You are on page 1of 62

‫التبيــان‬

‫شرح نواقض الســلم‬

‫للمام المجدد‬
‫شيخ السلم محمد بن عبد الوهاب‪ .‬رحمه الله‬

‫تأليف‬
‫سليمان ناصر بن عبد الله العلوان‬

‫الطبعة السادسة‬
‫وقف لله تعالى‬
‫هذه النسخة متوافقه مع طبعة دار المسلم للنشر والتوزيع‬
‫‪2‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة الطبعة السادسة‬

‫إن الحمد ل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعود بال من شرور‬


‫ل له‪ ،‬ومن يضلل فل‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ال‪ ،‬فل مض ّ‬
‫هادي له‪.‬‬
‫ن محمدًا عبده‬
‫وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أ ّ‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذه الطبعة السادسة لكتابنا ))التبيان شرح نواقض السلم((‪.‬‬
‫وقد زدت في هذه الطبعة بعض المسائل المهمة‪ ،‬لكثرة الجهل في هذا‬
‫الزمان في توحيد العبادة‪ ،‬وحذفت ما ينبغي حذفه وكتبت ملحقاً آخششر الشششرح‬
‫في التفريق بيششن تكفيششر الفعششل وتكفيششر الفاعششل لن بعششض النششاس يخلششط بيششن‬
‫المرين فيرى التلزم بينهما‪ ،‬وهذا غلط كما ستراه موضحاً في الملحق‪.‬‬
‫وال المسؤول أن ينفع به‪ ،‬وأن يرزقنا الخلص في القول والعمل‪.‬‬
‫والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫مقدمة الطبعة الولى‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد ل رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم‬


‫على رسول رب العالمين‪.‬‬
‫أما بعد؛ فقد طلب مني بعض الخوان أن أشرح نواقض السلم‬
‫العشرة التي ذكرها المام المجّدد لما اندرس من معالم الدين واليمان شيخ‬
‫السلم محمد بن عبد الوهاب رحمه ال ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬فأجبته إلى سؤاله؛‬
‫رجاء النفع به‪.‬‬
‫وقد نهجت في هذا الشرح منهج الوسط‪ ،‬فليس بالطويل الممل؛‬
‫لتقاصر الهمم عن قراءة المطولت‪ ،‬وليس بالقصير المخل؛ الذي ل يفي‬
‫ن بين ذلك‪.‬‬
‫بالمعنى والمقصود‪ ،‬بل هو عوا ٌ‬
‫وأسأل ال أن يجعل عملنا صالحًا ولوجهه خالصًا‪.‬‬
‫وصلى ال على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫شرح نواقض السلم‬

‫قال ‪-‬رحمه ال‪)) :-‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬اعلم أن نواقض‬


‫السلم عشرة نواقض((‪.‬‬
‫ابتدأ المصنف ‪-‬رحمه ال‪ -‬هذه النواقض بالبسملة؛ اقتداء بالكتاب‬
‫العزيز‪ ،‬وتأسيًا بالنبي ‪ ‬في مكاتباته ومراسلته‪ ،‬فُيستحب البداءة بها في‬
‫المكاتبات والمراسلت وغير ذلك مما دل عليه الدليل‪ .‬ومثل البسملة‬
‫التسمية؛ فقد كان النبي ‪ ‬يبتدئ بها عند الكل وإرادة الجماع‪ ،‬وغير ذلك‬
‫مما هو معلوم ل يخفى‪.‬‬
‫قوله‪)) :‬اعلم أن نواقض السلم عشرة نواقض((‪:‬‬
‫))اعلم((‪ :‬فعل أمر مبني‪ ،‬وهو مبني على السكون‪ ،‬من العلم‪ ،‬وهو‬
‫حْكم الذهن الجازم المطابق للواقع؛ أي‪ :‬كن متهيئاً لما ُيلقى إليك من هذه‬
‫ُ‬
‫النواقض؛ لعلك تفهمها وتدرك المراد منها؛ لتخرج من ظلمات الجهل إلى‬
‫النور‪.‬‬
‫و))نواقض((‪ :‬جمع )ناقض(‪ ،‬وهو اسم فاعل‪ ،‬واسم الفاعل لغير‬
‫العاقل ُيجمع على فواعل‪.‬‬
‫و))نواقض السلم((‪ :‬هي مفسداته التي متى طرأت عليه؛ أفسدته‪،‬‬
‫وأحبطت عمل صاحبه‪ ،‬وصار من الخالدين في النار‪.‬‬
‫ل؛ فالمسلم‬
‫ولذلك يجب على كل مسلم ومسلمة تعّلم هذه النواقض‪ ،‬وإ ّ‬
‫قد يقع فيها وهو ل يشعر؛ كما هو مشاهد من كثير ممن يّدعي السلم فل‬
‫حول ول قوة إل بال‪.‬‬
‫قوله‪)) :‬عشرة نواقض((‪:‬‬
‫هي أكثر من ذلك‪ ،‬ولكن الشيخ رحمه ال اختار هذه العشرة؛ لجماع‬
‫المسلمين عليها في الجملة؛ كما سيأتي إن شاء ال إيضاحه عند كل ناقض‬
‫نذكره‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫أو يقال‪ :‬إن النواقض الكثيرة التي ذكرها الفقهاء في باب حكم المرتد‬
‫مرجعها إلى هذه العشرة‪.‬‬
‫***‬
‫‪6‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض الول من نواقض السلم‬

‫قال ‪-‬رحمه ال‪)) :-‬الول‪ :‬الشرك في عبادة ال‪ :‬قال ال ‪-‬تعالى‪:-‬‬


‫شاُء()‪ِ) ،(1‬إّنُه َم ْ‬
‫ن‬ ‫ن َي َ‬‫ك ِلَم ْ‬
‫ن َذِل َ‬
‫ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬ ‫شَر َ‬‫ن ُي ْ‬
‫ل ل َيْغِفُر َأ ْ‬ ‫ن ا َّ‬‫)ِإ ّ‬
‫صاٍر)‬
‫ن َأْن َ‬
‫ن ِم ْ‬‫ظاِلِمي َ‬
‫جّنَة َوَمْأَواُه الّناُر َوَما ِلل ّ‬
‫عَلْيِه اْل َ‬
‫ل َ‬‫حّرَم ا ُّ‬
‫ل َفَقْد َ‬ ‫ك ِبا ِّ‬‫شِر ْ‬‫ُي ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ ، ((72‬ومنه الذبح لغير ال‪ ،‬كمن يذبح للجن أو للقبر((‪.‬‬
‫ابتدأ الشيخ ‪-‬رحمه ال تعالى‪ -‬هذه النواقض العشرة بالشرك بال‪،‬‬
‫عصي ال به‪ ،‬وهو هضم للربوبية‪ ،‬وتنقص لللوهية‪ ،‬وهو‬ ‫لنه أعظم ذنب ُ‬
‫"تسوية غير ال بال فيما هو من خصائص ال"‪.‬‬
‫ل ل شريكاً في‬
‫جَع َ‬
‫عصي ال به وقد َ‬ ‫وكيف ل يكون أعظم ذنب ُ‬
‫عبادته‪ ،‬وقد أوجده من العدم‪ ،‬وغذاه بالنعم؟!‬
‫والشرك ينقسم إلى ثلثة أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬شرك أكبر‪.‬‬
‫‪ -2‬شرك أصغر‪.‬‬
‫‪ -3‬شرك خفي‪.‬‬
‫وذهب العلمة ابن القيم رحمه ال إلى أن الشرك نوعان‪:‬‬
‫‪ -1‬أكبر‪.‬‬
‫‪ -2‬أصغر‪.‬‬
‫النوع الول‪ :‬الشرك الكبر‪:‬‬
‫الشرك الكبر ل يغفره ال إل بالتوبة‪ ،‬وصاحبه إن لقي ال به؛ فهو‬
‫خالٌد في النار أبد البدين ودهر الداهرين‪.‬‬

‫‪ ()1‬النساء‪.48 :‬‬
‫‪ ()2‬المائدة‪.72 :‬‬
‫‪7‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ن َذِل َ‬
‫ك‬ ‫ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬
‫شَر َ‬
‫ن ُي ْ‬
‫ل ل َيْغِفُر َأ ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫قال ال ‪-‬جل وعل‪ِ) :-‬إ ّ‬
‫شاُء()‪.(1‬‬
‫ن َي َ‬
‫ِلَم ْ‬
‫طُفُه‬
‫خَ‬
‫سَماِء َفَت ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫خّر ِم َ‬‫ل َفَكَأّنَما َ‬
‫ك ِبا ِّ‬
‫شِر ْ‬
‫ن ُي ْ‬
‫وقال –تعالى‪َ) :-‬وَم ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫ق)‪. ((31‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫سِ‬
‫ن َ‬ ‫ح ِفي َمَكا ٍ‬‫طْيُر َأْو َتْهِوي ِبِه الّري ُ‬
‫ال ّ‬
‫عّباد قبور وغيرهم للهتهم في النار‪:‬‬ ‫ولذلك يقول المشركون من ُ‬
‫ن)‪.(3)((98‬‬‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫سّويُكْم ِبَر ّ‬
‫ن )‪ِ (97‬إْذ ُن َ‬
‫ضلٍل ُمِبي ٍ‬
‫ن ُكّنا َلِفي َ‬
‫ل ِإ ْ‬
‫)َتا ِّ‬
‫وهم لم يسووهم به في خلق ول رزق ول إحياء ول إماتة إنما سّووهم‬
‫ب العبادة‪ ،‬وكذلك التعظيم الذي هو قربة من أجل‬‫به في المحبة التي هي ُل ّ‬
‫القربات وعبادة من أعظم العبادات؛ ولذلك ذّم ال الذين ل يعظمونه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل َوَقارًا)‪(4)((13‬؛ أي‪ :‬عظمة‪.‬‬
‫ن ِّ‬
‫جو َ‬
‫)َما َلُكْم ل َتْر ُ‬
‫ولذلك نقول‪ :‬إن الشّر كّله عائٌد إلى الشراك بال جل وعل‪.‬‬
‫والشرك الكبر أنواعه كثيرة‪ ،‬مدارها على أربعة أنواع)‪ ،(5‬نذكرها‬
‫مجملة مع شيء من البيان يكون مختصرًا لئل يطول بنا الكلم‪ ،‬مع أن‬
‫طول الكلم في هذه المسائل أحسن وأقوم‪ ،‬ولكن لتقاصر الهمم نكتفي بما‬
‫ينفع مع الختصار‪.‬‬
‫النوع الول‪ :‬شرك الدعوة‪:‬‬
‫ن َلُه‬
‫صي َ‬
‫خِل ِ‬
‫ل ُم ْ‬
‫عُوا ا َّ‬
‫ك َد َ‬
‫ودليله قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬فِإَذا َرِكُبوا ِفي اْلُفْل ِ‬
‫)‪(6‬‬
‫ن)‪. ((65‬‬ ‫شِرُكو َ‬‫جاُهْم ِإَلى اْلَبّر ِإَذا ُهْم ُي ْ‬
‫ن َفَلّما َن ّ‬
‫الّدي َ‬
‫قال المصنف ‪-‬رحمه ال‪- -‬تعالى‪ -‬في "القواعد الربع"‪" :‬القاعدة‬
‫الرابعة‪ :‬أن مشركي زماننا أغلظ شركًا من الولين؛ لن الولين يشركون‬
‫في الرخاء ويخلصون في الشدة‪ ,‬ومشركو زماننا شركهم دائماً في الرخاء‬
‫والشدة"‪.‬‬

‫‪ ()1‬النساء‪.48 :‬‬
‫‪ ()2‬الحج‪.31 :‬‬
‫‪ ()3‬الشعراء‪.98-97 :‬‬
‫‪ ()4‬نوح‪.13 :‬‬
‫‪ ()5‬انظر "مجموعة التوحيد" )ص ‪.(5‬‬
‫‪ ()6‬العنكبوت‪.65 :‬‬
‫‪8‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وقال ‪-‬رحمه ال‪ -‬في مقدمة "القواعد الربع"‪ :‬إذا دخل الشرك في‬
‫العبادة؛ فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة‪ ،‬فإذا عرفت أن الشرك إذا‬
‫خالط العبادة أفسدها‪ ،‬وأحبط العمل‪ ،‬وصار صاحبه من الخالدين في النار؛‬
‫عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك؛ لعل ال أن يخلصك من هذه الشبكة‪،‬‬
‫وهي الشرك بال"‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬شرك النية والرادة والقصد‪:‬‬
‫حَياَة الّدْنَيا َوِزيَنَتَها ُنَوفّ ِإَلْيِهمْ‬
‫ن ُيِريُد اْل َ‬
‫ن َكا َ‬
‫والدليل قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬م ْ‬
‫خَرِة‬
‫ن َلْيسَ َلُهْم ِفي ال ِ‬ ‫ك اّلِذي َ‬
‫ن )‪ُ (15‬أوَلِئ َ‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬
‫عَماَلُهْم ِفيَها َوُهْم ِفيَها ل ُيْب َ‬
‫َأ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن)‪. ((16‬‬ ‫طٌل َما َكاُنوا َيْعَمُلو َ‬ ‫صَنُعوا ِفيَها َوَبا ِ‬
‫ط َما َ‬ ‫حِب َ‬
‫إل الّناُر َو َ‬
‫قال العلمة ابن القيم ‪-‬رحمه ال ‪" :-‬أما الشرك في الرادات‬
‫والنيات؛ فذلك البحر الذي ل ساحل له‪ ،‬وقل من ينجو منه‪ ،‬من أراد بعمله‬
‫غير وجه ال‪ ،‬ونوى شيئًا غير التقرب إليه‪ ،‬وطلب الجزاء منه فقد أشرك‬
‫في نيته وإرادته"‪.‬‬
‫وجعل شرك النية شركًا أكبر محمول على من كانت جميع أعماله‬
‫مرادًا بها غير وجه ال‪ ،‬أما من طرأ عليه الرياء‪ ،‬فهو شرك أصغر‪،‬‬
‫وسيأتي إن شاء ال إيضاحه‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬شرك الطاعة‪:‬‬
‫وهي طاعة الحبار والرهبان في معصية ال ‪-‬تعالى‪-‬؛ كما قال –‬
‫ن َمْرَيَم‬
‫ح اْب َ‬
‫سي َ‬
‫ل َواْلَم ِ‬
‫ن ا ِّ‬‫ن ُدو ِ‬
‫حَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم َأْرَبابًا ِم ْ‬
‫خُذوا َأ ْ‬ ‫تعالى‪) :-‬اّت َ‬
‫ن)‪((31‬‬ ‫شِرُكو َ‬‫عّما ُي ْ‬‫حاَنُه َ‬
‫سْب َ‬
‫حدًا ل ِإَلَه إل ُهَو ُ‬ ‫َوَما ُأِمُروا إل ِلَيْعُبُدوا ِإَلهًا َوا ِ‬
‫)‪.(2‬‬

‫‪ ()1‬هود‪.16 -15 :‬‬


‫‪ ()2‬براءة‪.31 :‬‬
‫‪9‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ومما يفسر هذه الية ويوضحها ما رواه الترمذي)‪ (1‬وغيره عن عدي‬


‫حَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم‬ ‫بن حاتم‪ :‬أنه سمع النبي ‪ ‬يقرأ هذه الية‪) :‬اّت َ‬
‫خُذوا َأ ْ‬
‫ل( الية فقلت له‪ :‬إنا لسنا نعبدهم! قال‪" :‬أليس يحرمون ما‬ ‫ن ا ِّ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫َأْرَبابًا ِم ْ‬
‫أحل ال فتحرمونه‪ ،‬ويحلون ما حرم ال فتحلونه؟" فقلت‪ :‬بلى‪ .‬قال "فتلك‬
‫عبادتهم"‪ ،‬وسنده ضعيف‪ ،‬ولكن له شاهد عند ابن جرير)‪ (2‬موقوفاً من‬
‫طريق حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري عن حذيفة وفي صحته نظر‪،‬‬
‫ولكن تفسير الية بما ذكر مشهور بين أهل التفاسير‪ ،‬ليس فيهم من يدفعه‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال‪" :‬وهؤلء الذين اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهبانهم أربابًا ‪ -‬حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم ال وتحريم ما أحششل الش‬
‫‪ -‬يكونون على وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يعلموا أنهم بدلوا دين ال‪ ،‬فيتبعونهم على التبديل‪،‬‬
‫فيعتقدون تحليل ما حرم ال وتحريم ما أحل ال‪ ،‬اتباعًا لرؤسائهم‪ ،‬مع‬
‫علمهم أنهم خالفوا دين الرسل؛ فهذا كفر‪ ،‬وقد جعله ال ورسوله شركًا‪ ،‬وإن‬
‫لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم؛ فكان من اتبع غيره في خلف الدين‬
‫ف الدين‪ -‬واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله ال ورسوله‬ ‫‪-‬مع علمه أنه خل ُ‬
‫مشركًا مثل هؤلء‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلل وتحليل الحرام‬
‫ثابتًا‪ ،‬لكنهم أطاعوهم في معصية ال‪ ،‬كما يفعل المسلم ما يفعله من‬
‫المعاصي التي يعتقد أنها معاصي؛ فهؤلء لهم حكم أمثالهم من أهل‬
‫الذنوب" اهش كلمه)‪.(4‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬شرك المحبة‪:‬‬
‫ن ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ن ُدو ِ‬
‫خُذ ِم ْ‬
‫ن َيّت ِ‬
‫س َم ْ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫والدليل على ذلك قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وِم َ‬
‫ل( الية)‪.(5‬‬
‫ب ا ِّ‬
‫ح ّ‬
‫حّبوَنُهْم َك ُ‬
‫َأْنَدادًا ُي ِ‬

‫‪ ()1‬ج ‪.5/259‬‬
‫‪ ()2‬جامع البيان ‪.10/114‬‬
‫‪ ()3‬كذا في "الفتاوى" وهو غلط مطبعي والصواب "بتحريم الحرام وتحليل‬
‫الحلل"‪.‬‬
‫‪" ()4‬مجموعة الفتاوى" )‪.(70/ 7‬‬
‫‪ ()5‬البقرة‪.165 :‬‬
‫‪10‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫فالمشرك ‪ -‬لجهلششه بربششه ‪ -‬تجششده يحششب اللهششة مششن الصششنام وغيرهششا‬


‫ت‪ ،‬يغضب لها أعظم ممششا يغضششب‬ ‫كحب ال وأعظم من ذلك‪ ،‬تجده إذا انُتِهَك ْ‬
‫ل ويستبشر لها ما ل يستبشر ل‪.‬‬
‫ن ل ُيْؤِمُنو َ‬
‫ن‬ ‫ب اّلِذي َ‬
‫ت ُقُلو ُ‬
‫شَمَأّز ْ‬
‫حَدُه ا ْ‬‫ل َو ْ‬‫قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وِإَذا ُذِكَر ا ُّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن)‪. ((45‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫سَتْب ِ‬
‫ن ُدوِنِه ِإَذا ُهْم َي ْ‬‫ن ِم ْ‬‫خَرِة َوِإَذا ُذِكَر اّلِذي َ‬
‫ِبال ِ‬
‫قال العلمة ابن القيم ‪-‬رحمه ال تعششالى‪ :-‬وهششا هنششا أربعششة أنششواع مششن‬
‫ل بعدم التمييز بينها‪:‬‬ ‫ل من ض ّ‬ ‫المحبة‪ ،‬يجب التفريق بينها‪ ،‬وإنما ض ّ‬
‫أحدها‪ :‬محبة ال‪ ،‬ول تكفي وحدها في النجاة من عذاب ال والفوز‬
‫بثوابه‪ ،‬فإن المشركين وعّباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون ال‪.‬‬
‫ب ال‪ ،‬وهذه هي التي تدخله في السلم‪،‬‬ ‫الثاني‪ :‬محبة ما يح ّ‬
‫ب الناس إلى ال أقومهم بهذه المحبة‪ ،‬وأشدهم فيها‪.‬‬
‫وتخرجه من الكفر وأح ّ‬
‫ب‪ ،‬ول تستقيم‬
‫الثالث‪ :‬الحب ل وفيه‪ ،‬وهي من لوازم محبة ما يح ّ‬
‫ب إل فيه وله‪.‬‬
‫محبة ما يح ّ‬
‫الرابعة‪ :‬المحبة مع ال‪ ،‬وهي المحبة الشركية‪ ،‬وكل من أحب شيئاً‬
‫مع ال‪ ،‬ل ل‪ ،‬ول من أجله‪ ،‬ول فيه؛ فقد اتخذه نّد من دون ال وهذه محبة‬
‫المشركين" أهش المقصود‪.‬‬
‫فهذه النواع الربعة للشرك الكبر كلها مخرجة من السلم؛ لنها‬
‫ع َمَع‬‫ن َيدْ ُ‬
‫عبادات‪ ،‬وصرف العبادات لغير ال شرك كما قال –تعالى‪َ) :-‬وَم ْ‬
‫ن)‬
‫ح اْلَكاِفُرو َ‬
‫عْنَد َرّبِه ِإّنُه ل ُيْفِل ُ‬
‫ساُبُه ِ‬
‫ح َ‬
‫ن َلُه ِبِه َفِإّنَما ِ‬
‫خَر ل ُبْرَها َ‬
‫ل ِإَلهًا آ َ‬
‫ا ِّ‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ ((117‬فسّماهم ال كافرين؛ لدعائهم معه غيره‪.‬‬
‫ومن الشرك الكبر أيضًا‪ :‬الذبح لغير ال‪ :‬لن الذبح ل قربة له من‬
‫حْر)‪ ،(3)((2‬وقال‪-‬تعالى‪:-‬‬‫ك َواْن َ‬ ‫صّل ِلَرّب َ‬
‫أجل القربات؛ كما قال –تعالى‪َ) :-‬ف َ‬
‫ن)‪(4)((162‬؛ فالنسك‬‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ل َر ّ‬ ‫ي َوَمَماِتي ِّ‬
‫حَيا َ‬
‫سِكي َوَم ْ‬
‫صلِتي َوُن ُ‬
‫ن َ‬ ‫)ِإ ّ‬
‫هو الذبح‪.‬‬
‫‪ ()1‬الزمر‪.45 :‬‬
‫‪ ()2‬المؤمنون‪.117 :‬‬
‫‪ ()3‬الكوثر ‪.2‬‬
‫‪ ()4‬النعام‪.162 :‬‬
‫‪11‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫فمن ذبح للولياء أو للصنام أو للجن ‪ -‬كما يفعله كثير من الجهلة في‬
‫البلد الجنوبية وفي بعض ضواحي مكة عند سكنى المنزل ‪-‬؛ فقد خرج عن‬
‫السلم‪ ،‬ودخل في دائرة الكفر والضلل‪ ،‬لصرفه عبادة من أجل العبادات‬
‫لغير ال‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬النذر لغير ال‪ :‬فهو شرك أكبر؛ لن النذر عبادة؛ كما قال‬
‫ن ِبالّنْذِر()‪ ،(1‬وقال‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَما َأْنَفْقُتْم ِم ْ‬
‫ن َنَفَقٍة َأْو َنذَْرُتْم‬ ‫‪-‬تعالى‪ُ) :-‬يوُفو َ‬
‫ل َيْعَلُمُه()‪.(2‬‬
‫ن ا َّ‬
‫ن َنْذٍر َفِإ ّ‬
‫ِم ْ‬
‫فمن نذر لولي الشموع أو اللحوم وغيرهما؛ فقد خلع ربقة السلم من‬
‫عنقه؛ لنه ل يجوز النذر إل ل‪ ،‬وصرفه لغير ال مناقض لما بعث ال به‬
‫محمدًا ‪ ‬فما يفعله عباد القبور من أهل البلد المجاورة وغيرها من النذر‬
‫لمن يعتقدون فيه ضّرا أو نفعًا شرك أكبر مخرج عن السلم‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن‬
‫ذلك شرك أصغر؛ فقد أبعد النجعة وقفا ما ل علم له به‪ ،‬وال المستعان‪،‬‬
‫وعليه التكلن‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬الستعاذة والستغاثة‪ :‬كل ذلك صرفه لغير ال شرك‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الشرك الصغر‪:‬‬
‫وصاحبه إن لقي ال به؛ فهو تحت المشيئة على القول الصحيح إن‬
‫شاء ال عفا عنه وأدخله الجنة‪ ،‬وإن شاء عذبه‪ ،‬ولكن مآله إلى الجنة؛ لن‬
‫الشرك الصغر ل يخلد صاحبه في النار‪ ،‬ولكنه معرض للوعيد‪ ،‬فيجب‬
‫الحذر منه‪.‬‬
‫ومن أنواع الشرك الصغر‪ :‬الحلف بغير ال‪ :‬إن لم يقصد تعظيم‬
‫المحلوف به‪ ،‬وإل؛ صار شركًا أكبر‪.‬‬
‫وقد قال النبي ‪" :‬من حلف بغير ال‪ ،‬فقد كفر أو أشرك"‪.‬‬
‫رواه أحمد‪ ،‬وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه وقال‪" :‬على‬
‫شرط الشيخين"‪ ،‬وسكت عنه الذهبي‪ ،‬من حديث ابن عمر‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬يسير الرياء والتصنع للخلق‪:‬‬
‫‪ ()1‬النسان‪.7 :‬‬
‫‪ ()2‬البقرة‪.270 :‬‬
‫‪12‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وقد قال النبي ‪" :‬أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر"‪ ،‬ف ُ‬
‫سِئل‬
‫عنه؟ فقال‪" :‬الرياء"‪ .‬رواه أحمد وغيره من حديث محمود بن لبيد وسنده‬
‫حسن‪.‬‬
‫فإذا كان الشرك الصغر مخوفًا على الصحابة الذين مع النبي ‪‬‬
‫وأدركوا نزول الوحي؛ فعلى غيرهم من باب أولى ممن قل علمه وضعف‬
‫إيمانه‪.‬‬
‫ول يسلم المسلم من الشرك إل بالخلص ل وبتجريد المتابعة‬
‫للرسول ‪. ‬‬
‫عباد الشمس والقمر‬ ‫ولما ذكر العلمة ابن القيم ‪-‬رحمه ال‪ -‬شرك ُ‬
‫وعباد النار وغيرهم؛ قال‪" :‬وأما الشرك في العبادة؛ فهو أسهل من هذا‬
‫الشرك‪ ،‬وأخف أمرًا‪ ،‬فإنه يصدر ممن يعتقد أنه ل إله إل ال‪ ،‬وأنه ل يضّر‬
‫ول ينفع ول يعطي ول يمنع إل ال‪ ،‬وأنه ل إله غيره ول رب سواه ولكن ل‬
‫يخص ال في معاملته وعبوديته‪ ،‬بل يعمل لحظ نفسه تارة‪ ،‬ولطلب الدنيا‬
‫تارة‪ ،‬ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة‪ ،‬فلله من عمله وسعيه‬
‫نصيب‪ ،‬ولنفسه وحظه وهواه نصيب‪ ،‬وللشيطان نصيب‪ ،‬وللخلق نصيب‪،‬‬
‫وهذا حال أكثر الناس‪.‬‬
‫وهو الشرك الذي قال فيه النبي ‪ ‬فيما رواه ابن حبان في‬
‫"صحيحه"‪" :‬الشرك في هذه المة أخفى من دبيب النملة"‪ .‬قالوا‪ :‬كيف‬
‫ننجو منه يا رسول ال؟! قال‪" :‬قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا‬
‫أعلم‪ ،‬وأستغفرك لما ل أعلم"‪ .‬فالرياء كله شرك‪.‬‬
‫حدٌ‬
‫ي َأّنَما ِإَلُهُكْم ِإَلٌه َوا ِ‬
‫حى ِإَل ّ‬
‫شٌر ِمْثُلُكْم ُيو َ‬
‫قال‪-‬تعالى‪ُ) :-‬قْل ِإّنَما َأَنا َب َ‬
‫حدًا)‬
‫ك ِبِعَباَدِة َرّبِه أَ َ‬‫شِر ْ‬‫صاِلحًا َول ُي ْ‬‫ل َ‬ ‫عَم ً‬‫جوا ِلَقاَء َرّبِه َفْلَيْعَمْل َ‬
‫ن َيْر ُ‬
‫ن َكا َ‬
‫َفَم ْ‬
‫‪.(1)((110‬‬
‫أي‪ :‬كما أنه إله واحٌد‪ ،‬ول إله سواه؛ فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له‬
‫وحده‪ ،‬فكما تفرد باللهية يجب أن يفرد بالعبودية؛ فالعمل الصالح هو‬
‫الخالي من الرياء المقيد بالسنة‪.‬‬

