Professional Documents
Culture Documents
شرح
القواعد األربع
شرح القواعد األربع 2
( )1متون طالب العلم ،المستوى األول ،األصول الثالثة وأدلتها( ،ص.)43
( )2مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب ،الرسائل الشخصية ،الجزء السادس
(ص.)281
( )3متون طالب العلم ،المستوى األول ،األصول الثالثة وأدلتها( ،ص.)43
شرح القواعد األربع 4
(الك ِر َ
يم) يكون استنباط ًا من قول يم) ،هنا َ س َأ ُل الل َه َ
الكرِ َ قال رمحه ال َّلهَ :
(أ ْ
َ ْ َ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ْ
ال َّله﴿ :اقرأ وربك اْلكرم﴾ [العلق ،]3:فهو َيسأل الكريم بأن يمنحك العلم
ِ
عز َّ
وجل به عىل عباده :هو كرم يتكرم ال َّله َّ ِ
العظيم ،وهو علم التوحيد ،وأعظم َ
هدايتهم إىل التوحيد ،والحذر من الشرك.
اسم من أسماء
يم) فالكريم ٌ س َأ ُل الل َه َ
الكرِ َ لذلك قال المصنف رمحه ال َّلهَ :
(أ ْ
رزق الخ ْلق ،ومن ِ
كرمهْ : كرمه :هداية الخ ْلق ،ومن ِ ال َّله ،وصفته الكرم؛ ِ
فمن
ِ ِ
كرمه :إرسال الرسل وغير ذلك من مكارم الجنَّة لمن أطاعه ،ومن كرمه :خ ْلق َ
الم ِديدَ ة ال َع ِديدَ ة.
وجل َ عز َّال َّله َّ
والعرش
ْ ش ال َعظِيمِ)، (رب ال َع ْر ِ
ووصفه بأنه َ
َ وجل الكريم، عز َّ فسأل ال َّله َّ
َ
فتوسل بربوبِ َّية ال َّله ألعظم ما خلق ،ألعظم َأ ْمر َأ َم َر به -وهو أعظم المخلوقات؛ َّ
ب ذكْر أ ْعظم المخلوقات.
فناس َ
التوحيد ،-وأعظم هني ن ََهى عنه -وهو الشرك -؛ َ
و(ال َع ْرش) َو َصفه ال َّله بثالث صفات(:)1
اَّلل ََل إ ََلَ
َ ْ َ َ َّ ْ َ ْ َ ْ َ َّ
الصفة األولى :العظمة؛ كما قال سبحانه﴿ :فإِن تولوا فقل حس ِِب
ِ
ْ ْ َ َ َّ ْ َّ
إَِل ه َو َعليْهِ ت َوَّكت َوه َو َر ُّب ال َع ْر ِش ال َع ِظي ِم﴾ [التوبة.]129:
جي ِد﴾ [البروج ،]15:عىل موالصفة الثانية :المجد؛ كما قال﴿ :ذو الْ َع ْر ِش ال ْ َ
ِ ْ
الجر.
قراءة َ
ْ
اْل ُّق ََل إ َ ََل إ ََّل هوَ َ َ َّ ْ
ِ ِ َ والصفة الثالثة :ال َك َرم؛ قال سبحانه﴿ :ف َت َعاَل اَّلل ال َملِك
ْ َ ْ َ َ ُّ ْ
ري ِم﴾ [المؤمنون.]116 : رب العر ِش الك ِ
َ
العرش بثالث صفات :العظمة ،والمجد ،والكرم. فوصف ال َّل ُه
اآلخ َر ِة) فإذا تو َّلى ال َّله العبد هداه الد ْنيا َو ِ ِ
قال رمحه ال َّلهَ ( :أنْ َي َت َوَّل َك في ُّ َ
َّ
اب َوه َو َي َت َوَّلاَّلل َّاَّلِي نَ َّز َل الْك َِت َ
َّ َ ِ َ َّ
للصراط المستقيم؛ كما قال سبحانه﴿ :إِن ول ِِّي
ْ َ
ِي﴾ [األعراف ،]196:وقال﴿ :ن ِْع َم ال َم ْوَّل َون ِْع َم انلَّ ِصي﴾ [األنفال ،]40:وقال اْل َ َّ
الص ِ
َّ َ ْ َ َ ْ َ َْ ْ َ
سبحانه﴿ :فنِعم الموَّل ون ِعم انل ِصي﴾ [الحج ]78:كما يف سورة الحج.
َ َ َ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ َّ
فإذا تو َّلى ال َّله العبد َر َفعه؛ قال تعاىل﴿ :ذل ِك بِأن اَّلل موَّل اَّلِين آمنوا﴾،
ْ َ َ ََْ َ َ َ َّ ْ َ
ضل؛ قال سبحانه﴿ :وأن الَكف ِِرين َل موَّل لهم﴾ وإذا َر َفع ال َّله واليته عن ال َعبد َّ
[محمد.]11:
وجل :أن يتو َّلى عباده المؤمنين؛ لذلك قال المصنف رمحه عز َّ فمن رمحة ال َّله َّ
اآلخ َر ِة)؛ (فِي ُّ
الد ْن َيا) بالهداية إىل الصراط المستقيم، الد ْنيا َو ِ ِ ال َّلهَ :
(أنْ َي َت َوَّل َك في ُّ َ
اآلخ َر ِة) ومن الوالية يف
(و ِ وح ْفظك منهاَ ، والبعد عن الشبهات والشهواتِ ،
ُ
اآلخرة :الطمأنينة من كروب المحشر وأهواله ونحو ذلك.
قال رمحه ال َّلهَ ( :و َأنْ َي ْج َع َل َك ُم َب َارك ًا َأ ْي َن ََم ُك ْن َت)؛ يعني :يف أي زمان أو مكان
ِ
َح َل ْل َت فيه؛ وهذه دعو ٌة عظيم ٌة ،فالمسلم يدعو لن ْفسه كثير ًا بأن يكون َ
مبارك ًا؛ فإذا
كان مبارك ًا؛ َع ّم نفعه و َك ُثر ،وعيسى عليه السالم َذكَر نعمة ال َّله عليه بذلك ّ -
بأن
َ َ ًَْ َ َ ْ َ
ال َّله َج َعله مبارك ًا أينما كان -؛ كما قال سبحانه عنهَ ﴿ :و َج َعل ِِن مباراك أين ما كنت
َ ًِ ْ َ َّ َ َ َّ َ َ ْ ََ
ِ ِ
اِن بِالصَلة والزَكة ما دمت حيا﴾ [مريم.]31: وأوص ِ
كل عىلحل يف أي مكان ُيعلم اآلخرين أمر دينهمٌّ ، ومن َبركة المسلِم :أنه إذا َّ
عز َّ
وجل يف والعلم ،ومن أعظم البركة التي يجعلها ال َّله َّما يعطيه ال َّله من الدين ِ
شرح القواعد األربع 6
عبده :دعوة غيره إىل التوحيد؛ لذلك يوسف عليه السالم وهو يف السجن دعا إىل
َ َ َ ِ ْ َ َ ْ َ ٌ َ َ ِ َ َ ْ ٌ َ ِ َّ
السج ِن أأرباب متفرِقون خي أم اَّلل ِب ِ
ح ِ التوحيد -وهذا من البركة -؛ ﴿يا صا ِ
بارك ال َّله يف دعوته؛ فمكث زمن ًا ﷺ دٌ محم ناونبي ،] 39 : [يوسف ﴾ارهحد الْ َق َّ
ِ اوال ْ َ
َ َّ
انتشرت دعوته و َد َخل الناس يف دين ال َّله أفواج ًا،
ْ يسير ًا يف الدهر ومع ذلك
وكأ َّنه ﷺ مل يمت ،وهذا من ال َب َركة التي َأ ْو َد َعها ال َّله تعاىل له.
