You are on page 1of 27

‫اﻟﻌﺪد ‪ - 17‬اﻟﻤﺠﻠﺪ اﻟﺨﺎﻣﺲ ‪ -‬ﺻﻴﻒ ‪2016‬‬

‫‪I s s u e 1 7 - Vo l u m e 5 - S u m m e r 2 0 1 6‬‬

‫ﻣﺤ ﱠ‬
‫ـﻜﻤﺔ ﻳﺼﺪرﻫﺎ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟ‪D‬ﺑﺤﺎث ودراﺳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت‬ ‫ﻓﺼﻠﻴــﺔ َ‬
‫ﻟـﻠـﻌــﻠـﻮم اﻻﺟـﺘـﻤـﺎﻋـﻴــﺔ واﻧـﺴـﺎﻧـﻴــﺔ‬
‫‪A Quarterly Peer-reviewed Journal Published by the ACRPS‬‬ ‫‪For Social Sciences and Humanities‬‬

‫‪ISSN 2305-2473‬‬

‫ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ إﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ ‪ -‬ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﻐﺮب‬


‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ‬ ‫ﺗﻮﻧﻲ ﺑﺎ َﻟﻨﺘﺎﻳﻦ‬
‫اﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ‬ ‫اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ‬
‫أﻣﺎم ﻇﺎﻫﺮة اﻟﻬﺠﺮة اﻟﻘﺮوﻳﺔ‬
‫ﺑﺸﺮى زﻛﺎغ‬
‫ﺗﺪﺑﻴﺮ اﻟﺸﺄن اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر‬
‫ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺰﻳﺎن‬
‫ﻣﺸﺮوﻋﻴﺔ اﻟﻐﺰو واﻟﺤﺎق‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺎوﺑﺎر‬
‫ﻓﻲ ا‪B‬دﺑﻴﺎت اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ‬ ‫ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ‬
Guest Editor: Elia Zureik 5 Zy/1zay ͧ/s%f`,ɇ Me
Introduction ‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬
ّ

Sociology of 11 ‫ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ إﻧﺘﺎج‬


Colonial Knowledge Production ‫اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ‬
– The Maghreb Case ‫ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﻐﺮب‬-

Tony Ballantyne 13 lykɄ`{js


Colonial Knowledge ‫اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ‬
Translated by: Thaer Deeb y+0 ͧf 0
Bouchra Zougagh 47 O\1t09
0DQDJLQJ&XOWXUDO$σDLUVLQ0RURFFR ‫ﺗﺪﺑﻴﺮ اﻟﺸﺄن اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب‬
GXULQJ&RORQLDO7LPHV ‫ﺧﻼل ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر‬

Mohamed Faoubar 67 /rT,f%e


Sociology of Colonial Knowledge Production: ‫ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ا)ﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻲ‬
Education in Morocco ‫ﺑﺸﺄن اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب‬

Abderrahman EL Maliki 91 {]`f`lf$0`,L


Colonial Sociology ‫اﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ‬
RQ0RURFFRâV5XUDO0LJUDWLRQ ‫أﻣﺎم ﻇﺎﻫﺮة اﻟﻬﺠﺮة اﻟﻘﺮوﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب‬

Mohammed Meziane 107 iy2e,f%e


7KH/HJLWLPDF\RI&RQTXHVW ‫دﺑﻴﺎت‬7‫اﻟﻤﻐﺮب ﻓﻲ ا‬
and Annexation: ‫اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ‬
0RURFFRLQ)UHQFK&RORQLDO:ULWLQJV ‫وﻣﺸﺮوﻋﻴﺔ اﻟﻐﺰو وا)ﻟﺤﺎق‬
Articles 133 ‫دراﺳﺎت‬

Sabr Darwish 135 :yr/+0<


7KH6WDWHRI6\ULDQ0DOH:RUNHUV ‫واﻗﻊ اﻟﻌﻤﺎﻟﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ اﻟﺬﻛﻮر‬
in Lebanon ‫ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن‬
Omar Rwandzy 171 x1,jr0`0fL
8VLQJ*,67HFKQRORJLHV ‫ﺗﻮﻇﻴﻒ ﻧﻈﻢ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت‬
DQG5HPRWH6HQVLQJ'DWD ‫واﻻﺳﺘﺸﻌﺎر ﻋﻦ ﺑُﻌﺪ‬
WR,GHQWLI\%HVW/RFDWLRQV ‫ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ أﻓﻀﻞ اﻟﻤﻮاﻗﻊ‬
for Education in Erbil ‫ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ أرﺑﻴﻞ‬

Book Reviews 207 ‫ﻣﺮاﺟﻌﺎت وﻋﺮوض ﻛﺘﺐ‬

Mohamed Saba 209 w4,f%e


6SDQLVK&RORQLDO:ULWLQJ ‫اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ا)ﺳﺒﺎﻧﻴﺔ‬
RQWKH$WODQWLF&RDVWDO'HVHUW ‫ﻃﻠﺴﻴﺔ‬7‫ﺑﺸﺄن اﻟﺼﺤﺮاء ا‬
Mohamed Taifouri 215 x/sUzD,f%e
,VODPDQGWKH0DUNHW ‫ ﺟﺪﻟﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎدي‬:‫إﺳﻼم اﻟﺴﻮق‬
'LDOHFWLFRIWKH5HOLJLRXVDQG(FRQRPLF ‫ﻗﺮاءة ﻧﻘﺪﻳﺔ‬
Patrick Haenni {kyo^y0
‫‪67‬‬

‫**‪Mohamed Faoubar‬‬ ‫*‬


‫محمد فاوبار ‬

‫سوسيولوجيا اإلنتاج المعرفي الكولونيالي‬


‫بشأن التربية والتعليم في المغرب‬
‫‪Sociology of the Colonial Knowledge Production:‬‬
‫‪Education in Morocco‬‬

‫مـلـخــص‪ :‬تـهـتــم ه ــذه ال ــدراس ــة الـســوسـيــولــوجـيــة بـتـحـلـيــل ش ــروط إن ـتــاج الـمـعــرفــة الـكــولــونـيــالـيــة في‬
‫ال ـم ـغ ــرب‪ ،‬وه ــي ت ـخــص م ـســألــة ت ـكــويــن ن ـظــام الـتـعـلـيــم م ـنــذ ان ـط ــاق ع ـهــد ال ـح ـمــايــة س ـنــة ‪.1912‬‬
‫يتعلق األمــر بــدراســة نقدية للخطاب الكولونيالي على مستوى تـطــور مفاهيمه فــي ثــاثــة أنــواع‬
‫مــن الـخـطــابــات‪ :‬األول هــو الـخـطــاب اإلثـنــوغــرافــي الــوصـفــي‪ ،‬وفـيــه سنحلل مـفــاهـيــم وتـصــورات‬
‫كل من جورج‬ ‫بدايات هذه المعرفة التي رامت إنتاج مفاهيم وخلق مجال تعليمي جديد عند ٍّ‬
‫ه ــاردي وروجـيــه لــوتــورنــو وأنــدريــه بيريتي ولــويــس بــرونــو‪ ،‬وسـتـجــري دراس ــة مفاصله والمفاهيم‬
‫وظ ـف ـهــا‪ .‬وال ـنــوع الـثــانــي هــو الـتـحـلـيــل االجـتـمــاعــي الـتــاريـخــي‬ ‫األنـثــروبــولــوجـيــة الـكــاسـيـكـيــة الـتــي ّ‬
‫الــذي يستخدمه جــاك بيرك لدراسة التعليم المغربي وتطوراته التاريخية‪ ،‬وخاصة فئة العلماء‪.‬‬
‫ّأمــا الـنــوع الـثــالــث‪ ،‬فـهــو الـخـطــاب الـســوسـيــولــوجــي الــذي تـبـلــور بـعــد انـتـظــام الـمـعــرفــة الكولونيالية‬
‫وتحكم االستعمار في السياق التعليمي على مستويات األطر والمعرفة والبيداغوجيا واالنتقاء‬ ‫ُّ‬
‫تبين‬
‫والنجاح الدراسيين‪ ،‬ويرتبط األمر في هذا اإلطار بلوسيان باي‪ .‬يتم من خالل هذه الدراسة ُّ‬
‫البراديغم المعرفي الكولونيالي ومنطق إنتاجه‪ ،‬وكيفية بناء سوسيولوجيا ناقدة لالستعمار تضع‬
‫األسس لبناء سوسيولوجيا تحريرية منفتحة على أسئلة العصر الراهن‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬إنتاج المعرفة‪ ،‬الخطاب الكولونيالي‪ ،‬نظام التعليم‪ ،‬جاك بيرك‬

‫‪Abstract: This sociological study analyzes the conditions for the production of‬‬
‫‪colonial knowledge in Morocco with a focus on the foundation of Morocco’s‬‬
‫‪education system at the start of the protectorate in 1912. The author offers a‬‬
‫‪critical study of colonial discourse and divides colonial knowledge production‬‬
‫‪into three kinds of discourse. The first is descriptive ethnography, which first‬‬
‫‪sought to create a new educational field and produce new concepts, through‬‬

‫* أستاذ مؤهل في علم االجتماع‪ ،‬كلية اآلداب سايس‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد الله‪ ،‬فاس‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫‪** Professor of Sociology at the Faculty of Arts, Sidi Mohamed Ben Abdellah University, Fes, Morocco.‬‬
‫‪68‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫‪the works of Georges Hardy, Roger LeTourneau, and Louis Bruno. The second‬‬
‫‪kind of discourse is the socio-historical analysis used by Jacques Berque to‬‬
‫‪study Moroccan education and its historical development, especially among the‬‬
‫‪class of religious scholars. The third discourse is the sociological discourse that‬‬
‫‪coalesced after the organization of colonial knowledge and colonial control of‬‬
‫‪education in terms of staff, knowledge, pedagogy, and academic selection and‬‬
‫‪success. Finally, the study attempts to clarify the paradigm of colonial knowledge‬‬
‫‪and the logic of its production and explores how to construct a critical sociology‬‬
‫‪of colonialism that lays the foundations for constructing a sociology of liberation‬‬
‫‪open to contemporary questions.‬‬
‫‪Keywords: Knowledge Production, Colonial Discourse, Educational System,‬‬
‫‪Jacques Berque‬‬

‫تمهيد‬
‫المعرفة التي أنتجها االستعمار فــي البلدان التي خضعت للظاهرة االستعمارية قضية مركّ بة‬
‫ومعقدة بحيث تتطلب مــن الباحث فــي العلوم االجتماعية ُعـ ّـدة معرفية عبر تخصصية‪ ،‬كما‬
‫تتطلب منه االنـخــراط فــي التفكير واالستقصاء الميداني قصد اإلحــاطــة بأسئلة محورية‪ ،‬مــن قبيل‪ :‬ما‬
‫الـ َـبـ َـراديـغــم المعرفي الــذي أنتجه االسـتـعـمــار بغية إنـتــاج وعــي بمجتمع «األهــالــي»؟ مــا منطق إنـتــاج هذه‬
‫المعتمدة والفاعلين المنخرطين فــي إعــداد هــذه المعرفة وصــوغـهــا؟ كيف‬ ‫َ‬ ‫المعرفة‪ ،‬وخــاصــة التقنيات‬
‫تـلـ ّقــت نخبة المجتمع المستعمر هــذه الـمـعــرفــة‪ ،‬ومــا حــدود تــأثـيــرهــا فــي وعــي ذاتـهــا ووعــي موقعها في‬
‫وخصوصا بعد االستعمار؟ ما آليات التعاطي الفكري إزاء المعرفة التي خ ّلفها االستعمار‬ ‫ً‬ ‫المجتمع‪،‬‬
‫في أفق الوعي التاريخي بالتغيرات المعرفية والمادية والرمزية التي تداخلت مع البنى الذاتية للمجتمع‬
‫المتحرر من االستعمار؟ ما دور المعرفة الذاتية في معالجة الظواهر التي حاولت المعرفة االستعمارية‬
‫تغييرها وفق مصالح المستعمر الوافد؟‬

‫التعليم ومأسسة المعرفة االستعمارية في المجتمع المغربي‬


‫تقوم هذه الدراسة من جهة على وعي أهمية العودة الراهنة إلى فحص نظري نقدي لإلنتاج المعرفي‬
‫الـكــولــونـيــالــي‪ ،‬وال سـيـمــا أن الـســوسـيــولــوجـيــا الـمـغــربـيــة الـنــاشـئــة بـعــد االسـتـقــال (‪ )1956‬انـطـلـقــت بــوعــي‬
‫نـقــدي ل ــإرث الـكــولــونـيــالــي(((‪ .‬كـمــا أن الـمـجـتـمــع الـمـغــربــي لــم يـتـخـلــص إلــى ال ـيــوم مــن الـتـبـعـيــة لـفــرنـســا‪،‬‬
‫وال أدل عـلــى ذلــك مــن الـسـلـطــة الــرمــزيــة الـتــي ال ت ــزال الـلـغــة الـفــرنـسـيــة تـتـمـتــع بـهــا فــي نـظــام الـتـعـلـيــم في‬
‫ال ـم ـغ ــرب‪ ،‬وص ـع ــوب ــات إرسـ ــاء ال ـت ـعــدد ال ـل ـغــوي ف ــي ن ـظــام الـتـعـلـيــم وف ــي ال ـن ـظــام االق ـت ـص ــادي‪ ،‬ن ـظ ـ ًـرا إلــى‬

‫‪(1) Hassan Rachik et Rahma Bourqia, «La Sociologie au Maroc: Grandes étapes et jalons thématiques,» Sociologies‬‬
‫‪(2011), at: http://sociologies.revues.org/3719‬‬
‫‪69‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫االرت ـه ــان لـلـمـسـتـعـمــر ال ـســابــق عـلــى الـ ُـص ـعــد االق ـت ـصــادي والـسـيــاســي وال ـث ـقــافــي‪ .‬مــن جـهــة أخ ــرى‪ ،‬تظهر‬
‫ف ـعــال ـيــة ال ــدراس ــة ال ـســوس ـيــو تــاري ـخ ـيــة لـلـمـعــرفــة ال ـكــولــون ـيــال ـيــة لـتـجـلـيــة ال ـظ ــواه ــر وال ـت ـخ ـص ـصــات الـبـحـثـيــة‬
‫الـتــي خ ّلفتها هــذه الـمـعــرفــة‪ ،‬بسبب تــرابــط الهيمنة االسـتـعـمــاريــة والـمـعــرفــة الــدقـيـقــة بخصائص المجتمع‬
‫معرفيا ألجــل التشخيص الـنـقــدي لـهــذه المعرفة المتعددة والمركّ بة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫المستعمر‪ ،‬وهــو مــا يتطلب جـهــدً ا‬
‫من هنا‪ ،‬يقتصر البحث على دراسة موضوعة التعليم في المغرب من خالل المعرفة الكولونيالية التي‬
‫تشكلت خــال مــرحـلــة الـحـمــايــة‪ ،‬وذلــك عـلــى مـسـتــويـيــن‪ :‬مـسـتــوى الـمـفــاهـيــم والـتـصــورات الـتــي تبلورت‬
‫داخل هذه المعرفة‪ ،‬ومستوى معالجة الوقائع التعليمية والتربوية والتغيرات التي اكتنفتها‪ ،‬سواء تعلق‬
‫األم ــر بــالـمــؤسـســات التعليمية الـتـقـلـيــديــة (جــامــع الـقــرويـيــن وال ــزواي ــا والـكـتــاب الـقــرآنــي) أو بــالـمــؤسـســات‬
‫الـتـعـلـيـمـيــة ال ـتــي أحــدث ـهــا الـمـسـتـعـمــر‪ ،‬وخ ــاص ــة ال ـم ــدارس الـفــرنـسـيــة اإلســام ـيــة وال ـم ــدارس اإلســرائـيـلـيــة‪،‬‬
‫ومدارس أبناء األعيان‪...‬‬

‫تاريخيا أن نمو علم االجتماع فــي المغرب مرتبط بظاهرة التوسع اإلمبريالي كما أشــار‬
‫ً‬ ‫مــن المعروف‬
‫إلى ذلك عبد الكبير الخطيبي؛ فقد اس ُتغل هذا العلم في السياسات االستعمارية‪ ،‬فمهدت السلطات‬
‫االستعمارية للتغلغل االستعماري بالمعرفة التشخيصية أو اإلثنوغرافية لمكونات المجتمع المغربي‪،‬‬
‫وأسست لذلك في سنة ‪ 1904‬بعثة علمية برئاسة ألفرد لوشاتولييه (‪ )A. Lechatelier‬في طنجة‪ ،‬وبإدارة‬
‫جورج سالمون ً‬
‫أول ثم بإدارة ميشوبلير بعد سنة ‪.(((1907‬‬

