You are on page 1of 17

‫( اغتنم فراغك قبل شغلك )‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬الزمن نعمة من نعم اهلل‬
‫‪ .2‬حديث‪" :‬اغتنم خمساً قبل خمس"‬
‫‪ .3‬أهمية الناس الذين ينجبون األوالد‬
‫‪ .4‬طريقة تعامل بعض الناس مع الزمن‬
‫‪ .5‬استغالل نعمة الصحة والفراغ‬
‫‪ .6‬استغالل نعمة الشباب‬
‫‪ .7‬نعمة العافية‬
‫‪ .8‬الجوانب التي يؤسس اإلنسان فيها نفسه في فراغه‬
‫‪ .9‬ثالثة مداخل شيطانية‬
‫‪ .10‬األسئلة‬

‫اغتنم فراغك قبل شغلك ‪:‬‬


‫من أعظم النعم التي أنعم اهلل بها علينا هي نعمة الزمن‪ ،‬التي ما استطاع كثير من المسلمين أن‬
‫وخير للمسلم أن يقدم له أعماالً؛ لكي يلقى اهلل عز وجل بها‪،‬‬
‫يستغلوها في مرضاة اهلل عز وجل‪ٌ ،‬‬
‫ولكي تكون له نوراً في قبره؛ ألنه ال يعلم ماذا قد قدر اهلل عليه من أمراض‪ ،‬وغيرها من األسباب‬
‫التي تشغله عن طاعة اهلل عز وجل ‪.‬‬

‫الزمن نعمة من نعم اهلل‪:‬‬


‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫ق تُقَاتِ ِه َوال‬ ‫آمُنوا اتَّقُوا اللَّهَ َح َّ‬
‫ين َ‬
‫َِّ‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‪َ :‬يا َُّأيهَا الذ َ‬
‫اح َد ٍة‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫اَّل‬
‫ٍ‬
‫اس اتقُوا َرَّب ُك ُم الذي َخلَقَ ُك ْم م ْن َن ْف َ‬
‫الن ُ َّ‬ ‫ون [آل عمران‪َ ..]102:‬يا َُّأيهَا َّ‬ ‫تَ ُموتُ َّن ِإ َو َْأنتُ ْم ُم ْسل ُم َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫و َخلَ َ ِ‬
‫اَأْلر َح َام ِإ َّن اللهَ‬‫ون بِه َو ْ‬ ‫اءلُ َ‬‫اء َواتَّقُوا اللهَ الذي تَ َس َ‬‫ق م ْنهَا َز ْو َجهَا َوَبث م ْنهُ َما ِر َجاالً َكثيراً َونِ َس ً‬ ‫َ‬
‫صِل ْح لَ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َِّ‬
‫آمُنوا اتَّقُوا اللهَ َوقُولُوا قَ ْوالً َسديداً * ُي ْ‬ ‫ين َ‬ ‫ان َعلَْي ُك ْم َر ِقيباً [النساء‪َ ..]1:‬يا َُّأيهَا الذ َ‬ ‫َك َ‬
‫وب ُك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ فَقَ ْد فَ َاز فَ ْوزاً َع ِظيماً [األحزاب‪ .]71-70:‬الحمد‬ ‫ِ‬
‫َأع َمالَ ُك ْم َوَي ْغف ْر لَ ُك ْم ُذُن َ‬
‫ْ‬
‫الش ْم َس َواْلقَ َم َر َداِئَب ْي ِن َو َس َّخ َر لَ ُك ُم اللَّْي َل َو َّ‬
‫النهَ َار *‬ ‫هلل القائل في كتابه‪ ،‬ممتناً على عباده‪ :‬و َس َّخر لَ ُكم َّ‬
‫َ َ ُ‬
‫وم َكفَّ ٌار [إبراهيم‪-33:‬‬ ‫ِأْل‬ ‫وآتَا ُكم ِم ْن ُك ِّل ما سَأْلتُموه وِإ ْن تَع ُّدوا نِعم َ َّ ِ‬
‫ظلُ ٌ‬ ‫وها ِإ َّن ا ْن َس َ‬
‫ان لَ َ‬ ‫ص َ‬‫ت الله ال تُ ْح ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َُ‬ ‫َ ْ‬
‫‪ .]34‬فإذاً‪ :‬هذه الشمس وهذا القمر‪ ،‬وهذا الليل‪ ،‬وهذا النهار من نعم اهلل‪ ،‬ولو لم يكن هناك لي ٌل وال‬
‫شمس وال قمر‪ ،‬ولم يكن هناك زمن يقضي فيه العباد أعمالهم‪ ،‬فكيف سيكون الحال؟‬ ‫نهار‪ ،‬وال ٌ‬
‫ولذلك كان هذا الزمن نعمة من نعم اهلل‪ ،‬جعله اهلل ليستفيد منه العباد‪َ :‬و ُه َو الَِّذي َج َع َل اللَّْي َل َو َّ‬
‫النهَ َار‬
‫َأن َي َّذ َّك َر َْأو ََأر َاد ُش ُكوراً [الفرقان‪ .]62:‬جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر‬ ‫ِخْلفَةً ِل َم ْن ََأر َاد ْ‬
‫أو أراد شكوراً‪ ،‬ولذلك لما كان هذا الزمان نعمة مسئول عنها العبد‪ ،‬كانت محاسبة اهلل للكفار‬
‫شديدة‪ ،‬فإن اهلل يؤنبهم يوم القيامة‪ ،‬لما أعطاهم العمر المديد ففرطوا فيه قال اهلل عز وجل‪ََ :‬أولَ ْم‬
‫الن ِذير فَ ُذوقُوا فَما ِللظَّ ِال ِمين ِم ْن َن ِ‬
‫صٍ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ير [فاطر‪ .]37:‬تأنيب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اء ُك ُم َّ ُ‬
‫ُن َع ِّم ْر ُك ْم َما َيتَ َذك ُر فيه َم ْن تَ َذك َر َو َج َ‬
‫أولم نعمركم في الدنيا؟! ولكن ليست هناك منفعة‪ ،‬وال تذكر أحد‪ ،‬وجاءكم النذير‪ ،‬ويمدح اهلل‬
‫اَأْلي ِام اْل َخ ِالَي ِة [الحاقة‪:‬‬
‫َأسلَ ْفتُ ْم ِفي َّ‬ ‫ِ‬
‫المؤمنين عندما يدخلون الجنة فيقول‪ُ :‬كلُوا َوا ْش َرُبوا َهنيئاً بِ َما ْ‬
‫‪ .]24‬يعني‪ :‬أنهم استغلوا األيام وصاموا فيها‪ ،‬وعبدوا اهلل فيها‪ ،‬ولذلك يوم القيامة في الجنة كوفئوا‬
‫اَأْلي ِام اْل َخ ِالَي ِة [الحاقة‪ ]24:‬أي‪ :‬في‬ ‫َأسلَ ْفتُ ْم ِفي َّ‬ ‫ِ‬
‫على هذا االستغالل للوقت‪ُ :‬كلُوا َوا ْش َرُبوا َهنيئاً بِ َما ْ‬
‫الدنيا‪ .‬عمر اإلنسان ما هو؟ هو لحظات‪ ..‬دقائق‪ ..‬ساعات‪ ..‬أيام‪ ..‬شهور‪ ..‬سنوات‪ ،‬وهذه‬
‫الشجرة‪ ،‬يا ابن آدم! إنما أنت لحظات‪ ،‬فإن ذهبت لحظة ذهب بعضك حتى يذهب اإلنسان كله‪،‬‬
‫ولذلك اهلل عز وجل عندما يعطي العبد نعمة يسأله عنها‪( :‬ال تزول قدما ٍ‬
‫عبد يوم القيامة حتى يسأل‬
‫عن أربع خصال‪ :‬عن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن شبابه فيما أباله‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيما‬
‫حديث صحيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أنفقه‪ ،‬وعن علمه ماذا عمل فيه)‬

