Professional Documents
Culture Documents
النبوي
للقرآن
تأليف
فضيلة الشيخ
سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على موقع السلم اليوم
التفسير النبوي 2
للقرآن
3 التفسير النبوي
للقرآن
*
مقدمة
علَى عَبدِهِب الكِتَابَب َولَم (الحَمدُ ل الّذِي أَن َز َل َ
شدِيدًا مِن لَدُنهُب .
يَجعَل لَهُب عوَجًا َقيّمًا لِيُنذِرَ بَأسبًا َ
وَيُبَشّرَ المُؤمِنِينبَ الّذِينبَ يَع َملُونبَ الصبّا ِلحَاتِ أَنّ
. .
لَهُم أَجرًا حَسبَنًا مَاكِثِينبَ فِيهبِ أَ َبدًا وَيُنذِ َر الّذِينبَ
خذَ ال َولَدًا) [الكهف.]4-1: قَالُوا ا ّت َ
الكريم.
.
7 التفسير النبوي
للقرآن
الفصبل الخامبس :أنواع بيان السـنة للقرآن
الكريم.
التفسير النبوي 8
للقرآن
الفصل الول
خصائص القرآن الكريم
إن القرآن الكـــــريم كلم ال تعالى ،وهـــــذه
أعظـم مزايـا وخصـائص القــرآن الكريـم ،فحسـبه
أنه كـلم ال.
وقـد وصـفه ال عـز وجـل بقوله( :وَإِنّهُب لَ ِكتَابٌب
طلُ مِن بَينِ يَدَي ِه وَل مِن خَلفِهِ .
عَزِيزٌ ل يَأتِيهِ البَا ِ
تَنبزِيلٌ مِن حَكِي ٍم حَمِيدٍ) [فصلت.]42 ،41:
وكمـــا جاء فـــي الحديـــث الذي رواه الترمذي
وغيره ،أن النبي صلى ال عليه وسلم قال":فضل
القرآن على سببائر الكلم ،كفضببل ال تعالى على
خلقه"(.)2
9 التفسير النبوي
للقرآن
إذًا فكون القرآن كلم ال ،فهذا يغنــــي عــــن
تعداد خصـــائص القرآن وفضائله ومزاياه ،لكـــن
أجدنــــــــي مضطرّا إلى أن أشيــــــــر إلى ثلث
خصـائص لهذا القرآن؛ لبـد مـن ذكرهـا فـي مطلع
هذه الرسالة:
الخاصية الولى :الحفظ:
قال تعالى( :إِنّابب نَحنببُ نَزّلنَبا الذّك َر وَإِنّابب لَهببُ
َلحَا ِفظُونَ) [الحجر.]9:
لقـد قيّضـ ال تعالى للقرآن منـذ نزل مـن يحفظـه
مــن الصــحابة ومــن بعدهــم فــي الصــدور وفــي
السـطور ،وبلغـت عنايـة المسـلمين بالقرآن الكريـم،
وتدوينــه ،وكتابتــه ،وحفظــه ،وضبطــه شيئًا يفوق
الوصــف ،حتــى إن جميــع حروف القرآن وكلماتــه
مضبوطـة محفوظـة بقراءاتهـا المختلفـة ل يزاد فيهـا
ول ينقص.
التفسير النبوي 10
للقرآن
وقد ذكر بعض المفسرين -كالقرطبي وغيره-
قصة طريفة تتعلق بحفظ القرآن الكريم.
وذلك أنـــه كان للمأمون -وهـــو أميـــر إذ ذاك-
مجلس نظــر ،فدخــل فــي جملة الناس رجــل حســن
الثوب ،حسن الوجه ،طيب الرائحة ،فتكلم فأحسن
الكلم والعبارة ،فلمــــــــــــا تقوّض المجلس دعاه
المأمون ،فقال له :إســـرائيلي؟ قال :نعـــم ،قال له:
أسلم حتى أفعل بك وأصنع ،ووعده ،فقال :ديني،
ودين آبائي ،وانصرف.
فلمّاـ كان بعـد سـنة جاء مسـلمًا ،فتكلم فـي الفقـه
فأحســـــــن الكلم ،فلمـــــــا تقوّض المجلس دعاه
المأمون ،وقال :ألســت صــاحبنا بالمــس؟ قال له:
بلى ،قال :فمـا كان سـبب إسـلمك؟ قال :انصـرفت
مــن حضرتــك ،فأحببتـُـ أن أمتحــن هذه الديان،
وأنت تراني حسن الخط.
11 التفسير النبوي
للقرآن
فعمدتـــُـ إلى التوراة ،فكتبــــت ثلث نســــخ،
فزدت فيها ونقصت ،وأدخلتها الكنيسة ،فاشتريت
مني.
وعمدتـُـ إلى النجيــل ،فكتبــت ثلث نســخ،
فزدت فيهـا ونقصـت ،وأدخلتهـا البيعـة ،فاشتريـت
مني.
وعمدتــــُـ إلى القرآن ،فعملت ثلث نســـــخ،
وزدت فيهــــا ونقصــــت ،وأدخلتهــــا الوراقيــــن
فتصــــــفحوها ،فلمــــــا أن وجدوا فيهــــــا الزيادة
والنقصان ،رموا بها فلم يشتروها ،فعلمت أن هذا
كتاب محفوظ؛ فكان هذا سبب إسلمي(.)3
نعمة القرآن:
والقرآن هو الميزان والفيصل فيما يشتجر فيه
الناس ويختلفون فيــــه مــــن أمور الديــــن ،وبذلك
تُعرف نعمــة ال تعالى بحفــظ هذا القرآن إلى هذا
الزمان ،وأنــه نعمــة كــبرى على المســلمين؛ بــل
على البشرية كلها.
التفسير النبوي 16
للقرآن
وشكــــر هذه النعمــــة أن يكون القرآن هــــو
المهيمن على حياتنا :أفرادًا ،وأسرًا ،ومجتمعات،
ودولً ،وأممًا ،بحيث يكون القرآن هو المحكّم في
كل أمورنا.
وإذا لم نفعل نكون كفرنا هذه النعمة ،وعقوبة
كفران هذه النعمــة عقوبــة أليمــة ،وهــي أن يُرفــع
هذا القرآن مـن بيـن أيدينـا ،فل يبقـى فـي الرض
منه آية.
17 التفسير النبوي
للقرآن
روى ابن ماجة وغيره بسند صحيح من حديث
حذيفة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم
قال" :يدرس السلم كما يدرس وشي الثوب ،حتى
ل يُدرى ما صيام ،ول صلة ،ول نسك ،ول صدقة،
وليُسرى على كتاب ال عز وجل في ليلة ،فل يبقى
فبببي الرض منبببه آيبببة"( ،)4فيُنــــزع القرآن مـــن
المصـاحف ومـن صـدور الرجال؛ لنـه ل يُعمـل بـه،
فتعطلت منافعــه ،فرفعــه ال تعالى تكريمًـا لكلمــه
العظيــم أن يوضــع عنــد مــن ل يســتعينون بــه ،ول
يستحقونه.
***
التفسير النبوي 18
للقرآن
الفصل الثاني
عناية المة بتفسير القرآن الكريم
نزل القرآن على رســول ال صــلى ال عليــه
وســــلم فتلقاه عنــــه أصــــحابه ،ثــــم تلقاه عنهــــم
المسلمون ،وعنوا به عناية كبيرة ،وكان من أوجه
عنايتهم به عنايتهم بتفسيره.
عناية الصحابة بتفسير القرآن الكريم:
كان الصـــحابة يعنون بتفســـير القرآن ،حتـــى
كان منهــم مــن اشتهــر بذلك( ،)5فصــرفوا حياتهــم
ووقتهــم فــي فهــم معانــي القرآن الكريــم ،ومــن
هؤلء:
-عبد ال بن عباس( )6رضي ال عنهما:
19 التفسير النبوي
للقرآن
حبر المة ،وترجمان القرآن( ،)7وإمام المفسّرين،
الذي دعا له النبي صلى ال عليه وسلم ،فقال" :اللهم
فقهبه فبي الديبن ،وعلمبه التأويبل "( ،)8وقـد ورد عنـه
فـي التفسـير مـا ل يحصـى كثرة ،وهـو أحـد الربعـة
الذين جمعوا القرآن على عهد الرسول صلى ال عليه
وسلم ،وكان من قراء الصحابة ،وسيد الحفاظ(.)9
-عبد ال بن مسعود( )10رضي ال عنه:
قال رســول ال صــلى ال عليــه وســلم" :خذوا
القرآن مبن أربعبة :مبن اببن أم عببد -أي عبـد ال بـن
مسـعود -فبدأ بـه ،ومعاذ ببن جببل ،وأببي ببن كعبب،
وسالم مولى أبي حذيفة"(.)11
التفسير النبوي 20
للقرآن
وقال عبد ال بن مسعود" :وال ،لقد أخذت من
فيّ رسول ال صلى ال عليه وسلم بضعًا وسبعين
سورة ،وال لقد علم أصحاب النبي صلى ال عليه
وسلم أني من أعلمهم بكتاب ال ،وما أنا بخيرهم"،
ت فـي الحلق أسـمع مـا يقولون،
قال الراوي :فجلسـ ُ
ت رادّا يقول غير ذلك(.)12
فما سمع ُ
وقال رضـــي ال عنـــه -كمـــا فـــي الروايـــة
الصــــحيحة عنــــه" :-وال الذي ل إله غيره ،مــــا
أنزلت سـورة مـن كتاب ال إل أنـا أعلم أيـن أنزلت،
ول أنزلت آية من كتاب ال إل أنا أعلم فيم أنزلت،
ولو أعلم أحدًا أعلم منـــي بكتاب ال تبلغـــه البـــل
لركبت إليه"(.)13
21 التفسير النبوي
للقرآن
ومـن الصـحابة رضـي ال عنهـم مـن ورد عنـه
()14
اليسـير فـي تفسـير القرآن الكريـم ،ومـن هؤلء
()15
عمر وعلي وأبي بن كعب و عبد ال بن عمر
رضي ال عنهم:
روى مالك فـي الموطّأ أن ابـن عمـر رضـي ال
عنـه مكـث فـي تعلم سـورة البقرة ثمانـي سـنين(،)16
فلمّاـ أتمّهـا نحـر َبدَنَة شكرًا ل تعالى ،وهـو ل شـك
كان يتعلم البقرة ألفاظًــا ومعانـــي ،وإل فصـــغار
الطلبة اليوم في المدارس البتدائية يحفظون سورة
البقرة فـي أسـبوع أو فـي شهـر ،حاشـا ابـن عمـر أن
يحتاج إلى ثمانـي سـنين فـي حفـظ ألفاظهـا فحسـب؛
بل كان يتفهمها ويتلقاها ألفاظًا ومعاني.
