Professional Documents
Culture Documents
الجزء الثاني
جمع وتأليف
أ .محمود محمود الغراب
ص1:
.
ص2:
الجزء الثاني
( ) 5سورة المائدة مدنيّة
الرحيم
الرحمن ه ّللا ه
بسم ه
ص3
ص3:
يدخرونه خوف الجدب فال يجدون ما يتقوتون به كالنمل ،فإن كان ذلك عن نظر فهم
يشبهون أهل النظر ،فأين عدم العقل الذي ينسب إليهم ؟ وإن كان ذلك علما ضروريا
ّللا عن أعيننا فقد أشبهونا فيما ال ندركه إال بالضرورة ،فال فرق بيننا وبينهم لو رفع ه
ّللا عن أبصار أهل الشهود وبصائر أهل اإليمان ،فإن غطاء العمى ،كما رفعه ه
البهائم تعلم من اإلنسان ،ومن أمر الدار اآلخرة ،ومن الحقائق التي الوجود عليها ،
ما يجهله بعض الناس وال يعلمه .وجميع ما سوى الثقلين وبعض الناس والجان على
علَ ْي ُك ْمبينة من ربهم في أمرهم ،من حيوان ونبات وجماد وملك وروح« ِإ َّال ما يُتْلى َ
غي َْر ُم ِح ِلهي ال َّ
ص ْي ِد َوأ َ ْنت ُ ْم ُح ُر ٌم »أي ما دمتم حرما في المكان الحالل والحرام وسكانا َ
ّللا يَ ْح ُك ُم في الحرم وإن كنتم حالال أو حراما فحيث ما كانت الحرمة امتنع الصيد « ِإ َّن َّ َ
ما يُ ِري ُد ».
ص4
ص4:
سورة المائدة ( : ) 5آية 3
َّللا ِب ِه َوا ْل ُم ْن َخنِقَةُ َوا ْل َم ْوقُوذَةُ
ير َوما أ ُ ِه هل ِلغَ ْي ِر ه ِعلَ ْي ُك ُم ا ْل َم ْيتَةُ َوال هد ُم َولَحْ ُم ا ْل ِخ ْن ِز ِ
ُح ِ ّر َمتْ َ
ست َ ْق ِ
س ُموا ب َوأ َ ْن ت َ ْ علَى النُّ ُ
ص ِ سبُ ُع ِإاله ما ذَ هك ْيت ُ ْم َوما ذُ ِب َح َ َوا ْل ُمت َ َر ِ ّديَةُ َوالنه ِطي َحةُ َوما أ َ َك َل ال ه
اخش َْو ِن ا ْليَ ْو َمِين َكفَ ُروا ِم ْن دِينِ ُك ْم فَال ت َ ْخش َْو ُه ْم َو ْ س الهذ َ ق ا ْليَ ْو َم يَئِ َ
س ٌ الم ذ ِل ُك ْم فِ ِْب ْاأل َ ْز ِ
ط هر ِفي ض ُ سال َم دِينا ً فَ َم ِن ا ْ علَ ْي ُك ْم ِن ْع َم ِتي َو َر ِضيتُ لَ ُك ُم ْ ِ
اْل ْ أ َ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم دِينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْمتُ َ
ور َر ِحي ٌم ( ) 3 غفُ ٌ ف ِ ِْلثْ ٍم فَ ِإ هن ه َ
َّللا َ غ ْي َر ُمتَجانِ ٍ ص ٍة َ َم ْخ َم َ
« ِإ َّال ما ذَ َّك ْيت ُ ْم »الذكاة طهارة بعض الحيوان ،والميتة حرام ألنها ما ذكيت« َوما ذُبِ َح
ب »على هنا بمعنى الالم فإن حروف الجر تبدل بعضها من بعض ، ص ِ علَى النُّ ُ َ
ويعرف ذلك بالمعنى ،وهذا من أعجب ما في القرآن أي وما ذبح للنصب ،وهي
األصنام ،التي نصبوها للعبادة ،فكانوا يقربون لها« ْاليَ ْو َم أ َ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم دِينَ ُك ْم »بعد
ثبوت الكمال ال يقبل الزيادة ،فإن الزيادة في الدين نقص من الدين ،وذلك هو الشرع
ّللا ،وهذا يدل على أن االجتهاد ما هو أن تحدث حكما ،هذا غلط ، الذي لم يأذن به ه
وإنما[ االجتهاد المشروع ]
االجتهاد المشروع في طلب الدليل من كتاب أو سنة أو إجماع وفهم عربي على إثبات
حكم في تلك المسألة بذلك الدليل ،الذي اجتهدت في تحصيله والعلم به في زعمك ،
نص عليه ولم يتركه ّللا تعالى ورسوله ما ترك شيئا إال وقد ه هذا هو االجتهاد .فإن ه
غي َْر ُمتَجانِفٍ ِ ِإلثْ ٍم »الجنف :ميل إلى الشيطان« فَإِ َّن ض ُ
ط َّر فِي َم ْخ َم َ
ص ٍة َ مهمال« فَ َم ِن ا ْ
ور َر ِحي ٌم »فالشخص الواحد الذي لم يكن حاله االضطرار ،أكل الميتة عليه غف ُ ٌ
ّللا َ
َّ َ
حرام ،فإذا اضطر ذلك الشخص عينه ،فأكل الميتة له حالل ،فاختلف الحكم
الختالف الحال والعين واحدة ،والمحرم المضطر يأكل الميتة أو الخنزير دون الصيد
ّللا مضطرا من خص ه ه ،فإن اضطر إلى الصيد ،صاد وعليه الجزاء ألنه متعمد ،فما
غير مضطر.
ص 5
ص5:
سورة المائدة ( : ) 5اآليات 4إلى 5
وارحِ ُم َك ِلّ ِب َ
ين عله ْمت ُ ْم ِم َن ا ْل َج ِ
ط ِيّباتُ َوما َ سئَلُونَكَ ما ذا أ ُ ِح هل لَ ُه ْم قُ ْل أ ُ ِح هل لَ ُك ُم ال ه يَ ْ
علَ ْي ِه َواتهقُوا ه َ
َّللا َّللا َ
س َم ه ِ
اذك ُُروا ا ْ علَ ْي ُك ْم َو ْ
س ْك َن َ َّللاُ فَ ُكلُوا ِم هما أ َ ْم َ
عله َم ُك ُم هتُعَ ِلّ ُمونَ ُه هن ِم هما َ
تاب ِح ٌّل لَ ُك ْم ِين أُوتُوا ا ْل ِك َ ط ِيّباتُ َو َطعا ُم الهذ َ ب ( ) 4ا ْليَ ْو َم أ ُ ِح هل لَ ُك ُم ال ه س ِري ُع ا ْل ِحسا ِ ِإ هن ه َ
َّللا َ
تاب ِم ْنِين أُوتُوا ا ْل ِك َ ت َوا ْل ُمحْ صَناتُ ِم َن الهذ َ َو َطعا ُم ُك ْم ِح ٌّل لَ ُه ْم َوا ْل ُمحْ صَناتُ ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِمنا ِ
دان َو َم ْن يَ ْكفُ ْر ين َوال ُمت ه ِخذِي أ َ ْخ ٍ غ ْي َر ُمسافِ ِح َ ين َ ور ُه هن ُمحْ ِصنِ َ قَ ْب ِل ُك ْم إِذا آت َ ْيت ُ ُمو ُه هن أ ُ ُج َ
ين ( ) 5 س ِر َ ع َملُهُ َو ُه َو فِي ْاآل ِخ َر ِة ِم َن ا ْلخا ِ يمان فَقَ ْد َحبِ َط َاْل ِ بِ ْ ِ
ص6:
سورة المائدة ( : ) 5آية 6
قسلُوا ُو ُجو َه ُك ْم َوأ َ ْي ِديَ ُك ْم إِلَى ا ْل َمرافِ ِ صال ِة فَا ْغ ِ ِين آ َمنُوا إِذا قُ ْمت ُ ْم إِلَى ال ه يا أَيُّ َها الهذ َ
ط هه ُروا َو ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم َم ْرضى أ َ ْو س ُك ْم َوأ َ ْر ُجلَ ُك ْم ِإلَى ا ْل َك ْعبَ ْي ِن َو ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُجنُبا ً فَا ه س ُحوا ِب ُر ُؤ ِ ام ََو ْ
ست ُ ُم ال ِنّسا َء فَلَ ْم ت َ ِجدُوا ما ًء فَتَيَ هم ُموا سفَ ٍر أ َ ْو جا َء أ َ َح ٌد ِم ْن ُك ْم ِم َن ا ْلغائِ ِط أ َ ْو ال َم ْ عَلى َ
علَ ْي ُك ْم ِم ْن َح َرجٍ َول ِك ْن َّللاُ ِليَجْ عَ َل َ س ُحوا ِب ُو ُجو ِه ُك ْم َوأ َ ْيدِي ُك ْم ِم ْنهُ ما يُ ِري ُد ه ام َ ص ِعيدا ً َط ِيّبا ً فَ ْ َ
ون( 6 ). شك ُُر َ يُ ِري ُد ِليُ َط ِ ّه َر ُك ْم َو ِليُتِ هم نِ ْع َمتَهُ َ
علَ ْي ُك ْم لَعَله ُك ْم ت َ ْ
اجتمع المسلمون قاطبة من غير مخالف على وجوب الطهارة على كل من لزمته
الصالة ،إذا دخل وقتها ،والوضوء مخصص بعض األعضاء باالغتسال والمسح ،
ّللا صلهى ه
ّللا وعليك بالوضوء على الوضوء فإنه نور على نور ،ولوال أن رسول ه
عليه وسلم شرع في الوضوء ما شرع من صالة فريضتين فصاعدا بوضوء واحد ،
لكان حكم القرآن يقتضي أن يتوضأ لكل صالة .
وبالجملة فهو أحسن بال خالف ،فإن الوضوء عبادة مستقلة وإن كان شرطا في صحة
عبادة أخرى ،فال يخرجه ذلك عن أن يكون عبادة مستقلة في نفسه مرادا لعينه ،وأما
أفعال هذه الطهارة فقد ورد بها الكتاب والسنة ،وبين فرضها من سننها ،ومن
استحباب أفعال فيها .
ولهذه الطهارة شروط وأركان وصفات وعدد وحدود معينة في محالها " يا أَيُّ َها الَّذِينَ
صالةِ فَا ْغ ِسلُوا ُو ُجو َه ُك ْم "
آ َمنُوا إِذا قُ ْمت ُ ْم إِلَى ال َّ
ص7
ص7:
والخالف في ح هد اليدين أكثره إلى اآلباط ،وأقله إلى المفصل الذي يسمى منه الذراع
فبقي إدخال المرافق ،وال خالف عند القائلين بترك الوجوب على استحباب إدخالهما
س ُحوا ِب ُر ُؤ ِس ُك ْم »اتفق علماء الشريعة على أن مسح الرأس من في الغسل َ «.و ْام َ
فرائض الوضوء ،واختلفوا في القدر الواجب منه ،وأصل هذا الخالف وجود الباء
في قوله تعالى ِ «:ب ُر ُؤ ِس ُك ْم »فمن جعلها للتبعيض ،بعهض المسح ،ومن جعلها زائدة
للتوكيد في المسح ،عم المسح جميع الرأس ،وال يتمكن لنا إظهار الحق في هذه
المسألة ألن ذلك ال يرفع الخالف من العالم فيه ،والمسألة معقولة ،وكل مسئلة
معقولة ال بد من الخالف فيها الختالف الفطر في النظر« َوأ َ ْر ُجلَ ُك ْم »اتفق العلماء على
أن الرجلين من أعضاء الوضوء ،واختلف في طهارة األرجل ،هل ذلك بالغسل ،أو
بالمسح ،أو بالتخيير بينهما ؟ فأي شيء فعل منهما فقد سقط عنه اآلخر وأدى الواجب
،هذا إذا لم يكن عليهما خف ،فمذهبنا التخيير ،والجمع أولى ،فالمسح بظاهر الكتاب
،والغسل بالسنة ،ومحتمل اآلية بالعدول عن الظاهر منها ،وسبب الخالف هو
القراءة في قوله َ «:وأ َ ْر ُجلَ ُك ْم »بفتح الالم وكسرها من أجل حرف الواو على أن يكون
عطفا على الممسوح بالخفض ،وعلى المغسول بالفتح ،فمذهبنا أن الفتح في الالم ال
يخرجه عن الممسوح ،فإن هذه الواو قد تكون واو المعية تنصب .وكذلك من قرأ«
س ُحوا ِب ُر ُؤ ِس ُك ْم َوأ َ ْر ُجلَ ُك ْم »بفتح الالم فحجة من يقول بالمسح في هذه اآلية أقوى
َو ْام َ
ألنه يشارك القائل بالغسل في الداللة التي اعتبرها وهي فتح الالم ولم يشاركه من
يقول بالغسل في خفض الالم ،وينقل عن العرب أن المسح لغة في الغسل ،فأمة
ّللا عليه وسلم المتطهرون ،وهم الغر المحجلون ،تحجيلهم دليلهم ،لو محمد صلهى ه
كان لغيرهم هذا النعت المخصوص من الطهور ،ما اختصت هذه األمة المحمدية بهذا
ّللا عليه وسلم :ما تعرف هذه األمة المحمدية من سائر األمم النور .فإنه قال صلهى ه
إال به ،فانتبه ،فوردت األخبار المنصوصة بطهارة هذه األعضاء المخصوصة ،
فأسبغناها طهورا ،فجعل لنا بذلك غررا ،وألبسها نورا ،فكان لهم بذلك التمييز
ّللا له نوره ،ومن والتعريف ،المقام الشريف والتشريف ،فمن أسبغ طهوره ،تمم ه
ثنى وثلث فرح بذلك أكثر من صاحب الواحدة إذا تحنث «َ .و ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُجنُبا ً فَ َّ
اط َّه ُروا
»خروج المني على وجه اللذة موجب لالغتسال ،وعليه وضوء واحد في اغتساله ،
ولما كان الغسل يتضمن الوضوء ،كان حكم المضمضة واالستنشاق من حيث أنه
ّللا عليه متوضئ في اغتساله ال من حيث أنه مغتسل ،فإنه ما ورد أن النبي صلهى ه
وسلم تمضمض وال استنشق في
ص8
غسله إال في الوضوء فيه ،فالحكم فيهما عندي راجع إلى حكم الوضوء ،والوضوء
سفَ ٍر أ َ ْو جا َء أ َ َح ٌد عندنا ال بد منه في االغتسال من الجنابة« َوإِ ْن ُك ْنت ُ ْم َم ْرضى أ َ ْو َ
على َ
ص8:
س ُحوا ط ِيهبا ً فَ ْ
ام َ ِم ْن ُك ْم ِمنَ ْالغائِ ِط أ َ ْو ال َم ْست ُ ُم ال ِنهسا َء فَلَ ْم ت َ ِجدُوا ما ًء فَتَيَ َّم ُموا َ
ص ِعيدا ً َ
بِ ُو ُجو ِه ُك ْم َوأ َ ْيدِي ُك ْم ِم ْنهُ »التيمم -انظر النساء آية ( ) 43
صالةِ » ] [ -تحقيق ونصيحة ِ « -إذا قُ ْمت ُ ْم ِإلَى ال َّ
صال ِة »-تحقيق ونصيحة ِ «-إذا قُ ْمت ُ ْم ِإلَى ال َّ
الحس والعقل
ه ّللا في
ولما أتينا بالطهارة كلها ....على وفق شرع ه
أتينا نناجيه بقدس كالمه ....على نحو ما قد صح عندي من النقل
فلم يستطع إحداث لفظي لكونه ....قديما فناجيت المهيمن بالفعل
ولم يستطع معناي أيضا كالمه ....فقد ص هح عندي أنني لست بالمثل
ّللا من عرش ذاته ....بما طابق اللفظ الذي جاء من ظلي فر هد علي ه
على نحو ما أتلوه في النور والهدى ....بإيجاد وصف العدل منه أو الفضل
وما سمع الرحمن غير كالمه ....على مقولي في الفرض كنت أو النفل
فص هح لي التعبير عنه ألنه ....تعالى عن األصوات والحرف والشكل
فإن قلت :إني قد تلوت كالمه ....فقد قلت :إني ما تلوت سوى مثل
فإن تك خالفت الذي قد نصصته ....فقد غصت يا مسكين في أبحر الجهل
فيا عقل انصرف إلى مصالك ،ليتلو سبحانه كالمه عليك ،فاستمع وانصت ،وتحقق
ذلك المقام ،وأثبت فإنه مقام الدهش والطيش ،ومحل الحياة والعيش ،فاشحذ فؤادك ،
واترك اعتقادك ،وال تدبر في حين الخطاب ،وال تفكر فيما تر هد عليه من الجواب ،
فإنه مقام التأييد والقوة ،ومشربه الرسالة والنبوة ،فإن إجابة الحق إذا خاطب عبده ال
ينتجها فكر ،وال يقوم لها ذكر ،حسب العقل قبول الخطاب ،وقبول ما يخلق فيه من
حس أتل علىالجواب ،من غير تقدم قصد وال نية ،وال فكر وال روية ( ،وأنت ) يا ه
ربك كالمه ،وال تلتفت ،وحقق معنى ما تناجيه به وتثبهت ،وش همر أذيالك ،واجعل
خلفك أعمالك وآمالك ،وضع اليدين مكتوفتين فوق السرة وتحت الصدر ،واطلب منه
في ذلك المقام فضل ليلة القدر ،في كونها خيرا من ألف شهر ،واجعل كل صالة
تدخل فيها آخر صالتك ،وذلك النفس منته حياتك ،فال تزال مقنعا ،ولربك مستمعا ،
متوشحا بالحياء ،غير ملتفت إلى السماء ،طرفك حيث سجودك ،وقلبك حيث
معبودك ،وخشية تخشع
ص9
ص9:
الجوارح ،وهيبة تقصف الجوانح ،وعبرة تسفح ،وزفرة تلفح ،وأنين وزمزمة ،
وحنين وهمهمة ،وتالطف في تعاطف ،وتوسل في ترسل ،ومشاهدة في مجاهدة ،
وتغيهر في تحيهر ،واختالف صفات ،وتنوع حاالت ،وآداب وسكينة ،واعتدال
وطمأنينة ،إلى أن تفرغ من صالتك ،فتنظر عند ذلك فيما زكا من صفاتك ،وما
ّللا
تقدس من ذاتك ،فعند ذلك تكون المصلي السابق وغيرك المصلي الالحق ،جعلنا ه
وإياكم ممن حضر في صالته ،فأجزل له في صالته ،فكان جزاؤه النور ،ودار
السرور .
[ -إشارة َ « -و ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُجنُبا ً فَ َّ
اط َّه ُروا » ]
اط َّه ُروا »ال يتطهر من الحدث إال الحدث ،وال من الجنابة إشارة َ « :و ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُجنُبا ً فَ َّ
إال من هو عن الحضرة اإللهية في جنابة ،إن العقل إذا نظر في كونه ،فهو في جنابة
عن عينه ،فجنابته جنايته ،فإذا نظر إلى نفسه ،فهو في الحدث األصغر الذي في
عكسه ،فحدثه حدثه ،والماء ماءان:
ألن المتطهر به عالمان ،ماء سماوي ،فتطهر بهذا الماء أيها العقل األقدس .
والماء اآلخر ماء أرضي من عالم األمشاج ،فمنه عذب فرات ،ومنه ملح أجاج ،
الحس األنفس ،فيا أيها العقل إن كنت ذا جنابة أو متعمال ،فعم ه فتطهر بهذا الماء أيها
فسر
الطهر بذاتك المنصوصة ،وإن كنت ذا حدث فاغسل األعضاء المخصوصة ،ه
التعميم في طهر الجنابتين ،لغيبتك الكلية عن علم نكاح الصورتين ،الصورة المثلية
وسر الطهر المخصوص لبعض األعضاء ، ه العقلية ،والصورة المثلية الشرعية ،
للغفالت التي تتخللك في حضورك عند االقتضاء ،وإن عدمت الماءين ،فاعمد إلى ما
خلقت منه ،وال تعدل عنه ،فإنك تبيح العبادة وال ترفع الحدث ،لما قام بك من الخبث
ّللا .
.واعلم أن الطهارة الباطنة واجبة عند أهل ه
ص 10 :
َّللاُ إِ ِنّي َمعَ ُك ْم لَئِ ْنعش ََر نَ ِقيبا ً َوقا َل ه سرائِي َل َوبَعَثْنا ِم ْن ُه ُم اثْنَ ْي َ يثاق بَنِي إِ َّْللاُ ِم َ َولَقَ ْد أ َ َخذَ ه
سنا ً َّللا قَ ْرضا ً َح َ ضت ُ ُم ه َس ِلي َوع هَز ْرت ُ ُمو ُه ْم َوأ َ ْق َر ْالزكاةَ َوآ َم ْنت ُ ْم ِب ُر ُصالةَ َوآت َ ْيت ُ ُم ه أَقَ ْمت ُ ُم ال ه
هار فَ َم ْن َكفَ َر بَ ْع َد ذ ِلكَ
ت تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِ َها ْاأل َ ْن ُ س ِيّئاتِ ُك ْم َو َألُد ِْخلَنه ُك ْم َجنها ٍ
ع ْن ُك ْم ََأل ُ َك ِفّ َر هن َ
س ِبي ِل) ( 12 سوا َء ال ه ض هل َِم ْن ُك ْم فَقَ ْد َ
إشارة في األجور
-إشارة -فالذين أقاموا صالتهم ضاعف صالتهم ،والذين أدوا زكاتهم قدهس ذواتهم ،
والذين آمنوا بالرسل ،أوضح لهم السبل ،والذين عزروهم عززوا ،والذين أقرضوا
ّللا قرضا حسنا ،وفهاهم سرا وعلنا من كونه محسنا .
ه
ص 11
ص 11 :
ّللا تعالى كما نسبها لنفسه ،وال يتحكم في شرحها بمعان ال يفهمها
األلفاظ الواردة إلى ه
أهل ذلك اللسان الذي نزلت به هذه األلفاظ بلغتهم ،فنكون ممن يحرفون الكلم عن
ونقر بالجهل
ه مواضعه ،ومن الذين يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون بمخالفتهم ،
بكيفية هذه النسب ،وهذا هو اعتقاد السلف قاطبة من غير مخالف في ذلك .
ص 12
ص 12 :
ين »الكتاب :ضم معنى إلىتاب ُمبِ ٌ
ومن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل َ «.و ِك ٌ
معنى ،والمعاني ال تقبل الضم إلى المعاني حتى تودع في الحروف والكلمات ،فإذا
حوتها الكلمات والحروف قبلت ضم بعضها إلى بعض ،فانضمت بحكم التبع ،
النضمام الحروف ،وانضمام الحروف تسمى كتابة .
ص 13
ص 13 :
ّللا بما أحيا به من
باألثر اإللهي ،فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول ،وأنه هو ه
ّللا الذي أحيا الموتى
الموتى ،ولذلك نسبوا إلى الكفر وهو الستر ،ألنهم ستروا ه
بصورة بشرية عيسى .
ّللا
ّللا إال القتصاره ،وكذلك كفر من قال :نحن أبناء ه ما كفر من قال إن المسيح ابن ه
ّللا إن كانت صحيحة ،فإن وأحباؤه القتصارهم ،ألنهم ذكروا نسبة تعم كل ما سوى ه
لم تكن في نفس األمر صحيحة فهم والعالم فيها على السواء ،وقالت اليهود
والنصارى :
ّللا تعالى له مطلق ّللا ،وأرادوا التبني ،فإنهم عالمون بآبائهم ،فإنه لما كان ه إنهم أبناء ه
الوجود ،ولم يكن له تقييد مانع من تقييد ،بل له التقييدات كلها ،فهو مطلق التقييد ،
ال يحكم عليه تقييد ،فله إطالق النسب ،فليست نسبة به أولى من نسبة ،فقد كفر من
كفر بتخصيص النسب ،مثل قول اليهود والنصارى عن أنفسهم دون غيرهم من أهل
ّللا َوأ َ ِحبَّا ُؤهُ »فإذا وقد انتسبوا إليه كانوا يعمون النسبة وإن الملل والنحل« ن َْح ُن أَبْنا ُء َّ ِ
ّللا «:فَ ِل َم يُعَ ِذهبُ ُك ْم بِذُنُوبِ ُك ْم ؟ بَ ْل أ َ ْنت ُ ْم بَش ٌَر ِم َّم ْن
كانت خطأ في نفس األمر ،فقال لهم ه
َخلَقَ »يقول تعالى النسبة واحدة فلم خصصتم نفوسكم بها دون هؤالء ؟ وإن أخطأتم
في نفس األمر فخطؤكم في عموم النسبة ،أقل من خطئكم في خصوصها ،فإن ذلك
ّللا من غير برهان . تحكم على ه
ص 14
ص 14 :
على ُك ِهل َ
ش ْيءٍ ّللاُ َ
ِير َو َّ ِير فَقَ ْد جا َء ُك ْم بَ ِش ٌ
ير َونَذ ٌ " أ َ ْن تَقُولُوا ما جا َءنا ِم ْن بَ ِش ٍ
ير َوال نَذ ٍ
ِير ». قَد ٌ
»فاّلل تعالى ملك بالحقيقة ،والمخلوق ملك بالجعل ،فأثبت الملوك ه « َو َجعَلَ ُك ْم ُملُوكا ً
في األرض في قوله َ «:و َجعَلَ ُك ْم ُملُوكا ً »فإن من أسمائه تعالى الملك ،وما أثبته ه
ّللا ال
ّللا ،
يلحقه االنتفاء ،كما أنه إذا نفى شيئا ال يمكن إثباته أصال ،وإن كان ال ملك إال ه
ّللا قد أثبت الملوك . ولكن ه
ص 15
ص 15 :
فإثبات األسباب أدل دليل على معرفة المثبت لها بربه ،ومن رفعها رفع ما ال يصح
رفعه ،وإنما ينبغي له أن يقف مع السبب األول ،وهو الذي خلق هذه األسباب
ّللا فقد أساء األدب
ّللا ،ومن عزل من واله ه ونصبها ،ورافع األسباب سيئ األدب مع ه
،وكذهب في عزل ذلك الوالي ،فانظر ما أجهل من كفر باألسباب وقال بتركها ،ومن
ترك ما قرره الحق فهو منازع ال عبد ،وجاهل ال عالم ،فاألديب العالم من أثبت ما
ّللا ،ومن نفى ما نفاه
ّللا ،وعلى الوجه الذي أثبته ه
ّللا ،في الموضع الذي أثبته ه
أثبته ه
ّللا ،وما من أحد من رسول ّللا ،وعلى الوجه الذي نفاه ه
ّللا ،في الموضع الذي نفاه ه
ه
قط عن رق األسباب وال نبي وال ولي وال مؤمن وال كافر وال شقي وال سعيد خرج ه
مطلقا ،أدناه التنفس ،فإن التنفس سبب الحياة ،واعلم أن ترك السبب الجالب للرزق
عن طريق التوكل سبب جالب للرزق ؛ وأن المتصف به ما خرج عن رق األسباب .
ص 16
ص 16 :
القرابين :هو إتالف أرواح عن تدبير أجسام حيوانية ،ليتغذى بها أجسام إنسانية ،
فتنظر أرواحها إليها في حال تفريقها فتدبرها إنسانية بعد ما كانت تدبرها إبال أو بقرا
أو غنما .
فاألرواح المدبرة لها في كل حال ال تتبدل تبدل الصور ،ألنها ال تقبل التبديل ألحديتها
،وإنما يقبل التبديل المركب من أجسام وأجساد حسا وبرزخا.
ص 17
ص 17 :
ظالم القبر سرباال ،فأعطاه العلم فعال ببحثه في األرض ،وحاال بما تقدم من إشارة
السواد ،وهو صفة الغيب المفيد لعالم الشهادة فهذا معنى :وكساه من ظالم القبر
سرباال ،أي لمناسبة الظالم إلى السواد .
ص 18
ص 18 :
في حق هؤالء فما كفر عنهم ما أصابهم في الدنيا من البالء .
ّللا »لما كان اإليمان الذي هو نور إلهي واردا على باطن « يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ َ
هذه الهيئة االجتماعية النفسية ،الذي هو القلب الحقيقي المعنوي ال الصوري ،وعلى
ظاهرها الذي هو النفس الملهمة ،متمكنا في القلب والنفس ،وصارا قابلين فيهما
لإليمان واإلسالم أوال ،وألحكام الحق وشرعه وأمره ونهيه ثانيا ،ومقبالن على
قبولهما والعمل بموجباتهما التي هي أداء الواجبات والمندوبات ،والترك واالحتراز
عن المحرمات والشبهات واالنحرافات ،لكن النشأة الدنيوية الحسية تقتضي أحيانا
بالنسبة إلى بعض وغالبا بالنسبة إلى بعض آخر ميل النفس وانحرافها عن هيئتها
االجتماعية إلى جانب الروح الحيوانية الطبيعية العنصرية ،وغفلتها وغيبتها عن ذلك
اإلقبال والقبول ،فتظهر آثار األسماء اإللهية فيها بوصف االنحرافات ويقتضي ظهور
ّللا
نتائجها فيها بذلك الوصف االنحرافي الموجب لأللم والبعد ،فاقتضى أثر عناية ه
عز من قائل «:يا تعالى لعباده المؤمنين أن يوقظهم من نومة الغفلة ،ويخاطبهم بقوله ه
باّلل ورسوله
وّللا أعلم بعد أن اهتديتم إلى اإليمان ه أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ َ
ّللا »يعني ه
ومالئكته وكتبه واليوم اآلخر ،والقدر خيره وشره ،احترزوا بتقواكم بواسطة متابعة
ّللا تعالى ونهيه ،والحضور معهما ومع موجباتهما التي هي أداء الواجبات أمر ه
والمندوبات ،وترك المحرمات والشبهات واالنحرافات ،عن ميلها وانحرافها عن
وحدتها وجمعيتها إلى جانب كثرة روحها الحيوانية الطبيعية العنصرية ،فتغلبكم
االنحرافات .
ّللا ،وحكم نهيه والحضور مع فاجعلوا نفوسكم بذلك االحتراز في وقاية وحدة أمر ه
موجباتها المذكورة ،ووقاية وحدة أثرها الروحاني وعدالة جمعيتها ،فتنصبغ آثار
ّللا تعالى وقربه ، ّللا تعالى فيها بصبغة الوحدة واالعتدال الموجبين لرضاء ه أسماء ه
ّللا
فيقيكم ذلك الحكم والوحدة والعدالة والقرب والرضا عن أن تظهر فيكم آثار سخط ه
ّللا تعالى ،المنصبغة بأحكام انحراف
تعالى ،التي هي من نتائج أسماء ه
ص 19
ص 20
ص 20 :
شكر نعمه -الوجه الثاني -يمكن أن يكون قوله َ «:وا ْبتَغُوا إِلَ ْي ِه ْال َو ِسيلَةَ »
ص 21 :
كلهم مظاهر االسم المضل ،ومظهرو أحكامه وآثاره .
باّلل وبهم ،وجبريل من حيث أنه كما أن األنبياء والرسل وأولو العزم منهم والمؤمنون ه
مبلغ الوحي وإظهار الشرع مظاهر االسم الهادي ،ومظهرو أحكامه وآثاره .
لذلك كان بين هذين االسمين أعني الهادي والمضل مجازات ومغالبات ومقالبات في
إظهار أحكامهما وآثارهما .
فكل واحد منهما يريد إظهار مقتضياته لتعلق الكمال المختص بكل واحد منهما بظهور
تلك المقتضيات واألحكام واآلثار المختصة به ،فال جرم حيث ظهر أحكام اسم الهادي
،وغلب بظهور آثاره ومقتضياته من اإليمان واإلسالم والتقوى وابتغاء الوسيلة من
حيث مظاهره ،ومظهرو أحكامه وآثاره من المؤمنين والصالحين واألنبياء والرسل
ومالكي سبيل الحق ،ال بد وأن يقوم اسم المضل من حيث مظاهره ومظهرو أحكامه
وآثاره من شياطين اإلنس والجن والكفار وأئمتهم ورؤسائهم في الدفع والمنع عن
ظهور اسم الهادي ومقتضياته ،وعن ظهور غلبة سلطنته ،فتعين الجهاد الصغير
والكبير ،مع الشيطان وأعوانه وأنصاره وحزبه من الكفار وأئمتهم ،ورفع شرهم
وكسر شهوتهم ،وقمع النفس والهوى ،وأنصارهما من الشهوة والغضب ،وما
يتبعهما من القوى في العالمين الكبير التفصيلي ،والصغير اإلنساني ،فلهذا رتب
تعالى ذكر األمر بالجهاد على ذكر األثر بالتقوى وابتغاء الوسيلة فقال تعالى «:يا أَيُّ َها
ّللا َوا ْبتَغُوا إِلَ ْي ِه ْال َو ِسيلَةَ َوجا ِهدُوا فِي َ
سبِي ِل ِه ». الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ َ
وأما سر كون الجهاد مع النفس والشيطان وأعوانهما في العالم الصغير اإلنساني جهادا
ّللا عليه وسلم « :رجعنا من الجهاد األصغر إلى الجهاد األكبر أكبر ،كما قال صلهى ه
،عند اشتغاله بالصالة عند مرجعه من جهاد الكفار .
فألن المطلب الغائي من إيجاد الخلق إنما هو معرفة الحق بجامع كماالته ،كما قال :
« فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق ألعرف » وهذا المطلب ال يتحقق تماما إال بالجهاد
في العالم الصغير اإلنساني ،وغلبة الروح والقلب بالحضور والذكر والفكر والشهود
والتوجه الصحيح الوحداني إلى الحق تعالى ،على النفس األمارة والشيطان وأعوانهما
وأنصارهما .
وأن الجهاد في العالم الكبير التفصيلي وسيلة وواسطة إلى ذلك المطلوب ،فإن ذلك
عز وجل ،وال يتمكن من المطلوب ال يوصل إليه إال بالعبادة الخالصة المخلصة هّلل ه
أداء العبادة إال بدفع الموانع الظاهرية ،وتلك الموانع هي قصد أعداء الدين ،
ومخالفتهم وممانعتهم من إظهار شعائر الشرائع واإليمان واإلسالم ومخاصمتهم
ومقاتلتهم على ذلك .فكان جهاد النفس في العالم اإلنساني مقصودا ومطلوبا
ص 22
ص 22 :
لذاته ،والجهاد في العالم التفصيلي وسيلة وآلة ومطلوب لغيره ،والشيء الذي يكون
مقصودا ومطلوبا لذاته ،أكبر وأعلى من شيء تكون هي في رتبة الوسيلة واآللة
والمطلوبية لغيره .
ّللا حق جهاده
ّللا يع هم الجهادين األصغر واألكبر ،والجهاد في ه فالجهاد في سبيل ه
يختص بالجهاد األكبر ،وهو الجهاد مع النفس في منعها عن حظوظها بجميع المراتب
والمقامات واألحوال واألخالق والعلوم ،وفي صرفها عن استيفاء جميع حظوظها
ولذاتها ومراداتها ،وفي قطع آمالها وأمانيها وقطع نظرها عن التطلع إلى شيء من
األجر في األعمال القلبية والقالبية ،وفي س هد باب رؤيتها شيئا منها مضافة إليها ،وقلع
والسر من مواهب التجليات ه شاماتها باستراق الحظوظ الخفية مما منح القلب والروح
سر استعمال صيغة الترجي عند والعلوم والمكاشفات والمشاهدات وغير ذلك .وأما ه
حصول أسباب الفوز والنجاح بحصول المطلوب وهي التجلي تجلية القرب ،واستقبال
حقيقة الحب ،في قوله تعالى «:لَعَلَّ ُك ْم ت ُ ْف ِل ُحونَ »فهو اإلشارة إلى أن األسباب كلها
معدات ال مؤثرات ،والمؤثر إنما هو الحق تعالى بقدرته عند األسباب ،فإن الفاعل ال
يظهر فعله إال بعد حصول تمام القابلية واالستعداد لقبول ظهور الفعل ،وحصول تمام
القابلية واالستعداد لقبول ظهور فعل الحق من حيث قدرته أمر مخفي على العبد ،
الحتمال بقية شرط خفي من شرائط تمام السببية ،ويحصل تمام االستعداد بصيغة
الترجي عائدة إلى حصول تمام القابلية واالستعداد لقبول فعلي الفالح واإلنجاح
وإعطاء المطلوب والمقصود ،فكأنه تعالى يقول :تسببوا وحصلوا استعداد قبول فعل
تقريبي فيكم ،بالتقوى وابتغاء الوسيلة والجهاد في سبيلي ،لعلكم تصلون إلى تمام
حصول االستعداد والقابلية وتمام شرائطها ،ويترتب على ذلك فال حكم وفوزكم
بالقرب بظهور فعل تقريبي فيكم ،فكلما جاء في الكتاب العزيز من صيغ الترجي
فراجع إلى هذا المعنى فاعلم ذلك .
