You are on page 1of 8

‫( أي الناس أنت؟ )‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬أصناف الناس في القرآن والسنة‬
‫‪ .2‬أصناف الناس في الدين والدنيا عند العلماء‬
‫‪ .3‬أقسام الناس باعتبار الحسنات والسيئات ونسبتها إلى اهلل‬
‫‪ .4‬أقسام الناس في المحبة والقدرة‬
‫‪ .5‬أقسام الناس في مسألة الغضب للرب والغضب للنفس‬
‫‪ .6‬أقسام الناس في مسألة العبادة واالستعانة‬

‫أي الناس أنت؟‪:‬‬


‫خلق اهلل الناس وقسمهم على الخير والشر درجات مختلفة‪ ،‬وقد بين اهلل أصناف الناس في‬
‫القرآن‪ ،‬وذلك في مختلف المواقف‪ ،‬فما عليك إال أن تتبع القرآن لتنظر من أي الناس أنت‪ ،‬أو‬
‫فطالع هذه المادة تفتح لك الطريق في ذلك‪.‬‬

‫أصناف الناس في القرآن والسنة‪:‬‬


‫الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من‬
‫يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن محمداً‬
‫عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلم‪ .‬وبعد‪ :‬فأي الناس أنت؟ هذا سؤال‬
‫سألنا أنفسنا فيه‪ :‬من أي أنواع الناس نحن؟ وقد ذكر اهلل عز وجل أنواعاً من الناس فقال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين [البقرة‪ .]8:‬وقال‬ ‫آمَّنا بِالله َوبِاْلَي ْوِم اآْل خ ِر َو َما ُه ْم بِ ُمْؤ ِمن َ‬ ‫اس َم ْن َيقُو ُل َ‬ ‫الن ِ‬‫سبحانه‪َ :‬و ِم َن َّ‬
‫ب اللَّ ِه [البقرة‪ ]165:‬وقال‬ ‫ون اللَّ ِه َْأن َداداً ُي ِحُّب َ‬
‫ونهُ ْم َك ُح ِّ‬ ‫اس َم ْن َيتَّ ِخ ُذ ِم ْن ُد ِ‬ ‫جل وعال‪َ :‬و ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬
‫الد ْنَيا َوُي ْش ِه ُد اللَّهَ َعلَى َما ِفي َقْلبِ ِه َو ُه َو َألَ ُّد‬ ‫ك قَ ْولُهُ ِفي اْل َحَي ِاة ُّ‬ ‫اس َم ْن ُي ْع ِجُب َ‬ ‫جل شأنه‪َ :‬و ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬
‫اس َم ْن ُي َج ِاد ُل ِفي اللَّ ِه بِ َغ ْي ِر ِعْلٍم‬ ‫ص ِام [البقرة‪ .]204:‬وقال سبحانه وتعالى‪َ :‬و ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬ ‫اْلخ َ‬
‫ِ‬
‫اس م ْن يعب ُد اللَّه علَى حر ٍ‬ ‫ان َم ِر ٍيد [الحج‪ .]3:‬وقال جل وعال‪َ :‬و ِم َن َّ‬ ‫َوَيتَّبِعُ ُك َّل َش ْي َ‬
‫ف‬ ‫الن ِ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ‬ ‫طٍ‬
‫ك ُه َو‬ ‫الد ْنَيا َواآْل ِخ َرةَ َذِل َ‬
‫ب َعلَى و ْج ِه ِه َخ ِس َر ُّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َأص َابتْهُ فتَْنةٌ ْان َقلَ َ‬
‫طم َّ ِ‬
‫َأن بِه َوِإ ْن َ‬ ‫فَِإ ْن َ‬
‫َأص َابهُ َخ ْيٌر ا ْ َ‬
‫ي ِفي‬ ‫َّ ِ‬
