You are on page 1of 50

‫حتت إشراف الشيخ‬

‫شرح‬
‫القواعد األربع‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪2‬‬

‫املُ َقدِّ َمةُ‬


‫والسالم عىل‬
‫والصالة َّ‬
‫َّ‬ ‫الحمد ل َّله رب العالمين‪،‬‬
‫ْ‬ ‫الرحيم‪،‬‬ ‫بسم ال َّله َّ‬
‫الرمحن َّ‬
‫محمد‪ ،‬وعىل آله‪ ،‬وأصحابه أمجعين‪.‬‬
‫نبينا َّ‬
‫محمد بن عبد الوهاب رمحه ال َّله ‪ -‬وهي القواعد‬ ‫هذه رسال ٌة َ‬
‫وضعها الشيخ َّ‬
‫األربع ‪ ،-‬ومِن هنْج المصنف رمحه ال َّله‪ :‬أن يضع قواعد للعامة وطلبة ِ‬
‫العلم‬ ‫َّ‬
‫خاص ًة يف أمور الدين‪ ،‬بأسلوب سهل واضح مقرون باألد َّلة؛ ليكون‬
‫يسيرون عليها َّ‬
‫وليتمسك به‪.‬‬
‫َّ‬ ‫المسلِم عىل بينة يف أمر دينه‬
‫وهنا المصنف رمحه ال َّله ذكَر أربع قواعد‪ ،‬وق ْبل ِذكر األربع القواعد َذكر‬
‫المسلم قبل تلك القواعد األربع‬‫مقدم ًة لها؛ وهذه المقدمة إذا استقرت يف ن ْفس ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫التي سيذكرها المصنف رمحه ال َّله؛ َتب َّين له أ َّن الدين هو التوحيد‪َّ ،‬‬
‫وأن التوحيد‬
‫يفسد بالشرك؛ و َتب َّين له خطر الشرك‪َّ ،‬‬
‫وأن الشرك ُيحبط العمل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ُثم بعد ذلك ذكَر القواعد األربع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الجنَّة‪.‬‬ ‫القاعدة األُولى‪َّ :‬‬
‫أن توحيد الربوبية ال َيكفي يف دخول َ‬
‫طلب ال ُقربة والشفاعة‪.‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬دعوى المشركين يف الشرك؛ وهي‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫المشركين؛ فليست األصنام فقط‪.‬‬ ‫القاعدة الثالثة‪ :‬هي تعدد معبودات‬
‫الفرق بين المشركين السابقين والالحقين؛ ُي َبين لنا َّ‬
‫أن‬ ‫القاعدة الرابعة‪ :‬هي ْ‬
‫ِ‬
‫مشركي زماننا أ ْعظم شرك ًا من َّ‬
‫األولين‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫ُم َقدِّ َم ُة املُصَنِّفِ‬


‫اآلخ َر ِة‪َ ،‬و َأنْ‬
‫الد ْنيا َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ال َعظي ِم‪َ :‬أنْ َي َت َوَّل َك في ُّ َ‬ ‫س َأ ُل الل َه َ‬
‫الكرِ َ‬
‫يم‪َ ،‬رب ال َع ْر ِ‬ ‫َأ ْ‬
‫َي ْج َع َل َك ُم َب َارك ًا َأ ْي َن ََم ُك ْن َت‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأنْ َي ْج َع َل َك ِم ْن إِ َذا ُأ ْعط َي َش َك َر‪َ ،‬وإِ َذا ا ْب ُتل َي َص َب َر‪َ ،‬وإِ َذا َأ ْذ َن َب ا ْ‬
‫س َت ْغ َف َر؛ َفإِن‬
‫َهؤُ ََّل ِء الث ََل َث ُع ْن َوانُ الس َعا َد ِة‪.‬‬
‫ش ال َعظِي ِم)؛ منهج‬ ‫س َأ ُل الل َه َ‬
‫الكرِ َ‬
‫يم‪َ ،‬رب ال َع ْر ِ‬ ‫قال المصنف رمحه ال َّله‪َ ( :‬أ ْ‬
‫الشيخ رمحه ال َّله ومنهج الداعية الصادق المخلِص‪ :‬أن يدعو للمدعو؛ وكثير ًا ما‬
‫والرشاد‪ ،‬ونحو‬
‫والسداد‪َّ ،‬‬ ‫كان الشيخ رمحه ال َّله يدعو َّ‬
‫ربه لمن يدعوه بالهداية‪َّ ،‬‬
‫ذلك؛ وكثير ًا ما ُيصدر الشيخ رمحه ال َّله رسائله بالدعاء ‪ -‬كما سيأيت يف «األصول‬
‫الثالثة وأدلتها»(‪ ،- )1‬وهذا من أمارة ِصدق وإخالص الداعي مع ربه‪ ،‬ويف رسائله‬
‫بأن ال َّله‬
‫ممن أدعو له يف سجودي َّ‬
‫الشخصية كَتب إىل أحد من يعاديه‪« :‬وأنت َّ‬
‫يهديك»(‪ ،)2‬فيدل عىل ِصدقه يف الدعوة‪.‬‬
‫ش ال َعظِيمِ‪َ :‬أنْ َي َت َوَّل َك فِي ُّ‬
‫الد ْن َيا‬ ‫يم‪َ ،‬رب ال َع ْر ِ‬ ‫الك ِر َ‬ ‫س َأ ُل الل َه َ‬ ‫هنا قال‪َ :‬‬
‫(أ ْ‬
‫اعتِ ِه )‪،‬‬‫اع َل ْم َأ ْر َش َد َك الل ُه لِ َط َ‬
‫اآلخ َر ِة‪َ ،‬و َأنْ َي ْج َع َل َك ُم َب َارك ًا َأ ْي َن ََم ُك ْن َت)‪ ،‬وأيض ًا‪ْ ( :‬‬
‫َو ِ‬

‫اع َل ْم َر ِح َم َك الل ُه )(‪ )3‬كثير ًا‪.‬‬ ‫وأيض ًا‪ْ ( :‬‬

‫(‪ )1‬متون طالب العلم‪ ،‬المستوى األول‪ ،‬األصول الثالثة وأدلتها‪( ،‬ص‪.)43‬‬
‫(‪ )2‬مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب‪ ،‬الرسائل الشخصية‪ ،‬الجزء السادس‬
‫(ص‪.)281‬‬
‫(‪ )3‬متون طالب العلم‪ ،‬المستوى األول‪ ،‬األصول الثالثة وأدلتها‪( ،‬ص‪.)43‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪4‬‬

‫(الك ِر َ‬
‫يم) يكون استنباط ًا من قول‬ ‫يم)‪ ،‬هنا َ‬ ‫س َأ ُل الل َه َ‬
‫الكرِ َ‬ ‫قال رمحه ال َّله‪َ :‬‬
‫(أ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ْ‬
‫ال َّله‪﴿ :‬اقرأ وربك اْلكرم﴾ [العلق‪ ،]3:‬فهو َيسأل الكريم بأن يمنحك العلم‬
‫ِ‬

‫عز َّ‬
‫وجل به عىل عباده‪ :‬هو‬ ‫كرم يتكرم ال َّله َّ‬ ‫ِ‬
‫العظيم‪ ،‬وهو علم التوحيد‪ ،‬وأعظم َ‬
‫هدايتهم إىل التوحيد‪ ،‬والحذر من الشرك‪.‬‬
‫اسم من أسماء‬
‫يم) فالكريم ٌ‬ ‫س َأ ُل الل َه َ‬
‫الكرِ َ‬ ‫لذلك قال المصنف رمحه ال َّله‪َ :‬‬
‫(أ ْ‬
‫رزق الخ ْلق‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫كرمه‪ْ :‬‬ ‫كرمه‪ :‬هداية الخ ْلق‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫ال َّله‪ ،‬وصفته الكرم؛ ِ‬
‫فمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كرمه‪ :‬إرسال الرسل وغير ذلك من مكارم‬ ‫الجنَّة لمن أطاعه‪ ،‬ومن‬ ‫كرمه‪ :‬خ ْلق َ‬
‫الم ِديدَ ة ال َع ِديدَ ة‪.‬‬
‫وجل َ‬ ‫عز َّ‬‫ال َّله َّ‬
‫والعرش‬
‫ْ‬ ‫ش ال َعظِيمِ)‪،‬‬ ‫(رب ال َع ْر ِ‬
‫ووصفه بأنه َ‬
‫َ‬ ‫وجل الكريم‪،‬‬ ‫عز َّ‬ ‫فسأل ال َّله َّ‬
‫َ‬
‫فتوسل بربوبِ َّية ال َّله ألعظم ما خلق‪ ،‬ألعظم َأ ْمر َأ َم َر به ‪ -‬وهو‬ ‫أعظم المخلوقات؛ َّ‬
‫ب ذكْر أ ْعظم المخلوقات‪.‬‬
‫فناس َ‬
‫التوحيد ‪ ،-‬وأعظم هني ن ََهى عنه ‪ -‬وهو الشرك ‪-‬؛ َ‬
‫و(ال َع ْرش) َو َصفه ال َّله بثالث صفات(‪:)1‬‬
‫اَّلل ََل إ ََلَ‬
‫َ ْ َ َ َّ ْ َ ْ َ ْ َ َّ‬
‫الصفة األولى‪ :‬العظمة؛ كما قال سبحانه‪﴿ :‬فإِن تولوا فقل حس ِِب‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ ْ‬ ‫َّ‬
‫إَِل ه َو َعليْهِ ت َوَّكت َوه َو َر ُّب ال َع ْر ِش ال َع ِظي ِم﴾ [التوبة‪.]129:‬‬
‫جي ِد﴾ [البروج‪ ،]15:‬عىل‬ ‫م‬‫والصفة الثانية‪ :‬المجد؛ كما قال‪﴿ :‬ذو الْ َع ْر ِش ال ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫الجر‪.‬‬
‫قراءة َ‬
‫ْ‬
‫اْل ُّق ََل إ َ ََل إ ََّل هوَ‬ ‫َ َ َّ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫والصفة الثالثة‪ :‬ال َك َرم؛ قال سبحانه‪﴿ :‬ف َت َعاَل اَّلل ال َملِك‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ ْ‬
‫ري ِم﴾ [المؤمنون‪.]116 :‬‬ ‫رب العر ِش الك ِ‬

‫(‪ )1‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪.)511 /6‬‬


‫‪5‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫َ‬
‫العرش بثالث صفات‪ :‬العظمة‪ ،‬والمجد‪ ،‬والكرم‪.‬‬ ‫فوصف ال َّل ُه‬

‫اآلخ َر ِة) فإذا تو َّلى ال َّله العبد هداه‬ ‫الد ْنيا َو ِ‬ ‫ِ‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬أنْ َي َت َوَّل َك في ُّ َ‬
‫َّ‬
‫اب َوه َو َي َت َوَّل‬‫اَّلل َّاَّلِي نَ َّز َل الْك َِت َ‬
‫َّ َ ِ َ َّ‬
‫للصراط المستقيم؛ كما قال سبحانه‪﴿ :‬إِن ول ِِّي‬
‫ْ َ‬
‫ِي﴾ [األعراف‪ ،]196:‬وقال‪﴿ :‬ن ِْع َم ال َم ْوَّل َون ِْع َم انلَّ ِصي﴾ [األنفال‪ ،]40:‬وقال‬ ‫اْل َ‬ ‫َّ‬
‫الص ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َْ ْ َ‬
‫سبحانه‪﴿ :‬فنِعم الموَّل ون ِعم انل ِصي﴾ [الحج‪ ]78:‬كما يف سورة الحج‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ َّ‬
‫فإذا تو َّلى ال َّله العبد َر َفعه؛ قال تعاىل‪﴿ :‬ذل ِك بِأن اَّلل موَّل اَّلِين آمنوا﴾‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ ََْ َ‬ ‫َ َ َّ ْ َ‬
‫ضل؛ قال سبحانه‪﴿ :‬وأن الَكف ِِرين َل موَّل لهم﴾‬ ‫وإذا َر َفع ال َّله واليته عن ال َعبد َّ‬
‫[محمد‪.]11:‬‬
‫وجل‪ :‬أن يتو َّلى عباده المؤمنين؛ لذلك قال المصنف رمحه‬ ‫عز َّ‬ ‫فمن رمحة ال َّله َّ‬
‫اآلخ َر ِة)؛ (فِي ُّ‬
‫الد ْن َيا) بالهداية إىل الصراط المستقيم‪،‬‬ ‫الد ْنيا َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّله‪َ :‬‬
‫(أنْ َي َت َوَّل َك في ُّ َ‬
‫اآلخ َر ِة) ومن الوالية يف‬
‫(و ِ‬ ‫وح ْفظك منها‪َ ،‬‬ ‫والبعد عن الشبهات والشهوات‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫اآلخرة‪ :‬الطمأنينة من كروب المحشر وأهواله ونحو ذلك‪.‬‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬و َأنْ َي ْج َع َل َك ُم َب َارك ًا َأ ْي َن ََم ُك ْن َت)؛ يعني‪ :‬يف أي زمان أو مكان‬
‫ِ‬
‫َح َل ْل َت فيه؛ وهذه دعو ٌة عظيم ٌة‪ ،‬فالمسلم يدعو لن ْفسه كثير ًا بأن يكون َ‬
‫مبارك ًا؛ فإذا‬
‫كان مبارك ًا؛ َع ّم نفعه و َك ُثر‪ ،‬وعيسى عليه السالم َذكَر نعمة ال َّله عليه بذلك ‪ّ -‬‬
‫بأن‬
‫َ َ ًَْ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ال َّله َج َعله مبارك ًا أينما كان ‪-‬؛ كما قال سبحانه عنه‪َ ﴿ :‬و َج َعل ِِن مباراك أين ما كنت‬
‫َ ًِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اِن بِالصَلة والزَكة ما دمت حيا﴾ [مريم‪.]31:‬‬ ‫وأوص ِ‬
‫كل عىل‬‫حل يف أي مكان ُيعلم اآلخرين أمر دينهم‪ٌّ ،‬‬ ‫ومن َبركة المسلِم‪ :‬أنه إذا َّ‬
‫عز َّ‬
‫وجل يف‬ ‫والعلم‪ ،‬ومن أعظم البركة التي يجعلها ال َّله َّ‬‫ما يعطيه ال َّله من الدين ِ‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪6‬‬

‫عبده‪ :‬دعوة غيره إىل التوحيد؛ لذلك يوسف عليه السالم وهو يف السجن دعا إىل‬
‫َ َ َ ِ ْ َ َ ْ َ ٌ َ َ ِ َ َ ْ ٌ َ ِ َّ‬
‫السج ِن أأرباب متفرِقون خي أم اَّلل‬ ‫ِب ِ‬
‫ح ِ‬ ‫التوحيد ‪ -‬وهذا من البركة ‪-‬؛ ﴿يا صا ِ‬
‫بارك ال َّله يف دعوته؛ فمكث زمن ًا‬ ‫ﷺ‬ ‫دٌ‬ ‫محم‬ ‫نا‬‫ونبي‬ ‫‪،‬‬‫]‬ ‫‪39‬‬ ‫‪:‬‬ ‫[يوسف‬ ‫﴾‬‫ار‬‫ه‬‫حد الْ َق َّ‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫و‬‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫انتشرت دعوته و َد َخل الناس يف دين ال َّله أفواج ًا‪،‬‬
‫ْ‬ ‫يسير ًا يف الدهر ومع ذلك‬
‫وكأ َّنه ﷺ مل يمت‪ ،‬وهذا من ال َب َركة التي َأ ْو َد َعها ال َّله تعاىل له‪.‬‬
‫وحده؛ كما قال النبي ﷺ‬ ‫بارك هو ال َّله ْ‬ ‫الم ِ‬
‫البركة؛ ألن ُ‬ ‫ربهم َ‬ ‫واألنبياء سألوا َّ‬
‫وب َي ْغت َِس ُل ُع ْر َيان ًا َخ َّر َع َل ْي ِه ِر ْج ُل َج َراد مِ ْن َذ َهب‪،‬‬
‫عن أيوب عليه السالم‪َ « :‬ب ْين ََما َأي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُن َأ ْغنَ ْيت َُك َع َّما َت َرى!؟ َق َال‪َ :‬ب َلى‬
‫وب! َأ َل ْم َأك ْ‬ ‫َف َج َع َل َي ْحثي في َث ْوبِه‪َ ،‬فنَا َدا ُه َرب ُه‪َ :‬يا َأي ُ‬
‫َيا َرب! َو َلكِ ْن َال ِغنَى لِي َع ْن َب َركَتِ َك»(‪ ،)1‬فال أحد يستغني عن َبركة ال َّله سبحانه‪.‬‬
‫ولهذا ُأمر المسلِم إذا أراد أن َيعمل عمالً أن يسمي ال َّله‪ ،‬ال سيما يف أمور جاء‬
‫مما أباحه ال َّله(‪ ،)3‬فيقول الشخص‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫األمر هبا؛ مثل‪ :‬ذبح هبيمة األنعام ‪ ،‬وما يؤكل َّ‬
‫َ َ ُّ َ ْ َ َ َ َّ َ ِ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب قول ال َّله تعاىل‪﴿ :‬وأيوب إِذ نادى ربه أ ِِن‬
‫اِح َ‬ ‫ُّ ُّ َ َ ْ َ َ‬
‫ِي﴾ [األنبياء‪ ،]83 :‬رقم(‪ ،)3391‬من حديث أبي هريرة‬ ‫ت أ ْر َحم َّ‬
‫الر ِ‬ ‫َم َّس ِ َ‬
‫ِن الُّض وأن‬
‫رضي ال َّله عنه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ ْ ْ َ‬ ‫َ َْ‬
‫(‪ )2‬لقول ال َّله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَل تأكلوا ِمما لم يذك ِر اسم اَّلل ِ عليهِ ِإَونه لفِسق﴾‬
‫مما ُسميت؛ ّ‬
‫فدل عىل‬ ‫[األنعام‪[121:‬؛ فاآلية تدل بمفهومها عىل أنَّه ال يجوز األكل إال َّ‬
‫فسق‪ .‬بدائع الصنائع للكاساين (‪.)46/5‬‬
‫سمى عليه فهو ٌ‬ ‫وجوب التسمية َّ‬
‫وأن ما مل ُي َّ‬
‫(‪ )3‬كما يف الحديث الذي رواه البخاري‪ ،‬كتاب األطعمة‪ ،‬باب التسمية عىل الطعام واألكل‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫باليمين‪ ،‬رقم (‪،)5376‬‬
‫رقم (‪ ،)2022‬من حديث عمر بن أبي سلمة رضي ال َّله عنه‪ ،‬ولفظه‪ُ « :‬كن ُْت ُغ َال َم ًا فِي َح ْج ِر‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ‪َ :‬يا ُغ َال ُم! َسم‬ ‫الص ْح َف ِة‪َ ،‬ف َق َال لِي َر ُس ُ‬ ‫َت ي ِدي َتطِ ُ ِ‬
‫يش في َّ‬
‫رس ِ ِ‬
‫ول ال َّله ﷺ‪َ ،‬وكَان ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪7‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫وبرك ًة(‪ ،)1‬أي‪ :‬يا رب! َأ ْعني عىل هذا األمر‪ ،‬ويا رب!‬
‫بسم ال َّله‪ ،‬يعني‪ :‬استعان ًة َ‬
‫عز َّ‬
‫وجل‬ ‫اجعل بركتك عىل هذا األمر ألين ذك َْر ُت اسمك عليه؛ فكل أمر ُيذكر ال َّله َّ‬
‫ْ‬
‫البركة؛ لذلك إذا دخل المسلِ ُم المنزل فذكر ال َّل َه فقال‪:‬‬ ‫فيه ُيرجى أن َّ‬
‫تحل عليه َ‬
‫يت َل ُك ْم َو َال َع َشا َء»(‪،)2‬‬
‫بسم ال َّله؛ امتنع الشيطان من دخول المنزل‪ ،‬وقال‪َ « :‬ال َمبِ َ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫ان َما‬ ‫ب َّ‬ ‫ان‪َ ،‬و َجن ِ‬ ‫اس ِم ال َّل ِه‪ ،‬ال َّل ُه َّم َجن ْبنَا َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫الرجل أهله فقال‪« :‬بِ ْ‬ ‫وإذا أتى ُ‬
‫َر َز ْق َتنَا‪َ ،‬فإِ َّن ُه إِ ْن ُي َقدَّ ْر َب ْين َُه َما َو َلدٌ فِي َذل ِ َك؛ َل ْم َي ُض َّر ُه َش ْي َط ٌ‬
‫ان َأ َبد ًا»(‪.)3‬‬
‫وإذا قيل لك‪ :‬ما معنى بسم ال َّله؟‬
‫البركة؛ يعني‪ :‬يا رب! أعني عىل هذا‪ ،‬األمر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وطلب َ‬ ‫تقول‪ :‬الباء لالستعانة‬
‫ويا رب! أنا أطلب َبركتك أن َّ‬
‫تحل عىل هذا األمر‪.‬‬
‫َ َ َ َّ َ َ‬
‫ار َك اَّلِي ن َّزل‬ ‫وحده؛ فقال سبحانه‪﴿ :‬تب‬ ‫ِ‬
‫المبارك ْ‬ ‫عز َّ‬
‫وجل َتبارك وهو‬ ‫وال َّله َّ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َْ َ ََ َ‬
‫الفرقان لَع عب ِده ِ﴾ [الفرقان‪ ،]1:‬وقال‪﴿ :‬تبارك اَّلِي بِي ِده ِ الملك﴾ [الملك‪،]1:‬‬
‫ك َخ ْيا ً م ِْن َذل َِك َج َّنات ََتْري م ِْن ََتْتِهاَ‬ ‫ْ َ َ َ ََ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وقال‪﴿ :‬تبارك اَّلِي إِن شاء جعل ل‬
‫ًَ‬ ‫ََْْ ََ ْ َْ َ َ‬
‫اْلنهار ويجعل لك قصورا﴾ [الفرقان‪.]10:‬‬

