.1إعداد النفوس في أحد لتلقي نبأ الوفاة (و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل).. .2توضيح وظيفة رسول اهلل في قوله تعالىَ : .3أهمية التربية في إعطاء الناس المبادئ النظرية .4أثر وفاة الرسول على الصحابة
التعلق بالدين ال باألشخاص:
لقد كان لغزوة أحد األثر الكبير في تهيئة النفوس الستقبال األخبار التي قد تؤثر على نفوسهم ،من هذه األخبار :خبر وفاة الرسول صلى اهلل عليه وسلم الذي جاء في القرآن ،وقد أوضح أن رسولنا صلى اهلل عليه وسلم إنما هو رسول من سائر الرسل مبيناً أن التعلق ال يكون باألشخاص وإ نما بالدين.
إعداد النفوس في أحد لتلقي نبأ الوفاة:
إن الحمد هلل؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن ِ اَّل محمداً عبده ورسوله .يا َُّأيها الَِّذين آمُنوا اتَّقُوا اللَّه ح َّ ِ ِ ون [آل ق تُقَاته َوال تَ ُموتُ َّن ِإ َو َْأنتُ ْم ُم ْسل ُم َ َ َ َ َ َ َ ق ِم ْنها َزو َجها وَب َّ ٍ ِ ٍ ِ َِّ الن ُ َّ عمرانَ .]102:يا َُّأيهَا َّ ث اس اتقُوا َرَّب ُك ُم الذي َخلَقَ ُك ْم م ْن َن ْفس َواح َدة َو َخلَ َ َ ْ َ َ ان َعلَْي ُك ْم َر ِقيباً [النساء: َّ ِ َّ َِّ ِ ِ اَأْلر َح َام ِإ َّن اللهَ َك َ ون بِه َو ْ اء َواتَّقُوا اللهَ الذي تَ َس َ اءلُ َ م ْنهُ َما ِر َجاالً َكثيراً َونِ َس ً ِ صِل ْح لَ ُك ْم ْ ِ َّ َِّ وب ُك ْم َو َم ْن َأع َمالَ ُك ْم َوَي ْغف ْر لَ ُك ْم ُذُن َ آمُنوا اتَّقُوا اللهَ َوقُولُوا قَ ْوالً َسديداً * ُي ْين ََ .]1يا َُّأيهَا الذ َ ُي ِط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ فَقَ ْد فَ َاز فَ ْوزاً َع ِظيماً [األحزاب .]71-70:أما بعد :فإن أصدق الحديث كتاب محدثة بدعة ،وكل ٍ اهلل ،وخير الهدي هدي محمد صلى اهلل عليه وسلم ،وشر األمور محدثاتها ،وكل ضاللة في النار .يقول اهلل سبحانه وتعالى في القرآن المجيد :وما م َح َّم ٌد ِإاَّل ٍ بدعة ضاللة ،وكل ٍ ََ ُ ب َعلَى َع ِقَب ْي ِه َفلَ ْن َأعقَابِ ُك ْم َو َم ْن َي ْن َقِل ْ ات َْأو قُتِ َل ْان َقلَْبتُ ْم َعلَى ْ ت ِم ْن قَْبِل ِه ُّ الر ُس ُل َأفَِإ ْن َم َ َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ يض َّر اللَّه َش ْيئاً وسي ْج ِزي اللَّه َّ ِ ين [آل عمران .]144:هذه اآلية العظيمة من كتاب ربنا الشاك ِر َ ُ َ ََ َ َ ُ صحيح في محله ٍ كاف لقواعد من أسس التربية اإلسالمية ،ووضع سبحانه وتعالى فيها بيان ٍ للموازين التي ينبغي أن يكون المرء المسلم متزوداً بها وهو ينظر في واقعه ومن حوله ،كان لهذه عظيم في مناسبتين خطيرتين من مناسبات اإلسالم :أما األولى :فهي وقعة أحد ؛ التي ٌ اآلية