You are on page 1of 8

‫( ذم الدين وعاقبة االستدانة )‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬ذم َّ‬
‫الد ْين والترهيب من عدم قضائه‬
‫‪ .2‬مذلة َّ‬
‫الدين‬
‫‪ .3‬أقوال السلف في َّ‬
‫الدين‬
‫‪ .4‬التساهل في َّ‬
‫الدين‬
‫‪ .5‬أصناف الناس في َّ‬
‫الدين‬
‫‪ .6‬حكم من أخذ أموال الناس يريد أداءها‬
‫‪ .7‬عالج االندفاع إلى َّ‬
‫الدين‬

‫ذم الدين وعاقبة االستدانة‪:‬‬


‫تكلم الشيخ في هذه الخطبة عن أمر عظيم وهو َّ‬
‫الدين؛ محذراً من اإلفراط فيه‪ ،‬فذكر أحاديث عن‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في الترهيب من أن يموت المرء وعليه دين‪ .‬وموضحاً أنه من‬
‫استدان للضرورة‪ D‬يريد أداء حقوق الناس فهذا قد استثناه العلماء مستدلين بأحاديث تنبئ عن هذا‬
‫القول‪ ،‬ثم ختم خطبته بذكر العالج النافع لمرض َّ‬
‫الدين واالستدانة‪.‬‬