‫حديث‪" :‬اغتنم خمساً قبل خمس"‪.‬‬


‫وحتى ال يشعر العباد بالبخس‪ ،‬وال تفوتهم الفرصة قال لهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫ويجب أن نشعر أن هذا الحديث موجه إلى كل ٍ‬
‫واحد منا‪ -‬قال‪ :‬اغتنم خمساً قبل خمس‪ :‬شبابك قبل‬
‫هرمك؛ ألن الشباب فيه من الطاقة والحيوية ما ليس في الهرم‪ ،‬وصحتك قبل سقمك؛ قبل أن يأتيك‬
‫مرض يشغلك‪ ،‬وغناك قبل فقرك؛ أي‪ :‬قبل أن تأتي حاجة أو مصاريف كثيرة تقضي على المال‬
‫وتفتقر‪ ،‬فاغتنم المال الذي بين يديك وتصدق منه قبل أن تفتقر‪ ،‬فأنت ال تدري ماذا سيحدث لك في‬
‫المستقبل‪ ،‬وفراغك قبل شغلك؛ فكل الفراغ الذي يحصل لك في الدنيا اغتنمه‪ ،‬فقد تنشغل في الدنيا‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬اغتنم فراغك في الدنيا قبل أن تنشغل بالعذاب في اآلخرة‪ -‬وحياتك قبل موتك‪ ،‬فعلى وجه‬
‫حديث صحيح‪ .‬وسنركز أيها اإلخوة على واحدة من هذه‬
‫ٌ‬ ‫اإلجمال اغتنم حياتك قبل موتك‪ ،‬وهو‬
‫الخمس وهي‪ :‬اغتنم فراغك قبل شغلك‪ :‬أريد أن أسألكم سؤاالً‪ :‬حديث‪( :‬اغتنم خمساً قبل خمس‪،‬‬
‫شبابك قبل هرمك‪ ،‬وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وغناك قبل فقرك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪ ،‬وحياتك قبل‬
‫موتك) هذا الحديث يدور على عدة أشياء‪ .‬أليس بعض هذه الخمس يدخل في بعض؟ يعني‪ :‬فراغك‬
‫قبل شغلك يدخل في حياتك قبل موتك‪ ،‬والوقت هذا واحد‪ ،‬وثانياً‪ :‬الصحة‪ ،‬وثالثاً‪ :‬المال‪ .‬ألن‬
‫الصحة من الشباب‪ ،‬والمال منصوص عليه في الحديث‪ ،‬الواحد منا إذا كان عنده وقت وصحة‬
‫ومال‪ ،‬استطاع أن يفعل كل شيء‪ ،‬يعني من الناس من يكون صحيحاً لكنه مشغول بالكسب‪ ،‬ومن‬
‫الناس من قد يكون متفرغاً ليس عنده شغل‪ ،‬لكنه مريض معلول أليس كذلك؟ لكن الشخص الذي‬
‫عنده صحة وعنده وقت‪ ،‬يستطيع أن يكسب ماالً ويستطيع أن يعمل أشياء كثيرة جداً‪ ،‬فعنده اآلن‬
‫أهم مسألتين في النعم بعد نعمة اإليمان وهما‪ :‬الصحة والوقت‪ ،‬الوقت الذي هو الفراغ‪ ،‬لذلك جاء‬
‫كثير من الناس؛ الصحة والفراغ) ولذلك‬
‫مغبون فيهما ٌ‬
‫ٌ‬ ‫النص عليهما في الحديث اآلخر‪( :‬نعمتان‬
‫قال العلماء‪ :‬أهم نعم اهلل عز وجل على العبد ثالث‪ :‬اإليمان والصحة والفراغ‪ .‬فأن يجد إيماناً‬
‫وصحةً وفراغاً فهو رأس المال كله‪ ،‬ومعنى مغبون فيهما كثير من الناس‪ ،‬الغبن‪ :‬أن تشتري سلعة‬
‫بأكثر من قيمتها الحقيقية‪ ،‬أو تبيع سلعة بأقل من قدرها‪ ،‬هذا غبن أيضاً‪ ،‬وأكثر الناس مفرطون في‬
‫الصحة والفراغ‪ ،‬ولذلك فهم مغبونون أشد الغبن‪ ،‬وهناك قلة من الناس لم يغبنوا‪ ،‬كما نص عليه‬
‫كثير من الناس ) يعني‪ :‬هناك قليل تالفوا ذلك الغبن‪ ،‬وهؤالء‬
‫مغبون فيهما ٌ‬
‫ٌ‬ ‫الحديث قال‪ ( :‬نعمتان‬
‫القليل هم الفائزون‪ .‬استغالل الوقت مهم جداً لدرجة أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم يقول‪( :‬ليس‬
‫ٍ‬
‫ساعة مرت بهم لم يذكروا اهلل عز وجل فيها)‪ .‬يتحسرون‬ ‫يتحسر أهل الجنة على شيء إال على‬
‫على ساعة‪ ،‬والساعة لحظة‪ ،‬أي‪ :‬مدة من الزمن‪ ،‬يقال‪ :‬للفترة القصيرة من الزمن في لغة العرب‬
‫ٍ‬
‫ساعة مرت بهم لم يذكروا اهلل عز وجل فيها‪،‬‬ ‫ساعة‪ ،‬ال يتحسر أهل الجنة على شيء‪ ،‬إال على‬
‫ويبلغ مقدار أهمية استغالل الوقت في اإلسالم مبلغاً عجيباً لدرجة أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يقول‪( :‬إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة‪ ،‬فإن استطاع أال تقوم حتى يغرسها فليفعل)‪ .‬يعني‪:‬‬
‫استغل كل شيء‪ ،‬لو قامت القيامة وتستطيع أن تغرس فسيلة في يدك‪ ،‬فاغرسها ثم مت‪ ،‬وهذا‬
‫الوقت ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬من نعم اهلل عز وجل‪ ،‬وله ميزات عجيبة‪ ،‬فهو سريع التقضي أبي التأتي‪،‬‬
‫يذهب بسرعة وال يمكن أن يرجع‪ ،‬وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك‪ ،‬بعض الناس يقول‪ :‬هذا عنده‬
‫غيرة‪ ،‬وهذا ليس عنده غيرة‪ ،‬هناك غيرة مهمة جداً‪ ،‬وهي الغيرة على الوقت‪ ،‬الواحد قد يغار على‬
‫عرضه‪ ،‬ويغار على أهله‪ ،‬لكن هناك غيرة مهمة‪ ،‬وهي الغيرة على الوقت الذي يذهب ويهدر‪ ،‬فإذا‬
‫صارت هناك غيرة على هذه األوقات المهدرة حصل كما ٌل عظيم للمسلم‪ ،‬قال صاحب صيد‬
‫الخاطر ‪ :‬ينبغي لإلنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته‪ ،‬فال يضيع منه لحظةً في غيره قربة‪،‬‬
‫ويقدم األفضل فاألفضل من القول والعمل‪ ،‬ولتكن نيته في الخير قائمة‪ ،‬فإذا علم اإلنسان وإ ن بالغ‬
‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫في الجد بأن الموت يقطعه عن العمل‪ ،‬عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته‪ ،‬فإن كان له‬
‫من الدنيا ‪-‬يعني عنده أموال مثالً‪ -‬وقف وقفاً وغرس غرساً يأكل منه الطير والحيوان فيكون له‬
‫أجر‪ -‬الناس الذين عندهم مزارع وبساتين‪ ،‬وعندهم حدائق في بيوتهم‪ ،‬لو نووا بهذا الغرس أنه هلل‪،‬‬
‫فإذا أكل منه طير أو حيوان فإنهم يؤجرون على نيتهم هذه؛ وقف وقفاً أو غرس غرساً وأجرى‬
‫نهراً‪ ،‬ويسعى في تحصيل ذرية تذكر اهلل بعده‪ ،‬فيكون األجر له‪.‬‬

‫أهمية‪ #‬الناس الذين ينجبون األوالد‪:‬‬


‫الذين يعملون بتحديد النسل ويقولون‪ :‬نحن ال نريد إنجاب أطفال‪ ،‬ويكفي اثنان أو ثالثة هؤالء‬
‫يفوتهم أجر كبير‪ ،‬لماذا؟ ألن اإلنسان لو كان عنده سبعة أوالد أخيار‪ ،‬أو بعضهم‪ ،‬فإنه يؤجر على‬
‫هؤالء؛ ألن كل واحد من األوالد سيصلي ويحج ويصوم ويدعو ويطلب العلم‪ ،‬ويذكر اهلل‪ ،‬واألب‬
‫له مثل أجورهم إذا كان هو الدال على الخير َّ‬
‫وربى أوالده على هذا‪ ،‬وبعض اآلباء يتركون أوالدهم‬
‫في الشوارع ثم يأتي الدعاة إلى اهلل فيلتقطونهم من الشوارع ليدخلوهم في معترك الحياة اإلسالمية‬
‫الصحيحة‪ ،‬ثم بعد ذلك نقول‪ :‬األب يؤجر ألن ولده أصبح مستقيماً‪ ،‬وهو لم يتعب في تربيته ولم‬
‫ُيجهد نفسه في أن يصبح ابنه كذلك‪ ،‬وهذا أجره ليس ألبيه‪ ،‬وإ نما للداعية الذي اهتدى على يديه‪.‬‬
‫عندما يربي األب ابنه تربية إسالمية؛ مثالً‪ :‬لو عندك سبعة أوالد تربوا تربية إسالمية على يديك‬
‫مت فإن كل عمل صالح يعملوه فإن لك مثل أجره‪ ،‬من غير أن ينقص من أجورهم شيء‪.‬‬
‫فلو ّ‬
‫عرفنا اآلن نعمة أو أهمية أن يكون لإلنسان أوالد‪ ،‬وعملية اإلنجاب لها فوائد مثل تكثير نسل‬
‫المسلمين‪ ،‬وغيرها من الفوائد الكثيرة التي تنشأ من اإلنجاب‪ ،‬وهؤالء الغافلون المتأثرون بدعوات‬
‫تحديد النسل‪ ،‬يعملون عملهم في أوساط المسلمين‪ ،‬من يصنف كتاباً ‪-‬إن كان من أهل العلم‪ -‬فإن‬
‫تصنيفه هو ولده المخلد‪ ،‬أما من ينجب ولداً يعيش مثالً ستين سنة ومات‪ ،‬كان هذا العمل الصالح‬
‫في هذه الستين سنة فقط‪ ،‬ويكون األب له نصيب منه بحسب جهده‪ ،‬لكن العالم عندما يصنف كتاباً‬
‫فإنه يستفاد من الكتاب مئات السنين‪ ،‬فإن تصنيف العالم ولده المخلد‪ ،‬ونحن اآلن عيال ‪-‬مثالً‪-‬‬
‫على كتاب فتح الباري ‪ ،‬عيال على كتب علماء السلف ‪ ،‬عيال على صحيح البخاري عيال على‬
‫صحيح مسلم ‪ ،‬وعلى مسند أحمد ‪ ،‬وعلى كتب أهل الحديث‪ ،‬وعيال على مصنفات شيخ اإلسالم‬
‫ٍ‬
‫حرف نقرأه في هذه الكتب ونستفيد منه ونحضر فيه موضوعاً ونلقيه إلى‬ ‫ابن تيمية وتلميذه‪ ،‬فكل‬
‫الناس فيعود الفضل ألولئك العلماء‪ .‬فإن تصنيف العالم هو ولده المخلد‪ ،‬فمن نقل إلينا سيرة اإلمام‬
‫أحمد فتأثر الناس بها‪ ،‬واإلمام أحمد يصله األجر في قبره بسبب تأثر الناس بسيرته‪ ،‬لو شخصاً ‪-‬‬
‫مثالً‪ -‬تعرض الضطهاد فقرأ فتنة اإلمام أحمد وثبت‪ ،‬فإن لإلمام أحمد أجر ثبات هذا الرجل‪ ،‬ألن‬
‫عمل اإلمام أحمد‬

