You are on page 1of 15

‫( رءوس أقالم في الرؤى واألحالم )‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬تعريف الرؤيا والحلم والفرق بينهما‬
‫‪ .2‬أهمية الرؤيا ومنزلتها في اإلسالم‬
‫‪ .3‬معنى كون الرؤيا جزءاً من النبوة‬
‫‪ .4‬أنواع الرؤيا‬
‫‪ .5‬صدق رؤيا المؤمن في آخر الزمان‬
‫‪ .6‬الكذب في المنام‬
‫‪ .7‬تقسيم الرؤيا إلى نوعين‬
‫‪ .8‬أقسام الناس بالنسبة للرؤيا‬
‫‪ .9‬هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟‬
‫‪ .10‬آداب المنام‬
‫‪ .11‬آداب الرؤيا الصالحة‬
‫‪ .12‬تأويل الرؤى وتعبيرها‬
‫‪ .13‬السؤال عن الرؤيا‬
‫‪ .14‬رؤية النبي صلى اهلل عليه وسلم في المنام‬
‫‪ .15‬رؤى النبي صلى اهلل عليه وسلم‬

‫رءوس أقالم في الرؤى واألحالم‪:‬‬


‫لقد تكلم الشيخ في هذا الدرس عن تعريف الرؤيا والحلم والفرق بينهما‪ ،‬مبيناً أهمية الرؤيا ومنزلتها‬
‫في اإلسالم‪ ،‬ومعنى كون الرؤيا جزءاً من النبوة كما جاءت األحاديث دالة على ذلك‪ ،‬ثم ذكر أنواع‬
‫الرؤى‪ ،‬موضحاً صدق رؤيا المؤمن في آخر الزمان‪ ،‬مذكراً بعقوبة الكاذب في المنام‪ ،‬وقد تطرق‬
‫إلى مسألة مهمة وهي‪ :‬هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟ ثم ختم الموضوع بذكر آداب الرؤيا‬
‫وبعض الرؤى التي رآها النبي صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫تعريف الرؤيا والحلم والفرق بينهما‪:‬‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين‪.‬‬
‫وبعــد‪ :‬ففي هذه الليلة وهي أول ليالي العشر من هذا الشهر الكريم‪ ،‬والذي أخبر النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم أنه قد تواطأت رؤى الصحابة على أن ليلة القدر في ليالي العشر‪ ،‬قال‪( :‬أني أرى‬
‫رؤياكم قد تواطأت على هذه العشر) ففيها ليلة القدر كما أخبر عليه الصالة والسالم‪ .‬وبهذه‬
‫المناسبة‪ ،‬نريد أن نتحدث قليالً ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬عن موضوع الرؤى واألحالم‪ ،‬وما جاء في الشريعة‬
‫بشأن هذا الموضوع‪ .‬الرؤيا هي‪ :‬ما يراه اإلنسان في منامه حسناً‪ .‬والحلم‪ :‬ما يتحلم به وما يراه‬
‫في المنام‪ ،‬فالرؤى واألحالم من المترادفات‪ ،‬وعرف ابن القيم رحمه اهلل الرؤى بأنها‪ :‬أمثال‬
‫مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله اهلل بالرؤيا ليستدل الرائي مما ضرب له من المثل على‬
‫نظيره ويعبر منه إلى شبهه‪ .‬والفرق بين الرؤيا والحلم‪ ،‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬الرؤيا‬
‫الصادقة من اهلل‪ ،‬والحلم من الشيطان) فالرؤيا التي تضاف إلى اهلل تعالى ال يقال لها‪ :‬حلم‪ ،‬والتي‬
‫تضاف إلى الشيطان ال يقال لها‪ :‬رؤيا وهذا فرق عظيم دل عليه كالم الشارع‪ ،‬من أن هذه من اهلل‪،‬‬
‫وهذه من الشيطان‪.‬‬

