You are on page 1of 36

‫بحث حمكَّم‬

‫منـازعات �إ�سناد ال�ضرر‬


‫فـي دعوى التعوي�ض‬

‫�إعداد‬
‫د‪ .‬ر�ضـا متولـي وهـدان‬
‫�أ�ستاذ الأنظمة امل�شارك يف ق�سم ال�سيا�سة ال�شرعية يف املعهد العايل للق�ضاء‬
‫جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‬
‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫مقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �أ�رشف املر�سلني‪� ،‬سيدنا حممد‬
‫وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪ .‬وبعد‪،،،‬‬
‫ف���� َّإن م���ن امل�سائل التي ّ‬
‫ع���زت على �أق�ل�ام الباحث�ي�ن‪ :‬م�س�ألة �إ�سن���اد ال�رضر يف‬
‫امل�س�ؤوليت�ي�ن‪ :‬العقْدية والتق�صريية‪�( ،‬ضمان العق���د‪ ،‬و�ضمان الإتالف) –على حد‬
‫�س���واء‪ -‬بخا�صة عند تعدد الأ�سباب املن�شئة ل���ه‪ ،‬و�إذا كان من البدهي �سهولة �إ�سناد‬
‫ال��ض�رر يف ذاته ملادية وجوده‪� ،‬إال �أنه من ال�صعوب���ة �إ�سناده �إلى �سبب من الأ�سباب‬
‫حني تعددها �أو ا�شرتاكها‪ ،‬بخا�صة �إذا تفاوتت قوتها يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬لأنه غالباً ما‬
‫يحدث هذا التفاوت يف الواقع العملي‪ ،‬ولي�س من العدالة �إذن �أن ُيحكم بالتعوي�ض‬
‫على من كان �سببه ي�سرياً‪� ،‬أو مل ي�سهم م�ساهمة فاعلة يف �إيقاع ال�رضر‪.‬‬
‫فهناك غمو�ض يكتنف هذه امل�س�ألة‪ ،‬و�صعوبات عملية �أمام القا�ضي – بوجه‬
‫عام‪ ،‬يف البحث عن دليل �إ�سناد ال�رضر �إلى �سببه الفاعل‪ ،‬من �أجل الو�صول �إلى‬
‫ال�رضر املوجب للتعوي�ض‪.‬‬
‫كذلك نف�س ال�صعوبة عند وجود �أ�رضار متعاقبة ناجتة عن فعل واحد‪ ،‬فهل يتم‬
‫الإ�سناد �إلى هذا الفعل؟ �أو �أن كل �رضر قائم بذاته ناجت عن فعله املبا�رش له؟‬
‫�إ�شكاليات واقعية يواجهها القا�ضي‪ ،‬عند حتديد ال�سبب املنتج يف امل�س�ؤولية‪ ،‬ثم‬
‫�إ�سناد ال�رضر �إلى فاعله‪ ،‬ثم احلكم بالتعوي�ض املنا�سب‪.‬‬
‫�صعوبات حول الإ�سناد‪� ،‬سواء يف نطاق امل�س�ؤولية العقدية �أو امل�س�ؤولية‬
‫التق�صريية �أمام الق�ضاءين العام والإداري‪� ،‬أو حتى اللجان �شبه الق�ضائية‪.‬‬
‫لذا ف�إن الأمر يتطلب منا تق�سيم هذه الر�ؤية وفقاً للمباحث العلمية الآتية‪-:‬‬
‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪150‬‬
‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫املبحث الأول‪ :‬املبادئ احلاكمة يف املو�ضوع‪.‬‬


‫املبحث الثاين‪� :‬إ�سناد ال�رضر متعدد الأ�سباب‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪� :‬إ�سناد ال�رضر املتعاقب الوقوع‪.‬‬
‫اخلامتة‪.‬‬
‫هذا ون�س�أل اهلل العلي القدير �أن ينفعنا مبا علمنا‪ ،‬ون�صلي ون�سلم على خري خلقه‬
‫حممد �صلى اهلل عليه و�سلم �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬

‫املبحث الأول‬
‫املبادئ احلاكمة يف املو�ضوع‬

‫املبد�أ الأول‪ :‬ال�ضرر‪:‬‬


‫يف امل�س�ؤولية العقدية هو‪ :‬الأذى �أو املف�سدة النا�شئة عن عدم تنفيذ التزام عقدي‪،‬‬
‫�سواء كان التزاماً بتحقيق نتيجة �أو بذل عناية(‪.)1‬‬
‫ويف امل�س�ؤولية التق�صريية هو‪ :‬الأذى الذي ي�صيب ال�شخ�ص يف حق من حقوقه‬
‫�أو يف م�صلحة م�رشوعة له(‪.)2‬‬
‫وقيل‪ :‬هو �إخالل بحق‪� ،‬أو م�صلحة مالية للم�رضور‪ ،‬فلكل �شخ�ص احلق يف �سالمة‬
‫حياته‪ ،‬و�سالمة ج�سمه‪ ،‬فكل ما من �ش�أنه الإخالل بقدرة ال�شخ�ص على الك�سب‪� ،‬أو‬
‫�أنْ يكبده نفقة عالج‪ ،‬فهو م�سا�س باحلق‪ ،‬وكذلك التعدي على امللك‪� ،‬إخالل بحق‬

‫((( حممد �أحمد �سراج‪� :‬ضمان العدوان يف الفقه الإ�سالمي‪� ،‬ص ‪ ،155‬الثقافة للن�شر والتوزيع ‪1410‬هـ‪1990‬م‪ ،‬ر�ضا متويل‬
‫وهدان‪ :‬الوجيز يف امل�سئولية املدنية (ال�ضمان) �ص ‪ ،19‬دار الفكر والقانون املن�صورة عام ‪2011‬م‪ ،‬علي اخلفيف‪:‬‬
‫ال�ضمان يف الفقه الإ�سالم‪� :‬ص ‪ ،46‬معهد البحوث والدرا�سات العربية‪.1971 ،‬‬
‫((( عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬م�صادر االلتزام �ص ‪ 487‬دار النه�ضة العربية ‪1969‬م‪ ،‬عبد النا�صر العطار‪ :‬م�صادر االلتزام �ص‬
‫‪ 564‬م�ؤ�س�سة الب�ستاين للطباعة ‪1990‬م‪ ،‬ر�ضا متويل وهدان‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.33‬‬

‫‪151‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫مايل‪ ،‬عينياً كان هذا احلق �أو �شخ�صياً‪ ،‬فهو �رضر مادي(‪.)3‬‬
‫وقيل �أي�ضاً‪ :‬هو النق�ص يف النف�س �أو الطرف �أو العر�ض �أو املال(‪.)4‬‬
‫من ذلك ف�إن ال�رضر بوجه عام هو نق�ص يلحق ال�شخ�ص يف املال �أو البدن �أو‬
‫ال�رشف وال�سمعة‪ ،‬وبذلك يتنوع ال�رضر �إلى �رضر مادي و �رضر �أدبي(‪.)5‬‬
‫فال�رضر املادي‪ :‬هو �إخالل مب�صلحة للم�رضور ذات قيمة مالية‪� ،‬أما ال�رضر الأدبي‪،‬‬
‫فهو كل �أذى ي�صيب ال�شخ�ص يف عر�ضه �أو عاطفته �أو �شعوره(‪.)6‬‬
‫ومن ذلك �إيذاء ال�شخ�ص يف �سمعته واالعتداء على الكرامة واحلنان القلبي(‪.)7‬‬
‫وال �شك �أن من امل�صالح ال�رضورية التي ق�صد ال�شارع حفظها‪ ،‬وفر�ض العقوبات‬
‫الزاجرة على من يعتدي عليها‪ ،‬العر�ض وال�رشف وال�سمعة‪ ،‬فقد اعترب الفقهاء هذه‬
‫امل�صلحة مقدمة على م�صلحة حفظ املال‪ ،‬وذلك من منظور الرتتيب للمقا�صد‬
‫ال�رشعية اخلم�سة املعروفة‪ ،‬لأ�سباب من بينها‪� ،‬أنها �إحدى و�سائل ك�سب املال(‪.)8‬‬
‫وبذلك يكون ال�رضر الأدبي ال يقل يف �أهميته عن ال�رضر املادي‪ ،‬يف وجوب‬
‫التعوي�ض عنه مبا يحقق �شفاء نف�س امل�رضور‪.‬‬
‫وال يكفي لوجود امل�س�ؤولية العقدية‪ ،‬وجود عقد بني امل�سئول عن ال�رضر ومن‬
‫كان �ضحيته‪ ،‬بل يجب بجانب ذلك‪ ،‬رجوع ال�رضر �إلى الإخالل بتنفيذ التزام‬
‫نا�شئ عن العقد‪ ،‬ف�إذا �أتلف املقاول ر�سوم امل�رشوع �أو اعتدى على �أحد موظفي‬
‫((( عبد الرزاق �أحمد ال�سنهوري‪ :‬الو�سيط يف �شرح القانون املدين ‪� ،556/1‬ص ‪ 714‬بتنقيح امل�ست�شار �أحمد مدحت املراغي‪:‬‬
‫من�ش�أة املعارف الإ�سكندرية (بدون تاريخ)‪.‬‬
‫((( ال�سيد �أحمد بن حممد احلنفي احلموي‪ :‬غمز عيون الب�صائر �شرح الأ�شباه والنظائر ‪ ،118/1‬دار الطباعة العامرة‬
‫م�صر (بدون تاريخ)‪ ،‬زين الدين �أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب احلنبلي البغدادي‪ :‬جامع العلوم واحلكم يف �شرح‬
‫خم�سني حديثاً من جوامع الكلم �ص ‪ 267‬دار الفكر بريوت (بدون تاريخ)‪.‬‬
‫((( وهبة الزحيلي‪ :‬نظرية ال�ضمان‪� :‬ص ‪ ،23‬دار الفكر ‪1418‬هـ‪1998-‬م‪ ،‬حممد بن املدين بو�ساق‪ :‬التعوي�ض عن ال�ضرر‬
‫يف الفقه الإ�سالمي �ص ‪ 39،29‬دار �أ�شبيليا للن�شر ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫((( عبد الرزاق ال�سنهوي‪ :‬املرجع ال�سابق ‪ ،713/1‬حممد املدين بو�ساق‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.29‬‬
‫((( عبد الرزاق ال�سنهوري‪ :‬املرجع ال�سابق ‪.724/1‬‬
‫((( حممد �أحمد �سراج‪ ،‬املرجع ال�سابق �ص ‪.156‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪152‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫الإدارة ف�إنها ال تقوم على عاتقه �سوى م�س�ؤولية تق�صريية‪ ،‬النقطاع ال�صلة بني العقد‬
‫والواقعة ال�ضارة‪ ،‬لذلك ف�إنه يجب حتليل العقد‪ ،‬والوقوف على حقيقة م�ضمونه‪،‬‬
‫لتحديد االلتزامات النا�شئة عنه‪ ،‬ثم حتديد ال�رضر‪ ،‬وتعيني طبيعة امل�س�ؤولية ونوعها‪،‬‬
‫فرجوع ال�رضر �إلى الإخالل بالعقد‪ ،‬ينبئ عن وجود عقدٍ �أن�ش�أ التزامات بني طرفيه‪،‬‬
‫ومل يقم �أحد �أطرافه بتنفيذ �أحد التزاماته حتى �أحلق ال�رضر بالطرف الآخر‪ ،‬فتن�ش�أ‬
‫امل�س�ؤولية العقدية‪ ،‬جزا ًء للإخالل بااللتزام العقدي(‪.)9‬‬
‫ويف نطاق امل�س�ؤولية‪ ،‬التق�صريية ال تقوم امل�س�ؤولية بغري وقوع �رضر فانتفاء‬
‫ال�رضر ي�ؤدي �إلى انتفاء امل�س�ؤولية‪ ،‬ومن ثم انعدام امل�صلحة يف املطالبة بالتعوي�ض‬
‫حتى لو كان هناك خط�أ �إذ ذاك م�سوغ لرف�ض دعوى التعوي�ض‪ ،‬فال�رضر يدور مع‬
‫وجود امل�س�ؤولية وجوداً وعدما‪ ،‬والعك�س �أي�ضاً �صحيح‪ ،‬ف�إذا ثبت وجود ال�رضر‬
‫قامت امل�س�ؤولية وجاز للم�رضور �أن يطالب بالتعوي�ض ويتحدد مقدار هذا التعوي�ض‬
‫عند احلكم به‪ ،‬بناء على مقدار ال�رضر(‪.)10‬‬

