Professional Documents
Culture Documents
أحياء :
ُ قوم وهم في الناس
قد مات ٌ
في الجانب المقابل هناك أشخاص هامشيون ،بعض الناس وجوده مثل عدمه ،بل إن وجوده ضار،
أليس ذلك صحيحاً؟ وهناك أناس لو ماتوا لكان أفضل ،وهناك أناس لو ماتوا لما حصل أي نوع من
التغيير أو النقصان ،ال في بيته ،وال في مدرسته ،وال في عمله ،وال في مجتمعه ،لكن هناك أناس
لو مات أحدهم تأثر البيت من موته؛ ألنه كان يمأل فراغاً عظيماً في ذلك البيت ،وكذلك لو مات
مدير لتأثرت الدائرة كلها ،بسبب موت ذلك المدير الصالح في دائرته التي يعمل فيها ،وهناك
مدرس لو مات لحزن الطالب عليه ،وأصبح هناك نقص في المدرسة بموت هذا المدرس:
أحياء
ُ في الناس قوم وهم
قد مات ٌ
اإلسالم يريد من المسلمين أن يكونوا طاقات فعالة ،لها أثر في الواقع ،أنت إذا لم يكن لك أثر في
الواقع ،فمعناه أن عندك خطأ كبيراً في منهجك ،ويجب أن تراجع نفسك :لماذا ليس لك أثر في
الواقع؟
نعمة العافية:
وردني سؤال يتعلق بأحكام الطهارة -الوضوء u-كأن يكون على اليد حائل -مثالً مرهم -يمنع
وصول الماء .القصة :أن عائلة فيها ولدان مرضهما أنه ظهر طفح في الجلد ثم أصبح بثوراً ،ثم
تحولت إلى أورام سرطانية دقيقة أو صغيرة لها جذور في الجلد إلى الداخل ،وال يمكن لهذا
المريض أن يرى النور -يعني :النور يضره جداً -فلذلك ال يمكن أن يجلس تحت أنوار ،وال في
أشعة الشمس ،وال حتى أمام نور شاشة التلفزيون ،والبد أن يضع نظارة طوال الوقت ما عدا وقت
النوم ،والبد أن يدهن الجلد كله بمرهم عازل للضوء (عازل لألشعة أربعة وعشرين ساعة)
والمرض ال يعرف له عالج في العالم ،وفي المستقبل قد يزداد حتى يضرب في مناطق األعصاب
فيسبب آالماً رهيبة .اآلن تأمل حال األم المنشغلة بهؤالء األوالد ،كيف يكون البيت بال نور! البد
أن تساعدهم في دهن الجسم بالمرهم دائماً .تصور بيتاً فيه أوالد فيهم عاهات ،أو كبار في السن
وفيهم عاهات ،يحتاج هذا المريض إلى شخص يأخذه ،وآخر يطعمه وآخر يسقيه ،ويحتاج إلى من
يخرج له الفضالت ،وينقله من الحمام إلى الغرفة ،وغيرها من األعمال .واهلل عز وجل له حكمه،
وهلل في خلقه شئون ،لكن نحن بسبب الصحة غافلون ،ولو أردت أن تعرف شيئاً من الحقيقة فادخل
إلى مستشفى من المستشفيات ،وتأمل في حال المرضى في األقسام المختلفة ،سئل الشيخ عبد
العزيز بن باز حفظه اهلل هل يجوز زيارات المستشفيات لالعتبار ،قال :نعم! يمكن للشخص أن
يذهب للمستشفيات ليعتبر ،وعندما نعلم هذه األشياء ال بد أن نتأثر لكي نستغل الصحة التي نحن
فيها اآلن ،ألننا ال نعلم حقيقةً ماذا سيحدث لنا في المستقبل ،قد يحدث لنا مرض أو عدة أمراض أو
مرض مزمن -نسأل اهلل العافية -لكن اإلنسان عليه أن يتعظ ويأخذ عبرة .فنعود ونقول :الناس
أصناف ،منهم من دخله كبير ،ومنهم من دخله يحتاج إلى عمل شديد ،اإلنسان الذي عنده شركات،
غير العامل الذي يشتغل في الشمس وفي البناء ساعات طويلة ،والشخص الذي في بداية الزواج
غير الشخص الذي عنده أوالد ،والشخص الذي في بداية الوظيفة ،ليس مثل الشخص الذي عنده
تطور في الوظيفة ودخل فيها وتشعب ،وازدادت مسئولياته الوظيفية ،ما هو المقصد من وراء ذكر
هذه المسألة؟ أن اهلل عز وجل يؤاخذ الناس على حسب النعم التي أعطاهم إياها .فأنت ال تتخيل -
مثالً -أو ال تظن أن الشخص الذي عنده عقارات تأتيه اإليجارات هكذا في نهاية السنة وهو جالس!