‫أحياء ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قوم وهم في الناس‬
‫قد مات ٌ‬
‫في الجانب المقابل هناك أشخاص هامشيون‪ ،‬بعض الناس وجوده مثل عدمه‪ ،‬بل إن وجوده ضار‪،‬‬
‫أليس ذلك صحيحاً؟ وهناك أناس لو ماتوا لكان أفضل‪ ،‬وهناك أناس لو ماتوا لما حصل أي نوع من‬
‫التغيير أو النقصان‪ ،‬ال في بيته‪ ،‬وال في مدرسته‪ ،‬وال في عمله‪ ،‬وال في مجتمعه‪ ،‬لكن هناك أناس‬
‫لو مات أحدهم تأثر البيت من موته؛ ألنه كان يمأل فراغاً عظيماً في ذلك البيت‪ ،‬وكذلك لو مات‬
‫مدير لتأثرت الدائرة كلها‪ ،‬بسبب موت ذلك المدير الصالح في دائرته التي يعمل فيها‪ ،‬وهناك‬
‫مدرس لو مات لحزن الطالب عليه‪ ،‬وأصبح هناك نقص في المدرسة بموت هذا المدرس‪:‬‬
‫أحياء‬
‫ُ‬ ‫في الناس‬ ‫قوم وهم‬
‫قد مات ٌ‬
‫اإلسالم يريد من المسلمين أن يكونوا طاقات فعالة‪ ،‬لها أثر في الواقع‪ ،‬أنت إذا لم يكن لك أثر في‬
‫الواقع‪ ،‬فمعناه أن عندك خطأ كبيراً في منهجك‪ ،‬ويجب أن تراجع نفسك‪ :‬لماذا ليس لك أثر في‬
‫الواقع؟‬

‫طريقة تعامل بعض الناس مع الزمن‪:‬‬


‫يقول ابن الجوزي وهو يتحدث في مدينة بغداد ‪ :‬رأيت عموم الخالئق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً‪،‬‬
‫ٍ‬
‫غزاة أو سمر؛ بطوالت‪ ..‬معارك‪ ..‬كالم‪..‬‬ ‫كتاب في‬ ‫ٍ‬
‫فبحديث ال ينفع‪ ،‬أو بقراءة ٍ‬ ‫إن طال الليل‬
‫وأشياء الحروب‪ ،‬أو سمر‪ ،‬ونحن نضيف اآلن‪ ،‬أفالم الفيديو‪ ،‬والتلفزيون‪ ،‬والجرائد‪ ،‬والمجالت‪،‬‬
‫والكتب الغثائية التي ترمى يومياً في األسواق‪ ،‬وتمأل رفوف المكتبات‪ ،‬روايات وقصص مدمرة‪،‬‬
‫سبحان اهلل! اخترع أهل الباطل كتاباً اسمه كتاب الجيب‪ ،‬لماذا؟ ألنه يدخل في الجيب‪ ،‬قصة أو‬
‫غيرها‪ ،‬وهناك كتب اسمها مقاس فرنسي صغير بحجم الكف‪ ،‬لماذا؟ ألنه يمكن ألي شخص أن‬
‫يأخذه معه أينما ذهب‪ .‬وقد ال تجد مثل هذه الخدمة في الكتاب اإلسالمي‪ ،‬لكن قد بدأت تظهر‬
‫كتيبات صغيرة تحمل في الجيب وأشياء من األذكار وغيرها‪ ،‬لكن تأمل أن بعض الناس يقتلون‬
‫ٍ‬
‫غزاة أو سمر‪ ،‬وإ ن طال‬ ‫ٍ‬
‫فبحديث ال ينفع أو بقراءة كتاب في‬ ‫وقتهم قتالً بهذه األشياء؛ إن طال الليل‬
‫النهار فبالنوم! وهم في أطراف النهار على دجلة أو في األسواق‪ ،‬نحن اآلن نقول‪ :‬على الكورنيش‪u‬‬
‫أو في األسواق‪ -‬فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر‪ -‬سفينة العمر‬
‫تجري وسترسو على شاطئ الموت وما عندهم خبر‪ ،‬شرائع اإلسالم متكاملة يعضد بعضها بعضاً‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء‪ ،‬أمر بتهيئة أسبابه ونهى عما يخالفه ويضاده‪ ،‬فمثالً‪ :‬لماذا نهى رسول‬ ‫ولذلك إذا أمر الشرع‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال؟ ألن أقل ما فيها مضيعة الوقت‪ .‬ولذلك نهى‬
‫السلف عن السؤال عن األشياء التي لم يقع‪ ،‬وهؤالء الناس دائماً يقولون‪ :‬أرأيت لو كان كذا‪ ،‬أرأيت‬
‫لو حصل كذا!! وهذا شيء بسيط‪ ،‬هذا من كثرة السؤال والقيل والقال‪ ،‬بجانب انشغال الناس اآلن‬
‫بالزينات والكماليات ومتاع الدنيا وانشغال النساء بالبهارج‪ ،‬المشكلة أن الناس ‪-‬أقصد األغنياء‪-‬‬
‫يظنون أن حالتهم ستستمر كما هي! بعض الناس يقول‪ :‬المهم النظر في الحالة الراهنة فحسب‪،‬‬
‫فهذه حالة الجهلة الحمقى‪ ،‬مثل أن يرى نفسه معافى وينسى المرض فيستبعده‪ ،‬هل يخطر ببالك‬
‫اآلن وأنت صحيح أنك قد تصاب بمرض شديد جداً؟ الواحد اآلن وهو غني وراتبه كبير‪ ،‬وعقاراته‬
‫تدر‪ ،‬هل يتصور اآلن في حال الغنى أنه قد يفتقر؟ ال يتصور؛ ألنه لم ير شيئاً بعينيه مثل اإلفالس‬
‫أو المرض‪ ،‬ولذلك هو يظن أن حاله سيدوم‪ ،‬كلما أصبح وأمسى معافى زاد االغترار وطال األمل!‬

