.1مفهوم الغيرة وأهميتها .2الغيرة صفة من صفات اهلل .3الغيرة قبل اإلسالم وبعده .4وقفة مع ما يسمى (جرائم الشرف) .5أنواع الغيرة
أين ذهبت الغيرة؟
الديوث :هو اإلنسان الذي انعدمت فيه الغيرة على أهله ،وقد كان عند العرب غيرة شديدة على أعراضهم ،وجاء اإلسالم فنمى هذه الغيرة وضبطها بضوابط شرعية حتى ال تكون األمور فوضى .وقد ضرب الشيخ أمثلة من غيرة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وغيرة أصحابه رضوان اهلل عليهم مثل :عمر بن الخطاب ،وعلي بن أبي طالب .كما تعرض الشيخ ألولئك الذين يدسون السم في العسل ،وهم العلمانيون الذي يشجبون ويكتبون في الصحف عن جرائم الشرف، وهي كلمات حق يراد بها باطل .وقد ذكر الشيخ أنواع الغيرة ،ومنها :الغيرة على توحيد اهلل، والغيرة على حرمات اهلل ...وفي هذا ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
مفهوم الغيرة وأهميتها:
إن الحمد هلل ،نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .أما بعد :فإن الغيرة من الغرائز البشرية التي أودعها اهلل في اإلنسان ،وهي مشتقةٌ من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به االختصاص ،وهي الحمية وكره شركة الغير في حق اإلنسان ،وهذه الغيرة شرعت لحفظ األنساب ،وهي مقصد من مقاصد الشريعة ،ولو تسامح الناس بذلك الختلطت األنساب؛ ولذا قيل :كل أمة وضعت الغيرة في رجالها، وضعت الصيانة في نسائها .لقد اعتبر الشارع من قتل في سبيل الدفاع عن عرضه شهيداً ،كما قال صلى اهلل عليه وسلم( :من قتل دون أهله فهو شهيد) .ومن ال يغار على أهله وال محارمه يسمى ديوثاً ،والدياثة من الرذائل التي ورد فيها وعيد شديد ،وهي من الكبائر عند العلماء ،كما دل على عز َّ وجل إليهم يوم القيامة ...وذكر ذلك حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم( :ثالثةٌ ال ينظر اهلل َّ منهم :الديوث) وهو الذي يقر الخبث في أهله.
الغيرة صفة من صفات اهلل:
عز َّ وجل غيور ،واهلل سبحانه وتعالى يغار ،كما قال صلى اهلل عليه وسلم( :ال أحد أغير من واهلل َّ اهلل ،ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ،ولما قال سعد بن عبادة رضي اهلل عنه[ :لو ص ِف ٍح] فبلغ ذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رأيت رجالً مع امرأتي لضربته بالسيف َغير ُم ْ فقال( :أتعجبون من غيرة سعد! واهلل ألنا أغير منه ،واهلل أغير مني ،ومن أجل غيرة اهلل حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) متفق عليه .وفي الصحيحين أنه عليه الصالة والسالم قال( :إن اهلل يغار ،وإ ن المؤمن يغار ،وغيرة اهلل أن يأتي العبد ما حرم عليه) .وفي الصحيحين في خطبته صلى اهلل عليه وسلم في صالة الكسوف أنه قال( :يا أمة محمد! واهلل إنه ال أحد أغير من اهلل أن يزني عبده أو تزني أمته .يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم ،لضحكتم قليالً ،ولبكيتم كثيراً .ثم رفع سر بديع يديه ،فقال :اللهم هل بلغت؟) وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صالة الكسوف ٌ لمن تأمله ،فظهور الزنا من أمارات خراب العالم ،وهو من أشراط الساعة كما أخبر عليه الصالة والسالم بقوله في أشراطها( :ويظهر الزنا) ،وقد جرت سنة اهلل سبحانه في خلقه ،أنه عند ظهور الزنا يغضب اهلل سبحانه وتعالى ويشتد غضبه ،فال بد أن يؤثر غضبه في األرض عقوبةً؛ كما قال ابن مسعود رضي اهلل عنه[ :ما ظهر الربا والزنا في ٍ قرية إال أذن اهلل بهالكها] .وغيرة اهلل صفة من صفاته سبحانه وتعالى ،نثبتها له كما يليق بجالله وعظمته ،والمؤمن يستفيد من أسماء الرب وصفاته ،ويتخلق بما يناسب ذلك منها في حق المخلوق وبما يليق ،فإذا كان اهلل يغار والغيرة تناسب المخلوق؛ فإن المخلوق يغار أيضاً ،والنبي صلى اهلل عليه وسلم أخبر أن المؤمن يغار.
