫‪ -‬انس حاب األمين دب اغين‪ 2‬وه و أح د أعم دة الح زب من المناض لين واألنص ار مم ا أح دث ه زة‬
‫عنيفة في الحزب‪.‬‬

‫‪ -‬األزم ة البربري ة‪ 3‬ال تي عاش ها الح زب س نة ‪ 1949‬خاص ة في ص فوف اتحادي ة فرنس ا‪ ،‬وم ا‬
‫ترتب عنها من تطهير وابعاد وطرد‪ ،‬فكانت نكسة أخرى‪.‬‬

‫‪ -‬انس حاب بعض ق ادة الجن اح اإلص الحي‪ ،‬بع د رفض مط البهم اإلص الحية‪ ،‬من أمث ال الح اج‬
‫محمد شرشالي والدكتور شوقي مصطفى وشنتوف والعمراني‪.‬‬

‫‪ -‬قرار قيادة الحزب بحل المنظمة الشبه عسكرية‪ ،‬أو باألحرى ما تبقى منها بصفة رسمية سنة‬
‫‪4‬‬
‫‪.1951‬‬

‫‪ 1‬بوشيخي شيخ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.254‬‬


‫‪ 2‬األمين دباغين‪ :‬من مواليد ‪24‬جانفي ‪ ،1917‬بحي داي بالعاصمة‪ ،‬نشأ بشرشال كان والده مترجما‪ ،‬في ‪ 1930‬التحق بمعهد‬
‫لبليدة‪ ،‬ليكتشف الحركة الوطنية عبر صحيفة "األمة"‪ ،‬التحق بكلية الطب سنة ‪(1937‬جامعة الجزائر)‪ ،‬وفي ‪ 1940‬انخرط في‬
‫حزب الشعب‪ ،‬في سبتمبر ‪ 1954‬اتصل به بوضياف على أمل توفير الغطاء السياسي للثورة لكنه اعتذر عن ركوب القطار بعد‬
‫انطالقه‪ ،‬عين في لجنة التنسيق والتنفيذ أوت ‪ 1957‬مكلفا بالعالقات الخارجية‪ ،‬توفي في جانفي ‪ .2010‬ينظر‪ :‬محمد عباس‪:‬‬
‫خصومات تاريخية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،2010 ،‬ص ‪.102-100‬‬
‫‪ 3‬األزمة البربرية‪ :‬عانى حزب الشعب ‪ MTLD-‬سنة ‪ 1949‬أزمة داخلية خطيرة‪ ،‬حيث برز تكتل في اللجنة المركزية للحزب‬
‫يؤكد على الهوية الثقافية للبربر‪ ،‬وينكرون الحضارة العربية اإلسالمية متأثرين بأفكار األيديولوجية االستعمارية والشيوعية معا‪،‬‬
‫وفي الجزائر جند أنصارها في صفوف األوساط الطالبية بالعاصمة ومنطقة القبائل‪ .‬انظر‪ :‬يوسف بن خدة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬
‫ص ‪.240-235‬‬
‫‪ 4‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬معالم بازرة في ثورة نوفمبر ‪ ،1954‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‬
‫‪.53‬‬
‫‪77‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫‪ -‬ازدواجي ة القي ادة على المس توى الوط ني وخاص ة من ذ ‪ ،1948‬أي من ذ أن اس تحدثت منص ب‬
‫األمين الع ام للح زب الى ج انب رئيس الح زب وزعيم ه مص الي الح اج‪ ،‬وق د س اهمت ه ذه‬
‫(بين القي ادة الفعلي ة‪ ،‬والقي ادة االس مية خاص ة في المراح ل األخ يرة‬ ‫االزدواجي ة‬
‫من حياة الحزب) أي وجود قيادة شرقية غالبا مبعدة عن الساحة في المنفى أو اإلقامة الجبرية‪،‬‬
‫وقي ادة فعلي ة ميداني ة س اهمت في خل ق ج و من ع دم الثق ة بين الق ادة واألعض اء‪ ،‬تول دت عنه ا‬
‫صراعات صامتة ومشاحنات‪ ،‬تحولت الى أزمة القيادة‪.‬‬

‫‪ -‬في ضل هذه المشاحنات عقد مؤتمر ثاني للحزب في أفريل ‪ ،1953‬للتقليص من صالحيات‬
‫ال زعيم‪ ،‬والس عي للخ روج ب الحزب من بوتق ة الجم ود ال تي أوق ع نفس ه فيه ا وتحري ره من‬
‫الممارسات الفردية‪ ،‬وبعث حزب جديد في مضامينه وهياكله وتعزيز التعاون‪.‬‬

‫وتحقيق ا لك ل ه ذا تم انتخ اب قي ادة وطني ة جدي دة (‪ 30‬عض و جماع ة اللجن ة المركزي ة‬


‫الحق ا)‪ ،‬حيث لم تمض (‪3‬أش هر) ح تى ان دلعت األزم ة بين زعيم الح زب وأعض اء اللجن ة‬
‫بن خ دة ولح ول‪ ،1‬و نتيج ة لتف اقم الخالف والص راع بين المرك زيين‬ ‫المركزي ة بقي ادة‬
‫والمص اليين‪ ،‬ح ول السياس ة ال تي تبنته ا اللجن ة المركزي ة للح زب‪ ،‬في كيفي ة اختي ار ن وع قيادته ا‬
‫وأمام تشبت المصاليين بموقفهم وتمسكهم برأيهم‪ ،‬اشتدت األزمة وخرج النزاع الى العلن بعد أن‬
‫ك ان يج ري في ض يق‪ ،2‬ت أثر المناض لون في األوراس كبقي ة المن اطق من ال وطن من انقس ام‬
‫الحركة‪ ،‬حيث ظهرت ثالث اتجاهات‪:‬‬

‫اتجاه يساند المصاليين ويتعلق بالمنهج المضطرب الذي اختاره رئيس الحزب الذي ي دعوا أحيان ا‬ ‫‪-1‬‬

‫الى ال تريث‪ ،‬وأحيان ا أخ رى الى ض رورة تعميم االستش ارة لعم وم الش عب ال ذي لم يبل غ في‬
‫نظره مستوى النضج السياسي الكامل‪ ،‬وأحيانا أخرى الى اسناد حق القرار الى مؤتمر وط ني‬
‫شامل‪.‬‬

‫‪ 1‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.54‬‬


‫‪ 2‬المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬مصطفى بن بولعيد‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪78‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫اتج اه يس اند المرك زيين والكث ير من ه ؤالء من ش ريحة الش باب ال واعي وال رافض للجم ود‬ ‫‪-2‬‬

‫‪1‬‬
‫السياسي‪ ،‬ويلح على التغيير والتطوير ونبذ األفكار األحادية‪.‬‬

‫اتجاه ثالث التزم الحياة في البداية‪ ،‬على أمل أن يحصل تقارب بين االتجاهين المتنافرين‪ ،‬لكنه‬ ‫‪-3‬‬

‫ما لبث أن ظهر كقطب ثالث له وجهة نظر متميزة وهو موقف معظم األوراسيين‪ ،‬وهو ما‬
‫يؤك ده عاج ل عج ول‪- 2‬أح د ق ادة األوراس‪ -‬في اس تجواب أجرت ه مع ه جمعي ة أول نوفم بر‬
‫"اجتم ع رؤس اء األقس ام في ‪ 14‬أوت ‪ 1954‬في قس نطينة‪ ،‬لغ رض الحص ول‬ ‫بباتن ة‪:‬‬
‫على ال دعم الم الي من الح زب‪...‬وق د حض ر المص اليون والمركزي ون من الجزائ ر لغ رض‬
‫التجس س والتش ويش‪ ،‬وك ان األوراس ي أمر من بن بولعي د ق د ال تزم الحي اة"‪ ،3‬وتج در اإلش ارة‬
‫الى أن كال االتجاهين المتصارعين لم يكن من أولوياتها التعجيل بتفجير الثورة‪.‬‬

‫تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل‪ :‬في مقاب ل ه ذين الخطين ب رز تي ار ث الث محاي د‬
‫من أنص ار المنظم ة الخاص ة منهم‪ :‬بن بولعي د‪ ،‬بن مهي دي‪ 4‬ودي دوش م راد‪ 5‬وبوض ياف‪ ،‬س ئموا‬
‫االنقسامات وحاولوا التوفيق بين المصاليين والمركزيين ولم يفلحوا‪ ،‬فعقدوا اجتماعا لهم في ‪23‬‬

‫‪ 1‬عثماني مسعود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.233‬‬


‫‪ 2‬عاجل عجول‪ :‬من مواليد ‪ ،1922‬بدوار كيمل قرب آريس‪ ،‬أدى الخدمة العسكرية‪ ،‬لم يدخل المدرسة باستثناء الكتاب‪ ،‬انخرط‬
‫في ‪ PPA، MTLD‬عام ‪ ،1951‬وجعل من كيمل دوارا متعاطفا معه الفكر الوطني‪ ،‬بعد اكتشاف ‪LOS‬هرب عجول الى‬
‫قسنطينة‪ ،‬واصل نشاطاته السياسة تحت قيادة شيهاني بشير المسؤول الجهوي‪ ،‬حضر مؤتمر المركزين في أوت ‪ ،1954‬نادى‬
‫بالنضال المسلح‪ ،‬التحق بمجموعة ال ‪ ،22‬وشارك في اندالع الثورة‪ ،‬استسلم للقوات الفرنسية في ‪ .1956‬ينظر‪ :‬عاشور‬
‫شرفي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ 3‬عثماني مسعود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.234‬‬
‫‪ 4‬العربي بن مهيدي‪ :‬من مواليد ‪ 1923‬بدوار الكواهي عيم مليلة‪ ،‬انخرط في الكشافة اإلسالمية ‪ ،1939‬عضو في حزب‬
‫الشعب الجزائري‪ ،‬اعتقل اثر أحداث الثامن من ماي‪ ،‬بعد خروجه من السجن التحق بصفوف ‪ ،MTLD‬عضو مؤسس للجنة‬
‫الثورية للوجدة والعمل‪ ،‬مسؤول للجبهة في القطاع الوهراني‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬عاشور شرفي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ 5‬ديدوش مراد‪ :‬المدعو (سي غبد القادر) من مواليد ‪ 1927‬بمدينة الجزائر‪ ،‬تحصل على الشهادة االبتدائية عام ‪ ،1939‬ثم‬
‫األهلية في ‪ ،1943‬انخرط في ‪ PPA‬وعمره ستة عشر سنة‪ ،‬أصبح عنصرا بارزا في اللجنة المركزية للشباب وهو تنظيم‬
‫شباني تابع للحزب‪،‬عين مسؤول للمنظمة الخاصة في عنابة تحت قيادة بوضياف‪ ،‬بعد اكتشافها أصبح مطاردا من طرف‬
‫البوليس الفرنسي‪ ،‬هاجر الى فرنسا عام ‪ 1952‬ثم عاد الى الجزائر‪ ،‬عضو في ‪ CRUA‬وفي لجنة ال ‪ ،6‬كلف بصياغة بيان‬
‫أول نوفمبر الى جانب بوضياف‪ ،‬استشهد في وادي بوكركر ‪18‬جانفي ‪ .1955‬ينظر‪ :‬آسيا تميم‪ :‬الشخصيات الجزائرية‪:‬‬
‫‪100‬شخصية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار المسك للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2008 ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪79‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫م ارس ‪ 1954‬نتج عن ه تش كيل "اللجن ة الثوري ة للوح دة والعم ل (‪ ،")CRUA‬به دف الت أليف بين‬
‫‪1‬‬
‫سائر الوطنيين الجزائريين والتمهيد للثورة المسلحة‪ ،‬وتقرر فيه مبدأ الشروع في الثورة‪.‬‬

‫حيث ق ام بن بولعي د بزي ارة مص الي الح اج‪ ،‬المتواج د في فرنس ا (مدين ة ين ور) فيف ري‬
‫‪ ،1954‬وناشده أن يتجنب فكرة تفكك الحزب وانهياره‪ ،‬لكنه فشل في هذا المسعى‪ ،‬وعند عودته‬
‫الى الجزائر في بداية مارس‪ 1954‬اتصل بوضياف بزمالئه في المنظمة الخاصة‪" :‬مصطفى بن‬
‫والعربي بن مهيدي ورابح بيطاط"‪ ،‬أين درسوا أوضاع المنظمة‪ ،‬وأبعاد القاعدة‬ ‫بولعيد‬
‫النض الية عن االنقس ام الخط ير ال ذي أص اب القم ة‪ ،‬وفي ه ذا اللق اء انبثقت فك رة انش اء اللجن ة‬
‫‪2‬‬
‫الثورية للوحدة والعمل‪.‬‬

‫وفي هذه الفترة التي تأسست فيها ‪ CRUA‬في مارس‪ ،1954‬كانت هيكلة حركة انتصار‬
‫الحري ات الديموقراطي ة في دائ رة باتن ة كالت الي وه ذا حس ب هيكل ة الوالي ات وحس ب التوزي ع‬
‫الجغرافي المعتمد من طرف الحزب‪ ،‬حيث كان بدائرة باتنة‪ :‬الرئيس (رئيس الدائرة)‪ :‬شيحاني‬
‫بشير المعروف "سي مسعود"‪ ،‬و عدة قسمات‪ :‬قسمة باتنة ‪ /‬قسمة بريكة‪ /‬قسمة خنشلة‪ /‬قسمة‬
‫فم الط وب‪ /‬قس مة آريس ‪ ،‬حيث ض مت قس مة باتن ة ح والي ‪ 50‬مناض ل‪ ،‬تك ونت لجن ة القس مة‬
‫من‪ :‬بوش كيوة ي ونس‪ ،‬ب اهيري الط اهر‪ ،‬خال د لزه اري‪ ،‬بوض ياف أحم د‪ ،‬دراج حس ين‪ ،‬بوش مال‬
‫محمد رشيد‪ ،‬وعلى رأسهم شيهاني بشير‪ ،‬أما مجموعة المناطق داخل هذه القسمة كانت‪:‬‬

‫‪ -‬منطقة القنطرة‪ :‬تحت رئاسة بن ذيات محمد (ضمت ‪ 10‬مناضلين)‪.‬‬


‫‪ -‬منطقة التوتة‪ :‬تحت رئاسة بلخوجة عبد المجيد (ضمت ‪ 10‬مناضلين)‪.‬‬
‫‪ -‬منطق ة الش مرة‪ :‬تحت رئاس ة غايل ة العايف ة (ض مت ‪ 40‬مناض ال)‪ ،‬م ع وج ود ن واة في عين‬
‫ياقوت تحت رئاسة العمري محمد‪ ،‬وقد جند معظم أعضاء الحركة في حوار أوالد عمور بن‬
‫فاضل‪.‬‬

‫‪ 1‬بشير بالح‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.476‬‬


‫‪ 2‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪80‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫‪ -‬ضمت قسمت بريكة‪ :‬حوالي ‪ 30‬مناضال‪ ،‬تكونت لجنة القسمة من مزيان محمد‪ ،‬بن دريس‬
‫صالح‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬ضمت قسمة خنشلة‪ :‬حوالي ‪ 60‬مناضال‪ ،‬على رأسهم عباس لغرور‪.‬‬
‫‪ -‬ض مت قس مة فم الط وب‪ :‬أك ثر من ‪ 100‬مناض ل‪ ،‬على رأس هم غم راس الط اهر (ط اهر‬
‫النويشي)‪.‬‬
‫أما قسمة آريس‪ :‬فقد كان بها عدد كبير من المناضلين‪ ،‬ترأسهم في البداية عرشة محمود‪ ،‬خلفه‬
‫بعد ذلك بلعقون مسعود ثم عجول نوردي‪ ،‬صنفت دواوير كيمل وأشمول وزالطو‪ ،‬ضمن جهة‬
‫ضمت ‪ 80‬مناضال‪.‬‬

‫في ه ذه الف ترة ال تي أسس ت فيه ا اللجن ة الثوري ة للوح دة والعم ل لم يكن مناض لو الح زب‬
‫يعلم ون بوجوده ا‪ ،‬وتأكي دا الموق ف الحي اد من األزم ة عق د بم نزل بلعق ون (رئيس س ابق لقس مة‬
‫آريس) اجتماعا تحت رئاسة شيحاني بشير ضم‪:‬‬

‫بن بولعيد عضو اللجنة المركزية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بوشكيوة يونس رئيس قسمة باتنة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عجول نوردي رئيس قسمة آريس‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫غمراس الطاهر رئيس قسمة فم الطوب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مزيان محمد رئيس قسمة بريكة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وقد أمضو على قرار الحياد وأرسلوه الى حسين لحول وأحمد مزغنة وقد نشر هذا القرار‬
‫‪2‬‬
‫في العدد األول من جريدة ‪.Le patriote Algerien‬‬

‫تط ورت ه ذه األزم ة ح تى وص لت الى ح د التفك ك الت ام للح زب‪ ،‬ويتجلى ذل ك في عق د‬


‫مؤتمرين منفصلين لحزب واحد‪ ،‬حيث عقد األول في ‪ 14‬جويلية سنة ‪ 1954‬ببلجيكا (هورنو)‪،‬‬

‫‪ 1‬ليلى تيتة‪ :‬موقف مناضلي حركة انتصار الحريات الديمقراطية بمنطقة األوراس من أزمة الحزب وتداعياته من خالل الوثائق‬
‫األرشيفية والشهادات‪ ،‬مجلة الباحث في العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬العدد‪ ،01 :‬جوان ‪ ،2014‬ص ‪.6‬‬
‫‪ 2‬ليلى تيتة‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪81‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫وانتهى بمنح الثق ة التام ة لمص الي الح اج في إدارة الح زب‪ ،‬باإلض افة الى ق رار ح ل اللجن ة‬
‫المركزي ة‪ ،‬أم ا الم ؤتمر الث اني فعق د ب الجزائر ‪ 23‬الى ‪ 16‬أوت ‪ ،1954‬وانتهى بق رار اقص اء‬
‫مص الي الح اج‪ 1‬ومزغن ة وم والي مرب اح من إدارة الح زب‪ ،‬ون دد باالجتم اع ال ذي عق د في‬
‫هورن و‪ ،‬ان ك ان ه ذان الم ؤتمران ق د كرس ا االنقس ام في ص نوف ح زب ‪ ،MTLD‬وأنهى المهم ة‬
‫‪2‬‬
‫التوفيقية لـ ‪.CRUA‬‬

‫لقد كان أنصار العمل المسلح منذ البداية ينظرون الى اللجنة الثورية للوحدة والعمل على‬
‫أنها إطار نظامي مناسب يهيأ لهم أسباب االتصال بإخوانهم أعضاء المنظمة العسكرية بواسطة‬
‫‪3‬‬
‫(نشرة الوطني) أو باالتصال المباشر تحت مظلة اللجنة الثورية‪.‬‬

‫كما أن غالبية القاعدة النضالية استمرت في النشاط تحت رايتها‪ ،‬واعتبرتها األداة الوحيدة‬
‫التي استمرت في طريقها الى الكفاح المسلح‪ ،‬واستمرت في صالحيتها التنظيمية الى غاي ة تس ليم‬
‫‪4‬‬
‫المهمة الى حزب جبهة التحرير الوطني في ‪ 23‬اكتوبر‪.1954‬‬

‫مجموعة ‪:22‬‬

‫بع د فش ل المس اعي ال تي ك انت يق وم به ا محم د بوض ياف ض من اللجن ة الثوري ة للوح دة‬
‫والعم ل لتوحي د ص فوف ح زب الش عب المنقس م بين المرك زيين والمص اليين ق رر بوض ياف في‬
‫ربيع سنة ‪ 1954‬أن يتصل بعدد من مناضلي الحزب التابعين للمنظمة الخاصة التابعة للحزب‬
‫والذين كانوا متابعين من طرف السلطات االستعمارية وكانوا يتسترون في مختلف أنح اء ال وطن‬
‫وأعطى لهم موع دا الجتم اع ع ام‪ ،5‬ه ذا الق رار ال ذي ق اد المجموع ة الى اجتم اع ال ‪ 22‬ال ذي‬
‫انعق د في الجزائ ر في "كل و ص المبيي"‪ ،‬في النص ف الث اني من ش هر ج وان ‪ ،1954‬وق د حض ره‬
‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 3‬بوشيخي الشيخ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.259‬‬
‫‪4‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪ 5‬زهير إحدادن‪ :‬المختصر في تاريخ الثورة الجزائرية ‪1954‬ـ‪،1962‬‬
‫‪82‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫كل من ابن بولعيد وابن مهدي‪ ،‬ديدوش ومحمد بوضياف بصفتهم المنظمين لالجتماع‪ 1،‬أما عن‬
‫المش اركين األخ رين ك انوا ق دماء المنظم ة الخاص ة‪ ،‬رغم أنهم ك انوا مط اردين من ط رف‬
‫الش رطة‪ ،‬ف ان معظمهم واص لوا نش اطهم وح افظوا على االتص االت م ع المناض لين الموث وق بهم‬
‫‪2‬‬
‫في الجهات التي كانوا يمارسون فيها مسؤولياتهم‪.‬‬

‫عق د ه ذا االجتم اع بم نزل الي اس دريش بحي المدين ة‪ ،‬التخ اذ الت دابير االزم ة‪ ،‬النطالق‬
‫العم ل المس لح‪ ،‬ت رأس ه ذا االجتم اع الت اريخي مص طفى بن بولعي د‪ ،‬وتم تق ديم الخط ة الثوري ة‪،‬‬
‫وتحض ير برن امج العم ل الث وري‪ ،‬والتجني د واأله داف‪ ،‬وك ان ع دد الحاض رين اثن ان وعش رون‬
‫مناضال وهم‪ :‬بن بولعيد مصطفى‪ ،‬مراد ديدوش‪ ،‬العربي بن مهيدي‪ ،‬زيغود يوسف‪ ،‬بوضياف‬
‫محم د‪ ،‬رابح بيط اط‪ ،‬لخض ر بن طوب ال‪ ،‬عب د الحفي ظ بوص وف‪ ،‬س ويداني بوجمع ة‪ ،‬مخت ار‬
‫رب احي‪ ،‬عم ار بن مص طفى ع ودة‪ ،‬عب د الس الم حباش ي‪ ،‬بلح اج ش عيب‪ ،‬عب د الق ادر العم ودي‪،‬‬
‫عثمان بلوزداد السعيد بوعلي‪ ،‬الزبير بوعجاج‪ ،‬سليمان مالح‪ ،‬محمد مشاطي‪ ،‬محمد مرزوقي‪،‬‬
‫والي اس دريش ص احب ال دار‪ ،‬ال ذي لم يش ارك في الم داوالت وال في التص ويت‪ ،‬اال أن ه أعت بر‬
‫عض وا في مجموع ة ‪ ،22‬ألن ه أواهم في منزل ه‪ 3.‬وال ذي تق رر في ه بص فة قطيع ة تفج ير الث ورة‬
‫المس لحة من أج ل اس تعادة الس يادة الوطني ة وط رد االس تعمار الفرنس ي‪ ،‬كم ا تم االتف اق على‬
‫انتخاب منسق عام للثورة يكون من بين الحاضرين األكبر سنا‪ ،‬وبما أن بوضياف وبن بولعيد‬
‫هما األكبر سنا فقد تقرر أن تجرى انتخابات‪ ،‬رغم أن بن بولعيد كان يريد أن يتولى بوضياف‬
‫هذه المسؤولية‪ ،‬اال أن االنتخابات أسفرت عن حصول بن بولعيد على أك بر األص وات اال أن بن‬
‫‪4‬‬
‫بولعيد أعلن فوز محمد بوضياف كمنسق عام للثورة‪.‬‬
‫ومن بين المسائل التي أثيرت في االجتماع‪:‬‬
‫تاريخ المنظمة الخاصة منذ تأسيسها الى حلها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 1‬عمار مالح‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪ 2‬محمد بوضياف‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ 3‬محمد العيد مطمر‪ :‬ثورة نوفمبر ‪ 54‬الجزائر (األوراس ـ النمامشة) أو فاتحة النار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪95‬ـ‪.96‬‬
‫‪ 4‬العقيد الطاهر الزبيري‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪83‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫حصيلة االضطهاد والتنديد بالموقف االستسالمي لقيادة الحزب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫العمل الذي أنجزه قدماء المنظمة الخاصة بين ‪ 1950‬و‪.1954‬‬ ‫‪-‬‬

‫أزم ة الح زب‪ ،‬ودواعيه ا العميق ة يع ني ال نزاع بين الخ ط اإلص الحي للقي ادة‪ ،‬والتطلع ات‬ ‫‪-‬‬

‫الثورية للقاعدة‪ ،‬وهي األزمة التي كانت نتيجتها اشتقاق الحزب‪.‬‬


‫شرح موقفنا في ‪ CRUA‬بالنسبة لألزمة والمركزيين‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وانتهى التقرير الذي قدمه بوضياف بقول‪" :‬نحن قدامى المنظمة الخاصة يرجع الينا الي وم‬
‫القرار في التشاور وتقرير المستقبل"‪ ،1‬وبعد مناقشة مستفيضة وجلسات المؤتمر الذي استغرقت‬
‫أشغاله يوما واحدا اتخذ جملة من القرارات التاريخية الهامة‪:‬‬
‫استئناف الثورة بالوسائل المتاحة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مباشرة التدريبات العسكرية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫البحث عن األسلحة وجمعها وتوزيعها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫انتخاب قيادة وطنية من خمسة أعضاء هم السادة‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫محمد بوضياف‪ :‬منسق عام‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مصطفى بن بولعيد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫العربي بن مهيدي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ديدوش مراد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪2‬‬
‫رابح بيطاط‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 1‬محمد بوضياف‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.47‬‬


‫‪ 2‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪84‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫‪2‬‬
‫ثم انضم إليهم كريم بلقاسم‪ 1‬في وقت الحق وبذلك أصبحت اللجنة ‪ 1+5‬مشهورة‪.‬‬

‫و ك ان لمص طفى بن بولعي د دور ري ادي بمعي ة رفقائ ه في النض ال وهم‪ :‬دي دوش م راد‬
‫ومحم د بوض ياف ورابح بيط اط في االتص ال بقي ادة المنظم ة الخاص ة (‪ )L’OS‬بمنطق ة القبائ ل‬
‫(كريم بلقاسم وأعمر أو عمران)‪ ،‬لتوضيح المواقف واللبس الناتج عن الصراع القائم بين اللجنة‬
‫‪3‬‬
‫المركزية وزعيم الحزب‪ ،‬وقد ترتب عن ذلك تبني المنطقة للعمل الثوري كسائر المناطق‪.‬‬
‫اللجنة الـــــ ‪:6‬‬
‫بع د م ؤتمر ‪ 22‬كل ف بن بولعي د من ط رف اللجن ة الثوري ة للوح دة والعم ل باالتص ال‬
‫بمصالي الحاج واعالمه بانبثاق اللجنة (‪ )CRUA‬وعرض عليه برنامج المؤتمر للموافقة عليه‬
‫حتى يصبح شرعيا ولمصالي الحاج أن يكون عضوا عاش في اللجنة المنبثقة من المؤتمر‪ ،‬اال‬
‫أن مصالي لحاج رفض بتاتا برنامج لجنة ‪ 22‬وقال بأن الشعب لم ينضج بعد ولم يكن مستعدا‬
‫لتفج ير الث ورة في ه ذه الظ روف ‪ ،‬رج ع بن بولعي د واجتم ع بأعض اء اللجن ة الثوري ة للوح دة‬
‫والعمل وأخبرهم بما تمخض عن لقائه بمصالي الحاج‪ ،‬وعلى إثر هذا قرر أعضاء اللجنة البدء‬
‫‪4‬‬
‫الفعلي للتحضير للثورة في الجزائر‪.‬‬
‫فقسموا الجزائر الى خمسة مناطق قيادية وهي كالتالي‪:‬‬