‫‪ ()1‬الكهف‪.110 :‬‬
‫‪13‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪" :‬اللهم اجعل عملي‬


‫كله صالحًا‪ ،‬واجعله لوجهك خالصًا‪ ،‬ول تجعل لحد فيه شيئًا")‪.(1‬‬
‫وهذا الشرك في العبادة ُيبطل ثواب العمل‪ ،‬وقد يعاقب عليه إذا كان‬
‫ل منزلة من لم يعمله‪ ،‬فيعاقب على ترك المر؛ فإن‬ ‫العمل واجبًا‪ ،‬فإنه ُيَنّز ُ‬
‫ال سبحانه إنما أمر بعبادته عبادة خالصة‪.‬‬
‫حَنَفاَء()‪.(2‬‬
‫ن ُ‬
‫ن َلُه الّدي َ‬
‫صي َ‬
‫خِل ِ‬
‫ل ُم ْ‬
‫قال ‪-‬تعالى‪َ) -‬وَما ُأِمُروا إل ِلَيْعُبُدوا ا َّ‬
‫فمن لم يخلص ل في عبادته؛ لم يفعل ما ُأِمَر به‪ ،‬بل الذي أتى به‬
‫شيء غير المأمور به‪ ،‬فل يصح ول ُيقبل‪.‬‬
‫ل أشرك معي فيه‬
‫ويقول ال‪" :‬أنا أغنى الشركاء فمن عمل عم ً‬
‫غيري‪ ،‬فهو للذي أشرك‪ ،‬وأنا منه بريء")‪.(3‬‬
‫وهذا الشرك ينقسششم إلششى مغفششور وغيششر مغفششور‪ "..‬اهشش المقصششود مششن‬
‫كلمه رحمه ال –تعالى‪.-‬‬
‫والعمل لغير ال له حالت‪:‬‬
‫الحالة الولى‪ :‬أن يكون رياء محضًا‪ ،‬فل يريد صاحبه إل الدنيا أو‬
‫صلِة‬
‫مراآة المخلوقين؛ كالمنافقين؛ الذين قال ال فيهم‪َ) :‬وِإَذا َقاُموا ِإَلى ال ّ‬
‫ل)‪.(4)((142‬‬ ‫ل إل َقِلي ً‬
‫ن ا َّ‬
‫س َول َيْذُكُرو َ‬
‫ن الّنا َ‬
‫ساَلى ُيَراُؤو َ‬
‫َقاُموا ُك َ‬
‫فهذا العمل ل يشك مسلم بأنه حابط‪ ،‬وأن صاحبه يستحق المقت من‬
‫ال جل وعل‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يكون العمل ل‪ ،‬ويشاركه الرياء‪ ،‬فهذا له حالتان‪:‬‬
‫أ‪ -‬إما أن يشاركه الرياء من أصله‪.‬‬
‫ب‪ -‬وإما أن يطرأ عليه‪.‬‬

‫‪()1‬رواه أحمد في " الزهد " من رواية الحسن عن عمر وهو لم يسمع منه‪.‬‬
‫‪ ()2‬البينة‪.5 :‬‬
‫‪ ()3‬رواه‪ :‬مسلم‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬والسياق قريب من سياق ابن ماجة‪.‬‬
‫‪ ()4‬النساء‪.142 :‬‬
‫‪14‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫فأما الول؛ فالعمل حابط ل يقبل‪ ،‬ويستدل له بالحديث الذي خرجه‬


‫مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي ال عنه؛ قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫‪ :‬قال ال تعالى‪" :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬من عمل عم ً‬
‫ل أشرك‬
‫معي فيه غيري؛ تركته وشركه"‪.‬‬
‫وأما إن طرأ عليه الرياء‪ ،‬واسترسل معه‪ :‬فبعض العلماء يبطله‬
‫بالكلية‪ ،‬وبعض العلماء يقول‪ :‬إن استرسل معه؛ فله أجر إخلصه وعليه‬
‫وزر الرياء‪ ،‬وأما إن جاهد ودفعه؛ فهذا له نصيب من قوله –تعالى‪َ) :-‬وَأّما‬
‫ي اْلَمْأَوى)‬
‫جّنَة ِه َ‬
‫ن اْل َ‬
‫ن اْلَهَوى )‪َ (40‬فِإ ّ‬
‫عِ‬
‫س َ‬
‫ف َمَقاَم َرّبِه َوَنَهى الّنْف َ‬
‫خا َ‬‫ن َ‬
‫َم ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫‪. ((41‬‬
‫ل من جاهد في سبيل ال وله نية في أخشذ المغنششم؛ فهششذا العمششل‬‫وأما مث ً‬
‫فيه خلف بين العلماء‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال في "إعلم الموقعين" )‪ (2/163‬بعد كلم‬
‫سبق‪" :‬وهذا كمن يصلي بالجرة؛ فهو لو لم يأخذ الجرة؛ صلى‪ ،‬ولكنه‬
‫يصلي ل وللجرة‪ ،‬وكمن يحج ليسقط الفرض عنه ويقال‪ :‬فلن حج‪ ،‬أو‬
‫يعطي الزكاة‪ ،‬فهذا ل ُيقبل العمل منه"‪.‬‬
‫وقال ابن رجب رحمه ال‪" :‬نقص بذلك أجُر جهاده‪ ،‬ولم يبطل‬
‫بالكلية"‪.‬‬
‫وقال رحمه ال)‪" :(2‬وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث تدل على أن من‬
‫أراد بجهاده عرضًا من الدنيا‪ :‬أنه ل أجر له‪ ،‬وهي محمولة على أنه لم يكن‬
‫له غرض في الجهاد إل الدنيا"‪.‬‬
‫فعلى هذا؛ هناك فرق بين من يجاهد مثلً للذكر والجر وبين من‬
‫يجاهد للمغنم والجر‪.‬‬

‫‪ ()1‬النازعات‪.41-40 :‬‬
‫‪" ()2‬جامع العلوم والحكم" )ص ‪.(15‬‬
‫‪15‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫فالول‪ :‬ثبت فيه حديث أبي أمامة عند النسائي)‪ (1‬بسند حسن‪ :‬أن‬
‫ل غزا يلتمس الجر‬ ‫ل أتى النبي ‪ ‬فقال‪ :‬يا رسول ال! أرأيت رج ً‬ ‫رج ً‬
‫والذكر؟ فقال النبي ‪" :‬ل شيء له"‪ ,‬فأعادها عليه ثلث مرات‪ .‬يقول له‬
‫رسول ال ‪":‬ل شيء له"‪ .‬ثم قال‪" :‬إن ال ل يقبل من العمل إل ما كان‬
‫ى به وجهه"‪.‬‬
‫خالصًا وابُتِغ َ‬
‫وأما الثاني‪ :‬فقد قدمنا الكلم عليه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪ ()1‬النسائي ] ‪ [ 52/ 6‬من طريق معاوية بن س ّ‬


‫لم عن عكرمة بن عمار عن‬
‫داد أبي عمار عن أبي أمامة به‪.‬‬
‫ش ّ‬
‫‪16‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض الثاني من نواقض السلم‬

‫قال ‪-‬رحمه ال‪)) :-‬من جعل بينه وبين ال وسائط؛ يدعوهم‪،‬‬


‫ويسألهم الشفاعة‪ ،‬ويتوكل عليهم؛ كفر إجماعًا((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن هذا الناقض من أكثر النواقض وقوعًا وأعظمها خطرًا على‬
‫المرء‪ ،‬لن كثيرًا ممن يتسمى باسم السلم وهو ل يعرف السلم ول‬
‫حقيقته جعل بينه وبين الرب ‪ -‬جل وعل ‪ -‬وسائط يدعوهم لكشف الملمات‬
‫وإغاثة اللهفات وتفريج الكربات‪ ،‬وهؤلء كفار بإجماع المسلمين؛ لن ال‬
‫‪-‬جل وعل‪ -‬ما أنزل الكتب وأرسل الرسل؛ إل ليعبدوه وحده ل شريك له‪،‬‬
‫ولكن أبى ذلك عباد القبور‪ ،‬وجعلوا وسائط يسألونهم جلب المنافع ودفع‬
‫المضار‪ ،‬وجعلوا ذلك هو العبادة التي أمر ال بها‪ ،‬ومن أنكر عليهم شيئًا من‬
‫ذلك؛ رموه بعدم تعظيم الولياء والصالحين‪.‬‬
‫وهم بزعمهم الفاسد ل يسألون ال مباشرة تعظيمًا منهم ل ويقولون‪:‬‬
‫إن ال ل بد له من واسطة‪ ،‬كما أن الملك ل ُيسأل إل بواسطة الحجاب وال‬
‫أولى بذلك من الملك‪.‬‬
‫فهم والعياذ بال شبهوا ال بالمخلوق العاجز‪ ،‬ومن هذا الباب دخلوا‪،‬‬
‫حتى خرجوا من السلم‪ ،‬وفي الكتاب والسنة مما يبطل قولهم ويقطع‬
‫دابرهم كثير‪.‬‬
‫ومن تدبر القرآن طالبًا للهدى ومؤثرًا للحق‪ ،‬تبين له ذلك وتبينت له‬
‫غربة الدين‪ ،‬وجهل كثير من الناس بدين رب العالمين‪.‬‬
‫لل‬‫ن ا ِّ‬‫ن ُدو ِ‬ ‫عْمُتْم ِم ْ‬
‫ن َز َ‬
‫عوا اّلِذي َ‬‫فمن ذلك قوله ‪-‬تعالى‪ُ) :-‬قِل اْد ُ‬
‫شْر ٍ‬
‫ك‬ ‫ن ِ‬
‫ض َوَما َلُهْم ِفيِهَما ِم ْ‬ ‫ت َول ِفي اَلْر ِ‬ ‫سَماَوا ِ‬
‫ن ِمْثَقاَل َذّرٍة ِفي ال ّ‬
‫َيْمِلُكو َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن َلُه( ‪.‬‬‫ن َأِذ َ‬
‫عْنَدُه إل ِلَم ْ‬
‫عُة ِ‬‫شَفا َ‬‫ظِهيٍر )‪َ (22‬ول َتْنَفُع ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َوَما َلُه ِمْنُهْم ِم ْ‬
‫ش َ‬
‫ف‬ ‫ن َك ْ‬‫ن ُدوِنِه َفل َيْمِلُكو َ‬ ‫عْمُتْم ِم ْ‬
‫ن َز َ‬ ‫عوا اّلِذي َ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪ُ) :-‬قِل اْد ُ‬
‫ن ِإَلى َرّبِهُم‬
‫ن َيْبَتُغو َ‬
‫عو َ‬ ‫ن َيْد ُ‬
‫ك اّلِذي َ‬‫ل )‪ُ (56‬أوَلِئ َ‬ ‫حِوي ً‬‫عْنُكْم َول َت ْ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ال ّ‬
‫ك َكا َ‬
‫ن‬ ‫ب َرّب َ‬ ‫عَذا َ‬
‫ن َ‬‫عَذاَبُه ِإ ّ‬‫ن َ‬‫خاُفو َ‬ ‫حَمَتُه َوَي َ‬‫ن َر ْ‬‫جو َ‬‫ب َوَيْر ُ‬‫سيَلَة َأّيُهْم َأْقَر ُ‬
‫اْلَو ِ‬
‫)‪(2‬‬
‫حُذورًا )‪. ((57‬‬ ‫َم ْ‬
‫‪ ()1‬سبأ‪.23-22 :‬‬
‫‪ ()2‬السراء‪.57 -56 :‬‬
‫‪17‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ك َفإِنْ‬
‫ضّر َ‬‫ك َول َي ُ‬‫ل َما ل َيْنَفُع َ‬ ‫ن ا ِّ‬
‫ن ُدو ِ‬‫ع ِم ْ‬
‫وقال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬ول َتْد ُ‬
‫ف َلُه إل‬
‫ش َ‬ ‫ضّر َفل َكا ِ‬‫ل ِب ُ‬‫ك ا ُّ‬ ‫سَ‬ ‫س ْ‬
‫ن َيْم َ‬
‫ن )‪َ (106‬وِإ ْ‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ن ال ّ‬‫ك ِإذًا ِم َ‬
‫ت َفِإّن َ‬
‫َفَعْل َ‬
‫عَباِدِه َوُهَو‬
‫ن ِ‬
‫شاُء ِم ْ‬ ‫ن َي َ‬‫ب ِبِه َم ْ‬
‫صي ُ‬‫ضِلِه ُي ِ‬
‫خْيٍر َفل َراّد ِلَف ْ‬‫ك ِب َ‬
‫ن ُيِرْد َ‬
‫ُهَو َوِإ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫حيُم )‪. ((107‬‬ ‫اْلَغُفوُر الّر ِ‬
‫ي الُّ‬‫ن َأَراَدِن َ‬
‫ل ِإ ْ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫ن ِم ْ‬
‫عو َ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪ُ) :-‬قْل َأَفَرَأْيُتْم َما َتْد ُ‬
‫حَمتِِه ُقْل‬
‫ت َر ْ‬‫سَكا ُ‬ ‫ن ُمْم ِ‬‫حَمٍة َهْل ُه ّ‬‫ضّرِه َأْو َأَراَدِني ِبَر ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫شَفا ُ‬
‫ن َكا ِ‬ ‫ضّر َهْل ُه ّ‬ ‫ِب ُ‬
‫ن )‪.(2)((38‬‬ ‫عَلْيِه َيَتَوّكُل اْلُمَتَوّكُلو َ‬
‫ل َ‬ ‫ي ا ُّ‬
‫سِب َ‬
‫ح ْ‬‫َ‬
‫وفي القرآن أكثر من ذلك مما يدل على وجوب إخلص العبادة ل‬
‫وحده‪ ،‬وعدم جعل الوسائط بينه وبين خلقه‪.‬‬
‫عَوةَ‬
‫ب َد ْ‬
‫جي ُ‬
‫ب ُأ ِ‬
‫عّني َفِإّني َقِري ٌ‬ ‫عَباِدي َ‬‫ك ِ‬ ‫سَأَل َ‬
‫وقد قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وِإَذا َ‬
‫ن )‪.(3)((186‬‬ ‫شُدو َ‬‫جيُبوا ِلي َوْلُيْؤِمُنوا ِبي َلَعّلُهْم َيْر ُ‬‫سَت ِ‬
‫ن َفْلَي ْ‬
‫عا ِ‬
‫ع ِإَذا َد َ‬
‫الّدا ِ‬
‫وكذلك النبي ‪ ‬لما قيل له‪ :‬ما شاء ال وشئت؛ قال‪" :‬أجعلتني ل‬
‫ل؟ ما شاء ال وحده)‪(4‬؛ لن الواو في قوله‪" :‬وشئت"؛ تقتضي المساواة‪،‬‬‫عد ً‬
‫وال جل وعل تفرد باللهية‪ ،‬فيجب أن يفرد بالعبودية‪ ،‬ول يساوى بأحد من‬
‫خلقه في جلب نفع أو دفع ضّر‪.‬‬
‫وقد قال النبي ‪ ‬في الحديث العظيم الذي خّرجه الترمذي وح ّ‬
‫سنه‬
‫عن ابن عباس‪" :‬احفظ ال يحفظك‪ ،‬احفظ ال تجده ُتجاهك‪ ،‬وإذا سألت‬
‫فاسأل ال ن وإذا استعنت فاستعن بال‪ ،‬واعلم أن المة لو اجتمعت على أن‬
‫ينفعوك بشيء‪ ،‬لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه ال لك‪ ،‬وإن اجتمعوا على أن‬
‫يضّروك بشيء‪ ،‬لم يضروك إل بشيء قد كتبه ال عليك‪ُ ،‬رِفَعت القلم‪،‬‬
‫وجفت الصحف"‪.‬‬

‫‪ ()1‬يونس‪.107 -106 :‬‬


‫‪ ()2‬الزمر‪.38 :‬‬
‫‪ ()3‬البقرة‪.186 :‬‬
‫‪ ()4‬رواه أحمد )‪ 213/ 1‬و ‪ (214‬من حديث ابن عباس وسنده حسن‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه ال‪" :-‬ومع علم المؤمن أن ال‬
‫ب كل شيء ومليكه؛ فإنه ل ينكر ما خلقه ال من السباب؛ كما جعل‬ ‫ر ّ‬
‫ن َماٍء‬‫سَماِء ِم ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل ِم َ‬
‫المطر سببًا لنبات النبات؛ قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَما َأْنَزَل ا ُّ‬
‫ن ُكّل َداّبٍة()‪ ،(1‬وكما جعل الشمس‬ ‫ث ِفيَها ِم ْ‬
‫ض َبْعَد َمْوِتَها َوَب ّ‬
‫حَيا ِبِه الْر َ‬
‫َفَأ ْ‬
‫والقمر سببًا لما يخلقه بهما‪ ،‬وكما جعل الشفاعة والدعاء سبباً لما يقضيه‬
‫بذلك؛ مثل صلة المسلمين على جنازة الميت؛ فإن ذلك من السباب التي‬
‫يرحمه ال بها‪ ،‬ويثيب عليها المصلين عليه‪ ،‬لكن ينبغي أن ُيعرف في‬
‫السباب ثلثة أمور‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن السبب المعين ل يستقل بالمطلوب‪ ،‬بل لبد معه من أسباب‬
‫أخر‪ ،‬ومع هذا؛ فلها موانع؛ فإن لم يكمل ال السباب‪ ،‬ويدفع الموانع؛ لم‬
‫يحصل المقصود‪ ،‬وهو سبحانه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس‪ ،‬وما شاء‬
‫الناس ل يكون إل أن يشاء ال‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه ل يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إل بعلم‪ ،‬فمن أثبت شيئاً‬
‫ل‪ ،‬مثل من يظن أن النذر سبب في‬ ‫سببًا بل علم أو يخالف الشرع؛ كان مبط ً‬
‫دفع البلء وحصول النعماء‪ ،‬وقد ثبت في "الصحيحين" عن النبي ‪ ‬أنه‬
‫نهى عن الذر‪ ،‬وقال‪" :‬إنه ل يأتي بخير‪ ،‬وإنما يستخرج به من البخيل"‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن العمال الدينية ل يجوز أن يتخذ منها شيء سببًا‪ ،‬إل أن‬
‫تكون مشروعة؛ فإن العبادات مبناها على التوقيف‪ ،‬فل يجوز للنسان أن‬
‫يشرك بال فيدعو غيره‪ ،‬وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض‬
‫أغراضه‪ ،‬ولذلك ل ُيعبد ال بالبدع المخالفة للشريعة‪ ،‬وإن ظن ذلك؛ فإن‬
‫الشياطين قد تعين النسان على بعض مقاصده إذا أشرك‪ ،‬وقد يحصل‬
‫بالكفر والفسوق والعصيان بعض أغراض النسان‪ ،‬فل يحل له ذلك؛ إذ‬
‫المفسدة الحاصلة بذلك أعظم من المصلحة الحاصلة به؛ إذ الرسول ‪‬‬
‫ث بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها‪ ،‬فما أمر ال به‪،‬‬
‫ُبع َ‬
‫)‪(2‬‬
‫فمصلحته راجحة‪ ،‬وما نهى عنه؛ فمفسدته راجحة" اهش كلمه ‪.‬‬

‫‪ ()1‬البقرة‪.164 :‬‬
‫‪ ()2‬انظر الفتاوى ] ‪.[ 138- 137/ 1‬‬
‫‪19‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫والمشركون في قديم الدهر وحديثه إنما وقعوا في الشرك الكبر‬