‫آمَّنا بِالله فَِإ َذا ُأو ِذ َ‬‫اس َم ْن َيقُو ُل َ‬ ‫الن ِ‬ ‫ين [الحج‪ .]11:‬وقال سبحانه‪َ :‬و ِم َن َّ‬ ‫ان اْل ُمبِ ُ‬
‫اْل ُخ ْس َر ُ‬
‫اب اللَّ ِه [العنكبوت‪ .]10:‬وقال جل وعال‪َ :‬و ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬
‫اس َم ْن َي ْشتَ ِري‬ ‫اس َك َع َذ ِ‬
‫الن ِ‬‫اللَّ ِه َج َع َل ِفتَْنةَ َّ‬
‫يل اللَّ ِه [لقمان‪ .]6:‬وهناك في الجانب المقابل يقول اهلل جل وعال‪:‬‬ ‫ض َّل َع ْن سبِ ِ‬
‫َ‬
‫يث ِلي ِ‬‫ِ ِ‬
‫لَ ْه َو اْل َحد ُ‬
‫ِ‬ ‫و ِم ْنهُ ْم َم ْن َيقُو ُل َرَّبَنا آتَِنا ِفي ُّ‬
‫الن ِار [البقرة‪..]201:‬‬ ‫اب َّ‬ ‫الد ْنَيا َح َسَنةً َو ِفي اآْل خ َر ِة َح َسَنةً َو ِقَنا َع َذ َ‬ ‫َ‬
‫وف بِاْل ِعَب ِاد [البقرة‪ ]207:‬إذاً هناك‬ ‫ات اللَّ ِه َواللَّهُ َرُؤ ٌ‬
‫اس م ْن ي ْش ِري َن ْفسه ْابتِ َغاء مرض ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫َُ‬ ‫الن ِ َ َ‬ ‫َو ِم َن َّ‬
‫من الناس ألوان وأنواع وأصناف وأجسام وأشكال ذكرها اهلل عز وجل في كتابه‪ ،‬وهذا‬
‫التنويع في الناس يجعلنا نلتفت ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬إلى هذه األقسام‪ ،‬ثم نحن نتعرف على حال‬
‫أنفسنا من خالل هذه األقسام المذكورة في الكتاب والسنة‪ .‬فمثالً‪ :‬اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬قال‪:‬‬
‫ظ ِالم ِلَن ْف ِس ِه و ِم ْنهم م ْقتَ ِ‬
‫ص ٌد َو ِم ْنهُ ْم َسابِ ٌ‬
‫ق‬ ‫ثَُّم َأورثَْنا اْل ِكتَاب الَِّذين اص َ ِ ِ ِ ِ‬
‫َ ُْ ُ‬ ‫طفَْيَنا م ْن عَبادَنا فَم ْنهُ ْم َ ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ات [فاطر‪ ]32:‬فجعل اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬األمة على هذه األصناف الثالثة‪،‬‬ ‫بِاْل َخ ْير ِ‬
‫َ‬
‫فالمسلم الذي لم يقم بواجب اإليمان هو الظالم لنفسه‪ ،‬والمقتصد‪ :‬هو الذي يؤدي الواجبات‬
‫ويترك المحرمات‪ ،‬والسابق بالخيرات‪ :‬هو المحسن الذي يعبد اهلل كأنه يراه فيزيد في‬
‫المستحبات ويتقرب إلى اهلل بالنوافل باإلضافة للفرائض‪ ..‬فهذه ثالثة أقسام ‪-‬أيضاً‪ -‬من‬
‫ظ ِال ٌم ِلَن ْف ِس ِه‬
‫الناس ذكرها ربنا عز وجل‪ ،‬قسم هذه األمة إلى هذه األقسام الثالثة‪ :‬فَ ِم ْنهُ ْم َ‬
‫ات [فاطر‪ .]32:‬وقد ذكر لنا النبي صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ق بِاْل َخ ْير ِ‬ ‫و ِم ْنهم م ْقتَ ِ‬
‫ص ٌد َو ِم ْنهُ ْم َسابِ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ ُ‬
‫سراً من األسرار في أصل تكوين الناس وأصل خلقتهم‪ ،‬وكيف كان هناك ارتباط بين أصل‬
‫الخلقة والتكوين من تربة األرض وبين الطبائع والدين الموجود في النفوس‪ ،‬فقال عليه‬
