Professional Documents
Culture Documents
تعريف االستشارة:
بجري أو غيره،
ٍ االستشارة مأخوذةٌ من قول العرب :شرت الدابة وشورتها إذا علمت خبرها
وشرت الدابة إذا امتحنتها فعرفت هيئتها في سيرها ،وشرت العسل إذا أخذته من مواضع النحل.
وهذا يبين لك االرتباط بين المعنى اللغوي والمعنى الذي نقصده نحن اليوم ،فكونك تشور الدابة،
أي :تختبرها ،وكونك تشور العسل ،أي :تبتغي الصفاء والنقاء في العسل بأخذه من مواطنه
األصلية ،ومعنى قولهم :شاورت فالناً ،أي :أظهرت ما عندي وما عنده .وزيادة األلف والسين
والتاء في بداية الكلمة( :االستشارة) هي للطلب ،أي :طلب المشورة من اآلخرين ،وأما األدلة على
ضوا ِم ْن ظ اْل َقْل ِب اَل ْنفَ ُّ ت فَظّاً َغِلي َ هذا ،فمنها قول اهلل عز وجل :فَبِ َما َر ْح َم ٍة ِم َن اللَّ ِه ِل ْن َ
ت لَهُ ْم َولَ ْو ُك ْن َ
بت فَتََو َّك ْل َعلَى اللَّ ِه ِإ َّن اللَّهَ ُي ِح ُّاَأْلم ِر فَِإ َذا َع َز ْم َ ِ ف ع ْنهم و ِ
استَ ْغف ْر لَهُ ْم َو َش ِاو ْر ُه ْم في ْ
اع ُ َ ُ ْ َ ْ
ك فَ َْح ْوِل َ
ِ
ين [آل عمران .]159:قال شيخ اإلسالم رحمه اهلل" :ال غنى لولي األمر عن المشاورة، اْل ُمتََو ِّكل َ
ِ
اَأْلم ِر [آل عمران]159: فإن اهلل تعالى أمر بها نبيه صلى اهلل عليه وسلم ،فقالَ :و َش ِاو ْر ُه ْم في ْ
وقد قيل :إن اهلل أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه ،وليقتدي به من بعده ،وليستخرج بها منهم
وحي من أمر الحروف واألمور الجزئية" .وقال النووي رحمه اهلل" :إذا أمر
الرأي فيما لم ينزل فيه ٌ
اهلل بها النبي صلى اهلل عليه وسلم مع أنه أكمل الخلق ،فما الظن بغيره؟" .وقد مدح اهلل سبحانه
ورى َب ْيَنهُ ْم [الشورى ]38:وهذا من
َأم ُر ُه ْم ُش َ
وتعالى من عمل بها في جميع أموره ،قال تعالىَ :و ْ
الثناء على المؤمنين ،وكانت سادات العرب قديماً إذا لم يشاوروا في األمر شق عليهم ،فأمر اهلل
تعالى نبيه صلى اهلل عليه وسلم أن يشاورهم في األمر؛ فإن ذلك أعطف لهم عليه ،وأذهب
ألضغانهم ،وأطيب لنفوسهم ،فإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم .وأما اآليات التي أثنى اهلل فيها على
ين َِِّ ِ َّ ِ
صفات المؤمنين ومن ضمنها صفة المشورة ،قال اهلل عز وجلَ :و َما ع ْن َد الله َخ ْيٌر َو َْأبقَى للذ َ
ِ ِ ِ ِئ ِأْل ِ ِ َِّ
ون *
ون َكَبا َر ا ثْم َواْلفَ َواح َش َوِإ َذا َما َغضُبوا ُه ْم َي ْغف ُر َ
ين َي ْجتَنُب َ آمُنوا َو َعلَى َرِّب ِه ْم َيتََو َّكلُ َ
ون * َوالذ َ َ
ون [الشورى-36: والَِّذين استَجابوا ِلرِّب ِهم وَأقَاموا الصَّالةَ وَأمر ُهم ُشورى ب ْيَنهم و ِم َّما ر َز ْقَن ُ ِ
اه ْم ُي ْنفقُ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُْ َ َ َ َ ْ َُ َ ْ َ ُ
.]38وقال ابن القيم رحمه اهلل في الزاد مبيناً هديه صلى اهلل عليه وسلم في هذا الجانب" :واستشار
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في أحد أصحابه أيخرج إليهم -أي :إلى الكفار -أم يمكث في
