You are on page 1of 6

‫( التعاون بين المسلمين )‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬التعاون على البر والتقوى‬
‫‪ .2‬نماذج من االستعانة‬

‫التعاون بين المسلمين‪:‬‬


‫اإلنسان محتاج إلى المعاونة في كافة أمور الحياة‪ ،‬والشرع قد أمر بالتعاون على البر ونهى عن‬
‫التعاون على اإلثم والعدوان‪ ،‬وفي هذه المادة بيان للتعاون المشروع وغيره مقروناً باألمثلة‪،‬‬
‫وتوجيه للتعاون لكي يكون على الخير‪.‬‬

‫التعاون على البر والتقوى‪:‬‬


‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمداً عبده ورسوله‪ .‬أما بعــد‪ :‬فإن االستعانة باهلل عز وجل ركن التوحيد‪ ،‬كما قال اهلل تعالى وكما‬
‫اك َنعب ُد وِإ َّيا َ ِ‬ ‫ِإ‬
‫ين [الفاتحة‪ ،]5:‬وكان عليه الصالة والسالم يستعين بربه‬ ‫ك َن ْستَع ُ‬ ‫نقولها في الصالة‪َّ :‬ي َ ْ ُ َ‬
‫على قومه‪ ،‬فروى البخاري رحمه اهلل عن ابن مسعود (أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لما دعا‬
‫سنةٌ ‪-‬أي‪:‬‬
‫بسبع كسبع يوسف‪ ،‬فأصابتهم َ‬
‫قريشاً كذبوه واستعصوا عليه‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم أعني عليهم ٍ‬
‫قحط‪ -‬حصت كل شيء حتى كانوا يأكلون الميتة)‪ .‬وقال يعقوب ‪-‬عليه السالم‪ -‬لما ذكر له أوالده‬
‫ان َعلَى َما‬ ‫َّ‬
‫الكذب في فقد يوسف‪ ،‬ثم قالوا له ما حصل في فقد أخيه األصغر‪ ،‬قال‪َ :‬واللهُ اْل ُم ْستَ َع ُ‬
‫ون [يوسف‪ .]18:‬وكذلك قالها عثمان رضي اهلل تعالى عنه عندما أخبره أبو موسى بكالم‬ ‫ِ‬
‫تَصفُ َ‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه‪ .‬قال‪ :‬فقمت ففتحت له‬
‫وبشرته بالجنة‪ ،‬فأخبرته بالذي قال صلى اهلل عليه وسلم فقال عثمان‪ :‬اهلل المستعان!) رواه‬
‫البخاري‪ .‬وذكر لنا ربنا عز وجل في محكم تنزيله قاعدة عظيمة جداً تحوي أموراً ال يمكن‬
‫حصرها‪ ،‬فقال تعالى‪َ :‬وتَ َع َاوُنوا َعلَى اْلبِِّر َوالتَّ ْق َوى َوال تَ َع َاوُنوا َعلَى اِأْل ثِْم َواْل ُع ْد َو ِ‬
‫ان [المائدة‪]2:‬‬
‫قال ابن كثير رحمه اهلل‪ :‬يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر‪ ،‬وترك‬
‫المنكرات‪ ،‬وينهاهم عن التناصر على الباطل‪ ،‬والتعاون على المآثم والمحارم‪ ،‬ففعل الخيرات هو‬
‫البر نتعاون فيه‪ ،‬وترك المنكرات هو التقوى نتعاون عليه كذلك‪ ،‬وال نتعاون على إثم كالباطل‪ ،‬وال‬
‫على محرم؛ ألن المعاون فيه شريك في اإلثم‪.‬‬