‫ال َّل َه‪َ ،‬وك ُْل بِ َي ِمين ِ َك‪َ ،‬وك ُْل مِ َّما َيلِ َ‬
‫يك»‪.‬‬
‫(‪ )1‬تفسير ابن كثير (‪.)121/1‬‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما‪ ،‬رقم (‪،)2018‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬رواه‬
‫من حديث جابر بن عبد ال َّله رضي ال َّله عنه‪.‬‬
‫ومسلم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )3‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ما يقول ُ‬
‫الرجل إذا أتى أهله‪ ،‬رقم (‪،)5165‬‬
‫كتاب النكاح‪ ،‬باب ما يستحب أن يقوله عند النكاح‪ ،‬رقم (‪ ،)1434‬من حديث ابن عباس‬
‫رضي ال َّله عنهما‪.‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪8‬‬

‫شخص إىل منزل شخص فال‬


‫ٌ‬ ‫تبارك وال ِ‬
‫بارك‪ ،‬فلو َدخل‬ ‫فال يقال للعبد‪َ :‬‬
‫تباركت علينا بالزيارة‪ ،‬أو ُز ْرنا َت َبارك علينا‪ ،‬وإذا َعمل شخص‬
‫َ‬ ‫يجوز أن يقال له‪:‬‬

‫عمالً عظيم ًا ونحو ذلك ووا َفق عليه ال يقال‪ :‬وقد َ‬


‫بارك فالن عىل هذا العمل؛ ألن‬
‫ِ‬
‫المبارك هو ال َّله وحده؛ وإ َّنما يقال‪ :‬ودعا فالن َ‬
‫بالبركة يف هذا العمل ونحو ذلك‪،‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل وحده‪ ،‬وهذا َيك ُثر أن‬ ‫ِ‬
‫المبارك هو ال َّله َّ‬ ‫فال ُتنسب َ‬
‫البركة للعبد‪ ،‬وإنما‬
‫بارك فالن عىل هذا المشروع‪ ،‬أو عىل هذا العمل؛ هذا ال يجوز‪.‬‬
‫يقال‪ :‬وقد َ‬
‫ِ‬
‫المبارك‪ ،‬وك َّلما‬ ‫ألن ال َّله هو‬
‫قرب العبد من ال َّله؛ زادت َبركة العبد؛ َّ‬
‫وك َّلما ُ‬
‫قرب من دينه الذي هو النور؛ ناله من ذلك النور بحسب ال ُقرب‪ ،‬وإذا َق ُرب‬
‫ُ‬
‫مبارك‪،‬‬ ‫الشخص من القرآن العظيم؛ أيض ًا نالته َ‬
‫البركة بقدر قربه منه؛ ألن القرآن َ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ َ َْ َْ َْ َ‬
‫قال سبحانه‪﴿ :‬كِتاب أنزنلاه إَِلك مبارك﴾ [ص‪ ،]29:‬وقال ابن كثير رمحه الله ‪:‬‬
‫َّ (‪)1‬‬

‫ِ‬
‫انتشرت‬ ‫«ويف عهد الدولة العثمانية ‪ -‬يعني‪ :‬عهد عثمان بن عفان رضي ال َّله عنه ‪-‬‬
‫الفتوحات وا َّت َسعت‪ ،‬قال‪ :‬بسبب كثرة تالوة عثمان رضي ال َّله عنه للقرآن»(‪ ،)2‬فلما‬
‫مبارك شرعه ال َّله؛ نالت البركة َغيره‪.‬‬
‫العظيم من أمر َ‬
‫ُ‬ ‫قرب هذا‬
‫ُ‬
‫فإذا قيل‪ :‬ما هي البركة؟‬
‫البركة هي‪ :‬التي إذا كانت يف القليل ك َّث َرته‪ ،‬وإذا كانت يف الكثير نف َعت ْه‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصري الشافعي‪ُ ،‬ولد سنة‬
‫المذهب البن الملقن (‪.)428‬‬
‫َّ‬ ‫(‪700‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪774‬هـ)‪ .‬العقد‬
‫(‪ )2‬تفسير ابن كثير (‪.)78/6‬‬
‫‪9‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫الخ ْي َر َال َي ْأتِي إِ َّال بِ َ‬


‫الخ ْي ِر»‪.‬‬ ‫الزيادة والنماء(‪ ،)1‬ويف صحيح البخاري(‪« :)2‬إِ َّن َ‬
‫البركة؛ هذا ما يجوز‪ ،‬وإنما تعبد ًا(‪)3‬؛‬
‫وتقبيل الحجر األسود ال يكون من باب َ‬
‫ِ‬
‫المبارك هو‬ ‫فال يقال‪ :‬أنا أق ّبل الحجر األسود تبرك ًا به‪ ،‬فال يجوز هذا األمر؛ ألن‬
‫يتمسح‬
‫َّ‬ ‫البركة‪ ،‬وال‬
‫يتمسح مثالً بشخص ويقول‪ :‬أنال َ‬
‫َّ‬ ‫ال َّله وحده؛ وعليه‪ :‬فال‬
‫البركة؛ ألن‬
‫بأعمدة الحرم‪ ،‬أو بالكعبة‪ ،‬أو أستار الكعبة أو نحو ذلك‪ ،‬ويقول‪ :‬أنال َ‬
‫عز َّ‬
‫وجل وحده‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المبارك هو ال َّله َّ‬
‫(و َأنْ َي ْج َع َل َك ُم َب َارك ًا َأ ْي َن ََم ُك ْن َت)‪ ،‬فإذا كان الشخص‬
‫ولهذا قال رمحه ال َّله‪َ :‬‬
‫مبارك ًا؛ نَفع ال َّله به أينما كان‪ ،‬يف الزمان أو المكان‪.‬‬ ‫َ‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬و َأنْ َي ْج َع َل َك ِِم ْن إِ َذا ُأ ْعطِ َي َش َك َر‪َ ،‬وإِ َذا ا ْب ُتلِ َي َص َب َر‪َ ،‬وإِ َذا َأ ْذ َن َب‬
‫أخذها المصنف رمحه ال َّله‬ ‫س َت ْغ َف َر؛ َفإِن َهؤُ ََّل ِء الث ََل َث ُع ْن َوانُ الس َعا َد ِة) هذه العبارة َ‬‫ا ْ‬
‫من ابن القيم رمحه ال َّله(‪َّ ،)4‬‬
‫فإن ابن القيم رمحه ال َّله َذكَر َّ‬
‫أن هذه الثالث هي عنوان‬

‫(‪ )1‬الصحاح للجوهري (‪.)1575 /4‬‬


‫(‪ )2‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب ْ‬
‫فضل النفقة يف سبيل ال َّله‪ ،‬رقم (‪ ،)2842‬من حديث أبي‬
‫سعيد الخدري رضي ال َّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬كما يف الحديث الذي رواه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما ُذكر يف الحجر األسود‪ ،‬رقم‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب استحباب تقبيل الحجر األسود يف الطواف‪ ،‬رقم‬ ‫ٌ‬ ‫(‪،)1597‬‬
‫الح َج ِر األَ ْس َو ِد َف َق َّب َل ُه‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِني‬ ‫ِ‬
‫(‪ ،)1270‬ولفظه‪َ :‬ع ْن ُع َم َر َرض َي ال َّل ُه َعنْ ُه‪َ :‬أ َّن ُه َجا َء إِ َلى َ‬
‫َأ ْع َل ُم َأن ََّك َح َج ٌر‪َ ،‬ال َت ُضر َو َال َتنْ َف ُع‪َ ،‬و َل ْو َال َأني َر َأ ْي ُت النَّبِ َّي ﷺ ُي َقب ُل َك َما َق َّب ْلت َُك»‪.‬‬
‫الزرعي‬
‫ّ‬ ‫(‪ )4‬هو‪ :‬أبو عبد ال َّله شمس الدين محمد ابن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز‬
‫الحنبيل‪ُ ،‬ولد سنة (‪691‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪751‬هـ)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدمشقي ابن قيم الجوزية‬
‫ّ‬ ‫األصل ثم‬
‫للزركيل (‪.)65/6‬‬
‫ّ‬ ‫الرد الوافر البن ناصر الدين (‪ ،)68/1‬األعالم‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪10‬‬

‫السعادة(‪.)1‬‬

‫وهذه الثالثة مذكور ٌة ك ّلها يف كتاب ال َّله‪َ ،‬‬


‫فمن كان شاكر ًا صابر ًا مستغفر ًا؛‬
‫فقد ح َّقق ونال السعادة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال رمحه ال َّله‪ِ( :‬م ْن إِ َذا ُأ ْعط َي َش َك َر) ُ‬
‫وسنَّة ال َّله يف خ ْلقه وعباده‪َ :‬من َشكر‬
‫ر َفعه ال َّله كثير ًا؛ فالنبي ﷺ ش َكر ربه‪ ،‬وكان يقوم حتى تتف َّطر قدماه(‪)2‬؛ فجازاه ال َّله‬
‫بأعايل الجنان وهكذا‪.‬‬
‫أن َمن ش َكره زاد عليه النعم‪ ،‬فعبارة‪« :‬بالشكر تدوم‬ ‫عز َّ‬
‫وجل‪َّ :‬‬ ‫فضل ال َّله َّ‬
‫ومن ْ‬
‫النعم» غير صحيحة‪ ،‬وإ َّنما العبارة الصحيحة‪« :‬بالشكر تزيد النعم»‪ ،‬فليست تدوم‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫فقط؛ وإ َّنما تزيد و َت َتنَامى بالشكر؛ لذلك قال سبحانه‪﴿ :‬لئ ِ ْن شك ْرت ْم‬
‫َ َ َ َّ‬
‫ْلزِيدنكم﴾ [إبراهيم‪.]7:‬‬
‫ِ‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ) :‬وإِ َذا ا ْب ُتل َي َص َب َر( فمن ابتُيل َ‬
‫وص َبر ح َّقق شيئ ًا من السعادة؛ قال‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ْ ْ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ات‬ ‫ِ‬
‫س* إَِل اَّلِين آمنوا وع ِملوا الصاْل ِ‬‫اْلنسان ل ِِف خ ٍ‬ ‫ص* إِن ِ‬ ‫سبحانه‪﴿ :‬والع ِ‬
‫ب﴾ [العصر‪ ،]3- 1:‬وأيوب عليه السالم ص َبر فر َفعه‬ ‫الص ْ‬
‫اص ْوا ب َّ‬ ‫اص ْوا ب ْ َ‬
‫اْل ِق َوتَ َو َ‬ ‫َوتَ َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال َّله‪ ،‬وأ َمر العباد أن َيمتثلوا بالصبر‪ ،‬وكذلك ذو النون عليه السالم‪ ،‬ويوسف عليه‬

‫(‪ )1‬الوابل الصيب البن القيم (ص ‪.)5‬‬


‫(‪ )2‬كما يف الحديث الذي رواه البخاري‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب ﴿ل ِ َي ْغ ِف َر َل َك ال َّل ُه َما َت َقدَّ َم‬
‫مِ ْن َذ ْنبِ َك َو َما َت َأ َّخ َر‪َ ،‬و ُيتِ َّم نِ ْع َم َت ُه َع َل ْي َك َو َي ْه ِد َي َك ِص َراط ًا ُم ْست َِقيم ًا﴾ [الفتح‪ ،]2 :‬رقم‬
‫َان َي ُقو ُم مِ َن ال َّل ْي ِل‬
‫(‪ ،)4837‬من حديث عائشة رضي ال َّله عنها‪ ،‬ولفظه‪َ « :‬أ َّن َنبِ َّي ال َّل ِه ﷺ ك َ‬
‫ول ال َّل ِه‪َ ،‬و َقدْ َغ َف َر ال َّل ُه َل َك َما َت َقدَّ َم مِ ْن‬
‫َحتَّى َت َت َف َّط َر َقدَ َما ُه‪َ ،‬ف َقا َل ْت َع ِائ َش ُة‪ :‬ل ِ َم َت ْصن َُع َه َذا َيا َر ُس َ‬
‫َذ ْنبِ َك َو َما َت َأ َّخ َر؟ َق َال‪َ :‬أ َف َال ُأ ِحب َأ ْن َأك َ‬
‫ُون َع ْبد ًا َش ُكور ًا»‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫عز َّ‬
‫وجل حتى َج َعله عىل‬ ‫وص َبر يف السجن؛ فرفعه ال َّله َّ‬
‫الجب‪َ ،‬‬
‫السالم ص َبر يف ُ‬
‫خزائن األرض‪ ،‬وبقي ذكْر الجميع مخ َّلد ًا بسبب الصبر‪ ،‬والنبي ﷺ كذلك َص َبر‪،‬‬
‫ون أ َ ْ‬
‫ج َره ْم ب َغيْ‬ ‫َ‬ ‫وهكذا‪ ،‬فمنزلة الصبر عظيم ٌة؛ قال تعاىل‪﴿ :‬إ َّن َما ي َو ََّّف َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ب‬‫ا‬ ‫الص‬ ‫ِ‬
‫اب﴾ [الزمر‪.]10:‬‬‫س‬‫ح َ‬
‫ِ ٍ‬
‫والصبر يكون لثالثة أمور(‪:)1‬‬
‫صبر عىل المصائب‪.‬‬ ‫األمر ا َ‬
‫ألول‪ٌ :‬‬
‫شخص يصبر يتلو القرآن‪ ،‬ويقوم الليل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫صبر عىل الطاعة؛ يعني‪:‬‬
‫األمر الثاين‪ٌ :‬‬
‫صبر عىل حبس الن ْفس عن المعصية؛ فمثالً ال َيشرب الخمر‪،‬‬
‫األمر الثالث‪ٌ :‬‬
‫وال يسرق وهكذا‪.‬‬
‫ومرد هذه الثالث ‪ -‬كما قال ابن القيم رمحه ال َّله(‪«:- )2‬الصبر عىل الطاعة»؛‬
‫فمن صبر عىل الطاعة فإ َّنه َيصبر عن المعصية‪ ،‬وكذلك َيصبر عىل االبتالء‪.‬‬
‫َ‬
‫والمقصود هنا‪ :‬الجميع‪.‬‬
‫ممن ُأ ِلهم االستغفار بعد الذنْب‪،‬‬ ‫(وإِ َذا َأ ْذ َن َب ا ْ‬
‫س َت ْغ َف َر)؛ يعني‪َّ :‬‬ ‫قال رمحه ال َّله‪َ :‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل إياها‪.‬‬ ‫فهذا من أمارة سعادة العبد التي َمنح ُه ال َّله َّ‬
‫َ ْ ْ‬
‫اس َتغفِ ْر‬ ‫وجل‪﴿ :‬و‬ ‫عز َّ‬ ‫وجل رسله باالستغفار؛ قال ال َّله َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫ولهذا أمر ال َّله َّ‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ ْ ْ َ َ ْ ْ‬
‫محمد ﷺ‪:‬‬ ‫عز وجل لنبينا َّ‬ ‫َّ‬ ‫ات﴾ [محمد‪ ،]19:‬وقال الله َّ‬
‫َّ‬ ‫َِّلنبِك ول ِلمؤ ِمنِي والمؤمِن ِ‬
‫َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َّ‬ ‫ًَ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ َ ْ ً‬
‫َ‬
‫ينا * َِلغ ِفر لك اَّلل ما تقدم مِن ذنبِك وما تأخر﴾‬ ‫ح َنا لك فتحا م ِب‬ ‫﴿إِنا فت‬
‫ت انلَّاسَ‬ ‫اَّللِ َوالْ َفتْح * َو َر َأي ْ َ‬
‫َ َ َ َ ْ َّ‬
‫[الفتح‪ ،]2 - 1:‬وأمره أيض ًا باالستغفار؛ ﴿إِذا جاء نص‬

‫(‪ )1‬عدة الصابرين البن القيم (ص‪.)31‬‬


‫(‪ )2‬عدة الصابرين (ص ‪.)36‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪12‬‬

‫َ َ ِ ْ َ ْ َ ِ َ َ ْ َ ْ ْ َّ َ َ َ َّ ً‬ ‫َّ َ ْ َ ً‬ ‫َ‬ ‫يَ ْ‬


‫ِين اَّللِ أفواجا * فسبِح ِِبم ِد ربِك واستغفِره إِنه َكن توابا﴾‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ِف‬
‫ِ‬ ‫ون‬‫ل‬ ‫خ‬‫د‬
‫ِب اتَّق َّ َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل﴾‬ ‫[النصر‪ُ ،]3 - 1:‬فأمر حتى هو ﷺ باالستغفار‪ ،‬وقال‪﴿ :‬يَا أ ُّي َها انلَّ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ َّ َ ْ َ ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ‬
‫[األحزاب‪]1:‬؛ وقال‪﴿ :‬يا أيها اَّلِين آمنوا توبوا إَِل اَّللِ توبة نصوحا﴾ [التحريم‪،]8:‬‬
‫فمن ُألهم االستغفار والعودة واإلنابة بعد الذنب؛ فهذا من ْ‬
‫فضل ال َّله عليه؛ لهذا‬
‫قال‪َ ( :‬فإِن َهؤُ ََّل ِء الث ََل َث ُع ْن َوانُ الس َعا َد ِة)؛ يعني‪ :‬أمارات السعادة مجتمع ٌة‪.‬‬
‫لما أعطاك هذه المقدمة األُوىل ‪ -‬وهي‪ :‬الدعاء لك‪ ،‬وبيان السعادة‪( :‬إِ َذا‬ ‫ُثم َّ‬
‫س َت ْغ َف َر)؛ يعني‪َ :‬من َوقع يف الشرك ثم استغفر‪( ،‬إِ َذا ُأ ْعطِ َي َش َك َر)‪ :‬أعطي‬ ‫َأ ْذ َن َب ا ْ‬
‫(وإِ َذا ا ْب ُتلِ َي َص َب َر)‪ :‬ص َبر عىل ما يالقيه من الدعوة إىل التوحيد ونبذ‬
‫التوحيد وشكر‪َ ،‬‬
‫أن ال َّله‬
‫فعلت هذه األمور تنال السعادة ‪-‬؛ بدأ يف المقدمة الثانية‪ ،‬وهي‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫الشرك؛ إذا‬