ص 23
ص 23 :
والغمة ،فلذلك لم توصف بدار مقامة لعدم هذه العالمة ،فسوقها نفاق ،وعذابها نفاق
،فالصورة عذاب مقيم ،والحس في غاية النعيم ،فإن نعيم األمشاج فيما يالئم المزاج
.
ص 24
ص 24 :
َّللا ث ُ هم يَت َ َوله ْو َن ِم ْن بَ ْع ِد ذ ِلكَ َوما أُولئِكَف يُ َح ِ ّك ُمونَكَ َو ِع ْن َد ُه ُم الت ه ْوراةُ فِيها ُح ْك ُم ه َِو َك ْي َ
سلَ ُموا ِين أ َ ْ
ون الهذ َ ور يَحْ ُك ُم ِب َها النه ِبيُّ َدى َونُ ٌ ين ( )43إِنها أ َ ْن َز ْلنَا الت ه ْوراةَ فِيها ُه ً ِبا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ش َهدا َء فَال علَ ْي ِه َُّللا َوكانُوا َ ب هِ ظوا ِم ْن ِكتا ِ ستُحْ ِف ُ ون َو ْاألَحْ ُ
بار ِب َما ا ْ الربهانِيُّ َ
ِين هادُوا َو ه ِللهذ َ
شت َ ُروا ِبآياتِي ث َ َمنا ً قَ ِليالً َو َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم ِبما أ َ ْن َز َل ه
َّللاُ اخش َْو ِن َوال ت َ ْ اس َو ْ ت َ ْخش َُوا النه َ
ون) ( 44 فَأُول ِئكَ ُه ُم ا ْلكا ِف ُر َ
ص 25
ص 25 :
البعض سترا من المخالفات أن تصيبه إذا توجهت عليه لتح هل به لطلب النفس الشهوانية
إياها فيكون معصوما بهذا الستر ،فال يكون للمخالفة عليه حكم .
ص 26
ص 26 :
ّللا له المشي عليها ،فقد حاد عن ّللا ،فمن مشى في غير طريقه التي عين ه بجعل ه
ّللا له المشي عليها ،كما أن ذلك اآلخر لو ترك سبيله التي سواء السبيل التي عين ه
ّللا ،والكل بالنسبة ّللا له المشي عليها ،وسلك سبيل هذا سميناه حائدا عن سبيل ه شرع ه
ّللا صلهى ه
ّللا إلى واحد واحد على صراط مستقيم فيما شرع له .ولهذا خط رسول ه
عليه وسلم خطأ ،وخط عن جنبتي ذلك الخط خطوطا ،فكان ذلك الخط شرعه
ومنهاجه الذي بعث به ،وقيل له :قل ألمتك تسلك عليه وال تعدل عنه .وكانت تلك
الخطوط شرائع األنبياء التي تقدمته ،والنواميس الحكمية الموضوعة ،ثم وضع يده
ع ْن راطي ُم ْست َ ِقيما ً فَاتَّبِعُوهُ َوال تَتَّبِعُوا ال ُّ
سبُ َل فَتَفَ َّرقَ بِ ُك ْم َ ص ِ على الخط وتال« َوأ َ َّن هذا ِ
س ِبي ِل ِه »فأصل وضع الشريعة في العالم وسببها طلب صالح العالم ،ومعرفة ما جهل َ
ّللا مما ال يقبله العقل ،أي ال يستقل به العقل من حيث نظره ،فنزلت بهذه من ه
المعرفة الكتب المنزلة ،ونطقت بها ألسنة الرسل واألنبياء عليهم السالم بما هو وراء
ّللا من ّللا ،وأعلمت بما خلق ه طور العقل ،فعينت الرسل األفعال المقربة إلى ه
الممكنات فيما غاب عن الناس ،وما يكون منه سبحانه فيهم في المستقبل ،وجاءوا
بالبعث والنشور ،والحشر والجنة والنار ،وتتابعت الرسل على اختالف األزمان
واختالف األحوال ،وكل واحد منهم يصدق صاحبه ،ما اختلفوا قط في األصول التي
استندوا إليها وعبروا عنها ،وإن اختلفت األحكام ،فتنزلت الشرائع ،ونزلت األحكام
،وكان الحكم بحسب الزمان والحال ،واتفقت أصولهم من غير خالف في شيء من
ذلك .فالشرائع كلها بالجعل ،ولهذا تجري إلى أمد ،وغايتها حكم الحق بها في القيامة
في الفريقين ،وأما اختالف الشرائع فالختالف النسب اإللهية ،ألنه لو كانت النسبة
اإللهية لتحليل أمر ما في الشرع ،كالنسبة لتحريم ذلك األمر عينه في الشرع ،لما
صح تغيير الحكم ،وقد ثبت تغيير الحكم ،ولما صح أيضا قوله تعالى ِ «:ل ُك ٍهل َجعَ ْلنا
عةً َو ِم ْنهاجا ً »وقد صح أن لكل أمة شرعة ومنهاجا ،جاءها بذلك نبيها ِم ْن ُك ْم ِش ْر َ
ورسولها ،فنسخ وأثبت ،فعلمنا بالقطع أن نسبته تعالى فيما شرعه إلى محمد صلهى
ّللا عليه وسلم ،خالف نسبته إلى نبي آخر ،وإال لو كانت النسبة واحدة من كل وجه ، ه
وهي الموجبة للتشريع الخاص لكان الشرع واحدا من كل وجه بقوله تعالى ِ «:ل ُك ٍهل
عةً َو ِم ْنهاجا ً »وأما اختالف النسب اإللهية ،فالختالف األحوال ،وهو َجعَ ْلنا ِم ْن ُك ْم ِش ْر َ
قوله تعالى ُ «:ك َّل يَ ْو ٍم ُه َو فِي شَأ ْ ٍن »الختالف الزمان فإن اختالف أحوال الخلق سببها
اختالف األزمان عليها ،
ص 27
ص 27 :
واختالف األزمان الختالف الحركات الفلكية ،فإنه باختالف الحركات الفلكية حدث
زمان الليل والنهار ،وتعينت السنون والشهور والفصول ،واختالف الحركات
الختالف التوجهات ،وهو توجه الحق عليها باإليجاد ،وهو تعلق خاص من كونه
مريدا .وإنما اختلفت التوجهات الختالف المقاصد ،فقصد الرضى غير قصد الغضب
،وقصد التنعيم غير قصد التعذيب ،واختلفت المقاصد ،الختالف التجليات ،فلكل
قصد تجل خاص ما هو عين التجلي اآلخر ،فإن االتساع اإللهي يعطي أن ال يتكرر
شيء في الوجود ،واختلفت التجليات الختالف الشرائع ،فإن كل شريعة تعطي طريقا
موصلة إليه سبحانه ،وهي مختلفة فال بد أن تختلف التجليات -نظم في الشريعة .
طلب الجليل من الجليل جالال ....فأبى الجليل يشاهد اإلجالال
لما رأى عز اإلله وجوده ....عبد اإلله يصاحب اإلدالال
وقد اطمأن بنفسه متعززا ....متجبرا متكبرا مختاال
أنهى إليه شريعة معصومة ....فأذلة سلطانها إذالال
نادى العبيد بفاقة وبذلة ....يا من تبارك جده وتعالى
واح َدة ً »فلم تختلف شرائعكم ،كما لم يختلف منها ما أمرتم ّللاُ لَ َجعَلَ ُك ْم أ ُ َّمةً ِ
« َولَ ْو شا َء َّ
باالجتماع فيه وإقامته .والمراد هنا بضمير منكم في قوله ِ «:ل ُك ٍهل َجعَ ْلنا ِم ْن ُك ْم ِش ْر َ
عة ً
َو ِم ْنهاجا ً »ليس إال األنبياء عليهم السالم ال األمم ،ألنه لو كان لألمم ،لم يبعث رسول
في أمة قد بعث فيها رسول إال أن يكون مؤبدا ال يزيد وال ينقص ،وما وقع األمر
كذلك فإن جعلنا الضمير في قوله « :منكم » لألمم والرسل جميعا ،تكلفنا في التأويل
شططا ال نحتاج إليه ،فكون الضمير كناية عن الرسل أقرب إلى الفهم وأوصل إلى
العلم
ص 28
ص 28 :
سورة المائدة ( : ) 5اآليات 49إلى 51
ض ما َّللاُ َوال تَت ه ِب ْع أ َ ْهوا َء ُه ْم َواحْ ذَ ْر ُه ْم أ َ ْن يَ ْفتِنُوكَ ع َْن بَ ْع َِوأ َ ِن احْ ُك ْم بَ ْينَ ُه ْم ِبما أ َ ْن َز َل ه
ض ذُنُو ِب ِه ْم َو ِإ هن َكثِيرا ً ِم َن َّللاُ أ َ ْن يُ ِصيبَ ُه ْم ِببَ ْع ِ
َّللاُ ِإلَ ْيكَ فَ ِإ ْن ت َ َوله ْوا فَا ْعلَ ْم أَنهما يُ ِري ُد ه أ َ ْن َز َل ه
َّللا ُح ْكما ً ِلقَ ْو ٍم
س ُن ِم َن ه ِ ون َو َم ْن أَحْ َ ون ( ) 49أ َ فَ ُح ْك َم ا ْلجا ِه ِليه ِة يَ ْبغُ َ سقُ َ اس لَفا ِ النه ِ
ض ُه ْم أ َ ْو ِليا ُءِين آ َمنُوا ال تَت ه ِخذُوا ا ْليَ ُهو َد َوالنهصارى أ َ ْو ِليا َء بَ ْع ُ ون ( ) 50يا أَيُّ َها الهذ َ يُو ِقنُ َ
ين) ( 51 َّللا ال يَ ْهدِي ا ْلقَ ْو َم ال ه
ظا ِل ِم َ ض َو َم ْن يَت َ َوله ُه ْم ِم ْن ُك ْم فَ ِإنههُ ِم ْن ُه ْم إِ هن ه َ بَ ْع ٍ
ض »هو المرض القادح في اإليمان وهي الشبه المضلة ، « فَت َ َرى الَّذِينَ فِي قُلُو ِب ِه ْم َم َر ٌ
إما في وجود الحق ،أو في توحيده .
ص 29
ص 29 :
ّللا تعالى يقول ( :ما تقرب المتقربون بأحب إلي من أداء ما افترضته عليهم ) إن ه
ّللا للعبد يوفقه بهذه المحبة التباع رسوله فيما جاء به من الواجبات عليه ،وهي فبحب ه
الفرائض ،والترغيب في أن يوجبوا على أنفسهم صورة ما أوجبه عليهم ويسمى نافلة
ّللا تعالى ( :وال يزال العبد يتقرب إلي ّللا عليه وسلم عن ه ّللا إذ يقول صلهى ه ،فيحبهم ه
بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا ) وقد أعلمنا الرسول
ّللا ،فقال تعالى «:إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ّللا عليه وسلم أننا إذا اتبعناه فيما جاء به أحبنا ه صلهى ه
ّللاُ »فالحب الثاني هو عين الحب األول ،فاألول حب ّللا فَاتَّبِعُونِي يُ ْحبِ ْب ُك ُم َّ
ت ُ ِحبُّونَ َّ َ
عناية والثاني حب جزاء وكرامة بوافد محبوب بالحب األول ،فصار حب العبد ربه
محفوظا بين حبين إلهيين ،كلما أراد أو ه هم أن يخرج عن هذا الوصف بالسلو وجد
نفسه محصورا بين حبين إلهيين ،فلم يجد منفذا ،فيبقى محفوظ العين بين حب عناية
ّللا أحب أولياءه ، ما فيها من فطور ،وبين حب كرامة ما فيها استدراج -مسئلة -إن ه
ّللا ، والمحب ال يؤلم محبوبه ،وليس أحد بأشد ألما في الدنيا وال بالء من أولياء ه
رسلهم وأنبيائهم وأتباعهم المحفوظين المعانين على اتباعهم ،فمن أي حقيقة استحقوا
ّللا قال «:يُ ِحبُّ ُه ْم َويُ ِحبُّونَهُ »
هذا البالء مع كونهم محبين ؟ فنقول :إن ه
ّللا تعالى ]
[ من أي حقيقة ابتلي أولياء ه
فمن كونهم محبين ابتالهم ،ومن كونهم محبوبين اجتباهم واصطفاهم ،في هذه الدار
وفي القيامة ،وأما في الجنة فليس يعاملهم الحق إال من كونهم محبوبين خاصة ،
والبالء ال يكون أبدا إال مع الدعوى ،فمن لم يدع أمرا ما ال يبتلى بإقامة الدليل على
صدق دعواه فلو ال الدعوى ما وقع البالء .
ّللا من أحب من عباده رزقهم محبته من حيث ال يعلمون ،فوجدوا في ولما أحب ه
ّللا من كونهم محبين . ّللا فابتالهم ه
نفوسهم حبا هّلل ،فادعوا أنهم من محبي ه
وّلل الحجة البالغة ، وأنعم عليهم من كونهم محبوبين ،فإنعامه دليل على محبته فيهم ه
ّللا أحبابه من المخلوقين ،والحق وابتالؤه إياهم لما ادعوه من حبهم إياه ،فلهذا ابتلى ه
تعالى محب محبوب فمن حيث هو محب ينفعل لتأثير الكون ،ومن حيث هو محبوب
يبتلي .والعبد أيضا محب هّلل محبوب هّلل ،فمن حيث هو محب هّلل يبتلى ألجل الدعوى
فيفتضح صاحب الدعوى الكاذبة ،ويظهر صاحب الدعوى الصادقة ،ومن حيث أنه
محبوب يتحكم على محبه ،فيدعوه فيستجيب له ،ويرضيه فيرضى ويسخطه فيعفو
علَى ْال ُمؤْ ِمنِينَ
ويصفح مع نفوذ قدرته وقوة سلطانه ،إال أن سلطان الحب أقوى« أ َذِلَّ ٍة َ
علَى ْالكافِ ِرينَ ».
أ َ ِع َّزةٍ َ
ّللا ،وجعل ذلك من العمل المختص ّللا والبغض في ه وقد شرع لنا الود في ه
ص 30
ص 30 :
ّللا من عادى ّللا من الجزاء عليه ،وهو أن يعادي ه له ليس للعبد فيه حظ إال ما يعطيه ه
ّللا ال يقوم أولياءه ويوالي من واالهم ،ولكن بالحق المشروع له هّلل ال لنفسه ،فإن ه
ّللا َوال يَخافُونَ لَ ْو َمةَ
س ِبي ِل َّ ِ
ألحد من عباده إال لمن قام له .ولهذا قال «:يُجا ِهدُونَ فِي َ
ّللا أحق بالقضاء من حق المخلوق إذا اجتمعا ،فإنه ليس لمخلوق حق الئِ ٍم »فإن حق ه
ّللا الذي هو ّللا فإذا تعين الحقان في وقت ما ،بدأ العبد الموفق بقضاء حق ه إال بجعل ه
ّللا .
له ثم أخذ في أداء حق المخلوق الذي أوجبه ه
ص 31
ص 31 :
سورة المائدة ( : ) 5اآليات 61إلى 64
َّللاُ أ َ ْعلَ ُم ِبما كانُوا َوإِذا جا ُؤ ُك ْم قالُوا آ َمنها َوقَ ْد َد َخلُوا ِبا ْل ُك ْف ِر َو ُه ْم قَ ْد َخ َر ُجوا ِب ِه َو ه
سحْ تَ لَ ِبئْ َ
س ْوان َوأ َ ْك ِل ِه ُم ال ُّ
اْلثْ ِم َوا ْلعُد ِ
ُون فِي ْ ِ سارع َ ون ( َ ) 61وتَرى َكثِيرا ً ِم ْن ُه ْم يُ ِ يَ ْكت ُ ُم َ
اْلثْ َم َوأ َ ْك ِل ِه ُم ون َو ْاألَحْ ُ
بار ع َْن قَ ْو ِل ِه ُم ْ ِ ون ( ) 62لَ ْو ال يَ ْنها ُه ُم ه
الربهانِيُّ َ ما كانُوا يَ ْع َملُ َ
غلهتْ أ َ ْيد ِ
ِيه ْم َّللا َم ْغلُولَةٌ ُ ت ا ْليَ ُهو ُد يَ ُد ه ِ
ون ( َ ) 63وقالَ ِ صنَعُ َ س ما كانُوا يَ ْ سحْ تَ لَ ِبئْ َ
ال ُّ
ف يَشا ُء َولَيَ ِزيد هَن َكثِيرا ً ِم ْن ُه ْم ما أ ُ ْن ِز َل ق َك ْي َ سو َط ِ
تان يُ ْن ِف ُ َولُ ِعنُوا بِما قالُوا بَ ْل يَداهُ َم ْب ُ
داوةَ َوا ْلبَ ْغضا َء إِلى يَ ْو ِم ا ْل ِقيا َم ِة ُكلهما ط ْغيانا ً َو ُك ْفرا ً َوأ َ ْلقَ ْينا بَ ْينَ ُه ُم ا ْلعَ َإِلَ ْيكَ ِم ْن َر ِبّكَ ُ
ِين ( سد َ ب ا ْل ُم ْف ِ ض فَسادا ً َو ه
َّللاُ ال يُ ِح ُّ سعَ ْو َن فِي ْاأل َ ْر ِ َّللاُ َويَ ْ ب أ َ ْطفَأ َ َها هأ َ ْوقَدُوا نارا ً ِل ْل َح ْر ِ
) 64
تغلَّ ْ
ّللا بقوله ُ «: ّللا َم ْغلُولَةٌ " كنهت بذلك عن البخل فأكذبهم ه ت ْاليَ ُهو ُد :يَ ُد َّ ِ" َوقالَ ِ
أ َ ْيدِي ِه ْم َولُ ِعنُوا بِما قالُوا »أي أبعدوا عن صفة الكرم اإللهي ،فإن أقوالهم أعمالهم فغلت
ْف يَشا ُء »أي تان يُ ْن ِف ُق َكي َ
ط ِ سو َ
ّللا بهم« بَ ْل يَداهُ َم ْب ُ
أيديهم فوقع البخل الذي نسبوه إلى ه
يداه مباركتان فيهما الرحمة فلم يقرن بهما شيئا من العذاب .
ّللا فالحكم وهذه عندنا من أرجى آية تقرأ علينا ،فعم الكرم يديه فال تيأسوا من روح ه
للمشيئة ،وليست مشيئته غير ذاته فأسماؤه عينه ،وأحكامها حكمه ،فاليدان
مبسوطتان ،واليدان مقبوضتان ،قبضت ما أعطاها الخلق وانبسطت بما يجود به
الحق ،فمنه بدأ الجود وإليه يعود .
[ توحيد ]
ّللا تعالى بدليل العقل والشرع أحدي الكثرة بأسمائه الحسنى أو صفاته توحيد :اعلم أن ه
أو نسبه ،وهو بالشرع خاصة أحدي الكثرة في ذاته بما أخبر به عن نفسه« بَ ْل يَداهُ
تان »« ولما خلقت بيدي » « وتجري بأعيننا » « والقلب بين إصبعين من ط ِ سو َ َم ْب ُ
َّات بِيَ ِمينِ ِه »« وكلتا يدي ربي يمين مباركة » سماواتُ َم ْ
ط ِوي ٌ أصابع الرحمن »« َوال َّ
ّللا بها عن نفسه واألدلة العقلية تحيل ذلك ، وهذه كلها وأمثالها أخبار عن الذات أخبر ه
فإن كان السامع صاحب النظر العقلي مؤمنا ،تكلهف التأويل في ذلك لوقوفه مع عقله ،
وإن كان السامع منور الباطن باإليمان آمن بذلك
ص 32
ص 32 :
ّللا فيه مع معقول المعنى الوارد المتلفظ به من يد وإصبع وعين وغير ذلك ، على علم ه
ّللا له عن بصيرته فيدرك المراد من تلك العبارة ولكن يجهل النسبة إلى أن يكشف ه
ّللا ما أرسل رسوال إال بلسان قومه ،أي بما تواطئوا عليه من التعبير عن
كشفا .فإن ه
المعاني التي يريد المتكلم أن يوصل مراده فيما يريد منها إلى السامع ،فالمعنى ال
يتغير البتة عن داللة ذلك اللفظ عليه ،وإن جهل كيف ينسب فال يقدح ذلك في المعقول
من معنى تلك العبارة .
" َولَ ْو أَنَّ ُه ْم أَقا ُموا " وهو معالجة األعمال واالكتساب «الت َّ ْوراة َ »وهم أمة موسى«
اإل ْن ِجي َل »وهم أمة عيسى« َوما أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ْم ِم ْن َر ِبه ِه ْم »وهم أهل القرآن وجميع كل َو ْ ِ
ّللا وما أنزل إليهم من ربهم ،فهم المسارعون من أنزلت عليه صحيفة ،فأقاموا كتاب ه
ت أ َ ْر ُج ِل ِه ْم »يوم القيامة في
في الخيرات ،وهم لها سابقون« َأل َ َكلُوا ِم ْن فَ ْو ِق ِه ْم َو ِم ْن ت َ ْح ِ
الحشر يوضع الصراط من األرض المبدلة علوا على استقامة إلى سطح الفلك
المكوكب الذي يرجع في ذلك اليوم ما تحت مقعره جهنم ،فيكون منته الصراط إلى
المرج الذي خارج سور الجنة ،وفي ذلك المرج المأدبة ،وهي در مكة بيضاء نقية
منها يأكل أهل المأدبة ،وهو قوله تعالى في المؤمنين من بني إسرائيل إذا أقاموا
ّللا عليه وسلم نقيم كل ما أنزل إلينا من ربنا التوراة واإلنجيل ،ونحن أمة محمد صلهى ه
باإليمان به ،ونعمل من ذلك بما أمرنا من العمل به ،وغيرنا من األمم منهم من آمن
كما آمنا ،ومنهم من آمن ببعض وكفر ببعض ،فمن نجا منهم قيل فيه« َأل َ َكلُوا ِم ْن
فَ ْوقِ ِه ْم »وهو ما خرج من فروع أشجار الجنان على السور فظلل على هذا المرج
ت أ َ ْر ُج ِل ِه ْم »هو ما أكلوه من الدرمكة البيضاء التي هم عليها. فقطفه السعداء« َو ِم ْن ت َ ْح ِ
تفسير[ من باب اإلشارة :الوجه األول -يشير الحق تعالى إلى أنهم لو أقاموا الكتاب
]
من باب اإلشارة :الوجه األول -يشير الحق تعالى إلى أنهم لو أقاموا الكتاب من
ّللا فأقامه
رقدته ،فإن التأويل من العلماء أضجعه بعد ما كان قائما ،فجاء من وفقه ه
من رقدته أي نزهه عن تأويله والتعمل فيه بفكره ،فقام بعبادة ربه وسأله أن يوقفه
على مراده
ص 33
ص 33 :
من تلك األلفاظ التي حواها الكتاب ،والتعريف من المعاني المخلصة عن المواد ،
الرا ِس ُخونَ فِي ّللا العلم غير مشوب قال تعالى َ «:وما يَ ْعلَ ُم تَأ ْ ِويلَهُ ِإ َّال َّ
ّللاُ َو َّ فأعطاهم ه
ْال ِع ْل ِم »يعلمهم الحق ما يؤول إليه هذا اللفظ المنزل المرقوم وما أودع فيه من المعاني
من غير فكر فيه إذ الفكر في نفسه غير معصوم من الغلط في حق كل واحد -الوجه
الثاني َ «-أل َ َكلُوا ِم ْن فَ ْو ِق ِه ْم »ألعطاهم من العلوم الخارجة عن الكسب ،وهي علم
ت أ َ ْر ُج ِل ِه ْم »من العلوم الداخلة تحت الكسب الذي يناله أهل الوهب اللدني« َو ِم ْن ت َ ْح ِ
التقوى من هذه األمة ،فهي معارف مكتسبة ال موهوبة ،من كسبهم واجتهادهم -
الوجه الثالث َ «-أل َ َكلُوا ِم ْن فَ ْوقِ ِه ْم »الضمير يعود على الذين أكلوا من فوقهم ،وهم
ّللا لو أنهم أقاموا التوراة واإلنجيل وما أنزل إليهم من ربهم فأكلوا من فوقهم الذين ذكر ه
،وهو علم الوهب ال من جهة الكسب ،وهو العلم المذكور في الوجه الثاني بقسميه ثم
ص َدة ٌ »فمن تحت أرجل هؤالء أمم منهم أمة ت أ َ ْر ُج ِل ِه ْم ِم ْن ُه ْم أ ُ َّمةٌ ُم ْقت َ ِ
قال« َو ِم ْن ت َ ْح ِ
ّللا وال يقيمونه بالعمل الذي مقتصدة ،وهم أهل الكسب ،وهم الذين يتأولون كتاب ه
نزل إليه ،وال يتأدبون في أخذه ،وهم على قسمين :القليل منهم المقتصد في ذلك
وهو الذي قارب الحق ،وقد يصيب الحق فيما تأوله بحكم الموافقة ،ال بحكم القطع ،
ّللا فيما أنزله على التعيين إال بطريق الوهب ،وهو اإلخبار اإللهي فإنه ما يعلم مراد ه
الذي يخاطب به الحق قلب العبد في سره بينه وبينه .ومن لم يقتصد في ذلك وتعمق
في التأويل بحيث أنه لم يترك مناسبة بين اللفظ المنزل والمعنى ،أو قرر اللفظ على
ّللا فيهم في اآلية ّللا فيه ،وهم الذين قال ه طريق التشبيه ،ولم يرد علم ذلك إلى ه
ير ِم ْن ُه ْم سا َء ما يَ ْع َملُونَ »وأي سوء أعظم من هذا ،وهؤالء هم القسم عينها« َو َكثِ ٌ
ص َدة ٌت أ َ ْر ُج ِل ِه ْم »أمم« ِم ْن ُه ْم أ ُ َّمةٌ ُم ْقت َ ِ الثاني .فالتقدير في اآلية على التفسير« َو ِم ْن ت َ ْح ِ
ض ير ِم ْن ُه ْم سا َء ما يَ ْع َملُونَ »ولهذا قال لنبيه َ «:و ِإ ْن ت ُ ِط ْع أ َ ْكث َ َر َم ْن فِي ْاأل َ ْر ِ َو َكثِ ٌ
ّللا »وقال «:ما يَ ْعلَ ُم ُه ْم ِإ َّال قَ ِلي ٌل »فأشرف العلوم ما ناله العبد من ع ْن َ
س ِبي ِل َّ ِ وك َ ضلُّ َ يُ ِ
طريق الوهب -الوجه الرابع «َ -أل َ َكلُوا ِم ْن فَ ْوقِ ِه ْم »يريد استواءه على العرش
ّللا من قوله صلهى ت أ َ ْر ُج ِل ِه ْم »يريد نسبة التحت إلى ه والسماء بل كل ما عال« َو ِم ْن ت َ ْح ِ
ّللا عليه وسلم « لو دليتم بحبل لهبط على هللا » مع أنه ليس كمثله شيء فالنسب إليه ه
ّللف الفوق والتحت. على السواء ه
ص 34
ص 34 :
سورة المائدة ( : ) 5آية 67
سو ُل بَ ِلّ ْغ ما أ ُ ْن ِز َل إِلَ ْيكَ ِم ْن َر ِبّكَ َوإِ ْن لَ ْم ت َ ْفعَ ْل فَما بَله ْغتَ ِرسالَتَهُ َو ه
َّللاُ يَ ْع ِص ُمكَ يا أَيُّ َها ه
الر ُ
ين ) ( 67 َّللا ال يَ ْهدِي ا ْلقَ ْو َم ا ْلكافِ ِر َ ِم َن النه ِ
اس ِإ هن ه َ
ّللا عليه وسلم المنزل عليه القرآن مأمورا ّللا صلهى هالوجه األول :لما كان رسول ه
بتبليغه إلى المكلفين وتبيينه للناس ما نزل إليهم ،ومن األشياء ما هي مشهودة لهم
ّللا
ّللا كما حكى ه
وغائبة عنهم ،ولم يؤمر أن يحرف الكلم عن مواضعه بل يحكي عن ه
له قول القائلين ،وقولهم يتضمن الغيبة والحضور ،فما زاد على ما قالوه في حكايته
سو ُل بَ ِله ْغ ما أ ُ ْن ِز َل ِإلَي َْك » عنهم وقيل له صلهى ه
ّللا عليه وسلم «:يا أَيُّ َها َّ
الر ُ
ص 35 :
معلما .فكل رسول معلم وما كل معلم رسول .
ّللا عليه وسلم بعث رحمة ،ورأى الكثير لم الوجه الثاني :لما كان الرسول صلهى ه
تصبه هذه الرحمة ،وأن علة ذلك إنما كان تأويلهم بالوجهين من التشبيه ،أو البعد عن
مدلول اللفظ بالكلية ،تحيهر في التبليغ ،وتوقف حتى يرى هل يوجب ذلك عليه ربه أم
سو ُل بَ ِله ْغ ما أ ُ ْن ِز َل ِإلَي َْك ِم ْن َر ِبه َك »فعلم الرسول أن ّللا تعالى« يا أَيُّ َها َّ
الر ُ ال ! فأنزل ه
ّللا عليه وسلم وما أخفى مما أمر بتبليغه شيئا المراد منه التبليغ ال غير ،فبلهغ صلهى ه
خص به ه أصال ،فإنه معصوم محفوظ قطعا في التبليغ عن ربه ما أمر بتبليغه ،وما
فهو على ما يقتضيه نظره .فوظيفة الرسل والورثة من العلماء إنما هو التبليغ بالبيان
واإلفصاح ال غير ،وجزاؤهم جزاء من أعطى ووهب ،وذلك بالنصيحة والتبليغ ،
علَي َْك ْس َليس بيده من األمر غير هذا فلما بلهغ قيل له « :ما عليك إال البالغ «» لَي َ
ّللا يَ ْهدِي َم ْن يَشا ُء »فإن ذلك خاص ه
باّلل ُهدا ُه ْم »« ِإنَّ َك ال ت َ ْهدِي َم ْن أ َ ْحبَب َ
ْت َول ِك َّن َّ َ
ت ِرسالَتَهُ » .فإن حقيقة الرسالة إبالغ كالم من متكلم إلى تعالى« َوإِ ْن لَ ْم ت َ ْفعَ ْل فَما بَلَّ ْغ َ
ص ُم َك ِمنَ ّللاُ يَ ْع ِ
سامع ،وهو علم يوصله إلى المرسل إليه .فأوجب عليه البالغ « َو َّ
ّللا عليه وسلم قبل أن يعرف بعصمته من الناس إذا نزل ّللا صلهى ه اس »كان رسول ه النَّ ِ
ّللا على كل شيء حفيظ ،وال يعلم منزال يقول من يحرسنا الليلة ؟ مع كونه يعلم أن ه
حافظا سواه ،ويعلم بأن المقدور كائن ،والحارس ليس بمانع ما قدر وال صائن ،لكن
ّللا مع
طلب المعبود بذل المجهود وهو يفعل ما يشاء وهذا من األمور التي شاء ،فإن ه
األنبياء بتأييد الدعوى ،ال بالحفظ والعصمة ،إال إن أخبر بذلك في حق نبي معين فإن
ّللاُ
ّللا قد عرفنا أن األنبياء قتلتهم أممهم وما عصموا وال حفظوا ،فلما نزلت« َو َّ ه
اس »أقام العصمة مقام الحرس ،ولم يجنح إلى العسس . ص ُم َك ِمنَ النَّ ِ يَ ْع ِ
ص 36
ص 36 :
الصابئون من صبا أي مال يقال :صبا فالن إلى دين فالن ،إذا مال إليه .
" َو َح ِسبُوا " أي وظنوا "أ َ َّال ت َ ُكونَ فِتْنَةٌ »فكانت الفتنة وما كان ما حسبوا« فَعَ ُموا
ص ُّموا » . . .اآلية .
َو َ
ّللا في المسيح حيث ظهر باالسم الدهر واالسم القيوم فاتخذوا لما عبدت بنو إسرائيل ه
علَ ْي ِه ْال َجنَّةَ »أي حرم ناسوت عيسى مجلى قال لهم «:إِنَّهُ َم ْن يُ ْش ِر ْك بِ َّ ِ
اّلل فَقَ ْد َح َّر َم َّ
ّللاُ َ
وّللا قد وصفهم بالستر حيث وصفهم بالكفر ،فهي آية يعطي ّللا عليه كنفه الذي يستره ه
ه
ظاهرها نفس ما يعطي ما هو عليه األمر في ذلك .
ص 37
ص 37 :
ّللا ثالث ثالثة ،ولم يكفر من قال إنه رابع ثالثة وخامس فلذلك كفر الذين قالوا إن ه
أربعة ،بالغا ما بلغ ولما كان االسم األحد ال يكون عنه شيء البتة ،وعن االسم الفرد
ظهر ما ظهر من أعيان الممكنات ،فما وجد ممكن من واحد ،وإنما وجد من جمع ،
وأقل الجمع ثالثة ،وهو أول األفراد ،فافتقر كل ممكن إلى االسم الفرد يدل على ذلك
أن التكوين اإللهي عن قول كن ،وهو ثالثة أحرف كاف وواو ونون الواو بين الكاف
والنون ال ظهور لها ألمر عارض ،أعطاه سكون النون وسكون الواو ،إال أنه للنون
سكون أمر ،فسرت هذه الحقيقة الفردية .والثالثة أول األفراد ،وكان غاية المشرك
ث ثَالث َ ٍة »ولم يزد على ذلك وما حكى عن مشرك ه
باّلل أنه قال ّللا ثا ِل ُ
أن يقول ِ «.إ َّن َّ َ
فيه غير ثالث ثالثة وجاء رابع أربعة وال ثامن ثمانية ،فلسريان حقيقة التثليث
الموجودة في األصل قال تعالى فيمن قال بالتثليث :إنه كافر وما سماه مشركا ،فإنه
ستر ما كان ينبغي له مما بيناه فلما ستر هذا البيان سماه كافرا ،ألنه ما من إله إال إله
واحد ،وإن كانت له أحكام مختلفة فلو لم يستر هذا الكافر وأبان لقال ما هو األمر عليه
.وأما من يدعي أن اآللهة ثالثة ،فذلك مشرك جاهل وهو من الضالل فإنه ما ثم على
األحدية زائد .
ص 38
ص 38 :
ّللا دار من سخط عليه .
لكون النار جعلها ه
ص 39
ص 39 :
النفراده وانتزاحه عن عباده ،فلو دخل مع الجماعة في العمل ،أللحقه في الحكم بمن
أسر وقتل ،فال تتعرضوا ألصحاب الصوامع ،فإن نفوسهم سوامع ،ترى أعينهم عند
السمع تفيض من الدمع ،ما لهم علم بما هم عليه الناس من االلتباس ،تجنبوا الحيف ،
وتدرعوا الخوف .