الغيرة قبل اإلسالم وبعده:
أحد أن يتزوج امرأة رئيس القبيلة كان عند العرب غيرة شديدة على نسائهم ،حتى كان ال يجرؤ ٌ بعد طالقها أو بعد موته ..ونحو ذلك ،وجاءت الشريعة فضبطت الغيرة ،ولم تبقها فوضى يغار كل إنسان كما يشاء ،وإ نما جعلت الغيرة على الحرمات ..على المحارم وعلى كل محمود .وإ ذا تأملت كالم السلف في حفظ النساء ،وجدته نابعاً من غيرتهم؛ قال عبد اهلل عن قرار النساء في البيوت: [فإن النساء عورة ،وإ ن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان ،وقال لها :إنك ال تمرين ٍ بأحد إال ُأعجب بك] وفي كالم بعض السلف االستعانة على حفظ النساء في البيوت ،وعدم اإلكثار من ثيابهن وزينتهن؛ ألنها إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتها أعجبها الخروج .وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال[ :كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها].
غيرة رسول اهلل على أهله:
ما من امرئ ال يغار إال منكوس القلب ،والنبي صلى اهلل عليه وسلم لما رأى في بعض غير أولي اإلربة وصفاً للنساء منعهم من الدخول ،كما جاء ذلك في أقوال المفسرين في قوله تعالىَِ :أو ين َغ ْي ِر ُأوِلي اِأْل ْرَب ِة [النور ]31:وهم الذين ليس لهم شأن في النساء ،إما لعدم وجود آلة ِ التَّابِع َ ٍ خالص ،وال أنثى كالمجبوب ،وإ ما ألن اآللة ال أثر لها كالعنين ،وكذلك المخنث الذي ليس بذكر واحد من هؤالء يدخل على نساء النبي صلى خالصة ،قد ال يكون له مي ٌل إلى النساء ،وكان هناك ٌ اهلل عليه وسلم ،فقال ذات مر ٍة ألخي أم سلمة :يا عبد اهلل ! إن فتح اهلل عليكم الطائف غداً ،فإني بأربع وتدبر بثمان ،مع ثغر كأنه كاألقحوان ،إن جلست ٍ أدلك على بادنة بنت غيالن فإنها تقبل تبنت ،وإ ن قامت تفنت ،وإ ن تكلمت تغنت .فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم( :ال أرى هذا يعرف ما هاهنا ،ال يدخل عليكن) فحجبه صلى اهلل عليه وسلم ،مع أنه ليس من أولي اإلربة ،ولكن ألنه يصف النساء ،فغار على زوجاته ،وخشي أن يصفهن في المجالس فحجبه ،مع أن األصل حسب اآلية عدم الوجوب ،ولكن الغيرة الشرعية حملت النبي صلى اهلل عليه وسلم على ذلك.
عمر بن الخطاب وغيرته):
إن عمر -رضي اهلل تعالى عنه -كان يغار غيرة عظيمة ،والنبي صلى اهلل عليه وسلم أخبره أنه رأى له قصراً في الجنة ،وعنده جاريةٌ له ،فلم يدخله مما عرف من غيرته ،هذا األمير للمؤمنين، وهذا الصاحب العظيم ،غار من أجل زوجات النبي صلى اهلل عليه وسلم قبل نزول آية الحجاب، وكان يريد أن تنزل بأي طريقة ،وقال لـعائشة [ :لو ُأطاعُ فيكن ما رأتكن عين] فنزل الحجاب. وكذلك كانت أزواج النبي صلى اهلل عليه وسلم يخرجن بالليل إلى المناصع يتبرزن فيه وهو صعيد أفيح ،فكان عمر يقول للنبي صلى اهلل عليه وسلم[ :احجب نساءك] فلم يكن يفعل؛ ألن الوجوب لم ينزل بذلك ،فخرجت سودة ليلةً من الليالي ،وكانت امرأة طويلةً رضي اهلل عنها وهي أم المؤمنين، فناداها عمر :قد عرفناك يا سودة .حرصاً على أن ينزل الحجاب ،قالت عائشة[ :فأنزل الحجاب]. وقال للنبي عليه الصالة والسالم[ :إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر -الضيوفـ عندك كثر.. األعراب وزعماء القبائل والناس يأتون إليك يا رسول اهلل -فلو أمرتهن أن يحتجبن ،فنزلت آية الحجاب] .أيها اإلخوة :إن غيرة عمر رضي اهلل تعالى عنه لو رأى بها ما أحدث الناس في هذا الزمان لكان له شأن آخر.