‫خ َلق الخ ْلق للعبادة‪ ،‬وأن العبادة ال ُت َّ‬


‫سمى عبادة إال مع التوحيد‪ ،‬ثم ب َّين َخ َ‬
‫طر‬
‫الشرك‪َّ ،‬‬
‫وأن الشرك إذا خالط العبادة أفسدَ العمل‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫يم ‪َ :-‬أنْ َت ْع ُب َد الل َه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعتِ ِه ‪َ :-‬أن َ ِ ِ‬ ‫اع َل ْم ‪َ -‬أ ْر َش َد َك الل ُه لِ َط َ‬
‫الحنيفي َة ‪ -‬مل َة إِ ْب َراه َ‬ ‫ْ‬
‫اس‪َ ،‬و َخ َل َقهُ ْم َلهَ ا؛ َك ََم َق َال َت َعا َلى‪:‬‬ ‫ين‪َ ،‬وبِ َذلِ َك َأ َم َر الل ُه َج ِم َ‬
‫يع الن ِ‬ ‫َو ْح َد ُه ُُمْلِص ًا َل ُه ِّ‬
‫الد َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َّ َ َ َّ‬ ‫ََ َ َْ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫اْلنس إَِل َِلعبد ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫اْل‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫﴿وما خل‬
‫اع َل ْم)؛ يعني‪ :‬اعلم وال تكن جاهالً؛ َّ‬
‫ألن األمر الذي سوف‬ ‫قال رمحه ال َّله‪ْ ( :‬‬
‫فافهمه وال تكن غافالً عنه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫أذكره لك هو أعظم أ ْمر أ َم َر ال َّله به عباده‪،‬‬
‫اعتِ ِه)؛ يعني‪ :‬هداك ود َّلك إىل الطريق المستقيم‪ ،‬ود َّلك‬ ‫( َأ ْر َش َد َك الل ُه لِ َط َ‬
‫للطاعة وأبعدَ ك عن المعصية‪.‬‬
‫لعيل رضي ال َّله عنه‪ُ « :‬قلِ‪ :‬ال َّل ُه َّم ْاه ِدنِي َو َسد ْدنِي‪َ ،‬وا ْذك ُْر‬ ‫والنبي ﷺ قال ٍّ‬
‫الس ْه ِم»(‪ ،)1‬وقال لمعاوية رضي ال َّله عنه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السدَ اد َسدَ ا َد َّ‬ ‫الهدَ ى هدَ ا َيت ََك ال َّط ِر َيق‪َ ،‬و َّ‬ ‫بِ ُ‬
‫ادي ًا َم ْه ِد ّي ًا َو ْاه ِد بِ ِه»(‪.)2‬‬
‫«ال َّلهم اجع ْله َه ِ‬
‫ُ َّ ْ َ ُ‬
‫ربه بالهداية؛ يعني‪ :‬بالداللة عليها؛ وإذا ُد ّل‬ ‫ِ‬
‫وكل مسلم أ َم َره ال َّله أن يدعو َّ‬
‫اه ِدنَا ِ ِ َ َ ْ ْ َ َ‬
‫الصاط المستقِيم﴾ [الفاتحة‪]6:‬؛‬
‫ْ‬
‫عليها ‪ -‬بالثبات عليها ‪ -‬يف قوله سبحانه‪﴿ :‬‬
‫الخمس؛‬
‫ْ‬ ‫ربه يف اليوم والليلة بالهداية يف صلواته‬
‫فواجب عىل كل مسلم أن يدعو َّ‬
‫ٌ‬
‫ألمهيتها‪.‬‬
‫إن توحيد ال َّله سبحانه ليس بِدْ ع ًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( َأن َ ِ ِ‬
‫الحنيفي َة ‪ -‬مل َة إِ ْب َراه َ‬
‫يم ‪ )-‬كأنه يقول‪َّ :‬‬
‫أتيت به من عند نفسي؛ بل هو م َّلة إبراهيم‪ ،‬ف ِ‬
‫(مل َة‬ ‫مما أنا ُ‬ ‫عىل هذه األ َّمة‪ ،‬وليس َّ‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب التعوذ من شر ما عمل ومِن‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫عيل رضي ال َّله عنه‪.‬‬
‫شر ما مل َيعمل‪ ،‬رقم (‪ ،)2725‬من حديث ٍّ‬
‫األزدي‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)17895‬من حديث عبد الرمحن بن أبي عميرة‬
‫رضي ال َّله عنه‪.‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪14‬‬

‫الحن ِ ِيفي َة) يف إعراهبا؛ يعني‪ :‬كأنه قال‪ :‬اعلم أرشدك ال َّله لطاعته‬ ‫يم) ٌ‬
‫بدل من ( َ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْب َراه َ‬
‫وجل باتباعها يف قوله‪﴿ :‬م َِّل َة أَبيكمْ‬
‫ِ‬ ‫عز َّ‬
‫أن م َّلة إبراهيم‪ :‬الحنيفية‪ ،‬التي أمر ال َّله َّ‬
‫إب ْ َراه َ‬
‫ِيم﴾ [الحج‪ ،]78:‬فم َّلة إبراهيم التي ُهدي إليها مجيع الناس هي‪َ ( :‬‬
‫الحن ِ ِيفي َة)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(الحن ِ ِيفي َة) هي‪ :‬الطريقة التي مالت‬
‫الحن ِ ِيفي َة(؛ الحنف‪ :‬الميل(‪ ،)1‬و َ‬
‫وقوله‪َ ) :‬‬
‫(الحن ِ ِيفي َة) ‪ -‬الصراط‬
‫َ‬ ‫وهد َيت إىل الصراط المستقيم(‪ ،)2‬وهذه‬ ‫عن الشرك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عز َّ‬
‫وجل هبا‪،‬‬ ‫المستقيم ‪ -‬هي (مل َة إِ ْب َراه َ‬
‫يم)؛ يعني‪ :‬عقيدة إبراهيم التي أ َمره ال َّله َّ‬
‫ووصى هبا ذريته‪ ،‬ودعا إليها‪.‬‬
‫وسار هبا‪َّ ،‬‬
‫(الحن ِ ِيفي َة)‪.‬‬
‫ين)؛ هذه هي َ‬ ‫ما هي؟ قال‪َ ( :‬أنْ َت ْع ُب َد الل َه َو ْح َد ُه ُُمْلِص ًا َل ُه ِّ‬
‫الد َ‬
‫فإذا قيل لك‪ :‬ما هي دعوة الرسل؟‬
‫ين)‪.‬‬ ‫تقول‪َ ( :‬أنْ َت ْع ُب َد الل َه َو ْح َد ُه ُُمْلِص ًا َل ُه ِّ‬
‫الد َ‬
‫فقوله‪َ ( :‬و ْح َد ُه ُُمْلِص ًا)؛ هذا ق ْيدٌ ال بد منه‪ ،‬فلو قال‪ :‬أن تعبد ال َّله له دينه‪ ،‬ما‬
‫يستقيم الكالم‪ ،‬لماذا؟‬
‫ِ‬
‫فجعل‬ ‫نفي‪ ،‬فقوله‪ُُ ( :‬مْلص ًا)؛ يعني‪ :‬نفي عبادة غير ال َّله‪َ ،‬‬
‫أل َّنه ال يكون فيه ٌ‬
‫فيها اإلخالص ل َّله وحده سبحانه دون غيره‪ ،‬وهو معنى‪« :‬ال إله»؛ فقوله‪ُُ ( :‬مْلِص ًا)‬
‫قيدُ «ال إله»‪ ،‬بمعنى النفي يف «ال إله إال ال َّله»‪.‬‬
‫اس)؛ يعني‪ :‬ال َتس َتنكِف عن هذا‬ ‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬وبِ َذلِ َك َأ َم َر الل ُه َج ِم َ‬
‫يع الن ِ‬

‫األمر‪ ،‬وال تعرض عنه‪ ،‬وال تستثقله؛ فإن هذا األمر أ َم َر ال َّله به مجيع الناس‪ ،‬فاص ِغ‬
‫سمعك له‪.‬‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬لسان العرب البن منظور (‪.)57/9‬‬


‫(‪ )2‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪.)319/9‬‬
‫‪15‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫أمر يجب عىل مجيع الطالب أن‬


‫شخص يف الجامعة‪ :‬هناك ٌ‬
‫ٌ‬ ‫فمثالً‪ :‬لو قال‬
‫كل طالب أن يدركه؛ ال شك‬ ‫مهم يجب عىل ّ‬ ‫أمر ٌّ‬
‫حق الفهم؛ ألنه ٌ‬
‫يعرفوه‪ ،‬ويفهموه َّ‬
‫فاشحذ‬
‫َ‬ ‫اس)‬ ‫تتوجه إليه؛ لذلك قال‪َ ( :‬وبِ َذلِ َك َأ َم َر الل ُه َج ِم َ‬
‫يع الن ِ‬ ‫أن القلوب سوف َّ‬ ‫َّ‬
‫واحذر ضده‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وادع له‪،‬‬
‫واس َع إىل فهم معانيه‪ُ ،‬‬ ‫الهمة لمعرفته‪ْ ،‬‬ ‫َّ‬
‫بالحن ِ ِيف َّية‪َ ( ،‬و َخ َل َقهُ ْم َلهَ ا)؛ أي‪:‬‬ ‫(وبِ َذلِ َك َأ َم َر الل ُه َج ِم َ‬
‫يع الن ِ‬
‫اس)؛ يعني‪َ :‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫للحنيف َّية‪ ،‬يعني‪ :‬للتوحيد؛ ال َّله أمر مجيع الناس ‪ -‬مِن خ ْلق آدم إىل قيام الساعة ‪-‬‬
‫بتوحيد ال َّله‪.‬‬
‫وتأخير‪ ،‬لكن الواو عاطفة ال تفيد الترتيب؛ األصل‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫تقديم‬
‫ٌ‬ ‫وأصل الكالم‬
‫َخ َلقهم ال َّله‪ ،‬وأمرهم بذلك األمر‪ ،‬فأمرهم بعد أن خلقهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َّ َ َ َّ‬ ‫ََ َ َْ‬
‫ون﴾)؛ أي‪ :‬إال‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ب‬ ‫ع‬ ‫َل‬
‫ِ‬ ‫َل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫نس‬‫اْل‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫اْل‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫ق‬ ‫قال‪َ ( :‬ك ََم َق َال َت َعا َلى‪﴿ :‬وما خل‬
‫فخ َلقهم ليعبدوه‬
‫الجن مأمورون بتوحيد ال َّله سبحانه وتعاىل‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ليوحدوين(‪ ،)1‬فحتى‬
‫وحده‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال ابن عباس(‪ )2‬رضي ال َّله عنهما‪« :‬كل ما ورد يف القرآن من العبادة فمعناها‬
‫ْ‬
‫اْل َّن َو ْاْلن ْ َس إ ََّل َلَ ْ‬ ‫ََ َ َْ‬
‫ون * َما أرِيد‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ب‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ق‬ ‫التوحيد»(‪ ،)3‬فقوله تعاىل‪﴿ :‬وما خل‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ْ ْ ْ ََ‬
‫خلقت الج َّن‬
‫ُ‬ ‫ون﴾ [الذاريات‪]57 - 56:‬؛ يعني‪ :‬وما‬ ‫مِنهم مِن رِز ٍق وما أرِيد أن يطعِم ِ‬

‫البغوي (‪.)288/4‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬تفسير‬
‫القرشي‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬هو‪ :‬أبو العباس عبد ال َّله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‬
‫عم رسول ال َّله ﷺ‪ُ ،‬ولد سنة (‪3‬ق‪.‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة ( ‪68‬هـ أو ‪70‬هـ)‪ .‬أسد‬
‫الهاشمي‪ ،‬ابن ّ‬
‫ّ‬
‫الغابة البن األثير (‪ ،)186/3‬اإلصابة البن حجر (‪.)228/6‬‬
‫البغوي )‪.)93/1‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )3‬تفسير‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪16‬‬

‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬


‫واإلنس إال ليوحدوين‪ ،‬ما أريد منهم من رزق‪ ،‬وقوله سبحانه‪﴿ :‬يا أيها انلاس‬
‫َ ََ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫اعبدوا َر َّبكم اَّلِي خلقك ْم﴾ [البقرة‪]21:‬؛ يعني‪ :‬يا أيها الناس َوحدوا ربكم‬
‫الذي َخلقكم‪ ،‬وغيرها من اآليات‪.‬‬
‫فهذه هي بداية المقدمة التي يسوقها المصنف رمحه ال َّله يف بيان مقدمة عظيمة‬
‫سيذكرها المصنف رمحه ال َّله‪ ،‬وهذا من عظيم َصن ِيع‬
‫يأخذ منها نتيجة أربع قواعد ْ‬
‫المؤلف وتوفيق ال َّله له بتسلسل األفكار‪ ،‬وبيان األد َّلة‪ ،‬وسهولة العبارة ومجْع‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫المعاين الكثيرة لها‪ ،‬مع تعليق اإلنسان بربه َّ‬
‫‪17‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫الع َبا َد َة ََّل ُت َسمى ِع َبا َد ًة إَِّل َم َع‬


‫اع َلم َأن ِ‬ ‫ِِ ِِ‬
‫َفإِ َذا َع َر ْف َت َأن الل َه َخ َل َق َك لع َبا َدته‪َ :‬ف ْ ْ‬
‫يد‪َ ،‬ك ََم َأن الص ََل َة ََّل ُت َسمى َص ََل ًة إَِّل َم َع الطهَ َار ِة‪.‬‬ ‫الت ْو ِح ِ‬

‫ث إِ َذا َد َخ َل فِي الطهَ َار ِة؛ َك ََم َق َال‬ ‫الح َد ِ‬‫الع َبا َد ِة َف َس َد ْت‪َ ،‬ك َ‬
‫الشر ُك فِي ِ‬
‫َفإِ َذا َد َخ َل ِّ ْ‬
‫سهمْ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َ َّ َ‬
‫جد اَّللِ شاهِ ِدين لَع أنف ِ ِ‬ ‫ْشك ِي أن يعمروا مسا ِ‬ ‫َت َعا َلى‪﴿ :‬ما َكن ل ِلم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َْ َ َ َ ْ َ ْ‬
‫اِلون﴾‪.‬‬ ‫بِالكف ِر أولئِك حبِطت أعمالهم و َِّف انلارِ هم خ ِ‬
‫بأن ال َّله خ َلق الخ ْلق لعبادته ‪ -‬كما قال‪َ ( :‬وبِ َذلِ َك َأ َم َر الل ُه‬ ‫لما ذكر رمحه ال َّله َّ‬ ‫َّ‬
‫ْ َّ َ َ َّ‬ ‫ََ َ َْ‬
‫نس إَِل‬ ‫اْل‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫اْل‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫اس‪َ ،‬و َخ َل َقهُ ْم َلهَ ا؛ َك ََم َق َال َت َعا َلى‪﴿ :‬وما خل‬ ‫يع الن ِ‬ ‫َج ِم َ‬
‫ْ‬
‫ون﴾) ‪ -‬ال زال المصنف رمحه ال َّله َيذكر المقدمات التي يريد أن يصل إىل‬ ‫َِلَعبد ِ‬
‫النتيجة فيها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫األمر ا َ‬
‫ألول‪ :‬ال َّله خ َلق العباد من أجل عبادته وتوحيده‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬ال تصح عباد ًة إال مع التوحيد‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬لو َد َخل الشرك يف العبادة؛ َتفسد تلك العبادة‪.‬‬
‫رفت هذا األمر؛ يجب عليك أن َتعرف التوحيد وضدَّ ه بمعرفة أربع‬
‫إذا َع َ‬
‫قواعد‪.‬‬
‫ولهذا قال‪َ ( :‬فإِ َذا َع َر ْف َت َأن الل َه َخ َل َق َك لِ ِع َبا َدتِ ِه) الشيخ رمحه ال َّله يضع لك‬
‫وسائل حتى يصل إىل نتيجة؛ يعني‪َ :‬علِمنا َّ‬
‫أن ال َّله َخ َل َقنا لعبادته‪ ،‬فكيف تصح‬
‫و ُتقبل هذه العبادة عند ال َّله؟‬
‫ي‬ ‫اَّلل ُمْلِص َ‬
‫ِ‬ ‫ال ُتقبل إال بالتوحيد؛ كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َما أمِروا إ ََّل َِلَ ْعبدوا َّ َ‬
‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َل اِلِين﴾ [البينة‪ ،]5:‬وقال‪﴿ :‬أَل َِّللِ اِلِين اْلال ِص﴾ [الزمر‪ ،]3:‬وقال‪﴿ :‬فاعب ِد‬
‫ِين﴾ [الزمر‪ ،]2:‬والنبي ﷺ كان يقول بعد الصالة‪َ « :‬ال إِل َه إِ َّال ال َّل ُه‪،‬‬ ‫اَّلل ُمْلِصاً ََل ِ‬
‫اِل َ‬ ‫َّ َ‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪18‬‬

‫ِ‬
‫الح َس ُن‪َ ،‬ال إِل َه إِ َّال ال َّل ُه ُم ْخلِص َ‬
‫ين‬ ‫َو َال َن ْع ُبدُ إِ َّال إِ َّيا ُه‪َ ،‬ل ُه الن ْع َم ُة َو َل ُه ال َف ْض ُل‪َ ،‬و َل ُه ال َّثنَا ُء َ‬
‫ين»(‪.)1‬‬
‫َل ُه الد َ‬
‫العبا َد َة ََّل ُتسمى ِعبا َد ًة إَِّل م َع الت ْو ِح ِ‬
‫ِ‬
‫يد)؛ أي‪ :‬فاعلم َّ‬
‫أن العبادة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اع َل ْم َأن َ‬
‫قال‪َ ( :‬ف ْ‬
‫سمى عباد ًة صحيح ًة مقبول ًة إال مع التوحيد؛ أ َّما يف الصورة فقد توجد عبادة‬
‫ال ُت َّ‬
‫حج‬
‫فيها سجود وركوع لكن غير صحيحة‪ ،‬فليس كل عبادة تصح ‪ -‬من زكاة أو ٍّ‬
‫‪-‬؛ بل ال بد لها من شروط‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عبادة أمران(‪:)2‬‬ ‫وشرط ّ‬
‫كل‬
‫‪ .1‬اإلخالص‪.‬‬
‫‪ .2‬والمتابعة‪.‬‬
‫فإذا مل يتوفر هذان الشرطان‪ :‬تبطل مجيع العبادات‪ ،‬فأي عبادة َشرعها ال َّله ال‬
‫سمى عباد ًة إال إذا كان دين الشخص سالم ًا من الشرك وموحد ًا ل َّله؛ مثال ذلك‪:‬‬
‫ُت َّ‬
‫عز َّ‬
‫وجل بالذبح عند القبور؛ نقول‪ :‬عبادة‬ ‫أن الشخص يصوم لكنَّه يشرك بال َّله َّ‬
‫لو َّ‬
‫الصيام ال تصح؛ لوجود الشرك عند هذا العبد بالذبح‪.‬‬
‫شخص يبر بوالديه كثير ًا ‪ -‬هذه عباد ٌة عظيم ٌة ‪ -‬لكن يطوف عىل‬
‫ٌ‬ ‫ومثالً‪:‬‬

‫القبور؛ نقول‪ :‬هذه العبادة العظيمة التي َيفعلها ‪ -‬وهي‪ :‬بِره بوالديه ‪ -‬ال ُت َّ‬
‫سمى‬

‫عباد ًة مقبول ًة‪ُ ،‬‬


‫تفسد بسبب وجود شرك يف هذا العبد‪ ،‬ونوع الشرك الذي وقع‪:‬‬
‫يوحد ال َّله‪ ،‬ويتصدق؛ ال‬ ‫الطواف عىل القبور وهكذا‪ ،‬وإن كان َم َثالً‪ْ :‬‬
‫شخص ال ّ‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب استحباب الذكر بعد الصالة وبيان‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫صفته‪ ،‬رقم (‪ ،)594‬من حديث ابن الزبير رضي ال َّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الروح البن القيم (‪.)135/1‬‬
‫‪19‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫العبا َد َة ََّل ُتسمى ِعبا َد ًة إَِّل م َع الت ْو ِح ِ‬