‫عمل النبي صلى اهلل عليه وسلم بمبدأ التعاون وحثه عليه‪:‬‬
‫عباد اهلل‪ :‬إن النبي صلى اهلل عليه وسلم قد طبق في السيرة العملية هذا األمر‪ ،‬فقام يعاون ويتعاون‬
‫اج َد اللَّ ِه‬
‫َأن َي ْعمروا م َسا ِج َد اللَّ ِه [التوبة‪ِ ..]17:‬إَّنما َي ْعمر م َس ِ‬
‫َ ُُ َ‬ ‫ين ْ ُ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫في بناء المسجد‪ :‬ما َك ِ‬
‫ان لْل ُم ْش ِرك َ‬
‫َ َ‬
‫آم َن بِاللَّ ِه َواْلَي ْوِم اآْل ِخ ِر [التوبة‪ ]18:‬فقام النبي صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه بالتعاون على‬ ‫َم ْن َ‬
‫بناء المسجد‪ ،‬كما قاموا بالتعاون على إقامة الجهاد وحفر الخندق؛ إنفاذاً لقوله تعالى‪َ :‬وتَ َع َاوُنوا‬
‫َعلَى اْلبِِّر َوالتَّ ْق َوى [المائدة‪ .]2:‬وأوصى النبي صلى اهلل عليه وسلم بالمعاونة على المستوى‬
‫الفردي‪ ،‬كما قام هو وأصحابه بالتعاون على المستوى الجماعي؛ فقال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬كل‬
‫المى عليه صدقة‪ ،‬كل يوم يعين الرجل في دابته يحامله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة) وقال‬
‫ُس َ‬
‫بسبع ومنها‪ :‬وعون المظلوم) رواهما البخاري‬
‫البراء ‪( :‬أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ٍ‬
‫رحمه اهلل‪ .‬وكذلك قال عليه الصالة والسالم‪( :‬على كل ٍ‬
‫مسلم صدقة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا نبي اهلل! فمن لم‬
‫يجد؟ قال‪ :‬يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق‪ ،‬قالوا‪ :‬فإن لم يجد؟ قال‪ :‬يعين ذا الحاجة الملهوف) فهذه‬
‫اإلعانة صدقة عظيمة لمن لم يستطع أن يستقل ٍ‬
‫بعمل بنفسه‪ ،‬فيعين غيره فيكون شريكاً في األجر‪.‬‬
‫وأمرنا عليه الصالة والسالم بإعانة العبيد فيما كلفناهم به‪ ،‬فقال‪( :‬إخوانكم خولكم‪ ،‬جعلهم اهلل تحت‬
‫أيديكم‪ ،‬فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل‪ ،‬وليلبسه مما يلبس‪ ،‬وال تكلفوهم ما يغلبهم‪ ،‬فإن‬
‫ٍ‬
‫مرتبة في‬ ‫ٍ‬
‫عظيم ذي‬ ‫ٍ‬
‫وشيء‬ ‫أمر ٍ‬
‫نفيس‬ ‫كلفتموهم فأعينوهم) رواه البخاري‪ .‬واإلعانة إذا كانت في ٍ‬
‫الدين‪ ،‬فإن المعاون فيها له أجر عظيم‪ .‬قال اإلمام مسلم رحمه اهلل‪ :‬باب فضل إعانة الغازي في‬
‫ٍ‬
‫بمركوب وغيره وخالفته في أهله بخير‪ .‬وقال البخاري رحمه اهلل‪ :‬قال مجاهد ‪[ :‬قلت‬ ‫سبيل اهلل‬
‫لـابن عمر ‪ :‬الغزو‪ ،‬قال‪ :‬إني أحب أن أعينك بطائفة من مالي‪ ،‬قلت‪ :‬أوسع اهلل علي‪ ،‬قال‪ :‬إن غناك‬
‫لك‪ ،‬وإ ني أحب أن يكون من مالي في هذا الوجه] أي‪ :‬ال تحرمني من المعاونة واألجر‪ .‬وعلى‬
‫المستوى االجتماعي بين الرجل والمرأة ك ٌل منهما يعين اآلخر في البيت‪ ،‬قال البخاري في صحيحه‬
‫‪ :‬باب عون المرأة زوجها في ولده‪ ،‬وأخذ ذلك من حديث جابر رضي اهلل عنه أنه تزوج ثيباً لتعينه‬
‫على القيام بأخواته‪ ،‬وهذا من شيمة المرأة الصالحة أنها تعين زوجها حتى فيما ال يجب عليها‪،‬‬
‫كخدمة أهله وأخواته‪ ،‬هي مكلفةٌ ببيتها‪ ،‬ولكن إذا تعدت اإلعانة إلى أهل زوجها وأخواته فإن ذلك‬
‫أجر عظيم‪ .‬هذه نماذج من اإلعانات على سائر المستويات‪ ،‬وهكذا يفهم‬ ‫من جميل العشرة‪ ،‬ولها فيه ٌ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬وتَ َع َاوُنوا َعلَى اْلبِِّر َوالتَّ ْق َوى [المائدة‪.]2:‬‬

