You are on page 1of 223

‫المجلد السادس‬

‫من‬
‫تيسير الكريم الرحمن‬
‫في‬
‫تفسير كالم المنان‬
‫من منن اللّه على عبده وابن عبده وابن أمته‬
‫عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اهلل بن سعدي‬
‫تفسير" سورة القصص‬

‫وهي مكية‬

‫ﭑﭒﭓ‬
‫ﭽﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯯ ﯰ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ‬ ‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭑ ﭒ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﭵ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭼ‬ ‫‪.‬ﯴ ﯵ‬
‫)‪(1‬‬

‫الكتاب المبين}‪ِّ :‬‬


‫لكل ٍ‬
‫أمر‬ ‫ِ‬ ‫{آيات‬
‫ُ‬ ‫{‪{ }2‬تلك} اآليات المستحقَّة للتعظيم والتفخيم‪،‬‬
‫يحتاج إليه العباد؛ من معرفة ربِّهم‪ ،‬ومعرفة حقوقه‪ ،‬ومعرفة أوليائِ ِه وأعدائِ ِه‪،‬‬
‫العمال؛ فهذا القرآن قد َّبيَنها‬
‫ومعرفة وقائعه وأيامه‪ ،‬ومعرفة ثواب األعمال وجزاء َّ‬
‫َّ‬
‫ووضحها‪.‬‬ ‫وجالَّها للعباد‪،‬‬
‫غايةَ التَّبيين‪َ ،‬‬
‫فإنه أبداها وأعادها في َّ‬
‫عدة‬ ‫وفرعون؛ َّ‬
‫َ‬ ‫قصةُ موسى‬
‫أبان‪َّ ،‬‬
‫{‪ }3‬من جملة ما َ‬
‫وفرعون‬
‫َ‬ ‫مواضـع‪ ،‬وبسطهـا في هذا الموضـع‪ ،‬فقال‪{ :‬نتلو عليك من نبأ موسى‬
‫الخطاب‬
‫ُ‬ ‫يؤمنون}‪ :‬فإليهم ُيساق‬
‫َ‬ ‫عجيب‪{ ،‬لقوم‬
‫ٌ‬ ‫غريب وخبرهما‬
‫ٌ‬ ‫فإن نبأهما‬ ‫ِّ‬
‫بالحق}‪َّ :‬‬
‫تدبر ذلك وتلقِّيه بالقَبول‬ ‫إن معهم من اإليمان ما ُي ْقبِ َ‬
‫لون به على ُّ‬ ‫َّ‬
‫ويوجه الكالم؛ حيث َّ‬
‫واالهتداء بمواقع ِ‬
‫العَب ِر‪ ،‬ويزدادون به إيماناً ويقيناً وخيراً إلى خيرهم‪ ،‬وأما َمن‬
‫الحجة عليهم‪ ،‬وصانه اللّه عنهم‪ ،‬وجعل بينهم‬ ‫يستفيدون منه إالَّ إقامة َّ‬
‫َ‬ ‫عداهم؛ فال‬
‫وبينه حجاباً أن يفقهوه‪.‬‬

‫{إن فرعون عال في األرض}‪ :‬في ملكه وسلطانِ ِه‬ ‫{‪ }4‬فأول هذه القصَّة‪َّ :‬‬
‫األعلَْين فيها‪{ ،‬وجعل أهلها‬ ‫وجنو ِد ِه وجبروتِ ِه‪ ،‬فصار من أهل ِّ‬
‫العلو فيها‪ ،‬ال من ْ‬
‫يتصرف فيهم بشهوته وينفِّذ فيهم ما أراد من قهره‬
‫َّ‬ ‫ِشَيعاً}؛ أي‪ :‬طوائف ِّ‬
‫متفرقة‬
‫ف طائفةً منهم}‪ :‬وتلك الطائفةُ هم بنو إسرائيل‪ ،‬الذين َّ‬
‫فضلهم اللّه‬ ‫ِ‬
‫{يستضع ُ‬ ‫وسطوته‪،‬‬
‫بحيث إنه رأى‬
‫ُ‬ ‫يكر َمهم ويجلَّهم‪ ،‬ولكنه استضعفهم‬
‫على العالمين‪ ،‬الذي ينبغي له أن ِ‬
‫يهتم بشأنهم‪ ،‬وبلغت‬ ‫َّأنهم ال َمَن َعةَ لهم ُ‬
‫تمنعهم مما أراده فيهم‪ ،‬فصار ال ُيبالي بهم وال ُّ‬
‫يكثروا فيغمروه في‬
‫وي ْستَحيي نساءهم}‪ :‬خوفاً من أن ُ‬ ‫به الحال إلى َّأنه ُ‬
‫{ي َذبِّح أبناءهم َ‬

‫‪ - 1‬في النسختين‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬


‫(‪)1‬‬
‫قصد لهم في صالح‬ ‫بالده‪ ،‬ويصير لهم الملك‪َّ .‬‬
‫{إنه كان من المفسدين}‪ :‬الذين ال َ‬
‫الدين وال صالح(‪ُّ )1‬‬
‫الدنيا‪ .‬وهذا من إفساده في األرض‪.‬‬
‫األرض}‪ :‬بأن ُنزي َل عنهم َّ‬
‫مواد‬ ‫ِ‬ ‫ض ِعفوا في‬ ‫ِ‬
‫{ونريد أن َن ُم َّن على الذين استُ ْ‬ ‫{‪}5‬‬
‫أئمةً} في الدين‪ ،‬وذلك‬
‫{ون ْج َعلَهم َّ‬
‫قاو َمهم ونخذل من ناوأهم‪َ ،‬‬ ‫ك من َ‬ ‫ون ْـهِل َ‬
‫االستضعاف ُ‬
‫تام ٍة‪{ ،‬ونجعلهم‬
‫تمكين في األرض‪ ،‬وقدر ٍة َّ‬ ‫ٍ‬ ‫يحص ُل مع االستضعاف‪ ،‬بل َّ‬
‫البد من‬ ‫ُ‬ ‫ال‬
‫الوارثين}‪:‬لألرض‪ ،‬الذين لهم العاقبة في الدنيا قبل اآلخرة‪.‬‬

‫{ونمكن لهم في األرض}‪ :‬فهذه األمور كلُّها قد تعلَّقت بها إرادة اللّه‬
‫ِّ‬ ‫{‪}6‬‬
‫ي فرعون وهامان}‪ :‬وزيره‬ ‫{ن ِر َ‬
‫وجرت بها مشيئتُه‪{ .‬و}‪ :‬كذلك نريد أن ُ‬
‫ْ‬
‫وب َغوا‪{ ،‬منهم}؛ أي‪ :‬من هذه الطائفة‬
‫وعلَوا َ‬
‫{وجنودهما}‪ :‬التي بها صالوا‪ ،‬وجالوا َ‬
‫َ‬
‫رون}‪ :‬من إخرا ِجهم من ديارهم‪ ،‬ولذلك كانوا َ‬
‫يسع ْون في‬ ‫المستضعفة {ما كانوا َي ْـح َذ َ‬
‫قمعهم وكسر شوكتهم وتقتيل أبنائهم الذين هم ُّ‬
‫محل ذلك؛ فكل هذا قد أراده اللّه‪ ،‬وإ ذا‬
‫فإنه َّ‬
‫قدر وأجرى من‬ ‫ونـهَّ َج طرقـه‪ ،‬وهذا األمر كذلك؛ َّ‬
‫أراد أمراً؛ سهَّل أسـبابه َ‬
‫سبب موص ٌل إلى هذا‬
‫يشعر بها ال أولياؤه وال أعداؤه ـ ما هو ٌ‬
‫األسباب ـ التي لم ْ‬
‫المقصود‪.‬‬

‫أوجد اللّه رسولَه موسى الذي َج َع َل استنقا َذ هذا الشعب‬


‫َ‬ ‫{‪ }7‬فأول ذلك لما‬
‫ـي على يديه وبسببه‪ ،‬وكان في وقت تلك المخافة العظيمة التي يذبِّحون بها‬ ‫اإلسرائيل ِّ‬
‫ِ‬
‫أحسست‬ ‫ويمكث عندها‪{ ،‬فإذا ِخ ْف ِت عليه}‪ :‬بأن‬
‫َ‬ ‫أمه أن ِ‬
‫ترض َعه‬ ‫األبناء‪ ،‬أوحى إلى ِّ‬
‫اليم}؛ أي‪ :‬نيل مصر‪ ،‬في وسط‬ ‫أحداً تخافين عليه منه أن ِ‬
‫يوصلَه إليهم‪{ ،‬فألقيه في ِّ‬
‫المرسلين} َّ‬
‫‪:‬فبشرها‬ ‫رادوه إليك وجاعلوه من‬ ‫ٍ‬
‫تابوت مغلق‪{ ،‬وال تخافي وال تحزني َّإنا ُّ‬
‫َ‬
‫كيدهم ويجعلُه اللّه رسوالً‪ ،‬وهذا من أعظم‬ ‫سيرده عليها وأنه سيكبر ويسلَم من ِ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫بأنه‬
‫َْ‬
‫ويسكن َر ْو ُعها‪.‬‬
‫َ‬ ‫قلبها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ليطمئن ُ‬ ‫ألم موسى‬
‫ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫البشائر الجليلة‪ .‬وتقديم هذه البشارة‬

‫اليم‪ ،‬وساقه اللّه تعالى‪،‬‬ ‫وفعلت ما ِ‬


‫أم َرت به‪ ،‬ألقته في ِّ‬ ‫ْ‬ ‫خافت عليه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫{‪َّ }8‬‬
‫فكأنها‬
‫دانه؛ {ليكون لهم‬‫حتى التقطه {آ ُل فرعون}‪ :‬فصار من لَ ْق ِطهم‪ ،‬وهم الذين باشروا ُو ْج َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬إصالح»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬البشائر»‪.‬‬
‫وح َزناً‬
‫عدوا لهم َ‬
‫وح َزناً}؛ أي‪ :‬لتكون العاقبةُ والمآ ُل من هذا االلتقاط أن يكون ًّ‬
‫عدوا َ‬
‫ًّ‬
‫أن الحذر ال ينفع من القدر‪َّ ،‬‬
‫وأن الذي خافوا منه من بني إسرائيل‬ ‫َي ْـح ُزُنهم؛ بسبب َّ‬
‫يتربى تحت أيديهم وعلى ِ‬
‫نظرهم وبكفالَتهم‪.‬‬ ‫زعيمهم َّ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫َ‬ ‫َّقيض اللّه أن‬
‫طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل ودفع ٍ‬
‫كثير‬ ‫تجد في ِّ‬
‫والتأمل ُ‬
‫ُّ‬ ‫وعند ُّ‬
‫التدبر‬
‫قبل رسالته؛ بحيث َّإنه صار من كبار‬ ‫كثير من ِّ‬
‫التعديات َ‬ ‫من األمور الفادحة بهم ومنع ٍ‬
‫يحص َل منه مدافعةٌ عن حقوق شعبِ ِه‪ ،‬هذا وهو هو ذو‬
‫ُ‬ ‫المملكة‪ ،‬وبـالـطـبـعـ ال َّ‬
‫بد أن‬
‫ِ‬
‫وصلت الحا ُل بذلك الشعب المستضعف ـ الذي‬ ‫الهمة العالية والغيرة المتوقِّدة‪ ،‬ولهذا‬
‫بعض أفراده ِ‬
‫ينازعُ ذلك‬ ‫الذ ُّل واإلهانةُ إلى ما َّ‬‫بلغ بهم ُّ‬
‫أن صار ُ‬ ‫بعضه ـ ْ‬
‫قص اللّه علينا َ‬
‫مقدمهٌ للظُّهور؛ فإن اللّه‬
‫بيانهُ‪ ،‬وهذا ِّ‬
‫القاهر العالي في األرض كما سيأتي ُ‬
‫َ‬ ‫الشعب‬
‫َ‬
‫تعالى من َّ‬
‫سنته الجارية أن جعل األمور تمشي على التدريج شيئاً فشيئاً‪ ،‬وال تأتي‬
‫فأر ْدنا أن‬ ‫ِ‬
‫ئين}؛ أي‪َ :‬‬
‫وجنودهما كانوا خاط َ‬
‫َ‬ ‫وهامان‬
‫َ‬ ‫فرعون‬
‫َ‬ ‫دفعةً واحدة‪ .‬وقوله‪{:‬إن‬
‫جزاء على مكرهم وكيدهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نعاقبهما على خطئهما‪ ،‬ونكيدهم‬
‫ً‬
‫طهُ آ ُل فرعون؛ َّ‬
‫حنن اللّهُ عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة‬ ‫{‪ }9‬فلما التَقَ َ‬
‫أبق ِه‬
‫ك ال تَ ْقتُلوه}؛ أي‪ِ :‬‬
‫ُ‬ ‫عين لي ول َ‬ ‫الولد {قَُّرةُ ٍ‬
‫المؤمنة آسية بنت مزاحم‪{ ،‬وقالت}‪ :‬هذا ُ‬
‫ون َس َّر به في حياتنا‪{ ،‬عسى أن َينفَ َعنا أو َنتَّ ِخ َذه ولداً}؛ أي‪ :‬ال يخلو‪:‬‬ ‫لنا ِلتَقََّر به ُ‬
‫أعيننا‪ُ ،‬‬
‫أعلى‬ ‫ون في نفعنا وخدمتنا‪ ،‬أو نرقِّيه درجةً‬
‫(‪)1‬‬
‫يكون بمنزلة الخدم الذين َي ْس َع َ‬
‫َ‬ ‫إما أن‬
‫َّ‬
‫فرعون التي‬
‫َ‬ ‫ون ِجلُّه‪َّ .‬‬
‫فقدر اللّه تعالى َّأنه َنفَ َع امرأةَ‬ ‫من ذلك؛ نجعلُهُ ولداً لنا ِ‬
‫ونكر ُمه ُ‬
‫يزل لها بمنزلة‬ ‫وأحبتْه ًّ‬
‫حبا شديداً‪ ،‬فلم ْ‬ ‫فإنه لما صار قَُّرةَ ٍ‬
‫عين لها َّ‬ ‫قالت تلك المقالة؛ َّ‬
‫فبادرت إلى اإلسالم واإليمان به‪ ،‬رضي‬
‫ْ‬ ‫الولد الشفيق‪ ،‬حتى َكُب َر‪َّ ،‬‬
‫ونبأه اللّه‪ ،‬وأرسلَه‪،‬‬
‫ِ‬
‫والمقاوالت في شأن‬ ‫ِ‬
‫المراجعات‬ ‫اللّه عنها‪ ،‬وأرضاها‪ .‬قال اللّه تعالى [عن] هذه‬
‫القدر من وصوِل ِه إلى ما‬
‫القلم‪ ،‬ومضى به ُ‬ ‫يشعرون}‪ :‬ما جرى به ُ‬‫َ‬ ‫موسى‪{ :‬وهم ال‬
‫شأن آخر‪.‬‬ ‫لطف ِه تعالى؛ َّ‬
‫فإنهم لو َش َعروا؛ لكان لهم وله ٌ‬ ‫وص َل إليه‪ .‬وهذا من ِ‬
‫َ َ‬
‫فؤادها فارغاً من‬
‫وأصبح ُ‬
‫َ‬ ‫أمه حزنت حزناً شديداً‪،‬‬
‫فقدت موسى ُّ‬
‫{‪ }10‬ولما ْ‬
‫أن اللّه تعالى نهاها عن الحزن‬ ‫َّ‬
‫البشرية‪ ،‬مع َّ‬ ‫القلق الذي أزعجها على مقتضى الحالة‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬منزلة»‪.‬‬


‫طنا على‬‫ت لَتُْبدي به}؛ أي‪ :‬بما في قلبها {لوال أن َرَب ْ‬
‫كاد ْ‬
‫برده‪{ .‬إن َ‬ ‫والخوف‪ ،‬ووعدها ِّ‬
‫المؤمنين}‪:‬‬
‫َ‬ ‫{لتكون}‪ :‬بذلك الصبر والثبات {من‬
‫َ‬ ‫فصبرت ولم تُْب ِد به؛‬
‫ْ‬ ‫َقْلبها}‪َّ :‬‬
‫فثبتْناها‪،‬‬
‫ودل ذلك على َّ‬
‫أن‬ ‫إيمانه‪َّ ،‬‬
‫وثبت؛ ازداد بذلك ُ‬
‫َ‬ ‫فإن العبد إذا أصابتْه مصيبةٌ فصبر‬ ‫َّ‬
‫استمرار الجزع مع العبد دلي ٌل على ضعف إيمانه‪.‬‬

‫األثر عن أخيك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬


‫{‪{ }11‬وقالت} ُّأم موسى {ألخته قُصِّيه}؛ أي‪ :‬اذهبي فقُصِّي َ‬
‫فذهبت تقصُّه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫غير أن ُي ِح َّس بك ٌ‬
‫أحد أو يشعروا بمقصو ِدك‪،‬‬ ‫وابحثي عنه؛ من ِ‬
‫قصد‬
‫كأنها مارةٌ ال َ‬ ‫ت به عن جُن ٍب وهم ال ي ْشعرون}؛ أي‪ :‬أبصرتْه على ٍ‬
‫وجه َّ‬ ‫ص َر ْ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫{فب ُ‬
‫َ‬
‫وجاءت إليهم قاصدةً؛ ُّ‬
‫لظنوا‬ ‫ْ‬ ‫فإنها لو أبصرتْه‬ ‫ِ‬
‫والحذر؛ َّ‬ ‫لها فيه‪ ،‬وهذا من تمام الحزم‬
‫ذبح ِه عقوبةً ألهله‪.‬‬
‫فربما عزموا على ِ‬
‫بها أنها هي التي ألقتْه‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫امرأة‪ ،‬فأخرجوه‬ ‫أن َمَن َعه من قَبول ثدي‬ ‫ط ِ‬
‫ف اللّه بموسى وأمه ْ‬ ‫{‪ }12‬ومن لُ ْ‬
‫{فقالت هل‬
‫ْ‬ ‫يطلبهُ‪ ،‬فجاءت أختُه وهو بتلك الحال‪،‬‬
‫ق رحمةً به‪ ،‬ولعل أحداً ُ‬ ‫إلى السو ِ‬
‫أحبوه‬ ‫ِ‬
‫غرضهم؛ َّ‬
‫فإنهم ُّ‬ ‫ناصحون}‪ :‬وهذا ُج ُّل‬ ‫وهم له‬ ‫أدلُّ ُكم على أهل ٍ‬
‫َ‬ ‫لونه لكم ُ‬
‫بيت َي ْك ُف َ‬ ‫ُ‬
‫يموت‪.‬‬
‫َ‬ ‫منعهُ اللّهُ من المراضع‪ ،‬فخافوا أن‬ ‫ًّ‬
‫حبا شديداً‪ ،‬وقد َ‬
‫تلك المقالَة المشتملةَ على الترغيب في أهل هذا‬ ‫{‪ }13‬فلما قالت لهم أختُه َ‬
‫فأعلَ َمتْهم ودلَّتْهم على أهل‬
‫والنصح له؛ بادروا إلى إجابتها‪ْ ،‬‬ ‫حفظ ِه وكفالتِ ِه ُّ‬
‫البيت بتمام ِ‬
‫عينها وال تَ ْـح َز َن}‪ :‬بحيث‬
‫أمه}‪ :‬كما َو َع ْدناها بذلك؛ {كي تَقََّر ُ‬
‫هذا البيت‪{ .‬فَ َر َد ْدناه إلى ِّ‬
‫تفرح به وتأخ ُذ األجرة الكثيرة على‬ ‫وجه تكون فيه آمنةً مطمئنةً‬ ‫عندها على ٍ‬ ‫َّإنه َّ‬
‫تربى َ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫ليطمئن بذلك‬ ‫بعض ما َو َع ْدناها به عياناً‬
‫فأريناها َ‬
‫حق}‪ْ :‬‬ ‫وعد اللّه ٌّ‬ ‫أن َ‬ ‫ذلك‪{ ،‬وِلتَ ْعلَ َم َّ‬
‫َّ‬
‫{ولكن أكثرهم‬ ‫حفظ ِه ورسالتِ ِه‪.‬‬
‫وعد اللّه في ِ‬ ‫سيحص ُل ُ‬
‫ُ‬ ‫إيمانها‪ ،‬وِلتَ ْعلَ َم َّأنه‬
‫ويزداد ُ‬
‫َ‬ ‫قلبها‬
‫ُ‬
‫إيمانهم؛ لعدم علمهم الكامل َّ‬
‫أن اللّه‬ ‫شو َش ذلك َ‬ ‫متشوشاً؛ َّ‬
‫يعلمون}‪ :‬فإذا رأوا السبب ِّ‬ ‫َ‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫والمطالب الفاضلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العالية‬ ‫ِ‬
‫والعقبات الشاقَّةَ (‪ )1‬بين يدي األمور‬ ‫المحن‬ ‫تعالى يجع ُل‬
‫َ‬
‫يتربى في سلطانِ ِهم‬ ‫فرعون َّ‬
‫َ‬ ‫فاستمر موسى عليه الصالة والسالم عند ِ‬
‫آل‬ ‫َّ‬
‫استقر َّأنها ُّ‬
‫أمه من‬ ‫ويْلَب ُس مالبِ َسهم‪ُّ ،‬‬
‫وأمه بذلك مطمئنةٌ‪ ،‬قد‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ويركب مراكَبهم َ‬
‫ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬المحن الشاقة»‪.‬‬


‫و[حنوها عليه] (‪ .)2‬وتأمل هذا اللطف وصيانة‬‫ُّ‬ ‫ستنكر مالزمتُه َّإياها‬
‫الرضاع‪ ،‬ولم ُي ْ‬
‫وتيسير األمر الذي صار به التعلُّق بينه وبينها‪ ،‬الذي‬
‫ِ‬ ‫منطق ِه‬
‫نبيِّه موسى من الكذب في ِ‬
‫غير ِه في‬
‫الكثير منه ومن ِ‬
‫ُ‬ ‫الكالم‬
‫ُ‬ ‫أما‪ ،‬فكان‬
‫يسميها ًّ‬
‫بان للناس هو الرضاعُ الذي بسببه ِّ‬ ‫َ‬
‫ذلك كلِّه صدقاً وحقًّا‪.‬‬

‫القوة والعقل واللب‪ ،‬وذلك نحو أربعين سنة في‬ ‫{‪{ }14‬ول َّـما َبلَ َغ أ ُش َّدهُ}‪ :‬من َّ‬
‫األمور {آتَْيناه حكماً وعلماً}؛ أي‪ :‬حكماً يعرف به‬
‫ُ‬ ‫{واستَوى}‪ :‬كملت فيه تلك‬ ‫الغالب‪ْ ،‬‬
‫المحسنين}‪ :‬في‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الشرعية‪ ،‬ويح ُكم به بين الناس‪ ،‬وعلماً كثيراً‪{ .‬وكذلك َن ْجزي‬ ‫األحكام‬
‫عبادة اللّه‪ ،‬المحسنين لخلق اللّه؛ يعطيهم علماً وحكماً بحسب إحسانِـ ِهم‪َّ .‬‬
‫ودل هذا على‬
‫كمال إحسان موسى عليه السالم‪.‬‬

‫{‪ 15‬ـ ‪{ }17‬ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها}‪ :‬إما وقت القائلة أو غير‬
‫ِ‬
‫يقتتالن}‪[ :‬أي]‬ ‫ِ‬
‫رجلين‬ ‫{فوج َد فيها‬
‫ذلك من األوقات التي بها يغفلون عن االنتشار‪َ ،‬‬
‫ويتضاربان‪{ .‬هذا من شيعتِ ِه}؛ أي‪ :‬من بني إسرائيل‪{ ،‬وهذا من ِّ‬
‫عدوه}‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتخاصمان‬
‫الناس َّأنه‬ ‫ألنه قد اشتهر ِ‬ ‫القبط‪{ ،‬فاستغاثه الذي من شيعتِ ِه على الذي من ِّ‬
‫عدو ِه}‪َّ :‬‬
‫وعل َم ُ‬
‫َ‬
‫خاف‬
‫من بني إسرائيل‪ ،‬واستغاثتُهُ لموسى دلي ٌل على أنه َبلَ َغ موسى عليه السالم مبلغاً ُي ُ‬
‫عدوه‬
‫{فو َك َزهُ موسى}؛ أي‪ :‬وكز الذي من ِّ‬ ‫ويرجى من بيت المملكة والسلطان‪َ .‬‬ ‫منه ُ‬
‫لشدتِها َّ‬
‫وقوة‬ ‫ـي‪،‬ـ {فقضى عليه}؛ أي‪ :‬أماته من تلك الوكز ِة َّ‬ ‫استجابةً الستغاثة اإلسرائيل ِّ‬
‫الش ِ‬
‫يطان}؛‬ ‫موسى‪ .‬فندم موسى عليه السالم على ما جرى منه‪ ،‬و{قال هذا من عمل َّ‬
‫أجريت بسبب‬
‫ُ‬ ‫أجريت ما‬
‫ُ‬ ‫مبين}‪ :‬فلذلك‬
‫مضل ٌ‬‫ٌّ‬ ‫أي‪ :‬من تزيينه ووسوسته‪َّ .‬‬
‫{إنه َع ُد ٌّو‬
‫ظلمت نفسي‬
‫ُ‬ ‫رب ِّإنـي‬
‫ربه‪ ،‬فَـ{قَال ِّ‬‫عداوتِ ِه البيِّنة وحرصه على اإلضالل‪ .‬ثم استغفر َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاغ ِف ْر لي فَ َغفَ َر له َّإنه هو‬
‫لإلنابة‬ ‫المبادرين‬ ‫للم ْخبِ َ‬
‫تين إليه‪،‬‬ ‫الغفور الرحيم}‪ :‬خصوصاً ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ـي}‪:‬‬
‫ت عل َّ‬‫{رب بما ْأن َع ْم َ‬ ‫ال} موسى‪ِّ :‬‬ ‫والتوبة؛ كما جرى من موسى عليه السالم‪ ،‬فَـ{قَ َ‬ ‫ِ‬
‫أكون ظهيراً}؛ أي‪ُ :‬معيناً ومساعداً‬ ‫بالتوبة والمغفر ِة والنعم الكثيرة‪ْ ،‬‬
‫{فلن َ‬
‫وعد من موسى عليه السالم‬ ‫معصية‪ .‬وهذا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫{للمجرمين}؛ أي‪ :‬ال أعين أحداً على‬ ‫ِ‬

‫‪ - 2‬في ( أ )‪« :‬حنوه عليها»‪.‬‬


‫يفيد َّ‬
‫أن النعم‬ ‫القبطي‪ ،‬وهذا ُ‬
‫ِّ‬ ‫عين مجرماً كما فعل في قَ ْتل‬ ‫بسبب ِمَّن ِة اللّه عليه ْ‬
‫أن ال ُي َ‬
‫تقتضي من ِ‬
‫العبد فعل الخير وترك َّ‬
‫الش ِّر‪.‬‬
‫ِ‬
‫المدينة خائفاً‬ ‫عدوه؛ أصبح {في‬ ‫فلما جرى منه قَ ْت ُل الذي هو من ِّ‬
‫{‪ 18‬ـ ‪َّ }19‬‬
‫ألنه قد َعِل َم َّأنه ال يتجرأ ٌ‬
‫أحد على‬ ‫يشعر به آ ُل فرعون أم ال؟ وإ نما خاف َّ‬
‫ب}‪ :‬هل ُ‬ ‫يترقَّ ُ‬
‫مثل هذه الحال سوى موسى من بني إسرائيل‪ .‬فبينما هو على تلك الحال؛ {فإذا الذي‬
‫قبطي آخر‪{ ،‬قال له موسى}‪:‬‬
‫ٍّ‬ ‫ص ِر ُخه}‪ :‬على‬‫{ي ْستَ ْ‬
‫عدوه‪َ .‬‬
‫استنصره باألمس}‪ :‬على ِّ‬
‫ِّن الغواية ظاهر الجراءة‪{ ،‬فلما أن أراد‬
‫مبين}؛ أي‪َ :‬بي ُ‬
‫ي ٌ‬ ‫{إنك لَ َغ ِو ٌ‬
‫موبخاً على حاله‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫المستصرخ لموسى؛‬ ‫ِ‬
‫وللمخاصم‬ ‫أن يبطش}‪ :‬موسى {بالذي هو عدو لهما}‪ :‬أي له‬
‫َّ‬
‫الحمية‪،‬‬ ‫يستغيث بموسى‪ ،‬فأخذته‬
‫ُ‬ ‫ـي‪ ،‬وهو‬
‫القبطي واإلسرائيل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫اللجاج بين‬
‫ُ‬ ‫أي‪ :‬لم يزل‬
‫{أتريد أن تَ ْقتُلَني‬
‫ُ‬ ‫القبطي زاجراً له عن قتله‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫يبطش بالقبطي‪ ،‬فَـ{قَا َل} له‬ ‫َ‬ ‫هم أن‬
‫حتى َّ‬
‫ألن من أعظم ِ‬
‫آثار‬ ‫جباراً في األرض}‪َّ :‬‬ ‫تكون َّ‬ ‫كما قَتَْلت نفساً باألمس إن ُ َّ‬
‫تريد إال أن َ‬
‫المصلحين}‪ :‬وإ الَّ ؛‬
‫ِ‬ ‫تكون من‬
‫تريد أن َ‬‫قتل النفس بغير حق‪{ .‬وما ُ‬ ‫الجب ِار في األرض َ‬
‫َّ‬
‫قتل ِه‪،‬‬
‫فانكف موسى عن ِ‬ ‫َّ‬ ‫وبينه من غير قتل ٍ‬
‫أحد‪.‬‬ ‫ت بيني َ‬ ‫ـحْل َ‬
‫فلو أردت اإلصالح؛ لَ ُ‬
‫وزجر ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لوعظ ِه‬
‫ِ‬ ‫وارعوى‬ ‫ْ‬
‫تراو َد مألُ‬
‫القضيتين حتى َ‬ ‫َّ‬ ‫الخبر بما جرى من موسى في هاتين‬
‫{‪ }20‬وشاع ُ‬
‫الناصح‪،‬‬
‫َ‬ ‫قتل ِه‪ ،‬وتشاوروا على ذلك‪َّ ،‬‬
‫فقيض (‪ )1‬اللّه ذلك الرج َل‬ ‫فرعون وفرعون على ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وبادرهم إلى اإلخبار لموسى بما اجتمع عليه رأي ملئهم‪ ،‬فقال‪{ :‬وجاء رج ٌل من‬
‫ص ِح ِه لموسى وخو ِف ِه أن يو ِقعوا‬
‫أقصى المدينة يسعى}؛ أي‪ :‬ركضاً على قدميه من ُن ْ‬
‫رون}؛ أي‪ :‬يتشاورون فيك؛ ِ{لَي ْقتُلوك‬ ‫ِ‬ ‫قبل أن يشعر‪ ،‬فقال‪{ :‬يا موسى َّ‬
‫إن المأل يأتَم َ‬ ‫به َ‬
‫فاخ ُر ْج}‪ :‬عن المدينة ِّ‬
‫{إنـي لك من الناصحين}‪ :‬فامتثل ُنصحه‪.‬‬ ‫ْ‬
‫{‪{ }21‬فخرج منها خائفاً يترقَّب}‪ :‬أن ُي ْوقَ َع به القت ُل‪ ،‬ودعا اللّه و {قال ِّ‬
‫رب‬
‫فإنه قد تاب من ذنبِ ِه‪ ،‬وفعله غضباً من غير ٍ‬
‫قصد منه‬ ‫الظالمين}‪َّ :‬‬ ‫َن ِّجني من القوم‬
‫َ‬
‫ظلم منهم وجراءةٌ‪.‬‬ ‫للقتل؛ ُّ‬
‫فتوع ُدهم له ٌ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وقيض»‪.‬‬


‫مدين‪ ،‬وهو جنوبي‬ ‫{‪{ }22‬ول َّـما َّ ِ‬
‫قاء َم ْدَي َن}؛ أي‪ :‬قاصداً بوجهه َ‬ ‫توجهَ تْل َ‬
‫سواء السبيل}؛ أي‪:‬‬
‫َ‬ ‫ربـي أن َي ْـه ِدَيني‬
‫فلسطين؛ حيث ال ملك لفرعون‪{ ،‬قال عسى ِّ‬
‫ق‪ .‬فهداه اللّه سواء السبيل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بسهولة ورف ٍ‬ ‫وسط الطريق المختصر الموصل إليها‬
‫فوصل إلى َم ْدَي َن‪.‬‬
‫ِ‬
‫مواشَيهم‪،‬‬ ‫يسقون}‪:‬‬ ‫أمةً من الناس‬
‫وجد عليه َّ‬
‫ماء َم ْدَي َن َ‬
‫َ‬ ‫{‪{ }23‬ول َّـما َو َر َد َ‬
‫ِ‬
‫تذودان}‪:‬‬ ‫ِ‬
‫{امرأتين‬ ‫ماشية كثير ٍة‪{ ،‬ووجد من دونهم}؛ أي‪ :‬دون تلك األمة‬ ‫ٍ‬ ‫وكانوا أهل‬
‫لعج ِزهما عن مزاحمة الرجال‪ِ ،‬‬
‫وبخل ِهم وعدم مروءتهم‬ ‫َغَن َمهما عن حياض الناس؛ ْ‬
‫شأنكما بهذه الحالة؟ {قالتا‬
‫طُب ُكما}؛ أي‪ :‬ما ُ‬ ‫عن السقي لهما‪{ ،‬قال}‪ :‬لهما موسى‪{ :‬ما َخ ْ‬
‫يحص ُل لنا سقي حتى‬ ‫ِ‬
‫جرت العادةُ َّأنه ال‬ ‫عاء}؛ أي‪ :‬قد‬ ‫ص ِد َر ِّ‬
‫ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫ال نسقي حتى ُي ْ‬
‫قوة له‬
‫كبير}؛ أي‪ :‬ال َّ‬ ‫يص ِدر الرعاء ِ‬
‫شيخ ٌ‬ ‫الجو؛ سقينا‪{ ،‬وأبونا ٌ‬ ‫مواشَيهم؛ فإذا خال لنا ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫نقتدر بها‪ ،‬وال لنا رجا ٌل ِ‬
‫يزاحمون الرعاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قوةٌ ُ‬ ‫على السقي‪ ،‬فليس فينا َّ‬
‫ٍ‬
‫طالب‬ ‫ورح َـمهما‪{ ،‬فسقى لهما}‪ :‬غير‬ ‫فرق لهما موسى عليه السالم ِ‬ ‫{‪َّ }24‬‬
‫غير وجه اللّه تعالى‪ ،‬فلما سقى لهما‪ ،‬وكان ذلك وقت شدة‬ ‫قصد َ‬
‫األجر‪ ،‬وال له ٌ‬ ‫َ‬ ‫منهما‬
‫{ثم تولَّـى إلى الظِّ ِّل}؛ مستريحاً لتلك الظالل بعد التعب‪،‬‬
‫حر وسط النهار؛ بدليل قوله‪َّ :‬‬ ‫ِّ‬
‫فقير}؛ أي‪:‬‬ ‫ـي من ٍ‬
‫خير ٌ‬ ‫أنزلت إل َّ‬
‫َ‬ ‫{رب ِّإنـي لما‬ ‫{فقال} في تلك الحالة مسترزقاً َّ‬
‫ربه‪ِّ :‬‬
‫بحال ِه‪ ،‬والسؤال بالحال‬
‫ـي وتيسِّره لي‪ ،‬وهذا سؤا ٌل منه ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّإنـي ٌ‬
‫مفتقر للخير الذي تسوقُهُ إل َّ‬
‫أبلغُ من السؤال بلسان المقال‪.‬‬

‫{‪ }25‬فلم يزل في هذه الحالة داعياً ربه متملِّقاً‪ ،‬وأما المرأتان؛ فذهبتا إلى‬
‫أبيهما وأخبرتاه بما جرى‪ ،‬فأرسل أبوهما إحداهما إلى موسى‪ ،‬فجاءته {تمشي على‬
‫وخلُقها الحسن؛ َّ‬
‫فإن الحياء من األخالق‬ ‫ِ‬
‫عنصرها ُ‬ ‫يدل على كرم‬ ‫ٍ‬
‫استحياء}‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يكن فيما فعله‬
‫أن موسى عليه السالم لم ْ‬ ‫الفاضلة‪ ،‬وخصوصاً في النساء‪ُّ ،‬‬
‫ويدل على َّ‬
‫عزيز‬
‫ُ‬ ‫من السقي لهما بمنزلة األجير والخادم الذي ال يستحى منه عادة‪ ،‬وإ َّنما هو‬
‫{قالت}‪ :‬له‪:‬‬
‫ْ‬ ‫أوجب لها الحياء منه‪،‬‬
‫َ‬ ‫حسن ُخلُِق ِه ومكارم أخالقه ما‬‫رأت من ِ‬ ‫النفس‪ْ ،‬‬
‫لمن عليك‪ ،‬بل أنت الذي ابتدأتنا‬ ‫ت لنا}؛ أي‪ :‬ال ٍّ‬
‫أجر ما َسقَْي َ‬
‫ك َ‬ ‫يدعوك ِلَي ْج ِزَي َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫{إن أبي‬
‫وقص‬
‫َّ‬ ‫يكافَئك على إحسانِك‪ ،‬فأجابها موسى‪َّ ،‬‬
‫{فلما جاءه‬ ‫قصده أن ِ‬ ‫باإلحسان‪ ،‬وإ َّنما ُ‬
‫عليه القَصص}‪ :‬من ابتداء السبب الموجب لهربِ ِه إلى أن وص َل إليه‪{ ،‬قال}‪ :‬له ِّ‬
‫مسكناً‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ور ْو ُعك؛‬
‫ليذهب خوفُك َ‬
‫ْ‬ ‫الظالمين}؛ أي‪:‬‬
‫َ‬ ‫نجوت من القوم‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫ـخ ْ‬
‫َر ْو َعهُ جابراً َقْلَبهُ‪{ :‬ال تَ َ‬
‫سلطان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫المحل الذي ليس لهم عليه‬ ‫وصلت إلى هذا‬
‫َ‬ ‫نجاك منهم حيث‬ ‫فإن اللّه َّ‬
‫َّ‬

‫استَأ ِج ْره}؛ أي‪ْ :‬‬


‫اج َعْله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إحداهما}؛ أي‪ :‬إحدى ابنتيه‪{ :‬يا أبت ْ‬
‫ُ‬ ‫{قالت‬
‫ْ‬ ‫{‪}26‬‬
‫األمين}؛ أي‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫القوي‬
‫ُّ‬ ‫استأجرت‬
‫َ‬ ‫{إن خير َم ِن‬
‫أجيراً عندك يرعى الغنم ويسقيها‪َّ ،‬‬
‫أجير استُ ْؤ ِج َر َمن َج َـم َعهما؛‬
‫القوة واألمانة‪ ،‬وخير ٍ‬ ‫موسى أولى َم ِن استُ ْؤ ِج َر؛ َّ‬
‫فإنه جمع َّ‬
‫القوة والقدرة على ما استُ ْؤ ِج َر عليه‪ ،‬واألمانة فيه بعدم الخيانة‪ ،‬وهذان‬
‫[أي]‪َّ :‬‬
‫كل َم ْن َيتََولَّـى لإلنسان عمالً بإجارة أو غيرها؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫الوصفان ينبغي اعتبارهما في ِّ‬
‫ُ‬
‫ويكم ُل‪.‬‬
‫يتم ُ‬ ‫اجتماعهما؛ َّ‬
‫فإن العمل ُّ‬ ‫ُ‬ ‫بفقد ِهما أو فقد إحداهما‪َّ ،‬‬
‫وأما‬ ‫الخلل ال يكون إال ِ‬
‫ت به‬‫ونشاط ِه ما َع َرفَ ْ‬
‫ِ‬ ‫قو ِة موسى عند َّ‬
‫الس ْقي لهما‬ ‫ألنها شاهدت من َّ‬ ‫وإ َّنما قالت ذلك َّ‬
‫وأنه رحمهما في ٍ‬
‫حالة ال ُيرجى نفعهما‪ ،‬وإ َّنما‬ ‫وشاهدت من أمانتِ ِه وديانتِ ِه َّ‬
‫ْ‬ ‫قوته‪،‬‬ ‫َّ‬
‫قصده بذلك وجه اللّه تعالى‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫هاتين‬ ‫ابنتي‬
‫ك إحدى َّ‬ ‫أريد أن أ ِ‬
‫ُنك َح َ‬ ‫{إنـي ُ‬ ‫صاحب َم ْدَي َن لموسى‪ِّ :‬‬ ‫ال}‬
‫{‪ }27‬فَـ{قَ َ‬
‫ُ‬
‫{فإن‬ ‫ِ‬
‫ـج ٍـج}؛ أي‪ :‬ثماني سنين‪ْ ،‬‬ ‫أج َرني}؛ أي‪ :‬تصير أجيراً عندي {ثماني ح َ‬ ‫على أن تَ ُ‬
‫أريد أن أ ُش َّ‬
‫ق‬ ‫واجب عليك‪{ .‬وما ُ‬ ‫ٌ‬ ‫تبرع منك ال شيء‬ ‫ك}‪ُّ :‬‬ ‫أتممت عشراً فمن ِ‬
‫عند َ‬ ‫َ‬
‫ك أعماالً شاقَّة‪ ،‬وإ َّنما‬ ‫أستأج َرك ألكلِّفَ َ‬
‫ِ‬ ‫عشر السنين‪ ،‬أو ما أريد أن‬ ‫عليك}‪ :‬فأحتِّم َ‬
‫الصالحين}‪:‬‬
‫َ‬ ‫يسير ال مشقَّةَ فيه‪{ .‬ستَ ِج ُدني إن شاء اللّه من‬
‫استأجرتُك لعمل سهل ٍ‬
‫فرغبه في سهولة العمل وفي حسن المعاملة‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل على أن الرجل الصالح ينبغي‬ ‫َّ‬
‫ب منه أبلغُ من غيره‪.‬‬
‫طلَ ُ‬ ‫ِّن ُخلُقَهُ مهما أمكنه‪َّ ،‬‬
‫وأن الذي ُي ْ‬ ‫ـحس َ‬
‫له أن ُي َ‬
‫ك} ؛‬ ‫وبين َ‬
‫ال} موسى عليه السالم مجيباً له فيما طلب منه‪{ :‬ذلك بيني َ‬
‫{‪ }28‬فَـ{قَ َ‬
‫ِ‬
‫األجلين‬ ‫تم فيما بيني وبينك‪َّ ،‬‬
‫{أيما‬ ‫رضيت به‪ ،‬وقد َّ‬
‫ُ‬ ‫ذكرت‬
‫َ‬ ‫أي‪ :‬هذا الشرط الذي أنت‬
‫ت بالزائد عليها‪،‬‬
‫تبر ْع ُ‬
‫قضيت الثمان الواجبة أم َّ‬
‫ُ‬ ‫ـي}‪ :‬سواء‬ ‫دوان عل َّ‬
‫قضيت فال ُع َ‬
‫ُ‬
‫{واللّه على ما َنقو ُل وكي ٌل}‪ :‬حافظٌ ِ‬
‫يراقُبنا ويعلم ما تعاقدنا عليه‪.‬‬
‫النبي المعروف كما‬
‫مدين ليس بشعيب ِّ‬ ‫صاحب َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المرأتين‬ ‫وهذا الرج ُل أبو‬
‫فإن هذا قو ٌل لم َّ‬
‫يدل عليه دلي ٌل (‪ ،)1‬وغايةُ ما يكون أن‬ ‫كثير من الناس؛ َّ‬ ‫ا ْشتُ ِه َر عند ٍ‬
‫مدين؛ فأين المالزمة‬
‫جرت في َ‬ ‫ْ‬ ‫شعيباً عليه السالم قد كانت بـل ُـدهُـ مـدي َـن‪ ،‬وهذه القضيةُ‬
‫ٍ‬
‫شعيب؛ فكيف‬ ‫زمان‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫فإنه غير معلوم أن موسى أدر َ‬ ‫بين األمرين؟! وأيضاً؛ َّ‬
‫ولسمتْه المرأتان‪ .‬وأيضاً؛‬
‫َّ‬ ‫بشخص ِه؟! ولو كان ذلك الرج ُل شعيباً؛ لذكره اللّه تعالى‪،‬‬
‫ِ‬
‫يبق إالَّ َم ْن آمن‬
‫قومه بتكذيِبِهم َّإياه‪ ،‬ولم َ‬ ‫َّ‬
‫فإن شعيباً عليه الصالة والسالم قد أهلك اللّه َ‬
‫ِّ‬
‫وصد‬ ‫يرض ْوا لبنتي نبيِّهم بمنعهما عن الماء‬
‫َ‬ ‫المؤمنين به أن‬
‫َ‬ ‫به‪ ،‬وقد أعاذ اللّه‬
‫شعيب‬
‫ٌ‬ ‫فيحس ُن إليهما ويسقي ماشيتهما‪ ،‬وما كان‬ ‫غريب ِ‬‫ٌ‬ ‫ماشيتهما حتى يأتَِيهُما رج ٌل‬
‫أن‬ ‫َّ‬
‫ليرضى أن يرعى موسى عنده ويكون خادماً له وهو أفض ُل منه وأعلى درجةً؛ إال ْ‬
‫النبي‬
‫شعيب ُّ‬‫ٌ‬ ‫نبوة موسى؛ فال منافاة‪ .‬وعلى ِّ‬
‫كل حال؛ ال ُي ْعتَ َم ُد على َّأنه‬ ‫ُيقال‪ :‬هذا قبل َّ‬
‫بغير نقل صحيح عن النبي (ص)‪ .‬واللّه أعلم‪.‬‬

‫األجل}‪ُ :‬يحتمل َّأنه قضى األجل الواجب أو الزائد‬


‫َ‬ ‫{‪{ }29‬فلما قضى موسى‬
‫الظن بموسى ووفائِ ِه؛ اشتاق إلى الوصول إلى أهله ووالدتِ ِه وعشيرتِ ِه‬
‫عليه كما هو ُّ‬
‫بأهل ِه}‪ :‬قاصداً‬
‫المدة َّأنهم قد تناسوا ما صدر منه‪{ .‬سار ِ‬
‫َْ‬ ‫ووطنِ ِه‪َّ ،‬‬
‫وظن (‪ )2‬من طول َّ‬
‫آنست‬
‫ُ‬ ‫ام ُكثوا ِّإنـي‬
‫ال ألهله ْ‬ ‫مصر‪{ ،‬آنس}؛ أي‪ :‬أبصر‪{ ،‬من جانب الطُّ ِ‬
‫ور ناراً}‪ ،‬فَـ{قَ َ ِ ِ‬
‫لون}‪ :‬وكان قد‬ ‫َّ‬ ‫ناراً لعلِّـي آتي ُكم منها ٍ‬
‫ط َ‬ ‫صَ‬
‫بخبر} أو آتيكم بشهاب قبس‪{ ،‬لعلكم تَ ْ‬
‫البرد‪ ،‬وتاهوا الطريق‪.‬‬
‫أصابهم ُ‬
‫َّ‬
‫بألوهيته‬ ‫العالمين}‪ :‬فأخبره‬
‫َ‬ ‫رب‬‫فلما أتاها نودي‪{ :‬يا موسى ِّإنـي أنا اللّه ُّ‬ ‫{‪َّ }30‬‬
‫يأم َره بعبادتِ ِه وتألُّهه كما َّ‬
‫صرح به في اآلية األخرى‪،‬‬ ‫أن ُ‬‫وربوبيته‪ ،‬ويلزم من ذلك ْ‬ ‫َّ‬
‫وأقِم الصَّالةَ ِل ِذ ْكري}‪.‬‬
‫{فاعب ْدني ِ‬
‫ُْ‬

‫‪ - 1‬قال الطبريـ (‪« :)19/562‬وهذا مما ال يدرك علمه إالَّ بخبر وال خبر بذلك تجب حجته»‪.‬‬
‫وقال ابن كثير‪« :‬إنه لو كان إياه [أنه شعيب النبي عليه السالم] ألوشك أن ينص على اسمه في‬
‫القرآن هاهنا‪ ،‬وما جاء في بعض األحاديث‪ ،‬من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح‬
‫إسناده»‪« ،‬تفسير ابن كثير» (‪.)6/238‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬وعلم»‪.‬‬
‫{فلما رآها تَ ْـهتَُّز}‪ :‬تسعى سعياً شديداً‪ ،‬ولها‬ ‫عصاك}‪ :‬فألقاها‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫{وأن أل ِ‬
‫ق‬ ‫{‪ْ }31‬‬
‫ب}؛ أي‪ :‬ير ِجع‬ ‫ذكر الحيـات العظيم‪{ ،‬ولَّى ُم ْدبِراً ولم ُي َعقِّ ْ‬ ‫صورةٌ ُمهيلة {كأنهـا ٌّ‬
‫جان}‪ُ :‬‬
‫ف َّإنك من اآلمنين}‪:‬‬ ‫الستيالء الروع على قلبه‪ ،‬فقال اللّه له‪{ :‬يا موسى أ ْقبِ ْل وال تَ َ‬
‫ـخ ْ‬
‫وهذا أبلغُ ما يكون في التأمين وعدم الخوف؛ َّ‬
‫فإن قولَه‪{ :‬أقبل}‪ :‬يقتضي األمر بإقباله‬
‫المخوف‪ ،‬فقال‪{ :‬وال‬
‫ُ‬ ‫األمر‬
‫يكون إقبالُهُ وهو لم يزل ُ‬
‫ويجب عليه االمتثال‪ ،‬ولكن قد ُ‬
‫خوف‪ .‬ولكن يبقى احتما ٌل‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬ ‫وأن ال يكون في قلبِ ِه‬
‫ف}‪ :‬أمر له بشيئين‪ :‬إقباله‪ْ ،‬‬ ‫ـخ ْ‬
‫تَ َ‬
‫تحص ُل له الوقاية واألمن من المكروه فقال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫خائف‪ ،‬ولكن ال‬ ‫َّأنه قد ُي ْقبِ ُل وهو غير‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ اندفع المحذور من جميع الوجوه‪ .‬فأقبل موسى عليه السالم‬ ‫{إنك من اآلمنين}‪:‬‬
‫يقينه‪ .‬فهذه‬
‫وتم ُ‬‫إيمانه َّ‬ ‫ًّ‬
‫مطمئنا واثقاً بخبر ربِّه‪ ،‬قد ازداد ُ‬ ‫ٍ‬
‫مرعوب‪ ،‬بل‬ ‫غير خائف وال‬
‫تام‪ ،‬ليكون أجرأ له وأقوى‬
‫ليكون على يقين ٍّ‬
‫َ‬ ‫آيةٌ أراه اللّه َّإياها قبل َذهابه إلى فرعون؛‬
‫وأصلب‪.‬‬

‫ك}؛ أي‪ْ :‬أد ِخْلها {في جيبِك تَ ْـخ ُر ْج‬ ‫{اسلُ ْك َي َد َ‬


‫{‪ }32‬ثم أراه اآلية األخرى‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬
‫{واض ُم ْم إليك‬ ‫تعالى‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫بيضاء من غير سو ٍء}‪َ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫فسلَ َكها وأخرجها كما ذكر‬ ‫َ‬
‫الرهب‬
‫ُ‬ ‫عض ُدك ـ إلى جنبك؛ ليزو َل عنك‬ ‫الر ْه ِب}؛ أي‪َّ :‬‬
‫ضم جناحك ـ وهو ُ‬ ‫جناحك من َّ‬
‫وخروج اليد بيضاء من غير سوء‬
‫ُ‬ ‫والخوف‪{ .‬فذنِ َ‬
‫ك}؛ أي‪ :‬انقالب العصـا حيةً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫{برهانان من ربِّك}؛ أي‪ :‬حجتان قاطعتان من اللّه {إلى فرعون وملئه َّإنهم كانوا قوماً‬
‫بد من اآليات الباهرة‬ ‫مجرد اإلنذار وأمر الرسول َّإياهم‪ ،‬بل ال َّ‬
‫ُ‬ ‫فاسقين}‪ :‬فال يكفيهم‬
‫إن نفعت‪.‬‬

‫المعونةَ على‬
‫َ‬ ‫ال} موسى عليه السالم معتذراً من ربِّه وسائالً له‬
‫{‪ 33‬ـ ‪ }34‬فَـ{قَ َ‬
‫{رب ِّإنـي ُ‬
‫قتلت منهم‬ ‫ليزيل ُّ‬
‫ربه ما َي ْـح َذ ُرهُ منها‪ِّ :‬‬ ‫َ‬ ‫ما َح َـملَه وذاكراً له الموانع التي فيه‬
‫يقتلون‪ .‬وأخي هارون هو أفصح مني لساناً ِ‬
‫فأرسْلهُ معي‬ ‫ِ‬ ‫{فأخاف أن‬
‫ُ‬ ‫نفساً}؛ أي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬
‫الحق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تضافر األخبار يقوى‬ ‫ردءاً}؛ أي‪ :‬معاوناً ومساعداً‪ِّ ،‬‬
‫يصدقون َّ‬
‫فإنه مع‬
‫ك}؛ أي‪ِ :‬‬
‫نعاوُنك به‬ ‫ك بأخي َ‬‫ض َد َ‬ ‫ُّ‬
‫{سنشد َع ُ‬ ‫{‪ }35‬فأجابه اللّه إلى سؤاله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ونقويك‪ .‬ثم أزال عنه محذور القتل‪ ،‬فقال‪{ :‬ونجع ُل ل ُكما سلطاناً}؛ أي‪ :‬تسلُّطاً ُّ‬
‫وتمكناً‬ ‫ِّ‬
‫َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ذكره»‪.‬‬


‫عدوهما لهما؛ {فال ي ِ‬
‫صلون إلي ُكما}‪ :‬وذلك‬ ‫َّ‬
‫اإللهية من ِّ‬ ‫َّ‬
‫بالحجة والهيبة‬ ‫من الدعوة‬
‫َ‬
‫أزعجت به من باشرها ونظر إليها؛ فهي‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫الحق وما‬ ‫بسبب آياتِنا وما دلَّت عليه من‬
‫أبلغ من‬ ‫(‪)1‬‬
‫عدوكم ‪ ،‬وصارت لكم َ‬
‫كيد ِّ‬
‫ص َل لكما السلطان‪ ،‬واندفَ َع بها عنكم ُ‬
‫التي بها َح َ‬
‫وعد لموسى في ذلك‬
‫الغالبون}‪ :‬وهذا ٌ‬
‫َ‬ ‫وم ِن اتََّب َعكما‬
‫والعدد‪{ .‬أنتُما َ‬
‫الجنود أولي العدد ُ‬
‫بلد ِه بعدما كان شريداً‪ ،‬فلم ِ‬
‫تزل األحوال‬ ‫فريد‪ ،‬وقد رجع إلى ِ‬ ‫الوقت‪ ،‬وهو وحده ٌ‬
‫أنجز له موعوده‪َّ ،‬‬
‫ومكنه من العباد والبالد‪ ،‬وصار له‬ ‫تتطور واألمور تتنقل حتى َ‬ ‫َّ‬
‫والظهور‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وألتباع ِه الغلبةُ‬
‫ِ‬

‫{فلما جاءهم موسى بآياتِنا بي ٍ‬


‫ِّنات}‪:‬‬ ‫{‪ }36‬فذهب موسى برسالة ربِّه‪َّ ،‬‬
‫خفاء‪{ ،‬قالوا}‪ :‬على وجه‬ ‫ِ‬
‫واضحات ِّ‬
‫قصور وال ٌ‬‫ٌ‬ ‫الداللة على ما قال لهم (‪ ،)2‬ليس فيها‬
‫فرعون في تلك الحال التي‬ ‫سحر مفترى}؛ كما قال‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬ ‫والعلو والعناد‪{ :‬ما هذا إال ٌ‬‫ِّ‬ ‫الظلم‬
‫الرؤساء‬ ‫َّ‬
‫واضمحل الباط ُل‪ ،‬وخضع له‬ ‫الحق‪ ،‬واستعلى على الباطل‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ظهر فيها‬
‫ُ‬
‫الذكي غير‬
‫ُّ‬ ‫السحر}! هذا؛ وهو‬
‫َ‬ ‫لكبير ُك ُم الذي علَّ َم ُك ُم‬
‫{إنه ُ‬‫حقائق األمور‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العارفون‬
‫الزكي‪ ،‬الذي بلغ من المكر والخداع والكيد ما قصَّه اللّه علينا‪ ،‬وقد علم ما أنزل‬ ‫ِّ‬
‫غالب‪{ ،‬وما سمعنا بهذا في آبائنا‬
‫ٌ‬ ‫هؤالء إالَّ رب السماوات واألرض‪َّ ،‬‬
‫ولكن الشقاء‬
‫يوسف قبل موسى؛ كما قال تعالى‪:‬‬ ‫َ‬ ‫األولين}‪ :‬وقد َك َذبوا في ذلك؛ َّ‬
‫فإن اللّه أرسل‬
‫ك قلتُم‬‫شك مما جاءكم به حتى إذا َهلَ َ‬ ‫ف من قب ُل بالبي ِ‬
‫ِّنات فما ِزْلتُم في ٍّ‬ ‫يوس ُ‬
‫{ولقد جاءكم ُ‬
‫مسرف مرتاب}‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بعد ِه رسوالً كذلك ي ِ‬
‫ض ُّل اللّه من هو‬ ‫ث اللّه من ِ‬
‫لن َي ْب َع َ‬
‫ُ‬
‫سحر وضال ٌل‪َّ ،‬‬
‫وأن ما‬ ‫جاءهم به ٌ‬ ‫أن الذي َ‬ ‫{‪{ }37‬وقال موسى}‪ :‬حين زعموا َّ‬
‫تكون له عاقبةُ الدار}؛‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫هم عليه هو الهدى‪ِّ :‬‬
‫ومن ُ‬ ‫أعلم بمن جاء بالهُدى م ْن عنده َ‬ ‫{ربـي ُ‬
‫ِّنات وأبيتُم إالَّ التَّمادي في غيِّكم‬
‫معكم أي‪ :‬إذا لم تُِف ِد المقابلةُ وتبيين اآليات البي ِ‬
‫ُ‬
‫تكون له عاقبةُ الدار؛‬‫ُ‬ ‫كفر ُكم؛ فاللّه تعالى العالم بالمهتدي وغيره ومن‬ ‫واللَّجاج على ِ‬
‫والفالح‬
‫ُ‬ ‫وأتباع ِه‬
‫ِ‬ ‫{إنه ال ُي ْفِل ُح الظالمون}‪ :‬فصار عاقبةُ الدار لموسى‬ ‫نحن أم أنتُم‪َّ .‬‬
‫والفوز‪ ،‬وصار ألولئك الخسار وسوء العاقبة والهالك‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬عدوهم»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ما قاله لهم»‪.‬‬
‫ومموها على قو ِم ِه السفهاء أخفاء‬
‫ِّ‬ ‫متجرئاً على ربِّه‬
‫ِّ‬ ‫فرعون}‪:‬‬
‫ُ‬ ‫{‪{ }38‬وقال‬
‫ومعبودكم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إله غيري}؛ أي‪ :‬أنا وحدي إلهُكم‬‫علمت لكم من ٍ‬
‫ُ‬ ‫العقول‪{ :‬يا ُّأيها المأل ما‬
‫حيث لم َي ُق ْل‪:‬‬
‫التام من فرعون؛ ُ‬
‫فانظر إلى هذا الورع ِّ‬‫ُ‬ ‫ثم إلهٌ غيري؛ لعلمتُه!‬ ‫ولو كان َّ‬
‫عندهم‬
‫ألنه َ‬ ‫إله غيري! وهذا َّ‬‫علمت لكم من ٍ‬
‫ُ‬ ‫ع وقال‪ :‬ما‬‫تور َ‬
‫إله غيري! بل َّ‬ ‫ما لكم من ٍ‬
‫ُّ‬
‫الحق‪ ،‬ومهما أمر؛ أطاعوه‪.‬‬ ‫العالم الفاضل‪ ،‬الذي مهما قال؛ فهو‬

‫ثم إلهاً غيره؛ أراد أن يحقِّق النفي الذي‬ ‫فلما قال هذه المقالةَ التي قد تحتم ُل َّ‬
‫أن َّ‬
‫الطين}‪ :‬ليجع َل له لَبِناً‬
‫ِ‬ ‫هامان على‬
‫ُ‬ ‫جعل فيه ذلك االحتمال‪ ،‬فقال لهامان‪{ :‬فأو ِق ْد لي يا‬
‫إله موسى وإ ِّنـي‬ ‫{فاجع ْل لي صرحاً}؛ أي‪ :‬بناء عالياً (‪ )1‬؛ {لعلِّـي أطَِّلع إلى ِ‬ ‫من َّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫فخار‪َ ْ ،‬‬
‫ب موسى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ق هذا َّ‬ ‫ولكن سنحقِّ ُ‬ ‫ُّ‬
‫الظن ونريكم َكذ َ‬ ‫ألظنه} كاذباً ْ‬
‫ب موسى‪،‬‬ ‫فانظُر هذه الجراءة العظيمة على اللّه‪ ،‬التي ما بلَ َغها ٌّ َّ‬
‫آدمي! كذ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫علم باإلله الحق‪ ،‬وفعل األسباب ليتوصل إلى إلـه‬‫يكون له ٌ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وادعى أنه اللّه‪ ،‬ونفى أن‬

‫ترويج‪ .‬ولكن العجب من هؤالء المأل الذين يزعمون َّأنهم ُ‬


‫كبار‬ ‫ٌ‬ ‫موسى‪ ،‬وكل هذا‬
‫أحالمهم؟! وهذا‬‫َ‬ ‫َّ‬
‫واستخف‬ ‫المملكة المدبِّرون لشؤونها؛ كيف لعب هذا الرجل بعقولهم‪،‬‬
‫ِلف ْس ِق ِهم الذي صار صفةً راسخةً فيهم؛ فسد دينهم‪ ،‬ثم تبع ذلك فساد عقولهم؛ فنسألك‬
‫ك رحمةً‬‫ب لنا من لَ ُد ْن َ‬
‫قلوبنا بعد إ ْذ َه َد ْيتَنا‪ ،‬وتَـهَ َ‬
‫زيغ َ‬‫اللهم الثبات على اإليمان‪ ،‬وأن ال تُ َ‬
‫َّ‬
‫َّإنك أنت الوهاب‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الحق}‪ :‬استكبروا‬ ‫بغير‬ ‫ِ‬
‫األرض ِ‬ ‫وجنودهُ في‬
‫ُ‬ ‫{‪ }39‬قال تعالى‪{ :‬واستكبر هو‬
‫على ِ‬
‫عباد اللّه‪ ،‬وساموهم سوء العذاب‪ ،‬واستكبروا على رسل اللّه وما جاؤوهم به من‬
‫{وظنوا َّأنهم إلينا ال‬
‫ُّ‬ ‫أن ما هم عليه أعلى منها وأفضل‪،‬‬ ‫فكذبوها‪ ،‬وزعموا َّ‬‫اآليات‪َّ ،‬‬
‫تجرؤوا‪ ،‬وإ الَّ ؛ فلو علموا أو ُّ‬
‫ظنوا َّأنهم ُي ْر َجعون إلى اللّه؛ لما‬ ‫َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ُي ْر َجعون}‪ :‬فلذلك‬
‫كان منهم ما كان‪.‬‬

‫‪-1‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬فكذلك»‪.‬‬
‫اليم‬
‫وب ْغُيهم‪{ ،‬فَ َنب ْذناهم في ِّ‬
‫عناد ُهم َ‬
‫استمر ُ‬
‫َّ‬ ‫وجنوده}‪ :‬عندما‬
‫َ‬ ‫{فأخ ْذناه‬
‫{‪َ }40‬‬
‫وأخسرها عاقبةً‪ ،‬أعقبتْها‬ ‫ِ‬
‫العواقب‬ ‫أشر‬‫الظالمين}‪ :‬كانت َّ‬
‫َ‬ ‫كيف كان عاقبةُ‬‫فانظُ ْر َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫األخروية‪.‬‬ ‫المستمرة المتَّصلة بالعقوبة‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الدنيوية‬ ‫العقوبةُ‬
‫فرعون ومأله من األئمة‬‫َ‬ ‫{‪{ }41‬وجعلناهم أئمةً يدعون إلى النار}؛ أي‪ :‬جعلنا‬
‫رون}ـ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ص َ‬ ‫ويم َشى خلفَهم إلى دار الخزي والشقاء‪{ .‬ويوم القيامة ال ُي ْن َ‬‫الذين ُيقتدى بهم‪ُ ،‬‬
‫من عذاب اللّه؛ فهم أضعف شيء عن دفعه عن أنفسهم‪ ،‬وليس لهم من دون اللّه من‬
‫ٍ‬
‫نصير‪.‬‬ ‫ـي وال‬
‫ول ٍّ‬
‫{‪{ }42‬وأتَْب ْعناهم في هذه ُّ‬
‫الدنيا لعنةً}؛ أي‪ :‬وأتَْب ْعناهم زيادةً في عقوبتهم‬
‫أمر‬ ‫ِ‬
‫وخ ْزيِ ِهم في الدنيا لعنةً يلعنون‪ ،‬ولهم عند الخلق الثناء القبيح‬
‫والذم‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫ُّ‬ ‫والمقت‬
‫ُ‬
‫المقبوحين}‪:‬‬ ‫ِ‬
‫القيامة هم من‬ ‫مشاهد؛ فهم أئمةُ الملعونين في ُّ‬
‫الدنيا ومقدمتهم‪{ .‬ويوم‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫ومقت‬
‫ُ‬ ‫خلق ِه‬
‫ومقت ِ‬
‫ُ‬ ‫مقت اللّه‬ ‫(‪)1‬‬
‫المبعدين‪ ،‬المستقذرة أفعالهم‪ ،‬الذين اجتمع عليهم ُ‬ ‫َ‬
‫أنفسهم‪.‬‬

‫القرون‬ ‫أهلَ ْكنا‬ ‫{‪{ }43‬ولقد آتَْينا موسى الكتاب}‪ :‬وهو التوراةُ {من ِ‬
‫بعد ما ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وجنوده‪ ،‬وهذا دلي ٌل على َّأنه‬
‫َ‬ ‫فرعون‬
‫َ‬ ‫األولى}‪ :‬الذين كان خاتِ َـمتُهُم في اإلهالك ِّ‬
‫العام‬
‫{بصائر للناس}؛‬
‫َ‬ ‫جهاد الكفار بالسيف؛‬
‫ُ‬ ‫العام‪ ،‬و ُش ِر َ‬
‫ع‬ ‫انقطع الهالك ُّ‬
‫َ‬ ‫بعد نزول التوراة‬
‫بصائر للناس؛ أي‪ :‬أمور يبصرون بها ما‬
‫ُ‬ ‫أي‪ :‬كتاب اللّه الذي أنزله على موسى فيه‬
‫الحجةُ على العاصي‪ ،‬وينتفع بها المؤمن‪ ،‬فتكون رحمةً في‬ ‫يضرهم‪ ،‬فتقوم َّ‬ ‫ينفعهم وما ُّ‬
‫رون}‪.‬‬ ‫حقِّه وهداية له إلى الصراط المستقيم‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وهدى ورحمةً لعلَّهم َّ‬
‫يتذك َ‬ ‫ً‬
‫العباد‬
‫َ‬ ‫الغيبية؛ َّنبه‬
‫َّ‬ ‫قص اللّه على رسوِل ِه ما َّ‬
‫قص من هذه األخبار‬ ‫{‪ }44‬ول َّـما َّ‬
‫علم ِه؛ إالَّ من جهة الوحي؛‬
‫طريق إلى ِ‬‫ٌ‬ ‫محض‪ ،‬ليس للرسول‬ ‫ٌ‬ ‫ـهي‬
‫خبر إل ٌّ‬ ‫على َّ‬
‫أن هذا ٌ‬
‫ـي وقت قضائنا‬‫ور الغرب ِّ‬‫ـي}ـ؛ أي‪ :‬بجانب الطُّ ِ‬
‫كنت بجانِ ِب الغرب ِّ‬
‫ولهذا قال‪{ :‬وما َ‬
‫الشاهدين}‪ :‬على ذلك حتى ُيقا َل‪َّ :‬إنه وصل إليك من هذا‬
‫َ‬ ‫كنت من‬
‫لموسى األمر‪{ ،‬وما َ‬
‫الطريق‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬الذي»‪.‬‬


‫ت آياتُهُ‪،‬‬‫ون ِسَي ْ‬
‫العلم ُ‬
‫الع ُمر}‪ :‬فاندرس ُ‬ ‫فتطاول عليهم ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫{ولكنا أنشأنا قروناً‬ ‫{‪}45‬‬
‫اشتدت الحاجةُ إليك وإ لى ما علَّمناك وأوحينا إليك‪{ ،‬وما َ‬
‫كنت‬ ‫وقت َّ‬ ‫فبعثناك في ٍ‬
‫ثاوياً}؛ أي‪ :‬مقيماً‪{ ،‬في أهل َم ْدَي َن تتلو عليهم آياتِنا}؛ أي‪ :‬تعلِّ ُمهم وتتعلَّم منهم‪ ،‬حتى‬
‫َّ‬
‫ولكن ذلك‬ ‫لين}؛ أي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫{ولكنا َّ‬
‫َّ‬
‫كنا مرس َ‬ ‫أخبرت بما أخبرت من شأن موسى في مدين‪.‬‬ ‫َ‬
‫ووحي ال بسبيل لك إلى‬ ‫اك‬ ‫ِ‬
‫إرسالنا َّإي َ‬ ‫أثر من آثار‬
‫ٌ‬ ‫جئت به عن موسى ٌ‬ ‫الخبر الذي َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إرسالنا‪.‬‬ ‫علمه بدون‬

‫القوم‬
‫أن يأتي َ‬‫وأم ْرناه ْ‬
‫ناد ْينا}‪ :‬موسى َ‬ ‫كنت بجانِ ِب الطُّ ِ‬
‫ور إ ْذ َ‬ ‫{‪{ }46‬وما َ‬
‫صنا عليك‪.‬‬
‫ص ْ‬ ‫وي ِرَيهم من آياتنا وعجائبنا ما قَ َ‬‫الظالمين ويبلِّ َغهم رسالتنا ُ‬
‫والمقصود أن الماجريات التي جرت لموسى عليه الصالة والسالم في هذه‬
‫ُ‬
‫إما أن‬ ‫ٍ‬
‫نقص‪ ،‬ال يخلو من أحد أمرين‪َّ :‬‬ ‫ٍ‬
‫زيادة وال‬ ‫األماكن‪ ،‬فقصصتَها كما هي من ِ‬
‫غير‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ قد ال ُّ‬
‫يدل‬ ‫ذهبت إلى محالِّها فتعلَّمتها من أهلها؛‬
‫َ‬ ‫وشاه ْدتَها‪ ،‬أو‬
‫َ‬ ‫ض ْرتَها‬
‫تكون َح َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ودراسة من األمور‬ ‫ٍ‬
‫شهادة‬ ‫ذلك على َّأنك رسول اللّه؛ إذ األمور التي ُي ْـخَب ُر بها عن‬
‫المشتركة غير المختصَّة باألنبياء‪ ،‬ولكن هذا قد ُعِل َم وتُُيقِّ َن أنه ما كان وما صار؛‬
‫فتعيـن األمر الثاني‪ ،‬وهو أن هذا جاءك مـن‬ ‫فأولياؤك وأعداؤك يعلَمون عدم ذلك‪َّ .‬‬
‫ِ‬
‫للعباد‪،‬‬ ‫القطعي صحةُ رسالتك ورحمةُ اللّه بك‬ ‫ِّ‬ ‫رسال ِه‪ ،‬فثبت بالدليل‬
‫ِقـب ِـل اللّه ووحيه وإ ِ‬
‫َ‬
‫ك}؛ أي‪ :‬العرب‬‫نذير من قَْبِل َ‬
‫ولهذا قال‪{ :‬ولكن رحمةً من ربِّك ِلتُ ِنذ َر قوماً ما أتاهم من ٍ‬
‫ٍ‬
‫بأزمان متطاولة‪،‬‬ ‫فإن الرسالة عندهم ال تُعرف وقت إرسال الرسول وقبله‬ ‫وقريش؛ َّ‬
‫كنت بهذه المنزلة؛‬ ‫{لعلَّهم َّ‬
‫يتذكرون}‪ :‬تفصيل الخير فيفعلونه‪ ،‬والشر فيتركونه‪ .‬فإذا َ‬
‫قاد ُر قَ ْد ُرها وال‬ ‫ِ‬
‫وشكر هذه النعمة التي ال ُي َ‬ ‫الواجب عليهم المبادرةَ إلى اإليمان بك‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫عربي‪ ،‬والقرآن‬
‫ٌّ‬ ‫فإنه‬ ‫مرسالً ِ‬
‫لغيرهم؛ َّ‬ ‫أن يكون َ‬ ‫نذاره للعرب ال ينفي ْ‬ ‫ُي ْد َرك ُشكرها‪ .‬وإ ُ‬
‫عربي‪ ،‬وأول من باشر بدعوته العرب‪ ،‬فكانت رسالتُه لهم أصالً‬ ‫ٌّ‬ ‫الذي نزل (‪ )1‬عليه‬
‫أن ِ‬
‫أنذ ِر‬ ‫ِ‬
‫أن ْأو َح ْينا إلى رجل منهم ْ‬
‫ولغيرهم تبعاً؛ كما قال تعالى‪{ :‬أكان للناس َع َجباً ْ‬
‫الناس ِّإنـي رسو ُل اللّه إلي ُكم جميعاً}‪.‬‬
‫{قل يا ُّأيها ُ‬
‫الناس}‪ْ ،‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬أنزل»‪.‬‬


‫ت أيديهم}‪ :‬من الكفر والمعاصي‪،‬‬ ‫صيبهم مصيبةٌ بما َّ‬
‫قد َم ْ‬ ‫{‪{ }47‬ولوال أن تُ َ‬
‫المؤمنين}؛ أي‪:‬‬
‫َ‬ ‫ونكون من‬
‫َ‬ ‫ك‬‫ت إلينا رسوالً فنتَّبِ َع آياتِ َ‬ ‫لقالوا‪َّ :‬‬
‫{ربنا لوال ْأر َسْل َ‬
‫محمد‪ ،‬لدفع ُح َّجتِ ِهم‪ ،‬وقطع مقالتهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فأرسلناك يا‬

‫القرآن الذي‬ ‫شك فيه {من ِ‬


‫عندنا}‪ :‬وهو‬ ‫الحق}‪ :‬الذي ال َّ‬
‫{فلما جاءهم ُّ‬ ‫{‪َّ }48‬‬
‫ُ‬
‫ض به‪{ :‬لوال أوتي ِم ْث َل‬ ‫ِ‬
‫ومعترضينـ بما ليس ُي ْعتََر ُ‬ ‫أوحيناه إليك‪{ ،‬قالوا}‪ِّ :‬‬
‫مكذبين له‬
‫كتاب من السماء جملةً واحدةً؛ أي‪ :‬فأما ما دام ينزل‬ ‫ما أوتي موسى}؛ أي‪ :‬أ ُْن ِز َل عليه ٌ‬
‫وأي شبهة َّأنه ليس من عند اللّه‬‫وأي دليل في هذا؟! ُّ‬ ‫متفرقاً؛ َّ‬
‫فإنه ليس من عند اللّه‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬
‫واعتناء اللّه بمن ْأن ِز َل عليه أن نزل‬ ‫مفرقاً؟! بل من كمال هذا القرآن‬
‫حين نزل َّ‬
‫ك‬
‫يأتون َ‬
‫ويحص َل زيادةُ اإليمان للمؤمنين‪{ ،‬وال َ‬
‫ُ‬ ‫فؤاد رسوِل ِه‪،‬‬
‫ِّت اللّه به َ‬
‫متفرقاً؛ ليثب َ‬
‫ِّ‬
‫قياس‬
‫فإن قياسهم على كتاب موسى ٌ‬ ‫وأحسن تفسيراً}‪ .‬وأيضاً؛ َّ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫بالحق‬ ‫بِ َمثَ ٍل إالَّ جئنا َ‬
‫ك‬
‫{أولَ ْـم‬ ‫ٍ‬
‫يقيسونه على كتاب كفروا به ولم يؤمنوا [به]؟! ولهذا قال‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫قد نقضوه؛ فكيف‬
‫ظاهرا}؛ أي‪ :‬القرآن والتوراة تعاونا‬ ‫يكفُروا بما أوتي موسى من قب ُل قالوا ِس ْح ِ‬
‫ران تَ َ‬
‫سحر ِهما وإ ضالل الناس {وقالوا َّإنا ٍّ‬
‫بكل كافرون}‪ :‬فثبت بهذا أن القوم يريدون‬ ‫في ِ‬
‫ض‪ ،‬ويقولون األقوال المتناقضة‬ ‫ٍ‬
‫ببرهان‪ ،‬وينقُضونه بما ال ُي ْنقَ ُ‬ ‫إبطال ِّ‬
‫الحق بما ليس‬
‫صرح أنهم كفروا بالكتابين والرسولين‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫كافر‪ ،‬ولهذا َّ‬ ‫المختلفة‪ ،‬وهذا شأن ِّ‬

‫خير منهما‪ ،‬أم‬


‫ألمر عندهم ٌ‬‫للحق واتِّباعاً ٍ‬
‫كفر ُهم بهما طلباً ِّ‬ ‫ولكن هل ُ‬ ‫ْ‬ ‫{‪}49‬‬
‫بكتاب من ِ‬
‫عند اللّه هو أهدى‬ ‫ٍ‬ ‫ملزماً لهم بذلك‪ُ { :‬ق ْل فأتوا‬ ‫هوى؟! قال تعالى ِ‬ ‫مجر ُد ً‬
‫َّ‬
‫لغير ِهم‬
‫صادقين}‪ :‬وال سبيل لهم وال ِ‬‫َ‬ ‫منهما}؛ أي‪ :‬من التوراة والقرآن؛ {أتِّبِ ْعهُ إن كنتُم‬
‫وهدى‬ ‫فإنه ما طرق العالم منذ َخلَقَهُ اللّه مثل هذين الكتابين علماً‬ ‫أن يأتوا ِ‬
‫بمثل ِهما؛ َّ‬
‫ً‬
‫أن قال‪ :‬أنا مقصودي‬ ‫وبياناً ورحمةً للخلق‪ ،‬وهذا من كمال اإلنصاف من الداعي ْ‬
‫والرشد‪ ،‬وقد جئتُكم بهذا الكتاب المشتمل على ذلك الموافق لكتاب‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫الحق والهدى‬
‫هدى وحقًّا؛ ْ‬
‫فإن‬ ‫كونـهُما ً‬
‫باعهما من حيث ُ‬ ‫فيجب علينا جميعاً اإلذعان لهما واتِّ ُ‬
‫ُ‬ ‫موسى؛‬
‫هدى وحقًّا قد‬ ‫َّ‬
‫جئتُموني بكتاب من عند اللّه هو أهدى منهما؛ اتََّب ْعتُه‪ ،‬وإ ال؛ فال أترك ً‬
‫ٍّ‬
‫وحق‪.‬‬ ‫هدى‬
‫علمتُه لغير ً‬
‫{فاعلَ ْم َّأنما يتَّبِعون‬ ‫ٍ‬
‫بكتاب أهدى منهما‪ْ ،‬‬ ‫{‪{ }50‬فإن لم َي ْستَجيبوا لك}‪ :‬فلم يأتوا‬
‫هدى‪،‬‬
‫يعرفونه وال إلى ً‬ ‫حق ِ‬‫أن تر َكهم اتِّباعك ليسوا ذاهبين إلى ٍّ‬ ‫أهواءهم}؛ أي‪ :‬فاعلم َّ‬
‫هدى من اللّه}‪:‬‬
‫بغير ً‬
‫ُّ‬
‫أضل م َّـم ِن اتَّبع هواه ِ‬ ‫مجرد اتِّباع ألهوائِ ِهم‪{ .‬ومن‬ ‫وإ َّنما ذلك َّ‬
‫أضل الناس؛ حيث عرض عليه الهدى والصراطـ المستقيم الموصل إلى اللّه‬ ‫ِّ‬ ‫فهذا من‬
‫يلتفت إليه‪ ،‬ولم ُي ْقبِ ْل عليه‪ ،‬ودعاه هواه إلى سلوك الطرق‬
‫ْ‬ ‫وإ لى دار كرامتِ ِه؛ فلم‬
‫ُّ‬
‫أضل م َّـمن هذا وصفه؟!‬ ‫الموصلة إلى الهالك والشقاء‪ ،‬فاتَّبعه وترك الهدى؛ فهل ٌ‬
‫أحد‬
‫ضالل ِه وال‬
‫ِ‬ ‫للحق هو الذي أوجب له أن يبقى على‬ ‫وعدم محبته ِّ‬ ‫َ‬ ‫وعدوانه‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ولكن ظلمه‬
‫الظلم لهم‬
‫ُ‬ ‫{إن اللّه ال يهدي القوم الظالمين}؛ أي‪ :‬الذين صار‬ ‫يهديه اللّه؛ فلهذا قال‪َّ :‬‬
‫ض لهم الهوى فتبِعوه‪ُّ ،‬‬
‫سدوا‬ ‫وع َر َ‬‫والعناد لهم نعتاً‪ ،‬جاءهم الهدى فرفضوه‪َ ،‬‬‫ُ‬ ‫وصفاً‬
‫وسُبلَها؛ فهم في‬ ‫ِ‬
‫على أنفسهم أبواب الهداية وطُُرقَها‪ ،‬وفتحوا عليهم أبواب الغواية ُ‬
‫يترددون‪ ،‬وفي قوله‪{ :‬فإن لم َي ْستَجيبوا‬ ‫ِ‬
‫وهالك ِهم َّ‬ ‫غيِّهم وظلمهم يعمهون‪ ،‬وفي شقائِ ِهم‬
‫وذهب إلى‬
‫َ‬ ‫يستجب للرسول‪،‬‬
‫ْ‬ ‫أن َّ‬
‫كل َم ْن لم‬ ‫فاعلَ ْم َّأنما يتَّبِعون أهواءهم}‪ :‬دلي ٌل على َّ‬
‫لك ْ‬
‫هدى‪ ،‬وإ َّنما ذهب إلى هوى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مخالف لقول الرسول؛ َّ‬ ‫ٍ‬
‫يذهب إلى ً‬‫ْ‬ ‫فإنه لم‬ ‫قول‬

‫وأنزْلناه شيئاً فشيئاً‬


‫وواصْلناه َ‬
‫َ‬ ‫تاب ْعناه‬
‫القول}؛ أي‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫صْلنا لهم‬
‫{‪{ }51‬ولقد َو َّ‬
‫تتكر ُر عليهم آياتُهُ‪ِ ،‬‬
‫وتنز ُل عليهم بيناتُهُ‬ ‫رون}‪ :‬حين َّ‬ ‫رحمة بهم ولطفاً؛ {لعلَّهم َّ‬
‫يتذك َ‬
‫متفرقاً رحمةً بهم‪ِ ،‬فل َم اعترضوا بما هو من‬
‫وقت الحاجة إليها‪ ،‬فصار نزولُهُ ِّ‬
‫مصالحهم؟!‬

‫فصل في ِذ ْك ِر بعض الفوائد والعبر في هذه القصة العجيبة‬

‫يستفيد بها‬ ‫وأيامه في األمم السابقة َّإنما‬ ‫أن ِ‬ ‫فمنها‪َّ :‬‬


‫ُ‬ ‫وعبره َ‬‫َ‬ ‫آيات اللّه [تعالى]‬
‫يسوق‬
‫ُ‬ ‫وأن اللّه تعالى َّإنما‬
‫ويستنير المؤمنون؛ فعلى حسب إيمان العبد تكون عبرتُهُ‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫نور وهدى‪.‬‬
‫غيرهم؛ فال يعبأ اللّه بهم‪ ،‬وليس لهم منها ٌ‬
‫وأما ُ‬
‫القصص ألجلهم‪َّ ،‬‬
‫أسبابه‪ ،‬وأتى بها شيئاً فشيئاً بالتدريج‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن اللّه تعالى إذا أراد أمراً؛ هيأ َ‬
‫ال دفعة واحدة‪.‬‬

‫أن‬
‫بلغت‪ ،‬ال ينبغي لها ْ‬
‫األمة المستضعفة‪ ،‬ولو بلغت في الضعف ما ْ‬ ‫أن َّ‬‫ومنها‪َّ :‬‬
‫اإلياس من ارتقائها إلى أعلى األمور‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يستولي عليها الكس ُل عن ِ‬
‫طلب حقِّها‪ ،‬وال‬
‫األمة الضعيفة من‬
‫خصوصاً إذا كانوا مظلومين؛ كما استنقذ اللّه أمة بني إسرائيل َّ‬
‫ومكنهم في األرض‪ ،‬وملَّكهم بالدهم‪.‬‬
‫أسر فرعون وملئه‪َّ ،‬‬

‫تأخ ُذ حقَّها‪ ،‬وال تتكلَّم به ال يقوم لها‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬


‫أن األمة ما دامت ذليلةً مقهورةً‪ ،‬ال ُ‬
‫أمر دينها وال ُدنياها‪ ،‬وال يكون لها إمامةٌ فيه‪.‬‬
‫ُ‬
‫وتهوينهُ عليها المصيبةَ بالبشارة َّ‬
‫بأن اللّه [تعالى]‬ ‫ُ‬ ‫بأم موسى‬
‫ومنها‪ :‬لطف اللّه ِّ‬
‫ُّ‬
‫سيرد إليها ابنها‪ ،‬ويجعله من المرسلين‪.‬‬

‫المشاق ِلُينيلَه سروراً أعظم من ذلك‪ ،‬أو‬


‫ِّ‬ ‫بعض‬ ‫أن اللّه ِّ‬
‫يقد ُر على عبده َ‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫والهم البليغ الذي‬
‫َّ‬ ‫شرا أكثر منه؛ كما َّ‬
‫قدر على ِّأم موسى ذلك الحزن الشديد‬ ‫يدفع عنه ًّ‬
‫َ‬
‫عينها‪ ،‬وتزداد‬ ‫ُّ‬
‫تطمئن به نفسها‪ ،‬وتَقَُّر به ُ‬ ‫ابنها على ٍ‬
‫وجه‬ ‫هو وسيلةٌ إلى أن ي ِ‬
‫ص َل إليها ُ‬ ‫َ‬
‫به غبطةً وسروراً‪.‬‬
‫الخْل ِ‬
‫ق ال ُينافي اإليمان وال يزيلُه؛ كما جرى‬ ‫الطبيعي من َ‬
‫َّ‬ ‫ًومنها‪َّ :‬‬
‫أن الخوف‬
‫ألم موسى‪ ،‬ولموسى من تلك المخاوف‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ويتم به‬
‫يزيد به اإليمان‪ُّ ،‬‬
‫وأن من أعظم ما ُ‬ ‫أن اإليمان يزيد وينقص‪َّ ،‬‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫المقلقات؛ كما قال تعالى‪{ :‬لوال‬ ‫الصبر عند المزعجات‪ ،‬والتثبيت من اللّه عند‬ ‫اليقين؛‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫قلبها‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ويطمئن ُ‬ ‫إيمانها بذلك‪،‬‬
‫المؤمنين}؛ أي‪ :‬ليزداد ُ‬
‫َ‬ ‫طنا على قلبِها ل َ‬
‫تكون من‬ ‫أن َرَب ْ‬
‫تثبيت‬
‫ُ‬ ‫أمور ِه‬ ‫ٍ‬
‫معونة للعبد على ِ‬ ‫عبد ِه وأعظم‬
‫أن من أعظم نعم اللّه على ِ‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫فإنه بذلك َّ‬
‫يتمكن من‬ ‫ِ‬
‫المذهلة؛ َّ‬ ‫جأش ِه وقلبِ ِه عند المخاوف وعند األمور‬
‫اللّه َّإياه وربطُ ِ‬
‫وانزعاجه؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫ُ‬ ‫استمر قلقُه وروعه‬
‫َّ‬ ‫القول الصوابـ والفعل الصواب؛ـ بخالف من‬
‫ويذه ُل عقلُه؛ فال ينتفعُ بنفسه في تلك الحال‪.‬‬
‫فكره‪َ ،‬‬
‫يضيع ُ‬
‫بد منه؛ َّ‬
‫فإنه ال‬ ‫ووعد اللّه ناف ٌذ ال َّ‬
‫َ‬ ‫ف َّ‬
‫أن القضاء والقدر‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن العبد ولو َع َر َ‬
‫ُم َر بها‪ ،‬وال يكون ذلك منافياً إليمانِ ِه بخبر اللّه؛ َّ‬
‫فإن اللّه قد‬ ‫يهمل فعل األسباب التي أ ِ‬
‫وأرسلت أختَه لتقُصَّه‬
‫ْ‬ ‫يرده عليها‪ ،‬ومع ذلك اجتهدت في ِّ‬
‫رده‪،‬‬ ‫وعد َّأم موسى أن َّ‬
‫وتطلَُبه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محذور‬ ‫المرأة في حوائِ ِجها وتكليمها للرجال من غير‬
‫ِ‬ ‫ومنها‪ :‬جواز خروج‬
‫مدين‪.‬‬
‫كما جرى ألخت موسى وابنتي صاحب َ‬
‫جواز أخذ األجرة على الكفالة والرضاع والداللة على من يفع ُل ذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬

‫أن اللّه من رحمته بعبده الضعيف الذي يريد إكرامه أن ُي ِرَيهُ من آياتِ ِه‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن وعد اللّه‬‫لتعلم َّ‬
‫أمه؛ َ‬ ‫رد اللّه موسى على ِّ‬ ‫وي ْش ِه َدهُ من بيِّناتِ ِه ما ُ‬
‫يزيد به إيمانه؛ كما َّ‬ ‫ُ‬
‫ٌّ‬
‫حق‪.‬‬

‫يجوز؛ َّ‬
‫فإن موسى عليه‬ ‫ٍ‬
‫عرف ال ُ‬ ‫عهد ٍ‬
‫بعقد أو‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن قتل الكافر الذي له ٌ‬
‫القبطي الكافر ذنباً‪ ،‬واستغفر اللّه منه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫السالم َع َّد قتلَه‬
‫يعد من الجبارين الذين ِ‬
‫يفسدون في‬ ‫حق؛ ُّ‬
‫أن الذي يقتُ ُل النفوس بغير ٍّ‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫األرض‪.‬‬
‫أن من قتل النفوس بغير ٍّ‬
‫حق‪ ،‬وزعم َّأنه يريد اإلصالح في األرض‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫القبطي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫مفسد؛ كما حكى اللّه قو َل‬
‫ٌ‬ ‫كاذب في ذلك‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬ ‫وتهييب أهل المعاصي؛ َّ‬
‫فإنه‬
‫تكون من المصلحين}‪ :‬على‬ ‫َ‬ ‫تريد أن‬
‫جباراً في األرض وما ُ‬ ‫تكون َّ‬
‫َ‬ ‫تريد إالَّ أن‬
‫{إن ُ‬
‫وجه التقرير له ال اإلنكار‪.‬‬

‫شر يقع‬ ‫ِ‬


‫التحذير له من ٍّ‬ ‫الرجل غيره بما قيل فيه على ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬ ‫إخبار‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يكون واجباً؛ كما أخبر ذلك الرج ُل لموسى ناصحاً له‬
‫يكون ذلك نميمةً‪ ،‬بل قد ُ‬
‫فيه؛ ال ُ‬
‫ومحذراً‪.‬‬

‫بيد ِه إلى التَّهلكة‪،‬‬


‫فإنه ال يلقي ِ‬ ‫ومنها‪َّ :‬أنه إذا خاف القتل والتَّلَ َ‬
‫ف في اإلقامة؛ َّ‬
‫يذهب عنه كما فعل موسى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وال يستسلم لذلك‪ ،‬بل‬
‫ومنها‪َّ :‬أنه عند تزاحم المفسدتين؛ إذا كان ال َّ‬
‫بد من ارتكاب إحداهما؛ َّ‬
‫فإنه‬
‫األمر بين بقائِ ِه في مصر َّ‬
‫ولكنه‬ ‫أن موسى لما دار ُ‬ ‫َّ‬
‫األخف منهما األسلم؛ كما َّ‬ ‫يرتكب‬
‫ُ‬
‫يذهب إلى بعض البلدان البعيدة التي ال َي ْع ِر ُ‬
‫ف الطريق إليها‪ ،‬وليس معه‬ ‫(‪)1‬‬
‫ُيقتل‪ ،‬أو‬
‫دلي ٌل يدلُّه (‪ )2‬غير ربِّه‪ ،‬ولكن هذه الحالة أرجى (‪ )3‬للسالمة من األولى‪ ،‬فتبِ َعها موسى‪.‬‬

‫أحد‬
‫عنده ُ‬ ‫أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلُّم فيه إذا لم َّ‬
‫يترج ْح َ‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫يقص َد بقلبِ ِه‬
‫ربه‪ ،‬ويسألُه أن يـه ِديه الصوابـ من القولين بعد أن ِ‬
‫ََْ‬ ‫فإنه يستهدي َّ‬ ‫القولين؛ َّ‬
‫مدين‪،‬‬
‫تلقاء َ‬
‫يخيب من هذه حالُه؛ كما خرج موسى َ‬ ‫ُ‬ ‫فإن اللّه ال‬ ‫َّ‬
‫الحق ويبحث عنه؛ َّ‬
‫ربـي أن َي ْـه ِدَيني سواء السبيل}‪.‬‬
‫فقال‪{ :‬عسى ِّ‬

‫ومن ال َي ْع ِر ُ‬
‫ف من‬ ‫ف َ‬‫يع ِر ُ‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن الرحمة بالخلق واإلحسان على َمن ْ‬
‫أخالق األنبياء‪َّ ،‬‬
‫وأن من اإلحسان سقي الماشية الماء وإ عانة العاجز‪.‬‬

‫ألنه‬ ‫ِ‬
‫وشرحها‪ ،‬ولو كان اللّه عالماً بها؛ َّ‬ ‫ومنها‪ :‬استحباب الدعاء بتبيين الحال‬
‫أنزلت‬
‫َ‬ ‫تضرع عبده وإ ظهار ُذلِّه ومسكنتِ ِه؛ كما قال موسى‪ِّ :‬‬
‫{رب ِّإنـي لما‬ ‫تعالى ُّ‬
‫يحب ُّ‬
‫فقير}‪.‬‬
‫خير ٌ‬‫ـي من ٍ‬
‫إل َّ‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن الحياء ـ خصوصاً من الكرام ـ من األخالق الممدوحة‪.‬‬

‫دأب األمم السابقين‪.‬‬


‫ومنها‪ :‬المكافأة على اإلحسان لم يزل َ‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن العبد إذا فعل العمل للّه تعالى‪ ،‬ثم حصل له مكافأةٌ عليه من غير‬
‫ٍ‬
‫قصد بالقصد األول؛ َّ‬
‫فإنه (‪ )4‬ال ُيالم على ذلك؛ كما قبل موسى مجازاة صاحب مدين‬
‫يستشرف بقلبِ ِه على عوض‪.‬‬
‫ْ‬ ‫يبتغ له‪ ،‬ولم‬
‫عن معروفه الذي لم ِ‬
‫وأنها تجوز على رعاية الغنم ونحوها مما ال ُيقَ َّد ُر‬
‫مشروعية اإلجارة‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫به العمل‪ ،‬وإ َّنما مرده العرف‪.‬‬

‫ومنها‪َّ :‬أنه تجوز اإلجارة بالمنفعة‪ ،‬ولو كانت المنفعة بضعاً‪.‬‬

‫أن خطبة الرجل البنته الرجل الذي َّ‬


‫يتخيره ال يالم عليه‪.‬‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬و»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬دليل له»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬أقرب»‪.‬‬
‫‪ - 4‬في (ب)‪« :‬أنه»‪.‬‬
‫يكون ًّ‬
‫قويا أميناً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أن خير ٍ‬
‫أجير وعامل يعمل لإلنسان أن‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫وخادم ِه‪ ،‬وال ُّ‬
‫يشق عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِّن ُخلُقَه ألجيره‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن من مكارم األخالق أن ُي َحس َ‬
‫أشق عليك ستَ ِج ُدني إن شاء اللّه من الصالحين}‪.‬‬
‫أن َّ‬
‫أريد ْ‬
‫بالعمل؛ لقوله‪{ :‬وما ُ‬
‫ٍ‬
‫إشهاد؛ لقوله‪{ :‬واللّه‬ ‫ِ‬
‫وغيرها من العقود من دون‬ ‫جواز عقد اإلجارة‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫على ما نقو ُل وكي ٌل}‪.‬‬
‫ِ‬
‫والمعجزات الظاهرة‬ ‫ِ‬
‫البينات‬ ‫ومنها‪ :‬ما أجرى اللّه على ِيد موسى من اآليات‬
‫ِ‬
‫عصمة اللّه لموسى وهارون من‬ ‫بيضاء من غير سوء ومن‬ ‫من َّ‬
‫الحية وانقالب يده‬
‫َ‬
‫فرعون ومن الغرق‪.‬‬

‫الشر‪ ،‬وذلك بحسب‬


‫اإلنسان إماماً في ِّ‬
‫ُ‬ ‫أن من أعظم العقوبات أن يكون‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن من أعظم ٍ‬
‫نعمة أنعم اللّه بها على عبده‪ ،‬أن‬ ‫آليات اللّه وبيناتِ ِه؛ كما َّ‬
‫ِ‬ ‫معارضتِ ِه‬
‫يجعله إماماً في الخير هادياً ًّ‬
‫مهديا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد (ص)؛ حيث أخبر بذلك تفصيالً‬ ‫ومنها‪ :‬ما فيها من الداللة على رسالة‬
‫َّ‬
‫الحق المبين‪ ،‬من غير‬ ‫مطابقاً وتأصيالً موافقاً قصَّه قصًّا َّ‬
‫صدق به المرسلين َّ‬
‫وأيد به‬
‫مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫حضور شيء من تلك الوقائع‪ ،‬وال‬
‫أحد من أهل العلم‪ ،‬إن هو إالَّ‬
‫مجالسة ٍ‬
‫ِ‬ ‫تالو ٍة َد َر َس فيها شيئاً من هذه األمور‪ ،‬وال‬
‫ْ‬
‫رسالةُ الرحيم الرحمن‪ ،‬ووحي أنزله عليه الكريم المنان؛ ِ‬
‫لينذ َر به قوماً جاهلين‪ ،‬وعن‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫خبر ِه ينبىء أنه رسو ُل‬
‫مجر ُد ِ‬
‫وسالمه على َم ْن َّ‬
‫ُ‬ ‫الن ُذ ِر والرسل غافلين؛ فصلوات اللّه‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ق على‬ ‫أمر ِه ونهيِه ينبِّه العقول النيِّرة َّأنه من عند اللّه؛ كيف وقد َ‬
‫تطاب َ‬ ‫ومجر ُد ِ‬
‫َّ‬ ‫اللّه‪،‬‬
‫األولين واآلخرين‪ ،‬والشرعُ الذي جاء به من ِّ‬
‫رب‬ ‫خبر َّ‬ ‫ِِ‬
‫صحة ما جاء به وصدقه‪ُ ،‬‬
‫العالمين‪ ،‬وما ُجبِ َل عليه من األخالق الفاضلة التي ال تُناسب وال تصلح إال ألعلى‬
‫وفتحت‬
‫ْ‬ ‫مبلغ الليل والنهار‪،‬‬
‫دينه َ‬ ‫لدينه وأمتِ ِه‪ ،‬حتى َ‬
‫بلغ ُ‬ ‫ق درجةً‪ ،‬والنصر المبين ِ‬ ‫الخل ِ‬
‫األمم‬ ‫ِ‬
‫أمتُه معظم بلدان األمصار بالسيف والسنان وقلوبهم بالعلم واإليمان‪ ،‬ولم تزل ُ‬
‫المكايد وتم ُك ُر‬
‫َ‬ ‫وتكيد له‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‬ ‫ِ‬
‫المتعاض َدةُ ترميه بقوس‬ ‫ك الكفرةُ‬
‫المعاندةُ والملو ُ‬
‫وعالها‪ ،‬ال يزداد إالَّ ًّ‬
‫نموا‪ ،‬وال‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫إلطفائه وإ خفائه وإ خماده من األرض‪ ،‬وهو قد َبـهَ َرها َ‬
‫وكل وقت من األوقات يظهر من آياته ما هو عبرة‬ ‫آياته وبراهينه إال ظهوراً‪ُّ ،‬‬
‫للعالَمين‪ ،‬وهداية ِ‬
‫للعالـمين‪ ،‬ونوراً وبصيرة للمتوسِّمين‪ .‬والحمد للّه وحده‪.‬‬

‫ﭮ‬ ‫ﭽﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫)‪. (1‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ‬
‫{‪ }52‬يذكر تعالى عظمةَ القرآن وصدقَه وحقَّه‪َّ ،‬‬
‫وأن أهل العلم بالحقيقة‬
‫قبل ِه}‪:‬‬
‫الحق‪ ،‬فقال‪{ :‬الذين آتَْيناهم الكتاب من ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ويقرون بأنه‬
‫ويؤمنون به‪ُّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫يعرفونه‪،‬‬
‫يبدلوا‪{ ،‬هم به}؛ أي‪ :‬بهذا القرآن‬ ‫وهم أه ُل التوراة واإلنجيل‪ ،‬الذين لم يغيِّروا ولم ِّ‬
‫ومن جاء به {يؤمنون}‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الحق من‬ ‫آمنا به َّإنه‬
‫{‪{ }53‬وإ ذا ُي ْتلى عليهم}‪ :‬استمعوا له وأ ْذعنوا‪ ،‬و{قالوا َّ‬
‫واشتمال ِه على‬
‫ِ‬ ‫ربِّنا}‪ :‬لموافقتِ ِه ما جاءت به الرسل‪ ،‬ومطابقتِ ِه لما ُذ ِك َر في الكتب‪،‬‬
‫تفيد‬
‫األخبار الصادقة واألوامر والنواهي الموافقة لغاية الحكمة‪ ،‬وهؤالء الذين ُ‬
‫ألنهم ال يقولون ما يقولون إالَّ عن علم وبصير ٍة؛ َّ‬
‫ألنهم أه ُل‬ ‫شهادتُهم وينفعُ قولُهم؛ َّ‬
‫شبهة فضالً عن‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫للحق على‬ ‫ردهم ومعارضتُهم‬ ‫الخبرة وأه ُل الكتب‪ ،‬وغيرهم ال ُّ‬
‫يدل ُّ‬
‫آمنوا به أو ال‬ ‫{قل ِ‬ ‫معاند ِّ‬
‫للحق؛ قال تعالى‪ْ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ألنهم ما بين جاهل فيه أو متجاهل‬‫الحجة؛ َّ‬
‫َّ‬
‫قبل ِه إذا ُي ْتلى عليهم َي ِخ ُّرون لألذقان ُس َّجداً‪ }...‬اآليات‪،‬‬
‫إن الذين أوتوا العلم من ِ‬ ‫تُ ْؤ ِمنوا َّ‬
‫من اللّه به علينا من‬ ‫قبل ِه [مسلمين]} (‪ :)2‬فلذلك ثبتنا على ما َّ‬‫{إنا ُكَّنا من ِ‬
‫وقوله‪َّ :‬‬
‫ينقض‬
‫ُ‬ ‫وغيرنا‬‫األول والكتاب اآلخر‪ُ ،‬‬ ‫آمنا بالكتاب َّ‬‫اإليمان‪ ،‬فصدقنا بهذا القرآن‪َّ ،‬‬
‫إيمانه بالكتاب األول‪.‬‬
‫تكذيبه بهذا الكتاب َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫مرتين}‪ :‬أجراً على‬ ‫أج َـر ُهم‬
‫{‪{ }54‬أولئك}‪ :‬الذين آمنوا بالكتابين {يؤتَ ْون ْ‬
‫صَبروا}‪ :‬على اإليمان‪ ،‬وثبتوا على‬
‫األول‪ ،‬وأجراً على اإليمان الثاني؛ {بما َ‬
‫اإليمان َّ‬
‫العمل‪ ،‬فلم تَُز ْع ِز ْعهم (‪ )3‬عن ذلك شبهةٌ‪ ،‬وال ثناهم عن اإليمان رياسةٌ وال شهوة‪{ .‬و}‬
‫ِ‬
‫بالحسنة‬ ‫{يدرؤون‬ ‫من خصالهم الفاضلة التي هي من آثار إيمانِ ِهم الصحيح َّأنهم‬
‫َ‬

‫‪ - 1‬في النسختين‪« :‬مؤمنين»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في النسختين‪« :‬مؤمنين»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬يزعزعهم»‪.‬‬
‫لكل ٍ‬
‫أحد‪ ،‬حتى للمسيء إليهم بالقول والفعل؛‬ ‫السيئةَ}؛ أي‪ :‬دأبهم وطريقتُهم اإلحسان ِّ‬
‫وأنه ال يوفَّق‬ ‫لونه بالقول الحميد والفعل الجميل؛ ِ‬
‫لعلم ِهم بفضيلة هذا الخلق العظيم‪َّ ،‬‬ ‫يقابِ َ‬
‫له إالَّ ذو حظ عظيم‪.‬‬

‫{‪{ }55‬وإ ذا سمعوا اللغو}‪ :‬من جاهل خاطبهم به‪{ ،‬قالوا}‪ :‬مقالة عباد الرحمن‬
‫كل سيجازى بعمله الذي َع ِملَه وحده‪،‬‬‫أولي األلباب‪{ :‬لنا أعمالُنا ولكم أعمالُكم}؛ أي‪ٌّ :‬‬
‫شيء‪ ،‬ولزم من ذلك أنهم يتبرؤون مما عليه الجاهلون من‬ ‫ٌ‬ ‫ليس عليه من ِ‬
‫وزر غيره‬
‫منا إالَّ‬
‫{سالم عليكم}؛ أي‪ :‬ال تسمعون َّ‬ ‫اللغو والباطل والكالم الذي ال فائدة فيه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫المرتع اللئيم؛‬ ‫فإنكم وإ ن رضيتُم ِ‬
‫ألنفسكم هذا‬ ‫الخير‪ ،‬وال نخاطبكم بمقتضى جهلكم؛ َّ‬
‫َ‬
‫كل ٍ‬
‫وجه‪.‬‬ ‫ونصونها عن الخوض فيه‪{ ،‬ال نبتغي الجاهلين}‪ :‬من ِّ‬ ‫أنفسنا عنه‬ ‫فإنا ِّ‬
‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ننزهُ َ‬
‫‪.‬‬ ‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ‬ ‫ﭽﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫محمد ـ وغيرك من باب أولى ـ ال ِ‬
‫تقد ُر على هداية‬ ‫ُ‬ ‫{‪ }56‬يخبر تعالى َّأنك يا‬
‫ُ‬
‫غير مقدور للخلق؛ هداية التوفيق‬ ‫أحب الناس إليك؛ َّ‬ ‫ٍ‬
‫أحد‪ ،‬ولو كان من ِّ‬
‫أمر ُ‬
‫فإن هذا ٌ‬
‫وخلق اإليمان في القلب‪ ،‬وإ َّنما ذلك بيد اللّه تعالى؛ يهدي َم ْن يشاء وهو أعلم بِ َم ْن‬
‫إثبات الهداية‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫صلُ ُح لها فيبقيه على ضالله‪َّ .‬‬‫صلُ ُح للهداية فيهديه م َّـمن ال َي ْ‬
‫َي ْ‬
‫ٍ‬
‫صراط مستقيم}‪ :‬فتلك هدايةُ البيان‬ ‫للرسول في قوله تعالى‪{ :‬وإ َّنك لَتَهدي إلى‬
‫جهده في سلوك‬ ‫ويرغب فيه‪ ،‬ويبذ ُل َ‬ ‫ِّ‬ ‫يبيـن الصراط المستقيم‪،‬‬‫واإلرشاد؛ فالرسو ُل ِّ‬
‫ق في قلوبهم اإليمان‪ ،‬ويوفِّقُهم بالفعل؛ فحاشا وكالَّ‪ ،‬ولهذا لو‬
‫كونهُ يخلُ ُ‬
‫ق له‪ ،‬وأما ُ‬‫الخل ِ‬
‫عمه أبا‬
‫وم ْن ُعهُ من قومه؛ َّ‬
‫ونصره َ‬
‫ُ‬ ‫إحسانه‬
‫ُ‬ ‫كان قادراً عليها؛ لهدى من وصل إليه‬
‫التام ما هو أعظم مما‬ ‫طالب‪َّ ،‬‬
‫ولكنه أوصل إليه من اإلحسان بالدعوة له للدين والنصح ِّ‬
‫عمه‪َّ ،‬‬
‫ولكن الهداية بيد اللّه‪.‬‬ ‫فعله معه ُّ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬ ‫ﯯ‬
‫ﰃ ﭼ‪.‬‬

‫ِّ‬
‫المكذبين من قريش وأهل مكة يقولون للرسول (ص)‪:‬‬ ‫{‪ }57‬يخبر تعالى َّ‬
‫أن‬
‫ف من ِ‬ ‫ك نتَ َخ َّ‬
‫أرضنا}‪ :‬بالقتل واألسر ونهب األموال؛ َّ‬
‫فإن الناس‬ ‫ط ْ‬ ‫{إن َنتَّبِ ِع الهُدى مع َ ُ‬
‫ضنا لمعاداة الناس كلِّهم‪ ،‬ولم يكن لنا بهم‬
‫لتعر ْ‬
‫عاد ْوك وخالَفوك؛ فلو تابعناك؛ َّ‬
‫قد َ‬
‫دينه وال ُيعلي‬
‫ينصر َ‬ ‫وأنه ال‬ ‫طاقةٌ‪ .‬وهذا الكالم منهم ُّ‬
‫يدل على سو ِء ِّ‬
‫الظن باللّه تعالى‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫الباطل‬ ‫الناس من أهل دينه‪ ،‬فيسومونهم سوء العذاب‪ُّ ،‬‬
‫وظنوا َّ‬
‫أن‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫كلمتَه‪ ،‬بل يمك ُن َ‬
‫وأن اللّه اختصَّهم بها‪،‬‬ ‫سيعلو على ِّ‬
‫الحق‪ .‬قال اللّه مبيناً لهم حالةً هم بها دون الناس َّ‬
‫كل ٍ‬
‫شيء رزقاً من لَ ُدَّنا}؛ أي‪ :‬أولم‬ ‫ثمرات ِّ‬
‫ُ‬ ‫فقال‪{ :‬أولم ِّ‬
‫نمكن لهم حرماً آمناً ُي ْـجبى إليه‬
‫ويقصده الزائرون‪،‬ـ قد احترمه‬‫ُ‬ ‫متمكنين ُم َـم َّكنين في حرم يكثره المنتابون‬
‫نجعْلهم ِّ‬
‫أن َّ‬
‫كل ما‬ ‫القريب والبعيد؛ فال ُيهاج أهلُه‪ ،‬وال ُي ْنتَقَصون بقليل وال كثير‪ ،‬والحا ُل َّ‬
‫ُ‬
‫غير آمنين وال‬ ‫ِّ‬ ‫حولهم من األماكن قد َح َّ‬
‫ف بها الخوف من كل جانب‪ ،‬وأهلُها ُ‬
‫غيرهم‪ ،‬وعلى الرزق‬
‫التام الذي ليس فيه ُ‬
‫ربهم على هذا األمن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫مطمئنين؛ َفْلَي ْح َمدوا َّ‬
‫كل مكان من الثمرات واألطعمة والبضائع ما به‬ ‫الكثير الذي ُي ْـجبى إليهم من ِّ‬
‫والرغد‪ ،‬وإ ياهم‬
‫ُ‬ ‫األمن‬
‫ُ‬ ‫يرتزقون ويتوسَّعون‪ ،‬وْلَيتَّبِعوا هذا الرسو َل الكريم؛ ِلَيتِ َّم لهم‬
‫عزهم ُذالًّ‪ ،‬وبعد غناهم‬‫أمنِهم خوفاً‪ ،‬وبعد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫والبطر بنعمة اللّه؛ َّ‬
‫فيبدلوا من بعد ْ‬ ‫َ‬ ‫وتكذيبه‬
‫َ‬
‫فقراً‪.‬‬

‫قرية َب ِط َر ْ‬
‫ت‬ ‫أهلَ ْكنا من ٍ‬
‫توعدهم بما فعل باألمم قبلَهم‪ ،‬فقال‪{ :‬وكم ْ‬‫{‪ }58‬ولهذا َّ‬
‫واشتغلت بها عن اإليمان بالرسل‪ ،‬فأهلكهم اللّه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فخرت بها وألهتها‬
‫ْ‬ ‫معي َشتَها}؛ أي‪:‬‬
‫بعد ِهم إالَّ قليالً}؛‬
‫مساكُنهم لم تُس َكن من ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وأحل بهم النقمة‪{ ،‬فتلك‬ ‫وأزال عنهم النعمةَ‪،‬‬
‫الوارثين}‪ :‬للعباد؛‬
‫َ‬ ‫لتوالي الهالك والتَّلف عليهم وإ يحاشها من بعدهم‪{ ،‬و ُكَّنا نحن‬
‫نميتُهم ثم ير ِجعُ إلينا جميعُ ما متَّ ْعناهم به من النعم‪ ،‬ثم ُ‬
‫نعيدهم إلينا‪ ،‬فنجازيهم‬ ‫(‪)1‬‬

‫بأعمالهم‪.‬‬
‫كفرهم قبل ِ‬
‫إقامة َّ‬
‫الحجة‬ ‫بمجر ِد ِ‬
‫األمم َّ‬ ‫ِّ‬
‫أن ال يعذب َ‬ ‫{‪ }59‬ومن حكمتِ ِه ورحمتِ ِه ْ‬
‫ك القرى}؛ أي‪ِ :‬‬
‫بكفرهم‬ ‫ربك ُم ْهِل َ‬
‫عليهم بإرسال الرسل إليهم‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وما كان ُّ‬
‫أمها}؛ أي‪ :‬في القرية والمدينة التي إليها َي ْر ِجعون‪ ،‬ونحوها‬ ‫ث في ِّ‬ ‫ِ‬
‫وظلمهم؛ {حتى َي ْب َع َ‬
‫يترددون‪ ،‬وك ُّـل ما حولها ينتَ ِجعها‪ ،‬وال تَ ْـخفى عليه أخبارها‪{ ،‬رسوالً يتلو عليهم‬ ‫َّ‬
‫ق ما دعاهم إليه‪ ،‬فيبلغُ قولُه ِ‬
‫قاصَيهم‬ ‫آياتِنا}‪ :‬الدالَّة على َّ‬
‫صحة ما جاء به ِ‬
‫وص ْد ِ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ترجع»‪.‬‬


‫فإن ذلك َّ‬
‫مظنة‬ ‫ودانَِيهم؛ بخالف بعث الرسل في القرى البعيدة واألطراف النائية؛ َّ‬
‫مظنة الظُّهور واالنتشار‪ ،‬وفي الغالب َّأنهم ُّ‬
‫أقل جفاء‬ ‫األمهات َّ‬
‫الخفاء والجفاء‪ ،‬والمدن َّ‬
‫ظالمون}‪ :‬بالكفر والمعاصي‪،‬‬
‫َ‬ ‫{وما ُكَّنا ُم ْهِلكي القُرى إالَّ وأهلُها‬
‫من غيرهم‪َ ،‬‬
‫الحج ِة عليه‪.‬‬ ‫يعذب أحداً إال بظُْلمه وإ ِ‬
‫قامة َّ‬ ‫أن اللّه ال ِّ‬
‫مستحقُّون للعقوبة‪ .‬والحاص ُل َّ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﭩ‬
‫الدنيا وعدم االغترار بها‪،‬‬ ‫الزهد في ُّ‬ ‫لعباد ِه على ُّ‬
‫حض منه تعالى ِ‬ ‫{‪ }60‬هذا ٌّ‬
‫أن جميع ما‬ ‫ومطلوبه‪ ،‬ويخبِ ُرهم َّ‬ ‫مقصود ِ‬
‫العبد‬ ‫َ‬ ‫وعلى الرغبة في األخرى وجعلها‬
‫َ‬
‫الخلق من الذهب والفضة والحيوانات واألمتعة والنساء والبنين والمآكل‬ ‫ُ‬ ‫أوتيه‬
‫ِ‬
‫الحياة الدنيا وزينتُها؛ أي‪ُ :‬يتَ َمتَّع به وقتاً قصيراً متاعاً‬ ‫والمشارب َّ‬
‫واللذات كلِّها متاعُ‬
‫َّ‬
‫ويتزين به زماناً يسيراً للفخر‬ ‫بالغصص‪،‬‬ ‫بالمنغصات ممزوجاً ُ‬ ‫ِّ‬ ‫محشوا‬
‫ًّ‬ ‫قاصراً‬
‫صاحبه منه إالَّ الحسرةَ‬
‫ُ‬ ‫يستفد‬
‫ْ‬ ‫والرياء‪ ،‬ثم يزو ُل ذلك سريعاً‪ ،‬وينقضي جميعاً‪ ،‬ولم‬
‫{خير‬ ‫والندم والخيبةَ والحرمان‪{ ،‬وما َ ِ‬
‫عند اللّه}‪ :‬من النعيم المقيم والعيش السليم ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تعقلون}؛‬ ‫ومستمر سرمداً‪{ ،‬أفال‬ ‫دائم أبداً‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫وأبقى}؛ أي‪ :‬أفض ُل في وصفه وكميِّته‪ ،‬وهو ٌ‬
‫وأي الدارين ُّ‬
‫أحق‬ ‫أي األمرين أولى باإليثار؟! ُّ‬ ‫أي‪ :‬أفال تكون لكم عقو ٌل بها تَ ِزنون؛ ُّ‬
‫أحد‬
‫وأنه ما آثََر ٌ‬ ‫للعمل لها؟! فدل ذلك أنه بحسب عقل العبد ُي ْؤثِ ُر األخرى على ُّ‬
‫الدنيا‪َّ ،‬‬
‫الدنيا إالَّ لنقص في عقله‪.‬‬
‫ُّ‬

‫الدنيا ومؤثِ ِر اآلخرة‪،‬‬‫{‪ }61‬ولهذا َّنبه العقول على الموازنة بين عاقبة مؤثِ ِر ُّ‬
‫ساع لآلخرة‬ ‫مؤمن‪ٍ ،‬‬‫ٌ‬ ‫القيه}؛ أي‪ :‬هل يستوي‬ ‫فقال‪{ :‬أفَمن وع ْدناه وعداً حسناً فهو ِ‬
‫َ َ َ‬
‫الجنة وما فيها من النعيم‬ ‫وعد ربِّه له بالثواب الحسن الذي هو َّ‬ ‫سعيها‪ ،‬قد ع ِم َل على ِ‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫ق الـوع ِـد ال‬
‫وعد من كريم صاد ِ‬ ‫ألنه ٌ‬‫شك وال ارتياب؛ َّ‬ ‫العظيم؛ فهو القيه من غير ٍّ‬

‫طه؛ {كمن متَّ ْعناه َ‬


‫متاع الحياة ُّ‬
‫الدنيا} فهو‬ ‫ب َس َخ َ‬ ‫لعبد قام بمرضاتِ ِه َ‬
‫وجان َ‬
‫ف الميعاد ٍ‬ ‫ُي ْـخِل ُ‬
‫بدنياه عن‬ ‫يأخ ُذ فيها ويعطي‪ ،‬ويأكل ويشرب‪ ،‬ويتمتَّع كما تتمتَّع البهائم‪ ،‬قد اشتغل ُ‬ ‫ُ‬
‫ـزود‬
‫ينقد للمرسلين؛ فهو ال يزال كذلـك؛ ال يت َّ‬ ‫يرفع بهدى اللّه رأساً‪ ،‬ولم ْ‬ ‫ْ‬ ‫آخرته‪ ،‬ولم‬
‫ضرين}‪ :‬للحساب‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫من ُدنياه إال الخسار والهالك‪{ .‬ثم هو يوم القيامة من ال ُـم ْح َ‬
‫يضره‪ ،‬وانتقل إلى دار [الجزاء‬ ‫قدم جميع ما ُّ‬ ‫ُعِل َم َّأنه لم ِّ‬
‫يقد ْم خيراً لنفسه‪ ،‬وإ َّنما َّ‬
‫ِ‬
‫فليختر العاق ُل‬ ‫تحسبون ما يصنعُ به؟!‬
‫َ‬ ‫باألعمال]؛ فما ُّ‬
‫ظنكم إالم يصير إليه؟! وما‬
‫ُّ‬
‫وأحق األمرين باإليثار‪.‬‬ ‫لنفسه ما هو أولى باالختيار‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ﭽﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﮞ‬ ‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ‬ ‫ﮉﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮟ‬
‫إخبار من اللّه تعالى عما يسأل عنه الخالئق يوم القيامة‪َّ ،‬‬
‫وأنه‬ ‫{‪ 62‬ـ ‪ }63‬هذا ٌ‬
‫يسألهم عن أصول األشياء؛ عن عبادة اللّه‪ ،‬وإ جابة رسله‪ ،‬فقال‪{ :‬ويوم يناديهم}؛ أي‪:‬‬
‫ودفع الضرر عنهم‪ ،‬فيناديهم‬ ‫َ‬ ‫نفعهم‬
‫دونهم ويرجون َ‬ ‫يعب َ‬
‫ينادي َم ْن أشركوا به شركاء ُ‬
‫ك‪ ،‬ولكن ذلك‬ ‫ليبيـِّ َن لهم عجزها وضاللهم‪{ ،‬فيقو ُل أين شركائِ َي}‪ :‬وليس للّه شري ٌ‬
‫مون}‪ :‬فأين هم بذواتِ ِهم؟! وأين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحسب زعم ِهم وافترائ ِهم‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬الذين كنتم ُ‬
‫تزع َ‬
‫دفعهم؟! ومن المعلوم َّأنهم يتبيـَّن لهم في تلك الحال َّ‬
‫أن الذي عبدوه‬ ‫نفعهم؟! وأين ُ‬ ‫ُ‬
‫فيقرون على أنفسهم َّ‬
‫بالضاللة‬ ‫مضمحل في ذاته وما رجوا منه‪ُّ ،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ورج ْوه باط ٌل‬
‫َ‬
‫والشر؛‬
‫ِّ‬ ‫حق عليهم القو ُل}‪ :‬من الرؤساء والقادة في الكفر‬ ‫والغواية‪ ،‬ولهذا {قال الذين َّ‬
‫أغ َو ْيناهم كما‬
‫أغ َو ْينا ْ‬
‫{ربنا هؤالء}‪ :‬التابعون {الذين ْ‬ ‫مقرين بغوايتهم وإ غوائهم‪َّ :‬‬
‫ِّ‬
‫ك}‪ :‬من‬ ‫{تبرأنا إلي َ‬
‫وحق عليه كلمةُ العذاب‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َغو ْينا}؛ أي‪ :‬كلنا قد اشترك في ِ‬
‫الغواية‬ ‫َ‬
‫دون}‪ :‬وإ َّنما كانوا‬
‫برآء منهم ومن عملهم‪{ .‬ما كانوا َّإيانا َي ْعُب َ‬
‫عبادتهم؛ أي‪ :‬نحن ُ‬
‫يعبدون الشياطين‪.‬‬
‫ُ‬
‫أملتْم فيهم من النفع‪ ،‬فأ ِ‬
‫ُمروا‬ ‫شركاءكم}‪ :‬على ما َّ‬ ‫{اد ُعوا‬
‫{‪{ }64‬وقيل} لهم‪ْ :‬‬
‫َ‬
‫{فد َع ْوهم}‪:‬‬
‫العابد إلى َم ْن َعَب َده‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫يضطر فيه‬
‫ُّ‬ ‫بدعائهم في ذلك الوقت الحرج الذي‬
‫لينفعوهم أو يدفعوا عنهم من عذاب اللّه من شيء‪{ ،‬فلم يستجيبوا لهم}‪ :‬فعلم الذين‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫سيحل بهم عياناً‬ ‫العذاب}‪ :‬الذي‬
‫َ‬ ‫كفروا َّأنهم كانوا كاذبين مستحقين للعقوبة‪َ ،‬‬
‫{ورأوا‬
‫حصل‬
‫َ‬ ‫يهتدون}؛ أي‪ :‬ل َـما‬ ‫مكذبين به ِ‬
‫منكرين له؛ {لو َّأنهم كانوا‬ ‫بأبصارهم بعدما كانوا ِّ‬
‫َ‬
‫ولكن لم َي ْـهتَ ُدوا‪ ،‬فلم‬
‫اهتَ َدوا في الدنيا‪ْ ،‬‬ ‫عليهم ما حصل‪ ،‬ولهُدوا إلى صراط َّ‬
‫الجنة كما ْ‬
‫ُي ْـهتَ َدوا‪.‬‬
‫المرسلين}‪ :‬هل َّ‬
‫صد ْقتموهم‬ ‫َ‬ ‫{‪ 65‬ـ ‪{ }66‬ويوم يناديهم فيقو ُل ماذا أجبتُم‬
‫ٍ‬ ‫{فع ِمَي ْ‬ ‫َّ‬
‫يومئذ فهم ال‬ ‫األنباء‬
‫ُ‬ ‫ت عليهم‬ ‫واتَّبعتموهم؟ أم كذ ْبتموهم وخالفتموهم؟ َ‬
‫يتساءلون}؛ أي‪ :‬لم يحيروا عن هذا السؤال جواباً‪ ،‬ولم يهتدوا إلى الصواب‪ ،‬ومن‬
‫التصريح بالجواب الصحيح المطابق‬
‫ُـ‬ ‫المعلوم َّأنه ال ينجِّي في هذا الموضع إالَّ‬
‫َُ‬
‫وعنادهم‬
‫َ‬ ‫تكذيبهم لهم‬
‫َ‬ ‫ألحوالهم من َّأننا َ‬
‫أج ْبناهم باإليمان واالنقياد‪ ،‬ولكن لما علموا‬
‫بينهم في ماذا يجيبون‬
‫ويتراجعوا َ‬ ‫أن يتساءلوا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يمكن ْ‬
‫ألمرهم؛ لم ينطقوا بشيء‪ ،‬وال ُ‬
‫به‪ ،‬ولو كان كذباً‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ‬
‫الطريق‬
‫َ‬ ‫{‪ }67‬لما َذ َكر تعالى سؤال الخلق عن معبو ِد ِهم وعن ِ‬
‫رسل ِهم؛ ذكر‬ ‫َ‬
‫وأنه ال نجاة إالَّ لمن اتَّصف بالتوبة من‬
‫العبد من عقاب اللّه تعالى‪َّ ،‬‬
‫الذي ينجو به ُ‬
‫برسل ِه َّ‬
‫فصدقهم‪ ،‬وعمل صالحاً متَّبعاً فيه‬ ‫ِ‬ ‫وآمن‬
‫َ‬ ‫فعب َده‪،‬‬
‫وآمن باللّه َ‬
‫َ‬ ‫الشرك والمعاصي‪،‬‬
‫يكون}‪ :‬من َج َـم َع هذه الخصال {من المفلحين}‪ :‬الناجحين‬‫َ‬ ‫للرسل‪{ .‬فعسى أن‬
‫بالمطلوب‪ ،‬الناجين من المرهوب؛ فال سبيل إلى الفالح بدون هذه األمور‪.‬‬
‫ﭽ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﭼ‪.‬‬

‫مشيئتِ ِه‬
‫خلق ِه لسائر المخلوقات‪ ،‬ونفو ُذ َ‬
‫اآليات فيها عموم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫{‪ 68‬ـ ‪ }70‬هذه‬
‫يختارهُ ويختصُّه من األشخاص واألوامر‬
‫ُ‬ ‫وانفرادهُ باختيار من‬
‫ُ‬ ‫بجميع َّ‬
‫البريات‪،‬‬
‫وأنه تعالى َّ‬
‫منزه‬ ‫شيء‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫من األمر واالختيار‬ ‫(‪)1‬‬
‫واألزمان واألماكن‪َّ ،‬‬
‫وأن أحداً ليس له‬
‫والعوين والولد والصاحبة ونحو ذلك‬ ‫عن ِّ‬
‫كل ما يشركون به من الشريك والظهير َ‬
‫وحده‬ ‫أكنتْهُ الصدور وما أعلنوه‪َّ ،‬‬
‫وأنه َ‬ ‫العالم بما َّ‬
‫ُ‬ ‫مما أشرك به المشركون‪َّ ،‬‬
‫وأنه‬
‫ِ‬
‫صفات الجالل والجمال‪ ،‬وعلى ما‬ ‫المحمود في الدنيا واآلخرة على ما له من‬
‫ُ‬ ‫المعبود‬
‫ُ‬
‫خلق ِه من اإلحسان واإلفضال‪َّ ،‬‬
‫وأنه هو الحاكم في الدارين؛ في ُّ‬
‫الدنيا بالحكم‬ ‫أسداه إلى ِ‬
‫الديني الذي أثَُرهُ جميعُ الشرائع‬
‫ِّ‬ ‫ق و َذ َرأ‪ ،‬والحكم‬
‫القدري الذي أثَُرهُ جميعُ ما َخلَ َ‬
‫ِّ‬
‫والجزائي‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وإ ليه‬
‫ِّ‬ ‫القدري‬
‫ِّ‬ ‫بحكم ِه‬
‫ِ‬ ‫واألوامر والنواهي‪ .‬وفي اآلخرة يحكم‬
‫وشر‪.‬‬ ‫بعمل ِه من ٍ‬
‫خير ٍّ‬ ‫تُرجعون}‪ :‬فيجازي كاًّل منكم ِ‬
‫ْ َ َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬لهم»‪.‬‬


‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﮊ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫عباد ِه؛ يدعوهم به إلى ِ‬
‫شكر ِه والقيام‬ ‫امتنان من اللّه على ِ‬ ‫ٌ‬ ‫{‪ 71‬ـ ‪ }73‬هذا‬
‫النهار ليبتغوا من فضل اللّه وينتشروا‬ ‫رحمته‬ ‫من‬ ‫لهم‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫بعبوديتِ ِه وحقِّه ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫أبدانهم‬
‫وتستريح ُ‬
‫َ‬ ‫لطلب أرزاقهم ومعايِ ِشهم في ضيائه‪ ،‬واللي َل ليهدؤوا فيه ويس ُكنوا‬ ‫ِ‬
‫يقدر‬
‫أحد ُ‬‫بعباد ِه؛ فهل ٌ‬
‫فضل ِه ورحمتِ ِه ِ‬
‫التصرف في النهار؛ فهذا من ِ‬ ‫ُّ‬ ‫وأنفسهم من تعب‬ ‫ُ‬
‫غير اللّه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫على شيء من ذلك فلو َج َع َل {علي ُك ُم اللي َل سرمداً إلى يوم القيامة من إلهٌ ُ‬
‫ٍ‬
‫وانقياد‪ ،‬ولو {جعل‬ ‫سماع فهم وقَبول‬
‫َ‬ ‫ظ اللّه وآياتِ ِه‬
‫تسمعون}‪ :‬مواع َ‬ ‫ٍ‬
‫بضياء أفال‬ ‫يأتيكم‬
‫َ‬
‫غير اللّه يأتيكم بليل تس ُكنون فيه أفال‬ ‫عليكم َّ‬
‫النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إلهٌ ُ‬
‫بصائر ُكم وتسلكون الطريق‬ ‫ِ‬
‫اآليات فتستنير‬ ‫صرون}‪ :‬مواقع ِ‬
‫العَب ِر ومواضع‬ ‫تُْب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلطان‬
‫َ‬ ‫تسمعون}‪ ،‬وفي النهار‪{ :‬أفال تبصرون}ـ؛ ألن‬
‫َ‬ ‫المستقيم‪ ،‬وقال في الليل‪{ :‬أفال‬
‫وعكسه النهار‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البصر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سلطان‬ ‫السمع في الليل أبلغُ من‬

‫ويستبصر‬
‫َ‬ ‫أن العبد ينبغي له أن َّ‬
‫يتدبر نعم اللّه عليه‪،‬‬ ‫وفي هذه اآليات تنبيهٌ إلى َّ‬
‫حالة ِ‬
‫عدمها؛‬ ‫فإنه إذا وازن بين حالة وجو ِدها وبين ِ‬ ‫(‪ )2‬فيها‪ ،‬ويقيسها بحال ِ‬
‫عدمها؛ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يزل‬
‫أمر لم ْ‬ ‫ِ‬
‫العوائد‪ ،‬ورأى َّ‬ ‫المن ِة؛ بخالف َم ْن جرى مع‬
‫تنبه عقلُه لموضع َّ‬
‫َّ‬
‫أن هذا ٌ‬
‫افتقار ِه إليها في ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورؤية‬ ‫بنعم ِه‬
‫مستمرا وال يزا ُل‪ ،‬وعمي قلبه عن الثناء على اللّه ِ‬
‫ًّ‬
‫ُ‬
‫شكر وال ٍ‬
‫ذكر‪.‬‬ ‫يحدث له فكرة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وقت؛ َّ‬
‫فإن هذا ال‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﭽﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮤ ﮥ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫غيره‪ ،‬الذين‬
‫العادلين به َ‬
‫َ‬ ‫{‪ 74‬ـ ‪ }75‬أي‪ :‬ويوم ينادي اللّهُ المشركين به‬
‫ِ‬
‫القيامة؛‬ ‫ويضرون؛ فإذا كان يوم‬
‫ُّ‬ ‫شركاء يستحقُّون أن ُيعبدوا وينفعون‬ ‫يزعمون َّ‬
‫أن له‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ظ ِه َر جراءتهم وكذبهم في زعمهم وتكذيبهم ألنفسهم؛ يناديهم َ‬
‫{أين‬ ‫(‪)3‬‬
‫أراد اللّه أن ُي ْ‬
‫تزعمون}؛ أي‪ :‬بزعمهم ال بنفس األمر؛ كما قال‪{ :‬وما َيتَّبِعُ الذين‬ ‫ِ‬
‫شركائ َي الذين كنتُم ُ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬أنه»‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ويتبصر»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬وتكذيب»‪.‬‬
‫شركاء إن َيتَّبِعون إالَّ الظَّ َّن [وإ ْن هم إالَّ يخرصون]}‪ ،‬فإذا‬
‫َ‬ ‫عون من دون اللّ ِه‬
‫َي ْد َ‬
‫يشهد على ما‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫المكذبة {شهيداً}‪:‬‬ ‫أم ٍة}‪ :‬من األمم‬ ‫حضروا هم وإ َّياهم؛ نزع {من ِّ‬
‫كل َّ‬
‫ِ‬
‫بمنزلة المنتَ َخبين؛ أي‪ :‬انتخبنا من‬ ‫ِ‬
‫واعتقادهم‪ ،‬وهؤالء‬ ‫الدنيا من شركهم‬ ‫جرى في ُّ‬
‫يتصدى للخصومة عنهم والمجادلة عن إخوانهم‪ ،‬وهم على‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫المكذبين َم ْن‬ ‫رؤساء‬
‫صح ِة‬
‫حجتَكم ودليلَكم على َّ‬
‫برهانكم}‪َّ :‬‬‫َ‬ ‫{فقْلنا هاتوا‬ ‫ق ٍ‬
‫واحد؛ فإذا برزوا للمحاكمة‪ُ ،‬‬ ‫طري ٍ‬
‫أم ْرناكم بذلك؟ هل أمرتْكم ُر ُسلي؟ هل وجدتُم ذلك في شيء من ُكتُبي؟‬ ‫شرككم؛ هل َ‬
‫يدفعون عنكم من عذاب اللّه أو‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫اإللهية؟ هل ينفعونكم أو‬ ‫ُّ‬
‫يستحق شيئاً من‬ ‫أحد‬
‫هل فيهم ٌ‬
‫إن كان لهم قدرةٌ‪{ ،‬فعلموا}‪:‬‬ ‫ُيغنون عنكم؟ فليفعلوا إذاً إن كان فيهم َّ‬
‫أهليةٌ وْلُيروكم ْ‬
‫توجهت عليهم الخصومةُ‬ ‫َّ‬
‫الحق للّه}‪ :‬تعالى‪ ،‬قد َّ‬ ‫بطالن قوِل ِهم وفساده‪ ،‬و َّ‬
‫{أن‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الكذب‬ ‫َّ‬
‫{وضل عنهم ما كانوا يفترون}‪ :‬من‬ ‫حجتهم وأفلجت حجةُ اللّه‪،‬‬ ‫وانقطعت َّ‬
‫ْ‬
‫يضع العقوبةَ‬
‫أن اللّه قد عدل فيهم؛ حيث لم ِ‬ ‫اضمحل وتالشى وعدم‪ ،‬وعلموا َّ‬ ‫َّ‬ ‫واإلفك؛‬
‫إالَّ بمن استحقَّها واستأهلها‪.‬‬
‫ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﮃ ﮄ‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫(‪)1‬‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ‪.‬‬

‫وو ِع َ‬
‫ظ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫{‪ }76‬يخبر تعالى عن حالة قارون وما فَع َل وفُ ِع َل به ُ ِ‬
‫ونص َح ُ‬ ‫َ‬
‫ضلوا العالمين‬ ‫َّ‬
‫{إن قارون كان من قوم موسى}؛ أي‪ :‬من بني إسرائيل‪ ،‬الذين فَ َ‬
‫امتن به‪ ،‬فكانت حالُهم مناسبةً لالستقامة‪،‬‬ ‫وفاقوهم في زمانهم‪ ،‬وامتَ َّن اللّه عليهم بما َّ‬
‫ط ِغَية‪،‬‬
‫ولكن قارون هذا بغى على قومه‪ ،‬وطغى بما أوتَِيه من األموال العظيمة ال ُـم ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫بالعصبة‬ ‫تنوء‬ ‫الكنوز}؛ أي‪ :‬كنوز األموال شيئاً كثيراً‪{ ،‬ما َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـحهُ لَ ُ‬
‫إن مفات َ‬ ‫{وآتَْيناه من‬
‫والعصبة من العشرة إلى التسعة إلى السبعة ونحو ذلك؛ أي‪ :‬حتى َّ‬
‫إن‬ ‫القو ِة}‪ُ :‬‬
‫أولي َّ‬

‫‪ - 1‬في النسختين‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬


‫ظنك‬ ‫أموال ِه تُثِْق ُل الجماعةَ القويةَ عن حملها؛ هذه المفاتيح؛ فما ُّ‬
‫خزائن ِ‬
‫ِ‬ ‫مفاتح‬
‫محذرين له عن الطُّغيان‪{ :‬ال تَ ْف َر ْح إن اللّه‬
‫بالخزائن؟! {إذ قال له قومهُ}‪ :‬ناصحين له ِّ‬
‫ُ‬
‫وتفتخر بها‪ ،‬وتلهيك عن‬ ‫ْ‬ ‫تفرح بهذه ُّ‬
‫الدنيا العظيمة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫حين}؛ أي‪ :‬ال‬ ‫يحب ِ‬
‫الفر َ‬ ‫ال ُّ‬
‫يحب الفرحين بها المكبِّين على َّ‬
‫محبتها‪.‬‬ ‫فإن اللّه ال ُّ‬
‫اآلخرة؛ َّ‬

‫الدار اآلخرةَ}؛ أي‪ :‬قد حصل عندك من وسائل‬ ‫آتاك اللّه َ‬


‫{وابتَغ فيما َ‬
‫{‪ْ }77‬‬
‫تقتصر‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫وتصد ْق‪ ،‬وال‬ ‫عند اللّه‪،‬‬
‫فابتغ بها ما َ‬
‫غيرك من األموال‪ِ ،‬‬ ‫اآلخرة ما ليس عند ِ‬
‫َّ‬
‫ك مـن ال ُّـدنيا}؛ أي‪ :‬ال‬‫نصيب َ‬
‫َ‬ ‫مجر ِد نيل الشهوات وتحصيل اللذات‪{ ،‬وال َ‬
‫تنس‬ ‫على َّ‬
‫ك واستمتِ ْع ُ‬
‫بدنياك‬ ‫أنف ْق ِ‬
‫آلخ َرتِ َ‬ ‫بل ِ‬‫ك وتبقى ضائعاً‪ْ ،‬‬ ‫تتصدق بجميع ِ‬
‫مال َ‬ ‫َّ‬ ‫نأم ُرك أن‬
‫ُ‬
‫أحسن اللّهُ}‪:‬‬ ‫ِ‬
‫{وأحس ْن}‪ :‬إلى عباد اللّه {كما‬ ‫يضر بآخرتك‪،‬‬
‫دينك وال ُّ‬
‫استمتاعاً ال َيثْلُ ُم َ‬
‫َ‬
‫ُّ‬
‫بالتكبر والعمل بمعاصي اللّه‬ ‫الفساد في األرض}‪:‬‬
‫َ‬ ‫عليك بهذه األموال‪{ ،‬وال تَْب ِغ‬
‫أشد‬ ‫يحب الـمـفسدين}ـ‪ :‬بل ِ‬
‫يعاقُبهم على ذلك َّ‬ ‫{إن اللّه ال ُّ‬
‫بالن َعم عن المنعم‪َّ .‬‬‫واالشتغال ِّ‬
‫َ‬
‫العقوبة‪.‬‬
‫ِ‬
‫لنعمة ربِّه‪َّ :‬‬
‫{إنما أوتيتُهُ على علم‬ ‫رادا لنصيحتِ ِهم كافراً‬
‫قارون ًّ‬ ‫ال}‬
‫{‪ }78‬فَـ{قَ َ‬
‫ُ‬
‫األموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب ِ‬
‫وح ْذقي‪ .‬أو‪:‬‬ ‫َ‬ ‫أدركت هذه‬
‫ُ‬ ‫عندي}؛ أي‪َّ :‬إنما‬
‫يعلم ِّأنـي أه ٌل لذلك؛ فلم تنصحوني على ما أعطاني اللّه؟!‬ ‫ِ‬
‫على علم من اللّه بحالي؛ ُ‬
‫يعلم َّ‬
‫أن اللّه قد‬ ‫أن عطاءه ليس دليالً على ِ ِ‬ ‫قال تعالى مبيِّناً َّ‬
‫{أولَ ْـم ْ‬
‫طى‪َ :‬‬
‫الم ْع َ‬
‫حسن حالة ُ‬ ‫َ‬
‫وأكثر جمعاً}‪ :‬فما المانعُ من إهالك‬‫ُ‬ ‫قوةً‬ ‫القرون َم ْن هو ُّ‬
‫أشد منه َّ‬ ‫ِ‬ ‫قبل ِه من‬
‫ك من ِ‬‫أهلَ َ‬
‫ْ‬
‫وأعظم منه إذا فَ َع َل ما يو ِجب‬
‫ُ‬ ‫وسنتِنا بإهالك َمن ُهو مثلُه‬ ‫مضي عادتِنا َّ‬
‫ِّ‬ ‫قارون مع‬
‫يعلمه‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الهالك؟! {وال ُي ْسأ ُل عن ذنوبِ ِه ُم‬
‫المجرمون}‪ :‬بل يعاقُبهم اللّه ويعذبهم على ما ُ‬ ‫َ‬
‫بالنجاة؛ فليس قولُهم مقبوالً‪،‬‬ ‫منهم؛ فهم وإ ن أثْبتوا ِ‬
‫ألنفس ِهم حالةً حسنةً وش ِهدوا لها َّ‬
‫ألن ذنوبهم غير ٍ‬
‫خفية؛ فإنكارهم لها ال َّ‬ ‫وليس ذلك ًّ‬
‫محل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫رادا عنهم من العذاب شيئاً؛ َّ َ‬
‫له‪.‬‬

‫نصيحة قو ِم ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫عناد ِه وبغيِ ِه وعدم قَبول‬
‫مستمرا على ِ‬
‫ًّ‬ ‫قارون‬
‫ُ‬ ‫{‪ }79‬فلم يزل‬
‫وغره ما أوتيه من األموال‪{ ،‬فخرج} ذات يوم {في‬ ‫نفسه َّ‬
‫فرحاً بطراً‪ ،‬قد أعجبتْه ُ‬
‫يكون من أحوال ُدنياه‪ ،‬قد كان له من األموال ما كان‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫زينته}؛ أي‪ :‬بحالة أرفع ما ُ‬
‫تكون هائلةً‪ ،‬جمعت‬
‫وتجمل بأعظم ما يمكنه‪ ،‬وتلك الزينةُ في العادة من مثله ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫استعد‬
‫العيون‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الدنيا وزهرتها وبهجتها وغضارتها وفخرها‪ ،‬فرمقتْه في تلك الحالة‬ ‫زينة ُّ‬
‫كل تكلَّم‬
‫ومألت َب َّزتُه القلوب‪ ،‬واختلبت زينته النفوس‪ ،‬فانقسم فيه الناظرون قسمين‪ٌّ ،‬‬
‫يريدون الحياة الدنيا}؛ أي‪ :‬الذين‬
‫َ‬ ‫الهمة والرغبة‪ ،‬فَـ{قَا َل الذين‬
‫بحسب ما عنده من َّ‬
‫ت إرادتُهم فيها‪ ،‬وصارت منتهى رغبتِ ِهم‪ ،‬ليس لهم إرادةٌ في سواها‪{ :‬يا َ‬
‫ليت لنا‬ ‫تعلَّقَ ْ‬
‫حظ عظيم}‪ :‬وصدقوا‬‫{إنه لذو ٍّ‬
‫الدنيا ومتاعها وزهرتها‪َّ ،‬‬ ‫قارون}‪ :‬من ُّ‬ ‫مث َل ما أوتي‬
‫ُ‬
‫حظ عظيم لو كان األمر منتهياً إلى رغباتهم وإ َّنه ليس وراء ُّ‬
‫الدنيا دار أخرى؛‬ ‫َّإنه لذو ٍّ‬
‫ُع ِط َي منها ما به غايةُ التنعم (‪ )1‬بنعيم الدنيا‪ ،‬واقتدر بذلك على جميع مطالبه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فإنه قد أ ْ‬
‫فصار هذا الحظُّ العظيم بحسب ِه َّـمتِهم‪ ،‬وإ َّن ِه َّـمةً جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى‬
‫مطلبها؛ لمن أدنى الهمم وأسفلها وأدناها‪ ،‬وليس لها أدنى صعود إلى المرادات العالية‬
‫والمطالب الغالية‪.‬‬

‫حقائق األشياء ونظروا إلى‬


‫َ‬ ‫{‪{ }80‬وقال الذين أوتوا العلم}‪ :‬الذين عرفوا‬
‫تمنوا ألنفسهم‪،‬‬‫باطن الدنيا حين نظر أولئك إلى ظاهرها‪{ :‬ويلَ ُكم}‪ :‬متوجِّعين من ما َّ‬
‫َّ‬
‫ومحبته واإلنابة‬ ‫راثين لحالهم‪ ،‬منكرين لمقالهم‪{ ،‬ثواب اللّه}‪ :‬العاج ُل من َّ‬
‫لذة العبادة‬ ‫ُ‬
‫األعين خير‬ ‫الجنة وما فيها م َّـما تشتهيه األنفس ُّ‬
‫وتلذ‬ ‫إليه واإلقبال عليه‪ ،‬واآلج ُل من َّ‬
‫ُ‬
‫كل َم ْن يعلم ذلك يؤثر‬ ‫ولكن ما ُّ‬
‫تمن ْيتُم ورغبتُم فيه؛ فهذه حقيقة األمر‪ْ ،‬‬ ‫من هذا الذي َّ‬
‫َّ‬ ‫األعلى على األدنى‪ ،‬فما ُيلَقَّى ذلك ويوفَّ ُ‬
‫أنفسهم‬
‫رون}‪ :‬الذين حبسوا َ‬ ‫ق له {إال الصابِ َ‬
‫المؤلمة وصبروا على جواذب ُّ‬
‫الدنيا‬ ‫ِ‬ ‫على طاعة اللّه وعن معصيتِ ِه وعلى ِ‬
‫أقدار ِه‬
‫وبين ما ُخِلقوا له؛ فهؤالء الذين‬
‫تحول بينهم َ‬
‫َ‬ ‫وشهواتِها أن تَ ْش َغلَهم عن ربِّهم وأن‬
‫ثواب اللّه على ُّ‬
‫الدنيا الفانية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يؤثرون‬

‫الدنيا عنده‪ ،‬و َكثُر بها‬‫وازَّينت ُّ‬


‫والفخر‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫بقارون حالةُ البغي‬
‫َ‬ ‫{‪ }81‬فلما انتهت‬
‫عمل ِه؛ فكما رفع‬ ‫وبدار ِه األرض}‪ :‬جزاء من جنس ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إعجابه؛ َب َغتَهُ العذاب‪{ ،‬فَ َخ َس ْفنا به‬
‫ُ‬
‫ومتاع ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اغتر به من داره وأثاثِ ِه‬
‫نفسه على عباد اللّه؛ أنزله اللّه أسف َل سافلين هو وما َّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬التنعيم»‪.‬‬


‫{ينصرونه من ِ‬
‫دون اللّه وما‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫وخدم وجنو ٍد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وعصبة‬ ‫ٍ‬
‫جماعة‬ ‫{فما كان له من ٍ‬
‫فئة}؛ أي‪:‬‬
‫ص َر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كان من المنتصرين}ـ؛ أي‪ :‬جاءه العذاب فما ُنص َر وال ْانتَ َ‬
‫يريدون الحياة الدنيا‪،‬‬
‫َ‬ ‫{‪{ }82‬وأصبح الذين تَ َـمَّنوا مكانه باألمس}؛ أي‪ :‬الذين‬
‫وخائفين‬
‫َ‬ ‫قارون {يقولون}‪ :‬متوجِّعين ومعتَبِرين‬
‫ُ‬ ‫الذين قالوا‪ :‬يا ليت لنا مثل ما أوتي‬
‫عباد ِه ِ‬
‫ويقد ُر}؛ أي‪:‬‬ ‫الرزق ِلـمن يشاء من ِ‬ ‫َّ‬
‫{ويكأن اللّهَ َي ْب ُسطُ‬ ‫من وقوع العذاب بهم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫طه لقارون ليس دليالً على خير فيه‪،‬‬ ‫أن بس َ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ َّ‬ ‫ِّق الرزق على من يشاء‪ .‬فعلمنا‬ ‫يضي ُ‬
‫يعاق ْبنا على‬ ‫وأننا غالطون في قولنا‪َّ :‬إنه لذو ٍّ‬
‫حظ عظيم‪ ،‬و{لوال أن م َّن اللّه علينا}‪ :‬فلم ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ك قارون عقوبةً له وعبرةً‬ ‫ما ُقْلنا؛ فلوال فضلُه َّ‬
‫ومنتُه؛ {لخسف بنا}‪ :‬فصار هال ُ‬
‫وتغير ِف ْك ُرهم األول‪،‬‬
‫سمعت كيف ِندموا‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫لغير ِه‪ ،‬حتى َّ‬
‫إن الذين غبطوه‬ ‫وموعظةً ِ‬
‫يفلح الكافرون}؛ أي‪ :‬ال في الدنيا‪ ،‬وال في اآلخرة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫{ويكأنه ال ُ‬
‫‪.‬‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ‬ ‫ﭽﯧ ﯨ‬
‫صارت إليه عاقبةُ أمره‪،‬‬
‫ْ‬ ‫قارون وما أوتيه من ُّ‬
‫الدنيا وما‬ ‫َ‬ ‫{‪ }83‬لما َذ َك َر تعالى‬
‫آمن وعمل صالحاً؛ َّ‬
‫رغب تعالى في الدار‬ ‫خير لمن َ‬
‫ثواب اللّه ٌ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وأن أهل العلم قالوا‪:‬‬
‫الدار اآلخرةُ}‪ :‬التي أخبر اللّه بها‬
‫اآلخرة‪ ،‬وأخبر بالسبب الموصل إليها‪ ،‬فقال‪{ :‬تلك ُ‬
‫مكدر ِّ‬
‫ومنغص‪،‬‬ ‫كل ِّ‬ ‫في كتبِ ِه وأخبرت بها رسلُه التي قد جمعت َّ‬
‫كل نعيم واندفع عنها ُّ‬
‫علوا في األرض وال فساداً}؛ أي‪ :‬ليس لهم‬‫يريدون ًّ‬
‫َ‬ ‫{نجعلُها}‪ :‬داراً وقراراً {للذين ال‬
‫والتكبر عليهم وعلى ِّ‬
‫الحق؟!‬ ‫ُّ‬ ‫للعلو في األرض على ِ‬
‫عباد اللّه‬ ‫إرادةٌ؛ فكيف العم ُل ِّ‬
‫العلو في‬
‫ال إرادة لهم في ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫{وال فساداً}‪ :‬وهذا شام ٌل لجميع المعاصي؛ فإذا كان‬
‫وقصدهم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الفساد (‪ )2‬؛ لزم من ذلك أن تكون إرادتُهم مصروفةً إلى اللّه‪،‬‬ ‫األرض وال‬
‫واالنقياد ِّ‬
‫للحق والعم َل الصالح‪ ،‬وهؤالء هم‬ ‫َ‬ ‫الدار اآلخرة‪ ،‬وحالُهم التواضع ِ‬
‫لعباد اللّه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫المتَّقون‪ ،‬الذين لهم العاقبة‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬والعاقبةُ}؛ أي‪ :‬حالة الفالح والنجاح التي‬
‫بعض الظهور‬ ‫وتستمر لمن اتَّقى اللّه تعالى‪ .‬وغيرهم‪ ،‬وإ ْن َح َ‬
‫ص َل لهم ُ‬ ‫ُّ‬ ‫تستقر‬
‫ُّ‬
‫والراحة؛ َّ‬
‫فإنه ال يطو ُل وقتُه‪ ،‬ويزو ُل عن قريب‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬كانوا»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬واإلفساد»‪.‬‬
‫العلو في األرض أو‬
‫يريدون َّ‬
‫َ‬ ‫وعلم من هذا الحصر في اآلية الكريمة َّ‬
‫أن الذين‬
‫نصيب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نصيب‪ ،‬وال لهم منها‬
‫ٌ‬ ‫الفساد ليس لهم في الدار اآلخرة‬
‫ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﭼ‪.‬‬

‫عدل ِه‪ ،‬فقال‪{ :‬من جاء بالحسنة}‪:‬‬


‫فضل ِه وتمام ِ‬
‫{‪ }84‬يخبر تعالى عن مضاعفة ِ‬
‫أن يأتي بها العام ُل؛ ألنه قد َي ْع َملُها ولكن يقترن بها ما ال تُ ْقَب ُل منه أو‬ ‫ط فيها ْ‬‫َش َر َ‬
‫جميع ما أمر اللّه به‬ ‫ىء بالحسنة‪ ،‬والحسنةُ اسم جنس يشم ُل‬ ‫يج ْ‬ ‫ُي ْب ِطلُها؛ فهذا لم ِ‬
‫َ‬
‫ورسولُه من األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة المتعلِّقة بحقِّه تعالى وحقوق العباد‬
‫وأجل‪ ،‬وفي اآلية األخرى‪{ :‬فله ع ْشر ِ‬
‫أمثالها}‪ :‬هذا‬ ‫ُّ‬ ‫أعظم‬ ‫أي‪:‬‬ ‫؛‬ ‫منها}‬ ‫خير‬ ‫{فله‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫تزيد به المضاعفة؛ كما‬ ‫يقترن بذلك من األسباب ما ُ‬ ‫بد منه‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫للحسنة ال َّ‬ ‫التضعيف‬
‫ُ‬
‫وعمل ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العامل‬ ‫حال‬‫ف ِلمن يشاء واللّهُ واسع عليم}‪ :‬بحسب ِ‬
‫ٌ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫قال تعالى‪{ :‬واللّه يضاع ُ َ‬
‫كل ما نهى الشارعُ عنه نهي تحريم؛‬ ‫ِّئة}‪ :‬وهي ُّ‬‫ونفع ِه ومحلِّه ومكانِ ِه‪{ ،‬ومن جاء بالسي ِ‬ ‫ِ‬
‫{من جاء‬ ‫يعملون}؛ كقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫السيئات إالَّ ما كانوا‬
‫ِ‬ ‫{فال ُي ْـجزى الذين َع ِملوا‬
‫ِّئة فال ُي ْـجزى إالَّ مثلَها وهم ال ُيظلمون}‪.‬‬
‫أمثالها ومن جاء بالسي ِ‬
‫َ‬
‫بالحسنة فله عشر ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮚﮛ ﮜ ﮝ‬
‫وفرض فيه‬
‫َ‬ ‫القرآن}؛ أي‪ :‬أنزله‪،‬‬
‫َ‬ ‫ض عليك‬ ‫{‪ }85‬يقول تعالى‪َّ :‬‬
‫{إن الذي فَ َر َ‬
‫ألحكام ِه جميع‬
‫ِ‬ ‫بتبليغ ِه للعالمين والدعو ِة‬
‫ِ‬ ‫وبين فيه الحالل والحرام‪ ،‬وأمرك‬‫األحكام‪َّ ،‬‬
‫العباد‬
‫ُ‬ ‫أن تكون الحياة هي الحياةَ ُّ‬
‫الدنيا فقط من غير أن ُيثاب‬ ‫يليق بحكمته ْ‬ ‫المكلَّفين؛ ال ُ‬
‫المحسنون بإحسانهم والمسيئون‬ ‫جازى فيه‬ ‫ك إلى ٍ‬
‫معاد ُي َ‬ ‫بد أن َي ُر َّد َ‬
‫ويعاقَبوا‪ ،‬بل ال َّ‬
‫َ‬
‫ك؛ فذلك حظُّهم‬
‫فإن تَبِعو َ‬
‫المنهج؛ ْ‬
‫َ‬ ‫بمعصَيتِ ِهم‪ ،‬وقد َّبينت لهم الهدى وأوضحت لهم‬ ‫ِ‬
‫جئت به من الهُدى وتفضي َل ما معهم من‬ ‫والقدح بما َ‬ ‫ك‬
‫يان َ‬
‫ص َ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ‬ ‫وسعادتُهم‪ ،‬وإ ْن َأب ْوا إال ع ْ‬
‫يبق إالَّ المجازاةُ على األعمال من‬
‫محل‪ ،‬ولم َ‬ ‫ِ‬
‫للمجادلة ٌّ‬ ‫يبق‬
‫الحق؛ فلم َ‬ ‫الباطل على ِّ‬
‫أعلم َمن جاء بالهدى‬ ‫ِّ‬
‫والمحق والمبطل‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬قل ِّ‬ ‫ِ‬
‫العال ِـم بالغيب والشهادة‬
‫ربـي ُ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وحق عباده»‪.‬‬
‫أعداءه هم‬ ‫أن رسولَه هو المهتدي الهادي‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ٍ‬
‫ضالل مبين}‪ :‬وقد علم َّ‬ ‫وم ْن هو في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الضـالُّون المضلُّون‪.‬ـ‬

‫متحرياً لنزول هذا‬


‫تكن ِّ‬
‫الكتاب}؛ أي‪ :‬لم ْ‬
‫ُ‬ ‫كنت تَْرجو أن ُيْلقى إليك‬
‫{‪{ }86‬وما َ‬
‫متصدياً‪{ ،‬إالَّ رحمةً من ربِّك}‪ :‬بك وبالعباد‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ًّ‬
‫مستعدا له‪ ،‬وال‬ ‫الكتاب عليك‪ ،‬وال‬
‫العالمين‪ ،‬وعلَّمهم ما لم يكونوا يعلَمون‪َّ ،‬‬
‫وزكاهم‬ ‫َ‬ ‫فأرسلك بهذا الكتاب الذي َر ِح َم به‬
‫علمت َّأنه أنزله‬
‫َ‬ ‫وعلَّمهم الكتاب والحكمة‪ ،‬وإ ْن كانوا من قب ُل لَفي {ضالل ٍ‬
‫مبين}‪ :‬فإذا‬
‫فإنه رحمةٌ وفض ٌل من اللّه؛‬‫أن جميع ما أمر به ونهى عنه؛ َّ‬ ‫علمت َّ‬
‫َ‬ ‫إليك رحمةً منه؛‬
‫َّ‬
‫تكونن‬ ‫أصلح وأنفع‪{ ،‬فال‬ ‫أن ِ‬
‫مخالفَه‬ ‫وتظن َّ‬
‫َّ‬ ‫حرج من ٍ‬
‫شيء منه‪،‬‬ ‫يكن في ِ‬
‫صدرك‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫فال ْ‬
‫مظاه َرتِهم‬
‫َ‬ ‫كفرهم‪ ،‬ومن جملة‬‫للكافرين}؛ أي‪ :‬معيناً لهم على ما هو من ُش َع ِب ِ‬‫َ‬ ‫ظهيراً‬
‫خالف الحكمة والمصلحة والمنفعة‪.‬‬‫ُ‬ ‫أن يقال في ٍ‬
‫شيء منه‪َّ :‬إنه‬ ‫ُ‬
‫وأن ِف ْذها‪ ،‬وال‬
‫ت إليك}‪ :‬بل ْأبِل ْغها ْ‬ ‫ك عن ِ‬
‫آيات اللّه بـعد إ ْذ أ ِ‬
‫ُنزلَ ْ‬ ‫ص ُّدَّن َ‬
‫{‪{ }87‬وال َي ُ‬
‫تتبع أهواءهم‪{ ،‬وادعُ إلى ربِّك}؛ أي‪ :‬اجعل‬ ‫بال ِ‬
‫بمكرهم‪ ،‬وال َي ْـخ َد ُعَّن َ‬ ‫تُ ِ‬
‫ك عنها‪ ،‬وال ْ‬
‫ضه من ٍ‬
‫رياء‬ ‫ك‪ُّ ،‬‬
‫فكل ما خالف ذلك؛ فارفُ ْ‬ ‫ك وغاية َع َمِل َ‬ ‫الدعوة إلى ربِّك منتهى ِ‬
‫قصد َ‬
‫داع إلى الكون معهم ومساعدتهم‬ ‫موافقة أغراض أهل الباطل؛ َّ‬
‫فإن ذلك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫سمعة أو‬ ‫أو‬
‫المشركين}‪ :‬ال في شركهم‪ ،‬وال في فروعه‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫تكونن من‬ ‫على أمرهم‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وال‬
‫وشعبه التي هي جميع المعاصي‪.‬‬
‫فإنه {ال إله إالَّ‬‫ص للّه عبادتَك؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫آخر}‪ :‬بل أخل ْ‬ ‫{‪{ }88‬وال تَ ْدعُ مع اللّه إلهاً َ‬
‫{كل ٍ‬
‫شيء‬ ‫ويعبد إالَّ اللّه الكامل الباقي الذي ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ويحب‬ ‫يستحق أن يؤلَّه‬
‫ُّ‬ ‫أحد‬
‫هو}‪ :‬فال َ‬
‫مضمحل سواه؛ فعبادة الهالك الباطل باطلةٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ك‬ ‫كل ٍ‬
‫شيء هال ٌ‬ ‫ك إالَّ و ْجهه}‪ :‬وإ ذا كان ُّ‬
‫هال ٌ َ َ‬
‫الدنيا واآلخرة‪{ ،‬وإ ليه}‪ :‬ال إلى غيره‬ ‫الحكم}‪ :‬في ُّ‬ ‫ببطالن غايتها وفساد نهايتها‪{ ،‬له‬
‫ُ‬
‫{تُْر َجعون}‪ :‬فإذا كان ما سوى اللّه باطالً هالكاً‪ ،‬واللّه هو الباقي الذي ال إله إالَّ هو‪،‬‬
‫ليجازَيهم بأعمالهم؛ تعيـَّن‬ ‫ِ‬ ‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإ ليه مر ِجعُ الخالئق كلِّهم؛‬ ‫وله الحكم في ُّ‬
‫وي ْدنيه‪ ،‬ويح َذ َر من‬ ‫يقرُبه ُ‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬ويعم َل لما ِّ‬ ‫يعبد اللّه َ‬ ‫أن َ‬ ‫على َم ْن له عق ٌل ْ‬
‫تائب وال مقلع عن خطئِ ِه وذنوبِ ِه‪.‬‬ ‫سخط ِه وعقابِ ِه‪ ،‬وأن ُي ْق ِدم على ربِّه غير ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬

‫تم تفسير" سورة القصص‪.‬‬


‫وللّه الحمد والثناء والمجد دائماً أبداً‪.‬‬
‫***‬
‫تفسير سورة العنكبوت‬

‫[وهي] مكية‬

‫ﭑﭒﭓ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ‬ ‫ﭽ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫‪.‬ﯛ ﭼ‬
‫أن َّ‬
‫كل َم ْن قال‬ ‫{‪ 1‬ـ ‪ }3‬يخبر تعالى عن تمام حكمتِ ِه‪َّ ،‬‬
‫وأن حكمته ال تقتضي َّ‬
‫مؤمن َّ‬
‫وادعى لنفسه اإليمان؛ أن َي ْبقَوا في حالة َي ْسلَمون فيها من الفتن والمحن‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َّإنه‬
‫يتمي ِز‬ ‫إيمانهم وفروعه؛ َّ‬
‫فإنهم لو كان األمر كذلك؛ لم َّ‬ ‫يشوش عليهم َ‬ ‫وال َي ْع ِر ُ‬
‫ض لهم ما ِّ‬
‫سنته وعادته في األولين وفي هذه‬ ‫ُّ‬
‫والمحق من المبطل‪ ،‬ولكن َّ‬ ‫الصادق من الكاذب‬ ‫ُ‬
‫والضراء والعسر واليسر (‪ )1‬والمنشط والمكره والغنى‬
‫َّ‬ ‫بالسراء‬
‫َّ‬ ‫أن َي ْبتَِلَيهُم‬
‫األمة ْ‬
‫ِ‬
‫ومجاهدة األعداء بالقول والعمل ونحو‬ ‫دالة األعداء عليهم في بعض األحيان‬ ‫والفقر وإ ِ‬
‫ِ‬
‫والشهوات‬ ‫ضة للعقيدة‬ ‫ِ‬
‫المعار َ‬ ‫ترجعُ كلُّها إلى فتنة الشبهات‬
‫ذلك من الفتن‪ ،‬التي ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫إيمانه وال يتزلزل ويدفَ ُعها‬
‫ت ُ‬ ‫المعارضة لإلرادة؛ فمن كان عند ورو ِد ُّ‬
‫الشُبهات َيثُْب ُ‬
‫والذنوب أو‬‫الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫الحق‪ ،‬وعند ورود‬ ‫بما معه من‬
‫دل ذلك‬‫ويجاهد شهوتَه؛ َّ‬
‫ُ‬ ‫الصارفة عن ما أمر اللّهُ به ورسولُه‪ ،‬يعم ُل بمقتضى اإليمان‬
‫شكا وريباً‪،‬‬ ‫الشُبهات تؤثِّر في قلبه ًّ‬
‫وصحته‪ ،‬ومن كان عند ورود ُّ‬ ‫َّ‬ ‫على صدق إيمانِ ِه‬
‫دل ذلك‬ ‫ص ِدفُه عن الواجبات؛ َّ‬ ‫ص ِرفُه إلى المعاصي أو تَ ْ‬
‫ِ‬
‫وعند اعتراض الشهوات تَ ْ‬
‫درجات ال يحصيها إالَّ اللّه؛‬
‫ٌ‬ ‫صحة إيمانه وصدقه‪ .‬والناس في هذا المقام‬ ‫على عدم َّ‬
‫ومستكثر‪ .‬فنسأ ُل اللّه تعالى أن ُيثَبِّتَنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي‬ ‫ٌّ‬
‫فمستقل‬
‫ٌ‬
‫الكير ُي ْـخ ِر ُج‬
‫واالمتحان للنفوس بمنزلة ِ‬
‫ُ‬ ‫فاالبتالء‬
‫ُ‬ ‫قلوبنا على دينه؛‬‫ِّت َ‬‫اآلخرة‪ ،‬وأن يثب َ‬
‫وطيبها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َخَبثَها‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬واليسر والعسر»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ويدفعه»‪.‬‬
‫وارتكاب الجنايات َّ‬
‫أن أعمالهم‬ ‫ُ‬ ‫أحسب الذين ه ُّـمهم فع ُل السيئات‬
‫َ‬ ‫{‪ }4‬أي‪:‬‬
‫وسهُ َل عليهم عملها؟!‬ ‫ستُ ْه َم ُل َّ‬
‫وأن اللّه سيغفل عنهم أو يفوتونه؛ فلذلك أقدموا عليها َ‬
‫لتضمنه إنكار قدرة اللّه‬
‫ُّ‬ ‫جائر‬
‫حكم ٌ‬ ‫يحكمون}؛ أي‪ :‬ساء حكمهم؛ َّ‬
‫فإنه ٌ‬ ‫َ‬ ‫{ساء ما‬
‫أضعف شيء وأعجزه‪.‬‬‫ُ‬ ‫وحكمتِ ِه‪َّ ،‬‬
‫وأن لديهم قدرةً يمتنعون بها من عقاب اللّه‪ ،‬وهم‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬ ‫ﯳ ﯴ‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ‬ ‫ﭽﯨ ﯩ‬
‫ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ ‪.‬‬

‫ُّ‬
‫المحب لربِّه‪ ،‬المشتاق لقربه ولقائه‪ ،‬المسارع في مرضاته!‬ ‫{‪ }5‬يعني‪ :‬يا ُّأيها‬
‫فتزود للقائِ ِه‪ِ ،‬‬
‫وس ْر‬ ‫(‪)1‬‬ ‫آت‪ ،‬وكل ما هو ٍ‬
‫آت قريب ‪َّ ،‬‬ ‫فإنه ٍ‬ ‫ِ‬
‫أبش ْر بقرب لقاء الحبيب؛ َّ‬
‫مؤمالً الوصول إليه‪.‬‬
‫نحوه مستصحباً الرجاء ِّ‬ ‫َ‬
‫تمنى ُيعطى ما َّ‬
‫تمناه؛‬ ‫{‪ }6‬ولكن ما كل من َّ‬
‫يدعي ُيعطى بدعواه‪ ،‬وال كل من َّ‬
‫فإن اللّه سميعٌ لألصوات عليم َّ‬
‫بالنيات؛ فمن كان صادقاً في ذلك؛ أناله ما يرجو‪ ،‬ومن‬ ‫َّ‬
‫جاه َد}‪:‬‬
‫{وم ْن َ‬
‫صلُ ُح لحبِّه ومن ال يصلح‪َ ،‬‬ ‫تنفعه دعواه‪ ،‬وهو العليم بمن َي ْ‬
‫كان كاذباً؛ لم ْ‬
‫نفعه راجعٌ إليه‪ ،‬وثمرته‬ ‫لنفس ِه}‪َّ :‬‬
‫ألن َ‬
‫يجاهد ِ‬
‫ُ‬ ‫وعدوه الكافر؛ َّ‬
‫{فإنما‬ ‫َّ‬ ‫وشيطانه‬
‫َ‬ ‫نفسه‬
‫عما‬
‫لينتفع به‪ ،‬وال نهاهم َّ‬
‫َ‬ ‫غني عن العالمين‪ ،‬لم يأمرهم بما أمرهم به‬ ‫عائدةٌ إليه‪ ،‬واللّه ٌّ‬
‫أن األوامر والنواهي يحتاج المكلَّف فيها إلى‬ ‫نهاهم عنه بخالً منه عليهم‪ ،‬وقد علم َّ‬
‫وعدوه الكافر يمنعه‬
‫َّ‬ ‫وشيطانه ينهاه عنه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ألن نفسه تتثاقل بطبعها عن الخير‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جهاد؛ َّ‬
‫ٍ‬
‫مجاهدات وسعي شديد‪.‬‬ ‫معارضات تحتاج إلى‬
‫ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫من إقامة دينه كما ينبغي‪ ،‬وكل هذه‬
‫‪.‬‬ ‫ﭜ ﭝ ﭼ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫من اللّه عليهم باإليمان والعمل الصالح سيكفِّ ُر اللّه عنهم‬ ‫أن الذين َّ‬ ‫{‪ }7‬يعني‪َّ :‬‬
‫أحسن الذي كانوا يعملون}؛ وهي‬ ‫َ‬ ‫ألن الحسنات ُي ْذ ِه ْبن السيئات‪{ ،‬ولََن ْج ِزَيَّنهم‬
‫سيئاتهم؛ َّ‬
‫ألنه يعمل المباحات‬ ‫أعمال الخير من واجبات ومستحبات‪ ،‬فهي أحسن ما يعمل العبد؛ َّ‬
‫أيضاً وغيرها‪.‬‬
‫ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭼ‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬إنما هو قريب»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬هذا»‪.‬‬
‫ببرهما واإلحسان‬
‫َّيناه بوالديه ُحسناً؛ أي‪ِّ :‬‬
‫{‪ }8‬أي‪ :‬وأمرنا اإلنسان ووص ْ‬
‫ظ على ذلك وال يعقهما ويسيء إليهما في قوله وعمله‪،‬‬ ‫إليهما بالقول والعمل‪ ،‬وأن يحاف َ‬
‫َّ‬
‫بصحة‬ ‫علم‬ ‫ٍ‬
‫علم}‪ :‬وليس ألحد ٌ‬ ‫ليس لك به ٌ‬ ‫{وإ ن جاهداك} على أن تشرك {بي ما َ‬
‫تعظيم ألمر الشرك‪{ .‬فال تُ ِط ْعهُما إل َّ‬
‫ـي مر ِج ُعكم فأنبُِّئ ُكم بما كنتُم‬ ‫ٌ‬ ‫الشرك باللّه‪ ،‬وهذا‬
‫وقدموا طاعتهما إالَّ على طاعة اللّه‬ ‫فبروا والديكم‪ِّ ،‬‬ ‫تعملون}‪ :‬فأجازيكم بأعمالكم؛ ُّ‬
‫َ‬
‫فإنها َّ‬
‫مقدمة على كل شيء‪.‬‬ ‫ورسوله؛ َّ‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ‬
‫فإن اللّه وعده أن ُي ْد ِخلَه الجنة في جملة‬
‫{‪ }9‬أي‪َ :‬م ْن آمن باللّه وعمل صالحاً؛ َّ‬
‫كل على حسب‬‫عباد (‪ )1‬اللّه الصالحين من النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين‪ٌّ ،‬‬
‫عنوان على سعادة‬
‫ٌ‬ ‫درجته ومرتبته عند اللّه؛ فاإليمان الصحيح والعمل الصالح‬
‫صاحبه‪َّ ،‬‬
‫وأنه من أهل الرحمن والصالحين من عباد اللّه‪.‬‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫بد أن َي ْمتَ ِح َن من َّ‬
‫ادعى اإليمان؛ ليظهر‬ ‫{‪ 10‬ـ ‪ }11‬لما ذكر تعالى َّأنه ال َّ‬
‫الصادق من الكاذب؛ َّبين تعالى َّ‬
‫أن من الناس فريقاً ال صبر لهم على المحن وال ثبات‬ ‫ُ‬
‫لهم على بعض الزالزل‪ ،‬فقال‪{ :‬ومن الناس َمن يقو ُل َّ‬
‫آمنا باللّه فإذا أوذي في اللّه}‪:‬‬
‫{ج َع َل فتنةَ الناس‬ ‫َّ‬ ‫بضرب أو ِ‬
‫أخذ مال أو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ليرتد عن دينه‪ ،‬وليراجع الباطل؛ َ‬ ‫تعيير؛‬
‫أن العذاب ٌّ‬
‫صاد‬ ‫ِ‬
‫كعذاب اللّه}؛ أي‪ :‬يجعلها صادةً له عن اإليمان والثبات عليه؛ كما َّ‬
‫موافق للهوى‪.‬‬ ‫كنا معكم}‪َّ :‬‬
‫ألنه‬ ‫ليقولن َّإنا َّ‬
‫َّ‬ ‫نصر من ربِّك‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫عما هو سببه‪{ .‬ولَئن جاء ٌ‬
‫يعبد اللّه على‬
‫فهذا الصنف من الناس من الذين قال اللّه فيهم‪{ :‬ومن الناس من ُ‬
‫انقلب على وج ِه ِه خسر الدنيا‬
‫َ‬ ‫أصابتْه فتنةٌ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫اطمأن به وإ ْن‬ ‫خير‬
‫أصابه ٌ‬
‫َ‬ ‫فإن‬ ‫ٍ‬
‫حرف ْ‬
‫ِ‬
‫ين}‪:‬‬‫العالَم َ‬
‫ور َ‬ ‫ليس اهلل بأعلَ َم بِ َما في ُ‬
‫ص ُد ِ‬ ‫واآلخرة ذلك هو الخسران المبين}‪{ .‬أو َ‬
‫فتعرفون بذلك كما َل ِ‬
‫علمه‬ ‫ف لكم‪ِ ،‬‬ ‫ص َ‬‫حيث أخبركم بهذا الفريق الذي حالُه كما َو َ‬
‫(‪)2‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫ين}؛ أي‪ :‬فلذلك قَ َّد َر م َ‬
‫ـحناً‬ ‫آمُنوا ولََيعلَ َم َّن ال ُـمَنافق َ‬ ‫وسعة حكمته‪{ .‬ولََيعلَ َم َّن اهلل الذ َ‬
‫ين َ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬عباده»‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬خبركم»‪.‬‬
‫بمجرده؛ َّ‬
‫ألنهم قد‬ ‫وابتالء؛ ليظهر علمه فيهم‪ ،‬فيجازيهم بما ظهر منهم‪ ،‬ال بما يعلمه َّ‬
‫ً‬
‫ُّ‬
‫يحتجون على اللّه أنهم لو ْابتُلوا لَثََبتوا‪.‬‬
‫ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }12‬يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتِ ِهم للمؤمنين إلى دينِ ِهم‪ ،‬وفي ضمن‬
‫تحذير المؤمنين من االغترار بهم والوقوع في َم ْك ِرهم‪ ،‬فقال‪{ :‬وقال الذين َكفَروا‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫نضمن‬
‫ُ‬ ‫بعضه‪ ،‬واتَّبِعونا في دينِنا؛ َّ‬
‫فإننا‬ ‫دينكم أو َ‬‫فاتركوا َ‬ ‫ِ‬
‫للذين آمـنـوا اتَّبعوا سبيلَنا}‪ُ :‬‬
‫َ‬
‫بحاملين‬
‫َ‬ ‫ون ْح ِم ُل {خطاياكم}‪ :‬وهذا األمر ليس بأيديهم؛ فلهذا قال‪{ :‬وما هم‬ ‫لكم األمر‪َ ،‬‬
‫التحمل ولو رضي به صاحبه؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫ُّ‬ ‫شيء}‪ :‬ال قليل وال ٍ‬
‫كثير؛ فهذا‬ ‫من خطاياهم من ٍ‬
‫التصرف في حقِّه إالَّ بأمره‬
‫ُّ‬ ‫يمكن العبد من‬‫الحق للّه‪ ،‬واللّه تعالى لم ِّ‬
‫َّ‬ ‫يفيد شيئاً؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫ال ُ‬
‫وحكمهُ أن ال تَ ِز َر وازرةٌ ِو ْز َر أخرى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وحكمه‪،‬‬
‫ُ‬
‫{‪ }13‬ول َّـما كان قوله‪{ :‬وما ُهم بحاملين ِم ْن خطاياهم من ٍ‬
‫شيء}‪ :‬قد ُيتََو َّهم منه‬ ‫َ‬
‫الداعين إلى كفرهم ـ ونحوهم م َّـمن دعا إلى باطله ـ ليس عليهم إالَّ‬
‫أن الكفَّار َّ‬
‫أيضاً َّ‬
‫غيرهم‪ ،‬ولو كانوا متسبِّبين فيه؛ قال‬ ‫َّ‬
‫ذنبهم الذي ارتكبوه دون الذنب الذي فعله ُ‬ ‫ُ‬
‫{ولََي ْح ِملُ َّن أثْقالَهم}؛ أي‪ :‬أثقال ُذنوبهم التي عملوها‪{ ،‬وأثقاالً‬ ‫محترزاً عن هذا الوهم‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫فالذنب الذي فعله التابعُ لكل من‬ ‫الذنوب التي بسببهم ومن َج َّرائهم؛‬ ‫أثقال ِهم}‪ :‬وهي ُّ‬
‫مع ِ‬
‫ُ‬
‫فعل ِه ودعا‬
‫تسبب في ِ‬ ‫ألنه َّ‬ ‫ألنه فَ َعلَه وبا َش َره‪ ،‬والمتبوعُ َّ‬
‫التابع والمتبوع حصةٌ منه‪ :‬هذا َّ‬
‫أجرها بالمباشرة وللداعي أجره بالتسبب‪،‬‬ ‫أن الحسنة إذا فعلها التابعُ له ُ‬ ‫إليه؛ كما َّ‬
‫الشر وتزيينه وقوِل ِهم‪{ :‬وْلَن ِ‬ ‫ِ‬
‫حم ْل‬ ‫َ‬ ‫يفترون}‪ :‬من ِّ‬ ‫َ‬ ‫عما كانوا‬‫القيامة َّ‬ ‫{ولَُي ْسألُ َّن َ‬
‫يوم‬ ‫َ‬
‫خطاياكم}‪.‬‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭑ‬ ‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫ﭽﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﭗ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ِّ‬
‫المكذبة‪َّ ،‬‬
‫وأن اللّه‬ ‫األمم‬ ‫(‪)1‬‬
‫حكم ِه وحكمتِ ِه في عقوبات‬
‫{‪ }14‬يخبر تعالى عن ِ‬
‫أرسل عبده ورسوله نوحاً عليه [الصالة و] السالم إلى قومه يدعوهم إلى التوحيد‬
‫{ألف سنة‬
‫نبيا داعياً َ‬ ‫ِ‬
‫بالعبادة والنهي عن األنداد واألصنام‪َ { ،‬فلَبِ َ‬
‫ث فيهم}‪ًّ :‬‬ ‫وإ فراد اللّه‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬عقوبة»‪.‬‬


‫خمسين عاماً}‪ :‬وهو ال يني بدعوتِ ِهم وال يفتُُر في نصحهم؛ يدعوهم ليالً ونهاراً‬ ‫إالَّ‬
‫َ‬
‫استمروا على كفرهم وطغيانهم‪ ،‬حتى‬
‫ُّ‬ ‫اهتدوا بل‬ ‫(‪)1‬‬
‫وسرا وجهاراً‪ ،‬فلم ير ُشدوا وال‬
‫ًّ‬
‫صبر ِه وحلمه واحتماله‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫نوح عليه الصالة والسالم مع َّ‬
‫شدة ِ‬ ‫دعا عليهم ُّ‬
‫نبيهم ٌ‬
‫الطوفان}؛ أي‪ :‬الماء الذي‬
‫ُ‬ ‫{فأخ َذ ُه ُم‬ ‫ِّ‬
‫{رب ال تَ َذ ْر على األرض من الكافرين دياراً}‪َ ،‬‬
‫ظالمون}؛ مستحقُّون للعذاب‪.‬‬
‫َ‬ ‫بشد ٍة‪{ ،‬وهم‬ ‫نزل من السماء بكثر ٍة َ‬
‫ونَب َع (‪ )2‬من األرض َّ‬
‫ِ‬
‫السفينة}‪ :‬الذين ركبوا معه؛ أهلَه ومن آمن به‪،‬‬ ‫وأصحاب‬ ‫{فأنج ْيناه‬ ‫{‪}15‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أن من َّ‬
‫كذب‬ ‫للعالمين}‪ :‬يعتبِرون بها على َّ َ ْ‬
‫َ‬ ‫{و َج َعْلناها}؛ أي‪ :‬السفينة أو قصة نوح {آيةً‬
‫َ‬
‫هم فرجاً ومن كل‬ ‫وأن المؤمنين سيجعل اللّه لهم من ِّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫ك‪َّ ،‬‬ ‫أمر ِه الهال ُ‬
‫آخر ِ‬
‫الرسل ُ‬
‫ق مخرجاً‪ ،‬وجعل اللّه أيضاً السفينة؛ أي‪ :‬جنسها آية للعالمين؛ يعتبرون بها رحمة‬ ‫ضي ٍ‬
‫ِ‬
‫ربِّهم الذي َّقيض لهم أسبابها‪ ،‬ويسَّر لهم أمرها‪ ،‬وجعلها تحملهم‪ ،‬وتحم ُل َ‬
‫متاعهم مـن‬
‫محل إلى ٍّ‬
‫محل‪ ،‬ومن قطر إلى قطر‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫ﭽ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯲ ﯳ‬
‫{‪ }16‬يذكر تعالى َّأنه أرسل خليله إبراهيم عليه السالم إلى قومه َي ْدعوهم إلى‬
‫وأخلصوا له العبادةَ وامتَثِلوا ما أمركم‬
‫وحدوه ِ‬‫{اعبدوا اللّهَ}؛ أي‪ِّ :‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اللّه‪ ،‬فقال لهم ‪ُ :‬‬
‫فيعذَبكم‪ ،‬وذلك بترك ما ُيغضبه من المعاصي‪.‬‬ ‫يغضب عليكم ِّ‬‫َ‬ ‫به‪{ ،‬واتَّقوه}‪ :‬أن‬
‫{خير لكم}‪ :‬من ترك ذلك‪ ،‬وهذا من باب إطالق أفعل‬ ‫{ذلكم}؛ أي‪ :‬عبادة اللّه وتقواه ٌ‬
‫ك تقواه ال‬ ‫ِ‬
‫عبادة اللّه وتَْر َ‬ ‫ك‬ ‫التفضيل بما ليس في الطرف اآلخر منه شيء؛ َّ‬
‫فإن تَْر َ‬
‫ألنه ال سبيل إلى نيل كرامته‬ ‫ٍ‬
‫بوجه‪ ،‬وإ َّنما كانت عبادة اللّه وتقواه خيراً للناس َّ‬ ‫خير فيه‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ولم»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬فنبع»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬فقال»‪.‬‬
‫يوجد في ُّ‬
‫الدنيا واآلخرة؛ َّ‬
‫فإنه من آثار عبادة‬ ‫ُ‬ ‫خير‬ ‫الدنيا واآلخرة إالَّ بذلك‪ُّ ،‬‬
‫وكل ٍ‬ ‫في ُّ‬
‫مون}‪ :‬ذلك؛ فاعلموا اإلمور‪ ،‬وانظُروا ما هو أولى باإليثار‪.‬‬
‫اللّه وتقواه‪{ .‬إن كنتُم تعلَ َ‬
‫فلما أمرهم بعبادة اللّه وتقواه؛ نهاهم عن عبادة األصنام‪َّ ،‬‬
‫وبين لهم‬ ‫{‪ 17‬ـ ‪َّ }18‬‬
‫تعبدون من ِ‬
‫دون اللّه أوثاناً وتخلُقون‬ ‫نقصها وعدم استحقاقها للعبودية‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫{إنما ُ‬
‫الكذب‬
‫َ‬ ‫أسماء اآللهة‪ ،‬وتختَِلقون‬
‫َ‬ ‫قون لها‬ ‫ِ‬
‫إفكاً}‪ :‬تنحتونها‪ ،‬وتخلُقونها بأيديكم‪ ،‬وتخلُ َ‬
‫نقص ِه َّ‬
‫وأنه‬ ‫دون اللّه}‪ :‬في ِ‬ ‫{إن الذين} تدعون {من ِ‬ ‫باألمر بعبادتها والتمسُّك بذلك‪َّ .‬‬
‫فكأنه قي َل‪ :‬قد بان لنا َّ‬
‫أن هذه‬ ‫ليس فيه ما يدعو إلى عبادته‪{ ،‬ال ِ‬
‫يملكون لكم رزقاً}‪َّ :‬‬
‫ضرا وال موتاً وال حياةً وال نشوراً‪َّ ،‬‬
‫وأن َم ْن‬ ‫األوثان مخلوقةٌ ناقصةٌ ال تملك نفعاً وال ًّ‬
‫يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذر ٍة من العبادة والتألُّه‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫هذا وصفُه ال‬
‫ُّ‬
‫يستحق‬ ‫بد أن تطلب معبوداً تألهُهُ وتسأله حوائجها‪ .‬فقال حاثًّا لهم على من‬ ‫والقلوب ال َّ‬
‫ُ‬
‫المقدر المجيب لدعو ِة َم ْن دعاه‬‫فإنه هو الميسِّر له ِّ‬
‫ق}‪َّ :‬‬‫الر ْز َ‬
‫{فابتَغوا عند اللّه ِّ‬
‫العبادة‪ْ :‬‬
‫الضار‬
‫َّ‬ ‫ك له؛ لكونِ ِه الكامل النافع‬
‫{واعبدوه}ـ‪ :‬وحده ال شري َ‬
‫ُ‬ ‫لمصالح دينِ ِه ُ‬
‫ودنياه‪،‬‬
‫المتفرد بالتدبير‪{ ،‬واش ُكروا له}‪ :‬وحده؛ لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق من‬
‫ِّ‬
‫النعم فمنه‪ ،‬وجميع ما اندفع ويندفع من النقم عنهم؛ فهو الدافع لها‪{ .‬إليه تُْر َجعون}‪:‬‬
‫على ما عملتم‪ ،‬وينبُِّئكم بما أسررتم وأعلنتُم؛ فاحذروا القدوم عليه وأنتم‬ ‫(‪)1‬‬
‫فيجازيكم‬
‫يقرُبكم إليه ويثيبكم عند القدوم عليه‪.‬‬
‫وار َغبوا فيما ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫على ش ْرككم‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫القيامة‪َّ { .‬‬
‫إن ذلك على‬ ‫يعيده}‪ :‬يوم‬
‫الخلق ثم ُ‬ ‫{أولَ ْـم َي َر ْوا كيف ُيبدىء اللّه‬
‫َ‬ ‫{‪َ }19‬‬
‫أهون عليه}‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يعيده وهو‬
‫الخلق ثم ُ‬
‫َ‬ ‫يسير}؛ كما قال تعالى‪{ :‬وهو الذي يبدأ‬ ‫اللّه ٌ‬
‫وشك في االبتداء‪{ :‬سيروا في‬ ‫ريب ٌّ‬ ‫ص َل معهم ٌ‬ ‫{‪{ }20‬قل}‪ :‬لهم إن َح َ‬
‫فإنكم َستَ ِجدون أمماً من‬
‫ق}‪َّ :‬‬ ‫األرض}‪ :‬بأبدانِكم وقلوبِكم‪{ ،‬فانظُروا كيف َب َدأ َ‬
‫الخْل َ‬ ‫ِ‬
‫ث‬
‫تحد ُ‬
‫النبات واألشجار كيف ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫والحيوانات ال تزال توجد شيئاً فشيئاً‪ ،‬وتجدون‬ ‫اآلدميين‬
‫مستمرةً في ُّ‬
‫تجددها‪ ،‬بل الخلق‬ ‫َّ‬ ‫وقتاً بعد وقت‪ ،‬وتجدون السحاب والرياح ونحوها‬
‫فانظُ ْر إليهم وقت موتتهم الصغرى ـ النوم ـ؛ وقد َه َج َم عليهم‬ ‫بدء وإ ٍ‬
‫عادة؛ ْ‬ ‫دائماً في ٍ‬
‫األصوات‪ ،‬وصاروا في‬ ‫ُ‬ ‫وانقطعت منهم‬
‫ْ‬ ‫الحركات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بظالم ِه‪ ،‬فسكنت منهم‬
‫ِ‬ ‫اللي ُل‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬يجازيكم»‪.‬‬


‫فرشهم ومأواهم كالميتين‪ ،‬ثم َّإنهم لم يزالوا على ذلك طول ليلهم حتى انفلق األصباح‪،‬‬
‫وب ِعثوا من موتتهم؛ قائلين‪ :‬الحمد للّه الذي أحيانا بعدما أماتنا‬
‫فانتبهوا من رقدتهم‪ُ ،‬‬
‫ىء النشأة اآلخرة}‪ :‬وهي النشأةُ‬ ‫النشور‪ .‬ولهذا قال‪{ :‬ثم اللّه}‪ :‬بعد اإلعادة ِ‬
‫وإ ليه ُّ‬
‫{ي ْنش ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والدوام في إحدى الدارين‪َّ .‬‬
‫{إن اللّه على‬ ‫ُ‬ ‫الخلود‬
‫ُ‬ ‫التي ال تَ ْقَب ُل موتاً وال نوماً‪ ،‬وإ َّنما هو‬
‫ِ‬
‫ابتداء الخلق؛‬ ‫قدير}‪ :‬فقدرته تعالى ال ُي ْع ِج ُزها شيء‪ ،‬وكما قَ ِد َر بها على‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫كل شيء ٌ‬
‫فقدرتُه على اإلعادة من باب أولى وأحرى‪.‬‬

‫ويرحم من يشاء}؛ أي‪ :‬هو المنفرد بالحكم الجزائي‪،‬‬ ‫ب من يشاء‬ ‫{‪ِّ }21‬‬
‫{يعذ ُ‬
‫ُ‬
‫بون}؛ أي‪:‬‬
‫وتعذيب العاصين والتنكيل بهم‪{ ،‬وإ ليه تُْقلَ َ‬
‫ُ‬ ‫وهو إثابةُ الطائعين ورحمتهم‪،‬‬
‫عون إلى الدار التي بها تجري عليكم أحكام عذابِ ِه ورحمتِ ِه‪ ،‬فاكتسبوا في هذه‬ ‫ِ‬
‫ترج َ‬
‫الدار ما هو من أسباب رحمتِ ِه من الطاعات‪ ،‬وابتعدوا من أسباب عذابِ ِه وهو‬
‫المعاصي‪.‬‬

‫{‪{ }22‬وما أنتم بِ ُم ْع ِج َ‬


‫زين في األرض وال في السماء}؛ أي‪ :‬يا هؤالء‬
‫المتجرؤون على المعاصي! ال تحسبوا أنه مغفو ٌل عنكم أو أنكم معجزون‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫المكذبون‬
‫زينت لكم أنفسكم وخدعتْكم‬‫ْ‬ ‫(‪ )1‬للّه في األرض وال في السماء؛ فال تَ ُغ َّرَّنكم قدرتُكم وما‬
‫بمعجزين اللّه في جميع أقطار العالم‪{ ،‬وما ل ُكم من‬
‫َ‬ ‫من النجاة من عذاب اللّه‪ ،‬فلستُم‬
‫ٍ‬
‫نصير}‪:‬‬ ‫فيحص َل لكم مصالح دينكم ودنياكم‪{ .‬وال‬ ‫ِّ‬ ‫ـي}‪ :‬يتوالَّكم‬ ‫ِ‬
‫دون اللّه من ول ٍّ‬
‫ِ‬
‫المكارهَ‪.‬‬ ‫ينص ُركم فيدفع عنكم‬
‫ُ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽﯷ ﯸ‬
‫الشر‪َّ ،‬‬
‫وأنهم‬ ‫ص َل لهم ُّ‬
‫وح َ‬
‫الخير َ‬
‫{‪ }23‬يخبر تعالى من هم الذين زال عنهم ُ‬
‫وكذبوا بلقاء اللّه‪ ،‬فليس عندهم إالَّ ُّ‬
‫الدنيا؛‬ ‫الذين كفروا به وبرسله وبما جاؤوهم به‪َّ ،‬‬
‫فلذلك أقدموا (‪ )2‬على ما أقدموا عليه من الشرك والمعاصي؛ ألنه ليس في قلوبهم ما‬
‫يخوفهم من عاقبة ذلك‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬أولئك َيئِسوا من رحمتي}؛ أي‪ :‬فلذلك لم يعملوا‬ ‫ِّ‬
‫ِّلون به الرحمةَ‪ ،‬وإ الَّ ؛ فلو طمعوا في رحمته؛ لعملوا لذلك أعماالً‪.‬‬
‫ـحص َ‬ ‫سبباً واحداً ُي َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬أو معجزين اهلل»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬قدموا»‪.‬‬
‫إياس الكفَّار منها‬
‫واإلياس من رحمة اللّه من أعظم المحاذير‪ ،‬وهو نوعان‪ُ :‬‬
‫ياس العصاة بسبب كثر ِة جناياتهم ْأو َح َشتْهم‬
‫يقرُبهم منها‪ .‬وإ ُ‬
‫وتر ُكهم جميع سبب ِّ‬
‫أليم}؛ أي‪ :‬مؤلم موجع‪.‬‬ ‫عذاب ٌ‬
‫ٌ‬ ‫قلوبهم‪ ،‬فأحدث لها اإلياس‪{ .‬وأولئك لهم‬
‫ت َ‬ ‫فملَ َك ْ‬
‫َ‬
‫أعلم‬ ‫معترضات بين كالم إبراهيم لقومه ِّ‬ ‫ِ‬
‫وردهم عليه‪ ،‬واللّه ُ‬ ‫ٌ‬ ‫اآليات‬ ‫وكأن هذه‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ‪.‬‬

‫إلبراهيم (‪ )1‬حين دعاهم إلى ربِّه قبو َل‬


‫َ‬ ‫إبراهيم‬
‫َ‬ ‫{‪ }24‬أي‪ :‬فما كان مجاوبةُ قوم‬
‫واالهتداء ُبنصحه ورؤيةَ نعمة اللّه عليهم بإرساله إليهم‪ ،‬وإ َّنما كان مجاوبتُهم‬
‫َ‬ ‫دعوتِ ِه‬
‫أناس مقتدرون‪ ،‬لهم‬
‫شر مجاوبة‪{ ،‬قالوا ا ْقتُلوهُ أو َح ِّرقوهُ}‪ :‬أشنع القتالت‪ ،‬وهم ٌ‬‫له َّ‬
‫يؤمنون}‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫آليات لقوم‬ ‫السلطان‪ ،‬فألقَ ْوه في النار‪{ ،‬فأنجاه اللّهُ}‪ :‬منها‪َّ .‬‬
‫{إن في ذلك‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وبطالن قول من خالفهم‬ ‫ص َحهم‬ ‫فيعلمون ِ‬
‫ص َّحةَ ما جاءت به الرس ُل وبَِّرهم ُ‬
‫َ‬ ‫ون ْ‬ ‫َ‬
‫بعضهم بعضاً على التكذيب‪.‬‬
‫وحث ُ‬ ‫َّ‬ ‫تواص ْوا‬ ‫للرسل َّ‬
‫كأنهم‬ ‫وأن المعارضين ُّ‬ ‫ضهم‪َّ ،‬‬ ‫وناقَ َ‬
‫َ‬
‫{إنما اتَّخذتُم من دون‬ ‫{‪{ }25‬وقال}‪ :‬لهم إبراهيم في ِ‬
‫جملة ما قاله من ُنصحه‪َّ :‬‬ ‫ُ‬
‫مودةٌ في الدنيا ستنقطعُ‬ ‫مودةَ َب ْينِ ُكم في الحياة ُّ‬
‫الدنيا}؛ أي‪ :‬غايةُ ذلك َّ‬ ‫اللّه أوثاناً َّ‬
‫يتبرأ ٌّ‬
‫كل‬ ‫بعضكم بعضاً}؛ أي‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ويلعن ُ‬
‫ُ‬ ‫بعضكم ببعض‬ ‫يوم القيامة َي ْكفُُر ُ‬
‫وتضمحل‪{ ،‬ثم َ‬
‫الناس؛ كانوا لهم أعداء وكانوا‬ ‫ِ‬
‫من العابدين والمعبودين من اآلخر‪ ،‬وإ ذا ُحش َر ُ‬
‫ويلعنهم‪َّ .‬‬
‫وأن مأوى‬ ‫يعلم أنه سيتبرأ من عابديه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫بعبادتهم كافرين؛ فكيف تتعلقون ب َم ْن ُ‬
‫ينص ُرهم من عذاب اللّه‪ ،‬وال يدفعُ‬
‫أحد ُ‬
‫الجميع العابدين والمعبودين {النار}‪ :‬وليس ٌ‬
‫عنهم عقابه‪.‬‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮧ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫مستمرون‬
‫ُّ‬ ‫قومه‪ ،‬وهم‬ ‫إبراهيم عليه الصالة والسالم َي ْدعو َ‬
‫ُ‬ ‫يزل‬
‫{‪ }26‬أي‪ :‬لم ْ‬
‫على عنادهم؛ إالَّ َّأنه آمن له بدعوته لوطٌ الذي َّنبأه اللّه وأرسله إلى قو ِم ِه كما سيأتي‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬إبراهيم»‪.‬‬


‫مهاجر إلى‬
‫ٌ‬ ‫{إنـي‬ ‫أن دعوةَ قو ِم ِه ال ُ‬
‫تفيدهم شيئاً‪ِّ :‬‬ ‫إبراهيم حين رأى َّ‬
‫ُ‬ ‫ِذ ْكره‪{ ،‬وقال}‪:‬‬
‫ومهاجٌر إلى األرض المباركة‪ ،‬وهي الشام‪َّ .‬‬
‫{إنه هو‬ ‫ِ‬ ‫أرض السوء‪،‬‬
‫َ‬ ‫ربـي}؛ أي‪ِ :‬‬
‫هاجٌر‬ ‫ِّ‬
‫حكيم‪ ،‬ما اقتضت حكمتُه‬ ‫القوة‪ ،‬وهو ِ‬
‫يقد ُر على هدايتكم‪َّ ،‬‬
‫ولكنه ٌ‬ ‫العزيز}؛ أي‪ :‬الذي له َّ‬
‫ُ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بعذاب‪ ،‬بل‬ ‫يذكر اللّه عنهم َّأنه أهلكهم‬ ‫بحال ِهم؛ لم ِ‬ ‫ول َّـما اعتزلهم وفارقَهم وهم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلسرائيليات َّ‬
‫أن اللّه‬ ‫َذ َك َر اعتزالَه َّإياهم وهجرتَه من بين أظهُ ِرهم‪َّ ،‬‬
‫فأما ما ُي ْذ َك ُر في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأتلَفَهم عن‬
‫لحومهم‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫ماءهم‪ ،‬وأكل‬ ‫تعالى فتح على قو ِمه باب البعوض‪ ،‬فشرب د َ‬
‫يوجد؛ فلو كان اللَّه‬
‫ْ‬ ‫الشرعي‪ ،‬ولم‬
‫ِّ‬ ‫ف الجزم به على الدليل‬ ‫آخرهم؛ فهذا يتوقَّ ُ‬
‫المكذبة‪ ،‬ولكن هل من أسرار ذلك أن‬ ‫ِّ‬ ‫ك األمم‬
‫استأصلَهم بالعذاب؛ لَ َذ َك َره كما َذ َك َر إهال َ‬
‫َ‬
‫الخليل عليه السالم من أرحم الخلق وأفضلهم وأحلمهم وأجلِّهم؛ فلم َي ْدعُ على قو ِم ِه‬
‫عاما؟ ومما ُّ‬ ‫ِ‬
‫يدل على ذلك َّأنه راجع‬ ‫غيره‪ ،‬ولم يكن اللّهُ لَي ْج ِز َ‬
‫ي بسببه عذاباً ًّ‬ ‫كما دعا ُ‬
‫قومه‪ .‬واللّه أعلم‬
‫وجادلَهم‪ ،‬ودافَ َع عنهم‪ ،‬وهم ليسوا َ‬
‫َ‬ ‫المالئكة في إهالك قوم لوط‪،‬‬
‫بالحال‪.‬‬

‫{وج َعْلنا في‬


‫ويعقوب}؛ أي‪ :‬بعدما هاجر إلى الشام‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫إسحاق‬
‫َ‬ ‫{ووه ْبنا له‬
‫َ‬ ‫{‪}27‬‬
‫كتاب إالَّ على‬ ‫بعده ٌّ َّ‬
‫نبي إال من ُذ ِّرَّيتِ ِه‪ ،‬وال نزل ٌ‬ ‫يأت َ‬‫النبوة والكتاب}‪ :‬فلم ِ‬
‫ذرَّيتِ ِه َّ‬
‫َّ‬
‫ذرَّيته‪ ،‬حتى ُختموا بابنه محمد (ص) وعليهم أجمعين‪ .‬وهذا من أعظم (‪ )1‬المناقب‬ ‫ِّ‬
‫والفوز في ُذ ِّرَّيتِ ِه‪ ،‬وعلى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والسعادة والفالح‬ ‫ِ‬
‫والرحمة‬ ‫ِ‬
‫الهداية‬ ‫تكون ُّ‬
‫مواد‬ ‫أن َ‬
‫والمفاخر‪ْ ،‬‬
‫أج َره في‬ ‫أيديهم اهتدى المهتدون‪ ،‬وآمن المؤمنون‪ ،‬وصلح الصالحون‪{ ،‬وآتَْيناه ْ‬
‫ت‬
‫الدنيا}‪ :‬من الزوجة الجميلة فائقة الجمال‪ ،‬والرزق الواسع‪ ،‬واألوالد الذين بهم قََّر ْ‬ ‫ُّ‬
‫ومحبته واإلنابة إليه‪{ .‬وإ َّنه في اآلخرة لَ ِم َن الصالحين}‪ :‬بل هو‬
‫َّ‬ ‫عينه‪ ،‬ومعرفة اللّه‬
‫ُ‬
‫وسلّم أفضل الصالحين على اإلطالق وأعالهم منزلةً‪ .‬فجمع‬
‫ومحمد صلى اهلل عليهما َ‬
‫ٌ‬
‫الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سعادة ُّ‬ ‫اللّه له بين‬
‫ﭽﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وهذا أعظم»‪.‬‬


‫ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫(‪)1‬‬
‫ﮢ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫ﮗ ﮘ‬

‫أن لوطاً عليه السالم آمن إلبراهيم وصار من المهتدين به‪ ،‬وقد ذكروا َّأنه‬ ‫تقدم َّ‬ ‫َّ‬
‫{وج َعْلنا في ُذ ِّرَّيتِ ِه‬
‫ليس من ُذ ِّرَّية إبراهيم‪ ،‬وإ َّنما هو ابن أخي إبراهيم؛ فقوله تعالى‪َ :‬‬
‫نبيا رسوالً‪ ،‬وهو ليس من‬ ‫عاما؛ فال يناقض كون لوط ًّ‬
‫النبوة والكتاب}‪ :‬وإ ْن كان ًّ‬ ‫َّ‬
‫أن لوطاً اهتدى‬ ‫ألن اآلية جيء بها لسياق المدح والثناء على الخليل‪ ،‬وقد أخبر َّ‬ ‫ُذ ِّرَّيتِ ِه؛ َّ‬
‫على يديه‪ ،‬ومن اهتدى على يديه؛ أكمل م َّـمن اهتدى ِمن ُذ ِّرَّيتِ ِه بالنسبة إلى فضيلة‬
‫الهادي‪ .‬واللّه أعلم‪.‬‬

‫{‪ 28‬ـ ‪ }29‬فأرسل اللّه لوطاً إلى قومه‪ ،‬وكانوا مع شركهم قد جمعوا بين فعل‬
‫الم ْنكرات في مجالسهم‪ ،‬فنصحهم لوطٌ عن‬ ‫ُّ‬
‫الفاحشة في الذكور وتقطيع السبيل وفُ ُش ِّو ُ‬
‫وبين لهم قبائحها في نفسها وما تؤول إليه من العقوبة البليغة‪ ،‬فلم‬ ‫هذه األمور‪َّ ،‬‬
‫كنت من‬ ‫ِ‬
‫بعذاب اللّه إن َ‬ ‫جواب قو ِم ِه إالَّ أن قالوا ا ْئتِنا‬
‫َ‬ ‫َي ْر َعووا ولم َي َّذ َّكروا‪{ .‬فما كان‬
‫الصادقين}‪.‬‬

‫نبيهم‪ ،‬وعلم استحقاقهم العذاب‪ ،‬وجزع من شدة‬ ‫{‪ 30‬ـ ‪ }35‬فأيس منهم ُّ‬
‫المفسدين}‪ :‬فاستجاب اللّه‬ ‫ِ‬ ‫انص ْرني على القوم‬ ‫تكذيبهم له‪ ،‬فدعا عليهم‪ ،‬و{قال ِّ‬
‫رب ُ‬
‫بإسحاق ومن‬‫َ‬ ‫وبشروه‬ ‫فمروا بإبراهيم قبل ذلك‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫إلهالك ِهم‪ُّ ،‬‬ ‫دعاءه‪ ،‬فأرسل المالئكةَ‬
‫َ‬
‫إهالك‬
‫َ‬ ‫إبراهيم‪ :‬أين يريدون؟ فأخبروه َّأنهم يريدون‬ ‫إسحاق يعقوب‪ ،‬ثم سألهم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وراء‬
‫ُ‬
‫{إن فيها لوطاً}‪ ،‬فقالوا له‪{ :‬لَننجِّيَّنه وأهلَه إالَّ‬ ‫قوم لوط‪ ،‬فجعل ِ‬
‫يراج ُعهم ويقول‪َّ :‬‬
‫َُ َ ُ‬
‫مجيئهم‪ ،‬وضاق بهم‬
‫ض ْوا حتى أتوا لوطاً‪ ،‬فساءه ُ‬
‫امرأتَه كانت من الغابرين}‪ :‬ثم َم َ‬
‫وظن َّأنهم من جملة أبناء السبيل الضيوف‪ ،‬فخاف عليهم‬ ‫َذ ْرعاً؛ بحيث إنه لم ِ‬
‫يعر ْفهم‪َّ ،‬‬
‫منجوك‬ ‫ف وال تَ ْـح َز ْن}‪ :‬وأخبروه َّأنهم رسل اللّه‪َّ ،‬‬
‫{إنا ُّ‬ ‫ـخ ْ‬
‫من قومه‪ ،‬فقالوا له‪{ :‬ال تَ َ‬
‫ك كانت من الغابرين‪َّ .‬إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً}؛ أي‪:‬‬ ‫ك إالَّ امرأتَ َ‬
‫وأهلَ َ‬
‫ْ‬
‫ي بأهله ليالً‪ ،‬فلما أصبحوا؛‬‫عذاباً {من السماء بما كانوا َي ْف ُسقون}‪ :‬فأمروه أن َي ْس ِر َ‬
‫ب اللّه عليهم ديارهم‪ ،‬فجعل عاليها سافلها‪ ،‬وأمطر عليهم حجارةً من ِس ِّجيل متتابعة‬ ‫َقلَ َ‬
‫‪ - 1‬ما بين المعقوفتين زيادة ال توجد في ( أ )‪ .‬وفي (ب)‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬
‫حتى أبادتهم وأهلكتهم فصاروا سمراً من األسمار وعبرةً من العبر‪{ .‬ولقد تََر ْكنا منها‬
‫آيةً بيَِّنةً لقوم يعقلون}؛ أي‪ :‬تركنا من ديار قوم لوط آثاراً بيِّنة لقوم يعقلون ِ‬
‫العَب َر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وبالليل أفال‬ ‫مصبحين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ون عليهم‬ ‫فينتفعون بها؛ كما قال تعالى‪{ :‬وإ َّن ُكم لَتَ ُم ُّر َ‬
‫َ‬ ‫بقلوبهم‬
‫لون}‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تعق َ‬
‫ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ 36‬ـ ‪ }37‬أي‪{ :‬و} أرسلنا {إلى َم ْدَي َن}‪ :‬القبيلة المعروفة المشهورة { ُش َع ْيباً}‪:‬‬
‫فأمرهم بعبادة اللّه وحده ال شريك له‪ ،‬واإليمان بالبعث ورجائه والعمل له‪ ،‬ونهاهم‬
‫طع الطُّ ُرق‪{ .‬فكذبوه}‪:‬‬ ‫اإلفساد في األرض ببخس المكاييل والموازين والسعي بقَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫عن‬
‫جاثمين}‪.‬‬
‫َ‬ ‫عذاب اللّه‪{ ،‬فأصبحوا في ِ‬
‫دارهم‬ ‫ُ‬ ‫فأخذهم‬
‫ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭰ‬
‫صصهم‪َّ ،‬‬
‫وتبين لكم‬ ‫{‪ }38‬أي‪ :‬وكذلك ما فَعْلنا ٍ‬
‫قَ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫علمت‬
‫َ‬ ‫وثمود‪ ،‬وقد‬
‫َ‬ ‫بعاد‬ ‫َ‬
‫مساكنِهم ِ‬
‫وآثار ِهم التي بانوا عنها‪ ،‬وقد جاءتهم رسلُهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأبصاركم من‬ ‫بشيء تشاهدونه‬
‫فكذبوهم وجادلوهم‪ ،‬وزين لهم الشيطان عملهم‪،‬‬ ‫باآليات البينات المفيدة للبصيرة‪َّ ،‬‬
‫حتى ظنوا أنه أفضل مما جاءتهم به الرسل‪.‬‬

‫وهامان‪ ،‬حين بعث اللّه إليهم موسى بن عمران‬


‫ُ‬ ‫وفرعون‬
‫ُ‬ ‫قارون‬
‫ُ‬ ‫{‪ }39‬وكذلك‬
‫باآليات البينات والبراهين الساطعات‪ ،‬فلم ينقادوا‪ ،‬واستكبروا في األرض على عباد‬
‫اللّه فأذلُّوهم‪ ،‬وعلى ِّ‬
‫الحق فردوه فلم يقدروا على النجاء حين نزلت بهم العقوبة‪{ .‬وما‬
‫واستَ ْسلموا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فائتين‪ ،‬بل سلموا ْ‬
‫َ‬ ‫سابقين}‪ :‬اللّهَ وال‬
‫َ‬ ‫كانوا‬
‫ٍ‬
‫وبعقوبة‬ ‫المكذبة {أخذنا بِ َذنبِ ِه}‪ :‬على قدره‬
‫ِّ‬ ‫{‪{ }40‬فكالًّ}‪ :‬من هؤالء األمم‬
‫صبهم كقوم ٍ‬
‫عاد حين‬ ‫ِ‬
‫مناسبة له‪{ ،‬فمنهم َم ْن ْأر َسْلنا عليه حاصباً}؛ أي‪ :‬عذاباً َي ْـح ُ‬
‫سبع ليال وثمانيةَ أيام حسوماً فترى‬‫و{سخرها عليهم َ‬‫َّ‬ ‫أرسل اللّه {عليهم الريح العقيم}‬
‫أخ َذتْه الصيحةُ}‪ :‬كقوم‬
‫أعجاز نخل خاوية}‪{ ،‬ومنهم من َ‬
‫ُ‬ ‫ص ْرعى َّ‬
‫كأنهم‬ ‫القوم فيها َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬علمتم»‪.‬‬


‫أغ َر ْقنا}‪ :‬كفرعون‬
‫صالح‪{ ،‬ومنهم َم ْن َخ َس ْفنا به األرض}‪ :‬كقارون‪{ ،‬ومنهم من ْ‬
‫يليق به تعالى أن يظلمهم‬ ‫وهامان وجنودهما‪{ .‬وما كان اللّهُ}؛ أي‪ :‬ما ينبغي وال ُ‬
‫ون}‪ :‬منعوها حقَّها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكمال عدله وغناه التام عن جميع الخلق‪{ ،‬ولكن َك ُانوا أنفُ َسهُم َيظل ُم َ‬
‫موض ِعها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ضعوها في غير‬ ‫فإنها مخلوقةٌ لعبادة اللّه وحده؛ فهؤالء َو َ‬‫بصدد ِه؛ َّ‬
‫ِ‬ ‫التي هي‬
‫فضروها غاية الضرر من حيث ُّ‬
‫ظنوا أنهم‬ ‫ِ‬
‫بالشهوات والمعاصي‪ُّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫و َش َغلوها‬
‫ينفعونها‪.‬‬
‫ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ‪.‬‬

‫والتقوي‬
‫ِّ‬ ‫يقصد به ُّ‬
‫التعزز‬ ‫ُ‬ ‫غيره‬
‫{‪ }41‬هذا مث ٌل ضربه اللّه لمن َعَب َد معه َ‬
‫فإن َمثَلَه كمثل العنكبوت اتَّخذت بيتاً يقيها من‬
‫وأن األمر بخالف مقصوده؛ َّ‬ ‫والنفع‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫العنكبوت}‪:‬‬ ‫{لبيت‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البيوت}‪ :‬أضعفها وأوهاها‬ ‫أوهن‬ ‫الحر والبرد واآلفات‪{ ،‬وإ َّن‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫ازدادت باتِّخاذه‬
‫ْ‬ ‫فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة‪ ،‬وبيتُها من أضعف البيوت؛ فما‬
‫إالَّ ضعفاً‪.‬‬

‫كذلك هؤالء الذين يتَّخذون من دونه أولياء فقراء عاجزون من جميع الوجوه‪،‬‬
‫ض ْعفاً إلى‬ ‫ِ‬ ‫وحين اتَّخذوا األولياء من دونه َّ‬
‫يتعززون بهم ويستَْنصرونهم؛ـ ازدادوا َ‬
‫فإنهم اتَّكلوا عليهم في كثير من مصالحهم‪ ،‬وأْلقَ ْوها عليهم‪،‬‬ ‫ضعفهم ووهناً إلى وهنهم؛ َّ‬
‫يحصلوا منهم على‬ ‫ُ‬ ‫أن أولئك سيقومون بها‪ ،‬فخذلوهم‪ ،‬فلم‬ ‫وتخلَّ ْوا هم عنها؛ على َّ‬
‫أقل نائل؛ فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم حالهم وحال‬ ‫طائل‪ ،‬وال أنالوهم من معونتهم َّ‬
‫الرب القادر الرحيم‪ ،‬الذي إذا‬‫َّ‬ ‫َمن اتَّخذوهم؛ لم َيتَّ ِخذوهم‪ ،‬ولتبرؤوا منهم‪ ،‬ولتولَّوا‬
‫قوته في قلبه وبدنه‬ ‫قوة إلى َّ‬
‫وتوكل عليه؛ كفاه مؤونة دينه ودنياه‪ ،‬وازداد َّ‬ ‫توالَّه ُ‬
‫عبده َّ‬
‫وحاله وأعماله‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫{‪ }42‬ول َّـما َّبين نهايةَ َ‬


‫ض ْعف آلهة المشركين؛ ارتقى من هذا إلى ما هو أبلغ‬
‫ٍ‬
‫وظنون اعتقدوها‪ ،‬وعند التحقيق‬ ‫سم ْوها‬
‫مجر ُد أسماء َّ‬ ‫منه‪َّ ،‬‬
‫وأنها ليس بشيء‪ ،‬بل هي َّ‬
‫دعون من دونِ ِه من‬
‫يعلم ما َي َ‬
‫{إن اللّه ُ‬‫يتبيـَّن للعاقل بطالنها وعدمها‪ ،‬ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وأشغلوها»‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬وفي بدنه»‪.‬‬
‫شيء}؛ أي‪َّ :‬إنه تعالى يعلم ـ وهو عالم الغيب والشهادة ـ َّأنهم ما يدعون من دون اللّه‬ ‫ٍ‬
‫أسماء َس َّم ْيتُوها أنتُم وآباؤكم‬ ‫شيئاً موجوداً وال إلهاً له حقيقةً؛ كقوله تعالى‪{ :‬إن هي إالَّ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫إن‬
‫شركاء ْ‬
‫َ‬ ‫سلطان}‪ ،‬وقوله‪{ :‬وما َيتَّبِعُ الذين َي ْدعون ِمن دون اللّه‬
‫ٍ‬ ‫ما ْأن َز َل اللّه بها من‬
‫القوة جميعاً‪ ،‬التي قهر بها جميع الخلق‪.‬‬
‫العزيز}‪ :‬الذي له َّ‬
‫ُ‬ ‫َيتَّبِعون إال َّ‬
‫الظن}‪{ .‬وهو‬
‫وأتقن ما أمره‪.‬‬ ‫كل شيء َخلَقَه‬ ‫ِ‬
‫مواضعها‪ ،‬الذي أحسن َّ‬ ‫{الحكيم}‪ :‬الذي يضع األشياء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ِرُبها للناس}؛ أي‪ :‬ألجلهم والنتفاعهم وتعليمهم؛‬
‫{‪{ }43‬وتلك األمثا ُل َن ْ‬
‫ب األمور المعقولة باألمور‬ ‫لكونِها من الطرق الموضحة للعلوم؛ َّ‬
‫ألنها تُقَِّر ُ‬
‫المحسوسة‪ ،‬فيتَّضح المعنى المطلوب بسببها؛ فهي مصلحة لعموم الناس‪{ .‬و} لكن‬
‫ت له وع َقلَها في القلب {إالَّ‬ ‫ِ‬
‫ض ِرَب ْ َ َ‬
‫{ما َيعقلُهَا}‪ :‬لفهمها وتدبرها وتطبيقها على ما ُ‬ ‫َ‬
‫مدح‬ ‫َّ‬
‫العلم إلى قلوبهم‪ .‬وهذا ٌ‬ ‫العالمون}؛ أي‪ :‬إال أه ُل العلم الحقيقي‪ ،‬الذين وصل ُ‬ ‫َ‬
‫عنوان‬
‫ٌ‬ ‫ومدح لمن َي ْع ِقلها‪َّ ،‬‬
‫وأنه‬ ‫ٌ‬ ‫تدبرها ُّ‬
‫وتعقلها‪،‬‬ ‫وحث على ُّ‬ ‫ٌّ‬ ‫لألمثال التي ِ‬
‫يضرُبها‪،‬‬
‫أن َم ْن لم َي ْع ِقْلها ليس من العالمين‪.‬‬
‫فعِل َم َّ‬
‫على َّأنه من أهل العلم‪ُ ،‬‬
‫أن األمثال التي ِ‬
‫يضربها اللّه في القرآن َّإنما هي لألمور‬ ‫والسبب في ذلك َّ‬
‫ُ‬
‫أهم من غيرها؛‬ ‫الكبار والمطالب العالية والمسائل الجليلة‪ ،‬فأه ُل العلم ِ‬
‫يعرفون َّأنها ُّ‬
‫وأما‬
‫جهدهم في معرفتها‪ّ ،‬‬ ‫وتدبرها‪ ،‬فيبذلون َ‬ ‫العتناء اللّه بها‪ ،‬وحثِّه َ‬
‫عباده على ُّ‬
‫تعقلها ُّ‬
‫من لم َي ْع ِقْلها مع أهميِّتها؛ َّ‬
‫فإن ذلك دلي ٌل على َّأنه ليس من أهل العلم؛ َّ‬
‫ألنه إذا لم يعرف‬
‫ب‬ ‫أكثر ما ِ‬ ‫ِِ‬
‫يضر ُ‬ ‫غيرها من باب أولى وأحرى‪ ،‬ولهذا ُ‬ ‫المهمة‪ ،‬فعدم معرفته َ‬
‫َّ‬ ‫المسائل‬
‫اللّهُ األمثا َل في أصول الدين ونحوها‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ‬
‫وس َعتِها‬
‫علوها وارتفاعها َ‬
‫ِ‬
‫السماوات على ِّ‬ ‫المنفرد بخلق‬
‫ُ‬ ‫{‪ }44‬أي‪ :‬هو تعالى‬
‫وحسنها وما فيها من الشمس والقمر والكواكب والمالئكة‪ ،‬واألرض وما فيها من‬
‫ِّ‬
‫بالحق؛ أي‪ :‬لم‬ ‫الجبال والبحار والبراري والقفار واألشجار ونحوها‪ُّ ،‬‬
‫وكل ذلك َخلَقَه‬
‫ولتتم نعمتُه‬
‫وشرعه‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫سدى وال لغير فائدة‪ ،‬وإ َّنما خلقها ليقوم أمره‬
‫َي ْـخلُ ْقها عبثاً وال ً‬
‫معبودهم‬
‫ُ‬ ‫وتدبير ِه ما يدلُّهم على َّأنه َ‬
‫وحده‬ ‫ِ‬ ‫على عباده‪ ،‬وِلَي َر ْوا من حكمتِ ِه ِ‬
‫وقهر ِه‬
‫َّ‬
‫اإليمانية‪ ،‬إذا‬ ‫ومحبوبهم وإ لههم‪َّ .‬‬
‫{إن في ذلك آليةً للمؤمنين}‪ :‬على كثير من المطالب‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫تدبرها المؤمن؛ رأى ذلك فيها عياناً‪.‬‬
‫ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬ ‫ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯱ ﯲ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }45‬يأمر تعالى بتالوة وحيه وتنزيله‪ ،‬وهو هذا الكتاب العظيم‪ ،‬ومعنى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالهتداء بهداه‪ ،‬وتصديق‬ ‫يأمر به واجتناب ما ينهى [عنه]‪،‬‬ ‫تالوتِه‪ :‬اتِّ ُ‬
‫باعهُ بامتثال ما ُ‬
‫وبعضه‪ ،‬وإ ذا‬ ‫جزء المعنى‬ ‫ِِ‬ ‫أخباره‪ُّ ،‬‬
‫َ‬ ‫وتدبر معانيه‪ ،‬وتالوة ألفاظه‪ .‬فصار تالوةُ لفظه َ‬
‫كان هذا معنى تالوة الكتاب؛ ُعِل َم َّ‬
‫أن إقامةَ الدين ُكلِّه داخلةٌ في تالوة الكتاب‪ ،‬فيكون‬
‫العام؛ لفضل الصالة وشرفها‬ ‫الخاص على ِّ‬
‫ِّ‬ ‫قوله‪{ :‬وأقم الصالة}‪ :‬من باب عطف‬
‫كل ما‬‫{إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر}‪ :‬فالفحشاء ُّ‬ ‫وآثارها الجميلة‪ ،‬وهي‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫كل معصية تُْن ِك ُرها‬
‫استُ ْع ِظم واستُ ْف ِح َش من المعاصي التي تشتهيها النفوس‪ ،‬والمن َكر ُّ‬
‫َ‬
‫العقول والفطر‪.‬‬

‫المتمم‬
‫أن العبد المقيم لها ِّ‬ ‫ووجهُ ِ‬
‫كون الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر‪َّ :‬‬ ‫ْ‬
‫إيمانه وتقوى رغبتُه‬
‫ويزداد ُ‬
‫ُ‬ ‫قلبه ويتطهَّر فؤاده‬
‫يستنير ُ‬
‫ُ‬ ‫ألركانها وشروطها وخشوعها‬
‫الشر؛ فبالضرورةـ مداومتها‪ ،‬والمحافظةُ عليها‬ ‫في الخير ُّ‬
‫وتقل أو تعدم رغبتُه في ِّ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫مقاصد الصالة‬ ‫على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ فهذا من أعظم‬
‫وثمراتها‪.‬‬

‫اشتملت عليه من ِذ ْك ِر‬


‫ْ‬ ‫وأكبر‪ ،‬وهو ما‬
‫ُ‬ ‫أعظم من هذا‬
‫ُ‬ ‫مقصود‬
‫ٌ‬ ‫وثََّم في الصالة‬
‫ٍ‬
‫عبادة‬ ‫فإن اللّه تعالى َّإنما خلق العباد (‪ )2‬لعبادتِ ِه‪ ،‬وأفض ُل‬
‫اللّه بالقلب واللسان والبدن؛ َّ‬
‫عبوديات الجوارح كلِّها ما ليس في غيرها‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬‫َّ‬ ‫تقع منهم الصالة‪ ،‬وفيها من‬
‫أن ِذ ْك َره تعالى خارج‬ ‫وي ْـحتَ َم ُل َّأنه ل َّـما َ‬
‫أم َر بالصالة ومدحها؛ أخبر َّ‬ ‫أكبر}‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫{ولَذ ْك ُر اللّه ُ‬
‫لكن األول أولى؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫أكبر من الصالة؛ كما هو قو ُل جمهور المفسِّرين‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة ُ‬
‫تقدم ـ ِ‬
‫بنفسها من أكبر الذكر‪{ .‬واللّه‬ ‫وألنها ـ كما َّ‬
‫الذكر خارجها‪َّ ،‬‬ ‫الصالة أفض ُل من ِّ‬
‫وشر‪ ،‬فيجازيكم على ذلك أكمل الجزاء وأوفاه‪.‬‬ ‫عون}‪ :‬من ٍ‬
‫خير ٍّ‬ ‫تصن َ‬
‫يعلم ما َ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬أعظم مقاصدها»‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬الخلق»‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ‪.‬‬

‫كانت عن غير بصير ٍة من‬


‫{‪ }46‬ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب إذا ْ‬
‫يجادلوا إالَّ بالتي هي أحسن؛ بحسن ُخلُق‬
‫وأن ال ِ‬ ‫المجاد ِل أو بغير قاعدة مر ِ‬
‫ضَّية‪ْ ،‬‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫ورد عن الباطل وتهجينه بأقرب طري ٍ‬
‫ق‬ ‫الحق وتحسينه‪ِّ ،‬‬‫ِّ‬ ‫ولين كالم ودعو ٍة إلى‬ ‫ٍ‬
‫ولطف ِ‬
‫ِّ‬
‫وحب العلو‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬
‫والمغالبة‬ ‫ِ‬
‫المجادلة‬ ‫مجر َد‬
‫القصد منها َّ‬ ‫وأن ال يكون‬
‫ُ‬ ‫موصل لذلك‪ْ ،‬‬
‫ظهَ َر من‬ ‫الحق وهداية الخلق‪{ ،‬إالَّ}‪َ :‬م ْن َ‬
‫ظلَ َم من أهل الكتاب؛ بأن َ‬ ‫بيان ِّ‬
‫القصد َ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫ُ‬
‫يجاد ُل على وجه المشاغبة والمغالبة؛‬‫الحق‪ ،‬وإ َّنما ِ‬‫قصده وحاله أنه ال إرادةَ له في ِّ‬
‫آمنا بالذي أ ِ‬
‫ُنز َل إلَْينا‬ ‫ألن المقصود منها ضائع‪{ ،‬وقولوا َّ‬
‫فهذا ال فائدة في جداله؛ َّ‬
‫مبنيةً على‬ ‫ُنز َل إلي ُكم وإ لهنا وإ لهكم ِ‬
‫واح ٌد}؛ أي‪ :‬ولتكن مجادلتُكم ألهل الكتاب َّ‬ ‫وأ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإليمان بما أنزل إليكم وأنزل إليهم‪ ،‬وعلى اإليمان برسولكم ورسولهم‪ ،‬وعلى َّ‬
‫أن اإلله‬
‫َّ‬
‫اإللهية‬ ‫شيء من الكتب‬ ‫وجه يحص ُل به القدح في ٍ‬‫تكن مناظرتُكم َّإياهم على ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫واحد‪ ،‬وال ْ‬ ‫ٌ‬
‫يقدح بجميع ما معهم من‬ ‫أو بأحد من الرسل كما يفعلُه الجهلةُ عند مناظرة الخصوم ُ‬
‫فإن الواجب أن ُي َر َّد ما مع‬ ‫وخروج عن الواجب وآداب النظر؛ َّ‬ ‫ظلم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬
‫ٌ‬ ‫حق وباطل؛ فهذا ٌ‬
‫الحق ألجل قوِل ِه‪ ،‬ولو كان‬
‫ُّ‬ ‫الحق‪ ،‬وال ُي َر ُّد‬
‫ِّ‬ ‫وي ْقَب َل ما معه من‬
‫الخصم من الباطل‪ُ ،‬‬
‫كافراً‪.‬‬

‫إلزام لهم باإلقرار‬


‫فإن بناء مناظرة أهل الكتاب على هذا الطريق فيه ٌ‬ ‫وأيضاً؛ َّ‬
‫الدينية والتي اتَّفقت عليها‬
‫َّ‬ ‫فإنه إذا تكلَّم في األصول‬
‫بالقرآن وبالرسول الذي جاء به؛ َّ‬
‫الكتب‬
‫ُ‬ ‫وتقررت عند المتناظرين وثبتت حقائقها عندهما وكانت‬ ‫األنبياء وال ُكتُب َّ‬
‫ُ‬
‫ومحمد (ص) قد َّبينتها‪ ،‬ودلَّت عليها وأخبرت بها؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫ٍ‬ ‫والمرسلون مع القرآن‬
‫َ‬ ‫السابقةُ‬
‫أن ُيقا َل‪:‬‬
‫فأما ْ‬ ‫التصديق بالكتب كلِّها والرسل كلِّهم‪ ،‬وهذا من خصائص اإلسالم‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫يلزم‬
‫ُ‬
‫ص َّد َ‬
‫ق ما‬ ‫ُّ‬ ‫نؤمن بما َّ‬
‫الحق الذي َ‬ ‫ـي‪ ،‬وهو‬
‫ـي دون الكتاب الفالن ِّ‬ ‫الكتاب الفالن ُّ‬
‫ُ‬ ‫دل عليه‬
‫كذب القرآن َّ‬
‫الدال‬ ‫ألنه إذا َّ‬
‫ظلم وهوى (‪ ،)1‬وهو ير ِجع إلى قوله بالتكذيب؛ َّ‬ ‫قبله؛ فهذا ٌ‬
‫مكذب لما زعم أنه به مؤمن‪ .‬وأيضاً؛‬ ‫فإنه ِّ‬‫عليها المصدق لما بين يديه من التوراة؛ َّ‬
‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫فإن مثلها وأعظم منها دالَّة على َّ‬
‫نبوة‬ ‫نبي كان؛ َّ‬‫نبوة أي ٍّ‬ ‫كل طريق تثبت بها َّ‬ ‫فإن َّ‬‫َّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وجور»‪.‬‬


‫أعظم منها يمكن‬ ‫(‪)1‬‬
‫فإن مثلَها أو‬ ‫ٍ‬
‫محمد (ص)؛ َّ‬ ‫نبوة‬ ‫(ص)‪ُّ ،‬‬
‫وكل شبهة ُيقدح بها في َّ‬
‫فثبوت بطالنِها في حقِّه (ص)‬
‫غير ِه؛ ُ‬
‫بطالنها في ِ‬
‫ُ‬ ‫غير ِه؛ فإذا ثبت‬
‫نبوة ِ‬
‫توجيهها إلى َّ‬
‫وم ْن‬ ‫مسلمون}؛ أي‪ :‬منقادون مستسلمون ِ ِ‬
‫ألمره‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫{ونحن له‬
‫ُ‬ ‫وأظهر‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أظهر‬
‫ُ‬
‫وم ِن‬
‫السعيد‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ورسل ِه وانقاد للّه واتَّبع رسلَه؛ فهو‬
‫ِ‬ ‫وآمن بجميع كتبِ ِه‬
‫َ‬ ‫آمن به واتَّخذه إلهاً‬
‫َ‬
‫انحرف عن هذا الطريق؛ فهو الشقي‪.‬‬
‫َ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ﮅ‬
‫محمد‪ ،‬هذا {الكتاب} الكريم‪ ،‬المبيـِّ َن َّ‬
‫كل نبأ‬ ‫ُ‬ ‫أنزْلنا إليك}‪ :‬يا‬
‫{‪ }47‬أي‪{ :‬وكذلك َ‬
‫ِّ‬
‫المصدق للكتب السابقة‪ ،‬المخبر به‬ ‫كل ُخلُق فاضل ٍ‬
‫وأمر كامل‪،‬‬ ‫عظيم‪ ،‬الداعي إلى ِّ‬
‫حسد‬ ‫حق معرفتِ ِه ولم ِ‬
‫يداخْلهم ٌ‬ ‫الكتاب}‪ :‬فعرفوه َّ‬ ‫األنبياء األقدمون‪{ ،‬فالذين آتَْيناهم‬
‫َ‬
‫عندهم من‬ ‫ألنهم تيقَّنوا ِ‬
‫ص ْدقَه بما لديهم من الموافقات‪ ،‬وبما َ‬ ‫{يؤمنون به}‪َّ :‬‬ ‫وهوى‪،‬‬
‫َ‬
‫تميزوا به من معرفة الحسن والقبيح والصدق والكذب‪{ .‬و ِمن‬ ‫البِشارات‪ ،‬وبما َّ‬
‫ٍ‬
‫رهبة‪{ ،‬وما‬ ‫ٍ‬
‫رغبة وال‬ ‫يؤمن به}‪ :‬إيماناً عن بصير ٍة ال عن‬ ‫{من‬
‫ُ‬ ‫هؤالء}‪ :‬الموجودين َ‬
‫حصر لمن‬ ‫والعناد له‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫الجحود ِّ‬
‫للحق‬ ‫ُ‬ ‫الكافرون}‪ :‬الذين دأبهم‬ ‫يجحد بآياتنا إالَّ‬
‫ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫صحيح؛‬
‫ٌ‬ ‫قصد‬ ‫الحق‪ ،‬و إالَّ ؛ ُّ‬
‫فكل َم ْن له ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫قصدهُ متابعةُ‬
‫أحد ُ‬‫كفر به؛ َّأنه ال يكون من ٍ‬
‫لكل َم ْن له عق ٌل أو ألقى السمع‬ ‫ِ‬
‫البينات ِّ‬ ‫يؤمن به؛ لما اشتمل عليه من‬ ‫فإنه ال َّ‬
‫َّ‬
‫بد أن َ‬
‫قومه‬‫ف ُ‬ ‫يدل على صحتِ ِه َّأنه جاء به هذا ُّ‬
‫النبي األمين‪ ،‬الذي َع َر َ‬ ‫شهيد‪ .‬ومما ُّ‬
‫وهو ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫يكتب بيده خطًّا‪ ،‬بل وال‬
‫وسائر أحواله‪ ،‬وهو ال ُ‬
‫َ‬ ‫ومخرجه‬
‫َ‬ ‫صدقَه وأمانتَه ومدخلَه‬
‫فإتيانه به في هذه الحال من أظهر البينات القاطعة التي ال تقب ُل‬
‫ُ‬ ‫يقرأ خطًّا مكتوباً‪،‬‬
‫االرتياب َّأنه من عند اللّه العزيز الحميد‪.‬‬

‫ـخطُّه‬
‫قبل ِه من كتاب وال تَ ُ‬ ‫كنت تتلو}؛ أي‪ :‬تقرأ {من ِ‬ ‫{‪ }48‬ولهذا قال‪{ :‬وما َ‬
‫ِ‬
‫الكتب السابقة‬ ‫لون}ـ‪ :‬فقالوا تَ َعلَّ َمهُ من‬ ‫ِ‬
‫{الرتاب المبط َ‬
‫َ‬ ‫بيمينك إذاً}‪ :‬لو كنت بهذه الحال‬
‫والبلغاء‬
‫َ‬ ‫الفصحاء‬
‫َ‬ ‫ت به‬ ‫فأما وقد نزل على قلبك كتاباً جليالً َّ‬
‫تحد ْي َ‬ ‫أو استنسخه منها‪َّ ،‬‬
‫ِِ‬
‫العجز‪ ،‬بل وال َّ‬
‫حدثتهم‬ ‫ِ‬ ‫فع َجزوا غايةَ‬ ‫أن يأتوا بمثله أو بسور ٍة من مثله‪َ ،‬‬
‫اء ْ‬ ‫األعداء َّ‬
‫األلد َ‬ ‫َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬و»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬خطًّا وال»‪.‬‬
‫وأن كالم ٍ‬
‫أحد من البشر ال يبلغ أن‬ ‫أنفسهم بالمعارضة؛ لعلمهم ببالغتِ ِه وفصاحتِ ِه‪َّ ،‬‬
‫يكون مجارياً له أو على منواله‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ‬ ‫ﭽﮓ ﮔ‬
‫ات {في صدور الذين أوتوا‬ ‫بينات}‪ :‬ال َّ‬
‫خفي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫{آيات‬
‫ٌ‬ ‫{‪ }49‬أي‪ :‬بل هذا القرآن‬
‫العلم}‪ :‬وهم سادةُ الخلق وعقالؤهم‪ ،‬وأولو األلباب منهم وال ُك َّمل منهم‪ ،‬فإذا كان ٍ‬
‫آيات‬ ‫ُ‬
‫يضر‪ ،‬وال‬ ‫نكار غيرهم ال ُّ‬ ‫بينات في صدور أمثال هؤالء؛ كانوا َّ‬ ‫ٍ‬
‫حجة على غيرهم‪ ،‬وإ ُ‬
‫ألنه ال يجح ُدها إالَّ‬
‫المون}‪َّ :‬‬ ‫َّ‬ ‫يكون ذلك إالَّ ظلماً‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وما‬
‫َ‬ ‫يجحد بآياتنا إال الظ َ‬
‫ُ‬
‫متمكن من معرفته على حقيقته‪ ،‬وإ َّما‬ ‫جاه ٌل‪ ،‬تكلَّم بغير علم‪ ،‬ولم ِ‬
‫يقتد بأهل العلم‪ ،‬وهو ِّ‬
‫وعرف صدقَه فخالَفه‪.‬‬
‫َ‬ ‫فعان َده‪،‬‬
‫حق َ‬ ‫متجاه ٌل عرف أنه ٌّ‬
‫ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ‪.‬‬

‫المكذبون للرسول ولما جاء به‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫{‪ }50‬أي‪ :‬واعترض هؤالء الظالمون‬
‫نؤمن لك حتى تَ ْف ُج َر لنا من‬ ‫عينوها؛ كقولهم‪{ :‬وقالوا لن‬ ‫واقترحوا عليه نزول ٍ‬
‫آيات َّ‬
‫َ‬
‫عند الرسول (ص)؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫عندهم وال َ‬ ‫ِ‬
‫اآليات ليس َ‬ ‫ِ‬
‫األرض َينبوعاً‪ }...‬اآليات‪ ،‬فتعيين‬
‫في ذلك تدبيراً مع اللَّه‪َّ ،‬‬
‫وأنه لو كان كذا‪ ،‬وينبغي أن يكون كذا‪ ،‬وليس ٍ‬
‫ألحد من األمر‬
‫إن شاء ْأن َزلَها أو منعها‪{ ،‬وإ َّنما أنا‬ ‫(‪)1‬‬
‫اآليات عند اللّه} ‪ْ :‬‬
‫ُ‬ ‫{قل َّإنما‬
‫شيء‪ ،‬ولهذا قال‪ْ :‬‬
‫ٌ‬
‫الحق من‬‫بيان ِّ‬
‫القصد َ‬
‫ُ‬ ‫مبين}‪ :‬وليس لي مرتبة فوق هذه المرتبة‪ .‬وإ ذا كان‬
‫نذير ٌ‬‫ٌ‬
‫اقتراح اآليات َّ‬
‫المعينات على ذلك‬ ‫ُ‬ ‫بأي طريق كان؛ كان‬
‫الباطل؛ فإذا حصل المقصود ِّ‬
‫ويكون في‬
‫َ‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫وتكبراً على اللّه وعلى الحق‪ ،‬بل لو قُ ِّد َر أن ِ‬
‫تنز َل تلك‬ ‫ظلماً وجوراً ُّ‬
‫بالحق إالَّ بها؛ كان ذلك ليس بإيمان‪ ،‬وإ نما ذلك شيء َ‬
‫وافق‬ ‫ِّ‬ ‫قلوبهم َّأنهم ال يؤمنون‬
‫فأي فائدة حصلت في إنزالها على‬ ‫ألنه ٌّ‬
‫حق‪ ،‬بل لتلك اآليات؛ ُّ‬ ‫أهواءهم‪ ،‬فآمنوا ال َّ‬
‫الفرضي؟‬
‫ِّ‬ ‫التقدير‬
‫الحق؛ ذكر تعالى طريقَه‪ ،‬فقال‪{ :‬أولَم ِ‬
‫يكف ِهم}‪:‬‬ ‫بيان ِّ‬
‫َ‬ ‫المقصود َ‬
‫ُ‬ ‫{‪ }51‬ولما كان‬
‫الكتاب ُيتلى عليهم}‪ :‬وهذا‬
‫َ‬ ‫جئت به‪َّ ،‬‬
‫{أنا ْأن َزْلنا عليك‬ ‫في علمهم بصدقك وصدق ما َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ولهذا قال‪ :‬إنما‪.»..‬‬


‫شيء كثير؛ َّ‬
‫فإنه كما‬ ‫ٌ‬ ‫مختصر جامعٌ فيه من اآليات البينات والدالالت الباهرات‬
‫ٌ‬ ‫كالم‬
‫ٌ‬
‫أمي من أكبر اآليات على صدقه‪ ،‬ثم عجزهم عن‬
‫بمجرده وهو ٌّ‬
‫إتيان الرسول به َّ‬
‫تقدم ُ‬‫َّ‬
‫وتحديهم َّإياه (‪ )1‬آية أخرى‪ ،‬ثم ظهوره وبروزه جهراً عالنيةً ُيتلى عليهم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫معارضته‬
‫أنصاره و َكثَُر‬ ‫قل فيه‬ ‫ويقا ُل هو من عند اللّه‪ ،‬قد أظهره الرسول وهو في ٍ‬
‫وقت َّ‬
‫ُ‬
‫رؤوس األشهاد‪،‬‬‫ِ‬ ‫صرح به على‬ ‫مخالفوه وأعداؤه؛ فلم ُي ْـخ ِف ِه‪ ،‬ولم َيثْ ِن ذلك عزمه‪ ،‬بل َّ‬
‫أحد يقدر على معارضته أو‬ ‫كالم ربي؛ فهل ٌ‬
‫بأن هذا ُ‬ ‫ونادى به بين الحاضر والباد؛ َّ‬
‫ق بمباراته أو يستطيع مجاراته؟! ثم إخباره عن قصص األولين وأنباء السالفين‬ ‫ِ‬
‫ينط ُ‬
‫ِّ‬
‫والمتأخرة‪ ،‬مع مطابقته للواقع‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫المتقدمة‬ ‫والغيوب‬ ‫(‪)2‬‬

‫ونفي ما أ ُْد ِخ َل فيها من‬ ‫ِّ‬


‫وتصحيحهُ للصحيح‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫المتقدمة‬ ‫ثم هيمنتُهُ على الكتب‬
‫التحريف والتبديل‪ ،‬ثم هدايته لسواء السبيل في أمره ونهيه؛ فما أمر بشيء فقال‬
‫مطابق‬
‫ٌ‬ ‫شيء فقال العق ُل‪ :‬ليته لم ينهَ عنه‪ ،‬بل هو‬ ‫العق ُل‪ :‬ليتَه لم يأمر به‪ ،‬وال نهى عن ٍ‬
‫ُْ‬
‫للعدل والميزان والحكمة المعقولة لذوي البصائر والعقول‪ ،‬ثم مسايرةُ إرشاداته‬
‫األمور إالَّ به؛ فجميع ذلك‬ ‫ُ‬
‫لكل حال ِّ‬
‫وكل زمان بحيث ال تصلُح‬ ‫وهدايته وأحكامه ِّ‬
‫الحق؛ فال كفى اللّهُ من لم َي ْك ِف ِه‬
‫ِّ‬ ‫وع ِم َل على طلب‬
‫الحق‪َ ،‬‬ ‫تصديق ِّ‬
‫َ‬ ‫يكفي َم ْن أراد‬
‫فإنه رحمةٌ له‬ ‫القرآن‪ ،‬وال َشفى اللّه من لم َي ْش ِف ِه الفرقان‪ ،‬ومن اهتدى به واكتفى؛ َّ‬
‫يؤمنون}‪ :‬وذلك لما‬
‫َ‬ ‫لقوم‬ ‫رى‬ ‫ك‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫وذ‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫لرحم‬ ‫ذلك‬ ‫في‬ ‫َّ‬
‫{إن‬ ‫قال‪:‬‬ ‫فلذلك‬ ‫؛‬ ‫(‪)3‬‬
‫وخير‬
‫ٌ‬
‫ـحصِّلون فيه من العلم الكثير‪ ،‬والخير الغزير‪ ،‬وتزكية القلوب واألرواح‪ ،‬وتطهير‬
‫ُي َ‬
‫العقائد‪ ،‬وتكميل األخالق‪ ،‬والفتوحات اإللهية واألسرار الربانية‪.‬‬

‫كنت كاذباً؛‬
‫فإن ُ‬
‫وبينكم شهيداً}‪ :‬فأنا قد استَ ْشهَ ْدتُه؛ ْ‬
‫{‪{ }52‬قل كفى باللّه بيني َ‬
‫فلتكفكم‬ ‫أحل بي ما به تعتبرون‪ ،‬وإ ْن كان إنما يؤيِّدني‪ ،‬وينصرني‪ ،‬وييسِّر لي األمور؛‬ ‫َّ‬
‫ْ‬
‫تسمعوه ولم‬ ‫فإن وقع في قلوبكم َّ‬
‫أن شهادته ـ وأنتم لم َ‬ ‫هذه الشهادةُ الجليلةُ من اللّه؛ ْ‬
‫واألرض}‪ :‬ومن ِ‬
‫جملة معلوماته‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السموات‬ ‫تََر ْوه ـ ال تكفي دليالً؛ َّ‬
‫فإنه {يعلم ما في‬

‫«إياهم»‪.‬‬
‫‪ -‬في (ب)‪ّ :‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬السابقين»‪.‬‬


‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬فإنه خير له»‪.‬‬
‫علم ِه بذلك وقدرتِ ِه على‬
‫متقوالً عليه مع ِ‬
‫؛ فلو كنت ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫حالي وحالُكم ومقالي لكم‬
‫بعض‬
‫عقوبتي؛ لكان قدحاً في علمه وقدرته وحكمته؛ كما قال تعالى‪{ :‬ولو تَقَ َّو َل َعلَينا َ‬
‫الوتين}‪{ .‬والذين آمنوا بالباطل وكفروا‬ ‫َ‬ ‫ط ْعنا منه‬ ‫ِ‬
‫باليمين ثم لَقَ َ‬ ‫ألخ ْذنا منه‬
‫األقاويل َ‬
‫ورسل ِه واليوم‬
‫ِ‬ ‫الخاسرون}‪ :‬حيث َخ ِسروا اإليمان باللّه ومالئكتِ ِه وكتبِ ِه‬
‫َ‬ ‫أولئك هم‬
‫َ‬ ‫باللّه‬
‫الحق الصحيح ُّ‬
‫كل‬ ‫ص َل لهم في مقابلة ِّ‬ ‫المقيم‪ ،‬وحيث َح َ‬‫ُ‬ ‫النعيم‬
‫ُ‬ ‫اآلخر‪ ،‬وحيث فاتهم‬
‫ِ‬
‫القيامة‪.‬‬ ‫أنفسهم وأهليهم يوم‬ ‫ُّ‬
‫باطل قبيح‪ ،‬وفي مقابلة النعيم كل عذاب أليم‪ ،‬فخسروا َ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭲ ﭳ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫وأنهم يقولون‬ ‫ِّ‬
‫المكذبين للرسول وما جاء به‪َّ ،‬‬ ‫{‪ }53‬يخبر تعالى عن جهل‬
‫صادقين}؟ يقول تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫إن ُك ْنتُم‬
‫الوعد ْ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫تكذيب‪{ :‬متى هذا‬ ‫استعجاالً للعذاب وزيادةَ‬
‫العذاب}‪ :‬بسبب‬ ‫بعد‪{ ،‬لجاءهم‬ ‫مضروب لنزوِل ِه ولم ِ‬
‫يأت ُ‬ ‫ٌ‬ ‫مسمى}‪:‬‬‫{ولوال أج ٌل ًّ‬
‫ُ‬
‫أسرع لبالئِ ِهم‬
‫َ‬ ‫كالمهم‬
‫الحق؛ فلو آخذناهم بجهلهم؛ لكان ُ‬ ‫َّ‬ ‫تعجيز ِهم لنا وتكذيِبِهم‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫يستبطئون (‪ )2‬نزوله فإنه سيأتيهم {بغتةً وهم ال‬ ‫وعقوبتِ ِهم‪ ،‬ولكن مع ذلك؛ فال‬
‫لبدر ب ِطرين ِ‬
‫ظانين َّأنهم‬
‫مفاخرين ِّ‬ ‫َ‬ ‫يشعرون} فوقع كما أخبر اللّه تعالى‪ ،‬لما قدموا ٍ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أشرارهم‪،‬‬ ‫واستوعب جملةَ‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِ‬
‫مقصودهم‪ ،‬فأحانهم اللّه‪ ،‬وقتل كبارهم‪،‬‬ ‫قادرون على‬
‫العذاب من حيث لم يحتَ ِسبوا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بيت إالَّ أصابتْه تلك المصيبة‪ ،‬فأتاهم‬
‫ق منهم ٌ‬ ‫ولم َي ْب َ‬
‫يشعرون‪.‬‬
‫َ‬ ‫ونزل بهم وهم ال‬

‫األخروي‬
‫َّ‬ ‫العذاب‬
‫َ‬ ‫العذاب الدنيويُّ؛ َّ‬
‫فإن أمامهم‬ ‫ُ‬ ‫ينزل عليهم‬
‫{‪ }54‬هذا؛ وإ ْن لم ْ‬
‫سواء عو ِج َل بعذاب الدنيا أو أ ُْم ِهل‪ ،‬فَـ َّ‬
‫{إن َّ‬
‫جهنم لمحيطةٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أحد منه‪،‬‬
‫ص منهم ٌ‬‫الذي ال َي ْخلُ ُ‬
‫أحاطت بهم من ِّ‬
‫كل جانب كما‬ ‫ْ‬ ‫متصرف؛ قد‬
‫ٌ‬ ‫بالكافرين}‪ :‬ليس لهم عنه معد ٌل وال‬
‫العذاب الشديد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫العذاب هو‬
‫ُ‬ ‫وكفرهم‪ ،‬وذلك‬
‫ذنوبهم وسيئاتُهم ُ‬
‫أحاطت بهم ُ‬
‫ْ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ومقالكم»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬فال يستعجلون»‪.‬‬
‫‪ - 3‬أي‪ :‬أهلكهم‪.‬‬
‫يغشاهم العذاب من فو ِقهم ومن ِ‬
‫تحت أرجلهم ويقو ُل ذوقوا ما كنتُم‬ ‫{يوم‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫{‪َ }55‬‬
‫الكفر‬
‫العذاب كما َش َملَكم ُ‬
‫ُ‬ ‫انقلبت عليكم عذاباً‪ ،‬و َش َملَكم‬
‫ْ‬ ‫تعملون}‪َّ :‬‬
‫فإن أعمالَكم‬
‫والذنوب‪.‬‬
‫ُ‬
‫ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫وصدقوا رسولي‪َّ ،‬‬
‫{إن‬ ‫َّ‬ ‫{‪ 56‬ـ ‪ }59‬يقول تعالى‪{ :‬يا عبادي الذين آمنوا}‪ :‬بي‬
‫فارتَ ِحلوا‬ ‫ٍ‬ ‫دون}‪ :‬فإذا َّ‬
‫فاعُب ِ‬ ‫أرضي واسعةٌ َّ‬
‫أرض؛ ْ‬ ‫ت عليكم عبادةُ ربِّكم في‬‫تعذ َر ْ‬ ‫اي ْ‬‫فإي َ‬
‫ِ‬
‫ومواض ُعها‬ ‫فأماكن العبادة‬ ‫أرض أخرى؛ حيث كانت العبادةُ للّه وحده؛‬ ‫ٍ‬ ‫منها إلى‬
‫ُ‬
‫والموت ال َّ‬
‫بد أن ينزل بكم‪ ،‬ثم تُْر َجعون إلى ربكم‪ ،‬فيجازي‬ ‫ُ‬ ‫واحد‪،‬‬
‫والمعبود ٌ‬
‫ُ‬ ‫واسعةٌ‪،‬‬
‫والمنازل‬
‫َ‬ ‫الغرف العاليةَ‬
‫َ‬ ‫أحسن عبادته َو َج َـم َع بين اإليمان والعمل الصالح بإنزاله‬
‫َ‬ ‫َم ْن‬
‫األنيقةَ الجامعةَ‪ ،‬لما تشتهيه األنفس‪ُّ ،‬‬
‫وتلذ األعين‪ ،‬وأنتم فيها خالدون‪ .‬فَنِ َع ُم تلك‬ ‫ُ‬
‫أجر العاملين للّه‪{ .‬الذين صبروا}‪ :‬على عبادة اللّه {وعلى‬ ‫ِ‬
‫المنازل في جنات النعيم ُ‬
‫ِ‬
‫والطاقة في‬ ‫فصبرهم على عبادة اللّه يقتضي َب ْذ َل الجهد‬ ‫ربِّهم َّ‬
‫يتوكلون}‪ :‬في ذلك‪،‬‬
‫ُ‬
‫ذلك‪ ،‬والمحاربة العظيمة للشيطان‪ ،‬الذي يدعوهم إلى اإلخالل بشيء من ذلك‪.‬‬
‫ق ما عزموا عليه‬ ‫ظنهم به أن يحقِّ َ‬
‫وحسن ِّ‬
‫َ‬ ‫شدةَ اعتمادهم على اللّه‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫وتوكلهم يقتضي َّ‬
‫ونص على ُّ‬
‫التوكل وإ ْن كان داخالً في الصبر؛ َّ‬
‫ألنه ُيحتاج إليه‬ ‫َّ‬ ‫ويكملَها‪.‬‬
‫من األعمال ِّ‬
‫يتم إالَّ به‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مأمور به‪ ،‬وال ُّ‬ ‫ِ‬
‫وترك‬ ‫في كل ٍ‬
‫فعل‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ‬
‫تكفل بأرزاق الخالئق كلِّهم قويِّهم‬‫{‪ }60‬أي‪ :‬الباري تبارك وتعالى قد َّ‬
‫ضعيفة القُوى ضعيفة العقل‪{ ،‬ال تَ ْـح ِم ُل‬
‫ِ‬ ‫داب ٍة} في األرض‬
‫وعاجزهم؛ فكم {من َّ‬
‫تزل ال شيء معها من الرزق‪ ،‬وال يزال اهلل ِّ‬
‫يسخ ُر لها‬ ‫تد ِخ ُره‪ ،‬بل لم ْ‬
‫رزقَها}‪ :‬وال َّ‬