عناية التابعين بتفسير القرآن الكريم:
التفسير النبوي 22
للقرآن
وكذلك التابعون تلقوا التفســـير عـــن الصـــحابة
رضي ال عنهم ،فكان منهم أئمة في التفسير كمجاهد
بـن جـبر المكـي( ،)17الذي يقول فيـه سـفيان الثوري:
"إذا جاءك التفسير من مجاهد فحسبك به" ( ،)18وليس
هذا بغريـب؛ فقـد تلقـى عـن ابـن عباس ،حتـى إنـه كان
يقول" :عرضتــــُـ القرآن على ابـــــن عباس ثلث
عرضات ،مــن فاتحتـه إلى خاتمتـه ،أوقفــه عنــد كـل
آية"(.)19
وكذلك ممن عرف بالتفسير من التابعين :قتادة (،) 20
وعكرمـة ( ،) 21والسـدي ( ،) 22وغيرهـم كثيـر مـن التابعيـن
وأتباعهم (.) 23
المصنّفات في التفسير:
23 التفسير النبوي
للقرآن
ثـم انتهـى المـر إلى الئمـة المصـنّفين ،فصـنّفوا
مئات -بل ألوف -الكتب في تفسير كتاب ال تعالى
بمختلف الفنون ،فأهل اللغة صنّفوا كتبًا في تفسير
القرآن مــــن النواحــــي اللغويــــة؛ فــــي العراب،
والبلغة ،والبيان ،والبديع ،وغيرها(...)24
وأهــل الفقــه صــنّفوا كتبًـا فــي معانــي آيات
الحكام ،وتفسـيرها ،ودللتهـا ،واختلف العلماء
فيها(.)25
وأهل الحديث صنّفوا كتبًا في جمع الروايات
التي وردت في تفسير معاني كتاب ال تعالى(.)26
التفسير النبوي 24
للقرآن
وهكذا أهـل كـل فـن صـنّفوا كتبًا فـي التفسـير،
تتناول القرآن من الزاوية التي يحسنونها ويتحدثون
فيهــا ،وهذه الكتــب لشــك فيهــا الغــث والســمين،
والقوي والضعيف ،والجيد والرديء؛ بل إن بعض
الذين ف سّروا القرآن الكريم ،فسروه ليوافق ما لديهم
من الغراض ،سواء أكانت حقّا أم باطلً.
فالمعتزلة -مثلً -منهـم مـن فسـّر القرآن ليخدم
()27
مذهبـه الفاسـد ،كمـا فعـل القاضـي عبـد الجبار
فــي تفســيره( ،)28وكمــا فعــل الزمخشري( )29فــي
ل لمذهبــه فــي كشافــه ،حيــث جعــل القرآن دلي ً
العتزال(.)30
وكذلك بعــــض المتكلميــــن ،فســــّروا القرآن
()31
ليوافـق آراءهـم وأصـولهم ،كمـا فعـل الرازي
في تفسيره الكبير( ،)32والماتُريدي ،وغيرهم.
25 التفسير النبوي
للقرآن
ومـن الصـوفية مـن يفسـّر القرآن ليخدم مذهبـه
الصــوفي ،كتفســير أبــي عبــد الرحمــن الســلمي
وغيره(.)33
وبعــض الفقهاء فس ـّروا آيات الحكام تفســيرًا
يخدم اتجاهاتهـم المذهبيـة ،ويؤيـد مـا اختاروه مـن
القوال الفقهية.
ووُجـد مـن أرباب العلوم -خاصـة المعاصـرين-
مـن يحاول أن يحمّلـ القرآن وألفاظـه مـا ل يحتمـل
مـن الدللة على أنواع العلوم العصـرية ،كمـا فعـل
طنطاوي جوهري فــــــي تفســــــيره المســــــمّى
"بالجواهـر"( ،)34والذي فيـه كـل شيـء إل التفسـير،
فهــو كتاب فــي الفلك ،والعلوم الماديــة ،والحياء،
والفيزياء ،والجيولوجيـا ،لكـن ليـس فيـه شيـء مـن
تفسير القرآن الكريم.
التفسير النبوي 26
للقرآن
وكمـا يفعـل بعـض الذيـن يتحدّثون عمّا يُسـمى
"العجاز العلمــي للقرآن" ،فإن منهــم مــن يغلو
فيحمّل ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه ما ل تحتمل؛
لتوافــق بعــض مكتشفات ومخترعات العلم؛ بــل
بعــض النظريات العلميــة التــي لم تصــل بعــد إلى
حد أن تكون حقيقة قطعية ثابتة.
***
27 التفسير النبوي
للقرآن
الفصل الثالث
البلغ النبوي للقرآن الكريم
إن هذا الخلف فـــي تفســـير القرآن الكريـــم،
يوجــب على المســلم الحريــص على معرفــة كلم
ال عز وجل أن يعود إلى المصدر الول والمنبع
الصــافي ،أل وهــو ســنة الرســول عليــه الصــلة
والسـلم الصـحيحة الثابتـة ،فهـي خيـر مـا يفسـّر
كتاب ال تعالى؛ لن الرســـول صـــلى ال عليـــه
علَيكبببببَ إِلّوســـــلم أُمِ َر بالبلغ ،قال تعالى( :إِن َ
البَلغببببببُ) [الشورى ،]48:وقال( :ل ُتحَرّك بِهببببببِ
.
علَينَا جَمعَهُب وَقُرآنَهُب َفِإذَا .
جلَ بِهِب إِنّ َك لِتَع َ
لِسبَا َن َ
علَينَا َبيَانَهُب) [النسـان: .
قَرَأنَاهُب فَاتّبِع قُرآنَهُب ُثمّ ِإنّ َ
،]16وقال( :يَا أَيّهَا الرّسبُولُ َبلّغ مَا أُن ِزلَ ِإلَيكَب
ك وَإِن لَم تَفعَل فَمَا َبلّغ تَ ِر سَالَتَهُ) [المائدة:مِن رَبّ َ
.]67
التفسير النبوي 28
للقرآن
فالرســـول عليـــه الصـــلة والســـلم مطالب
بالبلغ والبيان ،لكن ما هو البلغ الذي طولب به
الرسول صلى ال عليه وسلم؟
إن البلغ النبوي للقرآن الكريـــــم يشتمـــــل على
المور التية:
أولً :بلغ اللفاظ:
والمقصود به بلغ النبي صلى ال عليه وسلم
للفاظ القرآن الكريـــم كمـــا نزلت ،وكمـــا بلغـــه
جبريل إياها ،دون زيادة أو نقص.
يقول ال عز وجل في سورة آل عمرانَ( :لقَد
مَنّ ال عَلَى المُؤ ِمنِينَب إِذ َبعَثَب فِيهِم رَسبُو ًل مِن
علَيهِببم آيَاتِهببِب) [آل عمران،]164: أَنفُسببِبهِم يَتلُو َ
فالبلغ النبوي للفاظ القرآن الكريـم هـو المقصـود
علَيهِم آيَا ِت ِه).
بقوله تعالى( :يَتلُو َ
29 التفسير النبوي
للقرآن
وقــد كان النــبي صــلى ال عليــه وســلم شديــد
الحرص على بلغ ألفاظ القرآن الكريـم ،حتـى إن
ابـــن عباس رضـــي ال عنهمـــا يقول -كمـــا فـــي
الحديث المتفق عليه" :-كان رسول ال صلى ال
عليـه وسـلم يعالج مـن التنــزيل شدة ،وكان يحرك
شفتيـــه"" ،فأنزل ال عـــز وجـــل( :ل ُتحَرّك بِه ببِ
علَينَبا جَمعَب ب ُه وَقُرآنَب بهُ) .
جلَ بِه بِ إِنّب َ
ك لِتَع َلِس بَبا َن َ
[القيامــة ،]17 ،16:قال :جَمعــه فــي صــدرك ثــم
تقرؤهَ ( ،فإِذَا َقرَأنَاهبُب فَاتّبِبع قُرآنَهببُ) [القيامــة،]18:
قال :فاســتمع له وأنصــت ،ثــم إن علينــا أن تقرأه،
قال :فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أتاه
جبريــل عليــه الســلم اســتمع ،فإذا انطلق جبريــل
قرأه النبي صلى ال عليه وسلم كما أقرأه"(.)35
التفسير النبوي 30
للقرآن
وهذا البيان اللفظـي جزء مـن البلغ الذي أُمـر بـه
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ول شك أن الرسول
صــلى ال عليـه وسـلم بلّغ ألفاظ القرآن الكريـم بلغًا
تامّا ،ولم يكتم شيئًا مما أُنزل عليه.
ولو كان الرسول صلى ال عليه وسلم كتم شيئًا
ممــا أُنزل عليــه ،لكتــم هذه اليــةَ ( :وإِذ َتقُو ُل ِلّلذِي
علَيكَب زَوجَكَب علَيهِب أَمسبِك َ علَيهِب َوأَنعَمتَب َ
أَنعَمَب ال َ
ك مَا ال مُبدِيهِب َوتَخشَى وَاتّقِب ال َوتُخفِي فِي نَفسِب َ
النّاسَب وَال َأحَقّ أَن تَخشَاهُب) [الحزاب ،]37:فهذه
اليــة فيهــا عتاب شديــد للرســول صــلى ال عليــه
وســلم ،ثــم يقوم الرســول صــلى ال عليــه وســلم
فيقرؤهـا على الناس فـي الصـلة وفـي غيرهـا وهـو
المخاطب بها!!
31 التفسير النبوي
للقرآن
.
عبَس بَب َوتَولّى أَن جَاءَه بُب أو يكتـــم هذه الياتَ ( :
. .
العمَبى وَمَبا يُدرِيك َب َل َعلّهُب َي ّزكّى ب أَو َي ّذ ّك ُر َفتَن َفعَه ُب
كعلَي َ .
صدّى َومَا َ ت َل ُه َت َ.
ن استَغنَى َفأَن َ .
الذّكرَى َأمّا َم ِ
. . .
َأ ّل َي ّزكّىب َوَأمّاب مَن جَاءَكَب يَسبعَى َو ُه َو يَخشَى َفأَنتَب
عَن ُه َتَلهّى) [عبس ،]10 -1 :ففيها عتاب شديد للرسول
صـلى ال عليه وسلم ،ومـع ذلك يتلو هذه اليات على
الناس كما نزلت عليه!!
إن ال تعالى اختار محمدًا صــــلى ال عليــــه
وســـلم على علم على العالميـــن ،قال تعالى( :ال
أَعلَمبُ حَيثبُ يَج َعلُ رِسبَالَتَهُ) [النعام ،]124:اختار
رجلً يعلم أنه لن يكتم شيئًا مما يوحى إليه ،فحتى
اليات التـي عاتبـه ولمـه ال فيهـا على بعـض مـا
صدر منه صلى ال عليه وسلم ،ينقلها للناس كما
ينقل اليات التي مُدح فيها!.
التفسير النبوي 32
للقرآن
فيقرأ على الناس قول ال جــل وعل له صــلى
خلُقٍب عَظِيمٍب) [القلم: ال عليـه وسـلم( :وَإِنّكَب لَ َعلَى ُ
،]4ويقرأ عليهــم قوله تعالىُ ( :محَمّدٌ رَس بُولُ ال
علَى ال ُكفّارِ ُرحَمَاءُ بَينَهُببم
وَالّذِين ببَ مَعَه ببُ َأشِدّا ُء َ
تَرَاهُببم رُكّعًببا سببُبجّدًا يَبتَغُونبببَ فَضلً مِنبببَ ال
وَرِضوَانًا) [الفتح ،]29:كما يقرأ اليات التي فيها
اللوم والعتاب ،سواء بسواء.
