Professional Documents
Culture Documents
Document 464C02D7
Document 464C02D7
I s s u e 1 7 - Vo l u m e 5 - S u m m e r 2 0 1 6
ﻣﺤ ﱠ
ـﻜﻤﺔ ﻳﺼﺪرﻫﺎ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟDﺑﺤﺎث ودراﺳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت ﻓﺼﻠﻴــﺔ َ
ﻟـﻠـﻌــﻠـﻮم اﻻﺟـﺘـﻤـﺎﻋـﻴــﺔ واﻧـﺴـﺎﻧـﻴــﺔ
A Quarterly Peer-reviewed Journal Published by the ACRPS For Social Sciences and Humanities
ISSN 2305-2473
مـلـخــص :تـهـتــم ه ــذه ال ــدراس ــة الـســوسـيــولــوجـيــة بـتـحـلـيــل ش ــروط إن ـتــاج الـمـعــرفــة الـكــولــونـيــالـيــة في
ال ـم ـغ ــرب ،وه ــي ت ـخــص م ـســألــة ت ـكــويــن ن ـظــام الـتـعـلـيــم م ـنــذ ان ـط ــاق ع ـهــد ال ـح ـمــايــة س ـنــة .1912
يتعلق األمــر بــدراســة نقدية للخطاب الكولونيالي على مستوى تـطــور مفاهيمه فــي ثــاثــة أنــواع
مــن الـخـطــابــات :األول هــو الـخـطــاب اإلثـنــوغــرافــي الــوصـفــي ،وفـيــه سنحلل مـفــاهـيــم وتـصــورات
كل من جورج بدايات هذه المعرفة التي رامت إنتاج مفاهيم وخلق مجال تعليمي جديد عند ٍّ
ه ــاردي وروجـيــه لــوتــورنــو وأنــدريــه بيريتي ولــويــس بــرونــو ،وسـتـجــري دراس ــة مفاصله والمفاهيم
وظ ـف ـهــا .وال ـنــوع الـثــانــي هــو الـتـحـلـيــل االجـتـمــاعــي الـتــاريـخــي األنـثــروبــولــوجـيــة الـكــاسـيـكـيــة الـتــي ّ
الــذي يستخدمه جــاك بيرك لدراسة التعليم المغربي وتطوراته التاريخية ،وخاصة فئة العلماء.
ّأمــا الـنــوع الـثــالــث ،فـهــو الـخـطــاب الـســوسـيــولــوجــي الــذي تـبـلــور بـعــد انـتـظــام الـمـعــرفــة الكولونيالية
وتحكم االستعمار في السياق التعليمي على مستويات األطر والمعرفة والبيداغوجيا واالنتقاء ُّ
تبين
والنجاح الدراسيين ،ويرتبط األمر في هذا اإلطار بلوسيان باي .يتم من خالل هذه الدراسة ُّ
البراديغم المعرفي الكولونيالي ومنطق إنتاجه ،وكيفية بناء سوسيولوجيا ناقدة لالستعمار تضع
األسس لبناء سوسيولوجيا تحريرية منفتحة على أسئلة العصر الراهن.
الكلمات المفتاحية :إنتاج المعرفة ،الخطاب الكولونيالي ،نظام التعليم ،جاك بيرك
Abstract: This sociological study analyzes the conditions for the production of
colonial knowledge in Morocco with a focus on the foundation of Morocco’s
education system at the start of the protectorate in 1912. The author offers a
critical study of colonial discourse and divides colonial knowledge production
into three kinds of discourse. The first is descriptive ethnography, which first
sought to create a new educational field and produce new concepts, through
* أستاذ مؤهل في علم االجتماع ،كلية اآلداب سايس ،جامعة سيدي محمد بن عبد الله ،فاس ،المغرب.
** Professor of Sociology at the Faculty of Arts, Sidi Mohamed Ben Abdellah University, Fes, Morocco.
68
العدد Issue 5 / 17
صيف Summer 2016
the works of Georges Hardy, Roger LeTourneau, and Louis Bruno. The second
kind of discourse is the socio-historical analysis used by Jacques Berque to
study Moroccan education and its historical development, especially among the
class of religious scholars. The third discourse is the sociological discourse that
coalesced after the organization of colonial knowledge and colonial control of
education in terms of staff, knowledge, pedagogy, and academic selection and
success. Finally, the study attempts to clarify the paradigm of colonial knowledge
and the logic of its production and explores how to construct a critical sociology
of colonialism that lays the foundations for constructing a sociology of liberation
open to contemporary questions.
Keywords: Knowledge Production, Colonial Discourse, Educational System,
Jacques Berque
تمهيد
المعرفة التي أنتجها االستعمار فــي البلدان التي خضعت للظاهرة االستعمارية قضية مركّ بة
ومعقدة بحيث تتطلب مــن الباحث فــي العلوم االجتماعية ُعـ ّـدة معرفية عبر تخصصية ،كما
تتطلب منه االنـخــراط فــي التفكير واالستقصاء الميداني قصد اإلحــاطــة بأسئلة محورية ،مــن قبيل :ما
الـ َـبـ َـراديـغــم المعرفي الــذي أنتجه االسـتـعـمــار بغية إنـتــاج وعــي بمجتمع «األهــالــي»؟ مــا منطق إنـتــاج هذه
المعتمدة والفاعلين المنخرطين فــي إعــداد هــذه المعرفة وصــوغـهــا؟ كيف َ المعرفة ،وخــاصــة التقنيات
تـلـ ّقــت نخبة المجتمع المستعمر هــذه الـمـعــرفــة ،ومــا حــدود تــأثـيــرهــا فــي وعــي ذاتـهــا ووعــي موقعها في
وخصوصا بعد االستعمار؟ ما آليات التعاطي الفكري إزاء المعرفة التي خ ّلفها االستعمار ً المجتمع،
في أفق الوعي التاريخي بالتغيرات المعرفية والمادية والرمزية التي تداخلت مع البنى الذاتية للمجتمع
المتحرر من االستعمار؟ ما دور المعرفة الذاتية في معالجة الظواهر التي حاولت المعرفة االستعمارية
تغييرها وفق مصالح المستعمر الوافد؟
(1) Hassan Rachik et Rahma Bourqia, «La Sociologie au Maroc: Grandes étapes et jalons thématiques,» Sociologies
(2011), at: http://sociologies.revues.org/3719
69 برغملا ةلاح -ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس :روحملا
رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس
االرت ـه ــان لـلـمـسـتـعـمــر ال ـســابــق عـلــى الـ ُـص ـعــد االق ـت ـصــادي والـسـيــاســي وال ـث ـقــافــي .مــن جـهــة أخ ــرى ،تظهر
ف ـعــال ـيــة ال ــدراس ــة ال ـســوس ـيــو تــاري ـخ ـيــة لـلـمـعــرفــة ال ـكــولــون ـيــال ـيــة لـتـجـلـيــة ال ـظ ــواه ــر وال ـت ـخ ـص ـصــات الـبـحـثـيــة
الـتــي خ ّلفتها هــذه الـمـعــرفــة ،بسبب تــرابــط الهيمنة االسـتـعـمــاريــة والـمـعــرفــة الــدقـيـقــة بخصائص المجتمع
معرفيا ألجــل التشخيص الـنـقــدي لـهــذه المعرفة المتعددة والمركّ بة. ً المستعمر ،وهــو مــا يتطلب جـهــدً ا
من هنا ،يقتصر البحث على دراسة موضوعة التعليم في المغرب من خالل المعرفة الكولونيالية التي
تشكلت خــال مــرحـلــة الـحـمــايــة ،وذلــك عـلــى مـسـتــويـيــن :مـسـتــوى الـمـفــاهـيــم والـتـصــورات الـتــي تبلورت
داخل هذه المعرفة ،ومستوى معالجة الوقائع التعليمية والتربوية والتغيرات التي اكتنفتها ،سواء تعلق
األم ــر بــالـمــؤسـســات التعليمية الـتـقـلـيــديــة (جــامــع الـقــرويـيــن وال ــزواي ــا والـكـتــاب الـقــرآنــي) أو بــالـمــؤسـســات
الـتـعـلـيـمـيــة ال ـتــي أحــدث ـهــا الـمـسـتـعـمــر ،وخ ــاص ــة ال ـم ــدارس الـفــرنـسـيــة اإلســام ـيــة وال ـم ــدارس اإلســرائـيـلـيــة،
ومدارس أبناء األعيان...
تاريخيا أن نمو علم االجتماع فــي المغرب مرتبط بظاهرة التوسع اإلمبريالي كما أشــار
ً مــن المعروف
إلى ذلك عبد الكبير الخطيبي؛ فقد اس ُتغل هذا العلم في السياسات االستعمارية ،فمهدت السلطات
االستعمارية للتغلغل االستعماري بالمعرفة التشخيصية أو اإلثنوغرافية لمكونات المجتمع المغربي،
وأسست لذلك في سنة 1904بعثة علمية برئاسة ألفرد لوشاتولييه ( )A. Lechatelierفي طنجة ،وبإدارة
جورج سالمون ً
أول ثم بإدارة ميشوبلير بعد سنة .(((1907
ت ـم ـ ّث ـلــت م ـه ـمــة ال ـب ـع ـثــة ف ــي م ـح ــاول ــة إرس ـ ــاء ت ـص ــور اس ـت ـع ـم ــاري خ ــاص بــال ـم ـغــرب يـخـتـلــف ع ــن ال ـت ـصــور
فعمل على توسيع آفــاق النظر إلــى وظــائــف ضباط الجيش التي االستعماري الــذي ُطـ ّـبــق فــي الـجــزائــرُ ،
لــم تقتصر على المهمات الحربية والقتالية ،وإنـمــا امـتــدت إلــى تــأديــة مهمات معرفية وبحثية ،وأخــرى
تربوية وتأطيرية فــي المستعمرات .بناء على ذلــك ،جــرت مأسسة السياسة العلمية بهدف إرســاء علم
االجتماع الكولونيالي الــذي كمنت مهمته األساسية في تجميع الوثائق الضرورية التي تساعد «على
ـاســا بـمـعــرفــة صــاغـهــا ضـبــاط ال ـشــؤون األهـلـيــة
دراس ــة الـمـغــرب وتـنـظـيـمــه وتـتـ ُّـبــع حـيــاتــه» .ويـتـعـلــق األم ــر أسـ ً
المستعمرة ،ومنهم لوشاتولييه وميشوبلير ،كي تكون خاضعة لمراقبة الجيش َ الذين عملوا في الجزائر
الفرنسي الــذي يــزود الباحثين بتقارير استعالماتية .كما أجــرى هــؤالء أبحا ًثا استكشافية تتعلق بالنظام
السياسي (المخزن) والنظام االجتماعي (القبيلة) والنظام الرمزي والديني (الدين ومؤسساته والزوايا
والجماعات الدينية) ،ونـشــروا تلك األبـحــاث فــي األرشـيـفــات المغربية منذ سنة 1904مــن جهة ،وفي
مجلة الـعــالــم اإلســامــي الـتــي ُأص ــدرت مـنــذ سـنــة 1906مــن جـهــة أخ ــرى .وقــد غـلــب عـلــى هــذه المعرفة
التخصص السوسيولوجي وعلم التاريخ ُ الكولونيالية المنتظمة في إطار تنزيل أهداف الغزو والهيمنة
واألبحاث اللغوية والجغرافيا ،وقامت على أساس برامج وتمويل ودعم مادي من طرف نظام الحماية
ووزارة الخارجية الفرنسية.