‫ذم الد َّْين والترهيب من عدم قضائه‪:‬‬


‫إن الحمد هلل؛ نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ِ‬ ‫اَّل‬ ‫محمداً عبده ورسوله‪ .‬يا َُّأيها الَِّذين آمُنوا اتَّقُوا اللَّه ح َّ ِ ِ‬
‫ون [آل‬ ‫ق تُقَاته َوال تَ ُموتُ َّن ِإ َو َْأنتُ ْم ُم ْسل ُم َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ق ِم ْنها َزو َجها وَب َّ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫الن ُ َّ‬ ‫عمران‪َ .]102:‬يا َُّأيهَا َّ‬
‫ث‬ ‫اس اتقُوا َرَّب ُك ُم الذي َخلَقَ ُك ْم م ْن َن ْفس َواح َدة َو َخلَ َ َ ْ َ َ‬
‫ان َعلَْي ُك ْم َر ِقيباً [النساء‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَأْلر َح َام ِإ َّن اللهَ َك َ‬
‫ون بِه َو ْ‬ ‫اء َواتَّقُوا اللهَ الذي تَ َس َ‬
‫اءلُ َ‬ ‫م ْنهُ َما ِر َجاالً َكثيراً َونِ َس ً‬
‫ِ‬ ‫صِل ْح لَ ُك ْم ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َِّ‬
‫وب ُك ْم َو َم ْن‬
‫َأع َمالَ ُك ْم َوَي ْغف ْر لَ ُك ْم ُذُن َ‬ ‫آمُنوا اتَّقُوا اللهَ َوقُولُوا قَ ْوالً َسديداً * ُي ْ‬‫ين َ‬‫‪َ .]1‬يا َُّأيهَا الذ َ‬
‫ُي ِط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ فَقَ ْد فَ َاز فَ ْوزاً َع ِظيماً [األحزاب‪ .]71-70:‬أما بعد‪ :‬فإن أصدق الحديث كتاب‬
‫اهلل‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل‬
‫َأهِلهَا [النساء‪]58:‬‬ ‫َأن تُ ُّدوا اَأْلم َان ِ‬
‫ات ِإلَى ْ‬ ‫ِإ َّ‬
‫َ‬ ‫بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار‪َّ .‬ن اللهَ َي ُ‬
‫ْأم ُر ُك ْم ْ َؤ‬
‫والدواوين ثالثة‪ ،‬فمنها ديوان ال يتجاوز اهلل عنه يوم القيامة‪ ،‬وهو ديوان حقوق العباد‪ .‬وهاهنا‬
‫مسألة أيها اإلخوة! نريد أن نفرد لها عدة خطب لنتكلم عنها‪ ،‬لما حصل فيها من التقصير العظيم‬
‫من المسلمين‪ ،‬وهي مسألة ذات شجون خصوصاً لمن ذاق طعمها‪ ،‬وهي من مسائل حقوق العباد‬
‫التي وقع فيها التفريط‪ ،‬وهذه المسألة أيها اإلخوة! مسألة َّ‬
‫الدين‪ .‬الناس اليوم يتساهلون في االستدانة‬
‫الدين‪،‬‬
‫وكثير منهم ال يدرون عن أحكامها شيئاً‪ ،‬ونحن نتكلم في هذه الخطبة عن ذم َ‬
‫ٌ‬ ‫تساهالً عجيباً‪،‬‬
‫وعاقبة االستدانة‪ ،‬وسوف نتكلم إن شاء اهلل عن الطرف اآلخر وهو الدائن المقرض‪ ،‬وسنتكلم أيضاً‬
‫إن شاء اهلل عن بعض أحكام االستدانة‪ .‬عن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪( :‬لو كان لي مثل أحد ذهباً ما يسرني أال يمر علي ثالثة أيام وعندي منه شيء إال‬
‫شيء أرصده َلدين) فصلى اهلل عليه وسلم ما كان أحرصه على قضاء دينه‪ ،‬ويقول عليه الصالة‬
‫والسالم في الحديث الصحيح‪( :‬إن قتلت في سبيل اهلل صابراً محتسباً‪ ،‬مقبالً غير مدبر‪ ،‬كفر اهلل‬
‫الدين‪ ..‬كذلك قال لي جبريل آنفاً) وقال عليه السالم‪( :‬سبحان اهلل ماذا أنزل من‬
‫عنك خطاياك إال َ‬
‫التشديد في َّ‬
‫الدين‪ ،‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لو أن رجالً قتل في سبيل اهلل ثم أحيي‪ ،‬ثم قتل ثم أحيي ثم قتل‪،‬‬
‫وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه) رواه اإلمام أحمد وهو حديث صحيح‪ .‬وقال عليه‬
‫الصالة والسالم في الحديث الصحيح اآلخر‪( :‬نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وروى‬
‫اإلمام أحمد و ابن ماجة ‪ ،‬عن سعد بن األطول رضي اهلل عنه‪ ،‬أن أخاه مات وترك ثالثمائة درهم‪،‬‬
‫وترك عياالً‪ ،‬قال‪( :‬فأردت أن أنفقها على عياله قال‪ :‬فقال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إن‬
‫أخاك محبوس بدينه‪ ،‬فاقض عنه دينه) حتى مع أنه له عيال‪ ،‬يأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫أخا الميت أن يقضي عنه دينه‪ ،‬وفي الحديث الصحيح اآلخر‪( :‬أنه صلى اهلل عليه وسلم صلى على‬
‫جنازة‪ ،‬فلما انصرف قال‪ :‬أهاهنا من آل فالن أحد؟ ‪-‬الميت‪ -‬فسكت القوم‪ ،‬فقال ذلك مراراً‪ ،‬وهم‬
‫يسكتون‪ ،‬حتى أشار رجل من الصحابة إلى رجل في آخر القوم‪ ،‬قال‪ :‬هاهو ذا رجل من أقرباء‬
‫الميت‪ ،‬فجاء الرجل يجر إزاره إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال له عليه السالم‪ :‬إن‬
‫صاحبكم مأسور بدينه عن الجنة‪ ،‬فإن شئتم فاسدوه‪ ،‬وإ ن شئتم فأسلموه إلى عذاب اهلل) حديث‬
‫صحيح‪ .‬وعن جابر رضي اهلل عنه قال‪( :‬مات رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه‪ ،‬ووضعناه لرسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل‪ ،‬ثم آذنا رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫خطى ثم قال‪ :‬لعل على صاحبكم دين؟ قالوا‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫وسلم بالصالة عليه‪ ،‬فجاء معنا‪ ،‬فتخطى‬
‫ً‬
‫ديناران‪ ،‬فتخلف قال‪ :‬صلوا على صاحبكم ‪-‬ورفض عليه الصالة والسالم أن يصلي عليه؛ إشعاراً‬
‫لألمة بخطورة الدين‪ ،‬وأهمية قضائه‪ -‬قال‪ :‬صلوا على صاحبكم وصالة الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم على المؤمنين فيها رحمة عظيمة لهم‪ ،‬قال‪ :‬صلوا على صاحبكم‪ ،‬فقال له رجل منا يقال له‬
‫أبو قتادة ‪ :‬يا رسول اهلل! هما علي أي‪ :‬أنا أقضي دين هذا الرجل‪ ،‬فصلى رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم على الميت ثم لقيه عليه السالم من الغد فقال‪ :‬ما صنعت الديناران؟ قال يا رسول اهلل!‬
‫إنما مات أمس ‪-‬ما صار له وقت طويل‪ -‬فقال‪ :‬ما صنعت الديناران؟ ثم لقيه من الغد فقال‪ :‬ما فعل‬
‫الديناران؟ قال‪ :‬قد قضيتهما يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬اآلن حين بردت عليه جلده) ‪.‬‬