فع ٌل ألسباب أربعة جاء ذكرها ٍ انهزم المسلمون فيها بعد أن نصرهم اهلل في بادئ األمر ،ثم انهزموا فيها ِ ِ في القرآن الكريم :أوالًَ :حتَّى ِإ َذا فَشْلتُ ْم [آل عمران .]152:ثانياًَ :وتََن َاز ْعتُ ْم في ْ اَأْلم ِر [آل ون [آل عمران .]152:رابعاًِ :م ْن ُك ْم َم ْن ِ ِ ِ ص ْيتُ ْم م ْن َب ْعد َما ََأرا ُك ْم َما تُحُّب َ عمران .]152:ثالثاًَ :و َع َ الد ْنَيا [آل عمران .]152:فألن التفرق قد حل بينهم في تلك اللحظات ،والتنازع ،ومعصية يد ُّ ُي ِر ُ أوامر الرسول صلى اهلل عليه وسلم ،والطمع في الدنيا للجري وراء الغنائم؛ حلت بهم الهزيمة، وأشيع بأن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد قتل ،وادعى ذلك بعض كفار قريش .وفي هذه اللحظات العصيبة التي أشيع فيها مقتل القائد؛ الذي يتجمع الجنود حوله ويصدرون عنه في أمره ونهيه ،وهو الذي يعد لهم ويرتب ،وهو الذي عليه المدار ،ومنه تنبثق األمور؛ حلت النكبة العظيمة في جيش المسلمين ،ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ليس كأي قائد من القواد ،بل إنه قدوة عظيمة ،وهو مصدر الوحي من عند اهلل عز وجل ،ولذلك كان وقع خبر مقتله صلى اهلل عليه وسلم على صحابته وقعاً في غاية السوء .وقد أيد ذلك أن شخصه صلى اهلل عليه وسلم قد غاب عن ساحة المعركة في وقت من األوقات ،وكان عليه الصالة والسالم مختبئاً محصوراً في زاوية من ونفر قلي ٌل من أصحابه ،فلما جاء وقع ذلك الخبر كالصاعقة على المسلمين ،انقسموا إلى الجبل هو ٌ ثالثة أقسام :فمنهم :من أمعن في الفرار .وقسم ٍ ثان :ألقوا السالح وجلسوا يائسين :لماذا يقاتلون؟ وكيف يقاتلون؟ وعالم يقاتلون وقد مات صلى اهلل عليه وسلم؟ وقسم ثالث :فقهوا الدين وعاشوا لحظات المصيبة بكامل عتادهم اإليماني ،ونظرتهم الشاملة لنصرة دين اهلل ،واالستمرارية التامة إلعالء كلمة اهلل حتى آخر لحظة ،فكانوا يبثون الحماس في نفوس اليائسين ويقولون[ :إذا كان رسولكم قد مات فقوموا فموتوا على ما مات عليه] .وفي لحظات المصيبة والنكبة التي تقع؛ فإن الناس ال بد أن يتقسموا إلى أقسام بحسب الفقه واإليمان الذي وقر في قلوبهم .ويتخذ القرآن من حادثة فرار المسلمين في أحد مادة للتوجيه وتقرير حقيقة إسالمية عظيمة في التصور اإلسالمي، إن محمداً رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد سبقته الرسل ،وقد مات الرسل من قبله ،فهو إذاً سيموت ال محالة كما مات من قبله ،هذه حقيقةٌ أوليةٌ بسيطةٌ ،فما بالكم -أيها المسلمون -قد غفلتم عنها حين واجهتكم تلك الحقيقة في ساعات المعركة ،إذا مات المبلغ ،فإن البالغ با ٍ ق ،والبشر إلى فناء والعقيدة إلى بقاء.
