You are on page 1of 7

‫( أين ذهبت الغيرة؟ )‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬مفهوم الغيرة وأهميتها‬
‫‪ .2‬الغيرة صفة من صفات اهلل‬
‫‪ .3‬الغيرة قبل اإلسالم وبعده‬
‫‪ .4‬وقفة مع ما يسمى (جرائم الشرف)‬
‫‪ .5‬أنواع الغيرة‬

‫أين ذهبت الغيرة؟‬


‫الديوث‪ :‬هو اإلنسان الذي انعدمت فيه الغيرة على أهله‪ ،‬وقد كان عند العرب غيرة شديدة على‬
‫أعراضهم‪ ،‬وجاء اإلسالم فنمى هذه الغيرة وضبطها بضوابط شرعية حتى ال تكون األمور‬
‫فوضى‪ .‬وقد ضرب الشيخ أمثلة من غيرة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وغيرة أصحابه‬
‫رضوان اهلل عليهم مثل‪ :‬عمر بن الخطاب‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ .‬كما تعرض الشيخ ألولئك الذين‬
‫يدسون السم في العسل‪ ،‬وهم العلمانيون الذي يشجبون ويكتبون في الصحف عن جرائم الشرف‪،‬‬
‫وهي كلمات حق يراد بها باطل‪ .‬وقد ذكر الشيخ أنواع الغيرة‪ ،‬ومنها‪ :‬الغيرة على توحيد اهلل‪،‬‬
‫والغيرة على حرمات اهلل ‪ ...‬وفي هذا ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‪.‬‬

‫مفهوم الغيرة وأهميتها‪:‬‬


‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمداً عبده ورسوله‪ .‬أما بعد‪ :‬فإن الغيرة من الغرائز البشرية التي أودعها اهلل في اإلنسان‪ ،‬وهي‬
‫مشتقةٌ من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به االختصاص‪ ،‬وهي الحمية وكره‬
‫شركة الغير في حق اإلنسان‪ ،‬وهذه الغيرة شرعت لحفظ األنساب‪ ،‬وهي مقصد من مقاصد‬
‫الشريعة‪ ،‬ولو تسامح الناس بذلك الختلطت األنساب؛ ولذا قيل‪ :‬كل أمة وضعت الغيرة في رجالها‪،‬‬
‫وضعت الصيانة في نسائها‪ .‬لقد اعتبر الشارع من قتل في سبيل الدفاع عن عرضه شهيداً‪ ،‬كما قال‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من قتل دون أهله فهو شهيد)‪ .‬ومن ال يغار على أهله وال محارمه يسمى‬
‫ديوثاً‪ ،‬والدياثة من الرذائل التي ورد فيها وعيد شديد‪ ،‬وهي من الكبائر عند العلماء‪ ،‬كما دل على‬
‫عز َّ‬
‫وجل إليهم يوم القيامة ‪ ...‬وذكر‬ ‫ذلك حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ثالثةٌ ال ينظر اهلل َّ‬
‫منهم‪ :‬الديوث) وهو الذي يقر الخبث في أهله‪.‬‬