‫مذلة الدَّين‪:‬‬
‫والدين مذلة أيها اإلخوة من عدة جهات‪ :‬فإنه يضطر المستدين كثيراً للوقع في آفات عظيمة‬
‫ومنها‪ :‬الكذب إذا حدث‪ ،‬و منها‪ :‬خلف الوعد إذا وعد‪ ،‬ومنها‪ :‬الحلف إذا اقسم للدائن على أن يرد‬
‫إليه الدين في أجل معين‪ ،‬ثم أخلف وعده‪ ،‬فحنث في يمينه‪ ،‬وأقسم فعليه الكفارة‪ ،‬وقد يضطره إلى‬
‫دخول السجن‪ ،‬فتسوء سمعته وسمعة أوالده وأهله بين الناس‪ ،‬ويحرج فيضطر إلى الكذب وربما‬
‫علم أوالده الكذب‪ ،‬فإذا جاء الدائن إلى بيت المدين فطرق الباب أو اتصل بالهاتف‪ ،‬فيلجأ بعض‬
‫المستدينين إلى الكذب فيقول‪ :‬لولده‪ ،‬قل له إنه غير موجود‪ ،‬ثم يضطر للتخفي‪ ،‬ويتحرج من‬
‫مواجهة الناس الذين يطالبونه‪ ،‬فيتوارى عن األنظار والمجالس‪ ،‬ويحرم المعيشة الطبيعية‪،‬‬
‫ومعاشرة الخلق‪ ،‬ولذلك يقول عليه السالم‪ ،‬في الحديث الصحيح‪( :‬ال تخيفوا أنفسكم بالدين) ‪ .‬ثم‬
‫انظر إلى تلك الصفة الشنيعة من صفات النفاق العملي‪ :‬وإ ذا وعد أخلف كما تتكرر اليوم من‬
‫المستدينين؟ كم مرة يخلفون؟ وما إلثم النفاق العملي العظيم وآثاره على قلوبهم‪ ،‬وقد يضطر‬
‫ٍ‬
‫مراب ليسدد لمن يطالبه‪ ،‬أو يطلب محاكمته‪ ،‬وربما‬ ‫المستدين للوقوع في الربا‪ ،‬فيقترض من‬
‫ٍ‬
‫مراب ليوفي مرابياً آخر‪ ،‬والدين يزداد‪ ،‬والحرام يعظم حتى يهلكه في الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫استدان من‬
‫وإ ياكم ثم إياكم يا معشر المستدينين! أن تلجئوا إلى البنوك الربوية لالقتراض منها‪ ،‬فإن من فعل‬
‫منكم ذلك‪ ،‬فقد وقع في لعنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬مهما كانت الحاجة ال تلجأ إلى البنك‬
‫الحرام المحرم‪ ،‬لكي تقترض منه؛ ألن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬لعن في الحديث الصحيح‬
‫آكل الربا وموكله‪ ،‬لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم معطي الربا ولعن آخذ الربا‪ ،‬وهذه اآلفات‬
‫العظيمة في الدين‪ ،‬تجعل بعض المستدينين قد يخرج من دينه بسبب الدين‪ ،‬ولهذا يقول بعض‬
‫خير لك من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب ِد ُينك ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السلف ‪ :‬ألن تلقى اهلل وعليك َد ْين ولك دين‪ٌ ،‬‬
‫وهو مذلة؛ ألن فيه شغل القلب والبال والتذلل للغريم عند لقائه‪ ،‬وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه‬
‫وربما مات فصار مرتهناً بدينه (نسمة المؤمن معلقة بدينه) وقد يجعل المستدين ذليالً من جهة أنه‬
‫يحس في قرارة نفسه أنه صاحب حاجة‪ ،‬وأنه محتاج إلى غيره‪ ،‬وقد يجر على نفسه تسلط غيره‬
‫عليه إذا كان الدائن ال يراعي حقوق األخوة‪ ،‬فيبدأ الدائن بالتدخل في شئون المدين الداخلية‬
‫الخاصة‪ ،‬فيتكلم من منطلق الدين الذي له عند صاحبه‪ ،‬مما يؤذي المدين في أهله وشخصه‪ ،‬وقد‬
‫يتدخل الدائن في تجارة المدين‪ ،‬ويقول له‪ :‬بع كذا‪ ،‬وال تشتر كذا‪ ،‬والمدين المسكين يحرج وال‬
‫يستطيع أن يخالف حتى وجهة نظر الدائن‪ .‬وهو مذلة أيضاً؛ ألنه سيسمع من الدائن كالماً قاسياً‬
‫بشعاً في حقه ال يليق‪ ،‬ولكنه يضطر إلى السكوت على مضض وال يجد وال جواباً وال يستطيع رداً‪.‬‬