‫أهمية الرؤيا ومنزلتها في اإلسالم‪:‬‬


‫أما أهمية الرؤى ومنزلتها في اإلسالم‪ ،‬فقد كان لألنبياء معها مواقف ومن ذلك موقف الخليل‬
‫َّع َي قَا َل َيا ُبَن َّي ِإِّني‬‫إبراهيم عليه السالم لما عزم على ذبح ابنه من أجل رؤيا رآها َفلَ َّما َبلَ َغ َم َعهُ الس ْ‬
‫اء اللَّهُ ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َيا ََأبت ا ْف َع ْل َما تُْؤ َم ُر َستَ ِج ُدني ِإ ْن َش َ‬
‫ك فَ ْانظُ ْر َما َذا تََرى قَ َ‬ ‫ََأرى ِفي اْل َمَن ِام َِّأني َأ ْذَب ُح َ‬
‫ك َن ْج ِزي‬ ‫الرْؤ يا ِإَّنا َك َذِل َ‬
‫ت ُّ‬‫ص َّد ْق َ‬
‫يم * قَ ْد َ‬
‫اد ْيَناه ْ ِإ ِ‬
‫َأن َيا ْب َراه ُ‬ ‫ين * َوَن َ ُ‬ ‫َأسلَ َما َوتَلَّهُ ِلْل َجبِ ِ‬
‫ين * َفلَ َّما ْ‬ ‫الصَّابِ ِر َ‬
‫ين [الصافات‪ .]105-102:‬وكذلك الرؤيا شغلت جزءاً كبيراً من قصة يوسف عليه السالم‬ ‫ِِ‬
‫اْل ُم ْحسن َ‬
‫وما فيها من رؤيا الملك‪ ،‬وكيف عبرها يوسف عليه السالم‪ ،‬وكذلك رؤيا صاحبي السجن‪ .‬وفي‬
‫سورة األنفال كانت رؤيا النبي صلى اهلل عليه وسلم في غزوة بدر ‪ ،‬حينما رأى الكافرين قلة ليشجع‬
‫اهلل المؤمنين على قتالهم‪ ،‬وفي سورة الفتح كذلك نجد رؤياه صلى اهلل عليه وسلم في دخوله مكة مع‬
‫ق لَتَ ْد ُخلُ َّن‬ ‫ق اللَّهُ َر ُسولَهُ ُّ‬
‫الرْؤ يا بِاْل َح ِّ‬ ‫ص َد َ‬
‫أصحابه معتمرين‪ ،‬وتتحقق تلك الرؤيا في عام الفتح‪ :‬لَقَ ْد َ‬
‫ون [الفتح‪ .]27:‬وقد امتن‬ ‫وس ُك ْم َو ُمقَص ِ‬ ‫ِِّ‬ ‫اْلمس ِج َد اْلحرام ِإ ْن َش َّ ِ ِ‬
‫ين ال تَ َخافُ َ‬ ‫ِّر َ‬ ‫ين ُرُؤ َ‬
‫ين ُم َحلق َ‬
‫اء اللهُ آمن َ‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َْ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ك َوُي َعلِّ ُم َ‬ ‫ك َي ْجتَبِي َ‬
‫ك َرُّب َ‬ ‫اهلل تعالى على نبيه يوسف عليه السالم‪ ،‬بأنه يعلمه تأويل الرؤى َو َك َذِل َ‬
‫يل اَأْلح ِاد ِ‬
‫يث [يوسف‪ ]6:‬وقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلم مبيناً رؤيا مهمة‪ ،‬كانت من دالئل‬ ‫تَ ِْأو ِ َ‬
‫النبوة‪ ،‬وهي قوله عليه الصالة والسالم في الحديث ‪( :‬إني عبد اهلل وخاتم النبيين وإ ن آدم لمنجدل‬
‫في طينته) يعني‪ :‬مضطجع وملقى على األرض في طينته‪ ،‬قبل أن ينفخ فيه الروح‪ ،‬والنبي عليه‬
‫الصالة والسالم مكتوب عند اهلل أنه خاتم النبيين‪ ،‬وسأخبركم عن ذلك وهي دعوة أبي إبراهيم‪:‬‬
‫ث ِفي ِه ْم َر ُسوالً ِم ْنهُ ْم [البقرة‪ ]129:‬واستجاب اهلل تعالى بعد آالف السنين‪ ،‬وبعث اهلل عز‬
‫َرَّبَنا َو ْاب َع ْ‬
‫وجل بنبينا عليه الصالة والسالم‪( :‬دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بي‪ ،‬ورؤيا أمي التي رأت ‪-‬‬
‫وكذلك أمهات النبيين يرينه ترى مناماً على أن ما في بطنها له شأن‪ -‬وإ ن أم رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام) رواه اإلمام أحمد وهو حديث حسن‪،‬‬
‫وقال الهيثمي ‪ :‬وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح‪ ،‬غير سعيد بن سويد وهو ثقة ‪ .‬وقد جاء‬
‫عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أن الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً‬
‫من النبوة‪ ،‬فالرؤيا لها قدر عظيم‪ ،‬وفيها من المنافع ما اهلل به عليم‪ ،‬وإ ذا تأملنا في غزوة بدر كم‬
‫حصل لرؤيا النبي صلى اهلل عليه وسلم من المنافع‪ ،‬وكم اندفع من المضار‪ ،‬ورؤيا ملك مصر ‪،‬‬
‫ورؤيا يوسف وما حصل بها من الخيرات الكثيرة‪ ،‬ورفعه اهلل تعالى درجات‪ ،‬ورؤيا عبد اهلل بن‬
‫زيد ‪ ،‬وعمر بن الخطاب رضي اهلل عنهما في األذان واإلقامة‪ ،‬ترتب عليها مشروعية األذان‬
‫واإلقامة‪ ،‬لما وافق الوحي على ذلك وأقره‪ ،‬وصار ذلك سبباً لشرع هذه الشعيرة العظيمة‪ ،‬وفي‬
‫العشر األواخر تواطأت رؤى الصحابة‪ ،‬على أن ليلة القدر في أحد ليالي هذه العشر‪ .‬فرؤيا األنبياء‬
‫والصالحين فيها منافع مهمة‪ ،‬وثمرات طيبة‪ ،‬وهذا من بديع خلق اهلل سبحانه وتعالى ولطفه‪ ،‬مما‬
‫يزيد المؤمنين إيماناً‪ ،‬قال ابن عبد البر رحمه اهلل‪ :‬وعلم تأويل الرؤيا من علوم األنبياء‪ ،‬وأهل‬
‫اإليمان‪ ،‬وحسبك بما أخبر اهلل من ذلك عن يوسف عليه السالم وما جاء في اآلثار الصحاح عن‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأجمع أهل الهدى من أئمة الهدى‪ ،‬من الصحابة والتابعين ومن بعدهم‬
‫من علماء المسلمين‪ ،‬أهل السنة والجماعة على اإليمان بها‪ ،‬وأنها حكمة بالغة ونعمة يمن اهلل بها‬
‫على من يشاء‪ ،‬وهي المبشرات الباقية بعد النبي عليه الصالة والسالم‪ .‬أيها اإلخوة‪ :‬إن كثيراً من‬
‫الناس في عصرنا تخبطوا في مسألة الرؤى واألحالم‪ ،‬فاقتنى بعضهم قواميس وكتب يقولون أنها‬
‫تفسر الرؤى واألحالم‪ ،‬وأن من رأى ماء معناها كذا‪ ،‬ومن رأى حية معناها كذا‪ ،‬ونحو ذلك من‬
‫األشياء‪ ،‬ولنعلم بأن قضايا الرؤى ليس لها قانون‪ ،‬ليس لها شيء يضبطها‪ ،‬وإ نما يكون معناه‬
‫بالنسبة لشخص يراه يختلف عن معناه بالنسبة لشخص آخر قد يرى الشيء نفسه‪ ،‬وقد حصل على‬
‫عهد ابن سيرين رحمه اهلل وهو من مشاهير من كان يفسر األحالم في هذه األمة‪ ،‬أنه أتاه رجالن‪،‬‬
‫كل واحد منها يذكر أنه رأى في المنام أنه يؤذن‪ ،‬فقال لألول‪ :‬أنت تحج‪ ،‬وقال لآلخر‪ :‬أنت تسرق‬
‫فتقتطع يدك‪ ،‬فقيل له كيف ذلك؟ قال‪ :‬رأيت على األول عالمات الصالح فتأولت قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫اس بِاْل َح ِّج [الحج‪ ]27:‬ورأيت على الثاني عالمات الخبث والفجور‪ ،‬فأولت قوله تعالى‬ ‫الن ِ‬‫َو َِّأذ ْن ِفي َّ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫ون [يوسف‪ ]70:‬مع أن الرؤيا نفسها هنا وهنا‪ ،‬لكن قال‬‫‪ :‬ثَُّم َأذ َن ُمَؤ ذ ٌن ََّأيتُهَا اْلع ُير ِإَّن ُك ْم لَ َس ِارقُ َ‬
‫لألول‪ :‬أنت تحج وقال لآلخر‪ :‬أنت تسرق فتقطع يدك‪ .‬فإذاً ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬ليس هناك قانون يضبط‬
‫الرؤى‪ ،‬وليس هناك شيء موحد لجميع الرؤى‪ ،‬وليس كل من رأى في المنام نهراً أو بحراً‪ ،‬معناه‬
‫شيء معين‪ ،‬وليس كل من رأى في المنام أنه يقلع منه ضرس‪ ،‬أنه سيفقد واحداً من أوالده‪ ،‬هذا‬
‫قانون مضطرب وليست قاعدة في كل من يرى هذا الشيء‪ .‬المسألة تختلف باختالف األحوال‬
‫واألشخاص‪ ،‬واهلل عز وجل يلقي في قلوب الذين يعلمون تفسير هذه الرؤيا إلهاماً فال تستطيع أن‬
‫تقول‪ :‬إن لها قاعدة‪ .‬وقد نسبت كتب كثيرة ألناس من أهل العلم على أنهم ألفوها في هذا‪ ،‬منهم‬
‫الكتاب المنسوب لـابن سيرين‪ ،‬ولعل الغالب على الظن أنه مما جمعه طالبه من بعده‪ ،‬وليس مما‬
‫كتبه هو‪ .‬وكذلك ال يمكن االعتماد على معاجم تفاسير األحالم‪ .‬التي ظهرت‪ ،‬بحيث أنها تكون‬
‫قاعدة مطردة‪.‬‬