غيرة علي بن أبي طالب وغيره من السلف:
وعن علي رضي اهلل عنه قال[ :بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في األسواق ،أما تغارون؟! إنه ال خير فيمن ال يغار] .وقال محمد بن علي بن الحسين [ :وما من امرئ ال يغار إال منكوس القلب] .وسئل شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل :-فيمن طلع إلى بيته فوجد عند امرأته رجالً أجنبياً ،فوفاها حقها وطلقها ،ثم رجع وصالحها ،وسمع أنها وجدت بجنب أجنبي مرةً أخرى؟ فأجاب رحمه اهلل :في الحديث عنه صلى اهلل عليه وسلم( :أن اهلل سبحانه وتعالى لما خلق الجنة كذاب وال ديوث) والديوث :الذي ال غيرة له ،وفيٌ ِ يدخلك بخيل وال قال :وعزتي وجاللي ال الزانِي ال َي ْن ِك ُح ِإاَّل َزانَِيةً الصحيح ،وذكر حديث( :إن المؤمن يغار وإ ن اهلل يغار) وقد قال تعالىَّ : َْأو ُم ْش ِر َكةً ...اآلية))[النور ]3:ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء :أن الزانية ال يجوز تزوجها إال بعد التوبة ،وكذلك إذا كانت المرأة تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال؛ بل يفارقها وإ ال كان ديوثاً .وقد ذكر العلماء في اشتراط المحرم للمرأة في سفر الحج والعمرة -فما بالك باألسفار األخرى -أنه إذا كان المحرم قليل الحمية ال يغار عليها ،فإنه ال يكتفى به في السفر ،وأما إذا كان يغار ولو كان فاسقاً في نفسه جاز أن يكون محرماً؛ ألن بعض الناس قد يكون فاسقاً لكن له غيرة على محارمه ال يرضى لهن مواضع الريبة ،والنساء من طبعهن التبرج والتبهرج ،والتبهرج :هو لبس أفخر الثياب والتجمل والتحسن عند إرادة الخروج ،وهذه لو سلمت لم يسلم الناس منها ،ولذلك ٍ زوجات كان ال بد لألزواج ولآلباء ولإلخوان -بل حتى لألوالد -أن يغاروا على نسائهم ..من ٍ وأخوات وأمهات ،وأن تفهم المرأة أنها ما التمست وجه اهلل بمثل أن تقعد في بيتها ،وتعبد ٍ وبنات ربها ،وتطيع بعلها .وقال علي رضي اهلل تعالى عنه لزوجته فاطمة [ :ما خير للمرأة؟ قالت :أالَّ ٌ ترى الرجال وال يروها] ،وكان علي رضي اهلل عنه يقول[ :أال تستحون؟! أال تغارون؟! يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها] ولذلك كان ينبغي على المرأة أن تغض طرفها حتى هي عن الرجال؛ اتقاء الفتنة ،وإ ذا اضطرت للخروج لزيارة ٍ والد أو غيره ٍ متبهرجة ،وتغض طرفها في مشيتها ،وال تنظر يميناً وال شماالً ،كما خرجت بإذن زوجها غير ذكر العلماء في آداب خروج المرأة من بيتها .عباد اهلل :إن الزوج الشهم العظيم الحسن الخلق الذي أجنبي شيئاً من جسدها ،إنه ال يخرج بها كاشفةً وجهها ٌ يخاف اهلل تعالى ويغار على زوجته أن يرى وال مقدم شعرها ،ال في سيار ٍة ينظر إليها الغادي والرائح عند إشارات المرور ،وال في األسواق أجنبي ٌ يمشي بجانبها قد أشهد العالمين على دياثته في رضاه بتبرجها ،وإ نه يغار عليها أن ينفرد بها محل أو غيره ،ويغار عليهافي سيار ٍة أو غيرها ،ويغار عليها أن يسترسل معها أجنبي بحديث في ٍ ٌ أن تختلط بالرجال في أماكن العمل ..وهكذا تحفظ المرأة إذا كان الرجل صاحب غيرة .أما إذا لم يكن فالشكوى هلل ،وال شك أن من أسباب الفساد في هذا الزمان :فسق النساء ،ودياثة الرجال ،وال حول وال قوة إال باهلل!