‫الغيرة صفة من صفات اهلل‪:‬‬


‫عز َّ‬
‫وجل غيور‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى يغار‪ ،‬كما قال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ال أحد أغير من‬ ‫واهلل َّ‬
‫اهلل‪ ،‬ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن)‪ ،‬ولما قال سعد بن عبادة رضي اهلل عنه‪[ :‬لو‬
‫ص ِف ٍح] فبلغ ذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫رأيت رجالً مع امرأتي لضربته بالسيف َغير ُم ْ‬
‫فقال‪( :‬أتعجبون من غيرة سعد! واهلل ألنا أغير منه‪ ،‬واهلل أغير مني‪ ،‬ومن أجل غيرة اهلل حرم‬
‫الفواحش ما ظهر منها وما بطن) متفق عليه‪ .‬وفي الصحيحين أنه عليه الصالة والسالم قال‪( :‬إن‬
‫اهلل يغار‪ ،‬وإ ن المؤمن يغار‪ ،‬وغيرة اهلل أن يأتي العبد ما حرم عليه)‪ .‬وفي الصحيحين في خطبته‬
‫صلى اهلل عليه وسلم في صالة الكسوف أنه قال‪( :‬يا أمة محمد! واهلل إنه ال أحد أغير من اهلل أن‬
‫يزني عبده أو تزني أمته‪ .‬يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم‪ ،‬لضحكتم قليالً‪ ،‬ولبكيتم كثيراً‪ .‬ثم رفع‬
‫سر بديع‬
‫يديه‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم هل بلغت؟) وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صالة الكسوف ٌ‬
‫لمن تأمله‪ ،‬فظهور الزنا من أمارات خراب العالم‪ ،‬وهو من أشراط الساعة كما أخبر عليه الصالة‬
‫والسالم بقوله في أشراطها‪( :‬ويظهر الزنا)‪ ،‬وقد جرت سنة اهلل سبحانه في خلقه‪ ،‬أنه عند ظهور‬
‫الزنا يغضب اهلل سبحانه وتعالى ويشتد غضبه‪ ،‬فال بد أن يؤثر غضبه في األرض عقوبةً؛ كما قال‬
‫ابن مسعود رضي اهلل عنه‪[ :‬ما ظهر الربا والزنا في ٍ‬
‫قرية إال أذن اهلل بهالكها]‪ .‬وغيرة اهلل صفة‬
‫من صفاته سبحانه وتعالى‪ ،‬نثبتها له كما يليق بجالله وعظمته‪ ،‬والمؤمن يستفيد من أسماء الرب‬
‫وصفاته‪ ،‬ويتخلق بما يناسب ذلك منها في حق المخلوق وبما يليق‪ ،‬فإذا كان اهلل يغار والغيرة‬
‫تناسب المخلوق؛ فإن المخلوق يغار أيضاً‪ ،‬والنبي صلى اهلل عليه وسلم أخبر أن المؤمن يغار‪.‬‬

‫الغيرة قبل اإلسالم وبعده‪:‬‬


‫أحد أن يتزوج امرأة رئيس القبيلة‬
‫كان عند العرب غيرة شديدة على نسائهم‪ ،‬حتى كان ال يجرؤ ٌ‬
‫بعد طالقها أو بعد موته‪ ..‬ونحو ذلك‪ ،‬وجاءت الشريعة فضبطت الغيرة‪ ،‬ولم تبقها فوضى يغار كل‬
‫إنسان كما يشاء‪ ،‬وإ نما جعلت الغيرة على الحرمات‪ ..‬على المحارم وعلى كل محمود‪ .‬وإ ذا تأملت‬
‫كالم السلف في حفظ النساء‪ ،‬وجدته نابعاً من غيرتهم؛ قال عبد اهلل عن قرار النساء في البيوت‪:‬‬
‫[فإن النساء عورة‪ ،‬وإ ن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان‪ ،‬وقال لها‪ :‬إنك ال تمرين‬
‫ٍ‬
‫بأحد إال ُأعجب بك] وفي كالم بعض السلف االستعانة على حفظ النساء في البيوت‪ ،‬وعدم اإلكثار‬
‫من ثيابهن وزينتهن؛ ألنها إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتها أعجبها الخروج‪ .‬وعن أبي بكر بن عبد‬
‫الرحمن بن الحارث بن هشام قال‪[ :‬كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها]‪.‬‬