(و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُ
سو ٌل.).. توضيح وظيفة رسول اهلل في قوله تعالىَ : إنه عليه الصالة والسالم قد جاء ليأخذ بأيدي المسلمين إلى العروة الوثقى ،ليعقد بها أيدي البشر، ثم يدعهم عليها ويمضي وهم به مستمسكون ،هذا هو المفروض أن يكون( :تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها إال هالك) .مات عليه السالم وذهب بشخصه وبقيت دعوته حية ،من الذي يستمسك بها؟ ومن الذي ُّ يعض عليها بالنواجذ؟ أنتم -أيها المسلمون -تأملوا في أنفسكم :لقد ذهب رسولكم صلى اهلل عليه وسلم إلى ربه ،فمن الذي بقي بعده مستمسكاً بحبل اهلل عز ت ِم ْن قَْبِل ِه وجل ،وبالعروة الوثقى؟ إن الدعوة إلى اهلل أقدم من الداعيةَ :و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ الر ُس ُل [آل عمران ]144:خلوا من قبله يحملون الدعوة الضاربة في جذور الزمن ،وهي أكبر من ُّ الداعية ،الدعاة يجيئون ويذهبون ،وتبقى الدعوة إلى اهلل على مر األزمان والقرون .إذاً ..البد من واجب ،أن تكون ٌ فرض ٌ توضيح دور الشخصيات بالضبط في هذا الدين ،أن تعمل للدين هذا مهم ،وأن تكون مشعالً ينير للناس ظلمات أمر ٌ الشخصيات قدوةً حيةً تحرك نفوس المسلمين ،هذا ٌ أمر لن يتم مطلقاً؛ ألنهم أمر مطلوب ،ولكن أن يكونوا هم الدين ،كال .إن هذا ٌ الجاهلية؛ هذا ٌ سيذهبون .مشكلة ٍ كثير من المسلمين اليوم (عقدة الشخصانية) أنهم يتعلقون باألشخاص على مذموم ألسباب كثيرة :فمنها :لو أن هذا الشخص ضل ،أو انحرف ،أو ٌ حساب المنهج ،وهذا التعلق ارتد عن دين اهلل ،أو أخطأ كما هو متوقعٌ -ألن البشر غير معصومين l-فإذاً ما الذي سيحصل لو كان التقليد األعمى هو الذي قد استقر في النفوس؟ فإن (عقدة الشخصانية) -التعلق باألشخاص- قد يصل إلى درجة عبادتهم من دون اهلل ،فيتابعون على تحليل الحرام وتحريم الحالل ،إن تمجيد األشخاص في النفوس عقدةٌ مذهلةٌ تصرف كثيراً من المسلمين عن الحق ،ولو أن هذا القدوة ،أو سفر ،أو ٍ موت ،أو ابتعد عنه ،ما هي النتيجة؟ إذاً أيها اإلخوة :ال بد أن هذا الشخص قد ابتعد في ٍ نقدر األمور بقدرها الشرعي ،ونضبطها بالميزان اإللهي؛ أال نغلو في األشخاص كما نحفظ لهم حقوقهم ،إن الذين استقاموا على الشريعة لهم مكانة عظيمة في نفوسنا ،ولكن تلك المكانة ال تحملنا على ترك هجر الحق وتركه ألجلهم ،إن الحق عندنا أغلى من الرجال ،إن الحق أحق أن يتبع .لقد استغلت حادثة معركة أحد إلعداد الجماعة المسلمة لتلقي الصدمة الكبرى حين تقع ،والصدمة الكبرى هي وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،واهلل يعلم أنها ستقع وبأي وقت ستكون ،فبين القرآن أن الصلة باهلل ال بغيره ،وأن هؤالء محاسبون أمام اهلل ال أمام غيره .قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل في الزاد " ومنها -أي :من الغايات في هذه الغزوة -أن وقعة أحد كانت مقدمةً وإ رهاصاً بين يدي موت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فنبأهم ووبخهم على انقالبهم على أعقابهم إن مات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أو قتل ،بل الواجب عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده ،ويموتوا حي ال يموت ،فلو مات محمد أو قتل ال ينبغي لهم عليه ويقتلوا ،فإنهم إنما يعبدون رب محمد وهو ٌ أن يصرفهم ذلك عن دينه وما جاء به ،فكل نفس ذائقة الموت ،وما بعث محمد صلى اهلل عليه وسلم إليهم ليخلد وال هم ،بل ليموتوا على اإلسالم والتوحيد " .ا.هـ ولذلك لما مات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وقبضت روحه ،يقول الراوي :فتشهد أبو بكر فمال إليه الناس ،فقال[ :أما بعد :فمن حي ال يموت ،قال اهلل عز كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ،ومن كان يعبد اهلل ،فإن اهلل ٌ ات َْأو قُتِ َل ْان َقلَْبتُ ْم َعلَى ْ َأعقَابِ ُك ْم َو َم ْن ت ِم ْن قَْبِل ِه ُّ الر ُس ُل َأفَِإ ْن َم َ وجلَ (( :و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ ب علَى ع ِقب ْي ِه َفلَ ْن يض َّر اللَّه َش ْيئاً وسي ْج ِزي اللَّه َّ ِ ِ ين )) [آل عمران ]144:قال :واهلل لكأن الشاك ِر َ ُ َ ََ َ َ ُ َي ْن َقل ْ َ َ َ الناس لم يكونوا يعلمون أن اهلل أنزل هذه اآلية حتى تالها أبو بكر ،فتلقاها منه الناس ،فما أسمعُ بشراً من الناس إال يتلوها] رواه البخاري .
أهمية التربية في إعطاء الناس المبادئ النظرية:
أيها اإلخوة :إن التربية مهمة في إعطاء الناس المبادئ النظرية التي يستعملونها في الواقع العملي ،ولكن عندما تأتي الحاجة إلى استغالل هذه المبادئ ،وإ لى هذه اآليات واألحاديث ،فإن ضغط الواقع وحجم المصيبة قد ينسي في تلك اللحظة تلك المبادئ النظرية التي تلقيت وحاول المربي أن تستقر في النفوس .فإذاً ال بد من إنسان يعيد إلى الذاكرة تلك المبادئ وهذه األسس التي سبق أن أخذت مكاناً لها في الذاكرة ،لماذا؟ ألن الواقع العملي يحتاج في لحظات الشدة إلى قواعد يتكئ عليها المصاب التي حدثت به المصيبة ،فتذكر هذه األشياء وإ عادتها إلى األذهان من صفات عباد اهلل الشاكرين الذين ثبتوا ويقومون بتثبيت الناس ،قال عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه وأرضاه[[ :واهلل ما هو إال أن تالها أبو بكر -يعني :قولهَ :و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل[ ...آل عمران: ]144حتى عقرت -دهشت وبلغ بي الروع كل مأخذ -وأنا قائم ،حتى خررت إلى األرض، وأيقنت أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد مات] .عمر رضي اهلل عنه وأرضاه بعظمته وسعة علمه وفقهه ما كان يصدق أنه صلى اهلل عليه وسلم قد مات حتى سمع اآلية التي ذكره بها أبو بكر ،وفي رواية[[ :واهلل ما هو إال أن سمعت أبا بكر تالها ،فعرفت أنه الحق ،فعقرت حتى ما تقلني رجالي ،وحتى هويت إلى األرض ،وعرفت حين سمعته تالها أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد مات] .