ال .وإ نما يتعب ويعمل مثل العامل الذي يضطر أن يشتغل ست عشرة ساعة في اليوم في الشمس
وفي البرد أحياناً ،ال تتخيل أن الرجل الذي عنده وقت سواء كان طالباً أو أعزب أن حسابه عند اهلل
مثل الرجل المتزوج الذي عنده مسئوليات وأوالد ،وهكذا .وكذلك المرأة -مثالً -عندما تكون فتاة
في مقتبل العمر ليس عندها مسئولية ،أمها هي التي تطبخ وهي التي تنظف البيت ،أو أن في البيت
خادمات -والعياذ باهلل من خادمات السوء -هذه المرأة عندما تكبر وتتزوج ،وهي متزوجة قبل
األوالد حسابها يتغير عندما يأتيها أول ولد ،وحسابها غير ذلك عندما يصير لها ولدان ،وحسابها
يختلف عندما يصير عندها خمسة أو سبعة أوالد .ولذلك اغتنم فراغك قبل شغلك ،هذه حكم نبوية
لها مدلوالت عظيمة ،لكن أكثر الناس ال يعلمون ،وأكثر الناس ال يفقهون ،وال يتفكرون ،وال
يتعظون ،تستهلكهم الحياة دون أن يخططوا شيئاً للمستقبل ودون أن يحتاط اآلن للمستقبل .كذلك
يضاف إلى ما سبق قبل أن ننتقل إلى نقطة أخرى :أن الناس بالنسبة لإلجازات مختلفون ،مثالً
الطالب قد يكون عنده عدة أنواع من اإلجازات كما ذكرنا ،إجازة صيفية وأحياناً تكون شهرين أو
شهرين ونصف أو ثالثة شهور ،إجازة الربيع أسبوعين أو ثالثة أسابيع ،وقد تكون عنده إجازات
مختلفة ،بخالف الموظف فإنه قد ال يكون عنده إال شهر أو شهر ونصف ،وعطلة نهاية األسبوع.
إن الشاب يختلف عن رب األسرة ،فالطالب عندما تكون عنده إجازة يستغلها فيما يشاء ،لكن رب
العائلة عندما تصبح عنده إجازة يشغلها في أشياء مختلفة ،كأن تكون عنده حاجة تحتاج إلى تصليح
أو يريد أن يسافر ،وهكذا تجد أن إجازات بعض الناس هي أشغال في الحقيقة ،أكثر من أيام
الوظيفة ،بينما إجازات بعض الناس هي عبارة عن فراغ في فراغ في فراغ.
