Professional Documents
Culture Documents
من
تيسير الكريم الرحمن
في
تفسير كالم المنان
من منن اللّه على عبده وابن عبده وابن أمته
عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اهلل بن سعدي
تفسير" سورة القصص
وهي مكية
ﭑﭒﭓ
ﭽﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ
ﯯ ﯰ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ
ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ
ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ
ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭑ ﭒ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﭵ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭼ .ﯴ ﯵ
)(1
{إن فرعون عال في األرض} :في ملكه وسلطانِ ِه { }4فأول هذه القصَّةَّ :
األعلَْين فيها{ ،وجعل أهلها وجنو ِد ِه وجبروتِ ِه ،فصار من أهل ِّ
العلو فيها ،ال من ْ
يتصرف فيهم بشهوته وينفِّذ فيهم ما أراد من قهره
َّ ِشَيعاً}؛ أي :طوائف ِّ
متفرقة
ف طائفةً منهم} :وتلك الطائفةُ هم بنو إسرائيل ،الذين َّ
فضلهم اللّه ِ
{يستضع ُ وسطوته،
بحيث إنه رأى
ُ يكر َمهم ويجلَّهم ،ولكنه استضعفهم
على العالمين ،الذي ينبغي له أن ِ
يهتم بشأنهم ،وبلغت َّأنهم ال َمَن َعةَ لهم ُ
تمنعهم مما أراده فيهم ،فصار ال ُيبالي بهم وال ُّ
يكثروا فيغمروه في
وي ْستَحيي نساءهم} :خوفاً من أن ُ به الحال إلى َّأنه ُ
{ي َذبِّح أبناءهم َ
{ونمكن لهم في األرض} :فهذه األمور كلُّها قد تعلَّقت بها إرادة اللّه
ِّ {}6
ي فرعون وهامان} :وزيره {ن ِر َ
وجرت بها مشيئتُه{ .و} :كذلك نريد أن ُ
ْ
وب َغوا{ ،منهم}؛ أي :من هذه الطائفة
وعلَوا َ
{وجنودهما} :التي بها صالوا ،وجالوا َ
َ
رون} :من إخرا ِجهم من ديارهم ،ولذلك كانوا َ
يسع ْون في المستضعفة {ما كانوا َي ْـح َذ َ
قمعهم وكسر شوكتهم وتقتيل أبنائهم الذين هم ُّ
محل ذلك؛ فكل هذا قد أراده اللّه ،وإ ذا
فإنه َّ
قدر وأجرى من ونـهَّ َج طرقـه ،وهذا األمر كذلك؛ َّ
أراد أمراً؛ سهَّل أسـبابه َ
سبب موص ٌل إلى هذا
يشعر بها ال أولياؤه وال أعداؤه ـ ما هو ٌ
األسباب ـ التي لم ْ
المقصود.
القوة والعقل واللب ،وذلك نحو أربعين سنة في {{ }14ول َّـما َبلَ َغ أ ُش َّدهُ} :من َّ
األمور {آتَْيناه حكماً وعلماً}؛ أي :حكماً يعرف به
ُ {واستَوى} :كملت فيه تلك الغالبْ ،
المحسنين} :في
َ َّ
الشرعية ،ويح ُكم به بين الناس ،وعلماً كثيراً{ .وكذلك َن ْجزي األحكام
عبادة اللّه ،المحسنين لخلق اللّه؛ يعطيهم علماً وحكماً بحسب إحسانِـ ِهمَّ .
ودل هذا على
كمال إحسان موسى عليه السالم.
{ 15ـ { }17ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} :إما وقت القائلة أو غير
ِ
يقتتالن}[ :أي] ِ
رجلين {فوج َد فيها
ذلك من األوقات التي بها يغفلون عن االنتشارَ ،
ويتضاربان{ .هذا من شيعتِ ِه}؛ أي :من بني إسرائيل{ ،وهذا من ِّ
عدوه}: ِ ِ
يتخاصمان
الناس َّأنه ألنه قد اشتهر ِ القبط{ ،فاستغاثه الذي من شيعتِ ِه على الذي من ِّ
عدو ِه}َّ :
وعل َم ُ
َ
خاف
من بني إسرائيل ،واستغاثتُهُ لموسى دلي ٌل على أنه َبلَ َغ موسى عليه السالم مبلغاً ُي ُ
عدوه
{فو َك َزهُ موسى}؛ أي :وكز الذي من ِّ ويرجى من بيت المملكة والسلطانَ . منه ُ
لشدتِها َّ
وقوة ـي،ـ {فقضى عليه}؛ أي :أماته من تلك الوكز ِة َّ استجابةً الستغاثة اإلسرائيل ِّ
الش ِ
يطان}؛ موسى .فندم موسى عليه السالم على ما جرى منه ،و{قال هذا من عمل َّ
أجريت بسبب
ُ أجريت ما
ُ مبين} :فلذلك
مضل ٌٌّ أي :من تزيينه ووسوستهَّ .
{إنه َع ُد ٌّو
ظلمت نفسي
ُ رب ِّإنـي
ربه ،فَـ{قَال ِّعداوتِ ِه البيِّنة وحرصه على اإلضالل .ثم استغفر َّ
ِ ِ فاغ ِف ْر لي فَ َغفَ َر له َّإنه هو
لإلنابة المبادرين للم ْخبِ َ
تين إليه، الغفور الرحيم} :خصوصاً ُ ُ ْ
ـي}:
ت عل َّ{رب بما ْأن َع ْم َ ال} موسىِّ : والتوبة؛ كما جرى من موسى عليه السالم ،فَـ{قَ َ ِ
أكون ظهيراً}؛ أيُ :معيناً ومساعداً بالتوبة والمغفر ِة والنعم الكثيرةْ ،
{فلن َ
وعد من موسى عليه السالم معصية .وهذا ٌ ٍ {للمجرمين}؛ أي :ال أعين أحداً على ِ
{ }25فلم يزل في هذه الحالة داعياً ربه متملِّقاً ،وأما المرأتان؛ فذهبتا إلى
أبيهما وأخبرتاه بما جرى ،فأرسل أبوهما إحداهما إلى موسى ،فجاءته {تمشي على
وخلُقها الحسن؛ َّ
فإن الحياء من األخالق ِ
عنصرها ُ يدل على كرم ٍ
استحياء} ،وهذا ُّ
يكن فيما فعله
أن موسى عليه السالم لم ْ الفاضلة ،وخصوصاً في النساءُّ ،
ويدل على َّ
عزيز
ُ من السقي لهما بمنزلة األجير والخادم الذي ال يستحى منه عادة ،وإ َّنما هو
{قالت} :له:
ْ أوجب لها الحياء منه،
َ حسن ُخلُِق ِه ومكارم أخالقه مارأت من ِ النفسْ ،
لمن عليك ،بل أنت الذي ابتدأتنا ت لنا}؛ أي :ال ٍّ
أجر ما َسقَْي َ
ك َ يدعوك ِلَي ْج ِزَي َ
َ َّ
{إن أبي
وقص
َّ يكافَئك على إحسانِك ،فأجابها موسىَّ ،
{فلما جاءه قصده أن ِ باإلحسان ،وإ َّنما ُ
عليه القَصص} :من ابتداء السبب الموجب لهربِ ِه إلى أن وص َل إليه{ ،قال} :له ِّ
مسكناً َ َ َ َ
ور ْو ُعك؛
ليذهب خوفُك َ
ْ الظالمين}؛ أي:
َ نجوت من القوم
َ ف
ـخ ْ
َر ْو َعهُ جابراً َقْلَبهُ{ :ال تَ َ
سلطان.
ٌ ِّ
المحل الذي ليس لهم عليه وصلت إلى هذا
َ نجاك منهم حيث فإن اللّه َّ
َّ
- 1قال الطبريـ (« :)19/562وهذا مما ال يدرك علمه إالَّ بخبر وال خبر بذلك تجب حجته».
وقال ابن كثير« :إنه لو كان إياه [أنه شعيب النبي عليه السالم] ألوشك أن ينص على اسمه في
القرآن هاهنا ،وما جاء في بعض األحاديث ،من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح
إسناده»« ،تفسير ابن كثير» (.)6/238
- 2في (ب)« :وعلم».
{فلما رآها تَ ْـهتَُّز} :تسعى سعياً شديداً ،ولها عصاك} :فألقاهاَّ ،
َ {وأن أل ِ
ق {ْ }31
ب}؛ أي :ير ِجع ذكر الحيـات العظيم{ ،ولَّى ُم ْدبِراً ولم ُي َعقِّ ْ صورةٌ ُمهيلة {كأنهـا ٌّ
جان}ُ :
ف َّإنك من اآلمنين}: الستيالء الروع على قلبه ،فقال اللّه له{ :يا موسى أ ْقبِ ْل وال تَ َ
ـخ ْ
وهذا أبلغُ ما يكون في التأمين وعدم الخوف؛ َّ
فإن قولَه{ :أقبل} :يقتضي األمر بإقباله
المخوف ،فقال{ :وال
ُ األمر
يكون إقبالُهُ وهو لم يزل ُ
ويجب عليه االمتثال ،ولكن قد ُ
خوف .ولكن يبقى احتما ٌل ،وهو
ٌ وأن ال يكون في قلبِ ِه
ف} :أمر له بشيئين :إقبالهْ ، ـخ ْ
تَ َ
تحص ُل له الوقاية واألمن من المكروه فقال: ٍ
خائف ،ولكن ال َّأنه قد ُي ْقبِ ُل وهو غير
ُ
ٍ
فحينئذ اندفع المحذور من جميع الوجوه .فأقبل موسى عليه السالم {إنك من اآلمنين}:
يقينه .فهذه
وتم ُإيمانه َّ ًّ
مطمئنا واثقاً بخبر ربِّه ،قد ازداد ُ ٍ
مرعوب ،بل غير خائف وال
تام ،ليكون أجرأ له وأقوى
ليكون على يقين ٍّ
َ آيةٌ أراه اللّه َّإياها قبل َذهابه إلى فرعون؛
وأصلب.
المعونةَ على
َ ال} موسى عليه السالم معتذراً من ربِّه وسائالً له
{ 33ـ }34فَـ{قَ َ
{رب ِّإنـي ُ
قتلت منهم ليزيل ُّ
ربه ما َي ْـح َذ ُرهُ منهاِّ : َ ما َح َـملَه وذاكراً له الموانع التي فيه
يقتلون .وأخي هارون هو أفصح مني لساناً ِ
فأرسْلهُ معي ِ {فأخاف أن
ُ نفساً}؛ أي:
ُ ُ
ُّ
الحق. ِ
تضافر األخبار يقوى ردءاً}؛ أي :معاوناً ومساعداًِّ ،
يصدقون َّ
فإنه مع
ك}؛ أيِ :
نعاوُنك به ك بأخي َض َد َ ُّ
{سنشد َع ُ { }35فأجابه اللّه إلى سؤاله ،فقال:
ونقويك .ثم أزال عنه محذور القتل ،فقال{ :ونجع ُل ل ُكما سلطاناً}؛ أي :تسلُّطاً ُّ
وتمكناً ِّ
َ
ثم إلهاً غيره؛ أراد أن يحقِّق النفي الذي فلما قال هذه المقالةَ التي قد تحتم ُل َّ
أن َّ
الطين} :ليجع َل له لَبِناً
ِ هامان على
ُ جعل فيه ذلك االحتمال ،فقال لهامان{ :فأو ِق ْد لي يا
إله موسى وإ ِّنـي {فاجع ْل لي صرحاً}؛ أي :بناء عالياً ( )1؛ {لعلِّـي أطَِّلع إلى ِ من َّ
ُ ً فخارَ ْ ،
ب موسى. ِ ق هذا َّ ولكن سنحقِّ ُ ُّ
الظن ونريكم َكذ َ ألظنه} كاذباً ْ
ب موسى، فانظُر هذه الجراءة العظيمة على اللّه ،التي ما بلَ َغها ٌّ َّ
آدمي! كذ َ َ ْ ْ
علم باإلله الحق ،وفعل األسباب ليتوصل إلى إلـهيكون له ٌ
َ َّ
وادعى أنه اللّه ،ونفى أن
-1
- 2في (ب)« :فكذلك».
اليم
وب ْغُيهم{ ،فَ َنب ْذناهم في ِّ
عناد ُهم َ
استمر ُ
َّ وجنوده} :عندما
َ {فأخ ْذناه
{َ }40
وأخسرها عاقبةً ،أعقبتْها ِ
العواقب أشرالظالمين} :كانت َّ
َ كيف كان عاقبةُفانظُ ْر َ
َ
َّ
األخروية. المستمرة المتَّصلة بالعقوبة
َّ َّ
الدنيوية العقوبةُ
فرعون ومأله من األئمةَ {{ }41وجعلناهم أئمةً يدعون إلى النار}؛ أي :جعلنا
رون}ـ: ِ
ص َ ويم َشى خلفَهم إلى دار الخزي والشقاء{ .ويوم القيامة ال ُي ْن َالذين ُيقتدى بهمُ ،
من عذاب اللّه؛ فهم أضعف شيء عن دفعه عن أنفسهم ،وليس لهم من دون اللّه من
ٍ
نصير. ـي وال
ول ٍّ
{{ }42وأتَْب ْعناهم في هذه ُّ
الدنيا لعنةً}؛ أي :وأتَْب ْعناهم زيادةً في عقوبتهم
أمر ِ
وخ ْزيِ ِهم في الدنيا لعنةً يلعنون ،ولهم عند الخلق الثناء القبيح
والذم ،وهذا ٌ
ُّ والمقت
ُ
المقبوحين}: ِ
القيامة هم من مشاهد؛ فهم أئمةُ الملعونين في ُّ
الدنيا ومقدمتهم{ .ويوم ٌ
َ
ومقت
ُ خلق ِه
ومقت ِ
ُ مقت اللّه ()1
المبعدين ،المستقذرة أفعالهم ،الذين اجتمع عليهم ُ َ
أنفسهم.
القرون أهلَ ْكنا {{ }43ولقد آتَْينا موسى الكتاب} :وهو التوراةُ {من ِ
بعد ما ْ
َ َ
وجنوده ،وهذا دلي ٌل على َّأنه
َ فرعون
َ األولى} :الذين كان خاتِ َـمتُهُم في اإلهالك ِّ
العام
{بصائر للناس}؛
َ جهاد الكفار بالسيف؛
ُ العام ،و ُش ِر َ
ع انقطع الهالك ُّ
َ بعد نزول التوراة
بصائر للناس؛ أي :أمور يبصرون بها ما
ُ أي :كتاب اللّه الذي أنزله على موسى فيه
الحجةُ على العاصي ،وينتفع بها المؤمن ،فتكون رحمةً في يضرهم ،فتقوم َّ ينفعهم وما ُّ
رون}. حقِّه وهداية له إلى الصراط المستقيم ،ولهذا قال{ :وهدى ورحمةً لعلَّهم َّ
يتذك َ ً
العباد
َ الغيبية؛ َّنبه
َّ قص اللّه على رسوِل ِه ما َّ
قص من هذه األخبار { }44ول َّـما َّ
علم ِه؛ إالَّ من جهة الوحي؛
طريق إلى ٌِ محض ،ليس للرسول ٌ ـهي
خبر إل ٌّ على َّ
أن هذا ٌ
ـي وقت قضائناور الغرب ِّـي}ـ؛ أي :بجانب الطُّ ِ
كنت بجانِ ِب الغرب ِّ
ولهذا قال{ :وما َ
الشاهدين} :على ذلك حتى ُيقا َلَّ :إنه وصل إليك من هذا
َ كنت من
لموسى األمر{ ،وما َ
الطريق.
القوم
أن يأتي َوأم ْرناه ْ
ناد ْينا} :موسى َ كنت بجانِ ِب الطُّ ِ
ور إ ْذ َ {{ }46وما َ
صنا عليك.
ص ْ وي ِرَيهم من آياتنا وعجائبنا ما قَ َالظالمين ويبلِّ َغهم رسالتنا ُ
والمقصود أن الماجريات التي جرت لموسى عليه الصالة والسالم في هذه
ُ
إما أن ٍ
نقص ،ال يخلو من أحد أمرينَّ : ٍ
زيادة وال األماكن ،فقصصتَها كما هي من ِ
غير
ٍ
فحينئذ قد ال ُّ
يدل ذهبت إلى محالِّها فتعلَّمتها من أهلها؛
َ وشاه ْدتَها ،أو
َ ض ْرتَها
تكون َح َ
َ
ٍ
ودراسة من األمور ٍ
شهادة ذلك على َّأنك رسول اللّه؛ إذ األمور التي ُي ْـخَب ُر بها عن
المشتركة غير المختصَّة باألنبياء ،ولكن هذا قد ُعِل َم وتُُيقِّ َن أنه ما كان وما صار؛
فتعيـن األمر الثاني ،وهو أن هذا جاءك مـن فأولياؤك وأعداؤك يعلَمون عدم ذلكَّ .
ِ
للعباد، القطعي صحةُ رسالتك ورحمةُ اللّه بك ِّ رسال ِه ،فثبت بالدليل
ِقـب ِـل اللّه ووحيه وإ ِ
َ
ك}؛ أي :العربنذير من قَْبِل َ
ولهذا قال{ :ولكن رحمةً من ربِّك ِلتُ ِنذ َر قوماً ما أتاهم من ٍ
ٍ
بأزمان متطاولة، فإن الرسالة عندهم ال تُعرف وقت إرسال الرسول وقبله وقريش؛ َّ
كنت بهذه المنزلة؛ {لعلَّهم َّ
يتذكرون} :تفصيل الخير فيفعلونه ،والشر فيتركونه .فإذا َ
قاد ُر قَ ْد ُرها وال ِ
وشكر هذه النعمة التي ال ُي َ الواجب عليهم المبادرةَ إلى اإليمان بك
ُ كان
عربي ،والقرآن
ٌّ فإنه مرسالً ِ
لغيرهم؛ َّ أن يكون َ نذاره للعرب ال ينفي ْ ُي ْد َرك ُشكرها .وإ ُ
عربي ،وأول من باشر بدعوته العرب ،فكانت رسالتُه لهم أصالً ٌّ الذي نزل ( )1عليه
أن ِ
أنذ ِر ِ
أن ْأو َح ْينا إلى رجل منهم ْ
ولغيرهم تبعاً؛ كما قال تعالى{ :أكان للناس َع َجباً ْ
الناس ِّإنـي رسو ُل اللّه إلي ُكم جميعاً}.
{قل يا ُّأيها ُ
الناس}ْ ،
أن
بلغت ،ال ينبغي لها ْ
األمة المستضعفة ،ولو بلغت في الضعف ما ْ أن َّومنهاَّ :
اإلياس من ارتقائها إلى أعلى األمور،
ُ يستولي عليها الكس ُل عن ِ
طلب حقِّها ،وال
األمة الضعيفة من
خصوصاً إذا كانوا مظلومين؛ كما استنقذ اللّه أمة بني إسرائيل َّ
ومكنهم في األرض ،وملَّكهم بالدهم.
أسر فرعون وملئهَّ ،
أن اللّه من رحمته بعبده الضعيف الذي يريد إكرامه أن ُي ِرَيهُ من آياتِ ِه
ومنهاَّ :
أن وعد اللّهلتعلم َّ
أمه؛ َ رد اللّه موسى على ِّ وي ْش ِه َدهُ من بيِّناتِ ِه ما ُ
يزيد به إيمانه؛ كما َّ ُ
ٌّ
حق.
يجوز؛ َّ
فإن موسى عليه ٍ
عرف ال ُ عهد ٍ
بعقد أو ومنهاَّ :
أن قتل الكافر الذي له ٌ
القبطي الكافر ذنباً ،واستغفر اللّه منه.
َّ السالم َع َّد قتلَه
يعد من الجبارين الذين ِ
يفسدون في حق؛ ُّ
أن الذي يقتُ ُل النفوس بغير ٍّ
ومنهاَّ :
األرض.
أن من قتل النفوس بغير ٍّ
حق ،وزعم َّأنه يريد اإلصالح في األرض ومنهاَّ :
القبطي:
ِّ مفسد؛ كما حكى اللّه قو َل
ٌ كاذب في ذلك ،وهو
ٌ وتهييب أهل المعاصي؛ َّ
فإنه
تكون من المصلحين} :على َ تريد أن
جباراً في األرض وما ُ تكون َّ
َ تريد إالَّ أن
{إن ُ
وجه التقرير له ال اإلنكار.
أحد
عنده ُ أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلُّم فيه إذا لم َّ
يترج ْح َ ومنهاَّ :
يقص َد بقلبِ ِه
ربه ،ويسألُه أن يـه ِديه الصوابـ من القولين بعد أن ِ
ََْ فإنه يستهدي َّ القولين؛ َّ
مدين،
تلقاء َ
يخيب من هذه حالُه؛ كما خرج موسى َ ُ فإن اللّه ال َّ
الحق ويبحث عنه؛ َّ
ربـي أن َي ْـه ِدَيني سواء السبيل}.
فقال{ :عسى ِّ
ومن ال َي ْع ِر ُ
ف من ف َيع ِر ُ ومنهاَّ :
أن الرحمة بالخلق واإلحسان على َمن ْ
أخالق األنبياءَّ ،
وأن من اإلحسان سقي الماشية الماء وإ عانة العاجز.
ألنه ِ
وشرحها ،ولو كان اللّه عالماً بها؛ َّ ومنها :استحباب الدعاء بتبيين الحال
أنزلت
َ تضرع عبده وإ ظهار ُذلِّه ومسكنتِ ِه؛ كما قال موسىِّ :
{رب ِّإنـي لما تعالى ُّ
يحب ُّ
فقير}.
خير ٌـي من ٍ
إل َّ
ومنهاَّ :
أن الحياء ـ خصوصاً من الكرام ـ من األخالق الممدوحة.
ﭮ ﭽﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
). (1ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ
{ }52يذكر تعالى عظمةَ القرآن وصدقَه وحقَّهَّ ،
وأن أهل العلم بالحقيقة
قبل ِه}:
الحق ،فقال{ :الذين آتَْيناهم الكتاب من ِ
َ ُّ ويقرون بأنه
ويؤمنون بهُّ ،
َ ِ
يعرفونه،
يبدلوا{ ،هم به}؛ أي :بهذا القرآن وهم أه ُل التوراة واإلنجيل ،الذين لم يغيِّروا ولم ِّ
ومن جاء به {يؤمنون}.
ُّ
الحق من آمنا به َّإنه
{{ }53وإ ذا ُي ْتلى عليهم} :استمعوا له وأ ْذعنوا ،و{قالوا َّ
واشتمال ِه على
ِ ربِّنا} :لموافقتِ ِه ما جاءت به الرسل ،ومطابقتِ ِه لما ُذ ِك َر في الكتب،
تفيد
األخبار الصادقة واألوامر والنواهي الموافقة لغاية الحكمة ،وهؤالء الذين ُ
ألنهم ال يقولون ما يقولون إالَّ عن علم وبصير ٍة؛ َّ
ألنهم أه ُل شهادتُهم وينفعُ قولُهم؛ َّ
شبهة فضالً عن ٍ ِّ
للحق على ردهم ومعارضتُهم الخبرة وأه ُل الكتب ،وغيرهم ال ُّ
يدل ُّ
آمنوا به أو ال {قل ِ معاند ِّ
للحق؛ قال تعالىْ : ٍ ألنهم ما بين جاهل فيه أو متجاهلالحجة؛ َّ
َّ
قبل ِه إذا ُي ْتلى عليهم َي ِخ ُّرون لألذقان ُس َّجداً }...اآليات،
إن الذين أوتوا العلم من ِ تُ ْؤ ِمنوا َّ
من اللّه به علينا من قبل ِه [مسلمين]} ( :)2فلذلك ثبتنا على ما َّ{إنا ُكَّنا من ِ
وقولهَّ :
ينقض
ُ وغيرنااألول والكتاب اآلخرُ ، آمنا بالكتاب َّاإليمان ،فصدقنا بهذا القرآنَّ ،
إيمانه بالكتاب األول.
تكذيبه بهذا الكتاب َ
ُ
ِ
مرتين} :أجراً على أج َـر ُهم
{{ }54أولئك} :الذين آمنوا بالكتابين {يؤتَ ْون ْ
صَبروا} :على اإليمان ،وثبتوا على
األول ،وأجراً على اإليمان الثاني؛ {بما َ
اإليمان َّ
العمل ،فلم تَُز ْع ِز ْعهم ( )3عن ذلك شبهةٌ ،وال ثناهم عن اإليمان رياسةٌ وال شهوة{ .و}
ِ
بالحسنة {يدرؤون من خصالهم الفاضلة التي هي من آثار إيمانِ ِهم الصحيح َّأنهم
َ
{{ }55وإ ذا سمعوا اللغو} :من جاهل خاطبهم به{ ،قالوا} :مقالة عباد الرحمن
كل سيجازى بعمله الذي َع ِملَه وحده،أولي األلباب{ :لنا أعمالُنا ولكم أعمالُكم}؛ أيٌّ :
شيء ،ولزم من ذلك أنهم يتبرؤون مما عليه الجاهلون من ٌ ليس عليه من ِ
وزر غيره
منا إالَّ
{سالم عليكم}؛ أي :ال تسمعون َّ اللغو والباطل والكالم الذي ال فائدة فيه.
ٌ
المرتع اللئيم؛ فإنكم وإ ن رضيتُم ِ
ألنفسكم هذا الخير ،وال نخاطبكم بمقتضى جهلكم؛ َّ
َ
كل ٍ
وجه. ونصونها عن الخوض فيه{ ،ال نبتغي الجاهلين} :من ِّ أنفسنا عنه فإنا ِّ
َّ
ُ ننزهُ َ
. ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ ﭽﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
محمد ـ وغيرك من باب أولى ـ ال ِ
تقد ُر على هداية ُ { }56يخبر تعالى َّأنك يا
ُ
غير مقدور للخلق؛ هداية التوفيق أحب الناس إليك؛ َّ ٍ
أحد ،ولو كان من ِّ
أمر ُ
فإن هذا ٌ
وخلق اإليمان في القلب ،وإ َّنما ذلك بيد اللّه تعالى؛ يهدي َم ْن يشاء وهو أعلم بِ َم ْن
إثبات الهداية
ُ وأما
صلُ ُح لها فيبقيه على ضاللهَّ .صلُ ُح للهداية فيهديه م َّـمن ال َي ْ
َي ْ
ٍ
صراط مستقيم} :فتلك هدايةُ البيان للرسول في قوله تعالى{ :وإ َّنك لَتَهدي إلى
جهده في سلوك ويرغب فيه ،ويبذ ُل َ ِّ يبيـن الصراط المستقيم،واإلرشاد؛ فالرسو ُل ِّ
ق في قلوبهم اإليمان ،ويوفِّقُهم بالفعل؛ فحاشا وكالَّ ،ولهذا لو
كونهُ يخلُ ُ
ق له ،وأما ُالخل ِ
عمه أبا
وم ْن ُعهُ من قومه؛ َّ
ونصره َ
ُ إحسانه
ُ كان قادراً عليها؛ لهدى من وصل إليه
التام ما هو أعظم مما طالبَّ ،
ولكنه أوصل إليه من اإلحسان بالدعوة له للدين والنصح ِّ
عمهَّ ،
ولكن الهداية بيد اللّه. فعله معه ُّ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﯯ
ﰃ ﭼ.
ِّ
المكذبين من قريش وأهل مكة يقولون للرسول (ص): { }57يخبر تعالى َّ
أن
ف من ِ ك نتَ َخ َّ
أرضنا} :بالقتل واألسر ونهب األموال؛ َّ
فإن الناس ط ْ {إن َنتَّبِ ِع الهُدى مع َ ُ
ضنا لمعاداة الناس كلِّهم ،ولم يكن لنا بهم
لتعر ْ
عاد ْوك وخالَفوك؛ فلو تابعناك؛ َّ
قد َ
دينه وال ُيعلي
ينصر َ وأنه ال طاقةٌ .وهذا الكالم منهم ُّ
يدل على سو ِء ِّ
الظن باللّه تعالىَّ ،
ُ
الباطل الناس من أهل دينه ،فيسومونهم سوء العذابُّ ،
وظنوا َّ
أن ِّ
َ كلمتَه ،بل يمك ُن َ
وأن اللّه اختصَّهم بها، سيعلو على ِّ
الحق .قال اللّه مبيناً لهم حالةً هم بها دون الناس َّ
كل ٍ
شيء رزقاً من لَ ُدَّنا}؛ أي :أولم ثمرات ِّ
ُ فقال{ :أولم ِّ
نمكن لهم حرماً آمناً ُي ْـجبى إليه
ويقصده الزائرون،ـ قد احترمهُ متمكنين ُم َـم َّكنين في حرم يكثره المنتابون
نجعْلهم ِّ
أن َّ
كل ما القريب والبعيد؛ فال ُيهاج أهلُه ،وال ُي ْنتَقَصون بقليل وال كثير ،والحا ُل َّ
ُ
غير آمنين وال ِّ حولهم من األماكن قد َح َّ
ف بها الخوف من كل جانب ،وأهلُها ُ
غيرهم ،وعلى الرزق
التام الذي ليس فيه ُ
ربهم على هذا األمن ِّ ِّ
مطمئنين؛ َفْلَي ْح َمدوا َّ
كل مكان من الثمرات واألطعمة والبضائع ما به الكثير الذي ُي ْـجبى إليهم من ِّ
والرغد ،وإ ياهم
ُ األمن
ُ يرتزقون ويتوسَّعون ،وْلَيتَّبِعوا هذا الرسو َل الكريم؛ ِلَيتِ َّم لهم
عزهم ُذالًّ ،وبعد غناهمأمنِهم خوفاً ،وبعد ِّ ِ والبطر بنعمة اللّه؛ َّ
فيبدلوا من بعد ْ َ وتكذيبه
َ
فقراً.
قرية َب ِط َر ْ
ت أهلَ ْكنا من ٍ
توعدهم بما فعل باألمم قبلَهم ،فقال{ :وكم ْ{ }58ولهذا َّ
واشتغلت بها عن اإليمان بالرسل ،فأهلكهم اللّه،
ْ فخرت بها وألهتها
ْ معي َشتَها}؛ أي:
بعد ِهم إالَّ قليالً}؛
مساكُنهم لم تُس َكن من ِ
ْ
ِ َّ
وأحل بهم النقمة{ ،فتلك وأزال عنهم النعمةَ،
الوارثين} :للعباد؛
َ لتوالي الهالك والتَّلف عليهم وإ يحاشها من بعدهم{ ،و ُكَّنا نحن
نميتُهم ثم ير ِجعُ إلينا جميعُ ما متَّ ْعناهم به من النعم ،ثم ُ
نعيدهم إلينا ،فنجازيهم ()1
بأعمالهم.
كفرهم قبل ِ
إقامة َّ
الحجة بمجر ِد ِ
األمم َّ ِّ
أن ال يعذب َ { }59ومن حكمتِ ِه ورحمتِ ِه ْ
ك القرى}؛ أيِ :
بكفرهم ربك ُم ْهِل َ
عليهم بإرسال الرسل إليهم ،ولهذا قال{ :وما كان ُّ
أمها}؛ أي :في القرية والمدينة التي إليها َي ْر ِجعون ،ونحوها ث في ِّ ِ
وظلمهم؛ {حتى َي ْب َع َ
يترددون ،وك ُّـل ما حولها ينتَ ِجعها ،وال تَ ْـخفى عليه أخبارها{ ،رسوالً يتلو عليهم َّ
ق ما دعاهم إليه ،فيبلغُ قولُه ِ
قاصَيهم آياتِنا} :الدالَّة على َّ
صحة ما جاء به ِ
وص ْد ِ
الدنيا ومؤثِ ِر اآلخرة،{ }61ولهذا َّنبه العقول على الموازنة بين عاقبة مؤثِ ِر ُّ
ساع لآلخرة مؤمنٍ ،ٌ القيه}؛ أي :هل يستوي فقال{ :أفَمن وع ْدناه وعداً حسناً فهو ِ
َ َ َ
الجنة وما فيها من النعيم وعد ربِّه له بالثواب الحسن الذي هو َّ سعيها ،قد ع ِم َل على ِ
َ َ َْ
ق الـوع ِـد ال
وعد من كريم صاد ِ ألنه ٌشك وال ارتياب؛ َّ العظيم؛ فهو القيه من غير ٍّ
مشيئتِ ِه
خلق ِه لسائر المخلوقات ،ونفو ُذ َ
اآليات فيها عموم ِ
ُ ُ { 68ـ }70هذه
يختارهُ ويختصُّه من األشخاص واألوامر
ُ وانفرادهُ باختيار من
ُ بجميع َّ
البريات،
وأنه تعالى َّ
منزه شيءَّ ،
ٌ من األمر واالختيار ()1
واألزمان واألماكنَّ ،
وأن أحداً ليس له
والعوين والولد والصاحبة ونحو ذلك عن ِّ
كل ما يشركون به من الشريك والظهير َ
وحده أكنتْهُ الصدور وما أعلنوهَّ ،
وأنه َ العالم بما َّ
ُ مما أشرك به المشركونَّ ،
وأنه
ِ
صفات الجالل والجمال ،وعلى ما المحمود في الدنيا واآلخرة على ما له من
ُ المعبود
ُ
خلق ِه من اإلحسان واإلفضالَّ ،
وأنه هو الحاكم في الدارين؛ في ُّ
الدنيا بالحكم أسداه إلى ِ
الديني الذي أثَُرهُ جميعُ الشرائع
ِّ ق و َذ َرأ ،والحكم
القدري الذي أثَُرهُ جميعُ ما َخلَ َ
ِّ
والجزائي ،ولهذا قال{ :وإ ليه
ِّ القدري
ِّ بحكم ِه
ِ واألوامر والنواهي .وفي اآلخرة يحكم
وشر. بعمل ِه من ٍ
خير ٍّ تُرجعون} :فيجازي كاًّل منكم ِ
ْ َ َ
ويستبصر
َ أن العبد ينبغي له أن َّ
يتدبر نعم اللّه عليه، وفي هذه اآليات تنبيهٌ إلى َّ
حالة ِ
عدمها؛ فإنه إذا وازن بين حالة وجو ِدها وبين ِ ( )2فيها ،ويقيسها بحال ِ
عدمها؛ َّ
َ َ
يزل
أمر لم ْ ِ
العوائد ،ورأى َّ المن ِة؛ بخالف َم ْن جرى مع
تنبه عقلُه لموضع َّ
َّ
أن هذا ٌ
افتقار ِه إليها في ِّ
كل ِ ِ
ورؤية بنعم ِه
مستمرا وال يزا ُل ،وعمي قلبه عن الثناء على اللّه ِ
ًّ
ُ
شكر وال ٍ
ذكر. يحدث له فكرة ٍ ُ وقت؛ َّ
فإن هذا ال
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭽﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮤ ﮥ ﭼ. ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
غيره ،الذين
العادلين به َ
َ { 74ـ }75أي :ويوم ينادي اللّهُ المشركين به
ِ
القيامة؛ ويضرون؛ فإذا كان يوم
ُّ شركاء يستحقُّون أن ُيعبدوا وينفعون يزعمون َّ
أن له
َ َ
ظ ِه َر جراءتهم وكذبهم في زعمهم وتكذيبهم ألنفسهم؛ يناديهم َ
{أين ()3
أراد اللّه أن ُي ْ
تزعمون}؛ أي :بزعمهم ال بنفس األمر؛ كما قال{ :وما َيتَّبِعُ الذين ِ
شركائ َي الذين كنتُم ُ
- 1في (ب)« :أنه».
- 2في (ب)« :ويتبصر».
- 3في (ب)« :وتكذيب».
شركاء إن َيتَّبِعون إالَّ الظَّ َّن [وإ ْن هم إالَّ يخرصون]} ،فإذا
َ عون من دون اللّ ِه
َي ْد َ
يشهد على ما
ُ ِّ
المكذبة {شهيداً}: أم ٍة} :من األمم حضروا هم وإ َّياهم؛ نزع {من ِّ
كل َّ
ِ
بمنزلة المنتَ َخبين؛ أي :انتخبنا من ِ
واعتقادهم ،وهؤالء الدنيا من شركهم جرى في ُّ
يتصدى للخصومة عنهم والمجادلة عن إخوانهم ،وهم على َّ ِّ
المكذبين َم ْن رؤساء
صح ِة
حجتَكم ودليلَكم على َّ
برهانكم}َّ :َ {فقْلنا هاتوا ق ٍ
واحد؛ فإذا برزوا للمحاكمةُ ، طري ٍ
أم ْرناكم بذلك؟ هل أمرتْكم ُر ُسلي؟ هل وجدتُم ذلك في شيء من ُكتُبي؟ شرككم؛ هل َ
يدفعون عنكم من عذاب اللّه أو
َ َّ
اإللهية؟ هل ينفعونكم أو ُّ
يستحق شيئاً من أحد
هل فيهم ٌ
إن كان لهم قدرةٌ{ ،فعلموا}: ُيغنون عنكم؟ فليفعلوا إذاً إن كان فيهم َّ
أهليةٌ وْلُيروكم ْ
توجهت عليهم الخصومةُ َّ
الحق للّه} :تعالى ،قد َّ بطالن قوِل ِهم وفساده ،و َّ
{أن ٍ
حينئذ
َ
ِ
الكذب َّ
{وضل عنهم ما كانوا يفترون} :من حجتهم وأفلجت حجةُ اللّه، وانقطعت َّ
ْ
يضع العقوبةَ
أن اللّه قد عدل فيهم؛ حيث لم ِ اضمحل وتالشى وعدم ،وعلموا َّ َّ واإلفك؛
إالَّ بمن استحقَّها واستأهلها.
ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ
ﮃ ﮄ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
()1
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ.