-تفسير من باب اإلشارة –
يا عين بالنظر الذي ....قد نلت منه تشفعي
واهمي الدموع ببابه ....وتملقي وتصنعي
باّلل ]
[ في صفة العارفين ه
سو ِل تَرى س ِمعُوا ما أ ُ ْن ِز َل ِإلَى َّ
الر ُ باّلل َ «:و ِإذا َعز وجل في صفة العارفين ه ّللا ه يقول ه
ق »ولم يقل علموا فوصفهم بالمعرفة« ع َرفُوا ِمنَ ْال َح ه ِ يض ِمنَ الد َّْم ِع ِم َّما َ أ َ ْعيُنَ ُه ْم ت َ ِف ُ
شا ِهدِينَ »ولم يقولوا علمنا . يَقُولُونَ َربَّنا آ َمنَّا فَا ْكتُبْنا َم َع ال َّ
فالعارف دون العالم الصديق ،وال يسمى عارفا إال من كان حظه من األحوال البكاء ،
ومن المقامات اإليمان بالسماع ال باألعيان ،ومن األعمال الرغبة إليه سبحانه ،
والطمع في اللحوق بالصالحين ،وأن يكتب مع الشاهدين « ،فَأَثابَ ُه ُم َّ
ّللاُ ِبما قالُوا َجنَّا ٍ
ت
هار »فأخبر تعالى أن سماعهم من الكتاب الكبير ال من أنفسهم ، ت َ ْج ِري ِم ْن ت َ ْحتِ َها ْاأل َ ْن ُ
ثم قال «:فَأَثابَ ُه ُم »وال نشك أن الصدهيقية درجة فوق هاتين الصفتين اللتين طلب
العارف أن يلحق بهما فهو
ص 40
ص 40 :
دونهما ،وقد سمي عارفا وقال تعالى « :أولئك الذين أنعم هللا عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين » فانظر إلى هذه الدرجات ،ثم لتعلم أن الشهداء
ّللا
الذين رغب العارف أن يلحق بهم هم العاملون على األجرة وتحصيل الثواب ،وأن ه
عز وجل قد برأ الصديقين من األعواض وطلب الثواب ،إذ لم يقم بنفوسهم ذلك ، ه
لعلمهم أن أفعالهم ليست لهم أن يطلبوا عوضا ،بل هم العبيد على الحقيقة ،واألجراء
س ِل ِه أُولئِ َك ُه ُم ال ِ ه
ص هدِيقُونَ »ولم يذكر لهم عز وجل َ «:والَّذِينَ آ َمنُوا بِ َّ ِ
اّلل َو ُر ُ مجازا قال ه
عوضا على عملهم ،إذ لم يقم لهم به خاطر أصال ،لتبريهم من الدعوة .ثم قال «:
ور ُه ْم »وهم الرجال الذين رغب العارف أن يلحق ش َهدا ُء ِع ْن َد َر ِبه ِه ْم لَ ُه ْم أ َ ْج ُر ُه ْم َونُ ُ
َوال ُّ
بهم ،ويرسم في ديوانهم ،وقد جعلهم تعالى في حضرة الربوبية ،ولم يشترط في
إيمان الصديقين السماع ،كما فعل بالعارفين حكمة منه سبحانه .
ّللا عليه وسلم أين جعل العارف حيث جعله الحق فقال : ّللا صلهى ه وانظر أدب رسول ه
« من عرف نفسه عرف ربه » ولم يقل علم فلم ينزله عن حضرة الربوبية وال عن
حضرة نفسه التي هي صاحبة الجنة كما قال « :وفيها ما تشتهي األنفس » فالعارف
صاحب الشهوة المحمودة تربيه بين يدي العالم الصديق .
ظاهر الشرع يعطي أن العامل في الحال رزقكم ،فإن من هنا في قوله ِ «:م َّما َرزَ قَ ُك ُم
ّللاُ »للتبيين ال للتبعيض ،فإنه ال فائدة للتبعيض ،فإن التبعيض محقق مدرك ببديهة َّ
العقل ألنه ليس في الوسع العادي أكل الرزق كله ،وإن كانت للتبيين وهي متعلقة
ّللا ،ّللا هو الحالل الطيب ،فإن أكل ما حرم عليه فما أكل رزق ه بكلوا فبين أن رزق ه
ّللا عند بعض العلماء جميع ما يقع به التغذي من حالل وحرام ،فنهانا عن فإن رزق ه
ّللا في الحرام ما نهانا عنه ،فإذا ما هو الحرام رزق التغذي بالحرام ،فلو كان رزق ه
ّللا هو الحالل.
ّللا وإنما هو رزق ،ورزق ه
ه
ص 41
ص 41 :
سورة المائدة ( : ) 5آية 89
ارتُهُ إِ ْطعا ُم مان فَ َكفه َ عقه ْدت ُ ُم ْاأل َ ْي َ
ؤاخذُ ُك ْم ِبما َ َّللاُ ِبالله ْغ ِو فِي أ َ ْيمانِ ُك ْم َول ِك ْن يُ ِ
ؤاخذُ ُك ُم ه ال يُ ِ
ير َرقَبَ ٍة فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج ْد س َوت ُ ُه ْم أ َ ْو تَحْ ِر ُون أ َ ْه ِلي ُك ْم أ َ ْو ِك ْ ين ِم ْن أ َ ْو َ
س ِط ما ت ُ ْط ِع ُم َ عش ََر ِة َمسا ِك َ َ
ظوا أ َ ْيمانَ ُك ْم كَذ ِلكَ يُبَ ِيّ ُن ه
َّللاُ لَ ُك ْم ارةُ أ َ ْيمانِ ُك ْم ِإذا َحلَ ْفت ُ ْم َواحْ فَ ُ
فَ ِصيا ُم ثَالث َ ِة أَيه ٍام ذ ِلكَ َكفه َ
ون ) ( 89 شك ُُر َ آيا ِت ِه لَعَله ُك ْم ت َ ْ
باّلل ،وما عدا ذلك من األقسام فهو ساقط ما ينعقد به يمين في المقسوم عليه ال قسم إال ه
ّللاُ بِاللَّ ْغ ِو فِي أَيْمانِ ُك ْم »واللغو :الساقط فمعناه ال ؤاخذُ ُك ُم َّ
،ولهذا قال تعالى «:ال يُ ِ
ؤاخذُ ُك ْم بِما َ
عقَّ ْدت ُ ُم ّللا باأليمان التي أسقط الكفارة فيها إذا حنثتم َ «،ول ِك ْن يُ ِ يؤاخذكم ه
ْاألَيْمانَ »فلما سقط العقد بالقلب عند اليمين ،سقطت الكفارة إذا وقع الحنث ،وال
باّلل ال خالف بين العلماء أن الكفارة في األيمان المذكورة في القرآن أنها في اليمين ه
بغيره .وجاء باأليمان معرفة باإلضافة واأللف والالم ،وقد صح عن النبي صلهى ه
ّللا
ّللا .
عليه وسلم النهي عن اليمين بغير ه
[أنواع األقسام]
أنواع األقسام :راجع سورة الحاقة آية «38فَال أ ُ ْق ِس ُم ِبما تُب ِ
ْص ُرونَ َوما ال تُب ِ
ْص ُرونَ
»فكفارته إطعام عشرة مساكين .
إنما عوقب بالكفارة ألنه أمر بمكارم األخالق ،واليمين على ترك فعل الخير من مذام
ّللا بين
األخالق ،فعوقب بالكفارة .ومن وجه آخر ،إن المسئ في حقنا الذي خيرنا ه
جزائه بما أساء وبين العفو عنه ،أنه لما أساء إلينا أعطانا من خير اآلخرة ما نحن
ّللا الغطاء بيننا وبين ما لنا من الخير في اآلخرة في محتاجون إليه ،حتى لو كشف ه
تلك المساءة حتى نراه عيانا لقلنا :إنه ما أحسن أحد في حقنا ما أحسن هذا الذي قلنا
عنه :إنه أساء في حقنا ،فال يكون جزاؤه عندنا الحرمان ،فنعفو عنه فال نجازيه
ونحسن إليه مما عندنا من الفضل على قدر ما تسمح به نفوسنا ،فإنه ليس في وسعنا
وال يملك مخلوق في الدنيا ما يجازي به من الخير من أساء إليه ،وال يجد ذلك الخير
ممن أحسن إليه في الدنيا ،ومن كان هذا عقده ونظره كيف يجازي المسئ بالسيئة إذا
كان مخيهرا فيها ؟ فلما آلى وحلف من أسيء إليه فما وفي المسئ حقه وإن لم يقصد
المسئ إيصال ذلك الخير إليه ،ولكن اإليمان قصده ،فينبغي له أن يدعو له إن كان
مشركا باإلسالم ،وإن كان مؤمنا بالتوبة والصالح .ولو لم يكن ثم إخبار من
ص 42
ص 42 :
ّللا بالخير األخروي لمن أسيء إليه إذا صبر ولم يجاز ،لكان المقرر في العرف بين ه
الناس كافيا فيما في التجاوز والعفو والصفح عن المسئ ،فإن ذلك من مكارم األخالق
ي ما اتصفت أنا وال ظهرت مني هذه المكارم من األخالق ،ولوال إساءة هذا المسئ إل ه
،كما أني لو عاقبته انتفت عني هذه الصفات في حقه ،وكنت إلى الذ هم أقرب مني إلى
أن أحمد على العقاب ،فكيف والشرع قد جاء في ذلك ! بأن أجر من يعفو ويتجاوز
ّللا في كل نفس مع ماّللا فال تدخل ابتداء في اليمين ،فأهل ه
وال يجازي أنه على ه
يكشف لهم ،فال يدرون حكم النفس الثاني ،فال يحسن بهم التقيد باليمين على أمر في
المستقبل .
[ كل مسكر حرام ]
قال صلهى ه
ّللا عليه وسلم :كل مسكر حرام ،فالحكم التحريم ،والعلة اإلسكار ،فالحكم
أع هم من العلة الموجبة للتحريم ،فإن التحريم قد يكون له سبب آخر غير السكر في أمر
آخر .وال يطرب الشارب إال إذا شرب خمرا وإذا شرب خمرا فقد جاء شيئا إمرا ،
ألنه يخامر العقول فيحول بينها وبين األفكار ،فيجعل العواقب في األخبار فيبدي
األسرار برفع األستار فحرمت في الدنيا لعظيم شأنها ،وقوة سلطانها .األزالم :
قداحة الميسر ،واحده زلمة وقد أمرنا باجتناب عمل الشيطان في قوله « :فإنه رجس
ّللا « فاجتنبوه » أي كونوا مع االسم
من عمل الشيطان » وهو البعيد من رحمة ه
القريب من الرحمة.
ص 43
ص 43 :
ين ( ) 93يا سنِ َ ب ا ْل ُمحْ ِ سنُوا َو ه
َّللاُ يُ ِح ُّ ت ث ُ هم اتهقَ ْوا َوآ َمنُوا ث ُ هم اتهقَ ْوا َوأَحْ َ صا ِلحا ِ َوع َِملُوا ال ه
ص ْي ِد تَنالُهُ أ َ ْيدِي ُك ْم َو ِرما ُح ُك ْم ِليَ ْعلَ َم ه
َّللاُ َم ْن ش ْي ٍء ِم َن ال هَّللاُ ِب َ أَيُّ َها الهذ َ
ِين آ َمنُوا لَيَ ْبلُ َونه ُك ُم ه
َذاب أ َ ِلي ٌم ) ( 94 ب فَ َم ِن ا ْعتَدى بَ ْع َد ذ ِلكَ فَلَهُ ع ٌ يَخافُهُ ِبا ْلغَ ْي ِ
ّللا هو الخوف األعظم ،فإنه المسلهط وبيده ملكوت كل شيء فأين اعلم أن الخوف من ه
األمان ؟ فاإلنسان إذا كان في أمان في دنياه وفي ماله وعلى نفسه مما يؤذيه ،فعليه
ّللا مما في غيبه ،مما ال يعلمه وال يعلم أوانه ،ولو كان الخائف يخاف أن يخاف من ه
ّللا مطلقا لتعلق خوفه على دينه ،فإن سبيل الشيطان إلى قلبه ليست آمنة ،كما أمنت ه
ّللا شغله خوفه عن ماله السبل الظاهرة التي تمر فيها السفار من الناس .وإذا خاف ه
ونفسه ،فإنه يخاف على دينه أن يسلبه منه الشيطان ،فالعاقل يجب أن يكون في حال
ّللا تعالى ، أمنه خائفا من ه
ّللا
ّللا الذي سبق بإنزاله ،ولم يكن في حق قوم إنفاذه في علم ه فكان إنزال الوعيد بعلم ه
ّللا لنفذ فيهم كما ينفذ الوعد الذي هو في الخير ،ألن اإليعاد ال ،ولو كان في علم ه
يكون إال في الشر ،والوعد يكون في الخير وفي الشر معا .يقال :أوعدته في الشر ،
ووعدته في الشر والخير .
س ْلنا ِم ْن َر ُ
سو ٍل ِإ َّال ِب ِل ِ
سان قَ ْو ِم ِه ِليُبَ ِيهنَ لَ ُه ْم »فمما بين لهم تعالى ، وقال تعالى َ «:وما أ َ ْر َ
التجاوز عن السيئات في حق من أساء من عباده ،واألخذ بالسيئة من شاء من عباده ،
ص 44
ص 44 :
ولم يفعل ذلك في الوعد بالخير فأعلمنا ما في علمه .
ص 45
ص 45 :
كل مسمى صيد مما يحل صيده وأكله من الطير وذوات األربع .أو كفارة بإطعام ،
وح هد ذلك أن ينظر قيمة ما يساوي ذلك المثل ،فيشتري بقيمته طعاما فيطعمه للمساكين
صياما ً »يعني أو مثل ذلك صياما ،إذ العدل :المثل فننظر إلى أقرب ع ْد ُل ذ ِل َك ِ «.أ َ ْو َ
الكفارات شبها بهذه الكفارة الجامعة لهدي أو إطعام أو صيام ،فال نجد إال من حلق
رأسه وهو محرم ألذى نزل به ،ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ،فذكر الثالثة
المذكورة في كفارة قتل الصيد ،فجعل الشارع هنالك في اإلطعام ستة مساكين ،لكل
مسكين نصف صاع ،وجعل الصيام ثالثة أيام ،فجعل لكل صاع يوما ،فننظر القيمة
فإن بلغت صاعا أو أقل فيوم ،فإن الصوم ال يتبعض وإن بلغت القيمة أن نشتري بها
صاعين ،أو دون الصاعين أو أكثر من الصاع ،فيومان وهكذا ما بلغت القيمة وأعني
بالقيمة قيمة المثل ،يشتري بها طعاما فيطعم ،والصيام محمول على ما حصل من
الطعام بالشراء على ما قررناه ،فهو مخيهر بين المثل واإلطعام بقيمة المثل والصيام
بحسب ما حصل من الطعام من قيمة المثل ،والحكمة في ذلك أن المثل على مذهبنا
صيد صاده حالل في حالل ،فيطلقه القاتل عند الكعبة فهو إحياء للمثل من القتل
الجائز عليه من الحالل في الح هل ،والحكمة في المثل على المذاهب األخرى وهو ما
يقدم من النعم األنسي ،وكذا في الطعام فإن تناوله سبب في بقاء حياة المتغذي به ألنه
أتلف نفسا ،وأزال حياة فجبرها وكفر ذلك بما يكون سببا إلبقاء حياة ،فكأنه أحياها
زمان بقائها بحصول ذلك الغذاء من المثل أو الطعام ،وأما الصيام فإنه صفة ربانية ،
فكلهف أن يأتي بها هذا القاتل إن لم يكفر بالمثل أو اإلطعام ،أن يكفر بالصوم ،حتى
يكون القاتل غير محجور عليه ،فيتلبس بصفة الحق وهو الصوم ،من قوله تعالى « :
الصوم لي » فال يتصف الحق بالحجر عليه ،فيتلبس القاتل بصفة هي للحق ،فيحصل
في الحمى عن الحجر عليه ،فإذا صام كان الصوم للحق والجوع للقاتل ،فبما في
الصوم من الجوع في حقه الذي ليس للحق يكون كفارة ،ألن الجوع من األسباب
المزيلة للحياة من الحي ،فأشبه القتل الذي هو سبب مزيل للحياة من الحي ،ولم تزل
حياة القاتل ألنه جوع صوم ،والصوم من صفات الحق وهو غير مؤثر في الحياة
سلَ َ
ف ع َّما َ
ّللاُ َ األزلية ،فلهذا لم يجع جوع إتالف فقال تعالى ِ «:ليَذُوقَ َوبا َل أ َ ْم ِر ِه َ
عفَا َّ
ّللا منه إما بإعادة الجزاء فإنه ّللاُ ِم ْنهُ »ومن عاد لمثل ذلك الفعل فينتقم ه
َو َم ْن عا َد فَيَ ْنت َ ِق ُم َّ
وبال ،والوبال :االنتقام وإما أن يسقط عنه في الدنيا
ص 46
ص 46 :
ّللا منه بمصيبة يبتليه بها ،إما في الدنيا وإما في اآلخرة هذا الوبال المعين ،وينتقم ه
قام »أما من قتل صيدا خطأ فال شيء عليه ،وإذا يز ذُو ا ْنتِ ٍ
ع ِز ٌ
ّللاُ َ
فإنه لم يعيهن َ «.و َّ
اشترك جماعة من المحرمين في قتل الصيد ،فإن عرف كل واحد من الشركاء أنه
ضربه في مقتل ،كان على كل من ضربه في مقتل جزاء ،ومن جرحه في غير مقتل
فال جزاء عليه ،وهو آثم حيث تعرض باألذى لما حرم عليه ،وال يجوز للقاتل أن
ّللا ما عيهن ،وأما
يكون أحد الحكمين ،وأما عن اإلطعام فحيثما أطعم أجزأه ألن ه
الحا هل يقتل الصيد في الحرم فال شيء عليه وهو آثم ،والمحرم إذا قتل الصيد وأكله
فعليه كفارة واحدة .
ص 47
ص 47 :
أن تنالك ،فأمرك أن تحرم ،فدخلت في اإلحرام ،فصرت حراما ،وما جعل ذلك لك
عن أمره سبحانه إال ليكون ذلك قربة إليه ،ومزيد مكانة عنده تعالى ،وحتى ال تنسى
عبوديتك التي خلقت عليها بكونه تعالى جعلك مأمورا في هذه المنعة ،دواء لك نافعا ،
يمنع من علة تطرأ عليك لعظيم مكانتك ،فال بد أن يؤثر فيك خلقك على صورته عزة
في نفسك ،فشرعها لك في طاعته بأمر أمرك فيه أن تكون حراما ،ال احتجارا عليك
بل احتجارا لك ،فاإلنسان عبد عينا ورتبة ،كما هو سيد عينا ال رتبة ،ولهذا إذا
ادهعى الرتبة قصم وحرم ،وإذا ادهعى العين عصم ورحم ،واإلنسان واحد في الحقيقة
،غير أنه ما بين معتنى به وغير معتنى به .
ص 48
ص 48 :
ّللا ما يجب عليه إال البالغ ،وما يلزمه خلق القبول والهداية في نفس
الداعي إلى ه
السامع .
ص 49
ص 49 :
ض ُّر ُك ْم َم ْن َ
ض َّل إِذَا ا ْهت َ َد ْيت ُ ْم »بما عرفتكم به مني في كتابي ،وعلى لسان «ال يَ ُ
رسولي ،فعرفتموني بما وصفت لكم به نفسي فلم تضلوا ،فكانت لكم هدايتي نورا
تمشون به على صراطنا المستقيم .
ص 50
ص 50 :
[قول الرسل عليهم السالم يوم القيامة "ال علم لنا "]
الوجه األول :من ال ينطق عن الهوى ال يسأل عما يقول سؤال مناقشة وحساب ،
ولكن قد يسأل سؤال استفهام إلظهار علم يستفيده السامعون ،كسؤال الحق رسله وهم
ال ينطقون عن الهوى يوم يجمعهم فيقول «:ما ذا أ ُ ِج ْبت ُ ْم »فيقولون « :ال ِع ْل َم لَنا ِإنَّ َك
أن الرسل هم أتم العالم كشفا ب » ،فيعلم أهل الموقف أصحاب الكشف ه ع َّال ُم ْالغُيُو ِ ت َأ َ ْن َ
ّللا على إجابة القلوب من أممهم ،وال إجابة من وصلت إليهم ،ومع هذا فما أطلعهم ه
دعوتهم ولم يكونوا حاضرين ،وال من كان حاضرا وأجابه بلسانه ،هل أجابه بقلبه
كما أجابه بلسانه ؟
فإن قلت :فقد سمع إجابة من أجابه بلسانه وما أجابه به ،قلنا :لقرائن األحوال حكم ال
يعرفه إال من شاهدها ،وقد عرفنا من عين جواب الرسل عليهم السالم أنهم فهموا عن
ع َّال ُمت َ ّللا عند هذا السؤال أنه أراد إجابة القلوب ،فإنهم قالوا «:ال ِع ْل َم لَنا ِإنَّ َك أ َ ْن َ ه
صلوا بين من سمعوا إجابته ب »فلو فهموا من سؤاله تعالى إجابة األلسنة لف ه ْالغُيُو ِ
ببإقراره بلسانه ،وبين من لم يسمعوا ذلك منه ،فلما ذكروا في الجواب« ْالغُيُو ِ
أن الذي يكشف له ما »علمنا أن السؤال كان عن جواب القلوب ،واستفدنا من هذا ه
يلزم أن يعم كشفه كل شيء ،لكن عنده استعداد الكشف ال غير ،فما جلى له الحق من
أسرار العالم في مرآة قلبه إن كان معنى ،أو في مرآة بصره إن كان صورة كشفه
ورآه ال غير .وأما عن سؤال الحق الرسل وطلبه منهم العلم فإنهم أصحاب الكشف
األتم ،ولكنهم ال يعرفون ما آل إليه أمر المبصرات في زمان رفع الكشف هل بقوا
على ما كانوا عليه ؟
أو هل انتقلوا عن ذلك فقالوا «:ال ِع ْل َم لَنا »والجواب بالظنون ال يليق ،ثم تمموا
ب »فقيدوه بالغيوب فإنه في يوم تبلى فيه السرائر ، ع َّال ُم ْالغُيُو ِ
ت َ فقالوا ِ «:إنَّ َك أ َ ْن َ
والسرائر غيوب العالم بعضهم عن بعض ،فعلمنا الحق بهذه اآلية التأدب مع أصحاب
الكشف ،وأن نعلم مراتب الكشف لئال ننزل صاحب
ص 51
ص 51 :
الكشف فوق منزلته ،ونطلب منه ما ال يستحقه حاله ،فنتعبه وال نعذره ونصفه
بالجهل في ذلك وال علم لنا بأنا جهلنا ،فتكون جهالتان.
الوجه الثاني :لما يعلم الرسل عليهم السالم بقرينة الحال أن السؤال سؤال استفهام
ع َّال ُم
ت َعن إجابتهم بالقلوب فيقولون« ال ِع ْل َم لَنا »أي لم نطلع على القلوب « ِإنَّ َك أ َ ْن َ
ب »تأكيد وتأييد بأن الحكم في اآلخرة للعلم ال للقول ،وعلمنا نحن من هذه اآلية ْالغُيُو ِ
من قول الرسل عليهم الصالة والسالم أن العلم باإلجابة من علوم الغيوب ،فال يعلم
ّللا .
من أجاب إال من هويته غيب ،وليس إال ه
ّللا تعالى أممهم ظاهرا الوجه الثالث :من هنا علمنا أن الرسل لما وجهوا دعوا إلى ه
وباطنا بدعوة واحدة ،فلو كلفوا الظواهر لم يكن قولهم« ال ِع ْل َم لَنا »جوابا ،ومن هنا
لم يصح جميع فروع أحكام الشريعة من المنافق ،ألنه ما أجاب بباطنه لدعوته ،مثل
ما أجاب بظاهره ،وصحت فروع أحكام الشريعة من العاصي المؤمن بباطنه ،فعلمنا
أن المقصود للشرع الباطن ،ولكن بشرط مخصوص ،وهو أن يعم اإليمان جميع
فروع األحكام وأصولها.
الوجه الرابع :أن الرسل ما تسأل يوم القيامة إال ألجل إنكار األمم التبليغ الذين لم
يجيبوا في الدنيا إذا رأوا العذاب نازال بهم ،أو اعترافهم باإلجابة ولم تقع منهم ،لذلك
ّللا صلهى ه
ّللا س َل فَيَقُو ُل ما ذا أ ُ ِج ْبت ُ ْم »وقد أخبر رسول ه الر ُ
ّللاُ ُّ
قال تعالى «:يَ ْو َم يَ ْج َم ُع َّ
ب ْال َج ِح ِيم
صحا ِ ع ْن أ َ ْ
عليه وسلم أنه غير داخل في هذا الجمع بقوله تعالى َ «:وال ت ُ ْسئ َ ُل َ
»أي ما عليك سؤال ،هل أجابوك أم ال ؟ فيكون مزيد درجة راحة للنبي عليه السالم
يوم القيامة على سائر الرسل .
ع َّال ُم ْالغُيُو ِ
ب تحقيق :صدق الرسل عليهم السالم حيث قالوا «:ال ِع ْل َم لَنا ِإنَّ َك أ َ ْن َ
ت َ
ّللا ،وما عدا الطريقة اإللهية في التعليم »فإنه كذا هو األمر فال علم ألحد إال أن يعلمه ه
ّللا يَ ْجعَ ْل لَ ُك ْم فُ ْرقانا ً »فإنما هو غلبة ظن ،أو مصادفة علم ،أو وهي قوله «:إِ ْن تَتَّقُوا َّ َ
جزم على وهم ،وأما علم فال ،فإن جميع الطرق الموصلة إلى العلم فيها شبه ،ال
ّللا على هذه الشبه أن تقطع بحصول علم منها إال تثق النفس الطاهرة التي أوقفها ه
بالطريقة اإللهية المذكورة .
ص 52 :
الطي ِْر ِبإِ ْذنِي " فخلق عيسى عليه السالم للطير كان بإذن ين َك َه ْيئ َ ِة َّ " َو ِإ ْذ ت َ ْخلُ ُق ِمنَ ِ ه
الط ِ
ّللا ،ألنه مأذون في ذلك ،فال يكون من ّللا ،فكان خلقه له عبادة يتقرب بها إلى ه ه
المصورين الذين يعذبون يوم القيامة بأن يقال لهم :أحيوا ما خلقتم وال قدرة لهم على
ذلك .
ّللا ،والمأمور عبد ،والعبد ال فما أضاف خلق عيسى عليه السالم للطائر إال إلذن ه
يكون إلها ،ولما كان يستحيل أن يكون لألسباب أثر في المسببات ،
طيْرا ً ِبإِ ْذنِي
ون َ
فإن ذلك لسان الظاهر كما قال في عيسى عليه السالم «:فَت َ ْنفُ ُخ فِيها فَت َ ُك ُ
»ال بنفخك ،والنفخ سبب التكوين الظاهر ،وليس في الحقيقة إال عن اإلذن اإللهي ،
وهذا وجه ال يطلع عليه من العبيد نبي مرسل وال ملك مقرب .
وقوله تعالى «:بِإِ ْذنِي »متعلق بقوله «:فَت َ ْنفُ ُخ »فكان عيسى عليه السالم ينفخ في
الطائر الذي خلقه روحا فيكون طائرا بالصورة والمعنى وقيل ليس إال صورة طائر ال
طائر ،
الطي ِْر »وما قال طيرا حتى حصل فيه الروح ،وأضاف عز وجل َ «:ك َه ْيئ َ ِة َّ
ولذلك قال ه
الحق النفخ إلى عيسى عليه السالم فيما خلقه من الطين ولم يضف نفخا في إعطاء
الحياة لغير عيسى بل لنفسه تعالى ،إما بالنون أو بالتاء التي هي ضمير المتكلم عن
نفسه ،فالنفخ من عيسى لوجود الروح الحيواني ،إذ كان النفخ أعني الهواء الخارج
من عيسى هو عين الروح الحيواني ،فدخل في جسم هذا الطائر وسرى فيه ،إذ كان
هذا الطائر على استعداد يقبل الحياة بذلك النفس ،كما قبل العجل الحياة مما رمى فيه
ّللا ،فكل من أنشأ
ّللا ،كما خار عجل السامري بإذن هالسامري ،فطار الطائر بإذن ه
صورة بغير روح فذلك هو المصور الذي يعذب بما صوره يوم القيامة ،بأن يقال له
هنالك :أحي ما خلقت ،وليس بمحيي ،
ويقال له :انفخ فيها روحا ،وليس بنافخ .هذا من حكم الموطن ألن ذلك
ص 53
ص 53 :
الموطن أعني موطن الحشر يعطي ظهور عجز العالم عما كان ينسب إليه في موطن
الدنيا من االقتدار عليه « .وتبرئ األكمه واألبرص وإذ تخرج الموتى بإذني » أي
بأمري لما كنت لسانك وبصرك تكونت عنك األشياء التي ليست بمقدوره لمن ال أقول
على لسانه ،فالتكوين في الحالين لي« فَقا َل الَّذِينَ َكفَ ُروا ِم ْن ُه ْم ِإ ْن هذا ِإ َّال ِس ْح ٌر ُم ِب ٌ
ين »
السحر :مشتق من السحر ،وهو اختالط الضوء والظلمة ،فال يتخلص ألحد الجانبين
،فالسحر له وجه إلى الحق فيشبه الحق ،وله وجه إلى غير الحق فيشبه الباطل ،
والسحر هو الرئة وهي التي تعطي الهواء الحار الخارج والهواء البارد الداخل وبها
ينفث الساحر في العقد .
[ -إشارة -المائدة ]
-إشارة -المائدة إشارة إلى أي حاجة طلبت ،فال تطلبها حتى تعلم ما الذي يترتب
ص 54
ص 54 :
ّللا تعالى ،فإن علمت أنك تقوم به فحينئذ ،وإال فدعه
عليك من الحقوق من جانب ه
سبحانه يختار لك ما يعلم فيه صالحك ،وانظر في قوله تعالى في شرط المائدة « :
فمن كفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا ال أعذبه أحدا من العالمين »وذلك بمنزلة من
ّللا إليه ملكا يسدده ،وإلى
يطلب اإلمارة فيوكل إليها ،وإن جاءته من غير طلب بعث ه
ذلك أشرنا بقولنا :ال تطلب مائدة حتى تعرف شرطها ،وال تقصد رفعها وحطها ،
حتى تعرف معناها ،وما أراد بها موالها.
ص 55
ص 55 :
ق »والمدعي يسمع ون ِلي أ َ ْن أَقُو َل ما لَي َ
ْس ِلي بِ َح ه ٍ تقتضي المواجهة والخطاب« ما يَ ُك ُ
ذلك ،وقد علم بقرينة الحال والموطن ذلك المدعي أن عيسى عليه السالم ليس من
أهل الكذب ،وأن إنكاره لما ادعوه صحيح ،علمنا عند ذلك أنه تعالى أراد توبيخهم
وتقريرهم .
فاالستفهام لعيسى عليه السالم ،والتقرير والتوبيخ لمن عبده من أمته وجعله إلها ،وقد
وقع في الصورة ،صورة االستفهام ،وهو في الحقيقة توبيخ فإن االستفهام ال يصح
ّللا جملة واحدة ،ويصح منه تعالى التقرير إلقامة الحجة والتوبيخ ،فإن االستفهام من ه
على الحقيقة ال يكون إال ممن ال يعلم ما استفهم عنه .ومثل هذا في صناعة العربية إذا
أعربوه في االصطالح يعربونه همزة تقرير وإنكار ال استفهام ،وإن قالوا فيه همزة
استفهام والمراد به اإلنكار ،فلهم في إعراب مثل هذا طريقتان« ِإ ْن ُك ْنتُ قُ ْلتُهُ فَقَ ْد
ع ِل ْمتَهُ »ألنك أنت القائل ،ومن قال أمرا فقد علم ما قال ،وأنت اللسان الذي أتكلم به ، َ
ّللا عليه وسلم عن ربه في الخبر اإللهي ،فقال ( :كنت ّللا صلهى ه
كما أخبرنا رسول ه
لسانه الذي يتكلم به ) فجعل هويته عين لسان المتكلم ،ونسب الكالم إلى عبده ،ثم تمم
العبد الصالح الجواب بقوله « :ت َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِسي َوال أ َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِس َك »
[ قول عيسى عليه السالم « :تعلم ما في نفسي وال أعلم ما في نفسك » ]
الوجه األول -اعلم أن علم الحق بنا قد يكون معلوما لنا ،وأما علمه بنفسه فال يعلم
ّللا عليه وسلم« َوال أ َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِس َك »أي نفس الحق - لعلو قدسه ،وهو قوله صلهى ه
الوجه الثاني َ «-وال أ َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِس َك »من القضاء والقدر فإنه ال يعلم ما في نفس ه
ّللا
-الوجه الثالث -أن تكون النفس هنا نفس عيسى عينه ،فإذا جهل العبد ما هي عليه
نفسه من حكم االستعداد ،فهو بما هو عليه في المستأنف أجهل ،فأضاف عيسى عليه
ّللا من وجه ما هي هّلل ،فقال ": السالم نفسه إليه من وجه ما هي له ،وأضافها إلى ه
ت َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِسي َوال أ َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِس َك »أي نفسي هي نفسك وملكك ،فإنك اشتريتها
وما هي ملكي ،فأنت أعلم بما جعلت فيها ،فأضاف نفسه إليه من حيث عينها هي له
،ومن حيث وجودها هي هّلل ال له ،
فقال " :ت َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِسي "من حيث عينها« َوال أ َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِس َك »من حيث وجودها
،وهو من حيث ما هي لك .
ّللا والتبري مما فهذه إضافة تشريف ،كمثل عبد الملك وخديمه وهو أتم في الثناء على ه
ب »أي ما غاب عنا من ذلك تعلمه أنت وال ع َّال ُم ْالغُيُو ِ
ت َنسب إليه ثم قال «ِ :إنَّ َك أ َ ْن َ
أعلمه أنا ،فإنه ما يكون فيها إال ما تجعله أنت ،فكيف يستفهم من له الخلق واألمر ؟
ّللا غيب ،علمنا أن الغيب أمر ولما لم يتصور في حق ه
ص 56
ص 56 :
إضافي لما غاب عنا - ،الوجه الرابع «-ت َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِسي »
[ قول عيسى عليه السالم « :ما قلت لهم إال ما أمرتني به » ]
والمتكلم الحق ،وال أعلم ما فيها فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته ال من
ت »فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه إذ حيث أنه قائل وذو أثر« ِإنَّ َك أ َ ْن َ
ّللا .
ال يعلم الغيب إال ه
-الوجه الخامس -من المتشابه صفة النفس في قوله تعالى «:ت َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِسي َوال
أ َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِس َك »ألن النفس في اللغة تستعمل لمعان كلها تتعذر في الظاهر هاهنا ،
وقد هأولها العلماء بتأويالت منها أن النفس عبر بها عن الذات والهوية ،وهذا وإن كان
سائغا في اللغة ولكن تعدى الفعل إليها بواسطة « في » المقيدة للظرفية محال ،ألن
الظرفية يلزمها التركيب ،والتركيب في ذاته محال .وقد أولها بعضهم بالغيب أي وال
ب» ع َّال ُم ْالغُيُو ِ
ت َ أعلم ما في غيبك وسرك وهذا حسن لقوله« ِإنَّ َك أ َ ْن َ
وإذا كنا قد فسرنا ظلل غمامه وظلة غمام آياته بالصورة التي يأتي فيها ربنا يوم
القيامة ،فنفسه هي أم كتابه وهي اآليات المحكمات ،قال تعالى ُ «:ه َو الَّذِي أ َ ْنزَ َل
ب »واآليات المحكمات هي اآليات الدالة مات ُه َّن أ ُ ُّم ْال ِكتا ِ
آيات ُم ْح َك ٌ ٌ علَي َْك ْال ِك َ
تاب ِم ْنهُ َ
على وحدانيته كما سبق أن أوضحناه ،فقوله تعالى «:ت َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِسي َوال أ َ ْعلَ ُم ما
ِفي نَ ْف ِس َك »إذا أخرجته على هذا تطلع على أسرار بديعة ،وذلك أن السياق اشتمل
على سؤال عيسى عليه السالم عما بلغه لبني إسرائيل ،هل أمرهم بتوحيد ربهم ؟ أو
بأن يعبدوا له وألمه ؟ ومن المعلوم أنه :لم يكن أمرهم إال بالتوحيد ،فلما أراد أن
يخبر بذلك تلطف في اإلخبار به إجماال وتفصيال ،أما تفصيال فبقوله «:ما قُ ْلتُ لَ ُه ْم
ِإ َّال ما أ َ َم ْرتَنِي ِب ِه » -اآلية -وأما إجماال فبقوله «:ت َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِسي َوال أ َ ْعلَ ُم ما فِي
نَ ْف ِس َك »فقوله َ «:وال أ َ ْعلَ ُم ما فِي نَ ْف ِس َك »أي أم كتابك المشتمل على سر قدرك ،وأن
القلم جرى فيه بكفرهم .وقوله «:ت َ ْعلَ ُم ما ِفي نَ ْف ِسي »أي ما في أم كتابي ،وهو ما
ّللا له من بينات التوحيد ،وأيده به من روح القدس ،ومن شأن المحجوبين عن كتبه ه
ّللا تعالى من أرباب الرئاسة موادعة من عبدهم ،وعبد أقاربهم ألجلهم ،وأهل القلوب ه
اّلل َو ْاليَ ْو ِم
المؤمنة يبرءون من ذلك بمقتضى قوله تعالى «:ال ت َ ِج ُد قَ ْوما ً يُؤْ ِمنُونَ بِ َّ ِ
اإليمانَ َوأَيَّ َد ُه ْم ب فِي قُلُو ِب ِه ُم ْ ِ سولَهُ -إلى قوله -أُولئِ َك َكت َ َ ّللا َو َر ُْاآل ِخ ِر يُوا ُّدونَ َم ْن َحا َّد َّ َ
وح ِم ْنهُ »ومن المعلوم أن عيسى عليه السالم كتب في قلبه اإليمان وأيد بالروح ، ِب ُر ٍ
فلهذا قال «:ت َ ْعلَ ُم ما ِفي نَ ْف ِسي »أي ما كتبته من اإليمان في قلبي ،وأيدتني به من
الروح ،وأن ذلك ثمرة كوني لم أوادد هؤالء الذين عبدوني وعبدوا أمي من دونك.