‫أقوال السلف في الدَّين‪:‬‬


‫روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال‪[ :‬رآني عمر وأنا متقنع‪- ،‬أخفي وجهي بالقناع‪ -‬فقال‪ :‬يا أبا‬
‫خالد إن لقمان كان يقول‪ :‬القناع بالليل ريبة وبالنهار مذلة‪ ،‬فقلت‪ :‬إن لقمان لم يكن عليه دين] فهذا‬
‫الرجل كان عليه دين‪ ،‬فلذلك كان يخفي وجهه‪ .‬وقال عياض بن عبد اهلل‪َّ :‬‬
‫الدين راية اهلل في أرضه‪،‬‬
‫فإذا أراد أن يذل عبداً جعلها طوقاً في عنقه‪ .‬ومن أمثال العرب‪ :‬ال هم إال هم َّ‬
‫الدين‪ ،‬وال وجع إال‬
‫وجع العين‪ ،‬ويروى عن عمر أنه قال‪[ :‬إياكم َّ‬
‫والدين‪ ،‬فإن أوله هم وآخره حرب]‪ .‬وقال عمر بن‬
‫عبد العزيز رضي اهلل عنه ‪[ :‬الدين وكر طالما حمله الكرام] ‪ .‬ومن أمثال العرب مما كان يقال‪:‬‬
‫َّ‬
‫الدين رق استعباد‪ ،‬فلينظر أحدكم أين يضع رقه‪ ،‬ولمن يسلم نفسه‪ ،‬وساير بعض الوجهاء رجالً‬
‫وهو يحادثه‪ ،‬ففجأة قطع حديثه واصفر لونه‪ ،‬فقال الرجل لهذا الوجيه‪ :‬ما هذا الذي رأيت منك؟‬
‫قال‪ :‬رأيت غريماً لي‪ ،‬فهذا من أثر َّ‬
‫الدين‪ ،‬ونفس بعض المدينين عن نفسه في هذين البيتين‪.‬‬
‫فإن الصبح يأتي بالهموم‬ ‫أال ليت النهار يعود ليـالً‬
‫وال دفعاً وروعات الغريم‬ ‫قضاء‬
‫ً‬ ‫حوائج ما نطيق لها‬
‫الغريم‪ :‬صاحب الدين يروع‪ ،‬يخيف‪ ،‬وقال بعضهم نثراً‪ :‬الدين هم بالليل وذل بالنهار‪ ،‬يتمنى هذا‬
‫القائل الشاعر أن يعود الزمن إلى الوراء حتى ال يأتي غداً؛ ألنه إذا جاء الغد فإنه سيضطر إلى‬
‫مواجهة الغريم‪.‬‬

