Professional Documents
Culture Documents
الضرر والتعويض
الضرر والتعويض
�إعداد
د .ر�ضـا متولـي وهـدان
�أ�ستاذ الأنظمة امل�شارك يف ق�سم ال�سيا�سة ال�شرعية يف املعهد العايل للق�ضاء
جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية
منازعات �إ�سناد ال�ضرر يف دعوى التعوي�ض
مقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على �أ�رشف املر�سلني� ،سيدنا حممد
وعلى �آله و�صحبه �أجمعني .وبعد،،،
ف���� َّإن م���ن امل�سائل التي ّ
ع���زت على �أق�ل�ام الباحث�ي�ن :م�س�ألة �إ�سن���اد ال�رضر يف
امل�س�ؤوليت�ي�ن :العقْدية والتق�صريية�( ،ضمان العق���د ،و�ضمان الإتالف) –على حد
�س���واء -بخا�صة عند تعدد الأ�سباب املن�شئة ل���ه ،و�إذا كان من البدهي �سهولة �إ�سناد
ال��ض�رر يف ذاته ملادية وجوده� ،إال �أنه من ال�صعوب���ة �إ�سناده �إلى �سبب من الأ�سباب
حني تعددها �أو ا�شرتاكها ،بخا�صة �إذا تفاوتت قوتها يف �إحداث ال�رضر ،لأنه غالباً ما
يحدث هذا التفاوت يف الواقع العملي ،ولي�س من العدالة �إذن �أن ُيحكم بالتعوي�ض
على من كان �سببه ي�سرياً� ،أو مل ي�سهم م�ساهمة فاعلة يف �إيقاع ال�رضر.
فهناك غمو�ض يكتنف هذه امل�س�ألة ،و�صعوبات عملية �أمام القا�ضي – بوجه
عام ،يف البحث عن دليل �إ�سناد ال�رضر �إلى �سببه الفاعل ،من �أجل الو�صول �إلى
ال�رضر املوجب للتعوي�ض.
كذلك نف�س ال�صعوبة عند وجود �أ�رضار متعاقبة ناجتة عن فعل واحد ،فهل يتم
الإ�سناد �إلى هذا الفعل؟ �أو �أن كل �رضر قائم بذاته ناجت عن فعله املبا�رش له؟
�إ�شكاليات واقعية يواجهها القا�ضي ،عند حتديد ال�سبب املنتج يف امل�س�ؤولية ،ثم
�إ�سناد ال�رضر �إلى فاعله ،ثم احلكم بالتعوي�ض املنا�سب.
�صعوبات حول الإ�سناد� ،سواء يف نطاق امل�س�ؤولية العقدية �أو امل�س�ؤولية
التق�صريية �أمام الق�ضاءين العام والإداري� ،أو حتى اللجان �شبه الق�ضائية.
لذا ف�إن الأمر يتطلب منا تق�سيم هذه الر�ؤية وفقاً للمباحث العلمية الآتية-:
العدد - 54ربيع الآخر 1433هـ -ال�سنة الرابعة ع�شرة 150
د .ر�ضا متويل وهدان
املبحث الأول
املبادئ احلاكمة يف املو�ضوع
((( حممد �أحمد �سراج� :ضمان العدوان يف الفقه الإ�سالمي� ،ص ،155الثقافة للن�شر والتوزيع 1410هـ1990م ،ر�ضا متويل
وهدان :الوجيز يف امل�سئولية املدنية (ال�ضمان) �ص ،19دار الفكر والقانون املن�صورة عام 2011م ،علي اخلفيف:
ال�ضمان يف الفقه الإ�سالم� :ص ،46معهد البحوث والدرا�سات العربية.1971 ،
((( عبد املنعم فرج ال�صدة :م�صادر االلتزام �ص 487دار النه�ضة العربية 1969م ،عبد النا�صر العطار :م�صادر االلتزام �ص
564م�ؤ�س�سة الب�ستاين للطباعة 1990م ،ر�ضا متويل وهدان :املرجع ال�سابق �ص .33
مايل ،عينياً كان هذا احلق �أو �شخ�صياً ،فهو �رضر مادي(.)3
وقيل �أي�ضاً :هو النق�ص يف النف�س �أو الطرف �أو العر�ض �أو املال(.)4
من ذلك ف�إن ال�رضر بوجه عام هو نق�ص يلحق ال�شخ�ص يف املال �أو البدن �أو
ال�رشف وال�سمعة ،وبذلك يتنوع ال�رضر �إلى �رضر مادي و �رضر �أدبي(.)5
فال�رضر املادي :هو �إخالل مب�صلحة للم�رضور ذات قيمة مالية� ،أما ال�رضر الأدبي،
فهو كل �أذى ي�صيب ال�شخ�ص يف عر�ضه �أو عاطفته �أو �شعوره(.)6
ومن ذلك �إيذاء ال�شخ�ص يف �سمعته واالعتداء على الكرامة واحلنان القلبي(.)7
وال �شك �أن من امل�صالح ال�رضورية التي ق�صد ال�شارع حفظها ،وفر�ض العقوبات
الزاجرة على من يعتدي عليها ،العر�ض وال�رشف وال�سمعة ،فقد اعترب الفقهاء هذه
امل�صلحة مقدمة على م�صلحة حفظ املال ،وذلك من منظور الرتتيب للمقا�صد
ال�رشعية اخلم�سة املعروفة ،لأ�سباب من بينها� ،أنها �إحدى و�سائل ك�سب املال(.)8
وبذلك يكون ال�رضر الأدبي ال يقل يف �أهميته عن ال�رضر املادي ،يف وجوب
التعوي�ض عنه مبا يحقق �شفاء نف�س امل�رضور.
وال يكفي لوجود امل�س�ؤولية العقدية ،وجود عقد بني امل�سئول عن ال�رضر ومن
كان �ضحيته ،بل يجب بجانب ذلك ،رجوع ال�رضر �إلى الإخالل بتنفيذ التزام
نا�شئ عن العقد ،ف�إذا �أتلف املقاول ر�سوم امل�رشوع �أو اعتدى على �أحد موظفي
((( عبد الرزاق �أحمد ال�سنهوري :الو�سيط يف �شرح القانون املدين � ،556/1ص 714بتنقيح امل�ست�شار �أحمد مدحت املراغي:
من�ش�أة املعارف الإ�سكندرية (بدون تاريخ).
((( ال�سيد �أحمد بن حممد احلنفي احلموي :غمز عيون الب�صائر �شرح الأ�شباه والنظائر ،118/1دار الطباعة العامرة
م�صر (بدون تاريخ) ،زين الدين �أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب احلنبلي البغدادي :جامع العلوم واحلكم يف �شرح
خم�سني حديثاً من جوامع الكلم �ص 267دار الفكر بريوت (بدون تاريخ).
((( وهبة الزحيلي :نظرية ال�ضمان� :ص ،23دار الفكر 1418هـ1998-م ،حممد بن املدين بو�ساق :التعوي�ض عن ال�ضرر
يف الفقه الإ�سالمي �ص 39،29دار �أ�شبيليا للن�شر 1419هـ.
((( عبد الرزاق ال�سنهوي :املرجع ال�سابق ،713/1حممد املدين بو�ساق :املرجع ال�سابق �ص .29
((( عبد الرزاق ال�سنهوري :املرجع ال�سابق .724/1
((( حممد �أحمد �سراج ،املرجع ال�سابق �ص .156
الإدارة ف�إنها ال تقوم على عاتقه �سوى م�س�ؤولية تق�صريية ،النقطاع ال�صلة بني العقد
والواقعة ال�ضارة ،لذلك ف�إنه يجب حتليل العقد ،والوقوف على حقيقة م�ضمونه،
لتحديد االلتزامات النا�شئة عنه ،ثم حتديد ال�رضر ،وتعيني طبيعة امل�س�ؤولية ونوعها،
فرجوع ال�رضر �إلى الإخالل بالعقد ،ينبئ عن وجود عقدٍ �أن�ش�أ التزامات بني طرفيه،
ومل يقم �أحد �أطرافه بتنفيذ �أحد التزاماته حتى �أحلق ال�رضر بالطرف الآخر ،فتن�ش�أ
امل�س�ؤولية العقدية ،جزا ًء للإخالل بااللتزام العقدي(.)9
ويف نطاق امل�س�ؤولية ،التق�صريية ال تقوم امل�س�ؤولية بغري وقوع �رضر فانتفاء
ال�رضر ي�ؤدي �إلى انتفاء امل�س�ؤولية ،ومن ثم انعدام امل�صلحة يف املطالبة بالتعوي�ض
حتى لو كان هناك خط�أ �إذ ذاك م�سوغ لرف�ض دعوى التعوي�ض ،فال�رضر يدور مع
وجود امل�س�ؤولية وجوداً وعدما ،والعك�س �أي�ضاً �صحيح ،ف�إذا ثبت وجود ال�رضر
قامت امل�س�ؤولية وجاز للم�رضور �أن يطالب بالتعوي�ض ويتحدد مقدار هذا التعوي�ض
عند احلكم به ،بناء على مقدار ال�رضر(.)10
ال�رضر املحتمل الوقوع ،فهو �رضر مل يتحقق �سببه� ،أو حتقق �سببه ،ولكن مل يقع
�شيء منه ،واحتمال وقوعه غري م�ؤكد بح�سب املجرى العادي للأمور ،لذلك ال يتم
التعوي�ض عنه(.)12
�أما ال�رضر امل�ستقبل وال�رضر الذي وقع يف احلال ،فيتم التعوي�ض عنهما ،و�إذا
ا�ستطاع القا�ضي �أن يقدر ال�رضر جميعه حكم بالتعوي�ض الواجب يف احلال ،وميكن
للقا�ضي �أن يحتفظ للم�رضور باحلق يف طلب �إعادة النظر يف تقدير التعوي�ض خالل
مدة معينة� ،أو يحكم بالتعوي�ض عندما تتجمع لديه عنا�رص تقديره.