‫ت ـم ـ ّث ـلــت م ـه ـمــة ال ـب ـع ـثــة ف ــي م ـح ــاول ــة إرس ـ ــاء ت ـص ــور اس ـت ـع ـم ــاري خ ــاص بــال ـم ـغــرب يـخـتـلــف ع ــن ال ـت ـصــور‬
‫فعمل على توسيع آفــاق النظر إلــى وظــائــف ضباط الجيش التي‬ ‫االستعماري الــذي ُطـ ّـبــق فــي الـجــزائــر‪ُ ،‬‬
‫لــم تقتصر على المهمات الحربية والقتالية‪ ،‬وإنـمــا امـتــدت إلــى تــأديــة مهمات معرفية وبحثية‪ ،‬وأخــرى‬
‫تربوية وتأطيرية فــي المستعمرات‪ .‬بناء على ذلــك‪ ،‬جــرت مأسسة السياسة العلمية بهدف إرســاء علم‬
‫االجتماع الكولونيالي الــذي كمنت مهمته األساسية في تجميع الوثائق الضرورية التي تساعد «على‬
‫ـاســا بـمـعــرفــة صــاغـهــا ضـبــاط ال ـشــؤون األهـلـيــة‬
‫دراس ــة الـمـغــرب وتـنـظـيـمــه وتـتـ ُّـبــع حـيــاتــه»‪ .‬ويـتـعـلــق األم ــر أسـ ً‬
‫المستعمرة‪ ،‬ومنهم لوشاتولييه وميشوبلير‪ ،‬كي تكون خاضعة لمراقبة الجيش‬ ‫َ‬ ‫الذين عملوا في الجزائر‬
‫الفرنسي الــذي يــزود الباحثين بتقارير استعالماتية‪ .‬كما أجــرى هــؤالء أبحا ًثا استكشافية تتعلق بالنظام‬
‫السياسي (المخزن) والنظام االجتماعي (القبيلة) والنظام الرمزي والديني (الدين ومؤسساته والزوايا‬
‫والجماعات الدينية)‪ ،‬ونـشــروا تلك األبـحــاث فــي األرشـيـفــات المغربية منذ سنة ‪ 1904‬مــن جهة‪ ،‬وفي‬
‫مجلة الـعــالــم اإلســامــي الـتــي ُأص ــدرت مـنــذ سـنــة ‪ 1906‬مــن جـهــة أخ ــرى‪ .‬وقــد غـلــب عـلــى هــذه المعرفة‬
‫التخصص السوسيولوجي وعلم التاريخ‬ ‫ُ‬ ‫الكولونيالية المنتظمة في إطار تنزيل أهداف الغزو والهيمنة‬
‫واألبحاث اللغوية والجغرافيا‪ ،‬وقامت على أساس برامج وتمويل ودعم مادي من طرف نظام الحماية‬
‫ووزارة الخارجية الفرنسية‪.‬‬

‫((( عبد الكبير الخطيبي‪« ،‬مراحل السوسيولوجيا بالمغرب‪ »،1967-1912 ،‬في‪ :‬الحوليات المغربية لعلم االجتماع (الرباط‪ :‬معهد‬
‫العلوم االجتماعية‪ ،)1970 ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪70‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫ـورا وفــق تـشـ ّـعــب حــاجــات الـحـمــايــة‪ ،‬وتـبـلــور ذلــك كـلــه في‬ ‫شـهــد نـظــام الـبـحــث الـعـلـمــي االسـتـعـمــاري ت ـطـ ً‬
‫إطــار إلـحــاق الشعبة المغربية للبعثة العلمية بـمــديــريــة الـشــؤون األهـلـيــة لــإقــامــة الـعــامــة فــي سـنــة ‪،1919‬‬
‫يسمى‬ ‫وتأسيس معهد الــدراســات العليا المغربية سنة ‪ 1920‬كـ مؤسسة للتعليم العالي والبحث‪ ،‬وكــان ّ‬
‫في ما سبق‪ ،‬أو منذ سنة ‪ ،1912‬المدرسة العليا للعربية واللهجات األمازيغية‪ .‬اختص المعهد بدراسة‬
‫اللغات في المغرب وتكوين المترجمين‪ ،‬والــرفــع من مستوى فاعليته العلمية والتوجيهية عبر تجميع‬
‫الـبــاحـثـيــن‪ ،‬مــن أمـثــال هـنــري الووس ــت ولـيـفــي بــروفــانـســال ولــويــس بــرونــو‪ ،‬للقيام بمهمات بحثية تخص‬
‫قـضــايــا سـيــاسـيــة ول ـغــويــة‪ /‬ثـقــافـيــة وتــاري ـخ ـيــة واج ـت ـمــاع ـيــة‪ ،‬ون ـشــرهــا فــي مـجـلــة ه ـس ـب ــري ــس(((‪ ،‬ونـيـطــت بهم‬
‫مـهـمــات تـكــويــن األط ــر الـعـسـكــريــة والـتـعـلـيـمـيــة‪ ،‬مــع تمكينهم مــن إثـنــولــوجـيــا خـصــائــص الـمـغــاربــة الــديـنـيــة‬
‫والثقافية واالجتماعية‪.‬‬

‫رسميا في فاس سنة ‪)1912‬‬ ‫ً‬ ‫ثمة ترابط أساسي بين تطور المعرفة الكولونيالية قبل الحماية (التي ُأعلنت‬
‫وتوطيد اإلدارة االستعمارية‪ ،‬وتمكين ضـبــاط الـشــؤون األهلية والمراقبين المدنيين مــن مضامين هذه‬
‫الـمـعــرفــة وتــوظـيـفـهــا سـيــاسـ ًـيــا وأيــديــولــوجـ ًـيــا واق ـت ـصــاد ًيــا وبـشــر ًيــا قـصــد الـتـحـكــم االسـتـعـمــاري فــي اإلنـســان‬
‫والمجال‪ ،‬واستغالل الـثــروات المغربية‪ ،‬ومواجهة المقاومة الوطنية‪ .‬من هنا‪ ،‬اع ُتمد فاعلون متعددو‬
‫ال ـك ـف ــاءات‪ ،‬مـنـهــم م ـخ ـبــرون وض ـب ــاط ع ـس ـكــريــون وأس ــات ــذة ف ــي تـخـصـصــات مـخـتـلـفــة‪ ،‬م ــن ع ـلــوم دقـيـقــة‬
‫وعـلــوم اجتماعية وهندسة‪ ،‬ورجــال قــانــون ذوو تجربة قوية فــي تدبير المستعمرات كما كــان األمــر في‬
‫الجزائر ومدغشقر‪.‬‬

‫وإذا كان االستعمار يمثّل هيمنة على مجتمع آخر بالقوة العسكرية قصد استغالل ثروات هذا المجتمع‬
‫تحضره» وحاجته إلى تجاوز الفوضى والتأخر‪،‬‬ ‫وطاقاته البشرية والمادية‪ ،‬وإذالل اإلنسان بدعوى «عدم ّ‬
‫فــا غــرابــة إن وجــدنــا أنــه ال يـعـتـمــد فـقــط عـلــى الـقــوة الـمــاديــة والـعـسـكــريــة لـفــرض سـيـطــرتــه عـلــى اإلنـســان‬
‫المستعمر وجماعاته‪،‬‬
‫َ‬ ‫أيضا بالسلطة الرمزية لممارسة تأثيره في أفــراد المجتمع‬ ‫والمجال‪ ،‬بل يتوسل ً‬
‫وتكريس المثاقفة المفروضة‪ ،‬وقولبة الذهنيات بغية خلق القابلية لالستعمار لدى هذه المجتمع؛ ولعل‬
‫من أبرز أدوات هذه السلطة المعلم والطبيب‪.‬‬

‫تطور اإلنتاج المعرفي الكولونيالي بشأن التعليم في المغرب‬


‫نعتمد فــي هــذه الــدراســة على رصــد تطور المفاهيم األساسية للمعرفة التي أنتجها الك ّتاب الفرنسيون‬
‫خالل الوضعية االستعمارية في حقل التربية والتعليم‪ ،‬في إطــار العمل على صوغ سياسة االستعمار‬
‫الـتـعـلـيـمـيــة ذات األب ـعــاد اإلثـنـيــة والـطـبـقـيــة والـجـهــويــة واالسـتـبـعــاديــة ثـقــافـ ًة وهــويــة‪ ،‬وال ـتــي عــرفــت تـغـيــرات‬
‫جزئية في إطار المواجهة مع الحركة الوطنية إلى حدود سنة ‪ .1956‬لقد كانت األغراض األساسية من‬
‫السياسة االستعمارية في التعليم تكمن في تكوين ناشئة محدودة العدد تنتمي إلى الفئات االجتماعية‬

‫‪(3) Fouzia Benzakour, Driss Gaadi et Ambroise Queffélec, Le Français au Maroc: Lexique et contacts de langues,‬‬
‫‪préf. de Danièle Latin, actualités linguistiques (Bruxelles; [Paris]: De Boeck Université-Duculot; [Montréal; Paris]:‬‬
‫‪AUPELF-UREF, 2000), 39.‬‬
‫‪71‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫المختلفة‪ ،‬وتـكــون متشبعة بالثقافة والـمـعــرفــة ذواتــي األفــق االسـتـعـمــاري‪ ،‬وقــوامـهــا التسلط الــرمــزي عن‬
‫طريق اللغة والتاريخ الفرنسيين والحضارة الغربية لتظل مرتبطة بثقافة المستعمر‪.‬‬

‫نتوخى مــن التركيز على المعرفة تقسيم اإلنـتــاج الكولونيالي الـخــاص بـمـيــدان التعليم إلــى ثــاثــة أنــواع‬
‫من الخطابات‪ :‬األول هو الخطاب اإلثنوغرافي‪ ،‬وفيه نحلل مفاهيم وتـصــورات بــدايــات هــذه المعرفة‬
‫الـتــي رامــت إنـتــاج مفاهيم وتـكــويــن مـجــال تعليمي جــديــد عند كـ ٍّـل مــن جــورج هــاردي وروجـيــه لوتورنو‬
‫وأندريه بيرتيي ولويس برونو‪ .‬وسنقوم بدراسة مفاصل هذا الخطاب اإلثنوغرافي الوصفي‪ ،‬والمفاهيم‬
‫األنـثــروبــولــوجـيــة الـكــاسـيـكـيــة الـتــي يــوظـفـهــا‪ .‬الـخـطــاب الـثــانــي هــو التحليل االجـتـمــاعــي الـتــاريـخــي الــذي‬
‫يستخدمه جــاك بيرك لــدراســة التعليم المغربي وتطوراته التاريخية‪ ،‬وخاصة فئة العلماء‪ّ .‬أمــا الخطاب‬
‫وتحكم االستعمار في‬ ‫ّ‬ ‫الثالث‪ ،‬فهو الخطاب السوسيولوجي الذي تبلور بعد تطور المعرفة الكولونيالية‬
‫السياق التعليمي على مستويات األطــر والمعرفة والبيداغوجيا واالنتقاء والنجاح الدراسيين‪ .‬ويرتبط‬
‫األم ــر فــي هــذا اإلط ــار بـلــوسـيــان ب ــاي‪ ،‬وبــالـتــالــي يـتـعـيــن االس ـت ـمــرار فــي الـتـحـلـيــل الـنـقــدي لــأنـثــروبــولــوجـيــا‬
‫ولـلـســوسـيــولــوجـيــا األمـيــركـيــة الـتــي تـطــورت فــي الـغــرب بـعــد االسـتـعـمــار وفــاقــت الـســوسـيــولــوجـيــا الفرنسية‬
‫لكونها اختصت بمعاينة تحوالت نظام التعليم في المغرب وآفــاق التحديث والتقليد ضمنه‪ ،‬وخاصة‬
‫مع األنثروبولوجي ديل إيكلمان‪.‬‬

‫الخطاب اإلثنوغرافي‬
‫‪ -‬جورج هاردي ولويس برونو‪ :‬نحو إثنوغرافيا مدرسية‬
‫ـوذجــا مـتـمـيـ ًزا فــي إنـتــاج الـخـطــاب اإلثـنــوغــرافــي الـمــدرســي‪ .‬وقــد‬
‫يـمـ ّثــل جــورج ه ــاردي (‪ )1972-1884‬نـمـ ً‬
‫ومديرا‬
‫ً‬ ‫ساعدته تجربته المهنية في المستعمرات على تكوين هذه اإلثنوغرافيا وصوغها؛ إذ كان أستا ًذا‬
‫ومهندسا إلصالحات النظام التعليمي الكولونيالي في أفريقيا‬ ‫ً‬ ‫للتعليم في «أفريقيا الغربية الفرنسية»‪،‬‬
‫مديرا للتعليم العمومي في المغرب تحت إمرة هوبر ليوتي من سنة ‪1919‬‬ ‫ً‬ ‫الغربية حتى سنة ‪ ،1919‬ثم‬
‫إلــى سنة ‪ .1925‬كــان هــاردي قد تصور أن فعالية التعليم الكولونيالي تكمن في إرســاء مدرسة ابتدائية‬
‫وطبقيا‬
‫ً‬ ‫إثنيا‬
‫مـحــدودة التأثير‪ ،‬وغير مــوحــدة على مستوى المجتمع الكبير لكونها ذات طابع تقسيمي ً‬
‫واجـتـمــاعـ ًـيــا‪ ،‬إضــافــة إلــى أن الـتـعـلـيــم االبـتــدائــي هــو الـحــد األقـصــى لـلـمـسـتــوى التعليمي ال ــذي ينبغي أن‬
‫يستفيد منه األهــالــي‪ ،‬ويحق للنخبة العليا أن تستفيد مــن مستوى متوسط هــو التعليم اإلعــدادي الــذي‬
‫واجتماعيا‪ّ .‬أما لويس برونو (‪ ،)1965 - 1882‬فكان أستا ًذا‬ ‫ً‬ ‫تكوينيا‬
‫ً‬ ‫تنحصر أهدافه في مستويات متدنية‬
‫ومهتما بدراسة اللغات واللهجات في المغرب وشمال أفريقيا‪ ،‬وشغل منصب مدير معهد الدراسات‬ ‫ً‬
‫العليا المغربية في الرباط من سنة ‪ 1935‬إلى سنة ‪.1947‬‬

‫من أهــم ما أنجزه هــاردي وبرونو بشأن التعليم في المغرب عملهما اإلثنوغرافي في ما يتعلق بالطفل‬
‫تصورا لإلثنوغرافيا كخطاب يضفي قوة سيميائية على القوة‬
‫ً‬ ‫المغربي‪ ،‬فهما يستخدمان في كتابهما هذا‬
‫التي تحظى بها السلطة االستعمارية‪ ،‬التي هي أساس شرعية الخطاب‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن اإلثنوغرافيا هنا‬
‫‪72‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫ليست عـلـ ًـمــا لـلــوصــف الـثـقــافــي وال تــأويـ ًـا للتعابير الـتــي تــرمــز إلــى مـمــارســات الـنــاس فــي ظــرف مــا وفــي‬
‫محمل بمسبقات أيديولوجية وأحـكــام جاهزة لوصم اآلخــر المختلف‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫مكان مــا(((‪ ،‬وإنما هي خطاب‬
‫كان الكاتبان قد استمداها من مع ّلمي األهالي الفرنسيين وصاغاها بناء على معطيات ُجمعت بطريقة‬
‫تعطي صورة مجحفة بحق الطفل المغربي‪.‬‬

‫يــرصــد الـكـتــاب خـصــائــص الـطـفــل الـفـيــزيـقـيــة ومـظـهــره الـخــارجــي وسـلــوكــه الـعــام ونـمـطــه الـنـفـســي وأدواره‬
‫الثقافية وخصائص تنشئته؛ فهو أسمر اللون وذو عينين سوداوين وجبهة ذات «طابع عمودي»‪ ..‬وهذه‬
‫ـوصــا في‬
‫مميزات تخص أطـفــال الـعــرق العربي واألمــازيـغــي الـخــالــص‪ ،‬مــع تأكيده اخـتــاط الــدم‪ ،‬وخـصـ ً‬
‫األوساط البرجوازية(((‪.‬‬