‫منطقة األوراس‪ :‬تحت قيادة الشهيد مصطفى بن بولعيد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫منطقة الشمال القسنطيني‪ :‬بقيادة الشهيد ديدوش مراد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 1‬كريم بلقاسم‪ :‬ولد في ‪14‬ديسمبر ‪ 1922‬بقرية تيزرا نعيسى الجبلية التابعة لبلدية الميزان المختلطة‪ ،‬من عائلة ثرية‪ ،‬درس في‬
‫المدرسة الفرنسية وعمل في اإلدارة االستعمارية ككاتب ببلديته عام ‪ ،1940‬بعد ح ع ‪ 2‬امتزجت فيه الروح الوطنية والدينية‬
‫وهو ما جلب له عداء أبيه وأقاربه‪ ،‬انخرط كريم في ‪ PPA‬عام ‪ ،1945‬كما عمل على نشر الفكرة الوطنية في منطقته‪ ،‬قاد‬
‫عدة عمليات عسكرية في منطقته القبائل‪ ،‬قتل غدرا في ‪18‬أكتوبر ‪ .1970‬ينظر‪ :‬آسيا تميم‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪-188‬‬
‫‪.196‬‬
‫‪ 2‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬معالم بارزة في ثورة نوفمبر ‪ ،1954‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‬
‫‪.61‬‬
‫‪ 3‬المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬مصطفى بن بولعيد‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ 4‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬معالم بارزة في ثورة نوفمبر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪85‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫منطقة جرجرة الصومام (القبائل)‪ :‬بقيادة كريم بلقاسم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫منطقة الوسط(الجزائر)‪ :‬بقيادة رابح بيطاط‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫منطقة وهران‪ :‬بقيادة الشهيد العربي بن مهيدي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كل ف الس يد بوض ياف بالتنس يق بين المن اطق في ال داخل والخ ارج خصوص ا البعث ة ال تي‬
‫توجد في مصر وهم أعضاء في ‪ :CRUA‬أحمد بن بلة‪ ،1‬محمد حيدر‪ ،‬حسين آيت أحمد‪ ،‬ولكل‬
‫قائد منطقة من المناطق الخمسة تحت إمرته ثالث نواب‪ ،2‬وعلى إثر هذا التقسيم اتفقت القيادة‬
‫بتنفي ذ مهامه ا بعين المك ان‪ ،‬وفي ك ل منطق ة مختص به ا وذل ك من أج ل دراس ة م ا تحتاج ه ك ل‬
‫منطقة والقيام باألعمال التالية وعرضها في االجتماع المقبل لهم‪:‬‬

‫إحصاء عدد المناضلين الملتزمين والمحبين والمؤيدين للثورة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إحصاء عدد األسلحة الحربية التي يمتلكها المناضلون وغيرهم من أفراد الشعب وكذلك‬ ‫‪-‬‬

‫بنادق الصيد أو مسدسات‪.‬‬


‫قائمة وخريطة بأماكن الماء والمخابئ والقمم واألودية ومراكز العدو من ثكنات وشرطة‬ ‫‪-‬‬

‫ورجال الدرك وحراس الغابات المسلحين وقيادة الدواوير واألسلحة التي يمتلكونها‪.‬‬
‫شراء اللباس العسكري وأدواته‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫األمر بإسراع المحاصيل الفالحية وحصدها وبذرها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫جم ع االش تراكات والتبرع ات والزك اة واالمتن اع من دفعه ا أو تس ليمها إلى المص اليين‬ ‫‪-‬‬

‫أو المركزيين وشراء األسلحة الحربية من طرف المناضلين أو بمعونة ‪.CRUA‬‬

‫‪ 1‬أحمد بن بلة‪ :‬من مواليد ‪ 1918‬بمغنية‪ ،‬أدى الخدمة العسكرية في ‪ ،1937‬شارك في جميع حمالت فرنسا وإ يطاليا‪ ،‬عاد الى‬
‫الجزائر عام ‪ ،1945‬انضم الى حزب الشعب ‪ ،MTLD‬مسؤول للمنظمة الخاصة في وهران ‪ ،1949‬عضو اللجنة المركزية‪،‬‬
‫اعتقل بعد عملية اختطاف الطائرة أكتوبر ‪ ،1956‬عضو المجلس الوطني للثورة ونائب رئيس الحكومة ‪ .1960‬انظر‪ :‬عاشور‬
‫شرفي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ 2‬بوشيخي الشيخ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.267‬‬
‫‪86‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫وأخ يرا تكلي ف مص طفى بن بولعي د المكل ف بالتس ليح على جلب ونق ل مخ زون األس لحة‬ ‫‪-‬‬

‫ال تي توج د بقم ار ب وادي س وف وال تي ك انت مخب أة في ثالث مط امر عن د الح اج محم د‬
‫وعددها ما يقارب (‪ 3‬آالف) بندقية ومسدس‪.1‬‬
‫عق دت لجن ة الس تة سلس لة من االجتماع ات بداي ة من ش هر س بتمبر ‪ 1954‬خ رجت خالله ا‬
‫بالقرارات اآلتية‪:‬‬

‫تسمية المنطقة السياسية بجبهة التحرير الوطني‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تسمية المنطقة العسكرية بجيش التحرير الوطني‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الالمركزية في العمل نظرا التساع الرقعة الجغرافية للجزائر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ترك حرية المبادرة لكل منطقة في البداية إلى غاية عقد مؤتمر وطني في المستقبل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خلق جبهة جديدة ينظم إليها األشخاص بصفة فردية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إعالن األول من نوفمبر ‪ 1954‬النطالق الثورة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إعطاء األولوية للداخل في اتخاذ القرارات‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وحول إمكانيات كل منطقة‪ ،‬علق محمد حربي بقوله‪ ":‬لم يكن هناك سوى معقلين أساسيين في‬
‫جميع أنحاء البالد وهما‪" :‬منطقة األوراس" و" منطقة القبائل"‪ ،‬حيث وقف إلى جانب بن بولعيد‬
‫م ا يرب و عن ‪ 1700‬ناش ط‪ ،‬بينم ا في منطق ة القبائ ل ‪ 1600‬ناش ط من ذوي الخ برة النض الية"‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وهو ما يأكد مجهودات هذه المناطق في إطار العملية التحضيرية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االجتماعات التحضيرية في األوراس‬

‫لقد قام مصطفى بن بولعيد بدور رئيسي في تنفيذ الخطة الوطنية الهادفة إلى إعداد العدة‬
‫لتفجير الثورة المسلحة‪ ،‬حيث أشرف على سلسلة من االجتماع ات التحض يرية بمنطق ة األوراس‪،‬‬

‫‪ 1‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬معالم بارزة في ثورة نوفمبر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪107‬ـ‪.108‬‬ ‫‪ 2‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‬
‫‪87‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫حرص من خاللها على اختيار الرجال المتمرسين على الشدائد وركوب المخاطر وتنفيذ المهام‬
‫التي تستند إليهم باإلضافة إلى وضع األسس والقواعد السليمة التي ينبغي أخذها بعين االعتبار‪.1‬‬

‫أول اجتم اع في إط ار اإلع داد للث ورة في األوراس ك ان ق د انعق د بت اريخ ‪ 30‬م ارس‬
‫‪ 1954‬في "دار المس عود بلعق ون" في أزمالةـ باتن ة‪ ،‬وه ذا بع د أس بوع واح د من إنش اء اللجن ة‬
‫الثورية للوحدة والعمل بتاريخ ‪ 23‬مارس ‪ ،1954‬وقد يكون ابن بولعيد قد سبق قرار لجنة ‪22‬‬
‫بالمدين ة العاص مة ال تي اجتمعت ب دار المناض ل إلي اس دريش‪ ،‬وأجمعت في قراره ا على إعالن‬
‫الثورة واعتبر في ذلك منعرجا حاسما إلنهاء المعضلة السياسية التي كانت تمر بها الحركة التي‬
‫راحت تتداعى للسقوط‪ ،‬وقد حضر هذا االجتماع مسؤولو جميع األقسام ماعدا قسم باتنة الذي‬
‫اختار الوالء لالتجاه المصالي ولم يحضره بشير شيحاني‪(2‬رئيس دائرة)‪. 3‬‬

‫االجتم اع الث اني‪ :‬في ش هر أفري ل ‪ 1954‬أش رف بن بولعي د على اجتم اع بض يعته‬
‫بت ازولت‪ ،‬ض م بعض المناض لين القي اديين‪ ،‬خص ص لدراس ة الوض ع الع ام بمنطق ة األوراس‪،4‬‬
‫شارك فيه رؤساء األقسام ونذكر منهم عباس لغرور‪ 5‬وخنتري محمد وحاجي موسى‪ ،‬انويشي‬
‫الط اهر‪ ،‬عاجل عجول وشبحاني بشير‪ ،‬في البداي ة طلب منهم مصطفى إحص اء كل المناضلين‬
‫في ك ل قس م وإ حص اء الس الح واس تحلفهم على كتم ان الس ر وس لموا ل ه ق وائم المناض لين‪ ،‬وأم ر‬
‫بعض ا منهم بال ذهاب لحض ور االجتم اع ال ذي س ينعقد بالعاص مة بطلب من مناض لي األوراس‬

‫‪ 1‬المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬مصطفى بن بولعيد‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ 2‬بشير شيحاني‪ :‬من مواليد أبريل ‪ 1929‬بالخروب (قسنطينة)‪ ،‬نشأ في أسرة محافظة وبيئة ثورية‪ ،‬أحد قادة الثورة التحريرية‬
‫ومفجريها‪ ،‬النائب األول البن بولعيد وكان يشرف عشية اندالع الثورة التحريرية على دائرة الحزب باألوراس‪ ،‬ومسؤول‬
‫المنطقة التاريخية األولى ‪ .1955‬ينظر‪ :‬عبد اهلل مقالتي‪ :‬بشير شيحاني ودوره في الحركة الوطنية والثورة التحريرية ‪-1945‬‬
‫‪ ،1955‬مجلة البحوث والدراسات التاريخية‪ ،‬المجلد‪ ،03 :‬العدد‪ ،13:‬جوان‪ ،2017‬ص ‪.145-244‬‬
‫‪ 3‬عثماني مسعود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.235‬‬
‫‪ 4‬المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬مصطفى بن بولعيد‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪ 5‬عباس لغرور‪ :‬من مواليد جوان ‪ ،1926‬بدوار مسيغة (خنشلة)‪ ،‬من أسرة فقيرة‪ ،‬دخل المدرسة الفرنسية وحصل على‬
‫الشهادة االبتدائية‪ ،‬انضم مبكرا للحركة الوطنية (‪ )PPA‬في ‪ ،1946‬حضر للثورة مع بن بولعيد وعجول‪ ،‬أشرف على أفواج‬
‫ليلة أول نوفمبر‪ ،‬استشهد في ‪ .1957‬ينظر‪ :‬آسيا تميم‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.119-118‬‬
‫‪88‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫علهم يحص لون على الم ال‪ ،‬وع ادوا من اجتم اع المرك زيين في الجزائ ر العاص مة بتس عة آالف‬
‫فرنك فقط كإعانة للمناضلين في األوراس‪.1‬‬

‫اجتماع جويلية ‪ :1954‬ولقد اجتمع فيه كل من "بشير شيحاني"‪" ،‬عاجل عجوا" و"عباس‬
‫لغرور"‪ ،‬ومسؤولي األقسام في الحزب "‪ "MTLD‬باستثناء قسم عين البيضاء الذي كان في صف‬
‫مصالي الحاج‪ ،‬حيث تم في هذا االجتماع تقييم المهام التي كلف بها المناضلون استعدادا للثورة‬
‫المس لحة‪ ،‬حيث ق اموا بض بط بعض النق ائص‪ ،‬وتطرق وا إلى موض وع كيفي ة اس تدعاء المناض لين‬
‫ال ذين سيش اركون في العم ل المس لح دون الوق وع في أي خط أ قب ل تفجير الث ورة‪ ،‬باإلض افة إلى‬
‫اتف اقهم على اجب ار المص اليين المرك زيين باالنض مام إلى العم ل المس لح وت رك عن ادهم جانب ا‬
‫‪2‬‬
‫والنظر إلى المصلحة العامة‪.‬‬

‫اجتماع لقرين‪ :‬يعتبر هذا االجتماع بالنسبة للمنطقة األولى االجتم اع التخطيطي األول من‬
‫حيث األهمي ة إذا م ا ق ورن باالجتماع ات الس ابقة‪ ،‬ويق اس في أهميت ه بالنس بة للث ورة ونجاحه ا‬
‫وثباته ا في األوراس لم دة ع ام بم ؤتمر الص ومام بالنس بة لوض ع هياك ل الث ورة فيم ا بع د في ‪20‬‬
‫أوت ‪.1956‬‬

‫ألن هذا االجتماع رعيت فيه الدقة واالستراتيجية وتوزيع المهام والكشف عن تاريخ قيام الثورة‬
‫وطبع بيان أول نوفمبر ووضع الحدود الجغرافية للمنطقة األولى‪ ،3‬حين عقد بن بولعيد اجتماعا‬
‫في أواخر شهر أكتوبر في قرية (لقرين) شمال مدينة دوفانة طريق خنشلة‪ ،‬بدوار أوالد عمر‬
‫بن فاض ل وفي دار المناض ل عب د اهلل بن مس عودة‪ ،‬حض ره قي ادي منطق ة األوراس‪ :‬ش يحاني‬
‫بشير‪ ،‬عاجل عجول‪ ،‬الطاهر عمراس‪ ،‬عباس لغرور‪ ،‬محمد خنطر‪ ،‬موسى حاجي‪ ،‬عبد اهلل بن‬

‫‪ 1‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬الثورة الجزائرية أحداث وتأمالت‪ ،‬مطبعة عمار قرفي‪ ،‬باتنة‪،‬‬
‫‪ ،1994‬ص ‪.52‬‬
‫‪ 2‬هدى مغراوي وعلي أحقو‪ :‬الوالية األولى والثورة التحريرية من خالل الكتابات التاريخية (‪1954‬ـ‪ ،)196‬مجلة األحياء‪،‬‬
‫المجلد‪ ،22 :‬العدد‪ ،30 :‬جانفي ‪ ،2022‬ص ‪1085‬ـ‪.1086‬‬
‫‪ 3‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬الثورة الجزائرية أحداث وتأمالت‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪52‬ـ‬
‫‪.53‬‬
‫‪89‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫مس عودة (ص احب ال دار) والش يخ المعلم س اعد حب ال دين‪ ،‬ال ذي ق دم المص حف للجمي ع وأقس موا‬
‫عليه‪.1‬‬

‫وقب ل الش روع في الم داوالت اس تحلفهم مص طفى أن يكتم وا الس ر وحينئ ذ كش ف لهم عن‬
‫تاريخ قيام الثورة وحضر لهم اآلالت الكاتبة لنسخ بيان أول نوفمبر ‪ 1954‬وكلف عاجل عجول‬
‫يكتب ه بالعربي ة وعب اس لغ رور يكتب ه بالفرنس ية‪ ،‬وأعلمهم ب أن المرك زيين ض د قي ام الث ورة م ع‬
‫وأن ق رار قي ام الث ورة اتف ق علي ه في اجتم اع ‪ 22‬بالعاص مة أواخ ر ج وان‬ ‫المص اليين‬
‫بن بولعي د وبن مهيدي وديدوش مراد وك ريم بلقاسم وبوض ياف‬ ‫‪ ،1954‬كم ا اتفق الس تة‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪،‬‬ ‫على تقسيم المناطق إلى خمسة في دار بوكشور مراد في باينام بالعاصمة قبيل الثورة بأسبوع‬
‫وتم خالل ه ذا االجتم اع ض بط قائم ة المراك ز المس تهدفة للهج وم عليه ا ليل ة أول نوفم بر‪ ،‬وك ان‬
‫عددها ‪ 30‬هدفا‪ ،‬ذلك في كل من بريكة‪ ،‬باتنة‪ ،‬آريس‪ ،‬خنشلة‪ ،‬مشونش‪ ،3‬وبسكرة وحرق حافلة‬
‫البوهالي التي نافس بها العدو الفرنسي حافلة بن بولعيد في الطريق الرابط بين آريس وباتنة من ذ‬
‫أوائل الخمسينات بمسافة ‪ 60‬كلم‪ ،‬واتفق على قطع اسالك الهاتف وتوزيع المنشورات للدعاية‬
‫وتوضع األلغام أمام الجيش الفرنسي وفي الجسور‪.‬‬

‫كم ا تق رر أن تبقى الص حراء للتم وين بالس الح وتبقى ط امرا للتم وين بالغ ذاء‪ .‬ويتص ل‬
‫عقالي مصطفى من الشمرة بلخروب لتقويم نتائج العمليات بعد قيام الثورة كما وقع االتفاق على‬
‫توس يع األه داف بع د ان دالع الث ورة ح تى تص ل ح دود المنطق ة األولى (الوالي ة األولى) إلى واد‬
‫زناتي وعين البيضاء والعلمة ولخروب وسدراتة وتتبع الضراء المنطقة األولى‪ ،4‬وأخبرهم بن‬
‫بولعي د ب أن "ب وعزة محم د" المع روف بـ "عرع ان" س يكون واس طة بين الث ورة والق اهرة‪ ،‬وس يقوم‬
‫شيحاني باالتصال بليبيا‪ ،‬وبعث بن بولعيد ‪ 30‬جنديا إلى خنشلة‪ ،‬واتفقوا في نهاية االجتماع على‬
‫توزيع السالح‪ ،‬قائد منطقة باتنة "الطاهر غمراس" وقائد منطقة بريكة "محمد خنتر"‪ ،‬قائد منطقة‬
‫‪ 1‬محمد العيد مطمر‪ :‬ثورة نوفمبر ‪ 54‬في الجزائر (األوراس ـ النمامشة) أو فاتحة النار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪ 2‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬الثورة الجزائرية أحداث وتأمالت‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ 3‬هدى مغراوي وعلي احقو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.1086‬‬
‫‪ 4‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬الثورة الجزائرية أحداث وتأمالت‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪90‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫خنش لة "عب اس لغ رور" وقائ د منطق ة الخ روب "موس ى ح اجي"‪ ،1‬و تش كلت منطق ة األوراس‬
‫وجبال النمامشة‪ ،‬جبال بلزمة والقسم الشرقي للحضنة‪ ،‬باإلضافة إلى بعض المدن الهامة مثل‪:‬‬
‫باتنة‪ ،‬بريكة‪ ،‬خنشلة‪ ،‬تبسة‪ ،‬عين البيضا عين مليلة‪ ،‬سدراتة‪ ،‬ونزة‪ ،‬مسيلة‪ ،‬آريس‪ ،‬قنتيس‪ ،‬خنقة‬
‫سيدي ناجي‪.‬‬
‫اجتماع اشمول‪ :‬وقع في دار "برغوث علي" بالمدينة وهناك استعرضوا األماكن المناسبة‬
‫لالجتم اع ليل ة أول نوفم بر ‪ 1954‬كملوج ة ولمدين ة والدش رة وأوالد موس ى وخنق ة لح دادة‬
‫بيتيبك اوين‪ ،‬وحض ر ه ذا االجتم اع م ع ص احب ال دار برغ وث علي وتحت اش راف مص طفى بن‬
‫بولعيد كل من عاجل عجول والطاهر انو يشي وعباس لغرور‪ ،2‬وأهم نقطة في هذا االجتماع هو‬
‫البحث عن مكان مالئم لتجميع من وقع عليهم االختيار من المناضلين األوفياء‪ ،‬ليكون لهم شرف‬
‫المب ادأة وفض ل الس بق في إطالق العي ارات األولى نح و ص دور أع داء الحري ة إي ذانا بب دأ العم ل‬
‫المس لح‪ ،‬انص رف عب اس لغ رور بع د أن تلقى توص يات من القائ د‪ :‬بن بولعي د ليت ولى تنفي ذ‬
‫العملي ات األولى على مس توى مدين ة خنش لة في الي وم المح دد وال زمن المح دد من ليل ة أول‬
‫نوفم بر‪ ،‬بينم ا واص ل بقي ة الق ادة اس تعراض األم اكن ال تي يمكن أن يعق د فيه ا االجتم اع لمئ ات‬
‫المناضلين وفي سرية تامة بعيدا عن األنظار‪ ،‬ألن أي وشاية سوف تؤدي إلى ردود أفعال عنيفة‬
‫من قبل السلطة االستعمارية‪ ،3‬وبعد المناقشة وقع االتفاق على دشرة أوالد موسى وخنقة لحدادة‬
‫‪4‬‬
‫وذلك لمناعتهما وبعدهما عن أعين العدو الفرنسي‪.‬‬
‫ف وج الش مرة و(الليط و) ب وهليالت وعين مليل ة‪ :‬ف وج واح د‪ ،‬بقي ادة عب د اهلل بن مس عودة‪ ،‬اتج ه‬
‫بفوجه الى الشمرة والليطو بوهليالت‪ ،‬حيث يقوم بالهجوم على مركز المعمرين‪ ،‬ثم ينطلق الى‬
‫عين مليلة لنفس المهمة وقطع اسالك الهاتف‪.‬‬

‫‪ 1‬هدى مغراوي وعلي احقو‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.1086‬‬


‫‪ 2‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬الثورة الجزائرية أحداث وتأمالت‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 3‬عثماني مسعود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.240‬‬
‫‪ 4‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬الثورة الجزائرية أحداث وتأمالت‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪55‬‬
‫‪91‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫فوج بريكة‪ :‬فوج واحد‪ ،‬بقيادة‪ :‬محمد الشريف سليماني‪ ،‬منصور غقالي‪ ،‬الصادق بن التركية‪،‬‬
‫عبد القادر بوسماحة‪ ،‬محمد بن زيان خنتر‪ ،‬عيسى نقاب‪ ،‬أحمد بن الصحراوي والصالح بعلة‬
‫‪1‬‬
‫ويهدف الفوج الى ضرب مقر الدرك ومواد الكهرباء ومنزل الحاكم‪.‬‬

‫فوج باتنة‪ :‬وضم ثالث مجموعات بمعدل ستين (‪ )60‬مقاتل‪ ،‬بقيادة الحاج لخضر وبرفقة علي‬
‫بعزي ومحمد الشريف عكشة‪ 2‬اتجه الى باتنة لضرب جيش الصبايحية‪ 3‬وبن عكشة اتجه بفوجه‬
‫الى عين توتة‪ ،‬لقطع االسالك الهاتف‪.‬‬

‫بلقاسم قرين‪ :‬اتجه بفوجه الى مدينة باتنة‪ ،‬وذلك لضرب ثكنة الحرس المتنقل‪،‬‬

‫الطاهر غمراس‪ :‬اتجه بفوجه الى مدينة تازولت‪ ،‬عمر العايب اتجه بفوجه الى باتنة‪،‬‬

‫محم د العبي دي الط اهر (الح اج لخض ر)‪ :‬اتج ه على رأس ف وج الى مدين ة باتن ة لمهاجم ة ثكن ة‬
‫مدفعية ومخزن السالح‪.‬‬

‫كان ضمن هذه االفواج‪ :‬أربعة أفواج أخرى متجهة الى باتنة نقلوا في شاحنتين‪ :‬شاحنة محمد‬
‫بن اله ادي بوخل وف وش احنة مب ارك ص والحي‪ ،‬وس يارة فرح ات بن ش ايبة‪ ،‬وعن د وص ولهم الى‬
‫الضاحية الشرقية لمدينة باتنة‪ ،‬انقسموا الى فوجين‪ :‬فوج بقيادة محمد الطاهر عبيدي وفوج بقيادة‬
‫بلقاسم قرين‪.‬‬

‫اتجه الفوج األول بقيادة الحاج لخضر نحو ثكنة المدفعية وخزن الذخيرة الحربية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫والفوج الثاني اتجه بقيادة بلقاسم قرين لتنفيذ مهمته في مهاجمة ثكنة الحرس المتنقل‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد العيد مطمر‪ :‬ثورة نوفمبر ‪ 54‬في الجزائر (االوراس ـ النماشة) او فاتحة النار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪109‬ـ‪.110‬‬
‫‪ 2‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ 3‬الصبايحية‪ :‬فرق عسكرية‪ ،‬كانت تابعة للنظام العسكري في إيالة الجزائر خالل العهد العثماني‪ ،‬اعتمدت عليها فرنسا لبسط‬
‫سيطرتها‪ .‬ينظر‪ :‬عائشة ناقل وكريم ولد البنية‪ :‬فرق الصبايحية واستغاللها داخل اإلستراتيجية اإلستعمارية في الجزائر‪ ،‬المجلد‪:‬‬
‫‪ ،12‬العدد‪ ،2019 ،01 :‬ص ‪.143‬‬
‫‪ 4‬محمد العيد مطمر‪ :‬ثورة نوفمبر ‪ 54‬في الجزائر (االوراس ـ النمامشة) او فاتحة النار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪92‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫ف وج ي ابوس‪ :‬يض م أرب ع مجموع ات مكون ة من خمس ة وعش رين مجاه د‪ ،‬بقي ادة عثم ان امع اش‪،‬‬
‫برفق ة محم د بن ح واس‪ ،‬عزي ز لمب ارك‪ ،‬بلقاس م بن لغ ريب‪ ،‬لمب ارك م دور‪ ،‬موس ى رداح‪،1‬‬
‫للهجوم على مركز حرس الغابات وقطع االسالك الكهربائية ومنزل القائد‪.2‬‬
‫ف وج فم الط وب‪ :‬محم د م زوجي بن مس عود‪ :‬اتج ه بفوج ه الى فم الط وب لقط ع الم اء على‬
‫المعمرين‪ ،‬الوردي طورش‪ :‬اتجه بفوجه الى تخريب جسر الوضحة على الطريق الراب ط بين فم‬
‫الطوب ولمدينة على سفح جبل شيليا الشمالي‪ ،‬ناجي نجاوي‪ :‬اتجه بفوجه الى مهاجم ة المعمرين‬
‫بفم الطوب وحرق أكوام التبن وقطع اسالك الهاتف وافنكاك السالح من المعمرين‪.‬‬
‫فوج اشمول‪ :‬عمار بن شايبة‪ :‬ذهب بفوجه رفقة نائبه محمد الصغير بن شيخة الى تحطيم منجم‬
‫اش مول ال ذي ينتج الرص اص لفائ دة الجيش الفرنس ي‪ ،‬مس عود عايس ي‪ :‬اتج ه بفوج ه الى افتك اك‬
‫محص ول الض رائب من خزن اجي اش مول‪ ،‬محم د بلقاس م بن كاوح ة‪ :‬اتج ه بفوج ه الى منجم‬
‫اشمول‪.3‬‬
‫فوج خنشلة‪ :‬يضم ست مجموعات‪ ،‬بقيادة عباس لغرور‪ ،‬وكانت موزعة على الشكل التالي‪:‬‬
‫المجموعة األولى‪ :‬بقيادة بورمادة عبد القادر‪.‬‬
‫المجموعة الثانية‪ :‬بقيادة سعدي أمعمر‪ ،‬رفقة ابن زيدان رمضان وبوهالل محمد‪.‬‬
‫المجموعة الثالثة‪ :‬بقيادة بن عباس غزالي‪ ،‬رفقة بن كون عبد الكريم‪.‬‬
‫المجموعة الرابعة‪ :‬بقيادة كشرود علي‪ ،‬ولعور الربيعي‪.‬‬
‫المجموعة الخامسة‪ :‬بقيادة عثمان إبراهيم‪ ،‬رفقة االرقط كيالني‪.‬‬
‫المجموعة السادسة‪ :‬بقيادة لخضر امراد‪.‬‬
‫لتحطيم مولد الكهرباء واقتحام مركز الشرطة والدرك الفرنسي والبلدية المختلطة‪ ،‬باإلضافة الى‬
‫مهاجمة دار الحاكم والثكنة العسكرية‪.4‬‬

‫‪ 1‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.114‬‬


‫‪ 2‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪ 3‬محمد العيد مطمر‪ :‬ثورة نوفمبر ‪( 54‬االوراس ـ النمامشة) او فاتحة النار‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪105‬ـ‪.107‬‬
‫‪ 4‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪114‬ـ‪.116‬‬
‫‪93‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫منطقة آريس‪ :‬بقيادة احمد نواورة‪.1‬‬


