You are on page 1of 9

‫( تصرف المسلم وقت الحرب )‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬فضل العبادة في الهرج‬
‫‪ .2‬الدروس التي تستفاد من األحداث‬
‫‪ .3‬قوة اهلل‬

‫تصرف المسلم وقت الحرب‪:‬‬


‫اإلنسان مطالب أيام الفتن والمحن والخوف أن يحقق مفهوم العبودية هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬كما هو‬
‫مطالب أن يكون عبداً هلل في أوقات الرخاء أيضاً‪ ،‬وهو أيضاً مطالب بإحسان العبادة هلل سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬كما يجدر التنبيه إلى أن هناك أموراً مستفادة من األحداث يجب التنبه لها‪ ،‬منها‪ :‬األخذ‬
‫باألسباب واالعتراف بحقيقة الموت‪.‬‬

‫فضل العبادة في الهرج‪:‬‬


‫إن الحمد هلل؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫ق تُقَاتِ ِه َوال‬ ‫آمُنوا اتَّقُوا اللَّهَ َح َّ‬
‫ين َ‬
‫َِّ‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‪َ .‬يا َُّأيهَا الذ َ‬
‫اح َد ٍة‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫اَّل‬
‫ٍ‬ ‫الن ُ َّ‬
‫اس اتقُوا َرَّب ُك ُم الذي َخلَقَ ُك ْم م ْن َن ْف َ‬ ‫ون [آل عمران‪َ .]102:‬يا َُّأيهَا َّ‬ ‫تَ ُموتُ َّن ِإ َو َْأنتُ ْم ُم ْسل ُم َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫و َخلَ َ ِ‬
‫اَأْلر َح َام ِإ َّن اللهَ‬
‫ون بِه َو ْ‬ ‫اءلُ َ‬‫اء َواتَّقُوا اللهَ الذي تَ َس َ‬ ‫ق م ْنهَا َز ْو َجهَا َوَبث م ْنهُ َما ِر َجاالً َكثيراً َونِ َس ً‬ ‫َ‬
‫صِل ْح لَ ُك ْم ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َِّ‬
‫َأع َمالَ ُك ْم‬ ‫آمُنوا اتَّقُوا اللهَ َوقُولُوا قَ ْوالً َسديداً * ُي ْ‬ ‫ان َعلَْي ُك ْم َر ِقيباً [النساء‪َ .]1:‬يا َُّأيهَا الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫َك َ‬
‫وب ُك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ فَقَ ْد فَ َاز فَ ْوزاً َع ِظيماً [األحزاب‪ .]71-70:‬أما بعــد‪ :‬فإن‬ ‫ِ‬
‫َوَي ْغف ْر لَ ُك ْم ُذُن َ‬
‫محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وشر األمور محدثاتها‬ ‫ٍ‬ ‫أصدق الحديث كتاب اهلل‪ ،‬وخير الهدي هدي‬
‫محدثة بدعة‪ ،‬وكل ٍ‬
‫بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار‪ .‬أيها اإلخوة‪ :‬ال يخفى عليكم ما‬ ‫ٍ‬ ‫وكل‬
‫نتعرض له في هذه األيام من المحن والخوف والفتنة‪ ،‬التي تتطلب منا اليوم وقفةً جيدةً أكثر من أي‬
‫مطالب بأن يحقق مفهوم العبودية هلل سبحانه وتعالى في جميع المواقف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫وقت مضى‪ ،‬والمسلم‬
‫مطالب بأن يحسن‬
‫ٌ‬ ‫مطالب أن يكون عبداً هلل في أوقات الرخاء وفي أوقات الشدة‪ ،‬والمسلم‬
‫ٌ‬ ‫والمسلم‬
‫عبادة ربه سبحانه وتعالى كما ورد في الحديث‪( :‬عبادة في الهرج كهجر ٍة َّ‬
‫إلي) العبادة في وقت‬
‫المحنة ووقت القتل‪ ،‬أو وقت الحروب ووقت الفتن مثل الهجرة في فضلها‪ ،‬مثل الهجرة إلى‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم في المدينة‪ ،‬وهذا يدل على أن المسلم يؤجر في عبادته هلل أكثر عندما‬
‫يكون في أوقات المحنة والشدة‪ ،‬فإنه يؤجر أكثر من عبادته في وقت الرخاء إذا استوت العبادتان؛‬
‫ألنه اآلن قد أحسن التوجه إلى اهلل وعبادته عز وجل‪ ،‬فيؤجر على ذلك أجراً إضافياً‪.‬‬

‫الدروس التي تستفاد من األحداث‪:‬‬


‫عبر عظيمة‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫دروس كثيرة‪ ،‬وفيها ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أيها اإلخوة‪ :‬إن هذه األحداث‪ ،‬وهذه المواقف لنا فيها‬

‫اإليمان بالقضاء والقدر‪:‬‬


‫اإليمان بالقضاء والقدر‪ ،‬واإليمان بقوله عليه الصالة والسالم‪( :‬وأن تعلم أن ما أصابك لم يكن‬
‫ليخطئك‪ ،‬وما أخطأك لم يكن ليصيبك) وإ ذا لم تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك‪ ،‬وما أخطأك لم‬
‫يكن ليصيبك‪ ،‬فلست على ملة اإلسالم كما ورد في الحديث الصحيح‪.‬‬