‫لتعلقهم بأذيال الشفاعة؛ كما ذكر ال ذلك في كتابه؛ والشفاعة التي يظنها‬
‫المشركون أنها لهم هي منتفية يوم القيامة‪ ،‬كما نفاها القرآن وأبطلها في عدة‬
‫مواضع‪:‬‬
‫ن َقْبِل أَنْ‬
‫ن آَمُنوا َأْنِفُقوا ِمّما َرَزْقَناُكْم ِم ْ‬
‫قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن )‪((254‬‬ ‫ظاِلُمو َ‬‫ن ُهُم ال ّ‬ ‫عٌة َواْلَكافُِرو َ‬
‫شَفا َ‬‫خّلٌة َول َ‬ ‫ي َيْوٌم ل َبْيٌع ِفيِه َول ُ‬
‫َيْأِت َ‬
‫)‪.(1‬‬
‫شُروا ِإَلى َرّبِهْم َلْي َ‬
‫س‬ ‫ح َ‬
‫ن ُي ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫خاُفو َ‬
‫ن َي َ‬
‫وقال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَأْنِذْر ِبِه اّلِذي َ‬
‫شِفيٌع()‪.(2‬‬ ‫ي َول َ‬‫ن ُدوِنِه َوِل ّ‬
‫َلُهْم ِم ْ‬
‫فهذه الشفاعة المنفية هي التي تطلب من غير ال‪ ،‬لن ال ‪ -‬جل شأنه‬
‫وعز سلطانه ‪ -‬أثبت الشفاعة في كتابه في عدة مواضع‪:‬‬
‫عْنَدُه إل ِبِإْذِنِه()‪.(3‬‬
‫شَفُع ِ‬
‫ن َذا اّلِذي َي ْ‬
‫كما قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬م ْ‬
‫ضى()‪.(4‬‬
‫ن ارَْت َ‬
‫ن إل ِلَم ِ‬
‫شَفُعو َ‬
‫وقال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬ول َي ْ‬
‫جِميعًا()‪.(5‬‬
‫عُة َ‬
‫شَفا َ‬
‫ل ال ّ‬
‫وقال ‪-‬تعالى‪ُ) :-‬قْل ِّ‬
‫عُتُهْم شَْيئًا‬
‫شَفا َ‬
‫ت ل ُتْغِني َ‬‫سَماَوا ِ‬
‫ك ِفي ال ّ‬ ‫ن َمَل ٍ‬
‫وقال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَكْم ِم ْ‬
‫ضى)‪.(6)((26‬‬ ‫شاُء َوَيْر َ‬ ‫ن َي َ‬
‫ل ِلَم ْ‬
‫ن ا ُّ‬
‫ن َيْأَذ َ‬
‫ن َبْعِد َأ ْ‬
‫إل ِم ْ‬
‫فعلى هذا؛ فالشفاعة شفاعتان‪:‬‬
‫أ‪ -‬شفاعة منفية‪ :‬وهي التي تطلب من غير ال‪.‬‬
‫ب‪ -‬شفاعة مثبتة‪ :‬وهي التي تطلب من ال‪ ،‬ول تكون إل لهل‬
‫التوحيد والخلص‪ ،‬وهي زيادة على ذلك مقيدة بأمرين عظيمين‪:‬‬

‫‪ ()1‬البقرة‪.254 :‬‬
‫‪ ()2‬النعام‪.51 :‬‬
‫‪ ()3‬البقرة‪.255 :‬‬
‫‪ ()4‬النبياء‪.28 :‬‬
‫‪ ()5‬الزمر‪.44 :‬‬
‫‪ ()6‬النجم‪.26 :‬‬
‫‪20‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫عنَْدُه إل‬
‫شَفُع ِ‬
‫ن َذا اّلِذي َي ْ‬
‫الول‪ :‬إذن ال للشافع‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬م ْ‬
‫ِبِإْذِنه()‪.(1‬‬
‫شَفُعونَ‬
‫الثاني‪ :‬رضا الرب عن المشفوع له؛ كما قال –تعالى‪َ) :-‬ول َي ْ‬
‫ضى()‪(2‬؛ أي‪ :‬قوله وعمله‪ ،‬أما المشركون؛ فتكون أعمالهم هباء‬ ‫ن اْرَت َ‬
‫إل ِلَم ِ‬
‫منثورًا‪ ،‬فل شفاعة لهم؛ معاملة لهم بنقيض قصدهم‪ ،‬فمن استعجل شيئًا قبل‬
‫أوانه؛ عوقب بحرمانه‪.‬‬
‫*****‬

‫‪ ()1‬البقرة‪.255 :‬‬
‫‪ ()2‬النبياء‪.28 :‬‬
‫‪21‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض الثالث من نواقض السلم‬

‫قال رحمه ال‪)) :‬من لم يكفر المشركين أو شك في كفره أو صحح‬


‫مذهبهم((‬
‫لن ال ‪-‬جل وعل‪َ -‬كّفرهم في آيات كثيرة من كتابه‪ ،‬وأمر بعداوتهم؛‬
‫لفترائهم الكذب عليه‪ ،‬ولجعلهم شركاء مع ال‪ ،‬وادعائهم بأن له ولدًا‪ ،‬تعالى‬
‫ال عما يقولون علّوا كششبيرًا‪ ،‬وقششد افششترض الش ‪-‬جششل وعل‪ -‬علششى المسششلمين‬
‫معاداتهم وبغضهم‪.‬‬
‫ول يحكم بإسلم المرء حتى ُيَكّفَر المشركين‪ ،‬فإن توّقف في ذلك مع‬
‫ظهور المر فيهم‪ ،‬أو شك في كفرهم مع تبينه؛ فهو مثلهم‪.‬‬
‫أما من صحح مذهبهم‪ ،‬واستحسن ما هم عليه من الكفر والطغيان؛‬
‫فهذا كافر بإجماع المسلمين؛ لنه لم يعرف السلم على حقيقته‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫"الستسلم ل بالتوحيد‪ ،‬والنقياد له بالطاعة‪ ،‬والبراءة من الشرك وأهله"‬
‫ل عن أن يكفرهم‪.‬‬ ‫وهذا والى أهل الشرك‪ ،‬فض ً‬
‫وفي "صحيح مسلم" من طريق مروان الفزاري عن أبي مالك سعد‬
‫ابن طارق عن أبيه؛ قال‪ :‬سمعت رسول ال ‪ ‬يقول‪" :‬من قال ل إله إل‬
‫ال‪ ،‬وكفر بما ُيعد من دون ال‪ ،‬حرم ماله ودمه‪ ،‬وحسابه على ال"‪.‬‬
‫فل ُيكتفى بعصمة دم المسلم أن يقول‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬بل ل بد أن‬
‫يضيف إليها الكفر بما ُيعبد من دون ال‪ ،‬فإن لم يكفر بما ُيعبد من دون ال‪،‬‬
‫ل من أصول ملة‬ ‫لم يحرم دمه وماله‪ ،‬والسيف مسلول عليه؛ لضاعته أص ً‬
‫ن تمييع لها مسايرة‬
‫إبراهيم‪ .‬التي أمرنا باتباعها والسير على منهجها دو َ‬
‫لشهوات أعداء ال‪.‬‬
‫ن َمَعُه ِإذْ‬ ‫سَنٌة ِفي ِإْبَراِهيَم َواّلِذي َ‬
‫ح َ‬‫سَوٌة َ‬‫ت َلُكْم ُأ ْ‬
‫قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬قْد َكاَن ْ‬
‫ل َكَفْرَنا ِبُكْم َوَبَدا َبْيَنَنا‬
‫ن ا ِّ‬‫ن ُدو ِ‬
‫ن ِم ْ‬‫َقاُلوا ِلَقْوِمِهْم ِإّنا ُبَرآُء ِمْنُكْم َوِمّما َتْعُبُدو َ‬
‫حَدُه()‪.(1‬‬‫ل َو ْ‬
‫حّتى ُتْؤِمُنوا ِبا ِّ‬ ‫ضاُء َأَبدًا َ‬‫َوَبْيَنُكُم اْلَعَداَوُة َواْلَبْغ َ‬
‫هذه هي ملة إبراهيم التي من رغب عنها‪ ،‬فقد سفه نفسه‪.‬‬
‫‪()1‬‬
‫الممتحنة‪.4 :‬‬
‫‪22‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫سَ‬
‫ك‬‫سَتْم َ‬
‫ل َفَقِد ا ْ‬
‫ن ِبا ِّ‬
‫ت َوُيْؤِم ْ‬
‫غو ِ‬
‫طا ُ‬
‫ن َيْكُفْر ِبال ّ‬
‫وقال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬فَم ْ‬
‫ِباْلُعْرَوِة اْلُوْثَقى()‪.(1‬‬
‫قال المام محمد بن عبد الوهاب قّدس ال روحه‪" :‬وصفة الكفر‬
‫بالطاغوت‪ :‬أن تعتقد بطلن عبادة غير ال‪ ،‬وتتركها‪ ،‬وتبغضها‪ ،‬وتكفر‬
‫أهلها‪ ،‬وتعاديهم"‬
‫وبهذا البيان يتبين لك ما عليه كثير من حكام البلد التي تنتسب إلى‬
‫السلم؛ لنهم والوا أهل الشراك‪ ،‬وقربوهم‪ ،‬وعظموهم‪ ،‬وجعلوا بينهم‬
‫علقات تدل على أنهم إخوان لهم‪ ،‬إضافة إلى ذلك أنهم عادوا أهل الدين‬
‫وآذوهم وأودعوهم في السجون؛ فهل يبقى إسلم بعد هذا؟!"‪.‬‬
‫صاَرى َأْوِلَياَء‬ ‫خُذوا اْلَيُهوَد َوالّن َ‬ ‫ن آَمُنوا ل َتّت ِ‬ ‫قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫ل ل َيْهِدي اْلَقْوَم‬‫ن ا َّ‬
‫ن َيَتَوّلُهْم ِمْنُكْم َفِإّنُه ِمْنُهْم ِإ ّ‬
‫ض َوَم ْ‬
‫ضُهْم َأْوِلَياُء َبْع ٍ‬
‫َبْع ُ‬
‫ن)‪.(2)((51‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ال ّ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫ن‬ ‫ن َأْوِلَياَء ِم ْ‬
‫ن اْلَكاِفِري َ‬
‫خِذ اْلُمْؤِمُنو َ‬
‫وقال ‪-‬تعالى‪) :-‬ل َيّت ِ‬
‫)‪(3‬‬
‫يٍء( ‪.‬‬ ‫ش ْ‬‫ل ِفي َ‬ ‫ن ا ِّ‬
‫س ِم َ‬‫ك َفَلْي َ‬ ‫ن َيْفَعْل َذِل َ‬
‫ن َوَم ْ‬
‫اْلُمْؤِمِني َ‬
‫فل بد لكل مسلم يدين دين السلم أن ُيَكّفَر المشركين‪ ،‬وأن يعاديهم‪،‬‬
‫وأن يبغضهم‪ ،‬ويبغض من أحبهم‪ ،‬أو جادل عنهم‪ ،‬أو ذهب إلى ديارهم من‬
‫غير عذر شرعي يرضاه ال ورسوله‪.‬‬
‫وعلى المسلمين جميعًا أن يرجعوا إلى دينهم؛ فبه يحصل العز‪ ،‬وبه‬
‫يحصل النصر‪ ،‬وبه تستقيم البلد‪ ،‬وبه يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن‬
‫الذين ينصرون دينه وبين أولياء الشيطان الذين ل يبالون بما جرى على‬
‫الدين إذا سلمت لهم مآكلهم ومشاربهم‪.‬‬
‫ويجب على جميع المسلمين أن يكون لهم أسوة بإبراهيم الخليل )َوِإذْ‬
‫طَرِني َفِإّنُه‬
‫ن )‪ (26‬إل اّلِذي َف َ‬
‫َقاَل ِإْبَراِهيُم َلِبيِه َوَقْوِمِه ِإّنِني َبَراٌء ِمّما َتْعُبُدو َ‬
‫ن)‪(4)((27‬؟!‪.‬‬ ‫سَيْهِدي ِ‬‫َ‬

‫‪ ()1‬البقرة‪.256 :‬‬
‫‪ ()2‬المائدة‪.51 :‬‬
‫‪ ()3‬آل عمران‪.28 :‬‬
‫‪ ()4‬الزخرف‪.27 :‬‬
‫‪23‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وعلينا أن نرجع إلى عقيدتنا وديننا ونمتثل أمر ال –جل وعل – في‬
‫ن اْلُكّفاِر‬
‫ن َيُلوَنُكْم ِم َ‬
‫ن آَمُنوا َقاِتُلوا اّلِذي َ‬
‫حكمه في الكفار‪َ) :‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن)‪. ((123‬‬ ‫ل َمَع اْلُمّتِقي َ‬
‫ن ا َّ‬‫عَلُموا َأ ّ‬
‫ظًة َوا ْ‬ ‫غْل َ‬
‫جُدوا ِفيُكْم ِ‬
‫َوْلَي ِ‬
‫خُذوُهمْ‬‫جْدُتُموُهْم َو ُ‬
‫ث َو َ‬
‫حْي ُ‬
‫ن َ‬ ‫شِرِكي َ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬فاْقُتُلوا اْلُم ْ‬
‫صلَة َوآَتُوا الّزَكاَة‬ ‫ن َتاُبوا َوَأَقاُموا ال ّ‬
‫صٍد َفِإ ْ‬‫صُروُهْم َواْقُعُدوا َلُهْم ُكّل َمْر َ‬
‫ح ُ‬
‫َوا ْ‬
‫سِبيَلُهْم()‪.(2‬‬
‫خّلوا َ‬
‫َف َ‬
‫وكلما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة؛ سّلط ال عليهم‬
‫عدوهم‪ ،‬فلما أعرض كثير من حكام الدول عن تحكيم شرع ال ورضوا‬
‫بالقوانين الوضعية الملعونة الملعون محكمها؛ تدهورت بلدهم وتشتتت‪،‬‬
‫وسامهم العدو سوم العذاب من حيث ل يشعون‪ ،‬لن كثير من الرؤساء ل‬
‫يهمهم إل المحافظة على المناصب التي يتولونها‪ ،‬سواٌء استعز الدين أم ل‪،‬‬
‫مع أن العز والتمكين ل يكون إل بالقيام بنصر هذا الدين؛ لنه فرض لزم‬
‫على كل من له قدرة وملكة يستطيع ذلك‪ ،‬ولكن أكثرهم ل يعلمون‪ ،‬وسبب‬
‫ذلك بطانة السوء مع تقصير كثير من الدعاة إلى ال في التركيز على هذا‬
‫الجانب‪ .‬وال المستعان‪.‬‬
‫وليعلم كل مسلم أن الكفار يسعون سعيًا شديدًا‪ ،‬ويحرصون كل‬
‫الحرص‪ ،‬على إبعاد المسلم عن دينه حسدًا من عند أنفسهم‪ ،‬فإن لم ينتبه‬
‫الغيور على دينه من هذه الرقدة؛ فسوف يعض أصابع الندم حين ل ينفع‪،‬‬
‫ي"‬
‫غِز َ‬‫وسوف يجني ثمرة فعله‪" ,‬ومن لم يغُز ُ‬
‫ويجب على كل عالم وداعية وخطيت وإمام مسجد أن يبين للناس‬
‫خطورة موالة الكفار بالدلة الشرعية من كتاب ال وسنة رسوله‪ ،‬ويبين‬
‫لهم خطورة الذهاب إلى ديارهم‪ ،‬أو استقدامهم إلى ديار المسلمين؛ لن ال‬
‫قطع الموالة والصلة بين المسلم والكافر‪ ،‬حتى ولو كان أقرب قريب؛ كما‬
‫خَواَنُكْم َأْوِلَياَء ِإ ِ‬
‫ن‬ ‫خُذوا آَباَءُكْم َوِإ ْ‬
‫ن آَمُنوا ل َتّت ِ‬
‫قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫)‪(3‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫عَلى اِليَما ِ‬ ‫حّبوا اْلُكْفَر َ‬
‫سَت َ‬
‫ا ْ‬

‫‪ ()1‬التوبة‪.123 :‬‬
‫‪ ()2‬التوبة‪.5 :‬‬
‫‪ ()3‬التوبة‪.23 :‬‬
‫‪24‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ن َم ْ‬
‫ن‬ ‫خِر ُيَواّدو َ‬
‫ل َواْلَيْوِم ال ِ‬ ‫ن ِبا ِّ‬‫جُد َقْومًا ُيْؤِمُنو َ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪) :-‬ل َت ِ‬
‫شيَرَتُهْم‬
‫ع ِ‬
‫خَواَنُهْم َأْو َ‬‫سوَلُه َوَلْو َكاُنوا آَباَءُهْم َأْو َأْبَناَءُهْم َأْو ِإ ْ‬
‫ل َوَر ُ‬‫حاّد ا َّ‬‫َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ح ِمْنُه( ‪.‬‬ ‫ن َوَأّيَدُهْم ِبُرو ٍ‬ ‫ب ِفي ُقُلوِبِهُم اِليَما َ‬‫ك َكَت َ‬‫ُأوَلِئ َ‬
‫عُدّوُكْم َأْوِلَياَء‬‫عُدّوي َو َ‬ ‫خُذوا َ‬ ‫ن آَمُنوا ل َتّت ِ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫سوَل‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫جو َ‬ ‫خِر ُ‬‫ق ُي ْ‬
‫حّ‬ ‫ن اْل َ‬‫جاَءُكْم ِم َ‬ ‫ن ِإَلْيِهْم ِباْلَمَوّدِة َوَقْد َكَفُروا ِبَما َ‬‫ُتْلُقو َ‬
‫سِبيِلي َواْبِتَغاءَ‬ ‫جَهادًا ِفي َ‬ ‫جُتْم ِ‬‫خَر ْ‬ ‫ن ُكْنُتْم َ‬ ‫ل َرّبُكْم ِإ ْ‬
‫ن ُتْؤِمُنوا ِبا ِّ‬
‫َوِإّياُكْم َأ ْ‬
‫ن َيْفَعْلُه‬
‫عَلْنُتْم َوَم ْ‬‫خَفْيُتْم َوَما َأ ْ‬
‫عَلُم ِبَما َأ ْ‬
‫ن ِإَلْيِهْم ِباْلَمَوّدِة َوَأَنا َأ ْ‬
‫سّرو َ‬
‫ضاِتي ُت ِ‬ ‫َمْر َ‬
‫)‪(2‬‬
‫سِبيِل)‪. ((1‬‬ ‫سَواَء ال ّ‬ ‫ضّل َ‬‫ِمْنُكْم َفَقْد َ‬
‫ولذلك قال النبي ‪ ‬فيما رواه عنه الشيخان من حديث أسامة‪" :‬ل‬
‫يرث المسلم الكافر‪ ،‬ول الكافر المسلم"؛ لئل يقع بين المسلم والكافر علئق؛‬
‫حسم النبي ‪ ‬المادة وقطع بينهما التوارث‪.‬‬
‫وقال ‪ ‬فيما صح عنه‪):‬ل يقتل مسلم بكافر()‪ ،(3‬وما ذاك إل لهوان‬
‫الكافر‪.‬‬
‫س()‪(4‬؟!‪.‬‬
‫ج ٌ‬
‫ن َن َ‬
‫شِرُكو َ‬
‫كيف ل‪ ،‬وال ‪-‬جل وعل يقول‪ِ) :‬إّنَما اْلُم ْ‬
‫وليْعلم كل مسلم أن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لن‬
‫يصطلحوا مع المسلمين‪ ،‬ولن يسالموهم ويرضوا عنهم؛ حتى يتبع المسلمون‬
‫ك اْلَيُهوُد َول‬ ‫عْن َ‬
‫ضى َ‬ ‫ن َتْر َ‬
‫ملتهم‪ ،‬ويحذوا حذوهم؛ كما قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَل ْ‬
‫ت َأْهَواَءُهْم‬
‫ن اّتَبْع َ‬
‫ل ُهَو اْلُهَدى َوَلِئ ِ‬‫ن ُهَدى ا ِّ‬ ‫حّتى َتّتِبَع ِمّلَتُهْم ُقْل ِإ ّ‬
‫صاَرى َ‬ ‫الّن َ‬
‫)‪(5‬‬
‫صيٍر)‪. ((120‬‬ ‫ي َول َن ِ‬ ‫ن َوِل ّ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ك ِم َ‬‫ن اْلِعْلِم َما َل َ‬‫ك ِم َ‬ ‫جاَء َ‬
‫َبْعَد اّلِذي َ‬
‫فهذا تهديد من ال ووعيد شديد على من اتبع دين الكفار‪ ،‬وأنه ليس له‬
‫من دون ال ولي ول تصير‪.‬‬

‫‪ ()1‬المجادلة‪.22 :‬‬
‫‪ ()2‬الممتحنة‪.1 :‬‬
‫‪ ()3‬رواه البخاري )‪– 204 /1‬فتح( من حديث أبي جحيفة عن علي به‪.‬‬
‫‪ ()4‬التوبة‪.28 :‬‬
‫‪ ()5‬البقرة‪.120 :‬‬
‫‪25‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وقد أمر النبي ‪ ‬بمفارقة المشركين؛ لئل يصير منهم‪ ،‬بل عظم‬
‫المر وقال‪" :‬أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"‪ .‬قالوا‪ :‬يا‬
‫رسول ال! ِلَم؟ قال‪" :‬ل تراءى ناراهما")‪.(6‬‬
‫وروى النسائي وغيره بسند جيد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن‬
‫ل أو‬‫جده عن النبي ‪ ‬أنه قال‪" :‬ل يقبل ال من مشرك بعدما أسلم عم ً‬
‫يفارق المشركين إلى المسلمين"‪.‬‬
‫ونشكوا إلى ال ‪-‬جل وعل‪ -‬غربة الدين‪ ،‬وتغير أحوال المسلمين فهششم‬
‫يسمعون هذه النصوص الصريحة المخيفة‪ ،‬ومع ذلك يششذهبون إلششى ديششارهم‪،‬‬
‫ويجلسون معهم‪ ،‬ويؤاكلونهم‪ ،‬ويضاحكونهم!‬
‫وقد قال النبي ‪" :‬من جامع المشرك‪ ،‬وسكن معه‪ ،‬فإنه مثله"‪.‬‬
‫رواه أبو داود من حديث سمرة بن جندب‪ ،‬وفيه ضعف‪ ،‬ولكن يشهد‬
‫له ما تقدم‪.‬‬
‫أين ملة إبراهيم؟!‬
‫أين الحب والبغض في ال؟!‬
‫كل هذا ل يرفع به كثير من الناس رأسًا‪.‬‬
‫ول دّر العلمة سليمان بن سمحان حيث يقول‪:‬‬

‫‪ ()6‬رواه‪ :‬أبو داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس‬
‫بن أبي حازم عن جرير به‪ ،‬ورواته ثقات‪ ،‬ولكن أعله الترمذي وغيره‬
‫بالرسال‪ .‬وهو الحق ولكن يشهدله ما بعده‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ت طاِمسا ِ‬
‫ت‬ ‫ح ْ‬ ‫ضَ‬‫عفاًء َفأَ ْ‬ ‫َ‬ ‫جها‬ ‫غودَر َنْه ُ‬ ‫َوِمَلُة إْبراهيَم ُ‬
‫الَمعاِلِم‬ ‫سَف ْ‬
‫ت‬ ‫ف وَقْد َ‬ ‫ت فينا َوَكْي َ‬ ‫عِدَم ْ‬‫َوَقْد ُ‬
‫سواِفي في جَميِع‬ ‫عَلْيها ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ب والُبْغ ُ‬
‫ض‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ال ُ‬‫نإ ّ‬ ‫وَما الّدي ُ‬
‫القاِلِم‬ ‫والَول‬
‫ل غاٍو وآِثِم‬ ‫ن ُك ّ‬‫ك البَرا ِم ْ‬ ‫َكذا َ‬ ‫سٍ‬
‫ك‬ ‫ك ُمَتَم ّ‬‫ن ساِل ٍ‬ ‫س َلها ِم ْ‬ ‫َوَلْي َ‬
‫شِم‬‫ن َها ِ‬ ‫ي اب ِ‬‫حّ‬ ‫طِ‬ ‫ي الْب َ‬ ‫ن الّنِب ّ‬ ‫ِبدي ِ‬ ‫ح ْ‬
‫ت‬ ‫ن واْنَم َ‬ ‫ل بالّدي ِ‬‫حّ‬ ‫سنا َنرى َما َ‬ ‫َفل ْ‬
‫حدى‬ ‫حاُء إ ْ‬ ‫سْم َ‬‫ِبهِ اِلمّلُة ال ّ‬ ‫على الّتقصيِر ِمّنا َوَنْلَتجي‬ ‫سى َ‬ ‫َفنْأ َ‬
‫صِم‬‫الَقوا ِ‬ ‫س ْ‬
‫ت‬ ‫ب اّلتي َق َ‬ ‫ل الُقلو َ‬ ‫شكوا إلى ا ِ‬ ‫فَن ْ‬
‫حو الّذنو ِ‬
‫ب‬ ‫ل في َم ْ‬ ‫إلى ا ِ‬ ‫ضّم ٌ‬
‫خ‬ ‫جاَءنا ُمَت َ‬ ‫سنا إذا َما َ‬ ‫َأَل ْ‬
‫الَعظاِئِم‬ ‫ش إَلْيِهْم بالّتحّيِة والّثنا‬‫َنُه ّ‬
‫ك المآِثِم‬ ‫ب ِتْل َ‬
‫س ُ‬ ‫عَلْيها َك ْ‬‫ن َ‬ ‫َورا َ‬ ‫سِلٍم‬
‫ل ُم ْ‬‫ن ُك ّ‬ ‫وَقْد َبِرئ الَمْعصوُم ِم ْ‬
‫ن ُك ّ‬
‫ل‬ ‫ك ِم ْ‬‫شْر ِ‬ ‫ل ال ّ‬‫ِبأْوضاِر أْه ِ‬ ‫عْنَدنا‬
‫ي ِ‬ ‫شّ‬ ‫ل الَمعي ِ‬ ‫ولِكّنما الَعْق ُ‬
‫ظاِلِم‬
‫ع في إْكراِمِهْم بالَولِئِم‬ ‫وُنْهَر ُ‬
‫غْيَر ُمصاِرِم‬ ‫ك َ‬ ‫شر ِ‬ ‫ُيقيُم ِبداِر ال ّ‬
‫ل آِثِم‬‫ن ُك ّ‬‫ن ِم ْ‬ ‫ساَلَمُة الَعاصي َ‬ ‫ُم َ‬