إذًا يجزم كل موحّد يشهد أن ل إله إل ال وأن
محمدًا رسول ال؛ بأن النبي صلى ال عليه وسلم
قـد بلّغ القرآن الكريـم بألفاظـه بلغًا تامّاـ ل ريـب
فيه.
ثانيًا :بلغ المعاني:
كان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم شديـد الحرص
على البلغ اللفظي للقرآن الكريم ،لكنه – صلى ال
عليــه وســلم – لم يكتــف ببلغ ألفاظــه ولكـن بلغهــم
معانيه أيضاً.
33 التفسير النبوي
للقرآن
إن تبليغـه صـلى ال عليـه وسـلم لمعانـي كتاب
ال تعالى هـــي بنـــص كتاب ال تعالى جزء مـــن
مهمتـه فـي البلغ ،فمـن مهمـة الرسـول صـلى ال
عليه وسلم ومسئوليته أن يبلّغ الناس ألفاظ القرآن
ومعانيه.
فبعــــد أن قال تعالى( :ل ُتحَرّك بِهبببِب لِسببببَا َنكَ
علَينَا جَمعَهُب وَقُرآنَهُب) [القيامـة،16: .
جلَ بِهِب إِنّ َ
لِتَع َ
،]17وهذا هــو البلغ اللفظـــي كمــا ســبق ،قال
علَينَا بَيَانَهُب) [القيامـة ،]19:أي: سـبحانه( :ثُمّ إِنّ َ
علينا أن نبين لك لفظه ومعناه.
التفسير النبوي 34
للقرآن
سهِم يَتلُو
وبعد أن قال تعالىَ ( :ر سُولً مِن أَنفُ ِ
علَيهِبببببببببم آيَاتِهببببببببببِ) [آل عمران ،]164:قال:
َ
(وَيُزَكّيهِم) ،والتزكية تعني أن الرسول صلى ال
عليــه وســلم يربــي أصــحابه على القرآن الكريــم،
بحيــــث يتحوّل القرآن مــــن مجرد كتاب مكتوب
ومقروء إلى واقـع حياة عمليـة ،تتحقـق على ظهـر
الرض.
حتـى قال بعضهـم" :إن أصـحاب الرسـول صـلى
ال عليـه وسـلم ،كان الواحـد منهـم كأنـه قرآن يمشـي
على الرض" ،وهذا التعـبير ليـس بعيدًا ،فإن عائشـة
رضـي ال عنهـا لمـا سـئلت عـن خلق الرسـول صـلى
ال عليه وسلم ،قالت للسائل -كما في مسلم وغيره:-
"أتقرأ القرآن؟" ،قال" :نعـم" ،قالت" :فإن خلق نـبي
ال صلى ال عليه وسلم كان القرآن"(.)36
35 التفسير النبوي
للقرآن
فهذا معنـى قوله تعالىَ ( :وُي َزكّيهِم) أي :يربيهـم
ويزكيهـــم بالعقائد الصـــحيحة ،والخلق الفاضلة،
والســلوك الحســن ،ويعدّهــم للدور العالمــي الذي
ينتظرهم لقيادة البشرية.
ثـــم قال تعالىَ ( :وُي َزكّيهِببم َوُي َعّل ُمهُمببُب ال ِكتَابببَب
وَالحِكمَةَ) ،فما الكتاب؟ وما الحكمة؟
قال الشافعـي" :قال تعالى( :وَاذكُرنَب مَا يُتلَى
فِي بُيُوتِكُنّ مِن آيَاتِب ال وَالحِك َمةِ إِنّ ال كَانبَ
َلطِيفًببا خَبِيرًا) [الحزاب ،]34:فذكـــر ال الكتاب
وهو القرآن ،وذكر الحكمة ،فسمعت من أرضى
مـن أهـل العلم بالقرآن يقول :الحكمـة سـنة رسـول
ال"(.)37
التفسير النبوي 36
للقرآن
إذن إذا تأملنـــا قول ال تعالى( :رَس ببُولً مِببن
علَيهِبم آيَاتِهبِب وَ ُيزَكّيهِبم وَيُ َعلّ ُمهُمببُ
أَنفُسبِبهِم يَتلُو َ
الكِتَابَب وَالحِكمَةَ) [آل عمران ،]164 :فإننــا نلحـظ
علَيهِم آيَا ِت ِه) ،أي :يقرأ أنه في أول الية قال( :يَتلُو َ
عليهـــم القرآن ويتلو عليهـــم ألفاظـــه ،وهـــو البيان
اللفظـــــــــــي للقرآن ،فإذا ضبطوا القرآن وحفظوه
وأتقنوه ،انتقـل إلى مرحلة أخرى ،وهـيَ ( :وُي َعّل ُمهُمُب
ال ِكتَابَب) ،يعنـي :يفقههـم فـي معانـي القرآن ،ويعلمهـم
معانــي مــا حفظوه وضبطوه ،ثــم ينتقــل إلى مرحلة
ثالثــة ،وهــيَ ( :وُي َزكّيهِم) ،أي :يؤدّبهــم بهذا الكتاب
حتى يعملوا به وهي التزكية.
37 التفسير النبوي
للقرآن
ولذلك قال أبو عبد الرحمن الجهني( :)38حدّثنا
من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى ال عليه
وسـلم ،أنهـم كانوا يقترئون مـن رسـول ال صـلى
ال عليه وسلم عشر آيات ،فل يأخذون في العشر
الخرى حتــــى يعلموا مــــا فــــي هذه مــــن العلم
والعمل ،قالوا :فعلمنا العلم والعمل(.)39
فمهمـة الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم البلغ
اللفظـي والمعنوي ،وقـد قام بمهمـة البلغ بشقيهـا
خير قيام ،عليه الصلة والسلم.
***
التفسير النبوي 38
للقرآن
الفصــــل الــرابع
تفسير الصحابة للقرآن الكريم
إن أصــحاب النــبي صــلى ال عليــه وســلم كانوا
عربًــا ،يعرفون بالســـليقة معانـــي الكلم العربـــي،
فبمجرد سـماعهم الكلم العربـي يفقهونـه؛ ولذلك كان
الكفار فـي مكـة يعرفون عموم معانـي الكلم العربـي
والقرآن ،وال عــز وجــل يقول عــن القرآنَ( :ن َز َل بِهِب
ن .
ن ِبِلسَا ٍ ن المُن ِذرِي َ
ن ِم َك ِلَتكُو َ .
علَى قَلِب َ
ن َح المِي ُالرّو ُ
ع َربِيّبب ُمبِينبببٍب) [الشعراء ،]195 -193 :وقال تعالى: َ
ن قَو ِم ِه) [إبراهيم،]4 : ( َومَا أَرسَلنَا مِن َرسُو ٍل ِإ ّل ِبِلسَا ِ
ومن هنا فإن العرب -حتى الكفار منهم -فهموا القرآن
من حيث الجملة؛ ولذلك ردوه حيث خالف أهواءهم.
39 التفسير النبوي
للقرآن
وكانوا أيضًا يفهمون معنـى" :ل إله إل ال"،
فلمّاـ سـمعوا قوله صـلى ال عليـه وسـلم" :يبا أيهبا
الناس ،قولوا ل إله إل ال"( ،)40عرفوا أن
معناها :ل عبودية إل ل ،فل معبود بحق إل ال،
ول أحـد يسـتحق العبادة إل ال؛ ولذلك رفضوهـا،
وقالواَ( :أجَ َع َل ال ِلهَةَ ِإلَهًبا وَاحِدًا إِنّب هَذَا لَشَيءٌ
عجَابٌ) [ص.]5: ُ
إن المام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه
ال قارن بيــــن مســــلمي هذا الزمان ومشركــــي
الوليـن ،فقال :إن الوليـن كانوا أعلم بمعنـى "ل
إله إل ال" ممــن ينســبون إلى الســلم فــي هذا
الزمان.
التفسير النبوي 40
للقرآن
فأبو جهل وأبو لهب يفهمون معانيها في اللغة
العربية ،لكن كثيرًا من المنتسبين إلى السلم في
هذا العصـر ومنـذ عصـور يقولون :ل إله إل ال،
ول يفهمون منها حتى المعنى الذي فهمه أبو جهل
وأبـو لهـب .يفهـم كثيـر مـن المسـلمين معنـى ل إله
إل ال أي ل خالق إل ال ،ل رازق إل ال .وهذا
جزء مــن معناهــا ،لكــن المعنــى الصــلي الذي
أنكره المشركون هو إفراد ال في العبادة.
فالصحابة كانوا عربًا أقحاحاً ،يفهمون معاني
الكلم؛ ولذلك فهموا كثيرًا مــــن القرآن الكريــــم
بمجرد تلوة الرســول صــلى ال عليــه وســلم له،
كمــا أن العربــي اليوم يفهــم بالســليقة مــن القرآن
الكريــم أشياء كثيرة ل يحتاج معهــا إلى الرجوع
إلى كتب التفسير.
41 التفسير النبوي
للقرآن
ت كلم ال تعالى عــن فأنــت -مثلً -إذا ســمع َ
الجنة ،عن النار ،عن الرسل ،عن القرآن الكريم،
عــن المواريــث ...فهمــت معناهــا مباشرة بمجرد
ســـماعها ،والصـــحابة رضـــي ال عنهـــم كانوا
يفهمون أيضًا وراء ذلك أشياء كثيرة.
أسببباب اختلف الصببحابة فببي فهببم القرآن
الكريم:
إن الصــحابة الكرام كانوا أكثــر الناس فهمًــا
لكتاب ال عـــز وجـــل ،ومـــع ذلك فإنهـــم كانوا
يتفاوتون في فهمهم للقرآن الكريم لسباب كثيرة؛
ولذلك كانوا يســـألون الرســـول صـــلى ال عليـــه
وســلم عــن أشياء مــن القرآن ممــا يحتاجون إلى
بيانه ،فيبينه لهم ،ومن أسـباب اختلفهم -رضـي
ال عنهم -في فهمهم للكتاب العزيز:
التفسير النبوي 42
للقرآن
أولً :تفاوتهم في مداركهم وعقولهم:
فإن ال تعالى قســـــّم بيـــــن الخلق أرزاقهـــــم
وأخلقهم وعقولهم؛ فهذا عقله كبير عبقري نابغة،
وآخر دون ذلك.
وأصـحاب النـبي صــلى ال عليـه وسـلم كانوا
يشتركون فـي قدر مـن العلم بالقرآن ،إل أن بعضهـم
كان يفوق بعضًا في ذلك.
وفـي الصـحيحين أن عليّاـ رضـي ال عنـه سـئل:
هـل عندكـم شيـء مـن الوحـي إل مـا فـي كتاب ال؟
فقال " :والذي فلق الحبـة وبرأ النسـمة ،مـا أعلمـه إل
ل فـــي القرآن ،ومـــا فـــي هذه
فهمًــا يعطيـــه ال رج ً
الصحيفة" -إشارة إلى صحيفة معلّقة في سيفه ،-فقال
السائل":وما في هذه الصحيفة؟" ،قال" :العقل -يعني
الديات ،-وفكاك السير ،وأل يُقتل مسلم بكافر"(.)41
43 التفسير النبوي
للقرآن
ل فـــي
والشاهـــد قوله" :إل فهمًــا يعطيـــه ال رج ً
القرآن" ،إذًا قـد يُؤتـى أحـد الصـحابة -أو غيرهـم -مـن
الفهم ما لم يؤته غيره.