قالت عائشة [[ :لقد بصَّر أبو بكر الناس في اهلل ،وعرفهم الحق الذي عليهم ،وخرجوا به ت ِم ْن قَْبِل ِه ُّ الر ُس ُل )) [آل عمران .]]144:في المواقف يتلونَ (( :و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ الصعبة يظهر دور الشخصيات القيادية في المجتمع التي تقود الناس بالوحي يظهر أثرها في تثبيت الناس .عظم أبو بكر الصديق حتى صار ملجًأ للناس يلجئون إليه ،والحادثة كشفت عن قدرة هذا الرجل وإ يمانه وعمله ،لم يقم بدوره عمر ،وال عثمان ،وال علي ،وال بقية الصحابة ،ولذلك كان جديراً أن يكون أفضل األمة بعد نبيها ،وخليفة المسلمين بعد رحيل نبيهم صلى اهلل عليه وسلم .إذاً: الحادثة تعلم كيفية التعامل مع الواقع السيء ،كيفية التعامل مع الناس في أجواء الشدة وأجواء المحنة ،إن الناس قد جاءوا إلى أبي بكر والتفوا حوله لما وقعت المصيبة ،وذهلتهم الصدمة في الرواية الصحيحة التي رواها الترمذي وغيره ،قال الراوي[ :جاء أبو بكر والناس قد دخلوا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقال :يا أيها الناس! افرجوا لي ،فأفرجوا له ،فجاء حتى أكب على ِّت َوِإ َّنهُ ْم َميِّتُ َ ون [الزمر ]30:ثم قال الناس: رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومسه ،فقالِ :إَّن َ ك َمي ٌ يا صاحب رسول اهلل! أقبض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ فقال :نعم .فعلموا أن قد صدق، قالوا :يا صاحب رسول اهلل! أيصلى على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ قال :نعم .قالوا: قوم فيكبرون ويصلون قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ،ثم يخرجون ،ثم يدخل ٌ وكيف؟ قال :يدخل ٌ ويدعون ،ثم يخرجون حتى يدخل الناس ،قالوا :يا صاحب رسول اهلل! أيدفن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ قال :نعم .قالوا :أين؟ قال :في المكان الذي قبضه اهلل فيه ،فإن اهلل لم يقبض روحه إال في مكان طيب ،فعلموا أن قد صدق] .كبار الصحابة والمجتمع المدني وجميع الناس يسألون رجالً واحداً يصدرون عن رأيه وفتواه المستندة إلى العلم الشرعي ،واحد ثبت الناس كلهم ،واحد رجع إليه الناس وفاءوا ،واحد أنقذ الناس من هول الصدمة ،وعرفهم كيف يعملون ،وماذا يصنعون، واحد هو الذي قاوم الردة واحد هو الذي قادهم حتى صار بعد ذلك أمر المسلمين إليه فأنقذهمٌ ، ٌ واحد هو الذي كان رأيه أن يقاتل المرتدين بمللهم حتى اجتمع أمر الصحابة على ذلك .إذاً بأسرهاٌ ، -أيها اإلخوة -المواقف هي التي تبرز الرجال ،فلو شاهدت ميتاً مات في دار بعض الناس ،تجد اإلنسان الذي أنعم اهلل بالثبات ،يثبت نساء الميت وأوالده وأقرباءه ،ويكون هو الشعلة التي تتحرك في هول تلك الصدمة هو الذي يبصر الناس بالواجب الشرعي عليهم .نسأل اهلل عز وجل أن يجعلنا ثابتين على الحق مثبتين لغيرنا عليه ،وصلى اهلل على نبينا األمي ،وأستغفر اهلل لي ولكم.