‫وبحسب هــاردي وبــرونــو‪ ،‬يتصف الطفل المغربي بمقاومته االستثنائية للتعب واأللــم‪ ،‬ويفسران ذلك‬
‫بـمـبــدأ االنـتـقــاء الــدارويـنــي‪ .‬كـمــا نجدهما يسلطان الـضــوء عـلــى نـقــص الــوقــايــة وال ـعــاج‪ ،‬وسلبية شــروط‬
‫الوجود‪ ،‬أي التغذية والسكن‪ ،‬واستفحال ظاهرة وفيات األطفال عند الــوالدة‪ .‬كما أن النشاط الحسي‬
‫للطفل يتأثر بنقص الوقاية‪ ،‬وحواسه كلها‪ ،‬أي الذوق والسمع واللمس‪ ،‬تفتقر بدورها إلى النفاذ(((‪.‬‬

‫يــاحــظ ه ــاردي نـقــص الـضــوء واإلن ــارة‪ ،‬وانـتـشــار الـغـبــار فــي فـضــاء الـمــديـنــة‪ ،‬فـحــدث نتيجة ذلــك ضعف‬
‫عام في الرؤية‪ .‬ويشير إلى أمراض العين‪ ،‬كالرمد الحبيبي وضعف العالج‪ ،‬وإلى وجود عدد كبير من‬
‫بالكاتبين إلــى اسـتـخــدام مفهوم الحس العملي عند‬
‫َ‬ ‫ضعاف الـبـصــر(((‪ .‬اإلمـســاك بهذه الخصائص دفــع‬
‫المغاربة‪ ،‬واختزاله إلى الطباع‪ ،‬وهو المفهوم الذي يتداوله الك ّتاب الكولونياليون من بعدهما‪.‬‬

‫يتسم النمط السيكولوجي للطفل المغربي بالتجانس‪ ،‬ويرجع ذلك ‪ -‬بحسب هاردي وبرونو ‪ -‬إلى وحدة‬
‫الــديــن اإلســامــي وطــابـعــه الكلياني؛ فالسيكولوجيا اإلســامـيــة هــي الـتــي طبعت هــذا الطفل بخصائصه‬
‫الـسـلــوكـيــة والـثـقــافـيــة عـلــى نـحــو عـمـيــق مــع أنـهــا كــانــت تـخـتــزن شـعــائــر «قـبــل إســامـيــة»؛ ذلــك ألن اإلســام‬
‫ظاهرة جماعية تؤثر في الفرد ليتشابه مع الجماعة‪ ،‬وهو من ثم رحيم ومحسن ومستقيم ونظيف على‬
‫الطريقة اإلسالمية‪.‬‬

‫هـنــاك ام ـتــداد مــن الـطـفــل إلــى الــراشــد بـسـبــب التنشئة اإلســامـيــة الـمــوحــدة؛ ف ـهــاردي وبــرونــو يـعـتـقــدان أن‬
‫اإلســام فــي طابعه الدوغمائي الخالص يمكنه أن يتيح حرية التفكير‪ ،‬لكن اإلســام الـيــومــي‪ ،‬وبعبارة‬
‫أخرى‪ ،‬التدين الجاري الخاضع لإلحيائية‪ ،‬نجده يطفئ جذوة الفكر‪ ،‬وبالتالي تكون الجماعة المسلمة‬
‫طاغية على الفرد(((‪.‬‬

‫‪(4) Bruce L. Berg, Qualitative Research Methods for the Social Sciences, 4th ed. (Boston: Allyn and Bacon, 2001), 134.‬‬
‫‪(5) Georges Hardy et Louis Brunot, L’enfant marocain: Essai d’ethnographie scolaire, editions du «Bulletin de‬‬
‫‪l’enseignement public au Maroc», Janvier 1925, no. 63 (Paris: E. Larose, 1925), 4.‬‬
‫‪(6) Ibid., 5.‬‬
‫‪(7) Ibid., 6.‬‬
‫‪(8) Ibid., 7.‬‬
‫‪73‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫تـتـمـظـهــر ال ـع ــاق ــة ال ـب ـنــائ ـيــة ل ـل ـفــرد وال ـج ـمــاعــة ف ــي ال ــدي ــن اإلس ــام ــي واح ـت ــوائ ــه ل ـه ـمــا ف ــي ك ــون ــه ي ــؤث ــر فــي‬
‫طــريـقــة الـتـعـلـيــم والـتـعـلــم؛ فـمــا يـسـيـطــر عـلــى ذهـنـيــة الـطـفــل الـمـتـمــدرس الـمـغــربــي هــو تـفـعـيــل دور الــذاكــرة‬
‫الـسـمـعـيــة‪ ،‬بـمـعـنــى أن مـعــرفــة ال ـقــرآن تـتــم بــالـحـفــظ‪ ،‬والـحـفــظ شـحــذ ل ـلــذاكــرة وآل ـيــة مـعـتـ َـمــدة فــي اكـتـســاب‬
‫م ـع ــارف أخ ـ ــرى‪ .‬والـ ــذاكـ ــرة هـ ــي‪ ،‬وفـ ــق ت ـص ــور هـ ـ ــاردي‪ ،‬ال ـ َـم ـ َل ـك ــة ال ـت ــي ط ــورت ـه ــا ال ـت ـكــوي ـنــات ال ـت ـق ـل ـيــديــة‪.‬‬
‫ويـتـعـمــق مـ ــوروث ال ــذاك ــرة ج ـيـ ًـا ب ـعــد ج ـيــل ع ــن طــريــق ت ـع ـ ّلــم الـ ـق ــرآن‪ ،‬وبــال ـتــالــي تـشـكــل ال ــذاك ــرة خ ـطـ ًـرا‬
‫لـكــونـهــا ال تـتـيــح اكـتـســا ًبــا مـنـهـجـ ًـيــا لـلـمـعــارف‪ ،‬ويـسـتـخـلــص الـكــاتـبــان مــن ذلــك «اف ـت ـقــار» الـطـفــل الـمـغــربــي‬
‫إلى الخيال(((‪.‬‬

‫في إطار المنظور المعياري المسبق بشأن اإلسالم‪ ،‬يعتبر الكاتبان أن كل إبداع هو بالنسبة إلى اإلسالم‬
‫بــدعــة‪ ،‬لذلك ُيعتمد التقليد الـمــوروث وإبـعــاد الحكم والبرهنة العقلية وحــريــة الفكر‪ .‬وإذا كــان الحس‬
‫العملي المتطور عند الطفل يتجلى في الفهم السريع والبرهنة الصحيحة‪ ،‬فإن ذلك ال يظهر إال عندما‬
‫خصوصا حين‬
‫ً‬ ‫تبرز مصلحة شخصية لــديــه‪ ،‬ويستنتجان مــن ذلــك أن الطفل المغربي يشكل استثناء‪،‬‬
‫يحكمان عليه باألنانية والتمركز حول الذات‪ ،‬لكأن هذه الخاصية ليست عامة على الطفولة كما تؤكد‬
‫األبحاث السيكولوجية ذلك(‪.((1‬‬

‫إذا كــانــت «ال ـم ـع ـت ـقــدات ال ـخــراف ـيــة» مـنـتـشــرة آنـ ــذاك ف ــي أوسـ ــاط ال ـط ـفــولــة ال ـم ـغــرب ـيــة‪ ،‬بـحـســب ال ـكــات ـبــان‪،‬‬
‫ف ــإن دور ال ـم ــدرس ــة أس ــاس ــي بــالـنـسـبــة إلـيـهـمــا لـصـقــل س ـلــوك ال ـط ـفــل؛ ه ــذا ال ـس ـلــوك الـ ــذي طـبـعـتــه تـنـشـئــة‬
‫عــائـلـيــة تـقـلـيــديــة تعتمد فــي مـجــال الـصـحــة عـلــى ال ـتــداوي بــاألعـشــاب‪ ،‬وتـعـتـمــد فــي مـجــال إع ــداد الــذات‬
‫على ارتــداء لـبــاس الـكـبــار(‪ .((1‬كما أنـنــا نراهما يميزان بين األطـفــال والنظافة بحسب الفئة االجتماعية؛‬
‫إذ ت ـك ـثــر ال ـن ـظــافــة ل ــدى أط ـف ــال ال ـف ـئــة ال ـع ـل ـيــا وت ـق ــل ل ــدى أط ـف ــال ال ـف ـئ ــات ال ـف ـق ـي ــرة‪ .‬وه ـم ــا ي ـن ـصــان أيـ ًـضــا‬
‫عـلــى الـمـكــانــة الـمـهـمــة ال ـتــي يـحـتـلـهــا الـطـفــل ف ــي ال ــوس ــط ال ـعــائ ـلــي‪ ،‬وال ــدالل ــة الــرمــزيــة لـحـفــات الـخـتــان‬
‫ول ــأس ـم ــاء ال ـم ـس ـنــدة إل ــى ال ـط ـفــل ب ـح ـســب ال ـن ــوع‪ .‬وع ـل ــى ال ـع ـم ــوم‪ ،‬ي ـن ـمــو ال ـط ـفــل ف ــي إطـ ــار تــرب ـيــة ذات‬
‫ط ــاب ــع «سـ ـح ــري»‪ ،‬وه ــو م ــا ي ـجـعــل الــذه ـن ـيــة ال ـج ـمــاع ـيــة ت ـت ـصــف ب ـخ ـصــائــص ذه ـن ـيــة م ــا ق ـبــل م ـن ـط ـق ـيــة(‪.((1‬‬
‫وي ــاح ــظ ال ـكــات ـبــان امـ ـتـ ــدا ًدا ب ـيــن ال ـتــرب ـيــة ال ـعــائ ـل ـيــة وت ـن ـش ـئــة ال ـط ـفــل ف ــي ال ـك ـت ــاب ال ـق ــرآن ــي‪ ،‬وه ــي تـجـســد‬
‫«بيداغوجيا بدائية»(‪.((1‬‬

‫حضورا بارزًا لثقافة القرن التاسع عشر‪ ،‬وخاصة‬


‫ً‬ ‫نلحظ في الخطاب الماكرو‪ -‬إثنوغرافي لهاردي وبرونو‬
‫اإلثنولوجيا التطورية (ليفي برول)‪ ،‬مع تسويغ أيديولوجي انتقاصي يضع الطفل المغربي كنمط موحد‬
‫في مرحلة تشكل الماضي المتجاوز في بنية الطفولة في الغرب األوروبي‪.‬‬

‫‪(9) Ibid., 8.‬‬


‫‪(10) Ibid., 12.‬‬
‫‪(11) Ibid., 34.‬‬
‫‪(12) Ibid., 64.‬‬
‫‪(13) Ibid., 67.‬‬
‫‪74‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫‪ -‬لوتورنو وإثنوغرافيا التعليم العالي اإلسالمي‬


‫نسبيا‪ ،‬ال تعلن مواقف أيديولوجية إال‬ ‫يصوغ لوتورنو (‪ )1971-1907‬خطابه اإلثنوغرافي بصيغة بــاردة ً‬
‫بصفة مـحــدودة‪ ،‬ويــرجــع ذلــك إلــى كــونــه أسـتــا ًذا ومــؤرخً ــا اهـتــم بـتــاريــخ شـمــال أفــريـقـيــا‪ .‬وكـتــابــه فــاس قبل‬
‫الحماية ُأعد ليكون أطروحة دكتوراه لدراسة المدينة من جوانبها المختلفة‪ ،‬بما في ذلك الحياة الثقافية‬
‫والفكرية‪ ،‬ومن هنا توخي الوصف المكثف والمعتمد على وثائق وكتابات سابقة تسرب إلى كتابه من‬
‫خاللها بعض األحكام الجاهزة بشأن التعليم‪ ،‬وخاصة عند مقارنته بالتعليم األوروبي‪.‬‬

‫اهتم لوتورنو بوصف التعليم العالي اإلسالمي انطال ًقا من مجال التنظيم العام‪ ،‬إذ ينص على أن جامعة‬
‫القرويين غلب عليها الطابع الديني والتقليدي‪ ،‬ولــم تكن تشتغل بالبرامج‪ .‬وكــان تعيين األســاتــذة يتم‬
‫بقرار يتخذه قاضي جماعة فــاس بعد موافقة المخزن‪ ،‬وخاصة منذ عهد الحسن األول(‪ .((1‬والقاضي‬
‫المشار إليه هو الذي كان يدير ميزانية الجامعة «بما له من إشراف على إدارة األوقاف ألن هذه الميزانية‬
‫لم يكن يمولها غير األحباس»(‪.((1‬‬

‫مجهول‪ ،‬ظل نظام مــدة الــدراســة يجري وفــق العادة‬ ‫ً‬ ‫إضافة إلــى أن العمل بمفهوم السنة الدراسية كــان‬
‫المتداولة‪ ،‬إذ كان التكوين الدراسي يربو على خمس سنوات على األقــل‪ ،‬هذا مع أن تقييم المعارف‬
‫بامتحانات لــم يكن مقن ًنا وإنـمــا كــان الطالب الــذي يجيد تقديم الــدرس أمــام علماء عــدة ُيمنح مــا كان‬
‫يسمى الشهادة‪ ،‬أي إجازة بناء على امتالكه المعارف الدينية المطلوبة‪ .‬وكان لكل طالب حامل لإلجازة‬ ‫َّ‬
‫فقيها» ‪ ،‬ويلتمس بعد ذلك أن ّ‬
‫يعينه‬ ‫يدرس بجامعة فاس وكان يدعى عادة ً‬ ‫من أساتذته «الحق في أن ّ‬
‫(‪((1‬‬

‫الـمـخــزن أس ـتــا ًذا رسـمـ ًـيــا‪ .‬وتـجــدر اإلش ــارة إلــى أن األســاتــذة ينتظمون فــي مــراتــب‪ ،‬أعــاهــا مــرتـبــة الــدرجــة‬
‫األولى‪ ،‬وكان عددهم في سنة ‪ 1904‬سبعة عشر أستا ًذا(‪ .((1‬وعلى العموم‪ ،‬كان األساتذة يحتلون مكانة‬
‫مهمة في مجالي التعليم والسياسة من جهة‪ ،‬وفي مجال تنظيم المجتمع وتوجيهه من جهة أخرى‪.‬‬

‫هكذا يتضح أن التعليم العالي اإلسالمي اعتمد تقسيم العلماء والمدرسين إلى درجات بما ينسجم مع‬
‫يعين مكانة المدرس وأدواره ومستوى أجــره والهدايا التي كان يتلقاها وفق مرتبته‪.‬‬ ‫التراتب الــذي كان ِّ‬
‫ويتوقف التراتب الذي كانت هيئة العلماء تخضع له على معايير خاصة‪ ،‬منها الكفاءة العلمية للمدرس‬
‫وأقدميته وشهرته في حال تضاعفت أعداد الطالب في حلقته التدريسية واستجاب لـ«رغبات» الطالب‬
‫الـمـتـعـلـقــة بـمـضــامـيــن الـمـعــرفــة الـتــي يـطـمـحــون إل ــى تـعـلـمـهــا‪ :‬الـفـقــه وال ـع ـلــوم الـمـســاعــدة‪ ،‬وه ــذه الــرغـبــات‬
‫طبعا‪ ،‬إن ترقيته كمدرس إلــى الدرجة الرابعة‪ ،‬بعد شروعه في‬ ‫تعبر عن الخطاطات الذهنية الراسخة‪ً .‬‬ ‫ّ‬
‫العمل بــالــدرجــة الخامسة‪ ،‬تقتضي اعـتــراف أســاتــذتــه الكبار بكفاءته وشـهــرتــه‪ ،‬ثــم قــدرتــه على استخدام‬

‫(‪ ((1‬روجــي لوتورنو‪ ،‬فــاس قبل الحماية‪ ،‬ترجمه إلى العربية محمد حجي ومحمد األخضر‪ ،‬ج ‪( 2‬بيروت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬‬
‫‪ ،)1986‬ص ‪.656‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.657‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.660‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.664‬‬
‫‪75‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫رأس المال االجتماعي للحصول على ظهير سلطاني جديد(‪ .((1‬وتعادل الدرجة األولى المنصب الرفيع‬
‫الــذي يمثّله العلماء الـكـبــار؛ فــالـعــالِــم الــرفـيــع الــدرجــة َّ‬
‫يسمى «الـمـشــارك»‪ ،‬وهــو مــؤ ِّلــف ومـعـتـ َـرف بسلطته‬
‫الرمزية والمعرفية‪ ،‬فاألستاذ محمد بن جعفر الكتاني‪ ،‬وهو في هذه الدرجة الممتازة‪ ،‬كان يقدم حديث‬
‫كرسيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬الحظ بيرتيي أن جامعة القرويين تتوفر على ‪12‬‬ ‫ً‬ ‫البخاري على الكرسي‪.‬‬
‫وهي مرتبطة بالدروس ال باألشخاص ‪.‬‬
‫(‪((1‬‬