وحده؛ كما قال النبي ﷺ بارك هو ال َّله ْ الم ِ
البركة؛ ألن ُ ربهم َ واألنبياء سألوا َّ
وب َي ْغت َِس ُل ُع ْر َيان ًا َخ َّر َع َل ْي ِه ِر ْج ُل َج َراد مِ ْن َذ َهب،
عن أيوب عليه السالمَ « :ب ْين ََما َأي ُ
ِ ِ ِ
ُن َأ ْغنَ ْيت َُك َع َّما َت َرى!؟ َق َالَ :ب َلى
وب! َأ َل ْم َأك ْ َف َج َع َل َي ْحثي في َث ْوبِهَ ،فنَا َدا ُه َرب ُهَ :يا َأي ُ
َيا َرب! َو َلكِ ْن َال ِغنَى لِي َع ْن َب َركَتِ َك»( ،)1فال أحد يستغني عن َبركة ال َّله سبحانه.
ولهذا ُأمر المسلِم إذا أراد أن َيعمل عمالً أن يسمي ال َّله ،ال سيما يف أمور جاء
مما أباحه ال َّله( ،)3فيقول الشخص: ()2
األمر هبا؛ مثل :ذبح هبيمة األنعام ،وما يؤكل َّ
َ َ ُّ َ ْ َ َ َ َّ َ ِ
( )1رواه البخاري ،كتاب أحاديث األنبياء ،باب قول ال َّله تعاىل﴿ :وأيوب إِذ نادى ربه أ ِِن
اِح َ ُّ ُّ َ َ ْ َ َ
ِي﴾ [األنبياء ،]83 :رقم( ،)3391من حديث أبي هريرة ت أ ْر َحم َّ
الر ِ َم َّس ِ َ
ِن الُّض وأن
رضي ال َّله عنه.
ٌ ْ َّ َ ْ َّ َ َ ْ َّ َ ْ ْ َ َ َْ
( )2لقول ال َّله تعاىلَ ﴿ :وَل تأكلوا ِمما لم يذك ِر اسم اَّلل ِ عليهِ ِإَونه لفِسق﴾
مما ُسميت؛ ّ
فدل عىل [األنعام[121:؛ فاآلية تدل بمفهومها عىل أنَّه ال يجوز األكل إال َّ
فسق .بدائع الصنائع للكاساين (.)46/5
سمى عليه فهو ٌ وجوب التسمية َّ
وأن ما مل ُي َّ
( )3كما يف الحديث الذي رواه البخاري ،كتاب األطعمة ،باب التسمية عىل الطعام واألكل
ومسلم ،كتاب األشربة ،باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، ٌ باليمين ،رقم (،)5376
رقم ( ،)2022من حديث عمر بن أبي سلمة رضي ال َّله عنه ،ولفظهُ « :كن ُْت ُغ َال َم ًا فِي َح ْج ِر
ول ال َّل ِه ﷺَ :يا ُغ َال ُم! َسم الص ْح َف ِةَ ،ف َق َال لِي َر ُس ُ َت ي ِدي َتطِ ُ ِ
يش في َّ
رس ِ ِ
ول ال َّله ﷺَ ،وكَان ْ َ َ ُ
7 شروح متون طالب العلم
وبرك ًة( ،)1أي :يا رب! َأ ْعني عىل هذا األمر ،ويا رب!
بسم ال َّله ،يعني :استعان ًة َ
عز َّ
وجل اجعل بركتك عىل هذا األمر ألين ذك َْر ُت اسمك عليه؛ فكل أمر ُيذكر ال َّله َّ
ْ
البركة؛ لذلك إذا دخل المسلِ ُم المنزل فذكر ال َّل َه فقال: فيه ُيرجى أن َّ
تحل عليه َ
يت َل ُك ْم َو َال َع َشا َء»(،)2
بسم ال َّله؛ امتنع الشيطان من دخول المنزل ،وقالَ « :ال َمبِ َ
الش ْي َط َ
ان َما ب َّ انَ ،و َجن ِ اس ِم ال َّل ِه ،ال َّل ُه َّم َجن ْبنَا َّ
الش ْي َط َ الرجل أهله فقال« :بِ ْ وإذا أتى ُ
َر َز ْق َتنَاَ ،فإِ َّن ُه إِ ْن ُي َقدَّ ْر َب ْين َُه َما َو َلدٌ فِي َذل ِ َك؛ َل ْم َي ُض َّر ُه َش ْي َط ٌ
ان َأ َبد ًا»(.)3
وإذا قيل لك :ما معنى بسم ال َّله؟
البركة؛ يعني :يا رب! أعني عىل هذا ،األمر، ِ
وطلب َ تقول :الباء لالستعانة
ويا رب! أنا أطلب َبركتك أن َّ
تحل عىل هذا األمر.
َ َ َ َّ َ َ
ار َك اَّلِي ن َّزل وحده؛ فقال سبحانه﴿ :تب ِ
المبارك ْ عز َّ
وجل َتبارك وهو وال َّله َّ
ْ ْ َ َ َ َ َ َّ ْ ْ َْ َ ََ َ
الفرقان لَع عب ِده ِ﴾ [الفرقان ،]1:وقال﴿ :تبارك اَّلِي بِي ِده ِ الملك﴾ [الملك،]1:
ك َخ ْيا ً م ِْن َذل َِك َج َّنات ََتْري م ِْن ََتْتِهاَ ْ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ َ َّ
ِ ٍ وقال﴿ :تبارك اَّلِي إِن شاء جعل ل
ًَ ََْْ ََ ْ َْ َ َ
اْلنهار ويجعل لك قصورا﴾ [الفرقان.]10:
ال َّل َهَ ،وك ُْل بِ َي ِمين ِ َكَ ،وك ُْل مِ َّما َيلِ َ
يك».
( )1تفسير ابن كثير (.)121/1
مسلم ،كتاب األشربة ،باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما ،رقم (،)2018
ٌ ( )2رواه
من حديث جابر بن عبد ال َّله رضي ال َّله عنه.
ومسلم،
ٌ ( )3رواه البخاري ،كتاب النكاح ،باب ما يقول ُ
الرجل إذا أتى أهله ،رقم (،)5165
كتاب النكاح ،باب ما يستحب أن يقوله عند النكاح ،رقم ( ،)1434من حديث ابن عباس
رضي ال َّله عنهما.
شرح القواعد األربع 8
ِ
انتشرت «ويف عهد الدولة العثمانية -يعني :عهد عثمان بن عفان رضي ال َّله عنه -
الفتوحات وا َّت َسعت ،قال :بسبب كثرة تالوة عثمان رضي ال َّله عنه للقرآن»( ،)2فلما
مبارك شرعه ال َّله؛ نالت البركة َغيره.
العظيم من أمر َ
ُ قرب هذا
ُ
فإذا قيل :ما هي البركة؟
البركة هي :التي إذا كانت يف القليل ك َّث َرته ،وإذا كانت يف الكثير نف َعت ْه ،يعني:
َ
( )1هو :أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصري الشافعيُ ،ولد سنة
المذهب البن الملقن (.)428
َّ (700هـ) ،وتويف سنة (774هـ) .العقد
( )2تفسير ابن كثير (.)78/6
9 شروح متون طالب العلم
السعادة(.)1
عز َّ
وجل حتى َج َعله عىل وص َبر يف السجن؛ فرفعه ال َّله َّ
الجبَ ،
السالم ص َبر يف ُ
خزائن األرض ،وبقي ذكْر الجميع مخ َّلد ًا بسبب الصبر ،والنبي ﷺ كذلك َص َبر،
ون أ َ ْ
ج َره ْم ب َغيْ َ وهكذا ،فمنزلة الصبر عظيم ٌة؛ قال تعاىل﴿ :إ َّن َما ي َو ََّّف َّ
ِ ِ رِ با الص ِ
اب﴾ [الزمر.]10:سح َ
ِ ٍ
والصبر يكون لثالثة أمور(:)1
صبر عىل المصائب. األمر ا َ
ألولٌ :
شخص يصبر يتلو القرآن ،ويقوم الليل.