‫ناحية تبسة‪ :‬خمسة أفواج‪:‬‬
‫لزهر شريط‪ :‬قائد المجموعة األولى وتضم ‪ 32‬مجاهد مسلح تسليح جيد‪.‬‬
‫فرحي ساعي‪ :‬قائد المجموعة الثانية وتضم ‪ 22‬مجاهد متمركزة في جبال الدكان‪.‬‬
‫جديات المكي‪ :‬قائد المجموعات الثالثة وتضم ‪ 18‬مجاهد مسلحين تسليحا جيدا‪.‬‬
‫دربال لمين‪ :‬قائد المجموعة الرابعة وتضم ‪ 17‬مجاهد مسلحين تسليحا عصريا‪.‬‬
‫متمركزة في جبل قرن كبش وام لكماكم وجبل ام لعابس كنقطة اتصال ومراقبة للحدود‪.‬‬
‫كما تجدر اإلشارة فان منطقة تبسة لم تدرج ضمن خريطة االنطالقة الثورية بقرار مصطفى بن‬
‫بولعيد‪ ،‬واكتفت بمراقبة حركات العدو على الحدود‪ ،‬لتأمين عبور السالح الى منطقة االوراس‪.2‬‬
‫فوج كيمل‪ :‬يقوده محمد العابد‪ :‬تحدد له هدفان هما‪ :‬ضرب زريبة الوادي والدرمون‪.‬‬
‫ف وج عب د الوه اب عثم اني‪ :‬تعينت ل ه ثالث ة اه داف هي‪ :‬الهج وم على رج ال ال درك في تابردق ة‬
‫والقيام بعملية الشرح والتوعية وأخيرا توزيع المناشير على السكان في كيمل وتاجمونت‪.‬‬
‫فوج يقوده عبد الحفيظ السوفي‪ :‬كان عليه ان يهجم على قرية خنقة سيدي ناجي والولجة‪.‬‬
‫فوج يقوده كل من‪ :‬كيالني وناصر حدد له الهجوم على قرية قابس‪.‬‬
‫فوج يقوده بولعراس‪ :‬مكلف بتوزيع المناشير والتبشير بالثورة في تامزة ولمسارة‪.3‬‬

‫بينم ا ذك ر المجاه د أحم د ق ادة في ش هادته أن بن بولعي د س اهم في تس ليح ح والي ‪80‬‬
‫مناض ال‪ ،‬ببن ادق حربي ة اقتناه ا من ح ر مال ه‪ ،‬وأك د أن منطق ة االوراس ض مت ب اقتراح من ه‬
‫وبالتنسيق مع كل من عباس لغرور‪ ،‬مسعود عياش‪ ،‬شيهاني بشير‪ ،‬حسين برحايل وبن زلماط‬
‫مس عود‪ 17 ،‬فوج ا مس لحا‪ ،‬وان بن بولعي د ك ان على رأس ‪ 800‬مجاه د وزعيم على مختل ف‬

‫‪ 1‬عبد الوهاب شاللي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪ 2‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪ 3‬محمد زروال‪ :‬إشكالية القيادة في الثورة الجزائرية ـالوالية األولى انموذجا‪ ،‬طبعة خاصة من وزارة المجاهدين‪ ،‬د‪.‬د‪ ،‬د‪.‬ب‪،‬‬
‫ص ‪.84‬‬
‫‪94‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫جهات المنطقة الثورية األولى‪ ،‬بمساعدة شيهاني بشير‪ ،‬عاجل عجول‪ ،‬مصطفى بوستة‪ ،‬مدور‬
‫غروس ومسعود عيشي‪.1‬‬

‫ولتس هيل عملي ة التم وين باألس لحة وال ذخيرة‪ ،‬واألغذي ة‪ ،‬ق ررت قي ادة الث ورة بمنطق ة األوراس‬
‫االحتفاظ بمناطق محايدة وبعيدة عن العمليات وهي‪:‬‬
‫منطقة الجنوب (وادي سوف)‪ ،‬لتسهيل مرور األسلحة القادمة من ليبيا‪.‬‬
‫المنطقة الواقعة بين طامزة وقابس‪ ،‬كاحتياط للتموين بالمواد الغذائية‪.‬‬
‫بعض النواحي المحاذية لخنشلة والشمرة‪ ،‬كمناطق دعم لوجيستيكي‪.‬‬
‫وبع د انطالق األف واج إلى أه دافها‪ ،‬انتق ل مص طفى بن بولعي د ورفاق ه في القي ادة إلى قري ة أوالد‬
‫عائش ة ب القرب من غاب ة ب ني مل ول‪ ،‬ينتظ رون بش غف ماستس فر عن ه عملي ات أول نوفم بر‬
‫‪.21954‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬انطالق الثورة في األوراس‪:‬‬

‫ان حرب التحرير تمثل سبع سنوات ونصف من الكفاح المسلح‪ ،‬ومن العذاب والبطول ة‪،‬‬
‫ففي أول نوفم بر ‪ 1954‬وق ع أربع ون هجوم ا لوح دات الكومن دوس في مختل ف نق اط ال تراب‬
‫الوط ني مس تهدفة ع دة مراك ز‪ ،‬وفي نفس ال وقت وزع منش ور يعلن عن ان دالع الكف اح الث وري‬
‫‪ 1‬عبد الوهاب شاللي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪.119‬‬ ‫‪ - 2‬عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‬
‫‪95‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫وعن مول د جبه ة التحري ر الوط ني الداعي ة الى تجم ع ك ل المناض لين الوطن يين وتحقي ق أه داف‬
‫الكفاح‪ :‬االعتراف بالشخصية الجزائرية والسيادة الجزائرية وحدة ال تتجزأ‪.‬‬

‫وأن الوح دات المس لحة األولى وهي الخالي ا األولى لجيش التحري ر الوط ني ك انت‬
‫متمركزة في األول في األوراس‪ ،‬ومن ثمة تمركزت في الشمال القسنطيني وفي القبائل‪ 1‬ومست‬
‫المن اطق الخمس ة‪ ،‬وه ذا م ا أس ر بن بولعي د عن دما س مع األخب ار عن طري ق الم ذياع ص باح ي وم‬
‫االث نين أول نوفم بر ‪ ،1954‬ي وم االث نين ال ذي يص ادف ميالد محم د ص لى اهلل علي ه وس لم خ اتم‬
‫األنبي اء والمرس لين‪ ،‬فق ال بن بولعي د وه و يه تز ب الفرح الث ورة ناجح ة‪ ،‬ك انت ش املة وعام ة في‬
‫رب وع ال وطن ح تى ول و ك انت ه ذه العملي ات بأبس ط الوس ائل والط رق لتنفي ذ خط ة الث ورة‪ ،‬ه ذه‬
‫الث ورة ال تي تم يزت بالس رية التام ة وال دليل على ذل ك أن االس تعمار لم يتفطن له ا رغم ق درة‬
‫المخابرات واألمن‪ ،‬والشمولية بحيث تفجرت في أغلب النقط المبرمجة في أرض الوطن‪.‬‬

‫كما أن اختيار يوم االثنين قد لعب دورا كبيرا وأعطى فرصة للثورة الجزائرية أن تعد‬
‫الع دة في ظ رف ثالث ة أي ام هي بمثاب ة عطل ة ديني ة أس بوعية للمس تعمر (ي وم الس بت‪ ،‬األح د‬
‫هذا اليوم الذي يعتبر عيد األموات عند المسيحيين‪ ،‬واختير هذا اليوم بدال من‬ ‫واالثنين)‪،‬‬
‫تاريخ ‪5‬جويلية حتى يتمكن المناضلون من االستعداد التام والتحضير األفضل للثورة‪ ،‬كما يمثل‬
‫نهاي ة الموس م فق د تم جم ع ك ل المحاص يل الفالحي ة وغيره ا ودس ها وتخزينه ا حفاظ ا على ق وت‬
‫الشعب‪ 2.‬نذكر بعض عمليات األول من نوفمبر‪:‬‬

‫‪ -‬عملية باتنة‪ :‬عاصمة األوراس ومركز اشعاعه الثوري‪ ،‬في بداية ليلة نوفمبر كما ذكرنا‬
‫سابقا انطلق نحوها فوجان من جنود جيش التحرير بقيادة "الحاج لخضر" و"بعزي علي" يرافقهما‬
‫"ق رين قاس م"‪ ،‬الس اعة الثاني ة عش رة بالض بط ك انوا في مزرع ة مص طفى بن عب د الص مد في‬
‫الض احية الش رقية لمدين ة باتن ة ثم أخ ذوا في االس تعداد لالنطالق ك ل نح و هدف ه المح دد‪ ،‬الح اج‬
‫لخض ر ومع ه س تة جن ود الى الثكن ة وبالتحدي د الى الحائ ط والس ور الم ؤدي الى حظ يرة الغنم‬
‫‪ 1‬وزارة االعالم والثقافة‪ :‬الثورة الجزائرية وقائع وأبعاد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ألتاميرارو توبريس‪ ،‬اسبانيا‪ ،1972 ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 2‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس‪ :‬معالم بارزة في ثورة نوفمبر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪96‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫والخيول‪ ،‬هناك وجه جنديين لقتل الحارس بسالح أبيض حتى ال ينتبه الجيش الفرنسي وظل هو‬
‫واألربع اآلخرون إلحداث ثقب في السور ودخلوا عليه متجهين الى مخزن السالح الذي وجدوا‬
‫فيه كميات هائلة من األسلحة المشدودة‪ ،‬وهم يحاولون قطع السالسل أطلق الجنديان النار على‬
‫الح ارس بع د أن ش عر بهم‪ ،‬فك ان على الح اج لخض ر تفج ير ع دة قناب ل داخ ل المخ زن وانطلق وا‬
‫نحو حظيرة األغنام والخيول فأطلقوها ومطروها بوابل من الرصاص فانطلقت عجيجا مفجعا‬
‫تدوس كل ما هو في طريقها من جنود في ذلك الظالم الدامس وانسحب الحاج لخضر ورفقائه‬
‫الى جب ل الش لعلع‪ ،‬وك ان الف وج الث اني بقي ادة بع زي علي وق رين قاس م ق د وزع ا جنودهم ا على‬
‫األه داف اآلتي ة‪ :‬مق ر الش رطة‪ ،‬ال درك‪ ،‬محط ة القط ار‪ ،‬إدارة الح اكم وس كناه‪ .‬كم ا ن ذكر هن ا أن‬
‫هناك مجاهدين قد أمروا بتحطيم محطة الكهرباء ولذلك عم الظالم وكان التحرك بالنسبة للجنود‬
‫‪1‬‬
‫الفرنسيين شبه مستحيل‪.‬‬

‫‪ -‬عملية فم الطوب‪ :‬بقيادة المجاهد "نجاوي ناجي"‪ ،‬هذه العملية التي بدأت بالهجوم على‬
‫ديار كيمل‪ :‬مركز الجندرمة وجماعة من الحرس المتنقل الذي كان قد تمركز في القرية لمدة‬
‫معين ة‪ ،‬حيث قت ل العدي د من أفراده ا وغنم م ا يزي د عن ‪20‬قطع ة س الح م ع كمي ات هائل ة من‬
‫ال ذخيرة الحربي ة وال تي تق در بح والي ‪1200‬خرطوش ة وع دد ال يس تهان من القناب ل اليدوي ة‬
‫باإلض افة الى بن ادق الص يد غنمت من "دار البش اغة"‪ ،‬وبع د إتم ام ه ذه العملي ة اتج ه جماع ة من‬
‫جنود جيش التحرير الى مستودعات وديار المعمرين فأضرموا فيها النيران‪ .‬كما نشير الى أن‬
‫جنود البطل نجاوي ناجي ومنذ تلك الليلة تالحقهم فرق من الحرس المتنقل‪ ،‬فوقع اشتباك معهم‬
‫ص باح ي وم أول نوفم بر خ ارج قري ة فم الط وب‪ ،‬فظل وا يتب ادلون معهم إطالق الن ار ح تى أتتهم‬
‫النج دة في س رب من الط ائرات وال دبابات والش احنات العس كرية والم دافع بق وة ق د يص ل ع ددها‬
‫‪2000‬من الجنود الفرنسيين فطوقوا المنطقة واستمرت المعركة ليال ونهارا‪ ،‬حتى يوم ‪ 7‬نوفم بر‬

‫‪ 1‬األمير يحي شرفي‪" ،‬االعداد للثورة ووصف اندالعها في األوراس"‪ ،‬مجلة أول نوفمبر‪ ،‬العدد‪ ،58 :‬الجزائر‪ ،1982 ،‬ص‬
‫‪.30‬‬
‫‪97‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫أين يئست الق وات الفرنسية من الوص ول الى أولئك األبط ال من رج ال جيش التحري ر‪ ،‬وع ادت‬
‫‪1‬‬
‫فرنسا الى عادتها الدنيئة الى ديار الشعب قتال ونهبا وحرقا‪.‬‬

‫‪ -‬عملية آريس‪ :‬قام بها المجاهد أحمد نواورة الذي وزع جنوده مثنى وثالثة على جميع‬
‫األه داف‪ :‬ال درك ودار الح اكم ومحط ة تولي د الكهرب اء‪ ،‬وق د نص ب كمين خ ارج المدين ة لرك اب‬
‫الحافل ة في الطري ق الراب ط بين آريس وبس كرة وعلى الواح دة ليال أطلقت الن ار على ك ل‬
‫األهداف‪ ،‬وبعد انسحاب األفواج منها اتجهوا نحو كهف بني سليمان حيث نصب الكمين للحافلة‪،‬‬
‫وفي الص باح عن د وص ول الحافل ة أوقفوه ا ف نزل القاي د ومع ه م دني فرنس ي ب دأوا في الش تم‬
‫والتهدي د طن ا منهم أنه ا كس ائر العملي ات العادي ة‪ ،‬فم ا لبث أن م د ي ده الى مسدس ه ح تى أطل ق‬
‫الجنود عليه النار فسقطا االثنين قتيلين‪ ،‬بعدها اتجهت فرق الجيش الى قرية عكريش أين يوجد‬
‫بن بولعيد وكافة أعضاء قيادة المنطقة‪ ،‬وبينما كان أعضاء القيادة يتناقشون مع مسؤولي األفواج‬
‫ح ول كيفي ة اس تمرار العملي ات في المس تقبل‪ ،‬وبينم ا هم على ذل ك الح ال اذ بالط ائرات الفرنس ية‬
‫تغطي السماء وكذا قوافل الجنود والدبابات مطوقة المكان‪ ،‬ودارت المعركة منذ الساعة الخامسة‬
‫مس اءا الى أواخ ر تل ك الليل ة‪ ،‬حيث اس تطاع جن ود جيش التحري ر االنس حاب بع د أن خلف وا في‬
‫صفوف العدو وأكثر من ‪ 60‬قتيال‪ ،‬كما خلفوا أربع شهيدات هن‪ :‬بوستة اللة جمعة‪ ،‬بوستة اللة‬
‫منص ورة‪ ،‬الل ة فاطم ة جغ رور‪ ،‬الل ة فاطم ة برحاي ل‪ ،‬في م واجهتهن الع دو وأثن اء مح اولتهن‬
‫الحتف اء الرص اص بال دخول الى ال بيوت‪ ،‬وق د واجهن أولئ ك الف ارين بم ا عن دهن من ف ؤوس‬
‫وسكاكين‪ ،‬وهنا انتهت عملية آريس بالنسبة ألول نوفمبر‪.2‬‬

‫‪ -‬عملي ة خنش لة‪ :‬بع د أن ق ام عب اس لغ رور ورفاق ه بتوزي ع المه ام ال تي ك انت ك اآلتي‪:‬‬
‫عباس لغرور‪ :‬منسق عام لألعمال واالتصاالت مع بن بولعيد من أجل نقل األسلحة‪ ،‬وتلقي آخر‬
‫التعليمات‪ .‬أوقاد‪ :‬مكلف بتجميع وتنظيم األفواج بعين سليان‪ ،‬على بعد حوالي ‪ 5‬كلم من مركز‬
‫خنش لة‪ .‬بن عب اس الغ زالي‪ :‬مكل ف بالمراقب ة العام ة‪ ،‬واالتص ال بالمناض لين ال واجب اعالمهم‬

‫‪ 1‬األمير يحي شرفي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ :‬ص ‪.31‬‬
‫‪98‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫فرادى‪ ،‬كل واحد يتنقل سريا بوسائله الخاصة إلى أماكن اللقاء‪ .‬أبو بكر سالم‪ :‬نقل ما تبقى من‬
‫مجموع األسلحة التي ستستخدم في الهجوم وكانت مخزنة لديه من أسلحة‪ ،‬ذخيرة‪ ،‬قنابل حارق ة‪،‬‬
‫أدوي ة‪ ،‬مؤون ة‪ ،‬مالبس‪ ....‬بع د أن تم تحدي د المه ام تم تع يين األه داف ال تي س تهاجم ب األفواج‪،‬‬
‫وهي‪ :‬محافظ ة الش رطة‪ :‬بن عب اس غ زالي‪ :‬قائ د الف وج‪ ،‬أوق اد ص الحك مس اعد‪ ،‬بن ك وت عب د‬
‫الك ريم‪ ،‬لغ رور ش عبان‪ ،‬لرق ط هاش مي‪ ،‬لحميم رش يد‪ ....‬البلدي ة المختلط ة‪ :‬لغ رور عب اس‪ :‬قائ د‬
‫الفوج‪ ،‬شامي محمد‪ ،‬بوعقيل إبراهيم‪ ،‬الموشي محمد‪ .1‬ثكنة الدرك‪ :‬كشرود علي‪ :‬قائد الفوج‪:‬‬
‫غرياني علي‪ ،‬العور ربيعي‪ ،‬شاكر محمد‪ ،‬حمام عمار‪ ،‬مخلوفي كمال‪ ..‬الثكنة العسكرية‪ :‬قائد‬
‫الفوج‪ ،‬مساعد ناصر سوفي‪ ،‬زروالي عبد الحميد‪ ،‬مرير لحسن‪ ،‬عجال عريف‪ ،‬عريف حسين‪،‬‬
‫زايدي عمر‪ ،‬زايدي سليمان‪ ...‬المحول الكهربائي وفصل التوصيالت الهاتفية‪ :‬عثماني إبراهيم‬
‫الم دعو التيج اني يس اعده لرق ط كيالني‪ .‬تمت معاين ة األه داف ع دة م رات من ط رف ك ل ف وج‪،‬‬
‫وفي نفس ال وقت التع رف على من اطق ال دخول‪ ،‬وك انت المواق ف األكق ر تفحص ا هي‪ :‬موق ع‬
‫محافظة الشرطة والبلدية المختلطة‪ ،‬لسهولة دخولهما من قبل بعض المناضلين الذين درسوهما‬
‫عدي د الم رات قب ل الهج وم‪ ،‬وهي م يزة تخص ص به ا المه اجمون في خنش لة س هلت مهم ة الف وج‬
‫وجعلته ا تحقق أفض ل النت ائج مقارنة م ع مثيالته ا األخرى في جه ات الوطن‪ .2‬في هذا الظرف‬
‫التاريخي أعطى عباس لغرور األمر للفوج المكلف بعزل المدينة هاتفيا وااللتحاق بخنشلة‪ ،‬ثم‬
‫ج اء دور الف وج المكل ف بإلص اق المناش ير على كام ل دور المدين ة‪ ،‬بع دها ج اء دور األف واج‬
‫بالترتيب الذي تقرر س ابقا‪ ،‬وتم اإلبقاء س ابقا على أبي بكر س الم رفقة لخضر مراد وبن ساعد‬
‫الطيب‪ .‬الس اعة الواح دة وعش ر دق ائق ب دأت االنفج ارات األولى‪ ،‬ثم ت والت الهجوم ات‪ ،‬وم ا ان‬
‫وصلت الساعة ‪ 02:00‬صباحا حتى كانت جميع األفواج قد عادت إلى قاعدة تجمعها‪ ،‬وبينها‬
‫إص ابتان خفيفت ان وآث ار النج اح ال ذي تحق ق يغم ر قل وب العائ دين وال يك دره إال تخل ف عب اس‬

‫‪ 1‬عمر تابليت‪ :‬األوفياء يذكرونك يا عباس لغرور‪ ،‬ط‪ ،1‬دار األلمعية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2012 ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪99‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫لغرور الذي طال انتظاره ولم يصل إلى مكان التجمع‪ ،‬إال مع الخيوط األولى للفجر‪ ،‬وقد كان‬
‫لوصوله معاف أثر على نفوس رفاقه‪.1‬‬

‫‪ -‬أما ناحية "زالطو" فقد كانت مسرحا للهجوم الذي قام به المكي عاشوري وفوجه على‬
‫مرك ز ال درك في "تك وت" وذل ك انطالق ا من جب ل "ك وزة" ال ذي يش رف على س هل "وادي‬
‫ش ناورة"‪،2‬حيث كل ف ه و وجن وده ب أن يس تعينوا بفئم من الش عب وي دمروا ع دة قن اطر (جس ور)‬
‫ح تى ال تج د ق وات االس تعمار س بيال إلى القري ة س واء من ناحي ة آريس أو بس كرة‪ ،‬بع دها اتج ه‬
‫الفوج إلى مركز الدرك فأمطروه ضربا بالقنابل والرصاص ولكنهم لم يتمكنوا من القضاء عليهم‬
‫وظلوا يدافعون عن أنفسهم من أماكن محصنة حتى الصباح‪ ،‬فاضطرت قوة االستعمار إلى نقلهم‬
‫بالطائرة نحو مدينة آريس حتى يستعد الجيش الفرنسي مرة أخرى للهجوم على القرية والتمرك ز‬
‫بها‪.3‬‬

‫‪ -‬تابردقة‪ :‬أما عبد الوهاب عثماني‪ :‬فإنه أطلق النار على مركزي الدرك كل من "تابزة"‬
‫و"الولجة"‪ ،‬وأحرف مكتب القايد والمدرسة الفرنسية‪ ،‬وكان مصطفى غوقالي الي يقود فصيال قد‬
‫ح زب بعض الجس ور والطرق ات وقط ع األعم دة الهاتفي ة في المنطق ة م ا بين "اينوغيس ين"‬
‫و"تيفلفال" في الجنوب الشرقي‪.4‬‬

‫‪ -‬عملية بريكة‪ :‬كان الفوج المكلف بالهجوم يقوده محمد الشريف سليماني والصادق ين‬
‫دايخة ومنص ور غوقالي قد تسرب الخبر عنه إلى رج ال العدو عندئ ذ الذ أفراد الفوج ب الفرار‬
‫يصحبهم أحد المدنيين اسمه "قدور الوهراني" وذلك بعد أن تركوا أسلحتهم التي كان من بينها‬
‫تسع بندقيات إنجليزية‪ ،‬سلمت لهم لتنفيذ هذا الهجوم‪.‬‬

‫‪ 1‬تابليت عمر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.58‬‬


‫‪ 2‬عبد الحميد زوزو‪ :‬إشكالية القيادة الثورية في األوراس‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ 3‬األمير يحي شرفي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 4‬عبد الحميد زوزو‪ :‬إشكالية القيادة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪100‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫‪ -‬عملية لخروب وعين مليلة‪ :‬كان بشي حجاج قد أطلق في لخروب عدة طلقات نارية‬
‫من مسدس رشاش على بعض المراكز العسكرية الفرنسية‪ .‬وكذلك فعل الحاج موسى في ناحية‬
‫عين مليلة‪.1‬‬

‫‪ -‬عملي ة بس كرة‪ :‬انطلقت ع دة أف واج بقي ادة المجاه د "حس ين برحاي ل" إلى ك ل من مدين ة‬
‫بسكرة وقرية أمشونش‪ ،‬وعبر غابات النخيل تفرق المجاهدون مثنى وثالثة قاصدين األهداف‬
‫المح ددة للعملي ات ابت داءا بالثكن ة ال تي اس تطاعوا أن يحتلوه ا م دة س اعة تقريب ا ويمط روا فيه ا‬
‫القناب ل والرص اص فاش تعلت الن يران في بعض جوانبه ا وف ر الكث ير من الجن ود الفرنس يين‪،‬‬
‫وانس حب المجاه دون بع د أن خلف وا في ص فوف الع دو أك ثر من عش رين ق تيال وغنم من الس الح‬
‫تقدر بخمسة عشر قطعة‪ ،‬أما بالنسبة لقرية أمشونش وقد هجم المجاهدون على دار القايد الذي‬
‫كان غائبا وغنموا منه قطعتين من السالح كما وزعوا مجموعة من المنشورات بها‪ ،‬أما جماعة‬
‫أخ رى فق د ط رقت فرق ة من الح رس المتنق ل ق د ص ادفتها ليل ة األول من نوفم بر هن اك وأطلقت‬
‫عليها النار مدة ربع ساعة ولم تعرف نتائج هذه العملية ألن جيش التحرير سرعان ما انسحب‬
‫حتى ال يدركه الصباح خارج الجبل‪.‬‬

‫‪ -‬عملي ة عين توت ة‪ :‬نف ذ ه ذه العملي ة فوج ان بقي ادة "كش رود إس ماعيل" ال ذي هجم ب دوره‬
‫على مقر الحاكم والدرك وكانت نتائج تلك العملية غير معروفة‪.2‬‬

‫‪ -‬عملي ة لمص اره وغاب ة لبراج ة‪ :‬اتج ه إلى مرك ز الش رطة األمريكي ة المتمرك زة بمك ان‬
‫يس مى ع زة جماع ة من المجاه دين بقي ادة "س كيو لمب ارك" وعلى الس اعة الواح دة من ليل ة أول‬
‫نوفمبر هاجم الفوج على المركز واخرج منه كل العمال وأضرموا فيه النار فأحرق كل ما فيه‬
‫ويحت وي على اث ني عش ر مس كنا وأرب ع مس تودعات ممل وءة بالعت اد واآلالت باإلض افة إلى أرب ع‬
‫شاحنات مدنية احداهما تحمل رافعة‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد الحميد زوزو‪ :‬إشكالية القيادة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪ 2‬األمير يحي شرفي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪101‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫االجتماعات التقويمية بعد انطالق الثورة‪:‬‬

‫في الي وم الث اني من قي ام الث ورة انتقلت القي ادة ت افرانت "بجب ل الظه ري" إلى "جب ل الل وح"‬
‫المط ل على ت اغيت ب ني س ليمان وذل ك لدراس ة حادث ة قت ل المعلم الفرنس ي‪ ،‬ومن ثم رجعت إلى‬
‫جب ل الص ارة ثم جب ل اللش عة حيث مكثت في ه ح والي ‪ 12‬يوم ا‪ ،‬واتجهت بع د ذل ك إلى عين‬
‫ت ازولت جن وب جب ل الم ارة أين عق دت اجتماع ا تقويمي ا حض ره رؤس اء األف واج الق ادمون من‬
‫أم اكن العملي ات ثم اتفق وا على عق د االجتم اع الث اني التق ويمي في ت افرانت لح دور (جن وب‬
‫اينوغيسن) وهو ما ضم جميع رؤساء األفواج من الناحية الشرقية والغربية‪ ،‬ويعتبر من الناحية‬
‫التقديرية تشجيعا للمجاهدين الجدد على الصمود والثبات‪.1‬‬

‫ومن ثم ش رعت فرنس ا في ترحي ل الس كان بع د أس بوع من قي ام الث ورة من الص ارة‬
‫وايشمول وكيمل ويابوس مما أثر في المجاهدين وأحوجهم إلى السالح والغذاء وإ لى الراحة بعد‬
‫مط اردتهم من ط رف الع دو من مك ان إلى مك ان‪ .‬وفي اجتم اع ت افرانت اتفق وا على طب ع‬
‫المنش ورات‪ ،‬والقي ام بالدعاي ة في األوس اط الش عبية خاص ة بع د رحي ل الس كان‪ ،‬وأثن اء االجتم اع‬
‫تلق وا رس الة من مش ونش تن بئهم بحص ار غس يرة من ط رف الع دو الفرنس ي‪ ،‬وفي حين انتقلت‬
‫القي ادة إلى مش ونش ثم رجعت إلى "أس رى الحم ام" وذل ك إلع ادة توزي ع المجاه دين‪ ،‬كم ا ألحت‬
‫على أقروف عمر اشيوعي‪ ،‬في تاجموت أن يسلمها السالح‪ .‬وراحت إلى ساغيدا بغسيرة ومنها‬
‫إلى حم ام أوالد عائش ة‪ ،2‬حيث التقت المجاه د أحم د ن واورة وعلي بع زي‪ ،‬حيث ق ام بن بولعي د‬
‫بع زل ن واورة ال ذي لم ينف ذ األم ر وأس ند المس ؤولية ال تي ك ان يتحمله ا إلى علي بع زي‪ ،‬ومن ثم‬
‫انتقلت القيادة في هذه المرة إلى المكان المسمى "تارشا" حيث اتصلت بمحمد قروف الذي رجع‬
‫من عاص مة الجزائ ر كم ا التقت ك ذلك الطيب كعباش ي ال ذي أخ بر القي ادة أن حس ين برحاي ل‬
‫اس تطاع أن ي ؤثر على الش يوعيين ال ذين س لم ل ه البعض منهم س الحه‪ ،‬والبعض اآلخ ر تجن د في‬