‫الموت‪:‬‬
‫س َذاِئقَةُ اْل َم ْو ِت [األنبياء‪ ]35:‬وقال‬
‫ثانياً الموت‪ :‬وال بد منه لكل حي‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪ُ :‬ك ُّل َن ْف ٍ‬
‫وج ُم َشَّي َد ٍة [النساء‪ ]78:‬ولو كنت‬ ‫ت َولَ ْو ُك ْنتُ ْم ِفي ُب ُر ٍ‬
‫ونوا ُي ْد ِر ْك ُك ُم اْل َم ْو ُ‬
‫سبحانه وتعالى‪َْ :‬أيَن َما تَ ُك ُ‬
‫البساً جميع أنواع األقنعة والكمامات واأللبسة‪ ،‬وتسكن في عاشر أدوار تحت األرض يدركك‬
‫الموت لو شاء اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فينزل فيقبض ملك الموت روحك‪ ،‬ألن اهلل أراد ذلك‪َْ :‬أيَن َما‬
‫وج ُم َشَّي َد ٍة [النساء‪.]78:‬‬
‫ت َولَ ْو ُك ْنتُ ْم ِفي ُب ُر ٍ‬
‫ونوا ُي ْد ِر ْك ُك ُم اْل َم ْو ُ‬
‫تَ ُك ُ‬

‫ال ينفع الهروب من الموت‪:‬‬


‫ثالثاً‪ :‬إن هذا المعنى يؤكده ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬وهو نفس المسألة السابقة قول اهلل عز وجل‪َ :‬ألَ ْم تََر ِإلَى‬
‫وف َح َذ َر اْل َم ْو ِت فَقَا َل لَهُ ُم اللَّهُ ُموتُوا [البقرة‪ ]243:‬فما أغناهم‬
‫ين َخ َر ُجوا ِم ْن ِدَي ِار ِه ْم َو ُه ْم ُألُ ٌ‬ ‫َِّ‬
‫الذ َ‬
‫خروجهم من بيوتهم‪ ،‬ما أغناهم شيئاً أمام الموت‪ ،‬ولما قدر اهلل عليهم الموت ماتوا‪ ،‬فقال اهلل لهم‪:‬‬
‫موتوا [البقرة‪ ]243:‬ليدلل لهم على أن خروجهم من بيوتهم ال يقيهم الموت وال يبعده عنهم‪.‬‬

‫األخذ باألسباب‪:‬‬
‫رابعاً‪ :‬البد للمسلم من األخذ باألسباب‪ ،‬وال تعني النقطة السابقة أنك ترى ِ‬
‫الحمام أمامك‪ ،‬وترى‬
‫مواقع القتل أمامك فتدخل فيها‪ ،‬فليس ذلك من معاني دين اإلسالم وال من أوامره‪ ،‬بل إذا لقيت شراً‬
‫فانأ عنه وادرأ بنفسك عنه ما استطعت‪ ،‬إذا كان نأيك عنه مشروعاً‪ ،‬واتخاذ األسباب المشروعة في‬
‫أمر مشروع‪ ،‬فوضع مكان ٍ‬
‫آمن في البيت‪ ،‬أو هذه الملصقات على الزجاج حتى‬ ‫الوقاية من الهالك ٌ‬
‫ٍ‬
‫منخفض بأسرع من سرعة الصوت مثالً ال يتهشم الزجاج وال يتناثر‬ ‫مستوى‬
‫ً‬ ‫طيار على‬
‫لو طار ٌ‬
‫غاز لو حصل أن جاء ‪-‬ونسأل اهلل أن ال‬
‫أمر مشروع وال بأس به‪ ،‬وسد المنافذ حتى ال يدخل ٌ‬
‫فهذا ٌ‬
‫أمر ال بأس به‪ ،‬ووضع بعض األطعمة في البيت حتى إذا غلقت األسواق ولم تجد مكاناً‬
‫يأتي‪ٌ -‬‬
‫أمر ال بأس به‪ ،‬ووضع مصدر لإلنارة في البيت حتى إذا قطعت الكهرباء يكون عندك‬
‫تشتري منه ٌ‬
‫أمر مشروع‪ ،‬فإذاً اتخاذ األسباب المشروعة لوقاية النفس من‬
‫أمر ال بأس به‪ ،‬وهو ٌ‬
‫مصدر آخر‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬
‫األخطار‪ ،‬والتي هي من عين الحكمة‪ ،‬ومن عين العقل أن تتخذها‪.‬‬