‫الرزق في كل وقت بوقته‪{ .‬اللَّهُ ُ‬


‫يرزقُها وإ َّياكم}‪ :‬فكلكم عيا ُل اهلل القائم برزقكم كما‬ ‫َ‬
‫ك َّ‬
‫دابةٌ‬
‫(‪)1‬‬
‫وتدبيركم‪{ .‬وهو السميعُ العليم}‪ :‬فال تخفى عليه خافيةٌ‪ ،‬وال تهل ُ‬ ‫ِ‬ ‫قام بِ َخْل ِق ُكم‬
‫داب ٍة في األرض إالَّ‬ ‫من عدم الرزق بسبب أنها خافيةٌ عليه؛ كما قال تعالى‪{ :‬وما من َّ‬
‫مستقرها ومستَو َد َعها ٌّ‬
‫كل في كتاب مبين}‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫على اللّه رزقُها ويعلم‬
‫ْ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬تخفى»‪.‬‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﭽﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ‪.‬‬

‫ِّ‬
‫المكذبين بتوحيد اإللهية والعبادة‪،‬‬ ‫{‪ 61‬ـ ‪ }63‬هذا استدال ٌل على المشركين‬
‫فأنت لو {سألتَهم َم ْن خلق السم ِـ‬
‫ـوات‬ ‫الربوبية؛ َ‬
‫لزام لهم بما أثبتوه من توحيد ُّ‬
‫وإ ٌ‬
‫بيد ِه تدبير‬
‫واألرض}؟ وم ْن َّنزل من السماء ماء فأحيا به األرض بعد موتها؟ ومن ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وم ْن َعَبدوه مع اللّه‬
‫وحده‪ ،‬والعترفوا بعجز األوثان َ‬ ‫َّ‬
‫{ليقولن‪ :‬اللّه} َ‬ ‫جميع األشياء؟‬
‫ِ‬
‫أقروا بعجزه وأنه ال‬ ‫ب إلفكهم وكذبِهم ُ‬
‫وعدولهم إلى َم ْن ُّ‬ ‫فاع َج ْ‬
‫على شيء من ذلك! ْ‬
‫وأنهم السفهاء ضعفاء األحالم! فهل‬ ‫يستحق أن يدب َِّر شيئاً! وست ِج ُّل عليهم لعدم العقل‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫وأقل بصيرةً م َّـمن أتى إلى حجر أو قبر ونحوه ـ وهو يدري َّأنه ال‬ ‫تجد أضعف عقالً َّ‬
‫خالص اإلخالص وصافي‬
‫َ‬ ‫يرزق ـ‪ ،‬ثم صرف له‬
‫ُ‬ ‫يخلق وال‬
‫ُ‬ ‫يضر وال‬
‫ينفعُ وال ُّ‬
‫الحمد للّه الذي َّبين‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫الرب الخالق الرازق النافع الضار؟! وقل‪:‬‬ ‫َّ‬
‫العبودية‪ ،‬وأشركه مع‬
‫الهدى من الضالل‪ ،‬وأوضح بطالن ما عليه المشركون؛ ليحذره الموفَّقون‪ .‬وقل‪:‬‬
‫الرزق‬
‫َ‬ ‫ـي‪ ،‬وقام بتدبيرهم ورز ِق ِهم‪ ،‬وبس َ‬
‫ط‬ ‫العلوي والسفل َّ‬
‫َّ‬ ‫العالم‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫الحمد للّه الذي َخلَ َ‬
‫ُ‬
‫صِل ُح عباده‪ ،‬وما ينبغي‬
‫وضيقه على من يشاء حكمةً منه‪ ،‬ولعلمه بما ُي ْ‬ ‫َّ‬ ‫على َم ْن يشاء‪،‬‬
‫لهم‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ‪.‬‬

‫وفي ضمن ذلك التزهيد في الدنيا والتشويق لألخرى‪ ،‬فقال‪{ :‬وما هذه الحياةُ‬
‫األبدان؛ بسبب ما‬ ‫وتلعب بها‬ ‫القلوب‪،‬‬ ‫ولعب}‪ :‬تلهو بها‬ ‫لهو‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫الدنيا}‪ :‬في الحقيقة {إال ٌ‬
‫ِ‬
‫والشهوات الخالبة للقلوب المعرضة‪ ،‬الباهجة للعيون‬ ‫جعل اهلل فيها من الزينة َّ‬
‫واللذات‬ ‫َ‬
‫المبطلة الباطلة‪ ،‬ثم تزول سريعاً وتنقضي جميعاً ولم يـحصل‬ ‫ِ‬ ‫الغافلة‪ِ ،‬‬
‫المفرحة للنفوس‬
‫الدار اآلخرةُ؛ فإنها دار‬ ‫منها ُّ َّ‬
‫محبها إال على الندم والحسرة والخسران‪ .‬وأما ُ‬
‫القوة‪،‬‬
‫أبدان أهلها في غاية َّ‬
‫تكون ُ‬
‫َ‬ ‫{الحيوان}؛ أي‪ :‬الحياة الكاملة‪ ،‬التي من لوازمها أن‬
‫ت للحياة‪ ،‬وأن يكون موجوداً فيها ُّ‬
‫كل ما‬ ‫أبدان وقوى ُخِلقَ ْ‬ ‫وقواهم في غاية َّ‬
‫الشدة؛ َّ‬
‫ألنها ٌ‬
‫وتتم به َّ‬
‫اللذة من مفرحات القلوب وشهوات األبدان من المآكل‬ ‫تَ ْك ُم ُل به الحياة‪ُّ ،‬‬
‫سمعت وال خطر على‬
‫ْ‬ ‫أذن‬
‫رأت وال ٌ‬
‫عين ْ‬
‫والمشارب والمناكح وغير ذلك‪ ،‬م َّـما ال ٌ‬
‫قلب بشر‪.‬‬

‫لون؛ لما رغبوا‬ ‫ِ‬ ‫{لو كانوا يعلمون}‪ :‬لما آثروا ُّ‬
‫الدنيا على اآلخرة‪ ،‬ولو كانوا يعق َ‬
‫أن (‪ )1‬الذين يعلمون ال َّ‬
‫بد‬ ‫عن دار الحيوان‪ ،‬ورغبوا في دار اللهو واللعب‪َّ .‬‬
‫فدل ذلك‪َّ :‬‬
‫أن يؤثِروا اآلخرة على ُّ‬
‫الدنيا؛ لما يعلمونه من حالة الدارين‪.‬‬
‫{‪ 65‬ـ ‪ }66‬ثم ألزم تعالى المشركين بإخالصهم للّه في حال (‪َّ )2‬‬
‫الشدة عند‬
‫أندادهم‪ِ ،‬‬
‫ويخلصون ُّ‬
‫الدعاء‬ ‫ركوب البحر وتالطُم أمواجه وخو ِف ِهم الهالك؛ يتركون إذاً َ‬
‫البر‬
‫الدعاء إلى ِّ‬ ‫ونجاهم من أخلصوا له ُّ‬ ‫زالت عنهم الشدةُ ـ َّ‬
‫ْ‬ ‫فلما‬
‫وحده ال شريك له‪َّ ،‬‬ ‫للّه َ‬
‫الدعاء‬
‫َ‬ ‫شدة‪ ،‬وال أزال (‪ )3‬عنهم مشقَّة؛ فهالَّ أخلصوا للّه‬
‫نجاهم من َّ‬
‫ـ أشركوا به َم ْن ال َّ‬
‫والعسر؛ ليكونوا مؤمنين به حقًّا‪ ،‬مستحقِّين ثوابه‪،‬‬
‫واليسر ُ‬
‫في حال الرخاء والشدة ُ‬
‫ليكون‬
‫َ‬ ‫مندفعاً عنهم عقابه‪ ،‬ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم بالنجاة من البحر‬
‫عاقبتُهُ كفر ما آتيناهم‪ ،‬ومقابلة النعمة باإلساءة‪ ،‬وليكملوا تمتُّعهم في ُّ‬
‫الدنيا‪ ،‬الذي هو‬
‫بطونهم وفروجهم‪{ .‬فسوف يعلمون}‪ :‬حين ِ‬
‫ينتقلون من‬ ‫ُ‬ ‫كتمتُّع األنعام‪ ،‬ليس لهم ٌّ‬
‫هم إال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫شدة األسف وأليم العقوبة‪.‬‬‫الدنيا إلى اآلخرة َّ‬
‫ُّ‬

‫ق‪ ،‬والناس‬ ‫ٍ‬


‫وسعة ورز ٍ‬ ‫وأنهم أهلُه في ٍ‬
‫أمن‬ ‫امتن عليهم بحرمه اآلمن‪َّ ،‬‬
‫{‪ }67‬ثم َّ‬
‫وآمَنهم من‬ ‫َّ‬
‫جوع َ‬‫يعبدون الذي أطعمهم من ٍ‬
‫َ‬ ‫فون ويخافون‪ ،‬أفال‬
‫من حولهم ُيتَ َخط َ‬
‫ِ‬
‫الباطلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واألفعال‬ ‫ِ‬
‫واألقوال‬ ‫ِ‬
‫الشرك‬ ‫يؤمنون}‪ :‬وهو ما هم عليه من‬ ‫ٍ‬
‫خوف؟! {أفبالباطل‬
‫َ‬
‫أحالمهم حيث آثروا‬ ‫وانسلخت‬ ‫ذهبت عقولهم‪،‬‬ ‫فأين‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫{يكفرون}؟ َ‬
‫َ‬ ‫{وبنعمة اللّه}‪ :‬هم‬
‫أظلم‬ ‫والباطل على ِّ َّ‬
‫الحق والشقاء على السعادة‪ ،‬وحيث كانوا َ‬ ‫َ‬ ‫الضالل على الهدى‪،‬‬
‫الخلق؟!‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬على أن»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬حالة»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬زال»‪.‬‬
‫{‪ }68‬فمن {أظلم م َّـمن افترى على اللّه كذباً}‪ :‬فنسب ما هو عليه من َّ‬
‫الضالل‬
‫ٍ‬
‫محمد (ص)‪َّ ،‬‬
‫ولكن هذا‬ ‫بالحق لما جاءه}‪ :‬على يد رسوِل ِه‬
‫ِّ‬ ‫والباطل إلى اللّه‪َّ ،‬‬
‫{وكذب‬
‫ُّ‬
‫الحق‪،‬‬ ‫ؤخ ُذ بها منهم‬
‫للكافرين}‪ُ :‬ي َ‬
‫َ‬ ‫مثوى‬
‫ً‬ ‫جهنم‪{ ،‬أليس في َّ‬
‫جهنم‬ ‫العنيد أمامه َّ‬
‫َ‬ ‫الظالم‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫وي ْـخ َز ْون بها‪ ،‬وتكون منزلهم الدائم الذي ال يخرجون منه؟‬
‫ُ‬
‫{‪{ }69‬والذين جاهدوا فينا}‪ :‬وهم الذين هاجروا في سبيل اهلل وجاهدوا‬
‫مجهودهم في اتِّباع مرضاتِ ِه؛ {لََن ْه ِدَيَّنهُ ْم ُسُبلَنا}؛ أي‪ :‬الطرق الموصلة‬
‫َ‬ ‫وب َذلوا‬
‫أعداءهم َ‬
‫َ‬
‫المحسنين‪ :‬بالعون والنصر والهداية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫محسنون‪ .‬واللّه مع‬
‫َ‬ ‫إلينا‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألنهم‬

‫أن أحرى الناس بموافقة الصواب أه ُل الجهاد‪ ،‬وعلى َّ‬


‫أن َم ْن‬ ‫دل هذا على َّ‬ ‫َّ‬
‫جد واجتهد في‬‫أن َم ْن َّ‬
‫أسباب الهداية‪ ،‬وعلى َّ‬ ‫ويس ََّر له‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫أحسن فيما أُم َر به؛ أعانه اللّه َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫يحص ُل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبِه ٌ‬
‫أمور‬ ‫ُ‬ ‫الشرعي؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫ِّ‬ ‫طلب العلم‬
‫الشرعي من‬
‫ِّ‬ ‫اجتهاد ِه‪ ،‬وتيسَّر له أمر العلم؛ َّ‬
‫فإن طلب العلم‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫إلهيةٌ خارجةٌ عن مدرك‬
‫خواص الخلق‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫يقوم به إال‬
‫أحد نوعي الجهاد‪ ،‬الذي ال ُ‬
‫الجهاد في سبيل اللّه‪ ،‬بل هو ُ‬
‫والجهاد على تعليم أمور الدين وعلى‬
‫ُ‬ ‫الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫رد نزاع المخالفين ِّ‬
‫للحق‪ ،‬ولو كانوا من المسلمين‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫تم تفسير سورة العنكبوت ـ بحمد اللّه وعونه‪.‬‬

‫***‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬الذين»‪.‬‬


‫تفسير" سورة الروم‬

‫وهي مكية‬

‫ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭨ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫{‪ 1‬ـ ‪ }5‬كانت الفرس والروم في ذلك الوقت من أقوى دول األرض‪ ،‬وكان‬
‫الفرس‬ ‫ِ‬
‫وكانت‬ ‫يكون بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة‪،‬‬
‫ُ‬
‫أهل ٍ‬
‫كتاب ينتسبون إلى التوراة واإلنجيل‪ ،‬وهم‬ ‫الروم َ‬ ‫يعبدون النار‪ ،‬وكانت‬
‫مشركين ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وظهورهم على‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫يحبون َغلََبتَهم‬ ‫(‪)1‬‬
‫أقرب إلى المسلمين من الفرس‪[ ،‬فكان المؤمنون]‬
‫ُ‬
‫ظهور الفرس على‬ ‫يحبون‬ ‫والفرس في الشرك ُّ‬ ‫ِ‬
‫الشتراك ِهم‬ ‫الفرس‪ ،‬وكان المشركون‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ط بِ ُمْل ِك ِهم بل بأدنى أرضهم‪،‬‬
‫الفرس على الروم وغلبوهم ُغلباً لم ُي ِح ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫ُ‬ ‫الروم‪ ،‬فظهر‬
‫ووعدهم َّ‬
‫أن الروم ستغلب‬ ‫َ‬ ‫ففرح بذلك مشركو مكة وحزن المسلمون‪ ،‬فأخبرهم اللّه‪،‬‬
‫ص‬
‫يزيد على العشر وال ينقُ ُ‬ ‫سنين}‪ :‬تسع أو ثمان ونحو ذلك مما ال ُ‬‫ض ِع َ‬ ‫الفرس {في بِ ْ‬
‫كل ذلك بمشيئتِ ِه وقَ َد ِر ِه‪،‬‬
‫وأن غلبةَ الفرس للروم ثم غلبةَ الروم للفرس ُّ‬
‫عن الثالث‪َّ ،‬‬
‫لمجرد وجود‬
‫بعد}‪ :‬فليس الغلبةُ والنصر َّ‬
‫األمر من قب ُل ومن ُ‬
‫ولهذا قال‪{ :‬للّه ُ‬
‫األسباب‪ ،‬وإ َّنما هي ال َّ‬
‫بد أن يقترن بها القضاء والقدر‪.‬‬

‫{يفرح المؤمنون‪ .‬بنصر‬ ‫الروم الفرس ويقهرونهم‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫{ويومئذ}؛ أي‪ :‬يوم يغلب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يشاء}؛ أي‪ :‬يفرحون بانتصارهم على الفرس‪ ،‬وإ ْن كان الجميع كفاراً‪،‬‬ ‫ينص ُر َم ْن ُ‬
‫اللّه ُ‬
‫العزيز}‪ :‬الذي‬ ‫يومئذ المشركون‪{ .‬وهو‬‫ٍ‬ ‫ويحزن‬ ‫أهون من بعض‪،‬‬ ‫الشر‬
‫بعض ِّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ولكن ُ‬
‫ك َم ْن يشاء‪ِ ،‬‬
‫وينزعُ الملك م َّـمن‬ ‫المْل َ‬ ‫له َّ‬
‫العزةُ التي قهر بها الخالئق أجمعين‪ ،‬يؤتي ُ‬
‫ض لهم من‬ ‫{الرحيم}‪ :‬بعباده المؤمنين؛ حيث َّقي َ‬ ‫ويعز من يشاء ُّ‬
‫ويذل من يشاء‪.‬‬ ‫يشاء‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬
‫يدخل في الحساب‪.‬‬ ‫وتنص ُرهم ما ال ُ‬ ‫األسباب التي ِ‬
‫تسع ُدهم‬
‫ُ‬

‫‪ - 1‬في ( أ )‪« :‬فكانوا»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬فغلبوهم»‪.‬‬
‫واعلَ ُموا َّأنه ال‬ ‫وعده}‪ :‬فتيقَُّنوا ذلك‪ْ ،‬‬
‫واج ِز ُموا به‪ْ ،‬‬ ‫{وعد اللّ ِه ال ُي ْـخِل ُ‬
‫ف اللّه َ‬ ‫َ‬ ‫{‪}6‬‬
‫صدق بها المسلمون‪،‬‬ ‫الوعد؛ َّ‬
‫ُ‬ ‫فلما نزلت هذه اآليات التي فيها هذا‬ ‫َّ‬
‫بد من وقوعه‪َّ .‬‬
‫وبعض المشركين على َّ‬
‫مدة سنين‬ ‫ُ‬ ‫بعض المسلمين‬
‫وكفر بها المشركون‪ ،‬حتى تراهن ُ‬
‫وأجلَ ْوهم من‬
‫عينوها‪ ،‬فلما جاء األجل الذي ضربه اللّه‪ .‬انتصر الروم على الفرس‪ْ ،‬‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫الغيبية التي أخبر بها‬ ‫بالدهم التي أخذوها منهم‪ ،‬وتحقَّق وعد اللّه‪ .‬وهذا من األمور‬
‫اللّه قبل وقوعها ووجدت في زمان َم ْن أخبرهم اللّه بها من المسلمين والمشركين‪.‬‬
‫أن ما و َع َد اللّهُ به ٌّ‬
‫فريق منهم‬
‫ٌ‬ ‫حق؛ فلذلك يوجد‬ ‫يعلمون}‪َ َّ :‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫{ولكن أكثر الناس ال‬
‫يكذبون بوعده‪ِّ ،‬‬
‫ويكذبون آياته‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫ِ‬
‫وعواقَبها‪ ،‬وإ َّنما‬ ‫{‪ }7‬وهؤالء الذين ال يعلمون؛ أي‪ :‬ال يعلمون بواطن األشياء‬
‫الدنيا}‪ :‬فينظرون إلى األسباب‪ ،‬ويجزمون بوقوع األمر‬ ‫{يعلمون ظاهراً من الحياة ُّ‬
‫َ‬
‫انعقدت أسباب وجو ِد ِه‪ ،‬ويتيقَّنون عدم األمر الذي لم ِ‬
‫يشاهدوا له من‬ ‫ْ‬ ‫الذي في رأيهم‬
‫غير ناظرين إلى مسبِّبها‬ ‫ِِ‬
‫األسباب المقتضية لوجوده شيئاً؛ فهم واقفون مع األسباب‪ُ ،‬‬
‫قلوبهم وأهواؤهم‬
‫توجهت ُ‬‫غافلون}‪ :‬قد َّ‬
‫َ‬ ‫المتصرف فيها‪{ .‬وهم عن اآلخر ِة هم‬
‫وأدبرت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وأقبلت بها‬
‫ْ‬ ‫وسعت‬
‫ْ‬ ‫فعملت لها‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫وحطامها؛‬ ‫وإ راداتهم إلى الدنيا وشهواتِها‬
‫تشتاق إليها‪ ،‬وال النار تخافها وتخشاها‪ ،‬وال المقام بين‬
‫ُ‬ ‫وغفلت عن اآلخرة؛ فال الجنة‬
‫ِ‬
‫ويزع ُجها‪ ،‬وهذا عالمة الشقاء‪ ،‬وعنوانه الغفلة عن اآلخرة‪.‬‬ ‫يرو ُعها‬
‫يدي اللّه ولقائه ِّ‬
‫والذكاء في‬
‫ُ‬ ‫بلغت ٍ‬
‫بكثير منهم الفطنةُ‬ ‫أن هذا القسم من الناس قد ْ‬ ‫ِ‬
‫العجب َّ‬ ‫ومن‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫أمر يحيِّر العقول ويدهش األلباب‪ ،‬وأظهروا من العجائِب َّ‬
‫الذ ِّرَّية‬ ‫ظاهر ُّ‬
‫الدنيا إلى ٍ‬
‫وبرزوا وأعجبوا‬ ‫َّ‬
‫والهوائية ما فاقوا به‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫والبحرية‬ ‫البرية‬ ‫ِ‬
‫والكهربائية والمراكب َّ‬
‫بعقولهم‪ ،‬ورأوا غيرهم عاجزاً عما أقدرهم اللّهُ عليه‪ ،‬فنظروا إليهم بعين االحتقار‬
‫وأشدهم غفلةً عن آخرتهم‪ ،‬وأقلُّهم‬
‫ُّ‬ ‫واالزدراء‪ ،‬وهم مع ذلك أبلد الناس في ِ‬
‫أمر دينهم‪،‬‬
‫يتخبطون‪ ،‬وفي ضاللهم‬ ‫ِ‬
‫النافذة في جهلهم َّ‬ ‫ِ‬
‫البصائر‬ ‫معرفة بالعواقب‪ .‬قد رآهم أهل‬
‫باطِلهم َّ‬
‫يترددون‪ ،‬نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم‪ ،‬أولئك هم الفاسقون‪ ،‬ثم‬ ‫يعمهون‪ ،‬وفي ِ‬
‫ََْ‬
‫نظروا إلى ما أعطاهم اللّه وأقدرهم عليه من األفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها‪،‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬النارية»‪.‬‬


‫عباد ِه‪ْ ،‬‬
‫إن هو إال توفيقُه‬ ‫أن األمر للّه والحكم له في ِ‬‫وحرموا من العقل العالي‪ ،‬فعرفوا َّ‬
‫يتم لهم ما وهبهم من نور العقول واإليمان‬‫خذالنه‪ ،‬فخافوا ربهم وسألوه أن َّ‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫أو‬
‫وبنَِي ْ‬
‫ت عليه؛‬ ‫ُّ‬
‫حتى يصلوا إليه ويحلوا بساحته‪ .‬وهذه األمور لو قارنها اإليمان ُ‬
‫كثير منها على اإللحاد؛ لم تثمر‬
‫الرقي العالي والحياة الطيبة‪ ،‬ولكنها لما ُبني ٌ‬
‫َّ‬ ‫ألثمرت‬
‫إال هبوط األخالق وأسباب الفناء والتدمير‪.‬‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ﭽ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬ ‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ‪.‬‬

‫ِّ‬
‫المكذبون لرسل اللّه ولقائه {في أنفسهم}؛ َّ‬
‫فإن في‬ ‫{‪ }8‬أي‪ :‬أفلم َّ‬
‫يتفكر هؤالء‬
‫سيعيدهم بعد ذلك‪ ،‬وأن الذي‬
‫ُ‬ ‫أنفسهم آيات َي ْع ِرفُون (‪ )2‬بها أن الذي أوجدهم من العدم‬
‫آدمي قد نفخ فيه الروح إلى طفل إلى‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫مضغة إلى‬ ‫نطفة إلى ٍ‬
‫علقة إلى‬ ‫نقلهم أطواراً من ٍ‬
‫ق أن يتر َكهم سدى مهملين‪ .‬ال ُينهون‪ ،‬وال ُيؤمرون‪،‬‬ ‫غير الئ ٍ‬
‫شاب إلى شيخ إلى هرم ُ‬
‫واألرض وما بينهما إالَّ بالحق}؛‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السموات‬ ‫وال يثابون‪ ،‬وال يعاقبون‪{ .‬ما خلق اللّهُ‬
‫مسمى}؛ أي‪ :‬مؤقَّت بقاؤهما إلى أجل تنقضي‬
‫{وأجل ًّ‬ ‫ٍ‬ ‫أي‪ :‬ليبلوكم أيكم أحسن عمالً‪،‬‬
‫والسماوات‪{ .‬وإ َّن كثيراً من‬
‫ُ‬ ‫وتبدل األرض غير األرض‬ ‫به الدنيا وتجيء القيامة‪َّ ،‬‬
‫يصدقوا رسلَه التي أخبرت‬ ‫ُّ‬
‫يستعدوا للقائه‪ ،‬ولم ِّ‬ ‫لكافرون}‪ :‬فلذلك لم‬ ‫الناس ِ‬
‫بلقاء ربِّهم‬
‫َ‬
‫به‪.‬‬

‫{‪ }9‬وهذا الكفر عن غير دليل‪ ،‬بل األدلَّة القاطعة دلَّت على البعث والجزاء‪،‬‬
‫ولهذا َّنبههم على السير في األرض والنظر في عاقبة الذين َّ‬
‫كذبوا رسلَهم وخالفوا‬
‫ٍ‬
‫قصور ومصانع‬ ‫قوة وأكثر آثاراً في األرض من بناء‬ ‫أمرهم م َّـمن هم ُّ‬
‫أشد من هؤالء َّ‬
‫آثارهم‬ ‫أنهار‪ ،‬فلم تُ ْغ ِن عنهم َّ‬
‫قوتُهم‪ ،‬وال نفعتْهم ُ‬ ‫أشجار ومن زرع وإ جراء ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ومن غرس‬
‫الحق وصحة ما جاؤوهم به؛‬ ‫ِّ‬ ‫حين َّ‬
‫كذبوا رسلَهم الذين جاؤوهم بالبينات الداالت على‬
‫يجدوا إالَّ أمماً بائدةً‪ ،‬وخلقاً مهلَكين‪ ،‬ومنازل‬
‫فإنهم حين ينظُرون في آثار أولئك؛ لم ِ‬
‫َّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬و»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬يعرف»‪.‬‬
‫معجل نموذج للجزاء‬‫جزاء َّ‬
‫ٌ‬ ‫وذم من الخلق عليهم متتابعٌ‪ ،‬وهذا‬
‫بعدهم موحشة‪ٌّ .‬‬
‫وكل هذه األمم المهلَكة لم ِ‬
‫يظل ْمهُ ُم اللّه بذلك اإلهالك‪ ،‬وإ نما‬ ‫األخروي ومبتدأ له؛ ُّ‬
‫ظلموا أنفسهم َّ‬
‫وتسببوا في هالكها‪.‬‬

‫{‪{ }10‬ثم كان عاقبةُ الذين أساؤوا}؛ أي‪ :‬المسيئين {السوأى}؛ أي‪ :‬الحالة‬
‫السيئة الشنيعة‪ ،‬وصار ذلك داعياً لهم ألن َّ‬
‫{كذبوا بآيات اللّه وكانوا بها يستهزئون}‪:‬‬
‫يكون سبباً ألعظم العقوبات‬
‫ُ‬ ‫فهذا عقوبةٌ لسوئهم وذنوبهم‪ ،‬ثم ذلك االستهزاء والتكذيب‬
‫وأعضل المثالت‪.‬‬

‫ﭽﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ‪.‬‬

‫يعيدهم‪ .‬ثم إليه‬


‫المتفر ُد بإبداء المخلوقات‪ ،‬ثم ُ‬
‫ِّ‬ ‫{‪ 11‬ـ ‪ }13‬يخبر تعالى َّأنه‬
‫الشر ثم جزاء أهل‬
‫ُيرجعون بعد إعادتهم ليجازيهم بأعمالهم‪ .‬ولهذا ذكر جزاء أهل ِّ‬
‫القيامة‬ ‫(‪)1‬‬
‫تقوم الساعةُ}‪ :‬ويقوم الناس ِّ‬
‫لرب العالمين‪[ ،‬ويرون]‬ ‫الخير‪ ،‬فقال‪{ :‬ويوم ُ‬
‫{يْبِل ُس المجرمون}؛ أي‪ :‬ييأسون من ِّ‬
‫كل خير‪ ،‬وذلك أنهم ما قَ َّد ُموا لذلك‬ ‫ٍ‬
‫عياناً‪ ،‬يومئذ ُ‬
‫قدموا أسباب العقاب‪،‬‬ ‫ومعاص‪ ،‬فلما َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وشرك‬ ‫اليوم إالَّ اإلجرام‪ ،‬وهي الذنوب من ٍ‬
‫كفر‬
‫َّ‬
‫وضل عنهم ما‬ ‫ٍ‬
‫بشيء من أسباب الثواب؛ أيسوا‪ ،‬وأبلسوا‪ ،‬وأفلسوا‪،‬‬ ‫ولم ِ‬
‫يخلطوها‬
‫كانوا يفترونه من نفع شركائهم وأنهم يشفعون لهم‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬ولم يكن لهم من‬
‫تبرأ المشركون‬ ‫كافرين}‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫{شفعاء وكانوا بشركائِ ِهم‬
‫ُ‬ ‫شركائِ ِهم}‪ :‬التي َعَبدوها مع اللّه‬
‫يعبدون‪،‬‬
‫َ‬ ‫تبرأنا إليك‪ ،‬ما كانوا َّإيانا‬‫وتبرأ المعبودون وقالوا‪َّ :‬‬
‫م َّـمن أشركوهم مع اللّه‪َّ ،‬‬
‫والتعنوا وابتعدوا‪.‬‬

‫افترقت أعمالهم في‬


‫ْ‬ ‫والشر كما‬
‫ِّ‬ ‫{‪ 14‬ـ ‪ }16‬وفي ذلك اليوم يفترق أهل الخير‬
‫وصدقوا ذلك باألعمال‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الصالحات}‪ :‬آمنوا بقلوبِ ِهم‬ ‫{فأما الذين آمنوا وعملوا‬
‫الدنيا‪َّ .‬‬
‫رون}؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫{ي ْـحَب َ‬
‫سائر أنواع النبات وأصناف المشتَهَيات ُ‬ ‫الصالحة {فهم في روضة}‪ :‬فيها ُ‬
‫أي‪ُ :‬ي َس َّرون‪ ،‬وينعَّمون بالمآكل اللذيذة واألشربة والحور الحسان والخدم ِ‬
‫والوْلدان‬

‫‪ - 1‬في ( أ )‪« :‬ويردون»‪.‬‬


‫واألصوات المطربات والسماع المشجي والمناظر العجيبة والروائح الطيبة والفرح‬
‫وج َحدوا‬ ‫والسرور واللَّ َّذة والحبور‪ ،‬مما ال ِ‬
‫أحد أن يصفه‪{ .‬وأما الذين كفروا}‪َ :‬‬
‫يقد ُر ٌ‬
‫{فأولئك في العذاب‬ ‫رسلُنا‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫نعمه‪ ،‬وقابلوها بالكفر‪{ ،‬وكذبوا بآياتنا}‪ :‬التي جاءتهم بها ُ‬
‫األليم على‬
‫ُ‬ ‫العذاب‬
‫ُ‬ ‫جهنم من جميع جهاتهم‪ ،‬واطَّلع‬
‫أحاطت بهم َّ‬‫ْ‬ ‫رون}‪ :‬فيه‪ ،‬قد‬‫ض َ‬‫ُم ْـح َ‬
‫أمعاءهم؛ فأين الفرق بين الفريقين؟! وأين‬
‫َ‬ ‫وجوههم‪ ،‬وقطَّع‬
‫َ‬ ‫الحميم‬
‫ُ‬ ‫أفئدتهم‪ ،‬وشوى‬
‫التساوي بين المنعمين والمعذبين؟!‬
‫ﭽﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ‪.‬‬

‫وتقدسه عن أن يماثِلَه‬
‫تنزهه عن السوء والنقص ُّ‬
‫إخبار عن ُّ‬
‫{‪ 17‬ـ ‪ }18‬هذا ٌ‬
‫وأمر للعباد أن يسبِّحوه حين ُيمسون‪ ،‬وحين ُيصبحون‪ ،‬ووقت العشي‬
‫أحد من الخلق‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬
‫عباده‬
‫أوقات الصلوات الخمس‪ ،‬أمر اللّه َ‬
‫ُ‬ ‫ووقت الظهيرة؛ فهذه األوقات الخمسةُ‬
‫ويدخ ُل في ذلك الواجب منه؛ كالمشتملة عليه الصلوات‬ ‫ِ‬
‫والحمد‪ُ ،‬‬ ‫بالتسبيح فيها‬
‫يقترن بها من‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫والمستحب؛ كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلواتـ وما‬ ‫الخمس‪،‬‬
‫النوافل؛ َّ‬
‫ألن هذه األوقات التي اختارها اللّه ألوقات المفروضات هي أفض ُل األوقات؛‬
‫تشتمل على‬
‫ْ‬ ‫والتحميد فيها والعبادة فيها أفض ُل من غيرها‪ ،‬بل العبادةُ وإ ْن لم‬
‫ُ‬ ‫فالتسبيح‬
‫ُ‬
‫ك في العبادة‪،‬‬
‫أن يكون له شري ٌ‬ ‫قول‪ :‬سبحان اللّه؛ َّ‬
‫فإن اإلخالص فيها تنزيهٌ للّه بالفعل ْ‬
‫أحد من الخلق ما يستحقُّه من اإلخالص واإلنابة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫يستحق ٌ‬ ‫أو أن‬

‫النبات من األرض الميتة‪،‬‬ ‫الحي من المي ِ‬


‫ِّت}‪ :‬كما ُيخرج‬ ‫{ي ْـخ ِر ُج َّ‬
‫َ‬ ‫{‪ُ }19‬‬
‫والسنبلة من الحبة‪ ،‬والشجرة من النواة‪ ،‬والفرخ من البيضة‪ ،‬والمؤمن من الكافر‪...‬‬
‫بعد‬
‫األرض َ‬
‫َ‬ ‫{ويحيي‬‫الحي}‪ :‬بعكس المذكور‪ُ ،‬‬ ‫ِّت من ِّ‬ ‫ِ‬
‫{ويخر ُج المي َ‬ ‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫ت‪،‬‬
‫ورَب ْ‬
‫ت‪َ ،‬‬ ‫موتِها}‪ :‬فينزل عليها المطر وهي ميتة هامدةٌ؛ فإذا أنزل عليها الماء؛ َّ‬
‫اهتز ْ‬
‫جون}‪ :‬من ِ‬
‫قبوركم‪.‬‬ ‫ت من ِّ‬
‫كل زوج بهيج‪{ .‬وكذلك تُ ْـخ َر َ‬ ‫وأنبتَ ْ‬
‫وبرهان ساطعٌ َّ‬
‫أن الذي أحيا األرض بعد موتها فإنه يحيي‬ ‫ٌ‬ ‫فهذا دلي ٌل قاطعٌ‬
‫فرق في نظر العقل بين األمرين‪ ،‬وال موجب الستبعاد أحدهما مع‬
‫األموات؛ فال َ‬
‫مشاهدة اآلخر‪.‬‬
‫ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ‪.‬‬

‫َّ‬
‫باإللهية وكمال عظمته‬ ‫الدالَّة على انفراده‬
‫{‪ }20‬هذا شروعٌ في تعداد آياتِ ِه َّ‬
‫صنع ِه وسعة رحمتِ ِه وإ حسانه‪ ،‬فقال‪{ :‬ومن آياتِ ِه‬
‫اقتدار ِه وجميل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ونفوذ مشيئتِ ِه َّ‬
‫وقوة‬
‫بشر‬ ‫أن َخلَقَ ُكم من ٍ‬
‫تراب}‪ :‬وذلك بخلق أصل النسل آدم عليه السالم‪{ ،‬ثم إذا أنتُم ٌ‬ ‫ْ‬
‫اد ٍة و ٍ‬
‫احدة]‪ ،‬وبثَّكم في أقطار األرض‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تنتَشرون}؛ [أي‪ :‬الذي خلقكم من أصل َواحد َو َم َ‬
‫وأرجائها‪.‬‬

‫أن الذي أنشأكم من هذا األصل‪ ،‬وبثَّكم في أقطار األرض‬


‫ففي ذلك آيات على َّ‬
‫سيعيدكم بالبعث بعد الموت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والرحيم الودود‪ ،‬الذي‬
‫ُ‬ ‫ك المحمود‬ ‫ُّ‬
‫الرب المعبود المل ُ‬ ‫هو‬

‫وعلم ِه‬
‫ِ‬ ‫{‪{ }21‬ومن آياتِ ِه}‪ :‬الدالَّة على رحمتِ ِه وعنايتِ ِه بعباده وحكمتِ ِه العظيمة‬
‫ِ‬
‫وتشاكلُكم‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وتناسبونهن‪،‬‬ ‫أنفسكم أزواجاً}‪ِ :‬‬
‫تناسُبكم‪،‬‬ ‫ق لكم من ِ‬ ‫أن َخلَ َ‬
‫المحيط‪ْ { ،‬‬
‫مودةً ورحمةً}‪ :‬بما رتَّب على الزواج من‬ ‫وتشاكلونهن؛ ِ{لتَ ْس ُكنوا إليها وجعل بينكم َّ‬
‫للمودة والرحمة‪ ،‬فحصل بالزوجة االستمتاع واللَّ َّذة والمنفعةُ بوجود‬ ‫َّ‬ ‫األسباب الجالبة‬
‫األوالد وتربيتهم والسكون إليها؛ فال تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من‬
‫َّ‬
‫ويتدبرون‬ ‫أفكارهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لقوم َّ‬ ‫ٍ‬
‫آليات ٍ‬ ‫َّ‬
‫المودة والرحمة‪َّ .‬‬
‫رون}‪ُ :‬ي ْعملون َ‬
‫يتفك َ‬ ‫{إن في ذلك‬
‫آيات اللّه‪ ،‬وينتَِقلون من شيء إلى شيء‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ‬
‫َّ‬
‫ويتدبرون اآليات‪،‬‬ ‫{‪ }22‬والعالمون‪ :‬هم أه ُل العلم الذين يفهمون ِ‬
‫العَب َر‬
‫أن ذلك ٌّ‬
‫دال‬ ‫ِ‬
‫واألرض}‪ :‬وما فيهما؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫{السموات‬ ‫ق‬ ‫واآليات في ذلك كثيرة‪ :‬فمن ِ‬
‫آيات َخْل ِ‬ ‫ُ‬
‫اقتدار ِه‪ ،‬الذي أوجد هذه المخلوقات العظيمة‪ ،‬وكمال‬
‫ِ‬ ‫على عظمة سلطان اللّه وكمال‬
‫حكمتِ ِه؛ لما فيها من اإلتقان‪ ،‬وسعة علمه؛ َّ‬
‫ألن الخالق ال َّ‬
‫بد أن يعلم ما خلقه؛ {أال َي ْعلَ ُم‬
‫ق}‪ ،‬وعموم رحمته وفضله؛ لما في ذلك من المنافع الجليلة‪ ،‬وأنه المريد الذي‬ ‫َم ْن َخلَ َ‬
‫ُّ‬
‫يستحق أن ُيعبد‬ ‫يشاء؛ لما فيها من التخصيصات والمزايا‪َّ ،‬‬
‫وأنه وحده الذي‬ ‫يختار ما ُ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫ويوحد؛ ألنه المنفرد بالخلق؛ فيجب أن ُي ْف َر َد بالعبادة‪.‬‬
‫بالتفكر واستخراج العبرة‬‫ُّ‬ ‫فكل هذه أدلَّة َّ‬
‫عقلية َّنبه اللّه العقول إليها‪ ،‬وأمرها‬
‫أن األصل‬‫وتباينِ ُكم مع َّ‬
‫منها‪{ ،‬و} كذلك في {اختالف ألسنتكم وألوانكم}ـ‪ :‬على َكثَْرتِ ُكم ُ‬
‫تجد صوتين متَّفقين من كل وجه‪ ،‬وال‬ ‫واحد ومخارج الحروف واحدةٌ‪ ،‬ومع ذلك؛ ال ُ‬ ‫ٌ‬
‫يحص ُل التمييز‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كل وجه؛ إالَّ وتجد من الفرق بين ذلك ما به‬ ‫لونين متشابهين من ِّ‬

‫بعباد ِه ورحمتِ ِه بهم‪ْ ،‬‬


‫أن َّ‬
‫قد َر‬ ‫ونفوذ مشيئتِ ِه وعنايته ِ‬
‫ِ‬ ‫دال على كمال قدرتِ ِه‬
‫وهذا ٌّ‬
‫ذلك االختالف؛ لئالَّ يقع التشابه‪ ،‬فيحصل االضطراب‪ ،‬ويفوت كثير من المقاصد‬
‫والمطالب‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ‬
‫إن ذلك دلي ٌل على‬ ‫وتعقل للمعاني واآليات في ذلك؛ َّ‬ ‫تدبر ُّ‬
‫{‪ }23‬أي‪ :‬سماع ُّ‬
‫والنهار ِلتَ ْس ُكنوا فيه وِلتَْبتَغوا‬
‫َ‬ ‫رحمة اللّه تعالى؛ كما قال‪{ :‬ومن رحمتِ ِه َج َع َل لكم َ‬
‫الليل‬
‫اقتضت سكون الخلق في‬ ‫ْ‬ ‫تشكرون}‪ ،‬وعلى تمام حكمتِ ِه؛ إ ْذ حكمتُه‬
‫َ‬ ‫فضل ِه ولعلَّكم‬
‫من ِ‬
‫َّ‬
‫والدنيوية‪ ،‬وال‬ ‫َّ‬
‫الدينية‬ ‫وقت ليستريحوا [به] ويجموا‪ ،‬وانتشارهم في وقت لمصالحهم‬
‫والمنفرد بذلك هو المستحق للعبادة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يتم ذلك إال بتعاقُب الليل والنهار عليهم‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫‪.‬‬ ‫ﯵ ﭼ‬
‫البالد والعباد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫{‪ }24‬أي‪ :‬ومن آياتِ ِه أن ُيَن ِّز َل عليكم المطر الذي تحيا به‬
‫{إن في ذلك‬‫ويطمع فيه‪َّ .‬‬ ‫ويريكم قب َل نزوله ِّ ِ ِ‬
‫مقدماته من الرعد والبرق الذي ُيخاف ُ‬
‫علم ِه وكمال إتْقانِ ِه وعظيم حكمتِ ِه‪َّ ،‬‬
‫وأنه ُيحيي‬ ‫عة ِ‬‫آليات}‪ :‬دالَّة على عموم إحسانِ ِه وس ِ‬‫ٍ‬
‫َ‬
‫الموتى‪ ،‬كما أحيا األرض بعد موتها‪{ ،‬لقوم يعقلون}؛ أي‪ :‬لهم عقو ٌل ِ‬
‫تعق ُل بها ما‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫وتستدل به على ما جعل دليالً عليه‪.‬‬ ‫تسمعه وتراه وتحفظُه‪،‬‬
‫ُ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﭼ‪.‬‬

‫واستقرتا وثبتتا‬
‫َّ‬ ‫واألرض‬
‫ُ‬ ‫السماوات‬
‫ُ‬ ‫أن قامت‬
‫{‪ }25‬أي‪ :‬ومن آياته العظيمة ْ‬
‫السماء على األرض؛ فقدرتُه العـظـيمةُ التي بها أمسك‬ ‫ِ‬
‫تسقط‬ ‫ألمر ِه‪ ،‬فلم يتزلزال‪ ،‬ولم‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫السماوات واألرض أن تزوال؛ ِ‬
‫يقد ُر بها على َّأنه إذا دعا الخلق دعوةً من األرض؛ إذا‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫أكبر من َخْلق الناس}‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ق السموات واألرض ُ‬ ‫ـخْل ُ‬
‫جون‪{ .‬لَ َ‬
‫هم َي ْـخ ُر َ‬
‫والمتصرفـ فيهم‬
‫ِّ‬ ‫الكل خلقُه ومماليكه‬ ‫ِ‬
‫السموات واألرض}‪ُّ :‬‬ ‫{‪{ }26‬وله َمن في‬
‫لجالل ِه‪ ،‬خاضعون لكماله‪.‬‬
‫ِ‬ ‫معارض‪ ،‬وكلُّهم قانتون‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معاون وال‬ ‫منازع وال‬
‫ٍ‬ ‫من غير‬

‫يعيده وهو}؛ أي‪ :‬إعادةُ الخلق بعد موتهم‪،‬‬


‫ق ثم ُ‬ ‫الخْل َ‬
‫{‪{ }27‬وهو الذي يبدأ َ‬
‫{أهون عليه}‪ :‬من ابتداء َخْل ِقهم‪ ،‬وهذا بالنسبة إلى األذهان والعقول؛ فإذا كان قادراً‬
‫ُ‬
‫تقرون به؛ كان قدرتُه على اإلعادة التي هي أهون أولى وأولى‪.‬‬ ‫على االبتداء الذي ُّ‬
‫َّ‬
‫ويتذكر المؤمنون‪،‬‬ ‫المعتبرون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العظيمة ما به يعتبر‬ ‫ول َّـما ذكر من اآليات‬
‫َ‬
‫المثَ ُل األعلى‬ ‫ِ‬
‫ويستبص ُر المهتدون؛ ذكر األمر العظيم والمطلب الكبير‪ ،‬فقال‪{ :‬وله َ‬
‫صفة كمال‪ ،‬والكمال من تلك الصفة‪ ،‬والمحبة‬ ‫كل ِ‬ ‫واألرض}‪ :‬وهو ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السموات‬ ‫في‬
‫فالمثَ ُل‬
‫واإلنابة التامة الكاملة في قلوب عباده المخلصين والذكر الجليل والعبادة منهم؛ َ‬
‫ِ‬
‫يستعملون في ِّ‬
‫حق‬ ‫األعلى هو وصفُه األعلى وما ترتَّب عليه‪ ،‬ولهذا كان أه ُل العلم‬
‫المخلوقات؛ ِ‬
‫فخالقُها أحق‬ ‫ِ‬ ‫كل صفة كمال في‬ ‫الباري قياس األولى‪ ،‬فيقولون‪ُّ :‬‬
‫أحد‪ُّ ،‬‬
‫وكل نقص في المخلوق (‪ُ )1‬يَن َّزهُ عنه؛‬ ‫يشار ُكه فيها ٌ‬‫باالتِّصاف بها على وجه ال ِ‬
‫الحكيم}؛ أي‪ :‬له َّ‬
‫العزة‬ ‫ُ‬ ‫العزيز‬
‫ُ‬ ‫فتنزيهُ الخالق عنه من باب أولى وأحرى‪{ .‬وهو‬
‫ِ‬
‫المأمورات‪ ،‬وحكمتُه‬ ‫وأظهر‬ ‫ِ‬
‫المخلوقات‬ ‫أوجد بها‬
‫َ‬ ‫الكاملة والحكمة الواسعة‪َّ ،‬‬
‫فعزتُه‬
‫َ‬
‫وأحسن فيها ما َش َر َعه‪.‬‬
‫َ‬ ‫صَن َعه‬
‫أتقن بها ما َ‬
‫َ‬
‫ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬ ‫ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﯓ ﭼ‪.‬‬

‫يحتاج إلى‬
‫ُ‬ ‫ضربه اللّه ِلقُبح الشرك وتهجينه‪ ،‬مثالً من أنفسكم ال‬
‫َ‬ ‫{‪ }28‬هذا مث ٌل‬
‫أيمانكم من ُش َركاء فيما َر َز ْقناكم}؛‬
‫ملكت ُ‬‫ْ‬ ‫الجمال‪{ .‬هل لكم م َّـما‬ ‫ٍّ‬
‫حل وترحال وإ عمال ِ‬
‫األرقاء ِ‬
‫يشار ُككم في رزقكم‪ ،‬وتََر ْو َن َّأنكم وهم فيه‬ ‫ِ‬ ‫أحد من عبيدكم وإ مائِكم‬
‫أي‪ :‬هل ٌ‬
‫أنفس ُكم}؛ أي‪ :‬كاألحرار الشركاء في الحقيقة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫على ٍّ‬
‫{تخافونهم كخيفَتكم َ‬
‫َ‬ ‫حد سواء‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬المخلوقات»‪.‬‬


‫ُيخاف من قسمه واختصاص كل شيء بحاله؟! ليس األمر كذلك؛ َّ‬
‫فإنه ليس‬ ‫(‪)1‬‬
‫الذين‬
‫أيمانكم شريكاً لكم فيما َر َزقَكم اللّه تعالى‪ ،‬هذا؛ ولستُم الذين َخلَ ْقتُموهم‬
‫أحد مما ملكت ُ‬ ‫ٌ‬
‫ض ْو َن أن تجعلوا للّه شريكاً من خلقه‪،‬‬ ‫فكيف تَْر َ‬
‫َ‬ ‫ك مثلُكم؛‬
‫ورز ْقتُموهم‪ ،‬وهم أيضاً ممالي ُ‬
‫َ‬
‫ض ْو َن مساواة مماليككم لكم؟! هذا‬ ‫ِِ‬
‫وتجعلونه بمنزلته وعديالً له في العبادة‪ ،‬وأنتُم ال تَْر َ‬
‫َ‬
‫شيء على َسفَ ِه من اتَّخذ شريكاً مع اللّه‪َّ ،‬‬
‫وأن ما اتَّخذه‬ ‫أدل ٍ‬ ‫من أعجب األشياء‪ ،‬ومن ِّ‬
‫نفص ُل اآليات}‪:‬‬ ‫مضمحل‪ ،‬ليس مساوياً للّه وال له من العبادة شيء‪{ .‬كذلك ِّ‬ ‫ٌّ‬ ‫باطل‬
‫يعق ُل؛ فلو فُصلت‬ ‫وأما م ْن ال ِ‬ ‫الحقائق ِ‬ ‫ِ‬
‫ويعرفون‪َ َّ .‬‬ ‫َ‬ ‫لون}‪:‬‬
‫بتوضيحها بأمثلتها {لقوم َي ْعق َ‬
‫يعقل به ما‬ ‫لب ِ‬ ‫ِّنات؛ لم يكن له عق ٌل ِ‬
‫يبص ُر به ما تبيـَّن‪ ،‬وال ٌّ‬ ‫وبينت له البي ُ‬
‫ْ‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫له‬
‫َّ‬
‫ويوجه الخطاب‪.‬‬ ‫َّ‬
‫توضح؛ فأه ُل العقول واأللباب هم الذين ُيساق إليهم الكالم‪،‬‬
‫َّ‬
‫ويتوكل‬ ‫{‪ }29‬وإ ذا ُعِل َم من هذا المثال َّ‬
‫أن من اتَّخذ من دون اللّه شريكاً ُ‬
‫يعب ُده‬
‫اإلقدام على ٍ‬
‫أمر‬ ‫َ‬ ‫أوجب لهم‬
‫َ‬ ‫شيء؛ فما الذي‬
‫ٌ‬ ‫عليه في أموره؛ فإنه ليس معه من ِّ‬
‫الحق‬
‫برهانه؟ أوجب لهم ذلك اتِّباع الهوى‪ ،‬فلهذا قال‪{ :‬بل اتََّب َع‬
‫ُ‬ ‫بطالنه وظهر‬
‫ُ‬ ‫باطل َّ‬
‫توضح‬
‫أنفسهم الناقصةُ التي ظهر من نقصها (‪ )2‬ما‬ ‫بغير علم}‪ :‬هويت ُ‬ ‫أهواءهم ِ‬‫َ‬ ‫ظلَموا‬
‫الذين َ‬
‫برده بغير علم دلَّهم عليه وال برهان‬‫ط ُر ِّ‬ ‫بفساد ِه ِ‬
‫والف َ‬ ‫ِ‬ ‫تعلَّق به هواها أمراً ِ‬
‫يجز ُم العقل‬
‫أضل اللّه}؛ أي‪ :‬ال تعجبوا من عدم هدايتهم؛ َّ‬
‫فإن اللّه‬ ‫َّ‬ ‫قاد ُهم إليه‪{ ،‬فمن يهدي َمن‬
‫َ‬
‫أحد معارضاً للّه أو‬ ‫ألنه ليس ٌ‬ ‫َّ‬
‫أضل اللّه؛ َّ‬ ‫طريق لهداية من‬
‫َ‬ ‫تعالى أضلَّهم بظلمهم‪ ،‬وال‬
‫رونهم حين ُّ‬
‫تحق عليهم كلمةُ‬ ‫ينص َ‬ ‫ِ‬
‫رين}‪ُ :‬‬‫منازعاً له في ملكه‪{ ،‬ومالهم من ناص َ‬
‫وتنقطعُ بهم الوصل واألسباب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫العذاب‪،‬‬
‫ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ‪.‬‬

‫قامة دينِ ِه‪ ،‬فقال‪{ :‬فأقم‬


‫{‪ }30‬يأمر تعالى باإلخالص له في جميع األحوال وإ ِ‬
‫ُ‬
‫واإليمان واإلحسان‪ ،‬بأن‬
‫ُ‬ ‫اإلسالم‬
‫ُ‬ ‫ِّهه {للدين}‪ :‬الذي هو‬
‫انصبه ووج ْ‬
‫ْ‬ ‫ك}؛ أي‪:‬‬‫وجهَ َ‬
‫ك إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة كالصالة والزكاة‬‫وب َدنِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫تتوجه بقلبك وقصدك َ‬
‫َّ‬
‫كالمحبة والخوف والرجاء واإلنابة‪،‬‬ ‫والصوم والحج ونحوها‪ ،‬وشرائعه الباطنة‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬الذي»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬نقصانها»‪.‬‬
‫تكن‬
‫فإن لم ْ‬ ‫تعبد اللّه فيها َّ‬
‫كأنك تراه؛ ْ‬ ‫واإلحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة؛ بأن َ‬
‫تراه؛ َّ‬
‫فإنه يراك‪.‬‬

‫ألن إقبال الوجه تََبعٌ إلقبال القلب‪ ،‬ويترتَّب على‬


‫وخص اللّه إقامة الوجه؛ َّ‬
‫عما‬
‫{حنيفاً}؛ أي‪ :‬مقبالً على اللّه في ذلك معرضاً َّ‬
‫سعي البدن‪ ،‬ولهذا قال‪َ :‬‬
‫األمرين ُ‬
‫ط َر الناس عليها}‪ :‬ووضع في‬
‫سواه‪ ،‬وهذا األمر الذي أمرناك به هو {فطرةَ اللّه التي فَ َ‬
‫ض َع‬ ‫واستقباح غيرها؛ َّ‬
‫فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد َو َ‬ ‫َ‬ ‫عقولهم ُح ْسَنها‬
‫ِّ‬
‫الحق‪،‬‬ ‫محبة ِّ‬
‫الحق وإ يثار‬ ‫الميل إليها‪ ،‬فوضع في قلوبهم َّ‬
‫َ‬ ‫اللّهُ في قلوب الخلق كلِّهم‬
‫وم ْن َخ َر َج عن هذا األصل؛ فلعارض عرض لفطرته أفسدها؛‬ ‫وهذا حقيقة الفطرة‪َ .‬‬
‫يهودانِ ِه أو ينصِّرانِ ِه أو‬
‫مولود يولَ ُد على الفطر ِة؛ فأبواه ِّ‬
‫ٍ‬ ‫النبي (ص)‪ُّ :‬‬
‫«كل‬ ‫كما قال ُّ‬
‫المخلوق على‬
‫َ‬ ‫ق اللّ ِه}؛ أي‪ :‬ال أحد ِّ‬
‫يبد ُل خلق اللّه فيجع ُل‬ ‫يمجسانِ ِه» ‪{ .‬ال تبدي َل ِل َ‬
‫ـخْل ِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ِّ‬
‫ِّم}؛ أي‪ :‬الطريق‬ ‫ين القي ُ‬ ‫أم ْرناك به ِّ‬
‫{الد ُ‬ ‫ض َعهُ اللّه‪{ .‬ذلك}‪ :‬الذي َ‬ ‫غير الوضع الذي َو َ‬
‫فإن َمن أقام وجهه للدين حنيفًا؛ َّ‬
‫فإنه سالك‬ ‫المستقيم الموصل إلى اللّه وإ لى كرامتِ ِه؛ َّ‬
‫الناس ال يعلمون}‪ :‬فال‬‫ِ‬ ‫أكثر‬ ‫َّ‬
‫{ولكن َ‬ ‫شرائع ِه وطر ِق ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الصراط المستقيم في جميع‬
‫يتعرفون ِّ‬
‫الدين القيِّم‪ ،‬وإ ْن عرفوه؛ لم َي ْسلُكوه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫تفسير إلقامة الوجه للدين؛ َّ‬
‫فإن اإلنابةَ إنابةُ‬ ‫ٌ‬ ‫{منيبين إليه واتَّقوه}‪ :‬وهذا‬
‫َ‬ ‫{‪}31‬‬
‫البدن بمقتضى‬ ‫(‪)2‬‬
‫وانجذاب دواعيه لمراضي اللّه تعالى‪ ،‬ويلزم من ذلك عم ُل‬
‫ُ‬ ‫القلب‬
‫يتم ذلك إال بترك المعاصي‬
‫ما في القلب‪ ،‬فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة‪ ،‬وال ُّ‬
‫وترك المنهيات‪،‬‬
‫َ‬ ‫الظاهرة والباطنة؛ فلذلك قال‪{ :‬واتَّقوه}؛ فهذا يشم ُل فع َل المأمورات‬
‫وخص من المأمورات الصالةَ لكونها تدعو إلى اإلنابة والتقوى لقوله تعالى‪{ :‬وأقم‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫والمنكر}‪ :‬فهذا إعانتها على التقوى‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الفحشاء‬ ‫الصالةَ َّ‬
‫إن الصَّالةَ تَْنهى عن‬
‫َّ‬
‫المنهيات أصلَها‪ ،‬والذي ال‬ ‫وخص من‬ ‫ِ‬
‫اإلنابة‪.‬‬ ‫أكبر}‪ :‬فهذا حثُّها على‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫{ولَذ ْك ُر اللّه ُ‬
‫َ‬
‫ًّ‬
‫مضادا‬ ‫ك‪ ،‬فقال‪{ :‬وال تكونوا من المشركين}‪ِ :‬‬
‫لكون الشرك‬ ‫ُيقبل معه عم ٌل‪ ،‬وهو الشر ُ‬
‫اإلخالص من ِّ‬
‫كل وجه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لإلنابة التي ُروحها‬

‫‪ - 1‬أخرجه البخاريـ (‪ ،)1359‬ومسلمـ (‪ )2658‬من حديث أبي هريرة رضيـ اللّه عنه‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬حمل»‪.‬‬
‫{‪ }32‬ثم َذ َك َر حالة المشركين ِّ‬
‫مهجناً لها ومقبِّحاً‪ ،‬فقال‪{ :‬من الذين فََّرقوا‬
‫وحده‪ ،‬وهؤالء المشركون‬
‫إخالص العبادة للّه َ‬
‫ُ‬ ‫واحد‪ ،‬وهو‬ ‫دينهم}‪ :‬مع َّ‬
‫أن الدين ٌ‬ ‫َ‬
‫يعبد الشمس والقمر‪ ،‬ومنهم من‬ ‫يعبد األوثان واألصنام‪ ،‬ومنهم من ُ‬
‫فرقوه‪ :‬منهم من ُ‬ ‫َّ‬
‫يهود‪ ،‬ومنهم نصارى‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وكانوا ِشَيعاً}؛‬
‫يعبد األولياء والصالحين‪ ،‬ومنهم ٌ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ومنابذة‬ ‫َّبت على ِ‬
‫نصر ما معها من الباطل‬ ‫تاهت وتعص ْ‬
‫ْ‬ ‫كل ٍ‬
‫فرقة من فرق الشرك‬ ‫أي‪ُّ :‬‬
‫ٍ‬
‫حزب بما لديهم}‪ :‬من العلوم المخالفة لعلوم الرسل‬ ‫غير ِهم ومحاربتِهم‪ُّ .‬‬
‫{كل‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫الحق َّ‬
‫وأن غيرهم على باطل‪.‬‬ ‫بأنه‬ ‫{ف ِـرحون}‪ :‬به يح ُكمون ِ‬
‫ألنفسهم َّ‬ ‫َ‬
‫َّب لما معه‬ ‫وتفرقهم فرقاً‪ُّ ،‬‬
‫كل فريق يتعص ُ‬ ‫تحذير للمسلمين من تشتُّتهم ُّ‬ ‫وفي هذا‬
‫ٌ‬
‫واحد‪،‬‬
‫التفرق‪ ،‬بل الدين ٌ‬
‫وباطل‪ ،‬فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫من ٍّ‬
‫حق‬
‫َّ‬
‫الدينية وقع فيها اإلجماع بين العلماء‬ ‫واحد‪ ،‬وأكثر األمور‬
‫واحد‪ ،‬واإلله ٌ‬ ‫والرسول ٌ‬
‫أتم ربط؛ فما با ُل ذلك كلِّه ُيلغى‬
‫طها َّ‬‫ورب َ‬ ‫َّ‬
‫اإليمانية قد عقدها اللّه َ‬ ‫واألخوة‬
‫َّ‬ ‫واألئمة‪،‬‬
‫َّ‬
‫خالفي ٍة يضلِّ ُل بها‬
‫َّ‬ ‫خفي ٍة أو فروع‬
‫والشقاق بين المسلمين على مسائل َّ‬
‫ُ‬ ‫ق‬
‫التفر ُ‬
‫ويبنى ُّ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشيطان‬ ‫بعض؟! فهل هذا إالَّ من أكبر نزغات‬‫ٍ‬ ‫بعضهم عن‬ ‫َّ‬
‫ويتميز بها ُ‬ ‫بعضهم بعضاً‬‫ُ‬
‫بينهم‬ ‫مقاصد ِه التي كاد بها المسلمين؟! وهل السعي في جمع كلمتهم وإ ِ‬
‫زالة ما َ‬ ‫ِ‬ ‫وأعظم‬
‫ِ‬
‫وأفضل‬ ‫ِ‬
‫الجهاد في سبيل اللّه‬ ‫المبني على ذلك األصل الباطل إالَّ من أفضل‬
‫ِّ‬ ‫من الشقاق‬
‫المقربة إلى اللّه؟!‬
‫األعمال ِّ‬
‫ولما أمر تعالى باإلنابة إليه‪ ،‬وكان المأمور بها هي اإلنابة االختيارية‪ ،‬التي‬
‫َّ‬
‫االضطرارية التي ال‬ ‫حال العسر واليسر والسَّعة والضيق؛ ذكر اإلنابة‬‫تكون في ِ‬
‫تكون مع اإلنسان إالَّ عند ِ‬
‫ضيق ِه وكربِ ِه؛ فإذا زال عنه الضيق؛ َنَب َذها وراء ِ‬
‫ظهر ِه‪،‬‬
‫وهذه غير ٍ‬
‫نافعة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫{د َع ْوا‬
‫خوف من هالك ونحوه‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مرض أو‬
‫ٌ‬ ‫ضٌّر}‪:‬‬
‫الناس ُ‬
‫{‪ 33‬ـ ‪{ }34‬وإ ذا َم َّس َ‬
‫يكشف‬
‫ُ‬ ‫يشركون في تلك الحال؛ ِ‬
‫لعلمهم َّأنه ال‬ ‫ربهم منيبين إليه}‪ :‬ونسوا ما كانوا به ِ‬
‫َّ‬
‫وآمَنهم من خوفهم‪{ ،‬إذا‬ ‫ُّ َّ‬
‫الض َّر إال اللّه‪ ،‬فَـ{إ َذا أذاقَهُم منه رحمةً}‪ :‬شفاهم من مرضهم َ‬
‫ِ‬
‫ويشركون به َم ْن ال َدفَ َع عنهم‬ ‫فريق منهم}‪ :‬ينقُضون تلك اإلنابةَ التي صدرت منهم‪،‬‬
‫ٌ‬
‫حيث أنجاهم‬
‫ومن به عليهم ُ‬ ‫كفر بما آتاهم اللَّه َّ‬ ‫ُّ‬
‫وال أغنى وال أفقر وال أغنى‪ ،‬وكل هذا ٌ‬
‫بالشكر والدوام‬‫الشدة وأزال عنهم المشقَّة؛ فهالَّ قابلوا هذه النعمة الجليلة ُّ‬
‫وأنقَ َذهم من َّ‬
‫على اإلخالص له في جميع األحوال؟!‬

‫حجة ظاهرةً‪{ ،‬فهو}؛ أي‪ :‬ذلك السلطان‬ ‫أنزْلنا عليهم سلطاناً}؛ أي‪َّ :‬‬
‫{‪{ }35‬أم َ‬
‫واستمروا على ِّ‬
‫شك ُكم؛‬ ‫ُّ‬ ‫{يتكلَّ ُم بما كانوا به ِ‬
‫يشركون}‪ :‬ويقول لهم‪ :‬اثُْبتوا على ِش ْر ِك ُكم‬
‫موجود‬
‫ٌ‬ ‫الحق‪ ،‬وما دعتكم الرس ُل إليه باطل؛ فهل ذلك السلطان‬ ‫ُّ‬ ‫فإن ما أنتم عليه هو‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫والسمعية والكتب‬ ‫َّ‬
‫العقلية‬ ‫شدة التمسُّك بالشرك؟ أم البراهين‬‫ب لهم َّ‬ ‫عندهم حتى ِ‬
‫يوج َ‬
‫أشد النهي عن ذلك‪َّ ،‬‬
‫وحذروا من‬ ‫السماوية والرسل الكرام وسادات األنام قد َنـهَ ْوا َّ‬
‫َّ‬
‫ك هؤالء‬
‫سلوك طرقه الموصلة إليه‪ ،‬وحكموا بفساد عقل ودين من ارتكبه؟! فشر ُ‬
‫ِ‬
‫الشيطان‪.‬‬ ‫ون َزغات‬
‫النفوس َ‬ ‫ٍ‬
‫برهان‪ ،‬وإ َّنما هو أهواء ُّ‬ ‫بغير َّ‬
‫حجة وال‬
‫ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ‪.‬‬

‫َّ‬
‫والشدة َّأنهم إذا‬ ‫{‪ 36‬ـ ‪ }37‬يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حال الرخاء‬
‫ط ٍر ال‬‫فرح َب َ‬ ‫ٍ‬
‫ونصر ونحو ذلك؛ فرحوا بذلك َ‬ ‫صح ٍة وغنى‬ ‫أذاقهم اللّه منه رحمةً من َّ‬
‫ص ْبهم سيئةٌ}؛ أي‪ :‬حا ٌل تسوؤهم‪ ،‬وذلك {بما‬ ‫وتبجح بنعمة اللّه‪{ .‬وإ ْن تُ ِ‬
‫فرح ُش ْك ٍر ُّ‬
‫قدمت أيديهم}‪ :‬من المعاصي‪{ ،‬إذا هم َي ْقَنطون}‪ :‬ييأسون من زوال ذلك الفقر‬ ‫َّ‬
‫الرزق لمن‬
‫َ‬ ‫{أولَ ْـم َير ْوا َّ‬
‫أن اللّه يبسطُ‬ ‫والمرض ونحوه‪ ،‬وهذا جه ٌل منهم وعدم معرفة‪َ .‬‬
‫والشر من اللّه والرزق سعته وضيقه من‬ ‫َّ‬ ‫يشاء َوَي ْق ِد ُر}‪ :‬فالقنوط بعدما علم أن الخير‬
‫ك‬
‫ظ َر َ‬‫اجعل َن َ‬
‫ْ‬ ‫لمجرد األسباب‪ ،‬بل‬ ‫تقديره ضائع ليس له ٌّ‬
‫محل؛ فال تنظر ُّأيها العاقل َّ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ببسط اللّه‬ ‫{إن في ذلك آليات لقوم يؤمنون}‪ :‬فهم الذين يعتبِ َ‬
‫رون‬ ‫لمسبِّبها‪ ،‬ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫لسؤال ِه‬
‫ِ‬ ‫ورحمته وجوده وجذب القلوب‬ ‫ض ِه‪ ،‬ويعرفون بذلك حكمة اللّه ْ‬ ‫ِلـم ْن يشاء وقَْب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫في جميع مطالب الرزق‪.‬‬
‫ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ‬
‫فأعط القريب منك ـ على حسب قربِ ِه وحاجتِ ِه ـ حقَّه الذي أوجبه‬
‫ِ‬ ‫{‪ }38‬أي‪:‬‬
‫والبر والسالم واإلكرام‬ ‫َّ‬
‫والهدية ِّ‬ ‫ِ‬
‫والصدقة‬ ‫ِ‬
‫النفقة الواجبة‬ ‫الشارع أو َّ‬
‫حض عليه من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الفقر‬ ‫والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوتِه‪ ،‬وكذلك آت المسكين الذي ْ‬
‫ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫أس َكَنهُ‬
‫{وابن‬
‫َ‬ ‫حاجتَه وتدفعُ به ضرورتَه من إطعامه وسقيه وكسوتِ ِه‪.‬‬‫والحاجةُ ما تُزيل به َ‬
‫شدة الحاجة‪َّ ،‬‬
‫وأنه ال مال‬ ‫بلد ِه‪ ،‬الذي في َّ‬
‫مظنة َّ‬ ‫السبيل}‪ :‬الغريب المنقطع به في غير ِ‬
‫نفسه به في سفره؛ بخالف الذي في بلده؛ َّ‬
‫فإنه وإ ن لم يكن له‬ ‫معه وال كسب قد َدّبر َ‬
‫تسد حاجته‪ ،‬ولهذا‬ ‫ٍ‬
‫صناعة ونحوها ُّ‬ ‫ٍ‬
‫حرفة أو‬ ‫يكون في‬ ‫بد في الغالب أن‬ ‫ما ٌل‪ ،‬لكن ال َّ‬
‫َ‬
‫جعل اللّه في َّ‬
‫الزكاة حصةً للمسكين وابن السبيل‪.‬‬

‫{خير للذين يريدون}‪:‬‬


‫{ذلك}؛ أي‪ :‬إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل‪ٌ :‬‬
‫ألنه من أفضل األعمال‬ ‫كثير؛ َّ‬
‫وثواب ٌ‬
‫ٌ‬ ‫غزير‬
‫ٌ‬ ‫{و ْجهَ اللّه}؛ أي‪ :‬خير‬
‫بذلك العمل َ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫رون به اإلخالص؛ فإن لم ُي َر ْد به وجهُ‬
‫الم ْق ُ‬
‫المتعدي الذي وافق محله َ‬ ‫الصالحة‪ ،‬والنفعُ‬
‫خير‬
‫اللّه؛ لم يكن خيراً للمعطي‪ ،‬وإ ن كان خيراً ونفعاً للمعطى؛ كما قال تعالى‪{ :‬ال َ‬
‫مفهومها‬ ‫بين الناس}‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫في كثير من َن ْجواهم إال َم ْن أمر بصدقة أو معروف أو إصالح َ‬
‫ِّ‬
‫المتعدي‪ ،‬ولكن َم ْن يفع ُل ذلك ابتغاء مرضاة اللّه؛‬ ‫خير؛ لنفعها‬ ‫َّ‬
‫أن هذه المستثنيات ٌ‬
‫وغيرها لوجه‬
‫فسوف نؤتيه أجراً عظيماً‪ ،‬وقوله‪{ :‬وأولئك}ـ‪ :‬الذين عملوا هذه األعما َل َ‬
‫الفائزون بثواب اللّه الناجون من عقابه‪.‬‬
‫َ‬ ‫اللّه‪{ ،‬هم المفلحون}‪:‬‬

‫ص ُد به وجهُه من النفقات؛ ذكر العمل الذي‬ ‫{‪ }39‬ول َّـما ذكر العمل الذي ُي ْق َ‬
‫ص ٌد دنيويٌّ‪ ،‬فقال‪{ :‬وما آتيتُم من ربا ِلَي ْرُبوا في أموال الناس}؛ أي‪ :‬ما‬‫ي ْقص ُد به م ْق ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫وقصدكم بذلك أن َي ْرُب َو؛ أي‪ :‬يزيد في‬
‫ُ‬ ‫أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم‪،‬‬
‫أموالكم؛ بأن تُعطوها لمن تطمعون أن ِ‬
‫يعاوضكم عنها بأكثر منها؛ فهذا العمل ال يربو‬
‫معدوم الشرط الذي هو اإلخالص‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أجرهُ عند اللّه؛ لكونه‬
‫ُ‬
‫ومثل ذلك العم ُل الذي ُيراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس؛ فهذا كلُّه ال‬
‫يربو عند اللّه‪{ .‬وما آتيتُم من ٍ‬
‫زكاة}؛ أي‪ :‬مال يطهِّ ِركم من األخالق َّ‬
‫الرذيلة‪ ،‬ويطهِّر‬
‫{تريدون}‪ :‬بذلك {وجهَ اللّه‬
‫َ‬ ‫ويزيد في دفع حاجة المعطى؛‬
‫ُ‬ ‫البخل بها‪،‬‬
‫أموالكم من ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬أسكته»‪.‬‬


‫المضاعف لهم األجر‪ ،‬الذين تربو نفقاتُهم عند اللّه‪،‬‬ ‫فون}ـ؛ أي‪:‬‬ ‫فأولئك هم الـم ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ضع َ‬ ‫ُ‬
‫أن الصدقة‬ ‫ودل قولُه‪{ :‬وما آتَْيتُم من ٍ‬
‫زكاة}‪َّ :‬‬ ‫تكون شيئاً كثيراً‪َّ ،‬‬
‫ويربيها اللّهُ لهم‪ ،‬حتى َ‬ ‫ُ‬
‫ض ِه ِّ‬
‫ويقد ُم عليه الصدقَة؛ َّ‬
‫أن ذلك‬ ‫اضطرار من يتَعلَّق بالمنفق أو مع َد ْي ٍن عليه لم ي ْق ِ‬
‫ِ‬ ‫مع‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫تصرفُه شرعاً؛ كما قال تعالى في الذي ُي ْم َد ُح‪:‬‬ ‫وي َر ُّد ُّ‬ ‫ٍ‬
‫يؤجر عليه العبد‪ُ ،‬‬ ‫ليس بزكاة َ‬
‫إيتاء المال خيراً‪ ،‬حتى يكون بهذه الصفة‪ ،‬وهو‬ ‫مجرد ِ‬ ‫ُ‬ ‫يتزكى}؛ فليس‬‫{الذي يؤتي ماله َّ‬
‫أن يكون على ٍ‬
‫وجه َيتََز َّكى به المؤتي‪.‬‬ ‫َ‬
‫ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }40‬يخبر تعالى َّأنه وحده المنفرد بخلقكم ورزقكم وإ ماتتكم وإ حيائكم‪ ،‬وأنه‬
‫ك اللّه في ٍ‬
‫شيء من هذه‬ ‫أحد من الشركاء التي يدعوها المشركون َم ْن ِ‬
‫يشار ُ‬ ‫ليس ٌ‬
‫بوجه من‬‫ٍ‬ ‫ف فيها‬
‫تصر ٌ‬
‫انفرد بهذه األمور من ليس له ُّ‬‫َ‬ ‫يشركون بِ َم ِن‬
‫األشياء؛ فكيف ِ‬
‫وتنزه‪ ،‬وعال عن ِش ْر ِك ِهم؛ فال ُّ‬
‫يضره ذلك‪ ،‬وإ َّنما‬ ‫فسبحانه وتعالى‪َّ ،‬‬
‫وتقدس‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫الوجوه؟‬
‫وبالُه (‪ )1‬عليهم‪.‬‬
‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬ ‫ﰅ ﰆ ﰇ‬ ‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬ ‫ﭽﯾ ﯿ‬
‫‪.‬‬ ‫ﰍ ﭼ‬
‫ِ‬
‫والبحر}؛ أي‪ :‬فساد معايشهم ونقصها‬ ‫البر‬
‫{الفساد في ِّ‬
‫ُ‬ ‫{‪ }41‬أي‪ :‬استعلن‬
‫وحلول اآلفات بها وفي أنفسهم من األمراض والوباء وغير ذلك‪ ،‬وذلك بسبب ما‬
‫بعض الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ت أيديهم من األعمال الفاسدة المفسدة بطبعها‪ .‬هذه المذكورة‪{ ،‬لُيذيقَهم َ‬ ‫قد َم ْ‬
‫فعجل لهم نموذجاً من جزاء أعمالهم‬ ‫عملوا}؛ أي‪ :‬ليعلموا َّأنه المجازي على األعمال‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫صلُ ُح‬
‫عون}‪ :‬عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت‪ ،‬فتَ ْ‬ ‫في الدنيا؛ {لعلهم ير ِج َ‬
‫وتفض َل بعقوبتِ ِه‪ ،‬وإ الَّ ؛ فلو أذاقهم‬
‫َّ‬ ‫أمرهم؛ فسبحان من أنعم ببالئِ ِه‪،‬‬
‫ويستقيم ُ‬
‫ُ‬ ‫أحوالُهم‪،‬‬
‫داب ٍة‪.‬‬ ‫جميع ما كسبوا؛ ما ترك على ِ‬
‫ظهرها من َّ‬ ‫َ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وبالهم»‪.‬‬


‫والسير في‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫يدخ ُل فيه السير باألبدان‬
‫{‪ }42‬واألمر بالسير في األرض ُ‬
‫المتقدمين‪{ ،‬كان أكثر ُهم مشركين}‪ :‬ت ِجدون ِ‬
‫عاقَبتَهم‬ ‫ِّ‬ ‫والتأمل بعواقب‬
‫ُّ‬ ‫القلوب للنظر‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ولعن من َخْلق اللّه يتبعهم‪،‬‬
‫وذم‪ٌ ،‬‬ ‫عذاب استأصلهم‪ٌّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫شر ٍ‬
‫مآل‪:‬‬ ‫شر العواقب‪ ،‬ومآلهم َّ‬
‫َّ‬
‫وخزي متواص ٌل؛ فاحذروا أن تفعلوا أفعالهم؛ ُيحذى بكم َح ْذ َوهم؛ َّ‬
‫فإن عدل اللّه‬ ‫ٌ‬
‫وحكمته في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ‪.‬‬

‫اس َع ببدنِك إلقامة الدين القيِّم‬


‫وتوجه بوج ِهك‪ ،‬و ْ‬‫َّ‬ ‫{‪ }43‬أي‪ :‬أقبل بقلبك‬
‫بوظائف ِه الظاهرة والباطنة‪ِ ،‬‬
‫وباد ْر‬ ‫ِ‬ ‫وقم‬ ‫المستقيم‪ ،‬فنفِّ ْذ أوامره ونواهيه ٍّ‬
‫بجد واجتهاد‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫القيامة‪،‬‬ ‫مرد له من اللّه}‪ :‬وهو يوم‬ ‫يوم ال َّ‬ ‫زمانك وحياتك وشبابك‪{ ،‬من ِ‬
‫يأتي ٌ‬‫َ‬
‫قبل أن‬
‫غ من‬ ‫رده‪ ،‬وال ُيرجأ العاملون ليستأنفوا العمل‪ ،‬بل فُ ِر َ‬
‫(‪)2‬‬
‫يمكن ُّ‬
‫الذي إذا جاء؛ ال ُ‬
‫يتفرقون عن ذلك اليوم‪،‬‬ ‫َّدعون}؛ أي‪َّ :‬‬ ‫ٍ‬
‫{يومئذ َيص َّ‬ ‫جزاء العمال‪.‬‬ ‫يبق إالَّ‬
‫األعمال‪ ،‬ولم َ‬
‫ُ‬
‫ويصدرون أشتاتاً متفاوتين؛ ِلُي َر ْوا أعمالهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫بنفس ِه‪ ،‬ال ِ‬
‫تز ُر‬ ‫{‪ 44‬ـ ‪ }45‬فَـ{م ْن كفر}‪ :‬منهم‪{ ،‬فعليه كفره}‪ :‬ويعاقَب هو ِ‬
‫ُُ‬ ‫َ‬
‫وزر أخرى‪{ ،‬ومن َع ِم َل صالحاً}‪ :‬من الحقوق التي للّه والتي للعباد الواجبة‬‫وازرةٌ َ‬
‫ِ‬
‫دون}؛ أي‪ :‬يهيِّئون‪ ،‬وألنفسهم يعمرون‬ ‫والمستحبة {فألنفس ِهم}‪ :‬ال لغيرهم؛ َ‬
‫{ي ْمهَ َ‬ ‫َّ‬
‫ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفـاتـها‪ ،‬ومع ذلك جزاؤهم ليس مقصوراً على‬ ‫ُّ‬ ‫آخرتهم‪،‬‬
‫فضل ِه الممدود وكر ِم ِه غير المحدود ما ال ُ‬
‫تبلغهُ‬
‫أعمالهم‪ ،‬بل يجزيهم اللّه من ِ‬
‫(‪)3‬‬

‫صبا‪ ،‬وأجزل له‬ ‫صب عليه اإلحسان ًّ‬ ‫أحب اللّه عبداً؛ َّ‬
‫أحبهم‪ ،‬وإ ذا َّ‬ ‫أعمالُهم‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألنه َّ‬
‫العطايا الفاخرةَ‪ ،‬وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة‪ ،‬وهذا بخالف الكافرين؛ َّ‬
‫فإن اللّه‬
‫ل َّـما أبغضهم ومقَتَهم؛ عاقَبهم َّ‬
‫وعذبهم‪ ،‬ولم َي ِز ْدهم كما زاد من قبلهم؛ فلهذا قال‪َّ :‬‬
‫{إنه ال‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫يحب الكافرين}‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬في األبدان»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬أن يستأنفوا»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬وما»‪.‬‬
‫{‪ }46‬أي‪ :‬ومن (‪ )4‬األدلَّة الدالَّة على رحمته وبعثِ ِه الموتى َّ‬
‫وأنه اإلله المعبود‬
‫{مبشرات}‪ :‬بإثارتها للسحاب ثم‬ ‫ٍ‬ ‫{الرياح}‪ :‬أمام المطر‬ ‫والملك المحمود‪ ،‬أن أرسل‬
‫َ‬
‫جمعها‪ ،‬فتبشر بذلك النفوس قبل نزوله‪{ ،‬وِليذيقَكم من رحمتِ ِه}‪ :‬فَُي ْن ِز َل عليكم مطراً‬
‫ِ‬
‫أن رحمته هي المنقذة للعباد‬ ‫والعباد وتذوقون من رحمتِ ِه ما ِ‬
‫تعرفون َّ‬ ‫ُ‬ ‫البالد‬
‫ُ‬ ‫تحيا به‬
‫الجالبة ألرزاقهم‪ ،‬فتشتاقون إلى اإلكثار من األعمال الصالحة الفاتحة لخزائن‬
‫فضل ِه}‪:‬‬
‫القدري‪{ ،‬وِلتَْبتَغوا من ِ‬
‫ِّ‬ ‫{بأمر ِه}‪:‬‬
‫ك}‪ :‬في البحر ِ‬ ‫الرحمة‪{ ،‬وِلتَ ْج ِر َ‬
‫ي الفل ُ‬
‫سخر لكم األسباب‪،‬‬ ‫رون}‪َ :‬م ْن َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ ِ‬
‫بالتصرف في معايشكم ومصالحكم‪{ .‬ولعل ُكم تش ُك َ‬
‫ليزيدكم اللّه‬
‫َ‬ ‫تقاب َل بشكر اللّه تعالى؛‬
‫أن َ‬ ‫ويس ََّر لكم األمور؛ فهذا المقصود من النعم ْ‬ ‫َ‬
‫بالكفر والمعاصي؛ فهذه حا ُل من َّ‬
‫بدل نعمة اللّه‬ ‫ِ‬ ‫وأما مقابلة النعم‬
‫ويبقيها عليكم‪َّ ،‬‬
‫منها‪َ ،‬‬
‫ض لها للزوال واالنتقال منه إلى غيره‪.‬‬
‫معر ٌ‬
‫كفراً‪ ،‬ونعمته محنةً‪ ،‬وهو َّ‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ‬
‫ك}‪ :‬في األمم السالفين {رسالً إلى قومهم}‪:‬‬ ‫{‪ }47‬أي‪{ :‬ولقد أرسْلنا من ِ‬
‫قبل َ‬ ‫ْ َ‬
‫يدعونهم إلى التوحيد‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫بالحق‪ ،‬فجاءتهم رسلُهم‬ ‫توحيد اللّه َّ‬
‫وكذبوا‬ ‫َ‬ ‫حين َج َحدوا‬
‫والضالل‪ ،‬وجاؤوهم‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫بالحق وبطالن ما هم عليه من الكفر‬ ‫واإلخالص والتصديق‬
‫بالبينات واألدلَّة على ذلك‪ ،‬فلم يؤ ِمنوا ولم يزولوا عن غيهم‪{ ،‬فانتَقَ ْمنا من الذين‬
‫نصر المؤمنين}؛ أي‪:‬‬ ‫ًّ‬
‫المؤمنين أتباع الرسل‪{ ،‬وكان حقا علينا ُ‬
‫َ‬ ‫أج َرموا}‪ :‬ونصرنا‬ ‫ْ‬
‫ق المتعيِّنة‪ ،‬ووعدناهم به؛ فال َّ‬
‫بد من‬ ‫أوج ْبنا ذلك على أنفسنا‪ ،‬وجعْلناه من ِ‬
‫جملة الحقو ِ‬ ‫َ‬
‫ت بكم العقوبةُ‪،‬‬‫إن بقيتُم على تكذيبكم؛ حلَّ ْ‬ ‫ٍ‬
‫لمحمد (ص) ْ‬ ‫ِّ‬
‫المكذبون‬ ‫وقوع ِه‪ ،‬فأنتُم ُّأيها‬
‫ِ‬
‫ونصرناه عليكم‪.‬‬
‫ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬
‫{‪ 48‬ـ ‪ }49‬يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام نعمته َّأنه {يرس ُل الرياح فتثير‬
‫يشاء}؛ أي‪:‬‬
‫يمده ويوسِّعه {كيف ُ‬‫{في ْب ُسطُه في السماء}؛ أي‪ُّ :‬‬
‫سحاباً}‪ :‬من األرض‪َ ،‬‬
‫أي حالة أرادها من ذلك‪{ ،‬ثم يجعلُه}؛ أي‪ :‬ذلك السحاب الواسع ِ‬
‫{ك َسفاً}؛ أي‪:‬‬ ‫على ِّ‬

‫‪ - 4‬في (ب)‪« :‬من»‪.‬‬


‫خالل ِه}؛ أي‪:‬‬‫ق يخرج من ِ‬
‫الو ْد َ ُ ُ‬ ‫بعضه فوق بعض‪{ .‬فترى َ‬ ‫طبق َ‬ ‫سحاباً ثخيناً قد َّ‬
‫أصاب}؛ أي‪:‬‬
‫َ‬ ‫متفرقة‪ ،‬ال تنزل جميعاً فتُ ْف ِس ُد ما أتت عليه‪{ ،‬فإذا‬
‫السحاب؛ نقطاً صغاراً ِّ‬
‫يبشر بعضهم بعضاً بنزوله‪،‬‬ ‫عباد ِه إذا هم يستبشرون}‪ِّ :‬‬ ‫بذلك المطر م ْن {يشاء من ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫لشدة حاجتهم وضرورتهمـ إليه؛ فلهذا قال‪{ :‬وإ ن كانوا ِمن ِ‬
‫قبل أن ُيَن َّز َل عليهم‬ ‫وذلك َّ‬
‫لتأخر وقت مجيئه؛ أي‪ :‬فلما نزل في تلك‬ ‫سين}ـ؛ أي‪ :‬آيِسين قانطين ُّ‬ ‫ِِ ِ‬
‫من قبله لَ ُـمْبل َ‬
‫واستبشار‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وفرح‬
‫ٌ‬ ‫الحال؛ صار له موقعٌ عظيم عندهم‬

‫ت‬ ‫َّ‬
‫فاهتز ْ‬ ‫األرض بعد موتها}‪:‬‬ ‫ِ‬
‫رحمة اللّه كيف ُيحيي‬ ‫{‪{ }50‬فانظر إلى ِ‬
‫آثار‬
‫َ‬
‫{إن ذلك}‪ :‬الذي أحيا األرض بعد موتها {لَ ُـم ْحيي‬‫كل زوج كريم‪َّ .‬‬ ‫وأنبتت من ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ت‬
‫ورَب ْ‬
‫َ‬
‫شيء‪ ،‬وإ ن‬ ‫قدير}‪ :‬فقدرتُه تعالى ال يتعاصى عليها‬ ‫ٍ‬ ‫الموتى وهو على ِّ‬
‫ٌ‬ ‫كل شيء ٌ‬
‫ودق عن أفهامهم‪ ،‬وحارت فيه عقولهم‪.‬‬ ‫تعاصى على قَ ْد ِر َخْل ِق ِه‪َّ ،‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫وأنهم مع هذه النعم عليهم بإحياء األرض‬ ‫الخْلق َّ‬
‫{‪ }51‬يخبر تعالى عن حالة َ‬
‫ِ‬
‫المطر‬ ‫أرسْلنا على هذا النبات الناشىء عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونشر رحمة اللّه تعالى‪ :‬لو َ‬ ‫بعد موتها‬
‫صفرا}‪ :‬قد تداعى إلى التلف‪،‬‬
‫{فرأوهُ ُم ًّ‬
‫ْ‬ ‫مضرةً متلفةً أو منقصةً‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وعلى ُزروعهم ريحاً‬
‫بعد ِه يكفُرون}‪ :‬فينسون النعم الماضية‪ِ ،‬‬
‫ويبادرون إلى الكفر! وهؤالء ال‬ ‫ظلُّوا من ِ‬
‫{لَ َ‬
‫َْ‬
‫زجر‪.‬‬
‫ينفع فيهم وعظٌ وال ٌ‬
‫الدعاء}‪ :‬وباألولى‪{ :‬إذا َولَّ ْوا‬ ‫{فإنك ال تُ ْس ِمعُ الموتى وال تُ ْس ِمعُ الص َّ‬
‫ُّم ُّ‬ ‫{‪َّ }52‬‬
‫فإن الموانع قد توفَّرت فيهم عن االنقياد والسماع النافع كتوفُّر هذه الموانع‬ ‫ُم ْدبِ َ‬
‫رين}‪َّ :‬‬
‫الحسي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الصوت‬ ‫المذكورة عن سماع‬

‫اإلبصار بسبب‬
‫َ‬ ‫الع ْم ِي عن ضاللَتِ ِهم}‪َّ :‬‬
‫ألنهم ال يقبلون‬ ‫ِ‬
‫{‪{ }53‬وما أنت بهاد ُ‬
‫مسلمون}‪ :‬فهؤالء‬
‫َ‬ ‫يؤمن بآياتنا فهم‬
‫ُ‬ ‫قابليةٌ له‪{ .‬إن تُ ْس ِمعُ إالَّ َمن‬
‫َعماهم؛ فليس فيهم (‪َّ )1‬‬
‫الذين ينفعُ فيهم إسماعُ الهدى‪ ،‬المؤمنون بآياتنا بقلوبهم‪ ،‬المنقادون ألوامرنا‪،‬‬
‫استعدادهم‬
‫ُ‬ ‫القوي لقَبول النصائح والمواعظ‪ ،‬وهو‬
‫َّ‬ ‫المسلمون لنا؛ َّ‬
‫ألن معهم الداعي‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬منهم»‪.‬‬


‫ِ‬
‫أوامر اللّه‬ ‫واستعدادهم لتنفيذ ما ِ‬
‫يقدرون عليه من‬ ‫ُ‬ ‫بكل ٍ‬
‫آية من آيات اللّه‪،‬‬ ‫لإليمان ِّ‬
‫ونواهيه‪.‬‬
‫ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ‬
‫ﮑ ﮒ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮏ ﮐ‬

‫اقتدار ِه وكمال حكمتِ ِه؛ َّأنه ابتدأ َخْل َ‬


‫ق‬ ‫ِ‬ ‫علم ِه وعظيم‬‫سعة ِ‬ ‫{‪ }54‬يخبر تعالى عن ِ‬
‫ٍ‬
‫مضغة‬ ‫نطفة إلى ٍ‬
‫علقة إلى‬ ‫خلق ِه من ٍ‬ ‫ف‪ ،‬وهو األطوار األولى من ِ‬ ‫اآلدميين من ضع ٍ‬
‫ُ‬ ‫َْ‬
‫سن الطُّفولية‪ ،‬وهو إ ْذ ذاك في‬ ‫أن صار حيواناً في األرحام إلى أن ُوِل َد وهو في ِّ‬ ‫إلى ْ‬
‫قوته شيئاً فشيئاً‪ ،‬حتى بلغ‬ ‫يزيد في َّ‬
‫ثم ما زال اللّه ُ‬ ‫القوة والقدرة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الضعف وعدم َّ‬ ‫غاية‬
‫ِ‬
‫الطور‬ ‫وكملت قواه الظاهرةُ والباطنةُ‪ ،‬ثم انتقل من هذا‬ ‫ْ‬ ‫قوتُه‪،‬‬
‫واستوت َّ‬
‫ْ‬ ‫الشباب‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫سن‬
‫يشاء}‪ :‬بحسب حكمتِ ِه‪ ،‬ومن حكمتِ ِه‬ ‫ق ما ُ‬ ‫{ي ْـخلُ ُ‬ ‫ِ‬
‫ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم‪َ .‬‬
‫النقص‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وأنه ليس له من نفسه إال‬ ‫قوتَه محفوفةٌ بضعفين‪َّ ،‬‬ ‫العبد ضعفَه‪َّ ،‬‬
‫وأن َّ‬ ‫ري َ‬ ‫أن ُي َ‬
‫ت قوتُه في الزيادة؛ لطغى‬
‫استمر ْ‬
‫َّ‬ ‫قوة وقدرة‪ ،‬ولو‬
‫ولوال تقويةُ اللّه له؛ لما وصل إلى َّ‬
‫مستمرةً؛ يخلق بها األشياء‪،‬‬
‫َّ‬ ‫العباد كما َل قدر ِة اللّه‪ ،‬التي ال تزال‬
‫ُ‬ ‫وبغى وعتا‪ ،‬وليعلم‬
‫نقص بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫ضعف وال ٌ‬
‫ٌ‬ ‫إعياء وال‬
‫ٌ‬ ‫األمور‪ ،‬وال يلحقُها‬
‫َ‬ ‫ويدبِّر بها‬
‫ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫ﮩ‬
‫وأنه إذا قامت الساعةُ؛ أقسم‬ ‫ِ‬
‫وسرعة مجيئه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫القيامة‬ ‫{‪ }55‬يخبر تعالى عن يوم‬
‫اعتذار منهم؛ لعلَّه‬‫ٌ‬ ‫الدنيا {إالَّ ساعةً}‪ ،‬وذلك‬
‫{المجرمون}‪ :‬باللّه أنهم {ما لَبِثوا}‪ :‬في ُّ‬
‫َ‬
‫لمدة الدنيا‪ .‬ول َّـما كان قولُهم كذباً ال حقيقةَ له؛ قال تعالى‪:‬‬ ‫واستقصار َّ‬
‫ٌ‬ ‫ينفعهم العذر‪،‬‬
‫ُ‬
‫{كذلك كانوا ُي ْؤفَكون}؛ أي‪ :‬ما زالوا وهم في الدنيا يؤفَكون عن الحقائق ويأتَِفكون‬
‫الحق الذي جاءت (‪ )1‬به المرسلون‪ ،‬وفي اآلخرة أن َكروا‬ ‫َّ‬ ‫الدنيا َّ‬
‫كذبوا‬ ‫الكذب؛ ففي ُّ‬
‫َ‬
‫ث على‬ ‫والعبد ُي ْب َع ُ‬
‫ُ‬ ‫اللبث الطوي ُل في الدنيا؛ فهذا ُخلُقهم القبيح‪،‬‬
‫األمر المحسوس‪،‬وهو ُ‬ ‫َ‬
‫ما مات عليه‪.‬‬

‫واإليمان}؛ أي‪َّ :‬‬


‫من اللّهُ عليهم بهما‪ ،‬وصارا‬ ‫َ‬ ‫{‪{ }56‬وقال الذين أوتوا العلم‬
‫ِّ‬
‫بالحق‪،‬‬ ‫عالمين‬
‫َ‬ ‫المستلزم إيثار ِّ‬
‫الحق‪ ،‬وإ ذا كانوا‬ ‫ُ‬ ‫وصفاً لهم‪ ،‬العلم بالحق واإليمان‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬جاءتهم»‪.‬‬


‫{لقد‬ ‫َّ‬
‫الحق‪ْ :‬‬ ‫يكون قولُهم مطابقاً للواقع مناسباً ألحوالهم؛ فلهذا قالوا‬
‫لزم أن َ‬‫مؤثرين له؛ َ‬
‫لَبِثْتُم في كتاب اللّه}؛ أي‪ :‬في قضائِ ِه ِ‬
‫وقدر ِه الذي كتبه اللّه عليكم وفي حكمه {إلى يوم‬
‫َّ‬
‫ويتدبر فيه المتدبِّر ويعتبر فيه المعتبر‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫المتذكر‪،‬‬ ‫يتذكر فيه‬ ‫ِ‬
‫البعث}؛ أي‪ُ :‬عمرتم عمراً َّ‬
‫ِ‬
‫البعث َّ‬
‫ولكنكم كنتُم ال تعلمون}‪:‬‬ ‫البعث‪ ،‬ووصلتُم إلى هذه الحال‪{ .‬فهذا يوم‬
‫ُ‬ ‫حتى صار‬
‫ِ‬
‫اإلنابة‬ ‫الدنيا وقتاً َّ‬
‫تتمكنون فيه من‬ ‫الدنيا‪ ،‬وأنكرتُم إقامتكم في ُّ‬
‫فلذلك أنكرتُموه في ُّ‬
‫والخسار ِدثاركم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التكذيب‬ ‫ِ‬
‫والتوبة‪ ،‬فلم يزل الجه ُل شعاركم‪ ،‬وآثاره من‬
‫معذرتُهم}‪ :‬فإن َّ‬
‫كذبوا‪ ،‬وزعموا َّأنهم ما‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ظلَموا َ‬ ‫{فيومئذ ال ينفعُ الذين َ‬ ‫{‪}57‬‬
‫تمكنوا من اإليمان؛ ظهر َك ِذُبهم بشهادة أهل العلم واإليمان‬
‫الحجة‪ ،‬أو ما َّ‬
‫قامت عليهم َّ‬
‫يردون‪ ،‬وال يعودون‬‫وأنهم ُّ‬‫اإلعذار‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫جلود ِهم وأيديهم وأرجلهم‪ ،‬وإ ْن طلبوا‬
‫وشهادة ِ‬
‫وقت اإلعذار‪ ،‬فال تُقبل معذرتُهم‪{ .‬وال هم‬
‫فإنه فات ُ‬ ‫ِلما ُنهوا عنه؛ لم َّ‬
‫يمكنوا؛ َّ‬
‫والعتاب عنهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عتبهم‬
‫بون}؛ أي‪ُ :‬ي َزا ُل ُ‬
‫ُي ْستَ ْعتَ َ‬
‫ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﭼ‪.‬‬

‫ِ‬
‫وحسن تعليمنا‬ ‫ورح َـمتِنا ولطفنا‬
‫ض َر ْبنا}‪ :‬ألجل عنايتنا ْ‬
‫{‪ 58‬ـ ‪ }59‬أي‪{ :‬ولقد َ‬
‫الحقائق وتُعرف به األمور وتنقطعُ به‬ ‫ُ‬ ‫مثل}‪ :‬تتَّ ِ‬
‫ضح به‬ ‫كل ٍ‬‫القرآن من ِّ‬
‫ِ‬ ‫{للناس في هذا‬
‫يضرُبها اللّه في تقريب األمور المعقولة‬‫عام في األمثال التي ِ‬ ‫َّ‬
‫الحجةُ‪ ،‬وهذا ٌّ‬
‫كأنه َوقَ َع‪ ،‬ومنه في هذا‬‫وجالء حقيقتِ ِه حتى َّ‬
‫ِ‬ ‫بالمحسوسة‪ ،‬وفي اإلخبار بما سيكون‬
‫أس ِفهم‪،‬‬ ‫القيامة‪ ،‬وحالةَ المجرمين فيه‪َّ ،‬‬
‫وشدةَ َ‬
‫ِ‬ ‫ذكر اللّه تعالى ما يكون يوم‬
‫الموضع ُ‬
‫عتاب‪ ،‬ولكن أبى الظالمون الكافرون إالَّ مـعـاندة الـح ِّ‬
‫ـق‬ ‫ٌ‬ ‫عذر وال‬ ‫َّ‬
‫وأنه ال يقب ُل منهم ٌ‬
‫جئت به‪،‬‬
‫تدل على صحة ما َ‬ ‫أي آية ُّ‬ ‫الـواضـح‪،‬ـ ولهذا قال‪{ :‬ولئن ِج ْئتَهم ٍ‬
‫بآية}؛ أي‪َّ :‬‬
‫ِّ‬
‫للحق‪َّ :‬إنه باطل! وهذا من‬ ‫مبطلون}؛ أي‪ :‬قالوا‬ ‫{لَيقولَ َّن الذين َكفَروا إن أنتُم إالَّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫طَبعُ‬
‫المفرط‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬كذلك َي ْ‬ ‫وج ْهلهم‬
‫ط ْب ِع اللّه على قلوبهم َ‬
‫كفرهم وجراءتهم و َ‬
‫األشياء على حقيقتها‪،‬‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫خير‪ ،‬وال تدر ُ‬
‫يعلمون}‪ :‬فال َي ْد ُخلُها ٌ‬
‫َ‬ ‫اللّه على ِ‬
‫قلوب الذين ال‬
‫الحق باطالً والباطل حقًّا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بل ترى‬
‫رأيت منهم‬
‫َ‬ ‫أمرت به وعلى دعوتِ ِهم إلى اللَّه ولو‬
‫َ‬ ‫{فاصبر}‪ :‬على ما‬
‫ْ‬ ‫{‪}60‬‬
‫شك فيه‪ ،‬وهذا مما ُيعين على‬‫حق}؛ أي‪ :‬ال َّ‬ ‫وعد اللّه ٌّ‬
‫{إن َ‬ ‫إعراضاً؛ فال َّ‬
‫يصدَّنك ذلك‪َّ .‬‬
‫هان عليه ما يلقاه‬ ‫سيجده كامالً؛ َ‬
‫ُ‬ ‫أن عمله غير ضائع‪ ،‬بل‬ ‫فإن العبد إذا علم َّ‬‫الصبر؛ َّ‬
‫كل كثير‪{ .‬وال َي ْستَ ِخفََّّن َ‬
‫ك‬ ‫عمل ِه َّ‬
‫واستقل من ِ‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫عسير‪،‬‬ ‫من المكاره‪ ،‬وتيسَّر (‪ )1‬عليه ُّ‬
‫كل‬
‫يقينهم فخفَّت لذلك أحالمهم‪َّ ،‬‬
‫وقل‬ ‫وقل ُ‬‫إيمانهم َّ‬
‫يوقنون}؛ أي‪ :‬قد ضعف ُ‬ ‫َ‬ ‫الذين ال‬
‫ُ‬
‫بال‪ ،‬وتح َذ ْر‬ ‫ك على ٍ‬ ‫(‪)2‬‬
‫إن لم تجعْلهم من َ‬ ‫ك هؤالء؛ َّ‬ ‫ك أن ِ‬
‫يستخفَّ َ‬ ‫صبرهم؛ َّ‬
‫فإنك ْ‬ ‫فإيا َ‬ ‫ُ‬
‫والنفس‬
‫ُ‬ ‫استخفوك وحملوك على عدم الثبات على األوامر والنواهي‪،‬‬ ‫منهم‪ ،‬وإ الَّ ؛ ُّ‬
‫كل مؤمن‬ ‫أن َّ‬ ‫التشبه والموافقة (‪ ،)3‬وهذا مما ُّ‬
‫يدل على َّ‬ ‫ب ُّ‬ ‫ِ‬
‫تساع ُدهم على هذا‪ ،‬وتطلُ ُ‬
‫موقن رزين العقل؛ َي ْسهُ ُل عليه الصبر‪ ،‬وك ّل ضعيف اليقين؛ ضعيف العقل خفيفُه؛‬
‫ب‪ ،‬واآلخر بمنزلة القشور‪ .‬فاللّه المستعان‪.‬‬ ‫فاألول بمنزلة اللُّ ِّ‬

‫***‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ويسر»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬تجعل»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬والمرافقة»‪.‬‬
‫تفسير سورة لقمان‬

‫[وهي] مكية‬

‫ﭑﭒﭓ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫‪.‬ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ‬
‫يشير تعالى إشارةً دالَّةً على التعظيم إلى {آيات الكتاب الحكيم}؛ أي‪:‬‬
‫{‪ُ }2‬‬
‫صدرت من حكيم خبير‪.‬‬
‫ْ‬ ‫آياتُهُ محكمةٌ‬
‫بأجل األلفاظ وأفصحها وأبينها‪ ،‬الدالَّة على ِّ‬
‫أجل‬ ‫ومن إحكامها َّأنها جاءت ِّ‬
‫المعاني وأحسنها‪.‬‬
‫ِ‬
‫التغيير والتبديل والزيادة والنقص‬ ‫إحكامها أنها محفوظةٌ من‬ ‫(‪)1‬‬
‫ومن‬
‫والتحريف‪.‬‬
‫ِ‬
‫السابقة والالحقة واألمور‬ ‫(‪)2‬‬
‫جميع ما فيها من األخبار‬ ‫ومن إحكامها َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫كتاب من الكتب اإللهية‪ ،‬ولم‬ ‫مطابق لها الواقع‪ ،‬لم ِ‬
‫يخال ْفها ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الغيبية كلِّها مطابقةٌ للواقع‪،‬‬
‫َّ‬
‫صحيح‬ ‫محسوس وال معقو ٌل‬ ‫يأتي علم‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫نبي من األنبياء‪ ،‬ولم يأت ولن َ‬ ‫يخبر بخالفها ٌّ‬
‫ت عليه‪.‬‬ ‫ض ما دلَّ ْ‬ ‫ِ‬
‫يناق ُ‬
‫خالص المصلحة أو را ِج ُحها‪ ،‬وال‬‫ُ‬ ‫ت بشيء إالَّ وهو‬
‫َم َر ْ‬
‫ومن إحكامها أنها ما أ َ‬
‫راج ُحها‪ ،‬وكثيراً ما يجمع بين األمر‬ ‫خالص المفسدة أو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت عن شيء إالَّ وهو‬ ‫َنـهَ ْ‬
‫مضرتِ ِه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بالشيء مع ذكر حكمتِ ِه وفائدتِ ِه‪ ،‬والنهي عن الشيء مع ِ‬
‫ذكر‬

‫ومن إحكامها َّأنها جمعت بين الترغيب والترهيب والوعظ البليغ الذي تعتدل‬
‫وتحتكم فتعم ُل بالحزم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫به النفوس الخيِّرة‪،‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬من»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬األحكام»‪.‬‬
‫المتكررة كالقصص واألحكام ونحوها قد‬‫ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ومن إحكامها‪َّ :‬أنك تَ ِج ُد آياتها‬
‫ازداد بها البصير ُّ‬
‫تدبراً‬ ‫َ‬ ‫اختالف؛ فكلَّما‬
‫ٌ‬ ‫تناقض وال‬
‫ٌ‬ ‫اتَّفقت كلُّها وتواطأت‪ ،‬فليس فيها‬
‫وذهل ُّلبه من التوافُق والتواطُؤ‪ ،‬وجزم جزماً ال‬
‫َ‬ ‫وأعمل فيها العقل ُّ‬
‫تفكراً؛ انبهر عقلُه‬
‫يمتَرى فيه أنه تنزي ٌل من حكيم ٍ‬
‫حميد‪.‬‬ ‫ُْ‬
‫ق لئيم‪،‬‬ ‫كل ُخلُق كريم وينهى عن ِّ‬
‫كل ُخلُ ٍ‬ ‫{‪ }3‬ولكن مع أنه حكيم يدعو إلى ِّ‬
‫ٌ‬
‫معرضون عن اإليمان والعمل به؛ إالَّ َم ْن‬ ‫ِ‬
‫االهتداء به‪ِ ،‬‬ ‫أكثر الناس محرومون من‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والمحسنون إلى الخلق؛‬ ‫ص َمه‪ ،‬وهم المحسنون في عبادة ربِّهم‪،‬‬ ‫وفَّقَه اللّه تعالى َ‬
‫وع َ‬
‫ويحذرهم من طرق الجحيم‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫{هدى}‪ :‬لهم يهديهم إلى الصراط المستقيم‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فإنه‬
‫ً‬
‫والثواب‬
‫ُ‬ ‫الكثير‬
‫ُ‬ ‫والخير‬
‫ُ‬ ‫تحص ُل لهم به السعادةُ في الدنيا واآلخرة‬
‫ُ‬ ‫{ورحمةً}‪ :‬لهم‬
‫والشقاء‪.‬‬ ‫الضالل‬ ‫ِ‬
‫ويندفعُ عنهم َّ‬ ‫الجزي ُل والفرح والسرور‪،‬‬
‫ُ‬
‫التام‪ ،‬وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من‬
‫ف المحسنين بالعلم ِّ‬
‫ص َ‬
‫{‪ }4‬ثم َو َ‬
‫ِ‬
‫فاضلين‪:‬‬ ‫وخص من العمل عملين‬
‫َّ‬ ‫ووصفَهم بالعمل‪،‬‬
‫َ‬ ‫عقاب اللّه‪ ،‬فيتركون معاصيه‪،‬‬
‫العام للقلب واللسان‬ ‫ُّ‬
‫والتعبد ِّ‬ ‫ِ‬
‫المشتملَة على اإلخالص‪ ،‬ومناجاة اللّه تعالى‪،‬‬ ‫{الصالة}‬
‫{والزكاة}‪ :‬التي تَُز ِّكي صاحبها من الصفات‬
‫والجوارح المعينة على سائر األعمال‪َّ .‬‬
‫العبد ُي ْؤثِ ُر َّ‬
‫محبةَ اللّه على‬ ‫أن َ‬ ‫بين بها َّ‬
‫وي ُ‬ ‫ُّ‬
‫وتسد حاجته‪َ ،‬‬ ‫المسلم‬
‫َ‬ ‫الرذيلة‪ ،‬وتنفعُ أخاه‬
‫أحب إليه‪ ،‬وهو طلب مرضاة اللّه‪.‬‬ ‫محبوبه من المال لما هو ُّ‬‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫محبتِ ِه للمال‪ِ ،‬‬
‫فيخر ُج‬ ‫َّ‬

‫هدى}؛ أي‪:‬‬
‫التام والعمل {على ً‬
‫{‪ }5‬فَـ{أولئك}‪ :‬المحسنون الجامعون بين العلم ِّ‬
‫التنكير‪ ،‬وذلك الهدى حاص ٌل لهم وواص ٌل إليهم {من ربِّهم}‪ :‬الذي لم‬
‫ُ‬ ‫يفيده‬
‫عظيم كما ُ‬
‫النقَ َم‪ ،‬وهذا الهدى الذي أوصله إليهم من تربيتِ ِه‬
‫َي َز ْل يربِّيهم بالنعم ويدفَعُ عنهم ِّ‬
‫المفلحون}‪ :‬الذين أدركوا‬
‫َ‬ ‫الخاصَّة بأوليائه‪ ،‬وهو أفض ُل أنواع التربية‪{ .‬وأولئك هم‬
‫وثوابه الدنيوي واألخروي‪ ،‬وسلموا من َس َخ ِط ِه وعقابه‪ ،‬وذلك لسلوكهم‬ ‫َ‬ ‫رضا ربِّهم‬
‫طريق له غيرها‪.‬‬
‫َ‬ ‫طريق الفالح‪ ،‬الذي ال‬
‫َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬آياته»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬فيخرجه»‪.‬‬
‫ول َّـما َذ َك َر تعالى المهتدين بالقرآن المقبلين عليه؛ َذ َك َر من أعرض عنه ولم‬
‫ض عنه كل باطل من القول‪ ،‬فترك‬ ‫يرفَ ْع به رأساً‪َّ ،‬‬
‫وأنه عوقب على ذلك بأن تَ َع َّو َ‬
‫أعلى األقوال وأحسن الحديث‪ ،‬واستبدل به أسفل قول وأقبحه؛ فلذلك قال‪:‬‬
‫ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﭼ‪.‬‬

‫يختار‬
‫ُ‬ ‫محروم مخذو ٌل {يشتري}؛ أي‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫{‪ }6‬أي‪{ :‬ومن الناس من}‪ :‬هو‬
‫ويرغب رغبة من يب ُذ ُل الثمن في الشيء‪{ ،‬لهو الحديث}؛ أي‪ :‬األحاديث الملهية‬
‫لغو وباطل‬ ‫محرم ُّ‬
‫وكل ٍ‬ ‫أجل مطلوب‪ ،‬فدخل في هذا ُّ‬
‫كل كالم َّ‬ ‫الصادة لها عن ِّ‬ ‫َّ‬ ‫للقلوب‪،‬‬
‫المرغبة في الكفر والفسوق والعصيان‪ ،‬ومن أقوال ِّ‬
‫الرادين‬ ‫ِّ‬ ‫وه َذيان؛ من األقوال‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬

‫ٍ‬
‫وكذب وشتم‬ ‫ٍ‬
‫ونميمة‬ ‫الحق‪ ،‬ومن ٍ‬
‫غيبة‬ ‫َّ‬ ‫الحق المجادلين بالباطل ِلُي ْد ِحضوا به‬
‫ِّ‬ ‫على‬
‫ِ‬
‫الملهية التي ال نفع فيها في دين‬ ‫ِ‬
‫الماجريات‬ ‫وسب‪ ،‬ومن غناء ومزامير شيطان‪ .‬ومن‬ ‫ٍّ‬
‫َّ‬
‫{ليضل}‬ ‫وال ُدنيا؛ فهذا الصنف من الناس {يشتري لهو الحديث} عن هدي الحديث‬
‫ناشىء عن‬ ‫غيره؛ َّ‬
‫ألن اإلضالل‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫الناس {بغير علم}؛ أي‪ :‬بعد ما ضل في فعله أضل َ‬
‫ِّ‬
‫والحق‬ ‫الضالل‪ ،‬وإ ضاللُه في هذا الحديث ُّ‬
‫صده عن الحديث النافع والعمل النافع‬ ‫َّ‬
‫والحق‪ ،‬ويتَّخذ آيات‬
‫ِّ‬ ‫يقدح في الهدى‬ ‫ِ‬
‫يتم له هذا حتى َ‬ ‫والصراط المستقيم‪ ،‬وال ُّ‬ ‫ال ُـمبين‬
‫اللّه ُهزواً‪َ ،‬ي ْس َخ ُر (‪ )2‬بها وبِ َم ْن جاء بها؛ فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه‬
‫وخ َد َعه بما يوحيه‬
‫عنده‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫أضل َم ْن ال علم َ‬ ‫والقدح في ِّ‬
‫الحق واالستهزاء به وبأهله؛‬
‫عذاب‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫الضال‪ ،‬وال يعرف حقيقته‪{ ،‬أولئك لهم‬ ‫إليه من القول الذي ال يميِّزه ذلك‬
‫َّ‬
‫الحق الواضح‪.‬‬ ‫(مهين)} (‪ :)3‬بما ضلُّوا‪ ،‬وأضلُّوا‪،‬ـ واستهزؤوا بآيات اللّه‪َّ ،‬‬
‫وكذبوا‬ ‫ٌ‬
‫وينقاد لها‪{ ،‬ولَّـى‬
‫َ‬ ‫ليؤمن بها‬
‫َ‬ ‫{‪ }7‬ولهذا قال‪{ :‬وإ ذا تُتلى عليه آياتُنا}‪:‬‬
‫رت فيه بل أدبر‬‫قلبه وال أثَّ ْ‬
‫تدخ ْل َ‬ ‫مستكبر عنها ٍّ‬
‫راد لها ولم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مستكبراً}؛ أي‪ :‬أدبر إدبار‬
‫عنها {كأن لم َي ْس َم ْعها}‪ ،‬بل‪َّ :‬‬
‫{كأن في أ ُذَن ْيه وقراً}؛ أي‪ :‬صمماً ال تص ُل إليها‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬لغو باطل»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ويسخر»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في النسختين‪{ :‬أليم}‪ .‬واآلية‪{ :‬مهين}‪.‬‬
‫والغم‪ ،‬وفي‬
‫َّ‬ ‫الحزن‬
‫َ‬ ‫{فبش ْره}‪ :‬بشارةً تؤثِّر في قلبه‬‫األصوات؛ فهذا ال حيلة في هدايتِ ِه‪ِّ .‬‬
‫قدرهُ‪ ،‬وال‬ ‫{بعذاب أليم}‪ :‬مؤلم لقلبِ ِه ولبدنِ ِه‪ ،‬ال َ‬
‫يقاد ُر ُ‬
‫ٍ‬ ‫بشرتِ ِه السوء والظُّلمة والغبرة‪،‬‬
‫نعمت البشارةُ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الشر؛ فال‬ ‫(‪)1‬‬
‫ُيدرى بعظيم أمره؛ فهذه بشارةُ أهل ِّ‬
‫ِ‬
‫الصالحات}‪:‬‬ ‫وع ِملوا‬ ‫{‪ 8‬ـ ‪ }9‬وأما بشارةُ أهل الخير؛ فقال‪َّ :‬‬
‫{إن الذين آمنوا َ‬
‫جنات‬
‫ُ‬ ‫بين عبادة الباطن باإليمان والظاهر باإلسالم والعمل الصالح‪{ ،‬لهم‬ ‫جمعوا َ‬
‫قدموه و ِق ً‬
‫رى لهم بما أسلفوه {خالدين فيها}؛ أي‪ :‬في جنات‬ ‫النعيم}‪ :‬بشارةً لهم بما َّ‬
‫ف وال َّ‬
‫يغير وال‬ ‫النعيم نعيم القلب والروح والبدن‪{ .‬وعد اللّه حقًّا}‪ :‬ال يمكن أن ُي ْـخلَ َ‬
‫عزته وحكمتِ ِه‪َ ،‬وفَّق‬‫العزة‪ ،‬كامل الحكمة‪ ،‬من َّ‬ ‫العزيز الحكيم}‪ :‬كامل َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫يتبدل‪{ .‬وهو‬
‫علمه فيهم وحكمتُه‪.‬‬ ‫من َوفَّق‪َ ،‬‬
‫وخ َذل بحسب ما اقتضاه ُ‬
‫ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯨ ﯩ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫وبدائع من بدائع حكمتِ ِه‬ ‫َ‬ ‫عباد ِه آثاراً من آثار قدرته‬
‫{‪ }10‬يتلو تعالى على ِ‬
‫وس َعتها وكثافتها‬ ‫ِ‬ ‫ونعماً من آثار رحمتِ ِه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫{خلق السموات}‪ :‬السبع على عظمها َ‬ ‫َ‬
‫لرؤيت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫عمد‪ ،‬ولو كان لها َع َم ٌد؛‬‫وارتفاعها الهائل {بغير َع َم ٍد تََر ْوَنها}؛ أي‪ :‬ليس لها ٌ‬
‫رواس َي}؛ أي‪ :‬جباالً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ت بقدرة اللّه تعالى‪{ ،‬وألقى في‬ ‫واستمس َك ْ‬ ‫ت‪،‬‬
‫استقر ْ‬
‫َّ‬ ‫وإ َّنما‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لمادت‬ ‫الراسيات؛‬ ‫{تميد بكم}؛ فلوال الجبا ُل‬
‫َ‬ ‫عظيمة ركزها في أرجائها وأنحائها لئالَّ‬
‫ُ‬
‫داب ٍة}؛ أي‪ :‬نشر في األرض‬ ‫{وبث فيها من ِّ‬
‫كل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ت بساكنيها‪،‬‬ ‫استقر ْ‬
‫َّ‬ ‫األرض ولما‬
‫الدواب التي هي َّ‬
‫مسخرة لبني آدم ولمصالحهم ومنافعهم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الواسعة من جميع أصناف‬
‫تعيش به‪ ،‬فأنزل من السماء‬
‫ق ُ‬ ‫ول َّـما بثَّها في األرض؛ علم تعالى أنه ال َّ‬
‫بد لها من رز ٍ‬
‫ماء مباركاً‪{ ،‬فأنبتْنا فيها من ِّ‬
‫كل زوج كريم}‪ :‬المنظر‪ ،‬نافع‪ ،‬مبارك‪ ،‬فرتعت فيه‬
‫الدواب المنبثَّة‪ ،‬وسكن إليه ُّ‬
‫كل حيوان‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫ٍ‬
‫وحيوان وسوق‬ ‫والسفلي من جماد‬
‫ِّ‬ ‫العلوي‬
‫ِّ‬ ‫ق العالم‬
‫{‪{ }11‬هذا}؛ أي‪َ :‬خْل ُ‬
‫مقر بذلك‪ ،‬حتى أنتم يا معشر‬ ‫شريك له‪ٌّ ،‬‬
‫كل ٌّ‬ ‫َ‬ ‫وحده ال‬
‫ق اللّه}‪َ :‬‬ ‫{خْل ُ‬
‫أرزاق الخلق إليهم‪َ ،‬‬
‫شركاء‬
‫َ‬ ‫ق الذين من دونِ ِه}؛ أي‪ :‬الذين َج َعْلتُموهم له‬
‫المشركين‪{ ،‬فأروني ماذا َخلَ َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وهذه»‪.‬‬


‫ورزق كرز ِق ِه؛ ْ‬ ‫كخلق ِه‬
‫فإن كان‬ ‫ٌ‬ ‫ق ِ‬ ‫تدعونهم وتعبدونهم‪ ،‬يلزم على هذا أن يكون لهم َخْل ٌ‬
‫ليصح ما َّ‬
‫ادعيتم فيهم من استحقاق العبادة‪ .‬ومن المعلوم‬ ‫َّ‬ ‫لهم شيء من ذلك؛ فأرونيه؛‬
‫أقروا َّأنها خلق‬ ‫يقدرون أن ُيروه شيئاً من الخلق لها؛ َّ‬
‫ألن جميع المذكورات قد ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّأنهم ال‬
‫ُّ‬
‫تستحق به أن‬ ‫عجزهم عن إثبات شيء لها‬
‫شيء يعلم غيرها‪ ،‬فثبت ُ‬
‫ٌ‬ ‫اللّه وحده‪ ،‬وال ثََّم‬
‫تُعبد‪ ،‬ولكن عبادتُهم َّإياها عن غير علم وبصير ٍة‪ ،‬بل عن جهل وضالل‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫ك نفعاً وال‬
‫ـي واضح؛ حيث َعَبدوا من ال يمل ُ‬ ‫{بل الظالمون في ضالل ٍ‬
‫مبين}؛ أي‪ :‬جل ٍّ‬
‫ق الرازق المالك ِّ‬
‫لكل‬ ‫ضرا وال موتاً وال حياةً وال نشوراً‪ ،‬وتركوا اإلخالص للخال ِ‬
‫ًّ‬
‫األمور‪.‬‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭡ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﮔﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﰎﰏ ﰐ‬ ‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫(‪)1‬‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭼ‪.‬‬ ‫ﰑ‬

‫عبد ِه الفاضل لقمان بالحكمة‪ ،‬وهي العلم‬


‫{‪ }12‬يخبر تعالى عن امتنانِ ِه على ِ‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫بالحق على وجهه وحكمته؛ فهي العلم باألحكام‪ ،‬ومعرفةُ ما فيها من األسرار‬
‫اإلنسان عالماً وال يكون حكيماً‪ ،‬وأما الحكمة؛ فهي مستلزمةٌ‬
‫ُ‬ ‫واألحكام؛ فقد يكون‬
‫للعلم‪ ،‬بل وللعمل‪ ،‬ولهذا فُسِّرت الحكمةُ بالعلم النافع والعمل الصالح‪ .‬ول َّـما أعطاه اللَّه‬
‫وليزيده من فضله‪،‬‬
‫َ‬ ‫ك له فيه‪،‬‬ ‫هذه َّ‬
‫المنة العظيمة؛ أمره أن يشكره على ما أعطاه؛ ليبار َ‬
‫وأن من كفر فلم يش ُكر اللَّه؛ عاد وبا ُل‬
‫نفعه عليهم‪َّ ،‬‬
‫يعود ُ‬
‫أن شكر الشاكرين ُ‬ ‫وأخبره َّ‬
‫يقدره ويقضيه على َم ْن خالف أمره؛ فغناه تعالى‬ ‫حميد فيما ِّ‬
‫غني عنه ٌ‬
‫ذلك عليه‪ ،‬واللّه ٌّ‬
‫وكونه حميداً في صفات كماله حميداً في جميل صنعه من لوازم ذاته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫من لوازم ذاته‪،‬‬
‫وكل واحد من الوصفين صفة كمال‪ ،‬واجتماع أحدهما إلى اآلخر زيادة كمال إلى‬ ‫ُّ‬
‫كمال‪.‬‬

‫‪ - 1‬في النسختين‪ :‬إلى آخر قصته‪.‬‬


‫لقمان ًّ‬
‫نبيا أو عبداً صالحاً (‪ ،)1‬واللّه تعالى لم يذ ُكر‬ ‫ُ‬ ‫واختلف المفسرون هل كان‬
‫يدل على حكمته في وعظه البنه‪ ،‬فذكر‬ ‫بعض ما ُّ‬ ‫َّ‬
‫عنه إال أنه آتاه الحكمة‪ ،‬وذكر َ‬
‫أصول الحكمة وقواعدها الكبار‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫لقمان البنِ ِه وهو َي ِعظُهُ}؛ أو‪ :‬قال له قوالً به يعظه‪ ،‬والوعظُ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫{‪{ }13‬وإ ذ قال‬
‫فأم َرهُ باإلخالص ونهاه عن الشرك‬
‫َ‬ ‫والترهيب؛‬ ‫بالترغيب‬ ‫المقرون‬ ‫(‪)2‬‬
‫والنهي‬ ‫األمر‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫عظيم}‪ :‬ووجه كونه عظيماً َّأنه ال‬
‫ٌ‬ ‫لظلم‬
‫ك ٌ‬ ‫وبين له السبب في ذلك‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫{إن الشر َ‬ ‫َّ‬
‫وسوى الذي ال يملك من‬ ‫سوى المخلوق من تراب بمالك الرقاب‪َّ ،‬‬ ‫أفظع وأبشع م َّـمن َّ‬
‫ِّ‬
‫بالرب الكامل‬ ‫األمر كلِّه‪َّ ،‬‬
‫وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه‬ ‫األمر شيئاً بمالك ِ‬
‫وسوى َمن لم ُي ْن ِع ْم بمثقال َّ‬
‫ذر ٍة من النعم‪ ،‬بالذي ما بالخلق من‬ ‫الغني من جميع الوجوه‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫نعمة في دينهم ودنياهم وأخراهم وقلوبهم وأبدانهم إالَّ منه‪ ،‬وال يصرف السوء إالَّ هو؛‬ ‫ٍ‬
‫وتوحيد ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أعظم ظلماً م َّـمن خلقه اللّه لعبادته‬
‫ُ‬ ‫شيء؟! وهل‬
‫ٌ‬ ‫فهل أعظم من هذا الظلم‬
‫أخس المراتب‪ ،‬جعلها عابدةً لمن ال يسوى شيئاً‪،‬‬ ‫فذهب بنفسه الشريفة‪ ،‬فجعلها في ِّ‬
‫فظلم نفسه ظلماً كبيراً؟!‬

‫{‪ }14‬ولما أمر بالقيام بحقِّه بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد؛ أمر‬
‫َّينا اإلنسان}؛ أي‪ :‬عهدنا إليه وجعلناه وصيةً عنده‬ ‫بحق الوالدين‪ ،‬فقال‪{ :‬ووص ْ‬ ‫بالقيام ِّ‬
‫سنسأله عن القيام بها وهل َح ِف َ‬
‫ظها أم ال؟ فوصيناه {بوالديه}‪ ،‬وقلنا له‪{ :‬اش ُك ْر لي}‪:‬‬
‫تستعين بنعمي على معصيتي {ولوالديك}ـ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وأن ال‬
‫بعبوديتي وأداء حقوقي ْ‬ ‫َّ‬ ‫بالقيام‬
‫باإلحسان إليهما بالقول الليِّن والكالم اللطيف والفعل الجميل والتواضع لهما‬
‫وإ كرامهما وإ جاللهما والقيام بمؤونتهما واجتناب اإلساءة إليهما من ِّ‬
‫كل وجه بالقول‬
‫المصير}ـ؛ أي‪ :‬سترجع ُّأيها اإلنسان‬
‫ُ‬ ‫ـي‬ ‫والفعل‪ ،‬فوصيناه بهذه الوصية وأخبرناه َّ‬
‫أن {إل َّ‬
‫إلى من وصَّاك وكلَّفك بهذه الحقوق‪ ،‬فيسألك‪ :‬هل َ‬
‫قمت بها فيثيبك الثواب الجزيل‪ ،‬أم‬

