You are on page 1of 7

‫( المجاهـرون )‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬كل أمتي معافى إال المجاهرين‬
‫‪ .2‬األصل الستر وإ نما الجهر لمصلحة‬

‫المجاهـرون ‪:‬‬
‫ما أعظم لباس الستر حين يستتر به المؤمن إذا وقع في ذنب! فهو لباس أسبغه اهلل على عباده‬
‫المؤمنين؛ لكن بعض الناس يهتكون هذا اللباس ويمزقونه بعد أن سترهم اهلل عز وجل فحرموا‬
‫العافية التي حلَّت بأهل الستر‪ .‬وتتعدد أنواع المجاهرة بالمعاصي في عصرنا الحاضر حيث وسائل‬
‫االتصال بكل أنواعها‪ ،‬مع اتساع دائرة المعاصي والذنوب‪ ،‬أال فليحذر العاقل من نقض عرى‬
‫الستر‪ ،‬فإن أبى إال نقضها فال يستغرب إن وجد ردة فعل إزاء ما يجاهر به من كثير من الخلق‪،‬‬
‫فمن وجد خيراً فليحمد اهلل‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فال يلومن إال نفسه‪.‬‬

‫كل أمتي معافى إال المجاهرين‪:‬‬


‫الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من‬
‫َّ‬
‫مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد‬ ‫يهده اهلل فال‬
‫أن محمداً عبده ورسوله‪ .‬أما بعــد‪ :‬فإن من سنة النبي صلى اهلل عليه وسلم ومن حديثه ننطلق ونأخذ‬
‫النور‪ ،‬ومما وجهنا به عليه الصالة والسالم في هذه المسألة العظيمة‪ ،‬التي هي من األمور المهمة‬
‫في حفظ مجتمع المسلمين‪ ،‬وصيانة دينهم وعفافهم‪ ،‬روى اإلمام البخاري رحمه اهلل تعالى عن أبي‬
‫هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪( :‬كل أمتي معافى إال‬
‫المجاهرين‪ ،‬وإ ن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عمالً ثم يصبح وقد ستره اهلل فيقول‪ :‬يا فالن!‬
‫عملت البارحة كذا وكذا‪ ،‬وقد بات يستره ربه‪ ،‬ويصبح يكشف ستر اهلل عليه)‪( .‬كل أمتي معافى)‬
‫من العافية‪ ،‬وأن اهلل سبحانه وتعالى يغفر الذنب ويقبل التوبة منه‪( .‬كل أمتي معافى إال المجاهرين)‬
‫فالمجاهرون بالمعاصي ال يعافون‪ ،‬األمة ُيعفى عن ذنوبها‪ ،‬لكن الفاسق المعلن ال يعافيه اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬وقال بعض العلماء‪ :‬إن المقصود بالحديث كل أمتي ُي َتركون في الغيبة إال المجاهرون‪،‬‬
‫والعفو بمعنى الترك‪ ،‬والمجاهر‪ :‬هو الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر اهلل عليه فيحدث به‪ .‬قال‬
‫اإلمام النووي رحمه اهلل‪ :‬من جاهر بفسقه‪ ،‬أو بدعته‪ ،‬جاز ذكره بما جاهر به‪ .‬هذه المجاهرة التي‬
‫هي التحدث بالمعاصي‪ ،‬يجلس الرجل في مجلس كما أخبر النبي صلى اهلل عليه وسلم ويقول‪:‬‬
‫عملت البارحة ‪-‬أقرب ليلة مضت‪ -‬كذا وكذا‪ ،‬يتحدث بما فعل‪ ،‬ويكشف ما ستر‪ ،‬وقد قال النبي‬
‫ألم بشيء منها فليستتر بستر‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى اهلل عنها‪ ،‬فمن َّ‬
‫اهلل) رواه الحاكم ‪ ،‬وهو حديث صحيح‪ .‬لماذا ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬كل األمة معافى إال أهل المجاهرة؟!‬
‫صي وهو اهلل عز وجل‪ ،‬واستخفاف بحق رسوله‬ ‫أوالً‪ :‬ألن في الجهر بالمعصية استخفاف بمن ع ِ‬
‫ُ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واستخفاف بصالحي المؤمنين‪ ،‬وإ ظهار العناد ألهل الطاعة ولمبدأ الطاعة‪،‬‬
‫والمعاصي تذل أهلها‪ ،‬وهذا يذل نفسه ويفضحها في الدنيا قبل اآلخرة‪.‬‬

‫المجاهرة لمصلحة راجحة‪:‬‬


‫عباد اهلل‪ :‬إن المجاهرة بالمعصية والتبجح بها‪ ،‬بل والمفاخرة‪ ،‬قد صارت سمة من سمات بعض‬
‫الناس في هذا الزمن‪ ،‬يفاخرون بالمعاصي‪ ،‬ويتباهون بها‪ ،‬وينبغي على اإلنسان أن يتوب ويستتر‪،‬‬
‫ولكن هؤالء يجاهرون‪ ،‬قال النووي رحمه اهلل‪ :‬يكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها ‪-‬يعني‪:‬‬
‫ولو شخصاً واحداً‪ -‬بل يقلع عنها ويندم‪ ،‬ويعزم أال يعود‪ ،‬فإن أخبر بها شيخه الذي يعلمه‪ ،‬أو الذي‬
‫يفتيه‪ ،‬أو نحوه من صديق عاقل صاحب دين مثالً‪ ،‬يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاً منها‪ ،‬لقد‬
‫أصيب الرجل بذنب أو وقع في ذنب‪ ،‬ويريد أن يسأل شخصاً ليعلمه كيف يتوب‪ ،‬وما هو المخرج‬
‫من المعصية‪ ،‬ما هو الطريق لتركها‪ ،‬وكيفية التوبة‪ ،‬وما يجب عليه من جهة األطراف األخرى إن‬
‫كان هناك أطراف أخرى في المعصية‪ ،‬ففي مثل هذه الحالة ما حكم اإلخبار بالمعصية؟ فإذا أخبر‬
‫بها شيخة أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاً منها‪ ،‬أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها فهو حسن‪ ،‬وإ نما يحرم الجهر حيث ال مصلحة؛ ألن المفسدة‬
‫ستكون واقعة‪ ،‬فالكشف المذموم هو الذي يقع على وجه المجاهرة واالستهزاء ال على وجه السؤال‬
‫واالستفتاء‪ ،‬بدليل خبر الذي واقع امرأته في رمضان‪ ،‬فجاء فأخبر النبي صلى اهلل عليه وسلم لكي‬
‫يعلمه المخرج‪ ،‬ولم ينكر عليه النبي صلى اهلل عليه وسلم في إخباره‪.‬‬

‫إمامة المجاهر بالذنب وعيادته‪:‬‬


‫عباد اهلل‪ :‬إن المجاهرة بالمعاصي وإ شاعتها والتباهي بها يحمل الناس اآلخرين على التقليد‬
‫والوقوع فيها‪ ،‬إن الشريعة لما شددت على المجاهرة بالمعصية كان ذلك لحكمة‪ ،‬والشارع يعلم أن‬
‫المجاهر يدعو غيره‪ ،‬ويجذبه‪ ،‬ويزين له ويغريه‪ ،‬ولذلك كانت المجاهرة بالمعصية أمر خطير جداً‪،‬‬
‫وقد ذكر العلماء إجراءات متعددة في الفتاوى واألحكام بشأن المجاهر‪ ،‬فنصوا على كراهية الصالة‬
‫خلف الفاسق عموماً ما دام فسقه ال يكفر‪ ،‬فالصالة صحيحة لكنه ال ينال ثواب من صلى خلف‬
‫وسئل ابن أبي زيد رحمه‬
‫اإلمام التقي‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬بإعادة الصالة خلف من جاهر بالمعصية‪ُ .‬‬
‫اهلل‪ :‬عمن يعمل المعاصي هل يكون إماماً؟ فأجاب‪ :‬أما المصر المجاهر فال يمكن أن يكون إماماً‪،‬‬
‫منصب قيادي يؤم فيه‬
‫ٌ‬ ‫ويرفع أمره؛ ألنه‬
‫وال يجعل إماماً‪ ،‬وال ُي َم ّكن من ذلك‪ ،‬ويطالب بتغييره‪ُ ،‬‬
‫المسلمين‪ ،‬فكيف يؤمهم ويتقدمهم ثم يكون مجاهراً بمعصية؟! وسئل عمن يعرف منه الكذب‬
‫العظيم‪ ،‬أو القتَّات النمام الذي ينقل األخبار لإلفساد بين الناس‪ ،‬هل تجوز إمامته؟ فأجاب‪ :‬ال يصلى‬
‫خلف المشهور بالكذب‪ ،‬والقتات‪ ،‬والمعلن بالكبائر‪ ،‬مع صحة الصالة أي‪ :‬أنها ال تعاد‪ ،‬ولكن يكره‬
‫الصالة وراء هذا الرجل‪ ،‬أما من تكون منه الهفوة والزلة فال تُتبع عورات المسلمين‪ .‬وقال مالك‬
‫رحمه اهلل‪ :‬من هذا الذي ليس فيه شيء‪ ،‬كل إنسان يعصي‪ ،‬وقال مالك مردفاً‪ :‬وليس المصر‬
‫والمجاهر كغيره‪ ،‬المصيبة في المصر والمجاهر‪ ،‬هذا في مسألة إمامته‪ .‬وماذا عن عيادته إذا‬
‫مرض؟ وعيادة المريض المسلم أجرها عظيم‪ ،‬ومن حق المسلم على المسلم‪ ،‬لكن العلماء قالوا‪ :‬ال‬
‫يعاد المجاهر بالمعصية إذا مرض؛ ألجل أن يرتدع ويتوب ويرتدع غيره ممن يمكن أن يقع في‬
‫المعصية‪ ،‬وإ ذا عاده من يدعوه إلى اهلل وينصحه فهو حسن ألجل دعوته‪ ،‬أما إذا لم تكن هناك‬
‫مصلحة شرعية فال يعاد زجراً له وألمثاله‪.‬‬

‫الصالة على المجاهر وحكم إجابة دعوة الوليمة‪:‬‬


‫وماذا عن الصالة عليه؟ لقد ذكر أهل العلم رحمهم اهلل في هذه المسألة المجاهر بالمعصية إذا مات‪،‬‬
‫فإنه ال يصلي عليه اإلمام وال أهل الفضل؛ زجراً له وألمثاله‪ ،‬وردعاً لمن يقع في هذا‪ ،‬وقال شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪ :‬ينبغي ألهل الخير أن يهجروا المظهر للمنكر ميتاً إذا كان فيه كف‬
‫ألمثاله‪ ،‬فيتركون تشييع جنازته‪ .‬فمن جاهر بشيء فمات مصراً مجاهراً‪ ،‬يترك أهل الفضل والخير‬
‫الصالة عليه‪ ،‬ويصلي عليه عامة الناس ما دام مسلماً لم يخرج من اإلسالم‪ .‬وماذا بالنسبة للستر‬
‫عليه؟ وما حكم غيبته؟ يندب الستر على المسلم عموماً؛ ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬من‬
‫ستر مسلماً ستره اهلل يوم القيامة) فإذا علمت عن مسلم ذنباً فاستره‪ ،‬وخصوصاً إذا كان ممن ينسب‬
‫ألهل الدين‪ ،‬والطعن فيه طعن في اإلسالم‪ ،‬والعيب عليه عيب في أهل اإلسالم‪ ،‬لكن المجاهر‬
‫بالمعصية له شأن آخر‪ ،‬قال العلماء‪ :‬وأما المجاهر والمتهتك فيستحب أن ال يستر عليه‪ ،‬بل يظهر‬
‫حاله إلى الناس حتى يجتنبوه‪ ،‬وينبغي رفع أمره للقاضي حتى يقيم عليه ما يستحقه؛ ألن ستر مثل‬
‫هذا الرجل أو المرأة يطمعه في مزيد من األذى والمعصية‪ ،‬وإ ذا كانت غيبة المسلمين حراماً فإن‬
‫هذا الرجل قد أباح للناس أن يتكلموا في شأنه بمجاهرته‪ ،‬فأجاز العلماء غيبة المجاهر بفسقه أو‬
‫بدعته؛ كالمجاهر بشرب الخمر وغيره‪ ،‬كما قال اإلمام أحمد رحمه اهلل‪ :‬إذا كان الرجل معلناً بفسقه‬
‫فليس له غيبة‪َّ ،‬‬
‫لكن النووي رحمه اهلل أشار إلى أن غيبته فيما جاهر فيه فقط‪ ،‬ويهتك فيما جاهر‬
‫فيه‪ ،‬ويحذر الناس من شأنه‪ .‬وأما هجره فإذا كان يرتدع به فيجب الهجر‪ ،‬وذلك بالمقاطعة وعدم‬
‫الكالم‪ ،‬وعدم الزيارة‪ ،‬وعدم السالم عليه‪ ،‬قال اإلمام أحمد رحمه اهلل‪ :‬ليس لمن يسكر ويقارف شيئاً‬
‫من الفواحش حرمة وال صلة إذا كان معلناً مكاشفاً‪ .‬إن قضية المجاهرة حساسة جداً في الشريعة‬
‫أيها اإلخوة! وماذا عن وليمته؟ ودعوته للعرس والنكاح؟ إن إجابة الوليمة واجبة بنص حديث النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اهلل ورسوله) هذا في العموم‪ ،‬أما المجاهر‬
‫فال تجاب دعوته للعرس والنكاح‪ ،‬وال تؤتى وليمته ما دام مجاهراً‪.‬‬

‫من ابتلي بمعصية فليستتر‪:‬‬


‫أيها المسلمون‪( :‬إن اهلل حيي ستير يحب الحياء والستر) إنه سبحانه وتعالى يحب الستر‪ ،‬فيجب‬
‫على من ابتلي بمعصية أن يستتر‪ ،‬ويجب عدم فضحه‪ ،‬فإذا جاهر فقد هتك الستر الذي ستره به‬
‫الستير وهو اهلل عز وجل‪ ،‬وأحل للناس عرضه‪ ،‬وقد أجمع العلماء على أن من اطلع على عيب أو‬
‫ذنب لمؤمن ممن لم يعرف بالشر واألذى‪ ،‬ولم يشتهر بالفساد‪ ،‬ولم يكن داعياً إليه‪ ،‬وإ نما يعمله‬
‫متخوفاً متخفياً؛ أنه ال يجوز فضحه‪ ،‬وال كشفه للعامة وال للخاصة‪ ،‬وال يرفع أمره إلى القاضي؛‬
‫حث على ستر عورة المسلم َّ‬
‫وحذر من تتبع زالته ‪( :‬من ستر عورة‬ ‫ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫أخيه المسلم ستر اهلل عورته يوم القيامة‪ ،‬ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف اهلل عورته‪ ،‬حتى‬
‫يفضحه اهلل بها في بيته) رواه ابن ماجة وصححه في صحيح الجامع‪ .‬وألن كشف هذه العورات‬
‫ٍ‬
‫شاعة للفاحشة‬ ‫والعيوب‪ ،‬والتحدث بما وقع من هذا المؤمن أو المسلم قد يؤدي إلى غيبة محرمة‪ ،‬وإ‬
‫عير‪ ،‬كما قال الفضيل رحمه اهلل‪ .‬أما من‬
‫وي َّ‬
‫وينصح‪ ،‬والفاجر ُيهتك ُ‬
‫وترويج لها‪ ،‬المؤمن ُيستر ُ‬
‫ُع ِرف باألذى والفساد‪ ،‬والمجاهرة بالفسق‪ ،‬وعدم المباالة بما يرتكب‪ ،‬وال يكترث بما يقال عنه‪،‬‬
‫فيندب كشف حاله للناس‪ ،‬وإ شاعة أمره بينهم؛ ليحذروا منه‪ ،‬ويرفع أمره إلى القاضي ما لم يخش‬
‫ٍ‬
‫ومزيد من الفساد‪ ،‬وانتهاك الحرمات‪،‬‬ ‫مفسدة أكبر؛ ألن الستر على هذا يطمعه في اإليذاء‪،‬‬
‫والتجاسر على المعصية‪ ،‬هذا في المعاصي التي وقعت في الماضي‪ ،‬أما من رأى إنساناً يرتكب‬
‫معصية فيجب عليه أن ي ِ‬
‫نكر عليه وال يقول‪ :‬أستره؛ ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬من رأى‬ ‫ُ‬
‫منكم منكراً فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان)‬
‫واستثنى العلماء مسألة جرح الرواة؛ ألجل سنة النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬ويجرح الشهود عند‬
‫القاضي إذا كانوا من المجروحين لحفظ الحقوق‪ ،‬وكذلك من أراد أن يتولى صدقات أو أوقافاً‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬
‫عندئذ‪ ،‬وإ نما يخبر بأمرهم القاضي؛ ألن المسألة‬ ‫أموال أيتام‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬ال يحل الستر عليهم‬
‫تتعلق بها حقوق لمسلمين‪ ،‬أو لعامة المسلمين‪ .‬وينبغي على اإلنسان المسلم إذا وقعت منه هفوة أو‬
‫زلة أن يستر على نفسه‪ ،‬ويتوب بينه وبين اهلل عز وجل‪ ،‬وال يستحب له رفع أمره إلى القاضي‪،‬‬
‫وال يكشف شأنه ألحد كائناً من كان إال في مثل األمثلة التي تقدمت في االستفتاء واالستنصاح‪.‬‬
‫الستر ألجل أال تشيع الفاحشة‪ ،‬وألجل أال يعم ذكرها في المجتمع‪ ،‬وألجل أن تكبت أخبارها؛ ألن‬
‫نشر أخبارها يجذب إليها‪ ،‬ولذلك فإن من اآلثمين إثماً عظيماً الذين ينشرون أخبار الخنا‪ ،‬والفجور‪،‬‬
‫والخالعة‪ ،‬والمجون‪ ،‬والحفالت المختلطة‪ ،‬والغناء ونحو ذلك على المأل؛ ألنهم يريدون إشاعة‬
‫ألم فليستتر بستر اهلل‪ ،‬وليتب إلى اهلل‪،‬‬
‫الفاحشة في المجتمع المسلم‪( :‬اجتنبوا هذه القاذورات‪ ،‬فمن َّ‬
‫فإن من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب اهلل) حديث صحيح رواه الحاكم وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي‬
‫علي‬
‫أصبت حداً فأقمه َّ‬
‫ُ‬ ‫وغيره‪ .‬أيها المسلمون‪ :‬إن النبي صلى اهلل عليه وسلم لما جاءه رج ٌل يقول‪:‬‬
‫‪-‬والمعصية حصلت خفيةً‪ -‬أعرض عنه النبي صلى اهلل عليه وسلم؛ فإن فيه إرشاداً إلى عدم‬
‫استحباب طلب إقامة الحد‪ ،‬وأن من وقع في ٍ‬
‫شيء تكفيه التوبة فيما بينه وبين اهلل عز وجل‪ .‬اللهم إنا‬
‫نسألك أن تتوب علينا‪ ،‬وأن ترحمنا‪ ،‬وأن تغفر لنا‪ ،‬وأن تسترنا بسترك الجميل في الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫وأن تصفح عنا الصفح الجزيل‪ .‬أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر اهلل لي ولكم‪.‬‬

‫األصل الستر وإ نما الجهر لمصلحة‪:‬‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬وال عدوان إال على الظالمين‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫الملك الحق المبين‪ ،‬وأشهد أن محمداً رسول اهلل البشير النذير والسراج المنير‪ ،‬والنبي األمين صلى‬
‫اهلل عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وعلى أزواجه وذريته الطيبين الطاهرين‪ ،‬وعلى من تبعهم‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪ .‬عباد اهلل‪ :‬إن مما ينبغي حفظه ما يحصل بين الزوجين‪ ،‬وتفاصيل ما يقع‬
‫حال الجماع وقبله من مقدماته‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار البيتية‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إن‬
‫من شر الناس عند اهلل منزلةً يوم القيامة‪ :‬الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬وقال صلى اهلل عليه وسلم وقد أقبل على صف الرجال بعد الصالة‪( :‬هل منكم إذا‬
‫أتى على أهله أغلق بابه وأرخى ستره‪ ،‬ثم يخرج فيحدث فيقول‪ :‬فعلت بأهلي كذا وكذا‪ ،‬فسكتوا‪،‬‬
‫منهن‪ :‬واهلل إنهم ليحدثون وإ َّ‬
‫نهن ليحدثن‪،‬‬ ‫فأقبل على النساء فقال‪ :‬هل فيكن من تحدث؟ فقالت فتاة َّ‬
‫فقال‪ :‬هل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ َّ‬
‫إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما‬
‫صاحبه بالسكة ‪-‬أي في وسط الطريق‪ -‬فقضى حاجته منها والناس ينظرون) أخرجه أحمد ‪ ،‬وهو‬
‫حديث حسن‪ .‬عباد اهلل‪ :‬إن اهلل يحب الستر ويكره التحدث بالكالم الفاحش‪ ،‬وإ ن مما يقع بين الرجل‬
‫وامرأته مع أنه بالحالل لكن ألنه خنا فإنه ال يتحدث به‪ ،‬ال يتحدث بأي ٍ‬
‫شيء يثير الشهوات‪ ،‬حتى‬
‫ٍ‬
‫تفصيل‪ ،‬إذا لم يكن له حاجة كرهه العلماء وعدوه من خوارم‬ ‫مجرد ذكر الوقاع أنه قد حصل دون‬
‫المروءة‪ ،‬حتى مجرد أن يخبر أنه قد حصل بينه وبين أهله شيء لغير مصلحة شرعية فهو مكرو ٍه؛‬
‫إن الطبيب وغيره ممن يطلعون على بعض أسرار الناس ال‬ ‫ألنه من خوارم المروءة‪ .‬عباد اهلل‪َّ :‬‬
‫المضرةُ‬
‫َّ‬ ‫ضرةٌ على المسلمين‪ ،‬فإنه ُيبلَّغ بها حتى ال تقع‬
‫يحل له أن يفشي ذلك‪ ،‬إال إذا كانت هناك َم َّ‬
‫ضرر على أحد بلَّغه بالتحذير‬
‫ٌ‬
‫على المسلمين‪ ،‬وقال العلماء‪ :‬إن اإلنسان إذا اطلع على ٍ‬
‫شيء فيه‬
‫العام‪ ،‬وال يتكلم عن الشخص إذا كان ذلك كافياً‪ ،‬فيقول له‪ :‬انتبه واحذر! وهناك من يريد إيقاع‬
‫الشر بك‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فإذا لم يكن ُّ‬
‫كف الشر ممكناً إال باإلبالغ عن هذا الشخص وجب اإلبالغ عنه‪،‬‬
‫ضرر على المسلمين‪ ،‬كالذين يعملون أوكار الفجور‬
‫ٌ‬ ‫ويجب اإلبالغ عن كل من يحدث شيئاً فيه‬
‫والدعارة‪ ،‬وتوزيع المخدرات ونحو ذلك‪ ،‬يجب اإلبالغ عن هؤالء وعدم الستر عليهم؛ ألن في ذلك‬
‫مصلحة المجتمع المسلم‪.‬‬

‫صور من المجاهرة‪:‬‬
‫عباد اهلل‪ :‬انظروا إلى من حولكم من الناس كيف صارت المجاهرة بالمعاصي عندهم شيئاً عادياً‪،‬‬
‫كل من يعلق صورةً محرمةً تعليقاً يظهر للناس‪ ،‬أو يلصق على سيارته عبارةً بذيئة وهو يعلم‬
‫معناها‪ ،‬أو يشرب شيئاً من المحرمات شفطاً‪ ،‬وأخذاً لدخانه وسحباً‪ ،‬أو من السوائل التي يدخلها إلى‬
‫ٍ‬
‫بمدخن فلم‬ ‫جوفه أمام الناس فهو مجاهر بالمعصية‪ ،‬فال تستغرب إذا رأيت من أهل الخير من مر‬
‫يسلم عليه‪ ،‬ثم مر به وهو ال يدخن فسلم عليه؛ ألن ذلك من فقه معاملة من يجاهر‪ .‬كيف جاهر‬
‫الناس برفع أطباق استقبال موجات الشر وبثها في بيوت المسلمين‪ ،‬حتى صارت كاألعالم ترفرف‬
‫فوق البيوت؟! كيف يجاهر بعض الناس برفع أصوات الغناء عند اإلشارات وزجاج باب السيارة‬
‫منخفض فينشر الفسق؟! كيف بمن يجلس على الشاطئ‪ ،‬أو الرصيف‪ ،‬أو غيره فيعزف‪ ،‬وبعضهم‬
‫يرقصون أمام الغادي واآلتي؟! وهذه المرأة المتهتكة التي تنزل إلى السوق والشارع متبرجةً‬
‫متعطرةً كاشفةً عن األقدام والسيقان‪ ،‬وعن الشعر وغيره؛ تمشي أمام الناس مجاهرةً بالفسق‬
‫والمعصية‪ .‬كيف صار حال بعض الناس في المجاهرة بالفسق والمعاصي في الدعايات التي‬
‫ٍ‬
‫لفجور‪ ،‬أو دعوة لحفلة غناء‪ ،‬أو اختالط‪ ،‬أو قمار‪ ،‬أو‬ ‫فجور‪ ،‬أو دعوةٌ‬
‫ينشرونها على المأل وفيها ٌ‬
‫ميسر في معامالت تجارية ُيجهر بها على المأل؟! لقد صارت مسألة المجاهرة من المسائل العظيمة‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬ولذلك تجب النصيحة‪ ،‬ويجب القيام بواجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬لماذا‬
‫النهي عن المنكر واجب؟ ومحاربة المنكر لمكافحة المجاهرة‪ ،‬وبالدرجة األولى الذي يجهر‬
‫بالمعصية أمام الناس‪.‬كم وكم من الناس قد وقعوا في المجاهرة‪ ،‬وحديث النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫خطير‪ ( :‬كل أمتي معافى إال المجاهرين ) أي‪ :‬فال معافاة لهم‪ ،‬نفى المعافاة عنهم‪ ،‬ومن نفيت عنه‬
‫المعافاة فكيف سيكون حاله؟! نسأل اهلل السالمة والعافية‪ .‬اللهم إنا نسألك أن تطهر مجتمعاتنا من‬
‫المنكرات‪ ،‬وأن تطهر بيوتنا من المعاصي واآلثام‪ .‬اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك األتقياء‬
‫األخفياء‪ ،‬الذين يخشون في السر والعلن‪ ،‬ويخافون أن تطلع على حال هم فيه على معصية‪ .‬اللهم‬
‫طهر قلوبنا من الشرك‪ ،‬والرياء ؛ والكبر‪ ،‬والغرور‪ .‬اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم‪ ،‬وتب‬
‫علينا إنك أنت التواب الرحيم‪ .‬وقوموا إلى صالتكم يرحمكم اهلل‪.‬‬

You might also like