((( عبد الكبير الخطيبي« ،مراحل السوسيولوجيا بالمغرب »،1967-1912 ،في :الحوليات المغربية لعلم االجتماع (الرباط :معهد
العلوم االجتماعية ،)1970 ،ص .4
70
العدد Issue 5 / 17
صيف Summer 2016
ـورا وفــق تـشـ ّـعــب حــاجــات الـحـمــايــة ،وتـبـلــور ذلــك كـلــه في شـهــد نـظــام الـبـحــث الـعـلـمــي االسـتـعـمــاري ت ـطـ ً
إطــار إلـحــاق الشعبة المغربية للبعثة العلمية بـمــديــريــة الـشــؤون األهـلـيــة لــإقــامــة الـعــامــة فــي سـنــة ،1919
يسمى وتأسيس معهد الــدراســات العليا المغربية سنة 1920كـ مؤسسة للتعليم العالي والبحث ،وكــان ّ
في ما سبق ،أو منذ سنة ،1912المدرسة العليا للعربية واللهجات األمازيغية .اختص المعهد بدراسة
اللغات في المغرب وتكوين المترجمين ،والــرفــع من مستوى فاعليته العلمية والتوجيهية عبر تجميع
الـبــاحـثـيــن ،مــن أمـثــال هـنــري الووس ــت ولـيـفــي بــروفــانـســال ولــويــس بــرونــو ،للقيام بمهمات بحثية تخص
قـضــايــا سـيــاسـيــة ول ـغــويــة /ثـقــافـيــة وتــاري ـخ ـيــة واج ـت ـمــاع ـيــة ،ون ـشــرهــا فــي مـجـلــة ه ـس ـب ــري ــس((( ،ونـيـطــت بهم
مـهـمــات تـكــويــن األط ــر الـعـسـكــريــة والـتـعـلـيـمـيــة ،مــع تمكينهم مــن إثـنــولــوجـيــا خـصــائــص الـمـغــاربــة الــديـنـيــة
والثقافية واالجتماعية.
رسميا في فاس سنة )1912 ً ثمة ترابط أساسي بين تطور المعرفة الكولونيالية قبل الحماية (التي ُأعلنت
وتوطيد اإلدارة االستعمارية ،وتمكين ضـبــاط الـشــؤون األهلية والمراقبين المدنيين مــن مضامين هذه
الـمـعــرفــة وتــوظـيـفـهــا سـيــاسـ ًـيــا وأيــديــولــوجـ ًـيــا واق ـت ـصــاد ًيــا وبـشــر ًيــا قـصــد الـتـحـكــم االسـتـعـمــاري فــي اإلنـســان
والمجال ،واستغالل الـثــروات المغربية ،ومواجهة المقاومة الوطنية .من هنا ،اع ُتمد فاعلون متعددو
ال ـك ـف ــاءات ،مـنـهــم م ـخ ـبــرون وض ـب ــاط ع ـس ـكــريــون وأس ــات ــذة ف ــي تـخـصـصــات مـخـتـلـفــة ،م ــن ع ـلــوم دقـيـقــة
وعـلــوم اجتماعية وهندسة ،ورجــال قــانــون ذوو تجربة قوية فــي تدبير المستعمرات كما كــان األمــر في
الجزائر ومدغشقر.
وإذا كان االستعمار يمثّل هيمنة على مجتمع آخر بالقوة العسكرية قصد استغالل ثروات هذا المجتمع
تحضره» وحاجته إلى تجاوز الفوضى والتأخر، وطاقاته البشرية والمادية ،وإذالل اإلنسان بدعوى «عدم ّ
فــا غــرابــة إن وجــدنــا أنــه ال يـعـتـمــد فـقــط عـلــى الـقــوة الـمــاديــة والـعـسـكــريــة لـفــرض سـيـطــرتــه عـلــى اإلنـســان
المستعمر وجماعاته،
َ أيضا بالسلطة الرمزية لممارسة تأثيره في أفــراد المجتمع والمجال ،بل يتوسل ً
وتكريس المثاقفة المفروضة ،وقولبة الذهنيات بغية خلق القابلية لالستعمار لدى هذه المجتمع؛ ولعل
من أبرز أدوات هذه السلطة المعلم والطبيب.
(3) Fouzia Benzakour, Driss Gaadi et Ambroise Queffélec, Le Français au Maroc: Lexique et contacts de langues,
préf. de Danièle Latin, actualités linguistiques (Bruxelles; [Paris]: De Boeck Université-Duculot; [Montréal; Paris]:
AUPELF-UREF, 2000), 39.
71 برغملا ةلاح -ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس :روحملا
رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس
المختلفة ،وتـكــون متشبعة بالثقافة والـمـعــرفــة ذواتــي األفــق االسـتـعـمــاري ،وقــوامـهــا التسلط الــرمــزي عن
طريق اللغة والتاريخ الفرنسيين والحضارة الغربية لتظل مرتبطة بثقافة المستعمر.
نتوخى مــن التركيز على المعرفة تقسيم اإلنـتــاج الكولونيالي الـخــاص بـمـيــدان التعليم إلــى ثــاثــة أنــواع
من الخطابات :األول هو الخطاب اإلثنوغرافي ،وفيه نحلل مفاهيم وتـصــورات بــدايــات هــذه المعرفة
الـتــي رامــت إنـتــاج مفاهيم وتـكــويــن مـجــال تعليمي جــديــد عند كـ ٍّـل مــن جــورج هــاردي وروجـيــه لوتورنو
وأندريه بيرتيي ولويس برونو .وسنقوم بدراسة مفاصل هذا الخطاب اإلثنوغرافي الوصفي ،والمفاهيم
األنـثــروبــولــوجـيــة الـكــاسـيـكـيــة الـتــي يــوظـفـهــا .الـخـطــاب الـثــانــي هــو التحليل االجـتـمــاعــي الـتــاريـخــي الــذي
يستخدمه جــاك بيرك لــدراســة التعليم المغربي وتطوراته التاريخية ،وخاصة فئة العلماءّ .أمــا الخطاب
وتحكم االستعمار في ّ الثالث ،فهو الخطاب السوسيولوجي الذي تبلور بعد تطور المعرفة الكولونيالية
السياق التعليمي على مستويات األطــر والمعرفة والبيداغوجيا واالنتقاء والنجاح الدراسيين .ويرتبط
األم ــر فــي هــذا اإلط ــار بـلــوسـيــان ب ــاي ،وبــالـتــالــي يـتـعـيــن االس ـت ـمــرار فــي الـتـحـلـيــل الـنـقــدي لــأنـثــروبــولــوجـيــا
ولـلـســوسـيــولــوجـيــا األمـيــركـيــة الـتــي تـطــورت فــي الـغــرب بـعــد االسـتـعـمــار وفــاقــت الـســوسـيــولــوجـيــا الفرنسية
لكونها اختصت بمعاينة تحوالت نظام التعليم في المغرب وآفــاق التحديث والتقليد ضمنه ،وخاصة
مع األنثروبولوجي ديل إيكلمان.
الخطاب اإلثنوغرافي
-جورج هاردي ولويس برونو :نحو إثنوغرافيا مدرسية
ـوذجــا مـتـمـيـ ًزا فــي إنـتــاج الـخـطــاب اإلثـنــوغــرافــي الـمــدرســي .وقــد
يـمـ ّثــل جــورج ه ــاردي ( )1972-1884نـمـ ً
ومديرا
ً ساعدته تجربته المهنية في المستعمرات على تكوين هذه اإلثنوغرافيا وصوغها؛ إذ كان أستا ًذا
ومهندسا إلصالحات النظام التعليمي الكولونيالي في أفريقيا ً للتعليم في «أفريقيا الغربية الفرنسية»،
مديرا للتعليم العمومي في المغرب تحت إمرة هوبر ليوتي من سنة 1919 ً الغربية حتى سنة ،1919ثم
إلــى سنة .1925كــان هــاردي قد تصور أن فعالية التعليم الكولونيالي تكمن في إرســاء مدرسة ابتدائية
وطبقيا
ً إثنيا
مـحــدودة التأثير ،وغير مــوحــدة على مستوى المجتمع الكبير لكونها ذات طابع تقسيمي ً
واجـتـمــاعـ ًـيــا ،إضــافــة إلــى أن الـتـعـلـيــم االبـتــدائــي هــو الـحــد األقـصــى لـلـمـسـتــوى التعليمي ال ــذي ينبغي أن
يستفيد منه األهــالــي ،ويحق للنخبة العليا أن تستفيد مــن مستوى متوسط هــو التعليم اإلعــدادي الــذي
واجتماعياّ .أما لويس برونو ( ،)1965 - 1882فكان أستا ًذا ً تكوينيا
ً تنحصر أهدافه في مستويات متدنية
ومهتما بدراسة اللغات واللهجات في المغرب وشمال أفريقيا ،وشغل منصب مدير معهد الدراسات ً
العليا المغربية في الرباط من سنة 1935إلى سنة .1947
من أهــم ما أنجزه هــاردي وبرونو بشأن التعليم في المغرب عملهما اإلثنوغرافي في ما يتعلق بالطفل
تصورا لإلثنوغرافيا كخطاب يضفي قوة سيميائية على القوة
ً المغربي ،فهما يستخدمان في كتابهما هذا
التي تحظى بها السلطة االستعمارية ،التي هي أساس شرعية الخطاب .ومن ثم ،فإن اإلثنوغرافيا هنا
72
العدد Issue 5 / 17
صيف Summer 2016
ليست عـلـ ًـمــا لـلــوصــف الـثـقــافــي وال تــأويـ ًـا للتعابير الـتــي تــرمــز إلــى مـمــارســات الـنــاس فــي ظــرف مــا وفــي
محمل بمسبقات أيديولوجية وأحـكــام جاهزة لوصم اآلخــر المختلف، َّ مكان مــا((( ،وإنما هي خطاب
كان الكاتبان قد استمداها من مع ّلمي األهالي الفرنسيين وصاغاها بناء على معطيات ُجمعت بطريقة
تعطي صورة مجحفة بحق الطفل المغربي.
يــرصــد الـكـتــاب خـصــائــص الـطـفــل الـفـيــزيـقـيــة ومـظـهــره الـخــارجــي وسـلــوكــه الـعــام ونـمـطــه الـنـفـســي وأدواره
الثقافية وخصائص تنشئته؛ فهو أسمر اللون وذو عينين سوداوين وجبهة ذات «طابع عمودي» ..وهذه
ـوصــا في
مميزات تخص أطـفــال الـعــرق العربي واألمــازيـغــي الـخــالــص ،مــع تأكيده اخـتــاط الــدم ،وخـصـ ً
األوساط البرجوازية(((.
وبحسب هــاردي وبــرونــو ،يتصف الطفل المغربي بمقاومته االستثنائية للتعب واأللــم ،ويفسران ذلك
بـمـبــدأ االنـتـقــاء الــدارويـنــي .كـمــا نجدهما يسلطان الـضــوء عـلــى نـقــص الــوقــايــة وال ـعــاج ،وسلبية شــروط
الوجود ،أي التغذية والسكن ،واستفحال ظاهرة وفيات األطفال عند الــوالدة .كما أن النشاط الحسي
للطفل يتأثر بنقص الوقاية ،وحواسه كلها ،أي الذوق والسمع واللمس ،تفتقر بدورها إلى النفاذ(((.