‫‪ 1‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة‪ :‬الثورة الجزائرية أحداث وتأمالت‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪102‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التحضير و االعداد للثورة في االوراس من خالل الكتابات التاريخية ‪1954-1947‬‬

‫ص فوف الث ورة‪ ،‬ثم تف اهم أف راد القي ادة على أن يلتق وا من جدي د في جب ل اللش عة‪ ،1‬حيث التق وا‬
‫بعزوي لمبارك المكلف باالتصال بين المجاهدين والشعب وقدم لهم تقريرا حول معركة وقعت‬
‫في خنق ة أمع اش وفي اتبابوش ت وأخ برهم عن المعرك ة ال تي استش هد فيه ا أق رين بلقاس م م ع‬
‫زمالئه في أنزا أحمد في ‪ 24‬نوفمبر ‪ ،1954‬جنوب سهل "لردام" وتسرق جبل المحمل‪ .‬وبعد‬
‫انته اء االجتم اع ذهب مص طفى بن بولعيد إلى بس كرة في أوائل ديسمبر ‪ ،1954‬من أجل جلب‬
‫السالح لكن بلحاج خيب ظنه في االتيان به من وادي سوف‪ ،‬وعند رجوعه التقى بكامل القيادة‬
‫في غسيرة ومنها انتقل إلى عين ت اوليلت في جبل اللشعة حيث أخبرهم على السفر إلى الشرق‬
‫من أجل جلب السالح‪ ،‬وعين شيحاني بشير نائبا عنه في غيابه‪.2‬‬

‫‪ 1‬عبد الحميد زوزو‪ :‬إشكالية القيادة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ 2‬جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة‪ ،‬الثورة الجزائرية أحداث وتأمالت‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪103‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫التحضير للثورة في األوراس من خالل المذكرات‪:‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫التحضير للثورة في األوراس من خالل المذكرات‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬االع ــداد للث ــورة من خالل م ــذكرات الح ــاج لخض ــر "قبس ــات من ث ــورة نوفم ــبر‬
‫‪"1954‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حياته الشخصية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نشاطه السياسي في إطار االعداد للثورة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التخطيط للقيام بالثورة‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تجمع األفواج وانطالق الثورة‬

‫المبحث الثــاني‪ :‬االعــداد للثــورة في األوراس من خالل مــذكرات الرائــد هاليلي الصــغير "شــاهد‬
‫على الثورة في األوراس"‬

‫المطلب األول‪ :‬حياته الشخصية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مرحلة التحضير العالن الثورة في األوراس‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اجتماعات العد العكسي العالن الثورة‬

‫المطلب الرابع‪ :‬اإلعالن التاريخي للثورة وانطالقها في األوراس‬

‫د‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫المبحث االول‪:‬‬

‫التحضير واالعداد للثورة من خالل مذكرات العقيد الحاج لخضر‬


‫بعد ان تناولنا من خالل ما سبق جانب التحضير للثورة من خالل الكتابات التاريخية‪،‬‬
‫ارتاين ا تن اول ج انب اخ ر من التحض ير للث ورة من خالل الش هادات الحي ة لألح د الف اعلين فيه ا‬
‫و هو العقيد الحاج لخضر و سنقوم بتقديم نبذة عن حياته و جهوده النضالية و حديث ه عن الث ورة‬
‫‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حياته الشخصية‬

‫لعبيدي الحاج لخضر (‪1916‬ـ‪)1998‬‬

‫عقي د جيش التحري ر الوط ني ‪( ALN‬الوالي ة األولى ‪ ،)1958‬اس مه الحقيقي محم د‬


‫الط اهر لعبي دي‪ ،1‬ول د الح اج لخض ر بالمك ان المس مى تيق ري بقري ة أعم ارة أوالد اش ليح القريبة‬
‫من مدين ة باتن ة‪ 2‬س نة ‪ ،1916‬وق د فتح عيني ه على ال دنيا في عائل ة فق يرة محروم ة ك ان أفراده ا‬
‫يك دحون لكس ب ق وتهم من الفالح ة‪ ...‬وق د ب ذل وال ده محم د عبي دي رحم ه اهلل جه ده واس تفرغ‬
‫وس عه في س بيل توف ير تربي ة آمن ة لول ده محم د الط اهر‪ ،‬في ظ ل تح ديات كب يرة وعقب ات جم ة‬
‫فرضها االحتالل االستدماري الفرنسي للجزائر‪.‬‬
‫بع د بلوغ ه س ن الرش د‪ ،‬فك ر محم د الط اهر عبي دي في وس يلة ي وفر به ا لنفس ه وألهل ه‬
‫عيشة ميسورة‪ ،‬فرأى أن السبيل في ذلك هو الهجرة إلى فرنسا للعمل هناك‪ ،3‬تحص ل على عمل‬

‫‪ 1‬عاشور شرفي‪ :‬قاموس الثورة الجزائرية (‪1954‬ـ‪ ،)1962‬تر‪ :‬عالم مختار‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار القصبة للنش‪ ،‬الجزائ‪ ،2007 ،‬ص‬
‫‪.279‬‬
‫‪ 2‬المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬المجاهد العقيد الحاج لخضر‪ ،‬سلسلة رموز الثورة الجزائرية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬د‪ ،‬باتنة‪ ،2006 ،‬ص‬
‫‪.177‬‬
‫‪ 3‬مسعود فلوسي‪ :‬المجاهد العقيد الطاهر عبيدي‪ :‬الشهير بالحاج لخضر سيرته وجهاده وخصاله‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬د‪ ،‬د‪ .‬ب‪،2018 ،‬‬
‫ص ‪.21‬‬
‫‪106‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫في ش ركة ص ناعة األس الك الكهربائي ة بمدين ة ت روان الفرنس ية لم دة أرب ع س نوات‪ 1‬ل دى مق اول‬
‫فرنس ي‪ ،‬ك ان يبل غ من العم ر حينئ ذ عش رين س نة‪ ،‬غ ادر أرض ال وطن ح امال في نفس ه آالم ا‬
‫متأججة مصحوبة بالحنق والحقد والغيظ اتجاه االستعمار الفرنسي الذي حرم االنسان الجزائري‬
‫كل أسباب العيش الكريم في أرضه ودفع به إلى مغادرة وطنه‪.‬‬
‫في فرنسا اكتشف محمد الطاهر عبيدي الحقيقة المرة‪ ،‬حيث أثار انتباهه من أول يوم‬
‫ح ط رجل ه فيه ا‪ ،‬التف اوت الكب ير بين الفرنس يين ال ذين ك انوا ينعم ون في بالدهم بمت اع الحي اة‬
‫ويتقلب ون في رغ د العيش ويس تمتعون ب العزة والكرام ة والرفاهي ة‪ ،‬وبين المه اجرين الجزائ ريين‬
‫الذين كانوا يعيشون الضنك ويعانون القسوة ويواجهون الضياع والمصير المجهول‪ ،‬مثلهم مثل‬
‫‪2‬‬
‫إخوانهم في الجزائر يعانون الظلم والتعسف‪.‬‬

‫عاش ر المناض لين الوطن يين وانخ رط بس رعة في ح زب الش عب‪ ،‬وفي ع ام ‪ 1939‬ع اد‬
‫إلى باتنة برفقة محمد حرسوس‪ ،‬عمر العايب‪ ،‬رشيد بوشمال‪ ،‬سعيد محمدي‪ ،‬علي مالح المدعو‬
‫"علي النمر" وعبد المجيد عبد الصمد‪ ،3‬عاد بعد أربع سنوات قض اها في بالد المهجر وعلى إثر‬
‫الحرب العالمية الثانية ونتيجة اضطراب األحوال في فرنسا وشلل الحياة االقتصادية بها رجع‬
‫إلى أرض الوطن‪ ،‬أين بدأ مباشرة بالسعي إلى تحقيق حلمه في تطهير البالد من المحتل‪ ،‬لذلك‬
‫سعى إلى االنخراط في صفوف الحركة الوطنية‪ ،‬من خالل االنتماء إلى حركة انتصار الحريات‬
‫‪4‬‬
‫الديمقراطية‪.‬‬

‫في أواخر ‪ 1948‬نفي إلى تونس وذلك بأمر من حاكم عين توتة ومسؤول دائرة باتنة‬
‫بعد أن أخفى مجموعة من األسلحة في منزله بحي "الكا" بباتنة‪ ،5‬حيث مكث فيها أربع سنوات‬
‫مواص ال اش تغاله باألعم ال الح رة‪ ،‬أين فتح مقهى م ع ش ريك‪ ،‬وزادت عالقت ه م ع الوطن يين‬

‫‪ 1‬المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬المجاهد العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪ 2‬مسعود فلوسي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 3‬عاشور شرفي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.297‬‬
‫‪ 4‬مسعود فلوسي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 5‬المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬المجاهد العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪107‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫الناشطين‪ ،‬بالنظر إلى األجواء في تونس وما كان بها من جالية جزائرية مهمة من بينه ا الطلب ة‪،‬‬
‫فكان على تواصل بالحركة الطالبية الخاصة والتي وطدت عالقاته معه ا وانفتحت بص يرته على‬
‫أهمي ة العلم والتحص يل العلمي‪ ،‬حيث ق دم مس اعدات لطالب الجزائ ريين في الزيتون ة‪ ،‬ك ل ه ذه‬
‫العوام ل ش كلت مرتك زات أساس ية ت أثر به ا الح اج لخض ر وأث رت في بن اء شخص ية خاص ة في‬
‫الجانب الوطني وكونت لديه قناعة بضرورة التحرك في جميع االتجاهات من أجل تغيير الواقع‬
‫‪1‬‬
‫الجزائري‪.‬‬
‫وفي س نة ‪ 1953‬ع اد من المنفى واش ترى ش احنة س جلها باس م أح د أص دقائه المس مى‬
‫"حامدي الطاهر" الساكن بتازولت وأثناء قيامه بعملية نقل الزرع بواسطة الشاحنة تم توقيفه من‬
‫ط رف رجال ال درك الفرنسي ببوزينة وق د حكم عليه بشهر س جن ناف ذ وغرامة مالية قدرها ‪3‬‬
‫ألف فرنك فرنسي‪ ،2‬أيد العمل المسلح وقاد عمليات أول نوفمبر على رأس مجموعة من ‪26‬‬
‫رجال للهجوم على مستودع األسلحة بثكنة بمدينة باتنة‪.‬‬
‫بع د أن خ اض ع دة مع ارك عين عقي دا في ‪ ،1957‬وقائ دا للوالي ة األولى في ج وان‬
‫‪ ،1958‬ش ارك في اجتم اع م ا بين الوالي ات ال ذي دع ا إلي ه عم يروش من ‪ 8‬إلى ‪ 12‬ديس مبر‬
‫‪ 1958‬وطلب مس اعدة الوالي ات األخ رى ليتمكن من القي ام بمهمت ه‪ ،‬س اند ك ريم خالل اجتم اع‬
‫العق داء في ديس مبر ‪ ،1959‬ونفي إلى ت ونس إلى غاي ة وق ف إطالق الن ار‪ ،‬س اند بن بل ة ض د‬
‫الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية توفي في ‪ 24‬جويلية ‪ 1998‬بباتنة‪ ،‬كتب بمعونة "الطاهر‬
‫‪3‬‬
‫حليس" سيرة ذاتية تحت عنوان‪ " :‬قبسات من ثورة أول نوفمبر كما شاهدتها"‪.‬‬
‫فهو الرجل الذي كان أحد رجال الشهيد مصطفى بن بولعيد من الرحيل األول لثورة أول‬
‫نوفم بر ‪ ،1954‬حيث نش أ من ذ نعوم ة أظ افره على اإلخالص للواح د ونب ذ الم داراة‪ ،‬ك ان أح د‬
‫‪4‬‬
‫الثائرين على االستعمار‪ ،‬فقدم الغالي والنفيس في سبيل وطنه‪.‬‬

‫‪ 1‬مسعود فلوسي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.69‬‬


‫‪ 2‬المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬المجاهد العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪ 3‬عاشور شرفي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.297‬‬
‫‪4‬المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬المجاهد العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪108‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬النشاط السياسي للحاج لخضر في إطار االعداد للثورة‬

‫بعد عودة الحاج لخضر من المهجر بعد الحرب العالمية الثانية واصل نضاله السياس ي‬
‫كمناض ل في الحرك ة الوطني ة وفي إط ار االع داد لتفج ير الث ورة خاص ة وأن ه الح ظ والف رق‬
‫والتمي يز بين األوض اع الس ائدة في الجزائ ر وفرنس ا‪ ،‬رج ع وكل ه نش اط في بث ال روح الوطني ة‬
‫وإ ظهار مساوئ االستعمار وفضحه‪.‬‬

‫يذكر الحاج لخضر في مذكرته أن أول عمل قام به بعد عودته للوطن هو تك وين خلي ة‬
‫سرية في مدينة باتنة عام ‪ 1939‬وكانت تضم من عشرة إلى خمسة عشر شخصا‪ ،‬كما ذكر أن‬
‫مقر االجتماع كان بدار السيد‪ :‬مزي ان الحالوجي مرة ومرة أخرى بدار إبراهيم العدوي‪ ،‬كلتا‬
‫الدارين بمكان معزول من عيون المستعمر‪ ،‬كان برنامج االجتماعات كالتالي‪:‬‬

‫السؤال عن بعضهم البعض‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المشاكل التي يعانون منها يوميا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫دعوة بعضهم البعض للحفاظ على الصالة والقراءة واالستماع لكتاب اهلل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫معرفة ما يجري في المحيط العالمي من أحداث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫العمل على تعميق الصلة والروابط بين بعضهم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وه و نفس البرن امج ال ذي ك ان يطب ق بمدين ة "ت روان" بفرنس ا‪ ،‬حيث بقي العم ل ه ذا البرن امج‬
‫(‪ 3‬سنوات)‪ ،‬حتى اتصل بن بولعيد في ‪ 1941‬وأعطى لهم برنامج‬ ‫لمدة‬
‫عمل جديد تمثل في‪:‬‬
‫توسيع الخاليا السرية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫االهتمام بالعناصر الديناميكية الفعالة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬مسعود فلوسي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫‪109‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫تقسيم المواطنين المنضمين في الحركة إلى‪ :‬محبين‪ ،‬مشتركين‪ ،‬مناضلين‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫جمع التبرعات واألموال‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫بث الروح الوطنية ونشر أفكارها للشعب‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫دفع المرتبات لعائالت المسجونين من قبل االستعمار‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وبالت الي تك ونت خلي ة س رية أخ رى بمدين ة عين توت ة‪ 1‬س نة ‪ ،1942‬ومن ثم تمت زي ارة‬
‫ع دد الخالي ا والمناض لين حيث بل غ ع دد المناض لين بمدين ة باتن ة مائ ة مناض ل‪ ،‬ك انت تعق د‬
‫اجتماعات دورية تحركت هي األخرى وباشرت نشاطها في أوساط المجتمع بكل حذر وحيطة‬
‫واس تطاعت أن تحق ق الكث ير من النت ائج المهم ة بفض ل م ا بث ه من وعي في ص فوف المواط نين‬
‫بضرورة الثورة على المحتل والعمل على تحرير البالد والعباد من سياسته الظالمة وإ جراءاته‬
‫التعسفية‪.‬‬

‫كانت هذه هي أبرز األحداث التي جرت في األوراس إلى سنة ‪.21942‬‬

‫وفي إطار دعم إنشاء الخاليا السرية كان متابعا من طرف أجهزة البوليس االستعمارية‬
‫ال تي ك انت عيونه ا متواج دة في ك ل مك ان (في المق اهي واألس واق‪ ،)..‬ك انت تتابع ه وتترص د‬
‫حركاته ونشاطه‪ ،‬لذلك كان يتم توقيفه وإ يداعه السجن ثم إطالق سراحه‪ ،‬حصل معه هذا عدة‬
‫مرات‪ ،‬هذه المضايقات التي كان يتعرض لها الحاج لخض ر لم تكن لتفت عن عزمه أو تحد من‬

‫‪ 1‬يذكر مراردة في مذكراته‪ :‬أن عبيدي محمد الطاهر ما بين سنتي ‪ 1947‬و‪ 1948‬قد أجر محال تجاريا في عين توتة فتح فيه‬
‫مقهى وحمام‪ ،‬في هذا الحمام مانت تجرى اللقاءات كل ليلة‪ ،‬وتم اختيار هذا المكان بالذات نظرا للدفئ‪ ،‬وأنه مكان واسع‬
‫للجلوس وكان من بين الحضور "حمو بن إبراهيم بلقاضي الذي كان في تلك الفترة كاتبا لدى حاكم عين توتة‪ ،‬كذلك إسماعيل‬
‫بوكروشة وعمر الصحراوي إضافة الى الحاج لخضر‪ .‬ينظر‪ :‬مسعود فلوسي‪ :‬مذكرات الرائد مصطفى مراردة ‪-‬بن النوي‪:‬‬
‫شهادات ومواقف من مسيرة الثورة في الوالية األولى‪ ،‬ط‪ ،2‬د‪.‬د‪ ،‬د‪.‬ب‪ ،2014 ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬مسعود فلوسي‪ :‬المجاهد العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫الطاهر حليس‪ :‬فبسات من ثورة نوفمبر ‪ 1954‬كما عايشها العقيد الحاج لخضر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مطبعة قرفي عمار‪ ،‬باتنة‪،1993 ،‬‬
‫ص ‪.22-20‬‬
‫‪110‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫همت ه‪ ،‬فك ان يواص ل جه وده المكثف ة م ع رفاق ه المناض لين لبث ال وعي في النف وس ونش ر فك رة‬
‫الثورة على االحتالل‪.‬‬

‫ي ذكر الح اج لخض ر في مذكرات ه ح ول كيفي ة توس يع القاع دة النض الية وفيم ا يتعل ق‬
‫بالمنخرطين في الخاليا أنه ال يتم قبول الجميع‪ ،‬حيث يخضع كل مناضل في الخالي ا إلى ش روط‬
‫محددة‪ 1‬وصارمة يتم اختباره بها حتى ينظم في سلك الحركة الوطنية وهي‪:‬‬

‫مقاطعة الشرطة السرية الفرنسية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقاطعة التعاون مع المستعمر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ضرورة حب الوطن‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وفي هذه الفترة ومن سنة ‪ 1942‬اتسعت عملية التنظيمات النضالية وكثر المنظم ون في‬
‫الحرك ة الوطني ة‪ ،‬تحض يرا لتحطيم اإلدارة االس تعمارية والتطل ع إلى م ا وص لت إلي ه ش عوب‬
‫أخرى من الحرية واالستقالل‪.‬‬

‫فبع د عملي ة تنمي ة الش عور الفك ري للم واطن‪ 2‬تب دأ عملي ة اللق اءات الدوري ة في ص فوف‬
‫الخالي ا ال تي ك انت تض م من اث ني عش ر مناض ال إلى خمس ة عش ر وق د يتن ازل الع دد إلى س تة‬

‫‪ 1‬حيث كان يتم اختيار الشاب (المناضل) الذي يضم الى هذه الخاليا من بين خيرة الشبان خلقا وأدبا والتزاما وتمسكا بدينه‬
‫اإلسالمي وأوفرهم حماسة ونشاطا‪ ،‬كما لم يكن يسمح بضم العناصر التي تدين بالمبادئ الفوضوية أو تعتنق المذاهب االلحادية‪،‬‬
‫كما لم يكن ليضم أي عنصر خلية من الخاليا اال بعد أن يقوم قلم المخابرات الخاص بهذه الخلية التحري عن ماضيه وأعماله‬
‫وعما إذا كان له اتصال بالسلطات المباشرة‪ .‬ينظر‪ :‬بسام العسلي‪ :‬نهج الثورة الجزائرية (الصراع السياسي)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار النفائس‪،‬‬
‫بيروت‪ ،1986 ،‬ص‪.163‬‬
‫‪ 2‬في هذا الصدد يذكر أن "الحاج لخضر" و"بوشمال رشيد"‪ ،‬يعمالن على تجنيد الشباب المناضلين الذين عرفوا بماضيهم‬
‫المشرف‪ ،‬حيث كانت مهمة "الحاج لخضر" نشر الوعي الثوري في أوساط الشعب واختبار مدى استعداد الرأي العام لقبول‬
‫الثورة وتنمية االتجاه الثوري الذي أخذ في النمو واالنتشار بين جماهير الشعب على اثر قيام الكفاح المسلح في تونس والمغرب‬
‫حيث يقول الحاج لخضر‪" :‬كنا نتحدث مع المناضلين عن مستفبل الجزائر والظروف السائحة للقيام بالثورة‪ ،‬ولكننا نشير‬
‫إشارات بعيدة‪ ،‬فنجد الناس يتساءلون لماذا لم تقم الثورة ويطالبون بالعمل المباشر وكنا نقدم التقارير لبن بولعيد عن استعداد‬
‫الشعب للكفاح وتأييده للعمل الثوري‪ .‬ينظر‪ :‬مصطفة طالس وبسام العسلي‪ :‬الثورة الجزائرية‪ ،‬طبعة خاصة‪ ،‬دار الرائد للكتاب‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2010 ،‬ص‪.128‬‬
‫‪111‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫مناضلين‪ ،‬وكل خلية تجتمع في مقر خاص بها يعين لها مسؤول حتى ال تكون مثار شك لعيون‬
‫المستعمر‪ ،‬وكانت االجتماعات تعقد ليال وغالبا ما تكون بالجبال‪.1‬‬

‫كم ا ي ذكر أيض ا الح اج لخض ر أن القي ادة المركزي ة بالعاص مة على دراي ة بك ل ه ذه‬
‫األعم ال‪ ،‬فهم على اتص ال دائم‪ ،‬و ي ذكر أن بن بولعي د كلف ه باس تقبال المناض لين الق ادمين من‬
‫شمال قسنطينة إلى باتنة‪ ،2‬التي كانت في تلك المرحلة منطقة االتصاالت الدائمة وهنا المستعمر‬
‫لم يكن بغاف ل عن ه ذه التحرك ات من خالل التق ارير الدوري ة ال تي ك انت تص له‪ ،‬فعين مجموع ة‬
‫خاصة اسماها (لساس) تقوم بأعمال تفتيشية في الجبال‪ ،‬المداشر‪ ...‬بحثا عن المناضلين‪.‬‬

‫وهكذا كان نشاط الحاج لخضر غير منحصر في منطقة باتنة وحدها تحت إشراف القائد‬
‫بن بولعي د‪ ،‬ب ل ك ان يس تقبل بعض المناض لين واله اربين من مختل ف جه ات ال وطن ب "كاس رو"‬
‫وضواحي باتنة‪.3‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.26-22‬‬


‫مسعود فلوسي‪ :‬المجاهد العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫‪ 2‬في هذا الصدد يذكر بن طوبال في مذكرته‪ " :‬في أوت ‪ ،1950‬استعدوا لمغادرة مناطقهم بعد اكتشاف المنظمة الخاصة‬
‫ومتابعتهم من طرف البوليس‪ ،‬يقول ان مسعود بلعقون أخذهم بسيارة أجرة ولم يقل لهم أي شيء في البداية ثم عند وصولهم‬
‫الخروب أخبرهم أنهم ذاهبون الى األوراس التي كانوا ال يعرفونها‪ ،‬يروي أنهم عند وصولهم الى بوابة باتنة ساروا على األقدام‬
‫حتى وصلوا الى المبيز أين كان الحاج لخضر وبوضياف في انتظارهم‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫‪Daho Djerbal : LAKHDAR BENTOBBAL : Mémoires l’intérieur, chihab éditions, 2021, p‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪112‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التخطيط لقيام الثورة من خالل مذكرة الحاج لخضر‬

‫في خضم تنامي نشاط الحركة الوطنية وشموليتها أصبح العمل النضالي المتواصل داخل‬
‫الحركة الوطنية يعرف تطورا ملموسا يمكن من خالله كما يقول الحاج لخضر تحديد المحاور‬
‫التالية‪:‬‬

‫نمو الحركة الوطنية نموا مطردا‪.‬‬


‫ظهور فئة نخبوية آثرت العمل المسلح طريقا‪.‬‬
‫ازدواجية العمل النضالي كوسيلة أولى والتزود باألسلحة كوسيلة ثانية‪.‬‬
‫بروز قي ادة مركزية للحرك ة الوطنية لها سلطتها المعنوي ة وامكاناته ا المادية ق ادرة على‬
‫المجابه ة رغم تطوي ق االس تعمار الفرنس ي لك ل مناف ذ العم ل ال ذي ل ه عالق ة بالتنش يط لإلع داد‬
‫للثورة‪.‬‬

‫ه ذه العوام ل وكم ا ي ذكر الح اج لخض ر محص لة ك برى يمكن عن طريقه ا ربح معرك ة‬
‫االنتصار وتفجير الثورة وتسليمها للقيادة األمينة هي قيادة الشعب‪.‬‬

‫وفي ه ذا اإلط ار ي ذكر الح اج لخض ر انه ا ص درت أوام ر من القي ادة المركزي ة بش راء‬
‫األسلحة مع بداية سنة ‪ 1953‬وهو أمر ذكي وعملي في آن واحد‪ ،‬حيث يقوم ك ل مناض ل محب‬
‫لوطن ه بش راء الس الح بمال ه اخ اص ويبحث عن مخب أ ل ه‪ 1‬ح تى ي أتي أم ر االلتح اق بص فوف‬
‫الثورة‪.‬‬

‫‪ 1‬يجتهد كل واحد في جمع أكبر كمية ممكنة من األسلحة‪ ،‬سواء بشرائها من حر ماله أو باستالفها من األصدقاء أو األقارب‪،‬‬
‫وكانت األسلحة تغمس في الشحم وتغلف بالقش وتدس تحت األرض في جرار‪ ،‬أو تحاط بخرق وتخبأ في شقوق مهيأة بين‬
‫الصخور‪ ،‬حيث يستعمل القش لتجنب كل كشف من أجهزة العدو‪ .‬ينظر‪ :‬محمد العربي مداسي‪ :‬مغربلو الرمال‪ :‬األوراس‪-‬‬
‫النمامشة (‪ ،) 1959 -1954‬تع‪ :‬صالح الدين األخضري‪ ،‬طبعة خاصة وزارة المجاهدين‪ ،‬األكاديمية الجزائرية لتبادل الوثائق‬
‫والمصادر التاريخية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪113‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫كما ذكر الحاج لخضر ان كل تحرك كان مدروسا‪ ،‬وقد توصل المناضلون الع املون في‬
‫‪1‬‬
‫الميدان الى تصنيف ثالث مجموعات‪:‬‬

‫أـ مجموعة تريد الثورة‪.‬‬


‫ب ـ مجموعة على حياد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ج ـ مجموعة ضد الثورة‪.‬‬
‫كم ا ي ذكر أن ه ذا العم ل ك ان على مس توى العم ل القاع دي النض الي‪ ،‬أم ا على المس توى‬
‫المركزي الحزبي فيقول الحاج لخضر‪" :‬الصراع على السلطة قد بلغ أوجه‪ ،‬حيث ظهر داخل‬
‫الح زب كتلت ان متص ارعتان‪ :‬كتل ة يوس ف بن خ دة ومع ه حس ين لح ول وشرش الي وغ يرهم من‬
‫الشخص يات‪ ،‬وكتل ة مص الي الح اج ومع ه مزغن ة وم والي مرب اح وغ يرهم"‪ ،‬ه ذا الص راع ال ذي‬
‫كان في القيادة ثم سمعت به القاعدة وأصبح حديث العام والخاص‪.‬‬