المدينة" .وفي معرض سياقه لغزوة الخندق قال" :فلما سمع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
بمسيرهم إليه استشار الصحابة ،فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدو والمدينة
،فأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم به؛ فبادر إليه المسلمون وعمل بنفسه فيه" .وكذلك في غزوة
الحديبية كان من ضمن الدروس التي استنبطها ابن القيم رحمه اهلل في هذه الغزوة" استشارة اإلمام
ألصحابه" .وأصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عمدوا إلى تطبيق هذه السنة ،وااللتزام بهذا
األدب اإلسالمي العظيم ،فتجد أن أبا بكر الصديق رضي اهلل عنه قد شاور الصحابة في أمور
المرتدين ،وتسيير البعوث والجيوش وغيرها ،وكذا عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه كان له مجلس
مشورة خاص ،وكان في هذا المجلس الشباب والشيوخ كما سنبين ذلك .ومن األمثلة على استشارة
عمر رضي اهلل عنه :ما ورد في صحيح مسلم لما خرج رضي اهلل عنه إلى الشام ،ثم لقيه أهل
األجناد -أبو عبيدة وأصحابه -فأخبروه أن الطاعون قد وقع في الشام ،قال ابن عباس[ :فقال عمر
:ادع لي المهاجرين األولين ،فدعوتهم ،فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بـالشام ]...إلى آخر
الحديث الذي فيه قصة عبد الرحمن بن عوف المعروفة .رواه اإلمام مسلم في صحيحه .وإ ذا
أردت أن تستدل أو تعرف مدى أهمية ٍ
أمر من األمور عند السلف أو عند علماء المسلمين؛ فإنك
تستدل على هذا بـ(هل عقد المصنفون كأهل الحديث في كتبهم أبواباً خاصة لهذا األمر أم ال؟) .فإذا
كانوا قد أفردوا هذا األمر ،فهذا دا ٌل على أهميته؛ ألنه لو لم يكن مهماً جداً لما أفردوه ،ولما جعلوه
ضمن شيء من األبواب ،أو يجعلوه شيئاً جزئياً في داخل المصنف ،ولكن عندما ترى أن اإلمام
البخاري خصص أبواباً في كتابه للمشورة ،ويقول في أحدها( :وكان األئمة يستشيرون األمناء)
وترى أبا داود رحمه اهلل يقول في سننه( :باب في المشورة) وترى الترمذي رحمه اهلل يقول أيضاً
في سننه( :باب ما جاء في المشورة) وغير هؤالء تراهم قد عقدوا أبواباً خاصة ،فإنك البد أن
تستدل بذلك على أن لهذا األمر أهميته؛ ولذلك أفردوا له هذه األبواب والكتب في مصنفاتهم.
مجاالت االستشارة:
قد يقول إنسان :االستشارة في كل أمر ،وهذا صحيح ،والرسول صلى اهلل عليه وسلم لما صعد إلى
السماء -كما في حديث المعراج في صحيح البخاري -وفرض اهلل على رسوله صلى اهلل عليه
وسلم خمسون صالة في كل يوم وليلة ،قال له موسى( :إن أمتك ال تستطيع ذلك ،ارجع فليخفف
ربك عنهم ،فالتفت النبي صلى اهلل عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره -هذه رواية البخاري -
فأشار إليه جبريل :أن نعم إن شئت ،فعال به إلى الجبار ،فقال وهو مكانه :يا رب خفف عنا)...
إلى آخر الحديث .فأنت ترى هنا أن محمداً صلى اهلل عليه وسلم قد استشار جبريل في ٍ
أمر عظيم،
وهو قضية الصلوات التي تفرض على األمة إلى آخر الزمان.