‫‪ - 1‬قال ابن كثير‪« :‬ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبياً‪ ،‬وإ نما ينقل كونه نبياً عن‬
‫عكرمة إن صح السند إليه‪ ،‬فإنه رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث وكيع عن إسرائيل عن‬
‫جابر عن عكرمة قال‪ :‬كان لقمان نبياً‪ ،‬وجابرـ هذا ابن يزيد الجعفي‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬واللّه أعلم»‪.‬‬
‫«تفسير ابن كثير» (‪.)6/337‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬يعظه باألمر والنهي»‪.‬‬
‫لبر الوالدين في األم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫الموجب ِّ‬
‫َ‬ ‫السبب‬
‫َ‬ ‫ثم َذ َك َر‬ ‫َّ‬
‫ضي ْعتها فيعاقبك العقاب الوبيل؟! َّ‬
‫َّ‬
‫المشاق من حين‬ ‫أمه وهناً على ٍ‬
‫وهن}؛ أي‪ :‬مشقة على مشقة؛ فال تزال تالقي‬ ‫{ح َـملَتْه ُّ‬
‫َ‬
‫يكون نطفةً من الوحم والمرض والضعف والثقل وتغير الحال‪ ،‬ثم وجع الوالدة ذلك‬
‫أمه وكفالتها ورضاعها‪.‬‬
‫مالزم لحضانة ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫عامين}‪ :‬وهو‬ ‫الوجع الشديد‪ ،‬ثم {فصالُهُ في‬
‫تحمل على ولده هذه الشدائد مع شدة الحب أن ِّ‬
‫يؤكد على ولده‪،‬‬ ‫يحس ُن بمن َّ‬
‫أفما ُ‬
‫ويوصي إليه بتمام اإلحسان إليه؟‬

‫ك بي ما ليس لك به‬ ‫{‪{ }15‬وإ ن جاهداك}؛ أي‪ :‬اجتهد والداك {على أن ِ‬


‫تشر َ‬
‫ألن حق اللّه َّ‬
‫مقدم على‬ ‫أن هذا داخل في اإلحسان إليهما؛ َّ‬ ‫علم فال تُ ِط ْعهُما}‪ :‬وال َّ‬
‫تظن َّ‬ ‫ٌ‬
‫يقل‪ :‬وإ ْن جاهداك على أن‬ ‫ق في معصية الخالق‪ ،‬ولم ْ‬ ‫حق كل ٍ‬
‫أحد‪ ،‬وال طاعة لمخلو ٍ‬ ‫ِّ‬
‫علم؛ فعقَّهما‪ ،‬بل قال‪{ :‬فال تُ ِط ْعهُما}؛ أي‪ :‬في الشرك (‪،)1‬‬
‫ك بي ما ليس لك به ٌ‬ ‫تُ ْش ِر َ‬
‫الدنيا معروفاً}؛ أي‪ :‬صحبة‬ ‫ِ‬
‫{وصاح ْبهُما في ُّ‬ ‫فاستمر عليه‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫وأما ُّبرهما؛‬ ‫َّ‬
‫باعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي؛ فال تتَّبِ ْعهما‪،‬‬
‫إحسان إليهما بالمعروف‪ ،‬وأما اتِّ ُ‬
‫ـي}‪ :‬وهم المؤمنون باللّه ومالئكته وكتبه ورسله‪ ،‬المستسلمون‬ ‫{واتَّبِ ْع َ‬
‫سبيل َم ْن أناب إل َّ‬
‫لربِّهم‪ ،‬المنيبون إليه‪ ،‬واتِّباع سبيلهم أن َي ْسلُ َ‬
‫ك مسلَ َكهم في اإلنابة إلى اللّه‪ ،‬التي هي‬
‫ب‬
‫ويقر ُ‬
‫يتب ُعها سعي البدن فيما يرضي اللّه ِّ‬ ‫انجذاب دواعي القلب وإ راداته إلى اللّه‪ ،‬ثم َ‬
‫ُ‬
‫ـي مر ِج ُعكم}‪ :‬الطائع والعاصي والمنيب وغيره‪{ ،‬فأنِبُِّئ ُكم بما كنتُم‬ ‫{ثم إل َّ‬
‫منه‪َّ ،‬‬
‫تعملون}‪ :‬فال يخفى على اللَّه من أعمالهم خافيةٌ‪.‬‬
‫َ‬
‫أصغر األشياء‬ ‫خردل}‪ :‬التي هي‬ ‫ٍ‬ ‫مثقال ٍ‬
‫حبة من‬ ‫َ‬ ‫بني َّإنها إن تَ ُ‬
‫ك‬ ‫{‪{ }16‬يا َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫السموات أو في األرض}‪ :‬في‬ ‫وأحقرها {فتكن في صخر ٍة}؛ أي‪ :‬في وسطها‪{ ،‬أو في‬ ‫ُ‬
‫وتمام خبرتِ ِه وكمال قدرتِ ِه‪ ،‬ولهذا‬
‫ِ‬ ‫علم ِه‬
‫لسعة ِ‬‫ِ‬ ‫أي جهة من جهاتهما؛ ِ‬
‫{يأت بها اللّهُ}‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫خبير}؛ أي‪ :‬لطف في علمه وخبرته‪ ،‬حتى اطَّلع على البواطن‬ ‫لطيف ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫{إن اللّه‬
‫الحث على مراقبة اللّه والعمل‬ ‫ُّ‬ ‫والمقصود من هذا‬
‫ُ‬ ‫واألسرار وخفايا القفار والبحار‪.‬‬
‫والترهيب من عمل القبيح َّ‬
‫قل أو َكثَُر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بطاعته مهما أمكن‪،‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬بالشرك»‪.‬‬


‫َّ‬
‫البدنية‪،‬‬ ‫أكبر العبادات‬ ‫بني ِأقِم الصَّالة}‪ :‬حثَّه عليها وخصَّها َّ‬
‫ألنها ُ‬ ‫{‪{ }17‬يا َّ‬
‫ِ‬
‫المنكر}‪ :‬وذلك يستلزم العلم بالمعروف؛ ليأمر به‪ ،‬والعلم‬ ‫وانهَ عن‬ ‫ِ‬
‫بالمعروف ْ‬ ‫{وأم ْر‬
‫ُ‬
‫يتم األمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر إالَّ به‪،‬‬‫بالمنكر؛ لينهى عنه‪ ،‬واألمر بما ال ُّ‬
‫{واصبِ ْر على ما أصابك}‪ :‬ومن كونه‬
‫ْ‬ ‫صرح به في قوله‪:‬‬
‫من الرفق والصبر‪ ،‬وقد َّ‬
‫تكميل نفسه بفعل الخير وترك‬
‫َ‬ ‫فتضمن هذا‬
‫َّ‬ ‫فاعالً لما يأمر به‪ ،‬كافًّا لما ُينهى عنه‪،‬‬
‫وأن‬ ‫وتكميل غيره بذلك بأمره ونهيه‪ .‬ول َّـما ُعِل َم َّأنه ال َّ‬
‫بد أن ُيبتلى إذا أمر ونهى َّ‬ ‫َ‬ ‫الشر‪،‬‬
‫في األمر والنهي مشقَّة على النفوس؛ أمره بالصبر على ذلك‪ ،‬فقال‪{ :‬واصبِ ْر على ما‬
‫ِ‬
‫األمور}؛ أي‪ :‬من األمور التي‬ ‫ابنه {من عزم‬ ‫لقمان َ‬
‫ُ‬ ‫ظ به‬ ‫إن ذلك}‪ :‬الذي َو َع َ‬ ‫ك َّ‬
‫أصاب َ‬
‫َ‬
‫ويهتم بها‪ ،‬وال يوفَّق لها إال أه ُل العزائم‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُي ْع َز ُم عليها‪،‬‬

‫وتعبس بوجهك للناس ُّ‬


‫تكبراً‬ ‫ِ‬ ‫صع ِّْر َّ‬
‫ْ‬ ‫خدك للناس}؛ أي‪ :‬ال تُـمْلهُ‬ ‫{‪{ }18‬وال تُ َ‬
‫ش في األرض مرحاً}؛ أي‪ :‬ب ِطراً فخراً بالنعم ناسياً ِ‬
‫المنعم‬ ‫عليهم وتعاظماً‪{ ،‬وال تَ ْـم ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ٍ‬
‫{فخور}‪:‬‬ ‫مختال}‪ :‬في نفسه وهيئته وتعاظُمه‬ ‫ٍ‬ ‫يحب َّ‬
‫كل‬ ‫{إن اللّه ال ُّ‬ ‫معجباً بنفسك‪َّ .‬‬
‫بقوله‪.‬‬

‫ك}؛ أي‪ :‬امش متواضعاً مستكيناً ال مشي البطر‬ ‫ِ‬


‫{واقص ْد في مشيِ َ‬ ‫{‪}19‬‬
‫{إن‬ ‫ض من صوتِ َ‬
‫ك}‪ :‬أدباً مع الناس ومع اللّه‪َّ ،‬‬ ‫ض ْ‬
‫{واغ ُ‬ ‫ُّ‬
‫والتكبر وال مشي التماوت‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫الحمير}‪ :‬فلو كان في رفع الصوت‬ ‫{لصوت‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األصوات}ـ؛ أي‪ :‬أفظعها وأبشعها‬ ‫أنكر‬
‫وبالدتَه‪.‬‬
‫َ‬ ‫اختص بذلك الحمار الذي قد ُعِل ْم َ‬
‫ت خسَّتَه‬ ‫َّ‬ ‫البليغ فائدةٌ ومصلحةٌ؛ لما‬

‫وتستلزم ما لم‬ ‫أم ِ‬


‫هات الحكم‪،‬‬ ‫تجمعُ َّ‬
‫ُ‬ ‫لقمان البنه؛ َ‬
‫ُ‬ ‫وهذه الوصايا التي وصَّى بها‬
‫كانت أمراً وإ لى تركها إن‬
‫وكل وصية ُيقرن بها ما يدعو إلى فعلها إن ْ‬ ‫ُيذكر منها (‪ُّ ،)1‬‬
‫وح َك ِمها‬
‫يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة‪َّ :‬أنها العلم باألحكام ِ‬
‫كانت نهياً‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫وبين له الموجب‬ ‫التوحيد‪ ،‬ونهاه عن الشرك‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فأم َرهُ بأصل الدين وهو‬
‫ومناسباتها‪َ :‬‬
‫بشكر ِه‬
‫لبرهما‪ ،‬وأمره ِ‬‫وبين له السبب الموجب ِّ‬ ‫ببر الوالدين‪َّ ،‬‬
‫وأم َره ِّ‬ ‫ِِ‬
‫لتركه‪َ .‬‬
‫بأن َّ‬
‫محل ِّبرهما وامتثال أوامرهما ما لم يأمرا بمعصية‪ ،‬ومع‬ ‫وشكر ِهما‪ ،‬ثم احترز َّ‬
‫ِ‬
‫يطيعهما إذا جاهداه على الشرك‪.‬‬
‫يحسن إليهما‪ ،‬وإ ن كان ال ُ‬
‫ُ‬ ‫ذلك؛ فال يعقُّهما‪ ،‬بل‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬فيها»‪.‬‬


‫وأمره بمراقبة اللّه وخوفه القدوم عليه‪َّ ،‬‬
‫وأنه ال يغادر صغيرةً وال كبيرةً من الخير‬
‫ِ‬
‫واألشر‬ ‫ط ِر‬
‫الب َ‬
‫بالتواضع ونهاه عن َ‬
‫ُ‬ ‫والشر إالَّ أتى بها‪ ،‬ونهاه عن ُّ‬
‫التكبر‪ .‬وأمره‬ ‫ِّ‬
‫ضد ذلك‪ .‬وأمره‬ ‫والمرح‪ .‬وأمره بالسُّكون في الحركات واألصوات‪،‬ـ ونهاه عن ِّ‬
‫باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإ قامة الصالة وبالصبر اللذين يسهل بهما ُّ‬
‫كل‬
‫فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫والصالة}‪.‬ـ‬ ‫َّبر‬
‫أمر؛ كما قال تعالى‪{ :‬واستَعينوا بالص ْ‬
‫أن يكون مخصوصاً بالحكمة مشهوراً بها‪ ،‬ولهذا من َّ‬
‫منة اللّه [عليه وعلى سائر]‬
‫قص عليهم من حكمته ما يكون لهم به أسوةٌ حسنةٌ‪.‬‬
‫عباده أن َّ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ‪.‬‬

‫بنعم ِه‪ ،‬ويدعوهم إلى شكرها ورؤيتها‬


‫يمتن تعالى على عباده ِ‬
‫{‪ 20‬ـ ‪ُّ }21‬‬
‫وعدم الغفلة عنها‪ ،‬فقال‪{ :‬ألم تروا}؛ أي‪ :‬تشاهدوا وتُبصروا بأبصاركم وقلوبكم‪َّ ،‬‬
‫{أن‬
‫والنجوم كلِّها مسخرات لنفع‬ ‫ِ‬
‫السموات}‪ :‬من الشمس والقمر ُّ‬ ‫اللّه َّ‬
‫سخر لكم ما في‬
‫العباد‪{ ،‬وما في األرض}‪ :‬من الحيوانات واألشجار ُّ‬
‫والزروع واألنهار والمعادن‬
‫{وأسبغ عليكم}؛‬
‫َ‬ ‫ق لكم ما في األرض جميعاً}‪،‬‬
‫ونحوها؛ كما قال تعالى‪{ :‬هو الذي َخلَ َ‬
‫نعمه الظاهرةَ والباطنةَ؛ التي نعلم بها والتي تخفى علينا؛ نعم‬
‫عمكم وغمركم َ‬
‫أي‪َّ :‬‬
‫الدنيا ونعم الدين‪ ،‬حصول المنافع ودفع المضار؛ فوظيفتُكم أن تقوموا ِ‬
‫بشكر هذه النعم‬
‫وأن ال ُيستعان بشيء‬ ‫بمحبة المنعم والخضوع له وصرفها في االستعانة على طاعتِ ِه ْ‬
‫َّ‬
‫منها على معصيته‪{ .‬و} لكن مع توالي هذه النعم ِ‬
‫{م َن الناس َمن}‪ :‬لم َي ْش ُك ْرها‪ ،‬بل‬
‫وجحد َّ‬
‫الحق الذي أنزل به كتبه‪ ،‬وأرسل به رسله‪ ،‬فجعل‬ ‫َ‬ ‫بمن أنعم بها‪،‬‬
‫َكفَرها‪ ،‬وكفر ْ‬
‫َّ‬
‫الحق‪ ،‬ويدفع به ما جاء به‬ ‫ليدحض به‬ ‫ِ‬
‫{يجاد ُل في اللّه}؛ أي‪ :‬يجادل عن الباطل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بعبادة اللّه وحده‪ ،‬وهذا المجاد ُل على غير بصيرة؛ فليس جدالُه عن‬ ‫الرسول من األمر‬
‫هدى}‪ :‬يقتدي به بالمهتدين {وال ٍ‬
‫كتاب‬ ‫علم؛ فيترك وشأنه‪ ،‬ويسمح له في الكـالم‪{ .‬وال ً‬
‫ٍ‬
‫منير}؛ أي‪ :‬نيِّر مبين للحق؛ فال معقول وال منقول وال اقتداء بالمهتدين‪ ،‬وإ نما جداله‬
‫قيل‬ ‫مبني على تقليد ٍ‬
‫آباء غير مهتدين‪ ،‬بل ضالِّين مضلِّين‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وإ ذا َ‬ ‫في اللّه ٌّ‬
‫ت لهم أدلتُه الظاهرة‪،‬‬
‫وبيَِّن ْ‬ ‫ُّ‬
‫الحق‪ُ ،‬‬ ‫فإنه‬ ‫لهم اتَّبِعوا ما َ‬
‫أنزل اللّه}‪ :‬على أيدي رسله؛ َّ‬
‫معارضين ذلك‪{ :‬بل نتَّبِعُ ما َو َج ْدنا عليه آباءنا}‪ :‬فال نترك ما وجدنا عليه‬
‫َ‬ ‫{قالوا}‬
‫{أولَ ْو كان‬ ‫أحد كائناً َمن كان‪ .‬قال تعالى في ِّ‬ ‫آباءنا لقول ٍ‬
‫الرد عليهم وعلى آبائهم‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫عذاب السعير}؛ أي‪ :‬فاستجاب له آباؤهم‪ ،‬ومشوا خلفه‪،‬‬ ‫الشيطان يدعوهم إلى‬
‫ُ‬
‫وصاروا من تالميذ الشيطان‪ ،‬واستولت عليهم الحيرة؛ فهل هذا موجب التِّباعهم لهم‬
‫ومشيهم على طريقتهم؟! أم ذلك ير ِهُبهم من سلوك سبيلهم‪ ،‬وينادي على ضاللهم‬
‫وضالل من تبعهم؟! وليس دعوة الشيطان آلبائهم ولهم محبة لهم ومودة‪ ،‬وإ َّنما ذلك‬
‫ظ ِف َر بهم‪،‬‬ ‫عداوةٌ لهم ومكر لهم‪ ،‬وبالحقيقة أتباعه من أعدائِ ِه الذين َّ‬
‫تمكن منهم‪ ،‬و َ‬ ‫ٌ‬
‫عذاب السعير بقَبول دعوته‪.‬‬
‫َ‬ ‫عينه (‪ )1‬باستحقاقهم‬
‫ت ُ‬ ‫وقر ْ‬
‫َّ‬
‫ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ‪.‬‬

‫وينقاد له بفعل الشرائع‬


‫ُ‬ ‫يسلم وجهَه إلى اللّه}؛ أي‪ :‬يخضعُ له‬
‫{ومن ْ‬
‫{‪َ }22‬‬
‫محسن}‪ :‬في ذلك اإلسالم؛ بأن كان عملُه مشروعاً‪ ،‬قد اتَّبع فيه‬
‫ٌ‬ ‫دينه‪{ ،‬وهو‬
‫مخلصاً له َ‬
‫ِ‬
‫العبادات وهو‬ ‫يسلم وجهَه إلى اللّه بفعل جميع‬
‫الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬أو‪ :‬ومن ْ‬
‫َ‬
‫يسلم وجهَه‬
‫وم ْن ْ‬ ‫يكن يراه؛ َّ‬
‫فإنه يراه‪ .‬أو‪َ :‬‬ ‫فإن لم ْ‬ ‫يعبد اللّه َّ‬
‫كأنه يراه؛ ْ‬ ‫محسن فيها؛ بأن َ‬
‫ٌ‬
‫إلى اللّه بالقيام بحقوقـه‪ ،‬وهو محسن إلى عباد اللّه‪ ،‬قائم بحقوقهم‪ ،‬والمعـاني متالزمةٌ‪،‬‬
‫ال فرق بينها إالَّ من جهة اختالف مورد اللفظتين‪ ،‬وإ الَّ ؛ فكلُّها متفقة على القيام‬
‫ك بالعرو ِة‬ ‫بجميع شرائع الدين على وجه تُقبل به وتَ ْكمل؛ فمن فعل ذلك؛ {فقد استمس َ‬
‫َّك بها؛ توثَّق ونجا وسلم من الهالك وفاز ِّ‬
‫بكل‬ ‫الوثقى}؛ أي‪ :‬بالعروة التي َم ْن تمس َ‬
‫ُ‬
‫خير‪ ،‬وم ْن لم يسلم وجهه للّه‪ ،‬أو‪ :‬لم ِ‬
‫يحس ْن؛ لم يستمسـك بالعـروة الوثقى‪ ،‬وإ ذا لم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكن ثََّم إالَّ الهالك والبوار‪{ .‬وإ لى اللّه عاقبةُ األمور}؛‬
‫ـك [بالعروة الوثقى]؛ لم ْ‬‫يستمس ْ‬
‫آلت إليه أعمالُهم‪،‬‬
‫رجوعها وموئلُها ومنتهاها‪ ،‬فيحكم في عباده ويجازيهم بما ْ‬
‫ُ‬ ‫أي‪:‬‬
‫ُّ‬
‫فليستعدوا لذلك األمر‪.‬‬ ‫ووصلت إليه ِ‬
‫عواقُبهم‪،‬‬

‫الدعوة والبالغ؛‬‫أديت ما عليك من َّ‬


‫ألنك َّ‬
‫كفره}‪َّ :‬‬
‫ك ُ‬ ‫{ومن َكفَ َر فال َي ْـح ُزن َ‬
‫{‪َ }23‬‬
‫يبق للحزن موضعٌ على عدم اهتدائِ ِه؛‬
‫أجرك على اللّه‪ ،‬ولم َ‬ ‫ُ‬ ‫وجب‬ ‫فقد‬ ‫؛‬ ‫ِ (‪)2‬‬
‫فإذا لم يهتد‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬عينهم»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬يهتدوا»‪.‬‬
‫تحزن أيضاً على كونهم تجرؤوا عليك بالعداوة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫خير؛ لهداه اللّه‪ ،‬وال‬ ‫َّ‬
‫ألنه لو كان فيه ٌ‬
‫تتحر ْق عليهم بسبب َّأنهم ما‬ ‫واستمروا على غيِّهم ِ‬
‫وكفرهم‪ ،‬وال َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ونابذوك المحاربة‪،‬‬
‫إن {إلينا مر ِج ُعهم فننبُِّئهم بما عملوا}‪ :‬من ِ‬
‫كفرهم وعداوتِهم وسعيِهم‬ ‫بودروا بالعذاب‪َّ ،‬‬
‫{عليم بذات الصُّدور}‪ :‬التي ما نطق بها‬ ‫نور اللّه وأذى رسله‪ .‬إنه‬ ‫ِ‬
‫إطفاء ِ‬ ‫في‬
‫ٌ‬
‫الناطقون؛ فكيف بما ظهر وكان شهادة؟!‬

‫نضطرهم}؛‬
‫ُّ‬ ‫{‪{ }24‬نمتِّ ُعهم قليالً}‪ :‬في الدنيا؛ ليزداد إثمهُم ويتوفَّر ُ‬
‫عذابهم‪{ .‬ثم‬
‫وكبر ِه وفظاعتِ ِه وألمه َّ‬
‫وشدته‪.‬‬ ‫عظم ِه ِ‬
‫غليظ}؛ أي‪ :‬انتهى في ِ‬ ‫عذاب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أي‪ِ :‬‬
‫نلجُئهم {إلى‬
‫ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭼ‪.‬‬

‫ق‬
‫{م ْن َخلَ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫بالحق‪َ :‬‬ ‫المكذبين‬ ‫سألت هؤالء المشركين‬
‫َ‬ ‫{‪ }25‬أي‪{ :‬ولئن}‬
‫خلقت شيئاً من ذلك‪ ،‬ولبادروا بقولهم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫أن أصنامهم ما‬‫واألرض}‪ :‬لعلموا َّ‬ ‫ِ‬
‫السموات‬
‫َ‬
‫أقروا به على ما‬ ‫ًّ‬
‫ومحتجا عليهم بما ُّ‬ ‫وحده‪ ،‬فَـ{ ُق ْل} لهم ملزماً لهم‬
‫{اللّهُ}‪ :‬الذي خلقهما َ‬
‫{الحمد للّه}‪ :‬الذي َّبين النور وأظهر االستدالل عليكم من أنفسكم؛ فلو كانوا‬
‫ُ‬ ‫أنكروا‪:‬‬
‫بالخْلق والتدبير هو الذي ُي ْف َر ُد بالعبادة والتوحيد‪ ،‬ولكن‬ ‫يعلمون؛ لجزموا َّ‬
‫أن المنفرد َ‬
‫ضوا بتناقُض ما ذهبوا إليه على‬
‫ور ُ‬
‫يعلمون}‪ :‬فلذلك أشركوا به غيره‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫{أكثرهم ال‬
‫َ‬
‫والشك ال على ِ‬
‫وجه البصير ِة‪.‬ـ‬ ‫ِّ‬ ‫وجه الحيرة‬

‫{‪ }26‬ثم ذكر في هاتين اآليتين نموذجاً من سعة أوصافه؛ ليدعو عباده إلى‬
‫ِ‬
‫السماوات‬ ‫وأن جميع ما في‬ ‫َّ‬
‫ومحبته وإ خالص الدين له‪ ،‬فذكر عموم ملكه‪َّ ،‬‬ ‫معرفته‬
‫يتصرف فيهم بأحكام‬ ‫َّ‬ ‫ـي؛ َّأنه ملكه‪،‬‬
‫العلوي والسفل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫واألرض‪ ،‬وهذا شام ٌل لجميع العالم‬
‫ك َّ‬
‫مدبرون‬ ‫الجزائية؛ فكلُّهم ٌ‬
‫عبيد ممالي ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫األمرية وأحكامه‬ ‫َّ‬
‫القدرية وأحكامه‬ ‫الملك‬‫ُ‬
‫يحتاج إليه‬
‫ُ‬ ‫يحتاج إلى ما‬
‫ُ‬ ‫وأنه واسع الغنى؛ فال‬ ‫شيء‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫مسخرون‪ ،‬ليس لهم من الملك‬‫َّ‬
‫وأن أعمال النبيِّين‬ ‫ط ِع ِ‬
‫مون}‪َّ ،‬‬ ‫ق وما أريد أن ُي ْ‬ ‫أريد منهم من رز ٍ‬
‫أحد من الخلق‪{ ،‬ما ُ‬ ‫ٌ‬
‫غني‬ ‫ِّ‬
‫والصديقين والشهداء والصالحين ال تنفعُ اللّهَ شيئاً‪ ،‬وإ نما تنفع عامليها‪ ،‬واللّه ٌّ‬
‫أن أغناهم وأقناهم في دنياهم وأخراهم‪.‬‬
‫عنهم وعن أعمالهم‪ ،‬ومن غناه ْ‬
‫حمده من لوازم ذاتِ ِه؛ فال يكون إالَّ حميداً‬ ‫حمد ِه‪َّ ،‬‬
‫وأن َ‬ ‫ثم أخبر تعالى عن سع ِة ِ‬
‫ََ‬
‫فكل صفة من صفاته‬ ‫حميد في صفاته؛ ُّ‬ ‫حميد في ذاته‪ ،‬وهو ٌ‬
‫من جميع الوجوه؛ فهو ٌ‬
‫وخلَقَه‬ ‫ٍ‬
‫عظمة وكمال‪ ،‬وجميع ما فَ َعلَه َ‬ ‫ِ‬
‫صفات‬ ‫يستحق عليها أكم َل ٍ‬
‫حمد وأت َّـمه؛ لكونها‬ ‫ُّ‬
‫ُيحمد عليه‪ ،‬وجميع ما أمر به ونهى عنه ُيحمد عليه‪ ،‬وجميع ما حكم به في العباد‬
‫وبين العباد في ُّ‬
‫الدنيا واآلخرة ُيحمد عليه‪.‬‬
‫القلوب َّ‬
‫كل مبلغ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعظمة قوله بشرح يبلغُ من‬ ‫كالم ِه‬
‫{‪ }27‬ثم أخبر عن سعة ِ‬
‫وتنب ِه ُر له العقول وتحير فيه األفئدة وتسيح في معرفتِ ِه أولو األلباب والبصائر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫بعد ِه سبعةُ‬
‫أن ما في األرض من شجر ٍة أقالم}‪ :‬يكتب بها‪{ ،‬والبحر يم ُّده من ِ‬
‫ُ َُ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫{ولو َّ‬
‫{كلمات‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫يستمد بها؛ لتكسَّرت تلك األقالم‪ ،‬ولفني ذلك المداد‪ ،‬ولم تنفد‬ ‫ٍ‬
‫أبحر}‪ :‬مداداً‬
‫أن العقول تتقاصر عن‬‫اللّه}‪ :‬وهذا ليس مبالغةً ال حقيقةَ له‪ ،‬بل ل َّـما علم تبارك وتعالى َّ‬
‫أن معرفته لعباده أفضل ٍ‬
‫نعمة أنعم بها عليهم‬ ‫اإلحاطة ببعض صفاته‪ ،‬وعلم تعالى َّ‬
‫ك كلُّه‪،‬‬
‫ك كلُّه ال ُيتْ َر ُ‬ ‫منقبة حصَّلوها‪ ،‬وهي ال ِ‬
‫تمك ُن على وجهها‪ ،‬ولكن ما ال ُي ْد َر ُ‬ ‫وأجل ٍ‬‫ُّ‬
‫صدورهم‪ ،‬ويستدلُّون‬ ‫ُ‬ ‫وتنشرح له‬
‫ُ‬ ‫قلوبهم‪،‬‬
‫فنبههم تعالى على بعضها تنبيهاً تستنير به ُ‬ ‫َّ‬
‫وأعلمهم بربِّه‪« :‬ال‬ ‫ُ‬ ‫بما وصلوا إليه إلى ما لم يصلوا إليه‪ ،‬ويقولون كما قال أفضلُهم‪،‬‬
‫أجل من ذلك‬ ‫نفسك» (‪ ،)1‬وإ الَّ ؛ فاألمر ُّ‬ ‫ت على ِ‬ ‫ثناء عليك‪ ،‬أنت كما أثَْن ْي َ‬
‫ُن ْحصي ً‬
‫وأعظم‪.‬‬

‫وهذا التمثي ُل من باب تقريب المعنى الذي ال ُيطاق الوصول إليه إلى األفهام‬
‫ت على ما ُذ ِك َر أضعافاً كثيرةً‪ ،‬والبحور لو‬ ‫تضاعفَ ْ‬
‫َ‬ ‫واألذهان‪ ،‬وإ الَّ ؛ فاألشجار وإ ْن‬
‫وأما كالم‬
‫ص َّور نفادها وانقضاؤها؛ لكونها مخلوقةً‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫مضاعفة؛ َّ‬ ‫َّ‬
‫فإنه ُيتَ َ‬ ‫امتدت بأضعاف‬
‫ـي على َّأنه ال نفاد له وال‬
‫الشرعي والعقل ُّ‬
‫ُّ‬ ‫نفاده‪ ،‬بل دلَّنا الدلي ُل‬
‫ص َّو ُر ُ‬
‫اللّه تعالى؛ فال ُيتَ َ‬
‫تصور‬
‫{وأن إلى ربِّك المنتهى}‪ ،‬وإ ذا َّ‬ ‫منتهى؛ فكل شيء ينتهي إالَّ الباري وصفاته‪َّ ،‬‬
‫الذهن من األزمان السابقة‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫كل ما فرضه‬ ‫(‪)2‬‬
‫وأن‬ ‫َّ‬
‫وآخريته‪َّ ،‬‬ ‫العق ُل حقيقة َّأو َّليته تعالى‬
‫الفرض والتقدير؛ فهو تعالى قبل ذلك إلى غير نهاية‪َّ ،‬‬
‫وأنه مهما فرض‬ ‫ُ‬ ‫مهما تسلسل‬

‫‪ - 1‬كما في «صحيح مسلم» (‪ )486‬من حديث عائشة رضيـ اللّه عنها‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬وأنه»‪.‬‬
‫والتقدير وساعد على ذلك َم ْن‬
‫ُ‬ ‫الفرض‬
‫ُ‬ ‫وتسلسل‬
‫َ‬ ‫الذهن والعقل من األزمان المتأخرة‬ ‫ُ‬
‫ساعد بقلبِ ِه ولسانِ ِه؛ فاللّه تعالى بعد ذلك إلى غير ٍ‬
‫غاية وال نهاية‪ ،‬واللّه في جميع‬
‫مانع له من شيء من‬ ‫األوقات يح ُكم ويتكلَّم ويقو ُل ويفعل كيف َ‬
‫أراد‪ ،‬وإ ذا أراد‪ ،‬ال َ‬
‫تصور العق ُل ذلك؛ عرف أن المثل الذي ضربه اللّه لكالمه ِلُي ْد ِر َ‬
‫ك‬ ‫أقواله وأفعاله؛ فإذا َّ‬
‫ُّ‬
‫وأجل‪.‬‬ ‫فاألمر أعظم‬
‫ُ‬ ‫العباد شيئاً منه‪ ،‬وإ الَّ ؛‬
‫ُ‬
‫حكيم}؛ أي‪ :‬له َّ‬
‫العزة‬ ‫عزيز ٌ‬
‫ٌ‬ ‫عزته وكمال حكمتِ ِه‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫{إن اللّه‬ ‫ثم ذكر جاللة َّ‬
‫القوة إالَّ منه‪ ،‬هو الذي أعطاها للخلق؛‬
‫ـي من َّ‬ ‫العلوي والسفل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫جميعاً الذي ما في العالم‬
‫وتصرف فيهم َّ‬
‫ودبرهم‪ ،‬وبحكمته‬ ‫َّ‬ ‫قوةَ إالَّ به‪َّ ،‬‬
‫وبعزته قهر الخلق كلَّهم‪،‬‬ ‫فال حول وال َّ‬
‫األمر‬
‫والمقصود منه الحكمة‪ ،‬وكذلك ُ‬
‫َ‬ ‫ق الخلق‪ ،‬وابتدأه بالحكمة‪ ،‬وجعل غايتَه‬ ‫َخلَ َ‬
‫والنهي ُو ِج َد بالحكمة‪ ،‬وكانت غايتُه المقصودةُ الحكمةَ؛ فهو الحكيم في خلقه وأمره‪.‬‬

‫يتصورها العق ُل‪ ،‬فقال‪:‬‬‫َّ‬ ‫{‪ }28‬ثم ذكر عظمةَ قدرتِ ِه وكمالها‪َّ ،‬‬
‫وأنه ال يمكن أن‬
‫ق جميع‬ ‫شيء يحير العقول‪َّ :‬‬
‫أن َخْل َ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة}‪ :‬وهذا‬ ‫ٍ‬
‫كنفس‬ ‫{ما َخْلقُكم وال بعثُكم إالَّ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫كخلق ِه نفساً واحدةً؛‬
‫واحدة ِ‬‫ٍ‬ ‫تفرقهم في لمحة‬‫الخْلق على كثرتِ ِهم وبعثهم بعد موتِ ِهم بعد ُّ‬ ‫َ‬
‫والنشور والجزاء على األعمال؛ إالَّ الجهل بعظمة اللّه َّ‬
‫وقوة‬ ‫ِ‬
‫الستبعاد البعث ُّ‬ ‫فال وجه‬
‫المبصرات‪،‬ـ فقال‪َّ :‬‬
‫{إن‬ ‫َ‬ ‫وبصر ِه لجميع‬
‫ِ‬ ‫سمع ِه لجميع المسموعات‬
‫قدرتِ ِه‪ .‬ثم َذ َكر عموم ِ‬
‫َ‬
‫بصير}‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫اللّه سميعٌ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭺ‬ ‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭻ ﭼ‪.‬‬

‫تصرفه بإيالج الليل‬ ‫ِ‬


‫وسعة ُّ‬ ‫بالتصرف والتدبير‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫انفراده‬
‫ُ‬ ‫{‪ }29‬وهذا فيه أيضاً‬
‫أحد ِهما على اآلخر؛ فإذا دخل ُ‬
‫أحدهما؛‬ ‫النهار في الليل؛ أي‪ :‬إدخال ِ‬
‫ِ‬ ‫في النهار وإ يالج‬
‫يختل منذ َخلَقَهما؛‬ ‫ٍ‬
‫ونظام لم َّ‬ ‫ٍ‬
‫بتدبير‬ ‫ذهب اآلخر‪ ،‬وتسخيره للشمس والقمر يجريان‬
‫ودنياهم ما به يعتبِرون وينتَِفعون‪،‬‬
‫ومناف ِعهم في دينهم ُ‬
‫ِ‬ ‫ليقيم بذلك من مصالح العباد‬
‫جريانـهُما وتعطَّل‬
‫ُ‬ ‫انقطع‬
‫َ‬ ‫مسمى}‪ :‬إذا جاء ذلك األجل؛‬ ‫و{كل} منهما {يجري إلى أجل ّ‬
‫ٌّ‬
‫ف القمر‪ ،‬وتنتهي دار‬ ‫وي ْـخ َس ُ‬ ‫ِ‬
‫تكو ُر الشمس‪ُ ،‬‬
‫القيامة حين َّ‬ ‫سلطانهما‪ ،‬وذلك في يوم‬
‫ُ‬
‫{خبير}‪ :‬ال‬
‫ٌ‬ ‫وشر‪.‬‬
‫خير ٍّ‬‫تعملون}‪ :‬من ٍ‬ ‫َ‬ ‫{وأن اللّه بما‬ ‫ُّ‬
‫الدنيا‪ ،‬وتبتدىء الدار اآلخرة‪َّ .‬‬
‫يخفى عليه شيء من ذلك‪ ،‬وسيجازيكم على تلك األعمال بالثواب للمطيعين والعقاب‬
‫للعاصين‪.‬‬

‫{‪{ }30‬ذلك} (‪ :)1‬الذي َّبين لكم من عظمتِ ِه وصفاتِ ِه ما َّبين َّ‬


‫{بأن اللّه هو‬
‫حق‪ ،‬ووعيده ٌّ‬
‫حق‪،‬‬ ‫ووعده ٌّ‬
‫ُ‬ ‫حق‪ ،‬ورسله ٌّ‬
‫حق‪،‬‬ ‫ودينهُ ٌّ‬
‫الحق}‪ :‬في ذاته وفي صفاته‪ُ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫إيجاد‬
‫ُ‬ ‫يدعون من دونِ ِه الباط ُل}‪ :‬في ذاته وصفاته؛ فلوال‬
‫َ‬ ‫وعبادتُه هي الحق‪َّ .‬‬
‫{وأن ما‬
‫اللّه له؛ لما ُو ِج َد‪ ،‬ولوال ُ‬
‫إمداده؛ لما بقي؛ فإذا كان باطالً؛ كانت عبادتُه أبطل وأبطل‪.‬‬
‫ـي}‪ :‬بذاته فوق جميع مخلوقاته الذي علت صفاته أن يقاس بها‬ ‫َّ‬
‫{وأن اللّه هو العل ُّ‬
‫الكبرياء في‬ ‫صفات ٍ‬
‫[أحد من الخلق]‪ ،‬وعال على الخلق؛ فقهرهم {الكبير}‪ :‬الذي له‬
‫ُ‬
‫الكبرياء في قلوب أهل السماء واألرض‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ذاته وصفاته‪ ،‬وله‬
‫ﮎ ﮏ‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫ﭽﭼ ﭽ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮨ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }31‬أي‪ :‬ألم تََر من آثار قدرتِ ِه ورحمتِ ِه وعنايتِ ِه بعباده ْ‬


‫أن َس َّخ َر البحر‬
‫ولطف ِه وإ حسانِ ِه؛ ِ{لُي ِرَي ُكم من آياتِ ِه}‪ :‬ففيها االنتفاعُ‬
‫ِ‬ ‫القدري‬
‫ِّ‬ ‫الفْلك بأمره‬
‫تجري فيه ُ‬
‫{صب ٍار}‬
‫شكور} فهم المنتفعون باآليات َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صبار‬ ‫لكل‬ ‫ٍ‬
‫آليات ِّ‬ ‫واالعتبار‪َّ .‬‬
‫{إن في ذلك‬
‫صب ٍار على طاعة اللّه وعن معصيته وعلى‬ ‫{شكور} على السَّراء‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫على الضراء‪.‬‬
‫َّ‬
‫والدنيوية‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الدينية‬ ‫شكور للّه على نِ َع ِم ِه‬
‫ٍ‬ ‫أقدار ِه‪،‬‬
‫ِ‬

‫{‪ }32‬وذكر تعالى حال الناس عند ركوبِ ِهم البحر وغشيان األمواج كالظُّلل‬
‫ِ‬
‫فريقين‪:‬‬ ‫البر}‪ :‬انقسموا‬ ‫الدعاء للّه والعبادة‪{ ،‬فلما َّ‬
‫نجاهم إلى ِّ‬ ‫فوقهم َّأنهم ِ‬
‫يخلصون ُّ‬
‫فرقة مقتصدة؛ أي‪ :‬لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال‪ ،‬بل هم مذنبون ظالمون‬
‫ألنفسهم‪ ،‬وفرقة كافرة لنعمة اللّه جاحدة لها‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وما َي ْـج َح ُد بآياتِنا إالَّ ُّ‬
‫كل‬
‫َّ‬
‫لنكونن من‬ ‫وشدتِ ِه‬
‫البحر َّ‬‫ِ‬ ‫غدر ِه َّأنه عاهد َّ‬
‫ربه لئن أنجيتَنا من‬ ‫غدار‪ ،‬ومن ِ‬ ‫َختَّ ٍار}؛ أي‪َّ :‬‬
‫نجاهم اللّه من هذه‬ ‫ليق بِ َم ْن َّ‬ ‫ٍ‬
‫{كفور}‪ :‬لنعم اللّه؛ فهل َي ُ‬ ‫يف بذلك‪.‬‬‫الشاكرين‪ .‬فغدر‪ ،‬ولم ِ‬
‫الشدة إالَّ القيام ُّ‬
‫التام بشكر نعم اللّه؟!‬ ‫َّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وذلك»‪.‬‬


‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ﭽﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ‪.‬‬

‫زواجر ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أوامر ِه وتر ُ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫{‪ }33‬يأمر تعالى الناس بتقواه‪ ،‬التي هي امتثال‬
‫نفسهُ‪ .‬و{ال‬ ‫أحد ال ُّ َّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫الشديد الذي فيه ُّ‬ ‫ِ‬
‫يهمه إال ُ‬ ‫ويستلفتُهم لخشية يوم القيامة‪ ،‬اليوم‬
‫ينقص من‬
‫ُ‬ ‫يزيد في حسناتِ ِه وال‬ ‫والد ِه شيئاً‪ :‬ال ُ‬
‫مولود} عن ِ‬
‫ٌ‬ ‫ولد ِه وال‬
‫والد عن ِ‬
‫يـجزي ٌ‬
‫المهيل‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫عبد عملُه‪ ،‬وتحقَّق عليه جزاؤه‪ .‬فل ْف ُ‬ ‫سيئاتِ ِه‪ ،‬قد َّ‬
‫تم على ِّ‬
‫النظر لهذا اليوم َ‬ ‫ت‬
‫يأم ُرهم بتقواه‬
‫العبد ويسهِّل عليه تقوى اللّه‪ ،‬وهذا من رحمة اللّه بالعباد؛ ُ‬
‫يقوي َ‬ ‫مما ِّ‬
‫ِّ‬
‫ويحذ ُرهم من العقاب‪ ،‬ويزعجهُم إليه‬ ‫وي ِع ُدهم عليها الثواب‪،‬‬
‫التي فيها سعادتُهم‪َ ،‬‬
‫حق}‪ :‬فال تمتروا‬ ‫وعد اللّه ٌّ‬
‫{إن َ‬ ‫الحمد يا َّ‬
‫رب العالمين‪َّ .‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالمواعظ والمخوفات‪ ،‬فلك‬
‫تغرَّن ُك ُم الحياةُ ُّ‬
‫الدنيا}‪ :‬بزينتها‬ ‫المصد ِ‬
‫ق؛ فلهذا قال‪{ :‬فال َّ‬ ‫ِّ‬ ‫فيه‪ ،‬وال تعملوا عم َل غير‬
‫رور}‪ :‬الذي هو‬
‫الغ ُ‬ ‫ِ‬
‫والمحن‪{ .‬وال َي ُغ َّرَّن ُكم باللّه َ‬ ‫وزخارفها وما فيها من ِ‬
‫الفتن‬
‫الشيطان‪ ،‬الذي ما زال يخدعُ اإلنسان‪ ،‬وال يغفل عنه في جميع األوقات؛ َّ‬
‫فإن للّه على‬
‫عباده حقًّا‪ ،‬وقد وعدهم موعداً يجازيهم فيه بأعمالهم وهل َوفوا حقَّه أم قصَّروا فيه؟‬
‫ورأس مال تجارتِ ِه التي‬
‫َ‬ ‫صب عينيه‬‫العبد ُن َ‬
‫يجعلَه ُ‬ ‫وأن َ‬ ‫االهتمام به‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫أمر يجب‬
‫وهذا ٌ‬
‫ـموس ِو ُـ‬
‫س‬ ‫والشيطان ال ْ‬
‫ُ‬ ‫الدنيا الفتَّانةُ‬
‫دونه ُّ‬
‫يسعى إليه‪ ،‬ومن أعظم العوائق عنه والقواطع َ‬
‫وي َمِّنيهم‬ ‫الغرور‪ِ ،‬‬ ‫عباده أن تَ ُغ َّرهم ُّ‬
‫{يع ُد ُهم ُ‬
‫َ‬ ‫الدنيا أو َي ُغ َّرهم باللّه َ‬ ‫المسو ُل‪ ،‬فنهى تعالى َ‬‫ِّ‬
‫ـيطان إالَّ ُغروراً}‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وما َيع ُد ُهم الش ُ‬
‫ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ‬
‫ِ‬
‫والبواطن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والظواه ِر‬ ‫علمه بالغيب والشهادة‬ ‫تقرر َّ‬
‫ط ُ‬ ‫أن اهلل تعالى أحا َ‬ ‫{‪ }34‬قد َّ‬
‫الغيبية‪ ،‬وهذه األمور الخمسة من األمور‬ ‫َّ‬ ‫كثير من األمور‬ ‫عباده على ٍ‬ ‫طِلعُ اللّه َ‬
‫وقد ُي ْ‬
‫ب‪ ،‬فضالً عن‬ ‫مقر ٌ‬
‫ك َّ‬ ‫نبي مرس ٌل وال مل ٌ‬
‫يعلمها ٌّ‬
‫الخْلق؛ فال ُ‬ ‫ط َوى علمها عن جميع َ‬ ‫التي َ‬
‫الساعة}؛ أي‪ :‬يعلم متى ُمرساها؛ كما قال تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫عنده علم‬ ‫{إن اللّه َ‬‫غيرهما‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫ـجلِّيها لوقتِها إالَّ هو‬ ‫ان ُمرساها‪ُ .‬قل َّإنما ُ‬
‫علمها عند ِّ‬
‫ربـي ال ُي َ‬
‫ِ‬
‫ك عن الساعة َّأي َ‬ ‫ألون َ‬
‫{ي ْس َ‬‫َ‬
‫وعلم ِ‬
‫وقت‬ ‫الغيث}؛ أي‪ :‬هو المنفرد بإنزاله‪ِ ،‬‬ ‫{ويَن ِّز ُل‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ال تأتيكم إال َب ْغتَةً‪ }...‬اآلية‪ُ ،‬‬
‫ذكر أم‬
‫{ويعلم ما في األرحام}‪ :‬فهو الذي أنشأ ما فيها‪ ،‬وعلم ما هو؛ هل هو ٌ‬
‫ُ‬ ‫نزوِل ِه‪،‬‬
‫أنثى؟‬
‫ولهذا يسأل الملك الموكل باألرحام َّ‬
‫ربه‪ :‬هل هو َذ َكٌر أم أنثى؟ فيقضي اللّه ما‬
‫ودنياها‪{ ،‬وما تدري‬ ‫ب غداً}‪ :‬من َك ْس ِب دينها ُ‬ ‫ِ‬
‫نفس ماذا تكس ُ‬
‫يشاء ‪{ .‬وما تَ ْدري ٌ‬
‫(‪)1‬‬

‫المختص بعلم ذلك جميعه‪ .‬ول َّـما خصَّص‬


‫ُّ‬ ‫تموت}‪ :‬بل اللّه تعالى هو‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫أرض‬ ‫بأي‬
‫نفس ِّ‬‫ٌ‬
‫خبير}‪ :‬محيطٌ‬
‫عليم ٌ‬‫{إن اللّه ٌ‬‫علمه بجميع األشياء‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫عمم َ‬ ‫[اللَّه] هذه األشياء؛ َّ‬
‫علم هذه‬
‫أن أخفى َ‬ ‫بالظواهر والبواطن والخفايا والخبايا والسرائر‪ ،‬ومن حكمتِ ِه َّ‬
‫التامة ْ‬
‫ألن في ذلك من المصالح ما ال يخفى على من تدبر ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العباد؛ َّ‬ ‫الخمسة عن‬

‫تم تفسير سورة لقمان بفضل اللّه وعونه والحمد هلل‪.‬‬


‫***‬

‫‪ - 1‬كما في «صحيح البخاري» (‪ ،)6595‬و«مسلم» (‪ )2646‬من حديث أنس رضيـ اللّه عنه‪.‬‬
‫تفسير" سورة السجدة‬

‫[وهي] مكية‬

‫ﭑﭒﭓ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫‪.‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ‬

‫رب العالمين‪ ،‬الذي‬ ‫أن هذا الكتاب الكريم تنزي ٌل نزل من ِّ‬
‫{‪ }2‬يخبر تعالى َّ‬
‫صِل ُح أحوالَهم‬ ‫رباهم بنعمتِ ِه‪ ،‬ومن أعظم ما َّ‬
‫رباهم به هذا الكتاب‪ ،‬الذي فيه ُّ‬
‫كل ما ُي ْ‬ ‫َّ‬
‫امتراء‪.‬‬ ‫ريب فيه وال َّ‬
‫شك وال‬ ‫ويتمم أخالقَهم‪َّ ،‬‬
‫وأنه ال َ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫محمد واختلَقَه‬
‫ٌ‬ ‫الظالمون في ذلك‪ :‬افتراه‬ ‫ِّ‬
‫المكذبون للرسول‬ ‫{‪ }3‬ومع ذلك؛ قا َل‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫محمد بأعظم‬ ‫ور ْمي‬ ‫َّ‬ ‫من عند نفسه! وهذا من أكبر الجراءة على ِ‬
‫إنكار كالم الله‪َ ،‬‬
‫وكل واحد من هذه‪ ،‬من األمور‬ ‫الخْلق على كالم مثل كالم الخالق‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الكذ ِب‪ ،‬وقدرة َ‬
‫الحق}‪ :‬الذي ال يأتيه الباط ُل من‬‫ُّ‬ ‫العظائم‪ ،‬قال اللّه ًّ‬
‫رادا على من قال‪ :‬افتراه‪{ :‬بل هو‬
‫ك}‪ :‬أنزله رحمةً للعباد‪{ِ ،‬لتُ ِنذ َر‬ ‫خلف ِه تنزي ٌل من حكيم ٍ‬
‫حميد {من ِّ‬
‫رب َ‬ ‫بين يديه وال من ِ‬
‫وفاقة إلرسال الرسول‬ ‫ٍ‬ ‫ك}؛ أي‪ :‬هم في حال ضرورة‬ ‫نذير من ِ‬
‫قبل َ‬ ‫قوماً ما أتاهم من ٍ‬
‫يترددون‪،‬‬ ‫وإ نزال الكتاب لعدم النذير‪ ،‬بل هم في جهلهم َي ْع َمهون‪ ،‬وفي ظُلمة ضاللهم َّ‬

‫الحق ويؤثِ َ‬
‫رونه‪ .‬وهذه‬ ‫َّ‬ ‫يهتدون}‪ :‬من ضاللهم‪ ،‬فيعرفون‬ ‫َ‬ ‫فأنزلنا الكتاب عليك‪{ ،‬لعلَّهم‬
‫األشياء التي َذ َكرها اللّه كلُّها مناقضةٌ لتكذيبهم له‪ ،‬وإ َّنها تقتضي منهم اإليمان‬
‫حق‪ ،‬والحق مقبو ٌل على ِّ‬
‫كل‬ ‫وأنه ٌّ‬
‫رب العالَمين‪َّ ،‬‬
‫كونه من ِّ‬
‫التام به‪ ،‬وهو ُ‬
‫والتصديق َّ‬
‫ريب فيه بوجه من الوجوه؛ فليس فيه ما يوجب الريبة؛ ال بخبر غير‬
‫حال‪ ،‬وأنه ال َ‬
‫مطابق للواقع (‪ ،)1‬وال بخفاء واشتباه معانيه‪ ،‬وأنهم في ضرورة وحاجة إلى الرسالة‪،‬‬
‫وأن فيه الهداية ِّ‬
‫لكل خير وإ حسان‪.‬‬
‫ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ال بخبر ال يطابق الواقع»‪.‬‬
‫ﯓ ﯔ‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }4‬يخبر تعالى عن كمال قدرته بخلقه السماوات واألرض في ستة أيام‪،‬‬
‫رفيق‬
‫ٌ‬ ‫أولها يوم األحد‪ ،‬وآخرها الجمعة‪ ،‬مع قدرته على خلقها بلحظة‪َّ ،‬‬
‫ولكنه تعالى‬
‫بجالل ِه‪{ ،‬ما‬
‫ِ‬ ‫يليق‬
‫استواء ُ‬
‫ً‬ ‫سقف المخلوقات‬
‫حكيم‪{ ،‬ثم استوى على العرش}‪ :‬الذي هو ُ‬ ‫ٌ‬
‫إن َّ‬
‫توجه‬ ‫ـي}‪ :‬يتوالَّكم في ِ‬
‫أموركم فينفَ ُعكم {وال شفيع}‪ :‬يشفعُ لكم ْ‬ ‫لكم من دونِ ِه من ول ٍّ‬
‫ِ‬
‫والسماوات‪ ،‬المستوي‬ ‫أن خالق األرض‬ ‫رون}‪ :‬فتعلمون َّ‬ ‫عليكم العقاب‪{ .‬أفال َّ‬
‫تتذك َ‬
‫ُّ‬
‫المستحق‬ ‫على العرش العظيم‪ ،‬الذي انفرد بتدبيركم وتولِّيكم‪ ،‬وله الشفاعةُ كلُّها‪ ،‬هو‬
‫لجميع أنواع العبادة!‬

‫الشرعي‪ ،‬الجميع هو المنفرد بتدبيره‪،‬‬


‫َّ‬ ‫القدري واألمر‬
‫َّ‬ ‫األمر}‪:‬‬
‫{‪{ }5‬يدب ُِّر َ‬
‫في ْس ِع ُد بها‬
‫نازلةٌ تلك التدابير من عند الملك القدير‪{ ،‬من السماء إلى األرض}‪ُ :‬‬
‫آخرين‪،‬‬
‫َ‬ ‫ويهين‪ ،‬ويرفع أقواماً ويضع‬ ‫ويذل ِ‬
‫ويكرم ُ‬ ‫ويعز ُّ‬
‫ويفقر‪ُّ ،‬‬ ‫ويغني ُ‬
‫ويشقي‪ُ ،‬‬
‫ويعر ُج إليه {في يوم كان‬‫ينز ُل من عنده‪ُ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫وينزل األرزاق‪{ ،‬ثم َي ْع ُر ُج إليه}؛ أي‪ :‬األمر ِ‬
‫تعدون}‪ :‬وهو يعرج إليه‪ِ ،‬‬ ‫مقداره َ ٍ‬
‫ويصلُه في لحظة‪.‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫ألف سنة م َّـما ُّ َ‬ ‫ُُ‬
‫{‪{ }6‬ذلك}‪ :‬الذي خلق تلك المخلوقات العظيمة‪ ،‬الذي استوى على العرش‬
‫العزيز الرحيم}‪ :‬فبسعة‬
‫ُ‬ ‫{عالم الغيب والشهادة‬
‫ُ‬ ‫العظيم‪ ،‬وانفرد بالتدابير في المملكة‪،‬‬
‫ِِ‬ ‫علم ِه وكمال َّ ِ‬
‫ِ‬
‫ع‪ ،‬ولم‬
‫ع فيها من المنافع ما ْأو َد َ‬
‫وأو َد َ‬ ‫عزتِه وعموم رحمته َ‬
‫أوج َدها‪ْ ،‬‬
‫تدبيرها‪.‬‬
‫يعس ْر عليه ُ‬
‫ُ‬
‫ق خلقَهُ اللّه؛ َّ‬
‫فإن اللّه أحسن‬ ‫كل ٍ‬
‫شيء َخلَقَه}؛ أي‪ :‬ك ّل مخلو ٍ‬ ‫أحسن َّ‬ ‫{‪{ }7‬الذي‬
‫َ‬
‫وفضل ِه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫اآلدمي لشر ِف ِه‬
‫َّ‬ ‫خص‬
‫عام‪ ،‬ثم َّ‬ ‫ِ‬
‫ويوافقُه؛ فهذا ٌّ‬ ‫يليق به‬
‫وخلَقَهُ خلقاً ُ‬
‫خلقَه‪َ ،‬‬
‫طين}‪ :‬وذلك بخلق آدم عليه السالم أبي البشر‪.‬‬ ‫اإلنسان من ٍ‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫{وبدأ َخْل َ‬
‫{‪{ }8‬ثم جعل َن ْسلَه}؛ أي‪َّ :‬‬
‫ذرية آدم ناشئة {من ماء َمهين}‪ :‬وهو النطفةُ‬
‫المستقذرةُ الضعيفة‪.‬‬

‫بلحم ِه وأعضائِ ِه وأعصابه وعرو ِق ِه‪ ،‬وأحسن ِخْلقَتَه‪ ،‬ووضع‬


‫سواه} ِ‬ ‫{‪{ }9‬ثم َّ‬
‫روح ِه}‪ :‬بأن أرسل إليه‬
‫يليق به غيره‪{ ،‬ونفخ فيه من ِ‬ ‫ِّ‬
‫بالمحل الذي ال ُ‬ ‫َّ‬
‫كل عضو منه‬
‫السمع‬
‫َ‬ ‫{وج َع َل لكم‬
‫الروح‪ ،‬فيعود بإذن اللّه حيواناً بعد أن كان جماداً‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ك؛ فينفخ فيه‬
‫الملَ َ‬
‫َ‬
‫واألبصار}؛ أي‪ :‬ما زال يعطيكم من المنافع شيئاً فشيئاً حتى أعطاكم السمع‬
‫َ‬
‫وصوركم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫واألبصار {واألفئدة قليالً ما تش ُكرون}‪ :‬الذي خلقكم‪،‬‬
‫ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭼ‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالبعث على وجه االستبعاد‪{ :‬أإذا ضلَْلنا في‬ ‫ِّ‬
‫المكذبون‬ ‫{‪ }10‬أي‪ :‬قال‬
‫ق ٍ‬
‫جديد}؛‬ ‫{أإنا لَفي خل ٍ‬
‫وتفر ْقنا في المواضع التي ال تعلم‪َّ ،‬‬ ‫األرض}؛ أي‪َ :‬بلينا َّ‬
‫وتمز ْقنا َّ‬
‫قدرة‬ ‫(‪)1‬‬
‫أي‪ :‬لمبعوثون بعثاً جديداً؛ بزعمهم أن هذا من أبعد األشياء! وذلك بقياسهم‬
‫وكفر‬
‫ٌ‬ ‫وعناد‬
‫ٌ‬ ‫ظلم‬
‫ٌ‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫إ‬‫و‬ ‫الحقيقة‪،‬‬ ‫لطلب‬ ‫ليس‬ ‫هذا‬ ‫وكالمهم‬ ‫‪،‬‬‫(‪)2‬‬
‫الخالق على قُ َد ِر ِهم‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫وجحد‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬بل هم ِ‬
‫مصدرهُ‬
‫ُ‬ ‫فكالمهم ُعل َم‬
‫ُ‬ ‫كافرون}‪:‬‬
‫َ‬ ‫بلقاء ربِّهم‬ ‫ٌ‬ ‫بلقاء ربهم‬
‫قصدهم بيان الحق ُلبيـِّ َن لهم من األدلَّة القاطعة على ذلك ما‬ ‫وغايتُهُ‪ ،‬وإ الَّ ؛ فلو كان ُ‬
‫علم أنهم قد‬
‫ٌ‬
‫(‪)4‬‬
‫يجعله مشاهداً للبصيرةـ بمنزلة الشمس للبصر‪ ،‬ويكفيهم أنهم عندهم‬
‫األرض الميتة ِ‬
‫ينز ُل اللّه عليها‬ ‫ُ‬ ‫ابتُِدئوا من العدم؛ فاإلعادةُ أسه ُل من االبتداء‪ ،‬وكذلك‬
‫ق بذورها‪.‬‬
‫متفر ُ‬
‫وينبت به ِّ‬
‫ُ‬ ‫المطر فتحيا بعد موتها‪،‬‬
‫َ‬
‫ك الموت الذي ُو ِّك َل بكم}؛ أي‪ :‬جعله اللّه وكيالً على‬
‫{‪{ }11‬قل يتوفَّاكم َملَ ُ‬
‫رجعون}‪ :‬فيجازيكم بأعمالكم‪ ،‬وقد أنكرتُم‬
‫َ‬ ‫{ثم إلى ِّ‬
‫رب ُكم تُ‬ ‫قبض األرواح‪ ،‬وله أعوان‪َّ ،‬‬
‫البعث؛ فانظُروا ماذا يفع ُل اللّه بكم‪.‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﮁ ﮂ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ِ‬
‫القيامة؛ ذكر حالَهم في مقامهم بين‬ ‫رجوعهم إليه يوم‬ ‫{‪ }12‬لما ذكر تعالى‬
‫َ‬
‫الذنوب العظيمة‪ِ ،‬‬
‫{ناكسوا‬ ‫ِ‬ ‫أصروا على‬‫مون}‪ :‬الذين ُّ‬ ‫ِ‬ ‫يديه‪ ،‬فقال‪{ :‬ولو ترى ِإذ‬
‫المجر َ‬
‫رؤوس ِهم عند ربِّهم}‪ :‬خاشعين خاضعين‪ ،‬أذالَّء ِّ‬
‫مقرين [بجرمهم] (‪ ،)5‬سائلين الرجعة‬ ‫ِ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬لقياسهم»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪ :‬بقدرهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬ظلم»‪.‬‬
‫‪ - 4‬في (ب)‪« :‬معهم»‪.‬‬
‫‪ - 5‬كذا في (ب)‪ .‬وفي ( أ )‪« :‬بجرمكم»‪.‬‬
‫عين ٍ‬
‫يقين‪،‬‬ ‫{ربنا ْأبصرنا ِ‬ ‫قائلين‪َّ :‬‬
‫األمر ورأيناه عياناً‪ ،‬فصار َ‬
‫وسم ْعنا}؛ أي‪ :‬بان لنا ُ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫يقين بما كنا ِّ‬ ‫{فار ِج ْعنا‬
‫نكذب به؛ أي‪:‬‬ ‫عندنا اآلن ٌ‬
‫نون}؛ أي‪ :‬صار َ‬ ‫نعمل صالحاً َّإنا مو ِق َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ألنه قد مضى‬ ‫ٍ‬
‫مجاب؛ َّ‬ ‫لرأيت أمراً فظيعاً وحاالً مزعجة وأقواماً خاسرين وسؤاالً غير‬
‫وقت اإلمهال‪.‬‬
‫ُ‬
‫بينهم وبين الكفر والمعاصي؛‬ ‫وقدر ِه؛ حيث خلَّـى َ‬ ‫ِ‬
‫بقضاء اللّه ِ‬ ‫وكل هذا‬‫{‪ُّ }13‬‬
‫وج َـم ْعناهم على‬ ‫َّ‬ ‫فلهذا قال‪{ :‬ولو ِش ْئنا آلتَْينا َّ‬
‫كل نفس ُهداها}؛ أي‪ :‬لهدينا الناس كلهم َ‬
‫ولكن الحكمة تأبى أن يكونوا كلُّهم على الهدى‪ ،‬ولهذا‬ ‫الهدى‪ ،‬فمشيئتُنا صالحةٌ لذلك‪َّ ،‬‬
‫{ألمألن َّ‬
‫جهنم من‬ ‫َّ‬ ‫حق القو ُل مني}؛ أي‪ :‬وجب وثبت ثبوتاً ال ُّ‬
‫تغير فيه‪،‬‬ ‫{ولكن َّ‬
‫ْ‬ ‫قال‪:‬‬
‫محيد عنه؛ َّ‬
‫فالبد من تقرير أسبابه‬ ‫َ‬ ‫الوعد ال َّ‬
‫بد منه وال‬ ‫ُ‬ ‫أجمعين}‪ :‬فهذا‬
‫َ‬ ‫ال ِجَّن ِة والناس‬
‫الكفر والمعاصي‪.‬‬ ‫من ِ‬

‫{‪{ }14‬فذوقوا بما َنسيتُم لقاء يو ِم ُكم هذا}؛ أي‪ :‬يقال للمجرمين الذين ملكهم‬
‫الدنيا؛ ليستدركوا ما فاتهم‪ :‬قد فات وقت الرجوع‪ ،‬ولم يبق‬ ‫ُّ‬
‫الذل‪ ،‬وسألوا الرجعة إلى ُّ‬
‫نسيان ترك؛‬ ‫النسيان‬ ‫العذاب األليم بما نسيتُم لقاء يو ِم ُكم هذا‪ ،‬وهذا‬ ‫العذاب‪ ،‬فذوقوا‬ ‫إالَّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وكأنكم غير قادمين عليه وال مالقيه‪َّ .‬‬
‫{إنا‬ ‫أي‪ :‬بما أعرضتُم عنه‪ ،‬وتركتُم العمل له‪ّ ،‬‬
‫َنسينا ُكم}؛ أي‪ :‬تركناكم بالعذاب جزاء من جنس ِ‬
‫عمل ُكم؛ فكما َنسيتم ُنسيتم‪{ ،‬وذوقوا‬ ‫ً‬
‫فإن العذاب إذا كان له أج ٌل وغايةٌ؛ كان فيه‬ ‫الخْل ِد}؛ أي‪ :‬العذاب غير المنقطع؛ َّ‬‫عذاب ُ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫راحة‬ ‫روح‬ ‫عذاب َّ‬
‫جهنم ـ أعاذنا اللّه منه ـ؛ فليس فيه ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأما‬
‫بعض التنفيس والتخفيف‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ق والمعاصي‪.‬‬ ‫وال انقطاع لعذابهم فيها؛ {بما كنتُم تعملون}‪ :‬من الكفر والفسو ِ‬
‫ﭽﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮬ ﮭ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫{‪ }15‬لما َذ َك َر الكافرين بآياته وما َّ‬
‫أعد لهم من العذاب؛ َذ َك َر المؤمنين بها‬
‫ًّ‬
‫حقيقيا َم ْن‬ ‫يؤمن بآياتنا}؛ أي‪ :‬إيماناً‬‫ُ‬ ‫أعد لهم من الثواب‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫{إنما‬ ‫صفَهم وما َّ‬ ‫وو ْ‬
‫َ‬
‫ت عليهم آيات‬ ‫بآيات ربِّهم‪ ،‬فتُِلَي ْ‬
‫ِ‬ ‫شواهد اإليمان‪ ،‬وهم {الذين إذا ُذ ِّكروا}‬
‫ُ‬ ‫يوجد منه‬
‫التذكر؛ سمعوها فقبلوها‬ ‫ودعوا إلى ُّ‬ ‫النصائح على أيدي رسل اللّه‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫القرآن‪ ،‬وأتتهم‬
‫خضوع ِذ ْك ٍر للّه وفرح بمعرفتِ ِه‪،‬‬
‫َ‬ ‫{خروا ُس َّجداً}؛ أي‪ :‬خاضعين لها‬
‫وانقادوا و ُّ‬
‫ِ‬ ‫رون}‪ :‬ال بقلوبِ ِهم وال بأبدانِ ِهم فيمتنعون من‬ ‫ِ‬
‫االنقياد‬ ‫{وسبحوا بحمد ربِّهم وهم ال يست ْكبِ َ‬
‫َّ‬
‫وقابلوها باالنشراح والتسليم‪،‬‬‫لها‪ ،‬بل متواضعون لها‪ ،‬قد تَلَقَّ ْوها بالقَبول والتسليم َ‬
‫ِّ‬
‫الرب الرحيم‪ ،‬واهتَ َدوا بها إلى الصراط المستقيم‪.‬‬ ‫وتوصَّلوا بها إلى مرضاة‬

‫وتنزعج عن‬
‫ُ‬ ‫جنوبهم‬ ‫ِ‬
‫المضاجع}؛ أي‪ :‬ترتفع ُ‬ ‫{‪{ }16‬تتجافى ُجنوبهم عن‬
‫ُّ‬
‫وأحب إليهم‪ ،‬وهو الصالة في الليل‬ ‫اللذيذة إلى ما هو ُّ‬
‫ألذ عندهم منه‬ ‫مضاج ِعها ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫الدينية‬ ‫مصال ِحهم‬
‫ِ‬ ‫{ي ْدعون َّ‬
‫ربهم}؛ أي‪ :‬في جلب‬ ‫ومناجاة اللّه تعالى‪ ،‬ولهذا قال‪َ :‬‬
‫الوصفين؛ خوفاً أن تَُر َّد‬
‫ِ‬ ‫مضارهما {خوفاً وطمعاً}؛ أي‪ :‬جامعين بين‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫والدنيوية ودفع‬
‫رز ْقناهم}‪:‬‬
‫أعمالُهم‪ ،‬وطمعاً في قبولها؛ خوفاً من عذاب اللّه‪ ،‬وطمعاً في ثوابه‪{ ،‬وم َّـما َ‬
‫قون}‪ :‬ولم يذ ُكر قيد النفقة‪ ،‬وال المنفَق عليه؛ َّ‬
‫ليدل على‬ ‫من الرزق قليالً أو كثيراً‪ِ ،‬‬
‫{ينف َ‬
‫ُ‬
‫يدخ ُل فيه النفقة الواجبة؛ كالزكوات والكفارات ونفقة الزوجات‬ ‫فإنه ُ‬ ‫العموم؛ َّ‬
‫خير مطلقاً؛‬ ‫َّ‬
‫المستحبة في وجوه الخير‪ ،‬والنفقة واإلحسان المالي ٌ‬ ‫واألقارب‪ ،‬والنفقة‬
‫ِ‬
‫بتفاوت النفع‪ ،‬فهذا‬ ‫سواء وافق فقيراً أو ًّ‬
‫غنيا (‪ ،)1‬قريباً أو بعيداً‪ ،‬ولكن األجر يتفاوت‬
‫عملهم‪.‬‬

‫نفس}‪ :‬يدخل فيه جميعُ نفوس الخلق؛‬ ‫تعلم ٌ‬


‫وأما جزاؤهم؛ فقال‪{ :‬فال ُ‬
‫{‪َّ }17‬‬
‫ُخ ِفي لهم من قَُّر ِة ٍ‬
‫أعين}‪ :‬من الخير‬ ‫أحد {ما أ ْ َ‬
‫يعلم ٌ‬
‫لكونه نكرةً في سياق النفي؛ أي‪ :‬فال ُ‬
‫الكثير والنعيم الغزير والفرح والسرور واللَّ َّذة والحبور؛ كما قال تعالى على لسان‬
‫ط َر على‬
‫أذن سمعت‪ ،‬وال َخ َ‬ ‫عين رأت‪ ،‬وال ٌ‬ ‫«أعددت ِلعبادي الصالحين ما ال ٌ‬
‫ُ‬ ‫رسوله‪:‬‬
‫قلب بشر» (‪ )2‬؛ فكما صلُّوا في الليل ودعوا وأخفوا العمل؛ جازاهم من جنس عملهم‪،‬‬
‫لون}‪.‬‬
‫{جزاء بما كانوا َي ْع َم َ‬
‫ً‬ ‫فأخفى أجرهم‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫ﭽﮮ ﮯ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ‪.‬‬

‫تقر َر فيها من عدم تساوي المتفاوتَْي ِن‬


‫{‪ }18‬ينبِّه تعالى العقول على ما َّ‬
‫المتبايَِن ْين‪ ،‬وأن حكمته تقتضي عدم تساويهما‪ ،‬فقال‪{ :‬أفمن كان مؤمناً}‪ :‬قد َع َم َر َ‬
‫قلبه‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬غنياً أو فقيرا»‪.‬‬


‫‪ - 2‬أخرجه البخاريـ (‪ )4779‬ومسلم (‪ )2824‬عن أبي هريرة‪.‬‬
‫إيمانه آثاره وموجباتِه من ترك‬ ‫وانقادت ِ‬
‫جوار ُحه لشرائعه‪ ،‬واقتضى ُ‬ ‫ْ‬ ‫باإليمان‪،‬‬
‫قلبه وتعطَّل‬ ‫مساخ ِط اللّه التي ُّ‬
‫يضر وجودها باإليمان‪{ ،‬كمن كان فاسقاً}‪ :‬قد خرب ُ‬
‫ِ‬
‫جوارحه بموجبات الجهل والظلم في‬
‫ُ‬ ‫فأسرعت‬
‫ْ‬ ‫ديني‪،‬‬
‫من اإليمان‪ ،‬فلم يكن فيه وازعٌ ٌّ‬
‫بفسق ِه عن طاعة ربِّه‪ ،‬أفيستوي هذان الشخصان؟! {ال‬
‫ومعصية‪ ،‬وخرج ِ‬
‫ٍ‬ ‫كل إثم‬‫(‪ِّ )1‬‬
‫يستوون}‪ :‬عقالً وشرعاً؛ كما ال يستوي الليل والنهار والضياء والظلمة‪ ،‬وكذلك ال‬
‫َ‬
‫ثوابهما في اآلخرة‪.‬‬
‫يستوي ُ‬
‫جنات}‬ ‫ِ‬
‫الصالحات}‪ :‬من فروض ونواف َل‪{ ،‬فلهم‬ ‫وع ِملوا‬
‫ُ‬ ‫{أما الذين آمنوا َ‬
‫{‪َّ }19‬‬
‫ُّ‬
‫ومحل األفراح‪،‬‬ ‫ومعدن الخيرات‪،‬‬ ‫{المأوى}؛ أي‪ :‬الجنات التي هي مأوى َّ‬
‫اللذات‪،‬‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫ومحل الخلود‪ ،‬وجوار الملك المعبود‪ ،‬والتمتُّع‬ ‫ونعيم القلوب والنفوس واألرواح‪،‬‬
‫ُ‬
‫{ن ُزالً}‪ :‬لهم؛ أي‪ :‬ضيافةً و ِق ً‬
‫رى؛ {بما كانوا‬ ‫بقربه والنظر إلى وجهه وسماع خطابه‪ُ ،‬‬
‫يعملون}‪ :‬فأعمالُهم التي تَفَ َّ‬
‫ض َل اللّه بها عليهم هي التي أوصلَتْهم لتلك المنازل الغالية‬ ‫َ‬
‫العالية‪ ،‬التي ال يمكن التوصُّل إليها ببذل األموال‪ ،‬وال بالجنود والخدم‪ ،‬وال باألوالد‪،‬‬
‫يتقرب إليها بشيء أصالً سوى اإليمان والعمل‬
‫بل وال بالنفوس واألرواح‪ ،‬وال َّ‬
‫الصالح‪.‬‬

‫النار‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫مقرهم ومحل خلودهم ُ‬ ‫النار}؛ أي‪ُّ :‬‬
‫فمأواه ُم ُ‬
‫ُ‬ ‫{وأما الذين فَ َسقوا‬
‫{‪َّ }20‬‬
‫العقاب ساعة‪{ ،‬كلَّما أرادوا أن َي ْـخ ُرجوا‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وشقاء‪ ،‬وال ُيفَتَُّر عنهم‬ ‫ٍ‬
‫عذاب‬ ‫التي جمعت َّ‬
‫كل‬
‫العذاب منهم َّ‬
‫كل مبلغ؛ ُر ُّدوا‬ ‫ِ‬ ‫حدثتهم إرادتُهم بالخروج لبلوغ‬ ‫منها أُعيدوا فيها}‪ :‬فكلَّما َّ‬
‫عذاب‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫واشتد عليهم الكرب‪{ ،‬وقيل لهم ذوقوا‬ ‫إليها‪ ،‬فذهب عنهم روح ذلك الفرج‪،‬‬
‫النار الذي كنتُم به ِّ‬
‫تكذبون}‪.‬‬ ‫ِ‬

‫العذاب الذي قبل ذلك‬


‫ُ‬ ‫مقرهم ومأواهم‪ ،‬وأما‬
‫يكون فيه ُّ‬ ‫ُ‬ ‫عذاب النار الذي‬
‫ُ‬ ‫فهذا‬
‫ومقدمة له‪ ،‬وهو عذاب البرزخ؛ فقد ُذ ِك َر بقوله‪:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ‪.‬‬

‫ِّ‬
‫المكذبين نموذجاً من العذاب األدنى‪ ،‬وهو عذاب‬ ‫َّ‬
‫ولنذيقن الفاسقين‬ ‫{‪ }21‬أي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بعذاب بالقتل ونحوه كما جرى ألهل‬ ‫البرزخ‪ ،‬فنذيقهم طرفاً منه قبل أن يموتوا‪ :‬إما‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬من»‪.‬‬


‫الظالمون في‬
‫َ‬ ‫بدر من المشركين‪ ،‬وإ َّما عند الموت؛ كما في قوله تعالى‪{ :‬ولو ترى ِإذ‬
‫عذاب الهُ ِ‬
‫ون}‪،‬‬ ‫اليوم تُ ْـج َز ْو َن‬ ‫ِ‬
‫الموت والمالئكةُ باسطوا أيديهم ِ‬ ‫َغم ِ‬
‫َ‬ ‫أخرجوا أنفُ َس ُكم َ‬ ‫رات‬ ‫َ‬
‫برز ِخهم‪.‬‬
‫العذاب األدنى في َ‬
‫ُ‬ ‫ثم يكمل لهم‬
‫وهذه اآليةُ من األدلة على إثبات عذاب القبر‪ ،‬وداللتُها ظاهرةٌ؛ َّ‬
‫فإنه قال‪:‬‬
‫فدل على أن ثََّم عذاباً أدنى قبل‬ ‫{ولَُنذيقََّنهم من العذاب األدنى}؛ أي‪ :‬بعض وجزء منه‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫العذاب األدنى في الدنيا قد ال‬ ‫العذاب األكبر‪ ،‬وهو عذاب النار‪ ،‬ولما كانت اإلذاقة من‬
‫َيتَّص ُل بها الموت‪ ،‬فأخبر تعالى َّأنه يذيقُهم ذلك؛ لعلَّهم ير ِجعون إليه‪ ،‬ويتوبون من‬
‫ت أيدي الناس ِلُيذيقَهم‬ ‫ِ‬
‫والبحر بما َك َسَب ْ‬ ‫البر‬
‫الفساد في ِّ‬
‫ُ‬ ‫ظهَ َر‬
‫ذنوبهم؛ كما قال تعالى‪َ { :‬‬
‫عون}‪.‬‬
‫يرج َ‬ ‫بعض الذي َع ِملوا لعلَّهم ِ‬
‫َ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫تعدياً م َّـم ْن ُذ ِّك َر بآيات ربِّه‪ ،‬التي أوصلها إليه‬
‫وأزيد ِّ‬
‫ُ‬ ‫أظلم‬
‫{‪ }22‬أي‪ :‬ال أحد ُ‬
‫رسل ِه‪ ،‬تأمره ِّ‬
‫وتذكره مصالحه‬ ‫وتكميل نعمتِ ِه عليه على ِيد ِ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ربه‪ ،‬الذي يريد تربيتَه‬
‫أن يقابِلَها‬ ‫َّ‬
‫والدنيوية‪ ،‬التي تقتضي ْ‬ ‫َّ‬
‫الدينية‬ ‫مضاره‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫والدنيوية‪ ،‬وتنهاه عن‬ ‫َّ‬
‫الدينية‬
‫يؤمن بها‬
‫ْ‬ ‫الظالم ِّ‬
‫بضد ما ينبغي‪ ،‬فلم‬ ‫ُ‬ ‫باإليمان والتسليم واالنقياد والشكر‪ ،‬فقابلها هذا‬
‫ظهر ِه؛ فهذا من أكبر المجرمين‪ ،‬الذين‬
‫وال اتََّبعها‪ ،‬بل أعرض عنها وتركها وراء ِ‬
‫المجرمين منتَِقمون}‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يستحقُّون شديد النقمة‪ ،‬ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫{إنا من‬
‫ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }23‬لما ذكر تعالى آياتِ ِه التي َذ َّك َر بها عباده‪ ،‬وهو القرآن الذي أنزله على‬
‫محمد (ص)‪ ،‬ذكر أنه ليس ببدع من الكتب‪ ،‬وال من جاء به بغريب من الرسل‪ ،‬فقد‬ ‫ٍ‬
‫القرآن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ص َّدقَها‬ ‫ِّ‬
‫المصدقَةُ للقرآن‪ ،‬التي قد َ‬ ‫الكتاب}‪ :‬الذي هو التوراة‬
‫َ‬ ‫آتى اللَّه {موسى‬
‫تواردت أدلَّة‬
‫ْ‬ ‫مرية من لقائِ ِه}‪َّ :‬‬
‫ألنه قد‬ ‫برهانهما‪{ .‬فال تكن في ٍ‬
‫ُ‬ ‫فتطابق حقُّهما‪ ،‬وثبت‬
‫محل‪{ ،‬وجعلناه}؛ أي‪ :‬الكتاب الذي آتيناه موسى‬ ‫ِ‬
‫والمرية ٌّ‬ ‫الحق وبيناتُه‪ ،‬فلم يبق ِّ‬
‫للشك‬
‫يهتدون به في أصول دينهم‪ ،‬وفروعهم‪ ،‬وشرائعه موافقةٌ لذلك‬ ‫َ‬ ‫إسرائيل}‪:‬‬
‫َ‬ ‫{هدى لبني‬
‫ً‬
‫الزمان في بني إسرائيل‪ ،‬وأما هذا القرآن الكريم؛ فجعله اللّه هدايةً للناس كلِّهم؛ َّ‬
‫ألنه‬
‫لكمال ِه ِّ‬
‫وعلوه‪{ ،‬وإ َّنه في ِّأم‬ ‫ودنياهم إلى يوم القيامة‪ ،‬وذلك ِ‬
‫هدايةٌ للخلق في أمر دينهم ُ‬
‫حكيم}‪.‬‬
‫ـي ٌ‬ ‫الكتاب لَ َد ْينا لَ َعِل ٌّ‬
‫يهدون ِ‬
‫بأمرنا}؛ أي‪ :‬علماء‬ ‫َ‬ ‫{وج َعْلنا منهم}؛ أي‪ :‬من بني إسرائيل‪{ ،‬أئمة‬
‫{‪َ }24‬‬
‫بالشرع وطرق الهداية مهتدين في أنفسهم يهدون غيرهم بذلك الهدى؛ فالكتاب الذي‬
‫أئمة يهدون ِ‬
‫بأمر اللّه‪ ،‬وأتباعٌ‬ ‫أ ُْن ِزل إليهم هدى‪ ،‬والمؤمنون به منهم على قسمين‪َّ :‬‬
‫النبوة والرسالة‪ ،‬وهي درجة‬‫والقسم األول أرفع الدرجات بعد درجة َّ‬
‫ُ‬ ‫مهتدون بهم‪،‬‬
‫الصديقين‪ ،‬وإ نما نالوا هذه الدرجة العالية‪{ ،‬لما صبروا}‪ :‬على التعلُّم والتعليم َّ‬
‫والدعوة‬
‫ِ‬ ‫نفوسهم عن ِجماحها في المعاصي‬
‫واسترسالها في‬ ‫إلى اللّه واألذى في سبيله‪ ،‬وكفُّوا َ‬
‫ِ‬
‫نون}؛ أي‪ :‬وصلوا في اإليمان بآيات اللّه إلى درجة‬ ‫الشهوات‪{ .‬وكانوا بآياتنا يو ِق َ‬
‫ألنهم تعلَّموا‬
‫التام الموجب للعمل‪ ،‬وإ َّنما وصلوا إلى درجة اليقين؛ َّ‬‫اليقين‪ ،‬وهو العلم ُّ‬
‫تعلُّما صحيحاً‪ ،‬وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين‪ ،‬فما زالوا يتعلَّمون المسائل‪،‬‬
‫ويستدلُّون عليها بكثرة َّ‬
‫الدالئل‪ ،‬حتى وصلوا لذاك؛ فبالصبر واليقين تُنال اإلمامة في‬
‫الدين‪.‬‬
‫َّ‬
‫الحق‪ ،‬ومنهم‬ ‫وثم مسائ ُل اختلف فيها بنو إسرائيل‪ ،‬منهم من أصاب فيها‬ ‫{‪َّ }25‬‬
‫ِ‬
‫القيامة فيما كانوا فيه‬ ‫بينهم يوم‬ ‫من أخطأه خطأ أو عمداً‪ ،‬واللّه تعالى {ي ْف ِ‬
‫ص ُل َ‬ ‫َ‬
‫يقص على بني إسرائيل بعض الذي يختلفون فيه؛ ُّ‬
‫فكل خالف‬ ‫يختلفون}‪ :‬وهذا القرآن ُّ‬
‫َ‬
‫ُّ‬
‫الحق‪ ،‬وما عداه مما خالفه‬ ‫تصديق ألحد القولين؛ فهو‬
‫ٌ‬ ‫وو ِج َد في القرآن‬
‫وقع بينهم‪ُ ،‬‬
‫باط ٌل‪.‬‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﭽﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ِّ‬
‫المكذبين للرسول (‪ )1‬ويهديهم إلى الصوابـ كم‬ ‫{‪ }26‬يعني‪ :‬أولم يتبيـَّن لهؤالء‬
‫ِ‬
‫فيشاهدونها‬ ‫أهلَ ْكنا قبلهم من القرون الذين َسلَكوا مسلَ َكهم‪{ ،‬يمشون في مساكنهم}‪:‬‬
‫ْ‬
‫ُّ‬
‫يستدل بها على صدق‬ ‫ٍ‬
‫آليات}‪:‬‬ ‫عياناً؛ كقوم هود وصالح وقوم لوط‪َّ .‬‬
‫{إن في ذلك‬
‫والشر‪ ،‬وعلى َّ‬
‫أن َم ْن فعل مثل‬ ‫ِّ‬ ‫الرسل التي جاءتهم‪ ،‬وبطالن ما هم عليه من الشرك‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬للرسل»‪.‬‬


‫فعلهم؛ فُ ِع َل بهم كما فُ ِع َل بأشياعه من قبل‪ ،‬وعلى َّ‬
‫أن اللّه تعالى مجازي العباد وباعثهم‬
‫ِ‬
‫فيعونها‪ ،‬فينتفعون بها؛ فلو كان لهم سمعٌ‬
‫َ‬ ‫يسمعون}‪ :‬آيات اللّه‪،‬‬
‫َ‬ ‫للحشر والتناد‪{ .‬أفال‬
‫رجيح؛ لم يقيموا على ٍ‬
‫حالة يجزم بها (‪ )1‬بالهالك‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫صحيح وعق ٌل‬
‫ٌ‬
‫نسوق الماء إلى‬
‫ُ‬ ‫{‪{ }27‬أولم َي َر ْوا}‪ :‬بأبصارهم نعمتنا وكمال حكمتنا‪َّ ،‬‬
‫{أنا‬
‫يكن قب ُل موجوداً‬
‫األرض الجرز}‪ :‬التي ال نبات فيها‪ ،‬فيسوق اللّه المطر الذي لم ْ‬
‫ِ‬
‫{فنخر ُج به زرعاً}؛ أي‪ :‬نباتاً مختلف‬ ‫فيفر ُغه فيها من السحاب أو من األنهار؛‬‫فيها‪ِ ،‬‬
‫{وأنفسهُم}‪ :‬وهو طعام اآلدميين‪{ .‬أفال‬
‫ُ‬ ‫نبات البهائم‬
‫أنعامهم}‪ :‬وهو ُ‬‫األنواع‪{ ،‬تأ ُك ُل منه ُ‬
‫ِ‬
‫فيستبصرون فيهتدون بذلك‬ ‫رون}‪ :‬تلك َّ‬
‫المنة التي أحيا اللّه بها البالد والعباد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يبص َ‬
‫واستولت‬
‫ْ‬ ‫البصر وتلك البصيرةـ إلى الصراط المستقيم؟ ولكن غلب عليهم العمى‪،‬‬
‫يبصروا في ذلك بصر الرجال‪ ،‬وإ َّنما نظروا إلى ذلك نظر الغفلة‬ ‫عليهم الغفلة‪ ،‬فلم ِ‬
‫ومجرد العادة‪ ،‬فلم يوفَّقوا للخير‪.‬‬
‫َّ‬
‫ﯮ‬ ‫ﯬ ﯭ‬ ‫ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }28‬أي‪ :‬يستعج ُل المجرمون بالعذاب الذي ُو ِعدوا به على التكذيب جهالً‬
‫يفتح بيننا وبينكم بتعذيبنا على زعمكم‬
‫الفتح}‪ :‬الذي ُ‬
‫{ويقولون متى هذا ُ‬
‫َ‬ ‫منهم ومعاندةً‪،‬‬
‫{صادقين}‪ :‬في دعواكم‪.‬‬
‫َ‬ ‫{إن كنتُم} [أيها الرس ُل]‬

‫عقابكم ال تستفيدون به شيئاً؛ فلو كان‬


‫يحص ُل به ُ‬
‫ُ‬ ‫يوم الفتح}‪ :‬الذي‬
‫{‪ُ { }29‬ق ْل َ‬
‫ص َل إمهالُكم لتستدركوا ما فاتكم حين صار األمر عندكم يقيناً؛ لكان‬
‫ص َل؛ َح َ‬
‫إذا َح َ‬
‫للمحنة واالبتالء ٌّ‬
‫محل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األمر‪ ،‬ولم يبق‬
‫يوم الفتح؛ انقضى ُ‬
‫لذلك وجه‪ ،‬ولكن إذا جاء ُ‬
‫ظرون}؛ أي‪:‬‬ ‫إيمان ضرور ٍة‪{ ،‬وال هم ُين َ‬
‫َ‬ ‫إيمانهم}‪َّ :‬‬
‫ألنه صار‬ ‫فال {ينفعُ الذين كفروا ُ‬
‫ُي ْمهَلون‪َّ ،‬‬
‫فيؤخ ُر عنهم العذاب‪ ،‬فيستدركون أمرهم‪.‬‬

‫الج ْهل‬
‫{‪{ }30‬فأعرض عنهم}‪ :‬لما وصل خطابهم لك وظلمهم إلى حالة َ‬
‫واستعجال العذاب‪{ .‬وانتظر}‪ :‬األمر الذي َي ِح ُّل بهم؛ َّ‬
‫فإنه ال َّ‬
‫بد منه‪ ،‬ولكن له أج ٌل إذا‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬لم يجزم»‪.‬‬


‫دوائر‬
‫َ‬ ‫ب المنون‪ ،‬ومتربِّصون بكم‬
‫منتظرون}‪ :‬بك َر ْي َ‬
‫َ‬ ‫يتأخر‪َّ ،‬‬
‫{إنهم‬ ‫جاء ال َّ‬
‫يتقدم وال َّ‬
‫السوء‪ ،‬والعاقبة للتقوى‪.‬‬
‫تم تفسير سورة السجدة بحول اللّه ِّ‬
‫ومنه‪ ".‬فله تعالى كمال الحمد والثناء‬
‫والمجد‪.‬‬
‫***‬
‫تفسير سورة األحزاب‬

‫[وهي] مدنية‬

‫ﭑﭒﭓ‬
‫ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫‪.‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ‬
‫بالنبوة واختصَّه بوحيه َّ‬
‫وفضله على‬ ‫{‪ 1‬ـ ‪ }2‬أي‪ :‬يا ُّأيها الذي َّ‬
‫من اللّهُ عليه َّ‬
‫سائر الخلق! اش ُك ْر نعمة ربِّك عليك باستعمال تَ ْقواه التي أنت أولى بها من غيرك‪،‬‬
‫ِ‬
‫ونواهَيه‪ ،‬وبلِّ ْغ رساالته‪ِّ ،‬‬
‫وأد‬ ‫فامتثل أوامره‬
‫ْ‬ ‫والذي يجب عليك منها أعظم من سواك؛‬
‫ك عن هذا المقصود ٌّ‬
‫صاد وال‬ ‫ص َّدَّن َ‬ ‫عباد ِه َو ْحَيهُ‪ ،‬واب ُذ ِل النصيحةَ َ‬
‫للخْلق‪ ،‬وال َي ُ‬
‫إلى ِ‬
‫كافر قد أظهر العداوة للّه ولرسوله(‪ ،)1‬وال منافق قد‬ ‫راد‪ ،‬فال تُ ِطع َّ‬
‫كل ٍ‬ ‫يردك عنه ٌّ‬ ‫ُّ‬
‫ضده؛ فهؤالء هم األعداء على الحقيقة؛ فال تُ ِط ْعهُم‬ ‫والكفر وأظهر َّ‬ ‫َ‬ ‫التكذيب‬
‫َ‬ ‫استبطن‬
‫َ‬
‫ضها‪ ،‬وال تتَّبِ ْع أهواءهم؛ يضلُّوك عن‬ ‫ِ‬
‫ض التقوى وتناق ُ‬ ‫في بعض األمور التي تنقُ ُ‬
‫وارج‬
‫ُ‬ ‫فإنه هو الهدى والرحمة‪،‬‬‫ِّك}‪َّ :‬‬
‫ك من رب َ‬ ‫الصواب‪{ .‬و} لكن {اتَّبِ ْع ما ُيوحى إلي َ‬
‫بذلك ثواب ربِّك؛ فإنه {بما تعملون خبيراً}‪ :‬يجازيكم بحسب ما َي ْعلَ ُمهُ منكم من الخير‬
‫والشر‪.‬‬
‫ِّ‬
‫فإن وقع في قلبِك َّأنك إن لم تُ ِط ْعهم في أهوائهم المضلَّة؛ حصل عليك‬
‫{‪ْ }3‬‬
‫واستعمل ما‬
‫ْ‬ ‫نقص في هداية الخلق؛ فادفَ ْع ذلك عن نفسك‪،‬‬
‫ضرر‪ ،‬أو حصل ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫منهم‬
‫تعتمد على ربِّك اعتماد م ْن ال ِ‬ ‫ويقاوم غيره‪ ،‬وهو ُّ‬
‫يقاو ُمه ِ ُ‬
‫ك‬
‫يمل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫التوكل على اللّه؛ بأن‬ ‫ِ‬
‫شرهم وفي إقامة‬‫ضرا وال نفعاً وال موتاً وال حياةً وال نشوراً في سالمتك من ِّ‬‫لنفسه ًّ‬
‫أمرت به‪ ،‬وثِ ْق باللّه في ُحصول ذلك األمر على ِّ‬
‫أي حال كان‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الدين الذي‬

‫أصلح للعبد‪ ،‬وذلك‬


‫ُ‬ ‫{وكفى باللّه وكيالً}‪ :‬تُوك ُل إليه األمور‪ ،‬فيقوم بها وبما هو‬
‫العبد‪ ،‬وقدرتِ ِه على إيصالها إليه من حيث ال‬
‫يعلم ُ‬ ‫ِِ‬
‫لعلمه بمصالح عبده من حيث ال ُ‬
‫ِِ‬
‫كل ٍ‬
‫أحد‪،‬‬ ‫وأرأف به من ِّ‬
‫ُ‬ ‫وأنه أرحم بعبده من نفسه ومن والديه‬ ‫العبد‪َّ ،‬‬
‫يقدر عليها ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ورسوله»‪.‬‬


‫ويدر عليهم بركاتِ ِه الظاهرةَ‬
‫ببره ُّ‬
‫خواص عبيده‪ ،‬الذين لم يزل يربِّيهم ِّ‬
‫َّ‬ ‫خصوصاً‬
‫ووع َده أن يقوم بها؛ فهناك ال تسأل‬
‫أم َرهُ بإلقاء أموره إليه‪َ ،‬‬
‫والباطنةَ‪ ،‬خصوصاً وقد َ‬
‫ٍ‬
‫وكروب تزول‪ ،‬وأحوال‬ ‫ٍ‬
‫وخطوب تهون‪،‬‬ ‫كل ٍ‬
‫أمر يتيسَّر‪ ،‬وصعب يتسهَّل (‪،)1‬‬ ‫عن ِّ‬
‫ٍ‬
‫وشرور تُرفع‪ .‬وهناك ترى العبد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وبركات تنزل‪ ،‬ونِقَم تُ ْدفَع‪،‬‬ ‫وحوائج تُقضى‪،‬‬
‫أمة من الناس‪ ،‬وقد سهَّل‬ ‫ٍ‬
‫بأمور ال تقوم بها َّ‬ ‫ض أمره لسيِّده قد قام‬
‫فو َ‬
‫الضعيف الذي َّ‬
‫َ‬
‫ب على فحول الرجال‪ .‬وباللّه المستعان‪.‬‬
‫يصع ُ‬
‫ُ‬ ‫اللّه عليه ما كان‬

‫ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ‬

‫عباده عن التكلُّم بما ال حقيقةَ له من األقوال‪ ،‬ولم يجعْله اللّه‬


‫ب تعالى َ‬ ‫ِ‬
‫{‪ }4‬يعات ُ‬
‫منكرات من الشرع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وزور يترتَّب عليه‬
‫ٌ‬ ‫كذب‬ ‫تعالى كما قالوا؛ َّ‬
‫فإن ذلك القول منكم ٌ‬
‫وهذه قاعدةٌ عامةٌ في التكلُّم في ِّ‬
‫كل شيء واإلخبار بوقوع ووجود ما لَ ْـم َي ْـج َعْله اللّه‬
‫خص هذه األشياء المذكورة لوقوعها وشدة الحاجة إلى بيانها‪ ،‬فقال‪{ :‬ما‬ ‫تعالى‪ ،‬ولكن َّ‬
‫فإياكم أن تقولوا عن ٍ‬
‫أحد‪َّ :‬‬
‫إن له‬ ‫َج َع َل اللّه لرجل ِمن َقْلَب ْي ِن في َج ْو ِف ِه}‪ :‬هذا ال يوجد؛ َّ‬
‫أزواجكم الالَّئي‬
‫َ‬ ‫قلبين في جوفه‪ ،‬فتكونوا كاذبين على الخلقة اإللهية‪{ ،‬وما جعل‬ ‫ِ‬
‫ـي كظهر أمي أو كأمي؛ فما‬ ‫منهن}‪ :‬بأن يقو َل أحدكم لزوجتِ ِه ِ‬
‫أنت عل َّ‬ ‫تظاهرون َّ‬ ‫ِ‬
‫النساء عليك حرمةً وتحريماً‪،‬‬‫ِ‬ ‫وصارت أعظم‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫{أمهاتِكم}‪ُّ :‬‬
‫أمك َم ْن َولَ َدتْ َ‬ ‫َّ‬
‫جعلهن اللّه َّ‬
‫أمر ال يجوز؛‬ ‫ُّ‬
‫وزوجتُك أحل النساء لك؛ فكيف تشبِّه أحد المتناقضين باآلخر؟! هذا ٌ‬
‫أمهاتِهم ْ‬ ‫ظاهرون منكم ِمن نسائِ ِهم ما َّ‬
‫إن أمهاتُهم إال‬ ‫هن َّ‬ ‫كما قال تعالى‪{ :‬الذين ي ِ‬
‫ُ‬
‫الالَّئي َولَ ْدَنـهُ ْم وإ َّنهم ليقولون ُمنكراً من القول وزوراً}‪.‬‬

‫يدعيه وهو‬ ‫أبناءكم}‪ :‬واألدعياء‪ :‬الولد الذي كان الرجل َّ‬ ‫ِ‬
‫ياءكم َ‬ ‫{وما َج َع َل ْأدع َ‬
‫تبنيه َّإياه؛ كما كان األمر في الجاهلية (‪ )2‬وأول اإلسالم‪،‬‬ ‫ليس له‪ ،‬أو ُيدعى إليه بسبب ِّ‬
‫وكذب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بيان قُبحه‪َّ ،‬‬
‫وأنه باط ٌل‬ ‫فقدم بين يدي ذلك َ‬ ‫فأراد اللّه تعالى أن ُي ْب ِطلَه ويزيلَه‪َّ ،‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬يسهل»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬بالجاهلية»‪.‬‬
‫وكذب ال يوجد في شرع اللّه وال يتَّصف به ُ‬
‫عباد اللّه‪ ،‬يقول تعالى‪ :‬فاللّه‬ ‫ٍ‬ ‫وكل ٍ‬
‫باطل‬
‫دعون إليكم أبناءكم؛ َّ‬
‫فإن أبناءكم في الحقيقة َم ْن‬ ‫األدعياء الذين تَ َّد َ‬
‫عونهم أو ُي َ‬ ‫َ‬ ‫لم يجعل‬
‫وأما هؤالء األدعياء من غيركم؛ فال جعل اللّه هذا كهذا‪،‬‬ ‫َولَ ْدتُموهم وكانوا منكم‪َّ ،‬‬
‫ابن فالن الذي َّ‬ ‫{ذلكم}‪ :‬القول الذي تقولون في َّ ِ‬
‫ادعاه‪ ،‬أو والده فالن‪،‬‬ ‫الدع ِّي‪َّ :‬إنه ُ‬
‫َّ‬
‫الحق}؛ أي‪ :‬اليقين‬ ‫ِ‬
‫بأفواهكم}؛ أي‪ :‬قو ٌل ال حقيقةَ له وال معنى له‪{ ،‬واللّهُ يقو ُل‬ ‫{قولُكم‬
‫حق‪ ،‬واألقوال‬ ‫وشرعهُ ٌّ‬
‫ُ‬ ‫وشرع ِه؛ فقولُه ٌّ‬
‫حق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والصدق؛ فلذلك أمركم باتِّباعه على قوله‬
‫واألفعال الباطلة ال تُنسب إليه بوجه من الوجوه‪ ،‬وليست من هدايته؛ ألنه ال يـهدي إالَّ‬
‫َْ‬
‫إلى السبيل المستقيمة والطرق الصادقة‪ ،‬وإ ْن كان ذلك واقعاً بمشيئتِ ِه؛ فمشيئته َّ‬
‫عامةٌ‬
‫وشر‪.‬‬
‫خير ٍّ‬ ‫ِّ‬
‫لكل ما وجد من ٍ‬

‫المتضمنة للقول الباطل‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫ِّ‬ ‫{‪ }5‬ثم صرح لهم بترك الحالة األولى‬
‫عوهم}؛ أي‪ :‬األدعياء {آلبائِ ِهم}‪ :‬الذين ولدوهم {هو أقسطُ عند اللّه}؛ أي‪ :‬أعد ُل‬
‫{اد ُ‬
‫ْ‬
‫آباءهم}‪ :‬الحقيقيين {فإخوانكم في الدين َو َموالي ُكم}؛ أي‪:‬‬
‫وأقوم وأهدى‪{ ،‬فإن لم تَعلَموا َ‬
‫َّ‬
‫اإليمانية الصادقة والمواالة‬ ‫فادعوهم باألخوة‬
‫إخوتكم في دين اللّه ومواليكم في ذلك؛ ْ‬
‫فإن‬
‫تبناهم َحتْ ٌم ال يجوز فعلها‪ ،‬وأما دعاؤهم آلبائهم؛ ْ‬‫على ذلك؛ فترك الدعوة إلى من َّ‬
‫صر على ما ُي ْعلَ ُم منهم‪ ،‬وهو أخوة الدين‬‫علموا؛ دعوا إليهم‪ ،‬وإ ن لم يعلموا؛ اقتُ ِ‬
‫عذر في دعوتهم إلى َمن َّ‬
‫تبناهم؛ ألن‬ ‫والمواالة؛ فال ُّ‬
‫تظنوا َّ‬
‫أن حالة عدم علمكم بآبائهم ٌ‬
‫المحذور ال يزول بذلك‪.‬‬

‫أحدكم دعوتُهُ إلى‬‫ق على لسان ِ‬


‫بأن َسَب َ‬
‫ناح فيما أخطأتُم به}‪ْ :‬‬
‫{وليس عليكم ُج ٌ‬
‫ٍ‬
‫مؤاخذ به‪ ،‬أو علم أبوه ظاهراً فدعوتُموه إليه‪ ،‬وهو في الباطن‬ ‫َم ْن َّ‬
‫تبناه؛ فهذا غير‬
‫{ولكن} ي ِ‬
‫ـؤاخ ُذ ُكم بما‬ ‫خطأ‪.‬‬ ‫كان‬ ‫إذا‬ ‫ج‬
‫ٌ‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ذلك‬ ‫في‬ ‫(‪)2‬‬
‫عليكم‬ ‫فليس‬ ‫؛‬ ‫(‪)1‬‬
‫غير أبيه‬
‫ْ‬ ‫ََ‬
‫يجوز‪{ .‬وكان اللّه غفوراً رحيماً}‪ :‬غفر لكم ورحمكم؛‬
‫قلوب ُكم من الكالم بما ال ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫تعم َد ْ‬
‫َّ‬
‫أحكامه‬ ‫ف‪ ،‬وسمح لكم بما أخطأتُم به‪ِ ،‬‬
‫ورح َـم ُكم؛ حيث بين لكم‬ ‫حيث لم ِ‬
‫يعاق ْبكم بما َسلَ َ‬
‫َ‬
‫ودنياكم؛ فله الحمد تعالى‪.‬‬ ‫صِل ُح َ‬
‫دينكم ُ‬ ‫التي تُ ْ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ليس أباه»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬فليس في عليكم»‪.‬‬
‫ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭼ‪.‬‬

‫يعرفون به حالة الرسول (ص) ومرتََبتَه‪،‬‬ ‫{‪ }6‬يخبر تعالى المؤمنين خبراً ِ‬
‫{النبي أولى بالمؤمنين من أنفُ ِسهم}‪ :‬أقرب ما‬
‫ُّ‬ ‫فيعاملونه يمقتضى تلك الحالة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ألنه عليه الصالة والسالم‬ ‫نفس ِه؛ َّ‬
‫لإلنسان وأولى ما له نفسه؛ فالرسو ُل أولى به من ِ‬
‫ُ‬
‫النصح والشفقة والرأفة ما كان به أرحم الخلق وأرأفهم؛ فرسو ُل اللّه‬ ‫َب َذ َل لهم من ُّ‬
‫ذر ٍة من الخير وال اندفَ َع‬ ‫كل ٍ‬
‫أحد؛ َّ‬
‫فإنه لم يصل إليهم مثقا ُل َّ‬ ‫أعظم الخلق ِمَّنةً عليهم من ِّ‬
‫ُ‬
‫الشر إالَّ على يديه وبسببه؛ فلذلك وجب عليهم إذا تعارض‬
‫(‪)1‬‬
‫ذر ٍة من ِّ‬ ‫عنهم مثقا ُل َّ‬
‫وأن ال‬ ‫أحد من الناس مع ِ‬ ‫مراد ٍ‬
‫أن يقدم مراد الرسول‪ْ ،‬‬ ‫مراد الرسول ْ‬ ‫مراد النفس أو ُ‬
‫ُ‬
‫يعارض قول الرسول بقول ٍ‬
‫وأن َي ْفدوه بأنفسهم وأموالهم وأوالدهم‪،‬‬
‫أحد كائناً ما كان‪ْ ،‬‬ ‫ِ َ‬
‫ق كلِّهم‪ ،‬وأالَّ يقولوا حتى يقو َل‪ ،‬وال َّ‬
‫يتقدموا بين يديه‪،‬‬ ‫محبته على محبة الخل ِ‬ ‫ِّ‬
‫ويقدموا َّ‬
‫الوالد‬
‫ُ‬ ‫يربـي‬ ‫ِ‬
‫بعض الصحابة يربِّيهم كما ِّ‬ ‫أب للمؤمنين؛ كما في قراءة‬
‫وهو (ص) ٌ‬
‫أن كان نساؤه أمهاتِ ِهم؛ أي‪ :‬في الحرمة واالحترام‬ ‫أوالده‪ ،‬فترتَّب على هذه َّ‬
‫األبوة ْ‬
‫وكأن هذا ِّ‬
‫مقدمة لما سيأتي في قصة زيد بن‬ ‫َّ‬
‫والمحرمية‪َّ ،‬‬ ‫واإلكرام‪ ،‬ال في الخلوة‬
‫محمد أبا ٍ‬
‫أحد من‬ ‫كان‬
‫ٌ‬ ‫حارثة‪ ،‬الذي كان ُي ْدعى قب ُل زيد بن محمد‪ ،‬حتى أنزل اللّه‪{ :‬ما َ‬
‫وانتسابه منه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رجالكم}‪ ،‬فقطع َن َسَبه‬
‫َ‬
‫ألحد عن ٍ‬
‫أحد‪،‬‬ ‫مزية ٍ‬ ‫أن المؤمنين كلَّهم ٌ‬
‫أوالد للرسول؛ فال َّ‬ ‫فأخبر في هذه اآلية َّ‬
‫يحزن‬ ‫ينقطع عنه؛ فال‬ ‫ـي لم‬
‫النسب اإليمان َّ‬ ‫انتساب الدعوة؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫وإ ن انقطع عن ِ‬
‫أحدهم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫يحللن‬
‫َ‬ ‫أمهات المؤمنين‪َّ :‬أن َّ‬
‫هن ال‬ ‫ُ‬ ‫أن زوجات الرسول‬ ‫يأسف‪ ،‬وترتَّب على َّ‬
‫ْ‬ ‫وال‬
‫بعد ِه أبدا‪.‬‬
‫يحل لكم أن تَْن ِكحوا أزواجه من ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ألحد من بعده؛ كما سيصرح (‪ )3‬بذلك‪ ،‬وال ُّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ببعض في كتاب‬ ‫بعضهم أولى‬
‫{وأولو األرحام}؛ أي‪ :‬األقارب قَ ُربوا أو بعدوا { ُ‬
‫بعضهم بعضاً؛ فهم أولى من الحلف‬
‫ويبر ُ‬
‫بعضهم بعضاً ُّ‬
‫فيرث ُ‬
‫ُ‬ ‫اللّه}؛ أي‪ :‬في حكمه‪،‬‬
‫واألدعياء الذين كانوا من قب ُل يرثون بهذه األسباب دون ذوي األرحام‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والنصرة‪،‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬عليه»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ال يحل»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬كما اهلل صرح»‪.‬‬
‫استمر‬
‫َّ‬ ‫ث بذلك‪ ،‬وجعله لألقارب لطفاً منه وحكمةً؛ َّ‬
‫فإن األمر لو‬ ‫التوار َ‬
‫ُ‬ ‫فقطع تعالى‬
‫ُّ‬
‫والتحيل لحرمان األقارب من الميراث‬ ‫والشر‬
‫ِّ‬ ‫على العادة السابقة؛ لحصل من الفساد‬
‫األقارب مؤمنين مهاجرين‬
‫ُ‬ ‫والمهاجرين}؛ أي‪ :‬سواء كان‬
‫َ‬ ‫المؤمنين‬
‫َ‬ ‫كثير‪{ ،‬من‬
‫شيء ٌ‬‫ٌ‬
‫حجة على‬ ‫فإن ذوي األرحام َّ‬
‫مقدمون في ذلك‪ .‬وهذه اآلية َّ‬ ‫غير مهاجرين؛ َّ‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫أو‬
‫والية ذوي األرحام في جميع الواليات؛ كوالية النكاح والمال وغير ذلك‪{ ،‬إالَّ أن‬
‫مفروض‪ ،‬وإ َّنما هو بإرادتِكم‪ْ ،‬‬
‫إن‬ ‫ٌ‬ ‫تَ ْف َعلوا إلى أوليائِ ُكم معروفاً}؛ أي‪ :‬ليس لهم ٌّ‬
‫حق‬
‫تبرعاً وتُعطوهم معروفاً منكم‪{ ،‬كان}‪ :‬ذلك الحكم المذكور‬ ‫(‪)2‬‬
‫تتبرعوا لهم ُّ‬‫شئتُم أن َّ‬
‫وقدره اللّه؛ فال َّ‬
‫بد من نفوذه‪.‬‬ ‫تب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب مسطوراً}؛ أي‪ :‬قد ُسط َر و ُك َ‬ ‫{في‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ 7‬ـ ‪ }8‬يخبر تعالى َّأنه أخذ من النبيِّين عموماً ومن أولي العزم ـ وهم هؤالء‬
‫َّ‬
‫المؤكد على القيام بدين‬ ‫وعهدهم الثقيل‬
‫َ‬ ‫ظ‬
‫الخمسة المذكورون خصوصاً ـ ميثاقَهم الغلي َ‬
‫ِّ‬
‫المتقدمون‪ ،‬حتى ُختموا‬ ‫األنبياء‬ ‫وأن هذا سبي ٌل قد مشى عليه‬ ‫ِ‬
‫والجهاد في سبيله‪َّ ،‬‬ ‫اللّه‬
‫ُ‬
‫بسيِّدهم وأفضلهم محمد (ص)‪ ،‬وأمر الناس باالقتداء بهم‪ ،‬وسيسأل اللّه األنبياء‬
‫ِ‬
‫جنات النعيم‪ ،‬أم كفروا‬ ‫وصدقوا فيثيبهم‬
‫َ‬ ‫وأتباعهم عن هذا العهد الغليظ؛ هل َوفوا فيه‬
‫عاهدوا اللّه عليه}‪.‬‬
‫ص َدقوا ما َ‬ ‫ِّ‬
‫المؤمنين رجا ٌل َ‬
‫َ‬ ‫فيعذبهم العذاب األليم؟ قال تعالى‪{ :‬من‬
‫ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﭼ‪.‬‬

‫عباده المؤمنين نعمته عليهم‪ ،‬ويحثُّهم على شكرها حين‬ ‫{‪ 9‬ـ ‪ِّ }11‬‬
‫يذكر تعالى َ‬
‫جنود أهل َّ‬
‫مكة والحجاز من فوقهم وأهل نجد من أسف َل منهم‪ ،‬وتعاقَدوا‬ ‫ُ‬ ‫جاءتهم‬
‫وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة‪ ،‬وذلك في وقعة الخندق‪ ،‬وماألتهم‬
‫وخندق‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة وأمم كثيرة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بجنود‬ ‫طوائف اليهود الذين حوالي المدينة‪ ،‬فجاؤوا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وبلغت القلوب‬ ‫َّ‬
‫واشتد األمر‪،‬‬ ‫رسو ُل اللّه (ص) على المدينة‪ ،‬فحصروا المدينة‪،‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬و»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬تبرعوا»‪.‬‬
‫الظن من كثير من الناس َّ‬
‫كل مبلغ لما رأوا من األسباب‬ ‫الحناجر‪ ،‬حتى بلغ ُّ‬
‫َ‬
‫الحصار على المدينة مدةً طويلة‪ ،‬واألمر كما‬
‫ُ‬ ‫المستحكمة والشدائد الشديدة‪ ،‬فلم يزل‬
‫ون باللّه الظُّنونا}؛‬ ‫ُّ‬
‫وتظن َ‬ ‫الحناجر‬
‫َ‬ ‫القلوب‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وبلغت‬ ‫األبصار‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫زاغت‬ ‫وصف اللّه‪{ :‬وإ ْذ‬
‫يتم كلمته‪{ ،‬هنالك ْابتُلي المؤمنون}ـ‪:‬‬
‫دينه وال ُّ‬
‫أن اللّه ال ينصر َ‬ ‫أي‪ :‬الظنون السيئة َّ‬
‫{وزْل ِزلواـ زلزاالً شديداً}‪ :‬بالخوف والقلق والجوع؛ ليتبيـَّن إيمانهم‬
‫بهذه الفتنة العظيمة‪ُ ،‬‬
‫ويزيد إيقانهم‪ ،‬فظهر وللّه الحمد من إيمانهم وشدة يقينهم ما فاقوا فيه األولين‬
‫{فلما‬
‫إيمانهم عين اليقين‪َّ ،‬‬
‫الشدائد؛ صار ُ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وتفاقمت‬ ‫الكرب‬ ‫واآلخرين‪ .‬وعندما َّ‬
‫اشتد‬
‫ُ‬
‫األحزاب قالوا هذا ما َو َع َدنا اللّهُ ورسولُه وصدق اهلل ورسوله وما‬
‫َ‬ ‫المؤمنون‬
‫َ‬ ‫رأى‬
‫زاد ُهم إالَّ إيماناً وتسليماً}‪.‬‬
‫َ‬
‫وهنالك َّ‬
‫تبيـن نفاق المنافقين‪ ،‬وظهر ما كانوا يضمرون؛ قال تعالى‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ‬
‫يثبت إيمانه‪ ،‬وينظُر بعقله‬ ‫{‪ }12‬وهذه عادة المنافق عند َّ‬
‫الشدة والمحنة؛ ال ُ‬
‫ظنه‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ويصدق َّ‬ ‫القاصر إلى الحالة الحاضرة (‪،)1‬‬
‫ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬ ‫ﯸ‬
‫ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭵ‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫(‪)2‬‬
‫ﮩ ﮪ ﭼ‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬القاصرة»‪.‬‬


‫‪ - 2‬اآليات ما بين المعقوفتين إلى ‪ 27‬ال توجد في النسختين‪.‬‬
‫صبرهم صاروا‬ ‫َّ‬
‫{‪{ }13‬وإ ذ قالت طائفةٌ}‪ :‬من المنافقين بعد ما جزعوا وقل ُ‬
‫شرهم‪ ،‬فقالت هذه‬ ‫ِّ‬
‫المخذلين؛ فال صبروا بأنفسهم‪ ،‬وال تركوا الناس من ِّ‬ ‫أيضاً من‬
‫أهل َيثْ ِر َ‬
‫(‪)1‬‬
‫وهم باسم الوطن المنبىء‬
‫فناد ْ‬
‫ب}‪ :‬يريدون‪ :‬يا أهل المدينة! َ‬ ‫الطائفة‪{ :‬يا َ‬
‫قدر؛ َّ‬
‫وأن‬ ‫َّ‬
‫اإليمانية ليس له في قلوبهم ٌ‬ ‫عن التسمية فيه؛ إشارةً إلى َّ‬
‫أن الدين واألخوة‬
‫يثرب ال ُمقام لكم}؛ أي‪ :‬في‬
‫َ‬ ‫مجرد الخور الطبيعي‪{ .‬يا أه َل‬
‫ُ‬ ‫الذي حملهم على ذلك‬
‫موضعكم الذي خرجتُم إليه خارج المدينة‪ ،‬وكانوا عسكروا دون الخندق وخارج‬
‫وتبيـن َّأنهم ال قوة لهم‬ ‫ِ‬
‫المدينة‪ .‬فهذه الطائفةُ تُ َخ ِّذ ُل عن الجهاد ِّ‬ ‫ِ‬
‫{فارجعوا}‪ :‬إلى‬ ‫المدينة‪،‬‬
‫وأضرها‪ ،‬وطائفةٌ‬
‫ُّ‬ ‫أشر الطوائف‬
‫عدوهم ويأمرونهم بترك القتال؛ فهذه الطائفةُ ُّ‬
‫بقتال ِّ‬
‫الجبن والجزع‪ُّ ،‬‬
‫وأحبوا أن ينخزلوا عن الصفوف‪ ،‬فجعلوا‬ ‫ُ‬ ‫أخرى دونهم‪ ،‬أصابهم‬
‫النبي‬
‫فريق منهم َّ‬
‫ٌ‬ ‫{ويستأذن‬
‫ُ‬ ‫يعتذرون باألعذار الباطلة‪ ،‬وهم الذين قال اللّه فيهم‪:‬‬
‫األعداء‬
‫ُ‬ ‫ونخاف عليها أن َي ْـه ُج َم عليها‬
‫ُ‬ ‫إن بيوتَنا عورةٌ}؛ أي‪ :‬عليها الخطر‬‫يقولون َّ‬
‫َ‬
‫غيب عنها؛ فأذن لنا؛ نرجع إليها فنحرسها‪ ،‬وهم كذبةٌ في ذلك‪{ ،‬وما هي بعور ٍة‬‫ونحن ٌ‬
‫قصدهم {إالَّ فراراً}‪ :‬ولكن جعلوا هذا الكالم وسيلةً وعذراً لهم؛‬
‫إن يريدون}؛ أي‪ :‬ما ُ‬
‫ِ‬
‫المحن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اشتداد‬ ‫ثبوت عند‬
‫ٌ‬ ‫إيمانهم‪ ،‬وليس له‬
‫قل ُ‬ ‫فهؤالء َّ‬

‫ِ‬
‫أقطارها}؛ أي‪ :‬لو دخل الكفار إليها‬ ‫{‪{ }14‬ولو ُدخلت عليهم}‪ :‬المدينةُ {من‬
‫من نواحيها واستولوا عليها؛ ال كان ذلك‪ ،‬ثم ُسئِ َل هؤالء {الفتنة}؛ أي‪ :‬االنقالب عن‬
‫دينهم والرجوع إلى دين المستولين المتغلبين‪{ ،‬ألتَ ْوها}؛ أي‪ :‬ألعطوها مبادرين‪{ ،‬وما‬
‫تَلََّبثوا بها إالَّ يسيراً}؛ أي‪ :‬ليس لهم منعة وال تصلُّب على الدين‪ ،‬بل َّ‬
‫بمجرد ما تكون‬
‫الدولة لألعداء؛ يعطونهم ما طلبوا‪ ،‬ويوافقونهم على كفرهم‪.‬‬

‫وكان‬ ‫ُّ‬
‫األدبار َ‬
‫َ‬ ‫ون‬
‫{‪ }15‬هذه حالهم‪ ،‬والحال أنهم قد {عاهدوا اللّه من قب ُل ال يول َ‬
‫عهد اللّه مسؤوالً}‪ :‬سيسألُهم عن ذلك العهد‪ ،‬في ِج ُدهم قد َنقَضوه؛ فما ُّ‬
‫ظنهم إذاً بربِّهم؟!‬ ‫ُ‬

‫{‪{ }16‬قل}‪ :‬لهم الئماً على فرارهم ومخبراً َّأنهم ال ُ‬


‫يفيدهم ذلك شيئاً‪{ :‬لن‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لبرز الذين ُكت َ‬
‫الموت أو القتل}‪ :‬فلو كنتُم في بيوتكم؛ َ‬ ‫الفرار إن فَ َر ْرتُم من‬
‫ُ‬ ‫َي ْنفَ َع ُكم‬
‫ضها القضاء والقدر؛ فإذا جاء‬ ‫واألسباب تنفع إذا لم ِ‬
‫يعار ْ‬ ‫ُ‬ ‫عليهم القت ُل إلى مضاجعهم‪،‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬المبني فيه»‪.‬‬


‫كل سبب‪ ،‬وبطلت (‪ )1‬كل وسيلة ظنها اإلنسان تنجيه‪{ ،‬وإ ذاً}‪:‬‬ ‫القضاء والقدر؛ تالشى ُّ‬
‫فإنكم {ال تُـمتَّعون إالَّ‬
‫حين فررتُم؛ لتسلموا من الموت والقتل‪ ،‬لتنعموا في الدنيا؛ َّ‬
‫َ‬
‫األبدي‬
‫َّ‬ ‫قليالً}‪ :‬متاعاً ال يسوى فراركم وترككم أمر اللّه وتفويتُكم على ِ‬
‫أنفسكم التمتُّع‬
‫السرمدي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫في النعيم‬

‫أن األسباب كلَّها ال تغني عن العبد شيئاً إذا أراده اللّه بسو ٍء‪،‬‬ ‫{‪ }17‬ثم َّبين َّ‬
‫يمن ُعكم من {اللّ ِه ْ‬
‫إن أراد بكم سوءاً}؛ أي‪:‬‬ ‫فقال‪{ :‬قل من ذا الذي ِ‬
‫يعص ُمكم}؛ أي‪َ :‬‬
‫فإنه هو المعطي المانع‪ ،‬الضار النافع‪ ،‬الذي ال يأتي‬ ‫شرا‪{ ،‬أو أراد بكم رحمةً}‪َّ :‬‬ ‫ًّ‬
‫وليا}‪ :‬يتوالَّهم‬‫يجدون لهم من دون اللّه ًّ‬
‫َ‬ ‫بالخير إالَّ هو‪ ،‬وال يدفعُ السوء إالَّ هو‪{ ،‬وال‬
‫المضار؛ فْليمتثلوا طاعة‬
‫َّ‬ ‫فيجلب لهم المنافع (‪{ )2‬وال نصيراً}‪ :‬ينصرهم (‪ )3‬فيدفعُ عنهم‬
‫ينفع مع ترك واليتِ ِه‬
‫قدره ولم ْ‬
‫ِّ‬
‫المنفرد باألمور كلها‪ ،‬الذي نفذت مشيئتُه ومضى ُ‬
‫ناصر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ونصرتِ ِه ول ٌّ‬
‫ـي وال‬

‫قين‬ ‫المعوقين َّ‬ ‫ِّ‬


‫المعو َ‬
‫يعلم اللّه ِّ‬‫وتهددهم فقال‪{ :‬قد ُ‬ ‫المخذلين ِّ‬ ‫{‪ }18‬ثم توعد تعالى‬
‫{هلُ َّم‬
‫منكم}‪ :‬عن الخروج لمن لم يخرجوا‪{ ،‬والقائلين إلخوانهم}‪ :‬الذين خرجوا‪َ :‬‬
‫فار ِجعوا}‪ ،‬وهم مع‬
‫قام لكم ْ‬ ‫يثرب ال ُم َ‬
‫َ‬ ‫تقدم من قولهم‪{ :‬يا أهل‬ ‫إلينا}؛ أي‪ِ :‬‬
‫ارجعوا كما َّ‬
‫البأس}‪ :‬القتال والجهاد بأنفسهم‪{ ،‬إالَّ قليالً}‪ :‬فهم ُّ‬
‫أشد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعويقهم وتخذيلهم {ال يأتون َ‬
‫الناس حرصاً على التخلُّف لعدم الداعي لذلك من اإليمان والصبر‪[ ،‬ووجود]‬
‫المقتضي للجبن من النفاق وعدم اإليمان‪.‬‬
‫{‪ِ { }19‬‬
‫أش َّحة عليكم}‪ :‬بأبدانهم عند (‪ )4‬القتال‪ ،‬وأموالهم عند النفقة فيه؛ فال‬
‫الم ْغ ِش ِّي‬
‫الخوف رأيتَهم ينظُرون إليك}‪ :‬نظر َ‬
‫ُ‬ ‫يجاهدون بأموالهم وأنفسهم‪{ ،‬فإذا جاء‬
‫ق الذي أذهلهم وخوفاً من‬ ‫قلوبهم والقل ِ‬
‫شدة الجبن الذي خلع َ‬ ‫{عليه من الموت}‪ :‬من َّ‬
‫الخوف}‪ :‬وصاروا في حال األمن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫إجبارهم على ما يكرهون من القتال‪{ ،‬فإذا ذهب‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وبطل»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬النفع»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬أي ينصرهم»‪.‬‬
‫‪ - 4‬في (ب)‪« :‬عن»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ودعاو‬ ‫حداد}؛ أي‪ :‬خاطبوكم وتكلَّموا معكم بكالم ٍ‬
‫حديد‬ ‫بألسنة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫{سلَقوكم‬
‫والطمأنينة؛ َ‬
‫{أشحة على ِ‬
‫الخير}‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫تسمعهم ُّ‬
‫تظنهم أه َل الشجاعة واإلقدام‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫غير صحيحة‪ ،‬وحين‬
‫ُمر به‪ ،‬شحيحاً بماله‬ ‫شر ما في اإلنسان‪ :‬أن يكون شحيحاً بما أ ِ‬ ‫الذي ُيراد منهم‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ينفقَه في وجهه‪ ،‬شحيحاً في بدنِ ِه أن ِ‬
‫يجاه َد أعداء اللّه أو يدعو إلى سبيل اللّه‪،‬‬ ‫أن ِ‬
‫شحيحاً بجاهه‪ ،‬شحيحاً بعلمه ونصيحته ورأيه‪{ .‬أولئك}‪ :‬الذين بتلك الحالة {لم‬
‫ُي ْؤ ِمنوا}‪ :‬بسبب عدم إيمانهم؛ أحبط اهلل أعمالهم‪{ .‬وكان ذلك على اللّه يسيراً}‪ :‬وأما‬
‫ُمروا به من بذل أبدانهم في‬‫شح أنفسهم‪ ،‬ووفَّقهم لبذل ما أ ِ‬
‫وقاهم اللّهُ َّ‬
‫المؤمنون؛ فقد ُ‬
‫القتال في سبيله وإ عالء كلمتِ ِه‪ ،‬وأموالهم للنفقة في طرق الخير‪ ،‬وجاههم وعلمهم‪.‬‬