يــاحــظ ه ــاردي نـقــص الـضــوء واإلن ــارة ،وانـتـشــار الـغـبــار فــي فـضــاء الـمــديـنــة ،فـحــدث نتيجة ذلــك ضعف
عام في الرؤية .ويشير إلى أمراض العين ،كالرمد الحبيبي وضعف العالج ،وإلى وجود عدد كبير من
بالكاتبين إلــى اسـتـخــدام مفهوم الحس العملي عند
َ ضعاف الـبـصــر((( .اإلمـســاك بهذه الخصائص دفــع
المغاربة ،واختزاله إلى الطباع ،وهو المفهوم الذي يتداوله الك ّتاب الكولونياليون من بعدهما.
يتسم النمط السيكولوجي للطفل المغربي بالتجانس ،ويرجع ذلك -بحسب هاردي وبرونو -إلى وحدة
الــديــن اإلســامــي وطــابـعــه الكلياني؛ فالسيكولوجيا اإلســامـيــة هــي الـتــي طبعت هــذا الطفل بخصائصه
الـسـلــوكـيــة والـثـقــافـيــة عـلــى نـحــو عـمـيــق مــع أنـهــا كــانــت تـخـتــزن شـعــائــر «قـبــل إســامـيــة»؛ ذلــك ألن اإلســام
ظاهرة جماعية تؤثر في الفرد ليتشابه مع الجماعة ،وهو من ثم رحيم ومحسن ومستقيم ونظيف على
الطريقة اإلسالمية.
هـنــاك ام ـتــداد مــن الـطـفــل إلــى الــراشــد بـسـبــب التنشئة اإلســامـيــة الـمــوحــدة؛ ف ـهــاردي وبــرونــو يـعـتـقــدان أن
اإلســام فــي طابعه الدوغمائي الخالص يمكنه أن يتيح حرية التفكير ،لكن اإلســام الـيــومــي ،وبعبارة
أخرى ،التدين الجاري الخاضع لإلحيائية ،نجده يطفئ جذوة الفكر ،وبالتالي تكون الجماعة المسلمة
طاغية على الفرد(((.
(4) Bruce L. Berg, Qualitative Research Methods for the Social Sciences, 4th ed. (Boston: Allyn and Bacon, 2001), 134.
(5) Georges Hardy et Louis Brunot, L’enfant marocain: Essai d’ethnographie scolaire, editions du «Bulletin de
l’enseignement public au Maroc», Janvier 1925, no. 63 (Paris: E. Larose, 1925), 4.
(6) Ibid., 5.
(7) Ibid., 6.
(8) Ibid., 7.
73 برغملا ةلاح -ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس :روحملا
رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس
تـتـمـظـهــر ال ـع ــاق ــة ال ـب ـنــائ ـيــة ل ـل ـفــرد وال ـج ـمــاعــة ف ــي ال ــدي ــن اإلس ــام ــي واح ـت ــوائ ــه ل ـه ـمــا ف ــي ك ــون ــه ي ــؤث ــر فــي
طــريـقــة الـتـعـلـيــم والـتـعـلــم؛ فـمــا يـسـيـطــر عـلــى ذهـنـيــة الـطـفــل الـمـتـمــدرس الـمـغــربــي هــو تـفـعـيــل دور الــذاكــرة
الـسـمـعـيــة ،بـمـعـنــى أن مـعــرفــة ال ـقــرآن تـتــم بــالـحـفــظ ،والـحـفــظ شـحــذ ل ـلــذاكــرة وآل ـيــة مـعـتـ َـمــدة فــي اكـتـســاب
م ـع ــارف أخ ـ ــرى .والـ ــذاكـ ــرة هـ ــي ،وفـ ــق ت ـص ــور هـ ـ ــاردي ،ال ـ َـم ـ َل ـك ــة ال ـت ــي ط ــورت ـه ــا ال ـت ـكــوي ـنــات ال ـت ـق ـل ـيــديــة.
ويـتـعـمــق مـ ــوروث ال ــذاك ــرة ج ـيـ ًـا ب ـعــد ج ـيــل ع ــن طــريــق ت ـع ـ ّلــم الـ ـق ــرآن ،وبــال ـتــالــي تـشـكــل ال ــذاك ــرة خ ـطـ ًـرا
لـكــونـهــا ال تـتـيــح اكـتـســا ًبــا مـنـهـجـ ًـيــا لـلـمـعــارف ،ويـسـتـخـلــص الـكــاتـبــان مــن ذلــك «اف ـت ـقــار» الـطـفــل الـمـغــربــي
إلى الخيال(((.
في إطار المنظور المعياري المسبق بشأن اإلسالم ،يعتبر الكاتبان أن كل إبداع هو بالنسبة إلى اإلسالم
بــدعــة ،لذلك ُيعتمد التقليد الـمــوروث وإبـعــاد الحكم والبرهنة العقلية وحــريــة الفكر .وإذا كــان الحس
العملي المتطور عند الطفل يتجلى في الفهم السريع والبرهنة الصحيحة ،فإن ذلك ال يظهر إال عندما
خصوصا حين
ً تبرز مصلحة شخصية لــديــه ،ويستنتجان مــن ذلــك أن الطفل المغربي يشكل استثناء،
يحكمان عليه باألنانية والتمركز حول الذات ،لكأن هذه الخاصية ليست عامة على الطفولة كما تؤكد
األبحاث السيكولوجية ذلك(.((1
إذا كــانــت «ال ـم ـع ـت ـقــدات ال ـخــراف ـيــة» مـنـتـشــرة آنـ ــذاك ف ــي أوسـ ــاط ال ـط ـفــولــة ال ـم ـغــرب ـيــة ،بـحـســب ال ـكــات ـبــان،
ف ــإن دور ال ـم ــدرس ــة أس ــاس ــي بــالـنـسـبــة إلـيـهـمــا لـصـقــل س ـلــوك ال ـط ـفــل؛ ه ــذا ال ـس ـلــوك الـ ــذي طـبـعـتــه تـنـشـئــة
عــائـلـيــة تـقـلـيــديــة تعتمد فــي مـجــال الـصـحــة عـلــى ال ـتــداوي بــاألعـشــاب ،وتـعـتـمــد فــي مـجــال إع ــداد الــذات
على ارتــداء لـبــاس الـكـبــار( .((1كما أنـنــا نراهما يميزان بين األطـفــال والنظافة بحسب الفئة االجتماعية؛
إذ ت ـك ـثــر ال ـن ـظــافــة ل ــدى أط ـف ــال ال ـف ـئــة ال ـع ـل ـيــا وت ـق ــل ل ــدى أط ـف ــال ال ـف ـئ ــات ال ـف ـق ـي ــرة .وه ـم ــا ي ـن ـصــان أيـ ًـضــا
عـلــى الـمـكــانــة الـمـهـمــة ال ـتــي يـحـتـلـهــا الـطـفــل ف ــي ال ــوس ــط ال ـعــائ ـلــي ،وال ــدالل ــة الــرمــزيــة لـحـفــات الـخـتــان
ول ــأس ـم ــاء ال ـم ـس ـنــدة إل ــى ال ـط ـفــل ب ـح ـســب ال ـن ــوع .وع ـل ــى ال ـع ـم ــوم ،ي ـن ـمــو ال ـط ـفــل ف ــي إطـ ــار تــرب ـيــة ذات
ط ــاب ــع «سـ ـح ــري» ،وه ــو م ــا ي ـجـعــل الــذه ـن ـيــة ال ـج ـمــاع ـيــة ت ـت ـصــف ب ـخ ـصــائــص ذه ـن ـيــة م ــا ق ـبــل م ـن ـط ـق ـيــة(.((1
وي ــاح ــظ ال ـكــات ـبــان امـ ـتـ ــدا ًدا ب ـيــن ال ـتــرب ـيــة ال ـعــائ ـل ـيــة وت ـن ـش ـئــة ال ـط ـفــل ف ــي ال ـك ـت ــاب ال ـق ــرآن ــي ،وه ــي تـجـســد
«بيداغوجيا بدائية»(.((1
اهتم لوتورنو بوصف التعليم العالي اإلسالمي انطال ًقا من مجال التنظيم العام ،إذ ينص على أن جامعة
القرويين غلب عليها الطابع الديني والتقليدي ،ولــم تكن تشتغل بالبرامج .وكــان تعيين األســاتــذة يتم
بقرار يتخذه قاضي جماعة فــاس بعد موافقة المخزن ،وخاصة منذ عهد الحسن األول( .((1والقاضي
المشار إليه هو الذي كان يدير ميزانية الجامعة «بما له من إشراف على إدارة األوقاف ألن هذه الميزانية
لم يكن يمولها غير األحباس»(.((1
مجهول ،ظل نظام مــدة الــدراســة يجري وفــق العادة ً إضافة إلــى أن العمل بمفهوم السنة الدراسية كــان
المتداولة ،إذ كان التكوين الدراسي يربو على خمس سنوات على األقــل ،هذا مع أن تقييم المعارف
بامتحانات لــم يكن مقن ًنا وإنـمــا كــان الطالب الــذي يجيد تقديم الــدرس أمــام علماء عــدة ُيمنح مــا كان
يسمى الشهادة ،أي إجازة بناء على امتالكه المعارف الدينية المطلوبة .وكان لكل طالب حامل لإلجازة َّ
فقيها» ،ويلتمس بعد ذلك أن ّ
يعينه يدرس بجامعة فاس وكان يدعى عادة ً من أساتذته «الحق في أن ّ
(((1
الـمـخــزن أس ـتــا ًذا رسـمـ ًـيــا .وتـجــدر اإلش ــارة إلــى أن األســاتــذة ينتظمون فــي مــراتــب ،أعــاهــا مــرتـبــة الــدرجــة
األولى ،وكان عددهم في سنة 1904سبعة عشر أستا ًذا( .((1وعلى العموم ،كان األساتذة يحتلون مكانة
مهمة في مجالي التعليم والسياسة من جهة ،وفي مجال تنظيم المجتمع وتوجيهه من جهة أخرى.
هكذا يتضح أن التعليم العالي اإلسالمي اعتمد تقسيم العلماء والمدرسين إلى درجات بما ينسجم مع
يعين مكانة المدرس وأدواره ومستوى أجــره والهدايا التي كان يتلقاها وفق مرتبته. التراتب الــذي كان ِّ
ويتوقف التراتب الذي كانت هيئة العلماء تخضع له على معايير خاصة ،منها الكفاءة العلمية للمدرس
وأقدميته وشهرته في حال تضاعفت أعداد الطالب في حلقته التدريسية واستجاب لـ«رغبات» الطالب
الـمـتـعـلـقــة بـمـضــامـيــن الـمـعــرفــة الـتــي يـطـمـحــون إل ــى تـعـلـمـهــا :الـفـقــه وال ـع ـلــوم الـمـســاعــدة ،وه ــذه الــرغـبــات
طبعا ،إن ترقيته كمدرس إلــى الدرجة الرابعة ،بعد شروعه في تعبر عن الخطاطات الذهنية الراسخةً . ّ
العمل بــالــدرجــة الخامسة ،تقتضي اعـتــراف أســاتــذتــه الكبار بكفاءته وشـهــرتــه ،ثــم قــدرتــه على استخدام
( ((1روجــي لوتورنو ،فــاس قبل الحماية ،ترجمه إلى العربية محمد حجي ومحمد األخضر ،ج ( 2بيروت :دار الغرب اإلسالمي،
،)1986ص .656
( ((1المصدر نفسه ،ص .657
( ((1المصدر نفسه ،ص .660
( ((1المصدر نفسه ،ص .664
75 برغملا ةلاح -ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس :روحملا
رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس
رأس المال االجتماعي للحصول على ظهير سلطاني جديد( .((1وتعادل الدرجة األولى المنصب الرفيع
الــذي يمثّله العلماء الـكـبــار؛ فــالـعــالِــم الــرفـيــع الــدرجــة َّ
يسمى «الـمـشــارك» ،وهــو مــؤ ِّلــف ومـعـتـ َـرف بسلطته
الرمزية والمعرفية ،فاألستاذ محمد بن جعفر الكتاني ،وهو في هذه الدرجة الممتازة ،كان يقدم حديث
كرسيا،
ً وتأسيسا على ذلك ،الحظ بيرتيي أن جامعة القرويين تتوفر على 12 ً البخاري على الكرسي.