‫كم ا ذك ر ان بن بولعي د لم يكن م ع ه ؤالء وال أولئ ك‪ ،‬وبقي الص راع قائم ا وعيونن ا‬
‫شاخصة فقط لمصطفى وقلوبنا متعلقة به وإ عطاء ألف حساب لكل إشارة يقوم بها وكنا نتوسم‬
‫فيه الخير‪ ،‬وأن بن بولعيد أخبرهم بأن الثورة سيقوم بها األوراس وذلك العدة معطيات‪ 3‬منها‪:‬‬

‫مناعة المنطقة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.40-37‬‬


‫المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.40-37‬‬
‫‪ 2‬مجموعة ضد الثورة‪ :‬المصاليين والمركزيين‪" :‬مصالي كان مقتنعا أنه ال يمكن الذهاب الى الثورة وصفوف الحزب مقسمة‬
‫ومشتتة ومعظم المقرات وأموال الحزب كانت بيد المركزيين‪ ،‬واعتبر استئصال بعض المركزيين من الحزب المعركة األساسية‬
‫قبل االقدام على الثورة‪ ،‬كذلك المركزيين اعتبروا أن األولوية في هذه المرحلة هو تنظيم الحزب وانتخاب قيادة جماعية ال يكون‬
‫فيها مصالي زعيما‪ ،‬وبالتالي فالمصاليين والمركزيين ليس لديهم استعداد لتبني الثورة‪ .‬ينظر‪ :‬العقيد الطاهر الزبيري‪ :‬مرجع‬
‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫‪ 3‬في هذا الصدد يروي عمار بن عودة‪ :‬بعد اجتماع ل ‪ 22‬وبالنسبة للخطة العسكرية التي شرعت فيها القيادة في ذلك الوقت‪،‬‬
‫تقوم على اعتقاد راسخ بنقل ثقل اندالع الثورة الى األوراس كونها‪ :‬كانت مهيأة من الناحية النظامية ومن حيث إمكانية وجود‬
‫السالح ومن حيث الروح التي كانت موجودة في األوراس‪ ،‬لضمان استمرارية الثورة عدة شهور حتى تلتحق بها كافة المناطق‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الطريق الى نوفمبر كما يرويها المجاهدون‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪114‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫التكوين السياسي والنضالي للمواطنين وهو رصيد هام في حسابات السياسيين‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تواج د جن ود مس لحين بالمنطق ة ش قوا عص ا الطاع ة عن غرنس ا ولهم االس تعداد‬ ‫‪‬‬

‫والتكوين التام في الميدان‪.1‬‬


‫الرصيد الهام من األسلحة المتواجدة لدى المناضلين المخلصين وتم جمعه بمناطق‬ ‫‪‬‬

‫باتنة وآريس وعين توتة‪.‬‬


‫وكثرة أسئلة المناضلين حول تاريخ تفجير الثورة (الشارع يطالب بها ومعطيات المغرب العربي‬
‫تطالب كذلك بالثورة)‪ ،‬فتونس والمغرب كانتا تخوضان كفاحا من أجل االستقالل‪ ،‬والجزائر في‬
‫الوسط بين صراع أهواء واهداف خاصة‪.‬‬

‫كم ا ذك ر الح اج لخض ر ب أن األوراس ك انت ملج أ لتحقي ق اآلم ال وتجس يد طموح ات‬
‫المناض لين والمواط نين‪ ،‬ح تى أن ك ريم بلقاس م وبن طوب ال ق ائال لبن بولعي د‪ " :‬ه ل نس تطيع أن‬
‫نتخ ذ من األوراس منطلق ا للرصاص ة األولى؟ فأج اب بن بولعي د‪ :‬نعم (بمأل الفم)" ‪ ،‬ب ذلك أعطى‬
‫الض مانات الكافي ة ب أن منطق ة األوراس س تكون الص در الش جاع األول ال ذي س يواجه االس تعمار‬
‫الفرنس ي‪ ،‬وانتش ر المناض لون في المن اطق المج اورة كس طيف وس طانو‪ ،‬عين مليل ة‪ ،‬س وق‬
‫أه راس‪ ،‬والتق وا ببعض المنخ رطين ال ذين ك انوا يه زؤون بفك رة قي ام الث ورة‪ ،‬غ ير أنهم ك انوا‬
‫يجيبون على هؤالء بأن الثورة قادمة وأن مهمتهم تنحصر في‪:‬‬

‫‪ -‬تسجيل عدد األشخاص القادرين على حمل السالح وقد يصل عددهم الى ‪20‬ألف في منطقة‬
‫باتن ة وح دها وبقي ة الجه ات ‪15‬أل ف فك ان المجم وع ‪35‬أل ف مجاه د كلهم أب دوا االس تعداد الت ام‬
‫للتضحية من أجل الوطن‪ ،‬وهي نتيجة خيرة ال تأتي اال بالتنظيم المحكم‪.‬‬

‫‪ -‬محاولة التقريب بين المصاليين والمركزيين في مؤتمر بلجيكا الذي من نتائجه‪:‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.43-40‬و‬


‫المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.40-37‬‬
‫‪115‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫و يؤك د بن بولعي د بع د عودت ه من لق اء بلجيك ا ان االتف اق بين المتن احرين على الس لطة الحزبي ة‬
‫‪1‬‬
‫غير حاصل‪.‬‬

‫ويذكر الحاج لخضر بأن بن بولعيد قال لهم بالحرف الواحد‪" :‬علينا نحن النخبة القليلة‬
‫المؤم نين بتفج ير الث ورة أن نعم ل ك ل م ا في وس عنا إلنج اح الخط ة‪ ،‬وه اتين الش قيقتين ت ونس‬
‫والمغ رب ك انت المعرك ة داخ ل وطنيهم ا على أش دها والق وة االس تعمارية في مجابه ة أكي دة م ع‬
‫مناضلي ومجاهدي القطرين أليس من العار علينا أن يبقى بلدنا ويبقى شعبنا متأخرا عن الركب‬
‫التح رري ال ذي ه و مطلب الجمي ع في ك ل أنح اء ال وطن"‪ .‬وهي كلم ات تحفيزي ة للوص ول الى‬
‫المبتغى‪.‬‬
‫كانت استراتيجية العمل المستقبلي كما ذكر الحاج لخضر كاآلتي‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬اإلعالن للمناضلين المخلصين بأن التخطيط لمجابهة المستعمر قد أفلس من قبل المركزيين‪.‬‬
‫‪ -‬االستعداد للمرحلة المستقبلي‪.‬‬
‫‪ -‬اختيار من هم في مستوى التحديات وحمل السالح‪.‬‬
‫‪ -‬تسجيل قوائم القادرين على حمل السالح‪.‬‬
‫وه ذه الخط ة ك انت ردود الفع ل عليه ا عنيف ة بعض الش يء‪ ،‬اذ انس حب البعض من‬
‫المي دان نهائي ا والبعض يغيش حال ة ي أس بع د أن تم دف ع األم وال وع ذبوا وش ردوا وك انوا على‬
‫استعداد لحمل السالح فكيف فرق الحزب‪.3‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.42-41‬‬


‫المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.40-37‬‬
‫‪ 2‬بعد عدة اتصاالت ولقاءات بين أنصار الثورة والمركزيين سواء داخل الوطن أو خارجه‪ ،‬رفض المركزيون حل اللجنة‬
‫المركزية سواء في الداخل أو الخارج (سويسرا خاصة) ورفضوا االنضمام للجنة ‪ 22‬لإلعداد للثورة‪ ،‬كما رفضوا تسليم أموال‬
‫الحزب لشراء األسلحة ليس هذا وفقط بل راحوا يعرقلون التحضير المباشر للثورة بدعوة المناضلين االمتناع عن اتباع أوامر‬
‫لجنة الستة‪ .‬ينظر‪ :‬جمعية أول نوفمبر لحماية وتخليد مآثر الثورة في األوراس‪ :‬معالم بارزة في ثورة نوفمبر‪ ،54‬مرجع سبق‬
‫ذكره‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.45-43‬‬
‫المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪116‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫عملية حمل السالح حسب الحاج لخضر‪:‬‬

‫يذكر الحاج لخضر في مذكرته أن هناك كالم كثير حول هذه العملية‪ ،‬ألن حم ل الس الح‬
‫يع ني الم وت وال دخول في مواجه ة مباش رة بين النخب ة المناض لة وق وى االس تعمار ال تي ك انت‬
‫عليهم بالمرص اد‪ ،‬ك انت ه ذه العملي ة حتمي ة نظ را لطبيع ة المس تعمر وأس اليبه الجهنمي ة المطبق ة‬
‫على أبن اء ال وطن‪ ،‬ال ذين رأوا في حم ل الس الح مب دأ ال رجع ة في ه والك ل متف ق على ذل ك‪ ،‬وفي‬
‫هذا اإلطار‪:‬‬

‫تم اختي ار مجموع ة من المناض لين خ ارج الم دن بمنطق ة باتن ة‪ ،‬أك ثر حماس ا واخالص ا‬
‫واتخ اذ من ازلهم كمراك ز أساس ية‪ ،‬ي روي الح اج لخض ر أن أول مرك ز عين ه و مرك ز المجاه د‬
‫س ي عم ار الف اطمي دش رة عين علي بلدي ة واد الم اء‪ ،‬وال ذي كل ف بإع داد المخ ابئ وانجازه ا‬
‫بطريق ة محص نة‪ ،‬ليص بح مق را لجم ع الس الح‪ ،‬وك ان هن اك مخب أ أيض ا في م نزل الح اج لخض ر‬
‫بحي "الكاو" وهو مخبأ سري ال يعلمه اال هو‪ ،‬كان يجمع فيه قطعا من األسلحة التي يتم جلبها‬
‫خاصة من منطقة الحجاج بآريس حيث توجد ورشة عملية لصنع السالح واعداد القنابل وكان‬
‫المتخصصون المعروفون يومذاك‪ :‬لخضر بن كاوحة في خنقة لحدادة‪ ،‬وبلقاسم بلعايش بآريس‪،‬‬
‫والمجاه د محم د بن لخض ر بقري ة الحج اج‪ ،1‬ل ذلك ك ان حم ل الس الح مب دأ ال رج وع في ه‪ ،‬وق د‬
‫اكتملت شروطه‪:‬‬
‫جمع السالح‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫اعداد المخابئ‪.2‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ - 1‬يذكر الحاج لخضر في مداخلته‪" :‬أن أسلحة أمريكية من بقايا الحرب‪.‬ع‪ ،2.‬سلمت للمنظمة الخفائها‪ ،‬ذلك أن األشخاص‬
‫التي كانت بحوزتهم يخشون أن تضبط عندهم من قبل السلطات الفرنسية‪ ،‬لهذا أخذنا مثال قطعا عديدة من التالغمة حوالي ‪14‬‬
‫بندقية ورشاشين كبيرين من نوع ‪ 30‬امريكيتين أخفيناها في ضواحي باتنة‪ ،‬والبعض منها في عين كرشة‪ ،‬كما أخفينا قطعا‬
‫أخرى في جهات مختلفة"‪ ،‬كما يذكر أنهم كانوا يصنعون القنابل وكلف بذلك بلقاسم سمايحي رحمه اهلل في مدينة باتنة‪ ،‬حيث‬
‫كانت المصنوعات تنقل الى جهة ثالثة لخزنها واخفائها‪ ،‬وتم صنع ‪ 43‬قنبلة (صنع محلي) وثالثة صناديق تم تخزينها في‬
‫دهاليز‪ .‬ينظر‪ :‬الطريق الى نوفمبر كما يرويه المجاهدون‪ ،‬مرجع سبق دكره‪ ،‬ص‪.249‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.47-45‬‬
‫المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.42-41‬‬
‫‪117‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫اعداد الفنيين الذين يتولون عملية اصالح السالح الفاسد واختيار الجيد منه‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫ولالشارة فان عملية شراء السالح كانت تتم من اشتراكات المناضلين وتبرعات بعض‬
‫العائالت وما يقدمه أصحاب الخياله المندمجين في الجيش الفرنسي‪.‬‬
‫وكان الحصول على السالح من مناطق محددة‪ 1‬مث ل‪ :‬زريبة حامـد ‪ /‬زريبـة الـواد‪ /‬طولقـة‪/‬‬

‫أوالد جالل‪ .‬كما يضيف قائال‪" :‬أن زريبة حامد هي المركز االستراتيجي لعملية شراء األسلحة‪،‬‬
‫اعتمادا على ما خلفته ح‪.‬ع‪ ،2.‬وما يأتي من تونس عن طريق التهريب‪.2‬‬
‫نوعية السالح‪:‬‬

‫ي ذكر الح اج لخض ر أن م ا جم ع لم يكن أس لحة فرنس ية الص نع فق ط‪ ،‬ب ل ك ان من ص نع‬


‫أم ريكي وايط الي وبريط اني وألم اني والقلي ل الن ادر من الص نع الفرنس ي‪ ،‬حيث ك ان المناض لون‬
‫أك ثر كراه ة وأش د مقت ا لألس لحة الفرنس ية‪ ،‬أن واع الس الح المش ترى‪ :‬خماس ــي‪ :‬ألم ــاني الص ــنع‪/‬‬
‫قــارة‪ :‬أمــريكي الصــنع‪/‬خماســي‪ :‬انجلــيزي الصــنع‪ /‬متريــات‪ :‬انجلــيزي الصــنع‪ /‬طامســوا‪ :‬أمــريكي الصــنع‪/‬‬
‫اسباعي‪ :‬أمريكي الصنع‪ /‬مسكوتو‪ :‬فرنسي الصنع‪.‬‬

‫بع د االهتم ام الرئيس ي بعملي ة جم ع الس الح‪ ،‬ك انت الجه ود مرك زة على جم ع اللب اس‬
‫أيض ا‪ ،‬ألن ه ق وام الث ورة حيث ك ان يش ترى من الس وق المه رب من قب ل المنخ رطين في الجيش‬
‫الفرنسي‪ ،‬وكذلك مجموعات خاصة تتولى عملية البحث والشراء من مختلف األسواق‪.3‬‬

‫‪ 1‬يذكر عمار بلعقون في شهادته أن منطقة األوراس كانت أفر حظا في مسألة شراء وتخزين األسلحة مقارنة بباقي المناطق‪،‬‬
‫حيث يذكر المجاهد أن منطقة الزرايب في الجنوب الشرقي لألوراس اشتهرت بوفرتها على كميات كبيرة من األسلحة‬
‫خصوصا‪ :‬خنقة سيدي ناجي‪ ،‬زريبة الوادي‪ ،‬زريبة سيدي حامد وأوالد جالل‪ .‬ينظر‪ :‬بدرة غجاتي وبوضرساية بوعزة‪ :‬مرجع‬
‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪.943‬‬
‫‪ 2‬يذكر مداسي أن تهريب األسلحة بدأ عام ‪ 1947‬انطالقا من تبسة وذلك نتيجة شغفهم باألسلحة النارية‪ ،‬أين جعلوا منها‬
‫تجارة حقيقية بمواكب من أربعة الى خمسة جمال‪ ،‬ويقع نقل األسلحة المشتراة في ليبيا وتونس من مخزونات إيطالية نحو أربع‬
‫مرات في السنة أي تدخل حوالي ثالثمئة قطعة سالح كل فصل الى األوراس‪ ،‬اال أن السلطات االستعمارية كانت تسترد‬
‫غالبيتها في المشاجرات والجرائم أو بسبب وشلية بسيطة‪ .‬ينظر‪ :‬محمد العربي مداسي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ 48-47‬و المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق‬
‫ذكره‪ ،‬ص‪.43-42‬‬
‫‪118‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫ام ا بخص وص نش اط مجموع ات مص الي الح اج لكش ف الخالي ا العامل ة في المنطق ة‪،‬‬
‫يق ول‪" :‬قب ل ليل ة أول نوفم بر ‪ 1954‬بأي ام أعطيت لن ا األوام ر من ط رف القائ د مص طفى بن‬
‫بولعيد وشيهاني بشير بضرورة الحياد التام واالنعزال عن المواطنين‪ ،‬وكانت مجموعة مصالي‬
‫تط رح دائم ا التس اؤالت التالي ة بقوله ا‪" :‬يب دوا أن نش اطكم ق ل وال نعلم الس بب ان مجموع اتكم‬
‫أص بحت ال أث ر له ا في المي دان؟ فك ان ج واب ه ذه المجموع ات بق ول الح اج لخض ر‪" :‬انن ا ق د‬
‫اعتزلن ا السياس ة وأص بحنا حي اديين"‪ ،‬فيجيب المص اليون‪ :‬ان ه ذا غ ير ص حيح‪ ،‬ف أنت ي ا لعبي دي‬
‫محمد الطاهر كنا نلمس فيك الحيوية والنشاط والوثوب الى ساحة المعركة وأنت الشعلة النشطة؟‬
‫‪1‬‬
‫وإ ذا بنا نراك اليوم بهذا الشكل!‬

‫ويشير الحاج لخضر قائال‪ :‬اننا قد بدأنا عزلهم عن العمل الميداني حيث كنا نطبق‬
‫األوامر حرفيا ذلك أن جبهة مصالي قد مالت الى االستكانة ولم تزدنا اال إصرارا وعزما وثباتا‬
‫في المي دان خاص ة وأن االس تعمار ق د ص عد من أس اليبه في مي دان الجوسس ة‪ ،‬لكنن ا والحم د هلل‬
‫واجهنا المحن بالصبر والعمل الدؤوب"‪.2‬‬

‫المطلب الرابع‪:‬‬

‫تجمع االفواج وانطالق الثورة‬

‫تجمع األفواج‪ :‬يروي الحاج لخضر في مذكرته أنه قبل ليلة السفر الى تبكوين حوز‬
‫آريس التقى مع القائد مصطفى بن بولعيد وبعض المجاهدين من الحرك ة الوطني ة وهم‪ :‬حرسوس‬
‫محمــد‪ ،‬عمــر العــايب‪ ،‬بوشــمال رشــيد‪ ،‬محمــدي الســعيد‪ ،‬عبــد الصــمد عبــد الحفيــظ‪ ،‬مالح علي المــدعو‪ :‬علي‬

‫وكان هذا اللقاء بمنطقة المجزرة بمدينة باتنة فقال بن بولعيد‪" :‬على كل‬ ‫النمر‪،‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.48‬‬


‫المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.50-49‬‬
‫المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ ،‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪119‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫واح د منكم أن يلتح ق ب األفواج المهي أة للجه اد‪ ،‬وأول عم ل نق وم ب ه ه و أن ي دفع ك ل واح د ثمن‬
‫سالحه والمقدر ستة عشر ألف فرنك فرنسي‪ ،‬ثن بعد ذلك غادرنا المجلس على عجل‪.‬‬

‫ي ذكر الحاج لخض ر أن بن بولعيد أوم أ (أش ار) إليه ليلتقي ان في م نزل الح اج لخضر‪،‬‬
‫بحي معسكر (باتنة) بعد صالة الصبح من غد يوم اللقاء‪ ،‬فكان في الموعد وطلب منه االلتحاق‬
‫فورا بالمكان المحدد وسيصل المكلف بالمهمة‪ ،‬كان أول عمل لبدأ الثورة‪ ،1‬جاء المكل ف بالمهم ة‬
‫وهو "ابن شايبة فرحات" عند صالة العصر وأخبر الحاج لخضر عن مكان اللقاء‪ ،‬وكان المكان‬
‫جسر سي "مصطفى عبد الصمد" عند مخرج مدينة باتنة الشرقي (الطريق المؤدي الى تازولت)‬
‫بع د ص الة العص ر‪ ،‬بق ول الح اج لخض ر‪" :‬خرجن ا في الموع د المض روب وجلس نا تحت الجس ر‬
‫فج اء ال دليل بس يارته ركبن ا ةك انت الش مس على مش ارف الغ روب ولس ان حالن ا ي ردد‪ :‬اللهم كن‬
‫معنا ليغرب االستعمار عنا"‪.‬‬

‫وص لوا الى قري ة عين الطين وعن د مف ترق الطري ق الم ؤدي الى آريس والمدين ة‪ ،‬تلق وا إش ارة‬
‫(الرمز المتفق عليه)‪ ،‬توجه بهم الى منزل بولقواس‪.‬‬

‫في دار بولقواس بتيبيكاوين (حوز آريس)‪ :‬يقول الحاج لخضر وصلنا الى دار بولقواس‬
‫ووج دنا هن اك ح والي ‪40‬مجاه دا‪ ،‬ثم ب دأت مجموع ات أخ رى من المجاه دين تتق اطر علين ا في‬
‫الليل تين الثاني ة والثالث ة ح تى بل غ الع دد نح و ‪300‬مجاه د وذل ك عش ية أي ام الجمع ة‪ ،‬الس بت‬
‫واألحد‪. 2‬في يوم األحد مساءا بدأ تناول طعام العشاء وتأدية الصالة أعطيت لهم األوامر للخ روج‬
‫من دار بولق واس والتوج ه الى خنق ة مع اش (بقم ة الجب ل)‪ ،‬وتم تك وين حلق ات متماس كة يش د‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ :‬ص ‪.53‬‬


‫المتحف الوطني للمجاهد‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ 2‬انتظم هذا التجمع في ‪31‬أكتوبر ‪ 1954‬بمنزل "بولقواس" (خنقة الحدادة‪ -‬تيبيكاوين)‪ ،‬أين قام المناضلون بفرز األسلحة‬
‫وتنظيفها‪ ،‬والقى بن بولعيد خطابا مطوال أمام الحاضرين شرح فيه مراحل المقاومة الجزائرية من ‪ 1830‬الى مجازر ماي‬
‫‪ 1945‬وختم خطابه بالتوجيهات واالرشادات التي يجب أن يتحلى بها المجاهدون‪ ،‬وتطبيق األوامر بكل تفاصيلها‪ ،‬بعد انتهاء‬
‫الخطاب أعطيت األوامر ألفواج باتنة وتازولت ومروانة بالتوجه الى أهدافها حيث نقلت هذه األفواج بواسطة شاحنتين‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫عمراوي قيرود‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪120‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫قال بن بولعيد‪" :‬ان األمور التنظيمية قد انتهت وجاء وقت‬ ‫بعضهم البعض‪.‬‬
‫التنفي ذ (تنفي ذ األوام ر) وتنفي ذها يتطلب من ا نس يان ك ل ش يء مم ا عل ق في أذهانن ا من ذ زمن‬
‫التحض ير‪ ،‬س نعيش اآلن عب ارات الجه اد في س بيل اهلل‪ ،‬االعتم اد اهلل تع الى‪ ،‬إع ادة الجزائ ر الى‬
‫دورها الريادي ضمن منظور الحضارة العربية اإلسالمية"‪.1‬‬
‫أما ما قاله شيحاني بشير فهو التركيز على الدور التربوي بالنسبة لنا وأن مستقبل الجزائر في‬
‫أيدينا فلنجاهد في مجال االخوة وفي سبيل اهلل للوصول الى تحرير الجزائر‪.‬‬
‫بعد ذلك قام بن بولعيد باإلعالن عن قائمة رؤساء األفواج‪ ،‬مبينا كلمات السر بيننا وهي‪ :‬خالد‪-‬‬
‫عم ر‪ -‬حم زة‪ -‬المغ يره(أس ماء ص حابة الرس ول ص لى ص لى هلل علي ه وس لم رض ي اهلل عنهم‬
‫وأرضاهم)‪.‬‬

‫وكان كل رئيس فوج يختار المجاهدين معه‪ ،‬وكان الحاج لخضر من بين رؤساء األفواج ومن‬
‫أوائ ل ال ذين أش ار اليهم بن بولعي د ليخت ار المجاه دين ال ذين مع ه ومك ان االتج اه‪ ،‬يق ول الح اج‬
‫لخضر‪" :‬اخترت مدينة باتنة ومعي بين العشرين والثالثين مجاهدا‪ ،‬فقال لي بن بولعيد ‪ :‬عليك‬
‫أن تستعين بمن تريد ومعك لخضر بن كاوحة نائبا لك وليكن معك الشاب المتحمس قرين قاسم"‪.‬‬

‫االتجاه الى مدينة باتنة‪ :‬تم تعيين فوجين الى مدينة باتنة‪ :‬فوج اعبيدي محمد الطاهر‬
‫والثاني فوج الطاهر النويشي‪ ،‬األول يترأسه الحاج لخضر ويتكون من ‪25‬مجاهدا ومقصده ثكنة‬
‫باتنة العسكرية المركزية التي تحوي مخزن السالح‪ ،‬والثاني يرأسه الطاهر النويشي واتجاهه‬
‫الى تازولت لضرب السجن المركزي‪ ،‬ويصرح الحاج لخضر أنهم خرجوا من تيبيكاوين على‬
‫الس اعة العاش رة من ليل ة أول نوفم بر‪ ،‬واتجه وا الى الطري ق المعب د وك ان في انتظ ارهم بوح ة‬
‫‪2‬‬
‫والهادي بشاحنة (يونيك) شق بهم الطريق الى مدينة باتنة‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.59-53‬‬


‫المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.48-45‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪ :‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.62-61‬‬
‫المتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.50-49‬‬
‫‪121‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫انطالق الثورة في األوراس من خالل مذكرات الحاج لخضر‪:‬‬

‫عملية الثكنة‪ :‬يقول الحاج لخضر‪" :‬بعد توقف الشاحنة عند جسر عبد الصمد‪ ،‬نزلنا‬
‫وكانت الساعة تشير إلى الثانية عشر ونصف ليال من صبيحة يوم االثنين أول نوفمبر ‪،1954‬‬
‫تركت أفراد الفوج وذهبت بسرعة إلى منزلي "بحي معسكر" ألخذ الضوء وكل اآلالت الالزمة‬
‫إلحداث ثغرة في جدار الثكنة‪ ،‬بعد العودة للمجموعة أمرت المجاهدين بتطويق الثكنة بناءا على‬
‫معلومات مستقاة من أحد الجنود الجزائريين العاملين في القوات الفرنسية‪ ،‬وتم التوجه على باب‬
‫الثكنة الغتي ال حارسها ب الخنجر‪ ،‬غير أن هذه العملية ب اءت بالفش ل حيث تم اكتش اف تحرك ات‬
‫المجاهدين إلى الباب الرئيسي"‪.‬‬

‫ويسترسل الحاج لخضر كالمه قائال‪" :‬أما انا فقمت مع مجموعة أخرى بإحداث ثغرة‬
‫في ج دار الثكن ة وتم التس لل إلى داخله ا‪ ،‬وت ركت المجاه د "بوجني ك محم د" الم دعو محم د الق ط‬
‫حارسا على الثقب‪ ،‬واتجهنا إلى مخزن السالح ثم الى دهليز كان أمامنا ففرحنا غير أن السالح‬
‫ك ان مش دودا بالسالس ل‪ ،‬في ه ذه اللحظ ات س معنا ص وت الب ارود ال ذي ك ان مص دره من‬
‫المجاهدين المكلفين باغتيال الحارس‪ ،‬فوقع هول كبير وسط الجنود الفرنسيين الذين توجهوا الى‬
‫الثغرة التي أحدثناها في الثكنة‪ ،‬فما كان اال أن ألقينا قنبلة في فضائها لتغطية انسحابنا وجرح‬
‫المجاهد "محمد القط"‪ ،‬كانت نتائج العملية كالتالي‪:‬‬

‫احداث ثقب في جدار الثكنة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫اغتيال الحارس بالرصاص وجرح صاحبه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تهديم بعض جدران الثكنة على اثر القنبلة المرمية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫احداث هلع وفزع داخل الثكنة‪.1‬‬ ‫‪‬‬

‫تمت هذه العملية في ساعة ونصف‪ ،‬وهي عملية ناجحة حيث تم كسر جدار الخوف‪،‬‬
‫غير أن ه لم يتم تحقيق اله دف المرجو من العملية والمتمث ل خاص ة في االس تيالء على كمية من‬
‫األسلحة‪ ،‬واحراق الثكنة‪ ،‬بعد هذه العملية يقول الحاج لخضر انقسمنا ال فرقتين‪:‬‬
‫‪ 1‬الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.65-63‬‬
‫‪122‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫الفرقة األولى‪ :‬اتجهت الى غابة جبل كاسرو‪.‬‬