‫أن هؤالء األحزاب الذين‬ ‫األحزاب لم يذهبوا}؛ أي‪ُّ :‬‬


‫يظنون َّ‬ ‫َ‬ ‫{‪{ }20‬يحسبون‬
‫ِ‬
‫يستأصلوهم‪ ،‬فخاب‬ ‫تحزبوا على حرب رسول اللّه (ص) وأصحابِ ِه لم َي ْذ َهبوا حتى‬
‫َّ‬
‫األحزاب}‪ :‬مرةً أخرى‪ُّ ،‬‬
‫{يودوا لو َّأنهم بادون في‬ ‫ظنهم‪ ،‬وبطل حسبانهم‪{ .‬وإ ن ِ‬
‫يأت‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬
‫األحزاب مرة ثانية مثل هذه المرة؛ َّ‬
‫ود‬ ‫ُ‬ ‫يسألون عن أنبائِ ُكم}؛ أي‪ :‬لو أتى‬
‫َ‬ ‫األعراب‬
‫ِ‬
‫األعراب في‬ ‫ِ‬
‫القرب منها‪ ،‬وأنهم مع‬ ‫هؤالء المنافقون أنهم ليسوا في المدينة‪ ،‬وال في‬
‫ص َل عليكم؛ ًّ‬
‫فتبا لهم‬ ‫البادية‪ ،‬يستخبرون عن أخباركم‪ ،‬ويسألون عن أنبائكم ماذا َح َ‬
‫وبعداً؛ فليسوا ممن ُيغالى (‪ )1‬بحضورهم‪ ،‬فلو {كانوا فيكم ما قاتلوا إالَّ قليال}‪ :‬فال‬
‫تأس ْوا عليهم‪.‬‬
‫تبالوهم‪ ،‬وال َ‬
‫الهيجاء بنفسه‬
‫َ‬ ‫ض َر‬
‫{‪{ }21‬لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ}‪ :‬حيث َح َ‬
‫الباس ُل‪ ،‬فكيف‬ ‫(‪)2‬‬
‫الشريف الكام ُل والبطل‬
‫ُ‬ ‫موقف الحرب وهو‬
‫َ‬ ‫وباشر‬
‫َ‬ ‫الكريمة‪،‬‬
‫رسو ُل اللّه (ص) بنفسه فيه‪ ،‬فتأس َّْوا به في هذا األمر‬ ‫(‪)3‬‬
‫جاد‬ ‫تشحون بأنفسكم عن ٍ‬
‫أمر َ‬ ‫ُّ‬
‫وغيره‪.‬‬
‫ُّ‬
‫األصوليونـ في هذه اآلية على االحتجاج بأفعال الرسول (ص)‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫َّ‬
‫واستدل‬
‫الشرعي على االختصاص به؛‬
‫ُّ‬ ‫أمتَه أسوتُه في األحكام؛ إالَّ ما َّ‬
‫دل الدليل‬ ‫األصل َّ‬
‫أن َّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬يبالي»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬الكامل البطل»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬جاء»‪.‬‬
‫فاألسوةُ نوعان‪ :‬أسوةٌ حسنةٌ وأسوةٌ سيئةٌ‪ ،‬فاألسوةُ الحسنةُ في الرسول (ص)؛ َّ‬
‫فإن‬
‫وأما‬
‫ك الطريق الموصل إلى كرامة اللّه‪ ،‬وهو الصراط المستقيم‪َّ ،‬‬ ‫المتأسِّي به سال ٌ‬
‫حين دعتهم الرسل‬ ‫(‪)1‬‬
‫األسوة بغيره إذا خالَفَه؛ فهو األسوة السيئة؛ كقول المشركين‬
‫مهتدون}‪ :‬وهذه األسوةُ‬
‫َ‬ ‫أم ٍة وإ َّنا على ِ‬
‫آثار ِهم‬ ‫للتأسِّي بهم‪َّ :‬‬
‫{إنا َو َج ْدنا آباءنا على َّ‬
‫ق لها َم ْن كان يرجو اللّه واليوم اآلخر؛ َّ‬ ‫الحسنةُ َّإنما يسلُ ُكها ويوفَّ ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫فإن ذلك ما معه‬
‫وخوف عقابِ ِه يحثُّه على التأسِّي بالرسول‬
‫ِ‬ ‫وخوف اللّه ورجاء ثوابِ ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليمان‬ ‫من‬
‫(ص)‪.‬‬
‫ِ‬
‫الخوف؛ ذكر حا َل المؤمنين فقال‪{ :‬ول َّـما‬ ‫{‪ }22‬لما ذكر حالة المنافقين عند‬
‫الخوف‪{ ،‬قالوا هذا‬
‫ُ‬ ‫منازلَهم وانتهى‬ ‫األحزاب}‪ :‬الذين َّ‬
‫تحزبوا ونزلوا ِ‬ ‫َ‬ ‫رأى المؤمنون‬
‫الجنةَ ولما يأتِ ُكم َمثَ ُل الذين‬
‫تدخلوا َّ‬
‫ما َو َع َدنا اللّهُ ورسولُه}‪ :‬في قوله‪{ :‬أم حسبتُم أن ُ‬
‫يقول الرسول والذين آمنوا معه‬ ‫راء وزلزلوا حتى َ‬ ‫َّ‬ ‫َخلَوا من ِ‬
‫والض ُ‬ ‫البأساء‬
‫ُ‬ ‫قبلكم مسَّتْهم‬ ‫ْ‬
‫َخَب َرنا‬
‫ق اللّهُ ورسولُه}‪ :‬فإنا رأينا ما أ َ‬
‫{وص َد َ‬
‫َ‬ ‫قريب}‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫نصر اللّه أال َّ‬
‫إن نصر اللّه‬ ‫متى ُ‬
‫زاد ُهم}‪ :‬ذلك األمر {إالَّ إيماناً}‪ :‬في قلوبهم‪{ ،‬وتسليماً}‪ :‬في جوارحهم‪،‬‬‫به‪{ ،‬وما َ‬
‫وانقياداً ألمر اللّه‪.‬‬

‫أن المنافقين عاهدوا اللّه ال يولُّون األدبار ونقضوا ذلك العهد؛‬


‫{‪ }23‬ولما ذكر َّ‬
‫عاهدوا اللّه عليه}؛ أي‪:‬‬
‫ص َدقوا ما َ‬
‫المؤمنين رجا ٌل َ‬
‫َ‬ ‫ذكر وفاء المؤمنين به‪ ،‬فقال‪{ :‬من‬
‫وأتموه وأكملوه‪ ،‬فبذلوا ُمهَ َجهُم في مرضاتِ ِه‪َّ ،‬‬
‫وسبلوا نفوسهم في طاعته‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫َوفَّ ْوا به‬
‫ومطلوبه وما عليه من ِّ‬
‫الحق‪ ،‬فقُتل في سبيل اللّه‬ ‫َ‬ ‫نحبهُ}؛ أي‪ :‬إرادته‬ ‫{فمنهم من قضى َ‬
‫أو مات مؤدياً لحقِّه لم ينقصه شيئاً‪{ ،‬ومنهم من ِ‬
‫ينتظ ُر}‪ :‬تكميل ما عليه؛ فهو شارعٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ساع في ذلك ٌّ‬
‫مجد‪،‬‬ ‫في قضاء ما عليه ووفاء نحبِ ِه ولما ُي ْك ِمْله‪ ،‬وهو في رجاء تكميله ٍ‬
‫غيرهم‪ ،‬بل لم يزالوا على العهد‪ ،‬ال يلوون وال يتغيرون؛‬ ‫بدل ُ‬ ‫{وما َب َّدلوا تبديالً}‪ :‬كما َّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪ :‬الكفار‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬فإن ما معه»‪.‬‬
‫الصفات؛‬
‫ُ‬ ‫صور رجال وأما‬
‫ُ‬ ‫ورهم‬
‫فص ُ‬
‫عداهم ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫فهؤالء الرجال على الحقيقة‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬
‫صفات الرجال‪.‬‬ ‫ت عن‬ ‫ص َر ْ‬
‫فقد قَ ُ‬
‫بص ْد ِقهم}؛ أي‪ :‬بسبب صدقهم في أقوالهم‬
‫{‪{ِ }24‬لي ْج ِزي اللّه الصادقين ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وأحوالهم ومعاملتهم مع اللّه واستواء ظاه ِرهم وباطنهم‪ ،‬قال اللّه تعالى‪{ :‬هذا ُ‬
‫يوم‬
‫األنهار خالدين فيها أبداً‪ }...‬اآلية؛‬
‫ُ‬ ‫جنات تجري من تحتها‬
‫ٌ‬ ‫الصادقين صدقُهم لهم‬
‫َ‬ ‫َينفَعُ‬
‫قدرنا ما َّ‬
‫قدرنا من هذه الفتن والمحن والزالزل ليتبيـَّن الصادق من الكاذب‪،‬‬ ‫أي‪َّ :‬‬
‫ِّ‬
‫قلوبهم وأعمالُهم عند‬
‫رت ُ‬ ‫ب المنافقين}‪ :‬الذين َّ‬
‫تغي ْ‬ ‫{ويعذ َ‬ ‫َفي ِج ْز َ‬
‫ي الصادقين بصدقهم‪،‬‬
‫بأن لم يشأ هدايتهم‪،‬‬
‫تعذيبهم؛ ْ‬ ‫َ‬ ‫شاء}‪:‬‬
‫حلول الفتن‪ ،‬ولم َيفوا بما عاهدوا اللّه عليه‪{ ،‬إن َ‬
‫بأن يوفِّقَهم للتوبة واإلنابة‪،‬‬
‫يتوب عليهم}‪ْ :‬‬
‫َ‬ ‫بل علم َّأنهم ال خير فيهم‪ ،‬فلم يوفِّ ْقهم‪{ ،‬أو‬
‫وهذا هو الغالب على كرم الكريم‪ ،‬ولهذا ختم اآلية باسمين دالَّْي ِن على المغفرة‬
‫والفضل واإلحسان‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫{إن اللّه كان غفوراً رحيماً}؛ غفوراً لذنوب المسرفين على‬
‫أنفسهم‪ ،‬ولو أكثروا من العصيان‪ ،‬إذا أتَ ْوا بالمتاب‪{ .‬رحيماً}‪ :‬بهم؛ حيث وفَّقَهم‬
‫اجتَرحوه‪.‬‬ ‫للتوبة‪ ،‬ثم قَبِلها منهم‪ ،‬وستر عليهم ما ْ‬
‫ردهم خائبين‪ ،‬لم‬ ‫{ورد اللّه الذين كفروا ِ‬
‫بغيظ ِهم لم ينالوا خيراً}؛ أي‪َّ :‬‬ ‫َّ‬ ‫{‪}25‬‬
‫بأن‬ ‫ـصل لهم األمر الذي كانوا حريصين عليه‪ ،‬مغتاظين‪ ،‬قادرين عليه‪ِ ،‬‬
‫جازمين َّ‬ ‫يـح ُ‬
‫ِ‬
‫وعددهم‪ ،‬فأرسل‬ ‫وفرحوا ِ‬
‫بعددهم‬ ‫ُعجبوا ُّ‬
‫بتحزبهم ِ‬ ‫غرتهم جموعهم وأ ْ‬
‫لهم الدائرة‪ ،‬قد َّ‬
‫وقوضت‬
‫مراكزهم‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ريح الصَّبا‪ ،‬فزعزعت‬ ‫(‪)1‬‬
‫اللّه عليهم ريحاً عظيمةً‪ ،‬وهي‬
‫قدورهم‪ ،‬وأزعجتهم‪ ،‬وضربهم اللّه بالرعب‪ ،‬فانصرفوا بغيظهم‪،‬‬
‫خيامهم‪ ،‬وكفأت َ‬
‫صَن َع لهم من‬
‫المؤمنين القتال}‪ :‬بما َ‬
‫َ‬ ‫وهذا من نصر اللّه لعباده المؤمنين‪{ .‬وكفى اللّهُ‬
‫أحد إالَّ ُغِلب‪ ،‬وال‬ ‫قويا عزيزاً}‪ :‬ال ِ‬
‫يغالُبه ٌ‬ ‫والقدرية‪{ .‬وكان اللّه ًّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫العادية‬ ‫األسباب‬
‫َّ‬
‫والعزة قوتُهم‬ ‫القوة‬
‫أمر أراده‪ ،‬وال ينفع أهل َّ‬ ‫أحد إال َغلَب‪ ،‬وال ِ‬
‫يعج ُزه ٌ‬ ‫يستنصره ٌ‬
‫وعزته‪.‬‬ ‫وعزتُهم إن لم ُي ِع ْنهُم َّ‬
‫بقوته َّ‬ ‫َّ‬

‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬وما»‪.‬‬


‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وهو»‪.‬‬
‫ظاهروهم}؛ أي‪ :‬عاونوهم {من أهل الكتاب}؛ أي‪ :‬من‬
‫{وأنزل الذين َ‬
‫َ‬ ‫{‪}26‬‬
‫ِ‬
‫صياصيهم}؛ أي‪ :‬أنزلهم من حصونهم نزوالً مظفوراً بهم مجعولين تحت‬ ‫اليهود {من‬
‫الرعب}‪ :‬فلم يقووا على القتال‪ ،‬بل استسلموا‬
‫َ‬ ‫ف في قلوبِ ِه ُم‬
‫{وقَ َذ َ‬
‫حكم اإلسالم‪َ ،‬‬
‫{وتأسرون فريقاً}‪ :‬من‬
‫َ‬ ‫وخضعوا وذلُّوا‪{ .‬فريقاً تقتلون}‪ :‬وهم الرجال المقاتلون‪،‬‬
‫عداهم من النساء والصبيان‪.‬‬

‫وديارهم وأموالَهم وأرضاً لم‬


‫َ‬ ‫{أرضهم‬
‫َ‬ ‫{وأورثَكم}ـ؛ أي‪ :‬غنمكم‬
‫َ‬ ‫{‪}27‬‬
‫وعزتِها عند أهلها ال َّ‬
‫تتمكنون من‬ ‫تطؤوها}؛ أي‪ :‬أرضاً كانت من قب ُل من شر ِفها َّ‬
‫وخ َذلَهم‪ِ َ ،‬‬ ‫وطئها‪َّ ،‬‬
‫وأسرتُموهم‪{ ،‬وكان اللّهُ‬
‫وغن ْمتُم أموالهم‪ ،‬وقتلتموهم‪ْ ،‬‬ ‫فمكنكم اللّه‪َ ،‬‬
‫قدر‪.‬‬ ‫يعج ُزه شيء‪ ،‬ومن قدرتِ ِه َّ‬
‫قدر لكم ما َّ‬ ‫كل ٍ‬
‫شيء قديراً}‪ :‬ال ِ‬ ‫على ِّ‬
‫وكانت هذه الطائفة من أهل الكتاب هم بنو قريظةَ من اليهود في ٍ‬
‫قرية خارج‬
‫وهادَنهم فلم‬
‫واد َعهم َ‬
‫المدينة غير بعيد‪ ،‬وكان النبي (ص) حين هاجر إلى المدينة َ‬
‫يقاتلهم ولم يقاتِلوه‪ ،‬وهم باقون على دينهم‪ ،‬لم يغيِّر عليهم شيئاً‪ ،‬فلما رأوا يوم الخندق‬
‫تحزبوا على رسول اللّه و َكثْرتَهم وقلَّةَ المسلمين‪ُّ ،‬‬
‫وظنوا أنهم‬ ‫األحزاب الذين َّ‬
‫سيستأصلون الرسول والمؤمنين‪ ،‬وساعد على ذلك تدجي ُل بعض رؤسائهم عليهم‪،‬‬
‫العهد الذي بينهم وبين رسول اللّه (ص)‪ ،‬ومالؤوا المشركين على قتاله‪ ،‬فلما‬
‫َ‬ ‫فنقضوا‬
‫تفرغ رسول اهلل (ص) لقتالهم‪ ،‬فحاصرهم في حصنهم‪ ،‬فنزلوا‬ ‫َخ َذ َل اللّه المشركين؛ َّ‬
‫على حكم سعد بن معاذ رضي اهلل عنه‪ ،‬فحكم فيهم أن تُ ْقتَ َل مقاتِلَتُهُم‪ ،‬وتُسبى ذراريهم‬
‫المنة‪ ،‬وأسبغ عليهم النعمة‪ ،‬وأقر أعينهم‬ ‫فأتم اللّه لرسوله والمؤمنين َّ‬
‫وتُغنم أموالهم‪َّ ،‬‬
‫لطف اللّه‬
‫انخذل من أعدائهم‪ ،‬وقتل َمن قَتَلوا‪ ،‬وأسر من أسروا‪ ،‬ولم يزل ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بخذالن من‬
‫مستمرا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫بعباد ِه المؤمنين‬
‫ِ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫نساء رسول اللّه (ص) عليه في الغيرة‪ ،‬وطلبن منه النفقة‬ ‫{‪ }28‬لما اجتمع ُ‬
‫طلبهن متَّفقات وفي‬
‫َّ‬ ‫طلبن منه أمراً ال يقدر عليه في ِّ‬
‫كل وقت‪ ،‬ولم َي َزْل َن في‬ ‫والكسوة؛ َ‬
‫فشق ذلك على الرسول‪ ،‬حتى وصلت به الحا ُل إلى أنه آلى‬ ‫متعنتات‪َّ ،‬‬ ‫مرادهن ِّ‬
‫َّ‬ ‫(‪)1‬‬

‫األمر على رسوِل ِه‪ ،‬وأن يرفع درجةَ زوجاتِ ِه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫منهن شهراً‪ ،‬فأراد اللّه أن يسهِّ َل َ‬
‫ِّرهن (‪ ،)2‬فقال‪{ :‬يا ُّأيها‬
‫أجرهن فأمر رسولَه أن يخي َّ‬
‫َّ‬ ‫كل أمر ينقص‬ ‫عنهن َّ‬
‫َّ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫وي ْذه َ‬
‫ُ‬
‫مطلب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫تردن الحياةَ ُّ‬
‫الدنيا}؛ أي‪ :‬ليس لَ ُك َّن في غيرها‬ ‫ألزواجك إن َّ‬
‫كنتن َ‬ ‫ِ‬ ‫قل‬
‫النبي ْ‬
‫ُّ‬
‫َّ‬
‫وأنتن بهذه‬ ‫أرب وحاجةٌ‬
‫فيكن ٌ‬ ‫وتغضبن ِلفَ ْق ِدها؛ فليس لي َّ‬
‫َ‬ ‫ترضين لوجودها‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وصرتن‬
‫{وأسر ْح ُك َّن}؛ أي‪ :‬أفارقكن‬
‫ِّ‬ ‫الحال‪{ ،‬فتعالَْين أمتِّ ْع ُك َّن}‪ :‬شيئاً مما عندي من الدنيا‪،‬‬
‫صدر وانشراح بال‪ ،‬قبل أن‬‫مشاتمة‪ ،‬بل بسعة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مغاضبة وال‬ ‫{سراحاً جميالً}‪ :‬من دون‬
‫تبلغ الحا ُل إلى ما ال ينبغي‪.‬‬
‫َ‬
‫والدار اآلخرة}؛ أي‪ :‬هذه األشياء‬
‫َ‬ ‫{‪{ }29‬وإ ن ُكنتُ َّن تُِر ْد َن اللّه ورسولَه‬
‫تبالين بسعة الدنيا‬
‫َ‬ ‫مراد ُك َّن وغايةُ مقصو ِد ُك َّن‪ ،‬وإ ذا حصل لَ ُك َّن اللّه ورسوله والجنة؛ لم‬
‫ُ‬
‫تطلبن منه ما ُّ‬
‫يشق‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وقنعتن من رسول اللّه بما تيسَّر‪ ،‬ولم‬ ‫وعسرها‪،‬‬
‫ويسرها ُ‬ ‫وضيقها ُ‬
‫َّ‬
‫وصفهن‬ ‫منكن أجراً عظيماً}‪ :‬رتَّب األجر على‬ ‫ِ‬
‫للمحسنات َّ‬ ‫{فإن اللّه َّ‬
‫أعد‬ ‫عليه‪َّ ،‬‬
‫مجرد ذلك ال‬ ‫ٍ‬
‫زوجات للرسول؛ َّ‬ ‫َّ‬ ‫باإلحسان؛ َّ‬
‫فإن َ‬ ‫لكونهن‬ ‫ألنه السبب الموجب لذلك‪ ،‬ال‬
‫فاخترن‬
‫َ‬ ‫يفيد شيئاً مع عدم اإلحسان‪َّ ،‬‬
‫فخي َر ُه َّن رسول اللّه (ص) في ذلك‪،‬‬ ‫يكفي‪ ،‬بل ال ُ‬
‫يتخلف َّ‬
‫منهن واحدةٌ رضي اللّه عنهن‪.‬‬ ‫ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫اللّه ورسوله والدار اآلخرة كلُّهن‪ ،‬لم‬

‫فوائد عديدة‪:‬‬
‫وفي هذا التخيير ُ‬
‫االعتناء برسوله والغيرةُ عليه أن يكون بحالة ُّ‬
‫يشق عليه كثرةُ مطالب‬ ‫ُ‬ ‫منها‪:‬‬
‫َّ‬
‫الدنيوية‪.‬‬ ‫زوجاته‬
‫ومنها‪ :‬سالمتُه (ص) بهذا التخيير من تَبِ َع ِة حقوق الزوجات‪َّ ،‬‬
‫وأنه يبقى في‬
‫فرض اللّه‬
‫َ‬ ‫النبي من حرج فيما‬
‫حرية نفسه إن شاء أعطى وإ ن شاء منع‪ ،‬ما كان على ِّ‬ ‫ِّ‬
‫له‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬متفقات في»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬يخبرهن»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬ولم»‪.‬‬
‫فيهن َم ْن تؤثِ ُر ُّ‬
‫الدنيا على اللّه ورسوله والدار‬ ‫عما لو كان َّ‬
‫ومنها‪ :‬تنزيهُهُ َّ‬
‫اآلخرة عنها‪ ،‬وعن مقارنتها‪.‬‬

‫والتعرض لسخط اللَّه‬


‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫عنهن عن اإلثم‬ ‫ومنها‪ :‬سالمةُ زوجاتِ ِه رضي اللّه‬
‫لس َخ ِط ِه‬ ‫ُّ‬
‫التسخط على الرسول الموجب َ‬ ‫َّ‬
‫عنهن‬ ‫ورسوله‪ ،‬فحسم اهلل بهذا التخيير‬
‫ال ُـم ْس ِخ ِط لربِّه الموجب لعقابه‪.‬‬

‫َّ‬
‫هممهن أن كان اللّهُ ورسولُه‬ ‫علو‬ ‫َّ‬
‫درجتهن وبيان ِّ‬ ‫وعلو‬ ‫َّ‬
‫رفعتهن ِّ‬ ‫ومنها‪ :‬إظهار‬
‫ومقصودهن دون ُّ‬
‫الدنيا وحطامها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مراد ُه َّن‬
‫والدار اآلخرة َ‬
‫استعداد ُه َّن بهذا االختيار لألمر الخيار للوصول إلى خيار درجات‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫يكن زوجاتِ ِه في ُّ‬
‫الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫وأن َّ‬
‫الجنة ْ‬
‫وبينهن؛ َّ‬
‫فإنه أكمل الخلق‪ ،‬وأراد اللّه أن تكون‬ ‫َّ‬ ‫ظهور المناسبة بينه‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫ِّبون للطيبات}‪.‬‬ ‫مطي ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طيبات َّ‬ ‫مكم ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ِّبات للطيبين والطي َ‬
‫بات‪{ ،‬الطي ُ‬ ‫الت‬ ‫كامالت َّ‬ ‫نساؤه‬

‫وينشرح لها‬
‫ُ‬ ‫القلب‬ ‫ُّ‬
‫يطمئن لها ُ‬ ‫داع وموجب للقناعة التي‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن هذا التخيير ٍ‬
‫الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابِ ِه‬ ‫َّ‬
‫عنهن جشعُ الحرص وعدم ِّ‬ ‫الصدر‪ ،‬ويزول‬
‫ُ‬
‫وغمه‪.‬‬
‫وه ِّـمه ِّ‬
‫أجرهن ومضاعفتِ ِه‪ ،‬وأن َّ‬
‫يكن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اختيارهن هذا سبباً لزيادة‬ ‫ومنها‪ :‬أن يكون‬
‫أحد من النساء‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بمرتبة ليس فيها ٌ‬
‫ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ‪.‬‬

‫َّ‬
‫أجرهن‬ ‫والدار اآلخرة؛ َذ َك َر مضاعفَة‬
‫َ‬ ‫اخترن اللّه ورسولَه‬
‫َ‬ ‫{‪ }30‬لما‬
‫َّ‬
‫وشكرهن اللّه تعالى‪،‬‬ ‫َّ‬
‫حذرهن‬ ‫ثمهن لو جرى َّ‬
‫منهن؛ ليزداد‬ ‫ومضاعفةَ ِو ْز ِر ِه َّن وإ َّ‬
‫العذاب ضعفين‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بفاحشة ظاهر ٍة لها‬ ‫فجعل من أتى َّ‬
‫منهن‬
‫ُ‬
‫وتعمل صالحاً قليالً أو‬
‫ْ‬ ‫ت َّ‬
‫منكن}؛ أي‪ :‬تطيع اللّهَ ورسولَه‬ ‫{ومن َي ْقُن ْ‬
‫{‪َ }31‬‬
‫{وأعتَ ْدنا لها رزقاً‬
‫مرتين‪ْ ،‬‬ ‫تين}؛ أي‪ :‬مثل ما نعطي غيرها َّ‬ ‫مر ِ‬ ‫كثيراً‪{ ،‬نؤتِها ْ‬
‫أج َرها َّ‬
‫َّ‬
‫أجرهن‪.‬‬ ‫وع ِمْل َن صالحاً‪ ،‬فعلم بذلك‬ ‫ِ‬
‫كريماً}‪ :‬وهي الجنة‪ ،‬فَقََنتْ َن للّه ورسوله َ‬
‫ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫{لستن ٍ‬
‫كأحد من النساء‬ ‫َّ‬ ‫لهن َّ‬
‫كلهن‬ ‫خطاب َّ‬ ‫ـي}ـ‪:‬‬
‫نساء النـب ِّ‬
‫ٌ‬ ‫{‪ }32‬يقول تعالى‪{ :‬يا َ‬
‫فكمْل َن التقوى‬
‫أحد من النساء؛ ِّ‬ ‫إن اتَّقَْيتُ َّن}‪ :‬اللّه؛ َّ‬
‫فإن ُك َّن بذلك تفقن النساء وال يلحق ُك َّن ٌ‬ ‫ِ‬
‫أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم‪ ،‬فقال‪{ :‬فال‬ ‫َّ‬ ‫بجميع وسائلها ومقاصدها‪ ،‬فلهذا‬
‫ض ْع َن بالقول}؛ أي‪ :‬في مخاطبة الرجال‪ ،‬أو بحيث يسمعون‪ ،‬فَتَِل َّن في ذلك‪،‬‬ ‫تَ ْـخ َ‬
‫مرض}؛ أي‪ :‬مرض شهوة الزنا‬ ‫ٌ‬ ‫وتتكلَّ ْم َن بكالم رقيق‪ ،‬يدعو ويطمع {الذي في قلبِ ِه‬
‫فإن القلب الصحيح ليس‬ ‫غير صحيح؛ َّ‬ ‫يحر ُكه َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌّ‬
‫ألن قلبه ُ‬ ‫محرك ِّ‬ ‫ينتظر أدنى‬
‫ُ‬ ‫مستعد‬ ‫فإنه‬
‫ِ‬
‫لصحة قلبه‬ ‫فإن ذلك ال تكاد تُميله وال تُحركه األسباب‬ ‫حرم اللّه؛ َّ‬‫فيه شهوةٌ لما َّ‬
‫يتحم ُل الصحيح‪ ،‬وال‬
‫يتحم ُل ما َّ‬
‫القلب الذي ال َّ‬ ‫وسالمتِ ِه من المرض؛ بخالف مريض ِ‬

‫يصبِ ُر على ما يصبِ ُر عليه؛ فأدنى سبب َ‬


‫يوج ُد ويدعوه إلى الحرام ُيجيب دعوته وال‬
‫أن الوسائل لها أحكام المقاصد؛ َّ‬
‫فإن الخضوع بالقول‬ ‫يتعاصى عليه؛ فهذا دلي ٌل على َّ‬
‫المحرم؛ منع منه‪ ،‬ولهذا ينبغي‬
‫َّ‬ ‫واللين فيه في األصل مباح‪ ،‬ولكن ل َّـما كان وسيلةً إلى‬
‫لين لهم القول‪.‬‬
‫للمرأة في مخاطبة الرجال أن ال تُ َ‬
‫مأمورات بإغالظ‬
‫ٌ‬ ‫نهاهن عن الخضوع في القول؛ فربما تُُوهِّم َّ‬
‫أنهن‬ ‫َّ‬ ‫ول َّـما‬
‫{وقلن قوالً معروفاً}؛ أي‪ :‬غير غليظ وال جاف؛ كما أنه ليس‬ ‫َ‬ ‫القول؛ َدفَ َع هذا بقوله‪:‬‬
‫ض ْع َن بالقول}‪ ،‬ولم يقل‪ :‬فال تَِل َّن بالقول‪ ،‬وذلك‬
‫وتأم ْل كيف قال‪{ :‬فال تَ ْـخ َ‬
‫ِّن خاضع‪َّ .‬‬ ‫بلي ٍ‬
‫وانكسارها عنده‪،‬‬
‫ُ‬ ‫المنهي عـنـه الـقـول الليِّن الذي فيه خضوع المرأة للرجل‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ألن‬
‫بخالف من تكلَّ َم كالماً ليِّناً ليس فيه خضوعٌ‪ ،‬بل َّ‬
‫ربما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والخاضعُ هو الذي ُيطمع فيه‪،‬‬
‫خصمه‪ ،‬ولهذا مدح اللّه رسولَه‬ ‫فإن هذا ال يطمع فيه‬ ‫وقهر للخصم؛ َّ‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬ ‫صار فيه ترفع ٌ‬
‫نت لهم}‪ ،‬وقال لموسى وهارون‪{ :‬ا ْذ َهبا إلى‬ ‫رحمة من اللّه ِل َ‬
‫ٍ‬ ‫باللين‪ ،‬فقال‪{ :‬فبما‬
‫فرعون َّإنه طغى‪ .‬فقوال له قَ ْوالً ليِّناً لعله َيتَ َذ َّكر أو يخشى}‪.‬‬
‫َ‬
‫مرض}؛ مع أمره بحفظ الفرج وثنائِ ِه على‬
‫ٌ‬ ‫{فيطمع الذي في قلبِ ِه‬
‫َ‬ ‫ودل قوله‪:‬‬
‫الحافظين لفروجهم والحافظات‪ ،‬ونهيه عن قربان الزنا‪َّ :‬أنه ينبغي للعبد إذا رأى من‬
‫لفعل المحرم عندما يرى أو يسمع كالم من يهواه‬‫نفسه هذه الحالة‪ ،‬وأنه ُّ‬
‫يهش‬ ‫(‪)1‬‬

‫فليجتهد في‬
‫ْ‬ ‫فليعرف َّ‬
‫أن ذلك مرض‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫انصرفت إلى الحرام‪،‬‬
‫ْ‬ ‫طمع ِه قد‬
‫ويجد دواعي ِ‬
‫َّ‬
‫الردية ومجاهدة نفسه على سالمتها من هذا‬ ‫إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر‬
‫المرض الخطر وسؤال اللّه العصمة والتوفيق‪َّ ،‬‬
‫وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به‪.‬‬

‫أسلم وأحفظُ لَ ُك َّن‪{ ،‬وال‬ ‫ِ‬


‫{‪{ }33‬وقَ ْر َن في ُبيوت ُك َّن}؛ أي‪ :‬ا ْق ُر ْر َن فيها؛ ألنه ُ‬
‫متجمالت أو متطيِّبات كعادة‬ ‫ِّ‬ ‫الجاهلية األولى}؛ أي‪ :‬ال تُ ْكثِ ْر َن الخروج‬
‫ِ‬ ‫تََب َّر ْج َن تََب ُّر َج‬
‫للشر وأسبابه‪ .‬ولما‬ ‫أهل الجاهلية األولى‪ ،‬الذين ال علم عندهم وال دين؛ ُّ‬
‫فكل هذا دفع ِّ‬
‫نص عليها لحاجة النساء إليها‪ ،‬كذلك‬ ‫َّ‬
‫أمرهن بالتقوى عموماً وبجزيئات من التقوى َّ‬
‫كل ٍ‬
‫أحد‪،‬‬ ‫ويضطر إليهما ُّ‬
‫ُّ‬ ‫يحتاجهما‬ ‫أمرهن بالطاعة‪ ،‬خصوصاً الصالة والزكاة اللتان‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫وأجل الطاعات‪ ،‬وفي الصالة اإلخالص للمعبود‪ ،‬وفي الزكاة‬ ‫وهما أكبر العبادات‬
‫اإلحسان إلى العبيد‪.‬‬

‫يدخ ُل فـي طـاعـة‬ ‫ِ‬


‫{وأط ْع َن اللّه ورسولَه}‪ُ :‬‬ ‫َّ‬
‫أمرهن بالطاعة عموماً‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ثم‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫يريد اللّه}‪:‬‬ ‫استحباب‪َّ ،‬‬
‫{إنما ُ‬ ‫اللّه ورسـوله كـل أم ٍـر أمرا به َ‬
‫(‪)3‬‬
‫إيجاب أو‬ ‫أمر‬ ‫(‪)2‬‬

‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ون ْـهيِ ُك َّن َّ‬


‫أم َر ُك َّن به َ‬ ‫ِ‬
‫الرجس}؛ أي‪:‬‬ ‫ب عنكم‬
‫{لي ْذه َ‬
‫نهاكن عنه؛ ُ‬ ‫بأمر ُك َّن بما َ‬
‫(‪)4‬‬
‫َ‬ ‫عما‬
‫طاهرين‬ ‫طهَِّر ُكم تطهيراً}‪ :‬حتى تكونوا‬ ‫وي َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫األذى والشر والخبث {أه َل البيت ُ‬
‫ربكم واش ُكروه على هذه األوامر والنواهي التي أخبركم‬ ‫مطهَّرين؛ أي‪ :‬فاحمدوا‪َّ ،‬‬
‫محض مصلحتِ ُكم‪ ،‬لم ير ِد اللّه أن يجع َل عليكم بذلك حرجاً وال‬ ‫ُ‬ ‫بمصلحتها‪ ،‬وأنها‬
‫نفوسكم‪ ،‬وتتطهَّر (‪ )5‬أخالقُكم‪ ،‬وتَ ْـح ُس َن أعمالُكم‪ ،‬ويعظُم بذلك‬ ‫َّ‬
‫مشقةً‪ ،‬بل لتتزكى ُ‬
‫أجركم‪.‬‬

‫لهن‬ ‫أمرهن بالعلم‪َّ ،‬‬


‫وبين َّ‬ ‫َّ‬ ‫ك؛‬ ‫َّ‬
‫أمرهن بالعمل الذي هو فع ٌل وتر ٌ‬ ‫{‪ }34‬ول َّـما‬
‫والمراد بآيات‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والحكمة}‪،‬‬ ‫طريقه‪ ،‬فقال‪{ :‬وا ْذ ُكرن ما يتلى في بيوتِ ُك َّن من ِ‬
‫آيات اللّه‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬يشتهي»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬أمر»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬و»‬
‫‪ - 4‬في (ب)‪« :‬بما»‪.‬‬
‫‪ - 5‬في (ب)‪« :‬ولتتطهر»‪.‬‬
‫لفظ ِه بتالوتِ ِه‬
‫اللّه القرآن‪ ،‬والحكمةُ أسراره أو سنةُ رسوله‪ ،‬وأمر ُه َّن بذكره يشمل ِذ ْكر ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬
‫وح َك ِم ِه‪ ،‬و ِذ ْك َر العمل به وتأويله‪.‬‬
‫والتفكر فيه واستخراج أحكامه ِ‬
‫ُّ‬ ‫وذكر معناه ُّ‬
‫بتدبره‬

‫{إن اللّه كان لطيفاً خبيراً}‪ :‬يدرك سرائر (‪ )1‬األمور وخفايا الصدور وخبايا‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫السماوات واألرض واألعمال التي تَبين وتُ َس ُّر؛ فلطفُه وخبرتُه يقتضي حثُّ َّ‬
‫هن على‬
‫ومجازاة اللّه على تلك األعمال‪ .‬ومن معاني اللطيف‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اإلخالص وإ سرار األعمال‬
‫ويسوق‬
‫ُ‬ ‫ق ٍ‬
‫خفية ال يشعر بها‪،‬‬ ‫الشر بطر ٍ‬
‫ويعص ُمه من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫عبده إلى الخير‪،‬‬
‫يسوق َ‬
‫ُ‬ ‫الذي‬
‫تكرهها النفوس‪ ،‬ما يكون ذلك‬
‫ُ‬ ‫إليه من الرزق ما ال يدريه‪ ،‬ويريه من األسباب التي‬
‫طريقاً له إلى أعلى الدرجات وأرفع المنازل‪.‬‬
‫ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭼ‪.‬‬

‫وعقابهن لو قُ ِّد َر عدم‬


‫َّ‬ ‫ِ‬
‫زوجات الرسول (ص)‬ ‫ثواب‬ ‫{‪ }35‬لما َذ َك َر تعالى‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫حكمهن‬ ‫َّ‬
‫غيرهن‪ ،‬ولما كان‬ ‫أحد من النساء؛ ذكر َّ‬
‫بقية النساء‬ ‫َّ‬
‫مثلهن ٌ‬ ‫االمتثال َّ‬
‫وأنه ليس‬
‫ِ‬
‫والمسلمات}‪ :‬وهذا في‬ ‫المسلمين‬ ‫الحكم مشتركاً‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫{إن‬ ‫والرجال واحداً؛ جعل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫والمؤمنات}‪ :‬وهذا في األمور‬ ‫{والمؤمنين‬ ‫الشرائع الظاهرة إذا كانوا قائمين بها‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫{والقانتات‬ ‫{والقانتين}؛ أي‪ :‬المطيعين للّه ولرسوله‪،‬‬ ‫الباطنة من عقائد القلب وأعماله‪،‬‬
‫َ‬
‫والصابرين}ـ‪ :‬على الشدائد‬ ‫ِ‬
‫{والصادقات‬ ‫والصادقين}‪ :‬في مقالهم وفعالهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫{والصابرات والخاشعين}‪ :‬في جميع أحوالهم خصوصاً في عباداتهم وال‬ ‫ِ‬ ‫والمصائب‪،‬‬
‫ِ‬
‫{والمتصدقات‬ ‫ِّ‬
‫والمتصدقين}ـ‪ :‬فرضاً ونفالً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫{والخاشعات‬ ‫سيما (‪ )2‬في صلواتهم‪،‬‬
‫فروجهم}‪ :‬عن الزنا‬ ‫{والحافظين‬ ‫ِ‬
‫والصائمات}‪ :‬شمل ذلك الفرض والنفل‪،‬‬ ‫والصائمين‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والذاكرين اللّه كثيراً}؛ أي‪ :‬في أكثر األوقات‪ ،‬خصوصاً في‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ومقدماته‪{ ،‬والحافظات‬
‫أوقات األوراد َّ‬
‫المقيدة؛ كالصباح والمساء‪ ،‬وأدبار الصلواتـ المكتوبات‪{ ،‬والذاكرات‬
‫ِ‬
‫الجليلة‪ ،‬التي‬ ‫ِ‬
‫والمناقب‬ ‫ِ‬
‫الجميلة‬ ‫ِ‬
‫الصفات‬ ‫َّ‬
‫أعد اهلل لهم}؛ أي‪ :‬لهؤالء الموصوفينـ بتلك‬
‫ٍ‬
‫وقاصر‬ ‫لسان ونفع ٍّ‬
‫متعد‬ ‫قلوب وأعمال جوارح وأقوال ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اعتقادات وأعمال ٍ‬ ‫هي ما بين‬
‫ظاهر ِه وباطنِ ِه‬
‫ِ‬ ‫بالدين كلِّه‬
‫بهن فقد قام ِّ‬
‫الشر الذي َم ْن قام َّ‬
‫وما بين أفعال الخير وترك ِّ‬

‫في (ب)‪« :‬أسرار»‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬خصوصاً»‪.‬‬
‫باإلسالم واإليمان واإلحسان‪ ،‬فجازاهم على عملهم بالمغفرة لذنوبهم؛ َّ‬
‫ألن الحسنات‬
‫رأت وال‬
‫عين ْ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫يقدر قَ ْد َرهُ إال الذي أعطاه؛ مما ال ٌ‬
‫ُي ْذه ْب َن السيئات‪{ .‬وأجراً عظيماً}‪ :‬ال ُ‬
‫سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر‪ .‬نسأ ُل اللّه أن يجعلَنا منهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫أذن‬
‫ٌ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ‬
‫ﭩ ﭪ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭧ ﭨ‬
‫اتَّصف باإليمان إالَّ اإلسراعُ في مرضاة‬ ‫(‪)1‬‬
‫ليق بمن‬
‫{‪ }36‬أي‪ :‬ال ينبغي وال َي ُ‬
‫واجتناب نهيِهما؛ فال‬
‫ُ‬ ‫أمرهما‬‫والهرب من َس َخ ِط اللّه ورسوله وامتثا ُل ِ‬
‫ُ‬ ‫اللّه ورسوِل ِه‬
‫وحتَّما به وألزما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمؤمن وال مؤمنة‪{ ،‬إذا قضى اللّهُ ورسولُه أمراً}‪ :‬من األمور َ‬ ‫يليق‬
‫ُ‬
‫يفعلونه أم ال؟ بل يعلم المؤمن‬ ‫َ‬ ‫أمرهم}؛ أي‪ :‬الخيار هل‬ ‫الخَي َرةُ من ِ‬‫به {أن يكون لَهم ِ‬
‫ُُ‬
‫وبين‬
‫بينه َ‬ ‫نفس ِه حجاباً َ‬‫نفس ِه؛ فال يجعل بعض أهواء ِ‬ ‫أن الرسول أولى به من ِ‬ ‫والمؤمنةُ َّ‬
‫يعص اللّه ورسولَه فقد َّ‬
‫ضل ضالالً مبيناً}؛ أي‪ :‬بيًِّنا؛ ألنه‬ ‫ِ‬ ‫{ومن‬
‫أمر اللّه ورسوله‪َ ،‬‬
‫ترك الصراط المستقيم الموصلة إلى كرامة اللّه إلى غيرها من الطرق الموصلة‬
‫معارضة أمر اللّه ورسوِل ِه‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬ ‫للعذاب األليم‪ ،‬فذكر أوالً السبب الموجب لعدم‬
‫بالضالل ِّ‬
‫الدال على العقوبة والنكال‪.‬‬ ‫المانع من ذلك‪ ،‬وهو التخويف َّ‬ ‫اإليمان‪ ،‬ثم َذ َك َر‬
‫َ‬
‫ﭽﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮝ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮛ ﮜ‬
‫ع شرعاً‬ ‫َّ‬
‫أن اللّه تعالى أراد أن َي ْش َر َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫سبب نزول هذه‬
‫{‪ }37‬وكان ُ‬
‫أن األدعياء ليسوا في حكم األبناء حقيقةً من جميع الوجوه‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫عاما للمؤمنين َّ‬
‫ًّ‬
‫َّ‬
‫نكاحهن‪ ،‬وكان هذا من األمور المعتادة التي ال تكاد‬ ‫أزواجهم ال ُجناح على َم ْن تََبَّن ُ‬
‫اهم‬ ‫َ‬
‫فأراد أن يكون هذا الشرع قوالً من رسوله وفعالً‪ ،‬وإ ذا أراد‬
‫َ‬ ‫كبير‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بحادث ٍ‬ ‫تزو ُل إال‬
‫النبي‬ ‫اللّه أمراً؛ جعل له سبباً‪ ،‬فكان (‪ )3‬زيد بن حارثة ُيدعى زيد بن محمد‪ ،‬قد َّ‬
‫تبناه ُّ‬
‫{ادعوهم آلبائِ ِهم}؛ فقيل له‪ :‬زيد بن حارثة‪،‬‬
‫(ص)‪ ،‬فصار ُيدعى إليه‪ ،‬حتى نزل ْ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ممن»‪.‬‬


‫‪ - 2‬أخرجه البخاريـ (‪ 4787‬و‪ ،)7420‬وقال الحافظ في «الفتح» (‪« :)8/523‬وقد أخرج ابن‬
‫أبي حاتم هذه القصة من طريقـ السدي فساقهاـ سياقاً واضحاً حسناً»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬وكان»‪.‬‬
‫وقع في ِ‬
‫قلب‬ ‫(‪)1‬‬
‫وكانت تحته زينب بنت جحش ابنة عمة رسول اللّه (ص)‪ ،‬وكان قد‬
‫أن جاء‬
‫زيد ما اقتضى ْ‬‫فقدر اللّه أن يكون بينها وبين ٍ‬ ‫لتزوجها‪َّ ،‬‬ ‫الرسول لو طلَّقها ٌ‬
‫زيد َّ‬
‫أنعم اللّهُ‬
‫النبي (ص) في فراقها؛ قال اللّه‪{ :‬وإ ْذ تقو ُل للذي َ‬
‫يستأذن َّ‬
‫ُ‬ ‫زيد بن حارثة‬
‫{وأنعمت عليه}‪ :‬بالعتق واإلرشاد والتعليم حين جاءك مشاوراً‬
‫َ‬ ‫عليه}؛ أي‪ :‬باإلسالم‪،‬‬
‫مقدماً لها على رغبتِك مع وقوعها‬
‫فقلت له ناصحاً له ومخبراً بمصلحتِ ِه ِّ‬
‫في فراقها‪َ ،‬‬
‫تفار ْقها واصبِ ْر على ما جاءك منها‪.‬‬
‫ك}؛ أي‪ :‬ال ِ‬ ‫في قلبك‪ِ :‬‬
‫{أمس ْك عليك َز ْو َج َ‬
‫فإن التقوى‬ ‫خاصةً؛ َّ‬ ‫َّ‬ ‫عامةً وفي أمر زوجك‬ ‫ق اللّه}‪ :‬تعالى في أمورك َّ‬ ‫{واتَّ ِ‬
‫ك ما اللّه ُمبديه}‪ :‬والذي أخفاه َّأنه لو‬ ‫تحث على الصبر وتأمر به‪{ ،‬وتُخفي في ِ‬
‫نفس َ‬ ‫ُّ‬
‫لتزوجها (ص)‪{ ،‬وتخشى الناس}‪ :‬في عدم إبداء ما في نفسـك‪{ ،‬واللّه ُّ‬
‫أحق‬ ‫زيد؛ َّ‬ ‫طلَّقها ٌ‬
‫زيد منها‬
‫شر‪{ ،‬فلما قضى ٌ‬ ‫كل ٍّ‬‫خير مانعـةٌ من ِّ‬ ‫فإن خشيته جالبةٌ لك ِّـل ٍ‬
‫أن تخشاه}‪َّ :‬‬
‫ٍ‬
‫لفائدة‬ ‫{زو ْجناكها}‪ :‬وإ َّنما فَ َعْلنا ذلك‬
‫ب عنها وفارقها‪َّ ،‬‬ ‫نفسه ِ‬
‫ورغ َ‬ ‫وطراً}؛ أي‪ :‬طابت ُ‬
‫ـرج فـي أزواج أدعيائِ ِهم}‪ :‬حيث رأوك‬ ‫يكون على الـمؤمنين ح ٌ‬ ‫عظيمة‪ ،‬وهي‪{ :‬لكيال َ‬
‫ٍ‬
‫ب إليك‪ ،‬ولما كان قولُه‪{ِ :‬ل َك ْيال‬ ‫ِ‬
‫تزوجت زوج زيد بن حارثة الذي كان من قَْب ُل َي ْنتَس ُ‬ ‫َّ‬
‫عاما في جميع األحوال‪ ،‬وكان من‬ ‫حرج في أزواج أدعيائِ ِهم}‪ًّ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫يكون على المؤمنين‬ ‫َ‬
‫وطر ِه منها؛ َّقيد ذلك بقوله‪{ :‬إذا قَ َ‬
‫ض ْوا‬ ‫األحوال ما ال يجوز ذلك‪ ،‬وهي قبل انقضاء ِ‬
‫فعل ِه وال عائق له وال مانع‪.‬‬‫بد من ِ‬ ‫أمر اللّه مفعوالً}؛ أي‪ :‬ال َّ‬ ‫َّ‬
‫منهن وطراً وكان ُ‬
‫على هذه القصة فوائد‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وفي هذه اآليات المشتمالت‬

‫سماه في‬
‫أن اللّه َّ‬ ‫منها‪ :‬الثناء على زيد بن حارثة‪ ،‬وذلك من وجهين‪ِ :‬‬
‫أحدهما‪َّ :‬‬ ‫ُ‬
‫أي‪:‬‬‫أن اللّه أخبر َّأنه أنعم عليه؛ ْ‬
‫يسم من الصحابة باسمه غيره‪ .‬والثاني‪َّ :‬‬ ‫القرآن ولم ِّ‬
‫مؤمن ظاهراً وباطناً‪ ،‬وإ الَّ ؛‬
‫ٌ‬ ‫بنعمة اإلسالم واإليمان‪ ،‬وهذه شهادةٌ من اللّه له أنه مسلم‬
‫أن (‪ )3‬المراد بها النعمة الخاصة‪.‬‬‫فال وجه لتخصيصه بالنعمة؛ إالَّ َّ‬
‫ق في نعمة المعتِ ِ‬
‫ق‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬أن ال ُـم ْعتَ َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وقد كان قد»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬المشتملة»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬لوال أن»‪.‬‬
‫َّ‬
‫الدعي كما صرح به‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ومنها‪ :‬جواز تزوج زوجة‬

‫ـي أبلغُ من القولي‪ ،‬خصوصاً إذا اقترن بالقول؛ َّ‬


‫فإن ذلك‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن التعليم الفعل َّ‬
‫نور على نور‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ومنها‪ :‬أن المحبة التي في قلب العبد لغير زوجته ومملوكته ومحارمه إذا لم‬
‫زوجها‬ ‫َّ‬ ‫َي ْقتَ ِر ْن بها‬
‫أن لو طلقها ُ‬‫محذور ال يأثم عليها العبد‪ ،‬ولو اقترن بذلك أمنيته ْ‬
‫ٌ‬
‫بأي سبب كان؛ َّ‬
‫ألن اللّه أخبر‬ ‫بينهما أو َّ‬
‫يتسبب ِّ‬ ‫لتزوجها من غير أن يسعى في ٍ‬
‫فرقة َ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫أن الرسول (ص) أخفى ذلك في نفسه‪.‬‬

‫يدع شيئاً مما أوحي إليه‬


‫غ المبين‪ ،‬فلم ْ‬ ‫أن الرسول (ص) قد بلَّ َغ البال َ‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫إالَّ وبلَّغه‪ ،‬حتى هذا األمر الذي فيه عتابه‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل على َّأنه رسو ُل اللّه‪ ،‬وال يقول‬
‫إالَّ ما أوحي إليه‪ ،‬وال يريد تعظيم ِ‬
‫نفس ِه‪.‬‬ ‫َ‬
‫يجب عليه ـ إذا استُشير في أمر من األمور ـ أن‬
‫مؤتمن‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫المستشار‬
‫َ‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫يعلمه أصلَح للمستشير (‪ ،ِ )2‬ولو كان له حظُّ نفس ُّ‬
‫بتقدم (‪ )3‬مصلحة‬ ‫ُيشير بما ُ‬
‫المستشير على هوى نفسه وغرضه‪.‬‬

‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن من الرأي الحسن لمن استشار في فراق زوجة أن ُي ْؤ َم َر بإمساكها‬
‫صالح الحال؛ فهو أحسن من الفرقة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مهما أمكن‬
‫وأنها ُّ‬
‫أحق منها‬ ‫يتعيـن أن ِّ‬
‫يقدم العبد خشية اللّه على خشية الناس‪َّ ،‬‬ ‫ومنها‪َّ :‬أنه َّ‬
‫وأولى‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬فضيلةُ زينب رضي اللّه عنها أم المؤمنين؛ حيث تولَّـى اللّه تزويجها‬
‫تفتخر بذلك على أزواج‬ ‫ٍ‬
‫شهود‪ ،‬ولهذا كانت‬ ‫من رسوله (ص) من دون خطبة وال‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫سماوات (‪.)4‬‬ ‫وزو َجني اللّه من فوق سبع‬ ‫َّ‬
‫أهاليكن َّ‬ ‫زو َج ُك َّن‬
‫رسول اللّه (ص)‪ ،‬وتقول‪َّ :‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬بزوجة»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬للمستشار»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬فيقدم»‪.‬‬
‫‪ - 4‬أخرجه البخاريـ (‪ )7420‬من حديث أنس بن مالك‪.‬‬
‫السعي فيه وفي‬ ‫يجوز نِكاحها وال‬
‫أن المرأة إذا كانت ذات زوج ال ُ‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫ط َرهُ حتى تنقضي ِع َّدتُها؛ َّ‬
‫ألنها‬ ‫ط َرهُ منها‪ ،‬وال يقضي َو َ‬
‫زوجها َو َ‬ ‫ِ‬
‫أسبابه حتى يقض َي ُ‬
‫َ‬
‫ِِ‬
‫وطر إليها ولو من بعض‬ ‫قبل انقضاء عدتها وهي في عصمته أو في حقِّه الذي له ٌ‬
‫الوجوه‪.‬‬
‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }38‬هذا دفعٌ لطعن من طعن في الرسول (ص) في كثرة أزواجه‪َّ ،‬‬
‫وأنه‬
‫حرج}؛ أي‪ :‬إثم وذنب {فيما‬
‫ٍ‬ ‫النبي من‬
‫مطعن فيه‪ ،‬فقال‪{ :‬ما كان على ِّ‬
‫َ‬ ‫طعن بما ال‬
‫ٌ‬
‫فإن هذا قد أباحه اللّه له كما أباحه لألنبياء‬ ‫ض اللّه له}؛ أي‪َّ :‬‬
‫قدر له من الزوجات؛ َّ‬ ‫فَ َر َ‬
‫أمر اللّه قَ َدراً َم ْقدوراً}؛ أي‪:‬‬
‫قبلَه‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬سنةَ اللّه في الذين َخلَوا من قب ُل وكان ُ‬
‫وقوع ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال َّ‬
‫بد من‬

‫{‪ }39‬ثم َذ َك َر َم ْن هم الذين من قب ُل قد خلو وهذه سنتهم وعادتهم‪ ،‬وأنهم {الذين‬


‫ويدعونهم إلى‬ ‫آيات اللّه وحججه وبراهينه‬ ‫رساالت اللّه}‪ :‬فيتلون على العباد ِ‬
‫ِ‬ ‫غون‬‫ِّ‬
‫َ‬ ‫يبل َ‬
‫وحده ال شريك له‪{ ،‬وال َي ْـخ َش ْو َن أحداً}‪ :‬إالَّ اللّه؛ فإذا كان هذا سنة‬
‫{وي ْـخ َش ْوَنه}‪َ :‬‬
‫اللّه‪َ ،‬‬
‫في األنبياء المعصومين الذين وظيفتهم قد َّ‬
‫أد ْوها وقاموا بها أتم القيام‪ ،‬وهو دعوةُ‬
‫الخلق إلى اللّه والخشية منه وحده‪ ،‬التي تقتضي فعل كل مأمور وترك كل محظور‪،‬‬
‫عباده مراقباً‬
‫[د ّل ذلك على أنه ال نقص فيه بوجه]‪{ .‬وكفى باللّه حسيباً}‪ :‬محاسباً َ‬
‫النكاح من سنن المرسلين‪.‬‬
‫َ‬ ‫وعِل َم من هذا َّ‬
‫أن‬ ‫أعمالهم‪ُ .‬‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫ﭽﯧ ﯨ‬
‫ﭼ‪.‬‬

‫ِ‬
‫رجالكم}‪ُّ :‬أيها األمة‪،‬‬ ‫{محمد}‪( :‬ص) {أبا ٍ‬
‫أحد من‬ ‫ٌ‬ ‫{‪ }40‬أي‪ :‬لم يكن الرسول‬
‫عاما في جميع‬ ‫النفي ًّ‬
‫فقطع انتساب زيد بن حارثة منه من هذا الباب‪ .‬ولما كان هذا ُ‬
‫أبوة ادعاء‪ ،‬وكان‬ ‫أبوة نسب وال َّ‬‫إن ُح ِـم َل ظاهر اللفظ على ظاهره؛ أي‪ :‬ال َّ‬
‫األحوال ْ‬
‫وأزواجه أمهاتُهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫أب للمؤمنين كلِّهم‪،‬‬
‫أن الرسول (ص) ٌ‬ ‫تقرر فيما َّ‬
‫تقدم َّ‬ ‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫قد‬
‫يدخل هذا النوع بعموم النهي المذكور؛ فقال‪{ :‬ولكن رسو َل اللّه وخاتَ َم‬
‫فاحترز أن ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وقد كان»‪.‬‬


‫المهتدى به اْل ُـم ْؤ َم ِن له الذي ُ‬
‫يجب‬ ‫َ‬ ‫النبيين}؛ أي‪ :‬هذه مرتبته؛ مرتبةُ المطاع المتبوع‬
‫َ‬
‫ونصحه‬ ‫أحد‪ ،‬الناصح‪ ،‬الذي لهم ـ أي‪ :‬للمؤمنين ـ من بره ُ‬ ‫كل ٍ‬ ‫تقديم محبته على محبة ِّ‬
‫علمه بجميع األشياء‪ ،‬ويعلم‬ ‫ٍ‬
‫أب لهم‪{ ،‬وكان اللّه بكل شيء عليماً}؛ أي‪ :‬قد أحاط ُ‬ ‫كأنه ٌ‬
‫صلُح‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫وم ْن ال َي ْ‬
‫صلُ ُح لفضله َ‬
‫حيث يجعل رساالته‪ ،‬ومن َي ْ‬
‫ﭽﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﭚ ﭼ‪.‬‬ ‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫{‪ }41‬يأمر تعالى المؤمنين بذكره ذكراً كثيراً؛ من تهليل وتحميد وتسبيح‬
‫قول فيه قُربة إلى اللّه‪ُّ ،‬‬
‫وأقل ذلك أن ِ‬
‫يالز َم اإلنسان أوراد‬ ‫وتكبير وغير ذلك من كل ٍ‬
‫ِ‬
‫العوارض واألسباب‪ ،‬وينبغي‬ ‫الصباح والمساء وأدبار الصلواتـ الخمس وعند‬
‫فإن ذلك عبادةٌ يسبِ ُ‬
‫ق بها العامل‬ ‫مداومة ذلك في جميع األوقات على جميع األحوال؛ َّ‬
‫وكف للسان عن الكالم‬‫وعون على الخير ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫وداع إلى محبة اللّه ومعرفتِ ِه‬
‫مستريح ٍ‬
‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫القبيح‪.‬‬

‫{‪{ }42‬وسبِّحوه بكرةً وأصيالً}؛ أي‪ :‬أول النهار وآخره؛ لفضلهما وشرفهما‬
‫وسهولة العمل فيهما‪.‬‬
‫ِ‬
‫الظلمات إلى النور‬ ‫{‪{ }43‬هو الذي يصلِّـيـ علي ُكم ومالئكتُه ِ‬
‫ليخر َجكم من‬
‫أن َج َع َل من صالتِ ِه‬
‫وكان بالمؤمنين رحيماً}؛ أي‪ :‬من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم ْ‬
‫يخرجهم من ظلمات ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الذنوب والجهل إلى‬ ‫عليهم وثنائه وصالة مالئكته ودعائهم ما ِ ُ‬
‫نور اإليمان والتوفيق والعلم والعمل؛ فهذه أعظم ٍ‬
‫نعمة أنعم بها على العباد الطائعين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫تستدعي منهم شكرها واإلكثار من ذكر اللّه الذي لطف بهم ورحمهم وجعل حملةَ‬
‫ويستغفرون للذين آمنوا‪،‬‬ ‫عرشه أفضل المالئكة ومن حوله يسبِّحون ِ‬
‫بحمد ربِّهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ك و ِق ِه ْم‬‫شيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتََّبعوا سبيلَ َ‬ ‫كل ٍ‬
‫وسعت َّ‬‫َ‬ ‫{ربنا‬‫فيقولون‪َّ :‬‬
‫صلَ َح من آبائهم‬ ‫جنات ٍ‬‫وأد ِخْلهم ِ‬ ‫عذاب الجحيم‪َّ .‬‬
‫ومن َ‬ ‫عدن التي َو َع ْدتَهم َ‬ ‫ربنا ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‬ ‫ِ‬
‫السيئات‬ ‫ومن تَ ِ‬
‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وأزواجهم و ُذ ِّرَّياتِ ِهم َّإنك أنت‬
‫العزيز الحكيم‪ .‬وقه ُم السيئات َ‬
‫ُ‬
‫الدنيا‪.‬‬‫الفوز العظيم}‪ :‬فهذه رحمتُه ونعمتُه عليهم في ُّ‬‫فقد َر ِح ْـمتَه وذلك ُ‬
‫{‪ }44‬وأما رحمتُه بهم في اآلخرة؛ ُّ‬
‫فأجل رحمة وأفض ُل ثواب‪ ،‬وهو الفوز‬
‫وتحيته‪ ،‬واستماع كالمه الجليل‪ ،‬ورؤية وج ِه ِه الجميل‪ ،‬وحصول األجر‬
‫برضا ربِّهم َّ‬
‫ف ُك ْنهَهُ إالَّ من أعطاهم إياه‪ ،‬ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫{تحيتُهم يوم‬ ‫الكبير الذي ال يدريه وال ِ‬
‫يعر ُ‬
‫سالم َّ‬
‫وأعد لهم أجراً كريماً}‪.‬‬ ‫َيْلقَ ْوَنه ٌ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }45‬هذه األشياء التي وصف اهلل بها رسولَه محمداً (ص) هي المقصود من‬
‫اختص بها‪ ،‬وهي خمسةُ أشياء‪:‬‬
‫َّ‬ ‫رسالتِ ِه وزبدتها وأصولها التي‬

‫وشر؛ كما‬ ‫على أمته بما عملوه من ٍ‬


‫خير ٍّ‬
‫(‪)1‬‬
‫كونه {شاهداً}؛ أي‪ :‬شاهداً‬
‫أحدها‪ُ :‬‬
‫شهداء على الناس ويكون الرسو ُل عليكم شهيداً}‪{ ،‬فكيف إذا جئنا‬
‫َ‬ ‫قال تعالى‪{ِ :‬لتكونوا‬
‫شاهد عدل مقبول‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بشهيد [وجئنا بك على هؤالء شهيداً]}‪ :‬فهو (ص)‬ ‫كل ٍ‬
‫أمة‬ ‫من ِّ‬

‫َّ‬
‫المبشر والمن َذر وما‬ ‫الثاني والثالث‪ :‬كونه ِّ‬
‫{مبشراً ونذيراً}‪ :‬وهذا يستلزم ذكر‬
‫َّ‬
‫فالمبشر هم المؤمنون المتقون‪ ،‬الذين جمعوا‬ ‫وي ْن َذ ُر واألعمال الموجبة لذلك‪:‬‬ ‫َّ‬
‫يبشر به ُ‬
‫البشرى في الحياة الدنيا بكل ثواب‬ ‫بين اإليمان والعمل الصالح وترك المعاصي‪ ،‬لهم ُ‬
‫ب على اإليمان والتقوى‪ ،‬وفي األخرى بالنعيم المقيم‪ ،‬وذلك كلُّه‬‫وديني ُرتِّ َ‬
‫ٍّ‬ ‫دنيوي‬
‫ٍّ‬
‫يستلزم ذكر تفصيل المذكور من تفاصيل األعمال وخصال التقوى وأنواع الثواب‪.‬‬
‫والمن َذر هم المجرمون الظالمون‪ ،‬أه ُل الظلم والجهل‪ ،‬لهم النذارةُ في الدنيا من‬
‫والدينية المرتَّبة على الجهل والظلم‪ ،‬وفي األخرى بالعقاب الوبيل‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الدنيوية‬ ‫العقوبات‬
‫َّ‬
‫والسنة المشتمل‬ ‫والعذاب الطويل‪ .‬وهذه الجملة تفصيلُها ما جاء به (ص) من الكتاب‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫كونه {داعياً إلى اللّه}؛ أي‪ :‬أرسله اللّه يدعو الخلق إلى ربِّهم‬
‫{‪ }46‬الرابع‪ُ :‬‬
‫ويأم ُرهم بعبادتِ ِه التي ُخلقوا لها‪ ،‬وذلك يستلزم استقامتَه على ما‬
‫ُ‬ ‫لكرامته‬ ‫(‪)2‬‬
‫ويشوقُهم‬
‫ِّ‬
‫وذ ْك َر تفاصيل ما يدعو إليه؛ بتعريفهم لربِّهم بصفاتِ ِه َّ‬
‫المقدسة‪ ،‬وتنزيهه عما‬ ‫يدعو إليه ِ‬
‫العبودية‪ ،‬والدعوة إلى اللّه بأقرب طريق موصل إليه‪،‬‬‫َّ‬ ‫بجالل ِه‪ ،‬وذكر أنواع‬
‫ِ‬ ‫ال َيليق‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬مشاهداً»‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ويسوقهم»‪.‬‬
‫حق حقَّه‪ ،‬وإ خالص َّ‬
‫الدعوة إلى اللّه ال إلى نفسه وتعظيمها؛ كما قد‬ ‫كل ذي ٍّ‬ ‫وإ عطاء ِّ‬
‫يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام‪ ،‬وذلك كلُّه بإذن ربه له (‪ )1‬في الدعوة‬ ‫ُ‬
‫وأمره وإ رادتِ ِه وقدره‪.‬‬

‫أن الخلق في ظلمة عظيمة‪ ،‬ال‬ ‫الخامس‪ :‬كونه {سراجاً منيراً} وذلك يقتضي َّ‬
‫النبي‬ ‫نور ُيهتدى به في ظلماتها‪ ،‬وال علم ُي ُّ‬
‫ستدل به في جهاتها‪ ،‬حتى جاء اللّه بهذا ِّ‬
‫الكريم‪ ،‬فأضاء اللّه به تلك الظلمات‪ ،‬وعلَّم به من الجهاالت‪ ،‬وهدى به ضالالً إلى‬
‫ض َح لهم الطريق‪ ،‬فَ َم َش ْوا خلف هذا‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬فأصبح أهل االستقامة قد َو َ‬
‫ِ‬
‫لمعرفة‬ ‫والشر وأه َل السعادة من أهل الشقاوة‪ ،‬واستناروا به‬
‫َّ‬ ‫اإلمام‪ ،‬وعرفوا به الخير‬
‫وأفعال ِه السَّديدة وأحكامه الرشيدة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحميدة‬ ‫بأوصاف ِه‬
‫ِ‬ ‫معبو ِدهم‪ ،‬وعرفوه‬

‫بأن لهم من اللّه فضالً كبيراً}‪ :‬ذكر في هذه‬ ‫ِّ‬


‫{وبش ِر المؤمنين َّ‬ ‫{‪ }47‬وقوله‪:‬‬
‫بمفرد ِه ُ‬
‫تدخ ُل فيه األعمال‬ ‫ِ‬ ‫المبشر‪ ،‬وهم المؤمنون‪ ،‬وعند ِذ ْك ِر اإليمان‬
‫َّ‬ ‫الجملة‬
‫يقادر‬
‫الكبير؛ أي‪ :‬العظيم الجليل الذي ال َ‬ ‫َّ‬
‫المبشر به‪ ،‬وهو الفض ُل‬ ‫الصالحة‪ ،‬و َذ َك َر‬
‫ُ‬
‫قَ ْد ُرهُ من النصر في الدنيا وهداية القلوب وغفران الذنوب وكشف الكروب وكثرة‬
‫السارة والفوز برضا ربِّهم وثوابه والنجاة من سخطه‬ ‫الدارة وحصول النعم َّ‬ ‫األرزاق َّ‬
‫ينشطُ العاملين أن يذ ُك َر لهم من ثواب اللّه على أعمالهم ما به‬ ‫وعقابِ ِه‪ ،‬وهذا مما ِّ‬
‫أن من‬‫جملة ِح َكم الشرع‪ :‬كما َّ‬ ‫يستعينون على سلوك الصراط المستقيم‪ ،‬وهذا من ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب منه؛ ليكون عوناً‬ ‫ح َكمه أن َي ْذ ُك َر في مقام الترهيب العقوبات المرتَّبةَ على ما ُي َر َّه ُ‬
‫الكف عما حرم اللّه‪.‬‬ ‫على ِّ‬

‫{‪ }48‬ول َّـما كان ثََّم طائفةٌ من الناس مستعدةٌ للقيام ِّ‬
‫بصد الداعين إلى اللّه من‬
‫الرسل وأتباعهم‪ ،‬وهم المنافقون الذين أظهروا الموافقةَ في اإليمان وهم كفرةٌ فجرةٌ‬
‫في الباطن‪ ،‬والكفار ظاهراً وباطناً؛ نهى اللّه رسوله عن طاعتهم وحذره ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫والمنافقين}؛ أي‪ :‬في ِّ‬
‫كل أمر ُّ‬
‫يصد عن سبيل اللّه‪ ،‬ولكن ال يقتضي‬ ‫َ‬ ‫الكافرين‬
‫َ‬ ‫{وال تطع‬
‫وداع إلى قبول اإلسالم‬
‫جالب لهم ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ع أذاهم}‪َّ :‬‬
‫فإن ذلك‬ ‫هذا أذاهم‪ ،‬بل ال تُ ِط ْعهُم‪َ ،‬‬
‫{ود ْ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬بإذن اهلل»‪.‬‬


‫ِ‬
‫وخذالن‬ ‫ك‬ ‫َّ‬
‫{وتوك ْل على اللّه}‪ :‬في إتمام ِ‬
‫أمر َ‬ ‫أذيتِ ِهم له وألهله‪،‬‬ ‫وإ لى ِّ‬
‫كف كثير من َّ‬
‫المهمة‪ ،‬فيقوم بها ويسهِّلُها على عبده‪.‬‬
‫َّ‬ ‫عدوك‪{ ،‬وكفى باللّه وكيالً}‪ :‬تُو َك ُل إليه األمور‬
‫ِّ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﭽﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮗ ﮘ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }49‬يخبر تعالى المؤمنين َّأنهم إذا نكحوا المؤمنات ثم طلَّ َّ‬
‫قوهن من قبل أن‬
‫َّ‬
‫بتمتيعهن بهذه‬ ‫َّ‬
‫أزواجهن عليهن‪ ،‬وأمرهم‬ ‫عدةٌ ُّ‬
‫يعتدها‬ ‫عليهن في ذلك َّ‬
‫َّ‬ ‫َي َمس َّ‬
‫ُّوهن؛ فليس‬
‫َّ‬
‫فراقهن‪ ،‬وأن‬ ‫َّ‬
‫لخواطرهن ألجل‬ ‫جبر‬ ‫الحالة بشيء من متاع ُّ‬
‫الدنيا الذي يكون فيه ٌ‬
‫ٍ‬
‫مطالبة وال غير ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مشاتمة وال‬ ‫ٍ‬
‫مخاصمة وال‬ ‫ِ‬
‫يفار َّ‬
‫قوهن فراقاً جميالً من غير‬

‫يكون إالَّ بعد النكاح‪ ،‬فلو طلَّقها قبل أن‬‫أن الطالق ال ُ‬ ‫ُّ‬
‫ويستدل بهذه اآلية على َّ‬
‫ِ‬
‫المؤمنات ثم‬ ‫ينكحها أو علَّق طالقَها على نكاحها؛ لم يقع؛ لقوله‪{ :‬إذا َن َك ْحتُُم‬
‫َ‬
‫موهن}‪ ،‬فجعل الطالق بعد النكاح‪ ،‬فدل على َّأنه قبل ذلك ال َّ‬
‫محل له‪ .‬وإ ذا كان‬ ‫طلَّ ْقتُ َّ‬
‫ٍ‬
‫لظهار أو‬ ‫فالتحريم الناقص‬
‫ُ‬ ‫تام ال يقع قبل النكاح؛‬
‫وتحريم ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫الطالق الذي هو فرقةٌ تامةٌ‬
‫ُّ‬
‫أصح قولي العلماء‪.‬‬ ‫يقع قبل النكاح؛ كما هو‬ ‫ٍ‬
‫إيالء ونحوه من باب أولى وأحرى أن ال َ‬
‫ألن اللّه أخبر به عن المؤمنين على ٍ‬
‫وجه لم يلُمهم‬ ‫و[يدل] على جواز الطالق َّ‬
‫عليه‪ ،‬ولم ِّ‬
‫يؤنبهم مع تصدير اآلية بخطاب المؤمنين‪.‬‬

‫ـاح عـلـيـكم إن‬


‫وعلى جوازه قبل المسيس؛ كما قال في اآلية األخرى‪{ :‬ال ُجـن َ‬
‫النساء َما لَ ْـم تَ َمس َّ‬
‫ُّوهن}‪.‬‬ ‫َ‬ ‫طلَّ ْقتُُم‬
‫َ‬
‫التزوج‬ ‫يجوز لها‬ ‫بمجر ِد ِ‬
‫طالقها ُ‬ ‫أن المطلقة قبل الدخول ال َّ‬
‫عدةَ لها‪ ،‬بل َّ‬ ‫وعلى َّ‬
‫ُ‬
‫مانع‪.‬‬
‫حيث ال َ‬
‫الوطء كما‬
‫ُ‬ ‫العدة بعد ُّ‬
‫الدخول‪ .‬وهل المراد بالدخول والمسيس‬ ‫أن عليها َّ‬
‫وعلى َّ‬
‫الخلفاء‬
‫ُ‬ ‫وطء كما أفتى بذلك‬
‫يحص ْل معها ٌ‬
‫ُ‬ ‫هو مجمعٌ عليه أو وكذلك الخلوة ولو لم‬
‫الراشدون‪ ،‬وهو الصحيح؛ فمتى (‪َ )1‬د َخ َل عليها وطئها أم ال‪ ،‬إذا خال بها‪ ،‬وجب عليها‬
‫ِ‬
‫الع َّدة‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬فمن»‪.‬‬


‫ِ‬
‫أن المطلقة قبل المسيس تُمتَّع على الموسع قدره وعلى ال ُـم ْقت ِر ُ‬
‫قدرهُ‪،‬‬ ‫وعلى َّ‬
‫طلَّ َ‬
‫ق قبل‬ ‫مفروض؛ َّ‬
‫فإنه إذا َ‬ ‫ٌ‬ ‫مهر‬
‫فإن كان لها ٌ‬ ‫مهر؛ ْ‬
‫ولكن هذا إذا لم يفرض لها ٌ‬
‫َّف المهر‪ ،‬وكفى عن المتعة‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫الدخول؛ تََنص َ‬
‫الفراق جميالً‬
‫ُ‬ ‫وعلى أنه ينبغي لمن فارق زوجته قبل ُّ‬
‫الدخول أو بعده أن يكون‬
‫الشر المترتِّب عليه‬
‫فإن في ذلك من ِّ‬‫غير جميل؛ َّ‬ ‫ٌّ‬
‫حمد فيه كل منهما اآلخر‪ ،‬وال يكون َ‬
‫َي ُ‬
‫كل منهما باآلخر شيء كثير‪.‬‬ ‫من قدح ٍّ‬

‫مفهومه ّأنه‬ ‫عد ٍة}‪َّ :‬‬


‫دل‬ ‫حق للزوج؛ لقوله‪{ :‬فما لكم عليهن من َّ‬
‫العدة ٌّ‬
‫وعلى أن َّ‬
‫ُ‬
‫لو طلَّقها بعد المسيس؛ كان له عليها عدة‪.‬‬

‫تعتد مطلقاً؛ لقوله‪{ :‬ثم طلَّ ْقتُ َّ‬


‫موهن‪ }...‬اآلية‪.‬‬ ‫أن المفارقة بالوفاة ُّ‬
‫وعلى َّ‬
‫ٍ‬
‫بموت أو‬ ‫المفارقات من الزوجات‬ ‫وعلى َّ‬
‫أن َمن عدا غير المدخول بها من‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫عليهن العدة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حياة‬
‫ﭽﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ممتنا على رسوِل ِه بإحالله له ما َّ‬
‫أحل مما يشترك هو‬ ‫{‪ }50‬يقول تعالى ًّ‬
‫آتيت‬ ‫النبي َّإنا أحلَْلنا لك أزواج َ َّ‬
‫ويختص‪{ :‬يا ُّأيها ُّ‬
‫ك الالتي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ينفرد به‬
‫ُ‬ ‫والمؤمنون وما‬
‫بينه‬
‫مهورهن من الزوجات‪ ،‬وهذا من األمور المشتركة َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أعطيتهن‬ ‫أجور ُه َّن}؛ أي‪:‬‬
‫َ‬
‫أجور ُه َّن من األزواج‪.‬‬
‫آتَ ْو ُه َّن َ‬
‫(‪)1‬‬
‫فإن المؤمنين كذلك يباح لهم َم ْن‬ ‫وبين المؤمنين؛ َّ‬
‫ك}‪:‬‬
‫ملكت‪{ ،‬م َّـما أفاء اللّه علي َ‬
‫َ‬ ‫يمينك}؛ أي‪ :‬اإلماء التي‬ ‫ت ُ‬ ‫{و} كذلك أحللنا لك {ما َملَ َك ْ‬
‫زوج لهن‪ ،‬وهذا‬ ‫وم ْن ال َ‬ ‫زوج منهم َ‬
‫لهن ٌ‬ ‫عبيد ِهم‪ ،‬واألحرار َم ْن َّ‬‫من غنيمة الكفار من ِ‬
‫وبنات ِ‬
‫خالك‬ ‫ِ‬ ‫وبنات عماتِك‬ ‫ِ‬ ‫عمك‬ ‫ِ‬
‫{وبنات ِّ‬ ‫ك‪ ،‬وكذلك من المشترك قوله‪:‬‬ ‫أيضاً مشتر ٌ‬
‫حصر‬
‫ُ‬ ‫العم والعمة والخال والخالة القريبين والبعيدين‪ ،‬وهذا‬ ‫ك}‪ :‬شمل َّ‬ ‫وبنات خاالتِ َ‬
‫ِ‬
‫عداهن من األقارب غير محلَّل؛ كما َّ‬
‫تقدم في‬ ‫َّ‬ ‫المحلالت‪ ،‬يؤخذ من مفهومه َّ‬
‫أن ما‬
‫َّ‬
‫عداهن من‬ ‫سورة النساء؛ َّ‬
‫فإنه ال ُيباح من األقارب من النساء غير هؤالء األربع‪ ،‬وما‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ما»‪.‬‬


‫الفروع مطلقاً‪ ،‬واألصول مطلقاً‪ ،‬وفروع األب واألم‪ ،‬وإ ن نزلوا‪ ،‬وفروع َم ْن فوقَهم‬
‫لصلبِ ِه؛ َّ‬
‫فإنه ال ُيباح‪.‬‬
‫هاجر َن [معك]}‪ :‬قَْي ٌد ِّ‬
‫لحل هؤالء للرسول؛ كما هو الصوابـ‬ ‫َّ‬
‫وقوله‪{ :‬الالتي َ ْ‬
‫أن هذا قيد‬ ‫من القولين في تفسير هذه اآلية‪ ،‬وأما غيره عليه الصالة والسالم؛ فقد ُعلم َّ‬
‫بمجر ِد هبتها‬
‫َّ‬ ‫للنبي}‪:‬‬
‫نفسها ِّ‬
‫وهبت َ‬ ‫ْ‬ ‫الصح ِة‪{ .‬و} أحللنا لك {امرأةً مؤمنةً إن‬
‫َّ‬ ‫لغير‬
‫نك َحها}؛ أي‪ :‬هذا تحت اإلرادة والرغبة‪{ ،‬خالصةً لك‬ ‫النبي أن يستَ ِ‬
‫أراد ُّ َ ْ‬ ‫{إن َ‬ ‫نفسها‪ْ ،‬‬
‫يحل لهم أن‬ ‫المؤمنين}؛ يعني‪ :‬إباحة الموهوبة (‪ ،)1‬وأما المؤمنون؛ فال ُّ‬ ‫َ‬ ‫من ِ‬
‫دون‬
‫ضنا عليهم في أزواجهم وما‬ ‫بمجرد هبتها نفسها لهم‪{ .‬قد َعِل ْمنا ما فَ َر ْ‬‫يتزوجوا امرأةً َّ‬ ‫َّ‬
‫يحل لهم وما ال يحل من‬‫أيمانهم}؛ أي‪ :‬قد علمنا ما على المؤمنين وما ُّ‬ ‫ملكت ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ضه فما في هذه اآلية مما‬ ‫وبيَّنا فرائ َ‬
‫أعلَ ْمناهم بذلك‪َّ ،‬‬ ‫الزوجات وملك اليمين‪ ،‬وقد ْ‬
‫خاص لك؛ لكون اللّه َج َعلَه خطاباً للرسول وحده بقوله‪{ :‬يا ُّأيها‬ ‫ٌّ‬ ‫يخالف ذلك؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫ُ‬
‫أحلَْلنا لك‪ }...‬إلى آخر اآلية‪.‬‬
‫النبي إنا ْ‬
‫ُّ‬
‫النبي ما لم ُنبِح لهم‪،‬‬
‫وأب ْحنا لك يا ُّأيها ُّ‬
‫المؤمنين}‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫وقوله‪{ :‬خالصةً لك من ِ‬
‫دون‬
‫حرج}‪ :‬وهذا من زيادة‬‫ٌ‬ ‫يكون عليك‬
‫َ‬ ‫ِّع على غيرك؛ {لكيال‬
‫َّعنا عليك ما لم نوس ْ‬
‫ووس ْ‬
‫اعتناء اللّه تعالى برسوله (ص)‪{ ،‬وكان اللّه غفوراً رحيماً}؛ أي‪ :‬لم يزل متصفاً‬
‫بالمغفرة والرحمة‪ ،‬وينزل على عباده من مغفرته ورحمته وجو ِد ِه وإ حسانِ ِه ما‬
‫أسبابه‪.‬‬
‫اقتضتْه حكمتُه‪ ،‬ووجدت منهم ُ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ‪.‬‬

‫ك‬‫أباح له تَْر َ‬
‫{‪ }51‬وهذا أيضاً من توسعة اللّه على رسوله ورحمته به أن َ‬
‫إن فَ َع َل ذلك؛ فهو تبرعٌ منه‪ ،‬ومع ذلك؛‬ ‫القَ ْسم بين زوجاتِ ِه على وجه الوجوب‪َّ ،‬‬
‫وأنه ْ‬
‫كل ٍ‬
‫شيء‪ ،‬ويقول‪« :‬اللهم! هذا قَ ْسمي فيما‬ ‫بينهن في ِّ‬
‫َّ‬ ‫يجتهد في القَ ْسم‬
‫ُ‬ ‫فقد كان (ص)‬
‫منهن}؛ أي‪ :‬تؤخر من‬ ‫أملك» (‪ ،)2‬فقال هنا‪{ :‬تُْرجي َمن تشاء َّ‬ ‫أملك؛ فال تَلُمني فيما ال ِ‬
‫ْ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬الموهبة»‪.‬‬
‫‪ - 2‬أخرجه أحمد (‪ ،)6/144‬وأبو داود (‪ ،)2134‬وابن ماجه (‪ ،)1971‬والنسائيـ (‪،)7/64‬‬
‫والترمذيـ (‪ ،)1140‬وابن حبان (‪ ،)10/5‬والحاكمـ (‪ ،)2/182‬وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬واختلفـ‬
‫تشاء}؛ أي‪:‬‬
‫تبيت عندها‪{ ،‬وتُؤوي إليك َمن ُ‬
‫أردت من زوجاتك‪ ،‬فال تؤويها إليك‪ ،‬وال ُ‬
‫َ‬
‫{ابتغيت}؛ أي‪ :‬أن‬
‫َ‬ ‫تضمها وتبيت عندها‪{ ،‬و} مع ذلك؛ ال َّ‬
‫يتعي ُـن هذا األمر‪ .‬فمن‬ ‫ُّ‬
‫كثير من‬ ‫ِّ‬ ‫عليك}‪ :‬والمعنى َّ‬
‫أن الخيرة بيدك في ذلك كله‪ .‬وقال ٌ‬ ‫َ‬ ‫تؤويها‪{ ،‬فال ُجناح‬
‫يشاء؛ أي‪ :‬إن‬
‫خاص بالواهبات له أن ُيرجي من يشاء ويؤوي من ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫المفسِّرين‪َّ :‬‬
‫إن هذا‬
‫شاء؛ قَبِ َل َم ْن َو َهَب ْ‬
‫ت نفسها له‪ ،‬وإ ن شاء؛ لم يقبلها‪ .‬واللّه أعلم‪.‬‬

‫وكون األمر راجعاً‬


‫ُ‬ ‫ثم َّبي َن الحكمةَ في ذلك‪ ،‬فقال‪{ :‬ذلك}؛ أي‪ :‬التوسعةُ عليك‬
‫َّ‬
‫يحزن‬ ‫أعيُنهُ َّن وال‬ ‫وكون ما جاء منك َّ‬
‫إليهن تبرعاً منك؛ {أدنى أن تَقََّر ُ‬ ‫ُ‬ ‫إليك وبيدك‬
‫ط في ٍّ‬
‫حق الزم‪،‬‬ ‫تفر ْ‬
‫تترك واجباً ولم ِّ‬
‫ْ‬ ‫لعلمهن َّأنك لم‬
‫َّ‬ ‫آتيتهن َّ‬
‫كلهن}‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ويرضين بما‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫والمستحبة‬ ‫{واللّه يعلم ما في قلوبكم}؛ أي‪ :‬ما يعرض لها عند أداء الحقوق الواجبة‬
‫قلوب‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫لتطمئن‬ ‫وعند المزاحمة في الحقوق؛ فلذلك شرع لك التوسعة يا رسول اللّه؛‬
‫علم ِه ْ‬
‫ع‬
‫أن َش َر َ‬ ‫زوجاتك‪{ ،‬وكان اللّه عليماً حليماً}؛ أي‪ :‬واسع العلم‪ ،‬كثير الحلم‪ ،‬و ِم ْن ِ‬
‫ِ‬ ‫حلم ِه ْ‬
‫ص َد َر منكم‪،‬‬ ‫ألجوركم‪ ،‬ومن ِ‬
‫ِ‬
‫أن لم يعاق ْب ُكم بما َ‬ ‫وأكثر‬
‫ُ‬ ‫أصلح ألموركم‬
‫ُ‬ ‫لكم ما هو‬
‫الشر‪.‬‬
‫قلوبكم من ِّ‬
‫أصرت عليه ُ‬
‫ْ‬ ‫وما‬
‫ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮑ‬
‫لزوجات رسوِل ِه رضي اللّه‬ ‫ِ‬ ‫شكر من اللّه الذي لم يزل شكوراً‬ ‫{‪ }52‬وهذا ٌ‬
‫َّ‬ ‫عنهن‪ ،‬حيث اخترن اللّه ورسولَه والدار اآلخرة؛ ْ ِ‬
‫عليهن‪،‬‬ ‫ص َر رسولَه‬ ‫أن َرح َـمهُ َّن وقَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫بعد}‪ :‬زوجاتك الموجودات‪{ ،‬وال أن تََب َّد َل َّ‬
‫بهن من‬ ‫النساء من ُ‬ ‫فقال‪{ :‬ال ُّ‬
‫يحل لك‬
‫ُ‬
‫أمنهن من الضرائر‬ ‫َّ‬ ‫فتأخ َذ َب َدلَها‪ ،‬فحصل بهذا‬ ‫َّ‬
‫بعضهن ُ‬ ‫أزواج}؛ أي‪ :‬وال أن تطلِّ َ‬
‫ق‬
‫َّ‬
‫وبينهن‬ ‫أنهن زوجاتُه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ال يكون بينه‬ ‫ألن اللّه قضى َّ‬
‫ومن الطالق؛ َّ‬
‫ملكت‬
‫ْ‬ ‫غيرهن؛ فال َي ْـحلُْل َن لك‪{ ،‬إالَّ ما‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫حسنهن}؛ أي‪ :‬حسن‬ ‫فرقة‪{ ،‬ولو أعجبك‬
‫ألن المملوكات في كراهة الزوجات لَ ْس َن‬ ‫جائز لك؛ َّ‬
‫يمينك}؛ أي‪ :‬السراري؛ فذلك ٌ‬
‫ُ‬
‫شيء َرقيباً}؛ أي‪:‬‬ ‫بمنزلة الزوجات في اإلضرار للزوجات‪{ .‬وكان اللّه على كل ٍ‬
‫مراقباً لألمور وعالماً بما إليه تؤول وقائماً بتدبيرها على أكمل نظام وأحسن إحكام‪.‬‬

‫في وصله وإ رساله‪ ،‬وانظر‪« :‬األرواء» (‪.)2018‬‬


‫ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ‬ ‫ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫بالتأدب مع رسول اهلل (ص) في دخول‬ ‫عباده المؤمنين ُّ‬ ‫{‪ }53‬يأمر تعالى َ‬
‫النبي إالَّ أن ُي ْؤ َذ َن لكم إلى طعام}؛‬
‫تدخلوا بيوت ِّ‬ ‫بيوتِ ِه‪ ،‬فقال‪{ :‬يا ُّأيها الذين آمنوا ال ُ‬
‫{ناظرين إناه}؛‬
‫َ‬ ‫إذن للدخول فيها ألجل الطعام‪ ،‬وأيضاً ال تكونوا‬ ‫تدخلوها بغير ٍ‬‫أي‪ :‬ال ُ‬
‫صدر بعد الفراغ منه‪ .‬والمعنى‪ :‬أنكم‬ ‫أي‪ :‬منتظرين ومتأنين النتظار نضجه أو سعة ٍ‬
‫ِ‬
‫بمقدار‬ ‫جلوسكم‬ ‫وأن يكون‬ ‫تدخلوا بيوت ِّ َّ‬
‫ُ‬ ‫النبي إال بشرطين‪ :‬اإلذن لكم بالدخول‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ال ُ‬
‫سين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاد ُخلوا فإذا َ ِ‬
‫طع ْمتُم فانتَشروا وال ُم ْستَأن َ‬ ‫{ولكن إذا ُدعيتُم ْ‬
‫ْ‬ ‫الحاجة‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫لحديث}؛ أي‪ :‬قبل الطعام وبعده‪.‬‬‫ٍ‬

‫ثم َّبين حكمةَ النهي وفائدتَه‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬


‫{إن ذلكم}؛ أي‪ :‬انتظاركم الزائد على‬
‫حبسكم َّإياه عن شؤون بيتِ ِه‬ ‫ُّ‬
‫ويشق عليه ُ‬ ‫النبي}؛ أي‪ :‬يتكلَّف منه‬
‫الحاجة {كان يؤذي َّ‬
‫اخرجوا! كما هو جاري العادة أن‬ ‫{في ْستَحيي منكم}‪ :‬أن يقو َل لكم‪ُ :‬‬ ‫وأشغاله فيه‪َ ،‬‬
‫يون أن ُي ْـخ ِرجوا الناس من مساكنهم‪{ ،‬و}‬ ‫الناس ـ خصوصاً أهل الكرم منهم ـ َي ْستَ ْح َ‬
‫ترك ِه أدباً‬
‫أن في ِ‬ ‫الشرعي‪ ،‬ولو كان ُيتََو َّهم َّ‬
‫ُّ‬ ‫الحق}‪ :‬فاألمر‬ ‫ِّ‬ ‫لكن {اللّه ال َي ْستَ ْحيي من‬
‫أن ما خالفه ليس‬ ‫يجزم َّ‬ ‫وأن‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫الشرعي‬
‫ِّ‬ ‫األمر‬ ‫باع‬
‫ُ‬ ‫فإن (‪ )1‬الحزم َّ‬
‫كل الحزم اتِّ‬ ‫وحياء؛ َّ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫والرفق‬ ‫الخير لكم‬ ‫من األدب في ٍ‬
‫ُ‬ ‫يأم َركم بما فيه ُ‬ ‫أن ُ‬ ‫شيء‪ ،‬واللّه تعالى ال يستحيي ْ‬
‫لرسوله كائناً ما كان‪.‬‬

‫إما‬ ‫أدبهم معه في خطاب زوجاتِ ِه؛ َّ‬


‫فإنه‪َّ :‬‬ ‫أدبهم في الدخول في بيوته‪ ،‬وأما ُ‬
‫فهذا ُ‬
‫يحتاج إليه؛ فإن لم يحتج إليه؛ فال حاجة إليه‪ ،‬واألدب تر ُكه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يحتاج إلى ذلك‪ ،‬أو ال‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫هن ُي ْسأْل َن‬ ‫يسألهن متاعاً أو غيره من أواني البيت أو نحوها؛ َّ‬
‫فإن َّ‬ ‫َّ‬ ‫كأن‬
‫وإ ن احتيج إليه‪ْ ،‬‬
‫ستر يستر عن النظر؛ لعدم الحاجة إليه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وبينهن ٌ‬ ‫حجاب}؛ أي‪ :‬يكون بينكم‬ ‫وراء‬ ‫{من‬
‫َّ‬
‫وكالمهن فيه التفصي ُل الذي ذكره اللّه‪ .‬ثم ذكر‬ ‫إليهن ممنوعاً ِّ‬
‫بكل حال‪،‬‬ ‫فصار النظر َّ‬
‫أبعد عن الريبة‪ ،‬وكلَّما َب ُع ُد‬ ‫وقلوبهن}؛ َّ‬
‫ألنه ُ‬ ‫َّ‬ ‫أطهر لقلوبكم‬
‫حكمةَ ذلك بقوله‪{ :‬ذل ُكم ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬فإنه»‪.‬‬


‫وأطهر لقلبِ ِه؛ فلهذا من األمور‬
‫ُ‬ ‫أسلم له‬ ‫الشر؛ َّ‬
‫فإنه ُ‬
‫ِ‬
‫الداعية إلى ِّ‬ ‫اإلنسان عن األسباب‬
‫الشر وأسبابه ِّ‬
‫ومقدماته‬ ‫جميع وسائل ِّ‬
‫َ‬ ‫الشرعية التي َّبين اللّه كثيراً من تفاصيلها َّ‬
‫أن‬ ‫َّ‬
‫ممنوعةٌ‪ ،‬وأنه مشروعٌ البعد عنها ِّ‬
‫بكل طريق‪.‬‬

‫ثم قال كلمةً جامعةً وقاعدةً عامةً‪{ :‬وما كان لكم}‪ :‬يا معشر المؤمنين؛ أي‪:‬‬
‫أقبح شيء‪{ ،‬أن تُؤذوا رسو َل اللّه}؛ أي‪َّ :‬‬
‫أذية‬ ‫ٍ‬
‫مستحسن منكم‪ ،‬بل هو ُ‬ ‫غير الئ ٍ‬
‫ق وال‬
‫أزواجه من بعده أبداً}‪ :‬هذا من‬ ‫نكحوا‬‫فعلية بجميع ما يتعلَّق به‪{ ،‬وال أن تَ ِ‬
‫قولية أو َّ‬‫َّ‬
‫َ‬
‫وتزو ُج زوجاتِ ِه َ‬
‫بعده‬ ‫ِ‬
‫والرفعة واإلكرام‪ُّ ،‬‬ ‫مقام التعظيم‬
‫فإنه (ص) له ُ‬ ‫جملة ما يؤذيه؛ َّ‬
‫َّ‬
‫والزوجيةُ باقيةٌ بعد‬ ‫فإنهن زوجاتُه في ُّ‬
‫الدنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ٌّ‬
‫مخل بهذا المقام‪ ،‬وأيضاً؛‬
‫ـحل نكاح زوجاتِ ِه بعده ٍ‬
‫ألحد من أمته‪َّ .‬‬
‫{إن ذلكم كان عند اللّه‬ ‫موته؛ فلذلك ال ي ُّ ُ‬
‫واجتنبت ما نهى اللّه عنه منه‪ ،‬وللّه الحمد‬
‫ْ‬ ‫امتثلت هذه األمة هذا األمر‪،‬‬
‫ْ‬ ‫عظيماً}‪ :‬وقد‬
‫والشكر‪.‬‬

‫{أو تُخفوه َّ‬


‫فإن اللّه كان‬ ‫{‪ }54‬ثم قال تعالى‪{ :‬إن تُْبدوا شيئاً}؛ أي‪ :‬تظهروه‪ْ ،‬‬
‫بكل ٍ‬
‫شيء عليماً}‪ :‬يعلم ما في قلوبكم‪ ،‬وما أظهرتموه؛ فيجازيكم عليه‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ‬ ‫ﭭ ﭮ‬ ‫ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫أنهن ال ُيسألن متاعاً إالَّ من وراء حجاب‪ ،‬وكان اللفظُ ًّ‬
‫عاما‬ ‫{‪ }55‬ل َّـما ذكر َّ‬
‫ناح‬ ‫احتيج أن ُيستثنى منه هؤالء المذكورون من المحارم‪َّ ،‬‬ ‫لكل ٍ‬‫ِّ‬
‫وأنه {ال ُج َ‬ ‫َ‬ ‫أحد؛‬
‫هن إذا لم‬ ‫عليهن} في عدم االحتجاب عنهم‪ ،‬ولم يذكر فيها األعمام واألخوال؛ َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫رفعتهن عليهم؛ فعدم‬ ‫َي ْـحتَ ِج ْب َن َّ‬
‫عمن َّ‬
‫هن عماته وخاالته من أبناء اإلخوة واألخوات مع‬
‫المصرحة‬
‫ِّ‬ ‫وخالهن من باب أولى‪َّ ،‬‬
‫وألن منطوق اآلية األخرى‬ ‫َّ‬ ‫عم َّ‬
‫هن‬ ‫َّ‬
‫احتجابهن عن ِّ‬
‫َّ‬
‫نسائهن}؛ أي‪ :‬ال‬ ‫العم والخال َّ‬
‫مقدمة على ما ُيفهم من هذه اآلية‪ ،‬وقوله‪{ :‬وال‬ ‫بذكر ِّ‬
‫َّ‬
‫جنسهن في الدين‪ ،‬فيكون‬ ‫َّ‬
‫نسائهن؛ أي‪ :‬الالتي من‬ ‫جناح عليهن أن ال يحتجبن عن‬
‫أن المراد جنس النساء؛ َّ‬
‫فإن المرأة ال تحتجب عن‬ ‫ويحتمل َّ‬
‫ذلك مخرجاً لنساء الكفار‪ُ ،‬‬
‫أيمانـهُ َّن}‪ :‬ما دام ُ‬
‫العبد في ملكها جميعه‪ ،‬ولما رفع الجناح عن‬ ‫ت ُ‬ ‫المرأة‪{ ،‬وال ما َملَ َك ْ‬
‫شرعي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫محذور‬
‫ٌ‬ ‫وأن ال يكون في ذلك‬
‫لزوم تقوى اللّه‪ْ ،‬‬
‫ط فيه وفي غيره َ‬ ‫هؤالء؛ َش َر َ‬
‫قين اللّه}؛ أي‪ :‬استعمْل َن تقواه في جميع األحوال‪{ .‬إن اللّه كان على ِّ‬
‫كل‬ ‫فقال‪{ :‬واتَّ َ‬
‫شيء شهيداً}‪ :‬يشهد أعمال العباد ظاهرها وباطنها‪ ،‬ويسمعُ أقوالهم‪ ،‬ويرى حركاتِـ ِهم؛‬ ‫ٍ‬
‫أتم الجزاء وأوفاه‪.‬‬‫ثم يجازيهم على ذلك َّ‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ‬
‫ورفعة درجتِ ِه ِّ‬
‫وعلو منزلته‬ ‫ِ‬ ‫{‪ }56‬وهذا فيه تنبيهٌ على كمال رسول اللّه (ص)‬
‫{إن اللّه} تعالى {ومالئكتَه يصلُّون} عليه؛ أي‪:‬‬
‫عند اللّه وعند خلقه ورفع ِذ ْك ِر ِه‪ ،‬و َّ‬
‫ويثني عليه المالئكة‬ ‫ِ‬
‫المالئكة وفي المأل األعلى ل َّ‬
‫ـمحبته تعالى له‪ُ ،‬‬ ‫يثني اللّه عليه بين‬
‫ويتضرعون‪{ .‬يا ُّأيها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً}‪:‬‬
‫َّ‬ ‫المقربون‪ ،‬ويدعون له‬‫َّ‬
‫وجزاء له على بعض حقو ِق ِه عليكم‪ ،‬وتكميالً إليمانكم‪ ،‬وتعظيماً‬
‫ً‬ ‫اقتداء باللّه ومالئكته‪،‬‬
‫ً‬
‫له (ص) ومحبةً وإ كراماً‪ ،‬وزيادةً في حسناتكم‪ .‬وتكفيراً من سيئاتكم‪ ،‬وأفض ُل هيئات‬
‫صل على محمد‬‫«اللهم ِّ‬
‫َّ‬ ‫الصالة عليه ـ عليه الصالة والسالم ـ ما علَّم به أصحابه‪:‬‬
‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫ٍ‬
‫محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على‬ ‫وعلى آل‬
‫مجيد» (‪ .)1‬وهذا األمر‬
‫حميد ٌ‬ ‫ٍ‬
‫محمد كما باركت على آل إبراهيم َّإنك ٌ‬ ‫وعلى آل‬
‫كثير من العلماء في‬
‫وأوجبه ٌ‬
‫َ‬ ‫بالصالة والسالم عليه مشروعٌ في جميع األوقات‪،‬‬
‫الصالة‪.‬‬
‫ﭽﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ 57‬ـ ‪ }58‬لما أمر تعالى بتعظيم رسوله (ص) والصالة والسالم عليه؛ نهى‬
‫أذية‬ ‫يؤذون اللّه ورسولَه}‪ :‬وهذا يشم ُل َّ‬
‫كل َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وتوعد عليها‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫{إن الذين‬ ‫عن َّ‬
‫أذيته‪،‬‬
‫سب وشتم أو تنقُّص له أو لدينه أو ما يعود إليه باألذى‪{ ،‬لَ َعَنهُ ُم اللّه‬ ‫قولية أو َّ‬
‫فعلية من ٍّ‬ ‫َّ‬
‫الدنيا}؛ أي‪ :‬أبعدهم وطردهم‪ ،‬و ِم ْن لَ ْعنِ ِهم في ُّ‬
‫الدنيا أنه يتحتَّم (‪ )2‬قت ُل من شتم‬ ‫في ُّ‬
‫جزاء له على أذاه أن ُيؤذى‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫وأعد لهم عذاباً [مهيناً]} (‪:)3‬‬ ‫الرسول وآذاه‪{ ،‬واآلخر ِة‬

‫‪ - 1‬أخرجه البخاريـ (‪ ،)6357‬ومسلمـ (‪ )406‬من حديث كعب بن عجرة‪ .‬وانظر «جالء‬


‫األفهام» البن القيم‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬يحتم»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في النسختين‪« :‬أليما»‪.‬‬
‫غير ِه؛ َّ‬
‫ألنه صلى اللّه عليه وسلم ال‬ ‫كأذية ِ‬
‫فأذية الرسول ليست َّ‬ ‫ِ‬
‫بالعذاب [األليم] (‪َّ ،)1‬‬
‫ِ‬
‫اإليمان ما‬ ‫يؤمن برسوله‪ ،‬وله من التعظيم الذي هو من لوازم‬ ‫يؤ ِمن ُ‬
‫العبد باللّه حتى َ‬
‫أذيةُ المؤمنين عظيمةً وإ ثمهُا عظيماً‪،‬‬ ‫غير ِه‪ ،‬وإ ْن كان َّ‬
‫مثل ِ‬
‫يكون َ‬
‫أن ال َ‬ ‫يقتضي ذلك ْ‬
‫ِ‬
‫والمؤمنات بغير ما ا ْكتَ َسبوا}؛ أي‪ :‬بغير‬ ‫يؤذون المؤمنين‬ ‫ولهذا قال فيها‪{ :‬والذين‬
‫َ‬
‫{بهتاناً}‪ :‬حيث آ َذ ْوهم بغير‬ ‫ِ‬ ‫موجبة لألذى‪ِ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ظهورهم ُ‬ ‫احتَ َملوا}‪ :‬على‬
‫{فقد ْ‬ ‫جناية منهم‬
‫ِ‬
‫باحترامها‪ ،‬ولهذا كان‬ ‫ٍ‬
‫سبب‪{ ،‬وإ ثماً مبيناً}‪ :‬حيث َّ‬
‫َمر اللّهُ‬
‫تعد ْوا عليهم وانتهكوا حرمةً أ َ‬
‫فتعزير َم ْن َّ‬
‫سب‬ ‫ُ‬ ‫وعلو مرتبتِ ِه؛‬
‫سب آحاد المؤمنين موجباً للتعزير بحسب حالته ِّ‬ ‫ُّ‬
‫وتعزير من َّ‬
‫سب العلماء وأهل الدين أعظم من غيرهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الصحابة أبلغُ‪،‬‬
‫ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭼ ‪.‬‬

‫يأم َر النساء‬ ‫تسمى آية الحجاب‪ ،‬فأمر اللّه َّ‬


‫نبيه أن ُ‬ ‫{‪ }59‬هذه اآلية هي التي َّ‬
‫غيرهن‪َّ ،‬‬
‫وألن (‪ )2‬اآلمر لغيره ينبغي أن‬ ‫َّ‬ ‫آكد من‬
‫هن ُ‬ ‫عموماً‪ ،‬ويبدأ بزوجاتِ ِه وبناتِ ِه ـ َّ‬
‫ألن َّ‬

‫يبدأ بأهله قبل غيرهم؛ كما قال تعالى‪{ :‬يا ُّأيها الذين آمنوا قُوا َ‬
‫أنفسكم وأهليكم ناراً}‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وخمار‬ ‫ٍ‬
‫ملحفة‬ ‫وهن الالَّتي َي ُك َّن فوق الثياب من‬
‫هن}‪َّ :‬‬ ‫عليهن من جالبيبِ َّ‬ ‫َّ‬ ‫نين‬
‫{أن ُي ْد َ‬
‫وصدورهن‪ ،‬ثم ذكر حكمة ذلك‪ ،‬فقال‪{ :‬ذلك‬ ‫َ‬ ‫وجوههن‬
‫َ‬ ‫ورداء ونحوه؛ أي‪ :‬يغطِّين بها‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬
‫ألنهن إذا لم‬ ‫أذي ٍة إن لم يحتَ ِج ْبن‪ ،‬وذلك‬
‫دل على وجود َّ‬ ‫أدنى أن ُي ْعر ْف َن فال ُي ْؤ َذ ْي َن}‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫فيؤذيهن‪،‬‬ ‫مرض‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فيتعرض لَه َّن م ْن في ِ‬
‫قلبه‬ ‫ٍ‬
‫عفيفات‪َّ ،‬‬ ‫ظن َّ‬
‫أنهن غير‬ ‫ربما َّ‬ ‫يحتج ْبن‪َّ ،‬‬‫ِ‬
‫ُ َ‬
‫حاسم‬
‫ٌ‬ ‫فاالحتجاب‬
‫ُ‬ ‫الشر؛‬
‫يريد َّ‬
‫بهن من ُ‬‫أنهن إماء‪ ،‬فتهاون َّ‬
‫بهن‪ ،‬وظُ َّن َّ‬
‫وربما استُهين َّ‬
‫ور ِح َـم ُكم‬
‫ف َ‬ ‫لمطامع الطامعين َّ‬
‫فيهن‪{ .‬وكان اللّه غفوراً رحيماً}‪ :‬حيث غفر لكم ما َسلَ َ‬
‫َّ‬
‫جهتهن‪.‬‬ ‫بأن َّبين لكم األحكام وأوضح الحالل والحرام؛ فهذا ٌّ‬
‫سد للباب من‬

‫المنافقون‬ ‫توعدهم بقوله‪{ :‬لئن لم ِ‬


‫ينته‬ ‫الشر؛ فقد َّ‬
‫{‪ 60‬ـ ‪ }61‬وأما من جهة أهل ِّ‬
‫َ‬
‫مرض}؛ أي‪ :‬مرض ٍّ‬
‫شك أو شهو ٍة‪{ ،‬والمر ِجفون في المدينة}؛ أي‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫والذين في قلوبهم‬

‫‪ - 1‬كذا في النسختين‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬وألنه»‪.‬‬
‫وقوتِ ِهم وضعف المسلمين‪ ،‬ولم‬
‫المتحدثون بكثرتِ ِهم َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِّ‬ ‫المخوفون المر ِهبون األعداء‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وتوسو ُس‬ ‫أنفسهم إليهم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ليعم ذلك كل ما توحي به ُ‬‫المعمول الذي ينتهون عنه؛ َّ‬
‫َ‬ ‫يذكر‬
‫بسب اإلسالم وأهله‪ ،‬واإلرجاف بالمسلمين‪،‬‬ ‫الشر من التعريض ِّ‬
‫به‪ ،‬وتدعو إليه من ِّ‬
‫والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة‪ .‬وغير ذلك من المعاصي‬
‫ُّ‬ ‫وتوهين قُواهم‪،‬‬
‫الصادرة من أمثال هؤالء‪.‬‬

‫ك بهم}؛ أي‪ :‬نأمرك بعقوبتهم وقتالهم ونسلِّطك عليهم‪ ،‬ثم إذا فعلنا ذلك؛‬ ‫{لَُن ْغ ِرَيَّن َ‬
‫ك فيها إالَّ‬
‫رون َ‬ ‫ال طاقةَ لهم بك‪ ،‬وليس لهم قوةٌ وال امتناعٌ‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬ثم ال ِ‬
‫يجاو َ‬
‫قليالً}؛ أي‪ :‬ال يجاورونك في المدينة إالَّ قليالً؛ بأن تقتُلَهم أو تنفيهم‪ ،‬وهذا فيه دلي ٌل‬
‫للشر وأبعد‬
‫فإن ذلك أحسم ِّ‬ ‫ض َّرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين؛ َّ‬ ‫الشر الذين ُيتَ َ‬
‫لنفي أهل ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{ملعونين أينما ثُقفوا أُخذوا وقُتِّلوا تَ ْقتيالً}؛ أي‪َ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حيث‬
‫مبعدين ُ‬ ‫َ‬ ‫ويكونون‬
‫َ‬ ‫منه‪،‬‬
‫قرار‪ ،‬يخشون أن ُيقتلوا أو ُيحبسوا أو‬
‫ٌ‬ ‫لهم‬ ‫(‪)3‬‬
‫يقر‬
‫أمن‪ ،‬وال ُّ‬
‫يحص ُل لهم ٌ‬‫ُ‬ ‫ُو ِجدوا‪ ،‬ال‬
‫يعاقَبوا‪.‬‬

‫وتجرأ‬ ‫ِ‬
‫العصيان َّ‬ ‫أن َمن تمادى في‬ ‫{سَّنةَ اللّه في الذين َخلَ ْوا من قب ُل}‪َّ :‬‬
‫{‪ُ }62‬‬
‫لسن ِة اللّه تبديالً}؛ أي‪:‬‬
‫{ولن تَـ ِج َد َّ‬
‫فإنه يعاقَب عقوبةً بليغةً‪ْ ،‬‬ ‫على األذى ولم ِ‬
‫ينته منه؛ َّ‬
‫تغييراً‪ ،‬بل سنته تعالى وعادتُه جاريةٌ مع األسباب المقتضية ألسبابها‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮒ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫وبعضهم تكذيباً‬
‫ُ‬ ‫الناس عن الساعة استعجاالً لها‪،‬‬
‫{‪ }63‬أي‪ :‬يستخبرك ُ‬
‫{إنما علمها عند اللّه}؛ أي‪ :‬ال يعلمها إالَّ‬
‫لوقوعها وتعجيزاً للذي أخبر بها‪ُ { ،‬قل} لهم‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ك َّ‬
‫لعل‬ ‫تستبطئوها‪{ ،‬وما ُي ْدري َ‬
‫(‪)4‬‬
‫علم‪ ،‬ومع هذا؛ فال‬
‫اللّه؛ فليس لي وال لغيري بها ٌ‬
‫تكون قريباً}‪.‬‬
‫الساعةَ ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬المحدثون»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬أين»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬وال يقرر»‪.‬‬
‫‪ - 4‬في (ب)‪« :‬قد تستبطئونها»‪.‬‬
‫ومجرد مجيء الساعة قرباً وبعداً ليس تحته نتيجةٌ وال فائدةٌ‪ ،‬وإ َّنما‬
‫ُ‬ ‫{‪ 64‬ـ ‪}66‬‬
‫ُّ‬
‫يستحق‬ ‫العبد العذاب أو‬ ‫ُّ‬
‫يستحق ُ‬ ‫والسعادة‪ :‬هل‬ ‫(‪)5‬‬
‫النتيجة والخسار والربح والشقاوة‬
‫مستحق العذاب ووصف‬ ‫َّ‬ ‫وأصف لكم مستحقَّها‪ ،‬فوصف‬
‫ُ‬ ‫الثواب؛ فهذه سأخبركم بها‬
‫إن اللّه‬ ‫ِّ‬
‫المكذبين بالساعة‪ ،‬فقال‪َّ { :‬‬ ‫منطبق على هؤالء‬
‫ٌ‬ ‫العذاب؛ َّ‬
‫ألن الوصف المذكور‬
‫وبرسِل ِه وبما جاؤوا‬
‫ُ‬ ‫لَ َع َن الكافرين}؛ أي‪ :‬الذين صار الكفر دأبهم وطريقتهم الكفر باللّه‬
‫َّ‬
‫{وأعد لهم‬ ‫به من عند اللّه‪ ،‬فأبعدهم في الدنيا واآلخرة من رحمته‪ ،‬وكفى بذلك عقاباً‪،‬‬
‫سعيراً}؛ أي‪ :‬ناراً موقدةً تُ َسع َُّر في أجسامهم‪ ،‬ويبلغُ العذاب إلى أفئدتهم‪ ،‬ويخلدون في‬
‫يخرجون منه‪ ،‬وال ُيفَتَُّر عنهم ساعةً‪{ ،‬وال يجدون} لهم‬
‫َ‬ ‫ذلك العذاب الشديد‪ ،‬فال‬
‫العذاب‪ ،‬بل قد تخلَّـى عنهم العلي‬
‫َ‬ ‫{وليا}‪ :‬فيعطيهم ما طلبوه {وال نصيراً}‪ :‬يدفعُ عنهم‬ ‫ًّ‬
‫ب‬ ‫َّ‬
‫عذاب السعير‪ ،‬وبلغ منهم مبلغاً عظيماً‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬يوم تَُقل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ط بهم‬ ‫النصير وأحا َ‬
‫أمرها‪ ،‬ويتحسرون على ما أسلفوا‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ويشتد عليهم ُ‬ ‫حرها‪،‬‬‫النار}‪ :‬فيذوقون َّ‬ ‫وجوههم في ِ‬ ‫ُ‬
‫طعنا الرسوال}‪ِ :‬‬
‫فسل ْمنا من هذا العذاب‪ ،‬واستَ ْحقَقنا‬ ‫ط ْعنا اللّه وأ َ ْ‬
‫{يقولون يا لَْيتَنا أ َ‬
‫َ‬ ‫و‬
‫وهما‬
‫فات وقتُها‪ ،‬فلم تفدهم إال حسرةً وندماً ًّ‬ ‫كالمطيعين جزي َل الثواب‪ ،‬ولكن أمنية َ‬
‫وغما وألماً‪.‬‬
‫ًّ‬
‫ط ْعنا سادتنا وكبراءنا}‪ :‬وقلَّ ْدناهم على ضاللهم‪،‬‬ ‫ربنا َّإنا أ َ‬
‫{‪{ }67‬وقالوا َّ‬
‫ت‬
‫ـخ ْذ ُ‬ ‫ض الظالم على ِ‬
‫يديه يقو ُل يا ليتني اتَّ َ‬ ‫ُ‬ ‫{فأضلُّونا السبيال}؛ كقوله تعالى‪{ :‬ويوم َي َع ُّ‬ ‫َ‬
‫الذ ْكر [بعد إذ‬‫الرسول سبيالً‪ .‬يا وْيلتى لَْيتَني لم أتَّ ِخ ْذ فالناً خليالً‪ .‬لقد أضلَّني عن ِّ‬
‫ِ‬ ‫مع‬
‫َ‬
‫جاءني]‪ }...‬اآلية‪.‬‬

‫{‪ }68‬ولما علموا َّأنهم هم وكبراءهم مستحقُّون للعقاب؛ أرادوا أن يشتفوا م َّـم ْن‬
‫ض ْعفَْي ِن من العذاب واْل َع ْنهم لَعناً كبيراً}‪ :‬فيقول اللّه ٍّ‬
‫{لكل‬ ‫أضلُّوهم‪ ،‬فقالوا‪َّ :‬‬
‫{ربنا آتهم ِ‬
‫ضعف}‪ :‬فكلُّكم اشتركتُم في الكفر والمعاصي‪ ،‬فتشتركون في العقاب‪ ،‬وإ ْن تفاوت‬
‫ِ‬
‫تفوات الجرم‪.‬‬ ‫بعضكم على بعض بحسب‬ ‫عذاب ِ‬
‫ُ‬
‫‪.‬‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ‬ ‫ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬

‫‪ - 5‬في (ب)‪« :‬والشقا»‪.‬‬


‫النبي الكريم‬ ‫ٍ‬
‫محمد (ص) ِّ‬ ‫عباده المؤمنين عن َّ‬
‫أذية رسولهم‬ ‫{‪ِّ }69‬‬
‫يحذر تعالى َ‬
‫بضد ما يجب له من اإلكرام واالحترام‪ ،‬وأن ال َّ‬
‫يتشبهوا‬ ‫الرءوف الرحيم‪ ،‬فيقابلوه ِّ‬
‫فبرأه اللَّه مما قالوا من َّ‬
‫األذية؛ أي‪:‬‬ ‫بحال الذين آ َذ ْوا موسى بن عمران كليم الرحمن‪َّ ،‬‬
‫أظهر اللّه لهم براءته‪ ،‬والحا ُل َّأنه عليه الصالة والسالم ليس َّ‬
‫محل التهمة واألذية؛‬
‫(‪)1‬‬
‫خواص المرسلين‪ ،‬ومن عباد اللّه‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫فإنه كان وجيهاً عند اللّه‪ ،‬مقرباً لديه‪ ،‬من‬
‫والتعرض له بما يكره‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫المخلَصين‪ ،‬فلم يزجرهم ما له من الفضائل عن َّ‬
‫أذيته‬
‫َّ‬
‫واألذية المشار إليها هي قو ُل بني‬ ‫تتشبهوا بهم في ذلك‪،‬‬‫فاحذروا ُّأيها المؤمنون أن َّ‬
‫شدة حيائِ ِه وتستُّره عنهم‪َّ :‬إنه ما يمنعه من ذلك إالَّ‬
‫إسرائيل عن موسى (‪ )2‬لما رأوا َّ‬
‫ُ‬
‫يبرئه منهم‪،‬‬
‫آدر؛ أي‪ :‬كبير الخصيتين‪ ،‬واشتهر ذلك عندهم‪ ،‬فأراد اللّه أن ِّ‬ ‫َّأنه ُ‬
‫ففر الحجر بثوبه‪ ،‬فأهوى موسى عليه السالم‬
‫فاغتسل يوماً‪ ،‬ووضع ثوبه على حجر‪َّ ،‬‬
‫فمر به على مجالس بني إسرائيل‪ ،‬فرأوه أحسن خلق اللّه‪ ،‬فزال عنه ما‬
‫في طلبه‪َّ ،‬‬
‫رموه به (‪.)3‬‬
‫ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﭼ‪.‬‬

‫السر والعالنية‪،‬‬ ‫ِ‬


‫أحوال ِهم في ِّ‬ ‫{‪ }70‬يأمر تعالى المؤمنين بتقواه في جميع‬
‫ويخص منها ويندب للقول السديد‪ ،‬وهو القول الموافق للصوابـ أو المقارب له عند‬
‫ُّ‬
‫وأمر بمعروف ونهي عن منكر وتعلُّم علم وتعليمه‬
‫وذكر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قراءة ٍ‬ ‫ُّ‬
‫تعذر اليقين من‬
‫ِ‬
‫موصل لذلك‬ ‫العلمية وسلوك ِّ‬
‫كل طريق‬ ‫َّ‬ ‫والحرص على إصابة الصواب في المسائل‬
‫لين الكالم ولطفُه في مخاطبة األنام والقول‬ ‫ٍ‬
‫وكل وسيلة تُعين عليه‪ .‬ومن القول السديد ُ‬
‫للنصح واإلشارة بما هو األصلح‪.‬‬‫المتضمن ُّ‬
‫ِّ‬
‫صِل ْح لكم‬ ‫ِ‬
‫{‪ }71‬ثم َذ َك َر ما يترتَّب على تقواه وقول القول السديد‪ ،‬فقال‪ُ :‬‬
‫{ي ْ‬
‫ألن استعمال التقوى تُتَقََّب ُل‬
‫أعمالَكم}؛ أي‪ :‬يكون ذلك سبباً لصالحها وطريقاً لقَبولها؛ َّ‬
‫قين}‪ :‬ويوفَّق فيه اإلنسان للعمل‬ ‫يتقب ُل اللّه من المتَّ َ‬ ‫به األعمال؛ كما قال تعالى‪َّ :‬‬
‫{إنما َّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬عباده»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬لموسى»‪.‬‬
‫‪ - 3‬أخرجه البخاريـ (‪ ،)3404‬ومسلمـ (‪ )339‬من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه‪.‬‬
‫وحفظ ثوابها ومضاعفتِ ِه؛‬
‫ِ‬ ‫صِل ُح اللّه األعمال أيضاً بحفظها عما ُي ْف ِس ُدها‬
‫وي ْ‬
‫الصالح‪ُ ،‬‬
‫لفساد األعمال وعدم قَبولها وعدم ترتب‬ ‫ِ‬ ‫سبب‬
‫أن اإلخالل بالتقوى والقول السديد ٌ‬ ‫كما َّ‬
‫آثارها عليها‪{ ،‬وي ْغ ِفر لكم}‪ :‬أيضاً {ذنوبكم}‪ :‬التي هي السبب في ِ‬
‫هالك ُكم؛ فالتَّ ْقوى‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫{ومن ُي ِطع اللّهَ ورسولَه فقد‬ ‫ُّ‬
‫تستقيم بها األمور‪ ،‬ويندفعُ بها كل محذور‪ ،‬ولهذا قال‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫فاز فوزاً عظيماً}‪.‬‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬ ‫ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭼ‪.‬‬

‫ائتمن اللَّه عليها المكلَّفين‪ ،‬التي هي امتثال‬ ‫شأن األمانةَ التي‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫{‪ }72‬يعظم تعالى َ‬
‫ضها‬ ‫السر والخفية كحال العالنية‪َّ ،‬‬
‫وأنه تعالى َع َر َ‬ ‫األوامر واجتناب المحارم في حال ِّ‬
‫وأن ِك‬ ‫ٍ‬
‫تخيير ال تحتيم‪َّ ،‬‬ ‫عرض‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السماوات واألرض والجبال‬ ‫على المخلوقات العظيمة‬
‫ِ‬
‫فعليك‬ ‫الثواب‪ ،‬وإ ْن لم تَقومي بها ولم ِّ‬
‫تؤديها؛‬ ‫وأد ْيتِيها على وجهها؛ ِ‬
‫فلك‬ ‫قمت بها َّ‬ ‫إن ِ‬
‫ُ‬
‫يقمن بما حملن‪ ،‬ال عصياناً‬ ‫ِ‬
‫{فأب ْي َن أن َي ْـحمْلَنها وأشفَ ْق َن منها}؛ أي‪ :‬خوفاً أن ال َ‬
‫العقاب‪َ ،‬‬
‫لربِّهن وال زهداً في ثوابه‪ ،‬وعرضها اللّه على اإلنسان على ذلك الشرط المذكور‪،‬‬
‫وجهل ِه‪ ،‬وحمل هذا الحمل الثقيل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ظلم ِه‬
‫فقَبِلَها وحملها مع ِ‬

‫وعدم ِه إلى ثالثة أقسام‪ :‬منافقون‬


‫ِ‬ ‫{‪ }73‬فانقسم الناس بحسب قيامهم بها‬
‫[أظهروا أنهم] قاموا بها ظاهراً ال باطناً‪ ،‬ومشركون تركوها ظاهراً وباطناً‪،‬‬
‫فذكر اللّه تعالى أعما َل هذه األقسام الثالثة وما‬
‫ومؤمنون قائمون بها ظاهراً وباطناً‪َ .‬‬
‫والمشركين‬ ‫ِ‬
‫والمنافقات‬ ‫المنافقين‬ ‫ب اللّه‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫{ليعذ َ‬ ‫والعقاب‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫الثواب‬ ‫لهم من‬
‫ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات وكان اللّه غفوراً رحيماً}‪ :‬فله‬ ‫ِ‬
‫والمشركات‬
‫َ‬
‫الحمد حيث َختَ َم هذه اآلية بهذين االسمين الكريمين الدالَّْين على تمام مغفر ِة اللّه‬
‫ُ‬ ‫تعالى‬
‫َّ‬
‫يستحق المغفرة‬ ‫كثير‪ ،‬منهم لم‬
‫أن المحكوم عليهم ٌ‬ ‫وسعة رحمتِ ِه وعموم جوده‪ ،‬مع َّ‬
‫وشرك ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لنفاق ِه‬
‫والرحمة‪ِ ،‬‬

‫تم تفسير" سورة األحزاب بحمد اللّه وعونه‪.‬‬


‫***‬
‫تفسير سورة سبأ‬

‫[وهي] مكية‬

‫ﭑﭒﭓ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫‪.‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ‬
‫الحمد؛‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحميدة واألفعال الحسنة؛ فلله تعالى‬ ‫{الحمد}‪ :‬الثناء بالصفات‬
‫ُ‬ ‫{‪}1‬‬
‫ألنها دائرةٌ‬ ‫ِ‬
‫صفات كمال‪ ،‬وأفعالُه ُيحمد عليها َّ‬ ‫َّ‬
‫ألن جميع صفاته ُيحمد عليها لكونها‬
‫ويعترف بحكمتِ ِه فيه‪.‬‬ ‫ويشكر‪ ،‬والعدل الذي ُيحمد عليه ُ‬‫بين الفضل الذي ُيحمد عليه ُ‬
‫يتصرف‬‫َّ‬ ‫أن {له ما في السموات وما في األرض}‪ُ :‬ملكاً وعبيداً‬‫نفسه هنا على َّ‬‫وح َـم َد َ‬
‫َ‬
‫حمد ِه والثناء عليه ما‬
‫ألن في اآلخرة يظهر من ِ‬
‫ُ‬ ‫الحمد في اآلخرة}‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫فيهم بحمده‪{ .‬وله‬
‫ال يكون في الدنيا؛ فإذا قضى اللّه تعالى بين الخالئق كلِّهم‪ ،‬ورأى الناس والخلق كلُّهم‬
‫وقسط ِه وحكمته فيه؛ حمدوه كلُّهم على ذلك‪ ،‬حتى أهل‬
‫ِ‬ ‫عدل ِه‬
‫ما حكم به وكمال ِ‬
‫جراء أعمالهم‪َّ ،‬‬
‫وأنه‬ ‫وقلوبهم ممتلئةٌ من حمده‪َّ ،‬‬ ‫العقاب؛ ما دخلوا النار إالَّ‬
‫وأن هذا من ّ‬ ‫ُ‬
‫عاد ٌل في حكمه بعقابهم‪.‬‬

‫األخبار‬
‫ُ‬ ‫تواردت به‬
‫ْ‬ ‫حمد ِه في دار النعيم والثواب؛ فذلك شيء قد‬ ‫وأما ظهور ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫فإنهم في الجنة يرون من توالي نعم اللّه وإ ِ‬
‫درار‬ ‫ـي؛ َّ‬ ‫السمعي والعقل ُّ‬
‫ُّ‬ ‫وتوافق عليه الدلي ُل‬
‫َ‬
‫يبق في قلوب أهل الجنة أمنيةٌ وال إرادةٌ إالَّ‬ ‫وس َع ِة عطاياه التي لم َ‬ ‫خيره وكثر ِة بركاته َ‬
‫ط ْو َن من الخير ما لم تتعلَّ ْق به أمانيهم ولم‬ ‫وقد أعطي فوق ما َّ‬
‫تمنى وأراد‪ ،‬بل ُي ْع َ‬
‫ُّ‬
‫تضمحل‬ ‫أن في الجنة‬ ‫بحمدهم لربِّهم في هذه الحال مع َّ‬ ‫ظنك ِ‬ ‫يخطُ ْر بقلوبِهم؛ فما ُّ‬
‫ومحبتِ ِه والثناء عليه‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫َّ‬ ‫العوارض والقواطع التي تقطع عن معرفة اللّه‬
‫وألذ عليهم من كل لَ َّذ ٍة؟! ولهذا؛ إذا رأوا اللّه تعالى‬
‫كل نعيم َّ‬ ‫أحب إلى أهلها من ِّ‬
‫َّ‬
‫كل نعيم‪ ،‬ويكون الذكر لهم في الجنة‬ ‫وسمعوا كالمه عند خطابِ ِه لهم؛ أ ْذ َهلَهم ذلك عن ِّ‬
‫أضفت ذلك إلى َّأنه يظهر ألهل الجنة‬
‫َ‬ ‫كالنفَس متواصالً في جميع األوقات‪ ،‬هذا إذا‬
‫َ‬
‫كمال ِه ما يوجب لهم كما َل‬
‫وجمال ِه وسعة ِ‬
‫ِ‬ ‫وجالل ِه‬
‫ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫وقت من عظمة ربِّهم‬ ‫ِ‬
‫الجنة َّ‬ ‫في‬
‫الحكيم}‪ :‬في ملكه وتدبيره‪ ،‬الحكيم في أمره ونهيه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الحمد والثناء عليه‪{ .‬وهو‬
‫ِ‬
‫األمور وخفاياها‪.‬‬ ‫{الخبير}‪ :‬المطَّلعُ على سرائر‬
‫ُ‬
‫األرض}؛ أي‪ :‬من مطر ٍ‬
‫وبذر‬ ‫ِ‬ ‫علمه بقوِل ِه‪{ :‬يعلم ما َيِل ُج في‬
‫فص َل َ‬
‫{‪ }2‬ولهذا َّ‬
‫ينز ُل من‬ ‫ِ‬
‫الحيوانات‪{ ،‬وما ِ‬ ‫النباتات وأصناف‬‫ِ‬ ‫يخر ُج منها}‪ :‬من أنواع‬ ‫وحيوان‪{ ،‬وما ُ‬
‫يعر ُج فيها}‪ :‬من المالئكة واألرواح‬ ‫ِ‬
‫السماء}‪ :‬من األمالك واألرزاق واألقدار‪{ ،‬وما ُ‬
‫وعلمه بأحوالها؛ ذكر مغفرتَه ورحمتَه‬
‫َ‬ ‫وغير ذلك‪ .‬ول َّـما َذ َك َر مخلوقاتِ ِه وحكمتَه فيها‬
‫تزل‬
‫الغفور}؛ أي‪ :‬الذي الرحمة والمغفرة وصفُه‪ ،‬ولم ْ‬ ‫ُ‬ ‫الرحيم‬
‫ُ‬ ‫لها‪ ،‬فقال‪{ :‬وهو‬
‫وقت بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫تنز ُل على العباد (‪َّ )1‬‬ ‫آثار ُهما ِ‬
‫ُ‬
‫ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫‪.‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ‬