‫غيرة رسول اهلل على أهله‪:‬‬


‫ما من امرئ ال يغار إال منكوس القلب‪ ،‬والنبي صلى اهلل عليه وسلم لما رأى في بعض غير أولي‬
‫اإلربة وصفاً للنساء منعهم من الدخول‪ ،‬كما جاء ذلك في أقوال المفسرين في قوله تعالى‪َِ :‬أو‬
‫ين َغ ْي ِر ُأوِلي اِأْل ْرَب ِة [النور‪ ]31:‬وهم الذين ليس لهم شأن في النساء‪ ،‬إما لعدم وجود آلة‬ ‫ِ‬
‫التَّابِع َ‬
‫ٍ‬
‫خالص‪ ،‬وال أنثى‬ ‫كالمجبوب‪ ،‬وإ ما ألن اآللة ال أثر لها كالعنين‪ ،‬وكذلك المخنث الذي ليس بذكر‬
‫واحد من هؤالء يدخل على نساء النبي صلى‬
‫خالصة‪ ،‬قد ال يكون له مي ٌل إلى النساء‪ ،‬وكان هناك ٌ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال ذات مر ٍة ألخي أم سلمة ‪ :‬يا عبد اهلل ! إن فتح اهلل عليكم الطائف غداً‪ ،‬فإني‬
‫بأربع وتدبر بثمان‪ ،‬مع ثغر كأنه كاألقحوان‪ ،‬إن جلست‬
‫ٍ‬ ‫أدلك على بادنة بنت غيالن فإنها تقبل‬
‫تبنت‪ ،‬وإ ن قامت تفنت‪ ،‬وإ ن تكلمت تغنت‪ .‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ال أرى هذا‬
‫يعرف ما هاهنا‪ ،‬ال يدخل عليكن) فحجبه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬مع أنه ليس من أولي اإلربة‪ ،‬ولكن‬
‫ألنه يصف النساء‪ ،‬فغار على زوجاته‪ ،‬وخشي أن يصفهن في المجالس فحجبه‪ ،‬مع أن األصل‬
‫حسب اآلية عدم الوجوب‪ ،‬ولكن الغيرة الشرعية حملت النبي صلى اهلل عليه وسلم على ذلك‪.‬‬

‫عمر بن الخطاب وغيرته)‪:‬‬


‫إن عمر ‪-‬رضي اهلل تعالى عنه‪ -‬كان يغار غيرة عظيمة‪ ،‬والنبي صلى اهلل عليه وسلم أخبره أنه‬
‫رأى له قصراً في الجنة‪ ،‬وعنده جاريةٌ له‪ ،‬فلم يدخله مما عرف من غيرته‪ ،‬هذا األمير للمؤمنين‪،‬‬
‫وهذا الصاحب العظيم‪ ،‬غار من أجل زوجات النبي صلى اهلل عليه وسلم قبل نزول آية الحجاب‪،‬‬
‫وكان يريد أن تنزل بأي طريقة‪ ،‬وقال لـعائشة ‪[ :‬لو ُأطاعُ فيكن ما رأتكن عين] فنزل الحجاب‪.‬‬
‫وكذلك كانت أزواج النبي صلى اهلل عليه وسلم يخرجن بالليل إلى المناصع يتبرزن فيه وهو صعيد‬
‫أفيح‪ ،‬فكان عمر يقول للنبي صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬احجب نساءك] فلم يكن يفعل؛ ألن الوجوب لم‬
‫ينزل بذلك‪ ،‬فخرجت سودة ليلةً من الليالي‪ ،‬وكانت امرأة طويلةً رضي اهلل عنها وهي أم المؤمنين‪،‬‬
‫فناداها عمر‪ :‬قد عرفناك يا سودة ‪ .‬حرصاً على أن ينزل الحجاب‪ ،‬قالت عائشة‪[ :‬فأنزل الحجاب]‪.‬‬
‫وقال للنبي عليه الصالة والسالم‪[ :‬إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ‪-‬الضيوفـ عندك كثر‪..‬‬
‫األعراب وزعماء القبائل والناس يأتون إليك يا رسول اهلل‪ -‬فلو أمرتهن أن يحتجبن‪ ،‬فنزلت آية‬
‫الحجاب]‪ .‬أيها اإلخوة‪ :‬إن غيرة عمر رضي اهلل تعالى عنه لو رأى بها ما أحدث الناس في هذا‬
‫الزمان لكان له شأن آخر‪.‬‬