‫معنى كون الرؤيا جزءاً من النبوة‪:‬‬


‫بالنسبة لكون الرؤيا جزء من النبوة‪ ،‬فما معناه؟ أوالً‪ :‬األحاديث الواردة فيه إذا ألقينا عليها نظرة‬
‫نجد تفاوتاً في األرقام‪ ،‬فمثالً بعض الروايات فيها‪( ،‬الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة‬
‫وأربعين جزءاً من النبوة) وفي رواية أخرى‪( :‬الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءاً من النبوة)‬
‫الحديث األول في الصحيح‪ ،‬والثاني أيضاً رواه مسلم ‪ ،‬والثالث‪( :‬رؤيا المسلم جزء من خمس‬
‫وأربعين جزءاً من النبوة) كذلك في مسلم ‪ .‬فـابن حجر رحمه اهلل لما علق على هذه الروايات قال‪:‬‬
‫تصل إلى خمسة عشر لفظاً‪ ،‬وأنها تتفاوت‪ ،‬من ست وعشرين إلى سبعين‪ ،‬وأشهر الروايات‪:‬‬
‫(جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) فما معنى هذا االختالف؟ وما مدلوله؟ ولعل من أمثل ما‬
‫ذكر في الجمع بين هذه الروايات أن ذلك يختلف باختالف أحوال الرائين‪ ،‬فبعض الناس أحوالهم‬
‫صادقة جداً ورؤياهم صادقة جداً فتكون رؤياهم جزء من ‪-‬مثالً‪ -‬ست وأربعين‪ ،‬وبعض الناس في‬
‫الصدق والتقوى واإليمان أقل‪ ،‬فتكون رؤياه جزء من سبعين‪ ،‬ولكن ما المقصود أن الرؤيا جزء‬
‫من النبوة؟ النبوة فيها أشياء كثيرة‪ ،‬فيها تشريع وأحكام‪ ،‬وفيها أخبار عما سبق وعما سيأتي من‬
‫الغيب‪ ،‬وغيرها من األشياء الكثيرة من إنذار وبشارات‪ ،‬والنبوة تحتمل معجزات؛ ألن فيها إخباراً‬
‫بالغيب‪ ،‬والرؤيا الصالحة يمكن أن تدل على شيء يحدث في المستقبل‪ ،‬سواء كان بشارة أو نذارة‪،‬‬
‫سواء كان شيئاً حسناً أو شيئاً سيئاً‪ ،‬أو شيئاً من الشر سيقع‪ ،‬فيمهد للمؤمن نفسياً بهذه الرؤيا لكي‬
‫يستعد لمواجهة الحدث الذي سيكون‪ .‬إذاً‪ ..‬الرؤيا ممكن أن يكون فيها إخبار عن شيء سيحدث في‬
‫المستقبل‪ ،‬وبما أن النبوة جزء منها إخبار بالغيب فتلتقي الرؤيا مع النبوة في هذه النقطة‪ ،‬وفي هذه‬
‫الجزئية‪ .‬وكذلك فإن النبي صلى اهلل عليه وسلم لما أخبر أنه لم يبق من النبوة إال المبشرات‪ ،‬مثل‬
‫بشائر نصر اإلسالم‪ ،‬والنبي صلى اهلل عليه وسلم أخبر أنه قد أعطي الكنزين األحمر واألبيض‪،‬‬
‫وأن الكنز األبيض واألحمر‪ :‬الفضة والذهب‪ ،‬وهما كنزا كسرى وقيصر‪ .‬وكما أن في النبوة‬
‫مبشرات‪ ،‬كذلك الرؤى فيها مبشرات‪ ،‬فالنبي عليه الصالة والسالم صح عنه أنه قال ()لم يبق من‬
‫النبوة إال المبشرات) والبشر‪ :‬هو الذي يظهر على اإلنسان من طالقة الوجه وفرحه ونحو ذلك‪،‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪( :‬إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فال نبوة بعدي‪ ،‬فشق ذلك على الناس‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬لكن المبشرات‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل! وما المبشرات؟ قال‪ :‬رؤيا المسلم وهي جزء من‬
‫أجزاء النبوة) رواه الترمذي وهو حديث حسن‪ ،‬وفي رواية لـأحمد ‪( :‬ال يبقى بعدي من النبوة شيء‬
‫إال المبشرات‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل! ما المبشرات ؟ قال‪ :‬الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له)‬
‫رواه اإلمام أحمد ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى‪ :‬لَهُ ُم اْلُب ْش َرى‬
‫الد ْنَيا َو ِفي اآْل ِخ َر ِة [يونس‪ ]64:‬قالوا‪ :‬الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له‪ .‬ففي هذه‬
‫ِفي اْل َحَي ِاة ُّ‬
‫األحاديث بشارة من الصادق المصدوق صلى اهلل عليه وسلم للمؤمنين لبقاء ما يتحفهم وما يأنسهم‬
‫من أجزاء النبوة مما فيه إشارة للرائي‪ ،‬والمرئي له‪ ،‬وقد جاءت أحاديث كثيرة في هذا الشأن‪ ،‬إذاً‬
‫هذه بشائر من اهلل عز وجل‪ ،‬ومن لطائف ما روي في هذا أن اإلمام الشافعي رحمه اهلل رأى وهو‬
‫بـمصر أن اإلمام أحمد رحمه اهلل سيبتلى فكتب له بذلك؛ ليستعد للمحنة‪ ،‬وهكذا حدث فعالً‪ ،‬وامتحن‬
‫اإلمام أحمد رحمه اهلل‪ .‬فإذاً‪ :‬يمكن أن يرى اإلنسان لنفسه أو ُيرى له شيء يقع في المستقبل ويكون‬
‫من شخص صالح‪ ،‬فهذا إما يفرحه أو يجعله يستعد لحدث في المستقبل‪ ،‬يقول النبي عليه الصالة‬
‫والسالم‪( :‬أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثاً) وهذا يدل على أن هناك عالقة بين صحة الرؤيا وبين‬
‫صدق الشخص الذي يرى‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪( :‬إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن‬
‫تكذب‪ ،‬وأصدقهم رؤيا‪ ،‬أصدقهم حديثاً)‪.‬‬

‫أنواع الرؤيا‪:‬‬
‫والرؤيا ثالثة أنواع‪( :‬بشرى من اهلل عز وجل‪ ،‬ورؤيا مما يحدث اإلنسان به نفسه‪ ،‬ورؤيا من‬
‫تحزين الشيطان‪ ،‬فإذا رأى أحدكم ما يكره‪ ،‬فال يحدث به‪ ،‬وليقم وليصل‪ ،‬والقيد في المنام ثبات في‬
‫الدين ‪-‬إذا رأى نفسه مقيداً في المنام فهذا دليل أو عالمة على ثباته في الدين‪ -‬والغل أكرهه) جمع‬
‫اليدين إلى العنق باألغالل يكرهه‪ ،‬يكره رؤيته عليه الصالة والسالم‪ ،‬هذا الحديث رواه اإلمام‬
‫البخاري رحمه اهلل تعالى‪ .‬ولذلك ال يوثق إال برؤيا الرجل الذي عرف صدقه‪ ،‬أما من عرف كذبه‬
‫ال يمكن الوثوق برؤياه إطالقاً‪ ،‬وقد يدعي أنه رأى رؤيا وهو كذاب‪ ،‬وقد يكون رأى أشياء لكن‬
‫فساده ومعاصيه أظلمت قلبه‪ ،‬فكان ما يراه بقلبه في المنام ال قيمة له‪ ،‬ولذلك ال يمكن االعتماد‬
‫عليه‪ ،‬فالحديث (أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) فيه إشارة إلى أن طهارة الباطن من أسباب نقاء‬
‫الرؤيا ووضوحها ومجيئها كفلق الصبح في الصدق‪ ،‬تقع في الواقع كما رآها‪ ،‬وكلما كان أصدق‬
‫في الحديث كانت رؤياه أصدق في الحدوث والبيان والوضوحـ والوقوع أيضاً‪ ،‬وقد يندر أن يرى‬
‫إنسان كافر أو كذاب رؤية صحيحة في المنام‪ ،‬لكن ممكن أن يقع ذلك على ندرته‪ ،‬مثلما رأى‬
‫فرعون الكفار رؤيا صحيحة‪ ،‬لكن الحقيقة أن اهلل ما أراه كرامة له‪ ،‬ومثل ملك مصر ‪ ،‬ما أراه اهلل‬
‫الرؤيا إال ألجل يوسف‪ ،‬كي يخرج يوسف من السجن‪ ،‬ويبحث الملك عن تعبيرها‪ ،‬وال يرى أحداً‬
‫يعبر‪ ،‬وال ينبري لذلك إال يوسف فيكون سبب اإلفراج عنه‪ ،‬وأن يتبوأ المنزلة العالية ويكون على‬
‫خزائن األرض‪ .‬فيندر أن يكون من الفاسد أو الكذاب أو الكافر رؤية صحيحة‪.‬‬

‫صدق رؤيا المؤمن في آخر الزمان‪:‬‬


‫وأما معنى قوله عليه الصالة والسالم‪( :‬إذا اقترب الزمان ال تكاد رؤيا المؤمن تكذب) فما معنى‬
‫اقتراب الزمان؟ بعض العلماء فسره بتقارب الليل والنهار‪ ،‬أي اعتدال الزمنين‪ ،‬وهذا يكون في‬
‫وقت الربيع‪ ،‬وأن الرؤى عند ذلك تكون أصدق وهذا في العموم‪ ،‬ولكن الراجح واهلل أعلم ليس هذا‪،‬‬
‫وإ نما المراد باقتراب الزمان قرب قيام الساعة‪ ،‬وانتهاء مدة الدنيا‪ ،‬كلما اقتربنا من نهاية الدنيا وقيام‬
‫الساعة‪ ،‬تكون رؤى المؤمنين ال تكاد تكذب‪ ،‬كأنه لما صار الكذب في آخر الزمان متفشياً‪ ،‬وكذلك‬
‫الكفر والظلم والجهل‪ ،‬عوض اهلل المؤمنين في آخر الزمان بأمور من المبشرات والمثبتات‪ ،‬وهي‬
‫الرؤى التي يرونها صادقة صحيحة وتقع كما رأوها‪ ،‬فهذا تعويض للمؤمنين‪.‬‬