وفي الصحيح أن ابن عباس رضي ال عنهما
وضـع للنـبي صـلى ال عليـه وسـلم طهوره ،فقال:
"مبببن وضبببع هذا؟" قالوا" :ابـــن عباس" ،وكان
شابّا ـ دون الحُلُم فــي ذلك الوقــت ،فأُعجــب النــبي
صلى ال عليه وسلم بعمله وذكائه وأدبه ،فدعا له
قائلً" :اللهببببم فقّههببببُ فببببي الديببببن ،وعلمببببه
التأويل"( ،)42فكان ابن عباس رضي ال عنهما ل
يشـق له غبار فـي فهمـه لكتاب ال تعالى ،وله فـي
ذلك قصـص وأخبار ،لعـل مـن أعجبهـا وأطرفهـا
قصته مع نافع بن الزرق الخارجي.
التفسير النبوي 44
للقرآن
وذلك أنـه سـأل ابـن عباس عـن أشياء كثيرة فـي
كتاب ال عــز وجــل ،وكلّمـا أجابــه قال :هــل تعرف
ذلك العرب في كلمها؟ فيقول :نعم ،ثم يستشهد ابن
عباس بأبيات من أبيات العرب ،وهي من محفوظه،
وهي عجب من العجب(.)43
ولتفاوتم ف مداركهم تد الختلف بينهم ،فقد اختلف
الصحابة ف معان آيات كثية ،وفهم بعضهم من معان اليات
خلف ما تدل عليه ،كما ستأت الشارة إل ذلك.
ثانيًا :اختلفهم ف فهم اللغة العربية:
فإنم وإن كانوا عربًا إل أنم متفاوتون ف التوسع ف
فهم اللغة العربية ،وألفاظها ،ومعانيها.
45 التفسير النبوي
للقرآن
ولذلك جاء فب تفسبي الطببي وغيه :أن عمبر ببن
الطاب قرأ قول ال تعال( :ثُمّضض َشقَقنَضضا الرضضضَ
. . . .
شَقّ ا َفأَنبَتنَا فِيهَا حَبّ ا وَعِنَبًا وَقَضبًا وَزَيتُونًا وَنَخلً
.
وَ َحدَائِ قَ غُلبًا َوفَا ِك َهةً َوَأبّ ا) [ع بس ،]31-26:فقال:
"قد عرفنا الفاكهة ،فما البّ؟" ،ث رجع إل نفسه وقال:
"وال إن هذا لو التكَلّف ياعمر!"(.)44
بّ ،أي نوع مببن أنواع النباتات
فمببا كان يعرف البب
هو؟ (.)45
و ف روا ية :أن أ با ب كر ر ضي ال ع نه سئل عن هذه
ال ية ،فقال" :أي أرض تقل ن ،وأي ساء تظل ن ،إن قلت
ف كتاب ال تعال ما ل أعلم؟"(.)46
فكانوا يتفاوتون ف فهم هم لل غة العرب ية ،ك ما كانوا
يتفاوتون ف فهمهم لراد ال تعال بالية.
التفسير النبوي 46
للقرآن
وهذا عدي بـن حاتـم رضـي ال عنـه لمّاـ سـمع
قول ال تعالى( :وَ ُكلُوا وَاشرَبُوا حَتّىب يَتَبَيّنَب لَكُمُب
الخَيط بُ البيَض بُ مِن بَ الخَيط بِ الس بوَدِ مِن بَ الفَجرِ)
[البقرة ،]187:فهـــــم أن الخيـــــط هـــــو الحبـــــل
المعروف ،فلمّاـ نام وضـع تحـت وسـادته حبليـن:
أحدهما أبيض والخر أسود ،فلما قام لكي يتسحر
وضــع الخيطيــن بجواره ،وصــار يأكــل وينظــر
حتى أسفر ،وصار يعرف البيض من السود.
فلمّاـ أصـبح غدا إلى الرسـول صـلى ال عليـه
وسلم وأخبره بالخبر ،فقال له النبي صلى ال عليه
()47
وسـلم" :إنمبا ذلك سبواد الليبل وبياض النهار"
-الخيــط البيــض هــو النهار والخيــط الســود هــو
الليــل ،-فإذا بان لك النهار -يعنــي طلع الصــبح-
فأمسِك.
47 التفسير النبوي
للقرآن
فهذا مـن اختلفهـم فـي فهـم مراد ال تعالى؛ لن
اللغـة العربيــة تحتمــل أن يكون الخيــط هــو الحبــل،
ويحتمل أن يكون المقصود هو الليل والنهار ،فعديّ
فهـم الول ،فـبيّن له الرسـول عليـه الصـلة والسـلم
أن المراد هــو المعنــى الثانــي ،ول شــك أن بقيــة
الصــحابة لم يفهموا هذا المعنــى الذي فهمــه عدي؛
ولذلك لم يقعوا في المر الذي وقع فيه.
ثالثًا :اختلفهبم فبي معرفبة التواريبخ والحداث
والخبار والعلوم الخرى التبي يستفاد منها في فهبم
القرآن الكريم:
وف صحيح مسلم عن الغية بن شعبة :أن النب صلى ال
عليبه وسبلم بعثبه إل نصبارى نران يدعوهبم إل السبلم
ويعلّمهم ،فكان من ضمن ما قرأ عليهم الغية بن شعبة سورة
ك
ت هَارُو َن مَا كَا َن َأبُو ِك ام َرَأ سَو ٍء َومَا كَانَت ُأّم ِ
مري( :يَا أُخ َ
َبِغيّا ) [مري ،]28 :فقال النصارى" :يا مغية ،كيف يقول :يا
أخت هارون ،ومري بينها وبي هارون قرون متطاولة؟!".
التفسير النبوي 48
للقرآن
فتحيّرب الغية رضبي ال عنبه ول يسبتطع أن ييبهبم،
فجاء للنب صلى ال عليه وسلم وسأله ،فقال له النب صلى
ال عليبه وسبلم" :كانوا يسضمّون بأنضبيائهم والصضالي
قبلهضضم"( ،)48فحلّ له الشكال ،وبيّنبب له أن هارون
الذكور ف الية ليس هارون أخا موسى؛ بل هارون آخر
سوه عل يه؛ لن م كانوا ي سمون بأ ساء ال نبياء؛ ولذلك
يكثر مثلً ف اليهود اسم موسى وهارون.
ول شبك أن الغية لو كان يعلم هذا لاب سبأل النبب
صلى ال عل يه و سلم ع نه ،ل كن لّ ا سأله الن صارى و قع
عنده الشكال ،فسبأل عنبه النبب صبلى ال عليبه وسبلم،
فأجابه.
***
49 التفسير النبوي
للقرآن
الفصـــل الخــامس
أنواع بيان السنة للقرآن الكريم
إن الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم قـد بَيّن فـي
ســنته كــل مــا يحتاج إلى بيانــه مــن القرآن ،وهــل
بيّنه كله أو بعضه؟
مـن العلماء مـن يقول :لم يـبين الرسـول عليـه
ل كمــا يقول الصــلة والســلم مــن القرآن إل قلي ً
السـيوطي ،ويسـتدلون بحديـث مروي عـن عائشـة
رضـي ال عنهـا" :أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
كان ل يفســــّر شيئًا مــــن القرآن برأيــــه إل آيًـــا
بعدد"( ،)49وهذا الحديـــث ل يصـــح ،رواه البزار
وغيره وهـو معلول ،فـي إسـناده محمـد بـن جعفـر
الزبيري ،وهو ضعيف ل يُحتج بحديثه.
التفسير النبوي 50
للقرآن
ومــن العلماء مـن يقول :إن رســول ال صــلى
ال عليـه وسـلم بيّنـ القرآن كله ،ومقصـودهم بأنـه
بيّنـــ مـــا يحتاج إلى بيان ،فهناك آيات ل تحتاج
إلى بيان لنها بيّنة بنفسها.
يقول ابـن عباس رضـي ال عنهمـا -كمـا ذكـر
الطبري وغيره :-التفسير أربعة أوجه:
وجــه تعرفــه العرب مــن كلمهــا ،فإذا قرئ
على العرب فإنهم يفهمونه.
وتفسـير ل يُعذر أحـد بجهالتـه ،وذلك كتفسـير
اليات في الحكام والعقائد التي يحتاج الناس إلى
معرفتها.
وتفسـير تعلمـه العلماء ،وهـي المعانـي الخفيـة
التي ليفقهها عامة الناس.
وتفسير ل يعلمه إل ال تعالى.
51 التفسير النبوي
للقرآن
فهذه أربعة أنواع من التفسير.
والخلصـة أن الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم
قـد بيّنـ كـل مـا يحتاج الناس إلى بيانـه مـن القرآن
الكريم في سنته.
وبشكــل عام فإن الســنة النبويــة تفســير للقرآن
الكريـــم ،وأنواع بيان الســـنة للقرآن على أربعـــة
أضرب:
الول :بيان القرآن بالقول (بالنص):
وذلك بأن يبيّن الرسول صلى ال عليه وسلم القرآن بقوله،
وهذا كثي ج ّدا ،حت صنّف فيه العلماء مصنفات مستقلة ،مثل:
تفسي عبد بن حيد ( ،)50وتفسي ابن مردويه ( ،)51وتفسي ابن
أب حات( ،)52وتفسي الطبي( ،) 53وجع السيوطي من ذلك
أشياء طيبة ف كتابه" :الدر النثور ف التفسي بالأثور"(.)54
التفسير النبوي 52
للقرآن
وكث ي من ك تب ال سنة تفرد بابًا خا صّا بالتف سي ،فمثلً:
"جا مع الصول" لبن الث ي( )55خ صّص ملدًا تقريبًا للمروي
عن النب صلى ال عليه وسلم ف تفسي القرآن ف الكتب الستة،
و هي :صحيح البخاري ،و صحيح م سلم ،و سنن أ ب داود،
و سنن الترمذي ،و سنن الن سائي ،ومو طأ مالك ،ول ي ستقص؛
بل فرّق بعضها ف مواضع أخرى ،وهو قريب من ملد كامل.
إذًا فقد بيّن الرسول صلى ال عليه وسلم وفسّر أشياء
كثية من القرآن الكري بقوله ولفظه ،ومن أمثلة ذلك:
أ -ما جاء ف ال صحيحي عن ك عب بن عجرة ف
تفسي قوله تعال( :فَمَن كَا َن مِنكُم َمرِيضًا أَو بِهِ َأذًى مِن
ُسضكٍ) [البقرة:
صض َد َقةٍ أَو ن ُ
صضيَا ٍم أَو َ
َأسضِه َففِدَيةٌ م ِن ِ
ر ِ
سكٍ) يتاج ص َد َقةٍ أَو نُ ُ
،]196فقوله( :مِن صِيَا ٍم أَو َ
إل تفسي ،فهو ممل ،ما الصيام؟ ما مقداره؟ ما الصدقة؟
ما النسك؟
53 التفسير النبوي
للقرآن
قال كعبب" :كان بب أذى مبن رأسبي فحُملت إل
رسول ال صلى ال عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي،
فقال :ما ك نت أرى أن ال هد بلغ م نك ما أرى ،أت د
صيَا ٍم أَو
شاة؟ فقلت :ل ،فنبزلت هذه اليةَ ( :ففِدَيةٌ مِن ِ
ك) ،قال :صضوم ثل ثة أيام ،أو إطعام سضتة صَضَدَقةٍ أَو نُسُض ٍ
م ساكي ،ن صف صاع طعامًا ل كل م سكي"( .)56فبيّن
عليه الصلة والسلم تفسي هذه الية ف هذا الديث.