‫الصالة والسالم في هذا الحديث‪( :‬إن اهلل عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع‬
‫األرض‪ ،‬فجاء بنو آدم على قدر هذه القبضة المأخوذة من جميع األرض‪ ،‬جاء منهم األبيض‪،‬‬
‫واألحمر‪ ،‬واألسود ‪-‬هذا من جهة األلوان‪ :‬جاء من الناس أبيض وأحمر وأسود‪ -‬وبين ذلك‪،‬‬
‫والخبيث‪ ،‬والطيب‪ ،‬والسهل‪ ،‬والحزن وبين ذلك‪ ،‬فهذه القبضة التي أخذها ربنا من جميع‬
‫األرض جاءت فيها اختالف األلوان والطباع)‪ .‬يقول المبارك فوري في شرح الحديث‪ :‬هذه‬
‫الثالثة هي أصول األلوان‪ ،‬وما عداها مركب منها‪ ،‬هذه الثالثة أصول األلوان‪ :‬األبيض‪،‬‬
‫واألحمر‪ ،‬واألسود‪ ،‬واأللوان األخرى إذا خلطت بنسب مختلفة جاءت األلوان األخرى‪ .‬ثم‬
‫بالنسبة للطبائع قال‪ :‬وجاء منهم السهل‪ :‬اللين‪ ،‬والحزن‪ :‬الصعب الشرس الغليظ‪ ،‬والخبيث‪:‬‬
‫خبيث الخصال‪ ،‬والطيب‪ :‬بحسب األرض التي خلقوا منها‪ ،‬لوناً وطبعاً وخلقاً‪ ،‬وهكذا تجد‬
‫الناس باختالف الطبائع يرجع اختالف طبعهم إلى اختالف األرض‪ ،‬هناك أرض سبخة‬
‫مالحة ما ينبت فيها شيء‪ ،‬وهناك أرض صخرية ليس فيها أي لين وال سهولة‪ ،‬وهناك أرض‬
‫لينة طيبة‪ ،‬وهكذا نفوس الناس من هذه القبضة‪ ،‬وهذا سر من األسرار وقد اطلعنا عليه من‬
‫حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬وكذلك فإنه عليه الصالة والسالم قد أخبرنا عن أنواع من‬
‫الناس من جهة عطاء الدنيا واآلخرة فقال في حديث اإلمام أحمد ‪( :‬الناس أربعة‪ ،‬واألعمال‬
‫ستة‪ ،‬فالناس‪ :‬موسع عليه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وموسع له في الدنيا مقصور عليه في اآلخرة‪،‬‬
‫ومقصور عليه في الدنيا موسع عليه في اآلخرة‪ ،‬وشقي في الدنيا واآلخرة) أي‪ :‬ال دين وال‬
‫مال‪ .‬وأما األعمال فقد قال عليه الصالة والسالم‪( :‬األعمال موجبتان‪ ،‬ومثل بمثل‪ ،‬وعشرة‬
‫أضعاف‪ ،‬وسبعمائة ضعف‪ .‬فالموجبتان‪ :‬من مات مسلماً مؤمناً ال يشرك باهلل شيئاً فوجبت‬
‫له الجنة ‪-‬وما هي الموجبة الثانية؟‪ -‬من مات مشركاً باهلل عز وجل كافراً وجبت له النار‪،‬‬
‫ومن هم بحسنة لم يعملها علم اهلل أنه قد أشعرها قلبه وحرص عليها كتبت له حسنة‪ ،‬ومن هم‬
‫بسيئة لم تكتب عليه‪ ،‬ومن عملها كتبت واحدة ولم تضاعف عليه‪ ،‬ومن عمل حسنة كانت له‬
‫بعشر أمثالها‪ ،‬ومن أنفق نفقةً في سبيل اهلل كانت له بسبعمائة ضعف)‪ .‬اآليات واألحاديث‬
‫تتكلم عن أنواع من الناس‪ ،‬تقسم الناس إلى أنواع باعتبارات مختلفة‪ ،‬وهذا التقسيم ‪-‬أيها‬
‫اإلخوة‪ -‬يفيدنا في فهم الطبائع واألحوال‪ ،‬حتى إذا عرضنا أنفسنا عليها عرفنا أين نحن؟ ما‬
‫هو نوعنا؟ ما هو جنسنا نحن؟‬