‫اهتم لوتورنو كذلك بحياة الطالب الدراسية واالجتماعية‪ ،‬والحظ أنهم ينقسمون إلى قسمين‪ :‬الفاسيون‬
‫أبـنــاء المدينة‪ ،‬واألفــاقـيــون المنحدرون مــن الـبــاديــة‪ ،‬وكــان عــددهــم فــي أوائــل الـقــرن العشرين يـتــراوح بين‬
‫‪ 600‬و‪ 700‬طالب(‪ .((2‬وكانت ست مدارس في فاس تابعة لألحباس تؤوي الطالب‪ ،‬وهي بمثابة مراكز‬
‫أيضا إلقامة الصالة‪ ،‬ويتلقون فيها الخبز والماء كل يوم‪ ،‬وهي‪ :‬مدرسة‬ ‫يؤمونها ً‬
‫لإليواء‪ ،‬وكان الطالب ّ‬
‫الصفارين ومــدرســة العطارين ومــدرســة المصباحية ومــدرســة الشراطين ومــدرســة بــاب عجيسة ومدرسة‬
‫موالي عبد الله‪ .‬كما أنه كان لكل مدرسة زبنائها الخاصون الذين يشتركون في اإليواء بمدرسة خاصة‬
‫مثل كانت تؤوي طالب سوس(‪.((2‬‬ ‫نتيجة انتمائهم القبلي أو المناطقي الموحد؛ فمدرسة الصفارين ً‬

‫اعتما ًدا على مرجع إثنوغرافي لبرتيي‪ ،‬وهو مرجع مهم ويتعلق بمدارس فــاس‪ ،‬يرصد لوتورنو العلوم‬
‫تدرس في جامعة القرويين في أوائل القرن العشرين وهي‪ :‬الحديث‪،‬‬ ‫والمواد اإلحدى عشرة التي كانت َّ‬
‫يدرس من خالل كتب مختصر سيدي خليل ورسالة ابن‬ ‫ويسمى البحر ألنه كان َّ‬
‫َّ‬ ‫وأصول الفقه‪ ،‬والفقه‬
‫أبــي زيــد القيرواني والمرشد المعين البــن عاشر وتحفة ابــن عاصم‪ ،‬وكذلك النحو والبيان‪ ،‬والمنطق‪،‬‬
‫يدرس خارج الجامعة) والتوحيد‪ ،‬والقضاء‪ ،‬واألحكام‪ ،‬واألدب(‪.((2‬‬
‫والعروض‪ ،‬والحساب (وكان َّ‬

‫‪ -‬غودوفروي ديمومبين‪ ،‬التعليم في خدمة المشروع االستعماري‬


‫سترتسم معالم الكتابة الماكروإثنوغرافية الكولونيالية مع غودوفروي ديمومبين (‪ )1957 – 1862‬الذي‬
‫ُعــرف باهتمامه بـشــؤون اإلســام والثقافة العربية‪ ،‬وترجمته كـتــاب رحـلــة ابــن جـبـيــر إلــى اللغة الفرنسية‪،‬‬
‫وشغله مهمات أستاذ في المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية في فرنسا‪ .‬وفي كتابه المهم بشأن العمل‬
‫مما سبقه من الك ّتاب بمظهرين أساسيين‪ :‬األول‬ ‫الفرنسي في مجال التعليم في المغرب‪ ،‬سنجده يتميز ّ‬
‫توصيف وتشخيص أنظمة التعليم في المغرب في سياق تغلغل الحماية‪ ،‬والثاني تأطير الوصف بنظرة‬
‫استعمارية واضحة تستند إلى أيديولوجية ليوتي‪ ،‬المقيم العام في المغرب خالل مرحلة ‪،1925 - 1912‬‬
‫القائمة على التطور البطيء‪ ،‬أي اإلدماج التدريجي للمغاربة في سياق الرأسمالية االستعمارية من دون‬

‫»‪A. Péretié, «Les Médersas de Fès,‬‬ ‫‪Archives marocaines‬‬ ‫(‪ ((1‬ال ـ ـم ـ ـصـ ــدر ن ـف ـس ــه‪ ،‬ص ‪ 661‬و ‪18, (1912), 322.‬‬
‫‪(19) Péretié, 317.‬‬
‫(‪ ((2‬لوتورنو‪ ،‬ص ‪.666‬‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.669-668‬‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.655-654‬‬
‫‪76‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫اقتالع جذورهم أو «المساس بهويتهم»‪ ،‬والعمل على أن تكون المدرسة آلية لتقريب أبناء النخبة وإبعاد‬
‫الطبقات الشعبية وتجميدها في الوضع الذي كانت عليه‪.‬‬

‫تدل المفاهيم التي يوظفها ديمومبين في خطابه الكولونيالي على نزعة وظيفية سطحية من قبيل مفهوم‬
‫ال ـتــوازن االجـتـمــاعــي وال ـفــائــدة االجـتـمــاعـيــة والـنـفـعـيــة‪ .‬كـمــا نـجــده يـسـتـخــدم مـفــاهـيــم اسـتـعـمــاريــة‪ ،‬كــالـغــزو‬
‫األخــاقــي الــذي تـمــارســه الـمــدرســة‪ ،‬وغــزو األب ــدان الــذي تـمــارســه الـمـســاعــدة الـطـبـيــة‪ ،‬ومـفـهــوم المقاصد‬
‫الحضارية إلخراج المغرب من الفوضى إلى النظام(‪.((2‬‬

‫يـتـجـلــى ض ـمــان اسـتـغــال ن ـظــام الـحـمــايــة لـلـمـغــرب عـلــى الـصـعـيــد االق ـت ـصــادي‪ ،‬بـحـســب ديـمــومـبـيــن‪ ،‬في‬
‫تناقضا بين الحفاظ على التقاليد‬ ‫ً‬ ‫سي ْحدث‬ ‫نشر التعليم الحديث لفائدة «األهــالــي» ‪ ،‬وهــذا اإلجــراء ُ‬
‫(‪((2‬‬

‫والمؤسسات القديمة وإرادة إدراج المغاربة في صيرورة التغيير االستعماري‪ .‬ومن نتائج هذا التناقض‬
‫التعدد الذي سيطرأ على حقل التعليم وعلى المجتمع في المغرب‪ ،‬حيث إن ديمومبين لم يدرك سوى‬
‫التعدد ال عناصر الوحدة؛ فهناك األمازيغ المتصفون بالصبر والتحمل‪ ،‬وغريزة الفوضى والخصوصية‪،‬‬
‫وهــم يمثلون عــر ًقــا ذا حـضــارة خاصة ال يمكن ربطها بالدين اإلســامــي‪ .‬وهـنــاك اإلســام المتغلغل في‬
‫الـســاكـنــة الـعــربـيــة‪ ،‬ع ــاوة عـلــى الـمـخــزن ال ـشــريــف(‪ .((2‬وثـمــة تـعــدد وت ـنــوع عــرقــي (ع ــرب‪ ،‬أمــازيــغ‪ ،‬يـهــود‪،‬‬
‫وتعدد ديني (إسالمي‪ ،‬يهودي‪ ،‬مسيحي) وتعدد لغوي (أمازيغي‪ ،‬عربي‪ ،‬فرنسي)‪.‬‬ ‫فرنسيون‪ ،‬أجانب) ُّ‬
‫لكي ينجح نـظــام التعليم الكولونيالي فــي خــدمــة الـمـشــروع الــذي انـ ُتــدب ألجـلــه‪ ،‬مــن الـضــروري تنويع‬
‫ال ـم ــدارس وض ـمــان تــراتـبـهــا وف ـ ًقــا لـلـتــراتــب اإلث ـنــي والـطـبـقــي الـقــائــم فــي الـمـجـتـمــع؛ فـفــي مـقــابــل الـتـعـلـيــم‬
‫«بدائيا» في خصائصه ومناهجه‪ ،‬لكونه ذا أساس ديني خاضع للمخزن‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمي الذي يراه ديمومبين‬
‫يشكل مصدر التعليمات في الكتاب القرآني‬ ‫ويمثّل فيه القرآن المصدر األساسي للمعرفة وللحياة‪ ،‬كما ّ‬
‫ومـنـطـلــق أن ــواع الـتـعـلـيــم فــي الـجــامـعــة‪ ،‬وهــي أعـلــى أن ــواع الـتـعـلـيــم االس ــام ــي ‪ ،‬يــوجــد الـتـعـلـيــم الفرنسي‬
‫(‪((2‬‬

‫الحديث والمتعلق بأنواع التعليم المختلفة والمخصصة للمغاربة بحسب الفئات التي ينتمون إليها‪.‬‬

‫تـتــداخــل الـمـفــاهـيــم مــع الـكـيــان الـمــوصــوف فــي الـمـتـخـيــل االسـتـعـمــاري حـيـنـمــا يـجــري الـتـعــرض لـلـكـ ّتــاب‬
‫القرآني (المسيد بالعامية)؛ فعلى مستوى المجال‪ُ ،‬يعتبر هذا الك ّتاب تاب ًعا لجامع أو زاوية أو لحبوس‪.‬‬
‫وعـلــى الصعيد االجـتـمــاعــي‪ ،‬ثـمــة كتاتيب فــي األحـيــاء الـفـقـيــرة فــي ال ـبــوادي وال ـمــدن‪ُ ،‬‬
‫وأخ ــرى ُتـنـقــل إلــى‬
‫األسر الغنية لتعليم أبنائها(‪ ،((2‬وهذا يعني تخصيص فقيه لتعليم أبناء العائلة الكبيرة داخل الدار‪.‬‬ ‫منازل ُ‬
‫عتمد خيام متنقلة لتعليم األطفال‪ .‬وعلى الصعيد البيداغوجي‪ ،‬يعمل‬ ‫ّأما بالنسبة إلى قبائل الرحل‪ ،‬ف ُت َ‬
‫الفقيه (وهــو الطالب فــي الـبــاديــة) على تلقين الطفل مـبــادئ الـقــراءة والكتابة وتحفيظه ســور الـقــرآن عن‬

‫;‪(23) Roger Gaudefroy-Demombynes, L’Oeuvre française en matière d’enseignement au Maroc (Paris; Troyes‬‬
‫‪Barcelone: Les Presses modernes; Librairie orientaliste Paul Geuthner, 1928), 10.‬‬
‫‪(24) Ibid., 10.‬‬
‫‪(25) Ibid., 12.‬‬
‫‪(26) Ibid., 18.‬‬
‫‪(27) Ibid., 19.‬‬
‫‪77‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫ظهر قلب بصورة متدرجة‪ ،‬عن طريق كتابة مقاطع آيات قرآنية على اللوح الخشبي‪ .‬وعلى وجه العموم‪،‬‬
‫نجد الفقيه‪ ،‬بحسب ديمومبين‪ ،‬يعيش حياة بئيسة تدفعه إلى مزاولة أعمال أخرى كالحالقة أو خياطة‬
‫المالبس‪ ،‬إلى جانب ممارسته التعليم‪ ،‬والمشاركة في أنشطة على صعيد الحياة االجتماعية‪ ،‬كاألفراح‬
‫والـمــآتــم والـطـقــوس الــديـنـيــة واالجـتـمــاعـيــة الـمـخـتـلـفــة (‪ ،((2‬وه ــذا ال ـنــوع مــن أن ــواع الـتـعـلـيــم مــا عــاد يــرضــي‬
‫المغاربة المتنورين‪ ،‬كما الحظ ديمومبين‪ ،‬من هنا كانت الدعوة إلى تجديد الك ّتاب القرآني ابتداء من‬
‫سنة ‪ .1920‬وإذا كــان الهدف من الك ّتاب القرآني تخريج طفل مسلم جيد‪ ،‬فــإن هــذا الطفل ال يتمكن‬
‫من قراءة القرآن إال بعد مرور خمس أو ست سنوات‪ ،‬وإذا كان يعرف القراءة والكتابة واالستظهار‪ ،‬فإنه‬
‫قصورا في فهم نص جديد ألن التعليم يطور الذاكرة وليس الفهم وتكوين الذهن(‪.((2‬‬ ‫ً‬ ‫يبدي‬

‫ّأما بخصوص التعليم العالي اإلسالمي‪ ،‬فقد ُأبعدت العلوم الدنيوية من المساجد منذ العهد السعدي‪،‬‬
‫وتــراجـعــت حــريــة الـتــأويــل عـنــد األســاتــذة والـعـلـمــاء‪ ،‬وذلــك بسبب االكـتـفــاء بسلطة الـشــارحـيــن الـقــدامــى‪.‬‬
‫واستمر إبان العهد العلوي الجمود نفسه‪ ،‬األمر الذي فتح المجال للزوايا لكي تمارس فاعليتها القوية‬
‫على حياة المغاربة‪ ،‬وبــرز تعليم الزوايا الــذي اختلف بحسب نوع الجماعة الدينية والطريقة المتبعة‪،‬‬
‫وتعلم المريدون األذكار والقواعد وتوقير ضريح الصالح(‪.((3‬‬

‫احتل جامع‪/‬جامعة القرويين المحدَ ث في القرن التاسع (سنة ‪ )862‬محور التعليم العالي اإلسالمي‬
‫على حـســاب الـمــدارس والـمـســاجــد‪ ،‬وتــداخـلــت المعرفة فــي الـمـقــدس بحكم طبيعة المعرفة المنقولة‪.‬‬
‫واشـتـهــر الـجــامــع‪ /‬الـجــامـعــة فــي الـعـهــد الـمــريـنــي بـمـكــانـتــه الـعـلـمـيــة وبــأســاتــذتــه وأع ــداد طــابــه‪ ،‬لـكـنــه عــرف‬
‫ـورا ابـتــداء مــن الـقــرن الخامس عشر‪ ،‬وظـهــرت معالم التراجع فــي الـقــرن السابع عشر بسبب انطواء‬ ‫تــدهـ ً‬
‫المغرب على نفسه وطغيان التقليد على حساب التجديد العقالني‪ ،‬والعوامل المحلية على حساب‬
‫دورا سـيــاسـ ًـيــا إزاء بيعة الـســاطـيــن‪ ،‬واحتفظ‬ ‫مــا هــو عــام‪ .‬لـكــن رغــم ذلــك‪ ،‬ظــل الـجــامــع‪/‬الـجــامـعــة يــؤدي ً‬
‫بـبـعــض اسـتـقــالـيـتــه مــن منطلق أن عـلـمــاء الـقــرويـيــن كــان ُيـنـظــر إلـيـهــم بــوصـفـهــم ممثلين لــأمــة اإلســامـيــة‬
‫وحاملين للبركة‪ ،‬وقــد بلغ مجمل عــددهــم غــداة الحماية ‪ 172‬عــالـ ًـمــا‪ .‬ويــرجــع ديمومبين إلــى معطيات‬
‫بريتيي لوصف سيرورة األستاذية في جامع القرويين‪ ،‬فكان توجه العلماء على وجه اإلجمال ذا طابع‬
‫أرثوذكسي بينما كان توجه بعضهم ذا طابع صوفي(‪.((3‬‬

‫تقدم التعليم‪ ،‬وهو بذلك يماثل بين التعليم‬ ‫ينص ديمومبين على أن المناخ اإلسالمي للجامع ال يتيح ُّ‬
‫اإلســامــي والـتـعـلـيــم األوروبـ ــي‪ ،‬ذل ــك أن الـجــامـعــات األوروب ـي ــة حـقـقــت نـهـضـتـهــا بــالـتـخـلــص مــن سلطة‬
‫الكنيسة فــي العصر الــوسـيــط‪ ،‬وهــذا هــو الـمـســار نفسه الــذي ينبغي أن يسير فيه الـجــامــع‪ ،‬لــذلــك تــوازي‬
‫الكتاتيب الـمــدارس الـصـغــرى المرتبطة بالكنائس‪ ،‬كما تقترب دروس الـقــرويـيــن مــن دروس الـمــدارس‬