�أما �إن تعذر تقدير ال�رضر امل�ستقبل ،ف�إما �أن يحكم القا�ضي بالتعوي�ض الواقع
فع ًال� ،أو �أن ي�ؤجل الدعوى حلني ا�ستكمال العنا�رص الالزمة لإمكان تقدير ال�رضر
امل�ستقبلي(.)13
ويختلف ال�رضر املحتمل عن تفويت الفر�صة ،حيث يتم التعوي�ض عن تفويت
الفر�صة ،لأنه �إذا كانت الفر�صة يف ذاتها �أمراً حمتم ًال ف�إن تفويتها �أمر حمقق الوقوع،
كما لو فوتت الإدارة فر�صة الرتقية لأحد املوظفني �إلى درجة �أعلى �أو فر�صة الدخول
يف م�سابقة ل�شغل وظيفة ،فالرتقية �إلى درجة �أعلى� ،أو احل�صول على الوظيفة �أمور
حمتملة ،قد تتحقق وقد ال تتحقق ،لكن تفويت الفر�صة للرتقية �أو دخول امل�سابقة،
يق�ضي على هذا االحتمال ،ومن ثم يعترب �رضراً حمققاً يجب التعوي�ض عنه ،ويقدره
القا�ضي بح�سب درجة احتمال املك�سب الذي يتوفر للم�رضور رافع الدعوى(.)14
وت�ستقل امل�س�ؤولية العقدية بال�رضر املتوقع �أو الذي ميكن توقعه عادة وقت
( ((1عبد النا�صر العطار :املرجع ال�سابق �ص ،265عبد املنعم فرج ال�صدة :املرجع ال�سابق �ص .490
( ((1حممود حلمي :الق�ضاء الإداري �ص ،263 ،262ط (1977 )2م (بدون نا�شر).
( ((1عبد املنعم فرج ال�صدة :املرجع ال�سابق �ص ،491نق�ض مدين م�صري يف 1988/6/22الطعن ذو الرقم 2011ل�سنة
55ق�ضائية ،وانظر �أي�ضاً يف حكم لديوان املظامل عن ال�ضرر الذي ترتب على �إغالق حمل جتاري من فوات للربح
وخ�سارة �أجرة املحل والعامل ،وهي �أ�ضرار ناجتة عن فعل �صحيح من قبل جهة الإدارة ،لذلك ف�إنه يعو�ض املدعي
عن الأ�ضرار املادية التي حلقت به� ،أما فوات الربح فقد �صدر عن فعل �صحيح .احلكم ذو الرقم /67د/ف 43/لعام
1426هـ وحكم التدقيق ذو الرقم /167ت /العامل 1427هـ يف الق�ضية ذات الرقم /1/3704ق لعام 1425هـ جمموعة
الأحكام واملبادئ الإدارية :ديوان املظامل جـ� 4ص .1895عام 1429هـ .
العقد ،فال يحكم بالتعوي�ض �إال عن ال�رضر املبا�رش املحقق واملتوقع عادة ،وذلك يف
غري حالتي الغ�ش واخلط�أ اجل�سيم ،ف�إذا تعمد املدين عدم تنفيذ التزامه� ،أو كان قد
ارتكب خط�أ ج�سيماً ف�إنه يف هاتني احلالتني ُي�س�أل عن جميع ما �أ�صاب الدائن من
�رضر مبا�رش� ،سواء كان متوقعاً �أو غري متوقع( ،)15كما لو ت�أخر املقاول متعمداً عدم
ت�سليم املبنى للإدارة ،حتى ت�سبب يف وقوع �أ�رضار مادية متوقعة ،كعدم افتتاح
املدر�سة �أو �أ�رضار غري متوقعة للتالميذ الذين �سيذهبون �إلى مدر�سة بعيدة .
املعروفة ،ويقع على امل�رضور بو�صفه مدعياً عبء �إثبات ال�رضر ونوعه ومداه �أي�ضاً،
املعني ب�إثبات وجوده ،وتقدير
فالدائن هو الذي يدعي ال�رضر ،لذلك فهو وحده ُّ
ثبوت ال�رضر �أو عدم ثبوته من امل�سائل املو�ضوعية ،التي تدخل يف حدود �سلطة
حمكمة املو�ضوع دون معقب عليها من املحكمة الأعلى مقاماً منها ،ما دام احلكم
قد بينَّ عنا�رص ال�رضر ،ووجه �أحقية طالب التعوي�ض فيه(.)18
لذلك ف�إن ح�صول الوقائع املكونة لل�رضر من م�سائل الواقع التي ي�ستقل بها
قا�ضي املو�ضوع « ،فيجوز –مث ًال -ملحكمة املو�ضوع �أن تق�ضي بتعوي�ض �إجمايل
تبي عنا�رص عن جميع الأ�رضار التي حاقت بامل�رضور� ،إال �أن ذلك م�رشوط ب�أن نِّ
ال�رضر الذي ق�ضت من �أجله بهذا التعوي�ض ،و�أن تناق�ش كل عن�رص منها على حدة،
وتبي وجه �أحقية طالب التعوي�ض فيه �أو عدم �أحقيته»(.)19 نِّ
بيد �أن تكييف الوقائع ب�أنها �رضر حمقق يجب التعوي�ض عنه� ،أو �رضر حمتمل
ال يجب فيه التعوي�ض ،وكذلك �أي�ضاً الف�صل فيما �إذا كان ال�رضر الأدبي يجب
التعوي�ض عنه ،ومن له حق املطالبة به ،ومدى انتقاله �إلى الورثة ،هذه كلها من
م�سائل القانون ،التي يخ�ضع فيها قا�ضي املو�ضوع لرقابة املحكمة الأعلى مقاماً(.)20
هذا ويرتبط عبء �إثبات ال�رضر ب�إثبات اخلط�أ الذي �أوجده ،ف�إذا كان �إثبات
ال�رضر من ال�سهولة مبكان ،لأنه واقعة مادية ،ف�إن �إثبات اخلط�أ املكون له حتيطه بع�ض
ال�صعوبات ،فالدائن (امل�رضور) هو الذي يلتزم بهذا الإثبات� ،سواء عند ن�ش�أة
امل�س�ؤولية التق�صريية �أو امل�س�ؤولية العقدية.
والإثبات واجب على من يدعي خالف الظاهر ،وعبء الإثبات يقع على عاتق
ال�سنة � 23ص .953
( ((1عبد النا�صر العطار :املرجع ال�سابق �ص ،266نق�ض مدين م�صري يف 1972/6/26جمموعة الأحكامَّ .
ال�سنة � 16ص .1244
( ((1نق�ض مدين م�صري يف 1972/12/9م جمموعة الأحكام َّ
( ((2عبد املنعم فرج ال�صدة :املرجع ال�سابق �ص .495
من يدعي خالف الثابت �أ�ص ًال �أو عر�ضاً ،ففي االلتزام يبذل عناية يف امل�س�ؤولية
العقدية يكفي �أن يثبت الدائن قيام العقد ،وهو غري ملزم ب�إثبات اخلط�أ ،ويف
االلتزام بنتيجة �أو حتقيق غاية ،فاملدين م�س�ؤول عن عدم حتقق النتيجة �أو الغاية(.)21
فعبء الإثبات �إذا كان يقع على الدائن يف امل�س�ؤولية التق�صريية ،كي يح�صل
على التعوي�ض عن ال�رضر الذي حلق به نتيجة للخط�أ ،فال يكون عليه يف امل�س�ؤولية
العقدية عبء �إثباته ،بل يكفيه �أن يقيم الدليل على وجود العقد ،ثم على قيام
االلتزام يف ذمة املدين ،الذي يقع على عاتقه ،وكي يتخل�ص من احلكم بالتعوي�ض،
عليه �أن يثبت �أنه قام بتنفيذ االلتزام� ،أو رجوع عدم التنفيذ �إلى �سبب �أجنبي ال يد
له فيه ،ويت�أ�س�س ذلك على قواعد الإثبات ،فمن يطلب تنفيذ االلتزام عليه �إثباته،
وعلى من يدعي براءة ذمته �أن يثبت الوفاء �أو الواقعة التي �أدت �إلى انق�ضاء التزامه،
فال يفرت�ض وجود ال�رضر ولو ثبت وقوع اخلط�أ� ،أو كان مفرت�ضاً(.)22
بذلك يكون ال�رضر موجبا للم�س�ؤولية التي غايتها �إعادة التوازن الذي اختل
نتيجة لل�رضر الذي حاق بالدائن ،وب�أق�صى ما ميكن من دقة ،ورد ال�رضر على نفقة
امل�س�ؤول �إلى الو�ضع الذي يكون فيه لو مل يقع الفعل ال�ضار.
ف�سبب ال�ضمان هو التعدي ،وال يجب �إال �إذا �أثبت املدعي خط�أ املدعى عليه؛
لأن الأ�صل براءة ذمته ،لقوله �صلى اهلل عليه و�سلم« :البينة على املدعي ،واليمني
على من �أنكر»( ،)23ولأن القاعدة الفقهية �أن «اليقني ال يزول بال�شك»(.)24
( ((2حممد �شتا �أبو �سعد :عبء الإثبات ودعوى املطالبة بالريع �ص ،28،22النا�شر من�ش�أة املعارف الإ�سكندرية (بدون
تاريخ) وانظر يف �إ�شارته �إلى نق�ض مدين م�صري جل�سة 1989/2/5م الطعن 1283ل�سنة 51ق�ضائية ،ونق�ض مدين
�آخر جل�سة 1992/3/1م الطعن 545ل�سنة 56ق�ضائية.
( ((2حممود جمال الدين زكي :املرجع ال�سابق �ص ،25،24حممود حلمي :املرجع ال�سابق �ص .261
( ((2يحيى بن �شرف بن مرى النووي :املنهاج �شرح �صحيح م�سلم ،3/12 :دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت ط (1392 )2هـ.
( ((2زين الدين بن �إبراهيم بن جنيم :الأ�شباه والنظائر ،56/1دار الكتب العلمية ،بريوت 1400هـ1980-م.
من ذلك يكون تكليف املدعى عليه بنفي خطئه �أو ًال متعذراً ،وي�ؤدي �إلى فتح
باب املنازعات.