‫النهي عن التعاون على اإلثم والعدوان‪:‬‬


‫وأما التعاون على اإلثم والعدوان فإنه حرام وال يجوز وقد نهانا اهلل عنه‪ ،‬فال نعين على محذور‪،‬‬
‫وقد فهم الصحابة ذلك حتى في األمور الدقيقة‪ ،‬فعن عبد اهلل بن أبي قتادة أن أباه حدثه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(انطلقنا مع النبي صلى اهلل عليه وسلم عام الحديبية‪ ،‬فأحرم أصحابه ولم أحرم‪ ،‬فأنبأنا ٍ‬
‫بعدو فتوجهنا‬
‫ٍ‬
‫وحش‪ ،‬فجعل بعضهم يضحك إلى بعض‪ ،‬فنظرت فرأيته‪ ،‬فحملت‬ ‫نحوهم‪ ،‬فبصر أصحابي بحمار‬
‫عليه الفرس فطعنته فأثبته‪ ،‬فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني‪ ،‬فأكلنا منه‪ ،‬ثم لحقنا النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل! إن أصحابك أرسلوا يقرءون عليك السالم ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬وإ نهم‬
‫ٍ‬
‫وحش‪،‬‬ ‫قد خشوا أن يقتطعهم العدو دونك فانظرهم ففعل‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل! إنا اصطدنا حمار‬
‫وإ ن عندنا فاضلةً‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ألصحابه‪ :‬كلوا‪ ،‬وهم محرمون)‪ ،‬وفي‬
‫رواية‪( :‬أن هذا الرجل استعان أصحابه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال نعينك عليه بشيء‪َّ ،‬‬
‫فإنا محرمون)‪ ،‬وفي رواية‬
‫ٍ‬
‫منزل في طريق مكة ‪ ،‬والقوم محرمون وأنا غير‬ ‫أيضاً عنه رضي اهلل تعالى عنه قال‪( :‬كنا في‬
‫محرم‪ ،‬فأبصروا حماراً وحشياً وأنا مشغو ٌل أخصف نعلي‪ ،‬فلم يؤذنوني به‪ ،‬وأحبوا في أنفسهم لو‬
‫أني أبصرته‪ ،‬والتفت فأبصرته‪ ،‬فقمت إلى الفرس فأسرجته‪ ،‬ثم ركبت ونسيت السوط والرمح‪،‬‬
‫خبأ‬ ‫ٍ‬
‫بشيء‪ ،‬وفي القصة أنه َّ‬ ‫فقلت لهم‪ :‬ناولوني السوط والرمح‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال واهلل ال نعينك عليه‬
‫شيء‪ ،‬فقلت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عضداً‪ ،‬ولما أدرك النبي صلى اهلل عليه وسلم سأله عن الحكم؟ قال‪ :‬معكم منه‬
‫فناولته العضد فأكلها حتى نفذها وهو محرم) كل الروايات في صحيح اإلمام البخاري رحمه اهلل‪.‬‬
‫جائز للمحرم‪ .‬وقال عليه‬
‫فلم يعينوه على المحظور‪ ،‬وأما األكل مما صاده الحالل غير المحرم فهو ٌ‬
‫حد على إنسان مسلم وأقامه الصحابة قالوا‪َّ :‬‬