وهي مرتبطة بالدروس ال باألشخاص .
(((1
اهتم لوتورنو كذلك بحياة الطالب الدراسية واالجتماعية ،والحظ أنهم ينقسمون إلى قسمين :الفاسيون
أبـنــاء المدينة ،واألفــاقـيــون المنحدرون مــن الـبــاديــة ،وكــان عــددهــم فــي أوائــل الـقــرن العشرين يـتــراوح بين
600و 700طالب( .((2وكانت ست مدارس في فاس تابعة لألحباس تؤوي الطالب ،وهي بمثابة مراكز
أيضا إلقامة الصالة ،ويتلقون فيها الخبز والماء كل يوم ،وهي :مدرسة يؤمونها ً
لإليواء ،وكان الطالب ّ
الصفارين ومــدرســة العطارين ومــدرســة المصباحية ومــدرســة الشراطين ومــدرســة بــاب عجيسة ومدرسة
موالي عبد الله .كما أنه كان لكل مدرسة زبنائها الخاصون الذين يشتركون في اإليواء بمدرسة خاصة
مثل كانت تؤوي طالب سوس(.((2 نتيجة انتمائهم القبلي أو المناطقي الموحد؛ فمدرسة الصفارين ً
اعتما ًدا على مرجع إثنوغرافي لبرتيي ،وهو مرجع مهم ويتعلق بمدارس فــاس ،يرصد لوتورنو العلوم
تدرس في جامعة القرويين في أوائل القرن العشرين وهي :الحديث، والمواد اإلحدى عشرة التي كانت َّ
يدرس من خالل كتب مختصر سيدي خليل ورسالة ابن ويسمى البحر ألنه كان َّ
َّ وأصول الفقه ،والفقه
أبــي زيــد القيرواني والمرشد المعين البــن عاشر وتحفة ابــن عاصم ،وكذلك النحو والبيان ،والمنطق،
يدرس خارج الجامعة) والتوحيد ،والقضاء ،واألحكام ،واألدب(.((2
والعروض ،والحساب (وكان َّ
»A. Péretié, «Les Médersas de Fès, Archives marocaines ( ((1ال ـ ـم ـ ـصـ ــدر ن ـف ـس ــه ،ص 661و 18, (1912), 322.
(19) Péretié, 317.
( ((2لوتورنو ،ص .666
( ((2المصدر نفسه ،ص .669-668
( ((2المصدر نفسه ،ص .655-654
76
العدد Issue 5 / 17
صيف Summer 2016
اقتالع جذورهم أو «المساس بهويتهم» ،والعمل على أن تكون المدرسة آلية لتقريب أبناء النخبة وإبعاد
الطبقات الشعبية وتجميدها في الوضع الذي كانت عليه.
تدل المفاهيم التي يوظفها ديمومبين في خطابه الكولونيالي على نزعة وظيفية سطحية من قبيل مفهوم
ال ـتــوازن االجـتـمــاعــي وال ـفــائــدة االجـتـمــاعـيــة والـنـفـعـيــة .كـمــا نـجــده يـسـتـخــدم مـفــاهـيــم اسـتـعـمــاريــة ،كــالـغــزو
األخــاقــي الــذي تـمــارســه الـمــدرســة ،وغــزو األب ــدان الــذي تـمــارســه الـمـســاعــدة الـطـبـيــة ،ومـفـهــوم المقاصد
الحضارية إلخراج المغرب من الفوضى إلى النظام(.((2
يـتـجـلــى ض ـمــان اسـتـغــال ن ـظــام الـحـمــايــة لـلـمـغــرب عـلــى الـصـعـيــد االق ـت ـصــادي ،بـحـســب ديـمــومـبـيــن ،في
تناقضا بين الحفاظ على التقاليد ً سي ْحدث نشر التعليم الحديث لفائدة «األهــالــي» ،وهــذا اإلجــراء ُ
(((2
والمؤسسات القديمة وإرادة إدراج المغاربة في صيرورة التغيير االستعماري .ومن نتائج هذا التناقض
التعدد الذي سيطرأ على حقل التعليم وعلى المجتمع في المغرب ،حيث إن ديمومبين لم يدرك سوى
التعدد ال عناصر الوحدة؛ فهناك األمازيغ المتصفون بالصبر والتحمل ،وغريزة الفوضى والخصوصية،
وهــم يمثلون عــر ًقــا ذا حـضــارة خاصة ال يمكن ربطها بالدين اإلســامــي .وهـنــاك اإلســام المتغلغل في
الـســاكـنــة الـعــربـيــة ،ع ــاوة عـلــى الـمـخــزن ال ـشــريــف( .((2وثـمــة تـعــدد وت ـنــوع عــرقــي (ع ــرب ،أمــازيــغ ،يـهــود،
وتعدد ديني (إسالمي ،يهودي ،مسيحي) وتعدد لغوي (أمازيغي ،عربي ،فرنسي). فرنسيون ،أجانب) ُّ
لكي ينجح نـظــام التعليم الكولونيالي فــي خــدمــة الـمـشــروع الــذي انـ ُتــدب ألجـلــه ،مــن الـضــروري تنويع
ال ـم ــدارس وض ـمــان تــراتـبـهــا وف ـ ًقــا لـلـتــراتــب اإلث ـنــي والـطـبـقــي الـقــائــم فــي الـمـجـتـمــع؛ فـفــي مـقــابــل الـتـعـلـيــم
«بدائيا» في خصائصه ومناهجه ،لكونه ذا أساس ديني خاضع للمخزن ً اإلسالمي الذي يراه ديمومبين
يشكل مصدر التعليمات في الكتاب القرآني ويمثّل فيه القرآن المصدر األساسي للمعرفة وللحياة ،كما ّ
ومـنـطـلــق أن ــواع الـتـعـلـيــم فــي الـجــامـعــة ،وهــي أعـلــى أن ــواع الـتـعـلـيــم االس ــام ــي ،يــوجــد الـتـعـلـيــم الفرنسي
(((2
الحديث والمتعلق بأنواع التعليم المختلفة والمخصصة للمغاربة بحسب الفئات التي ينتمون إليها.
تـتــداخــل الـمـفــاهـيــم مــع الـكـيــان الـمــوصــوف فــي الـمـتـخـيــل االسـتـعـمــاري حـيـنـمــا يـجــري الـتـعــرض لـلـكـ ّتــاب
القرآني (المسيد بالعامية)؛ فعلى مستوى المجالُ ،يعتبر هذا الك ّتاب تاب ًعا لجامع أو زاوية أو لحبوس.
وعـلــى الصعيد االجـتـمــاعــي ،ثـمــة كتاتيب فــي األحـيــاء الـفـقـيــرة فــي ال ـبــوادي وال ـمــدنُ ،
وأخ ــرى ُتـنـقــل إلــى
األسر الغنية لتعليم أبنائها( ،((2وهذا يعني تخصيص فقيه لتعليم أبناء العائلة الكبيرة داخل الدار. منازل ُ
عتمد خيام متنقلة لتعليم األطفال .وعلى الصعيد البيداغوجي ،يعمل ّأما بالنسبة إلى قبائل الرحل ،ف ُت َ
الفقيه (وهــو الطالب فــي الـبــاديــة) على تلقين الطفل مـبــادئ الـقــراءة والكتابة وتحفيظه ســور الـقــرآن عن
;(23) Roger Gaudefroy-Demombynes, L’Oeuvre française en matière d’enseignement au Maroc (Paris; Troyes
Barcelone: Les Presses modernes; Librairie orientaliste Paul Geuthner, 1928), 10.
(24) Ibid., 10.
(25) Ibid., 12.
(26) Ibid., 18.
(27) Ibid., 19.
77 برغملا ةلاح -ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس :روحملا
رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس
ظهر قلب بصورة متدرجة ،عن طريق كتابة مقاطع آيات قرآنية على اللوح الخشبي .وعلى وجه العموم،
نجد الفقيه ،بحسب ديمومبين ،يعيش حياة بئيسة تدفعه إلى مزاولة أعمال أخرى كالحالقة أو خياطة
المالبس ،إلى جانب ممارسته التعليم ،والمشاركة في أنشطة على صعيد الحياة االجتماعية ،كاألفراح
والـمــآتــم والـطـقــوس الــديـنـيــة واالجـتـمــاعـيــة الـمـخـتـلـفــة ( ،((2وه ــذا ال ـنــوع مــن أن ــواع الـتـعـلـيــم مــا عــاد يــرضــي
المغاربة المتنورين ،كما الحظ ديمومبين ،من هنا كانت الدعوة إلى تجديد الك ّتاب القرآني ابتداء من
سنة .1920وإذا كــان الهدف من الك ّتاب القرآني تخريج طفل مسلم جيد ،فــإن هــذا الطفل ال يتمكن
من قراءة القرآن إال بعد مرور خمس أو ست سنوات ،وإذا كان يعرف القراءة والكتابة واالستظهار ،فإنه
قصورا في فهم نص جديد ألن التعليم يطور الذاكرة وليس الفهم وتكوين الذهن(.((2 ً يبدي
ّأما بخصوص التعليم العالي اإلسالمي ،فقد ُأبعدت العلوم الدنيوية من المساجد منذ العهد السعدي،
وتــراجـعــت حــريــة الـتــأويــل عـنــد األســاتــذة والـعـلـمــاء ،وذلــك بسبب االكـتـفــاء بسلطة الـشــارحـيــن الـقــدامــى.
واستمر إبان العهد العلوي الجمود نفسه ،األمر الذي فتح المجال للزوايا لكي تمارس فاعليتها القوية
على حياة المغاربة ،وبــرز تعليم الزوايا الــذي اختلف بحسب نوع الجماعة الدينية والطريقة المتبعة،
وتعلم المريدون األذكار والقواعد وتوقير ضريح الصالح(.((3
احتل جامع/جامعة القرويين المحدَ ث في القرن التاسع (سنة )862محور التعليم العالي اإلسالمي
على حـســاب الـمــدارس والـمـســاجــد ،وتــداخـلــت المعرفة فــي الـمـقــدس بحكم طبيعة المعرفة المنقولة.
