Professional Documents
Culture Documents
ومـن خالل وصـف الرحالـة العرلقـد ضنـت علينـا الدراسـات التـي تناولـت مدينـة سـوكنة بالمعلومات الدقيقـة حول
البناء المعماري ،والتركيبـة العمرانيـة لهذه الـمدينـة ،والذي بيـن أيدينـا حتـى اآلـن سـوى بعـض اإلشارات التـي
وردت في كتب الرحالة الذين زاروا الـمدينة في فترات زمنية متباينة.
يتضـح لنـا أـن مدينـة سـوكنة كانـت تعتـبر نموذجـا للقرى السـكنية المجمعـة حول القصـور ،وكان هذا النموذج
منتشراـ في بالد فزان بصفة عامة ،فقد نشأت عدة قرى حول قصر أو مسكن محصن يعد النواة األولـى للـقرية
أو المركز الذي نما حوله .
إن الجو الصحراـوي القاسي ساعد في خلق القاعدة المعمارية لمدينة سوكنة التي اتصفت بصفة التضاد العضوي
والبيئي ،Environmental Contrast التضاد بين الجبال والرمال المحرقة والخضرة الـنضرة الـدائمة في بساتينها
وغابات النخيل التي تحفها
أـن مدينـة سـوكنة كانـت عبارة عـن مجموعـة مـن القصـور المتناثرة فـي غابات النخيـلـ وأنـه بترغيـب مـن قبيلـة
الجهمـة( )1انتقـل سـكان تلـك القصـور وشرعوا فـي البناء حول أكـبر القصـور .فيقول" :سـوكنة كانـت فـي قديـم
الزمان غيـر منتظمـة بـل هـي كانـت قصـيرات صـغار متفرقـة كـل قصـر فـي حطيـة ،كمـا هـي آثارهـا موجودة
اآلـن… .وبترغيـب مـن قبيلـة الجهمـة التـي أغارت علـى القصـر الكـبير انتقـل سـكان اـلقصـور األخرى بالقرب
عـن القصـر الـكـبير وشرعوا فـي بناء منازلهـم حولـه … .فصـارت قريـة صـغيرة … .وال زالـت أهـل الـقصـور
تتحول وتبنـي فـي المسـاكن ولـم يبـق فـي القصـور إـال القليـل … .ثـم أجـبر سـكان بقيـة القصـور إلـى السـكن فـي
القريـة … .ولمـا تكامـل السـكان فيهـا اتفقوا علـى أـن يجعلوا سـور حائـط عليهـم ليحفظهـم مـن العدو وبيبان
يقفلوهن بالـليل وكل من له باب مسمى عليه يؤول أمره يسكره بالليل ويفتحه بالنهار".
إن الجو الصحراوي القاسي ساعد في خلق القاعدة المعمارية لمدينة سوكنة التي اتصفت بصفة التضاد العضوي
والبيئي ،Environmental Contrast اـلتضاد بين الجبال والرمال المحرقة والخضرة النضرة الدائمة في
بساتينها وغابات النخيلـ التي تحفها.
عملية بناء السكن في مدينة سوكنة
وتبدأ عملية البناء في سوكنة بعد تحديد األرض بوضع األساسات األولى للبيت وهي
عبارة عن قاعدة من الحجر والطين بارتفاع نصف متر إلى متر أحيانا ،ثم يشرع بعد
ذلك في وضع قوالب الطين املجففة بأشعة الشمس والتي تتكون من الطين املخلوط
بالحصى واملاء .توضع بعد خلطها باملاء في قوالب من الخشب يتراوح حجمها من 20
إلى 30سم وطولها من 25إلى 30سم .وارتفاعها من 10إلى 15سم تقريبا .ثم يترك في
الشمس لعدة أيام حتى يجف ثم يحمل بعد ذلك في عربات تجرها الحمير تعرف عند
األهالي باسم الكرطون إلى مكان البيت ،وعادة ما كانت تتم هذه العملية في الساحات
.العامة في فصل الصيف
وتستمر عملية البناء بوضع كمية من الطين المبلول بين القوالب الطينية المجففة حتى تصل عملية
البناء إلى مرحلة السقف ،وهنا توضع جذوع النخيل لتصل بين الحائط واآلخر ،ويوضع فوقها
جريد النخيل ثم يوضع فوق الكل عجينة من الحجر الجيري وروث الحيوانات الذي يحل محل
االسمنت ،فتزيد هذه الخلطة صالبة وتماسك الطين ،وتستمر عملية البناء لبناء الطابق الثاني
بالخطوات السابقة نفسها باستثناء وضع أو بناء القواعد الحجرية كما في الطابق األول .ويسقف
الطابق الثاني بالطريقة نفسها التي سقف بها الطابق األول مع إضافة وضع ممرات من جذوع
النخيل المجوفة والمفتوحة من أعلى لتسهل انسياب مياه األمطار منها أثناء سقوطها وتعرف عند
األهالي باسم ميزاب وجمعها موازيب.