ص 57
ص 57 :
[سورة المائدة ( : ) 5آية ] 117
علَ ْي ِه ْم ش َِهيدا ً ما د ُْمتُ ما قُ ْلتُ لَ ُه ْم إِاله ما أ َ َم ْرتَنِي ِب ِه أ َ ِن ا ْعبُدُوا ه َ
َّللا َر ِبّي َو َربه ُك ْم َو ُك ْنتُ َ
ش ْي ٍء ش َِهي ٌد) ( 117 علَ ْي ِه ْم َوأ َ ْنتَ عَلى ُك ِ ّل َ يب َ الرقِ َيه ْم فَلَ هما ت َ َوفه ْيتَنِي ُك ْنتَ أ َ ْنتَ ه
فِ ِ
-الوجه األول «-ما قُ ْلتُ لَ ُه ْم ِإ َّال ما أ َ َم ْرتَنِي ِب ِه »ما زدت على ذلك شيئا ،وإذا قال
القائل ما أمر به أن يقوله فقد خرج من العهدة بما بلغ .وقول عيسى عليه السالم« ما
أ َ َم ْرتَنِي بِ ِه »ولم يقل به أمرت مع أن األمر بالتوحيد لم يختص به بل أمر به جميع
األنبياء ،في ذلك تنبيه لنا على سر القدر وأن األمر أمران :أمر حقيقة ،وأمر شريعة
،فأمر الحقيقة:
ون »وهو ش ْيءٍ ِإذا أ َ َر ْدناهُ أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُهو المشار إليه بقوله ِ «:إنَّما قَ ْولُنا ِل َ
متوجه إلى جميع الكائنات ،فما من كفر وال إيمان إال وهو مأمور به بهذا االعتبار
ألنه ال يكون إال بأمره ،وأما أمر الشريعة فهو الذي ربط به الثواب والعقاب وقامت
ع َّما يَ ْفعَ ُل َو ُه ْم يُ ْسئَلُونَ »فمن هذا يفهم السر في قول عيسى عليه به الحجة« ال يُ ْسئ َ ُل َ
السالم «:أ َ َم ْرتَنِي بِ ِه »خصصه باإلضافة إليه تنبيها على أمر الشريعة ،ولم يقل
أمرت تنبيها على أمر الحقيقة
– الوجه الثاني -تفسير من مقام المحبوبية «:ما قُ ْلتُ لَ ُه ْم »فنفى أوال مشيرا إلى أنه
ما هو ،ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم فقال ِ «:إ َّال ما أ َ َم ْرت َ ِني ِب ِه »وأنت المتكلم
على لساني ،وأنت لساني ،وأثبت نفسه مأمورا ،وليس سوى عبوديته ،إذ ال يؤمر
إال من يتصور منه االمتثال وإن لم يفعل ،فانظر إلى هذه التنبئة الروحية اإللهية ما
ّللا »فجاء باالسم « هللا » الختالف العباد في العبادات ألطفها وأدقها «،أ َ ِن ا ْعبُدُوا َّ َ
واختالف الشرائع ،لم يخص اسما خاصا دون اسم ،بل جاء باالسم الجامع للكل «
ربي وربكم » ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود
آخر ،فلذلك فصل بقوله « :ربي وربكم » ،كناية المتكلم ،وكناية المخاطب .
ش ِهيدا ً »أي رقيبا ،ولم يقل على نفسي معهم ،كما قال ( :ربي وربكم علَ ْي ِه ْم َ
« َو ُك ْنتُ َ
)« ما د ُْمتُ فِي ِه ْم »ألن األنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم« فَلَ َّما ت َ َوفَّ ْيتَنِي »أي
علَ ْي ِه ْم »في غير مادتي يب َ
الرقِ َت َّ ت أ َ ْن َرفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم« ُك ْن َ
بل في موادهم ،إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة ،فشهود اإلنسان نفسه شهود
الحق إياه ،وجعله باالسم الرقيب ألنه جعل الشهود له ،فأراد أن يفصل بينه وبين
ص 58
ص 58 :
ربه ،حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا ،وأن الحق هو الحق لكونه ربا له ،فجاء لنفسه
ش ِهيدا ً ما د ُْمتُ علَ ْي ِه ْم َ
بأنه شهيد ،وفي الحق بأنه رقيب ،وقدمهم في حق نفسه فقالَ " :
فِي ِه ْم "إيثارا لهم في التقدم وأدبا ،وأ هخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «:
علَ ْي ِه ْم »لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة . يب َ
الرقِ َ َّ
علَ ْي ِه ْم ثم اعلم أن للحق الرقيب االسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله َ «:
ش ِهيدا ً » َ
ش ِهي ٌد »فجاء بكل " للعموم وبشيء " لكونه أنكر النكرات ش ْيءٍ َ على ُك ِهل َ ت َ فقال َ «:وأ َ ْن َ
،وجاء باالسم الشهيد ،فهو الشهيد على كل مشهود ،بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك
المشهود ،
ش ِهيدا ً ما علَ ْي ِه ْم َفنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال َ «:و ُك ْنتُ َ
د ُْمتُ ِفي ِه ْم »فهي شهادة الحق في مادة عيسوية ،كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره ،
ّللا عنه في ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية ،أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار ه
ّللا عليه وسلم بالمكان الذي وقعت كتابه ،وأما كونها محمدية فلوقعها من محمد صلهى ه
منه ،فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر« ِإ ْن تُعَ ِذه ْب ُه ْم
يز ْال َح ِكي ُم »و « هم » ضمير الغائب كما أن ت ْالعَ ِز ُ فَإِنَّ ُه ْم ِعباد َُك َو ِإ ْن ت َ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم فَإِنَّ َك أ َ ْن َ
« هو » ضمير الغائب ،
فقال " :إِ ْن تُعَ ِذه ْب ُه ْم "بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه من الحق ،فذكرهم
ّللا قبل حضورهم حتى إذا حضروا تكون الخميرة قد تحكمت في العجين فصيرته ه
مثلها «،فَإِنَّ ُه ْم ِعباد َُك »فأفرد الخطاب للتوحيد الذي كانوا عليه ،وال ذلهة أعظم من
ذلة العبيد ألنهم ال تصرف لهم في أنفسهم ،فهم بحكم ما يريده بهم سيدهم ،وال شريك
له فيهم ،فإنه قال ِ «:عباد َُك »
فأفرد ،والمراد بالعذاب إذاللهم وال أذل مما هم فيه من كونهم عبيدا« َو ِإ ْن ت َ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم
»أي تسترهم عن إيقاع العذاب الذي يستحقونه بمخالفتهم أي تجعل لهم غفرا يسترهم
يز »أي المنيع الحمى ،وجاء بالفصل والعماد ت ْالعَ ِز ُ عن ذلك ويمنعهم منه «،فَإِنَّ َك أ َ ْن َ
أيضا تأكيدا للبيان ،
تت أ َ ْن َ ب »وقوله « ُك ْن َ ع َّال ُم ْالغُيُو ِ
ت َ ولتكون اآلية على مساق واحد في قوله ِ «:إنَّ َك أ َ ْن َ
يز ْال َح ِكي ُم »فكان سؤال من النبي عليه ت ْالعَ ِز ُ علَ ْي ِه ْم »فجاء أيضا« فَإِنَّ َك أ َ ْن َ يب َ
الرقِ َ َّ
السالم ،وإلحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر ،يرددها طلبا
لإلجابة ،فلو سمع اإلجابة في أول سؤال ما كرر ،فكان الحق يعرض عليه فصول ما
استوجبوا به العذاب عرضا مفصال ،فيقول له في عرض عرض ،وعين عين« ِإ ْن
ت ْالعَ ِز ُ
يز تُعَ ِذه ْب ُه ْم فَإِنَّ ُه ْم ِعباد َُك َو ِإ ْن ت َ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم فَإِنَّ َك أ َ ْن َ
ص 59
ص 59 :
ْال َح ِكي ُم »فلو رأى في ذلك العرض ما يوجب تقديم الحق وإيثار جنابه لدعا عليهم ال
لهم ،فما عرض عليه إال ما استحقوا به ما تعطيه هذه اآلية من التسليم هّلل ،
والتعريض لعفوه ،وقد ورد أن الحق إذا أحب صوت عبده في دعائه إياه أ هخر اإلجابة
عنه حتى يتكرر ذلك منه ،حبا فيه ال إعراضا عنه ،ولذلك جاء باالسم الحكيم ،
والحكيم هو الذي يضع األشياء مواضعها ،وال يعدل بها عما تقتضيه وتطلبه حقائقها
ّللا تعالى ،
ّللا عليه وسلم بترداد هذه اآلية على علم عظيم من ه بصفاتها ،فكان صلهى ه
فمن تال فهكذا يتلو وإال فالسكوت أولى به .
ص 60
ص 60 :
ناس ،ولكن أوجبت روح أوامرك في أسرار الكائنات ،فذكرك الناسي بنسيانه ،
وأطاعك العاصي بعصيانه ،وإن من شيء إال يسبح بحمده ،إن عصى داعي إيمانه ،
ّللف الحجة البالغة ،ال يسأل عما
فقد أطاع داعي سلطانك ولكن قامت عليه حجتك ،ه
يفعل وهم يسألون .
ص 61
ص 61 :
منهم[ تحقيق الرضا ]
ّللا تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ،فعلمنا أنه -تحقيق الرضا -اعلم أن ه
صله حال المقضي عليه بالمقضى به انقسم إلى ما يجوز يريد اإلجمال ،فإنه إذا ف ه
الرضا به وإلى ما ال يجوز ،فلما أطلق الرضا علمنا أنه أراد اإلجمال ،والقدر توقيت
الحكم ،فكل شيء بقضاء وقدر ،أي بحكم مؤقت ،فمن حيث التوقيت المطلق يجب
اإليمان بالقدر خيره وشره ،حلوه ومره ،ومن حيث التعيين يجب اإليمان به ال
الرضا ببعضه ،وإنما قلنا :يجب اإليمان به أنه شر كما يجب اإليمان بالخير أنه خير
ّللا من كونه شرا ،ال ،فنقول :إنه يجب علي اإليمان بالشر أنه شر ،وأنه ليس إلى ه
من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا ،فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو
ّللا عليه وسلم في دعائه :والشر ّللا ،قال صلهى ه ّللا ،ومن كونه شرا ليس إلى ه إلى ه
ليس إليك ،فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه .
[ سورة المائدة ( : ) 5آية ]120
ّلل ُم ْلكُ على ُك ِهل َ
ش ْيءٍ قَد ٌ
ِير ( ِ َّ ِ «) 120 ض َوما فِي ِه َّن َو ُه َو َ ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ّلل ُم ْلكُ ال َّ
ِ َّ ِ
ض َوما فِي ِه َّن »هما الدار الدنيا . ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ال َّ
ص 62
ص 62 :
الظلمة ،ما هو اإلله الذي خلق النور ،فعدلوا بالواحد اآلخر ،وكذلك الذين يقولون
بخلق السماوات واألرض ،إنها معلولة لعلة ليست علته اإلله ،أي ليست العلة األولى
،ألن العلة عندهم إنما صدر عنها أمر واحد لحقيقة أحديتها وليس إال العقل األول ،
فهؤالء أيضا مما قيل فيهم إنهم بربهم يعدلون ،وسماهم كفارا ألنهم إما ستروا ،أو
منهم من ستر عقله عن التصرف فيما ينبغي له بالنظر الصحيح في إثبات الحق ،
واألمر في نفسه على ما هو عليه ،فاقتصر على ما بدا له ،ولم يوف األمر حقه في
النظر .وإما إن علم وجحد فستر عن الغير ما هو األمر عليه في نفسه ،لمنفعة
تحصل له من رئاسة أو مال ،فلهذا قيل فيهم :إنهم كفروا أي ستروا .
ص 63
ص 63 :
ِس َّر ُك ْم »من كونه في األرض« َو َج ْه َر ُك ْم »من كونه في السماء « ،يَ ْعلَ ُم ِس َّر ُك ْم »من
كونه في السماء وهو معناكم الذي خفي عن األبصار عينه ويعلم« َج ْه َر ُك ْم »من كونه
في األرض وهو ظاهركم الذي ظهر لألبصار عينه من أمراض األفعال أن يكون
أداؤك لذلك الفعل الذي هو عبادة ،كالصالة مثال ،في المأل أحسن من أدائك في السر
ّللا عليه وسلم في مثل هذه الفعلة [ :تلك استهانة استهان بها ربه ] في ،يقول صلهى ه
سن صالته في المأل ،وأساءها في الخلوة ،وهذا من أصعب األمراض رجل ح ه
النفسية ،ودواؤه( أ َ لَ ْم يَ ْعلَ ْم بِأ َ َّن َّ َ
ّللا يَرى )" يَ ْعلَ ُم ِس َّر ُك ْم َو َج ْه َر ُك ْم"
وّللا أحق أن يستحى منه ] وأمثال هذه اآليات واألخبار َ «.ويَ ْعلَ ُم ما ت َ ْك ِسبُونَ
[ ه
»ولكن أكثر الناس ال يعلمون ،وكذلك أكثرهم ال يؤمنون .
ص 63
ص 64 :
ّللا به خلقه بعث الرسل إليهم منهم ال من غيرهم ،وإنما جعل
أول ابتالء ابتلى ه
الرسول من الجنس الستخراج عيب النفس ،وأنزل بلسان قومه لرفع اللبس ،
فالرسول من جنس المرسل إليه ،فإن دعا أمر أن يكون من غير الجنس في الحقيقة
فال بد وأن يظهر لهم في صورة الجنس في عالم تمثيل الرقيقة ،مثل تمثل الروح
لمريم بشرا سويا .
ص 64
ص 65 :
بأداء ما وجب عليه
الر ْح َمةَ »ومن رحمة ه
ّللا أنه قال «:لَيَ ْج َمعَنَّ ُك ْم »فما على نَ ْف ِس ِه َّ
ب َ فقال تعالى َ «:كت َ َ
نجتمع إال فيما نفترق فيه وهو اإلقرار بربوبيته سبحانه ،وإذا جمعنا من حيث إقرارنا
له بالربوبية ،فهي آية بشرى وذكر خير في حقنا بسعادة الجميع ،وإن دخلنا النار ،
فإن الجمعية تمنع من تسرمد االنتقام ،ال إلى نهاية ،لكن يتسرمد العذاب ،وتختلف
الحاالت فيه ،فإذا انتهت حالة االنتقام ووجدان اآلالم ،أعطي من النعيم واالستعذاب
بالعذاب ما يليق بمن أقر بربوبيته ،ثم أشرك ثم و هحد في غير موطن التكليف ،
والتكليف أمر عرض في الوسط بين الشهادتين لم يثبت ،فبقي الحكم لألصلين األول
واآلخر .
[ سورة األنعام ( : ) 6آية ] 13
س ِمي ُع ا ْلعَ ِلي ُم) ( 13 َولَهُ ما َ
سك ََن ِفي الله ْي ِل َوالنه ِ
هار َو ُه َو ال ه
ص 66
ص 66 :
ّللا أولى لراحة الوقت باّلل مع ه
والحركة مع الفقد ،إال الحركة المأمور بها ،فالسكون ه
،لو لم يكن من شرف السكون إال ورود األسماء اإللهية عليك ،ونزول الحق إليك ،
ألنك إن تحركت إليه حددته ،وإن سكنت معه عبدته ،فالحركة إليه عن الجهل به ،
والسكون معه عين العلم به ،إذا كان الحق جليس الذاكر فإلى أين يرحل ؟« َو ُه َو
س ِمي ُع »يسمع دعواكم في نسبة ما هو له ،وقد نسبتموه إليكم« ْالعَ ِلي ُم »بأن األمر
ال َّ
على خالف ما ادعيتموه .
ص 67
ص 67 :
ط ِع ُم َوال يُ ْ
طعَ ُم » ض َ ،و ُه َو يُ ْ
َو ْاأل َ ْر ِ
ص 68
ص 68 :
ير »حيث يظهر – الوجه الثاني -هو القاهر بالحجة فوق عباده« َو ُه َو ْال َح ِكي ُم ْال َخبِ ُ
ّللا
على كل صنف بما تقوم به الحجة هّلل عليهم .واعلم أن صفة الفوقية ونسبتها إلى ه
تعالى قد جاء بها الكتاب والسنة ،كقوله تعالى « :يَخافُونَ َربَّ ُه ْم ِم ْن فَ ْوقِ ِه ْم »وقوله
تعالى َ «:و ُه َو ْالقا ِه ُر فَ ْوقَ ِعبا ِد ِه »وآيات كثيرة وأحاديث ،وهو معدود من المتشابه ،
وّللا تعالى منزه عن الجهات ، وذلك ألن «فَ ْوقَ »كلمة موضوعة إلفادة جهة العلو ،ه
وإنما المراد منهما حيث أطلقت في حق ربنا سبحانه إفادة العلو الحقيقي ،ومما يدل
ضت َوفِي ْاأل َ ْر ِسماوا ِ ّللاُ فِي ال َّ على عدم اختصاصه بجهة فوق قوله تعالى َ «:و ُه َو َّ
ض ِإلهٌ »وآيات كثيرة يطول ماء ِإلهٌ َوفِي ْاأل َ ْر ِ
س ِ »وقوله تعالى َ «:و ُه َو الَّذِي فِي ال َّ
ذكرها ولو كان في جهة العلو ،تعارضت هذه اآليات واختلفت ،وهو مناف لقوله
اخ ِتالفا ً َك ِثيرا ً » ّللا لَ َو َجدُوا ِفي ِه ْ تعالى َ «:ولَ ْو كانَ ِم ْن ِع ْن ِد َ
غي ِْر َّ ِ
ّللا عليه وسلم قال : ّللا عنه أنه صلهى ه وفي مسلم عن أبي هريرة رضي ه
[ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ] فنفى تقيده بجهة فوق ،وهو ال ينطق عن
الهوى إن هو إال وحي يوحى ،والذي يجمع بين اآليات واألحاديث أن تعلم أن العلو له
اعتباران :اعتبار إضافي ،واعتبار حقيقي ،فعلو المخلوقات بعضها على بعض إنما
هو علو إضافي ،ألن ما من مخلوق له جهة علو إال وهو مستقل بالنسبة إلى مخلوق
ّللا ،وهذا العلو اإلضافي قسمان :قسم حسي وهو المفهوم آخر هو فوقه هإال ما يشاء ه
بالنسبة إلى الجهات المكانية المخصوص بالجواهر المفتقرة إلى الحيز ،وقسم معنوي
وهو المفهوم بالنسبة إلى درجات الكمال العرفاني ألرباب القلوب أو الكمال الوهمي
ألرباب النفوس ،
ْف فَض َّْلنا
ظ ْر َكي َت »وقال تعالى «:ا ْن ُ ض َد َرجا ٍ ض ُه ْم فَ ْوقَ بَ ْع ٍ قال تعالىَ " :و َرفَ ْعنا بَ ْع َ
يال »هذا كله في العلو اإلضافي ض ً ت َوأ َ ْكبَ ُر ت َ ْف ِ
ض َولَ ْْل ِخ َرة ُ أ َ ْكبَ ُر َد َرجا ٍ على بَ ْع ٍ ض ُه ْم َ
بَ ْع َ
ض َوال يَ ُؤ ُدهُ ت َو ْاأل َ ْر َ
سماوا ِ ،وأما العلو الحقيقي ،فإنما هو هّلل تعالى« َو ِس َع ُك ْر ِسيُّهُ ال َّ
ي ْالعَ ِظي ُم »وعلوه هذا محقق قبل الجهات واألماكن ،مفهوم بدون ظ ُهما َو ُه َو ْالعَ ِل ُّ ِح ْف ُ
النسب واإلضافات ،عام في جميع تجلياته على مخلوقاته ،بأسمائه وصفاته ،وإنما
يعرفه ويشهده أرباب البصائر والقلوب ،لتجلي نور توحيده بعلو فوقيته ،فإذا أردت
أن تحقق أن فوقيته ليست فوقية مكان ،وإنما هي الفوقية الحقيقية بقهر الربوبية
للعبودية ،فتفكر في أنه تعالى كان وال شيء معه ،ولم يتجدد له بخلقه السماوات علو
،وال بخلقه األرض نزول ،وال بخلقه العرش استواء ،وإنما عن تجلي أسمائه
وصفاته نشأت أعداد مخلوقاته ،غير مماسة له ،وال منتسبة إليه
ص 69
ص 69 :
ح اس َْم َر ِبه َك ْاأل َ ْعلَى الَّذِي
س ِبه ِ
بفوق وال تحت ،وال شيء من الجهات ،قال تعالى َ «:
َخلَقَ فَ َ
س َّوى »
ص 70
ص 70 :
[سورة األنعام ( : ) 6آية ] 20
س ُه ْم فَ ُه ْم الس ُروا أ َ ْنفُ َ ون أ َ ْبنا َء ُه ُم الهذ َ
ِين َخ ِ تاب يَ ْع ِرفُونَهُ كَما يَ ْع ِرفُ َ
ِين آت َ ْينا ُه ُم ا ْل ِك َ
الهذ َ
ون ) ( 20 يُ ْؤ ِمنُ َ
باط ِل َوت َ ْكت ُ ُموا ْال َح َّق
سوا ْال َح َّق ِب ْال ِوهم الذين قال تعالى عنهم في سورة البقرة َ (:وال ت َ ْل ِب ُ
َوأ َ ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ )وقوله ( :لَيَ ْكت ُ ُمونَ ْال َح َّق َو ُه ْم يَ ْعلَ ُمونَ )يقول :إن الحق أبلج ال لبس فيه
ْب فِي ِه )أي ال شك وال لبس فهم تاب ال َري َ لقوة الداللة عليه ،ولذلك قال (:ذ ِل َك ْال ِك ُ
يسترون الحق مع معرفتهم بأنه الحق ،فال يتمكن أن يستروه عن نفوسهم ،بل
يسترونه عن الغير بما يوردونه من الشبه المضلة والتشكيكات الصارفة عن ظهوره ،
فهؤالء جاحدون معاندون .
ص 27
ص 71 :
يزيد العالم الشقي من أهل الدنيا حسرة إلى حسرته يوم القيامة ،عندما يرى خلعة
علمه على المؤمن المقلد ،
ت َر ِبهنا َونَ ُكونَ ِمنَ ْال ُمؤْ ِمنِينَ وأنه قد أعطي جهله فيقول «:يا لَ ْيتَنا نُ َر ُّد َوال نُ َكذه َ
ِب ِبآيا ِ
»لعلمهم إذا كانوا مؤمنين -وإن كانوا جاهلين -أنهم إذا انتقلوا إلى دار السعادة ،
خلعت عنهم ثياب الجهل ،وخلع عليهم خلع العلم ،فال يبالون بما كانوا عليه من
الجهل في الدنيا لحسن العاقبة .
وما علموا أنهم لو ردوا إلى الدنيا في النشأة التي كانوا عليها لعادوا إلى حكمها ،فإن
الفعل بالخاصية ال يتبدل ،فما تكلموا بما تكلموا به من هذا التمني إال بلسان النشأة
ّللا في هذه النشأة الدنيا التي هم فيها ،وتخيلوا أن ذلك العلم يبقى عليهم ،وما جعل ه
النسيان للعلماء بالشيء فيما قد علموه ،ويعلمون أنهم قد كانوا علموا أمرا ،فيطلبون
استحضاره ،فال يجدونه بعد ما كانوا عالمين به ،إال إعالما وتنبيها على أنه على كل
شيء قدير ،بأن يسلب عنهم العلم بما كانوا به عالمين إذا دخلوا النار .
ص 72
ص 72 :
في القيامة بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له « :هل رأيت نعيما قط ؟
فيقول :
وّللا ،ومعلوم أنه رأى نعيما ولكن حجبه شاهد الحال عن ذلك النعيم فينسيه ، ال ه
وكذلك صاحب البؤس إذا غمس في الجنة غمسة يقال له :هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول
وّللا ما رأيت بؤسا قط ،فكذلك لو ردوا لكانوا بحسب النشأة والحال التي يردون :ال ه
فيها[ -تحقيق َ « -ولَ ْو ُردُّوا لَعادُوا » ]
ّللا شقيا ال يسعد ،ومن -تحقيق َ «-ولَ ْو ُردُّوا لَعادُوا »أعمى ه
ّللا أبصارهم ،فمن كتبه ه
كتبه سعيدا ال يشقى وال يبعد .
ص 73
ص 73 :
صاحب الصواع ،فإنك ال ينفعك توبتك وال يزول عنك حوبتك ،واقتصر على ما
ّللا في كل حال ،تحمد العاقبة والمآل .
شرع ،واتبع وال تبتدع ،وكن مع ه
ص 74
ص 74 :
ّللا ال
ّللا تعلقت بأن ه ولكن وقع األمر اإللهي في العالم بخالف هذا ،ألن مشيئة ه
يجمعهم على الهدى ،للعلم السابق والمشيئة اإللهية ،ليكون الخالف في الدنيا« فَال
ت َ ُكون ََّن ِمنَ ْالجا ِه ِلينَ »ما ثم صفة وال عقوبة أقبح من الجهل ،فإن الجهل مفتاح كل
شر ،
ّللا عليه وسلم «:فَال ت َ ُكون ََّن ِمنَ ْالجا ِه ِلينَ »وال ينتهي إال ولهذا قال تعالى لمحمد صلهى ه
عن معلوم محقق ،فإنه إن لم يعلم الجهل فال يدري ما نهى عنه ،وخاطبه بمثل هذا
الخطاب لحداثة سنه وقوة شبابه ،فقابله بخطاب قوي في النهي عن ذلك ،وقال تعالى
لنوح عليه السالم لما لم يكن له قوة الشباب ،وكان قد شاخ وحصل في العمر الذي ال
ظ َك أ َ ْن ت َ ُكونَ ِمنَ ْالجا ِه ِلينَ )
يزال فيه محترما مرفوقا به في العرف والعادة ( :فإنيأ َ ِع ُ
فرفق في الخطاب حين وعظه ،فإنه ال بد من الفرق بين خطاب الشباب وخطاب
الشيوخ –
ص 75
ص 75 :
[سورة األنعام ( : ) 6آية ] 36
َّللاُ ث ُ هم إِلَ ْي ِه يُ ْر َجعُ َ
ون ( ) 36 ون َوا ْل َم ْوتى يَ ْبعَث ُ ُه ُم ه
س َمعُ َ يب الهذ َ
ِين يَ ْ إِنهما يَ ْ
ست َ ِج ُ
ص 76
ص 76 :
[سورة األنعام ( : ) 6اآليات 37إلى ]38
علَ ْي ِه آيَةٌ ِم ْن َر ِبّ ِه قُ ْل إِ هن ه َ
َّللا قاد ٌِر عَلى أ َ ْن يُنَ ِ ّز َل آيَةً َول ِك هن أ َ ْكث َ َر ُه ْم ال َوقالُوا لَ ْو ال نُ ِ ّز َل َ
ير ِب َجنا َح ْي ِه ِإاله أ ُ َم ٌم أ َ ْمثالُ ُك ْم ما ض َوال طائِ ٍر يَ ِط ُ ون ) َ ( 37وما ِم ْن دَابه ٍة فِي ْاأل َ ْر ِ يَ ْعلَ ُم َ
ون ( ) 38 ش ْي ٍء ث ُ هم ِإلى َر ِبّ ِه ْم يُحْ ش َُر َ
ب ِم ْن َ فَ هر ْطنا فِي ا ْل ِكتا ِ
ير ِب َجنا َح ْي ِه ِإ َّال أ ُ َم ٌم أ َ ْمثالُ ُك ْم »في كل شيء ، ض َوال طا ِئ ٍر يَ ِط ُ « َوما ِم ْن َدابَّ ٍة ِفي ْاأل َ ْر ِ
أي كما انطلق عليكم اسم األمة ،كذلك ينطلق اسم األمة على كل دابة وطائر يطير
بجناحيه ،فما من شيء في الوجود إال وهو أمة من األمم ،واألمثال هم الذين
يشتركون في صفات النفس ،فكلهم حيوان ناطق .