‫ِ‬
‫يد)؛‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اع َل ْم َأن َ‬
‫ُتقبل منه الصدقة؛ لذلك قال‪َ ( :‬ف ْ‬
‫سمى عباد ًة صحيح ًة مقبول ًة إال مع‬
‫أن مجيع العبادات التي يفعلها العبد ال ُت َّ‬
‫يعني‪َّ :‬‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫ُثم قاس بمثال ُيوضح ذلك للعبد المسلِم؛ فقال‪َ ( :‬ك ََم َأن الص ََل َة ََّل ُت َسمى‬
‫ِ‬
‫سمى صال ًة صحيح ًة مقبول ًة إال بوجود‬ ‫َص ََل ًة إَِّل َم َع الطهَ َارة)؛ يعني‪ :‬كالصالة؛ ال ُت َّ‬
‫أن شخص ًا ص َّلى العصر بدون طهارة؛ ال تصح هذه الصالة‪،‬‬
‫شرط الطهارة؛ فلو َّ‬
‫ْ‬
‫ولو ص َّلى المغرب والعشاء بنفس ذلك َ‬
‫الحدَ ث؛ نقول‪ :‬كذلك المغرب والعشاء‬
‫ال ِ‬
‫تص َّحا‪ ،‬كما مل تصح العصر؛ لوجود خلل فيها وهو وجود الحدث الذي ُوجد‬
‫من صالة العصر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ركوع وسجو ٌد؟‬
‫ٌ‬ ‫تصح الصالة وفيها‬
‫لماذا مل َّ‬
‫ٌ‬
‫شرط‬ ‫صحتها وهو الطهارة‪ ،‬وكذلك التوحيد‬
‫لشرط َّ‬
‫افتقرت ْ‬
‫ْ‬ ‫نقول‪ :‬أل َّنها‬
‫لصحة مجيع العبادات فال ُتقبل بدونه‪.‬‬
‫َّ‬
‫عظيم‪َ ،‬يفهم به العاقل أمهية وجود التوحيد مع كل عبادة‪.‬‬ ‫عقيل‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وهذا مثال ٌّ‬
‫يصح صومه وال‬
‫ّ‬ ‫أن شخص ًا َأمسك عن األكل والشرب دون ن َّية؛ مل‬
‫ولو َّ‬
‫يسمى صائم ًا‪.‬‬
‫َّ‬
‫أن العبادة ال تصح إال بالتوحيد؛ ذكر عكس هذه المسألة‪ :‬لو‬ ‫قرر لك ّ‬
‫بعد أن ّ‬
‫الع َبا َد ِة َف َس َد ْت)‬
‫الشر ُك فِي ِ‬
‫تفسد؛ فقال‪َ ( :‬فإِ َذا َد َخ َل ِّ ْ‬ ‫ٌ‬
‫شرك‪ُ :‬‬ ‫َحدث يف العبادة‬
‫واأللف والالم للجنْس(‪)1‬؛ يعني‪ :‬مجيع أنواع العبادات لو وقع الشرك فيها َتفسد‪،‬‬
‫وسيأيت توضيح ذلك يف العبارة التي ستأيت‪.‬‬

‫(‪ )1‬شرح ابن عقيل (‪.)178/1‬‬


‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪20‬‬

‫متوضئ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫شخص‬
‫ٌ‬ ‫ث إِ َذا َد َخ َل فِي الطهَ َار ِة)؛ يعني‪:‬‬
‫الح َد ِ‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬ك َ‬
‫الحكم‪َ :‬ف ْ‬
‫سدت تلك الطهارة‪ ،‬كذلك عندنا عباد ٌة إذا َد َخل فيها‬ ‫فلما أحدث نقول‪ُ :‬‬
‫َّ‬
‫الشرك؛ نقول‪َ :‬تفسد‪.‬‬
‫شخص‪ :‬هل ُيعقل َّ‬
‫أن وجود شرك يف عبادة واحدة ُيفسد مجيع‬ ‫ٌ‬ ‫فإذا قال‬
‫أن الشخص يتصدّ ق بماليين‪ ،‬فإذا ذبح لغير ال َّله‬ ‫ٌ‬
‫معقول ّ‬ ‫العبادة؟ فكأ َّنه يقول لك‪:‬‬
‫بشاة بخمس مئة ريال؛ مجيع أعماله َتبطل؟‬
‫نقول‪ :‬نعم‪ ،‬أنا ُأ َم ّثل لك‪ :‬الصالة؛ لو دخل فيها الحدث‪َ :‬تبطل؛ لو قام‬
‫شخص يصلي ساع ًة كامل ًة‪ ،‬و َأحدَ ث لو بريح يسيرة؛ تبطل الصالة مجيعها‪.‬‬
‫خرجت‬
‫ْ‬ ‫وم َّثل الشيخ رمحه ال َّله يف غير هذا الموضع‪ ،‬قال‪ :‬فلو ّ‬
‫أن نقطة بول‬
‫ِ‬
‫بطلت الصالة‪ ،‬وهي نقط ٌة واحد ٌة يسير ٌة من بول‪ ،‬كذا الشرك المظلم‬ ‫وأنت تصلي‪:‬‬
‫العظيم لو َو َقع يف عبادة؛ من باب َأوىل ُيفسد تلك العبادات‪ ،‬بل إذا كان النوم ينقض‬
‫الوضوء‪ ،‬فما ظنك بالشرك؟ أال ُيفسد العبادة؟! وفسادها يف صريح القرآن كما‬
‫سيأيت‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫العبِا َد َة َأ ْفس َد َها‪َ ،‬و َأ ْحب َط ال َعم َل‪َ ،‬و َصار َص ِ‬ ‫الشر َك إِ َذا َخا َل َط ِ‬
‫اح ُب ُه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َفإِ َذا َع َر ْف َت َأن ِّ ْ‬
‫ار‪َ :‬ع َر ْف َت َأن َأ َهم َما َع َل ْي َك َم ْعرِ َف ُة َذلِ َك؛ َل َعل الل َه َأنْ ُي َخ ِّل َص َك‬ ‫ين فِي الن ِ‬ ‫الخالِ ِد َ‬
‫ِم َن َ‬
‫الش ْر ُك بِالل ِه‪.‬‬
‫ِم ْن َه ِذ ِه الش َب َك ِة‪َ ،‬و ِه َي ِّ‬
‫اع َد َذ َك َر َها الل ُه َت َعا َلى فِي كِ َتابِ ِه‪:‬‬
‫َو َذلِ َك بِم ْعرِ َف ِة َأرب ِع َق َو ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫الع َبا َد ِة‬
‫الشر ُك فِي ِ‬
‫فلما ب َّين لك هذه القاعدة العظيمة‪ ،‬وهي‪َ ( :‬فإِ َذا َد َخ َل ِّ ْ‬ ‫َّ‬
‫ث إِ َذا َد َخ َل ِفي الطهَ َار ِة)؛ قال‪َ ( :‬فإِ َذا َع َر ْف َت َأن ِّ‬
‫الش ْر َك إِ َذا َخا َل َط‬ ‫الح َد ِ‬‫َف َس َد ْت‪َ ،‬ك َ‬
‫العبِا َد َة)؛ هذه المقدمة األخيرة للنتيجة التي سوف يصل إليها‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ويتر َّتب عىل الشرك عدة أمور‪ ،‬قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬أ ْف َس َد َها‪َ ،‬و َأ ْح َب َط ال َع َم َل‪،‬‬
‫ار) هذه ثالثة أمور مترتب ٌة عىل الشرك‪ ،‬فإذا كان‬ ‫ين فِي الن ِ‬
‫الخالِ ِد َ‬
‫اح ُب ُه ِم َن َ‬
‫َو َصار َص ِ‬
‫َ‬
‫كذلك؛ َو َجب عليك أن ت ْعرف الدين بأربع قواعد َذكَرها المصنف رمحه ال َّله‪.‬‬
‫الشر َك إِ َذا َخا َل َط ِ‬
‫العبِا َد َة) خالطها وليس‬ ‫لذلك قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬فإِ َذا َع َر ْف َت َأن ِّ ْ‬
‫َك َساها مجيع ًا‪ ،‬وإنما‪ :‬إذا وقع الشرك يف شيء من أنواع العبادات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫( َفإِ َذا َع َر ْف َت َأن ِّ‬
‫الش ْر َك إِ َذا َخا َل َط العبِا َد َة) يف ّ‬
‫أي نوع من أنواع العبادة؛ نذر‪،‬‬
‫ِ‬
‫المقارن‬ ‫طواف‪ ،‬عكوف عند القبر‪ ،‬دعوة أموات؛ َ‬
‫(أ ْف َس َد َها)؛ يعني‪ :‬أفسد العمل‬
‫لها‪.‬‬
‫كيف؟‬
‫أن شخص ًا َذ َبح عند قبر لغير ال َّله؛ أفسدها؛ يعني‪ :‬هذه‬
‫الذبح ل َّله عباد ٌة‪ ،‬فلو َّ‬
‫المقارنة له‪ ،‬مثل‪:‬‬‫ِ‬ ‫العبادة مل ُتقبل؛ لوجود الشرك فيها‪ ،‬فالشرك ي ِ‬
‫فسد ن ْفس العبادة‬ ‫ُ‬
‫شخص يصلي؛ ك َّبر ريا ًء ألحد الناس؛ فهذه الصالة َتبطل؛ لذلك قال‪َ :‬‬
‫(أ ْف َس َد َها)‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫المقارن لها‪.‬‬ ‫يعني‪َ :‬أ َ‬
‫فسد العمل‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪22‬‬

‫( َو َأ ْح َب َط ال َع َم َل)؛ يعني‪َ :‬أحبط مجيع األعمال غيرها؛ كما قال سبحانه‪:‬‬


‫َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ََ‬
‫وننَّ‬ ‫وِح إَِلك ِإَوَل اَّلِين مِن قبلِك لئِن أْشكت َلحبطن عملك وَلك‬ ‫﴿ َولق ْد أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫اِسين﴾ [الزمر‪.]65:‬‬ ‫مِن اْل ِ ِ‬
‫صاحب تلك العبادة الذي‬ ‫ِ‬ ‫ار(؛ يعني‪:‬‬ ‫ين فِي الن ِ‬ ‫الخالِ ِد َ‬
‫اح ُب ُه ِم َن َ‬
‫) َو َصار َص ِ‬
‫َ‬
‫ين َوأَ َع َّد لَهمْ‬
‫اَّلل لَ َع َن الْ ََكف ِر َ‬
‫خالط الشرك عبادته؛ كما قال سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬إ َّن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ ْ ْ ْ‬ ‫َ َ ََ ً‬ ‫َ‬ ‫َ ًَ‬
‫ْشك‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫﴿‬ ‫سبحانه‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫]‬ ‫‪65‬‬‫‪-‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪:‬‬ ‫[األحزاب‬ ‫﴾‬ ‫دا‬ ‫ب‬‫أ‬ ‫ا‬‫ِيه‬ ‫ف‬ ‫ِين‬‫اِل‬
‫ِ‬ ‫خ‬ ‫*‬ ‫سعِيا‬
‫ون أَ ْن ََيْرجوا مِنَ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َّ َ َّ َ َ ْ ْ َ َّ َ‬
‫بِاَّللِ فقد حرم اَّلل عليهِ اْلنة﴾ [المائدة‪ ،]72:‬وقال‪﴿ :‬ي ِريد‬
‫يم﴾ [المائدة‪ ،]37:‬والشرك قال اللهَّ‬ ‫اب مقِ ٌ‬ ‫ي مِنْ َها َولَه ْم َع َذ ٌ‬ ‫ِبارج َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ‬
‫انلارِ وما هم ِ ِ ِ‬
‫َ َ َ َ ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ْ َ ْ ْ‬
‫تعاىل فيه‪﴿ :‬إِن اَّلل َل يغفِر أن يْشك بِهِ ويغفِر ما دون ذل ِك ل ِمن يشاء﴾‬
‫أن عبد ًا ف َعل ما ف َعل دون الشرك؛‬
‫فمما يوجبه الشرك أ َّنه ال ُيغفر‪ ،‬ولو َّ‬
‫[النساء‪َّ ،]48:‬‬
‫فهو تحت المشيئة‪ ،‬والشرك َيغمس صاحبه يف النار وال يغفره ال َّله‪.‬‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬ع َر ْف َت َأن َأ َهم َما َع َل ْي َك َم ْع ِر َف ُة َذلِ َك)؛ يعني‪ :‬يجب أن َتعرف‬
‫التوحيد‪ ،‬وتعرف ضدَّ ه‪ :‬وهو الشرك بال َّله؛ فإذا َعرفت‪ :‬أن ال َّله خلقك لعبادته‪،‬‬
‫فسد تلك العبادة؛ َوجب عليك‬ ‫والعبادة ال ُتسمى عباد ًة إال مع التوحيد‪ ،‬والشرك ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫أن َتعرف العبادة الصحيحة و َت ْحذر من الشرك‪ ،‬فيجب عليك أن تعرف األمر‬
‫الخطير‪ ،‬وهو‪ :‬الشرك؛ لتحذره‪.‬‬
‫لماذا يجب عليك معرفة ذلك؟‬
‫فسد الصالة‪.‬‬ ‫فسد العمل‪ ،‬مثل‪ :‬النجاسة ُت ِ‬ ‫أل َّنه خطير؛ ي ِ‬
‫ُ‬
‫الش ْر ُك بِالل ِه)؛‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬ل َعل الل َه َأنْ ُي َخ ِّل َص َك ِم ْن َه ِذ ِه الش َب َك ِة‪َ ،‬و ِه َي ِّ‬
‫‪23‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫الخطير‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬


‫المدله ّم‬ ‫لعل ال َّله أن ُيخلصك من ذلك األمر المظلِم‬ ‫يعني‪َّ :‬‬
‫فـ(الش َب َك ِة)؛ هي‪ :‬شبكة الشرك‪ ،‬شبك ٌة شائك ٌة ال َيخرج منها الشخص إال‬
‫ُّ َ‬ ‫َ َ َ َّ‬ ‫ْ َ ً َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ‬
‫ِصاِط مستقِيما فاتبِعوه وَل تتبِعوا السبل‬ ‫بالتوحيد؛ قال سبحانه‪﴿ :‬وأن هذا ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ف َتف َّرق بِك ْم ع ْن َسبِيلِهِ﴾ [األنعام‪ ،]153:‬مثل الشبكة‪ ،‬ما ينجو منها إال من شاء‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ ْ َ‬
‫اس َل‬ ‫كن أكَث انل ِ‬ ‫ال َّله‪ ،‬وهم الق ّلة مِن عباد ال َّله؛ لذلك ال َّله يقول‪﴿ :‬ول ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫قليل؛ قال سبحانه وتعاىل‪َ ﴿ :‬و َما يؤمِن‬ ‫ون﴾ [هود‪ ،]17:‬فما ينجو منها إال ٌ‬ ‫يؤمِن‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ َّ َّ َ ْ ْ‬
‫ْشكون﴾ [يوسف‪.]106:‬‬ ‫أكَثهم بِاَّللِ إَِل وهم م ِ‬
‫اع َد َذ َك َر َها الل ُه َت َعا َلى فِي كِ َتابِ ِه)؛ كأ َّنه‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬و َذلِ َك ِبم ْعرِ َف ِة َأرب ِع َق َو ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫لتستمر عليه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يقول لك‪ :‬أنا أعطيك أربع قواعد تساعدك عىل معرفة التوحيد‬
‫ومعرفة الشرك لتَنبِذه‪.‬‬
‫أن منهج المصنف رمحه ال َّله يف‬ ‫وقوله‪َ ( :‬ذ َك َر َها الل ُه َت َعا َلى فِي كِ َتابِ ِه)؛ لت ْعلم َّ‬
‫يأت المؤلف رمحه ال َّله بشيء من عنده‪.‬‬ ‫دعوته هو اتباع الكِتاب والسنَّة‪ ،‬ومل ِ‬

‫ومما َو َهبه ال َّله له يف التأليف‪ْ :‬‬


‫وضع قواعد‬ ‫ومن ُصنع المؤلف رمحه ال َّله‪َّ ،‬‬
‫ليسير عليها المسلِم يف حياته‪َ ،‬ينتفع هبا المبتدئ والمنتهي‪ ،‬وعدم اإلطالة يف‬

‫معروف عنه يف مؤ َّلفاته‪ ،‬وهذا َّ‬


‫مما ُوفق به الشيخ رمحه‬ ‫ٌ‬ ‫الكالم أو يف التأليف‪ ،‬وهذا‬
‫ال َّله‪ ،‬وهذه القواعد األربع سيأيت بياهنا‪.‬‬

‫( ‪ُ )1‬‬
‫المد َل َّ‬
‫هم‪ :‬األسود الكثيف‪ .‬لسان العرب (‪ ،)206/12‬تاج العروس (‪،)171/32‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪24‬‬

‫عدَةُ األُولَى‬
‫القَا ِ‬
‫الخالِ ُق‬‫ول الل ِه ﷺ ُم ِق ُّرونَ َأن الل َه ُه َو َ‬ ‫س ُ‬‫ين َقا َت َلهُ ْم َر ُ‬ ‫الكف َار ال ِذ َ‬
‫َأنْ َت ْع َل َم‪َ :‬أن ُ‬
‫س ََل ِم؛‬ ‫ور‪َ ،‬و َل ْم ُي ْد ِخ ْلهُ ْم َذلِ َك فِي ِ‬
‫اإل ْ‬ ‫الم َد ِّب ُر لِ َج ِمي ِع ا ُ‬
‫أل ُم ِ‬ ‫يت‪ُ ،‬‬ ‫الم ِم ُ‬
‫الم ْحيِي ُ‬ ‫الر ِاز ُق‪ُ ،‬‬
‫الس َماءِ َواْلَ ْر ِض أَ َّمن َي ْملِك َّ‬
‫الس ْمعَ‬ ‫والدلِ ُيل َقو ُله َتعا َلى‪﴿ :‬ق ْل َمن يَ ْرزقكم ِم َِن َّ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ َ ِ َ ْ‬ ‫َْ َ َ ََ ْ‬
‫َح َو َمن ي َدبِر اْل ْمرَ‬
‫ِ‬ ‫ت م َِن ال َ‬ ‫خرج ال َم َّي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت وي ِ‬ ‫واْلبصار ومن َي ِرج الَح مِن المي ِ ِ‬
‫َ ِ َ ْ َ َ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ف َس َيقولون اَّلل فقل أفَل تتقون﴾‪.‬‬
‫لما َذكَر المصنف رمحه ال َّله المقدمة النافعة العظيمة يف بداية رسالة القواعد؛‬
‫َّ‬
‫فهم التوحيد فهم ًا صحيح ًا؛‬
‫وهي‪ :‬خطر الشرك ووجوب الحذر منه‪ ،‬ووجوب ْ‬
‫يمكن إال بأربع قواعد‪.‬‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫وأن ذلك ال ْ‬
‫عيل أمرين‬ ‫ون‬‫م‬ ‫والشيخ رمحه ال َّله يف غير هذه الرسالة يقول‪« :‬وأعدائي ِ‬
‫ينق‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اثنين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬قتالهم‪.‬‬
‫واألمر الثاين‪َ :‬ت ِ‬
‫كف ِيري إ َّياهم»(‪.)1‬‬
‫الذنْب‪ ،‬فلماذا‬ ‫أن الرسول ﷺ قا َتل َمن َو َقع يف هذا َّ‬ ‫فاآلن يريد أن يقرر َّ‬
‫ألو َلى‪َ :‬أنْ َت ْع َل َم‪َ :‬أن‬ ‫تلوموين عىل فِعل فعله الرسول ﷺ؟! لذلك قال‪( :‬ال َق ِ‬
‫اع َد ُة ا ُ‬ ‫َ‬
‫ول الل ِه ﷺ م ِقرونَ َأن الل َه ُه َو َ ِ‬ ‫الكف َار ال ِذ َ‬
‫الخال ُق الر ِاز ُق‪ُ ،‬‬
‫الم ْحيِي‬ ‫ُ ُّ‬ ‫س ُ‬
‫ين َقا َت َلهُ ْم َر ُ‬ ‫ُ‬
‫س ََل ِم)‪.‬‬ ‫ور‪َ ،‬و َل ْم ُي ْد ِخ ْلهُ ْم َذلِ َك فِي ِ‬
‫اإل ْ‬ ‫الم َد ِّب ُر لِ َج ِمي ِع ا ُ‬
‫أل ُم ِ‬ ‫الم ِم ُ‬
‫يت‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬ا لرسائل الشخصية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬الجزء‬
‫السادس) (‪.)204/1‬‬
‫‪25‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫التوحيد ينقسم إىل ثالثة أقسام(‪:)1‬‬


‫ِ‬
‫القسم األول‪ :‬توحيد الربوب َّية؛ وهو أصل التوحيد‪ ،‬وهو اعتقاد َّ‬
‫أن الرب هو‬
‫الخالق الرازق المدبر لهذا الكون بصفات وأسماء عظيمة(‪َّ ،)2‬‬
‫وأن ذلك يستلزم‬