ب -قوله تعال( :يَو َم يَأتِي بَعضُ آيَاتِ َربّكَ ل يَنفَ ُع
نَفسًا إِيَاُنهَا لَم تَكُن آمَنَت مِن قَب ُل أَو كَسَبَت فِي إِيَانِهَا
خَيًا) [النعام.]158:
بيّن ها ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بأن ذلك ح ي
تطلع الش مس من مغرب ا ،فقال" :ل تقوم ال ساعة ح ت
تطلع الش مس من مغرب ا ،فإذا طل عت من مغرب ا آ من
َعض نَفسضًا إِيَانُهَا لَم
الناس كلهضم أجعون ،فيومئذ (ل يَنف ُ
تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو َكسَبَت فِي إِيَاِنهَا خَيًا)"(.)57
التفسير النبوي 54
للقرآن
ج -كذلك ما ورد ف صحيح م سلم عن عق بة بن
عامر رضي ال عنه قال" :سعت رسول ال صلى ال عليه
و سلم و هو على ال نب يقولَ ( :وأَ ِعدّوا لَهُم مَا ا ستَطَعتُم
مِن ُق ّوةٍ) ،أل إن القوة الرمضي ،أل إن القوة الرمضي ،أل
إن القوة الرمي"(.)58
فف سّر القوة بالر مي؛ والراد الر مي ب كل ش يء سواء كان
بال سهام ك ما ف وقت هم ،أو بالدفع ية والطائرات وال صواريخ ف
وقتنا هذا.
د -ما جاء ف الصحيحي من حديث عائشة رضي ال
ب أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال" :ليضس أحضد عنه ا
ياسب يوم القيامة إل هلك" ،فقالت عائشة رضي ال عنها:
" يا ر سول ال ،أل يس قد قال ال تعالَ( :فَأّم ا مَن أُوِت َي ِكتَاَب ُه
سيًا)؟ " فقال رسول ال صلى ب ِحسَابًا َي ِ
ف ُيحَا َس ُ .
ِبَيمِيِن ِه َفسَو َ
ال عليبه وسبلم" :إناض ذلك العرض ،وليضس أحضد يناقضش
الساب يوم القيامة إل ُعذّب"(.)59
55 التفسير النبوي
للقرآن
فببيّن صبلى ال عليبه وسبلم أن القصبود بالسباب
اليسبي ،هبو أن تعرض على العببد أعماله وذنوببه ول
يناقش فيها ،وإلّ لو نوقش الساب عُذّب.
ه ب -و ما جاء ف ال صحيحي من حد يث الباء ،ف
ت ال اّلذِي نَ آمَنُوا بِالقَو ِل الثّابِ تِ تف سي قوله تعال( :يُثَبّ ُ
فِي الَيَاةِ الدّنيَا وَفِي الخِ َرةِ).
قال صلى ال عل يه و سلم" :إذا أُق عد الؤ من ف قبه،
أُتض ،ثض شهضد أن ل إله إل ال ،وأن ممدا رسضول ال،
ت)"(.)60
ت ال اّلذِينَ آ َمنُوا بِالقَو ِل الثّاِب ِ
فذلك قولهُ( :يَثّب ُ
وأمثلة ذلك كثية جدّا.
الثانبي :مبا جاء فبي السبنة النبويبة اسبتنباطًا
واستقراء من القرآن الكريم:
التفسير النبوي 56
للقرآن
أحيانًــا تكون المعانـــي الواردة فـــي النصـــوص
ل لمعانــي آيات الكتاب العزيــز ،وهذاالنبويــة تفصــي ً
الضرب لطيــف ،فتأتــي إلى معنــى جاء فــي الســنة
فتســتخرج مــن القرآن مــا يدل عليــه ،وهذا أســلوب
لطيف عُني به الحافظ ابن كثير في تفسيره.
وبعض طلبة العلم في هذا العصر يحاولون أن
يجمعوا كتابًا يشمـل كـل مـا ورد فـي السـنة النبويـة
ممـا يعتـبر مسـتخرجًا مـن القرآن الكريـم اسـتنباطًا
من النبي صلى ال عليه وسلم ،ومن لطيف ذلك:
أ -قوله صـــلى ال عليـــه وســـلم -كمـــا فـــي
الصـحيح" :-أقرب مبا يكون العببد مبن رببه وهبو
سباجد"( ،)61ففـي القرآن الكريـم آيـة تدل على هذا
المعنـى ،وهـي قوله تعالىَ ( :كلّ ل ُتطِعهُب وَاسبجُد
وَاقتَرِب) [العلق.]19:
57 التفسير النبوي
للقرآن
ب -أيضًا قوله صلى ال عليه وسلم -كما في
صـحيح مسـلم" :-إذا دخبل الرجبل بيتبه ،فذكبر ال
عند دخوله وعند طعامه ،قال الشيطان :ل مبيت
لكبببم ول عشاء ،وإذا دخبببل فلم يذكبببر ال عنبببد
دخوله ،قال الشيطان :أدركتبببم المببببيت ،وإذا لم
يذكبببر ال عنبببد طعامبببه ،قال :أدركتبببم المببببيت
والعشاء"(.)62
فاليـــة التـــي تدل على هذا المعنـــى هـــي قوله
ك
ت مِنهُبم بِص بَو ِت َ
تعالى( :وَاس بتَفزِز مَن ِب اس ب َتطَع َ
ك َوشَارِكهُم فِي الموَا ِل جِل َ
ك َو َر ِعلَيهِم ِبخَيِل َ
َوأَجلِب َ
وَالول ِد َوعِدهُم) [السراء ،]64:فمن مشاركته في
الموال ،أن يأكـــل الشيطان ويشرب وينام معـــك،
إذا لم تذكر ال تعالى.
التفسير النبوي 58
للقرآن
ج -أيضًا قوله صـلى ال عليـه وسـلم يوم الحزاب:
"شغلونا عن الصلة الوسطى صلة العصر ،مل ال
بيوتهبم وقبورهبم نارًا "( ،) 63والحديـث نفسـه جاء فـي
صـحيح مسـلم عـن ابـن مسـعود( ،)64فكأن الحديـث
تفســير للصــلة الوســطى الواردة فــي قوله تعالى:
ت وَالصّل ِة الوُسطَى) [البقرة:
صَلوَا ِ
علَى ال ّ
(حَا ِفظُوا َ
.]238
وفــي القرآن الكريــم آيــة تدل على هذا وهــي
قوله تعالى( :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِيَستَأذِنكُ ُم الّذِينَ
حلُمَب مِنكُم ثَلثَب َملَكَت أَيمَانُكُم وَالّذِينَب لَم يَبلُغُوا ال ُ
ضعُونَ ثِيَابَكُممَرّاتٍ مِن قَبلِ صَل ِة الفَج ِر َوحِينَ تَ َ
مِنببَب الظّهِي َر ِة وَمِببن بَعدِ صبببَلةِ ال ِعشَاءِ) [النور:
.]58
59 التفسير النبوي
للقرآن
ويمكـن أن يسـتأنس بهذه اليـة على أن الرسـول
صـلى ال عليـه وسـلم فهـم أن الصـلة الوسـطى هـي
صــلة العصــر مــن القرآن الكريــم ،فهذه اليــة تدل
على أن الوقات تبتدئ بالفجــر وتنتهــي بالعشاء…
إذًا يكون الوقـت الوسـط هـو العصـر ،وقبله الفجـر
والظهــر ،وبعده المغرب والعشاء ،فقــد بدأ ال تعالى
بقوله( :قَب ِل صبَل ِة الفَج ِر) ،وانتهـى بقوله( :وَمِن بَع ِد
ص بَل ِة ال ِعشَا ِء) ،فأول الوقات هــو الفجــر وآخرهــا
العشاء.
ولذلك كان مســلك بعــض الفقهاء وكثيــر مــن
المحدّثيـن فـي ذكـر المواقيـت فـي كتـب الفقـه ،أن
يبدأوا بميقات صلة الفجر ،ثم الظهر ،ثم العصر،
ثم المغرب ،ثم العشاء.
التفسير النبوي 60
للقرآن
د – ومنـــه أن بنـــي ســـلمة -وهـــم حـــي مـــن
النصـار -أرادوا أن يتحولوا بمنازلهـم قرب مسـجد
رسـول ال – صـلى ال عليـه وسـلم ،فلمّاـ علم بذلك
النـبى صـلى ال عليـه وسـلم ،قال" :يبا بنبي سبلمة،
دياركببم تكتببب آثاركببم"( ،)65يعنــي :الزموا دياركــم
وابقوا فيها.
وكأنه صلى ال عليه وسلم كره أن يخلوا أنحاء
المدينـة ،وأحـب أن يكون أهـل الخيـر منتشريـن فـي
البلد ،ول يكونون موجوديــن فقــط حول المســجد،
وتخلو بقية الحياء عنهم.
وقــد يكون صــلى ال عليــه وســلم فهــم ذلك
واســـتنبطه مـــن قوله تعالى( :إِنّاببب نَحن ببُ نُحيِببي
المَوتَى وَنَكتُب بُ مَا قَدّمُوا وَآثَارَهُم) [يــس،]12:
فمن الثار التي تُكتب خطى النسان إلى المسجد
ذهابًا وإيابًا.
61 التفسير النبوي
للقرآن
هـــ -أيضًا قوله صــلى ال عليــه وســلم " :-ل
يمبببس القرآن إل طاهبببر"( ،)66والحديـــث حســـن
بمجموع طرقـــه وله مـــا يشهـــد له ،والمقصـــود
بالطاهـــر على الراجـــح مـــن أقوال أهـــل العلم
الطاهر من الحدثين الكبر والصغر.
فقد يكون الرسول صلى ال عليه وسلم استنبط
.
ذلك مــن قوله تعالىِ( :إنّهُب َلقُرآنٌب َكرِيمٌب فِي ِكتَابٍب
.
ط ّهرُونبَب تَنزِي ٌل مِبن رَبّب .
مَكنُونبٍب ل َيمَسبّب ُه ِإ ّل ال ُم َ
العَاَلمِينبَب) [الواقعـــة ،]80-77 :فقولهِ( :إنّهبُب َلقُرآنبٌب
َكرِيمبٌب) كــل مــا بعده وصــف له ،فهــو (فِبي ِكتَاب ٍب
ط ّهرُونبَب) ،وهــو مَكنُونبٍب) ،وهــو (ل َيمَسبّب ُه ِإ ّل ال ُم َ
(تَنزِي ٌل مِن رَبّ العَاَلمِينَب)؛ ولذلك اسـتدل أهـل العلم
على تحريـم مـس المصـحف لغيـر المتوضـئ بهذه
الية.