(� ((2سليمان حممد الطماوي :الق�ضاء الإداري ،الكتاب الثاين .ق�ضاء التعوي�ض وطرق الطعن يف الأحكام �ص 158طبعة
1968م دار الفكر العربي ،د .حممود حلمي املرجع ال�سابق 258،257وانظر حكم ديوان املظامل ذا الرقم /84ت3/
ل�سنة 1411هـ ويف حكم �آخر ،فقد قرر التعوي�ض عن القرارات الإدارية الباطلة ،انظر احلكم ذا الرقم /111ت 3/ل�سنة
1412هـ من�شورة يف ح�سونة توفيق ح�سونة :ق�ضاء ديوان املظامل جـ 1الق�ضاء الإداري يف خم�س �سنوات (بدون نا�شر)..
( ((2رم�ضان حممد بطيخ :مدى التعوي�ض عن القرارات الإدارية والأعمال املادية �ص 20،19ور�شة عمل ق�ضاء التعوي�ض
القاهرة من 18-14مايو 2006املنظمة العربية للتنمية الإدارية ،وانظر يف ذلك حكم ديوان املظامل ذا الرقم
/156ت 2/ل�سنة 1413هـ واحلكم الآخر ذا الرقم /55ت 2/ل�سنة 1414هـ -توفيق ح�سونة :املرجع ال�سابق.
ومن يدعي واقعة مادية فعليه عبء �إثباتها ،الدعائه خالف الأ�صل(.)27
كذلك قد يحدث ال�رضر يف ت�رصفات الإدارة العقدية – مع مراعاة �أن قاعدة قوة
العقد امللزمة «ال ت�رسى على �إطالقها يف مواجهة الإدارة ،كما ال ت�رسى على �إطالقها
يف مواجهة الطرف املتعاقد معها ،ل�سببني:
الأول� :أن العقد الإداري يت�ضمن �رشوطاً ا�ستثنائية غري م�ألوفة يف القانون اخلا�ص.
والثاين� :أن العقد الإداري يت�صل غالباً بت�سيري مرفق عام بانتظام واطراد ،لذلك،
ف�إن الإدارة تتمتع ب�سلطات وا�سعة ،وعليها �أن توازن بني �صفتها كمتعاقدة ،تلتزم
بعقودها ،وبني مبا�رشة اخت�صا�صاتها وم�س�ؤولياتها يف تنظيم و�إدارة املرافق العامة.
والإدارة �أثناء �إدارتها للمرفق العام قد ترتكب خط�أ مرفقياً ،كعدم �أداء املرفق
لعمله الذي �أن�شئ لأجله� ،أو �سوء �أداء املرفق� ،أو بطء �أدائه(.)28
ويوجد ال�رضر يف نطاق العقود الإدارية نتيجة عدم التزام الإدارة بتنفيذ
التزاماتها� ،أو عدم تنفيذ املتعاقد مع الإدارة اللتزاماته� ،أو الت�أخري يف �أدائها ،وهذا
مما ي�سبب �رضراً لأحد الأطراف ،ويحق للطرف امل�رضور املطالبة بالتعوي�ض عن
ال�رضر الذي حلق به ،ويف هذا ال�ش�أن ق�ضى ديوان املظامل (بعدم �أحقية جهة الإدارة
يف ا�ستقطاع قيمة الإيجار للمباين التي ا�ضطرت ل�شغلها طوال فرتة الت�أجري يف تنفيذ
العقد؛ لأنه ال يجوز اجلمع بني غرامة الت�أخري والتعوي�ض عن الأ�رضار النا�شئة عنه،
�إذ �إن الغرامة تعد تعوي�ضاً اتفاقياً عن �أ�رضار الت�أخري(.))29
فوالية الق�ضاء الإداري يف جمال العقود الإدارية ،هي والية الق�ضاء الكامل ،فهو
( ((2حممد �شتا �أبو �سعد :املرجع ال�سابق �ص 22وانظر يف �إ�شارته �إلى الطعن ذي الرقم 1578نق�ض مدين ل�سنة 52ق
جل�سة 1989/2/27م.
( ((2ماجد راغب احللو :الق�ضاء الإداري �ص ،423-421دار املطبوعات اجلامعية ،ط ،1عام .1977
( ((2حكم ديوان املظامل ذو الرقم /400ت 1/ل�سنة 1410هـ ،واحلكم ذو الرقم /91د�/إ 21/لعام 1428هـ يف الق�ضية /1/567ق
لعام 1423هـ (غري من�شور)� ،سامل بن �صالح املطوع :العقود الإدارية �ص 29ط 2/مطبعة الرنج�س 1429هـ2008-م.
يخت�ص بنظر كافة املنازعات املتعلقة بالعقد الإداري ،ومن ذلك الأ�رضار الناجمة عن عدم
تنفيذ االلتزامات� ،أو الت�أخري فيها� ،أو �إذا �صاحب هذا التنفيذ �أ�رضار حلقت ب�أحد الطرفني.
بجانب ما �سبق ،ف�إنه تنه�ض م�س�ؤولية الإدارة �أي�ضاً� ،إذا ما تولد عن فعلها �أ�رضار
ولو كان العمل الذي قامت به م�رشوعاً ،ف�إنه ين�ش�أ حق امل�رضور يف اقت�ضاء تعوي�ض
عما �أ�صابه من �رضر ،ولو مل يثبت اخلط�أ يف جانب الإدارة وهي امل�سماة «بامل�س�ؤولية
بغري خط�أ» وقد �أخذ بها جمل�س الدولة يف فرن�سا ،وحاول الفقه الفرن�سي تق�سيم
حاالتها ،واختلفوا حول هذا التق�سيم ،فمنهم من ق�سمها �إلى خم�س حاالت ،ومنهم
من �صنفها �إلى �سبع ،ومنهم من ق�سمها �إلى تق�سيم ثنائي ،وهو الأ�ستاذ «�إيزمنان».
وهذا التق�سيم الأخري هو ما ي�أخذ به الفقه الإداري العربي(.)30
وتقوم امل�س�ؤولية عن ال�رضر ،عن فعل �شيء تقوم به الإدارة ،وكذلك امل�س�ؤولية
عن الأ�رضار التي ت�صيب الأفراد نتيجة ن�شاط م�رشوع ،ويت�ضمن كال الق�سمني
حاالت فرعية(.)31
وي�شرتط جمل�س الدولة يف فرن�سا وجود �رشطني ،حتى ميكن التعوي�ض عن
ال�رضر الناجم عن فعل الإدارة �أو عن العمل امل�رشوع لها ،ولو مل يكن هناك خط�أ
من جانبها.
ال�شرط الأول� -صفة اخل�صو�صية:
وهي �أن يكون ال�رضر قد ان�صب على فرد معني �أو على �أفراد بذواتهم ،مبعنى �أن
يكون لهم مركز خا�ص قبل وقوع ال�رضر ال ي�شاركهم فيه �سائر املواطنني.
ال�رشط الثاين -اجل�سامة غري العادية:
مبعنى �أن يكون ال�رضر مما ال يقع حتت �أو�صاف ال�رضر العادي الذي ال تعو�ض
( ((3حممود حامي :املرجع ال�سابق �ص � ،266سليمان الطماوي املرجع ال�سابق �ص .213
(� ((3سليمان الطماوي :املرجع ال�سابق.213 ،
الإدارة عنه عادة ،لذلك فال�رضر اخلا�ص وحده هو ال�رضر الذي ال يعو�ض عنه �إذا
كان من املمكن اعتباره من خماطر املجتمع العادية(.)32
وهذا النوع من امل�س�ؤولية ي�أخذ به الق�ضاء الإداري ال�سعودي يف �أحكام كثرية
�صدرت عنه « فقد حكم بالتعوي�ض للمدعي عن الأ�رضار التي �أ�صابت بيته ب�سبب
انفجار ما�سورة مياه مملوكة مل�صلحة املياه وال�رصف ،على �أ�سا�س حتمل التبعة
امل�أخوذة عن القاعدة ال�رشعية« :ال �رضر وال �رضار» وذلك بغ�ض النظر عن �سبب
ك�رس املا�سورة� ،إذ ال ي�شرتط للتعوي�ض على �أ�سا�س نظرية املخاطر �أو حتمل التبعة
�صدور خط�أ عن املت�سبب يف ال�رضر»(.)33
ويف التعوي�ض دون خط�أ ،فقد �ألزم احلكم الإدارة بتعوي�ض املدعني على �أ�سا�س
حتمل التبعة امل�أخوذة عن القاعدة ال�رشعية« :ال�رضر يزال» ويكفي للتعوي�ض يف
هذه احلالة ثبوت ال�رضر دون وقوع خط�أ من جهة الإدارة ،فالتعوي�ض على �أ�سا�س
حتمل التبعة ال يفرت�ض ارتكاب جهة الإدارة اخلط�أ� ،إمنا يتعني لقيامه وجود ال�رضر
ووجود عالقة ال�سببية بينه وبني عمل جهة الإدارة ،وتطبيق هذه النظرية تنح�رص يف
الن�شاط الإداري امل�رشوع(.)34
ت�أ�سي�ساً على ما �سبق ،يت�ضح �أن الق�ضاء الإداري ال�سعودي ي�أخذ مب�س�ؤولية
الإدارة عن ال�رضر ،حتى ولو مل يكن هناك خط�أ �صدر من جانب الإدارة ،وهو يف
ذلك ي�شايع ما ي�أخذ به جمل�س الدولة يف فرن�سا ،على عك�س ما يذهب �إليه جمل�س
الدولة امل�رصي الذي ال ي�أخذ مببد�أ امل�س�ؤولية على �أ�سا�س املخاطر ،على نحو �رصيح
( ((3انظر على وجه اخل�صو�ص حممود حلمي :املرجع ال�سابق �ص 267وما بعدها ،فقد تكلم عن م�س�ؤولية الإدارة عن
فعل �شيء مادي وم�س�ؤوليتها عن الن�شاط امل�شروع ،كالتطبيق ال�سليم للقوانني� ،أو امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام
الق�ضائية.
( ((3حكم ديوان املظامل ذو الرقم /84ت 3/ل�سنة 1411هـ ،توفيق ح�سونة :املرجع ال�سابق.
( ((3حكم ديوان املظامل ذو الرقم /147ت 2/لعام 1413هـ ،واحلكم ذو الرقم /156ت 2/لعام 1413هـ ،توفيق ح�سونة املرجع
ال�سابق.