واشـتـهــر الـجــامــع /الـجــامـعــة فــي الـعـهــد الـمــريـنــي بـمـكــانـتــه الـعـلـمـيــة وبــأســاتــذتــه وأع ــداد طــابــه ،لـكـنــه عــرف
ـورا ابـتــداء مــن الـقــرن الخامس عشر ،وظـهــرت معالم التراجع فــي الـقــرن السابع عشر بسبب انطواء تــدهـ ً
المغرب على نفسه وطغيان التقليد على حساب التجديد العقالني ،والعوامل المحلية على حساب
دورا سـيــاسـ ًـيــا إزاء بيعة الـســاطـيــن ،واحتفظ مــا هــو عــام .لـكــن رغــم ذلــك ،ظــل الـجــامــع/الـجــامـعــة يــؤدي ً
بـبـعــض اسـتـقــالـيـتــه مــن منطلق أن عـلـمــاء الـقــرويـيــن كــان ُيـنـظــر إلـيـهــم بــوصـفـهــم ممثلين لــأمــة اإلســامـيــة
وحاملين للبركة ،وقــد بلغ مجمل عــددهــم غــداة الحماية 172عــالـ ًـمــا .ويــرجــع ديمومبين إلــى معطيات
بريتيي لوصف سيرورة األستاذية في جامع القرويين ،فكان توجه العلماء على وجه اإلجمال ذا طابع
أرثوذكسي بينما كان توجه بعضهم ذا طابع صوفي(.((3
تقدم التعليم ،وهو بذلك يماثل بين التعليم ينص ديمومبين على أن المناخ اإلسالمي للجامع ال يتيح ُّ
اإلســامــي والـتـعـلـيــم األوروبـ ــي ،ذل ــك أن الـجــامـعــات األوروب ـي ــة حـقـقــت نـهـضـتـهــا بــالـتـخـلــص مــن سلطة
الكنيسة فــي العصر الــوسـيــط ،وهــذا هــو الـمـســار نفسه الــذي ينبغي أن يسير فيه الـجــامــع ،لــذلــك تــوازي
الكتاتيب الـمــدارس الـصـغــرى المرتبطة بالكنائس ،كما تقترب دروس الـقــرويـيــن مــن دروس الـمــدارس
ال ـك ـبــرى ت ـحــت ظ ــل كــاتــدرائ ـيــة ب ــاري ــس ،وبــال ـتــالــي ت ـغــدو ال ـع ـلــوم م ــؤدي ــة إل ــى ال ـع ـلــم ال ـح ـق ـي ـقــي( ،((3وهــو
دراسة الالهوت(.((3
يستخدم ديمومبين مصطلح «االنـحـطــاط» لتوصيف وضــع الجامع/الجامعة فــي بــدايــة الـقــرن العشرين
بـحـكــم ع ــدم م ـجــاراتــه ال ـح ـضــارة الـحــديـثــة ،وي ـطــرح مـشــروعـيــة ال ــدع ــوة اإلصــاح ـيــة إلع ــادة هـيـكـلـتــه وفــق
متطلبات العصر الحديث .ويقوم العمل اإلصالحي على إدخــال اإلدارة الحديثة والمناهج العصرية،
وتنظيم وضــع األســاتــذة والـطــاب وتقنينه ،وتكوين أســاتــذة جــدد ،واالهـتـمــام بتعليم الـمــرأة ،ومـثــل هذا
اإلصالح ال يتأتى إال بإشراك المخزن والعلماء والطالب ،لكن ديمومبين أشار إلى مقاومة المكونين
األخيرين نتيجة تحكم االستعمار في العملية اإلصالحية (.((3
وضــع نـظــام الـحـمــايــة هيكلية إداري ــة مـحــدودة لتنظيم التعليم الـمـ ْـحــدث ،وذلــك بــإنـشــائــه فــي سـنــة 1913
مصلحة خاصة بالتعليم لفائدة األهالي ،ومن ضمن ذلك إيالء أبناء األعيان ،أي النخبة المحلية ،رعاية
خاصة ،ف ُفتحت لهم مــدارس خاصة ،مثل كوليج مــوالي إدريــس في فــاس سنة 1914وكوليج موالي
يوسف في الرباط سنة .1916
تـضـ ّـمــن «الـتـعـلـيــم الـفــرنـســي الـعــربــي» الـمـنــاهــج عينها الـتــي كــانــت مـعـتـ َـمــدة فــي ال ـمــدارس الـتــونـسـيــة ،وكــان
يقوم على تعليم مزدوج :قسم متعلق بالعربية وتعليم القرآن ،وقسم آخر خاص بالفرنسية .ويستعرض
ديمومبين فــي الكتاب بالتفصيل مناهج وبــرامــج مجمل أنــواع التعليم التي قــام بتدريسها معلمون من
الجزائر وتونس ،وذلــك من أجل ممارسة مراقبة دقيقة لما يجري تعليمه ألبناء األهالي .وكــان الهدف
من التعليم تحسين شروط الوجود االجتماعي لألهالي ،وتعليمهم في إطار الحضارة الفرنسية وليس
تثقيف الطفل أو تكوين شخصيته(.((3
أنـشـئــت م ــدارس أب ـنــاء األع ـيــان سـنــة ،1916وكــانــت خــدمــاتـهــا الـتـعـلـيـمـيــة لـقــاء رس ــوم مــالـيــة كــل شـهــر ،ثم
ج ــرى االسـتـغـنــاء عــن الــرســوم الـمــالـيــة خ ــال سـنــة ،1926وك ــان ال ـهــدف تـكــويــن أب ـنــاء الـنـخـبــة للحصول
على مهن إداري ــة وتـجــاريــة .وفــي سنة 1920تبلور الـتــوجــه الكولونيالي الـعــام لتنظيم التعليم فــي إطــار
مـخـطــط إداري وب ـيــداغــوجــي ،وف ــي ه ــذا اإلطـ ــار ُأح ــدث ــت مـ ــدارس حـضــريــة ومـ ــدارس ق ــروي ــة وم ــدارس
أم ــازي ـغ ـي ــة وأخـ ـ ــرى م ـه ـن ـي ــة ،إلـ ــى ج ــان ــب مـ ـ ــدارس ف ــرن ـس ـي ــة إس ــام ـي ــة وم ـ ـ ــدارس ل ـل ـي ـه ــود و«ك ــول ـي ـج ــات»
(مدارس إعدادية) إسالمية(.((3
( ((3يعتبر ديمومبين في معرض تحليله التعليم في العصر الوسيط في أوروبا أنه ينبغي لعلوم النحو والبالغة والمنطق (،)Trivium
إضافة إلى علوم الحساب والهندسة والفلك والموسيقى ( ،)Quadriviumأن تقود إلى العلم الحقيقي ،أي إلى دراســة الالهوت.
انظر.Ibid., 42 :
(33) Gaudefroy-Demombynes, 42.
(34) Ibid., 47 et 51.
(35) Ibid., 57.
(36) Ibid., 59.
79 برغملا ةلاح -ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس :روحملا
رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس
تـتـجـلــى مـنــافــع الـتـعـلـيــم بــالـنـسـبــة إلــى الـطـفــل ،بـحـســب ديـمــومـبـيــن ،فــي تـلـ ّقـيــه تـعـلـيـ ًـمــا مـتـكـيـ ًفــا بـحـســب الــوســط
محليا بواسطة المنطقة وألجلها« :تعليم مـتـنــوع جـ ًّـدا وأدات ــي دائـ ًـمــا ً الــذي يعيش فيه ،وفــي ممارسته حياته
وعـمـلــي» .ألجــل ذلــك ،ينسجم التعليم الكولونيالي مــع الـتــوزع الطبقي للمغاربة؛ فهناك األعـيــان وأغنياء
الحرفيون والقرويون الذين يتعاطون الفالحة ،وكل فئة تحتفظ بتعليمها المدن والحضريون البروليتاريون ِ
الـخــاص؛ فــالـمــدارس الـحـضــريــة ( 43مــدرســة سـنــة )1927تـقــود أبـنــاء الـفـئــات الشعبية نـحــو التعليم المهني
تعليما
ً ـوصــا أنـهــا تضمنليصبحوا عـمـ ًـال فــي مــا بـعــد ،وهــي م ــدارس تضمن «ال ـتــوازن االجـتـمــاعــي» ،خـصـ ً
فرنسيا ،وأنشطة عملية( .((3بناء عليه ،تشتد الحاجة إلى الك ّتاب القرآني الذي ينبغي ً وتعليما
ً وعربيا،
ً إسالميا
ً
أن يكون إلى جوار المدرسة الفرنسية اإلسالمية حتى يكون الفقيه خاض ًعا لمراقبة بيداغوجية مستمرة.
من أهم المعوقات التي كانت تقف في وجه السياسة االستعمارية وتمنع تحقيق أهدافها ،نجد مادتي
الـلـغــة الـعــربـيــة وال ــدي ــن اإلس ــام ــي؛ فـقــد عـمــل ن ـظــام الـحـمــايــة عـلــى تـخـفـيــض ال ــزم ــان ال ــدراس ــي الـخــاص
تقريبا في الـمــدارس األمازيغية إلحالل ً بالمادتين في الـمــدارس العمومية ،وكــان يمنع تدريس العربية
اللغة الفرنسية محلها وتكليف معلمين فرنسيين بتدريسها لألهالي بطريقة نفعية(.((3
ساد تصور استعماري كان يحرص على عدم تلقين التالميذ المغاربة من المعارف غير تلك التي يتطلبها
محيطهم الضيق ،مخافة حفز الوعي لديهم بالثورة على االستعمار إذا هم حصلوا على شهادات عليا.
تقبل المعارف المجردة ،وفق ما ذهب إلى ذلك ويبرر ذلك بوصم عنصري هو قصور ذهنية األهالي عن ّ َّ
كتاب هاردي وبرونو .ثم إن االنتقاص من دور اللغة العربية راجع ،في منظور ديمومبين ،إلى أنها ليست
اللغة المشتركة لعموم ساكنة المغربً ،
فضل عن أن العالقات التجارية تتطلب لغة الحضارة الحديثة(.((3
وإذا كــان التعليم المهني لــم يـعــرف النجاح المطلوب بسبب ضــآلــة حصة التعليم مــن ميزانية الحماية
بحيث لم تكن تتجاوز 7.4في المئة سنة ،((4(1930فإن االنتقال من االقتصاد التقليدي إلى االقتصاد
مهنيا،
نفعيا ً
تعليما ً
ً ً
عمال من نوع جديد تلقّوا الحديث خلخل أوضاع الحرفيين ،الشيء الذي تطلب
وهو ما تتطلع إليه الرأسمالية االستعمارية .لذلك وجبت تقوية الحس العملي ،أي قدرة المغاربة على
مقاومة مظاهر النفور والكراهية التي أفرزها التجديد والتحديث ،وبعبارة ُأخــرى ضــرورة التخلص من
التقليد ،وتكوين «ذهنية مختلفة جدً ا»(.((4
ال ـقــرآن والـلـغــة الـعــربـيــة( ،((4وأن تـصـبــح الـفــرنـسـيــة لـغــة اإلدارة واالقـتـصــاد بالنسبة إلــى األمــازيــغ ،واحـتــواء
األمازيغية فــي إطــار التفاعل االجتماعي مــن دون ترقيتها إلــى لغة نـظـ ًـرا إلــى تعدد لهجاتها .وبلغ عدد
المدارس األمازيغية حتى سنة 1927س ًّتا وعشرين مدرسة(ّ .((4أما المدرسة األمازيغية التي ُأنشئت في
مدينة أزرو سنة ،1927فقد أصبحت إعدادية أمازيغية سنة .((4(1929
كــانــت ال ـم ــدارس الـفــرنـسـيــة الـعـمــومـيــة الـمـخـصـصــة لـلـفــرنـسـيـيــن واألج ــان ــب مـطــابـقــة ل ـمــدارس الـمـتــروبــول،
ومجهزة أحسن تجهيز ،وخاضعة لتكوين فعال ومراقبة بيداغوجية نشطةّ .أما المدارس اليهودية ،فكان َّ
ً
عدد تالمذتها في سنة 1912ما مجموعه 5359تلميذا موزعين بين المناطق الفرنسية والمناطق الشمالية
الخاضعة لالستعمار اإلسباني .وقد قام التحالف اإلسرائيلي العالمي بدعم تطوير المدارس وبنائها،
ومساعدة التالميذ الـفـقــراء ،وكــان ثمة تنسيق بين إدارة الحماية والتحالف اإلسرائيلي لتمويل التعليم
الـيـهــودي واالرت ـقــاء بــه مــن التعليم الــديـنــي (الـتـلـمــود) إلــى التعليم الـحــديــث( ،((4وتــوجـيــه التعليم لخدمة
المالحظ أن عدد َ الطائفة اليهودية التي كــان عــدد أفــرادهــا غــداة الحماية قرابة 100ألــف يـهــودي .ومــن
تشكل أقلية ديموغرافية وإثنية ،كان أكبر من عدد التالميذ المغاربة وهم التالميذ اليهود ،وهم من طائفة ّ
الذين ينتمون إلى األغلبية المجتمعية ،ويعزى ذلك ،بحسب ديمومبين ،إلى عمل التحالف اإلسرائيلي
من جهة وخصائص العرق والذهنية اليهودية من جهة أخرى (.((4
يتميز بـيــرك بمنهجيته القائمة على التفهم الــداخـلــي لثقافة المجموعات االجـتـمــاعـيــة ،ولمنطق سلوك
الفاعلين على مستوى البواعث والمقاصد في سياق التغيرات التاريخية ،مدر ًكا التفاعالت العميقة بين
المجموعات االجتماعية المتصارعة في الزمان والمكان .لذلك ،تبرز لديه بالملموس كفاءة التنقيب
عــن الوثائق وقــراءتـهــا وترجمة معانيها بــدقــة ،واالستقصاء الــواســع والمنقطع النظير لمعطيات الميدان
وسوسيولوجيا لكونها أوجدت تناقضات
ً المتحولة باستمرار .من هنا ،شكلت كتابة بيرك منعط ًفا فكر ًيا
في صميم الكتابة الكولونيالية ،وأبانت عن مأزقها.