‫{‪ }3‬ل َّـما َّبين تعالى عظمته بما وصف به نفسه‪ ،‬وكان هذا موجباً لتعظيمه‬
‫قدر ِه‪ ،‬ولم‬
‫حق ِ‬‫ربها َّ‬
‫أن من أصناف الناس طائفةً لم تُقَ ِّد ْر َّ‬ ‫وتقديسه واإليمان به؛ ذكر َّ‬
‫إعادة األموات وقيام الساعة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تعظِّ ْمه حق عظمته‪ ،‬بل كفروا به وأنكروا قدرتَه على‬
‫وعارضوا بذلك رسلَه‪ ،‬فقال‪{ :‬وقال الذين كفروا}؛ أي‪ :‬باللّه وبرسله وبما جاؤوا به‪،‬‬
‫الدنيا نموت ونحيا!‬‫فقالوا بسبب كفرهم‪{ :‬ال تَأتينا الساعةُ}؛ أي‪ :‬ما هي إالَّ هذه الحياة ُّ‬
‫َّ‬
‫واستدل على‬ ‫يرد قولَهم وي ْب ِطلَه ِ‬
‫ويقس َم على البعث َّ‬
‫وأنه سيأتيهم‪،‬‬ ‫أن َّ‬
‫ُ‬ ‫فأمر اللّه رسولَه ْ‬
‫علمه تعالى الواسعُ‬ ‫يصدق بالبعث ضرورةً‪ ،‬وهو ُ‬‫أقر به؛ لزمه أن ِّ‬
‫ذلك بدليل َمن َّ‬
‫العام‪ ،‬فقال‪{ :‬عالم الغيب}؛ أي‪ :‬األمور الغائبة عن أبصارنا وعن علمنا؛ فكيف‬‫ُّ‬
‫ذر ٍة في‬
‫ب}؛ أي‪ :‬ال يغيب عن علمه {مثقا ُل َّ‬
‫يعز ُ‬ ‫بالشهادة؟! ثم َّ‬
‫أكد علمه فقال‪{ :‬ال ُ‬
‫ِ‬
‫السموات وال في األرض}؛ أي‪ :‬جميع األشياء بذواتها وأجزائها‪ ،‬حتى أصغر ما‬
‫يكون من األجزاء‪ ،‬وهو المثاقيل منها‪{ ،‬وال أصغر من ذلك وال أكبر إالَّ في ٍ‬
‫كتاب‬
‫اللوح‬
‫ُ‬ ‫المبين الذي هو‬
‫ُ‬ ‫الكتاب‬
‫ُ‬ ‫وتضمنه‬
‫َّ‬ ‫قلمه‬
‫علمه وجرى به ُ‬ ‫ٍ‬
‫مبين}؛ أي‪ :‬قد أحاط به ُ‬
‫المحفوظ‪.‬‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬عباده»‪.‬‬
‫ما‬ ‫علم ِه مثقال الذرة فما َ‬
‫فالذي ال يخفى عن ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫دونه في جميع األوقات‪ ،‬ويعلم‬
‫قادر على بعثهم من باب أولى‪،‬‬
‫األرض من األموات وما يبقى من أجسادهم؛ ٌ‬
‫ُ‬ ‫ص‬
‫تَْنقُ ُ‬
‫بأعجب من هذا العلم المحيط‪.‬‬
‫َ‬ ‫وليس بعثُهم‬
‫ي الذين آمنوا}‪ :‬بقلوبهم َّ‬
‫صدقوا‬ ‫ِ‬
‫{ليجز َ‬ ‫المقصود من البعث‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫{‪ }4‬ثم ذكر‬
‫ِ‬
‫الصالحات}‪ :‬تصديقاً إليمانهم‪{ .‬أولئك‬ ‫َّ‬
‫وصدقوا رسله تصديقاً جازماً‪{ ،‬وعملوا‬ ‫اللّه‪،‬‬
‫{ورزق‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫وعقاب‪،‬‬ ‫شر‬ ‫لهم مغفرةٌ}‪ :‬لذنوبهم‪ ،‬بسبب إيمانهم وعملهم يندفع بها ُّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫وأمنية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ومرغوب‬ ‫ٍ‬
‫مطلوب‬ ‫كريم}‪ :‬بإحسانهم‪ ،‬يحص ُل لهم به ُّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬
‫زين}؛ أي‪ :‬سعوا فيها كفراً بها وتعجيزاً لمن‬
‫اج َ‬‫{‪{ }5‬والذين َس َعوا في آياتنا م َع ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫عذاب‬
‫ٌ‬ ‫جاء بها وتعجيزاً لمن أنزلها كما َّ‬
‫عجزوه في اإلعادة بعد الموت‪{ .‬أولئك لهم‬
‫من ٍ‬
‫رجز أليم}؛ أي‪ :‬مؤلم ألبدانهم وقلوبهم‪.‬‬

‫ﯣ ﯤ ﭼ‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫‪.‬ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫يرون ما أنزل على رسوله‬‫َ‬ ‫البعث‪َّ ،‬‬
‫وأنهم‬ ‫َ‬ ‫إنكار من أنكر‬
‫{‪ }6‬لما ذكر تعالى َ‬
‫بحق؛ ذكر حالة الموفَّقين من العباد‪ ،‬وهم أهل العلم‪َّ ،‬‬
‫وأنهم يرون ما أنزل اللّه‬ ‫ليس ٍّ‬
‫منحصر‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫الحق‬ ‫َّ‬
‫الحق}؛ أي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األخبار {هو‬ ‫اشتمل عليه من‬
‫َ‬ ‫على رسوله؛ من الكتاب وما‬
‫ألنهم وصلوا من العلم إلى درجة اليقين‪ ،‬ويرون‬‫فيه‪ ،‬وما خالفه وناقضه فإنه باطل؛ َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ألنهم‬ ‫ِ‬
‫صراط العزيز الحميد}‪ :‬وذلك َّ‬ ‫أيضاً َّأنه في أوامره ونواهيه؛ {يهدي إلى‬
‫جزموا بصدق ما أخبر بها من وجو ٍه كثير ٍة‪ :‬من جهة ِ‬
‫علمهم بصد ِ‬
‫ق َم ْن أخبر بها‪،‬‬
‫يشاهدون من‬‫جهة ما ِ‬
‫والكتب السابقة‪ ،‬ومن ِ‬
‫ِ‬ ‫ومن ِ‬
‫جهة موافقتها لألمور الواقعة‬
‫يشاهدون من اآليات العظيمة الدالَّة عليها في‬
‫َ‬ ‫أخبارها التي تقع عياناً‪ ،‬ومن جهة ما‬
‫جهة موافقتها لما دلَّت عليه أسماؤه تعالى وأوصافُه‪ ،‬ويرون‬
‫اآلفاق وفي أنفسهم‪ ،‬ومن ِ‬
‫بكل ٍ‬
‫صفة‬ ‫(‪)3‬‬
‫في األوامر والنواهي أنها تهدي إلى الصراط المستقيم المتضمن لألمور‬
‫تزكي النفس وتنمي األجر وتفيد العامل وغيره؛ كالصدق واإلخالص وبر الوالدين‬
‫ٍ‬
‫قبيحة‪،‬‬ ‫كل صفة‬‫وصلة األرحام واإلحسان إلى عموم الخلق ونحو ذلك‪ ،‬وتنهى عن ِّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وعلم»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬أنهم»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬لالمر»‪.‬‬
‫ب اإلثم والوزر من الشرك والزنا والربا والظُّلم‬ ‫ِ‬
‫وتوج ُ‬ ‫تدنس النفس‪ ،‬وتحبِطُ األجر‪،‬‬
‫ِّ‬
‫في الدماء واألموال واألعراض‪.‬‬

‫وأنه كلَّما كان العبد أعظم علماً‬


‫وهذه منقبةٌ ألهل العلم وفضيلةٌ وعالمةٌ لهم‪َّ ،‬‬
‫وتصديقاً بأخبار ما جاء به الرسول وأعظم معرفةً بحكم أوامره ونواهيه؛ كان من‬
‫ِّ‬
‫المكذبين‬ ‫أهل العلم الذين جعلهم اللّه حجةً على ما جاء به الرسول‪َّ ،‬‬
‫احتج اللّه بهم على‬
‫المعاندين كما في هذه اآلية وغيرها‪.‬‬

‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭑ ﭒ‬ ‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬ ‫ﭽﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ‬
‫{‪ }7‬أي‪{ :‬وقال الذين كفروا}‪ :‬على وجه التكذيب واالستهزاء واالستبعاد‪،‬‬
‫بعضهم لبعض‪{ :‬هل ندلُّكم على َر ُجل ُيَنبُِّئ ُكم إذا ُم ِّز ْقتُم‬
‫و ِذ ْكر وجه االستبعاد؛ أي‪ :‬قال ُ‬
‫وأنه رج ٌل‬ ‫جديد}؛ يعنون بذلك الرجل رسو َل اللّه (ص)‪َّ ،‬‬ ‫ق ٍ‬‫ق َّإنكم لَفي َخْل ٍ‬ ‫َّ‬
‫كل ُم َـم َّز ٍ‬
‫يتفرجون عليه وأعجوبةً يسخرون‬
‫أتى بما ُيستغرب منه‪ ،‬حتى صار بزعمهم فرجةً َّ‬
‫وأنه كيف يقو ُل‪ :‬إنكم مبعوثون بعد ما َم َّزقَ ُك ُم البِلى َّ‬
‫وتفرقت أوصالُكم‪،‬‬ ‫منه‪َّ ،‬‬
‫ت أعضاؤكم!‬ ‫واضمحلَّ ْ‬
‫{‪ }8‬فهذا الرج ُل الذي يأتي بذلك‪ :‬هل ا ْفتََرى {على اللّه َك ِذباً}‪َّ :‬‬
‫فتجرأ عليه‬
‫فنون‪ُّ ،‬‬
‫وكل هذا منهم على‬ ‫فإن الجنون ٌ‬ ‫وقال ما قال‪{ ،‬أم به ِجَّنةٌ}‪ :‬فال ُيستغرب منه؛ َّ‬
‫ق اللّه وأعقلُهم‪ ،‬و ِم ْن ِ‬
‫علم ِهم َّأنهم أبدووا‬ ‫أصدق خل ِ‬
‫ُ‬ ‫وجه العناد والظُّلم‪ ،‬ولقد علموا أنه‬
‫صد الناس عنه؛ فلو كان كاذباً‬ ‫وأعادوا في معاداتهم‪ ،‬وبذلوا أنفُ َسهم وأموالَهم في ِّ‬
‫صغوا لما قال وال تحتَِفلوا‬ ‫ِ‬
‫مجنوناً؛ لم ينبغ لكم يا أهل العقول غير الزاكية أن تُ ْ‬
‫كل مبلغ‪،‬‬‫يبلغ قولُهُ منه َّ‬
‫ظ َره أو َ‬‫ت إليه َن َ‬‫فإن المجنون ال ينبغي للعاقل أن ُيْل ِف َ‬
‫بدعوتِ ِه؛ َّ‬
‫اآليات ُّ‬
‫والنذر‬ ‫ُ‬ ‫باد ْرتُم إلجابته ولََّب ْيتُم دعوتَه‪ ،‬ولكن ما تُغني‬
‫وظلمكم؛ لَ َ‬
‫ُ‬ ‫عنادكم‬
‫ولوال ُ‬
‫يؤمنون باآلخر ِة}‪ ،‬ومنهم الذين‬
‫َ‬ ‫عن قوم ال يؤمنون‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪{ :‬بل الذين ال‬
‫ِ‬
‫البعيد‬ ‫ِ‬
‫البعيد}؛ أي‪ :‬في الشقاء العظيم والضالل‬ ‫َّ‬
‫والضالل‬ ‫ِ‬
‫العذاب‬ ‫قالوا تلك المقالَة {في‬
‫إنكارهم لقدر ِة اللّه على‬ ‫وأي ٍ‬
‫شقاء وضالل أبلغُ من ِ‬ ‫ٍ‬
‫بقريب من الصواب‪ُّ ،‬‬ ‫الذي ليس‬
‫البعث‪ ،‬وتكذيِبِهم لرسولهم الذي جاء به‪ ،‬واستهزائِ ِهم به‪ ،‬وجز ِم ِهم َّ‬
‫بأن ما جاؤوا به‬ ‫ِ‬
‫الحق باطالً والباطل والضالل حقًّا وهدى؟!‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫الحق فرأوا‬ ‫هو‬
‫{‪ }9‬ثم َّنبههم على الدليل العقلي ِّ‬
‫الدال على عدم استبعاد البعث الذي استبعدوه‪،‬‬
‫وأنهم لو نظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء واألرض‪ ،‬فرأوا من قدرة‬ ‫َّ‬
‫اللّه فيهما ما ُي ْب ِه ُر العقول‪ ،‬ومن عظمتِ ِه ما ُي ْذ ِه ُل العلماء الفحول‪َّ ،‬‬
‫وأن خلقَهما‬
‫أعظم من إعادة الناس بعد موتِ ِهم من ِ‬
‫قبورهم؛‬ ‫ُ‬ ‫وعظمتَهما وما فيهما من المخلوقات‬
‫خبر‬
‫فما الحام ُل لهم على ذلك التكذيب مع التصديق بما هو أكبر منه؟! نعم؛ ذاك ٌ‬
‫األرض أو‬ ‫ف بِـ ِه ُم‬ ‫غيبي إلى اآلن ما شاهدوه؛ فلذلك َّ‬
‫كذبوا به‪ .‬قال اللّه‪{ :‬إن َن َشأ َن ْخ ِس ْ‬ ‫ٌّ‬
‫َ‬
‫ألن األرض والسماء تحت تدبيرنا؛‬ ‫ط عليهم ِك َسفاً من السماء}؛ أي‪ :‬من العذاب؛ َّ‬ ‫ُن ْس ِق ْ‬
‫فنعاقَب ُكم َّ‬
‫أشد العقوبة‪.‬‬ ‫فإن أمرناهما؛ لم يستعصيا؛ فاح َذروا إصراركم على تكذيبِ ُكم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫واألرض وما فيهما من المخلوقات {آليةً لـك ِّـل ٍ‬
‫عبد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السماوات‬ ‫{إن في ذلك}؛ أي‪ :‬خلق‬ ‫َّ‬
‫المنيب‬
‫َ‬ ‫باآليات أعظم؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫انتفاعه‬
‫ُ‬ ‫منيب}‪ :‬فكلَّما كان ُ‬
‫العبد أعظم إنابةً إلى اللّه؛ كان‬ ‫ٍ‬
‫كل أمر من أموره‪،‬‬ ‫توجهت إرادتُه وه َّـماتُه لربِّه‪ ،‬ورجع إليه في ِّ‬ ‫مقب ٌل إلى ربِّه‪ ،‬قد َّ‬
‫نظرهُ للمخلوقات‬ ‫فصار قريباً من ربِّه‪ ،‬ليس له ٌّ َّ‬
‫هم إال االشتغال بمرضاته‪ ،‬فيكون ُ‬
‫غفلة غير ٍ‬
‫نافعة‪.‬‬ ‫نظر فكر ٍة وعبر ٍة ال نظر ٍ‬
‫َ‬
‫ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮚ ﮛﮜ ﮝ‬
‫{‪ 10‬ـ ‪ }11‬أي‪ :‬ولقد َمننا على عبدنا ورسولنا داود عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫نعم ِه‬
‫والدنيوية‪ :‬ومن ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الدينية‬ ‫وآتيناه فضالً من العلم النافع والعمل الصالح والنعم‬
‫عليه‪:‬‬

‫أمر ِه تعالى الجمادات كالجبال والحيوانات من الطيور أن‬ ‫ما خصَّه به من ِ‬


‫أن كان‬ ‫تؤوب معه وتُر ِّجع التسبيح ِ‬
‫بحمد ربِّها مجاوبةً له‪ ،‬وفي هذا من النعمة عليه ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ َ‬
‫وأن ذلك يكون منهضاً له ولغيره‬ ‫بعده‪َّ ،‬‬ ‫تكن ٍ‬
‫ألحد قبلَه وال َ‬ ‫ذلك من خصائصه التي لم ْ‬
‫وتمجيد ِه‬
‫ِ‬ ‫تتجاوب بتسبيح ربِّها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والحيوانات‬ ‫ِ‬
‫الجمادات‬ ‫على التسبيح إذا رأوا هذه‬
‫وتحميد ِه؛ كان ذلك مما ُيهيج على ذكر اللّه تعالى‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وتكبير ِه‬
‫ِ‬
‫فإن اللّه‬ ‫كثير من العلماء َّأنه طرباً بصوت َ‬
‫داود؛ َّ‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن ذلك كما قال ٌ‬
‫والتهليل‬
‫َ‬ ‫التسبيح‬
‫َ‬ ‫غيره‪ ،‬وكان إذا َّ‬
‫رج َع‬ ‫تعالى قد أعطاه من ُحسن الصوت ما فاق به َ‬
‫كل َم ْن َس ِم َعهُ من اإلنس‬
‫طرب ُّ‬
‫َ‬ ‫المطرب؛‬‫ِ‬ ‫والتمجيد (‪ )1‬بذلك الصوت الرخيم َّ‬
‫الش ِج ِّي‬ ‫َ‬
‫وسبحت ِ‬
‫بحمد ربِّها‪.‬‬ ‫والجن‪ ،‬حتى الطيور والجبال‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬

‫ومنها‪َّ :‬أنه لعله ليحصل له أجر تسبيحها‪ ،‬ألنه سبب ذلك‪ ،‬وتسبح تبعاً له‪.‬‬

‫السابغات‪ ،‬وعلَّمه تعالى‬


‫ِ‬ ‫الحديد؛ ليعم َل الدروع‬
‫َ‬ ‫أالن له‬
‫ومن فضله عليه أن َ‬
‫ويصنعه كذلك ثم ُي ْد ِخ ُل بعضها‬
‫ُ‬ ‫يقدره َحلَقاً‬ ‫كيفية صنعتِ ِه؛ بأن ِّ‬
‫يقد َره في {السر ِد}؛ أي‪ِّ :‬‬ ‫َّ‬
‫صَن ُكم من ِ‬
‫بأس ُكم فهل أنتم‬ ‫ببعض‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وعلَّمناه صنعةَ لَبوس لكم ِلتُ ْح ِ‬
‫ْ‬
‫بشكر ِه وأن َي ْع َملوا صالحاً‪،‬‬
‫امتن به عليه وعلى آله؛ أمره ِ‬
‫شاكرون}‪ ،‬ول َّـما َذ َك َر ما َّ‬
‫َ‬
‫بصير بأعمالهم‪ ،‬مطَّلع‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫المفسدات؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫وحفظ ِه من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويراقبوا اللّه تعالى فيه بإصالحه‬
‫شيء‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عليها‪ ،‬ال يخفى عليه منها‬
‫ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ‬ ‫ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬ ‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰔ ﭼ‪.‬‬ ‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫{‪ }12‬ل َّـما َذ َك َر فضلَه على داود عليه السالم؛ ذكر فضلَه على ابنه سليمان‬
‫جميع ما‬ ‫ِ‬
‫وتحم ُل‬ ‫ِ‬
‫وتحملُه‬ ‫بأمر ِه‬
‫سخر له الريح تجري ِ‬‫وأن اللّه َّ‬
‫عليه الصالة والسالم‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫جدا في ٍ‬
‫مدة يسير ٍة‪ ،‬فتسير في اليوم مسيرة شهرين‪:‬‬ ‫معه وتقطعُ المسافة البعيدةَ ًّ‬
‫الزوال إلى آخر‬‫شهر}‪ :‬من َّ‬ ‫{ورواحها ٌ‬
‫ُ‬ ‫شهر}؛ أي‪ :‬أول النهار إلى الزوال‪،‬‬ ‫{غدوها ٌ‬
‫ُّ‬
‫عين ُّ‬
‫النحاس وسهَّْلنا (‪ )2‬له األسباب في‬ ‫ط ِر}؛ أي‪َّ :‬‬ ‫النهار‪{،‬وأسْلنا له عيـن ِ‬
‫سخ ْرنا له َ‬ ‫الق ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬
‫الشياطين‬ ‫(‪)3‬‬
‫استخراج ما ُيستخرج منها من األواني وغيرها‪َّ ،‬‬
‫وسخ َر اللّهُ له أيضاً‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬والتحميد»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬سهلنا»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬أيضاً له»‪.‬‬
‫أمرنا ُن ِذ ْقه من‬ ‫أمر ِه‪{ ،‬ومن َي ِز ْ‬
‫غ منهم عن ِ‬ ‫عن ِ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫والجن ال ِ‬
‫يقدرون أن يستعصوا‬ ‫َّ‬
‫عذاب السعير}‪.‬‬
‫كل ٍ‬
‫بناء‬ ‫محاريب}‪ :‬وهو ُّ‬ ‫كل ما شاء سليمان َع ِملوه؛ {من‬
‫{‪ }13‬وأعمالُهم (‪ )1‬؛ ُّ‬
‫َ‬
‫{وتماثيل}؛ أي‪ :‬صور الحيوانات‬
‫َ‬ ‫ذكر األبنية الفخمة‪.‬‬
‫ُيعقد وتحكم به األبنية؛ فهذا فيه ُ‬
‫ٍ‬
‫{وجفان‬ ‫إتقان صنعتهم‪ ،‬وقدرتِ ِهم على ذلك‪ ،‬وعملهم لسليمان‪.‬‬
‫والجمادات من ِ‬
‫يحتاج إلى ما ال يحتاج‬
‫ُ‬ ‫ألنه‬ ‫ِ‬
‫كالجواب}؛ أي‪ :‬كالبرك الكبار يعملونها لسليمان للطعام؛ َّ‬
‫ظ ِمها‪ ،‬فلما‬
‫أماكنِها من ِع َ‬
‫{راسيات}‪ :‬ال تُزا ُل (‪ )2‬عن ِ‬
‫ٍ‬ ‫يعملون له قدوراً‬
‫َ‬ ‫إليه غيره‪{ .‬و}‬
‫ِ‬
‫داود وأوالدهُ وأهلُه؛‬
‫داود}‪ :‬وهم ُ‬ ‫{اع َملوا آل َ‬
‫أم َرهم بشكرها‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬‫ذكر مَّنتَه عليهم؛ َ‬
‫عائد لكلِّهم { ُشكراً}‪ :‬للّه على ما‬ ‫ألن َّ‬
‫المنةَ على الجميع‪ ،‬وكثير من هذه الـمصالحـ ٌ‬ ‫َّ‬
‫فأكثرهم لم يش ُكروا اللّه‬ ‫َّ‬
‫كور}‪ُ :‬‬‫أعطاهم‪ ،‬ومقابلةً لما أوالهم‪{ .‬وقلي ٌل من عبادي الش ُ‬
‫بمن ِة اللّه‬
‫اعتراف القلب َّ‬
‫ُ‬ ‫والشكر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫نعم ِه َ‬
‫ودفَ َع عنهم من النقم‪.‬‬ ‫تعالى على ما أوالهم من ِ‬
‫ْ‬
‫وصونها عن صرفها في‬ ‫ُ‬ ‫تعالى‪ ،‬وتلقِّيها افتقاراً إليها‪ ،‬وصرفُها في طاعة اهلل تعالى‪،‬‬
‫المعصية‪.‬‬
‫كل ٍ‬
‫بناء‪،‬‬ ‫لسليمان عليه الصالة والسالم َّ‬ ‫الشياطين يعملون‬ ‫{‪ }14‬فلم يزل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الغيب‪ ،‬ويطَّلعون على‬
‫َ‬ ‫موهوا على اإلنس‪ ،‬وأخبروهم أنهم يعلمون‬ ‫وكانوا قد َّ‬
‫العباد َك ِذَبهم في هذه الدعوى‪ ،‬فمكثوا يعملون‬ ‫َ َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فأراد الله تعالى أن ُي ِر َ‬
‫ي‬ ‫المكنونات‪،‬‬
‫الموت على سليمان عليه السالم‪ ،‬واتَّكأ على عصاه‪ ،‬وهي‬ ‫َ‬ ‫على ِ‬
‫عمل ِهم‪ ،‬وقضى اللّه‬
‫كىء عليها؛ ُّ‬
‫ظنوه ًّ‬
‫حيا وهابوه‪ ،‬فغدوا على‬ ‫المنسأة‪ ،‬فصاروا إذا مروا به وهو متَّ ٌ‬
‫ت دابةُ األرض على عصاه‪ ،‬فلم تزل‬ ‫طْ‬ ‫َع َمِل ِهم كذلك سنةً كاملةً على ما قيل‪ ،‬حتى ُسلِّ َ‬
‫أن َّ‬
‫الجن {لو‬ ‫اإلنس َّ‬ ‫ِ‬
‫وتبينت‬ ‫الشياطين‬ ‫ِ‬
‫وتفرقت‬ ‫ترعاه حتى باد وسقط‪ ،‬فسقط سليمان‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬
‫الشاق عليهم؛ فلو علموا‬ ‫المهين}‪ :‬وهو العم ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغيب ما لَبثوا في العذاب ُ‬
‫َ‬ ‫يعلمون‬
‫َ‬ ‫كانوا‬
‫موت سليمان الذي هم أحرص ٍ‬
‫شيء عليه ليسلموا م َّـما هم فيه‪.‬‬ ‫الغيب؛ لعلموا َ‬
‫َ‬

‫‪ - 4‬في (ب)‪« :‬ال يستعصون»‪.‬‬


‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وأعماله»‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ال تزول»‪.‬‬
‫ﭧ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﮁ‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮚ‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﯔ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯮ‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﭼ‪.‬‬

‫ومسكنهم بلدةٌ ُيقا ُل لها‪ِ :‬‬


‫مأرب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫{‪ 15‬ـ ‪ }19‬سبأ قبيلةٌ معروفةٌ في أداني اليمن‪،‬‬
‫قص في القرآن أخبار‬ ‫ولطف ِه بالناس عموماً وبالعرب خصوصاً أنه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ومن نعم اللّه‬
‫أخباره؛‬
‫َ‬ ‫ويشاهد آثاره‪ ،‬ويتناق ُل الناس‬
‫ُ‬ ‫المهلكين والمعاقَبين م َّـم ْن كان ِ‬
‫يجاو ُر العرب‪،‬‬
‫ليكون ذلك أدعى إلى التصديق وأقرب للموعظة‪ ،‬فقال‪{ :‬لقد كان ٍ‬
‫لسبأ في مسكنِ ِهم}؛‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أدر اللّه عليهم من النعم‪ ،‬وصرف‬ ‫أي‪ :‬محلِّهم الذي يسكنون فيه {آيةٌ}‪ :‬واآليةُ هنا ما َّ‬
‫عنهم من النقم‪ ،‬الذي يقتضي ذلك منهم أن َي ْعُبدوا اللّه ويش ُكروه‪ .‬ثم فس ََّر اآلية بقوله‪:‬‬
‫عظيم تأتيه سيو ٌل كثيرةٌ‪ ،‬وكانوا بنوا ًّ‬
‫سدا‬ ‫يمين وشمال}‪ :‬وكان لهم ٍ‬
‫واد‬ ‫تان عن ٍ‬ ‫{جن ِ‬
‫َّ‬
‫ٌ‬
‫قونه‬
‫فيفر َ‬
‫عظيم‪ِّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ماء‬
‫محكماً يكون مجمعاً للماء‪ ،‬فكانت السيول تأتيه‪ ،‬فيجتمع هناك ٌ‬
‫على بساتينهم التي عن يمين ذلك الوادي وشماله‪ ،‬وتُ ِغ ُّل لهم تلك الجنتان العظيمتان‬
‫بشكر نِ َع ِم ِه التي‬
‫والسرور‪ ،‬فأمرهم اللّه ِ‬
‫ُ‬ ‫ص ُل لهم به الغبطةُ‬
‫وي ْـح ُ‬
‫من الثمار ما يكفيهم َ‬
‫أدرها عليهم من وجوه كثيرة‪:‬‬
‫َّ‬
‫منها‪ :‬هاتان َّ‬
‫الجنتان اللتان غالب أقواتهم منهما‪.‬‬

‫أن اللّه جعل َبلَ َد ُهم بلدةً طيبةً لحسن هوائها وقلَّة َو َخ ِمها وحصول‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫الرزق الرغد فيها‪.‬‬

‫ويرح َـمهم‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬


‫َ‬ ‫يغفر لهم‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن اللّه تعالى َو َع َدهم إن شكروه أن َ‬
‫غفور}‪.‬‬
‫ورب ٌ‬‫ٌّ‬ ‫{بلدةٌ طيبةٌ‬
‫ِ‬
‫ومكاسبِهم إلى األرض المباركة‬ ‫احتياجهم في تجاراتِ ِهم‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن اللّه لما علم‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫هيأ لهم‬ ‫غير واحد من السلف‪ ،‬وقيل‪َّ :‬إنها ُ‬
‫الشام ـ؛ َّ‬ ‫الظاهر َّأنها قُرى صنعاء كما قاله ُ‬
‫ُ‬ ‫ـ‬
‫من األسباب ما به يتيسَّر وصولُهم إليها ِ‬
‫بغاية السُّهولة من األمن وعدم الخوف‬
‫بحيث ال يكون عليهم مشقَّةٌ بحمل الزاد والمزاد‪ ،‬ولهذا‬
‫ُ‬ ‫وتواصل القرى بينهم وبينها؛‬
‫ُ‬
‫السير}؛ أي‪:‬‬ ‫قرى ظاهرةً َّ‬
‫وقد ْرنا فيها َ‬ ‫بار ْكنا فيها ً‬
‫قال‪{ :‬وجعلنا بينهم وبين القرى التي َ‬
‫يتيهون عنه ليالي وأياماً‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويحكمون عليه بحيث ال‬
‫َ‬ ‫سيراً مقدراً يعرفونه‬

‫خائفين‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫{آمنين}؛ أي‪ :‬مطمئنين في السير في تلك الليالي واأليام غير‬ ‫َ‬
‫المنعم وعن عبادتِ ِه‪،‬‬ ‫فأعرضوا عن ِ‬
‫أمَنهم من الخوف‪َ ْ .‬‬ ‫أن َّ‬ ‫من تمام ِ‬
‫نعمة اللّه عليهم ْ‬
‫أسفارهم بين تلك القرى‬ ‫ُ‬ ‫وب ِطروا النعمةَ وملُّوها‪ ،‬حتى َّإنهم طلبوا َّ‬
‫وتمنوا أن تتباعد‬ ‫َ‬
‫بكفر ِهم باللّه وبنعمتِ ِه‪ ،‬فعاقََبهُ ُم اللّه‬
‫التي كان السير فيها متيسراً‪{ .‬وظلموا ْأنفُ َسهم}‪ِ :‬‬
‫الع ِرم}؛ أي‪ :‬السيل‬
‫ط َغتْهم‪ ،‬فأبادها عليهم‪ ،‬فأرسل عليها {سي َل َ‬
‫تعالى بهذه النعمة التي أ ْ‬
‫الجنات ذات‬
‫ُ‬ ‫بساتينهم‪َّ ،‬‬
‫فتبدلت تلك‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫وخر َ‬ ‫ب َّ‬
‫سدهم‪ ،‬وأتلف جناتهم‪َّ ،‬‬ ‫المتوعِّر الذي َخ َّر َ‬
‫نفع فيها‪ .‬ولهذا قال‪:‬‬
‫أشجار ال َ‬
‫ٌ‬ ‫الحدائق المع ِجَبة واألشجار المثمرة‪ ،‬وصار َب َدلَها‬
‫شيء قليل من األكل الذي ال يقع منهم‬ ‫ٍ‬ ‫جنتين ذواتي أ ُكل}؛ أي‪:‬‬‫ِ‬ ‫َّ‬
‫{وبدْلناهم َّ‬
‫بجنتَْيهم‬
‫معروف‪ ،‬وهذا من جنس‬ ‫شجر‬ ‫وشيء من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫{خ ْـم ٍط وأ ْث ٍل‬
‫ٌ‬ ‫سدر قليل}‪ :‬وهذا كله ٌ‬ ‫موقعاً‪َ ،‬‬
‫بدلوا الشكر الحسن بالكفر القبيح؛ ُب ِّدلُوا تلك النعمة بما ذكر‪ .‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫عملهم؛ فكما َّ‬
‫الكفور}؛ أي‪ :‬وهل ُنجازي جزاء العقوبة ـ‬ ‫{ذلك ج َزيناهم بما كفروا وهل نجازي إالَّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫تفرقوا‬
‫أصابهم؛ َّ‬ ‫أصابهم ما‬ ‫وب ِط َر النعمة؟! َّ‬
‫فلما‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫بدليل السياق ـ إال َم ْن َكفَ َر باللّه َ‬
‫أحاديث ُيتَ َح َّدث بهم وأسماراً للناس‪،‬‬
‫َ‬ ‫وج َعلَهُ ُم اللّه‬
‫مجتمعين‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫وتمزقوا بعدما كانوا‬ ‫َّ‬
‫أحد َّ‬
‫يتحدث بما جرى لهم‪،‬‬ ‫فكل ٍ‬‫«تفرقوا أيدي سبأ»؛ ُّ‬ ‫ب بهم المث ُل‪ ،‬فيقا ُل‪َّ :‬‬ ‫ض َر ُ‬
‫وكان ُي ْ‬
‫ٍ‬
‫شكور}‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫صبار‬ ‫لكل‬ ‫ٍ‬
‫آليات ِّ‬ ‫{إن في ذلك‬‫ولكن ال ينتفعُ بالعبرة فيهم إالَّ َم ْن قال اللّه‪َّ :‬‬ ‫ْ‬
‫يصبر عليها‪،‬‬ ‫يتحملُها لوجه اللّه‪ ،‬وال َّ‬
‫يتسخطُها‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬
‫والشدائد‪َّ ،‬‬ ‫صب ٍار على المكاره‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ويصرفُها في‬ ‫ويعترف‪ ،‬ويثني على من أوالها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫شكور لنعمة اللّه تعالى‪ُ ،‬ي ِق ُّر بها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫طاعته‪.‬‬

‫أن تلك العقوبة‬ ‫فهذا إذا سمع بقصَّتِهم وما جرى منهم وعليهم؛ َع َر َ‬
‫ف بذلك َّ‬
‫وأن َم ْن فَ َع َل مثلهم؛ فُ ِع َل به كما فُ ِع َل بهم‪َّ ،‬‬
‫وأن ُش ْك َر اللّه‬ ‫جزاء ِ‬
‫لكفرهم نعمةَ اللّه‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫وأن ُر ُس َل اللّه صادقون فيما أخبروا به‪َّ ،‬‬
‫وأن الجزاء‬ ‫تعالى حافظٌ للنعمة دافعٌ للنقمة‪َّ ،‬‬
‫حق كما رأى أنمو َذ َجه في دار الدنيا‪.‬‬ ‫ٌّ‬
‫ظنه؛ حيث قال لربِّه‪:‬‬ ‫إبليس َّ‬
‫ق عليهم ُ‬ ‫ص َّد َ‬
‫أن قوم سبأ من الذين َ‬ ‫{‪ }20‬ثم ذكر َّ‬
‫ظن من إبليس ال‬ ‫صين}‪ :‬وهذا ٌّ‬
‫الم ْخلَ َ‬
‫ك منهم ُ‬ ‫أجمعين‪ .‬إالَّ َ‬
‫عباد َ‬ ‫َ‬ ‫ُغ ِوَيَّنهُ ْم‬
‫ك أل ْ‬ ‫{فبعزتِ َ‬
‫َّ‬
‫سي ْغويهم أجمعين؛ إالَّ من استثنى؛‬ ‫خبر من اللّه َّأنه ُ‬
‫ِِ‬
‫الغيب ولم يأته ٌ‬‫َ‬ ‫ألنه ال يعلم‬ ‫يقين؛ َّ‬ ‫ٌ‬
‫ظنه ودعاهم وأغواهم‪{ ،‬فاتََّبعوه إالَّ فريقاً من‬ ‫إبليس َّ‬
‫ق عليه ُ‬ ‫فهؤالء وأمثالهم م َّـم ْن َّ‬
‫صد َ‬
‫أن قصة‬ ‫ويحتمل َّ‬ ‫ظن إبليس‪ُ ،‬‬ ‫تحت ِّ‬
‫يدخ ْل َ‬
‫فإنه لم ُ‬ ‫يكفر بنعمة اللّه؛ َّ‬‫المؤمنين}‪ :‬م َّـم ْن لم ْ‬
‫شكور}‪ .‬ثم ابتدأ فقال‪{ :‬ولقد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صبار‬ ‫لكل‬ ‫ٍ‬
‫آليات ِّ‬ ‫{إن في ذلك‬ ‫سبأ انتهت عند قوِل ِه‪َّ :‬‬
‫ق عليهم}؛ أي‪ :‬على جنس الناس‪ ،‬فتكون اآليةُ عامةً في ِّ‬
‫كل َم ِن اتََّب َعهُ‪.‬‬ ‫ص َّد َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫سلطان}؛ أي‪:‬‬ ‫{‪ }21‬ثم قال تعالى‪{ :‬وما كان له}؛ أي‪ :‬إلبليس {عليهم من‬
‫طه‬
‫ولكن حكمةَ اللّه تعالى اقتضت تسلي َ‬ ‫ٍ‬
‫وقسر على ما يريده منهم‪َّ ،‬‬ ‫تسلُّ ٍط ٍ‬
‫وقهر‬
‫سوق‬
‫ُ‬ ‫شك}؛ أي‪ :‬ليقوم‬‫يؤمن باآلخرة م َّـم ْن هو منها في ٍّ‬
‫ُ‬ ‫وتسويلَه لبني آدم؛ {لنعلم من‬
‫يثبت عند‬‫إيمانه صحيحاً ُ‬ ‫ف َم ْن كان ُ‬‫وي ْع َر َ‬
‫الصادق من الكاذب‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وي ْعلَ َم به‬
‫االمتحان‪ُ ،‬‬
‫ٍ‬
‫شبهة‬ ‫إيمانه غير ٍ‬
‫ثابت يتزلز ُل بأدنى‬ ‫َّ ِ‬ ‫االمتحان واالختبار وإ ِ‬
‫لقاء ُّ‬
‫الشيطانية م َّـم ْن ُ ُ‬ ‫الشَبه‬
‫ظ ِه ُر‬
‫وي ْ‬
‫عباده ُ‬
‫ضده؛ فاللّه تعالى جعله امتحاناً يمتحن به َ‬ ‫بأقل داع يدعوه إلى ِّ‬ ‫ويزو ُل ِّ‬
‫شيء حفيظٌ}‪ :‬يحفظُ العباد ويحفظُ عليهم‬ ‫كل ٍ‬‫{وربك على ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫الخبيث من الطيب‪.‬‬‫َ‬
‫جزاءها؛ فيوفِّيهم َّإياها كاملة موفرةً‪.‬‬
‫َ‬ ‫أعمالهم‪ ،‬ويحفظُ تعالى‬
‫ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ‪.‬‬
‫ِ‬
‫المخلوقات‬ ‫غيرهُ من‬
‫{‪ 22‬ـ ‪ }23‬أي‪{ :‬قل}‪ :‬يا أيها الرسو ُل للمشركين باللّه َ‬
‫الذين زعمتُم‬ ‫تضر ملزماً لهم ِ‬
‫بعجزها ومبيِّناً بطالن عبادتها‪{ :‬ادعوا َ‬ ‫التي ال تنفعُ وال ُّ‬
‫توفرت فيهم‬
‫ْ‬ ‫إن كان دعاؤكم ينفعُ؛ َّ‬
‫فإنهم قد‬ ‫من دون اللّه}؛ أي‪ :‬زعمتموهم شركاء للّه ْ‬
‫يملكون‬
‫َ‬ ‫فإنهم ليس لهم أدنى ملك‪ ،‬فال‬ ‫أسباب العجز وعدم إجابة الدعاء من ِّ‬
‫كل وجه؛ َّ‬ ‫ُ‬
‫ذر ٍة في السماوات واألرض‪ :‬على وجه االستقالل‪ ،‬وال على وجه االشتراك‪،‬‬ ‫مثقال َّ‬
‫ِ‬
‫السماوات‬ ‫ولهذا قال‪{ :‬وما لهم}؛ أي‪ :‬لتلك اآللهة الذين زعمتم {فيهما}؛ أي‪ :‬في‬
‫ك وال شركة ملك‪.‬‬
‫كثير؛ فليس لهم مل ٌ‬ ‫واألرض {من ِش ْر ٍك}؛ أي‪ :‬ال شر ٌ‬
‫ك قليل وال ٌ‬
‫قال‪ :‬ومع ذلك؛ فقد يكونون أعواناً للمالك ووزراء له؛ فدعاؤهم يكون‬ ‫أن ُي َ‬
‫بقي ْ‬
‫ألنهم بسبب حاجة الملك إليهم يقضون حوائج َم ْن تعلَّق بهم‪ ،‬فنفى تعالى هذه‬‫نافعاً؛ َّ‬
‫المرتبةَ‪ ،‬فقال‪{ :‬وما له}؛ أي‪ :‬للَّه تعالى الواحد القهار {منهم}؛ أي‪ :‬من هؤالء‬
‫يبق إالَّ‬
‫ووزير يساعده على الملك والتدبير‪ .‬فلم َ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معاون‬ ‫ٍ‬
‫ظهير}؛ أي‪:‬‬ ‫المعبودين {من‬
‫الشفاعةُ‪ ،‬فنفاها بقوله‪{ :‬وال تنفَعُ الشفاعةُ عنده إال ِل َـم ْن ِأذ َن له}‪ :‬فهذه أنواع التعلُّقات‬
‫ق بها المشركون بأندادهم وأوثانهم من البشر والشجر والحجر وغيرهم‪،‬‬ ‫التي يتعلَّ ُ‬
‫ألن المشرك َّإنما‬ ‫ِّ‬
‫لمواد الشرك قاطعاً ألصوله؛ َّ‬ ‫بطالنها تبييناً حاسماً‬
‫َ‬ ‫ط َعها اللّه َّ‬
‫وبين‬ ‫قَ َ‬
‫أوجب له‬
‫َ‬ ‫ويعبد غير اللّه؛ لما يرجو منه من النفع؛ فهذا الرجاء هو الذي‬
‫ُ‬ ‫يدعو‬
‫والضر وال شريكاً للمالك وال‬
‫ِّ‬ ‫الشرك؛ فإذا كان من يدعوه غير اللّه ال مالكـاً للنفع‬
‫َ‬
‫عوناً وظهيراً للمالك وال ِ‬
‫يقد ُر أن َي ْشفَ َع بدون ِ‬
‫إذن المالك؛ كان هذا الدعـاء وهذه‬
‫مطلوبه‬ ‫ِ‬
‫المشرك‬ ‫ينعكس على‬ ‫العبادة ضالالً في العقل باطلةً في الشرع‪ ،‬بل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُخ َر‬ ‫يريد منها النفع‪ ،‬فبيـَّن اللّه بطالنه وعدمه‪َّ ،‬‬
‫وبيـن في آيات أ َ‬ ‫فإنه ُ‬ ‫ومقصوده؛ َّ‬
‫ُ‬
‫بعضهم بعضاً‬ ‫ِ‬ ‫ضررها على عابديها (‪َّ ،)1‬‬
‫ويلعن ُ‬
‫ُ‬ ‫بعضهم ببعض‬‫يكفر ُ‬ ‫وأنه يوم القيامة ُ‬ ‫َ‬
‫أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين‪.‬‬
‫ً‬ ‫النار‪ ،‬وإ ذا ُح ِش َر الناس كانوا لهم‬
‫ومأواهم ُ‬
‫بشر‪ ،‬ورضي‬
‫والعجب أن المشرك استكبر عن االنقياد للرسل بزعمهم أنهم ٌ‬
‫أن َي ْعُب َد ويدعو الشجر والحجر‪ ،‬استكبر عن اإلخالص للملك الرحمن الديان‪ ،‬ورضي‬
‫نفع ِه طاعةً ألعدى ٍّ‬
‫عدو له وهو الشيطان!‬ ‫بعبادة م ْن ض ُّره أقرب من ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬

‫ـي‬ ‫َّ‬
‫الحق وهو العل ُّ‬ ‫ع عن قلوبِ ِهم قالوا ماذا قال ُّ‬
‫رب ُكم قالوا‬ ‫وقوله‪{ :‬حتى إذا فُِّز َ‬
‫يعود إلى المشركين؛ ألنهم مذكورون‬ ‫أن الضمير في هذا الموضع ُ‬ ‫الكبير}‪ُ :‬يحتمل َّ‬
‫ُ‬
‫ويكون المعنى‪ :‬إذا كان‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مذكور‪،‬‬ ‫تعود إلى أقرب‬ ‫ِ‬
‫الضمائر أن َ‬ ‫في اللفظ‪ ،‬والقاعدة في‬
‫وسئِلوا حين رجعت إليهم‬ ‫ِ‬
‫يوم القيامة وفُِّزع عن قلوب المشركين؛ أي‪ :‬زال الفزع ُ‬
‫للحق الذي جاءت به الرسل؛ َّأنهم ُّ‬
‫يقرون َّ‬
‫أن ما‬ ‫عقولُهم عن حالهم في ُّ‬
‫الدنيا وتكذيبهم ِّ‬
‫ُّ‬
‫الحق‪،‬‬ ‫هم عليه من الكفر والشرك باط ٌل‪َّ ،‬‬
‫وأن ما قال اللّه وأخبرت به عنه رسلُه هو‬
‫َّ‬
‫الحق للّه‪ ،‬واعترفوا ب ُذنوبهم‪{ .‬وهو‬ ‫فبدا لهم ما كانوا ُيخفون من قب ُل‪ ،‬وعلموا أن‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ضرره على عابديه»‪.‬‬


‫وعلو قدره بما له من الصفات‬
‫وقهرهُ لهم ُّ‬ ‫ِ‬
‫فوق جميع المخلوقات‪ُ ،‬‬ ‫ـي}‪:‬بذاته َ‬ ‫العل ُّ‬
‫علوه َّ‬
‫أن حكمه تعالى يعلو‪،‬‬ ‫{الكبير}‪ :‬في ذاته وصفاته‪ ،‬ومن ِّ‬ ‫ِ‬
‫العظيمة جليلة المقدار‪.‬‬
‫ُ‬
‫أظهر‪ ،‬وهو الذي‬
‫والمشركين‪ ،‬وهذا المعنى ُ‬
‫َ‬ ‫المتكبرين‬
‫َ‬ ‫النفوس‪ ،‬حتى نفوس‬
‫ُ‬ ‫وتُ ْذ ِع ُن له‬
‫يدل عليه السياق‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫أن اللّه تعالى إذا تكلَّم بالوحي؛‬


‫أن الضمير يعود إلى المالئكة‪ ،‬وذلك َّ‬ ‫ويحتمل َّ‬
‫ُ‬
‫فص ِعقوا ُّ‬
‫وخروا للّه سجداً‪ ،‬فيكون أول من يرفعُ رأسهَ جبري ُل‪ ،‬فيكلِّمه‬ ‫سمعتْه المالئكةُ ُ‬
‫الصعق عن قلوب المالئكة وزال الفزعُ‪ ،‬فيسأل‬
‫ُ‬ ‫اللّه من وحيه بما أراد؛ فإذا زال‬
‫بعضهم‬
‫ربكم؟ فيقو ُل ُ‬ ‫بعضهم بعضـاً عن ذلك الكالم الذي صعقوا منه‪ :‬ماذا قال ُّ‬ ‫ُ‬
‫إما إجماالً لعلمهم أنه ال يقول إالَّ حقًّا‪ ،‬وإ َّما أن يقولوا‪ :‬قال كذا‬ ‫َّ‬
‫الحق‪َّ :‬‬ ‫لبعض‪ :‬قال‬
‫أن‬ ‫ِّ‬
‫الحق‪ .‬فيكون المعنى على هذا َّ‬ ‫وكذا (‪ ،)1‬للكالم الذي سمعوه منه‪ ،‬وذلك من‬
‫ص ْفنا لكم عجزها ونقصها وعدم‬ ‫المشركين الذين عبدوا مع اللّه تلك اآللهة التي َو َ‬
‫العلي‬ ‫ِّ‬
‫للرب العظيم‬ ‫وص َرفوا عن إخالص العبادة‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ص َدفوا َ‬ ‫نفعها بوجه من الوجوه كيف َ‬
‫والمقربين من الخلق يبلغ بهم‬ ‫َّ‬ ‫الكبير الذي من عظمته وجالله َّ‬
‫أن المالئكة الكرام‬
‫ويقرون كلُّهم للّه َّأنه ال يقول إالَّ‬
‫والصعق عند سماع كالمه هذا المبلغ‪ُّ ،‬‬‫ُ‬ ‫الخضوعُ‬
‫ملك ِه‬
‫شأنه وعظمةُ ِ‬ ‫ِ‬
‫عبادة َم ْن هذا ُ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء المشركين استكبروا عن‬ ‫َّ‬
‫الحق؛ فما بال‬
‫فك ِهم ِ‬
‫وكذبِهم‪.‬‬ ‫شرك المشركين وإ ِ‬
‫ـي الكبير عن ِ‬‫وسلطانِ ِه؟! فتعالى العل ُّ‬
‫ُ‬
‫ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ ‪.‬‬

‫ك باللّه ويسألَه عن‬ ‫نبيه محمداً (ص) أن يقو َل لمن أشر َ‬ ‫{‪ }24‬يأمر تعالى َّ‬
‫قروا َّأنه اللّه‪،‬‬
‫بد أن ُي ُّ‬‫فإنهم ال َّ‬ ‫ِ‬
‫واألرض}‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫السموات‬ ‫شرك ِه‪{ :‬من َي ْر ُزقُكم من‬
‫صحة (‪ِ )2‬‬ ‫ِ‬
‫أن اللّه وحده‬ ‫فإنك ال تجد من يدفعُ هذا القول‪ .‬فإذا تبيـَّن َّ‬ ‫يقروا؛ فَـ{ ُق ِل اللّهُ}‪َّ :‬‬
‫ولئن لم ُّ‬
‫ْ‬
‫وي ْنبِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّر لكم‬
‫النبات ويفج ُ‬
‫َ‬ ‫ت لكم‬ ‫وي ْن ِز ُل لكم المطر ُ‬
‫واألرض ُ‬ ‫السماوات‬ ‫الذي يرزقُكم من‬
‫لنفع ُكم ورز ِق ُكم؛‬‫الحيوانات جميعها ِ‬ ‫ِ‬ ‫طِلعُ لكم من ثمار األشجار وجعل لكم‬ ‫وي ْ‬
‫َ‬ ‫األنهار ُ‬
‫َ‬

‫‪ - 1‬كما في «صحيح البخاري» (‪ ،)4800‬و«السنة» ألبي عاصم (‪.)515‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬حجة»‪.‬‬
‫ِفل َم تعبدون معه من ال ُ‬
‫يرزقُكم شيئاً وال يفيدكم نفعاً؟! وقوله‪{ :‬وإ نا أو َّإياكم لعلى ً‬
‫هدى‬
‫منا ومنكم على الهدى مستعليةٌ عليه‪ ،‬أو‬ ‫أو في ضالل ٍ‬
‫مبين}؛ أي‪ :‬إحدى الطائفتين َّ‬
‫في ضالل بي ٍ‬
‫ِّن منغمرةٌ فيه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫بالحق الذي هو‬ ‫وج َز َم‬‫الصواب َ‬
‫ُ‬ ‫الحق واتَّضح له‬
‫ُّ‬ ‫وهذا الكالم يقولُه من تبيـَّن له‬
‫خصمه؛ أي‪ :‬قد شرحنا من األدلَّة الواضحة عندنا وعندكم ما‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وبطالن ما عليه‬ ‫عليه‬
‫ُّ‬
‫الضال‪،‬‬ ‫ومن المهتدي ومن‬ ‫ُّ‬ ‫يقينيا ال َّ‬
‫به ُي ْعلَم علماً ًّ‬
‫ومن المبط ُل َ‬‫المحق منا َ‬ ‫شك فيه َمن‬
‫وازنت (‪ )1‬بين من يدعو إلى‬
‫َ‬ ‫التعيين بعد ذلك ال فائدة فيه؛ َّ‬
‫فإنك إذا‬ ‫ُ‬ ‫حتى َّإنه يصير‬
‫التصرفات‪ ،‬المسدي‬
‫ُّ‬ ‫ف فيها بجميع أنواع‬‫المتصر ِـ‬
‫ِّ‬ ‫ق لسائر المخلوقات‪،‬‬ ‫عبادة الخال ِ‬
‫الحمد‬
‫ُ‬ ‫كل نقمة‪ ،‬الذي له‬ ‫كل نعمة ودفع عنهم َّ‬ ‫جميع النعم‪ ،‬الذي رزقهم وأوصل إليهم َّ‬
‫أحد من المالئكة فَ َم ْن دونهم خاضعون لهيبته متذلِّلون لعظمته‪،‬‬ ‫وكل ٍ‬ ‫ك كلُّه ُّ‬ ‫كلُّه والمل ُ‬
‫وأوصاف ِه‬
‫ِ‬ ‫الكبير في ذاتِ ِه‬
‫ُ‬ ‫أحد منهم عنده إالَّ بإذنِ ِه‪ ،‬العل ُّ‬
‫ـي‬ ‫وكل الشفعاء تخافه‪ ،‬ال يـشـفعُ ٌ‬ ‫ُّ‬
‫ومجد‪ ،‬يدعو إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وكل حمد وثناء‬ ‫وكل جمال ُّ‬ ‫وكل جالل ُّ‬ ‫كل كمال ُّ‬ ‫وأفعال ِه‪ ،‬الذي له ُّ‬
‫ِ‬
‫عبادة َم ْن سواه‪ ،‬وبين من‬ ‫ِ‬ ‫التقرب لمن هذا شأنه‪ ،‬وإ خالص العمل له‪ ،‬وينهى عن‬ ‫ُّ‬
‫ك ألنفسها وال ِل َـم ْن َعَب َدها‬ ‫ترزق وال تمل ُ‬‫ُ‬ ‫ق وال‬‫يتقرب إلى أوثان وأصنام وقبور ال تَ ْـخلُ ُ‬ ‫َّ‬
‫جمادات ال تعقل وال تسمع دعاء‬ ‫ٌ‬ ‫ضرا وال موتاً وال حياةً وال نشوراً‪ ،‬بل هي‬ ‫نفعاً وال ًّ‬
‫بش ْر ِكهم ويتبرؤون منهم‬ ‫القيامة يكفُرون ِ‬‫ِ‬ ‫عابديها‪ ،‬ولو سمعتْه؛ ما استجابت لهم‪ ،‬ويوم‬
‫ويتالعنون بينهم‪ ،‬ليس لهم ِق ْسطٌ من الملك‪ ،‬وال شركة فيه وال إعانة فيه‪ ،‬وال لهم‬
‫ب إليه مهما أم َكَنه‪،‬‬ ‫شفاعةٌ يستقلُّون بها دون اللّه؛ فهو يدعو من هذا وصفُهُ‪َّ ،‬‬
‫ويتقر ُ‬
‫ب رسل اللّه الذين جاؤوا باإلخالص للّه‬ ‫ويحاربهُ‪ِّ ،‬‬
‫ويكذ ُ‬ ‫ُ‬ ‫أخلص الدين للّه‬ ‫ويعادي َم ْن‬
‫َ‬
‫والشقي من السعيد‪ ،‬ولم يحتج‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الضال‬ ‫أي الفريقين‪ :‬المهتدي من‬ ‫ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وحده؛ َّ‬
‫تبي َـن لك‬
‫يعين لك ذلك؛ َّ‬
‫ألن وصف الحال أوضح من لسان المقال‪.‬‬ ‫إلى أن َ‬
‫لون}؛ أي‪ٌّ :‬‬
‫كل َّ‬
‫منا‬ ‫أج َر ْمنا وال نسأ ُل عما تَ ْع َم َ‬ ‫عما ْ‬
‫ألون َّ‬
‫{‪{ }25‬قل} لهم‪{ :‬ال تُ ْس َ‬
‫ونحن ال ُنسأ ُل عن‬ ‫ِ‬
‫إجرامنا وذنوبِنا لو أ ْذَن ْبنا‪،‬‬ ‫ومنكم له عمله‪ ،‬أنتم ال تُسألون عن‬
‫ُ‬

‫‪ - 1‬فعل الشرط‪ ،‬كذا في الحاشية بخط المؤلف رحمه اهلل‪.‬‬


‫جواب الشرط‪ ،‬كذا في الحاشية بخط المؤلف رحمه هللا‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ودعوا‬
‫ك طريق اإلنصاف‪َ ،‬‬
‫ب الحقائق وسلو َ‬
‫طلَ َ‬ ‫المقصود َّ‬
‫منا ومنكم َ‬ ‫ُ‬ ‫أعمالكم؛ فليكن‬
‫فإن أحكام ُّ‬
‫الدنيا تجري على‬ ‫يكن مانعاً لكم من اتِّباع ِّ‬
‫الحق؛ َّ‬ ‫ما ُكَّنا نعم ُل‪ ،‬وال ْ‬
‫دار أخرى َي ْـح ُك ُم فيها‬
‫ب الباط ُل‪ ،‬وأما األعمال؛ فلها ٌ‬
‫وي ْـجتََن ُ‬ ‫ُّ‬
‫الحق ُ‬ ‫ويتََّبعُ فيها‬
‫الظواهر‪ُ ،‬‬
‫ويفص ُل بين المختصمين أعد ُل العادلين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أحكم الحاكمين‪،‬‬
‫ُ‬
‫بيننا حكماً‬
‫بيننا}؛ أي‪ :‬يحكم َ‬
‫يفتح َ‬ ‫بيننا ُّ‬
‫ربنا ثم ُ‬ ‫{‪ }26‬ولهذا قال‪{ :‬قل َي ْـج َمعُ َ‬
‫ِّ‬
‫المستحق للعقاب وهو خير‬ ‫ُّ‬
‫والمستحق للثواب من‬ ‫الصادق من الكاذب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يتبيـَّن به‬
‫الفاتحين‪.‬‬

‫وم ْن ناب منابك‪{ :‬أروني الذين ألحقتم به‬


‫{‪{ }27‬قل}‪ :‬لهم يا أيها الرسو ُل‪َ ،‬‬
‫شركاء}؛ أي‪ :‬أين هم؟ وأين السبيل إلى معرفتهم؟ وهل هم في األرض أم في السماء؟‬ ‫َ‬
‫دون من دون‬ ‫{ويعب َ‬
‫ُ‬ ‫فإن عالم الغيب والشهادة قد أخبرنا َّأنه ليس في الوجو ِد له شري ٌ‬
‫ك‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ِّئون اللّه بما ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شفعاؤنا عند اللّه قل أتنب َ‬
‫ُ‬ ‫هؤالء‬ ‫يضرهم وال َي ْنفَ ُعهم ويقولون‬
‫اللّه ما ال ُّ‬
‫عون إالَّ الظَّ َّن‬
‫إن يتَّبِ َ‬
‫شركاء؟ ْ‬
‫َ‬ ‫يدعون من دون اللّه‬
‫َ‬ ‫يعلم‪[ }...‬اآلية]‪{ ،‬وما يتَّبِعُ الذين‬
‫ُ‬
‫خلق ِه من األنبياء والمرسلين ال يعلَمون له‬ ‫خواص ِ‬ ‫صون}‪،‬ـ وكذلك‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫وإ ْن هم إال َي ْـخ ُر َ‬
‫شريكاً؛ فيا ُّأيها المشركون! أروني الذين ألحقتم بزعمكم الباطل باللّه شركاء! وهذا‬
‫ند وال‬‫ك وال ٌّ‬ ‫السؤال ال يمكنهم اإلجابةُ عنه‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬كال}؛ أي‪ :‬ليس للَّه شري ٌ‬
‫{العزيز}‪ :‬الذي قهر َّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫والتعبد إالَّ هو‬
‫ُّ‬ ‫يستحق التألُّه‬
‫ُّ‬ ‫ٌّ‬
‫ضد‪{ ،‬بل هو اللّهُ}‪ :‬الذي ال‬
‫وأحسن‬
‫َ‬ ‫{الحكيم}‪ :‬الذي أتقن ما َخلَقَه‪،‬‬ ‫مسخر َّ‬
‫مدبر‪.‬‬ ‫مقهور َّ‬ ‫فكل ما سواه فهو‬‫شيء؛ ُّ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫شرع ِه إالَّ َّأنه أمر بتوحيده وإ خالص الدين له‪،‬‬‫يكن في حكمتِ ِه في ِ‬ ‫ما َش َر َعه‪ ،‬ولو لم ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأحب ذلك وجعله طريقاً للنجاة‪ ،‬ونهى عن الشرك به واتِّخاذ األنداد من دونِه‪َ ،‬‬
‫وج َع َل‬ ‫َّ‬
‫ذلك طريقاً للشقاء والهالك؛ لكفى (‪ )1‬بذلك برهاناً على كمال حكمتِ ِه؛ فكيف وجميعُ ما‬
‫أمر به ونهى عنه مشتم ٌل على الحكمة؟!‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬ ‫ﭽﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬يكفي»‪.‬‬


‫ليبشر جميع الناس بثواب‬ ‫{‪ }28‬يخبر تعالى َّأنه ما أرسل رسولَه (ص) إال ِّ‬
‫ِ‬
‫لذلك‪،‬وينذ َرهم عقاب اللّه‪ ،‬ويخبِ َرهم باألعمال‬ ‫اللّه‪ ،‬ويخبِ َرهم باألعمال الموجبة‬
‫ِ‬
‫والعناد؛‬ ‫شيء‪ُّ ،‬‬
‫وكل ما ا ْقتََر َح عليك أه ُل التكذيب‬ ‫الموجبة له؛ فليس لك من األمر‬
‫ٌ‬
‫يعلمون}؛ أي‪ :‬ليس‬
‫َ‬ ‫أكثر الناس ال‬ ‫َّ‬
‫{ولكن َ‬ ‫فليس من وظيفتِ َ‬
‫ك‪َّ ،‬إنما ذلك بيد اللّه تعالى‪.‬‬
‫معاندون لم (‪ )1‬يعملوا بعلمهم‪َّ ،‬‬
‫فكأنهم ال علم لهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫إما جها ٌل أو‬
‫صحيح‪ ،‬بل َّ‬‫ٌ‬ ‫علم‬
‫لهم ٌ‬
‫عدم اإلجابة لما اقترحوه على الرسول موجباً ِّ‬
‫لرد دعوته‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫ومن عدم علمهم َج ْعلُهُم َ‬
‫{ويقولون متى‬
‫َ‬ ‫العذاب الذي ْأن َذ َرهم به‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫فمما اقترحوه استعجالُهم‬‫{‪َّ }29‬‬
‫صدق ِه وبين اإلخبار‬
‫فأي مالزمة بين ِ‬ ‫ظلم منهم؛ ُّ‬
‫صادقين}‪ :‬وهذا ٌ‬‫َ‬ ‫الوعد إن كنتُم‬
‫ُ‬ ‫هذا‬
‫للحق وسفهٌ في العقل؟! أليس النذير في ٍ‬
‫أمر من‬ ‫رد ِّ‬ ‫وقوع ِه؟! وهل هذا إالَّ ٌّ‬
‫ِ‬ ‫بوقت‬
‫ينتهز الفرصة منهم ُّ‬
‫ويعد‬ ‫عدو ُ‬ ‫ونصحه ولهم ٌّ‬ ‫الدنيا لو جاء قوماً يعلمون صدقَه ُ‬ ‫أحوال ُّ‬
‫بعضهم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ياح ُكم واستئصالَكم؛ فلو قال ُ‬
‫عدوكم قد سار يريد اجت َ‬ ‫تركت َّ‬‫ُ‬ ‫لهم‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫مكانه اآلن؟ فهل ُّ‬
‫يعد هذا القائل‬ ‫ساعة يصل إلينا؟ وأين َ‬‫ٍ‬ ‫بأي ِة‬
‫كنت صادقاً؛ فأخبِ ْرنا َّ‬‫إن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعدو قد يبدو له‬
‫ُّ‬ ‫عاقالً أم ُيحكم بسف ِهه وجنونِه؟! هذا والمخبر يمكن صدقُهُ ُ‬
‫وكذبهُ‪،‬‬
‫فكيف‬
‫َ‬ ‫تنحل عزيمته‪ ،‬وهم قد يكون بهم َمَن َعةٌ يدافعون بها عن أنفسهم؛‬ ‫غيرهم وقد ُّ‬
‫ق عن الهوى بالعذاب‬ ‫ق المعصوم في خبره‪ ،‬الذي ال ِ‬
‫ينط ُ‬ ‫أصدق الخل ِ‬ ‫ب‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫بمن كذ َ‬
‫وقوع ِه‬
‫ِ‬ ‫خبر ِه َّ‬
‫بحجة عدم بيان وقت‬ ‫اليقين‪ ،‬الذي ال َم ْدفَ َع له وال ناصر منه‪ ،‬أليس ُّ‬
‫رد ِ‬
‫من أسفه السفه؟!‬

‫ميعاد يوم ال‬


‫ُ‬ ‫وقوع ِه الذي ال َّ‬
‫شك فيه‪{ :‬لكم‬ ‫ِ‬ ‫{‪{ }30‬قل} لهم مخبراً بوقت‬
‫وأعدوا له َّ‬
‫عدتَه‪.‬‬ ‫فاح َذروا ذلك اليوم ُّ‬‫مون}‪ْ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رون عنه ساعةً وال تَ ْستَ ْقد َ‬
‫تستأخ َ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬ ‫ﭽﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﮅ ﮆ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫البد من وقوعه عند حلول‬ ‫ِ‬
‫بالعذاب َّ‬ ‫ميعاد المستعجلين‬
‫َ‬ ‫{‪ }31‬لما ذكر تعالى َّ‬
‫أن‬
‫رأيت حالَهم إذ ُو ِقفوا عند ربِّهم واجتمع‬
‫َ‬ ‫أجله؛ ذكر هنا حالَهم في ذلك اليوم‪َّ ،‬‬
‫وأنك لو‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ولم»‪.‬‬


‫لرأيت أمراً عظيماً وهوالً جسيماً‪ ،‬ورأيت‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫والضالل؛‬ ‫الرؤساء واألتباعُ في الكفر‬
‫ُ‬
‫ض ِعفوا}‪ :‬وهم‬ ‫القول}‪ ،‬فيقول {الذين استُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بعض‬ ‫بعضهم إلى‬ ‫ِ‬
‫{يرجعُ ُ‬ ‫كيف يتراجع و‬
‫مؤمنين}‪َّ :‬‬
‫ولكن ُكم ُحْلتُم بيننا‬ ‫َ‬ ‫األتباعُ‪{ ،‬للذين استَ ْكَبروا}‪ :‬وهم القادةُ‪{ :‬لوال أنتُم لَ ُكَّنا‬
‫ومقصودهم بذلك أن يكون‬
‫ُ‬ ‫الكفران (‪ ،)1‬فتبعناكم على ذلك‪،‬‬
‫َ‬ ‫وبين اإليمان‪َّ ،‬‬
‫وزي ْنتُم لنا‬
‫ِ‬
‫الرؤساء دونهم‪.‬‬ ‫العذاب على‬
‫ُ‬
‫ومخبرين َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫مستفهمين لهم‬
‫َ‬ ‫{‪{ }32‬قال الذين استَ ْكَبروا للذين استضعفوا}‪:‬‬
‫بقوتنا‬
‫جاء ُكم}؛ أي‪َّ :‬‬
‫ص َد ْدناكم عن الهُدى بعد إ ْذ َ‬
‫الجرم‪{ :‬أنحن َ‬
‫الجميع مشتركون في ُ‬
‫مجرمين}؛ أي‪ :‬مختارين لإلجرام‪ ،‬لستُم مقهورين عليه‪ ،‬وإ ن‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وقهرنا لكم‪{ ،‬بل كنتُم‬
‫ُكَّنا قد َزَّيَّنا ل ُكم؛ فما كان لنا عليكم من سلطان‪.‬‬

‫تأمروننا‬ ‫ِ‬
‫والنهار إ ْذ‬ ‫بل َم ْك ُر الليل‬
‫للذين استَ ْكَبروا ْ‬ ‫{‪ }33‬فقال {الذين استُ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ضعفوا َ‬
‫ونجعل له أنداداً}؛ أي‪ :‬بل الذي دهانا منكم ووصل إلينا من إضاللكم ما‬
‫َ‬ ‫أن نكفَُر باللّه‬
‫الكفر وتدعوننا إليه‪ ،‬وتقولون‪:‬‬
‫ـحسِّنون لنا َ‬ ‫َّ‬
‫دب ْرتُموه من المكر في الليل والنهار؛ إ ْذ تُ َ‬
‫وتزعمون َّأنه الباط ُل؛ فما زال ُ‬
‫مكر ُكم بنا‬ ‫َ‬ ‫ِّنونه‬
‫الحق‪ ،‬وتهج َ‬ ‫الحق‪ ،‬وتقدحون في ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّإنه‬
‫بينهم شيئاً إالَّ ِّ‬
‫تبري‬ ‫أغ َو ْيتُمونا وفَتَْنتُمونا‪ .‬فلم تُِف ْد تلك المراجعةُ َ‬
‫وكيد ُكم َّإيانا حتى ْ‬
‫ُ‬
‫العذاب}؛‬ ‫{وأسروا الندامةَ لما رأوا‬
‫ُّ‬ ‫بعض والندامةَ العظيمةَ‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعضهم من‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫بعضهم (‪ )2‬لينجو من العذاب‪ ،‬وعلم َّأنه‬ ‫احتج به ُ‬ ‫أي‪ :‬زال عنهم ذلك االحتجاج الذي َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫وأنه ترك‬ ‫أن لو كان على ِّ‬
‫الحق‪َّ ،‬‬ ‫مستحق له‪ ،‬فندم ٌّ‬
‫كل منهم غاية الندم‪َّ ،‬‬
‫وتمنى ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫ظالم‬
‫ٌ‬
‫سرا في أنفسهم؛ لخوفهم من الفضيحة في‬ ‫الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب‪ًّ ،‬‬
‫ظ ِهرون ذلك‬ ‫النار ُي ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫إقرارهم على أنفسهم! وفي بعض مواقف القيامة وعند دخوله ُم َ‬
‫ت مع الرسول َسبيالً‪ .‬يا‬ ‫الظالم على َي َد ْي ِه يقو ُل يا لَْيتَني اتَّ َ‬
‫ـخ ْذ ُ‬ ‫ُ‬ ‫{ويوم َي َع ُّ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫الندم جهراً‪:‬‬
‫َ‬
‫كنا في‬ ‫َوْيلَتى لَْيتَني لم أتَّ ِخ ْذ فُالناً خليالً‪ }...‬اآليات‪{ ،‬وقالوا لو ُكَّنا َن ْس َمعُ أو َن ْع ِق ُل ما َّ‬
‫َّعير}‪{ .‬وجعلنا األغالل في‬ ‫أصحاب السعير‪ .‬فاعترفوا ب َذ ْنبِ ِهم فَ ُس ْحقاً ألصحاب الس ِ‬ ‫ِ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬الكفر»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬بعضهم على بعض»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬وترك»‪.‬‬
‫هان في سجنه؛ كما قال‬ ‫ون كما ُي َغ ُّل‬ ‫ُّ‬
‫سي ُ‬‫المسجون الذي ُ‬
‫ُ‬ ‫أعناق الذين كفروا}‪ُ :‬ي َغل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بون في الحميم ثم في ِ‬
‫النار‬ ‫تعالى‪{ :‬إذ األغال ُل في أعناق ِهم والسالس ُل ُي ْس َح َ‬
‫رون‪ }...‬اآليات‪{ .‬هل ُي ْـج َز ْو َن}‪ :‬في هذا العذاب َّ‬
‫والنكال وتلك األغالل الثقال‬ ‫ُي ْس َج َ‬
‫لون}‪ :‬من الكفر والفسوق والعصيان‪.‬‬ ‫َّ‬
‫{إال ما كانوا َي ْع َم َ‬
‫ﭽﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ‬
‫ﰅ ﰆ ﭼ‪.‬‬ ‫ﰃ ﰄ‬
‫ِّ‬
‫المكذبة للرسل َّأنها كحال هؤالء‬ ‫{‪ }34‬يخبر تعالى عن حالة األمم الماضية‬
‫وأن اللّه إذا أرسل رسوالً في ٍ‬
‫قرية من‬ ‫ٍ‬
‫محمد (ص)‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫المكذبين لرسولهم‬ ‫الحاضرين‬
‫القرى؛ كفر به ُمتْ َرفوها‪ ،‬وأبطرتْهم نعمتُهم‪ ،‬وفخروا بها‪.‬‬
‫َّ‬
‫الحق‪{ ،‬وما نحن‬ ‫أكثر أمواالً وأوالداً}؛ أي‪ :‬م َّـمن اتَّبع‬
‫نحن ُ‬‫{‪{ }35‬وقالوا ُ‬
‫فإن ُب ِعثْنا؛ فالذي أعطانا األموال واألوالد في‬ ‫َّ‬
‫بمبعوثين؛ ْ‬
‫َ‬ ‫بين}؛ أي‪ :‬أوالً لسنا‬
‫بمعذ َ‬
‫الدنيا؛ سُيعطينا أكثر من ذلك في اآلخرة‪ ،‬وال ِّ‬
‫يعذُبنا‪.‬‬ ‫َ ْ‬
‫ط الرز ِ‬
‫ق وتضييقَه ليس دليالً على ما زعمتُم؛‬ ‫{‪ }36‬فأجابهم اللّهُ تعالى َّ‬
‫بأن َب ْس َ‬
‫شاء؛ بسطه لعبده‪ ،‬وإ ن شاء؛ َّ‬
‫ضيقَه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫إن َ‬‫مشيئة اللّه؛ ْ‬ ‫فإن الرزق تحت‬

‫{زْلفى}‪ :‬وتُدني إليه‪،‬‬


‫{‪ }37‬وليست األموال واألوالد {بالتي} تقرب إلى اللّه ُ‬
‫المرسلون والعم ُل الصالح الذي هو‬
‫َ‬ ‫ب منه زلفى اإليمان بما جاء به‬ ‫وإ َّنما الذي ِّ‬
‫يقر ُ‬
‫من لوازم اإليمان؛ َّ‬
‫فإن أولئك (‪ )1‬لهم الجزاء عند اللّه تعالى مضاعفاً الحسنة بعشر‬
‫الغر ِ‬
‫فات‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يعلمها إال اللّه‪{ .‬وهم في ُ ُ‬
‫أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ال ُ‬
‫ِّ‬
‫مطمئنين‪ ،‬آمنون من‬ ‫جدا‪ ،‬ساكنين فيها‬‫آمنون}؛ أي‪ :‬في المنازل العاليات المرتفعات ًّ‬
‫َ‬
‫يات‪ ،‬وآمنون من الخروج‬ ‫والمنغصات لما هم فيه من َّ‬
‫اللذات وأنواع المشتَه ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫المكدرات‬
‫َ‬
‫منها والحزن فيها‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬فأولئك»‪.‬‬


‫{‪ }38‬وأما الذين سعوا في آياتنا على وجه التعجيز لنا ولرسلنا والتكذيب؛‬
‫رون}‪.‬‬
‫ض َ‬ ‫{أولئك في العذاب ُم ْـح َ‬
‫وي ْق ِد ُر‬ ‫عباده ِ‬
‫وي ْقد ُر له}‪َ :‬‬
‫َ‬
‫الرزق ِلـمن يشاء ِم ْن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫{ي ْب ُسطُ‬
‫أعاد تعالى أنه َ‬
‫{‪ }39‬ثم َ‬
‫مستحبةً على قريب أو‬ ‫َّ‬ ‫ب عليه قوله‪{ :‬وما أنفَ ْقتُم من شيء}‪ :‬نفقةً واجبةً أو‬‫له ليرتِّ َ‬
‫أن اإلنفاق‬ ‫{ي ْـخِلفُهُ}‪ :‬فال َّ‬
‫تتوهموا َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫مسكين أو يتيم أو غير ذلك‪{ ،‬فهو} تعالى ُ‬ ‫ٍ‬ ‫جار أو‬‫ٍ‬
‫وي ْق ِد ُر‪{ .‬وهو‬
‫يشاء َ‬
‫ص الرزق‪ ،‬بل وعد بالخلف للمنفق الذي يبسط الرزق لمن ُ‬
‫ِ‬
‫مما ُي ْنق ُ‬
‫أم َركم بها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واسع ْوا في األسباب التي َ‬
‫َ‬ ‫الرزق منه‪،‬‬
‫َ‬ ‫الرازقين}‪ :‬فاطلُبوا‬
‫َ‬ ‫خير‬
‫ُ‬
‫ﭥ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭼ ﭽ‬ ‫ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭾ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ 40‬ـ ‪{ }41‬ويوم يح ُش ُرهم جميعاً}؛ أي‪ :‬العابدين لغير اللّه والمعبودين من‬
‫{للمالئكة}‪ :‬على وجه التوبيخ ِل َـم ْن َعَب َدهم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المالئكة‪{ ،‬ثم يقو ُل}‪ :‬اللّه‬ ‫دونه من‬
‫ك}؛ أي‪ :‬تنزيهاً لك‬ ‫سبحان َ‬
‫َ‬ ‫يعبدون}؟ فتبرؤوا من عبادتهم و{قالوا‬
‫َ‬ ‫{أهؤالء َّإيا ُكم كانوا‬
‫ِ‬
‫ند‪{ ،‬أنت َوِلُّينا من دونِ ِهم}‪ :‬فنحن مفتق َ‬
‫رون إلى‬ ‫ك أو ٌّ‬ ‫يكون لك شري ٌ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫وتقديساً ْ‬
‫صلُ ُح ألن ُنتَّ َخ َذ‬‫مضطرون إليها؛ فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا؟ أم كيف َن ْ‬ ‫ُّ‬ ‫واليتك‪،‬‬
‫ولكن هؤالء المشركون {كانوا َي ْعُبدون َّ‬
‫الجن}؛ أي‪:‬‬ ‫وشركاء‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫أولياء‬
‫َ‬ ‫من دونك‬
‫فيطيعونهم بذلك‪ ،‬وطاعتُهم هي‬ ‫َ‬ ‫يأمرونهم (‪ )2‬بعبادتِنا أو عبادة غيرنا‪،‬‬
‫َ‬ ‫الشياطين‪،‬‬
‫ألن العبادة الطاعة؛ كما قال تعالى مخاطباً ِّ‬
‫لكل من اتَّخذ معه آلهة‪{ :‬ألم‬ ‫عبادتُهم؛ َّ‬
‫أعُبدوني هذا‬ ‫مبين‪ِ .‬‬
‫وأن ْ‬ ‫عدو ٌ‬‫الشيطان َّإنه لكم ٌّ‬
‫َ‬ ‫أن ال تَ ْعُبدوا‬
‫أعهَ ْد إلي ُكم يا بني آدم ْ‬
‫ْ‬
‫للجن منقادون لهم؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ِّ‬
‫مصدقون ِّ‬ ‫مؤمنون}؛ أي‪:‬‬
‫َ‬ ‫مستقيم}‪{ .‬أ ْكثَُرهم بهم‬
‫ٌ‬ ‫صراطٌ‬
‫ب لالنقياد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الموج ُ‬ ‫التصديق‬
‫ُ‬ ‫اإليمان هو‬
‫َ‬
‫بعض ُكم‬ ‫{‪ }42‬فلما تبرؤوا منهم؛ قال تعالى مخاطباً لهم (‪{ :)3‬فاليوم ال ِ‬
‫ك ُ‬ ‫يمل ُ‬
‫بعضكم من بعض‪{ ،‬ونقو ُل‬ ‫األسباب‪ ،‬وانقطع ُ‬
‫ُ‬ ‫ض ًّرا}‪ :‬تقطَّعت بينكم‬ ‫ٍ‬
‫لبعض نفعاً وال َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬و»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬يأمرون»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬قال تعالى لهم»‪.‬‬
‫عذاب ِ‬
‫النار التي كنتُم‬ ‫النار‪{ :‬ذوقوا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫للذين ظلموا}‪ :‬بالكفر والمعاصي بعدما ندخلُهُ ُم َ‬
‫جزاء لتكذيبكم وعقوبةً لما أحدثه ذلك‬ ‫ودخْلتُموها‬
‫عاي ْنتُموها َ‬ ‫بها ِّ‬
‫تكذبون}‪ :‬فاليوم َ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫الهرب من أسبابها‪.‬‬ ‫التكذيب من عدم‬
‫ُ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ﭽﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ‪.‬‬

‫البينات‬
‫ُ‬ ‫آيات اللَّه‬
‫حالة المشركين عندما تُتلى عليهم ُ‬‫{‪ }43‬يخبر تعالى عن ِ‬
‫شر‪،‬‬ ‫القاطعات‪ ،‬الدالةُ على كل خير‪ ،‬الناهيةُ عن ِّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫وبراهينه‬
‫ُ‬ ‫الظاهرات‬
‫ُ‬ ‫وحججه‬
‫ُ‬
‫وصلت إليهم‪ ،‬الموجبة لمقابلتها باإليمان والتصديق‬ ‫ْ‬ ‫ومن ٍة‬
‫نعمة جاءتهم َّ‬ ‫التي هي أعظم ٍ‬
‫ُ‬
‫ويقولون‪{ :‬ما‬ ‫بون َم ْن جاءهم بها‬ ‫ِّ‬ ‫لونها ِّ‬ ‫واالنقياد والتسليم‪َّ ،‬أنهم يقابِ َ‬
‫َ‬ ‫بضد ما ينبغي ويكذ َ‬
‫يأم ُركم‬
‫قصده حين ُ‬ ‫آباؤكم}؛ أي‪ :‬هذا ُ‬ ‫ص َّد ُكم عما كان ُ‬
‫يعبد ُ‬ ‫يريد أن َي ُ‬‫هذا إالَّ رج ٌل ُ‬
‫َّ‬
‫الحق بقول‬ ‫فردوا‬‫عوائد آبائِ ُكم الذين تعظِّمون وتمشون خلفَهم‪ُّ ،‬‬
‫َ‬ ‫باإلخالص للّه لتتركوا‬
‫بعض‬ ‫ِ‬ ‫الضالِّين‪ ،‬ولم يوردوا برهاناً وال شبهةً؛ ُّ‬
‫فأي شبهة إذا أمرت الرس ُل َ‬
‫(‪)1‬‬

‫أن إخوانهم الذين على طريقتهم لم يزالوا عليه؟! وهذه‬ ‫فاد َع ْوا َّ‬ ‫الضالِّين باتِّباع ِّ‬
‫الحق َّ‬
‫حق ر َّد؛ فإذا هذا مآلُه‪ ،‬ال ير ُّد إالَّ‬ ‫َ َّ‬ ‫السفاهة ُّ‬
‫َُ‬ ‫تأملت كل ٍّ ُ‬ ‫الحق بأقوال الضالين إذا‬ ‫ِّ‬ ‫ورد‬
‫والدهريين والفالسفة والصابئين والملحدين في دين‬ ‫بأقوال الضالِّين من المشركين َّ‬
‫ِ‬
‫القيامة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الحق إلى يوم‬ ‫اللّه المارقين؛ فهم أسوةُ ِّ‬
‫كل من َر َّد‬

‫احتجوا بفعل آبائِ ِهم وجعلوها دافعةً لما جاءت به الرسل؛ طعنوا بعد هذا‬ ‫ول َّـما ُّ‬
‫كذب افتراه هذا الرج ُل الذي جاء به‪،‬‬
‫مفترى}؛ أي‪ٌ :‬‬
‫ً‬ ‫ك‬ ‫ِّ‬
‫بالحق‪{ ،‬وقالوا ما هذا إال إف ٌ‬
‫ِّن ِّ‬
‫لكل‬ ‫َّ‬ ‫الذين كفروا ِّ‬
‫ظاهر بي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫سحر‬
‫مبين}؛ أي‪ٌ :‬‬ ‫سحر ٌ‬ ‫إن هذا إال ٌ‬
‫للحق ل َّـما جاءهم ْ‬ ‫{وقال َ‬
‫ِّ‬
‫بالحق وترويجاً على السفهاء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أحد؛ تكذيباً‬
‫وأنها أقوا ٌل دون مرتبة ُّ‬
‫الشبهة‪ ،‬فضالً أن‬ ‫َّ‬
‫الحق‪َّ ،‬‬ ‫{‪ }44‬ول َّـما َّبين ما ُّ‬
‫ردوا به‬
‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫يحتج لهم؛ َّ‬
‫فإنهم ال مستند لهم وال لهم‬ ‫حجةً؛ ذكر َّأنهم وإ ْن أراد ٌ‬
‫أحد أن َّ‬ ‫تكون َّ‬
‫يدرسونها}‪ :‬حتى تكون عمدةً لهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫يعتمدون عليه أصالً‪ ،‬فقال‪{ :‬وما آتَْيناهم من ٍ‬
‫كتب‬ ‫َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬يردوا»‪.‬‬


‫وأحوال ِه ما يدفعون به‬
‫ِ‬ ‫أقوال ِه‬
‫عندهم من ِ‬
‫يكون َ‬ ‫ك من ٍ‬
‫نذير}‪ :‬حتى َ‬ ‫أرسْلنا إليهم قبلَ َ‬
‫{وما َ‬
‫أثارةٌ من علم‪.‬‬
‫علم وال َ‬
‫ما جئتَهم به؛ فليس عندهم ٌ‬
‫خوفَهم ما فَع َل باألمم المكذبين قبلَهم‪ ،‬فقال‪{ :‬و َك َّذب الذين من ِ‬
‫قبل ِهم‬ ‫{‪ }45‬ثم َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فكذبوا}؛ أي‪ :‬األمم‬‫طبون {معشار ما آتَْيناهم َّ‬‫وما َبلَغوا}؛ أي‪ :‬ما بلغ هؤالء المخا َ‬
‫َ‬
‫نكير}؛ أي‪ :‬إنكاري عليهم وعقوبتي َّإياهم‪ ،‬قد‬‫الذين من قبلهم {رسلي فكيف كان ِ‬
‫وأن منهم من أغرقه‪ ،‬ومنهم من أهلكه بالريح العقيم‬ ‫َعلَ َمَنا ما فَ َع َل بهم من َّ‬
‫النكال‪َّ ،‬‬ ‫أْ‬
‫ِ‬
‫الحاص ِب من السماء؛ فاح َذروا يا‬ ‫وبالصيحة وبالرجفة وبالخسف باألرض وبإرسال‬
‫ويصيبكم ما‬ ‫أخ َذ َم ْن قبلَكم‬
‫فيأخ َذ ُكم كما َ‬ ‫ِ‬
‫التكذيب‪ُ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫المكذبون أن تدوموا على‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬
‫ُ‬
‫أصابهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬ ‫ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ‬ ‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫المتصدين ِّ‬
‫لرد‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫المكذبين المعاندين‬ ‫{‪ }46‬أي‪{ :‬قل}‪ :‬يا ُّأيها الرسو ُل لهؤالء‬
‫أشير‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الحق وتكذيبِ ِه والقدح بِم ْن جاء به‪ِ َّ :‬‬
‫ِّ‬
‫{إنما أعـظُكم بواحدة}؛ أي‪ :‬بخصلة واحدة ُ‬ ‫َ‬
‫ف‪ ،‬لست أدعوكم بها إلى اتِّباع‬ ‫ص ٌ‬ ‫طريق َن َ‬
‫ٌ‬ ‫وأنصح لكم في سلوكها‪ ،‬وهي‬‫ُ‬ ‫عليكم بها‬
‫موجب لذلك‪ ،‬وهي‪{ :‬أن تقوموا للّ ِه مثنى‬ ‫ٍ‬ ‫قولي وال إلى ترك قوِل ُكم من دون‬
‫ٍ‬
‫خالص للّه مجتمعين‬ ‫ٍ‬
‫وقصد التِّباع الصوابـ وإ‬ ‫ٍ‬
‫ونشاط‬ ‫بهم ٍة‬
‫وفرادى}؛ أي‪ :‬تنهضوا َّ‬
‫نفسه بذلك؛ فإذا قُمتم للّه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ومتباحثين في ذلك ومتناظرين وفرادى‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ب َ‬ ‫كل واحد يخاط ُ‬
‫مجنون فيه‬ ‫وتدب ْرتُم أحوال رسوِل ُكم‪ :‬هل هو‬
‫وأجْلتُموه َّ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫مثنى وفرادى؛ استعملتُم ف ْك َر ُكم َ‬
‫يضركم‬‫منذر لكم ما ُّ‬‫صادق ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫كالم ِه وهيئتِ ِه وصفتِ ِه؟ أم هو ٌّ‬
‫نبي‬ ‫صفات المجانين من ِ‬‫ُ‬
‫مما أمامكم من العذاب الشديد؟ فلو قبلوا هذه الموعظةَ واستعملوها؛ لتبيـَّن لهم أكثر‬
‫ألن هيئاته ليست كهيئات المجانين في‬ ‫ٍ‬
‫بمجنون؛ َّ‬ ‫أن رسول اللّه (ص) ليس‬ ‫من غيرهم َّ‬
‫أحسن الهيئات‪ ،‬وحركاتُهُ ُّ‬
‫أجل الحركات‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫خنقهم واختالجهم ونظرهم‪ ،‬بل هيئتُهُ‬
‫أكمل الخلق أدباً وسكينةً وتواضعاً ووقاراً‪ ،‬ال يكون إالَّ ألرزن الرجال عقالً‪.‬‬
‫المليح وكلماتِ ِه التي تمأل القلوب أمناً وإ يماناً‬
‫َ‬ ‫ظه‬‫الفصيح ولف َ‬
‫َ‬ ‫كالمه‬
‫تأملوا َ‬ ‫ثم إذا َّ‬
‫وتحث على محاسن ِّ‬
‫الشَيم‬ ‫ُّ‬ ‫وتبعث على مكارم األخالق‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫وتزكي النفوس وتطهُِّر القلوب‬
‫العيون هيبةً وإ جالالً‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫ِّب عن مساوىء األخالق ورذائلها‪ ،‬إذا تكلم؛ َر َمقَتْهُ‬ ‫وتره ُ‬
‫وكالمهم الذي يشبِهُ أحوالَهم؟!‬
‫َ‬ ‫وعرب َدتَهم‬
‫َ‬ ‫وتعظيماً؛ فهل هذا يشبِهُ َه َذيان المجانين‬
‫وحده أم‬
‫تفكر َ‬ ‫تدبر أحوالَه وقصده استعالم‪ :‬هل هو رسو ُل اللّه أم ال؟ سواء َّ‬ ‫ُّ‬
‫فكل من َّ‬
‫غيرهُ؛ جزم بأنه رسو ُل اللّه حقًّا ُّ‬
‫ونبيه صدقاً‪ ،‬خصوصاً المخاطبين‪ ،‬الذي هو‬ ‫معه ُ‬
‫وآخره‪.‬‬
‫َ‬ ‫أمر ِه‬
‫صاحبهم‪ ،‬يعرفون أول ِ‬
‫ُ‬
‫آخر عن اتِّباع الداعي إلى ِّ‬
‫الحق‪ ،‬وهو أنه يأخ ُذ أموال‬ ‫{‪ }47‬وثََّم مانعٌ للنفوس ُ‬
‫يستجيب له ويأخ ُذ أجرةً على دعوتِ ِه‪ ،‬فبيـَّن اللّه تعالى نزاهةَ رسوله عن هذا‬
‫ُ‬ ‫َمن‬
‫أجر}؛ أي‪ :‬على اتِّباعكم ِّ‬
‫للحق {فهو لكم}؛ أي‪:‬‬ ‫األمر‪ ،‬فقال‪{ :‬قل ما سألتُ ُكم من ٍ‬
‫ي إالَّ على اللّه وهو على ِّ‬
‫كل‬ ‫{إن ِ‬
‫أجر َ‬ ‫أن ذلك األجر على التقدير َّأنه لكم‪ْ .‬‬ ‫فأشهدكم َّ‬
‫وشهيد‬
‫ٌ‬ ‫كنت كاذباً؛ ألخذني بعقوبته‪،‬‬
‫شهيد}؛ أي‪ :‬محيطٌ علمهُ بما أدعو إليه؛ فلو ُ‬ ‫شيء ٌ‬ ‫ٍ‬
‫أعمالكم‪ ،‬سيحفظُها عليكم ثم يجازيكم بها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أيضاً على‬

‫الحق وبطالن الباطل؛ أخبر تعالى‬ ‫البراهين الدالةَ على صحة ِّ‬ ‫َ‬ ‫{‪ }48‬ول َّـما َّبي َن‬
‫زاهق؛ َّ‬
‫ألنه َّبين من‬ ‫ٌ‬ ‫فيدم َغهُ فإذا هو‬
‫بالحق على الباطل َ‬ ‫ِّ‬ ‫سنتُه وعادته أن َي ْق ِذف‬ ‫أن هذه َّ‬‫َّ‬
‫المكذبين ما كان عبرةً للمعتبرين وآيةً للمتأملين؛‬ ‫ِّ‬ ‫الحق في هذا الموضع َّ‬
‫ورد به أقوا َل‬ ‫ِّ‬
‫ُّ‬
‫الحق‬ ‫وعنادهم‪ ،‬وظهر‬
‫ُ‬ ‫المكذبين‪ ،‬وتبيـَّن ِ‬
‫كذُبهم‬ ‫ِّ‬ ‫فإنك كما ترى كيف اضمحلَّ ْ‬
‫ت أقوا ُل‬ ‫َّ‬
‫يوب}‪ ،‬الذي يعلم ما تنطوي‬ ‫الغ ِ‬‫{عالَّم ُ‬‫وانقمع‪ ،‬وذلك بسبب بيان َ‬ ‫ْ‬ ‫وسطع‪ ،‬وبطل الباط ُل‬
‫الحجج‪ ،‬فيعلِّم بها‬
‫ويدفعه من ُ‬
‫ُ‬ ‫القلوب من الوساوس ُّ‬
‫والشبه‪ ،‬ويعلم ما يقابِ ُل ذلك‬ ‫ُ‬ ‫عليه‬
‫عباده‪ ،‬ويبيُِّنها لهم‪.‬‬
‫َ‬
‫{‪ }49‬ولهذا قال‪{ :‬قل جاء ُّ‬
‫الحق}؛ أي‪ :‬ظهر وبان وصار بمنزلة الشمس‬
‫أمره وذهب‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫يعيد}؛ أي‪ :‬اضمحل وبطل ُ‬
‫ىء الباطل وما ُ‬
‫سلطانه‪{ ،‬وما ُيبد ُ‬
‫ُ‬ ‫ظهَ َر‬
‫وَ‬
‫عيد‪.‬‬
‫سلطانه؛ فال ُيبدىء وال ُي ُ‬
‫ُ‬
‫يرمونه‬ ‫بون له‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫الحق بما دعا إليه الرسو ُل‪ ،‬وكان المكذ َ‬ ‫{‪ }50‬ولما تبيـَّن‬
‫وأخبر َهم َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫وبين لهم َع ْج َز ُهم عن مقاومتِ ِه‪،‬‬
‫ووضحه لهم َّ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫بالحق‪،‬‬ ‫َّ‬
‫بالضالل؛ أخبرهم‬
‫إن َّ‬
‫ضل ـ وحاشاه‬ ‫وأنه ْ‬ ‫َّ‬
‫الحق شيئاً وال دافع ما جاء به‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫بضائر‬ ‫رميهم له بالضالل ليس‬
‫َ‬
‫نفس ِه؛ أي‪ :‬ضاللُه‬
‫ض ُّل على ِ‬‫فإنما ي ِ‬
‫التنز ِل في المجادلة ـ؛ َّ َ‬
‫من ذلك‪ ،‬لكن على سبيل ُّ‬
‫اهتديت}‪ :‬فليس ذلك من نفسي وحولي‬
‫ُ‬ ‫غير ِه‪{ ،‬وإ ِن‬ ‫غير ٍّ‬
‫متعد إلى ِ‬ ‫قاصر على نفسه‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬
‫ـي ربي}‪ :‬فهو مادة هدايتي؛ كما هو مادةُ هداية‬ ‫وقوتي‪ ،‬وإ َّنما هدايتي بما {يوحي إل َّ‬
‫َّ‬
‫وعَب َدهُ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واألصوات كلِّها‪،‬‬ ‫إن ِّ‬ ‫غيري؛ َّ‬
‫قريب م َّـمن دعاه وسأله َ‬
‫ٌ‬ ‫ربـي سميعٌ لألقوال‬
‫ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ‪.‬‬

‫ك حا َل هؤالء‬ ‫مقام َ‬ ‫{‪ }51‬يقول تعالى‪{ :‬ولو ترى}‪ُّ :‬أيها الرسو ُل َ‬


‫وم ْن قام َ‬
‫لرأيت‬
‫َ‬ ‫المكذبين {إ ْذ فَ ِزعوا}‪ :‬حين رأوا العذاب وما أخبرتْهم به الرس ُل وما َّ‬
‫كذبوا به؛‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫العذاب‪،‬‬ ‫وشدةً شديدةً‪ ،‬وذلك حين ُّ‬
‫يحق عليهم‬ ‫أمراً هائالً ومنظراً ِ‬
‫مفظعاً وحالةً منكرةً َّ‬
‫ُ‬
‫قريب}؛ أي‪ :‬ليس بعيداً عن ِّ‬
‫محل‬ ‫مكان ٍ‬ ‫{وأخذوا من ٍ‬ ‫فوت‪ِ ،‬‬
‫مهرب وال ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وليس لهم عنه‬
‫ؤخذون ثم ُي ْق َذفون في النار‪.‬‬
‫العذاب‪ ،‬بل ُي َ‬
‫لكن َّ‬
‫{أنى‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫آمنا باللّ ِه‪،‬‬
‫{‪{ }52‬وقالوا}‪ :‬في تلك الحال‪َّ :‬‬
‫وصد ْقنا ما به كذ ْبنا‪{ ،‬و} ْ‬
‫وبينه‪ ،‬وصار من‬
‫بينهم َ‬ ‫مكان ٍ‬
‫بعيد}‪ :‬قد حيل َ‬ ‫ش}؛ أي‪ :‬تناو ُل اإليمان‪{ ،‬من ٍ‬ ‫ناو ُ‬ ‫َّ‬
‫لهم الت ُ‬
‫ِ‬
‫األمور ال ُـمحالة في هذه الحالة‪.‬‬

‫ولكنهم {كفروا به من‬‫إيمانهم مقبوالً‪َّ ،‬‬ ‫{‪ }53‬فلو َّأنهم آمنوا َ‬


‫وقت اإلمكان؛ لكان ُ‬
‫مكان بعيد}‪ :‬بقذفهم الباطل ِلُي ْد ِحضوا به‬ ‫ِ‬
‫{بالغيب من ٍ‬ ‫ون}؛ أي‪ :‬يرمون‬ ‫قب ُل ِ‬
‫وي ْقذفُ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إصابة‬ ‫الحق‪ ،‬ولكن ال سبيل إلى ذلك؛ كما ال سبيل للرامي من ٍ‬
‫مكان بعيد إلى‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫الحق أو يدفَ َعه‪ ،‬وإ َّنما يكون له صولةٌ‬ ‫يغلب‬ ‫ِ‬
‫الغرض؛ فكذلك الباط ُل من ال ُـمحال أن َ‬
‫الباطل؛ قمعه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الحق وقاوم‬ ‫برز‬ ‫ِّ‬
‫الحق عنه‪ ،‬فإذا َ‬ ‫وقت ِ‬
‫غفلة‬ ‫َ‬
‫ات واألوالد‬ ‫الشهوات واللَّ َّذ ِ‬
‫ِ‬ ‫تهون}‪ :‬من‬ ‫{‪ِ }54‬‬
‫وبين ما َي ْش َ‬
‫بينهم َ‬ ‫{وحيل َ‬
‫بأعمال ِهم‪ ،‬وجاؤوا فرادى كما ُخِلقوا وتَر َكوا ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والجنود‪ ،‬قد انفردوا‬ ‫واألموال والخدم‬
‫بأشياع ِهم}‪ :‬من األمم السابقين حين جاءهم الهالك‬ ‫ِ‬ ‫وراء ظهورهم‪{ ،‬كما فعل‬ ‫ُخ ِّولوا‬
‫َ‬
‫الريبة وقلق‬‫مريب}؛ أي‪ُ :‬م ْح ِدث ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫{إنهم كانوا في ٍّ‬
‫شك‬ ‫وبين ما يشتهون‪َّ .‬‬‫بينهم َ‬ ‫حيل َ‬
‫القلب؛ فلذلك لم يؤ ِمنوا‪ ،‬ولم يعتَبوا حين استُ ْعتِبوا‪.‬‬
‫تم تفسير سورة سبأ‪.‬‬
‫التوكل‪ ،‬وبه الثقة (‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫والمنة والفضل‪ ،‬ومنه" العون‪ ،‬وعليه ُّ‬ ‫وللّه الحمد‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬والثقة»‪.‬‬


‫تفسير" سورة فاطر‬

‫[وهي] مكية‬

‫ﭑﭒﭓ‬
‫ﯘ ﯙ‬ ‫ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯰ ﭼ‬ ‫ﯯ‬ ‫‪.‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ‬
‫واألرض‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السماوات‬ ‫المقدسةَ على ِ‬
‫خلقه‬ ‫{‪ }1‬يمدح [اللَّه] تعالى نفسه الكريمة َّ‬
‫ملك ِه وعموم‬‫ألن ذلك دلي ٌل على كمال قدرتِ ِه وسعة ِ‬
‫َ‬ ‫وما اشتَ َملَتا عليه من المخلوقات؛ َّ‬
‫يتضم ُن األمر‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الخلق؛ َذ َك َر بعده ما‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫حاطة علمه‪ .‬ول َّـما َذ َك َر‬ ‫رحمتِ ِه وبديع حكمته وإ‬
‫خلق ِه في‬
‫بينه وبين ِ‬‫ط َ‬ ‫َّ‬
‫القدرية ووسائ َ‬ ‫أوامر ِه‬
‫ِ‬ ‫وهو أنه جعل {المالئكةَ رسالً}‪ :‬في ِ‬
‫تدبير‬
‫ِ‬
‫يستثن منهم أحداً دلي ٌل‬ ‫الدينية‪ .‬وفي ِذ ْك ِر ِه َّأنه جعل المالئكة رسالً ولم‬‫َّ‬ ‫تبليغ أوامره‬
‫أم َرهم‬
‫يعصون اللّه ما َ‬
‫َ‬ ‫وانقياد ِهم ِ‬
‫ألمر ِه؛ كما قال تعالى‪{ :‬ال‬ ‫ِ‬ ‫على كمال طاعتهم لربِّهم‬
‫ويفعلون ما يؤمرون}‪ .‬ولما كانت المالئكةُ مدب ٍ‬
‫ِّرات بإذن اللّه ما َجعلَهم اللّه َّ‬
‫موكلين‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫أجنحة}‪ :‬تطير بها‬ ‫سير ِهم؛ بأن َج َعلَهم {أولي‬
‫فيه؛ َذ َك َر قُ َّوتَهم على ذلك وسرعة ِ‬
‫فتسرعُ بتنفيذ ما أمرت به‪{ ،‬مثنى وثالث ورباع}؛ أي‪ :‬منهم من له جناحان وثالثة‬
‫بعض‬
‫يشاء}؛ أي‪ :‬يزيد َ‬
‫ق ما ُ‬ ‫الخْل ِ‬
‫{يزيد في َ‬
‫ُ‬ ‫وأربعة بحسب ما اقتضتْه حكمتُه‪.‬‬
‫القوة وفي الحسن وفي زيادة األعضاء‬ ‫خلقها وفي َّ‬‫مخلوقاتِ ِه على بعض في صفة ِ‬
‫قدير}‪ :‬فقدرتُه‬ ‫ٍ‬ ‫{إن اللّه على ِّ‬ ‫ِ‬
‫النغمات‪َّ .‬‬ ‫المعهودة وفي حسن األصوات َّ‬
‫ولذ ِة‬ ‫ِ‬
‫كل شيء ٌ‬
‫شيء‪ ،‬ومن ذلك زيادة مخلوقاتِ ِه‬
‫ٌ‬ ‫تعالى تأتي على ما يشاؤه‪ ،‬وال يستعصي عليها‬
‫بعضها على بعض‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالتدبير والعطاء والمنع‪ ،‬فقال‪{ :‬ما َي ْفتَ ِح اللّهُ للناس‬ ‫انفراده تعالى‬
‫َ‬ ‫{‪ }2‬ثم َذ َك َر‬
‫بعد ِه}‪ :‬فهذا‬
‫ك لها وما يم ِس ْك}‪ :‬من رحمتِ ِه عنهم {فال مرس َل له من ِ‬
‫ُْ‬ ‫رحمة فال ُم ْـم ِس َ‬
‫ٍ‬ ‫من‬
‫وأن ال ُيدعى إالَّ هو وال‬ ‫واالفتقار إليه من جميع الوجوه‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ق باللّه تعالى‬ ‫يوجب التعلُّ َ‬
‫{الحكيم}‪ :‬الذي يضع‬ ‫ُ‬ ‫األشياء كلَّها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويرجى إالَّ هو‪{ .‬وهو العزيز}‪ :‬الذي قَهَ َر‬ ‫ُيخاف ُ‬
‫وي ْن ِزلُها منازلها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األشياء مواض َعها‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫ﭽ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ‪.‬‬ ‫ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫يأمر تعالى جميع الناس أن َي ْذ ُكروا نعمتَه عليهم‪ ،‬وهذا شام ٌل ِل ِذ ْك ِرها‬ ‫{‪ُ }3‬‬
‫نعم ِه تعالى داع ِ‬
‫لشكر ِه‪ .‬ثم‬ ‫فإن ِذ ْكر ِ‬
‫ثناء وبالجوارح انقياداً‪َ َّ ،‬‬
‫بالقلب اعترافاً وباللسان ً‬
‫يرزقُكم‬
‫غير اللّه ُ‬ ‫النعم‪ ،‬وهي الخلق والرزق‪ ،‬فقال‪{ :‬هل من خالق ُ‬ ‫َنَّبههم على أصول ِّ‬
‫ويرزق إالَّ اللّه؛ نتج‬
‫ُ‬ ‫ق‬ ‫السماء واألرض}‪ :‬ولما كان من المعلوم َّأنه ليس ٌ‬
‫أحد َي ْـخلُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫فأنى‬‫وعبوديته‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬ال إله إالَّ هو َّ‬‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ألوهيته‬ ‫أن كان ذلك دليالً على‬‫من ذلك ْ‬
‫لعبادة المخلوق المرزوق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عبادة الخالق الرازق‬ ‫ص َرفون من‬ ‫كون}؛ أي‪ :‬تُ ْ‬
‫تؤفَ َ‬
‫ك من المرسلين؛ {فقد‬ ‫ك}‪ :‬يا ُّأيها الرسو ُل؛ فلك أسوةٌ بمن قبلَ َ‬ ‫{‪{ }4‬وإ ن ُي َك ِّذبو َ‬
‫ون َّجى اللّه الرسل وأتباعهم‪{ .‬وإ لى اللّ ِه‬ ‫ِّ‬
‫المكذبون‪َ ،‬‬ ‫ُهِل َ‬
‫ك‬ ‫ك}‪ :‬فأ ْ‬ ‫قبل َ‬‫ت رس ٌل من ِ‬‫ُك ِّذَب ْ‬
‫األمور}‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تُرجع‬
‫ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ‬
‫ﮌ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫وعد اللّه}‪ :‬بالبعث والجزاء على‬
‫إن َ‬ ‫{‪ 5‬ـ ‪ }6‬يقول تعالى‪{ :‬يا ُّأيها الناس َّ‬
‫تردد‪ ،‬قد دلَّت على ذلك األدلة السمعية‬
‫ـك فيه وال مريةَ وال ُّ‬ ‫{حق}؛ أي‪ :‬ال ش َّ‬
‫األعمـال ٌّ‬
‫وبادروا أوقاتَكم الشريفةَ باألعمال‬ ‫فتهيؤوا له ِ‬ ‫وعدهُ حقًّا؛ َّ‬
‫والبراهين العقلية‪ ،‬فإذا كان ُ‬
‫بلذاتِها وشهواتِها‬‫الدنيا}‪َّ :‬‬
‫ط ْع ُكم عن ذلك قاطعٌ‪{ .‬فال تَ ُغ َّرَّن ُك ُم الحياةُ ُّ‬ ‫الصالحة وال َي ْق َ‬
‫رور}‪ :‬الذي هو‬ ‫النفسية‪ ،‬فتُلهيكم عما ُخلقتم له‪{ ،‬وال َي ُغ َّرَّن ُكم باللّه َ‬
‫الغ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ومطالبِها‬
‫عدوكم في الحقيقة‪{ .‬فاتَّ ِخذوه َع ُد ًّوا}؛ أي‪ :‬لتكن منكم عداوته على‬ ‫الشيطان‪ ،‬الذي هو ُّ‬ ‫ُ‬
‫فإنه يراكم وأنتم ال تََر ْوَنه‪ ،‬وهو دائماً لكم‬ ‫كل ٍ‬
‫وقت؛ َّ‬ ‫بال‪ ،‬وال تُهملوا محاربته َّ‬ ‫ٍ‬
‫ومقصوده‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السعير}‪ :‬هذا غايتُه‬ ‫ِ‬
‫أصحاب‬ ‫{إنما َي ْدعو ِح ْزَبه ليكونوا من‬
‫بالمرصاد‪َّ .‬‬
‫ِ‬
‫م َّـم ْن تَبِ َعهُ أن ُي َ‬
‫هان غاية اإلهانة بالعذاب الشديد‪.‬‬

‫وعدمها إلى قسمين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أن الناس انقسموا بحسب طاعة الشيطان‬ ‫{‪ }7‬ثم ذكر َّ‬
‫جاءت به الرس ُل ودلَّت‬
‫ْ‬ ‫كل منهما‪ ،‬فقال‪{ :‬الذين كفروا}؛ أي‪ :‬جحدوا ما‬ ‫جزاء ٍّ‬
‫َ‬ ‫و َذ َك َر‬
‫وأنهم خالدون‬‫ووصف ِه‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫شديد في ذاتِ ِه‬ ‫شديد}‪ :‬في نار َّ‬
‫جهنم‪ٌ ،‬‬ ‫عذاب ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الكتب {لهم‬
‫ُ‬ ‫عليه‬
‫فيها أبداً‪{ ،‬والذين آمنوا}‪ :‬بقلوبِ ِهم بما دعا اللّه إلى اإليمان به‪{ ،‬وعملوا} ـ بمقتضى‬
‫األعمال الصالحةَ {لهم مغفرةٌ}‪ :‬ل ُذنوبهم‪ ،‬يزو ُل بها عنهم‬
‫َ‬ ‫بجوار ِحهم ـ‬
‫ِ‬ ‫ذلك اإليمان‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يحص ُل به‬
‫ُ‬ ‫كبير}‪:‬‬
‫{وأجر ٌ‬‫ٌ‬ ‫الشر والمكروه‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮢﮣ ﮤ‬
‫الشيطان‬
‫ُ‬ ‫ِّن له}‪ :‬عملُه السيئ القبيح‪َّ ،‬‬
‫زينه له‬ ‫{‪ }8‬يقو ُل تعالى‪{ :‬أفَ َمن ُزي َ‬
‫ِ‬
‫الصراط المستقيم والدين‬ ‫وحسَّنه في عينِ ِه (‪{ ،)1‬فرآه حسناً}؛ أي‪ :‬كمن هداه اللّه إلى‬
‫الحق باطالً والباطل حقًّا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫القويم؛ فهل يستوي هذا وهذا؟! فاألول عمل السيئ‪ ،‬ورأى‬
‫الحق حقًّا والباطل باطالً‪ ،‬ولكن الهداية واإلضالل ِ‬
‫بيد اللّه‬ ‫َّ‬ ‫الحسن ورأى‬ ‫والثاني عمل‬
‫َ‬
‫نفسك عليهم}؛ أي‪ :‬على‬ ‫ِ ُّ‬ ‫تعالى‪َّ .‬‬
‫ب ُ‬ ‫يشاء فال تَ ْذ َه ْ‬
‫وي ْـهدي َمن ُ‬‫يشاء َ‬‫{فإن اللّه ُيضل َمن ُ‬
‫ٍ‬
‫{حسرات}‪ :‬فليس‬ ‫ِّ‬
‫الحق‬ ‫الشيطان عن‬ ‫َّ‬
‫وصد ُهم‬ ‫ِ‬
‫أعمال ِهم‪،‬‬ ‫سوء‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ِّن لهم ُ‬ ‫الضالين الذين ُزي َ‬
‫شيء‪ ،‬واللّه هو الذي ُيجازيهم بأعمالهم‪َّ .‬‬
‫{إن‬ ‫ٌ‬ ‫عليك إالَّ البالغُ‪ ،‬وليس عليك ِمن هداهم‬
‫يصنعون}‪.‬‬
‫َ‬ ‫عليم بما‬
‫اللّه ٌ‬
‫‪.‬‬ ‫ﯜ ﯝ ﭼ‬ ‫ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ‬
‫الرياح فتُثير‬
‫َ‬ ‫جود ِه َّ‬
‫وأنه {أرس َل‬ ‫وس َعة ِ‬ ‫اقتدار ِه َ‬
‫ِ‬ ‫{‪ }9‬يخبر تعالى عن كمال‬
‫بعد موتها}‪:‬‬
‫{فأحَي ْينا به األرض َ‬‫ِّت}‪ :‬فأنزله اللّه عليها‪ْ ،‬‬ ‫بلد مي ٍ‬
‫ٍ‬
‫فس ْقناه إلى َ‬
‫سحاباً ُ‬
‫ت في تلك الخيرات‪{ ،‬كذلك}‪ :‬الذي‬ ‫ورتَ َع ْ‬ ‫ِ‬
‫الحيوانات‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫والعباد‪ ،‬وارتزقت‬
‫ُ‬ ‫البالد‬
‫ُ‬ ‫فحييت‬
‫فيسوق إليهم‬
‫ُ‬ ‫األموات من قبورهم بعدما َّ‬
‫مزقَهم البالء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أحيا األرض بعد موتها ينشر‬
‫فينزلُه عليهم‪ ،‬فتحيا األجساد واألرواح من‬ ‫مطراً كما ساقه إلى األرض الميتة‪ِ ،‬‬
‫بحكم ِه العدل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫القبور‪ ،‬فيأتون للقيام بين يدي اللّه‪ ،‬ليحكم بينهم وي ْف ِ‬
‫ص َل‬ ‫َ‬
‫ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﭽﯞ ﯟ‬
‫ﯹ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫العزة بيد اللَّه‪ ،‬وال‬ ‫بيد ِه؛ َّ‬
‫فإن َّ‬ ‫طلُْبها م َّـم ْن هي ِ‬ ‫{‪ }10‬أي‪ :‬يا َمن ُيريد َّ‬
‫العزةَ! ا ْ‬
‫ِّب}‪ :‬من قراءة وتسبيح‬ ‫الكلم الطي ُ‬
‫يصعد ُ‬
‫ُ‬ ‫تُنال إالَّ بطاعتِ ِه‪ ،‬وقد َذ َك َرها بقوِل ِه‪{ :‬إليه‬
‫ويثني اللّه‬ ‫وتحميد وتهليل وكل كالم ٍ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عرض عليه‪ُ ،‬‬
‫وي ُ‬ ‫فيرفع إلى اللّه‪ُ ،‬‬ ‫حسن طيِّب‪ُ ،‬‬
‫على صاحبه بين المأل األعلى‪{ ،‬والعم ُل الصالح}‪ :‬من أعمال القلوب وأعمال‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬عينيه»‪.‬‬


‫الصالح يرفَعُ‬
‫ُ‬ ‫الجوارح {يرفَ ُعهُ}‪ :‬اللّه تعالى إليه أيضاً كالكلم الطيب‪ .‬وقيل‪ :‬والعمل‬
‫ِّب؛ فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة فهي التي ترفع‬ ‫َّ‬
‫الكلم الطي َ‬
‫َ‬
‫صالح؛ لم ُي ْرفَ ْع له قو ٌل إلى اللّه تعالى‪ .‬فهذه‬
‫ٌ‬ ‫يكن له عم ٌل‬
‫كلمه الطيب‪ ،‬فإذا لم ْ‬
‫فإنها‬‫السيئات؛ َّ‬ ‫وأما‬ ‫صاحَبها ُّ‬
‫ويعزه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وي ْرفَعُ اللّه‬
‫ُ‬ ‫األعمال التي تُرفع إلى اللّه تعالى َ‬
‫يزداد إالَّ‬
‫ُ‬ ‫ويعود ذلك عليه‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫ويكيد‬
‫ُ‬ ‫ويمكر‬ ‫صاحبها الرفعةَ بها‪،‬‬ ‫يريد‬
‫بالعكس‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عذاب‬ ‫ِ‬
‫السيئات لهم‬ ‫يمكرون‬ ‫يرفعهُ والذين‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫الصالح ُ‬ ‫ُ‬ ‫هواناً ونزوالً‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬والعم ُل‬
‫ُّ‬
‫ويضمحل وال‬ ‫يبور}؛ أي‪ :‬يهلك‬‫{وم ْك ُر أولئك هو ُ‬ ‫شديد}‪ُ :‬يهانون فيه غايةَ اإلهانة‪َ .‬‬ ‫ٌ‬
‫مكر بالباطل ألجل الباطل‪.‬‬ ‫ألنه ٌ‬‫يفيدهم شيئاً؛ َّ‬
‫ُ‬
‫ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ‬
‫ﰞ ﰟ ﭼ‪.‬‬
‫تراب إلى ٍ‬
‫نطفة‬ ‫وتنقله في هذه األطوار من ٍ‬
‫اآلدمي ُّ‬
‫َّ‬ ‫{‪ }11‬يذكر تعالى خلقَه‬
‫طور حتى أوصلكم إلى‬ ‫ينقلُكم طوراً بعد ٍ‬ ‫وما بعدها‪{ ،‬ثم َج َعلَكم أزواجاً}؛ أي‪ :‬لم يزل ُ‬
‫الذ ِّرية واألوالد؛ فهو وإ ْن كان‬ ‫راد بالزواج ُّ‬ ‫وي ُ‬
‫يتزوج أنثى‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫أن كنتُم أزواجاً؛ ذكر‬ ‫ْ‬
‫مقترن بقضاء اللّه وقدره وعلمه‪{ .‬وما تَ ْـح ِم ُل ِمن أنثى‬ ‫ٌ‬ ‫فإنه‬ ‫ِ‬
‫األسباب فيه؛ َّ‬ ‫النكاح من‬
‫ُ‬
‫اآلدمي كلُّها بعلمه وقضائه {وما ُي َع َّم ُر من ُم َع َّم ٍر‬
‫ِّ‬ ‫أطوار‬ ‫وال تضع إالَّ ِ‬
‫بعلم ِه}‪ :‬وكذلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫معمراً عمراً طويالً‪{ ،‬إالَّ}‪ :‬بعلمه تعالى‪،‬‬ ‫ص من ُع ُم ِر ِه}؛ أي‪ :‬عمر الذي كان َّ‬ ‫وال ُينقَ ُ‬
‫ص َل إليه لوال ما سلكه من‬ ‫أو‪ :‬وما ينقص من عمر اإلنسان الذي هو بصدد أن ي ِ‬
‫َ‬
‫كالزنا وعقوق الوالدين وقطيعة األرحام ونحو ذلك مما ُذ ِك َر َّأنها‬ ‫ص ِر العمر؛ ِّ‬ ‫ِ‬
‫أسباب ق َ‬
‫بسبب وبغير ٍ‬
‫سبب كله‬ ‫ٍ‬ ‫طول العمر و ِق َ‬
‫ص َره‬ ‫أن َ‬ ‫من أسباب قصر العمر‪ ،‬والمعنى َّ‬
‫كتاب}‪ :‬حوى ما يجري على العبد في جميع أوقاته‬ ‫بعلمه تعالى‪ ،‬وقد أثبت ذلك {في ٍ‬
‫يسير}؛ أي‪ :‬إحاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة‪،‬‬ ‫وأيام حياته‪َّ .‬‬
‫{إن ذلك على اللّه ٌ‬
‫وإ حاطةُ كتابه بها‪.‬‬
‫فهذه ثالثةُ أدلَّة من أدلَّة البعث والنشور‪ ،‬كلُّها َّ‬
‫عقلية‪َّ ،‬نبه اللّه عليها في هذه‬
‫سيحيي الموتى‪ .‬وتََن ُّقل اآلدمي في‬ ‫اآليات‪ :‬إحياء األرض بعد موتها‪َّ ،‬‬
‫وأن الذي أحياها ُ‬
‫ون َّقلَه طبقاً بعد طبق وحاالً بعد حال حتى بلغ ما قُ ِّد َر له؛‬
‫أوج َده َ‬
‫تلك األطوار‪ ،‬فالذي َ‬
‫أهون عليه‪ .‬وإ حاطة علمه بجميع‬ ‫أقدر‪ ،‬وهو‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫فهو على إعادته وإ نشائه النشأةَ األخرى ُ‬
‫َّ‬
‫واألجنة التي في‬ ‫ـي دقيقها وجليلها‪ ،‬الذي في القلوب‪،‬‬
‫العلوي والسفل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫أجزاء العالم‬
‫(‪)1‬‬
‫ثبات ذلك كلِّه في كتاب؛ فالذي كان هذا‬
‫البطون‪ ،‬وزيادة األعمار ونقصها‪ ،‬وإ ُ‬
‫عباده على‬ ‫خيره‪َّ ،‬‬
‫ونبه َ‬ ‫وأيسر‪ .‬فتبارك من َكثَُر ُ‬
‫ُ‬ ‫أيسر‬
‫يسيراً عليه؛ فإعادتُه لألموات ُ‬
‫صالحهم في معاشهم ومعادهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ما فيه‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮢ ﮣ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ِ‬
‫البحرين لمصالح‬ ‫إخبار عن قدرتِ ِه وحكمتِ ِه ورحمتِ ِه‪َّ ،‬أنه جعل‬ ‫{‪ }12‬هذا ٌ‬
‫األنهار‬
‫ُ‬ ‫ألن المصلحة تقتضي أن تكون‬ ‫يسو بينهما؛ َّ‬
‫وأنه لم ِّ‬ ‫األرضي كلِّهم‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫العالم‬
‫يكون‬
‫َ‬ ‫لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون‪،‬ـ وأن‬ ‫َ‬ ‫عذبةً فراتاً سائغاً شرابها؛‬
‫يموت في البحر من‬‫ُ‬ ‫الهواء المحيطُ باألرض بروائح ما‬ ‫ُ‬ ‫البحر ملحاً أجاجاً؛ لئالَّ َي ْف ُس َد‬
‫ُ‬
‫أحسن‬
‫َ‬ ‫تمنعه من ُّ‬
‫التغير‪ ،‬ولتكون حيواناتُه‬ ‫ساكن ال يجري؛ فملوحتُه ُ‬ ‫ٌ‬ ‫الحيوانات‪َّ ،‬‬
‫وألنه‬
‫تأكلون لحماً ًّ‬
‫طريا}‪ :‬وهو‬ ‫كل}‪ :‬من البحر الملح والعذب {‬ ‫وألذ‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬ومن ٍّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ومرجان‬ ‫{وتستخرجون ِحْلَيةً تَْلَب َ‬
‫سونها}‪ :‬من لؤلؤ‬ ‫ِ‬ ‫صيده في البحر‪،‬‬ ‫ِّر ُ‬ ‫السمك المتيس ُ‬
‫مصالح عظيمةٌ للعباد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يوجد في البحر‪ ،‬فهذه‬
‫ُ‬ ‫وغيره مما‬

‫ومن المصالح أيضاً والمنافع في البحر أن َس َّخ َره اللّه تعالى يحم ُل الفل َ‬
‫ك من‬
‫ك من إقليم إلى إقليم آخر ومن‬ ‫تمخ ُر البحر وتشقُّه‪ ،‬فتسل ُ‬
‫السفن والمراكب‪ ،‬فتراها ُ‬
‫فيحص ُل بذلك من فضل اللّه‬
‫ُ‬ ‫محل‪ ،‬فتحمل السائرين وأثقالَهم وتجاراتِ ِهم‪،‬‬
‫محل إلى ٍّ‬
‫ٍّ‬
‫فضل ِه ولعلَّكم تش ُكرون}‪.‬‬
‫وإ حسانه شيء كثير‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وِلتَْبتَغوا من ِ‬
‫ٌ‬
‫بالليل؛ ُي ْد ِخ ُل هذا‬
‫ِ‬ ‫والنهار‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالنهار‬ ‫إيالجهُ تعالى اللي َل‬
‫ُ‬ ‫{‪ }13‬ومن ذلك أيضاً‬
‫اآلخر‬
‫ُ‬ ‫وينقص‬
‫ُ‬ ‫أحدهما‬
‫ويزيد ُ‬
‫ُ‬ ‫أحدهما؛ ذهب اآلخر‪،‬‬‫على هذا وهذا على هذا‪ ،‬كلما أتى ُ‬
‫ِ‬
‫وأشجارهم‬ ‫ِ‬
‫العباد في أبدانهم وحيواناتهم‬ ‫يقوم من مصالح‬
‫ويتساويان‪ ،‬فيقوم بذلك ما ُ‬
‫ِ‬
‫والنور‬ ‫وزروعهم‪ ،‬وكذلك ما جعل اللّه في تسخير الشمس والقمر من مصالح الضياء‬
‫ُ‬

‫‪ - 1‬أضاف الشيخ هنا في هامش ( أ ) و(ب)‪« :‬نعته» ثم شطب عليها في هامش ( أ )‪.‬‬
‫والحركة والسكون وانتشار العباد في طلب فضله وما فيهما من تنضيج الثمار‬
‫الناس‬
‫ق َ‬ ‫ت؛ لَلَ ِح َ‬
‫روريات التي لو فُِق َد ْ‬
‫ِـ‬ ‫وتجفيف ما يجفَّف (‪ )1‬وغير ذلك مما هو من َّ‬
‫الض‬
‫الضرر‪.‬‬
‫ُ‬
‫{كل يجري ألجل مس ًّمى}؛ أي‪ٌّ :‬‬
‫كل من الشمس والقمر يسيران في‬ ‫وقوله ٌّ‬
‫َُ‬
‫سيرهما‪،‬‬ ‫الدنيا؛ انقطع ُ‬‫انقضاء ُّ‬
‫ُ‬ ‫ب‬‫فلكهما ما شاء اللّه أن يسيرا؛ فإذا جاء األج ُل وقَ ُر َ‬
‫جوم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وانتثرت ُّ‬
‫الن ُ‬ ‫الشمس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫القمر‪ ،‬و ُك ِّو َر ِت‬
‫وخسف ُ‬‫َ‬ ‫سلطانهما‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وتعطَّل‬