‫توحيد ال َّله بألوهيته‪ ،‬لكن َّ‬


‫لما اختلف البشر بعدم االستجابة يف التوحيد‪ :‬منهم من‬
‫فحسب‪ ،‬ومنهم من أقر بتوحيد الربوبية واأللوهية وأنكر‬
‫ْ‬ ‫أقر بتوحيد الربوبية‬
‫األسماء والصفات؛ ُأفرد كل نوع‪.‬‬
‫والذي فيه الن َزاع بين الرسل وأقوامهم هو توحيد األلوه َّية‪ ،‬وبعد زمن‬
‫الجنَّة هو توحيد‬ ‫النبي ﷺ بفترة طويلة َظ َّن بعض الناس َّ‬
‫أن التوحيد الذي ُيدخل َ‬
‫فحسب‪ ،‬وال ُيح َتاج إىل توحيد األلوه َّية‪ ،‬وشاع ذلك يف أزمان طويلة‬
‫ْ‬ ‫الربوب َّية‬
‫منتشر هذا المعت َقد الفاسد؛‬
‫ٌ‬ ‫وقرون كثيرة من ُقرابة القرن الرابع فما بعده‪ ،‬وإىل اآلن‬
‫الجنَّة توحيد الربوب َّية‪.‬‬
‫بأ َّنه يكفي يف دخول َ‬
‫والمصنف رمحه ال َّله َذكَر يف هذه القاعدة كأنه يقول لك‪ :‬إ َّنه ال يكفي يف‬
‫الجنَّة توحيد الربوب َّية؛ بل ال بد من توحيد األلوه َّية مع توحيد الربوب َّية‪.‬‬
‫دخول َ‬
‫فـ «توحيد الربوبية» هو‪ :‬اَّلعتقاد بأن الله هو الخالق الرازق المد ِّبر‪ ،‬ال بد من‬
‫وحد ال َّله يف ربوبيته‪ ،‬وهذه الثالثة‬
‫هذه األمور الثالثة حتى يكون الشخص قد َّ‬
‫َذكَرها ال َّله يف كِتابه؛ يعني‪ :‬ال يكفي أن يقول الشخص‪َّ :‬‬
‫أن ال َّله هو الخالق‪ ،‬أو‬

‫تتضمن‬
‫َّ‬ ‫(‪ )1‬اإلبانة الكبرى البن ب َّطة (‪ ،)149/6‬وقسمها ابن القيم رمحه ال َّله ِقسمين لكنَّها‬
‫الثالثة األقسام المذكورة‪ .‬مدارج السالكين (‪.)417/3‬‬
‫(‪ )2‬شرح الطحاو َّية البن أبي العز (‪ ،)25/1‬تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن‬
‫عبدالوهاب (‪.)17/1‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪26‬‬

‫الرازق‪ ،‬أو الخالق الرازق‪.‬‬


‫ْ‬ ‫ََ َ َ ْ َ َ‬
‫الخال ُق)؛ كما قال ال َّله‪﴿ :‬أَل َل اْللق واْلمر﴾ [األعراف‪.]54:‬‬
‫( َ ِ‬
‫ْ َ َّ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫(الر ِاز ُق)؛ قال تعاىل‪﴿ :‬قل َم ْن يَ ْرزقكم مِن السماءِ واْلر ِض﴾ [يونس‪.]31:‬‬
‫ْ‬
‫ََ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ْ َِ َ‬
‫الم َد ِّب ُر)؛ قال تعاىل‪﴿ :‬ومن يدبِر اْلمر﴾ [يونس‪ ،]31:‬وكذا قوله‪﴿ :‬أَل َل‬ ‫( ُ‬
‫ْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫اْللق واْلمر﴾ [األعراف‪]54:‬؛ يعني‪ :‬التدبير ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فلو قال شخص‪ :‬إ َّن ال َّله هو الخالق فقط‪.‬‬


‫نقول‪ :‬يختل توحيد الربوب َّية عنده؛ فإذا َخ َلقهم فإ َّنهم محتاجون إىل ِرزق‬
‫لكيال يموتوا‪ ،‬فال بد من إثبات صفة الرزق ل َّله وصفة الربوبية ل َّله‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫(الر ِاز ُق)‪.‬‬
‫الخالِ ُق الر ِاز ُق)‪ ،‬خلقهم ورزقهم‪ ،‬لكن سوف يعيشون مهالً‪ ،‬ال‬
‫فإذا قلنا‪َ ( :‬‬
‫يعلمون كيف يعيشون يف هذه الحياة؟ وكيف يتنا َك ُحون؟ وكيف يأكلون من‬
‫العلوي‬
‫ّ‬ ‫فدبر الكون يف العا َلم‬
‫الم َد ِّب ُر)‪َّ ،‬‬
‫الحالل أو الحرام؟ فأتى الوصف الثالث‪ُ ( :‬‬
‫والسفيل من اإلماتة واإلحياء‪ ،‬وإنزال األرزاق‪ ،‬و ُمدَ َاو َلة األيام ب ْين الناس‪ْ ،‬‬
‫وكشف‬ ‫ّ‬
‫المضر ِ‬
‫ورين‪ ،‬وإجابة سؤال السائلين؛ فتدبير الكون هبذا الفعل البديع‬ ‫ُ‬ ‫الضر عن‬
‫العظيم من ربوبية ال َّله سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫أقر هبذه األمور و َع َبد مع ال َّله غيره؛ ال ينفعه هذا التوحيد؛ فال بدّ مع‬
‫َمن َّ‬
‫توحيد الربوب َّية من توحيد األلوه َّية‪.‬‬
‫ِ‬
‫فالقسم الثاين‪ :‬توحيد األلوه َّية؛ ومعنى «توحيد األلوهية»‪ :‬إفراد الله تعالى‬

‫(‪ )1‬تفسير ابن كثير (‪.)427/3‬‬


‫‪27‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫وحده‪ ،‬فإذا َص َرف العبد‬‫بأفعال العباد(‪)1‬؛ كل فعل َيفعله العبد يجب أن َيصرفه ل َّله ْ‬
‫ِ‬ ‫َ َ َّ‬
‫العبادة ل َّله وحده فهنا ح َّقق العبد توحيد األلوهية؛ قال تعاىل‪﴿ :‬أَل َِّللِ اِلِين‬
‫ي ََل ِ‬
‫اِل َ‬
‫ِين﴾ [غافر‪.]14:‬‬ ‫اَّلل ُمْلِص َ‬ ‫َ ْ‬
‫ادعوا َّ َ‬ ‫َ‬
‫اْلال ِص﴾ [الزمر‪ ،]3:‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ف‬
‫ِ‬
‫فـ«توحيد األلوه َّية»‪ :‬إفراد الله بأفعال العباد‪ ،‬و«توحيد الربوب َّية»‪ :‬إفراد الله‬
‫بأفعاله‪.‬‬
‫ِ‬
‫القسم الثالث‪ :‬توحيد األسماء والصفات؛ أي‪ :‬إثبات األسَمء والصفات‬
‫لله(‪.)2‬‬
‫الم َد ِّب ُر‬ ‫الم ِم ُ‬
‫يت‪ُ ،‬‬ ‫الم ْحيِي ُ‬
‫وكفار قريش (م ِقرونَ َأن الل َه ُه َو َ ِ‬
‫الخال ُق الر ِاز ُق‪ُ ،‬‬ ‫ُ ُّ‬
‫ور) وال ُينكِرون فِعالً من أفعال الربوبية؛ ألمرين‪:‬‬ ‫لِ َج ِمي ِع ا ُ‬
‫أل ُم ِ‬

‫ألن الفطرة َتحدُ و هبم لذلك‪.‬‬


‫األمر األول‪َّ :‬‬
‫ممن بعدهم يف‬ ‫األمر الثاين‪ :‬أل َّنهم ال َيجحدون أفعال ال َّله‪ ،‬فعقولهم أوفر َّ‬
‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ َّ‬
‫التوحيد؛ لذلك قال ال َّله تعاىل‪﴿ :‬ولئِن سأَلهم من خلقهم َلقولن اَّلل فأِن‬
‫وجل‪َ ﴿ :‬ولَئ ْن َسأََلَهمْ‬ ‫ون﴾ [الزخرف‪ِ ،]87:‬‬ ‫َْ َ‬
‫يؤفك‬
‫ِ‬ ‫عز َّ‬‫معترفون بالخ ْلق‪ ،‬وقال ال َّله َّ‬
‫َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َّ ْ َ َ َ َ َ َ َ َّ َّ‬
‫ات واْلرض وسخر الشمس والقمر َلقولن اَّلل﴾ [العنكبوت‪،]61:‬‬ ‫من خلق السماو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َّ َ َ َ َ‬
‫اء فأحيا بِهِ‬ ‫وجل‪﴿ :‬ولئن سأَلهم من نزل مِن السماءِ م ً‬
‫ِ‬ ‫عز َّ‬ ‫ِ‬
‫معترفون‪ ،‬وقال َّ‬
‫اَّلل﴾ [العنكبوت‪ ،]63:‬وقال‪﴿ :‬ق ْل َمن يَ ْرزقكمْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َّ‬ ‫َْ َ‬
‫اْلرض مِن بع ِد موت ِها َلقولن‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ْ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫مِن السماءِ واْلر ِض أمن يملِك السمع واْلبصار ومن َي ِرج الَح مِن المي ِ ِ‬

‫(‪ )1‬شرح الطحاوية البن أبي العز (‪ ،)29/1‬تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن‬
‫عبدالوهاب (‪.)19/1‬‬
‫(‪ )2‬تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبدالوهاب (‪.)19/1‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪28‬‬

‫َ َّ َ ْ َ َ َ َ َّ َ‬ ‫َِ ََْ َ‬ ‫ت م َِن ال َ ِ‬ ‫َ ْ‬


‫َح َو َمن يدبِر اْلمر فسيقولون اَّلل فقل أفَل تتقون﴾‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫خرج ال َم ِي َ‬
‫ِ‬ ‫وي ِ‬
‫[يونس‪ ]31:‬وهكذا‪.‬‬
‫قرون هبا‪ ،‬ومع ذلك قا َتلهم النبي ﷺ؛ أل َّنهم مل‬
‫فجميع أفعال الربوب َّية ُم ّ‬
‫عز َّ‬
‫وجل وحده؛‬ ‫فلما مل ُي ْفردوا أفعالهم ل َّله َّ‬ ‫ِ‬
‫يكملوا توحيد ربهم بتوحيد األلوه َّية‪َّ ،‬‬
‫قاتلهم النبي ﷺ عىل ذلك‪ ،‬لذلك قال ابن القيم(‪ )1‬وغيره(‪« :)2‬خصومة الرسل مع‬
‫وقل من البشر أن يوجد َمن ينكر أفعال ال َّله ‪ -‬يوجد‬
‫أقوامهم يف توحيد األلوه َّية»‪َّ ،‬‬
‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ َّ َّ ْ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ َ ُّ ْ َ َ‬
‫لكن قلة ‪-‬؛ ﴿وقالوا ما ِِه إَِل حياتنا اِلنيا نموت وَنيا وما يهلِكنا إَِل اِلهر﴾‬
‫[الجاثية‪]24:‬؛ يعني‪َ :‬جحدوا الربوب َّية‪.‬‬
‫َ َْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫وممن َأنكر توحيد الربوب َّية‪ :‬فرعون؛ قال‪﴿ :‬أنا ربكم اْللَع﴾ [النازعات‪]24:‬‬
‫َّ‬
‫رب‪َ ،‬أنكر ذلك ‪ -‬تعاىل ال َّله عن ذلك ‪.-‬‬
‫ما يف ّ‬
‫فمقصود المصنف رمحه ال َّله يف هذه القاعدة العظيمة‪َّ :‬‬
‫أن توحيد الربوب َّية‬

‫وحده ال يكفي‪ ،‬وبالجهل هبذا ُلبس عىل كثير َّ‬


‫ممن َينتسب إىل اإلسالم وقالوا‪:‬‬ ‫ْ‬
‫أن ال َّله هو الخالق الرازق‪ ،‬ونقول‪ :‬ال إله إال ال َّله‪ ،‬وال نحتاج إىل إفراد ال َّله‬
‫َيكفي َّ‬
‫بالعبادة‪.‬‬
‫الخ َلل يف المعت َقد‪ ،‬ولو أيقن العبد بأ َّنه ال َيكفي توحيد الربوب َّية‬ ‫فمن هنا أتى َ‬
‫كثير من معال ِم الشرك يف األرض؛ لذلك قال‬ ‫وال بد من توحيد األلوه َّية؛ الندثرت ٌ‬
‫الكف َار ال ِذ َ‬
‫ين َقا َت َلهُ ْم‬ ‫ألو َلى‪َ :‬أنْ َت ْع َل َم‪َ :‬أن ُ‬ ‫المصنف رمحه ال َّله‪( :‬ال َق ِ‬
‫اع َد ُة ا ُ‬

‫ووصف القتال‪ ،‬فلم يقاتلهم النبي ﷺ‬ ‫وصف ال ُكفر‬ ‫ِ‬ ‫س ُ‬


‫ْ‬ ‫ول الله ﷺ) َجعل لهم ْ‬ ‫َر ُ‬

‫(‪ )1‬مدارج السالكين (‪.)368/3‬‬


‫(‪ )2‬كابن أبي العز الحنفي‪ .‬شرح الطحاوية البن أبي ِ‬
‫العز (‪.)28/1‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫‪29‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫ٌ‬ ‫َ ْ َ َ ٌ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ‬


‫إال بعد تكفيرهم؛ كما قال تعاىل‪﴿ :‬إِن اَّلل َل يه ِدي من هو َكذِب كفار﴾‬
‫لما َذكَروا أ َّنهم ال َيعبدون تلك األصنام إال لط َلب ُزلفى(‪ ،)1‬وال َّله َّ‬
‫عز‬ ‫[الزمر‪َّ ،]3:‬‬
‫َ ْ‬
‫اقتلوا الم ْْشك َ‬
‫ِي َحيْث َو َج ْدتموه ْم﴾ [التوبة‪]5:‬؛ فإذ ًا القتال من‬ ‫ِ‬ ‫وجل قال له‪﴿ :‬ف‬
‫َّ‬
‫أجل عدم توحيد األلوه َّية‪.‬‬

‫فالمصنف رمحه ال َّله يقول‪ :‬توحيد الربوب َّية ما يكفي لدخول َ‬


‫الجنَّة‪ ،‬ال بد أن‬
‫يكون معه توحيد األلوهية؛ لذلك قال‪( :‬م ِقرونَ َأن الل َه ُه َو َ ِ‬
‫الخال ُق الر ِاز ُق‪ُ ،‬‬
‫الم ْحيِي‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َّ‬
‫س ََل ِم)؛ يعني‪ :‬هم‬ ‫ور‪َ ،‬و َل ْم ُي ْد ِخ ْلهُ ْم َذلِ َك فِي ِ‬
‫اإل ْ‬ ‫الم َد ِّب ُر لِ َج ِمي ِع ا ُ‬
‫أل ُم ِ‬ ‫الم ِم ُ‬
‫يت‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫أن ال َّله خ َلق َ‬
‫ورزق‪ ،‬فلماذا نُك َّفر عىل‬ ‫مقرون بتوحيد الربوب َّية؛ نَعلم ّ‬
‫يقولون‪ :‬نحن ّ‬
‫الفعل؟ فهم أتوا بتوحيد الربوبية ومع ذلك قا َتلهم النبي ﷺ؛ ل ُكفرهم‪.‬‬‫هذا ِ‬

‫أردت أن تعرف‬ ‫َ‬ ‫كأن المصنف رمحه ال َّله يقول لك‪ :‬إذا‬ ‫( َوالدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلى) َّ‬
‫صمة دمائهم وأموالهم‬ ‫ِ‬ ‫أن الكفار يقرون بتوحيد الربوب َّية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫وأن ذلك مل َينفعهم يف ع َ‬
‫َّ‬ ‫ْ َ َّ َ َ َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ونسائهم؛ فاقرأ قو َله تعاىل‪﴿( :‬قل َم ْن يَ ْرزقكم مِن السماءِ واْلر ِض أمن يملِك‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َح َو َم ْن ي َدبرِ‬ ‫ِ‬ ‫ت م َِن ال َ‬ ‫َ َّ َ َ ِ َ ْ‬
‫خرج ال َم ِي َ‬ ‫َّ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت وي ِ‬
‫السمع واْلبصار ومن َي ِرج الَح مِن المي ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ َ‬
‫اْلمر فسيقولون اَّلل فقل أفَل تتقون﴾)؛ يعني‪ :‬أفال ت َّتقون الشرك و َتدخلون يف‬
‫مقرون بذلك؛ ألن ال َّله قال‬
‫فرهم‪ ،‬وقات َلهم النبي ﷺ وهم ّ‬ ‫فدل عىل ُك ِ‬ ‫اإلسالم؛ ّ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ َّ‬ ‫َّ َ‬
‫عنهم‪﴿ :‬إِنه ْم َكنوا إِذا قِيل له ْم َل إ ِ ََل إَِل اَّلل ي َ ْس َتك ِبون﴾ [الصافات‪]35:‬؛ يعني‪:‬‬
‫ما يأتون بتوحيد األلوهية(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬زلفى‪ :‬قربة وقريب‪ .‬لسان العرب البن منظور (‪ ،)138/9‬تاج العروس للزبيدي‬
‫(‪.)401/23‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)34/21‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪30‬‬

‫شخص تقول له‪ :‬الطواف عىل القبر‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫َومن هذه القاعدة‪ :‬ت َّتضح ٌ‬
‫شبهة؛ فقد يقول‬
‫وسؤال الميت شرك!‪ ،‬فيقول‪ :‬يا أخي! أنا أقول‪ :‬ال إله إال ال َّله‪ ،‬فلماذا تقول‪ :‬شرك؟‬
‫كشف الشبهات‪« :‬ا ْع َل ْم َأ َّن ل ِ َه ُؤ َال ِء ُش ْب َه ًة ُي ِ‬
‫ور ُدون ََها‬ ‫لذلك قال الشيخ رمحه ال َّله يف ْ‬
‫َع َلى َما َذك َْرنَا‪َ ،‬و ِه َي مِ ْن َأ ْع َظ ِم ُش َب ِه ِه ْم‪َ ،‬ف َأ ْص ِغ َس ْم َع َك ل ِ َج َوابِ َها‪َ .‬و ِه َي َأن َُّه ْم َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪:‬‬
‫ون َأ َّال إِ َل َه إِ َّال ال َّل ُه»(‪)1‬؛ لذلك ب َّين أ َّنها َّأول قاعدة‪،‬‬ ‫إِ َّن ا َّل ِذي َن ن ََز َل فِ ِيه ُم ال ُق ْر ُ‬
‫آن َال َي ْش َهدُ َ‬
‫فمن قال‪« :‬ال إله إال ال َّله» وهو يأيت بضدها؛ ما َتنفعه‪.‬‬
‫َ‬
‫شخص‪ :‬أنا أحبك‪ ،‬وهو َيضربك‪ ،‬و َيقتلك؛ ّ‬
‫فدل عىل أنّه‬ ‫ٌ‬ ‫وكذا لو قال لك‬
‫َيكذب يف هذا القول‪.‬‬
‫كثير من الناس‪َّ :‬‬
‫أن توحيد الربوب َّية وحده‬ ‫فهذه القاعدة العظيمة التي َيجهلها ٌ‬
‫الجنَّة‪ ،‬فال بد معه من توحيد األلوه َّية‪.‬‬
‫ال يكفي لدخول العبد َ‬