‫غيرة علي بن أبي طالب وغيره من السلف‪:‬‬


‫وعن علي رضي اهلل عنه قال‪[ :‬بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في األسواق‪ ،‬أما تغارون؟! إنه‬
‫ال خير فيمن ال يغار]‪ .‬وقال محمد بن علي بن الحسين ‪[ :‬وما من امرئ ال يغار إال منكوس‬
‫القلب]‪ .‬وسئل شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬فيمن طلع إلى بيته فوجد عند امرأته رجالً‬
‫أجنبياً‪ ،‬فوفاها حقها وطلقها‪ ،‬ثم رجع وصالحها‪ ،‬وسمع أنها وجدت بجنب أجنبي مرةً أخرى؟‬
‫فأجاب رحمه اهلل‪ :‬في الحديث عنه صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬أن اهلل سبحانه وتعالى لما خلق الجنة‬
‫كذاب وال ديوث) والديوث‪ :‬الذي ال غيرة له‪ ،‬وفي‬‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫يدخلك بخيل وال‬ ‫قال‪ :‬وعزتي وجاللي ال‬
‫الزانِي ال َي ْن ِك ُح ِإاَّل َزانَِيةً‬
‫الصحيح‪ ،‬وذكر حديث‪( :‬إن المؤمن يغار وإ ن اهلل يغار) وقد قال تعالى‪َّ :‬‬
‫َْأو ُم ْش ِر َكةً ‪ ...‬اآلية))[النور‪ ]3:‬ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء‪ :‬أن الزانية ال يجوز تزوجها‬
‫إال بعد التوبة‪ ،‬وكذلك إذا كانت المرأة تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال؛ بل يفارقها وإ ال‬
‫كان ديوثاً‪ .‬وقد ذكر العلماء في اشتراط المحرم للمرأة في سفر الحج والعمرة ‪-‬فما بالك باألسفار‬
‫األخرى‪ -‬أنه إذا كان المحرم قليل الحمية ال يغار عليها‪ ،‬فإنه ال يكتفى به في السفر‪ ،‬وأما إذا كان‬
‫يغار ولو كان فاسقاً في نفسه جاز أن يكون محرماً؛ ألن بعض الناس قد يكون فاسقاً لكن له غيرة‬
‫على محارمه ال يرضى لهن مواضع الريبة‪ ،‬والنساء من طبعهن التبرج والتبهرج‪ ،‬والتبهرج‪ :‬هو‬
‫لبس أفخر الثياب والتجمل والتحسن عند إرادة الخروج‪ ،‬وهذه لو سلمت لم يسلم الناس منها‪ ،‬ولذلك‬
‫ٍ‬
‫زوجات‬ ‫كان ال بد لألزواج ولآلباء ولإلخوان ‪-‬بل حتى لألوالد‪ -‬أن يغاروا على نسائهم‪ ..‬من‬
‫ٍ‬
‫وأخوات وأمهات‪ ،‬وأن تفهم المرأة أنها ما التمست وجه اهلل بمثل أن تقعد في بيتها‪ ،‬وتعبد‬ ‫ٍ‬
‫وبنات‬
‫ربها‪ ،‬وتطيع بعلها‪ .‬وقال علي رضي اهلل تعالى عنه لزوجته فاطمة ‪[ :‬ما خير للمرأة؟ قالت‪ :‬أالَّ‬
‫ٌ‬
‫ترى الرجال وال يروها]‪ ،‬وكان علي رضي اهلل عنه يقول‪[ :‬أال تستحون؟! أال تغارون؟! يترك‬
‫أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها] ولذلك كان ينبغي على المرأة أن‬
‫تغض طرفها حتى هي عن الرجال؛ اتقاء الفتنة‪ ،‬وإ ذا اضطرت للخروج لزيارة ٍ‬
‫والد أو غيره‬
‫ٍ‬
‫متبهرجة‪ ،‬وتغض طرفها في مشيتها‪ ،‬وال تنظر يميناً وال شماالً‪ ،‬كما‬ ‫خرجت بإذن زوجها غير‬
‫ذكر العلماء في آداب خروج المرأة من بيتها‪ .‬عباد اهلل‪ :‬إن الزوج الشهم العظيم الحسن الخلق الذي‬
‫أجنبي شيئاً من جسدها‪ ،‬إنه ال يخرج بها كاشفةً وجهها‬
‫ٌ‬ ‫يخاف اهلل تعالى ويغار على زوجته أن يرى‬
‫وال مقدم شعرها‪ ،‬ال في سيار ٍة ينظر إليها الغادي والرائح عند إشارات المرور‪ ،‬وال في األسواق‬
‫أجنبي‬
‫ٌ‬ ‫يمشي بجانبها قد أشهد العالمين على دياثته في رضاه بتبرجها‪ ،‬وإ نه يغار عليها أن ينفرد بها‬
‫محل أو غيره‪ ،‬ويغار عليها‬‫في سيار ٍة أو غيرها‪ ،‬ويغار عليها أن يسترسل معها أجنبي بحديث في ٍ‬
‫ٌ‬
‫أن تختلط بالرجال في أماكن العمل‪ ..‬وهكذا تحفظ المرأة إذا كان الرجل صاحب غيرة‪ .‬أما إذا لم‬
‫يكن فالشكوى هلل‪ ،‬وال شك أن من أسباب الفساد في هذا الزمان‪ :‬فسق النساء‪ ،‬ودياثة الرجال‪ ،‬وال‬
‫حول وال قوة إال باهلل!‬