طلب العلم:
واألمر الثاني -أيها األخوة -هو قضية طلب العلم؛ وطلب العلم من األمور المهمة ،التي ينبغي أن
يستغل اإلنسان وقته فيها ،لذلك يقول عمر رضي اهلل عنه[ :تفقهوا قبل أن تسودوا] ما معنى قبل أن
تسودوا؟ يعني :قبل أن تصبح إنساناً ذا شأن ،وصاحب مسئوليات وصاحب منصب ،وقبل أن
تصبح سيداً متصدراً للناس ،تفقه فإنك غداً عندما تصبح منشغالً بذلك المنصب أو بتلك السيادة،
ربما ال تجد وقتاً كافياً لطلب العلم ،وأيضاً ،فإن السيادة تحتاج إلى فقه ،وإ ال فكيف يقود الناس
إنسان جاهل ،لذلك يقول عمر [ :تفقهوا قبل أن تسودوا] ولذلك كان علماؤنا رحمهم اهلل ،ال
ٌ
يضيعون وقتاً بغير فائدة ،فترى وقتهم مقسوماً بين القراءة والتصنيف ،وبين اإلفتاء والقضاء ،وبين
الحفظ والتدبر والعبادة ،وإ نكار المنكر ،والجهاد في سبيل اهلل ،والتدريس ،حتى أن بعضهم كان لهم
ثالثة عشر درساً في اليوم ،ويقرأ عليهم أحياناً في الطريق ،وهم يمشون ويسألون العلماء في
الطريق ،وربما إذا دخل بعضهم الخالء أمر القارئ أن يرفع صوته ،حتى يستغل وقته وهو في
الخالء ،فيسمع العلم ،وربما فكروا بالمسألة وعلموها أو تعلموها وهم في النزع األخير من حياتهم
على فراش الموت ،وأكل بعضهم الطعام نيئاً لعدم وجود الوقت للطبخ وكان بعضهم يختصر
الوجبات ،فيقتصر على وجبة في اليوم ،وينتقون األكالت السهلة التحضير ،وسهلة المضغ ليوفروا
وقتاً لطلب العلم ،وإ ذا انشغل أحدهم ببري القلم وهو يكتب انطلق لسانه بذكر اهلل أو مراجعة
المسائل حتى ال يتوقف عن عمل مفيد ،لكن انظر اآلن! إذا كان أحدنا يكتب ويستغل وقته ،وأراد
أن يبري القلم يتأمل في البراية ،ويطالع في المرايا التي خلف المبراة .وكانوا ال ينامون إال قليالً؛
حتى ربما خفق رأس بعضهم في كتابه ،هكذا كانوا حريصين جداً على طلب العلم ،ومن المشاكل
الكبرى أن ترى طالب العلم يبرز للناس ،ويتصدر قبل أن يتأسس علمياً فينزلق في مزالق ،ويقع
في مطبات وحفر شيطانية؛ من إفتاء الناس بغير علم -مثالً -وسيأفل سريعاً ويزوى؛ ألنه تصدر
وليس عنده أساس علمي قوي ،يعرف كلمتين ،فإذا انتهت الكلمتان التي يعرفها انفض الناس من
حوله ،بعض الخطباء والوعاظ وطلبة العلم يبرز للناس ولم يتأسس بعد ،عنده حصيلة قليلة ،فإذا
ألقى كذا خطبة ،أو كذا درساً انتهى الذي عنده ،حتى لو كان -مثالً -مع رفقاء له يعلمهم ،فإذا علم
فالناً وفالناً وفالناً شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين انتهت الحصيلة ،وصاروا مثله في النهاية؛
ألنه لم يستغل وقته في الطلب ،والمسلم الجيد هو الذي ال يزال الناس يجدون عنده ما يحتاجون
إليه .ولذلك يجب علينا أن ننظر ونعتبر من بعض العلماء الذين بارك اهلل في أوقاتهم ،سبحان اهلل -
مثالً -أنت إذا نظرت في حال شيخنا عبد العزيز بن باز حفظه اهلل ،تجد من حاله عجباً ،طبعاً هذا
الرجل أسس نفسه على العلم من ُذ الصغر ،أسس نفسه على األصول ،يعني :على القرآن ودواوين