صفات المستشار:
من نستشير؟ وما هي صفات المستشار؟ هذه نقطة حساسة ،ألننا قد نتفق على أهمية االستشارة،
وأننا البد أن نستشير ،ولكن عندما نأتي إلى التطبيق هنا تبرز مشكلة :من هم أهل االستشارة؟ هل
أنتقي شخصاً من الشارع أو المسجد أسأله ..إلى من أتجه؟ هذا سؤال مهم جداً ،وتترتب عليه نتيجة
مهمة ،بعض الناس يسأل بطانته والمقربين إليه ولو كانوا أجهل وأسوأ منه حاالً ،ولذلك نقول:
أوالً :البد أن تصلح بطانتك حتى إذا استشرتهم أشاروا عليك بالرأي السديد الذي يرضي اهلل عز
وجل .وثانياً :ما الفائدة من جاهل يستشير جاهالً آخر؟ فالبد من إحسان االستشارة .كان رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم له أناساً من أصحابه لهم مميزات معينة؛ لذا كان يستشيرهم ويأخذ
بمشورتهم ،مثال :حديث عبد الرحمن بن غنم األشعري رضي اهلل عنه :أن النبي صلى اهلل عليه
وسلم قال لـأبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما( :لو اجتمعتما في مشور ٍة ما خالفتكما) رواه اإلمام
أحمد .وسألت الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا الحديث؟ فقال :إسناده حسن .فالرسول صلى اهلل
عليه وسلم لو اجتمعت عنده مشورة أبي بكر و عمر على شيء واحد لم يخالفهما فيه .وعمر
رضي اهلل عنه كان لديه مجموعة من المستشارين ،وكان فيهم الشباب والشيوخ ،ولذلك كان بعض
السلف يقول :يا معشر الشباب! ال تحتقروا أنفسكم ،فإن مشورة عمر رضي اهلل عنه كان فيهم
شباب حدثاء السن .وهؤالء أهل المشورة عند عمر رضي اهلل عنه كانت لهم مواقف جميلة ،فمنها
مثالً :أن عم الحر بن قيس ويدعى عيينة بن حصن ،قال البن أخيه :يا بن أخي ،هل لك وجه عند
هذا األمير فتستأذن لي عليه؟ قال :سأستأذن لك عليه .قال ابن عباس :فاستأذن لـعيينة فلما دخل،
قال عيينة -وكان فيه شيء من البداوة -يا بن الخطاب ! واهلل ما تعطينا الجزل ،وما تحكم بيننا
هم أن يقع به ،فقال الحر :يا أمير المؤمنين! -الحر هذا من مستشاري بالعدل .فغضب عمر حتى َّ
ض َع ِن
َأع ِر ْ عمر -إن اهلل تعالى قال لنبيه صلى اهلل عليه وسلمُ :خ ِذ اْلع ْفو وْأمر بِاْلعر ِ
ف َو ْ َ َ َ ُ ْ ُْ
ين)[األعراف ،]199:وإ ن هذا من الجاهلين ،فواهلل ما جاوزها عمر حين تالها عليه ،وكان ِِ
اْل َجاهل َ
وقافاً عند كتاب اهلل .فانظر كيف تنفع االستشارة.
كيف تستشير؟
هل أستشير فرداً ،أم جماعة ،أم أستشير الجماعة كل شخص بمفرده؟ نحن نثق ونعلم ونوقن أن
اإلسالم سبق الغرب في القيادة االستشارية ،وأن خلفاءنا وعلماءنا من القديم كانوا يطبقون هذا
المفهوم ،وليس الغرب اآلن هو الذي اكتشف هذا ودونت في كتب اإلدارة الحديثة ،بل هي قضية
قديمة .االستشارة لها منازل ،منها :ما يدخل فيه الرهط ،ومنها :ما يستعان فيه بقوم ،ومنها :ما
يستغنى فيه برأي واحد ،ليس هناك قاعدة معينة أنك تسأل جمع كثرة أو قلة أو واحد حسب الحالة.
بعض علمائنا ناقشوا قضية استشارة الجماعة أم استشارة الفرد؟ فبعضهم قال :األولى أنك تجمع
الناس المستشارين وتستشيرهم؛ ألن هذا فيه إجالة فكر ،ومناقشة األشياء وتنقيحها ،وإ ذا طرح رأي
يعارض من قبل الذين عندهم آراء أخرى ،ويرى الجميع سلبيات وإ يجابيات الرأي ،وتقع مناظرة
تنتهي بتنقيح المشورة ،أي :سيتناقشون ويتناقشون حتى يظهر الرأي الصحيح .وبعضهم قال:
األولى أنك تستشير كل واحد بمفرده ،لماذا؟ قال :ألنك لو طرحت على الجماعة ،قلت :أستشيركم
في كذا ،كل شخص سوف يلقي المسئولية على اآلخر ويسكت ،ويقول :اآلن فالن سيأتي بالرأي،
فال يحدث إنقداح قوي لألذهان ،لكن لو استشرت كل واحد لوحده ،فعندما تسأله يحس بالمسئولية،
فيعطيك الرأي بعد تفكير وتمحيص ،لكن لو جمعتهم يمكن أن يكون هناك تواكل .والحقيقة أن
المسألة ليس لها جواب معين ،أي :ليس دائماً استشارة كل واحد لوحده صحيحة ،وليس دائماً
استشارة المجموعة هو الصواب،ـ بعض األحيان يكون االجتماع أبلغ وأحسن ،وبعض األحيان
تكون استشارة كل واحد على حدة أفضل.
