Professional Documents
Culture Documents
أنواع الرؤيا:
والرؤيا ثالثة أنواع( :بشرى من اهلل عز وجل ،ورؤيا مما يحدث اإلنسان به نفسه ،ورؤيا من
تحزين الشيطان ،فإذا رأى أحدكم ما يكره ،فال يحدث به ،وليقم وليصل ،والقيد في المنام ثبات في
الدين -إذا رأى نفسه مقيداً في المنام فهذا دليل أو عالمة على ثباته في الدين -والغل أكرهه) جمع
اليدين إلى العنق باألغالل يكرهه ،يكره رؤيته عليه الصالة والسالم ،هذا الحديث رواه اإلمام
البخاري رحمه اهلل تعالى .ولذلك ال يوثق إال برؤيا الرجل الذي عرف صدقه ،أما من عرف كذبه
ال يمكن الوثوق برؤياه إطالقاً ،وقد يدعي أنه رأى رؤيا وهو كذاب ،وقد يكون رأى أشياء لكن
فساده ومعاصيه أظلمت قلبه ،فكان ما يراه بقلبه في المنام ال قيمة له ،ولذلك ال يمكن االعتماد
عليه ،فالحديث (أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) فيه إشارة إلى أن طهارة الباطن من أسباب نقاء
الرؤيا ووضوحها ومجيئها كفلق الصبح في الصدق ،تقع في الواقع كما رآها ،وكلما كان أصدق
في الحديث كانت رؤياه أصدق في الحدوث والبيان والوضوحـ والوقوع أيضاً ،وقد يندر أن يرى
إنسان كافر أو كذاب رؤية صحيحة في المنام ،لكن ممكن أن يقع ذلك على ندرته ،مثلما رأى
فرعون الكفار رؤيا صحيحة ،لكن الحقيقة أن اهلل ما أراه كرامة له ،ومثل ملك مصر ،ما أراه اهلل
الرؤيا إال ألجل يوسف ،كي يخرج يوسف من السجن ،ويبحث الملك عن تعبيرها ،وال يرى أحداً
يعبر ،وال ينبري لذلك إال يوسف فيكون سبب اإلفراج عنه ،وأن يتبوأ المنزلة العالية ويكون على
خزائن األرض .فيندر أن يكون من الفاسد أو الكذاب أو الكافر رؤية صحيحة.
الكذب في المنام:
والوعيد قد جاء لمن يكذب في المنام ،الذي يقول :رأيت كذا ،وهو لم ير ،بعض الناس يكذبون في
المنام ،وبعضهم يكذب ألغراض دنيوية ،ربما يأتي ويقول :رأيت كذا ،لكي تعطيه شيئاً ،أو يتقرب
منك ،ونحو ذلك ،وهذا حرام ،لو قال بعض الناس :نستخدمه في الدعوة إلى اهلل ،أو لكي نقنع
شخصاً عاصياً ونحذره ،نخترع له رؤيا نقول :رأيناك في قبر أو رأيناك في سواد ،أو رأيناك
تضرب ،أو رأينا حولك ثعباناً وغير ذلك .فنقول :ال يجوز ،فالغاية ال تبرر الوسيلة ،ال بد أن تكون
الغاية شرعية والوسيلة شرعية ،إذا أردنا أن ندعو إلى اهلل عز وجل ،ال بد أن تكون الوسائل
شرعية ،أما أن نكذب في المنام لكي نهدي الناس ،فهذا أسلوب خاطئ وال يمكن القبول به،
والحديث يقول( :من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل) والحديث رواه
البخاري وفي حديث آخر (من أفرى الفرى أن يري الرجل عينه ما لم تر) إدعاء وكذب ،وما