وو ِع َ
ظ ،فقال: { }76يخبر تعالى عن حالة قارون وما فَع َل وفُ ِع َل به ُ ِ
ونص َح ُ َ
ضلوا العالمين َّ
{إن قارون كان من قوم موسى}؛ أي :من بني إسرائيل ،الذين فَ َ
امتن به ،فكانت حالُهم مناسبةً لالستقامة، وفاقوهم في زمانهم ،وامتَ َّن اللّه عليهم بما َّ
ط ِغَية،
ولكن قارون هذا بغى على قومه ،وطغى بما أوتَِيه من األموال العظيمة ال ُـم ْ َّ
ِ
بالعصبة تنوء الكنوز}؛ أي :كنوز األموال شيئاً كثيراً{ ،ما َّ ِ ِ
ـحهُ لَ ُ
إن مفات َ {وآتَْيناه من
والعصبة من العشرة إلى التسعة إلى السبعة ونحو ذلك؛ أي :حتى َّ
إن القو ِة}ُ :
أولي َّ
نصيحة قو ِم ِه،
ِ عناد ِه وبغيِ ِه وعدم قَبول
مستمرا على ِ
ًّ قارون
ُ { }79فلم يزل
وغره ما أوتيه من األموال{ ،فخرج} ذات يوم {في نفسه َّ
فرحاً بطراً ،قد أعجبتْه ُ
يكون من أحوال ُدنياه ،قد كان له من األموال ما كان ،وقد ٍ ِِ
زينته}؛ أي :بحالة أرفع ما ُ
تكون هائلةً ،جمعت
وتجمل بأعظم ما يمكنه ،وتلك الزينةُ في العادة من مثله ُ
َّ َّ
استعد
العيون،
ُ الدنيا وزهرتها وبهجتها وغضارتها وفخرها ،فرمقتْه في تلك الحالة زينة ُّ
كل تكلَّم
ومألت َب َّزتُه القلوب ،واختلبت زينته النفوس ،فانقسم فيه الناظرون قسمينٌّ ،
يريدون الحياة الدنيا}؛ أي :الذين
َ الهمة والرغبة ،فَـ{قَا َل الذين
بحسب ما عنده من َّ
ت إرادتُهم فيها ،وصارت منتهى رغبتِ ِهم ،ليس لهم إرادةٌ في سواها{ :يا َ
ليت لنا تعلَّقَ ْ
حظ عظيم} :وصدقوا{إنه لذو ٍّ
الدنيا ومتاعها وزهرتهاَّ ، قارون} :من ُّ مث َل ما أوتي
ُ
حظ عظيم لو كان األمر منتهياً إلى رغباتهم وإ َّنه ليس وراء ُّ
الدنيا دار أخرى؛ َّإنه لذو ٍّ
ُع ِط َي منها ما به غايةُ التنعم ( )1بنعيم الدنيا ،واقتدر بذلك على جميع مطالبه، َّ
فإنه قد أ ْ
فصار هذا الحظُّ العظيم بحسب ِه َّـمتِهم ،وإ َّن ِه َّـمةً جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى
مطلبها؛ لمن أدنى الهمم وأسفلها وأدناها ،وليس لها أدنى صعود إلى المرادات العالية
والمطالب الغالية.
[وهي] مكية
ﭑﭒﭓ
ﯘ ﯙ ﯚ ﭽ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
.ﯛ ﭼ
أن َّ
كل َم ْن قال { 1ـ }3يخبر تعالى عن تمام حكمتِ ِهَّ ،
وأن حكمته ال تقتضي َّ
مؤمن َّ
وادعى لنفسه اإليمان؛ أن َي ْبقَوا في حالة َي ْسلَمون فيها من الفتن والمحن، ٌ َّإنه
يتمي ِز إيمانهم وفروعه؛ َّ
فإنهم لو كان األمر كذلك؛ لم َّ يشوش عليهم َ وال َي ْع ِر ُ
ض لهم ما ِّ
سنته وعادته في األولين وفي هذه ُّ
والمحق من المبطل ،ولكن َّ الصادق من الكاذب ُ
والضراء والعسر واليسر ( )1والمنشط والمكره والغنى
َّ بالسراء
َّ أن َي ْبتَِلَيهُم
األمة ْ
ِ
ومجاهدة األعداء بالقول والعمل ونحو دالة األعداء عليهم في بعض األحيان والفقر وإ ِ
ِ
والشهوات ضة للعقيدة ِ
المعار َ ترجعُ كلُّها إلى فتنة الشبهات
ذلك من الفتن ،التي ِ
()2
إيمانه وال يتزلزل ويدفَ ُعها
ت ُ المعارضة لإلرادة؛ فمن كان عند ورو ِد ُّ
الشُبهات َيثُْب ُ
والذنوب أوالشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي ُّ ِ ِّ
الحق ،وعند ورود بما معه من
دل ذلكويجاهد شهوتَه؛ َّ
ُ الصارفة عن ما أمر اللّهُ به ورسولُه ،يعم ُل بمقتضى اإليمان
شكا وريباً، الشُبهات تؤثِّر في قلبه ًّ
وصحته ،ومن كان عند ورود ُّ َّ على صدق إيمانِ ِه
دل ذلك ص ِدفُه عن الواجبات؛ َّ ص ِرفُه إلى المعاصي أو تَ ْ
ِ
وعند اعتراض الشهوات تَ ْ
درجات ال يحصيها إالَّ اللّه؛
ٌ صحة إيمانه وصدقه .والناس في هذا المقام على عدم َّ
ومستكثر .فنسأ ُل اللّه تعالى أن ُيثَبِّتَنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي ٌّ
فمستقل
ٌ
الكير ُي ْـخ ِر ُج
واالمتحان للنفوس بمنزلة ِ
ُ فاالبتالء
ُ قلوبنا على دينه؛ِّت َاآلخرة ،وأن يثب َ
وطيبها.
َ َخَبثَها
. ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ
ُّ
المحب لربِّه ،المشتاق لقربه ولقائه ،المسارع في مرضاته! { }5يعني :يا ُّأيها
فتزود للقائِ ِهِ ،
وس ْر ()1 آت ،وكل ما هو ٍ
آت قريب َّ ، فإنه ٍ ِ
أبش ْر بقرب لقاء الحبيب؛ َّ
مؤمالً الوصول إليه.
نحوه مستصحباً الرجاء ِّ َ
تمنى ُيعطى ما َّ
تمناه؛ { }6ولكن ما كل من َّ
يدعي ُيعطى بدعواه ،وال كل من َّ
فإن اللّه سميعٌ لألصوات عليم َّ
بالنيات؛ فمن كان صادقاً في ذلك؛ أناله ما يرجو ،ومن َّ
جاه َد}:
{وم ْن َ
صلُ ُح لحبِّه ومن ال يصلحَ ، تنفعه دعواه ،وهو العليم بمن َي ْ
كان كاذباً؛ لم ْ
نفعه راجعٌ إليه ،وثمرته لنفس ِه}َّ :
ألن َ
يجاهد ِ
ُ وعدوه الكافر؛ َّ
{فإنما َّ وشيطانه
َ نفسه
عما
لينتفع به ،وال نهاهم َّ
َ غني عن العالمين ،لم يأمرهم بما أمرهم به عائدةٌ إليه ،واللّه ٌّ
أن األوامر والنواهي يحتاج المكلَّف فيها إلى نهاهم عنه بخالً منه عليهم ،وقد علم َّ
وعدوه الكافر يمنعه
َّ وشيطانه ينهاه عنه،
َ ألن نفسه تتثاقل بطبعها عن الخير، ٍ
جهاد؛ َّ
ٍ
مجاهدات وسعي شديد. معارضات تحتاج إلى
ٌ
()2
من إقامة دينه كما ينبغي ،وكل هذه
. ﭜ ﭝ ﭼ ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
من اللّه عليهم باإليمان والعمل الصالح سيكفِّ ُر اللّه عنهم أن الذين َّ { }7يعنيَّ :
أحسن الذي كانوا يعملون}؛ وهي َ ألن الحسنات ُي ْذ ِه ْبن السيئات{ ،ولََن ْج ِزَيَّنهم
سيئاتهم؛ َّ
ألنه يعمل المباحات أعمال الخير من واجبات ومستحبات ،فهي أحسن ما يعمل العبد؛ َّ
أيضاً وغيرها.
ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ ﭼ.
{ }12يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتِ ِهم للمؤمنين إلى دينِ ِهم ،وفي ضمن
تحذير المؤمنين من االغترار بهم والوقوع في َم ْك ِرهم ،فقال{ :وقال الذين َكفَروا ُ ذلك
نضمن
ُ بعضه ،واتَّبِعونا في دينِنا؛ َّ
فإننا دينكم أو َفاتركوا َ ِ
للذين آمـنـوا اتَّبعوا سبيلَنا}ُ :
َ
بحاملين
َ ون ْح ِم ُل {خطاياكم} :وهذا األمر ليس بأيديهم؛ فلهذا قال{ :وما هم لكم األمرَ ،
التحمل ولو رضي به صاحبه؛ َّ
فإنه ُّ شيء} :ال قليل وال ٍ
كثير؛ فهذا من خطاياهم من ٍ
التصرف في حقِّه إالَّ بأمره
ُّ يمكن العبد منالحق للّه ،واللّه تعالى لم ِّ
َّ يفيد شيئاً؛ َّ
فإن ال ُ
وحكمهُ أن ال تَ ِز َر وازرةٌ ِو ْز َر أخرى. ِ
وحكمه،
ُ
{ }13ول َّـما كان قوله{ :وما ُهم بحاملين ِم ْن خطاياهم من ٍ
شيء} :قد ُيتََو َّهم منه َ
الداعين إلى كفرهم ـ ونحوهم م َّـمن دعا إلى باطله ـ ليس عليهم إالَّ
أن الكفَّار َّ
أيضاً َّ
غيرهم ،ولو كانوا متسبِّبين فيه؛ قال َّ
ذنبهم الذي ارتكبوه دون الذنب الذي فعله ُ ُ
{ولََي ْح ِملُ َّن أثْقالَهم}؛ أي :أثقال ُذنوبهم التي عملوها{ ،وأثقاالً محترزاً عن هذا الوهمَ : ِ
فالذنب الذي فعله التابعُ لكل من الذنوب التي بسببهم ومن َج َّرائهم؛ أثقال ِهم} :وهي ُّ
مع ِ
ُ
فعل ِه ودعا
تسبب في ِ ألنه َّ ألنه فَ َعلَه وبا َش َره ،والمتبوعُ َّ
التابع والمتبوع حصةٌ منه :هذا َّ
أجرها بالمباشرة وللداعي أجره بالتسبب، أن الحسنة إذا فعلها التابعُ له ُ إليه؛ كما َّ
الشر وتزيينه وقوِل ِهم{ :وْلَن ِ ِ
حم ْل َ يفترون} :من ِّ َ عما كانواالقيامة َّ {ولَُي ْسألُ َّن َ
يوم َ
خطاياكم}.
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭑ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭽﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﭗ ﭼ. ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ِّ
المكذبةَّ ،
وأن اللّه األمم ()1
حكم ِه وحكمتِ ِه في عقوبات
{ }14يخبر تعالى عن ِ
أرسل عبده ورسوله نوحاً عليه [الصالة و] السالم إلى قومه يدعوهم إلى التوحيد
{ألف سنة
نبيا داعياً َ ِ
بالعبادة والنهي عن األنداد واألصنامَ { ،فلَبِ َ
ث فيهم}ًّ : وإ فراد اللّه
ويرحم من يشاء}؛ أي :هو المنفرد بالحكم الجزائي، ب من يشاء {ِّ }21
{يعذ ُ
ُ
بون}؛ أي:
وتعذيب العاصين والتنكيل بهم{ ،وإ ليه تُْقلَ َ
ُ وهو إثابةُ الطائعين ورحمتهم،
عون إلى الدار التي بها تجري عليكم أحكام عذابِ ِه ورحمتِ ِه ،فاكتسبوا في هذه ِ
ترج َ
الدار ما هو من أسباب رحمتِ ِه من الطاعات ،وابتعدوا من أسباب عذابِ ِه وهو
المعاصي.
أن لوطاً عليه السالم آمن إلبراهيم وصار من المهتدين به ،وقد ذكروا َّأنه تقدم َّ َّ
{وج َعْلنا في ُذ ِّرَّيتِ ِه
ليس من ُذ ِّرَّية إبراهيم ،وإ َّنما هو ابن أخي إبراهيم؛ فقوله تعالىَ :
نبيا رسوالً ،وهو ليس من عاما؛ فال يناقض كون لوط ًّ
النبوة والكتاب} :وإ ْن كان ًّ َّ
أن لوطاً اهتدى ألن اآلية جيء بها لسياق المدح والثناء على الخليل ،وقد أخبر َّ ُذ ِّرَّيتِ ِه؛ َّ
على يديه ،ومن اهتدى على يديه؛ أكمل م َّـمن اهتدى ِمن ُذ ِّرَّيتِ ِه بالنسبة إلى فضيلة
الهادي .واللّه أعلم.
{ 28ـ }29فأرسل اللّه لوطاً إلى قومه ،وكانوا مع شركهم قد جمعوا بين فعل
الم ْنكرات في مجالسهم ،فنصحهم لوطٌ عن ُّ
الفاحشة في الذكور وتقطيع السبيل وفُ ُش ِّو ُ
وبين لهم قبائحها في نفسها وما تؤول إليه من العقوبة البليغة ،فلم هذه األمورَّ ،
كنت من ِ
بعذاب اللّه إن َ جواب قو ِم ِه إالَّ أن قالوا ا ْئتِنا
َ َي ْر َعووا ولم َي َّذ َّكروا{ .فما كان
الصادقين}.
نبيهم ،وعلم استحقاقهم العذاب ،وجزع من شدة { 30ـ }35فأيس منهم ُّ
المفسدين} :فاستجاب اللّه ِ انص ْرني على القوم تكذيبهم له ،فدعا عليهم ،و{قال ِّ
رب ُ
بإسحاق ومنَ وبشروه فمروا بإبراهيم قبل ذلكَّ ، ِ
إلهالك ِهمُّ ، دعاءه ،فأرسل المالئكةَ
َ
إهالك
َ إبراهيم :أين يريدون؟ فأخبروه َّأنهم يريدون إسحاق يعقوب ،ثم سألهم
َ ِ
وراء
ُ
{إن فيها لوطاً} ،فقالوا له{ :لَننجِّيَّنه وأهلَه إالَّ قوم لوط ،فجعل ِ
يراج ُعهم ويقولَّ :
َُ َ ُ
مجيئهم ،وضاق بهم
ض ْوا حتى أتوا لوطاً ،فساءه ُ
امرأتَه كانت من الغابرين} :ثم َم َ
وظن َّأنهم من جملة أبناء السبيل الضيوف ،فخاف عليهم َذ ْرعاً؛ بحيث إنه لم ِ
يعر ْفهمَّ ،
منجوك ف وال تَ ْـح َز ْن} :وأخبروه َّأنهم رسل اللّهَّ ،
{إنا ُّ ـخ ْ
من قومه ،فقالوا له{ :ال تَ َ
ك كانت من الغابرينَّ .إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً}؛ أي: ك إالَّ امرأتَ َ
وأهلَ َ
ْ
ي بأهله ليالً ،فلما أصبحوا؛عذاباً {من السماء بما كانوا َي ْف ُسقون} :فأمروه أن َي ْس ِر َ
ب اللّه عليهم ديارهم ،فجعل عاليها سافلها ،وأمطر عليهم حجارةً من ِس ِّجيل متتابعة َقلَ َ
- 1ما بين المعقوفتين زيادة ال توجد في ( أ ) .وفي (ب) :إلى آخر القصة.
حتى أبادتهم وأهلكتهم فصاروا سمراً من األسمار وعبرةً من العبر{ .ولقد تََر ْكنا منها
آيةً بيَِّنةً لقوم يعقلون}؛ أي :تركنا من ديار قوم لوط آثاراً بيِّنة لقوم يعقلون ِ
العَب َر َ َ
ِ
وبالليل أفال مصبحين.
َ ون عليهم فينتفعون بها؛ كما قال تعالى{ :وإ َّن ُكم لَتَ ُم ُّر َ
َ بقلوبهم
لون}. ِ
تعق َ
ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ.
{ 36ـ }37أي{ :و} أرسلنا {إلى َم ْدَي َن} :القبيلة المعروفة المشهورة { ُش َع ْيباً}:
فأمرهم بعبادة اللّه وحده ال شريك له ،واإليمان بالبعث ورجائه والعمل له ،ونهاهم
طع الطُّ ُرق{ .فكذبوه}: اإلفساد في األرض ببخس المكاييل والموازين والسعي بقَ ْ ِ عن
جاثمين}.
َ عذاب اللّه{ ،فأصبحوا في ِ
دارهم ُ فأخذهم
ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ. ﭰ
صصهمَّ ،
وتبين لكم { }38أي :وكذلك ما فَعْلنا ٍ
قَ َ
()1
علمت
َ وثمود ،وقد
َ بعاد َ
مساكنِهم ِ
وآثار ِهم التي بانوا عنها ،وقد جاءتهم رسلُهم ِ ِ
بأبصاركم من بشيء تشاهدونه
فكذبوهم وجادلوهم ،وزين لهم الشيطان عملهم، باآليات البينات المفيدة للبصيرةَّ ،
حتى ظنوا أنه أفضل مما جاءتهم به الرسل.
والتقوي
ِّ يقصد به ُّ
التعزز ُ غيره
{ }41هذا مث ٌل ضربه اللّه لمن َعَب َد معه َ
فإن َمثَلَه كمثل العنكبوت اتَّخذت بيتاً يقيها من
وأن األمر بخالف مقصوده؛ َّ والنفعَّ ،
ِ
العنكبوت}: {لبيت
ُ ِ
البيوت} :أضعفها وأوهاها أوهن الحر والبرد واآلفات{ ،وإ َّن
ِّ
َ
ازدادت باتِّخاذه
ْ فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة ،وبيتُها من أضعف البيوت؛ فما
إالَّ ضعفاً.
كذلك هؤالء الذين يتَّخذون من دونه أولياء فقراء عاجزون من جميع الوجوه،
ض ْعفاً إلى ِ وحين اتَّخذوا األولياء من دونه َّ
يتعززون بهم ويستَْنصرونهم؛ـ ازدادوا َ
فإنهم اتَّكلوا عليهم في كثير من مصالحهم ،وأْلقَ ْوها عليهم، ضعفهم ووهناً إلى وهنهم؛ َّ
يحصلوا منهم على ُ أن أولئك سيقومون بها ،فخذلوهم ،فلم وتخلَّ ْوا هم عنها؛ على َّ
أقل نائل؛ فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم حالهم وحال طائل ،وال أنالوهم من معونتهم َّ
الرب القادر الرحيم ،الذي إذاَّ َمن اتَّخذوهم؛ لم َيتَّ ِخذوهم ،ولتبرؤوا منهم ،ولتولَّوا
قوته في قلبه وبدنه قوة إلى َّ
وتوكل عليه؛ كفاه مؤونة دينه ودنياه ،وازداد َّ توالَّه ُ
عبده َّ
وحاله وأعماله. ()2
{ }45يأمر تعالى بتالوة وحيه وتنزيله ،وهو هذا الكتاب العظيم ،ومعنى
ِ ِ
واالهتداء بهداه ،وتصديق يأمر به واجتناب ما ينهى [عنه]، تالوتِه :اتِّ ُ
باعهُ بامتثال ما ُ
وبعضه ،وإ ذا جزء المعنى ِِ أخبارهُّ ،
َ وتدبر معانيه ،وتالوة ألفاظه .فصار تالوةُ لفظه َ
كان هذا معنى تالوة الكتاب؛ ُعِل َم َّ
أن إقامةَ الدين ُكلِّه داخلةٌ في تالوة الكتاب ،فيكون
العام؛ لفضل الصالة وشرفها الخاص على ِّ
ِّ قوله{ :وأقم الصالة} :من باب عطف
كل ما{إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر} :فالفحشاء ُّ وآثارها الجميلة ،وهيَّ :
ُ
كل معصية تُْن ِك ُرها
استُ ْع ِظم واستُ ْف ِح َش من المعاصي التي تشتهيها النفوس ،والمن َكر ُّ
َ
العقول والفطر.
المتمم
أن العبد المقيم لها ِّ ووجهُ ِ
كون الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكرَّ : ْ
إيمانه وتقوى رغبتُه
ويزداد ُ
ُ قلبه ويتطهَّر فؤاده
يستنير ُ
ُ ألركانها وشروطها وخشوعها
الشر؛ فبالضرورةـ مداومتها ،والمحافظةُ عليها في الخير ُّ
وتقل أو تعدم رغبتُه في ِّ
ِ ()1 ِ
مقاصد الصالة على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ فهذا من أعظم
وثمراتها.
ـخطُّه
قبل ِه من كتاب وال تَ ُ كنت تتلو}؛ أي :تقرأ {من ِ { }48ولهذا قال{ :وما َ
ِ
الكتب السابقة لون}ـ :فقالوا تَ َعلَّ َمهُ من ِ
{الرتاب المبط َ
َ بيمينك إذاً} :لو كنت بهذه الحال
والبلغاء
َ الفصحاء
َ ت به فأما وقد نزل على قلبك كتاباً جليالً َّ
تحد ْي َ أو استنسخه منهاَّ ،
ِِ
العجز ،بل وال َّ
حدثتهم ِ فع َجزوا غايةَ أن يأتوا بمثله أو بسور ٍة من مثلهَ ،
اء ْ األعداء َّ
األلد َ َ
المكذبون للرسول ولما جاء به، ِّ { }50أي :واعترض هؤالء الظالمون
نؤمن لك حتى تَ ْف ُج َر لنا من عينوها؛ كقولهم{ :وقالوا لن واقترحوا عليه نزول ٍ
آيات َّ
َ
عند الرسول (ص)؛ َّ
فإن عندهم وال َ ِ
اآليات ليس َ ِ
األرض َينبوعاً }...اآليات ،فتعيين
في ذلك تدبيراً مع اللَّهَّ ،
وأنه لو كان كذا ،وينبغي أن يكون كذا ،وليس ٍ
ألحد من األمر
إن شاء ْأن َزلَها أو منعها{ ،وإ َّنما أنا ()1
اآليات عند اللّه} ْ :
ُ {قل َّإنما
شيء ،ولهذا قالْ :
ٌ
الحق منبيان ِّ
القصد َ
ُ مبين} :وليس لي مرتبة فوق هذه المرتبة .وإ ذا كان
نذير ٌٌ
اقتراح اآليات َّ
المعينات على ذلك ُ بأي طريق كان؛ كان
الباطل؛ فإذا حصل المقصود ِّ
ويكون في
َ اآليات
ُ وتكبراً على اللّه وعلى الحق ،بل لو قُ ِّد َر أن ِ
تنز َل تلك ظلماً وجوراً ُّ
بالحق إالَّ بها؛ كان ذلك ليس بإيمان ،وإ نما ذلك شيء َ
وافق ِّ قلوبهم َّأنهم ال يؤمنون
فأي فائدة حصلت في إنزالها على ألنه ٌّ
حق ،بل لتلك اآليات؛ ُّ أهواءهم ،فآمنوا ال َّ
الفرضي؟
ِّ التقدير
الحق؛ ذكر تعالى طريقَه ،فقال{ :أولَم ِ
يكف ِهم}: بيان ِّ
َ المقصود َ
ُ { }51ولما كان
الكتاب ُيتلى عليهم} :وهذا
َ جئت بهَّ ،
{أنا ْأن َزْلنا عليك في علمهم بصدقك وصدق ما َ
كنت كاذباً؛
فإن ُ
وبينكم شهيداً} :فأنا قد استَ ْشهَ ْدتُه؛ ْ
{{ }52قل كفى باللّه بيني َ
فلتكفكم أحل بي ما به تعتبرون ،وإ ْن كان إنما يؤيِّدني ،وينصرني ،وييسِّر لي األمور؛ َّ
ْ
تسمعوه ولم فإن وقع في قلوبكم َّ
أن شهادته ـ وأنتم لم َ هذه الشهادةُ الجليلةُ من اللّه؛ ْ
واألرض} :ومن ِ
جملة معلوماته ِ ِ
السموات تََر ْوه ـ ال تكفي دليالً؛ َّ
فإنه {يعلم ما في
«إياهم».
-في (ب)ّ :
1
األخروي
َّ العذاب
َ العذاب الدنيويُّ؛ َّ
فإن أمامهم ُ ينزل عليهم
{ }54هذا؛ وإ ْن لم ْ
سواء عو ِج َل بعذاب الدنيا أو أ ُْم ِهل ،فَـ َّ
{إن َّ
جهنم لمحيطةٌ ٌ أحد منه،
ص منهم ٌالذي ال َي ْخلُ ُ
أحاطت بهم من ِّ
كل جانب كما ْ متصرف؛ قد
ٌ بالكافرين} :ليس لهم عنه معد ٌل وال
العذاب الشديد.
ُ العذاب هو
ُ وكفرهم ،وذلك
ذنوبهم وسيئاتُهم ُ
أحاطت بهم ُ
ْ
ِّ
المكذبين بتوحيد اإللهية والعبادة، { 61ـ }63هذا استدال ٌل على المشركين
فأنت لو {سألتَهم َم ْن خلق السم ِـ
ـوات الربوبية؛ َ
لزام لهم بما أثبتوه من توحيد ُّ
وإ ٌ
بيد ِه تدبير
واألرض}؟ وم ْن َّنزل من السماء ماء فأحيا به األرض بعد موتها؟ ومن ِ
ً َ َ
وم ْن َعَبدوه مع اللّه
وحده ،والعترفوا بعجز األوثان َ َّ
{ليقولن :اللّه} َ جميع األشياء؟
ِ
أقروا بعجزه وأنه ال ب إلفكهم وكذبِهم ُ
وعدولهم إلى َم ْن ُّ فاع َج ْ
على شيء من ذلك! ْ
وأنهم السفهاء ضعفاء األحالم! فهل يستحق أن يدب َِّر شيئاً! وست ِج ُّل عليهم لعدم العقلَّ ،
ُّ
وأقل بصيرةً م َّـمن أتى إلى حجر أو قبر ونحوه ـ وهو يدري َّأنه ال تجد أضعف عقالً َّ
خالص اإلخالص وصافي
َ يرزق ـ ،ثم صرف له
ُ يخلق وال
ُ يضر وال
ينفعُ وال ُّ
الحمد للّه الذي َّبين
ُ ِّ
الرب الخالق الرازق النافع الضار؟! وقل: َّ
العبودية ،وأشركه مع
الهدى من الضالل ،وأوضح بطالن ما عليه المشركون؛ ليحذره الموفَّقون .وقل:
الرزق
َ ـي ،وقام بتدبيرهم ورز ِق ِهم ،وبس َ
ط العلوي والسفل َّ
َّ العالم
َ ق
الحمد للّه الذي َخلَ َ
ُ
صِل ُح عباده ،وما ينبغي
وضيقه على من يشاء حكمةً منه ،ولعلمه بما ُي ْ َّ على َم ْن يشاء،
لهم.
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ.
وفي ضمن ذلك التزهيد في الدنيا والتشويق لألخرى ،فقال{ :وما هذه الحياةُ
األبدان؛ بسبب ما وتلعب بها القلوب، ولعب} :تلهو بها لهو َّ ُّ
ُ ُ ُ ٌ الدنيا} :في الحقيقة {إال ٌ
ِ
والشهوات الخالبة للقلوب المعرضة ،الباهجة للعيون جعل اهلل فيها من الزينة َّ
واللذات َ
المبطلة الباطلة ،ثم تزول سريعاً وتنقضي جميعاً ولم يـحصل ِ الغافلةِ ،
المفرحة للنفوس
الدار اآلخرةُ؛ فإنها دار منها ُّ َّ
محبها إال على الندم والحسرة والخسران .وأما ُ
القوة،
أبدان أهلها في غاية َّ
تكون ُ
َ {الحيوان}؛ أي :الحياة الكاملة ،التي من لوازمها أن
ت للحياة ،وأن يكون موجوداً فيها ُّ
كل ما أبدان وقوى ُخِلقَ ْ وقواهم في غاية َّ
الشدة؛ َّ
ألنها ٌ
وتتم به َّ
اللذة من مفرحات القلوب وشهوات األبدان من المآكل تَ ْك ُم ُل به الحياةُّ ،
سمعت وال خطر على
ْ أذن
رأت وال ٌ
عين ْ
والمشارب والمناكح وغير ذلك ،م َّـما ال ٌ
قلب بشر.
لون؛ لما رغبوا ِ {لو كانوا يعلمون} :لما آثروا ُّ
الدنيا على اآلخرة ،ولو كانوا يعق َ
أن ( )1الذين يعلمون ال َّ
بد عن دار الحيوان ،ورغبوا في دار اللهو واللعبَّ .
فدل ذلكَّ :
أن يؤثِروا اآلخرة على ُّ
الدنيا؛ لما يعلمونه من حالة الدارين.
{ 65ـ }66ثم ألزم تعالى المشركين بإخالصهم للّه في حال (َّ )2
الشدة عند
أندادهمِ ،
ويخلصون ُّ
الدعاء ركوب البحر وتالطُم أمواجه وخو ِف ِهم الهالك؛ يتركون إذاً َ
البر
الدعاء إلى ِّ ونجاهم من أخلصوا له ُّ زالت عنهم الشدةُ ـ َّ
ْ فلما
وحده ال شريك لهَّ ، للّه َ
الدعاء
َ شدة ،وال أزال ( )3عنهم مشقَّة؛ فهالَّ أخلصوا للّه
نجاهم من َّ
ـ أشركوا به َم ْن ال َّ
والعسر؛ ليكونوا مؤمنين به حقًّا ،مستحقِّين ثوابه،
واليسر ُ
في حال الرخاء والشدة ُ
ليكون
َ مندفعاً عنهم عقابه ،ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم بالنجاة من البحر
عاقبتُهُ كفر ما آتيناهم ،ومقابلة النعمة باإلساءة ،وليكملوا تمتُّعهم في ُّ
الدنيا ،الذي هو
بطونهم وفروجهم{ .فسوف يعلمون} :حين ِ
ينتقلون من ُ كتمتُّع األنعام ،ليس لهم ٌّ
هم إال
َ ُ
شدة األسف وأليم العقوبة.الدنيا إلى اآلخرة َّ
ُّ
***
وهي مكية
ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ
ﭨ ﭼ. ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
{ 1ـ }5كانت الفرس والروم في ذلك الوقت من أقوى دول األرض ،وكان
الفرس ِ
وكانت يكون بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة،
ُ
أهل ٍ
كتاب ينتسبون إلى التوراة واإلنجيل ،وهم الروم َ يعبدون النار ،وكانت
مشركين ُ
َ
ُ
وظهورهم على
َ ُّ
يحبون َغلََبتَهم ()1
أقرب إلى المسلمين من الفرس[ ،فكان المؤمنون]
ُ
ظهور الفرس على يحبون والفرس في الشرك ُّ ِ
الشتراك ِهم الفرس ،وكان المشركون
َ ُ
ط بِ ُمْل ِك ِهم بل بأدنى أرضهم،
الفرس على الروم وغلبوهم ُغلباً لم ُي ِح ْ
()2
ُ الروم ،فظهر
ووعدهم َّ
أن الروم ستغلب َ ففرح بذلك مشركو مكة وحزن المسلمون ،فأخبرهم اللّه،
ص
يزيد على العشر وال ينقُ ُ سنين} :تسع أو ثمان ونحو ذلك مما ال ُض ِع َ الفرس {في بِ ْ
كل ذلك بمشيئتِ ِه وقَ َد ِر ِه،
وأن غلبةَ الفرس للروم ثم غلبةَ الروم للفرس ُّ
عن الثالثَّ ،
لمجرد وجود
بعد} :فليس الغلبةُ والنصر َّ
األمر من قب ُل ومن ُ
ولهذا قال{ :للّه ُ
األسباب ،وإ َّنما هي ال َّ
بد أن يقترن بها القضاء والقدر.
ِ
وعواقَبها ،وإ َّنما { }7وهؤالء الذين ال يعلمون؛ أي :ال يعلمون بواطن األشياء
الدنيا} :فينظرون إلى األسباب ،ويجزمون بوقوع األمر {يعلمون ظاهراً من الحياة ُّ
َ
انعقدت أسباب وجو ِد ِه ،ويتيقَّنون عدم األمر الذي لم ِ
يشاهدوا له من ْ الذي في رأيهم
غير ناظرين إلى مسبِّبها ِِ
األسباب المقتضية لوجوده شيئاً؛ فهم واقفون مع األسبابُ ،
قلوبهم وأهواؤهم
توجهت ُغافلون} :قد َّ
َ المتصرف فيها{ .وهم عن اآلخر ِة هم
وأدبرت،
ْ وأقبلت بها
ْ وسعت
ْ فعملت لها
ْ ِ
وحطامها؛ وإ راداتهم إلى الدنيا وشهواتِها
تشتاق إليها ،وال النار تخافها وتخشاها ،وال المقام بين
ُ وغفلت عن اآلخرة؛ فال الجنة
ِ
ويزع ُجها ،وهذا عالمة الشقاء ،وعنوانه الغفلة عن اآلخرة. يرو ُعها
يدي اللّه ولقائه ِّ
والذكاء في
ُ بلغت ٍ
بكثير منهم الفطنةُ أن هذا القسم من الناس قد ْ ِ
العجب َّ ومن
ِ ()1 أمر يحيِّر العقول ويدهش األلباب ،وأظهروا من العجائِب َّ
الذ ِّرَّية ظاهر ُّ
الدنيا إلى ٍ
وبرزوا وأعجبوا َّ
والهوائية ما فاقوا بهَّ ، َّ
والبحرية البرية ِ
والكهربائية والمراكب َّ
بعقولهم ،ورأوا غيرهم عاجزاً عما أقدرهم اللّهُ عليه ،فنظروا إليهم بعين االحتقار
وأشدهم غفلةً عن آخرتهم ،وأقلُّهم
ُّ واالزدراء ،وهم مع ذلك أبلد الناس في ِ
أمر دينهم،
يتخبطون ،وفي ضاللهم ِ
النافذة في جهلهم َّ ِ
البصائر معرفة بالعواقب .قد رآهم أهل
باطِلهم َّ
يترددون ،نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم ،أولئك هم الفاسقون ،ثم يعمهون ،وفي ِ
ََْ
نظروا إلى ما أعطاهم اللّه وأقدرهم عليه من األفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها،
ِّ
المكذبون لرسل اللّه ولقائه {في أنفسهم}؛ َّ
فإن في { }8أي :أفلم َّ
يتفكر هؤالء
سيعيدهم بعد ذلك ،وأن الذي
ُ أنفسهم آيات َي ْع ِرفُون ( )2بها أن الذي أوجدهم من العدم
آدمي قد نفخ فيه الروح إلى طفل إلى
ٍّ ٍ
مضغة إلى نطفة إلى ٍ
علقة إلى نقلهم أطواراً من ٍ
ق أن يتر َكهم سدى مهملين .ال ُينهون ،وال ُيؤمرون، غير الئ ٍ
شاب إلى شيخ إلى هرم ُ
واألرض وما بينهما إالَّ بالحق}؛
َ
ِ
السموات وال يثابون ،وال يعاقبون{ .ما خلق اللّهُ
مسمى}؛ أي :مؤقَّت بقاؤهما إلى أجل تنقضي
{وأجل ًّ ٍ أي :ليبلوكم أيكم أحسن عمالً،
والسماوات{ .وإ َّن كثيراً من
ُ وتبدل األرض غير األرض به الدنيا وتجيء القيامةَّ ،
يصدقوا رسلَه التي أخبرت ُّ
يستعدوا للقائه ،ولم ِّ لكافرون} :فلذلك لم الناس ِ
بلقاء ربِّهم
َ
به.
{ }9وهذا الكفر عن غير دليل ،بل األدلَّة القاطعة دلَّت على البعث والجزاء،
ولهذا َّنبههم على السير في األرض والنظر في عاقبة الذين َّ
كذبوا رسلَهم وخالفوا
ٍ
قصور ومصانع قوة وأكثر آثاراً في األرض من بناء أمرهم م َّـمن هم ُّ
أشد من هؤالء َّ
آثارهم أنهار ،فلم تُ ْغ ِن عنهم َّ
قوتُهم ،وال نفعتْهم ُ أشجار ومن زرع وإ جراء ٍ
ٍ ومن غرس
الحق وصحة ما جاؤوهم به؛ ِّ حين َّ
كذبوا رسلَهم الذين جاؤوهم بالبينات الداالت على
يجدوا إالَّ أمماً بائدةً ،وخلقاً مهلَكين ،ومنازل
فإنهم حين ينظُرون في آثار أولئك؛ لم ِ
َّ
{{ }10ثم كان عاقبةُ الذين أساؤوا}؛ أي :المسيئين {السوأى}؛ أي :الحالة
السيئة الشنيعة ،وصار ذلك داعياً لهم ألن َّ
{كذبوا بآيات اللّه وكانوا بها يستهزئون}:
يكون سبباً ألعظم العقوبات
ُ فهذا عقوبةٌ لسوئهم وذنوبهم ،ثم ذلك االستهزاء والتكذيب
وأعضل المثالت.
ﭽﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ.
وتقدسه عن أن يماثِلَه
تنزهه عن السوء والنقص ُّ
إخبار عن ُّ
{ 17ـ }18هذا ٌ
وأمر للعباد أن يسبِّحوه حين ُيمسون ،وحين ُيصبحون ،ووقت العشي
أحد من الخلقٌ ،
ٌ
عباده
أوقات الصلوات الخمس ،أمر اللّه َ
ُ ووقت الظهيرة؛ فهذه األوقات الخمسةُ
ويدخ ُل في ذلك الواجب منه؛ كالمشتملة عليه الصلوات ِ
والحمدُ ، بالتسبيح فيها
يقترن بها من
ُ ُّ
والمستحب؛ كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلواتـ وما الخمس،
النوافل؛ َّ
ألن هذه األوقات التي اختارها اللّه ألوقات المفروضات هي أفض ُل األوقات؛
تشتمل على
ْ والتحميد فيها والعبادة فيها أفض ُل من غيرها ،بل العبادةُ وإ ْن لم
ُ فالتسبيح
ُ
ك في العبادة،
أن يكون له شري ٌ قول :سبحان اللّه؛ َّ
فإن اإلخالص فيها تنزيهٌ للّه بالفعل ْ
أحد من الخلق ما يستحقُّه من اإلخالص واإلنابة. َّ
يستحق ٌ أو أن
َّ
باإللهية وكمال عظمته الدالَّة على انفراده
{ }20هذا شروعٌ في تعداد آياتِ ِه َّ
صنع ِه وسعة رحمتِ ِه وإ حسانه ،فقال{ :ومن آياتِ ِه
اقتدار ِه وجميل ِ ِ ونفوذ مشيئتِ ِه َّ
وقوة
بشر أن َخلَقَ ُكم من ٍ
تراب} :وذلك بخلق أصل النسل آدم عليه السالم{ ،ثم إذا أنتُم ٌ ْ
اد ٍة و ٍ
احدة] ،وبثَّكم في أقطار األرض ٍ َّ ٍ ِ
تنتَشرون}؛ [أي :الذي خلقكم من أصل َواحد َو َم َ
وأرجائها.
وعلم ِه
ِ {{ }21ومن آياتِ ِه} :الدالَّة على رحمتِ ِه وعنايتِ ِه بعباده وحكمتِ ِه العظيمة
ِ
وتشاكلُكم، َّ
وتناسبونهن، أنفسكم أزواجاً}ِ :
تناسُبكم، ق لكم من ِ أن َخلَ َ
المحيطْ { ،
مودةً ورحمةً} :بما رتَّب على الزواج من وتشاكلونهن؛ ِ{لتَ ْس ُكنوا إليها وجعل بينكم َّ
للمودة والرحمة ،فحصل بالزوجة االستمتاع واللَّ َّذة والمنفعةُ بوجود َّ األسباب الجالبة
األوالد وتربيتهم والسكون إليها؛ فال تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من
َّ
ويتدبرون أفكارهم، ِ لقوم َّ ٍ
آليات ٍ َّ
المودة والرحمةَّ .