واعلم أن األمثال معقولة ال موجودة ،فتطلق المثلية من حيث الحقيقة الجامعة المعقولة
،ال الموجودة ،فإن التوسع اإللهي يقتضي أن ال مثل في األعيان الموجودة ،وأن
المثلية أمر معقول متوهم ،فإنه لو كانت المثلية صحيحة ما امتاز شيء عن شيء مما
ّللا تعالى ،ليس كمثله يقال هو مثله ،فإن األصل الذي نرجع إليه في وجودنا وهو ه
شيء ،فال يكون ما يوجد عنه إال على حقيقة أنه ال مثل له ،فكل جوهر فرد في العالم
ال يقبل المثل ،فما في الوجود شيء له مثل ،بل كل موجود متميز عن غيره بحقيقة
هو عليها في ذاته ،فإن أطلقت المثلية على األشياء أطلقت عرفا ،ولم تبق المثلية
ّللا موجد أعيان األشياء ،ثم قال تعالى الواردة في القرآن وغيره إال في االفتقار إلى ه
في هذه األمم «:ث ُ َّم إِلى َر ِبه ِه ْم يُ ْحش َُرونَ »يعني كما تحشرون أنتم ،
ت »فإنها أمم أمثالنا ، وش ُح ِش َر ْقال تعالى َ «:وإِذَا ْال ُو ُح ُ
ش ْيءٍ »فهو الجامع لكل شيء ،وهو القرآن ب ِم ْن َ طنا فِي ْال ِكتا ِ وقال تعالى «:ما فَ َّر ْ
العزيز الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه ،فبالقرآن يكشف جميع ما في
الكتب المنزلة من العلوم ،وفيه ما ليس فيها ،فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء
ّللا عليه وسلم جوامع الكلم ، الكامل الذي يتضمن كل علم ،وبه ص هح لمحمد صلهى ه
فعلوم األنبياء والمالئكة وكل لسان علم ،فإن القرآن يتضمنه ويوضحه ألهل القرآن ،
فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل وهذا يعني أنه قد حوى جميع المعارف
وأحاط بما في العلم اإللهي من المواقف وإن لم تتناه ،فقد أحاط علما بها ،وأنها ال
تتناهى ،فالمريد من يجد في القرآن كل ما يريد ،وهذا ال يكون إال إذا كان ممن ينزل
القرآن على قلبه عند تالوته ،فإن القرآن هو الجامع .واعلم أن الولي
ص 77
ص 77 :
ال يتعدى كشفه في العلوم اإللهية فوق ما يعطيه كتاب نبيه ووحيه ،قال الجنيد في هذا
المقام :
علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ،وقال اآلخر :كل فتح ال يشهد له الكتاب والسنة فليس
بشيء .فال يفتح لولي قط إال في الفهم في الكتاب العزيز ،لهذا قال تعالى «:ما
ب ِم ْن َ
ش ْيءٍ » فَ َّر ْ
طنا ِفي ْال ِكتا ِ
ص 78
ص 78 :
[سورة األنعام ( : ) 6آية ] 41
ُون ) ( 41 س ْو َن ما تُش ِْرك َ ُون إِلَ ْي ِه إِ ْن شا َء َوت َ ْن َ
ف ما ت َ ْدع َ ش ُ ُون فَيَ ْك ِ
بَ ْل إِيهاهُ ت َ ْدع َ
ّللا تعالى -الوجه األول -وتنسون ما تشركون أي تتركون الشرك .وهذه شهادة من ه
س ُك ُم
على نفسه لنا في دار التكليف بتوحيده في المهمات ،وهو قوله تعالى «َ :و ِإذا َم َّ
ط َّر ِإذا َدعاهُ »؟ يب ْال ُم ْ
ض َ عونَ ِإ َّال ِإيَّاهُ »وقوله «:أ َ َّم ْن يُ ِج ُ ض َّل َم ْن ت َ ْد ُالض ُُّّر ِفي ْالبَ ْح ِر َ
ّللا ،ولو لم يكن في علمه في حال الرخاء أن فما دعا أحد من الخلق في حال شدته إال ه
ّللا خاصة -وهذا هو التوحيد -ما أظهر ذلك االعتقاد عند الشدائد ، ح هل الشدائد بيد ه
ّللا في حال الرخاء والشدة ،غير أن المشرك في حال فلم يزل المشرك موحدا بشهادة ه
الرخاء ال يظهر عليه علم من أعالم التوحيد الذي هو معتقده ،فإذا اضطر رجع إلى
علمه بتوحيد خالقه ،ولم يظهر عليه علم من أعالم الشرك ،وكل ذلك في دار التكليف
،وأكثر العلماء غائبون عن هذا الفضل اإللهي
-الوجه الثاني «-بَ ْل إِيَّاهُ ت َ ْدعُونَ »هل تدعون الشريك لعينه ؟
فاّلل دعوتم ال تلك الصورة ،ولهذا أجيب دعاؤكم وّللا إال لكونه في اعتقادكم إلها ،ه ال ه
س ُّمو ُه ْم »فإن سموهم بهم فهم عينهم ،والصورة ال تضر وال تنفع ،انظر في قوله َ «:
،فال يقولون في معبودهم حجر وال شجر وال كوكب ،ينحته بيده ثم يعبده ،فما عبده
ّللا ،وقد أشار إلى ذلك وجوهره والصورة من عمله وإنما سموهم باإلله فما عبدوا إال ه
اآلية الواردة في القرآن بقوله تعالى َ «:وقَضى َرب َُّك أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ »وهو عندنا
بمعنى حكم ،وعند من ال علم له بالحقائق بمعنى أمر ،فأين يذهب العبد إن أتاه عذاب
ّللا فإن أمره تعالى مسموع . ه
ص 79
ص 79 :
[سورة األنعام ( : ) 6اآليات 44إلى ] 54
ش ْي ٍء َحتهى ِإذا فَ ِر ُحوا ِبما أُوتُوا واب ُك ِ ّل َ علَ ْي ِه ْم أ َ ْب َسوا ما ذُ ِ ّك ُروا ِب ِه فَتَحْ نا َ فَلَ هما نَ ُ
ب
ّلِل َر ّ ِ ِين َظلَ ُموا َوا ْل َح ْم ُد ِ ه ِ ون ( ) 44فَقُ ِط َع دا ِب ُر ا ْلقَ ْو ِم الهذ َ س َ أ َ َخ ْذنا ُه ْم بَ ْغتَةً فَ ِإذا ُه ْم ُم ْب ِل ُ
ين ( ) 45 ا ْلعالَ ِم َ
َّللا يَأْتِي ُك ْم بِ ِه غ ْي ُر ه ِ صار ُك ْم َو َخت َ َم عَلى قُلُوبِ ُك ْم َم ْن إِلهٌ َ س ْمعَ ُك ْم َوأ َ ْب َ قُ ْل أ َ َرأ َ ْيت ُ ْم إِ ْن أ َ َخذَ ه
َّللاُ َ
ون ( ) 46 ص ِدفُ َ ت ث ُ هم ُه ْم يَ ْ ف ْاآليا ِ ص ِ ّر ُف نُ َ ظ ْر َك ْي َ ا ْن ُ
ون ( ) 47 ظا ِل ُم َ َّللا بَ ْغتَةً أ َ ْو َجه َْرةً َه ْل يُ ْهلَكُ ِإاله ا ْلقَ ْو ُم ال ه َذاب ه ِ قُ ْل أ َ َرأ َ ْيت َ ُك ْم ِإ ْن أَتا ُك ْم ع ُ
علَ ْي ِه ْم َوال ُه ْم ف َ صلَ َح فَال َخ ْو ٌ ين فَ َم ْن آ َم َن َوأ َ ْ ين َو ُم ْنذ ِِر َ ش ِر َ ين ِإاله ُمبَ ِ ّ س ُل ا ْل ُم ْر َ
س ِل َ َوما نُ ْر ِ
ون ( ) 49 سقُ َ ذاب ِبما كانُوا يَ ْف ُ س ُه ُم ا ْلعَ ُ ِين َكذهبُوا ِبآيا ِتنا يَ َم ُّ ون ( َ ) 48والهذ َ يَحْ َزنُ َ
ب َوال أَقُو ُل لَ ُك ْم ِإ ِنّي َملَكٌ ِإ ْن أَت ه ِب ُع ِإاله ما َّللا َوال أ َ ْعلَ ُم ا ْلغَ ْي َ قُ ْل ال أَقُو ُل لَ ُك ْم ِع ْندِي َخزا ِئ ُن ه ِ
ون ( ) 50 ير أ َ فَال تَتَفَك ُهر َ ست َ ِوي ْاألَعْمى َوا ْلبَ ِص ُ ي قُ ْل َه ْل يَ ْ يُوحى إِلَ ه
ش ِفي ٌع ي َوال َ س لَ ُه ْم ِم ْن دُونِ ِه َو ِل ٌّ ون أ َ ْن يُحْ ش َُروا إِلى َر ِبّ ِه ْم لَ ْي َ ِين يَخافُ َ َوأ َ ْنذ ِْر بِ ِه الهذ َ
ون ( ) 51 لَعَله ُه ْم يَتهقُ َ
علَ ْيكَ ِم ْن ِحسا ِب ِه ْم ِم ْن ُون َوجْ َههُ ما َ ي ِ يُ ِريد َ ش ّ ُون َربه ُه ْم ِبا ْلغَدا ِة َوا ْلعَ ِ ِين يَ ْدع َ َوال ت َ ْط ُر ِد الهذ َ
ين ( ) 52 ُون ِم َن ال ه
ظا ِل ِم َ ش ْي ٍء فَت َ ْط ُر َد ُه ْم فَتَك َ علَ ْي ِه ْم ِم ْن َ ش ْي ٍء َوما ِم ْن ِحسا ِبكَ َ َ
َّللاُ بِأ َ ْعلَ َم
س ه علَ ْي ِه ْم ِم ْن بَ ْينِنا أ َ لَ ْي ََّللاُ َُالء َم هن ه ض ِليَقُولُوا أ َ هؤ ِ ض ُه ْم بِبَ ْع ٍ َوكَذ ِلكَ فَتَنها بَ ْع َ
بِالشها ِك ِري َن ( ) 53
الرحْ َمةَ أَنههُ س ِه ه ب َربُّ ُك ْم عَلى نَ ْف ِ علَ ْي ُك ْم َكت َ َ
سال ٌم َ ون ِبآياتِنا فَقُ ْل َ ِين يُ ْؤ ِمنُ َ َوإِذا جا َءكَ الهذ َ
ور َر ِحي ٌم) ( 54 غفُ ٌ صلَ َح فَأَنههُ َ تاب ِم ْن بَ ْع ِد ِه َوأ َ ْ سوءا ً ِب َجهالَ ٍة ث ُ هم َ َم ْن ع َِم َل ِم ْن ُك ْم ُ
ص 80
ص 80 :
الر ْح َمةَ »اعلم أن من على نَ ْف ِس ِه َّ الر ْح َمةَ » ]« َكت َ َ
ب َربُّ ُك ْم َ على نَ ْف ِس ِه َّ ب َربُّ ُك ْم َ [ « َكت َ َ
حقيقته أن يكون مقيدا ،ال يصح أن يكون مطلقا بوجه من الوجوه ما دامت عينه ،فإن
التقييد صفة نفسية له ،ومن كان حقيقته أن يكون مطلقا فال يقبل التقييد جملة واحدة ،
فإنه صفته النفسية أن يكون مطلقا ،لكن ليس في قوة المقيد أن يقبل اإلطالق ألن
صفته العجز ،وأن يستصحبه الحفظ اإللهي لبقاء عينه ،فاالفتقار يلزمه .وللمطلق أن
يقيد نفسه إن شاء ،وأن ال يقيدها إن شاء ،فإن ذلك من صفة كونه مطلقا إطالق
مشيئة ،ومن هنا أوجب الحق على نفسه ،ودخل تحت العهد لعبده فقال في الوجوب
ّللا إال ما أوجبه على نفسه ،وعلى الر ْح َمةَ »فال توجب على ه على نَ ْف ِس ِه َّ ب َربُّ ُك ْم َ َ «:كت َ َ
الحقيقة إنما وجب ذلك على النسبة ال على نفسه ،فإنه يتعالى أن يجب عليه من أجل
ح هد الواجب الشرعي ،والنسب هي األسماء اإللهية فإن لكل اسم داللتين :
داللة على المس همى به ،وداللة على حقيقته التي بها يتميز عن اسم آخر .فال إله إال
هو ،وال فاعل سواه ،فيوجب من كونه كذا ،ويجب عليه من كونه كذا ،فالرحمة
الواجبة أوجبها تعالى للعالم على نفسه ،وصارت حقا عليه ولكن ال كل العالم بل لعالم
سوءا ً ِب َجهالَ ٍة ث ُ َّم َ
تاب ِم ْن مخصوص ،وهو المنعوت في قوله «:أَنَّهُ َم ْن َ
ع ِم َل ِم ْن ُك ْم ُ
خواص نعتهم بعمل خاص فقيدها بالجهالة ،فإن لم يجهل لم ه صلَ َح »فهم قوم بَ ْع ِد ِه َوأ َ ْ
يدخل في هذا التقييد ،وبقيت الرحمة مطلقة من عين المنة ال الوجوب فهؤالء
يأخذونها من طريق الوجوب لقيام األسباب التي جعلها الحق موجبة لها بهم ،وما عدا
سأ َ ْكتُبُها ِللَّذِينَ يَتَّقُونَ هؤالء فينتظرونها من باب المنة ،وقال في آية أخرى «:فَ َ
ي »وما عدا ي ْاأل ُ ِ هم َّ
سو َل النَّبِ َّ الزكاة َ َوالَّذِينَ ُه ْم بِآياتِنا يُؤْ ِمنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ َّ
الر ُ َويُؤْ تُونَ َّ
ّللا مطلقا ،فمهما ّللا يرحمهم برحمة االمتنان ،فال وجوب على ه هؤالء المنعوتين فإن ه
ّللا على نفسه ما كتبه إال لمن قام رأيت الوجوب فاعلم أن التقييد يصحبه ،وما كتب ه
بحق النيابة عنه فيما استنابه وليس إال المتقين ،وما عدا هؤالء فهم أهل المنن ،فنالوا
ّللا امتن عليهم بعد ذلك بالمغفرة والرحمة التي عم أغراضهم على االستيفاء ،ثم إن ه
حكمها ،وهنا أوجب الحق الرحمة على نفسه لمن تاب وأصلح من العاملين السوء
بجهالة.
ص 81
ص 81 :
[سورة األنعام ( : ) 6اآليات 55إلى ] 57
ين ( ) 55قُ ْل إِ ِنّي نُ ِهيتُ أ َ ْن أ َ ْعبُ َد الهذ َ
ِين س ِبي ُل ا ْل ُمجْ ِر ِم َ
ين َست َ ِب َ ص ُل ْاآليا ِ
ت َو ِلت َ ْ َوكَذ ِلكَ نُفَ ِ ّ
ِين ( ) 56 ضلَ ْلتُ ِإذا ً َوما أَنَا ِم َن ا ْل ُم ْهتَد ََّللا قُ ْل ال أَت ه ِب ُع أ َ ْهوا َء ُك ْم قَ ْد َ ُون ِم ْن د ِ
ُون ه ِ ت َ ْدع َ
ون ِب ِه ِإ ِن ا ْل ُح ْك ُم ِإاله ِ ه ِ
ّلِل يَقُ ُّ
ص قُ ْل ِإ ِنّي عَلى بَ ِيّنَ ٍة ِم ْن َر ِبّي َو َكذه ْبت ُ ْم ِب ِه ما ِع ْندِي ما ت َ ْ
ست َ ْع ِجلُ َ
ين ) ( 57 فاص ِل َق َو ُه َو َخ ْي ُر ا ْل ِ ا ْل َح ه
وهو خير الفاصلين بأحكام حكمته فتزول المغالبة والمنازعة .
ص 82
ص 82 :
ّللا بها عالم األجسام ولم يتكثر في نفسه بها ،فعلمنا أنها غائبة العين .ولما فتح ه
الطبيعية باجتماعها بعد ما كانت متفرقة في الغيب ،معلومة االفتراق في العلم ،إذ لو
كانت مجتمعة لذاتها لكان وجود عالم األجسام أزال لنفسه ال هّلل ،وما ثم موجود -ليس
ّللا ،وما سواه فموجود به ال ّللا .وما ثم واجب الوجود لذاته إال ه ّللا -إال عن ه هو ه
لذاته ،وبالمشيئة ظهر أثر الطبيعة وهي غيب فالمشيئة مفتاح ذلك الغيب ،والمشيئة
نسبة إلهية ال عين لها فالمفتاح غيب ،فالغيب هو النور الساطع العام الذي به ظهر
الوجود كله ،وما له في عينه ظهور ،فهو الخزانة العامة التي خازنها منها ،وقد
تكون مفاتح الغيب هي استعدادات القوابل ،وهي غير مكتسبة بل منحة إلهية ،فلهذا
ّللا ،وعالم الغيب قد يظهر على غيبه من يرتضيه ّللا وال تعلم إال بإعالم ه ال يعلمها إال ه
من رسله ،وهو غيب الوجود أي ما هو في الوجود ،ومغيب عن بعض األبصار
ّللا ،فال
والبصائر ،وهذا الغيب هنا ما ليس بموجود ،فمفتاح ذلك الغيب ال يعلمه إال ه
يعلم ما هو مفتاح غيب خاص في مفرد مفرد من الغيوب ،فإذا حصل االستعداد من
ّللا تعالى حصل المفتاح وبقي الفتح حتى يقع التعليم ،فإنه هو الفتاح العليم فانفرد ه
سبحانه بعلم مفاتح هذا الغيب ،ونفى العلم عن كل ما سواه بها ،فالممكنات كلها
وأعني بكلها ميزها عن المحال والواجب ،ال أن أعيانها يحصرها الكل ،ذلك محال
هي في ظلمة الغيب ،فال يعرف لها حالة وجود ،ولكل ممكن منها مفتاح ،ال يعلمه
ّللا إال ولهّللا ،فال موجد إال هو ،خالق كل شيء وموجده ،وما من ممكن يظهره ه إال ه
ظل ممدود في الغيب ،ال يمكن خروجه .فظاهر اإلنسان ما امتد من اإلنسان فظهر ،
وباطنه ما لم يفارق الغيب فال يعلم باطن اإلنسان أبدا «َ .ويَ ْعلَ ُم ما فِي ْالبَ ِ هر َو ْالبَ ْح ِر َوما
ّللا كما قال ( وإن منها لما ط ِم ْن َو َرقَ ٍة ِإ َّال يَ ْعلَ ُمها »وهي ما تسقط إال من خشية هت َ ْسقُ ُ
ب َوال يا ِب ٍس »[ الطبيعة ]
ط ٍّللا )« َوال َر ْ
يهبط من خشية ه
ّللا اثنين أمهات الطبيعة أربعة :الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ،وقد جعل ه
منها أصال في وجود االثنين اآلخرين ،فانفعلت اليبوسة عن الحرارة ،والرطوبة عن
البرودة ،فالرطوبة واليبوسة موجودتان عن سببين هما الحرارة والبرودة ،ولهذا ذكر
ب َوال يابِ ٍس »ألن المسبب يلزم من كونه مسببا وجود ط ٍ ّللا في قوله تعالى َ «:وال َر ْ ه
السبب ،أو منفعال وجود الفاعل كيف شئت فقل ،وال يلزم من وجود السبب وجود
المسبب فإن المنفعل يطلب الفاعل بذاته ،فإنه منفعل لذاته ولو لم يكن منفعال لذاته ما
قبل االنفعال واألثر
ص 83
ص 83 :
وكان مؤثرا فيه ،بخالف الفاعل فإنه يفعل باالختيار إن شاء فعل فيسمى فاعال ،وإن
ب َوال يابِ ٍس
ط ٍشاء ترك ،وليس ذلك للمنفعل .ولهذه الحقيقة ذكر تعالى« َوال َر ْ
»فذكر المنفعل ولم يذكر وال حار وال بارد لما كانت الرطوبة واليبوسة عند العلماء
بالطبيعة تطلب الحرارة والبرودة اللتين هما منفعلتان عنهما ،كما تطلب الصنعة
ين »فهذه اآلية من ب ُم ِب ٍ
الصانع ،لذلك ذكرهما دون األصل ،وإن كان الكل في« ِكتا ٍ
ّللا عليه وسلم -فصاحة القرآن وإعجازه حيث علم أن الذي أتى به -وهو محمد صلهى ه
لم يكن ممن اشتغل بالعلوم الطبيعية فيعرف هذا القدر ،فعلم قطعا أن ذلك ليس من
ّللا تعالى .فعلم النبي جهته ،وأنه تنزيل من حكيم حميد ،وأن القائل بهذا عالم ،وهو ه
ّللا إياه وإعالمه ،ال بفكره ونظره وبحثه . صلهى ه
ّللا عليه وسلم كل شيء بتعليم ه
ص 84
ص 84 :
[سورة األنعام ( : ) 6اآليات 62إلى ] 68
ين ( ) 62قُ ْل َم ْن س ِب َع ا ْلحا ِ ق أَال لَهُ ا ْل ُح ْك ُم َو ُه َو أ َ ْ
س َر ُ ث ُ هم ُردُّوا إِلَى ه ِ
َّللا َم ْوال ُه ُم ا ْل َح ّ ِ
ض ُّرعا ً َو ُخ ْفيَةً لَئِ ْن أ َ ْنجانا ِم ْن ه ِذ ِه لَنَكُونَ هن ِم َن ت ا ْلبَ ِ ّر َوا ْلبَحْ ِر ت َ ْدعُونَهُ ت َ َ ظلُما ِ يُنَ ِ ّجي ُك ْم ِم ْن ُ
ُون ) ( 64 ب ث ُ هم أ َ ْنت ُ ْم تُش ِْرك َ
َّللاُ يُنَ ِ ّجي ُك ْم ِم ْنها َو ِم ْن ُك ِ ّل ك َْر ٍ ين ( ) 63قُ ِل ه الشها ِك ِر َ
ت أ َ ْر ُج ِل ُك ْم أ َ ْو يَ ْل ِب َ
س ُك ْم علَ ْي ُك ْم عَذابا ً ِم ْن فَ ْو ِق ُك ْم أ َ ْو ِم ْن تَحْ ِ ث َ قُ ْل ُه َو ا ْلقاد ُِر عَلى أ َ ْن يَ ْبعَ َ
ون ( ) 65 ت لَعَله ُه ْم يَ ْفقَ ُه َ ف ْاآليا ِ ف نُ َ
ص ِ ّر ُ ظ ْر َك ْي َض ا ْن ُ س بَ ْع ٍ ض ُك ْم بَأ ْ َ شيَعا ً َويُذ َ
ِيق بَ ْع َ ِ
علَ ْي ُك ْم بِ َو ِكي ٍل ) ( 66 ستُ َ ق قُ ْل لَ ْ ب بِ ِه قَ ْو ُمكَ َو ُه َو ا ْل َح ُّ َو َكذه َ
ض ُون فِي آياتِنا فَأَع ِْر ْ ِين يَ ُخوض َ ون ( َ ) 67و ِإذا َرأ َ ْيتَ الهذ َ ف ت َ ْعلَ ُم َ س ْو َستَقَ ٌّر َو َ
ِل ُك ِ ّل نَبَ ٍإ ُم ْ
طان فَال ت َ ْقعُ ْد بَ ْع َد ال ِذّ ْكرى َم َع ش ْي ُ سيَنهكَ ال ه غ ْي ِر ِه َو ِإ هما يُ ْن ِث َ ع ْن ُه ْم َحتهى يَ ُخوضُوا فِي َحدِي ٍ َ
ين ) ( 68 ا ْلقَ ْو ِم ال ه
ظا ِل ِم َ
كل ما في العالم آياته تعالى ،فإنها دالئل عليه ،ويدخل في ذلك الخوض في القرآن
وهو المراء والجدل فيه بأنه محدث أو قديم ،أو هل هذا المكتوب في المصاحف ،
ّللا ؟
ّللا ،أو ما هو عين كالم ه والمتلو المتلفظ به ،عين كالم ه
ّللا حديثا ّللا .وقد سماه ه فالكالم في مثل هذا ،والخوض فيه ،هو الخوض في آيات ه
غي ِْر ِه »ث َ ضوا فِي َحدِي ٍ ع ْن ُه ْم َحتَّى يَ ُخو ُ ض َ وليس إال القرآن« فَأَع ِْر ْ
فلو أراد غير القرآن لقال فيها بضمير اآلية أو اآليات فليس للذكورية هنا دخول إال إذا
ّللا ،
أراد آيات القرآن ،والقرآن خبر ه
والخبر عين الحديث ،وقد وصانا تعالى وحذرنا في آية أخرى بقوله " :إِنَّ ُك ْم إِذا ً ِمثْلُ ُه ْم
»إذا أقمتم معهم وهم بهذه المثابة وإن لم نخض معهم .
ص 85
ص 85 :
ّللا قوما اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ،وهم في هذا الزمان أصحاب السماع ،أهل الدف
ذ هم ه
والمزمار ،
باّلل من الخذالن :
نعوذ ه
ما الدين بالدف والمزمار واللعب *** لكنما الدين بالقرآن واألدب
ص 86
ص 86 :
ق»ض بِ ْال َح ه ِ
ت َو ْاأل َ ْر َ سماوا ِ " َو ُه َو الَّذِي َخلَقَ ال َّ
ض َوما بَ ْينَ ُهما ِإ َّال بِ ْال َح ه ِ
ق» ت َو ْاأل َ ْر َ سماوا ِ وقال تعالى َ «:وما َخلَ ْقنَا ال َّ
ص 87
ص 87 :
( وصدقت بكلمات ربها وكتابه ) ويقال :قطع األمير يد السارق وضرب األمير اللص
ّللا
،فمن ألقي عن أمره شيء فهو ألقاه فكأن الملقي محمد عليه السالم ،ألقى عن ه
كلمات العالم بأسره من غير استثناء شيء منه البتة ،فمنه ما ألقاه بنفسه كأرواح
المالئكة وأكثر العالم العلوي ،ومنه أيضا ما ألقاه عن أمره فيحدث الشيء عن وسائط
فرجع الكل في ذلك إلى من أوتي جوامع الكلم ،فنفخ الحقيقة اإلسرافيلية من المحمدية
ور »قرئ ننفخ بالنون ص ِالمضافة إلى الحق نفخها كما قال تعالى َ «:ويَ ْو َم يُ ْنفَ ُخ فِي ال ُّ
وقرئ بالياء وضمها وفتح الفاء والنافخ إنما هو إسرافيل والقبول من الصور وسر
الحق بينهما هو المعنى بين النافخ والقابل ،كالرابط من الحرف بين الكلمتين ،وذلك
هو سر الفعل األقدس األنزه الذي ال يطلع عليه النافخ وال القابل ،والصور قرن من
نور ألنه نفهر ظالم األجسام باألجساد وزال عنها بسرعة التقليب في الصور البقاء
على األمر المعتاد ،والصور هنا جمع صورة بالصاد ،وهو الحضرة البرزخية التي
ننتقل إليها بعد الموت ،ونشهد نفسنا فيها ،وسميت بالصور والناقور ،فينفخ في
الصور وينقر في الناقور وهو هو بعينه واختلفت عليه األسماء الختالف األحوال
والصفات «.عا ِل ُم ْالغَ ْي ِ
ب َوال َّ
شها َدةِ »
ص 88
ص 88 :
في اإلمكان إال مثل ما ظهر ال أكمل منه ،ومن ذلك نعلم أن الغيب غيبان :غيب ال
يوجد منه شيء فيكون شهادة وال ينتقل إليه بعد الشهادة ،وما هو محال فيكون عدما
محضا ،وال هو واجب الوجود فيكون وجودا محضا ،وال هو ممكن يستوي طرفاه
بين الوجود والعدم ،وما هو غير معلوم ،بل هو معقول معلوم ،فال يعرف له حد .
ب »وما قرنه بالشهادة ، وهو الغيب الذي انفرد الحق به سبحانه حيث قال «:عا ِل ُم ْالغَ ْي ِ
والغيب اآلخر الغيب الذي قرنه بالشهادة وهو الذي يوجد منه الكائنات ،والغيب الذي
ينتقل إليه بعض الكائنات بعد اتصافها بالشهادة ،لذلك قال متمما َ «:و ُه َو ْال َح ِكي ُم
ير »فإن الحق ما هو فعله مع األغراض التي أوجدها في عباده ،وإنما هو مع ما ْال َخبِ ُ
تطلبه الحكمة ،والذي اقتضته الحكمة هو الواقع في العالم ،فعين ظهوره هو عين
ّللا ال يعلل بالحكمة ،بل هو عين الحكمة . الحكمة ،فإن فعل ه
ص 89
ص 89 :
البصيرة ،كما أن عالم الشهادة يدرك بعين البصر ،وكما أن البصر ال يدرك عالم
الشهادة ما لم يرتفع عنه حجاب الظلم أو ما أشبه من الموانع ،فإذا ارتفعت الموانع
وانبسطت األنوار على المحسوسات أدرك البصر المبصرات ،فإدراكها مقرون بنور
البصر ونور السراج وأشباهها من األنوار ،كذلك عين البصيرة حجابها الريون ،
والشهوات ،ومالحظة األغيار ،
ص 90
ص 90 :
متناهية ،وكل ما حصره الوجود فهو متناه ،وال تكشف عين البصيرة إال ما دخل في
الوجود بوجه ما من أوجه مراتب الوجود ،ومهما ظهر ممن حصل في هذا المقام
شيء من ذلك على ظاهره في حق شخص ما ،فتلك الفراسة ،وهي أعلى درجات
المكاشفة ،لذلك قال تعالى َ «:و ِليَ ُكونَ ِمنَ ْال ُموقِنِينَ »وذلك عين اليقين ألنه عن رؤية
وشهود .
[ -إشارة -الكوكب والقمر والشمس أنوارها إشارة إلى الروح والعقل والنفس ]
-إشارة -الكوكب والقمر والشمس أنوارها إشارة إلى الروح والعقل والنفس ،وأثبت
لهم الربوبية لما لحظ لهم القهر على النشأة الترابية .
ص 92
ص 91 :
ض »لما رأى بعضهم يفضل على ت َو ْاأل َ ْر َ
سماوا ِ ي ِللَّذِي فَ َ
ط َر ال َّ قال َ «:و َّج ْهتُ َو ْج ِه َ
بعض وفطر السماوات واألرض هو قوله ففتقناهما ،فصل السماوات بعضها عن
بعض ،وهو بحر واسع ما يسعه كتاب ،ففتقهما بعد رتقهما ليتميزا ،فيظهر المؤثر
والمؤثر فيه لوجود التكوين َ «.حنِيفا ً »الحنف :الميل أي مائال إلى جناب الحق« َوما
أَنَا »في هذا الميل« ِمنَ ْال ُم ْش ِر ِكينَ »فنفى عن نفسه الشرك .
[ التوجه في الصالة ]
ي ِللَّذِي فَ َ
ط َر -التوجه في الصالة -جاء في الحديث بعد التكبير« َو َّج ْهتُ َو ْج ِه َ
ياي َو َمماتِيس ِكي َو َم ْح َ صالتِي َونُ ُ ض َحنِيفا ً َوما أَنَا ِمنَ ْال ُم ْش ِر ِكينَ ِ ،إ َّن َ ت َو ْاأل َ ْر َ
سماوا ِ ال َّ
يك لَهُ َو ِبذ ِل َك أ ُ ِم ْرتُ َوأَنَا أ َ َّو ُل ْال ُم ْس ِل ِمينَ »
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ ،ال ش َِر َِ َّ ِ
ص 93
ص 92 :
[ المعلومات أربعة ]
اعلم أن المعلومات أربعة :الحق تعالى وهو الموصوف بالوجود المطلق سبحانه ،
ليس معلوال لشيء وال علة بل هو موجودا بذاته ،والعلم به عبارة عن العلم بوجوده ،
ووجوده ليس غير ذاته ،مع أنه غير معلوم الذات ،لكن يعلم ما ينسب إليه من
الصفات أعني صفات المعاني وهي صفات الكمال ،وأما العلم بحقيقة الذات فممنوع ،
ال تعلم بدليل وال ببرهان عقلي ،وال يأخذها حد ،فإنه سبحانه ال يشبه شيئا وال يشبهه
شيء ،فكيف يعرف من يشبه األشياء من ال يشبهه شيء وال يشبه شيئا ؟ وقد ورد
ّللا « ومعلوم ثان » وهو الحقيقة الكلية التي هيالمنع من الشرع في التفكر في ذات ه
للحق وللعالم ،وال تتصف بالوجود وال بالعدم ،وال بالحدوث وال بالقدم ،هي في
القديم إذا وصف بها قديمة ،وفي المحدث إذا وصف بها محدثة ،ال تعلم المعلومات
قديمها وحديثها حتى تعلم هذه الحقيقة ،وال توجد هذه الحقيقة حتى توجد األشياء
الموصوفة بها ،فإن وجد شيء عن غير عدم متقدم كوجود الحق وصفاته ،قيل فيها :
ّللا وهو
موجود قديم التصاف الحق بها وإن وجد شيء عن عدم كوجود ما سوى ه
المحدث الموجود بغيره قيل فيها محدثه وهي في كل موجود بحقيقتها فإنها ال تقبل
التجزي ،فما فيها كل وال بعض ،وال يتوصل إلى معرفتها مجردة عن الصورة بدليل
وال ببرهان ،فمن هذه الحقيقة وجد العالم بوساطة الحق تعالى ،وليست بموجودة
فيكون الحق قد أوجدنا من موجود قديم فيثبت لنا القدم ،وكذلك لتعلم أيضا أن هذه
الحقيقة ال تتصف بالتقدم على العالم وال العالم بالتأخر عنها ،ولكنها أصل الموجودات
عموما ،وهي أصل الجوهر ،وفلك الحياة ،والحق المخلوق به ،وغير ذلك ،وهي
الفلك المحيط المعقول ،فإن قلت :إنها العالم صدقت ،أو إنها ليست العالم صدقت ،
أو إنها الحق أو ليست الحق صدقت ،تقبل هذا كله وتتعدد بتعدد أشخاص العالم وتتنزه
بتنزيه الحق ،وهذه الحقيقة الكلية هي الجامعة لحقائق العلم والقدرة واإلرادة والسمع
والبصر وجميع األشياء كلها .
«ومعلوم ثالث » وهو العالم كله األمالك واألفالك وما تحويه من العوالم والهواء
واألرض « ومعلوم ثالث » وهو العالم كله األمالك واألفالك وما تحويه من العوالم
والهواء واألرض وما فيهما من العالم وهو الملك األكبر « .ومعلوم رابع » وهو
اإلنسان الخليفة الذي جعله
ص 94
ص 93 :
ّللا في هذا العالم المقهور تحت تسخيره ،فمن علم هذه المعلومات فما بقي له معلوم ه
أصال يطلبه ،فمنها ما ال نعلم إال وجوده وهو الحق تعالى ،ونعلم أفعاله وصفاته
بضرب من األمثلة ،ومنها ما ال يعلم إال بالمثال كالعلم بالحقيقة الكلية ،ومنها ما يعلم
بهذين الوجهين وبالماهية والكيفية وهو العالم واإلنسان .
ص 94
ص 94 :
على اآلفل بعد أن لم يكن آفال ،واإلله ال يكون محال للحوادث ،
وهذه األنوار قد قبلت األفول فليس واحد منها بإله ،فذكر إبراهيم عليه السالم الحق
بالعالم داللة عليه ،
ولم يقل ذلك إشراكا لكن جعل األنوار الثالثة حبالة صائد يصيد بها ما شرد من عقول
قومه
على قَ ْو ِم ِه » فقال تعالى َ «:وتِ ْل َك ُح َّجتُنا آتَيْناها إِبْرا ِه َ
يم »عناية منا به« َ
[ تحقيق الحجة ]
-تحقيق -من القول ما هو حجة وما ليس بحجة ،فهل الحجة على الخصم عين القول
خاصة أو ما يدل عليه القول ؟
أو في موطن يكون القول ،وفي موطن يكون ما يدل عليه القول ؟
إذا كان القول يعجز السامع فهو عين الحجة
ت َم ْن نَشا ُء ِإ َّن َرب ََّك َح ِكي ٌم َ
ع ِلي ٌم »فإن كل ما يجري هو عن وضع إلهي « ن َْرفَ ُع َد َرجا ٍ
وترتيب عالم حكيم .
ص 95
ص 95 :
ّللا أن يجعله بصيرا ،ترك النظر إلى السبب ّللا الذي أوجده ،فإذا أراد ه
عن شهود ه
ّللا عنده ،ونظر من الوجه الخاص الذي من ربه إليه في إيجاده ،جعله الذي أوجده ه
ّللا بصيرا.
ه
فاألسباب كلها ظلمات على عيون المسببات ،وفيها هلك من هلك من الناس ،
فالعارفون يثبتونها وال يشهدونها ،ويعطونها حقها وال يعبدونها ،وما سوى العارفين
يعاملونها بالعكس ،يعبدونها وال يعطونها حقها ،بل يغصبونها فيما تستحقه من
العبودية التي هي حقها ،ويشهدونها وال يثبتونها .
ص 96
ص 96 :
ا ْقت َ ِد ْه » ]
ّللاُ فَبِ ُهدا ُه ُم ا ْقت َ ِد ْه »فما ظنك بالتابع «:أُولئِ َك الَّذِينَ َه َدى َّ
ّللا عليه وسلم متبعا اسم مفعول ال اسم ّللا صلهى ه -الوجه الثاني -لما كان رسول ه
فاعل لذلك قال له عند ذكر األنبياء« فَ ِب ُهدا ُه ُم
ّللا الذي شرع لهم ،ّللا ،فكان الشارع لنا ه ا ْقت َ ِد ْه »ال بهم ،وهداهم ليس سوى شرع ه
فلو أخذ عنهم لكان تابعا« فَبِ ُهدا ُه ُم ا ْقت َ ِد ْه »فيما ذكرناه ،ال في فروع األحكام ،وإن
ظهر في شرعنا من فروع شرع من قبلنا ،فمن حيث هو شرع لنا ،وقد يقع االتفاق
في بعض األحكام ،كالتوحيد واإليمان باآلخرة وما فيها ،ال ينكر ذلك
-الوجه الثالث -اعلم أن كل شرع بعث به نبي من األنبياء فهو من شرع محمد صلهى
ّللا عليه وسلم من اسمه الباطن ،إذ كان نبيا وآدم بين الماء والطين ،فقوله تعالى له ه
ّللاُ فَ ِب ُهدا ُه ُم ا ْقت َ ِد ْه »وما قال بهم ،إذ كان هداهم هداك الذي سرى ُ
«:أول ِئ َك الَّذِينَ َه َدى َّ
إليهم ،فمعناه من حيث العلم إذا اهتديت بهديهم فهو اهتداؤك بهديك ،ألن األولية لك
باطنا ،واآلخرية لك ظاهرا ،واألولية لك في اآلخرية ظاهرا وباطنا ،وعلمنا من
ّللا عليه وسلم مساو لجميع من ذكره من األنبياء ومن لم يذكره ، ذلك أن محمدا صلهى ه
فإنه لكل نبي هدى كما ذكر ( ِل ُك ٍهل َجعَ ْلنا ِم ْن ُك ْم ِش ْر َ
عةً َو ِم ْنهاجا ً )فهو سبحانه نصب
ّللا عليه وسلم ،فمن رآهالشرائع ،وأوضح المناهج ،وجمع ذلك كله في محمد صلهى ه
فقد رأى جميع المقربين ،ومن اهتدى بهديه فقد اهتدى بهدي جميع النبيين .ومن ذلك
ّللا عليه وسلم لنا مما كان شرعا لألنبياء عليهم السالم فعلمناه أن ما قرره النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم خص بعلم على القطع فهو شرع لنا ،ومن هذه اآلية علمنا أنه صلهى ه
ّللا تعالى له عن شرائع المتقدمين ،وأمره أن يهتدي بهداهم ، الشرائع كلها ،فأبان ه
وخص بشرع لم يكن لغيره .