‫املبد�أ الثاين‪� :‬شروط وجود ال�ضرر‪:‬‬


‫لكي تنه�ض امل�س�ؤولية‪� ،‬سواء كانت عقدية �أو تق�صريية ي�شرتط يف ال�رضر �أن‬
‫يكون مبا�رشاً وحمققاً‪ ،‬فال�رضر الذي يعو�ض عنه هو ال�رضر املحقق الثابت على‬
‫وجه اليقني‪ ،‬ويتوفر ذلك �إذا كان ال�رضر حا ًال‪� ،‬أي وقع فع ًال‪ ،‬كما لو ح�صل التلف‬
‫يف املال‪ ،‬ويتوفر ذلك �أي�ضاً‪� ،‬إذا كان ال�رضر م�ستقب ًال‪� ،‬أي مل يقع يف احلال ولكنه‬
‫حمقق الوقوع حتماً يف امل�ستقبل(‪.)11‬‬
‫وال�رضر امل�ستقبل‪ ،‬تقوم �أ�سبابه يف احلال‪ ،‬وترتاخى �آثاره �إلى امل�ستقبل‪ ،‬بخالف‬
‫((( حممد جمال الدين زكي‪ :‬م�شكالت امل�س�ؤولية املدنية ‪ ،218 ،217 /1‬مطبعة جامعة القاهرة ‪1978‬م‪.‬‬
‫(‪ ((1‬عبد النا�صر العطار‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.264‬‬
‫(‪ ((1‬عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،489‬ر�ضا متويل وهدان‪ :‬املرجع ال�سابق �ص‪.44‬‬
‫‪153‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬
‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫ال�رضر املحتمل الوقوع‪ ،‬فهو �رضر مل يتحقق �سببه‪� ،‬أو حتقق �سببه‪ ،‬ولكن مل يقع‬
‫�شيء منه‪ ،‬واحتمال وقوعه غري م�ؤكد بح�سب املجرى العادي للأمور‪ ،‬لذلك ال يتم‬
‫التعوي�ض عنه(‪.)12‬‬
‫�أما ال�رضر امل�ستقبل وال�رضر الذي وقع يف احلال‪ ،‬فيتم التعوي�ض عنهما‪ ،‬و�إذا‬
‫ا�ستطاع القا�ضي �أن يقدر ال�رضر جميعه حكم بالتعوي�ض الواجب يف احلال‪ ،‬وميكن‬
‫للقا�ضي �أن يحتفظ للم�رضور باحلق يف طلب �إعادة النظر يف تقدير التعوي�ض خالل‬
‫مدة معينة‪� ،‬أو يحكم بالتعوي�ض عندما تتجمع لديه عنا�رص تقديره‪.‬‬
‫�أما �إن تعذر تقدير ال�رضر امل�ستقبل‪ ،‬ف�إما �أن يحكم القا�ضي بالتعوي�ض الواقع‬
‫فع ًال‪� ،‬أو �أن ي�ؤجل الدعوى حلني ا�ستكمال العنا�رص الالزمة لإمكان تقدير ال�رضر‬
‫امل�ستقبلي(‪.)13‬‬
‫ويختلف ال�رضر املحتمل عن تفويت الفر�صة‪ ،‬حيث يتم التعوي�ض عن تفويت‬
‫الفر�صة‪ ،‬لأنه �إذا كانت الفر�صة يف ذاتها �أمراً حمتم ًال ف�إن تفويتها �أمر حمقق الوقوع‪،‬‬
‫كما لو فوتت الإدارة فر�صة الرتقية لأحد املوظفني �إلى درجة �أعلى �أو فر�صة الدخول‬
‫يف م�سابقة ل�شغل وظيفة‪ ،‬فالرتقية �إلى درجة �أعلى‪� ،‬أو احل�صول على الوظيفة �أمور‬
‫حمتملة‪ ،‬قد تتحقق وقد ال تتحقق‪ ،‬لكن تفويت الفر�صة للرتقية �أو دخول امل�سابقة‪،‬‬
‫يق�ضي على هذا االحتمال‪ ،‬ومن ثم يعترب �رضراً حمققاً يجب التعوي�ض عنه‪ ،‬ويقدره‬
‫القا�ضي بح�سب درجة احتمال املك�سب الذي يتوفر للم�رضور رافع الدعوى(‪.)14‬‬
‫وت�ستقل امل�س�ؤولية العقدية بال�رضر املتوقع �أو الذي ميكن توقعه عادة وقت‬
‫(‪ ((1‬عبد النا�صر العطار‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،265‬عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.490‬‬
‫(‪ ((1‬حممود حلمي‪ :‬الق�ضاء الإداري �ص ‪ ،263 ،262‬ط (‪1977 )2‬م (بدون نا�شر)‪.‬‬
‫(‪ ((1‬عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،491‬نق�ض مدين م�صري يف ‪ 1988/6/22‬الطعن ذو الرقم ‪ 2011‬ل�سنة‬
‫‪ 55‬ق�ضائية‪ ،‬وانظر �أي�ضاً يف حكم لديوان املظامل عن ال�ضرر الذي ترتب على �إغالق حمل جتاري من فوات للربح‬
‫وخ�سارة �أجرة املحل والعامل‪ ،‬وهي �أ�ضرار ناجتة عن فعل �صحيح من قبل جهة الإدارة‪ ،‬لذلك ف�إنه يعو�ض املدعي‬
‫عن الأ�ضرار املادية التي حلقت به‪� ،‬أما فوات الربح فقد �صدر عن فعل �صحيح‪ .‬احلكم ذو الرقم ‪/67‬د‪/‬ف‪ 43/‬لعام‬
‫‪1426‬هـ وحكم التدقيق ذو الرقم ‪/167‬ت‪ /‬العامل ‪1427‬هـ يف الق�ضية ذات الرقم ‪ /1/3704‬ق لعام ‪1425‬هـ جمموعة‬
‫الأحكام واملبادئ الإدارية‪ :‬ديوان املظامل جـ‪� 4‬ص ‪ .1895‬عام ‪1429‬هـ ‪.‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪154‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫العقد‪ ،‬فال يحكم بالتعوي�ض �إال عن ال�رضر املبا�رش املحقق واملتوقع عادة‪ ،‬وذلك يف‬
‫غري حالتي الغ�ش واخلط�أ اجل�سيم‪ ،‬ف�إذا تعمد املدين عدم تنفيذ التزامه‪� ،‬أو كان قد‬
‫ارتكب خط�أ ج�سيماً ف�إنه يف هاتني احلالتني ُي�س�أل عن جميع ما �أ�صاب الدائن من‬
‫�رضر مبا�رش‪� ،‬سواء كان متوقعاً �أو غري متوقع(‪ ،)15‬كما لو ت�أخر املقاول متعمداً عدم‬
‫ت�سليم املبنى للإدارة‪ ،‬حتى ت�سبب يف وقوع �أ�رضار مادية متوقعة‪ ،‬كعدم افتتاح‬
‫املدر�سة �أو �أ�رضار غري متوقعة للتالميذ الذين �سيذهبون �إلى مدر�سة بعيدة ‪.‬‬

‫املبد�أ الثالث‪ -‬الإ�سناد يف ال�ضرر‪:‬‬


‫القاعدة �أن عبء الإثبات يقع على عاتق املدعي‪ ،‬فيتعني على من يتقدم بادعاء‬
‫ما‪� ،‬أن يقيم الدليل على �صحة ما يدعيه �أمام الق�ضاء وينكرها الطرف الآخر يف‬
‫اخل�صومة؛ لأنه يرتتب على ثبوتها �آثار قانونية(‪.)16‬‬
‫وهناك �أهمية لتحديد من يتحمل عبء الإثبات‪ ،‬ذلك �أنه �إذا مل تقدم يف الدعوى‬
‫�أدلة حا�سمة ف�إن مقدمها يخ�رسها‪ ،‬فعبء الإثبات على امل�رضور يف امل�س�ؤولية‬
‫التق�صريية حيث اخلط�أ فيها مفرت�ض‪ ،‬وميكن لطريف النزاع االتفاق على �أن يقوم‬
‫�أحدهما بتحمل عبء الإثبات‪ ،‬وقد يتم ذلك �أثناء نظر الدعوى‪ ،‬وذلك ح�سب‬
‫مركز كل منهما فيها‪ ،‬فاملدعي يقيم الدليل على �إ�سناد ال�رضر �إلى املدعى عليه‪� ،‬أما‬
‫املدعى عليه فيقيم الدليل على نفي ال�رضر امل�سند �إلى فعله‪ ،‬ويقيم الدليل على‬
‫�إ�سناده �إلى الغري(‪.)17‬‬
‫وال�رضر واقعة مادية‪ ،‬وبدهي �أن الوقائع املادية يجوز �إثباتها بكافة طرق الإثبات‬

‫(‪ ((1‬عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.359 ،358‬‬


‫(‪ ((1‬حممد لبيب �شنب‪ :‬درو�س يف نظرية االلتزام (الإثبات) �ص ‪( 11‬بدون نا�شر �أو تاريخ) ر�ضا متويل وهدان‪ :‬قانون‬
‫الإثبات يف املعامالت املدنية والتجارية �ص ‪ 7‬النا�شر مطبعة الأ�شول طنطا ‪1416‬هـ ‪.1996‬‬
‫(‪ ((1‬راجع يف معنى ذلك‪ :‬حممد لبيب �شنب‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،16‬ر�ضا متويل وهدان‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.38‬‬
‫‪155‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬
‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫املعروفة‪ ،‬ويقع على امل�رضور بو�صفه مدعياً عبء �إثبات ال�رضر ونوعه ومداه �أي�ضاً‪،‬‬
‫املعني ب�إثبات وجوده‪ ،‬وتقدير‬
‫فالدائن هو الذي يدعي ال�رضر‪ ،‬لذلك فهو وحده ُّ‬
‫ثبوت ال�رضر �أو عدم ثبوته من امل�سائل املو�ضوعية‪ ،‬التي تدخل يف حدود �سلطة‬
‫حمكمة املو�ضوع دون معقب عليها من املحكمة الأعلى مقاماً منها‪ ،‬ما دام احلكم‬
‫قد بينَّ عنا�رص ال�رضر‪ ،‬ووجه �أحقية طالب التعوي�ض فيه(‪.)18‬‬
‫لذلك ف�إن ح�صول الوقائع املكونة لل�رضر من م�سائل الواقع التي ي�ستقل بها‬
‫قا�ضي املو�ضوع‪ « ،‬فيجوز –مث ًال‪ -‬ملحكمة املو�ضوع �أن تق�ضي بتعوي�ض �إجمايل‬
‫تبي عنا�رص‬ ‫عن جميع الأ�رضار التي حاقت بامل�رضور‪� ،‬إال �أن ذلك م�رشوط ب�أن نِّ‬
‫ال�رضر الذي ق�ضت من �أجله بهذا التعوي�ض‪ ،‬و�أن تناق�ش كل عن�رص منها على حدة‪،‬‬
‫وتبي وجه �أحقية طالب التعوي�ض فيه �أو عدم �أحقيته»(‪.)19‬‬ ‫نِّ‬
‫بيد �أن تكييف الوقائع ب�أنها �رضر حمقق يجب التعوي�ض عنه‪� ،‬أو �رضر حمتمل‬
‫ال يجب فيه التعوي�ض‪ ،‬وكذلك �أي�ضاً الف�صل فيما �إذا كان ال�رضر الأدبي يجب‬
‫التعوي�ض عنه‪ ،‬ومن له حق املطالبة به‪ ،‬ومدى انتقاله �إلى الورثة‪ ،‬هذه كلها من‬
‫م�سائل القانون‪ ،‬التي يخ�ضع فيها قا�ضي املو�ضوع لرقابة املحكمة الأعلى مقاماً(‪.)20‬‬
‫هذا ويرتبط عبء �إثبات ال�رضر ب�إثبات اخلط�أ الذي �أوجده‪ ،‬ف�إذا كان �إثبات‬
‫ال�رضر من ال�سهولة مبكان‪ ،‬لأنه واقعة مادية‪ ،‬ف�إن �إثبات اخلط�أ املكون له حتيطه بع�ض‬
‫ال�صعوبات‪ ،‬فالدائن (امل�رضور) هو الذي يلتزم بهذا الإثبات‪� ،‬سواء عند ن�ش�أة‬
‫امل�س�ؤولية التق�صريية �أو امل�س�ؤولية العقدية‪.‬‬
‫والإثبات واجب على من يدعي خالف الظاهر‪ ،‬وعبء الإثبات يقع على عاتق‬
‫ال�سنة ‪� 23‬ص ‪.953‬‬
‫(‪ ((1‬عبد النا�صر العطار‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،266‬نق�ض مدين م�صري يف ‪ 1972/6/26‬جمموعة الأحكام‪َّ .‬‬
‫ال�سنة ‪� 16‬ص ‪.1244‬‬
‫(‪ ((1‬نق�ض مدين م�صري يف ‪1972/12/9‬م جمموعة الأحكام َّ‬
‫(‪ ((2‬عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.495‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪156‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫من يدعي خالف الثابت �أ�ص ًال �أو عر�ضاً‪ ،‬ففي االلتزام يبذل عناية يف امل�س�ؤولية‬
‫العقدية يكفي �أن يثبت الدائن قيام العقد‪ ،‬وهو غري ملزم ب�إثبات اخلط�أ‪ ،‬ويف‬
‫االلتزام بنتيجة �أو حتقيق غاية‪ ،‬فاملدين م�س�ؤول عن عدم حتقق النتيجة �أو الغاية(‪.)21‬‬
‫فعبء الإثبات �إذا كان يقع على الدائن يف امل�س�ؤولية التق�صريية‪ ،‬كي يح�صل‬
‫على التعوي�ض عن ال�رضر الذي حلق به نتيجة للخط�أ‪ ،‬فال يكون عليه يف امل�س�ؤولية‬
‫العقدية عبء �إثباته‪ ،‬بل يكفيه �أن يقيم الدليل على وجود العقد‪ ،‬ثم على قيام‬
‫االلتزام يف ذمة املدين‪ ،‬الذي يقع على عاتقه‪ ،‬وكي يتخل�ص من احلكم بالتعوي�ض‪،‬‬
‫عليه �أن يثبت �أنه قام بتنفيذ االلتزام‪� ،‬أو رجوع عدم التنفيذ �إلى �سبب �أجنبي ال يد‬
‫له فيه‪ ،‬ويت�أ�س�س ذلك على قواعد الإثبات‪ ،‬فمن يطلب تنفيذ االلتزام عليه �إثباته‪،‬‬
‫وعلى من يدعي براءة ذمته �أن يثبت الوفاء �أو الواقعة التي �أدت �إلى انق�ضاء التزامه‪،‬‬
‫فال يفرت�ض وجود ال�رضر ولو ثبت وقوع اخلط�أ‪� ،‬أو كان مفرت�ضاً(‪.)22‬‬
‫بذلك يكون ال�رضر موجبا للم�س�ؤولية التي غايتها �إعادة التوازن الذي اختل‬
‫نتيجة لل�رضر الذي حاق بالدائن‪ ،‬وب�أق�صى ما ميكن من دقة‪ ،‬ورد ال�رضر على نفقة‬
‫امل�س�ؤول �إلى الو�ضع الذي يكون فيه لو مل يقع الفعل ال�ضار‪.‬‬
‫ف�سبب ال�ضمان هو التعدي‪ ،‬وال يجب �إال �إذا �أثبت املدعي خط�أ املدعى عليه؛‬
‫لأن الأ�صل براءة ذمته‪ ،‬لقوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪« :‬البينة على املدعي‪ ،‬واليمني‬
‫على من �أنكر»(‪ ،)23‬ولأن القاعدة الفقهية �أن «اليقني ال يزول بال�شك»(‪.)24‬‬

‫(‪ ((2‬حممد �شتا �أبو �سعد‪ :‬عبء الإثبات ودعوى املطالبة بالريع �ص ‪ ،28،22‬النا�شر من�ش�أة املعارف الإ�سكندرية (بدون‬
‫تاريخ) وانظر يف �إ�شارته �إلى نق�ض مدين م�صري جل�سة ‪1989/2/5‬م الطعن ‪ 1283‬ل�سنة ‪ 51‬ق�ضائية‪ ،‬ونق�ض مدين‬
‫�آخر جل�سة ‪1992/3/1‬م الطعن ‪ 545‬ل�سنة ‪ 56‬ق�ضائية‪.‬‬
‫(‪ ((2‬حممود جمال الدين زكي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،25،24‬حممود حلمي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.261‬‬
‫(‪ ((2‬يحيى بن �شرف بن مرى النووي‪ :‬املنهاج �شرح �صحيح م�سلم‪ ،3/12 :‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت ط (‪1392 )2‬هـ‪.‬‬
‫(‪ ((2‬زين الدين بن �إبراهيم بن جنيم‪ :‬الأ�شباه والنظائر ‪ ،56/1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪1400‬هـ‪1980-‬م‪.‬‬

‫‪157‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫من ذلك يكون تكليف املدعى عليه بنفي خطئه �أو ًال متعذراً‪ ،‬وي�ؤدي �إلى فتح‬
‫باب املنازعات‪.‬‬