ٌ صبر عىل الطاعة؛ يعني:
األمر الثاينٌ :
صبر عىل حبس الن ْفس عن المعصية؛ فمثالً ال َيشرب الخمر،
األمر الثالثٌ :
وال يسرق وهكذا.
ومرد هذه الثالث -كما قال ابن القيم رمحه ال َّله(«:- )2الصبر عىل الطاعة»؛
فمن صبر عىل الطاعة فإ َّنه َيصبر عن المعصية ،وكذلك َيصبر عىل االبتالء.
َ
والمقصود هنا :الجميع.
ممن ُأ ِلهم االستغفار بعد الذنْب، (وإِ َذا َأ ْذ َن َب ا ْ
س َت ْغ َف َر)؛ يعنيَّ : قال رمحه ال َّلهَ :
عز َّ
وجل إياها. فهذا من أمارة سعادة العبد التي َمنح ُه ال َّله َّ
َ ْ ْ
اس َتغفِ ْر وجل﴿ :و عز َّ وجل رسله باالستغفار؛ قال ال َّله َّ عز َّ ولهذا أمر ال َّله َّ
َ َْ َ َ ْ ْ َ َ ْ ْ
محمد ﷺ: عز وجل لنبينا َّ َّ ات﴾ [محمد ،]19:وقال الله َّ
َّ َِّلنبِك ول ِلمؤ ِمنِي والمؤمِن ِ
َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َّ ًَ َّ َ َ ْ َ َ َ ْ ً
َ
ينا * َِلغ ِفر لك اَّلل ما تقدم مِن ذنبِك وما تأخر﴾ ح َنا لك فتحا م ِب ﴿إِنا فت
ت انلَّاسَ اَّللِ َوالْ َفتْح * َو َر َأي ْ َ
َ َ َ َ ْ َّ
[الفتح ،]2 - 1:وأمره أيض ًا باالستغفار؛ ﴿إِذا جاء نص
يم َ :-أنْ َت ْع ُب َد الل َه ِ ِ اعتِ ِه َ :-أن َ ِ ِ اع َل ْم َ -أ ْر َش َد َك الل ُه لِ َط َ
الحنيفي َة -مل َة إِ ْب َراه َ ْ
اسَ ،و َخ َل َقهُ ْم َلهَ ا؛ َك ََم َق َال َت َعا َلى: ينَ ،وبِ َذلِ َك َأ َم َر الل ُه َج ِم َ
يع الن ِ َو ْح َد ُه ُُمْلِص ًا َل ُه ِّ
الد َ
ْ َ ْ َّ َ َ َّ ََ َ َْ
ون﴾. اْلنس إَِل َِلعبد ِ ِ و ن اْل
ِ ت ق ﴿وما خل
اع َل ْم)؛ يعني :اعلم وال تكن جاهالً؛ َّ
ألن األمر الذي سوف قال رمحه ال َّلهْ ( :
فافهمه وال تكن غافالً عنه.
ْ أذكره لك هو أعظم أ ْمر أ َم َر ال َّله به عباده،
اعتِ ِه)؛ يعني :هداك ود َّلك إىل الطريق المستقيم ،ود َّلك ( َأ ْر َش َد َك الل ُه لِ َط َ
للطاعة وأبعدَ ك عن المعصية.
لعيل رضي ال َّله عنهُ « :قلِ :ال َّل ُه َّم ْاه ِدنِي َو َسد ْدنِيَ ،وا ْذك ُْر والنبي ﷺ قال ٍّ
الس ْه ِم»( ،)1وقال لمعاوية رضي ال َّله عنه: ِ ِ
السدَ اد َسدَ ا َد َّ الهدَ ى هدَ ا َيت ََك ال َّط ِر َيقَ ،و َّ بِ ُ
ادي ًا َم ْه ِد ّي ًا َو ْاه ِد بِ ِه»(.)2
«ال َّلهم اجع ْله َه ِ
ُ َّ ْ َ ُ
ربه بالهداية؛ يعني :بالداللة عليها؛ وإذا ُد ّل ِ
وكل مسلم أ َم َره ال َّله أن يدعو َّ
اه ِدنَا ِ ِ َ َ ْ ْ َ َ
الصاط المستقِيم﴾ [الفاتحة]6:؛
ْ
عليها -بالثبات عليها -يف قوله سبحانه﴿ :
الخمس؛
ْ ربه يف اليوم والليلة بالهداية يف صلواته
فواجب عىل كل مسلم أن يدعو َّ
ٌ
ألمهيتها.
إن توحيد ال َّله سبحانه ليس بِدْ ع ًا ِ ِ ( َأن َ ِ ِ
الحنيفي َة -مل َة إِ ْب َراه َ
يم )-كأنه يقولَّ :
أتيت به من عند نفسي؛ بل هو م َّلة إبراهيم ،ف ِ
(مل َة مما أنا ُ عىل هذه األ َّمة ،وليس َّ
مسلم ،كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ،باب التعوذ من شر ما عمل ومِن
ٌ ( )1رواه
عيل رضي ال َّله عنه.
شر ما مل َيعمل ،رقم ( ،)2725من حديث ٍّ
األزدي
ّ ( )2رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)17895من حديث عبد الرمحن بن أبي عميرة
رضي ال َّله عنه.
شرح القواعد األربع 14
الحن ِ ِيفي َة) يف إعراهبا؛ يعني :كأنه قال :اعلم أرشدك ال َّله لطاعته يم) ٌ
بدل من ( َ ِ
إِ ْب َراه َ
وجل باتباعها يف قوله﴿ :م َِّل َة أَبيكمْ
ِ عز َّ
أن م َّلة إبراهيم :الحنيفية ،التي أمر ال َّله َّ
إب ْ َراه َ
ِيم﴾ [الحج ،]78:فم َّلة إبراهيم التي ُهدي إليها مجيع الناس هيَ ( :
الحن ِ ِيفي َة). ِ
(الحن ِ ِيفي َة) هي :الطريقة التي مالت
الحن ِ ِيفي َة(؛ الحنف :الميل( ،)1و َ
وقولهَ ) :
(الحن ِ ِيفي َة) -الصراط
َ وهد َيت إىل الصراط المستقيم( ،)2وهذه عن الشرك ُ
ِ ِ
عز َّ
وجل هبا، المستقيم -هي (مل َة إِ ْب َراه َ
يم)؛ يعني :عقيدة إبراهيم التي أ َمره ال َّله َّ
ووصى هبا ذريته ،ودعا إليها.
وسار هباَّ ،
(الحن ِ ِيفي َة).
ين)؛ هذه هي َ ما هي؟ قالَ ( :أنْ َت ْع ُب َد الل َه َو ْح َد ُه ُُمْلِص ًا َل ُه ِّ
الد َ
فإذا قيل لك :ما هي دعوة الرسل؟
ين). تقولَ ( :أنْ َت ْع ُب َد الل َه َو ْح َد ُه ُُمْلِص ًا َل ُه ِّ
الد َ
فقولهَ ( :و ْح َد ُه ُُمْلِص ًا)؛ هذا ق ْيدٌ ال بد منه ،فلو قال :أن تعبد ال َّله له دينه ،ما
يستقيم الكالم ،لماذا؟
ِ
فجعل نفي ،فقولهُُ ( :مْلص ًا)؛ يعني :نفي عبادة غير ال َّلهَ ،
أل َّنه ال يكون فيه ٌ
فيها اإلخالص ل َّله وحده سبحانه دون غيره ،وهو معنى« :ال إله»؛ فقولهُُ ( :مْلِص ًا)
قيدُ «ال إله» ،بمعنى النفي يف «ال إله إال ال َّله».
اس)؛ يعني :ال َتس َتنكِف عن هذا قال رمحه ال َّلهَ ( :وبِ َذلِ َك َأ َم َر الل ُه َج ِم َ
يع الن ِ
األمر ،وال تعرض عنه ،وال تستثقله؛ فإن هذا األمر أ َم َر ال َّله به مجيع الناس ،فاص ِغ
سمعك له.