متى نستشير؟
الحقيقة أن االستشارة قد تكون واجبة ،وقد تكون مكروهة ،وقد تكون محرمة ،وقد تكون جائزة.
مثال على االستشارة الواجبة :استشارة األب ابنته في الزواج قبل أن يزوجها لفالن على قول
طائفة من أهل العلم ،أو استشارة الفرد في الجيش قبل أن يعمل عمالً ،واألمير إذا قال :ائتمروا
بأمري فال يجوز له أن يفعلها ،والبد أن يستشير .أحياناً تكون االستشارة مستحبة ،مثل :مشاورة
أهل العلم والخبرة في طرائق الدعوة إلى اهلل .وأحياناً تكون االستشارة مباحة ،مثل :االستشارة في
شراء السيارة ،أو البيت ،أو التخصص الدراسي مثالً .وأحياناً تكون االستشارة مكروهة ،مثل:
االستشارة الزائدة في أمور تافهة من المطعم والمشرب والملبسـ مما يضيع وقت المستشير
والمستشار .وأحياناً تكون االستشارة محرمة ،مثل :االستشارة في أن يصلي الظهر أم ال؟ هذه
االستشارة ال تجوز ،وبالطبع تصلي الظهر سواء أشار عليك أو لم يشر عليك لن يقدم ولن يؤخر.
موانع االستشارة:
بعض الناس مع علمهم بأهمية االستشارة لكنهم ال يستشيرون لماذا؟
األسئلة:
كيفية إعداد محاضرة:
السؤال :فضيلة الشيخ :السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ،جزاكم اهلل خير الجزاء على نوعية
المحاضرات التي تلقونها ،ولتطبيق عملي لمحاضرة هذه الليلة ،فإني أستشيرك في كيفية إعداد
موضوع متكامل لجلسة معينة أو محاضرة ،وجزاكم اهلل خير الجزاء ،وما هي نوعية الكتب التي
رجعت إليها في هذه المحاضرة إن أمكن ذلك؟ الجواب :الحمد هلل رب العالمين ،أما بالنسبة إلعداد
الموضوع فهي مسألة مهمة ،ألنه يحدث أحياناً أال يكون اإلعداد جيداً ،فيكون الكالم ليس له فائدة،
نأخذ مثالً :موضوع االستشارة ،وكيف نعد مثل هذا الموضوع ،أحياناً يكون هناك كتاب مؤلف في
الموضوع ،فيغنيك عن أشياء كثيرة ،لكن أحياناً ال يكون هناك كتاب مؤلف في الموضوع ،مثالً
هناك كتب عن الشورى وليست عن االستشارة ،لكن تكلم عن الشورى في اختيار الخليفة ،وأهل
الشورى وأهل الحل والعقد ،وصفات أهل الحل والعقد ..وهكذا .فهي ليست في الموضوع الذي
نحن نطرقه اآلن من الناحية التربوية ،وال يتكلم عن الناحية التربوية وإ نما يتكلم عن أحكام اإلمامة
واالستشارة فيها ..وهكذا ،فلو لم يوجد كتاب ،ماذا تفعل؟ أول خطوة :ما هي اآليات واألحاديث
الواردة في الموضوع؟ ما هي القصص الواردة في الموضوع ،ثم ما هي أبيات الشعر والحكم
الواردة في الموضوع؟ ولكل من هذه األشياء مراجع ،فمثالً :المعجم المفهرس أللفاظ القرآن قد
يعطيك اآليات الواردة في الموضوع ،المعجم المفهرس أللفاظ الحديث يعطيك األحاديث الواردة
في الموضوع ،ثم تنتقل في مجاالت األحاديث إلى خطوة أخرى وهي تحقيق األحاديث؛ ألنه ال
يصح أن تأتي للناس بأحاديث ضعيفة ،فالبد أن تلجأ إلى كتب التصحيح والتضعيف لتعرف أقوال
العلماء ،وإ ذا لم تعرف تسأل .مثالً :ورد هنا حديث ال أعرف درجته ،فاتصلت بالشيخ ابن باز
وقرأت عليه السند ،قلت له :هذا الحديث في مسند أحمد ،فقال الشيخ قال :هذا إسناده حسن.