‫‪(28) Ibid., 21.‬‬


‫‪(29) Ibid., 27.‬‬
‫‪(30) Ibid., 31.‬‬
‫‪(31) Ibid., 36.‬‬
‫‪78‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫ال ـك ـبــرى ت ـحــت ظ ــل كــاتــدرائ ـيــة ب ــاري ــس‪ ،‬وبــال ـتــالــي ت ـغــدو ال ـع ـلــوم م ــؤدي ــة إل ــى ال ـع ـلــم ال ـح ـق ـي ـقــي(‪ ،((3‬وهــو‬
‫دراسة الالهوت(‪.((3‬‬

‫يستخدم ديمومبين مصطلح «االنـحـطــاط» لتوصيف وضــع الجامع‪/‬الجامعة فــي بــدايــة الـقــرن العشرين‬
‫بـحـكــم ع ــدم م ـجــاراتــه ال ـح ـضــارة الـحــديـثــة‪ ،‬وي ـطــرح مـشــروعـيــة ال ــدع ــوة اإلصــاح ـيــة إلع ــادة هـيـكـلـتــه وفــق‬
‫متطلبات العصر الحديث‪ .‬ويقوم العمل اإلصالحي على إدخــال اإلدارة الحديثة والمناهج العصرية‪،‬‬
‫وتنظيم وضــع األســاتــذة والـطــاب وتقنينه‪ ،‬وتكوين أســاتــذة جــدد‪ ،‬واالهـتـمــام بتعليم الـمــرأة‪ ،‬ومـثــل هذا‬
‫اإلصالح ال يتأتى إال بإشراك المخزن والعلماء والطالب‪ ،‬لكن ديمومبين أشار إلى مقاومة المكونين‬
‫األخيرين نتيجة تحكم االستعمار في العملية اإلصالحية (‪.((3‬‬

‫وضــع نـظــام الـحـمــايــة هيكلية إداري ــة مـحــدودة لتنظيم التعليم الـمـ ْـحــدث‪ ،‬وذلــك بــإنـشــائــه فــي سـنــة ‪1913‬‬
‫مصلحة خاصة بالتعليم لفائدة األهالي‪ ،‬ومن ضمن ذلك إيالء أبناء األعيان‪ ،‬أي النخبة المحلية‪ ،‬رعاية‬
‫خاصة‪ ،‬ف ُفتحت لهم مــدارس خاصة‪ ،‬مثل كوليج مــوالي إدريــس في فــاس سنة ‪ 1914‬وكوليج موالي‬
‫يوسف في الرباط سنة ‪.1916‬‬

‫تـضـ ّـمــن «الـتـعـلـيــم الـفــرنـســي الـعــربــي» الـمـنــاهــج عينها الـتــي كــانــت مـعـتـ َـمــدة فــي ال ـمــدارس الـتــونـسـيــة‪ ،‬وكــان‬
‫يقوم على تعليم مزدوج‪ :‬قسم متعلق بالعربية وتعليم القرآن‪ ،‬وقسم آخر خاص بالفرنسية‪ .‬ويستعرض‬
‫ديمومبين فــي الكتاب بالتفصيل مناهج وبــرامــج مجمل أنــواع التعليم التي قــام بتدريسها معلمون من‬
‫الجزائر وتونس‪ ،‬وذلــك من أجل ممارسة مراقبة دقيقة لما يجري تعليمه ألبناء األهالي‪ .‬وكــان الهدف‬
‫من التعليم تحسين شروط الوجود االجتماعي لألهالي‪ ،‬وتعليمهم في إطار الحضارة الفرنسية وليس‬
‫تثقيف الطفل أو تكوين شخصيته(‪.((3‬‬

‫أنـشـئــت م ــدارس أب ـنــاء األع ـيــان سـنــة ‪ ،1916‬وكــانــت خــدمــاتـهــا الـتـعـلـيـمـيــة لـقــاء رس ــوم مــالـيــة كــل شـهــر‪ ،‬ثم‬
‫ج ــرى االسـتـغـنــاء عــن الــرســوم الـمــالـيــة خ ــال سـنــة ‪ ،1926‬وك ــان ال ـهــدف تـكــويــن أب ـنــاء الـنـخـبــة للحصول‬
‫على مهن إداري ــة وتـجــاريــة‪ .‬وفــي سنة ‪ 1920‬تبلور الـتــوجــه الكولونيالي الـعــام لتنظيم التعليم فــي إطــار‬
‫مـخـطــط إداري وب ـيــداغــوجــي‪ ،‬وف ــي ه ــذا اإلطـ ــار ُأح ــدث ــت مـ ــدارس حـضــريــة ومـ ــدارس ق ــروي ــة وم ــدارس‬
‫أم ــازي ـغ ـي ــة وأخـ ـ ــرى م ـه ـن ـي ــة‪ ،‬إلـ ــى ج ــان ــب مـ ـ ــدارس ف ــرن ـس ـي ــة إس ــام ـي ــة وم ـ ـ ــدارس ل ـل ـي ـه ــود و«ك ــول ـي ـج ــات»‬
‫(مدارس إعدادية) إسالمية(‪.((3‬‬

‫(‪ ((3‬يعتبر ديمومبين في معرض تحليله التعليم في العصر الوسيط في أوروبا أنه ينبغي لعلوم النحو والبالغة والمنطق (‪،)Trivium‬‬
‫إضافة إلى علوم الحساب والهندسة والفلك والموسيقى (‪ ،)Quadrivium‬أن تقود إلى العلم الحقيقي‪ ،‬أي إلى دراســة الالهوت‪.‬‬
‫انظر‪.Ibid., 42 :‬‬
‫‪(33) Gaudefroy-Demombynes, 42.‬‬
‫‪(34) Ibid., 47 et 51.‬‬
‫‪(35) Ibid., 57.‬‬
‫‪(36) Ibid., 59.‬‬
‫‪79‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫تـتـجـلــى مـنــافــع الـتـعـلـيــم بــالـنـسـبــة إلــى الـطـفــل‪ ،‬بـحـســب ديـمــومـبـيــن‪ ،‬فــي تـلـ ّقـيــه تـعـلـيـ ًـمــا مـتـكـيـ ًفــا بـحـســب الــوســط‬
‫محليا بواسطة المنطقة وألجلها‪« :‬تعليم مـتـنــوع جـ ًّـدا وأدات ــي دائـ ًـمــا‬ ‫ً‬ ‫الــذي يعيش فيه‪ ،‬وفــي ممارسته حياته‬
‫وعـمـلــي»‪ .‬ألجــل ذلــك‪ ،‬ينسجم التعليم الكولونيالي مــع الـتــوزع الطبقي للمغاربة؛ فهناك األعـيــان وأغنياء‬
‫الحرفيون والقرويون الذين يتعاطون الفالحة‪ ،‬وكل فئة تحتفظ بتعليمها‬ ‫المدن والحضريون البروليتاريون ِ‬
‫الـخــاص؛ فــالـمــدارس الـحـضــريــة (‪ 43‬مــدرســة سـنــة ‪ )1927‬تـقــود أبـنــاء الـفـئــات الشعبية نـحــو التعليم المهني‬
‫تعليما‬
‫ً‬ ‫ـوصــا أنـهــا تضمن‬‫ليصبحوا عـمـ ًـال فــي مــا بـعــد‪ ،‬وهــي م ــدارس تضمن «ال ـتــوازن االجـتـمــاعــي»‪ ،‬خـصـ ً‬
‫فرنسيا‪ ،‬وأنشطة عملية(‪ .((3‬بناء عليه‪ ،‬تشتد الحاجة إلى الك ّتاب القرآني الذي ينبغي‬ ‫ً‬ ‫وتعليما‬
‫ً‬ ‫وعربيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫إسالميا‬
‫ً‬
‫أن يكون إلى جوار المدرسة الفرنسية اإلسالمية حتى يكون الفقيه خاض ًعا لمراقبة بيداغوجية مستمرة‪.‬‬

‫من أهم المعوقات التي كانت تقف في وجه السياسة االستعمارية وتمنع تحقيق أهدافها‪ ،‬نجد مادتي‬
‫الـلـغــة الـعــربـيــة وال ــدي ــن اإلس ــام ــي؛ فـقــد عـمــل ن ـظــام الـحـمــايــة عـلــى تـخـفـيــض ال ــزم ــان ال ــدراس ــي الـخــاص‬
‫تقريبا في الـمــدارس األمازيغية إلحالل‬ ‫ً‬ ‫بالمادتين في الـمــدارس العمومية‪ ،‬وكــان يمنع تدريس العربية‬
‫اللغة الفرنسية محلها وتكليف معلمين فرنسيين بتدريسها لألهالي بطريقة نفعية(‪.((3‬‬

‫ساد تصور استعماري كان يحرص على عدم تلقين التالميذ المغاربة من المعارف غير تلك التي يتطلبها‬
‫محيطهم الضيق‪ ،‬مخافة حفز الوعي لديهم بالثورة على االستعمار إذا هم حصلوا على شهادات عليا‪.‬‬
‫تقبل المعارف المجردة‪ ،‬وفق ما ذهب إلى ذلك‬ ‫ويبرر ذلك بوصم عنصري هو قصور ذهنية األهالي عن ّ‬ ‫َّ‬
‫كتاب هاردي وبرونو‪ .‬ثم إن االنتقاص من دور اللغة العربية راجع‪ ،‬في منظور ديمومبين‪ ،‬إلى أنها ليست‬
‫اللغة المشتركة لعموم ساكنة المغرب‪ً ،‬‬
‫فضل عن أن العالقات التجارية تتطلب لغة الحضارة الحديثة(‪.((3‬‬

‫وإذا كــان التعليم المهني لــم يـعــرف النجاح المطلوب بسبب ضــآلــة حصة التعليم مــن ميزانية الحماية‬
‫بحيث لم تكن تتجاوز ‪ 7.4‬في المئة سنة ‪ ،((4(1930‬فإن االنتقال من االقتصاد التقليدي إلى االقتصاد‬
‫مهنيا‪،‬‬
‫نفعيا ً‬
‫تعليما ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمال من نوع جديد تلقّوا‬ ‫الحديث خلخل أوضاع الحرفيين‪ ،‬الشيء الذي تطلب‬
‫وهو ما تتطلع إليه الرأسمالية االستعمارية‪ .‬لذلك وجبت تقوية الحس العملي‪ ،‬أي قدرة المغاربة على‬
‫مقاومة مظاهر النفور والكراهية التي أفرزها التجديد والتحديث‪ ،‬وبعبارة ُأخــرى ضــرورة التخلص من‬
‫التقليد‪ ،‬وتكوين «ذهنية مختلفة جدً ا»(‪.((4‬‬

‫أمازيغيا‪ .‬وقد قامت السياسة‬


‫ً‬ ‫لسانيا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تداول‬ ‫المدارس األمازيغية مدارس قروية في المناطق التي تشهد‬
‫االستعمارية في هذا اإلطار على عزل الساكنة األمازيغية عن الساكنة العربية‪ ،‬وتقريب الساكنة األولى‬
‫مــن التقاليد الفرنسية‪ ،‬والـحـفــاظ على االخـتــافــات العرقية والثقافية بين المكونين‪ ،‬واسـتـبـعــاد تدريس‬

‫‪(37) Ibid., 65.‬‬


‫‪(38) Ibid., 71.‬‬
‫‪(39) Ibid., 74.‬‬
‫‪(40) Benzakour, Gaadi et Queffélec, 49.‬‬
‫‪(41) Gaudefroy-Demombynes, 99.‬‬
‫‪80‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫ال ـقــرآن والـلـغــة الـعــربـيــة(‪ ،((4‬وأن تـصـبــح الـفــرنـسـيــة لـغــة اإلدارة واالقـتـصــاد بالنسبة إلــى األمــازيــغ‪ ،‬واحـتــواء‬
‫األمازيغية فــي إطــار التفاعل االجتماعي مــن دون ترقيتها إلــى لغة نـظـ ًـرا إلــى تعدد لهجاتها‪ .‬وبلغ عدد‬
‫المدارس األمازيغية حتى سنة ‪ 1927‬س ًّتا وعشرين مدرسة(‪ّ .((4‬أما المدرسة األمازيغية التي ُأنشئت في‬
‫مدينة أزرو سنة ‪ ،1927‬فقد أصبحت إعدادية أمازيغية سنة ‪.((4(1929‬‬

‫كــانــت ال ـم ــدارس الـفــرنـسـيــة الـعـمــومـيــة الـمـخـصـصــة لـلـفــرنـسـيـيــن واألج ــان ــب مـطــابـقــة ل ـمــدارس الـمـتــروبــول‪،‬‬
‫ومجهزة أحسن تجهيز‪ ،‬وخاضعة لتكوين فعال ومراقبة بيداغوجية نشطة‪ّ .‬أما المدارس اليهودية‪ ،‬فكان‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫عدد تالمذتها في سنة ‪ 1912‬ما مجموعه ‪ 5359‬تلميذا موزعين بين المناطق الفرنسية والمناطق الشمالية‬
‫الخاضعة لالستعمار اإلسباني‪ .‬وقد قام التحالف اإلسرائيلي العالمي بدعم تطوير المدارس وبنائها‪،‬‬
‫ومساعدة التالميذ الـفـقــراء‪ ،‬وكــان ثمة تنسيق بين إدارة الحماية والتحالف اإلسرائيلي لتمويل التعليم‬
‫الـيـهــودي واالرت ـقــاء بــه مــن التعليم الــديـنــي (الـتـلـمــود) إلــى التعليم الـحــديــث(‪ ،((4‬وتــوجـيــه التعليم لخدمة‬
‫المالحظ أن عدد‬ ‫َ‬ ‫الطائفة اليهودية التي كــان عــدد أفــرادهــا غــداة الحماية قرابة ‪ 100‬ألــف يـهــودي‪ .‬ومــن‬
‫تشكل أقلية ديموغرافية وإثنية‪ ،‬كان أكبر من عدد التالميذ المغاربة وهم‬ ‫التالميذ اليهود‪ ،‬وهم من طائفة ّ‬
‫الذين ينتمون إلى األغلبية المجتمعية‪ ،‬ويعزى ذلك‪ ،‬بحسب ديمومبين‪ ،‬إلى عمل التحالف اإلسرائيلي‬
‫من جهة وخصائص العرق والذهنية اليهودية من جهة أخرى (‪.((4‬‬

‫التعليم والحرف والتجارة‪:‬‬


‫نحو تاريخ اجتماعي للمعرفة والتعليم في المغرب‬
‫ال يـمـكــن إدراج م ـقــاالت ج ــاك ب ـيــرك (‪ )1995 - 1910‬وأب ـحــاثــه ضـمــن الـكـتــابــة الـكــولــونـيــالـيــة‪ ،‬رغ ــم أنــه‬
‫مدنيا فــي اإلدارة الكولونيالية ابـتــداء من‬ ‫مراقبا ً‬
‫ً‬ ‫أنتج دراســاتــه ضمن إطــارهــا الزمني والتاريخي‪ ،‬وعمل‬
‫سنة ‪ ،1934‬واستغل عمله إلنـجــاز أبـحــاث مهمة بـشــأن العالم الـقــروي المغربي‪ .‬وفــي سنة ‪ 1946‬أعد‬
‫عرضه لإلبعاد نحو‬ ‫خاصا دان فيه ممارسات نظام الحماية الظالمة في المغرب‪ ،‬الشيء الــذي ّ‬ ‫ً‬ ‫تقريرا‬
‫ً‬
‫والمالحظ‬
‫َ‬ ‫(سكساوة)‪.‬‬ ‫ا‬ ‫ميداني‬
‫ً‬ ‫ًا‬
‫ث‬ ‫بح‬ ‫جري‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫يمنعه‬ ‫لم‬ ‫ذلك‬ ‫لكن‬ ‫الكبير‪،‬‬ ‫األطلس‬ ‫في‬ ‫نائية‬ ‫منطقة‬
‫أن تفكير بـيــرك متعدد األبـعــاد‪ :‬سوسيولوجي وأنثربولوجي وتــاريـخــي وفلسفي؛ إذ امـتــدت أبحاثه إلى‬
‫المستوى المغاربي والعربي عامة‪ .‬واتسمت كتاباته بمالمح إنسانية واجتماعية‪ ،‬ولعل ذلك راجع إلى‬
‫تميز تفكيره السوسيو أنثربولوجي‬ ‫كونه مثق ًفا اهتم بنصرة قضايا الشعوب المقهورة والمستعمرة‪ ،‬من هنا ُّ‬
‫المتحرر من النزعة االستعمارية والناقد لها(‪.((4‬‬