‫زيادة الهلع ينقلب إلى الضد‪:‬‬


‫خامساً‪ :‬إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده‪ ،‬فمثالً‪ :‬لما يقع الهلع من الناس فيشترون كل شيء‬
‫ٍ‬
‫حاجة إلى هذا االندفاع الكبير‬ ‫ٍ‬
‫معينة ‪-‬مثالً‪ -‬بدون‬ ‫سلع‬
‫أكثر مما يحتاجون‪ ،‬وتفرغ األسواق من ٍ‬
‫ٍ‬
‫أمر مناف للتعقل‪ ،‬ثم شراء األشياء التي قد ال يحصل منها نفعٌ‬
‫لشراء هذه الكميات الكبيرة‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫كثير من الناس على‬
‫وليست أسباباً واضحة ينتفع بها هو أيضاً دلي ٌل على عدم التعقل‪ .‬مثال‪ :‬أقدم ٌ‬
‫شراء الفوانيسـ على هذا الكاز‪ ،‬كان الفانوس بخمسة أو ستة رياالت ال أحد يشتريه‪ ،‬فقفز سعره إلى‬
‫ستين وسبعين وثمانين ومائة‪ ،‬واشترى الناس الفوانيس‪،‬ـ وصرف بعض الناس بضاعةً كانت‬
‫ساق إليهم رزقهم عبر هذا الهلع أو بعض التصرف من‬
‫عندهم‪ ،‬واهلل هو الرزاق سبحانه وتعالى َ‬
‫بعض الناس‪ ،‬فلما قيل لهم‪ :‬إن الفوانيس ال تصلح في مثل هذه األوضاع‪ ،‬عليكم باألشياء الكهربائية‬
‫ذهب الناس إلى البطاريات وألقيت الفوانيسـ جانباً‪ .‬مثا ٌل آخر‪ :‬مراوح يدوية‪ ،‬هل تصدقون أن‬
‫تصرف دا ٌل على عدم التعقل أيضاً‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بعض الناس قد اشتروا مراوح يدوية في فصل الشتاء‪ ،‬فهذا‬
‫وهكذا‪ .‬مثا ٌل آخر‪ :‬اتصل بي بعض الناس يقول‪ :‬في وقت حدوث أو انطالق صفارة اإلنذار دخل‬
‫الناس إلى هذه المالجئ وال ملجأ من اهلل إال إليه سبحانه وتعالى‪ ،‬وال يقي من الشرور إال هو‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وصار بعضهم يتصل على بعض‪ ،‬ادخل الغرفة فوراً والبس األقنعة‪ ،‬اعمل اعمل‪،‬‬
‫وليس هناك ما يدعو إلى لبس األقنعة داخل البيوت محكمة اإلغالق مثالً‪ ،‬وربما حصل بسبب‬
‫إساءة استعمالها أضرار على األطفال‪ ،‬فإنه قد بلغني أن بعضهم قد مات اختناقاً من وضع هذا‬
‫الكمام عليه بالطريقة بالخطأ‪ .‬فصار الشيء الذي أخذ سبباً للحياة سبباً للوفاة‪ ،‬ثم قال هؤالء‬
‫السائلون‪ :‬كيف نتوضأ؟ يا أخي توضأ بالماء‪ ،‬قال‪ :‬لكن نحن اآلن متكممون في الغرفة وال نستطيع‬
‫أن نتوضأ وقد دخل وقت الصالة‪ ،‬قلت‪ :‬يا أخي اخرج إلى الحمام وتوضأ فهي خطوات‪ ،‬قال‪ :‬أنا‬
‫داع لحصر‬
‫ال أستطيع أن أخرج من الملجأ‪ ،‬سبحان اهلل! وأنتم ترون من الواقع أنه ليس هناك ٍ‬
‫النفس بالغرفة دون خروجه إلى الحمام‪ ،‬فلو أراد أن يقضي حاجته‪ ،‬ماذا يفعل؟ لو انحصر فأراد‬
‫الذهاب إلى الحمام‪ ،‬ماذا يفعل؟ فكان هذا التصرف بعدم الذهاب إلى الحمام للوضوء ألجل الصالة‬
‫كثير منهم ليس عندهم القدرة على التصرف الصحيح في أوقات‬
‫شيئاً عجيباً‪ ،‬لكن الناس ‪-‬فعالً‪ٌ -‬‬
‫األزمة‪ ،‬ولذلك من األدعية التي يدعو بها المسلم‪( :‬اللهم ألهمنا رشدنا‪ ،‬وقنا شر أنفسنا) فليس هناك‬
‫غاز‪ ،‬وليس هناك خطر‪ ،‬وليس هناك أشياء متسربة‪ ،‬فما المانع أن تذهب إلى الحمام للوضوء؟!‬