ص 97
ص 97 :
التوراة ،فال نصدقهم في ذلك وال نكذبهم وقال تعالى ذلك في حقهم لكونهم ليسوا مثله
،فما عرفوه ،ومن جهل أمره ال يقدر قدره ،فهم ليسوا له بمثل وال هو مثل لهم ،
فوصفوه بنفوسهم وبما هم عليه ،وال يتمكن لهم ذلك ،ألنهم يريدون الوصف الثبوتي
وال يكون إال بالتشبيه ،ومن جعل مثال لمن ال يقبل المثل فما قدره حق قدره ،أي ما
أنزله المنزلة التي يستحقها ،فذمهم بالجهل حيث تعرضوا لما ليس لهم به علم ،فلو
قالوا فيه بما أنزله إليهم لم يتعلق بهم ذم من قبل الحق ،ألن الحاكي ال ينسب إليه ما
باّلل ال يدرك بقياس ،وإنما حكاه ،فال يتعلق به ذم في ذلك وال مدح ،فعلم الخلق ه
يدرك بإلقاء السمع لخطاب الحق ،إما بنفسه وإما بلسان المترجم عنه وهو الرسول ،
مع الشهود الذي ال يسعه معه غير ما سمعه من الخطاب ،
ب )فأحال على النظر كما قال ِ (:إ َّن ِفي ذ ِل َك )إشارة لما تقدم( لَ ِذ ْكرى ِل َم ْن كانَ لَهُ قَ ْل ٌ
ش ِهي ٌد ) وما عدا هذين الصنفين فال الفكري بتقلب األحوال عليه ( أ َ ْو أ َ ْلقَى ال َّ
س ْم َع َو ُه َو َ
طريق لهم إلى العلم بما يستحقه الحق أن يضاف إليه ،وما يستحقه الخلق أن يضاف
باّلل ال تنقطع دنيا وال آخرة ،ّللا ال يقدر مفصال ،ألن الزيادة من العلم ه إليهم ،وقدر ه
ّللا َح َّق قَ ْد ِر ِه »فيما كيهف به نفسه مما ذكره في فاألمر في ذلك غير متناه« َوما قَ َد ُروا َّ َ
كتابه وعلى لسان رسوله من صفاته ،وقدر األمر موازنته لمقداره ،وهذا ال يعلم من
األمر حتى يكون له ما يعادله في ذاته ،فيكون ذلك المعادل مقدارا له ألنه يزنه ،وقد
ّللا لنفسه قدرا لكنه مجهول عند أصحاب هذا الضمير ،وال يعرف قدر الحق إال جعل ه
ّللا على صورته ،وهي الخالفة ،ثم وصف من عرف اإلنسان الكامل الذي خلقه ه
الحق نفسه في الصورة الظاهرة باليدين والرجلين واألعين ،وشبه ذلك مما وردت به
األخبار مما يقتضيه الدليل العقلي من تنزيه حكم الظاهر من ذلك في المحدثات عن
ّللا ،فحق قدره إضافة ما أضافه إلى نفسه مما ينكر الدليل إضافته إليه تعالى ، جناب ه
إذ لو انفرد دون الشرع لم يضف شيئا من ذلك إليه ،فمن أضاف مثل هذا إليه ،عقال
ّللا حق قدره ،وما قال أخطأ المضيف ،ومن أضافه شرعا فذلك هو الذي ما قدر ه
ّللا حق قدره .فاإلنسان الكامل وشهودا ،وكان على بينة من ربه ،فذلك الذي قدر ه
الذي هو الخليفة قدر الحق ظاهرا وباطنا ،صورة ومنزلة ومعنى ألنه على صورة
الحق ،والعالم قدر الحق وجودا ،وأما في الثبوت فهو أظهر لحكم األزل الذي هو
للممكنات في ثبوتها ألن اإلمكان للممكن نعت ذاتي نفسي ،وما ظفر باألمر
ص 98
ص 98 :
على ما هو عليه إال من جمع بين التشبيه والتنزيه ،فقال بالتنزيه من وجه عقال
وشرعا ،وقال بالتشبيه من وجه شرعا ال عقال ،والشهود يقضي بما جاءت به الرسل
ّللا َح َّق قَ ْد ِر ِه ِإ ْذ قالُوا
ّللا ،وأما في سياق اآلية فقوله تعالى «َ :وما قَ َد ُروا َّ َ إلى أممها في ه
ش ْيءٍ »على بَش ٍَر ِم ْن َ ّللاُ َما أ َ ْنزَ َل َّ
ّللا موازن لقدره عندك ] [ حكمة :قدرك عند ه
ّللا ،ّللا ،فكذبوا على ه مع إقرارهم أن التوراة نزلت على موسى عليه السالم من عند ه
فاسودت وجوههم أي ذواتهم ،فال نور لهم يكشفون به األشياء ،بل هم عمي ال
تاب الَّذِي جا َء بِ ِه ُموسى نُورا ً َو ُهد ً
ى يبصرون ،لذلك قال تعالى «:قُ ْل َم ْن أ َ ْنزَ َل ْال ِك َ
ع ِله ْمت ُ ْم ما لَ ْم ت َ ْعلَ ُموا أ َ ْنت ُ ْم َوال آبا ُؤ ُك ْم
يس ت ُ ْبدُونَها َوت ُ ْخفُونَ َكثِيرا ً َ ،و ُ
راط َاس ،ت َ ْجعَلُونَهُ قَ ِ ِللنَّ ِ
ّللا إال أن نقول « هللا » ثم أمرنا أن ض ِه ْم يَ ْلعَبُونَ »ما أمرنا ه ّللاُ ث ُ َّم ذَ ْر ُه ْم ِفي خ َْو ِ
،قُ ِل َّ
نتركهم في خوضهم يلعبون ،فإنه لما جهل قدره ،عصي نهيه وأمره -حكمة -كل
ّللا
من أنزلته منزلته فقد قدرته حق قدره ،وما بعد ذلك مرمى لرام ،وقدرك عند ه
موازن لقدره عندك ،وأنت أعرف بنفسك مع ربك .
ص 99
ص 99 :
ّللا ،فإذا أخطر له الملك هذه اآلية يقول :ما أنا مخاطب بها ،وإنما كما يجيء ألولياء ه
خوطب بها أهل الدعوى الذين ينسبون الفعل إلى أنفسهم ،
فإنه قال :افترى ،فنسب االفتراء إلى هذا القائل ،وأنا أقول إن األفعال كلها هّلل تعالى
ي ،فهو الذي قال على لساني ، ال إل ه
ي »فأضاف القول إليه ،وكذلك قوله « :إلي » ومن أنا ي ِإلَ َّ
وح َثم إنه قال «:أ َ ْو قا َل أ ُ ِ
ّللا هو المتكلم وهو السميع ، ي ،إذ ه حتى أقول إل ه
ّللا ،فإذا سأ ُ ْن ِز ُل ِمثْ َل ما أ َ ْنزَ َل َّ
ّللاُ »وما أقول أنا ذلك ،بل اإلنزال كله من ه ثم قال َ «:
ّللا كذبا ،وزيهن له سوء عمله فرآه حسنا .تفقه في نفسه في هذا كله افترى على ه
فتعلم من هذا ما الحبة التي خرج منها العالم ! ففلق الحب عن أمثاله ،فلم يظهر سوى
أشكاله.
ص 100
ص 100 :
[سورة األنعام ( : ) 6آية ] 96
يز ا ْلعَ ِل ِ
يم ( سبانا ً ذ ِلكَ ت َ ْقد ُ
ِير ا ْلعَ ِز ِ س َوا ْلقَ َم َر ُح ْ اْلصْباحِ َو َجعَ َل الله ْي َل َ
سكَنا ً َوالش ْهم َ ق ِْ فا ِل ُ
) 96
باح »إن كان الحق فما فلقه إال بشمسه ،وإن كان الشمس فالحق على ص ِ « فا ِل ُق ْ ِ
اإل ْ
عزته في قدسه ،ومن قدسه أن يكون فالقا ،كما كان ألرضه وسماواته فاتقا ،فانفالق
الصباح من فالق اإلصباح في الليل ،ليكون لليل على النور والدة ،فتقع المناسبة بين
ِير ْالعَ ِز ِ
يز نور الصباح وبين روح اإلنسان ،فلذلك يأنس به ويستفيد منه« ذ ِل َك ت َ ْقد ُ
ّللا في الخلق بما قدره العزيز العليم . ْالعَ ِل ِيم »فيجري حكم ه
ص 101
ص 101 :
أعطى الرزاق النبات رزقه المعين وهو ما به غذاؤه وحياته ،فأعطاه الماء له ولكل
حي في العالم ،وجعله رزقا له ،ثم جعل النبات رزقا لغيره من الحيوان ،فهو
والحيوان رزق ومرزوق ،فالكل رزق ومرزوق .
ص 102
ص 102 :
ّللاُ َربُّ ُك ْم ال إِلهَ
القهار ) وفي توحيد الربوبية هنا ع هم إضافة جميعنا إليه ،فقال « :ذ ِل ُك ُم َّ
ّللا تعالى مر هكب ،وهو الموجب ش ْيءٍ »كل موجود سوى ه ِإ َّال ُه َو خا ِل ُق ُك ِهل َ
الستصحاب االفتقار له ،فإنه وصف ذاتي ،والذي نسمعه من البسائط إنما هي أمور
ش ْيءٍ فَا ْعبُدُوهُ »لنعلم أن معقولة ال وجود لها في أعيانها ،وقال تعالى «:خا ِل ُق ُك ِهل َ
ّللا تعالى ،وهو العالم المعبر الوجود مقسم بين عابد ومعبود ،فالعابد كل ما سوى ه
ّللا عبد هّلل ،ما خلق ّللا ،فكل ما سوى ه عنه والمسمى عبدا ،والمعبود هو المسمى ه
ويخلق .
ص 103 :
اآلية أن األبصار هنا معان يدرك بها المبصرات ،ما هي تدرك المبصرات ،ولم يقل
:ال يدركه البصر ،فإنه إذا كان عين الحق عين بصرك ،فيصح أن يقال مثل هذا
يدركه البصر ،فينسب اإلدراك إليه مع صحة كونه بصرا للعبد « ،ال ت ُ ْد ِر ُكهُ ْاألَب ُ
ْصار
»على وجهين :
الوجه الواحد ،أنه نفى أن تدركه األبصار على طريق التنبيه على الحقائق ،وإنما
يدركه المبصرون باألبصار ال األبصار .
-الوجه الثاني -ال تدركه األبصار المقيدة بالجارحة ،فإذا لم تتقيد أدركته ،كأن
ْصار »يعني في كل عين من أعين الوجوه للقرب يكون الحق بصره « ،ال ت ُ ْد ِر ُكهُ ْاألَب ُ
المفرط ،فإنه أقرب إلينا من حبل الوريد ،ومن أعين القلوب فإن القلوب ما ترى إال
بالبصر ،وأعين الوجوه ال ترى إال بالبصر ،فالبصر حيث كان ،به يقع االشتراك ،
فيسمى البصر في العقل عين البصيرة ،ويسمى في الظاهر بصر العين ،والعين في
الظاهر محل للبصر ،والبصيرة في الباطن محل للعين الذي هو بصر في عين الوجه
،فاختلف االسم عليه وما اختلف هو في نفسه ،فكما ال تدركه العيون بأبصارها ،
كذلك ال تدركه البصائر بأعينها ،
ّللا
فإن الحق تعالى احتجب عن البصائر كما احتجب عن األبصار ،لذلك قال رسول ه
ّللا احتجب عن البصائر كما احتجب عن األبصار وإن ّللا عليه وسلم [ :إن ه صلهى ه
المأل األعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم ]
فكما ال تدركه األبصار ال تدركه البصائر وهي العقول ،ال تدركه بأفكارها ،فتعجز
عن الوصول إلى مطلوبها والظفر به ،مع أنه سبحانه لم ينف عن إدراكه قوة من
القوى التي خلقها إال البصر ،فمنع ذلك شرعا ،
وما قال :ال يدركه السمع وال العقل وال غيرهما من القوى الموصوف بها اإلنسان ،
كما لم يقل أيضا :إن غير البصر يدركه ،بل ترك األمر مبهما ،فمن زعم أنه يدركه
عقال وال يدركه بصرا ،فمتالعب ال علم له بالعقل وال بالبصر ،وال بالحقائق على ما
هي عليه في أنفسها ،كالمعتزلي فإن هذه رتبته ،فلألبصار إدراك وللبصائر إدراك ،
وكالهما محدث ،فإن صح أن يدرك بالعقل وهو محدث ،صح أو جاز أن يدرك
بالبصر ،ألنه ال فضل لمحدث على محدث في الحدوث ،وإن اختلفت االستعدادات
فجائز على كل قابل لالستعدادات أن يقبل استعداد الذي قيل فيه :إنه أدرك الحق
بنظره الفكري ،فإما أن ينفوا ذلك جملة واحدة ،وإما أن يجوزه جملة واحدة ،وإما أن
يقفوا في الحكم فال يحكمون فيه بإحالة وال جواز ،حتى يأتيهم تعريف الحق نصا ال
يشكون فيه ،أو يشهدونه في نفوسهم ،
عز وجل لموسى عليه السالم ( :لن تراني ) قال ه
104
ص 104 :
وكل مرئي ال يرى الرائي -إذا رآه -منه إال قدر منزلته ورتبته فما رآه ،وما رأى
إال نفسه ،ولوال ذلك ما تفاضلت الرؤية في الرائين ،إذ لو كان هو المرئي ما اختلفوا
،لكن لما كان هو مجلى رؤيتهم أنفسهم ،لذلك وصفوه بأن يتجلى ،وأنه يرى ،ولكن
ّللا ال تدركه
شغل الرائي برؤية نفسه في مجلى الحق حجبه عن رؤية الحق ،فإن ه
ّللا عليه وسلم في حديث الدجال ودعواه أنه األبصار وهو يدرك األبصار ،قال صلهى ه
إله :إن أحدنا ال يرى ربه حتى يموت ،ألن الغطاء ال ينكشف عن البصر إال بالموت
،والبصر من العبد هوية الحق ،فعينك غطاء على بصر الحق ،فبصر الحق أدرك
ّللا ال تدركه األبصار ،وهو يدرك األبصار ،ففي مدلول الحق ورآه ال أنت ،فإن ه
هذه اآلية أنه يدرك تعالى نفسه بنفسه ،ألنه إذا كان بهويته بصر العبد ،وال يقع
اإلدراك البصري إال بالبصر ،وهو عين البصر المضاف إلى العبد ،وقال :إنه
يدرك األبصار ،وهو عين األبصار ،فقد أدرك نفسه ،
يف »وال ألطف من هوية تكون عين بصر العبد ،وبصر العبد لذلك قال َ «:و ُه َو اللَّ ِط ُ
يف »من حيث أنه ال ّللا ،وليس في القوة أن يفصل بين البصرين «،اللَّ ِط ُ ال يدرك ه
يف »المعنى من حيث أنه يدرك األبصار ،أي دركه تدركه األبصار ،و «اللَّ ِط ُ
لألبصار دركه لنفسه ،وهذا غاية اللطف والرقة ،فما لطفه وال أخفاه إال شدة ظهوره
،فإنه البصر لكل عين تبصر ،فمن نظر بعين اإليمان رأى قوة نفوذه في الكثيف ،
حتى سرى إلى اللطيف « الخبير » فيحصل له المعرفة باألمر على ما هو عليه » ،
«اللطيف » إذ كانت اللطافة مما ينبو الحس عن إدراكها ،فتعقل وال تشهد ،فتسمى
في وصفه الذي تنزه أن يدرك فيه باللطيف ،أي تلطف عن إدراك المحدثات ،ومع
ير »على وزن فعيل ، هذا فإنه يعلم ويعقل أن ث هم أمرا يستند إليه ،فأتى باالسم « ْال َخ ِب ُ
وفعيل يرد بمعنى المفعول ،كقتيل بمعنى مقتول ،وجريح بمعنى مجروح ،وهو
المراد هنا واألوجه ،وقد يرد بمعنى الفاعل كعليم بمعنى عالم ،وقد يكون أيضا هو
المراد هنا ،ولكنه يبعد ،فإن داللة مساق اآلية ال تعطي ذلك ،فإن مساقها في إدراك
ّللا قد ندبنا إلى التوصل بالعلم به فقال ( :فاعلم أنه ال األبصار ال إدراك البصائر فإن ه
ّللا ) وال يعلم حتى ينظر في األدلة ،فيؤدينا النظر فيها إلى العلم به على قدر إله إال ه
ّللا يعلم
ما تعطينا القوة في ذلك ،فلهذا رجحنا خبير هنا بمعنى المفعول ،أي أن ه
ير »يشير إلى علم ذلك ذوقا ،فهو ويعقل ،وال تدركه األبصار .ومن وجه آخر« ْال َخ ِب ُ
العليم خبرة أنه بصر العبد في بصر العبد ،وكذا
ص 105
ص 105 :
هو األمر في نفسه ،وإن كان حيا ،فقد استوى الميت والحي في كون الحق تعالى
ّللا ال يح هل في شيء وال يحل فيه شيء ،إذ ليس بصرهما ،وما عندهما شيء ،فإن ه
كمثله شيء وهو السميع البصير ،
ّللا عليه وسلم في اإلحسان [ :فإن لم تكن تراه فإنه ويشير إلى هذه اآلية قوله صلهى ه
يراك ]
ّللا تعالى للعارفين على قلوبهم ،وهو المرئي في الدنيا بالقلوب واألبصار ، فيتجلى ه
ومع أنه سبحانه منبئ عن عجز العباد عن درك كنهه ،فقال «:ال ت ُ ْد ِر ُكهُ ْاألَب ُ
ْصار
ير »لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم ، يف ْال َخبِ ُْصار َو ُه َو اللَّ ِط ُ
َو ُه َو يُ ْد ِركُ ْاألَب َ
خبير بضعفهم عن حمل تجليه األقدس على ما تعطيه األلوهة ،إذ ال طاقة للمحدث
على حمل جمال القديم .
ص 106
ص 106 :
( ولكم في القصاص حياة ) فعلل والم العلة في القرآن كثير ،فكأنه توحيد في مجلس
محاكمة ،فيدخل فيه توحيد القسط إلقامة الوزن في الحكم بين الخصماء ،بيهن ذلك
ع ِن ْال ُم ْش ِر ِكينَ »وخص به الداعي لمجيئه بالتوحيد اإليماني . قوله َ «:وأَع ِْر ْ
ض َ
ص 107
ص 107 :
ف ْالقَ ْو ِل ُ
غ ُرورا ً » ض ُز ْخ ُر َ ض ُه ْم إِلى بَ ْع ٍ
بَ ْع ُ
هو قدحهم في أهل اإليمان من حيث إيمانهم ،وتزيين ما هم عليه من الباطل ،
ومداخل الشيطان إلى نفوس العالم كثيرة ،وهو يستدرج كل طائفة من حيث ما هو
الغالب عليها ،
ّللا في العامة ميزان الشريعة ، فإنه عالم بمواقع المكر واالستدراج ،وقد أعطاك ه
وميهز لك بين فرائضه ومندوباته ومباحه ومحظوره ومكروهه ،ونص على ذلك في
كتابه وعلى لسان رسوله ،فإذا خطر لك خاطر من محظور أو مكروه فتعلم أنه من
الشيطان بال شك ،
فوحي الشيطان هو ما يزينه من األعمال وإن كان لها وجه إلى الحق ،فالمعدن خبيث
ّللا ،فهذه كلمة ،يروى أن إبليس جاء إلى عيسى عليه السالم فقال له :قل ال إله إال ه
حق من معدن خبيث ،فقال له عيسى عليه السالم :يا ملعون أقولها ال لقولك وأمرك
َ «.ولَ ْو شا َء َرب َُّك ما فَعَلُوهُ »اعلم أن المهانة حقيقة العالم التي هو عليها ،ألنه بالذات
ممكن فقير ،فهو ممنوع من نيل جميع أغراضه وإرادته منعا ذاتيا ،وال يحجبنك
وقوع بعض مراداته ،ونيل بعض أغراضه ،عما قلناه في حقه ،فإن ذلك ما وقع له
إال بإرادة الحق ال بإرادته ،فذلك المراد وإرادة العبد معا إنما هما واقعان بإرادة الحق
،فهو ممتنع بالذات أن يكون شيء في الوجود موجودا عن إرادة العبد ،ولو كان
إلرادة العبد نفوذ في أمر خاص لعم نفوذها في كل شيء ،لو كان ذلك المراد وقع
عز وجل ،فالعالم ممنوع ّللا ه
لعين إرادة الممكن ،فتعين أن ذلك الواقع وقع بإرادة ه
لذاته كما هو ممكن مهان لذاته ،وإنما كان مهانا لذاته ألن العبودية له ذاتية ،وهي
الذلة ،وكل ذليل مهان ،وكل مهان محتقر ،وكل محتقر مغلوب« فَذَ ْر ُه ْم َوما يَ ْفت َ ُرونَ
ّللا .»فجعلهم أهل افتراء على ه
ص 108
ص 108 :
[ تعريف العلم ]
فإن العلم إنما يتعلق بالمعلوم على ما هو المعلوم عليه ،لذلك كانت وظيفة الرسل
والورثة من العلماء إنما هي التبليغ بالبيان واإلفصاح ال غير ذلك.
109
ص 109 :
[سورة األنعام ( : ) 6اآليات 120إلى ] 121
ون ( سيُجْ َز ْو َن ِبما كانُوا يَ ْقت َ ِرفُ َ اْلثْ َم َ ون ْ ِ سبُ َ ِين يَ ْك ِ باطنَهُ إِ هن الهذ َ اْلثْ ِم َو ِ َوذَ ُروا ظا ِه َر ْ ِ
ون ِإلى ين لَيُو ُح َ هياط َق َو ِإ هن الش ِ س ٌعلَ ْي ِه َو ِإنههُ لَ ِف ْ َّللا َ
س ُم ه ِ َ ) 120وال تَأ ْ ُكلُوا ِم هما لَ ْم يُ ْذك َِر ا ْ
ُون ) ( 121 أ َ ْو ِليائِ ِه ْم ِليُجا ِدلُو ُك ْم َو ِإ ْن أ َ َط ْعت ُ ُمو ُه ْم ِإنه ُك ْم لَ ُمش ِْرك َ
المجادل الذي هو ولي الشيطان يظن أن ذلك من نفسه ومن نظره وعلمه ،وهو من
وحي الشيطان إليه
ّللا ،هم أبعد الخلق عن [ -إشارة -أهل السماع والوجد باألشعار التي أهلت لغير ه
الحق ]
ّللا ،هم أبعد الخلق عن الحق -إشارة -أهل السماع والوجد باألشعار التي أهلت لغير ه
ّللا عليه ،ولما كان الوجد يستدعي التنزل جاء في ،فإنهم أكلوا مما لم يذكر اسم ه
ياطينَ لَيُو ُحونَ ِإلى أ َ ْو ِليا ِئ ِه ْم »في مقابلة الوحي الحق فتفطن ش ِ ْق َو ِإ َّن ال َّ اآلية« َو ِإنَّهُ لَ ِفس ٌ
ّللا ،نسيبا ّللا شعرا قصد به قائله في أول وضعه غير ه ،فال ينبغي أن ينشد في حق ه
ّللا ،فإن القول في المحدث كان أو مديحا ،فإنه بمنزلة من يتوضأ بالنجاسة قربة إلى ه
ّللا في كتابه على هذه المنزلة بقوله َ (:وما لَ ُك ْم أ َ َّال تَأ ْ ُكلُوا ِم َّما حدث بال شك ،وقد نبه ه
علَ ْي ِه ) ذُ ِك َر ا ْس ُم َّ ِ
ّللا َ
علَ ْي ُك ُم
ت َْق »وقال ُ (:ح ِ هر َم ْ علَ ْي ِه َو ِإنَّهُ لَ ِفس ٌ وقوله «َ :وال تَأ ْ ُكلُوا ِم َّما لَ ْم يُ ْذ َك ِر ا ْس ُم َّ ِ
ّللا َ
ّللا
ّللا مما أهل لغير ه ّللا بِ ِه )والشعر في غير ه ير َوما أ ُ ِه َّل ِلغَي ِْر َّ ِ ْال َم ْيتَةُ َوال َّد ُم َولَ ْح ُم ْال ِخ ْن ِز ِ
به ،فإن للنية أثرا في األشياء ،
صينَ لَهُ ال هدِينَ )واإلخالص النية ،وهذا ّللا ُم ْخ ِل ِ وّللا يقول َ (:وما أ ُ ِم ُروا ِإ َّال ِليَ ْعبُدُوا َّ َ ه
الشاعر ما نوى في شعره إال التغزل في محبوبه ،والمديح فيمن ليس له بأهل لما شهد
ّللا عليه وأهل به هّلل ،وإن ّللا شرعا فهو مما ذكر اسم ه به فيه ،وكل ما كان قربة إلى ه
كان بلفظ التغزل وذكر األماكن والبساتين والجوار ،وكان القصد بهذا كله ما يناسبها
من االعتبار في المعارف اإللهية والعلوم الربانية فال بأس ،وإن أنكر ذلك المنكر فإن
ّللا تعالى يتجلى يوم القيامة لعباده في صورة ينكر لنا أصال نرجع إليه فيه ،وهو أن ه
باّلل منك لست بربنا ، فيها ،حتى يتعوذ منها ،فيقولون :نعوذ ه
وهو يقول :أنا ربكم وهو هو تعالى .
ص 110 :
هذا ضرب مثل في الكفر واإليمان ،والعلم والجهل ،فالجهل موت والعلم حياة لذلك
قال تعالى «:أ َ َو َم ْن كانَ َميْتا ً »أراد بالموت الجهل «فَأ َ ْحيَيْناهُ »بالعلم وهي الحياة
العلمية التي تحيى بها القلوب فحياة العلم يقابلها موت الجهل ،وبالنور يقع حصوله
ج ِم ْنها خار ٍْس ِب ِ ت »وهي الضالل« لَي َ الظلُما ِكما بالظلمة يكون الجهل « َك َم ْن َمثَلُهُ فِي ُّ
»أي ال يهتدي أبدا .
واعلم أن الموت عبارة عن مفارقة الروح الجسد الذي كانت به حياته الحسية ،وهو
طارئ عليها بعد ما كانا موصوفين باالجتماع الذي هو علة الحياة ،فكذلك موت
النفس بعدم العلم ،فان قلت إن العلم باهلل طارئ الذي هو حياة النفوس ،والجهل ثابت
لها قبل وجود العلم ،فكيف يوصف الجاهل بالموت وما تقدمه علم ؟
باّلل سبق إلى نفس كل إنسان في األخذ الميثاقي حين أشهدهم على أنفسهم قلنا إن العلم ه
ّللا ،فبقيت ،فلما عمرت األنفس األجسام الطبيعية في الدنيا فارقها العلم بتوحيد ه
ّللا ،ّللا بعض النفوس بالعلم بتوحيد ه ّللا ،ثم بعد ذلك أحيا ه النفوس ميتة بالجهل بتوحيد ه
ّللا ،فلهذا ّللا ،إذ كان من ضرورة العقل العلم بوجود ه وأحياها كلها ،بالعلم بوجود ه
سميناه ميتا ،
باّلل ،فقال ّللا قد قبض منه روح العلم ه فقال تعالى «:أ َ َو َم ْن كانَ َميْتا ً »يعني بما كان ه
اس »فرد إليه تعالى في معرض االمتنان « :فَأ َ ْحيَيْناهُ َو َجعَ ْلنا لَهُ نُورا ً يَ ْم ِشي ِب ِه ِفي النَّ ِ
علمه فحيى به ،كما ترد األرواح إلى أجسامها في الدار اآلخرة يوم البعث« َك َم ْن َمثَلُهُ
ج ِم ْنها »يريد مقابلة النور الذي يمشي به في الناس ،وما هو خار ٍ
ْس بِ ِ ت لَي َ فِي ُّ
الظلُما ِ
ّللا ال بتوحيده ،ما تعرض للتوحيد عين الحياة ،فالحياة اإلقرار بالوجود ،أي بوجود ه
في اإلشهاد ،
ّللا في اآلية حين قال «:فَأ َ ْحيَيْناهُ »فلم يكتف حتى قال «َ :و َجعَ ْلنا لَهُ نُورا ً ولهذا أردف ه
ّللا ال غيره ،فإنه العلم الذي يقع به الشرف له اس »يريد العلم بتوحيد ه يَ ْم ِشي ِب ِه ِفي النَّ ِ
والسعادة ،وما عدا هذا ال يقوم مقامه في هذه المنزلة ،ونور العلم ينفر ظلمة الجهل .
وقد يكون قوله تعالى َ «:و َجعَ ْلنا لَهُ نُورا ً »به يشهد ،وهو نور اإليمان ،والكشف
ت »وإن ّللا به إليه ،أو امتن به عليه ،فليس مثله« َك َم ْن َمثَلُهُ فِي ُّ
الظلُما ِ الذي أوحى ه
اس »هو قوله تعالى َ (:و َم ْن كان حيا -وجه آخر َ «-و َجعَ ْلنا لَهُ نُورا ً يَ ْم ِشي ِب ِه فِي النَّ ِ
ور )ويعني بالنور المجعول هنا الشرع الموحى به ( ّللاُ لَهُ نُورا ً فَما لَهُ ِم ْن نُ ٍ
لَ ْم يَ ْجعَ ِل َّ
َول ِك ْن َجعَ ْلناهُ نُورا ً نَ ْهدِي ِب ِه َم ْن نَشا ُء ِم ْن ِعبادِنا )وال حكم إال للنور المجعول وهو
ورعلى نُ ٍ ور َ الظاهر ،وهذا حكم نور الشرع على نور العقل من قوله تعالى (:نُ ٌ
)شعر:
ص 111
ص 111 :
فليس له سوى التسليم فيه *** وليس له سوى ما يصطفيه
فإن هأولته لم تحظ منه *** بعلم في القيامة ترتضيه
فتحشر في ظلمة جهلك ،ما لك نور تمشي به ،وال يسعى بين يديك .فترى أين تضع
قدمك ،وإذا بلغ العبد مقام المحبة اإللهية كما قال :إذا أحب عبدا كان سمعه الذي
يسمع به ،إلى أن قال ورجله التي يسعى بها ،فهو يمشي بهذا النور في الناس من
ض) ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ّللاُ نُ ُ
ور ال َّ ّللا تسمى باالسم النور( َّ
حيث كون ه
ّللا عليه وسلم [ :واجعلني كلي نورا ] فهو يمشي في فهو نور ذاتي من قوله صلهى ه
الناس بربه وهم ال يشعرون ،ثم لنعلم أن األنوار وإن اجتمعت في اإلضاءة والتنفير ،
فإن لها درجات في الفضيلة ،كما أن لها أعيانا محسوسة ،كنور الشمس والقمر
والنجوم والسراج والنار والبرق ،وكل نور محسوس أو منور ،وأعيانا معقولة ،
كنور العلم ونور الكشف ،وهذه أنوار البصائر واألبصار ،وهذه األنوار المحسوسة
والمعقولة ،على طبقات يفضل بعضها بعضا ،فنقول عالم وأعلم ،ومدرك وأدرك ،
كما تقول في المحسوس نير وأنور ،أين نور الشمس من نور السراج ؟ .
ص 112
ص 112 :
ْث يَ ْجعَ ُل ِرسالَتَهُ »قال تعالى في الذين يبايعون ّللاُ أ َ ْعلَ ُم َحي ُ
فاقصد ذلك ،ثم ابتدئ« َّ
ّللاُ أ َ ْعلَ ُم »
ّللا ،فأنزله منزلته ،ف« َّ الرسول إنما يبايعون ه
ّللا » ،وله وجه باالبتداء إلى« أ َ ْعلَ ُم َحي ُ
ْث يَ ْجعَ ُل س ُل َّ ِ
موجه ،له وجه بالخبرية إلى« ُر ُ
ِرسالَتَهُ » ،وكال الوجهين حقيقة فيه .
ص 113
ص 113 :
ض ع ِلي ٌم ( َ ) 128وكَذ ِلكَ نُ َو ِلّي بَ ْع َ ِين فِيها إِاله ما شا َء ه
َّللاُ إِ هن َربهكَ َح ِكي ٌم َ َمثْوا ُك ْم خا ِلد َ
س ٌلاْل ْن ِس أ َ لَ ْم يَأْتِ ُك ْم ُر ُ
ون ( ) 129يا َم ْعش ََر ا ْل ِج ِّن َو ْ ِ ين بَ ْعضا ً ِبما كانُوا يَ ْك ِ
سبُ َ ظا ِل ِم َ ال ه
سنا علَ ْي ُك ْم آياتِي َويُ ْنذ ُِرونَ ُك ْم ِلقا َء يَ ْو ِم ُك ْم هذا قالُوا ش َِهدْنا عَلى أ َ ْنفُ ِ ون َ ص َ ِم ْن ُك ْم يَقُ ُّ
ين ) ( 130 س ِه ْم أَنه ُه ْم كانُوا كافِ ِر َغ هرتْ ُه ُم ا ْل َحياةُ ال ُّد ْنيا َوش َِهدُوا عَلى أ َ ْنفُ ِ
َو َ
ّللا الملك سعيدا ،الحظ له في ّللا الجان شقيا وسعيدا ،وكذلك اإلنس ،وخلق ه خلق ه
الشقاء ،فسمي شقي اإلنس والجان كافرا ،وسمي السعيد من الجن واإلنس مؤمنا ،
وأخسر األخسرين شاهد يشهد على نفسه ،فهم الذين أشقوا أنفسهم بشهادتهم .
ص 114
ص 114 :
عام نَ ِصيبا ً فَقالُوا هذا ِ ه ِ
ّلِل ث َو ْاأل َ ْن ِ ّلِل ِم هما ذَ َرأ َ ِم َن ا ْل َح ْر ِ ون ( َ ) 135و َجعَلُوا ِ ه ِ ظا ِل ُم َال ه
ّلِل فَ ُه َو يَ ِص ُل إِلى َّللا َوما َ
كان ِ ه ِ كان ِلش َُركائِ ِه ْم فَال يَ ِص ُل إِلَى ه ِ ِب َزع ِْم ِه ْم َوهذا ِلش َُركائِنا فَما َ
ون ) ( 136 ش َُركائِ ِه ْم سا َء ما يَحْ ُك ُم َ
علَ ْي ِه ْم سوا َ ين قَتْ َل أ َ ْوال ِد ِه ْم ش َُركا ُؤ ُه ْم ِليُ ْردُو ُه ْم َو ِليَ ْل ِب ُ ير ِم َن ا ْل ُمش ِْر ِك َ َوكَذ ِلكَ َزيه َن ِل َكثِ ٍ
ون ( ) 137 َّللاُ ما فَعَلُو ُه فَذَ ْر ُه ْم َوما يَ ْفت َ ُر َ دِينَ ُه ْم َولَ ْو شا َء ه
ورها ظ ُه ُ ث ِحجْ ٌر ال يَ ْطعَ ُمها إِاله َم ْن نَشا ُء بِ َزع ِْم ِه ْم َوأ َ ْنعا ٌم ُح ِ ّر َمتْ ُ َوقالُوا ه ِذ ِه أ َ ْنعا ٌم َو َح ْر ٌ
ون ( ) 138 يه ْم بِما كانُوا يَ ْفت َ ُر َ سيَجْ ِز ِعلَ ْي ِه َافتِرا ًء َ علَ ْي َها ْ َّللا َ
س َم ه ِ ون ا ْ َوأ َ ْنعا ٌم ال يَ ْذك ُُر َ
واجنا َو ِإ ْن يَك ُْن َم ْيتَةً ُورنا َو ُم َح هر ٌم عَلى أ َ ْز ِ صةٌ ِلذُك ِ عام خا ِل َ ون ه ِذ ِه ْاأل َ ْن ِ ط ِ َوقالُوا ما فِي بُ ُ
ع ِلي ٌم ( ) 139 صفَ ُه ْم ِإنههُ َح ِكي ٌم َ يه ْم َو ْ سيَجْ ِز ِ فَ ُه ْم فِي ِه ش َُركا ُء َ
َّللا قَ ْد
علَى ه ِ اف ِترا ًء َ َّللاُ ْسفَها ً ِبغَ ْي ِر ِع ْل ٍم َو َح هر ُموا ما َر َزقَ ُه ُم ه ِين قَتَلُوا أ َ ْوال َد ُه ْم َ س َر الهذ َ قَ ْد َخ ِ
ِين ( ) 140و ضلُّوا َوما كانُوا ُم ْهتَد َ َ
ع ُم ْخت َ ِلفا ً أ ُ ُكلُهُ ت َوالنه ْخ َل َو ه
الز ْر َ غ ْي َر َم ْع ُروشا ٍ ت َو َ ت َم ْع ُروشا ٍ ُه َو الهذِي أ َ ْنشَأ َ َجنها ٍ
غ ْي َر ُمتَشابِ ٍه ُكلُوا ِم ْن ث َ َم ِر ِه إِذا أَثْ َم َر َوآتُوا َحقههُ يَ ْو َم ان ُمتَشابِها ً َو َ الر هم َون َو ُّ َو ه
الز ْيت ُ َ
ين ( ) 141 س ِرفِ َ ب ا ْل ُم ْ س ِرفُوا ِإنههُ ال يُ ِح ُّ َحصا ِد ِه َوال ت ُ ْ
طان ِإنههُ لَ ُك ْم ش ْي ِ ت ال ه طوا ِ َّللاُ َوال تَت ه ِبعُوا ُخ ُ عام َح ُمولَةً َوفَ ْرشا ً ُكلُوا ِم هما َر َزقَ ُك ُم ه َو ِم َن ْاأل َ ْن ِ
ين ( ) 142 عد ٌُّو ُم ِب ٌ َ
ضأ ْ ِن اثْنَ ْي ِن َو ِم َن ا ْل َم ْع ِز اثْنَ ْي ِن قُ ْل آلذهك ََر ْي ِن َح هر َم أ َ ِم ْاأل ُ ْنثَيَ ْي ِن أ َ هما ثَمانِيَةَ أ َ ْزواجٍ ِم َن ال ه
علَ ْي ِه أ َ ْرحا ُم
شت َ َملَتْ َ ا ْ
ص 115
ص 115 :
[ كل محرم نجس ]
ين ) ( 143 ْاأل ُ ْنثَيَ ْي ِن نَ ِبّئ ُونِي ِب ِع ْل ٍم إِ ْن ُك ْنت ُ ْم صا ِدقِ َ
علَ ْي ِه أ َ ْرحا ُم
شت َ َملَتْ َ اْل ِب ِل اثْنَ ْي ِن َو ِم َن ا ْلبَقَ ِر اثْنَ ْي ِن قُ ْل آلذهك ََر ْي ِن َح هر َم أ َ ِم ْاأل ُ ْنثَيَ ْي ِن أ َ هما ا َْو ِم َن ْ ِ
علَى ه ِ
َّللا َكذِبا ً ِليُ ِض هل افتَرى َ َّللاُ ِبهذا فَ َم ْن أ َ ْظلَ ُم ِم هم ِن ْ ش َهدا َء ِإ ْذ َو ه
صا ُك ُم ه ْاأل ُ ْنثَيَ ْي ِن أ َ ْم ُك ْنت ُ ْم ُ
ين) ( 144 َّللا ال يَ ْهدِي ا ْلقَ ْو َم ال ه
ظا ِل ِم َ اس ِبغَ ْي ِر ِع ْل ٍم ِإ هن ه َ النه َ
ُون َم ْيتَةً أ َ ْو دَما ً
ي ُم َح هرما ً عَلى طا ِع ٍم يَ ْطعَ ُمهُ إِاله أ َ ْن يَك َ ي إِلَ ه وح َ قُ ْل ال أ َ ِج ُد فِي ما أ ُ ِ
غ ْي َر باغٍ َوال ط هر َ ض ُ َّللا بِ ِه فَ َم ِن ا ْ سقا ً أ ُ ِه هل ِلغَ ْي ِر ه ِ س أ َ ْو فِ ْ
ير فَ ِإنههُ ِرجْ ٌ سفُوحا ً أ َ ْو لَحْ َم ِخ ِ
نز ٍ َم ْ
ور َر ِحي ٌم ( .) 145 عا ٍد فَ ِإ هن َربهكَ َ
غف ُ ٌ
اتفق العلماء على تحريم الدم المسفوح من الحيوان المذكى ،واختلفوا في غير
المسفوح منه ،والسفح الذي يشترط إنما هو الدم السائل من التزكية في الحيوان
الحالل األكل ،إذ الدم السائل من الحي فهو حرام بال خالف ،قليله وكثيره ،
وكذلك ما سال من دم الحيوان المحرم األكل وإن ذكي فقليله وكثيره حرام بغير خالف
،وأما اختالفهم في دم الحوت فمن حرمه فبعموم اللفظ ،ومن أحله فليس له دليل ،
إال أنه رأى أن الدم تابع في الحرمة والحل لميتة الحيوان ،فمن كان ميتته حرام قدمه
حرام ،ومن كان ميتته حالال فدمه حالل فالتحريم ينسحب على كل دم مسفوح من أي
حيوان كان ،ويحرم أكله ،وأما كونه نجاسة ،
فال أحكم بنجاسة المحرمات إال أن ينص الشارع على نجاستها على اإلطالق ،أو يقف
على القدر الذي نص على نجاسته ،
النص باالجتناب نصا في كل حال ،فيفتقر إلى قرينة وال بد ،فما كل محرم
ه وليس
نجس ،وإن اجتنبناه فما اجتنبناه لنجاسته ،فإن كونه نجس حكم شرعي ،وقد يكون
غير مستقذر عقال وال مستخبث .