‫‪(42) Ibid., 121.‬‬


‫‪(43) Ibid., 123.‬‬
‫‪(44) Mohamed Benhlal, Le Collège d’Azrou: Une élite berbère civile et militaire au Maroc, 1927-1959, préface de‬‬
‫‪Daniel Rivet, terres et gens d’islam (Paris: Karthala; Aix-en-Provence: IREMAN, 2005), 115.‬‬
‫‪(45) Ibid., 189.‬‬
‫‪(46) Ibid., 207.‬‬
‫‪(47) Wadi Bouzar, «Jacques Berque et son «autre»,» Confluences Méditerranée 2, no. 41 (Printemps 2002), 182.‬‬
‫‪81‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫يتميز بـيــرك بمنهجيته القائمة على التفهم الــداخـلــي لثقافة المجموعات االجـتـمــاعـيــة‪ ،‬ولمنطق سلوك‬
‫الفاعلين على مستوى البواعث والمقاصد في سياق التغيرات التاريخية‪ ،‬مدر ًكا التفاعالت العميقة بين‬
‫المجموعات االجتماعية المتصارعة في الزمان والمكان‪ .‬لذلك‪ ،‬تبرز لديه بالملموس كفاءة التنقيب‬
‫عــن الوثائق وقــراءتـهــا وترجمة معانيها بــدقــة‪ ،‬واالستقصاء الــواســع والمنقطع النظير لمعطيات الميدان‬
‫وسوسيولوجيا لكونها أوجدت تناقضات‬
‫ً‬ ‫المتحولة باستمرار‪ .‬من هنا‪ ،‬شكلت كتابة بيرك منعط ًفا فكر ًيا‬
‫في صميم الكتابة الكولونيالية‪ ،‬وأبانت عن مأزقها‪.‬‬

‫يـنـطـلــق عـمــل بـيــرك مــن مـحــاولــة إرس ــاء تــاريــخ اجـتـمــاعــي لـلـمـجـمــوعــات االجـتـمــاعـيــة الـمـغــاربـيــة‪ ،‬فاعلين‬
‫وصول إلى القرن العشرين‪ ،‬راصدً ا نخب‬ ‫ً‬ ‫ومؤسسات(‪ .((4‬ونراه يركز على القرن الخامس عشر وما بعده‪،‬‬
‫العلماء‪ ،‬والمؤسسات وتفاعالتها التاريخية وانعكاساتها؛ ففي مجال التعليم‪ ،‬نجده ال يدرس الظاهرة‬
‫التعليمية في تطوراتها ونكوصها بمعزل عن الظواهر األخرى المرتبطة بها‪ ،‬عكس عمل ديمومبين الذي‬
‫نافيا نقيضه الجدلي الذي هو التعليم الحر الذي أنشأته الحركة الوطنية ر ًّدا‬ ‫درس التعليم الكولونيالي‪ً ،‬‬
‫على طبقية وإثنية التعليم الكولونيالي‪ .‬ثم إننا نجده يدرس مكون الفقه في براديغم المعرفة في التعليم‬
‫لما كانت‬ ‫تاريخيا لعالقات المعرفة واالقتصاد منذ القرن الثالث عشر‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫محورا‬
‫ً‬ ‫العالي اإلسالمي باعتباره‬
‫القرويين خاضعة لثقافة األندلس حتى القرن الخامس عشر‪ ،‬حين بلورت القرويين شخصيتها المتميزة‬
‫مع الحكم المريني‪ ،‬ثم تراجع الجامع‪/‬الجامعة إلى غاية القرنين التاسع عشر والعشرين نتيجة اختزال‬
‫المعرفة إلى الفقه‪ ،‬وانتقال الدراسة العالمة من األصول إلى النوازل(‪ .((4‬واألهم هو بروز مدرسة فاس‬
‫الفقهية في القرن الرابع عشر والشاذلية في القرن الخامس عشر‪ ،‬وانتظام القرويين مرك ًزا لألرثوذكسية‬
‫المالكية‪.‬‬

‫تكمن ميزة بيرك على صعيد التحليل التاريخي االجتماعي في كونه يرصد الظواهر في التاريخ‪ ،‬ويربط‬
‫عرضانيا‪ .‬لذلك نجده يرصد تطور التعليم في إطار عالقته بما هو حضري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا بين الظواهر المتداخلة‬ ‫ً‬
‫أي بالمدينة‪ ،‬بمعنى ما هو حرفي وتـجــاري‪ ،‬حيث كــان العلم من خــال الفقه يراقب التجارة وأعمال‬
‫ال ـحــرف‪ ،‬وم ــن ثــم ك ــان الـفـقــه‪ ،‬ال ــذي تـحــول إل ــى مــؤسـســة عــدلـيــة‪ ،‬جـســر عـبــور بـيــن الــوسـطـيــن الـحـضــري‬
‫نسبيا إلى أن دخل نسق قيم رأسمالي مضاد‬ ‫والـقــروي ‪ .‬وكانت العالقة بين الظواهر الثالث متوازنة ً‬
‫(‪((5‬‬

‫للنسق التقليدي فأفضى إلى تفكيكه‪ ،‬وبذلك تناقض جسم المدينة (أي فاس) وروحها‪.‬‬

‫اصـطـبــغ الـتـعـلـيــم الـعــالــي اإلس ــام ــي فــي ف ــاس بـخـصــائــص الـحـيــاة الـحـضــريــة‪ ،‬حـيــث إن ت ــازُم الـمـعــرفــي‬
‫والـقــدســي هــو الــوجــه اآلخ ــر الق ـتــران الـمـعــرفــي بـمــا هــو حـضــري ومــديـنــي؛ فـفــاس‪ ،‬بـحـســب بـيــرك‪ ،‬تتطهر‬
‫بــاألضــرحــة ال ـتــي ال تـحـصــى والـمـنـتـظـمــة فــي إط ــار تــوزي ـ ٍع مـتـعــدد األجـ ــزاء‪ ،‬كــل ج ــزء يـحـيــل إل ــى مسجد‬

‫‪(48) Jacques Berque, Ulémas, fondateurs, insurgés du Maghreb: XVIIe siècle, bibliothèque arabe. Collection hommes‬‬
‫‪et sociétés (Paris: Sindbad, 1982).‬‬
‫‪(49) Jacques Berque, «Ville et université: Aperçu sur l’histoire de l’école de Fès,» Revue Historique de droit français‬‬
‫‪et étranger 27 (1949), 76.‬‬
‫‪(50) Mohamed Kerrou, «Jacques Berque et les villes de l’Islam,» Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée‬‬
‫‪107-110 (September 2005), https://remmm.revues.org/2834‬‬
‫‪82‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫للخطبة(‪((5‬؛ ففي جامع‪/‬جامعة القرويين‪ ،‬حيث يتدرب فيها مئات الطالب على أيــدي أساتذة أجالء‪،‬‬
‫تـتـكــون تـلــك الـبـنـيــة الــروحـيــة الـتــي تـحــولــت إلــى عــاقــات اجـتـمــاعـيــة وتـفــاعــات إنـســانـيــة‪ .‬وإن االنــدفــاعــة‬
‫كونته القرويين هي بمثابة انبجاس للماء من حوض يتجلى‬ ‫الروحية الصاعدة من هذا اإلجماع الذي ّ‬
‫من خالل أعمال صالحة في الحياة اليومية لألشخاص وفي تاريخهم الجماعي‪.‬‬

‫وتوحد المواقف‪ ،‬وتهدئ الصراعات االجتماعية وتعليها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تُلهم هذه االندفاعة الروحية التقاليد واللغة‬
‫كما أن الهبات والصدقات تستجيب للخدمات البلدية‪ ،‬وهــي ترفع من جيل إلــى جيل صــرح المدينة‬
‫ال ـتــاري ـخ ـيــة‪ .‬وي ـت ـس ــاءل ب ـيــرك ك ـيــف يـمـكــن ب ــرج ــوازي ــة فـ ــاس‪ ،‬ال ـتــي ت ـغــذت ب ـن ــزاع ــات ال ـمــاضــي وبــالـتـقـلـيــد‬
‫المركانتيلي وبمعمار العالمة‪ ،‬على خالف المعمار الهندسي األوروبي‪ ،‬أن تقاوم األزمنة الجديدة(‪،((5‬‬
‫وخاصة ما يتعلق بانتقال القوة االقتصادية من فاس إلى الدار البيضاء؟‬

‫هكذا استغلت فاس إعالن احترام الدين لمواجهة السياسة الفرنسية‪ ،‬ووظفت مجد جامعتها القديمة‪.‬‬
‫ورغــم توقف دوالـيــب عجلة اإلنـتــاج بها‪ ،‬ظلت مــركـ ًزا لــ«االنـفـعــاالت واالحـتـجــاجــات»(‪ .((5‬وبالتالي‪ ،‬ال‬
‫يمكن فـهــم تــدهــور أدوار الـجــامـعــة مــن دون ربــط ذلــك بــركــود الـ ِـحــرف وتــراجــع الـتـجــارة‪ ،‬بحسب بـيــرك‪.‬‬
‫في ظل هــذه النظم التقليدية الثالثة‪ ،‬التي تقهقر كل واحــد منها ألسبابه الخاصة ومــن خــال عالقاتها‬
‫المتبادلة‪ ،‬تقوم االستمرارية الحضرية‪.‬‬

‫استرعت انتباه بيرك أهمية التعرض لمالمح الطالب االجتماعية في جامعة القرويين‪ ،‬فمنهم الحضريون‬
‫قياسا باألغلبية المنحدرة من البوادي (البالد)‪ ،‬والذين ُينعتون‬ ‫ّ‬
‫والمشكلون أقلية ً‬ ‫والمنحدرون من المدينة‬
‫‪ -‬كما سبق الــذكــر ‪ -‬بــاألفــاقـيـيــن ‪ .‬لكن الكاتب يــدقــق فــي الـفــوارق االجتماعية بين هــذيــن النوعين من‬
‫(‪((5‬‬

‫الشباب في العادات والهيئة الخارجية اللتين تفصالن بين القرويين البسطاء والشباب الفاسي المنزعج‪،‬‬
‫بما هو كوني‪ ،‬والذي تخلى عن دراسة القانون والتشريع اإلسالمي لدراسة اآلداب تقليدً ا للمشرق ‪.‬‬

‫ـدخـلـهــا غـيــر الـمـبــاشــر‪ ،‬وال‬


‫ـدخــل سـلـطــات الـحـمــايــة فــي جــامـعــة الـقــرويـيــن ال يخفي تـ ّ‬
‫إن الـتـصــريــح بـعــدم تـ ّ‬
‫كثيرا‬
‫تفوق ً‬ ‫الفعل الملموس للوسط االجتماعي؛ ذلك أن ضغط األزمنة الحديثة على هذه المؤسسة ّ‬
‫على اآلثار القديمة‪ ،‬ويظهر ذلك في اختفاء الفقهاء القدامى (بلخياط وأحمد بن الجياللي وبلقرشي)‬
‫ليحل محلهم فقهاء «سقاهم الدم الجديد» وظلوا مع ذلك في عناد مع االبتكار والتجديد‪ .‬من هنا يأتي‬
‫وضع لتجاوز أزمته‪ ،‬ليكون بمثابة تسوية بين القديم‬ ‫الجامع ‪/‬الجامعة الذي ِ‬ ‫َ‬ ‫استحضار النظام الجديد‬
‫والجديد(‪ .((5‬وهكذا‪ ،‬تم تنظيمه على أســاس أســاك دراسية (ابتدائية وثانوية وعليا) تمتد اثنتي عشرة‬
‫وأعدت برامج الدروس والكتب المدرسية وتقنين االمتحانات‪.‬‬ ‫سنة‪ُ ،‬‬

‫‪(51) Jacques Berque, Le Maghreb entre deux guerres (Paris: Editions du Seuil, 1962), 177.‬‬
‫‪(52) Ibid., 177.‬‬
‫‪(53) Ibid., 186.‬‬
‫‪(54) Ibid., 191.‬‬
‫‪(55) Ibid., 191.‬‬
‫‪83‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫ي ــرى ب ـي ــرك أن األمـ ــر يـتـعـلــق بـتـغـيـيــر ش ــام ــل ت ـح ـقــق ب ـف ـضــل ب ـيــداغــوج ـيــا م ـت ـنــوعــة ت ـص ــارع ال ـت ـف ــوق ال ـقــديــم‬
‫للشريعة‪/‬الفقه‪ .‬ويــرى أيـ ًـضــا أن االنـقــاب فــي البيداغوجيات الـصــامــدة يــؤدي إلــى انـقــاب فــي األنفس‬
‫وال ـض ـمــائــر‪ ،‬وبــالـتــالــي يـسـتـخـلــص أن الـمـســاجــد الـعـتـيـقــة مـعــرضــة لـمـصـيــر م ـحــزن ي ـتــراوح بـيــن نـقــد ِقــدمـهــا‬
‫مدرسيها‪ ،‬وزيف التحديث الذي يلحق بها؛ هذا الوضع هو ما حاولت الحركة‬ ‫وقدم بضاعة ّ‬ ‫وعتاقتها ِ‬
‫الوطنية احتواءه ببرنامج اإلصالحات الصادر سنة ‪.((5(1934‬‬

‫الخطاب السوسيولوجي والتعليم‬


‫يعتبر لوسيان باي (‪ )1972 - 1907‬من أهم الدارسين السوسيولوجيين في عهد الحماية لنظام التعليم في‬
‫المغرب ولتطوراته في العصر الحديث‪ .‬شغل منصب مدير التعليم في المغرب بين سنتي ‪ 1938‬و‪1943‬‬
‫ووزيرا للتعليم في فرنسا بين سنتي ‪ 1961‬و‪ .1962‬تفرغ لدراسة‬
‫ً‬ ‫مديرا للتعليم في تونس كذلك‪،‬‬
‫ً‬ ‫وكان‬
‫واستقصاء تطورات أنظمة التعليم في المغرب منذ نشأتها إلى غاية األربعينيات والخمسينيات من القرن‬
‫متوسل بمنهج سوسيو تاريخي‬ ‫ً‬ ‫العشرين‪ ،‬أي فــي المرحلة العصيبة مــن تــاريــخ الحماية فــي المغرب‪،‬‬
‫وبمفاهيم ذات ُبعد دوركهايمي ووظيفي‪ ،‬ومعتمدً ا على أبحاث استقصائية خاصة بتجميع إحصاءات‬
‫عامة وجزئية بشأن التعليم في مناطق مغربية مختلفة‪ ،‬وتقارير مديري المدارس‪ ،‬وإنجاز أبحاث ميدانية‬
‫تخص تمثّالت التالميذ المهنية ومهن اآلباء وأسباب االنقطاع المدرسي‪ ،‬وتقديم معطيات كمية تتعلق‬
‫بتطور أعداد المتمدرسين المغاربة وغيرهم‪ ،‬بحسب األسالك الدراسية وأنماط المدارس‪.‬‬

‫يجمع بــاي بين الــوصــف والتفسير‪ ،‬بمعنى أنــه يــرصــد نـظــام التعليم اإلســامــي مــن الـكـ ّتــاب الـقــرآنــي إلى‬
‫التعليم العالي والتفسير‪ ،‬ويتعلق بتحليل المعطيات الكمية وسلوك األسر والجماعات إزاء التمدرس‪.‬‬
‫لذلك نجده يستعرض التحوالت الكبرى التي عرفها نظام التعليم في المغرب بد ًءا بالتعليم اإلسالمي‬
‫ومؤسساته (المسجد والك ّتاب القرآني والزاوية)‪ ،‬عالوة على منهاج التعليم ومــواده‪ ،‬ومكانة المدرس‬
‫والفقيه والنخبة الجامعية في المجتمع المغربي‪.‬‬