يـنـطـلــق عـمــل بـيــرك مــن مـحــاولــة إرس ــاء تــاريــخ اجـتـمــاعــي لـلـمـجـمــوعــات االجـتـمــاعـيــة الـمـغــاربـيــة ،فاعلين
وصول إلى القرن العشرين ،راصدً ا نخب ً ومؤسسات( .((4ونراه يركز على القرن الخامس عشر وما بعده،
العلماء ،والمؤسسات وتفاعالتها التاريخية وانعكاساتها؛ ففي مجال التعليم ،نجده ال يدرس الظاهرة
التعليمية في تطوراتها ونكوصها بمعزل عن الظواهر األخرى المرتبطة بها ،عكس عمل ديمومبين الذي
نافيا نقيضه الجدلي الذي هو التعليم الحر الذي أنشأته الحركة الوطنية ر ًّدا درس التعليم الكولونياليً ،
على طبقية وإثنية التعليم الكولونيالي .ثم إننا نجده يدرس مكون الفقه في براديغم المعرفة في التعليم
لما كانت تاريخيا لعالقات المعرفة واالقتصاد منذ القرن الثالث عشرّ ، ً محورا
ً العالي اإلسالمي باعتباره
القرويين خاضعة لثقافة األندلس حتى القرن الخامس عشر ،حين بلورت القرويين شخصيتها المتميزة
مع الحكم المريني ،ثم تراجع الجامع/الجامعة إلى غاية القرنين التاسع عشر والعشرين نتيجة اختزال
المعرفة إلى الفقه ،وانتقال الدراسة العالمة من األصول إلى النوازل( .((4واألهم هو بروز مدرسة فاس
الفقهية في القرن الرابع عشر والشاذلية في القرن الخامس عشر ،وانتظام القرويين مرك ًزا لألرثوذكسية
المالكية.
تكمن ميزة بيرك على صعيد التحليل التاريخي االجتماعي في كونه يرصد الظواهر في التاريخ ،ويربط
عرضانيا .لذلك نجده يرصد تطور التعليم في إطار عالقته بما هو حضري، ً أيضا بين الظواهر المتداخلة ً
أي بالمدينة ،بمعنى ما هو حرفي وتـجــاري ،حيث كــان العلم من خــال الفقه يراقب التجارة وأعمال
ال ـحــرف ،وم ــن ثــم ك ــان الـفـقــه ،ال ــذي تـحــول إل ــى مــؤسـســة عــدلـيــة ،جـســر عـبــور بـيــن الــوسـطـيــن الـحـضــري
نسبيا إلى أن دخل نسق قيم رأسمالي مضاد والـقــروي .وكانت العالقة بين الظواهر الثالث متوازنة ً
(((5
للنسق التقليدي فأفضى إلى تفكيكه ،وبذلك تناقض جسم المدينة (أي فاس) وروحها.
اصـطـبــغ الـتـعـلـيــم الـعــالــي اإلس ــام ــي فــي ف ــاس بـخـصــائــص الـحـيــاة الـحـضــريــة ،حـيــث إن ت ــازُم الـمـعــرفــي
والـقــدســي هــو الــوجــه اآلخ ــر الق ـتــران الـمـعــرفــي بـمــا هــو حـضــري ومــديـنــي؛ فـفــاس ،بـحـســب بـيــرك ،تتطهر
بــاألضــرحــة ال ـتــي ال تـحـصــى والـمـنـتـظـمــة فــي إط ــار تــوزي ـ ٍع مـتـعــدد األجـ ــزاء ،كــل ج ــزء يـحـيــل إل ــى مسجد
(48) Jacques Berque, Ulémas, fondateurs, insurgés du Maghreb: XVIIe siècle, bibliothèque arabe. Collection hommes
et sociétés (Paris: Sindbad, 1982).
(49) Jacques Berque, «Ville et université: Aperçu sur l’histoire de l’école de Fès,» Revue Historique de droit français
et étranger 27 (1949), 76.
(50) Mohamed Kerrou, «Jacques Berque et les villes de l’Islam,» Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée
107-110 (September 2005), https://remmm.revues.org/2834
82
العدد Issue 5 / 17
صيف Summer 2016
للخطبة(((5؛ ففي جامع/جامعة القرويين ،حيث يتدرب فيها مئات الطالب على أيــدي أساتذة أجالء،
تـتـكــون تـلــك الـبـنـيــة الــروحـيــة الـتــي تـحــولــت إلــى عــاقــات اجـتـمــاعـيــة وتـفــاعــات إنـســانـيــة .وإن االنــدفــاعــة
كونته القرويين هي بمثابة انبجاس للماء من حوض يتجلى الروحية الصاعدة من هذا اإلجماع الذي ّ
من خالل أعمال صالحة في الحياة اليومية لألشخاص وفي تاريخهم الجماعي.
وتوحد المواقف ،وتهدئ الصراعات االجتماعية وتعليها. ّ تُلهم هذه االندفاعة الروحية التقاليد واللغة
كما أن الهبات والصدقات تستجيب للخدمات البلدية ،وهــي ترفع من جيل إلــى جيل صــرح المدينة
ال ـتــاري ـخ ـيــة .وي ـت ـس ــاءل ب ـيــرك ك ـيــف يـمـكــن ب ــرج ــوازي ــة فـ ــاس ،ال ـتــي ت ـغــذت ب ـن ــزاع ــات ال ـمــاضــي وبــالـتـقـلـيــد
المركانتيلي وبمعمار العالمة ،على خالف المعمار الهندسي األوروبي ،أن تقاوم األزمنة الجديدة(،((5
وخاصة ما يتعلق بانتقال القوة االقتصادية من فاس إلى الدار البيضاء؟
هكذا استغلت فاس إعالن احترام الدين لمواجهة السياسة الفرنسية ،ووظفت مجد جامعتها القديمة.
ورغــم توقف دوالـيــب عجلة اإلنـتــاج بها ،ظلت مــركـ ًزا لــ«االنـفـعــاالت واالحـتـجــاجــات»( .((5وبالتالي ،ال
يمكن فـهــم تــدهــور أدوار الـجــامـعــة مــن دون ربــط ذلــك بــركــود الـ ِـحــرف وتــراجــع الـتـجــارة ،بحسب بـيــرك.
في ظل هــذه النظم التقليدية الثالثة ،التي تقهقر كل واحــد منها ألسبابه الخاصة ومــن خــال عالقاتها
المتبادلة ،تقوم االستمرارية الحضرية.
استرعت انتباه بيرك أهمية التعرض لمالمح الطالب االجتماعية في جامعة القرويين ،فمنهم الحضريون
قياسا باألغلبية المنحدرة من البوادي (البالد) ،والذين ُينعتون ّ
والمشكلون أقلية ً والمنحدرون من المدينة
-كما سبق الــذكــر -بــاألفــاقـيـيــن .لكن الكاتب يــدقــق فــي الـفــوارق االجتماعية بين هــذيــن النوعين من
(((5
الشباب في العادات والهيئة الخارجية اللتين تفصالن بين القرويين البسطاء والشباب الفاسي المنزعج،
بما هو كوني ،والذي تخلى عن دراسة القانون والتشريع اإلسالمي لدراسة اآلداب تقليدً ا للمشرق .
(51) Jacques Berque, Le Maghreb entre deux guerres (Paris: Editions du Seuil, 1962), 177.
(52) Ibid., 177.
(53) Ibid., 186.
(54) Ibid., 191.
(55) Ibid., 191.
83 برغملا ةلاح -ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس :روحملا
رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس
ي ــرى ب ـي ــرك أن األمـ ــر يـتـعـلــق بـتـغـيـيــر ش ــام ــل ت ـح ـقــق ب ـف ـضــل ب ـيــداغــوج ـيــا م ـت ـنــوعــة ت ـص ــارع ال ـت ـف ــوق ال ـقــديــم
للشريعة/الفقه .ويــرى أيـ ًـضــا أن االنـقــاب فــي البيداغوجيات الـصــامــدة يــؤدي إلــى انـقــاب فــي األنفس
وال ـض ـمــائــر ،وبــالـتــالــي يـسـتـخـلــص أن الـمـســاجــد الـعـتـيـقــة مـعــرضــة لـمـصـيــر م ـحــزن ي ـتــراوح بـيــن نـقــد ِقــدمـهــا
مدرسيها ،وزيف التحديث الذي يلحق بها؛ هذا الوضع هو ما حاولت الحركة وقدم بضاعة ّ وعتاقتها ِ
الوطنية احتواءه ببرنامج اإلصالحات الصادر سنة .((5(1934
يجمع بــاي بين الــوصــف والتفسير ،بمعنى أنــه يــرصــد نـظــام التعليم اإلســامــي مــن الـكـ ّتــاب الـقــرآنــي إلى
التعليم العالي والتفسير ،ويتعلق بتحليل المعطيات الكمية وسلوك األسر والجماعات إزاء التمدرس.
لذلك نجده يستعرض التحوالت الكبرى التي عرفها نظام التعليم في المغرب بد ًءا بالتعليم اإلسالمي
ومؤسساته (المسجد والك ّتاب القرآني والزاوية) ،عالوة على منهاج التعليم ومــواده ،ومكانة المدرس
والفقيه والنخبة الجامعية في المجتمع المغربي.