‫العبر الدالَّة‬
‫فلما َّبين تعالى ما َّبين من هذه المخلوقات العظيمة وما فيها من ِ‬
‫بخْلق هذه‬
‫ك}؛ أي‪ :‬الذي انفرد َ‬ ‫على كماله وإ حسانِ ِه قال‪{ :‬ذل ُك ُم اللّه ُّ‬
‫ربكم له المل ُ‬
‫تدعون‬
‫َ‬ ‫ك كلُّه‪{ .‬والذين‬
‫المعبود الذي له المل ُ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫الرب المألوه‬ ‫ِ‬
‫وتسخيرها هو‬ ‫المذكورات‬
‫مير}؛ أي‪ :‬ال يملكون شيئاً ال‬ ‫ط ٍ‬‫كون {من ِق ْ‬ ‫ِ‬
‫من دونِه}‪ :‬من األوثان واألصنام‪ ،‬ال يمل َ‬
‫ِ‬
‫قليالً وال كثيراً‪ ،‬حتى وال القطمير الذي هو أحقر األشياء‪ ،‬وهذا من تنصيص النفي‬
‫ِ‬
‫السماوات واألرض؟!‬ ‫مالكين لشيء من ملك‬ ‫وعمومه؛ فكيف ُي ْد َع ْو َن وهم غير‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وأموات‬ ‫ٍ (‪)2‬‬
‫{‪ }14‬ومع هذا‪{ :‬إن تَ ْدعوهم}‪ :‬ال يسمعوكم؛ ألنهم ما بين جماد‬
‫ومالئكة مشغولين بطاعة ربهم‪{ ،‬ولو سمعوا}‪ :‬على وجه الفرض والتقدير {ما‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫بعبادة َم ْن َعَب َده‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫أكثرهم‬ ‫ِ‬ ‫استَجابوا لكم}‪َّ :‬‬
‫ألنهم ال يملكون شيئاً وال يرضى ُ‬ ‫ْ‬
‫أنت وِلُّينا‬
‫ويقولون‪ :‬سبحانك َ‬‫َ‬ ‫بش ْر ِك ُكم}؛ أي‪ :‬يتبرؤون منكم‪،‬‬
‫القيامة يكفُرون ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫{ويوم‬
‫ِ‬
‫الخبير؛‬ ‫أصدق من اللّه العليم‬
‫ُ‬ ‫ك‬
‫أحد ينبُِّئ َ‬ ‫من دونهم‪{ ،‬وال ينبُِّئك مث ُل ٍ‬
‫خبير}؛ أي‪ :‬ال َ‬
‫ت‬‫فتضمَن ْ‬ ‫تشك فيه وال ِ‬
‫تمتر‪.‬‬ ‫عين‪ ،‬فال َّ‬ ‫رأي ٍ‬ ‫فاج ِز ْم َّ‬
‫َّ‬ ‫بأن هذا األمر الذي نبأ به كأنه ُ‬ ‫ْ‬
‫َّ‬ ‫ُ َّ‬
‫المعبود الذي ال‬
‫ُ‬ ‫اآليات األدلة والبراهين الساطعةَ الدالة على َّأنه تعالى المألوهُ‬ ‫هذه‬
‫تفيد عابده‬ ‫وأن عبادةَ ما سواه باطلةٌ متعلقةٌ بباطل ال ُ‬ ‫ُّ‬
‫يستحق شيئاً من العبادة سواه‪َّ ،‬‬
‫شيئاً‪.‬‬
‫ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وتخفيف ما يخفف»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬جمادات»‪.‬‬
‫فقراء‬ ‫ِ‬
‫ووصفهم‪ ،‬وأنهم‬ ‫{‪ }15‬يخاطب تعالى جميع الناس‪ ،‬ويخبِرهم ِ‬
‫بحالهم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إيجاده َّإياهم لم يوجدوا‪ ،‬فقراء‬
‫ُ‬ ‫إلى اللّه من جميع الوجوه‪ :‬فقراء في ِ‬
‫إيجادهم؛ فلوال‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬
‫استعدوا‬ ‫إعداده َّإياهم بها؛ لما‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫إعدادهم بالقُوى واألعضاء والجوارح‪ ،‬التي لوال‬ ‫في‬
‫ق والنعم الظاهر ِة والباطنة؛ فلوال‬ ‫ِ‬
‫باألقوات واألرزا ِ‬ ‫ألي عمل كان‪ ،‬فقراء في ِ‬
‫إمدادهم‬ ‫ِّ‬
‫فقراء في‬
‫ُ‬ ‫شيء‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ق والنعم‬‫وتيسيره األمور‪ ،‬لما حصل لهم من الرز ِ‬
‫ُ‬ ‫حسانه‬
‫فضلُه وإ ُ‬
‫ِ‬
‫ـجه‬ ‫المكار ِه وإ زالة الكروب والشدائد؛ فلوال ُ‬
‫دفعه عنهم وتفري ُ‬ ‫ِ‬ ‫صرف النقم عنهم ودفع‬
‫فقراء إليه في تربيتهم‬
‫ُ‬ ‫والشدائد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ت عليهم المكارهُ‬
‫الستمر ْ‬
‫َّ‬ ‫لعسر ِهم؛‬
‫ل ُك ُرباتهم وإ زالتُهُ ِ‬
‫وحبِّهم له ُّ‬
‫وتعبدهم وإ خالص‬ ‫ُّ‬
‫بأنواع التربية وأجناس التدبير‪ ،‬فقراء إليه في تألههم له ُ‬
‫وقلوبهم وأحوالُهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أرواحهم‬
‫ُ‬ ‫وفسدت‬
‫ْ‬ ‫العبادة له تعالى؛ فلو لـم يوفِّ ْقهم لذلك؛ لهلكوا‬
‫تعليمه؛ لم يتعلَّموا‪،‬‬ ‫فقراء إليه في تعليمهم ما ال يعلمون وعملهم بما ي ِ‬
‫صل ُحهم؛ فلوال ُ‬‫ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫اعتبار‪ ،‬سواء‬ ‫صلُحوا؛ فهم فقراء بالذات إليه ِّ‬
‫بكل معنى وبكل‬ ‫ولوال توفيقُه؛ لم َي ْ‬
‫يشاهد فَ ْق َره‬
‫ُ‬ ‫ولكن الموفَّق منهم الذي ال يزال‬
‫يشعروا‪َّ ،‬‬ ‫شعروا ببعض أنواع ِ‬
‫الفقر أم لم ُ‬
‫نفس ِه طرفةَ‬
‫أن ال ي ِكلَه إلى ِ‬
‫ويتضرعُ له ويسألُه ْ َ‬
‫َّ‬ ‫في كل حال من ِ‬
‫أمور دينه ودنياه‪،‬‬
‫حري‬ ‫كل ٍ‬
‫وقت؛ فهذا‬ ‫ويستصحب هذا المعنى في ِّ‬ ‫أمور ِه‪،‬‬
‫يعينه على جميع ِ‬ ‫وأن َ‬
‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫عين ْ‬
‫ِ‬
‫الوالدة بولدها‪.‬‬ ‫أرحم به من‬ ‫التامة من ربِّه وإ لهه الذي هو‬
‫باإلعانة َّ‬
‫ُ‬
‫التام من جميع الوجوه؛ فال‬‫الحميد}؛ أي‪ :‬الذي له الغنى ُّ‬
‫ُ‬ ‫الغني‬
‫ُّ‬ ‫{واللّه هو‬
‫الخلق‪ ،‬وذلك لكمال‬ ‫يفتقر إليه‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫يفتقر إلى شيء مما ُ‬ ‫يحتاج إليه خلقُه‪ ،‬وال ُ‬‫ُ‬ ‫يحتاج إلى ما‬
‫ُ‬
‫الخلق في‬
‫َ‬ ‫ونعوت جالل‪ ،‬ومن غناه تعالى َّأنه أغنى‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫صفات كمال‬ ‫صفاتِ ِه‪ ،‬وكونِها كلها‬
‫ألنها حسنى‪ ،‬وأوصافه؛ لكونها عليا‪،‬‬ ‫الحميد في ذاته‪ ،‬وأسمائِ ِه؛ َّ‬
‫ُ‬ ‫الدنيا واآلخرة‪،‬‬‫ُّ‬
‫حسان وعد ٌل وحكمةٌ ورحمةٌ‪ ،‬وفي أوامره ونواهيه؛ فهو‬
‫ٌ‬ ‫وأفعاله؛ َّ‬
‫ألنها فض ٌل وإ‬
‫الغني في حمده‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الحميد في غناه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫منه (‪ ،)1‬وهو‬
‫الحميد على ما فيه‪ ،‬وعلى ما ّ‬
‫ُ‬
‫إن يشأ ُي ْذ ِه ْبكم‬
‫المراد‪ْ :‬‬
‫َ‬ ‫ق ٍ‬
‫جديد}‪ُ :‬يحتمل َّ‬
‫أن‬ ‫{‪{ }16‬إن ي َش ْأ ي ْذ ِه ْبكم ِ‬
‫ويأت بخل ٍ‬ ‫َ ُ‬
‫تهديد لهم بالهالك‬ ‫ٌ‬ ‫ويأت بغيركم من الناس أطوع للّه منكم‪ ،‬ويكون في هذا‬ ‫ُّأيها الناس ِ‬

‫‪« - 1‬قوله على ما فيه‪ :‬أي من الصفات‪ ،‬وعلى ما َمَّنه من الفضل واإلنعام وعلى الجزاء‬
‫بالعدل»‪ ،‬كذا في هامش نسخة ( أ ) بخط المؤلف‪.‬‬
‫إثبات البعث‬
‫ُ‬ ‫المراد بذلك‬
‫َ‬ ‫ويحتمل َّ‬
‫أن‬ ‫غير قاصرة عن ذلك‪ُ .‬‬ ‫وأن مشيئتَه ُ‬ ‫واإلبادة‪َّ ،‬‬
‫كل ٍ‬
‫شيء‪ ،‬وفي إعادتكم بعد موتكم خلقاً‬ ‫وأن مشيئةَ اللّه تعالى نافذةٌ في ِّ‬ ‫ُّ‬
‫والنشور‪َّ ،‬‬
‫قدره اللّه ال َّ‬
‫يتقدم عنه وال َّ‬
‫يتأخر‪.‬‬ ‫جديداً‪ ،‬ولكن لذلك الوقت أج ٌل َّ‬

‫ٍ‬
‫معجز له‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بعزيز}؛ أي‪ :‬بممتنع وال‬ ‫{‪{ }17‬وما ذلك على اللّه‬

‫تزر وازرةٌ ِو ْز َر‬ ‫ُّ‬


‫{‪ }18‬ويدل على المعنى األخير ما ذكره بعده في قوله‪{ :‬وال ُ‬
‫أحد‪{ .‬وإ ن‬‫أحد ذنب ٍ‬ ‫القيامة ُّ ٍ‬
‫ِ‬
‫كل أحد ُيجازى بعمله‪ ،‬وال يحم ُل ٌ َ‬ ‫أخرى}؛ أي‪ :‬في يوم‬
‫بعض‬
‫تستغيث بمن يحمل عنها َ‬ ‫ُ‬ ‫نفس مثقلةٌ بالخطايا والذنوب‬ ‫تَ ْدعُ ُمثَْقلَةٌ}؛ أي‪ٌ :‬‬
‫قريب‪ ،‬فليست‬ ‫فإنه ال َي ْـح ِم ُل عن ٍ‬
‫شيء ولو كان ذا قُربى}‪َّ :‬‬‫ٌ‬ ‫أوزارها‪{ ،‬ال ُي ْـح َم ْل منه‬
‫ِ‬
‫القيامة‬ ‫والصديق صديقَه‪ ،‬بل يوم‬
‫ُ‬ ‫حميمه‬ ‫يساعد الحميم‬
‫ُ‬ ‫الدنيا‬ ‫ِ‬
‫بمنزلة حال ُّ‬ ‫حا ُل اآلخرة‬
‫َ‬
‫تنذر الذين‬ ‫أحد‪ ،‬ولو على والديه وأقاربه‪َّ .‬‬ ‫حق على ٍ‬ ‫يكون له ٌّ‬ ‫َّ‬
‫{إنما ُ‬ ‫َ‬ ‫العبد أن‬
‫يتمنى ُ‬
‫ربهم بالغيب وأقاموا الصالة}؛ أي‪ :‬هؤالء الذين يقبلون النذارةَ وينتفعون‬ ‫َي ْـخ َش ْو َن َّ‬
‫ِ‬
‫والمشهد‬ ‫السر والعالنية‬
‫يخشونه في حال ِّ‬‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِ‬
‫بالغيب‪ .‬الذين‬ ‫بها‪ ،‬أه ُل الخشية للّه‬
‫وخشوعها؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫وشروطها وأركانها وواجباتها ُ‬‫ِ‬ ‫والمغيب وأهل ِ‬
‫إقامة الصالة بحدو ِدها‬ ‫ِ‬
‫والهرب مما‬
‫َ‬ ‫تضييع ِه العقاب‬
‫ِ‬ ‫الخشيةَ للّه تستدعي من ِ‬
‫العبد العم َل بما يخشى من‬
‫يخشى من ارتكابِ ِه العذاب‪ ،‬والصالة تدعو إلى الخير وتنهى عن الفحشاء والمنكر‪.‬‬
‫نفسه بالتنقِّي من العيوب كالرياء‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫{ومن َّ‬
‫تزكى َّ‬
‫فإنما يتزكى لنفسه}؛ أي‪ :‬ومن زكى َ‬
‫ق ونحو ذلك من األخالق الرذيلة‪،‬‬ ‫والمكر والخداع والنفا ِ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫والغش‬ ‫ِ‬
‫والكذب‬ ‫والكبر‬
‫والتواضعـ ولين الجانب ُّ‬
‫والنصح‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واإلخالص‬ ‫وتحلَّى باألخالق الجميلة من الصد ِ‬
‫ق‬
‫فإن ِ‬
‫تزكَيتَه‬ ‫وغيرهما من مساوىء األخالق؛ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والحسد‬ ‫الصدر من ِ‬
‫الحقد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسالمة‬ ‫للعباد‬
‫شيء‪{ .‬وإ لى اللّه‬
‫ٌ‬ ‫عمل ِه‬
‫مقصودها إليه‪ ،‬ليس يضيع من ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نفعها إليه ويص ُل‬
‫يعود ُ‬
‫وع ِملوه‪ ،‬وال‬
‫قدموه َ‬
‫ِ‬
‫ويحاسُبهم على ما َّ‬ ‫أسلَفوه‪،‬‬
‫الخالئق على ما ْ‬
‫َ‬ ‫المصير}‪ :‬فيجازي‬
‫ُ‬
‫يغاد ُر صغيرةً وال كبيرةً إالَّ أحصاها‪.‬‬
‫ِ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮀ ﮁ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬أي الذين»‪.‬‬


‫األضداد في حكمة اللّه وفيما ْأو َد َعه في‬
‫ُ‬ ‫{‪ 19‬ـ ‪ }23‬يخبر تعالى َّأنه ال يتساوى‬
‫النور‪.‬‬
‫الظلمات وال ُ‬ ‫ُ‬ ‫{والبصير‪.‬ـ وال‬
‫ُ‬ ‫ط ِر عباده‪ ،‬فال {يستوي األعمى}‪ :‬فاقد البصر‬ ‫ِف َ‬
‫ِّ‬
‫المتقرر‬
‫ِّ‬ ‫األموات}؛ فكما أنه من‬ ‫ُ‬ ‫األحياء وال‬
‫ُ‬ ‫رور‪ .‬وما يستوي‬ ‫ـح ُ‬ ‫وال الظ ُّل وال ال َ‬
‫عدم‬ ‫أن هذه المذكورات ال تتساوى؛ فكذلك َفْلتَ ْعلَموا َّ‬ ‫عندكم الذي ال َي ْقَب ُل َّ‬
‫الشك َّ‬
‫أن َ‬
‫والكافر‪ ،‬وال المهتدي‬‫ُ‬ ‫المؤمن‬
‫ُ‬ ‫المعنوي ِة أولى وأولى؛ فال يستوي‬
‫َّ‬ ‫المتضاد ِ‬
‫ات‬ ‫َّ‬ ‫تساوي‬
‫ِ‬
‫القلوب‬ ‫أحياء‬ ‫وأصحاب النار‪ ،‬وال‬‫ُ‬ ‫أصحاب الجنة‬‫ُ‬ ‫والضال‪ ،‬وال العالم والجاهل‪ ،‬وال‬‫ُّ‬
‫ُ‬
‫علمت‬
‫َ‬ ‫يعلمه إالَّ اللّه تعالى‪ .‬فإذا‬ ‫ق ما ال ُ‬
‫ِ‬
‫التفاوت والفَ ْر ِ‬ ‫وأمواتُها؛ فبين هذه األشياء من‬
‫ِ‬
‫فليختر‬ ‫ضده؛‬‫ت األشياء وبان الذي ينبغي أن ُيتَنافَ َس في تحصيله من ِّ‬ ‫المراتب َّ‬
‫ومي ْز َ‬ ‫َ‬
‫يشاء}‪ :‬سماع فَ ْهم‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫وأحق باإليثار‪َّ .‬‬
‫{إن اللّه ُي ْسمعُ َمن ُ‬ ‫الحازم لنفسه ما هو أولى به‬
‫ُ‬
‫أموات‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القبور}؛ أي‪:‬‬ ‫بمسمع َمن في‬
‫ٍ‬ ‫ألنه تعالى هو الهادي الموفِّق‪{ .‬وما َ‬
‫أنت‬ ‫وقَبول؛ َّ‬
‫المعاند‬
‫َ‬ ‫يفيد الـمـع ِـر َ‬
‫ض‬ ‫ِ‬
‫القبور شيئاً‪ ،‬كذلك ال ُ‬ ‫سكان‬
‫َ‬ ‫يفيد‬
‫دعاءك ال ُ‬ ‫َ‬ ‫القلوب‪ ،‬أو‪ :‬كما َّ‬
‫أن‬
‫أنت‬
‫{إن َ‬‫أرسلت به؛ قُبِ َل منك أم ال‪ ،‬ولهذا قال‪ْ :‬‬
‫َ‬ ‫ك النذارةُ وإ بالغُ ما‬ ‫شيئاً‪َّ ،‬‬
‫ولكن وظيفتَ َ‬
‫نذير}‪.‬‬
‫إال ٌ‬
‫ِّ‬
‫بالحق؛ َّ‬
‫ألن اللّه تعالى‬ ‫مجر ُد إرسالنا َّإياك‬ ‫ِّ‬
‫بالحق}؛ أي‪َّ :‬‬ ‫{‪{ }24‬إنا أرسلناك‬
‫واندراس من العلم وضرور ٍـة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وطموس من السُّبل‬ ‫ك على حين فتر ٍة من الرسل‬ ‫َب َعثَ َ‬
‫ك اللَّه رحمةً للعالمين‪ ،‬وكذلك ما َب َعثْناك به من الدين القويم‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة إلى بعثك‪ ،‬فبعثَ َ‬
‫حق ال باطل‪ ،‬وكذلك ما أرسلناك به من هذا القرآن العظيم وما‬ ‫ِ‬
‫والصراط المستقيم ٌّ‬
‫ك بثواب اللّه العاجل‬
‫أطاع َ‬
‫َ‬ ‫وصدق‪{ ،‬بشيراً}‪ :‬لمن‬
‫ٌ‬ ‫حق‬ ‫اشتم َل عليه من ِّ‬
‫الذ ْك ِر الحكيم ٌّ‬
‫ببدع من الرسل‪.‬‬
‫واآلجل {ونذيراً} ‪ :‬لمن عصاك بعقاب اهلل العاجل واآلجل‪ ،‬ولست ٍ‬
‫(‪)1‬‬

‫يقيم عليهم‬ ‫َّ‬ ‫{من َّ ٍ‬


‫نذير}‪ُ :‬‬
‫أمة}‪ :‬من األمم الماضية والقرون الخالية {إال خال فيها ٌ‬ ‫فما ْ‬
‫وي ْـحيا َم ْن َح َّي عن َبيَِّن ٍة}‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ك عن َبيَِّنة َ‬ ‫حجةَ اللّه؛ ِ{لَي ْهِل َ‬
‫ك َم ْن َهلَ َ‬ ‫َّ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﭽﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮛ ﮜ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮚ‬
‫يكذ ْبك ُّأيها الرسول هؤالء المشركون؛ فلست أول رسول‬ ‫{‪ }25‬أي‪ :‬وإ ْن ِّ‬
‫ِّ‬
‫الحق وعلى‬ ‫بالبينات}‪ :‬الداالَّ ِت على‬
‫ِ‬ ‫رسلُهم‬
‫ب الذين من قبلهم جاءتْهم ُ‬
‫َّ‬
‫ُك ِّذ َ‬
‫ب‪{ ،‬فقد َكذ َ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬نذيراً»‪.‬‬
‫صدقهم فيما أخبروهم به‪ُّ .‬‬
‫{والزُب ِر}؛ أي‪ :‬الكتب المكتوبة المجموع فيها كثير من‬
‫ِ‬
‫المنير}؛ أي‪ :‬المضيء في أخباره الصادقة وأحكامه العادلة‪ ،‬فلم‬ ‫ِ‬
‫{والكتاب‬ ‫األحكام‪.‬‬
‫قصور بما جاءتْهم به الرس ُل‪ ،‬بل بسبب ِ‬
‫ظلم ِهم‬ ‫ٍ‬ ‫تكذيبهم إياهم ناشئاً عن اشتباه أو‬ ‫يكن‬
‫ُ‬
‫وعناد ِهم‪.‬‬
‫ِ‬

‫ِ‬
‫العقوبات {فكيف كان ِ‬
‫نكير}‪ :‬عليهم؟‬ ‫أخذت الذين كفروا}‪ :‬بأنواع‬
‫ُ‬ ‫{‪{ }26‬ثم‬
‫وتكذيب هذا الرسول الكريم‪ ،‬فيصيبكم كما‬
‫َ‬ ‫وأعظم التنكيل؛ َّ‬
‫فإياكم‬ ‫كان َّ‬
‫أشد النكير‬
‫َ‬
‫أصاب أولئك من العذاب األليم والخزي الوخيم‪.‬‬
‫ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ‪.‬‬

‫واحد ومادتُها واحدةٌ وفيها‬ ‫َّ‬


‫المتضادات التي أصلُها ٌ‬ ‫يذكر تعالى خلقَه لألشياء‬
‫العباد على كمال قدرتِ ِه وبديع‬
‫َ‬ ‫مشاهد معروف؛ َّ‬
‫ليدل‬ ‫ٌ‬ ‫من التفاوت والفرق ما هو‬
‫حكمتِ ِه‪:‬‬
‫ِ‬
‫الثمرات‬ ‫ماء‪ ،‬فأخرج به من‬ ‫{‪ }27‬فمن ذلك َّ‬
‫أنزل من السماء ً‬
‫أن اللّه تعالى َ‬
‫واألرض‬ ‫واحد‬
‫مشاهد للناظرين‪ ،‬والماء ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫المتنوعات ما هو‬ ‫ِ‬
‫المختلفات والنباتات‬
‫ُ‬
‫واحدةٌ‪ .‬ومن ذلك الجبا ُل التي جعلها اللّه أوتاداً لألرض؛ ِ‬
‫تجدها جباالً مشتبكةً‪ ،‬بل‬
‫طرائق‬
‫ُ‬ ‫بيض‪ ،‬وفيها‬
‫بيض}؛ أي‪ :‬طرائق ٌ‬‫{ج َد ٌد ٌ‬
‫جبالً واحداً‪ ،‬وفيها ألوان متعددةٌ‪ ،‬فيها ُ‬
‫سود}؛ أي‪ :‬شديدة السواد ًّ‬
‫جدا‪.‬‬ ‫{غرابيب ٌ‬
‫ُ‬ ‫وحمر‪ ،‬وفيها‬
‫ٌ‬ ‫صفر‬
‫ٌ‬
‫ُّ‬
‫والدواب واألنعام؛ فيها من اختالف األلوان‬ ‫الناس‬
‫{‪ }28‬ومن ذلك ُ‬
‫ُّ‬
‫والكل من‬ ‫للنظَّ ِار‪،‬‬
‫مشهود ُّ‬
‫ٌ‬ ‫مرئي باألبصار‬
‫ٌّ‬ ‫ِ‬
‫والهيئات ما هو‬ ‫ِ‬
‫واألصوات‬ ‫ِ‬
‫واألوصاف‬
‫ت ما‬
‫َّص ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أصل ٍ‬
‫ـي على مشيئة اللّه تعالى التي َخص َ‬
‫واحدة‪ ،‬فتفاوتُها دلي ٌل عقل ٌّ‬ ‫ومادة‬ ‫واحد‬
‫ووصف ِه‪ ،‬وقدرة اللّه تعالى حيث أوجدها كذلك‪ ،‬وحكمتِ ِه‬
‫ِ‬ ‫ت منها بلونِ ِه‬
‫َّص ْ‬
‫َخص َ‬
‫التفاوت فيه من المصالح والمنافع ومعرفة‬
‫ُ‬ ‫ورحمتِ ِه حيث كان ذلك االختالف وذلك‬
‫الطرق ومعرفة الناس بعضهم بعضاً ما هو معلوم‪ ،‬وذلك أيضاً دلي ٌل على سعة علم‬
‫ث َم ْن في القبور‪ .‬ولكن الغافل ينظر في هذه األشياء وغيرها‬ ‫اللّه تعالى‪ ،‬وأنه َي ْب َع ُ‬
‫بفكر ِه‬ ‫تحدث له ُّ‬
‫تذكراً‪ ،‬وإ َّنما ينتفع بها من يخشى اللّه تعالى ويعلم ِ‬ ‫ظر ٍ‬
‫غفلة ال‬
‫ُ‬ ‫َن َ َ‬
‫عباد ِه العلماء}‪ُّ :‬‬
‫فكل من‬ ‫{إنما يخشى اللّه من ِ‬
‫َ‬ ‫الصائب وجهَ الحكمة فيها‪ ،‬ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫االنكفاف عن المعاصي‬
‫َ‬ ‫وأوجبت له خشيةُ اللّه‬
‫ْ‬ ‫أكثر له خشيةً‪،‬‬
‫كان باللّه أعلم؛ كان َ‬
‫فإنه داع إلى خشية اللّه‪،‬‬‫واالستعداد للقاء َم ْن يخشاه‪ ،‬وهذا دلي ٌل على فضيلة العلم؛ َّ‬
‫َ‬
‫ضوا عنه ذلك‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ور ُ‬
‫وأه ُل خشيته هم أه ُل كرامته؛ كما قال تعالى‪{ :‬رضي اللّه عنهم َ‬
‫ق هذه المخلوقات‬ ‫العزة‪ ،‬ومن َّ‬
‫عزته َخْل ُ‬ ‫عزيز}‪ :‬كامل َّ‬‫ٌ‬ ‫{إن اللّه‬ ‫ِل َـم ْن َخ ِشي َّ‬
‫ربه}‪َّ .‬‬
‫َ‬
‫{غفور}‪ :‬لذنوب التائبين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫المتضادات‪.‬‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬ ‫ﭽﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﰄ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫بعونه في أوامره فيمتَثِلونها وفي‬
‫يتلون كتاب اللّه}؛ أي‪ :‬يتَّ َ‬
‫َ‬ ‫{‪َّ }29‬‬
‫{إن الذين‬
‫فيصدقونها ويعتَِقدونها وال ِّ‬
‫يقدمون عليه ما خالَفَه من‬ ‫ِّ‬ ‫أخبار ِه‬
‫ِ‬ ‫فيتركونها وفي‬
‫نواهيه ُ‬
‫خص من‬ ‫بتتب ِعها واستخرا ِجها‪ ،‬ثم َّ‬
‫ظه بدراستِ ِه‪ ،‬ومعانِيه ُّ‬ ‫األقوال‪ ،‬ويتلون أيضاً ألفا َ‬
‫وميزان اإليمان‬
‫ُ‬ ‫ونور المسلمين‬ ‫عماد ِّ‬
‫الدين ُ‬ ‫عم الصالةَ ـ التي هي ُ‬
‫التالوة بعدما َّ‬
‫على األقارب والمساكين واليتامى وغيرهم من‬ ‫(‪)1‬‬
‫وعالمةُ صدق اإلسالم ـ النفقةَ‬
‫{سرا وعالنيةً}‪ :‬في جميع األوقات؛‬ ‫الزكاة والكفارات والنذور والصدقات‪ًّ ،‬‬
‫ِ‬
‫التجارات‬ ‫وتفسد‪ ،‬بل تجارة هي ُّ‬
‫أجل‬ ‫تكسد‬ ‫تبور}؛ أي‪ :‬لن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫{يرجون}‪ :‬بذلك {تجارةً لن َ‬
‫َ‬
‫سخط ِه‬
‫ِ‬ ‫والفوز بجزيل ثوابِ ِه والنجاةُ من‬
‫ُ‬ ‫وأعالها وأفضلُها أال وهي رضا ربِّهم‬
‫ِ‬
‫السيئة‬ ‫ِ‬
‫المقاصد‬ ‫وأنهم ال يرجون بها من‬ ‫اإلخالص (‪ )2‬بأعمالهم‪َّ ،‬‬ ‫وعقابِ ِه‪ ،‬وهذا فيه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفاسدة شيئاً‪.‬‬ ‫ات‬‫والني ِ‬
‫َّ‬
‫ِ ِّ‬
‫أجورهم}؛ أي‪ :‬أجور‬‫{‪ }30‬ذكر َّأنهم حصل لهم ما َر َج ْوه‪ ،‬فقال‪{ :‬لُي َوفيهم َ‬
‫فضل ِه}‪ :‬زيادة عن‬
‫{ويزيد ُهم من ِ‬ ‫وعدم ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وحسنها‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َ‬ ‫أعمالهم على حسب قلتها وكثرتها ُ‬
‫ِ‬
‫السيئات‪ ،‬وقَبِ َل منهم القليل من الحسنات‪.‬‬ ‫شكور}‪ :‬غفر لهم‬ ‫غفور‬ ‫أجورهم‪َّ .‬‬
‫ٌ‬ ‫{إنه ٌ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬والنفقة»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬أنهم يخلصون»‪.‬‬
‫الحق}‪ :‬من كثر ِة ما‬
‫ُّ‬ ‫الكتاب الذي أوحاه إلى رسوله {هو‬
‫َ‬ ‫{‪ }31‬يذكر تعالى َّ‬
‫أن‬
‫حرج منه وال‬
‫ٌ‬ ‫يكن في قلوبكم‬
‫منحصر فيه؛ فال ْ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫الحق‬ ‫كأن‬ ‫ِّ‬
‫الحق‪َّ ،‬‬ ‫اشتمل عليه من‬
‫كل ما َّ‬
‫دل عليه من المسائل‬ ‫أن َّ‬ ‫َّ‬
‫الحق؛ لزم َّ‬ ‫تتبرموا منه وال تستهينوا به؛ فإذا كان هو‬
‫َّ‬
‫ظاهره‬
‫َ‬ ‫يخالف‬
‫ُ‬ ‫راد به ما‬
‫مطابق لما في الواقع؛ فال يجوز أن ُي َ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫والغيبية وغيرها‬ ‫َّ‬
‫اإللهية‬
‫أخبرت به‪ ،‬فلما ُو ِج َد‬
‫ْ‬ ‫يديه}‪ :‬من الكتب والرسل؛ َّ‬
‫ألنها‬ ‫{مصدقاً لما بين ِ‬
‫ِّ‬ ‫وما َّ‬
‫دل عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫صدقها‪ ،‬ولهذا ال يمكن أحداً‬ ‫وأخبرت‪ ،‬وهو َّ‬
‫ْ‬ ‫بشرت به‬
‫ْ‬ ‫ظهر به صدقُها؛ فهي‬
‫وظهر؛ َ‬‫َ‬
‫ينقض إيمانه بها؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ُ‬ ‫كافر بالقرآن أبداً؛ َّ‬
‫ألن كفره به‬ ‫يؤمن بالكتب السابقة وهو ٌ‬‫َ‬ ‫أن‬
‫وألن أخبارها مطابقةٌ ألخبار القرآن‪َّ .‬‬
‫{إن اللّه‬ ‫الخبر عن القرآن‪َّ ،‬‬ ‫أخبارها َ‬ ‫ِ‬ ‫من جملة‬
‫ـال ِه‪ ،‬ومن ذلـك َّ‬
‫أن‬ ‫الالئق بح ِ‬
‫ُ‬ ‫كل ٍ‬
‫أمة َّ‬
‫وكل شخص ما هو‬ ‫بعباد ِه لخبير بصير}‪ :‬فيعطي َّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الشرائع السـابقة ال تَليـق إالَّ بوقتها وزمانها‪ ،‬ولهذا ما زال اللّه يرس ُل الرس َل رسوالً‬
‫صلُ ُح لمصالح الخلق‬ ‫ٍ‬
‫بعد رسول حتى َختَ َمهم بمحمد (ص)‪ ،‬فجاء بهذا الشرع الذي َي ْ‬
‫َّ‬
‫ويتكفل بما هو الخير في كل وقت‪ ،‬ولهذا ل َّـما كانت هذه األمةُ أكم َل‬ ‫ِ‬
‫القيامة‪،‬‬ ‫إلى يوم‬
‫األمم عقوالً وأحسنهم أفكاراً وأرقَّهم قلوباً وأزكاهم أنفساً؛ اصطفاهم تعالى واصطفى‬
‫المهيمن على سائر الكتب‪.‬‬
‫َ‬ ‫الكتاب‬
‫َ‬ ‫دين اإلسالم وأورثهم‬
‫لهم َ‬
‫طفَْينا من ِ‬
‫عبادنا}‪ :‬وهم هذه‬ ‫اص َ‬
‫{‪ }32‬ولهذا قال‪{ :‬ثم ْأو َرثْنا الكتاب الذين ْ‬
‫مقتصد}‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫لنفس ِه}‪ :‬بالمعاصي التي هي دون ِ‬
‫الكفر‪{ ،‬ومنهم‬ ‫األمة‪{ .‬فمنهم ظالم ِ‬
‫ٌ‬
‫ع‬
‫سابق بالخيرات}؛ أي‪َ :‬س َار َ‬
‫ٌ‬ ‫للمحرم‪{ ،‬ومنهم‬
‫َّ‬ ‫ك‬‫مقتصر على ما يجب عليه‪ ،‬تار ٌ‬
‫ٌ‬
‫واجتَهَ َد فسبق غيره‪ ،‬وهو المؤدي للفرائض‪ ،‬المكثر من النوافل‪ ،‬التارك للمحرم‬ ‫فيها‪ْ ،‬‬
‫تفاوتت مراتُِبهم‬
‫ْ‬ ‫والمكروه؛ فكلهم اصطفاه اللّه تعالى لوراثة هذا الكتاب‪ ،‬وإ ن‬
‫فإن ما معه من‬‫وتميزت أحوالُهم؛ فلكل منهم قسطٌ من وراثتِ ِه‪ ،‬حتى الظالم لنفسه؛ َّ‬
‫َّ‬
‫أصل اإليمان وعلوم اإليمان وأعمال اإليمان من وراثة الكتاب؛ َّ‬
‫ألن المراد بوراثة‬
‫ألفاظ ِه واستخراج معانيه‪ ،‬وقوله‪{ :‬بإذن اللّه}‪:‬‬
‫علم ِه وعمله ودراسةُ ِ‬
‫الكتاب وراثةُ ِ‬
‫ق إلى الخيرات إالَّ‬ ‫؛ لئالَّ َّ‬
‫يغتر بعمله‪ ،‬بل ما َسَب َ‬
‫(‪)1‬‬
‫راجعٌ إلى السابق إلى الخيرات‬
‫يشتغل بشكر اللّه تعالى على ما أنعم به‬
‫َ‬ ‫بتوفيق اللّه تعالى ومعونته؛ فينبغي له أن‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬بالخيرات»‪.‬‬


‫الكبير}؛ أي‪ :‬وراثة الكتاب الجليل لمن اصطفى تعالى من‬
‫ُ‬ ‫عليه‪{ .‬ذلك هو الفض ُل‬
‫عباده هو الفض ُل الكبير الذي جميع النعم بالنسبة إليه كالعدم‪ُّ ،‬‬
‫فأجل النعم على‬ ‫ُ‬
‫وأكبر الفضل وراثةُ هذا الكتاب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اإلطالق‬

‫جنات‬
‫ٌ‬ ‫{جنات ٍ‬
‫عدن َي ْد ُخلونها}؛ أي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫كتابه‪،‬‬
‫{‪ }33‬ثم ذكر جزاء الذين ْأو َرثَهم َ‬
‫والظل والظليل والحدائق الحسنة واألنهار المتدفِّقة والقصور‬ ‫ِّ‬ ‫مشتمالت على األشجار‬
‫ٌ‬
‫والع ْد ُن‪ :‬اإلقامة؛ فجنات‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العالية والمنازل المزخرفة في أبد ال يزول وعيش ال َي ْنفَ ُد‪َ .‬‬
‫ووصف أهلها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والخلود وصفُها‬
‫َ‬ ‫عدن؛ أي‪ :‬جنات إقامة‪ ،‬أضافها لإلقامة َّ‬
‫ألن اإلقامةَ‬ ‫ٍ‬
‫ـي الذي ُيجعل في اليدين على ما ُّ‬
‫يحبون‬ ‫ـحِل ُّ‬
‫ذهب}‪ :‬وهو ال ُ‬‫ـحلَّو َن فيها من أساور من ٍ‬
‫َ‬ ‫{ي َ ْ‬
‫ُ‬
‫أحسن من غيره‪ ،‬الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء‪{ .‬و} يحلَّ ْون‬ ‫ُ‬ ‫ويرون َّأنه‬
‫َ‬
‫حرير}‪ :‬من سندس ومن‬
‫ٌ‬ ‫{ولباسهُم فيها‬
‫ُ‬ ‫ظ ُم في ثيابهم وأجسادهم‪،‬‬
‫فيها {لؤلؤاً}‪ُ :‬ي ْن َ‬
‫ق أخضر‪.‬‬ ‫إستبر ٍ‬

‫ب َّ‬
‫عنا‬ ‫الحمد للّه الذي أ ْذ َه َ‬
‫ُ‬ ‫ت لَ َّذتُهم؛ {قالوا‬
‫نعيمهم و َك ُملَ ْ‬
‫تم ُ‬ ‫{‪{ }34‬و} ل َّـما َّ‬
‫حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم وال في‬ ‫حزن؛ فال َ‬ ‫كل ٍ‬ ‫الح َز َن}‪ :‬وهذا يشم ُل َّ‬
‫َ‬
‫لذاتهم وال في أجسادهم وال في دوام لَْبثِهم؛ فـهـم فـي نـعـي ٍـم ما‬ ‫طعامهم وشرابهم وال في َّ‬
‫ِ‬
‫الزالت‪.‬‬ ‫غفور}‪ :‬حيث َغفَ َر لنا‬ ‫{إن َّ‬
‫أبد اآلباد‪َّ .‬‬ ‫يرون عليه مزيداً‪ ،‬وهو في ٍ‬
‫ربنا لَ ٌ‬ ‫تزايد َ‬ ‫َ‬
‫فضل ِه ما لم تَْبلُ ْغهُ أعمالُنا‬
‫الحسنات وضاعفَها‪ ،‬وأعطانا من ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫{شكور}‪ :‬حيث قَبِ َل َّ‬
‫منا‬ ‫ٌ‬
‫وفضل ِه؛ حصل لهم‬ ‫ِ‬ ‫وبشكر ِه‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ومرهوب‪،‬‬ ‫كل مكروه‬ ‫وال أمانينا‪ .‬فبمغفرتِ ِه؛ َن َجوا من ِّ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫محبوب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مرغوب‬ ‫ُّ‬
‫كل‬

‫معبر واعتبار‬‫واستقرار‪ ،‬ال نزول ٍ‬


‫ٍ‬ ‫أحلَّنا}؛ أي‪ :‬أنزلنا نزول حلول‬‫{‪{ }35‬الذي َ‬
‫{دار الـم ِ‬
‫قامة}؛ أي‪ :‬الدار التي تدوم فيها اإلقامةُ‪ ،‬والدار التي ُيرغب في المقام فيها؛‬ ‫ُ‬
‫بفضل ِه علينا وكر ِم ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مسراتها وزوال كدوراتها‪ ،‬وذلك اإلحالل‬ ‫لكثرة خيراتها وتوالي َّ‬
‫صب وال‬
‫صْلنا إليه‪{ ،‬ال َي َمسُّنا فيها َن ٌ‬
‫صْلنا إلى ما َو َ‬
‫ال بأعمالنا؛ فلوال فضلُهُ؛ لما َو َ‬
‫تعب في األبدان وال في ِ‬
‫القلب والقُوى وال في كثرة التمتُّع‪.‬‬ ‫غوب}؛ أي‪ :‬ال ٌ‬
‫َي َمسُّنا فيها لُ ٌ‬
‫ِّىء لهم من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا ُّ‬
‫ويـهَي ُ‬
‫أبدانهم في نشأة كاملة ُ‬
‫يدل على أن اللّه تعالى َي ْج َع ُل َ‬
‫لغوب‬
‫ٌ‬ ‫نصب وال‬
‫ٌ‬ ‫أسباب الراحة على َّ‬
‫الدوام ما يكونون بهذه الصفة؛ بحيث ال يمسُّهم‬
‫حزن‪.‬‬
‫هم وال ٌ‬ ‫وال ٌّ‬
‫وي ُّ‬
‫ـدل على أنهم ال ينامون في الجنة؛ َّ‬
‫ألن النوم فائدتُه زوا ُل التعب وحصو ُل‬
‫موت أصغر‪ ،‬وأهل الجنة ال يموتون‪.‬‬ ‫وألنه ٌ‬ ‫ِ‬
‫بخالف ذلك‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الجنة‬ ‫الراحة به‪ ،‬وأهل‬
‫جعلنا اللّه منهم ِّ‬
‫بمنه وكرمه‪.‬‬
‫ﯗ ﯘ‬ ‫ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ‪.‬‬

‫وعذابهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ونعيمهم؛ ذكر حا َل أهل النار‬
‫َ‬ ‫{‪ }36‬لما ذكر تعالى حال أهل الجنة‬
‫لقاء‬
‫رسلُهم من اآليات وأنكروا َ‬ ‫فقال‪{ :‬والذين َكفَروا}؛ أي‪ :‬جحدوا ما جاءتْهم به ُ‬
‫ربِّهم‪{ ،‬لهم نار جـه َّـنم}‪َّ :‬‬
‫يعذبون فيها َّ‬
‫أشد العذاب وأبلغ العقاب‪{ ،‬ال ُي ْقضى عليهم}‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ظ ُمهُ‬ ‫فشدة العذاب ِ‬
‫وع َ‬ ‫ـخفَّ ُ‬
‫ف عنهم من عذابِها}‪َّ :‬‬ ‫{فيموتوا}‪ :‬فيستريحوا‪{ ،‬وال ُي َ‬
‫بالموت َ‬
‫كفور}‪.‬‬ ‫مستمر عليهم في جميع اآلنات واللحظات‪{ .‬كذلك نجزي َّ‬
‫كل ٍ‬ ‫ٌّ‬
‫ط ِرخون فيها}؛ أي‪ :‬يصرخون ويتصايحون ويستغيثون‬
‫صَ‬‫{‪{ }37‬وهم َي ْ‬
‫أخ ِر ْجنا َن ْع َم ْل صالحاً غير الذي َّ‬
‫كنا نعم ُل}‪ :‬فاعترفوا بذنبهم‪ ،‬وعرفوا‬ ‫ويقولون‪َّ :‬‬
‫{ربنا ْ‬
‫{ن َع ِّم ْر ُكم ما}؛‬
‫فيقال لهم ألم‪ُ :‬‬ ‫ولكن سألوا الرجعةَ في غير وقتها‪ُ ،‬‬ ‫أن اللّه َع َد َل فيهم‪ْ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ذكر من العمل‪،‬‬ ‫يتمكن فيه من أراد التَ ُّ‬‫{يتذكر فيه من تَ َذ َّكر}؛ أي‪َّ :‬‬ ‫َّ‬ ‫أي‪ :‬دهراً وعمراً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ومددنا‬
‫ْ‬ ‫وقيضنا لكم أسباب الراحة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َمتَّ ْعناكم في الدنيا‪ ،‬وأدررنا عليكم األرزاق‪،‬‬
‫ِ‬
‫بالسراء‬ ‫وابتَلَْيناكم‬ ‫وواصْلنا إليكم ُّ‬
‫الن ُذر‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫اآليات‪،‬‬ ‫وتابعنا عليكم‬ ‫لكم في العمر‪،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫إنذار‪ ،‬ولم تُِف ْد فيكم موعظةٌ‪،‬‬ ‫ينج ْع فيكم ٌ‬ ‫ِ‬
‫وترجعوا إلينا‪ ،‬فلم َ‬ ‫والضراء؛ ِلتُنيبوا إلينا‬
‫ِ‬
‫أعماركم ورحلتُم عن دار‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫انقضت آجالُكم وت َّـم ْ‬
‫ْ‬ ‫وأخ ْرنا عنكم العقوبةَ‪ ،‬حتى إذا‬ ‫َّ‬
‫بأشر الحاالت ووصلتُم إلى هذه الدار دار الجزاء على األعمال؛ سألتُُم‬
‫اإلمكان ِّ‬
‫َّ‬
‫واشتد‬ ‫وقت اإلمكان‪ ،‬وغضب عليكم الرحيم الرحمن‪،‬‬ ‫الرجعةَ! هيهات هيهات! فات ُ‬
‫ونسي ُكم أه ُل الجنة‪ ،‬فامكثوا فيها خالدين مخلَّدين وفي العذاب‬
‫عليكم عذاب النار‪َ ،‬‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ومدينا»‪.‬‬
‫في ْخ ِر ُجهم منها‪ ،‬أو‬
‫ينص ُرهم ُ‬ ‫ٍ‬
‫نصير}‪ُ :‬‬ ‫ُمهانين‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬فذوقوا فما للظالمين من‬
‫يخفِّ ُ‬
‫ف عنهم من عذابها‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ‬
‫{‪ }38‬ل َّـما ذكر جزاء أهل الدارين‪ ،‬وذكر أعمال الفريقين؛ أخبر تعالى عن‬
‫ِ‬
‫أبصار‬ ‫ـوات واألرض التي غابت عن‬‫علم ِه تعالى واطِّالعه على غيب السم ِـ‬
‫سعة ِ‬
‫ِ‬
‫والشر‬
‫ِّ‬ ‫عالم بالسرائر وما تنطوي عليه الصُّدور من الخير‬
‫وأنه ٌ‬ ‫ـخْلق وعن علمهم‪َّ ،‬‬
‫ال َ‬
‫كل ٍ‬
‫أحد منزلته‪.‬‬ ‫والزكاء وغيره‪ ،‬فيعطي كالًّ ما يستحقُّه‪ِ ،‬‬
‫وينز ُل َّ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ‬ ‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫{‪ }39‬يخبر تعالى عن كمال حكمته ورحمته بعباده َّأنه قَ َّد َر بقضائه السابق ْ‬
‫أن‬
‫فينظر‬
‫َ‬ ‫أم ٍة من األمم ُّ‬
‫الن ُذ َر‪،‬‬ ‫ويرسل ِّ‬
‫لكل َّ‬ ‫َ‬ ‫ف بعضاً في األرض‪،‬‬
‫بعضهم َي ْـخلُ ُ‬
‫يجع َل َ‬
‫إثمه‬
‫كفره عليه‪ ،‬وعليه ُ‬ ‫جاءت به رسلُه؛ َّ‬
‫فإن َ‬ ‫ْ‬ ‫يعملون؛ {فمن َكفَ َر}‪ :‬باللّه وبما‬
‫َ‬ ‫كيف‬
‫أحد‪ ،‬وال يزداد الكافر ِ َّ‬ ‫وعقوبتُه‪ ،‬وال َي ْـح ِم ُل عنه ٌ‬
‫وبغضه َّإياه‪،‬‬
‫َ‬ ‫مقت ربِّه له‬ ‫بكفر ِه إال َ‬
‫الرب الكريم؟! {وال يزيد الكافرين ُك ْف ُر ُهم إالَّ خساراً}؛‬
‫ِّ‬ ‫أعظم من مقت‬ ‫ُ‬ ‫وأي عقوبة‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫زيادة‬ ‫أنفسهم وأهليهم وأعمالَهم ومنازلَهم في الجنة؛ فالكافر ال يزا ُل في‬
‫أي‪ :‬يخسرون َ‬
‫خلق ِه والحرمان‪.‬‬
‫من الشقاء والخسران والخزي عند اللّه وعند ِ‬
‫ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮎ ﮏ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫وبطالن ِشركهم من‬
‫َ‬ ‫نقصها‬ ‫ِ‬
‫{‪ }40‬يقول تعالى معجِّزاً آللهة المشركين ومبيِّناً َ‬
‫أخبِروني عن شركائ ُكم {الذين‬
‫جميع الوجوه‪ُ { :‬ق ْل} يا ُّأيها الرسول لهم‪{ :‬أرأيتُم}؛ أي‪ْ :‬‬
‫ِ‬
‫والعبادة؟! فأروني {ماذا َخلَقوا من‬ ‫دون اللّه}‪ :‬هل هم مستحقُّون للدعاء‬ ‫تدعون من ِ‬
‫َ‬
‫سيقرون‬ ‫ِ‬
‫األرض}‪ :‬هل َخلَقوا بحراً أم خلقوا جباالً أو خلقوا حيواناً أو خلقوا جماداً؟! ُّ‬
‫ِ‬
‫السموات}‪ :‬في خلقها‬ ‫الخالق لجميع األشياء هو اللّه تعالى‪ .‬أم لشركائِ ُكم {شر ٌ‬
‫ك في‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫الخالق في‬
‫َ‬ ‫يخلق شيئاً ولم َي ْشركوا‬
‫ْ‬ ‫وتدبيرها؟! سيقولون‪ :‬ليس لهم شركةٌ! فإذا لم‬
‫ـي على‬
‫خلقه؛ فلم عبدتُموهم ودعوتُموهم مع إقراركم بعجزهم؟! فانتفى الدليل العقل ُّ‬
‫صح ِة عبادتهم‪َّ ،‬‬
‫ودل على بطالنها‪.‬‬ ‫َّ‬
‫منتف‪ ،‬فلهذا قال‪{ :‬أم آتَْيناهم كتاباً}‪ :‬يتكلَّم‬
‫ٍ‬ ‫السمعي‪َّ ،‬‬
‫وأنه أيضاً‬ ‫َّ‬ ‫ثم ذكر الدليل‬
‫وعبادة األوثان‪{ .‬فهم}‪ :‬في شركهم {على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالشرك‬ ‫يأم ُرهم‬ ‫بما كانوا به ِ‬
‫يشركون؛ ُ‬
‫فإنهم ما‬ ‫بينة}‪ :‬من ذلك الكتاب الذي َن َز َل عليهم في صحة الشرك‪ ،‬ليس األمر كذلك؛ َّ‬ ‫ٍ‬
‫محمد (ص)‪ ،‬ولو قُ ِّد َر‬ ‫ٍ‬ ‫نذير قبل رسول اللّه‬
‫كتاب قب َل القرآن‪ ،‬وال جاءهم ٌ‬
‫نزل عليهم ٌ‬
‫فإنا ِ‬
‫نجز ُم‬ ‫بش ْر ِك ِهم؛ َّ‬
‫نزو ُل كتاب إليهم وإ رسا ُل رسول إليهم وزعموا َّأنه أمرهم ِ‬
‫ََ‬
‫ك من رسول إالَّ نوحي إليه َّأنه ال إله إالَّ أنا‬ ‫ألن اللّه قال‪{ :‬وما أرسْلنا من ِ‬
‫قبل َ‬ ‫ْ َ‬ ‫بكذبِهم؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫والكتب كلُّها متفقةٌ على األمر بإخالص الدين للّه تعالى‪{ :‬وما‬ ‫ُ‬ ‫فاعبدون}‪ :‬فالرس ُل‬‫ِ‬
‫ـي‬
‫قيل‪ :‬إذا كان الدليل العقل ُّ‬ ‫فإن َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫حنفاء}‪ْ .‬‬
‫َ‬ ‫الدين‬
‫صين له َ‬
‫أُمروا إال لَي ْعُبدوا اللّهَ مخل َ‬
‫الشرك وفيهم ذوو‬ ‫ِ‬ ‫ـي قد دالَّ على بطالن الشرك؛ فما الذي حمل المشركين على‬ ‫والنقل ُّ‬
‫العقول والذكاء والفطنة؟! أجاب تعالى بقوله‪{ :‬بل إن ي ِع ُد الظالمون بعضهم بعضاً إالَّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫غروراً}؛ أي‪:‬ذلك الذي َم َش ْوا عليه ليس لهم فيه ُح َّجةٌ‪ ،‬وإ َّنما ذلك توصيةُ بعضهم‬
‫ِّ‬
‫الضال‪ ،‬وأماني َّ‬
‫مناها‬ ‫ِّ‬
‫بالمتقدم‬ ‫ِّ‬
‫المتأخر‬ ‫واقتداء‬ ‫ٍ‬
‫لبعض‪،‬‬ ‫لبعض به‪ ،‬وتزيين ِ‬
‫بعض ِهم‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وصارت صفةً من‬
‫ْ‬ ‫سوء أعمالهم (‪ ،)1‬فنشأت في قلوبهم‪،‬‬ ‫الشياطين‪َّ ،‬‬
‫وزي َن لهم َ‬
‫ص َل من اإلقامة على الكفر‬ ‫ِ‬
‫فع ُس َر زوالُها وتعس ََّر ْانفصالها‪ ،‬فحصل ما َح َ‬
‫صفاتها‪َ ،‬‬
‫ِّ‬
‫المضمحل‪.‬‬ ‫والشرك الباطل‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ‬ ‫ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ‪.‬‬

‫حلم ِه ومغفرتِ ِه‪َّ ،‬‬


‫وأنه‬ ‫وسعة ِ‬‫ِ‬ ‫{‪ }41‬يخبر تعالى عن كمال قدرتِ ِه وتمام رحمتِ ِه‬
‫أحد من‬ ‫فإنهما لو زالتا؛ ما أمسكهما ٌ‬ ‫واألرض}‪ :‬عن الزوال؛ َّ‬ ‫ك السم ِ‬
‫ـوات‬ ‫تعالى ِ‬
‫{يمس ُ‬
‫َ‬
‫ولكنه تعالى قضى أن يكونا كما ُو ِجدا؛‬ ‫لعجزت قُ َد ُر ُهم وقُواهم عنهما‪َّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫الخلق‪،‬‬
‫وقو ِة قدرتِ ِه ما به‬‫واالعتبار‪ ،‬وليعلموا من عظيم سلطانِ ِه َّ‬
‫ُ‬ ‫القرار والنفعُ‬
‫ُ‬ ‫ق‬‫ليحص َل للخل ِ‬
‫ُ‬
‫لم ِه ومغفرتِ ِه‬‫تمتلىء قلوبهم له إجالالً وتعظيماً ومحبةً وتكريماً‪ ،‬وليعلموا كمال ِح ِ‬
‫ُ ُ‬
‫صَبتْهم‪ ،‬ولو ِأذ َن‬ ‫ِِ‬
‫بإمهال المذنبين وعدم معاجلته للعاصين‪ ،‬مع َّأنه لو أمر السماء؛ لَ َح َ‬
‫{إنه كان حليماً غفوراً}‪.‬‬ ‫وكرمه‪َّ .‬‬
‫ُ‬ ‫وحلمه‬
‫ُ‬ ‫لألرض؛ البتلعتْهم‪ ،‬ولكن َو ِس َعتْهم مغفرتُه‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وزين لهم أعمالهم»‪.‬‬


‫ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ‪.‬‬

‫ِ‬
‫باأليمان‬ ‫{‪ }42‬أي‪ :‬وأقسم هؤالء الذين َّ‬
‫كذبوك يا رسول اللّه قسماً اجتهدوا فيه‬
‫يكون َّن أهدى من إحدى األمم}؛ أي‪ :‬أهدى من اليهو ِد‬
‫نذير لَ ُ‬ ‫ِ‬
‫الغليظة‪{ :‬لَئن جاءهم ٌ‬
‫نذير}‪ :‬لم‬
‫والنصارى أهل الكتب‪ ،‬فلم يفوا بتلك اإلقسامات والعهود‪{ ،‬فلما جاءهم ٌ‬
‫َي ْـهتَدوا‪ ،‬ولم َيصيروا أهدى من إحدى األمم‪ ،‬بل لم َيدوموا على ضاللهم الذي كان‪ ،‬بل‬
‫زادهم} ذلك {إالَّ نفوراً}‪ :‬زيادة ضالل وبغي وعناد‪.‬‬
‫{ما َ‬
‫للحق‪ ،‬وإ الَّ ؛ لَ ُوفِّقوا له‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫وطلب‬ ‫لقصد ٍ‬
‫حسن‬ ‫ٍ‬ ‫المذكور‬
‫ُ‬ ‫إقسامهُم‬
‫ُ‬ ‫{‪ }43‬وليس‬
‫وبهرجة في كالمهم‬‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫الحق‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫استكبار في األرض على الخلق وعلى‬ ‫صادر عن‬ ‫ولكنه‬
‫ٌ‬
‫الحق الحريصون على طلبه‪ ،‬فيغتر بهم‬ ‫وأنهم أهل ِّ‬
‫هذا؛ يريدون به المكر والخداع‪َّ ،‬‬

‫مقصودهُ‬
‫ُ‬ ‫ِّىء}‪ :‬الذي‬
‫المكر السي ُ‬
‫المغترون‪ ،‬ويمشي خلفهم المقتدون‪{ ،‬وال َيحيق ُ‬
‫ُّ‬
‫فمكر ُهم َّإنما ُ‬
‫يعود‬ ‫ِِ‬
‫ِّىء باطل {إال بأهله}‪ُ :‬‬
‫ِّىء ومآله وما يرمي إليه َسي ٌ‬
‫مقصود َسي ٌ‬
‫ٌ‬
‫لعباد ِه في هذه المقاالت وتلك اإلقسامات َّأنهم َك َذَبةٌ في ذلك‬ ‫عليهم‪ .‬وقد أبان اللّه ِ‬
‫مكر ُهم‬
‫ِّىء‪ ،‬فعاد ُ‬ ‫قصدهم السي ُ‬ ‫وتبيـن ُ‬ ‫وظهرت فضيحتُهُم‪َّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫مزورون‪ ،‬فاستبان ِخ ْزُيـهُم‪،‬‬
‫ِّ‬
‫انتظار ما َي ِح ُّل بهم من‬ ‫يبق لهم إالَّ‬‫كيدهم في صدورهم‪ ،‬فلم َ‬ ‫ورد اللّه َ‬ ‫في نحورهم‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫كل َمن سار في‬ ‫أن َّ‬ ‫سنةُ اللّه في األولين‪ ،‬التي ال تَُب َّد ُل وال تُ َغَّي ُر؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫العذاب‪ ،‬الذي هو َّ‬
‫الظلم والعناد واالستكبار على العباد ْ ِ‬
‫ب‬‫ب عنه نعمتُه‪ ،‬فليترقَّ ْ‬ ‫أن تَح َّل به نقمتُه وتُ ْسلَ َ‬
‫هؤالء ما فعل بأولئك‪.‬‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ‬ ‫ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰚ ﰛ ﰜ‬ ‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ‬ ‫ﰍ‬
‫ﭼ‪.‬‬

‫يحض تعالى على السير في األرض في القلوب واألبدان لالعتبار ال‬ ‫ُّ‬ ‫{‪}44‬‬
‫الرسل‬
‫َ‬ ‫لمجر ِد النظر والغفلة‪ ،‬وأن ينظُروا إلى عاقبة الذين من قبلهم م َّـمن َّ‬
‫كذبوا‬ ‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫َّ‬
‫وأشد قوةً وعمروا األرض أكثر مما عمرها‬ ‫وكانوا أكثر منهم أمواالً وأوالداً‬
‫أوالدهم من‬
‫ُ‬ ‫تنفعهم قوتُهم‪ ،‬ولم ِ‬
‫تغن عنهم أموالُهم وال‬ ‫العذاب؛ لم ْ‬
‫ُ‬ ‫هؤالء‪ ،‬فلما جاءهم‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬وعمروها أكثر مما عمروها»‪.‬‬


‫ونفذت فيهم قدرةُ اللّه ومشيئتُه‪{ ،‬وما كان اللّه ِليع ِج َزه من ٍ‬
‫شيء في‬ ‫ْ‬ ‫اللّه شيئاً‪،‬‬
‫َ ُ ُْ ُ‬
‫األرض}‪ :‬لكمال علمه وقدرته‪َّ .‬‬
‫{إنه كان عليماً قديراً}‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السموات وال في‬

‫أرباب الجرائم‬
‫َ‬ ‫نظار ِه‬ ‫حلم ِه َّ‬
‫وشدةَ إمهاله وإ ِ‬ ‫كمال ِ‬
‫{‪ }45‬ثم َذ َك َر تعالى َ‬
‫ظ ْه ِرها‬ ‫والذنوب‪ ،‬فقال‪{ :‬ولو ِ‬
‫يؤاخ ُذ اللّهُ الناس بما َك َسبوا}‪ :‬من الذنوب {ما ترك على َ‬
‫الحيوانات غير المكلَّ ِ‬
‫فة‪{ .‬ولكن}‪ُ :‬يمهلهم‬ ‫ِ‬ ‫داب ٍة}؛ أي‪ :‬الستوعبت العقوبةُ حتى‬ ‫من َّ‬
‫َ‬
‫بعباد ِه‬
‫فإن اللّه كان ِ‬
‫َ‬ ‫مسمى فإذا جاء أجلُهم َّ‬
‫أجل ًّ‬‫{يؤخرهم إلى ٍ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تعالى وال ُيهملهم‬
‫وشر‪.‬‬ ‫بحسب ما َعِل َمهُ منهم من ٍ‬
‫خير ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫بصيراً}‪ :‬فيجازيهم‬

‫تم تفسير سورة فاطر‪ .‬والحمد للّه رب العالمين‪.‬‬


‫***‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬يمهلهم»‪.‬‬


‫تفسير" سورة يس‬

‫[وهي] مكية‬

‫ﭑﭒﭓ‬
‫ﭽﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫‪.‬ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ‬

‫صفُهُ الحكمةُ‪ ،‬وهي وضعُ‬ ‫قسم من اللّه تعالى بالقرآن الحكيم الذي َو ْ‬ ‫{‪ }2‬هذا ٌ‬
‫ـمحل (‪ )1‬الالئق بهما‪ ،‬ووضع الجزاء‬ ‫موضعه‪ :‬وضع األمر والنهي في ال ِّ‬ ‫كل ٍ‬
‫شيء‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الشرعيةُ والجزائيةُ كلُّها مشتملةٌ على‬
‫َّ‬ ‫فأحكامهُ‬
‫ُ‬ ‫والشر في محلِّهما الالئق بهما؛‬
‫ِّ‬ ‫بالخير‬
‫غاية الحكمة‪ .‬ومن حكمة هذا القرآن أنه يجمع بين ِذ ْكر الح ْكم ِ‬
‫وح ْكمته‪ ،‬فينبِّه العقول‬ ‫ُ‬
‫على المناسبات واألوصاف المقتضية لترتيب الحكم عليها‪.‬‬
‫المقسم عليه‪ ،‬وهو رسالةُ محمد (ص)‪َّ ،‬‬
‫وأنك يا‬ ‫َ‬ ‫المرسلين}‪ :‬هذا‬
‫َ‬ ‫{إنك لَ ِم َن‬
‫{‪َّ }3‬‬
‫محمد من جملة المرسلين‪ ،‬فلست ببدع من الرسل‪ .‬وأيضاً؛ فجئت بما جاء به الرسل‬
‫المرسلين وأوصافهم وعرف الفرق‬ ‫(‪)2‬‬
‫َّ‬
‫الدينية‪ .‬وأيضاً؛ فمن تأمل أحوال‬ ‫من األصول‬
‫بينهم وبين غيرهم؛ عرف َّأنك من خيار المرسلين بما فيك من الصفات الكاملة‬
‫المقسم عليه‬
‫َ‬ ‫القرآن الحكيم وبين‬
‫ُ‬ ‫المقسم به وهو‬
‫َ‬ ‫واألخالق الفاضلة‪ .‬وال يخفى ما بين‬
‫وأنه لو لم يكن لرسالتِ ِه دلي ٌل وال‬
‫محمد (ص) من االتصال‪َّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫وهو رسالةُ الرسول‬
‫شاهد إالَّ هذا القرآن الـحـكيم؛ لكفى به دليالً وشاهداً على رسالة محمد [(ص)]‪ ،‬بل‬
‫ٌ‬
‫المتصلة المستمر ِة على رسالة الرسول‪ ،‬فأدلةُ القرآن كلُّها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األدلة‬ ‫القرآن العظيم أقوى‬
‫ُ‬
‫أدلةٌ لرسالة محمد (ص)‪.‬‬

‫{‪ }4‬ثم أخبر بأعظم أوصاف الرسول (ص)‪ ،‬الدالَّة على رسالته‪ ،‬وهو َّأنه‬
‫ٍ‬
‫صراط مستقيم}‪ :‬معتدل‪ ،‬موصل إلى اللّه وإ لى دار كرامته‪ ،‬وذلك الصراط‬ ‫{على‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬الموضع»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬أصول»‪.‬‬
‫المستقيم مشتم ٌل على أعمال‪ ،‬وهي األعمال الصالحة المصلحة للقلب والبدن والدنيا‬
‫المنمية لألجر‪ ،‬فهذا‬ ‫ِّ‬
‫المزكية للنفس المطهِّرة للقلب ِّ‬ ‫واآلخرة‪ ،‬واألخالق الفاضلة‬
‫ووصف دينه الذي جاء به‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وصف الرسول (ص)‬
‫ُ‬ ‫الصراط المستقيم الذي هو‬

‫فتأم ْل جاللةَ هذا القرآن الكريم؛ كيف َج َـم َع بين القَ َسم بأشرف األقسام على‬
‫َّ‬
‫ولكنه تعالى أقام من األدلَّة الواضحة‬ ‫وحده ٍ‬
‫كاف‪َّ ،‬‬ ‫وخبر اللّه َ‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫أجل ُم ْق َسم عليه‪،‬‬
‫صحة ما أقسم عليه من رسالة رسوِل ِه ما‬ ‫ِ‬
‫الساطعة في هذا الموضع على َّ‬ ‫والبراهين‬
‫َّنبهنا عليه وأشرنا إشارةً لطيفة لسلوك طريقه‪.‬‬

‫كتابه‬
‫الرحيم}؛ فهو الذي أنز َل به َ‬ ‫ِ‬
‫العزيز َّ‬ ‫{‪ }5‬وهذا الصراط المستقيم {تنزي َل‬
‫ور ِح َم به‬ ‫لعباد ِه موصالً لهم إليه‪ ،‬فحماه َّ‬
‫بعزته عن التغيير والتبديل‪َ ،‬‬
‫وأنزلَه طريقاً ِ‬
‫صلت بهم حتى أوصلتْهم إلى دار رحمته‪ ،‬ولهذا ختم اآلية بهذين‬ ‫عباده رحمةً اتَّ ْ‬
‫َ‬
‫االسمين الكريمين العزيز الرحيم‪.‬‬
‫{‪ }6‬فلما أقسم تعالى على رسالته‪ ،‬وأقام األدلَّةَ عليها؛ َذ َك َر َّ‬
‫شدةَ الحاجة إليها‬
‫العرب‬ ‫غافلون}‪ :‬وهم‬ ‫الضرورةـ لها‪ ،‬فقال‪{ِ :‬لتُ ِنذر قوماً ما أ ِ‬
‫ُنذ َر آباؤهم فهم‬ ‫واقتضاء َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األميون‪ ،‬الذين لم يزالوا خالين من الكتب‪ ،‬عادمين الرسل‪ ،‬قد َع َّمتْهُ ُم الجهالة‬ ‫ُّ‬
‫العالمين‪ ،‬فأرسل اللّه إليهم‬
‫َ‬ ‫وأض َحكوا عليهم وعلى َسفَ ِه ِهم عقو َل‬
‫وغمرتْـهُ ُم الضاللة‪ْ ،‬‬
‫يزكيهم‪ ،‬ويعلِّمهم الكتاب والحكمة وإ ن كانوا من قبل لَفي ضالل‬ ‫رسوالً من أنفسهم ِّ‬
‫أمي‪ِّ ،‬‬
‫ويذك ُر أهل الكتب بما عندهم‬ ‫كل ٍّ‬ ‫وم ْن لَ ِح َ‬
‫ق بهم من ِّ‬
‫العرب األميِّين َ‬
‫َ‬ ‫فينذر‬
‫ُمبين‪ُ ،‬‬
‫غيرهم عموماً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكتب؛ فنعمةُ اللّه به على العرب خصوصاً وعلى ِ‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫إلنذارهم بعدما أن َذ ْرتَهم انقسموا قسمين‪:‬‬ ‫{‪ }7‬ولكن هؤالء الذين ُب ِعثْ َ‬
‫ت [فيهم]‬
‫النذارة‪ ،‬وهم الذين قال اللّه فيهم‪{ :‬لقد َح َّ‬
‫ق القو ُل على‬ ‫جئت به ولم َي ْقَب ِل ِّ‬
‫رد لما َ‬ ‫قسم َّ‬
‫ٌ‬
‫القضاء والمشيئةُ َّأنهم ال يزالون في كفرهم‬
‫ُ‬ ‫يؤمنون}؛ أي‪ :‬نفذ فيهم‬ ‫َ‬ ‫أ ْكثَِرهم فهم ال‬
‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫وش ْر ِكهم‪ ،‬وإ َّنما َّ‬
‫ِ‬
‫فحينئذ عوقبوا‬ ‫الحق فرفَضوه؛‬ ‫حق عليهم القو ُل بعد أن ُع ِر َ‬
‫ض عليهم‬
‫بالطبع على قلوبهم‪.‬‬
‫{إنا جعْلنا في ِ‬
‫أعناق ِهم‬ ‫الموانع من وصول اإليمان لقلوبهم‪ ،‬فقال‪َ َ َّ :‬‬
‫َ‬ ‫{‪ }8‬و َذ َك َر‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫للر ْجل‪.‬‬
‫بمنزلة القيد ِّ‬ ‫أغالالً}‪ :‬وهي جمع غ ٍّل‪ ،‬والغل ما ُي َغل به ُ‬
‫العُنق؛ فهو للعنق‬
‫ت {إلى}‪ :‬أذقانهم‪ ،‬ورفعت‬
‫وصلَ ْ‬
‫َ‬ ‫قد‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫عظيم‬ ‫(‪)1‬‬
‫وهذه األغال ُل التي في [األذقان]‬
‫شد ِة ِّ‬
‫الغل الذي في‬ ‫ون}؛ أي‪ :‬رافعوا رؤوسهم من َّ‬ ‫رؤوسهم إلى فوق‪{ .‬فهم ُم ْق َم ُح َ‬
‫أعناقهم؛ فال يستطيعون أن َي ْـخ ِفضوها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫{وج َعْلنا ِمن ِ‬
‫يحج ُزهم عن‬ ‫بين ْأيديهم َس ًّدا ومن َخْلف ِهم َس ًّدا}؛ أي‪ :‬حاجزاً ُ‬ ‫{‪َ }9‬‬
‫والشقاء من جميع جوانبهم‪ ،‬فلم تُِف ْد‬
‫ُ‬ ‫رون}ـ‪ :‬قد غمرهم الجه ُل‬ ‫ِ‬
‫اإليمان؛ {فهم ال ُي ْبص َ‬
‫فيهم ِّ‬
‫النذارةُ‪.‬‬

‫يؤمنون}‪ :‬وكيف يؤ ِم ُن من طبع‬


‫َ‬ ‫{وسواء عليهم أأن َذ ْرتَهم أم لم تُ ِنذ ْر ُهم ال‬
‫ٌ‬ ‫{‪}10‬‬
‫الحق باطالً والبـاطل َحقًّا؟!‬
‫َّ‬ ‫على قلبه ورأى‬

‫{إنما تُ ِنذ ُر}؛ أي‪:‬‬


‫ذارةَ وقد َذ َك َر ُهم بقوله‪َّ :‬‬ ‫{‪ }11‬والقسم الثاني الذين قَبِلوا ِّ‬
‫الن َ‬
‫قص ُدهُ اتِّباع ِّ‬
‫الحق وما‬ ‫ِّ‬
‫ك { َم ِن اتََّب َع الذ ْك َر}؛ أي‪ :‬من ْ‬‫ص ِح َ‬ ‫َّإنما تنفع نِذارتُك ِ‬
‫ويتَّعظُ ُبن ْ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫بالغيب}؛ أي‪َ :‬م ِن اتَّصف بهذين األمرين‪ :‬القصد الحسن‬ ‫ِ‬ ‫الرحمن‬
‫َ‬ ‫{وخ ِش َي‬‫ُذ ِّكر به‪َ ،‬‬
‫ك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بتعليم َ‬ ‫وي ْز ُكون‬ ‫ينتفعون برسالتِ َ‬ ‫ِّ‬
‫ك َ‬ ‫َ‬ ‫الحق‪ ،‬وخشية اللّه تعالى؛ فهم الذين‬ ‫في طلب‬
‫{وأجر كريم}‪ :‬ألعماله‬ ‫ٍ‬ ‫بشره {بمغفر ٍة}‪ :‬ل ُذنوبه‬ ‫ق لهذين األمرين‪ِّ ،‬‬ ‫وهذا الذي ُوفِّ َ‬
‫ِ‬
‫الحسنة‪.‬‬ ‫ونيتِ ِه‬
‫الصالحة َّ‬

‫نحن ُن ْحيي الموتى}؛ أي‪ :‬نبعثُهم بعد موتِ ِهم ِلُن ِ‬


‫جازَيهم على األعمال‪،‬‬ ‫{‪َّ }12‬‬
‫{إنا ُ‬
‫والشر‪ ،‬وهو أعمالُهم التي عملوها وبا َشروها في حال‬ ‫ِّ‬ ‫ب ما قَ َّدموا}‪ :‬من الخير‬
‫{ون ْكتُ ُ‬
‫َ‬
‫السبب في إيجادها في‬ ‫َ‬ ‫الشر التي كانوا هم‬
‫وآثار ِّ‬
‫{وآثار ُهم}‪ :‬وهي آثار الخير ُ‬
‫َ‬ ‫حياتِ ِهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫وأحوال ِهم؛‬ ‫ِ‬
‫وأفعال ِهم‬ ‫وبعد وفاتِ ِهم‪ ،‬وتلك األعمال التي نشأت من ِ‬
‫أقوال ِهم‬ ‫حال حياتِ ِهم َ‬
‫وتعليم ِه أو ُنصحه أو ِ‬
‫أمر ِه‬ ‫ِ‬ ‫أحد من الناس بسبب علم العبد‬
‫خير عمل به ٌ‬ ‫فكل ٍ‬ ‫ُّ‬
‫بالمعروف أو نهيِ ِه عن المنكر أو علم أو َد َعه عند المتعلِّمين أو في ٍ‬
‫كتب ُي ْنتَفَع بها في‬ ‫ْ‬
‫إحسان فاقتدى به‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صدقة أو‬ ‫صالة أو ٍ‬
‫زكاة أو‬ ‫ٍ‬ ‫وبعد موتِ ِه أو عمل خيراً من‬
‫حياتِ ِه َ‬
‫الناس وما أشبهَ ذلك؛ َّ‬
‫فإنها‬ ‫المحال التي يرتَِف ُ‬
‫ق بها ُ‬ ‫ِّ‬ ‫غيره‪ ،‬أو عمل مسجداً أو مـحالًّ من‬
‫ُ‬
‫أج ُرها‬ ‫سن َّ‬
‫سنةً حسنةً؛ فله ْ‬ ‫الشر‪ ،‬ولهذا‪« :‬من َّ‬ ‫آثار ِه التي تُ ْكتَ ُ‬
‫ب له‪ ،‬وكذلك عمل ِّ‬ ‫من ِ‬

‫‪ - 1‬كذا في ( أ ) و (ب)‪ ،‬وقد صوبت في ( أ ) بخط مغاير «األعناق»‪.‬‬


‫سن َّ‬
‫سنة سيئة‪ ،‬فعليه وزرها ووزر من عمل‬ ‫ِ‬
‫القيامة‪ ،‬ومن َّ‬ ‫وأج ُر من َع ِم َل بها إلى يوم‬
‫ْ‬
‫بها إلى يوم القيامة» (‪.)1‬‬
‫الدعوة إلى اللّه والهداية إلى سبيله ِّ‬
‫بكل‬ ‫علو مرتبة َّ‬
‫وهذا الموضع يبيـِّ ُن لك َّ‬
‫الشر اإلمام فيه‪َّ ،‬‬
‫وأنه‬ ‫وسيلة وطريق موصل إلى ذلك‪ ،‬ونزول درجة الداعي إلى ِّ‬ ‫ٍ‬
‫والني ِ‬
‫ات‬ ‫شيء}‪ :‬من األعمال َّ‬‫{وكل ٍ‬ ‫َّ‬ ‫وأعظمهم إثماً‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫وأشدهم جرماً‬ ‫أسفل الخليقة‬
‫ُ‬
‫بين}؛ أي‪ :‬كتاب هو ُّأم الكتب‪ ،‬وإ ليه ِ‬
‫مرجعُ ال ُكتُب التي‬ ‫ص ْيناه في إمام ُم ٍ‬
‫{أح َ‬
‫وغيرها ْ‬
‫اللوح المحفوظُ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تكون بأيدي المالئكة‪ ،‬وهو‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ﭢ‬
‫(‪)2‬‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬

‫يعتبرون‬ ‫الرادين لدعوتِ َ‬


‫ك مثالً‬ ‫المكذبين برسالتك ِّ‬‫ِّ‬ ‫ب لهؤالء‬ ‫ِ‬
‫واضر ْ‬ ‫{‪ }13‬أي‪:‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القرية وما جرى منهم‬ ‫أصحاب‬ ‫ِ‬
‫للخير‪ ،‬وذلك المث ُل‬ ‫به ويكون لهم موعظةً إن ُوفِّقوا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القرية لو كان‬ ‫وتعيين تلك‬ ‫من التَّكذيب لرسل اللّه وما جرى عليهم من عقوبتِ ِه َ‬
‫ونكاله‪،‬‬
‫ُ‬
‫فالتعرض لذلك وما أشبهه من باب التكلُّف والتكلُّم بال علم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فيه (‪ )3‬فائدةٌ؛ َّ‬
‫لعيَنها اللّه‪،‬‬
‫ـخْل ِط واالختالف الذي‬
‫ـخ ْب ِط وال َ‬
‫تجد عنده من ال َ‬
‫أحد في مثل هذه األمور؛ ُ‬‫ولهذا إذا تكلَّم ٌ‬
‫ك‬‫الوقوف مع الحقائق وتَْر ُ‬
‫ُ‬ ‫طريق العلم الصحيح‬
‫َ‬ ‫ف به َّ‬
‫أن‬ ‫قرار ما ِ‬
‫تعر ُ‬ ‫يستقر له ٌ‬
‫ُّ‬ ‫ال‬
‫يظن الجاهل َّ‬
‫أن‬ ‫العلم من حيث ُّ‬
‫ويزيد ُ‬
‫ُ‬ ‫النفس‬
‫التعرض لما ال فائدة فيه‪ ،‬وبذلك تزكو ُ‬
‫ُّ‬
‫دليل عليها وال ح َّجةَ عليها وال يـحص ُل منها من الفائدة إالَّ‬
‫زيادتَه بذكر األقوال التي ال َ‬
‫َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫والشاهد َّ‬
‫أن هذه القريةَ َج َعلَها اللّه مثالً‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المشكوك فيها‪.‬‬ ‫واعتياد األمور‬
‫ُ‬ ‫تشويش الذهن‬
‫ُ‬
‫‪ - 1‬كما في «صحيح مسلم» برقم‪ )1017( :‬عن جرير بن عبداهلل‪.‬‬
‫‪ - 2‬في النسختين‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬فيها»‪.‬‬
‫وحده‬ ‫ِ‬
‫بعبادة اللّه َ‬ ‫رونهم‬
‫يأم َ‬
‫لون}‪ :‬من اللّه تعالى؛ ُ‬
‫طبين‪{ .‬إذ جاءها ال ُـم ْر َس َ‬
‫للمخا َ‬
‫وي ْنهَ ْوَنهم عن الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫خالص الدين له‪َ ،‬‬ ‫وإ‬
‫قو ْيناهما ٍ‬
‫بثالث‪،‬‬ ‫{‪{ }14‬إذ أرسْلنا إليهم اثَْن ْي ِن َّ‬
‫فكذبوهما فَع َّز ْزنا ٍ‬
‫بثالث}؛ أي‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫اعتناء من اللّه بهم‪ ،‬وإ قامةً َّ‬
‫للحجة بتوالي الرسل إليهم‪{ ،‬فقالوا}‬ ‫ً‬ ‫فصاروا ثالثةَ رسل؛‬
‫لون}‪.‬‬ ‫لهم‪َّ :‬‬
‫{إنا إلي ُكم ُم ْر َس َ‬
‫الرسل‪،‬‬ ‫رد دعوةَ ُّ‬ ‫ِ‬
‫بالجواب الذي ما زال مشهوراً عند من َّ‬ ‫{‪ }15‬فأجابوهم‬
‫فضلَكم علينا وخصَّكم من دوننا؟! قالت‬ ‫بشر مثلُنا}؛ أي‪ :‬فما الذي َّ‬ ‫َّ‬
‫فقالوا‪{ :‬ما أنتُم إال ٌ‬
‫عباد ِه‪،‬‬
‫يمن على من يشاء من ِ‬ ‫بشر مثلُكم‪ ،‬ولكن [اللَّهَ] ُّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫نحن إال ٌ‬
‫الرسل ألممهم‪ :‬إن ُ‬
‫ِ‬
‫الرسالة‪ ،‬ثم أنكروا أيضاً المخاطبين‬ ‫عموم‬ ‫{وما أنزل الرحمن من ٍ‬
‫شيء}؛ أي‪ :‬أنكروا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫بون}‪.‬‬ ‫َّ ِ‬
‫{إن أنتُـم إال تكذ َ‬
‫لهم‪ ،‬فقالوا‪ْ :‬‬
‫لون}‪ :‬فلو َّ‬
‫كنا‬ ‫{ربنا يعلم َّإنا إلي ُكم لَ ُـم ْر َس َ‬
‫{‪ }16‬فقالت هؤالء الرسل الثالثة‪ُّ :‬‬
‫كاذبين؛ ألظهر اللَّهُ ِخ ْزَينا َ‬
‫ولباد َرنا بالعقوبة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫يحص ُل به‬ ‫بين}؛ أي‪ :‬البالغ المبي ُـن الذي‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫{‪{ }17‬وما علينا إال البالغُ ال ُـم ُ‬
‫ِ‬
‫سرعة‬ ‫من‬ ‫(‪)2‬‬
‫توضيح األمور المطلوب بيانها‪ ،‬وما عدا هذا من آيات االقتراح أو‬
‫ُ‬
‫وبيَّناها لكم؛ ِ‬
‫فإن‬ ‫المبين قُ ْمنا بها َّ‬
‫ُ‬ ‫العذاب؛ فليس إلينا‪ ،‬وإ َّنما وظيفتُنا التي هي البالغُ‬
‫شيء‪.‬‬ ‫ضلَْلتُم؛ فليس لنا من األمر‬ ‫ُّ‬
‫ٌ‬ ‫اهتَ َد ْيتُم؛ فهو حظكم وتوفيقُكم‪ ،‬وإ ن َ‬
‫ْ‬
‫طَّي ْرنا ب ُكم}؛ أي‪ :‬لم نر على قدومكم‬ ‫{‪ }18‬فقال أصحاب القرية ُلر ُسِل ِهم‪َّ :‬‬
‫{إنا تَ َ‬
‫بأج ِّل‬ ‫ِ‬
‫الشر‪ ،‬وهذا من أعجب العجائب؛ أن ُي ْـج َع َل من قَد َم عليهم َ‬ ‫علينا واتِّصالكم بنا إالَّ َّ‬
‫يكرمهم بها‪ ،‬وضرورتهمـ إليها فوق ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫كل‬ ‫نعمة ُي ْنع ُم اللّهُ بها على العباد وأجل كرامة ِ ُ‬
‫الشر الذي هم عليه واستشأموا بها‪َّ ،‬‬
‫ولكن‬ ‫ضرور ٍة‪ ،‬قد قدم بحالة َشٍّر زادت على ِّ‬
‫عدوه‪ ،‬ثم َّ‬
‫توعدوهم‬ ‫صَنعُ به ُّ‬
‫َي ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫أعظم مما‬
‫َ‬ ‫صَنعُ بصاحبِ ِه‬
‫وعدم التوفيق َي ْ‬
‫َ‬ ‫الن‬ ‫ِ‬
‫الخ ْذ َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬لظهر»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬و»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬ما»‪.‬‬
‫فقالوا‪{ :‬لَئِن لم تَنتَهوا لََن ْر ُج َـمَّن ُك ْم}؛ أي‪ :‬لََن ْقتُلََّنكم رجماً بالحجار ِة أشنع القتالت‪،‬‬
‫أليم}‪.‬‬
‫عذاب ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫{ولََي َمسََّّن ُكم ِمَّنا‬

‫والشر‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الشرك‬ ‫{‪ }19‬فقالت لهم رسلهم‪{ :‬طائِ ُر ُكم معكم}‪ :‬وهو ما معهم من‬
‫ِ‬
‫والنعمة‪{ .‬أإن ُذ ِّك ْرتُم}؛ أي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫المحبوب‬ ‫ِ‬
‫والنقمة وارتفاع‬ ‫ِ‬
‫المكروه‬ ‫المقتضي لوقوع‬
‫فون}‪:‬‬ ‫قوم ِ‬ ‫ُّ‬ ‫بسبب َّأنا َّ‬
‫مسر َ‬ ‫صالح ُكم وحظ ُكم قلتُم لنا ما قلتُم‪{ ،‬بل أنتُم ٌ‬
‫ُ‬ ‫ذك ْرناكم ما فيه‬
‫دعاؤهم إالَّ نفوراً واستكباراً‪.‬‬
‫يز ْدهم ُ‬ ‫مون في قوِل ُكم‪ .‬فلم ِ‬
‫للحد ُمتَ َج ْر ِه َ‬
‫زون ِّ‬ ‫ِ‬
‫متجاو َ‬
‫صح قو ِم ِه حين‬ ‫ِ‬
‫{‪{ }20‬وجاء من أقصى المدينة رج ٌل يسعى}‪ :‬حرصاً على ُن ْ‬
‫قومه عليهم‪ ،‬فقال لهم‪{ :‬يا قوم‬ ‫رد به ُ‬ ‫وآمن به وعلم ما َّ‬ ‫َ‬ ‫ت إليه الرسل‬ ‫سمع ما َد َع ْ‬
‫َ‬
‫ص َحهم على ذلك‪ ،‬وشهد لهم بالرسالة‪.‬‬ ‫فأم َر ُهم باتِّباعهم‪َ ،‬‬
‫ون َ‬ ‫المرسلين}‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫اتَّبِعوا‬

‫{‪ }21‬ثم ذكر تأييداً لما شهد به ودعا إليه‪ ،‬فقال‪{ :‬اتَّبِعوا َمن ال َي ْسألُ ُكم أجراً}؛‬
‫يريد منكم أموالَ ُكم وال أجراً‬ ‫يعود إليكم بالخير‪ ،‬وليس ُ‬ ‫صحاً ُ‬ ‫ص َح ُكم ُن ْ‬‫أي‪ :‬اتَّبِعوا َم ْن َن َ‬
‫موجب التِّباع َم ْن هذا وصفُهُ‪ .‬بقي أن ُيقا َل‪ :‬فلعلَّه‬ ‫ٌ‬ ‫رشاد ِه؛ فهذا‬
‫نصح ِه لكم وإ ِ‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫فدفَ َع هذا االحتراز بقوله‪{ :‬وهم‬ ‫ولكنه ليس على ِّ‬
‫الحق‪َ ،‬‬ ‫يأخ ُذ أجرةً َّ‬ ‫َي ْدعو وال ُ‬
‫بح ْسنِ ِه‪ ،‬وال َي ْنهَ ْو َن إالَّ بما‬ ‫َّ‬
‫مهتدون}‪ :‬ألنهم ال َي ْدعون إال لما َي ْشهَ ُد العق ُل الصحيح ُ‬ ‫َ‬
‫يشهد العق ُل الصحيح بقُْب ِح ِه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ص َحهُ‪ ،‬بل عادوا الئمين له على اتِّباع الرسل‬
‫قومه لم َي ْقَبلوا ُن ْ‬ ‫{‪ 22‬ـ ‪َّ }25‬‬
‫فكأن َ‬
‫عون}؛ أي‪:‬‬ ‫ط َرني وإ ليه تُْر َج َ‬ ‫أعب ُد الذي فَ َ‬
‫وإ خالص الدين للّه وحده‪ ،‬فقال‪{ :‬وما لي ال ُ‬
‫ور َزقَني‬ ‫ُّ‬
‫المستحق للعبادة؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫وخلَقَني َ‬ ‫طرني َ‬ ‫ألنه الذي فَ َ‬ ‫عبادة َم ْن هو‬ ‫وما المانعُ لي من‬
‫والحكم بين‬
‫ُ‬ ‫والرزق‬
‫ُ‬ ‫ق‬ ‫بيد ِه ال َ‬
‫ـخْل ُ‬ ‫وإ ليه مآل جميع الخلق فيجازيهم بأعمالهم؛ فالذي ِ‬
‫ق أن يعب َد ويثْنى عليه ويم َّج َد دون م ْن ال ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬
‫يمل ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫الدنيا واآلخرة هو الذي َي ْستَح ُّ ُ ْ َ ُ‬ ‫العباد في ُّ‬
‫عطاء وال منعاً وال موتاً وال حياةً وال نشوراً‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬أأتَّ ِخ ُذ‬ ‫ً‬ ‫ضرا وال‬
‫نفعاً وال ًّ‬
‫أحد يشفع‬ ‫ألنه ال َ‬ ‫شفاعتُهُم شيئاً}‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫عني‬ ‫الرحمن بِ ُ‬
‫ضٍّر ال تُ ْغ ِن ِّ‬ ‫ُ‬ ‫من دونِ ِه آلهةً إن ُي ِر ْد ِن‬
‫الض ِّر الذي‬ ‫ذون}‪ :‬من ُّ‬ ‫عند اللّه إالَّ بإذنِ ِه؛ فال تُ ْغني شفاعتُهم عني شيئاً {وال هم ُي ِنق ِ‬
‫بين}‪ :‬فجمع‬ ‫عبدت آلهةً هذا وصفُها {لَفي ضالل ُم ٍ‬ ‫ُ‬ ‫{إنـي إذاً}؛ أي‪ :‬إن‬ ‫أراده اللّهُ بي‪ِّ .‬‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫بتعيـن‬ ‫ِ‬
‫واالهتداء‪ ،‬واإلخبار ُّ‬ ‫ِ‬
‫بالرسالة‬ ‫للرسل‬ ‫ِ‬
‫في هذا الكالم بين ُنصحهم‪ ،‬والشهادة ُ‬
‫البراهين عليها‬
‫َ‬ ‫غير ِه باطلةٌ‪ ،‬و َذ َك َر‬
‫وأن عبادة ِ‬ ‫وحده‪ ،‬وذكـر األدلَّة عليها‪َّ ،‬‬ ‫عبادة اللّه َ‬
‫واألخبار بضالل َم ْن َعَب َدها‪ ،‬واإلعالن بإيمانِ ِه َج ْهراً مع خو ِف ِه الشديد من قتلهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فاسمعون}‪.‬‬ ‫آمنت ِّ‬
‫برب ُكم‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫{إنـي‬

‫راج َعهم به‪{ .‬قيل}‪ :‬له في‬ ‫وراج َعهم بما َ‬


‫َ‬ ‫قومه ل َّـما َس ِمعوا منه‬
‫{‪ 26‬ـ ‪ }27‬فقتله ُ‬
‫خالص ِه‬
‫ِ‬ ‫توحيد ِه وإ‬
‫ِ‬ ‫الجَّنةَ}‪ .‬فقال مخبراً بما وصل إليه من الكرامة على‬ ‫{اد ُخ ِل َ‬
‫الحال‪ْ :‬‬
‫بما َغفَر‬ ‫ص َح لهم في حياته‪{ :‬يا لَ َ ِ‬ ‫وناصحاً لقومه َ ِ ِ‬
‫ون‪َ .‬‬ ‫علم َ‬
‫يت قَومي َي ُ‬ ‫بعد وفاته كما َن َ‬
‫{وج َعلَني من‬ ‫ٍ‬ ‫لي ِّ‬
‫ربـي}؛ أي‪ :‬بأي شيء غفر لي فأزال عني أنواع العقوبات‪َ ،‬‬
‫علم ذلك إلى قلوبهم؛ لم‬‫ص َل ُ‬
‫والمسرات؛ أي‪ :‬لو َو َ‬
‫َّ‬ ‫المثوبات‬‫مين}‪ :‬بأنواع َ‬
‫ال ُـم ْك َر َ‬
‫يقيموا على شركهم‪.‬‬
‫بعد ِه من ٍ‬
‫جند من‬ ‫أنزْلنا على قو ِم ِه من ِ‬
‫{‪ }28‬قال اللّه في عقوبة قومه‪{ :‬وما َ‬
‫ِ‬
‫إلتالف ِهم‪{ .‬وما‬ ‫فننزل جنداً من السماء‬
‫َ‬ ‫احتَ ْجنا أن نت َكلَّ َ‬
‫ف في عقوبتهم‬ ‫ِ‬
‫السماء}؛ أي‪ :‬ما ْ‬
‫ِ‬
‫ضعف بني آدم‪،‬‬ ‫وشد ِة‬
‫اقتدار اللّه تعالى‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحاجة إلى ذلك‪ ،‬وعظمة‬ ‫لين}‪ :‬لعدم‬ ‫ُكَّنا ِ‬
‫منز َ‬
‫َّ‬
‫وأنهم أدنى شيء يصيبهم من عذاب اللّه يكفيهم‪.‬‬

‫كانت}؛ أي‪ :‬ما كانت عقوبتُهم {إالَّ صيحةً واحدةً}؛ أي‪ :‬صوتاً‬ ‫{‪{ }29‬إن ْ‬
‫قلوبهم في أجوافهم‬
‫عت ُ‬ ‫خامدون}‪ :‬قد تقطَّ ْ‬
‫َ‬ ‫بعض مالئكة اللّه؛ {فإذا هم‬ ‫َّ‬
‫واحداً تكلم به ُ‬
‫صوت وال حركةَ وال حياةَ بعد ذلك‬‫َ‬ ‫خامدين ال‬ ‫ِ‬
‫الصيحة فأصبحوا‬ ‫وان َز َعجوا لتلك‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫وتجبرهم عليهم‪.‬‬‫ق بذلك الكالم القبيح ُّ‬ ‫ـخْل ِ‬ ‫ِ‬
‫أشرف ال َ‬ ‫العتو واالستكبار ومقابلة‬
‫ِّ‬
‫العباد ما يأتيهم من رسول إالَّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للعباد‪{ :‬يا حسرةً على‬ ‫ِّ‬
‫متوجعاً‬ ‫{‪ }30‬قال اللّه‬
‫َّ‬
‫وأشد جهلَهم حيث كانوا‬ ‫عناءهم‬
‫وأطول َ‬
‫َ‬ ‫شقاءهم‬
‫ئون}؛ أي‪ :‬ما أعظم َ‬ ‫ِ‬
‫يستهز َ‬ ‫كانوا به‬
‫ونكال‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وعذاب َ‬ ‫لكل ٍ‬
‫شقاء‬ ‫سبب ِّ‬ ‫ِ‬
‫القبيحة التي هي ٌ‬ ‫ِ‬
‫الصفة‬ ‫بهذه‬

‫{‪ 31‬ـ ‪{ }32‬ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم ال يرجعون‪ .‬وإ ن‬
‫وي ْعتَبِروا بِ َم ْن قبلَهم من‬
‫لما جميعٌ لدينا محضرون}؛ يقول تعالى‪ :‬ألم َي َر هؤالء َ‬ ‫ُّ‬
‫كل َّ‬
‫ك فلم‬
‫وهلَ َ‬
‫باد َ‬
‫جميعهم قد َ‬ ‫َ‬ ‫عقابها‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫القرون الـمـك ِّـذبةـ التي ْ‬
‫أهلَ َكها اهلل تعالى وأوقَ َع بها َ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬بتعيين»‪.‬‬
‫وسيعيد اللّه الجميع خلقاً جديداً‪ ،‬ويبعثُهُم بعد موتِ ِهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ولن َي ْر ِج َع إليها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يرج ْع إلى ُّ‬
‫الدنيا ْ‬
‫بحكم ِه العدل الذي ال ِ‬
‫يظل ُم مثقا َل َذ َّر ٍة وإ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ليحكم بينهم‬ ‫يديه تعالى؛‬ ‫ويحضرون بين ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫وي ْؤ ِت من لَ ُد ْنه أجراً عظيماً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ك حسنةً يضاع ْفها‪ُ ،‬‬ ‫تَ ُ‬
‫ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﭼ‪.‬‬

‫والنشور والقيام بين يدي اللّه تعالى للجزاء‬ ‫ِ‬


‫البعث ُّ‬ ‫{‪ }33‬أي‪{ :‬وآيةٌ لهم}‪ :‬على‬
‫بعد موتها‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫فأحياها‬
‫المطر ْ‬‫َ‬ ‫الم ْيتَةُ}‪ :‬أنزل اللّه عليها‬
‫{األرض َ‬
‫ُ‬ ‫على األعمال هذه‬
‫الزروع ومن جميع أصناف‬ ‫لون}‪ :‬من جميع أصناف ُّ‬ ‫{وأخ َر ْجنا منها َحًّبا فمنه يأ ُك َ‬
‫ْ‬
‫أنعامهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النبات التي تأ ُكلُه ُ‬
‫{‪{ }34‬وجعْلنا فيها}؛ أي‪ :‬في تلك األرض الميتة {جَّن ٍ‬
‫ات}؛ أي‪ :‬بساتين فيها‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫أشجار كثيرةٌ‪ ،‬وخصوصاً النخيل واألعناب‪ ،‬اللذان هما أشرف األشجار‪َّ ،‬‬
‫{وفج ْرنا‬ ‫ٌ‬
‫األشجار والنخيل‬
‫َ‬ ‫تلك‬
‫فيها}؛ أي‪ :‬في األرض {من العيون}‪ :‬جعلنا في االرض َ‬
‫واألعناب‪.‬‬

‫أن تلك الثمار‬ ‫ولذةً‪{ .‬و} الحال َّ‬ ‫ثمر ِه}‪ :‬قوتاً وفاكهةً وأدماً َّ‬
‫{‪ِ{ }35‬ليأ ُكلوا من ِ‬
‫إن هو إالَّ صنعةُ أحكم‬ ‫{ما} عملتها {أيديهم}‪ :‬وليس لهم فيها صنعٌ وال عم ٌل‪ْ ،‬‬
‫غير ِه‪ ،‬بل أوجد اللّهُ هذه‬
‫وخير الرازقين‪ ،‬وأيضاً؛ فلم تَ ْع َمْلهُ أيديهم بطبخ وال ِ‬‫ِ‬ ‫الحاكمين‬
‫ِ‬
‫أشجارها فتُؤ َك ُل في الحال‪{ .‬أفال‬ ‫تؤخ ُذ من‬
‫شيء َ‬‫ط ْبخ وال ٍ‬ ‫ٍ‬
‫محتاجة ل َ‬ ‫الثمار غير‬
‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وأسبغ عليهم من ُجو ِده وإ حسانه ما به تَ ْ‬
‫صلُ ُح‬ ‫َ‬ ‫ساق لهم هذه النعم‪،‬‬
‫رون}‪َ :‬م ْن َ‬
‫َي ْش ُك َ‬
‫واألشجار‬
‫َ‬ ‫روع‬
‫الز َ‬ ‫ت فيها ُّ‬ ‫أحيا األرض بعد موتِها ْ‬
‫فأنَب َ‬ ‫ود ْنياهم‪ ،‬أليس الذي ْ‬
‫أمور دينهم ُ‬
‫ُ‬
‫األرض اليابسة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الغصون وفَ َّج َر‬ ‫ع فيها لذي َذ الثمار وأظهر ذلك الجنى من تلك‬
‫وأو َد َ‬
‫ْ‬
‫بقادر على أن ُي ْـحيِ َي الموتى؟ بلى َّإنه على كل شيء قدير‪.‬‬
‫يون ٍ‬ ‫بالع ِ‬
‫الميتة ُ‬
‫األزواج ُكلَّها}؛ أي‪ :‬األصناف كلَّها {مما تُْنبِ ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫{سبحان الذي َخلَ َ‬
‫َ‬ ‫{‪}36‬‬
‫فنو َعهم إلى ٍ‬
‫ذكر‬ ‫تعداده‪{ ،‬ومن ِ‬
‫أنفس ِهم}‪َّ :‬‬ ‫يعس ُر‬
‫ُُ‬ ‫ع فيها من األصناف ما ُ‬ ‫األرض}‪َ :‬فَن َّو َ‬
‫ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬فأصابها»‪.‬‬


‫يعلمون}‪:‬‬
‫َ‬ ‫وخلُِق ِهم وأوصافهم الظاهرة والباطنة {وم َّـما ال‬ ‫وفاوت بين َخْل ِق ِهم ُ‬
‫َ‬ ‫وأنثى‪،‬‬
‫فسبحانه وتعالى‬ ‫ِ ِ‬ ‫من المخلوقات التي قد ُخِلقَ ْ‬
‫وغابت عن عْلمنا‪ ،‬والتي لم تُ ْـخلَ ْق بعد؛ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ت‬
‫سمي أو شبيهٌ أو‬
‫ولد أو ٌّ‬ ‫وزير أو صاحبةٌ أو ٌ‬ ‫عوين أو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ظهير أو‬
‫ك أو ٌ‬ ‫يكون له شري ٌ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يريده‪.‬‬
‫شيء ُ‬‫ٌ‬ ‫جالل ِه‪ ،‬أو ُي ْع ِج َزه‬
‫ونعوت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صفات كماله‬ ‫مثي ٌل في‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ‬ ‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ }37‬أي‪{ :‬وآيةٌ لهم}‪ :‬على نفو ِذ مشيئتِ ِه وكمال قدرتِ ِه وإ حيائِ ِه الموتى بعد‬
‫ق األرض ِ‬
‫فنبدلُه‬ ‫طَّب َ‬
‫العظيم الذي َ‬ ‫الضياء‬ ‫النهار}؛ أي‪ :‬نزيل‬ ‫نسلخ منه‬
‫موتهم {اللي ُل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مظلمون}‪.‬‬‫ون ِحلُّها محلَّه؛ {فإذا هم ِ‬ ‫ُّ‬
‫بالظلمة ُ‬
‫الشمس‪،‬‬ ‫فن ِْ‬
‫(‪)1‬‬
‫{‪ }38‬وكذلك نزي ُل هذه الظلمةَ التي َع َّمتْهم و َش ِملَتْهم‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫طلعُ‬
‫{والشمس تجري‬
‫ُ‬ ‫الخلق لمعايشهم ومصالحهم‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فتضيء األقطار‪ ،‬وينتشر‬
‫قدرها اللّه‪ ،‬ال تتعداه وال تقصر عنه‬ ‫لمستقر لها‪َّ ،‬‬
‫ٍّ‬ ‫ِل ُـم ْستَقٍَّر لها}؛ أي‪ :‬دائماً تجري‬
‫ِ‬
‫العزيز}‪:‬‬ ‫وليس لها تصرف في نفسها وال استعصاء على قدرة اهلل تعالى‪{ .‬ذلك تقدير‬
‫تدبير وأحسن نظام‪{ .‬العليم}‪ :‬الذي‬ ‫المخلوقات العظيمةَ بأكمل ٍ‬‫ِ‬ ‫بعزتِ ِه َدَّب َر هذه‬
‫الذي َّ‬
‫ومنافع في دينِ ِهم ُ‬
‫ودنياهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لعباد ِه‬
‫بعْل ِم ِه جعلَها مصالح ِ‬
‫ََ‬
‫ِ‬

‫ينز ُل منها واحدةً‪{ ،‬حتى}‪:‬‬ ‫كل ٍ‬


‫ليلة ِ‬ ‫ينزلُها (‪َّ ،)2‬‬
‫منازل}‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫{‪{ }39‬والقَ َم َر َّ‬
‫قد ْرناه‬
‫وص ُغر‬ ‫النخلة الذي من قدمه َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫{كالع ْر ِ‬ ‫يصغ َر ًّ‬
‫ش َ‬ ‫جون القديم}؛ أي‪ُ :‬عرجون‬ ‫ُ‬ ‫جدا فيعود‬ ‫ُ‬
‫ضياؤه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫نوره‪َ ،‬وَيتَّ ِس َ‬
‫ق‬ ‫يتم ُ‬‫يزيد شيئاً فشيئاً حتى َّ‬
‫حجمهُ وانحنى‪ ،‬ثم بعد ذلك ما زال ُ‬ ‫ُ‬
‫يتعداه‪ٌّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫قدره اللّه تقديراً ال َّ‬‫وكل من الشمس والقمر والليل والنهار َّ‬ ‫{‪ٌّ }40‬‬

‫الشمس ينبغي لها أن تُ ْد ِر َ‬


‫ك‬ ‫ُ‬ ‫اآلخر‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬ال‬
‫َ‬ ‫ووقت‪ ،‬إذا ُو ِج َد؛ ُع ِد َم‬
‫ٌ‬ ‫سلطان‬
‫ٌ‬ ‫له‬
‫الشمس في الليل‪{ ،‬وال‬ ‫توجد‬ ‫يمكن أن‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫القمر}؛ أي‪ :‬في سلطانه الذي هو الليل؛ فال ُ‬ ‫َ‬
‫{وكل}‪ :‬من الشمس والقمر‬ ‫ٌّ‬ ‫انقضاء سلطانِ ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فيدخ ُل عليه قبل‬ ‫النهار}‪ُ :‬‬‫ِ‬ ‫ق‬‫اللي ُل سابِ ُ‬
‫يترددون على الدوام؛ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫وبرهان‬
‫ٌ‬ ‫ظاهر‬
‫ٌ‬ ‫فكل هذا دلي ٌل‬ ‫حون}؛ أي‪َّ :‬‬ ‫والنجوم {في َفلَك َي ْسبِ َ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬فتطلع»‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ينزل بها»‪.‬‬
‫ِ‬
‫والحكمة والعلم‬ ‫وصف القدر ِة‬
‫َ‬ ‫أوصاف ِه‪ ،‬خصوصاً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعظمة‬ ‫باهر على عظمة الخال ِ‬
‫ق‬ ‫ٌ‬
‫في هذا الموضع‪.‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬ ‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ألنه ِ‬
‫المنع ُم ِّ‬
‫بالنعم‬ ‫المعبود؛ َّ‬
‫ُ‬ ‫وحده‬
‫أن اللّهَ َ‬ ‫وبرهان على َّ‬ ‫ٌ‬ ‫{‪ }41‬أي‪ :‬ودلي ٌل لهم‬
‫للنقم الذي من ِ‬
‫جملة نعمه َّ‬ ‫الصارف ِّ‬
‫{أنا َح َـمْلنا ُذ ِّرَّيتَهم}‪ :‬قال ٌ‬
‫كثير من المفسِّرين‪:‬‬
‫المراد بذلك آباؤهم (‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫مثل ِه}؛ أي‪ :‬من مثل‬ ‫بعدهم {من ِ‬ ‫{وخلَ ْقنا لهم}؛ أي‪ :‬للموجودين من (‪ِ )2‬‬ ‫{‪َ }42‬‬
‫بون}‪ :‬به‪ .‬فذكر نعمتَه على اآلباء بِ َح ْمِل ِهم في السفن؛‬
‫ذلك الفلك؛ أي‪ :‬جنسه {ما َي ْر َك َ‬
‫ألن النعمة عليهم نعمةٌ على ُّ‬
‫الذ ِّرَّية‪.‬‬ ‫َّ‬

‫كثير من‬ ‫فإن ما َذ َك َره ٌ‬ ‫ـي في التفسير؛ َّ‬ ‫وهذا الموضعُ من أشكل المواضع عل َّ‬
‫إطالق ُّ‬
‫الذ ِّرَّي ِة على‬ ‫ُ‬ ‫المراد ُّ‬
‫بالذ ِّرَّي ِة اآلباء مما ال ُي ْعهَ ُد في القرآن‬ ‫َ‬ ‫المفسِّرين من َّ‬
‫أن‬
‫رب العالمين‬ ‫كالم ِّ‬ ‫ِِ‬
‫اآلباء‪ ،‬بل فيه من اإلبهام وإ خراج الكالم عن موضوعه ما يأباه ُ‬
‫(‪)3‬‬

‫المراد ُّ‬
‫بالذ ِّرَّي ِة‬ ‫َ‬ ‫أحسن من هذا‪ ،‬وهو َّ‬
‫أن‬ ‫لعباد ِه‪ .‬وثََّم احتما ٌل‬
‫والتوضيح ِ‬
‫َـ‬ ‫البيان‬ ‫وإ رادتُه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وأنهم هم بأنفسهم؛ َّ‬ ‫الجنس‪َّ ،‬‬
‫ض هذا المعنى‬ ‫ألنهم هم من ُذ ِّرَّية بـنـي آدم‪ ،‬ولكن َي ْنقُ ُ‬ ‫ُ‬
‫مثل ِه ما َي ْر َكبون}‪ْ :‬‬
‫الفْلك؛ أي‪:‬‬ ‫وخلَ ْقنا من مثل ذلك ُ‬ ‫أريد‪َ :‬‬‫إن َ‬ ‫{وخلَ ْقنا لهم من ِ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫فيكون ذلك تكريراً للمعنى تأباه‬ ‫ُ‬ ‫الفْلك‪،‬‬‫يركبون من أنواع ُ‬ ‫َ‬ ‫لهؤالء المخاطبين ما‬
‫يركبون}‪ :‬اإلبل التي هي‬ ‫َ‬ ‫مثل ِه ما‬
‫{وخلَ ْقنا لهم من ِ‬‫أريد بقوله‪َ :‬‬ ‫فإن َ‬ ‫فصاحةُ القرآن‪ْ .‬‬
‫تشويش؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫ٌ‬ ‫الكالم فيه‬
‫ُ‬ ‫استقام المعنى واتَّضح؛ إالَّ َّأنه يبقى أيضاً أن يكون‬ ‫َ‬ ‫البر؛‬
‫ُسفُن ِّ‬
‫وخلَ ْقنا لهم من‬ ‫حون َ‬ ‫الم ْش ِ‬ ‫لو أُريد هذا المعنى؛ لقال‪ :‬وآيةٌ لهم َّأنا حـمْلناهم في ُ ِ‬
‫الفْلك َ‬ ‫ََ‬

‫‪ - 1‬وهو اختيار ابن جرير (‪ ،)20/521‬والبغويـ (‪ ،)6/19‬وابن كثير (‪.)6/564‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬في»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬فيها»‪.‬‬
‫أن ُيقا َل في األول‪ :‬حملنا ذريتهم‪ ،‬وفي الثاني‪ :‬حملناهم؛ َّ‬
‫فإنه ال‬ ‫فأما ْ‬
‫يركبون‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫مثل ِه ما‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بحقيقة الحال‪.‬‬ ‫عائد إلى ُّ‬
‫الذ ِّرَّي ِة‪ .‬واللّه أعلم‬ ‫الضمير ٌ‬ ‫أن يقا َل‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫يظهر المعنى إال ْ‬
‫ُ‬
‫ببعيد من ِ‬
‫مراد‬ ‫وصلت في الكتابة إلى هذا الموضع؛ ظهر لي معنى ليس ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فلما‬
‫َّ‬
‫كل ٍ‬
‫وجه لألمور‬ ‫التام من ِّ‬
‫وبيانه َّ‬
‫كتاب اللّه َ‬ ‫ف جاللة ِ‬ ‫أن َم ْن َع َر َ‬ ‫اللّه تعالى‪ ،‬وذلك َّ‬
‫كل معنى أعاله وأكمل ما يكون من‬ ‫وأنه َي ْذ ُكر من ِّ‬ ‫ِ‬
‫والمستقبلة‪َّ ،‬‬ ‫الحاضرة والماضية‬
‫ُ‬
‫ونعم ِه على عباده من حين أنعم عليهم بتعلُّمها‬ ‫ك من آياته تعالى ِ‬ ‫أحوال ِه‪ ،‬وكانت ُ‬
‫الفْل ُ‬ ‫ِ‬
‫فلما‬
‫المواجهين بالقرآن‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫زمان‬ ‫كل زمان إلى‬ ‫تزل موجودةً في ِّ‬ ‫ِ‬
‫القيامة‪ ،‬ولم ْ‬ ‫إلى يوم‬
‫َ‬
‫الفلك‪ ،‬وعِلم تَعالى َّأنه سيكون أعظم ِ‬
‫آيات‬ ‫خاطبهم اللّه تعالى بالقرآن‪ ،‬و َذ َك َر حالةَ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫َّ‬
‫الشراعية‬ ‫َّ‬
‫البحرية‬ ‫الفلك في غير وقتهم وفي غير زمانهم حين ُي َعلِّ ُمهُم صنعةَ ُ‬
‫الفلك‬ ‫ِ‬
‫البرية م َّـما كانت‬ ‫ِ‬
‫والمراكب َّ‬ ‫الجو كالطيور ونحوها‬ ‫والجوية السابحة في ِّ‬ ‫َّ‬ ‫والنارية‬
‫منها ّ‬
‫الذ ِّرَّي ِة؛ َّنبه في الكتاب على أعلى نوع من أنواع‬ ‫اآليةُ العظمى فيه لم توج ُد إالَّ في ُّ‬
‫َ‬
‫المشحون}؛ أي‪ :‬المملوء ركباناً‬‫ِ‬ ‫الفْل ِك‬
‫آياتها‪ ،‬فقال‪{ :‬وآيةٌ لهم َّأنا َح َـمْلنا ُذ ِّرَّيتَهُ ْم في ُ‬
‫ونجاهم باألسباب التي علَّمهم اللّهُ بها من الغرق‪.‬‬ ‫وأمتعةً‪ ،‬فحملهم اللّه تعالى‪َّ ،‬‬

‫ق مع قدرتِ ِه‬
‫ْأنجاهم من الغر ِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫{‪ }43‬ولهذا َّنبههم على نعمتِ ِه عليهم حيث‬
‫يصر ُخ لهم ِ‬
‫فيعاوُنهم‬ ‫صريخ لهم}؛ أي‪ :‬ال أحد ُ‬
‫َ‬ ‫على ذلك‪ ،‬فقال‪{ :‬وإ ن نشأ ُن ْغ ِر ْقهم فال‬
‫ذون}‪ :‬مما هم فيه‪.‬‬ ‫الشدة وال يزي ُل عنهم المشقَّة‪{ ،‬وال هم ُينقَ َ‬
‫على َّ‬

‫حين}‪ :‬حيث لم ُن ْغ ِر ْقهم لطفاً بهم وتمتيعاً لهم‬ ‫{‪{ }44‬إالَّ رحمةً ِمَّنا ومتاعاً إلى ٍ‬
‫إلى ٍ َّ‬
‫ط منهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يستدركون ما فَ َر َ‬ ‫عون‪ ،‬أو‬ ‫حين‪ ،‬لعلهم ير ِج َ‬
‫لهم اتَّقوا ما َب ْي َن أيديكم وما َخْلفَ ُكم}؛ أي‪ :‬من أحوال البرزخ‬
‫{‪{ }45‬وإ ذا قيل ُ‬
‫مون}‪ :‬أعرضوا عن ذلك‪ ،‬فلم يرفعوا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫والقيامة وما في ُّ‬
‫الدنيا من العقوبات؛ {لعل ُكم تُْر َح َ‬
‫كل ٍ‬
‫آية‪.‬‬ ‫به رأساً‪ ،‬ولو جاءتْهم ُّ‬
‫َ‬
‫آيات ربِّهم إالَّ كانوا عنها‬
‫آية ِمن ِ‬‫{‪ }46‬ولهذا قال‪{ :‬وما تأتيهم ِمن ٍ‬
‫ألنه ما أبين‬ ‫ِ‬
‫ووضوحها؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫اآليات إلى ربِّهم دلي ٌل على كمالها‬ ‫معرضين}‪ :‬وفي إضافة‬
‫َ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬حين»‪.‬‬


‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫أوصل إليهم‬
‫َ‬ ‫لعباد ِه ْ‬
‫أن‬ ‫تربية اللّه ِ‬
‫ِ‬ ‫آيات اللَّه وال أعظم بياناً‪ ،‬وإ َّن من جملة‬ ‫من ِ‬
‫ينفعهم في دينهم ودنياهم‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫التي يستدلون بها على ما ُ‬
‫ِ‬
‫{‪{ }47‬وإ ذا قي َل لهم أنفقوا م َّـما َر َزقَ ُك ُم اللّهُ}؛ أي‪ :‬من الرزق الذي َم َّن به اللّهُ‬
‫ِّ‬
‫للحق محتجِّين‬ ‫معارضين‬
‫َ‬ ‫{قال الذين َكفَروا للذين آمنوا}‪:‬‬ ‫عليكم‪ ،‬ولو شاء لَ َسلََب ُكم َّإياه‪َ ،‬‬
‫ٍ‬
‫{ضالل‬ ‫إن أنتُم}‪ :‬أيها المؤمنون‪ ،‬لفي‬ ‫{أن ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َع َمهُ ْ‬‫يشاء اللّه أ ْ‬
‫طع ُم َمن لو ُ‬ ‫بالمشيئة‪ُ :‬‬
‫تجاهِل ِهم الوخيم؛‬
‫يدل على جهلهم العظيم أو ُ‬ ‫مبين}‪ :‬حيث تأمروننا بذلك‪ ،‬وهذا مما ُّ‬ ‫ٍ‬
‫شاء اللّهُ كان‪ ،‬وما لم يشأ لم‬
‫فإنه وإ ْن كان ما َ‬ ‫ٍ‬
‫لعاص أبداً؛ َّ‬ ‫فإن المشيئة ليست َّ‬
‫حجةً‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫واجتناب‬ ‫القو ِة ما يقدرون على فعل ِ‬
‫األمر‬ ‫العباد وأعطاهم من َّ‬
‫َ‬ ‫فإنه تعالى َم َّك َن‬
‫يكن؛ َّ‬
‫ْ‬
‫النهي؛ فإذا تَركوا ما ِ‬
‫أمروا به؛ كان ذلك اختياراً منهم ال جبراً لهم وقهراً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬
‫الوعد إن‬
‫ُ‬ ‫{‪ 48‬ـ ‪{ }49‬ويقولون}‪ :‬على وجه التكذيب واالستعجال‪{ :‬متى هذا‬
‫قريب‪{ ،‬ما ينظُرون إالَّ‬
‫فإنه عن ٍ‬ ‫صادقين}‪ .‬قال اللّه تعالى‪ :‬ال يستبعدوا ذلك؛ َّ‬ ‫ُكنتُم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّمون}؛ أي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫تصيبهم {وهم َيخص َ‬
‫ُ‬ ‫{تأخ ُذهم}؛ أي‪:‬‬
‫ص ْي َحةً واحدةً}‪ :‬وهي نفخةُ الصور‪ُ .‬‬ ‫َ‬
‫بينهم‪ ،‬الذي‬‫وتشاج ِرهم َ‬
‫ُ‬ ‫خصومتِهم‬
‫َ‬ ‫وهم الهون عنها‪ ،‬لم تخطُ ْر على قلوبِ ِهم في حال‬
‫وقت الغفلة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ال يوجد في الغالب إال َ‬
‫نظرون وال ُيمهلون؛ {فال‬‫َ‬ ‫وقت غفلَتِ ِهم؛ َّ‬
‫فإنهم ال ُي‬ ‫{‪ }50‬وإ ذا أخذتُهم َ‬
‫يستطيعون توصيةً}؛ أي‪ :‬ال قليلة وال كثيرة‪{ ،‬وال إلى ْ ِ‬
‫أهل ِهم َي ْر ِج َ‬
‫عون}‪.‬‬
‫ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ‪.‬‬ ‫ﰉ‬
‫ِ‬
‫البعث والنشور؛‬ ‫{‪ }51‬النفخة األولى هي نفخةُ الفزع والموت‪ .‬وهذه نفخةُ‬
‫{ي ْن ِسلون} إلى ربِّهم؛ أي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫فإذا ُنف َخ في الصور؛ خرجوا {من األجداث} والقبور َ‬
‫ُّ‬
‫والتأخر‪.‬‬ ‫نون من الـت ِّ‬
‫ـأنيـ‬ ‫يسرعون للحضور بين يديه‪ ،‬ال َّ‬
‫يتمك َ‬
‫ِّ‬
‫ظ ِه َ‬
‫رون الحسرةَ والندم ويقولون‪{ :‬يا‬ ‫وي ْ‬
‫المكذبون ُ‬ ‫يحزن‬
‫ُ‬ ‫{‪ }52‬وفي تلك الحال‬
‫َوْيلَنا َمن َب َعثَنا ِمن َم ْرقَ ِدنا}؛ أي‪ :‬من رقدتنا في القبور؛ ألنه ورد في بعض األحاديث‬
‫ويقال لهم‪{ :‬هذا ما َو َع َد‬ ‫(‪)1‬‬
‫َّ‬
‫أن ألهل القبور رقدةٌ قبيل النفخ في الصور ‪ُ .‬فيجابون ُ‬
‫المرسلون}؛ أي‪ :‬هذا الذي وعدكم اللَّه به ووعدتْكم به الرس ُل‪ ،‬فظهر‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ص َد َ‬
‫الرحمن َو َ‬
‫ُ‬
‫لمجر ِد الخبر عن‬
‫أن ذكر الرحمن في هذا الموضع َّ‬ ‫ب َّ‬
‫عين‪ .‬وال تَ ْـح َس ْ‬ ‫صدقُهم رأي ٍ‬
‫بأنه في ذلك اليوم العظيم َسَي َر ْو َن من رحمتِ ِه ما ال يخطُُر‬ ‫وعد ِه‪ ،‬وإ َّنما ذلك لإلخبار َّ‬
‫ِ‬
‫{وخ َش َع ِت‬
‫الحق للرحمن}‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ‬ ‫ك‬
‫{المْل ُ‬ ‫ُّ‬
‫ب به الحاسبون؛ كقوله‪ُ :‬‬ ‫على الظنون وال َح َس َ‬
‫اسمه الرحمن في هذا‪.‬‬ ‫للرحمن}‪ ،‬ونحو ذلك مما َي ْذ ُك ُر َ‬ ‫ِ‬ ‫األصوات‬
‫ُ‬
‫{‪{ }53‬إن كانت}‪ :‬البعثة من القبور {إالَّ صيحةً واحدةً}‪َ :‬ي ْنفُ ُخ فيها إسرافي ُل‬
‫رون}ـ‪ :‬األولون واآلخرون‪،‬‬ ‫ض َ‬ ‫في الصور‪ ،‬فتحيا األجساد؛ {فإذا هم جميعٌ لَ َد ْينا ُم ْـح َ‬
‫واإلنس والجن؛ ليحاسبوا على أعمالهم‪.‬‬

‫ص من حسناتها وال ُيزاد في سيئاتها‪.‬‬ ‫نفس شيئاً}‪ :‬ال ُي ْنقَ ُ‬


‫ظلَ ُم ٌ‬‫{فاليوم ال تُ ْ‬
‫َ‬ ‫{‪}54‬‬
‫شر؛ فمن َو َج َد خيراً؛ فليحمد اللّه‪ ،‬ومن‬
‫خير أو ٍّ‬ ‫تعملون}‪ :‬من ٍ‬
‫َ‬ ‫{وال تُ ْـج َز ْو َن إالَّ ما كنتُم‬
‫يلومن إالَّ نفسه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َو َج َد غير ذلك؛ فال‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ‪.‬‬

‫إالَّ ما َع ِملَه؛ َذ َك َر جزاء‬ ‫(‪)2‬‬ ‫كل ٍ‬


‫أحد ال ُي ْـجزى‬ ‫أن َّ‬
‫{‪ 55‬ـ ‪ }56‬لما ذكر تعالى َّ‬
‫فاكهون}؛ أي‪:‬‬
‫َ‬ ‫الفريقين‪ ،‬فبدأ بجزاء أهل الجنة‪ ،‬وأخبر َّأنهم في ذلك اليوم {في ُش ُغ ٍل‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫المتمنون‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ويتمناه‬ ‫كل ما تهواه النفوس وتَلَ ُّذه العيون‬ ‫في ُش ُغل مفَ ِّك ٍه للنفس مِل ٍّذ لها من ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأزواجهُم}‪ :‬من الحور العين‬ ‫ُ‬ ‫ومن ذلك افتضاض العذارى الجميالت؛ كما قال‪{ :‬هم‬
‫وحسن األخالق {في ظالل على األرائِ ِك}؛ أي‬ ‫حسن الوجو ِه واألبدان‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫الالتي قد َج َـم ْع َن َ‬
‫كاء داالً على كمال‬ ‫ِّ‬
‫ت‬ ‫ا‬ ‫عليها‬ ‫‪:‬‬ ‫}‬ ‫ئون‬ ‫ف الحسن {متَّ ِ‬
‫ك‬ ‫المزخر ِ‬
‫ْ‬ ‫باللباس‬ ‫نة‬ ‫َّ‬
‫المزي‬ ‫السرر‬ ‫‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الراحة والطمأنينة واللذة‪.‬‬
‫ِ‬
‫الثمار اللذيذة؛ من عنب‪ ،‬وتين‪،‬‬ ‫{‪{ }57‬لهم فيها فاكهةٌ}‪ :‬كثيرة من جميع أنواع‬
‫ورمان‪ ،‬وغيرها‪{ ،‬ولهم ما َي َّد َ‬
‫عون}؛ أي‪ :‬يطلبون؛ فمهما طلبوه َّ‬
‫وتمن ْوه؛ ْأد َركوه‪.‬‬

‫‪ - 1‬كما في «صحيح البخاري» (‪ ،)4814‬و«مسلم» (‪ )2955‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ال يجازي»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬أي على»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الرب‬ ‫رب رحيم}‪ :‬ففي هذا كالم‬ ‫{سالم} حاص ٌل لهم {من ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫{‪ }58‬ولهم أيضاً‬
‫الرحيم؛‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫الرب‬ ‫وأكده بقوِل ِه‪{ :‬قوالً}‪ :‬وإ ذا َسلَّم عليهم‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الجنة وسالمهُ عليهم‪َّ ،‬‬ ‫تعالى ألهل‬
‫ت لهم التحيةُ التي ال تَ ِحَّيةَ أعلى‬ ‫صلَ ْ‬‫وح َ‬
‫ت لهم السالمةُ التامةُ من جميع الوجوه‪َ ،‬‬ ‫صلَ ْ‬
‫َح َ‬
‫الرب العظيم‪ ،‬الرءوف الرحيم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫بتحية ملك الملوك‪،‬‬ ‫ظنك َّ‬ ‫منها وال نعيم مثلها؛ فما ُّ‬
‫رضوانه؛ فال يسخط عليهم أبداً؛ فلوال َّ‬
‫أن اللّه‬ ‫َ‬ ‫ألهل دار كرامته‪ ،‬الذين َّ‬
‫أحل عليهم‬
‫قلوبهم عن أماكنها من الفرح والبهجة والسرور؛‬
‫تزول ُ‬
‫َ‬ ‫تعالى قَ َّد َر ْ‬
‫أن ال يموتوا أو‬
‫رمنا ذلك النعيم‪ ،‬وأن ُي َمتِّ َعنا بالنظر إلى وجهه‬ ‫لحصل ذلك‪ ،‬فنرجو َّ‬
‫ربنا أن ال َي ْـح َ‬
‫الكريم‪.‬‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫ﭽﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬ ‫ﮞ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫{‪ }59‬ل َّـما َذ َك َر تعالى جزاء المتَّقين؛ َذ َك َر جزاء المجرمين‪{ ،‬و} َّأنهم ُيقال لهم‬
‫تميزوا عن المؤمنين‪ ،‬وكونوا على‬ ‫المجرمون}؛ أي‪َّ :‬‬ ‫اليوم ُّأيها‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫{امتازوا َ‬ ‫يوم القيامة‪ْ :‬‬
‫قبل أن ُي ْد ِخلَهُ ُم النار‪ ،‬فيقول لهم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األشهاد َ‬ ‫ويقَِّر َعهم على رؤوس‬ ‫ِّخهم ُ‬ ‫ِح َد ٍة؛ ليوب َ‬
‫ِ‬
‫ألسنة ُر ُسلي وأقول لكم‪:‬‬ ‫آمر ُكم وأوصيكم على‬
‫أعهَ ْد إلي ُكم}؛ أي‪ُ :‬‬
‫{ألم ْ‬
‫{‪ْ }60‬‬
‫التوبيخ‬
‫ُ‬ ‫الشيطان}؛ أي‪ :‬ال تطيعوه! وهذا التوبيخ يدخل فيه‬
‫َ‬ ‫آدم أن ال تَ ْعُبدوا‬
‫{يا َبني َ‬
‫ألنها كلها طاعةٌ للشيطان وعبادةٌ له‪َّ ،‬‬
‫{إنه لكم‬ ‫الكفر والمعاصي؛ َّ‬ ‫عن جميع أنواع ِ‬
‫فحذرتكم منه غايةَ التَّحذير‪ ،‬وأنذرتُكم عن طاعتِ ِه‪ ،‬وأخبرتُكم بما يدعوكم‬ ‫بين}‪َّ :‬‬
‫عدو ُم ٌ‬
‫ٌّ‬
‫إليه‪.‬‬