‫الكذب في المنام‪:‬‬
‫والوعيد قد جاء لمن يكذب في المنام‪ ،‬الذي يقول‪ :‬رأيت كذا‪ ،‬وهو لم ير‪ ،‬بعض الناس يكذبون في‬
‫المنام‪ ،‬وبعضهم يكذب ألغراض دنيوية‪ ،‬ربما يأتي ويقول‪ :‬رأيت كذا‪ ،‬لكي تعطيه شيئاً‪ ،‬أو يتقرب‬
‫منك‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وهذا حرام‪ ،‬لو قال بعض الناس‪ :‬نستخدمه في الدعوة إلى اهلل‪ ،‬أو لكي نقنع‬
‫شخصاً عاصياً ونحذره‪ ،‬نخترع له رؤيا نقول‪ :‬رأيناك في قبر أو رأيناك في سواد‪ ،‬أو رأيناك‬
‫تضرب‪ ،‬أو رأينا حولك ثعباناً وغير ذلك‪ .‬فنقول‪ :‬ال يجوز‪ ،‬فالغاية ال تبرر الوسيلة‪ ،‬ال بد أن تكون‬
‫الغاية شرعية والوسيلة شرعية‪ ،‬إذا أردنا أن ندعو إلى اهلل عز وجل‪ ،‬ال بد أن تكون الوسائل‬
‫شرعية‪ ،‬أما أن نكذب في المنام لكي نهدي الناس‪ ،‬فهذا أسلوب خاطئ وال يمكن القبول به‪،‬‬
‫والحديث يقول‪( :‬من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل) والحديث رواه‬
‫البخاري وفي حديث آخر (من أفرى الفرى أن يري الرجل عينه ما لم تر) إدعاء وكذب‪ ،‬وما‬
‫معنى يعقد بين شعيرتين‪،‬يعني‪ :‬يفتل إحداهما باألخرى‪ ،‬وهذا حيث أنه محال فالتكليف فيه نوع من‬
‫التعذيب‪ ،‬مثل المصورين يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا الروح في كل صورة صوروها‪ ،‬فإذا قام‬
‫أحدهم بعمل تمثاالً من ذوات األرواح‪ ،‬أو صور صورة من ذوات األرواح ليست للضرورةـ وال‬
‫للحاجة‪ ،‬وإ نما للزينة ولكسب المال‪ ،‬فما هو عذابه يوم القيامة؟ يكلف أن ينفخ فيها الروح‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫(أحيوا ما خلقتم) كما جاء في الحديث الصحيح‪ ،‬كيف يحيي ما خلق والروح ال يملكها إال اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬وهي من شأنه سبحانه وتعالى؟ فيقال لهم‪( :‬أحيوا ما خلقتم) فيكلفون بالمحال وهذا نوع من‬
‫التعذيب‪ ،‬وكذلك هنا‪ ،‬ولعل هناك ارتباطاً بين هذا وهذا‪ ،‬فالرؤيا خلق من اهلل‪ ،‬وهي صورة معنوية‬
‫فما بالك إذا كان المصور يصور صورة حسية‪ ،‬وهذا الذي يتكلف رؤيا ما رآها‪ ،‬إذاً يختلق صورة‬
‫معنوية لم تقع‪ ،‬إذاً هناك مناسبة بين تعذيب المصور وتعذيب الكذاب في المنام‪ ،‬فيه تشابه لهذه‬
‫المناسبة‪ ،‬كالهما يعذب بالتكليف بالمحال‪ ،‬هذا يقال له‪( :‬أحيوا ما خلقتم) واآلخر يقال له‪( :‬اعقد‬
‫بين شعيرتين) وهيهات اإلنسان يعقد بين شعيرتين‪ ،‬وربما تجر الرؤيا الكاذبة على اإلنسان مصيبة‬
‫لم تكن في الحسبان بسبب كذبه في المنام‪ ،‬فقد جاء أن رجالً قص على ابن سيرين رحمه اهلل فقال‪:‬‬
‫رأيت كأن بيدي قدحاً من زجاج فيه ماء‪ ،‬فانكسر القدح وبقي الماء‪ ،‬فقال‪ :‬اتق اهلل فإنك لم تر شيئاً‪،‬‬
‫يعني أنه اكتشف كذبه‪ ،‬فقال‪ :‬سبحان اهلل كيف تكذبني؟ هذا كالمي‪ ،‬قال ابن سيرين ‪ :‬فمن كذب فما‬
‫علي ستلد امرأتك وتموت ويبقى ولدها‪ ،‬فلما خرج الرجل‪ ،‬قال‪ :‬واهلل ما رأيت شيئاً‪ ،‬فما لبث إال أن‬
‫ّ‬
‫ولد له وماتت امرأته‪ ،‬فينبغي على المؤمن أن يحذر أشد الحذر في مسألة الكذب في المنام‪ ،‬وكذلك‬
‫الكذب في التأويل؛ ألن بعض الناس يؤولون الرؤى بغير علم‪ ،‬وهذا حرام‪ ،‬وتأويل الرؤى بغير‬
‫علم مثل الفتوى بغير علم‪ ،‬وهي باب واحد‪ ،‬يأتي بعض الناس يفسر بالظن يقول‪ :‬لعل ولعل إما أن‬
‫يعلم بما يلقيه اهلل في نفسه مما عنده من علم في تأويل الرؤى وإ ال فال يتكلم إطالقاً‪ ،‬ويقول‪ :‬اهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫تقسيم الرؤيا إلى نوعين‪:‬‬