‫التساهل في الدَّين‪:‬‬
‫عادة الناس اليوم ذميمة فهم يتساهلون في الدين‪ ،‬وخصوصاً عندما تكون إرادتهم شراء الكماليات‪،‬‬
‫ال يملكون قيمتها‪ ،‬أو بعض قيمتها‪ ،‬فيظنون أن االقتراض أسهل األمور‪ ،‬وهو سهل حلو عند أخذه‪،‬‬
‫مر حنظل عند حلول وقت دفعه‪ .‬والتبذير عادة قبيحة في مجتمعاتنا اليوم‪ ،‬التي تعودت على‬
‫صرف األموال وإ نفاقها يميناً وشماالً‪ ،‬بدافع بحاجة وبغير حاجة‪ ،‬فهم الناس اليوم يصلون لحافهم‬
‫بلحاف غيرهم‪ ،‬لكي يمدوا أرجلهم أقصى ما يستطيعون‪ ،‬لو أنهم تعقلوا فأنفقوا على قدر طاقتهم‬
‫واستطاعتهم‪ ،‬لما حصل لهم الخزي الذي حصل‪ ،‬والعجيب أنك ترى بعض هؤالء من غير‬
‫المتعقلين‪ ،‬يسكن بيتاً فخماً و يركب سيارة فارهة‪ ،‬وربما ركب فيها هاتفاً سياراً‪ ،‬كل ذلك بالدين‪،‬‬
‫ولعل بعض من استدان منهم بيوتهم وسيارتهم أقل من هذا المستدين لتعقلهم‪ .‬ورسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم كان يدعو اهلل عز وجل بأدعية عظيمة منها‪( :‬اللهم استر عوراتي‪ ،‬وآمن روعاتي‪،‬‬
‫واقض عني ديني) وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن‪ ،‬والعجز‬
‫والكسل‪ ،‬والجبن والبخل‪ ،‬وضلع الدين وغلبة الرجال) وضلع الدين هو‪ :‬ثقله‪ ،‬وهو أن ال يجد‬
‫الدائن من حيث يؤدي‪ ،‬وفي رواية‪( :‬من غلبة الدين وقهر الرجال)‪ .‬وعن عائشة رضي اهلل عنها‪،‬‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان يدعو في الصالة ويقول‪( :‬اللهم إني أعوذ بك من المأثم‬
‫والمغرم)‪ .‬المغرم‪ :‬ما يغرمه اإلنسان بسبب الدين مثالً‪ ،‬فقال له قائل‪ :‬ما أكثر ما تستعيذ يا رسول‬
‫اهلل من المأثم والمغرم؟ قال‪( :‬إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف)رواه البخاري‪.‬‬