معنى يعقد بين شعيرتين،يعني :يفتل إحداهما باألخرى ،وهذا حيث أنه محال فالتكليف فيه نوع من
التعذيب ،مثل المصورين يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا الروح في كل صورة صوروها ،فإذا قام
أحدهم بعمل تمثاالً من ذوات األرواح ،أو صور صورة من ذوات األرواح ليست للضرورةـ وال
للحاجة ،وإ نما للزينة ولكسب المال ،فما هو عذابه يوم القيامة؟ يكلف أن ينفخ فيها الروح ،يقال:
(أحيوا ما خلقتم) كما جاء في الحديث الصحيح ،كيف يحيي ما خلق والروح ال يملكها إال اهلل عز
وجل ،وهي من شأنه سبحانه وتعالى؟ فيقال لهم( :أحيوا ما خلقتم) فيكلفون بالمحال وهذا نوع من
التعذيب ،وكذلك هنا ،ولعل هناك ارتباطاً بين هذا وهذا ،فالرؤيا خلق من اهلل ،وهي صورة معنوية
فما بالك إذا كان المصور يصور صورة حسية ،وهذا الذي يتكلف رؤيا ما رآها ،إذاً يختلق صورة
معنوية لم تقع ،إذاً هناك مناسبة بين تعذيب المصور وتعذيب الكذاب في المنام ،فيه تشابه لهذه
المناسبة ،كالهما يعذب بالتكليف بالمحال ،هذا يقال له( :أحيوا ما خلقتم) واآلخر يقال له( :اعقد
بين شعيرتين) وهيهات اإلنسان يعقد بين شعيرتين ،وربما تجر الرؤيا الكاذبة على اإلنسان مصيبة
لم تكن في الحسبان بسبب كذبه في المنام ،فقد جاء أن رجالً قص على ابن سيرين رحمه اهلل فقال:
رأيت كأن بيدي قدحاً من زجاج فيه ماء ،فانكسر القدح وبقي الماء ،فقال :اتق اهلل فإنك لم تر شيئاً،
يعني أنه اكتشف كذبه ،فقال :سبحان اهلل كيف تكذبني؟ هذا كالمي ،قال ابن سيرين :فمن كذب فما
علي ستلد امرأتك وتموت ويبقى ولدها ،فلما خرج الرجل ،قال :واهلل ما رأيت شيئاً ،فما لبث إال أن
ّ
ولد له وماتت امرأته ،فينبغي على المؤمن أن يحذر أشد الحذر في مسألة الكذب في المنام ،وكذلك
الكذب في التأويل؛ ألن بعض الناس يؤولون الرؤى بغير علم ،وهذا حرام ،وتأويل الرؤى بغير
علم مثل الفتوى بغير علم ،وهي باب واحد ،يأتي بعض الناس يفسر بالظن يقول :لعل ولعل إما أن
يعلم بما يلقيه اهلل في نفسه مما عنده من علم في تأويل الرؤى وإ ال فال يتكلم إطالقاً ،ويقول :اهلل
أعلم.
آداب المنام:
أما بالنسبة للمنام فله آداب تتعلق به :قال ابن القيم رحمه اهلل :ومن أراد أن تصدق رؤياه ،فليتحر
الصدق ،وأكل الحالل ،والمحافظة على األوامر والنواهي ،ولينم على طهارة كاملة ،مستقبل القبلة،
ويذكر اهلل حتى تغلبه عيناه ،فإن رؤياه ال تكذب البتة .وأصدق الرؤيا ما كان في األسحار ،فإنه
وقت النزول اإللهي ،واقتراب الرحمة والمغفرة ،وسكون الشياطين ،وعكسه رؤيا العتمة ،التي هي
وقت العشاء ،عند انتشار الشياطين واألرواح الشيطانية ،فكون الرؤيا تصدق باألسحار فهذا غالباً،
غالب الرؤيا الصادقة تكون في األسحار.