‫أحكام العبادة في أيام الفتن ‪:‬‬


‫سادساً‪ :‬بالنسبة للعبادة ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬العبادة البد من إحكامها‪ ،‬وقدمنا أن اإلحسان في العبادة‬
‫يضاعف اهلل به مزيداً من الحسنات‪ ،‬ولذلك فإن الوضوء ينبغي أن يكون سابغاً تاماً‪ ،‬والصالة تؤدى‬
‫خطر داهم يأتي الرجال إلى المسجد للصالة فيه‪،‬‬
‫في وقتها وال نؤخر الصلوات‪ ،‬وإ ذا لم يكن هناك ٌ‬
‫ٍ‬
‫بشكل طبيعي تماماً‪ ،‬ونأتي لصالة الجمعة‪ ،‬واألمر طبيعي تماماً‪ ،‬لكن لو حصل‬ ‫وتمشي األمور‬
‫وقدر اهلل أن يكون هناك قذائف تنزل أو أخطار متحققة‪ ،‬أو صفارة اإلنذار على ٍ‬
‫شيء من‬ ‫ٌ‬
‫اإلطالقات أو الغارات ال سمح اهلل‪ ،‬فهنا ال نكلف الناس أن يأتوا إلى المساجد ألداء صالة الجماعة‪،‬‬
‫بل إنهم يعذرون بما هو أدنى من ذلك‪ ،‬كالجمع في المطر في المسجد‪ ،‬ويعذرون كذلك عند البرد‬
‫الشديد والريح الشديد‪ ،‬وفي الخوف‪ ،‬هناك صالة اسمها‪ :‬صالة الخوف‪ ،‬فإذاً ال نكلف الناس بأن‬
‫داهم أشارت اإلشارات إليه‪ ،‬وليس هو من اختالق بنات‬
‫حقيقي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫خطر‬
‫يأتوا إلى المسجد‪ ،‬فلو صار ٌ‬
‫األفكار كما يقولون‪ ،‬وال نتيجة أوهام‪ ،‬بل أشياء محققة فيها إشارات تدل على وقوعها‪ ،‬فنصلي في‬
‫ٍ‬
‫صالة في وقتها‪ ،‬ولو ‪-‬ال سمح اهلل‪ -‬صارت‬ ‫البيوت وال حرج‪ ،‬نصلي الصالة كاملةً في البيت‪ ،‬كل‬
‫أشياء ال نستطيع أن نأتي لصالة الجمعة‪ ،‬فنصلي في البيت ظهراً‪ ،‬هذا دينكم دين ٍ‬
‫يسر‪ ،‬وهذا من‬
‫بحرج أبداً‪ ،‬بل‬
‫ٍ‬ ‫معاني أن الدين يسر‪ ،‬هذا من المعاني الصحيحة ليسر الدين‪ ،‬والشريعة هذه لم تأت‬
‫كثير من‬
‫جاءت لرفع الحرج أيها اإلخوة‪ .‬ومن األمور المتصلة في ذلك أيضاً‪ :‬مسألة األقنعة‪ ،‬عمد ٌ‬
‫الناس ‪-‬هداهم اهلل‪ ،‬وال أقول كثير‪ ،‬ال أدري‪ ،‬ولم أعمل إحصائية وال استبياناً‪ ،‬وأرجو أن يكونوا‬
‫قلةً أو ندرة‪ -‬إلى حلق لحاهم ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬قالوا‪ :‬ال يمكن لألقنعة أن تركب على اللحية وأن‬
‫واجب شرعاً‪ ،‬فقد أصدر‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫تتسرب غازات وأشياء‪ ،‬ولذلك البد أن نحلق اللحية‪ ،‬يا أخي‪ :‬اللحية ٌ‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم فيها خمسة أوامر إلى األمة‪( :‬أرخوا اللحى) (أرجوا اللحى) (وفروا‬
‫اللحى) (أعفوا اللحى) أوامر إلى األمة بإعفاء اللحية تدل على الوجوب‪ ،‬فليس هناك فيها عذر‪.‬‬
‫إذاًَ‪ :‬فمتى تحلق اللحية؟ يجوز ذلك عند الضرورة‪ ،‬عند خوف القتل يمكن لإلنسان أن يحلق لحيته‬
‫خوف القتل المحقق‪ ،‬فقد صارت المسألة ضرورة‪ ،‬فيقولون لك‪ :‬إن هذه الغازات تتسرب‪ ،‬نقول‪ :‬يا‬
‫إليك أو هذه الكيماويات أو‬
‫أخي أين تعيش أنت؟! ألست في البيت! فأين الخطر المحقق لنفاذ الغاز َ‬
‫األشياء المستنشقة إليك في غرفتك‪ ،‬فعالم تحلق لحيتك؟! طبعاً هناك أنواع من هذه األقنعة فيها‬
‫طو ٌل في تصميمها بحيث أنه ال يضر‪ ،‬لكن قد ال تكون متوفرة‪ ،‬فماذا يفعل اإلنسان؟ أقول لكم ماذا‬
‫قالوا في الصحافة عن اليهود؟ حاخامات اليهود لحاهم طويلة ‪-‬مع األسف طبعاً مقارنة بالمسلمين‪-‬‬
‫ٍ‬
‫مقصات في جيوبهم‪ ،‬فإذا صار الخطر قصوا لحاهم‬ ‫فماذا يفعل حاخامات اليهود؟ قالوا‪ :‬يحملون‬
‫ولبسوا القناع‪ ،‬هل تريدون أن يكون اليهود أحسن منا؟! اليهود يحتاطون على لحاهم وال يحلقونها‬
‫أمر ال يجوز فعله إال وقت الضرورةـ‬
‫إال عند نزول الخطر‪ ،‬فهل هم أحسن منا؟ معاذ اهلل‪ ،‬فإذاً هذا ٌ‬
‫القصوى المحققة‪ ،‬لكن هؤالء الذين حلقوا لحاهم‪ ،‬أين الضرورة التي حصلت في هذه الفترة الزمنية‬
‫أمر آخر ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬نحن مسلمون‪ ،‬ومما‬
‫الماضية‪ ،‬حتى نقول لهم‪ :‬إن ما فعلتموه صحيح‪ٌ .‬‬
‫فنحن في هذه األوقات يجب علينا أشياء‪ ،‬منها‪:‬‬
‫يميزنا عن الكفار إيماننا باهلل سبحانه وتعالى‪ُ ،‬‬
‫إحسان الظن باهلل عز وجل‪ ،‬وإ ذا أحسنت الظن باهلل كفاك اهلل الشرور قال اهلل تعالى‪( :‬أنا عند ظن‬
‫عبدي بي‪ ،‬فليظن بي عبدي ما شاء)‪ .‬فينبغي أن نحسن الظن باهلل‪ ،‬وأن نوقن في أنفسنا أن اهلل‬