‫وقفة مع ما يسمى (جرائم الشرف)‪:‬‬


‫أيها المسلمون‪ :‬إن الغيرة المحمودة على الحرمات‪ ،‬والتي تكون في مواضع الريبة‪ ،‬فعند ذلك‬
‫يغار الرجل‪ ،‬وليس الموسوس الذي يغار دون سبب‪ ،‬ويضيق على زوجته العفيفة‪ ،‬ويتهمها في‬
‫شرفها وهي بريئة‪ ،‬ويظن أن كل ٍ‬
‫أحد ينظر إليها ولو لم يتقصد ‪ ..‬ليس هذا هو المطلوب‪ ،‬وإ نما‬
‫المطلوب الغيرة الواقفة عند حدود الشريعة‪ ،‬والغيرة على حرمات اهلل‪ .‬وإ ذا قال قائل‪ :‬ما هو الرأي‬
‫فيما يسمى بـ(جرائم الشرف) التي تتحدث عنها بعض الصحف‪ ،‬ويثيرون هذه القضية فيمن يقتل‬
‫ابنته أو أخته أو زوجته إذا رآها مع رجل؟ فالجواب‪ :‬أن حدود اهلل معلومة معروفة‪ ،‬وال يجوز‬
‫إلنسان إذا رأى ابنته أو أخته أن يقتلها في مثل هذه الحال إذا لم يكن الحد الشرعي هو القتل‪ ،‬كأن‬
‫تكون غير متزوجة‪ ،‬فإن الشارع لم يقل بقتلها حتى لو زنت‪ ،‬وكذلك فإنها تعطى الفرصة لتتوب‪،‬‬
‫وقتلها يفوت الفرصة‪ ،‬ثم هو اعتداء‪ ،‬ثم إن إقامة الحدود مناطة بالحاكم الشرعي وحكم القاضي‬
‫العدل وليس إلى أهواء الناس‪ .‬ولكنني أنبه ‪-‬أيها األخوة‪ -‬إلى أن بعض هؤالء الكتاب الذين‬
‫يتناولون قضية (جرائم الشرف) ويهولون في األمر ويعظمونه‪ ،‬ال يريدون من وراء ذلك إظهار‬
‫حكم الشريعة‪ ،‬وال أن ينهوا عن االعتداء الذي حرمه اهلل كما تبين لكم‪ ،‬وإ نما يريدون انهيار‬
‫الحدود‪ ،‬وتدمير األخالق‪ ،‬وشيوع الفاحشة؛ فينتهزون فرصة تعدي بعض الناس فيما يسمى‬
‫بـ(جرائم الشرف) ليصلوا من وراء ذلك إلى ترك األخوات والبنات في غاية الحرية يفعلن ما‬
‫يشأن‪ .‬إذاً‪ :‬يريدون من وراء تناول قضايا (جرائم الشرف) ‪-‬من منظورهم‪ -‬إعطاء البنت‬
‫واألخت الحرية لتفعل ما تشاء ولو بالحرام‪ ،‬ويدسون في كالمهم من أجل الوصول إلى هذه الغاية‬
‫الخبيثة‪ ،‬والمسلم نبيه فطن ال تروج عليه مثل هذه الكتابات الفاسدة‪ .‬نسأل اهلل تعالى أن يجعلنا ممن‬
‫يغار على حرماته‪ .‬اللهم إنا نسألك الغيرة الشرعية‪ ،‬وأن تجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬إنك‬
‫سميع مجيب قريب‪ .‬أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر اهلل لي ولكم‪ ،‬فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫أنواع الغيرة‪:‬‬
‫الحمد هلل الواحد القهار‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هو وحده ال شريك له الكبير المتعال‪ ،‬وأشهد أن محمداً‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه واآلل‪ ..‬صلى اهلل عليه بما علمنا وهدانا وأرشدنا‪ ،‬وهو البشير النذير‬
‫والسراج المنير‪ .‬عباد اهلل‪ :‬إن الغيرة أنواع‪ ،‬وإ نها بحسب ما يغار عليه في األحكام‪ ،‬وإ ن الغيرة‬
‫كثير من المسلمين‪ ،‬فترى‬
‫على شريعة اهلل ودينه عبادة واجبة يتقرب بها إلى اهلل‪ ،‬وقد ضيعها اليوم ٌ‬
‫دين اهلل ينتهك في المجالس‪ ،‬وآياته يكفر بها ويستهزأ بها‪ ،‬وال تجد في المجلس من يغار هلل فيرد‬
‫عز َّ‬
‫وجل فيقوم بالواجب في إنكار المنكر‪.‬‬ ‫ويدافع عن شريعته‪ ،‬ويغضب هلل َّ‬