ومن الجدير بالذكر هنا أن عملية البناء تلك كانت في الغالب تتم بتعاون أبناء البلدة فيما بينهم،
ولكن في بعض األحيان فإن عدداً من األهالي األغنياء يقومون بتأجير عدد من العمال المهرة
المشهود لهم بفن العمارة ويدفعون لهم مقابل عملهم أجراً يومي أو شهرياً ،حيث تذكر إحدى
الوثائق المؤرخة بتاريخ 1260هـ1844/م إلى أن أجرة فني البناء الشهرية تساوي ثالث رياالت،
وفي وثيقة أخرى بتاريخ 1282هـ1865/م تذكر أن أجرة أسطى البناء في سوكنة 240ليرة.
وينقسم البيت السوكني إلى ثالثة أقسام ،قسم للمعيشة والنوم
وقسم خاص للحيوانات مع املنافع األخرى وهي املطابخ – الساحة
– املخازن – الشيعة .والقسم الثالث وهو الطابق الثاني من البيت
ويكون للمعيشة فقط وبه دورة مياه – وتعرف بلهجة سوكنة
بالسقاط وحمام وعدد من الغرف ،وساحة مفتوحة تعرف باملجلس َّ
تستخدم للجلوس والراحة في ليالي الصيف.
العوامل التي ساهمت في بناء مدينة سوكنة
التركيب الجسماني ملدينة سوكنة كان يأخذ طابعا نوويا تجميعيا ،ويمكن تلخيص أهم العوامل
التي أدت‡ إلى نمو هذا النوع من االستيطان الصحراوي في سوكنة إلى عدة عوامل منها:
.1عوامل استراتيجية ،وخاصة فيما يتعلق بصد غارات وهجمات بعض القبائل البدوية التي
كانت تغير على املدينة بين الفينة واألخرى ،ومن ثم بنيت املساكن حول القلعة ثم بنيت األسوار
واألبراج التي ت‡لف املدينة لتدرأ عنها األعداء.
.2عوامل جغرافية اقتصادية ،وخصوصا فيما يتعلق بصعوبة الحصول على املياه ،فالقصر
الكبير الذي أقيمت حوله املساكن به بئر ماء على عكس القصور األخرى الصغيرة.
.3 عوامل تتعلق بالنظام القرابي ،حيث يمنع هذا التالصق القرابي والقبلي من تفتيت
العالقات القرابية والقبلية التي يحرص عليها سكان املدينة
سورـ مدينة سوكنة
يعد سور مدينة سوكنة من أبرز املعالم املعمارية في بالد فزان ،وقد نال بناءه إعجاب جميع
الرحالة األجانب الذي زاروا سوكنة ،حيث قال عنه صاحب كتاب Children of Allah أن السور
مبني بشكل هندسي رائع ،وخطة مدروسة.
وكان لسور املدينة سبعة أبواب ضخمة مصنوعة من خشب النخيل .ثم أصبحت ثمانية أبواب
في سنة 1824م .ويبدو أن هذا الباب الثامن الذي أضيف لألبواب السبعة قد ألغي بعد فترة من
الزمن ،حيث ذكر الرحالة التركي عبد القادر جامي الذي زار سوكنة سنة 1907م إن للمدينة
سبعة أبواب .ويؤيد ذلك أيضا ما ذكره محمد بشير نجومه سنة 1914م في تقريره ،وهذه األبواب
السبعة هي باب العمشة -باب جرانه -باب النجومات -باب الغنم -باب ثانيه -خوخة القاضي
-خوخة الراشدي.