وكذلك من أهم األشياء بعد ذلك كيف يربط الموضوع في الواقع ،ال يكفي أن نتكلم عن الموضوع
من وجهة النظر العلمية البحتة النظرية ،البد أن نربطه بالواقع .مثالً :فقرة ما هي مجاالت
االستشارة؟ هذه فقرة عملية ،كيف نستشير؟ هذه فقرة عملية ،ما هي موانع االستشارة؟ هذه أشياء
مأخوذة من الواقع ،قد ال تكون موجودة وال في الكتاب ،إما أن تكون نتيجة تفكير ذهني .وال يكون
التفكير سليماً في هذه األشياء إال إذا أخذ من واقع الناس ،فالشخص إذا احتك بالناس يعرف ماذا
لديهم من إشكاالت في هذه القضية ،فمثالً عندما يأتي من يستشير في موضوع ،فأقول له :كذا،
ومن ثم يأتي شخص يستشير في نفس الموضوع ،فأالحظ أن طريقة عرض األول تختلف عن
طريقة عرض الثاني ،وأن الثاني أتاني بمعلومات لم يأتني بها األول ،فأعرف أن المسألة فيها لعبة
وإ خفاء معلومات ،فتكتشف أن الشخص األول يريد جواباً معيناً ،فلذلك أتى لك بمعلومات معينة
وأخفى الباقي ،الشخص الثاني أتى لك بطرف الموضوع اآلخر ،وهذه كثيراً ما تحدث ،يأتي
شخص يقول :واهلل أنا أريد أن أستشيرك في موضوع ،يا أخي! أنا عالقتي بفالن سيئة ،هذا فالن
يفعل كذا وكذا وكذا ،فأنت من واقع األشياء المعروضة تكاد أن تقول له :يا أخي! اجتنبه وابتعد
داع للمشاكل .لكن عندما تسمع من الطرف اآلخر ،ويأتي يستشيرك الطرف
عنه ،ليس هناك ٍ
اآلخر ،تكتشف كما قال أحدهم :إذا جاءك أحد الخصوم مقلوعة عينه ،فال تحكم له على خصمه،
فربما قد قلع عينا ذلك الشخص .فإذاً هناك مواضيع البد من ربطها بالواقع والتفكير من خالل
األحداث الجارية ،وهناك أشياء فيها مراجع ،مثالً هذا الموضوع ارجع فيه إلى شروح األحاديث
من مثل :تحفة األحوذي ،وعون المعبود ،وفضل اهلل الصمد شرح األدب المفرد ،وفتح الباري
وكتب األدب ،وأنس المجالس فيه كالم أيضاً عن المشورة ،وكتاب ابن قتيبة عيون األخبار مثالً فيه
فصل عن المشورة ،وإ ذا أردت أن تخرج مثالً معنى كلمة المشورة البد أن ترجع مثالً إلى لسان
العرب حتى تعرف مادة شور ،وماذا قال أهل العلم فيها؟ وهكذا ،فتتكامل الخيوط .هناك طريقة
أحياناً تصلح في بعض المواضيعـ وهي :إذا لم تستطع أن تعنصر موضوعاً ،هناك أسئلة مهمة لو
أدخلتها على أي قضية يمكن أن يصبح عندك عناصر لهذا الموضوع ،وهذه الطريقة قد اتبعتها في
هذه المحاضرة ،وهذه األسئلة مثالً( :ما هو ،كيف ،متى ،أين ،لماذا ،من) هذه األسئلة أدخلها على
أي قضية ،مثالً الحسد ،ما هو الحسد؟ لماذا الحسد؟ ما دوافع الحسد؟ أين الحسد؟ في أي مجاالت
يحدث الحسد؟ وكيف العالج؟ مثالً الصدق ،ما هو تعريف الصدق؟ من هم الصادقون؟ ما هي
المواطن التي يظهر فيها الصدق بجالء؟ مثالً أخطأت على شخص أنت المذنب فينبغي أن تعتذر..
وهكذا ،وهناك بعض العناصر ال تقبل بعض هذه األسئلة ،فمثالً :ليس هناك شيء اسمه متى
الصدق؟ لكن أحياناً يمكن أن يكون هناك متى الصدق؟ إذا جاء ظالم يأخذ مال مظلوم عندك في
هذه الحالة ما حكم الصدق؟ وقال :أين أموال فالن؟ فيمكن أن تستنبط لك أشياء عن طريق إدخال
هذه األسئلة إلى الموضوع.