رون}ُ :ي ْعملون َ
يتفك َ {إن في ذلك
آيات اللّه ،وينتَِقلون من شيء إلى شيء.
ِ
. ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ
َّ
ويتدبرون اآليات، { }22والعالمون :هم أه ُل العلم الذين يفهمون ِ
العَب َر
أن ذلك ٌّ
دال ِ
واألرض} :وما فيهما؛ َّ ِ
{السموات ق واآليات في ذلك كثيرة :فمن ِ
آيات َخْل ِ ُ
اقتدار ِه ،الذي أوجد هذه المخلوقات العظيمة ،وكمال
ِ على عظمة سلطان اللّه وكمال
حكمتِ ِه؛ لما فيها من اإلتقان ،وسعة علمه؛ َّ
ألن الخالق ال َّ
بد أن يعلم ما خلقه؛ {أال َي ْعلَ ُم
ق} ،وعموم رحمته وفضله؛ لما في ذلك من المنافع الجليلة ،وأنه المريد الذي َم ْن َخلَ َ
ُّ
يستحق أن ُيعبد يشاء؛ لما فيها من التخصيصات والمزاياَّ ،
وأنه وحده الذي يختار ما ُ ُ
َّ
ويوحد؛ ألنه المنفرد بالخلق؛ فيجب أن ُي ْف َر َد بالعبادة.
بالتفكر واستخراج العبرةُّ فكل هذه أدلَّة َّ
عقلية َّنبه اللّه العقول إليها ،وأمرها
أن األصلوتباينِ ُكم مع َّ
منها{ ،و} كذلك في {اختالف ألسنتكم وألوانكم}ـ :على َكثَْرتِ ُكم ُ
تجد صوتين متَّفقين من كل وجه ،وال واحد ومخارج الحروف واحدةٌ ،ومع ذلك؛ ال ُ ٌ
يحص ُل التمييز.
ُ كل وجه؛ إالَّ وتجد من الفرق بين ذلك ما به لونين متشابهين من ِّ
واستقرتا وثبتتا
َّ واألرض
ُ السماوات
ُ أن قامت
{ }25أي :ومن آياته العظيمة ْ
السماء على األرض؛ فقدرتُه العـظـيمةُ التي بها أمسك ِ
تسقط ألمر ِه ،فلم يتزلزال ،ولم
ِ
ُ
السماوات واألرض أن تزوال؛ ِ
يقد ُر بها على َّأنه إذا دعا الخلق دعوةً من األرض؛ إذا ِ
َ
أكبر من َخْلق الناس}. ِ
ق السموات واألرض ُ ـخْل ُ
جون{ .لَ َ
هم َي ْـخ ُر َ
والمتصرفـ فيهم
ِّ الكل خلقُه ومماليكه ِ
السموات واألرض}ُّ : {{ }26وله َمن في
لجالل ِه ،خاضعون لكماله.
ِ معارض ،وكلُّهم قانتون
ٍ ٍ
معاون وال منازع وال
ٍ من غير
يحتاج إلى
ُ ضربه اللّه ِلقُبح الشرك وتهجينه ،مثالً من أنفسكم ال
َ { }28هذا مث ٌل
أيمانكم من ُش َركاء فيما َر َز ْقناكم}؛
ملكت ُْ الجمال{ .هل لكم م َّـما ٍّ
حل وترحال وإ عمال ِ
األرقاء ِ
يشار ُككم في رزقكم ،وتََر ْو َن َّأنكم وهم فيه ِ أحد من عبيدكم وإ مائِكم
أي :هل ٌ
أنفس ُكم}؛ أي :كاألحرار الشركاء في الحقيقة، ِ على ٍّ
{تخافونهم كخيفَتكم َ
َ حد سواء.
- 1أخرجه البخاريـ ( ،)1359ومسلمـ ( )2658من حديث أبي هريرة رضيـ اللّه عنه.
- 2في (ب)« :حمل».
{ }32ثم َذ َك َر حالة المشركين ِّ
مهجناً لها ومقبِّحاً ،فقال{ :من الذين فََّرقوا
وحده ،وهؤالء المشركون
إخالص العبادة للّه َ
ُ واحد ،وهو دينهم} :مع َّ
أن الدين ٌ َ
يعبد الشمس والقمر ،ومنهم من يعبد األوثان واألصنام ،ومنهم من ُ
فرقوه :منهم من ُ َّ
يهود ،ومنهم نصارى ،ولهذا قال{ :وكانوا ِشَيعاً}؛
يعبد األولياء والصالحين ،ومنهم ٌ
ُ
ِ
ومنابذة َّبت على ِ
نصر ما معها من الباطل تاهت وتعص ْ
ْ كل ٍ
فرقة من فرق الشرك أيُّ :
ٍ
حزب بما لديهم} :من العلوم المخالفة لعلوم الرسل غير ِهم ومحاربتِهمُّ .
{كل ِ
ُّ
الحق َّ
وأن غيرهم على باطل. بأنه {ف ِـرحون} :به يح ُكمون ِ
ألنفسهم َّ َ
َّب لما معه وتفرقهم فرقاًُّ ،
كل فريق يتعص ُ تحذير للمسلمين من تشتُّتهم ُّ وفي هذا
ٌ
واحد،
التفرق ،بل الدين ٌ
وباطل ،فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في ُّ ٍ من ٍّ
حق
َّ
الدينية وقع فيها اإلجماع بين العلماء واحد ،وأكثر األمور
واحد ،واإلله ٌ والرسول ٌ
أتم ربط؛ فما با ُل ذلك كلِّه ُيلغى
طها َّورب َ َّ
اإليمانية قد عقدها اللّه َ واألخوة
َّ واألئمة،
َّ
خالفي ٍة يضلِّ ُل بها
َّ خفي ٍة أو فروع
والشقاق بين المسلمين على مسائل َّ
ُ ق
التفر ُ
ويبنى ُُّ
ِ
الشيطان بعض؟! فهل هذا إالَّ من أكبر نزغاتٍ بعضهم عن َّ
ويتميز بها ُ بعضهم بعضاًُ
بينهم مقاصد ِه التي كاد بها المسلمين؟! وهل السعي في جمع كلمتهم وإ ِ
زالة ما َ ِ وأعظم
ِ
وأفضل ِ
الجهاد في سبيل اللّه المبني على ذلك األصل الباطل إالَّ من أفضل
ِّ من الشقاق
المقربة إلى اللّه؟!
األعمال ِّ
ولما أمر تعالى باإلنابة إليه ،وكان المأمور بها هي اإلنابة االختيارية ،التي
َّ
االضطرارية التي ال حال العسر واليسر والسَّعة والضيق؛ ذكر اإلنابةتكون في ِ
تكون مع اإلنسان إالَّ عند ِ
ضيق ِه وكربِ ِه؛ فإذا زال عنه الضيق؛ َنَب َذها وراء ِ
ظهر ِه،
وهذه غير ٍ
نافعة ،فقال: ُ
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ. ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
{د َع ْوا
خوف من هالك ونحوهَ ، ٌ مرض أو
ٌ ضٌّر}:
الناس ُ
{ 33ـ { }34وإ ذا َم َّس َ
يكشف
ُ يشركون في تلك الحال؛ ِ
لعلمهم َّأنه ال ربهم منيبين إليه} :ونسوا ما كانوا به ِ
َّ
وآمَنهم من خوفهم{ ،إذا ُّ َّ
الض َّر إال اللّه ،فَـ{إ َذا أذاقَهُم منه رحمةً} :شفاهم من مرضهم َ
ِ
ويشركون به َم ْن ال َدفَ َع عنهم فريق منهم} :ينقُضون تلك اإلنابةَ التي صدرت منهم،
ٌ
حيث أنجاهم
ومن به عليهم ُ كفر بما آتاهم اللَّه َّ ُّ
وال أغنى وال أفقر وال أغنى ،وكل هذا ٌ
بالشكر والدوامالشدة وأزال عنهم المشقَّة؛ فهالَّ قابلوا هذه النعمة الجليلة ُّ
وأنقَ َذهم من َّ
على اإلخالص له في جميع األحوال؟!
حجة ظاهرةً{ ،فهو}؛ أي :ذلك السلطان أنزْلنا عليهم سلطاناً}؛ أيَّ :
{{ }35أم َ
واستمروا على ِّ
شك ُكم؛ ُّ {يتكلَّ ُم بما كانوا به ِ
يشركون} :ويقول لهم :اثُْبتوا على ِش ْر ِك ُكم
موجود
ٌ الحق ،وما دعتكم الرس ُل إليه باطل؛ فهل ذلك السلطان ُّ فإن ما أنتم عليه هو َّ
َّ
والسمعية والكتب َّ
العقلية شدة التمسُّك بالشرك؟ أم البراهينب لهم َّ عندهم حتى ِ
يوج َ
أشد النهي عن ذلكَّ ،
وحذروا من السماوية والرسل الكرام وسادات األنام قد َنـهَ ْوا َّ
َّ
ك هؤالء
سلوك طرقه الموصلة إليه ،وحكموا بفساد عقل ودين من ارتكبه؟! فشر ُ
ِ
الشيطان. ون َزغات
النفوس َ ٍ
برهان ،وإ َّنما هو أهواء ُّ بغير َّ
حجة وال
ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ.
َّ
والشدة َّأنهم إذا { 36ـ }37يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حال الرخاء
ط ٍر الفرح َب َ ٍ
ونصر ونحو ذلك؛ فرحوا بذلك َ صح ٍة وغنى أذاقهم اللّه منه رحمةً من َّ
ص ْبهم سيئةٌ}؛ أي :حا ٌل تسوؤهم ،وذلك {بما وتبجح بنعمة اللّه{ .وإ ْن تُ ِ
فرح ُش ْك ٍر ُّ
قدمت أيديهم} :من المعاصي{ ،إذا هم َي ْقَنطون} :ييأسون من زوال ذلك الفقر َّ
الرزق لمن
َ {أولَ ْـم َير ْوا َّ
أن اللّه يبسطُ والمرض ونحوه ،وهذا جه ٌل منهم وعدم معرفةَ .
والشر من اللّه والرزق سعته وضيقه من َّ يشاء َوَي ْق ِد ُر} :فالقنوط بعدما علم أن الخير
ك
ظ َر َاجعل َن َ
ْ لمجرد األسباب ،بل تقديره ضائع ليس له ٌّ
محل؛ فال تنظر ُّأيها العاقل َّ ٌ
ِ ٍ
ببسط اللّه {إن في ذلك آليات لقوم يؤمنون} :فهم الذين يعتبِ َ
رون لمسبِّبها ،ولهذا قالَّ :
لسؤال ِه
ِ ورحمته وجوده وجذب القلوب ض ِه ،ويعرفون بذلك حكمة اللّه ْ ِلـم ْن يشاء وقَْب ِ
ُ َ
في جميع مطالب الرزق.
ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ. ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ
فأعط القريب منك ـ على حسب قربِ ِه وحاجتِ ِه ـ حقَّه الذي أوجبه
ِ { }38أي:
والبر والسالم واإلكرام َّ
والهدية ِّ ِ
والصدقة ِ
النفقة الواجبة الشارع أو َّ
حض عليه من
ِ ِ َّ
الفقر والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوتِه ،وكذلك آت المسكين الذي ْ
ِ
()1
ُ أس َكَنهُ
{وابن
َ حاجتَه وتدفعُ به ضرورتَه من إطعامه وسقيه وكسوتِ ِه.والحاجةُ ما تُزيل به َ
شدة الحاجةَّ ،
وأنه ال مال بلد ِه ،الذي في َّ
مظنة َّ السبيل} :الغريب المنقطع به في غير ِ
نفسه به في سفره؛ بخالف الذي في بلده؛ َّ
فإنه وإ ن لم يكن له معه وال كسب قد َدّبر َ
تسد حاجته ،ولهذا ٍ
صناعة ونحوها ُّ ٍ
حرفة أو يكون في بد في الغالب أن ما ٌل ،لكن ال َّ
َ
جعل اللّه في َّ
الزكاة حصةً للمسكين وابن السبيل.
ص ُد به وجهُه من النفقات؛ ذكر العمل الذي { }39ول َّـما ذكر العمل الذي ُي ْق َ
ص ٌد دنيويٌّ ،فقال{ :وما آتيتُم من ربا ِلَي ْرُبوا في أموال الناس}؛ أي :ماي ْقص ُد به م ْق ِ
َ ُ َ
وقصدكم بذلك أن َي ْرُب َو؛ أي :يزيد في
ُ أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم،
أموالكم؛ بأن تُعطوها لمن تطمعون أن ِ
يعاوضكم عنها بأكثر منها؛ فهذا العمل ال يربو
معدوم الشرط الذي هو اإلخالص.
ُ أجرهُ عند اللّه؛ لكونه
ُ
ومثل ذلك العم ُل الذي ُيراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس؛ فهذا كلُّه ال
يربو عند اللّه{ .وما آتيتُم من ٍ
زكاة}؛ أي :مال يطهِّ ِركم من األخالق َّ
الرذيلة ،ويطهِّر
{تريدون} :بذلك {وجهَ اللّه
َ ويزيد في دفع حاجة المعطى؛
ُ البخل بها،
أموالكم من ُ
{ }40يخبر تعالى َّأنه وحده المنفرد بخلقكم ورزقكم وإ ماتتكم وإ حيائكم ،وأنه
ك اللّه في ٍ
شيء من هذه أحد من الشركاء التي يدعوها المشركون َم ْن ِ
يشار ُ ليس ٌ
بوجه منٍ ف فيها
تصر ٌ
انفرد بهذه األمور من ليس له َُّ يشركون بِ َم ِن
األشياء؛ فكيف ِ
وتنزه ،وعال عن ِش ْر ِك ِهم؛ فال ُّ
يضره ذلك ،وإ َّنما فسبحانه وتعالىَّ ،
وتقدسَّ ، َ الوجوه؟
وبالُه ( )1عليهم.
ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰅ ﰆ ﰇ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭽﯾ ﯿ
. ﰍ ﭼ
ِ
والبحر}؛ أي :فساد معايشهم ونقصها البر
{الفساد في ِّ
ُ { }41أي :استعلن
وحلول اآلفات بها وفي أنفسهم من األمراض والوباء وغير ذلك ،وذلك بسبب ما
بعض الذي ِ ِ ِ َّ
ت أيديهم من األعمال الفاسدة المفسدة بطبعها .هذه المذكورة{ ،لُيذيقَهم َ قد َم ْ
فعجل لهم نموذجاً من جزاء أعمالهم عملوا}؛ أي :ليعلموا َّأنه المجازي على األعمالَّ ،
َّ َّ َّ
صلُ ُح
عون} :عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت ،فتَ ْ في الدنيا؛ {لعلهم ير ِج َ
وتفض َل بعقوبتِ ِه ،وإ الَّ ؛ فلو أذاقهم
َّ أمرهم؛ فسبحان من أنعم ببالئِ ِه،
ويستقيم ُ
ُ أحوالُهم،
داب ٍة. جميع ما كسبوا؛ ما ترك على ِ
ظهرها من َّ َ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ. ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ
صبا ،وأجزل له صب عليه اإلحسان ًّ أحب اللّه عبداً؛ َّ
أحبهم ،وإ ذا َّ أعمالُهم ،وذلك َّ
ألنه َّ
العطايا الفاخرةَ ،وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة ،وهذا بخالف الكافرين؛ َّ
فإن اللّه
ل َّـما أبغضهم ومقَتَهم؛ عاقَبهم َّ
وعذبهم ،ولم َي ِز ْدهم كما زاد من قبلهم؛ فلهذا قالَّ :
{إنه ال َ َ
ُّ
يحب الكافرين}.
. ﭽﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ
ت َّ
فاهتز ْ األرض بعد موتها}: ِ
رحمة اللّه كيف ُيحيي {{ }50فانظر إلى ِ
آثار
َ
{إن ذلك} :الذي أحيا األرض بعد موتها {لَ ُـم ْحييكل زوج كريمَّ . وأنبتت من ِّ ْ ت
ورَب ْ
َ
شيء ،وإ ن قدير} :فقدرتُه تعالى ال يتعاصى عليها ٍ الموتى وهو على ِّ
ٌ كل شيء ٌ
ودق عن أفهامهم ،وحارت فيه عقولهم. تعاصى على قَ ْد ِر َخْل ِق ِهَّ ،
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ. ﭨ ﭩ ﭪ
وأنهم مع هذه النعم عليهم بإحياء األرض الخْلق َّ
{ }51يخبر تعالى عن حالة َ
ِ
المطر أرسْلنا على هذا النبات الناشىء عن ِ ِ
ونشر رحمة اللّه تعالى :لو َ بعد موتها
صفرا} :قد تداعى إلى التلف،
{فرأوهُ ُم ًّ
ْ مضرةً متلفةً أو منقصةً،
َّ وعلى ُزروعهم ريحاً
بعد ِه يكفُرون} :فينسون النعم الماضيةِ ،
ويبادرون إلى الكفر! وهؤالء ال ظلُّوا من ِ
{لَ َ
َْ
زجر.
ينفع فيهم وعظٌ وال ٌ
الدعاء} :وباألولى{ :إذا َولَّ ْوا {فإنك ال تُ ْس ِمعُ الموتى وال تُ ْس ِمعُ الص َّ
ُّم ُّ {َّ }52
فإن الموانع قد توفَّرت فيهم عن االنقياد والسماع النافع كتوفُّر هذه الموانع ُم ْدبِ َ
رين}َّ :
الحسي.
ِّ ِ
الصوت المذكورة عن سماع
اإلبصار بسبب
َ الع ْم ِي عن ضاللَتِ ِهم}َّ :
ألنهم ال يقبلون ِ
{{ }53وما أنت بهاد ُ
مسلمون} :فهؤالء
َ يؤمن بآياتنا فهم
ُ قابليةٌ له{ .إن تُ ْس ِمعُ إالَّ َمن
َعماهم؛ فليس فيهم (َّ )1
الذين ينفعُ فيهم إسماعُ الهدى ،المؤمنون بآياتنا بقلوبهم ،المنقادون ألوامرنا،
استعدادهم
ُ القوي لقَبول النصائح والمواعظ ،وهو
َّ المسلمون لنا؛ َّ
ألن معهم الداعي
ِ
وحسن تعليمنا ورح َـمتِنا ولطفنا
ض َر ْبنا} :ألجل عنايتنا ْ
{ 58ـ }59أي{ :ولقد َ
الحقائق وتُعرف به األمور وتنقطعُ به ُ مثل} :تتَّ ِ
ضح به كل ٍالقرآن من ِّ
ِ {للناس في هذا
يضرُبها اللّه في تقريب األمور المعقولةعام في األمثال التي ِ َّ
الحجةُ ،وهذا ٌّ
كأنه َوقَ َع ،ومنه في هذاوجالء حقيقتِ ِه حتى َّ
ِ بالمحسوسة ،وفي اإلخبار بما سيكون
أس ِفهم، القيامة ،وحالةَ المجرمين فيهَّ ،
وشدةَ َ
ِ ذكر اللّه تعالى ما يكون يوم
الموضع ُ
عتاب ،ولكن أبى الظالمون الكافرون إالَّ مـعـاندة الـح ِّ
ـق ٌ عذر وال َّ
وأنه ال يقب ُل منهم ٌ
جئت به،
تدل على صحة ما َ أي آية ُّ الـواضـح،ـ ولهذا قال{ :ولئن ِج ْئتَهم ٍ
بآية}؛ أيَّ :
ِّ
للحقَّ :إنه باطل! وهذا من مبطلون}؛ أي :قالوا {لَيقولَ َّن الذين َكفَروا إن أنتُم إالَّ
َ ْ
ِ
طَبعُ
المفرط ،ولهذا قال{ :كذلك َي ْ وج ْهلهم
ط ْب ِع اللّه على قلوبهم َ
كفرهم وجراءتهم و َ
األشياء على حقيقتها،
َ ك
خير ،وال تدر ُ
يعلمون} :فال َي ْد ُخلُها ٌ
َ اللّه على ِ
قلوب الذين ال
الحق باطالً والباطل حقًّا.
َّ بل ترى
رأيت منهم
َ أمرت به وعلى دعوتِ ِهم إلى اللَّه ولو
َ {فاصبر} :على ما
ْ {}60
شك فيه ،وهذا مما ُيعين علىحق}؛ أي :ال َّ وعد اللّه ٌّ
{إن َ إعراضاً؛ فال َّ
يصدَّنك ذلكَّ .
هان عليه ما يلقاه سيجده كامالً؛ َ
ُ أن عمله غير ضائع ،بل فإن العبد إذا علم َّالصبر؛ َّ
كل كثير{ .وال َي ْستَ ِخفََّّن َ
ك عمل ِه َّ
واستقل من ِ
َّ ٍ
عسير، من المكاره ،وتيسَّر ( )1عليه ُّ
كل
يقينهم فخفَّت لذلك أحالمهمَّ ،
وقل وقل ُإيمانهم َّ
يوقنون}؛ أي :قد ضعف ُ َ الذين ال
ُ
بال ،وتح َذ ْر ك على ٍ ()2
إن لم تجعْلهم من َ ك هؤالء؛ َّ ك أن ِ
يستخفَّ َ صبرهم؛ َّ
فإنك ْ فإيا َ ُ
والنفس
ُ استخفوك وحملوك على عدم الثبات على األوامر والنواهي، منهم ،وإ الَّ ؛ ُّ
كل مؤمن أن َّ التشبه والموافقة ( ،)3وهذا مما ُّ
يدل على َّ ب ُّ ِ
تساع ُدهم على هذا ،وتطلُ ُ
موقن رزين العقل؛ َي ْسهُ ُل عليه الصبر ،وك ّل ضعيف اليقين؛ ضعيف العقل خفيفُه؛
ب ،واآلخر بمنزلة القشور .فاللّه المستعان. فاألول بمنزلة اللُّ ِّ
***
[وهي] مكية
ﭑﭒﭓ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
.ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ
يشير تعالى إشارةً دالَّةً على التعظيم إلى {آيات الكتاب الحكيم}؛ أي:
{ُ }2
صدرت من حكيم خبير.
ْ آياتُهُ محكمةٌ
بأجل األلفاظ وأفصحها وأبينها ،الدالَّة على ِّ
أجل ومن إحكامها َّأنها جاءت ِّ
المعاني وأحسنها.
ِ
التغيير والتبديل والزيادة والنقص إحكامها أنها محفوظةٌ من ()1
ومن
والتحريف.
ِ
السابقة والالحقة واألمور ()2
جميع ما فيها من األخبار ومن إحكامها َّ
أن
َ
كتاب من الكتب اإللهية ،ولم مطابق لها الواقع ،لم ِ
يخال ْفها ٌ ٌ الغيبية كلِّها مطابقةٌ للواقع،
َّ
صحيح محسوس وال معقو ٌل يأتي علم ِ
ٌ ٌ نبي من األنبياء ،ولم يأت ولن َ يخبر بخالفها ٌّ
ت عليه. ض ما دلَّ ْ ِ
يناق ُ
خالص المصلحة أو را ِج ُحها ،والُ ت بشيء إالَّ وهو
َم َر ْ
ومن إحكامها أنها ما أ َ
راج ُحها ،وكثيراً ما يجمع بين األمر خالص المفسدة أو ِ ُ ت عن شيء إالَّ وهو َنـهَ ْ
مضرتِ ِه.
َّ بالشيء مع ذكر حكمتِ ِه وفائدتِ ِه ،والنهي عن الشيء مع ِ
ذكر
ومن إحكامها َّأنها جمعت بين الترغيب والترهيب والوعظ البليغ الذي تعتدل
وتحتكم فتعم ُل بالحزم.
ُ به النفوس الخيِّرة،
هدى}؛ أي:
التام والعمل {على ً
{ }5فَـ{أولئك} :المحسنون الجامعون بين العلم ِّ
التنكير ،وذلك الهدى حاص ٌل لهم وواص ٌل إليهم {من ربِّهم} :الذي لم
ُ يفيده
عظيم كما ُ
النقَ َم ،وهذا الهدى الذي أوصله إليهم من تربيتِ ِه
َي َز ْل يربِّيهم بالنعم ويدفَعُ عنهم ِّ
المفلحون} :الذين أدركوا
َ الخاصَّة بأوليائه ،وهو أفض ُل أنواع التربية{ .وأولئك هم
وثوابه الدنيوي واألخروي ،وسلموا من َس َخ ِط ِه وعقابه ،وذلك لسلوكهم َ رضا ربِّهم
طريق له غيرها.
َ طريق الفالح ،الذي ال
َ
يختار
ُ محروم مخذو ٌل {يشتري}؛ أي:
ٌ { }6أي{ :ومن الناس من} :هو
ويرغب رغبة من يب ُذ ُل الثمن في الشيء{ ،لهو الحديث}؛ أي :األحاديث الملهية
لغو وباطل محرم ُّ
وكل ٍ أجل مطلوب ،فدخل في هذا ُّ
كل كالم َّ الصادة لها عن ِّ َّ للقلوب،
المرغبة في الكفر والفسوق والعصيان ،ومن أقوال ِّ
الرادين ِّ وه َذيان؛ من األقوال
َ
()1
ٍ
وكذب وشتم ٍ
ونميمة الحق ،ومن ٍ
غيبة َّ الحق المجادلين بالباطل ِلُي ْد ِحضوا به
ِّ على
ِ
الملهية التي ال نفع فيها في دين ِ
الماجريات وسب ،ومن غناء ومزامير شيطان .ومن ٍّ
َّ
{ليضل} وال ُدنيا؛ فهذا الصنف من الناس {يشتري لهو الحديث} عن هدي الحديث
ناشىء عن غيره؛ َّ
ألن اإلضالل َّ َّ
ٌ الناس {بغير علم}؛ أي :بعد ما ضل في فعله أضل َ
ِّ
والحق الضالل ،وإ ضاللُه في هذا الحديث ُّ
صده عن الحديث النافع والعمل النافع َّ
والحق ،ويتَّخذ آيات
ِّ يقدح في الهدى ِ
يتم له هذا حتى َ والصراط المستقيم ،وال ُّ ال ُـمبين
اللّه ُهزواًَ ،ي ْس َخ ُر ( )2بها وبِ َم ْن جاء بها؛ فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه
وخ َد َعه بما يوحيه
عندهَ ، َّ
أضل َم ْن ال علم َ والقدح في ِّ
الحق واالستهزاء به وبأهله؛
عذاب
ٌ ُّ
الضال ،وال يعرف حقيقته{ ،أولئك لهم إليه من القول الذي ال يميِّزه ذلك
َّ
الحق الواضح. (مهين)} ( :)3بما ضلُّوا ،وأضلُّوا،ـ واستهزؤوا بآيات اللّهَّ ،
وكذبوا ٌ
وينقاد لها{ ،ولَّـى
َ ليؤمن بها
َ { }7ولهذا قال{ :وإ ذا تُتلى عليه آياتُنا}:
رت فيه بل أدبرقلبه وال أثَّ ْ
تدخ ْل َ مستكبر عنها ٍّ
راد لها ولم ُ ٍ مستكبراً}؛ أي :أدبر إدبار
عنها {كأن لم َي ْس َم ْعها} ،بلَّ :
{كأن في أ ُذَن ْيه وقراً}؛ أي :صمماً ال تص ُل إليها
ٍ
وحيوان وسوق والسفلي من جماد
ِّ العلوي
ِّ ق العالم
{{ }11هذا}؛ أيَ :خْل ُ
مقر بذلك ،حتى أنتم يا معشر شريك لهٌّ ،
كل ٌّ َ وحده ال
ق اللّه}َ : {خْل ُ
أرزاق الخلق إليهمَ ،
شركاء
َ ق الذين من دونِ ِه}؛ أي :الذين َج َعْلتُموهم له
المشركين{ ،فأروني ماذا َخلَ َ
{ }14ولما أمر بالقيام بحقِّه بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد؛ أمر
َّينا اإلنسان}؛ أي :عهدنا إليه وجعلناه وصيةً عنده بحق الوالدين ،فقال{ :ووص ْ بالقيام ِّ
سنسأله عن القيام بها وهل َح ِف َ
ظها أم ال؟ فوصيناه {بوالديه} ،وقلنا له{ :اش ُك ْر لي}:
تستعين بنعمي على معصيتي {ولوالديك}ـ: َ وأن ال
بعبوديتي وأداء حقوقي ْ َّ بالقيام
باإلحسان إليهما بالقول الليِّن والكالم اللطيف والفعل الجميل والتواضع لهما
وإ كرامهما وإ جاللهما والقيام بمؤونتهما واجتناب اإلساءة إليهما من ِّ
كل وجه بالقول
المصير}ـ؛ أي :سترجع ُّأيها اإلنسان
ُ ـي والفعل ،فوصيناه بهذه الوصية وأخبرناه َّ
أن {إل َّ
إلى من وصَّاك وكلَّفك بهذه الحقوق ،فيسألك :هل َ
قمت بها فيثيبك الثواب الجزيل ،أم
- 1قال ابن كثير« :ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبياً ،وإ نما ينقل كونه نبياً عن
عكرمة إن صح السند إليه ،فإنه رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث وكيع عن إسرائيل عن
جابر عن عكرمة قال :كان لقمان نبياً ،وجابرـ هذا ابن يزيد الجعفي ،وهو ضعيف ،واللّه أعلم».
«تفسير ابن كثير» (.)6/337
- 2في (ب)« :يعظه باألمر والنهي».
لبر الوالدين في األم ،فقال:
الموجب ِّ
َ السبب
َ ثم َذ َك َر َّ
ضي ْعتها فيعاقبك العقاب الوبيل؟! َّ
َّ
المشاق من حين أمه وهناً على ٍ
وهن}؛ أي :مشقة على مشقة؛ فال تزال تالقي {ح َـملَتْه ُّ
َ
يكون نطفةً من الوحم والمرض والضعف والثقل وتغير الحال ،ثم وجع الوالدة ذلك
أمه وكفالتها ورضاعها.
مالزم لحضانة ِّ
ٌ ِ
عامين} :وهو الوجع الشديد ،ثم {فصالُهُ في
تحمل على ولده هذه الشدائد مع شدة الحب أن ِّ
يؤكد على ولده، يحس ُن بمن َّ
أفما ُ
ويوصي إليه بتمام اإلحسان إليه؟
نضطرهم}؛
ُّ {{ }24نمتِّ ُعهم قليالً} :في الدنيا؛ ليزداد إثمهُم ويتوفَّر ُ
عذابهم{ .ثم
وكبر ِه وفظاعتِ ِه وألمه َّ
وشدته. عظم ِه ِ
غليظ}؛ أي :انتهى في ِ عذاب ٍ ٍ أيِ :
نلجُئهم {إلى
ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭼ.
ق
{م ْن َخلَ َ ِّ ِّ
بالحقَ : المكذبين سألت هؤالء المشركين
َ { }25أي{ :ولئن}
خلقت شيئاً من ذلك ،ولبادروا بقولهم:
ْ أن أصنامهم ماواألرض} :لعلموا َّ ِ
السموات
َ
أقروا به على ما ًّ
ومحتجا عليهم بما ُّ وحده ،فَـ{ ُق ْل} لهم ملزماً لهم
{اللّهُ} :الذي خلقهما َ
{الحمد للّه} :الذي َّبين النور وأظهر االستدالل عليكم من أنفسكم؛ فلو كانوا
ُ أنكروا:
بالخْلق والتدبير هو الذي ُي ْف َر ُد بالعبادة والتوحيد ،ولكن يعلمون؛ لجزموا َّ
أن المنفرد َ
ضوا بتناقُض ما ذهبوا إليه على
ور ُ
يعلمون} :فلذلك أشركوا به غيرهَ ،
َ {أكثرهم ال
َ
والشك ال على ِ
وجه البصير ِة.ـ ِّ وجه الحيرة
{ }26ثم ذكر في هاتين اآليتين نموذجاً من سعة أوصافه؛ ليدعو عباده إلى
ِ
السماوات وأن جميع ما في َّ
ومحبته وإ خالص الدين له ،فذكر عموم ملكهَّ ، معرفته
يتصرف فيهم بأحكام َّ ـي؛ َّأنه ملكه،
العلوي والسفل ِّ
ِّ واألرض ،وهذا شام ٌل لجميع العالم
ك َّ
مدبرون الجزائية؛ فكلُّهم ٌ
عبيد ممالي ُ َّ َّ
األمرية وأحكامه َّ
القدرية وأحكامه الملكُ
يحتاج إليه
ُ يحتاج إلى ما
ُ وأنه واسع الغنى؛ فال شيءَّ ،
ٌ مسخرون ،ليس لهم من الملكَّ
وأن أعمال النبيِّين ط ِع ِ
مون}َّ ، ق وما أريد أن ُي ْ أريد منهم من رز ٍ
أحد من الخلق{ ،ما ُ ٌ
غني ِّ
والصديقين والشهداء والصالحين ال تنفعُ اللّهَ شيئاً ،وإ نما تنفع عامليها ،واللّه ٌّ
أن أغناهم وأقناهم في دنياهم وأخراهم.
عنهم وعن أعمالهم ،ومن غناه ْ
حمده من لوازم ذاتِ ِه؛ فال يكون إالَّ حميداً حمد ِهَّ ،
وأن َ ثم أخبر تعالى عن سع ِة ِ
ََ
فكل صفة من صفاته حميد في صفاته؛ ُّ حميد في ذاته ،وهو ٌ
من جميع الوجوه؛ فهو ٌ
وخلَقَه ٍ
عظمة وكمال ،وجميع ما فَ َعلَه َ ِ
صفات يستحق عليها أكم َل ٍ
حمد وأت َّـمه؛ لكونها ُّ
ُيحمد عليه ،وجميع ما أمر به ونهى عنه ُيحمد عليه ،وجميع ما حكم به في العباد
وبين العباد في ُّ
الدنيا واآلخرة ُيحمد عليه.
القلوب َّ
كل مبلغ، ِ ِ
وعظمة قوله بشرح يبلغُ من كالم ِه
{ }27ثم أخبر عن سعة ِ
وتنب ِه ُر له العقول وتحير فيه األفئدة وتسيح في معرفتِ ِه أولو األلباب والبصائر ،فقال:
بعد ِه سبعةُ
أن ما في األرض من شجر ٍة أقالم} :يكتب بها{ ،والبحر يم ُّده من ِ
ُ َُ ٌ ُ {ولو َّ
{كلمات
ُ ُّ
يستمد بها؛ لتكسَّرت تلك األقالم ،ولفني ذلك المداد ،ولم تنفد ٍ
أبحر} :مداداً
أن العقول تتقاصر عناللّه} :وهذا ليس مبالغةً ال حقيقةَ له ،بل ل َّـما علم تبارك وتعالى َّ
أن معرفته لعباده أفضل ٍ
نعمة أنعم بها عليهم اإلحاطة ببعض صفاته ،وعلم تعالى َّ
ك كلُّه،
ك كلُّه ال ُيتْ َر ُ منقبة حصَّلوها ،وهي ال ِ
تمك ُن على وجهها ،ولكن ما ال ُي ْد َر ُ وأجل ٍُّ
صدورهم ،ويستدلُّون ُ وتنشرح له
ُ قلوبهم،
فنبههم تعالى على بعضها تنبيهاً تستنير به ُ َّ
وأعلمهم بربِّه« :ال ُ بما وصلوا إليه إلى ما لم يصلوا إليه ،ويقولون كما قال أفضلُهم،
أجل من ذلك نفسك» ( ،)1وإ الَّ ؛ فاألمر ُّ ت على ِ ثناء عليك ،أنت كما أثَْن ْي َ
ُن ْحصي ً
وأعظم.
وهذا التمثي ُل من باب تقريب المعنى الذي ال ُيطاق الوصول إليه إلى األفهام
ت على ما ُذ ِك َر أضعافاً كثيرةً ،والبحور لو تضاعفَ ْ
َ واألذهان ،وإ الَّ ؛ فاألشجار وإ ْن
وأما كالم
ص َّور نفادها وانقضاؤها؛ لكونها مخلوقةًَّ ، ٍ
مضاعفة؛ َّ َّ
فإنه ُيتَ َ امتدت بأضعاف
ـي على َّأنه ال نفاد له وال
الشرعي والعقل ُّ
ُّ نفاده ،بل دلَّنا الدلي ُل
ص َّو ُر ُ
اللّه تعالى؛ فال ُيتَ َ
تصور
{وأن إلى ربِّك المنتهى} ،وإ ذا َّ منتهى؛ فكل شيء ينتهي إالَّ الباري وصفاتهَّ ،
الذهن من األزمان السابقة
ُ َّ
كل ما فرضه ()2
وأن َّ
وآخريتهَّ ، العق ُل حقيقة َّأو َّليته تعالى
الفرض والتقدير؛ فهو تعالى قبل ذلك إلى غير نهايةَّ ،
وأنه مهما فرض ُ مهما تسلسل
يتصورها العق ُل ،فقال:َّ { }28ثم ذكر عظمةَ قدرتِ ِه وكمالهاَّ ،
وأنه ال يمكن أن
ق جميع شيء يحير العقولَّ :
أن َخْل َ ٍ
واحدة} :وهذا ٍ
كنفس {ما َخْلقُكم وال بعثُكم إالَّ
ٌ ْ
كخلق ِه نفساً واحدةً؛
واحدة ٍِ تفرقهم في لمحةالخْلق على كثرتِ ِهم وبعثهم بعد موتِ ِهم بعد ُّ َ
والنشور والجزاء على األعمال؛ إالَّ الجهل بعظمة اللّه َّ
وقوة ِ
الستبعاد البعث ُّ فال وجه
المبصرات،ـ فقالَّ :
{إن َ وبصر ِه لجميع
ِ سمع ِه لجميع المسموعات
قدرتِ ِه .ثم َذ َكر عموم ِ
َ
بصير}.
ٌ اللّه سميعٌ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭺ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
ﭻ ﭼ.