‫(‪ )1‬كشف الشبهات (ص ‪.)58‬‬


‫‪31‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫عدَةُ الثَّا ِنيَة‬


‫القَا ِ‬
‫اع ِة‪.‬‬
‫ب ال ُق ْر َب ِة َوالش َف َ‬
‫اه ْم َو َت َوجهْ َنا إِ َل ْي ِه ْم‪ ،‬إَِّل لِ َط َل ِ‬ ‫َأنهُ ْم َي ُقو ُلونَ ‪َ :‬ما َد َع ْو َن ُ‬
‫ْ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ َ َ‬ ‫َ َّ َ َّ َ‬
‫ِين اَّتذوا مِن دونِهِ أو َِلاء ما نعبدهم إَِل‬ ‫َف َدلِ ُيل ال ُق ْر َب ِة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬واَّل‬
‫َ ْ َ َ َّ َّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ َ َ َّ ْ َ َّ َّ َ َ ْ‬
‫َِلق ِربونا إَِل اَّللِ زلِف إِن اَّلل َيكم بينهم ِِف ما هم فِيهِ َيتلِفون إِن اَّلل َل‬
‫َ ْ َ َ ٌ َ َّ‬
‫َي ْه ِدي من هو َكذِب كفار﴾‪.‬‬
‫َ‬ ‫اَّللِ َما ََل يَ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ََْ‬
‫ُّضه ْم َوَل‬ ‫ون‬
‫اعة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬ويعبدون مِن د ِ‬
‫َو َدلِ ُيل الش َف َ ِ‬
‫َ َّ ْ َ َ ِ َ ِ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫يَنفعه ْم َو َيقولون هؤَلءِ شف َعاؤنا عِند اَّللِ قل أتنبِئون اَّلل بِما َل يعلم ِِف‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ َ َ َّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َ‬
‫ْشكون﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫اَل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ان‬‫ح‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫اْل‬ ‫ِف‬
‫ات و ِ‬
‫َل‬ ‫السمو ِ‬
‫اع ٌة ُم ْث َب َت ٌة‪.‬‬ ‫اع ٌة َم ْن ِفي ٌة‪َ ،‬و َش َف َ‬
‫ان‪َ :‬ش َف َ‬ ‫اع َت ِ‬ ‫اع ُة َش َف َ‬
‫َوالش َف َ‬
‫الم ْن ِفي ُة‪َ :‬ما َكا َن ْت ُت ْط َل ُب ِم ْن َغ ْيرِ الل ِه فِ َيَم ََّل َي ْق ِد ُر َع َل ْي ِه إَِّل الل ُه؛‬
‫اع ُة َ‬
‫َفالش َف َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ‬
‫آمنوا ْ أنفِقوا ْ م َِّما َر َز ْق َناكم ِمِن َقبْل أن يَأ ِِتَ‬ ‫َوالدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬يا أيها اَّلِين‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ ٌ َ َ َ َ َ ٌ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ٌ َّ‬
‫يوم َل بيع فِيهِ وَل خلة وَل شفاعة والَكف ِرون هم الظال ِمون﴾‪.‬‬
‫الم ْث َب َت ُة‪ِ :‬ه َي التِي ُت ْط َل ُب ِم َن الل ِه‪.‬‬ ‫اع ُة ُ‬ ‫َوالش َف َ‬
‫اع ِة‪.‬‬
‫َوالشافِ ُع ُم ْك َر ٌم بِالش َف َ‬
‫َ‬
‫اإل ْذ ِن؛ َك ََم َق َال َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬من ذا‬
‫وع َل ُه‪َ :‬م ْن َر ِض َي الل ُه َق ْو َل ُه َو َع َم َل ُه َب ْع َد ِ‬
‫الم ْش ُف ُ‬‫َو َ‬
‫ْ‬ ‫ْ َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬
‫اَّلِي يَشفع عِن َده إَِل بِإِذنِهِ﴾‪.‬‬
‫أن ِشرك‬‫اع َد ُة الثانِ َي ُة) َذكَر المصنف رمحه ال َّله هذه القاعدة؛ ليبين َّ‬ ‫(ال َق ِ‬

‫أخف من الشرك الذي َيفعله‬‫ّ‬ ‫المشركين الذين قاتلهم النبي ﷺ كان يف شرك‬
‫المشركون اآلن؛ فكان ِشركهم السابق ال َيطلبون من َّ‬
‫الالت أن َترزقهم‪ ،‬وال أن‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪32‬‬

‫ُتمطِر السماء ما ًء‪ ،‬وال أن ُتحيِي الموتى؛ وإ َّنما كانوا َيطلبون من الالت وال ُع َّزى‬
‫عز َّ‬
‫وجل ُزلفى‪.‬‬ ‫نتقرب هبا إىل ال َّله َّ‬
‫الشفاعة وال ُقربة‪ ،‬ويقولون‪َّ :‬‬
‫وغيرها من األصنام َّ‬
‫أنت قريبة من ال َّله‪ ،‬اد ِع لنا ِ‬
‫ربك ينزل لنا‬ ‫« ُقربة»؛ يعني‪ :‬يقولون‪ :‬يا الالت! ِ‬

‫المطر؛ هذا شرك المشركين‪ ،‬ما يطلبون منها هي‪ ،‬بل‪ :‬يا الت! اطلبي من ال َّله‪.‬‬
‫أو «زلفى»؛ يقولون مثالً‪ :‬يا الالت! قربينا من ال َّله ليستجيب دعاءنا بأن يغيث‬
‫لنا البالد‪.‬‬
‫فهذا هو فقط ِشرك المشركين الذين قات َلهم النبي ﷺ‪ ،‬ونَزل القرآن فيهم‪،‬‬
‫ودعوة الرسل مجيع ًا من أجل التحذير من هذين األمرين‪.‬‬
‫وشرك المشركين يف األزمنة المتأخرة‪ :‬ال َيطلبون ال ُقربى وال شفاعة بل‬ ‫ِ‬

‫عزى! انصرينا عىل كذا وكذا‪ ،‬ويا‬ ‫ِ‬


‫اشف مريضنا‪ ،‬يا َّ‬ ‫َيطلبون منهم‪ ،‬مثل‪ :‬يا الالت!‬
‫أغيثِينا من الكرب‪ ،‬يا حسين! يا بدوي! يا عبد القادر! أغثنا‪ ،‬أعطنا‪ ،‬ارزقنا‪،‬‬‫مناة! ِ‬

‫اشفنا‪ ،‬نجنا من الكرب‪ ،‬ونحو ذلك ‪ -‬والعياذ بال َّله ‪ ،-‬فنسوا رب العالمين تمام ًا‪،‬‬
‫الرب هو من د َعوه‪ ،‬ومل َيطلبوا ال ُقربة والشفاعة كما َفعل المشركون‬
‫َّ‬ ‫وجعلوا‬
‫َ‬
‫الرب َمن يدعوهنم من دون ال َّله ‪ -‬والعياذ بال َّله ‪.-‬‬
‫األوائل؛ بل إ َّنهم َجعلوا َّ‬
‫أعظم شرك ًا من المتقدمين‪ ،‬أ ْعظم كُفر ًا‬ ‫فأصبح ِشرك المشركين المتأخرين ْ‬
‫من ك َّفار قريش ‪ -‬والعياذ بال َّله ‪.-‬‬
‫عصره‬
‫ألن المشركين يف ْ‬ ‫فذكر المصنف رمحه ال َّله هذه القاعدة الثانية؛ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يقولون‪ :‬نحن ما طل ْبنا من األموات وال من األصنام أن ُتغي َثنَا أو ُت ِز َ‬
‫يح عنا الكرب‪،‬‬
‫فماذا تريدون؟ قالوا‪ :‬نريد منهم الشفاعة أو ال ُق ْر َبى؛ فب ّين المصنف رمحه ال َّله َّ‬
‫أن‬
‫توعدهم ال َّله تعاىل يف كتابه‪ ،‬بل هم‬
‫شرك المشركين الذين َّ‬
‫هذا سوا ًء بسواء‪ ،‬هو ْ‬
‫‪33‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫عز َّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫أب َشع ِشرك ًا من األولين لجح ِ‬
‫ودهم الربوبية ل َّله َّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫لذلك قال‪َ ( :‬أنهُ ْم َي ُقو ُلونَ )؛ أي‪ :‬الكفار والمشركون‪َ ( :‬ما َد َع ْو َن ُ‬
‫اه ْم)؛ يعني‪:‬‬
‫ص المصنف رمحه ال َّله شرك الدعاء؛ َّ‬
‫ألن شرك الدعاء هو كما‬ ‫ِشرك الدعاء‪َ ،‬‬
‫وخ ّ‬
‫قال ابن القيم‪« :‬أصل شرك العا َلم»(‪ ،)1‬هو أكثر من الذبح والنذر لغير ال َّله‪ ،‬فتجد‬
‫أكثر من يأيت القبور يدعوهم من دون ال َّله‪.‬‬
‫بالتوجه‬
‫ّ‬ ‫لذلك قالوا‪َ ( :‬و َت َوجهْ َنا إِ َل ْي ِه ْم) هذه لفظ ٌة عا َّم ٌة بعد َّ‬
‫خاصة‪ ،‬والمراد‬
‫والحلِف ونحو ذلك‪.‬‬ ‫إليهم‪َ :‬يدخل فيه النذر‪ ،‬والذبح‪ ،‬واالستغاثة‪ ،‬وال َّطواف‪َ ،‬‬
‫اع ِة)‬
‫ب ال ُق ْر َب ِة)؛ يعني‪ :‬الزلفى‪ ،‬فقط لتقربنا من ال َّله‪َ ( ،‬والش َف َ‬
‫قالوا‪( :‬إَِّل لِ َط َل ِ‬

‫فقط لتشفع لنا عند ال َّله‪.‬‬

‫فإذا قيل‪ :‬ما هي ُش َ‬


‫به ُت ُهم يف ذلك؟‬
‫فنقول‪ :‬ط َلب القربة والشفاعة‪ ،‬المشركون َيزعمون بشبهة شيطانية ألقاها‬
‫إن ذنوبنا كثير ٌة ونحن تل َّط ْخنا هبا‪ ،‬فال نستطيع أن‬
‫الشيطان عليهم؛ يقولون‪َّ :‬‬

‫نُخاطب ال َّله ‪ُ -‬‬


‫قاسوه بالبشر ‪-‬؛ فنقول لهذا‪ :‬اطلب لنا من ربك ‪ -‬استكبار ًا ‪-‬‬
‫فنحن لن نخاطب ال َّله‪ ،‬وإ َّنما نطلب من غير ال َّله هو يخاطب لنا ال َّله‪ ،‬فنحن‬
‫ألن غيرنا أفضل‪ ،‬ونحن لسنا أهالً لذلك‪ ،‬استكبروا‬ ‫مستكبِرون ال نخاطب ال َّله َّ‬
‫َ‬
‫ون َج َه َّنمَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫عىل ال َّله؛ لذلك قال ال َّله‪﴿ :‬إِن اَّلِين يستك ِبون عن عِباد ِِت سيدخل‬
‫خر َ‬ ‫َ‬
‫أعرض عن دعائه وط َلب من‬ ‫ين﴾ [غافر‪َ ،]60:‬فأخبر ال َّله َّ‬
‫عز َّ‬
‫وجل َّ‬
‫بأن َمن ْ‬ ‫دا ِِ‬
‫مستكبر‪ ،‬كما َيفعله المشركون‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َغيره بأ َّنه‬

‫(‪ )1‬مدارج السالكين (‪.)353/1‬‬


‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪34‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َّ َ‬
‫َ‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬ف َدلِ ُيل ال ُق ْر َب ِة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬واَّلِين اَّتذوا مِن دونِهِ أو َِلاء‬
‫َّ َ َ َ َّ ْ َ‬ ‫َ‬
‫َما ن ْعبده ْم إَِل َِلق ِ ِربونا إَِل اَّللِ زلِف﴾)؛ يعني‪ :‬يقول‪ :‬يا صاحب القبر! اطلب‬
‫من ربك أن َيغفر يل؛ أل َّنك أقرب مِن ال َّله مني‪ ،‬هذا‪ِ :‬شرك ‪ -‬والعياذ بال َّله ‪ ،-‬هذا‬
‫ْ َّ َ ِ َ َ َّ ْ َ‬ ‫َ‬
‫الح ْصر‪َ ﴿( :‬ما ن ْعبدهم إَِل َِلق ِربونا إَِل اَّللِ زلِف﴾)‬ ‫قول المشركين‪ ،‬انظر إىل َ‬
‫الالت أن تقول ل َّله‪ :‬عبدك ٌ‬
‫فالن يريد أن َي َت َق َّرب لك‪ ،‬عنده حاج ٌة اسمع‬ ‫يريدون من َّ‬
‫حاج َته‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ‬
‫اَّلل َيكم بَي َنه ْم ِِف َما ه ْم فِيهِ‬ ‫وجل قوله‪﴿( :‬إِن‬ ‫َّ‬ ‫فذكَر ال َّله َّ‬
‫عز‬ ‫َ‬
‫اَّلل ََل َي ْه ِدي َم ْن ه َو ََكذ ٌِب َك َّف ٌ‬
‫ار‬ ‫ون﴾)؛ الحكم‪﴿( :‬إ َّن َّ َ‬ ‫ََْ َ‬
‫َيتلِف‬
‫فح َكم ال َّله‬
‫َ‬ ‫؛‬ ‫)‬ ‫﴾‬ ‫ِ‬
‫عىل من َف َعل ذلك‪ :‬بالكذب عليه سبحانه وتعاىل‪ ،‬وال ُكفر‪.‬‬
‫اَّللِ َما ََل يَ ُّ‬
‫ُّضه ْم‬
‫َّ‬
‫ون‬
‫َ‬ ‫ََْ‬
‫اعة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬ويعبدون مِن د ِ‬
‫قال‪َ ( :‬و َدلِ ُيل الش َف َ ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِند اَّللِ﴾) فقط يشفعون لنا عند ال َّله‪،‬‬ ‫َوَل يَنفعه ْم َو َيقولون هؤَلءِ شف َعاؤنا ع‬

‫يعني‪ :‬يريدون أن يشفعوا لهم؛ واسط ًة بينهم وب ْين ال َّله؛ عندنا ْ‬


‫قح ٌط‪ ،‬يقولون‪ :‬يا‬
‫فالن! ‪ -‬ميت ‪ -‬قل لربك ُينزل علينا المطر‪ ،‬نقول لهم‪ :‬مل ال تدعوا أنتم؟ يقولون‪:‬‬
‫قريب من ال َّله‪ ،‬نقول‪ :‬هذا هو الشرك ب َع ْين ِه‪ِ ،‬شرك المشركين ‪ -‬والعياذ‬
‫ٌ‬ ‫ال‪ ،‬هو م ّي ٌت‬
‫بال َّله ‪ ،-‬ومع ذلك ُأمر النبي ﷺ بقتالهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫واألضر َحة‪ :‬نحن نعتقد بأ َّنه ال‬ ‫يعني‪ :‬لو قال لك من يطوف عىل القبور‬
‫البدوي وال زينب وال غيرهم ينفعوننا أو يضروننا‪ ،‬وإ َّنما نحن ما نَعلم كيف‬
‫ّ‬
‫ربنا‪.‬‬
‫الصالح أن يدعو لنا َّ‬ ‫نخاطب ال َّله؛ فنَطلب من هذا ّ‬
‫الويل أو َّ‬
‫َّ َ َ َ َّ‬ ‫َْ‬
‫نقول‪ :‬هذه ب َع ْين ِ َها هي شبهة المشركين؛ ﴿ َما نعبده ْم إَِل َِلق ِ ِربونا إَِل اَّللِ‬
‫َْ‬
‫زلِف﴾ [الزمر‪.]3:‬‬
‫‪35‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫ما هو الواجب؟‬
‫ٌ‬ ‫َِ َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ َ‬
‫الواجب‪ِ﴿ :‬إَوذا سألك عِبادِي ع ِِن فإ ِ ِِن ق ِريب﴾ [البقرة‪ ،]186:‬الشخص‬
‫ِ‬
‫ين! ونحو ذلك؛ فهو سبحانه‬ ‫يدعو ربه‪ :‬يا ال َّل ُه! يا رب! يا قوي! يا عظيم! يا َمت ُ‬
‫ِ َ َ َ َ َ َّ‬ ‫ْ َ ْ َ ْ َ َّ‬
‫ُّض فَل َك ِشف َل إَِل ه َو﴾‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫اَّلل‬ ‫الذي َيكشف ال ُك ُر َبات؛ ﴿ِإَون يمسسك‬
‫[األنعام‪.]17:‬‬

‫فواجب عىل المسلِم وعىل الع ْبد أن َي َّ‬


‫توجه بكل َّيته إىل ال َّله‪ ،‬وال َيلتفت بقلبه‬ ‫ٌ‬
‫شجر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫صالح‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫مرس ٌل‪ ،‬وال‬
‫نبي َ‬ ‫إىل أحد من المخلوقات‪ ،‬ال م َل ٌك َّ‬
‫مقر ٌب‪ ،‬وال ٌّ‬
‫كر ِم ال َّله‪ ،‬وعظمته‪ْ ،‬‬
‫وفضله‪َ ،‬و ُجوده‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صنم‪ ،‬وال ج ٌّن‪ ،‬وال غير ذلك؛ وإ َّنما من َ‬
‫وال ٌ‬
‫أنثى‪،‬‬
‫وإحسانه‪ :‬أ َّنه يستجيب لدعوة كل داع ‪ -‬طفل‪ ،‬مميز‪ ،‬صغير‪ ،‬كبير‪ ،‬ذكَر‪ً ،‬‬
‫يتوجه إال إىل ربه سبحانه‬ ‫عربي‪ ،‬أعجمي ‪ِ -‬‬
‫فمن ُشكر هذه النعمة‪َّ :‬‬
‫أن اإلنسان ال َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫فضل ال َّله‪ :‬أ َّنه مل ُي ْح ِو ْجنا إىل فِ ْعل هذه العبادة العظيمة التي يح ّبها إىل‬
‫ومِن ْ‬
‫ٌ‬ ‫َ ِ َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫قريب منك‬ ‫ٌ‬ ‫أحد غيره؛ ﴿ِإَوذا سألك عِبادِي ع ِِن فإ ِ ِِن ق ِريب﴾ [البقرة‪ ،]186:‬فال َّله‬
‫إذا دعو َته‪ ،‬فلماذا تلجأ إىل غير ال َّله؟!‬
‫بشاعة األمر‪:‬‬
‫َ‬ ‫عرف‬
‫وسأمثل لكم بمثال ل ُي َ‬
‫غني‪ ،‬ومعه ٌ‬
‫طفل‪،‬‬ ‫رج ٌل عظي ٌم؛ كرئيس‪ ،‬أو ٍّ‬
‫ثري‪ ،‬أو ٍّ‬ ‫لو عندنا ‪ -‬مثالً ‪ُ -‬‬
‫وأبكم ‪ -‬قل للرئيس هذا يعطينا ما ً‬
‫ال؛ نحن‬ ‫ٌ‬ ‫أصم‬
‫ونقول‪ :‬يا طفل! يا صغير! ‪ -‬وهو ٌّ‬
‫األصم ‪ -‬يا أخي!‬
‫ّ‬ ‫ليس عندنا شي ٌء‪ ،‬يف فقر شديد ‪ -‬وال َيسمعنا هذا الطفل الصغير‬
‫وأبكم ‪ -‬هل ُتح َّقق الرغبة؟ ال تتح َّقق؛‬
‫ٌ‬ ‫أصم‬
‫ٌّ‬ ‫قل ألبيك ُيعطِينا وظائف ‪ -‬وهو‬
‫َ َ َّ َ ْ َ َ‬ ‫ََْ ٌ َْ َ َْ ََ َْ‬
‫لذلك ال َّله يقول‪﴿ :‬أموات غي أحيا ٍء وما يشعرون أيان يبعثون﴾ [النحل‪،]21:‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪36‬‬