‫أصناف الناس في الدين والدنيا عند العلماء‪:‬‬


‫بالرجوع إلى كالم العلماء ‪-‬أطباء النفوس‪ -‬يتبين أن هناك أنواعاً ‪-‬أيضاً‪ -‬من الناس‬
‫باعتبارات كثيرة‪ ،‬ومن هؤالء العظماء‪ :‬شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل وتلميذه ابن القيم ‪،‬‬
‫اخترت لكم من كالمهما هذه األنواع‪ :‬الناس في الدين والدنيا أقسام‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية رحمه اهلل‪ :‬منهم أصحاب دنيا محضة ما عندهم إال الدنيا‪ ،‬أما اآلخرة فهم معرضون‬
‫عنها وليس لهم في اآلخرة نصيب‪ ،‬ما لهم نصيب إال في الدنيا‪ ،‬ومنهم أصحاب دين فاسد‬
‫وهم الكفار والمتبعة الذين يتدينون بما لم يشرعه اهلل من أنواع العبادات من جنس الصابئة و‬
‫الهند وغيرهم‪ .‬الشيخ العالم‪ /‬محمد أمين المصري رحمه اهلل‪ ،‬ذهب يدرس في بريطانيا فنزل‬
‫في عمارة وسكن فيها‪ ،‬وكان له جار بروفيسور هندوسي‪ ،‬فاشترى الشيخ لحماً لبيته ‪-‬لحم‬
‫بقر مفروماً‪ -‬فلما جعله على النار يطبخه مر ذلك الجار به وهو يطبخ اللحم‪ ،‬فنظر إليه‬
‫فذرفت عيناه وجعل يبكي‪ ،‬فتعجب وقال‪ :‬ما لك؟ ما الذي يبكيك؟! قال‪ :‬ال تدري لماذا أبكي؟‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬لحم مفروم يطبخ‪ ..‬قال‪ :‬إني أرى إلهي يقلى في المقالة وال أبكي؟!! ألنه هندوسي‬
‫من عباد البقر‪ ..‬هذا شغلهم‪ .‬وبعض هؤالء يتدينون بترك اللحم‪ ،‬من هذه التدينات من جنس‬
‫تدين الرهبان ما أنزل اهلل بها من سلطان كما يقول شيخ اإلسالم رحمه اهلل‪ :‬مثل بعض‬
‫الجهال يمزح يقول‪ :‬فالن ما نكح وال ذبح‪ .‬يعني‪ :‬أنه زاهد في الدنيا‪ ،‬ال زواج وال لحم‪،‬‬
‫وهذا زهد فاسد؛ ألن هدي النبي صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬أتزوج النساء‪ ،‬وآكل اللحم‪ ،‬فمن‬
‫رغب عن سنتي فليس مني)‪ .‬فإذاً قال‪ :‬الناس في مسألة الدين والدنيا أقسام‪ :‬منهم أصحاب‬
‫دنيا محضة‪ ،‬غارقون في الدنيا يعبدون الدرهم والدينار فقط‪ ،‬ومنهم أصحاب دين فاسد‪ ،‬مثل‬
‫هؤالء الهندوس وغيرهم‪ ،‬وقسم ثالث وهم‪ :‬أهل الدين الصحيح‪ ،‬أهل اإلسالم المستمسكون‬
‫بالكتاب والسنة والجماعة‪ ،‬إمامهم محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والحمد هلل الذي هدانا لهذا وما‬
‫كنا لنهتدي لوال أن هدانا اهلل‪.‬‬