{ }32وذكر تعالى حال الناس عند ركوبِ ِهم البحر وغشيان األمواج كالظُّلل
ِ
فريقين: البر} :انقسموا الدعاء للّه والعبادة{ ،فلما َّ
نجاهم إلى ِّ فوقهم َّأنهم ِ
يخلصون ُّ
فرقة مقتصدة؛ أي :لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال ،بل هم مذنبون ظالمون
ألنفسهم ،وفرقة كافرة لنعمة اللّه جاحدة لها ،ولهذا قال{ :وما َي ْـج َح ُد بآياتِنا إالَّ ُّ
كل
َّ
لنكونن من وشدتِ ِه
البحر َِّ غدر ِه َّأنه عاهد َّ
ربه لئن أنجيتَنا من غدار ،ومن ِ َختَّ ٍار}؛ أيَّ :
نجاهم اللّه من هذه ليق بِ َم ْن َّ ٍ
{كفور} :لنعم اللّه؛ فهل َي ُ يف بذلك.الشاكرين .فغدر ،ولم ِ
الشدة إالَّ القيام ُّ
التام بشكر نعم اللّه؟! َّ
زواجر ِه،
ِ أوامر ِه وتر ُ
ك ِ { }33يأمر تعالى الناس بتقواه ،التي هي امتثال
نفسهُ .و{ال أحد ال ُّ َّ كل ٍ ِ
الشديد الذي فيه ُّ ِ
يهمه إال ُ ويستلفتُهم لخشية يوم القيامة ،اليوم
ينقص من
ُ يزيد في حسناتِ ِه وال والد ِه شيئاً :ال ُ
مولود} عن ِ
ٌ ولد ِه وال
والد عن ِ
يـجزي ٌ
المهيل ِ كل ٍ
عبد عملُه ،وتحقَّق عليه جزاؤه .فل ْف ُ سيئاتِ ِه ،قد َّ
تم على ِّ
النظر لهذا اليوم َ ت
يأم ُرهم بتقواه
العبد ويسهِّل عليه تقوى اللّه ،وهذا من رحمة اللّه بالعباد؛ ُ
يقوي َ مما ِّ
ِّ
ويحذ ُرهم من العقاب ،ويزعجهُم إليه وي ِع ُدهم عليها الثواب،
التي فيها سعادتُهمَ ،
حق} :فال تمتروا وعد اللّه ٌّ
{إن َ الحمد يا َّ
رب العالمينَّ . ُ ِ
بالمواعظ والمخوفات ،فلك
تغرَّن ُك ُم الحياةُ ُّ
الدنيا} :بزينتها المصد ِ
ق؛ فلهذا قال{ :فال َّ ِّ فيه ،وال تعملوا عم َل غير
رور} :الذي هو
الغ ُ ِ
والمحن{ .وال َي ُغ َّرَّن ُكم باللّه َ وزخارفها وما فيها من ِ
الفتن
الشيطان ،الذي ما زال يخدعُ اإلنسان ،وال يغفل عنه في جميع األوقات؛ َّ
فإن للّه على
عباده حقًّا ،وقد وعدهم موعداً يجازيهم فيه بأعمالهم وهل َوفوا حقَّه أم قصَّروا فيه؟
ورأس مال تجارتِ ِه التي
َ صب عينيهالعبد ُن َ
يجعلَه ُ وأن َ االهتمام بهْ ،
ُ أمر يجب
وهذا ٌ
ـموس ِو ُـ
س والشيطان ال ْ
ُ الدنيا الفتَّانةُ
دونه ُّ
يسعى إليه ،ومن أعظم العوائق عنه والقواطع َ
وي َمِّنيهم الغرورِ ، عباده أن تَ ُغ َّرهم ُّ
{يع ُد ُهم ُ
َ الدنيا أو َي ُغ َّرهم باللّه َ المسو ُل ،فنهى تعالى َِّ
ـيطان إالَّ ُغروراً}. ِ
وما َيع ُد ُهم الش ُ
ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ. ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ
ِ
والبواطن، ِ
والظواه ِر علمه بالغيب والشهادة تقرر َّ
ط ُ أن اهلل تعالى أحا َ { }34قد َّ
الغيبية ،وهذه األمور الخمسة من األمور َّ كثير من األمور عباده على ٍ طِلعُ اللّه َ
وقد ُي ْ
ب ،فضالً عن مقر ٌ
ك َّ نبي مرس ٌل وال مل ٌ
يعلمها ٌّ
الخْلق؛ فال ُ ط َوى علمها عن جميع َ التي َ
الساعة}؛ أي :يعلم متى ُمرساها؛ كما قال تعالى: ِ عنده علم {إن اللّه َغيرهما ،فقالَّ :
ـجلِّيها لوقتِها إالَّ هو ان ُمرساهاُ .قل َّإنما ُ
علمها عند ِّ
ربـي ال ُي َ
ِ
ك عن الساعة َّأي َ ألون َ
{ي ْس ََ
وعلم ِ
وقت الغيث}؛ أي :هو المنفرد بإنزالهِ ، {ويَن ِّز ُل َّ
َ ال تأتيكم إال َب ْغتَةً }...اآليةُ ،
ذكر أم
{ويعلم ما في األرحام} :فهو الذي أنشأ ما فيها ،وعلم ما هو؛ هل هو ٌ
ُ نزوِل ِه،
أنثى؟
ولهذا يسأل الملك الموكل باألرحام َّ
ربه :هل هو َذ َكٌر أم أنثى؟ فيقضي اللّه ما
ودنياها{ ،وما تدري ب غداً} :من َك ْس ِب دينها ُ ِ
نفس ماذا تكس ُ
يشاء { .وما تَ ْدري ٌ
()1
- 1كما في «صحيح البخاري» ( ،)6595و«مسلم» ( )2646من حديث أنس رضيـ اللّه عنه.
تفسير" سورة السجدة
[وهي] مكية
ﭑﭒﭓ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
.ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ
رب العالمين ،الذي أن هذا الكتاب الكريم تنزي ٌل نزل من ِّ
{ }2يخبر تعالى َّ
صِل ُح أحوالَهم رباهم بنعمتِ ِه ،ومن أعظم ما َّ
رباهم به هذا الكتاب ،الذي فيه ُّ
كل ما ُي ْ َّ
امتراء. ريب فيه وال َّ
شك وال ويتمم أخالقَهمَّ ،
وأنه ال َ ِّ
َ
محمد واختلَقَه
ٌ الظالمون في ذلك :افتراه ِّ
المكذبون للرسول { }3ومع ذلك؛ قا َل
َ
ٍ
محمد بأعظم ور ْمي َّ من عند نفسه! وهذا من أكبر الجراءة على ِ
إنكار كالم اللهَ ،
وكل واحد من هذه ،من األمور الخْلق على كالم مثل كالم الخالقُّ ، ِ
الكذ ِب ،وقدرة َ
الحق} :الذي ال يأتيه الباط ُل منُّ العظائم ،قال اللّه ًّ
رادا على من قال :افتراه{ :بل هو
ك} :أنزله رحمةً للعباد{ِ ،لتُ ِنذ َر خلف ِه تنزي ٌل من حكيم ٍ
حميد {من ِّ
رب َ بين يديه وال من ِ
وفاقة إلرسال الرسول ٍ ك}؛ أي :هم في حال ضرورة نذير من ِ
قبل َ قوماً ما أتاهم من ٍ
يترددون، وإ نزال الكتاب لعدم النذير ،بل هم في جهلهم َي ْع َمهون ،وفي ظُلمة ضاللهم َّ
الحق ويؤثِ َ
رونه .وهذه َّ يهتدون} :من ضاللهم ،فيعرفون َ فأنزلنا الكتاب عليك{ ،لعلَّهم
األشياء التي َذ َكرها اللّه كلُّها مناقضةٌ لتكذيبهم له ،وإ َّنها تقتضي منهم اإليمان
حق ،والحق مقبو ٌل على ِّ
كل وأنه ٌّ
رب العالَمينَّ ،
كونه من ِّ
التام به ،وهو ُ
والتصديق َّ
ريب فيه بوجه من الوجوه؛ فليس فيه ما يوجب الريبة؛ ال بخبر غير
حال ،وأنه ال َ
مطابق للواقع ( ،)1وال بخفاء واشتباه معانيه ،وأنهم في ضرورة وحاجة إلى الرسالة،
وأن فيه الهداية ِّ
لكل خير وإ حسان.
ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
- 1في (ب)« :ال بخبر ال يطابق الواقع».
ﯓ ﯔ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ.
{ }4يخبر تعالى عن كمال قدرته بخلقه السماوات واألرض في ستة أيام،
رفيق
ٌ أولها يوم األحد ،وآخرها الجمعة ،مع قدرته على خلقها بلحظةَّ ،
ولكنه تعالى
بجالل ِه{ ،ما
ِ يليق
استواء ُ
ً سقف المخلوقات
حكيم{ ،ثم استوى على العرش} :الذي هو ُ ٌ
إن َّ
توجه ـي} :يتوالَّكم في ِ
أموركم فينفَ ُعكم {وال شفيع} :يشفعُ لكم ْ لكم من دونِ ِه من ول ٍّ
ِ
والسماوات ،المستوي أن خالق األرض رون} :فتعلمون َّ عليكم العقاب{ .أفال َّ
تتذك َ
ُّ
المستحق على العرش العظيم ،الذي انفرد بتدبيركم وتولِّيكم ،وله الشفاعةُ كلُّها ،هو
لجميع أنواع العبادة!
{{ }14فذوقوا بما َنسيتُم لقاء يو ِم ُكم هذا}؛ أي :يقال للمجرمين الذين ملكهم
الدنيا؛ ليستدركوا ما فاتهم :قد فات وقت الرجوع ،ولم يبق ُّ
الذل ،وسألوا الرجعة إلى ُّ
نسيان ترك؛ النسيان العذاب األليم بما نسيتُم لقاء يو ِم ُكم هذا ،وهذا العذاب ،فذوقوا إالَّ
ُ ُ َ ُ
وكأنكم غير قادمين عليه وال مالقيهَّ .
{إنا أي :بما أعرضتُم عنه ،وتركتُم العمل لهّ ،
َنسينا ُكم}؛ أي :تركناكم بالعذاب جزاء من جنس ِ
عمل ُكم؛ فكما َنسيتم ُنسيتم{ ،وذوقوا ً
فإن العذاب إذا كان له أج ٌل وغايةٌ؛ كان فيه الخْل ِد}؛ أي :العذاب غير المنقطع؛ َّعذاب ُ
َ
ٍ
راحة روح عذاب َّ
جهنم ـ أعاذنا اللّه منه ـ؛ فليس فيه ُ ُ وأما
بعض التنفيس والتخفيفَّ ، ُ
ق والمعاصي. وال انقطاع لعذابهم فيها؛ {بما كنتُم تعملون} :من الكفر والفسو ِ
ﭽﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮬ ﮭ ﭼ. ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
{ }15لما َذ َك َر الكافرين بآياته وما َّ
أعد لهم من العذاب؛ َذ َك َر المؤمنين بها
ًّ
حقيقيا َم ْن يؤمن بآياتنا}؛ أي :إيماناًُ أعد لهم من الثواب ،فقالَّ :
{إنما صفَهم وما َّ وو ْ
َ
ت عليهم آيات بآيات ربِّهم ،فتُِلَي ْ
ِ شواهد اإليمان ،وهم {الذين إذا ُذ ِّكروا}
ُ يوجد منه
التذكر؛ سمعوها فقبلوها ودعوا إلى ُّ النصائح على أيدي رسل اللّهُ ،
ُ القرآن ،وأتتهم
خضوع ِذ ْك ٍر للّه وفرح بمعرفتِ ِه،
َ {خروا ُس َّجداً}؛ أي :خاضعين لها
وانقادوا و ُّ
ِ رون} :ال بقلوبِ ِهم وال بأبدانِ ِهم فيمتنعون من ِ
االنقياد {وسبحوا بحمد ربِّهم وهم ال يست ْكبِ َ
َّ
وقابلوها باالنشراح والتسليم،لها ،بل متواضعون لها ،قد تَلَقَّ ْوها بالقَبول والتسليم َ
ِّ
الرب الرحيم ،واهتَ َدوا بها إلى الصراط المستقيم. وتوصَّلوا بها إلى مرضاة
وتنزعج عن
ُ جنوبهم ِ
المضاجع}؛ أي :ترتفع ُ {{ }16تتجافى ُجنوبهم عن
ُّ
وأحب إليهم ،وهو الصالة في الليل اللذيذة إلى ما هو ُّ
ألذ عندهم منه مضاج ِعها ِ
ِ
َّ
الدينية مصال ِحهم
ِ {ي ْدعون َّ
ربهم}؛ أي :في جلب ومناجاة اللّه تعالى ،ولهذا قالَ :
الوصفين؛ خوفاً أن تَُر َّد
ِ مضارهما {خوفاً وطمعاً}؛ أي :جامعين بين
ِّ َّ
والدنيوية ودفع
رز ْقناهم}:
أعمالُهم ،وطمعاً في قبولها؛ خوفاً من عذاب اللّه ،وطمعاً في ثوابه{ ،وم َّـما َ
قون} :ولم يذ ُكر قيد النفقة ،وال المنفَق عليه؛ َّ
ليدل على من الرزق قليالً أو كثيراًِ ،
{ينف َ
ُ
يدخ ُل فيه النفقة الواجبة؛ كالزكوات والكفارات ونفقة الزوجات فإنه ُ العموم؛ َّ
خير مطلقاً؛ َّ
المستحبة في وجوه الخير ،والنفقة واإلحسان المالي ٌ واألقارب ،والنفقة
ِ
بتفاوت النفع ،فهذا سواء وافق فقيراً أو ًّ
غنيا ( ،)1قريباً أو بعيداً ،ولكن األجر يتفاوت
عملهم.
النار، ُّ
مقرهم ومحل خلودهم ُ النار}؛ أيُّ :
فمأواه ُم ُ
ُ {وأما الذين فَ َسقوا
{َّ }20
العقاب ساعة{ ،كلَّما أرادوا أن َي ْـخ ُرجوا
ُ
ٍ
وشقاء ،وال ُيفَتَُّر عنهم ٍ
عذاب التي جمعت َّ
كل
العذاب منهم َّ
كل مبلغ؛ ُر ُّدوا ِ حدثتهم إرادتُهم بالخروج لبلوغ منها أُعيدوا فيها} :فكلَّما َّ
عذاب
َ َّ
واشتد عليهم الكرب{ ،وقيل لهم ذوقوا إليها ،فذهب عنهم روح ذلك الفرج،
النار الذي كنتُم به ِّ
تكذبون}. ِ
ِّ
المكذبين نموذجاً من العذاب األدنى ،وهو عذاب َّ
ولنذيقن الفاسقين { }21أي:
ٍ
بعذاب بالقتل ونحوه كما جرى ألهل البرزخ ،فنذيقهم طرفاً منه قبل أن يموتوا :إما
{ }23لما ذكر تعالى آياتِ ِه التي َذ َّك َر بها عباده ،وهو القرآن الذي أنزله على
محمد (ص) ،ذكر أنه ليس ببدع من الكتب ،وال من جاء به بغريب من الرسل ،فقد ٍ
القرآن،
ُ ص َّدقَها ِّ
المصدقَةُ للقرآن ،التي قد َ الكتاب} :الذي هو التوراة
َ آتى اللَّه {موسى
تواردت أدلَّة
ْ مرية من لقائِ ِه}َّ :
ألنه قد برهانهما{ .فال تكن في ٍ
ُ فتطابق حقُّهما ،وثبت
محل{ ،وجعلناه}؛ أي :الكتاب الذي آتيناه موسى ِ
والمرية ٌّ الحق وبيناتُه ،فلم يبق ِّ
للشك
يهتدون به في أصول دينهم ،وفروعهم ،وشرائعه موافقةٌ لذلك َ إسرائيل}:
َ {هدى لبني
ً
الزمان في بني إسرائيل ،وأما هذا القرآن الكريم؛ فجعله اللّه هدايةً للناس كلِّهم؛ َّ
ألنه
لكمال ِه ِّ
وعلوه{ ،وإ َّنه في ِّأم ودنياهم إلى يوم القيامة ،وذلك ِ
هدايةٌ للخلق في أمر دينهم ُ
حكيم}.
ـي ٌ الكتاب لَ َد ْينا لَ َعِل ٌّ
يهدون ِ
بأمرنا}؛ أي :علماء َ {وج َعْلنا منهم}؛ أي :من بني إسرائيل{ ،أئمة
{َ }24
بالشرع وطرق الهداية مهتدين في أنفسهم يهدون غيرهم بذلك الهدى؛ فالكتاب الذي
أئمة يهدون ِ
بأمر اللّه ،وأتباعٌ أ ُْن ِزل إليهم هدى ،والمؤمنون به منهم على قسمينَّ :
النبوة والرسالة ،وهي درجةوالقسم األول أرفع الدرجات بعد درجة َّ
ُ مهتدون بهم،
الصديقين ،وإ نما نالوا هذه الدرجة العالية{ ،لما صبروا} :على التعلُّم والتعليم َّ
والدعوة
ِ نفوسهم عن ِجماحها في المعاصي
واسترسالها في إلى اللّه واألذى في سبيله ،وكفُّوا َ
ِ
نون}؛ أي :وصلوا في اإليمان بآيات اللّه إلى درجة الشهوات{ .وكانوا بآياتنا يو ِق َ
ألنهم تعلَّموا
التام الموجب للعمل ،وإ َّنما وصلوا إلى درجة اليقين؛ َّاليقين ،وهو العلم ُّ
تعلُّما صحيحاً ،وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين ،فما زالوا يتعلَّمون المسائل،
ويستدلُّون عليها بكثرة َّ
الدالئل ،حتى وصلوا لذاك؛ فبالصبر واليقين تُنال اإلمامة في
الدين.
َّ
الحق ،ومنهم وثم مسائ ُل اختلف فيها بنو إسرائيل ،منهم من أصاب فيها {َّ }25
ِ
القيامة فيما كانوا فيه بينهم يوم من أخطأه خطأ أو عمداً ،واللّه تعالى {ي ْف ِ
ص ُل َ َ
يقص على بني إسرائيل بعض الذي يختلفون فيه؛ ُّ
فكل خالف يختلفون} :وهذا القرآن ُّ
َ
ُّ
الحق ،وما عداه مما خالفه تصديق ألحد القولين؛ فهو
ٌ وو ِج َد في القرآن
وقع بينهمُ ،
باط ٌل.
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﭽﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ. ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
ِّ
المكذبين للرسول ( )1ويهديهم إلى الصوابـ كم { }26يعني :أولم يتبيـَّن لهؤالء
ِ
فيشاهدونها أهلَ ْكنا قبلهم من القرون الذين َسلَكوا مسلَ َكهم{ ،يمشون في مساكنهم}:
ْ
ُّ
يستدل بها على صدق ٍ
آليات}: عياناً؛ كقوم هود وصالح وقوم لوطَّ .
{إن في ذلك
والشر ،وعلى َّ
أن َم ْن فعل مثل ِّ الرسل التي جاءتهم ،وبطالن ما هم عليه من الشرك
{ }28أي :يستعج ُل المجرمون بالعذاب الذي ُو ِعدوا به على التكذيب جهالً
يفتح بيننا وبينكم بتعذيبنا على زعمكم
الفتح} :الذي ُ
{ويقولون متى هذا ُ
َ منهم ومعاندةً،
{صادقين} :في دعواكم.
َ {إن كنتُم} [أيها الرس ُل]
الج ْهل
{{ }30فأعرض عنهم} :لما وصل خطابهم لك وظلمهم إلى حالة َ
واستعجال العذاب{ .وانتظر} :األمر الذي َي ِح ُّل بهم؛ َّ
فإنه ال َّ
بد منه ،ولكن له أج ٌل إذا
[وهي] مدنية
ﭑﭒﭓ
ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
.ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ
بالنبوة واختصَّه بوحيه َّ
وفضله على { 1ـ }2أي :يا ُّأيها الذي َّ
من اللّهُ عليه َّ
سائر الخلق! اش ُك ْر نعمة ربِّك عليك باستعمال تَ ْقواه التي أنت أولى بها من غيرك،
ِ
ونواهَيه ،وبلِّ ْغ رساالتهِّ ،
وأد فامتثل أوامره
ْ والذي يجب عليك منها أعظم من سواك؛
ك عن هذا المقصود ٌّ
صاد وال ص َّدَّن َ عباد ِه َو ْحَيهُ ،واب ُذ ِل النصيحةَ َ
للخْلق ،وال َي ُ
إلى ِ
كافر قد أظهر العداوة للّه ولرسوله( ،)1وال منافق قد راد ،فال تُ ِطع َّ
كل ٍ يردك عنه ٌّ ُّ
ضده؛ فهؤالء هم األعداء على الحقيقة؛ فال تُ ِط ْعهُم والكفر وأظهر َّ َ التكذيب
َ استبطن
َ
ضها ،وال تتَّبِ ْع أهواءهم؛ يضلُّوك عن ِ
ض التقوى وتناق ُ في بعض األمور التي تنقُ ُ
وارج
ُ فإنه هو الهدى والرحمة،ِّك}َّ :
ك من رب َ الصواب{ .و} لكن {اتَّبِ ْع ما ُيوحى إلي َ
بذلك ثواب ربِّك؛ فإنه {بما تعملون خبيراً} :يجازيكم بحسب ما َي ْعلَ ُمهُ منكم من الخير
والشر.
ِّ
فإن وقع في قلبِك َّأنك إن لم تُ ِط ْعهم في أهوائهم المضلَّة؛ حصل عليك
{ْ }3
واستعمل ما
ْ نقص في هداية الخلق؛ فادفَ ْع ذلك عن نفسك،
ضرر ،أو حصل ٌ ٌ منهم
تعتمد على ربِّك اعتماد م ْن ال ِ ويقاوم غيره ،وهو ُّ
يقاو ُمه ِ ُ
ك
يمل ُ َ َ التوكل على اللّه؛ بأن ِ
شرهم وفي إقامةضرا وال نفعاً وال موتاً وال حياةً وال نشوراً في سالمتك من ِّلنفسه ًّ
أمرت به ،وثِ ْق باللّه في ُحصول ذلك األمر على ِّ
أي حال كان. َ الدين الذي
ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ
يدعيه وهو أبناءكم} :واألدعياء :الولد الذي كان الرجل َّ ِ
ياءكم َ {وما َج َع َل ْأدع َ
تبنيه َّإياه؛ كما كان األمر في الجاهلية ( )2وأول اإلسالم، ليس له ،أو ُيدعى إليه بسبب ِّ
وكذب،
ٌ بيان قُبحهَّ ،
وأنه باط ٌل فقدم بين يدي ذلك َ فأراد اللّه تعالى أن ُي ْب ِطلَه ويزيلَهَّ ،
يعرفون به حالة الرسول (ص) ومرتََبتَه، { }6يخبر تعالى المؤمنين خبراً ِ
{النبي أولى بالمؤمنين من أنفُ ِسهم} :أقرب ما
ُّ فيعاملونه يمقتضى تلك الحالة ،فقال: ِ
ألنه عليه الصالة والسالم نفس ِه؛ َّ
لإلنسان وأولى ما له نفسه؛ فالرسو ُل أولى به من ِ
ُ
النصح والشفقة والرأفة ما كان به أرحم الخلق وأرأفهم؛ فرسو ُل اللّه َب َذ َل لهم من ُّ
ذر ٍة من الخير وال اندفَ َع كل ٍ
أحد؛ َّ
فإنه لم يصل إليهم مثقا ُل َّ أعظم الخلق ِمَّنةً عليهم من ِّ
ُ
الشر إالَّ على يديه وبسببه؛ فلذلك وجب عليهم إذا تعارض
()1
ذر ٍة من ِّ عنهم مثقا ُل َّ
وأن ال أحد من الناس مع ِ مراد ٍ
أن يقدم مراد الرسولْ ، مراد الرسول ْ مراد النفس أو ُ
ُ
يعارض قول الرسول بقول ٍ
وأن َي ْفدوه بأنفسهم وأموالهم وأوالدهم،
أحد كائناً ما كانْ ، ِ َ
ق كلِّهم ،وأالَّ يقولوا حتى يقو َل ،وال َّ
يتقدموا بين يديه، محبته على محبة الخل ِ ِّ
ويقدموا َّ
الوالد
ُ يربـي ِ
بعض الصحابة يربِّيهم كما ِّ أب للمؤمنين؛ كما في قراءة
وهو (ص) ٌ
أن كان نساؤه أمهاتِ ِهم؛ أي :في الحرمة واالحترام أوالده ،فترتَّب على هذه َّ
األبوة ْ
وكأن هذا ِّ
مقدمة لما سيأتي في قصة زيد بن َّ
والمحرميةَّ ، واإلكرام ،ال في الخلوة
محمد أبا ٍ
أحد من كان
ٌ حارثة ،الذي كان ُي ْدعى قب ُل زيد بن محمد ،حتى أنزل اللّه{ :ما َ
وانتسابه منه. ِ
رجالكم} ،فقطع َن َسَبه
َ
ألحد عن ٍ
أحد، مزية ٍ أن المؤمنين كلَّهم ٌ
أوالد للرسول؛ فال َّ فأخبر في هذه اآلية َّ
يحزن ينقطع عنه؛ فال ـي لم
النسب اإليمان َّ انتساب الدعوة؛ َّ
فإن وإ ن انقطع عن ِ
أحدهم
ْ ْ َ ُ َ
()2
يحللن
َ أمهات المؤمنينَّ :أن َّ
هن ال ُ أن زوجات الرسول يأسف ،وترتَّب على َّ
ْ وال
بعد ِه أبدا.
يحل لكم أن تَْن ِكحوا أزواجه من ِ
َ
ٍ
ألحد من بعده؛ كما سيصرح ( )3بذلك ،وال ُّ
ّ
ٍ
ببعض في كتاب بعضهم أولى
{وأولو األرحام}؛ أي :األقارب قَ ُربوا أو بعدوا { ُ
بعضهم بعضاً؛ فهم أولى من الحلف
ويبر ُ
بعضهم بعضاً ُّ
فيرث ُ
ُ اللّه}؛ أي :في حكمه،
واألدعياء الذين كانوا من قب ُل يرثون بهذه األسباب دون ذوي األرحام،
ُ والنصرة،
{ 7ـ }8يخبر تعالى َّأنه أخذ من النبيِّين عموماً ومن أولي العزم ـ وهم هؤالء
َّ
المؤكد على القيام بدين وعهدهم الثقيل
َ ظ
الخمسة المذكورون خصوصاً ـ ميثاقَهم الغلي َ
ِّ
المتقدمون ،حتى ُختموا األنبياء وأن هذا سبي ٌل قد مشى عليه ِ
والجهاد في سبيلهَّ ، اللّه
ُ
بسيِّدهم وأفضلهم محمد (ص) ،وأمر الناس باالقتداء بهم ،وسيسأل اللّه األنبياء
ِ
جنات النعيم ،أم كفروا وصدقوا فيثيبهم
َ وأتباعهم عن هذا العهد الغليظ؛ هل َوفوا فيه
عاهدوا اللّه عليه}.
ص َدقوا ما َ ِّ
المؤمنين رجا ٌل َ
َ فيعذبهم العذاب األليم؟ قال تعالى{ :من
ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﭼ.
عباده المؤمنين نعمته عليهم ،ويحثُّهم على شكرها حين { 9ـ ِّ }11
يذكر تعالى َ
جنود أهل َّ
مكة والحجاز من فوقهم وأهل نجد من أسف َل منهم ،وتعاقَدوا ُ جاءتهم
وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة ،وذلك في وقعة الخندق ،وماألتهم
وخندق
َ ٍ
عظيمة وأمم كثيرة، ٍ
بجنود طوائف اليهود الذين حوالي المدينة ،فجاؤوا
ُ
ِ
وبلغت القلوب َّ
واشتد األمر، رسو ُل اللّه (ص) على المدينة ،فحصروا المدينة،
ِ
أقطارها}؛ أي :لو دخل الكفار إليها {{ }14ولو ُدخلت عليهم} :المدينةُ {من
من نواحيها واستولوا عليها؛ ال كان ذلك ،ثم ُسئِ َل هؤالء {الفتنة}؛ أي :االنقالب عن
دينهم والرجوع إلى دين المستولين المتغلبين{ ،ألتَ ْوها}؛ أي :ألعطوها مبادرين{ ،وما
تَلََّبثوا بها إالَّ يسيراً}؛ أي :ليس لهم منعة وال تصلُّب على الدين ،بل َّ
بمجرد ما تكون
الدولة لألعداء؛ يعطونهم ما طلبوا ،ويوافقونهم على كفرهم.
وكان ُّ
األدبار َ
َ ون
{ }15هذه حالهم ،والحال أنهم قد {عاهدوا اللّه من قب ُل ال يول َ
عهد اللّه مسؤوالً} :سيسألُهم عن ذلك العهد ،في ِج ُدهم قد َنقَضوه؛ فما ُّ
ظنهم إذاً بربِّهم؟! ُ
أن األسباب كلَّها ال تغني عن العبد شيئاً إذا أراده اللّه بسو ٍء، { }17ثم َّبين َّ
يمن ُعكم من {اللّ ِه ْ
إن أراد بكم سوءاً}؛ أي: فقال{ :قل من ذا الذي ِ
يعص ُمكم}؛ أيَ :
فإنه هو المعطي المانع ،الضار النافع ،الذي ال يأتي شرا{ ،أو أراد بكم رحمةً}َّ : ًّ
وليا} :يتوالَّهميجدون لهم من دون اللّه ًّ
َ بالخير إالَّ هو ،وال يدفعُ السوء إالَّ هو{ ،وال
المضار؛ فْليمتثلوا طاعة
َّ فيجلب لهم المنافع ({ )2وال نصيراً} :ينصرهم ( )3فيدفعُ عنهم
ينفع مع ترك واليتِ ِه
قدره ولم ْ
ِّ
المنفرد باألمور كلها ،الذي نفذت مشيئتُه ومضى ُ
ناصر.
ٌ ونصرتِ ِه ول ٌّ
ـي وال
األمر على رسوِل ِه ،وأن يرفع درجةَ زوجاتِ ِه، َّ
منهن شهراً ،فأراد اللّه أن يسهِّ َل َ
ِّرهن ( ،)2فقال{ :يا ُّأيها
أجرهن فأمر رسولَه أن يخي َّ
َّ كل أمر ينقص عنهن َّ
َّ ب ِ
وي ْذه َ
ُ
مطلب،
ٌ تردن الحياةَ ُّ
الدنيا}؛ أي :ليس لَ ُك َّن في غيرها ألزواجك إن َّ
كنتن َ ِ قل
النبي ْ
ُّ
َّ
وأنتن بهذه أرب وحاجةٌ
فيكن ٌ وتغضبن ِلفَ ْق ِدها؛ فليس لي َّ
َ ترضين لوجودها َ َّ
وصرتن
{وأسر ْح ُك َّن}؛ أي :أفارقكن
ِّ الحال{ ،فتعالَْين أمتِّ ْع ُك َّن} :شيئاً مما عندي من الدنيا،
صدر وانشراح بال ،قبل أنمشاتمة ،بل بسعة ٍ ٍ ٍ
مغاضبة وال {سراحاً جميالً} :من دون
تبلغ الحا ُل إلى ما ال ينبغي.
َ
والدار اآلخرة}؛ أي :هذه األشياء
َ {{ }29وإ ن ُكنتُ َّن تُِر ْد َن اللّه ورسولَه
تبالين بسعة الدنيا
َ مراد ُك َّن وغايةُ مقصو ِد ُك َّن ،وإ ذا حصل لَ ُك َّن اللّه ورسوله والجنة؛ لم
ُ
تطلبن منه ما ُّ
يشق َ َّ
وقنعتن من رسول اللّه بما تيسَّر ،ولم وعسرها،
ويسرها ُ وضيقها ُ
َّ
وصفهن منكن أجراً عظيماً} :رتَّب األجر على ِ
للمحسنات َّ {فإن اللّه َّ
أعد عليهَّ ،
مجرد ذلك ال ٍ
زوجات للرسول؛ َّ َّ باإلحسان؛ َّ
فإن َ لكونهن ألنه السبب الموجب لذلك ،ال
فاخترن
َ يفيد شيئاً مع عدم اإلحسانَّ ،
فخي َر ُه َّن رسول اللّه (ص) في ذلك، يكفي ،بل ال ُ
يتخلف َّ
منهن واحدةٌ رضي اللّه عنهن. ْ
()3
اللّه ورسوله والدار اآلخرة كلُّهن ،لم
فوائد عديدة:
وفي هذا التخيير ُ
االعتناء برسوله والغيرةُ عليه أن يكون بحالة ُّ
يشق عليه كثرةُ مطالب ُ منها:
َّ
الدنيوية. زوجاته
ومنها :سالمتُه (ص) بهذا التخيير من تَبِ َع ِة حقوق الزوجاتَّ ،
وأنه يبقى في
فرض اللّه
َ النبي من حرج فيما
حرية نفسه إن شاء أعطى وإ ن شاء منع ،ما كان على ِّ ِّ
له.
َّ
هممهن أن كان اللّهُ ورسولُه علو َّ
درجتهن وبيان ِّ وعلو َّ
رفعتهن ِّ ومنها :إظهار
ومقصودهن دون ُّ
الدنيا وحطامها. َ مراد ُه َّن
والدار اآلخرة َ
استعداد ُه َّن بهذا االختيار لألمر الخيار للوصول إلى خيار درجات
ُ ومنها:
يكن زوجاتِ ِه في ُّ
الدنيا واآلخرة. وأن َّ
الجنة ْ
وبينهن؛ َّ
فإنه أكمل الخلق ،وأراد اللّه أن تكون َّ ظهور المناسبة بينه
ُ ومنها:
ِّبون للطيبات}. مطي ٍ ٍ
طيبات َّ مكم ٍ ٍ
ِّبات للطيبين والطي َ
بات{ ،الطي ُ الت كامالت َّ نساؤه
وينشرح لها
ُ القلب ُّ
يطمئن لها ُ داع وموجب للقناعة التي ومنهاَّ :
أن هذا التخيير ٍ
الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابِ ِه َّ
عنهن جشعُ الحرص وعدم ِّ الصدر ،ويزول
ُ
وغمه.
وه ِّـمه ِّ
أجرهن ومضاعفتِ ِه ،وأن َّ
يكن َّ َّ
اختيارهن هذا سبباً لزيادة ومنها :أن يكون
أحد من النساء ،ولهذا قال: ٍ
بمرتبة ليس فيها ٌ
ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ.
َّ
أجرهن والدار اآلخرة؛ َذ َك َر مضاعفَة
َ اخترن اللّه ورسولَه
َ { }30لما
َّ
وشكرهن اللّه تعالى، َّ
حذرهن ثمهن لو جرى َّ
منهن؛ ليزداد ومضاعفةَ ِو ْز ِر ِه َّن وإ َّ
العذاب ضعفين. ٍ
بفاحشة ظاهر ٍة لها فجعل من أتى َّ
منهن
ُ
وتعمل صالحاً قليالً أو
ْ ت َّ
منكن}؛ أي :تطيع اللّهَ ورسولَه {ومن َي ْقُن ْ
{َ }31
{وأعتَ ْدنا لها رزقاً
مرتينْ ، تين}؛ أي :مثل ما نعطي غيرها َّ مر ِ كثيراً{ ،نؤتِها ْ
أج َرها َّ
َّ
أجرهن. وع ِمْل َن صالحاً ،فعلم بذلك ِ
كريماً} :وهي الجنة ،فَقََنتْ َن للّه ورسوله َ
ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ. ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
{لستن ٍ
كأحد من النساء َّ لهن َّ
كلهن خطاب َّ ـي}ـ:
نساء النـب ِّ
ٌ { }32يقول تعالى{ :يا َ
فكمْل َن التقوى
أحد من النساء؛ ِّ إن اتَّقَْيتُ َّن} :اللّه؛ َّ
فإن ُك َّن بذلك تفقن النساء وال يلحق ُك َّن ٌ ِ
أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم ،فقال{ :فال َّ بجميع وسائلها ومقاصدها ،فلهذا
ض ْع َن بالقول}؛ أي :في مخاطبة الرجال ،أو بحيث يسمعون ،فَتَِل َّن في ذلك، تَ ْـخ َ
مرض}؛ أي :مرض شهوة الزنا ٌ وتتكلَّ ْم َن بكالم رقيق ،يدعو ويطمع {الذي في قلبِ ِه
فإن القلب الصحيح ليس غير صحيح؛ َّ يحر ُكه َّ ٍ ٌّ
ألن قلبه ُ محرك ِّ ينتظر أدنى
ُ مستعد فإنه
ِ
لصحة قلبه فإن ذلك ال تكاد تُميله وال تُحركه األسباب حرم اللّه؛ َّفيه شهوةٌ لما َّ
يتحم ُل الصحيح ،وال
يتحم ُل ما َّ
القلب الذي ال َّ وسالمتِ ِه من المرض؛ بخالف مريض ِ
فليجتهد في
ْ فليعرف َّ
أن ذلك مرض، ْ انصرفت إلى الحرام،
ْ طمع ِه قد
ويجد دواعي ِ
َّ
الردية ومجاهدة نفسه على سالمتها من هذا إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر
المرض الخطر وسؤال اللّه العصمة والتوفيقَّ ،
وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به.
{إن اللّه كان لطيفاً خبيراً} :يدرك سرائر ( )1األمور وخفايا الصدور وخبايا َّ
ِ
السماوات واألرض واألعمال التي تَبين وتُ َس ُّر؛ فلطفُه وخبرتُه يقتضي حثُّ َّ
هن على
ومجازاة اللّه على تلك األعمال .ومن معاني اللطيف: ِ اإلخالص وإ سرار األعمال
ويسوق
ُ ق ٍ
خفية ال يشعر بها، الشر بطر ٍ
ويعص ُمه من ِّ ِ عبده إلى الخير،
يسوق َ
ُ الذي
تكرهها النفوس ،ما يكون ذلك
ُ إليه من الرزق ما ال يدريه ،ويريه من األسباب التي
طريقاً له إلى أعلى الدرجات وأرفع المنازل.
ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭼ.
سماه في
أن اللّه َّ منها :الثناء على زيد بن حارثة ،وذلك من وجهينِ :
أحدهماَّ : ُ
أي:أن اللّه أخبر َّأنه أنعم عليه؛ ْ
يسم من الصحابة باسمه غيره .والثانيَّ : القرآن ولم ِّ
مؤمن ظاهراً وباطناً ،وإ الَّ ؛
ٌ بنعمة اإلسالم واإليمان ،وهذه شهادةٌ من اللّه له أنه مسلم
أن ( )3المراد بها النعمة الخاصة.فال وجه لتخصيصه بالنعمة؛ إالَّ َّ
ق في نعمة المعتِ ِ
ق. ومنها :أن ال ُـم ْعتَ َ
ومنهاَّ :
أن من الرأي الحسن لمن استشار في فراق زوجة أن ُي ْؤ َم َر بإمساكها
صالح الحال؛ فهو أحسن من الفرقة.
ُ مهما أمكن
وأنها ُّ
أحق منها يتعيـن أن ِّ
يقدم العبد خشية اللّه على خشية الناسَّ ، ومنهاَّ :أنه َّ
وأولى.