‫وجل قال عن ن ْفسه‪﴿ :‬إ َّن َّ َ‬


‫اَّلل َس ِم ٌ‬
‫يع‬ ‫ِ‬ ‫عز َّ‬
‫لماذا تدعوهنم و َتطلبون منهم‪ ،‬وال َّله َّ‬
‫جانب‪ ،‬من ناحية عدم االستجابة‪.‬‬ ‫ي﴾ [الحج‪ ،]75:‬هذا‬‫بَ ِص ٌ‬
‫ٌ‬
‫مما تفعله؟ هو‬
‫ومن الجانب اآلخر‪ :‬هذا الرئيس أو الغني‪ ،‬ما موقفه منك َّ‬
‫أمامك‪ ،‬وأنت تذهب لهذا وتقول‪ :‬قل له؛ فيقول الغني متعجب ًا‪ :‬طيب‪ ،‬قل يل أنا!‬
‫الرجل؛ لذلك النبي ﷺ يف الحديث القدسي(‪ )1‬يقول‪َ « :‬أنَا‬ ‫لجناب هذا ُ‬ ‫هضم َ‬
‫ٌ‬ ‫ففيه‬
‫يه َم ِعي َغ ْي ِري؛ َت َر ْك ُت ُه َو ِش ْر َك ُه»(‪،)2‬‬ ‫َأ ْغنَى الشرك ِ‬
‫َاء َع ِن الشر ِك‪ ،‬من َع ِم َل َعمالً َأ ْشر َك فِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫قوله‪َ « :‬أ ْغنَى»؛ يعني‪ :‬أنا ٌّ‬
‫غني‪َ ،‬تذهب لغيري! ال أريدك‪ ،‬أنا عندي ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬تعال‬
‫هضم لجناب‬
‫ٌ‬ ‫شئت؛ لذلك ابن القيم ‪ -‬وغيره ‪ -‬يقول‪« :‬هذا‬
‫إيل‪ ،‬اطلب مني ما َ‬
‫َّ‬
‫انتقاص ل َّله‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الربوب َّية»(‪)3‬؛ يعني‪ :‬الذهاب لغير ال َّله‬
‫اع ٌة َم ْن ِفي ٌة‪َ ،‬و َش َف َ‬
‫اع ٌة ُم ْث َب َت ٌة)؛ أل َّنهم‬ ‫اع َت ِ‬
‫ان‪َ :‬ش َف َ‬ ‫اع ُة َش َف َ‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬والش َف َ‬
‫ندعوا صاحب القبر؟ نحن ال ندعوه‪ ،‬نحن نط ُلب‬
‫يقولون‪ :‬لماذا تقولون لنا أ َّننا ُ‬
‫شفاع ًة‪ ،‬ووساط ًة‪ ،‬والنبي ﷺ يوم القيامة َيشفع‪.‬‬
‫نقول‪ :‬ال‪ ،‬هناك شفاع ٌة مث َبت ٌة‪ ،‬وشفاع ٌة منف َّي ٌة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحديث القدسي هو‪ :‬ما نُقل إلينا آحاد ًا عنه ﷺ مع إسناده له عن ربه‪ .‬الفتح المبين البن‬
‫حجر (‪.)432/1‬‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب من َأشرك يف عمله غير ال َّله‪ ،‬رقم (‪ ،)2985‬من‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬رواه‬
‫حديث أبي هريرة رضي ال َّله عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬إغاثة ال َّلهفان (‪.)62/1‬‬
‫‪37‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫الم ْن ِفي ُة‪َ :‬ما َكا َن ْت ُت ْط َل ُب ِم ْن َغ ْيرِ الل ِه) من األموات‪ ،‬أو األحياء‬
‫اع ُة َ‬
‫( َفالش َف َ‬
‫العاجزين‪ ،‬أو الغائبين (فِ َيَم ََّل َي ْق ِد ُر َع َل ْي ِه إَِّل الل ُه) كمغفرة َّ‬
‫الذنْب‪ ،‬والشفاء وغير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ‬
‫( َوالدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬يا أيها اَّلِين آمنوا أنفِقوا مِما رزقناكم ِمن قب ِل‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ ٌ َ َ َ َ َ ٌ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ ْ ٌ َّ‬
‫أن يأ ِِت يوم َل بيع فِيهِ وَل خلة وَل شفاعة والَكف ِرون هم الظال ِمون﴾)‪.‬‬
‫مِثل هذه الشفاعة‪ :‬باطلة‪ ،‬ال أحد يستطيع أن َيشفع إال إذا َأ ِذن ال َّله‪ ،‬ورضي‬
‫عن المشفوع له‪.‬‬
‫الم ْث َب َت ُة‪ِ :‬ه َي التِي ُت ْط َل ُب ِم َن الل ِه) والشفاعة التي يطلبها مِن الرب؛‬
‫اع ُة ُ‬
‫( َوالش َف َ‬
‫النبي ﷺ َيشفع لنا؛ طلب شفاع ًة صحيح ًة‪ ،‬ولو يقول‬
‫مثالً يقول‪ :‬يا رب! اجعل َّ‬
‫صحيح؛ أل َّنها مطلوب ٌة من‬
‫ٌ‬ ‫شخص‪ :‬يا رب! اجعل الصالحين َيشفعون يل؛ نقول‪:‬‬
‫ٌ‬
‫ال َّله‪.‬‬
‫ألن ال َّله َقبِ َل شفاعته‪،‬‬
‫كرم؛ ّ‬ ‫( َوالشافِ ُع م ْكرم بِالش َف َ ِ‬
‫اعة)؛ يعني‪ :‬الشافع هذا ُم َّ‬ ‫ُ َ ٌ‬
‫كرم بما فيه الخير له‪.‬‬ ‫والمشفوع له كذلك ُأ ِ‬

‫اإل ْذ ِن)؛ يعني‪ُ :‬‬


‫الم َقصر هذا ال‬ ‫وع َل ُه‪َ :‬م ْن َر ِض َي الل ُه َق ْو َل ُه َو َع َم َل ُه َب ْع َد ِ‬
‫الم ْش ُف ُ‬
‫( َو َ‬
‫َ ْ َ َّ‬
‫أن َيش َفع؛ ( َك ََم َق َال َت َعا َلى‪﴿ :‬من ذا اَّلِي‬ ‫للشافع ْ‬ ‫بدَّ أن يكون موحد ًا‪ ،‬إذا ِ‬
‫أذ َن ال َّله َّ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫أن يكون موحدا‪ً.‬‬ ‫يَش َفع عِنْ َده إَِل بِإِذنِهِ﴾)‪ ،‬فالمشفوع له يجب ْ‬
‫لذلك يف صحيح البخاري(‪ )1‬عن أبي هريرة رضي ال َّله عنه أ َّنه قال‪ُ « :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا‬
‫الق َيا َم ِة‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ل َقدْ َظنَن ُْت ‪َ -‬يا َأ َبا‬
‫اعتِ َك يوم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ول ال َّل ِه! َم ْن َأ ْس َعدُ الن ِ‬
‫َّاس بِ َش َف َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫يث َأ َحدٌ َأ َّو ُل مِن َْك ل ِ َما َر َأ ْي ُت مِ ْن ِح ْر ِص َك‬
‫ُهرير َة! ‪َ -‬أ ْن َال يس َأ َلنِي َعن َه َذا الح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ََْ‬

‫ِ‬
‫(‪ )1‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب صفة َ‬
‫الجنَّة والنار‪ ،‬رقم (‪.)6570‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪38‬‬

‫الق َيا َم ِة‪َ :‬م ْن َق َال‪َ :‬ال إِ َل َه إِ َّال ال َّل ُه َخالِص ًا‬
‫َّاس بِ َش َفا َعتِي يوم ِ‬
‫َْ َ‬
‫َع َلى الح ِد ِ‬
‫يث؛ َأ ْس َعدُ الن ِ‬ ‫َ‬
‫مِ ْن قِ َب ِل َن ْف ِس ِه»؛ يعني‪ :‬يوم القيامة َيشفع األنبياء‪ ،‬و َيشفع الصالحون‪ ،‬و َيشفع‬
‫استحق النار‬
‫َّ‬ ‫توسطون عند ال َّله أن ال ُيعذب من‬
‫الشهداء‪ ،‬و َتشفع المالئكة؛ أي‪َ :‬ي َّ‬
‫من أهل التوحيد‪ ،‬أو أن ُي ِ‬
‫خرج من النار أحد ًا من أهل التوحيد‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫عدَةُ الثَّا ِلثَة‬


‫القَا ِ‬
‫ين فِي ِع َبا َد ِات ِه ْم‪:‬‬ ‫فر ِق َ‬‫اس ُم َت ِّ‬‫َأن النبِي ﷺ َظهَ َر َع َلى ُأ َن ٍ‬

‫ِم ْنهُ ْم‪َ :‬م ْن َي ْع ُب ُد الش ْم َس َوال َق َم َر‪.‬‬


‫الم ََلئِ َك َة‪.‬‬
‫َوم ْنهُ ْم‪َ :‬م ْن َي ْع ُب ُد َ‬
‫ِ‬
‫أل ْنبِيا َء َوالصالِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫َوم ْنهُ ْم‪َ :‬م ْن َي ْع ُب ُد ا َ َ‬
‫أل ْح َج َار‪.‬‬ ‫أل ْش َج َار َوا َ‬ ‫َو ِم ْنهُ ْم‪َ :‬م ْن َي ْع ُب ُد ا َ‬
‫َ‬
‫ول الل ِه ﷺ‪َ ،‬و َل ْم ُي َف ِّر ْق َب ْي َنهُ ْم؛ َوالدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬وقات ِلوه ْم‬ ‫س ُ‬ ‫َو َقا َت َلهُ ْم َر ُ‬
‫ُّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌَْ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫حَّت َل تكون ف ِتنة ويكون اِلِين ُكه َِّللِ﴾‪.‬‬
‫اع َد ُة الثالِ َث ُة) هذه هي القاعدة الثالثة من القواعد األربع‬
‫قال رمحه ال َّله‪( :‬ال َق ِ‬

‫التي َذكَرها المصنف رمحه ال َّله‪ ،‬وهي قاعد ٌة عظيم ٌة‪.‬‬


‫إن ِشرك المشركين هو يف األحجار‪ ،‬يف َّ‬
‫الالت وال ُع َّزى و َمنَاة‪،‬‬ ‫فهم يقولون‪ّ :‬‬
‫يقرر ويضع قواعد يب ّين لك التوحيد‪ ،‬و ُي َبين ضده ‪ -‬وهو الشرك ‪،-‬‬
‫والشيخ هنا ّ‬
‫فمن‬
‫وأ َّنه ال ْفرق بين أنواع الشرك؛ فال ْفرق ب ْين عبادة األوثان وعبادة األموات‪َ ،‬‬
‫أي نوع من أنواع الشرك فإنه َيك ُفر بذلك الشرك و ُي ْس َت َتاب‪ ،‬فإن مل َي ْ‬
‫تب‬ ‫و َقع يف ّ‬
‫فصرف العبادة لغير ال َّله ‪ -‬سواء لم َلك‪ ،‬أو نبي‪ ،‬أو شجر‪،‬‬ ‫فللمسلمين أن يقاتلوه؛ ْ‬
‫أو حجر‪ ،‬أو َو َثن ‪-‬؛ ِش ٌ‬
‫رك‪.‬‬
‫ين فِي ِع َبا َداتِ ِه ْم؛ ِم ْنهُ ْم‪:‬‬
‫فر ِق َ‬ ‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬أن النبِي ﷺ َظهَ َر َع َلى ُأ َن ٍ‬
‫اس ُم َت ِّ‬
‫الم ََلئِ َك َة‪َ .‬و ِم ْنهُ ْم‪َ :‬م ْن َي ْع ُب ُد ا َ‬
‫أل ْنبِ َيا َء‬ ‫ِ‬
‫َم ْن َي ْع ُب ُد الش ْم َس َوال َق َم َر‪َ .‬وم ْنهُ ْم‪َ :‬م ْن َي ْع ُب ُد َ‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪40‬‬

‫ول الل ِه ﷺ‪َ ،‬و َل ْم‬


‫س ُ‬ ‫ين‪َ ،‬و ِم ْنهُ ْم‪َ :‬م ْن َي ْع ُب ُد ا َ‬
‫أل ْش َج َار َوا َ‬
‫أل ْح َج َار‪َ ،‬و َقا َت َلهُ ْم َر ُ‬ ‫ح َ‬‫َوالصالِ ِ‬

‫ُي َف ِّر ْق َب ْي َنهُ ْم) فمن أتى ّ‬


‫بأي نوع من أنواع ال ُكفر؛ ُي َقا َتل‪.‬‬
‫ومن أنواع الكفر التي يأيت هبا الكفار‪ :‬ال ُكفر بالب ْعث‪ ،‬وقاتلهم النبي ﷺ عليه؛‬
‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ َّ َّ ْ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ َ ُّ ْ َ‬
‫اِلهر‬ ‫اِلن َيا نموت وَنيا وما يهلِكنا إَِل‬ ‫قال سبحانه‪﴿ :‬وقالوا ما ِِه إَِل حياتنا‬
‫َ َ َ ْ َ َ ْ ْ ْ ْ َّ َ ُّ َ‬
‫وما لهم بِذل ِك مِن عِل ٍم إِن هم إَِل يظنون﴾ [الجاثية‪.]24:‬‬
‫َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ‬
‫وجل‪﴿ :‬لقد كفر اَّلِين قالوا‬ ‫عز َّ‬ ‫ومن أنواع ال ُكفر‪ :‬ال ُكفر بالر َساالت؛ قال َّ‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫إ َّن َّ َ‬
‫سيح‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬
‫ار‬ ‫ص‬ ‫َّ‬ ‫انل‬ ‫سيح ابن م ْر َي َم﴾ [المائدة‪ ،]72:‬وقال‪﴿ :‬وقال ِ‬
‫ت‬ ‫اَّلل ه َو ال َم ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َّ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ‬ ‫َّ‬
‫اَّلل ثال ِث‬ ‫ِين قالوا إِن‬ ‫ابْن اَّللِ﴾ [المائدة‪ ،]72:‬وقال سبحانه‪﴿ :‬لقد كفر اَّل‬
‫ََ َ‬
‫ثَلث ٍة﴾ [المائدة‪]73:‬؛ فأخبر ال َّله تعاىل بكفرهم‪.‬‬
‫َ َْ‬
‫كافر؛ ﴿ َو َم ْن ل ْم َيك ْم ب ِ َما‬ ‫عز َّ‬
‫وجل أ َّنه ٌ‬ ‫و َمن رضي غير ُحكم ال َّله؛ أخبر ال َّله َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ َ َ َ‬
‫أنزل اَّلل فأولئِك هم الَكف ِرون﴾ [المائدة‪.]44:‬‬
‫َّ‬
‫وكأن‬ ‫أنواع‪ ،‬والنبي ﷺ قا َت َل َمن َظ َهر منه أي نوع من أنواع ال ُكفر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فال ُكفر‬
‫خاص ًا بعبادة األصنام كما َيفعل كفار‬ ‫المصنف رمحه ال َّله يقول لك‪ِ َّ :‬‬
‫إن الشرك ليس ّ‬
‫قريش؛ بل أي نوع من أنواع الشرك‪ :‬دعوة األصنام‪ ،‬أو دعوة األنبياء‪ ،‬أو المالئكة‪،‬‬

‫أو األشجار‪ ،‬أو قبور الصالحين‪ ،‬فدعوهتم من دون ال َّله كلها ك ٌ‬


‫ُفر‪ ،‬وهذا هو‬

‫مقصود المؤلف رمحه ال َّله؛ فكل َمن َع َبد غير ال َّله فهو ٌ‬
‫كافر‪.‬‬
‫وكما سبق(‪ )1‬أهنم استنكروا عىل الشيخ هذين األمرين‪:‬‬
‫قر بتوحيد الربوب َّية؟ َ‬
‫فذكره يف القاعدة‬ ‫األمر ا َ‬
‫ألول‪ :‬كيف ُت َكفروننا ونحن ُن ّ‬
‫األُوىل‪.‬‬

‫( ‪ )1‬ص ‪. 2‬‬
‫‪41‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫واألمر الثاين‪ :‬كيف ُت َقاتِ ُلو َننَا ونحن نقر بتوحيد الربوب َّية؟ َذكَره يف القاعدة‬
‫ال َّثانية‪.‬‬
‫فإذا قيل لك‪ :‬لماذا َأورد المصنف هذه القاعدة؟‬
‫ألن الكفار يف عصره يقولون َّ‬
‫أن الشرك فقط هو عبادة األصنام كما‬ ‫تقول‪َّ :‬‬
‫كان كفار قريش يفعلونه‪ ،‬فالمصنف رمحه ال َّله قال‪ :‬ال‪ ،‬حتى عبادة األنبياء‪،‬‬
‫ُفر؛ لذلك قال‪َ ( :‬و َقا َت َلهُ ْم‬ ‫واألولياء‪ ،‬واألشجار‪ ،‬واألحجار‪ ،‬والصالحين‪ :‬ك ٌ‬
‫ول الل ِه ﷺ‪َ ،‬و َل ْم ُي َف ِّر ْق َب ْي َنهُ ْم)؛ قاتل الجميع ‪َّ -‬‬
‫كل من ع َبد غير ال َّله ‪.-‬‬ ‫س ُ‬
‫َر ُ‬
‫ُثم بعد ذلك أعطاك األد َّلة َّ‬
‫أن يف زمن النبي ﷺ ن ََزل القرآن لعدّ ة أنواع‬
‫ِ‬
‫للشرك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كل كافر (﴿ َح ََّّت َل‬
‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬والدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬وقات ِلوه ْم﴾) َّ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫اِلِين ُكه َِّللِ﴾) ﴿ُكه﴾؛ يعني‪ :‬كل الدين؛ ال شجر‪ ،‬ال‬ ‫ون ِ‬ ‫تكون ف ِت َنة َو َيك‬
‫حجر‪ ،‬ال مالئكة؛ فهذه اآلية عا َّم ٌة‪.‬‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪42‬‬

‫َّ‬ ‫َّ‬
‫س َوال َق َمرِ؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬وم ِْن آيَاتِهِ الليْل َوانلَّ َهار َوالش ْمس‬ ‫َف َدلِ ُيل الش ْم ِ‬
‫اسجدوا ِ ََّّللِ َّاَّلِي َخلَ َقه َّن إن كنت ْم إياهَّ‬ ‫ِلش ْمس َو ََل ل ِلْ َق َمر َو ْ‬ ‫َّ‬
‫والقمر َل تسجدوا ل‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ْعبدون﴾‪.‬‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ ً‬ ‫َْ‬
‫الم ََلئِ َك ِة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬و َي ْو َم َيْشه ْم َجِيعا ث َّم َيقول ل ِل َمَلئِكةِ‬ ‫َو َدل ُيل َ‬
‫ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ َ‬
‫ُّ‬
‫أهؤَلء إِياكم َكنوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت و َِلنا مِن دون ِ ِهم بل َكنوا‬
‫ُّ ْ َ‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ْلن أكَثهم ب ِ ِهم مؤمِنون﴾‪.‬‬ ‫يعبدون ا ِ‬
‫نت قلْتَ‬ ‫ِيَس ابْ َن َم ْر َي َم أَأَ َ‬ ‫ْ َ َ َّ‬
‫اَّلل يَا ع َ‬ ‫اء؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪ِ﴿ :‬إَوذ قال‬ ‫أل ْنبِي ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َدل ُيل ا َ َ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ َِ ََ ْ‬ ‫َّ‬
‫ول ماَ‬ ‫ون اَّللِ قال سبْ َحانك َما يَكون َِل أن أق‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ي‬
‫ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ّم‬ ‫ِ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫وِن‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫اَّت‬ ‫ل َِّلن ِ‬
‫اس‬
‫َ‬
‫ليْ َس َِل ِِبَ ٍِق﴾‪.‬‬
‫ََ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َّ َ َ َ‬
‫ين؛ ُق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬ق ِل ادعوا اَّلِين زعمتم مِن دونِهِ فَل‬ ‫ح َ‬ ‫َو َدلِ ُيل الصالِ ِ‬
‫َ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫ْ ََ َْ ً‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫الُّض عنكم وَل َتوِيَل * أولئِك اَّلِين يدعون يبتغون إَِل‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َي ْملِكون كشف‬
‫َ َ َ َ ُّ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ِ َ َ َ‬
‫َر ِب ِ ِهم الو ِسيلة أيهم أقرب ويرجون رِحته ويخافون عذابه إِن عذاب ربِك َكن‬
‫َْ ً‬
‫َمذورا﴾‪.‬‬
‫س‬‫ُثم بعد ذلك بدأ َيذكر بعض ما ُعبد من دون ال َّله؛ قال‪َ ( :‬ف َدلِ ُيل الش ْم ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫َّ ْ َ َّ َ َ َّ‬
‫َوال َق َمرِ؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬وم ِْن آيَاتِهِ الليل وانلهار والشمس والقمر َل تسجدوا‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ِلش ْمس َو ََل ل ِلْ َق َمر َو ْ‬ ‫َّ‬
‫اسجدوا َِّللِ اَّلِي خلقه َّن إِن كنت ْم إِيَّاه ت ْعبدون﴾) ففي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫زمن النبي ﷺ منهم َمن يع ُبد الشمس والقمر‪ ،‬وإىل اآلن يوجد من يعبد الشمس‪،‬‬
‫أن عبادة الشمس والقمر ‪ -‬من سجود وغيره ‪ِ :-‬ش ٌ‬
‫رك‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فدل عىل َّ‬
‫َ ً‬ ‫َْ‬
‫المَلئِ َك ِة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬و َي ْو َم َيْشه ْم َجِيعا ث َّم َيقول‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ ( :‬و َدل ُيل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫ََْ َ ََ َ‬
‫ُّ‬
‫ل ِلمَلئِكةِ أهؤَلء إِياكم َكنوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت و َِلنا مِن دون ِ ِهم‬
‫‪43‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫ون﴾) وأيض ًا قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و ََل يَأْم َركمْ‬


‫ُّ ْ َ‬ ‫َّ َ ْ َ‬
‫ْلن أكَثهم ب ِ ِهم مؤمِن‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ ْ‬
‫بل َكنوا يعبدون ا ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ََْ ْ َْ‬ ‫َ ََْ ً ََْ‬ ‫ََ ََ‬ ‫َّ‬ ‫َْ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫خذوا المَلئِكة وانلبِيِي أربابا أيأمركم ب ِالكف ِر بعد إِذ أنتم مسلِمون﴾‬ ‫أن تت ِ‬
‫عمران‪]80:‬؛ وهذا الدليل َي ْصلح للمالئكة و َيصلح لألنبياء كذلك؛ يعني‪:‬‬ ‫[آل‬