إ‡‡ن أه‡‡م م‡‡ا يمي‡‡ز س‡‡ور مدين‡‡ة س‡‡وكنة ع‡‡ن بقي‡‡ة أس‡‡وار املدن ف‡‡ي الوالي‡‡ة ه‡‡و وجود ثالث‡‡ة
برج ا بني‡ت عل‡ى طول س‡ور املدينة .وه‡ي أ‡براج مبني‡ة عل‡ى أشكال م‡ا بي‡ن املربع‡ة وثالثي‡ن ً‡
ونص‡‡ف دائرية .حي‡‡ث ت ‡‡برز ثالث‡‡ة م‡‡ن أضالعه‡‡ا خارج ا لس‡‡ور ،والضل‡‡ع الراب‡‡ع أ ‡‡و الجزء
الراب ‡‡ع م ‡‡ن ال ‡‡برج يكون عل ‡‡ى امتداد اتجاه الس ‡‡ور ،ويتراوح ارتفاع األ ‡‡براج م ‡‡ا بي ‡‡ن متري ‡‡ن
ونصف إلى ثالثة أمتار ونصف ،وأما مساحتها فإنها تتراوح ما بين 4 × 4إلى ً 5 × 6
مترا.
قلعة سوكنة
ومهما يكن من أمر فإن قلعة سوكنة التي تتوسط تماما املدينة تعتبر أعلى وأكبر مبنى بها ،كان بها
مقر الحاكم أو القائم قام ومدير القضاء ،وبها يجتمع املجلس البلدي ،وتقام املحاكم ،وتجمع
الضرائب.
وتبلغ مساحتها تقريبا 45×35مترا وارتفاعها يتراوح ما بين 45 - 40مترا ،بها خمس حجرات ومخازن
وبئر ماء ،وحجرة كبيرة بعض الشيء قرب مدخل القلعة ربما كانت املكان الذي تعقد به
االجتماعات ،ألنها أكبر الحجرات جميعا وأخيرا فإن للقلعة ساحة أو فناء تفتح فيه جميع
الحجرات.
نظرا لكون منازل املدينة مبنية بشكل متالصق الجدران فإن شوارع املدينة وأزقتها كانت عشوائية
املظهر ،تختلف من حيث الطول واالتساع من شارع آلخر ،ومن حي آلخر ،إال أنها في عمومها
ضيقة بعض الشيء ،وليس كما وصفها جون فرانسيس ليون G.F. Lyon بأنها ضيقة جدا .إذ
أهم ما يالحظ على البناء المعماري للبيوت في سوكنة ما يلي:
-تخصيص حجرة رئيسية هامة تواجه الشمال -البحري -وتطل على الفناء الداخلي الذي كان يعتبر عنصرا أساسيا في تصميم
البيت.
-2أن يكون المدخل متعرجا على نفسه مرة واحدة علـى األقل ليمنع المارة من رؤية ما بداخل المنزل.
-3احتواء الدور اـألول على حجرة استقبال لـلرجال متسعة ومزدانه بالسجاد( ،)19وهي ما تعرف عن األهالي باسم المربوعة
-4احتواء الطابق اـألرضي على قسمين -قسم للمعيشة وقسم للحيوانات والمنافع ،واحتواء الطابق الثاني على غرف وشرفات ومنافع.
[ 24علي مسعود البلوشي ،سعيد علي حامدـ ،وآخرون ) ، ( 1985موسوعة االثار االسالمية في [
[ 26مجموعة من االساتذة والباحثين تحت اشراف اللجنة الوطنية الليبية للتربية والثقافة والعلوم [
( ،معالمـ الحضارة االسالمية في ليبيا ) ،مصر :دـار الدولية لالــــستثمارات الثقافية ( ، 2008
القاهرة (
)8-2017
[ 29رمضان ابوالقاسم .االحد – اغسطس – . 2010حول النم المعماري والهوية المعمارية [
.مدونة تعنى بمستقبل العمارة والحروف الفنية في ليبيا .موقع الميراث