‫أقسام الناس باعتبار الحسنات والسيئات ونسبتها إلى اهلل‪:‬‬


‫تقسيم آخر للناس باعتبار الحسنات والسيئات ونسبتها إلى اهلل عز وجل‪ ،‬الناس ‪-‬أيضاً‪-‬‬
‫يتفاوتون‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم ‪ :‬فشرهم الذي إذا أساء أضاف ذلك إلى القدر‪ ،‬واعتذر بأن‬
‫القدر سبق ذلك وأنه ال خروج له عن القدر‪ ،‬فركب الحجة على ربه في ظلمه لنفسه‪ ،‬وإ ن‬
‫أحسن أضاف ذلك لنفسه ونسي نعمة اهلل في تيسيره لليسرى‪ ،‬فإذا عصى قال‪ :‬شيء مقدر‬
‫ومكتوب‪ ،‬ولماذا تلومونني على ما قدر اهلل علي من المعصية؟ وإ ذا أحسن قال‪ :‬أنا فعلت‪ ،‬أنا‬
‫‪ ..‬أنا ‪ ...‬ولم ينسب إلى اهلل أن يسره لهذا العمل‪ ،‬يسره لليسرى‪ ،‬كما قال الشيخ أبو الفرج‬
‫ابن الجوزي ‪ :‬أنت عند الطاعة قدري‪ ،‬وعند المعصية جبري‪ ،‬أي مذهب وافق هواك‬
‫تمذهبت به‪ .‬اآلن لو أن شخصاً أعطى شخصاً ماالً لكي يضارب به قال‪ :‬هذه مائة ألف‬
‫شغلها لي‪ .‬جاء في آخر السنة قال‪ :‬يا فالن المبلغ خسر‪ .‬قال‪ :‬ماذا؟! قال‪ :‬واهلل قضاء‬
‫وقدر‪ .‬ماذا سيفعل؟ يناقشه‪ ،‬تعال‪ ..‬قضاء وقدر! ماذا فعلت‪ ،‬ولماذا خسرت؟ رجل أعطى‬
‫شخصاً من رأس ماله يفتح متجراً‪ ،‬كل يوم يمر أمام المتجر‪ ،‬ومرة جاء الشخص متأخراً‬
‫قال‪ :‬اليوم شمسك مرتفعة‪ .‬يعني‪ :‬معناها أنك متأخر عن المتجر ‪-‬فتحه متأخراً‪ -‬فإذا جاءه‬
‫في الدنيا ال يقبل قضاء وال قدراً‪ ،‬ال‪ ،‬يناقشه في قضية األسباب ولماذا ما فعل كذا؟ ولماذا ما‬
‫فعل كذا؟ وإ ذا صارت المعصية قال‪ :‬قضاء وقدر! تلومونني على القضاء والقدر؟ فهؤالء‬
‫شر الناس‪ .‬قال‪ :‬وخير األقسام ‪-‬وهو القسم المشروع الذي جاءت به الشريعة‪ -‬إذا أحسن‬
‫شكر نعمة اهلل عليه‪ ،‬وحمده إذا أنعم عليه أن جعله محسناً ولم يجعله مسيئاً‪ ،‬فإنه فقير محتاج‬
‫إلى اهلل‪ ،‬وإ ذا أذنب تاب واستغفر‪ ،‬وهذا هو حال المؤمن‪.‬‬