‫ا َّتخذوا األنبياء‪ ،‬وا َّتخذوا المالئكة أرباب ًا؛ أي‪ :‬معبودين من دون ال َّله(‪)1‬؛ وإ َّنما‬
‫ك مِنْ‬ ‫َ ْ َْ َ ْ َْ َ َْ ْ َ ْ َ‬
‫الرسل يأمرون بعبادة ال َّله وحده‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬واسأل من أرسلنا مِن قبل ِ‬
‫ًَ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َْ‬
‫ون الرِح ِن آل ِهة يعبدون﴾ [الزخرف‪ ،]45:‬فجميع الرسل‬ ‫رسلِنا أجعلنا مِن د ِ‬
‫يأمرون بعبادة ال َّله وحده‪.‬‬
‫ِيَس ابْ َن َم ْر َي َم أَأَنتَ‬ ‫ْ َ َ َّ‬
‫اَّلل يَا ع َ‬ ‫اء؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪ِ﴿ :‬إَوذ قال‬‫أل ْنبِي ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ ( :‬و َدل ُيل ا َ َ‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ ِ َ ََ ْ‬ ‫َّ‬
‫ون اَّللِ قال سبْ َحانك َما يَكون َِل أن‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ي‬‫ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ّم‬
‫ِ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫وِن‬
‫ِ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫اَّت‬ ‫اس‬‫لت ل َِّلن ِ‬
‫ق َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫حجر ًا؛ َّ‬
‫فدل‬ ‫أقول ما ليس َِل ِِب ٍق﴾)؛ ا َّتخذوا عيسى إله ًا‪ ،‬هنا َعبدوا نب َّي ًا وليس َ‬
‫ٌ‬
‫شرك‪.‬‬ ‫عىل أ َّنه‬
‫وهذا الدليل أيض ًا َيصلح لعبادة الصالحين؛ ألن أ َّم عيسى امرأ ٌة صالح ٌة‪.‬‬
‫ول َما َل ْي َس لِي بِ َحق﴾)‬
‫س ْب َحا َن َك َما َي ُكونُ لِي َأنْ َأ ُق َ‬
‫وهنا قال ال َّله تعاىل‪َ ( :‬ق َال ُ‬
‫صالح من دون ال َّله وال معه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نبي وال‬
‫فال ُيعبد ٌّ‬
‫ََ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َّ َ َ َ‬
‫ين؛ ُق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬ق ِل ادعوا اَّلِين زعمتم مِن دونِهِ فَل‬
‫ح َ‬‫قال‪َ ( :‬و َدلِ ُيل الصالِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ك َّاَّل َ‬
‫ِين يَ ْدعون يَبْ َتغون إَِل‬
‫َ َ‬ ‫َ َْ ً‬
‫الُّض َعنك ْم َوَل َتوِيَل * أول ِئ‬ ‫ون َك ْش َف ُّ ِ‬ ‫َ‬
‫َي ْملِك‬
‫ِ‬
‫َ َ َ َ ُّ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ِ َ َ َ‬
‫َر ِب ِ ِهم الو ِسيلة أيهم أقرب ويرجون رِحته ويخافون عذابه إِن عذاب ربِك َكن‬
‫ََ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫دل عىل أ َّنه يف زمن النبي ﷺ َمن يع ُبد الصالحين؛ قال تعاىل‪﴿ :‬أف َرأيتم‬ ‫َمْذورا﴾)؛ ّ‬

‫(‪ )1‬تفسير الطبري(‪.)549/6‬‬


‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪44‬‬

‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬


‫صالح يف زمن النبي ﷺ كان يف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رجل‬‫الَلت والعزى﴾ [النجم‪ ،]19:‬والالت‪ُ :‬‬
‫الطائف(‪ ،)1‬فمن ع َبدهم من دون ال َّله فهو ِ‬
‫مشر ٌك‪ ،‬وإذا كان الصالحون يخافون من‬

‫ال َّله ‪ -‬فهم مخلوقون َم ْر ُب ُ‬


‫وبون ‪ -‬فكيف ُيعبدون معه؟!‬

‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)523/22‬‬


‫‪45‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫الَل َت َوالع َّزى * َو َم َناةَ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬


‫ار؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬أف َرأيتم‬ ‫أل ْح َج ِ‬
‫ار َوا َ‬‫أل ْش َج ِ‬ ‫َو َدلِ ُيل ا َ‬
‫َّ َ ْ‬
‫اثلَة اْلخ َرى﴾‪.‬‬ ‫اثل ِ‬
‫ول الل ِه ﷺ إِ َلى‬ ‫يث َأبِي َو ِاق ٍد الل ْيثِ ِّي َر ِض َي الل ُه َع ُنه َق َال‪َ « :‬خ َر ْج َنا َم َع َرس ِ‬
‫ُ‬ ‫َو َح ِد ُ‬

‫ين ِس ْد َر ٌة‪َ ،‬ي ْع ُك ُفونَ ِع ْن َد َها َو َي ُنو ُطونَ بِها‬


‫ُح َن ْي ٍن َو َن ْح ُن ُح َد َثا ُء َعهْ ٍد بِ ُك ْفرٍ‪َ ،‬ولِ ْل ُم ْشرِكِ َ‬
‫ول الل ِه! ا ْج َع ْل َل َنا‬‫س َ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سلِ َح َتهُ ْم‪ُ ،‬ي َق ُال َلهَ ا‪َ :‬ذ ُ‬
‫ات َأ ْن َواط‪َ ،‬ف َم َر ْر َنا بِس ْدرة َف ُق ْل َنا‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫َأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ات َأ ْن َوا ٍ‬
‫ول الله ﷺ‪ :‬الل ُه َأ ْك َب ُر! إِنهَ ا ُّ‬
‫الس َن ُن‪ُ ،‬ق ْل ُت ْم‬ ‫س ُ‬ ‫ات َأ ْن َواط‪َ ،‬ف َق َال َر ُ‬
‫ط َك ََم َلهُ ْم َذ ُ‬ ‫َذ َ‬
‫ْ ْ َ َ ً َ َ‬
‫اج َعل نلَا إِلها ك َما له ْم‬ ‫سى‪﴿ :‬‬ ‫َوال ِذي َن ْف ِسي بِي ِد ِه! َكَم َقا َل ْت ب ُنو إِ ِ ِ‬
‫س َرائ َيل ل ُمو َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫آل َِهة﴾»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬
‫ار؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬أف َرأيتم الَلت والعزى *‬ ‫أل ْح َج ِ‬ ‫أل ْش َج ِ‬
‫ار َوا َ‬ ‫قال‪َ ( :‬و َدلِ ُيل ا َ‬
‫الَلتَ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ‬
‫دليل عىل عبادة األحجار؛ (﴿أف َرأيتم‬ ‫خ َرى﴾) اآليات ٌ‬ ‫اثلَة اْل‬ ‫ومناة اثل ِ‬
‫َ َ َ َ َّ َ ْ‬
‫اثلَة اْلخ َرى﴾)‪ ،‬ثالثة أصنام من حجارة؛ هذا دليل األحجار‪.‬‬ ‫َوالع َّزى * ومناة اثل ِ‬
‫يث َأبِي َواقِ ٍد الل ْيثِ ِّي َر ِض َي الل ُه َع ْن ُه َق َال‪َ « :‬خ َر ْج َنا‬
‫ودليل األشجار قوله‪َ ( :‬و َح ِد ُ‬

‫ول الل ِه ﷺ إِ َلى ُح َن ْي ٍن) قريب من الطائف(‪َ ( ،)1‬و َن ْح ُن ُح َد َثا ُء َعهْ ٍد بِ ُك ْفرٍ‪،‬‬ ‫َم َع َرس ِ‬
‫ُ‬
‫الم ْك َث عندها‪َ ( ،‬و َي ُنو ُطونَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َولِ ْلم ْشرِكِ َ ِ‬
‫ين س ْد َر ٌة‪َ ،‬ي ْع ُك ُفونَ ع ْن َد َها)؛ يعني‪ُ :‬يطي ُلون ُ‬ ‫ُ‬
‫اط‪،‬‬ ‫ات َأ ْن َو ٍ‬‫للبركة‪ُ ( ،‬ي َق ُال َلهَ ا‪َ :‬ذ ُ‬ ‫بِها َأ ِ‬
‫سل َح َتهُ ْم)؛ يعني‪ :‬يعلقون السالح عليها َ‬ ‫ْ‬
‫ات َأ ْن َو ٍ‬ ‫ات َأ ْن َو ٍ‬ ‫ول الل ِه! ْ‬ ‫ِ ٍ‬
‫اط)؛‬ ‫اط َك ََم َلهُ ْم َذ ُ‬ ‫اج َع ْل َل َنا َذ َ‬ ‫َف َم َر ْر َنا بِس ْدرة َف ُق ْل َنا‪َ :‬يا َر ُ‬
‫س َ‬

‫يعني‪ :‬اجعل لنا شجر ًة نعلق عليها أسلحتنا‪ ،‬وكذلك المالبس‪ ،‬ونحو ذلك‬
‫للبركة‪.‬‬

‫(‪ )1‬معجم البلدان للحموي (‪.)313/2‬‬


‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪46‬‬

‫الس َن ُن‪ُ ،‬ق ْل ُت ْم َوال ِذي َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه!‬ ‫ِ‬


‫ول الله ﷺ‪ :‬الل ُه َأ ْك َب ُر! إِنهَ ا ُّ‬ ‫س ُ‬‫قال‪َ ( :‬ف َق َال َر ُ‬
‫َ َ َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ ْ َ َ ً َ َ‬
‫اج َعل نلَا إِلها ك َما له ْم آل َِهة﴾») ﴿قال إِنك ْم‬ ‫سى‪﴿ :‬‬ ‫َكَم َقا َل ْت ب ُنو إِ ِ ِ‬
‫س َرائ َيل ل ُمو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ََ ٌ َ َ َ َْ َ‬
‫طل ما َكنوا يعملون﴾ [األعراف‪138:‬‬ ‫ب َما ه ْم فِيهِ وبا ِ‬ ‫ون * إ َّن َهؤ ََلءِ م َت َّ ٌ‬ ‫ٌَْ ََْ َ‬
‫قوم َتهل‬
‫ِ‬
‫‪]139 -‬؛ يعني‪ :‬عبادهتم من دون ال َّله باطل ٌة‪.‬‬
‫أي نوع من أنواع الشرك يف وجوب المقا َتلة‬
‫فإذا كان كذلك؛ فإ َّنه ال ْفرق بين ّ‬
‫عز َّ‬
‫وجل منه‪.‬‬ ‫والتوبة إىل ال َّله َّ‬
‫‪47‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫عدَةُ الرَّا ِبعَة‬


‫القَا ِ‬
‫ين ي ْشرِكُونَ فِي الر َخ ِ‬
‫اء‬ ‫ين؛ ِألَن ا َ ِ‬ ‫ألولِ َ‬ ‫َأن ُم ْشرِكِي َز َمانِ َنا َأ ْغ َل ُظ ِش ْرك ًا ِم َن ا َ‬
‫ألول َ ُ‬
‫الشد ِة‪.‬‬ ‫اء َو ِّ‬‫الشد ِة‪َ ،‬وم ْشرِ ُكو َزمانِ َنا ِشر ُكهُ م َدائِم ِفي الر َخ ِ‬
‫ْ ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َو ُي ْخلِ ُصونَ فِي ِّ‬
‫َ َ ِ َ ََ‬ ‫ْ َ َ َّ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِين فل َّما‬ ‫اَّلل ُمل ِ ِصي َل اِل‬ ‫ك دعوا‬ ‫َوالدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬فإِذا َرك ِبوا ِِف الفل ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ ْ َ َ ِ َ ْ ْ‬
‫ْشكون﴾‪َ ،‬والل ُه َأ ْع َل ُم‪.‬‬ ‫ب إِذا هم ي ِ‬ ‫َناهم إَِل ال ِ‬
‫ين)؛‬ ‫ألولِ َ‬
‫اع َد ُة الرابِ َع ُة‪َ :‬أن ُم ْشرِكِي َز َمانِ َنا َأ ْغ َل ُظ ِش ْرك ًا ِم َن ا َ‬
‫قوله رمحه ال َّله‪( :‬ال َق ِ‬

‫مما يتغ َّلظ به ِشرك المشركين يف هذه األزمان‬ ‫ِ‬


‫يعني‪ :‬أشد شرك ًا من َّ‬
‫األولين؛ يعني‪َّ :‬‬
‫األول‪َّ :‬أهنم ُيشركون يف الرخاء والشدة‪.‬‬
‫عن الزمن َّ‬
‫األولين‪َّ :‬‬
‫أن شركهم يف‬ ‫ِ‬
‫فمن األمور التي اشتدَّ هبا شرك مشركي زماننا عن َّ‬
‫الرخاء والشدة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومما يتغ َّلظ – أيض ًا ‪ -‬فيه شرك زماننا عن َّ‬
‫األولين‪ :‬اإللحاد يف الدعاء؛ فال‬ ‫َّ‬
‫ربهم‪.‬‬
‫نس ْون َّ‬
‫َي َّتخذون األولياء شفعاء‪ ،‬وإ َّنما َيطلبوهنم و َي َ‬
‫و َيتغ َّلظ ِشرك المشركين يف هذه األزمان يف أمور كثيرة منها‪ :‬االستخفاف‬
‫وجل‪ ،‬واالستهزاء بمن ُينكِر ف ْعلهم‪ ،‬ودعوة غير ال َّله يف األماكن‬ ‫َّ‬ ‫عز‬
‫بالرب َّ‬
‫المع َّظمة ‪َ -‬ك َح ْول الكعبة ‪ ،-‬فتجد الشخص يطوف ويقول‪ :‬يا حسين! يا زينب!‬
‫يا محمد! وهكذا‪.‬‬
‫ين ي ْشرِكُونَ فِي الر َخ ِ‬
‫اء)؛ يعني‪ِ :‬شركهم يف الرخاء‬ ‫ِ‬ ‫قال رمحه ال َّله‪َ ِ ( :‬‬
‫ألن األَول َ ُ‬
‫الالت وال ُع َّزى‪،‬‬‫ص ما عنده مصيب ٌة ‪ -‬ما عنده كرب ٌة ‪ -‬يدعو َّ‬ ‫فقط‪ ،‬فمثالً‪ْ :‬‬
‫شخ ٌ‬
‫الشد ِة)؛ يعني‪ :‬يف ال ُك ُر َبات‪،‬‬
‫و َيطلب منها شفاع ًة من دون ال َّله‪َ ( ،‬و ُي ْخلِ ُصونَ فِي ِّ‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪48‬‬

‫وركوب البحر ونحو ذلك؛ يدعون رهبم وحده‪.‬‬


‫الشد ِة)؛ وهذا يدل عىل‬
‫اء َو ُي ْخلِ ُصونَ فِي ِّ‬
‫قال رمحه ال َّله‪( :‬ي ْشرِكُونَ فِي الر َخ ِ‬
‫ُ‬
‫أعقل من المشركين الحال ِيين‪ ،‬وفيهم‬ ‫األولون ْ‬ ‫شيء من ال َعقل فيهم‪ ،‬فالمشركون َّ‬
‫أن الجميع يف َضالل‪.‬‬‫تعظيم للربوب َّية أكثر من المشركين الحاليين؛ مع َّ‬ ‫ٌ‬
‫مما َيتغ َّلظ به‬ ‫اء َو ِّ ِ‬
‫قال‪َ ( :‬وم ْشرِ ُكو َزمانِ َنا ِشر ُكهُ م َد ِائم ِفي الر َخ ِ‬
‫الشدة)؛ وهذا َّ‬ ‫ْ ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫األولين السابقين؛ فإذا َركبوا البحر قالوا‪ :‬يا حسين! وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شرك زماننا عن شرك َّ‬
‫يغرق يقول‪ :‬يا حسين! يأتيه ُز َكام أو مرض شديد يقول‪ :‬يا حسين! وهو يف بيته يف‬
‫َ‬
‫دائم ‪ -‬والعياذ بال َّله ‪ -‬يف الرخاء والشدة‪.‬‬ ‫َر َخاء يقول‪ :‬يا حسين! فشركهم ٌ‬
‫ك َد َعوا َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلل‬ ‫قال رمحه ال َّله‪َ ( :‬والدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪﴿ :‬فإِذا َرك ِبوا ِِف الفل ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ِ َ َ َ َّ َ َّ ْ َ َ ِ َ ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫ون﴾)؛ وهذا يدل عىل َّ‬
‫أن‬ ‫ْشك‬
‫ب إِذا هم ي ِ‬ ‫ُمل ِ ِصي َل اِلِين فلما َناهم إَِل ال ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ك﴾) فهم َركبوا وهم مشركين‪،‬‬ ‫المشرك قد ُيسلم؛ فاآلية‪﴿( :‬فإِذا َرك ِبوا ِِف الفل ِ‬
‫ِين﴾)‪:‬‬ ‫ي ََل ِ‬
‫اِل َ‬ ‫اَّلل ُمْلِص َ‬
‫والقوا كروب البحر؛ (﴿ َد َعوا َّ َ‬
‫ِ‬ ‫وإذا َركبوا يف الفلك َ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َّ ْ َ َ ِ َ ْ ْ‬
‫ْشكون﴾) عادوا للشرك مرة أخرى‪.‬‬ ‫ب إِذا هم ي ِ‬ ‫أسلموا‪﴿( ،‬فلما َناهم إَِل ال ِ‬
‫وقال القرطبي رمحه ال َّله(‪« :)1‬من أراد بأن يوقِن أن ال َّله هو الواحد فليركب‬
‫البحر»(‪)2‬؛ لشدة ُك ُر َباته ‪ -‬من تال ُط ِم األمواج‪ ،‬و ُظ ْلمته ونحو ذلك ‪.-‬‬
‫ويكون المصنف رمحه ال َّله بذكْره هذه القواعد األربع قد َذكَر قواعد عظيم ًة‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬أبو عبد ال َّله محمد بن أمحد بن أبي بكر بن ْفرح األنصاري الخزرجي المالكي‬
‫القرطبي‪ .‬تويف سنة (‪671‬هـ)‪ .‬طبقات المفسرين للسيوطي (‪ ،)92/1‬طبقات المفسرين‬
‫للداوودي (‪.)70/2‬‬
‫(‪ )2‬تفسير القرطبي (‪.)341/7‬‬
‫‪49‬‬ ‫شروح متون طالب العلم‬

‫يجب عىل المسلِم أن َيستحضرها‪ ،‬وأن ُيوقِن هبا‪ ،‬وأن يكون عىل معرفة هبا‪.‬‬
‫محمد بن عبد الوهاب رمحه ال َّله لأل َّمة بتبسيط العبارة‬
‫وهذا من ُن ْصح الشيخ َّ‬
‫فمما يتم َّيز به الشيخ‬
‫وقوة معانيها‪ ،‬وسهولة أسلوهبا‪ ،‬مع ذكْر األدلة‪َّ ،‬‬ ‫وتسهيلها‪َّ ،‬‬
‫رمحه ال َّله‪ِ :‬ذكْر الدليل عىل ما يقوله‪ ،‬رمحه ال َّله رمح ًة واسع ًة‪.‬‬

‫( َوالل ُه َأ ْع َل ُم) وص َّلى ال َّله عىل نبينا َّ‬


‫محمد‪ ،‬وعىل آله وصحبه وس َّلم‪.‬‬
‫***‬
‫شرح القواعد األربع‬ ‫‪50‬‬

‫فِهْ ِرسُ ا َملوْضُوعَاتِ‬


‫شرح القواعد األربع‪1 .........................................................‬‬

‫الم َقد َم ُة ‪2 ...................................................................‬‬


‫ُ‬
‫م َقدم ُة المصن ِ‬
‫ف ‪3 ...........................................................‬‬ ‫ُ َ ُ َ‬
‫ال َق ِ‬
‫اعدَ ُة األُو َلى ‪24 ..........................................................‬‬

‫اعدَ ُة ال َّثانِ َية ‪31 ...........................................................‬‬


‫ال َق ِ‬

‫اعدَ ُة ال َّثال ِ َثة ‪39 ...........................................................‬‬


‫ال َق ِ‬

‫الرابِ َعة ‪47 ..........................................................‬‬ ‫ِ‬


‫ال َقاعدَ ُة َّ‬
‫وع ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ‪50 ....................................................‬‬ ‫ف ْه ِر ُس َ‬
‫الم ْو ُض َ‬

You might also like