‫أما أنواع الرؤى فإنه قد مر معنا أنها ثالثة‪ ،‬بشرى من اهلل‪ ،‬وما يحدث اإلنسان بها نفسه‪ ،‬وتحزين‬
‫من الشيطان‪ .‬قال النبي صلى اهلل عليه وسلم عنها‪( :‬إن الرؤيا ثالث‪ :‬منها أهاويل من الشيطان‬
‫ليحزن بها ابن آدم‪ ،‬ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه‪ ،‬ومنها جزء من ستة وأربعين‬
‫جزءاً من النبوة) قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪ :‬وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وذكر حديث أبي هريرة ‪ ،‬وقيل‪ :‬إن ذلك من كالم ابن سيرين ‪ ،‬لكن تقسيم الرؤيا إلى‬
‫نوعين‪ ،‬نوع من اهلل‪ ،‬ونوع من الشيطان وهذا صحيح عن النبي صلى اهلل عليه وسلم بال ريب‪،‬‬
‫فيمكن أن نقول أن الرؤى نوعان أساسيان‪ :‬من اهلل وهي الرؤيا الصالحة‪ ،‬وهي البشرى وجزء من‬
‫النبوة‪ ،‬وهي كثيرة في األنبياء والصالحين‪ ،‬قليلة فيمن سواهم‪ .‬ثانياً‪ :‬األضغاث ويدخل تحت‬
‫األضغاث أنواع كثيرة منها‪ :‬أهاويل وتالعب الشيطان ليحزن بها ابن آدم‪ ،‬مثل الذي ورد في‬
‫الحديث‪( :‬أن رجالً قال للنبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن عنقي‬
‫ضربت فسقط رأسي فأتبعته‪ ،‬فأخذته ثم أعدته مكانه‪ ،‬فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا لعب‬
‫الشيطان بأحدكم في منامه‪ ،‬فال يحدثن به الناس)‪ .‬رأيت رأسي قطع وتدحرج ولحقته وأعدته‬
‫مكانه‪ ،‬هذا من الشيطان فال يحدث به إطالقاً‪ ،‬فالشيطان يتالعب بابن آدم في المنام‪ ،‬فيريه مثل هذه‬
‫األشياء‪ ،‬وكذلك من رؤى الضالل المبين أن يرى اإلنسان ‪-‬مثالً‪ -‬صورة اهلل أو النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم أو المالئكة‪ ،‬يقول له‪ :‬افعل حراماً‪ .‬الشيطان يصوره له يقول على أنه اهلل‪ ،‬أو أنه النبي‪،‬‬
‫أو أنه الملك يقول له‪ :‬افعل الشيء المحرم‪ ،‬فهذا أيضاً من تالعب الشيطان ألن اهلل ال يأمر‬
‫بالفحشاء‪ ،‬فهذا من الشيطان‪ ،‬كذلك لو أن الشيطان أرى النبي صلى اهلل عليه وسلم في المنام مثالًُ‬
‫أنه قال‪ :‬هذا النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أسود اللون أو قصير أو سمين أو أعرج أو فيه عاهة أو‬
‫أعور ونحو ذلك‪ ،‬هذا ليس هو النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬هذا من تالعب الشيطان بابن آدم في‬
‫المنام‪ .‬النوع الثالث‪ :‬نوع ال بشارة وال من الشيطان‪ ،‬وإ نما هو شيء كان اإلنسان مهموم به في‬
‫حياته‪ ،‬كالطالب الذي يذاكر في االمتحان ويقلب األوراق‪ ،‬ويتخيل االختبار وما سيأتي من األسئلة‬
‫ونحو ذلك فينام‪ ،‬فيرى نفسه في قاعة االختبار في المنام وتوزع األوراق‪ ،‬وأنه يحل وأنه سلم‬
‫الورقة وأنه ‪ ، ..‬شيء كان مهموماً به في يومه فرآه في ليلته‪ ،‬معاملة واحد يتابع فيها‪ ،‬فيرى في‬
‫المنام المعاملة‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فإذاً هذا النوع ال تقول أنه رؤى من اهلل بشارة أو ال تقول أنه تالعب‬
‫من الشيطان‪ ،‬بل هو هم كان اإلنسان مهموماً به في نهاره‪ ،‬فانطبع في شعوره‪ ،‬فرآه في ليله في‬
‫المنام‪.‬‬
‫أقسام الناس بالنسبة للرؤيا‪:‬‬
‫أقسام الناس بالنسبة للرؤيا‪ ،‬فإن الناس فيها أقسام‪ :‬فأما األول فهم‪ :‬األنبياء‪ ،‬ورؤياهم كلها صدق‬
‫ووحي‪ .‬الصالحون‪ :‬والغالب على رؤاهم الصدق‪ ،‬وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير‪ ،‬فهي نوعان‪:‬‬
‫نوع ال يحتاج إلى تعبير‪ ،‬يرى أنه سيحدث في اليوم الفالني كذا وكذا مثالً‪ ،‬فيقع فعالً كما رأى‬
‫مباشرة‪ ،‬ونوع فيه غموض يحتاج إلى تفسير‪ ،‬فهذا النوع الذي قد يقع ألناس من الصالحين‪ .‬وأما‬
‫من عداهم فتقع لهم أشياء قد تكون صادقة وقد تكون غير صادقة‪ ،‬ولكن الفسقة يغلب على رؤاهم‬
‫األضغاث ويقل فيها الصدق‪ ،‬وأما الكفار فيندر جداً أن يقع منام صادق بالنسبة لهم‪.‬‬

‫هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟‬


‫مسألة مهمة‪ :‬هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟ إن غالة الصوفية ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬كما تقدم في‬
‫الدرس الماضي‪ ،‬جعلوا من مصادر التلقي المنامات‪ .‬كل أهل السنة والجماعة مصادر التلقي‬
‫عندهم الكتاب والسنة وإ جماع األمة‪ ،‬والقياس؛ أعني قياس عير المنصوص عليه على المنصوص‬
‫عليه في الكتاب والسنة‪ .‬الصوفية عندهم كما ذكرنا (الكشف) يقولون‪ :‬انكشفت لنا األستار‪ ،‬ورأى‬
‫القطب (الولي األعظم) اللوح المحفوظ ورأى ما هو مكتوب فيه‪ ،‬الذوق والوجد والمنامات‪ ،‬ورأى‬
‫الخضر‪ ،‬وطلع المقبور فحدثه بأشياء‪ ،‬ويعتبرون ذلك تشريعاً ويقول‪ :‬أنا أخذت الورد الفالني‬
‫والصالة النارية على فالن الفالني‪ ،‬خرج من قبره وحدثني به‪ ،‬هذا مصدر عندهم للتشريع والتلقي‪،‬‬
‫وينبني عليه أحكام وفيها فضائل‪ .‬بالنسبة لـأهل السنة ‪ ،‬ليست الرؤى عندهم مصادر التلقي‪،‬‬
‫والمنامات والرؤى على فضلها ال تؤخذ منها أحكاماً شرعية‪ ،‬وال يمكن أن يقول عالم من علماء‬
‫أهل السنة ‪ :‬إن الشيء الفالني حرام‪ ،‬والدليل رؤيا رأيتها وفيها كذا كذا‪ ،‬أو يقول‪ :‬الشيء الفالني‬
‫مباح‪ ،‬والدليل رؤيا رأيتها وهي كذا كذا‪ ،‬هذا ليس في دين اإلسالم فإذاً غير رؤى األنبياء ال يمكن‬
‫أن يؤخذ منها أحكام‪ ،‬رؤى األنبياء حق ووحي يؤخذ منها أحكام‪ ،‬أما رؤى الناس بشارات‪ ،‬وأخبار‬
‫عن أشياء تقع في المستقبل‪ ،‬وهكذا‪ .‬وليست مجاالً وال مأخذاً لألحكام‪ ،‬فقد يقول قائل‪ :‬أليس األذان‬
‫شرع بالمنام؟ وأليس عبد اهلل بن زيد وعمر بن الخطاب رأيا األذان؟ نقول‪ :‬نعم ‪ .‬لكن متى صار‬
‫األذان من الدين لما رآه عبد اهلل بن زيد ورآه عمر أو لما أقره النبي عليه الصالة والسالم؟ لما أقره‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬ولذلك ما كانت رؤيا عبد اهلل بن زيد بمفردها تشريعاً‪ ،‬وإ نما بإقرار النبي‬
‫عليه الصالة والسالم على ذلك‪ ،‬وحتى ال يقطع بها في مسائل كمثل رؤية الهالل‪ ،‬قال النووي‬
‫رحمه اهلل‪ :‬لو كانت ليلة الثالثين من شعبان‪ ،‬ولم ير الناس الهالل‪ ،‬فرأى إنسان النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم في المنام‪ ،‬فقال له‪ :‬الليلة أول رمضان‪ ،‬أي‪ :‬ليلة ثالثين شعبان‪ ،‬لم يصح الصوم بهذا‬
‫المنام‪ ،‬ال لصاحب المنام وال لغيره‪ ،‬فإذاً المنامات ال يؤخذ منها األحكام الشرعية‪.‬‬

‫آداب المنام‪:‬‬
‫أما بالنسبة للمنام فله آداب تتعلق به‪ :‬قال ابن القيم رحمه اهلل‪ :‬ومن أراد أن تصدق رؤياه‪ ،‬فليتحر‬
‫الصدق‪ ،‬وأكل الحالل‪ ،‬والمحافظة على األوامر والنواهي‪ ،‬ولينم على طهارة كاملة‪ ،‬مستقبل القبلة‪،‬‬
‫ويذكر اهلل حتى تغلبه عيناه‪ ،‬فإن رؤياه ال تكذب البتة‪ .‬وأصدق الرؤيا ما كان في األسحار‪ ،‬فإنه‬
‫وقت النزول اإللهي‪ ،‬واقتراب الرحمة والمغفرة‪ ،‬وسكون الشياطين‪ ،‬وعكسه رؤيا العتمة‪ ،‬التي هي‬
‫وقت العشاء‪ ،‬عند انتشار الشياطين واألرواح الشيطانية‪ ،‬فكون الرؤيا تصدق باألسحار فهذا غالباً‪،‬‬
‫غالب الرؤيا الصادقة تكون في األسحار‪.‬‬