الثالث :بيان أسباب نزول القرآن الكريم:
التفسير النبوي 62
للقرآن
ول شك أن من يعلم سبب نزول القرآن يكون
أقدر على فهـم اليات ،وربطهـا بسـبب النــزول،
ومعرفــــة على أي وجــــه أُنزلت ،وأضرب على
ذلك بعض المثلة:
63 التفسير النبوي
للقرآن
أ -ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن
الزهري عــن عروة بــن الزبيــر أنــه قال" :ســألت
عائشـة رضـي ال عنهـا ،فقلت لهـا :أرأيـت قول ال
حجّ شعَا ِئ ِر ال َفمَن َتعالىِ( :إنّ الصّبفَا وَالمَر َو َة مِن َ
علَيه ِب أَن َي ّطوّفَب ِبهِمَبا )
جنَاح َب َ البَيت َب َأ ِو اع َت َم َر فَل ُ
ل [البقرة ،]158 :فوال مـــا على أحــــد جناح أن
يطُوف بالصفا والمروة ،قالت :بئس ما قلت يا ابن
أختـي ،إن هذه لو كانـت كمـا أوّلتهـا عليـه ،كانـت :ل
جناح عليــه أن ل يتطوف بهمــا ،ولكنهــا أُنزلت فــي
النصـار ،كانوا قبـل أن يسـلموا يهلّون لمناة الطاغيـة،
شلّل ،فكان من أه ّل يتحرج التي كانوا يعبدونها عند ال ُم َ
أن يطوف بالصفا والمروة ،فلما أسلموا سألوا رسول
ال صـلى ال عليـه وسـلم عـن ذلك ،قالوا :يـا رسـول
ال ،إنــا كنــا نتحرج أن نطوف بيــن الصــفا والمروة،
شعَاِئ ِر ال)فأنزل ال تعالى( :إِنّ الصّبفَا وَالمَر َو َة مِن َ
الية.
التفسير النبوي 64
للقرآن
قالت عائشة رضي ال عنها :وقد سنّ رسول
ال صـلى ال عليـه وسـلم الطواف بينهمـا ،فليـس
لحد أن يترك الطواف بينهما.
ت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال :إن هذا ثم أخبر ُ
ت رجا ًل مـن أهـللعلم مـا كنـت سـمعتُه ،ولقـد سـمع ُ
العلم يذكرون :أن الناس -إل مـن ذكرت عائش ُة ممـن
كان يهل بمناة -كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة،
فلمـا ذكـر ال تعالى الطواف بالبيـت ولم يذكـر الصـفا
والمروة في القرآن ،قالوا :يا رسول ال ،كنا نطوف
بالصــفا والمروة ،وإن ال أنزل الطواف بالبيــت فلم
يذكر الصفا ،فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا
والمروة؟ فأنزل ال تعالى( :إن الصببفا والمروة مببن
شعائر ال) الية.
65 التفسير النبوي
للقرآن
قال أبـــو بكـــر :فأســـم ُع هذه اليـــة نزلت فـــي
الفريقيـــن كليهمـــا؛ فـــي الذيـــن كانوا يتحرجون أن
يطوفوا بالجاهليـة بالصـفا والمروة ،والذيـن يطوفون
ثـم تحرجوا أن يطوفوا بهمـا فـي السـلم ،مـن أجـل
أن ال تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا،
حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت"(.)67
إذن اليــــــة نزلت لمريــــــن :الول :لتقول
للنصـار :طوفوا بيـن الصـفا والمروة خلفًا لمـا
كنتــم تفعلونــه فــي الجاهليــة يوم أن كنتــم تُهلّون
لمناة.
والثانـي :لتقول للمهاجريـن ولسـائر المسـلمين:
طوفوا بالصــفا والمروة وإن كنتــم تطوفون بهمــا
فـي الجاهليـة؛ لن هذا مـن شعائر ال ،وليـس مـن
عادات الجاهلية.
فمعرفـة سـبب النــزول هاهنـا تـبيّن معنـى اليـة
بيانًا شافيًا.
التفسير النبوي 66
للقرآن
جنَاحٌب أَن تَب َتغُوا
علَيكُبم ُ
ب -قوله تعالى( :لَيس َب َ
ع َرفَاتٍب فَاذ ُكرُوا ال
ل مِن َربّكُم َفِإذَا َأفَضتُم مِن َ فَض ً
حرَامِ) [البقرة ،]198:ما هو المقصود عِن َد المَش َع ِر ال َ
بالفضــل؟ يحتمــل أن يكون هــو الذكــر ،والدعاء،
والجـر ...واليـة شاملة جامعـة لهذا كله ،لكـن مـن
معاني الفضل التجارة في الحج.
وقـــد جاء عـــن ابـــن عباس رضـــي ال تعالى
عنهمــا أنــه قال :كانــت عكاظ ومجنــة وذو المجاز
أســـواقًا فـــي الجاهليـــة ،فتأثّموا أن يتّجروا فـــي
جنَاحٌب أَن تَب َتغُوا
علَيكُم ُ
المواسـم ،فنــزلت( :لَيسَب َ
ل مِن َربّكُم) فـي مواسـم الحـج"( ،)68أي ليـس فَض ً
عليهـم جناح أن يذهبوا للحـج ويتاجروا فيـه ،فـبيّن
ب النـزول معنى الية. سب ُ
67 التفسير النبوي
للقرآن
علَى التّقوَى س َ ج -قوله تعالى( :لَمَس بجِدٌ أُس بّ َ
حقّ أَن َتقُو مَ فِي هِ فِي هِ ِرجَالٌ ُيحِبّو نَ
مِن َأ ّولِ يَو مٍ َأ َ
طهّرِينببببَ) [التوبــــة: طهّرُوا وَال ُيحِبّببب ال ُم ّ أَن َي َت َ
،]108ما المقصود بالتطهر؟
ثبـت عنـد أبـي داود والترمذي وابـن ماجـة مـن
حديـث أبـي هريرة رضـي ال عنـه ،وهـو حديـث
صـحيح بمجموع طرقـه ،أن هذه اليـة نزلت فـي
أهــــل قباء ،قال" :كانوا يســــتنجون بالماء"(،)69
يعني :يستخدمون الماء في الستنجاء.
وفـي روايـة عنـد البزار" :أنهـم كانوا يتبعون
الحجارة بالماء"( ،)70وهذه روايـــة ضعيفـــة جدّا.
فلم يكونوا يتبعون الحجارة بالماء ،يعنــــــــــــــي
يسـتنجون بالحجارة ثـم الماء؛ بـل كانوا يسـتنجون
بالماء ل بالحجارة.
التفسير النبوي 68
للقرآن
علَىن فِببي النّا ِر َ د -قوله تعالى( :يَومببَب يُسببب َحبُو َ
.
ُوجُو ِههِم ذُوقُوا مَسّب سَبَق َر ِإنّا ُك ّل شَي ٍء َخلَقنَاهُب ِب َق َد ٍر)
[القمر.]49 ،48 :
هذه اليــة يســتدل بهــا أهــل الســنة والجماعــة
على إثبات القدر ،وأن كل شيء بقدر ،أي بقضاء
مـن عنـد ال تعالى ،وقـد رأيـت بعـض مـن ينكـر
ذلك ،يقول :إن معنـــى اليـــة خلقناه بقدر ،يعنـــي
مقدرًا مفصـلً مناسـبًا لوانــه وزمانــه ،ول مانــع
بأن يكون هذا جزءًا مـن معنـى اليـة ،لكـن أيضًا
بقدر يعني :مكتوب عند ال تعالى.
والذي يفصـل فـي هذا ويـبيّن المعنـى الصـحيح
للقدر ،ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة
قال" :جاء مشركـو قريـش يخاصـمون رسـول ال
صــلى ال عليــه وســلم فــي القدر ،فنـــزلت( :يَومبَ
علَى ُوجُوهِهِبم ذُوقُوا مَسببّ يُسببحَبُونَ فِبي النّا ِر َ
خلَقنَاهُ ِبقَدَرٍ)"(.)71
سقَرَ إِنّا ُكلّ شَي ٍء َ
َ .
69 التفسير النبوي
للقرآن
الرابع :بيان القرآن بالفعل:
قال بعــض الئمــة المهتديــن فــي هذا العصــر
-لمّاـ سـئل عـن تفسـير القرآن :-أعظـم كتاب يُفهـم
منه تفسير القرآن هو سيرة النبي صلى ال عليه
وســلم؛ لن ســيرة النــبي صــلى ال عليــه وســلم
عبارة عـن ترجمـة عمليـة للقرآن الكريـم ،بأقواله،
وأفعاله ،وتقريراته عليه الصلة والسلم.
ولذلك لمــا ســئلت عائشــة رضــي ال عنهــا عــن
خلقه صلى ال عليه وسلم ،قالت" :فإن خلق نبي ال
صــلى ال عليــه وســلم كان القرآن"( )72ويقول جابر
أيضًا في حديثه الطويل في سياق حجة النبي صلى
ال عليـه وسـلم" :-ورسـو ُل ال صـلى ال عليـه وسـلم
بيــن أظهرنــا ،وعليــه ينـــزل القرآن ،وهــو يعرف
تأويله ،ومـا عمـل بـه مـن شيـء عملنـا بـه" ( ،)73يعنـي
في الحج وغير الحج.
التفسير النبوي 70
للقرآن
ومــن أمثلة أعمال الرســول صــلى ال عليــه
وسلم التي هي تفسير للقرآن:
أ -صلته عليه الصلة والسلم ،فقد صلّى وقال:
"صببلوا كمببا رأيتمونببي أصببلي "( ،)74فالصــلة كلهــا
داخلة تحـت قوله تعالىَ ( :وَأقِيمُوا الصبّل َة) [البقرة43 :
] ،وصلته تفسير لهذه الية.
ب -حجه عليه الصلة والسلم ،فقد حجّ وأدى
المناسـك كلهـا؛ مـن الحرام ،والطواف ،والسـعي،
والوقوف ،والنحر ،وغيرها ،...وقال" :خذوا عني
مناسككم"( ،)75فكل أعمال الرسول صلى ال عليه
وسـلم فـي الحـج داخلة فـي تفسـير قوله تعالى( :وَل
ت) [آل عمران.]97: ج البَي ِ
حّ
س ِ
علَى النّا ِ
َ
ج -وهكذا بيّنـ لنـا أحكام الصـيام بعمله صـلى
ال عليــه وســلم ،فكلهــا داخلة تحــت قوله تعالى:
علَيكُمُ الصّيَامُ) [البقرة.]183:
ب َ
(كُتِ َ
71 التفسير النبوي
للقرآن
د -وبيّنـ لنـا مقاديـر الزكاة ،فكلهـا تفسـير لقوله
تعالى( :وَآتُوا الزّكَاةَ) [البقرة.]43:
هـ .ومن المثلة التفصيلية لذلك:
يقول ال تعالىَ( :أقِم ِب الص بّل َة ِل ُدلُوك ِب الشّمس ِب
ق اللّي ِل َوقُرآنَب الفَج ِر إِنّ قُرآنَب الفَج ِر كَانَب
ِإلَى غَسَب ِ
مَشهُودًا) [الســراء ،]78:هذه اليــة تحدد مواقيــت
الصلوات الخمس.