أثر وفاة الرسول على الصحابة:
الحمد هلل الذي ال إله إال هو لم يتخذ صاحبةً وال ولداً ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة ،وأدى األمانة ،وجاهد في اهلل حق جهاده حتى لقي ربه وقد أعذر وأنذر ،وبلغ الناس ما أنزل إليهم من ربهم .أيها اإلخوة :إن الجو الذي عاشه صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه كان جواً حالكاً جداً يعبر عنه الراوي في الحديث الصحيح وهو أنس فيقول: (لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء ،فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ،وما نفضنا أيدينا من التراب ،وإ نا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا) .أظلم منها كل شيء ،هول الصدمة أراهم الواقع مظلماً ال يرون شيئاً ،اسودت الدنيا في أعينهم ،وكانوا كما جاء في وصفهم :كالغنم المتفرقة في الليلة الشاتية المطيرة ،كيف يفعل الليل والشتاء والمطر والبرد بقطيع من الغنم؟ كيف يبعثرها؟ ولذلك فالثبات في لحظات الفتنة ،وفي مهم جداً ،ولذلك يقول اهلل في آخر هذه اآليةَ :و َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل أمر ٌ لحظات المحنة ،والصدمة ٌ َّ ِ ِ َأعقَابِ ُك ْم َو َم ْن َي ْن َقِل ْ ات َْأو قُتِ َل ْان َقلَْبتُ ْم َعلَى ْ ت ِم ْن قَْبِل ِه ُّ الر ُس ُل َأفَِإ ْن َم َ ض َّر اللهَ ب َعلَى َعقَب ْيه َفلَ ْن َي ُ قَ ْد َخلَ ْ بقوم يحبهم ويحبونه ،ليست المسألة في األشخاص ،دين اهلل با ٍ ق َش ْيئاً [آل عمران ]144:سيأتي اهلل ٍ ض َّر اللَّهَ َش ْيئاً ِ ِ ب َعلَى َعقَب ْيه َفلَ ْن َي ُ ولو ارتد الناس ،سيأتي اهلل بقوم يقومون بهذا الدينَ :و َم ْن َي ْن َقِل ْ [آل عمران ]144:لن يضر إال نفسه ،ثم قال :وسي ْج ِزي اللَّه َّ ِ ين [آل عمران ]144:قال الشاك ِر َ ُ َ ََ ابن الجوزي رحمه اهلل في زاد المسير :وفي هذه اللفظة (الشاكرين) أقوا ٌل :أحدها :أنهم الثابتون على دينهم قاله علي ،وقال :كان أبو بكر أمير الشاكرين .وقال ابن القيم رحمه اهلل :والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة ،فثبتوا عليها حتى ماتوا وقتلوا ،فظهر أثر هذا العتاب ،وحكم هذا الخطاب يوم موت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وارتد من ارتد على عقبيه من كفار العرب، وثبت الشاكرون على دينهم ،فنصرهم اهلل وأعزهم وأظفرهم على أعدائهم ،وجعل العاقبة لهم. فإذاً :تحمل المسئولية في نصرة هذا الدين هي للشاكرين الذين ثبتوا ،والقيام بتثبيت الناس وظيفة مهمة ينبغي أن يقوم بها أولئك الشاكرون .ومن عجائب األمور التي تذكر بها هذه المناسبة :أن اهلل ض ُّل بِ ِه َكثِيراً َوَي ْه ِدي بِ ِه َكثِيراً)[البقرة ]26:هذه اآلية في المجتمع عز وجل يقول عن هذا القرآن :ي ِ ُ المدني ثبتت الصحابة رضوان اهلل عليهم لما مات عليه السالم ،فخرجوا يتلونها ،أما طائفة من المستشرقين من أبناء هذا الزمن ،فإنهم قالوا في هذا الحديث :إن هذه اآلية من بنات أفكار أبي بكر ،وأنه اخترعها لحظة حصول الصدمة ليمتص بها الصدمة ،وهذه اآلية قديمة جداً ،هذه اآلية نزلت في آيات تعقب على غزوة أحد ،فتباً لتلك العقول! وفعالً إن اهلل يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً؛ آية من كتاب اهلل اهتدى بها أقوام وثبتوا ،وضل بها أقوام وزاغوا ،هذا القرآن إذاً يثبت اهلل به إيجابي على أنفسهم .اللهم يا مقلب القلوب ثبت ٍ المؤمنين ،وليس كل الناس يكون هذا القرآن ذا أثر قلوبنا على دينك ،اللهم اجعلنا من الشاكرين في النعماء ،الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ،اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ،اللهم ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب ،اللهم وطهر بالدنا من الشرك والبدع ،اللهم واحمها من كل عدو لإلسالم والمسلمين ،اللهم من أراد بنا وببلدنا سوءاً فاجعل كيده في نحره ،اللهم من أراد بالد المسلمين بسوء اللهم فطهر األرض من رجسه .والحمد هلل رب العالمين.