‫آداب الرؤيا الصالحة‪:‬‬


‫ما هي آداب الرؤيا الصالحة؟ لو أن إنساناً رأى رؤيا يحبها فيها بشارة‪ ،‬ماذا يفعل؟ قال صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪( :‬إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من اهلل‪ ،‬فليحمد اهلل عليها‪ ،‬وليحدث بها‪ ،‬وإ ذا‬
‫رأى غير ذلك مما يكره‪ ،‬فإنما هي من الشيطان‪ ،‬فليستعذ من شرها‪ ،‬وال يذكرها ألحد فإنها ال‬
‫تضره) وقال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬فإن رأى أحدكم حسنة فليبشر‪ ،‬وال يخبر إال من يحب)‪ .‬فإذاً‬
‫اآلداب المتعلقة بالرؤيا الصالحة‪ ،‬في السنة عدة ‪ :‬أوالً‪ :‬أن يحمد اهلل تعالى‪ .‬ثانياً‪ :‬أن يسأله‬
‫تحقيقها‪ .‬ثالثاً‪ :‬يحدث بها من يحب‪ .‬رابعاً‪ :‬أنه ال يخبر حاسداً وال يخبر جاهالً‪ ،‬يحدث بها من‬
‫يحب‪ .‬وأما الرؤيا المكروهة‪ ،‬فجاء في السنة أنه إذا رأى ما يكره فليتعوذ باهلل من شرها‪ ،‬ومن شر‬
‫الشيطان‪ ،‬وليتفل ثالثاً‪ ،‬وال يحدث بها أحداً‪ ،‬فإنها ال تضره‪ ،‬وفي رواية‪( :‬وليبصق عن يساره‬
‫ثالثاً‪ ،‬ويستعذ باهلل من الشيطان ثالثاً‪ ،‬وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) وفي رواية‪( :‬فإن رأى‬
‫أحدكم ما يكره فليقم‪ ،‬وليصل وال يحدث بها الناس) فإذا رأى اإلنسان رؤيا سيئة أو مكربة أو‬
‫مفزغة فماذا يجب عليه أن يعمل؟ أوالً‪ :‬يستعيذ باهلل من شرها‪ .‬ثانياً‪ :‬يستعيذ باهلل من الشيطان‬
‫الرجيم‪ .‬ثالثاً‪ :‬يتفل عن يساره ثالثاً طرداً للشيطان وتحقيراً له‪ ،‬وجهة الشمال معروفة في الشريعة‬
‫لألشياء المستقذرة‪ ،‬والشيطان ممكن أنه يكبت من جراء هذا البصق‪ ،‬وهذا التفل الذي يكون عن‬
‫الشمال ثالث مرات‪ ،‬ويحقر ويخنس‪ .‬رابعاً‪ :‬ال يذكرها ألحد؛ حتى ال يتعجل أحد بتعبيرها بأشياء‬
‫مكروهة‪ ،‬فيتضرر الرائي‪ .‬خامساً‪ :‬أن يصلي عندما يستيقظ من نومه‪ ،‬والصالة مطردة للشيطان‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬يتحول عن جنبه الذي كان عليه‪ ،‬تفاؤالً بتغير الحال‪ ،‬فإذا كان نائماً على اليمين ينام على‬
‫ظهره‪ ،‬فهذه بالنسبة لمسألة الرؤى السيئة‪ ،‬أما إذا انفجع من الرؤيا وقام من النوم مفزوعاً يقول‪:‬‬
‫أعوذ بكلمات اهلل التامة‪ ،‬من غضبه ومن شر عبادته‪ ،‬ومن همزات الشياطين وأن يحضرون‪َ ،‬و ُق ْل‬
‫الشي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َأعو ُذ بِ َ ِ‬
‫ض ُر ِ‬
‫ون [المؤمنون‪.]98-97:‬‬ ‫َأن َي ْح ُ‬
‫ب ْ‬ ‫َأعو ُذ بِ َ‬
‫ك َر ِّ‬ ‫اط ِ‬
‫ين * َو ُ‬ ‫ك م ْن َه َم َزات َّ َ‬ ‫َر ِّ ُ‬

‫تأويل الرؤى وتعبيرها‪:‬‬


‫أما تأويل الرؤى وتعبيرها فمعناها‪ :‬األخبار بما تئول إليه الرؤيا‪ ،‬فما هو تفسير الرؤيا؟ هو كما‬
‫ب فَتَْأ ُك ُل الطَّ ْي ُر ِم ْن‬
‫صلَ ُ‬ ‫َأح ُد ُك َما فََي ْس ِقي َرَّبهُ َخ ْمراً َو َّ‬
‫َأما اآْل َخ ُر فَُي ْ‬ ‫ِّج ِن َّ‬
‫َأما َ‬
‫عبر يوسف يا ص ِ‬
‫احَب ِي الس ْ‬ ‫َ َ‬
‫َأح ُد ُك َما فََي ْس ِقي َرَّبهُ َخ ْمراً [يوسف‪،]41:‬‬ ‫ْأس ِه [يوسف‪ .]41:‬األولى تعبيرها شبه مباشر‪َّ :‬‬
‫َأما َ‬
‫رِ‬
‫َ‬
‫وأما اآلخر‪ ،‬فيصلب ويموت ويقتل وتأكل الطير من رأسه‪ ،‬تأتي وتقف عليه وهو مصلوب وتأكل‬
‫من رأسه وتنقر في رأسه‪ ،‬هذا تأويله‪ .‬الرؤى إذاً قسمان‪ :‬قسم جلي‪ ،‬كمن رأى في المنام أنه يعطى‬
‫وأخبر أن‬
‫تمراً فقام في النهار فأعطي تمراً‪ .‬أو رأى في المنام أن فالناً سيموت‪ ،‬فقام من المنام ُ‬
‫فالناً مات‪ ،‬أو بعد مدة حصل ما رآه منه‪ .‬وقسم مرموز له‪ ،‬بعيد المرامز ال يعبره إال حاذق؛ ألن‬
‫فيه ضرب مثل‪ ،‬فهذا ال يقص إال على معبر‪ ،‬والمعبر له صفات ‪ :‬منها أن يكون عالماً‪ ،‬ذكياً‪ ،‬تقياً‪،‬‬
‫نقياً من الفواحش‪ ،‬يعرف حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ولغة العرب‪ ،‬فهذا الذي تقص عليه‬
‫الرؤى لتعبيرها وتفسيرها‪ ،‬وأيضاً يقول عمر رضي اهلل عنه لما كتب لـأبي موسى كما في شرح‬
‫السنة للبغوي ‪[ :‬أما بعد‪ :‬فإني آمركم بما يأمركم به القرآن‪ ،‬وأنهاكم عما نهاكم عنه محمد صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وآمركم باتباع الفقه والسنة والتفهم في العربية‪ ،‬وإ ذا رأى أحدكم رؤيا فقص على أخيه‬
‫فليقل خيراً لنا وشراً ألعدائنا] أي يتفاءل بها لنفسه وللمسلمين‪ ،‬وأيضاً ويتفاءل بأنها شر على‬
‫الكفار واألعداء‪ .‬وقد سئل اإلمام مالك رحمه اهلل‪ :‬أيعبر الرؤيا كل أحد؟ قال‪[ :‬أبالنبوة يلعب!] ثم‬
‫قال‪[ :‬الرؤيا جزء من النبوة فال يعلب بالنبوة] وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم (إذا رأى أحدكم‬
‫رؤيا حسنة فليفسرها وليخبر بها‪ ،‬وإ ذا رأى رؤيا قبيحة‪ ،‬فال يفسرها‪ ،‬وال يخبر بها) وإ ذا كان‬
‫يستطيع أن يفسرها فسرها‪ ،‬وإ ذا لم يستطع أن يفسرها فإنه يقصها على من يعرف التفسير‪ ،‬ممن‬
‫تقدمت صفته‪.‬‬