‫استغالل نعمة الصحة والفراغ‪:‬‬


‫الواحد لو ظل معافى خمسة أيام‪ ،‬يمكن أن يخشى المرض‪ ،‬ولو بقي شهراً أو سنة ما أصابه‬
‫مرض‪ ،‬كل هذا الطول في الزمن هو أيضاً يستبعد بازدياد أن يحدث له مرض‪ ،‬وهذه بالضبط‬
‫مشكلة الناس عندما يكبرون في السن‪ ،‬فيرى نفسه اآلن عاش عشرين سنة‪ ،‬أو أربعين سنة فيقول‪:‬‬
‫إيه باقي! يقول‪ :‬عشت أربعين‪ ،‬ما دام عاش أربعين بالنظر إلى الماضي يقول‪ :‬ستين‪ ،‬فأمله يزداد‬
‫في العيش ألنه عاش وما حدث له شيء‪ ،‬فهو إذاً يأمل‪ ..‬يأمل‪ ..‬وهذا الذي يقتل الناس فما هو‬
‫األمل المحمود واألمل المذموم؟ األمل المحمود‪ :‬هو أن يأمل في الخير وهذا جيد‪ ،‬لكن األمل‬
‫المذموم هو الذي يدعو إلى التسويف كما سيمر معنا‪ .‬فالعاقل الذي يأخذ باالحتياط‪ ،‬فإذا مرض أو‬
‫افتقر فعنده رصيد والحمد هلل‪ ،‬إذا ما مرض أو افتقر ال يتضرر! الناس أنواع‪ :‬طالب وموظف‪،‬‬
‫وأعزب ومتزوج‪ ،‬وصغير وكبير‪ ،‬هناك بعض الناس الذين يعيشون في نوع من العافية‪ ،‬ال‬
‫يفكرون في المستقبل وهذه هي المشكلة‪ ،‬فمثالً‪ :‬الطالب يظن أنه في المستقبل إذا تخرج من‬
‫الجامعة فإنه سيكون لديه وقت أطول‪ ،‬وسيتحرر من الدراسة ومن االمتحانات وأن الوقت سيتسع‬
‫بالنسبة له‪ ،‬لكن في الغالب ال يكون ذلك‪ ،‬وتمر بالموظف أوقات يتمنى أن يكون فيها في حياة‬
‫الدراسة‪ ،‬دع اآلن موظفاً يدخل الجامعة التي درس فيها قبل عشر سنوات‪ ،‬ماذا سيكون شعوره؟‬
‫سيقول‪ :‬أين أيام زمان! أيام كان الواحد ليس عنده مسئوليات‪ ،‬أيام كان الواحد عنده عطلة الربيع‬
‫وعطلة صيفية‪ ،‬وعطلة خميس‪ ،‬بالنسبة للناس الذين في وظائفهم عطلة خميس‪ ،‬ويقول‪ :‬الدراسة ‪-‬‬
‫تنتهي‪ -‬مثالً الساعة الثانية‪ ،‬لكن العمل يستمر حتى الليل أحياناً‪ .‬لكن عندما تذهب إلى الطالب‬
‫يقول‪ :‬اآلن عندي خطط في طلب العلم‪ ،‬وعندي خطط في الدعوة‪ ،‬وعندي خطط في صلة الرحم‪،‬‬
‫وهم االمتحانات‪ ،‬وأتفرغ إن شاء اهلل‬
‫هم الدراسة ّ‬
‫وعندي خطط‪ ،‬انتظر حتى أتخرج وأتفرغ من ّ‬
‫وأفعل هذه األشياء كلها‪ ،‬وأنفذ المخططات‪ ،‬لكن عندما يتخرج تقع الواقعة‪ ،‬فينشغل بالوظيفة‪،‬‬
‫والوظيفة ليست سهلة‪ ،‬اآلن الوظائف مع مرور الزمن تتعقد ويحصل فيها من الصعوبة أكثر من‬
‫ذي قبل! ولذلك ال تفكر أبداً وأنت طالب أنك إذا دخلت حياة الوظيفة‪ ،‬أنك ستدخل عالماً من الفراغ‬
‫الذي ستستغله في ٍ‬
‫كثير من األعمال الصالحة‪ ،‬بل إنك وأنت طالب عندك من اإلمكانيات ما ليس‬
‫عند الموظف‪ ،‬فال تغتر واغتنم فراغك قبل شغلك‪ .‬أنت اآلن لم تتزوج بعد‪ ،‬الواحد أحياناً يقول‪:‬‬
‫اآلن عزوبية‪ ،‬واألوقات مختلطة‪ ،‬لكن غداً أتزوج وأجلس في بيت وأستقر‪ ،‬وسيصير عندي وقت‬
‫كبير‪ ،‬لكن فكر اآلن في قضية الزواج‪ ،‬الزواج مسئولية وسوف يأتيك أوالد‪ ،‬وتحدث عندك روابط‬
‫اجتماعية‪ ،‬وستزور أهل الزوجة‪ ،‬وعم الزوجة‪ ،‬وعمتها‪ ،‬وخال الزوجة‪،‬وخالتها‪ ،‬وأقرباءك الذين‬
‫لم تكن تعمل لهم حساباً‪ ،‬ستضطر أن تعمل لهم حساباً بعد الزواج‪ ،‬اإلنسان عندما يكون فرداً قد ال‬
‫يزور بعض أقربائه‪ ،‬لكن عندما يتزوج طبيعة الوضع تفرض عليه‪ ،‬سيأتيه أقرباء له بزوجاتهم‬
‫ليتعرفوا على زوجته‪ ،‬وهو يضطر ألن يزورهم أيضاً‪ ،‬ويدخل في معمعة من الزيارات العائلية‪،‬‬
‫ويضطر لحضور مناسبات كثيرة‪ ،‬ألنه متزوج‪ ،‬طبعاً‪ ،‬والزواج ليس سيئاً لكن نقول‪ :‬اغتنم فراغك‬
‫قبل شغلك‪ ،‬الزواج عبادة‪ ،‬يفتح لك أبواباً من األجر‪ ،‬لكن هناك أشياء تستطيع أن تفعلها قبل الزواج‬
‫وال تستطيع أن تفعلها بعد الزواج‪ ،‬هناك عبادات تستطيع أن تستكثر منها قبل الزواج ما ال تستطيع‬
‫أن تستكثر منها بعد الزواج‪ .‬مثالً السفر في طلب العلم‪ :‬اآلن إذا تزوجت قد يصعب عليك أن تقوم‬
‫بهذه العبادة‪ ،‬وعندما يكون لك أوالد كثيرون يصعب عليك دائماً أن تأتي بعمرة وراء عمرة‪ ،‬لكن‬
‫عندما تكون فرداً يسهل عليك أن تخرج كثيراً‪ ،‬قد تبيت في مكان آخر لتواصل عبادة أو طاعة أو‬
‫طلب علم؛ ألنه ليس لك زوجة‪ ،‬لكن عندما يصبح عندك زوجة يجب أن ترجع إلى العش وتبيت‬
‫فيه‪ ،‬وسيصعب عليك أن تترك الغداء عند أوالدك وعند أهلك‪ ،‬لكن عندما تكون طليقاً من هذه‬
‫الناحية يمكن أن تفعل أشياء ال تفعلها في حال الزواج‪ ،‬ستنشغل في بناء بيت! وقد تنشغل في‬
‫مشروع تجاري إضافي‪ ،‬وقد تنشغل في شراء أغراض‪ ،‬فالذين عندهم أوالد لو فكر أحدهم فقط في‬
‫قضية تطعيم األوالد‪ ،‬وكل ما مرض ولد تريد أن تأخذه إلى المستشفى‪ ،‬هذه لوحدها بند كبير في‬
‫األوقات المصروفة‪ ،‬وكذلك شراء األغراض من السوق واستئجار بيت‪ ،‬وتأثيثه‪ ،‬وتوفير مال‬
‫لشراء سيارة ودفع لفواتير الهاتف والكهرباء‪ ،‬وشراء للمالبس‪ ،‬وهناك حاجات كثيرة جداً‬
‫ستستهلك الوقت‪ ،‬ال تحسب أنك في المستقبل ستتفرغ أكثر‪ ،‬اآلن استغل الوقت‪ .‬أيضاً من األشياء‬
‫األخرى‪ :‬اإلنسان عندما تكبر مسئولياته االجتماعية‪ ،‬ويصبح عدد أفراد أسرته أكثر أو ‪-‬مثالً‪-‬‬
‫يكبر أبوه ويصبح غير قادر على العمل‪ ،‬وتزداد الرعية واحداً‪ ،‬سيحتاج إلى أن يصرف على بيت‬
‫ٍ‬
‫ثان‪ ،‬وهناك أناس كانوا يصرفون على بيت‪ ،‬وأصبحوا اآلن يصرفون على بيتين‪ ،‬وقد يصرف‬
‫على ثالثة بيوت‪ ،‬فيضطر أن يعمل عمالً إضافياً في المساء‪ ،‬أو يشترك في مشروع تجاري غير‬
‫الوظيفة من أجل أن يالحق المسئوليات‪ .‬ال تظن أنك ستجزم أنك تتفرغ في المستقبل أبداً‪ ،‬اآلن قد‬
‫يكفيك راتب لشراء السلع لكن ما تدري غداً تقل الرواتب أو أن السلع ترتفع أسعارها! مع التضخم‬
‫الذي يعيشه العالم اليوم‪ ،‬فالشيء الذي ستشتريه اآلن بعشرة رياالت في المستقبل قد ال تشتريه إال‬
‫بخمسين رياالً‪ ،‬وستضطر أن تعمل أكثر لتكسب أكثر‪ ،‬لكي تستطيع أن تشتري‪ .‬هذا االضطرار قد‬
‫يكون مذموماً؛ ألنه انشغال بالدنيا عن اآلخرة‪ ،‬لكن أحياناً هناك أشياء ملجئة فعالً وتعتبر عبادة‪،‬‬
‫أنك تصرف على بطون جائعة‪ ،‬وعلى أناس محتاجين‪ ،‬لكن هذه العبادة قد تشغلك عن عبادة أخرى‬
‫كنت تستطيع أن تعملها في الماضي!‬