‫املبد�أ الرابع‪ -‬ال�ضرر يف ت�صرفات الإدارة‪:‬‬


‫ُيت�صور وجود ال�رضر يف كل ت�رصفات الإدارة غالباً‪ ،‬فقد ت�صدر الإدارة قراراً‬
‫�إدارياً ينجم عنه �رضر لأحد الأ�شخا�ص‪ ،‬ك�صدور قرار بهدم منزل‪� ،‬أو عدم �أحقية‬
‫موظف يف الرتقية‪ ،‬ثم يتبني �أن الأمر عك�س ذلك‪ ،‬فتلتزم الإدارة بتعوي�ض �صاحب‬
‫املنزل وترقية املوظف‪ ،‬عندما يثبت وجود �أ�رضار حلقت بهما نتيجة اخلط�أ يف القرار‪،‬‬
‫ويخت�ص الق�ضاء الإداري بنظر ق�ضايا التعوي�ض عن القرارات الإدارية التي ت�سبب‬
‫�رضراً للغري‪ ،‬فالقرار الإداري املعيب هو الذي يخت�ص الق�ضاء الإداري ب�إلغائه‬
‫والتعوي�ض عنه(‪.)25‬‬
‫�أما �إذا كانت الأعمال مادية‪ -‬وهي ال تقع حتت ح�رص ‪ -‬ف�إن ال�رضر الناجم عن‬
‫خط�أ املرفق قد يكون ب�سبب الإهمال والرعونة‪� ،‬أو عدم التب�رص �أو عدم االحتياط‪،‬‬
‫�أو الت�أخري‪ ،‬ومن �أمثلة ذلك‪� :‬أن ت�صدم �سيارة حكومية �أحد الأفراد فتقتله �أو ت�صيبه‬
‫بجراح‪� ،‬أو �أن يحاول مدر�س ت�أديب تلميذ في�صيبه بعاهة م�ستدمية‪� ،‬أو �أن جتري‬
‫الإدارة حفراً يف الطريق العام وتغفل �إ�ضاءتها لي ًال‪ ،‬في�ؤدي �إلى �إ�صابة �أحد املارة‬
‫ب�رضر نتيجة �سقوطه فيها‪ ،‬ودعوى التعوي�ض يف مثل هذه الأمور مدارها م�س�ؤولية‬
‫الدولة عن �أعمالها املادية(‪.)26‬‬

‫(‪� ((2‬سليمان حممد الطماوي‪ :‬الق�ضاء الإداري‪ ،‬الكتاب الثاين‪ .‬ق�ضاء التعوي�ض وطرق الطعن يف الأحكام �ص ‪ 158‬طبعة‬
‫‪1968‬م دار الفكر العربي‪ ،‬د‪ .‬حممود حلمي املرجع ال�سابق ‪ 258،257‬وانظر حكم ديوان املظامل ذا الرقم ‪/84‬ت‪3/‬‬
‫ل�سنة ‪1411‬هـ ويف حكم �آخر‪ ،‬فقد قرر التعوي�ض عن القرارات الإدارية الباطلة‪ ،‬انظر احلكم ذا الرقم ‪/111‬ت‪ 3/‬ل�سنة‬
‫‪1412‬هـ من�شورة يف ح�سونة توفيق ح�سونة‪ :‬ق�ضاء ديوان املظامل جـ‪ 1‬الق�ضاء الإداري يف خم�س �سنوات (بدون نا�شر)‪..‬‬
‫(‪ ((2‬رم�ضان حممد بطيخ‪ :‬مدى التعوي�ض عن القرارات الإدارية والأعمال املادية �ص ‪ 20،19‬ور�شة عمل ق�ضاء التعوي�ض‬
‫القاهرة من ‪ 18-14‬مايو ‪ 2006‬املنظمة العربية للتنمية الإدارية‪ ،‬وانظر يف ذلك حكم ديوان املظامل ذا الرقم‬
‫‪/156‬ت‪ 2/‬ل�سنة ‪1413‬هـ واحلكم الآخر ذا الرقم ‪/55‬ت‪ 2/‬ل�سنة ‪1414‬هـ ‪-‬توفيق ح�سونة‪ :‬املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪158‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫ومن يدعي واقعة مادية فعليه عبء �إثباتها‪ ،‬الدعائه خالف الأ�صل(‪.)27‬‬
‫كذلك قد يحدث ال�رضر يف ت�رصفات الإدارة العقدية – مع مراعاة �أن قاعدة قوة‬
‫العقد امللزمة «ال ت�رسى على �إطالقها يف مواجهة الإدارة‪ ،‬كما ال ت�رسى على �إطالقها‬
‫يف مواجهة الطرف املتعاقد معها‪ ،‬ل�سببني‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن العقد الإداري يت�ضمن �رشوطاً ا�ستثنائية غري م�ألوفة يف القانون اخلا�ص‪.‬‬
‫والثاين‪� :‬أن العقد الإداري يت�صل غالباً بت�سيري مرفق عام بانتظام واطراد‪ ،‬لذلك‪،‬‬
‫ف�إن الإدارة تتمتع ب�سلطات وا�سعة‪ ،‬وعليها �أن توازن بني �صفتها كمتعاقدة‪ ،‬تلتزم‬
‫بعقودها‪ ،‬وبني مبا�رشة اخت�صا�صاتها وم�س�ؤولياتها يف تنظيم و�إدارة املرافق العامة‪.‬‬
‫والإدارة �أثناء �إدارتها للمرفق العام قد ترتكب خط�أ مرفقياً‪ ،‬كعدم �أداء املرفق‬
‫لعمله الذي �أن�شئ لأجله‪� ،‬أو �سوء �أداء املرفق‪� ،‬أو بطء �أدائه(‪.)28‬‬
‫ويوجد ال�رضر يف نطاق العقود الإدارية نتيجة عدم التزام الإدارة بتنفيذ‬
‫التزاماتها‪� ،‬أو عدم تنفيذ املتعاقد مع الإدارة اللتزاماته‪� ،‬أو الت�أخري يف �أدائها‪ ،‬وهذا‬
‫مما ي�سبب �رضراً لأحد الأطراف‪ ،‬ويحق للطرف امل�رضور املطالبة بالتعوي�ض عن‬
‫ال�رضر الذي حلق به‪ ،‬ويف هذا ال�ش�أن ق�ضى ديوان املظامل (بعدم �أحقية جهة الإدارة‬
‫يف ا�ستقطاع قيمة الإيجار للمباين التي ا�ضطرت ل�شغلها طوال فرتة الت�أجري يف تنفيذ‬
‫العقد؛ لأنه ال يجوز اجلمع بني غرامة الت�أخري والتعوي�ض عن الأ�رضار النا�شئة عنه‪،‬‬
‫�إذ �إن الغرامة تعد تعوي�ضاً اتفاقياً عن �أ�رضار الت�أخري(‪.))29‬‬
‫فوالية الق�ضاء الإداري يف جمال العقود الإدارية‪ ،‬هي والية الق�ضاء الكامل‪ ،‬فهو‬

‫(‪ ((2‬حممد �شتا �أبو �سعد‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ 22‬وانظر يف �إ�شارته �إلى الطعن ذي الرقم ‪ 1578‬نق�ض مدين ل�سنة ‪ 52‬ق‬
‫جل�سة ‪1989/2/27‬م‪.‬‬
‫(‪ ((2‬ماجد راغب احللو‪ :‬الق�ضاء الإداري �ص ‪ ،423-421‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬ط‪ ،1‬عام ‪.1977‬‬
‫(‪ ((2‬حكم ديوان املظامل ذو الرقم ‪/400‬ت‪ 1/‬ل�سنة ‪1410‬هـ‪ ،‬واحلكم ذو الرقم ‪/91‬د‪�/‬إ‪ 21/‬لعام ‪1428‬هـ يف الق�ضية ‪/1/567‬ق‬
‫لعام ‪1423‬هـ (غري من�شور)‪� ،‬سامل بن �صالح املطوع‪ :‬العقود الإدارية �ص ‪ 29‬ط‪ 2/‬مطبعة الرنج�س ‪1429‬هـ‪2008-‬م‪.‬‬

‫‪159‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫يخت�ص بنظر كافة املنازعات املتعلقة بالعقد الإداري‪ ،‬ومن ذلك الأ�رضار الناجمة عن عدم‬
‫تنفيذ االلتزامات‪� ،‬أو الت�أخري فيها‪� ،‬أو �إذا �صاحب هذا التنفيذ �أ�رضار حلقت ب�أحد الطرفني‪.‬‬
‫بجانب ما �سبق‪ ،‬ف�إنه تنه�ض م�س�ؤولية الإدارة �أي�ضاً‪� ،‬إذا ما تولد عن فعلها �أ�رضار‬
‫ولو كان العمل الذي قامت به م�رشوعاً‪ ،‬ف�إنه ين�ش�أ حق امل�رضور يف اقت�ضاء تعوي�ض‬
‫عما �أ�صابه من �رضر‪ ،‬ولو مل يثبت اخلط�أ يف جانب الإدارة وهي امل�سماة «بامل�س�ؤولية‬
‫بغري خط�أ» وقد �أخذ بها جمل�س الدولة يف فرن�سا‪ ،‬وحاول الفقه الفرن�سي تق�سيم‬
‫حاالتها‪ ،‬واختلفوا حول هذا التق�سيم‪ ،‬فمنهم من ق�سمها �إلى خم�س حاالت‪ ،‬ومنهم‬
‫من �صنفها �إلى �سبع‪ ،‬ومنهم من ق�سمها �إلى تق�سيم ثنائي‪ ،‬وهو الأ�ستاذ «�إيزمنان»‪.‬‬
‫وهذا التق�سيم الأخري هو ما ي�أخذ به الفقه الإداري العربي(‪.)30‬‬
‫وتقوم امل�س�ؤولية عن ال�رضر‪ ،‬عن فعل �شيء تقوم به الإدارة‪ ،‬وكذلك امل�س�ؤولية‬
‫عن الأ�رضار التي ت�صيب الأفراد نتيجة ن�شاط م�رشوع‪ ،‬ويت�ضمن كال الق�سمني‬
‫حاالت فرعية(‪.)31‬‬
‫وي�شرتط جمل�س الدولة يف فرن�سا وجود �رشطني‪ ،‬حتى ميكن التعوي�ض عن‬
‫ال�رضر الناجم عن فعل الإدارة �أو عن العمل امل�رشوع لها‪ ،‬ولو مل يكن هناك خط�أ‬
‫من جانبها‪.‬‬
‫ال�شرط الأول‪� -‬صفة اخل�صو�صية‪:‬‬
‫وهي �أن يكون ال�رضر قد ان�صب على فرد معني �أو على �أفراد بذواتهم‪ ،‬مبعنى �أن‬
‫يكون لهم مركز خا�ص قبل وقوع ال�رضر ال ي�شاركهم فيه �سائر املواطنني‪.‬‬
‫ال�رشط الثاين‪ -‬اجل�سامة غري العادية‪:‬‬
‫مبعنى �أن يكون ال�رضر مما ال يقع حتت �أو�صاف ال�رضر العادي الذي ال تعو�ض‬

‫(‪ ((3‬حممود حامي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪� ،266‬سليمان الطماوي املرجع ال�سابق �ص ‪.213‬‬
‫(‪� ((3‬سليمان الطماوي‪ :‬املرجع ال�سابق‪.213 ،‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪160‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫الإدارة عنه عادة‪ ،‬لذلك فال�رضر اخلا�ص وحده هو ال�رضر الذي ال يعو�ض عنه �إذا‬
‫كان من املمكن اعتباره من خماطر املجتمع العادية(‪.)32‬‬
‫وهذا النوع من امل�س�ؤولية ي�أخذ به الق�ضاء الإداري ال�سعودي يف �أحكام كثرية‬
‫�صدرت عنه « فقد حكم بالتعوي�ض للمدعي عن الأ�رضار التي �أ�صابت بيته ب�سبب‬
‫انفجار ما�سورة مياه مملوكة مل�صلحة املياه وال�رصف‪ ،‬على �أ�سا�س حتمل التبعة‬
‫امل�أخوذة عن القاعدة ال�رشعية‪« :‬ال �رضر وال �رضار» وذلك بغ�ض النظر عن �سبب‬
‫ك�رس املا�سورة‪� ،‬إذ ال ي�شرتط للتعوي�ض على �أ�سا�س نظرية املخاطر �أو حتمل التبعة‬
‫�صدور خط�أ عن املت�سبب يف ال�رضر»(‪.)33‬‬
‫ويف التعوي�ض دون خط�أ‪ ،‬فقد �ألزم احلكم الإدارة بتعوي�ض املدعني على �أ�سا�س‬
‫حتمل التبعة امل�أخوذة عن القاعدة ال�رشعية‪« :‬ال�رضر يزال» ويكفي للتعوي�ض يف‬
‫هذه احلالة ثبوت ال�رضر دون وقوع خط�أ من جهة الإدارة‪ ،‬فالتعوي�ض على �أ�سا�س‬
‫حتمل التبعة ال يفرت�ض ارتكاب جهة الإدارة اخلط�أ‪� ،‬إمنا يتعني لقيامه وجود ال�رضر‬
‫ووجود عالقة ال�سببية بينه وبني عمل جهة الإدارة‪ ،‬وتطبيق هذه النظرية تنح�رص يف‬
‫الن�شاط الإداري امل�رشوع(‪.)34‬‬
‫ت�أ�سي�ساً على ما �سبق‪ ،‬يت�ضح �أن الق�ضاء الإداري ال�سعودي ي�أخذ مب�س�ؤولية‬
‫الإدارة عن ال�رضر‪ ،‬حتى ولو مل يكن هناك خط�أ �صدر من جانب الإدارة‪ ،‬وهو يف‬
‫ذلك ي�شايع ما ي�أخذ به جمل�س الدولة يف فرن�سا‪ ،‬على عك�س ما يذهب �إليه جمل�س‬
‫الدولة امل�رصي الذي ال ي�أخذ مببد�أ امل�س�ؤولية على �أ�سا�س املخاطر‪ ،‬على نحو �رصيح‬
‫(‪ ((3‬انظر على وجه اخل�صو�ص حممود حلمي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ 267‬وما بعدها‪ ،‬فقد تكلم عن م�س�ؤولية الإدارة عن‬
‫فعل �شيء مادي وم�س�ؤوليتها عن الن�شاط امل�شروع‪ ،‬كالتطبيق ال�سليم للقوانني‪� ،‬أو امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام‬
‫الق�ضائية‪.‬‬
‫(‪ ((3‬حكم ديوان املظامل ذو الرقم ‪/84‬ت‪ 3/‬ل�سنة ‪1411‬هـ‪ ،‬توفيق ح�سونة‪ :‬املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫(‪ ((3‬حكم ديوان املظامل ذو الرقم ‪/147‬ت‪ 2/‬لعام ‪1413‬هـ‪ ،‬واحلكم ذو الرقم ‪/156‬ت‪ 2/‬لعام ‪1413‬هـ‪ ،‬توفيق ح�سونة املرجع‬
‫ال�سابق‪.‬‬

‫‪161‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫�أو وا�ضح‪ ،‬ويق�رصها فقط على احلاالت التي تتكرر بن�ص �رصيح من قبل امل� ِّرشع‬
‫بقانون �أو ن�ص خا�ص‪ ،‬وقد حاول الق�ضاء الإداري يف بداية عهده تقرير هذا النوع‬
‫من م�س�ؤولية الإدارة‪ ،‬بيد �أن �أحكام املحكمة الإدارية العليا يف م�رص ت�أبي الأخذ مببد�أ‬
‫التعوي�ض بغري خط�أ‪� ،‬إال يف احلاالت التي ين�ص امل� ِّرشع عليها �رصاحة(‪.)35‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫�إ�سناد ال�ضرر املتعدد الأ�سباب‬