‫قول الشيخ رحمه ال‪" :‬أو صحح مذهبهم"‪ :‬يدخل فيه ما يدعو إليه‬
‫كثير من أهل هذا الزمان‪ ،‬ممن يدعون إلى الشتراكية‪ ،‬أو يدعو إلى‬
‫العلمانية‪ ،‬أو إلى البعثية؛ فهذه كلها فرق ضالة كافرة‪ ،‬وإن تسمى أصحابها‬
‫باسم السلم؛ لن السماء ل تغير الحقائق‪.‬‬
‫ل بنا في هذا العصر الغريب‪ ،‬فقد انقلبت‬‫ونشكوا إلى ال ما ح ّ‬
‫الموازين فأصبح الكثير يتعاملون مع السماء دون المسميات ومع الدعاوي‬
‫ل ونهارًا سّرا وجهارًا قد صار‬
‫دون البينات‪ .‬فعدو ال الذي يحارب الدين لي ً‬
‫مؤمنًا موحدًا عند الجهال المغفلين وأهل الشهوات‪ ،‬بدعوى أنه يتلفظ‬
‫بالشهادتين‪ ،‬وما يغني عنه تلفظه بالشهادتين وقد صار جندّيا من جنود‬
‫إبليس‪ ،‬وحربًا على هذا الدين بالنفس والمال فال المستعان‪.‬‬
‫*****‬
‫‪27‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض الرابع من نواقض السلم‬

‫قال رحمه ال‪)) :‬ومن اعتقد أن غير هدي النبي ‪ ‬أكمل من هديه‪،‬‬
‫أو حكم غيره أحسن من حكمه؛ كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه((‪.‬‬
‫المسألة الولى‪:‬‬
‫أما المسألة الولى‪ ،‬وهي‪" :‬من اعتقد أن غير هدي النبي ‪ ‬أكمل‬
‫من هديه"‪ ،‬فهي مسألة عظيمة خطيرة‪ ،‬تردي بمعتقدها إلى الجحيم؛ لن‬
‫ذلك مصادمة للمنقول والمعقول‪.‬‬
‫وقد كان النبي ‪ ‬يقول في خطبة الجمعة‪" :‬أما بعد؛ فإن خير‬
‫الحديث كتاب ال‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد"‪.‬‬
‫أخرجه مسلم)‪ (1‬وغيره من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر‬
‫به‪.‬‬
‫فل شك ول ريب أن هدي محمد ‪ ‬أكمل الهدي؛ لنه وحي يوحى‬
‫حى)‪.(2)((4‬‬
‫ي ُيو َ‬
‫حٌ‬‫ن ُهَو إل َو ْ‬
‫إليه؛ كما قال ال –جل وعل‪ِ) :-‬إ ْ‬
‫ولذلك أجمع العلماء الذين يعتد بإجماعهم على أن السنة هي الصل‬
‫الثاني من أصول التشريع السلمي‪ ،‬وأنها مستقلة بتشريع الحكام‪ ،‬وهي‬
‫كالقرآن في التحليل والتحريم‪.‬‬
‫ولذلك جاء عن النبي ‪ ‬أنه قال لعمر لما رأى معه كتابًا أصابه من‬
‫بعض أهل الكتاب ‪ ":‬أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده؛ لقد‬
‫جئتكم بها بيضاء نقية‪ "..‬الحديث‪ ،‬أخرجه أحمد وغيره وفي إسناده مجالد‬
‫بن سعيد قال عنه أحمد ليس بشيء وضعفه يحيى ابن سعيد وابن مهدي‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫فشريعة محمد ‪ ‬ناسخة لجميع الشرائع‪ ،‬وهي أسهلها وأيسرها؛ كما‬
‫قال النبي ‪" :‬أحب الديان إلى ال الحنيفية السمحة"‪.‬‬

‫‪ ()1‬صحيح مسلم ] ‪-6/153‬نووي [‬


‫‪ ()2‬النجم‪.4 :‬‬
‫‪28‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫أخرجه البخاري في "الدب المفرد" وعلقه في صحيحه بصيغة‬


‫الجزم‪ ،‬وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح ] ‪ [ 94 /1‬من حديث ابن عباس‪.‬‬
‫فكيف مع ذلك يكون هدي غيره أكمل من هديه‪ ،‬وقد جاء عنه‬
‫صلوات ال وسلمه عليه أنه قال‪" :‬والذي نفسي بيده؛ لو كان موسى بين‬
‫ل بعيدًا"؟!‬
‫أظهكم‪ ،‬ثم اتبعتموه وتركتموني ‪ ،‬لضللتم ضل ً‬
‫وال ‪-‬جل وعل‪ -‬قد امتن على هذه المة بأن أكمل لها الدين وأتم‬
‫عليها النعمة‪ ،‬وذلك بواسطة محمد ‪.‬‬
‫ضي ُ‬
‫ت‬ ‫عَلْيُكْم ِنْعَمِتي َوَر ِ‬
‫ت َ‬
‫ت َلُكْم ِديَنُكْم َوَأْتَمْم ُ‬
‫فقال ‪-‬تعالى‪) :-‬اْلَيْوَم َأْكَمْل ُ‬
‫سلَم ِدينًا()‪.(1‬‬
‫َلُكُم اِل ْ‬
‫فما رضيه ال لنا؛ فنحن نرضاه؛ لنه الدين الذي أحبه ورضيه وبعث‬
‫به أفضل المرسلين‪.‬‬
‫سلم()‪.(2‬‬
‫ل اِل ْ‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫ن ِ‬
‫ن الّدي َ‬
‫قال ال ‪-‬تعالى‪ِ) :-‬إ ّ‬
‫ن ُيْقَبَل ِمْنُه َوُهَو ِفي‬
‫سلِم ِدينًا َفَل ْ‬
‫غْيَر اِل ْ‬
‫ن َيْبَتِغ َ‬
‫وقال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَم ْ‬
‫)‪(3‬‬
‫ن)‪. ((85‬‬ ‫سِري َ‬
‫خا ِ‬
‫ن اْل َ‬
‫خَرِة ِم َ‬
‫ال ِ‬
‫فكل من ابتغى غير هذا الدين؛ فهو من الكافرين‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪:‬‬
‫وأما المسألة الثانية‪ ،‬وهي‪" :‬من اعتقد أن حكم غيره أحسن من‬
‫حكمه‪ ،‬كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه"‪ ،‬فهذا كافر بإجماع أهل‬
‫العلم‪ ،‬ومن هؤلء الكفار الذين يفضلون أحكام الطواغيت الوضعية على‬
‫حكم رسول ال ‪ ‬فهؤلء كفار؛ لتفضيلهم أحكام أناس مثلهم ‪-‬بل قد‬
‫يكونون دونهم‪ -‬على حكم رسول رب العالمين‪ ،‬الذي بعثه ال هدى‬
‫للعالمين‪ ،‬وليخرج الناس من الظلمات إلى النور‪.‬‬

‫‪ ()1‬المائدة‪.3 :‬‬
‫‪ ()2‬آل عمران‪.19 :‬‬
‫‪ ()3‬آل عمران‪.85 :‬‬
‫‪29‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ت ِإَلى‬
‫ظُلَما ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ج الّناسَ ِم َ‬
‫خِر َ‬
‫ك ِلُت ْ‬
‫ب َأْنَزْلَناُه ِإَلْي َ‬
‫قال ‪-‬تعالى‪) :-‬الر ِكَتا ٌ‬
‫)‪(1‬‬
‫حِميِد)‪. ((1‬‬ ‫ط اْلَعِزيِز اْل َ‬ ‫صَرا ِ‬‫ن َرّبِهْم ِإَلى ِ‬
‫الّنوِر ِبِإْذ ِ‬
‫وينبغي لكل مسلم ومسلمه أن يعلم أن حكم ال ورسوله مقدٌم على كل‬
‫حكٍم‪ ،‬فما من مسألة تقع بين الناس؛ إل ومردها إلى حكم ال ورسوله‪ ،‬فمن‬
‫تحاكم إلى غير حكم ال ورسوله؛ فهو كافر؛ كما ذكر ال ذلك في سورة‬
‫النساء‪:‬‬
‫ن َأّنُهْم آَمُنوا ِبَما ُأْنِزَل ِإَلْي َ‬
‫ك‬ ‫عُمو َ‬‫ن َيْز ُ‬‫فقال –تعالى‪َ) :-‬أَلْم َتَر ِإَلى اّلِذي َ‬
‫ت َوَقْد ُأِمُروا َأ ْ‬
‫ن‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫حاَكُموا ِإَلى ال ّ‬ ‫ن َيَت َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ك ُيِريُدو َ‬ ‫ن َقْبِل َ‬
‫َوَما ُأْنِزَل ِم ْ‬
‫ضلًل َبِعيدًا)‪ ((60‬الية إلى أن قال‬ ‫ضّلُهْم َ‬ ‫ن ُي ِ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫طا ُ‬‫شْي َ‬
‫َيْكُفُروا ِبِه َوُيِريُد ال ّ‬
‫جَر َبْيَنُهْم ُثّم ل‬
‫شَ‬ ‫ك ِفيَما َ‬ ‫حّكُمو َ‬‫حّتى ُي َ‬‫ن َ‬ ‫ك ل ُيْؤِمُنو َ‬ ‫جل وعل‪َ) :‬فل َوَرّب َ‬
‫سِليمًا)‪.(2)((65‬‬ ‫سّلُموا َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫ضْي َ‬ ‫حَرجًا ِمّما َق َ‬ ‫سِهْم َ‬ ‫جُدوا ِفي َأْنُف ِ‬ ‫َي ِ‬
‫أقسم ال ‪-‬جل وعل‪ -‬بنفسه أنهم ل يؤمنون حتى يستكملوا ثلثة‬
‫أشياء‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يحكموا الرسول ‪ ‬في جميع المور‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ل يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضى به‪.‬‬
‫ل لحكمه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يسلموا تسليمًا كام ً‬
‫وكيف يرضى العاقل أن تجري عليه أحكام المخلوقين التي هي ُنحاتة‬
‫ل من حكم ال الذي أنزله على رسوله‪ ،‬ليخرج الناس‬ ‫أفكار وزبالة أذهان بد ً‬
‫من الظلمات إلى النور؟!‬
‫وكذلك أيضًا فإن أحكام المخلوقين مبنية على الظلم والجور وأكل‬
‫أموال الناس بالباطل‪.‬‬

‫‪ ()1‬إبراهيم‪.1 :‬‬
‫‪ ()2‬النساء‪ :‬اليات ‪.65-60‬‬
‫‪30‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وانظروا ماذا حل بكثير من الدول لما خرجوا عن حكم ال ورسوله‪،‬‬


‫ورضوا بأحكام المخلوقين؟! الظلم ديدنهم‪ ،‬والباطل والفجور جاٍر بينهم؛ من‬
‫غير منكر ول نكير‪ ،‬نشأ على هذا الصغير‪ ،‬وهِرم عليه الكبير‪ ،‬حتى تغيرت‬
‫فطرهم‪ ،‬فهم يعيشون معيشة بهيمية‪ ،‬وهكذا يعيش كل من خرج عن حكم ال‬
‫ورسوله ‪.‬‬
‫ن)‬
‫ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ‬
‫ل َفُأوَلِئ َ‬
‫حُكْم ِبَما َأْنَزَل ا ُّ‬
‫ن َلْم َي ْ‬
‫قال ال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَم ْ‬
‫‪.(1)((44‬‬
‫والحكم بما أنزل ال‪ ،‬واعتقاد أن حكم الرسول أحسن من حكم غيره‪:‬‬
‫من مقتضيات شهادة أن )ل إله إل ال(‪ ،‬ومن زعم أن حكم غير الرسول‬
‫أحسن من حكم الرسول؛ فهذا لم يعرف معنى )ل إله إل ال(‪ ،‬بل أتى بما‬
‫ط من شروط هذه الكلمة العظيمة‪ ،‬التي بها قامت‬‫يناقضها؛ لن النقياد شر ٌ‬
‫السماوات والرض‪ ،‬ومن أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب‪ ،‬ومن أجلها‬
‫شرع الجهاد‪ ،‬ومن أجلها افترق الناس إلى شقي وسعيد‪ ،‬فمن عرفها وعمل‬
‫ل شروطها وأركانها؛ فقد تبرأ من حكم غير ال والرسول‪.‬‬ ‫بها مستكم ً‬
‫وقد تغيرت الحوال‪ ،‬خصوصًا في هذا الزمان الذي يشبه أزمان‬
‫الفترات‪ ،‬فاعتاضوا عن كلم ال ورسوله وحكم ال ورسوله بآراء اليهود‬
‫ل ول ذمة‪ ،‬ورضوا بتحكيم آراء‬ ‫والنصارى‪ ،‬الذين ل يرقبون في مؤمن إ ّ‬
‫الرجال‪.‬‬
‫)( المائدة‪ .44 :‬قال شيخ السلم في القتضاء ] ‪ ] [ 208 1‬وفرق بين الكفر المعروف‬ ‫‪1‬‬

‫باللم كما في قوله ‪" ‬ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إل ترك الصلة" وبين كفر‬
‫منكر في الثبات [ ا‪ .‬هش فالكفر المعرف باللف واللم ل يحتمل في الغالب إل الكبر‬
‫ن( فيمن حكم بغير ما أنزل ال‪ ،‬وما جاء عن ابن عباس‬ ‫ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ‬
‫كقوله تعالى‪َ) :‬فُأوَلِئ َ‬
‫رضي ال عنه من قوله )كفر دون كفر( فل يثبت عنه فقد رواه الحاكم في مستدركه )‪/2‬‬
‫‪ (313‬من طريق هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس به وهشام ضعفه أحمد‬
‫ويحيى‪ .‬وقد خولف فيه أيضًا فرواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن طاوس عن‬
‫ن)‬‫ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ‬
‫ل َفُأوَلِئ َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫حُكْم ِبَما َأْنَز َ‬
‫ن َلْم َي ْ‬
‫أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى‪َ) :‬وَم ْ‬
‫‪ ((44‬قال هي كفر‪ ،‬وهذا هو المحفوظ عن ابن عباس أي أن الية على إطلقها‪،‬وإطلق‬
‫الية يدل على أن المراد بالكفر هو الكبر إذ كيف يقال بإسلم من نحى الشرع واعتاض‬
‫عنه بآراء اليهود والنصارى وأشباههم‪ .‬فهذا مع كونه تبديل للدين المنزل هو إعراض‬
‫أيضًا عن الشرع المطهر‪ ،‬وهذا كفر آخر مستقل‪ .‬وأما ما رواه ابن جرير في تفسيره عن‬
‫ابن عباس أنه قال )ليس كمن كفر بال واليوم الخر وبكذا وبكذا( فليس مراده أن الحكم‬
‫بغير ما أنزل ال كفر دون كفر‪ .‬ومن فهم هذا فعليه الدليل وإقامة البرهان على زعمه‪،‬‬
‫والظاهر من كلمه أنه يعني أن الكفر الكبر مراتب متفاوتة بعضها أشد من بعض‪ ،‬فكفر‬
‫من كفر بال وملئكته واليوم الخر أشد من كفر الحاكم بغير ما أنزل ال‪ .‬ونحن نقول‬
‫أيضًا‪ :‬إن كفر الحاكم بغير ما أنزل ال أخف من كفر من كفر بال وملئكته‪ ..‬ول يعني هذا‬
‫أن الحاكم مسلم وأن كفره كفر أصغر‪ ،‬كل بل هو خارج عن الدين لتنحيته الشرع‪ ،‬وقد نقل‬
‫ابن كثير الجماع على هذا‪ ،‬فانظر البداية والنهاية ] ‪.[ 119 / 13‬‬
‫‪31‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ول در العلمة ابن القيم حيث يقول‪:‬‬


‫ل الَعْفِو والُغْفرانِ‬ ‫سبي ِ‬
‫َلَعلى َ‬ ‫ب فإّنها‬
‫خْوِفي الّذنو َ‬
‫ل َما َ‬‫وا ِ‬
‫ي والُقْرآ ِ‬
‫ن‬ ‫حِ‬ ‫حكيِم َهذا الَو ْ‬‫َت ْ‬ ‫عْ‬
‫ن‬ ‫ب َ‬
‫خ الَقل ِ‬
‫سل َ‬‫خشى اْن ِ‬ ‫لِكّنما أ ْ‬
‫ك ِبِمّنِة الَمّنا ِ‬
‫ن‬ ‫ن َذا َ‬
‫ل كا َ‬ ‫صها‬
‫خْر ِ‬‫ل َو َ‬
‫َوِرضًا ِبآراِء الّرجا ِ‬

‫فإلى ال المشتكى‪ ،‬وبه المستعان‪ ،‬وعليه التكلن‪ ،‬ول حول ول قوة‬


‫إل بال‪.‬‬
‫ويدخل فيما تقدم من الكفر والضلل قول من يقول‪ :‬إن إنفاذ حكم ال‬
‫في رجم الزاني المحصن وقطع يد السارق ل يناسب هذا العصر الحاضر؛‬
‫فزماننا قد تغير عن زمن الرسول والدول الغربية تعيبنا في هذا!! فهذا‬
‫المارق قد زعم أن حكم أهل هذا العصر أحسن من حكم النبي ‪ ‬وأهدى‬
‫ل‪.‬‬
‫سبي ً‬
‫وكذلك يدخل في ذلك من قال‪ :‬إنه يجوز في هذا العصر الحكم بغير‬
‫ما أنزل ال!! لنه قد استحل محرمًا مجمعًا على تحريمه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*****‬
‫‪32‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض الخامس من نواقض السلم‬

‫قال ‪-‬رحمه ال‪)) :-‬من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول ‪ ‬ولو‬
‫عمل به؛ كفر((‪.‬‬
‫وهذا باتفاق العلماء؛ كما نقل ذلك صاحب "القناع" وغيره‪.‬‬
‫وبغض شيء مما جاء به الرسول ‪- ‬سواء كان من القوال أو‬
‫الفعال‪ -‬نوع من أنواع النفاق العتقادي الذي صاحبه في الدرك السفل من‬
‫النار‪.‬‬
‫فمن أبغض شيئًأ مما جاء به الرسول ‪ ،‬أمرًا كان أونهيًا؛ فهو على‬
‫خطر عظيم‪.‬‬
‫فمن ذلك ما يتفوه به كثير من الكتاب الملحدين الذين تغذوا بألبان‬
‫الفرنج‪ ،‬وخلعوا ربقة السلم من رقابهم من كراهيتهم لتعدد الزوجات؛‬
‫فهم يحاربون تعدد الزوجات بشتى الوسائل‪ ،‬وما يعلم هؤلء أنهم يحاربون‬
‫ال ورسوله‪ ،‬وأنهم يردون على ال أمره‪.‬‬
‫ومثل هؤلء في الكفر والبغض لما جاء به الرسول من يكره كون‬
‫المرأة ليست بمنزلة الرجل؛ ككرههم أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل‪،‬‬
‫وأن شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد‪ ،‬وغير ذلك؛ فهم مبغضون لقول‬
‫النبي ‪:‬‬
‫"ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من‬
‫إحداكن‪ "..‬الحديث‪ ،‬متفق عليه‪ ،‬من حديث أبي سعيد الخدري رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫فلذلك تجدهم يمدون ألسنتهم نحو هذا الحديث العظيم‪ :‬إما بصرفه عن‬
‫ظاهره‪ ،‬وإما بتضعيفه‪ ،‬بحجة أن العقل يخالفه‪ ،‬وإما بمخالفته للواقع‪ ..‬وغير‬
‫ذلك مما هو دال ومؤكد لبغضهم لما جاء به الرسول‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وهؤلء كفار‪ ،‬وإن عملوا بمدلول النص‪ ،‬فهم لم يستكملوا شروط )ل‬
‫إله إل ال( لن من شروطها‪ :‬المحبة لما دلت عليه‪ ،‬والسرور بذلك‪،‬‬
‫وانشراح الصدر‪ ،‬وهؤلء ضاقت صدورهم وحرجت وأبغضوا ما دلت‬
‫عليه وهذا هو عين فعل المنافقين‪ ،‬الذين يفعلون كثيرًا من محاسن الشريعة‬
‫الظاهرة لشيء ما‪ ،‬مع بغضهم لها‪.‬‬
‫ولذلك قال النبي ‪" :‬من قال‪ :‬ل إله إل ال خالصًا من قلبه؛ دخل‬
‫الجنة")‪ ،(1‬فقوله‪" :‬خالصًا من قلبه" خرج بذلك المنافق؛ لنه لم يقلها‬
‫خالصة من قلبه‪ ،‬إنما قالها ليعصم دمه وماله‪.‬‬
‫قال ال ‪-‬تعالى‪ -‬حاكمًا بكفر من كره ما أنزل على رسوله‪َ) :‬والِّذينَ‬
‫حَب َ‬
‫ط‬ ‫ل َفَأ ْ‬
‫ك ِبَأّنُهْم َكِرُهوا َما َأْنَزَل ا ُّ‬
‫عَماَلُهْم )‪َ (8‬ذِل َ‬
‫ضّل َأ ْ‬
‫َكَفُروا َفَتْعسًا َلُهْم َوَأ َ‬
‫عَماَلُهْم)‪.(2)((9‬‬ ‫َأ ْ‬
‫فششال ‪-‬جششل وعل‪ -‬أحبششط أعمششالهم‪ ،‬وجعلهششا هبششاًء منثششورًا؛ بسششبب‬
‫كراهيتهم ما أنششزل علششى رسششوله مششن القششرآن الششذي جعلششه الش فششوزًا وفلحشًا‬
‫للمتمسكين به‪ ،‬المؤتمرين بأمره‪ ،‬المنتهين عن نهيه‪.‬‬
‫وكل من كره ما أنزل ال؛ فعمله حابط‪ ،‬وإن عمل بما كره؛ كما قال‬
‫عَماَلُهْم‬
‫ط َأ ْ‬
‫حَب َ‬
‫ضَواَنُه َفَأ ْ‬
‫ل َوَكِرُهوا ِر ْ‬
‫ط ا َّ‬
‫خَ‬
‫سَ‬
‫ك ِبَأّنُهُم اّتَبُعوا َما َأ ْ‬
‫–تعالى‪َ) :-‬ذِل َ‬
‫)‪.(3)((28‬‬
‫وهذا من أعظم ما يخيف المسلم‪ :‬أن يكون كارهاً لما جاء به الرسول‬
‫‪.‬‬
‫وقد يكمن هذا في النفس‪ ،‬ول يشعر به إل بعد برهة من عمره‪ ،‬ولذلك‬
‫ينبغي الكثار من قوله‪" :‬يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك"؛ لن‬
‫القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء‪.‬‬

‫‪ ()1‬رواه‪ :‬أحمد )‪ ،(236 / 5‬وابن حبان )‪ (429 / 1‬من طريق سفيان عن‬
‫عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله‪ ،‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()2‬محمد‪.9-8 :‬‬
‫‪ ()3‬محمد‪.28 :‬‬
‫‪34‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ومما ينبغي التنبيه عليه أن كثيرًا من الناس قد تبين له منكرًا ما‪،‬‬