‫استغالل نعمة الشباب‪:‬‬


‫اغتنم فراغك قبل شغلك! الشخص عندما يكون في مقتبل عمره‪ ،‬يكون ذهنه صافياً‪ ،‬لذلك كان‬
‫عمر بن الخطاب يجعل في مشورته الشباب باإلضافة إلى الشيوخ‪ ،‬نوعية معينة من الشباب‪ ،‬لماذا؟‬
‫لصفاء أذهانهم‪ ،‬كان يبتغي حدة عقول الشباب‪ ،‬فكان ابن عباس في مشورة عمر ‪ ،‬وكان عمره‬
‫ثالث عشرة سنة‪ ،‬لكن ذهنه حاد‪ ،‬قد ينقدح في ذهنه من األفكار ما ال يأتي في أذهان الشيوخ؛ ألنه‬
‫ليس عنده مسئوليات‪ ،‬ما عنده أوالد إذا مرضوا اهتم بهم‪ ،‬وال عنده أوالد إذا تخرجوا من الجامعة‬
‫يهتم أين سيذهبون ويتوظفون‪ ،‬وال عنده أوالد إذا كبروا سيبحث للولد عن زوجة‪ ،‬وإ ذا كان عنده‬
‫هم زواجها‪ ،‬هذه الهموم وهموم المستقبل واألوالد تكدر صفاء ذهن الشخص‪ ،‬ولذلك‬
‫بنت فسيحمل َّ‬
‫بعض الشباب يحفظ قرآناً فيريد من أمه أو من أبيه أن يحفظ معه بنفس المعدل‪ ،‬يقول‪ :‬يا أمي!‬
‫لماذا لم تحفظي؟ أنا حفظت كذا بفترة‪ ،‬تقول‪ :‬لكن ذهنك غير ذهنها‪ ،‬والهم الذي عندك غير الهم‬
‫الذي عندها‪ ،‬ولذلك تجد كثيراً من كبار السن يقولون‪ :‬يا ولدي! ذهبت علينا أيام‪ ،‬يا ولدي! اآلن ال‬
‫نستطيع أن نحفظ‪ ،‬ال نستطيع أن نصلي مثلكم صالة التراويح‪ ،‬ألن اإلنسان مع الزمن يستهلك‪،‬‬
‫حواسه تضعف‪ ،‬ولذلك كان من الدعاء النبوي‪( :‬اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما‬
‫أبقيتنا ‪-‬ليس فقط هذا‪ -‬واجعله الوارث منا) يعني اجعله زائداً بحيث كأنه يفيض بعد موتنا‪ ،‬أو‬
‫ورثه ألوالدنا‪ .‬فصفاء الذهن نعمة‪ ،‬ينبغي أن تستغلها اآلن في طلب العلم وفي الحفظ والتفكير‬
‫السليم‪ .‬اإلنسان ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬ال يدري ماذا تخبئ له األيام! اآلن هو قد يكون صحيحاً‪ ،‬لكن في‬
‫المستقبل قد يمرض مرضاً مزمناً ‪-‬نسأل اهلل العافية‪ -‬اسأل كثيراً من المرضى‪ ،‬قل للمرضى الذين‬
‫عندهم أمراض مزمنة‪ ،‬قل لهم‪ :‬قبل أن تصابوا بهذا المرض كيف كنتم؟ كانوا شباباً وكانوا في‬
‫صحة‪ ،‬لكن بعد ذلك تجد الواحد منهم مرض مرضاً شديداً؛ اآلن إما أنه في المستشفى‪ ،‬أو في‬
‫الفراش في البيت ال يخرج إال نادراً‪ ،‬وقد يريد من يحمله لقضاء حوائجه‪ ،‬بعض الناس ال يحسب‬
‫هذا الحساب‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فكيف ترى طول السالمة يفـع ُل‬ ‫يسر الفتى طول السالمة والبقا‬
‫رام القيام ويحم ُل‬ ‫ٍ‬ ‫ُيرد الفتـى بع ـد اعت ـ ٍ‬
‫وصحة ينوء إذا َ‬ ‫دال‬
‫انظر إلى ٍ‬
‫كبير في السن كيف يقوم! يقوم على مراحل! يمكن على اليد األولى ثم على الرجل‬
‫األولى ثم على اليد الثانية ثم على الرجل الثانية‪ ،‬وربما يحمل حمالً‪ ،‬لكن انظر في شاب تجده‬
‫يستوفز إذا أراد أن يقوم قام مرةً واحدة‪ .‬اغتنم فراغك قبل انشغالك بأمراض‪ ،‬وقبل انشغالك بتعب‬
‫يقدروا لهذا السن قدره عليهم أن يتمعنوا جيداً‪:‬‬
‫الشيخوخة وأمراضها‪ ،‬وهؤالء الشباب الذين لم ّ‬
‫ِ‬
‫الشباب‬ ‫ت أيام‬
‫شيخ كما قد كنـ َ‬
‫ٌ‬ ‫أترجو أن تكون وأنت‬
‫ِ‬
‫الثياب‬ ‫دريس كالجديد من‬
‫ٌ‬ ‫ثوب‬
‫لقد كذبتك نفسك ليس ٌ‬
‫ثوب دريس‪ :‬بال من االستعمال‪ ..‬ليس مثلك؛ الناس مختلفون‪ ،‬بعض الناس عندهم عقارات تدر‬
‫عليهم أرباحاً ‪-‬وصاحب العقار جالس في البيت‪ -‬ليس عنده شيء إال أنه يحصل في آخر السنة‬
‫األجرة‪ ،‬وهناك رجل أبوه غني قد يصرف عليه وعلى بيته‪ ،‬ورجل أبوه فقير يصرف هو على‬
‫نفسه وعلى أبيه‪ ،‬وهناك أناس عائلتهم غنية‪ ،‬فإخوانه أغنياء‪ ،‬وأعمامه أغنياء‪ ،‬وأخواله أغنياء‪ ،‬لو‬
‫أراد أن يستلف لوجد من يسلفه‪ ،‬ولو غاب وجد من يصرف على بيته‪ ،‬لكن بعض الناس قد يضطر‬
‫أن يصرف على عدة عوائل‪ ،‬وبعض الناس أوالدهم في صحة وقد ال يذهب إلى الطبيب أو العيادة‬
‫إال في السنة مرة‪ ،‬أو ما يذهب إال نادراً‪ ،‬وهناك أناس عندهم أوالد مرضى قد يضطر للسفر من‬
‫أجل عالجهم‪ ،‬ويقضي فترات طويلة يتنقل في مستشفيات! وتخيل أن رجالً عنده ولد مصاب‬
‫بمرض من األمراض‪ ،‬كيف يكون وضعه مع الولد؟ تراه دائماً منشغالً بالولد‪ ،‬فإذا ارتفعت‬
‫الحرارة ذهب إلى الدكتور في المستشفى‪ ،‬فإذا لم يجد العالج ذهب للثاني وذهب للثالث‪ ،‬فإذا لم يجد‬
‫في الظهران ذهب إلى الرياض أو إلى جدة ‪ ،‬وقد يضطر للسفر إلى مصر أو إلى أمريكا بحثاً عن‬
‫العالج‪ ،‬والسفر يحتاج إلى تذاكر وإ لى أموال تنفق فيها‪ ،‬وإ لى جهود وأوقات‪ ،‬وهذا كله من أجل‬
‫العالج وليس بالسهل‪.‬‬

‫نعمة العافية‪:‬‬
‫وردني سؤال يتعلق بأحكام الطهارة ‪-‬الوضوء‪ u-‬كأن يكون على اليد حائل ‪-‬مثالً مرهم‪ -‬يمنع‬
‫وصول الماء ‪ .‬القصة‪ :‬أن عائلة فيها ولدان مرضهما أنه ظهر طفح في الجلد ثم أصبح بثوراً‪ ،‬ثم‬
‫تحولت إلى أورام سرطانية دقيقة أو صغيرة لها جذور في الجلد إلى الداخل‪ ،‬وال يمكن لهذا‬
‫المريض أن يرى النور ‪-‬يعني‪ :‬النور يضره جداً‪ -‬فلذلك ال يمكن أن يجلس تحت أنوار‪ ،‬وال في‬
‫أشعة الشمس‪ ،‬وال حتى أمام نور شاشة التلفزيون‪ ،‬والبد أن يضع نظارة طوال الوقت ما عدا وقت‬
‫النوم‪ ،‬والبد أن يدهن الجلد كله بمرهم عازل للضوء (عازل لألشعة أربعة وعشرين ساعة)‬
‫والمرض ال يعرف له عالج في العالم‪ ،‬وفي المستقبل قد يزداد حتى يضرب في مناطق األعصاب‬
‫فيسبب آالماً رهيبة‪ .‬اآلن تأمل حال األم المنشغلة بهؤالء األوالد‪ ،‬كيف يكون البيت بال نور! البد‬
‫أن تساعدهم في دهن الجسم بالمرهم دائماً‪ .‬تصور بيتاً فيه أوالد فيهم عاهات‪ ،‬أو كبار في السن‬
‫وفيهم عاهات‪ ،‬يحتاج هذا المريض إلى شخص يأخذه‪ ،‬وآخر يطعمه وآخر يسقيه‪ ،‬ويحتاج إلى من‬
‫يخرج له الفضالت‪ ،‬وينقله من الحمام إلى الغرفة‪ ،‬وغيرها من األعمال ‪ .‬واهلل عز وجل له حكمه‪،‬‬
‫وهلل في خلقه شئون‪ ،‬لكن نحن بسبب الصحة غافلون‪ ،‬ولو أردت أن تعرف شيئاً من الحقيقة فادخل‬
‫إلى مستشفى من المستشفيات‪ ،‬وتأمل في حال المرضى في األقسام المختلفة‪ ،‬سئل الشيخ عبد‬
‫العزيز بن باز حفظه اهلل هل يجوز زيارات المستشفيات لالعتبار‪ ،‬قال‪ :‬نعم! يمكن للشخص أن‬
‫يذهب للمستشفيات ليعتبر‪ ،‬وعندما نعلم هذه األشياء ال بد أن نتأثر لكي نستغل الصحة التي نحن‬
‫فيها اآلن‪ ،‬ألننا ال نعلم حقيقةً ماذا سيحدث لنا في المستقبل‪ ،‬قد يحدث لنا مرض أو عدة أمراض أو‬
‫مرض مزمن ‪-‬نسأل اهلل العافية‪ -‬لكن اإلنسان عليه أن يتعظ ويأخذ عبرة‪ .‬فنعود ونقول‪ :‬الناس‬
‫أصناف‪ ،‬منهم من دخله كبير‪ ،‬ومنهم من دخله يحتاج إلى عمل شديد‪ ،‬اإلنسان الذي عنده شركات‪،‬‬
‫غير العامل الذي يشتغل في الشمس وفي البناء ساعات طويلة‪ ،‬والشخص الذي في بداية الزواج‬
‫غير الشخص الذي عنده أوالد‪ ،‬والشخص الذي في بداية الوظيفة‪ ،‬ليس مثل الشخص الذي عنده‬
‫تطور في الوظيفة ودخل فيها وتشعب‪ ،‬وازدادت مسئولياته الوظيفية‪ ،‬ما هو المقصد من وراء ذكر‬
‫هذه المسألة؟ أن اهلل عز وجل يؤاخذ الناس على حسب النعم التي أعطاهم إياها‪ .‬فأنت ال تتخيل ‪-‬‬
‫مثالً‪ -‬أو ال تظن أن الشخص الذي عنده عقارات تأتيه اإليجارات هكذا في نهاية السنة وهو جالس!‬
‫ال‪ .‬وإ نما يتعب ويعمل مثل العامل الذي يضطر أن يشتغل ست عشرة ساعة في اليوم في الشمس‬
‫وفي البرد أحياناً‪ ،‬ال تتخيل أن الرجل الذي عنده وقت سواء كان طالباً أو أعزب أن حسابه عند اهلل‬
‫مثل الرجل المتزوج الذي عنده مسئوليات وأوالد‪ ،‬وهكذا‪ .‬وكذلك المرأة ‪-‬مثالً‪ -‬عندما تكون فتاة‬
‫في مقتبل العمر ليس عندها مسئولية‪ ،‬أمها هي التي تطبخ وهي التي تنظف البيت‪ ،‬أو أن في البيت‬
‫خادمات ‪-‬والعياذ باهلل من خادمات السوء‪ -‬هذه المرأة عندما تكبر وتتزوج‪ ،‬وهي متزوجة قبل‬
‫األوالد حسابها يتغير عندما يأتيها أول ولد‪ ،‬وحسابها غير ذلك عندما يصير لها ولدان‪ ،‬وحسابها‬
‫يختلف عندما يصير عندها خمسة أو سبعة أوالد‪ .‬ولذلك اغتنم فراغك قبل شغلك‪ ،‬هذه حكم نبوية‬
‫لها مدلوالت عظيمة‪ ،‬لكن أكثر الناس ال يعلمون‪ ،‬وأكثر الناس ال يفقهون‪ ،‬وال يتفكرون‪ ،‬وال‬
‫يتعظون‪ ،‬تستهلكهم الحياة دون أن يخططوا شيئاً للمستقبل ودون أن يحتاط اآلن للمستقبل‪ .‬كذلك‬
‫يضاف إلى ما سبق قبل أن ننتقل إلى نقطة أخرى‪ :‬أن الناس بالنسبة لإلجازات مختلفون‪ ،‬مثالً‬
‫الطالب قد يكون عنده عدة أنواع من اإلجازات كما ذكرنا‪ ،‬إجازة صيفية وأحياناً تكون شهرين أو‬
‫شهرين ونصف أو ثالثة شهور‪ ،‬إجازة الربيع أسبوعين أو ثالثة أسابيع‪ ،‬وقد تكون عنده إجازات‬
‫مختلفة‪ ،‬بخالف الموظف فإنه قد ال يكون عنده إال شهر أو شهر ونصف‪ ،‬وعطلة نهاية األسبوع‪.‬‬
‫إن الشاب يختلف عن رب األسرة‪ ،‬فالطالب عندما تكون عنده إجازة يستغلها فيما يشاء‪ ،‬لكن رب‬
‫العائلة عندما تصبح عنده إجازة يشغلها في أشياء مختلفة‪ ،‬كأن تكون عنده حاجة تحتاج إلى تصليح‬
‫أو يريد أن يسافر‪ ،‬وهكذا تجد أن إجازات بعض الناس هي أشغال في الحقيقة‪ ،‬أكثر من أيام‬
‫الوظيفة‪ ،‬بينما إجازات بعض الناس هي عبارة عن فراغ في فراغ في فراغ‪.‬‬