ْ
البغوي (.)288/4
ّ ( )1تفسير
القرشي
ّ ( )2هو :أبو العباس عبد ال َّله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
عم رسول ال َّله ﷺُ ،ولد سنة (3ق.هـ) ،وتويف سنة ( 68هـ أو 70هـ) .أسد
الهاشمي ،ابن ّ
ّ
الغابة البن األثير ( ،)186/3اإلصابة البن حجر (.)228/6
البغوي ).)93/1
ّ ( )3تفسير
شرح القواعد األربع 16
ث إِ َذا َد َخ َل فِي الطهَ َار ِة؛ َك ََم َق َال الح َد ِالع َبا َد ِة َف َس َد ْتَ ،ك َ
الشر ُك فِي ِ
َفإِ َذا َد َخ َل ِّ ْ
سهمْ َ ََ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َ َّ َ
جد اَّللِ شاهِ ِدين لَع أنف ِ ِ ْشك ِي أن يعمروا مسا ِ َت َعا َلى﴿ :ما َكن ل ِلم ِ
َ ْ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َْ َ َ َ ْ َ ْ
اِلون﴾. بِالكف ِر أولئِك حبِطت أعمالهم و َِّف انلارِ هم خ ِ
بأن ال َّله خ َلق الخ ْلق لعبادته -كما قالَ ( :وبِ َذلِ َك َأ َم َر الل ُه لما ذكر رمحه ال َّله َّ َّ
ْ َّ َ َ َّ ََ َ َْ
نس إَِل اْل
ِ و ن اْل
ِ ت ق اسَ ،و َخ َل َقهُ ْم َلهَ ا؛ َك ََم َق َال َت َعا َلى﴿ :وما خل يع الن ِ َج ِم َ
ْ
ون﴾) -ال زال المصنف رمحه ال َّله َيذكر المقدمات التي يريد أن يصل إىل َِلَعبد ِ
النتيجة فيها ،وهي:
األمر ا َ
ألول :ال َّله خ َلق العباد من أجل عبادته وتوحيده.
األمر الثاين :ال تصح عباد ًة إال مع التوحيد.
األمر الثالث :لو َد َخل الشرك يف العبادة؛ َتفسد تلك العبادة.
رفت هذا األمر؛ يجب عليك أن َتعرف التوحيد وضدَّ ه بمعرفة أربع
إذا َع َ
قواعد.
ولهذا قالَ ( :فإِ َذا َع َر ْف َت َأن الل َه َخ َل َق َك لِ ِع َبا َدتِ ِه) الشيخ رمحه ال َّله يضع لك
وسائل حتى يصل إىل نتيجة؛ يعنيَ :علِمنا َّ
أن ال َّله َخ َل َقنا لعبادته ،فكيف تصح
و ُتقبل هذه العبادة عند ال َّله؟
ي اَّلل ُمْلِص َ
ِ ال ُتقبل إال بالتوحيد؛ كما قال سبحانهَ ﴿ :و َما أمِروا إ ََّل َِلَ ْعبدوا َّ َ
ِ
َ ْ َ ْ ِ َ َ َّ َ ِ َ
َل اِلِين﴾ [البينة ،]5:وقال﴿ :أَل َِّللِ اِلِين اْلال ِص﴾ [الزمر ،]3:وقال﴿ :فاعب ِد
ِين﴾ [الزمر ،]2:والنبي ﷺ كان يقول بعد الصالةَ « :ال إِل َه إِ َّال ال َّل ُه، اَّلل ُمْلِصاً ََل ِ
اِل َ َّ َ
شرح القواعد األربع 18
ِ
الح َس ُنَ ،ال إِل َه إِ َّال ال َّل ُه ُم ْخلِص َ
ين َو َال َن ْع ُبدُ إِ َّال إِ َّيا ُهَ ،ل ُه الن ْع َم ُة َو َل ُه ال َف ْض ُلَ ،و َل ُه ال َّثنَا ُء َ
ين»(.)1
َل ُه الد َ
العبا َد َة ََّل ُتسمى ِعبا َد ًة إَِّل م َع الت ْو ِح ِ
ِ
يد)؛ أي :فاعلم َّ
أن العبادة َ َ َ اع َل ْم َأن َ
قالَ ( :ف ْ
سمى عباد ًة صحيح ًة مقبول ًة إال مع التوحيد؛ أ َّما يف الصورة فقد توجد عبادة
ال ُت َّ
حج
فيها سجود وركوع لكن غير صحيحة ،فليس كل عبادة تصح -من زكاة أو ٍّ
-؛ بل ال بد لها من شروط.
ٍ
عبادة أمران(:)2 وشرط ّ
كل
.1اإلخالص.
.2والمتابعة.
فإذا مل يتوفر هذان الشرطان :تبطل مجيع العبادات ،فأي عبادة َشرعها ال َّله ال
سمى عباد ًة إال إذا كان دين الشخص سالم ًا من الشرك وموحد ًا ل َّله؛ مثال ذلك:
ُت َّ
عز َّ
وجل بالذبح عند القبور؛ نقول :عبادة أن الشخص يصوم لكنَّه يشرك بال َّله َّ
لو َّ
الصيام ال تصح؛ لوجود الشرك عند هذا العبد بالذبح.
شخص يبر بوالديه كثير ًا -هذه عباد ٌة عظيم ٌة -لكن يطوف عىل
ٌ ومثالً:
القبور؛ نقول :هذه العبادة العظيمة التي َيفعلها -وهي :بِره بوالديه -ال ُت َّ
سمى
مسلم ،كتاب المساجد ومواضع الصالة ،باب استحباب الذكر بعد الصالة وبيان
ٌ ( )1رواه
صفته ،رقم ( ،)594من حديث ابن الزبير رضي ال َّله عنه.
( )2الروح البن القيم (.)135/1
19 شروح متون طالب العلم
متوضئ،
ٌ شخص
ٌ ث إِ َذا َد َخ َل فِي الطهَ َار ِة)؛ يعني:
الح َد ِ
قال رمحه ال َّلهَ ( :ك َ
الحكمَ :ف ْ
سدت تلك الطهارة ،كذلك عندنا عباد ٌة إذا َد َخل فيها فلما أحدث نقولُ :
َّ
الشرك؛ نقولَ :تفسد.
شخص :هل ُيعقل َّ
أن وجود شرك يف عبادة واحدة ُيفسد مجيع ٌ فإذا قال
أن الشخص يتصدّ ق بماليين ،فإذا ذبح لغير ال َّله ٌ
معقول ّ العبادة؟ فكأ َّنه يقول لك:
بشاة بخمس مئة ريال؛ مجيع أعماله َتبطل؟
نقول :نعم ،أنا ُأ َم ّثل لك :الصالة؛ لو دخل فيها الحدثَ :تبطل؛ لو قام
شخص يصلي ساع ًة كامل ًة ،و َأحدَ ث لو بريح يسيرة؛ تبطل الصالة مجيعها.
خرجت
ْ وم َّثل الشيخ رمحه ال َّله يف غير هذا الموضع ،قال :فلو ّ
أن نقطة بول
ِ
بطلت الصالة ،وهي نقط ٌة واحد ٌة يسير ٌة من بول ،كذا الشرك المظلم وأنت تصلي:
العظيم لو َو َقع يف عبادة؛ من باب َأوىل ُيفسد تلك العبادات ،بل إذا كان النوم ينقض
الوضوء ،فما ظنك بالشرك؟ أال ُيفسد العبادة؟! وفسادها يف صريح القرآن كما
سيأيت.