‫التعليم الحديث‬
‫َ‬ ‫انتقل باي إلى رصد التحول الرئيسي في العصر الحديث‪ ،‬وهو إرســاء نظام الحماية‬
‫مكونات المجتمع من خالل تطوير النخبة‬ ‫االستعماري في المغرب‪ ،‬وهو النظام الذي قضى بإصالح ّ‬
‫الـمـحـلـيــة لـتـكــويــن ال ــدول ــة الـحــديـثــة فــي ال ـم ـغــرب‪ ،‬وت ـعــرض لـلـتـجــربــة االسـتـعـمــاريــة فــي ال ـجــزائــر وتــونــس‬
‫ومــدغـشـقــر‪ ،‬واسـتـخـلــص عـقــم الـتـجــربــة الـجــزائــريــة الـتــي انـتـهــت إلــى اقـتــاع مــؤسـســات التعليم اإلســامــي‬
‫تبينت مــع لـيــوتــي‪ ،‬المقيم الـعــام األول للحماية‬ ‫وتـعــويـضـهــا بـمــؤسـســات تعليمية فــرنـسـيــة‪ .‬وفــي مــا بـعــد‪ّ ،‬‬
‫فــي المغرب‪ ،‬أهمية مراجعة السياسة االستعمارية ومخالفة السياسة المعتمدة فــي الـجــزائــر(‪ ،((5‬وذلــك‬
‫بــإقــامــة نـظــام جــديــد يسمح بـقـيــام تعليم مهني مــن دون الـقـضــاء عـلــى الـتــراتـبــات التقليدية والـمــؤسـســات‬

‫‪(56) Ibid., 193.‬‬


‫‪(57) Lucien Paye, Introduction et évolution de l’enseignement moderne au Maroc: Des origines jusqu’à 1956, ed.,‬‬
‫‪introd. et notes par Mohamed Benchekroun (Rabat: Arrissala, 1992), 178.‬‬
‫‪84‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫ال ـمــوروثــة‪ ،‬والـعـمــل عـلــى تـشـكـيــل أنـمــاط تعليمية تـنـسـجــم مــع هــذه الـتــراتـبــات‪ ،‬وهــو مــا لــم تـعــرفــه بـلــدان‬
‫مستعمرة كالجزائر وتونس(‪.((5‬‬ ‫َ‬
‫اهتم باي في دراسته بتحليل «مذهب التعليم» والوسط االقتصادي واالجتماعي الذي وضع فيه التعليم‬
‫االسـتـعـمــاري مــن مـنـظــور ثـنــائـيــة ال ـقــروي والـحـضــري‪ ،‬وثـنــائـيــة االقـتـصــاد الـتـقـلـيــدي واالقـتـصــاد الـحــديــث‪.‬‬
‫والم ــس ت ـطــور ف ـئــات الـشـبــاب فــي الـمـغــرب فــي ثــاثـيـنـيــات ال ـقــرن الـعـشــريــن واتـجــاهــاتـهــا بـيــن الـتـحــديــث‬
‫واإلصالح‪ ،‬كما رصد دور المخزن في مجال التعليم وتعليم الفتاة‪.‬‬

‫مــن أهــم اإلش ـكــاالت الـتــي درسـهــا بــاي آلـيــات إرس ــاء التعليم الـحــديــث فــي الـمـغــرب‪ ،‬والـمـعــوقــات التي‬
‫اعترضته مــن منظور السلطة االسـتـعـمــاريــة‪ ،‬وض ــرورة احـتــوائـهــا مــن أجــل تطوير االقـتـصــاد االسـتـعـمــاري‪،‬‬
‫والفهم السوسيولوجي لذلك انطال ًقا من ربط التعليم باالقتصاد بأبعاده التجارية والصناعية والفالحية‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬يتصور بــاي أن مقتضيات تجديد النظام المدرسي في المغرب بأنماطه المختلفة تختلف عن‬
‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫المعتمد في الجزائر وتونس‪ ،‬وذلك ألن الحاجة إلى تعليم نفعي وعملي تكون فعالة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫التوجه‬
‫مناسبا للوسط ومتطلبات البالد‪ ،‬ســواء تعلق األمــر بالتعليم االبتدائي أو بالتعليم‬ ‫ً‬ ‫حينما يكون التعليم‬
‫اإلعدادي (الكوليج)‪ ،‬ومن هنا ضرورة االبتعاد ‪ -‬بحسب الكاتب ‪ -‬عن أي تعليم «كتبي موسوعي»(‪.((5‬‬

‫«استقرارا»‬
‫ً‬ ‫المستعمرة‪ ،‬يتطلب‪ ،‬بحسب باي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إن تحسين االقتصاد بسرعة وسهولة‪ ،‬وفق ما تريده الدولة‬
‫وسياسيا‪ ،‬لذلك نجده يقول «إن القواعد السوسيولوجية والسياسية والسيكولوجية التي يقوم‬ ‫ً‬ ‫اجتماعيا‬
‫ً‬
‫عليها الصرح‪/‬النظام المدرسي المغربي هل توحي بالصالبة واالستمرارية أمام دوام التراتب االجتماعي‬
‫واس ـت ـم ــراره‪ ،‬وتـمــايــز الـســاكـنــة الـعــربـيــة واألمــازي ـغ ـيــة‪ ،‬وخـصــائــص الـنـمــط الـسـيـكــولــوجــي (‪ )...‬ل ــدى الـطـفــل‬
‫المغربي‪ ،‬وضــرورة تعليم ملموس وعملي»(‪ .((6‬يتضح من هذا القول أن مكونات المجتمع تصبح في‬
‫وفيا لألطروحة االستعمارية‪.‬‬ ‫منظور باي معوقات أمام تحديث التعليم والمجتمع‪ ،‬وهو بذلك يظل ً‬
‫في إطــار تعرضه للتعليم التقليدي وعملية إرســاء التعليم الحديث‪ ،‬يالمس الكاتب األحــداث الكبرى‬
‫الـمــؤثــرة فــي مـســار التعليم‪ ،‬وخــاصــة الــدور الــذي أدتــه الحركة الوطنية المغربية فــي المغرب مــن خالل‬
‫برنامج اإلصالحات لسنة ‪ ،1934‬وفي األساس فاعلية لجنة العمل المغربية الرامية إلى تمكين الشعب‬
‫المغربي من الوسائل التي تتيح له تعلم الديمقراطية في المجاالت السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪،‬‬
‫وتوجيه النقد الصارم إلى سياسة الحماية في مجال التعليم‪ ،‬خاصة على مستوى عدم تكافؤ الفرص‬
‫بين المغاربة والفرنسيين واألجانب واليهود‪ ،‬بما يتعارض مع مفهوم التطور البطيء لليوتي(‪.((6‬‬

‫ويـعـتــرف بــاي بـمـحــدوديــة الـتـعـلـيــم فــي الــوســط ال ـقــروي ذي الـطــابــع الـفــاحــي‪ ،‬والـطــابــع الـمـهـنــي كــذلــك‪،‬‬
‫«ألن هــاجــس الـفـعــالـيــة الـعـمـلـيــة (‪ )...‬ال يـسـتـجـيــب س ــوى بـطــريـقــة نــاق ـصــة ألذواق ال ـســاك ـنــة‪ ،‬وب ــاألح ــرى‬

‫‪(58) Ibid., 179.‬‬


‫‪(59) Ibid., 198.‬‬
‫‪(60) Ibid., 201 et 206.‬‬
‫‪(61) Ibid., 278 et 280.‬‬
‫‪85‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫ل ـحــاجــات ـهــم»(‪ّ .((6‬أم ــا فــي مــا يـتـعـلــق بــالـمــدارس األمــازيـغـيــة‪ ،‬فـيـجــد الـكــاتــب مــرجـعـهــا فــي م ــدارس الـقـبــائــل‬
‫الجزائرية‪ ،‬في محاولة للجمع بين التقاليد األمازيغية غير اإلسالمية والمؤسسات الفرنسية(‪ .((6‬وينتقد‬
‫لفرنسة الجماهير بصورة سريعة في الوسط األمازيغي نتيجة عدم مالءمة نمط‬ ‫باي سطحية المتحمسين ْ‬
‫تعليمي فقير المضمون واخـتــزالــي‪ ،‬إضــافــة إلــى مـحــدوديــة سياسة التهدئة‪ ،‬خــاصــة بعد أحــداث الظهير‬
‫الـبــربــري سـنــة ‪ ،1930‬وهــو مــا يــدل عـلــى أن الـشـعــور الــديـنــي أكـثــر عـمـ ًقــا لــدى األمــازيــغ‪ ،‬عـلــى خــاف ما‬
‫تصوره الك ّتاب السابقون (مثل بول مارتي وموريس لوغالي) الذين يجهلون التعقيد البالغ الذي يسم‬
‫«عنصرا قو ًيا في نشر‬
‫ً‬ ‫المجتمع األمازيغي(‪((6‬؛ ذلك أن فقيه الك ّتاب القرآني في المناطق األمازيغية ُيعتبر‬
‫مستمرا‬
‫ً‬ ‫العربية»(‪ .((6‬ويتضح بحسب الكاتب أن والء الساكنة القروية والحضرية للتعليم القرآني والء‬
‫يتناقض مع األوهام االستعمارية‪ ،‬كما أن دعوة الحركة الوطنية إلى توحيد نظام التعليم المغربي يرجع‬
‫إلى أن المحرك األساسي لذلك يكمن في اللغة العربية والدين اإلسالمي‪.‬‬

‫م ــن م ـع ــوق ــات ت ـط ــور ال ـت ـم ــدرس ال ـح ــدي ــث‪ ،‬ب ـح ـســب بـ ــاي‪ ،‬ه ـشــاشــة االق ـت ـص ــاد؛ إذ «إن أش ـك ــال ال ـح ـي ــاة‬
‫االج ـت ـمــاع ـيــة وت ـق ـن ـيــات اإلن ـت ــاج وال ـت ـب ــادل ت ـظــل ف ــي ح ــاالت ع ــدي ــدة ب ــدائ ـي ــة»(‪ ،((6‬وم ــا دام ت ـطــور االقـتـصــاد‬
‫عبر عنها‬ ‫(أي الرأسمالية) ضرورة حتمية لتطور نظام التعليم الحديث في المغرب‪ ،‬فإن الحاجات التي َّ‬
‫الشباب المتمدرس بعد ثالثينيات القرن العشرين‪ ،‬وخاصة ما يتعلق بإصالح التمدرس وتنظيم بكالوريا‬
‫وهاجسا‬
‫ً‬ ‫مغربية والحق في ولوج التعليم العالي للحصول على مهن فعالة ومنتجة‪ ،‬كانت ّ‬
‫تشكل قلقًا‬
‫متواصلين عند السلطات االسـتـعـمــاريــة‪ ،‬نـظـ ًـرا إلــى مــا نجم عــن ذلــك مــن تـحـ ّـول عميق وســريــع فــي بنية‬
‫المغرب اإلدارية والسياسية(‪.((6‬‬

‫يـتـمـســك ب ــاي‪ ،‬مـثـلــه مـثــل ديـمــومـبـيــن‪ ،‬بـمـفـهــوم ال ـتــوازن االجـتـمــاعــي واالق ـت ـصــادي‪ ،‬وال يــرى فــي اخـتــال‬
‫الـ ـت ــوازن ب ـيــن ال ـن ـظــام ال ـقــديــم وال ـن ـظ ــام الــرأس ـمــالــي ال ـحــديــث إال خ ـط ـ ًـرا م ـحــد ًقــا بــال ـن ـظــام االس ـت ـع ـمــاري‪،‬‬
‫خصوصا أن التعليم الكولونيالي فــي الوسطين الـقــروي والـحـضــري لــم تكن لــه فعالية فــي االقتصادي‬ ‫ً‬
‫الجبلي والبدوي لتجاوز حاالت البؤس والفقر وتدهور االقتصاد الحرفي وانحطاطه بفعل التحديث‬
‫منهجيا نسج كتابة سوسيولوجية وإثنوغرافية‬ ‫ً‬ ‫االستعماري(‪ .((6‬وبالتالي‪ ،‬يظهر أن الكاتب‪ ،‬الذي حاول‬
‫وبلورة تقنيات إحصائية وشهادات وثائقية‪ ،‬لم يقو على التحرر من أسر المفاهيم الكولونيالية السابقة‬
‫ومــن مفعول السحر الــرمــزي الــذي مــارســه ليوتي على الباحثين والـكـ ّتــاب ومحترفي كتابة التقارير في‬
‫المرحلة االستعمارية‪.‬‬

‫‪(62) Ibid., 244.‬‬


‫‪(63) Ibid., 290.‬‬
‫‪(64) Ibid., 298 et 303.‬‬
‫‪(65) Ibid., 130.‬‬
‫‪(66) Ibid., 476.‬‬
‫‪(67) Ibid., 620.‬‬
‫‪(68) Ibid., 625 et 626.‬‬
‫‪86‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 17‬‬
‫صيف  ‪Summer 2016‬‬

‫هـكــذا‪ ،‬يتضح أن الخطاب السوسيولوجي الكولونيالي بـشــأن التربية والتعليم فــي المغرب ُيـ َـعـ ّـد رديـ ًفــا‬
‫أيــديــولــوجـ ًـيــا للسياسة االسـتـعـمــاريــة‪ ،‬باستثناء كتابات سوسيولوجية مـحــدودة خــاصــة بالنظر إلــى أعمال‬
‫تاريخيا باالنتقال من الخطاب اإلثنوغرافي مع هاردي وبرونو ولوتورنو‬ ‫ً‬ ‫بيرك‪ .‬وقد تطور هذا الخطاب‬
‫‪ -‬حيث ينظر إلى التعليم اإلسالمي المغربي بمنظور أورو مركزي واستعالئي‪ -‬إلى الخطاب التاريخي‬
‫وصول إلى الخطاب السوسيولوجي مع باي‬ ‫ً‬ ‫االجتماعي الذي اهتم بالنظر إلى التعليم في تاريخيته‪،‬‬
‫وأندريه أدام في ما بعد‪ ،‬وهو الخطاب الذي تميز بمحاولة التعمق في دراسة آثار التداخل بين التعليم‬
‫اإلسالمي والتعليم الكولونيالي الحديث على المستويات الثقافية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬
‫اقـتــرن تـطــور الـخـطــاب بـتــوســع الــرأسـمــالـيــة االسـتـعـمــاريــة وتـ ُّ‬
‫ـوطــد نـظــام الـحـمــايــة‪ ،‬وحــاجــة هــذا األخـيــر إلــى‬
‫اح ـت ــواء تـنــاق ـضــات س ـيــاســاتــه‪ ،‬وذل ــك بـتـفـعـيــل الـمــأسـســة الـعـلـمـيــة وتــوظ ـيــف ع ـلــم االج ـت ـمــاع لــرصــد تـلــك‬
‫التناقضات واستقصائها‪ ،‬وتقديم التوجيهات الالزمة إلدارة الحماية‪ ،‬خاصة ما يتعلق بمأزق المدارس‬
‫األمازيغية االستعمارية‪ ،‬ومدارس الحركة الوطنية التي ُعرفت بالمدارس الحرة‪ ،‬وتصاعد وعي النخب‬
‫الوطنية ومختلف الفئات االجتماعية لمواجهة السياسة االستعمارية‪ ،‬وال سيما منذ بدء عقد الثالثينيات‬
‫من القرن العشرين إلى غاية استقالل المغرب سنة ‪.1956‬‬

‫خاتمة‬
‫م ــن خـ ــال عـ ــرض م ـح ـتــوى أهـ ــم ال ـك ـت ــاب ــات ال ـفــرن ـس ـيــة ال ـت ــي ُن ـش ــرت خـ ــال ال ـن ـصــف األول م ــن ال ـقــرن‬
‫العشرين‪ ،‬وهي تتعلق بالتعليم والتربية في المغرب‪ ،‬اتضح أنها بلورت مفاهيم استعمارية وتصورات‬
‫أيــديــولــوج ـيــة ت ـبــرر وت ـشــرعــن الـمـخـطــط االس ـت ـع ـمــاري ال ــذي اس ـت ـهــدف اس ـت ـغــال اإلن ـس ــان وال ـم ـجــال مــن‬
‫ج ـهــة‪ ،‬وح ــاول إرس ــاء الــرأسـمــالـيــة االسـتـعـمــاريــة مــن جـهــة أخ ــرى‪ .‬وك ــان الـتـعـلـيــم هــو ال ـم ـحــرك الــرئـيـســي‬
‫إلن ـج ــاح م ـخ ـطــط ال ـح ـم ــاي ــة‪ ،‬وذل ـ ــك ب ــإرس ــاء أن ـم ــاط تـعـلـيـمـيــة إث ـن ـي ــة وط ـب ـق ـيــة وم ـنــاط ـق ـيــة ت ـخ ــال ــف ادعـ ــاء‬
‫جليا أن عملية إرســاء المخطط‬ ‫الخطاب االسـتـعـمــاري بــاحـتــرام الهوية والـمــؤسـســات الـمــوروثــة‪ .‬ويـبــدو ً‬
‫االسـتـعـمــاري فــي مـجــال الـتـعـلـيــم كــان يـقـتـضــي إع ــادة بـنــاء الـحــس الـعـمـلــي لـلـمـغــاربــة لـيـتــوافــق مــع الـنـظــام‬
‫ال ـج ــدي ــد‪ ،‬أي تـغـيـيــر ال ـتــرك ـي ـبــة الــذه ـن ـيــة وال ـس ـي ـكــولــوج ـيــة ل ـل ـنــاش ـئــة‪ ،‬وه ــو ال ـم ـف ـهــوم ال ـم ــرك ــزي ع ـنــد مـعـظــم‬
‫الك ّتاب الكولونياليين‪.‬‬