التعليم الحديث
َ انتقل باي إلى رصد التحول الرئيسي في العصر الحديث ،وهو إرســاء نظام الحماية
مكونات المجتمع من خالل تطوير النخبة االستعماري في المغرب ،وهو النظام الذي قضى بإصالح ّ
الـمـحـلـيــة لـتـكــويــن ال ــدول ــة الـحــديـثــة فــي ال ـم ـغــرب ،وت ـعــرض لـلـتـجــربــة االسـتـعـمــاريــة فــي ال ـجــزائــر وتــونــس
ومــدغـشـقــر ،واسـتـخـلــص عـقــم الـتـجــربــة الـجــزائــريــة الـتــي انـتـهــت إلــى اقـتــاع مــؤسـســات التعليم اإلســامــي
تبينت مــع لـيــوتــي ،المقيم الـعــام األول للحماية وتـعــويـضـهــا بـمــؤسـســات تعليمية فــرنـسـيــة .وفــي مــا بـعــدّ ،
فــي المغرب ،أهمية مراجعة السياسة االستعمارية ومخالفة السياسة المعتمدة فــي الـجــزائــر( ،((5وذلــك
بــإقــامــة نـظــام جــديــد يسمح بـقـيــام تعليم مهني مــن دون الـقـضــاء عـلــى الـتــراتـبــات التقليدية والـمــؤسـســات
ال ـمــوروثــة ،والـعـمــل عـلــى تـشـكـيــل أنـمــاط تعليمية تـنـسـجــم مــع هــذه الـتــراتـبــات ،وهــو مــا لــم تـعــرفــه بـلــدان
مستعمرة كالجزائر وتونس(.((5 َ
اهتم باي في دراسته بتحليل «مذهب التعليم» والوسط االقتصادي واالجتماعي الذي وضع فيه التعليم
االسـتـعـمــاري مــن مـنـظــور ثـنــائـيــة ال ـقــروي والـحـضــري ،وثـنــائـيــة االقـتـصــاد الـتـقـلـيــدي واالقـتـصــاد الـحــديــث.
والم ــس ت ـطــور ف ـئــات الـشـبــاب فــي الـمـغــرب فــي ثــاثـيـنـيــات ال ـقــرن الـعـشــريــن واتـجــاهــاتـهــا بـيــن الـتـحــديــث
واإلصالح ،كما رصد دور المخزن في مجال التعليم وتعليم الفتاة.
مــن أهــم اإلش ـكــاالت الـتــي درسـهــا بــاي آلـيــات إرس ــاء التعليم الـحــديــث فــي الـمـغــرب ،والـمـعــوقــات التي
اعترضته مــن منظور السلطة االسـتـعـمــاريــة ،وض ــرورة احـتــوائـهــا مــن أجــل تطوير االقـتـصــاد االسـتـعـمــاري،
والفهم السوسيولوجي لذلك انطال ًقا من ربط التعليم باالقتصاد بأبعاده التجارية والصناعية والفالحية.
هكذا ،يتصور بــاي أن مقتضيات تجديد النظام المدرسي في المغرب بأنماطه المختلفة تختلف عن
خصوصا
ً المعتمد في الجزائر وتونس ،وذلك ألن الحاجة إلى تعليم نفعي وعملي تكون فعالة، َ التوجه
مناسبا للوسط ومتطلبات البالد ،ســواء تعلق األمــر بالتعليم االبتدائي أو بالتعليم ً حينما يكون التعليم
اإلعدادي (الكوليج) ،ومن هنا ضرورة االبتعاد -بحسب الكاتب -عن أي تعليم «كتبي موسوعي»(.((5
«استقرارا»
ً المستعمرة ،يتطلب ،بحسب باي، ِ إن تحسين االقتصاد بسرعة وسهولة ،وفق ما تريده الدولة
وسياسيا ،لذلك نجده يقول «إن القواعد السوسيولوجية والسياسية والسيكولوجية التي يقوم ً اجتماعيا
ً
عليها الصرح/النظام المدرسي المغربي هل توحي بالصالبة واالستمرارية أمام دوام التراتب االجتماعي
واس ـت ـم ــراره ،وتـمــايــز الـســاكـنــة الـعــربـيــة واألمــازي ـغ ـيــة ،وخـصــائــص الـنـمــط الـسـيـكــولــوجــي ( )...ل ــدى الـطـفــل
المغربي ،وضــرورة تعليم ملموس وعملي»( .((6يتضح من هذا القول أن مكونات المجتمع تصبح في
وفيا لألطروحة االستعمارية. منظور باي معوقات أمام تحديث التعليم والمجتمع ،وهو بذلك يظل ً
في إطــار تعرضه للتعليم التقليدي وعملية إرســاء التعليم الحديث ،يالمس الكاتب األحــداث الكبرى
الـمــؤثــرة فــي مـســار التعليم ،وخــاصــة الــدور الــذي أدتــه الحركة الوطنية المغربية فــي المغرب مــن خالل
برنامج اإلصالحات لسنة ،1934وفي األساس فاعلية لجنة العمل المغربية الرامية إلى تمكين الشعب
المغربي من الوسائل التي تتيح له تعلم الديمقراطية في المجاالت السياسية واالجتماعية واالقتصادية،
وتوجيه النقد الصارم إلى سياسة الحماية في مجال التعليم ،خاصة على مستوى عدم تكافؤ الفرص
بين المغاربة والفرنسيين واألجانب واليهود ،بما يتعارض مع مفهوم التطور البطيء لليوتي(.((6
ويـعـتــرف بــاي بـمـحــدوديــة الـتـعـلـيــم فــي الــوســط ال ـقــروي ذي الـطــابــع الـفــاحــي ،والـطــابــع الـمـهـنــي كــذلــك،
«ألن هــاجــس الـفـعــالـيــة الـعـمـلـيــة ( )...ال يـسـتـجـيــب س ــوى بـطــريـقــة نــاق ـصــة ألذواق ال ـســاك ـنــة ،وب ــاألح ــرى
ل ـحــاجــات ـهــم»(ّ .((6أم ــا فــي مــا يـتـعـلــق بــالـمــدارس األمــازيـغـيــة ،فـيـجــد الـكــاتــب مــرجـعـهــا فــي م ــدارس الـقـبــائــل
الجزائرية ،في محاولة للجمع بين التقاليد األمازيغية غير اإلسالمية والمؤسسات الفرنسية( .((6وينتقد
لفرنسة الجماهير بصورة سريعة في الوسط األمازيغي نتيجة عدم مالءمة نمط باي سطحية المتحمسين ْ
تعليمي فقير المضمون واخـتــزالــي ،إضــافــة إلــى مـحــدوديــة سياسة التهدئة ،خــاصــة بعد أحــداث الظهير
الـبــربــري سـنــة ،1930وهــو مــا يــدل عـلــى أن الـشـعــور الــديـنــي أكـثــر عـمـ ًقــا لــدى األمــازيــغ ،عـلــى خــاف ما
تصوره الك ّتاب السابقون (مثل بول مارتي وموريس لوغالي) الذين يجهلون التعقيد البالغ الذي يسم
«عنصرا قو ًيا في نشر
ً المجتمع األمازيغي(((6؛ ذلك أن فقيه الك ّتاب القرآني في المناطق األمازيغية ُيعتبر
مستمرا
ً العربية»( .((6ويتضح بحسب الكاتب أن والء الساكنة القروية والحضرية للتعليم القرآني والء
يتناقض مع األوهام االستعمارية ،كما أن دعوة الحركة الوطنية إلى توحيد نظام التعليم المغربي يرجع
إلى أن المحرك األساسي لذلك يكمن في اللغة العربية والدين اإلسالمي.
م ــن م ـع ــوق ــات ت ـط ــور ال ـت ـم ــدرس ال ـح ــدي ــث ،ب ـح ـســب بـ ــاي ،ه ـشــاشــة االق ـت ـص ــاد؛ إذ «إن أش ـك ــال ال ـح ـي ــاة
االج ـت ـمــاع ـيــة وت ـق ـن ـيــات اإلن ـت ــاج وال ـت ـب ــادل ت ـظــل ف ــي ح ــاالت ع ــدي ــدة ب ــدائ ـي ــة»( ،((6وم ــا دام ت ـطــور االقـتـصــاد
عبر عنها (أي الرأسمالية) ضرورة حتمية لتطور نظام التعليم الحديث في المغرب ،فإن الحاجات التي َّ
الشباب المتمدرس بعد ثالثينيات القرن العشرين ،وخاصة ما يتعلق بإصالح التمدرس وتنظيم بكالوريا
وهاجسا
ً مغربية والحق في ولوج التعليم العالي للحصول على مهن فعالة ومنتجة ،كانت ّ
تشكل قلقًا
متواصلين عند السلطات االسـتـعـمــاريــة ،نـظـ ًـرا إلــى مــا نجم عــن ذلــك مــن تـحـ ّـول عميق وســريــع فــي بنية
المغرب اإلدارية والسياسية(.((6
يـتـمـســك ب ــاي ،مـثـلــه مـثــل ديـمــومـبـيــن ،بـمـفـهــوم ال ـتــوازن االجـتـمــاعــي واالق ـت ـصــادي ،وال يــرى فــي اخـتــال
الـ ـت ــوازن ب ـيــن ال ـن ـظــام ال ـقــديــم وال ـن ـظ ــام الــرأس ـمــالــي ال ـحــديــث إال خ ـط ـ ًـرا م ـحــد ًقــا بــال ـن ـظــام االس ـت ـع ـمــاري،
خصوصا أن التعليم الكولونيالي فــي الوسطين الـقــروي والـحـضــري لــم تكن لــه فعالية فــي االقتصادي ً
الجبلي والبدوي لتجاوز حاالت البؤس والفقر وتدهور االقتصاد الحرفي وانحطاطه بفعل التحديث
منهجيا نسج كتابة سوسيولوجية وإثنوغرافية ً االستعماري( .((6وبالتالي ،يظهر أن الكاتب ،الذي حاول
وبلورة تقنيات إحصائية وشهادات وثائقية ،لم يقو على التحرر من أسر المفاهيم الكولونيالية السابقة
ومــن مفعول السحر الــرمــزي الــذي مــارســه ليوتي على الباحثين والـكـ ّتــاب ومحترفي كتابة التقارير في
المرحلة االستعمارية.
هـكــذا ،يتضح أن الخطاب السوسيولوجي الكولونيالي بـشــأن التربية والتعليم فــي المغرب ُيـ َـعـ ّـد رديـ ًفــا
أيــديــولــوجـ ًـيــا للسياسة االسـتـعـمــاريــة ،باستثناء كتابات سوسيولوجية مـحــدودة خــاصــة بالنظر إلــى أعمال
تاريخيا باالنتقال من الخطاب اإلثنوغرافي مع هاردي وبرونو ولوتورنو ً بيرك .وقد تطور هذا الخطاب
-حيث ينظر إلى التعليم اإلسالمي المغربي بمنظور أورو مركزي واستعالئي -إلى الخطاب التاريخي
وصول إلى الخطاب السوسيولوجي مع باي ً االجتماعي الذي اهتم بالنظر إلى التعليم في تاريخيته،
وأندريه أدام في ما بعد ،وهو الخطاب الذي تميز بمحاولة التعمق في دراسة آثار التداخل بين التعليم
اإلسالمي والتعليم الكولونيالي الحديث على المستويات الثقافية واالجتماعية واالقتصادية.