‫الفرقة الثانية‪ :‬اتجهت من حيث جاءت‪.‬‬

‫كم ا تم الحف اظ على ك ل الوسائل ال تي تم جلبها إلح داث الهج وم‪ ،‬من المطرقة الكبيرة‬
‫ال تي ت زن س بع كيل وغرام‪ ،‬والب نزين‪ ،‬وي ذكر الح اج لخض ر أن ال دخول الى الثكن ة ك ان ص عبا‬
‫والخ روج منه ا ش اقا وعس يرا‪ ،‬ذل ك ألنه ا ك انت أول تجرب ة جهادي ة م ع الع دو‪ ،‬ي روي الح اج‬
‫لخض ر أن ه ذا ه و العم ل ال ذي ق اموا ب ه ليل ة األول من نوفم بر ‪ ،1954‬ك انت لحظ ات حاس مة‬
‫وتاريخية‪.‬‬

‫العمليات األولى من قيام الثورة بمنطقة باتنة‪:‬‬

‫بعد عملية ثكنة الخيالة بباتنة ليلة األول من نوفمبر‪ ،‬بدأ التفكير في القيام بعملية ثانية‬
‫وهي مهاجم ة القط ار الحام ل للس لع والمتج ه الى بس كرة ع بر مدين ة باتن ة‪ ،‬ه ذه العملي ة ال تتم‬
‫بالرص اص والم دافع لع دم توفره ا‪ ،‬ك انت بس يطة وغ ير مكلف ة عن طري ق ف ك قض بان الس كة‬
‫الحديدية للقطار الذي أصبح محمال بالدبابات والجنود بدل البضائع التي كان يحملها قبل اندالع‬
‫الثورة‪ ،‬هذه العملية الثانية في سلسلة عمليان اعالن قيام الثورة‪.‬‬

‫العملية الثالثة‪ :‬كانت بمدينة "سريانة" حيث تم الهجوم على ضيعة المعمر بوزو صاحب المطحنة‬
‫والمواشي غير أن هذه العملية لم تنجح في القضاء على المعمر‪ ،‬يقول الحاج لخضر‪" :‬سقط لنا‬
‫أول شهيد بالوالية وهو الشاب (عمر أقرو) من قرية غسيرة وذلك يوم ‪ 14‬نوفمبر ‪."1954‬‬

‫ه ذه العملي ة وم ا س بقها ك انت إي ذانا باثب ات وتواج د الث ورة في تض ييق الخن اق على‬
‫المس تعمر وعزل ه عن الق رى والب وادي والمش اتي‪ ،‬بقت ل المعم رين وح راس الغاب ات‬
‫االستعماريين‪.1‬‬

‫‪ 1‬انظر الطاهر حليس‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ :‬ص ‪.72-65‬‬


‫والمتحف الوطني للمجاهد باتنة‪ :‬العقيد الحاج لخضر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.56-53‬‬
‫‪123‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫التحضير واالعداد للثورة في االوراس من خالل مذكرات "الرائد هاليلي محمد الصغير"‪.‬‬

‫من خالل ه ذا المبحث س نحاول اث راء عملن ا بالش هادات الحي ة للرائ د هاليلي محم د‬
‫الصغير و الذي كان له دور بارز هو االخر في مراحل تفجير الثورة ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حياته الشخصية‪:‬‬

‫الرائد هاليلي محمد الصغير (‪ :)1934‬ولد بتاريخ ‪3‬ماي ‪ ،1934‬وسط عرش كيمل‬
‫وتحدي دا قبيل ة الس راحنة المنتمي ة (لب ني هالل)‪ ،‬اب وه الش يخ عم ر بن بلقاس م والفاض لة كح ول‬
‫علجي ة‪ ،‬ق دموا من المش رق الع ربي زمن الفتوح ات اإلس المية‪ ،‬اس توطنوا في األوراس وتعلم وا‬
‫اللهج ة الش اوية إض افة الى لهجتهم العربي ة القريب ة الى الفص حى نتيج ة احتك اكهم م ع الس كان‬
‫األص ليين‪ ،‬يص ف الرائ د محم د هاليلي الص غير الموق ع الجغ رافي للمنطق ة ال تي ك ان يقطن فيه ا‬
‫والتي يحدها شماال السفح الجنوبي لجبل "شيليه" وجنوبا تالمس قرية زريبة الوادي وش رقا وادي‬
‫الع رب وغرب ا ال وادي األبيض وهي تش كل بح ق القلب الن ابض للمنطق ة خاص ة وأنه ا مس رحا‬
‫لثورات متتالية ضد االحتالل الفرنسي‪.‬‬

‫كما يروي هاليلي في مذكرته أن األفق الجغرافي الذي كان يحيط به هو الذي علمهم قوة‬
‫الشخصية والصبر والجلد أمام قهر العدو‪.‬‬

‫تربى الهاليلي محمد الصغير في عائلة محافظة متدينة‪ ،‬كان أبوه معتكفا لتحصيل العلم‬
‫وتعليم ه وعمه ك ان يت ولى رعاية العائل ة وأداء األعم ال األساسية كالزراع ة والتج ارة‪ ،‬وبمجرد‬

‫‪124‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫اإلعالن عن الثورة انضمت كل العائلة ملبية فريضة الجهاد وتغييرا للواقع األليم الذي فرضه‬
‫المحتل‪.1‬‬

‫الدراســة والتعليم‪ :‬كم ا ه و مع روف أن الق انون الفرنس ي ال يس مح بتك وين الم دارس في‬
‫األوراس باعتب اره محي ط ريفي مع زول‪ ،‬اال أن الس كان تح دوا إدارة المس تعمر وأنش أوا مدرس ة‬
‫ابتدائي ة تفتق ر لك ل وس ائل التعليم واخت اروا منطق ة "الولج ة" مق را له ا‪ ،‬خاص ة وأن س كان كيم ل‬
‫كانوا غير مستقرين في مكان واحد حيث كانت لهم رحلتا الشتاء والصيف‪ ،‬وكان الشيخ تيمقلين‬
‫أحم د الس رحاني ه و األس تاذ والم دير والم راقب‪ ،‬نس ب ب دوره ه ذه المدرس ة الى جمعي ة العلم اء‬
‫المسلمين تحايال على القانون الفرنسي‪.‬‬

‫بعد افتع ال االس تعمار الفرنسي فتن ة بين ش يخ المدرسة أحمد سرحاني وبعض األطراف‬
‫المسخرة لخدمتهم من أهل تلك القرية‪ ،‬تم تغيير مقر المدرسة واختاروا قرية "تغليسية"‪.‬‬

‫ثم واص ل رحلت ه التعليمي ة بالثانوي ة بمعه د بن ب اديس والتح ق بج امع الزيتون ة بت ونس‪،‬‬
‫وي روي في مذكرت ه أن ه ق اطع التعليم بمج رد اإلعالن عن الث ورة للمس اهمة في تحري ر البالد‬
‫والعباد‪.‬‬

‫بع د االس تقالل أكم ل دراس ته الجامعي ة في وه ران (جامع ة الس انيه أول جامع ة فتحت‬
‫‪2‬‬
‫أبوابها بعد االستقالل) وتحصل فيها على شهادة "ليسانس" خالل السبعينات‪.‬‬

‫نش ــاطه السياس ــي قب ــل الث ــورة‪ :‬لم ينض م الهاليلي الى أي تح زب حيث منع ه اب وه من‬
‫المشاركة خاصة وأنه اليزال طالبا تلك الفترة‪ ،‬اال انه ك ان في حكم المحب وهي الدرجة األولى‬
‫في سلم المنتمين للحزب ومتطوع‪ ،‬كان أحيانا يساعد "عاجل عجول" على تحرير بعض الكتابات‬
‫السرية الموكلة اليه كمسؤول على القسم رقم ‪ 02‬في تنظيم الحزب ‪.MTLD‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬شاهد على الثورة في األوراس‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار القدس العربي‪ ،‬الجزائر‪ ،2013 ،‬ص ‪.23-19‬‬

‫‪ - 2‬انظر‪ :‬محمد هاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.27 -13‬‬
‫‪125‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫المهام والمسؤوليات التي توالها خالل الثورة‪:‬‬

‫‪‬مهم ة ك اتب ع ام لف رع كيم ل في جيش التحري ر بقي ادة "كعباش ي عثم ان" و"الص الح ش نخلوفي"‬
‫خالل السداسي األول لسنة ‪.1955‬‬

‫‪ ‬عضو في خلية النشر والطبع والتوثيق‪ ،‬التي ينحصر عملها في طباعة ما يحول اليها من القيادة‬
‫العليا من وثائق وتعليمات وأوامر عسكرية وسياسية ليتم طبعها ثم تعاد للقيادة العامة‪.‬‬
‫‪‬ك اتب خ اص م ع عاج ل عج ول‪ ،‬وت ولى تنظيم جه ة "بع الي الن اس" بع د استش هاد مس ؤولها‬
‫"الصحراوي بيوش" وكل مساعديه‪.‬‬
‫‪‬بعد محاولة اغتيال عاجل عجول التحق بالناحية الثانية (شليه) تقلد فيها عدة مهام منها كاتب‬
‫عام‪.‬‬
‫‪ ‬عين مسؤوال لقسم الرملية‪ ،‬ثم عينه علي السوايعي كاتب معه في الوالية لمدة قصيرة‪.‬‬
‫‪‬ضابط مكلف باالتصال واالخبار بناحية آريس‪.‬‬
‫‪‬قائد عام للناحية الرابعة "كيمل"‪.‬‬
‫‪ ‬عضو في مجلس المنطقة الثانية برتبة ضابط أول سياسي الى جانب عمار مالح‪.‬‬
‫‪‬بعد االستقالل تولى مهمة قائد قطاع عسكري بالنواحي ‪4‬و‪2‬و‪.5‬‬
‫‪‬انتخب عضوا في البرلمان عن دائرة "آريس" فترة ‪ ،1977‬وأيضا انتخبه مؤتمر جبهة التحرير‬
‫الوطني سنة ‪ 1979‬عضوا كامل العضوية في اللجنة المركزية‪.1‬‬
‫‪‬مس ؤول لمنطق ة في ح زب جبه ة التحري ر وال تي ك انت تض م ثالث والي ات‪ :‬بلعب اس‪ ،‬تموش نت‬
‫‪2‬‬
‫وتلمسان‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مرحلة التحضير العالن الثورة في االوراس‪:‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ :‬ص ‪.27‬‬


‫‪ - 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪126‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫يروي الرائد "محمد هاليلي الصغير" في الفترة األولى وهي مرحلة التحضير للث ورة في‬
‫األوراس‪ :‬أن ه ذه المرحل ة هي من أص عب الف ترات من حيث التنظيم والظ روف والص عوبات‬
‫التي واجهتها خاصة وأن عيون العدو تترقب‪ ،‬يعتبر الرائد هذه الفترة هي فترة التحضير وتهيئة‬
‫المنطق ة الحتض ان الث ورة‪ ،‬وزرع خالي ا التنظيم الس ري‪ ،‬وت دريب المناض لين وته يئتهم جس ديا‬
‫ونفسيا للعمل المسلح‪.‬‬
‫عم ل بن بولعي د وه و عض و اللجن ة المركزي ة لح زب الحرك ة على توعي ة المجتم ع‬
‫األوراسي من أجل العمل على تغيير الواقع المفروض من طرف المحتل‪ ،‬وتجني د عناص ر فعالة‬
‫للقيام بالعمل المسلح يتمتعون بسمعة ونشاط فعال‪ ،‬ومن بين هؤالء نجد رؤساء األقسام الثالثة‬
‫الذين اقتنعوا بأفكار بن بولعيد حول ضرورة تبني العمل المسلح وأعلنوا التمرد على مصالي‬
‫الحاج الذي كان رافضا للثورة كما يروي "الرائد هاليلي محمد الصغير"‪.‬‬
‫قسم آريس ‪ :‬يشمل عمق كتلة األوراس التي تعلوها قمة شلية المشهورة وهو يحمل الرقم‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ 02‬في التنظيم الحربي‪ ،‬مسؤول هذا القسم عاجل عجول‪.‬‬


‫قسم خنشلة ‪ :‬مسؤوله عباس لغرور‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫قس م بين آريس وباتن ة ‪ :‬مس ؤوله الط اهر نويش ي (غم راس)‪ .‬وه ذه األقس ام تحت إش راف‬ ‫‪-3‬‬

‫القائد الفذ بن بولعيد‪.1‬‬


‫كما ذكر الخصائص البشرية والجغرافية لألوراس والتي تعتبرها ذات أهمية كبيرة في‬
‫تفج ير الث ورة وس ريتها‪ ،‬فالطبيع ة الجغرافي ة للمنطق ة الص عبة والمعزول ة ه يئت ش روط العم ل‬
‫واحتض نت الث ورة وك انت مه دها ال ذي انطلقت من ه‪ ، 2‬ففي ه ذه البح يرة الغابي ة كم ا وص فها‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.34-31‬‬


‫‪ 2‬يذكر مصطفى عمر في كتابه عن األوراس‪" :‬ال أنسى متعة ما شاهدت أثناء تلك الرحلة من القرى الجميلة وخاصة هندسة‬
‫سكناتها المتراصة والمتماسكة‪ ،‬حول ما يسميه الشاوية بالقلعة‪ ،‬أو مخزن الغلة الذي يشبه الى حد ما األكوفي عند القبائل‪ ،‬وهي‬
‫صورة توحي لمن يراها بما تتميز به الناحية من تضامن وترابط بين سكانها أهل الصالبة واإلخالص‪ ،‬وهنا تجدر اإلشارة الى‬
‫أن تلك المخازن كانت فارغة ألن السكان لم يتركو فيها شيئا خشية من استيالء الجنود الفرنسيين عليها بما عرف عنهم من‬
‫تصرفات متعسفة وهو ما يؤكد فطنة االنسان األوراسي‪ .‬ينظر‪ :‬مصطفى عمر‪ :‬الطريق الشاق الى الحرية‪ ،‬طبعة خاصة‪ ،‬دار‬
‫هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص ‪.174‬‬
‫‪127‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫"الهاليلي"‪ ،‬كان عجول وبلعقون وبن عكشة محمود الذين تداولوا على تسيير قسم آريس رقم "‬
‫‪ ،"2‬يس هرون على إنش اء وتنظيم خالي ا المنظم ة الس رية قب ل الث ورة‪ ،‬وفي ربوعه ا ك ان س ي بن‬
‫بولعي د وض يوفه المط اردون من ط رف االس تعمار (بط اط‪ ،‬بن طوب ال‪ ،‬بن ع ودة‪ ،‬بلمهي دي‪،‬‬
‫زيغود‪ )...‬يتخفون ويعقدون اجتماعاتهم السرية‪ ،‬ويجتمعون بالمناضلين لتعميق وعيهم بالثورة‪،‬‬
‫كم ا ك انت فيه ا ورش ات الت دريب على ح رب العص ابات وال تي تض م رج ال لهم ش رف تفج ير‬
‫الثورة‪.‬‬
‫و ذكر األهمية االستراتيجية لمنطقة وسط األوراس وركز عليها تركيزا خاصا‪ ،‬كونها‬
‫مسرحا لألحداث ومسقط رأسه وهذا ال يقلل من أهمية المناطق األخرى بل يروي أنه يعرفها‬
‫وتحاشى ما لم يعرفه ويعش فيه من قبل‪.‬‬

‫الخصائص التي شجعت على إنشاء خاليا الثورة‪ :‬يذكر الرائد هاليلي الصغير أربعة خصائص‪:‬‬

‫الخاصية األولى‪ :‬الموقع الجغرافي الذي تتميز به األوراس من صعوبة التضاريس وهو‬
‫ما جعل المحتل يتعمد تقسيمها سياسيا وأمنيا وإ داريا‪ ،‬أين ألحق الجزء الشرقي منها إداريا ببلدي ة‬
‫خنش لة المختلط ة والج زء الغ ربي ببلدي ة آريس المختلط ة‪ ،‬لكن المجتم ع األوراس ي لم يعتم د ه ذا‬
‫التقسيم وظل محافظا على وحدته‪.1‬‬

‫الخاصية الثانية‪ :‬طبيع ة االنس ان االوراسي ال رافض للخض وع‪ ،‬حيث من ذ دخ ول المحت ل‬
‫المنطقة ثاروا ضده‪ ،‬أمثال‪ :‬الصادق بن الحاج‪ ،‬المقاوم أحمد بن الحاج‪ ،‬هو ما مكن بن بولعيد‬
‫وعجول ورفاقهما من استغالل تلك الطبيعة وسكانها المتمرسين على القتال فوجههم إلى السبيل‬
‫الصحيح والعمل الثوري‪.‬‬

‫الخاصية الثالثة‪ :‬تكمن في األهمية التاريخية لألقسام الثالثة المنفصلة عن حزب الشعب‬
‫والمقتنع ة بحتمي ة حم ل الس الح لط رد االس تعمار الغاش م‪ ،‬وتخليهم عن "مص الي" ال رافض للعم ل‬
‫المسلح في تلك الفترة‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪128‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫الخاصية الرابعة‪ :‬تتعل ق بش خص بن بولعي د ابن المنطق ة‪ ،‬ال ذي كس ب ثق ة الس كان ووف ق‬
‫في اختيار المناضلين‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫كل هذه الخصائص جعلت من األوراس مهد تفجير الثورة كما ذكر الهاليلي الصغير‪.‬‬

‫روى بعد ذلك الهاليلي الصغير في مذكراته نبذة عن حياة القائد مصطفى بن بولعيد أبو‬
‫الثورة التحريرية وأسد األوراس‪ ،‬الرجل الذي خطط ومول للثورة من ماله الخاص‪ ،‬بدأ نشاطه‬
‫السياس ي م ع المس عود بلعق ون س نة ‪ 1945‬ك ان يتمت ع ب وعي سياس ي ومتق دم‪ ،‬كم ا ك ان ينش ط‬
‫اجتماعيا حيث أسس جمعية خيرية تولت بناء مسجد آريس‪ .‬كان يهدف من نشاطه االجتماعي‬
‫توثي ق األوام ر ال تي ترب ط بين أبن اء المنطق ة وتع بئتهم ض د المس تعمر وكس ب االع راش وجن د‬
‫أبناءها من أجل تحقيق أغراضه في تفجير الثورة‪ ،2‬أي أن مذهب بن بولعيد ذو شقين‪:‬‬

‫شق سياسي يتمثل في إيقاظ مشاعر الوطنية في نفوس المواطنين وإ عدادهم سياسيا للثورة‬
‫وإ قناعهم بأنها الخيار الوحيد للشعب الجزائري‪ ،‬بعد أن استنفذت األحزاب ما في أوعيتها‪ ،‬وأن‬
‫االنتصار على العدو رغم ما يمتلكه ممكن‪.‬‬

‫ش ق اجتم اعي‪ :‬يتمث ل في إزال ة الخالف ات بين القبائ ل واألع راش وت أليف القل وب وتوحي د‬
‫‪3‬‬
‫الصفوف‪ ،‬وزرع الثقة في النفوس‪ ،‬وتوجيه الشعب على هدف واحد‪.‬‬

‫ثم تف رع للعم ل الخ ارجي م ع زمالئ ه المعن يين بتفج ير الث ورة‪ ،‬بع د أن نظم منطقت ه‪ ،‬ثم‬
‫ي ذكر الرائ د هاليلي الص غير أن بن بولعي د تف رغ للعم ل الخ رجي م ع زمالئ ه المعن يين بتفج ير‬
‫الث ورة‪ ،‬بع د أن نظم المنطق ة بعناص ر ثق ة تارك ا‪ :‬عب اس لغ رور مش رفا على "خنش لة"‪ ،‬عم ار‬

‫‪ 1‬كانت منطقة األوراس أكثر استعدادا وأشد حماسا للثورة المسلحة‪ ،‬ألسباب وعوامل منها‪ :‬طبيعة السكان المتميزين بالشجاعة‬
‫وعدم االستسالم للقهر واالحتالل‪ ،‬الطبيعة الجبلية الوعرة التي يسكنها أهل األوراس‪ ،‬توفر األسلحة بكميات تبعث األمل على‬
‫انطالق الثورة عند إعالنها‪ ،‬العمل الدؤوب والمتواصل للقائد بن بولعيد في وسط مناضلي األوراس وخارج هذه المنطقة‬
‫وتحسيسهم لذلك اليوم العظيم‪ .‬ينظر‪ :‬عمار مالح‪ :‬قادة جيش التحرير الوطني الوالية األولى‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الهدى للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2008 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬محمد الصغير هاليلي‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.44-37‬‬
‫‪ 3‬عثماني مسعود‪ :‬مصطفى بن بولعيد‪ :‬مواقف وأحداث‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الهدى للطباعة والنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،2013 ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪129‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫مع اش الم دعو (مارش ينوار) على "ي ابوس"‪ ،‬عج ول ومس تيري وكعباش ي على "كيم ل"‪ ،‬مص طفى‬
‫بوس تة وعق الي على دوار "زاالط و"‪ ،‬المس عود عابس ي على ناحي ة "إينوغيس ن" وأحم د ن واورة‬
‫ومحمد بن المسعود على "وادي غسيرة"‪ ،‬عثماني عبد الوهاب على "الولجة"‪ ،‬عبد الحفيظ سوفي‬
‫على "ب ني مل ول"‪ ،‬الط اهر نويس تي ون اجي على "عين القص ر"‪ ،‬الش يخ م دور وعلي بن ش ايبة‬
‫وعزوي وعمار بلعقون وآخرون على "التواتة"‪ ،‬وهي استراتيجية محكمة اتبعها بن بولعيد وضع‬
‫به ا الث ورة في قط ار آمن‪ ،‬متبع ا خط ة يتحاش ى به ا انتب اه المس تعمر من خالل تظ اهره بتقليص‬
‫نشاطه السياسي وهو ما جعل المستعمر يعتقد بأن المنطقة قد استسلمت لألمر الواقع‪.1‬‬

‫بوادر العصيان نتيجة تزوير االنتخابــات‪ :‬بع د ترش ح بن بولعي د لالنتخاب ات في ‪19512‬‬
‫ممثال عن سكان األوراس‪ ،‬راح العدو يساومه ويخيره بين االستمالة لصفهم أو شطب اسمه من‬
‫القائم ة وه و م ا ح دث بع د رفض بن بولعي د الرض وخ للع دو وس جلوا مكان ه ممث ل ح زب البي ان‬
‫"السيد بن خليل" فثارت ثائرة الناخبين في كل مكان‪ ،3‬حيث يروي الرائد هاليلي بأن سكان كيمل‬
‫هجموا على صناديق االنتخابات فحطموها وحشروا رجال الدرك المكلفين بحراستها في ركن‪،‬‬
‫هذه العملية التي اشتعلت النار الحاقدة التي عمت كل الدائرة االنتخابية في االوراس‪ ،‬و هو ما‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫يذكر عديد المؤرخين أن التكوين السياسي والعسكري لبن بولعيد مكنه من توسيع شبكة عالقاته االجتماعية‬ ‫‪2‬‬

‫مع مختلف شرائح الشعب‪ ،‬فبعد نهاية الح ع ‪ 2‬انخرط مع أخيه عمر في صفوف حزب الشعب الجزائري‪،‬‬
‫ونشر مبادئ االستقاللية في المنطقة وخاض غمار االنتخابات سنة ‪ 1948‬وتحصل على المرتبة األولى‪،‬‬
‫وزورت االنتخابات في الدورة الثانية لصالح خصمه من االتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري " الدكتور بن‬
‫خليل"‪ ،‬حيث كان السبب الرئيسي لتزوير االنتخابات هو دعمه المالي والمعنوي للثوار الرافضين القانون‬
‫الفرنسي والمتمركزين في جبال األوراس منذ ‪ .1950‬ينظر‪ :‬يوسف مناصرية‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‬
‫‪.121‬‬
‫‪ 3‬يرجع االعداد السياسي والعسكري للثورة في األوراس الى الفترة ما بين عام ‪ 1951‬وعام ‪ ،1954‬اال ما بعد حدث احتالل‬
‫مكاتب االختراع وتدمير صناديق االنتخابات وقتل عميل كان في خدمة اإلدارة الفرنسية‪ .‬ينظر‪ :‬مصطفى طالس وبسام عسلي‪:‬‬
‫مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪130‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫أربك العدو الذي س ارع في عملي ة محاص رة المنطقة عسكريا‪ ،‬والزج بمناض ليها في الس جون‪.‬‬
‫كما ثارت اشتباكات مع الخارجين عن القانون الفرنسي‪ 1‬في عدة نقاط‪:‬‬

‫االش تباك األول‪ :‬في أوت ‪ 1952‬بغاب ة "كيم ل" م ع الحس ين برحاي ل وش يبوب الص ادق وزلم اط‬
‫المسعود الثاني‪ ،‬أحمد قادة‪ ،‬عاجل عجول‪.‬‬
‫االشتباك الثاني‪" :‬بوادي أوالد سي عمران بتاجموت"‪.2‬‬
‫االش تباك الث الث‪ :‬في م ارس ‪ 1953‬دارت بين المط اردين وقائ د "دوار ي ابوس" بمنطق ة ب ني‬
‫وجانة‪.‬‬
‫كم ا ك انت هن اك تحرك ات أخ رى على الح دود التونس ية والجزائري ة‪ ،‬يرج ع انه ا لث وار‬
‫ت ونس ال ذين ك انوا يجمع ون األس لحة والم ال من بينهم "لزه ر شريط"‪ ،‬ال ذي نص ب كمين لل درك‬
‫الفرنسي في ‪ 23‬أكتوبر ‪ ،1954‬كما شاع ظهور المسلحين في محيط خنشلة‪.‬‬

‫كل هذه األحداث كانت مشجعة على الثورة‪ ،‬ومقلقة بالنسبة للمستعمر‪ ،‬الذي يراها تمردا‬
‫وعصيانا‪ ،‬أما بالنسبة للتنظيم السري فهي ذروة النضج السياسي‪.‬‬

‫سارع بن بولعيد إلى إخماد تلك االضطرابات الناتجة عن حوادث االنتخابات التي تس ببت‬
‫في تص ادم قت الي بين الخ ارجين عن الق انون الفرنس ي وق وات جيش ه في المنطق ة‪ ،‬وس ارع في‬
‫إخراج الالجئين السياسيين إلى األوراس وكلف "مصطفى بوستة" بإعادتهم على محيط قسنطينة‬
‫بص فة س رية‪ ،‬و ض م الخ ارجين عن الق انون الفرنس ي الى س لطة الح زب‪ ،‬كم ا عم ل على‬
‫اإلس راع للمص الحة بين االع راش والقض اء على ك ل الخالف ات ال تي اس تغلها الع دو‪ ،‬و ح رص‬
‫على وح دة المناض لين وتض ليل الع دو من خالل اس تغالل اس م مص الي الح اج في أنش طته‬

‫‪ 1‬هذه العصابات الغير منظمة من المتمردين والذين لم يكونوا ثوريين‪ ،‬كانوا محل مطاردة من قبل سلطات االستعمارية‪ ،‬لكنها‬
‫تتمتع بمكانة محترمة لدى األهالي في األوراس وكانوا يتمتعون بحماية األعراش التي ينتمون اليها‪ ،‬وأبلغ بن بولعيد رؤساء‬
‫األفواج لجمع شمل هؤالء االخوان الذين عانوا ويالت الحرب‪ ،‬من بينهم‪ :‬زلماط مسعود‪ ،‬قرين قاسم‪ ،‬برحايل حسين‪ ،‬شبشوب‬
‫الصادق‪ ،‬تدربوا على يد المنظمة الخاصة‪ .‬عيسى كشيدة‪ :‬مهندسو الثورة‪ ،‬تر‪ :‬موسى أشرشور وزينب قبي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬منشورات‬
‫الشهاب‪ ،‬الجزائر‪ ،2010 ،‬ص ‪.55-53‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.47-46‬‬
‫‪131‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫واجتماعات ه للتموي ه خاص ة وأن مص الي ك ان رافض ا للعم ل المس لح في ذل ك ال وقت‪ ،1‬و ط الب‬
‫‪2‬‬
‫بتكوين "لجنة للدفاع عن الحريات"‬

‫و كل هذه اإلجراءات التي قام بها بن بولعيد و التي ذكرها الرائ د الهاليلي الصغير‪ ،‬كان‬
‫يه دف من خالله ا إلى تهدئ ة األوض اع في المنطق ة‪ ،‬ح تى يتم تنظيمات ه لتفج ير الث ورة‪ ،‬وه و م ا‬
‫حص ل فعال حيث انس حبت ق وات الع دو ورجعت أدراجه ا ظن ا منه ا ب أن المنطق ة أص بحت تحت‬
‫السيطرة وتم القضاء على التمرد والعصيان‪.‬‬