وقفة مع ما يسمى (جرائم الشرف):
أيها المسلمون :إن الغيرة المحمودة على الحرمات ،والتي تكون في مواضع الريبة ،فعند ذلك يغار الرجل ،وليس الموسوس الذي يغار دون سبب ،ويضيق على زوجته العفيفة ،ويتهمها في شرفها وهي بريئة ،ويظن أن كل ٍ أحد ينظر إليها ولو لم يتقصد ..ليس هذا هو المطلوب ،وإ نما المطلوب الغيرة الواقفة عند حدود الشريعة ،والغيرة على حرمات اهلل .وإ ذا قال قائل :ما هو الرأي فيما يسمى بـ(جرائم الشرف) التي تتحدث عنها بعض الصحف ،ويثيرون هذه القضية فيمن يقتل ابنته أو أخته أو زوجته إذا رآها مع رجل؟ فالجواب :أن حدود اهلل معلومة معروفة ،وال يجوز إلنسان إذا رأى ابنته أو أخته أن يقتلها في مثل هذه الحال إذا لم يكن الحد الشرعي هو القتل ،كأن تكون غير متزوجة ،فإن الشارع لم يقل بقتلها حتى لو زنت ،وكذلك فإنها تعطى الفرصة لتتوب، وقتلها يفوت الفرصة ،ثم هو اعتداء ،ثم إن إقامة الحدود مناطة بالحاكم الشرعي وحكم القاضي العدل وليس إلى أهواء الناس .ولكنني أنبه -أيها األخوة -إلى أن بعض هؤالء الكتاب الذين يتناولون قضية (جرائم الشرف) ويهولون في األمر ويعظمونه ،ال يريدون من وراء ذلك إظهار حكم الشريعة ،وال أن ينهوا عن االعتداء الذي حرمه اهلل كما تبين لكم ،وإ نما يريدون انهيار الحدود ،وتدمير األخالق ،وشيوع الفاحشة؛ فينتهزون فرصة تعدي بعض الناس فيما يسمى بـ(جرائم الشرف) ليصلوا من وراء ذلك إلى ترك األخوات والبنات في غاية الحرية يفعلن ما يشأن .إذاً :يريدون من وراء تناول قضايا (جرائم الشرف) -من منظورهم -إعطاء البنت واألخت الحرية لتفعل ما تشاء ولو بالحرام ،ويدسون في كالمهم من أجل الوصول إلى هذه الغاية الخبيثة ،والمسلم نبيه فطن ال تروج عليه مثل هذه الكتابات الفاسدة .نسأل اهلل تعالى أن يجعلنا ممن يغار على حرماته .اللهم إنا نسألك الغيرة الشرعية ،وأن تجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ،إنك سميع مجيب قريب .أقول قولي هذا ،وأستغفر اهلل لي ولكم ،فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. أنواع الغيرة: الحمد هلل الواحد القهار ،وأشهد أن ال إله إال هو وحده ال شريك له الكبير المتعال ،وأشهد أن محمداً رسول اهلل صلى اهلل عليه واآلل ..صلى اهلل عليه بما علمنا وهدانا وأرشدنا ،وهو البشير النذير والسراج المنير .عباد اهلل :إن الغيرة أنواع ،وإ نها بحسب ما يغار عليه في األحكام ،وإ ن الغيرة كثير من المسلمين ،فترى على شريعة اهلل ودينه عبادة واجبة يتقرب بها إلى اهلل ،وقد ضيعها اليوم ٌ دين اهلل ينتهك في المجالس ،وآياته يكفر بها ويستهزأ بها ،وال تجد في المجلس من يغار هلل فيرد عز َّ وجل فيقوم بالواجب في إنكار المنكر. ويدافع عن شريعته ،ويغضب هلل َّ
الغيرة على التوحيد:
إن على رأس الغيرة على الشريعة :الغيرة على التوحيد ،وهذا مثا ٌل من كالم واحد من العلماء يبين ذلك :قال العالمة الشوكاني رحمه اهلل في شرح حديث سفيان التمار ( :أنه رأى قبر النبي صلى اهلل عليه وسلم مسنماً) رواه البخاري .قال :كم قد سرى في تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها اإلسالم ،منها :اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار لألصنام ،وعظم ذلك فظنوا أنها قادرةٌ على جلب النفع ودفع الضرر ،فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج ،وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم ،وشدوا إليها الرحال ،وتمسحوا بها واستغاثوا .