السؤال عن الرؤيا:
والسؤال عن الرؤيا ال بأس به ،فإن النبي صلى اهلل عليه وسلم( :كان إذا صلى الصبح أقبل على
أصحابه ،ويقول :هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له) كان
يقول ألصحابه هذا الكالم بعد الفجر خاصة؛ ألن الرائي يكون صافي الذهن ،والعابر يكون حاضر
الذهن ،ورؤى األسحار -كما تقدم -من أصدق الرؤى ،ومرة ما قص عليه أحد شيء ،فأخبر عن
رؤيا رآها ،وأخبر عما حصل فيها .تقص الرؤيا على صاحب مودة وعلى ذي علم ،كما جاء في
ك َعلَىص ُرْؤ يا َ
ص ْ
الحديث ،وال تقص على حاسد ،ولذلك كان يعقوب حكيماً لما قال ليوسف :ال تَ ْق ُ
ك [يوسف ]5:ألن إخوتك حسدة ،حسدوك على النعمة التي أعطاك اهلل إياها ،فال تقصصها ِإ ْخ َوتِ َ
ك َك ْيداً [يوسف .]5:هل يمكن لإلنسان إذا أخبر جاهالً برؤيا ففسرها على حاسد :فََي ِك ُ
يدوا لَ َ
وعبرها أنها تقع فعالً على هذا النحو الذي عبرها به؟ ممكن ،وقد جاء حديث عن النبي صلى اهلل
عليه وسلم ،تكلم العلماء في صحته ،بعضهم صححه وبعضهم لم يصححه أنه عليه الصالة والسالم
قال( :إن الرؤيا تقع على ما تعبر به ،ومثل ذلك كمثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها) إذا
رأى أحدكم رؤيا فال يحدث بها إال ناصحاً أو عالماً ،الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر ،فإذا عبرت
وقعت .وقد يقال :ممكن اآلن واحد يقص الرؤيا على كذا شخص وكل واحد يفسرها له تفسيراً
مختلفاً ،فعلى أي تفسير تقع؟ قال بعضهم :تقع على أول معبر ،واشترط بعضهم أن يكون أول
عابر يصيب وجه التعبير الصحيح ،وإ ذا أول عابر ما أصاب وجه التعبير الصحيح ،وقال كالماً
بناء على كالمه ،فإذاً على
من عنده خلطاً وما أصاب ،فأول واحد يصيب بعده ،يقع تعبير الرؤيا ً
أول معبر يعبرها بشكل صحيح .هناك قصة حسنه رواها الدارمي ،حسن الحافظ ابن حجر رحمه
اهلل إسنادها في الفتح :عن عائشة رضي اهلل عنها أنها قالت ( :كانت امرأة من أهل المدينة لها
زوج تاجر ،يختلف في التجارة ،فأتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال :إن زوجي غائب
وتركني حامالً فرأيت في المنام أن سارية بيتي انكسرت ،وأني ولدت غالماً أعور ،فقال النبي
خير ،يرجع زوجك إن شاء اهلل صالحاً تلدين غالماً براً ،فذكرت ذلك له،
صلى اهلل عليه وسلمٌ :
فجاءت ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم غائب ،ذكرت ذلك ثالثاً) اآلن المرأة جاءت وسألت ثالث
مرات وهي تجاب بنفسه ،جاءت مرة أخرى والنبي عليه الصالة والسالم غائب ،وعائشة موجودة،
فسألت عائشة عن المنام ،يعني :اآلن ليس هناك داعي أن تسأل عائشة ؛ ألنها سألت النبي عليه
الصالة والسالم وهو أصدق الناس ،وأعرف الناس بالتأويل ،فلماذا تسأل بعده؟ فربما أصبحت في
عقوبة .فـعائشة ما كانت تدري عما قبل ،فلما جاءت هذه المرأة وقالت :رأيت كذا وكذا ،قالت
عائشة [ :لئن صدقت رؤياك ،ليموتن زوجك ،وتلدين غالماً فاجراً] فقال :انكسرت سارية البيت،
يعني :موت عمود البيت وهو الرجل ،والغالم األعور يعني :غالم فاجر ،فقعدت تبكي المرأة هذه،
فجاء رسول اهلل صلى اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقال( :مه يا عائشة ! إذا عبرتم للمسلم الرؤيا
فعبروها على خير؛ فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها ،قالت عائشة :فمات واهلل زوجها،
وال أراها إال ولدت غالماً فاجراً) فقال بعضهم :لعله عقوبة لهذه المرأة حيث سألت بعد النبي صلى
اهلل عليه وسلم ،فقد سألت ثالثاً وما اكتفت ؟! فإذاً الرؤيا ال تقص على أي أحد ،تقص على ناصح
وواد ،ليس على حاسد وال على جاهل ،وإ نما صاحب علم ،هذه الصفات التي ذكرناها لمن تقص
عليه الرؤيا.