‫سيحفظنا‪ ،‬وأن اهلل سيكفينا‪ ،‬وأن اهلل سيدرأ عنا‪ ،‬وأن اهلل سيحول بين هذه الشرور والوصول إلينا‪،‬‬
‫فإذا اشتد ظنك باهلل حسناً كانت كفاية اهلل لك أكثر وأعظم‪ ،‬فأحسنوا الظن باهلل‪ ،‬ال تيئس من روح‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ اَّل‬ ‫اهلل‪ ،‬ال تقنط من رحمة اهلل أبداً ِإَّنه ال ي ْي ِ‬
‫ون [يوسف‪ ]87:‬وال يقنط‬‫َأس م ْن َر ْو ِح الله ِإ اْلقَ ْو ُم اْل َكاف ُر َ‬
‫ُ َ ُ‬
‫من رحمة ربه إال الضالون‪ ،‬فأحسن الظن باهلل أن اهلل سيكفيك همك‪ ،‬وأن اهلل سيحفظك من كل‬
‫سوء‪ ،‬ولكن بعض الناس عندما يسمع انفجاراً أو صفارة إنذار‪ ،‬أو شيئاً من األشياء الخطيرة يسقط‬
‫في يده‪ ،‬وينسى اهلل تماماً‪ ،‬وهذا من أعظم المصائب‪ .‬ففي لحظات الشدة يجب أن نذكر اهلل أكثر من‬
‫أمر فزع إلى‬ ‫ٍ‬
‫أمر صلّى) كان إذا حصل ٌ‬ ‫أي شيء مضى‪ ،‬ولذلك ما معنى الحديث‪( :‬كان إذا حزبه ٌ‬
‫َّب ِر والص ِ‬
‫َّالة َوِإ َّنهَا‬ ‫ِ‬ ‫الصالة‪ ،‬إذا نزلت مصيبة فزع إلى الصالة‪ ،‬يطبق قول اهلل‪ :‬و ِ‬
‫استَع ُينوا بالص ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫َّالة ِإ َّن اللَّهَ َم َع‬
‫َّب ِر والص ِ‬ ‫ِ‬
‫استَع ُينوا بالص ْ َ‬
‫اش ِعين [البقرة‪ .. ]45:‬يا َُّأيها الَِّذين آمُنوا ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫لَ َكبِيرةٌ ِإاَّل علَى اْل َخ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ين [البقرة‪ .]153:‬وكان ابن عباس لما كان مسافراً في الطريق‪ ،‬فبلغه موت أخيه‪ ،‬ترجل‬ ‫الصَّابِ ِر َ‬
‫استَ ِع ُينوا‬ ‫َِّ‬
‫آمُنوا ْ‬ ‫عن راحلته وتنحى جانباً‪ ،‬فصلى ركعتين ثم قال‪ :‬قال اهلل عز وجل‪َ :‬يا َُّأيهَا الذ َ‬
‫ين َ‬
‫َّالة [البقرة‪ ]153:‬هذا الكالم نقوله ألننا وجدنا بعض الناس لما صارت األخطار‬ ‫َّب ِر والص ِ‬ ‫ِ‬
‫بالص ْ َ‬
‫وهذه الصفارات عمدوا إلى محطات التلفزيون واإلذاعات ينظرون ويستمعون إليها بكل إنصات‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ساعات طويلة‪ ،‬وال يلهج أحدهم بذكر اهلل أبداً‪ .‬وهذا خطأ ‪-‬يا جماعة‪ -‬هذه مواقف وستسجل علينا‬
‫ونحن بإمكاننا أن نتخذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح‪ ،‬القرار الصحيح وقت‬
‫ُ‬ ‫يوم القيامة‪،‬‬
‫األزمة أن تلجأ إلى اهلل‪ ،‬ليس هناك مانع أن تسمع األخبار‪ ،‬لكن أن تتسمر أمام األجهزة طيلة الوقت‬
‫ٍ‬
‫بإنصات شديد‪ ،‬وال تذكر اهلل أبداً هذا ليس من صفات المسلمين‪ .‬كان عليه الصالة والسالم إذا كربه‬
‫أمر قال‪( :‬اهلل اهلل ربي ال أشرك به شيئاً) وقال‪( :‬يا حي يا قيوم برحمتك استغيث) هذه أدعية‬
‫ٌ‬
‫الكرب وأذكار الهم‪ ،‬البد أن نذكرها وأن تكون على ألسنتنا‪( .‬اللهم إني عبدك وابن عبدك ناصيتي‬
‫ٍ‬
‫ماض في حكمك‪ ،‬عدل في قضاؤك‪ ،‬أسألك بكل اسم هو لك‪ ،‬سميت به نفسك أو أنزلته في‬ ‫بيدك‪،‬‬
‫كتابك‪ ،‬أو علمته أحداً من خلقك‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي)‬
‫فإذاً نسأل اهلل سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا‪ ،‬وذهاب همومنا وغمومنا‪ ،‬وجالء‬
‫أحزاننا وكربنا‪ ،‬اللهم آمين‪ ،‬اللهم آمين‪ ،‬اللهم استجب لنا أجمعين‪ .‬وقبل أن يفوتني تنبيهٌ على مسألة‬
‫قد يسأل عنها بعض اإلخوة العسكريين‪ ،‬عند لبس هذا الكمام‪ ،‬أو هذا القناع كيف يفعل بالوضوء‬
‫والسجود؟ طبعاً اإلنسان إذا لم يستطع أن يمسح على جز ٍء من جسده تيمم عنه‪ ،‬فإذا كان محكماً‬
‫على الرأس مثالً‪ ،‬يعامل مثل العمامة‪ ،‬فيمسح عليه‪ ،‬فإذا لم يستطع فإنه يتيمم عنه‪ ،‬هناك اآلن‬
‫مخارج شرعية يسأل عنها العلماء‪ ،‬ويفتي بها أهل العلم‪ ،‬فإذا حدثت أشياء مثل هذه هناك أحكام في‬
‫الشريعة‪ ،‬أحكام االضطرار‪ ،‬أحكام الضرورة‪،‬ـ تسأل عنها العلماء‪ ،‬وأما بالنسبة للسجود‪ ،‬فلو‬
‫اضطر للبس القناع وهو يصلي‪ ،‬فيسجد على حسب حاله‪ ،‬ويالمس من األرض ما يستطيع أن‬
‫يالمسه بهذا القناع الموجود على وجهه‪ ،‬وال حرج في الشريعة‪ ،‬وهذا معنى أن الدين يسر‪ ،‬هذا‬
‫مثال صحيح‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫تخويف اهلل لعباده‪:‬‬