ص 116
ص 116 :
سهُ ع َِن ا ْلقَ ْو ِم سعَ ٍة َوال يُ َر ُّد بَأ ْ ُ
ون ( ) 146فَ ِإ ْن َكذهبُوكَ فَقُ ْل َربُّ ُك ْم ذُو َرحْ َم ٍة وا ِ لَصا ِدقُ َ
َّللاُ ما أَش َْر ْكنا َوال آباؤُنا َوال َح هر ْمنا ِين أَش َْركُوا لَ ْو شا َء ه سيَقُو ُل الهذ َ ين ) َ ( 147 ا ْل ُمجْ ِر ِم َ
سنا قُ ْل َه ْل ِع ْن َد ُك ْم ِم ْن ِع ْل ٍم ِين ِم ْن قَ ْب ِل ِه ْم َحتهى ذاقُوا بَأ ْ َ ب الهذ َ ش ْي ٍء كَذ ِلكَ َكذه َ
ِم ْن َ
لِلَف ا ْل ُح هجةُ
ون ( ) 148قُ ْل َ ِ ه ِ ص َظ هن َو ِإ ْن أ َ ْنت ُ ْم ِإاله ت َ ْخ ُر ُ
ون ِإاله ال هفَت ُ ْخ ِر ُجو ُه لَنا ِإ ْن تَت ه ِبعُ َ
ين ) . ( 149 ا ْلبا ِلغَةُ فَلَ ْو شا َء لَ َهدا ُك ْم أَجْ َم ِع َ
ص 117
ص 117 :
بأن له الحجة البالغة وليس إال العلم فإنه أعلى ما يطلب وأفضل ما يكتسب وأعظم ما
به يفتخر ،وأسد آلة تعد وتدخر« فَلَ ْو شا َء لَ َهدا ُك ْم أ َ ْج َم ِعينَ »ولو حرف امتناع المتناع
،فما شاء إال ما هو األمر عليه ،ولكن عين الممكن قابل للشيء ونقيضه في حكم دليل
العقل ،وأي الحكمين المعقولين وقع ،ذلك هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته ،
ّللا عين بصيرته إلدراك ومعنى لهداكم أي ليبين لكم ،وما كل ممكن في العالم فتح ه
األمر في نفسه على ما هو عليه ،فمنهم العالم والجاهل ،فما هداهم أجمعين وال يشاء
.
[ سورة األنعام ( : ) 6آية ] 150
َّللا َح هر َم هذا فَ ِإ ْن ش َِهدُوا فَال ت َ ْ
ش َه ْد َمعَ ُه ْم َوال تَت ه ِب ْع ُون أ َ هن ه َ ش َهد َ ِين يَ ْ ش َهدا َء ُك ُم الهذ َ قُ ْل َهلُ هم ُ
ون ( «) 150 ون ِب ْاآل ِخ َر ِة َو ُه ْم ِب َر ِبّ ِه ْم يَ ْع ِدلُ َِين ال يُ ْؤ ِمنُ َ ِين َكذهبُوا ِبآيا ِتنا َوالهذ َ أ َ ْهوا َء الهذ َ
ون »أي يجعلون له مشابها ومماثال [.سورة األنعام ( : ) 6اآليات 151 ِب َر ِبّ ِه ْم يَ ْع ِدلُ َ
إلى ] 152
ش ْيئا ً َوبِا ْلوا ِل َد ْي ِن إِحْ سانا ً َوال ت َ ْقتُلُوا علَ ْي ُك ْم أَاله تُش ِْركُوا بِ ِه َ قُ ْل تَعالَ ْوا أَتْ ُل ما َح هر َم َربُّ ُك ْم َ
ش ما َظ َه َر ِم ْنها َوما بَ َط َن واح َ الق نَحْ ُن نَ ْر ُزقُ ُك ْم َو ِإيها ُه ْم َوال ت َ ْق َربُوا ا ْلفَ ِ أ َ ْوال َد ُك ْم ِم ْن ِإ ْم ٍ
ون ( ) 151 صا ُك ْم ِب ِه لَعَله ُك ْم ت َ ْع ِقلُ َ َّللاُ ِإاله ِبا ْل َح ّ ِ
ق ذ ِل ُك ْم َو ه س الهتِي َح هر َم ه َوال ت َ ْقتُلُوا النه ْف َ
ش هد ُه َوأ َ ْوفُوا ا ْل َك ْي َل َوا ْل ِم َ
يزان س ُن َحتهى يَ ْبلُ َغ أ َ ُ ي أَحْ َ يم ِإاله ِباله ِتي ِه َ َوال ت َ ْق َربُوا ما َل ا ْليَ ِت ِ
َّللا أ َ ْوفُوا
كان ذا قُ ْربى َوبِعَ ْه ِد ه ِ سعَها َوإِذا قُ ْلت ُ ْم فَا ْع ِدلُوا َولَ ْو َ ف نَ ْفسا ً إِاله ُو ْ بِا ْل ِق ْ
س ِط ال نُ َك ِلّ ُ
ون ) ( 152 صا ُك ْم بِ ِه لَعَله ُك ْم تَذَك ُهر َ ذ ِل ُك ْم َو ه
اليتيم من ال أب له بالحياة ،وهو غير بالغ أي لم يبلغ الحلم بالسن أو اإلنبات أو رؤية
ّللا عليه وسلم بالتجارة في مال اليتيم حتى ال تأكله الصدقة الماء ،وقد أمر النبي صلهى ه
،فإن الزكاة واجبة
ص 118
ص 118 :
في مال اليتيم ،يخرجها وليه َ «.وإِذا قُ ْلت ُ ْم فَا ْع ِدلُوا »اعلم أن العدل هو الميل ،يقال
عدل عن الطريق إذا مال عنه ،وعدل إليه إذا مال إليه ،وسمي الميل إلى الحق عدال
كما سمي الميل عن الحق جورا .
ص 119
ص 119 :
ّللا نفسا إال ما آتاها ،وما شرع لها إال ما
يسر ،فال تجعلوه في عسر ،فما كلف ه
واتاها ،فإنه العالم بالمصالح والمنافع ،والدواء الناجع ،فمن استعمل ما شرع ،اندفع
ّللا بالشرائع كل مذهب ،لمن عرف كيف يذهب . عنه الضر وانتفع ،فذهب ه
فما من قالة إال وللشرع فيها مقالة ،إما بتقرير أو إزالة ،فما فرط في الكتاب من
عز وجل أرسله . شيء حين أنزله ،وال كتم رسول ما به الحق ه
ص 120
ص 120 :
ذهب وانقضى في حقها ،ولهذا ينقطع عمل اإلنسان بالموت -الوجه الثاني -هو عند
خروج الشمس من مغربها فيسد باب التوبة ويغلق ،فال ينفع نفسا إيمانها وال ما
تكتسبه من خير بذلك اإليمان ،فغلق باب التوبة بخروج الشمس من مغربها رحمة
بالمؤمن فال يرتد مؤمن بعد ذلك ،فإنه ليس له باب يخرج منه ،ووبال بالكافر لعدم
قبول توبته وال ينفعه عمل مع كونه في الدنيا ،فإنه ال بد لهذه الشمس أن تطلع من
مغربها ولها بهتة ،ولهذا تطلع من المغرب بغتة ،مع كونها ما سكنت عن حركتها ،
ولكن حيل بينها وبين بركتها ،فلم ينفع بطلوعها إيمان وال عمل ،ولحق أهل االجتهاد
بأهل الكسل .
ص 121
ص 121 :
ي فيّللا ،ال من أجل ما يعود عل ه ي من أجل ه أي هّلل إيجاد ذلك كله ،أي ظهور ذلك ف ه
س ِإ َّال ِليَ ْعبُد ِ
ُون )فالعالم من عبد ّللا يقول َ (:وما َخلَ ْقتُ ْال ِج َّن َو ْ ِ
اإل ْن َ ذلك من الخير ،فإن ه
ّللا ،من حظوظ نفسه في تلك العبادة ،لذلك ّللا هّلل ،وغير العالم يعبده لما يرجوه من ه ه
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ »أي سيد العالمين ومالكهم ومصلحهم . قال «ِ َّ ِ :
ص 122
ص 122 :
فإذا فقد ذلك الشخص انتقل ذلك السر إلى شخص آخر ،فانتقل معه اسم الخليفة ،فلهذا
قيل خالئف األرض ،أي يخلف بعضنا بعضا فيها ،في مرتبة الخالفة ،
فإن آدم كانت خالفته في األرض ،وهكذا هو كل خليفة فيها ،مع وجود التفاضل بين
الخلفاء فيها ،وذلك الختالف األزمان واختالف األحوال ،فيعطي هذا الحال والزمان
من األمر ما ال يعطيه الزمان والحال الذي كان قبله والذي يكون بعده ،
ولهذا اختلفت آيات األنبياء باختالف األعصار ،فآية كل خليفة ورسول من نسبة ما
هو الظاهر والغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه ،أي شيء كان ،من طب أو
ت» ض َد َرجا ٍض ُك ْم فَ ْوقَ بَ ْع ٍسحر أو فصاحة ،وما شاكل هذا وهو قوله َ «:و َرفَ َع بَ ْع َ
[ وزن األعمال يوم القيامة بالعامل ]
ففضل بعضهم على بعض بالمراتب والزيادات التي لها شرف في العرف والعقل ،ثم
ور َر ِحي ٌم »وهاتان س ِري ُع ْال ِعقا ِ
ب َو ِإنَّهُ لَغَفُ ٌ يقول للخلفاء« ِليَ ْبلُ َو ُك ْم ِفي ما آتا ُك ْم ِإ َّن َرب ََّك َ
الصفتان ال تكونان إال لمن بيده الحكم واألمر والنهي ،فهذا النسق يقوي أنه أراد
خالفة السلطنة والملك ،
ور َر ِحي ٌم »قال صلهى ه
ّللا س ِري ُع ْال ِعقا ِ
ب َو ِإنَّهُ لَغَفُ ٌ ومن حقيقة قوله تعالى ِ «:إ َّن َرب ََّك َ
عليه وسلم :
[ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ] .
ص 123
ص 123 :
هي موازين األعمال ،فإن رجح عمله به ثقل ميزان عمله به وارتفعت الكفة فيه ،
فأخذ إلى عليين ،وإن رجح هو بعمله نزل بكفته في سجين ،لذلك قال تعالى .
ص 124
ص 124 :
وهو قوله (:فَأ ُ ُّمهُ ها ِويَةٌ )فكفة ميزان العمل هي المعتبرة في هذا النوع من الوزن ،
الموصوفة بالثقل في السعيد لرفعة صاحبها ،والموصوفة بالخفة في حق الشقي لثقل
ور ِه ْم )وليس إال ما يعطيهم على ُ
ظ ُه ِ صاحبها ،وهو قوله تعالى (:يَ ْح ِملُونَ أ َ ْو َ
زار ُه ْم َ
من الثقل الذي يهوي به في نار جهنم .
ص 125
ص 125 :
ّللا ،والطين ظلمة محضة ،فجمع إبليس بين الجهل والكذب ،فإنه ما هو من أسماء ه
ّللا وال في النشأة ،وفضل بين األركان وال فضل بينها في الحقائق ، خير منه ال عند ه
وما علم أن سلطان الماء الذي خلق منه آدم أقوى منه فإنه يذهبه ،وأن التراب أثبت
ّللا منهما ،وإن
منه للبرد واليبس ،فْلدم القوة والثبوت لغلبة الركنين اللذين أوجده ه
كان فيه بقية األركان ولكن ليس لها ذلك السلطان ،وهو الهواء والنار ،وإبليس بحكم
أصل نشأته بخلقه من لهب النار له عدم الثبوت وعدم البقاء على حالة واحدة ،فهو
سريع الحركة بحكم أصل خلقه من لهب النار ،واإلنسان له الثبوت فإنه من التراب ،
فله البرد واليبس فهو ثابت في شغله .
ص 126
ص 126 :
ّللا ( َوا ْست َ ْف ِز ْز
إليه ،فإن هذه الطرق األربع هي طرق الشيطان ،قال ذلك لما سمع أمر ه
)قال َ «:آلتِيَنَّ ُه ْم ِم ْن بَي ِْن أ َ ْيدِي ِه ْم »ولما قال له َ (:وأ َ ْج ِلبْ َ
علَ ْي ِه ْم )
شار ْك ُه ْم )
ّللا َ (:و ِ قال َ «:و ِم ْن خ َْل ِف ِه ْم »ولما قال له ه
ع ْن أَيْمانِ ِه ْم »ولما قال لهَ ( :و ِع ْد ُه ْم ) قال الشيطان َ «:و َ
ع ْن شَما ِئ ِل ِه ْم »قال الشيطان َ «:و َ
ّللا من نشأة فهي صورة حرب لما كان القلب هو موضع اإلمام ،وهو الذي اصطفاه ه
ّللا غرض إال هذا القلب ، عبده حين قال [ :وسعني قلب عبدي المؤمن ] وليس لعدو ه
ّللا إال أن يأتي من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن فلم يبق للعدو الذي نصبه ه
ّللا وبين جند الشيطان شمائلنا يبتغي االستيالء على القلب ،فهي حرب سجال بين جند ه
،والذي أراد الشيطان هنا ليس هو يمين الجارحة ،فإنه ال يلقي على الجوارح ،
وكذلك ما هو شمال الجوارح وال أمام اإلنسان وال خلفه ،فإن محل إلقائه إنما هو
القلب ما يقدح في أفعال ما يتعلق بيمينه أو شماله أو من خلفه أو من بين يديه ،
ويستعين على اإلنسان بالطبع ،فإنه المساعد له فيما يدعوه إليه من اتباع الشهوات ،
فقال «:ث ُ َّم َآلتِيَنَّ ُه ْم ِم ْن بَي ِْن أ َ ْيدِي ِه ْم »بظاهر القول الذي يؤدي إلى التجسيم والتشبيه
والتشكيك في الحواس ،ويدفعه المؤمن بالعلم فيمنعه أن يصل إليه فبنور علم البرهان
يرد به الشبه المضلة القادحة في وجود الحق وتوحيده وأسمائه وأفعاله ،فبالبرهان يرد
على المعطلة ويدل على إثبات وجود اإلله ،وبه يرد على أهل الشرك الذين يجعلون
ّللا إلها آخر ،ويدل على توحيد اإلله من كونه إلها ،وبه يرد على من ينفي أحكام مع ه
األسماء اإللهية وصحة آثارها في الكون ،ويدل على إثباتها بالبرهان السمعي من
طريق اإلطالق ،وبالبرهان العقلي من طريق المعاني ،وبه يرد على نفاة األفعال من
الفالسفة ،ويدل على أنه سبحانه فاعل وأن المفعوالت مرادة للحق سمعا وعقال «،
َو ِم ْن خ َْل ِف ِه ْم »بشبه وأمور من الخياالت الفاسدة ،وهو ما يدعوك إليه أن تقول على ه
ّللا
ّللا قد أوحى إليك ،فيقوم التفكر فيدفعه ،فإنك ما ال تعلم ،وتدعي النبوة والرسالة وأن ه
إن لم تتفكر وتبحث حتى تعثر على أن تلك األشياء شبهات هلكت ،وإن طردته من
خلفك الحت لك علوم الصدق ومنازله وأين ينتهي بصاحبه ،
ق ِع ْن َد َملِيكٍ ُم ْقتَد ٍِر )
ص ْد ٍ كما قال تعالى (:فِي َم ْقعَ ِد ِ
فإن القوة لما كانت صفة الصادق حيث قوي على نفسه ،فلم يتزين بما ليس له ،
والتزم الحق في أقواله وأحواله وأفعاله ،وصدق فيها ،أقعده الحق عند مليك مقتدر «
ع ْن أَيْمانِ ِه ْم »وهذه الجهة هي الموصوفة بالقوة فإنه يأتي منها ليضعف إيمانك ويقينك َو َ
،ويلقي عليك شبها في أدلتك
ص 127
ص 127 :
ومكاشفاتك ،أو يأتيك بالجنة العاجلة وهي الشهوات واللذات ،فيزينها ويحببها للعبد ،
ولكن الخوف يعرض له فيدرأه عنها ،ولواله لوقع فيها ،وبوقوعه يكون الهالك«
ع ْن شَمائِ ِل ِه ْم »
َو َ
بشبهات التعطيل أو وجود الشريك هّلل تعالى في ألوهيته ،فتطرده بدالئل التوحيد وعلم
النظر الذي يعلم به وجود الباري ،أو يأتي الشيطان عن الشمال بالقنوط واليأس وسوء
عز وجل يدفعه ويقمعه ، باّلل ه
باّلل وغلبة المقت ،ولكن الرجاء وحسن الظن ه الظن ه
فلتجعل الخوف عن يمينك والرجاء عن شمالك ،والعلم بين يديك والتفكر من خلفك ،
فهذه الجهات األربع التي يدخل عليك الخلل منها ،ومن جهة أخرى فإن الخلف
للتعطيل ،والشمال للشرك ،واليمين للضعف ،ومن بين أيديهم التشكيك في الحواس
-الوجه الثاني -الشيطان يأتي للمشرك من بين يديه ،فإنه رأى إذ كان بين يديه جهة
ّللا في ألوهيته
ّللا ولم يقدر على إنكاره ،فجعله إبليس يشرك مع ه عينيه ،فأثبت وجود ه
،ويأتي للمعطل من خلفه ،فإن الخلف ما هو محل النظر ،
فقال له :ما ث هم شيء ،أي ما في الوجود إله ،ويأتي إلى المتكبر عن يمينه ،ألن
اليمين محل القوة ،فتكبر بقوته التي أحسها من نفسه ،فادعى الربوبية لنفسه ونفاها
ّللا ،ويأتي المنافق عن شماله ،فإنه أضعف الطوائف ،كما أن الشمال أضعف عن ه
من اليمين
-الوجه الثالث -لما سكت إبليس في إتيانه العبد لإلغواء عن الفوقية سكت عن التحت
ّللا رأى نزول األنوار على العبد من ،ألنه على خط استواء مع الفوق ،ألنه لعنه ه
فوقه ،فخاف من االحتراق ،فلم يتعرض في إتيانه من الفوق ،ورأى التحت على خط
استواء من فوق ،فإن ذلك النور يتصل بالتحت لالستواء لم يأت من التحت
[ -إشارة -فإن قلت :لم أتى إبليس ابن آدم من جميع جهاته إال من أعاله ؟ ]
-إشارة -فإن قلت :لم أتى إبليس ابن آدم من جميع جهاته إال من أعاله ؟
قلنا :لئال يحترق بنور تنزل األمر من مواله ،فإن قلت :فهال أتاه من أسفله فيغويه ؟
قلنا :إليه يدعوه فال فائدة فيه ،أي السفل مقام الذل والعبودية .
اعلم أن لك ست جهات ،أربعة منها للشيطان ،وواحدة لك وواحدة هّلل ،فأنت فيما
منها هّلل معصوم فمن ث هم خذ التلقي ،واحذر من الباقي وهو الخمسة ،ولذا جاء الشرع
بخمسة أحكام ،منها جهتك وجهات الشيطان منك ،وأما جهته منك فال حكم فيها
للشرع ،وهي جهة معصومة ال يتنزل على القلب منها إال العلوم اإللهية المحفوظة من
الشوب.
ص 128
ص 128 :
[ سورة األعراف ( : ) 7آية ] 18
ين ) ( 18اخ ُرجْ ِم ْنها َم ْذؤُما ً َم ْد ُحورا ً لَ َم ْن ت َ ِبعَكَ ِم ْن ُه ْم َأل َ ْم ََل َ هن َج َهنه َم ِم ْن ُك ْم أَجْ َم ِع َ
قا َل ْ
ال سبيل لخروج إبليس من جهنم ألنه وأتباعه من المشركين الذين هم أهل النار يمأل
ّللا بهم جهنم وال نقص فيها بعد ملئها فال خروج . ه
) * (جواب لو إما أن يكون محذوفا يفهم من السياق ،أو ساقطا من األصل ،
والمعنى :لو أن إبليس لما عصى ولم يسجد لم يقل ما قال ،ما عوقب ،ألنه لم يخرج
عن أصله ،ولكنه لما قال ما قال من التكبر والفضلية . . .إلخ.
ص *129
ص 129 :
[ سورة األعراف ( : ) 7اآليات 20إلى ] 22
س ْوآتِ ِهما َوقا َل ما نَهاكُما ع ْن ُهما ِم ْن َ ي َ ور َِي لَ ُهما ما ُو ِ ش ْي ُ
طان ِليُ ْبد َ س لَ ُه َما ال ه
س َو َ فَ َو ْ
س َم ُهماِين ) َ ( 20وقا َ ش َج َر ِة ِإاله أ َ ْن تَكُونا َملَ َك ْي ِن أ َ ْو تَكُونا ِم َن ا ْلخا ِلد َ َربُّكُما ع َْن ه ِذ ِه ال ه
ش َج َرةَ بَدَتْ لَ ُهما َ
س ْوآت ُ ُهما ور فَلَ هما ذاقَا ال ه ين ( ) 21فَ َداله ُهما ِبغُ ُر ٍ اص ِح َِإ ِنّي لَكُما لَ ِم َن النه ِ
ش َج َر ِةق ا ْل َجنه ِة َونادا ُهما َربُّ ُهما أ َ لَ ْم أ َ ْن َهكُما ع َْن ِت ْل ُك َما ال ه
علَ ْي ِهما ِم ْن َو َر ِ َو َط ِفقا يَ ْخ ِص ِ
فان َ
ين ( ) 22 عد ٌُّو ُمبِ ٌطان لَكُما َ ش ْي َ َوأَقُ ْل لَكُما إِ هن ال ه
ص 130
ص 130 :
[سورة األعراف ( : ) 7آية ] 24
ين ) ( 24 ستَقَ ٌّر َو َمتا ٌ
ع إِلى ِح ٍ عد ٌُّو َولَ ُك ْم فِي ْاأل َ ْر ِ
ض ُم ْ ض َ ض ُك ْم ِلبَ ْع ٍ قا َل ا ْه ِب ُ
طوا بَ ْع ُ
طوا » قيل إلبليس وحواء وآدم« ا ْه ِب ُ
[ إشارة :اهبطوا بعضكم لبعض عدو ]
بضمير الجماعة في ضمير واحد ،وهو كان أشد عقوبة على آدم ،ولم يكن الهبوط
عقوبة آلدم وحواء ،وإنما كان عقوبة إلبليس ،فإن آدم أهبط لصدق الوعد بأن يجعل
في األرض خليفة ،بعد ما تاب عليه واجتباه ،وتلقى الكلمات من ربه باالعتراف ،
فاعترافه عليه السالم في مقابلة كالم إبليس( أَنَا َخي ٌْر ِم ْنهُ )فعرفنا الحق بمقام االعتراف
ّللا وما ينتجه من السعادة ،لنتخذه طريقا في مخالفاتنا ،وعرفنا بدعوى إبليس عند ه
ومقالته لنحذر من مثلها عند مخالفتنا ،وأهبطت حواء للتناسل ،وأهبط إبليس لإلغواء
،فكان هبوط آدم وحواء هبوط كرامة ،وهبوط إبليس هبوط خذالن وعقوبة واكتساب
ّللا ،فيصح
أوزار -إشارة -جعل بعضهم لبعض عدوا في هذه الدار ،ليستعينا بتأييد ه
منهما االفتقار ،وينفرد جالله بالعزيز الغفار .
ص 131
ص 131 :
س ْوآتِ ُك ْم
واري َ
يواري ويستر ويمنع من الضرر ،وهو ما زاد على الريش« يُ ِ
باس الت َّ ْقوى "
»فيسترها غيرة« َو ِريشا ً »هو لباس الظاهر" َو ِل ُ
هو لباس الباطن« ذ ِل َك َخي ٌْر »
باس الت َّ ْقوى ذ ِل َك َخي ٌْر » اآلية ]
[ « َو ِل ُ
أي هو خير لباس ،فالتقوى لباس ،ألن الوقاية ستر يتقى به ما ينبغي أن يتقى منه ،
فجعل التقوى لباسا ،والبدن هنا هو القلب ،ولذلك قال «:ذ ِل َك َخي ٌْر »أي هو خير
لباس ،والتقوى في اللباس هنا ما يقي به اإلنسان كشف عورته ،ويكون سترا لعورته
التي هي مذام األخالق ،وما يقى به اإلنسان برد الهواء وحره ،فهو خير لباس من
الريش .اعلم أن لباس الباطن الغذا ولباس الظاهر ما يدفع به األذى ،فالجوع ألم
يدفعه بالطعام ،والعطش ألم يدفعه بالشراب ،والحر والبرد ألم يدفعهما باللباس ،
ّللا لدفع اآلالم ،وما عدا الدفع إما زينة أو وسائر اآلالم يدفعها باألدوية التي جعلها ه
اتباع شهوة .
ص 132
ص 132 :
ّللا
ّللا فيها ،وحكم ه
وبيان كونه ال يريدها ،ألن كونها فاحشة ليس عينها ،بل هو حكم ه
في األشياء غير مخلوق ،ألنه عين علمه بها في هذه الحالة ،فال يكون مرادا فال
يكون الحكم مأمورا به ،وما لم يجر عليه الخلق ال يكون مرادا ،فإن ألزمناه في
الطاعة التزمناه ،وقلنا اإلرادة للطاعة ثبتت سمعا ال عقال ،فاثبتوها في الفحشاء ،
ونحن قبلناها إيمانا كما قبلنا وزن األعمال وصورها مع كونها أعراضا ،فال يقدح
ذلك فيما ذهبنا إليه لما اقتضاه الدليل .
ص 133
ص 133 :
عليه ،فلو كان هو بعينه لقال ( ثم ينشره ) فكان قوله تعالى َ «:كما بَ َدأ َ ُك ْم تَعُودُونَ »
[ « َكما بَ َدأ َ ُك ْم تَعُودُونَ » ]
ع ِل ْمت ُ ُم النَّ ْشأَة َ ْاألُولى فَلَ ْو ال تَذَ َّك ُرونَ »وقوله َ «:كما بَ َدأْنا أ َ َّو َل
هو قوله تعالى َ «:ولَقَ ْد َ
علَيْنا » خ َْل ٍ
ق نُ ِعي ُدهُ َوعْدا ً َ
ّللا على غير مثال سبق ،فهكذا النشأة اآلخرة وقد علمنا أن النشأة األولى أوجدها ه
ّللا تعالى على غير مثال سبق ،مع كونها محسوسة بال شك ،وقد ذكر صلهى يوجدها ه
ّللا عليه وسلم في صفة نشأة أهل الجنة والنار ما يخالف ما هي عليه هذه النشأة الدنيا ه
،فعلمنا أن ذلك راجع إلى عدم مثال سابق ينشئها عليه ،وهو أعظم في القدرة ،
ّللا النشأة األخرى على عجب الذنب الذي يبقى من هذه النشأة الدنيا ،وهو فينشئ ه
ّللا النشأة أصلها ،فعليه تركيب النشأة اآلخرة ،وهو ال يبلى وال يقبل البلى ،فإذا أنشأ ه
اآلخرة وسواها وعدلها ،ينفخ إسرافيل نفخة واحدة ،فتمر تلك النفخة على الصور
البرزخية فتطفئها ،وتمر النفخة التالية وهي األخرى إلى الصور المستعدة لالشتعال
وهي النشأة األخرى فتشتعل بأرواحها ،فإذا هم قيام ينظرون ،فتقوم الصور أحياء
ّللا به ،فمن ناطق بالحمد هّلل ، ناطقة بما ينطقها ه
ومن ناطق يقول :من بعثنا من مرقدنا ؟
ومن ناطق يقول :سبحان من أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ،وكل ناطق ينطق
بحسب علمه وما كان عليه ،ونسي حاله في البرزخ ،ويتخيل أن ذلك الذي كان فيه
منام ،كما تخيله المستيقظ ،وقد كان حين مات وانتقل إلى البرزخ كأن المستيقظ هناك
وأن الحياة الدنيا كانت له كالمنام ،وفي اآلخرة يعتقد في أمر الدنيا والبرزخ أنه منام
في منام ،وأن اليقظة الصحيحة هي التي هو عليها في الدار اآلخرة ،وهي يقظة ال
نوم فيها ،وال نوم بعدها ألهل السعادة ،
ّللا عليه وسلم [ :الناس نيام فإذا ّللا صلهى ه لكن ألهل النار وفيها راحتهم قال رسول ه
ماتوا انتبهوا ]
فالدنيا بالنسبة إلى البرزخ نوم ومنام ،فإن البرزخ أقرب إلى األمر الحق ،فهو أولى
باليقظة ،والبرزخ بالنظر إلى النشأة األخرى يوم القيامة منام ،واعلم أن اإلنسان
مقلوب النشأة ،فآخرته في باطنه ودنياه في ظاهره ،ففي نشأة اآلخرة باطنه في الدنيا
صورة ظاهره في النشأة اآلخرة وظاهره في الدنيا باطنه في النشأة اآلخرة ،لهذا
جاء« َكما بَ َدأ َ ُك ْم تَعُودُونَ »فاآلخرة مقلوب نشأة الدنيا ،والدنيا مقلوب نشأة اآلخرة ،
واإلنسان هو اإلنسان عينه ،فاجهد أن تكون خواطرك هنا محمودة شرعا ،فتجمل
صورتك في اآلخرة وبالعكس ،فال يعلم« َكما بَ َدأ َ ُك ْم تَعُودُونَ »
إال من علم( َونُ ْن ِشئ َ ُك ْم فِي ما ال ت َ ْعلَ ُمونَ )وهو عودة الحق إلى الخلق وإن اختلفت
الصور ،ففيه إثبات الغير ،فإثبات اإلعادة
ص 134
ص 134 :
اإليمان بها يعطي السعادة ،فال تكرار في الوجود وإن خفي في الشهود ،فذلك لوجود
األمثال ،وال يعرفه إال الرجال ،لو تكرر لضاق النطاق ،ولم يصح االسم الواسع
باالتفاق ،وبطل كون الممكنات ال تتناهى ،ولم يثبت ما كان به يتباهى -وجه آخر -
« َكما بَ َدأ َ ُك ْم تَعُودُونَ »اعلم أن اإلنسان خلق من ضعف ،صورة ومعنى ،وإلى
الضعف يعود ،وإنما يترقى إلى ظهوره في الصور بالعوارض ،فقوته في التوسط
ض ْعفٍ قُ َّوة ً ث ُ َّم
ض ْعفٍ ث ُ َّم َجعَ َل ِم ْن بَ ْع ِد َ
ّللا تعالى ،كما قال سبحانه (َ :خلَقَ ُك ْم ِم ْن َ بجعل ه
ش ْيبَةً )فجاء بالجعل ألجل الشيبة ،فأما الضعف فهو أصله ض ْعفا ً َو َ
َجعَ َل ِم ْن بَ ْع ِد قُ َّوةٍ َ
عاد إليه ،لذلك قال تعالى َ «:كما بَ َدأ َ ُك ْم تَعُودُونَ »وقال َ (:م ْن نُعَ ِ هم ْرهُ نُنَ ِ هك ْسهُ فِي ْالخ َْل ِ
ق
)وقال ( :ثم يرد إلى أرذل العمر لكي ال يعلم من بعد علم شيئا ) وذلك أوان رجوعه
إلى المهد ،قال سبحانه وتعالى ( :وجعلنا األرض مهادا ) .