وقد أتاه صلى ال عليه وسلم سائل يسأله عن
مواقيـت الصـلة ،فلم يرد عليـه شيئًا :فأقام الفجـر
حين انشق الفجر ،والناس ل يكاد يعرف بعضهم
بعضًا ،ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس،
والقائل يقول" :قد انتصف النهار" وهو كان أعلم
منهم ،ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة ،ثم
أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس ،ثم أمره
فأقام العشاء حين غاب الشفق.
التفسير النبوي 72
للقرآن
ثـم أخّرـ الفجـر مـن الغـد ،حتـى انصـرف منهـا
والقائل يقول" :قد طلعت الشمس أو كادت" ،ثم أخّر
الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالمس ،ثم
أخّرـ العصـر حتـى انصـرف منهـا والقائل يقول" :قـد
احمرّت الشمـس" ،ثـم أخّرـ المغرب حتـى كان عنـد
سـقوط الشفـق ،ثـم أخّرـ العشاء حتـى كان ثلث الليـل
الول ،ثـم أصـبح فدعـا السـائل ،فقال" :الوقبت بيبن
هذين"(.)76
و -ومثله أيضًا :قول ال عز وجل عن السعي
علَيهِب أَن
جنَاحَب َ
بيـن الصـفا والمروة فـي الحــج( :فَل ُ
ف ِبهِمبا) [البقرة ،]185:وهذا يدل على أنـه ل َيطّبب ّو َ
يحرم السعي بين الصفا والمروة ول يجب أيضًا،
علِم أنه واجب؛ لكن لما فعله صلى ال عليه وسلم ُ
ولذلك قالت عائشـة رضـي ال عنهـا -كمـا سـبق:-
"مـا أتـم ال حـج امرئ ول عمرتـه ،لم يَطُف بيـن
الصفا والمروة"(.)77
73 التفسير النبوي
للقرآن
فكــل أفعاله وأقواله صــلى ال عليــه وســلم هــي
بيان للقرآن الكريـم؛ ولذلك قال الشافعـي رحمـه ال:
"كل ما حكم به رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو
مما فهمه من القرآن"(.)78
وبذلك نعلم أن القرآن والســــــنة متلزمان ،ل
يفترقان إلى يوم القيامـة ،ول يُسـتغنى بأحدهمـا عـن
الخر ،وأنه ل يمكن أن نفهم القرآن إل على ضوء
السنة.
نســأل ال تعالى أن يرزقنــا الفقــه فــي كتابــه
والعمـل بـه ،وصـلى ال وسـلم على نبينـا محمـد،
وعلى آله وصحبه وسلم.
***
التفسير النبوي 74
للقرآن
فهرس
الموضوع
الصفحة
75 التفسير النبوي
للقرآن
***
التفسير النبوي 78
للقرآن
الهــوامش
أخرجــه أحمــد ( ،)17174والدارمــي ( ،)606وأبــو داود ( ،)4594والترمذي ( ،)2664 1
وابـن ماجـة ( ،)12والمروزي فـي السـنة ( ،)244والطـبراني فـي مسـند الشامييـن (،)1061
من حديث المقدام بن معديكرب الكندي .قال الترمذي :حديث حسن غريب من هذا الوجه .اهـ،
وقد صححه الشيخ اللباني في صحيح الجامع ( .)2643
أخرجــه الدارمـي ( ،)3399وعبــد ال بـن أحمــد فـي الســنة ( ،)128والترمذي ( ،)2926 2
والبيهقـي فـي شعـب اليمان ( ،)2015مـن حديـث أبـي سـعيد الخدري رضـي ال عنـه .وقال
الترمذي :حديـث حسـن غريـب .اهــ ،وقال المباركفوري فـي تحفـة الحوذي ( :)8/197قال
الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث :رجاله ثقات إل عطية العوفي ففيه ضعف اهـ .قلت:
وفي سنده محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني وهو أيضًا ضعيف .قال الحافظ في تهذيب
التهذيب في ترجمته :قال الذهبي :حسّن الترمذي حديثه فلم يَحسُن .اهـ.
3
تفسير القرطبي ( .)6 ،10/5
4
أخرجـه ابـن غزوان فـي الدعاء ( ،)15وابـن ماجـة ( ،)4049ونعيـم بـن حماد فـي الفتـن (
،)1665والبزار ( ،)2838والحــاكم ( ،)8460والبيهقـي فـي شعـب اليمــــان ( ،)2028
والخطيب البغدادي في تــاريخ بغداد ( ،)1/400من حديث حذيفة بن اليمان رضي ال عنه.
قال الحاكم :حديث صحيح على شرط مسلم ،وقال البوصيري في مصباح الزجاجة ( 4/194
) :إسناد صحيح رجاله ثقات.اهـ ،وقد صحح الحديث اللباني في صحيح الجامع ( .)8077
اشتهـر بالتفسـير مـن الصـحابة عشرة :الخلفاء الربعـة ،وابـن مسـعود ،وابـن عباس ،وأبيّـ بـن 5
كعب ،وزيد بن ثابت ،وأبو موسى الشعري ،وعبد ال بن الزبير .وأكثر من روي عنه من
الخلفاء الربعة هو علي بن أبي طالب رضي ال عنه ،والرواية عن الثلثة الولين قليلة جدّا.
انظر :التقان ( .)2/493
عبـد ال بـن العباس بـن عبـد المطلب بـن عبـد مناف القرشـي الهاشمـي ،أبـو العباس ،ابـن عـم 6
رسول ال صلى ال عليه وسلم .ولد قبل الهجرة بثلث سنوات ،وتوفي رضي ال عنه سنة (
)68هـ .انظر :الصابة ( .)151-4/141
7
أخرج ابـن أبــي شيبـة فـي المصـنف ( ،)32220وأحمـد فــي فضائل الصــحابة ( ،)1556
والحاكم في المستدرك ( ،)6291والبيهقي في المدخل إلى السنن ( ،)126عن ابن مسعود
رضـي ال عنـه أنـه قال" :نعـم ترجمان القرآن ابـن عباس" .قال الحاكـم :حديـث صـحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه .اهـ.
8
أخرجه البخاري ( ،)143ومسلم ( ،)2477من حديث عبد ال بن عباس رضي ال عنهما.
انظر :الصابة ( .)151-4/141 9
عبـد ال بـن مسـعود بـن غافـل الهذلي ،أحـد السـابقين الوليـن ،أسـلم قديمًا ،وهاجـر الهجرتيـن، 10
وشهد بدرًا والمشاهد بعدها ،ولزم النبي صلى ال عليه وسلم ،وحدّث عنه بالكثير .قال النبي
صلى ال عليه وسلم" :من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما نزل ،فليقرأ على قراءة ابن أم عبد"
أي :ابن مسعود.
توفي رضي ال عنه بالمدينة سنة ( )32هـ .انظر :الصابة ( .)235-4/233
أخرجه مسلم ( )2464من حديث عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما. 11
12
رواه البخاري ( ،)5000ومسلم ( ،)2462عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه.
13
أخرجه البخاري ( ،)5002ومسلم ( ،)3463عن ابن مسعود رضي ال عنه.
ومنهم أيضًا :أنس بن مالك ،وأبو هريرة ،وجابر ابن عبد ال النصاري ،وعبد ال بن عمرو 14
المف سّرين والمحدّثين ،أبو الخطاب السدوسي البصري الضرير الكمه ،كان من أوعية العلم
وممـن يضرب بـه المثـل فـي قوة الحفـظ .قال معمـر :سـمعت قتادة يقول :مـا فـي القرآن آيـة إل
وقد سمعت فيهـا شيئًا .وكان رحمـه ال يختم القرآن في سبع ،وإذا جاء رمضان ختـم في كـل
ثلث ،فإذا جاء العشر ختم كل ليلة .قال أحمد بن حنبل :كان قتادة عالمًا بالتفســير وباختلف
العلماء .توفي بواسط ســنة ( )117هـ .انظر :سير أعلم النبلء ( )282-269/ 5
عكرمة الحبر العالم أبو عبد ال البربري ثم المدني الهاشمي ،مولى ابن عباس .قال عكرمة: 21
طلبت العلم أربعين سنة ،وكان ابن عباس يضع الكبل في رجلي على تعليم القرآن والسنن،
وعـن الشعـبي قال :مـا بقـي أحـد أعلم بكتاب ال مـن عكرمـة ،وكان الحسـن إذا قدم عكرمـة
البصـرة أمسـك عـن التفسـير والفتيـا مـا دام عكرمـة بالبصـرة .مات رحمـه ال بالمدينـة سـنة (
)107هـ .انظر :تذكرة الحفاظ ( .)96 ،1/95
22
السّدي إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة المام المفسّر ،أبو محمد الحجازي ثم الكوفي
العور السـدي ،أحـد موالي قريـش .قال إسـماعيل بـن أبـي خالد :كان السـدي أعلم بالقرآن مـن
الشعبي رحمهما ال ،وم ّر إبراهيم النخعي بالسدي وهو يف سّر ،فقال :إنه ليف سّر تفسير القوم.
مات سنة ( )127هـ .انظر :سير أعلم النبلء ( .)265 ،5/264
23
اشتهر بالتفسير من التابعين كثيرون ،فمنهم:
-أهل مكة :وهم أتباع ابن عباس ،كمجاهد ،وعكرمة ،وعطاء بن أبي رباح.
-أهـل المدينـة :وهـم أتباع أبيّـ بـن كعـب ،كزيـد بـن أسـلم ،وأبـي العاليـة ،ومحمـد بـن كعـب
القرظي.
-أهل الكوفة :وهم أتباع عبد ال بن مسعود ،كقتادة ،وعلقمة ،والشعبي.
24
ومن ذلك :البحر المحيط لبي حيان ،والكشاف للزمخشري ،والبسيط للواحدي.
25
ومــن ذلك :أحكام القرآن للجصــاص ،وأحكام القرآن لبــن العربــي ،والجامــع لحكام القرآن
للقرطبي.
26
ومن ذلك :جامع البيان للطبري ،والكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعالبي ،ومعالم التنـزيل
للبغوي ،وتفسير القرآن العظيم لبن كثير.
هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار ابن أحمد بن الخليل الهمداني السرباذي 27
الشافعـي ،شيـخ المعتزلة .توفـي سـنة ( )415هــ .انظـر :طبقات المفسـرين للسـيوطي ص ،59
.60
28
ويسمى تنـزيه القرآن عن المطاعن ،ونجد فيه تأثر مؤلفه العظيم بمذهبه العتزالي ،فل يكاد
يمر بآية تعارض مذهبه إل صرفها عن ظاهرها ،ومال بها إلى ناحية مذهبه.