‫أصناف الناس في الدَّين‪:‬‬


‫وليس المستدينون سواسية‪ ،‬فإنهم أنواع وأصناف‪ ،‬فمن الناس من يستدين وهو يعلم من حاله‬
‫ودخله أنه سيسدد‪ ،‬ومنهم من يستدين ويعلم من حاله ودخله أنه من المستحيل أن يسدد‪ ،‬ومنهم من‬
‫يستدين وهو ال يدري هل يستطيع إيفاءه أم ال‪ ،‬وبينهم مراتب متفاوتة‪ ،‬وأشدهم الرجل الذي يستدين‬
‫يوف‪ .‬وكذلك يتفاوت الناس بحسب حاجتهم‪ ،‬فمنهم من يستدين للكماليات ومنهم‬ ‫وهو يعلم أنه لن ِ‬
‫يستدين للضروريات‪ D،‬ولذلك يتفاوتون في الذم في الشرع من جهة حاجتهم الحقيقة لالستدانة‪ ،‬ومن‬
‫جهة معرفتهم هل سيستطيعون إيفاء الدين أم ال؟ ما مدى الحاجة؟ أوالً‪ :‬عندما تستدين يا أخي اسأل‬
‫نفسك سؤالين‪ ،‬السؤال األول‪ :‬ما مدى حاجتك لهذا الدين؟ السؤال الثاني‪ :‬هل تستطيع وفاءه ورده‬
‫أم ال؟ ثم بعد ذلك قرر هل ستستدين أم ال؟ واإلمام أحمد رحمه اهلل سئل عن أخذ األجرة على تعليم‬
‫القرآن‪ ،‬فقال‪ :‬خذ األجرة ‪-‬وأخذ األجرة معروف الخالف فيها عند السلف هل تجوز أو ال تجوز‪-‬‬
‫فقال‪ :‬هو أهون عندي ‪-‬أخذ األجرة‪ -‬من أن يأخذ رجل ماالً آخر ليتاجر به‪ ،‬فربما خسر التجارة‬
‫ولم يستطع إيفاء الدين الذي أخذه منه‪ .‬ولذلك وقع النزاع عند العلماء‪ ،‬متى يكون المستدين معذرواً‬
‫عند اهلل ومتى ال يكون؟ هذا ما سنبينه بعد قليل إن شاء اهلل وأستغفر اهلل لي ولكم‪.‬‬