‫الجوانب التي يؤسس اإلنسان فيها نفسه في فراغه‪:‬‬


‫فالمقصود اآلن‪ :‬أن المسئولية أمام اهلل والحساب يوم القيامة ليس الناس فيه سواء‪ .‬عندنا اآلن‬
‫سؤال‪ :‬ما هي الجوانب التي يحرص اإلنسان على أن يؤسس فيها نفسه في فراغه قبل أن ينشغل؟‬
‫اآلن لو صار عندك فراغ‪ ،‬لو كنت شاباً في مقتبل العمر ما هي الجوانب التي تستغل فيها فراغك‪،‬‬
‫لتؤسس فيها نفسك؟ طبعاً بداية العمر هذه فترة تأسيسية‪ ،‬مثل البناء تضع األساسات ثم تبني‪ ،‬فترات‬
‫الشباب هي فترات تأسيس في الحقيقة‪ ،‬للعاقل فترات الشباب فترات تأسيس وبناء‪ ،‬ولذلك ينبغي أن‬
‫تستغل في عدة أمور‪ ،‬نذكر اثنين منها‪:‬‬
‫تعويد النفس على األعمال الصالحة والعبادات المختلفة‪:‬‬
‫األول‪ :‬مجاهدة الشاب المتفرغ لنفسه في تعويدها على األعمال الصالحة والعبادات المختلفة‪ :‬وهذه‬
‫نقطة مهمة جداً‪ ،‬العبادة إذا جاءت في البداية مبكرةً تصادف موقعاً جميالً‪ ،‬وتدخل فيه وتترسخ‬
‫وتصبح سجية‪ ،‬يعني‪ :‬لو أن شاباً تعود على قراءة جزء من القرآن يومياً‪ ،‬وعلى إدراك تكبيرة‬
‫اإلحرام دائماً‪ ،‬وعلى صيام ثالثة أيام من كل شهر‪ ،‬فإن هذا التأسيس سيصبح سجية فسيستمر فيه‬
‫طيلة حياته‪ ،‬لكن لو أتيت بشخص كبير في السن وقلت له‪ :‬أنت غير متعود على قراءة جزء قرآن‬
‫في اليوم‪ ،‬نريد أن نعودك على قراءة جزء من القرآن في اليوم؟ وأنت كنت ال تصوم النوافل‬
‫وسنعودك على أن تصوم النوافل دائماً؟ هل تتوقع أنها ستكون مسألة سهلة؟ ال‪ .‬أبداً‪ ،‬العبادة إذا‬
‫جاءت على شغل ال ترسخ في النفس‪ ،‬لكن لو جاءت العبادة على فراغ في النفس فإنها تصبح عادة‬
‫وطبعاً وسجية‪ ،‬ولذلك اآلن ندرك خطأ الفكرة التي يظنها كثير من الناس حينما يقول‪ :‬يا أخي! هذا‬
‫شاب‪ ،‬دعه يتمتع بعمره وبشبابه‪ ،‬تريدون أن تؤذوا الشباب وتنكدوا عليهم‪ ،‬وتريدون أن تضيعوا‬
‫عليه أحلى أيام عمره وزهرة شبابه‪ ،‬وهؤالء الذين يفكرون بهذا التفكير مساكين‪ .‬إذا أردت الدليل‬
‫فاستمع معي إلى هذا الحديث‪ :‬في البخاري ومسلم وغيرهما‪ :‬عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص أن‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم قال له‪( :‬بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فال تفعل‪ ،‬فإن لجسدك‬
‫عليك حقاً‪ ،‬ولعينك عليك حقاً‪ ،‬وإ ن لزوجك عليك حقاً‪ ،‬أو حظاً ‪-‬كما في بعض الروايات‪ -‬صم‬
‫وأفطر‪ ،‬صم من كل ٍ‬
‫شهر ثالثة أيام‪ ،‬فذلك صوم الدهر) ‪-‬الحسنة بعشرة أمثالها‪ ،‬ثالثة في عشرة‬
‫بثالثين كأنه صام الشهر كله‪ ،‬وثالثة أيام من الشهر الذي بعده‪ ،‬وكأنه صام الشهر الذي بعده‪،‬‬
‫قلت‪( :‬يا رسول اهلل! إن بي قوةً أو إن لي قوةً) وكان عبد اهلل بن‬
‫وهكذا حتى كأنه صام الدهر‪ُ ،‬‬
‫عمرو في فترة شباب؛ فقال‪ :‬إن لي قوةً‪ ،‬هو أصالً يستغل شبابه في قيام الليل وصيام النهار‪ ،‬لما‬
‫أراد الرسول صلى اهلل عليه وسلم منه أن يعتدل في عبادته قال‪ :‬إن بي قوةً (قال‪ :‬فصم صوم داود‬
‫ذكرت للنبي صلى اهلل عليه وسلم الصوم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫عليه السالم‪ ،‬صم يوماً وأفطر يوماً‪ -‬وفي رواية‪:‬‬
‫ٍ‬
‫تسعة‬ ‫صم من كل عشرة ٍ‬
‫أيام يوماً ولك أجر التسعة‪ ،‬قلت‪ :‬إني أقوى من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فصم من كل‬
‫ٍ‬
‫أيام يوماً ولك أجر الثمانية‪ ،‬فقلت‪ :‬إني أقوى من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فصم من كل ثمانية أيام يوماً ولك أجر‬
‫قلت‪ :‬إني أقوى من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فلم يزل ‪-‬يعني يتدرج معه‪ -‬حتى قال‪ :‬صم يوماً وأفطر‬
‫السبعة‪ُ ،‬‬
‫يوماً)‪ ،‬يعني‪ :‬من كل يومين يصوم يوماً‪ ،‬وفي رواية أن عبد اهلل قال‪( :‬فإني أطيق أفضل من ذلك‪،‬‬
‫فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال أفضل من ذلك) يعني‪ :‬أنك تصوم يوماً وتفطر يوماً ال‬
‫يوجد أفضل من هذا‪ ،‬أفضل الصيام صيام داود‪ ،‬لكن صيام داود ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬مشروطٌ ٍ‬
‫بأمر ورد‬
‫في حديث وهذا األمر مهم‪ .‬والحديث في تكملته أنه صلى اهلل عليه وسلم لما وصف صيام داود‬
‫قال‪( :‬ولكنه كان ال يفر إذا القى) كان ال يفر إذا القى‪ ،‬يعني‪ :‬لم يكن هذا الصوم ليعجزه وال‬
‫ليضعفه عن الجهاد‪ ،‬فإذا كان صيام يوم وإ فطار يوم سيجعلك تضعف عن القيام بالوظائف‬
‫األساسية‪ ،‬بيتك‪ ،‬وأهلك‪ ،‬وعملك‪ ،‬وصالتك‪ ،‬وجهادك‪ ،‬وطلبك للعلم‪ ،‬فإنك قد انشغلت بمفضول عما‬
‫هو أفضل منه‪ ،‬هذا شرط صيام يوم وإ فطار يوم‪ .‬سؤال‪ :‬كيف تعود األعمش رحمه اهلل على إدراك‬
‫تكبيرة اإلحرام بحيث قال الراوي‪ :‬أن األعمش لم تفته تكبيرة اإلحرام ستين عاماً؟ معناها‪ :‬أنه كان‬
‫متعوداً من ُذ الصغر على إدراك تكبيرة اإلحرام‪ ،‬فلذلك ينبغي أن يتعود اإلنسان في أوقات الفراغ‬
‫على العبادة‪ ،‬وهذا مهم جداً للشاب‪ ،‬تأسيس نفسه على العبادة وأنواع األذكار‪ ،‬وأنواع العبادات‬
‫حتى ينطلق‪:‬‬
‫فعسى أن يكون موتـك بغتـه‬ ‫ركوع‬
‫ٍ‬ ‫اغتنم في الفراغ فضل‬
‫ٍ‬
‫سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلته‬ ‫صحيح رأيت من غ ـير‬
‫ٍ‬ ‫كم‬
‫ماذا تعني كلمة‪ :‬وقت الفراغ؟ في وقت الفراغ شيء مهم في مفهوم (أيش معنى وقت الفراغ)‬
‫بعض الناس يظن أن المعنى‪ :‬اعمل كل شيء‪ ،‬البعض يظن أن وقت الفراغ هو بعد أن يقوم بكل‬
‫أعماله ويقول‪ :‬إذا زاد الوقت طلبنا العلم ودعونا إلى اهلل‪ .‬هذه من األشياء األساسية ‪-‬طلب العلم‬
‫والدعوة إلى اهلل‪ -‬إذا أردت أن تعرف المعنى الصحيح لهذا‪ ،‬تأمل معي في آخر سورة الشرح‪:‬‬
‫ب [الشرح‪:‬‬ ‫ب * َوِإ لَى َرِّب َ‬
‫ك فَ ْار َغ ْ‬ ‫صْ‬ ‫فَِإ َّن َم َع اْل ُع ْس ِر ُي ْسراً * ِإ َّن َم َع اْل ُع ْس ِر ُي ْسراً * فَِإ َذا فَ َر ْغ َ‬
‫ت فَ ْان َ‬
‫‪ .]8-5‬فإذا فرغت فانصب وإ لى ربك فارغب‪ ،‬ما معنى هذا؟ قال أهل العلم كما في تفسير ابن‬
‫كثير ‪ :‬فإذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها ‪-‬يعني‪ :‬األمور المهمة‪ ،‬مثل البيت واألكل واألهل‬
‫واألوالد‪ -‬فانصب في العبادة وقم إليها نشيطاً‪ ،‬قال بعض المفسرين‪ :‬إذا فرغت من الفرائض‬
‫فانصب في قيام الليل‪ ،‬وقال بعض المفسرين‪ :‬فانصب في الدعاء‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬فإذا فرغت من‬
‫الجهاد فانصب في العبادة‪ .‬وهذا يدلك على شيء مهم جداً‪ ،‬وهو أن أوقات الفراغ هي غير أوقات‬