‫أيها اإلخوة‪ :‬إن هذه األحداث التي تمر بنا اآلن مدرسةٌ فعالً‪ ،‬والسعيد من تعلم بها وفيها ومنها‬
‫وأخذ العبر‪ .‬أيها المسلمون‪ :‬إن اهلل سبحانه وتعالى يقول ‪-‬ونعوذ باهلل أن نكون من المقصودينـ‬
‫يد ُه ْم ِإاَّل طُ ْغَياناً َكبِيراً [اإلسراء‪ .]60:‬فإذا خوفنا اهلل بهذه األحداث‪،‬‬
‫بهذه اآلية‪َ :-‬وُن َخ ِّوفُهُ ْم فَ َما َي ِز ُ‬
‫فما المفروض أن يحدث لدينا؟ إن المفروض علينا اللجوء إلى اهلل‪ ،‬الدعاء‪ ،‬الصالة‪ ،‬الذكر‪ ،‬قراءة‬
‫القرآن‪ ،‬اإلقبال عليه‪ ،‬التوكل عليه‪ ،‬صدق اللجوء إليه‪ ،‬ونقول من قلوبنا في قنوتنا‪ :‬واحفظنا من‬
‫بين أيدينا ومن خلفنا‪ ،‬وعن أيماننا وعن شمائلنا‪ ،‬ومن فوقنا‪ ،‬ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا‪،‬‬
‫هذا أوان التعلم باألحداث ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬كم مرت علينا فترات رخاء‪ ،‬فترات ليس فيها خوف‪ ،‬وال‬
‫فزع‪ ،‬وال اضطراب‪ ،‬وال جوع‪ ،‬وال فقر‪ ،‬واآلن يبلونا اهلل في هذه األيام بأشياء من الخوف‪ ،‬يبلونا‬
‫بها‪ ،‬فما هو موقفكم؟ وما هو موقفنا جميعاً؟ كونوا كما أمركم اهلل عباداً له في جميع الحاالت‬
‫واألوضاع والظروف‪ ،‬قوموا بحق العبودية‪ .‬أقول قولي هذا وأستغفر اهلل لي ولكم‪.‬‬