‫حكم من أخذ أموال الناس يريد أداءها‪:‬‬


‫الحمد هلل على إحسانه‪ ،‬والشكر له على توفيقه وامتنانه‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‬
‫تعظيماً لشانه‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله ورضوانه‪ .‬أما بعد‪ :‬فيقول صلى‬
‫اهلل عليه وسلم في الحديث الصحيح‪( :‬الدين دينان‪ :‬فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه‪ ،‬ومن‬
‫مات وهو ال ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من حسناته يوم القيامة‪ ،‬ليس يومئذ دينار وال درهم)‬
‫وهو حديث صحيح بالحديث اآلتي بعده‪ ،‬وهو‪( :‬من مات وعليه دين‪ ،‬فليس ثم دينار وال درهم‪،‬‬
‫ولكنها الحسنات والسيئات) وقال عليه السالم‪( :‬ما من أحد يدان ديناً يعلم اهلل منه أنه يريد قضاءه‪،‬‬
‫إال أداه اهلل عنه في الدنيا) وقال عليه السالم‪( :‬ما من عبد كانت له نية في أداء دينه‪ ،‬إال كان له من‬
‫اهلل عون) وقال عليه السالم‪( :‬من أخذ ديناً وهو يريد أن يؤديه أعانه اهلل) أحاديث صحيحة‪ .‬وقال‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إن اهلل تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه‪ ،‬ما لم يكن دينه فيما يكره اهلل)‬
‫ومما يكره اهلل ويبغضه هذا التبذير الذي يلجئ الكثيرين من ضعاف العقول اليوم إلى االستدانة‪،‬‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم في الحديث الصحيح اآلخر‪( :‬أيما رجل َّ‬
‫تدين ديناً وهو مجمع ‪-‬أي‬
‫عازم‪ -‬أال يوفيه لقي اهلل سارقاً) بعض الناس يستدينون وهو يعلم أنه لن يوفي الدين‪ ،‬فهذا سيلقى‬
‫اهلل سارقاً‪ .‬وروى البخاري رحمه اهلل عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪ :‬عن النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وهو أعظم حديث في هذا الباب‪( :‬من أخذ أموال الناس يريد أداءها‪ ،‬أدى اهلل عنه‪ ،‬ومن‬
‫أخذها يريد إتالفها أتلفه اهلل) رواه البخاري‪ .‬ورجح ابن حجر رحمه اهلل في تعليقه على هذا الحديث‬
‫أن المدين إذا مات قبل الوفاء بغير تقصير منه‪ ،‬كأن يعسر مثالً‪ ،‬أو يفاجئه الموت وله مال مخبوء‬
‫وكانت نيته أن يؤدي الدين من هذا المال فإنه ال يعتبر مؤاخذاً عند اهلل يوم القيامة‪ ،‬وال تبعة عليه‬
‫في اآلخرة‪ ،‬بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين‪ ،‬بل يتكفل اهلل عنه لصاحب الدين‪ ،‬واهلل عز‬
‫وجل يوم القيامة يأتي الخصوم أمامه وكل واحد له عند أخيه مظلمة‪ ،‬فهذا عند أخيه أمانة‪ ،‬وهذا‬
‫عنده دين ما أداه‪ ،‬فإن كان هذا المستدين معذرواً ورجل ملجأ استدان في مرضاة اهلل وتحرى الوفاء‬
‫الد ْين َّ‬
‫الد ْين‪ ،‬ويعطي ذلك‬ ‫فما استطاع ومات‪ ،‬فهذا إذا شاء اهلل وتفضل فإن اهلل يتحمل عن صاحب َّ‬
‫الرجل المقرض حسنات من عنده عز وجل‪ ،‬دون أن ينقص من حسنات هذا شيئاً‪ .‬أما لو جاء‬
‫مفرطاً مضيعاً لحقوق عباد اهلل‪ ،‬مبذراً للمال‪ ،‬لم ينو أداءه‪ ،‬فإنه يؤخذ من حسناته فتعطى ألخيه‬
‫صاحب الدين‪ ،‬وال تضيع حقوق اهلل عز وجل‪.‬‬

‫عالج االندفاع إلى الدَّين‪:‬‬


‫ومن عالج االندافع في الدين يا إخواني! أمور منها‪:‬‬

‫القناعة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬القناعة؛ فإن المسلم لو قنع بحاله ومستوى معيشته‪ ،‬وعيشة الكفاف ال له وال عليه‪ ،‬حتى لو‬
‫كانت بسيطة جداً لم يتطلب أكثر من ذلك‪ ،‬ولحلت له هذه القناعة مشكلة االستدانة‪ ،‬ولما لجأ إلى‬
‫الدين‪ ،‬لكن الناس ال يقنعون‪ ،‬فينظرون إلى من فوقهم في المعيشة‪ ،‬والرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يطلب من المسلم أن ينظر إلى من دونه في المعيشة‪ ،‬وإ نما ينظر إلى من هو أعلى منه في الدين‬
‫والورع والعبادة والتقوى‪ ،‬إذا أردت أن تنظر إلى األعلى فانظر إلى صاحب الدين‪ ،‬وفي المعيشة‬
‫تنظر إلى من هو أسفل منك حتى تحصل عندك القناعة‪ ،‬فال تغتم وتهتم‪ ،‬وتلجأ إلى الدين‪ ،‬ويدخل‬
‫في هذا إشاعة القناعة في نفوس أهل البيت‪ ،‬فإن كثيراً من النساء في الحقيقة‪ ،‬يلجئن أزواجهن إلى‬
‫االستدانة‪ ،‬ويجب على المسلم العاقل أن يتعقل في هذه الحالة‪ ،‬وأال يستجيب للدواعي وكثرة‬
‫الصرخات‪ ،‬وكثرة اإللحاح على رأسه أن يستدين من قبل زوجته وأوالده‪ ،‬وإ نما يذكرهم باهلل‪ ،‬وهذا‬
‫يبين لنا أهمية التربية اإلسالمية‪ ،‬لو تربت الزوجة أو األوالد التربية اإلسالمية لما حصل منهم دفع‬
‫الرجل صاحب البيت إلى االستدانة‪.‬‬