‫أقسام الناس في المحبة والقدرة‪:‬‬


‫تقسيم آخر‪ :‬الناس في المحبة والقدرة ‪-‬يقول شيخ اإلسالم ‪ -‬أقسام‪ :‬فمنهم من لهم قدرة‬
‫وإ رادة قوية‪ ،‬عندهم عزم وتصميم وجهد كبير‪ ،‬لكنهم ‪-‬قال شيخ اإلسالم ‪ -‬يستعملون‬
‫جهدهم وطاقتهم ال في سبيل اهلل بل في سبيل آخر‪ ،‬إما محرم كالفواحش ما ظهر منها وما‬
‫بطن‪ ،‬واإلثم والبغي بغير الحق‪ ،‬واإلشراك باهلل‪ ،‬وإ ما في سبيل ال ينفع عند اهلل مما جنسه‬
‫مباح ال ثواب فيه‪ ،‬لكن الغالب أن مثل هذا كثيراً ما يقترن به ما يجعله في سبيل اهلل أو في‬
‫سبيل الشيطان‪ ،‬أي‪ :‬مباح ال ثواب فيه وال عقاب‪ ،‬ال يستمر‪ ،‬ال يصفو إما أن يصير في‬
‫النهاية إلى طاعة اهلل وإ ما إلى معصيته‪ .‬فيقول شيخ اإلسالم ‪ :‬هناك أناس عندهم قدرة‪،‬‬
‫وإ رادة‪ ،‬وعمل‪ ،‬وعزيمة قوية؛ لكن يسخرونها في الشر‪ ،‬أو في مباحات ليس منها نتيجة في‬
‫اآلخرة‪ ،‬وال فائدة له قال‪ :‬ومن الناس مؤمن قوي‪ ،‬قوم لهم إرادة صالحة‪ ،‬ومحبة كاملة هلل‪،‬‬
‫فهؤالء سادة المحبين المحبوبين المجاهدين في سبيل اهلل‪ ،‬ال يخافون لومة الئم‪ ،‬كالسابقين‬
‫األولين من المهاجرين واألنصار الذين عملوا مع النبي صلى اهلل عليه وسلم في رفعة شأن‬
‫الدعوة‪ ،‬والذين جاهدوا‪ ،‬وعملوا هلل تعالى‪ ،‬وحملوا راية اإلسالم‪ ،‬دعوا إلى اهلل‪ ،‬فتحوا البالد‪،‬‬
‫ذهبوا شرقاً وغرباً‪ ،‬ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اهلل‪ ،‬عندهم همة وعمل وجهد فرغوه‪،‬‬
‫وأين وضعوه؟ وضعوه لنصرة دين اهلل عز وجل‪ .‬قال‪ :‬والقسم الثالث‪ :‬قوم فيهم إرادة‬
‫صالحة ومحبة هلل‪ ،‬لكن قدرتهم ناقصة‪ ،‬من ناحية القدرة على نصرة الدين ناقصة‪ ،‬لكن نيته‬
‫طيبة‪ ،‬عنده إرادة حسنة‪ .‬قال‪ :‬هؤالء يأتون بمحبوبات الحق من مقدورهم لكن قدرتهم‬
‫قاصرة‪ ،‬وما زال في المؤمنين على عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم ومن بعده من هؤالء‬
‫خلق كثير‪ ،‬منهم الذين قال النبي صلى اهلل عليه وسلم فيهم‪( :‬إن بـالمدينة رجاالً ما سرتم‬
‫مسيراً وال سلكتم وادياً إال كانوا معكم وهم بـالمدينة ‪ ،‬قالوا‪ :‬وهم بـالمدينة؟! قال‪ :‬هم بـالمدينة‬
‫حبسهم العذر) وهؤالء لهم فائدة عظيمة وهي التي قال النبي صلى اهلل عليه وسلم فيها‪:‬‬
‫(وهل تنصرون وترزقون إال بضعفائكم)‪ .‬هتلر كان عنده مبدأ‪ ،‬هتلر يقول‪ :‬كيف يكون في‬
‫المجتمع أناس أصحاب عاهات؟ أي‪ :‬صاحب عاهة البد أن نعدمه‪ ،‬نقتله؛ ألنه عالة على‬
‫المجتمع‪ ،‬فنخلص من ميزانية العجزة الكبار والمرضى‪ !..‬هؤالء النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫والمبدأ اإلسالمي ماذا يقول فيهم؟ (هل تنصرون وترزقون إال بضعفائكم؟) هذه النوايا‬
‫الحسنة التي عند هؤالء لها فائدة عظيمة في المجتمع‪ ،‬تمكين النصر‪ ،‬النصر يأتي من اهلل‬
‫لسببين‪ :‬بسبب الضعيف الخيِّر‪ ،‬هذا الضعيف الخيِّر‪ ،‬أما الذي يالم من هو؟ الذي عنده‬
‫مشكلة في نيته أو عنده قدرة على نصرة الدين وال ينصره‪ ،‬عنده قدرة وال يستعملها‪.‬‬