21 شروح متون طالب العلم
العبِا َد َة َأ ْفس َد َهاَ ،و َأ ْحب َط ال َعم َلَ ،و َصار َص ِ الشر َك إِ َذا َخا َل َط ِ
اح ُب ُه َ َ َ َ َفإِ َذا َع َر ْف َت َأن ِّ ْ
ارَ :ع َر ْف َت َأن َأ َهم َما َع َل ْي َك َم ْعرِ َف ُة َذلِ َك؛ َل َعل الل َه َأنْ ُي َخ ِّل َص َك ين فِي الن ِ الخالِ ِد َ
ِم َن َ
الش ْر ُك بِالل ِه.
ِم ْن َه ِذ ِه الش َب َك ِةَ ،و ِه َي ِّ
اع َد َذ َك َر َها الل ُه َت َعا َلى فِي كِ َتابِ ِه:
َو َذلِ َك بِم ْعرِ َف ِة َأرب ِع َق َو ِ
َْ َ
الع َبا َد ِة
الشر ُك فِي ِ
فلما ب َّين لك هذه القاعدة العظيمة ،وهيَ ( :فإِ َذا َد َخ َل ِّ ْ َّ
ث إِ َذا َد َخ َل ِفي الطهَ َار ِة)؛ قالَ ( :فإِ َذا َع َر ْف َت َأن ِّ
الش ْر َك إِ َذا َخا َل َط الح َد َِف َس َد ْتَ ،ك َ
العبِا َد َة)؛ هذه المقدمة األخيرة للنتيجة التي سوف يصل إليها. ِ
ويتر َّتب عىل الشرك عدة أمور ،قال رمحه ال َّلهَ ( :أ ْف َس َد َهاَ ،و َأ ْح َب َط ال َع َم َل،
ار) هذه ثالثة أمور مترتب ٌة عىل الشرك ،فإذا كان ين فِي الن ِ
الخالِ ِد َ
اح ُب ُه ِم َن َ
َو َصار َص ِ
َ
كذلك؛ َو َجب عليك أن ت ْعرف الدين بأربع قواعد َذكَرها المصنف رمحه ال َّله.
الشر َك إِ َذا َخا َل َط ِ
العبِا َد َة) خالطها وليس لذلك قال رمحه ال َّلهَ ( :فإِ َذا َع َر ْف َت َأن ِّ ْ
َك َساها مجيع ًا ،وإنما :إذا وقع الشرك يف شيء من أنواع العبادات.
ِ ( َفإِ َذا َع َر ْف َت َأن ِّ
الش ْر َك إِ َذا َخا َل َط العبِا َد َة) يف ّ
أي نوع من أنواع العبادة؛ نذر،
ِ
المقارن طواف ،عكوف عند القبر ،دعوة أموات؛ َ
(أ ْف َس َد َها)؛ يعني :أفسد العمل
لها.
كيف؟
أن شخص ًا َذ َبح عند قبر لغير ال َّله؛ أفسدها؛ يعني :هذه
الذبح ل َّله عباد ٌة ،فلو َّ
المقارنة له ،مثل:ِ العبادة مل ُتقبل؛ لوجود الشرك فيها ،فالشرك ي ِ
فسد ن ْفس العبادة ُ
شخص يصلي؛ ك َّبر ريا ًء ألحد الناس؛ فهذه الصالة َتبطل؛ لذلك قالَ :
(أ ْف َس َد َها) ٌ
ِ
المقارن لها. يعنيَ :أ َ
فسد العمل
شرح القواعد األربع 22
( ُ )1
المد َل َّ
هم :األسود الكثيف .لسان العرب ( ،)206/12تاج العروس (،)171/32
شرح القواعد األربع 24
عدَةُ األُولَى
القَا ِ
الخالِ ُقول الل ِه ﷺ ُم ِق ُّرونَ َأن الل َه ُه َو َ س ُين َقا َت َلهُ ْم َر ُ الكف َار ال ِذ َ
َأنْ َت ْع َل َمَ :أن ُ
س ََل ِم؛ ورَ ،و َل ْم ُي ْد ِخ ْلهُ ْم َذلِ َك فِي ِ
اإل ْ الم َد ِّب ُر لِ َج ِمي ِع ا ُ
أل ُم ِ يتُ ، الم ِم ُ
الم ْحيِي ُ الر ِاز ُقُ ،
الس َماءِ َواْلَ ْر ِض أَ َّمن َي ْملِك َّ
الس ْمعَ والدلِ ُيل َقو ُله َتعا َلى﴿ :ق ْل َمن يَ ْرزقكم ِم َِن َّ
ْ ُ َ َ
َ َ َّ َ َ ِ َ ْ َْ َ َ ََ ْ
َح َو َمن ي َدبِر اْل ْمرَ
ِ ت م َِن ال َ خرج ال َم َّي َ
ِ ِ ت وي ِ واْلبصار ومن َي ِرج الَح مِن المي ِ ِ
َ ِ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ
ف َس َيقولون اَّلل فقل أفَل تتقون﴾.
لما َذكَر المصنف رمحه ال َّله المقدمة النافعة العظيمة يف بداية رسالة القواعد؛
َّ
فهم التوحيد فهم ًا صحيح ًا؛
وهي :خطر الشرك ووجوب الحذر منه ،ووجوب ْ
يمكن إال بأربع قواعد. قالَّ :
وأن ذلك ال ْ
عيل أمرين ونم والشيخ رمحه ال َّله يف غير هذه الرسالة يقول« :وأعدائي ِ
ينق
َّ ُ
اثنين:
األمر األول :قتالهم.
واألمر الثاينَ :ت ِ
كف ِيري إ َّياهم»(.)1
الذنْب ،فلماذا أن الرسول ﷺ قا َتل َمن َو َقع يف هذا َّ فاآلن يريد أن يقرر َّ
ألو َلىَ :أنْ َت ْع َل َمَ :أن تلوموين عىل فِعل فعله الرسول ﷺ؟! لذلك قال( :ال َق ِ
اع َد ُة ا ُ َ
ول الل ِه ﷺ م ِقرونَ َأن الل َه ُه َو َ ِ الكف َار ال ِذ َ
الخال ُق الر ِاز ُقُ ،
الم ْحيِي ُ ُّ س ُ
ين َقا َت َلهُ ْم َر ُ ُ
س ََل ِم). ورَ ،و َل ْم ُي ْد ِخ ْلهُ ْم َذلِ َك فِي ِ
اإل ْ الم َد ِّب ُر لِ َج ِمي ِع ا ُ
أل ُم ِ الم ِم ُ
يتُ ، ُ
( )1ا لرسائل الشخصية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،الجزء
السادس) (.)204/1
25 شروح متون طالب العلم
تتضمن
َّ ( )1اإلبانة الكبرى البن ب َّطة ( ،)149/6وقسمها ابن القيم رمحه ال َّله ِقسمين لكنَّها
الثالثة األقسام المذكورة .مدارج السالكين (.)417/3
( )2شرح الطحاو َّية البن أبي العز ( ،)25/1تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن
عبدالوهاب (.)17/1
شرح القواعد األربع 26
وحده ،فإذا َص َرف العبدبأفعال العباد()1؛ كل فعل َيفعله العبد يجب أن َيصرفه ل َّله ْ
ِ َ َ َّ
العبادة ل َّله وحده فهنا ح َّقق العبد توحيد األلوهية؛ قال تعاىل﴿ :أَل َِّللِ اِلِين
ي ََل ِ
اِل َ
ِين﴾ [غافر.]14: اَّلل ُمْلِص َ َ ْ
ادعوا َّ َ َ
اْلال ِص﴾ [الزمر ،]3:وقال تعاىل﴿ :ف
ِ
فـ«توحيد األلوه َّية» :إفراد الله بأفعال العباد ،و«توحيد الربوب َّية» :إفراد الله
بأفعاله.