�أو وا�ضح ،ويق�رصها فقط على احلاالت التي تتكرر بن�ص �رصيح من قبل امل� ِّرشع
بقانون �أو ن�ص خا�ص ،وقد حاول الق�ضاء الإداري يف بداية عهده تقرير هذا النوع
من م�س�ؤولية الإدارة ،بيد �أن �أحكام املحكمة الإدارية العليا يف م�رص ت�أبي الأخذ مببد�أ
التعوي�ض بغري خط�أ� ،إال يف احلاالت التي ين�ص امل� ِّرشع عليها �رصاحة(.)35
املبحث الثاين
�إ�سناد ال�ضرر املتعدد الأ�سباب
(� ((3سليمان الطماوي :املرجع ال�سابق �ص ،207حممود حلمي :املرجع ال�سابق �ص .271
( ((3عبد الرزاق ال�سنهوري :الو�سيط املرجع ال�سابق ،761/1 :عبد النا�صر العطار :املرجع ال�سابق� ،ص ( 272بت�صرف).
( ((3عبد الر�شيد م�أمون :عالقة ال�سببية يف امل�س�ؤولية املدنية �ص 9وما بعدها دار النه�ضة العربية (بدون تاريخ) ،عبد
املنعم فرج ال�صدة :املرجع ال�سابق �ص ( 497بت�صرف).
مل ي�ستغرق الآخر� ،أو �أن �أحدهما كان �أكرب ت�أثرياً من الآخر� ،أو �أحدهما جاء نتيجة
للآخر ،لذلك -طبقاً لهذه النظرية -يكون ك ًال من ال�شخ�صني م�س�ؤو ًال عن ال�رضر،
في�س�أل املدين عن فعله ،وي�س�أل امل�رضور عن فعله ،ويتم توزيع التعوي�ض عليهما.
والنظرية ال�سابقة �أخذ عليها الفقه م�آخذ كثرية ،لعل �أهمها �أنه ال يكفي الأخذ
بعامل معني واعتباره �سبباً يف �إحداث ال�رضر ،والقول ب�أنه لوال هذا العامل ما وقع
ال�رضر ل�سبب غاية يف البداهة� ،أنه يجب �أن يكون وجود هذا العامل وحده كافياً
لإحداث ال�رضر(.)38
وجد كل �سبب مبفرده ،لكان كافياً ،ومن ثم ي�ؤخذ بهذين ال�سببني وفقاً لنظرية تعادل
الأ�سباب ،ووفقاً لنظرية ال�سبب املنتج.
�أما �إذا كان �سائق ال�سيارة قد تركها وبها مفتاح �إدارتها ،فغافله �شخ�ص �آخر و�رسق
ال�سيارة و�أ�رسع بها ،و�أثناء ذلك �صدم �شخ�صاً ،فطبقاً لنظرية تعادل الأ�سباب� ،سائق
ال�سيارة �أهمل يف املحافظة عليها ،ولوال ذلك ما وقع ال�رضر ،وال�سارق �أخط�أ يف
ال�سري ب�رسعة ،ولوال ذلك ما وقع ال�رضر ،فال�سببان متعادالن يف �إحداث ال�رضر.
وطبقاً لنظرية ال�سبب املنتج ،ف�إن خط�أ ال�سارق الذي قاد ال�سيارة ب�رسعة ،هو
ال�سبب املنتج يف �إحداث ال�رضر ،لأن هذا اخلط�أ هو ال�سبب امل�ألوف عادة يف �إحداث
ال�رضر ،وبح�سب املجرى العادي للأمور ،ولذلك يكون هذا ال�سبب وحده كافياً
يف �إ�سناد ال�رضر �إليه �أما خط�أ �سائق ال�سيارة الذي �أهمل يف املحافظة عليها فلي�س
�سوى �سبب عار�ض ال يقع ال�رضر نتيجة له �إذا وجد مبفرده ،ومن ثم يكون ال�سارق
وحده هو امل�س�ؤول عن ال�رضر.
بجانب هاتني النظريتني ،ظهرت نظرية ال�سبب املالئم �أو املنا�سب ،وحظيت هذه
النظرية بقبول عام يف الفكر القانوين املعا�رص ،بيد �أن هذه النظرية يف حقيقة الأمر
لي�ست �إال حتويراً لنظرية ال�سبب املنتج ،لذلك انت�رص لها جمهور الفقه والق�ضاء ،وهي
التي املعول عليها يف �إ�سناد ال�رضر �إلى ال�سبب الذي �أدى �إليه بطريقة مبا�رشة(.)40
املطلب الأول
املنازعة يف ال�ضرر احلادث
بفعل القوة القاهرة وفعل املدعى عليه
�إذا ثبت �أن القوة القاهرة �أو احلادث املفاجئ هو ال�سبب الوحيد يف �إحداث ال�رضر،
ف�إنه ال تتحقق م�س�ؤولية املدعى عليه ،كما لو �شب حريق ف�أهلك ال�شيء حمل االلتزام
العقدي بني الإدارة واملقاول� ،أو هبت عا�صفة فقلبت �سيارة حكومية على �أحد املارة
ف�أ�صابته ،فهنا تنتفي امل�س�ؤولية العقدية �أو التق�صريية ،وعلى املدعى عليه �إثبات �أن
ال�رضر الذي حلق بالدائن (املدعي) ناجت عن هذه القوة القاهرة ولي�س بفعله(.)41
ويراعى يف امل�س�ؤولية العقدية والتق�صريية �أنه �إذا كانت القوة القاهرة مانعة
ب�صفة قاطعة ونهائية من تنفيذ االلتزام وامل�س�ؤولية ،ف�إن املدين (املدعى عليه) ال
ُي�س�أل نهائياً� ،أما �إذا كانت القوة القاهرة م�ؤقتة ،ف�إنه يف امل�س�ؤولية العقدية يقف تنفيذ
االلتزام حتى يزول �أثرها ويغدو االلتزام واجب التنفيذ ،مع مالحظة الفارق يف
هذا اخل�صو�ص بني العقود الفورية وعقود املدة ،ففي العقود الفورية ال يكون لوقف
التنفيذ �أثر يف مقدار الأداءات الواجبة على الطرفني ،فتبقى كاملة كما كانت قبل
الوقف ،كعقد التوريد مثا ًال� ،أما يف عقود املدة ف�إنه يرتتب على وقف التنفيذ نق�ص
يف كم الأداء بقدر الوقت الذي وقف التنفيذ خالله ،لأن الزمن الفائت �إذا م�ضى ال
( ((4ال�سنهوري :املرجع ال�سابق ،639/1 ،د .عبد النا�صر العطار :املرجع ال�سابق �ص .274
املطلب الثاين
املنازعة يف ال�ضرر احلادث
بخط�أ امل�ضرور وخط�أ املدعى عليه
ال �صعوبة �إذا �أثبت املدعى عليه �أن فعل امل�رضور هو ال�سبب الوحيد يف �إحداث
ال�رضر ،فال م�س�ؤولية على �أحد ،فامل�رضور هو الذي �أحلق ال�رضر بنف�سه ،لكن املنازعة
تثور بني اخلط�أين :خط�أ املدعى عليه وخط�أ املدعي� ،أي اخلط�أين �أحدث ال�رضر؟ ففي
هذه احلالة نكون �أمام فر�ضني:
( ((4عبد املنعم فرج ال�صدة :املرجع ال�سابق �ص ،501د .حممود حلمي :املرجع ال�سابق �ص 264
( ((4ال�سنهوري :املرجع ال�سابق ،740/1عبد املنعم فرج ال�صدة :املرجع ال�سابق �ص ( 502بت�صرف ي�سري).
�أو ًال� -إذا كان �أحد اخلط�أين يفوق يف ج�سامته اخلط�أ الآخر:
ويتحقق ذلك يف ال�صورتني التاليتني:
� -1إذا كان �أحد اخلط�أين خط�أ عمدياً ،مبعنى �أن يكون �أحد الطرفني قد تعمد
�إحداث ال�رضر ،واخلط�أ الآخر غري عمدي ،ف�إذا كان املدعى عليه هو الذي تعمد
�إحلاق ال�رضر باملدعي حتققت م�س�ؤوليته كاملة عن تعوي�ض ال�رضر ،وال يخفف منها
خط�أ املدعي ،فالفعل العمدي ي�ستغرق الفعل اخلط�أ� ،أما �إذا كان املدعي هو الذي
تعمد �إحلاق ال�رضر بنف�سه ،انتفت م�س�ؤولية املدعى عليه متاماً.
-2ر�ضاء امل�رضور بال�رضر الذي وقع عليه ،ويف هذه احلالة يخفف خط�أ
امل�رضور من م�س�ؤولية املدعى عليه� ،إذ ن�صبح �أمام خط�أ م�شرتك بني الطرفني ي�ؤدي
�إلى توزيع امل�س�ؤولية عن ال�رضر ،وميكن �أن ي�ستغرق خط�أ املدعى عليه خط�أ املدعي
فتنتفي م�س�ؤوليته ،كما لو قام مالك �إحدى ال�سفن بنقل املخدرات وهو يعلم ذلك
( ((4نق�ض جنائي م�صري يف 1984/12/2جمموعة الأحكام �س � 25ص ،792حكم �آخر يف ،1968/1/29جمموعة الأحكام
�س � 19ص .107
لأحد الأ�شخا�ص ،ف�إذا �صودرت ال�سفينة فال يحق له �أن يرجع ب�شيء على �صاحب
املخدرات ،لأن ر�ضاءه خط�أ كبري ا�ستغرق خط�أ �صاحب املخدرات(.)45
ثاني ًا� -أحد اخلط�أين نتيجة للآخر:
�إذا ثبت �أن خط�أ امل�رضور جاء نتيجة خلط�أ املدعى عليه ،ف�إن اخلط�أ الأخري ي�ستغرق
اخلط�أ الأول ،فتتحقق م�سئولية املدعى عليه عن ال�رضر كاملة ،كما لو ركب �شخ�ص
�سيارة النقل اجلماعي وكان ال�سائق ي�سري ب�رسعة غري معتادة والح للراكب خطر
�أفزعه ،ف�أتى بحركة خاطئة �سببت �إحلاق ال�رضر به ،ف�إن خط�أه يكون نتيجة خلط�أ
ال�سائق الذي ي�س�أل عن تعوي�ض ال�رضر كام ًال.