‫مــن أه ــم ال ـخــاصــات ال ـتــي يـتـعـيــن تـسـلـيــط ال ـضــوء عـلـيـهــا ه ــي‪ ،‬ع ــاوة عـلــى الـضـعــف ال ـشــديــد لحصيلة‬
‫قياسا بالفرنسيين واألجانب‪ ،‬نجد تراكم الكتابة‬ ‫التعليم الكولونيالي في المغرب بالنسبة إلى المغاربة ً‬
‫االسـتـعـمــاريــة ح ــول الـتـعـلـيــم‪ ،‬واالع ـت ـمــاد ال ـم ـت ـبــادل بـيــن ال ـك ـ ّتــاب فــي ص ــوغ الــوقــائــع وال ـمــواقــف وإع ــادة‬
‫ال ـخ ـطــابــات الــوصـفـيــة وت ـك ــراره ــا‪ ،‬وت ـخ ـ ُّلــف ه ــذه الـكـتــابــة وعــزلـتـهــا عــن ال ـت ـطــورات الـحــاصـلــة فــي حقلي‬
‫السيوسيولوجيا والعلوم االجتماعية في القرن العشرين‪ ،‬وانغالقها داخــل مفاهيم وأطــروحــات تطورية‬
‫ووظـيـفـيــة م ـت ـجــاوزة‪ .‬وص ــوغ ه ــذه الـكـتــابــة فــي مـسـتــويــاتـهــا اإلث ـنــوغــراف ـيــة والـســوسـيــولــوجـيــة لـلــوقــائــع مهم‬
‫فــي حــد ذات ــه أحـيــا ًنــا‪ ،‬إال أنــه يـظــل مــؤطـ ًـرا بــاأليــديــولــوجـيــا االسـتـعـمــاريــة الـتــي تمنعه مــن أن يـكــون متص ًفا‬
‫بــالـعـلـمـيــة الـمـطـلــوبــة‪ .‬ويـسـتــدعــي ه ــذا الـمـعـطــى األخ ـيــر نـقــد ال ـخ ـطــاب الـكــولــونـيــالــي بـخـطــاب الـمـجـتـمــع‬
‫‪87‬‬ ‫برغملا ةلاح ‪ -‬ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس ‪:‬روحملا‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

‫حــول ذاتــه‪ ،‬وال أدل على ذلــك من األهمية التي تكتسيها كتب التراجم للفقهاء والك ّتاب والمؤرخين‬
‫ال ـم ـغ ــارب ــة‪ ،‬ل ـكــون ـهــا ت ـت ـعــرض ل ـظ ــواه ــر تـعـلـيـمـيــة‪ ،‬ك ـت ـعــدد الـ ـم ــدارس ف ــي ال ـج ـب ــال والـ ـبـ ــوادي وف ــي ال ـمــدن‬
‫الـصـغــرى‪ ،‬ولـيــس فقط فــي الـعــواصــم‪ ،‬كما أنـهــا تــرصــد سـيــرورة االنـتـقــال نحو األسـتــاذيــة والنخبة العلمية‬
‫في تاريخ المغرب‪.‬‬

‫حـ ًّقــا ثمة تـفــاوت لــدى الـكـ ّتــاب والباحثين مــن حيث درجــة اعـتـنــاق األيــديــولــوجـيــا االسـتـعـمــاريــة‪ ،‬وهــو ما‬
‫نـلـحـظــه مـتـضـخـ ًـمــا عـنــد ه ــاردي وبــرونــو وديـمــومـبـيــن‪ ،‬فــي حـيــن يـظــل الـحـضــور األيــديــولــوجــي بــاهـ ًتــا لــدى‬
‫لوتورنو لغلبة الوازع العلمي والتوثيقي في الكتابة‪ ،‬وكذلك في العمل اإلثنوغرافي الجاد الذي تناول‬
‫فيه لبيرتيي مدارس فاس‪.‬‬

‫ـارا للحظة العلمية فــي الـخـطــاب‪،‬‬ ‫نقيضا لــأيــديــولــوجـيــا االسـتـعـمــاريــة‪ ،‬واسـتـحـضـ ً‬ ‫لـعــل كـتــابــات بـيــرك ُتـ َـعـ ّـد ً‬
‫ـدركــا أن التعليم اإلســامــي نـتــاج حـضــارة‪ ،‬وأنــه بنية اجتماعية ال حالة‬ ‫وتـمـيـ ًزا إنـســانـ ًـيــا وفـهـمـ ًـيــا لــآخــر‪ ،‬مـ ً‬
‫يسمى «رجــل الضفتين»‪ ،‬أعـمــالــه فــي ظرفية تاريخية طغى فيها‬ ‫بــدائـيــة أو أولـيــة‪ .‬وقــد أنـتــج بـيــرك‪ ،‬الــذي َّ‬
‫الـخـطــاب االسـتـعـمــاري‪ .‬ويـبــدو أن االنـغـمــاس فــي الـمـســؤولـيــات داخــل اإلدارة االسـتـعـمــاريــة لــدى بعض‬
‫الـبــاحـثـيــن ســاهــم ف ــي ن ـقــل ال ـك ـتــابــة الـســوسـيــولــوجـيــة واإلث ـنــوغــراف ـيــة م ــن ال ـت ـعــاطــي الـعـلـمــي الـمــوضــوعــي‬
‫إل ــى اح ـت ــراف تــزيـيــف ال ــوع ــي‪ ،‬أي وع ــي الـ ــذات ووع ــي اآلخـ ــر‪ ،‬وه ــو م ــا نــاحـظــه ف ــي عـمــل ب ــاي ال ــذي‬
‫ال ت ـن ــدرج ان ـت ـقــاداتــه لـلـسـيــاســة االس ـت ـع ـمــاريــة إال ف ــي إط ــار إص ــاح ن ـظــام ال ـح ـمــايــة ال ال ـت ـعــرض ألســاســه‬
‫األيــديــولــوجــي وال ـث ـقــافــي‪ ،‬رغ ــم أن ــه عــاصــر أف ــول ال ـمــد االس ـت ـع ـمــاري واك ـت ـشــف أن مــواج ـهــة الـمـسـتـعـمــر‬
‫تـحـقـقــت مــن داخ ــل حــركـيــة سـيــاسـيــة ومـجـتـمـعـيــة ن ـشــأت مــن ال ـمــؤس ـســات الـمـسـمــاة «ب ــدائ ـي ــة»‪ ،‬وتــولــدت‬
‫ع ـلــى ه ــام ــش مـ ــدارس ال ـح ـمــايــة م ــن خ ــال الـتـنـظـيـمــات ال ـم ـض ــادة ل ـيــس ف ــي ال ـم ـغــرب ف ـق ــط‪ ،‬وإن ـم ــا فــي‬
‫أيضا‪ ،‬رغم االختالفات الجزئية للسياسات التعليمية الكولونيالية التي‬ ‫مجموع بلدان المغرب العربي ً‬
‫سادت فيها‪.‬‬

‫‪References‬‬ ‫المصادر والمراجع‬


‫العربية‬
‫الخطيبي‪ ،‬عبد الكبير‪« .‬مراحل السوسيولوجيا بالمغرب‪ ».1967-1912 ،‬في‪ :‬الحوليات المغربية لعلم‬
‫االجتماع‪ .‬الرباط‪ :‬معهد العلوم االجتماعية‪.1970 ،‬‬

‫السوسي‪ ،‬محمد المختار‪ .‬المعسول‪ .‬ج ‪ .1‬الدار البيضاء‪ :‬مطبعة النجاح‪.1960 ،‬‬

‫فاوبار‪ ،‬محمد‪ .‬المدرسة والمجتمع في المغرب‪ .‬الدار البيضاء‪ :‬دار النجاح الجديدة‪.2011 ،‬‬

‫لوتورنو‪ ،‬روجي‪ .‬فاس قبل الحماية‪ .‬ترجمه إلى العربية محمد حجي ومحمد األخضر‪ .‬ج ‪ .2‬بيروت‪:‬‬
‫دار الغرب اإلسالمي‪.1986 ،‬‬
88
Issue 5 / 17 ‫العدد‬
Summer 2016  ‫صيف‬

‫األجنبية‬
Badie, Bertrand. Culture et politique. 3ème éd. rev. et augm. Paris: Economica, 1993.
(Collection politique comparée)

Bayart, Jean-François. L’Illusion identitaire. Paris: Fayard, 1996. (L’Espace du


politique)

Benhlal, Mohamed. Le Collège d’Azrou: Une élite berbère civile et militaire au Maroc,
1927-1959. Préface de Daniel Rivet. Paris: Karthala; Aix-en-Provence: IREMAN,
2005. (Terres et gens d’islam)

Benzakour, Fouzia, Driss Gaadi, et Ambroise Queffélec. Le Français au Maroc: Lexique


et contacts de langues. Préf. de Danièle Latin. Bruxelles; [Paris]: De Boeck Université-
Duculot; [Montréal; Paris]: AUPELF-UREF, 2000. (Actualités linguistiques)

Berg, Bruce L. Qualitative Research Methods for the Social Sciences. 4th ed. Boston:
Allyn and Bacon, 2001.

Berque, Jacques. Le Maghreb entre deux guerres. Paris: Editions du Seuil, 1962.

______. Ulémas, fondateurs, insurgés du Maghreb: XVIIe siècle. Paris: Sindbad, 1982.
(Bibliothèque arabe. Collection hommes et sociétés)

______. «Ville et université: Aperçu sur l’histoire de l’école de Fès.» Revue Historique
de droit français et étranger 27 (1949).

Bouzar, Wadi. «Jacques Berque et son «autre».» Confluences Méditerranée 2, no. 41


(Printemps 2002): 181-190.

Brunot, Louis. Au seuil de la vie marocaine: Les Coutumes et les relations sociales
chez les marocains. Casablanca: Farairre, 1950.

Citron, Suzanne. Enseigner l’histoire aujourd’hui: La Mémoire perdue et retrouvée.


Paris: Les Éditions ouvrières, 1984.

Eickelman, Dale F. «The Art of Memory: Islamic Education and its Social Reproduction.»
Comparative Studies in Society and History 20, no. 4 (October 1978): 485-516.

Elias, Norbert. La Dynamique de l’Occident. Trad. par Pierre Kamnitzer. Paris:


Calmann-Lévy, 1975. (Archives des sciences sociales)

Etemad, Bouda. La Possession du monde: Poids et mesures de la colonisation, XVIIIe-


XXe siècles. Bruxelles: Editions complexe, 2000. (Questions à l’histoire)

Gaudefroy-Demombynes, Roger. L’Oeuvre française en matière d’enseignement au


Maroc. Paris; Troyes; Barcelone: Les Presses modernes; Librairie orientaliste Paul
Geuthner, 1928.
89 ‫روحملا‬: ‫ ةيلاينولوكلا ةفرعملا جاتنإ ايجولويسوس‬- ‫برغملا ةلاح‬
‫رغملا يف ميلعتلاو ةيبرتلا نأشب يلاينولوكلا يفرعملا جاتنإلا ايجولويسوس‬

Grossier, Alfred, Bertrand Badie, and Marc Sadoun, dirs. L’Autre. Paris: Presses de
sciences po, 1996.

Gruzinski, Serge. La Colonisation de l’imaginaire: Sociétés indigènes et


occidentalisation dans le Mexique espagnol: XVIe- XVIIIe siècle. Paris: Gallimard,
1988. (Bibliothèque des histoires; 69)

Hamon, Philippe. Texte et idéologie: Valeurs, hiérarchies et évaluations dans l’œuvre


littéraire. Paris: PUF, 1984. (Ecriture; 19). 10.3917/puf.hamon.1997.01

Hardy, Georges. L’Ame marocaine d’après la littérature française. Paris: E. Larose,


1926.

______. Les Colonies françaises. Le Maroc: Choix de textes précédés d’une étude.
Paris: H. Laurens, 1930.

______. Histoire sociale de la colonisation française. Paris: Larose, 1953.

______, et Louis Brunot. L’enfant marocain: Essai d’ethnographie scolaire. Editions


du «Bulletin de l’enseignement public au Maroc», Janvier 1925, no. 63. Paris: E.
Larose, 1925.

______, et Paul Aurès. Quoi? Comment? Pourquoi? Choix de leçons de choses à


l’usage des écoles primaires du Maroc: Livre du Maitre. Editions du «Bulletin de
l’enseignement public du Maroc», Janvier 1924, no. 55. Paris: E. Larose, 1924.

Kerrou, Mohamed. «Jacques Berque et les villes de l’Islam.» Revue des mondes
musulmans et de la Méditerranée 107-110 (September 2005). https://remmm.revues.
org/2834

Kok-Escalle, Marie-Christine. Instaurer une culture par l’enseignement de l’histoire:


France 1876-1912: Contribution à une sémiotique de la culture. Berne: P. Lang, 1988.
(Publications universitaires européennes. Série 3, histoire, sciences auxiliaires de
l’histoire; 364)

Laroui, Abdallah. Islam et modernité. Paris: La Découverte, 1987. (Armillaire)

Le Stéréotype: Crise et transformations. Colloque de Cerisy-la-Salle, 7-10 Octobre


1993, organisé par le centre de recherche sur la modernité, université de Caen; actes
publ. sous la dir. d’Alain Goulet. Caen: Presses universitaires de Caen, 1994.

Littératures et temps colonial: Métamorphoses du regard sur la Méditerranée et


l’Afrique: Actes du colloque d’Aix-en-Provence, 7-8 avril 1997. Organisé par le Centre
des archives d’Outre-mer, [Mémoires méditerranéennes et l’IREMAM, Institut de
recherches et d’études sur le monde arabe et musulman]; sous la dir. de Jean-Robert
Henry et Lucienne Martini. Aix-en-Provence: EDISUD, 1999.

Marty, Paul. Le Maroc de demain. Paris: [s. n.], 1925.


90
Issue 5 / 17 ‫العدد‬
Summer 2016  ‫صيف‬

Memmi, Albert. Portrait du colonisé; Précédé du Portrait du colonisateur. Préface de


Jean-Paul Sartre. Paris: J.-J. Pauvert, 1966.
Pageaux, Daniel-Henri. La Littérature générale et comparée. Paris: A. Colin, 1994.
(Collection cursus. Série littérature)
Paye, Lucien. Introduction et évolution de l’enseignement moderne au Maroc: Des
origines jusqu’à 1956. Ed., introd. et notes par Mohamed Benchekroun. Rabat:
Arrissala, 1992.
Péretié, A. «Les Médersas de Fès.» Archives marocaines 18 (1912).
Putnam, Hilary. «La Sémantique est-elle possible?.» In Centre d’études du lexique, La
Définition. Paris: Larousse, 1990. (Langue et langage)
Rachik, Hassan, et Rahma Bourqia. «La Sociologie au Maroc: Grandes étapes et jalons
thématiques.» Sociologies (2011). http://sociologies.revues.org/3719.
Rivet, Daniel. Lyautey et l’institution du protectorat français au Maroc: 1912-1925.
Paris: L’Harmattan, 1988. 3 vols.
Said, Edward W. Culture et impérialisme. Trad. de l’anglais par Paul Chemla. Paris:
Fayard; Le Monde diplomatique, 2000.
Savarese, Eric. L’ordre colonial et sa légitimation en France métropolitaine: Oublier
l’autre. Paris; Montréal: L’Harmattan, 1998. (Logiques politiques)

You might also like