ِ
القسم الثالث :توحيد األسماء والصفات؛ أي :إثبات األسَمء والصفات
لله(.)2
الم َد ِّب ُر الم ِم ُ
يتُ ، الم ْحيِي ُ
وكفار قريش (م ِقرونَ َأن الل َه ُه َو َ ِ
الخال ُق الر ِاز ُقُ ، ُ ُّ
ور) وال ُينكِرون فِعالً من أفعال الربوبية؛ ألمرين: لِ َج ِمي ِع ا ُ
أل ُم ِ
( )1شرح الطحاوية البن أبي العز ( ،)29/1تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن
عبدالوهاب (.)19/1
( )2تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبدالوهاب (.)19/1
شرح القواعد األربع 28
أردت أن تعرف َ كأن المصنف رمحه ال َّله يقول لك :إذا ( َوالدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلى) َّ
صمة دمائهم وأموالهم ِ أن الكفار يقرون بتوحيد الربوب َّيةَّ ، َّ
وأن ذلك مل َينفعهم يف ع َ
َّ ْ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ
ونسائهم؛ فاقرأ قو َله تعاىل﴿( :قل َم ْن يَ ْرزقكم مِن السماءِ واْلر ِض أمن يملِك
ْ َ ْ
َح َو َم ْن ي َدبرِ ِ ت م َِن ال َ َ َّ َ َ ِ َ ْ
خرج ال َم ِي َ َّ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ
ِ ِ ِ ت وي ِ
السمع واْلبصار ومن َي ِرج الَح مِن المي ِ ِ
َ َّ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ََْ َ
اْلمر فسيقولون اَّلل فقل أفَل تتقون﴾)؛ يعني :أفال ت َّتقون الشرك و َتدخلون يف
مقرون بذلك؛ ألن ال َّله قال
فرهم ،وقات َلهم النبي ﷺ وهم ّ فدل عىل ُك ِ اإلسالم؛ ّ
ْ َ َ َ َ َ َ َّ َّ َّ َ
عنهم﴿ :إِنه ْم َكنوا إِذا قِيل له ْم َل إ ِ ََل إَِل اَّلل ي َ ْس َتك ِبون﴾ [الصافات]35:؛ يعني:
ما يأتون بتوحيد األلوهية(.)2
( )1زلفى :قربة وقريب .لسان العرب البن منظور ( ،)138/9تاج العروس للزبيدي
(.)401/23
( )2تفسير الطبري (.)34/21
شرح القواعد األربع 30
أخف من الشرك الذي َيفعلهّ المشركين الذين قاتلهم النبي ﷺ كان يف شرك
المشركون اآلن؛ فكان ِشركهم السابق ال َيطلبون من َّ
الالت أن َترزقهم ،وال أن
شرح القواعد األربع 32
ُتمطِر السماء ما ًء ،وال أن ُتحيِي الموتى؛ وإ َّنما كانوا َيطلبون من الالت وال ُع َّزى
عز َّ
وجل ُزلفى. نتقرب هبا إىل ال َّله َّ
الشفاعة وال ُقربة ،ويقولونَّ :
وغيرها من األصنام َّ
أنت قريبة من ال َّله ،اد ِع لنا ِ
ربك ينزل لنا « ُقربة»؛ يعني :يقولون :يا الالت! ِ
المطر؛ هذا شرك المشركين ،ما يطلبون منها هي ،بل :يا الت! اطلبي من ال َّله.
أو «زلفى»؛ يقولون مثالً :يا الالت! قربينا من ال َّله ليستجيب دعاءنا بأن يغيث
لنا البالد.
فهذا هو فقط ِشرك المشركين الذين قات َلهم النبي ﷺ ،ونَزل القرآن فيهم،
ودعوة الرسل مجيع ًا من أجل التحذير من هذين األمرين.
وشرك المشركين يف األزمنة المتأخرة :ال َيطلبون ال ُقربى وال شفاعة بل ِ
اشفنا ،نجنا من الكرب ،ونحو ذلك -والعياذ بال َّله ،-فنسوا رب العالمين تمام ًا،
الرب هو من د َعوه ،ومل َيطلبوا ال ُقربة والشفاعة كما َفعل المشركون
َّ وجعلوا
َ
الرب َمن يدعوهنم من دون ال َّله -والعياذ بال َّله .-
األوائل؛ بل إ َّنهم َجعلوا َّ
أعظم شرك ًا من المتقدمين ،أ ْعظم كُفر ًا فأصبح ِشرك المشركين المتأخرين ْ
من ك َّفار قريش -والعياذ بال َّله .-
عصره
ألن المشركين يف ْ فذكر المصنف رمحه ال َّله هذه القاعدة الثانية؛ َّ َ
ِ
يقولون :نحن ما طل ْبنا من األموات وال من األصنام أن ُتغي َثنَا أو ُت ِز َ
يح عنا الكرب،
فماذا تريدون؟ قالوا :نريد منهم الشفاعة أو ال ُق ْر َبى؛ فب ّين المصنف رمحه ال َّله َّ
أن
توعدهم ال َّله تعاىل يف كتابه ،بل هم
شرك المشركين الذين َّ
هذا سوا ًء بسواء ،هو ْ
33 شروح متون طالب العلم
عز َّ
وجل. أب َشع ِشرك ًا من األولين لجح ِ
ودهم الربوبية ل َّله َّ ُ ُ ْ ُ
لذلك قالَ ( :أنهُ ْم َي ُقو ُلونَ )؛ أي :الكفار والمشركونَ ( :ما َد َع ْو َن ُ
اه ْم)؛ يعني:
ص المصنف رمحه ال َّله شرك الدعاء؛ َّ
ألن شرك الدعاء هو كما ِشرك الدعاءَ ،
وخ ّ
قال ابن القيم« :أصل شرك العا َلم»( ،)1هو أكثر من الذبح والنذر لغير ال َّله ،فتجد
أكثر من يأيت القبور يدعوهم من دون ال َّله.
بالتوجه
ّ لذلك قالواَ ( :و َت َوجهْ َنا إِ َل ْي ِه ْم) هذه لفظ ٌة عا َّم ٌة بعد َّ
خاصة ،والمراد
والحلِف ونحو ذلك. إليهمَ :يدخل فيه النذر ،والذبح ،واالستغاثة ،وال َّطوافَ ،
اع ِة)
ب ال ُق ْر َب ِة)؛ يعني :الزلفى ،فقط لتقربنا من ال َّلهَ ( ،والش َف َ
قالوا( :إَِّل لِ َط َل ِ
ْ َ َ َّ َ َّ َ
َ
قال رمحه ال َّلهَ ( :ف َدلِ ُيل ال ُق ْر َب ِة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى﴿ :واَّلِين اَّتذوا مِن دونِهِ أو َِلاء
َّ َ َ َ َّ ْ َ َ
َما ن ْعبده ْم إَِل َِلق ِ ِربونا إَِل اَّللِ زلِف﴾)؛ يعني :يقول :يا صاحب القبر! اطلب
من ربك أن َيغفر يل؛ أل َّنك أقرب مِن ال َّله مني ،هذاِ :شرك -والعياذ بال َّله ،-هذا
ْ َّ َ ِ َ َ َّ ْ َ َ
الح ْصرَ ﴿( :ما ن ْعبدهم إَِل َِلق ِربونا إَِل اَّللِ زلِف﴾) قول المشركين ،انظر إىل َ
الالت أن تقول ل َّله :عبدك ٌ
فالن يريد أن َي َت َق َّرب لك ،عنده حاج ٌة اسمع يريدون من َّ
حاج َته.
ْ َّ َّ َ َ ْ
اَّلل َيكم بَي َنه ْم ِِف َما ه ْم فِيهِ وجل قوله﴿( :إِن َّ فذكَر ال َّله َّ
عز َ
اَّلل ََل َي ْه ِدي َم ْن ه َو ََكذ ٌِب َك َّف ٌ
ار ون﴾)؛ الحكم﴿( :إ َّن َّ َ ََْ َ
َيتلِف
فح َكم ال َّله
َ ؛ ) ﴾ ِ
عىل من َف َعل ذلك :بالكذب عليه سبحانه وتعاىل ،وال ُكفر.