�أما �إذا كان خط�أ املدعى عليه جاء نتيجة خلط�أ امل�رضور ،ف�إن خط�أ امل�رضور،
ي�ستغرق خط�أ املدعى عليه ،وبذلك ال ُي�س�أل عن ال�رضر ،كما لو �أخاف �شخ�ص �سائقاً
بفعل منه ،ف�أدى هذا �إلى قيام ال�سائق بحركة خاطئة �أحلقت ال�رضر بذلك ال�شخ�ص،
فيكون خط�أ ال�سائق نتيجة خلط�أ امل�رضور وبذلك تنتفي م�س�ؤوليته عن ال�رضر(.)46
الفر�ض الثاين -ا�شرتاك اخلط�أين يف �إحداث ال�ضرر:
�إذا ثبت �أن خط�أ املدعى عليه وخط�أ امل�رضور قد بقي كل منهما م�ستق ًال عن الآخر
وا�شرتكا يف �إحداث ال�رضر ،ف�إن ك ًال من اخلط�أين �ساهم يف وقوع ال�رضر ،ف�إن
التعوي�ض عن ال�رضر يتم توزيعه بينهما بالت�ساوي ،كما لو قاد �شخ�ص �سيارة بطريقة
م�رسعة فدع�س �شخ�صاً كان يعرب الطريق من مكان لي�س خم�ص�صاً لعبور امل�شاة،
وميكن للقا�ضي بح�سب �سلطته التقديرية �أن يوزع امل�س�ؤولية بح�سب ج�سامة الفعل
الذي �صدر من امل�شرتكني يف �إحداث ال�رضر(.)47
( ((4ال�سنهوري :املرجع ال�سابق ،743/1عبد النا�صر العطار :املرجع ال�سابق .277،276
( ((4عبد املنعم ال�صدة :املرجع ال�سابق �ص 504
( ((4عبد النا�صر العطار :املرجع ال�سابق �ص ،278،277حممود حلمي :املرجع ال�سابق �ص .265 ،264،
وتطبيقاً لذلك� ،صدر حكم ديوان املظامل ب�أن املدعي ي�ستحق %60من قيمة
الأ�رضار وم�س�ؤولية املدعي بن�سبة %40نظراً لقدم البيت وبنائه من الطني وعدم
�إقامته به ،لذلك تلزم هيئة املياه وال�رصف ال�صحي بـ %60من التعوي�ض الذي
يكون عن الأ�رضار املبا�رشة(.)48
ومن الوا�ضح �أن هناك ا�شرتاكاً يف �إحلاق ال�رضر باملدعي ،خط�أ هيئة املياه وال�رصف
ال�صحي (املدعى عليه) وخط�أ املدعي بعدم �إقامته يف املنزل وبنائه املتهالك ،لذلك
وزع احلكم التعوي�ض بالن�سب امل�شار �إليها ،و�إذا تعذر معرفة هذه الن�سبة فتوزع
امل�س�ؤولية عن ال�رضر بالت�ساوي بني امل�شرتكني،وهي �سلطة تقديرية للقا�ضي.
املطلب الثالث
املنازعة يف ال�ضرر احلادث
بخط�أ الغري وخط�أ املدعى عليه
�إذا �أثبت املدعى عليه �أن فعل الغري هو ال�سبب الوحيد يف �إحلاق ال�رضر باملدعي
ف�إنها تنتفي م�س�ؤولية املدعى عليه عن ال�رضر ،ويكون الغري وحده هو امل�س�ؤول،
ويجب يف هذه احلالة �أال يكون الغري من الأ�شخا�ص الذين ُي�س�أل عنهم املدعى عليه،
و�إال توفرت م�س�ؤولية املتبوع عن �أعمال تابعه يف امل�س�ؤولية العقدية والتق�صريية
� ً
أي�ضا.
�أما �إذا كان �أحد اخلط�أين قد ا�ستغرق الآخر ،ب�أن كان �أحد اخلط�أين عمدياً� ،أو كان
( ((4حكم ديوان املظامل ذو رقم /84ت1411/3/هـ وث َّم حكم �آخر ثبت فيه م�ساهمة خط�أ الإدارة (املدعى عليه مع خط�أ
امل�ضرور (املدعي) رقم /78ت 1 /لعام 1412هـ ،وث َّم حكم �آخر يف نف�س املجال بالرقم /36ت 2/لعام 1414هـ ،ح�سونة
توفيق :املرجع ال�سابق �ص .40،50،52وحكم ذو رقم /140د�/إ 7/لعام 1431هـ يف الق�ضية ذات رقم /1/1627ق /لعام
1431هـ (غري من�شور) ف�إن اخلط�أ من قبل موظفني متعددين يف م�ست�شفى امللك خالد بنجران ،يف واقعة تبادل
ت�سليم طفلني حديثي الوالدة لذويهما ،وقد توافرت �أركان امل�س�ؤولية التق�صريية جلهة الإدارة ،وقد اكتفى احلكم
بالتعوي�ض الذي �صرفته �إدارة املنطقة للمدعي يف الدعوى مببلغ ثالثمائة �ألف ريال ،وقامت برف�ض دعوى التعوي�ض
مببلغ مائة مليون ريال .واحلكم ي�شري �إلى تعدد امل�شرتكني يف وقوع ال�ضرر ب�أهل الطفل الذي مت ا�ستبداله مع �آخر،
والثابت عم ً
ال �أثناء عملية ت�سليم الأطفال حديثي الوالدة.
�أحد اخلط�أين نتيجة للآخر ،ف�إذا �أثبت املدعي �أن خط�أ املدعى عليه قد ا�ستغرق خط أ�
الغري ،و�أن ال�رضر جاء نتيجة لفعل املدعى عليه قامت م�س�ؤوليته وال �أثر لفعل الغري.
لكن �إذا دفع املدعى عليه ب�إثبات �أن ال�رضر وقع بفعل الغري كام ًال فال يكون
املدعى عليه م�س�ؤو ًال عن هذا ال�رضر ،وي�ضحي الغري وحده م�س�ؤو ًال م�س�ؤولية كاملة
عن تعوي�ض ال�رضر الذي حلق باملدعي(.)49
�أما �إذا مل ي�ستغرق �أحد اخلط�أين اخلط�أ الآخر ،وقام كل منهما م�ستق ًال ،ف�إن ك ًال
من الفعلني يعترب �سبباً يف �إحداث ال�رضر ،وبذلك تتوفر م�س�ؤولية كل من املدعى
عليه والغري عن ال�رضر ،وتكون امل�س�ؤولية بالت�ضامن ،حيث يحق للمدعي �أن يرجع
على �أي منهما بالتعوي�ض كام ًال ،ف�إذا دفع �أيهما التعوي�ض كام ًال كان له �أن يرجع
على الآخر بقدر ح�صته يف امل�س�ؤولية.
و�إذا ا�شرتك خط�أ امل�رضور ،وخط�أ الغري ،وخط�أ املدعى عليه يف ال�رضر وثبت
ذلك ،ف�إن امل�رضور يتحمل ثلث التعوي�ض ،وله �أن يرجع على �أيهما بالثلثني،
وللقا�ضي بح�سب �سلطته التقديرية �أن يوزع التعوي�ض عليهما جميعاً بح�سب
ج�سامة كل منهما(.)50
وتطبيقاً ملا �سبق �صدر حكم ديوان املظامل « ب�أن ال�رضر احلادث يرجع �إلى �أ�سباب
خمتلفة ترجع �إلى هيئة املياه وال�رصف ال�صحي ،واملدعي والغري ،وكان على الدائرة
تق�صِّ ي ال�سبب ،وقد �أجمعت التقارير على �أن ثمة �أ�سباباً �أخرى �ساهمت يف ت�ضخيم
الأ�رضار ...وكان يتعني �أن تكون هذه الأ�سباب حمل اعتبار عند تقدير التعوي�ض
�إذا توافرت مقت�ضياته ،لأن القاعدة امل�ستقرة فقهاً وق�ضا ًء ،تق�ضي ب�إلزام امل�س�ؤولني
�أما �إن كانت �أفعال املعتدين خمتلفة ،ب�أن كان بع�ضهم مبا�رشاً والآخر مت�سبب ًا
فطبقاً للقاعدة الفقهية « �إذا اجتمع املبا�رش واملت�سبب �أ�ضيف احلكم �إلى املبا�رش»(.)56
()57
وقد ي�ضمن املت�سبب وحده �إذا كان فعله هو العامل الأهم يف �إحداث ال�رضر،
وقد يكون ال�ضمان على املت�سبب واملبا�رش معاً ،ك�أن ا�شرتكا يف �إحداث ال�رضر ،وكان
لكل واحد منهما دور م�ساو لفعل الآخر ،ف�إنهما ي�شرتكان يف ال�ضمان ،فاملت�سبب ال
ي�ضمن مع املبا�رش �إذا كان ال يعمل بانفراده يف الإتالف ،و�أما �إن كان يعمل بانفراده
في�شرتكان يف ال�ضمان ح�سب قوة كل منهما(.)58
وبذلك يكون هناك اتفاق بني الفقهاء على تقدمي �صاحب العلة �أو املبا�رش عند
اجتماعه مع املت�سبب يف ال�ضمان ،لكونه �صاحب الفعل الذي ا�ستغرق الأفعال
الأخرى ،كما اتفقوا على تقدمي املت�سبب �إذا قويت ن�سبة ال�رضر �إلى فعله ،كما لو
كان فعل املبا�رش متولداً عن فعل �صاحب ال�سبب ،لأنه م�ستغرق فعل املت�سبب حيث
جاء نتيجة له ،وقد ي�شرتك املبا�رش واملت�سبب يف امل�س�ؤولية ،فيتم توزيع ال�ضمان
عليهما وفقاً لفعل كل منهما(.)59
ن�ستنتج مما �سبق �أن الفقهاء يف م�س�ألة تعدد الأ�سباب يقولون ب�إ�سناد ال�رضر �إلى
ال�سبب الأقوى يف �إنتاج ال�رضر� ،أو �إلى ال�سبب الأقرب وقوعاً .وهذه املعايري تت�سم
باملرونة ،وترتك للقا�ضي حرية ا�ستقراء الوقائع من الدعوى و�إ�سناد ال�رضر �إلى خط�أ
بعينه ،طبقاً لقواعد املنطق والعرف ال�سائد يف املجتمع ،وبذلك يقرتب �إلى حد
املفهوم القانوين لإ�سناد ال�رضر يف حالة تعدد الأ�سباب �إلى املفهوم ال�رشعي
ُ بعيد
( ((5زين الدين بن �إبراهيم بن جنيم احلنفي :الأ�شباه والنظائر على مذهب �أبي حنيفية 196/1 :حتقيق عبد العزيز
حممد الوكيل :النا�شر م�ؤ�س�سة احللبي م�صر 1387هـ.