‫الغيرة على التوحيد‪:‬‬


‫إن على رأس الغيرة على الشريعة‪ :‬الغيرة على التوحيد‪ ،‬وهذا مثا ٌل من كالم واحد من العلماء يبين‬
‫ذلك‪ :‬قال العالمة الشوكاني رحمه اهلل في شرح حديث سفيان التمار ‪( :‬أنه رأى قبر النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم مسنماً) رواه البخاري ‪ .‬قال‪ :‬كم قد سرى في تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد‬
‫يبكي لها اإلسالم‪ ،‬منها‪ :‬اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار لألصنام‪ ،‬وعظم ذلك فظنوا أنها قادرةٌ‬
‫على جلب النفع ودفع الضرر‪ ،‬فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج‪ ،‬وملجأ لنجاح المطالب‪،‬‬
‫وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم‪ ،‬وشدوا إليها الرحال‪ ،‬وتمسحوا بها واستغاثوا‪ .‬وبالجملة‪:‬‬
‫إنهم لم يدعوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله باألصنام إال فعلوه‪ ،‬فإنا هلل وإ نا إليه راجعون! ومع هذا‬
‫المنكر الشنيع‪ ،‬والكفر الفضيع‪ ،‬ال تجد من يغضب هلل ويغار حمية للدين الحنيف؛ ال عالماً وال‬
‫متعلماً وال أميراً وال وزيراً‪ ،‬وقد توارد إلينا من األخبار ما ال يشك معه أن كثيراً من هؤالء‬
‫المقبورين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف باهلل فاجراً‪ ،‬فإذا قيل له بعد ذلك‪:‬‬
‫احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفالني‪ ،‬تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق‪ ،‬وهذا من أبين األدلة الدالة‬
‫على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال‪ :‬إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثالثة!! فيا علماء الدين!‬
‫ٍ‬
‫مصيبة‬ ‫أي رز ٍء لإلسالم أشد من الكفر؟! وأي بالء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير اهلل؟! وأي‬
‫يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة؟! وأي ٍ‬
‫منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك‬
‫البين واجباً؟!‬
‫ولكن ال حياة لمن تنادي‬ ‫لقد أسمعت لو ناديت حـياً‬
‫ولكن أنت تنفخ في رماد‬ ‫ولو ناراً نفخت بها أضاءت‬
‫هذا كالمه ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬عن بعض ما شاهده في بالد اليمن التي كان فيها‪ ،‬وهو من علماء القرون‬
‫المتأخرة رحمه اهلل‪.‬‬