أبو القاسم ،محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي ،المـام الحنفي المعتزلي ،الملقّب 29
بجار ال ،توفي سنة ( )538هـ .انظر :طبقات المفسرين للسيوطي ص .121 ،120
30
وهذا التفسير (الكشاف) محشو بالبدعة ،وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية،
والقول بخلق القرآن ،وإنكار أن ال تعالى مريـــد للكائنات ،وخالق لفعال العباد ،وغيـــر ذلك
من أصول المعتزلة.
ومع ذلك فهو تفسير لم يُسبق إليه؛ لما أبان فيه من وجوه العجاز في غير ما آية من القرآن،
ولما أظهر فيه من جمال النظم القرآني وبلغته.
أبو عبد ال ،محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي ،المام فخر الدين الرازي القرشي 31
البكري ،الشافعـي المفسـّر المتكلّم .توفـي سـنة ( )606هــ .انظـر :طبقات المفسـرين للسـيوطي
ص .115
32
ويســمى مفاتيــح الغيــب ،قال الســيوطي" :وقــد مل تفســيرَه -أي الرازي -بأقوال الحكماء
والفلسفة وشبهها ،وخرج من شيء إلى شيء؛ حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة
المورد للية ،قال أبو حيان في البحر :جمع المام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة ل
حاجـة بهـا فـي علم التفسـير؛ ولذلك قال بعـض العلماء :فيـه كـل شيـء إل التفسـير!" .انظـر:
التقان ( .)2/501
33
ومـن تفاسـير الصـوفية أيضًا :تفسـير القرآن العظيـم للتسـتري ،وعرائس البيان فـي حقائق
القرآن للشيرازي.
34
الجواهر في تفسير القرآن الكريم للشيخ طنطاوي جوهري ،فيه خروج بالقرآن عن قصده،
وانحراف به عن هدفه ،وهو أحد التفاسير المعاصرة التي تمثل التجاه العلمي لتفسير القرآن
الكريم ،ومن هذه التفاسير أيضًا" :كشف السرار النورانية القرآنية" للمام الفاضل محمد بن
أحمـد السـكندراني ،و"طبائع السـتبداد ومصـارع السـتبعاد" للكواكـبي ،و"إعجاز القرآن"
للرافعي.
35
أخرجه البخاري ( ،)7524ومسلم ( ،)448عن عبد ال بن عباس رضي ال عنهما.
36
أخرجه مسلم ( )746عن أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها.
37
الرسالة للشافعي ص .78 ،77
38
زيد بن خالد الجهني ،اختلف في كنيته وفي وقت وفاته اختلفًا كثيرًا ،فقيل :أبا عبد الرحمن،
وقيل :أبا طلحة ،وقيل :أبا زرعة ،كان صاحب لواء جهينة يوم الفتح ،توفي بالمدينة سنة (
)68هـ ،وقيل :بـل مات بمصـر سنة ( )50هــ ،وقيـل :توفي بالكوفة فـي آخـر خلفة معاوية،
وقيل :توفي سنة ( )78هـ ،وقيل :سنة ( )72هـ .انظر :الستيعاب ( .)2/549
39
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( .)29929
40
حديث صحيح أخرجه أحمد ( ،)16023والحــاكم ( )38،39من طرق ،عن ربيعة بن عباد
الدؤلي.
وأخرجـه ابـن أبـي شيبـة فـي المصـنف ( ،)36565وابـن حبان ( ،)14/518وابـن خزيمـة (
،)159والضياء فـي المختارة ( ،)143وغيرهـم ،مـن حديـث طارق بـن عبـد ال المحاربـي
رضي ال عنه.
41
أخرجه البخاري ( ،)3047ومسلم ( ،)1370من حديث أبي جحيفة السوائي رضي ال عنه.
42
تقدّم تخريجه.
43
انظر :التقان ( .)377-1/347
44
أخرجـه ســـعيد بـن منصـور ( ،)43وابـن أبـي شـــيبة ( ،)30105والطـبري فـي التفسـير (
،)61-30/59والحاكم ( ،)3897عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه .وقال الحاكم :حديث
صحيح .اهـ.
الب :هو ما تأكله البهائم من العشب والنبات .انظر :تفسير الطبري ( .)30/59 45
46
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( ،)30103والخطيب البغدادي في الجامع لداب الراوي
وأخلق السامع ( .)2/193
47
أخرجه البخاري ( ،)1916ومسلم ( ،)1090من حديث عدي بن حاتم رضي ال عنه.
وأخرجه البخاري ( ،)1917ومسلم ( ،)1091من حديث سهل بن سعد رضي ال عنه بدون
ذكر اسم عدي رضي ال عنه ،ولفظ الحديث" :كان الرجل يأخذ خيطًا أبيض وخيطًا أسود".
48
أخرجه مسلم ( )2135من حديث المغيرة بن شعبة رضي ال عنه.
49
أخرجه البـزار -كما في المجمع ،)6/303 ( -وأبو يعلى ( ،)4528والخطيب البغدادي في
تاريخ بغداد ( ،)13/253وابن القيسـراني في المؤتلف والمختلف ( .)1/171
هـو المام الحافـظ الحجـة أبـو محمـد عبـد بـن حميـد بـن نصـر الكسـي ويقال له :الكشـي بالفتـح، 50
يقال :اسمه عبد الحميد .توفي سنة ( )249هـ .انظر :سير أعلم النبلء ( .)236 ،12/235
هو الحافظ المجود العلمة ومحدث أصبهان ،أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك 51
بـن موسـى بـن جعفـر الصـبهاني ،المتوفـى سـنة ( )410هــ ،وتفسـيره فـي القرآن فـي سـبع
مجلدات .انظر :سير أعلم النبلء ( .)310-17/308
هو المام الحافظ شيخ السلم أبو محمد عبد الرحمن ابن الحافظ الكبير أبي حاتم محمد بن 52
إدريـس بـن المنذر التميمـي الحنظلي الرازي .توفـي سـنة ( )327هــ .انظـر :تذكرة الحفاظ (
.)831-3/829
53
جامع البيان في تفسير القرآن للمام أبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب
الطبري ،رأس المفسّرين على الطلق.
ويعتبر هذا التفسير أج ّل التفاسير ،لم يؤلّف مثله ،كما ذكره العلماء قاطبة ،ومنهم النووي في
تهذيبه؛ وذلك لنه جمع فيه بين الرواية والدراية ،ولم يشاركه في ذلك أحد ل قبله ول بعده.
انظر :طبقات المفسّرين للسيوطي ص ،96 ،95والتقان له ( .)502 ،2/501
كما يعتبر هذا التفسير المرجع الول عند المفسّرين الذين عنوا بالتفسير النقلي.
54
الدر المنثور في التفسير بالمأثور ،للمام الحافظ جلل الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي
بكر بن محمد السيوطي الشافعي المتوفى سنة ( )911هـ.
وفي هذا الكتاب سرد السيوطي الروايات عن السلف في التفسير بدون أن يعقّب عليها ،فهو
كتاب جامـع فقـط لمـا يروى عـن السـلف فـي التفسـير ،أخذه السـيوطي مـن البخاري ،ومسـلم،
والنسائي ،والترمذي ،وأحمد ،وأبي داود ،وابن جرير ،وابن أبي حاتم ،وعبد بن حميد ،وابن
أبي الدنيا ،وغيرهم ممن تقدمه ودوّن التفسير.
55
جامـع الصـول لحاديـث الرسـول ،لبـي السـعادات مبارك بـن محمـد المعروف بابـن الثيـر
الجزري الشافعي ،المتوفى سنة ( )606هـ.
56
أخرجه البخاري ( ،)1815ومسلم ( ،)1201من حديث كعب بن عجرة رضي ال عنه.
57
أخرجه البخاري ( ،)4636ومسلم ( ،)157من حديث أبي هريرة رضي ال عنه.
58
أخرجه مسلم ( )1917من حديث عقبة بن عامر رضي ال عنه.
59
أخرجه البخاري ( ،)6537ومسلم ( ،)2876من حديث أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها.
60
أخرجه البخاري ( ،)1369ومسلم ( ،)2871من حديث البراء بن عازب رضي ال عنه.
61
أخرجه مسلم ( )482من حديث أبي هريرة رضي ال عنه.
62
أخرجه مسلم ( )2018من حديث جابر بن عبد ال رضي ال عنهما.
63
أخرجه البخاري ( ،)6396ومسلم ( ،)627من حديث علي بن أبي طالب رضي ال عنه.
أخرجه مسلم ( )628من حديث عبد ال بن مسعود رضي ال عنه. 64
65
أخرجه مسلم ( )665من حديث جابر بن عبد ال رضي ال عنهما.
66
أخرجـه البيهقـي فـي شعـب اليمان ( ،)2111والللكائي فـي شرح أصـول العتقاد ( ،)572
وابـن الجوزي فـي التحقيـق فـي أحاديـث الخلف ( ،)260مـن حديـث أبـي بكـر بـن محمـد بـن
عمرو بن حزم عن أبيه عن جده رضي ال عنه.
وأخرجه مالك في الموطأ ( ،)468وأبو داود في المراسيل ( ،)2111من حديث أبي بكر بن
محمد ابن عمرو بن حزم من قوله مرسلً.وقال ابن عبد البر :ل خلف عن مالك في إرسال
هذا الحديث ،وقد روي مسندًا من وجه صالح .اهـ.
وأخرجه الطبراني ( ،)3135والحاكم ( ،)6051من حديث حكيم بن حزام.
وأخرجه الطبراني في الكبير ( ،)13217والصغير ( ،)1162من حديث عبد ال بن عمر
رضـي ال عنهمـا .وأورده الهيثمـي فـي مجمـع الزوائد ( )1/276وقال :رواه الطـبراني فـي
الصغير والكبير ورجاله موثقون .اهـ.
67
أخرجه البخاري ( ،)1643ومسلم ( ،)1277من حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن
أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها.
أخرجه البخاري ( )4519من حديث عبد ال بن عباس رضي ال عنهما. 68
69
أخرجـه أبـو داود ( ،)45والترمذي ( ،)3100وابـن ماجـة ( ،)357مـن حديـث أبـي هريرة
رضي ال عنه .قال الترمذي :حديث غريب من هذا الوجه .اهـ.
70
أخرجه البزار (كما في نصب الراية ،)1/217 -قال البزار :هذا الحديث ل نعلم أحدًا رواه
عن الزهري إل محمد بن عبد العزيز ،ول يُعلم أحد روى عنه إل ابنه .اهـ.
71
أخرجه مسلم ( )2656من حديث أبي هريرة رضي ال عنه.
72
تقدم تخريجه.
73
أخرجه البخاري ( ،)1651ومسلم ( ،)1218من حديث جابر بن عبد ال رضي ال عنه.
أخرجه البخاري ( ،)631ومسلم ( ،)674من حديث مالك بن الحويرث رضي ال عنه. 74
75
أخرجه مسلم ( ،)1777والبيهقي في السنن الكبرى ( ،)9307وغيرهما ،وهذا لفظ البيهقي،
من حديث جابر بن عبد ال رضي ال عنهما.
76
أخرجه مسلم ( )614من حديث أبي موسى الشعري رضي ال عنه.
77
أخرجه البخاري ( ،)1790مسلم ( ،)1277من حديث أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها.
78
انظر :التقان ( .)2/467