‫فيرفض القبول‪ ،‬ول يقبل ما تقول؛ خصوصًا عند ارتكابه‪ ،‬فهذا ل يطلق‬
‫عليه أنه مبغض لما جاء به الرسول دون تفصيل؛ لنه قد ل يقبل الحق الذي‬
‫جئته به‪ ،‬ل لنه حق‪ ،‬ولكن لسوء تصرفك في المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬فلو جاءه غيرك‪ ،‬وبّين له نفس المنكر‪ ،‬لقبل وانقاد‪ ،‬أو أنه ل يقبل‬
‫منك لما بينك وبينه من شيء ما‪ ،‬فهذا ل يسمى مبغضاً لما جاء به الرسول‬
‫‪.‬‬
‫وهناك من الناس من ُيلِزُم صاحب المعصية بما ل َيْلَزُم‪ ،‬فُيلِزُم حالق‬
‫ل وغيرهم ببغض ما جاء به‬ ‫اللحية ومسبل الزار وشارب الخمر مث ً‬
‫الرسول ‪ ‬من المر بإعفاء اللحية وعدم السبال والنهي عن شرب‬
‫الخمر‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬لول أنكم تبغضون ما جاء به محمد ‪ ،‬لما فعلتم هذه‬
‫المنكرات‪.‬‬
‫وهذا إلزام باطل؛ فهناك من الصحابة من حصلت منه بعض‬
‫ل‪ -‬ولم يلزمه أحد من الصحابة بذلك اللزام‪،‬‬
‫المخالفات –كشرب الخمر مث ً‬
‫بل لما أتى بشارب الخمر إلى النبي ‪ ،‬ولعنه بعض الصحابة وقال‪ :‬ما‬
‫أكثر ما ُيؤتى به! نهاه النبي ‪‬عن لعنه‪ ،‬وقال‪" :‬إنه يحب ال ورسوله" ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وإلزام هؤلء بذلك يقتضي إخراج أهل الكبائر من السلم‪ ،‬وهذا‬


‫مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة من أن أهل الكبائر تحت المشيئة‪ :‬إن‬
‫شاء ال عفا عنهم وإن شاء عذبهم على قدر جرمهم‪ ،‬ثم مآلهم إلى الجنة‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫*****‬

‫‪ ()1‬رواه البخاري )‪ / 12‬رقم ‪– 6780‬الفتح( من طريق سعيد بن أبي هلل‬


‫عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب به‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض السادس من نواقض السلم‬

‫قال رحمه ال‪)) :‬من استهزأ بشيء من دين الرسول ‪ ،‬أو ثوابه‪،‬‬
‫سوِلِه ُكْنُتْم‬
‫ل َوآَياِتِه َوَر ُ‬
‫أو عقابه؛ كفر‪ ،‬والدليل قوله –تعالى‪ُ) :-‬قْل َأِبا ِّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن )‪ (65‬ل َتْعَتِذُروا َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم( ‪.‬‬
‫سَتْهِزُئو َ‬
‫َت ْ‬
‫الستهزاء بشيء مما جاء به الرسول كفر بإجماع المسششلمين‪ ،‬ولششو لششم‬
‫يقصد حقيقة الستهزاء؛ كما لو هزل مازحًا‪.‬‬
‫وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم عن عبد ال‬
‫ابن عمر؛ قال‪ :‬قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يومًا‪ :‬ما رأينا مثل‬
‫قرائنا هؤلء‪ :‬أرغب بطونًا‪ ،‬ول أكذب ألسنًا‪ ،‬ول أجبن عند اللقاء‪ .‬فقال‬
‫رجل في المجلس‪ :‬كذبت! ولكنك منافق‪ ،‬لخبرن رسول ال ‪ .‬فبلغ ذلك‬
‫رسول ال ‪ ،‬ونزل القرآن‪ .‬قال عبد ال‪ :‬فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة‬
‫رسول ال ‪ ‬والحجارة تنكبه وهو يقول‪ :‬يا رسول ال! إنما كنا نخوض‬
‫ن)‪.(2)((65‬‬ ‫سَتْهِزُئو َ‬
‫سوِلِه ُكْنُتْم َت ْ‬ ‫ونلعب‪ ،‬والنبي ‪ ‬يقول‪َ) :‬أِبا ِّ‬
‫ل َوآَياِتِه َوَر ُ‬
‫فقششولهم‪" :‬إنمششا كنششا نخششوض ونلعششب"؛ أي‪ :‬إننششا لششم نقصششد حقيقششة‬
‫الستهزاء‪ ،‬وإنما قصدنا الخوض واللعب‪ ،‬نقطع به عناء الطريششق‪ ،‬كمششا فششي‬
‫بعض روايات الحديث‪ ،‬ومع ذلك كّفرهم ال ‪-‬جل وعل‪-‬؛ لن هششذا البششاب ل‬
‫يدخله الخششوض واللعششب؛ فهششم كفششروا بهششذا الكلم‪ ،‬مششع أنهششم كششانوا مششن قبششل‬
‫مؤمنين‪.‬‬
‫وأما قول من قال‪" :‬إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولً‬
‫بقلوبهم"؛ فقد رده شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه ال‪ ،-‬وقال‪" :‬إن اليمان‬
‫باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر‪ ،‬فل ُيقال‪َ) :‬قْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم()‪،(3‬‬
‫فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس المر")‪.(4‬‬
‫‪ ()1‬التوبة‪.66 – 65 :‬‬
‫‪ ()2‬التوبة‪.65 :‬‬
‫‪ ()3‬التوبة‪.66 :‬‬
‫‪ ()4‬وقال رحمه الله في كتاب "اليمان" )ص ‪ (273‬على هذه الية‪) :‬قَد ْ‬
‫مان ِك ُ ْ‬
‫م‪ (...‬الية‪.‬‬ ‫م ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫كَ َ‬
‫فْرت ُ ْ‬
‫ً‬
‫"دل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا‪ ،‬بل ظنوا أن ذلك ليس‬
‫بكفر‪ ،‬فبين أن الستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد‬
‫إيمانه‪ ،‬فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف‪ ،‬ففعلوا هذا المحرم الذي‬
‫‪36‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫فمن استهزأ بشيء مما جاء به الرسول ‪‬؛ كالستهزاء بالعلم‬


‫الشرعي وأهله لجله‪ ،‬وكالستهزاء بثواب ال وعقابه‪ ،‬والستهزاء‬
‫بالمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أجل أمرهم به أو نهيهم عنه‪،‬‬
‫وكالستهزاء بالصلة سواء كانت نافلة أو فريضة‪ ،‬وكذلك الستهزاء‬
‫بالمصلين لجل صلتهم‪،‬وكذلك الستهزاء بمن أعفى لحيته لجل إعفائها‪،‬‬
‫أو بتارك الربا لجل تركه؛ فهو كافر‪.‬‬
‫والستهزاء بشيء مما جاء به الرسول ‪ ‬من صفات المنافقين؛ كما‬
‫ن )‪َ (29‬وِإَذا‬ ‫حُكو َ‬ ‫ضَ‬ ‫ن آَمُنوا َي ْ‬ ‫ن اّلِذي َ‬
‫جَرُموا َكاُنوا ِم َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫قال ‪-‬تعالى‪ِ) :-‬إ ّ‬
‫ن )‪َ (31‬وِإَذا‬ ‫ن )‪َ (30‬وِإَذا اْنَقَلُبوا ِإَلى َأْهِلِهُم اْنَقَلُبوا َفِكِهي َ‬ ‫َمّروا ِبِهْم َيَتَغاَمُزو َ‬
‫ن )‪(33‬‬
‫ظي َ‬ ‫حاِف ِ‬‫عَلْيِهْم َ‬
‫سُلوا َ‬ ‫ن )‪َ (32‬وَما ُأْر ِ‬ ‫ضاّلو َ‬ ‫ن َهُؤلِء َل َ‬ ‫َرَأْوُهْم َقاُلوا ِإ ّ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫ظُرو َ‬‫ك َيْن ُ‬‫عَلى اَلَراِئ ِ‬‫ن )‪َ (34‬‬ ‫حُكو َ‬ ‫ضَ‬ ‫ن اْلُكّفاِر َي ْ‬‫ن آَمُنوا ِم َ‬ ‫َفاْلَيْوَم اّلِذي َ‬
‫ن)‪.(1)((36‬‬ ‫ب اْلُكّفاُر َما َكاُنوا َيْفَعُلو َ‬ ‫َهْل ُثّو َ‬
‫وقد قسم غير واحد من أهل العلم)‪ (2‬الستهزاء بشيء مما جاء به‬
‫الرسول ‪ ‬إلى قسمين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬الستهزاء الصريح؛ كالذي نزلت فيه الية وهو قولهم‪" :‬ما‬
‫رأينا مثل قرائنا هؤلء‪ :‬أرغب بطونًا‪ ،‬ول أكذب ألسنًا‪ ،‬ول أجبن عند‬
‫اللقاء"‪ ،‬أو نحو ذلك من أقوال المستهزئين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬غير الصريح‪ :‬وهو البحر الذي ل ساحل له‪ ،‬مثل‪ :‬الرمز‬
‫بالعين‪ ،‬وإخراج اللسان‪ ،‬ومد الشفة‪ ،‬والغمزة باليد عند تلوة كتاب ال أو‬
‫سنة رسول ال ‪ ‬أو عند المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫ويجب على كل مسلم أن يصارم المستهزئين بدين ال وبما جاء به‬
‫الرسول ‪ ،‬ولو كانوا أقرب الناس إليه‪ ،‬وأن ل يجالسهم‪ ،‬لئل يكون منهم؛‬
‫ت ا ِّ‬
‫ل‬ ‫سِمْعُتْم آَيا ِ‬
‫ن ِإَذا َ‬
‫ب َأ ْ‬
‫عَلْيُكْم ِفي اْلِكَتا ِ‬
‫كما قال ال ‪-‬جل وعل‪َ) :-‬وَقْد َنّزَل َ‬
‫غْيِرِه ِإّنُكْم‬
‫ث َ‬‫حِدي ٍ‬
‫ضوا ِفي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫حّتى َي ُ‬
‫سَتْهَزُأ ِبَها َفل َتْقُعُدوا َمَعُهْم َ‬
‫ُيْكَفُر ِبَها َوُي ْ‬
‫)‪(3‬‬
‫جِميعًا)‪. ((140‬‬ ‫جَهّنَم َ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫ن َواْلَكاِفِري َ‬
‫جاِمُع اْلُمَناِفِقي َ‬
‫ل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ِإذًا ِمْثُلُهْم ِإ ّ‬
‫عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفرا ً وكان كفرا ً كفروا به‪ ،‬فإنهم لم‬
‫يعتقدوا جوازه"‪.‬‬
‫‪ ()1‬المطففين‪.36-29 :‬‬
‫‪ ()2‬منهم المام محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬كما في "حكم المرتد" )ص ‪،(105‬‬
‫وحمد بن عتيق‪ ،‬كما في "مجموعة التوحيد"‪.‬‬
‫‪ ()3‬النساء‪. 140 :‬‬
‫‪37‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫فمن سمع آيات ال يكفر بها‪ ،‬ويستهزأ بها وهو جالس معهم مع رضاه‬
‫بالجلوس معهم‪ ،‬فهو مثلهم في الثم والكفر والخروج عن السلم؛ كما قال‬
‫جُهْم()‪ ،(4‬أي‪ :‬شبهاءهم ونظراءهم‪.‬‬
‫ظَلُموا َوَأْزَوا َ‬
‫ن َ‬
‫شُروا اّلِذي َ‬
‫ح ُ‬
‫–تعالى‪) :-‬ا ْ‬
‫*****‬

‫‪ ()4‬الصافات‪.22 :‬‬
‫‪38‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض السابع من نواقض السلم‬

‫قال ‪-‬رحمه ال ‪)) :-‬السحر‪ ،‬ومنه الصرف والعطف‪ ،‬فمن فعله أو‬
‫حُ‬
‫ن‬‫حّتى َيُقول ِإّنَما َن ْ‬
‫حٍد َ‬
‫ن َأ َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫رضي به؛ كفر‪ ،‬والدليل قول ال‪َ) :‬وَما ُيَعّلَما ِ‬
‫ِفْتَنٌة َفل َتْكُفر()‪.(((1‬‬
‫السحر ُيطلق في اللغة على ما خفي ولطف مأخذه ودق‪.‬‬
‫ومنه قول العرب في الشيء إذا كان شديدًا خفاؤه‪" :‬أخفى من‬
‫السحر"‪.‬‬
‫ومنه قول مسلم بن الوليد النصاري‪:‬‬

‫‪ ()1‬البقرة‪.102 :‬‬
‫‪39‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫مصائد لحظ هن أخفى من‬ ‫جعلت علمات المودة بيننا‬


‫السحر وأعرف منها الهجر في‬ ‫فأعرف منها الوصل في لين‬
‫النظر الشزر‬ ‫طرفها‬

‫عقٌد ورقى يتوصل بها الساحر إلى استخدام‬


‫وتعريفه في الشرع‪ُ :‬‬
‫الشياطين لتضر المسحور‪.‬‬
‫وقيل في تعريفه غير ذلك‪.‬‬
‫ولكن قال الشنقيطي ‪-‬رحمه ال‪" :-‬اعلم أن السحر ل يمكن حّده بحد‬
‫جامع مانع؛ لكثرة النواع المختلفة الداخلة تحته‪ ،‬ول يتحقق قدر مشترك‬
‫بينها يكون جامعًا لها مانعًا لغيرها‪ ،‬ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في‬
‫حدة اختلفًا متباينًا")‪.(1‬‬
‫ومن السحر الصرف والعطف‪:‬‬
‫ل عن محبة زوجته‬
‫فالصرف‪ :‬صرف الرجل عما يهواه؛ كصرفه مث ً‬
‫إلى بغضها‪.‬‬
‫والعطف‪ :‬عمل سحري كالصرف‪ ،‬ولكنه يعطف الرجل عما ل يهواه‬
‫إلى محبته بطرق شيطانية‪.‬‬
‫والسحر محرم في جميع شرائع الرسل‪.‬‬
‫*****‬

‫‪ ()1‬أضواء البيان‪.444 / 4 :‬‬


‫‪40‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫فصل‬

‫تتعلق بالسحر عدة مسائل‪ ،‬نذكرها مع إردافها بشيء من أقوال‬


‫العلماء؛ لهمية هذا الباب‪ ،‬ولنتشاره في غالب أقطار الرض‪ .‬فنقول‪:‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬هل للسحر حقيقة؟‬
‫ت ِفي اْلُعَقِد)‪ (1)((4‬على أن‬
‫شّر الّنّفاَثا ِ‬
‫ن َ‬
‫قد دل قوله ‪-‬جل وعل‪َ) :-‬وِم ْ‬
‫للسحر حقيقة‪ ،‬وإل‪ ،‬لم يأمر ال بالستعاذة منه‪.‬‬
‫ن اْلَمْرءِ‬
‫ن ِبِه َبْي َ‬
‫ن ِمْنُهَما َما ُيَفّرُقو َ‬
‫وكذلك قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬فَيَتَعّلُمو َ‬
‫جِه()‪ ،(2‬فهذه الية تدل عل أن للسحر حقيقة تكون سبباً للتفريق بين‬ ‫َوَزْو ِ‬
‫المرء وزوجه‪.‬‬
‫ومما يدل أيضًا على أن له حقيقة‪ :‬حديث عائشة ‪-‬رضي ال عنها‪:-‬‬
‫"أن النبي ‪ُ ‬‬
‫سحَر‪ ،‬حتى إنه لُيخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله‪ ،‬وأنه‬
‫قال لها ذات يوم‪ :‬أتاني ملكان‪ ،‬فجلس أحدهما عند رأسي‪ ،‬والخر عند‬
‫رجلي‪ ،‬فقال‪ :‬ما وجع الرجل؟ قال‪ :‬مطبوب‪ .‬قال‪ :‬من طّبه؟ قال‪ :‬لبيد ابن‬
‫العصم في مشط ومشاطة‪ ،‬وفي جف طلعة في بئر ذروان"‪.‬‬
‫رواه‪ :‬المام أحمد والبخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهذا القول هو قول أهل السنة‪ ،‬وعليه جمهور علماء المسلمين‪.‬‬
‫وذهب بعضهم إلى أنه ل حقيقة له‪ ،‬وهو مذهب المعتزلة المنعزلة‬
‫حِرِهْم أَّنَها‬
‫سْ‬
‫ن ِ‬
‫خّيُل ِإَلْيِه ِم ْ‬
‫عن الكتاب والسنة‪ ،‬واستدلوا بقوله ‪-‬تعالى‪ُ) :-‬ي َ‬
‫سَعى)‪ ،(3)((66‬ولم يقل‪ :‬تسعى على الحقيقة‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن السحر إنما هو‬ ‫َت ْ‬
‫ب من الشعوذة!‬ ‫تمويه وتخيل وإيهام لكون الشيء ل حقيقة له‪ ،‬وأنه ضر ٌ‬

‫‪ ()1‬الفلق‪.4 :‬‬
‫‪ ()2‬البقرة‪.102 :‬‬
‫‪ ()3‬طه‪.66 :‬‬
‫‪41‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال)‪" :(1‬وهذا خلف ما تواترت به الثار‬
‫عن الصحابة والسلف‪ ،‬واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وأرباب‬
‫القلوب من أهل التصوف‪ ،‬وما يعرفه عامة العقلء‪ ،‬والسحر الذي يؤثر‬
‫ل وعقدًا وحّبا وبغضًا وتزييفًا وغير ذلك من الثار موجود‬
‫ل وح ّ‬
‫مرضًا وثق ً‬
‫تعرفه عامة الناس‪ "..‬إلخ كلمه‪.‬‬
‫وقال القرطبي بعدما ذكر قول المعتزلة واستدللهم‪" :‬وهذا ل حجة‬
‫فيه؛ لنا ل ننكر أن يكون التخيل وغيره من جملة السحر‪ ،‬ولكن ثبت وراء‬
‫ذلك أمور جّوزها العقل‪ ،‬وورد بها السمع‪:‬‬
‫فمن ذلك ما جاء في هذه الية من ذكر السحر وتعليمه )يعني‪ :‬قوله‬
‫ن ِبَباِبَل َهاُروتَ‬
‫عَلى اْلَمَلَكْي ِ‬‫حَر َوَما ُأْنِزَل َ‬‫سْ‬
‫س ال ّ‬ ‫ن الّنا َ‬‫‪-‬تعالى‪ُ) :-‬يَعّلُمو َ‬
‫ن ِفْتَنٌة َفل َتْكُفْر( الية)‪،((2‬‬ ‫حُ‬ ‫حّتى َيُقول ِإّنَما َن ْ‬‫حٍد َ‬
‫ن َأ َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ت َوَما ُيَعّلَما ِ‬
‫َوَماُرو َ‬
‫ولو لم يكن له حقيقة؛ لم يمكن تعليمه‪ ،‬ول أخبر أنهم يعلمونه الناس‪ ،‬فدل‬
‫على أن له حقيقة‪.‬‬
‫ظيٍم)‪.(3)((116‬‬
‫عِ‬
‫حٍر َ‬
‫سْ‬
‫جاُءوا ِب ِ‬
‫وقوله ‪-‬تعالى‪ -‬في قصة فرعون‪َ) :‬و َ‬
‫وسورة الفلق‪ ،‬مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من‬
‫سحر لبيد بن العصم"‪.‬‬
‫ثم ساق الحديث ‪-‬وقدمناه‪ -‬ثم قال‪" :‬وفيه أن النبي ‪ ‬قال لما حل‬
‫السحر‪" :‬إن ال شفاني" والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض‪ ،‬فدل‬
‫على أن له حّقا وحقيقة‪ ،‬فهو مقطوع به‪ ،‬بإخبار ال تعالى ورسوله عن‬
‫وجوده ووقوعه‪ ،‬وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الجماع‪ ،‬ول‬
‫عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق‪ "..‬إلخ‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬في حكم الساحر‪:‬‬
‫اختلف العلماء رحمهم ال في الساحر‪ :‬هل يكفر أم ل؟‬

‫‪" ()1‬بدائع الفوائد" )‪.(227 / 2‬‬


‫‪ ()2‬البقرة‪.102 :‬‬
‫‪ ()3‬العراف‪.116 :‬‬
‫‪42‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ظاهر كلم المصنف ‪-‬رحمه ال‪ -‬أنه يكفر؛ لقوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَما‬
‫ن ِفْتَنٌة َفل َتْكُفْر()‪ ،(1‬وهو مذهب المام‬
‫حُ‬
‫حّتى َيُقول ِإّنَما َن ْ‬
‫حٍد َ‬
‫ن َأ َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ُيَعّلَما ِ‬
‫أحمد ‪-‬رحمه ال‪ -‬ومالك وأبي حنيفة‪ ،‬وعليه الجمهور‪.‬‬
‫وذهب الشافعي ‪-‬رحمه ال‪ -‬إلى أنه إذا تعلم السحر‪ ،‬يقال له‪ :‬صف‬
‫لنا سحرك‪ .‬فإن وصف ما يستوجب الكفر ‪-‬مثل سحر أهل بابل من التقرب‬
‫للكواكب‪ ،‬وأنها تفعل ما يطلب منها‪-‬؛ فهو كافر‪ ،‬وإن كان ل يصل إلى حد‬
‫الكفر واعتقد إباحته‪ ،‬فهو كافر لستحلله المحرم‪ ،‬وإل؛ فل‪.‬‬
‫وقال العلمة الشنقيطي رحمه ال‪" :‬التحقيق في هذه المسألة هو‬
‫التفصيل‪:‬‬
‫فإن كان السحر مما ُيعظم فيه غير ال‪ ،‬كالكواكب والجن وغير ذلك‬
‫مما يؤّدى إلى الكفر؛ فهو كفر بل نزاع‪ ،‬ومن هذا النوع سحر هاروت‬
‫وماروت المذكور في سورة البقرة؛ فإنه كفر بل نزاع؛ كما دل عليه قوله‬
‫حَر(‬‫سْ‬ ‫س ال ّ‬
‫ن الّنا َ‬‫ن َكَفُروا ُيَعّلُمو َ‬
‫طي َ‬‫شَيا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ن َوَلِك ّ‬‫سَلْيَما ُ‬
‫‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَما َكَفَر ُ‬
‫ن ِفْتَنٌة َفل‬
‫حُ‬
‫حّتى َيُقول ِإّنَما َن ْ‬
‫حٍد َ‬ ‫ن َأ َ‬
‫ن ِم ْ‬ ‫)‪ ،(2‬وقوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَما ُيَعّلَما ِ‬
‫خَرِة ِم ْ‬
‫ن‬ ‫شَتَراُه َما َلُه ِفي ال ِ‬ ‫نا ْ‬‫عِلُموا َلَم ِ‬‫َتْكُفْر()‪ ،(3‬وقوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَلَقْد َ‬
‫ث َأَتى)‪.(5)((69‬‬ ‫حْي ُ‬‫حُر َ‬
‫سا ِ‬‫ح ال ّ‬ ‫ق()‪ ،(4‬وقوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬ول ُيْفِل ُ‬ ‫خل ٍ‬
‫َ‬
‫وإن كان السحر ل يقتضي الكفر؛ كالستعانة بخواص بعض الشياء‬
‫من دهانات وغيرها؛ فهو حرام حرمة شديدة‪ ،‬ولكنه ل يبلغ بصاحبه الكفر‪.‬‬
‫وهذا هو التحقيق إن شاء ال)‪ (6‬تعالى في هذه المسألة التي اختلف‬
‫فيها العلماء" اهش كلمه رحمه ال‪.‬‬

‫‪ ()1‬البقرة‪.102 :‬‬
‫‪ ()2‬البقرة‪.102 :‬‬
‫‪ ()3‬البقرة‪.102 :‬‬
‫‪ ()4‬البقرة‪.102:‬‬
‫‪ ()5‬طه‪.69 :‬‬
‫‪ ()6‬أضواء البيان‪.456 / 4 :‬‬
‫‪43‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫واعلم أن الساحر على كل الحالتين يجب قتله على القول الصحيح‪،‬‬