اَّللِ َما ََل يَ ُّ
ُّضه ْم
َّ
ون
َ ََْ
اعة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلى﴿ :ويعبدون مِن د ِ
قالَ ( :و َدلِ ُيل الش َف َ ِ
َ َّ َ َ َ َ َ َ
ِند اَّللِ﴾) فقط يشفعون لنا عند ال َّله، َوَل يَنفعه ْم َو َيقولون هؤَلءِ شف َعاؤنا ع
ما هو الواجب؟
ٌ َِ َ ِ َ َ َ َ ََ َ
الواجبِ﴿ :إَوذا سألك عِبادِي ع ِِن فإ ِ ِِن ق ِريب﴾ [البقرة ،]186:الشخص
ِ
ين! ونحو ذلك؛ فهو سبحانه يدعو ربه :يا ال َّل ُه! يا رب! يا قوي! يا عظيم! يا َمت ُ
ِ َ َ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ ْ َ َّ
ُّض فَل َك ِشف َل إَِل ه َو﴾
ٍ ِ ب اَّلل الذي َيكشف ال ُك ُر َبات؛ ﴿ِإَون يمسسك
[األنعام.]17:
( )1الحديث القدسي هو :ما نُقل إلينا آحاد ًا عنه ﷺ مع إسناده له عن ربه .الفتح المبين البن
حجر (.)432/1
مسلم ،كتاب الزهد والرقائق ،باب من َأشرك يف عمله غير ال َّله ،رقم ( ،)2985من
ٌ ( )2رواه
حديث أبي هريرة رضي ال َّله عنه.
( )3إغاثة ال َّلهفان (.)62/1
37 شروح متون طالب العلم
الم ْن ِفي ُةَ :ما َكا َن ْت ُت ْط َل ُب ِم ْن َغ ْيرِ الل ِه) من األموات ،أو األحياء
اع ُة َ
( َفالش َف َ
العاجزين ،أو الغائبين (فِ َيَم ََّل َي ْق ِد ُر َع َل ْي ِه إَِّل الل ُه) كمغفرة َّ
الذنْب ،والشفاء وغير
ذلك.
ْ ِ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ُّ َ َّ َ َ َ
( َوالدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلى﴿ :يا أيها اَّلِين آمنوا أنفِقوا مِما رزقناكم ِمن قب ِل
َ َّ َ َ َ َّ ٌ َ َ َ َ َ ٌ َ َ ٌ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ٌ َّ
أن يأ ِِت يوم َل بيع فِيهِ وَل خلة وَل شفاعة والَكف ِرون هم الظال ِمون﴾).
مِثل هذه الشفاعة :باطلة ،ال أحد يستطيع أن َيشفع إال إذا َأ ِذن ال َّله ،ورضي
عن المشفوع له.
الم ْث َب َت ُةِ :ه َي التِي ُت ْط َل ُب ِم َن الل ِه) والشفاعة التي يطلبها مِن الرب؛
اع ُة ُ
( َوالش َف َ
النبي ﷺ َيشفع لنا؛ طلب شفاع ًة صحيح ًة ،ولو يقول
مثالً يقول :يا رب! اجعل َّ
صحيح؛ أل َّنها مطلوب ٌة من
ٌ شخص :يا رب! اجعل الصالحين َيشفعون يل؛ نقول:
ٌ
ال َّله.
ألن ال َّله َقبِ َل شفاعته،
كرم؛ ّ ( َوالشافِ ُع م ْكرم بِالش َف َ ِ
اعة)؛ يعني :الشافع هذا ُم َّ ُ َ ٌ
كرم بما فيه الخير له. والمشفوع له كذلك ُأ ِ
ِ
( )1كتاب الرقاق ،باب صفة َ
الجنَّة والنار ،رقم (.)6570
شرح القواعد األربع 38
الق َيا َم ِةَ :م ْن َق َالَ :ال إِ َل َه إِ َّال ال َّل ُه َخالِص ًا
َّاس بِ َش َفا َعتِي يوم ِ
َْ َ
َع َلى الح ِد ِ
يث؛ َأ ْس َعدُ الن ِ َ
مِ ْن قِ َب ِل َن ْف ِس ِه»؛ يعني :يوم القيامة َيشفع األنبياء ،و َيشفع الصالحون ،و َيشفع
استحق النار
َّ توسطون عند ال َّله أن ال ُيعذب من
الشهداء ،و َتشفع المالئكة؛ أيَ :ي َّ
من أهل التوحيد ،أو أن ُي ِ
خرج من النار أحد ًا من أهل التوحيد.
39 شروح متون طالب العلم
مقصود المؤلف رمحه ال َّله؛ فكل َمن َع َبد غير ال َّله فهو ٌ
كافر.
وكما سبق( )1أهنم استنكروا عىل الشيخ هذين األمرين:
قر بتوحيد الربوب َّية؟ َ
فذكره يف القاعدة األمر ا َ
ألول :كيف ُت َكفروننا ونحن ُن ّ
األُوىل.
( )1ص . 2
41 شروح متون طالب العلم
واألمر الثاين :كيف ُت َقاتِ ُلو َننَا ونحن نقر بتوحيد الربوب َّية؟ َذكَره يف القاعدة
ال َّثانية.
فإذا قيل لك :لماذا َأورد المصنف هذه القاعدة؟
ألن الكفار يف عصره يقولون َّ
أن الشرك فقط هو عبادة األصنام كما تقولَّ :
كان كفار قريش يفعلونه ،فالمصنف رمحه ال َّله قال :ال ،حتى عبادة األنبياء،
ُفر؛ لذلك قالَ ( :و َقا َت َلهُ ْم واألولياء ،واألشجار ،واألحجار ،والصالحين :ك ٌ
ول الل ِه ﷺَ ،و َل ْم ُي َف ِّر ْق َب ْي َنهُ ْم)؛ قاتل الجميع َّ -
كل من ع َبد غير ال َّله .- س ُ
َر ُ
ُثم بعد ذلك أعطاك األد َّلة َّ
أن يف زمن النبي ﷺ ن ََزل القرآن لعدّ ة أنواع
ِ
للشرك.
َ َ
كل كافر (﴿ َح ََّّت َل
قال رمحه ال َّلهَ ( :والدلِ ُيل َق ْو ُل ُه َت َعا َلىَ ﴿ :وقات ِلوه ْم﴾) َّ
ُّ ُّ َّ َ َ ْ ٌ َ
اِلِين ُكه َِّللِ﴾) ﴿ُكه﴾؛ يعني :كل الدين؛ ال شجر ،ال ون ِ تكون ف ِت َنة َو َيك
حجر ،ال مالئكة؛ فهذه اآلية عا َّم ٌة.
شرح القواعد األربع 42
َّ َّ
س َوال َق َمرِ؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلىَ ﴿ :وم ِْن آيَاتِهِ الليْل َوانلَّ َهار َوالش ْمس َف َدلِ ُيل الش ْم ِ
اسجدوا ِ ََّّللِ َّاَّلِي َخلَ َقه َّن إن كنت ْم إياهَّ ِلش ْمس َو ََل ل ِلْ َق َمر َو ْ َّ
والقمر َل تسجدوا ل ْ َ َ َ َ َ
ِ ِ ِ ِ
َ َ
ت ْعبدون﴾.
ْ َ َ َ ً َْ
الم ََلئِ َك ِة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلىَ ﴿ :و َي ْو َم َيْشه ْم َجِيعا ث َّم َيقول ل ِل َمَلئِكةِ َو َدل ُيل َ
ِ
َْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ ََ َ
ُّ
أهؤَلء إِياكم َكنوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت و َِلنا مِن دون ِ ِهم بل َكنوا
ُّ ْ َ َّ َ ْ َ َ َ ْ
ْلن أكَثهم ب ِ ِهم مؤمِنون﴾. يعبدون ا ِ
نت قلْتَ ِيَس ابْ َن َم ْر َي َم أَأَ َ ْ َ َ َّ
اَّلل يَا ع َ اء؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلىِ﴿ :إَوذ قال أل ْنبِي ِ ِ
َو َدل ُيل ا َ َ
َْ َ َ َ َ َّ َ َ َ َِ ََ ْ َّ
ول ماَ ون اَّللِ قال سبْ َحانك َما يَكون َِل أن أق ِ د ِن م ي
ِ ِ ه ل إ ّم ِ أو وِن
ِ ذ ِ اَّت ل َِّلن ِ
اس
َ
ليْ َس َِل ِِبَ ٍِق﴾.