السنة ،عنده أصول أسس نفسه عليها ،وهو ال يزال يراجعها ،ولذلك ترى حلقات الشيخ أكثرها
قراءة وهو يسمع ،يعني :يقرأ عليه أكثر مما يعلق ،فهو ال يزال يراجع األصول ،ولذلك عندما تأتي
النازلة ليفتي فيها الشيخ ،فعنده األصول وهي قد اختمرت في ذهنه بمرور السنين وتواليها ،آيات
وأحاديث كثيرة جداً اختمرت في ذهنه ،تأسست نفسه في العلم ،فلو جاءت نازلة أفتى فيها ،لكن لو
جاء طالب علم ،وجاءت نازلة ،سيبحث في الكتب والدواوين uوأقوال العلماء ،واألشباه والنظائر،
ويرى األمور ،ثم بعد ذلك قد تكون فتواه صحيحة وقد تكون عوجاء ،ولذلك ترى اآلن العلماء
الحقيقيين وإ ن كانوا قلة وندرة ،إال أن عندهم القدرة على الكالم في مستجدات العصر بعلم شرعي،
وإ ال فهناك أناس يفتون بجهل في مستجدات العصر ،ولذلك مثل الشيخ حفظه اهلل الذي لديه خلفية
قوية في أصول اإلسالم ،ال يحتاج إلى أن يفتش وينقب دائماً في الكتب ويبحث مثل طالب العلم،
فإنه إذا أراد أن يفتي في مسألة يبحث فيها! وأيضاً -أيها اإلخوة -الداعية إلى اهلل مهم جداً أن
يؤسس نفسه ،قبل أن تتراكم عليه المسئوليات -وهذه القاعدة مهمة -قبل أن تتراكم عليه
المسئوليات الدعوية والتربوية ،فإن اإلنسان إذا كان يسير في طريق الدعوة والتربية فإن مسئولياته
في ازدياد من ٍ
يوم إلى آخر ،وإ ذا كان مخلصاً عامالً نشيطاً ،فإن مسئولياته ستزداد يوماً بعد يوم،
أساس قوي ،فكيف سيقوم بمواجهة هذه
وإ ن رعيته التربوية ستكبر وتتضخم ،فإذا لم يكن عنده ٌ
المسئوليات واالضطالع بها؟ ولذلك تجد بعض المشايخ الكبار ،قد ال يجد وقتاً للقراءة أحياناً ،ألنه
يتنقل من مكان إلى مكان ،يلقي محاضرة هنا وهناك ،ودرساً هنا وهناك ،ويتصل الناس به
ويستفتونه .الشيخ ابن عثيمين قال كلمة جميلة ،أقصد في جمال المدلول عندما كان يدرس في
الحرم في رمضان ،وكانت له حلقة بعد الفجر وحلقة بعد المغرب ،وكان الناس يسألونه بعد
الصلوات وبعد العصر ،وكانت له غرفة مخصصة يتصل عليه الناس قال :واهلل إني أحياناً ال أجد
وقتاً أقرأ فيه القرآن ،فأحياناً يكون اإلفتاء أفضل من تالوة القرآن ،وذلك بسبب حاجة الناس،
خصوصاً للذي لم يهجره ،ومن هنا -أيها اإلخوة -كان البد للدعاة الصادقين من إيجاد خطة لتفريغ
الدعاة إلى اهلل ،ويجب على أهل الغنى والثراء أن ينظروا في المشاريع اإلسالمية ،ويحاولوا أن
يشاركوا فيها؛ لتفريغ الدعاة إلى اهلل لكي يتجولوا في بالد الكفار ،ليلقوا الدروس والمحاضرات،
وتفريغهم لهذا المجال ولهذا العمل أفضل من أن يعمل أحدهم في شركة أو في مؤسسة يستهلك
وقته فيها ،وترتيب الرواتب لهم من أعظم أبواب األجر؛ ألنه سيستطيع أن يعطي ،ولذلك كان
العلماء في الماضي لهم رواتب من بيت مال المسلمين ،العالم ليس عنده عمل إال طلب العلم،
والتعليم ،وهذا التفرغ هو الذي أنتج العلماء في الماضي.
األسئلة:
وهنا وردنا سؤال: