You are on page 1of 7

‫( التعلق بالدين ال باألشخاص )‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬إعداد النفوس في أحد لتلقي نبأ الوفاة‬
‫(و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل‪)..‬‬
‫‪ .2‬توضيح وظيفة رسول اهلل في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪ .3‬أهمية التربية في إعطاء الناس المبادئ النظرية‬
‫‪ .4‬أثر وفاة الرسول على الصحابة‬

‫التعلق بالدين ال باألشخاص‪:‬‬


‫لقد كان لغزوة أحد األثر الكبير في تهيئة النفوس الستقبال األخبار التي قد تؤثر على نفوسهم‪ ،‬من‬
‫هذه األخبار‪ :‬خبر وفاة الرسول صلى اهلل عليه وسلم الذي جاء في القرآن‪ ،‬وقد أوضح أن رسولنا‬
‫صلى اهلل عليه وسلم إنما هو رسول من سائر الرسل مبيناً أن التعلق ال يكون باألشخاص وإ نما‬
‫بالدين‪.‬‬

‫إعداد النفوس في أحد لتلقي نبأ الوفاة‪:‬‬


‫إن الحمد هلل؛ نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ِ‬ ‫اَّل‬ ‫محمداً عبده ورسوله‪ .‬يا َُّأيها الَِّذين آمُنوا اتَّقُوا اللَّه ح َّ ِ ِ‬
‫ون [آل‬ ‫ق تُقَاته َوال تَ ُموتُ َّن ِإ َو َْأنتُ ْم ُم ْسل ُم َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ق ِم ْنها َزو َجها وَب َّ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫الن ُ َّ‬ ‫عمران‪َ .]102:‬يا َُّأيهَا َّ‬
‫ث‬ ‫اس اتقُوا َرَّب ُك ُم الذي َخلَقَ ُك ْم م ْن َن ْفس َواح َدة َو َخلَ َ َ ْ َ َ‬
‫ان َعلَْي ُك ْم َر ِقيباً [النساء‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَأْلر َح َام ِإ َّن اللهَ َك َ‬
‫ون بِه َو ْ‬ ‫اء َواتَّقُوا اللهَ الذي تَ َس َ‬
‫اءلُ َ‬ ‫م ْنهُ َما ِر َجاالً َكثيراً َونِ َس ً‬
‫ِ‬ ‫صِل ْح لَ ُك ْم ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َِّ‬
‫وب ُك ْم َو َم ْن‬
‫َأع َمالَ ُك ْم َوَي ْغف ْر لَ ُك ْم ُذُن َ‬ ‫آمُنوا اتَّقُوا اللهَ َوقُولُوا قَ ْوالً َسديداً * ُي ْ‬‫ين َ‬‫‪َ .]1‬يا َُّأيهَا الذ َ‬
‫ُي ِط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ فَقَ ْد فَ َاز فَ ْوزاً َع ِظيماً [األحزاب‪ .]71-70:‬أما بعد‪ :‬فإن أصدق الحديث كتاب‬
‫محدثة بدعة‪ ،‬وكل‬ ‫ٍ‬ ‫اهلل‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل‬
‫ضاللة في النار‪ .‬يقول اهلل سبحانه وتعالى في القرآن المجيد‪ :‬وما م َح َّم ٌد ِإاَّل‬ ‫ٍ‬ ‫بدعة ضاللة‪ ،‬وكل‬ ‫ٍ‬
‫ََ ُ‬
‫ب َعلَى َع ِقَب ْي ِه َفلَ ْن‬
‫َأعقَابِ ُك ْم َو َم ْن َي ْن َقِل ْ‬
‫ات َْأو قُتِ َل ْان َقلَْبتُ ْم َعلَى ْ‬ ‫ت ِم ْن قَْبِل ِه ُّ‬
‫الر ُس ُل َأفَِإ ْن َم َ‬ ‫َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ‬
‫يض َّر اللَّه َش ْيئاً وسي ْج ِزي اللَّه َّ ِ‬
‫ين [آل عمران‪ .]144:‬هذه اآلية العظيمة من كتاب ربنا‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫صحيح في محله‬ ‫ٍ‬ ‫كاف لقواعد من أسس التربية اإلسالمية‪ ،‬ووضع‬ ‫سبحانه وتعالى فيها بيان ٍ‬
‫للموازين التي ينبغي أن يكون المرء المسلم متزوداً بها وهو ينظر في واقعه ومن حوله‪ ،‬كان لهذه‬
‫عظيم في مناسبتين خطيرتين من مناسبات اإلسالم‪ :‬أما األولى‪ :‬فهي وقعة أحد ؛ التي‬
‫ٌ‬ ‫اآلية فع ٌل‬
‫ألسباب أربعة جاء ذكرها‬ ‫ٍ‬ ‫انهزم المسلمون فيها بعد أن نصرهم اهلل في بادئ األمر‪ ،‬ثم انهزموا فيها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫في القرآن الكريم‪ :‬أوالً‪َ :‬حتَّى ِإ َذا فَشْلتُ ْم [آل عمران‪ .]152:‬ثانياً‪َ :‬وتََن َاز ْعتُ ْم في ْ‬
‫اَأْلم ِر [آل‬
‫ون [آل عمران‪ .]152:‬رابعاً‪ِ :‬م ْن ُك ْم َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْيتُ ْم م ْن َب ْعد َما ََأرا ُك ْم َما تُحُّب َ‬
‫عمران‪ .]152:‬ثالثاً‪َ :‬و َع َ‬
‫الد ْنَيا [آل عمران‪ .]152:‬فألن التفرق قد حل بينهم في تلك اللحظات‪ ،‬والتنازع‪ ،‬ومعصية‬ ‫يد ُّ‬
‫ُي ِر ُ‬
‫أوامر الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والطمع في الدنيا للجري وراء الغنائم؛ حلت بهم الهزيمة‪،‬‬
‫وأشيع بأن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد قتل‪ ،‬وادعى ذلك بعض كفار قريش‪ .‬وفي هذه‬
‫اللحظات العصيبة التي أشيع فيها مقتل القائد؛ الذي يتجمع الجنود حوله ويصدرون عنه في أمره‬
‫ونهيه‪ ،‬وهو الذي يعد لهم ويرتب‪ ،‬وهو الذي عليه المدار‪ ،‬ومنه تنبثق األمور؛ حلت النكبة العظيمة‬
‫في جيش المسلمين‪ ،‬ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ليس كأي قائد من القواد‪ ،‬بل إنه قدوة‬
‫عظيمة‪ ،‬وهو مصدر الوحي من عند اهلل عز وجل‪ ،‬ولذلك كان وقع خبر مقتله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫على صحابته وقعاً في غاية السوء‪ .‬وقد أيد ذلك أن شخصه صلى اهلل عليه وسلم قد غاب عن‬
‫ساحة المعركة في وقت من األوقات‪ ،‬وكان عليه الصالة والسالم مختبئاً محصوراً في زاوية من‬
‫ونفر قلي ٌل من أصحابه‪ ،‬فلما جاء وقع ذلك الخبر كالصاعقة على المسلمين‪ ،‬انقسموا إلى‬
‫الجبل هو ٌ‬
‫ثالثة أقسام‪ :‬فمنهم‪ :‬من أمعن في الفرار‪ .‬وقسم ٍ‬
‫ثان‪ :‬ألقوا السالح وجلسوا يائسين‪ :‬لماذا يقاتلون؟‬
‫وكيف يقاتلون؟ وعالم يقاتلون وقد مات صلى اهلل عليه وسلم؟ وقسم ثالث‪ :‬فقهوا الدين وعاشوا‬
‫لحظات المصيبة بكامل عتادهم اإليماني‪ ،‬ونظرتهم الشاملة لنصرة دين اهلل‪ ،‬واالستمرارية التامة‬
‫إلعالء كلمة اهلل حتى آخر لحظة‪ ،‬فكانوا يبثون الحماس في نفوس اليائسين ويقولون‪[ :‬إذا كان‬
‫رسولكم قد مات فقوموا فموتوا على ما مات عليه]‪ .‬وفي لحظات المصيبة والنكبة التي تقع؛ فإن‬
‫الناس ال بد أن يتقسموا إلى أقسام بحسب الفقه واإليمان الذي وقر في قلوبهم‪ .‬ويتخذ القرآن من‬
‫حادثة فرار المسلمين في أحد مادة للتوجيه وتقرير حقيقة إسالمية عظيمة في التصور اإلسالمي‪،‬‬
‫إن محمداً رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد سبقته الرسل‪ ،‬وقد مات الرسل من قبله‪ ،‬فهو إذاً‬
‫سيموت ال محالة كما مات من قبله‪ ،‬هذه حقيقةٌ أوليةٌ بسيطةٌ‪ ،‬فما بالكم ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬قد غفلتم‬
‫عنها حين واجهتكم تلك الحقيقة في ساعات المعركة‪ ،‬إذا مات المبلغ‪ ،‬فإن البالغ با ٍ‬
‫ق‪ ،‬والبشر إلى‬
‫فناء والعقيدة إلى بقاء‪.‬‬

‫(و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُ‬


‫سو ٌل‪.)..‬‬ ‫توضيح وظيفة رسول اهلل في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫إنه عليه الصالة والسالم قد جاء ليأخذ بأيدي المسلمين إلى العروة الوثقى‪ ،‬ليعقد بها أيدي البشر‪،‬‬
‫ثم يدعهم عليها ويمضي وهم به مستمسكون‪ ،‬هذا هو المفروض أن يكون‪( :‬تركتكم على المحجة‬
‫البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها إال هالك)‪ .‬مات عليه السالم وذهب بشخصه وبقيت دعوته‬
‫حية‪ ،‬من الذي يستمسك بها؟ ومن الذي ُّ‬
‫يعض عليها بالنواجذ؟ أنتم ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬تأملوا في‬
‫أنفسكم‪ :‬لقد ذهب رسولكم صلى اهلل عليه وسلم إلى ربه‪ ،‬فمن الذي بقي بعده مستمسكاً بحبل اهلل عز‬
‫ت ِم ْن قَْبِل ِه‬
‫وجل‪ ،‬وبالعروة الوثقى؟ إن الدعوة إلى اهلل أقدم من الداعية‪َ :‬و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ‬
‫الر ُس ُل [آل عمران‪ ]144:‬خلوا من قبله يحملون الدعوة الضاربة في جذور الزمن‪ ،‬وهي أكبر من‬ ‫ُّ‬
‫الداعية‪ ،‬الدعاة يجيئون ويذهبون‪ ،‬وتبقى الدعوة إلى اهلل على مر األزمان والقرون‪ .‬إذاً‪ ..‬البد من‬
‫واجب‪ ،‬أن تكون‬
‫ٌ‬ ‫فرض‬
‫ٌ‬ ‫توضيح دور الشخصيات بالضبط في هذا الدين‪ ،‬أن تعمل للدين هذا‬
‫مهم‪ ،‬وأن تكون مشعالً ينير للناس ظلمات‬
‫أمر ٌ‬
‫الشخصيات قدوةً حيةً تحرك نفوس المسلمين‪ ،‬هذا ٌ‬
‫أمر لن يتم مطلقاً؛ ألنهم‬
‫أمر مطلوب‪ ،‬ولكن أن يكونوا هم الدين‪ ،‬كال‪ .‬إن هذا ٌ‬
‫الجاهلية؛ هذا ٌ‬
‫سيذهبون‪ .‬مشكلة ٍ‬
‫كثير من المسلمين اليوم (عقدة الشخصانية) أنهم يتعلقون باألشخاص على‬
‫مذموم ألسباب كثيرة‪ :‬فمنها‪ :‬لو أن هذا الشخص ضل‪ ،‬أو انحرف‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬ ‫حساب المنهج‪ ،‬وهذا التعلق‬
‫ارتد عن دين اهلل‪ ،‬أو أخطأ كما هو متوقعٌ ‪-‬ألن البشر غير معصومين‪ l-‬فإذاً ما الذي سيحصل لو‬
‫كان التقليد األعمى هو الذي قد استقر في النفوس؟ فإن (عقدة الشخصانية) ‪-‬التعلق باألشخاص‪-‬‬
‫قد يصل إلى درجة عبادتهم من دون اهلل‪ ،‬فيتابعون على تحليل الحرام وتحريم الحالل‪ ،‬إن تمجيد‬
‫األشخاص في النفوس عقدةٌ مذهلةٌ تصرف كثيراً من المسلمين عن الحق‪ ،‬ولو أن هذا القدوة‪ ،‬أو‬
‫سفر‪ ،‬أو ٍ‬
‫موت‪ ،‬أو ابتعد عنه‪ ،‬ما هي النتيجة؟ إذاً أيها اإلخوة‪ :‬ال بد أن‬ ‫هذا الشخص قد ابتعد في ٍ‬
‫نقدر األمور بقدرها الشرعي‪ ،‬ونضبطها بالميزان اإللهي؛ أال نغلو في األشخاص كما نحفظ لهم‬
‫حقوقهم‪ ،‬إن الذين استقاموا على الشريعة لهم مكانة عظيمة في نفوسنا‪ ،‬ولكن تلك المكانة ال تحملنا‬
‫على ترك هجر الحق وتركه ألجلهم‪ ،‬إن الحق عندنا أغلى من الرجال‪ ،‬إن الحق أحق أن يتبع‪ .‬لقد‬
‫استغلت حادثة معركة أحد إلعداد الجماعة المسلمة لتلقي الصدمة الكبرى حين تقع‪ ،‬والصدمة‬
‫الكبرى هي وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واهلل يعلم أنها ستقع وبأي وقت ستكون‪ ،‬فبين‬
‫القرآن أن الصلة باهلل ال بغيره‪ ،‬وأن هؤالء محاسبون أمام اهلل ال أمام غيره‪ .‬قال اإلمام ابن القيم‬
‫رحمه اهلل في الزاد " ومنها ‪-‬أي‪ :‬من الغايات في هذه الغزوة‪ -‬أن وقعة أحد كانت مقدمةً وإ رهاصاً‬
‫بين يدي موت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فنبأهم ووبخهم على انقالبهم على أعقابهم إن مات‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أو قتل‪ ،‬بل الواجب عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده‪ ،‬ويموتوا‬
‫حي ال يموت‪ ،‬فلو مات محمد أو قتل ال ينبغي لهم‬
‫عليه ويقتلوا‪ ،‬فإنهم إنما يعبدون رب محمد وهو ٌ‬
‫أن يصرفهم ذلك عن دينه وما جاء به‪ ،‬فكل نفس ذائقة الموت‪ ،‬وما بعث محمد صلى اهلل عليه وسلم‬
‫إليهم ليخلد وال هم‪ ،‬بل ليموتوا على اإلسالم والتوحيد "‪ .‬ا‪.‬هـ ولذلك لما مات رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم وقبضت روحه‪ ،‬يقول الراوي‪ :‬فتشهد أبو بكر فمال إليه الناس‪ ،‬فقال‪[ :‬أما بعد‪ :‬فمن‬
‫حي ال يموت‪ ،‬قال اهلل عز‬ ‫كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات‪ ،‬ومن كان يعبد اهلل‪ ،‬فإن اهلل ٌ‬
‫ات َْأو قُتِ َل ْان َقلَْبتُ ْم َعلَى ْ‬
‫َأعقَابِ ُك ْم َو َم ْن‬ ‫ت ِم ْن قَْبِل ِه ُّ‬
‫الر ُس ُل َأفَِإ ْن َم َ‬ ‫وجل‪َ (( :‬و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ‬
‫ب علَى ع ِقب ْي ِه َفلَ ْن يض َّر اللَّه َش ْيئاً وسي ْج ِزي اللَّه َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين )) [آل عمران‪ ]144:‬قال‪ :‬واهلل لكأن‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َي ْن َقل ْ َ َ َ‬
‫الناس لم يكونوا يعلمون أن اهلل أنزل هذه اآلية حتى تالها أبو بكر ‪ ،‬فتلقاها منه الناس‪ ،‬فما أسمعُ‬
‫بشراً من الناس إال يتلوها] رواه البخاري ‪.‬‬

‫أهمية التربية في إعطاء الناس المبادئ النظرية‪:‬‬


‫أيها اإلخوة‪ :‬إن التربية مهمة في إعطاء الناس المبادئ النظرية التي يستعملونها في الواقع‬
‫العملي‪ ،‬ولكن عندما تأتي الحاجة إلى استغالل هذه المبادئ‪ ،‬وإ لى هذه اآليات واألحاديث‪ ،‬فإن‬
‫ضغط الواقع وحجم المصيبة قد ينسي في تلك اللحظة تلك المبادئ النظرية التي تلقيت وحاول‬
‫المربي أن تستقر في النفوس‪ .‬فإذاً ال بد من إنسان يعيد إلى الذاكرة تلك المبادئ وهذه األسس التي‬
‫سبق أن أخذت مكاناً لها في الذاكرة‪ ،‬لماذا؟ ألن الواقع العملي يحتاج في لحظات الشدة إلى قواعد‬
‫يتكئ عليها المصاب التي حدثت به المصيبة‪ ،‬فتذكر هذه األشياء وإ عادتها إلى األذهان من صفات‬
‫عباد اهلل الشاكرين الذين ثبتوا ويقومون بتثبيت الناس‪ ،‬قال عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‬
‫وأرضاه‪[[ :‬واهلل ما هو إال أن تالها أبو بكر ‪-‬يعني‪ :‬قوله‪َ :‬و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل‪[ ...‬آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]144‬حتى عقرت‪ -‬دهشت وبلغ بي الروع كل مأخذ‪ -‬وأنا قائم‪ ،‬حتى خررت إلى األرض‪،‬‬
‫وأيقنت أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد مات]‪ .‬عمر رضي اهلل عنه وأرضاه بعظمته وسعة‬
‫علمه وفقهه ما كان يصدق أنه صلى اهلل عليه وسلم قد مات حتى سمع اآلية التي ذكره بها أبو بكر‬
‫‪ ،‬وفي رواية‪[[ :‬واهلل ما هو إال أن سمعت أبا بكر تالها‪ ،‬فعرفت أنه الحق‪ ،‬فعقرت حتى ما تقلني‬
‫رجالي‪ ،‬وحتى هويت إلى األرض‪ ،‬وعرفت حين سمعته تالها أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قد مات] ‪ .‬قالت عائشة ‪[[ :‬لقد بصَّر أبو بكر الناس في اهلل‪ ،‬وعرفهم الحق الذي عليهم‪ ،‬وخرجوا به‬
‫ت ِم ْن قَْبِل ِه ُّ‬
‫الر ُس ُل )) [آل عمران‪ .]]144:‬في المواقف‬ ‫يتلون‪َ (( :‬و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ‬
‫الصعبة يظهر دور الشخصيات القيادية في المجتمع التي تقود الناس بالوحي يظهر أثرها في تثبيت‬
‫الناس‪ .‬عظم أبو بكر الصديق حتى صار ملجًأ للناس يلجئون إليه‪ ،‬والحادثة كشفت عن قدرة هذا‬
‫الرجل وإ يمانه وعمله‪ ،‬لم يقم بدوره عمر ‪ ،‬وال عثمان ‪ ،‬وال علي ‪ ،‬وال بقية الصحابة‪ ،‬ولذلك كان‬
‫جديراً أن يكون أفضل األمة بعد نبيها‪ ،‬وخليفة المسلمين بعد رحيل نبيهم صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬إذاً‪:‬‬
‫الحادثة تعلم كيفية التعامل مع الواقع السيء‪ ،‬كيفية التعامل مع الناس في أجواء الشدة وأجواء‬
‫المحنة‪ ،‬إن الناس قد جاءوا إلى أبي بكر والتفوا حوله لما وقعت المصيبة‪ ،‬وذهلتهم الصدمة في‬
‫الرواية الصحيحة التي رواها الترمذي وغيره‪ ،‬قال الراوي‪[ :‬جاء أبو بكر والناس قد دخلوا على‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا أيها الناس! افرجوا لي‪ ،‬فأفرجوا له‪ ،‬فجاء حتى أكب على‬
‫ِّت َوِإ َّنهُ ْم َميِّتُ َ‬
‫ون [الزمر‪ ]30:‬ثم قال الناس‪:‬‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومسه‪ ،‬فقال‪ِ :‬إَّن َ‬
‫ك َمي ٌ‬
‫يا صاحب رسول اهلل! أقبض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬فعلموا أن قد صدق‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬يا صاحب رسول اهلل! أيصلى على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫قوم فيكبرون ويصلون‬
‫قوم فيكبرون ويصلون ويدعون‪ ،‬ثم يخرجون‪ ،‬ثم يدخل ٌ‬
‫وكيف؟ قال‪ :‬يدخل ٌ‬
‫ويدعون‪ ،‬ثم يخرجون حتى يدخل الناس‪ ،‬قالوا‪ :‬يا صاحب رسول اهلل! أيدفن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قالوا‪ :‬أين؟ قال‪ :‬في المكان الذي قبضه اهلل فيه‪ ،‬فإن اهلل لم يقبض روحه إال‬
‫في مكان طيب‪ ،‬فعلموا أن قد صدق]‪ .‬كبار الصحابة والمجتمع المدني وجميع الناس يسألون رجالً‬
‫واحداً يصدرون عن رأيه وفتواه المستندة إلى العلم الشرعي‪ ،‬واحد ثبت الناس كلهم‪ ،‬واحد رجع‬
‫إليه الناس وفاءوا‪ ،‬واحد أنقذ الناس من هول الصدمة‪ ،‬وعرفهم كيف يعملون‪ ،‬وماذا يصنعون‪،‬‬
‫واحد هو الذي قاوم الردة‬
‫واحد هو الذي قادهم حتى صار بعد ذلك أمر المسلمين إليه فأنقذهم‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬
‫واحد هو الذي كان رأيه أن يقاتل المرتدين بمللهم حتى اجتمع أمر الصحابة على ذلك‪ .‬إذاً‬
‫بأسرها‪ٌ ،‬‬
‫‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬المواقف هي التي تبرز الرجال‪ ،‬فلو شاهدت ميتاً مات في دار بعض الناس‪ ،‬تجد‬
‫اإلنسان الذي أنعم اهلل بالثبات‪ ،‬يثبت نساء الميت وأوالده وأقرباءه‪ ،‬ويكون هو الشعلة التي تتحرك‬
‫في هول تلك الصدمة هو الذي يبصر الناس بالواجب الشرعي عليهم‪ .‬نسأل اهلل عز وجل أن يجعلنا‬
‫ثابتين على الحق مثبتين لغيرنا عليه‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا األمي‪ ،‬وأستغفر اهلل لي ولكم‪.‬‬

‫أثر وفاة الرسول على الصحابة‪:‬‬


‫الحمد هلل الذي ال إله إال هو لم يتخذ صاحبةً وال ولداً‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ‬
‫الرسالة‪ ،‬وأدى األمانة‪ ،‬وجاهد في اهلل حق جهاده حتى لقي ربه وقد أعذر وأنذر‪ ،‬وبلغ الناس ما‬
‫أنزل إليهم من ربهم‪ .‬أيها اإلخوة‪ :‬إن الجو الذي عاشه صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في‬
‫اليوم الذي مات فيه كان جواً حالكاً جداً يعبر عنه الراوي في الحديث الصحيح وهو أنس فيقول‪:‬‬
‫(لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء‪ ،‬فلما كان‬
‫اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء‪ ،‬وما نفضنا أيدينا من التراب‪ ،‬وإ نا لفي دفنه حتى أنكرنا‬
‫قلوبنا) ‪ .‬أظلم منها كل شيء‪ ،‬هول الصدمة أراهم الواقع مظلماً ال يرون شيئاً‪ ،‬اسودت الدنيا في‬
‫أعينهم‪ ،‬وكانوا كما جاء في وصفهم‪ :‬كالغنم المتفرقة في الليلة الشاتية المطيرة‪ ،‬كيف يفعل الليل‬
‫والشتاء والمطر والبرد بقطيع من الغنم؟ كيف يبعثرها؟ ولذلك فالثبات في لحظات الفتنة‪ ،‬وفي‬
‫مهم جداً‪ ،‬ولذلك يقول اهلل في آخر هذه اآلية‪َ :‬و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل‬ ‫أمر ٌ‬ ‫لحظات المحنة‪ ،‬والصدمة ٌ‬
‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َأعقَابِ ُك ْم َو َم ْن َي ْن َقِل ْ‬
‫ات َْأو قُتِ َل ْان َقلَْبتُ ْم َعلَى ْ‬ ‫ت ِم ْن قَْبِل ِه ُّ‬
‫الر ُس ُل َأفَِإ ْن َم َ‬
‫ض َّر اللهَ‬ ‫ب َعلَى َعقَب ْيه َفلَ ْن َي ُ‬ ‫قَ ْد َخلَ ْ‬
‫بقوم يحبهم ويحبونه‪ ،‬ليست المسألة في األشخاص‪ ،‬دين اهلل با ٍ‬
‫ق‬ ‫َش ْيئاً [آل عمران‪ ]144:‬سيأتي اهلل ٍ‬