‫لنه مفسد في الرض‪ ،‬يفرق بين المرء وزوجه‪ ،‬وبقاؤه على وجه الرض‬
‫فيه خطر كبير وفساد عظيم على الفراد والمجتمعات ففي قتله قطع لفساده‬
‫وإراحة للعباد والبلد من خبثه‪ ،‬وسيأتي إن شاء ال أنه ليس بين الصحابة‬
‫اختلف في قتل الساحر‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬في قتل الساحر والساحرة‪:‬‬
‫قد اختلف العلماء ‪-‬رحمهم ال‪ -‬في هذه المسألة على قولين‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬وهو قول الجمهور‪ :‬إنه يقتل‪ ،‬وبه قال مالك وأحمد‬
‫رحمهما ال‪.‬‬
‫ل يبلغ به الكفر‪ ،‬وهو قول‬
‫القول الثاني‪ :‬إنه ل يقتل إل إذا عمل عم ً‬
‫الشافعي رحمه ال‪.‬‬
‫واحتج أصحاب القول الول بأدلة‪:‬‬
‫‪ -‬منها ما رواه الترمذي والحاكم وابن عدي والدار قطني وغيرهم‬
‫من طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن جندب؛ قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال ‪" :‬حد الساحر ضربه بالسيف"‪.‬‬
‫قال الترمذي‪" :‬ل نعرفه مرفوعًا إل من هذا الوجه‪ ،‬وإسماعيل بن‬
‫مسلم المكي يضعف في الحديث‪ ،‬والصحيح عن جندب موقوف"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإسماعيل بن مسلم‪ :‬قال عنه أحمد منكر الحديث وقال ابن‬
‫معين ليس بشيء‪ .‬وقال الذهبي‪) :‬متفق على تضعيفه(‪.‬‬
‫‪ -‬واستدلوا أيضًا بما رواه أحمد وغيره بسند صحيح عن بجالة؛ قال‪:‬‬
‫"أتانا كتاب عمر قبل موته بسنة‪ :‬أن اقتلوا كل ساحر‪) ,‬وربما قال سفيان‪:‬‬
‫وساحرة(‪ ،‬وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس‪ ،‬وانهوهم عن الزمزة‪.‬‬
‫فقتلنا ثلث سواحر‪ "..‬الحديث)‪.(1‬‬

‫‪ ()1‬الحديث مخرج في "البخاري" ولكن في بعض النسخ ليس فيه‪" :‬اقتلوا‬


‫كل ساحر" والثر أخرجه أيضا ً أبو داود؛ فليعلم‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫‪ -‬واستدلوا أيضًا بما جاء عن حفصة ‪-‬رضي ال عنها‪ -‬أنها أمرت‬


‫بقتل جارية لها سحرتها‪.‬‬
‫وهذا الثر رواه مالك في "الموطأ" وسنده منقطع‪ ،‬ورواه عبد ال بن‬
‫المام أحمد في "المسائل" والبيهقي عنها بسند صحيح‪ ،‬وصححه شيخ‬
‫السلم محمد بن عبد الوهاب في "كتاب التوحيد"‪.‬‬
‫وهذا القول ‪-‬وهو قتل الساحر مطلقًا‪ -‬هو الصواب‪ ،‬ول ُيعَلم لعمر‬
‫وجندب وحفصة ‪-‬رضي ال عنهم‪ -‬مخالف من الصحابة‪ ،‬وقد جاء عن‬
‫النبي ‪ ‬أنه قال‪" :‬اقتدوا باللذين من بعدي‪ :‬أبي بكر وعمر)‪ ،(1‬وقال‪" :‬إن‬
‫ال جعل الحق على لسان عمر وقلبه")‪ ،(2‬وهذا حديث صحيح‪.‬‬
‫وأما الذين قالوا‪ :‬إن الساحر ل يقتل إذا لم يبلغ بسحره الكفر‪ ،‬فاستدلوا‬
‫بقول النبي ‪" :‬ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث‪ :‬الثيب الزاني‪،‬‬
‫والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة"‪.‬‬
‫رواه‪ :‬البخاري‪ ،‬ومسلم‪ .‬وفي الستدلل به نظر من وجوه كثيرة‪.‬‬
‫وأما عدم قتل النبي ‪ ‬للبيد بن العصم‪ ،‬فهو خشية إثارة الفتنة‪،‬‬
‫وال أعلم‪ ،‬مع أن بعض العلماء قال‪ :‬هذا خاص بالذمي‪ ،‬والصواب أن‬
‫الذمي والمسلم سواء في قتلهم‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬حل السحر عن المسحور‪:‬‬
‫وهي النشرة‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم ‪-‬رحمه ال‪" :-‬حل السحر عن المسحور نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬حل بسحر مثله‪ ،‬وهو الذي من عمل الشيطان‪ ،‬وعليه يحمل‬
‫قول الحسن )وهو‪ :‬ل يحل السحر إل ساحر(‪ ،‬فيتقرب الناشر والمنتشر إلى‬
‫الشيطان بما يحب‪ ،‬فيبطل عمله عن المسحور‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬النشرة بالرقية والتعويذات والدوية والدعوات المباحة؛‬
‫فهذا جائز"‪.‬‬
‫‪ ()1‬رواه‪ :‬أحمد )‪ ،(399 / 5‬والترمذي )‪ -147 / 10‬تحفة الحوذي(‪.‬‬
‫‪ ()2‬رواه الترمذي )‪ – 169 /1‬تحفة الحوذي(‪ ،‬وقال‪" :‬حديث حسن صحيح‬
‫غريب"‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫أما ما رواه البخاري في "صحيحه" معلقًا‪" :‬عن قتادة‪ :‬قلت لبن‬


‫المسيب‪ :‬رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته؛ أيحل عنه أو ينشر؟ قال ل بأس‬
‫به‪ ،‬إنما يريدون به الصلح‪ ،‬فأما ما ينفع‪ ،‬فلم ينه عنه"‪.‬‬
‫فهو محمول على نوع من النشرة ل محذور فيه؛ لن الحديث قد صح‬
‫سئل عن النشرة‪" :‬هي من عمل الشيطان"‪.‬‬‫عن النبي ‪ ‬أنه قال لما ُ‬
‫رواه أحمد في "مسنده")‪ (3‬وأبو داود من طريق أحمد عن عبد الرزاق‬
‫حدثنا عقيل بن معقل سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر عن النبي ‪‬‬
‫به‪ ،‬وسنده حسن‪.‬‬
‫وأما الذهاب إلى السحرة والكهان والمنجمين والعرافين لسؤالهم فهذا‬
‫جرم عظيم وخطأ كبير‪ ،‬يترتب عليه عدم قبول صلة أربعين ليلة‪ ،‬لما روى‬
‫مسلم في صحيحه )‪ (2230‬من حديث يحيى بن سعيد عن عبيد ال عن نافع‬
‫عن صفية عن بعض أزواج النبي ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪" :‬من أتى عرافًا‬
‫فسأله عن شيء لم تقبل له صلة أربعين ليلة"‪.‬‬
‫وأما إن سألهم وصّدقهم فهو كافر بما أنزل على نبينا محمد ‪ ‬لما‬
‫رواه الحاكم )‪ (1/8‬بسند صحيح من طريق عوف عن خلس ومحمد عن‬
‫أبي هريرة قال قال رسول ال ‪ ":‬من أتى عرافًا أو كاهناً فصدقه فيما‬
‫يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ‪ ‬وروى البزار )‪ (2/443‬بسند صحيح‬
‫عن ابن مسعود موقوفًا " من أتى كاهنًا أو ساحرًا فصدقه بما يقول فقد كفر‬
‫بما أنزل على محمد ‪.‬‬
‫*****‬

‫‪.(294/ 3) ()3‬‬
‫‪46‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض الثامن من نواقض السلم‬

‫قال رحمه ال‪)) :‬مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين‪،‬‬


‫ل ل َيْهِدي اْلَقْوَم‬
‫ن ا َّ‬
‫ن َيَتَوّلُهْم ِمْنُكْم َفِإّنُه ِمْنُهْم ِإ ّ‬
‫والدليل قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَم ْ‬
‫ن)‪.(1)((51‬‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ال ّ‬
‫قوله‪" :‬المظاهرة"‪ ،‬أي‪ :‬المناصرة‪.‬‬
‫ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين فتنة عظيمة قد عمت‬
‫فأعمت‪ ،‬ورزية رمت فأصمت‪ ،‬وفتنة دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون‬
‫بحب المشركين‪ ،‬ول سيما في هذا الزمن‪ ،‬الذي كثر فيه الجهل‪ ،‬وقل فيه‬
‫العلم‪ ،‬وتوفرت فيه أسباب الفتن‪ ،‬وغلب الهوى واستحكم‪ ،‬وانطمست أعلم‬
‫السنن والثار‪.‬‬
‫وعندي أن هذا كله بسبب العراض عن تعلم العلوم الشرعية‪،‬‬
‫والقبال على تعلم العلوم اليونانية والفلسفية‪ ،‬فل حول ول قوة إل بال‪ ،‬عاد‬
‫المعروف منكرًا‪ ،‬والمنكر معروفًا‪ ،‬نشأ على هذا الصغير‪ ،‬وهرم عليه‬
‫الكبير‪ ،‬فصاحب الحق اليوم غريب بين الناس‪ ،‬غريب بين أهله‪ ،‬إن طلب‬
‫مساعدًا‪ ،‬لم يجده‪ ،‬وإن طلب صاحب سنة‪ ،‬لم يحصله إل بكلفة ومشقة‪،‬‬
‫استحكمت غربة السلم‪ ،‬وعاد السلم غريباً كما بدأ‪ ،‬فطوبى للغرباء‪،‬‬
‫الذين يصلحون ما أفسد الناس‪.‬‬
‫ومن ذلك)‪ (2‬التحذير من مظاهرة المشركين على المسلمين‬
‫ومعاونتهم؛ لن مظاهرتهم ردة عن السلم‪.‬‬
‫سئل العلمة عبد ال بن عبد اللطيف عن الفرق بين الموالة‬‫وقد ُ‬
‫ب عنهم‬
‫والتولي؟ فأجاب بأن التولي‪" :‬كفر يخرج عن الملة‪ ،‬وهو كالّذ ّ‬
‫وإعانتهم بالمال والبدن والرأي"‪.‬‬

‫‪ ()1‬المائدة‪.51 :‬‬
‫‪ ()2‬أي‪ :‬الصلح‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ولو أن المسلمين صاروا يدًا واحده على هؤلء الطغاة المجرمين‪،‬‬


‫وتناصروا فيما بينهم وتعاونوا‪ ،‬لصار للسلم والمسلمين شأن غير ما نحن‬
‫فيه الن‪ ،‬ولصار الكفار أذلء‪ ،‬يدفعون الجزية كما كانوا يدفعونها للنبي ‪‬‬
‫ن إعانة الكفار تكون بكل شيء‬ ‫ولصحابه عن يد وهم صاغرون ‪ ,‬ثم اعلم أ ّ‬
‫عَدد‪.‬‬
‫عَدٍد و ُ‬
‫يستعينون به ويتقوون به على المسلمين من َ‬
‫*****‬
‫‪48‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض التاسع من نواقض السلم‬

‫قال رحمه ال‪)) :‬من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن‬
‫شريعة محمد ‪ ‬كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه‬
‫السلم فهو كافر((‪.‬‬
‫سَتِقيمًا‬
‫طي ُم ْ‬
‫صَرا ِ‬
‫ن َهَذا ِ‬
‫وذلك لتضمنه تكذيب قول ال تعالى‪َ) :‬وَأ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫سِبيِلِه( ‪.‬‬‫ن َ‬‫عْ‬‫ق ِبُكْم َ‬
‫سُبَل َفَتَفّر َ‬
‫َفاّتِبُعوُه َول َتّتِبُعوا ال ّ‬
‫وأخرج أحمد وأبو داود والطيالسي والدارمي وغيرهم عن ابن‬
‫طا‪ ،‬ثم قال‪" :‬هذا‬ ‫مسعود ‪-‬رضي ال عنه‪-‬؛ قال "خط لنا رسول ال ‪ ‬خ ّ‬
‫سبيل ال" ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله‪ ،‬ثم قال‪" :‬هذه سبل‬
‫طي‬
‫صَرا ِ‬
‫ن َهَذا ِ‬
‫متفرقة‪ ،‬على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه"‪ ،‬ثم قرأ‪َ) :‬وَأ ّ‬
‫سِبيِلِه()‪.(2‬‬
‫ن َ‬
‫عْ‬
‫ق ِبُكْم َ‬
‫سُبَل َفَتَفّر َ‬
‫سَتِقيمًا َفاّتِبُعوُه َول َتّتِبُعوا ال ّ‬
‫ُم ْ‬
‫وأخرجه الحاكم وقال‪" :‬صحيح السناد"‪.‬‬
‫فمن رغب الخروج عن شريعة محمد ‪ ،‬أو ظن الستغناء عنها؛‬
‫فقد خلع ربقة السلم من عنقه‪.‬‬
‫وقد بوب المام محمد بن عبد الوهاب رحمه ال في "فضل السلم"‬
‫بابًا عظيمًا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫")باب وجوب الستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه("‪:‬‬
‫ول شك أن الكتاب يأمرنا بمتابعة الرسول ‪ ،‬وعدم الخروج عن‬
‫طاعته‪ ،‬بل إن الخروج عن طاعته من السباب الموجبة للنار؛ كما في‬
‫"مسند أحمد" و"صحيح البخاري" عن أبي هريرة ‪-‬رضي ال عنه‪-‬؛ قال‪:‬‬
‫قال رسول ال ‪" :‬كل أمتي يدخلون الجنة؛ إل من أبى"‪ .‬قالوا‪ :‬ومن يأبى‬
‫يا رسول ال؟ قال‪" :‬من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"‪.‬‬

‫‪ ()1‬النعام‪.153 :‬‬
‫‪ ()2‬النعام‪.153 :‬‬
‫‪49‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ب ِتْبَيانًا‬
‫ك اْلِكَتا َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ثم ساق الشيخ ‪-‬رحمه ال‪ -‬قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَنّزْلَنا َ‬
‫يٍء( الية)‪.(1‬‬
‫ش ْ‬
‫ِلُكّل َ‬
‫روى النسائي وغيره عن النبي ‪ :‬أنه رأى في يد عمر بن الخطاب‬
‫رضي ال عنه ورقة من التوراة‪ ،‬فقال‪ :‬أمتهوكون يا ابن الخطاب؟! لقد‬
‫جئتكم بها بيضاء نقية‪ ،‬ولو كان موسى حّيا‪ ،‬واتبعتموه‪ ،‬وتركتموني‪،‬‬
‫لضللتم"‪.‬‬
‫وفي رواية‪" :‬ولو كان موسى حّيا‪ ،‬ما وسعه إل اتباعي"‪ .‬فقال عمر‪:‬‬
‫رضيت بال رّبا‪ ،‬وبالسلم دينًا‪ ،‬وبمحمد نبّيا‪.‬‬
‫وهذا الحديث نص على أنه ل يسع أحدًا الخروج عن شريعة محمد‬
‫‪ ‬والدلة على هذا كثيرة‪.‬‬
‫ولما كان الصحابة رضي ال عنهم أعلم الناس بال‪ ،‬وأقوى الناس‬
‫إيمانًا؛ ما كانوا يعرفون غير اتباعه واحترامه وتوقيره واتباع النور الذي‬
‫أنزل إليه‪ ،‬وما ذاك إل لن ال اصطفاهم لصحبة نبيه؛ فقد أخرج المام‬
‫أحمد والبزار وغيرهما بسند حسن عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه؛‬
‫قال‪" :‬إن ال نظر في قلوب العباد‪ ،‬فوجد قلب محمد ‪ ‬خير قلوب العباد‪،‬‬
‫فاصطفاه لنفسه‪ ،‬فابتعثه برسالته‪ ،‬ثم نظر في قلوب العباد‪ ،‬فوجد قلوب‬
‫أصحابه خير قلوب العباد‪ ،‬فجعلهم وزراء نبيه‪ ،‬يقاتلون على دينه فما رأى‬
‫المسلمون حسنًا؛ فهو عند ال حسن‪ ،‬وما رأوا سيئًا؛ فهو عند ال سيئ"‪.‬‬
‫وافترض ال على جميع الناس طاعته‪ ،‬فمنهم من أطاع‪ ،‬ومنهم من‬
‫عصى‪.‬‬
‫وانقسمت المة إلى قسمين‪:‬‬
‫أ‪ -‬أمة إجابة‪ ،‬وهم الذين أطاعوه واتبعوا النور الذي معه‪.‬‬
‫ب‪ -‬وأمة دعوة‪ ،‬وهم الذين استكبروا عن طاعته ومتابعته‪.‬‬

‫‪ ()1‬النحل‪.89 :‬‬
‫‪50‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه ال‪ -‬بعد كلم سبق)‪" :(1‬ومن‬
‫هؤلء من يظن أن الستمساك بالشريعة أمرًا ونهياً إنما يجب عليه ما لم‬
‫يحصل له من المعرفة أو الحال‪ ،‬فإذا حصل له؛ لم يجب عليه حينئذ‬
‫الستمساك بالشريعة النبوية‪ ،‬بل له حينئذ أن يمشي مع الحقيقة الكونية‬
‫القدرية‪ ،‬أو يفعل بمقتضى ذوقه ووجده وكشفه ورأيه؛ من غير اعتصام‬
‫بالكتاب والسنة‪ ،‬وهؤلء منهم من يعاقب بسلب حاله حتى يصير منقوصًا‬
‫عاجزًا محرومًا‪ ،‬ومنهم من يعاقب بسلب الطاعة حتى يصير فاسقًا‪ ،‬ومنهم‬
‫من يعاقب بسلب اليمان حتى يصير مرتدًا منافقًا أو كافرًا معلنًا‪ ،‬وهؤلء‬
‫كثيرون جّدا‪ ،‬وكثير من هؤلء يحتج بقصة موسى والخضر"‪.‬‬
‫وقال ‪-‬رحمه ال‪ -‬بعد هذا الكلم بورقة‪" :‬وأما احتجاجهم بقصة‬
‫موسى والخضر‪ ،‬فيحتجون بها على وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يقولوا‪ :‬إن الخضر كان مشاهدًا الرادة الربانية الشاملة‬
‫والمشيئة اللهية العامة ‪-‬وهي الحقيقة الكونية‪ -‬فلذلك سقط عنه الملم فيما‬
‫خالف فيه المر والنهي الشرعي‪ ،‬وهو من عظيم الجهل والضلل‪ ،‬بل من‬
‫عظيم النفاق والكفر؛ فإن مضمون هذا الكلم‪ :‬أن من آمن بالقدر‪ ،‬وشهد أن‬
‫ال رب ك شيء؛ لم يكن عليه أمر ول نهي وهذا كفر بجميع كتب ال‬
‫ورسوله وما جاؤوا به من المر والنهي‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫وأما الوجه الثاني‪ :‬فإن من هؤلء من يظن أن من الولياء من يسوغ‬
‫له الخروج عن الشريعة النبوية كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة‬
‫موسى‪ ،‬وأنه قد يكون للولي في المكاشفة والمخاطبة ما يستغني به عن‬
‫متابعة الرسول في عموم أحواله أو بعضها‪ ،‬وكثير منهم يفضل الولي في‬
‫زعمه ‪-‬إما مطلقًا وإما من بعض الوجوه‪ -‬على النبي؛ زاعمين أن في قصة‬
‫الخضر حجة لهم‪.‬‬
‫وكل هذه المقالت من أعظم الجهالت والضللت‪ ،‬بل من أعظم‬
‫علم بالضطرار من دين السلم أن‬ ‫أنواع النفاق واللحاد والكفر‪ ،‬فإنه قد ُ‬
‫رسالة محمد بن عبد ال ‪ ‬لجميع الناس؛ عربهم وعجمهم‪ ،‬وملوكهم‬
‫وزهادهم؛ وعلمائهم وعامتهم‪ ،‬وأنها باقية دائمة إلى يوم القيامة‪ ،‬بل عامة‬
‫الثقلين الجن والنس‪ ،‬وأنه ليس لحد من الخلئق الخروج عن متابعته‬
‫وطاعته وملزمته ما يشرعه لمته من الدين‪ ،‬وما سنه لهم من فعل‬
‫المأمورات وترك المحظورات‪ ،‬بل لو كان النبياء المتقدمون قبله أحياء؛‬
‫لوجب عليهم متابعته ومطاوعته"‪.‬‬

‫‪" ()1‬الفتاوى" )‪– 418 / 11‬التصوف(‪.‬‬


‫‪51‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫إلى أن قال رحمه ال‪" :‬بل قد ثبت بالحاديث الصحيحة‪ :‬أن المسيح‬
‫عيسى ابن مريم‪ :‬إذا نزل من السماء؛ فإنه يكون متبعاً لشريعة محمد بن عبد‬
‫ال ‪.‬‬
‫فإذا كان ‪ ‬يجب اتباعه ونصره على من يدركه من النبياء؛ فكيف‬
‫بمن دونهم؟!‬
‫بل مما ُيعلم بالضطرار من دين السلم أنه ل يجوز لمن بلغته‬
‫دعوته أن يتبع شريعة رسول غيره؛ كموسى وعيسى؛ فإذا لم يجز الخروج‬
‫عن شريعته إلى شريعة رسول فكيف بالخروج عنه والرسل‪."..‬‬
‫إلى أن قال‪" :‬ومما يبين الغلط الذي وقع لهم في الحتجاج بقصة‬
‫موسى والخضر على مخالفة الشريعة‪ :‬أن موسى عليه السلم لم يكن مبعوثًا‬
‫إلى الخضر‪ ،‬ول أوجب ال على الخضر متابعته وطاعته‪ ،‬بل قد ثبت في‬
‫"الصحيحين" أن الخضر قال له‪ :‬يا موسى! إني على علم من علم ال‬
‫علمنيه ال ل تعلمه‪ ،‬وأنت على علم من علم ال علمكه ال ل أعلمه"‪ ،‬وذلك‬
‫أن دعوة موسى كانت خاصة‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحاح من غير وجه عن النبي ‪ :‬أنه قال فيما فضله‬
‫ال به على النبياء؛ قال‪" :‬كان النبي يبعث إلى قومه خاصة‪ ،‬وبعثت إلى‬
‫الناس عامة"‪.‬‬
‫فدعوة محمد ‪ ‬شاملة لجميع العباد‪ ،‬ليس لحد الخروج عن متابعته‬
‫وطاعته‪ ،‬ول استغناء عن رسالته‪ ،‬كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة‬
‫موسى وطاعته؛ مستغنيًا عنه بما علمه ال‪ ،‬وليس لحد ممن أدركه السلم‬
‫أن يقول لمحمد‪ :‬إنني على علم من علم ال علمنيه ال ل تعلمه‪ ،‬ومن سوغ‬
‫هذا‪ ،‬أو اعتقد أن أحدًا من الخلق الزهاد والعباد أو غيرهم له الخروج عن‬
‫دعوة محمد ‪ ‬ومتابعته؛ فهو كافر باتفاق المسلمين‪ ،‬ودلئل هذا في الكتاب‬
‫والسنة أكثر من أن تذكر هنا‪.‬‬
‫وقصة الخضر ليس فيها خروج عن الشريعة‪ ،‬ولهذا؛ لما بين الخضر‬
‫لموسى السباب التي فعل لجلها ما فعل؛ وافقه موسى‪ ،‬ولم يختلفا حينئذ‪،‬‬
‫ولو كان ما فعله الخضر مخالفًا لشريعة موسى‪ ،‬لما وافقه‪ "..‬اهش المقصود‬
‫من كلمه رحمه ال‪ ،‬وفيه البيان الشافي في هذه المسألة العظيمة‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وبهذا يتبن أنه ل يجوز لحد أن يدعي الخروج عن شريعة محمد‪،‬‬


‫حّتى َيْأِتَي َ‬
‫ك‬ ‫ك َ‬
‫عُبْد َرّب َ‬
‫كما يدعيه غلة الصوفية‪ ،‬ويفسرون قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وا ْ‬
‫ن )‪(1)((99‬؛ أي‪ :‬العلم والمعرفة‪ ،‬ويجوزون لمن حصل عنده علم‬ ‫اْلَيِقي ُ‬
‫ومعرفة الخروج عن شريعة محمد ‪ ،‬ويسقطون عنه التكاليف‪ ،‬وهذا كفر‬
‫وخروج عن السلم باتفاق العلماء‪.‬‬
‫وما أحسن ما قاله العلمة ابن القيم في "نونيته"‪:‬‬
‫جاء الرسول به لقول فلن‬ ‫فالكفر ليس سوى العناد ورد ما‬
‫قد قالها فتبوء بالخسران‬ ‫فانظر لعلك هكذا دون التي‬

‫فإذا كان رد ما جاء به الرسول كفرًا‪ ،‬فكيف بالخروج عن شريعته‬


‫بالكلية؟ فال المستعان‪.‬‬

‫‪ ()1‬الحجر‪.99 :‬‬
‫‪53‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫الناقض العاشر من نواقض السلم‬