‫الغيرة على محارم اهلل‪:‬‬


‫كذلك فإن من الغيرة الشرعية‪ :‬الغيرة إذا هتكت حرمات اهلل تعالى‪ ،‬إذا انتهكت الحرمات أياً كانت‪،‬‬
‫وليست فقط الزنا وال الخنا‪ ،‬أي حرمة من الحرمات يجب أن يغار عليها إذا انتهكت‪ ،‬والمؤمنونـ‬
‫مأمورون بإنكار المنكر‪ ،‬فما هو الدافع لتطبيق حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من رأى منكم‬
‫منكراً فليغيره بيده ‪)...‬إن الدافع هو الغيرة يا عباد اهلل‪ .‬إن الغيرة هي التي تدفع إلنكار المنكر‪،‬‬
‫وقالت عائشة رضي اهلل عنها‪[ :‬ما انتقم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لنفسه إال أن تنتهك حرمة‬
‫اهلل فينتقم هلل بها] غيرة هلل‪ ،‬وغيرة على دينه‪.‬‬

‫أنواع متفرقة من الغيرة‪:‬‬


‫كذلك فإن من الغيرة المحمودة أن يغار العبد على المحبة‪ ،‬فال يصرفها إال هلل‪ ،‬ويغار أن يصرفها‬
‫لغيره‪ .‬وإ ن من الغيرة أن يغار في اإلخالص؛ فيغار العبد أن يكون لغير اهلل في عمله نصيب‪ ،‬وال‬
‫يرضى أن يشوب عمله رياء وال إعجاب وال استشراف لمدح الخلق وثنائهم غيرةً على عمله أن‬
‫يفسد ويحبط‪ .‬وكذلك فإن المسلم يغار على أوقاته أن تذهب سدى في غير رضا محبوبه وهو اهلل‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪ .‬والغيرة على حقوق اآلدميين مطلوبة‪ ..‬الحقوق التي أقرها الشرع وجاء باحترامها‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫لمسلم ينتهك‪ ،‬ورأيت عرضه‬ ‫وصيانتها‪ ،‬ومنها‪ :‬أموال المسلمين وأعراضهم‪ ،‬فلو رأيت ماالً‬
‫ينتهك؛ فعليك بالغيرة عليه والدفاع عنه؛ تغار ألن حرمات المسلمين قد انتهكت‪ ،‬وحرمات‬
‫المسلمين في المسجد األقصى منتهكة‪ ،‬فأين غيرة المسلمين هلل ضد هؤالء اليهود الخونة اآلثمين‬
‫الفجرة العابثين في مقدساتنا؟! عباد اهلل‪ :‬إن غيرة الزوجة من األمور الفطرية الموجودة عندها في‬
‫غريزتها‪ ،‬ولذلك كان البد للزوج أن يتحمل غيرة زوجته التي قد تطغى فتتجاوز الحد‪ ،‬وأن يعذرها‬
‫ألجل ما ركب فيها من هذا الطبع‪ ،‬وقد تحمل النبي صلى اهلل عليه وسلم من غيرة نسائه ما تحمل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫نسأل اهلل َّ‬
‫عز وجل أن يجعلنا بدينه مستمسكين‪ ،‬وأن يجعلنا ممن يغار على حرماته إنه سميعٌ‬
‫مجيب‪ .‬اللهم إنا نسألك أن تصلح شأننا‪ ،‬وترفع قدرنا‪ ،‬وتستر عيوبنا‪ ،‬وتحسن أخالقنا يا رب‬
‫العالمين‪ .‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسالم على المرسلين‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

You might also like