اقـتــرن تـطــور الـخـطــاب بـتــوســع الــرأسـمــالـيــة االسـتـعـمــاريــة وتـ ُّ
ـوطــد نـظــام الـحـمــايــة ،وحــاجــة هــذا األخـيــر إلــى
اح ـت ــواء تـنــاق ـضــات س ـيــاســاتــه ،وذل ــك بـتـفـعـيــل الـمــأسـســة الـعـلـمـيــة وتــوظ ـيــف ع ـلــم االج ـت ـمــاع لــرصــد تـلــك
التناقضات واستقصائها ،وتقديم التوجيهات الالزمة إلدارة الحماية ،خاصة ما يتعلق بمأزق المدارس
األمازيغية االستعمارية ،ومدارس الحركة الوطنية التي ُعرفت بالمدارس الحرة ،وتصاعد وعي النخب
الوطنية ومختلف الفئات االجتماعية لمواجهة السياسة االستعمارية ،وال سيما منذ بدء عقد الثالثينيات
من القرن العشرين إلى غاية استقالل المغرب سنة .1956
خاتمة
م ــن خـ ــال عـ ــرض م ـح ـتــوى أهـ ــم ال ـك ـت ــاب ــات ال ـفــرن ـس ـيــة ال ـت ــي ُن ـش ــرت خـ ــال ال ـن ـصــف األول م ــن ال ـقــرن
العشرين ،وهي تتعلق بالتعليم والتربية في المغرب ،اتضح أنها بلورت مفاهيم استعمارية وتصورات
أيــديــولــوج ـيــة ت ـبــرر وت ـشــرعــن الـمـخـطــط االس ـت ـع ـمــاري ال ــذي اس ـت ـهــدف اس ـت ـغــال اإلن ـس ــان وال ـم ـجــال مــن
ج ـهــة ،وح ــاول إرس ــاء الــرأسـمــالـيــة االسـتـعـمــاريــة مــن جـهــة أخ ــرى .وك ــان الـتـعـلـيــم هــو ال ـم ـحــرك الــرئـيـســي
إلن ـج ــاح م ـخ ـطــط ال ـح ـم ــاي ــة ،وذل ـ ــك ب ــإرس ــاء أن ـم ــاط تـعـلـيـمـيــة إث ـن ـي ــة وط ـب ـق ـيــة وم ـنــاط ـق ـيــة ت ـخ ــال ــف ادعـ ــاء
جليا أن عملية إرســاء المخطط الخطاب االسـتـعـمــاري بــاحـتــرام الهوية والـمــؤسـســات الـمــوروثــة .ويـبــدو ً
االسـتـعـمــاري فــي مـجــال الـتـعـلـيــم كــان يـقـتـضــي إع ــادة بـنــاء الـحــس الـعـمـلــي لـلـمـغــاربــة لـيـتــوافــق مــع الـنـظــام
ال ـج ــدي ــد ،أي تـغـيـيــر ال ـتــرك ـي ـبــة الــذه ـن ـيــة وال ـس ـي ـكــولــوج ـيــة ل ـل ـنــاش ـئــة ،وه ــو ال ـم ـف ـهــوم ال ـم ــرك ــزي ع ـنــد مـعـظــم
الك ّتاب الكولونياليين.
مــن أه ــم ال ـخــاصــات ال ـتــي يـتـعـيــن تـسـلـيــط ال ـضــوء عـلـيـهــا ه ــي ،ع ــاوة عـلــى الـضـعــف ال ـشــديــد لحصيلة
قياسا بالفرنسيين واألجانب ،نجد تراكم الكتابة التعليم الكولونيالي في المغرب بالنسبة إلى المغاربة ً
االسـتـعـمــاريــة ح ــول الـتـعـلـيــم ،واالع ـت ـمــاد ال ـم ـت ـبــادل بـيــن ال ـك ـ ّتــاب فــي ص ــوغ الــوقــائــع وال ـمــواقــف وإع ــادة
ال ـخ ـطــابــات الــوصـفـيــة وت ـك ــراره ــا ،وت ـخ ـ ُّلــف ه ــذه الـكـتــابــة وعــزلـتـهــا عــن ال ـت ـطــورات الـحــاصـلــة فــي حقلي
السيوسيولوجيا والعلوم االجتماعية في القرن العشرين ،وانغالقها داخــل مفاهيم وأطــروحــات تطورية
ووظـيـفـيــة م ـت ـجــاوزة .وص ــوغ ه ــذه الـكـتــابــة فــي مـسـتــويــاتـهــا اإلث ـنــوغــراف ـيــة والـســوسـيــولــوجـيــة لـلــوقــائــع مهم
فــي حــد ذات ــه أحـيــا ًنــا ،إال أنــه يـظــل مــؤطـ ًـرا بــاأليــديــولــوجـيــا االسـتـعـمــاريــة الـتــي تمنعه مــن أن يـكــون متص ًفا
بــالـعـلـمـيــة الـمـطـلــوبــة .ويـسـتــدعــي ه ــذا الـمـعـطــى األخ ـيــر نـقــد ال ـخ ـطــاب الـكــولــونـيــالــي بـخـطــاب الـمـجـتـمــع
87 برغملا ةلاح -ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس :روحملا
رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس
حــول ذاتــه ،وال أدل على ذلــك من األهمية التي تكتسيها كتب التراجم للفقهاء والك ّتاب والمؤرخين
ال ـم ـغ ــارب ــة ،ل ـكــون ـهــا ت ـت ـعــرض ل ـظ ــواه ــر تـعـلـيـمـيــة ،ك ـت ـعــدد الـ ـم ــدارس ف ــي ال ـج ـب ــال والـ ـبـ ــوادي وف ــي ال ـمــدن
الـصـغــرى ،ولـيــس فقط فــي الـعــواصــم ،كما أنـهــا تــرصــد سـيــرورة االنـتـقــال نحو األسـتــاذيــة والنخبة العلمية
في تاريخ المغرب.
حـ ًّقــا ثمة تـفــاوت لــدى الـكـ ّتــاب والباحثين مــن حيث درجــة اعـتـنــاق األيــديــولــوجـيــا االسـتـعـمــاريــة ،وهــو ما
نـلـحـظــه مـتـضـخـ ًـمــا عـنــد ه ــاردي وبــرونــو وديـمــومـبـيــن ،فــي حـيــن يـظــل الـحـضــور األيــديــولــوجــي بــاهـ ًتــا لــدى
لوتورنو لغلبة الوازع العلمي والتوثيقي في الكتابة ،وكذلك في العمل اإلثنوغرافي الجاد الذي تناول
فيه لبيرتيي مدارس فاس.
ـارا للحظة العلمية فــي الـخـطــاب، نقيضا لــأيــديــولــوجـيــا االسـتـعـمــاريــة ،واسـتـحـضـ ً لـعــل كـتــابــات بـيــرك ُتـ َـعـ ّـد ً
ـدركــا أن التعليم اإلســامــي نـتــاج حـضــارة ،وأنــه بنية اجتماعية ال حالة وتـمـيـ ًزا إنـســانـ ًـيــا وفـهـمـ ًـيــا لــآخــر ،مـ ً
يسمى «رجــل الضفتين» ،أعـمــالــه فــي ظرفية تاريخية طغى فيها بــدائـيــة أو أولـيــة .وقــد أنـتــج بـيــرك ،الــذي َّ
الـخـطــاب االسـتـعـمــاري .ويـبــدو أن االنـغـمــاس فــي الـمـســؤولـيــات داخــل اإلدارة االسـتـعـمــاريــة لــدى بعض
الـبــاحـثـيــن ســاهــم ف ــي ن ـقــل ال ـك ـتــابــة الـســوسـيــولــوجـيــة واإلث ـنــوغــراف ـيــة م ــن ال ـت ـعــاطــي الـعـلـمــي الـمــوضــوعــي
إل ــى اح ـت ــراف تــزيـيــف ال ــوع ــي ،أي وع ــي الـ ــذات ووع ــي اآلخـ ــر ،وه ــو م ــا نــاحـظــه ف ــي عـمــل ب ــاي ال ــذي
ال ت ـن ــدرج ان ـت ـقــاداتــه لـلـسـيــاســة االس ـت ـع ـمــاريــة إال ف ــي إط ــار إص ــاح ن ـظــام ال ـح ـمــايــة ال ال ـت ـعــرض ألســاســه
األيــديــولــوجــي وال ـث ـقــافــي ،رغ ــم أن ــه عــاصــر أف ــول ال ـمــد االس ـت ـع ـمــاري واك ـت ـشــف أن مــواج ـهــة الـمـسـتـعـمــر
تـحـقـقــت مــن داخ ــل حــركـيــة سـيــاسـيــة ومـجـتـمـعـيــة ن ـشــأت مــن ال ـمــؤس ـســات الـمـسـمــاة «ب ــدائ ـي ــة» ،وتــولــدت
ع ـلــى ه ــام ــش مـ ــدارس ال ـح ـمــايــة م ــن خ ــال الـتـنـظـيـمــات ال ـم ـض ــادة ل ـيــس ف ــي ال ـم ـغــرب ف ـق ــط ،وإن ـم ــا فــي
أيضا ،رغم االختالفات الجزئية للسياسات التعليمية الكولونيالية التي مجموع بلدان المغرب العربي ً
سادت فيها.
السوسي ،محمد المختار .المعسول .ج .1الدار البيضاء :مطبعة النجاح.1960 ،
فاوبار ،محمد .المدرسة والمجتمع في المغرب .الدار البيضاء :دار النجاح الجديدة.2011 ،
لوتورنو ،روجي .فاس قبل الحماية .ترجمه إلى العربية محمد حجي ومحمد األخضر .ج .2بيروت:
دار الغرب اإلسالمي.1986 ،
88
Issue 5 / 17 العدد
Summer 2016 صيف
األجنبية
Badie, Bertrand. Culture et politique. 3ème éd. rev. et augm. Paris: Economica, 1993.
(Collection politique comparée)
Benhlal, Mohamed. Le Collège d’Azrou: Une élite berbère civile et militaire au Maroc,
1927-1959. Préface de Daniel Rivet. Paris: Karthala; Aix-en-Provence: IREMAN,
2005. (Terres et gens d’islam)
Berg, Bruce L. Qualitative Research Methods for the Social Sciences. 4th ed. Boston:
Allyn and Bacon, 2001.
Berque, Jacques. Le Maghreb entre deux guerres. Paris: Editions du Seuil, 1962.
______. Ulémas, fondateurs, insurgés du Maghreb: XVIIe siècle. Paris: Sindbad, 1982.
(Bibliothèque arabe. Collection hommes et sociétés)
______. «Ville et université: Aperçu sur l’histoire de l’école de Fès.» Revue Historique
de droit français et étranger 27 (1949).
Brunot, Louis. Au seuil de la vie marocaine: Les Coutumes et les relations sociales
chez les marocains. Casablanca: Farairre, 1950.
Eickelman, Dale F. «The Art of Memory: Islamic Education and its Social Reproduction.»
Comparative Studies in Society and History 20, no. 4 (October 1978): 485-516.
Grossier, Alfred, Bertrand Badie, and Marc Sadoun, dirs. L’Autre. Paris: Presses de
sciences po, 1996.
______. Les Colonies françaises. Le Maroc: Choix de textes précédés d’une étude.
Paris: H. Laurens, 1930.
Kerrou, Mohamed. «Jacques Berque et les villes de l’Islam.» Revue des mondes
musulmans et de la Méditerranée 107-110 (September 2005). https://remmm.revues.
org/2834