‫القاعدة يف تعدد الأ�سباب‪:‬‬


‫عندما يحدث ال�رضر نتيجة خط�أ املدين مبفرده‪ ،‬هنا ال توجد �صعوبة يف �إ�سناد‬
‫ال�رضر �إلى فعل املدين‪ ،‬ثم تن�ش�أ امل�س�ؤولية عن التعوي�ض‪ ،‬بعد �إثبات الدائن لل�رضر‬
‫واخلط�أ‪ ،‬ومن ثم تفرت�ض عالقة ال�سببية بينهما‪.‬‬
‫ولكن ال�صعوبة تن�ش�أ عند وجود عدة �أ�سباب ت�سهم جميعها يف �إحداث ال�رضر‪،‬‬
‫فكيف يتم �إ�سناد ال�رضر �إلى فاعله؟ و�أي الأخطاء �أحدث ال�رضر؟ ف�إلى جانب‬
‫فعل املدين قد يوجد فعل الدائن‪ ،‬وقد يوجد فعل من قبل الغري‪ ،‬وقد يوجد فعل‬
‫ت�سبب فيه قوة قاهرة �أو حادث مفاجئ‪ ،‬ف�إلى من يتم �إ�سناد ال�رضر؟ ومن ُي�س�أل عن‬
‫التعوي�ض؟‬
‫يف ظل �إعمال قواعد القانون املدين ن�ش�أ بخ�صو�ص هذه امل�شكلة – تعدد‬
‫الأ�سباب‪ -‬نظريتان حاولتا و�ضع القواعد العامة من �أجل �إ�سناد ال�رضر �إلى فاعله‬
‫وحتديد امل�س�ؤولية عن تعوي�ض امل�رضور‪ ،‬ونف�س القواعد يتم �إعمالها �أمام الق�ضاء‬
‫الإداري‪ ،‬مع اختالف فقط يف �أطراف اخل�صومة الق�ضائية‪ ،‬وكذلك يتم �إعمالها‬

‫(‪� ((3‬سليمان الطماوي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،207‬حممود حلمي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.271‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪162‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫يف كافة �أنواع امل�س�ؤوليات اجلنائية والدولية‪.‬‬

‫النظرية الأولى‪ -‬نظرية تعادل الأ�سباب‪:‬‬


‫قد تتعدد الأ�سباب التي ت�ؤدى �إلى ال�رضر‪ ،‬مبعنى �أن كل �سبب يكون له دخل يف‬
‫وقوع ال�رضر‪ ،‬فلوال هذا ال�سبب ما وقع ال�رضر‪ ،‬فجميع الأ�سباب التي �ساهمت‬
‫يف �إحداث ال�رضر تكون متكافئة‪ ،‬كما لو قامت جهة الإدارة بحفر حفرة يف الطريق‬
‫دون �أن تنبه املارة �إليها‪ ،‬ثم ي�أتي �شخ�ص ويدفع ب�آخر عمداً داخل احلفرة في�صاب‪،‬‬
‫فحفر احلفرة والدفع �س َّببا وقوع ال�رضر‪ ،‬ف�إذا مل ي�ستغرق �أحدهما الآخر ي�س�أل كل‬
‫من كان خط�ؤه �سبباً يف وقوع ال�رضر‪ ،‬ويتحمل بتعوي�ض جزئي عنه‪ ،‬بحيث يتم‬
‫تغطية ال�رضر بالتعوي�ض‪ ،‬فت�س�أل الإدارة عن �إهمالها يف عدم و�ضع الفتات ت�شري �إلى‬
‫وجود احلفرة‪ ،‬وي�س�أل الدافع الذي �أدى فعله �إلى �سقوط امل�رضور يف احلفرة ف�أ�صيب‬
‫ب�أ�رضار‪ ،‬فال�سببان متعادالن يف �إحداث ال�رضر طاملاً مل ي�ستغرق �أحدهما الآخر(‪.)36‬‬
‫كذلك لو �أن �سائق �إحدى ال�سيارات احلكومية قادها ب�رسعة خارجة عن القانون‪،‬‬
‫ف�صدم �شخ�صاً ثم ًال كان ي�سري يف عر�ض الطريق‪ ،‬ف�إن خط�أ كل من هذين ال�شخ�صني‬
‫يعترب �سبباً يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬لأن قائد ال�سيارة كان ي�ستطيع �أن يحول دون وقوع‬
‫احلادث لو �أنه ي�سري بال�رسعة القانونية‪ ،‬فهو بفعله يعترب خمطئاً‪ ،‬ولوال ذلك ال�سلوك‬
‫ما وقع احلادث‪ ،‬كما �أن ال�شخ�ص الثَّمِ ل‪ ،‬كان ميكنه �أن يتفادى ال�سيارة لو �أنه كان‬
‫حمتفظاً بتوازنه‪ ،‬وهو �أي�ضاً خمطئ ب�سريه يف عر�ض الطريق وهو ثمل‪ ،‬ولوال ذلك‬
‫ما وقع احلادث(‪.)37‬‬
‫ن�ستنتج من هذا املثال �أن ال�سببني متعادالن يف �إحداث‪ -‬ال�رضر‪ ،‬لأن كال منهما‬

‫(‪ ((3‬عبد الرزاق ال�سنهوري‪ :‬الو�سيط املرجع ال�سابق‪ ،761/1 :‬عبد النا�صر العطار‪ :‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪( 272‬بت�صرف)‪.‬‬
‫(‪ ((3‬عبد الر�شيد م�أمون‪ :‬عالقة ال�سببية يف امل�س�ؤولية املدنية �ص ‪ 9‬وما بعدها دار النه�ضة العربية (بدون تاريخ)‪ ،‬عبد‬
‫املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪( 497‬بت�صرف)‪.‬‬

‫‪163‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫مل ي�ستغرق الآخر‪� ،‬أو �أن �أحدهما كان �أكرب ت�أثرياً من الآخر‪� ،‬أو �أحدهما جاء نتيجة‬
‫للآخر‪ ،‬لذلك ‪-‬طبقاً لهذه النظرية‪ -‬يكون ك ًال من ال�شخ�صني م�س�ؤو ًال عن ال�رضر‪،‬‬
‫في�س�أل املدين عن فعله‪ ،‬وي�س�أل امل�رضور عن فعله‪ ،‬ويتم توزيع التعوي�ض عليهما‪.‬‬
‫والنظرية ال�سابقة �أخذ عليها الفقه م�آخذ كثرية‪ ،‬لعل �أهمها �أنه ال يكفي الأخذ‬
‫بعامل معني واعتباره �سبباً يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬والقول ب�أنه لوال هذا العامل ما وقع‬
‫ال�رضر ل�سبب غاية يف البداهة‪� ،‬أنه يجب �أن يكون وجود هذا العامل وحده كافياً‬
‫لإحداث ال�رضر(‪.)38‬‬

‫النظرية الثانية‪ :‬ال�سبب املنتج �أو الفعال‪:‬‬


‫هذه النظرية متيز بني الأ�سباب املتعددة‪� ،‬أيها ميكن �إ�سناد ال�رضر �إليه‪ ،‬فال�رضر عادة‬
‫يحدث نتيجة لعدة �أ�سباب‪ ،‬بع�ضها �أ�سباب منتجة والبع�ض الأخر �أ�سباب عار�ضة‪،‬‬
‫والأ�سباب املنتجة تعترب وحدها �أ�سباب وجود ال�رضر‪ ،‬فال�سبب املنتج هو ال�سبب‬
‫امل�ألوف �أو املالئم الذي يحدث ال�رضر عادة‪.‬‬
‫�أما ال�سبب العار�ض فهو ال�سبب غري املالئم �أو غري امل�ألوف الذي ال يحدث به‬
‫ال�رضر عادة‪ ،‬وال �أهمية لكون ال�سبب العار�ض قد �ساهم يف وقوع ال�رضر؛ لأن‬
‫ال�سبب املنتج هو ال�سبب الذي يعتد به القانون ويتم �إ�سناد ال�رضر �إليه‪ ،‬ومن ثم‬
‫ي�س�أل مرتكبه عن التعوي�ض مبوجب �سلطة القا�ضي التقديرية(‪.)39‬‬
‫ففي مثال ال�سيارة احلكومية جند �أن ال�سائق �أ�رسع فدع�س �شخ�صاً ثمال ي�سري يف‬
‫عر�ض الطريق‪ ،‬فخط�أ ال�سائق �سبب منتج يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬وخط�أ ال�شخ�ص الثمل‬
‫منتج �أي�ضاً‪ ،‬ولذلك ف�إن كال من اخلط�أين �سبب م�ألوف يحدث منه ال�رضر عادة‪ ،‬ولو‬

‫(‪ ((3‬عبد الرزاق ال�سنهوري‪ :‬املرجع ال�سابق ‪.761/1‬‬


‫(‪ ((3‬عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،497‬عبد الر�شيد م�أمون‪ :‬املرجع ال�سابق �ص‪.9‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪164‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫وجد كل �سبب مبفرده‪ ،‬لكان كافياً‪ ،‬ومن ثم ي�ؤخذ بهذين ال�سببني وفقاً لنظرية تعادل‬
‫الأ�سباب‪ ،‬ووفقاً لنظرية ال�سبب املنتج‪.‬‬
‫�أما �إذا كان �سائق ال�سيارة قد تركها وبها مفتاح �إدارتها‪ ،‬فغافله �شخ�ص �آخر و�رسق‬
‫ال�سيارة و�أ�رسع بها‪ ،‬و�أثناء ذلك �صدم �شخ�صاً‪ ،‬فطبقاً لنظرية تعادل الأ�سباب‪� ،‬سائق‬
‫ال�سيارة �أهمل يف املحافظة عليها‪ ،‬ولوال ذلك ما وقع ال�رضر‪ ،‬وال�سارق �أخط�أ يف‬
‫ال�سري ب�رسعة‪ ،‬ولوال ذلك ما وقع ال�رضر‪ ،‬فال�سببان متعادالن يف �إحداث ال�رضر‪.‬‬
‫وطبقاً لنظرية ال�سبب املنتج‪ ،‬ف�إن خط�أ ال�سارق الذي قاد ال�سيارة ب�رسعة‪ ،‬هو‬
‫ال�سبب املنتج يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬لأن هذا اخلط�أ هو ال�سبب امل�ألوف عادة يف �إحداث‬
‫ال�رضر‪ ،‬وبح�سب املجرى العادي للأمور‪ ،‬ولذلك يكون هذا ال�سبب وحده كافياً‬
‫يف �إ�سناد ال�رضر �إليه �أما خط�أ �سائق ال�سيارة الذي �أهمل يف املحافظة عليها فلي�س‬
‫�سوى �سبب عار�ض ال يقع ال�رضر نتيجة له �إذا وجد مبفرده‪ ،‬ومن ثم يكون ال�سارق‬
‫وحده هو امل�س�ؤول عن ال�رضر‪.‬‬
‫بجانب هاتني النظريتني‪ ،‬ظهرت نظرية ال�سبب املالئم �أو املنا�سب‪ ،‬وحظيت هذه‬
‫النظرية بقبول عام يف الفكر القانوين املعا�رص‪ ،‬بيد �أن هذه النظرية يف حقيقة الأمر‬
‫لي�ست �إال حتويراً لنظرية ال�سبب املنتج‪ ،‬لذلك انت�رص لها جمهور الفقه والق�ضاء‪ ،‬وهي‬
‫التي املعول عليها يف �إ�سناد ال�رضر �إلى ال�سبب الذي �أدى �إليه بطريقة مبا�رشة(‪.)40‬‬

‫تطبيق منازعات �إ�سناد ال�ضرر‪:‬‬


‫قد يحدث ال�رضر نتيجة خلط�أ املدين‪ ،‬وقد ي�شاركه خط�أ من قبل امل�رضور ذاته �أو‬
‫خط�أ من قبل �شخ�ص �آخر‪� ،‬أو فعل ب�سبب قوة قاهرة �أو حادث مفاجئ‪ ،‬هنا حتدث‬
‫(‪ ((4‬حممد �أحمد �سراج‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،241‬عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص‪ ،498‬ويف حكم النق�ض‬
‫امل�صري‪ « ،‬يجب عند حتديد امل�س�ؤولية الوقوف عند ال�سبب املنتج يف �إحداث ال�ضرر دون ال�سب العار�ض» نق�ض مدين‬
‫يف ‪ 1967/10/26‬جمموعة الأحكام �ص ‪� 18‬ص ‪.1560‬‬

‫‪165‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫منازعات حول �إ�سناد ال�رضر �إلى �أي فعل من هذه الأفعال؟‬


‫ويطلق على هذه الأ�سباب التي �ساهمت مع خط�أ املدين‪ :‬ال�سبب الأجنبي‪� ،‬أي‬
‫الذي �ساهم يف �إحداث ال�رضر بالدائن‪ ،‬ونتناولها من خالل املطالب الآتية‪:‬‬

‫املطلب الأول‬
‫املنازعة يف ال�ضرر احلادث‬
‫بفعل القوة القاهرة وفعل املدعى عليه‬

‫�إذا ثبت �أن القوة القاهرة �أو احلادث املفاجئ هو ال�سبب الوحيد يف �إحداث ال�رضر‪،‬‬
‫ف�إنه ال تتحقق م�س�ؤولية املدعى عليه‪ ،‬كما لو �شب حريق ف�أهلك ال�شيء حمل االلتزام‬
‫العقدي بني الإدارة واملقاول‪� ،‬أو هبت عا�صفة فقلبت �سيارة حكومية على �أحد املارة‬
‫ف�أ�صابته‪ ،‬فهنا تنتفي امل�س�ؤولية العقدية �أو التق�صريية‪ ،‬وعلى املدعى عليه �إثبات �أن‬
‫ال�رضر الذي حلق بالدائن (املدعي) ناجت عن هذه القوة القاهرة ولي�س بفعله(‪.)41‬‬
‫ويراعى يف امل�س�ؤولية العقدية والتق�صريية �أنه �إذا كانت القوة القاهرة مانعة‬
‫ب�صفة قاطعة ونهائية من تنفيذ االلتزام وامل�س�ؤولية‪ ،‬ف�إن املدين (املدعى عليه) ال‬
‫ُي�س�أل نهائياً‪� ،‬أما �إذا كانت القوة القاهرة م�ؤقتة‪ ،‬ف�إنه يف امل�س�ؤولية العقدية يقف تنفيذ‬
‫االلتزام حتى يزول �أثرها ويغدو االلتزام واجب التنفيذ‪ ،‬مع مالحظة الفارق يف‬
‫هذا اخل�صو�ص بني العقود الفورية وعقود املدة‪ ،‬ففي العقود الفورية ال يكون لوقف‬
‫التنفيذ �أثر يف مقدار الأداءات الواجبة على الطرفني‪ ،‬فتبقى كاملة كما كانت قبل‬
‫الوقف‪ ،‬كعقد التوريد مثا ًال‪� ،‬أما يف عقود املدة ف�إنه يرتتب على وقف التنفيذ نق�ص‬
‫يف كم الأداء بقدر الوقت الذي وقف التنفيذ خالله‪ ،‬لأن الزمن الفائت �إذا م�ضى ال‬
‫(‪ ((4‬ال�سنهوري‪ :‬املرجع ال�سابق‪ ،639/1 ،‬د‪ .‬عبد النا�صر العطار‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.274‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪166‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫يعود(‪ .)42‬كما يف عقد الأ�شغال العامة‪.‬‬