( ((5ابن جنيم احلنفي :الأ�شباه والنظائر املرجع ال�سابق ،197/1 :البغدادي :جممع ال�ضمانات �ص ،187املرجع ال�سابق.
( ((5الزيلعي :تبيني احلقائق ،105/6 :دار املعرفة ـ بريوت (د.ت) ،ال�شربيني اخلطيب :مغني املحتاج ،8/4 :م�صطفى
البابي احللبي مب�صر (د.ت) ابن رجب احلنبلي :املرجع ال�سابق .287 :
( ((5حممد �أحمد �سراج :املرجع ال�سابق �ص ،214وهبة الزحيلي :املرجع ال�سابق �ص .45
الذي ت�أخذ به مذاهب الفقه الإ�سالمي ،بخا�صة عندما �أخذ الفكر القانوين بال�سبب
املنتج �أو ال�سبب املالئم �أو املنا�سب ،ومن هنا يكون الفقه الإ�سالمي �أ�سبق يف الأخذ
ب�إ�سناد ال�رضر �إلى ال�سبب املنتج يف امل�س�ؤولية� ،أو بح�سب املجرى العادي للأمور،
كما يعرب بع�ض املذاهب.
وعلى ذلك� ،إذا تعددت الأ�سباب التي ين�سب �إليها ال�رضر ف�إن امل�س�ؤولية العقدية
�أو التق�صريية ترجع �إلى �أقوى الأ�سباب يف �إحداث ال�رضر ،ويجب تطبيق مبد�أ
ن�سبية ال�رضر �إلى ال�سبب الأقوى ،و�أن يحكم بال�ضمان على �صاحب ال�سبب
الأقرب �إلى حدوث ال�رضر زماناً.
فهناك يف حقيقة الأمر من وجهة نظرنا تقارب �إلى حد بعيد بني معايري الفقه
الإ�سالمي واملعايري القانونية ،بيد �أن املعايري القانونية ما هي �إال انعكا�س ملعايري الفقه
الإ�سالمي ،لكونه �أ�سبق تاريخاً ،والثابت �أنه ا�ستفاد منه يف ت�أ�سي�س نظرياته.
املبحث الثالث
�إ�سناد ال�ضرر املتعاقب الوقوع
بداية يجب �أن ن ْفرق بني حالة تعدد الأ�سباب التي �سبقت يف املبحث الثاين،
لأن ال�رضر فيها واحد ومل يتعاقب حدوثه ،فالأ�سباب فقط التي �أدت �إلى وقوعه
هي التي تعددت� ،أما يف احلالة التي معنا يف هذا املبحث ف�إن �سبب وقوع ال�رضر
واحد مل يتعدد ،والأ�رضار فقط هي التي تعاقبت ،مبعنى �أنها �صارت �أ�رضاراً متعددة
�أو ت�سل�سل وقوعها.
وقد متتزج احلالتان ،فتتعدد الأ�سباب وتتعاقب الأ�رضار ،وحينئذ على القا�ضي
�أن يعطي لتعدد الأ�سباب حكمها ،في�سند كل �سبب �إلى فاعله ،ومن ثم تكون
امل�س�ؤولية ،وهو ما قدمناه ،ويعطي لتعاقب الأ�رضار حكمها الذي �سنبينه من خالل
هذا املبحث(.)60
ف�إذا ترتب على خط�أ املدعى عليه �أ�رضار متعاقبة ف�إنه ي�س�أل بو�صفه مت�سبباً يف كل
الأ�رضار� ،إذا كان خلطئه �أثر فيها ،و�أما �إذا انقطع �أثر فعله بتدخل �سبب �آخر ف�إنه ال
ي�ضمن(.)61
ف�إذا �ألقى رجل ب�آخر يف النهر ومعه دراهم ف�سقطت َ�ضمِ ن؛ لأنه بفعله� ،أما لو
�سقطت الدراهم �أثناء خروجه من النهر مل ي�ضمن؛ لأنه بفعل �صاحب املال ،وهو
�سبب فا�صل بني املت�سبب وال�رضر الثاين وهو �ضياع املال(.)62
فالفعل ال�صادر من املدعى عليه �إذا �أدى �إلى �أ�رضار متعاقبة ،كان م�س�ؤو ًال عن
تعوي�ض هذه الأ�رضار ،كما لو باعت الإدارة �أحد خيولها املري�ضة �إلى �أحد مربي
اخليول ،فانتقلت العدوى �إلى بقية اخليول وماتت جميعها ،وكان املربي ي�ستعملها يف
زراعة �أر�ضه واحتاج �إلى املال ومل ي�ستطع الوفاء بديونه ،حتى �أدى بالدائنني �إلى
احلجز على الأر�ض وباعوها بثمن بخ�س .فهل ت�س�أل الإدارة التي باعت خيلها املري�ضة
عن جميع الأ�رضار املتعاقبة التي حلقت مبربي اخليول؟
نعم ،ت�س�أل عن جميع الأ�رضار املبا�رشة ،وغري املبا�رشة؛ لأنها تعاقبت عن فعل
واحد مرتكب من قبلها .
وهناك م�س�ألة يف هذا املجال �أثارها احلنفية ،ال يظهر فيها انقطاع �أثر الفعل الأول
بجالء وهي« :رجل حفر بئراً يف الطريق ،ف�سقط فيها �آخر ،و�سلم من ال�سقوط (�أي
مل ي�ضار) ،ومات فيها جوعاً �أو غماً ،ال ي�ضمن احلافر يف قول �أبي حنيفة ،وقال �أبو
( ((6يف معنى ذلك عبد الرزاق ال�سنهوري :املرجع ال�سابق 764/1 :وانظر �أي�ضاً نق�ض مدين م�صري يف 1984/1/5الطعن
ذو الرقم 326ل�سنة 50ق�ضائية جمموعة �أحكام النق�ض �س � 35ص ،143وجاء به« :ي�س�أل مرتكب اخلط�أ عن الأ�ضرار
مهما تتابعت وتفاقمت متى كانت مبا�شرة ونا�شئة عنه وحده».
( ((6وهبة الزحيلي :املرجع ال�سابق �ص .46
( ((6حممود بن �إ�سماعيل (ابن قا�ضي �سماوة) جامع الف�صوليني 115/2 :ط ( )1املطبعة الأزهرية 1300هـ.
يو�سف� :إن مات فيها جوعاً فكذلك (مل ي�ضمن) ،و�إن مات فيها غماً� ،ضمن احلافر.
وقال حممد :ي�ضمن احلافر يف الوجوه كلها»(.)63
وما قال به حممد بن احل�سن هو مذهب اجلمهور ،ف�إذا تعاقبت الأ�رضار فالعربة
بالأول عند تعدد الأ�سباب �إذا كانت من فاعل واحد ،وال�سبب الأول ي�ؤدي �إليه عادة.
( )64ومثالها� :أن تتعهد امل�ؤ�س�سة العامة لل�سكك احلديدية بنقل �آالت لرفع املياه من
بع�ض �آبار ميتلكها �شخ�ص باملنطقة ال�رشقية ،ولكن هذه الآالت تلفت ب�سبب حادث
وقع للقطار ،فرتتب على ذلك تلف زراعة �صاحب البئر الذي كان متعهداً لري
الأرا�ضي املجاورة لأ�صحابها فتلفت هي �أي�ضاً ،فطالبه �أ�صحاب الأرا�ضي املجاورة
بالتعوي�ض ،فهل ت�س�أل امل�ؤ�س�سة العامة لل�سكك احلديدية عن جميع هذه الأ�رضار
التي حلقت ب�صاحب البئر املتعاقد معها ،وب�أ�صحاب الأرا�ضي الأخرى الذي كان
املتعاقد تعهد بري زراعاتهم؟.
القواعد العامة تق�ضي ب�أن الذي يجب التعوي�ض عنه �سواء يف امل�س�ؤولية العقدية
�أو امل�س�ؤولية التق�صريية هو ال�رضر املبا�رش� ،أما ال�رضر غري املبا�رش فال يجب التعوي�ض
عنه؛ لأن ال�رضر املبا�رش هو ما كان نتيجة طبيعية للخط�أ الذي �أحدثه امل�س�ؤول� ،أما
الأ�رضار غري املبا�رشة فال يجب التعوي�ض عنها؛ لأن ال�شخ�ص يف و�سعه �أن يتوقاها
ببذل جهد معقول ،ففي املثال ميكن للم�رضور �أن يتخذ طريقة �أخرى للري(.)65
لكن الأمر يف تعاقب الأ�رضار ،قد ال يكون بهذه ال�سهولة ،فقد يحدث ال�رضر
بفعل املدعى عليه ،ويتعدى �أثره �إلى �رضر �آخر يلحق ب�شخ�ص �آخر خالف املدعي،
كما لو حفرت الإدارة بع�ض ال�شوارع ،وو�ضعت الرتاب بجوار جدار بيت �أحد
( ((6غامن بن حممد البغدادي :جممع ال�ضمانات �ص 180املرجع ال�سابق.
( ((6اخلر�شي علي خمت�صر خليل ،136/6 :دار �صادر ـ بريوت (د.ت) ،املغني ،833/7 :مكتبة اجلمهورية العربية ط()1
1388هـ.