‫الزهد في الدنيا‪:‬‬
‫وكذلك من األمور المهمة‪ :‬مفهوم الزهد في الدنيا‪ ،‬فلو زهد اإلنسان في الدنيا ومتاعها‪ ،‬وزينتها‪،‬‬
‫لما شعر بالدافع إلى التزود فيستدين‪ ،‬ولكن قد تقع االستدانة لضرورة‪ D‬في مثل عالج ضروري ال‬
‫يملك قيمته‪ ،‬أو مسكن وأثاث لطالب زواج يريد أن يعف نفسه‪ ،‬وهو يخشى على نفسه العنت‬
‫والوقوع في الحرام‪ ،‬فال يستطيع الزواج من المهر والتأثيث إال باالستدانة‪ ،‬هنا تكون استدانته‬
‫يسدد بها‬
‫وجيهة‪ ،‬ومع ذلك ال ينسى الوفاء‪ ،‬والبحث عن تجارات طيبة‪ ،‬أو صفقات فورية حالل ّ‬
‫دينه واهلل قد تكفل لمن يريد الوفاء بصدق أن يعينه‪ .‬هذا كالمنا أيها اإلخوة في ذم الدين‪ ،‬والترهيب‬
‫من عدم قضائه‪ ،‬وعدم اللجوء إليه إال في الضروريات‪ D،‬وكيف يعالج المسلم حاجة االستدانة في‬
‫نفسه‪ ،‬وسنكمل معكم بقية الموضوع وهو موضع خطير حتى يكاد يكون اليوم موضوع الساعة في‬
‫مجالس الناس وأحاديثهم‪ ،‬والقصص كثيرة مؤلمة‪ ،‬سببها التهور والتفريط واالستعجال‪ ،‬وهو من‬
‫الشيطان وعدم تقوى اهلل عز وجل‪ .‬اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك‪ ،‬اللهم أنت الغني‬
‫ونحن الفقراء‪ ،‬اللهم اقض عنا ديوننا‪ ،‬اللهم إنا نعوذ بك من الغنى المطغي‪ ،‬ومن الفقر المنسي‪،‬‬
‫اللهم أعنا على قضاء ديوننا ووفائها لمستحقيها‪ ،‬واجعلنا ممن يوفون بالخير‪ ،‬واجعلنا ممن يكونون‬
‫قضاء‪ ،‬وصلوا على نبيكم محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فإن الصالة عليه في هذا اليوم‬ ‫ً‬ ‫أحسن الناس‬
‫صلُّوا َعلَْي ِه َو َسلِّ ُموا‬
‫آمُنوا َ‬
‫ين َ‬
‫َِّ‬
‫النبِ ِّي َيا َُّأيهَا الذ َ‬
‫ون َعلَى َّ‬‫العظيم فيها أجر عظيم‪ِ :‬إ َّن اللَّه ومالِئ َكتَه ي ُّ‬
‫صل َ‬‫ُُ َ‬ ‫َََ‬
‫تَ ْسِليماً [األحزاب‪ .]56:‬اللهم وارض عن صحابة نبيك أجمعين‪ ،‬وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان‬
‫إلى يوم الدين‪ ،‬وارض اللهم عنا معهم برحمتك ِّ‬
‫ومنك وإ حسانك يا أرحم الراحمين! إن اهلل يأمر‬
‫بالعدل واإلحسان وإ يتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون‪،‬‬
‫فاذكروا اهلل العظيم الجليل يذكركم‪ ،‬واشكروه على نعمه يزدكم‪ ،‬ولذكر اهلل أكبر واهلل يعلم ما‬
‫تصنعون‪.‬‬

You might also like