‫بيد �أنه يجوز لطريف العقد �أن يتفقا على تعديل �أثر القوة القاهرة‪ ،‬فيمكن �أن يتفقا‬
‫على �أن يتحمل املدين (املدعى عليه) تبعة القوة القاهرة �أو احلادث املفاجئ‪ ،‬وغالباً‬
‫ما يحدث ذلك يف العقود الإدارية‪.‬‬
‫ويراعى �أي�ضاً يف هذا املجال‪� ،‬أنه �إذا ا�شرتكت القوة القاهرة مع خط�أ املدعى عليه‬
‫يف �إحلاق ال�رضر باملدعي‪ ،‬كان املدعى عليه م�س�ؤو ًال م�س�ؤولية كاملة عن التعوي�ض‬
‫عن ال�رضر؛ لأن اخلط�أ الذي ارتكبه كان �سبباً يف وقوع ال�رضر‪ ،‬وال يوجد �أحد غريه‬
‫ي�س�أل عن ال�رضر‪ ،‬لذلك يتم �إ�سناد ال�رضر �إلى فعله‪ ،‬ويدخل تقدير التعوي�ض يف �سلطة‬
‫القا�ضي التقديرية(‪ .)43‬فلو �أن �سائق �إحدى ال�سيارات احلكومية �أ�رسع �أكرث من الالزم‪،‬‬
‫ثم هبت رياح �شديدة وعوا�صف فاقتلعت �شجرة و�ألقت بها �أمام ال�سيارة فانقلبت على‬
‫�أحد املارة ف�أ�صابته‪ ،‬ف�إن جهة الإدارة التي يتبعها ال�سائق تلتزم بتعوي�ض ال�رضر كام ًال‪.‬‬

‫املطلب الثاين‬
‫املنازعة يف ال�ضرر احلادث‬
‫بخط�أ امل�ضرور وخط�أ املدعى عليه‬

‫ال �صعوبة �إذا �أثبت املدعى عليه �أن فعل امل�رضور هو ال�سبب الوحيد يف �إحداث‬
‫ال�رضر‪ ،‬فال م�س�ؤولية على �أحد‪ ،‬فامل�رضور هو الذي �أحلق ال�رضر بنف�سه‪ ،‬لكن املنازعة‬
‫تثور بني اخلط�أين‪ :‬خط�أ املدعى عليه وخط�أ املدعي‪� ،‬أي اخلط�أين �أحدث ال�رضر؟ ففي‬
‫هذه احلالة نكون �أمام فر�ضني‪:‬‬

‫(‪ ((4‬عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،501‬د‪ .‬حممود حلمي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪264‬‬
‫(‪ ((4‬ال�سنهوري‪ :‬املرجع ال�سابق ‪ ،740/1‬عبد املنعم فرج ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪( 502‬بت�صرف ي�سري)‪.‬‬

‫‪167‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫الأول‪� :‬أن يكون �أحد اخلط�أين قد ا�ستغرق الآخر‪.‬‬


‫الثاين‪� :‬أن يكون كل من اخلط�أين بقي م�ستق ًال عن الآخر‪.‬‬

‫الفر�ض الأول‪ :‬ا�ستغراق �أحد اخلط�أين للآخر‪:‬‬


‫�إذا كان خط�أ املدعى عليه قد ا�ستغرق خط�أ امل�رضور ف�إن م�س�ؤولية املدعى عليه‬
‫تثبت كاملة عن ال�رضر‪� ،‬أما �إذا كان خط�أ امل�رضور قد ا�ستغرق خط�أ املدعى عليه فال‬
‫ي�س�أل املدعى عليه عن ال�رضر‪� ،‬أما �إذا مل ي�ستغرق �أحد اخلط�أين الآخر ف�إن ك ًال منهما‬
‫يكون م�س�ؤو ًال عن ال�رضر بقدر فعله(‪.)44‬‬
‫ويتحقق ا�ستغراق �أحد اخلط�أين للآخر يف احلاالت الآتية‪:‬‬

‫�أو ًال‪� -‬إذا كان �أحد اخلط�أين يفوق يف ج�سامته اخلط�أ الآخر‪:‬‬
‫ويتحقق ذلك يف ال�صورتني التاليتني‪:‬‬
‫‪� -1‬إذا كان �أحد اخلط�أين خط�أ عمدياً‪ ،‬مبعنى �أن يكون �أحد الطرفني قد تعمد‬
‫�إحداث ال�رضر‪ ،‬واخلط�أ الآخر غري عمدي‪ ،‬ف�إذا كان املدعى عليه هو الذي تعمد‬
‫�إحلاق ال�رضر باملدعي حتققت م�س�ؤوليته كاملة عن تعوي�ض ال�رضر‪ ،‬وال يخفف منها‬
‫خط�أ املدعي‪ ،‬فالفعل العمدي ي�ستغرق الفعل اخلط�أ‪� ،‬أما �إذا كان املدعي هو الذي‬
‫تعمد �إحلاق ال�رضر بنف�سه‪ ،‬انتفت م�س�ؤولية املدعى عليه متاماً‪.‬‬
‫‪ -2‬ر�ضاء امل�رضور بال�رضر الذي وقع عليه‪ ،‬ويف هذه احلالة يخفف خط�أ‬
‫امل�رضور من م�س�ؤولية املدعى عليه‪� ،‬إذ ن�صبح �أمام خط�أ م�شرتك بني الطرفني ي�ؤدي‬
‫�إلى توزيع امل�س�ؤولية عن ال�رضر‪ ،‬وميكن �أن ي�ستغرق خط�أ املدعى عليه خط�أ املدعي‬
‫فتنتفي م�س�ؤوليته‪ ،‬كما لو قام مالك �إحدى ال�سفن بنقل املخدرات وهو يعلم ذلك‬
‫(‪ ((4‬نق�ض جنائي م�صري يف ‪ 1984/12/2‬جمموعة الأحكام �س ‪� 25‬ص ‪ ،792‬حكم �آخر يف ‪ ،1968/1/29‬جمموعة الأحكام‬
‫�س ‪� 19‬ص ‪.107‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪168‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫لأحد الأ�شخا�ص‪ ،‬ف�إذا �صودرت ال�سفينة فال يحق له �أن يرجع ب�شيء على �صاحب‬
‫املخدرات‪ ،‬لأن ر�ضاءه خط�أ كبري ا�ستغرق خط�أ �صاحب املخدرات(‪.)45‬‬
‫ثاني ًا‪� -‬أحد اخلط�أين نتيجة للآخر‪:‬‬
‫�إذا ثبت �أن خط�أ امل�رضور جاء نتيجة خلط�أ املدعى عليه‪ ،‬ف�إن اخلط�أ الأخري ي�ستغرق‬
‫اخلط�أ الأول‪ ،‬فتتحقق م�سئولية املدعى عليه عن ال�رضر كاملة‪ ،‬كما لو ركب �شخ�ص‬
‫�سيارة النقل اجلماعي وكان ال�سائق ي�سري ب�رسعة غري معتادة والح للراكب خطر‬
‫�أفزعه‪ ،‬ف�أتى بحركة خاطئة �سببت �إحلاق ال�رضر به‪ ،‬ف�إن خط�أه يكون نتيجة خلط�أ‬
‫ال�سائق الذي ي�س�أل عن تعوي�ض ال�رضر كام ًال‪.‬‬
‫�أما �إذا كان خط�أ املدعى عليه جاء نتيجة خلط�أ امل�رضور‪ ،‬ف�إن خط�أ امل�رضور‪،‬‬
‫ي�ستغرق خط�أ املدعى عليه‪ ،‬وبذلك ال ُي�س�أل عن ال�رضر‪ ،‬كما لو �أخاف �شخ�ص �سائقاً‬
‫بفعل منه‪ ،‬ف�أدى هذا �إلى قيام ال�سائق بحركة خاطئة �أحلقت ال�رضر بذلك ال�شخ�ص‪،‬‬
‫فيكون خط�أ ال�سائق نتيجة خلط�أ امل�رضور وبذلك تنتفي م�س�ؤوليته عن ال�رضر(‪.)46‬‬
‫الفر�ض الثاين‪ -‬ا�شرتاك اخلط�أين يف �إحداث ال�ضرر‪:‬‬
‫�إذا ثبت �أن خط�أ املدعى عليه وخط�أ امل�رضور قد بقي كل منهما م�ستق ًال عن الآخر‬
‫وا�شرتكا يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬ف�إن ك ًال من اخلط�أين �ساهم يف وقوع ال�رضر‪ ،‬ف�إن‬
‫التعوي�ض عن ال�رضر يتم توزيعه بينهما بالت�ساوي‪ ،‬كما لو قاد �شخ�ص �سيارة بطريقة‬
‫م�رسعة فدع�س �شخ�صاً كان يعرب الطريق من مكان لي�س خم�ص�صاً لعبور امل�شاة‪،‬‬
‫وميكن للقا�ضي بح�سب �سلطته التقديرية �أن يوزع امل�س�ؤولية بح�سب ج�سامة الفعل‬
‫الذي �صدر من امل�شرتكني يف �إحداث ال�رضر(‪.)47‬‬

‫(‪ ((4‬ال�سنهوري‪ :‬املرجع ال�سابق ‪ ،743/1‬عبد النا�صر العطار‪ :‬املرجع ال�سابق ‪.277،276‬‬
‫(‪ ((4‬عبد املنعم ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪504‬‬
‫(‪ ((4‬عبد النا�صر العطار‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،278،277‬حممود حلمي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.265 ،264،‬‬

‫‪169‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫وتطبيقاً لذلك‪� ،‬صدر حكم ديوان املظامل ب�أن املدعي ي�ستحق ‪ %60‬من قيمة‬
‫الأ�رضار وم�س�ؤولية املدعي بن�سبة ‪ %40‬نظراً لقدم البيت وبنائه من الطني وعدم‬
‫�إقامته به‪ ،‬لذلك تلزم هيئة املياه وال�رصف ال�صحي بـ ‪ %60‬من التعوي�ض الذي‬
‫يكون عن الأ�رضار املبا�رشة(‪.)48‬‬
‫ومن الوا�ضح �أن هناك ا�شرتاكاً يف �إحلاق ال�رضر باملدعي‪ ،‬خط�أ هيئة املياه وال�رصف‬
‫ال�صحي (املدعى عليه) وخط�أ املدعي بعدم �إقامته يف املنزل وبنائه املتهالك‪ ،‬لذلك‬
‫وزع احلكم التعوي�ض بالن�سب امل�شار �إليها‪ ،‬و�إذا تعذر معرفة هذه الن�سبة فتوزع‬
‫امل�س�ؤولية عن ال�رضر بالت�ساوي بني امل�شرتكني‪،‬وهي �سلطة تقديرية للقا�ضي‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫املنازعة يف ال�ضرر احلادث‬
‫بخط�أ الغري وخط�أ املدعى عليه‬
‫�إذا �أثبت املدعى عليه �أن فعل الغري هو ال�سبب الوحيد يف �إحلاق ال�رضر باملدعي‬
‫ف�إنها تنتفي م�س�ؤولية املدعى عليه عن ال�رضر‪ ،‬ويكون الغري وحده هو امل�س�ؤول‪،‬‬
‫ويجب يف هذه احلالة �أال يكون الغري من الأ�شخا�ص الذين ُي�س�أل عنهم املدعى عليه‪،‬‬
‫و�إال توفرت م�س�ؤولية املتبوع عن �أعمال تابعه يف امل�س�ؤولية العقدية والتق�صريية‬
‫� ً‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫�أما �إذا كان �أحد اخلط�أين قد ا�ستغرق الآخر‪ ،‬ب�أن كان �أحد اخلط�أين عمدياً‪� ،‬أو كان‬
‫(‪ ((4‬حكم ديوان املظامل ذو رقم ‪/84‬ت‪1411/3/‬هـ وث َّم حكم �آخر ثبت فيه م�ساهمة خط�أ الإدارة (املدعى عليه مع خط�أ‬
‫امل�ضرور (املدعي) رقم ‪/78‬ت‪ 1 /‬لعام ‪1412‬هـ‪ ،‬وث َّم حكم �آخر يف نف�س املجال بالرقم ‪/36‬ت‪ 2/‬لعام ‪1414‬هـ‪ ،‬ح�سونة‬
‫توفيق‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ .40،50،52‬وحكم ذو رقم ‪/140‬د‪�/‬إ‪ 7/‬لعام ‪1431‬هـ يف الق�ضية ذات رقم ‪/1/1627‬ق‪ /‬لعام‬
‫‪1431‬هـ (غري من�شور) ف�إن اخلط�أ من قبل موظفني متعددين يف م�ست�شفى امللك خالد بنجران‪ ،‬يف واقعة تبادل‬
‫ت�سليم طفلني حديثي الوالدة لذويهما‪ ،‬وقد توافرت �أركان امل�س�ؤولية التق�صريية جلهة الإدارة‪ ،‬وقد اكتفى احلكم‬
‫بالتعوي�ض الذي �صرفته �إدارة املنطقة للمدعي يف الدعوى مببلغ ثالثمائة �ألف ريال‪ ،‬وقامت برف�ض دعوى التعوي�ض‬
‫مببلغ مائة مليون ريال‪ .‬واحلكم ي�شري �إلى تعدد امل�شرتكني يف وقوع ال�ضرر ب�أهل الطفل الذي مت ا�ستبداله مع �آخر‪،‬‬
‫والثابت عم ً‬
‫ال �أثناء عملية ت�سليم الأطفال حديثي الوالدة‪.‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪170‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫�أحد اخلط�أين نتيجة للآخر‪ ،‬ف�إذا �أثبت املدعي �أن خط�أ املدعى عليه قد ا�ستغرق خط أ�‬
‫الغري‪ ،‬و�أن ال�رضر جاء نتيجة لفعل املدعى عليه قامت م�س�ؤوليته وال �أثر لفعل الغري‪.‬‬
‫لكن �إذا دفع املدعى عليه ب�إثبات �أن ال�رضر وقع بفعل الغري كام ًال فال يكون‬
‫املدعى عليه م�س�ؤو ًال عن هذا ال�رضر‪ ،‬وي�ضحي الغري وحده م�س�ؤو ًال م�س�ؤولية كاملة‬
‫عن تعوي�ض ال�رضر الذي حلق باملدعي(‪.)49‬‬
‫�أما �إذا مل ي�ستغرق �أحد اخلط�أين اخلط�أ الآخر‪ ،‬وقام كل منهما م�ستق ًال ‪ ،‬ف�إن ك ًال‬
‫من الفعلني يعترب �سبباً يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬وبذلك تتوفر م�س�ؤولية كل من املدعى‬
‫عليه والغري عن ال�رضر‪ ،‬وتكون امل�س�ؤولية بالت�ضامن‪ ،‬حيث يحق للمدعي �أن يرجع‬
‫على �أي منهما بالتعوي�ض كام ًال‪ ،‬ف�إذا دفع �أيهما التعوي�ض كام ًال كان له �أن يرجع‬
‫على الآخر بقدر ح�صته يف امل�س�ؤولية‪.‬‬
‫و�إذا ا�شرتك خط�أ امل�رضور‪ ،‬وخط�أ الغري‪ ،‬وخط�أ املدعى عليه يف ال�رضر وثبت‬
‫ذلك‪ ،‬ف�إن امل�رضور يتحمل ثلث التعوي�ض‪ ،‬وله �أن يرجع على �أيهما بالثلثني‪،‬‬
‫وللقا�ضي بح�سب �سلطته التقديرية �أن يوزع التعوي�ض عليهما جميعاً بح�سب‬
‫ج�سامة كل منهما(‪.)50‬‬
‫وتطبيقاً ملا �سبق �صدر حكم ديوان املظامل « ب�أن ال�رضر احلادث يرجع �إلى �أ�سباب‬
‫خمتلفة ترجع �إلى هيئة املياه وال�رصف ال�صحي‪ ،‬واملدعي والغري‪ ،‬وكان على الدائرة‬
‫تق�صِّ ي ال�سبب‪ ،‬وقد �أجمعت التقارير على �أن ثمة �أ�سباباً �أخرى �ساهمت يف ت�ضخيم‬
‫الأ�رضار‪ ...‬وكان يتعني �أن تكون هذه الأ�سباب حمل اعتبار عند تقدير التعوي�ض‬
‫�إذا توافرت مقت�ضياته‪ ،‬لأن القاعدة امل�ستقرة فقهاً وق�ضا ًء‪ ،‬تق�ضي ب�إلزام امل�س�ؤولني‬