( ((6عبد املنعم ال�صدة :املرجع ال�سابق �ص .511،510عبد النا�صر العطار :املرجع ال�سابق ( ،271بت�صرف ي�سري)
الأ�شخا�ص ،فوهن اجلدار وتهدم ووقع على �أحد املارة ف�أ�صابه ،ف�إن الإدارة تُ�س�أل
عن تعوي�ض �رضر اجلدار ل�صاحبه ،وتُ�س�أل عن �رضر امل�صاب؛ لأن �أثر فعلها ثابت
يف ال�رضرين.
لكن �إذا انقطع �أثر فعل الإدارة بتدخل �سبب �آخر فال ت�ضمن الأ�رضار املتعاقبة،
وت�ضمن فقط ال�رضر املبا�رش� ،أما الأ�رضار الأخرى فلي�س بفعلها لوجود �سبب �آخر،
�أو تدخل �سبب فا�صل بني املت�سبب وال�رضر الثاين ،كما لو حفرت الإدارة بئراً عميقة
يف الطريق فجاء رجل و�سقط ،فتعلق هذا الرجل برجل �آخر ،وتعلق الثاين بثالث،
ووقعوا جميعاً وماتوا ،فت�س�أل الإدارة عن تعوي�ض الأول ،لأنه لي�س ملوته �سبب
�سوى الوقوع يف البئر� ،أما تعوي�ض الثاين فيكون على الأول؛ لأن الأول هو الذي
جذبه وفعله هذا هو الذي �أدى �إلى موته ،وتعوي�ض الثالث يكون على الثاين؛ لأن
فعله املبا�رش يف التعلق به هو الذي �أوقعه يف البئر(.)66
وبذلك ال ت�س�أل الإدارة عن الثاين والثالث؛ لأن فعلها بالن�سبة لهما فعل غري
مبا�رش ،لوجود فا�صل بني فعلها يف احلفر وال�رضر الذي حلق بهما ،بيد �أنها ت�س�أل
عن �رضر الأول.
ومن وجهة نظرنا ف�إنه ميكن للقا�ضي �أن يوازن بني هذه الأ�رضار وفعل الإدارة
فيحكم بالتعوي�ض املنا�سب ح�سب �سلطته التقديرية يف تعدى فعل الإدارة �إلى
الأ�رضار الأخرى.
وتطبيقاً ملا �سبق� ،صدر حكم ديوان املظامل ب�أحقية املدعي يف احل�صول على
تعوي�ض عما حلقه من �أ�رضار �سبب انقالب �سيارته ،نتيجة انفجار ما�سورة املياه
املغذية لإحدى املدن الع�سكرية ،والتعوي�ض ي�شمل قيمة �إ�صالح ال�سيارة وقيمة
( ((6انظر يف ذلك وهبة الزحيلي :املرجع ال�سابق �ص ( 47بت�صرف) ،حممد املدين بو�ساق :املرجع ال�سابق �ص .86
الب�ضاعة التالفة ،فتلتزم املدينة الع�سكرية بتعوي�ض املدعي بن�سبة %40من قيمة
الأ�رضار ا�ستناداً �إلى تقارير اجلهة الفنية التي �أدانته بن�سبة %50وم�ؤ�س�سة �أخرى
بن�سبة .)67(%10
وبالنظر �إلى احلكم الذي جمع بني تعاقب الأ�رضار وتعدد الأ�سباب امل�ؤدية �إلى
امل�س�ؤولية جند �أن خط�أ الإدارة وهو انفجار ما�سورة املياه �أدى �إلى انقالب ال�سيارة
و�إحلاق ال�رضر بها ،وهذا االنقالب �أدى �إلى تلف الب�ضاعة ،حتى �أحلق بها ال�رضر،
ومت توزيع التعوي�ض بالن�سب امل�شار �إليها �إلى خط�أ الإدارة و�إلى خط�أ امل�رضور ،وخط�أ
الغري ،لذلك كانت امل�س�ؤولية عن �رضر ال�سيارة و�رضر الب�ضاعة موزعة على الثالثة.
حك���م حديث لدي���وان املظامل ،مت تعوي�ض املدعي ع���ن فرتة �إغالق حمله، ٍ ويف
واملواد الغذائية التي تلف���ت نتيجة الإغالق ،لذلك تلتزم جهة الإدارة بتعوي�ضه عن
الأ��ض�رار التي حلقت به جراء �إغالق حمله؛ لأن الإغالق �صدر من غري متخ�ص�ص،
وما ترتب عليه من تلف بع�ض امل���واد الغذائية ،وال تلتزم الإدارة بتعوي�ض الأ�رضار
املتمثلة يف فوات الربح �أو �أج���رة العامل و�أجرة املحل لأنه و�إن كان الإغالق �صادراً
من غري متخ�ص�ص� ،إال �أنه ثبت �صدور ما ي�ؤيد ذلك من اجلهة املخت�صة(.)68
وبذلك يكون احلكم م�ؤيداً للتعوي�ض عن �رضر املواد الغذائية ،وغري م�ؤيد
للتعوي�ض عن �رضر الإغالق و�أجرة كل من العامل واملحل.
حكم �آخر ي�ستظهر منه ت�سل�سل الأ�رضار ،فقد ثبت ت�رضر املدعي �أثناء �سجنه ويف ٍ
ع�رشة �أ�شهر ،يجعل �أركان امل�س�ؤولية التق�صريية قائمة يف جانب جهة الإدارة ،مما
يوجب �إلزامها بتعوي�ض املدعي عن الأ�رضار املادية واملعنوية ..مما يتعني معه تعوي�ضه
عن مدة مئتني و�أربعة و�أربعني يوماً ،وعند تقدير التعوي�ض :ال بد من مراعاة ما كان
( ((6حكم ديون املظامل ذو رقم /739ت 1/لعام 1411هـ ،ح�سونة توفيق :املرجع ال�سابق �ص .51
( ((6حكم ديون املظامل ذو الرقم /167ت 1/لعام 1427هـ جمموعة الأحكام :املرجع ال�سابق �ص .1895
يتقا�ضاه املدعي من راتب �إبان َ�سجنه ،مع ح�سم الرواتب التي ا�ستلمها �أثناء هذه
املدة ،و�سكن املدعي يف مدينة �أخرى يتعني معه تعوي�ضه عن تذاكر ال�سفر وم�صاريف
التنقل وال�سكن ح�سب تقدير املحكمة(.)69
وبذلك يكون احلكم بالتعوي�ض �شام ًال الأ�رضار التي حلقت باملدعي ،والتي
متثلت يف َ�سجنه مدة تزيد عن مدة الإيقاف املقررة قانوناً ،وعن الأ�رضار التي حلقت
به نتيجة �سكنه يف مدينة �أخرى وتكبده نفقات ال�سفر والتنقل ،وهذه الأ�رضار ناجتة
عن فعل اجلهة الإدارية ،لذلك تكون م�س�ؤولة عن تعوي�ض الأ�رضار املتعاقبة التي
حلقت باملدعي.
ويف حكم �آخر يتعلق بعقد من عقود الإدارة ثبتت �أحقية املدعي بالتعوي�ض الذي
يطالب به عن الأ�رضار التي ح�صلت له ،واملتمثلة يف الأجرة التي دفعها ،وقيمة
املن�ش�آت التي �أقامها على الأر�ض امل�ست�أجرة ب�سبب عدم متكني جهة الإدارة له من
ا�ستيفاء املنفعة التي ا�ست�أجر الأر�ض من �أجلها ،فقد �أوقفته عن العمل يف الأر�ض
وثبوت خط�أ جهة الإدارة وثبوت ح�صول ال�رضر على املدعي(.)70
ويت�ضح من احلكم �أن املحكمة الإدارية �ألزمت جهة الإدارة بتعوي�ض املدعي عن
الأ�رضار التي حلقت به نتيجة خطئها ،واملتمثلة يف �أجرة الأر�ض التي دفعها خم�س
�سنوات ،وتعوي�ضه عن الأ�رضار الأخرى املتمثلة يف قيمة املن�ش�آت التي �أقامها على
الأر�ض ،وهي �أ�رضار تعاقبت نتيجة خلط�أ جهة الإدارة.
()71
ويف الفقه الإ�سالمي :يوجد ال�رضر عند �إيجاد علة التلف ،وهي املبا�رشة،
مبعنى �أن يح�صل التلف من غري �أن يتخلل بينه وبني الفعل املنتج له وا�سطة.
( ((6حكم ديوان املظامل ذو الرقم /352ت 1/لعام 1427هـ جمموعة الأحكام :املرجع ال�سابق �ص .1967،1966
( ((7حكم ديوان املظامل ذو الرقم /454ت 1/لعام 1427هـ جمموعة الأحكام املرجع ال�سابق �ص .4464
( ((7العز بن عبد ال�سالم :قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام 148/1النا�شر مكتبة الكليات الأزهرية 1388هـ.
فال�رضر املبا�رش هو ما كان ب�إي�صال الآلة مبحل التلف )72(،فالإخالل بالعقد �أو
الهالك املبا�رش لعني ،من قبل �شخ�ص يكون مبا�رشاً حقيقة للفعل الذي �أف�ضى �إلى
الأذى �أو ال�رضر.
وال�رضر املبا�رش موجب للتعوي�ض مطلقاً عند الفقهاء ،وال ي�شرتط يف املبا�رشة
التعدي �أو التعمد(.)73
�أما ال�رضر غري املبا�رش ،فهو ما ح�صل بفعل �أف�ضت �إليه علة �أخرى� ،أو ت�ؤدي
�إليه عادة� ،أو تخلل بني الفعل ووقوع ال�رضر ،فعل مت�سبب خمتار ،ويقال ملن �أتى
به :مت�سبب( .)74و ُي�شرتط� ،أن يحدث تع ٍّد من املت�سبب� ،أي ق�صد الإ�رضار بغري
حق ،و�أن تتحقق ال�سببية بني فعل املت�سبب وال�رضر ،مبعنى �أن يكون ال�سبب مف�ضياً
�إلى تلف املال �أو نق�صان قيمته ،ف�إذا كان فعل املت�سبب غري مف�ض غالباً لل�رضر فال
�ضمان ،النقطاع ال�سببية(.)75
كما ي�شرتط عدم وجود فعل خمتار يتخلل بني فعل املت�سبب وال�رضر ،و�إنْ ال
�أ�ضيف احلكم �إليه ولي�س �إلى املت�سبب(.)76
وبتحليل ما �سبق ميكن القول ب�أنه �إذا نتج عن فعل املبا�رش �رضر ،وتعاقب ال�رضر
( ((7عالء الدين �أبو بكر الكا�ساين :بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع ،165/7مطبعة اجلمالية مب�صر 1328هـ� ،أبو
العبا�س ال�صنهاجي (القرايف) :الفروق 27/4 :مرجع �سابق..