‫أقسام الناس في مسألة الغضب للرب والغضب للنفس‪:‬‬


‫تقسيم آخر‪ :‬الناس أنواع في مسألة الغضب للرب والغضب للنفس‪ ،‬قال شيخ اإلسالم رحمه‬
‫اهلل‪ :‬والناس في هذا المقام أربعة أقسام‪ :‬منهم من يغضب لربه ال لنفسه وهذا أعلى نوع‪،‬‬
‫ومنهم بالعكس يغضب لنفسه وال يغضب لربه‪ ،‬ومنهم من يغضب لهما ‪-‬يغضب هلل ويغضب‬
‫لنفسه‪ -‬ومنهم الذي ما من ورائه رجاء‪ ،‬ال يغضب لنفسه وال لربه‪ .‬قال‪ :‬فأعالهم حال النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ومن اتبعه‪ ،‬يصبرون على أذى الناس ويجاهدون في سبيل اهلل‪،‬‬
‫وينتقمون هلل ال لنفوسهم‪ ،‬ويعاقبون هلل ال ألشخاصهم‪ ،‬وهكذا في جهاد الكفار وإ قامة الحدود‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪ :‬وأدناهم عكس هؤالء‪ ،‬يغضبون وينتقمون ويعاقبون لنفوسهم‪ ،‬إذا أخذت‬
‫رياالً من دراهمه ثارت ثورته‪ ،‬إذا آذيت ولده ثارت ثورته‪ ،‬ولكن إذا انتهكت محارم اهلل؟‬
‫قال شيخ اإلسالم‪ :‬فإذا أوذي أحدهم أو خولف هواه غضب وانتقم وعاقب‪ ،‬ولو انتهكت‬
‫محارم اهلل أو ضيعت حقوقه لم يهمه ذلك‪ ،‬وهذا حال الكفار والمنافقين‪ .‬وأما الذي ال يغضب‬
‫ال هلل وال لنفسه فهذا إنسان جبان ضعيف‪ ،‬خائر القوى‪ ،‬ال دين وال دنيا‪ ،‬ال عنده قدرة في‬
‫االنتصار للدين وال في االنتصار للنفس‪ ،‬ومن الناس من تجده يغضب لنفسه ويغضب لربه‬
‫لكن ما هو األفضل؟ أن اإلنسان يسامح في حق نفسه وال يسامح في حق الدين‪ ،‬إذا انتهكت‬
‫حرمات الدين يقوم هلل‪ ،‬إذا اعتدي عليه هو يسامح في حق نفسه وأجره على اهلل ‪ ..‬فَ َم ْن َعفَا‬
‫َأج ُرهُ َعلَى اللَّه [الشورى‪ .]40:‬قريب منه ‪-‬أيضاً‪ -‬تقسيم آخر ذكره رحمه اهلل في‬ ‫َأصلَ َح فَ ْ‬
‫َو ْ‬
‫موضع آخر في مسألة االنتقام‪ ،‬وأن النبي صلى اهلل عليه وسلم ما قال ألنس عشر سنين‪:‬‬
‫(أف) أبداً‪ ،‬وال قال له لشيء فعله‪ :‬لم فعلته؟ وال لشيء لم تفعله‪ِ :‬ل َم لم تفعله؟ مع أنه خادم‬
‫عنده‪ .‬أيها اإلخوة‪ ..‬هذه قضية صعبة جداً‪ ،‬شخص عنده خادم‪ ،‬تصور أن عندك خادمة في‬
‫البيت عشر سنوات ال تقول لها‪ :‬لماذا لم تعملي كذا؟ لماذا عملت كذا؟ انظروا‪ !..‬هذا أنس‬
‫خدم عند رسول اهلل عشر سنوات ما قال له لشيء فعله‪ :‬لم فعلت؟ ولشيء ما فعله‪ِ :‬ل َم ْلم‬
‫تفعله؟ وهذه قدرة عجيبة على ضبط النفس تخلق بها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫أقسام الناس في مسألة العبادة واالستعانة‪:‬‬


‫تقسيم آخر في مسألة العبادة واالستعانة‪ :‬يقول شيخ اإلسالم رحمه اهلل‪ :‬الناس في عبادتهم‬
‫واستعانتهم على أربعة أقسام‪ :‬فالمؤمنون المتقون له وبه‪ ،‬أي‪ :‬العبادة له ‪-‬هلل‪ -‬واالستعانة‬
‫بمن؟ باهلل‪ ،‬هذا معنى‪ :‬له وبه‪ ،‬هؤالء المؤمنون المتقون له وبه‪ ،‬يعبدونه ويستعينون به‪،‬‬
‫وطائفة تعبده من غير استعانة وال صبر‪ ،‬فتجد عند أحدهم تحرياً للطاعة والورع ولزوم‬
‫السنة‪ ،‬انظر هذه نوعية موجودة من الناس‪ ،‬لكن أحياناً ما نتفطن‪ ،‬وما نربط األشياء ببعضها‬
‫ربطاً جيداً‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم ‪ :‬هناك أناس عندهم ٍ‬
‫تحر للطاعة والورع ولزوم السنة‪ ،‬لكن‬
‫ليس لهم توكل واستعانة وصبر بل فيهم عجز وجزع‪ ،‬أي‪ :‬أنك قد تجد شخصاً في الصف‬
‫األول في صالة الفجر في المسجد‪ ،‬ويجلس إلى طلوع الشمس‪ ،‬ويصلي الضحى‪ ،‬ويأتي‬
‫باألذكار واألدعية وقراءة القرآن واألوراد والمحافظة عليها وعبادات‪ ،‬لكن إذا مات ولده‬
‫سقط وانهار‪ ..‬انهار!! إذا صار لزوجته حادث انهار! إذا ذهب ماله انهار! يعني‪ :‬عنده‬
‫عبادة لكن ليس عنده صبر وتوكل‪ ،‬فهذا الشخص إذاً هو ناقص من هذه الجهة‪ .‬وطائفة ثالثة‬
‫فيها االستعانة والتوكل والصبر لكن على غير استقامة وال متابعة للسنة‪ ،‬عندهم صبر‬
‫وعندهم االستعانة لكن على غير متابعة للسنة‪ ،‬ولذلك تجد بعض الكفار إذا مات ولده يتجلد‬
‫ويصبر لفقد الولد‪ ،‬ويوجد شخص مؤمن يموت ولده وال يصبر‪ ..‬لماذا؟ هذا الكافر عنده‬
‫صبر وتجلد لكن ال يؤجر عليه؛ ألنه لم يفعله هلل‬