‫(‪ ((4‬ال�سنهوري‪ :‬املرجع ال�سابق‪.754،753/1 :‬‬


‫(‪ ((5‬حممود حلمي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،.265،264‬عبد املنعم ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق ‪ ،509‬عبد النا�صر العطار‪ :‬املرجع‬
‫ال�سابق �ص ‪. 278 ،279‬‬

‫‪171‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫بتعوي�ض ال�رضر بقدر م�ساهمة كل منهما يف اخلط�أ»(‪.)51‬‬


‫حكم حديث‪ ،‬رف�ض ديوان املظامل م�س�ؤولية اجلهة الإدارية عن التعوي�ض؛‬ ‫ويف ٍ‬
‫النتفاء رابطة ال�سببية بني عمل الإدارة وال�رضر‪ ،‬فقد ثبت �أن ال�رضر املطلوب‬
‫التعوي�ض عنه كان ب�سبب خط�أ امل�رضور وخط�أ الغري‪ ،‬وبذلك يتم رف�ض دعوى‬
‫التعوي�ض(‪.)52‬‬
‫وبذلك �إذا ُرفعت دعوى امل�س�ؤولية على الإدارة ومطالبتها بالتعوي�ض ميكن لها‬
‫دفع املطالبة بوجود خط�أ الغري الذي حتقق به ال�رضر �أو خط�أ امل�رضور الذي �ساهم‬
‫يف �إحداث ال�رضر بنف�سه �إذا مل يكن خط�أ الإدارة قد �ساهم بن�سبة معهما يف ال�رضر‬
‫احلادث‪.‬‬

‫تعدد الأ�سباب يف الفقه الإ�سالمي‪:‬‬


‫قد يحدث �أن يكون لل�رضر عدة �أ�سباب‪ ،‬ف�إن كان فعل املعتدين من نوع واحد؛‬
‫ب�أن كانوا جميعاً مبا�رشين �أو مت�سببني‪ ،‬فهم جميعا م�س�ؤولون على حد �سواء‪ ،‬ف�إن‬
‫ا�شرتك جماعة يف �إتالف �شيء‪ ،‬ف�إنهم ي�ضمنون املثل �أو القيمة‪ ،‬ويتحمل كل واحد‬
‫منهم ن�صيبه دون ت�ضامن فيما بينهم‪� ،‬أما �إن تفاوتت �أفعال املعتدين قوة و�ضعفاً‪،‬‬
‫ُقدِّ م ال�سبب الأقوى عند املالكية(‪ )53‬واحلنابلة(‪ ،)54‬وقيا�ساً عند احلنفية‪ ،‬ومقت�ضى‬
‫اال�ستح�سان عندهم توزيع ال�ضمان على امل�شرتكني ح�سب دور كل واحد منهم يف‬
‫�إحداث ال�رضر قوة و�ضعفاً(‪.)55‬‬
‫(‪ ((5‬حكم ديوان املظامل ذو رقم ‪/92‬ت‪ 1/‬لعام ‪1411‬هـ ح�سونة توفيق املرجع ال�سابق �ص ‪.50‬‬
‫(‪ ((5‬حكم ديوان املظامل ذو رقم ‪/404‬ت‪ 1 /‬لعام ‪1427‬هـ جمموعة الأحكام واملبادئ الإدارية املجلد الرابع �ص ‪،2006‬‬
‫ال�صادرة عن ديوان املظامل ‪1429‬هـ‪.‬‬
‫(‪ ((5‬الفروق‪ :‬القرايف ‪ :208/2‬النا�شر دار املعرفة ـ بريوت (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫(‪ ((5‬القواعد البن رجب‪� :‬ص ‪ ،285‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫(‪ ((5‬جممع ال�ضمانات للبغدادي‪� :‬ص ‪ ،149‬املطبعة اخلريية ط(‪ )1‬م�صر (د‪.‬ت)‪.‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪172‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫�أما �إن كانت �أفعال املعتدين خمتلفة‪ ،‬ب�أن كان بع�ضهم مبا�رشاً والآخر مت�سبب ًا‬
‫فطبقاً للقاعدة الفقهية « �إذا اجتمع املبا�رش واملت�سبب �أ�ضيف احلكم �إلى املبا�رش»(‪.)56‬‬
‫(‪)57‬‬
‫وقد ي�ضمن املت�سبب وحده �إذا كان فعله هو العامل الأهم يف �إحداث ال�رضر‪،‬‬
‫وقد يكون ال�ضمان على املت�سبب واملبا�رش معاً‪ ،‬ك�أن ا�شرتكا يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬وكان‬
‫لكل واحد منهما دور م�ساو لفعل الآخر‪ ،‬ف�إنهما ي�شرتكان يف ال�ضمان‪ ،‬فاملت�سبب ال‬
‫ي�ضمن مع املبا�رش �إذا كان ال يعمل بانفراده يف الإتالف‪ ،‬و�أما �إن كان يعمل بانفراده‬
‫في�شرتكان يف ال�ضمان ح�سب قوة كل منهما(‪.)58‬‬
‫وبذلك يكون هناك اتفاق بني الفقهاء على تقدمي �صاحب العلة �أو املبا�رش عند‬
‫اجتماعه مع املت�سبب يف ال�ضمان‪ ،‬لكونه �صاحب الفعل الذي ا�ستغرق الأفعال‬
‫الأخرى‪ ،‬كما اتفقوا على تقدمي املت�سبب �إذا قويت ن�سبة ال�رضر �إلى فعله‪ ،‬كما لو‬
‫كان فعل املبا�رش متولداً عن فعل �صاحب ال�سبب‪ ،‬لأنه م�ستغرق فعل املت�سبب حيث‬
‫جاء نتيجة له‪ ،‬وقد ي�شرتك املبا�رش واملت�سبب يف امل�س�ؤولية‪ ،‬فيتم توزيع ال�ضمان‬
‫عليهما وفقاً لفعل كل منهما(‪.)59‬‬
‫ن�ستنتج مما �سبق �أن الفقهاء يف م�س�ألة تعدد الأ�سباب يقولون ب�إ�سناد ال�رضر �إلى‬
‫ال�سبب الأقوى يف �إنتاج ال�رضر‪� ،‬أو �إلى ال�سبب الأقرب وقوعاً‪ .‬وهذه املعايري تت�سم‬
‫باملرونة‪ ،‬وترتك للقا�ضي حرية ا�ستقراء الوقائع من الدعوى و�إ�سناد ال�رضر �إلى خط�أ‬
‫بعينه‪ ،‬طبقاً لقواعد املنطق والعرف ال�سائد يف املجتمع‪ ،‬وبذلك يقرتب �إلى حد‬
‫املفهوم القانوين لإ�سناد ال�رضر يف حالة تعدد الأ�سباب �إلى املفهوم ال�رشعي‬
‫ُ‬ ‫بعيد‬
‫(‪ ((5‬زين الدين بن �إبراهيم بن جنيم احلنفي‪ :‬الأ�شباه والنظائر على مذهب �أبي حنيفية‪ 196/1 :‬حتقيق عبد العزيز‬
‫حممد الوكيل‪ :‬النا�شر م�ؤ�س�سة احللبي م�صر ‪1387‬هـ‪.‬‬
‫(‪ ((5‬ابن جنيم احلنفي‪ :‬الأ�شباه والنظائر املرجع ال�سابق‪ ،197/1 :‬البغدادي ‪ :‬جممع ال�ضمانات �ص ‪ ،187‬املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫(‪ ((5‬الزيلعي‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،105/6 :‬دار املعرفة ـ بريوت (د‪.‬ت)‪ ،‬ال�شربيني اخلطيب‪ :‬مغني املحتاج‪ ،8/4 :‬م�صطفى‬
‫البابي احللبي مب�صر (د‪.‬ت) ابن رجب احلنبلي‪ :‬املرجع ال�سابق ‪.287 :‬‬
‫(‪ ((5‬حممد �أحمد �سراج‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ ،214‬وهبة الزحيلي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.45‬‬

‫‪173‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫الذي ت�أخذ به مذاهب الفقه الإ�سالمي‪ ،‬بخا�صة عندما �أخذ الفكر القانوين بال�سبب‬
‫املنتج �أو ال�سبب املالئم �أو املنا�سب‪ ،‬ومن هنا يكون الفقه الإ�سالمي �أ�سبق يف الأخذ‬
‫ب�إ�سناد ال�رضر �إلى ال�سبب املنتج يف امل�س�ؤولية‪� ،‬أو بح�سب املجرى العادي للأمور‪،‬‬
‫كما يعرب بع�ض املذاهب‪.‬‬
‫وعلى ذلك‪� ،‬إذا تعددت الأ�سباب التي ين�سب �إليها ال�رضر ف�إن امل�س�ؤولية العقدية‬
‫�أو التق�صريية ترجع �إلى �أقوى الأ�سباب يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬ويجب تطبيق مبد�أ‬
‫ن�سبية ال�رضر �إلى ال�سبب الأقوى‪ ،‬و�أن يحكم بال�ضمان على �صاحب ال�سبب‬
‫الأقرب �إلى حدوث ال�رضر زماناً‪.‬‬
‫فهناك يف حقيقة الأمر من وجهة نظرنا تقارب �إلى حد بعيد بني معايري الفقه‬
‫الإ�سالمي واملعايري القانونية‪ ،‬بيد �أن املعايري القانونية ما هي �إال انعكا�س ملعايري الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬لكونه �أ�سبق تاريخاً‪ ،‬والثابت �أنه ا�ستفاد منه يف ت�أ�سي�س نظرياته‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫�إ�سناد ال�ضرر املتعاقب الوقوع‬
‫بداية يجب �أن ن ْفرق بني حالة تعدد الأ�سباب التي �سبقت يف املبحث الثاين‪،‬‬
‫لأن ال�رضر فيها واحد ومل يتعاقب حدوثه‪ ،‬فالأ�سباب فقط التي �أدت �إلى وقوعه‬
‫هي التي تعددت‪� ،‬أما يف احلالة التي معنا يف هذا املبحث ف�إن �سبب وقوع ال�رضر‬
‫واحد مل يتعدد‪ ،‬والأ�رضار فقط هي التي تعاقبت‪ ،‬مبعنى �أنها �صارت �أ�رضاراً متعددة‬
‫�أو ت�سل�سل وقوعها‪.‬‬
‫وقد متتزج احلالتان‪ ،‬فتتعدد الأ�سباب وتتعاقب الأ�رضار‪ ،‬وحينئذ على القا�ضي‬
‫�أن يعطي لتعدد الأ�سباب حكمها‪ ،‬في�سند كل �سبب �إلى فاعله‪ ،‬ومن ثم تكون‬
‫امل�س�ؤولية‪ ،‬وهو ما قدمناه‪ ،‬ويعطي لتعاقب الأ�رضار حكمها الذي �سنبينه من خالل‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪174‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫هذا املبحث(‪.)60‬‬
‫ف�إذا ترتب على خط�أ املدعى عليه �أ�رضار متعاقبة ف�إنه ي�س�أل بو�صفه مت�سبباً يف كل‬
‫الأ�رضار‪� ،‬إذا كان خلطئه �أثر فيها‪ ،‬و�أما �إذا انقطع �أثر فعله بتدخل �سبب �آخر ف�إنه ال‬
‫ي�ضمن(‪.)61‬‬
‫ف�إذا �ألقى رجل ب�آخر يف النهر ومعه دراهم ف�سقطت َ�ضمِ ن؛ لأنه بفعله‪� ،‬أما لو‬
‫�سقطت الدراهم �أثناء خروجه من النهر مل ي�ضمن؛ لأنه بفعل �صاحب املال‪ ،‬وهو‬
‫�سبب فا�صل بني املت�سبب وال�رضر الثاين وهو �ضياع املال(‪.)62‬‬
‫فالفعل ال�صادر من املدعى عليه �إذا �أدى �إلى �أ�رضار متعاقبة‪ ،‬كان م�س�ؤو ًال عن‬
‫تعوي�ض هذه الأ�رضار‪ ،‬كما لو باعت الإدارة �أحد خيولها املري�ضة �إلى �أحد مربي‬
‫اخليول‪ ،‬فانتقلت العدوى �إلى بقية اخليول وماتت جميعها‪ ،‬وكان املربي ي�ستعملها يف‬
‫زراعة �أر�ضه واحتاج �إلى املال ومل ي�ستطع الوفاء بديونه‪ ،‬حتى �أدى بالدائنني �إلى‬
‫احلجز على الأر�ض وباعوها بثمن بخ�س‪ .‬فهل ت�س�أل الإدارة التي باعت خيلها املري�ضة‬
‫عن جميع الأ�رضار املتعاقبة التي حلقت مبربي اخليول؟‬
‫نعم‪ ،‬ت�س�أل عن جميع الأ�رضار املبا�رشة‪ ،‬وغري املبا�رشة؛ لأنها تعاقبت عن فعل‬
‫واحد مرتكب من قبلها ‪.‬‬
‫وهناك م�س�ألة يف هذا املجال �أثارها احلنفية‪ ،‬ال يظهر فيها انقطاع �أثر الفعل الأول‬
‫بجالء وهي‪« :‬رجل حفر بئراً يف الطريق‪ ،‬ف�سقط فيها �آخر‪ ،‬و�سلم من ال�سقوط (�أي‬
‫مل ي�ضار)‪ ،‬ومات فيها جوعاً �أو غماً‪ ،‬ال ي�ضمن احلافر يف قول �أبي حنيفة‪ ،‬وقال �أبو‬