ومنها :فضيلةُ زينب رضي اللّه عنها أم المؤمنين؛ حيث تولَّـى اللّه تزويجها
تفتخر بذلك على أزواج ٍ
شهود ،ولهذا كانت من رسوله (ص) من دون خطبة وال
ُ
ٍ
سماوات (.)4 وزو َجني اللّه من فوق سبع َّ
أهاليكن َّ زو َج ُك َّن
رسول اللّه (ص) ،وتقولَّ :
{ }38هذا دفعٌ لطعن من طعن في الرسول (ص) في كثرة أزواجهَّ ،
وأنه
حرج}؛ أي :إثم وذنب {فيما
ٍ النبي من
مطعن فيه ،فقال{ :ما كان على ِّ
َ طعن بما ال
ٌ
فإن هذا قد أباحه اللّه له كما أباحه لألنبياء ض اللّه له}؛ أيَّ :
قدر له من الزوجات؛ َّ فَ َر َ
أمر اللّه قَ َدراً َم ْقدوراً}؛ أي:
قبلَه ،ولهذا قال{ :سنةَ اللّه في الذين َخلَوا من قب ُل وكان ُ
وقوع ِه.
ِ ال َّ
بد من
ِ
رجالكم}ُّ :أيها األمة، {محمد}( :ص) {أبا ٍ
أحد من ٌ { }40أي :لم يكن الرسول
عاما في جميع النفي ًّ
فقطع انتساب زيد بن حارثة منه من هذا الباب .ولما كان هذا ُ
أبوة ادعاء ،وكان أبوة نسب وال َّإن ُح ِـم َل ظاهر اللفظ على ظاهره؛ أي :ال َّ
األحوال ْ
وأزواجه أمهاتُهم،
َ أب للمؤمنين كلِّهم،
أن الرسول (ص) ٌ تقرر فيما َّ
تقدم َّ َّ
()1
قد
يدخل هذا النوع بعموم النهي المذكور؛ فقال{ :ولكن رسو َل اللّه وخاتَ َم
فاحترز أن ُ
{{ }42وسبِّحوه بكرةً وأصيالً}؛ أي :أول النهار وآخره؛ لفضلهما وشرفهما
وسهولة العمل فيهما.
ِ
الظلمات إلى النور {{ }43هو الذي يصلِّـيـ علي ُكم ومالئكتُه ِ
ليخر َجكم من
أن َج َع َل من صالتِ ِه
وكان بالمؤمنين رحيماً}؛ أي :من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم ْ
يخرجهم من ظلمات ُّ ِ ِِ
الذنوب والجهل إلى عليهم وثنائه وصالة مالئكته ودعائهم ما ِ ُ
نور اإليمان والتوفيق والعلم والعمل؛ فهذه أعظم ٍ
نعمة أنعم بها على العباد الطائعين، ِ
ُ
تستدعي منهم شكرها واإلكثار من ذكر اللّه الذي لطف بهم ورحمهم وجعل حملةَ
ويستغفرون للذين آمنوا، عرشه أفضل المالئكة ومن حوله يسبِّحون ِ
بحمد ربِّهم، ِ
َ
ك و ِق ِه ْمشيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتََّبعوا سبيلَ َ كل ٍ
وسعت ََّ {ربنافيقولونَّ :
صلَ َح من آبائهم جنات ٍوأد ِخْلهم ِ عذاب الجحيمَّ .
ومن َ عدن التي َو َع ْدتَهم َ ربنا ْ َ
ٍ
يومئذ ِ
السيئات ومن تَ ِ
ق ِ ِِ وأزواجهم و ُذ ِّرَّياتِ ِهم َّإنك أنت
العزيز الحكيم .وقه ُم السيئات َ
ُ
الدنيا.الفوز العظيم} :فهذه رحمتُه ونعمتُه عليهم في ُّفقد َر ِح ْـمتَه وذلك ُ
{ }44وأما رحمتُه بهم في اآلخرة؛ ُّ
فأجل رحمة وأفض ُل ثواب ،وهو الفوز
وتحيته ،واستماع كالمه الجليل ،ورؤية وج ِه ِه الجميل ،وحصول األجر
برضا ربِّهم َّ
ف ُك ْنهَهُ إالَّ من أعطاهم إياه ،ولهذا قالَّ :
{تحيتُهم يوم الكبير الذي ال يدريه وال ِ
يعر ُ
سالم َّ
وأعد لهم أجراً كريماً}. َيْلقَ ْوَنه ٌ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ.
{ }45هذه األشياء التي وصف اهلل بها رسولَه محمداً (ص) هي المقصود من
اختص بها ،وهي خمسةُ أشياء:
َّ رسالتِ ِه وزبدتها وأصولها التي
َّ
المبشر والمن َذر وما الثاني والثالث :كونه ِّ
{مبشراً ونذيراً} :وهذا يستلزم ذكر
َّ
فالمبشر هم المؤمنون المتقون ،الذين جمعوا وي ْن َذ ُر واألعمال الموجبة لذلك: َّ
يبشر به ُ
البشرى في الحياة الدنيا بكل ثواب بين اإليمان والعمل الصالح وترك المعاصي ،لهم ُ
ب على اإليمان والتقوى ،وفي األخرى بالنعيم المقيم ،وذلك كلُّهوديني ُرتِّ َ
ٍّ دنيوي
ٍّ
يستلزم ذكر تفصيل المذكور من تفاصيل األعمال وخصال التقوى وأنواع الثواب.
والمن َذر هم المجرمون الظالمون ،أه ُل الظلم والجهل ،لهم النذارةُ في الدنيا من
والدينية المرتَّبة على الجهل والظلم ،وفي األخرى بالعقاب الوبيل
َّ َّ
الدنيوية العقوبات
َّ
والسنة المشتمل والعذاب الطويل .وهذه الجملة تفصيلُها ما جاء به (ص) من الكتاب
على ذلك.
كونه {داعياً إلى اللّه}؛ أي :أرسله اللّه يدعو الخلق إلى ربِّهم
{ }46الرابعُ :
ويأم ُرهم بعبادتِ ِه التي ُخلقوا لها ،وذلك يستلزم استقامتَه على ما
ُ لكرامته ()2
ويشوقُهم
ِّ
وذ ْك َر تفاصيل ما يدعو إليه؛ بتعريفهم لربِّهم بصفاتِ ِه َّ
المقدسة ،وتنزيهه عما يدعو إليه ِ
العبودية ،والدعوة إلى اللّه بأقرب طريق موصل إليه،َّ بجالل ِه ،وذكر أنواع
ِ ال َيليق
- 1في (ب)« :مشاهداً».
- 2في (ب)« :ويسوقهم».
حق حقَّه ،وإ خالص َّ
الدعوة إلى اللّه ال إلى نفسه وتعظيمها؛ كما قد كل ذي ٍّ وإ عطاء ِّ
يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام ،وذلك كلُّه بإذن ربه له ( )1في الدعوة ُ
وأمره وإ رادتِ ِه وقدره.
أن الخلق في ظلمة عظيمة ،ال الخامس :كونه {سراجاً منيراً} وذلك يقتضي َّ
النبي نور ُيهتدى به في ظلماتها ،وال علم ُي ُّ
ستدل به في جهاتها ،حتى جاء اللّه بهذا ِّ
الكريم ،فأضاء اللّه به تلك الظلمات ،وعلَّم به من الجهاالت ،وهدى به ضالالً إلى
ض َح لهم الطريق ،فَ َم َش ْوا خلف هذا
الصراط المستقيم ،فأصبح أهل االستقامة قد َو َ
ِ
لمعرفة والشر وأه َل السعادة من أهل الشقاوة ،واستناروا به
َّ اإلمام ،وعرفوا به الخير
وأفعال ِه السَّديدة وأحكامه الرشيدة.
ِ ِ
الحميدة بأوصاف ِه
ِ معبو ِدهم ،وعرفوه
{ }48ول َّـما كان ثََّم طائفةٌ من الناس مستعدةٌ للقيام ِّ
بصد الداعين إلى اللّه من
الرسل وأتباعهم ،وهم المنافقون الذين أظهروا الموافقةَ في اإليمان وهم كفرةٌ فجرةٌ
في الباطن ،والكفار ظاهراً وباطناً؛ نهى اللّه رسوله عن طاعتهم وحذره ذلك ،فقال:
والمنافقين}؛ أي :في ِّ
كل أمر ُّ
يصد عن سبيل اللّه ،ولكن ال يقتضي َ الكافرين
َ {وال تطع
وداع إلى قبول اإلسالم
جالب لهم ٍ
ٌ ع أذاهم}َّ :
فإن ذلك هذا أذاهم ،بل ال تُ ِط ْعهُمَ ،
{ود ْ
{ }49يخبر تعالى المؤمنين َّأنهم إذا نكحوا المؤمنات ثم طلَّ َّ
قوهن من قبل أن
َّ
بتمتيعهن بهذه َّ
أزواجهن عليهن ،وأمرهم عدةٌ ُّ
يعتدها عليهن في ذلك َّ
َّ َي َمس َّ
ُّوهن؛ فليس
َّ
فراقهن ،وأن َّ
لخواطرهن ألجل جبر الحالة بشيء من متاع ُّ
الدنيا الذي يكون فيه ٌ
ٍ
مطالبة وال غير ذلك. ٍ
مشاتمة وال ٍ
مخاصمة وال ِ
يفار َّ
قوهن فراقاً جميالً من غير
يكون إالَّ بعد النكاح ،فلو طلَّقها قبل أنأن الطالق ال ُ ُّ
ويستدل بهذه اآلية على َّ
ِ
المؤمنات ثم ينكحها أو علَّق طالقَها على نكاحها؛ لم يقع؛ لقوله{ :إذا َن َك ْحتُُم
َ
موهن} ،فجعل الطالق بعد النكاح ،فدل على َّأنه قبل ذلك ال َّ
محل له .وإ ذا كان طلَّ ْقتُ َّ
ٍ
لظهار أو فالتحريم الناقص
ُ تام ال يقع قبل النكاح؛
وتحريم ٌّ
ٌ الطالق الذي هو فرقةٌ تامةٌ
ُّ
أصح قولي العلماء. يقع قبل النكاح؛ كما هو ٍ
إيالء ونحوه من باب أولى وأحرى أن ال َ
ألن اللّه أخبر به عن المؤمنين على ٍ
وجه لم يلُمهم و[يدل] على جواز الطالق َّ
عليه ،ولم ِّ
يؤنبهم مع تصدير اآلية بخطاب المؤمنين.
كأباح له تَْر َ
{ }51وهذا أيضاً من توسعة اللّه على رسوله ورحمته به أن َ
إن فَ َع َل ذلك؛ فهو تبرعٌ منه ،ومع ذلك؛ القَ ْسم بين زوجاتِ ِه على وجه الوجوبَّ ،
وأنه ْ
كل ٍ
شيء ،ويقول« :اللهم! هذا قَ ْسمي فيما بينهن في ِّ
َّ يجتهد في القَ ْسم
ُ فقد كان (ص)
منهن}؛ أي :تؤخر من أملك» ( ،)2فقال هنا{ :تُْرجي َمن تشاء َّ أملك؛ فال تَلُمني فيما ال ِ
ْ
- 1في (ب)« :الموهبة».
- 2أخرجه أحمد ( ،)6/144وأبو داود ( ،)2134وابن ماجه ( ،)1971والنسائيـ (،)7/64
والترمذيـ ( ،)1140وابن حبان ( ،)10/5والحاكمـ ( ،)2/182وصححه ووافقه الذهبي ،واختلفـ
تشاء}؛ أي:
تبيت عندها{ ،وتُؤوي إليك َمن ُ
أردت من زوجاتك ،فال تؤويها إليك ،وال ُ
َ
{ابتغيت}؛ أي :أن
َ تضمها وتبيت عندها{ ،و} مع ذلك؛ ال َّ
يتعي ُـن هذا األمر .فمن ُّ
كثير من ِّ عليك} :والمعنى َّ
أن الخيرة بيدك في ذلك كله .وقال ٌ َ تؤويها{ ،فال ُجناح
يشاء؛ أي :إن
خاص بالواهبات له أن ُيرجي من يشاء ويؤوي من ُ ٌّ المفسِّرينَّ :
إن هذا
شاء؛ قَبِ َل َم ْن َو َهَب ْ
ت نفسها له ،وإ ن شاء؛ لم يقبلها .واللّه أعلم.
ثم قال كلمةً جامعةً وقاعدةً عامةً{ :وما كان لكم} :يا معشر المؤمنين؛ أي:
أقبح شيء{ ،أن تُؤذوا رسو َل اللّه}؛ أيَّ :
أذية ٍ
مستحسن منكم ،بل هو ُ غير الئ ٍ
ق وال
أزواجه من بعده أبداً} :هذا من نكحوافعلية بجميع ما يتعلَّق به{ ،وال أن تَ ِ
قولية أو ََّّ
َ
وتزو ُج زوجاتِ ِه َ
بعده ِ
والرفعة واإلكرامُّ ، مقام التعظيم
فإنه (ص) له ُ جملة ما يؤذيه؛ َّ
َّ
والزوجيةُ باقيةٌ بعد فإنهن زوجاتُه في ُّ
الدنيا واآلخرة، َّ ٌّ
مخل بهذا المقام ،وأيضاً؛
ـحل نكاح زوجاتِ ِه بعده ٍ
ألحد من أمتهَّ .
{إن ذلكم كان عند اللّه موته؛ فلذلك ال ي ُّ ُ
واجتنبت ما نهى اللّه عنه منه ،وللّه الحمد
ْ امتثلت هذه األمة هذا األمر،
ْ عظيماً} :وقد
والشكر.
{ 57ـ }58لما أمر تعالى بتعظيم رسوله (ص) والصالة والسالم عليه؛ نهى
أذية يؤذون اللّه ورسولَه} :وهذا يشم ُل َّ
كل َّ َ َّ
وتوعد عليها ،فقالَّ :
{إن الذين عن َّ
أذيته،
سب وشتم أو تنقُّص له أو لدينه أو ما يعود إليه باألذى{ ،لَ َعَنهُ ُم اللّه قولية أو َّ
فعلية من ٍّ َّ
الدنيا}؛ أي :أبعدهم وطردهم ،و ِم ْن لَ ْعنِ ِهم في ُّ
الدنيا أنه يتحتَّم ( )2قت ُل من شتم في ُّ
جزاء له على أذاه أن ُيؤذى
ً َّ
وأعد لهم عذاباً [مهيناً]} (:)3 الرسول وآذاه{ ،واآلخر ِة
يبدأ بأهله قبل غيرهم؛ كما قال تعالى{ :يا ُّأيها الذين آمنوا قُوا َ
أنفسكم وأهليكم ناراً}.
ٍ
وخمار ٍ
ملحفة وهن الالَّتي َي ُك َّن فوق الثياب من
هن}َّ : عليهن من جالبيبِ َّ َّ نين
{أن ُي ْد َ
وصدورهن ،ثم ذكر حكمة ذلك ،فقال{ :ذلك َ وجوههن
َ ورداء ونحوه؛ أي :يغطِّين بها ٍ
َّ
ألنهن إذا لم أذي ٍة إن لم يحتَ ِج ْبن ،وذلك
دل على وجود َّ أدنى أن ُي ْعر ْف َن فال ُي ْؤ َذ ْي َن}َّ :
َ
َّ
فيؤذيهن، مرض،
ٌ فيتعرض لَه َّن م ْن في ِ
قلبه ٍ
عفيفاتَّ ، ظن َّ
أنهن غير ربما َّ يحتج ْبنَّ ،ِ
ُ َ
حاسم
ٌ فاالحتجاب
ُ الشر؛
يريد َّ
بهن من ُأنهن إماء ،فتهاون َّ
بهن ،وظُ َّن َّ
وربما استُهين َّ
ور ِح َـم ُكم
ف َ لمطامع الطامعين َّ
فيهن{ .وكان اللّه غفوراً رحيماً} :حيث غفر لكم ما َسلَ َ
َّ
جهتهن. بأن َّبين لكم األحكام وأوضح الحالل والحرام؛ فهذا ٌّ
سد للباب من
- 1كذا في النسختين.
- 2في (ب)« :وألنه».
وقوتِ ِهم وضعف المسلمين ،ولم
المتحدثون بكثرتِ ِهم َّ
()1
ِّ المخوفون المر ِهبون األعداء،
ِّ
ِ
وتوسو ُس أنفسهم إليهم، َّ ِ
ليعم ذلك كل ما توحي به ُالمعمول الذي ينتهون عنه؛ َّ
َ يذكر
بسب اإلسالم وأهله ،واإلرجاف بالمسلمين، الشر من التعريض ِّ
به ،وتدعو إليه من ِّ
والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة .وغير ذلك من المعاصي
ُّ وتوهين قُواهم،
الصادرة من أمثال هؤالء.
ك بهم}؛ أي :نأمرك بعقوبتهم وقتالهم ونسلِّطك عليهم ،ثم إذا فعلنا ذلك؛ {لَُن ْغ ِرَيَّن َ
ك فيها إالَّ
رون َ ال طاقةَ لهم بك ،وليس لهم قوةٌ وال امتناعٌ ،ولهذا قال{ :ثم ال ِ
يجاو َ
قليالً}؛ أي :ال يجاورونك في المدينة إالَّ قليالً؛ بأن تقتُلَهم أو تنفيهم ،وهذا فيه دلي ٌل
للشر وأبعد
فإن ذلك أحسم ِّ ض َّرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين؛ َّ الشر الذين ُيتَ َ
لنفي أهل ِّ
ِ ِ
{ملعونين أينما ثُقفوا أُخذوا وقُتِّلوا تَ ْقتيالً}؛ أيَ :
()2
حيث
مبعدين ُ َ ويكونون
َ منه،
قرار ،يخشون أن ُيقتلوا أو ُيحبسوا أو
ٌ لهم ()3
يقر
أمن ،وال ُّ
يحص ُل لهم ٌُ ُو ِجدوا ،ال
يعاقَبوا.
وتجرأ ِ
العصيان َّ أن َمن تمادى في {سَّنةَ اللّه في الذين َخلَ ْوا من قب ُل}َّ :
{ُ }62
لسن ِة اللّه تبديالً}؛ أي:
{ولن تَـ ِج َد َّ
فإنه يعاقَب عقوبةً بليغةًْ ، على األذى ولم ِ
ينته منه؛ َّ
تغييراً ،بل سنته تعالى وعادتُه جاريةٌ مع األسباب المقتضية ألسبابها.
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮒ ﭼ. ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
وبعضهم تكذيباً
ُ الناس عن الساعة استعجاالً لها،
{ }63أي :يستخبرك ُ
{إنما علمها عند اللّه}؛ أي :ال يعلمها إالَّ
لوقوعها وتعجيزاً للذي أخبر بهاُ { ،قل} لهمَّ :
ُ ُ
ك َّ
لعل تستبطئوها{ ،وما ُي ْدري َ
()4
علم ،ومع هذا؛ فال
اللّه؛ فليس لي وال لغيري بها ٌ
تكون قريباً}.
الساعةَ ُ
{ }68ولما علموا َّأنهم هم وكبراءهم مستحقُّون للعقاب؛ أرادوا أن يشتفوا م َّـم ْن
ض ْعفَْي ِن من العذاب واْل َع ْنهم لَعناً كبيراً} :فيقول اللّه ٍّ
{لكل أضلُّوهم ،فقالواَّ :
{ربنا آتهم ِ
ضعف} :فكلُّكم اشتركتُم في الكفر والمعاصي ،فتشتركون في العقاب ،وإ ْن تفاوت
ِ
تفوات الجرم. بعضكم على بعض بحسب عذاب ِ
ُ
. ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ائتمن اللَّه عليها المكلَّفين ،التي هي امتثال شأن األمانةَ التي ِّ
َ { }72يعظم تعالى َ
ضها السر والخفية كحال العالنيةَّ ،
وأنه تعالى َع َر َ األوامر واجتناب المحارم في حال ِّ
وأن ِك ٍ
تخيير ال تحتيمَّ ، عرض
َ
ِ
السماوات واألرض والجبال على المخلوقات العظيمة
ِ
فعليك الثواب ،وإ ْن لم تَقومي بها ولم ِّ
تؤديها؛ وأد ْيتِيها على وجهها؛ ِ
فلك قمت بها َّ إن ِ
ُ
يقمن بما حملن ،ال عصياناً ِ
{فأب ْي َن أن َي ْـحمْلَنها وأشفَ ْق َن منها}؛ أي :خوفاً أن ال َ
العقابَ ،
لربِّهن وال زهداً في ثوابه ،وعرضها اللّه على اإلنسان على ذلك الشرط المذكور،
وجهل ِه ،وحمل هذا الحمل الثقيل.
ِ ظلم ِه
فقَبِلَها وحملها مع ِ
[وهي] مكية
ﭑﭒﭓ
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
.ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ
الحمد؛
ُ ِ
الحميدة واألفعال الحسنة؛ فلله تعالى {الحمد} :الثناء بالصفات
ُ {}1
ألنها دائرةٌ ِ
صفات كمال ،وأفعالُه ُيحمد عليها َّ َّ
ألن جميع صفاته ُيحمد عليها لكونها
ويعترف بحكمتِ ِه فيه. ويشكر ،والعدل الذي ُيحمد عليه ُبين الفضل الذي ُيحمد عليه ُ
يتصرفَّ أن {له ما في السموات وما في األرض}ُ :ملكاً وعبيداًنفسه هنا على َّوح َـم َد َ
َ
حمد ِه والثناء عليه ما
ألن في اآلخرة يظهر من ِ
ُ الحمد في اآلخرة}َّ :
ُ فيهم بحمده{ .وله
ال يكون في الدنيا؛ فإذا قضى اللّه تعالى بين الخالئق كلِّهم ،ورأى الناس والخلق كلُّهم
وقسط ِه وحكمته فيه؛ حمدوه كلُّهم على ذلك ،حتى أهل
ِ عدل ِه
ما حكم به وكمال ِ
جراء أعمالهمَّ ،
وأنه وقلوبهم ممتلئةٌ من حمدهَّ ، العقاب؛ ما دخلوا النار إالَّ
وأن هذا من ّ ُ
عاد ٌل في حكمه بعقابهم.
األخبار
ُ تواردت به
ْ حمد ِه في دار النعيم والثواب؛ فذلك شيء قد وأما ظهور ِ
ُ َّ
فإنهم في الجنة يرون من توالي نعم اللّه وإ ِ
درار ـي؛ َّ السمعي والعقل ُّ
ُّ وتوافق عليه الدلي ُل
َ
يبق في قلوب أهل الجنة أمنيةٌ وال إرادةٌ إالَّ وس َع ِة عطاياه التي لم َ خيره وكثر ِة بركاته َ
ط ْو َن من الخير ما لم تتعلَّ ْق به أمانيهم ولم وقد أعطي فوق ما َّ
تمنى وأراد ،بل ُي ْع َ
ُّ
تضمحل أن في الجنة بحمدهم لربِّهم في هذه الحال مع َّ ظنك ِ يخطُ ْر بقلوبِهم؛ فما ُّ
ومحبتِ ِه والثناء عليه ،ويكون ذلك
َّ العوارض والقواطع التي تقطع عن معرفة اللّه
وألذ عليهم من كل لَ َّذ ٍة؟! ولهذا؛ إذا رأوا اللّه تعالى
كل نعيم َّ أحب إلى أهلها من ِّ
َّ
كل نعيم ،ويكون الذكر لهم في الجنة وسمعوا كالمه عند خطابِ ِه لهم؛ أ ْذ َهلَهم ذلك عن ِّ
أضفت ذلك إلى َّأنه يظهر ألهل الجنة
َ كالنفَس متواصالً في جميع األوقات ،هذا إذا
َ
كمال ِه ما يوجب لهم كما َل
وجمال ِه وسعة ِ
ِ وجالل ِه
ِ كل ٍ
وقت من عظمة ربِّهم ِ
الجنة َّ في
الحكيم} :في ملكه وتدبيره ،الحكيم في أمره ونهيه.
ُ الحمد والثناء عليه{ .وهو
ِ
األمور وخفاياها. {الخبير} :المطَّلعُ على سرائر
ُ
األرض}؛ أي :من مطر ٍ
وبذر ِ علمه بقوِل ِه{ :يعلم ما َيِل ُج في
فص َل َ
{ }2ولهذا َّ
ينز ُل من ِ
الحيوانات{ ،وما ِ النباتات وأصنافِ يخر ُج منها} :من أنواع وحيوان{ ،وما ُ
يعر ُج فيها} :من المالئكة واألرواح ِ
السماء} :من األمالك واألرزاق واألقدار{ ،وما ُ
وعلمه بأحوالها؛ ذكر مغفرتَه ورحمتَه
َ وغير ذلك .ول َّـما َذ َك َر مخلوقاتِ ِه وحكمتَه فيها
تزل
الغفور}؛ أي :الذي الرحمة والمغفرة وصفُه ،ولم ْ ُ الرحيم
ُ لها ،فقال{ :وهو
وقت بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما. كل ٍ تنز ُل على العباد (َّ )1 آثار ُهما ِ
ُ
ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
.ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ
{ }3ل َّـما َّبين تعالى عظمته بما وصف به نفسه ،وكان هذا موجباً لتعظيمه
قدر ِه ،ولم
حق ِربها َّ
أن من أصناف الناس طائفةً لم تُقَ ِّد ْر َّ وتقديسه واإليمان به؛ ذكر َّ
إعادة األموات وقيام الساعة، ِ تعظِّ ْمه حق عظمته ،بل كفروا به وأنكروا قدرتَه على
وعارضوا بذلك رسلَه ،فقال{ :وقال الذين كفروا}؛ أي :باللّه وبرسله وبما جاؤوا به،
الدنيا نموت ونحيا!فقالوا بسبب كفرهم{ :ال تَأتينا الساعةُ}؛ أي :ما هي إالَّ هذه الحياة ُّ
َّ
واستدل على يرد قولَهم وي ْب ِطلَه ِ
ويقس َم على البعث َّ
وأنه سيأتيهم، أن َّ
ُ فأمر اللّه رسولَه ْ
علمه تعالى الواسعُ يصدق بالبعث ضرورةً ،وهو ُأقر به؛ لزمه أن ِّ
ذلك بدليل َمن َّ
العام ،فقال{ :عالم الغيب}؛ أي :األمور الغائبة عن أبصارنا وعن علمنا؛ فكيفُّ
ذر ٍة في
ب}؛ أي :ال يغيب عن علمه {مثقا ُل َّ
يعز ُ بالشهادة؟! ثم َّ
أكد علمه فقال{ :ال ُ
ِ
السموات وال في األرض}؛ أي :جميع األشياء بذواتها وأجزائها ،حتى أصغر ما
يكون من األجزاء ،وهو المثاقيل منها{ ،وال أصغر من ذلك وال أكبر إالَّ في ٍ
كتاب
اللوح
ُ المبين الذي هو
ُ الكتاب
ُ وتضمنه
َّ قلمه
علمه وجرى به ُ ٍ
مبين}؛ أي :قد أحاط به ُ
المحفوظ.
- 1في (ب)« :عباده».
ما علم ِه مثقال الذرة فما َ
فالذي ال يخفى عن ِ
()1
دونه في جميع األوقات ،ويعلم
قادر على بعثهم من باب أولى،
األرض من األموات وما يبقى من أجسادهم؛ ٌ
ُ ص
تَْنقُ ُ
بأعجب من هذا العلم المحيط.
َ وليس بعثُهم
ي الذين آمنوا} :بقلوبهم َّ
صدقوا ِ
{ليجز َ المقصود من البعث ،فقال:
َ { }4ثم ذكر
ِ
الصالحات} :تصديقاً إليمانهم{ .أولئك َّ
وصدقوا رسله تصديقاً جازماً{ ،وعملوا اللّه،
{ورزق
ٌ ٍ
وعقاب، شر لهم مغفرةٌ} :لذنوبهم ،بسبب إيمانهم وعملهم يندفع بها ُّ
كل ٍّ ُ
َّ
وأمنية. ٍ
ومرغوب ٍ
مطلوب كريم} :بإحسانهم ،يحص ُل لهم به ُّ
كل ٌ
زين}؛ أي :سعوا فيها كفراً بها وتعجيزاً لمن
اج َ{{ }5والذين َس َعوا في آياتنا م َع ِ
ُ ْ
عذاب
ٌ جاء بها وتعجيزاً لمن أنزلها كما َّ
عجزوه في اإلعادة بعد الموت{ .أولئك لهم
من ٍ
رجز أليم}؛ أي :مؤلم ألبدانهم وقلوبهم.
ﯣ ﯤ ﭼ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯛ ﯜ ﯝ .ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
يرون ما أنزل على رسولهَ البعثَّ ،
وأنهم َ إنكار من أنكر
{ }6لما ذكر تعالى َ
بحق؛ ذكر حالة الموفَّقين من العباد ،وهم أهل العلمَّ ،
وأنهم يرون ما أنزل اللّه ليس ٍّ
منحصر
ٌ ُّ
الحق َّ
الحق}؛ أي: ِ
األخبار {هو اشتمل عليه من
َ على رسوله؛ من الكتاب وما
ألنهم وصلوا من العلم إلى درجة اليقين ،ويرونفيه ،وما خالفه وناقضه فإنه باطل؛ َّ
()2
ألنهم ِ
صراط العزيز الحميد} :وذلك َّ أيضاً َّأنه في أوامره ونواهيه؛ {يهدي إلى
جزموا بصدق ما أخبر بها من وجو ٍه كثير ٍة :من جهة ِ
علمهم بصد ِ
ق َم ْن أخبر بها،
يشاهدون منجهة ما ِ
والكتب السابقة ،ومن ِ
ِ ومن ِ
جهة موافقتها لألمور الواقعة
يشاهدون من اآليات العظيمة الدالَّة عليها في
َ أخبارها التي تقع عياناً ،ومن جهة ما
جهة موافقتها لما دلَّت عليه أسماؤه تعالى وأوصافُه ،ويرون
اآلفاق وفي أنفسهم ،ومن ِ
بكل ٍ
صفة ()3
في األوامر والنواهي أنها تهدي إلى الصراط المستقيم المتضمن لألمور
تزكي النفس وتنمي األجر وتفيد العامل وغيره؛ كالصدق واإلخالص وبر الوالدين
ٍ
قبيحة، كل صفةوصلة األرحام واإلحسان إلى عموم الخلق ونحو ذلك ،وتنهى عن ِّ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭑ ﭒ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭽﯥ ﯦ ﯧ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ
{ }7أي{ :وقال الذين كفروا} :على وجه التكذيب واالستهزاء واالستبعاد،
بعضهم لبعض{ :هل ندلُّكم على َر ُجل ُيَنبُِّئ ُكم إذا ُم ِّز ْقتُم
و ِذ ْكر وجه االستبعاد؛ أي :قال ُ
وأنه رج ٌل جديد}؛ يعنون بذلك الرجل رسو َل اللّه (ص)َّ ، ق ٍق َّإنكم لَفي َخْل ٍ َّ
كل ُم َـم َّز ٍ
يتفرجون عليه وأعجوبةً يسخرون
أتى بما ُيستغرب منه ،حتى صار بزعمهم فرجةً َّ
وأنه كيف يقو ُل :إنكم مبعوثون بعد ما َم َّزقَ ُك ُم البِلى َّ
وتفرقت أوصالُكم، منهَّ ،
ت أعضاؤكم! واضمحلَّ ْ
{ }8فهذا الرج ُل الذي يأتي بذلك :هل ا ْفتََرى {على اللّه َك ِذباً}َّ :
فتجرأ عليه
فنونُّ ،
وكل هذا منهم على فإن الجنون ٌ وقال ما قال{ ،أم به ِجَّنةٌ} :فال ُيستغرب منه؛ َّ
ق اللّه وأعقلُهم ،و ِم ْن ِ
علم ِهم َّأنهم أبدووا أصدق خل ِ
ُ وجه العناد والظُّلم ،ولقد علموا أنه
صد الناس عنه؛ فلو كان كاذباً وأعادوا في معاداتهم ،وبذلوا أنفُ َسهم وأموالَهم في ِّ
صغوا لما قال وال تحتَِفلوا ِ
مجنوناً؛ لم ينبغ لكم يا أهل العقول غير الزاكية أن تُ ْ
كل مبلغ،يبلغ قولُهُ منه َّ
ظ َره أو َت إليه َن َفإن المجنون ال ينبغي للعاقل أن ُيْل ِف َ
بدعوتِ ِه؛ َّ
اآليات ُّ
والنذر ُ باد ْرتُم إلجابته ولََّب ْيتُم دعوتَه ،ولكن ما تُغني
وظلمكم؛ لَ َ
ُ عنادكم
ولوال ُ
يؤمنون باآلخر ِة} ،ومنهم الذين
َ عن قوم ال يؤمنون ،ولهذا قال تعالى{ :بل الذين ال
ِ
البعيد ِ
البعيد}؛ أي :في الشقاء العظيم والضالل َّ
والضالل ِ
العذاب قالوا تلك المقالَة {في
إنكارهم لقدر ِة اللّه على وأي ٍ
شقاء وضالل أبلغُ من ِ ٍ
بقريب من الصوابُّ ، الذي ليس
البعث ،وتكذيِبِهم لرسولهم الذي جاء به ،واستهزائِ ِهم به ،وجز ِم ِهم َّ
بأن ما جاؤوا به ِ
الحق باطالً والباطل والضالل حقًّا وهدى؟!
َّ ُّ
الحق فرأوا هو
{ }9ثم َّنبههم على الدليل العقلي ِّ
الدال على عدم استبعاد البعث الذي استبعدوه،
وأنهم لو نظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء واألرض ،فرأوا من قدرة َّ
اللّه فيهما ما ُي ْب ِه ُر العقول ،ومن عظمتِ ِه ما ُي ْذ ِه ُل العلماء الفحولَّ ،
وأن خلقَهما
أعظم من إعادة الناس بعد موتِ ِهم من ِ
قبورهم؛ ُ وعظمتَهما وما فيهما من المخلوقات
خبر
فما الحام ُل لهم على ذلك التكذيب مع التصديق بما هو أكبر منه؟! نعم؛ ذاك ٌ
األرض أو ف بِـ ِه ُم غيبي إلى اآلن ما شاهدوه؛ فلذلك َّ
كذبوا به .قال اللّه{ :إن َن َشأ َن ْخ ِس ْ ٌّ
َ
ألن األرض والسماء تحت تدبيرنا؛ ط عليهم ِك َسفاً من السماء}؛ أي :من العذاب؛ َّ ُن ْس ِق ْ
فنعاقَب ُكم َّ
أشد العقوبة. فإن أمرناهما؛ لم يستعصيا؛ فاح َذروا إصراركم على تكذيبِ ُكم ِ
َ ْ
واألرض وما فيهما من المخلوقات {آليةً لـك ِّـل ٍ
عبد ِ ِ
السماوات {إن في ذلك}؛ أي :خلق َّ
المنيب
َ باآليات أعظم؛ َّ
ألن ِ انتفاعه
ُ منيب} :فكلَّما كان ُ
العبد أعظم إنابةً إلى اللّه؛ كان ٍ
كل أمر من أموره، توجهت إرادتُه وه َّـماتُه لربِّه ،ورجع إليه في ِّ مقب ٌل إلى ربِّه ،قد َّ
نظرهُ للمخلوقات فصار قريباً من ربِّه ،ليس له ٌّ َّ
هم إال االشتغال بمرضاته ،فيكون ُ
غفلة غير ٍ
نافعة. نظر فكر ٍة وعبر ٍة ال نظر ٍ
َ
ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ. ﮚ ﮛﮜ ﮝ
{ 10ـ }11أي :ولقد َمننا على عبدنا ورسولنا داود عليه الصالة والسالم،
نعم ِه
والدنيوية :ومن ِ
َّ َّ
الدينية وآتيناه فضالً من العلم النافع والعمل الصالح والنعم
عليه:
ومنهاَّ :أنه لعله ليحصل له أجر تسبيحها ،ألنه سبب ذلك ،وتسبح تبعاً له.
أن اللّه جعل َبلَ َد ُهم بلدةً طيبةً لحسن هوائها وقلَّة َو َخ ِمها وحصول
ومنهاَّ :
الرزق الرغد فيها.
خائفين ،وهذا َ {آمنين}؛ أي :مطمئنين في السير في تلك الليالي واأليام غير َ
المنعم وعن عبادتِ ِه، فأعرضوا عن ِ
أمَنهم من الخوفَ ْ . أن َّ من تمام ِ
نعمة اللّه عليهم ْ
أسفارهم بين تلك القرى ُ وب ِطروا النعمةَ وملُّوها ،حتى َّإنهم طلبوا َّ
وتمنوا أن تتباعد َ
بكفر ِهم باللّه وبنعمتِ ِه ،فعاقََبهُ ُم اللّه
التي كان السير فيها متيسراً{ .وظلموا ْأنفُ َسهم}ِ :
الع ِرم}؛ أي :السيل
ط َغتْهم ،فأبادها عليهم ،فأرسل عليها {سي َل َ
تعالى بهذه النعمة التي أ ْ
الجنات ذات
ُ بساتينهمَّ ،
فتبدلت تلك َ ب
وخر َ ب َّ
سدهم ،وأتلف جناتهمَّ ، المتوعِّر الذي َخ َّر َ
نفع فيها .ولهذا قال:
أشجار ال َ
ٌ الحدائق المع ِجَبة واألشجار المثمرة ،وصار َب َدلَها
شيء قليل من األكل الذي ال يقع منهم ٍ جنتين ذواتي أ ُكل}؛ أي:ِ َّ
{وبدْلناهم َّ
بجنتَْيهم
معروف ،وهذا من جنس شجر وشيء من ٍ ٍ {خ ْـم ٍط وأ ْث ٍل
ٌ سدر قليل} :وهذا كله ٌ موقعاًَ ،
بدلوا الشكر الحسن بالكفر القبيح؛ ُب ِّدلُوا تلك النعمة بما ذكر .ولهذا قال: عملهم؛ فكما َّ
الكفور}؛ أي :وهل ُنجازي جزاء العقوبة ـ {ذلك ج َزيناهم بما كفروا وهل نجازي إالَّ
َ ُ َ ْ
تفرقوا
أصابهم؛ َّ أصابهم ما وب ِط َر النعمة؟! َّ
فلما َّ
َ َ بدليل السياق ـ إال َم ْن َكفَ َر باللّه َ
أحاديث ُيتَ َح َّدث بهم وأسماراً للناس،
َ وج َعلَهُ ُم اللّه
مجتمعينَ ،
َ وتمزقوا بعدما كانوا َّ
أحد َّ
يتحدث بما جرى لهم، فكل ٍ«تفرقوا أيدي سبأ»؛ ُّ ب بهم المث ُل ،فيقا ُلَّ : ض َر ُ
وكان ُي ْ
ٍ
شكور}: ٍ
صبار لكل ٍ
آليات ِّ {إن في ذلكولكن ال ينتفعُ بالعبرة فيهم إالَّ َم ْن قال اللّهَّ : ْ
يصبر عليها، يتحملُها لوجه اللّه ،وال َّ
يتسخطُها ،بل ِ
والشدائدَّ ، صب ٍار على المكاره َّ
ُ
ِ
ويصرفُها في ويعترف ،ويثني على من أوالها، ُ شكور لنعمة اللّه تعالىُ ،ي ِق ُّر بها،
ٍ
طاعته.