‫قوة اهلل‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل ولي الصالحين‪ ،‬وأشهد أن محمداً رسول اهلل؛ صلى‬
‫اهلل عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬أال إن القوة هلل جميعاً‪ ،‬ومهما ملك البشر‪ ،‬فال يملكون إال‬
‫َأخ َر َج ِت‬ ‫ض ِزْل َزالَهَا * َو ْ‬ ‫ِ‬
‫أشياء بسيطة ال تقارن أبداً بقوة اهلل‪ ،‬تأمل قوله عز وجل‪ِ :‬إ َذا ُزْل ِزلَت ْ‬
‫اَأْلر ُ‬
‫ك َْأو َحى لَهَا [الزلزلة‪-1:‬‬ ‫َأخَب َار َها * بِ َّ‬
‫َأن َرَّب َ‬ ‫ث ْ‬ ‫ان َما لَهَا * َي ْو َمِئ ٍذ تُ َح ِّد ُ‬ ‫اَأْلرض َأثْقَالَها * وقَ َ ِأْل‬
‫ال ا ْن َس ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫ض َع ٍة َع َّما‬ ‫الناس اتَّقُوا رَّب ُكم ِإ َّن َزْل َزلَةَ السَّاع ِة َشيء ع ِظيم * يوم تَروَنها تَ ْذه ُل ُك ُّل مر ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ ٌ َ ٌ َْ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫‪َ ..]5‬يا َُّأيهَا َّ ُ‬
‫اب اللَّ ِه َش ِد ٌ‬
‫يد‬ ‫ِ‬
‫اس ُس َك َارى َو َما ُه ْم بِ ُس َك َارى َولَك َّن َع َذ َ‬ ‫ات َح ْم ٍل َح ْملَهَا َوتََرى َّ‬
‫الن َ‬
‫ت وتَضع ُك ُّل َذ ِ‬
‫ض َع ْ َ َ ُ‬ ‫َْأر َ‬
‫[الحج‪ .]2-1:‬فهذا لو قارنته بأكبر انفجار في األرض يحدثه العباد بقنابلهم وصواريخهم؛ فماذا‬
‫يم * َي ْو َم تََر ْوَنهَا تَ ْذ َه ُل ُك ُّل‬ ‫ِ‬ ‫الناس اتَّقُوا رَّب ُكم ِإ َّن َزْل َزلَةَ الس ِ‬
‫َّاعة َش ْي ٌء َعظ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫يعد؟ ال شيء أبداً َيا َُّأيهَا َّ ُ‬
‫ات َح ْم ٍل َح ْملَهَا [الحج‪ .]2-1:‬ونحن مع األسف في مثل هذه‬ ‫ت وتَضع ُك ُّل َذ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ض َع ْ َ َ ُ‬ ‫ُم ْرض َعة َع َّما َْأر َ‬
‫األوقات قد ننسى قوة اهلل عز وجل‪ ،‬بمعنى أننا ال نقدر قوة اهلل قدرها‪ ،‬وال نعرف ما أمرنا اهلل به‬
‫ات بَِي ِمينِ ِه‬
‫ط ِوَّي ٌ‬
‫ات َم ْ‬‫َّم َاو ُ‬ ‫امة َوالس َ‬
‫ق قَ ْد ِر ِه واَأْلرض ج ِميعاً قَْبضتُه يوم اْل ِقي ِ‬
‫َ ُ َْ َ َ َ‬ ‫َ ْ ُ َ‬ ‫بقوله‪ :‬و َما قَ َد ُروا اللَّهَ َح َّ‬
‫َ‬
‫ض َج ِميعاً ) جميعاً‬ ‫ون [الزمر‪ ( ]67:‬و َما قَ َد ُروا اللَّهَ َح َّ‬
‫ق قَ ْد ِر ِه َو ْ‬
‫اَأْلر ُ‬ ‫ُس ْب َح َانهُ َوتَ َعالَى َع َّما ُي ْش ِر ُك َ‬
‫َ‬
‫تأملوا ‪-‬يا جماعة‪ -‬تأملوا هذه‪ :‬كل األرض والبالد والعباد‪ ،‬والصواريخـ واألسلحة‪ ،‬واألشجار‪،‬‬
‫ات )‬‫َّم َاو ُ‬ ‫واألنهار والبحار‪ ،‬والحيوانات كلها‪ ( :‬واَأْلرض ج ِميعاً قَْبضتُه يوم اْل ِقي ِ‬
‫امة َوالس َ‬ ‫َ ُ َْ َ َ َ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫ات بَِي ِمينِ ِه‬ ‫ط ِوَّي ٌ‬
‫ات َم ْ‬
‫َّم َاو ُ‬ ‫السماوات‪ :‬التي ما وصلوا إليها حتى اآلن وال لمسوها بمخترعاتهم ( َوالس َ‬
‫ان [الرحمن‪ ]26:‬بكل مساعيهم وأسلحتهم وعتادهم كل من‬ ‫ُس ْب َح َانهُ َوتَ َعالَى )‪ُ .‬ك ُّل َم ْن َعلَْيهَا فَ ٍ‬
‫الل َواِأْل ْك َر ِام [الرحمن‪.]27:‬‬ ‫ك ُذو اْل َج ِ‬ ‫عليها فان‪ ،‬ومنشآتهم وبيوتهم وعماراتهم َوَي ْبقَى َو ْجهُ َرِّب َ‬
‫فينبغي أال تغيب عن أذهاننا ‪-‬ونحن نسمع األخبار‪ -‬قوة اهلل عز وجل أبداً‪ ،‬من فوق؟ اهلل فوق‬
‫الجميع سبحانه وتعالى‪ ،‬له علو الذات‪ ،‬وعلو الصفات‪ ،‬وعلو القهر والغلبة على خلقه أجمعين‪:‬‬
‫ت الثََّرى‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫ض َو َما َب ْيَنهُ َما َو َما تَ ْح َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ْح َم ُن َعلَى اْل َع ْر ِ‬
‫َّم َاوات َو َما في ْ‬
‫استََوى * لَهُ َما في الس َ‬
‫ش ْ‬ ‫َّ‬
‫[طه‪.]6-5:‬‬
‫اللجوء إلى اهلل أيام الفتن‪:‬‬
‫أيها اإلخوة‪ :‬في الفتن نلجأ إلى اهلل‪ ،‬نعتصم بحبل اهلل‪ ،‬ال نغفل عن ربنا وال عن ذكره‪ ،‬وال عن‬
‫مراقبته سبحانه وتعالى‪ ،‬ونذكره وال نجعل ألسنتنا تلهج بذكر األخبار فقط‪ ،‬وننسى ذكر ربنا‪،‬‬
‫انتبهوا ‪-‬يا إخواني‪ -‬ويسألونك يقولون‪ :‬ما حكم الخروج من المنطقة أو من البلد‪ ،‬فلقد قلنا عدة‬
‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫مرات‪ ،‬وأنقل الفتوى عن علمائنا وأكابر علمائنا‪ :‬ال حرج لمن أراد أن يخرج ولم يكن لديه‬
‫يوجب البقاء أن يخرج‪ ،‬فاإلنسان الذي ليس رجل أمن مكلف بالبقاء وال عنده شيء يجب أن يبقى‬
‫فعلت ذلك‬