‫(‪ ((6‬يف معنى ذلك عبد الرزاق ال�سنهوري‪ :‬املرجع ال�سابق‪ 764/1 :‬وانظر �أي�ضاً نق�ض مدين م�صري يف ‪ 1984/1/5‬الطعن‬
‫ذو الرقم ‪ 326‬ل�سنة ‪ 50‬ق�ضائية جمموعة �أحكام النق�ض �س ‪� 35‬ص ‪ ،143‬وجاء به‪« :‬ي�س�أل مرتكب اخلط�أ عن الأ�ضرار‬
‫مهما تتابعت وتفاقمت متى كانت مبا�شرة ونا�شئة عنه وحده»‪.‬‬
‫(‪ ((6‬وهبة الزحيلي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.46‬‬
‫(‪ ((6‬حممود بن �إ�سماعيل (ابن قا�ضي �سماوة) جامع الف�صوليني‪ 115/2 :‬ط (‪ )1‬املطبعة الأزهرية ‪1300‬هـ‪.‬‬

‫‪175‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫يو�سف‪� :‬إن مات فيها جوعاً فكذلك (مل ي�ضمن)‪ ،‬و�إن مات فيها غماً‪� ،‬ضمن احلافر‪.‬‬
‫وقال حممد‪ :‬ي�ضمن احلافر يف الوجوه كلها»(‪.)63‬‬
‫وما قال به حممد بن احل�سن هو مذهب اجلمهور‪ ،‬ف�إذا تعاقبت الأ�رضار فالعربة‬
‫بالأول عند تعدد الأ�سباب �إذا كانت من فاعل واحد‪ ،‬وال�سبب الأول ي�ؤدي �إليه عادة‪.‬‬
‫(‪ )64‬ومثالها‪� :‬أن تتعهد امل�ؤ�س�سة العامة لل�سكك احلديدية بنقل �آالت لرفع املياه من‬
‫بع�ض �آبار ميتلكها �شخ�ص باملنطقة ال�رشقية‪ ،‬ولكن هذه الآالت تلفت ب�سبب حادث‬
‫وقع للقطار‪ ،‬فرتتب على ذلك تلف زراعة �صاحب البئر الذي كان متعهداً لري‬
‫الأرا�ضي املجاورة لأ�صحابها فتلفت هي �أي�ضاً‪ ،‬فطالبه �أ�صحاب الأرا�ضي املجاورة‬
‫بالتعوي�ض‪ ،‬فهل ت�س�أل امل�ؤ�س�سة العامة لل�سكك احلديدية عن جميع هذه الأ�رضار‬
‫التي حلقت ب�صاحب البئر املتعاقد معها‪ ،‬وب�أ�صحاب الأرا�ضي الأخرى الذي كان‬
‫املتعاقد تعهد بري زراعاتهم؟‪.‬‬
‫القواعد العامة تق�ضي ب�أن الذي يجب التعوي�ض عنه �سواء يف امل�س�ؤولية العقدية‬
‫�أو امل�س�ؤولية التق�صريية هو ال�رضر املبا�رش‪� ،‬أما ال�رضر غري املبا�رش فال يجب التعوي�ض‬
‫عنه؛ لأن ال�رضر املبا�رش هو ما كان نتيجة طبيعية للخط�أ الذي �أحدثه امل�س�ؤول‪� ،‬أما‬
‫الأ�رضار غري املبا�رشة فال يجب التعوي�ض عنها؛ لأن ال�شخ�ص يف و�سعه �أن يتوقاها‬
‫ببذل جهد معقول‪ ،‬ففي املثال ميكن للم�رضور �أن يتخذ طريقة �أخرى للري(‪.)65‬‬
‫لكن الأمر يف تعاقب الأ�رضار‪ ،‬قد ال يكون بهذه ال�سهولة‪ ،‬فقد يحدث ال�رضر‬
‫بفعل املدعى عليه‪ ،‬ويتعدى �أثره �إلى �رضر �آخر يلحق ب�شخ�ص �آخر خالف املدعي‪،‬‬
‫كما لو حفرت الإدارة بع�ض ال�شوارع‪ ،‬وو�ضعت الرتاب بجوار جدار بيت �أحد‬
‫(‪ ((6‬غامن بن حممد البغدادي‪ :‬جممع ال�ضمانات �ص ‪ 180‬املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫(‪ ((6‬اخلر�شي علي خمت�صر خليل‪ ،136/6 :‬دار �صادر ـ بريوت (د‪.‬ت)‪ ،‬املغني‪ ،833/7 :‬مكتبة اجلمهورية العربية ط(‪)1‬‬
‫‪1388‬هـ‪.‬‬
‫(‪ ((6‬عبد املنعم ال�صدة‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪ .511،510‬عبد النا�صر العطار‪ :‬املرجع ال�سابق ‪( ،271‬بت�صرف ي�سري)‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪176‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫الأ�شخا�ص‪ ،‬فوهن اجلدار وتهدم ووقع على �أحد املارة ف�أ�صابه‪ ،‬ف�إن الإدارة تُ�س�أل‬
‫عن تعوي�ض �رضر اجلدار ل�صاحبه‪ ،‬وتُ�س�أل عن �رضر امل�صاب؛ لأن �أثر فعلها ثابت‬
‫يف ال�رضرين‪.‬‬
‫لكن �إذا انقطع �أثر فعل الإدارة بتدخل �سبب �آخر فال ت�ضمن الأ�رضار املتعاقبة‪،‬‬
‫وت�ضمن فقط ال�رضر املبا�رش‪� ،‬أما الأ�رضار الأخرى فلي�س بفعلها لوجود �سبب �آخر‪،‬‬
‫�أو تدخل �سبب فا�صل بني املت�سبب وال�رضر الثاين‪ ،‬كما لو حفرت الإدارة بئراً عميقة‬
‫يف الطريق فجاء رجل و�سقط‪ ،‬فتعلق هذا الرجل برجل �آخر‪ ،‬وتعلق الثاين بثالث‪،‬‬
‫ووقعوا جميعاً وماتوا‪ ،‬فت�س�أل الإدارة عن تعوي�ض الأول‪ ،‬لأنه لي�س ملوته �سبب‬
‫�سوى الوقوع يف البئر‪� ،‬أما تعوي�ض الثاين فيكون على الأول؛ لأن الأول هو الذي‬
‫جذبه وفعله هذا هو الذي �أدى �إلى موته‪ ،‬وتعوي�ض الثالث يكون على الثاين؛ لأن‬
‫فعله املبا�رش يف التعلق به هو الذي �أوقعه يف البئر(‪.)66‬‬
‫وبذلك ال ت�س�أل الإدارة عن الثاين والثالث؛ لأن فعلها بالن�سبة لهما فعل غري‬
‫مبا�رش‪ ،‬لوجود فا�صل بني فعلها يف احلفر وال�رضر الذي حلق بهما‪ ،‬بيد �أنها ت�س�أل‬
‫عن �رضر الأول‪.‬‬
‫ومن وجهة نظرنا ف�إنه ميكن للقا�ضي �أن يوازن بني هذه الأ�رضار وفعل الإدارة‬
‫فيحكم بالتعوي�ض املنا�سب ح�سب �سلطته التقديرية يف تعدى فعل الإدارة �إلى‬
‫الأ�رضار الأخرى‪.‬‬
‫وتطبيقاً ملا �سبق‪� ،‬صدر حكم ديوان املظامل ب�أحقية املدعي يف احل�صول على‬
‫تعوي�ض عما حلقه من �أ�رضار �سبب انقالب �سيارته‪ ،‬نتيجة انفجار ما�سورة املياه‬
‫املغذية لإحدى املدن الع�سكرية‪ ،‬والتعوي�ض ي�شمل قيمة �إ�صالح ال�سيارة وقيمة‬

‫(‪ ((6‬انظر يف ذلك وهبة الزحيلي‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪( 47‬بت�صرف)‪ ،‬حممد املدين بو�ساق‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.86‬‬

‫‪177‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫الب�ضاعة التالفة‪ ،‬فتلتزم املدينة الع�سكرية بتعوي�ض املدعي بن�سبة ‪ %40‬من قيمة‬
‫الأ�رضار ا�ستناداً �إلى تقارير اجلهة الفنية التي �أدانته بن�سبة ‪ %50‬وم�ؤ�س�سة �أخرى‬
‫بن�سبة ‪.)67(%10‬‬
‫وبالنظر �إلى احلكم الذي جمع بني تعاقب الأ�رضار وتعدد الأ�سباب امل�ؤدية �إلى‬
‫امل�س�ؤولية جند �أن خط�أ الإدارة وهو انفجار ما�سورة املياه �أدى �إلى انقالب ال�سيارة‬
‫و�إحلاق ال�رضر بها‪ ،‬وهذا االنقالب �أدى �إلى تلف الب�ضاعة‪ ،‬حتى �أحلق بها ال�رضر‪،‬‬
‫ومت توزيع التعوي�ض بالن�سب امل�شار �إليها �إلى خط�أ الإدارة و�إلى خط�أ امل�رضور‪ ،‬وخط�أ‬
‫الغري‪ ،‬لذلك كانت امل�س�ؤولية عن �رضر ال�سيارة و�رضر الب�ضاعة موزعة على الثالثة‪.‬‬
‫حك���م حديث لدي���وان املظامل‪ ،‬مت تعوي�ض املدعي ع���ن فرتة �إغالق حمله‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويف‬
‫واملواد الغذائية التي تلف���ت نتيجة الإغالق‪ ،‬لذلك تلتزم جهة الإدارة بتعوي�ضه عن‬
‫الأ��ض�رار التي حلقت به جراء �إغالق حمله؛ لأن الإغالق �صدر من غري متخ�ص�ص‪،‬‬
‫وما ترتب عليه من تلف بع�ض امل���واد الغذائية‪ ،‬وال تلتزم الإدارة بتعوي�ض الأ�رضار‬
‫املتمثلة يف فوات الربح �أو �أج���رة العامل و�أجرة املحل لأنه و�إن كان الإغالق �صادراً‬
‫من غري متخ�ص�ص‪� ،‬إال �أنه ثبت �صدور ما ي�ؤيد ذلك من اجلهة املخت�صة(‪.)68‬‬
‫وبذلك يكون احلكم م�ؤيداً للتعوي�ض عن �رضر املواد الغذائية‪ ،‬وغري م�ؤيد‬
‫للتعوي�ض عن �رضر الإغالق و�أجرة كل من العامل واملحل‪.‬‬
‫حكم �آخر ي�ستظهر منه ت�سل�سل الأ�رضار‪ ،‬فقد ثبت ت�رضر املدعي �أثناء �سجنه‬ ‫ويف ٍ‬
‫ع�رشة �أ�شهر‪ ،‬يجعل �أركان امل�س�ؤولية التق�صريية قائمة يف جانب جهة الإدارة‪ ،‬مما‬
‫يوجب �إلزامها بتعوي�ض املدعي عن الأ�رضار املادية واملعنوية‪ ..‬مما يتعني معه تعوي�ضه‬
‫عن مدة مئتني و�أربعة و�أربعني يوماً‪ ،‬وعند تقدير التعوي�ض‪ :‬ال بد من مراعاة ما كان‬
‫(‪ ((6‬حكم ديون املظامل ذو رقم ‪/739‬ت‪ 1/‬لعام ‪1411‬هـ‪ ،‬ح�سونة توفيق‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.51‬‬
‫(‪ ((6‬حكم ديون املظامل ذو الرقم ‪/167‬ت‪ 1/‬لعام ‪1427‬هـ جمموعة الأحكام‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.1895‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪178‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫يتقا�ضاه املدعي من راتب �إبان َ�سجنه‪ ،‬مع ح�سم الرواتب التي ا�ستلمها �أثناء هذه‬
‫املدة‪ ،‬و�سكن املدعي يف مدينة �أخرى يتعني معه تعوي�ضه عن تذاكر ال�سفر وم�صاريف‬
‫التنقل وال�سكن ح�سب تقدير املحكمة(‪.)69‬‬
‫وبذلك يكون احلكم بالتعوي�ض �شام ًال الأ�رضار التي حلقت باملدعي‪ ،‬والتي‬
‫متثلت يف َ�سجنه مدة تزيد عن مدة الإيقاف املقررة قانوناً‪ ،‬وعن الأ�رضار التي حلقت‬
‫به نتيجة �سكنه يف مدينة �أخرى وتكبده نفقات ال�سفر والتنقل‪ ،‬وهذه الأ�رضار ناجتة‬
‫عن فعل اجلهة الإدارية‪ ،‬لذلك تكون م�س�ؤولة عن تعوي�ض الأ�رضار املتعاقبة التي‬
‫حلقت باملدعي‪.‬‬
‫ويف حكم �آخر يتعلق بعقد من عقود الإدارة ثبتت �أحقية املدعي بالتعوي�ض الذي‬
‫يطالب به عن الأ�رضار التي ح�صلت له‪ ،‬واملتمثلة يف الأجرة التي دفعها‪ ،‬وقيمة‬
‫املن�ش�آت التي �أقامها على الأر�ض امل�ست�أجرة ب�سبب عدم متكني جهة الإدارة له من‬
‫ا�ستيفاء املنفعة التي ا�ست�أجر الأر�ض من �أجلها‪ ،‬فقد �أوقفته عن العمل يف الأر�ض‬
‫وثبوت خط�أ جهة الإدارة وثبوت ح�صول ال�رضر على املدعي(‪.)70‬‬
‫ويت�ضح من احلكم �أن املحكمة الإدارية �ألزمت جهة الإدارة بتعوي�ض املدعي عن‬
‫الأ�رضار التي حلقت به نتيجة خطئها‪ ،‬واملتمثلة يف �أجرة الأر�ض التي دفعها خم�س‬
‫�سنوات‪ ،‬وتعوي�ضه عن الأ�رضار الأخرى املتمثلة يف قيمة املن�ش�آت التي �أقامها على‬
‫الأر�ض‪ ،‬وهي �أ�رضار تعاقبت نتيجة خلط�أ جهة الإدارة‪.‬‬
‫(‪)71‬‬
‫ويف الفقه الإ�سالمي‪ :‬يوجد ال�رضر عند �إيجاد علة التلف‪ ،‬وهي املبا�رشة‪،‬‬
‫مبعنى �أن يح�صل التلف من غري �أن يتخلل بينه وبني الفعل املنتج له وا�سطة‪.‬‬
‫(‪ ((6‬حكم ديوان املظامل ذو الرقم ‪/352‬ت‪ 1/‬لعام ‪1427‬هـ جمموعة الأحكام‪ :‬املرجع ال�سابق �ص ‪.1967،1966‬‬
‫(‪ ((7‬حكم ديوان املظامل ذو الرقم ‪/454‬ت‪ 1/‬لعام ‪1427‬هـ جمموعة الأحكام املرجع ال�سابق �ص ‪.4464‬‬
‫(‪ ((7‬العز بن عبد ال�سالم‪ :‬قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ‪ 148/1‬النا�شر مكتبة الكليات الأزهرية ‪1388‬هـ‪.‬‬