أن تلك العقوبة فهذا إذا سمع بقصَّتِهم وما جرى منهم وعليهم؛ َع َر َ
ف بذلك َّ
وأن َم ْن فَ َع َل مثلهم؛ فُ ِع َل به كما فُ ِع َل بهمَّ ،
وأن ُش ْك َر اللّه جزاء ِ
لكفرهم نعمةَ اللّهَّ ، ٌ
وأن ُر ُس َل اللّه صادقون فيما أخبروا بهَّ ،
وأن الجزاء تعالى حافظٌ للنعمة دافعٌ للنقمةَّ ،
حق كما رأى أنمو َذ َجه في دار الدنيا. ٌّ
ظنه؛ حيث قال لربِّه: إبليس َّ
ق عليهم ُ ص َّد َ
أن قوم سبأ من الذين َ { }20ثم ذكر َّ
ظن من إبليس ال صين} :وهذا ٌّ
الم ْخلَ َ
ك منهم ُ أجمعين .إالَّ َ
عباد َ َ ُغ ِوَيَّنهُ ْم
ك أل ْ {فبعزتِ َ
َّ
سي ْغويهم أجمعين؛ إالَّ من استثنى؛ خبر من اللّه َّأنه ُ
ِِ
الغيب ولم يأته ٌَ ألنه ال يعلم يقين؛ َّ ٌ
ظنه ودعاهم وأغواهم{ ،فاتََّبعوه إالَّ فريقاً من إبليس َّ
ق عليه ُ فهؤالء وأمثالهم م َّـم ْن َّ
صد َ
أن قصة ويحتمل َّ ظن إبليسُ ، تحت ِّ
يدخ ْل َ
فإنه لم ُ يكفر بنعمة اللّه؛ َّالمؤمنين} :م َّـم ْن لم ْ
شكور} .ثم ابتدأ فقال{ :ولقد ٍ ٍ
صبار لكل ٍ
آليات ِّ {إن في ذلك سبأ انتهت عند قوِل ِهَّ :
ق عليهم}؛ أي :على جنس الناس ،فتكون اآليةُ عامةً في ِّ
كل َم ِن اتََّب َعهُ. ص َّد َ
َ
ٍ
سلطان}؛ أي: { }21ثم قال تعالى{ :وما كان له}؛ أي :إلبليس {عليهم من
طه
ولكن حكمةَ اللّه تعالى اقتضت تسلي َ ٍ
وقسر على ما يريده منهمَّ ، تسلُّ ٍط ٍ
وقهر
سوق
ُ شك}؛ أي :ليقوميؤمن باآلخرة م َّـم ْن هو منها في ٍّ
ُ وتسويلَه لبني آدم؛ {لنعلم من
يثبت عندإيمانه صحيحاً ُ ف َم ْن كان ُوي ْع َر َ
الصادق من الكاذبُ ،
ُ وي ْعلَ َم به
االمتحانُ ،
ٍ
شبهة إيمانه غير ٍ
ثابت يتزلز ُل بأدنى َّ ِ االمتحان واالختبار وإ ِ
لقاء ُّ
الشيطانية م َّـم ْن ُ ُ الشَبه
ظ ِه ُر
وي ْ
عباده ُ
ضده؛ فاللّه تعالى جعله امتحاناً يمتحن به َ بأقل داع يدعوه إلى ِّ ويزو ُل ِّ
شيء حفيظٌ} :يحفظُ العباد ويحفظُ عليهم كل ٍ{وربك على ِّ ُّ الخبيث من الطيب.َ
جزاءها؛ فيوفِّيهم َّإياها كاملة موفرةً.
َ أعمالهم ،ويحفظُ تعالى
ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ.
ِ
المخلوقات غيرهُ من
{ 22ـ }23أي{ :قل} :يا أيها الرسو ُل للمشركين باللّه َ
الذين زعمتُم تضر ملزماً لهم ِ
بعجزها ومبيِّناً بطالن عبادتها{ :ادعوا َ التي ال تنفعُ وال ُّ
توفرت فيهم
ْ إن كان دعاؤكم ينفعُ؛ َّ
فإنهم قد من دون اللّه}؛ أي :زعمتموهم شركاء للّه ْ
يملكون
َ فإنهم ليس لهم أدنى ملك ،فال أسباب العجز وعدم إجابة الدعاء من ِّ
كل وجه؛ َّ ُ
ذر ٍة في السماوات واألرض :على وجه االستقالل ،وال على وجه االشتراك، مثقال َّ
ِ
السماوات ولهذا قال{ :وما لهم}؛ أي :لتلك اآللهة الذين زعمتم {فيهما}؛ أي :في
ك وال شركة ملك.
كثير؛ فليس لهم مل ٌ واألرض {من ِش ْر ٍك}؛ أي :ال شر ٌ
ك قليل وال ٌ
قال :ومع ذلك؛ فقد يكونون أعواناً للمالك ووزراء له؛ فدعاؤهم يكون أن ُي َ
بقي ْ
ألنهم بسبب حاجة الملك إليهم يقضون حوائج َم ْن تعلَّق بهم ،فنفى تعالى هذهنافعاً؛ َّ
المرتبةَ ،فقال{ :وما له}؛ أي :للَّه تعالى الواحد القهار {منهم}؛ أي :من هؤالء
يبق إالَّ
ووزير يساعده على الملك والتدبير .فلم ٍَ ٍ
معاون ٍ
ظهير}؛ أي: المعبودين {من
الشفاعةُ ،فنفاها بقوله{ :وال تنفَعُ الشفاعةُ عنده إال ِل َـم ْن ِأذ َن له} :فهذه أنواع التعلُّقات
ق بها المشركون بأندادهم وأوثانهم من البشر والشجر والحجر وغيرهم، التي يتعلَّ ُ
ألن المشرك َّإنما ِّ
لمواد الشرك قاطعاً ألصوله؛ َّ بطالنها تبييناً حاسماً
َ ط َعها اللّه َّ
وبين قَ َ
أوجب له
َ ويعبد غير اللّه؛ لما يرجو منه من النفع؛ فهذا الرجاء هو الذي
ُ يدعو
والضر وال شريكاً للمالك وال
ِّ الشرك؛ فإذا كان من يدعوه غير اللّه ال مالكـاً للنفع
َ
عوناً وظهيراً للمالك وال ِ
يقد ُر أن َي ْشفَ َع بدون ِ
إذن المالك؛ كان هذا الدعـاء وهذه
مطلوبه ِ
المشرك ينعكس على العبادة ضالالً في العقل باطلةً في الشرع ،بل
ُ ُ
ُخ َر يريد منها النفع ،فبيـَّن اللّه بطالنه وعدمهَّ ،
وبيـن في آيات أ َ فإنه ُ ومقصوده؛ َّ
ُ
بعضهم بعضاً ِ ضررها على عابديها (َّ ،)1
ويلعن ُ
ُ بعضهم ببعضيكفر ُ وأنه يوم القيامة ُ َ
أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين.
ً النار ،وإ ذا ُح ِش َر الناس كانوا لهم
ومأواهم ُ
بشر ،ورضي
والعجب أن المشرك استكبر عن االنقياد للرسل بزعمهم أنهم ٌ
أن َي ْعُب َد ويدعو الشجر والحجر ،استكبر عن اإلخالص للملك الرحمن الديان ،ورضي
نفع ِه طاعةً ألعدى ٍّ
عدو له وهو الشيطان! بعبادة م ْن ض ُّره أقرب من ِ
ُ َ َ ُ
ِ
ـي َّ
الحق وهو العل ُّ ع عن قلوبِ ِهم قالوا ماذا قال ُّ
رب ُكم قالوا وقوله{ :حتى إذا فُِّز َ
يعود إلى المشركين؛ ألنهم مذكورون أن الضمير في هذا الموضع ُ الكبير}ُ :يحتمل َّ
ُ
ويكون المعنى :إذا كان
ُ ٍ
مذكور، تعود إلى أقرب ِ
الضمائر أن َ في اللفظ ،والقاعدة في
وسئِلوا حين رجعت إليهم ِ
يوم القيامة وفُِّزع عن قلوب المشركين؛ أي :زال الفزع ُ
للحق الذي جاءت به الرسل؛ َّأنهم ُّ
يقرون َّ
أن ما عقولُهم عن حالهم في ُّ
الدنيا وتكذيبهم ِّ
ُّ
الحق، هم عليه من الكفر والشرك باط ٌلَّ ،
وأن ما قال اللّه وأخبرت به عنه رسلُه هو
َّ
الحق للّه ،واعترفوا ب ُذنوبهم{ .وهو فبدا لهم ما كانوا ُيخفون من قب ُل ،وعلموا أن
ك باللّه ويسألَه عن نبيه محمداً (ص) أن يقو َل لمن أشر َ { }24يأمر تعالى َّ
قروا َّأنه اللّه،
بد أن ُي ُّفإنهم ال َّ ِ
واألرض}َّ : ِ
السموات شرك ِه{ :من َي ْر ُزقُكم من
صحة (ِ )2 ِ
أن اللّه وحده فإنك ال تجد من يدفعُ هذا القول .فإذا تبيـَّن َّ يقروا؛ فَـ{ ُق ِل اللّهُ}َّ :
ولئن لم ُّ
ْ
وي ْنبِ ُ ِ ِ
ِّر لكم
النبات ويفج ُ
َ ت لكم وي ْن ِز ُل لكم المطر ُ
واألرض ُ السماوات الذي يرزقُكم من
لنفع ُكم ورز ِق ُكم؛الحيوانات جميعها ِ ِ طِلعُ لكم من ثمار األشجار وجعل لكم وي ْ
َ األنهار ُ
َ
تأمروننا ِ
والنهار إ ْذ بل َم ْك ُر الليل
للذين استَ ْكَبروا ْ { }33فقال {الذين استُ ْ ِ
َ ضعفوا َ
ونجعل له أنداداً}؛ أي :بل الذي دهانا منكم ووصل إلينا من إضاللكم ما
َ أن نكفَُر باللّه
الكفر وتدعوننا إليه ،وتقولون:
ـحسِّنون لنا َ َّ
دب ْرتُموه من المكر في الليل والنهار؛ إ ْذ تُ َ
وتزعمون َّأنه الباط ُل؛ فما زال ُ
مكر ُكم بنا َ ِّنونه
الحق ،وتهج َ الحق ،وتقدحون في ِّ ُّ َّإنه
بينهم شيئاً إالَّ ِّ
تبري أغ َو ْيتُمونا وفَتَْنتُمونا .فلم تُِف ْد تلك المراجعةُ َ
وكيد ُكم َّإيانا حتى ْ
ُ
العذاب}؛ {وأسروا الندامةَ لما رأوا
ُّ بعض والندامةَ العظيمةَ ،ولهذا قال: ٍ بعضهم من ِ
َ
بعضهم ( )2لينجو من العذاب ،وعلم َّأنه احتج به ُ أي :زال عنهم ذلك االحتجاج الذي َّ
()3
وأنه ترك أن لو كان على ِّ
الحقَّ ، مستحق له ،فندم ٌّ
كل منهم غاية الندمَّ ،
وتمنى ْ ٌّ ظالم
ٌ
سرا في أنفسهم؛ لخوفهم من الفضيحة في الباطل الذي أوصله إلى هذا العذابًّ ،
ظ ِهرون ذلك النار ُي ْ ِِ ِ
إقرارهم على أنفسهم! وفي بعض مواقف القيامة وعند دخوله ُم َ
ت مع الرسول َسبيالً .يا الظالم على َي َد ْي ِه يقو ُل يا لَْيتَني اتَّ َ
ـخ ْذ ُ ُ {ويوم َي َع ُّ
ض َ الندم جهراً:
َ
كنا في َوْيلَتى لَْيتَني لم أتَّ ِخ ْذ فُالناً خليالً }...اآليات{ ،وقالوا لو ُكَّنا َن ْس َمعُ أو َن ْع ِق ُل ما َّ
َّعير}{ .وجعلنا األغالل في أصحاب السعير .فاعترفوا ب َذ ْنبِ ِهم فَ ُس ْحقاً ألصحاب الس ِ ِ
{ 40ـ { }41ويوم يح ُش ُرهم جميعاً}؛ أي :العابدين لغير اللّه والمعبودين من
{للمالئكة} :على وجه التوبيخ ِل َـم ْن َعَب َدهم:
ِ ِ
المالئكة{ ،ثم يقو ُل} :اللّه دونه من
ك}؛ أي :تنزيهاً لك سبحان َ
َ يعبدون}؟ فتبرؤوا من عبادتهم و{قالوا
َ {أهؤالء َّإيا ُكم كانوا
ِ
ند{ ،أنت َوِلُّينا من دونِ ِهم} :فنحن مفتق َ
رون إلى ك أو ٌّ يكون لك شري ٌ
َ أن
وتقديساً ْ
صلُ ُح ألن ُنتَّ َخ َذمضطرون إليها؛ فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا؟ أم كيف َن ْ ُّ واليتك،
ولكن هؤالء المشركون {كانوا َي ْعُبدون َّ
الجن}؛ أي: وشركاءْ ،
َ أولياء
َ من دونك
فيطيعونهم بذلك ،وطاعتُهم هي َ يأمرونهم ( )2بعبادتِنا أو عبادة غيرنا،
َ الشياطين،
ألن العبادة الطاعة؛ كما قال تعالى مخاطباً ِّ
لكل من اتَّخذ معه آلهة{ :ألم عبادتُهم؛ َّ
أعُبدوني هذا مبينِ .
وأن ْ عدو ٌالشيطان َّإنه لكم ٌّ
َ أن ال تَ ْعُبدوا
أعهَ ْد إلي ُكم يا بني آدم ْ
ْ
للجن منقادون لهم؛ َّ
ألن ِّ
مصدقون ِّ مؤمنون}؛ أي:
َ مستقيم}{ .أ ْكثَُرهم بهم
ٌ صراطٌ
ب لالنقياد. ِ
الموج ُ التصديق
ُ اإليمان هو
َ
بعض ُكم { }42فلما تبرؤوا منهم؛ قال تعالى مخاطباً لهم ({ :)3فاليوم ال ِ
ك ُ يمل ُ
بعضكم من بعض{ ،ونقو ُل األسباب ،وانقطع ُ
ُ ض ًّرا} :تقطَّعت بينكم ٍ
لبعض نفعاً وال َ
البينات
ُ آيات اللَّه
حالة المشركين عندما تُتلى عليهم ُ{ }43يخبر تعالى عن ِ
شر، القاطعات ،الدالةُ على كل خير ،الناهيةُ عن ِّ
كل ٍّ ُ وبراهينه
ُ الظاهرات
ُ وحججه
ُ
وصلت إليهم ،الموجبة لمقابلتها باإليمان والتصديق ْ ومن ٍة
نعمة جاءتهم َّ التي هي أعظم ٍ
ُ
ويقولون{ :ما بون َم ْن جاءهم بها ِّ لونها ِّ واالنقياد والتسليمَّ ،أنهم يقابِ َ
َ بضد ما ينبغي ويكذ َ
يأم ُركم
قصده حين ُ آباؤكم}؛ أي :هذا ُ ص َّد ُكم عما كان ُ
يعبد ُ يريد أن َي ُهذا إالَّ رج ٌل ُ
َّ
الحق بقول فردواعوائد آبائِ ُكم الذين تعظِّمون وتمشون خلفَهمُّ ،
َ باإلخالص للّه لتتركوا
بعض ِ الضالِّين ،ولم يوردوا برهاناً وال شبهةً؛ ُّ
فأي شبهة إذا أمرت الرس ُل َ
()1
أن إخوانهم الذين على طريقتهم لم يزالوا عليه؟! وهذه فاد َع ْوا َّ الضالِّين باتِّباع ِّ
الحق َّ
حق ر َّد؛ فإذا هذا مآلُه ،ال ير ُّد إالَّ َ َّ السفاهة ُّ
َُ تأملت كل ٍّ ُ الحق بأقوال الضالين إذا ِّ ورد
والدهريين والفالسفة والصابئين والملحدين في دين بأقوال الضالِّين من المشركين َّ
ِ
القيامة. َّ
الحق إلى يوم اللّه المارقين؛ فهم أسوةُ ِّ
كل من َر َّد
احتجوا بفعل آبائِ ِهم وجعلوها دافعةً لما جاءت به الرسل؛ طعنوا بعد هذا ول َّـما ُّ
كذب افتراه هذا الرج ُل الذي جاء به،
مفترى}؛ أيٌ :
ً ك ِّ
بالحق{ ،وقالوا ما هذا إال إف ٌ
ِّن ِّ
لكل َّ الذين كفروا ِّ
ظاهر بي ٌ
ٌ سحر
مبين}؛ أيٌ : سحر ٌ إن هذا إال ٌ
للحق ل َّـما جاءهم ْ {وقال َ
ِّ
بالحق وترويجاً على السفهاء. ٍ
أحد؛ تكذيباً
وأنها أقوا ٌل دون مرتبة ُّ
الشبهة ،فضالً أن َّ
الحقَّ ، { }44ول َّـما َّبين ما ُّ
ردوا به
شيء
ٌ يحتج لهم؛ َّ
فإنهم ال مستند لهم وال لهم حجةً؛ ذكر َّأنهم وإ ْن أراد ٌ
أحد أن َّ تكون َّ
يدرسونها} :حتى تكون عمدةً لهم،
َ يعتمدون عليه أصالً ،فقال{ :وما آتَْيناهم من ٍ
كتب َ
الحق وبطالن الباطل؛ أخبر تعالى البراهين الدالةَ على صحة ِّ َ { }48ول َّـما َّبي َن
زاهق؛ َّ
ألنه َّبين من ٌ فيدم َغهُ فإذا هو
بالحق على الباطل َ ِّ سنتُه وعادته أن َي ْق ِذف أن هذه ََّّ
المكذبين ما كان عبرةً للمعتبرين وآيةً للمتأملين؛ ِّ الحق في هذا الموضع َّ
ورد به أقوا َل ِّ
ُّ
الحق وعنادهم ،وظهر
ُ المكذبين ،وتبيـَّن ِ
كذُبهم ِّ فإنك كما ترى كيف اضمحلَّ ْ
ت أقوا ُل َّ
يوب} ،الذي يعلم ما تنطوي الغ ِ{عالَّم ُوانقمع ،وذلك بسبب بيان َ ْ وسطع ،وبطل الباط ُل
الحجج ،فيعلِّم بها
ويدفعه من ُ
ُ القلوب من الوساوس ُّ
والشبه ،ويعلم ما يقابِ ُل ذلك ُ عليه
عباده ،ويبيُِّنها لهم.
َ
{ }49ولهذا قال{ :قل جاء ُّ
الحق}؛ أي :ظهر وبان وصار بمنزلة الشمس
أمره وذهب َّ ِ
يعيد}؛ أي :اضمحل وبطل ُ
ىء الباطل وما ُ
سلطانه{ ،وما ُيبد ُ
ُ ظهَ َر
وَ
عيد.
سلطانه؛ فال ُيبدىء وال ُي ُ
ُ
يرمونه بون له ِّ ُّ
َ الحق بما دعا إليه الرسو ُل ،وكان المكذ َ { }50ولما تبيـَّن
وأخبر َهم َّ
أن َ وبين لهم َع ْج َز ُهم عن مقاومتِ ِه،
ووضحه لهم َّ
َّ ِّ
بالحق، َّ
بالضالل؛ أخبرهم
إن َّ
ضل ـ وحاشاه وأنه ْ َّ
الحق شيئاً وال دافع ما جاء بهَّ ، ٍ
بضائر رميهم له بالضالل ليس
َ
نفس ِه؛ أي :ضاللُه
ض ُّل على ِفإنما ي ِ
التنز ِل في المجادلة ـ؛ َّ َ
من ذلك ،لكن على سبيل ُّ
اهتديت} :فليس ذلك من نفسي وحولي
ُ غير ِه{ ،وإ ِن غير ٍّ
متعد إلى ِ قاصر على نفسهُ ،
ٌ
ـي ربي} :فهو مادة هدايتي؛ كما هو مادةُ هداية وقوتي ،وإ َّنما هدايتي بما {يوحي إل َّ
َّ
وعَب َدهُ. ِ
واألصوات كلِّها، إن ِّ غيري؛ َّ
قريب م َّـمن دعاه وسأله َ
ٌ ربـي سميعٌ لألقوال
ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ.
[وهي] مكية
ﭑﭒﭓ
ﯘ ﯙ ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯰ ﭼ ﯯ .ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ
واألرض
َ
ِ
السماوات المقدسةَ على ِ
خلقه { }1يمدح [اللَّه] تعالى نفسه الكريمة َّ
ملك ِه وعمومألن ذلك دلي ٌل على كمال قدرتِ ِه وسعة ِ
َ وما اشتَ َملَتا عليه من المخلوقات؛ َّ
يتضم ُن األمر،
َّ الخلق؛ َذ َك َر بعده ما
َ ِ
حاطة علمه .ول َّـما َذ َك َر رحمتِ ِه وبديع حكمته وإ
خلق ِه في
بينه وبين ِط َ َّ
القدرية ووسائ َ أوامر ِه
ِ وهو أنه جعل {المالئكةَ رسالً} :في ِ
تدبير
ِ
يستثن منهم أحداً دلي ٌل الدينية .وفي ِذ ْك ِر ِه َّأنه جعل المالئكة رسالً ولمَّ تبليغ أوامره
أم َرهم
يعصون اللّه ما َ
َ وانقياد ِهم ِ
ألمر ِه؛ كما قال تعالى{ :ال ِ على كمال طاعتهم لربِّهم
ويفعلون ما يؤمرون} .ولما كانت المالئكةُ مدب ٍ
ِّرات بإذن اللّه ما َجعلَهم اللّه َّ
موكلين َ ُ
ٍ
أجنحة} :تطير بها سير ِهم؛ بأن َج َعلَهم {أولي
فيه؛ َذ َك َر قُ َّوتَهم على ذلك وسرعة ِ
فتسرعُ بتنفيذ ما أمرت به{ ،مثنى وثالث ورباع}؛ أي :منهم من له جناحان وثالثة
بعض
يشاء}؛ أي :يزيد َ
ق ما ُ الخْل ِ
{يزيد في َ
ُ وأربعة بحسب ما اقتضتْه حكمتُه.
القوة وفي الحسن وفي زيادة األعضاء خلقها وفي َّمخلوقاتِ ِه على بعض في صفة ِ
قدير} :فقدرتُه ٍ {إن اللّه على ِّ ِ
النغماتَّ . المعهودة وفي حسن األصوات َّ
ولذ ِة ِ
كل شيء ٌ
شيء ،ومن ذلك زيادة مخلوقاتِ ِه
ٌ تعالى تأتي على ما يشاؤه ،وال يستعصي عليها
بعضها على بعض.
ِ
بالتدبير والعطاء والمنع ،فقال{ :ما َي ْفتَ ِح اللّهُ للناس انفراده تعالى
َ { }2ثم َذ َك َر
بعد ِه} :فهذا
ك لها وما يم ِس ْك} :من رحمتِ ِه عنهم {فال مرس َل له من ِ
ُْ رحمة فال ُم ْـم ِس َ
ٍ من
وأن ال ُيدعى إالَّ هو وال واالفتقار إليه من جميع الوجوهْ ، َ ق باللّه تعالى يوجب التعلُّ َ
{الحكيم} :الذي يضع ُ األشياء كلَّها.
َ ويرجى إالَّ هو{ .وهو العزيز} :الذي قَهَ َر ُيخاف ُ
وي ْن ِزلُها منازلها. ِ
األشياء مواض َعهاُ ، َ
ﭽ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ. ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
يأمر تعالى جميع الناس أن َي ْذ ُكروا نعمتَه عليهم ،وهذا شام ٌل ِل ِذ ْك ِرها {ُ }3
نعم ِه تعالى داع ِ
لشكر ِه .ثم فإن ِذ ْكر ِ
ثناء وبالجوارح انقياداًَ َّ ،
بالقلب اعترافاً وباللسان ً
يرزقُكم
غير اللّه ُ النعم ،وهي الخلق والرزق ،فقال{ :هل من خالق ُ َنَّبههم على أصول ِّ
ويرزق إالَّ اللّه؛ نتج
ُ ق السماء واألرض} :ولما كان من المعلوم َّأنه ليس ٌ
أحد َي ْـخلُ ُ ِ من
فأنىوعبوديته ،ولهذا قال{ :ال إله إالَّ هو ََّّ َّ
ألوهيته أن كان ذلك دليالً علىمن ذلك ْ
لعبادة المخلوق المرزوق. ِ ِ
عبادة الخالق الرازق ص َرفون من كون}؛ أي :تُ ْ
تؤفَ َ
ك من المرسلين؛ {فقد ك} :يا ُّأيها الرسو ُل؛ فلك أسوةٌ بمن قبلَ َ {{ }4وإ ن ُي َك ِّذبو َ
ون َّجى اللّه الرسل وأتباعهم{ .وإ لى اللّ ِه ِّ
المكذبونَ ، ُهِل َ
ك ك} :فأ ْ قبل َت رس ٌل من ُِك ِّذَب ْ
األمور}.
ُ تُرجع
ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ
ﮌ ﭼ. ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
وعد اللّه} :بالبعث والجزاء على
إن َ { 5ـ }6يقول تعالى{ :يا ُّأيها الناس َّ
تردد ،قد دلَّت على ذلك األدلة السمعية
ـك فيه وال مريةَ وال ُّ {حق}؛ أي :ال ش َّ
األعمـال ٌّ
وبادروا أوقاتَكم الشريفةَ باألعمال فتهيؤوا له ِ وعدهُ حقًّا؛ َّ
والبراهين العقلية ،فإذا كان ُ
بلذاتِها وشهواتِهاالدنيا}َّ :
ط ْع ُكم عن ذلك قاطعٌ{ .فال تَ ُغ َّرَّن ُك ُم الحياةُ ُّ الصالحة وال َي ْق َ
رور} :الذي هو النفسية ،فتُلهيكم عما ُخلقتم له{ ،وال َي ُغ َّرَّن ُكم باللّه َ
الغ ُ َّ ومطالبِها
عدوكم في الحقيقة{ .فاتَّ ِخذوه َع ُد ًّوا}؛ أي :لتكن منكم عداوته على الشيطان ،الذي هو ُّ ُ
فإنه يراكم وأنتم ال تََر ْوَنه ،وهو دائماً لكم كل ٍ
وقت؛ َّ بال ،وال تُهملوا محاربته َّ ٍ
ومقصوده
ُ ِ
السعير} :هذا غايتُه ِ
أصحاب {إنما َي ْدعو ِح ْزَبه ليكونوا من
بالمرصادَّ .
ِ
م َّـم ْن تَبِ َعهُ أن ُي َ
هان غاية اإلهانة بالعذاب الشديد.
وعدمها إلى قسمين، ِ أن الناس انقسموا بحسب طاعة الشيطان { }7ثم ذكر َّ
جاءت به الرس ُل ودلَّت
ْ كل منهما ،فقال{ :الذين كفروا}؛ أي :جحدوا ما جزاء ٍّ
َ و َذ َك َر
وأنهم خالدونووصف ِهَّ ،
ِ شديد في ذاتِ ِه شديد} :في نار َّ
جهنمٌ ، عذاب ٌ ٌ الكتب {لهم
ُ عليه
فيها أبداً{ ،والذين آمنوا} :بقلوبِ ِهم بما دعا اللّه إلى اإليمان به{ ،وعملوا} ـ بمقتضى
األعمال الصالحةَ {لهم مغفرةٌ} :ل ُذنوبهم ،يزو ُل بها عنهم
َ بجوار ِحهم ـ
ِ ذلك اإليمان
المطلوب.
ُ يحص ُل به
ُ كبير}:
{وأجر ٌٌ الشر والمكروه،
ُّ
ﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﭼ. ﮢﮣ ﮤ
الشيطان
ُ ِّن له} :عملُه السيئ القبيحَّ ،
زينه له { }8يقو ُل تعالى{ :أفَ َمن ُزي َ
ِ
الصراط المستقيم والدين وحسَّنه في عينِ ِه ({ ،)1فرآه حسناً}؛ أي :كمن هداه اللّه إلى
الحق باطالً والباطل حقًّا،
َّ القويم؛ فهل يستوي هذا وهذا؟! فاألول عمل السيئ ،ورأى
الحق حقًّا والباطل باطالً ،ولكن الهداية واإلضالل ِ
بيد اللّه َّ الحسن ورأى والثاني عمل
َ
نفسك عليهم}؛ أي :على ِ ُّ تعالىَّ .
ب ُ يشاء فال تَ ْذ َه ْ
وي ْـهدي َمن ُيشاء َ{فإن اللّه ُيضل َمن ُ
ٍ
{حسرات} :فليس ِّ
الحق الشيطان عن َّ
وصد ُهم ِ
أعمال ِهم، سوء ِّ
ُ ِّن لهم ُ الضالين الذين ُزي َ
شيء ،واللّه هو الذي ُيجازيهم بأعمالهمَّ .
{إن ٌ عليك إالَّ البالغُ ،وليس عليك ِمن هداهم
يصنعون}.
َ عليم بما
اللّه ٌ
. ﯜ ﯝ ﭼ ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ
الرياح فتُثير
َ جود ِه َّ
وأنه {أرس َل وس َعة ِ اقتدار ِه َ
ِ { }9يخبر تعالى عن كمال
بعد موتها}:
{فأحَي ْينا به األرض َِّت} :فأنزله اللّه عليهاْ ، بلد مي ٍ
ٍ
فس ْقناه إلى َ
سحاباً ُ
ت في تلك الخيرات{ ،كذلك} :الذي ورتَ َع ْ ِ
الحيواناتَ ،
ُ والعباد ،وارتزقت
ُ البالد
ُ فحييت
فيسوق إليهم
ُ األموات من قبورهم بعدما َّ
مزقَهم البالء، َ أحيا األرض بعد موتها ينشر
فينزلُه عليهم ،فتحيا األجساد واألرواح من مطراً كما ساقه إلى األرض الميتةِ ،
بحكم ِه العدل.
ِ القبور ،فيأتون للقيام بين يدي اللّه ،ليحكم بينهم وي ْف ِ
ص َل َ
ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭽﯞ ﯟ
ﯹ ﭼ. ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
العزة بيد اللَّه ،وال بيد ِه؛ َّ
فإن َّ طلُْبها م َّـم ْن هي ِ { }10أي :يا َمن ُيريد َّ
العزةَ! ا ْ
ِّب} :من قراءة وتسبيح الكلم الطي ُ
يصعد ُ
ُ تُنال إالَّ بطاعتِ ِه ،وقد َذ َك َرها بقوِل ِه{ :إليه
ويثني اللّه وتحميد وتهليل وكل كالم ٍ ٍ ٍ
عرض عليهُ ،
وي ُ فيرفع إلى اللّهُ ، حسن طيِّبُ ،
على صاحبه بين المأل األعلى{ ،والعم ُل الصالح} :من أعمال القلوب وأعمال
ومن المصالح أيضاً والمنافع في البحر أن َس َّخ َره اللّه تعالى يحم ُل الفل َ
ك من
ك من إقليم إلى إقليم آخر ومن تمخ ُر البحر وتشقُّه ،فتسل ُ
السفن والمراكب ،فتراها ُ
فيحص ُل بذلك من فضل اللّه
ُ محل ،فتحمل السائرين وأثقالَهم وتجاراتِ ِهم،
محل إلى ٍّ
ٍّ
فضل ِه ولعلَّكم تش ُكرون}.
وإ حسانه شيء كثير ،ولهذا قال{ :وِلتَْبتَغوا من ِ
ٌ
بالليل؛ ُي ْد ِخ ُل هذا
ِ والنهار
َ ِ
بالنهار إيالجهُ تعالى اللي َل
ُ { }13ومن ذلك أيضاً
اآلخر
ُ وينقص
ُ أحدهما
ويزيد ُ
ُ أحدهما؛ ذهب اآلخر،على هذا وهذا على هذا ،كلما أتى ُ
ِ
وأشجارهم ِ
العباد في أبدانهم وحيواناتهم يقوم من مصالح
ويتساويان ،فيقوم بذلك ما ُ
ِ
والنور وزروعهم ،وكذلك ما جعل اللّه في تسخير الشمس والقمر من مصالح الضياء
ُ
- 1أضاف الشيخ هنا في هامش ( أ ) و(ب)« :نعته» ثم شطب عليها في هامش ( أ ).
والحركة والسكون وانتشار العباد في طلب فضله وما فيهما من تنضيج الثمار
الناس
ق َ ت؛ لَلَ ِح َ
روريات التي لو فُِق َد ْ
ِـ وتجفيف ما يجفَّف ( )1وغير ذلك مما هو من َّ
الض
الضرر.
ُ
{كل يجري ألجل مس ًّمى}؛ أيٌّ :
كل من الشمس والقمر يسيران في وقوله ٌّ
َُ
سيرهما، الدنيا؛ انقطع ُانقضاء ُّ
ُ بفلكهما ما شاء اللّه أن يسيرا؛ فإذا جاء األج ُل وقَ ُر َ
جوم. ِ
وانتثرت ُّ
الن ُ الشمس،
ُ القمر ،و ُك ِّو َر ِت
وخسف َُ سلطانهما،
ُ وتعطَّل
العبر الدالَّة
فلما َّبين تعالى ما َّبين من هذه المخلوقات العظيمة وما فيها من ِ
بخْلق هذه
ك}؛ أي :الذي انفرد َ على كماله وإ حسانِ ِه قال{ :ذل ُك ُم اللّه ُّ
ربكم له المل ُ
تدعون
َ ك كلُّه{ .والذين
المعبود الذي له المل ُ
ُ ُّ
الرب المألوه ِ
وتسخيرها هو المذكورات
مير}؛ أي :ال يملكون شيئاً ال ط ٍكون {من ِق ْ ِ
من دونِه} :من األوثان واألصنام ،ال يمل َ
ِ
قليالً وال كثيراً ،حتى وال القطمير الذي هو أحقر األشياء ،وهذا من تنصيص النفي
ِ
السماوات واألرض؟! مالكين لشيء من ملك وعمومه؛ فكيف ُي ْد َع ْو َن وهم غير
َ
ٍ
وأموات ٍ ()2
{ }14ومع هذا{ :إن تَ ْدعوهم} :ال يسمعوكم؛ ألنهم ما بين جماد
ومالئكة مشغولين بطاعة ربهم{ ،ولو سمعوا} :على وجه الفرض والتقدير {ما ٍ
ِ
بعبادة َم ْن َعَب َده ،ولهذا قال: أكثرهم ِ استَجابوا لكم}َّ :
ألنهم ال يملكون شيئاً وال يرضى ُ ْ
أنت وِلُّينا
ويقولون :سبحانك ََ بش ْر ِك ُكم}؛ أي :يتبرؤون منكم،
القيامة يكفُرون ِ
َ
ِ {ويوم
ِ
الخبير؛ أصدق من اللّه العليم
ُ ك
أحد ينبُِّئ َ من دونهم{ ،وال ينبُِّئك مث ُل ٍ
خبير}؛ أي :ال َ
تفتضمَن ْ تشك فيه وال ِ
تمتر. عين ،فال َّ رأي ٍ فاج ِز ْم َّ
َّ بأن هذا األمر الذي نبأ به كأنه ُ ْ
َّ ُ َّ
المعبود الذي ال
ُ اآليات األدلة والبراهين الساطعةَ الدالة على َّأنه تعالى المألوهُ هذه
تفيد عابده وأن عبادةَ ما سواه باطلةٌ متعلقةٌ بباطل ال ُ ُّ
يستحق شيئاً من العبادة سواهَّ ،
شيئاً.
ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ.
« - 1قوله على ما فيه :أي من الصفات ،وعلى ما َمَّنه من الفضل واإلنعام وعلى الجزاء
بالعدل» ،كذا في هامش نسخة ( أ ) بخط المؤلف.
إثبات البعث
ُ المراد بذلك
َ ويحتمل َّ
أن غير قاصرة عن ذلكُ . وأن مشيئتَه ُ واإلبادةَّ ،
كل ٍ
شيء ،وفي إعادتكم بعد موتكم خلقاً وأن مشيئةَ اللّه تعالى نافذةٌ في ِّ ُّ
والنشورَّ ،
قدره اللّه ال َّ
يتقدم عنه وال َّ
يتأخر. جديداً ،ولكن لذلك الوقت أج ٌل َّ
ٍ
معجز له. ٍ
بعزيز}؛ أي :بممتنع وال {{ }17وما ذلك على اللّه
ِ
العقوبات {فكيف كان ِ
نكير} :عليهم؟ أخذت الذين كفروا} :بأنواع
ُ {{ }26ثم
وتكذيب هذا الرسول الكريم ،فيصيبكم كما
َ وأعظم التنكيل؛ َّ
فإياكم كان َّ
أشد النكير
َ
أصاب أولئك من العذاب األليم والخزي الوخيم.
ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ.
جنات
ٌ {جنات ٍ
عدن َي ْد ُخلونها}؛ أي: ُ كتابه،
{ }33ثم ذكر جزاء الذين ْأو َرثَهم َ
والظل والظليل والحدائق الحسنة واألنهار المتدفِّقة والقصور ِّ مشتمالت على األشجار
ٌ
والع ْد ُن :اإلقامة؛ فجنات ٍ ِ ِ
العالية والمنازل المزخرفة في أبد ال يزول وعيش ال َي ْنفَ ُدَ .
