Professional Documents
Culture Documents
مذلة الدَّين:
والدين مذلة أيها اإلخوة من عدة جهات :فإنه يضطر المستدين كثيراً للوقع في آفات عظيمة
ومنها :الكذب إذا حدث ،و منها :خلف الوعد إذا وعد ،ومنها :الحلف إذا اقسم للدائن على أن يرد
إليه الدين في أجل معين ،ثم أخلف وعده ،فحنث في يمينه ،وأقسم فعليه الكفارة ،وقد يضطره إلى
دخول السجن ،فتسوء سمعته وسمعة أوالده وأهله بين الناس ،ويحرج فيضطر إلى الكذب وربما
علم أوالده الكذب ،فإذا جاء الدائن إلى بيت المدين فطرق الباب أو اتصل بالهاتف ،فيلجأ بعض
المستدينين إلى الكذب فيقول :لولده ،قل له إنه غير موجود ،ثم يضطر للتخفي ،ويتحرج من
مواجهة الناس الذين يطالبونه ،فيتوارى عن األنظار والمجالس ،ويحرم المعيشة الطبيعية،
ومعاشرة الخلق ،ولذلك يقول عليه السالم ،في الحديث الصحيح( :ال تخيفوا أنفسكم بالدين) .ثم
انظر إلى تلك الصفة الشنيعة من صفات النفاق العملي :وإ ذا وعد أخلف كما تتكرر اليوم من
المستدينين؟ كم مرة يخلفون؟ وما إلثم النفاق العملي العظيم وآثاره على قلوبهم ،وقد يضطر
ٍ
مراب ليسدد لمن يطالبه ،أو يطلب محاكمته ،وربما المستدين للوقوع في الربا ،فيقترض من
ٍ
مراب ليوفي مرابياً آخر ،والدين يزداد ،والحرام يعظم حتى يهلكه في الدنيا واآلخرة. استدان من
وإ ياكم ثم إياكم يا معشر المستدينين! أن تلجئوا إلى البنوك الربوية لالقتراض منها ،فإن من فعل
منكم ذلك ،فقد وقع في لعنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،مهما كانت الحاجة ال تلجأ إلى البنك
الحرام المحرم ،لكي تقترض منه؛ ألن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،لعن في الحديث الصحيح
آكل الربا وموكله ،لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم معطي الربا ولعن آخذ الربا ،وهذه اآلفات
العظيمة في الدين ،تجعل بعض المستدينين قد يخرج من دينه بسبب الدين ،ولهذا يقول بعض
خير لك من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب ِد ُينك . ِ
السلف :ألن تلقى اهلل وعليك َد ْين ولك دينٌ ،
وهو مذلة؛ ألن فيه شغل القلب والبال والتذلل للغريم عند لقائه ،وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه
وربما مات فصار مرتهناً بدينه (نسمة المؤمن معلقة بدينه) وقد يجعل المستدين ذليالً من جهة أنه
يحس في قرارة نفسه أنه صاحب حاجة ،وأنه محتاج إلى غيره ،وقد يجر على نفسه تسلط غيره
عليه إذا كان الدائن ال يراعي حقوق األخوة ،فيبدأ الدائن بالتدخل في شئون المدين الداخلية
الخاصة ،فيتكلم من منطلق الدين الذي له عند صاحبه ،مما يؤذي المدين في أهله وشخصه ،وقد
يتدخل الدائن في تجارة المدين ،ويقول له :بع كذا ،وال تشتر كذا ،والمدين المسكين يحرج وال
يستطيع أن يخالف حتى وجهة نظر الدائن .وهو مذلة أيضاً؛ ألنه سيسمع من الدائن كالماً قاسياً
بشعاً في حقه ال يليق ،ولكنه يضطر إلى السكوت على مضض وال يجد وال جواباً وال يستطيع رداً.
التساهل في الدَّين:
عادة الناس اليوم ذميمة فهم يتساهلون في الدين ،وخصوصاً عندما تكون إرادتهم شراء الكماليات،
ال يملكون قيمتها ،أو بعض قيمتها ،فيظنون أن االقتراض أسهل األمور ،وهو سهل حلو عند أخذه،
مر حنظل عند حلول وقت دفعه .والتبذير عادة قبيحة في مجتمعاتنا اليوم ،التي تعودت على
صرف األموال وإ نفاقها يميناً وشماالً ،بدافع بحاجة وبغير حاجة ،فهم الناس اليوم يصلون لحافهم
بلحاف غيرهم ،لكي يمدوا أرجلهم أقصى ما يستطيعون ،لو أنهم تعقلوا فأنفقوا على قدر طاقتهم
واستطاعتهم ،لما حصل لهم الخزي الذي حصل ،والعجيب أنك ترى بعض هؤالء من غير
المتعقلين ،يسكن بيتاً فخماً و يركب سيارة فارهة ،وربما ركب فيها هاتفاً سياراً ،كل ذلك بالدين،
ولعل بعض من استدان منهم بيوتهم وسيارتهم أقل من هذا المستدين لتعقلهم .ورسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم كان يدعو اهلل عز وجل بأدعية عظيمة منها( :اللهم استر عوراتي ،وآمن روعاتي،
واقض عني ديني) وقال عليه الصالة والسالم( :اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ،والعجز
والكسل ،والجبن والبخل ،وضلع الدين وغلبة الرجال) وضلع الدين هو :ثقله ،وهو أن ال يجد
الدائن من حيث يؤدي ،وفي رواية( :من غلبة الدين وقهر الرجال) .وعن عائشة رضي اهلل عنها،
أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان يدعو في الصالة ويقول( :اللهم إني أعوذ بك من المأثم
والمغرم) .المغرم :ما يغرمه اإلنسان بسبب الدين مثالً ،فقال له قائل :ما أكثر ما تستعيذ يا رسول
اهلل من المأثم والمغرم؟ قال( :إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف)رواه البخاري.