‫‪179‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫فال�رضر املبا�رش هو ما كان ب�إي�صال الآلة مبحل التلف‪ )72(،‬فالإخالل بالعقد �أو‬
‫الهالك املبا�رش لعني‪ ،‬من قبل �شخ�ص يكون مبا�رشاً حقيقة للفعل الذي �أف�ضى �إلى‬
‫الأذى �أو ال�رضر‪.‬‬
‫وال�رضر املبا�رش موجب للتعوي�ض مطلقاً عند الفقهاء‪ ،‬وال ي�شرتط يف املبا�رشة‬
‫التعدي �أو التعمد(‪.)73‬‬
‫�أما ال�رضر غري املبا�رش‪ ،‬فهو ما ح�صل بفعل �أف�ضت �إليه علة �أخرى‪� ،‬أو ت�ؤدي‬
‫�إليه عادة‪� ،‬أو تخلل بني الفعل ووقوع ال�رضر‪ ،‬فعل مت�سبب خمتار‪ ،‬ويقال ملن �أتى‬
‫به‪ :‬مت�سبب(‪ .)74‬و ُي�شرتط‪� ،‬أن يحدث تع ٍّد من املت�سبب‪� ،‬أي ق�صد الإ�رضار بغري‬
‫حق‪ ،‬و�أن تتحقق ال�سببية بني فعل املت�سبب وال�رضر‪ ،‬مبعنى �أن يكون ال�سبب مف�ضياً‬
‫�إلى تلف املال �أو نق�صان قيمته‪ ،‬ف�إذا كان فعل املت�سبب غري مف�ض غالباً لل�رضر فال‬
‫�ضمان‪ ،‬النقطاع ال�سببية(‪.)75‬‬
‫كما ي�شرتط عدم وجود فعل خمتار يتخلل بني فعل املت�سبب وال�رضر‪ ،‬و�إنْ ال‬
‫�أ�ضيف احلكم �إليه ولي�س �إلى املت�سبب(‪.)76‬‬
‫وبتحليل ما �سبق ميكن القول ب�أنه �إذا نتج عن فعل املبا�رش �رضر‪ ،‬وتعاقب ال�رضر‬

‫(‪ ((7‬عالء الدين �أبو بكر الكا�ساين‪ :‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع ‪ ،165/7‬مطبعة اجلمالية مب�صر ‪1328‬هـ‪� ،‬أبو‬
‫العبا�س ال�صنهاجي (القرايف)‪ :‬الفروق‪ 27/4 :‬مرجع �سابق‪..‬‬
‫(‪ ((7‬عثمان بن علي الزيلعي احلنفي‪ :‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ ،149/6 :‬مرجع �سابق‪ ،‬حممد بن حممد بن عبد‬
‫الرحمن املعروف باحلطاب‪ :‬مواهب اجلليل ل�شرح خمت�صر خليل‪ 278/5 :‬النا�شر مكتبة النجاح‪ ،‬ليبيا (د‪.‬ت)‪ ،‬حممد‬
‫ال�شربيني اخلطيب‪ :‬مغني املحتاج �إلى معرفة �ألفاظ املنهاج‪ 277/2 :‬مرجع �سابق‪ ،‬حممد بن �أحمد الفتوحي احلنبلي‬
‫(ابن النجار)‪ :‬منتهى الإرادات يف اجلمع بني املقنع والتنقيح وزيادات‪ ،424/2 :‬النا�شر مكتبة دار العروبة (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫(‪ ((7‬بدائع ال�صنائع‪ :‬املرجع ال�سابق ‪ ،165/7‬الفروق للقرايف‪ :‬املرجع ال�سابق ‪ ،27/4‬وقريب منه حممد بن حممد �أبو‬
‫حامد الغزايل‪ :‬الوجيز يف فقه مذهب ال�شافعي ‪ 124/1‬طبعة حو�ش قدم بالغورية مب�صر (بدون تاريخ)‪.‬‬
‫(‪ ((7‬حممود الأوزجندي (قا�ضيخان) الفتاوى اخلانية بهام�ش الفتاوى الهندية‪ 251،250/2 :‬ط (‪ )2‬املطبعة الأمريية‪،‬‬
‫بوالق م�صر ‪1310‬هـ حممد اخلر�شي املالكي‪ :‬اخلر�شي على خمت�صر �سيدي خليل ‪ 111/8 :‬مرجع �سابق‪ ،‬عبد الكرمي‬
‫ابن حممد الرافعي‪ :‬فتح العزيز �شرح الوجيز مع املجموع يف �شرح املهذب‪ 244/11 :‬النا�شر املكتبة ال�سلفية املدينة‬
‫املنورة (د‪.‬ت)‪ ،‬موفق الدين بن قدامة املقد�سي‪ :‬املغنى‪ 832/7 :‬النا�شر مكتبة القاهرة ‪1388‬هـ‪.‬‬
‫(‪ ((7‬بدائع ال�صنائع‪ :‬املرجع ال�سابق‪ ،275/7 :‬فتح العزيز‪ :‬املرجع ال�سابق‪ ،245/11 :‬املغني‪ :‬املرجع ال�سابق ‪ ،303/5‬القواعد‬
‫البن رجب املرجع ال�سابق �ص ‪.307‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪180‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫نتيجة لهذا الفعل‪ ،‬ف�إنه ي�س�أل عن كل الأ�رضار الناجتة �إذا كان لفعله �أثر يف وقوعها‪،‬‬
‫�أما �إذا تخلل بني فعل املبا�رش‪ ،‬وال�رضر �سبب �آخر‪ ،‬فال �ضمان على املبا�رش‪ ،‬النقطاع‬
‫�أثر فعله ووجود فعل من مت�سبب �آخر ي�س�أل عن ال�رضر املتتابع الذي حدث بت�سببه‬
‫املتدخل بني ال�رضر واملبا�رش الأول‪.‬‬
‫وكما �سبق �أنه عند اجتماع املبا�رش واملت�سبب ي�ضاف الفعل �إلى املبا�رش‪� ،‬إال �إذا‬
‫كان فعل املبا�رش نا�شئاً عن فعل املت�سبب �أو متولداً عنه(‪.)77‬‬
‫خال�صة القول‪� ،‬أن الأ�رضار املبا�رشة هي التي تكون نتيجة طبيعية للخط�أ الذي‬
‫�أحدثها‪ ،‬وهي التي ال ي�ستطيع امل�رضور تو ِّقيها ببذل جهد معقول‪� ،‬أما الأ�رضار غري‬
‫املبا�رشة فهي التي ال تكون نتيجة طبيعية للخط�أ الذي �أحدث ال�رضر الأول‪ ،‬لذلك‬
‫تنقطع عالقة ال�سببية بينها وبني اخلط�أ‪ ،‬وال يكون املدعى عليه م�س�ؤو ًال عنها؛ النقطاع‬
‫�صلة فعله ببقية الأ�رضار التي وقعت‪.‬‬
‫ويف التكييف الفقهي مل�س�ألة ال�رضر املتتابع‪ ،‬والتمييز بني املبا�رش وغري املبا�رش‪� ،‬أو‬
‫و�ضوح ميكن على هديه �إ�سناد ال�رضر �إلى �أيهما‪ ،‬بخالف ما �أخذ‬ ‫ٌ‬ ‫املبا�رشة والت�سبب‬
‫به �رشاح النظام املقارن حيث اخللط يف الفعل ال�صادر من غري املبا�رش‪ ،‬وهل يعترب‬
‫مت�سبباً �أو غري مت�سبب؟‪.‬‬

‫(‪ ((7‬القواعد البن رجب احلنبلي املرجع ال�سابق �ص ‪.38‬‬

‫‪181‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫اخلامتة‬
‫‪� -1‬إن الإ�سناد هو �إقامة الدليل �أمام الق�ضاء على �صحة واقعة معينة يدعيها‬
‫املدعي يف الدعوى‪ ،‬الذي يقع عليه يف املقام الأول عبء �إثبات ما يدعيه‪ ،‬وينتقل‬
‫عبء الإثبات �إلى املدعى عليه الذي ميكن له �أن يدح�ض ما يدعيه املدعي‪ ،‬فيقيم‬
‫الدليل على كذب �إدعائه‪ ،‬وعدم �صحة دليل �إ�سناده‪ ،‬والقا�ضي يف ذلك يوازن بني‬
‫�أدلة �إ�سناد لكل من املدعي واملدعى عليه‪ ،‬وي�ستخل�ص منها بح�سب �سلطته التقديرية‬
‫ما ي�ؤيد دعوى �أي منهما‪.‬‬
‫‪� -2‬أنه يكرث �أمام الق�ضاء املنازعات املتعلقة ب�إ�سناد ال�رضر العقْدي �أو التق�صريي‪،‬‬
‫بخا�صة عندما تتعدد الأ�سباب املنتجة له‪ ،‬وعودة هذه الأ�سباب �إلى �أطراف متعددة‪،‬‬
‫فال�رضر عادة نتاج فعل املدين ‪ -‬املدعى عليه يف دعوى امل�س�ؤولية ‪ -‬ولكن يف الواقع‬
‫قد يحدث �أن يتداخل معه فعل من قبل امل�رضور ‪-‬املدعي ‪ -‬الدائن ‪� ،‬أو فعل من قبل‬
‫الغري‪� ،‬أو فعل من قبل قوة قاهرة �أو حادث مفاجئ‪.‬‬
‫‪� -3‬أنه يرتتب على هذا التعدد كرثة املنازعات بني الأطراف التي تدفع بعدم‬
‫م�س�ؤوليتها عن ال�رضر‪ ،‬وحتاول �إ�سناد ال�رضر �إلى فعل �آخر غري فعلها‪ ،‬ب�أدلة الإثبات‬
‫املتعددة‪ ،‬والقا�ضي يف ذلك ميلك �سلطة تقديرية وا�سعة يف الأخذ بدليل الإ�سناد �إلى‬
‫فعل بذاته �أدى �إلى ال�رضر بطريق مبا�رش �أو ا�شرتك مع غريه‪.‬‬
‫‪� -4‬أن القا�ضي معني يف املقام الأول بالبحث عن �سبب ال�رضر‪ ،‬الذي ا�ستغرق‬
‫غريه من الأ�سباب‪ ،‬واال�ستغراق بني الأ�سباب يحدث عندما يكون �أحد الأ�سباب‬
‫قد ارتكب عمداً‪� ،‬أو كان �أحدها من اجل�سامة‪ ،‬فجاء ال�سبب الآخر نتيجة لهذه‬
‫اجل�سامة‪ ،‬فمن ارتكب مثل هذه الأ�سباب ف�إنه حتما تتوافر م�س�ؤوليته عن ال�رضر‪،‬‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪182‬‬


‫د‪ .‬ر�ضا متويل وهدان‬

‫ثم التعوي�ض‪.‬‬
‫‪� -5‬أنه قد يتبني للقا�ضي �أن كل �سبب كان له دور يف �إحداث ال�رضر‪ ،‬و�أن ك ًّال‬
‫منها جاء م�ستق ًال عن الآخر‪ ،‬وبذلك يت�أكد لدى القا�ضي اال�شرتاك بني الأ�سباب‪،‬‬
‫فيق�ضى بتوزيع التعوي�ض بني الأ�سباب‪ ،‬ولو كان من بينها �سبب راجع �إلى املدعي‪،‬‬
‫فيتحمل ن�سبته يف التعوي�ض‪.‬‬
‫‪� -6‬أنه قد تت�سل�سل الأ�رضار الناجتة عن �سبب معني‪ ،‬ف�إلى �أي منهما يتم �إ�سناد‬
‫هذه الأ�رضار؟‪ ،‬فهل يتم �إ�سناد الأ�رضار جميعها �إلى ال�سبب امل�ؤثر يف ال�رضر الأول؟‬
‫�أم �أن لكل �رضر جاء متعاقباً �سبباً خا�صاً به‪ ،‬ثم �إ�سناد ال�رضر �إليه؟‪.‬‬
‫‪� -7‬أن القا�ضي يف مثل هذه احلاالت معني بالبحث عن ال�سبب امل�ؤثر يف‬
‫�إحداث ال�رضر الأول وما �إذا كان �أثره باقياً يف بقية الأ�رضار املتعاقبة �أم ال‪ .‬ف�إن ثبت‬
‫�أن �أثره ظل باقياً يف الأ�رضار الأخرى‪ ،‬و�أنه ال�سبب امل�ؤدي �إلى جميع الأ�رضار‪،‬‬
‫حكم مب�س�ؤولية مرتكب هذا ال�سبب‪ ،‬ثم حتميله تعوي�ض كل الأ�رضار الناجتة عنه‪.‬‬
‫‪� -8‬أنه �إن تبني للقا�ضي �أن عالقة ال�سبب امل�ؤثر يف ال�رضر الأول قد انقطعت‬
‫ب�أ�سباب �أخرى يف الأ�رضار التالية‪ ،‬فعليه الق�ضاء بتحميل الأ�سباب الأخرى الأ�رضار‬
‫التالية للأول‪ ،‬كل منها بح�سب ت�أثريه يف ال�رضر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪� -9‬أن عملية الإ�سناد للأ�رضار يف منازعات امل�س�ؤولية‪ ،‬من الدقة مبكان‪ ،‬وحتتاج‬
‫من الق�ضاء �إلى دراية ودربة عملية‪ ،‬قد يحتاج الأمر من القا�ضي �إلى االنتقال �إلى‬
‫م�رسح الأحداث‪� ،‬أو االعتماد على جهات اخلربة املتميزة يف هذا املجال‪ ،‬بخا�صة‬
‫عند تعدد هذه الأ�سباب �أو ا�شرتاكها‪� ،‬أو عندما ينتج عنها �أ�رضار متعددة قد تتعاقب‬
‫يف وجودها‪.‬‬
‫‪� -10‬أن م�س�ألتي تعدد الأ�سباب وت�سل�سل الأ�رضار يف جمال امل�س�ؤولية الإدارية‬

‫‪183‬‬ ‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض‬

‫من امل�سائل الدقيقية للغاية‪ ،‬لذلك يكرث حولها الطعون يف �أحكام الق�ضاء الإداري‬
‫على اختالف درجاته‪ ،‬وكذلك الق�ضاء املدين‪ ،‬وهي م�س�ألة حتتاج �إلى املزيد من‬
‫الدرا�سة من رجال الق�ضاء والعلماء‪ ،‬حتى ميكن ا�ستجالء قواعدها وو�ضع ال�ضوابط‬
‫لها‪ ،‬و�إن كان هناك �صعوبة يف ذلك‪ ،‬لعدم تناهي م�ستجدات احلياة‪.‬‬
‫واهلل من وراء الق�صد‬

‫العدد ‪ - 54‬ربيع الآخر ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪184‬‬

You might also like