‫منطقة أخرى فال بأس‪ ،‬وليس هناك حرج شرعي‪ ،‬ولو أني ُ‬ ‫ٍ‬ ‫من أجله‪ ،‬لو أخرج أهله إلى‬
‫إرضاء لوالديه‪ ،‬ما عنده سبب معين في البقاء‪ ،‬فتقول‬
‫ً‬ ‫مثالً وذهبت بأهلي‪ ،‬وقد يذهب اإلنسان أحياناً‬
‫له أمه‪ :‬تعال إلينا مثالً‪ ،‬فيذهب إليهم فال حرج شرعاً في ذلك‪ ،‬ال هو فرار من قضاء اهلل واعتقاد‬
‫ين َخ َر ُجوا ِم ْن ِدَي ِار ِه ْم َو ُه ْم ُألُ ٌ‬ ‫َِّ‬
‫وف َح َذ َر‬ ‫أنك لو هربت فأنت تهرب من قضاء اهلل‪ ،‬ال‪َ :‬ألَ ْم تََر ِإلَى الذ َ‬
‫ال لَهُ ُم اللَّهُ ُموتُوا [البقرة‪ ]243:‬ممكن تلقاك المنية في الطريق‪ ،‬وكذلك ليس فراراً من‬ ‫اْل َم ْو ِت فَقَ َ‬
‫الزحف‪ ،‬ألنك لم تحضر صف المعركة بين المسلمين والكفار وأنت تجاهد بسالحك‪ ،‬وإ نما أنت‬
‫تذهب أن تذهب‪ ،‬ولو كانت مصلحتك في‬
‫َ‬ ‫رج ٌل من عامة الناس (مدني) فلك الخيار إذا أردت أن‬
‫البقاء‪ ،‬وعندك أعمال‪ ،‬وعندك وظيفة‪ ،‬وعندك عمال ترعاهم‪ ،‬عندك شيء‪ ،‬فإنك إذا جلست فال‬
‫أمور تنزل عليك فيها تدمير‪ ،‬فيمكن لك أن تخرج في‬
‫بأس بذلك‪ ،‬فإذا صار الخطر محققاً‪ ،‬وهناك ٌ‬
‫تلك الحالة وجوباً فراراً من القتل‪ ،‬أو فراراً من األخطار المحدقة مثالً‪ .‬وكذلك ‪-‬أيها اإلخوة‪-‬‬
‫فالبد أن يكون عندنا اهتمام بأذكار الصباح والمساء (أعوذ بكلمات اهلل التامات من شر ما خلق)‬
‫ثالثاً في الصباح والمساء‪ ،‬وتأمل‪( :‬من شر ما خلق) وهذه تشمل اآلدميين‪ ،‬وتشمل األسلحة‪،‬‬
‫وتشمل نفسك وتشمل كل شيء‪ ،‬من الدواب والعقارب والثعابين والنحل وكل ٍ‬
‫شيء يؤذي‪ ،‬فأنت‬
‫تستعين باهلل من شره‪ ،‬أعوذ بأي شيء؟ بشيء عظيم‪ ،‬أعوذ بكلمات اهلل التامات من شر ما خلق‪،‬‬
‫وتمت كلمة ربك صدقاً وعدالً‪ ،‬ال مبدل لكلماته سبحانه وتعالى‪ ،‬فأنت تستعيذ بكلماته عز وجل من‬
‫شيء في األرض وال في السماء وهو‬
‫ٌ‬ ‫شر ما خلق‪ ،‬وتقول‪( :‬باسم اهلل الذي ال يضر مع اسمه‬
‫السميع العليم)‪ .‬ومن المشروع اآلن القنوت في الصلواتـ بعد الركوع من الركعة األخيرة من جميع‬
‫سواء قنت في الفجر والمغرب والعشاء‪ ،‬أو الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء‪،‬‬
‫ً‬ ‫الصلوات‬
‫صلوات قنت فيها عليه الصالة والسالم‪ ،‬وثبت كما في الصحيحين ومسند‬
‫ٌ‬ ‫فال حرج في ذلك‪ ،‬كلها‬
‫قنت عليه الصالة والسالم للنوازل‪ ،‬وهذه من النوازل‪ ،‬وتدعو باألدعية المناسبة‪ ،‬ويدعو‬
‫أحمد ‪َ ،‬‬
‫اإلمام بهم‪ ،‬فيدعو اهلل أن ينصر اإلسالم‪ ،‬وينصر المسلمين‪ ،‬ويحفظ المسلمين وبالد المسلمين‪ ،‬وأن‬
‫يقمع الشرك والمشركين والكافرين‪ ،‬وأن يحفظ العباد والبالد‪ ،‬واألهل واألنفس واألموال‪ ،‬وأن يقينا‬
‫شرور النفس‪ ،‬وأن يمتع باألسماع واألبصار‪ .‬يدعو اهلل سبحانه وتعالى في القنوت بما ورد عنه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم من األدعية‪ ،‬وغيرها من األدعية المشروعة الطيبة‪ .‬ثم ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬إذا‬
‫حصل أن سافر اإلنسان‪ ،‬فلينو ‪-‬فعالً‪ -‬أن يعمل هذا السفر طاعة‪ ،‬ألن بعض الناس قد يعمل السفر‬
‫سفر هرب‪ ،‬وينسى أن ينوي السفر في طاعة‪ ،‬ولذلك ليس أجر الذي ذهب للعمرة طائعاً مختاراً‬
‫مثل الذي ذهب للعمرة رغماً عنه‪ ،‬هناك أناس ذهبوا للعمرة رغماً عنهم‪ ،‬وأناس ذهبوا لصلة الرحم‬
‫رغماً عنهم‪ ،‬لكن اجعل النية هلل في هذا السفر ال هروباً فقط لو حصل‪ ،‬وإ نما هو فعل األمور من‬
‫الطاعات األخرى‪ ،‬وكذلك أنبه على مسألة اإليثار‪ ،‬اآلن يوجد ناس فقراء‪ ،‬يوجد ناس مقطوعون‪،‬‬
‫قد يتعذر عليهم شراء األشياء من األسواق‪ ،‬تفقد جيرانك‪ ،‬تفقد من حولك‪ ،‬إذا كان هناك ناس‬
‫يحتاجون إلى مساعدة‪ ،‬هناك ناس عندهم نقص فيما يحتاجونه في البيت‪ ،‬وأنت عندك منها فأعطهم‬
‫منها‪ ،‬قد تكون أشياء نفدت من السوق مثالً‪ ،‬وعندك ما يزيد عن حاجتك‪ ،‬فاهدها إليهم‪ ،‬أو تصدق‬
‫أوان يظهر فيه هذا الخلق العظيم من أخالق اإلسالم‪ ،‬وهو اإليثار‪ ،‬فآثر وأعط وقدم‬
‫بها عليهم‪ ،‬هذا ٌ‬
‫وضح‪ ،‬وتصدق هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فإن الصدقة في أوقات الشدة ليست كالصدقة في أوقات‬
‫ّ‬
‫الرخاء‪ ،‬وال تنسوا الصالة على نبيكم محمد صلى اهلل عليه وسلم في هذا اليوم العظيم يوم الجمعة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫صالة يصليها عليه من اهلل‬ ‫ٍ‬
‫محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فله بكل‬ ‫وال تنسوا أن من صلى على النبي‬
‫عشراً‪.‬‬

You might also like