‫العبادات المفروضة في أوقات معينة‪ ،‬منها صالة الجماعة‪ ،‬ومثل الجهاد إذا حان وقته‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫طلب العلم‪:‬‬
‫واألمر الثاني ‪-‬أيها األخوة‪ -‬هو قضية طلب العلم؛ وطلب العلم من األمور المهمة‪ ،‬التي ينبغي أن‬
‫يستغل اإلنسان وقته فيها‪ ،‬لذلك يقول عمر رضي اهلل عنه‪[ :‬تفقهوا قبل أن تسودوا] ما معنى قبل أن‬
‫تسودوا؟ يعني‪ :‬قبل أن تصبح إنساناً ذا شأن‪ ،‬وصاحب مسئوليات وصاحب منصب‪ ،‬وقبل أن‬
‫تصبح سيداً متصدراً للناس‪ ،‬تفقه فإنك غداً عندما تصبح منشغالً بذلك المنصب أو بتلك السيادة‪،‬‬
‫ربما ال تجد وقتاً كافياً لطلب العلم‪ ،‬وأيضاً‪ ،‬فإن السيادة تحتاج إلى فقه‪ ،‬وإ ال فكيف يقود الناس‬
‫إنسان جاهل‪ ،‬لذلك يقول عمر ‪[ :‬تفقهوا قبل أن تسودوا] ولذلك كان علماؤنا رحمهم اهلل‪ ،‬ال‬
‫ٌ‬
‫يضيعون وقتاً بغير فائدة‪ ،‬فترى وقتهم مقسوماً بين القراءة والتصنيف‪ ،‬وبين اإلفتاء والقضاء‪ ،‬وبين‬
‫الحفظ والتدبر والعبادة‪ ،‬وإ نكار المنكر‪ ،‬والجهاد في سبيل اهلل‪ ،‬والتدريس‪ ،‬حتى أن بعضهم كان لهم‬
‫ثالثة عشر درساً في اليوم‪ ،‬ويقرأ عليهم أحياناً في الطريق‪ ،‬وهم يمشون ويسألون العلماء في‬
‫الطريق‪ ،‬وربما إذا دخل بعضهم الخالء أمر القارئ أن يرفع صوته‪ ،‬حتى يستغل وقته وهو في‬
‫الخالء‪ ،‬فيسمع العلم‪ ،‬وربما فكروا بالمسألة وعلموها أو تعلموها وهم في النزع األخير من حياتهم‬
‫على فراش الموت‪ ،‬وأكل بعضهم الطعام نيئاً لعدم وجود الوقت للطبخ وكان بعضهم يختصر‬
‫الوجبات‪ ،‬فيقتصر على وجبة في اليوم‪ ،‬وينتقون األكالت السهلة التحضير‪ ،‬وسهلة المضغ ليوفروا‬
‫وقتاً لطلب العلم‪ ،‬وإ ذا انشغل أحدهم ببري القلم وهو يكتب انطلق لسانه بذكر اهلل أو مراجعة‬
‫المسائل حتى ال يتوقف عن عمل مفيد‪ ،‬لكن انظر اآلن! إذا كان أحدنا يكتب ويستغل وقته‪ ،‬وأراد‬
‫أن يبري القلم يتأمل في البراية‪ ،‬ويطالع في المرايا التي خلف المبراة‪ .‬وكانوا ال ينامون إال قليالً؛‬
‫حتى ربما خفق رأس بعضهم في كتابه‪ ،‬هكذا كانوا حريصين جداً على طلب العلم‪ ،‬ومن المشاكل‬
‫الكبرى أن ترى طالب العلم يبرز للناس‪ ،‬ويتصدر قبل أن يتأسس علمياً فينزلق في مزالق‪ ،‬ويقع‬
‫في مطبات وحفر شيطانية؛ من إفتاء الناس بغير علم ‪-‬مثالً‪ -‬وسيأفل سريعاً ويزوى؛ ألنه تصدر‬
‫وليس عنده أساس علمي قوي‪ ،‬يعرف كلمتين‪ ،‬فإذا انتهت الكلمتان التي يعرفها انفض الناس من‬
‫حوله‪ ،‬بعض الخطباء والوعاظ وطلبة العلم يبرز للناس ولم يتأسس بعد‪ ،‬عنده حصيلة قليلة‪ ،‬فإذا‬
‫ألقى كذا خطبة‪ ،‬أو كذا درساً انتهى الذي عنده‪ ،‬حتى لو كان ‪-‬مثالً‪ -‬مع رفقاء له يعلمهم‪ ،‬فإذا علم‬
‫فالناً وفالناً وفالناً شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين انتهت الحصيلة‪ ،‬وصاروا مثله في النهاية؛‬
‫ألنه لم يستغل وقته في الطلب‪ ،‬والمسلم الجيد هو الذي ال يزال الناس يجدون عنده ما يحتاجون‬
‫إليه‪ .‬ولذلك يجب علينا أن ننظر ونعتبر من بعض العلماء الذين بارك اهلل في أوقاتهم‪ ،‬سبحان اهلل ‪-‬‬
‫مثالً‪ -‬أنت إذا نظرت في حال شيخنا عبد العزيز بن باز حفظه اهلل‪ ،‬تجد من حاله عجباً‪ ،‬طبعاً هذا‬
‫الرجل أسس نفسه على العلم من ُذ الصغر‪ ،‬أسس نفسه على األصول‪ ،‬يعني‪ :‬على القرآن ودواوين‬
‫السنة‪ ،‬عنده أصول أسس نفسه عليها‪ ،‬وهو ال يزال يراجعها‪ ،‬ولذلك ترى حلقات الشيخ أكثرها‬
‫قراءة وهو يسمع‪ ،‬يعني‪ :‬يقرأ عليه أكثر مما يعلق‪ ،‬فهو ال يزال يراجع األصول‪ ،‬ولذلك عندما تأتي‬
‫النازلة ليفتي فيها الشيخ‪ ،‬فعنده األصول وهي قد اختمرت في ذهنه بمرور السنين وتواليها‪ ،‬آيات‬
‫وأحاديث كثيرة جداً اختمرت في ذهنه‪ ،‬تأسست نفسه في العلم‪ ،‬فلو جاءت نازلة أفتى فيها‪ ،‬لكن لو‬
‫جاء طالب علم‪ ،‬وجاءت نازلة‪ ،‬سيبحث في الكتب والدواوين‪ u‬وأقوال العلماء‪ ،‬واألشباه والنظائر‪،‬‬
‫ويرى األمور‪ ،‬ثم بعد ذلك قد تكون فتواه صحيحة وقد تكون عوجاء‪ ،‬ولذلك ترى اآلن العلماء‬
‫الحقيقيين وإ ن كانوا قلة وندرة‪ ،‬إال أن عندهم القدرة على الكالم في مستجدات العصر بعلم شرعي‪،‬‬
‫وإ ال فهناك أناس يفتون بجهل في مستجدات العصر‪ ،‬ولذلك مثل الشيخ حفظه اهلل الذي لديه خلفية‬
‫قوية في أصول اإلسالم‪ ،‬ال يحتاج إلى أن يفتش وينقب دائماً في الكتب ويبحث مثل طالب العلم‪،‬‬
‫فإنه إذا أراد أن يفتي في مسألة يبحث فيها! وأيضاً ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬الداعية إلى اهلل مهم جداً أن‬
‫يؤسس نفسه‪ ،‬قبل أن تتراكم عليه المسئوليات ‪-‬وهذه القاعدة مهمة‪ -‬قبل أن تتراكم عليه‬
‫المسئوليات الدعوية والتربوية‪ ،‬فإن اإلنسان إذا كان يسير في طريق الدعوة والتربية فإن مسئولياته‬
‫في ازدياد من ٍ‬
‫يوم إلى آخر‪ ،‬وإ ذا كان مخلصاً عامالً نشيطاً‪ ،‬فإن مسئولياته ستزداد يوماً بعد يوم‪،‬‬
‫أساس قوي‪ ،‬فكيف سيقوم بمواجهة هذه‬
‫وإ ن رعيته التربوية ستكبر وتتضخم‪ ،‬فإذا لم يكن عنده ٌ‬
‫المسئوليات واالضطالع بها؟ ولذلك تجد بعض المشايخ الكبار‪ ،‬قد ال يجد وقتاً للقراءة أحياناً‪ ،‬ألنه‬
‫يتنقل من مكان إلى مكان‪ ،‬يلقي محاضرة هنا وهناك‪ ،‬ودرساً هنا وهناك‪ ،‬ويتصل الناس به‬
‫ويستفتونه‪ .‬الشيخ ابن عثيمين قال كلمة جميلة‪ ،‬أقصد في جمال المدلول عندما كان يدرس في‬
‫الحرم في رمضان‪ ،‬وكانت له حلقة بعد الفجر وحلقة بعد المغرب‪ ،‬وكان الناس يسألونه بعد‬
‫الصلوات وبعد العصر‪ ،‬وكانت له غرفة مخصصة يتصل عليه الناس قال‪ :‬واهلل إني أحياناً ال أجد‬
‫وقتاً أقرأ فيه القرآن‪ ،‬فأحياناً يكون اإلفتاء أفضل من تالوة القرآن‪ ،‬وذلك بسبب حاجة الناس‪،‬‬
‫خصوصاً للذي لم يهجره‪ ،‬ومن هنا ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬كان البد للدعاة الصادقين من إيجاد خطة لتفريغ‬
‫الدعاة إلى اهلل‪ ،‬ويجب على أهل الغنى والثراء أن ينظروا في المشاريع اإلسالمية‪ ،‬ويحاولوا أن‬
‫يشاركوا فيها؛ لتفريغ الدعاة إلى اهلل لكي يتجولوا في بالد الكفار‪ ،‬ليلقوا الدروس والمحاضرات‪،‬‬
‫وتفريغهم لهذا المجال ولهذا العمل أفضل من أن يعمل أحدهم في شركة أو في مؤسسة يستهلك‬
‫وقته فيها‪ ،‬وترتيب الرواتب لهم من أعظم أبواب األجر؛ ألنه سيستطيع أن يعطي‪ ،‬ولذلك كان‬
‫العلماء في الماضي لهم رواتب من بيت مال المسلمين‪ ،‬العالم ليس عنده عمل إال طلب العلم‪،‬‬
‫والتعليم‪ ،‬وهذا التفرغ هو الذي أنتج العلماء في الماضي‪.‬‬