‫أن تعبدوني بامتثال أوامري وترك َزوا ِجري‪{ .‬هذا}؛ أي‪:‬‬ ‫{‪{ }61‬و} أمرتُكم‪ْ :‬‬
‫فعلوم الصراط المستقيم‬
‫مستقيم}‪ُ :‬‬
‫ٌ‬ ‫عبادتي وطاعتي ومعصية الشيطان {صراطٌ‬
‫وأعمالُه ترجع إلى هذين األمرين؛ أي‪ :‬فلم تَ ْـحفَظوا عهدي ولم تَعملوا ِ‬
‫بوصَّيتي‪،‬‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عدوكم‪.‬‬
‫فواليتُم َّ‬
‫تعقلون}؛ أي‪:‬‬
‫َ‬ ‫فأضل {منكم ِجبِالًّ كثيراً}؛ أي‪ :‬خلقاً كثيراً‪{ .‬أفلم تكونوا‬
‫َّ‬ ‫{‪}62‬‬
‫الحق‪ ،‬ويزجركم عن اتِّخاذ أعدى‬ ‫ِّ‬ ‫يأم ُركم بمواالة ربِّكم ووليِّكم‬
‫أفال كان لكم عق ٌل ُ‬
‫صحيح؛ لما فعلتُم ذلك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وليا؟ فلو كان لكم عق ٌل‬ ‫ِ‬
‫األعداء لكم ًّ‬
‫{‪ }63‬فإ ْذ أطعتُم الشيطان‪ ،‬وعاديتُم الرحمن‪َّ ،‬‬
‫وكذبتم بلقائِ ِه‪ ،‬ووردتُم القيامةَ‬
‫توعدون}‪ِّ :‬‬
‫وتكذبون‬ ‫َّ‬
‫وحق عليكم القو ُل بالعذاب‪ ،‬فَـ{هذه َّ‬
‫جهن ُم التي كنتُم َ َ‬ ‫دار الجزاء‪،‬‬
‫ويحص ُل‬
‫ُ‬ ‫األبصار‪،‬‬ ‫القلوب‪ ،‬وتزوغُ‬
‫ُ‬ ‫بها؛ فانظروا إليها عياناً! فهناك ِ‬
‫تنزع ُج منهم‬
‫ُ‬
‫األكبر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الفزعُ‬
‫{اصلَ ْوها اليوم بما‬ ‫{‪ }64‬ثم ُي ْك ِم ُل ذلك ْ‬
‫بأن ُي ْؤ َم َر بهم إلى النار‪ ،‬ويقا َل لهم‪ْ :‬‬
‫حرها‪ ،‬ويبلغُ منكم َّ‬
‫كل‬ ‫صال ُكم‪ ،‬ويحيطُ بكم ُّ‬
‫ادخلوها على وجه تَ ْ‬
‫رون}؛ أي‪ُ :‬‬
‫كنتُم تكفُ َ‬
‫كفر ُكم بآيات اللّه وتكذيبِ ُكم لرسل اللّه‪.‬‬
‫مبلغ بسبب ِ‬

‫ص ِفهم الفظيع في دار الشقاء‪{ :‬اليوم َن ْختِ ُم على‬ ‫{‪ }65‬قال تعالى في بيان َو ْ‬
‫إنكار ما َع ِملوه من ال ُك ْف ِر‬
‫رون على ِ‬ ‫ِ‬
‫أفواه ِهم}‪ :‬بأن َن ْج َعلَهم ُخ ْرساً فال يتكلمون‪ ،‬فال يقد َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بون}؛ أي‪ :‬تشهد عليهم‬ ‫والتَّ ْكذيب‪{ .‬وتُ َكلِّ ُمنا ْأيديهم وتَ ْشهَ ُد ُ‬
‫أرجلُهم بما كانوا َي ْكس َ‬
‫شيء‪.‬‬‫كل ٍ‬ ‫أنطق َّ‬ ‫وي ْن ِطقُها الذي‬
‫َ‬ ‫أعضاؤهم بما عملوه‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ط َم ْسنا على‬ ‫أبصارهم كما َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫طمسنا على ِ‬
‫َ‬ ‫أعينهم}‪ :‬بأن ُن ْذه َ‬
‫ُ‬ ‫نشاء لَ َ َ ْ‬
‫{‪{ }66‬ولو ُ‬
‫ُن ْ ِ‬
‫ألنه الطريق إلى الوصول إلى الجنة‪.‬‬ ‫ط}ـ؛ أي‪ :‬فبادروا إليه؛ َّ‬ ‫{فاستََبقوا الصرا َ‬ ‫طق ِهم؛ ْ‬
‫أبصارهم؟!‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫رون}‪ :‬وقد طُ ِم َس ْ‬ ‫ِ‬
‫{فأنى ُي ْبص َ‬ ‫َّ‬

‫كانتِ ِهم}؛ أي‪ :‬أل ْذ َه ْبنا َح َر َكتَهم‪{ ،‬فما‬


‫نشاء لَ َم َس ْخناهم على َم َ‬
‫{‪{ }67‬ولو ُ‬
‫عون}‪ :‬إلى ورائِ ِهم‪ُ ،‬‬
‫ليبعدوا عن النار‪.‬‬ ‫ضًّيا}‪ :‬إلى األمام‪{ ،‬وال ِ‬
‫يرج َ‬
‫استطاعوا م ِ‬
‫ُ‬
‫ت عليهم كلمةُ العذاب‪ ،‬ولم يكن ٌّ‬
‫بد من عقابهم‪،‬‬ ‫أن هؤالء الكفار حقَّ ْ‬ ‫والمعنى‪َّ :‬‬
‫ت‪ ،‬وليس ٍ‬
‫ألحد نجاةٌ إال بالعبور على‬ ‫وفي ذلك الموطن ما ثََّم إالَّ النار قد ُب ِّر َز ْ‬
‫نور ِهم‪َّ ،‬‬
‫وأما هؤالء؛‬ ‫يمشون في ِ‬
‫َ‬ ‫الصراط‪ ،‬وهذا ال يستطيعه إالَّ أه ُل اإليمان الذين‬
‫أعُيَنهم‪ ،‬وأبقى َح َر َكتَهم‬
‫فإن شاء؛ طمس ْ‬
‫عهد في النجاة من النار؛ ْ‬
‫فليس لهم عند اللّه ٌ‬
‫أذهب ِحراكهم فلم‬
‫َ‬ ‫استََبقوا إليه وبادروه‪ ،‬وإ ن شاء؛‬ ‫ِ‬
‫فلم َي ْـهتَدوا إلى الصراط لو ْ‬
‫تحص ُل لهم النجاةُ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫المقصود َّأنهم ال َي ْعُبرونه‪ ،‬فال‬
‫ُ‬ ‫التأخر‪،‬‬ ‫َي ْستَطيعوا ُّ‬
‫التقدم وال ُّ‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ‬
‫ق}؛ أي‪ :‬يعود‬ ‫{نَن ِّك ْسه في ال َ‬
‫ـخْل ِ‬ ‫{ومن ُن َع ِّم ْرهُ}‪ :‬من بني آدم ُ‬
‫{‪ }68‬يقو ُل تعـالى‪َ :‬‬
‫يعقلون}‪:‬‬
‫َ‬ ‫إلى الحالة التي ابتدأ منها؛ حالة الضعف؛ ضعف العقل وضعف القوة‪{ .‬أفال‬
‫كل وجه‪ ،‬فيتداركوا قوتهم وعقولَهم‪ ،‬فيستَ ْع ِملونها في طاعة‬ ‫ناقص من ِّ‬‫ٌ‬ ‫اآلدمي‬
‫َّ‬ ‫أن‬‫َّ‬
‫ربِّهم؟‬
‫ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ‪.‬‬

‫شاعر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عما رماه به المشركون من َّأنه‬ ‫نبيه محمداً (ص) َّ‬ ‫ينزه تعالى َّ‬ ‫{‪ِّ }69‬‬
‫الشعر وما َي َنبغي له}‪ :‬أن يكون شاعراً؛‬ ‫َ‬ ‫شعر‪ ،‬فقال‪{ :‬وما علَّمناه‬
‫وأن الذي جاء به ٌ‬ ‫َّ‬
‫مهتد‪ ،‬والشعراء غاوون‪،‬‬ ‫رشيد ٍ‬‫ٌ‬ ‫ألنه‬‫أي‪ :‬هذا من جنس المحال أن يكون شاعراً؛ َّ‬
‫الشبه التي يتعلَّق بها الضالُّون عن‬ ‫وألن اللّه تعالى َح َسم جميع ُّ‬
‫َ‬ ‫يتَّبِ ُعهُم الغاوون‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫يكتب أو يقرأ‪ ،‬وأخبر َّأنه ما علمه الشعر وما ينبغي له‪ْ .‬‬
‫{إن‬ ‫رسوله‪ ،‬فحسم أن يكون ُ‬
‫يتذكر به أولو األلباب‬ ‫مبين}؛ أي‪ :‬ما هذا الذي جاء به إالَّ ذكر َّ‬ ‫وقرآن ٌ‬
‫ٌ‬ ‫هو إالَّ ِذ ْكٌر‬
‫ٌ‬
‫َّ‬ ‫أتم اشتمال‪ ،‬وهو ِّ‬ ‫َّ‬
‫يذك ُر العقو َل ما َر َك َز اللهُ‬ ‫الدينية؛ فهو مشتم ٌل عليها َّ‬ ‫جميع المطالب‬
‫مبين لما‬
‫بين}؛ أي‪ٌ :‬‬ ‫{وقرآن ُم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كل قبيح‪.‬‬ ‫حسن والنهي عن ِّ‬ ‫بكل ٍ‬ ‫ط ِرها من األمر ِّ‬ ‫في ِف َ‬
‫َّ‬
‫التفصيلية‬ ‫ـحق بـأدلَّته‬
‫مبين لـجميع ال ِّ‬ ‫ـدل على َّأنه ٌ‬ ‫المعمول؛ لـي َّ‬
‫َ‬ ‫بيانه‪ ،‬ولهذا حذف‬‫ب ُ‬ ‫طلَ ُ‬ ‫ُي ْ‬
‫واإلجمالية والباطل وأدلَّة بطالنِ ِه‪ .‬أنزله اللّه كذلك على رسوِل ِه‪.‬‬ ‫َّ‬

‫واعَيه؛ فهو الذي يزكو على هذا‬ ‫حي القلب ِ‬‫{‪{ِ }70‬لُي ِنذ َر َمن كان َحًّيا}؛ أي‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫المطر‬ ‫القرآن لقلبِ ِه بمنزلة‬
‫ُ‬ ‫القرآن‪ ،‬وهو الذي يزداد من العلم منه والعمل‪ ،‬ويكون‬
‫ألنهم قامت عليهم به ُح َّجةُ اللّه‬ ‫الكافرين}‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫{وي ِح َّ‬
‫ق القو ُل على‬ ‫لألرض الطيِّبة الزاكية‪َ ،‬‬
‫ٍ‬
‫وشبهة ُيدلون بها‪.‬‬ ‫يبق لهم أدنى ٍ‬
‫عذر‬ ‫احتجاجهم‪ ،‬فلم َ‬ ‫وانقطع‬
‫ُ‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭼ‪.‬‬
‫يأم ُر تعالى العباد بالنظر إلى ما َس َّخر لهم من األنعام وذلَّلها‬
‫{‪ 71‬ـ ‪ُ }73‬‬
‫منافع‬ ‫يريدونه منها‪َّ ،‬‬
‫وأنه جعل لهم فيها‬ ‫َ‬ ‫كل ٍ‬
‫أمر‬ ‫مالكين لها مطاوعةً لهم في ِّ‬
‫َ‬ ‫وج َعلَهم‬
‫َ‬
‫َ‬
‫محل‪ ،‬ومن أ ْكِل ِهم‬ ‫ومحامِلهم وأمتِ َعتِهم من ٍّ‬
‫محل إلى ٍّ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫كثيرةً من حـمِلهم وحـمل ِ‬
‫أثقال ِهم‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬
‫حين‪ ،‬وفيها‬ ‫وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى ٍ‬
‫ِ‬ ‫دفء‪ ،‬ومن ِ‬
‫أوبارها وأصوافها‬ ‫ٌ‬ ‫منها‪ ،‬وفيها‬
‫يشكرون} اللّهَ تعالى الذي‬
‫َ‬ ‫وغير ذلك من المنافع المشاهدة منها‪{ .‬أفال‬
‫زينةٌ وجما ٌل ُ‬
‫صون له العبادةَ‪ ،‬وال يتمتَّعون بها تمتُّعاً خالياً من العبرة‬ ‫ِ‬
‫أنعم بهذه النعم‪ ،‬ويخل َ‬
‫والفكرة؟!‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ‬
‫اتَّخذوها مع اللّه تعالى‬ ‫(‪)1‬‬
‫بيان لبطالن آلهة المشركين التي‬
‫{‪ 74‬ـ ‪ }75‬هذا ٌ‬
‫ص َرهم}‪ :‬وال ْأنفُ َسهم‬
‫ص َرها و َش ْف َعها؛ فإنها في غاية العجز‪{ .‬ال َي ْستَطيعون َن ْ‬
‫ور َج ْوا َن ْ‬
‫َ‬
‫رونهم؟! والنصر له‬
‫ص َ‬ ‫ص َرهم؛ فكيف َي ْن ُ‬
‫رون‪ :‬فإذا كانوا ال يستطيعون َن ْ‬
‫ص َ‬ ‫َي ْن ُ‬
‫ريد نصرةً ِم ْن َع ْب ِده أم‬ ‫(‪)2‬‬
‫شرطان‪ :‬االستطاعةُ [والقدرةُ] ؛ فإذا استطاع‪ :‬يبقى‪ :‬هل ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫محضرون}؛ أي‪:‬‬ ‫ند‬ ‫ِ‬
‫االستطاعة ينفي األمرين كليهما‪{ .‬وهم لهم ُج ٌ‬ ‫ال؟ فنفي‬
‫َ‬
‫بعضهم من بعض‪ ،‬أفال تبرؤوا في الدنيا‬‫ىء ُ‬ ‫ومتبر ٌ‬
‫ِّ‬ ‫محضرون هم وهم في العذاب‪،‬‬ ‫َ‬
‫والعطاء والمنعُ‬
‫ُ‬ ‫والضر‬
‫ُّ‬ ‫بيد ِه المل ُ‬
‫ك والنفعُ‬
‫من عبادة هؤالء وأخلصوا العبادةَ للذي ِ‬
‫النصير؟!‬
‫ُ‬ ‫ـي‬
‫وهو الول ُّ‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ‬
‫والمراد بالقول ما َّ‬
‫دل‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫المكذبين‪،‬‬ ‫ك يا ُّأيها الرسو ُل قول‬
‫{‪ }76‬أي‪ :‬فال َي ْـح ُز ْن َ‬
‫ك‬
‫كل قول َي ْق َدحون فيه في الرسول أو فيما جاء به؛ أي‪ :‬فال تَ ْش َغ ْل َقْلَب َ‬ ‫السياق‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫عليه‬
‫حسب ِعْل ِمنا بهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فنجازيهم على‬ ‫نون}؛‬ ‫ِ‬
‫ون وما ُي ْعل َ‬
‫ِ‬
‫نعلم ما ُيس ُّر َ‬ ‫بالحزن عليهم‪َّ .‬‬
‫{إنا ُ‬
‫وإ الَّ ؛ فقولُهم ال ُّ‬
‫يضرك شيئاً‪.‬‬
‫ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﯔ‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬الذين»‪.‬‬
‫‪ - 2‬كذا في هامش ( أ )‪ .‬وال توجد في (ب)‪ ،‬ولعل الصواب‪« :‬اإلرادة»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جواب‬ ‫بأتم‬ ‫ِ‬
‫شبهة منكري البعث والجواب عنها ِّ‬ ‫اآليات الكريمات فيها ِذ ْك ُر‬
‫ُ‬ ‫هذه‬
‫وأحسنِ ِه وأوضحه‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الشاك فيه أمراً‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫المنك ُر للبعث أو‬ ‫اإلنسان}‪:‬‬ ‫{أولَم َي َر‬
‫ُ‬ ‫{‪ }77‬فقال تعالى‪َ :‬‬
‫تنقلُه في األطوار شيئاً‬ ‫خلق ِه {من ٍ‬
‫نطفة}‪ ،‬ثم ُّ‬ ‫التام بوقوعه‪ ،‬وهو ابتداء ِ‬ ‫اليقين َّ‬ ‫يفيده‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ابتداء‬
‫ُ‬ ‫أن كان‬
‫مبين}‪ :‬بعد ْ‬
‫خصيم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫واستتب؛ {فإذا هو‬ ‫وتم عقلُه‬ ‫َّ‬
‫وشب َّ‬ ‫فشيئاً‪ ،‬حتى كبر‬
‫يعلم َّ‬
‫أن الذي أنشأه من العدم‬ ‫ِ‬ ‫خلق ِه من ٍ‬
‫ِ‬
‫التفاوت بين هاتين الحالتين‪ ،‬وْل ْ‬
‫َ‬ ‫فلينظر‬ ‫نطفة؛‬
‫تفرق َّ‬
‫وتمزق من باب أولى‪.‬‬ ‫يعيده بعدما َّ‬
‫قادر على أن َ‬
‫ٌ‬
‫قياس قدر ِة الخالق‬ ‫{‪{ }78‬وضرب لنا مثالً}‪ :‬ال ينبغي ٍ‬
‫ألحد أن ِ‬
‫يضرَبه‪ ،‬وهو ُ‬
‫الم ْستَْب َع َد على قدرة المخلوق ُم ْستَْب َع ٌد على قدرة الخالق‪،‬‬ ‫بقدر ِة المخلوق‪َّ ،‬‬
‫وأن األمر ُ‬
‫رميم}؛ أي‪ :‬هل‬ ‫العظام وهي ٌ‬ ‫َ‬ ‫{من ُيحيي‬ ‫فَس ََّر هذا المثل بقوله‪{ :‬قال}‪ :‬ذلك اإلنسان‪َ :‬‬
‫ت‪ .‬هذا وجهُ الشبهة‬ ‫ت وتال َش ْ‬ ‫أح َد ُيحييها بعدما َبِلَي ْ‬ ‫أحد يحييها؟ استفهام ٍ‬
‫إنكار؛ أي‪ :‬ال َ‬ ‫ٌ‬
‫البعد على ما ُي ْعهَ ُد من قدر ِة البشر‪ ،‬وهذا القو ُل‬ ‫أن هذا أمر في غاية ِ‬ ‫والمثل‪ ،‬وهو َّ‬
‫ٌ‬
‫ـخْل ِق ِه بعد أن لم‬
‫خلق ِه؛ فلو فَ ِط َن ِل َ‬
‫ونسيان البتداء ِ‬‫ٌ‬ ‫ص َد َر من هذا اإلنسان غفلةٌ منه‬
‫الذي َ‬
‫ب هذا المثل‪.‬‬ ‫فو ِجد عياناً؛ لم ِ‬
‫يضر ْ‬ ‫يكن شيئاً مذكوراً‪ُ ،‬‬
‫شاف ٍ‬
‫كاف‪ ،‬فقال‪ُ { :‬ق ْل ُي ْـحييها‬ ‫بجواب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫االستبعاد‬ ‫{‪ }79‬فأجاب تعالى عن هذا‬
‫أن الذي‬ ‫تصو ِر ِه يعلم به علماً يقيناً ال شبهةَ فـيه َّ‬
‫بمجر ِد ُّ‬
‫الذي أن َشأها َّأو َل َم َّر ٍة}‪ :‬وهذا َّ‬
‫أهون على القدر ِة إذا َّ‬ ‫ِ‬
‫اإلعادة ثاني مر ٍة‪ ،‬وهو‬
‫تصوره‬ ‫ُ‬ ‫قادر على‬ ‫أنشأها َّأو َل مر ٍة ٌ‬
‫صفات اللّه تعالى‪ ،‬وهو َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫عليم}‪ :‬هذا أيضاً دلي ٌل ٍ‬
‫ثان من‬ ‫بكل خل ٍ‬ ‫المتصور‪{ .‬وهو ِّ‬
‫ق ٌ‬ ‫ِّ‬
‫وي ْعلَ ُم ما‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫علمه تعالى محيطٌ بجميع مخلوقاته في جميع أحوالها في جميع األوقات‪َ ،‬‬
‫العبد‬
‫أقر ُ‬ ‫الغيب والشهادة؛ فإذا َّ‬ ‫ويعلم‬ ‫ِ‬
‫األموات وما يبقى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أجساد‬ ‫األرض من‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تَْنقُ ُ‬
‫وأجل من إحياء اللَّه الموتى من ِ‬
‫قبورهم‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫أعظم‬
‫ُ‬ ‫بهذا العلم العظيم؛ علم َّأنه‬
‫ِ‬
‫األخضر ناراً فإذا‬ ‫{‪ }80‬ثم َذ َكر دليالً ثالثاً‪ ،‬فقال‪{ :‬الذي َج َع َل لكم من َّ‬
‫الش َج ِر‬ ‫َ‬
‫األخضر الذي هو في غاية‬ ‫ِ‬ ‫أخرج النار اليابسة من الشجر‬ ‫َ‬ ‫أنتُم منه تو ِق َ‬
‫دون}‪ :‬فإذا‬
‫قبور ِهم مث ُل ذلك‪.‬‬
‫راجهُ الموتى من ِ‬ ‫وشدة تخالُِفهما؛ ْ‬
‫فإخ ُ‬ ‫تضادهما َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الرطوبة مع‬ ‫ُّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬و»‪.‬‬


‫واألرض}‪:‬‬ ‫ِ‬
‫السموات‬ ‫خلق‬
‫{أو لَْي َس الذي َ‬
‫َ‬ ‫{‪ }81‬ثم ذكر دليالً رابعاً‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫يعيدهم بأعيانهم {بلى}‪:‬‬
‫ق مثلَهم}؛ أي‪ :‬أن َ‬ ‫ٍ‬
‫{بقادر على أن َي ْـخلُ َ‬ ‫على سعتهما وعظمهما‬
‫ق الناس‪{ .‬وهو الخالَّ ُ‬
‫ق‬ ‫أكبر من َخْل ِ‬
‫ق السماوات واألرض ُ‬
‫ِ‬ ‫قادر على ذلك؛ َّ‬
‫فإن َخْل َ‬ ‫ٌ‬
‫الخالق الذي جميع المخلوقات؛ ِّ‬
‫متقدمها‬ ‫ُ‬ ‫خامس؛ َّ‬
‫فإنه تعالى‬ ‫ٌ‬ ‫العليم}‪ :‬وهذا دلي ٌل‬
‫ُ‬
‫وأنه ال يستعصي عليه‬ ‫ومتأخرها‪ ،‬صغيرها وكبيرها؛ كلُّها أثر من آثار ِ‬
‫خلق ِه وقدرتِ ِه‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬
‫خلق ِه‪.‬‬
‫آثار ِ‬
‫فرد من أفراد ِ‬
‫مخلوق أراد َخْلقَه؛ فإعادتُهُ لألموات ٌ‬
‫ٌ‬
‫{إنما أمره إذا أراد شيئاً}‪ :‬نكرةٌ في سياق الشرط فَتَع ُّم َّ‬
‫كل‬ ‫{‪ }82‬ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫فيكون}؛ أي‪ :‬في الحال من غير تمانع‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء‪{ ،‬أن يقو َل له ُكن‬
‫ُ‬
‫فإنه تعالى‬ ‫سادس؛ َّ‬ ‫كوت ُك ِّل ٍ‬
‫شيء}‪ :‬وهذا دلي ٌل‬ ‫بيد ِه َملَ ُ‬
‫{‪{ }83‬فسبحان الذي ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ك له‬
‫ـي ُمْل ٌ‬ ‫العلوي والسفل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫شيء؛ الذي جميعُ ما سكن في العالم‬ ‫لكل ٍ‬‫ك ِّ‬‫ك المال ُ‬ ‫هو ِ‬
‫المل ُ‬
‫وأحكام ِه‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الشرعية‬ ‫وأحكام ِه‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الحكمية‬ ‫بأقدار ِه‬
‫ِ‬ ‫ف فيهم‬
‫ص َّر ُ‬ ‫مسخرون َّ‬
‫مدبرون‪َ ،‬يتَ َ‬ ‫وعبيد َّ‬‫ٌ‬
‫ملك ِه‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫الجزائية؛ فإعادتُه َّإياهم بعد موتِ ِهم لينف َذ فيهم حكم الجزاء من تمام ِ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الساطعة‬ ‫القاطعة واألدلَّ ِة‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫امتراء وال ٍّ‬
‫شك؛ لتواتُِر البراهين‬ ‫عون}‪ :‬من غير‬
‫{وإ ليه تُْر َج َ‬
‫كالم ِه الهدى والشفاء والنور‪.‬‬‫على ذلك‪ .‬فتبارك الذي جع َل في ِ‬
‫ََ‬
‫تم تفسير" سورة يس‪.‬‬
‫الحمد كما ينبغي" لجالله‪ ،‬وله الثناء كما يليق بكماله‪ ،‬وله المجد‬
‫ُ‬ ‫فلله تعالى‬
‫كما تستدعيه عظمته وكبرياؤه‪ ،‬وصلى اللّه على محمد وسلم‪.‬‬
‫***‬
‫تفسير" سورة الصافات‬

‫[وهي] مكية‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽﭾ‬ ‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﭼ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫قسم منه تعالى بالمالئكة الكرام في حال عباداتها وتدبيرها ما‬ ‫{‪ 1‬ـ ‪ }4‬هذا ٌ‬
‫صفًّا}؛ أي‪ :‬صفوفاً‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ألوهيتِ ِه تعالى‬
‫َّ‬
‫والصافات َ‬
‫وربوبيته‪ ،‬فقال‪ّ { :‬‬ ‫تُ َدب ُِّرهُ بإذن ربِّها على‬
‫السحاب‬ ‫رون‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫في خدمة ربِّهم‪ ،‬وهم المالئكة‪{ ،‬فالزاجرات َز ْجراً}‪ :‬وهم المالئكة َي ْز ُج َ‬
‫فلما‬
‫كالم اللّه تعالى‪َّ ،‬‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬
‫وغيره بأمر اللّه‪{ ،‬فالتاليات ذ ْكراً}‪ :‬وهم المالئكة الذين َي ْتلون َ‬
‫َ‬
‫يعصونه طرفةَ عين؛ أقسم بهم على‬ ‫َ‬ ‫كانوا متألِّهين لربِّهم ومتعبِّدين في خدمتِ ِه وال‬
‫)‬‫‪2‬‬ ‫(‬

‫َّ‬
‫الحب‬ ‫فأخلصوا له‬‫اإللهية؛ ِ‬
‫َّ‬ ‫ك في‬ ‫واحد}‪ :‬ليس له شري ٌ‬
‫{إن إلهكم لَ ٌ‬ ‫ألوهيتِ ِه‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫وسائر أنواع العبادة‪.‬‬
‫َ‬ ‫والرجاء‬
‫َ‬ ‫والخوف‬
‫َ‬
‫ق}؛ أي‪ :‬هو الخالق‬ ‫ورب المشار ِ‬
‫ُّ‬ ‫بينهما‬ ‫ِ‬
‫واألرض وما َ‬ ‫ِ‬
‫السموات‬ ‫{‪ُّ }5‬‬
‫{رب‬
‫ربوبيتِ ِه َّإياها؛‬
‫َّ‬ ‫الرازق (‪ )3‬لها‪ ،‬اْلمدب ُِّر لها؛ فكما َّأنه ال شريك له في‬
‫ُ‬ ‫لهذه المخلوقات‪،‬‬
‫الربوبي ِة؛‬
‫َّ‬ ‫اإللهي ِة بتوحيد‬
‫َّ‬ ‫ألوهيتِ ِه‪ .‬وكثيراً ما ِّ‬
‫يقر ُر تعالى توحيد‬ ‫َّ‬ ‫فكذلك ال شريك له في‬
‫أقروا به على‬ ‫ُّ‬
‫(‪)4‬‬
‫فيلزمهم بما‬ ‫أقر به أيضاً المشركون في العبادة‪،‬‬ ‫ألنه ٌّ‬
‫دال عليه‪ .‬وقد َّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫مشارق‬
‫ُ‬ ‫ألنها‬ ‫المشارق ِّ‬
‫بالذ ْكر؛ لداللتها على المغارب‪ ،‬أو َّ‬ ‫َ‬ ‫وخص اللّه‬
‫َّ‬ ‫ما أنكروه‪.‬‬
‫النجوم التي سيذكرها‪ .‬فلهذا قال‪:‬‬

‫شيطان مار ٍد‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫الكواكب‪ .‬وحفظاً من ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بزينة‬ ‫السماء ُّ‬
‫الدنيا‬ ‫{إنا َزَّيَّنا‬
‫{‪ 6‬ـ ‪َّ }9‬‬
‫َ‬
‫عون إلى المأل األعلـى}ـ‪ :‬ذكر اللّه في الكواكب هاتين الفائدتين العظيمتين‪:‬‬
‫َّم َ‬
‫ال َيس َّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬في ما»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬متأهلين»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬والرازق»‪.‬‬
‫‪ - 4‬في (ب)‪« :‬ما»‪.‬‬
‫ِ‬
‫لكانت السماء جرماً مظلماً ال ضوء فيه (‪،)1‬‬ ‫كونها زينةً للسماء؛ إذ لوالها؛‬
‫إحداهما‪ُ :‬‬
‫البر‬
‫وي ْـهتَدى بها في ظُلُمات ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫لتستنير أرجاؤها وتَ ْـح ُس َن صورتُها‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ولكن َّ‬
‫زينها فيها؛‬
‫يحص ُل‪ .‬والثانية‪ :‬حراسةُ السماء عن ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫ويحص َل فيها من المصالح ما‬
‫ُ‬ ‫والبحر‪،‬‬
‫بتمر ِد ِه إلى استماع المأل األعلى‪ ،‬وهم المالئكة؛ إذا استمعت‬ ‫شيطان ٍ‬
‫مارد يصل ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ط ْرداً لهم وإ بعاداً عن استماع ما يقو ُل المألُ‬ ‫كل ٍ‬
‫جانب}‪َ :‬‬ ‫قذفتها بالشهب الثواقب {من ِّ‬
‫ِ‬
‫طاعة ربِّهم‪.‬‬ ‫لتمردهم عن‬
‫معد لهم ُّ‬ ‫دائم ٌّ‬ ‫عذاب ِ‬
‫ب}؛ أي‪ٌ :‬‬ ‫واص ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫األعلى‪{ .‬ولهم‬

‫{‪ }10‬ولوال أنه تعالى استثنى؛ لكان ذلك دليالً على َّأنهم ال يستمعون شيئاً‬
‫الم َر َد ِة‬
‫ف من الشياطين َ‬ ‫طفَةَ}؛ أي‪ :‬إالَّ َم ْن تَلَقَّ َ‬ ‫الخ ْ‬
‫ف َ‬ ‫أصالً‪ ،‬ولكن قال‪{ :‬إالَّ َم ْن َخ ِط َ‬
‫يدر ُكه قبل أن‬ ‫ثاقب}‪ :‬تارة ِ‬
‫شهاب ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫الكلمةَ الواحدةَ على وجه الخفية والسرقة‪{ ،‬فأتَْب َعهُ‬
‫الشهاب‪،‬‬ ‫خبر السماء‪ ،‬وتارةً ُي ْـخبِ ُر بها قبل أن ِ‬
‫يدر َكه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يوصلَها إلى أوليائه فينقطع ُ‬
‫ت من السماء‪.‬‬‫الكلمة التي ُس ِم َع ْ‬‫ِ‬ ‫يروجونها بسبب‬ ‫كذبة‪ِّ ،‬‬‫فيكذبون معها مائةَ ٍ‬ ‫ِ‬

‫{فاستَ ْفتِهم}؛ أي‪:‬اسأل منكري‬ ‫ِ‬


‫{‪ }11‬ولَ َّـما َّبين هذه المخلوقات العظيمةَ؛ قال‪ْ :‬‬
‫ُّ‬
‫وأشق‪{ .‬أم َم ْن‬ ‫إيجادهم بعد موتهم ُّ‬
‫أشد َخْلقاً‬ ‫ُ‬ ‫َخْل ِق ِهم بعد موتِ ِهم‪{ :‬أهم ُّ‬
‫أشد َخْلقاً}؛ أي‪:‬‬
‫أكبر من‬ ‫ِ‬ ‫بد أن ُي ِق ُّروا َّ‬
‫َخلَ ْقنا}‪ :‬من هذه المخلوقات؛ فال َّ‬
‫ق السماوات واألرض ُ‬ ‫أن َخْل َ‬
‫بالبعث‪ ،‬بل لو ر َجعوا إلى أنفسهم َّ‬
‫وفكروا فيها؛‬ ‫ِ‬ ‫َخْلق الناس‪ ،‬فيلزمهم إذاً اإلقرار‬
‫َ‬
‫الزب أصعب عند الفكر من إنشائهم بعد موتهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن ابتداء َخْل ِق ِهم من ٍ‬
‫طين‬ ‫لعلموا َّ‬
‫قوي ٍ‬
‫شديد؛ كقوله تعالى‪{ :‬ولقد َخلَ ْقنا‬ ‫الزب}؛ أي‪ٍّ :‬‬ ‫ين ِ‬‫اهم من ِط ٍ‬ ‫ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫{إنا َخلَ َقن ُ‬
‫ٍ‬
‫مسنون}‪.‬‬ ‫صْلصال من َح َـمٍأ‬
‫اإلنسان من َ‬
‫َ‬
‫ﭽﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ب‬ ‫َّ‬ ‫عجبت}‪ُّ :‬أيها (‪ )3‬الرسو ُل أو ُّأيها‬
‫اإلنسان من تكذيب َم ْن َكذ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫{‪{ }12‬بل‬
‫ٍ‬
‫عجب‬ ‫محل‬ ‫ِ‬
‫المستقيمة‪ ،‬وهو حقيقةً ُّ‬ ‫العظيمة واألدلَّة‬
‫ِ‬ ‫بالبعث بعد أن َأر ْيتَهم من اآليات‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬فيها»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬ليستنير»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬يا أيها»‪.‬‬
‫إنكار ِهم وأبلغُ منه َّأنهم‬
‫أعجب من ِ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنكار‪{ .‬و}‬ ‫ٍ‬
‫واستغراب؛ َّ‬
‫ألنه مما ال َي ْقَب ُل‬
‫َ‬
‫مجرد اإلنكار‪ ،‬حتى زادوا‬ ‫ُ‬ ‫البعث‪ ،‬فلم َي ْك ِف ِهم‬
‫ِ‬ ‫{يسخرون}‪ :‬م َّـم ْن جاء بالخبر عن‬
‫َ‬
‫السخريةَ بالقول ِّ‬
‫الحق‪.‬‬

‫{‪{ }13‬و} من العجب أيضاً َّأنهم {إذا ُذ ِّكروا}‪ :‬ما يعرفون في ِف َ‬


‫ط ِر ِهم ُ‬
‫وعقولهم‬
‫فإن كان جهالً؛ فهو من ِّ‬
‫أدل الدالئل‬ ‫كرون}‪ :‬ذلك؛ ْ‬
‫ظ َرهم إليه {ال َي ْذ َ‬ ‫وفَ ِطنوا له ولَفَ َ‬
‫ت َن َ‬
‫معلوم بالعقل ال يقب ُل‬
‫ٌ‬ ‫مستقر في الفطر‬
‫ٌّ‬ ‫بالدتِ ِهم العظيمة؛ حيث ُذ ِّكروا ما هو‬
‫على ِش َّد ِة َ‬
‫وأغرب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أعجب‬
‫ُ‬ ‫جاهالً وعناداً؛ فهو‬
‫اإلشكا َل‪ ،‬وإ ن كان تَ ُ‬
‫ِ‬
‫اآليات التي‬ ‫ُقيمت عليهم األدلَّةُ‪ ،‬و ُذ ِّكروا‬
‫الع َج ِب أيضاً َّأنهم إذا أ ْ‬
‫{‪ }14‬ومن َ‬
‫ِ‬
‫بون‪.‬‬
‫وي ْع َج َ‬‫وألباب األلَّباء‪َ ،‬ي ْس َخرون منها َ‬
‫ُ‬ ‫يخضعُ لها فحو ُل الرجال‬

‫مبين}‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫{‪ }15‬ومن العجب أيضاً قولُهُم ِّ‬


‫سحر ٌ‬ ‫إن هذا إال ٌ‬ ‫للحق لما جاءهم‪ْ { :‬‬
‫ِ‬
‫وأحقرها‪.‬‬ ‫أخس األشياء‬ ‫ُّ‬
‫الحق ـ في رتبة ِّ‬ ‫فجعلوا أعلى األشياء وأجلَّها ـ وهو‬
‫ِ‬
‫والسماوات على‬ ‫رب األرض‬ ‫قياسهم قدرةَ ِّ‬
‫{‪ 16‬ـ ‪ }17‬ومن العجب أيضاً ُ‬
‫اآلدمي الناقص من جميع الوجوه‪ ،‬فقالوا استبعاداً وإ نكاراً‪{ :‬أإذا ِمتْنا و ُكَّنا تُراباً‬
‫ِّ‬ ‫قدر ِة‬
‫لون}‪.‬‬
‫األو َ‬
‫عوثون‪َ .‬أو آباؤنا َّ‬
‫َ‬ ‫أإنا لَ َـم ْب‬ ‫ِ‬
‫وعظاماً َّ‬

‫عندهم وغايةَ ما لَ َد ْيهم؛ أمر اللّه رسولَه أن‬


‫كان هذا منتهى ما َ‬
‫{‪ }18‬ول َّـما َ‬
‫جيبهم بجواب مشتمل على ترهيِبِهم (‪ ،)1‬فقال‪{ :‬قل نعم}‪ :‬ستُْب َعثون أنتم وآباؤكم‬
‫ُي َ‬
‫ِ‬
‫صاغرون ال تمتَنعون‪ ،‬وال تَ ْستَ ْعصون على قدر ِة‬ ‫األولون‪{ ،‬وأنتُم ِ‬
‫داخرون}‪َ :‬ذليلون‬
‫اللّه‪.‬‬

‫ُّور‪{ ،‬فإذا هم}‬‫{فإنما هي زجرةٌ واحدةٌ}‪َ :‬ي ْنفُ ُخ إسرافي ُل فيها في الص ِ‬
‫{‪َّ }19‬‬
‫رون}‪ :‬كما ْابتُِدىء َخْلقُهم‪ُ ،‬بعثِوا بجميع أجزائِ ِهم حفاةً عراةً‬
‫{ينظُ َ‬
‫مبعوثون من قبورهم َ‬
‫َ‬
‫ُغرالً‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬تربيتهم»‪.‬‬


‫عون بالويل‬
‫وي ْد َ‬
‫والخسار‪َ ،‬‬ ‫والخزي‬ ‫الندم‬ ‫{‪ }20‬وفي تلك الحال ُي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ظهرون َ‬
‫(‪)2‬‬
‫أقروا بما كانوا في الدنيا به يهزؤون!‬ ‫يوم ِ‬
‫الدين}؛ فقد ُّ‬ ‫ُّ‬
‫والثبور‪{ ،‬وقالوا يا َوْيلَنا هذا ُ‬
‫بينهم وبين ربِّهم من‬ ‫ِ‬
‫العباد فيما َ‬ ‫ِ‬
‫الفصل}‪ :‬بين‬ ‫يوم‬
‫فيقا ُل لهم‪{ :‬هذا ُ‬
‫{‪ُ }21‬‬
‫غير ِهم من الخلق‪.‬‬
‫الحقوق وفيما بينهم وبين ِ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬ ‫ﭽﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ‪.‬‬ ‫ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ِ‬
‫القيامة وعاينوا ما به يكذبون ورأوا ما به‬ ‫{‪ 22‬ـ ‪ }23‬أي‪ :‬إذا حضروا يوم‬
‫يستسخرون؛ ُي ْؤ َم ُر بهم إلى ِ‬
‫النار التي بها يكذبون‪ ،‬فيقال‪{ :‬اح ُشروا الذين ظلموا}‪:‬‬
‫ض ُّم إلى‬ ‫{وأزواجهم}‪ :‬الذين من جنس عملهم‪ٌّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل ُي َ‬ ‫َ‬ ‫والشرك والمعاصي‬ ‫بالكفر‬ ‫أنفسهم‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واألنداد التي‬ ‫َم ْن ُيجانِ ُسه في العمل‪{ ،‬وما كانوا َي ْعُبدون من ِ‬
‫دون اللّه}‪ :‬من األصنام‬
‫الجحيم}؛ أي‪ :‬سوقوهم سوقاً عنيفاً‬ ‫ِ‬
‫زعموها‪ ،‬اجمعوهم جميعاً‪ ،‬واهدوهم {إلى صراط َ‬
‫إلى جهنم‪.‬‬
‫وي ْع ِرفون َّأنهم من ِ‬
‫أهل دار البوار؛‬ ‫أمرهم إلى النار َ‬
‫{‪{ }24‬و} بعدما يتعيـَّن ُ‬
‫يفترونه في‬ ‫عما كانوا‬
‫مسؤولون}‪َّ :‬‬ ‫جهنم‪َّ ،‬‬
‫{إنهم‬ ‫فوهم}‪ :‬قبل أن ِ‬
‫توصلوهم إلى َّ‬ ‫يقا ُل‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫{ق ُ‬ ‫ُ‬
‫األشهاد َك ِذُبهم وفضيحتُهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ليظهر على رؤوس‬‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الدنيا؛‬

‫{‪ }25‬فيقال لهم‪{ :‬ما لكم ال تناصرون}‪ :‬أي‪ :‬ما الذي جرى عليكم اليوم‪ ،‬وما‬
‫تزعمون‬
‫بعضكم بعضاً‪ ،‬بعدما كنتُم ُ‬
‫الذي طرقكم‪ ،‬ال ينصر بعضكم بعضاً‪ ،‬وال يغيث ُ‬
‫تشفعُ لكم عند اللّه؟!‬ ‫(‪)2‬‬
‫العذاب وتُغيثكم أو‬
‫َ‬ ‫أن آلهتكم ستدفعُ عنكم‬ ‫في ُّ‬
‫الدنيا َّ‬

‫َّغار‪،‬‬ ‫ُّ ُّ‬ ‫{‪ }26‬فكأنهم ال يجيبون هذا السؤال؛ َّ‬


‫ألنهم قد عالهم الذل والص ُ‬
‫ضعوا وأُْبِلسوا‪ ،‬فلم َي ْن ِطقوا‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬بل ُه ُم‬
‫وخ َ‬
‫وخ َشعوا َ‬
‫النار َ‬ ‫ِ‬
‫لعذاب ِ‬ ‫واستسلموا‬
‫مون}‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اليوم ُم ْستَ ْسل َ‬
‫َ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﮅ ﮆ‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬

‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬يستهزؤون»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬و»‪.‬‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﭼ‪.‬‬

‫وهدوا إلى صراط الجحيم‬ ‫{‪ 27‬ـ ‪ }28‬لما ُج ِـمعوا هم وأزواجهم وآلهتُهم ُ‬
‫ِ‬
‫إضالل ِهم‬ ‫فسئِلوا فلم ُيجيبوا؛ أقبلوا فيما َ‬
‫بعضهم بعضاً على‬
‫يلوم ُ‬ ‫بينهم ُ‬ ‫وو ِقفوا ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اليمين}؛ أي‪:‬‬ ‫تأتوننا عن‬ ‫للمتبوعين الرؤساء‪َّ :‬‬
‫{إن ُكم كنتُم َ‬ ‫ِ‬
‫وضالل ِهم‪ ،‬فقال األتباعُ‬
‫َ‬
‫مؤمنين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ضلُّونا‪ ،‬ولوال أنتُم؛ ل ُكَّنا‬
‫بالقوة والغلبة فتُ ِ‬
‫َّ‬
‫مشركين كما‬ ‫مؤمنين}؛ أي‪ :‬ما زلتُم ِ‬ ‫َ‬ ‫{‪ 29‬ـ ‪{ }32‬قالوا} لهم‪{ :‬بل ْلم تكونوا‬
‫فأي ٍ‬
‫لومنا؟! {و} الحا ُل َّأنه‬ ‫ب َ‬ ‫وأي شيء يو ِج ُ‬ ‫فضلَكم علينا؟! ُّ‬ ‫شيء َّ‬ ‫مشركون؛ ُّ‬
‫َ‬ ‫نحن‬
‫ُ‬
‫قهر لكم على اختيار الكفر‪{ ،‬بل كنتُم قوماً‬ ‫سلطان}؛ أي‪ٍ :‬‬‫ٍ‬ ‫{ما كان لنا عـلـي ُكم من‬
‫ذائقون}‪:‬‬
‫َ‬ ‫نحن وإ َّيا ُكم {قو ُل ربِّنا َّإنا لَ‬
‫{فحق علينا}‪ُ :‬‬‫َّ‬ ‫للحد (‪،ِ )1‬‬ ‫ِ‬
‫متجاوزين ّ‬ ‫طاغين}‪:‬‬
‫َ‬
‫ك في‬ ‫ِ‬
‫ونشتر ُ‬ ‫العذاب‬
‫َ‬ ‫سنذوق‬
‫ُ‬ ‫حق علينا قَ َد ُر ربِّنا وقضاؤه َّأنا وإ يِّاكم‬ ‫العذاب؛ أي‪َّ :‬‬
‫نحن‬ ‫ِ‬ ‫{أغ َو ْيناكم َّإنا ُكَّنا‬
‫غاوين}؛ أي‪َ :‬د َع ْوناكم إلى طريقتنا التي ُ‬ ‫َ‬ ‫العقاب‪{ .‬فـ} لذلك ْ‬
‫عليها‪ ،‬وهي الغوايةُ‪ ،‬فاستَ َج ْبتُم لنا؛ فال تلومونا ولوموا أنفسكم‪.‬‬
‫ِ‬
‫القيامة {في العذاب‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ}؛ أي‪ :‬يوم‬ ‫{‪ 33‬ـ ‪ }34‬قال تعالى‪َّ :‬‬
‫{فإنهم‬
‫مقادير عذابِ ِهم بحسب ُجرمهم؛ كما اشتركوا في ُّ‬
‫الدنيا‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫تفاوتت‬
‫ْ‬ ‫كون}‪ :‬وإ ن‬ ‫ِ‬
‫مشتر َ‬
‫ِ‬
‫بالمجرمين}‪.‬‬ ‫على الكفر اشتركوا في اآلخرة بجزائِ ِه‪ ،‬ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫{إنا كذلك نفع ُل‬
‫إجرامهم قد َبلَ َغ الغايةَ وجاوز النهايةَ‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫{إنهم كانوا‬ ‫َ‬ ‫{‪ 35‬ـ ‪ }36‬ثم ذكر َّ‬
‫أن‬
‫{ي ْستَ ْكبِ َ‬
‫رون}‪:‬‬ ‫إذا قيل لهم ال إله إالَّ اللّهُ}‪ :‬فدعوا إليها وأمروا بترك َّ‬
‫إلهية ما سواه َ‬
‫تاركو آلهتِنا}‪ :‬التي لم نزل‬
‫{أإنا لَ ِ‬
‫عنها وعلى َم ْن جاء بها‪{ ،‬ويقولون}ـ معارضةً لها‪َّ :‬‬
‫ٍ‬
‫مجنون}؛ يعنون‪ :‬محمداً (ص)‪ ،‬فلم يكفهم َّقب َحهُ ُم‬ ‫ٍ‬
‫{شاعر‬ ‫نحن وآباؤنا‪ ،‬لقول‬
‫نعبدها ُ‬
‫ُ‬
‫مجرد تكذيبِ ِه‪ ،‬حتى حكموا عليه بأظلم األحكام‪ ،‬وجعلوه‬
‫ُ‬ ‫اإلعراض عنه وال‬
‫ُ‬ ‫اللّهُ‬
‫يعرف الشعر والشعراء‪ ،‬وال وصفُهُ وصفُهم‪َّ ،‬‬
‫وأنه‬ ‫ُ‬ ‫شاعراً مجنوناً‪ ،‬وهم يعلمون َّأنه ال‬
‫وأعظمهم رأياً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ق اللَّه‬
‫أعق ُل َخْل ِ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬للحق»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬تفاوت»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫{بالحق}؛ أي‪ :‬مجيئه‬ ‫محمد‬
‫ٌ‬ ‫{‪ }37‬ولهذا قال تعالى ناقضاً لقولهم‪{ :‬بل جاء}‪:‬‬
‫ص َّد َ‬
‫ق‬ ‫ومجيئهُ َ‬
‫ُ‬ ‫المرسلين}؛ أي‪:‬‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫َّ‬
‫{وصد َ‬ ‫حقًّا‪ ،‬وما جاء به من الشرع والكتاب ٌّ‬
‫حق‪،‬‬
‫مجيئهُ وإ رسالُهُ؛ لم يكن الرسل صادقين؛ فهو آيةٌ ومعجزةٌ ِّ‬
‫لكل‬ ‫المرسلين؛ فلوال ُ‬
‫العهد والميثاق لئن جاءهم‬ ‫َ‬ ‫ألنهم أخبروا به َّ‬
‫وبشروا‪ ،‬وأخذ اللّه عليهم‬ ‫رسول قبله؛ َّ‬
‫ق الرسل الذين‬ ‫ليؤمن َّن به ولَي ْنصرَّنه‪ ،‬وأخذوا ذلك على أممهم‪ ،‬فلما جاء؛ ظهر ِ‬
‫ص ْد ُ‬ ‫ُ‬
‫َ ُُ‬
‫َخَبروا به؛ لكان ذلك قادحاً‬ ‫ب َم ْن خالفهم‪ ،‬فلو قدر عدم مجيئه‪ ،‬وهم قد أ ْ‬ ‫ِ‬
‫قبله‪ ،‬وتبيـَّن َكذ ُ‬
‫بأن جاء بما جاؤوا به‪ ،‬ودعا إلى ما َد َع ْوا إليه‪،‬‬ ‫وص َّد َ‬
‫ق أيضاً المرسلين؛ ْ‬ ‫في صدقهم‪َ .‬‬
‫ونبوتهم وشرعهم‪.‬‬
‫وآمن بهم‪ ،‬وأخبر بصحة رسالتهم َّ‬
‫أن‬
‫ذائقون} قوالً صادراً منهم يحتم ُل ْ‬
‫َ‬ ‫السابق‪َّ :‬‬
‫{إنا لَ‬ ‫ُ‬ ‫{‪ 38‬ـ ‪ }39‬ولما كان قولُهُم‬
‫غير الصدق‬ ‫ِ‬
‫يكون صدقاً أو غيره؛ أخبر تعالى بالقول الفصل الذي ال َي ْـحتَم ُل َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫العذاب األليم}؛ أي‪ :‬المؤلم‬ ‫واليقين‪ ،‬وهو الخبر الصادر منه تعالى‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫{إنكم لَذائقو‬
‫ظِل ْمكم‪،‬‬
‫تعملون}‪ :‬فلم َن ْ‬
‫َ‬ ‫الموجع‪{ ،‬وما تُ ْـج َز ْو َن}‪ :‬في إذاقة العذاب األليم {إالَّ ما ُكنتُم‬
‫وإ َّنما َع َدْلنا فيكم‪.‬‬

‫والمراد به المشركون؛ استثنى تعالى‬


‫ُ‬ ‫عاما‪،‬‬
‫ولما كان هذا الخطاب لفظه ًّ‬
‫المؤمنين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ‪.‬‬

‫صين}ـ‪َّ :‬‬
‫فإنهم غير ذائقي العذاب األليم؛‬ ‫{‪ }40‬يقول تعالى‪{ :‬إالَّ َ‬
‫عباد اللّه ال ُـم ْخلَ َ‬
‫بلطف ِه‪.‬‬
‫وجاد عليهم ِ‬
‫َ‬ ‫ألنهم أخلصوا للّه األعمال‪ ،‬فأخلصهم واختصَّهم برحمتِ ِه‬

‫رزق‬
‫ٌ‬ ‫معلوم}؛ أي‪ :‬غير مجهول‪ ،‬وإ َّنما هو‬
‫ٌ‬ ‫رزق‬
‫ٌ‬ ‫{‪ 41‬ـ ‪{ }42‬أولئك لهم‬
‫{فواكهُ}‪ :‬من جميع أنواع‬ ‫ِ‬ ‫أمرهُ وال ُيْبلَغُ ُك ْنهُهُ‪ ،‬فسَّره بقوله‪:‬‬
‫عظيم جلي ٌل ال ُيجه ُل ُ‬
‫ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫مون}‪ :‬ال مهانون‬‫الفواكه التي تَتَفَ َّكه بها النفس للذتها في لونها وطعمها‪{ .‬وهم ُم ْك َر َ‬
‫وأكرمتْهُ ُم‬
‫َ‬ ‫مبجلون موقَّرون‪ ،‬قد أكرم ُ‬
‫بعضهم بعضاً‪،‬‬ ‫محتَقَرون‪ ،‬بل معظَّمون َّ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬و»‪.‬‬


‫ويهنئونهم ببلوغ أهنأ الثواب‪،‬‬ ‫يدخلون عليهم من ِّ‬
‫كل باب‪ِّ ،‬‬ ‫الكرام‪ ،‬وصاروا ُ‬ ‫المالئكةُ‬
‫ُ‬
‫وجاد عليهم بأنواع الكرامات من نعيم القلوب واألرواح‬
‫َ‬ ‫أكرم األكرمين‬
‫وأكرمهَم ُ‬
‫َ‬
‫واألبدان‪.‬‬

‫والسرور نعمتُها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫صفُها‬
‫{‪{ }43‬في جنات النعيم}؛ أي‪ :‬الجنات التي النعيم َو ْ‬
‫ط َر على قلب بشر‪،‬‬‫سمعت‪ ،‬وال َخ َ‬
‫ْ‬ ‫أذن‬
‫رأت‪ ،‬وال ٌ‬
‫عين ْ‬‫وذلك لما َج َـم َعتْهُ م َّـما ال ٌ‬
‫ِّ‬
‫والمنغصات‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫المكدرات‬ ‫كل ٍّ‬
‫مخل بنعيمها من جميع‬ ‫وسلمت من ِّ‬
‫ْ‬
‫{س ُر ٍر}‪ :‬وهي‬
‫{‪ }44‬ومن كرامتهم عند ربِّهم وإ كرام بعضهم بعضاً َّأنهم على ُ‬
‫ِ‬
‫المجالس المرتفعةُ المزينة بأنواع األكسية الفاخر ِة المزخرفة المجملة؛ فهم ُمتَّ َ‬
‫كئون‬
‫قلوبهم‬
‫ت ُ‬ ‫صفَ ْ‬‫بينهم‪ ،‬قد َ‬
‫{متقابلين}‪ :‬فيما َ‬
‫َ‬ ‫الراحة والطُّمأنينة والفرح‪،‬‬
‫ِ‬ ‫عليها على ِ‬
‫وجه‬
‫فإن مقابلة وجوههم ُّ‬
‫تدل على‬ ‫ون ِعموا باجتماع بعضهم مع بعض؛ َّ‬ ‫بينهم‪َ ،‬‬
‫ومحبتُهم فيما َ‬
‫وتأدب بعضهم مع بعض‪ ،‬فلم يستدبِ ْره أو َ‬
‫يجعْله إلى جانبه‪ ،‬بل من كمال‬ ‫تقابل قلوبهم ُّ‬
‫السرور واألدب ما َّ‬
‫دل عليه ذلك التقابل‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المستعدون‬ ‫بكأس من َمعين}؛ أي‪َّ :‬‬
‫يترد ُد الولدان‬ ‫ٍ‬ ‫طاف عليهم‬
‫{ي ُ‬‫{‪ 45‬ـ ‪ُ }47‬‬
‫الجميلة المنظر ال ُـمتْ َر َع ِة من الرحيق‬
‫ِ‬ ‫باألشربة َّ‬
‫اللذ ِ‬
‫يذة بالكاسات‬ ‫ِ‬ ‫لخدمتهم عليهم‬
‫الدنيا من كل وجه؛‬ ‫ف َخ ْـم َر ُّ‬ ‫كاسات الخمر‪ ،‬وتلك الخمر ِ‬
‫تخال ُ‬ ‫ُ‬ ‫المختوم بالمسك‪ ،‬وهي‬
‫ُ‬
‫ُّ (‪)1‬‬
‫بين}‪ :‬يلتذ‬ ‫فإنها في لونها {بيضاء} من أحسن األلوان‪ ،‬وفي طعمها {لَ َّذ ٍة ِ‬
‫للشار َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ونزف مال‬ ‫وأنها سالمةٌ من غول العقل وذهابِ ِه ونز ِف ِه‬
‫وبعده‪َّ ،‬‬
‫وقت ُشربها َ‬‫شاربها بها َ‬
‫ُ‬
‫كدر‪.‬‬
‫صاحبها‪ ،‬وليس فيها صداعٌ وال ٌ‬
‫وعموم النعيم وتفاصيلُه‬ ‫ومجال َسهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وشرابهم‬ ‫فلما َذ َك َر طعامهم‬
‫{‪ 48‬ـ ‪َّ }49‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فتشتاق النفوس إليها؛‬
‫َ‬ ‫األشياء ِلتُ ْعلَ َم‬
‫َ‬ ‫فص َل هذه‬
‫داخ ٌل في قوله‪{ :‬جنات النعيم}‪ ،‬لكن َّ‬
‫ين}؛ أي‪ :‬وعند أهل دار النعيم في‬ ‫ف ِع ٌ‬‫قاصرات الطَّر ِ‬ ‫أزواجهم‪ ،‬فقال‪{ :‬وعندهم‬ ‫َذ َك َر‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ت‬ ‫إما َّأنها قَ َ‬
‫ص َر ْ‬ ‫الطرف‪َّ :‬‬ ‫قاصرات‬
‫ُ‬ ‫األوصاف‬ ‫كامالت‬
‫ُ‬ ‫حسان‬
‫ٌ‬ ‫حور‬
‫محالتهم القريبة ٌ‬
‫لغير ِه‪ ،‬ولجمال زو ِجها وكماله؛ بحيث ال‬ ‫ط ْرفَها على زو ِجها لعفَّتِها‪ ،‬وعدم مجاوزتِ ِه ِ‬ ‫َ‬
‫ف زوجها عليها‪،‬‬ ‫ط ْر َ‬
‫ت َ‬‫ص َر ْ‬ ‫ترغب إالَّ به‪ .‬وإ َّما َّ‬
‫ألنها قَ َ‬ ‫ُ‬ ‫تطلب في الجنة سواه‪ ،‬وال‬
‫ُ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬يلتذذ»‪.‬‬


‫ُّ‬
‫وذلك يدل على كمالها وجمالها الفائق‪ ،‬الذي أوجب لزو ِجها أن َي ْق ُ‬
‫ص َر طرفَه عليها‪.‬‬
‫ِ‬
‫المعنيين محتم ٌل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والمحبة عليها‪ ،‬وكال‬ ‫ص ِر النفس‬ ‫ِ‬
‫الطرف أيضاً ُّ‬
‫يدل على قَ ْ‬ ‫ص ُر‬
‫وقَ ْ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وكالهما‬

‫َّ‬
‫ومحبة بعضهم بعضاً‬ ‫يدل على جمال الرجال والنساء في َّ‬
‫الجنة‬ ‫وكل هذا ُّ‬ ‫ُّ‬
‫تشاح َن‪،‬‬
‫ض وال ُ‬ ‫تباغ َ‬ ‫ط َم ُح إلى غيره وشدة عفَّتهم كلِّهم َّ‬
‫وأنه ال َح َس َد فيها وال ُ‬ ‫محبةً ال َي ْ‬
‫َّ‬
‫{كأنهن}؛‬ ‫مالح الحدق‪.‬‬ ‫حسان األعين جميالتُها‬ ‫وذلك النتفاء أسبابه‪ِ .‬‬
‫{عيـْ ٌن}؛ أي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫وصفائهن‪ ،‬وكون‬ ‫َّ‬
‫حسنهن‬ ‫مستور‪ ،‬وذلك من‬
‫ٌ‬ ‫مكنون}؛ أي‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ض‬‫{ب ْي ٌ‬
‫أي‪ :‬الحور َ‬
‫شين‪.‬‬
‫كدر وال ٌ‬ ‫َّ‬
‫ألوانهن أحسن األلوان وأبهاها‪ ،‬ليس فيه ٌ‬
‫ﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ﭽﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ‪.‬‬

‫نعيمهم وتمام ُسرورهم بالمآكل والمشارب‬ ‫{‪ 50‬ـ ‪ }59‬ل َّـما َذ َك َر تعالى َ‬
‫ط َار َحتَهم لألحاديث‬ ‫بينهم وم َ‬ ‫ِ‬
‫الحسنة؛ َذ َك َر تذا ُك َرهم فيما َ‬ ‫الحسان والمجالس‬ ‫ِ‬ ‫واألزواج‬
‫وأنهم ما زالوا في المحادثة والتساؤل حتى أفضى ذلك بهم إلى‬ ‫ِ‬
‫الماضية َّ‬ ‫عن األمور‬
‫ويلومني على تصديقي‬ ‫قرين}‪ :‬في الدنيا ِ‬
‫ينك ُر البعث‬ ‫{إنـي كان لي ٌ‬ ‫أن قال قائ ٌل منهم‪ِّ :‬‬
‫ُ‬
‫دينون}؛ أي‪:‬‬
‫أإنا لَ َـم َ‬ ‫قين‪ .‬أإذا ِمتْنا و ُكَّنا تراباً ِ‬
‫وعظاماً َّ‬ ‫ِّ‬
‫المصد َ‬ ‫{أإنك لَ ِم َن‬‫به‪ ،‬ويقو ُل لي‪َّ :‬‬
‫ق بهذا األمر البعيد‪ ،‬الذي في غاية االستغراب‪،‬‬ ‫مجاز ْون بأعمالنا؟! أي‪ :‬كيف ِّ‬
‫تصد ُ‬ ‫َ‬
‫ونجازى‬ ‫نحاسب ُ‬ ‫ونعاد ثم‬
‫ُ‬ ‫ص ْرنا تراباً وعظاماً َّأننا ُنبعث‬ ‫وهو َّأننا إذا تَـم َّز ْقنا فَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بأعمالنا؛ أي‪ :‬يقول صاحب الجنة إلخوانه‪ :‬هذه قصَّتي وهذا خبري أنا وقريني‪ ،‬ما‬
‫فوصلت‬
‫ُ‬ ‫مكذباً منكراً للبعث‪ ،‬حتى متنا‪ ،‬ثم ُب ِعثْنا‪،‬‬ ‫مصدقاً‪ ،‬وهو ما زال ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫زلت أنا مؤمناً‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫ص َل إلى‬‫أخَب َرتْنا به الرسل‪ ،‬وهو ال شك َّأنه قد َو َ‬ ‫أنا إلى ما تََر ْون من النعيم الذي ْ‬
‫ويكون‬ ‫طةً وسروراً بما نحن فيه‪،‬‬ ‫فنزداد ِغ ْب َ‬ ‫لننظر إليه‬ ‫عون}‪:‬‬ ‫َِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫العذاب‪ .‬فهل {أنتُم ُمطل َ‬
‫ٍ‬
‫ببعض وموافقة‬ ‫وسرور ِ‬
‫بعض ِهم‬ ‫ِ‬ ‫والظاهر من حال أهل الجنة‬ ‫ذلك رأي عين؟!‬
‫ُ‬
‫بعض ِهم بعضاً َّأنهم أجابوه لما قال‪ ،‬وذهبوا تبعاً له لالطِّالع على قرينه‪{ .‬فاطَّلَع}‬ ‫ِ‬
‫ط‬
‫والعذاب قد أحا َ‬
‫ُ‬ ‫قرينه {في سواء الجحيم}؛ أي‪ :‬في وسط العذاب وغمراتِ ِه‪.‬‬
‫فرأى َ‬
‫إن ِك ْد َ‬
‫ت‬ ‫كيد ِه‪{ :‬تاللّ ِه ْ‬
‫نجاه من ِ‬ ‫حال ِه وشاكراً للّه على نعمتِ ِه ْ‬
‫أن َّ‬ ‫به‪ ،‬فقال له الئماً على ِ‬
‫ربـي}‪:‬‬ ‫الشبه بزعمك‪{ ،‬ولوال نعمةُ ِّ‬ ‫ـي من ُّ‬ ‫أدخلت عل َّ‬
‫َ‬ ‫لَتُْر ِ‬
‫دين}؛ أي‪ :‬تهلكني بسبب ما‬
‫نحن‬
‫رين}ـ‪ :‬في العذاب معك‪{ .‬أفَما ُ‬ ‫ض َ‬‫{لكنت من ال ُـم ْح َ‬
‫ُ‬ ‫على أن ثبتني على اإلسالم‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫نحن بِ ُم َعذ َ‬
‫بين}؟ أي‪ :‬يقوله المؤمن مبتهجاً بنعمة اللّه‬ ‫بِ َمي َ‬
‫ِّتين‪ .‬إال َم ْوتَتَنا األولى وما ُ‬
‫استفهام بمعنى اإلثبات والتقرير‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫على أهل الجنة بالخلو ِد الدائم والسالمة من العذاب‪.‬‬
‫المعمول‪ ،‬والمقام مقام َّ‬
‫لذ ٍة‬ ‫ف‬‫وح َذ َ‬ ‫ٍ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫بعض يتساءلون}‪َ ،‬‬ ‫بعضهُم على‬
‫وقوله‪{ :‬فأقبل ُ‬
‫ُّ‬
‫بالتحدث به والمسائل التي وقع‬ ‫بكل ما َّ‬
‫يتلذذون‬ ‫وسرور‪َّ ،‬‬
‫فدل ذلك على أنهم يتساءلون ِّ‬
‫أن لَ َّذةَ أهل العلم بالتساؤل عن العلم والبحث عنه‬
‫فيها النزاعُ واإلشكا ُل‪ ،‬ومن المعلوم َّ‬
‫ويحص ُل‬ ‫النصيب الوافر‪،‬‬ ‫الدنيا؛ فلهم من هذا النوع‬ ‫ِ‬
‫الجارية في أحاديث ُّ‬ ‫فوق اللَّ َّذ ِ‬
‫ات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫التعبير عنه‪.‬‬ ‫يمكن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫العلمية في الجنة ما ال ُ‬ ‫انكشاف الحقائق‬ ‫لهم من‬

‫صفَه بهذه األوصاف الجميلة؛ َم َد َحه‬ ‫وو َ‬ ‫نعيم َّ‬


‫الجنة َ‬ ‫{‪ }60‬فلما ذكر تعالى َ‬
‫العظيم}‪ :‬الذي حص َل‬ ‫ُ‬ ‫الفوز‬
‫{إن هذا لهو ُ‬ ‫ق العاملين وحثَّهم على العمل له‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬ ‫وشو َ‬
‫َّ‬
‫محذور ومكرو ٍه؛‬‫ٍ‬ ‫وكل ما تهوى النفوس وتشتهي‪ ،‬واندفَع عنهم به ُّ‬
‫كل‬ ‫خير ُّ‬‫كل ٍ‬ ‫لهم به ُّ‬
‫َ‬
‫حل عليهم رضا‬ ‫الغايات ونهايةُ النهايات؛ حيث َّ‬‫ِ‬ ‫ب فوقَه‪ ،‬أم هو غايةُ‬
‫طلَ ُ‬
‫فوز ُي ْ‬
‫فهل ٌ‬
‫واستروا برؤيتِ ِه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والسماوات‪ ،‬وفرحوا بقربه‪ ،‬وتنعَّموا بمعرفتِ ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫رب األرض‬ ‫ِّ‬
‫وطربوا لكالمه؟!‬

‫نفائس األنفاس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أحق ما أ ُْن ِفقَ ْ‬
‫ت فيه‬ ‫{‪{ }61‬لمثل هذا فليعمل العاملون}‪ :‬فهو ُّ‬
‫كل الحسرة أن يمضي على الحازم‬ ‫وأولى ما َش َّمر إليه العارفون األكياس‪ ،‬والحسرةُ ُّ‬
‫َ‬
‫ب لهذه الدار؛ فكيف إذا كان يسير‬ ‫يقر ُ‬
‫وقت من أوقاته وهو غير مشتغل بالعمل الذي ِّ‬ ‫ٌ‬
‫بخطاياه إلى دار البوار؟!‬
‫ﭽﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ﮠ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯱ‬
‫العذاب‬
‫ُ‬ ‫خير أم‬ ‫{‪{ }62‬أذلك خير}؛ أي‪ :‬ذلك النعيم الذي وصفناهُ ألهل َّ‬
‫الجنة ٌ‬
‫الطعام الذي‬ ‫فأي الطعامين أولى؟‬ ‫ِ‬
‫أصناف العذاب؛ ُّ‬ ‫الذي يكون في الجحيم من جميع‬
‫ُ‬
‫الزقُّوم}؟‬
‫طعام أهل النار‪ ،‬وهو {شجرةُ َّ‬ ‫ف في الجنة‪{ ،‬أم}‬
‫ص َ‬ ‫و ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المين}‪ :‬أنفسهم بالكفر‬ ‫َّ‬
‫{‪ 63‬ـ ‪{ }66‬إنا جعلناها فتنةً}؛ أي‪ :‬عذاباً ونكاالً {للظ َ‬
‫مخرجها‬
‫ُ‬ ‫تخرج في أصل الجحيم}؛ أي‪ :‬وسطه؛ فهذا‬ ‫ُ‬ ‫والمعاصي‪{ .‬إنها شجرةٌ‬
‫شر الغراس وخسَّته‪ ،‬ولهذا‬ ‫وشر المغرس يدل على ِّ‬ ‫شر المعادن وأسوؤها‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ومعدُنها؛ ُّ‬
‫تنبت به وبما ذكر من صفة ثمرتها‪ ،‬وأنها كرؤوس‬ ‫َّنبهنا اللّه على ِّ‬
‫شرها بما ذكر أين ُ‬
‫تسأل بعد هذا عن طعمها وما تفع ُل في أجوافهم وبطونهم‪ .‬وليس لهم‬ ‫ِ‬
‫الشياطين؛ فال ْ‬
‫البطون}‪:‬‬ ‫ئون منها‬ ‫ِ‬ ‫عنها مندوحةٌ وال َم ْع ِد ٌل (‪ ،)1‬ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫آلكلون منها فمال َ‬
‫َ‬ ‫{فإنهم‬
‫طعامهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الطعام‬
‫ُ‬ ‫النار؛ فبئس‬ ‫طعام أهل ِ‬
‫ُ‬ ‫فهذا‬

‫{‪ }67‬ثم ذكر شرابهم‪ ،‬فقال‪{ :‬ثم َّ‬


‫إن لهم عليها}؛ أي‪ :‬على أثر هذا الطعام‬
‫حره؛ كما قال تعالى‪{ :‬وإ ن َي ْستَغيثوا‬‫حارا قد تناهى ُّ‬
‫ماء ًّ‬
‫{لَ َش ْوباً من َحميم}؛ أي‪ً :‬‬
‫وساءت ُم ْرتَفَقاً}‪ ،‬وكما قال تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫الشراب‬ ‫يغاثوا ٍ‬
‫بماء كال ُـم ْه ِل َي ْشوي الوجوهَ بئس‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ماء َحميماً فقَطَّ َع أمعاءهم}‪.‬‬
‫{وسقوا ً‬
‫ُ‬

‫إن َم ْر ِج َعهم}؛ أي‪ :‬مآلهم ّ‬


‫ومقرهم ومأواهم {إللى الجحيم}‪ :‬ليذوقوا‬ ‫{‪{ }68‬ثم َّ‬
‫مزيد من الشقاء‪.‬‬
‫وحره العظيم ما ليس عليه ٌ‬
‫من عذابه الشديد ِّ‬
‫{إنهم أْلفَ ْوا}؛ أي‪:‬‬
‫صلَهم إلى هذه الدار؟ فقال‪ّ :‬‬ ‫{‪ 69‬ـ ‪ }73‬كأنه قيل‪ :‬ما الذي ْأو َ‬
‫ِّ‬
‫عون}ـ؛ أي‪ :‬يسرعون في الضالل‪ ،‬فلم‬ ‫آثار ِهم ُي ْـه َر َ‬‫ين‪ .‬فهم على ِ‬ ‫وجدوا {آباءهم ضال َ‬
‫الكتب وال إلى أقوال‬
‫ُ‬ ‫يلتفتوا إلى ما دعتهم إليه الرس ُل وال إلى ما َح َّذ َرتْهم عنه‬
‫أم ٍة وإ نا على آثارهم‬
‫بأن قالوا‪َّ :‬إنا َو َج ْدنا آباءنا على َّ‬
‫الناصحين‪ ،‬بل عارضوهم ْ‬
‫األولين}‪ :‬وقلي ٌل منهم‬ ‫{أكثر‬ ‫مقتدون‪{ .‬ولقد َّ‬
‫َ‬ ‫المخاطبين ُ‬
‫َ‬ ‫ضل قبلَهم}؛ أي‪ :‬قبل هؤالء‬ ‫َ‬
‫رونهم عن غيِّهم وضاللهم‪{ ،‬فانظُ ْر‬ ‫ينذ َ‬ ‫آمن واهتدى‪{ ،‬ولقد أرسْلنا فيهم م ِنذرين}‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫فليحذر هؤالء‬
‫ْ‬ ‫كيف كان عاقبةُ المن َذرين}‪ :‬كانت عاقبتهم الهالك والخزي والفضيحة؛‬
‫يستمروا على ضاللهم فيصيبهم مث ُل ما أصابهم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أن‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬معدن»‪.‬‬


‫وأخلص‬ ‫آمن‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫منهم‬ ‫بل‬ ‫ين‪،‬‬‫{‪ }74‬ولما كان الم ْن َذرون ليسوا (‪ )1‬كلهم ضالِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫استثناه ُم اللّه من الهالك‪ ،‬فقال‪{ :‬إالَّ َ‬
‫عباد اللّه المخلَصين}؛ أي‪ :‬الذين‬ ‫ُ‬ ‫الدين للّه؛‬
‫عواقَبهم صارت حميدةً‪.‬‬ ‫فإن ِ‬
‫وخصَّهم برحمتِ ِه إلخالصهم؛ َّ‬ ‫صهم اللّه َ‬‫أخلَ َ‬
‫ْ‬
‫ِّ‬
‫المكذبين‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ثم ذكر نموذجاً من عواقب األمم‬
‫ﭽﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫عبد ِه ورسوِل ِه نوح عليه السالم أول الرسل َّأنه‬ ‫{‪ 75‬ـ ‪ }82‬يخبر تعالى عن ِ‬
‫دعاؤهُ إالَّ فراراً؛ أنه نادى َّ‬
‫ربه‪،‬‬ ‫لما دعا قومه إلى اللّه تلك المدةَ الطويلة‪ ،‬فلم يزدهم ُ‬
‫انص ْرني‬
‫{رب ُ‬ ‫دياراً‪ }...‬اآلية‪ ،‬وقال‪ِّ :‬‬ ‫األرض من الكافرين ّ‬ ‫ِ‬ ‫فقال‪ِّ :‬‬
‫{رب ال تَ َذ ْر على‬
‫دين} (‪ .)2‬فاستجاب اللّهُ له‪ ،‬ومدح تعالى نفسه‪ ،‬فقال‪َ { :‬فلَنِ ْع َم‬ ‫على القوم ِ‬
‫الم ْفس َ‬ ‫ُ‬
‫طابقت ما سأل‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫وتضرعهم‪ ،‬أجابه إجابةً‬
‫ُّ‬ ‫الداعين وسماع تََبتُِّل ِهم‬
‫َ‬ ‫المجيبون}‪ :‬لدعاء‬
‫َ‬
‫وأغرق جميع الكافرين‪ ،‬وأبقى نسلَه و ُذ ِّرَّيته‬
‫َ‬ ‫َن َّجاه وأهلَه من الكرب العظيم‪،‬‬
‫مستمرا إلى‬
‫ًّ‬ ‫متسلسلين؛ فجميع الناس من ُذ ِّرَّية نوح عليه السالم‪ ،‬وجعل له ً‬
‫ثناء حسناً‬
‫محسن إلى الخلق‪ ،‬وهذه َّ‬
‫سنته‬ ‫ٌ‬ ‫محسن في عبادة الخالق‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقت اآلخرين‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألنه‬
‫أن َي ْن ُشر لهم من الثناء على حسب إحسانهم‪َّ ،‬‬
‫ودل قولُه‪َّ :‬‬
‫{إنه من‬ ‫تعالى في المحسنين؛ ْ َ‬
‫وأنه مشتم ٌل على جميع شرائع‬‫اإليمان أرفعُ منازل العباد‪َّ ،‬‬ ‫المؤمنين}‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫عبادنا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خلق ِه‪.‬‬
‫خواص ِ‬
‫َّ‬ ‫وفروع ِه؛ َّ‬
‫ألن اللّه َم َد َح به‬ ‫ِ‬ ‫الدين وأصوِل ِه‬
‫ِّ‬
‫ﭽﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬ ‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ليس»‪.‬‬


‫‪ - 2‬هذا دعاء لوط عليه السالم على قومه‪ .‬وأما دعاء نوح‪{ :‬قال رب انصرنيـ بما كذبون}‬
‫[المؤمنون‪.]26 :‬‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫(‪)1‬‬
‫ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ‪.‬‬

‫وم ْن هو على طريقتِ ِه في‬


‫{‪ 83‬ـ ‪}84‬؛ أي‪ :‬وإ َّن من شيعة نوح عليه السالم َ‬
‫الدعاء إبراهيم الخليل عليه السالم‪{ .‬إ ْذ‬ ‫ق إلى اللَّه وإ ِ‬
‫جابة ُّ‬ ‫النبوة والرسالة ودعوة الخل ِ‬
‫َّ‬
‫الحق والعمل‬ ‫ِّ‬ ‫تصور‬
‫والشهَوات المانعة من ُّ‬ ‫والشَب ِه َّ‬
‫الشرك ُّ‬‫ِ‬ ‫ربه ٍ‬
‫بقلب سليم}‪ :‬من‬ ‫جاء َّ‬
‫كل ٍ‬
‫خير‪.‬‬ ‫شر‪ ،‬وحصل له ُّ‬ ‫العبد سليماً؛ َسِلم من ِّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫به‪ .‬وإ ذا كان قلب ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫وح َس ِدهم وغير ذلك من‬ ‫غش الخلق َ‬ ‫سليم من ِّ‬‫{‪ 85‬ـ ‪ }87‬ومن سالمته أنه ٌ‬
‫مساوىء األخالق‪ ،‬ولهذا نصح الخلق في اللّه‪ ،‬وبدأ بأبيه وقو ِم ِه‪ ،‬فقال‪{ :‬إ ْذ قال ألبيه‬
‫ِ‬
‫لزام لهم بالحجة‪{ .‬أإفكاً‬ ‫و‬ ‫اإلنكار‬ ‫وقو ِمه ماذا تَ ْعُب َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ٌ‬ ‫إ‬ ‫استفهام على وجه‬
‫ٌ‬ ‫دون}؟ هذا‬
‫تريدون}؟ أي‪ :‬أتعبدون من دون آلهة (‪ )3‬كذباً ليست بآلهة‪ ،‬وال تصلُ ُح‬ ‫َ‬ ‫آلهةً دون اللّه‬
‫للعبادة؟! {فما ُّ‬
‫ظنكم ِّ‬
‫برب العالمين}‪ :‬أن يفعل بكم وقد عبدتُم معه غيره؟! وهذا‬
‫برب العالمين‬ ‫ِ‬
‫بالعقاب على اإلقامة على شركهم‪ ،‬وما الذي ظننتُم ِّ‬ ‫ترهيب لهم بالجزاء‬
‫ٌ‬
‫من النقص حتى جعلتُم له أنداداً وشركاء؟!‬

‫ويتمكن من ذلك‪ ،‬فانتهز‬‫َّ‬ ‫{‪ 88‬ـ ‪ }93‬فأراد عليه السالم أن ِ‬


‫يكس َر أصنامهم‬
‫ظ َر‬ ‫غفلة منهم لما ذهبوا إلى ٍ‬
‫عيد من أعيادهم‪ ،‬فخرج معهم‪{ ،‬فََن َ‬ ‫الفرصةَ في حين ٍ‬
‫إبراهيم عليه‬
‫ُ‬ ‫يكذب‬
‫ْ‬ ‫سقيم}‪ :‬في الحديث الصحيح‪« :‬لم‬ ‫نظرةً في النجوم‪ .‬فقال‪ :‬إني ٌ‬
‫كبير ُهم هذا‪ ،‬وقوله عن‬ ‫سقيم‪ ،‬وقوله‪ :‬بل فعله ُ‬
‫ٍ‬ ‫السالم إالَّ َ‬
‫ثالث كذبات‪ :‬قولُهُ‪ :‬إني ٌ‬
‫الكيد بآلهتهم‪ .‬ولهذا {تولَّوا‬ ‫والقصد َّأنه تخلَّف عنهم َّ‬
‫ليتم له ُ‬ ‫ُ‬ ‫زوجته‪ :‬إنها أختي» (‪.)4‬‬
‫عنه مدبِ َ‬
‫رين}‪ ،‬فلما وجد الفرصة؛ {فراغ إلى آلهتهم}؛ أي‪ :‬أسرع إليها على وجه‬
‫تنطقون}؛ أي‪ :‬فكيف‬
‫َ‬ ‫لون‪ .‬ما لكم ال‬ ‫الخفية والمراوغة‪{ ،‬فقال} ِّ‬
‫متهكماً بها‪{ :‬أال تأ ُك َ‬

‫‪ - 1‬في النسختين‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬بمعنى»‪.‬‬
‫‪ - 3‬كذا في ( أ ) وفيـ (ب)‪« :‬أي تعبدونه آلهة كذباً»‪ .‬ولعل الصواب‪« :‬من دونه» أو‪« :‬من‬
‫دون اهلل»‪.‬‬
‫‪ - 4‬كما في «صحيح البخاري» (‪ ،)3358‬و«مسلم» (‪ )2371‬عن أبي هريرة رضيـ اللّه عنه‪.‬‬
‫يليق أن تُ ْعَب َد وهي أنقص من الحيوانات التي تأ ُك ُل و تُكلِّم‪ ،‬وهذه ٌ‬
‫جماد ال تأكل وال‬ ‫(‪)1‬‬
‫ُ‬
‫ونشاط ِه حتى جعلها‬
‫ِ‬ ‫بقوتِ ِه‬ ‫تُكلِّم؟! {فرا َ‬
‫غ عليهم ضرباً باليمين}؛ أي‪ :‬جعل يضربها َّ‬
‫جذاذاً؛ إالَّ كبيراً لهم لعلَّهم إليه ِ‬
‫يرجعون‪.‬‬

‫وي ْـه َرعون؛ـ يريدون أن‬ ‫يزفُّ َ‬


‫ون}؛ أي‪ :‬يسرعون ُ‬ ‫{‪ 94‬ـ ‪{ }96‬فأقبلوا إليه ِ‬
‫يوقعوا به بعد ما بحثوا و{قالوا‪َ :‬م ْن فَ َع َل هذا بآلهتنا َّإنه لمن الظالمين}؟ {وقيل لهم‪:‬‬
‫بعد أن تَُولُّوا‬
‫أصنام ُكم َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ألكيدن‬ ‫إبراهيم}‪ ،‬يقول {تاللّه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫سم ْعنا فتى يذ ُك ُرهم ُيقا ُل له‪:‬‬
‫ينطقون‪.‬‬ ‫فوبخوه والموه‪ ،‬فقال‪{ :‬بل فَعلَه كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ِ‬ ‫مدبِرين}‪َّ .‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫علمت ما‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رؤوس ِهم لقد‬ ‫الظالمون‪ .‬ثم ُن ِكسوا على‬ ‫فرجعوا إلى ِ‬
‫أنفس ِهم فقالوا َّإنكم أنتم‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫يضركم‪ }...‬اآلية‪،‬‬ ‫ون من دون اللّ ِه ما ال ينفعكم شيئاً وال ُّ‬ ‫أفتعبد َ‬
‫ُ‬ ‫ينطقون‪ .‬قال‬ ‫هؤالء ِ‬
‫تعبدونهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تون}؛ أي‪ :‬تنحتونه بأيديكم وتصنعونه؛ فكيف ُ‬ ‫ون ما تَْنح َ‬ ‫{أتعبد َ‬
‫ُ‬ ‫و{قال} هنا‪:‬‬
‫تعملون}؟!‬‫{خلَقَ ُكم وما َ‬
‫اإلخالص للّه الذي َ‬
‫َ‬ ‫وأنتم الذين صنعتُموهم‪ ،‬وتتركون‬

‫النار‪{ ،‬فألقوه‬ ‫ِ‬


‫{‪ 97‬ـ ‪{ }98‬قالوا ابنوا له بنياناً}؛ أي‪ :‬عالياً مرتفعاً وأوقدوا فيه َ‬
‫أشنع‬
‫جزاء على ما فعل من تكسير آلهتهم‪ ،‬وأرادوا {به كيداً}‪ :‬ليقتُلوه َ‬
‫ً‬ ‫في الجحيم}‪:‬‬
‫وج َع َل النار على إبراهيم برداً‬
‫كيدهم في ُنحورهم‪َ ،‬‬ ‫األسفلين}‪َّ :‬‬
‫رد اللّه َ‬ ‫َ‬ ‫{فجعلناه ُم‬
‫ُ‬ ‫ِق ْتلَ ٍة؛‬
‫وسالماً‪.‬‬

‫{‪{ }99‬و} لما فعلوا فيه هذا الفعل‪ ،‬وأقام عليهم الحجة‪ ،‬وأعذر منهم؛ {قال ِّإنـي‬
‫قاصد إلى األرض المباركة أرض الشام‬
‫ٌ‬ ‫ربـي}؛ أي‪ :‬مهاجر إليه‪،‬‬ ‫ذاهب إلى ِّ‬
‫ٌ‬
‫{سيهدين}‪ :‬يدلُّني على (‪ )2‬ما فيه الخير لي من أمر ديني ودنياي‪ .‬وقال في اآلية‬
‫ِ‬
‫وأدعو ربـِّي عسى أالَّ أكون بِ ُد ِ‬ ‫عون من ِ‬
‫عاء ربي‬ ‫َ‬ ‫دون اللّه ْ‬ ‫{وأعتَ ِزلُكم وما تَ ْد َ‬
‫ْ‬ ‫األخرى‪:‬‬
‫َش ِقًّيا}‪.‬‬

‫ب لي}‪ :‬ولداً يكون {من الصالحين}‪ ،‬وذلك عندما أيس من‬ ‫{‪ِّ }100‬‬
‫{رب َه ْ‬
‫ب له غالماً صالحاً ينفع اللّه به في حياتِ ِه وبعد‬
‫قومه‪،‬ولم َي َر فيهم خيراً؛ دعا اللّه أن َيـهَ َ‬
‫مماتِ ِه‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬أو»‪.‬‬


‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬إلى»‪.‬‬
‫فاستجاب اللَّه له وقال‪َّ :‬‬
‫{فبشرناه بغالم َحليم}‪ :‬وهذا إسماعي ُل عليه‬ ‫َ‬ ‫{‪}101‬‬
‫بإسحاق‪َّ ،‬‬
‫وألن اللّه تعالى قال في ُبشراه‬ ‫َ‬ ‫بعده البشارة‬
‫فإنه ذكر َ‬ ‫السالم بال ٍّ‬
‫شك؛ َّ‬
‫إسحاق غير‬
‫َ‬ ‫يعقوب}‪َّ :‬‬
‫فدل على َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫إسحاق‬
‫َ‬ ‫بإسحاق و ِمن وراء‬
‫َ‬ ‫رناها‬ ‫بإسحاق‪َّ :‬‬
‫{فبش ْ‬ ‫َ‬
‫ـخلُق‬
‫وحسن ال ُ‬
‫َ‬ ‫الصبر‬
‫َ‬ ‫يتضم ُن‬
‫َّ‬ ‫إسماعيل عليه السالم بالحلم‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫ف اللّه‬
‫ص َ‬
‫وو َ‬
‫الذبيح‪َ ،‬‬
‫وس َعةَ الصدر والعفو َع َّم ْن جنى‪.‬‬
‫َ‬
‫الغالم معه السعي}؛ أي‪ :‬أدرك أن يسعى معه‪ ،‬وبلغ ًّ‬
‫سنا‬ ‫ُ‬ ‫{فلما َبلَ َغ‬
‫{‪َّ }102‬‬
‫َ‬
‫وأقبلت منفعتُهُ‪ ،‬فقال له‬
‫ْ‬ ‫ذهبت مشقَّتُه‬ ‫ْ‬ ‫أحب ما يكون لوالديه؛ قد‬ ‫يكون في الغالب َّ‬
‫ك}؛ أي‪ :‬قد رأيت في النوم‬ ‫{إنـي أرى في المنام ِّأنـي أ ْذَب ُح َ‬ ‫إبراهيم عليه السالم‪ِّ :‬‬
‫ُ‬
‫{فانظُ ْر ماذا ترى}؛ َّ‬
‫فإن أمر‬ ‫وحي‪ْ .‬‬ ‫ِ‬ ‫يأم ُرني بِ َذ ْب ِح َ‬ ‫والرؤيا َّ‬
‫ك‪ ،‬ورؤيا األنبياء ٌ‬
‫)‬ ‫‪1‬‬‫(‬
‫أن اللّه ُ‬
‫تنفيذ ِه‪ ،‬فقال إسماعي ُل صابراً محتسباً مرضياً لربِّه ًّ‬
‫وبارا بوالده‪:‬‬ ‫بد من ِ‬ ‫اللّه تعالى ال َّ‬
‫{ستَ ِج ُدني إن شاء اللّه من‬ ‫ِ‬ ‫{يا ِ‬
‫ك اللّه‪َ ،‬‬ ‫أم َر َ‬‫امض لما َ‬ ‫أبت ا ْف َع ْل ما تُ ْؤ َم ْر}؛ أي‪:‬‬
‫ِّ‬
‫الصابرين}‪ :‬أخبر أباه َّأنه موط ٌن َ‬
‫نفسه على الصبر‪ ،‬وقَ َر َن ذلك بمشيئة اللّه تعالى؛‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫مشيئة اللّه‪.‬‬ ‫شيء بدون‬ ‫َّ‬
‫ألنه ال يكون‬
‫ٌ‬
‫أسلَما}؛ أي‪ :‬إبراهيم وابنه إسماعيل‪ :‬إبراهيم جازماً بقتل ابنه‬
‫{فلما ْ‬
‫{‪َّ }103‬‬
‫فؤاد ِه امتثاالً ألمر ربِّه وخوفاً من عقابه‪ ،‬واالبن قد وطَّن نفسه على الصبر‪،‬‬
‫وثمر ِة ِ‬
‫إسماعيل‬
‫َ‬ ‫إبراهيم‬
‫ُ‬
‫للجبين}؛ أي‪َّ :‬‬
‫تل‬ ‫ِ‬ ‫{وتَلَّه‬
‫وهانت عليه في طاعة ربِّه ورضا والده‪َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫ينظر وقت الذبح إلى وج ِه ِه‪.‬‬ ‫ِ ِ َّ‬
‫انكب لوجهه؛ لئال َ‬ ‫فيذب َحه‪ ،‬وقد َّ‬ ‫على جبينِ ِه ِلُي ْ‬
‫ض ِج َعه َ‬
‫{‪ 104‬ـ ‪{ }105‬وناديناه}‪ :‬في تلك الحال المزعجة واألمر المدهش‪{ :‬أن يا‬
‫َّ‬ ‫فعلت ما أ ِ‬
‫ت نفسك على ذلك‪،‬‬ ‫ت به؛ َّ‬
‫فإنك وط ْن َ‬ ‫ُم ْر َ‬ ‫ص َّد ْق َ‬
‫ت الرؤيا}؛ أي‪ :‬قد َ‬ ‫إبراهيم‪ .‬قد َ‬
‫ُ‬
‫يبق إالَّ إمرار السكين على حلقه‪َّ .‬‬
‫{إنا كذلك َن ْجزي المحسنين}‪:‬‬ ‫كل سبب‪ ،‬ولم َ‬ ‫وفعلت َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫شهوات أنفسهم‪.‬‬ ‫في عبادتنا‪ِّ ،‬‬
‫المقدمين رضانا على‬

‫بين}ـ؛‬
‫الء ال ُـم ُ‬
‫الب ُ‬
‫إبراهيم عليه السالم {لهو َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫امتحنا به‬ ‫{إن هذا}‪ :‬الذي‬ ‫{‪َّ }106‬‬
‫محبتِ ِه لربِّه وخلَّتِ ِه؛ فإن إسماعي َل‬
‫صفاء إبراهيم وكما ُل َّ‬
‫ُ‬ ‫أي‪ :‬الواضح الذي تََبيـَّ َن به‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬ورأي»‪.‬‬


‫أحبه ًّ‬
‫حبا شديداً‪ ،‬وهو خليل‬ ‫لما َو َهَبهُ اللّه إلبراهيم؛ َّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫عليه الصالة (والسالم)‬
‫منصب ال يقبل المشاركة‪ ،‬ويقتضي أن‬
‫ٌ‬ ‫الرحمن‪ ،‬والخلَّة أعلى أنواع المحبة‪ ،‬وهو‬
‫تعلقت شعبةٌ من ُش َع ِب قلبِ ِه بابنه‬
‫ْ‬ ‫تكون جميعُ أجزاء القلب متعلقةً بالمحبوب‪ ،‬فلما‬ ‫َ‬
‫زاح َم ُّ‬
‫حبه‬ ‫َّ‬ ‫صفِّي ُو َّده‬
‫ويختبر ُخلتَهَ‪ ،‬فأمره أن يذبح َم ْن َ‬
‫َ‬ ‫إسماعيل؛ أراد اللّه تعالى أن ُي َ‬
‫َ‬
‫ذبح ِه وزال ما في القلب من‬ ‫حب اللّه وآثره على هواه وعزم على ِ‬ ‫حب ربِّه‪ ،‬فلما قَ َّد َم َّ‬
‫َّ‬
‫المبين}‪.‬‬
‫ُ‬ ‫البالء‬
‫ُ‬ ‫الذبح ال فائدة فيه؛ فلهذا قال‪َّ :‬‬
‫{إن هذا لهو‬ ‫المزاحم‪ ،‬بقي ُ‬
‫عظيم ذبحه‬
‫ٌ‬ ‫ذبح من الغنم‬ ‫{‪{ }107‬وفديناه بِ ْ‬
‫ذب ٍح عظيم}؛ أي‪ :‬صار َب َدلَه ٌ‬
‫إبراهيم‪ ،‬فكان عظيماً‪ :‬من جهة َّأنه كان فداء إلسماعي َل‪ ،‬ومن جهة َّأنه من جملة‬
‫ِ‬
‫القيامة‪.‬‬ ‫العبادات الجليلة‪ ،‬ومن جهة أنه كان قرباناً وسنةً إلى يوم‬

‫{‪ 108‬ـ ‪{ }109‬وتركنا عليه في اآلخرين‪ .‬سالم على إبراهيم}؛ أي‪ :‬وأبقينا‬
‫ثناء صادقاً في اآلخرين؛ كما كان في األولين؛ فكل وقت بعد إبراهيم عليه‬
‫عليه ً‬
‫{سالم على إبراهيم}؛ أي‪ :‬تحية عليه؛‬
‫ٌ‬ ‫محبوب معظَّم مثنى عليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫السالم؛ َّ‬
‫فإنه فيه‬
‫عباد ِه الذين اصطفى}‪.‬‬
‫الحمد للّه وسالم على ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫كقوله‪ُ { :‬قل‬

‫خلق ِه أن ُنفَِّر َج‬


‫{‪َّ { }110‬إنا كذلك نجزي المحسنين}‪ :‬في عبادة اللّه ومعاملة ِ‬
‫ون ْج َع َل لهم العاقبة والثناء الحسن‪.‬‬
‫الشدائد‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫عنهم‬

‫المؤمنين}‪ :‬بما أمر اللّه باإليمان به‪ ،‬الذين َبلَ َغ بهم‬ ‫{إنه من ِ‬
‫عبادنا‬ ‫{‪َّ }111‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السموات‬ ‫كوت‬
‫إبراهيم َملَ َ‬ ‫اإليمان إلى درجة اليقين؛ كما قال تعالى‪{ :‬وكذلك ُنري‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألرض وليكون من الموقنين}‪.‬‬

‫بإسحاق؛‬
‫َ‬ ‫بإسحاق َنبًِّيا من الصالحين}‪ :‬هذه البشارة الثانية‬
‫َ‬ ‫{وب َّش ْرناهُ‬
‫{‪َ }112‬‬
‫يعقوب‪ ،‬فَُب ِّش َر بوجوده وبقائه ووجود ُذ ِّرَّيتِ ِه وكونه ًّ‬
‫نبيا من الصالحين؛‬ ‫َ‬ ‫الذي من ورائِ ِه‬
‫بشارات ِّ‬
‫متعددة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فهي‬

‫إسحاق}؛ أي‪ْ :‬أن َزْلنا عليهما البركةَ التي هي‬


‫َ‬ ‫{وبار ْكنا عليه وعلى‬
‫َ‬ ‫{‪}113‬‬
‫النمو والزيادة في علمهما وعملهما وذريتهما‪ ،‬فنشر اللّه من ُذ ِّرَّيتِ ِهما ثالث أمم‬

‫‪ - 2‬زيادة ال توجد في النسختين‪.‬‬


‫عظيمة‪ :‬أمة العرب من ُذ ِّرَّي ِة إسماعي َل‪ ،‬وأمة بني إسرائيل‪ ،‬وأمة الروم من ُذ ِّرَّي ِة‬
‫مبين}؛ أي‪ :‬منهم الصالح والطالح‪،‬‬ ‫لنفس ِه ٌ‬
‫محسن وظالم ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إسحاق‪{ .‬ومن ُذ ِّرَّيتِ ِهما‬
‫َ‬
‫وشرك ِه‪ ،‬ولعل هذا من باب دفع اإليهام؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫ِ‬ ‫بكفر ِه‬
‫ظلمهُ ِ‬ ‫والعادل والظالم‪ ،‬الذي َّ‬
‫تبيـن ُ‬
‫وأن من تمام‬ ‫إسحاق}؛ اقتضى ذلك البركة في ُذ ِّرَّيتِ ِهما‪َّ ،‬‬‫َ‬ ‫{وبار ْكنا عليه وعلى‬ ‫َ‬ ‫ل َّـما قال‪:‬‬
‫أن منهم محسناً وظالماً‪ .‬واللّه‬ ‫الذ ِّرَّية كلُّهم محسنين‪ ،‬فأخبر اللّه تعالى َّ‬
‫البركة أن تكون ُّ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ﭽﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫(‪)1‬‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ‪.‬‬

‫{‪ 114‬ـ ‪ }122‬يذ ُك ُر تعالى َّ‬


‫منته على عبديه ورسوليه موسى وهارون ابني‬
‫عدوهما‬
‫بالنبوة والرسالة والدعوة إلى اللّه تعالى‪ ،‬ونجاتهما وقومهما من ِّ‬
‫عمران َّ‬
‫فرعون‪ ،‬ونصرهما عليه‪ ،‬حتى أغرقه اللّه وهم ينظرون‪ ،‬وإ نزال اللّه عليهما الكتاب‬
‫كل شيء‪َّ ،‬‬
‫وأن اللّه‬ ‫المستَبين‪ ،‬وهو التوراة التي فيها األحكام والمواعظُ وتفصي ُل ِّ‬
‫ٍ‬
‫موصلة إلى‬ ‫ٍ‬
‫مستقيمة‬ ‫ع لهما ديناً ذا أحكام وشرائع‬
‫بأن َش َر َ‬
‫ط المستقيم؛ ْ‬
‫هداهما الصرا َ‬
‫ِِ‬
‫سالم على موسى‬‫وم َّن عليهما بسلوكه‪{ .‬وتََر ْكنا عليهما في اآلخرين‪ٌ .‬‬
‫اللّه‪َ ،‬‬
‫وهارون}؛ أي‪ :‬أبقى عليهما ثناء حسناً َّ‬
‫وتحيةً في اآلخرين‪ ،‬ومن باب أولى وأحرى‬ ‫َ‬
‫المؤمنين}‪.‬‬ ‫{إنا كذلك َن ْجزي المحسنين‪َّ .‬إنهما من ِ‬
‫عبادنا‬ ‫األولين‪َّ .‬‬
‫في َّ‬
‫َ‬
‫ﭽﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﭦ ﭧ‬ ‫ﯵ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ‪.‬‬

‫بالنبو ِة‬
‫عبده ورسولَه إلياس عليه الصالةُ والسالم َّ‬
‫يمدح تعالى َ‬
‫ُ‬ ‫{‪ 123‬ـ ‪}132‬‬
‫قومه بالتَّقوى وعبادة اللّه َ‬
‫وحده‪ ،‬ونهاهم عن‬ ‫وأنه أمر َ‬‫والدعوة إلى اللّه‪َّ ،‬‬ ‫والرسالة َّ‬
‫وأحسن َخْلقَهم‬ ‫الخلق‪،‬‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫عبادة اللّه الذي َخلَ َ‬ ‫ِ‬
‫وترك ِهم َ‬ ‫عبادتِ ِهم صنماً لهم ُيقا ُل له‪ :‬بع ٌل‪،‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫الن َع َم الظاهرة والباطنة‪َّ ،‬‬
‫وأنكم كيف تركتُم عبادةَ‬ ‫فأحسن تربِيتهم‪َّ ،‬‬
‫وأدر عليهم ِّ‬ ‫َ‬ ‫ورباهم‬‫َّ‬
‫ق‪ ،‬بل ال يأكل وال‬‫يرز ُ‬
‫يضر وال ينفع وال يخلُق وال ُ‬
‫شأنه إلى عبادة صنم ال ُّ‬‫َم ْن هذا ُ‬
‫والغي‪َّ .‬‬
‫{فكذبوه}‪ :‬فيما دعاهم إليه‪ ،‬فلم‬ ‫ِّ‬ ‫يتكلَّم‪ ،‬وهل هذا إالَّ من أعظم الضالل والسَّفه‬

‫‪ - 1‬في النسختين‪ :‬إلى آخر قصته‪.‬‬


‫ِ‬
‫القيامة في العذاب‪ ،‬ولم‬ ‫رون}؛ أي‪ :‬يوم‬ ‫ينقادوا له‪ ،‬قال اللّه متوعِّداً لهم‪َّ :‬‬
‫ض َ‬ ‫{فإنهم لَ ُـم ْح َ‬
‫وم َّن‬ ‫َّ َّ‬
‫صين}؛ أي‪ :‬الذين أخلصهم اللّه َ‬ ‫دنيويةً {إال عباد اللّه ال ُـم ْخلَ َ‬ ‫يذكر لهم عقوبةً‬‫ْ‬
‫فإنهم غير محضرين في العذاب‪ ،‬وإ َّنما لهم من اللّه جزيل الثواب‪.‬‬ ‫عليهم باتِّباع نبيِّهم؛ َّ‬
‫ياسين}؛‬ ‫{سالم على إل‬ ‫ثناء حسناً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫{وتركنا عليه}؛ أي‪ :‬على إلياس {في اآلخرين}‪ً :‬‬
‫{إنا كذلك َن ْجزي الـم ْح ِسنين‪َّ .‬إنه من ِ‬
‫عبادنا‬ ‫عباد ِه عليه‪َّ .‬‬
‫أي‪ :‬تحية من اللّه ومن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وسالمه عليهم‬
‫ُ‬ ‫صلوات اللّه‬
‫ُ‬ ‫المؤمنين}‪ :‬فأثنى اللّهُ عليه كما أثنى على إخوانِ ِه‬ ‫َ‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫َ‬
‫ﭽﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ‪.‬‬

‫بالنبوة والرسالة‬
‫لوط َّ‬‫عبد ِه ورسوِل ِه ٍ‬
‫{‪ 133‬ـ ‪ }138‬وهذا ثناء منه تعالى على ِ‬
‫ٌ‬
‫فلما لم ينتهوا؛ َّ‬
‫نجاه اهلل‬ ‫ِ‬
‫الفاحشة‪َّ ،‬‬ ‫قومه ون ِهيِهم عن الشرك وفعل‬ ‫ِِ‬
‫ودعوته إلى اهلل َ‬
‫َّ‬
‫المعذبين‪،‬‬ ‫فنج ْوا؛ {إالَّ عجوزاً في الغابرين}؛ أي‪ :‬الباقين‬‫وأهلَه أجمعين‪ ،‬فَ َس َر ْوا ليالً‪َ ،‬‬
‫ديارهم‬ ‫لوط‪ ،‬لم تكن على دينِ ِه‪{ .‬ثم َّ‬
‫دم ْرنا اآلخرين}‪ :‬بأن َقلَْبنا عليهم َ‬
‫وهي زوجة ٍ‬
‫وخ َـمدوا‪،‬‬‫ط ْرنا عليها حجارةً من ِسجِّيل منضو ٍد حتى َه َـمدوا َ‬ ‫وأم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فج َعْلنا عالَيها سافلَها‪ْ ،‬‬ ‫َ‬
‫{مصبحين‪ .‬وبالليل}؛ أي‪ :‬في هذه‬ ‫لتمرون عليهم}؛ أي‪ :‬على ديار قوم ٍ‬
‫لوط‬ ‫{وإ َّن ُكم ُّ‬
‫َ‬
‫تعقلون}‪:‬‬ ‫األوقات يكثُر تَر ُّد ُدكم إليها ومروركم بها‪ ،‬فلم تقبل الشك ِ‬
‫والم ْرَيةَ‪{ .‬أفال‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫الهالك؟!‬ ‫ب‬ ‫عما ِ‬
‫والعَب َر وتنز ِجرون َّ‬ ‫اآليات ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫يوج ُ‬
‫ﭽﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫(‪)1‬‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ثناء منه تعالى على عبده ورسوِله َ‬
‫يونس بن متَّى؛ كما أثنى على‬ ‫{‪ }139‬وهذا ٌ‬
‫بالنبوة والرسالة َّ‬
‫والدعوة إلى اللّه‪.‬‬ ‫المرسلين َّ‬
‫َ‬ ‫إخوانِ ِه‬

‫دنيويةً أنجاه منها بسبب إيمانِ ِه‬


‫َّ‬ ‫{‪ }140‬وذكر تعالى عنه َّأنه عاقََبه عقوبةً‬
‫يقد ُر عليه‬‫ظانا أنه ال ِ‬ ‫ِ‬
‫مغاضباً له ًّ‬ ‫ق}؛ أي‪ :‬من ربِّه‬ ‫وأعمال ِه الصالحة‪ ،‬فقال‪{ :‬إ ْذ َأب َ‬
‫ِ‬
‫غاضب عليه وال َذ ْنَبهُ الذي ارتكبه؛ لعدم‬
‫َ‬ ‫ويحبِ ُسه في بطن الحوت‪ ،‬ولم يذ ُك ِر اللّه ما‬

‫‪ - 1‬في النسختين‪ :‬إلى آخر قصته‪.‬‬


‫الرسل‬‫أذنب‪ ،‬وعاقبه اللّه مع كونِ ِه من ُّ‬ ‫فائِ َدتِنا ِ‬
‫بذكر ِه‪ ،‬وإ َّنما فائدتُنا بما ذكرنا عنه أنه َ‬
‫صالح ِه‪َّ .‬‬
‫فلما‬ ‫ِ‬ ‫سبب‬
‫ض له ما هو ُ‬ ‫المالم‪َّ ،‬‬
‫وقي َ‬ ‫َ‬ ‫نجاه بعد ذلك‪ ،‬وأزال عنه‬ ‫الكرام‪َّ ،‬‬
‫وأنه َّ‬
‫ِ‬
‫المشحون}‪ :‬بالركاب واألمتعة‪.‬‬ ‫ق؛ لجأ {إلى الفلك‬ ‫َأب َ‬
‫ثقلت السفينةُ‪ ،‬فاحتاجوا إلى ِ‬
‫إلقاء‬ ‫{‪ }141‬فلما ر ِكب مع غيره والفلك شاحن؛ ِ‬
‫َ َ‬
‫أن َم ْن قُ ِر َ‬
‫ع‬ ‫مزيةً في ذلك‪ ،‬فاقترعوا على َّ‬ ‫يجدوا ٍ‬
‫ألحد َّ‬ ‫وكأنهم لم ِ‬ ‫ِ‬
‫الركبان‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بعض‬
‫هيأ أسبابه‪ ،‬فلما‬ ‫ب؛ ألقي في البحر؛ عدالً من أهل السفينة‪ ،‬وإ ذا أراد اللّه أمراً؛ َّ‬ ‫ُِ‬
‫وغل َ‬
‫ضين}ـ؛ أي‪ :‬المغلوبين‪ ،‬فألقي في‬ ‫ِ‬
‫يونس‪{ .‬فكان من ال ُـم ْد َح َ‬
‫اقترعوا؛ أصابت القرعةُ َ‬
‫البحر‪.‬‬

‫ليم}؛ أي‪ :‬فاع ٌل ما ُيالم عليه‪،‬‬ ‫ِِ‬


‫{م ٌ‬‫الحوت وهو}‪ :‬وقت التقامه ُ‬
‫ُ‬ ‫{‪{ }142‬فاْلتَقَ َمهُ‬
‫وهو مغاضبتُهُ لربِّه‪.‬‬
‫ِّحين}؛ أي‪ :‬في وقتِه الساب ِ‬
‫ق بكثر ِة‬ ‫{‪ 143‬ـ ‪{ }144‬فلوال َّأنه كان من المسب َ‬
‫ك‬
‫سبحان َ‬
‫َ‬ ‫وتحميد ِه وفي بطن الحوت حيث قال‪{ :‬ال إله إال أنت‬
‫ِ‬ ‫وتسبيح ِه‬
‫ِ‬ ‫عبادته لربِّه‬
‫لكانت مقبرتَهَ‪ ،‬ولكن‬ ‫ثون}؛ أي‪:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ت من الظالمين}؛ {لَلَبِ َ‬ ‫ِّإنـي ُك ْن ُ‬
‫ْ‬ ‫ث في بطنه إلى يوم ُي ْب َع َ‬
‫نجاه اللّه تعالى‪ ،‬وكذلك ينجي اللّه المؤمنين عند وقوعهم‬‫تسبيح ِه وعبادتِ ِه للّه؛ َّ‬
‫ِ‬ ‫بسبب‬
‫في الشدائد‪.‬‬

‫بأن قَ َذفَهُ الحوت من بطنِ ِه بالعراء‪ ،‬وهي األرض‬ ‫ِ‬


‫بالعراء}‪ْ :‬‬ ‫{‪{ }145‬فَ َنب ْذناه‬
‫األشجار ِّ‬
‫والظالل‪{ .‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ربما كانت عارية من‬ ‫كل ٍ‬
‫أحد‪ ،‬بل َّ‬ ‫الخالية العاريةُ من ِّ‬
‫حبس ِه في بطن الحوت حتى صار مثل الفرخ‬
‫سقيم}؛ أي‪ :‬قد س ِقم وم ِرض بسبب ِ‬
‫ََ َ َ‬ ‫ٌ‬
‫الممعوط من البيضة‪.‬‬

‫طين}‪ :‬تُ ِظلُّه بظلِّها الظليل؛ َّ‬


‫ألنها باردةُ‬ ‫{وأنبتْنا عليه شجرةً من َي ْق ٍ‬
‫َ‬ ‫{‪}146‬‬
‫لطف ِه به ِّ‬
‫وبره‪.‬‬ ‫الظِّالل‪ ،‬وال يسقُطُ عليها ٌ‬
‫ذباب‪ ،‬وهذا من ِ‬

‫وامتن عليه ِمَّنةً عظمى‪ ،‬وهو َّأنه أرسله‬


‫َّ‬ ‫آخر‪،‬‬
‫ف به لطفاً َ‬‫ط َ‬
‫{‪ 147‬ـ ‪ }148‬ثم لَ َ‬
‫مائة ٍ‬
‫{إلى ِ‬
‫زيدون}‪ :‬عنها‪ ،‬والمعنى َّأنهم ْ‬
‫إن لم يزيدوا عنها؛ لم‬ ‫َ‬ ‫ألف}‪ :‬من الناس {أو َي‬
‫ينقُصوا‪ ،‬فدعاهم إلى اللّه تعالى‪{ ،‬فآمنوا}‪ :‬فصاروا في موازينِ ِه؛ َّ‬
‫ألنه َّ‬
‫الداعي لهم‪،‬‬
‫أسبابهُ؛ قال تعالى‪:‬‬
‫انعقدت ُ‬
‫ْ‬ ‫العذاب بعد ما‬
‫َ‬ ‫ف اللّه عنهم‬
‫ص َر َ‬
‫حين}‪ :‬بأن َ‬ ‫{فمتَّ ْعناهم إلى ٍ‬
‫عذاب‬ ‫يون َس لما آمنوا َك َش ْفنا عنهم‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫قوم ُ‬
‫إيمانها إال َ‬
‫ت فََنفَ َعها ُ‬
‫آمَن ْ‬
‫كانت قريةٌ َ‬
‫{فلوال ْ‬
‫ومتَّ ْعناهم إلى ٍ‬
‫حين}‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الخ ْزي في الحياة ُّ‬
‫الدنيا َ‬
‫ﭽﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭢ ﭣ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫غيره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫{‪ }149‬يقول تعالى لنبيِّه (ص) ْ ِ ِ‬
‫{فاستَ ْفته ْم}؛ أي‪ :‬اسأل المشركين باللّه َ‬
‫ووصف ِه بما ال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشرك باللّه‬ ‫وز َعموا َّأنها ُ‬
‫بنات اللّه‪ ،‬فجمعوا بين‬ ‫الذين عبدوا المالئكةَ َ‬
‫جائر من‬
‫البنون}؛ أي‪ :‬هذه قسمةٌ ضيزى‪ ،‬وقو ٌل ٌ‬ ‫َ‬ ‫البنات ولهم‬
‫ُ‬ ‫بجالل ِه‪{ .‬ألرب َ‬
‫ِّك‬ ‫ِ‬ ‫ليق‬
‫َي ُ‬
‫البنات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القسمين وأخسَّهما له‪ ،‬وهو‬ ‫الولد للّه تعالى‪ ،‬ومن جهة ِ‬
‫جعل ِهم أردأ‬ ‫جهة جعلهم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سبحانه‬
‫َ‬ ‫البنات‬ ‫لون للّه‬ ‫ض ْوَنـهُ َّن ألنفس ِهم؛ كما قال في اآلية األخرى‪َ :‬‬
‫{وي ْـج َع َ‬ ‫التي ال َي ْر َ‬
‫ِ‬
‫وحكم ِهم بذلك‪.‬‬ ‫جعل ِهم المالئكةَ ٍ‬
‫بنات للّه‪،‬‬ ‫جهة ِ‬
‫ولهم ما ي ْشتَهون}‪ ،‬ومن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دون}‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫{أم َخلَ ْقنا المالئكةَ إناثاً وهم شاه َ‬
‫{‪ }150‬قال تعالى في بيان َكذبهم‪ْ :‬‬
‫فإنهم ما َش ِهدوا خلقَهم‪َّ ،‬‬
‫فدل على َّأنهم قالوا هذا القول‬ ‫َخْلقَهم؛ أي‪ :‬ليس األمر كذلك؛ َّ‬
‫افتراء على اللّه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بال علم‪ ،‬بل‬
‫ِ‬
‫قولون‬
‫َ‬ ‫{‪ 151‬ـ ‪ }157‬ولهذا قال‪{ :‬أال َّإنهم من إ ْفك ِهم}؛ أي‪ :‬كذبهم الواضح؛ـ َ‬
‫{لي‬
‫كيف‬
‫البنين‪ .‬مالَ ُكم َ‬ ‫ِ‬
‫{البنات على‬ ‫كاذبون‪ .‬أصطفى}؛ أي‪ :‬اختار‬ ‫َولَ َد اللّهُ وإ َّنهم لَ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّزون هذا القول الباطل الجائر؟‬ ‫رون}‪ :‬وتمي َ‬ ‫الجائر‪{ .‬أفال تَ َذ َّك َ‬
‫َ‬ ‫الحكم‬
‫َ‬ ‫مون}‪ :‬هذا‬ ‫تَ ْـح ُك َ‬
‫حجة ظاهرةٌ على‬ ‫مبين}؛ أي‪َّ :‬‬
‫سلطان ٌ‬‫ٌ‬ ‫فإنكم لو تَ َذ َّك ْرتُم؛ لم تقولوا هذا القول‪{ .‬أم لكم‬ ‫َّ‬
‫وكل هذا غير واقع‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬فأتوا بكتابِ ُكم إن ُكنتُم‬ ‫كتاب أو رسول‪ُّ ،‬‬ ‫قولكم من ٍ‬
‫متعم ٌد أو قائ ٌل‬
‫كاذب ِّ‬
‫ٌ‬ ‫شرعية؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫َّ‬ ‫فإن َم ْن يقو ُل قوالً ال ُيقيم عليه َّ‬
‫حجة‬ ‫صادقين}‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫على اللّه بال علم‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ‬ ‫ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫{‪ }158‬أي‪ :‬جعل هؤالء المشركون باللّ ِه بين اللّ ِه وبين ال ِجَّن ِة َن َسباً؛ حيث‬
‫علمت‬
‫ْ‬ ‫أن ال ِجَّنةَ قد‬
‫الجن! والحا ُل َّ‬‫وات ِّ‬ ‫وأن أمهاتِ ِهم َس َر ُ‬
‫بنات اللّه‪َّ ،‬‬ ‫َز َعموا َّ‬
‫أن المالئكةَ ُ‬
‫جازيهم؛ فهم ٌ َّ‬ ‫ِ‬
‫نسب؛‬
‫وبينه ٌ‬
‫بينهم َ‬
‫عباد أذال ٌء ؛ فلو كان َ‬ ‫رون بين يدي اللّه لُي ِ َ‬
‫ض َ‬ ‫َّأنهم ُم ْـح َ‬
‫كذلك‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫لم يكونوا‬
‫{‪ 159‬ـ ‪{ }160‬سبحان اللّه}‪ :‬الملك العظيم‪ ،‬والكامل الحليم‪ ،‬عما ِ‬
‫يصفه به‬ ‫َ‬
‫فإنه لم‬ ‫كفرهم وشر ُكهم‪{ .‬إالَّ َ‬
‫عباد اللّه المخلَصين}‪َّ :‬‬ ‫أوجَبه ُ‬
‫ٍ‬
‫المشركون من كل وصف َ‬
‫بجالل ِه‪ ،‬وبذلك كانوا‬
‫ِ‬ ‫صفوه إالَّ بما يليق‬
‫ألنهم لم ي ِ‬
‫َ‬ ‫صفوه به؛ َّ‬
‫عما َو َ‬ ‫ُيَن ِّز ْه َ‬
‫نفسه َّ‬
‫مخلَصين‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﭽﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ‬
‫تقدرون أن‬ ‫{‪ 161‬ـ ‪ }163‬أي‪َّ :‬إنكم ُّأيها المشركون وم ْن عب ْدتُموه مع اللّه ال ِ‬
‫َ ََ‬
‫اإللهي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫القضاء‬
‫ُ‬ ‫ضلُّوا أحداً إالَّ َم ْن قضى اللّه َّأنه من أهل الجحيم‪ ،‬فََنفَ َذ (‪ )2‬فيه‬
‫تَ ْفتِنوا وتُ ِ‬
‫وبيان كمال قدر ِة اللّه‬ ‫وعجز آلهتهم عن إضالل ٍ‬
‫أحد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بيان ِ‬
‫عجزهم‬
‫ُ‬ ‫والمقصود من هذا ُ‬ ‫ُ‬
‫عباد اللّه المخلَصين وحزبِه المفلحين‪.‬‬ ‫طمعوا بإضالل ِ‬
‫تعالى؛ أي‪ :‬فال تَ ْ َ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽﮉ ﮊ ﮋ‬
‫عما قاله فيهم‬
‫بيان براءة المالئكة عليهم السالم َّ‬
‫{‪ 164‬ـ ‪ }166‬هذا فيه ُ‬
‫مقام‬ ‫ٍ َّ‬ ‫يعصونه طرفةَ ٍ‬ ‫المشركون‪َّ ،‬‬
‫عين؛ فما منهم من أحد إال وله ٌ‬ ‫َ‬ ‫عباد اللّه‪ ،‬ال‬
‫وأنهم ُ‬ ‫َ‬
‫شيء‪{ ،‬وإ َّنا‬
‫ٌ‬ ‫يتعداه وال يتجاوزه‪ ،‬وليس لهم من األمر‬‫وتدبير قد أمره (‪ )3‬اللّه به ال َّ‬
‫ٌ‬
‫ِِ‬
‫ليق به؛‬
‫ِّحون}‪ :‬للّه عما ال َي ُ‬ ‫لنحن الصافُّون}‪ :‬في طاعة اللّه وخدمته‪{ ،‬وإ َّنا ُ‬
‫لنحن المسب َ‬ ‫ُ‬
‫صلُحون أن يكونوا شركاء للّه‪ ،‬تعالى اللّه!‬ ‫فكيف مع هذا َي ْ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬ ‫ﭽﮘ ﮙ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫(‪)4‬‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ‪.‬‬

‫رون ِّ‬
‫التمني ويقولون‪ :‬لو‬ ‫ظ ِه َ‬ ‫يخبر تعالى َّ‬
‫أن هؤالء المشركين ُي ْ‬ ‫{‪ 167‬ـ ‪ُ }170‬‬
‫صين على‬ ‫ِ‬ ‫صنا للّه العبادة‪ ،‬بل َّ‬ ‫ِ‬ ‫جاءنا من ِّ‬
‫الذ ْك ِر‬
‫لكنا المخل َ‬ ‫ألخلَ ْ‬
‫والكتب ما جاء األولين؛ ْ‬
‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬لم يكن»‪.‬‬
‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬فينفذ»‪.‬‬
‫‪ - 3‬في (ب)‪« :‬أمر اهلل»‪.‬‬
‫‪ - 4‬في النسختين‪ :‬إلى آخر السورة‪.‬‬
‫دون‬ ‫فعِل َم َّأنهم ِّ‬
‫متمر َ‬
‫ِ‬
‫الحقيقة‪ ،‬وهم َك َذَبةٌ في ذلك؛ فقد جاءهم أفض ُل الكتب فكفروا به‪ُ ،‬‬
‫العذاب حين يقعُ بهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫يعلمون}‪:‬‬
‫َ‬ ‫الحق‪{ .‬فسوف‬ ‫ِّ‬ ‫على‬

‫ت كلمةُ اللّه‬ ‫{‪ 171‬ـ ‪ }179‬وال يحسبوا أيضاً َّأنهم في الدنيا غالبون‪ ،‬بل قد َسَبقَ ْ‬
‫لغير ِهم‬
‫الغالبون ِ‬ ‫وجند ِه ِ‬
‫المفلحين َّأنهم‬ ‫لعباد ِه المرسلين ِ‬
‫مخالف لها ِ‬ ‫َ‬ ‫مرد لها وال‬ ‫التي ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يتمكنون فيه من إقامة دينهم‪ .‬وهذه بشارةٌ‬ ‫المنصورون من ربِّهم نصراً عزيزاً َّ‬
‫جند اللّه؛ بأن كانت أحوالُهُ مستقيمةً‪ ،‬وقات َل َم ْن أمر‬ ‫بأنه من ِ‬ ‫عظيمةٌ لمن اتَّصف َّ‬
‫َّ‬
‫الحق‪،‬‬ ‫منصور‪ .‬ثم أمر رسولَه باإلعراض َع َّم ْن عاندوا ولم َي ْقَبلوا‬ ‫ٌ‬ ‫غالب‬
‫ٌ‬ ‫بقتالهم أنه‬
‫فسوف‬
‫َ‬ ‫انتظار ما َي ِح ُّل بهم من العذاب‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وأبصرهمـ‬ ‫وأنه ما بقي إالَّ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫سيحل بهم‪{ .‬فإذا َن َز َل بساحتِ ِهم}؛ أي‪ :‬نزل عليهم‬ ‫ُّ‬ ‫النكا ُل؛ َّ‬
‫فإنه‬ ‫رون}‪َ :‬م ْن َي ِح ُّل به َّ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْبص َ‬
‫الشر والعقوبة واالستئصال‪ .‬ثم‬ ‫ألنه صباح ِّ‬‫رين}ـ؛ َّ‬
‫باح ال ُـم ْن َذ َ‬
‫ص ُ‬ ‫وقريباً منهم‪{ ،‬فساء َ‬
‫ك َّـرر األمـر بالتولِّـي عنهم وتهديدهم بوقوع العذاب‪.‬‬

‫{‪ 180‬ـ ‪ }182‬ولما ذكر في هذه السورة كثيراً من أقوالهم الشنيعة التي‬
‫العز ِة}؛‬
‫{رب َّ‬ ‫{سبحان ربِّك}؛ أي‪َّ :‬‬
‫تنزه وتعالى‪ِّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫صفوه بها؛ َّنزهَ َ‬
‫نفسه عنها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫َو َ‬
‫{وسالم على‬ ‫واعتز عن كل سو ٍء يصفونه به‪،‬‬
‫َّ‬ ‫كل شيء‪،‬‬‫عز فقهر َّ‬ ‫أي‪ :‬الذي َّ‬
‫ٌ‬
‫الذنوب واآلفات‪ ،‬وسالمة ما وصفوا به فاطر األرض‬ ‫المرسلين}‪ :‬لسالمتهم من ُّ‬
‫{والحمد للّه ِّ‬
‫رب العالمين}‪ :‬األلف والالم لالستغراق؛ فجميعُ أنواع‬ ‫ُ‬ ‫والسماوات‪.‬‬
‫وأد َّر عليهم فيها‬
‫العالمين َ‬ ‫ربى بها‬ ‫ِ‬
‫واألفعال التي َّ‬ ‫ِ‬
‫العظيمة‬ ‫ِ‬
‫الكاملة‬ ‫ِ‬
‫الصفات‬ ‫ِ‬
‫الحمد من‬
‫َ‬
‫ودَّب َرهم تعالى في َح َركاتِ ِهم وسكونِ ِهم وفي جميع‬ ‫ف عنهم بها ِّ‬
‫النقَ َم َ‬ ‫وص َر َ‬ ‫ِّ‬
‫النعم َ‬
‫المحبوب‬ ‫المحمود ِّ‬
‫بكل كمال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫المقد ُس عن النقص‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أحوال ِهم كلِّها للّه تعالى؛ فهو َّ‬
‫ُ‬
‫المعظَّم‪ ،‬ورسلُهُ سالمون مسلَّم عليهم‪ ،‬ومن اتََّب َعهم في ذلك له السالمةُ في ُّ‬
‫الدنيا‬
‫الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫والعطب في ُّ‬
‫ُ‬ ‫وأعداؤهُ لهم الهالك‬
‫ُ‬ ‫واآلخرة‪،‬‬

‫تم تفسير سورة الصافات في ‪ 6‬شوال سنة ‪.)1( 1343‬‬


‫على يد جام ِع ِه وكات ِب ِه عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪.‬‬

‫‪ - 1‬في (ب)‪« :‬تم تفسير سورة الصافات في ‪ 25‬رجب ‪.»1345‬‬


‫(‪)2‬‬
‫وصلى اللّه على محم ٍد وسلم تسليماً‪ .‬والحمد للّه الذي بنعمته تتم الصالحات‬

‫***‬

‫‪ - 2‬في (ب)‪« :‬تم تفسير المجلد السادس من تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصرـ العبد اهلل بن‬
‫سعدي غفر اهلل له ورحمه‪ ،‬وذلك في أربع وعشرين من رجب سنة ألف وثالثمائة وخمس‬
‫وأربعين‪ ،‬بقلم الفقير إلى ربه محمد بن منصور بن إبراهيم بن زامل‪ ،‬على خط مؤلفه وجامعه‬
‫شيخنا الشيخ عبد الرحمن جزاه اهلل خيراً‪ .‬آمين‪ .‬وصلىـ اهلل على نبيه وسلم»‪.‬‬

You might also like