‫المنظمـــة الســـرية لألوراس‪ :‬بع د تأس يس المنظم ة الخاص ة س نة ‪( 1947‬منظم ة ش به‬


‫عسكرية) اعتبرها مناضلو األوراس السبيل الوحيد والحاسم للتحرر وإ خراج العدو‪ ،‬لذلك سعى‬
‫بن بولعيد ورفاقه وعملوا على إنساء خاليا سرية في المنطقة‪ ،‬كما انصبت جهودهم على تفعيل‬
‫دور المنظمة وتوسيع انتشارها وإ ضفاء العناية الالزمة ألفرادها‪ ،‬وتسلم بن بولعيد مسؤولياتها‬
‫من بوض ياف ورك ز على دعمه ا خاص ة في األوراس إيمان ا من ه بأنه ا الس بيل األساس ي لتفج ير‬
‫الث ورة‪ ،‬وي روي الهاليلي محم د الص غير في مذكرت ه أن بن بولعي د ق ام بتحف يز مناض لي الخالي ا‬
‫السرية في األوراس (شيلية‪ ،‬فم الطوب‪ ،‬الولجة‪ ،‬بني ملول‪ ،‬كيمل‪ ،‬زاالطو‪ ،‬يابوس‪ ،‬بوعريف‪،‬‬
‫منع ة‪ ،‬عين زعط وط‪ ،‬ب ني ف رج‪ ،)...‬ك ل ه ذا في إط ار العم ل على تفج ير الث ورة تحت كت ف‬
‫المنظمة السرية‪ ،‬ثم اهتموا بالقضية الرئيسية (قضية التسليح)‪.‬‬

‫الحزب يتحدى المناضلين بحل المنظمة السرية‪ :‬بعد انكشاف المنظمة السرية في ‪1950‬‬
‫بع د حادث ة تبس ة‪ ،‬وس جن ع دد كب ير من عناص رها‪ ،‬ومتابع ة قادته ا وإ جب ارهم على االستس الم‪،‬‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.47-46‬‬
‫‪ 2‬تأسست في ‪17‬جوان ‪ ،1951‬فبعد أن جرت انتخابات تجديد نصف أعضاء فئتي النةاب في المجلس الوطني الفرنسي ولم‬
‫يفز وال مترشح واحد من ‪ MTLD‬و‪ ،CRUA‬نتيجة التزوير‪ ،‬رغم أنها جرت في عهد وال جديد "روجي ليونار"‪ ،‬هذه الخسارة‬
‫ال تي م نيت به ا أح زاب الحرك ة الوطني ة داف ع ق وي نح و تح الف سياس ي للح د من عملي ة ال تزوير‪ ،‬وق د أذاعت ه ذه األح زاب‬
‫والمنظمات الجزائرية (‪ )MTLD_ UDMA _PCA_ OULAMAA‬بيانا مشتركا في ‪ 25‬جويلية جاء فيه‪" :‬فالعلماء واالتحاد‬
‫الديمقراطي للبيان الجزائري والحزب الشيوعي وحركة انتصار الحريات الديمقراطية قرروا انشاء لجنة لتكوين جبهة الدفاع‬
‫عن الحرية واحترامها وذلك سعيا لتوحيد العمل"‪ .‬ينظر‪ :‬عبد الحميد عومري‪ :‬الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها‬
‫‪ ،1951‬مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬مجلد‪ ،21:‬العدد‪ ،02 :‬ديسمبر‪ ،2020‬ص ‪.208‬‬
‫‪132‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫قامت قيادة حزب ‪ MTLD‬بحل المنظمة الخاصة‪ ،‬وهو قرار سيدمر جهود المناضلين بعد ربع‬
‫قرن من النضال للوصول إلى حكم العمل المسلح‪.‬‬

‫ويذكر الهاليلي الصغير أن "بن بولعيد" بذل جهودا كبيرة لحماية التنظيم ورفض حله في‬
‫األوراس‪ ،‬بع د أن رج ع "بوض ياف" إلى الجزائ ر انض م إلى س ي بن بولعي د وعمل وا على إع ادة‬
‫الثق ة للعناص ر المنظم ة‪ ،‬واالس تفادة من الع رض المغ ربي لعب د الك ريم الخط ابي ال ذي يقض ي‬
‫لتوحيد الكفاح المسلح على مستوى جبهة المغرب العربي‪.1‬‬

‫على إثر هذا سارع "بن بولعيد" لفض النزاع القائم في الحزب وعقد اجتماع‪ ،‬وتقرر فيه‬
‫عدم التورط بين "المركزيين" و"المصاليين" والتزام الحياد حفاظا على وحدة الصفوف والتماسك‪،‬‬
‫ثم بعد ذلك كل ما بنشر يصدر باسم "اللجنة الثورية للوحدة والعمل"‪ 2‬التي أسست في ‪ 23‬مارس‬
‫‪ ،1954‬كان "بوضياف" و "بن بولعيد" عضوين في إعانتها‪.‬‬

‫اجتماع مجموعة ‪ :22‬بعد اليأس الذي أصاب عناصر التنظيم الفاعلين لتحقيق وحدة‬
‫الح زب‪ ،‬ب ادر بوض ياف وبن بولعي د‪ ،‬دي دوش لعق د اجتم اع عاج ل واس تدعاء أعض اء المنظم ة‬
‫الخاصة الذين تمكنوا من التواصل معهم‪ ،‬خالل شهر جوان ‪ 1954‬بمنزل "إلياس دريش"‪ ،‬تحت‬
‫رئاسة "بن بولعيد" وتناول خالل هذا االجتماع كما يذكر الرائد هاليلي محمد الصغير‪:‬‬

‫تقييم المرحلة‪.‬‬
‫التفكير في التمثيل السياسي للحركة الجديدة‪.‬‬
‫السالح والمال وتفجير الثورة‪.‬‬
‫المكان والزمان والرجال والعدة‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.52-51‬‬


‫‪ 2‬ممارسات مصالي أدت في النهاية الى تجذر انقسام حركة االنتصار التي تأسست في أكتوبر ‪ ،1946‬فظهر تياران‪ :‬تيار‬
‫وفي لمصالي‪ ،‬وآخر انشق عنه بزعامة حسين لحول (المركزيين)‪ ،‬حيث اشتد الصراع بين هاذين التيارين ووصل بهما األمر‬
‫الى المواجهة الجسدية‪ ،‬وفي هذه الظروف العصيبة تكونت قوة ثالثة رأت أن حدة الصراع بين المصاليين والمركزيين حتما‬
‫ستؤدي الى تأخير اندالع الثورة وربما استحالة قيامها‪ ،‬وقاموا باالعداد لتأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل‪ .‬ينظر‪ :‬الرائد‬
‫طاهر سعيداني‪ :‬القاعدة الشرقية قلب الثورة النابض‪ ،‬ط‪ ،1‬دار األمة للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2001 ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪133‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫كذلك ما آل إليه الحزب من خالفات مدمرة وتوصلوا إلى خيارين‪:‬‬

‫عتماد العمل المسلح كوسيلة إلنقاذ الحزب والخروج من حالة التردد‬ ‫‪-‬‬

‫اعتماد العمل المسلح كهدف وحيد ولكن بعد توفير الشروط الموضوعية له‪.1‬‬ ‫‪-‬‬

‫وق د انبث ق عن ه ذه المجموع ة أمان ة تتك ون من خمس ة أش خاص‪ ،‬انتخب وا ب دورهم منس قا‬
‫لهم‪ ،‬أعلن من خالله "بن بولعيد" عن فوز "بوضياف"‪ ،‬رغم أنه قيل بأن بن بولعيد هو من نجح‬
‫في االنتخاب السري‪.2‬‬

‫اجتماع األمانة المنبثقــة عن مجموعــة ‪ :22‬عق د أول اجتم اع له ا في ‪ 28‬ج وان ‪1954‬‬
‫إلص دار النظ ام ال داخلي وبي ان أول نوفم بر وتق ييم ال تراب الوط ني إلى خمس ة من اطق وض بط‬
‫إجراءات االستعداد لساعة اإلعالن الفعلي للثورة‪ ،‬وفي هذا الوقت ركز "بن بولعيد" جهوده على‬
‫اقناع "كريم بلقاسم" الذي ال يزال ملتزما "بمصالي" لكسب منطقة القبائل‪ ،‬حيث جرت معه عدة‬
‫اتصاالت باءت كلها بالفشل‪ ،‬حتى تلقى المناضل "كريم بلقاسم" توبيخ وتهديد من طرف "موالي‬
‫مرب اح" على إث ر االس تبيان المع د من ط رف األمان ة الخماس ية‪ ،3‬وه و م ا يروي ه الرائ د هاليلي‬
‫الصغير في مذكرته حيث ياس "كريم" و"مصالي" وانضم إلى مجموعة الخمسة وأصبح العضو‬
‫السادس في األمانة‪.‬‬
‫وتواصلت االجتماعات المنبثقة عن لجنة الستة (بن بولعيد‪ ،‬بوضياف‪ ،‬كريم بلقاسم‪ ،‬بن‬
‫مهي دي‪ ،‬رابح بيط اط)‪ :‬حيث اتص لوا بأحم د بن بل ة لمعرف ة موق ف مص ر من الث ورة فأك د لهم‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد هاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.53-52‬‬
‫‪ 2‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ 3‬يذكر عيسى كشيدة في هذا الصدد‪ :‬أن هاشمي حمود (مناضل قديم وقائد والية) كلف بمهمة القيام بالتوسط بين كريم بلقاسم‬
‫وأوعمران من جهة‪ ،‬وبين جماعة بوضياف من جهة‪ ،‬وشرع في مساعيه منذ شهر ماي ‪ ،1954‬حيث قام بتنقالت عديدة ذهابا‬
‫وإ يابا بين مخابئ هؤالء وأولئك‪ ،‬وأثمرت جهوده في األخير حيث قبلت الجماعتان بااللتقاء وتم التحضير لهذا االجتماع في‬
‫شارع "شان"‪ ،‬كما تلقوا أمرا من موالي مرباح بتصفية الخارجين عن الشرعية‪ ،‬فلزم اتخاذ كل االحتياطات خاصة أن جماعة‬
‫بلقاسم انحازوا للتيار المصالي بدليل أنهم أوفدوا زعيم يمثلهم في مؤتمر "هورنو" ببلجيكا‪ ،‬وانعقد هذا اللقاء التاريخي الذي حدد‬
‫مصير الداعين اليه‪ ،‬ومنذ ذلك اليوم انضم الى لجنة الخمسة "كريم بلقاسم" وبدخوله انضم جزء من القبائل في مرحلة أولى الى‬
‫هذه النواة التي ستحرر عقد ميالد الثورة الجزائرية‪ ،‬كمال سلم بن بولعيد لكريم مائة بندقية ايطاليةمن نوع "ستاتي" من الشحنة‬
‫التي اشتراها من ليبيا‪ .‬ينظر‪ :‬عيسى كشيدة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.81-78‬‬
‫‪134‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫المس اند اإليجابي ة لجم ال عب د الناص ر‪ ،1‬كم ا كل ف "بيط اط" بنق ل مبل غ من الم ال الى "الفاس ي"‬
‫لش راء الس الح‪ .‬وكل ف "بن بولعي د" بالس فر الى ط رابلس لالتص ال "ببن بل ة" لتحدي د ط رق دخ ول‬
‫الس الح‪ ،‬واتجه ك ل من "بن مهي دي" و"بوض ياف" الى اس بانيا من أجل اس تحداث طري ق لته ريب‬
‫الس الح الى الجزائ ر‪ ،‬حيث تم تب ني مب دأ القي ادة الجماعي ة لتس يير الث ورة نظ را لمس ؤوليتها‬
‫وخطورتها الكبيرة‪.‬‬
‫محاولة "بن بولعيد" االتصال "بمصالي الحاج" إلقناعه بمبدأ العمل المسلح‪ ،‬وتبنيه زعامة الث ورة‪،‬‬
‫اال أن ه رفض وك ان جواب ه حس ب م ا ذك ر الهاليلي الص غير‪( :‬قب ل محارب ة الع دو الب د لي من‬
‫محارب ة المرك زيين وأن الث ورة ال تي لم أقرره ا أن ا مص الي فهي ث ورة باطل ة)‪ ،‬ب ذلك قط ع ك ل‬
‫خي وط الرجع ة أم ام أمان ة الس تة‪.‬بع دها رج ع بن بولعي د الى األوراس إلكم ال اإلج راءات‬
‫‪2‬‬
‫والتحضيرات لإلعالن عن الثورة وبدأ عقد سلسلة االجتماعات المحلية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬اجتماعات العد العكسي العالن الثورة في األوراس‪:‬‬

‫ي ذكر الرائ د محم د هاليلي الص غير في مذكرت ه أن "بن بولعي د" ورفاق ه عق دوا ع دة‬
‫اجتماعات محلية كبداية فعلية للمشروع التحرري‪ ،‬كانت على النحو التالي‪:‬‬

‫‪‬االجتم اع األول‪ :‬عق د ب دار المناض ل "مس عود بن العق ون" بحي الزمال ة بباتن ة ي وم ‪30‬م ارس‬
‫‪ ،1954‬حض ر ه ذا االجتم اع "عاج ل عج ول"‪ :‬مس ؤول قس م آريس‪ 2‬في التنظيم الح زبي‪،‬‬
‫"الط اهر النويش ي"‪ :‬مس ؤول قس م بوعري ف‪" ،‬عب اس لغ رور"‪ :‬مس ؤول عن قس م خنش لة‪،‬‬
‫"بوشمال"‪ :‬مسؤول عن قسم باتنة‪ ،‬ويذكر لهاليلي أنه ال يزال ملتزما مع مصالي‪ ،‬وضع "بن‬
‫بولعي د" في ه ذا االجتم اع الحاض رين أم ام مس ؤولياتهم ق ائال‪" :‬أن المهم ة ليس ت س هلةكما ق د‬
‫يتب ادر الى أذه ان الكث ير منهم فهي ث ورة"‪ ،‬كم ا تعه د "بن بولعي د" ب أن األوراس مس تعد للقي ام‬
‫بالثورة والصمود لمدة ستة أشهر‪ ،‬ريثما تلتحق المناطق األخرى به‪ ،‬في هذا االجتم اع لم يح دد‬
‫ت اريخ اإلعالن عن الث ورة ولكن أك د لهم ق رب الموع د وأم رهم باالس تعداد النفس ي والجس دي‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬هاليلي محمد الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.54-53‬‬


‫‪ 2‬هاليلي محمد الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪135‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫والم ادي (س الح وذخ يرة)‪ ،‬وحثهم على تق ديم دراس ة متمعن ة ح ول اس تعداد الس كان وتحدي د‬
‫الفئ ات ال تي ال تس تجيب (أي تحدي د م دى تج اوب الس كان م ع الث ورة)‪ ،‬حيث ذك ر لهاليلي أن‬
‫المجاهد "ناجي ناجي" تقدم بتحليل دقيق جدا حول تجاوب األعراش‪.‬‬

‫‪‬االجتم اع الث اني‪ :‬ي ذكر الرائ د هاليلي محم د الص غير أن ه ذا االجتم اع ك ان حوص لة لم ا اتف ق‬
‫علي ه في االجتم اع األول أي تق ديم ع روض ح ول االس تعدادات وم ا واجههم من نق ائص‬
‫لمعالجتها‪ ،‬كانت خالصة العروض أن الظروف مواتية للحدث‪.1‬‬

‫‪‬االجتماع الثالث‪ :‬عقد بمزرعة "بن بولعيد" بتازولت "المبيز"‪ ،‬حضره مسؤولي األقسام الثالثة‪:‬‬
‫عاجل عجول‪ ،‬عباس لغرور‪ ،‬الطاهر النويشي‪ ،‬بلعقون مسعود‪ ،‬شيهاني بشير‪" ،‬خن تري محم د"‬
‫ممثال عن بريك ة‪" ،‬ح اجي موس ى" ممثال عن الخ روب‪ ،‬وانص ب اهتم امهم على إتم ام‬
‫االستعدادات التي كلفوا بها في االجتماع السابق‪ ،‬مركزين على انتقاء المناضلين الذين سيكون‬
‫لهم شرف القيام بالعمليات األولى وامكانيات تسليحهم‪ ،‬والكيفية التي سيتم استدعائهم بها قبل‬
‫‪48‬س اعة من الموع د المح دد واتفق وا أن يك ون االس تدعاء ش فويا وفردي ا أي من الفم لألذن كم ا‬
‫روى الرائد محمد هاليلي‪.2‬‬

‫‪‬االجتم اع الراب ع‪ :‬من أهم االجتماع ات ال تي تم عق دها في إط ار اإلعالن الفعلي للث ورة‪ ،‬كم ا‬
‫يعت بر االجتم اع الفاص ل بين مرحل تين‪ :‬مرحل ة ال تردد ومرحل ة الحس م لتحقي ق الحلم‪ ،‬في ه ذا‬
‫االجتم اع‪ 3‬ع الجوا اللمس ات األخ يرة حيث تم تحدي د األف واج وأم اكن العملي ات‪ ،‬ووس ائل نق ل‬
‫‪ 1‬انظر محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.57-56‬‬
‫‪ 2‬كما أكد مداسي بقوله‪ :‬أن هذا االجتماع الذي انعقد في ‪30‬أفريل ‪ 1954‬في مزرعة "المبيز"‪ ،‬أن الجميع (الحضور) أقسم‬
‫باالنخراط في الثورة‪ ،‬كما أشار الى أن شيحاني بشير (مسؤول دائرة باتنة) وبشير حجاجمن الخروب‪ ،‬محمد خنترة من دائرة‬
‫بريكة انضموا بعد خمسة عشر يوما من انعقاد االجتماع‪ .‬ينظر‪ :‬محمد العربي مداسي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.58-57‬‬
‫‪ 3‬يذكر مداسي أن هذا االجتماع عقد في ‪20‬أكتوبر ‪ ،1954‬جمع فيه بن بولعيد في "لقرين" (الشمرة) بمنزل عبد اهلل أومزيتي‪،‬‬
‫مجموعة مقاومين‪ :‬عجول‪ ،‬شيحاني‪ ،‬لغرور‪ ،‬النويشي‪ ،‬حاجي وخنترة وبلغهم بتاريخ يوم أول نوفمبر ‪ ،1954‬كما روى أن بن‬
‫بولعيد جلب من قسنطينة آلة نسخ (رونيو) وبدأ يشرح بأن الثورة ستكون من عمل جيش التحرير الوطني‪ ،‬وعلى كل مسؤول‬
‫أن يكون قد جمع رجاله يوم السبت أي بليلتين قبل تاريخ االندالع‪ ،‬وتم تحديد مكانين للقاء‪ :‬خنقة معاش‪ ،‬والثاني نواحي آريس‬
‫في "تيغزة" كما تقرر توزيع األسلحة والبدالت‪ .‬ينظر‪ :‬محمد العربي مداسي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪136‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫الطالئ ع أله دافها والطرق ات المتبع ة‪ ،‬وكلم ة الس ر لك ل ف وج‪ ،‬وأم اكن اختب ائهم بع د العملي ة‬
‫وأخيرا تموينهم وايوائهم‪.‬‬

‫كما يذكر أن رؤساء األفواج قدموا قوائم المناضلين مصنفة الى ثالث أصناف‪:‬‬

‫‪‬الصنف األول‪ :‬يضم المناضلين المدربين جيدا ويمثلون النخبة الستعدادهم التام نفسيا وجسديا‬
‫لحمل السالح والهجوم‪.‬‬

‫‪‬الصنف الثاني‪ :‬يشمل المناضلين الحتياطيين لتطعيم األفواج المقاتلة عند الضرورة أو تكوين‬
‫أفواج جديدة عند توفر السالح‪.‬‬

‫‪‬الص نف الث الث‪ :‬يض م المناض لين الس ريين‪ ،‬مهمتهم ت أطير المناض لين‪ ،‬جم ع الم ال والمؤون ة‬
‫والدواء‪ ،‬التكفل باإلعالم والجوسسة والعمليات الفدائية وتأطير اللجان الشعبية‪.1‬‬

‫في ه ذا االجتم اع طب ع بي ان أول نوفم بر والمناش ير ال تي خصص ت للتعري ف ب الثورة‬


‫وأهدافها‪ ،‬بغرض توزيعها ليلة الحسم مثال‪ :‬بيان نوفمبر الذي تولى عاجل عجول طباعته باللغة‬
‫العربي ة وعب اس لغ رور باللغ ة الفرنس ية‪ ،‬كم ا تم تكلي ف ع ائالت "أوالد موس ى" ب أمر اطع ام‬
‫المس تدعين من األف واج األولى‪ ،‬أم ا فيم ا يخص األف واج البعي دة مثال ف وج خنش لة وبس كرة فق د‬
‫اجتم ع بهم بن بولعي د ي وم قب ل ليل ة نوفم بر مراعي ا بع د المس افة‪ ،‬كم ا تم طب ع الق انون األساس ي‬
‫لجيش التحري ر‪ ،‬واع داد التوص يات الض رورية لض بط تص رفات المس ؤولين بع د اعالن الث ورة‪،‬‬
‫كم ا ص درت ع دة توص يات تقض ي بع دم تع رض أي م واطن ألي ة عقوب ة ح تى وان ثبتت علي ه‬
‫الخيانة‪ ،‬وذلك إلشاعة الطمأنينة واشعار الجميع باألهداف النبيلة للثورة‪ ،‬حدد في هذا االجتماع‬
‫أم اكن التم وين وجمع السالح وال تي ينبغي أن تبقى آمنة مث ل‪ :‬منطقة الص حراء‪ ،‬ت امزة وبعض‬
‫الجه ات القريب ة من وس ط األوراس‪ ،‬وتم ض بط ح دود المنطق ة األولى في األوراس خالل ه ذا‬
‫االجتماع‪ ،‬هكذا وبعد آداء اليمين انفض الجميع على أمل االلتقاء األخير في دار "برغوث علي"‬
‫بدوار اشمول (بالمدينة)‪ ،‬لتقييم االستعدادات التي كلف بها رؤساء األقسام قبل استدعاء األفواج‪:‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد هاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.58‬‬


‫‪137‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫كلف عاجل عجول باستدعاء المناضلين المنتمين لقسم آريس وعددهم ‪280‬مغوار‪.1‬‬
‫كلف عباس لغرور باستدعاء من يقومون بالعمل معه في محيط خنشلة بيوم قبل موعد الفاتح‬
‫من نوفمبر ‪ ،1954‬نظرا لبعد المسافة مثال يذكر الرائد محمد لهاليلي مجموعة "موسى رداح"‬
‫التي عين لها مكان اللقاء "بعين سليان" قرب الحامة بجوار الحمام الطبيعي غرب خنشلة‪.‬‬
‫كل ف الط اهر النويش ي باس تدعاء مناض لي بوعري ف وفم الط وب والش مرة وخنق ة لح دادة وك ان‬
‫عددهم حوالي ‪70‬مناضل‪.2‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬اإلعالن التاريخي للثورة وانطالقها في األوراس‬

‫توزي ــع الس ــالح وانطالق الطالئ ــع أله ــدافها‪ :‬في ي وم ‪ 31‬أكت وبر ‪ 1954‬وبع د التح اق‬
‫الطالئع التي لبت النداء‪ ،‬ظهرت طلعة القائد مصطفى بن بولعيد معه رئيس القسم عاج ل عج ول‬
‫أم ام ‪ 280‬مس تدعي لدش رة الحج اج من أبن اء المنطق ة‪ ،‬وزع بن بولعي د الس الح على المناض لين‬
‫الذين سيكون لهم شرف إعالن الثورة وشكل األفواج ووضع على كل فوج مسؤول وحدد لهم‬
‫المهام‪ ،‬حيث سيصبحون النواة األولى لجيش التحرير الوطني‪.‬‬

‫بعدها يذكر هاليلي "أنه بدأ يصرف األفواج الواحد بعد اآلخر لتنفيذ ما كلفوا به‪ ،‬وشكل‬
‫األفواج ووضع على كل فوج مسؤول وحدد المهام‪ ،‬ماعدا فوج آريس لم ينفذ ما كلف به ألمر‬
‫بقي غامض‪ ،3‬كان هذا ما حدث خالل التجمع األول‪.‬‬

‫التجمع الثاني‪ :‬انتقل "بن بولعيد" الى دار "بولقواس" أين كان ينتظره "الطاهر النويشي"‬
‫لي وزع عليهم المه ام والس الح والتوص يات الض رورية ومك ان اللق اء بع د عملي ة التنفي ذ‪ ،‬وأعطى‬
‫لهم بن بولعيد كلمة السر المتفق عليها في تلك الليلة المباركة وهي (خالد‪ -‬عقبة) تفائال ببطولة‬

‫‪ 1‬انظر محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.60-59‬‬


‫‪ 2‬مصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ 3‬يذكر مداسي في هذا الصدد أن أحمد نواورة المكلف بمهاجمة آريس على رأس الفصيلة‪ ،‬انطالقا من رأس الذرع (بلدة تقع‬
‫على خمس كيلومترات الى الشمال من آريس)‪ ،‬لم يحضر في الموعد فقد انتظرته المجموعة قبل فجر ‪1‬نوفمبر عبثا‪ ،‬وكان على‬
‫مسعود بلعقون المقاوم القديم‪ ،‬التحلي بأطنان من الصبر والحديث إلبقائهم في مكانهم وانتظار أوامر جديدة أو قائد جديد‪ .‬ينظر‬
‫محمد العربي مداسي‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪138‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫خال د بن الولي د س يف اإلس الم المس لول وف اتح المغ رب الع ربي‪ :‬الص حابي عقب ة بن ن افع"‪ .‬ثم‬
‫انطلقت األفواج الى أهدافها‪:1‬‬

‫كانت المدينة الرئيسية لألوراس (باتنة) من نصيب "الحاج لخضر عبيد" وبلقاسم قرين‪.‬‬

‫بسكرة كانت من صيب "برحايل" ومجموعته‪ ،‬وخنشلة كلف بها "عباس لغرور"‪.‬‬

‫مصــطفى يختم التجمعين بــإجراءات أمنيــة‪ :‬بع د أن تم اإلعالن عن الث ورة في األوراس‬
‫وتوزيع األفواج على المناطق المحددة للهجوم وتحديد أماكن اللقاء بعد التنفيذ‪ ،‬قام بن بولعيد قبل‬
‫مغادرته ونوابه مكان التجمع األخير (دار بلقواس) نحو جبل الظهري بعدة إجراءات أمنية‪:‬‬

‫االجراء األول‪ :‬كلف المناضل "عزوي المبارك" ليبلغه بكل المستجدات ويكون نقطة ربط لكل‬
‫االتصاالت المدنية والعسكرية وذلك بالمكان المتفق عليه‪.‬‬

‫االجراء الثاني‪ :‬إزالة كل اآلثار التي من شأنها أن تكون شبهة وتدل العدو على مكان التجمع‬
‫وبالتالي تلحق الضرر بالسكان‪ ،‬حيث كلف من ينقل سيارته الشخصية الى أطراف الغابة حتى‬
‫ال يكون ألي أحد من السكان عالقة به أو بسيارته المهجورة التي أصر على اتالفها لتكون دليال‬
‫على تحمله لمسؤولية الثورة‪.‬‬

‫القيادة تختار جبل الظهري لمراقبة المســتجدات‪ :‬اخت ار بن بولعي د ورفاق ه جب ل الظه رة‬
‫(المط ل على مدين ة آريس) لمراقب ة المحت ل ب العين المج ردة وذل ك قص د معرف ة أس لوب وخط ة‬