‫فمنا الضارب بيده‪ ،‬والضارب‬ ‫لما أقيم ٌ‬
‫الصالة والسالم َّ‬
‫بنعله‪ ،‬والضارب بثوبه‪ ،‬فلما انصرف قال بعض القوم‪ :‬أخزاك اهلل ‪-‬لهذا المحدود‪ -‬فقال عليه‬
‫الصالة والسالم‪( :‬ال تقولوا هكذا‪ ،‬ال تعينوا عليه الشيطان)‪ ،‬وفي رواية‪( :‬ال تكونوا عون الشيطان‬
‫على أخيكم) رواهما البخاري‪ .‬فإذا كان المحدود قد ُجِلد والحد كفَّارة له؛ فألي شيء ُيدعى عليه‪،‬‬
‫أن إخوانه أعداؤه‪ ،‬فيكونون عوناً للشيطان عليه‪ ،‬بل الواجب تسهيل المشوار‬ ‫وألي شيء َي ْش ُعر َّ‬
‫عليه بعد التوبة‪ ،‬واستقباله بعد تطهيره بالحد استقباالً حسناً‪ .‬وعن عائشة زوج النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قالت‪( :‬خرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ِقب َل بدر‪ ،‬فلما كان بـحرة الوبرة ‪-‬وهو مكان بعد‬
‫المدينة‪ -‬أدركه رج ٌل يذكر منه جرأة ونجدة‪ ،‬ففرح أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين‬
‫رأوه ‪-‬أي‪ :‬رأوا هذا المشرك الشجاع المحارب جاء يلتحق بهم‪ -‬فلما أدركه قال لرسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ :‬جئت ألتبعك وأصيب معك‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم له‪ :‬تؤمن باهلل‬
‫ورسوله؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فارجع فلن أستعين بمشرك‪ ،‬ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل‪،‬‬
‫فقال له كما قال أول مرة‪ ،‬فقال له النبي صلى اهلل عليه وسلم كما قال أول مرة‪ :‬ارجع فلن أستعين‬
‫بمشرك‪ ،‬ثم رجع فأدركه بالبيداء؛ فقال له كما قال أول مرة‪ :‬تؤمن باهلل ورسوله؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال له‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬فانطلق وادخل في الجيش نستعين بك اآلن) الحديث في صحيح‬
‫مسلم‪ .‬فإذاً قد يكون الحرام في االستعانة في الشخص المستعان به‪ ،‬وقد يكون الحرام في موضوع‬
‫االستعانة؛ ولذلك ال بد أن يكون التعاون على البر والتقوى بالشروط الشرعية‪ ،‬وأال نتعاون على‬
‫اإلثم والعدوان‪ .‬وفقنا اهلل عز وجل لفعل الخيرات‪ ،‬وترك المنكرات‪ ،‬والتعاون على البر والتقوى‪،‬‬
‫إنه سميعٌ مجيب قريب‪ .‬أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر اهلل لي ولكم‪.‬‬