ََ ِ ْ ْ ْ َّ َ َ َ
ين؛ ُق ْو ُل ُه َت َعا َلى﴿ :ق ِل ادعوا اَّلِين زعمتم مِن دونِهِ فَل ح َ َو َدلِ ُيل الصالِ ِ
َ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ْ ََ َْ ً َ ُّ َ َ ْ َ
الُّض عنكم وَل َتوِيَل * أولئِك اَّلِين يدعون يبتغون إَِل ِ
ِ َي ْملِكون كشف
َ َ َ َ ُّ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ِ َ َ َ
َر ِب ِ ِهم الو ِسيلة أيهم أقرب ويرجون رِحته ويخافون عذابه إِن عذاب ربِك َكن
َْ ً
َمذورا﴾.
سُثم بعد ذلك بدأ َيذكر بعض ما ُعبد من دون ال َّله؛ قالَ ( :ف َدلِ ُيل الش ْم ِ
ْ َ َ َ َ َ َّ ْ َ َّ َ َ َّ
َوال َق َمرِ؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلىَ ﴿ :وم ِْن آيَاتِهِ الليل وانلهار والشمس والقمر َل تسجدوا
ْ
َ َ َ ََ َّ َّ ِلش ْمس َو ََل ل ِلْ َق َمر َو ْ َّ
اسجدوا َِّللِ اَّلِي خلقه َّن إِن كنت ْم إِيَّاه ت ْعبدون﴾) ففي ِ ِ ل
زمن النبي ﷺ منهم َمن يع ُبد الشمس والقمر ،وإىل اآلن يوجد من يعبد الشمس،
أن عبادة الشمس والقمر -من سجود وغيره ِ :-ش ٌ
رك. ّ
فدل عىل َّ
َ ً َْ
المَلئِ َك ِة؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلىَ ﴿ :و َي ْو َم َيْشه ْم َجِيعا ث َّم َيقول ِ
قالَ ( :و َدل ُيل َ
َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ ََْ َ ََ َ
ُّ
ل ِلمَلئِكةِ أهؤَلء إِياكم َكنوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت و َِلنا مِن دون ِ ِهم
43 شروح متون طالب العلم
ا َّتخذوا األنبياء ،وا َّتخذوا المالئكة أرباب ًا؛ أي :معبودين من دون ال َّله()1؛ وإ َّنما
ك مِنْ َ ْ َْ َ ْ َْ َ َْ ْ َ ْ َ
الرسل يأمرون بعبادة ال َّله وحده ،قال سبحانه﴿ :واسأل من أرسلنا مِن قبل ِ
ًَ َْ َ َ َّ ْ ْ َ َ َ َ َْ
ون الرِح ِن آل ِهة يعبدون﴾ [الزخرف ،]45:فجميع الرسل رسلِنا أجعلنا مِن د ِ
يأمرون بعبادة ال َّله وحده.
ِيَس ابْ َن َم ْر َي َم أَأَنتَ ْ َ َ َّ
اَّلل يَا ع َ اء؛ َق ْو ُل ُه َت َعا َلىِ﴿ :إَوذ قالأل ْنبِي ِ ِ
قالَ ( :و َدل ُيل ا َ َ
َْ َ َ َّ َ َ َ ِ َ ََ ْ َّ
ون اَّللِ قال سبْ َحانك َما يَكون َِل أن ِ د ِن م يِ ِ ه لإ ّم
ِ أو وِن
ِ ذِ اَّت اسلت ل َِّلن ِ
ق َ
ِ َ َ ْ َ َ َ َ
حجر ًا؛ َّ
فدل أقول ما ليس َِل ِِب ٍق﴾)؛ ا َّتخذوا عيسى إله ًا ،هنا َعبدوا نب َّي ًا وليس َ
ٌ
شرك. عىل أ َّنه
وهذا الدليل أيض ًا َيصلح لعبادة الصالحين؛ ألن أ َّم عيسى امرأ ٌة صالح ٌة.
ول َما َل ْي َس لِي بِ َحق﴾)
س ْب َحا َن َك َما َي ُكونُ لِي َأنْ َأ ُق َ
وهنا قال ال َّله تعاىلَ ( :ق َال ُ
صالح من دون ال َّله وال معه.
ٌ نبي وال
فال ُيعبد ٌّ
ََ ِ ْ ْ ْ َّ َ َ َ
ين؛ ُق ْو ُل ُه َت َعا َلى﴿ :ق ِل ادعوا اَّلِين زعمتم مِن دونِهِ فَل
ح َقالَ ( :و َدلِ ُيل الصالِ ِ
َ َ َ ك َّاَّل َ
ِين يَ ْدعون يَبْ َتغون إَِل
َ َ َ َْ ً
الُّض َعنك ْم َوَل َتوِيَل * أول ِئ ون َك ْش َف ُّ ِ َ
َي ْملِك
ِ
َ َ َ َ ُّ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ِ َ َ َ
َر ِب ِ ِهم الو ِسيلة أيهم أقرب ويرجون رِحته ويخافون عذابه إِن عذاب ربِك َكن
ََ َ ً َ
ْ
دل عىل أ َّنه يف زمن النبي ﷺ َمن يع ُبد الصالحين؛ قال تعاىل﴿ :أف َرأيتم َمْذورا﴾)؛ ّ
ول الل ِه ﷺ إِ َلى ُح َن ْي ٍن) قريب من الطائف(َ ( ،)1و َن ْح ُن ُح َد َثا ُء َعهْ ٍد بِ ُك ْفرٍ، َم َع َرس ِ
ُ
الم ْك َث عندهاَ ( ،و َي ُنو ُطونَ ِ ِ َولِ ْلم ْشرِكِ َ ِ
ين س ْد َر ٌةَ ،ي ْع ُك ُفونَ ع ْن َد َها)؛ يعنيُ :يطي ُلون ُ ُ
اط، ات َأ ْن َو ٍللبركةُ ( ،ي َق ُال َلهَ اَ :ذ ُ بِها َأ ِ
سل َح َتهُ ْم)؛ يعني :يعلقون السالح عليها َ ْ
ات َأ ْن َو ٍ ات َأ ْن َو ٍ ول الل ِه! ْ ِ ٍ
اط)؛ اط َك ََم َلهُ ْم َذ ُ اج َع ْل َل َنا َذ َ َف َم َر ْر َنا بِس ْدرة َف ُق ْل َناَ :يا َر ُ
س َ
يعني :اجعل لنا شجر ًة نعلق عليها أسلحتنا ،وكذلك المالبس ،ونحو ذلك
للبركة.
( )1هو :أبو عبد ال َّله محمد بن أمحد بن أبي بكر بن ْفرح األنصاري الخزرجي المالكي
القرطبي .تويف سنة (671هـ) .طبقات المفسرين للسيوطي ( ،)92/1طبقات المفسرين
للداوودي (.)70/2
( )2تفسير القرطبي (.)341/7
49 شروح متون طالب العلم
يجب عىل المسلِم أن َيستحضرها ،وأن ُيوقِن هبا ،وأن يكون عىل معرفة هبا.
محمد بن عبد الوهاب رمحه ال َّله لأل َّمة بتبسيط العبارة
وهذا من ُن ْصح الشيخ َّ
فمما يتم َّيز به الشيخ
وقوة معانيها ،وسهولة أسلوهبا ،مع ذكْر األدلةَّ ، وتسهيلهاَّ ،
رمحه ال َّلهِ :ذكْر الدليل عىل ما يقوله ،رمحه ال َّله رمح ًة واسع ًة.