ووصف أهلها،
ُ والخلود وصفُها
َ عدن؛ أي :جنات إقامة ،أضافها لإلقامة َّ
ألن اإلقامةَ ٍ
ـي الذي ُيجعل في اليدين على ما ُّ
يحبون ـحِل ُّ
ذهب} :وهو ال ُـحلَّو َن فيها من أساور من ٍ
َ {ي َ ْ
ُ
أحسن من غيره ،الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء{ .و} يحلَّ ْون ُ ويرون َّأنه
َ
حرير} :من سندس ومن
ٌ {ولباسهُم فيها
ُ ظ ُم في ثيابهم وأجسادهم،
فيها {لؤلؤاً}ُ :ي ْن َ
ق أخضر. إستبر ٍ
ب َّ
عنا الحمد للّه الذي أ ْذ َه َ
ُ ت لَ َّذتُهم؛ {قالوا
نعيمهم و َك ُملَ ْ
تم ُ {{ }34و} ل َّـما َّ
حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم وال في حزن؛ فال َ كل ٍ الح َز َن} :وهذا يشم ُل َّ
َ
لذاتهم وال في أجسادهم وال في دوام لَْبثِهم؛ فـهـم فـي نـعـي ٍـم ما طعامهم وشرابهم وال في َّ
ِ
الزالت. غفور} :حيث َغفَ َر لنا {إن َّ
أبد اآلبادَّ . يرون عليه مزيداً ،وهو في ٍ
ربنا لَ ٌ تزايد َ َ
فضل ِه ما لم تَْبلُ ْغهُ أعمالُنا
الحسنات وضاعفَها ،وأعطانا من ِ
َ
ِ {شكور} :حيث قَبِ َل َّ
منا ٌ
وفضل ِه؛ حصل لهم ِ وبشكر ِه
ِ ٍ
ومرهوب، كل مكروه وال أمانينا .فبمغفرتِ ِه؛ َن َجوا من ِّ
ْ
ٍ
محبوب. ٍ
مرغوب ُّ
كل
وعذابهم،
َ ونعيمهم؛ ذكر حا َل أهل النار
َ { }36لما ذكر تعالى حال أهل الجنة
لقاء
رسلُهم من اآليات وأنكروا َ فقال{ :والذين َكفَروا}؛ أي :جحدوا ما جاءتْهم به ُ
ربِّهم{ ،لهم نار جـه َّـنم}َّ :
يعذبون فيها َّ
أشد العذاب وأبلغ العقاب{ ،ال ُي ْقضى عليهم}: ُ
ظ ُمهُ فشدة العذاب ِ
وع َ ـخفَّ ُ
ف عنهم من عذابِها}َّ : {فيموتوا} :فيستريحوا{ ،وال ُي َ
بالموت َ
كفور}. مستمر عليهم في جميع اآلنات واللحظات{ .كذلك نجزي َّ
كل ٍ ٌّ
ط ِرخون فيها}؛ أي :يصرخون ويتصايحون ويستغيثون
صَ{{ }37وهم َي ْ
أخ ِر ْجنا َن ْع َم ْل صالحاً غير الذي َّ
كنا نعم ُل} :فاعترفوا بذنبهم ،وعرفوا ويقولونَّ :
{ربنا ْ
{ن َع ِّم ْر ُكم ما}؛
فيقال لهم ألمُ : ولكن سألوا الرجعةَ في غير وقتهاُ ، أن اللّه َع َد َل فيهمْ ، َّ
ذكر من العمل، يتمكن فيه من أراد التَ ُّ{يتذكر فيه من تَ َذ َّكر}؛ أيَّ : َّ أي :دهراً وعمراً
َ َ ُ
()1
ومددنا
ْ وقيضنا لكم أسباب الراحة، ْ َمتَّ ْعناكم في الدنيا ،وأدررنا عليكم األرزاق،
ِ
بالسراء وابتَلَْيناكم وواصْلنا إليكم ُّ
الن ُذرْ ، ِ
اآليات، وتابعنا عليكم لكم في العمر،
َ ْ
إنذار ،ولم تُِف ْد فيكم موعظةٌ، ينج ْع فيكم ٌ ِ
وترجعوا إلينا ،فلم َ والضراء؛ ِلتُنيبوا إلينا
ِ
أعماركم ورحلتُم عن دار ُ تانقضت آجالُكم وت َّـم ْ
ْ وأخ ْرنا عنكم العقوبةَ ،حتى إذا َّ
بأشر الحاالت ووصلتُم إلى هذه الدار دار الجزاء على األعمال؛ سألتُُم
اإلمكان ِّ
َّ
واشتد وقت اإلمكان ،وغضب عليكم الرحيم الرحمن، الرجعةَ! هيهات هيهات! فات ُ
ونسي ُكم أه ُل الجنة ،فامكثوا فيها خالدين مخلَّدين وفي العذاب
عليكم عذاب النارَ ،
- 1في (ب)« :ومدينا».
في ْخ ِر ُجهم منها ،أو
ينص ُرهم ُ ٍ
نصير}ُ : ُمهانين ،ولهذا قال{ :فذوقوا فما للظالمين من
يخفِّ ُ
ف عنهم من عذابها.
. ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ
{ }38ل َّـما ذكر جزاء أهل الدارين ،وذكر أعمال الفريقين؛ أخبر تعالى عن
ِ
أبصار ـوات واألرض التي غابت عنعلم ِه تعالى واطِّالعه على غيب السم ِـ
سعة ِ
ِ
والشر
ِّ عالم بالسرائر وما تنطوي عليه الصُّدور من الخير
وأنه ٌ ـخْلق وعن علمهمَّ ،
ال َ
كل ٍ
أحد منزلته. والزكاء وغيره ،فيعطي كالًّ ما يستحقُّهِ ،
وينز ُل َّ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ. ﭦ ﭧ ﭨ
ِِ ِِ ِ ِ ِِ
{ }39يخبر تعالى عن كمال حكمته ورحمته بعباده َّأنه قَ َّد َر بقضائه السابق ْ
أن
فينظر
َ أم ٍة من األمم ُّ
الن ُذ َر، ويرسل ِّ
لكل َّ َ ف بعضاً في األرض،
بعضهم َي ْـخلُ ُ
يجع َل َ
إثمه
كفره عليه ،وعليه ُ جاءت به رسلُه؛ َّ
فإن َ ْ يعملون؛ {فمن َكفَ َر} :باللّه وبما
َ كيف
أحد ،وال يزداد الكافر ِ َّ وعقوبتُه ،وال َي ْـح ِم ُل عنه ٌ
وبغضه َّإياه،
َ مقت ربِّه له بكفر ِه إال َ
الرب الكريم؟! {وال يزيد الكافرين ُك ْف ُر ُهم إالَّ خساراً}؛
ِّ أعظم من مقت ُ وأي عقوبة
ُّ
ٍ
زيادة أنفسهم وأهليهم وأعمالَهم ومنازلَهم في الجنة؛ فالكافر ال يزا ُل في
أي :يخسرون َ
خلق ِه والحرمان.
من الشقاء والخسران والخزي عند اللّه وعند ِ
ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮎ ﮏ ﭼ. ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
وبطالن ِشركهم من
َ نقصها ِ
{ }40يقول تعالى معجِّزاً آللهة المشركين ومبيِّناً َ
أخبِروني عن شركائ ُكم {الذين
جميع الوجوهُ { :ق ْل} يا ُّأيها الرسول لهم{ :أرأيتُم}؛ أيْ :
ِ
والعبادة؟! فأروني {ماذا َخلَقوا من دون اللّه} :هل هم مستحقُّون للدعاء تدعون من ِ
َ
سيقرون ِ
األرض} :هل َخلَقوا بحراً أم خلقوا جباالً أو خلقوا حيواناً أو خلقوا جماداً؟! ُّ
ِ
السموات} :في خلقها الخالق لجميع األشياء هو اللّه تعالى .أم لشركائِ ُكم {شر ٌ
ك في َ َّ
أن
الخالق في
َ يخلق شيئاً ولم َي ْشركوا
ْ وتدبيرها؟! سيقولون :ليس لهم شركةٌ! فإذا لم
ـي على
خلقه؛ فلم عبدتُموهم ودعوتُموهم مع إقراركم بعجزهم؟! فانتفى الدليل العقل ُّ
صح ِة عبادتهمَّ ،
ودل على بطالنها. َّ
منتف ،فلهذا قال{ :أم آتَْيناهم كتاباً} :يتكلَّم
ٍ السمعيَّ ،
وأنه أيضاً َّ ثم ذكر الدليل
وعبادة األوثان{ .فهم} :في شركهم {على ِ ِ
بالشرك يأم ُرهم بما كانوا به ِ
يشركون؛ ُ
فإنهم ما بينة} :من ذلك الكتاب الذي َن َز َل عليهم في صحة الشرك ،ليس األمر كذلك؛ َّ ٍ
محمد (ص) ،ولو قُ ِّد َر ٍ نذير قبل رسول اللّه
كتاب قب َل القرآن ،وال جاءهم ٌ
نزل عليهم ٌ
فإنا ِ
نجز ُم بش ْر ِك ِهم؛ َّ
نزو ُل كتاب إليهم وإ رسا ُل رسول إليهم وزعموا َّأنه أمرهم ِ
ََ
ك من رسول إالَّ نوحي إليه َّأنه ال إله إالَّ أنا ألن اللّه قال{ :وما أرسْلنا من ِ
قبل َ ْ َ بكذبِهم؛ َّ ِ
والكتب كلُّها متفقةٌ على األمر بإخالص الدين للّه تعالى{ :وما ُ فاعبدون} :فالرس ُلِ
ـي
قيل :إذا كان الدليل العقل ُّ فإن َ ِ َّ ِ ِ
حنفاء}ْ .
َ الدين
صين له َ
أُمروا إال لَي ْعُبدوا اللّهَ مخل َ
الشرك وفيهم ذوو ِ ـي قد دالَّ على بطالن الشرك؛ فما الذي حمل المشركين على والنقل ُّ
العقول والذكاء والفطنة؟! أجاب تعالى بقوله{ :بل إن ي ِع ُد الظالمون بعضهم بعضاً إالَّ
ُ َ
غروراً}؛ أي:ذلك الذي َم َش ْوا عليه ليس لهم فيه ُح َّجةٌ ،وإ َّنما ذلك توصيةُ بعضهم
ِّ
الضال ،وأماني َّ
مناها ِّ
بالمتقدم ِّ
المتأخر واقتداء ٍ
لبعض، لبعض به ،وتزيين ِ
بعض ِهم ٍ
ُ ُ
وصارت صفةً من
ْ سوء أعمالهم ( ،)1فنشأت في قلوبهم، الشياطينَّ ،
وزي َن لهم َ
ص َل من اإلقامة على الكفر ِ
فع ُس َر زوالُها وتعس ََّر ْانفصالها ،فحصل ما َح َ
صفاتهاَ ،
ِّ
المضمحل. والشرك الباطل
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ.
ِ
باأليمان { }42أي :وأقسم هؤالء الذين َّ
كذبوك يا رسول اللّه قسماً اجتهدوا فيه
يكون َّن أهدى من إحدى األمم}؛ أي :أهدى من اليهو ِد
نذير لَ ُ ِ
الغليظة{ :لَئن جاءهم ٌ
نذير} :لم
والنصارى أهل الكتب ،فلم يفوا بتلك اإلقسامات والعهود{ ،فلما جاءهم ٌ
َي ْـهتَدوا ،ولم َيصيروا أهدى من إحدى األمم ،بل لم َيدوموا على ضاللهم الذي كان ،بل
زادهم} ذلك {إالَّ نفوراً} :زيادة ضالل وبغي وعناد.
{ما َ
للحق ،وإ الَّ ؛ لَ ُوفِّقوا له،
ِّ ٍ
وطلب لقصد ٍ
حسن ٍ المذكور
ُ إقسامهُم
ُ { }43وليس
وبهرجة في كالمهمٍ ِّ
الحق، ٍ
استكبار في األرض على الخلق وعلى صادر عن ولكنه
ٌ
الحق الحريصون على طلبه ،فيغتر بهم وأنهم أهل ِّ
هذا؛ يريدون به المكر والخداعَّ ،
مقصودهُ
ُ ِّىء} :الذي
المكر السي ُ
المغترون ،ويمشي خلفهم المقتدون{ ،وال َيحيق ُ
ُّ
فمكر ُهم َّإنما ُ
يعود ِِ
ِّىء باطل {إال بأهله}ُ :
ِّىء ومآله وما يرمي إليه َسي ٌ
مقصود َسي ٌ
ٌ
لعباد ِه في هذه المقاالت وتلك اإلقسامات َّأنهم َك َذَبةٌ في ذلك عليهم .وقد أبان اللّه ِ
مكر ُهم
ِّىء ،فعاد ُ قصدهم السي ُ وتبيـن ُ وظهرت فضيحتُهُمَّ ، ْ مزورون ،فاستبان ِخ ْزُيـهُم،
ِّ
انتظار ما َي ِح ُّل بهم من يبق لهم إالَّكيدهم في صدورهم ،فلم َ ورد اللّه َ في نحورهمَّ ،
ُ
كل َمن سار في أن َّ سنةُ اللّه في األولين ،التي ال تَُب َّد ُل وال تُ َغَّي ُر؛ َّ ِ
العذاب ،الذي هو َّ
الظلم والعناد واالستكبار على العباد ْ ِ
بب عنه نعمتُه ،فليترقَّ ْ أن تَح َّل به نقمتُه وتُ ْسلَ َ
هؤالء ما فعل بأولئك.
ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
ﰚ ﰛ ﰜ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰍ
ﭼ.
يحض تعالى على السير في األرض في القلوب واألبدان لالعتبار ال ُّ {}44
الرسل
َ لمجر ِد النظر والغفلة ،وأن ينظُروا إلى عاقبة الذين من قبلهم م َّـمن َّ
كذبوا َّ
()1
َّ
وأشد قوةً وعمروا األرض أكثر مما عمرها وكانوا أكثر منهم أمواالً وأوالداً
أوالدهم من
ُ تنفعهم قوتُهم ،ولم ِ
تغن عنهم أموالُهم وال العذاب؛ لم ْ
ُ هؤالء ،فلما جاءهم
أرباب الجرائم
َ نظار ِه حلم ِه َّ
وشدةَ إمهاله وإ ِ كمال ِ
{ }45ثم َذ َك َر تعالى َ
ظ ْه ِرها والذنوب ،فقال{ :ولو ِ
يؤاخ ُذ اللّهُ الناس بما َك َسبوا} :من الذنوب {ما ترك على َ
الحيوانات غير المكلَّ ِ
فة{ .ولكن}ُ :يمهلهم ِ داب ٍة}؛ أي :الستوعبت العقوبةُ حتى من َّ
َ
بعباد ِه
فإن اللّه كان ِ
َ مسمى فإذا جاء أجلُهم َّ
أجل ًّ{يؤخرهم إلى ٍ
ُ ِّ ، ()1
تعالى وال ُيهملهم
وشر. بحسب ما َعِل َمهُ منهم من ٍ
خير ٍّ ِ بصيراً} :فيجازيهم
[وهي] مكية
ﭑﭒﭓ
ﭽﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
.ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ
صفُهُ الحكمةُ ،وهي وضعُ قسم من اللّه تعالى بالقرآن الحكيم الذي َو ْ { }2هذا ٌ
ـمحل ( )1الالئق بهما ،ووضع الجزاء موضعه :وضع األمر والنهي في ال ِّ كل ٍ
شيء ِّ
ُ َ
الشرعيةُ والجزائيةُ كلُّها مشتملةٌ على
َّ فأحكامهُ
ُ والشر في محلِّهما الالئق بهما؛
ِّ بالخير
غاية الحكمة .ومن حكمة هذا القرآن أنه يجمع بين ِذ ْكر الح ْكم ِ
وح ْكمته ،فينبِّه العقول ُ
على المناسبات واألوصاف المقتضية لترتيب الحكم عليها.
المقسم عليه ،وهو رسالةُ محمد (ص)َّ ،
وأنك يا َ المرسلين} :هذا
َ {إنك لَ ِم َن
{َّ }3
محمد من جملة المرسلين ،فلست ببدع من الرسل .وأيضاً؛ فجئت بما جاء به الرسل
المرسلين وأوصافهم وعرف الفرق ()2
َّ
الدينية .وأيضاً؛ فمن تأمل أحوال من األصول
بينهم وبين غيرهم؛ عرف َّأنك من خيار المرسلين بما فيك من الصفات الكاملة
المقسم عليه
َ القرآن الحكيم وبين
ُ المقسم به وهو
َ واألخالق الفاضلة .وال يخفى ما بين
وأنه لو لم يكن لرسالتِ ِه دلي ٌل وال
محمد (ص) من االتصالَّ ،ٍ وهو رسالةُ الرسول
شاهد إالَّ هذا القرآن الـحـكيم؛ لكفى به دليالً وشاهداً على رسالة محمد [(ص)] ،بل
ٌ
المتصلة المستمر ِة على رسالة الرسول ،فأدلةُ القرآن كلُّها
ِ ِ
األدلة القرآن العظيم أقوى
ُ
أدلةٌ لرسالة محمد (ص).
{ }4ثم أخبر بأعظم أوصاف الرسول (ص) ،الدالَّة على رسالته ،وهو َّأنه
ٍ
صراط مستقيم} :معتدل ،موصل إلى اللّه وإ لى دار كرامته ،وذلك الصراط {على
فتأم ْل جاللةَ هذا القرآن الكريم؛ كيف َج َـم َع بين القَ َسم بأشرف األقسام على
َّ
ولكنه تعالى أقام من األدلَّة الواضحة وحده ٍ
كافَّ ، وخبر اللّه َ
ُ
ِّ
أجل ُم ْق َسم عليه،
صحة ما أقسم عليه من رسالة رسوِل ِه ما ِ
الساطعة في هذا الموضع على َّ والبراهين
َّنبهنا عليه وأشرنا إشارةً لطيفة لسلوك طريقه.
كتابه
الرحيم}؛ فهو الذي أنز َل به َ ِ
العزيز َّ { }5وهذا الصراط المستقيم {تنزي َل
ور ِح َم به لعباد ِه موصالً لهم إليه ،فحماه َّ
بعزته عن التغيير والتبديلَ ،
وأنزلَه طريقاً ِ
صلت بهم حتى أوصلتْهم إلى دار رحمته ،ولهذا ختم اآلية بهذين عباده رحمةً اتَّ ْ
َ
االسمين الكريمين العزيز الرحيم.
{ }6فلما أقسم تعالى على رسالته ،وأقام األدلَّةَ عليها؛ َذ َك َر َّ
شدةَ الحاجة إليها
العرب غافلون} :وهم الضرورةـ لها ،فقال{ِ :لتُ ِنذر قوماً ما أ ِ
ُنذ َر آباؤهم فهم واقتضاء َّ
ُ َ َ َ
األميون ،الذين لم يزالوا خالين من الكتب ،عادمين الرسل ،قد َع َّمتْهُ ُم الجهالة ُّ
العالمين ،فأرسل اللّه إليهم
َ وأض َحكوا عليهم وعلى َسفَ ِه ِهم عقو َل
وغمرتْـهُ ُم الضاللةْ ،
يزكيهم ،ويعلِّمهم الكتاب والحكمة وإ ن كانوا من قبل لَفي ضالل رسوالً من أنفسهم ِّ
أميِّ ،
ويذك ُر أهل الكتب بما عندهم كل ٍّ وم ْن لَ ِح َ
ق بهم من ِّ
العرب األميِّين َ
َ فينذر
ُمبينُ ،
غيرهم عموماً. ِ
الكتب؛ فنعمةُ اللّه به على العرب خصوصاً وعلى ِ من
ِ
إلنذارهم بعدما أن َذ ْرتَهم انقسموا قسمين: { }7ولكن هؤالء الذين ُب ِعثْ َ
ت [فيهم]
النذارة ،وهم الذين قال اللّه فيهم{ :لقد َح َّ
ق القو ُل على جئت به ولم َي ْقَب ِل ِّ
رد لما َ قسم َّ
ٌ
القضاء والمشيئةُ َّأنهم ال يزالون في كفرهم
ُ يؤمنون}؛ أي :نفذ فيهم َ أ ْكثَِرهم فهم ال
ٍ ُّ وش ْر ِكهم ،وإ َّنما َّ
ِ
فحينئذ عوقبوا الحق فرفَضوه؛ حق عليهم القو ُل بعد أن ُع ِر َ
ض عليهم
بالطبع على قلوبهم.
{إنا جعْلنا في ِ
أعناق ِهم الموانع من وصول اإليمان لقلوبهم ،فقالَ َ َّ :
َ { }8و َذ َك َر
ِ ُّ ُّ ِ
للر ْجل.
بمنزلة القيد ِّ أغالالً} :وهي جمع غ ٍّل ،والغل ما ُي َغل به ُ
العُنق؛ فهو للعنق
ت {إلى} :أذقانهم ،ورفعت
وصلَ ْ
َ قد ة
ٌ عظيم ()1
وهذه األغال ُل التي في [األذقان]
شد ِة ِّ
الغل الذي في ون}؛ أي :رافعوا رؤوسهم من َّ رؤوسهم إلى فوق{ .فهم ُم ْق َم ُح َ
أعناقهم؛ فال يستطيعون أن َي ْـخ ِفضوها.
ِ {وج َعْلنا ِمن ِ
يحج ُزهم عن بين ْأيديهم َس ًّدا ومن َخْلف ِهم َس ًّدا}؛ أي :حاجزاً ُ {َ }9
والشقاء من جميع جوانبهم ،فلم تُِف ْد
ُ رون}ـ :قد غمرهم الجه ُل ِ
اإليمان؛ {فهم ال ُي ْبص َ
فيهم ِّ
النذارةُ.
والشر
ِّ ِ
الشرك { }19فقالت لهم رسلهم{ :طائِ ُر ُكم معكم} :وهو ما معهم من
ِ
والنعمة{ .أإن ُذ ِّك ْرتُم}؛ أي: ِ
المحبوب ِ
والنقمة وارتفاع ِ
المكروه المقتضي لوقوع
فون}: قوم ِ ُّ بسبب َّأنا َّ
مسر َ صالح ُكم وحظ ُكم قلتُم لنا ما قلتُم{ ،بل أنتُم ٌ
ُ ذك ْرناكم ما فيه
دعاؤهم إالَّ نفوراً واستكباراً.
يز ْدهم ُ مون في قوِل ُكم .فلم ِ
للحد ُمتَ َج ْر ِه َ
زون ِّ ِ
متجاو َ
صح قو ِم ِه حين ِ
{{ }20وجاء من أقصى المدينة رج ٌل يسعى} :حرصاً على ُن ْ
قومه عليهم ،فقال لهم{ :يا قوم رد به ُ وآمن به وعلم ما َّ َ ت إليه الرسل سمع ما َد َع ْ
َ
ص َحهم على ذلك ،وشهد لهم بالرسالة. فأم َر ُهم باتِّباعهمَ ،
ون َ المرسلين}َ :
َ اتَّبِعوا
{ }21ثم ذكر تأييداً لما شهد به ودعا إليه ،فقال{ :اتَّبِعوا َمن ال َي ْسألُ ُكم أجراً}؛
يريد منكم أموالَ ُكم وال أجراً يعود إليكم بالخير ،وليس ُ صحاً ُ ص َح ُكم ُن ْأي :اتَّبِعوا َم ْن َن َ
موجب التِّباع َم ْن هذا وصفُهُ .بقي أن ُيقا َل :فلعلَّه ٌ رشاد ِه؛ فهذا
نصح ِه لكم وإ ِ ِ على
فدفَ َع هذا االحتراز بقوله{ :وهم ولكنه ليس على ِّ
الحقَ ، يأخ ُذ أجرةً َّ َي ْدعو وال ُ
بح ْسنِ ِه ،وال َي ْنهَ ْو َن إالَّ بما َّ
مهتدون} :ألنهم ال َي ْدعون إال لما َي ْشهَ ُد العق ُل الصحيح ُ َ
يشهد العق ُل الصحيح بقُْب ِح ِه. ُ
ص َحهُ ،بل عادوا الئمين له على اتِّباع الرسل
قومه لم َي ْقَبلوا ُن ْ { 22ـ َّ }25
فكأن َ
عون}؛ أي: ط َرني وإ ليه تُْر َج َ أعب ُد الذي فَ َ
وإ خالص الدين للّه وحده ،فقال{ :وما لي ال ُ
ور َزقَني ُّ
المستحق للعبادة؛ َّ ِ
وخلَقَني َ طرني َ ألنه الذي فَ َ عبادة َم ْن هو وما المانعُ لي من
والحكم بين
ُ والرزق
ُ ق بيد ِه ال َ
ـخْل ُ وإ ليه مآل جميع الخلق فيجازيهم بأعمالهم؛ فالذي ِ
ق أن يعب َد ويثْنى عليه ويم َّج َد دون م ْن ال ِ ِ
ك
يمل ُ َ َُ الدنيا واآلخرة هو الذي َي ْستَح ُّ ُ ْ َ ُ العباد في ُّ
عطاء وال منعاً وال موتاً وال حياةً وال نشوراً ،ولهذا قال{ :أأتَّ ِخ ُذ ً ضرا وال
نفعاً وال ًّ
أحد يشفع ألنه ال َ شفاعتُهُم شيئاً}َّ :
َ عني الرحمن بِ ُ
ضٍّر ال تُ ْغ ِن ِّ ُ من دونِ ِه آلهةً إن ُي ِر ْد ِن
الض ِّر الذي ذون} :من ُّ عند اللّه إالَّ بإذنِ ِه؛ فال تُ ْغني شفاعتُهم عني شيئاً {وال هم ُي ِنق ِ
بين} :فجمع عبدت آلهةً هذا وصفُها {لَفي ضالل ُم ٍ ُ {إنـي إذاً}؛ أي :إن أراده اللّهُ بيِّ .
َ
()1
بتعيـن ِ
واالهتداء ،واإلخبار ُّ ِ
بالرسالة للرسل ِ
في هذا الكالم بين ُنصحهم ،والشهادة ُ
البراهين عليها
َ غير ِه باطلةٌ ،و َذ َك َر
وأن عبادة ِ وحده ،وذكـر األدلَّة عليهاَّ ، عبادة اللّه َ
واألخبار بضالل َم ْن َعَب َدها ،واإلعالن بإيمانِ ِه َج ْهراً مع خو ِف ِه الشديد من قتلهم ،فقال:
َ
ِ
فاسمعون}. آمنت ِّ
برب ُكم ُ ِّ
{إنـي
كانت}؛ أي :ما كانت عقوبتُهم {إالَّ صيحةً واحدةً}؛ أي :صوتاً {{ }29إن ْ
قلوبهم في أجوافهم
عت ُ خامدون} :قد تقطَّ ْ
َ بعض مالئكة اللّه؛ {فإذا هم َّ
واحداً تكلم به ُ
صوت وال حركةَ وال حياةَ بعد ذلكَ خامدين ال ِ
الصيحة فأصبحوا وان َز َعجوا لتلك
ْ
َ
وتجبرهم عليهم.ق بذلك الكالم القبيح ُّ ـخْل ِ ِ
أشرف ال َ العتو واالستكبار ومقابلة
ِّ
العباد ما يأتيهم من رسول إالَّ
ِ ِ
للعباد{ :يا حسرةً على ِّ
متوجعاً { }30قال اللّه
َّ
وأشد جهلَهم حيث كانوا عناءهم
وأطول َ
َ شقاءهم
ئون}؛ أي :ما أعظم َ ِ
يستهز َ كانوا به
ونكال. ٍ
وعذاب َ لكل ٍ
شقاء سبب ِّ ِ
القبيحة التي هي ٌ ِ
الصفة بهذه
{ 31ـ { }32ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم ال يرجعون .وإ ن
وي ْعتَبِروا بِ َم ْن قبلَهم من
لما جميعٌ لدينا محضرون}؛ يقول تعالى :ألم َي َر هؤالء َ ُّ
كل َّ
ك فلم
وهلَ َ
باد َ
جميعهم قد َ َ عقابهاَّ ،
وأن القرون الـمـك ِّـذبةـ التي ْ
أهلَ َكها اهلل تعالى وأوقَ َع بها َ
- 1في (ب)« :بتعيين».
وسيعيد اللّه الجميع خلقاً جديداً ،ويبعثُهُم بعد موتِ ِهم،
ُ ولن َي ْر ِج َع إليها، ِ
يرج ْع إلى ُّ
الدنيا ْ
بحكم ِه العدل الذي ال ِ
يظل ُم مثقا َل َذ َّر ٍة وإ ْن ِ ليحكم بينهم يديه تعالى؛ ويحضرون بين ِ
َ ُ َ
وي ْؤ ِت من لَ ُد ْنه أجراً عظيماً. ِ
ك حسنةً يضاع ْفهاُ ، تَ ُ
ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﭼ.
أن تلك الثمار ولذةً{ .و} الحال َّ ثمر ِه} :قوتاً وفاكهةً وأدماً َّ
{ِ{ }35ليأ ُكلوا من ِ
إن هو إالَّ صنعةُ أحكم {ما} عملتها {أيديهم} :وليس لهم فيها صنعٌ وال عم ٌلْ ،
غير ِه ،بل أوجد اللّهُ هذه
وخير الرازقين ،وأيضاً؛ فلم تَ ْع َمْلهُ أيديهم بطبخ وال ِِ الحاكمين
ِ
أشجارها فتُؤ َك ُل في الحال{ .أفال تؤخ ُذ من
شيء َط ْبخ وال ٍ ٍ
محتاجة ل َ الثمار غير
َ
ِِ ِ
وأسبغ عليهم من ُجو ِده وإ حسانه ما به تَ ْ
صلُ ُح َ ساق لهم هذه النعم،
رون}َ :م ْن َ
َي ْش ُك َ
واألشجار
َ روع
الز َ ت فيها ُّ أحيا األرض بعد موتِها ْ
فأنَب َ ود ْنياهم ،أليس الذي ْ
أمور دينهم ُ
ُ
األرض اليابسة
َ ِ
الغصون وفَ َّج َر ع فيها لذي َذ الثمار وأظهر ذلك الجنى من تلك
وأو َد َ
ْ
بقادر على أن ُي ْـحيِ َي الموتى؟ بلى َّإنه على كل شيء قدير.
يون ٍ بالع ِ
الميتة ُ
األزواج ُكلَّها}؛ أي :األصناف كلَّها {مما تُْنبِ ُ
ت َ ق
{سبحان الذي َخلَ َ
َ {}36
فنو َعهم إلى ٍ
ذكر تعداده{ ،ومن ِ
أنفس ِهم}َّ : يعس ُر
ُُ ع فيها من األصناف ما ُ األرض}َ :فَن َّو َ
ُ
{ }37أي{ :وآيةٌ لهم} :على نفو ِذ مشيئتِ ِه وكمال قدرتِ ِه وإ حيائِ ِه الموتى بعد
ق األرض ِ
فنبدلُه طَّب َ
العظيم الذي َ الضياء النهار}؛ أي :نزيل نسلخ منه
موتهم {اللي ُل ُ
َ َ َ َ
مظلمون}.ون ِحلُّها محلَّه؛ {فإذا هم ِ ُّ
بالظلمة ُ
الشمس، فن ِْ
()1
{ }38وكذلك نزي ُل هذه الظلمةَ التي َع َّمتْهم و َش ِملَتْهمُ ،
َ طلعُ
{والشمس تجري
ُ الخلق لمعايشهم ومصالحهم ،ولهذا قال: ُ فتضيء األقطار ،وينتشر
قدرها اللّه ،ال تتعداه وال تقصر عنه لمستقر لهاَّ ،
ٍّ ِل ُـم ْستَقٍَّر لها}؛ أي :دائماً تجري
ِ
العزيز}: وليس لها تصرف في نفسها وال استعصاء على قدرة اهلل تعالى{ .ذلك تقدير
تدبير وأحسن نظام{ .العليم} :الذي المخلوقات العظيمةَ بأكمل ٍِ بعزتِ ِه َدَّب َر هذه
الذي َّ
ومنافع في دينِ ِهم ُ
ودنياهم. َ لعباد ِه
بعْل ِم ِه جعلَها مصالح ِ
ََ
ِ
كثير من فإن ما َذ َك َره ٌ ـي في التفسير؛ َّ وهذا الموضعُ من أشكل المواضع عل َّ
إطالق ُّ
الذ ِّرَّي ِة على ُ المراد ُّ
بالذ ِّرَّي ِة اآلباء مما ال ُي ْعهَ ُد في القرآن َ المفسِّرين من َّ
أن
رب العالمين كالم ِّ ِِ
اآلباء ،بل فيه من اإلبهام وإ خراج الكالم عن موضوعه ما يأباه ُ
()3
المراد ُّ
بالذ ِّرَّي ِة َ أحسن من هذا ،وهو َّ
أن لعباد ِه .وثََّم احتما ٌل
والتوضيح ِ
َـ البيان وإ رادتُه
ُ َ
ِ وأنهم هم بأنفسهم؛ َّ الجنسَّ ،
ض هذا المعنى ألنهم هم من ُذ ِّرَّية بـنـي آدم ،ولكن َي ْنقُ ُ ُ
مثل ِه ما َي ْر َكبون}ْ :
الفْلك؛ أي: وخلَ ْقنا من مثل ذلك ُ أريدَ :إن َ {وخلَ ْقنا لهم من ِ
قولهَ :
فيكون ذلك تكريراً للمعنى تأباه ُ الفْلك،يركبون من أنواع ُ َ لهؤالء المخاطبين ما
يركبون} :اإلبل التي هي َ مثل ِه ما
{وخلَ ْقنا لهم من ِأريد بقولهَ : فإن َ فصاحةُ القرآنْ .
تشويش؛ َّ
فإنه ٌ الكالم فيه
ُ استقام المعنى واتَّضح؛ إالَّ َّأنه يبقى أيضاً أن يكون َ البر؛
ُسفُن ِّ
وخلَ ْقنا لهم من حون َ الم ْش ِ لو أُريد هذا المعنى؛ لقال :وآيةٌ لهم َّأنا حـمْلناهم في ُ ِ
الفْلك َ ََ
ق مع قدرتِ ِه
ْأنجاهم من الغر ِ ()1
{ }43ولهذا َّنبههم على نعمتِ ِه عليهم حيث
يصر ُخ لهم ِ
فيعاوُنهم صريخ لهم}؛ أي :ال أحد ُ
َ على ذلك ،فقال{ :وإ ن نشأ ُن ْغ ِر ْقهم فال
ذون} :مما هم فيه. الشدة وال يزي ُل عنهم المشقَّة{ ،وال هم ُينقَ َ
على َّ
حين} :حيث لم ُن ْغ ِر ْقهم لطفاً بهم وتمتيعاً لهم {{ }44إالَّ رحمةً ِمَّنا ومتاعاً إلى ٍ
إلى ٍ َّ
ط منهم. ِ
يستدركون ما فَ َر َ عون ،أو حين ،لعلهم ير ِج َ
لهم اتَّقوا ما َب ْي َن أيديكم وما َخْلفَ ُكم}؛ أي :من أحوال البرزخ
{{ }45وإ ذا قيل ُ
مون} :أعرضوا عن ذلك ،فلم يرفعوا َّ ِ
والقيامة وما في ُّ
الدنيا من العقوبات؛ {لعل ُكم تُْر َح َ
كل ٍ
آية. به رأساً ،ولو جاءتْهم ُّ
َ
آيات ربِّهم إالَّ كانوا عنها
آية ِمن ِ{ }46ولهذا قال{ :وما تأتيهم ِمن ٍ
ألنه ما أبين ِ
ووضوحها؛ َّ ِ
اآليات إلى ربِّهم دلي ٌل على كمالها معرضين} :وفي إضافة
َ
أن تعبدوني بامتثال أوامري وترك َزوا ِجري{ .هذا}؛ أي: {{ }61و} أمرتُكمْ :
فعلوم الصراط المستقيم
مستقيم}ُ :
ٌ عبادتي وطاعتي ومعصية الشيطان {صراطٌ
وأعمالُه ترجع إلى هذين األمرين؛ أي :فلم تَ ْـحفَظوا عهدي ولم تَعملوا ِ
بوصَّيتي، َْ ُ ُ
عدوكم.
فواليتُم َّ
تعقلون}؛ أي:
َ فأضل {منكم ِجبِالًّ كثيراً}؛ أي :خلقاً كثيراً{ .أفلم تكونوا
َّ {}62
الحق ،ويزجركم عن اتِّخاذ أعدى ِّ يأم ُركم بمواالة ربِّكم ووليِّكم
أفال كان لكم عق ٌل ُ
صحيح؛ لما فعلتُم ذلك.
ٌ وليا؟ فلو كان لكم عق ٌل ِ
األعداء لكم ًّ
{ }63فإ ْذ أطعتُم الشيطان ،وعاديتُم الرحمنَّ ،
وكذبتم بلقائِ ِه ،ووردتُم القيامةَ
توعدون}ِّ :
وتكذبون َّ
وحق عليكم القو ُل بالعذاب ،فَـ{هذه َّ
جهن ُم التي كنتُم َ َ دار الجزاء،
ويحص ُل
ُ األبصار، القلوب ،وتزوغُ
ُ بها؛ فانظروا إليها عياناً! فهناك ِ
تنزع ُج منهم
ُ
األكبر.
ُ الفزعُ
{اصلَ ْوها اليوم بما { }64ثم ُي ْك ِم ُل ذلك ْ
بأن ُي ْؤ َم َر بهم إلى النار ،ويقا َل لهمْ :
حرها ،ويبلغُ منكم َّ
كل صال ُكم ،ويحيطُ بكم ُّ
ادخلوها على وجه تَ ْ
رون}؛ أيُ :
كنتُم تكفُ َ
كفر ُكم بآيات اللّه وتكذيبِ ُكم لرسل اللّه.
مبلغ بسبب ِ
ص ِفهم الفظيع في دار الشقاء{ :اليوم َن ْختِ ُم على { }65قال تعالى في بيان َو ْ
إنكار ما َع ِملوه من ال ُك ْف ِر
رون على ِ ِ
أفواه ِهم} :بأن َن ْج َعلَهم ُخ ْرساً فال يتكلمون ،فال يقد َ
ِ
ِ
بون}؛ أي :تشهد عليهم والتَّ ْكذيب{ .وتُ َكلِّ ُمنا ْأيديهم وتَ ْشهَ ُد ُ
أرجلُهم بما كانوا َي ْكس َ
شيء.كل ٍ أنطق َّ وي ْن ِطقُها الذي
َ أعضاؤهم بما عملوهُ ، ُ
ط َم ْسنا على أبصارهم كما َ ب ِ طمسنا على ِ
َ أعينهم} :بأن ُن ْذه َ
ُ نشاء لَ َ َ ْ
{{ }66ولو ُ
ُن ْ ِ
ألنه الطريق إلى الوصول إلى الجنة. ط}ـ؛ أي :فبادروا إليه؛ َّ {فاستََبقوا الصرا َ طق ِهم؛ ْ
أبصارهم؟!
ُ ترون} :وقد طُ ِم َس ْ ِ
{فأنى ُي ْبص َ َّ
شاعر،
ٌ عما رماه به المشركون من َّأنه نبيه محمداً (ص) َّ ينزه تعالى َّ {ِّ }69
الشعر وما َي َنبغي له} :أن يكون شاعراً؛ َ شعر ،فقال{ :وما علَّمناه
وأن الذي جاء به ٌ َّ
مهتد ،والشعراء غاوون، رشيد ٌٍ ألنهأي :هذا من جنس المحال أن يكون شاعراً؛ َّ
الشبه التي يتعلَّق بها الضالُّون عن وألن اللّه تعالى َح َسم جميع ُّ
َ يتَّبِ ُعهُم الغاوونَّ ،
َّ
يكتب أو يقرأ ،وأخبر َّأنه ما علمه الشعر وما ينبغي لهْ .