وبالجملة: إنهم لم يدعوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله باألصنام إال فعلوه ،فإنا هلل وإ نا إليه راجعون! ومع هذا المنكر الشنيع ،والكفر الفضيع ،ال تجد من يغضب هلل ويغار حمية للدين الحنيف؛ ال عالماً وال متعلماً وال أميراً وال وزيراً ،وقد توارد إلينا من األخبار ما ال يشك معه أن كثيراً من هؤالء المقبورين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف باهلل فاجراً ،فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفالني ،تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق ،وهذا من أبين األدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال :إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثالثة!! فيا علماء الدين! ٍ مصيبة أي رز ٍء لإلسالم أشد من الكفر؟! وأي بالء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير اهلل؟! وأي يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة؟! وأي ٍ منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجباً؟! ولكن ال حياة لمن تنادي لقد أسمعت لو ناديت حـياً ولكن أنت تنفخ في رماد ولو ناراً نفخت بها أضاءت هذا كالمه -رحمه اهلل -عن بعض ما شاهده في بالد اليمن التي كان فيها ،وهو من علماء القرون المتأخرة رحمه اهلل.
الغيرة على محارم اهلل:
كذلك فإن من الغيرة الشرعية :الغيرة إذا هتكت حرمات اهلل تعالى ،إذا انتهكت الحرمات أياً كانت، وليست فقط الزنا وال الخنا ،أي حرمة من الحرمات يجب أن يغار عليها إذا انتهكت ،والمؤمنونـ مأمورون بإنكار المنكر ،فما هو الدافع لتطبيق حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم( :من رأى منكم منكراً فليغيره بيده )...إن الدافع هو الغيرة يا عباد اهلل .إن الغيرة هي التي تدفع إلنكار المنكر، وقالت عائشة رضي اهلل عنها[ :ما انتقم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لنفسه إال أن تنتهك حرمة اهلل فينتقم هلل بها] غيرة هلل ،وغيرة على دينه.
أنواع متفرقة من الغيرة:
كذلك فإن من الغيرة المحمودة أن يغار العبد على المحبة ،فال يصرفها إال هلل ،ويغار أن يصرفها لغيره .وإ ن من الغيرة أن يغار في اإلخالص؛ فيغار العبد أن يكون لغير اهلل في عمله نصيب ،وال يرضى أن يشوب عمله رياء وال إعجاب وال استشراف لمدح الخلق وثنائهم غيرةً على عمله أن يفسد ويحبط .وكذلك فإن المسلم يغار على أوقاته أن تذهب سدى في غير رضا محبوبه وهو اهلل عز َّ وجل .والغيرة على حقوق اآلدميين مطلوبة ..الحقوق التي أقرها الشرع وجاء باحترامها َّ ٍ لمسلم ينتهك ،ورأيت عرضه وصيانتها ،ومنها :أموال المسلمين وأعراضهم ،فلو رأيت ماالً ينتهك؛ فعليك بالغيرة عليه والدفاع عنه؛ تغار ألن حرمات المسلمين قد انتهكت ،وحرمات المسلمين في المسجد األقصى منتهكة ،فأين غيرة المسلمين هلل ضد هؤالء اليهود الخونة اآلثمين الفجرة العابثين في مقدساتنا؟! عباد اهلل :إن غيرة الزوجة من األمور الفطرية الموجودة عندها في غريزتها ،ولذلك كان البد للزوج أن يتحمل غيرة زوجته التي قد تطغى فتتجاوز الحد ،وأن يعذرها ألجل ما ركب فيها من هذا الطبع ،وقد تحمل النبي صلى اهلل عليه وسلم من غيرة نسائه ما تحمل. َّ نسأل اهلل َّ عز وجل أن يجعلنا بدينه مستمسكين ،وأن يجعلنا ممن يغار على حرماته إنه سميعٌ مجيب .اللهم إنا نسألك أن تصلح شأننا ،وترفع قدرنا ،وتستر عيوبنا ،وتحسن أخالقنا يا رب العالمين .سبحان ربك رب العزة عما يصفون ،وسالم على المرسلين ،والحمد هلل رب العالمين.