‫قال رحمه ال‪)) :‬العراض عن دين ال تعالى؛ ل يتعلمه‪ ،‬ول يعمل‬


‫ض‬
‫عَر َ‬
‫ت َرّبِه ُثّم َأ ْ‬
‫ن ذُّكَر ِبآيا ِ‬
‫ظَلُم ِمّم ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫به‪ ،‬والدليل قوله –تعالى‪َ) :-‬وَم ْ‬
‫ن)‪.(1)((22‬‬ ‫ن ُمْنَتِقُمو َ‬
‫جِرِمي َ‬
‫ن اْلُم ْ‬
‫عْنَها ِإّنا ِم َ‬
‫َ‬
‫والمراد بالعراض الذي هو ناقض من نواقض السلم‪ :‬هو‬
‫العراض عن تعلم أصل الدين الذي به يكون المرء مسلمًا‪ ،‬ولو كان جاه ً‬
‫ل‬
‫بتفاصيل الدين؛لن هذا قد ل يقوم به إل العلماء وطلبة العلم‪.‬‬
‫سئل العلمة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن‬
‫وقد ُ‬
‫العراض الذي هو ناقض من نواقض السلم؟‬
‫فأجاب‪" :‬إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتًا عظيمًا‪ ،‬وتفاوتهم بحسب‬
‫درجاتهم في اليمان إذا كان أصل اليمان موجودًا‪ ،‬والتفريط والشرك إنما‬
‫هو فيما دون ذلك من الواجبات والمستحبات‪ ،‬وأما إذا عدم الصل الذي‬
‫يدخل به في السلم‪ ،‬وأعرض عن هذا بالكلية؛ فهذا كفر إعراض‪ ،‬فيه قوله‬
‫س( الية)‪ ،(2‬وقوله‬ ‫ن َواِلْن ِ‬‫جّ‬‫ن اْل ِ‬
‫جَهّنَم َكِثيرًا ِم َ‬
‫‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَلَقْد َذَرْأَنا ِل َ‬
‫ضْنكًا( الية)‪.(3‬‬
‫شًة َ‬‫ن َلُه َمِعي َ‬
‫ن ِذْكِري َفِإ ّ‬‫عْ‬ ‫ض َ‬ ‫عَر َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَم ْ‬
‫قال الشيخ العلمة سليمان بن سحمان‪" :‬فتبين من كلم الشيخ أن‬
‫النسان ل يكفر إل بالعراض عن تعلم الصل الذي يدخل به النسان في‬
‫السلم‪ ،‬ل بترك الواجبات والمستحبات")‪.(4‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم ‪-‬رحمه ال‪ -‬في "مدارج السالكين"‪" :‬وأما‬
‫الكفر الكبر؛ فخمسة أنواع"‪.‬‬
‫فذكرها‪ ،‬ثم قال‪" :‬وأما كفر العراض‪ ،‬فأنه ُيعرض بسمعه وقلبه عن‬
‫الرسول؛ ل يصدقه ول يكذبه‪ ،‬ول يواليه ول يعاديه‪ ،‬ول يصغى إلى ما‬
‫جاء به البتة" اهش كلمه‪.‬‬

‫‪ ()1‬السجدة‪.22 :‬‬
‫‪ ()2‬العراف‪.179 :‬‬
‫‪ ()3‬طه‪.124 :‬‬
‫‪ ()4‬الدرر السنية )‪.(473-472 / 10‬‬
‫‪54‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ومن هذا البيان لمعنى العراض يتبين لك حكم كثير من عباد القبور‬
‫في زماننا هذا وقبله؛ فإنهم معرضون عما جاء به الرسول ‪ ‬إعراضًا كلّيا‬
‫بأسماعهم وقلوبهم‪ ،‬ل يصغون لنصح ناصح وإرشاد مرشد‪ ،‬فمثل هؤلء‬
‫كفار لعراضهم‪.‬‬
‫ن )‪.(1)((3‬‬
‫ضو َ‬
‫عّما ُأْنِذُروا ُمْعِر ُ‬
‫ن َكَفُروا َ‬
‫قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬واّلِذي َ‬
‫ول يقال‪ :‬إنهم جهال فل يكفرون لجهلهم؛ لنه يقال‪ :‬إن الجاهل إذا‬
‫ُبّين له خطؤه؛ انقاد للحق‪ ،‬ورجع عن الباطل‪ ،‬وهؤلء مصرون على‬
‫عبادتهم الوثان‪ ،‬ول يصغون لكلم ال ول لكلم رسوله ‪ ‬ويصدون عن‬
‫إرشاد الناصحين صدودًا‪ ،‬ولعلهم يتعرضون بالذى لمن أنكر عليهم‬
‫أباطيلهم وفجورهم‪ ،‬فقد قامت عليهم الحجة؛ فل عذر لهم سوى العناد‪.‬‬
‫عْنَها ِإّنا‬
‫ض َ‬
‫عَر َ‬
‫ت َرّبِه ُثّم َأ ْ‬
‫ن ُذّكَر ِبآيا ِ‬
‫ظَلُم ِمّم ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫قال –تعالى‪َ) :-‬وَم ْ‬
‫ن)‪.(2)((22‬‬ ‫ن ُمْنَتِقُمو َ‬
‫جِرِمي َ‬
‫ن اْلُم ْ‬
‫ِم َ‬
‫*****‬

‫‪ ()1‬الحقاف‪.3 :‬‬
‫‪ ()2‬السجدة‪.22 :‬‬
‫‪55‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫حكم الهازل والجاد والخائف والمكره‬

‫ثم إن المصنف ‪-‬رحمه ال‪ -‬لما ذكر هذه النواقض العشرة‪ ،‬قال‬
‫بعدها‪" :‬ول فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف)‪،(1‬‬
‫إل المكره"‪.‬‬
‫ن َبْعِد ِإيَمانِِه إل‬
‫ل ِم ْ‬
‫ن َكَفَر ِبا ِّ‬
‫ودليل العذر بالكراه‪ :‬قوله ‪-‬تعالى‪َ) -‬م ْ‬
‫ض ٌ‬
‫ب‬ ‫غ َ‬
‫صْدرًا َفَعَلْيِهْم َ‬ ‫ح ِباْلُكْفِر َ‬‫شرَ َ‬
‫ن َ‬‫ن َم ْ‬
‫ن َوَلِك ْ‬
‫ن ِباِليَما ِ‬
‫طَمِئ ّ‬‫ن ُأْكِرَه َوَقْلُبُه ُم ْ‬
‫َم ْ‬
‫ظيٌم)‪.(2)((106‬‬ ‫عِ‬‫ب َ‬ ‫عَذا ٌ‬‫ل َوَلُهْم َ‬ ‫ن ا ِّ‬‫ِم َ‬
‫والكراه يكون بالقول والفعل؛ خلفًا لمن قال‪ :‬إن الفعال ل يكون‬
‫فيها إكراه‪ ،‬فإن هذا خلف ظاهر الية‪.‬‬
‫ثم قال الشيخ ‪-‬رحمه ال‪" :-‬وكلها من أعظم ما يكون خطرًا وأكثر ما‬
‫يكون وقوعًا"‪.‬‬
‫*****‬

‫‪ ()1‬أي‪ :‬خوف المال والجاه ؛ كما سيأتي عن المصنف فيما سننقله عنه إن‬
‫شاء الله‪.‬‬
‫‪ ()2‬النحل‪.106 :‬‬
‫‪56‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫خاتمة‬
‫ونختم هذا الشرح بما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه ال في‬
‫"كشف الشبهات"؛ فإنه كلم‪ ،‬عظيم‪ ،‬يبين ما تقدم ويزيل اللبس والشكال‪،‬‬
‫لكثرة الواقعين فيه؛ لعراضهم عن تعلم دينهم‪ ،‬وما أوجب ال عليهم‪.‬‬
‫قال ‪-‬رحمه ال‪" :-‬ل خلف أن التوحيد لبد أن يكون بالقلب واللسان‬
‫والعمل‪ ،‬فإن اختل شيء من هذا؛ لم يكن الرجل مسلمًا‪.‬‬
‫فإن عرف التوحيد ولم يعمل به؛ فهو كافٌر معانٌد؛ كفرعون وإبليس‬
‫وأمثالهما‪ ،‬وهذا يغلط فيه كثيٌر من الناس؛ يقولون‪ :‬هذا حق‪ ،‬ونحن نفهم‬
‫هذا‪ ،‬ونشهد أنه الحق‪ ،‬ولكنا ل نقدر أن نفعله‪ ،‬ول يجوز عند أهل بلدنا؛ إل‬
‫من وافقهم‪ ..‬أو غير ذلك من العذار‪ ،‬ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر‬
‫يعرفون الحق ولم يتركوه إل لشيء من العذار؛ كما قال ‪-‬تعالى‪) :-‬اشَْتَرْوا‬
‫ل()‪ (1‬وغير ذلك من اليات؛ كقوله‪َ) :‬يْعِرُفوَنُه َكَما‬‫ل َثَمنًا َقِلي ً‬
‫ت ا ِّ‬
‫ِبآيا ِ‬
‫ن َأْبَناَءُهْم()‪.(2‬‬ ‫َيْعِرُفو َ‬
‫ل ظاهرًا وهو ل يفهمه أو ل يعتقده بقلبه؛ فهو‬ ‫فإن عمل بالتوحيد عم ً‬
‫سَفِل ِم َ‬
‫ن‬ ‫ك اَل ْ‬
‫ن ِفي الّدْر ِ‬
‫ن اْلُمَناِفِقي َ‬
‫منافق‪ ،‬وهو شر من الكافر الخالص‪ِ) :‬إ ّ‬
‫الّناِر()‪.(3‬‬
‫وهذا المسألة مسألة كبيرة طويلة‪ ،‬تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة‬
‫)‪(4‬‬
‫الناس‪ ،‬ترى من يعرف الحق ويترك العمل به‪ ،‬لخوف نقص دنيا أو جاه‬
‫أو مداراٍة لحد‪ ،‬وترى من يعمل به ظاهرًا‪ ،‬ل باطنًا فإذا سألته عما يعتقد‬
‫بقلبه؛ فإذا هو ل يعرفه‪.‬‬
‫ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب ال‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬ل َتْعَتِذُروا َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم()‪.(5‬‬

‫‪ ()1‬التوبة‪.9 :‬‬
‫‪ ()2‬البقرة‪.146 :‬‬
‫‪ ()3‬النساء‪.145 :‬‬
‫‪ ()4‬وهذا كثير في زماننا وقد والله وصل المر إلى ما هو أعظم من ذلك‬
‫فترى من يحارب أهل التوحيد والتباع ويتقرب إلى أسياده بذمهم‬
‫وشكايتهم لئل يقطعو عنه الرشاء ومع ذلك يزعم اليمان ويظهر التأسف‬
‫على من نابذ أعداء الله وتقرب إلى الله بمقتهم فقد جمع مع النفاق‬
‫التفريط في التوحيد وإهمال حقوقه فالله المستعان‪.‬‬
‫‪ ()5‬التوبة‪.66 :‬‬
‫‪57‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع الرسول ‪‬‬


‫كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب؛ تبين لك أن الذي يتكلم‬
‫ل أو جاه أو مداراة لحد أعظم ممن‬ ‫بالكفر أو يعمل به خوفًا من نقص ما ٍ‬
‫يتكلم بكلمة يمزح بها‪.‬‬
‫ن َبْعِد ِإيَماِنِه إل َم ْ‬
‫ن‬ ‫ل ِم ْ‬‫ن َكَفَر ِبا ِّ‬
‫والية الثانية‪ :‬قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬م ْ‬
‫ب ِم َ‬
‫ن‬ ‫غضَ ٌ‬ ‫صْدرًا َفَعَلْيِهْم َ‬‫ح ِباْلُكْفِر َ‬ ‫شَر َ‬‫ن َ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫ن َوَلِك ْ‬
‫ن ِباِليَما ِ‬
‫طَمِئ ّ‬‫ُأْكِرَه َوَقْلُبُه ُم ْ‬
‫عَلى‬
‫حَياَة الّدْنَيا َ‬ ‫حّبوا اْل َ‬‫سَت َ‬
‫ك ِبَأّنُهُم ا ْ‬
‫ظيٌم )‪َ (106‬ذِل َ‬ ‫عِ‬‫ب َ‬ ‫عَذا ٌ‬‫ل َوَلُهْم َ‬ ‫ا ِّ‬
‫)‪(1‬‬
‫خَرِة( ‪.‬‬ ‫ال ِ‬
‫فلم يعذر ال من هؤلء إل من أكره مع كون قلبه مطمئناً باليمان‪،‬‬
‫وأما غير هذا؛ فقد كفر بعد إيمانه‪ ،‬سواء فعله خوفاً أو طمعًا أو مداراة أو‬
‫مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله أو فعله على وجه المزح أو لغير‬
‫ذلك من الغراض؛ إل المكره؛ فالية تدل على هذا من وجهين‪:‬‬
‫ن ُأْكِرَه(‪ :‬فلم يستثن ال –تعالى‪ -‬إل المكره‪،‬‬
‫الول‪ :‬قوله‪) :‬إل َم ْ‬
‫ومعلوم أن النسان ل يكره إل على الكلم أو الفعل‪ ،‬وأما عقيدة القلب؛ فل‬
‫يكره عليها أحد‪.‬‬
‫عَلى‬
‫حَياَة الّدْنَيا َ‬
‫حّبوا اْل َ‬
‫سَت َ‬
‫ك ِبَأّنُهُم ا ْ‬
‫الثاني‪ :‬قوله –تعالى‪َ) :-‬ذِل َ‬
‫خَرِة(‪ :‬فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يمن بسبب العتقاد أو الجهل أو‬ ‫ال ِ‬
‫ظا من حظوظ‬ ‫البغض للدين أو محبة الكفر‪ ،‬وإنما سببه أن له في ذلك ح ّ‬
‫الدنيا‪ ،‬فآثره على الدين‪ ،‬وال سبحانه أعلم"‪.‬‬
‫*****‬

‫‪ ()1‬النحل‪.107 -106 :‬‬


‫‪58‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫ملحق‬

‫إذا علم ما تقدم من النواقض التي تحبط العمال وتجعل صاحبها من‬
‫ل قد دل الكتاب‬
‫ل أو يفعل فع ً‬
‫الخالدين في النار‪ ،‬فليعلم أن المسلم قد يقول قو ً‬
‫والسنة وإجماع سلف المة على أنه كفر ورده عن السلم‪ ،‬ولكن ل تلزم‬
‫عند أهل العلم بين القول بأن هذا كفر وبين تكفير الرجل بعينه‪.‬‬
‫فليس كل من فعل مكفرًا حكم بكفره؛ إذ القول أو الفعل قد يكون كفرًا‪،‬‬
‫لكن ل يطلق الكفر على القائل أو الفاعل إل بشرطه؛ لنه ل بد أن تثبت في‬
‫حقه شروط التكفير‪ ،‬وتنتفى موانعه؛ فالمرء قد يكون حديث عهد بإسلم‪،‬‬
‫ن له؛ رجع وقد ينكر شيئًا متأو ً‬
‫ل‬ ‫وقد يفعل مكفرًا ول يعلم أنه مكفر‪ ،‬فإذا ُبّي َ‬
‫أخطأ بتأويله‪ ..‬وغير ذلك من الموانع التي تمنع من التكفير ‪.‬‬
‫وهذا أصل عظيم‪ ،‬يجب تفهمه والعتناء به؛ لن التكفير ليس حّقا‬
‫للمخلوق‪ ،‬يكفر من يشاء على وفق هواه‪ ،‬بل يجب الرجوع في ذلك إلى‬
‫الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح‪ ،‬فمن كّفره ال ورسوله‪ ،‬وقامت‬
‫عليه الحجة؛ فهو كافر‪ ،‬ومن ل فل‪.‬‬
‫وفي "الصحيحين" وغيرهما عن أبي هريرة ‪-‬رضي ال عنه‪ -‬عن‬
‫النبي ‪‬؛ قال‪" :‬أسرف رجل على نفسه‪ ،‬فلما حضره الموت؛ أوصى بنيه؛‬
‫ت؛ فأحرقوني‪ ،‬اسحقوني‪ ،‬ثم ذروني في الريح في البحر‪ ،‬فو‬ ‫فقال‪ :‬إذا أنا ُم ّ‬
‫ي ربي؛ ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا"‪ .‬قال‪ " :‬ففعلوا ذلك به‪،‬‬
‫ال‪ ،‬لئن قدر عل ّ‬
‫فقال للرض أدى ما أخذت‪ .‬فإذا هو قائم‪ ،‬فقال له‪ :‬ما حملك على ما‬
‫صنعت؟ فقال‪ :‬خشيتك يا رب )أو قال مخافتك(! فغفر له بذلك"‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال في "الفتاوى" )‪ :(231 /3‬فهذا‬
‫رجل شك في قدرة ال وفي إعادته إذا ُذّري‪ ،‬بل اعتقد أنه ل ُيعاد‪ ،‬وهذا كفر‬
‫ل ل يعلم ذلك‪ ،‬وكان مؤمنًا يخاف ال أن‬ ‫باتفاق المسلمين‪ ،‬لكن كان جاه ً‬
‫يعاقبه‪ ،‬فغفر له بذلك‪ ،‬والمتأول من أهل الجتهاد الحريص على متابعة‬
‫الرسول ‪ ،‬أولى بالمغفرة من مثل هذا"‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وقال ‪-‬رحمه ال‪ -‬في "المسائل الماردينية"‪) :‬ص ‪ :(71‬وحقيقة المر‬


‫في ذلك‪ :‬أن القول قد يكفر كفرًا‪ ،‬فيطلق القول بتكفير صاحبه‪ ،‬فيقال‪ :‬من‬
‫قال كذا؛ فهو كافر‪ ،‬لكن الشخص المعين الذي قاله ل يحكم بكفره حتى تقوم‬
‫عليه الحجة التي يكفر تاركها"‪.‬‬
‫والحاصل أن مذهب أهل التحقيق التفريق بين تكفير الفعل وبين تكفير‬
‫الفاعل‪ ،‬وكذلك المر في التبديع هناك فرق بين تبديع القول أو الفعل وبين‬
‫تبديع القائل أول الفاعل فليس كل من فعل بدعة صار مبتدعًا‪.‬‬
‫ومن نظر في سيرة السلف؛ عرف حقيقة هذا القول‪ ،‬وعلم أن مذهبهم‬
‫وهذه طريقتهم‪ ،‬ورأى ما هم عليه من العدل والنصاف وقول الحق‬
‫والحرص على هداية الخلق‪ ،‬لما خصهم ال به من العلم النافع والعمل‬
‫الصالح‪ ،‬وهذا هو الواجب على جميع الخلق‪ :‬أن يكون قصدهم بيان الحق‬
‫وإزهاق الباطل مع العدل والنصاف؛ ليكون الدين كله ل‪ ،‬والحمد ل رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫مقدمة الطبعة السادسة‪2.........................................................................................................................................‬‬