‫ض َّر اللَّهَ َش ْيئاً‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َعلَى َعقَب ْيه َفلَ ْن َي ُ‬ ‫ولو ارتد الناس‪ ،‬سيأتي اهلل بقوم يقومون بهذا الدين‪َ :‬و َم ْن َي ْن َقِل ْ‬
‫[آل عمران‪ ]144:‬لن يضر إال نفسه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وسي ْج ِزي اللَّه َّ ِ‬
‫ين [آل عمران‪ ]144:‬قال‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ‬
‫ابن الجوزي رحمه اهلل في زاد المسير ‪ :‬وفي هذه اللفظة (الشاكرين) أقوا ٌل‪ :‬أحدها‪ :‬أنهم الثابتون‬
‫على دينهم قاله علي ‪ ،‬وقال‪ :‬كان أبو بكر أمير الشاكرين‪ .‬وقال ابن القيم رحمه اهلل‪ :‬والشاكرون‬
‫هم الذين عرفوا قدر النعمة‪ ،‬فثبتوا عليها حتى ماتوا وقتلوا‪ ،‬فظهر أثر هذا العتاب‪ ،‬وحكم هذا‬
‫الخطاب يوم موت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وارتد من ارتد على عقبيه من كفار العرب‪،‬‬
‫وثبت الشاكرون على دينهم‪ ،‬فنصرهم اهلل وأعزهم وأظفرهم على أعدائهم‪ ،‬وجعل العاقبة لهم‪.‬‬
‫فإذاً‪ :‬تحمل المسئولية في نصرة هذا الدين هي للشاكرين الذين ثبتوا‪ ،‬والقيام بتثبيت الناس وظيفة‬
‫مهمة ينبغي أن يقوم بها أولئك الشاكرون‪ .‬ومن عجائب األمور التي تذكر بها هذه المناسبة‪ :‬أن اهلل‬
‫ض ُّل بِ ِه َكثِيراً َوَي ْه ِدي بِ ِه َكثِيراً)[البقرة‪ ]26:‬هذه اآلية في المجتمع‬
‫عز وجل يقول عن هذا القرآن‪ :‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫المدني ثبتت الصحابة رضوان اهلل عليهم لما مات عليه السالم‪ ،‬فخرجوا يتلونها‪ ،‬أما طائفة من‬
‫المستشرقين من أبناء هذا الزمن‪ ،‬فإنهم قالوا في هذا الحديث‪ :‬إن هذه اآلية من بنات أفكار أبي بكر‬
‫‪ ،‬وأنه اخترعها لحظة حصول الصدمة ليمتص بها الصدمة‪ ،‬وهذه اآلية قديمة جداً‪ ،‬هذه اآلية نزلت‬
‫في آيات تعقب على غزوة أحد ‪ ،‬فتباً لتلك العقول! وفعالً إن اهلل يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً؛‬
‫آية من كتاب اهلل اهتدى بها أقوام وثبتوا‪ ،‬وضل بها أقوام وزاغوا‪ ،‬هذا القرآن إذاً يثبت اهلل به‬
‫إيجابي على أنفسهم‪ .‬اللهم يا مقلب القلوب ثبت‬
‫ٍ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وليس كل الناس يكون هذا القرآن ذا أثر‬
‫قلوبنا على دينك‪ ،‬اللهم اجعلنا من الشاكرين في النعماء‪ ،‬الصابرين في البأساء والضراء وحين‬
‫البأس‪ ،‬اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‪ ،‬اللهم ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا‬
‫من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب‪ ،‬اللهم وطهر بالدنا من الشرك والبدع‪ ،‬اللهم واحمها من كل عدو‬
‫لإلسالم والمسلمين‪ ،‬اللهم من أراد بنا وببلدنا سوءاً فاجعل كيده في نحره‪ ،‬اللهم من أراد بالد‬
‫المسلمين بسوء اللهم فطهر األرض من رجسه‪ .‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

You might also like