‫‪ 1‬يذكر مداسي انه تم اختيار خمسة وعشرين مجموعة لهجمات أول نوفمبر‪ ،‬مجموعة "مشونش" مع حسين برحايل وسليمان‬
‫ولديها ثالثة أهداف‪ :‬بسكرة‪ ،‬طولقة وسيدي عقبة‪ ،‬أما "دوار أوماش" فتتكفل به مجموعة مجاهدين شيوعيين‪ ،‬ومجموعة كيمل‬
‫تتكون من ‪ :‬محمد العابد بهدفين "زريبة الوادي" و"درمون"‪ ،‬ومسعود زحاف بهدف واحد الى برقة‪ ،‬عبد الوهاب عثماني ثالثة‬
‫أهداف‪ :‬عمل يتمثل في شرح وتوزيع المناشير على سكان كيمل وتاجموت والهجوم على مركز درك "تبردقة"‪ ،‬أما مجموعة‬
‫عبد الحفيظ سوفي استهدفت قريتي "سيدي ناجي" و"الولجة"‪ ،‬وعلى "بولعراس" توزيع المناشير والدعاية في "لمسارة وتامزة"‪ ،‬أما‬
‫كيالني وناصر فكلفا بمهاجمة قرية قايس‪ ،‬وكانت مهمة عباس لغرور مهاجمة خنشلة بساعدة "عمار معاش"‪ ،‬أما ناحية "زالطو"‬
‫فأرسل لها أربع مجموعات‪ :‬مكي عاشوري الى "تكوت"‪ ،‬محمد الصبايحي الى" تاغيت" وبلقاسم مزياني الى " القصر" ومصطفى‬
‫قوغالي الى "اينوغيسن"‪ ،‬وتتضمن "اشمول" ثالثة أهداف‪ :‬الهجوم على المنجم ومكتب الجباية وتلغيم الجسرين آريس‬
‫وباتنة‪..‬الخ‪ .‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪139‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫الهجوم عليه‪ ،‬خاصة وأن المسافة التي تفصل الجبل عن وسط المدينة ال تزيد عن أربعة آلف‬
‫متر بتحلي ق الط ائر وبالت الي تمكنه من رص د تحرك ات الع دو أول ب أول ب العين المجردة وتقدير‬
‫النج دات ال تي اس تنفرها الع دو لمحاص رة المنطق ة وبالت الي تمكن ه من اتخ اذ اإلج راءات الالزم ة‬
‫لمهاجمة العدو‪ ،‬لذلك تم اختياره عن غيره من الجبال التي توفر له األمن أكثر‪.1‬‬

‫انطالق الثـ ـ ــورة‪ :‬لم تكن ليل ة األول من نوفم بر عادي ة س واء للجزائ ريين أو‬
‫المس تعمرين فبالنس بة للجزائ ريين ك ان فج ر أول نوفم بر بش ارة خ ير س تحررهم من ك ابوس‬
‫االستعمار‪ ،‬أما بالنسبة للمحتلين والخونة من المسلمين كان ضربة موجعة ستلحقهم خسائر مادية‬
‫وبش رية وإ عالمي ة وسياس ية‪ ،‬مثال "عب اس لغ رور" أعطى لهم نموذج ا مم ا س يلحق بهم حين قت ل‬
‫المالزم األول (دارن و) قائ د الص بايحية في خنش لة‪ ،‬وغنم كمي ة من األس لحة‪ ،‬ناهي ك عن ب اقي‬
‫الهجومات مثال في مدينة بسكرة التي أصيب فيها أكثر من أربع جرحى‪ ،‬ونفس الشيء بالنسبة‬
‫لباتن ة وغيره ا‪ ،‬حيث ي روي لهاليلي في وص فه لعملي ات نوفم بر ‪( :1954‬لق د الح "ب رق" ث ورة‬
‫نوفم بر المقدس ة من حناي ا جب ال الجزائ ر‪ ،‬ليح رق آم ال المحتلين المتغطرس ين‪ ،‬ويزي ل عنهم‬
‫الفظيع ويبطل فوانينهم العنصرية الجائرة)‪.‬‬

‫فق د ش كلت ليل ة الف اتح من نوفم بر ح دا فاص ال بين إرادتين ال تقبالن الوف اق كم ا ي ذكر‬
‫الرائد محمد الصغير إرادة محتل امتص الدماء وهثم العظام واستباح المحرمات‪ ،‬وإ رادة شعب‬
‫مستعمر مل حياة الخضوع والخنوع المذل‪ ،‬ووقف متحديا ومصمما على تحرير نفسه بنفسه‪.‬‬

‫القائد مصطفى بن بولعيد يتفقد األفواج‪ :‬يذكر لهاليلي في مذكرته أن "بن بولعي د" بع د أن‬
‫تأكد من تنفيذ العمليات التي خطط لها ليلة الفاتح من نوفمبر‪ ،‬باشر مراقبة األفواج بنفسه ليكمل‬
‫هيكلتها ويقف على أوضاع أفرادها ومعنوياتهم ويشجعهم على التأقلم‪ ،‬فكانت يومياته كالتالي‪:‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.65-63‬‬


‫‪140‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫اليوم األول‪ :‬تمثل في مراقبة حركات العدو من قمة جبل الظهرة كما اتفقت عليه القيادة‬
‫من قبل‪ ،‬والتي استقت منه معلومات أن قوات المحتل مستنفرة وتعيش حالة من الغموض نتيجة‬
‫تف اجئهم ب الثورة وش موليتها ووح دتها‪ .‬واقتص رت عملي اتهم على القبائ ل المنس بة إلى ح زب‬
‫‪ MTLD‬ظنا منهم أنه هم من فجروا الثورة‪ ،‬فشددت عليهم الحصار وإ جراءات البطش‪ ،‬فحرقوا‬
‫على س بيل المث ال‪" :1‬قري ة ص راء الحم ام" بكيم ل والتجم ع الس كاني "لله اره" بجب ل زاالط و‪ ،‬فم ا‬
‫لبثت هذه السياسة حتى شملت كل السكان دون استثناء‪.‬‬

‫الي وم الث اني‪ :‬ك ان بن بولعي د دائم التنق ل بين األف واج يع الج قض اياهم المس تعجلة على‬
‫مس توى‪ :‬جب ل "الظه ري"‪ ،‬وجب ل "الح دور"‪ ،‬جب ل "خنق ة ب ني بوس ليمان" وجب ل "اله ارة"‪ ،‬وسلس لة‬
‫جبل "أحمر خدو" و"كيمل" وغابة "بني ملول"‪....‬‬

‫ك انت القي ادة تس تخلص النت ائج من ردود فع ل الع دو األولى‪ ،‬كم ا ك انت تت ابع باهتم ام‬
‫األخب ار المحلي ة‪ ،‬وفي نهاي ة األس بوع األول في حي اة الث ورة‪ ،‬واس تخالص نت ائج الهجوم ات‬
‫ومعرفة م ا نفذ منه ا وم ا لم ينفذ والخس ائر ال تي وقعت في ص فوف الطالئع التي ت ولت التنفيذ‪،‬‬
‫وس المة عودته ا ألم اكن التجم ع المتف ق عليه ا وتص فية األف واج من العناص ر ال تي عج زت عن‬
‫مواصلة العمل أو فشلت فيه‪.‬‬

‫كانت نتائج التقييم إيجابية عموما ما عدا "حادثة الحافلة"‪ :‬والتي تسببت في قتل قائد والمعلم‬
‫الفرنس ي لمدرس ة "تيفلف ال" وج رحت زوجت ه الفرنس ية‪ ،‬وذل ك على الطري ق الراب ط من "آريس"‬
‫و"قرية غوفي"‪ ،‬بالضبط في خنقة "تاغيت" ببني بوسليمان‪ ،‬حيث يذكر الهاليلي في مذكرته عن‬
‫هذه الحادثة‪ :‬صعد مجاهد إلى الحافلة لتوزيع بيان نوفمبر على الركاب‪ ،‬أشهر القايد سالحه في‬
‫وج ه المجاه د وبمج رد أن ش هر س الحه فاج أه أح د أف راد الف وج ب إطالق رصاص ة أص ابته في‬
‫المقتل كما أصابت المعلم الفرنسي وزوجته‪ ،‬ألن الثالثة كانوا مصطفين في لكراسي األمامية‪.‬‬
‫الحادثة التي استغلتها اإلدارة الفرنسية لتشويه سمعة الثورة والثوار ووصفهم بقطاع الطرق‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ :‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.70-66‬‬


‫‪141‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫قيادة الثورة تدرس قضية السالح‪:‬‬

‫كما هو معروف أن بن بولعيد قد بذل مجهودات جبارة في شراء األسلحة وتوزيعها على‬
‫المجاه دين في ليل ة الف اتح من نوفم بر‪ ،‬ي ذكر الهاليلي‪"( :‬ان بن بولعي د ك ان ق د احتف ظ بج زء من‬
‫السالح في وادي سوف عند المناضل "أحمد بلحاج"‪ ،1‬فبعد تفجير الثورة دخل مصطفى مدينة‬
‫بس كرة لرب ط االتص االت م ع المناض ل لرف ع الس الح ال ذي ترك ه تحت ي ده‪ ،‬إال أن ه ذا األخ ير‬
‫أشعر بن بولعيد أن الحزب أمره بعدم تسليم السالح للثورة ألنه لم يكن متفقا على ان دالعها‪ ،‬ع اد‬
‫بن بولعي د متحس را على كمي ة األس لحة المع ول عليه ا)‪ .‬ب دا بن بولعي د يفك ر في طريق ة لفتح‬
‫الطري ق لجلب الس الح وك ان س يكلف "ش يهاني بش ير" بالمهم ة ليواص ل ه و مهم ة ت أطير الث ورة‬
‫ال تي ال ت زال في أيامه ا األولى‪ ،‬لكن بن بولعي د تفاج أ ب أن "ش يهاني بش ير" غ ير مناس ب لتل ك‬
‫المهمة ويذكر الرائد هاليلي في مذكرته مؤشرين لعدم تكليف شيهاني بالسفر إلى ليبيا‪:‬‬

‫‪ -‬المؤش ر األول‪ :‬كم ا ي روي الهاليلي‪" :‬أن قائ د بس كرة ق د أخ بر بن بولعي د أن ش يحاني ك ان ق د‬
‫ح اول االلتح اق بص هره الم دعو "الس رجان س ليمان" إلى العاص مة‪ ،‬لكن ه منع ه من ذل ك‪ ،‬ويق ال‬
‫أيض ا أن مص طفى بوس نه ك ان حاض را م ع رئيس الف وج عن دما ح اول ش يهاني التس لل إلى‬
‫العاص مة‪ ،‬حيث ش اع أن "الس رجان س ليمان" ق د ارتكب أخط اء ض د الث ورة في العاص مة‪ ،‬فك ان‬
‫ذلك مؤشرا لتغيير مصطفى بن بولعيد رأيه"‪.‬‬

‫‪ -‬المؤش ر الث اني‪ :‬يق ول الهاليلي‪" :‬أن مجموع ة القي ادة المتكون ة من س ي مص طفى وعج ول‬
‫وش يهاني والش يخ م دور والجن دي الج ودي بوس نه المراف ق الشخص ي لعج ول ك انوا ق د اش تروا‬
‫(عنزة) ولما شرعوا في شيها تفطنوا بأن العدو يحاصرهم فانصرفوا بسرعة دون أن يحملوا كل‬
‫حاجي اتهم‪ ،‬وبع د قطعهم مس افة غ ير بعي دة تفطن وا أن "ش يهاني" ليس معهم‪ ،‬ف أمروا الج ودي‬
‫بالعودة للمكان‪ ،‬فوجده منبطحا على بطنه في مكانه‪ ،‬فأخذه الجودي وألحقه برفاقه‪ ،‬وهو مؤشر‬
‫ثاني لعدم تكليف بن بولعيد "شيهاني" بمهمة السفر إلى ليبيا‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.73-71‬‬


‫‪142‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫مشكلة الداء والتمــوين‪ :‬وهي قض ية جوهري ة لم تكن القي ادة تغف ل عن أهميته ا‪ ،‬إال أن ه تم‬
‫تأجليها إلى ما بعد إعالن الثورة‪ ،‬وذلك خوفا من تعرضها للتلف من جهة ومن جهة أخرى ال‬
‫تكن س ببا في تنبي ه الع دو للعم ل الس ري‪ ،‬وه و م ا جع ل الث وار يعيش ون نقص ا فادح ا في ال دواء‬
‫وحتى الممرضين‪ ،1‬ما أدى بحياة الكثير من جرحى المعارك خاصة على مستوى محيط مدينة‬
‫آريس وفم الطوب وخنقة معاش التي عرفت معارك مبكرة منها معركة ‪ 7‬نوفمبر ‪ 1954‬التي‬
‫جرح فيها قائد المعركة ناجي ناجي‪ ،‬كذلك معركة "أنزى أحمد" التي استشهد فيها قائدها "قرين‬
‫قاس م" وك ل رفاق ه‪ ،‬ثم معرك ة (تبابوش ت الج بين) بكيم ل ال تي استش هد فيه ا المجاه د "علي ب درة"‬
‫و"محم د ص بايحي" رئيس الف وج ال ذي تع رض لحافل ة المعلم الفرنس ي وزوجت ه‪ ،‬وه ذه المع ارك‬
‫المبكرة التي خلفت ورائها العديد من الجرحى بدون عالج‪ ،‬لغياب الدواء واألطباء والممرضين‪،‬‬
‫وه و الح ال بالنس بة للتم وين وال ذي ال يق ل أهمي ة عن الس الح وال دواء‪ ،‬فق د ع انى أف راد الجيش‬
‫سوء التغذية والمجاعة خاصة خالل األشهر األولى‪.‬‬

‫حرص القيادة على انتشار الثورة‪ :‬بعد االنته اء من مرحل ة التحض ير وتوزيع األفواج‪،‬‬
‫ب دأ بن بولعي د يعم ل على انتش ار الث ورة في المن اطق المج اورة‪ ،‬ك ذلك يره ق ق وات الع دو‬
‫ويس تنزف امكانيات ه‪ ،‬فق ام بتكلي ف عناص ر إليص ال ص وت الث ورة ألبع د نقط ة ممكن ة وتنش يط‬
‫الخاليا النائمة للمنظمة الخاص ة في المن اطق المجاورة‪ :‬فكلف ابن أخته "مصطفى رع ايلي" في‬
‫عز الحصار المضروب على األوراس لمشارف سطيف‪ ،‬كما كلف قريبه "طورش عبد الحفي ظ"‪،‬‬
‫ن واحي برك ة ليس اعد مناض ليها على أداء ال واجب الجه ادي ووج ه "بن عكش ة" إلى ناحي ة عين‬
‫توتة‪ ،‬كما كلف المجاهد "الزحاف مسعود" بنشر الثورة في منطقة "وادي ريغ" و"وادي سوف"‪.‬‬

‫سي مصطفى يختار قيادة عامة للثورة في األوراس‪ :‬في خض ع تس يير األف واج المقاتل ة‬
‫والقيادات الفرعية ومتابعة التنفيذ الصارم للتعليمات العسكرية والسياسية‪ ،‬فكان ال بد لبن بولعيد‬
‫أن يعين قيادة عامة للثورة في األوراس لإلنتصار على العدو‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.75-74‬‬


‫‪143‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫بع د توزي ع الطالئ ع على أه دافها‪ ،‬باش ر بن بولعي د في تع يين القي ادة العام ة‪ ،1‬حيث وق ع‬
‫اختي اره "لش يهاني بش ير" ليغطي الج وانب السياس ية والثقافي ة كن ائب أول ل ه‪ ،‬واخت ار "عب اس‬
‫لغرور" و"عاجل عجول" ليخفف الفعالية في ميادين التنظيم والتجنيد والسيطرة القتالية كنائبين له‬
‫ولش يهاني‪ ،‬وال ذين ك انوا أهال للثق ة واكف اء لقي ادة منطق ة األوراس ال تي تعه د أم ام زمالئ ه في‬
‫الجزائر أنه ستواجه حصار العدو لمدة ستة أشهر‪.‬‬

‫تعيين القيادات الفرعية‪:‬‬

‫القيــادة الفرعيــة على مســتوى قســم آريس‪ :‬ي ذكر لهاليلي في مذكرت ه أن بن بولعي د حاف ظ‬
‫على نفس اإلطارات التي كان لها الفضل في تأطير السكان قبل الثورة على مستوى األعراش‬
‫المتواج دة وس ط األوراس‪ ،‬وذل ك لمع رفتهم أس رار من اطقهم وخباياه ا ومغاوره ا وكهوفه ا‬
‫ومسالكها الوعرة وطرق التموين واالتصاالت فنجد مثال‪:‬‬

‫"عمار معاش" المدعو "مارشينوار" مسؤوال على ناحية (يابوسـ بني وجانة) الوجه الشمالي لجبل‬
‫شلية‪.‬‬
‫وعلى مستوى عرش "بني بوسليمان"‪ ،‬كان المناضل "مصطفى بوسنه" مسؤوال مباشر على جبل‬
‫"زالط و"‪" ،‬تك وت" و"ش ناورة"‪ ،‬أم ا على مس توى ع رش "كيم ل" ن ذكر "كعباش ي عثم ان" مس ؤوال‬
‫على جبهة "كيمل"‪ ،‬وعلى محيط عرش "الولجة" عين "عثماني عبد الوهاب" مسؤوال على ناحية‬
‫"خنقة سيدي ناجي" و"الولجة"‪" ،‬عالي الناس" و"تبويحمت"‪.‬‬
‫القيادات الفرعية لقسم بوعرين فم الطوب‪ :‬واص ل بن بولعيد ترتيب األمور على مستوى‬
‫ه ذا القس م بنفس الطريق ة ال تي اعتم دها في قس م آريس‪ ،‬حيث أش رف بنفس ه على توزي ع‬
‫المسؤوليات على مغاوير هذا القسم المنضوين تحت إمرة المنسق العام "طاهر النويشي" نذكر‪:‬‬
‫"ناجي ناجي" والذي أسندت له مسؤولية منطقة فم الطوب‪.2‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.76-75‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.80-77‬‬
‫‪144‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫القيادات الفرعية لقسم خنشلة‪ :‬والذي كان تحت إشراف عباس لغرور قبل الثورة‪ ،‬وظل‬
‫مشرفا عليها بمساعدة شبان متحمسين منهم‪:‬‬

‫"التيجاني عثماني"‪" ،‬مسعود معاش" و"غزالي بن عباس"‪" ،‬موسى رداح" وغيرهم‪.‬‬

‫القيـــادات الفرعيـــة لحـــزب األوراس‪ :‬وال تي ك انت تمت د من باتن ة إلى ب رج ب وعريريج‬
‫والحض نة‪ ،‬فق د ك ان وض عها خ اص ألن مناض ليها ك انوا م والين لمص الي الح اج م ا ع دا بعض‬
‫األفراد‪ ،‬وبعد الثورة أعلن بن بولعيد قيادات منهم‪:‬‬

‫"الحاج لخضر عبيد" والذي عين مسؤوال على ناحية باتنة بصحبة "قرين قاسم" وآخرين‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫"رعايلي مصطفى" حفيد بن بولعيد كلف بجهة سطيف‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫"عبد الحفيظ طورش" كلف بتأطير جهة الحضنة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫"محمد الشريف بالة" و"بوسماحة" تولويا قيادة بجهة "بريكة"‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫"محمد الشريف بن عكشة" تولى مسؤولية منطقة "التوتة" وما جاورها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مصطفى بن بولعيد يعتزم السفر إلى ليبيا‪:‬‬

‫كم ا ذك ر س ابقا أن بن بولعي د أص يب بخيب ة أم ل من الحص ول على األس لحة ال تي ك انت مخزن ة‬
‫ب وادي س وف‪ ،‬ع زم على الس فر إلى ليبي ا وذل ك لتحقي ق ال دعم الم ادي والدبلوماس ي والسياس ي‬
‫والعس كري للث ورة‪ ،‬من خالل رب ط اتص االت م ع الوف د الخ ارجي لتوف ير ض روريات المعرك ة‪،‬‬
‫وقب ل س فره وج ه رس الة لنواب ه (عاج ل عج ول‪ ،‬ش يهاني وعب اس لغ رور) يحثهم على ض رورة‬
‫دمج ث وار الجب ل األبيض بقي ادة "ش ريط لزه ر" ال ذين ك انوا منض مين لجيش التحري ر التونس ي‬
‫وال ذين أب دوا رغب ة االنض مام للث ورة في األوراس بع د ق رار بورقيب ة قب ول االس تغالل ال داخلي‬
‫وانهاء الثورة في تونس‪.1‬‬

‫وق د انض موا بت اريخ ‪ 5‬م ارس ‪ ،1955‬وك ان ع ددهم ح والي ‪ 150‬بطال‪ ،‬ه و م ا غ رر ص فوف‬
‫الثورة‪ ،‬حيث أنشأت لهم قيادة جديدة سميت (قيادة الجبل األبيض) نولى "البشير ورتان" قيادتهما‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬محمد لهاليلي الصغير‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.82-80‬‬


‫‪145‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التحضير للثورة في االوراس من خالل المذكرات‬

‫وعين له نواب‪ .‬أم ا القائ د "لزهر ش ريط" نق ل إلى "كيمل" ال ذي ك ان يشرف علي ه "عثم اني عبد‬
‫الوهاب"‪.1‬‬

‫‪ 1‬مصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.84-82‬‬


‫‪146‬‬
‫خاتمـــــــة‬
‫على ضوء ما تقدم‪ ،‬وفي إطار ما تم تناوله في الفصول حول موضوع "التحضير واالعداد‬
‫للثـــورة في األوراس من خالل المـــذكرات" الشخص ية التاريخي ة‪ ،‬خلص نا الى مجموع ة نت ائج‬
‫نرصدها في النقاط التالية‪:‬‬

‫ان ث ورة نوفم بر العظيم ة‪ ،‬مرحل ة بالغ ة األهمي ة في ت اريخ الجزائ ر المعاص ر‪ ،‬فاعتباره ا‬
‫حادثا عاديا نوع من النسيان‪ ،‬بل هو تنكر مشبوه وجهل فظيع‪ ،...‬فهي لم تكن وليدة الصدفة أو‬
‫نتيج ة ظ روف طارئ ة ب ل هي حص يلة نض االت ش عب بأكمل ه ونت اج ت اريخي للحرك ة الوطني ة‬
‫بجميع فصائلها‪ ،‬تم التحضير لها مسبقا مع التفاوت في األدوار والتضحيات‪.‬‬

‫كما أن تسجيل أحداث الثورة الجزائرية على لسان صناعها من المجاهدين والقادة الفاعلين‬
‫فيها يعتبر فاتحة لعهد جديد‪ ،‬الغرض منه هو المساهمة في ابراز الحقائق وتغطية النقص خاصة‬
‫وأن الف ترة المعاص رة تعرض ت لل تزوير والتحري ف من ط رف الكتاب ات األجنبي ة األم ر ال ذي‬
‫يتطلب الكتابة المحلية المتمثلة في المذكرات الشخصية‪.‬‬

‫وإ ذا ما طرحنا واقع التحضير للثورة في األوراس فإننا بذلك نقف عند عدة عوامل أهلت‬
‫المنطقة الحتضان الثورة منها‪:‬‬

‫‪-‬طبيع ة المنطق ة الجغرافي ة الص عبة التض اريس‪ ،‬وال تي ش كلت ح اجزا أم ام توغ ل الق وات‬
‫االستعمارية التي عمدت تقسيمها إداريا لتسهيل عملية السيطرة عليها‪.‬‬
‫خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫‪ -‬صمود االنسان األوراسي ورفضه للخضوع واالستسالم‪ ،‬هو ما لعب دورا هاما في اش عال فتي ل‬
‫الثورة واستمرارها‪ ،‬حيث أن السلطات الفرنسية أعلنت منذ البداية مدى الصعوبة التي واجهتها‬
‫بمنطقة األوراس والتي تميزت بكثرة العصابات المتمردة‪.‬‬

‫‪-‬لعب النش اط السياس ي في منطق ة األوراس‪ ،‬دورا كب يرا في بعث الفك ر التح رري‪ ،‬وبن اء‬
‫الشخصية الوطنية‪ ،‬حيث ساهمت مختلف التيارات السياسية المنتشرة في األوراس على اختالف‬
‫توجهاتها في تكوين شخصية المواطن األوراسي‪ ،‬وتجلى ذلك في انتفاضاتهم المتكررة والمناوئ ة‬
‫لالستعمار‪ ،‬هذا ما ساعد على تفجير الثورة‪.‬‬

‫‪-‬كم ا ش كلت الظ روف العام ة ال تي عرفته ا المنطق ة األولى على غ رار من اطق الجزائ ر وال تي‬
‫تميزت بالبؤس والتدهور والحرمان المستمر‪ ،‬بسبب السياسة االستعمارية الفرنسية‪ ،‬سببا رئيسيا‬
‫في اندالع الثورة‪.‬‬

‫ترسخ لدى التيار االستقاللي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قناعة كبيرة بضرورة التخلي‬
‫عن العم ل السياس ي واعتم اد األس لوب العس كري من أج ل ط رد االس تعمار الفرنس ي واس ترجاع‬
‫السيادة الوطنية‪.‬‬

‫لعبت المنظم ة الخاص ة دورا هام ا في التحض ير الن دالع الث ورة من خالل تك وين الرج ال‬
‫وجمع األسلحة والمؤونة ونشر فكرة القيام بالثورة إلعادة ما أخذ بالقوة‪ ،‬ورغم اكتشاف أمرها‬
‫واصلت نشاطها في األوراس الذي لم تكتشف خالياه‪ ،‬وتحولت المنطقة الى قلعة حصينة وملجأ‬
‫آمن للعناصر الفارة من بطش االستعمار‪.‬‬

‫أم ا فيم ا يخص مس ألة التس ليح ف ان المنطق ة س اهمت وبش كل كب ير في تزوي د الث ورة‬
‫باألس لحة‪ ،‬لم ا تت وفر علي ه من أم اكن لتخ زين الس الح وقربه ا من مص ادر جلب ه‪ ،‬باإلض افة الى‬
‫المجهودات الجبارة التي قام بها مصطفى بن بولعيد في شراء كمية معتبرة من األسلحة بماله‬
‫الخاص‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫اس تمرت منطق ة األوراس بقي ادة بن بولعي د في نش اطها التحض يري دون توق ف‪ ،‬ح تى بع د‬
‫الخالف ات الداخلي ة لح زب الش عب (‪ )MTLD‬ال تي أدت الى تص دع وانقس ام هياكل ه‪ ،‬وتخلي ه عن‬
‫فكرة الكفاح المسلح‪ ،‬اال أن األوراس التزمت الحياد حتى ال تبتعد عن الهدف المنشود‪.‬‬

‫ومن أج ل تق ييم التحض يرات األولوي ة للعم ل المس لح ودراس تها ومعالج ة النق ائص‪ ،‬عق دت‬
‫ع دة اجتماع ات بمنطق ة األوراس‪ ،‬وض عت فيه ا اللمس ات األخ يرة من التحض ير حيث تم خالل‬
‫االجتم اع األخ ير في ‪ 31‬أكت وبر ‪ 1954‬بدش رة أوالد موس ى وخنق ة الح دادة اإلعالن عن بداي ة‬
‫العمل الثوري وتوزيع األسلحة على المجاهدين واعطائهم كلمة السر التي سيتواصلون بها‪.‬‬

‫في منتص ف اللي ل على الس اعة ص فر‪ ،‬في الف اتح من نوفم بر انطلقت أولى العملي ات‬
‫العسكرية التي شملت جميع نواحي األوراس‪ ،‬والتي تكللت بالنجاح الباهر وإ لحاق خسائر فادحة‬
‫في ص فوف الق وات الفرنس ية ال تي ك انت تتف وق بالع دة والعت اد‪ ،‬الى أن المجاه دين حقق وا‬
‫انتصارات كبيرة ومشرفة وغنموا خالل هذه المعركة كمية هائلة من األسلحة‪ ،‬وذلك بفضل اهلل‬
‫أوال وبفضل حنكة وشهامة قادة األوراس‪.‬‬

‫لق د ك ان للتحض ير الم ادي والمعن وي ال ذي ش هدته منطق ة األوراس‪ ،‬أهمي ة بالغ ة في نج اح‬
‫االنطالق ة الثوري ة ال تي نف ذتها الطالئ ع ض د األه داف العس كرية االس تعمارية الفرنس ية‪ ،‬ال تي‬
‫أربكت العدو وجعلته يقوم برد عنيف من خالل اإلجراءات القمعية الواسعة في المنطقة‪ ،‬اال أنه ا‬
‫لم تمنع استمرار الثورة وانتشارها في كامل جهات المنطقة‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫‪150‬‬

You might also like