‫مقدمة الطبعة الولى‪3...........................................................................................................................................‬‬
‫شرح نواقض السلم ‪4.........................................................................................................................................‬‬
‫قال ‪-‬رحمه ال‪)) :-‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬اعلم أن نواقض السلم عشرة نواقض((‪4............................................................‬‬
‫قوله‪)) :‬اعلم أن نواقض السلم عشرة نواقض((‪4...................................................................................................... :‬‬
‫الناقض الول من نواقض السلم‪6..........................................................................................................................‬‬
‫والشرك ينقسم إلى ثلثة أنواع‪6............................................................................................................................. :‬‬
‫النوع الول‪ :‬الشرك الكبر‪6............................................................................................................................. :‬‬
‫النوع الول‪ :‬شرك الدعوة‪7.............................................................................................................................. :‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬شرك النية والرادة والقصد‪8........................................................................................................... :‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬شرك الطاعة‪8............................................................................................................................. :‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬شرك المحبة‪9............................................................................................................................. :‬‬
‫حْر)‪،()((2‬‬ ‫ك َواْن َ‬‫ل ِلَرّب َ‬‫صّ‬‫ومن الشرك الكبر أيضًا‪ :‬الذبح لغير ال‪ :‬لن الذبح ل قربة له من أجل القربات؛ كما قال –تعالى‪َ) :-‬ف َ‬
‫ن)‪()((162‬؛ فالنسك هو الذبح‪10....................................... .‬‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬ ‫ل َر ّ‬‫ي َوَمَماِتي ِّ‬ ‫حَيا َ‬ ‫سِكي َوَم ْ‬ ‫صلِتي َوُن ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وقال‪-‬تعالى‪ِ) :-‬إ ّ‬
‫ن َنَفَقٍة َأْو‬
‫ن ِبالّنْذِر()(‪ ،‬وقال‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَما َأْنَفْقُتْم ِم ْ‬ ‫ومن ذلك‪ :‬النذر لغير ال‪ :‬فهو شرك أكبر؛ لن النذر عبادة؛ كما قال ‪-‬تعالى‪ُ) :-‬يوُفو َ‬
‫ل َيْعَلُمُه()(‪11........................................................................................................................‬‬ ‫ن ا َّ‬‫ن َنْذٍر َفِإ ّ‬
‫َنَذْرُتْم ِم ْ‬
‫ومن ذلك‪ :‬الستعاذة والستغاثة‪ :‬كل ذلك صرفه لغير ال شرك‪11............................................................................... .‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الشرك الصغر‪11.............................................................................................................................:‬‬
‫ومن أنواع الشرك الصغر‪ :‬الحلف بغير ال‪ :‬إن لم يقصد تعظيم المحلوف به‪ ،‬وإل؛ صار شركًا أكبر‪11...................................‬‬
‫ومنه‪ :‬يسير الرياء والتصنع للخلق‪11.................................................................................................................. :‬‬
‫الناقض الثاني من نواقض السلم ‪16.......................................................................................................................‬‬
‫أقول‪ :‬إن هذا الناقض من أكثر النواقض وقوعًا وأعظمها خطرًا على المرء‪ ،‬لن كثيرًا ممن يتسمى باسم السلم وهو ل يعرف‬
‫السلم ول حقيقته جعل بينه وبين الرب ‪ -‬جل وعل ‪ -‬وسائط يدعوهم لكشف الملمات وإغاثة اللهفات وتفريج الكربات‪ ،‬وهؤلء كفار‬
‫بإجماع المسلمين؛ لن ال ‪-‬جل وعل‪ -‬ما أنزل الكتب وأرسل الرسل؛ إل ليعبدوه وحده ل شريك له‪ ،‬ولكن أبى ذلك عباد القبور‪،‬‬
‫وجعلوا وسائط يسألونهم جلب المنافع ودفع المضار‪ ،‬وجعلوا ذلك هو العبادة التي أمر ال بها‪ ،‬ومن أنكر عليهم شيئًا من ذلك؛ رموه‬
‫بعدم تعظيم الولياء والصالحين‪16..................................................................................................................... .‬‬
‫ض َوَما َلُهْم ِفيِهَما ِم ْ‬
‫ن‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َول ِفي ا َ‬ ‫سَماَوا ِ‬‫ل َذّرٍة ِفي ال ّ‬ ‫ن ِمْثَقا َ‬
‫ل ل َيْمِلُكو َ‬ ‫ن ا ِّ‬‫ن ُدو ِ‬ ‫عْمُتْم ِم ْ‬
‫ن َز َ‬ ‫عوا اّلِذي َ‬
‫ل اْد ُ‬ ‫فمن ذلك قوله ‪-‬تعالى‪ُ) :-‬ق ِ‬
‫ن َلُه()(‪16..................................................................‬‬ ‫ن َأِذ َ‬
‫عْنَدُه إل ِلَم ْ‬ ‫عُة ِ‬ ‫شَفا َ‬‫ظِهيٍر )‪َ (22‬ول َتْنَفُع ال ّ‬ ‫ن َ‬‫ك َوَما َلُه ِمْنُهْم ِم ْ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب كل شيء ومليكه؛ فإنه ل ينكر ما خلقه ال من السباب؛ كما‬ ‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه ال‪" :-‬ومع علم المؤمن أن ال ر ّ‬
‫ل َداّبٍة()(‪،‬‬ ‫ن ُك ّ‬‫ث ِفيَها ِم ْ‬ ‫ض َبْعَد َمْوِتَها َوَب ّ‬‫حَيا ِبِه الْر َ‬ ‫ن َماٍء َفَأ ْ‬‫سَماِء ِم ْ‬‫ن ال ّ‬ ‫ل ِم َ‬ ‫ل ا ُّ‬ ‫جعل المطر سببًا لنبات النبات؛ قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَما َأْنَز َ‬
‫وكما جعل الشمس والقمر سببًا لما يخلقه بهما‪ ،‬وكما جعل الشفاعة والدعاء سببًا لما يقضيه بذلك؛ مثل صلة المسلمين على جنازة‬
‫الميت؛ فإن ذلك من السباب التي يرحمه ال بها‪ ،‬ويثيب عليها المصلين عليه‪ ،‬لكن ينبغي أن ُيعرف في السباب ثلثة أمور‪18...... :‬‬
‫والمشركون في قديم الدهر وحديثه إنما وقعوا في الشرك الكبر لتعلقهم بأذيال الشفاعة؛ كما ذكر ال ذلك في كتابه؛ والشفاعة التي‬
‫يظنها المشركون أنها لهم هي منتفية يوم القيامة‪ ،‬كما نفاها القرآن وأبطلها في عدة مواضع‪19.............................................. :‬‬
‫فعلى هذا؛ فالشفاعة شفاعتان‪19......................................................................................................................... :‬‬
‫الناقض الثالث من نواقض السلم ‪21.......................................................................................................................‬‬
‫ل َكَفْرَنا ِبُكْم َوَبَدا‬ ‫ن ا ِّ‬‫ن ُدو ِ‬ ‫ن ِم ْ‬‫ن َمَعُه ِإْذ َقاُلوا ِلَقْوِمِهْم ِإّنا ُبَرآُء ِمْنُكْم َوِمّما َتْعُبُدو َ‬ ‫سَنٌة ِفي ِإْبَراِهيَم َواّلِذي َ‬ ‫حَ‬ ‫سَوٌة َ‬‫ت َلُكْم ُأ ْ‬
‫قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬قْد َكاَن ْ‬
‫حَدُه()(‪21.....................................................................................‬‬ ‫ل َو ْ‬ ‫حّتى ُتْؤِمُنوا ِبا ِّ‬ ‫ضاُء َأَبدًا َ‬‫َبْيَنَنا َوَبْيَنُكُم اْلَعَداَوُة َواْلَبْغ َ‬
‫قال المام محمد بن عبد الوهاب قّدس ال روحه‪" :‬وصفة الكفر بالطاغوت‪ :‬أن تعتقد بطلن عبادة غير ال‪ ،‬وتتركها‪ ،‬وتبغضها‪،‬‬
‫وتكفر أهلها‪ ،‬وتعاديهم" ‪22................................................................................................................................‬‬
‫وعلى المسلمين جميعًا أن يرجعوا إلى دينهم؛ فبه يحصل العز‪ ،‬وبه يحصل النصر‪ ،‬وبه تستقيم البلد‪ ،‬وبه يحصل الفرقان بين أولياء‬
‫الرحمن الذين ينصرون دينه وبين أولياء الشيطان الذين ل يبالون بما جرى على الدين إذا سلمت لهم مآكلهم ومشاربهم‪22............ .‬‬
‫وكلما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة؛ سّلط ال عليهم عدوهم‪ ،‬فلما أعرض كثير من حكام الدول عن تحكيم شرع ال‬
‫ورضوا بالقوانين الوضعية الملعونة الملعون محكمها؛ تدهورت بلدهم وتشتتت‪ ،‬وسامهم العدو سوم العذاب من حيث ل يشعون‪ ،‬لن‬
‫كثير من الرؤساء ل يهمهم إل المحافظة على المناصب التي يتولونها‪ ،‬سواٌء استعز الدين أم ل‪ ،‬مع أن العز والتمكين ل يكون إل‬
‫بالقيام بنصر هذا الدين؛ لنه فرض لزم على كل من له قدرة وملكة يستطيع ذلك‪ ،‬ولكن أكثرهم ل يعلمون‪ ،‬وسبب ذلك بطانة السوء‬
‫مع تقصير كثير من الدعاة إلى ال في التركيز على هذا الجانب‪ .‬وال المستعان‪23............................................................ .‬‬
‫وليعلم كل مسلم أن الكفار يسعون سعيًا شديدًا‪ ،‬ويحرصون كل الحرص‪ ،‬على إبعاد المسلم عن دينه حسدًا من عند أنفسهم‪ ،‬فإن لم‬
‫ي"‪23......‬‬ ‫غِز َ‬ ‫ينتبه الغيور على دينه من هذه الرقدة؛ فسوف يعض أصابع الندم حين ل ينفع‪ ،‬وسوف يجني ثمرة فعله‪" ,‬ومن لم يغُز ُ‬
‫ويجب على كل عالم وداعية وخطيت وإمام مسجد أن يبين للناس خطورة موالة الكفار بالدلة الشرعية من كتاب ال وسنة رسوله‪،‬‬
‫ويبين لهم خطورة الذهاب إلى ديارهم‪ ،‬أو استقدامهم إلى ديار المسلمين؛ لن ال قطع الموالة والصلة بين المسلم والكافر‪ ،‬حتى ولو‬
‫ن()(‪23....... .‬‬ ‫ليَما ِ‬ ‫عَلى ا ِ‬ ‫حّبوا اْلُكْفَر َ‬ ‫سَت َ‬‫نا ْ‬
‫خَواَنُكْم َأْوِلَياَء ِإ ِ‬
‫خُذوا آَباَءُكْم َوِإ ْ‬ ‫ن آَمُنوا ل َتّت ِ‬ ‫كان أقرب قريب؛ كما قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫‪61‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫وليْعلم كل مسلم أن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لن يصطلحوا مع المسلمين‪ ،‬ولن يسالموهم ويرضوا عنهم؛ حتى يتبع‬
‫ل ُهَو اْلُهَدى‬ ‫ن ُهَدى ا ِّ‬ ‫ل ِإ ّ‬
‫حّتى َتّتِبَع ِمّلَتُهْم ُق ْ‬
‫صاَرى َ‬ ‫ك اْلَيُهوُد َول الّن َ‬‫عْن َ‬
‫ضى َ‬ ‫ن َتْر َ‬ ‫المسلمون ملتهم‪ ،‬ويحذوا حذوهم؛ كما قال ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وَل ْ‬
‫صيٍر)‪24............................................... .()((120‬‬ ‫ي َول َن ِ‬ ‫ن َوِل ّ‬ ‫ل ِم ْ‬
‫ن ا ِّ‬ ‫ك ِم َ‬ ‫ن اْلِعْلِم َما َل َ‬‫ك ِم َ‬‫جاَء َ‬ ‫ت َأْهَواَءُهْم َبْعَد اّلِذي َ‬ ‫ن اّتَبْع َ‬ ‫َوَلِئ ِ‬
‫ول دّر العلمة سليمان بن سمحان حيث يقول‪25.................................................................................................... :‬‬
‫الناقض الرابع من نواقض السلم ‪27.......................................................................................................................‬‬
‫المسألة الولى‪27.......................................................................................................................................... :‬‬
‫المسألة الثانية‪28.......................................................................................................................................... :‬‬
‫وينبغي لكل مسلم ومسلمه أن يعلم أن حكم ال ورسوله مقدٌم على كل حكٍم‪ ،‬فما من مسألة تقع بين الناس؛ إل ومردها إلى حكم ال‬
‫ورسوله‪ ،‬فمن تحاكم إلى غير حكم ال ورسوله؛ فهو كافر؛ كما ذكر ال ذلك في سورة النساء‪29........................................... :‬‬
‫)( المائدة‪ .44 :‬قال شيخ السلم في القتضاء ] ‪ ] [ 208 1‬وفرق بين الكفر المعروف باللم كما في قوله ‪" ‬ليس بين العبد وبين‬
‫الكفر أو الشرك إل ترك الصلة" وبين كفر منكر في الثبات [ ا‪ .‬هش فالكفر المعرف باللف واللم ل يحتمل في الغالب إل الكبر‬
‫ن( فيمن حكم بغير ما أنزل ال‪ ،‬وما جاء عن ابن عباس رضي ال عنه من قوله )كفر دون كفر( فل‬ ‫ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ‬ ‫كقوله تعالى‪َ) :‬فُأوَلِئ َ‬
‫يثبت عنه فقد رواه الحاكم في مستدركه )‪ (313 /2‬من طريق هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس به وهشام ضعفه أحمد‬
‫ويحيى‪ .‬وقد خولف فيه أيضًا فرواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى‪:‬‬
‫ن )‪ ((44‬قال هي كفر‪ ،‬وهذا هو المحفوظ عن ابن عباس أي أن الية على‬ ‫ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ‬ ‫ل َفُأوَلِئ َ‬‫ل ا ُّ‬‫حُكْم ِبَما َأْنَز َ‬
‫ن َلْم َي ْ‬‫)َوَم ْ‬
‫إطلقها‪،‬وإطلق الية يدل على أن المراد بالكفر هو الكبر إذ كيف يقال بإسلم من نحى الشرع واعتاض عنه بآراء اليهود‬
‫والنصارى وأشباههم‪ .‬فهذا مع كونه تبديل للدين المنزل هو إعراض أيضًا عن الشرع المطهر‪ ،‬وهذا كفر آخر مستقل‪ .‬وأما ما رواه‬
‫ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال )ليس كمن كفر بال واليوم الخر وبكذا وبكذا( فليس مراده أن الحكم بغير ما أنزل ال‬
‫كفر دون كفر‪ .‬ومن فهم هذا فعليه الدليل وإقامة البرهان على زعمه‪ ،‬والظاهر من كلمه أنه يعني أن الكفر الكبر مراتب متفاوتة‬
‫بعضها أشد من بعض‪ ،‬فكفر من كفر بال وملئكته واليوم الخر أشد من كفر الحاكم بغير ما أنزل ال‪ .‬ونحن نقول أيضًا‪ :‬إن كفر‬
‫الحاكم بغير ما أنزل ال أخف من كفر من كفر بال وملئكته‪ ..‬ول يعني هذا أن الحاكم مسلم وأن كفره كفر أصغر‪ ،‬كل بل هو خارج‬
‫عن الدين لتنحيته الشرع‪ ،‬وقد نقل ابن كثير الجماع على هذا‪ ،‬فانظر البداية والنهاية ] ‪30................................. .[ 119 / 13‬‬
‫الناقض الخامس من نواقض السلم ‪32....................................................................................................................‬‬
‫وهذا باتفاق العلماء؛ كما نقل ذلك صاحب "القناع" وغيره‪32.................................................................................... .‬‬
‫فمن أبغض شيئًأ مما جاء به الرسول ‪ ،‬أمرًا كان أونهيًا؛ فهو على خطر عظيم‪32......................................................... .‬‬
‫فمن ذلك ما يتفوه به كثير من الكتاب الملحدين الذين تغذوا بألبان الفرنج‪ ،‬وخلعوا ربقة السلم من رقابهم من كراهيتهم لتعدد‬
‫الزوجات؛ فهم يحاربون تعدد الزوجات بشتى الوسائل‪ ،‬وما يعلم هؤلء أنهم يحاربون ال ورسوله‪ ،‬وأنهم يردون على ال أمره‪32. . .‬‬
‫ومثل هؤلء في الكفر والبغض لما جاء به الرسول من يكره كون المرأة ليست بمنزلة الرجل؛ ككرههم أن تكون دية المرأة نصف‬
‫دية الرجل‪ ،‬وأن شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد‪ ،‬وغير ذلك؛ فهم مبغضون لقول النبي ‪32........................................... :‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه عليه أن كثيرًا من الناس قد تبين له منكرًا ما‪ ،‬فيرفض القبول‪ ،‬ول يقبل ما تقول؛ خصوصًا عند ارتكابه‪ ،‬فهذا ل‬
‫يطلق عليه أنه مبغض لما جاء به الرسول دون تفصيل؛ لنه قد ل يقبل الحق الذي جئته به‪ ،‬ل لنه حق‪ ،‬ولكن لسوء تصرفك في‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فلو جاءه غيرك‪ ،‬وبّين له نفس المنكر‪ ،‬لقبل وانقاد‪ ،‬أو أنه ل يقبل منك لما بينك وبينه من شيء‬
‫ما‪ ،‬فهذا ل يسمى مبغضًا لما جاء به الرسول ‪34................................................................................................. .‬‬
‫ل وغيرهم ببغض ما‬ ‫وهناك من الناس من ُيلِزُم صاحب المعصية بما ل َيْلَزُم‪ ،‬فُيلِزُم حالق اللحية ومسبل الزار وشارب الخمر مث ً‬
‫جاء به الرسول ‪ ‬من المر بإعفاء اللحية وعدم السبال والنهي عن شرب الخمر‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬لول أنكم تبغضون ما جاء به محمد‬
‫‪ ،‬لما فعلتم هذه المنكرات‪34.......................................................................................................................... .‬‬
‫الناقض السادس من نواقض السلم ‪35.....................................................................................................................‬‬
‫سوِلِه‬‫ل َوآَياِتِه َوَر ُ‬ ‫قال رحمه ال‪)) :‬من استهزأ بشيء من دين الرسول ‪ ،‬أو ثوابه‪ ،‬أو عقابه؛ كفر‪ ،‬والدليل قوله –تعالى‪ُ) :-‬ق ْ‬
‫ل َأِبا ِّ‬
‫ن )‪ (65‬ل َتْعَتِذُروا َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم()(‪35.........................................................................................‬‬ ‫سَتْهِزُئو َ‬ ‫ُكْنُتْم َت ْ‬
‫وقد قسم غير واحد من أهل العلم)( الستهزاء بشيء مما جاء به الرسول ‪ ‬إلى قسمين‪36................................................. :‬‬
‫أحدهما‪ :‬الستهزاء الصريح؛ كالذي نزلت فيه الية وهو قولهم‪" :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤلء‪ :‬أرغب بطونًا‪ ،‬ول أكذب ألسنًا‪ ،‬ول‬
‫أجبن عند اللقاء"‪ ،‬أو نحو ذلك من أقوال المستهزئين‪36........................................................................................ .‬‬
‫الثاني‪ :‬غير الصريح‪ :‬وهو البحر الذي ل ساحل له‪ ،‬مثل‪ :‬الرمز بالعين‪ ،‬وإخراج اللسان‪ ،‬ومد الشفة‪ ،‬والغمزة باليد عند تلوة‬
‫كتاب ال أو سنة رسول ال ‪ ‬أو عند المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪36............................................................ .‬‬
‫ويجب على كل مسلم أن يصارم المستهزئين بدين ال وبما جاء به الرسول ‪ ،‬ولو كانوا أقرب الناس إليه‪ ،‬وأن ل يجالسهم‪ ،‬لئل‬
‫حّتى‬ ‫سَتْهَزُأ ِبَها َفل َتْقُعُدوا َمَعُهْم َ‬ ‫ل ُيْكَفُر ِبَها َوُي ْ‬
‫ت ا ِّ‬
‫سِمْعُتْم آَيا ِ‬
‫ن ِإَذا َ‬
‫ب َأ ْ‬‫عَلْيُكْم ِفي اْلِكَتا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫يكون منهم؛ كما قال ال ‪-‬جل وعل‪َ) :-‬وَقْد َنّز َ‬
‫جِميعًا)‪36......................................()((140‬‬ ‫جَهّنَم َ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫ن َواْلَكاِفِري َ‬ ‫جاِمُع اْلُمَناِفِقي َ‬‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬‫غْيِرِه ِإّنُكْم ِإذًا ِمْثُلُهْم ِإ ّ‬
‫ث َ‬ ‫حِدي ٍ‬ ‫ضوا ِفي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫َي ُ‬
‫الناقض السابع من نواقض السلم ‪38.......................................................................................................................‬‬
‫السحر ُيطلق في اللغة على ما خفي ولطف مأخذه ودق‪38............................................................................................‬‬
‫ومن السحر الصرف والعطف‪39....................................................................................................................... :‬‬
‫فصل‪40...........................................................................................................................................................‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬هل للسحر حقيقة؟ ‪40.......................................................................................................................‬‬
‫ت ِفي اْلُعَقِد)‪ ()((4‬على أن للسحر حقيقة‪ ،‬وإل‪ ،‬لم يأمر ال بالستعاذة منه‪40................. .‬‬ ‫شّر الّنّفاَثا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قد دل قوله ‪-‬جل وعل‪َ) :-‬وِم ْ‬
‫ل ِإَلْيِه ِم ْ‬
‫ن‬ ‫خّي ُ‬‫وذهب بعضهم إلى أنه ل حقيقة له‪ ،‬وهو مذهب المعتزلة المنعزلة عن الكتاب والسنة‪ ،‬واستدلوا بقوله ‪-‬تعالى‪ُ) :-‬ي َ‬
‫سَعى) ‪ ،()((66‬ولم يقل‪ :‬تسعى على الحقيقة‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن السحر إنما هو تمويه وتخيل وإيهام لكون الشيء ل حقيقة له‪،‬‬ ‫حِرِهْم َأّنَها َت ْ‬‫سْ‬ ‫ِ‬
‫ب من الشعوذة! ‪40..............................................................................................................................‬‬ ‫وأنه ضر ٌ‬
‫‪62‬‬ ‫التبيان شرح نواقض السلم‬

‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال)(‪" :‬وهذا خلف ما تواترت به الثار عن الصحابة والسلف‪ ،‬واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير‬
‫ل وعقدًا وحّبا وبغضاً‬ ‫ل وح ّ‬ ‫والحديث وأرباب القلوب من أهل التصوف‪ ،‬وما يعرفه عامة العقلء‪ ،‬والسحر الذي يؤثر مرضًا وثق ً‬
‫وتزييفًا وغير ذلك من الثار موجود تعرفه عامة الناس‪ "..‬إلخ كلمه‪41........................................................................ .‬‬
‫وقال القرطبي بعدما ذكر قول المعتزلة واستدللهم‪" :‬وهذا ل حجة فيه؛ لنا ل ننكر أن يكون التخيل وغيره من جملة السحر‪ ،‬ولكن‬
‫ثبت وراء ذلك أمور جّوزها العقل‪ ،‬وورد بها السمع‪41............................................................................................ :‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬في حكم الساحر‪41.......................................................................................................................... :‬‬
‫اختلف العلماء رحمهم ال في الساحر‪ :‬هل يكفر أم ل؟ ‪41...........................................................................................‬‬
‫وقال العلمة الشنقيطي رحمه ال‪" :‬التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل‪42.................................................................... :‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬في قتل الساحر والساحرة‪43...............................................................................................................:‬‬
‫القول الول‪ :‬وهو قول الجمهور‪ :‬إنه يقتل‪ ،‬وبه قال مالك وأحمد رحمهما ال‪43.................................................................‬‬
‫ل يبلغ به الكفر‪ ،‬وهو قول الشافعي رحمه ال‪43.................................................... .‬‬ ‫القول الثاني‪ :‬إنه ل يقتل إل إذا عمل عم ً‬
‫واحتج أصحاب القول الول بأدلة‪43................................................................................................................... :‬‬
‫وأما الذين قالوا‪ :‬إن الساحر ل يقتل إذا لم يبلغ بسحره الكفر‪ ،‬فاستدلوا بقول النبي ‪" :‬ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث‪ :‬الثيب‬
‫الزاني‪ ،‬والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة"‪44........................................................................................‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬حل السحر عن المسحور‪44............................................................................................................. :‬‬
‫قال العلمة ابن القيم ‪-‬رحمه ال‪" :-‬حل السحر عن المسحور نوعان‪44......................................................................... :‬‬
‫وأما الذهاب إلى السحرة والكهان والمنجمين والعرافين لسؤالهم فهذا جرم عظيم وخطأ كبير‪ ،‬يترتب عليه عدم قبول صلة أربعين‬
‫ليلة‪ ،‬لما روى مسلم في صحيحه )‪ (2230‬من حديث يحيى بن سعيد عن عبيد ال عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي ‪ ‬عن‬
‫النبي ‪ ‬قال‪" :‬من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلة أربعين ليلة"‪45............................................................... .‬‬
‫الناقض الثامن من نواقض السلم ‪46.......................................................................................................................‬‬
‫قوله‪" :‬المظاهرة"‪ ،‬أي‪ :‬المناصرة‪46................................................................................................................... .‬‬
‫سئل العلمة عبد ال بن عبد اللطيف عن الفرق بين الموالة والتولي؟ فأجاب بأن التولي‪" :‬كفر يخرج عن الملة‪ ،‬وهو كالّذ ّ‬
‫ب‬ ‫وقد ُ‬
‫عنهم وإعانتهم بالمال والبدن والرأي"‪46.............................................................................................................. .‬‬
‫الناقض التاسع من نواقض السلم ‪48.......................................................................................................................‬‬
‫سِبيِلِه()(‪48....................‬‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬‫ق ِبُكْم َ‬
‫ل َفَتَفّر َ‬
‫سُب َ‬
‫سَتِقيمًا َفاّتِبُعوُه َول َتّتِبُعوا ال ّ‬
‫طي ُم ْ‬
‫صَرا ِ‬
‫ن َهَذا ِ‬
‫وذلك لتضمنه تكذيب قول ال تعالى‪َ) :‬وَأ ّ‬
‫وقد بوب المام محمد بن عبد الوهاب رحمه ال في "فضل السلم" بابًا عظيمًا‪ ،‬فقال‪48....................................................:‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه ال‪ -‬بعد كلم سبق)(‪" :‬ومن هؤلء من يظن أن الستمساك بالشريعة أمرًا ونهيًا إنما يجب عليه ما‬
‫لم يحصل له من المعرفة أو الحال‪ ،‬فإذا حصل له؛ لم يجب عليه حينئذ الستمساك بالشريعة النبوية‪ ،‬بل له حينئذ أن يمشي مع الحقيقة‬
‫الكونية القدرية‪ ،‬أو يفعل بمقتضى ذوقه ووجده وكشفه ورأيه؛ من غير اعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬وهؤلء منهم من يعاقب بسلب حاله‬
‫حتى يصير منقوصًا عاجزًا محرومًا‪ ،‬ومنهم من يعاقب بسلب الطاعة حتى يصير فاسقًا‪ ،‬ومنهم من يعاقب بسلب اليمان حتى يصير‬
‫مرتدًا منافقًا أو كافرًا معلنًا‪ ،‬وهؤلء كثيرون جّدا‪ ،‬وكثير من هؤلء يحتج بقصة موسى والخضر"‪50..................................... .‬‬
‫وما أحسن ما قاله العلمة ابن القيم في "نونيته"‪52.................................................................................................. :‬‬
‫الناقض العاشر من نواقض السلم ‪53.....................................................................................................................‬‬
‫ت َرّبِه ُثّم‬
‫ن ُذّكَر ِبآيا ِ‬
‫ظَلُم ِمّم ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫قال رحمه ال‪)) :‬العراض عن دين ال تعالى؛ ل يتعلمه‪ ،‬ول يعمل به‪ ،‬والدليل قوله –تعالى‪َ) :-‬وَم ْ‬
‫ن) ‪53...................................................................................................()((22‬‬ ‫ن ُمْنَتِقُمو َ‬
‫جِرِمي َ‬
‫ن اْلُم ْ‬
‫عْنَها ِإّنا ِم َ‬
‫ض َ‬
‫عَر َ‬
‫َأ ْ‬
‫والمراد بالعراض الذي هو ناقض من نواقض السلم‪ :‬هو العراض عن تعلم أصل الدين الذي به يكون المرء مسلمًا‪ ،‬ولو كان‬
‫ل بتفاصيل الدين؛لن هذا قد ل يقوم به إل العلماء وطلبة العلم‪53........................................................................... .‬‬ ‫جاه ً‬
‫سئل العلمة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن العراض الذي هو ناقض من نواقض السلم؟ ‪53..................‬‬ ‫وقد ُ‬
‫قال الشيخ العلمة سليمان بن سحمان‪" :‬فتبين من كلم الشيخ أن النسان ل يكفر إل بالعراض عن تعلم الصل الذي يدخل به‬
‫النسان في السلم‪ ،‬ل بترك الواجبات والمستحبات")(‪53........................................................................................ .‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم ‪-‬رحمه ال‪ -‬في "مدارج السالكين"‪" :‬وأما الكفر الكبر؛ فخمسة أنواع"‪53.......................................... .‬‬
‫حكم الهازل والجاد والخائف والمكره ‪55....................................................................................................................‬‬
‫خاتمة‪56...........................................................................................................................................................‬‬
‫وهذا المسألة مسألة كبيرة طويلة‪ ،‬تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس‪ ،‬ترى من يعرف الحق ويترك العمل به‪ ،‬لخوف نقص دنيا أو‬
‫جاه)( أو مداراٍة لحد‪ ،‬وترى من يعمل به ظاهرًا‪ ،‬ل باطنًا فإذا سألته عما يعتقد بقلبه؛ فإذا هو ل يعرفه‪56............................... .‬‬
‫ملحق‪58...........................................................................................................................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات‪60.........................................................................................................................................‬‬

You might also like