‫نماذج من االستعانة ‪:‬‬


‫الحمد هلل‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وسبحان اهلل‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬وأشهد أن محمداً رسول‬
‫اهلل‪ ،‬الرحمة المهداة‪ ،‬البشير والنذير‪ ،‬والسراج المنير‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫عباد اهلل‪ :‬إن من االستعانة والتعاون ما يكون واجباً‪ ،‬ومنه ما يكون مستحباً‪ ،‬ومنه ما يكون مباحاً‪،‬‬
‫ومنه ما يكون مكروهاً‪ ،‬ومنه ما يكون محرماً‪ .‬فمثل الواجب‪ :‬إعانة المضطر على الطعام‬
‫ق أو نحو ذلك‪،‬‬‫ق أو حر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معصوم من غر ٍ‬ ‫والشراب بإعطائه ما يحفظ عليه حياته‪ ،‬وكذلك إنقاذ كل‬
‫فإذا كان اإلنسان قادراً عليه وجبت اإلعانة عليه وجوباً عينياً‪ ،‬وكذلك إعانة الصغير إلنقاذه من‬
‫مهلكة واجبة‪ ،‬وتجب اإلعانة لتخليص المال المحترم ‪-‬أي‪ :‬الذي له حرمة في الشريعة‪ -‬قليالً كان‬
‫أم كثيراً‪ ،‬حتى أن الصالة تقطع ألجل ذلك‪ .‬واإلعانة في دفع الضرر العام عن المسلمين أو الخاص‬
‫عن مسلم واجبةٌ أيضاً‪( :‬المسلم أخو المسلم)؛ بل إن إعانة البهائم واجبة إذا كانت عند اإلنسان‪،‬‬
‫ولذلك دخلت امرأة النار في هر ٍة حبستها ولم تطعمها‪ ،‬بينما دخل الجنة رج ٌل في ٍ‬
‫كلب أعانه على‬
‫ٍ‬
‫شرب في مهلكة وعطش‪ ،‬فسقاه فشكر اهلل له فغفر له‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬في كل ذات‬
‫ٍ‬
‫رطب أجر) فهذا إذا كان مستحباً فإن اإلعانة مستحبة‪ .‬والمباحة تعامل الناس في التجارات‬ ‫ٍ‬
‫كبد‬
‫وغيرها في الحالل‪ .‬واإلعانة على المكروه مكروهة؛ كاإلعانة على إسراف ال يصل إلى درجة‬
‫التحريم‪ .‬وينبغي االنتباه لعدم الوقوع في اإلعانة المحرمة وهي كثيرةٌ جداً في هذا الزمان‪ ،‬فإن‬
‫عدداً من الناس يعينون على الحرام؛ كتوفير الخمور واإلتيان بها‪ ،‬أو اإلعانة على الزنا وتسهيل‬
‫طريقه‪ ،‬أو الداللة عليه‪ ،‬أو على مكانه‪ ،‬أو على البغي‪ ،‬وكذلك اإلعانة على الخصومات المحرمة‪،‬‬
‫وإ عانة الظالم مصيبة عظيمة‪ ،‬والنبي صلى اهلل عليه وسلم لما أخبر عن الظلمة ذكر أن من َّ‬
‫صدقهم‬
‫في كذبهم وأعانهم في ظلمهم فليس مني ولست منه‪ .‬وكذلك اإلعانة على غير الحق أمر مذموم‬
‫ومحرم؛ ضرب له النبي صلى اهلل عليه وسلم مثالً كما جاء عند ابن حبان ‪( :‬مثل الذي يعين قومه‬
‫بعير تردى في ٍ‬
‫بئر فهو ينزع منها بذنبه) فكيف يخرج إذاً من هذه الورطة‬ ‫على غير الحق ٍ‬
‫كمثل ٍ‬
‫التي ورط نفسه فيها‪ ،‬بإعانته على اإلثم والعدوان وعلى غير الحق‪ ،‬يعين قومه تعصباً لهم‪ ،‬وعدد‬
‫زور‪ ،‬ويعينون في‬ ‫ٍ‬
‫أرض‪ ،‬ويعينون في شهادة ٍ‬ ‫حق على‬
‫من الناس يعينون في استيالء من ليس له ٌ‬
‫ٍ‬
‫شخص على وظيفة ال يستحقها‪ ،‬ويسهلون دفع الرشاوي‪ ،‬وكل ذلك من اإلعانة على اإلثم‬ ‫اعتداء‬
‫والعدوان‪ ،‬ويدلون على ذلك‪ .‬وصور التعاون على المحرم ‪-‬مع األسف‪ -‬في هذا العصر قد‬
‫كثرت‪ ،‬ولذلك كان ال بد من التنبه لهذه المصيبة العظيمة‪ ،‬حتى صار الناس يدل بعضهم بعضاً على‬