‫السؤال عن الرؤيا‪:‬‬
‫والسؤال عن الرؤيا ال بأس به‪ ،‬فإن النبي صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬كان إذا صلى الصبح أقبل على‬
‫أصحابه‪ ،‬ويقول‪ :‬هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له) كان‬
‫يقول ألصحابه هذا الكالم بعد الفجر خاصة؛ ألن الرائي يكون صافي الذهن‪ ،‬والعابر يكون حاضر‬
‫الذهن‪ ،‬ورؤى األسحار ‪-‬كما تقدم‪ -‬من أصدق الرؤى‪ ،‬ومرة ما قص عليه أحد شيء‪ ،‬فأخبر عن‬
‫رؤيا رآها‪ ،‬وأخبر عما حصل فيها‪ .‬تقص الرؤيا على صاحب مودة وعلى ذي علم‪ ،‬كما جاء في‬
‫ك َعلَى‬‫ص ُرْؤ يا َ‬
‫ص ْ‬
‫الحديث‪ ،‬وال تقص على حاسد‪ ،‬ولذلك كان يعقوب حكيماً لما قال ليوسف‪ :‬ال تَ ْق ُ‬
‫ك [يوسف‪ ]5:‬ألن إخوتك حسدة‪ ،‬حسدوك على النعمة التي أعطاك اهلل إياها‪ ،‬فال تقصصها‬ ‫ِإ ْخ َوتِ َ‬
‫ك َك ْيداً [يوسف‪ .]5:‬هل يمكن لإلنسان إذا أخبر جاهالً برؤيا ففسرها‬ ‫على حاسد‪ :‬فََي ِك ُ‬
‫يدوا لَ َ‬
‫وعبرها أنها تقع فعالً على هذا النحو الذي عبرها به؟ ممكن‪ ،‬وقد جاء حديث عن النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬تكلم العلماء في صحته‪ ،‬بعضهم صححه وبعضهم لم يصححه أنه عليه الصالة والسالم‬
‫قال‪( :‬إن الرؤيا تقع على ما تعبر به‪ ،‬ومثل ذلك كمثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها) إذا‬
‫رأى أحدكم رؤيا فال يحدث بها إال ناصحاً أو عالماً‪ ،‬الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر‪ ،‬فإذا عبرت‬
‫وقعت‪ .‬وقد يقال‪ :‬ممكن اآلن واحد يقص الرؤيا على كذا شخص وكل واحد يفسرها له تفسيراً‬
‫مختلفاً‪ ،‬فعلى أي تفسير تقع؟ قال بعضهم‪ :‬تقع على أول معبر‪ ،‬واشترط بعضهم أن يكون أول‬
‫عابر يصيب وجه التعبير الصحيح‪ ،‬وإ ذا أول عابر ما أصاب وجه التعبير الصحيح‪ ،‬وقال كالماً‬
‫بناء على كالمه‪ ،‬فإذاً على‬
‫من عنده خلطاً وما أصاب‪ ،‬فأول واحد يصيب بعده‪ ،‬يقع تعبير الرؤيا ً‬
‫أول معبر يعبرها بشكل صحيح‪ .‬هناك قصة حسنه رواها الدارمي ‪ ،‬حسن الحافظ ابن حجر رحمه‬
‫اهلل إسنادها في الفتح ‪ :‬عن عائشة رضي اهلل عنها أنها قالت ‪( :‬كانت امرأة من أهل المدينة لها‬
‫زوج تاجر‪ ،‬يختلف في التجارة‪ ،‬فأتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬إن زوجي غائب‬
‫وتركني حامالً فرأيت في المنام أن سارية بيتي انكسرت‪ ،‬وأني ولدت غالماً أعور‪ ،‬فقال النبي‬
‫خير‪ ،‬يرجع زوجك إن شاء اهلل صالحاً تلدين غالماً براً‪ ،‬فذكرت ذلك له‪،‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ٌ :‬‬
‫فجاءت ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم غائب‪ ،‬ذكرت ذلك ثالثاً) اآلن المرأة جاءت وسألت ثالث‬
‫مرات وهي تجاب بنفسه‪ ،‬جاءت مرة أخرى والنبي عليه الصالة والسالم غائب‪ ،‬وعائشة موجودة‪،‬‬
‫فسألت عائشة عن المنام‪ ،‬يعني‪ :‬اآلن ليس هناك داعي أن تسأل عائشة ؛ ألنها سألت النبي عليه‬
‫الصالة والسالم وهو أصدق الناس‪ ،‬وأعرف الناس بالتأويل‪ ،‬فلماذا تسأل بعده؟ فربما أصبحت في‬
‫عقوبة‪ .‬فـعائشة ما كانت تدري عما قبل‪ ،‬فلما جاءت هذه المرأة وقالت‪ :‬رأيت كذا وكذا‪ ،‬قالت‬
‫عائشة ‪[ :‬لئن صدقت رؤياك‪ ،‬ليموتن زوجك‪ ،‬وتلدين غالماً فاجراً] فقال‪ :‬انكسرت سارية البيت‪،‬‬
‫يعني‪ :‬موت عمود البيت وهو الرجل‪ ،‬والغالم األعور يعني‪ :‬غالم فاجر‪ ،‬فقعدت تبكي المرأة هذه‪،‬‬
‫فجاء رسول اهلل صلى اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال‪( :‬مه يا عائشة ! إذا عبرتم للمسلم الرؤيا‬
‫فعبروها على خير؛ فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها‪ ،‬قالت عائشة ‪ :‬فمات واهلل زوجها‪،‬‬
‫وال أراها إال ولدت غالماً فاجراً) فقال بعضهم‪ :‬لعله عقوبة لهذه المرأة حيث سألت بعد النبي صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقد سألت ثالثاً وما اكتفت ؟! فإذاً الرؤيا ال تقص على أي أحد‪ ،‬تقص على ناصح‬
‫وواد‪ ،‬ليس على حاسد وال على جاهل‪ ،‬وإ نما صاحب علم‪ ،‬هذه الصفات التي ذكرناها لمن تقص‬
‫عليه الرؤيا‪.‬‬

‫رؤية النبي صلى اهلل عليه وسلم في المنام‪:‬‬


‫رؤية النبي صلى اهلل عليه وسلم في المنام تقدم الكالم فيها وشرحها‪ ،‬وأن الشيطان ال يتمثل‬
‫بصورة النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬وإ ذا رأيته عليه الصالة والسالم ورأيت شعره أسود‪ ،‬ورأيت‬
‫شيباً بسيطاً في مفارق الرأس والعنفقة (عشرون شعرة بيضاء) ولحيته تمأل ما بين منكبيه‪ ،‬ووجهه‬
‫أبيض مشرب بالحمرة‪ ،‬وعيناه واسعتان‪ ،‬وشديدتا السواد في شدة البياض‪ ،‬ورموشه قد طالت‬
‫وانثنت‪ ،‬وأنه صلى اهلل عليه وسلم عريض ما بين المنكبين‪ ،‬وأنه عظيم المشاش أي‪ :‬مفاصل‬
‫األصابع‪ ،‬وأنه صلى اهلل عليه وسلم كان شعره يصل إلى أذنيه أو يصل أحياناً إلى عاتقيه‪ ،‬وأحياناً‬
‫تكون له ظفائر‪ ،‬وكل هذا ورد في صفة شعر النبي صلى اهلل عليه وسلم إلى آخر ما ورد في‬
‫صفاته؛ إذا رأيته على صفاته التي وردت في كتب السيرة‪ ،‬فهو هو عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫والشيطان ال يمكن أن يتمثل به‪ ،‬فرؤيته قد تكون بشارة تثبيت‪ ،‬لصاحب المنام ‪-‬مثالً‪ -‬يثبته اهلل عز‬
‫وجل بأن يريه النبي عليه الصالة والسالم وهو يقول له كلمات فيها تثبيت‪ ،‬وقد يراه من غير أن‬
‫يقول له كلمة‪ .‬وأما إذا رئي على صفة المغايرة‪ ،‬فليس هو النبي عليه الصالة والسالم قطعاً‪ ،‬وقد‬
‫يقول‪ :‬رأيت نوراً ما رأيت وجهه وال رأيت شكله‪ ،‬فنقول‪ :‬ال نستطيع أن نقطع أنه هو عليه الصالة‬
‫والسالم‪ .‬ابن سيرين قال له رجل‪ :‬إني رأيت النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال ‪ :‬صف الذي رأيته‪،‬‬
‫فإن وصف له صفة ال يعرفها‪ ،‬قال له ‪ :‬لم تره‪ ،‬ومرة رآه رجل‪ ،‬فوصفه لـابن عباس ‪ :‬قال‪ :‬لم‬
‫تعدل‪ ،‬لو رأيته في الحقيقة ما استطعت أن تصفه بأكثر وأوضح من هذا‪ ،‬والرجل ما كان رأى‬
‫النبي عليه الصالة والسالم؛ ألنه من التابعين‪.‬‬