( ((7عثمان بن علي الزيلعي احلنفي :تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق ،149/6 :مرجع �سابق ،حممد بن حممد بن عبد
الرحمن املعروف باحلطاب :مواهب اجلليل ل�شرح خمت�صر خليل 278/5 :النا�شر مكتبة النجاح ،ليبيا (د.ت) ،حممد
ال�شربيني اخلطيب :مغني املحتاج �إلى معرفة �ألفاظ املنهاج 277/2 :مرجع �سابق ،حممد بن �أحمد الفتوحي احلنبلي
(ابن النجار) :منتهى الإرادات يف اجلمع بني املقنع والتنقيح وزيادات ،424/2 :النا�شر مكتبة دار العروبة (د.ت).
( ((7بدائع ال�صنائع :املرجع ال�سابق ،165/7الفروق للقرايف :املرجع ال�سابق ،27/4وقريب منه حممد بن حممد �أبو
حامد الغزايل :الوجيز يف فقه مذهب ال�شافعي 124/1طبعة حو�ش قدم بالغورية مب�صر (بدون تاريخ).
( ((7حممود الأوزجندي (قا�ضيخان) الفتاوى اخلانية بهام�ش الفتاوى الهندية 251،250/2 :ط ( )2املطبعة الأمريية،
بوالق م�صر 1310هـ حممد اخلر�شي املالكي :اخلر�شي على خمت�صر �سيدي خليل 111/8 :مرجع �سابق ،عبد الكرمي
ابن حممد الرافعي :فتح العزيز �شرح الوجيز مع املجموع يف �شرح املهذب 244/11 :النا�شر املكتبة ال�سلفية املدينة
املنورة (د.ت) ،موفق الدين بن قدامة املقد�سي :املغنى 832/7 :النا�شر مكتبة القاهرة 1388هـ.
( ((7بدائع ال�صنائع :املرجع ال�سابق ،275/7 :فتح العزيز :املرجع ال�سابق ،245/11 :املغني :املرجع ال�سابق ،303/5القواعد
البن رجب املرجع ال�سابق �ص .307
نتيجة لهذا الفعل ،ف�إنه ي�س�أل عن كل الأ�رضار الناجتة �إذا كان لفعله �أثر يف وقوعها،
�أما �إذا تخلل بني فعل املبا�رش ،وال�رضر �سبب �آخر ،فال �ضمان على املبا�رش ،النقطاع
�أثر فعله ووجود فعل من مت�سبب �آخر ي�س�أل عن ال�رضر املتتابع الذي حدث بت�سببه
املتدخل بني ال�رضر واملبا�رش الأول.
وكما �سبق �أنه عند اجتماع املبا�رش واملت�سبب ي�ضاف الفعل �إلى املبا�رش� ،إال �إذا
كان فعل املبا�رش نا�شئاً عن فعل املت�سبب �أو متولداً عنه(.)77
خال�صة القول� ،أن الأ�رضار املبا�رشة هي التي تكون نتيجة طبيعية للخط�أ الذي
�أحدثها ،وهي التي ال ي�ستطيع امل�رضور تو ِّقيها ببذل جهد معقول� ،أما الأ�رضار غري
املبا�رشة فهي التي ال تكون نتيجة طبيعية للخط�أ الذي �أحدث ال�رضر الأول ،لذلك
تنقطع عالقة ال�سببية بينها وبني اخلط�أ ،وال يكون املدعى عليه م�س�ؤو ًال عنها؛ النقطاع
�صلة فعله ببقية الأ�رضار التي وقعت.
ويف التكييف الفقهي مل�س�ألة ال�رضر املتتابع ،والتمييز بني املبا�رش وغري املبا�رش� ،أو
و�ضوح ميكن على هديه �إ�سناد ال�رضر �إلى �أيهما ،بخالف ما �أخذ ٌ املبا�رشة والت�سبب
به �رشاح النظام املقارن حيث اخللط يف الفعل ال�صادر من غري املبا�رش ،وهل يعترب
مت�سبباً �أو غري مت�سبب؟.
اخلامتة
� -1إن الإ�سناد هو �إقامة الدليل �أمام الق�ضاء على �صحة واقعة معينة يدعيها
املدعي يف الدعوى ،الذي يقع عليه يف املقام الأول عبء �إثبات ما يدعيه ،وينتقل
عبء الإثبات �إلى املدعى عليه الذي ميكن له �أن يدح�ض ما يدعيه املدعي ،فيقيم
الدليل على كذب �إدعائه ،وعدم �صحة دليل �إ�سناده ،والقا�ضي يف ذلك يوازن بني
�أدلة �إ�سناد لكل من املدعي واملدعى عليه ،وي�ستخل�ص منها بح�سب �سلطته التقديرية
ما ي�ؤيد دعوى �أي منهما.
� -2أنه يكرث �أمام الق�ضاء املنازعات املتعلقة ب�إ�سناد ال�رضر العقْدي �أو التق�صريي،
بخا�صة عندما تتعدد الأ�سباب املنتجة له ،وعودة هذه الأ�سباب �إلى �أطراف متعددة،
فال�رضر عادة نتاج فعل املدين -املدعى عليه يف دعوى امل�س�ؤولية -ولكن يف الواقع
قد يحدث �أن يتداخل معه فعل من قبل امل�رضور -املدعي -الدائن � ،أو فعل من قبل
الغري� ،أو فعل من قبل قوة قاهرة �أو حادث مفاجئ.
� -3أنه يرتتب على هذا التعدد كرثة املنازعات بني الأطراف التي تدفع بعدم
م�س�ؤوليتها عن ال�رضر ،وحتاول �إ�سناد ال�رضر �إلى فعل �آخر غري فعلها ،ب�أدلة الإثبات
املتعددة ،والقا�ضي يف ذلك ميلك �سلطة تقديرية وا�سعة يف الأخذ بدليل الإ�سناد �إلى
فعل بذاته �أدى �إلى ال�رضر بطريق مبا�رش �أو ا�شرتك مع غريه.
� -4أن القا�ضي معني يف املقام الأول بالبحث عن �سبب ال�رضر ،الذي ا�ستغرق
غريه من الأ�سباب ،واال�ستغراق بني الأ�سباب يحدث عندما يكون �أحد الأ�سباب
قد ارتكب عمداً� ،أو كان �أحدها من اجل�سامة ،فجاء ال�سبب الآخر نتيجة لهذه
اجل�سامة ،فمن ارتكب مثل هذه الأ�سباب ف�إنه حتما تتوافر م�س�ؤوليته عن ال�رضر،
ثم التعوي�ض.
� -5أنه قد يتبني للقا�ضي �أن كل �سبب كان له دور يف �إحداث ال�رضر ،و�أن ك ًّال
منها جاء م�ستق ًال عن الآخر ،وبذلك يت�أكد لدى القا�ضي اال�شرتاك بني الأ�سباب،
فيق�ضى بتوزيع التعوي�ض بني الأ�سباب ،ولو كان من بينها �سبب راجع �إلى املدعي،
فيتحمل ن�سبته يف التعوي�ض.
� -6أنه قد تت�سل�سل الأ�رضار الناجتة عن �سبب معني ،ف�إلى �أي منهما يتم �إ�سناد
هذه الأ�رضار؟ ،فهل يتم �إ�سناد الأ�رضار جميعها �إلى ال�سبب امل�ؤثر يف ال�رضر الأول؟
�أم �أن لكل �رضر جاء متعاقباً �سبباً خا�صاً به ،ثم �إ�سناد ال�رضر �إليه؟.
� -7أن القا�ضي يف مثل هذه احلاالت معني بالبحث عن ال�سبب امل�ؤثر يف
�إحداث ال�رضر الأول وما �إذا كان �أثره باقياً يف بقية الأ�رضار املتعاقبة �أم ال .ف�إن ثبت
�أن �أثره ظل باقياً يف الأ�رضار الأخرى ،و�أنه ال�سبب امل�ؤدي �إلى جميع الأ�رضار،
حكم مب�س�ؤولية مرتكب هذا ال�سبب ،ثم حتميله تعوي�ض كل الأ�رضار الناجتة عنه.
� -8أنه �إن تبني للقا�ضي �أن عالقة ال�سبب امل�ؤثر يف ال�رضر الأول قد انقطعت
ب�أ�سباب �أخرى يف الأ�رضار التالية ،فعليه الق�ضاء بتحميل الأ�سباب الأخرى الأ�رضار
التالية للأول ،كل منها بح�سب ت�أثريه يف ال�رضر ،وهكذا.
� -9أن عملية الإ�سناد للأ�رضار يف منازعات امل�س�ؤولية ،من الدقة مبكان ،وحتتاج
من الق�ضاء �إلى دراية ودربة عملية ،قد يحتاج الأمر من القا�ضي �إلى االنتقال �إلى
م�رسح الأحداث� ،أو االعتماد على جهات اخلربة املتميزة يف هذا املجال ،بخا�صة
عند تعدد هذه الأ�سباب �أو ا�شرتاكها� ،أو عندما ينتج عنها �أ�رضار متعددة قد تتعاقب
يف وجودها.
� -10أن م�س�ألتي تعدد الأ�سباب وت�سل�سل الأ�رضار يف جمال امل�س�ؤولية الإدارية
من امل�سائل الدقيقية للغاية ،لذلك يكرث حولها الطعون يف �أحكام الق�ضاء الإداري
على اختالف درجاته ،وكذلك الق�ضاء املدين ،وهي م�س�ألة حتتاج �إلى املزيد من
الدرا�سة من رجال الق�ضاء والعلماء ،حتى ميكن ا�ستجالء قواعدها وو�ضع ال�ضوابط
لها ،و�إن كان هناك �صعوبة يف ذلك ،لعدم تناهي م�ستجدات احلياة.
واهلل من وراء الق�صد