‫ٍ‬
‫أمكنة معينة محرمة‪ .‬إنه‬ ‫ٍ‬
‫قنوات معينة‪ ،‬أو الذهاب إلى‬ ‫الشر والعياذ باهلل؛ في رؤية أماكن معينة‪ ،‬أو‬
‫حرام أن توصله بسيارتك إلى ذلك المكان‪ ،‬أو تدله على العنوان‪ ،‬أو غير ذلك من وسائل اإلعانة‪.‬‬
‫إن المتبصر في الواقع ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬ليرى أن عدداً من المسلمين قد ضربوا بقوله تعالى‪َ :‬وال‬
‫ان [المائدة‪ ]2:‬عرض الحائط! فال يستجيبون إلى ذلك؛ فيشاركون في‬ ‫تَ َع َاوُنوا َعلَى اِأْل ثِْم َواْل ُع ْد َو ِ‬
‫اإلثم والعدوان‪ ..‬يشاركون في الحرام واالعتداء‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬أنا لم أفعله ولم أرتكبه‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫ولكنك ساعدت غيرك عليه‪ ..‬دللته عليه‪ ..‬سهلت طريقه إليه‪ ،‬إذاً أنت شريك في اإلثم‪ ،‬ولو أن‬
‫نصيب منه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫إنساناً أمسك شخصاً آلخر كي يقتله اقتص منهما جميعاً‪ ،‬فإذاً المشارك في اإلثم له‬
‫وكل بحسبه واهلل ال يظلم أحداً‪ .‬اللهم َّإنا نسألك أن تجعلنا ممن يخافك ويتقيك يا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا ممن يتعاونون على البر والتقوى‪ ،‬وال تجعلنا ممن يتعاونون على اإلثم والعدوان‪ .‬اللهم‬
‫اجعلنا دعاةً إلى سبيلك‪ ،‬مستمسكين بسنة نبيك صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬أيها المسلمون‪ :‬ما أعظم‬
‫النعمة عندما يتعاون عباد اهلل تعالى على الدعوة إلى اهلل‪ ..‬عندما يتعاونون على هداية شخص‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بأسلوب آخر‪ ،‬ويزورانه جميعاً‪ ،‬أو يجعلون له بيئة ٍ‬
‫خير تجذبه إلى‬ ‫فيكلِّمه هذا بأسلوب‪ ،‬ويأتيه هذا‬
‫الخير وأهله‪ ..‬إنهم شركاء في األجر العظيم‪ ،‬ما أعظم النعمة على ٍ‬
‫قوم تعاونوا على طلب العلم!‬
‫فهذا يوصل بسيارته‪ ،‬وهذا يدل على مكان الدرس وموعده‪ ،‬وهذا يعطي آخر ما فاته من الدرس‪..‬‬
‫تعاون على البر والتقوى‪ ،‬هذه أشكال المعاونة التي نريدها على صعيد التربية والدعوة وطلب‬
‫ٌ‬ ‫إنه‬
‫العلم وفعل الخيرات عموماً‪ .‬إن التعاون بالشفاعة الحسنة ‪-‬وليست الواسطة المحرمة‪ -‬والتدخل‬
‫زواج ‪-‬مثالً‪ُّ -‬‬
‫يعف به نفسه‪ ،‬فيدله على امرأة‬ ‫ٍ‬ ‫الحميد؛ إليصال ح ٍ‬
‫ق إلى صاحبه‪ ،‬أو إعانته على‬
‫صالح يخطب منه‪ ،‬ويعين المسلمون أخاهم في تجميع المهر‪ ،‬أو يأتي الواحد‬
‫ٍ‬ ‫صاحبة دين أو بيت‬
‫وأجر عظيم ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬بهذا التعاون المبارك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بشاة أو غيرها يعينونه على الوليمة؛ طوبى لهم ٌ‬
‫فال بد من إحياء هذه الشعيرة التعاون على البر والتقوى فيما بيننا‪ .‬نسأل اهلل عز وجل أن يحسن‬
‫خاتمتنا‪ ،‬وأن يتوب علينا‪ ،‬وأن يستر عيوبنا‪ ،‬ويقضي ديوننا‪ ،‬ويشفي مرضنا‪ ،‬ويرحم موتانا‪،‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

You might also like