{إن رسوله ،فحسم أن يكون ُ
يتذكر به أولو األلباب مبين}؛ أي :ما هذا الذي جاء به إالَّ ذكر َّ وقرآن ٌ
ٌ هو إالَّ ِذ ْكٌر
ٌ
َّ أتم اشتمال ،وهو ِّ َّ
يذك ُر العقو َل ما َر َك َز اللهُ الدينية؛ فهو مشتم ٌل عليها َّ جميع المطالب
مبين لما
بين}؛ أيٌ : {وقرآن ُم ٌ
ٌ كل قبيح. حسن والنهي عن ِّ بكل ٍ ط ِرها من األمر ِّ في ِف َ
َّ
التفصيلية ـحق بـأدلَّته
مبين لـجميع ال ِّ ـدل على َّأنه ٌ المعمول؛ لـي َّ
َ بيانه ،ولهذا حذفب ُ طلَ ُ ُي ْ
واإلجمالية والباطل وأدلَّة بطالنِ ِه .أنزله اللّه كذلك على رسوِل ِه. َّ
واعَيه؛ فهو الذي يزكو على هذا حي القلب ِ{{ِ }70لُي ِنذ َر َمن كان َحًّيا}؛ أيَّ :
ِ
المطر القرآن لقلبِ ِه بمنزلة
ُ القرآن ،وهو الذي يزداد من العلم منه والعمل ،ويكون
ألنهم قامت عليهم به ُح َّجةُ اللّه الكافرين}َّ :
َ {وي ِح َّ
ق القو ُل على لألرض الطيِّبة الزاكيةَ ،
ٍ
وشبهة ُيدلون بها. يبق لهم أدنى ٍ
عذر احتجاجهم ،فلم َ وانقطع
ُ
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭼ.
يأم ُر تعالى العباد بالنظر إلى ما َس َّخر لهم من األنعام وذلَّلها
{ 71ـ ُ }73
منافع يريدونه منهاَّ ،
وأنه جعل لهم فيها َ كل ٍ
أمر مالكين لها مطاوعةً لهم في ِّ
َ وج َعلَهم
َ
َ
محل ،ومن أ ْكِل ِهم ومحامِلهم وأمتِ َعتِهم من ٍّ
محل إلى ٍّ
ْ
ِ كثيرةً من حـمِلهم وحـمل ِ
أثقال ِهم َْ َْ
حين ،وفيها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى ٍ
ِ دفء ،ومن ِ
أوبارها وأصوافها ٌ منها ،وفيها
يشكرون} اللّهَ تعالى الذي
َ وغير ذلك من المنافع المشاهدة منها{ .أفال
زينةٌ وجما ٌل ُ
صون له العبادةَ ،وال يتمتَّعون بها تمتُّعاً خالياً من العبرة ِ
أنعم بهذه النعم ،ويخل َ
والفكرة؟!
. ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ
اتَّخذوها مع اللّه تعالى ()1
بيان لبطالن آلهة المشركين التي
{ 74ـ }75هذا ٌ
ص َرهم} :وال ْأنفُ َسهم
ص َرها و َش ْف َعها؛ فإنها في غاية العجز{ .ال َي ْستَطيعون َن ْ
ور َج ْوا َن ْ
َ
رونهم؟! والنصر له
ص َ ص َرهم؛ فكيف َي ْن ُ
رون :فإذا كانوا ال يستطيعون َن ْ
ص َ َي ْن ُ
ريد نصرةً ِم ْن َع ْب ِده أم ()2
شرطان :االستطاعةُ [والقدرةُ] ؛ فإذا استطاع :يبقى :هل ُي ُ ِ
محضرون}؛ أي: ند ِ
االستطاعة ينفي األمرين كليهما{ .وهم لهم ُج ٌ ال؟ فنفي
َ
بعضهم من بعض ،أفال تبرؤوا في الدنياىء ُ ومتبر ٌ
ِّ محضرون هم وهم في العذاب، َ
والعطاء والمنعُ
ُ والضر
ُّ بيد ِه المل ُ
ك والنفعُ
من عبادة هؤالء وأخلصوا العبادةَ للذي ِ
النصير؟!
ُ ـي
وهو الول ُّ
. ﭽ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ
والمراد بالقول ما َّ
دل ُ ِّ
المكذبين، ك يا ُّأيها الرسو ُل قول
{ }76أي :فال َي ْـح ُز ْن َ
ك
كل قول َي ْق َدحون فيه في الرسول أو فيما جاء به؛ أي :فال تَ ْش َغ ْل َقْلَب َ السياقُّ ،
ُ عليه
حسب ِعْل ِمنا بهم،
ِ ِ
فنجازيهم على نون}؛ ِ
ون وما ُي ْعل َ
ِ
نعلم ما ُيس ُّر َ بالحزن عليهمَّ .
{إنا ُ
وإ الَّ ؛ فقولُهم ال ُّ
يضرك شيئاً.
ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ
ﯔ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ. ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
- 1في (ب)« :الذين».
- 2كذا في هامش ( أ ) .وال توجد في (ب) ،ولعل الصواب« :اإلرادة».
ٍ
جواب بأتم ِ
شبهة منكري البعث والجواب عنها ِّ اآليات الكريمات فيها ِذ ْك ُر
ُ هذه
وأحسنِ ِه وأوضحه.
ُّ
الشاك فيه أمراً
()1 ِ
المنك ُر للبعث أو اإلنسان}: {أولَم َي َر
ُ { }77فقال تعالىَ :
تنقلُه في األطوار شيئاً خلق ِه {من ٍ
نطفة} ،ثم ُّ التام بوقوعه ،وهو ابتداء ِ اليقين َّ يفيده
ُ
ُ َ
ابتداء
ُ أن كان
مبين} :بعد ْ
خصيم ٌ ٌ َّ
واستتب؛ {فإذا هو وتم عقلُه َّ
وشب َّ فشيئاً ،حتى كبر
يعلم َّ
أن الذي أنشأه من العدم ِ خلق ِه من ٍ
ِ
التفاوت بين هاتين الحالتين ،وْل ْ
َ فلينظر نطفة؛
تفرق َّ
وتمزق من باب أولى. يعيده بعدما َّ
قادر على أن َ
ٌ
قياس قدر ِة الخالق {{ }78وضرب لنا مثالً} :ال ينبغي ٍ
ألحد أن ِ
يضرَبه ،وهو ُ
الم ْستَْب َع َد على قدرة المخلوق ُم ْستَْب َع ٌد على قدرة الخالق، بقدر ِة المخلوقَّ ،
وأن األمر ُ
رميم}؛ أي :هل العظام وهي ٌ َ {من ُيحيي فَس ََّر هذا المثل بقوله{ :قال} :ذلك اإلنسانَ :
ت .هذا وجهُ الشبهة ت وتال َش ْ أح َد ُيحييها بعدما َبِلَي ْ أحد يحييها؟ استفهام ٍ
إنكار؛ أي :ال َ ٌ
البعد على ما ُي ْعهَ ُد من قدر ِة البشر ،وهذا القو ُل أن هذا أمر في غاية ِ والمثل ،وهو َّ
ٌ
ـخْل ِق ِه بعد أن لم
خلق ِه؛ فلو فَ ِط َن ِل َ
ونسيان البتداء ٌِ ص َد َر من هذا اإلنسان غفلةٌ منه
الذي َ
ب هذا المثل. فو ِجد عياناً؛ لم ِ
يضر ْ يكن شيئاً مذكوراًُ ،
شاف ٍ
كاف ،فقالُ { :ق ْل ُي ْـحييها بجواب ٍ
ٍ ِ
االستبعاد { }79فأجاب تعالى عن هذا
أن الذي تصو ِر ِه يعلم به علماً يقيناً ال شبهةَ فـيه َّ
بمجر ِد ُّ
الذي أن َشأها َّأو َل َم َّر ٍة} :وهذا َّ
أهون على القدر ِة إذا َّ ِ
اإلعادة ثاني مر ٍة ،وهو
تصوره ُ قادر على أنشأها َّأو َل مر ٍة ٌ
صفات اللّه تعالى ،وهو َّ
أن ِ عليم} :هذا أيضاً دلي ٌل ٍ
ثان من بكل خل ٍ المتصور{ .وهو ِّ
ق ٌ ِّ
وي ْعلَ ُم ما ِ ِِ
علمه تعالى محيطٌ بجميع مخلوقاته في جميع أحوالها في جميع األوقاتَ ،
العبد
أقر ُ الغيب والشهادة؛ فإذا َّ ويعلم ِ
األموات وما يبقى، ِ
أجساد األرض من ص
َ ُ ُ تَْنقُ ُ
وأجل من إحياء اللَّه الموتى من ِ
قبورهم. ُّ أعظم
ُ بهذا العلم العظيم؛ علم َّأنه
ِ
األخضر ناراً فإذا { }80ثم َذ َكر دليالً ثالثاً ،فقال{ :الذي َج َع َل لكم من َّ
الش َج ِر َ
األخضر الذي هو في غاية ِ أخرج النار اليابسة من الشجر َ أنتُم منه تو ِق َ
دون} :فإذا
قبور ِهم مث ُل ذلك.
راجهُ الموتى من ِ وشدة تخالُِفهما؛ ْ
فإخ ُ تضادهما َّ ِّ الرطوبة مع ُّ
[وهي] مكية
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﭼ.
()1
قسم منه تعالى بالمالئكة الكرام في حال عباداتها وتدبيرها ما { 1ـ }4هذا ٌ
صفًّا}؛ أي :صفوفاً ِ َّ ألوهيتِ ِه تعالى
َّ
والصافات َ
وربوبيته ،فقالّ { : تُ َدب ُِّرهُ بإذن ربِّها على
السحاب رون ِ
َ في خدمة ربِّهم ،وهم المالئكة{ ،فالزاجرات َز ْجراً} :وهم المالئكة َي ْز ُج َ
فلما
كالم اللّه تعالىَّ ، َّ ِ ِ ِ
وغيره بأمر اللّه{ ،فالتاليات ذ ْكراً} :وهم المالئكة الذين َي ْتلون َ
َ
يعصونه طرفةَ عين؛ أقسم بهم على َ كانوا متألِّهين لربِّهم ومتعبِّدين في خدمتِ ِه وال
)2 (
َّ
الحب فأخلصوا لهاإللهية؛ ِ
َّ ك في واحد} :ليس له شري ٌ
{إن إلهكم لَ ٌ ألوهيتِ ِه ،فقالَّ :
َّ
وسائر أنواع العبادة.
َ والرجاء
َ والخوف
َ
ق}؛ أي :هو الخالق ورب المشار ِ
ُّ بينهما ِ
واألرض وما َ ِ
السموات {ُّ }5
{رب
ربوبيتِ ِه َّإياها؛
َّ الرازق ( )3لها ،اْلمدب ُِّر لها؛ فكما َّأنه ال شريك له في
ُ لهذه المخلوقات،
الربوبي ِة؛
َّ اإللهي ِة بتوحيد
َّ ألوهيتِ ِه .وكثيراً ما ِّ
يقر ُر تعالى توحيد َّ فكذلك ال شريك له في
أقروا به على ُّ
()4
فيلزمهم بما أقر به أيضاً المشركون في العبادة، ألنه ٌّ
دال عليه .وقد َّ َّ
ُ
مشارق
ُ ألنها المشارق ِّ
بالذ ْكر؛ لداللتها على المغارب ،أو َّ َ وخص اللّه
َّ ما أنكروه.
النجوم التي سيذكرها .فلهذا قال:
{ }10ولوال أنه تعالى استثنى؛ لكان ذلك دليالً على َّأنهم ال يستمعون شيئاً
الم َر َد ِة
ف من الشياطين َ طفَةَ}؛ أي :إالَّ َم ْن تَلَقَّ َ الخ ْ
ف َ أصالً ،ولكن قال{ :إالَّ َم ْن َخ ِط َ
يدر ُكه قبل أن ثاقب} :تارة ِ
شهاب ٌ ِ ِ
ٌ الكلمةَ الواحدةَ على وجه الخفية والسرقة{ ،فأتَْب َعهُ
الشهاب، خبر السماء ،وتارةً ُي ْـخبِ ُر بها قبل أن ِ
يدر َكه ِِ ِ
ُ يوصلَها إلى أوليائه فينقطع ُ
ت من السماء.الكلمة التي ُس ِم َع ِْ يروجونها بسبب كذبةِّ ،فيكذبون معها مائةَ ٍ ِ
ُّور{ ،فإذا هم}{فإنما هي زجرةٌ واحدةٌ}َ :ي ْنفُ ُخ إسرافي ُل فيها في الص ِ
{َّ }19
رون} :كما ْابتُِدىء َخْلقُهمُ ،بعثِوا بجميع أجزائِ ِهم حفاةً عراةً
{ينظُ َ
مبعوثون من قبورهم َ
َ
ُغرالً.
{ }25فيقال لهم{ :ما لكم ال تناصرون} :أي :ما الذي جرى عليكم اليوم ،وما
تزعمون
بعضكم بعضاً ،بعدما كنتُم ُ
الذي طرقكم ،ال ينصر بعضكم بعضاً ،وال يغيث ُ
تشفعُ لكم عند اللّه؟! ()2
العذاب وتُغيثكم أو
َ أن آلهتكم ستدفعُ عنكم في ُّ
الدنيا َّ
وهدوا إلى صراط الجحيم { 27ـ }28لما ُج ِـمعوا هم وأزواجهم وآلهتُهم ُ
ِ
إضالل ِهم فسئِلوا فلم ُيجيبوا؛ أقبلوا فيما َ
بعضهم بعضاً على
يلوم ُ بينهم ُ وو ِقفوا ُ
ُ
ِ
اليمين}؛ أي: تأتوننا عن للمتبوعين الرؤساءَّ :
{إن ُكم كنتُم َ ِ
وضالل ِهم ،فقال األتباعُ
َ
مؤمنين.
َ ضلُّونا ،ولوال أنتُم؛ ل ُكَّنا
بالقوة والغلبة فتُ ِ
َّ
مشركين كما مؤمنين}؛ أي :ما زلتُم ِ َ { 29ـ { }32قالوا} لهم{ :بل ْلم تكونوا
فأي ٍ
لومنا؟! {و} الحا ُل َّأنه ب َ وأي شيء يو ِج ُ فضلَكم علينا؟! ُّ شيء َّ مشركون؛ ُّ
َ نحن
ُ
قهر لكم على اختيار الكفر{ ،بل كنتُم قوماً سلطان}؛ أيٍ :ٍ {ما كان لنا عـلـي ُكم من
ذائقون}:
َ نحن وإ َّيا ُكم {قو ُل ربِّنا َّإنا لَ
{فحق علينا}ُ :َّ للحد (،ِ )1 ِ
متجاوزين ّ طاغين}:
َ
ك في ِ
ونشتر ُ العذاب
َ سنذوق
ُ حق علينا قَ َد ُر ربِّنا وقضاؤه َّأنا وإ يِّاكم العذاب؛ أيَّ :
نحن ِ {أغ َو ْيناكم َّإنا ُكَّنا
غاوين}؛ أيَ :د َع ْوناكم إلى طريقتنا التي ُ َ العقاب{ .فـ} لذلك ْ
عليها ،وهي الغوايةُ ،فاستَ َج ْبتُم لنا؛ فال تلومونا ولوموا أنفسكم.
ِ
القيامة {في العذاب ٍ
يومئذ}؛ أي :يوم { 33ـ }34قال تعالىَّ :
{فإنهم
مقادير عذابِ ِهم بحسب ُجرمهم؛ كما اشتركوا في ُّ
الدنيا ُ
()2
تفاوتت
ْ كون} :وإ ن ِ
مشتر َ
ِ
بالمجرمين}. على الكفر اشتركوا في اآلخرة بجزائِ ِه ،ولهذا قالَّ :
{إنا كذلك نفع ُل
إجرامهم قد َبلَ َغ الغايةَ وجاوز النهايةَ ،فقالَّ :
{إنهم كانوا َ { 35ـ }36ثم ذكر َّ
أن
{ي ْستَ ْكبِ َ
رون}: إذا قيل لهم ال إله إالَّ اللّهُ} :فدعوا إليها وأمروا بترك َّ
إلهية ما سواه َ
تاركو آلهتِنا} :التي لم نزل
{أإنا لَ ِ
عنها وعلى َم ْن جاء بها{ ،ويقولون}ـ معارضةً لهاَّ :
ٍ
مجنون}؛ يعنون :محمداً (ص) ،فلم يكفهم َّقب َحهُ ُم ٍ
{شاعر نحن وآباؤنا ،لقول
نعبدها ُ
ُ
مجرد تكذيبِ ِه ،حتى حكموا عليه بأظلم األحكام ،وجعلوه
ُ اإلعراض عنه وال
ُ اللّهُ
يعرف الشعر والشعراء ،وال وصفُهُ وصفُهمَّ ،
وأنه ُ شاعراً مجنوناً ،وهم يعلمون َّأنه ال
وأعظمهم رأياً.
ُ ق اللَّه
أعق ُل َخْل ِ
صين}ـَّ :
فإنهم غير ذائقي العذاب األليم؛ { }40يقول تعالى{ :إالَّ َ
عباد اللّه ال ُـم ْخلَ َ
بلطف ِه.
وجاد عليهم ِ
َ ألنهم أخلصوا للّه األعمال ،فأخلصهم واختصَّهم برحمتِ ِه
رزق
ٌ معلوم}؛ أي :غير مجهول ،وإ َّنما هو
ٌ رزق
ٌ { 41ـ { }42أولئك لهم
{فواكهُ} :من جميع أنواع ِ أمرهُ وال ُيْبلَغُ ُك ْنهُهُ ،فسَّره بقوله:
عظيم جلي ٌل ال ُيجه ُل ُ
ٌ
َّ ِ
مون} :ال مهانونالفواكه التي تَتَفَ َّكه بها النفس للذتها في لونها وطعمها{ .وهم ُم ْك َر َ
وأكرمتْهُ ُم
َ مبجلون موقَّرون ،قد أكرم ُ
بعضهم بعضاً، محتَقَرون ،بل معظَّمون َّ
والسرور نعمتُها،
ُ صفُها
{{ }43في جنات النعيم}؛ أي :الجنات التي النعيم َو ْ
ط َر على قلب بشر،سمعت ،وال َخ َ
ْ أذن
رأت ،وال ٌ
عين ْوذلك لما َج َـم َعتْهُ م َّـما ال ٌ
ِّ
والمنغصات. ِّ
المكدرات كل ٍّ
مخل بنعيمها من جميع وسلمت من ِّ
ْ
{س ُر ٍر} :وهي
{ }44ومن كرامتهم عند ربِّهم وإ كرام بعضهم بعضاً َّأنهم على ُ
ِ
المجالس المرتفعةُ المزينة بأنواع األكسية الفاخر ِة المزخرفة المجملة؛ فهم ُمتَّ َ
كئون
قلوبهم
ت ُ صفَ ْبينهم ،قد َ
{متقابلين} :فيما َ
َ الراحة والطُّمأنينة والفرح،
ِ عليها على ِ
وجه
فإن مقابلة وجوههم ُّ
تدل على ون ِعموا باجتماع بعضهم مع بعض؛ َّ بينهمَ ،
ومحبتُهم فيما َ
وتأدب بعضهم مع بعض ،فلم يستدبِ ْره أو َ
يجعْله إلى جانبه ،بل من كمال تقابل قلوبهم ُّ
السرور واألدب ما َّ
دل عليه ذلك التقابل.
ِّ
المستعدون بكأس من َمعين}؛ أيَّ :
يترد ُد الولدان ٍ طاف عليهم
{ي ُ{ 45ـ ُ }47
الجميلة المنظر ال ُـمتْ َر َع ِة من الرحيق
ِ باألشربة َّ
اللذ ِ
يذة بالكاسات ِ لخدمتهم عليهم
الدنيا من كل وجه؛ ف َخ ْـم َر ُّ كاسات الخمر ،وتلك الخمر ِ
تخال ُ ُ المختوم بالمسك ،وهي
ُ
ُّ ()1
بين} :يلتذ فإنها في لونها {بيضاء} من أحسن األلوان ،وفي طعمها {لَ َّذ ٍة ِ
للشار َ َّ
ِ
ونزف مال وأنها سالمةٌ من غول العقل وذهابِ ِه ونز ِف ِه
وبعدهَّ ،
وقت ُشربها َشاربها بها َ
ُ
كدر.
صاحبها ،وليس فيها صداعٌ وال ٌ
وعموم النعيم وتفاصيلُه ومجال َسهم. ِ وشرابهم فلما َذ َك َر طعامهم
{ 48ـ َّ }49
ُ َ
فتشتاق النفوس إليها؛
َ األشياء ِلتُ ْعلَ َم
َ فص َل هذه
داخ ٌل في قوله{ :جنات النعيم} ،لكن َّ
ين}؛ أي :وعند أهل دار النعيم في ف ِع ٌقاصرات الطَّر ِ أزواجهم ،فقال{ :وعندهم َذ َك َر
ُ ْ َ
ِ ِ َّ
ت إما َّأنها قَ َ
ص َر ْ الطرفَّ : قاصرات
ُ األوصاف كامالت
ُ حسان
ٌ حور
محالتهم القريبة ٌ
لغير ِه ،ولجمال زو ِجها وكماله؛ بحيث ال ط ْرفَها على زو ِجها لعفَّتِها ،وعدم مجاوزتِ ِه ِ َ
ف زوجها عليها، ط ْر َ
ت َص َر ْ ترغب إالَّ به .وإ َّما َّ
ألنها قَ َ ُ تطلب في الجنة سواه ،وال
ُ
َّ
ومحبة بعضهم بعضاً يدل على جمال الرجال والنساء في َّ
الجنة وكل هذا ُّ ُّ
تشاح َن،
ض وال ُ تباغ َ ط َم ُح إلى غيره وشدة عفَّتهم كلِّهم َّ
وأنه ال َح َس َد فيها وال ُ محبةً ال َي ْ
َّ
{كأنهن}؛ مالح الحدق. حسان األعين جميالتُها وذلك النتفاء أسبابهِ .
{عيـْ ٌن}؛ أي:
ُ ُ
َّ
وصفائهن ،وكون َّ
حسنهن مستور ،وذلك من
ٌ مكنون}؛ أي:
ٌ ض{ب ْي ٌ
أي :الحور َ
شين.
كدر وال ٌ َّ
ألوانهن أحسن األلوان وأبهاها ،ليس فيه ٌ
ﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ ﭽﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ.
نعيمهم وتمام ُسرورهم بالمآكل والمشارب { 50ـ }59ل َّـما َذ َك َر تعالى َ
ط َار َحتَهم لألحاديث بينهم وم َ ِ
الحسنة؛ َذ َك َر تذا ُك َرهم فيما َ الحسان والمجالس ِ واألزواج
وأنهم ما زالوا في المحادثة والتساؤل حتى أفضى ذلك بهم إلى ِ
الماضية َّ عن األمور
ويلومني على تصديقي قرين} :في الدنيا ِ
ينك ُر البعث {إنـي كان لي ٌ أن قال قائ ٌل منهمِّ :
ُ
دينون}؛ أي:
أإنا لَ َـم َ قين .أإذا ِمتْنا و ُكَّنا تراباً ِ
وعظاماً َّ ِّ
المصد َ {أإنك لَ ِم َنبه ،ويقو ُل ليَّ :
ق بهذا األمر البعيد ،الذي في غاية االستغراب، مجاز ْون بأعمالنا؟! أي :كيف ِّ
تصد ُ َ
ونجازى نحاسب ُ ونعاد ثم
ُ ص ْرنا تراباً وعظاماً َّأننا ُنبعث وهو َّأننا إذا تَـم َّز ْقنا فَ ِ
ُ َ
بأعمالنا؛ أي :يقول صاحب الجنة إلخوانه :هذه قصَّتي وهذا خبري أنا وقريني ،ما
فوصلت
ُ مكذباً منكراً للبعث ،حتى متنا ،ثم ُب ِعثْنا، مصدقاً ،وهو ما زال ِّ ِّ زلت أنا مؤمناً ُ
َّ
ص َل إلىأخَب َرتْنا به الرسل ،وهو ال شك َّأنه قد َو َ أنا إلى ما تََر ْون من النعيم الذي ْ
ويكون طةً وسروراً بما نحن فيه، فنزداد ِغ ْب َ لننظر إليه عون}: َِّ
َ َ َ العذاب .فهل {أنتُم ُمطل َ
ٍ
ببعض وموافقة وسرور ِ
بعض ِهم ِ والظاهر من حال أهل الجنة ذلك رأي عين؟!
ُ
بعض ِهم بعضاً َّأنهم أجابوه لما قال ،وذهبوا تبعاً له لالطِّالع على قرينه{ .فاطَّلَع} ِ
ط
والعذاب قد أحا َ
ُ قرينه {في سواء الجحيم}؛ أي :في وسط العذاب وغمراتِ ِه.
فرأى َ
إن ِك ْد َ
ت كيد ِه{ :تاللّ ِه ْ
نجاه من ِ حال ِه وشاكراً للّه على نعمتِ ِه ْ
أن َّ به ،فقال له الئماً على ِ
ربـي}: الشبه بزعمك{ ،ولوال نعمةُ ِّ ـي من ُّ أدخلت عل َّ
َ لَتُْر ِ
دين}؛ أي :تهلكني بسبب ما
نحن
رين}ـ :في العذاب معك{ .أفَما ُ ض َ{لكنت من ال ُـم ْح َ
ُ على أن ثبتني على اإلسالم
َّ َّ
نحن بِ ُم َعذ َ
بين}؟ أي :يقوله المؤمن مبتهجاً بنعمة اللّه بِ َمي َ
ِّتين .إال َم ْوتَتَنا األولى وما ُ
استفهام بمعنى اإلثبات والتقرير.
ٌ على أهل الجنة بالخلو ِد الدائم والسالمة من العذاب.
المعمول ،والمقام مقام َّ
لذ ٍة فوح َذ َ ٍ
ُ ُ َ بعض يتساءلون}َ ، بعضهُم على
وقوله{ :فأقبل ُ
ُّ
بالتحدث به والمسائل التي وقع بكل ما َّ
يتلذذون وسرورَّ ،
فدل ذلك على أنهم يتساءلون ِّ
أن لَ َّذةَ أهل العلم بالتساؤل عن العلم والبحث عنه
فيها النزاعُ واإلشكا ُل ،ومن المعلوم َّ
ويحص ُل النصيب الوافر، الدنيا؛ فلهم من هذا النوع ِ
الجارية في أحاديث ُّ فوق اللَّ َّذ ِ
ات
ُ ُ
التعبير عنه. يمكن َّ ِ ِ
ُ العلمية في الجنة ما ال ُ انكشاف الحقائق لهم من
نفائس األنفاس،
ُ أحق ما أ ُْن ِفقَ ْ
ت فيه {{ }61لمثل هذا فليعمل العاملون} :فهو ُّ
كل الحسرة أن يمضي على الحازم وأولى ما َش َّمر إليه العارفون األكياس ،والحسرةُ ُّ
َ
ب لهذه الدار؛ فكيف إذا كان يسير يقر ُ
وقت من أوقاته وهو غير مشتغل بالعمل الذي ِّ ٌ
بخطاياه إلى دار البوار؟!
ﭽﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﮠ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ. ﯱ
العذاب
ُ خير أم {{ }62أذلك خير}؛ أي :ذلك النعيم الذي وصفناهُ ألهل َّ
الجنة ٌ
الطعام الذي فأي الطعامين أولى؟ ِ
أصناف العذاب؛ ُّ الذي يكون في الجحيم من جميع
ُ
الزقُّوم}؟
طعام أهل النار ،وهو {شجرةُ َّ ف في الجنة{ ،أم}
ص َ و ِ
ُ ُ
المين} :أنفسهم بالكفر َّ
{ 63ـ { }66إنا جعلناها فتنةً}؛ أي :عذاباً ونكاالً {للظ َ
مخرجها
ُ تخرج في أصل الجحيم}؛ أي :وسطه؛ فهذا ُ والمعاصي{ .إنها شجرةٌ
شر الغراس وخسَّته ،ولهذا وشر المغرس يدل على ِّ شر المعادن وأسوؤهاُّ ، ِ
ومعدُنها؛ ُّ
تنبت به وبما ذكر من صفة ثمرتها ،وأنها كرؤوس َّنبهنا اللّه على ِّ
شرها بما ذكر أين ُ
تسأل بعد هذا عن طعمها وما تفع ُل في أجوافهم وبطونهم .وليس لهم ِ
الشياطين؛ فال ْ
البطون}: ئون منها ِ عنها مندوحةٌ وال َم ْع ِد ٌل ( ،)1ولهذا قالَّ :
َ آلكلون منها فمال َ
َ {فإنهم
طعامهم.
ُ الطعام
ُ النار؛ فبئس طعام أهل ِ
ُ فهذا
{{ }99و} لما فعلوا فيه هذا الفعل ،وأقام عليهم الحجة ،وأعذر منهم؛ {قال ِّإنـي
قاصد إلى األرض المباركة أرض الشام
ٌ ربـي}؛ أي :مهاجر إليه، ذاهب إلى ِّ
ٌ
{سيهدين} :يدلُّني على ( )2ما فيه الخير لي من أمر ديني ودنياي .وقال في اآلية
ِ
وأدعو ربـِّي عسى أالَّ أكون بِ ُد ِ عون من ِ
عاء ربي َ دون اللّه ْ {وأعتَ ِزلُكم وما تَ ْد َ
ْ األخرى:
َش ِقًّيا}.
ب لي} :ولداً يكون {من الصالحين} ،وذلك عندما أيس من {ِّ }100
{رب َه ْ
ب له غالماً صالحاً ينفع اللّه به في حياتِ ِه وبعد
قومه،ولم َي َر فيهم خيراً؛ دعا اللّه أن َيـهَ َ
مماتِ ِه.
بين}ـ؛
الء ال ُـم ُ
الب ُ
إبراهيم عليه السالم {لهو َ
َ َّ
امتحنا به {إن هذا} :الذي {َّ }106
محبتِ ِه لربِّه وخلَّتِ ِه؛ فإن إسماعي َل
صفاء إبراهيم وكما ُل َّ
ُ أي :الواضح الذي تََبيـَّ َن به
{ 108ـ { }109وتركنا عليه في اآلخرين .سالم على إبراهيم}؛ أي :وأبقينا
ثناء صادقاً في اآلخرين؛ كما كان في األولين؛ فكل وقت بعد إبراهيم عليه
عليه ً
{سالم على إبراهيم}؛ أي :تحية عليه؛
ٌ محبوب معظَّم مثنى عليه.
ٌ السالم؛ َّ
فإنه فيه
عباد ِه الذين اصطفى}.
الحمد للّه وسالم على ِ
ٌ ُ كقولهُ { :قل
المؤمنين} :بما أمر اللّه باإليمان به ،الذين َبلَ َغ بهم {إنه من ِ
عبادنا {َّ }111
َ
ِ
السموات كوت
إبراهيم َملَ َ اإليمان إلى درجة اليقين؛ كما قال تعالى{ :وكذلك ُنري
َ ُ
ِ
واألرض وليكون من الموقنين}.
بإسحاق؛
َ بإسحاق َنبًِّيا من الصالحين} :هذه البشارة الثانية
َ {وب َّش ْرناهُ
{َ }112
يعقوب ،فَُب ِّش َر بوجوده وبقائه ووجود ُذ ِّرَّيتِ ِه وكونه ًّ
نبيا من الصالحين؛ َ الذي من ورائِ ِه
بشارات ِّ
متعددة. ٌ فهي
بالنبو ِة
عبده ورسولَه إلياس عليه الصالةُ والسالم َّ
يمدح تعالى َ
ُ { 123ـ }132
قومه بالتَّقوى وعبادة اللّه َ
وحده ،ونهاهم عن وأنه أمر َوالدعوة إلى اللّهَّ ، والرسالة َّ
وأحسن َخْلقَهم الخلق،
َ ق
عبادة اللّه الذي َخلَ َ ِ
وترك ِهم َ عبادتِ ِهم صنماً لهم ُيقا ُل له :بع ٌل،
َ
َ
الن َع َم الظاهرة والباطنةَّ ،
وأنكم كيف تركتُم عبادةَ فأحسن تربِيتهمَّ ،
وأدر عليهم ِّ َ ورباهمَّ
ق ،بل ال يأكل واليرز ُ
يضر وال ينفع وال يخلُق وال ُ
شأنه إلى عبادة صنم ال َُّم ْن هذا ُ
والغيَّ .
{فكذبوه} :فيما دعاهم إليه ،فلم ِّ يتكلَّم ،وهل هذا إالَّ من أعظم الضالل والسَّفه
بالنبوة والرسالة
لوط َّعبد ِه ورسوِل ِه ٍ
{ 133ـ }138وهذا ثناء منه تعالى على ِ
ٌ
فلما لم ينتهوا؛ َّ
نجاه اهلل ِ
الفاحشةَّ ، قومه ون ِهيِهم عن الشرك وفعل ِِ
ودعوته إلى اهلل َ
َّ
المعذبين، فنج ْوا؛ {إالَّ عجوزاً في الغابرين}؛ أي :الباقينوأهلَه أجمعين ،فَ َس َر ْوا ليالًَ ،
ديارهم لوط ،لم تكن على دينِ ِه{ .ثم َّ
دم ْرنا اآلخرين} :بأن َقلَْبنا عليهم َ
وهي زوجة ٍ
وخ َـمدوا،ط ْرنا عليها حجارةً من ِسجِّيل منضو ٍد حتى َه َـمدوا َ وأم َ ِ ِ
فج َعْلنا عالَيها سافلَهاْ ، َ
{مصبحين .وبالليل}؛ أي :في هذه لتمرون عليهم}؛ أي :على ديار قوم ٍ
لوط {وإ َّن ُكم ُّ
َ
تعقلون}: األوقات يكثُر تَر ُّد ُدكم إليها ومروركم بها ،فلم تقبل الشك ِ
والم ْرَيةَ{ .أفال
َ ُ َ
الهالك؟! ب عما ِ
والعَب َر وتنز ِجرون َّ اآليات ِ
ِ
َ يوج ُ
ﭽﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
()1
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ. ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ِ ِِ
ثناء منه تعالى على عبده ورسوِله َ
يونس بن متَّى؛ كما أثنى على { }139وهذا ٌ
بالنبوة والرسالة َّ
والدعوة إلى اللّه. المرسلين َّ
َ إخوانِ ِه
رون ِّ
التمني ويقولون :لو ظ ِه َ يخبر تعالى َّ
أن هؤالء المشركين ُي ْ { 167ـ ُ }170
صين على ِ صنا للّه العبادة ،بل َّ ِ جاءنا من ِّ
الذ ْك ِر
لكنا المخل َ ألخلَ ْ
والكتب ما جاء األولين؛ ْ
- 1في (ب)« :لم يكن».
- 2في (ب)« :فينفذ».
- 3في (ب)« :أمر اهلل».
- 4في النسختين :إلى آخر السورة.
دون فعِل َم َّأنهم ِّ
متمر َ
ِ
الحقيقة ،وهم َك َذَبةٌ في ذلك؛ فقد جاءهم أفض ُل الكتب فكفروا بهُ ،
العذاب حين يقعُ بهم.
َ يعلمون}:
َ الحق{ .فسوف ِّ على
ت كلمةُ اللّه { 171ـ }179وال يحسبوا أيضاً َّأنهم في الدنيا غالبون ،بل قد َسَبقَ ْ
لغير ِهم
الغالبون ِ وجند ِه ِ
المفلحين َّأنهم لعباد ِه المرسلين ِ
مخالف لها ِ َ مرد لها وال التي ال َّ
َ َ
يتمكنون فيه من إقامة دينهم .وهذه بشارةٌ المنصورون من ربِّهم نصراً عزيزاً َّ
جند اللّه؛ بأن كانت أحوالُهُ مستقيمةً ،وقات َل َم ْن أمر بأنه من ِ عظيمةٌ لمن اتَّصف َّ
َّ
الحق، منصور .ثم أمر رسولَه باإلعراض َع َّم ْن عاندوا ولم َي ْقَبلوا ٌ غالب
ٌ بقتالهم أنه
فسوف
َ انتظار ما َي ِح ُّل بهم من العذاب ،ولهذا قال{ :وأبصرهمـ وأنه ما بقي إالَّ
َّ
ُ
سيحل بهم{ .فإذا َن َز َل بساحتِ ِهم}؛ أي :نزل عليهم ُّ النكا ُل؛ َّ
فإنه رون}َ :م ْن َي ِح ُّل به َّ ِ
ُي ْبص َ
الشر والعقوبة واالستئصال .ثم ألنه صباح ِّرين}ـ؛ َّ
باح ال ُـم ْن َذ َ
ص ُ وقريباً منهم{ ،فساء َ
ك َّـرر األمـر بالتولِّـي عنهم وتهديدهم بوقوع العذاب.
{ 180ـ }182ولما ذكر في هذه السورة كثيراً من أقوالهم الشنيعة التي
العز ِة}؛
{رب َّ {سبحان ربِّك}؛ أيَّ :
تنزه وتعالىِّ ، َ صفوه بها؛ َّنزهَ َ
نفسه عنها ،فقال: َو َ
{وسالم على واعتز عن كل سو ٍء يصفونه به،
َّ كل شيء،عز فقهر َّ أي :الذي َّ
ٌ
الذنوب واآلفات ،وسالمة ما وصفوا به فاطر األرض المرسلين} :لسالمتهم من ُّ
{والحمد للّه ِّ
رب العالمين} :األلف والالم لالستغراق؛ فجميعُ أنواع ُ والسماوات.
وأد َّر عليهم فيها
العالمين َ ربى بها ِ
واألفعال التي َّ ِ
العظيمة ِ
الكاملة ِ
الصفات ِ
الحمد من
َ
ودَّب َرهم تعالى في َح َركاتِ ِهم وسكونِ ِهم وفي جميع ف عنهم بها ِّ
النقَ َم َ وص َر َ ِّ
النعم َ
المحبوب المحمود ِّ
بكل كمال، ُ المقد ُس عن النقص، ِ
أحوال ِهم كلِّها للّه تعالى؛ فهو َّ
ُ
المعظَّم ،ورسلُهُ سالمون مسلَّم عليهم ،ومن اتََّب َعهم في ذلك له السالمةُ في ُّ
الدنيا
الدنيا واآلخرة. والعطب في ُّ
ُ وأعداؤهُ لهم الهالك
ُ واآلخرة،
***
- 2في (ب)« :تم تفسير المجلد السادس من تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصرـ العبد اهلل بن
سعدي غفر اهلل له ورحمه ،وذلك في أربع وعشرين من رجب سنة ألف وثالثمائة وخمس
وأربعين ،بقلم الفقير إلى ربه محمد بن منصور بن إبراهيم بن زامل ،على خط مؤلفه وجامعه
شيخنا الشيخ عبد الرحمن جزاه اهلل خيراً .آمين .وصلىـ اهلل على نبيه وسلم».