‫أريهم أني لريب الدهر ال أتضعضع‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وتجلدي للشامخين‬
‫دخلوا عليه فتجلد عند المصيبة‪ ،‬قالوا‪ :‬لماذا تجلدت؟ ما شاء اهلل صبرت‪ ،‬قال‪ :‬من أجل أال‬
‫يشمت الناس بي‪ .‬ما صبر هلل‪ ،‬فيوجد أناس عندهم صبر وعندهم ‪-‬كما يقولون‪ -‬صبر‬
‫كصبر الحمار‪ ،‬لكن ليس هلل‪ ،‬فهناك أناس عندهم صبر وتجلد لكن ما عندهم لزوم السنة وال‬
‫استقامة على الدين‪ ،‬توجد نماذج من هذا في المجتمع؟ موجودة‪ ،‬ما يقوله شيخ اإلسالم‬
‫موجود‪ ،‬بعض الكفار عنده قلب أجرأ من بعض المسلمين‪ ،‬وبعض الناس عندهم توكل في‬
‫المعصية‪ ،‬شخص ذهب لبلد من بالد الفحش يفعل الفاحشة‪ ،‬فواحش‪ ،‬جاء شخص وقال له‪ :‬يا‬
‫أخي‪ ..‬اتق اهلل‪ ،‬وهذه فيها أمراض‪ ،‬فيها أشياء يصيبك إيدز‪ ،‬يصيبك مرض وبالء‪ .‬قال‪ :‬أنا‬
‫ب اللَّهُ لََنا [التوبة‪ ]51:‬أنا ذاهب‪ ،‬لن يصيبني إال المقدور‪،‬‬ ‫ِ‬
‫متوكل ‪ ..‬لَ ْن ُيص َيبَنا ِإاَّل َما َكتَ َ‬
‫وهذا شيء مكتوب‪ ،‬وإ ذا عزمت فتوكل على اهلل‪ ،‬فبعض الناس ‪-‬ذكر شيخ اإلسالم رحمه اهلل‬
‫في كالم له‪ -‬آخر قضية توكل بعض قطاع الطرق‪ ،‬إن بعض قطاع الطرق عندهم توكل‬
‫ٍ‬
‫ومفازات‪ ،‬ويقطعون صحاري‬ ‫ٍ‬
‫عقبات وأخطاراً‬ ‫عجيب‪ ،‬وأنهم بسبب هذا التوكل يتجاوزون‬
‫وينجون ويسلمون ويسرقون ويهربون‪ ،‬عندهم هذه القضية‪ ،‬لكن على ماذا؟ على إجرام‪،‬‬
‫وعلى فساد‪ .‬فالمقصود‪ :‬ال نستغرب إذا وجدنا تجلداً وصبراً عند أهل المعاصي‪ ،‬وبعض‬
‫هؤالء عندهم توكل في األشياء وهم على جريمة‪ ،‬وينجحون في أشياء بسبب ما عندهم من‬
‫هذه االستعانة وهذا التوكل‪ ،‬وقد يكونون من أصحاب البدع‪ ،‬كثير منهم أصحاب بدع لكن‬
‫عندهم توكل‪ ،‬لكن على بدعة‪ .‬فإذاً من هم الطائفة؟ ومن هو القسم الناجي؟ ومن هو الذي‬
‫ك َنعب ُد وِإ َّي َ ِ‬ ‫ِإ‬
‫ين [الفاتحة‪:‬‬
‫اك َن ْستَع ُ‬ ‫عنده االستعانة والتوكل مع العبادة والطريقة الصحيحة‪َّ ،‬يا َ ْ ُ َ‬
‫‪]5‬؟! من كان على سنة محمد صلى اهلل عليه وسلم لكن بصبر واستعانة وتوكل‪.‬‬

You might also like