‫ثالثة مداخل شيطانية‪:‬‬


‫من األمور التي نختم بها كالمنا ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬أن هناك ثالثة مداخل ربما تكون أحياناً شيطانية‪.‬‬
‫بعض الناس لو لم يهتد إلى اهلل إال بعد فترة من الزمن ‪-‬مثالً صار عمره ثالثين سنة‪ ،‬أو أربعين‬
‫سنة‪ ،‬ثم هداه اهلل‪ -‬فماذا يحصل له؟ يقول‪ :‬لقد فاتني وقت الطلب‪ ،‬وقت تأسيس نفسي على العبادة‪،‬‬
‫علي الوقت‪ ،‬وفاتني القطار‪ .‬وتراه دائماً يشتغل بالندم على الوقت‬
‫علي الزمن وذهب َّ‬
‫وذهب َّ‬
‫الفائت‪ ،‬فيسبب تضييع الوقت الحاضر‪ ،‬وهذه نقطة شيطانية خطيرة جداً‪ ،‬وهذا خطأ كما قال أهل‬
‫العلم‪ ،‬ولذلك صارت القاعدة الذهبية‪" ،‬ما ال يدرك كله ال يترك بعضه" أي‪ :‬إذا لم تستطع أن تأخذ‬
‫طريق العلم من بداية عمرك‪ ،‬فال يترك بعضه‪ ،‬وهناك من العلماء من طلب العلم وهو كبير‪ ،‬فهناك‬
‫من طلب العلم وهو ابن أربعين أو خمسين‪ ،‬وهناك من العلماء من أصبح نابغة في هذا‪ ،‬وهناك‬
‫عباد وزهاد لم يتعبدوا هلل إال بعد فترة طويلة من حياتهم‪ ،‬وانظر في حال الصحابة‪ ،‬أليس حالهم‬
‫عجيباً؟! كثير منهم اهتدوا في األربعين والخمسين عمرو بن الجموح وطأ بعرجته في الجنة‪ ،‬رجل‬
‫أدركه اإلسالم وهو كهل لكن ما فتر‪ ،‬ولذلك أنت تعجب بعض األحيان عندما تدخل في حلقة شيخ‬
‫من المشايخ أو عالم من العلماء ‪-‬مثالً‪ -‬في حلقة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه اهلل قد تجد رجالً‬
‫وعلي‬
‫َّ‬ ‫كبيراً في السن‪ ،‬وتراه جالساً في الحلقة وهو يستمع‪ ،‬هذا الرجل عاقل‪ ،‬ما قال أنا فاتني العلم‪،‬‬
‫أن أجلس في البيت‪ ،‬هذا هو الذي يفرح الشيطان فعالً‪ .‬إياك ثم إياك أن تفكر من هذا المنطلق‪ ،‬وإ ذا‬
‫أخلصت النية فإن اهلل سيبارك لك في وقتك ولو كان ضيقاً‪ ،‬لو شخصاً قال‪ :‬أنا أصرف على كذا‬
‫أسرة‪ ،‬أنا إنسان مشغول فكيف أطلب العلم؟ نقول‪ :‬أنت إذا أخلصت هلل يبارك اهلل لك في وقتك‪ ،‬يا‬
‫أخي! تأمل في حياة عمر بن عبد العزيز تجد عجباً‪ :‬عمر بن عبد العزيز ‪ :‬استلم الخالفة وفيها‬
‫ترف وابتعاد عن اهلل‪ ،‬وانشغال بالدنيا‪ ،‬والطرب والغناء والرقص في البيوت‪ ،‬وكانت هناك‬
‫منكرات كثيرة عمت المجتمع‪ ،‬كم حكم عمر بن عبد العزيز؟ حكم سنتين ونيفاً‪ ،‬لكن سبحان اهلل‬
‫العظيم! كيف تغير الوضع لما حكم عمر بن عبد العزيز في سنتين ونيف؟ صار هناك انقالب في‬
‫المجتمع وتَ َّ‬
‫غير الناس! وازدهرت حلقات العلم والعلماء بشكل أكبر بكثير مما كان قبل ذلك‪ ،‬حتى‬
‫أن الناس اكتفوا مادياً‪ ،‬وكانوا يبحثون عن فقراء للزكاة فما يجدون‪ ،‬كيف فعل هذا الرجل في‬
‫سنتين! كيف حدث هذا؟! أليست هذه شبه معجزة‪ ،‬إنما حدث هذا بإخالص عمر بن عبد العزيز !‬
‫رحمه اهلل‪ ،‬ورضي عنه وأرضاه‪ ،‬كم أدى لإلسالم من خدمةً جليلة في هذه الفترة القصيرة التي‬
‫حكم فيها! وآخر ما نختم به‪ ،‬مرض من أمراض هذه المشكلة ‪-‬اغتنم فراغك قبل شغلك‪ -‬مرض‬
‫بواب (لعل‬
‫التسويف‪ .‬بعض الناس‪ ،‬كما يقول ابن القيم رحمه اهلل‪ :‬كلما جاء طارق الخير صرفه َّ‬
‫وعسى)‪ .‬كلما جاء طارق الخير وقال‪ :‬يا فالن! اطلب العلم‪ ،‬يا فالن اعبد اهلل‪ ،‬يا فالن ادع إلى‬
‫وسوف‪ ،‬واألماني‬
‫َ‬ ‫اهلل‪ ،‬يا فالن‪ ، ....‬صرفه بواب لعل وعسى‪ ،‬وأكثر الناس ضائعون بين السين‬
‫رأس مال المفاليس‪ .‬هذا ما سنقف عنده في هذا الموضوع ‪.‬‬

‫األسئلة‪:‬‬
‫وهنا وردنا سؤال‪:‬‬

‫كيفية استغالل الوقت في العطل‪:‬‬


‫السؤال‪ :‬نحن شباب استغللنا الوقت في العطلة الصيفية في المراكز الصيفية‪ ،‬واآلن قد انتهت‬
‫المراكز الصيفية فماذا نفعل؟ الجواب‪ :‬طبعاً هناك أمور كثيرة جداً ينبغي على الشباب أن يتوجهوا‬
‫إليها في هذه الفترة‪ ،‬اآلن كم بقي حتى تأتي الدراسة‪ ،‬عشرون يوماً أو ثمانية عشر يوماً‪ ،‬ال تظن‬
‫أن هذه فترة سهلة‪ ،‬ثمانية عشر يوماً إذا استغلت استغالالً جيداً؛ فإنك ستحصل فيها على فوائد‬
‫كثيرة جداً‪ ،‬ال تحلم بها! إذا استعنت باهلل وأخلصت وخططت تخطيطاً جيداً‪ ،‬طبعاً هناك مجاالت‬
‫كثيرة ‪-‬مثالً‪ -‬مكتبات المساجد هذه فرصة للشباب‪ ،‬تبادل األشرطة والكتب وقراءتها‪ ،‬الزيارات‬
‫األخوية في اهلل‪ ،‬الرحالت العلمية المفيدة‪ ،‬التي يخرج فيها الطالب من أجل أن يغير فيها الجو لكنه‬
‫يستفيد‪ ،‬وكذلك حلقات العلم‪ ،‬والمواظبة عليها‪ ،‬وحضورها في المساجد‪ ،‬وكذلك زيارة العلماء‪،‬‬
‫وزيارة طلبة العلم واالستفادة منهم‪ ،‬وتبادل اآلراء وغيرها‪ ،‬وهناك وسائل كثيرة جداً يمكن أن‬
‫يستفيد الشباب منها في هذا الوقت‪ .‬والمسألة كما قلنا ‪-‬أيها األخوة‪ -‬أوالً وأخيراً هي اإلخالص‪،‬‬
‫وصدق النية‪ ،‬وصدق التوجه‪ ،‬زائداً عليها العزيمة والهمة التي ينتجها هذا اإلخالص‪ ،‬زائداً على‬
‫كبير إن شاء اهلل في استغالل هذا‬
‫أثر ٌ‬‫ذلك التخطيط الجيد واستشارة أهل الخبرة‪ ،‬سيكون لها ٌ‬
‫الوقت‪ .‬وأخيراً نقول كما قال عليه الصالة والسالم‪( :‬اغتنم فراغك قبل شغلك) ‪ .‬وصلى اهلل على‬
‫نبينا محمد‪ ،‬والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

You might also like