‫رؤى النبي صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬


‫النبي عليه الصالة والسالم رأى رؤيا فقصها على أصحابه‪ ،‬رأى أنه على حوض يسقي الناس‪،‬‬
‫وأتى أبو بكر فأخذ الدلو ليريح النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬فنزع ذنوبين‪ ،‬وفي نزعه ضعف واهلل‬
‫يغفر له‪ ،‬فأتى عمر بن الخطاب فأخذ منه‪ ،‬فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر‪،‬‬
‫ففسروه على أن الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب تكون شاملة وكبيرة‪ ،‬وعهد الصديق كان‬
‫سنتين وأشهر‪ ،‬انشغل فيه بقتال المرتدين‪ ،‬وإ رساء دعائم اإلسالم‪ ،‬وما كان عمر يستطيع أن يفتح‬
‫لوال أن أبا بكر قد مهد األمر بوضع القواعد واألسس‪ ،‬وأن اإلسالم قد استتب في الجزيرة بمحاربة‬
‫المرتدين‪ .‬خالفة عمر استمرت فوق عشر سنوات‪ ،‬ولذلك فتح اهلل األمصار في عهده‪ ،‬والنبي‬
‫فأوله بالدين‪ ،‬يعني‪ :‬أن دين‬
‫صلى اهلل عليه وسلم رأى أن عمر بن الخطاب عليه قميص يجتره َّ‬
‫عمر كامل وسابغ‪ ،‬وقد رأى النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه يشرب لبناً وأنه خرج من أظفاره الري‬
‫وأنه أعطى الفضل لـعمر ‪ ،‬وأول اللبن هنا بالعلم‪ ،‬ورأى النبي صلى اهلل عليه وسلم قصراً وامرأة‬
‫تتوضأ بجانب القصر‪ ،‬فقال‪( :‬لمن القصر؟ فقيل‪ :‬لـعمر ؟ فذكرت غيرتك فوليت مدبراً‪ ،‬فبكى عمر‬
‫رضي اهلل تعالى عنه)‪ .‬رأى النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه هاجر إلى أرض ذات نخل‪ ،‬ذهب وأهله‬
‫إلى أرض اليمامة أو هجر ‪ ،‬فإذا المدينة هي يثرب‪ ،‬ورأى رؤيا أنه انثلم سيفه‪ ،‬فانقطع صدره‪ ،‬فإذا‬
‫هو ما وقع بالمؤمنين يوم أحد من مصيبة‪ ،‬ثم هزه مرة أخرى فإذا هو راجع كما كان‪ ،‬فأوله ما جاء‬
‫اهلل به من فتح واجتماع المؤمنين‪ ،‬ورأى في المنام بقراً تذبح‪ ،‬وكان تأويلها النفر من المؤمنين ‪-‬‬
‫السبعين‪ -‬الذين أصيبوا في أحد وقتلوا‪ ،‬ورأى النبي صلى اهلل عليه وسلم أناساً من أمته‪ ،‬غزاة في‬
‫سبيل اهلل يركبون ثبج البحر كالملوك على األسرة‪ ،‬فأخبر أصحابه بذلك واستيقظ يضحك‪ ،‬فسألت‬
‫أم حرام بنت ملحان ‪ ،‬أن يجعلها اهلل منهم‪ ،‬فدعا لها‪ ،‬فهكذا حصل وركبت البحر زمن معاوية‬
‫وغزت‪ ،‬وخرجت من الساحل وركبت الدابة فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر‪ ،‬فهلكت‬
‫وذهبت شهيدة إلى اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬وكذلك رأى النبي صلى اهلل عليه وسلم ذات ليلة أنه في دار‬
‫عقبة بن رافع ‪ ،‬وأنه أوتي برطب من رطب مرطاب فأولها بالرفعة لنا في الدين‪ ،‬والعاقبة في‬
‫اآلخرة‪ ،‬وأن ديننا قد طاب‪ ،‬وكذلك رأى النبي صلى اهلل عليه وسلم زوجته عائشة يحملها الملك‬
‫جبريل في سرقة من حرير‪ ،‬ويقول هذه امرأتك‪ ،‬فيكشفها فإذا هي عائشة ‪ ،‬هذا الكالم قبل أن‬
‫يتزوج عائشة بمدة‪ ،‬ويقول‪ :‬إن يكن من عند اهلل يمضه‪ ،‬وفعالً تزوج النبي صلى اهلل عائشة ‪،‬‬
‫ورأى النبي عليه الصالة والسالم امرأة سوداء ثائرة الرأس‪ ،‬خرجت من المدينة حتى نزلت‬
‫الجحفة ‪ ،‬فأولها‪ :‬بأن وباء المدينة خرج من المدينة ونقل إلى الجحفة‪ ،‬وهذا الحديث في البخاري ‪.‬‬
‫والصحابة رأوا رؤى؛ منها ما تقدم أن رجاالً من أصحاب النبي صلى اهلل عليه وسلم أروا ليلة‬
‫القدر في المنام في السبع األواخر‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬أرى رؤاكم قد تواطأت‬
‫في السبع األواخر‪ ،‬فمن كان متحريها فليتحرها) ورؤيا األذان كذلك من رؤيا الصحابة رضوان اهلل‬
‫تعالى عنهم‪ ،‬وغير هذه من الرؤى التي رآها األنبياء والصالحون من بعدهم‪ ،‬وربما الرؤيا أحياناً‬
‫تذكر اإلنسان بشيء‪ ،‬كأن يكون مجتهداً يفكر في أمر من األمور‪ ،‬كمن عرضوا عليه قضية صالة‬
‫الجنازة على شخص مشكوك فيه‪ ،‬ما يدري هل هو مسلم أم كافر؟ فماذا يقول في صالة الجنازة؟‬
‫فقيل‪ :‬أن أحد أهل العلم وهو شيخ اإلسالم رحمه اهلل عرضت المسألة عليه ونام‪ ،‬فرأى رؤيا وكأن‬
‫أحداً يقول له‪ :‬الشرط يا أحمد ! الشرط يا أحمد ! ففهم من ذلك أن يشرط في الدعاء‪ ،‬يعني أنه‬
‫يقول في الدعاء‪ :‬اللهم إن كان صاحب هذه الجنازة مؤمناً فاغفر له وارحمه وعافه واعف عنه‪،‬‬
‫وأكرم نزله‪ ،‬ووسع مدخله‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فيقول الشرط‪ ،‬إن كان صاحب هذه الجنازة مؤمناً فيدعو له‬
‫بالمغفرة والرحمة‪ ،‬وكذلك إذا اشتبه في كونه مؤمناً أو كافراً أو ما يدرى عن حاله‪ ،‬وكذلك يمكن‬
‫أن تحصل رؤيا تدل شخصاً على شيء مفقود‪ ،‬كما حصل لبعض القضاة وكان قد وضع عنده صك‬
‫قرض لبعض من جاء يستفتيه في مسألة العقار‪ ،‬فقال القاضي‪ :‬انظر فيها وضعها في مكان وتفي‪،‬‬
‫وجاء أصحاب الصك يريدونه فما عثر عليه الورثة‪ ،‬وصارت المسألة في حرج على أولئك وعلى‬
‫هؤالء‪ ،‬فرأى ولد القاضي في المنام أن الشيخ يقول له‪ :‬أنظرها في المكان كذا من الدرجة‪ ،‬في‬
‫مكان وضعتها فيه‪ ،‬فقام من النوم‪ ،‬وذهب فعالً فوجدها في نفس المكان الذي قيل له في المنام أن‬
‫أباه قد وضعها فيه‪ ،‬وجاء وأعطاها ألصحابها وقال‪ :‬إنه رحمه اهلل دلني على المكان في المنام‪ ،‬وقد‬
‫تقع عجائب من هذا القبيل‪ ،‬وهذا ال حرج في ثبوته وتصديقه‪ ،‬وممكن أن يكون حقاً‪ ،‬وأخبار الرؤى‬
‫كثيرة جداً وتكفي القواعد التي تقدم ذكرها‪ .‬ونسأل اهلل سبحانه وتعالى أن يقر أعيننا بدينه ونصرة‬
‫دينه‪ ،‬وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه‪ ،‬وأن يجعلنا من أهل الصالح والتقوى‪ ،‬والمتمسكين‬
‫بالعروة الوثقى‪ ،‬وأن يجعلنا من أهل الصدق‪ ،‬و صلى اهلل و سلم على نبيا محمد وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين‪.‬‬

You might also like