القناعة:
أوالً :القناعة؛ فإن المسلم لو قنع بحاله ومستوى معيشته ،وعيشة الكفاف ال له وال عليه ،حتى لو
كانت بسيطة جداً لم يتطلب أكثر من ذلك ،ولحلت له هذه القناعة مشكلة االستدانة ،ولما لجأ إلى
الدين ،لكن الناس ال يقنعون ،فينظرون إلى من فوقهم في المعيشة ،والرسول صلى اهلل عليه وسلم
يطلب من المسلم أن ينظر إلى من دونه في المعيشة ،وإ نما ينظر إلى من هو أعلى منه في الدين
والورع والعبادة والتقوى ،إذا أردت أن تنظر إلى األعلى فانظر إلى صاحب الدين ،وفي المعيشة
تنظر إلى من هو أسفل منك حتى تحصل عندك القناعة ،فال تغتم وتهتم ،وتلجأ إلى الدين ،ويدخل
في هذا إشاعة القناعة في نفوس أهل البيت ،فإن كثيراً من النساء في الحقيقة ،يلجئن أزواجهن إلى
االستدانة ،ويجب على المسلم العاقل أن يتعقل في هذه الحالة ،وأال يستجيب للدواعي وكثرة
الصرخات ،وكثرة اإللحاح على رأسه أن يستدين من قبل زوجته وأوالده ،وإ نما يذكرهم باهلل ،وهذا
يبين لنا أهمية التربية اإلسالمية ،لو تربت الزوجة أو األوالد التربية اإلسالمية لما حصل منهم دفع
الرجل صاحب البيت إلى االستدانة.
الزهد في الدنيا:
وكذلك من األمور المهمة :مفهوم الزهد في الدنيا ،فلو زهد اإلنسان في الدنيا ومتاعها ،وزينتها،
لما شعر بالدافع إلى التزود فيستدين ،ولكن قد تقع االستدانة لضرورة Dفي مثل عالج ضروري ال
يملك قيمته ،أو مسكن وأثاث لطالب زواج يريد أن يعف نفسه ،وهو يخشى على نفسه العنت
والوقوع في الحرام ،فال يستطيع الزواج من المهر والتأثيث إال باالستدانة ،هنا تكون استدانته
يسدد بها
وجيهة ،ومع ذلك ال ينسى الوفاء ،والبحث عن تجارات طيبة ،أو صفقات فورية حالل ّ
دينه واهلل قد تكفل لمن يريد الوفاء بصدق أن يعينه .هذا كالمنا أيها اإلخوة في ذم الدين ،والترهيب
من عدم قضائه ،وعدم اللجوء إليه إال في الضروريات D،وكيف يعالج المسلم حاجة االستدانة في
نفسه ،وسنكمل معكم بقية الموضوع وهو موضع خطير حتى يكاد يكون اليوم موضوع الساعة في
مجالس الناس وأحاديثهم ،والقصص كثيرة مؤلمة ،سببها التهور والتفريط واالستعجال ،وهو من
الشيطان وعدم تقوى اهلل عز وجل .اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ،اللهم أنت الغني
ونحن الفقراء ،اللهم اقض عنا ديوننا ،اللهم إنا نعوذ بك من الغنى المطغي ،ومن الفقر المنسي،
اللهم أعنا على قضاء ديوننا ووفائها لمستحقيها ،واجعلنا ممن يوفون بالخير ،واجعلنا ممن يكونون
قضاء ،وصلوا على نبيكم محمد صلى اهلل عليه وسلم ،فإن الصالة عليه في هذا اليوم ً أحسن الناس
صلُّوا َعلَْي ِه َو َسلِّ ُموا
آمُنوا َ
ين َ
َِّ
النبِ ِّي َيا َُّأيهَا الذ َ
ون َعلَى َّالعظيم فيها أجر عظيمِ :إ َّن اللَّه ومالِئ َكتَه ي ُّ
صل َُُ َ َََ
تَ ْسِليماً [األحزاب .]56:اللهم وارض عن صحابة نبيك أجمعين ،وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين ،وارض اللهم عنا معهم برحمتك ِّ
ومنك وإ حسانك يا أرحم الراحمين! إن اهلل يأمر
بالعدل واإلحسان وإ يتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون،
فاذكروا اهلل العظيم الجليل يذكركم ،واشكروه على نعمه يزدكم ،ولذكر اهلل أكبر واهلل يعلم ما
تصنعون.