ص 135
ص 135 :
عز وجل من كرم ولطف ذلة وافتقار وخشوع وخضوع وسجود وركوع ،وتارة بنعته ه
ّللا التي ما
ورأفة وتجاوز وعفو وصفح ومغفرة وغير ذلك مما هو هّلل ،ومن زينة ه
ّللا لما جملك به من هذه النعوت ، ّللا على عباده ،فإذا كنت بهذه المثابة أحبك ه حرمها ه
ّللا غير محرمة علينا ،والذي وقع عليه الذم زينة الحياة الدنيا ،أي الزينة فزينة ه
القريبة الزوال ،أي ال تلبسوا من المالبس إال ما يكون دائما ،كمالبس العلوم
والمعارف ،فإنها ال تخلق
باس الت َّ ْقوى ذ ِل َك َخي ٌْر )يعني العلم الذي ألبسك التقوى ولهذا قال َ (:و ِل ُ
ّللا َويُعَ ِله ُم ُك ُم َّ
ّللاُ ) « َو ُكلُوا َوا ْش َربُوا َوال تُس ِْرفُوا ِإنَّهُ ال يُ ِحبُّ من قوله َ (:واتَّقُوا َّ َ
ْال ُمس ِْرفِينَ »
ّللا
قال علماء الطبيعة :ما قال أحد في أصل هذا العلم أجمع وال أبدع من قول رسول ه
ّللا عليه وسلم إذ قال : صلهى ه
[ المعدة بيت الداء ،والحمية رأس الدواء ،وأصل كل داء البردة ]
وأمر في األكل إن كثر وال بد فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس ،
ّللا عليه وسلم [ :بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ] هذا في تدبير هذا وقال صلهى ه
البيت الذي هو هذه األجسام الطبيعية التي خلقها وسواها وعدلها بالبناء لسكنى النفوس
ّللا أن النفس العدوة الكافرة األمارة بالسوء ،لها اإلنسانية المدبرة لها .واعلم وفقك ه
على اإلنسان قوة كبيرة وسلطان عظيم بسيفين ماضيين ،تقطع بهما رقاب صناديد
الرجال وعظمائهم ،وهما شهوة البطن والفرج ،اللتان قد تعبدتا جميع الخالئق
ّللا تعالى على هذا العبد الضعيف المسكين المسمى باإلنسان ، وأسرتاهم ،فقد سلط ه
شهوتين عظيمتين وآفتين كبيرتين ،هلك بهما أكثر الناس ،وهما شهوة البطن والفرج
،غير أن شهوة الفرج وإن كانت عظيمة قوية السلطان ،فهي دون شهوة البطن ،
فإنها ليس لها تأييد إال من شهوة البطن ،فإن غلب هذا العدو البطني يقل التعب مع
الفرج ،بل ربما تذهب ذهابا كليا ،فهذه الشهوة البطنية تجعل صاحبها أوال يمتلئ من
الطعام ،مع علمها أن أصل كل داء البردة ،دينيا كان أو طبيعيا ،فالداء الطبيعي
الذي تنتجه هذه البردة ،هو فساد األعضاء من أبخرة فاسدة ،تتولد عنه آالم وأمراض
مؤدية إلى الهالك ،وأما الداء الديني فإنه يؤدي إلى هالك األبد ،فكونه يؤديك إلى
فضول النظر والكالم والمشي والجماع وغير ذلك من أنواع الحركات المردية ،وإن
كان األمر على هذا الحد ،فواجب على كل عاقل أن ال يمأل بطنه من طعام وال شراب
أصال ،فإن كان صاحب شريعة طالبا سبيل النجاة ،فيتوجه عليه وجوبا تجنب الحرام
،والورع في الشبهات المظنونة ،وأما المحققة فواجب عليه تجنبها
ص 136
ص 136 :
كالحرام ،على كل حال من األحوال ،فإنه ما أتي على أحد إال من بطنه ،منه تقع
ّللا يا بني ،التقليل في
ّللا تعالى ،فا هّلل ه
الرغبة وقلة الورع في الكسب والتعدي لحدود ه
الغذاء الطيب في اللباس والطعام ،فإن اللباس أيضا غذاء الجسم كالطعام ،به ينعم ،
حيث يحفظه من الهواء البارد والحار ،الذي هو بمنزلة الجوع واالمتالء والظمأ
والري المتفاوت ،فكل واشرب والبس لبقاء جسمك في عبادتك ال لنفسك ،فإن الجسم
ال يطلب منك إال سد جوعة بما كان ،ووقاية من الهواء الحار والبارد بما كان ،وأما
النفس فال تطلب منك إال الطيب من الطعام الحسن الطعم والمنظر ،
وكذلك المشرب والمركب والمسكن والملبس ،إنما تريد من كل شيء أحسنه وأعاله
منزلة وأغاله ثمنا ،ولو استطاعت أن تنفرد باألحسن من هذا كله دون النفوس كلها لم
تقصر في ذلك ،والذي يؤديها إلى ذلك طلب التقدم والترأس ،
وأن ينظر إليها ويشار ،وأن ال يلتفت إلى غيرها ،وال تبالي حراما كان ذلك أو حالال
،والجسم ليس كذلك ،إنما مراده الوقاية مما ذكرناه ،فصار الجسم من هذه طالبا لما
يصونه خاصة ،
من أكل وشرب وملبس ومسكن وأشباه ذلك مما يصلح به ،وصارت النفس أو العقل
الشرعي الكاسبة والمطعمة له ،فإن كانت النفس المغذية له والناظرة في صونه خاض
في الشبهات وتورط في المحرمات ،
ألنها أمارة بالسوء ومطمئنة بالهوى ،فهلكت وأهلكته في الدارين ،ألنها ربما ال تبلغ
هنا مناها وطلبتها ،ألن األمر اإللهي رزق مقسوم ،وأجل مسمى محدود ،وإن كان
العقل الشرعي المغذي له ،تقيهد وأخذ الشيء من حله ووضعه في حقه ،
وترك الشهي من الطعام وإن كان حالال ،فغذاؤه ما تيسر ،وهمته فيما عند مواله من
رؤيته إلى ما دون ذلك مما يبقى بخالف النفس ،فإن همتها وإن تعلقت بما هو حسن
ّللا العافية ،والحجة علينا في هذا بيهنة ،ألنه لو في الحال ،فمآله عذر نتن ،نسأل ه
كان هذا خبرا لكان بعض عذر وإنما هذا كله معاينة منها ،
وليت لو وقفت الحال هنا ،وال تبقى عليه تبعات ذلك في الدار اآلخرة ،حين يسأل مم
كسبت ؟ وفيما أنفقت ؟
ويسأل عن الفتيل والقطمير ،بل في مثقال ذرة ،فالحجة قائمة للعاقل على نفسه إن
طلبت منه هذا ،فما يجب عليك في الطعام من اجتناب المحظور فيه والمتشابه ،
يتوجه عليك في اللباس ،
والتقليل من هذا كالتقليل من هذا ،وما ملئ وعاء شر من بطن ملئ بالحالل ،وينبغي
أن ال تأكل إال مما تعرف إذا كنت موكال لنفسك ،فإن رأس الدين الورع ،والزهد قائد
الفوائد ،وكل عمل ال يصحبه
ص 137
ص 137 :
ورع فصاحبه مخدوع ،فاسع جهدك في أن تأكل من عمل يدك إن كنت صانعا ،وإال
فاحفظ البساتين والفدادين ،والزم االستقامة فيما تحاوله على الطريقة المشروعة ،
والورع الشافي الذي ال يبقي في القلب أثر تهمة ،إن أردت أن تكون من المفلحين ،
وهذا ال يحصل إال بعد تحصيل العلم المشروع بالمكاسب والحالل والحرام ،ال بد لك
منه هذا إذا كنت موكال لنفسك ،واعلم آن الحالل عزيز المنال على جهة الورع ،قليل
جدا ،ال يحتمل اإلسراف والتبذير ،بل إذا تورعت على ما لزمه أهل الورع في
الورع ،فبالحري أن يسلم لك قوتك على التقتير ،كيف أن تصل به إلى نيل شهوة من
شهوات النفس ؟
ّللا يا بني ،حافظ على نفسك أن ال تصاحبها في شهوتها لهذه المطاعم الغالية فاّلل ه
ه
األثمان ،فإنك إن صاحبتها عليها وتقوى في خاطرك أن لو نلتها لعذوبتها وأن تأخذها
على وجه االعتبار ،أعمت بصيرتك ودلتك بغرور ،وأدخلت عليك ضربا من
التأويالت في مكسبك ،ليكثر درهمك بما تلحق تلك الشهوة ،حتى تؤديك إلى التوريط
في الشبهات ،وهي تريد الحرام ،فإن الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ،فسد
عليها هذا الباب ،وال تطعمها إال ما تقوى به على أداء ما كلهفته وتكلفته ،على الشرط
الذي ذكرت لك من التقليل ،وهكذا في اللباس ،وإياك واإلسراف في النفقة وإن كانت
حالال صافيا ،فإنه مذموم وصاحبه مبذر ملوم ،
ين )ياط ِ
ش ِ قال تعالى (:إِ َّن ْال ُمبَذه ِِرينَ كانُوا إِ ْخوانَ ال َّ
وقال تعالى «:يا بَنِي آ َد َم ُخذُوا ِزينَت َ ُك ْم ِع ْن َد ُك ِهل َمس ِْج ٍد َو ُكلُوا َوا ْش َربُوا َوال تُس ِْرفُوا إِنَّهُ
ال يُ ِحبُّ ْال ُمس ِْرفِينَ »فهذا قد عم اللباس والطعام والشراب ،فالبطن يا بني أكبر األعداء
ّللا من الشهوات ،وحال بيننا وبين اآلفات . بعد الهوى ،والفرج بعدهما ،عصمنا ه
ص 138
ص 138 :
ّللا وزينة الحياة الدنيا إال بالقصد ّللا للتجمل هّلل ،ألنه ال فرق بين زينة ه استخدام زينة ه
والنية ،وإنما عين الزينة هي هي ،ما هي أمر آخر ،فالنية روح األمور ،وإنما
ّللا عليه وسلم : ّللا صلهى ه
المرئ ما نوى ،ورد في صحيح مسلم أن رجال قال لرسول ه
ّللا صلهى ّللا ،إني أحب أن يكون نعلي حسنا وثوبي حسنا ،فقال له رسول ه يا رسول ه
ّللا جميل يحب الجمال ، ّللا عليه وسلم :إن ه ه
ّللا أولى من تجمل له ،هذا المقصود بالتجمل هّلل ،ال للزينة والفخر بعرض وقال :إن ه
الدنيا ،والزهو والعجب والبطر على غيره ،واجهد نفسك يا ولي أن تتحلى بحلية قوم
ّللا عليه وسلم شوقا إليهم ،ال يؤثر فيك كالم المغرورين من ّللا صلهى ه بكى رسول ه
الفقهاء علماء السوء ،الذين لبسوا رقاق الثياب ،وتناولوا لذيذ المطاعم ،فإن قلت لهم
في ذلك تلوا عليك
ق »فقد أخبر النبي صلهى الر ْز ِ
ت ِمنَ ِ ه ّللا الَّ ِتي أ َ ْخ َر َج ِل ِعبا ِد ِه َو َّ
الط ِيهبا ِ « قُ ْل َم ْن َح َّر َم ِزينَةَ َّ ِ
ّللا عليه وسلم أنهم سيقولون هذا إذا قلت لهم في ذلك ،فمن حديث سعيد بن زيد بن ه
نفيل ،
ّللا عليه وسلم وأقبل على أسامة بن زيد ،فقال :يا أسامة قال :سمعت النبي صلهى ه
عليك بطريق الجنة ،وإياك أن تختلج دونها ،
ّللا ،وما شيء أسرع ما يقطع به ذلك الطريق ،قال :الظمأ في فقال :يا رسول ه
الهواجر وكسر النفس عن لذة الدنيا ،يا أسامة وعليك عند ذلك بالصوم ،فإنه يقرب
عز وجل من ريح فم الصائم ،ترك ّللا ه
عز وجل ،إنه ليس من شيء أحب إلى ه ّللا هإلى ه
عز وجل ،وإن استطعت أن يأتيك الموت وبطنك جائع وكبدك الطعام والشراب هّلل ه
ّللا
ظمآن فافعل ،فإنك تدرك شرف المنازل في اآلخرة ،وتحمل مع النبيين صلوات ه
عليهم أجمعين ،تفرح بقدوم روحك عليهم ،ويصلي عليك الجبار تبارك وتعالى ،
عز وجل يوم القيامة ،وإياك يا أسامة ّللا ه وإياك يا أسامة وكل كبد جائع يخاصمك إلى ه
ودعاء عباد قد أذابوا اللحوم ،وأحرقوا الجلود بالريح والسمائم ،وأظمئوا األكباد ،
عز وجل قد نظر إليهم وباهى بهم المالئكة عليهم ّللا ه حتى غشيت أبصارهم ،فإن ه
ّللا عليه وسلم حتى اشتد السالم ،بهم تصرف الزالزل والفتن ،ثم بكى النبي صلهى ه
نحيبه ،وهاب الناس أن يكلموه ،حتى ظنوا أن أمرا قد حدث بهم من السماء ،ثم تكلم
عز وجل فيهم ! ! ّللا ربه ه
فقال :ويح هذه األمة ،ما يلقى منهم من أطاع ه
ّللا
ّللا تعالى ؟ فقال عمر بن الخطاب رضي ه كيف يقتلونه ويكذبونه من أجل أنه أطاع ه
عنه :
ّللا ،والناس يومئذ على اإلسالم ؟ قال :نعم ،قال :ففيم إذن يقتلون من يا رسول ه
ّللا ؟ فقال :يا عمر ترك الناس الطريق ،وركبوا الدواب ، ّللا وأمرهم بطاعة ه أطاع ه
ولبسوا ليهن
ص 139
ص 139 :
الثياب ،وخدمتهم أبناء فارس ،يتزين الرجل منهم تزين المرأة لزوجها ،ويتبرج
النساء ،زيهم زي الملوك الجبابرة ،ودينهم دين كسرى وهرمز ،يتسمون بالجشاء ،
عز وجل ،عليهم العباءة ،منحنية أصالبهم ،قد ذبحوا أنفسهم من ّللا ه
فإذا تكلم أولياء ه
العطش ،فإذا تكلم منهم متكلم ،كذهب وقيل له :أنت قرين الشيطان ورأس الضاللة ،
عز وجل على غير علم ، ّللا ه
ّللا والطيبات من الرزق ،ويتلون كتاب ه تحرم زينة ه
عز وجل يوم ّللا ه
عز وجل ،اعلم يا أسامة ،أن أقرب الناس إلى ه ّللا ه
استذلوا أولياء ه
القيامة من أطال حزنه وعطشه وجوعه في الدنيا ،األخفياء األبرياء الذين إذا شهدوا
لم يقربوا ،وإذا غابوا لم يفتقدوا ،تعرفهم بقاع األرض يعرفون في أهل السماء
ويخفون على أهل األرض ،وتحف بهم المالئكة ،تنعم الناس بالشهوات ،وتنعموا هم
بالجوع والعطش ،لبس الناس ليهن الثياب ،ولبسوا هم خشن الثياب ،وافترش الناس
ّللا ه
عز الفراش ،وافترشوا الجباه والركب ،ضحك الناس وبكوا ،يا أسامة ال يجمع ه
وجل عليهم الشدة في الدنيا واآلخرة ،
لهم الجنة ،فيا ليتني قد رأيتهم ،يا أسامة ،لهم الشرف في اآلخرة ،ويا ليتني قد
رأيتهم ،األرض بهم رحبة ،والجبار عنهم راض ،ضيهع الناس فعل النبيين وأخالقهم
ّللا مثل رغبتهم ،والخاسر من خالفهم ،تبكي ،وحفظوا ،الراغب من رغب إلى ه
ّللا على كل بلدة ليس فيها مثلهم ،يا أسامة إذا رأيتهم فياألرض إذا فقدتهم ،ويسخط ه
عز وجل قوما هم فيهم ،اتخذهم ّللا ه
قرية فاعلم أنهم أمان ألهل تلك القرية ،ال يعذب ه
لنفسك عسى أن تنجو بهم ،وإياك أن تدع ما هم عليه ،فتزل قدمك ،فتهوي في النار
،طلبوا الفضل في اآلخرة ،تركوا الطعام والشراب على قدرة ،لم يتكالبوا على الدنيا
عز وجل ، ّللا ه
تكالب الكالب على الجيفة ،شغل الناس بالدنيا وشغلوا أنفسهم بطاعة ه
لبسوا الخلق ،وأكلوا الفلق ،تراهم شعثا غبرا ،يظن الناس أن بهم داء وما ذاك بهم ،
ويظن الناس أنهم خولطوا وما خولطوا ،ولكن خالط القوم حزن ،وتظن أنهم ذهبت
عقولهم وما ذهبت عقولهم ،ولكن نظروا بقلوبهم إلى أمر ذهب بعقولهم عن الدنيا ،
فهم عند أهل الدنيا يمشون بال عقول ،يا أسامة عقلوا حين ذهبت عقول الناس ،لهم
ّللا ورسوله ألولياءالشرف في اآلخرة -انته الحديث -فانظر يا ولي وصف حبيب ه
ّللا هي الحالل التي ما فيها حرام ،فما حكم
ّللا ،وكيف نعتهم ،فإن قلت إن زينة ه ه
المتنعم في الدنيا المباح له التنعم في الحالل ؟
قلنا :ال نمنع ذلك في حق غير العارف ،ولكن العارف تحت سلطان
ص 140
ص 140 :
ّللا
ّللا بها عليه باطنة كانت أو ظاهرة ،إال والتكليف من ه التكليف ،فما من نعمة ينعم ه
بالشكر عليها يصحبها ،فذلك التكليف ينغص على العارف التنعم بتلك النعمة ،
ّللا عليه
الشتغاله بموازنة الشكر عليها ،وإذا وفي الشكر عليها ،فالوفاء به نعمة من ه
يجب عليه الشكر عليها ،فال يزال متعوب الخاطر في إقامة الوزن بالقسط ،أن ال
يخسر الميزان ،ومن هذه حالته كيف ينعم ؟
ّللا ظاهرا وباطنا ،وال فظاهرها نعمة وباطنها غصص ،وهو ال يبرح يتقلب في نعم ه
تؤثر عنده إال ألما وتنغيصا ،والعامة تفرح بتلك النعم وتتصرف فيها أشرا وبطرا ،
والعارف مسدود عليه في الدنيا باب الراحة في قلبه ،وإن استراح في ظاهره ،فهو
يموت في كل نفس ألف موتة وال يشعر به ،
ي فيها ثالث نعم ، ّللا بمصيبة إال رأيت هّلل عل ه يقول عمر بن الخطاب :ما ابتالني ه
إحداها أن لم تكن في ديني ،الثانية حيث لم تكن أكبر منها ،
ّللا عليها من الثواب ،ومن كان في مصيبة واحدة يرى ثالث نعم ،فقد الثالثة ما وعد ه
انتقل إلى مصيبة أعظم من تلك المصيبة ،فإنه يتعين عليه إقامة ميزان الشكر على
ّللا بمصيبة واحدة ليصبر عليها ،وابتلته معرفته في تلك المصيبة ثالث نعم ،فابتاله ه
ّللا الشكر عليها ،حيث أعلمه بتلك النعم في تلك المصيبة الواحدة بثالث مصائب كلفه ه
ّللا عنه ،كيف أوجب على نفسه مثل هذا ،فانظر إلى معرفة عمر بن الخطاب رضي ه
،وانظر إلى ما فيها من األدب ،حيث عدل عن النظر من كونها مصيبة إلى رؤية
النعم ،فتلقاها بالقبول ،ألن النعمة محبوبة لذاتها ،فرضي فكان له مقام الرضا
ّللا ،وأين الناس من هذا الذوق واالستسالم والتفويض والصبر واالعتماد على ه
صةً يَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة »
ي ِللَّذِينَ آ َمنُوا فِي ْال َحياةِ ال ُّد ْنيا خا ِل َالشريف« قُ ْل ِه َ
ّللا ][ تحقيق :زينة ه
الطيب من الرزق ليس في أكله تنغيص بل لذة ونعيم في الدنيا واآلخرة ،ولذلك قال
صةً يَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة »فلو كان مناقشة حساب لم تكن خالصة ،وال وقعت تعالى «:خا ِل َ
ط ِيهبا ً )
الال َ
ض َح ً اس ُكلُوا ِم َّما فِي ْاأل َ ْر ِ للمؤمن بها لذة ،قال تعالى (:يا أَيُّ َها النَّ ُ
فاعلم أن ذلك في مجرد األكل الحالل ،والحساب إنما يقع والسؤال في كسبه
والوصول إليه ،ال في أكله إذا كان حالال ،فإنه يغمض هذا المعنى على أكثر الناس -
ّللا وصفاته على الحد المشروع ،فقد ّللا أسماؤه ،فمن تخلق بأسماء ه تحقيق -زينة ه
ّللا التي أخرج لعباده في كتابه وعلى ألسنة رسله ،جاء في الحديث تحلى بزينة ه
[ وال يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به
وبصره الذي يبصر به ] فمن كان الحق سمعه وبصره وجمع قواه
ص 141
ص 141 :
سمعها وبصرها ،وهذه القوى قد أخبر الحق أنه لما أحبك كان سمعك وبصرك ،فهو
قواك ،فبه سلكت في طاعته التي أمرك أن تعمل نفسك فيها ،وتحلي ذاتك بها ،وهي
ّللا ،وهو سبحانه الجميل والزينة جمال ،فهو جمال هذا السالك ،فزينته ربه ، زينة ه
فبه يسمع ،وبه يبصر ،وبه يسلك ،وال مانع من ذلك ،ولهذا قال َ «:م ْن َح َّر َم ِزينَةَ
ّللا الَّ ِتي أ َ ْخ َر َج ِل ِعبا ِد ِه »لما أحبهم حين تقربوا إليه بنوافل الخيرات ،زينهم به ،فكان
َّ ِ
قواهم التي سلكوا بها ما كلفهم من األعمال .
ص 142
ص 142 :
الكاذب ،وليس الفحش إال ما ظهر ،وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له .واعلم أن
ّللا ذلك ،ختم على كل
حرم ه
أعظم فاحشة باطنة هو اعتقاد العبد الربوبية لنفسه ،ولما ه
قلب أن تدخله ربوبية الحق فتكون نعتا له ،فما من أحد يجد في قلبه أنه رب إله ،بل
يعلم كل أحد من نفسه أنه فقير محتاج ذليل ،فجعل البواطن كلها في كل فرد فرد
مختوما عليه أن ال يدخلها تأله ،ولم يعصم األلسنة أن تتلفظ بالدعوى باأللوهية ،وال
عصم النفوس أن تعتقد األلوهية في غيرها ،بل هي معصومة أن تعتقدها في نفسها ال
في أمثالها ،ألنه ما كل أحد عالم باألمور على ما هي عليه ،وال يعلم كل أحد أن
األمثال حكمها في الماهية واحد .
ص 143
ص 143 :
[سورة األعراف ( : ) 7اآليات 38إلى ] 39
اْل ْن ِس فِي النه ِار ُكلهما َد َخلَتْ أ ُ همةٌ لَعَنَتْ قا َل ا ْد ُخلُوا فِي أ ُ َم ٍم قَ ْد َخلَتْ ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم ِم َن ا ْل ِج ِّن َو ْ ِ
ضلُّونا فَآتِ ِه ْم ُالء أ َ َ
هاركُوا فِيها َج ِميعا ً قالَتْ أ ُ ْخرا ُه ْم ِألُوال ُه ْم َربهنا هؤ ِ أ ُ ْختَها َحتهى ِإذَا اد َ
ون ( َ ) 38وقالَتْ أُوال ُه ْم ِأل ُ ْخرا ُه ْم ف َول ِك ْن ال ت َ ْعلَ ُم َ عَذابا ً ِض ْعفا ً ِم َن النه ِار قا َل ِل ُك ٍ ّل ِض ْع ٌ
ون ( ) 39 سبُ َ ذاب ِبما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْك ِض ٍل فَذُوقُوا ا ْلعَ َ علَ ْينا ِم ْن فَ ْ فَما َ
كان لَ ُك ْم َ
باّلل ،وهو قوله ت أُوال ُه ْم »وهم رؤساؤهم الذين أضلوهم وجعلوهم يشركون ه « َوقالَ ْ
تعالى ِ (:إ ْذ تَبَ َّرأ َ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ِمنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا )
ض ٍل »حتى علَيْنا ِم ْن فَ ْ أي من الذين اتبعوهم وهو قوله ِ «:أل ُ ْخرا ُه ْم » « فَما كانَ لَ ُك ْم َ
تنظروا وتبحثوا عن وجه الحق بل كنتم مجرمين« فَذُوقُوا ْالعَ َ
ذاب ِبما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْك ِسبُونَ
»فما حكم فيهم إال بهم فأعمالهم عذبتهم ،وما حكم فيهم غيرهم .
ص 144
ص 144 :
في موافقة األمر واإلرادة ،وعالم كلفتهم في توجيه الخطاب اإللهي ،على هذا العالم
الكياني ،مع رد األفعال إليه ،واستحالة التكليف إليه ،فتاهت األلباب في هذا الباب ،
واستوى فيه البصير واألعمى ،وزادهم في ذلك حيرة وعمى ،
ْت َول ِك َّن َّ َ
ّللا َرمى ) لكن ثم رقيقة ،وهي لعمر ْت ِإ ْذ َر َمي َ
قوله تعالى َ (:وما َر َمي َ
التصوف دقيقة ،أنه ما وجد شيء إال وفيه منه حقيقة ،اسمع يا مربوب ربه القدم ،
امتنع المحدث أن تقوم به حقائق القدم ،وامتنع القديم أن تقوم به حقائق الحدوث لئال
يتقدم على وجوده العدم ،لكن تبلى جميع الصفات ،وإال فمن أين ظهرت المتضادات
والمتماثالت والمختلفات ،وليس القدم بصفة إثبات عين ،وال الحدوث بوصف إثبات
كون ،لكن لما تعذرت األسباب في الوجودين ،ولم يكن للمعلوم الواحد تحصيل
المعرفتين ،وأراد تمام الوجود ليعلم من الطريقين ،فظهر في اإليجاد تكليف محقق ،
وعناء ال يتحقق ،فظهرت بينهما ،برازخ التكليف ،في مشهد التخيير والتوقيف ،
ولهذا جاء الخبر بالعماء ،ما فوقه هواء وما تحته هواء ،
س ِإ َّال ِليَ ْعبُد ِ
ُون ) فقال َ (:وما َخلَ ْقتُ ْال ِج َّن َو ْ ِ
اإل ْن َ
قال ابن عباس ( :ليعرفون ) فلو عرف نفسه بمعرفتهم دونهم ،ما أوجد عيونهم ،
فصح التكليف في القدم ،والخلق في حال العدم ،ومن هذه الحقيقة تكليف العباد ،وإن
ّللا وإياكم من العناد ،وأمننا وإياكم من الفزعلم يكن لهم مدخل في اإليجاد ،عصمنا ه
يوم التناد ،بكرمه .
ص 145
ص 145 :
لها نعيم بما تحمله من العلوم والمعارف ،من طريق نظرها وفكرها وما وصلت إليه
من ذلك باألدلة العقلية ،ونعيم بما تحمله من اللذات والشهوات مما يناله بالنفس
الحيوانية من طريق قواها الحسية ،من أكل وشرب ونكاح ولباس وروائح ونغمات
طيبة تتعلق بها األسماع ،وجمال حسي في صورة حسنة معشوقة يعطيها البصر ،في
نساء كاعبات ووجوه حسان وألوان متنوعة وأشجار وأنهار ،كل ذلك تنقله الحواس
إلى النفس الناطقة ،فتلتذ به من جهة طبيعتها ،وهذه الجنات ثالث جنان :جنة
اختصاص إلهي وهي التي يدخلها األطفال الذين لم يبلغوا حد العمل ،وحدهم من أول
ّللا من شاء من عباده ما يولد إلى أن يستهل صارخا إلى انقضاء ست أعوام ،ويعطي ه
من جنات االختصاص ما شاء ،ومن أهلها المجانين الذين ما عقلوا ،ومن أهلها أهل
التوحيد العملي ،ومن أهلها أهل الفترات ومن لم تصل إليهم دعوة رسول ،والجنة
الثانية جنة ميراث ،ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين ،وهي
األماكن التي كانت معينة ألهل النار لو دخلوها ،والجنة الثالثة جنة األعمال ،وهي
التي ينزل الناس فيها بأعمالهم ،فمن كان أفضل من غيره في وجوه التفاضل كان له
من الجنة أكثر ،وسواء كان الفاضل دون المفضول أو لم يكن ،غير أنه فضله في
هذا المقام بهذه الحالة ،فما من عمل من األعمال إال وله جنة ،ويقع التفاضل فيها بين
أصحابها بحسب ما يقتضي أحوالهم ،
ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم أنه قال لبالل [ :يا بالل بم
سبقتني إلى الجنة ،فما وطئت منها موضعا إال سمعت خشخشتك أمامي ؟
ّللا ما أحدثت قط إال توضأت ،وال توضأت إال صليت ركعتين ، فقال :يا رسول ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم :بهما ] فقال رسول ه
فعلمنا أنها كانت جنة مخصوصة بهذا العمل ،
مطرقا بين يدي
ه ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم يقول لبالل :بم نلت أن تكون فكأن رسول ه
تحجبني ؟
من أين لك هذه المسابقة إلى هذه المرتبة ؟
ّللا عليه وسلم :بهما ،فما من فريضة وال نافلة وال فعل فلما ذكر له ذلك ،قال صلهى ه
خير وال ترك محرم ومكروه إال وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها ،
والتفاضل على مراتب ،فمنها بالسن ولكن في الطاعة واإلسالم ،فيفضل الكبير السن
على الصغير السن إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل بالسن فإنه أقدم منه فيه ،
ويفضل أيضا بالزمان فإن العمل في رمضان وفي يوم الجمعة وفي ليلة القدر وفي
عشر ذي الحجة وفي عاشوراء أعظم من سائر األزمان ،وكل زمان عيهنه الشارع ،
وتقع المفاضلة بالمكان ،كالمصلي في المسجد الحرام أفضل من صالة
ص 146
ص 146 :
المصلي في مسجد المدينة ،وكذلك الصالة في مسجد المدينة أفضل من الصالة في
المسجد األقصى ،وهكذا فضل الصالة في المسجد األقصى على سائر المساجد ،
ويتفاضلون أيضا باألحوال ،فإن الصالة في الجماعة في الفريضة أفضل من صالة
الشخص وحده ،وأشباه هذا ،ويتفاضلون باألعمال ،فإن الصالة أفضل من إماطة
ّللا األعمال بعضها على بعض ،ويتفاضلون أيضا في نفس العمل األذى ،وقد فضل ه
الواحد ،كالمتصدق على رحمه ،فيكون صاحب صلة رحم وصدقة ،والمتصدق على
غير رحمه دونه في األجر ،وكذلك من أهدى هدية لشريف من أهل البيت أفضل ممن
أهدى لغير شريف أو بره أو أحسن إليه ،ووجوه المفاضلة كثيرة في الشرع ،والرسل
عليهم السالم إنما ظهر فضلها في الجنة على غيرها بجنة االختصاص ،وأما بالعمل
فهم في جنات األعمال بحسب األحوال كما ذكرنا ،وكل من فضل غيره ممن ليس في
مقامه فمن جنات االختصاص ال من جنات األعمال ،ومن الناس من يجمع في الزمن
الواحد أعماال كثيرة ،فيصرف سمعه فيما ينبغي في زمان تصريفه بصره ،في زمان
تصريفه يده ،في زمان صومه ،في زمان صدقته ،في زمان صالته ،في زمان
ذكره ،في زمان نيهته من فعل وترك ،فيؤجر في الزمن الواحد من وجوه كثيرة ،
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم فيفضل غيره ممن ليس له ذلك ،ولذلك لما ذكر رسول ه
ّللا وما
الثمانية األبواب من الجنة أن يدخل من أيها شاء ،قال أبو بكر :يا رسول ه
على اإلنسان أن يدخل من األبواب كلها ؟
ّللا عليه وسلم :أرجو أن تكون منهم يا أبا بكر .فأراد أبو بكر ّللا صلهى ه
قال رسول ه
بذلك القول ما ذكرنا ،أن يكون اإلنسان في زمان واحد في أعمال كثيرة تعم أبواب
الجنة ،واعلم أن جنة األعمال مائة درجة ال غير ،كما أن النار مائة درك ،غير أن
كل درجة تنقسم إلى منازل .
-إشارة -من تسلل لواذا ،واعتصم عياذا ،واتخذ ال مقام مالذا ،وصير األصنام
جذاذا ،وأمطر وابال ورذاذا ،وجب أن يقول ْ «:ال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل الَّذِي هَدانا ِلهذا » -شرح
هذه اإلشارة -قوله « :من تسلل لواذا » أي من انتزع عن نفسه انتزاعا خفيا ال
باّلل تعالى ،كالمتصدق بيمينه ال تعرف بها يشعر به في العامة وال في الخاصة ،والذ ه
شماله ،قوله :
ّللا من حيث جمعية هذا االسم أمرا يتعوذ به ،كما قال : «واعتصم عياذا » أي اتخذ ه
« وأعوذ بك منك » ألنه لم ير في مقابلة الحق إال الحق « واتخذ ال مقام مالذا » أراد
ميراثا محمديا « ، » 1
147
ص 147 :
باّلل ،قوله « :
ّللا ،قال له :أنت ه
«وصير األصنام جذاذا » أي كل من قال له :أنا ه
وأمطر وابال ورذاذا » يريد أصناف العلوم ،يلقيها على قلوب المتعلمين على قدر
قواهم ،فالرذاذ منه هو الرش ،وهو الخفيف من المطر ،
والوابل هو كل علم يرد على قلب مريض ذي علة فيبريه من تلك العلة ،فكأنه علم
مختص بإزالة الشبهات ،
يقال :بل المريض وأب هل واستب هل ،إذا صح من مرضه .
ص 148
ص 148 :
ّللا عليه وسلم عندما طلب من ربه فتح باب ّللا صلهى ه القيامة قد سجد فيه رسول ه
الشفاعة تعظيما هّلل وهيبة وإجالال ،فعلموا أنه موطن سجود ،فلما دعوا إلى السجود
ّللا
هناك وهو الذي يبقى يوم القيامة من التكليف سجد أصحاب األعراف امتثاال ألمر ه
،فرجحت كفة حسناتهم بهذه السجدة وثقلت ،فسعدوا ،ألنها سجدة تكليف مشروعة
ّللا ،فيدخلون الجنة ،وكانوا ينظرون إلى النار بما لهم من في ذلك الموطن عن أمر ه
السيئات وينظرون إلى الجنة بما لهم من الحسنات ،ولذلك أشار الحق تعالى بأن ختم
سورة األعراف بسجدة للتالي عند ذكر سجود المأل األعلى ،وهي سجدة اقتداء بهدي
المالئكة« يَ ْع ِرفُونَ ُك ًّال بِ ِسيما ُه ْم »فذكر الحق عن أصحاب األعراف أن لهم المعرفة
بمقام الخلق ،فقال «:يَ ْع ِرفُونَ ُك ًّال ِب ِسيما ُه ْم »أي بما جعلنا فيهم من العالمة ،فإن
اآلخرة دار تمييز ،فأهل الجنة مميزون وأهل النار مميزون ،فبالسمات يفرق بين
حاب ْال َجنَّ ِة »فإنهم في مقام
ص َ األشخاص يوم التنادي ،والت حين مناص« َونا َد ْوا أ َ ْ
الكشف لألشياء ،فلو دخلوا الجنة استتر عنهم بدخولهم فيها وسترتهم ،ألنها جنهة ،
علَ ْي ُك ْم » عن كشف ما هم له كاشفون« أ َ ْن َ
سال ٌم َ
تحية إقبال عليهم لمعرفتهم بهم ،وتحية النصرافهم عنهم إلى جناتهم« لَ ْم يَ ْد ُخلُوها َو ُه ْم
يَ ْ
ط َمعُونَ »
ّللا ،
ّللا ،فيطمعون ،وسبب طمعهم أيضا أنهم من أهل ال إله إال ه فإنهم يرون رحمة ه
ّللا ال يظلم مثقال ذرة ،ولو جاءت ذرة إلحدى وال يرونها في ميزانهم ،ويعلمون أن ه
ّللا وعدله ،وأنه الكفتين لرجحت بها ،ألنهما في غاية االعتدال ،فيطعمون في كرم ه
ّللا عناية بصاحبها ،يظهر لها أثر عليهم كما نادوا ال بد أن يكون لكلمة ال إله إال ه
أيضا .
ص 149
ص 149 :
ّللا قوما اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ،وهم في هذا الزمان أصحاب السماع ،أهل الدف
ذم ه
باّلل من الخذالن .
والمزمار ،نعوذ ه
[ ما الدين بالدف والمزمار واللعب ]
ما الدين بالدف والمزمار واللعب * لكنما الدين بالقرآن واألدب
ص 150
ص 150 :
ّللا في ستة أيام مقدرة قال بعض المفسرين إن السماوات واألرض وما بينهما خلقهما ه
ال موجودة ،على تقدير لو كانت ث هم أيام كان هذا المقدار ،وهذا خطأ ،فإن السماوات
ّللا في هذه الستة األيام الموجودة المعلومة عندنا ، واألرض وما بينهما إنما خلقهم ه
وإنها كانت موجودة قبل خلق السماء واألرض ،فإن السماوات السبع واألرضين
ليست األيام لها ،وإنما لفلك النجوم الثوابت ،وقد كان قبل السماوات دائرا ،فاليوم
دورته ،غير أن النهار والليل أمر آخر معلوم في اليوم ،ال نفس اليوم ،فحدث النهار
وّللا ما قال في ستة أنهار وال في ست والليل بحدوث السماوات واألرض ال األيام ،ه
ليال ،وإنما ذكر األيام ،ووقع ابتداء الخلق في يوم األحد ،وانته الخلق في يوم
الجمعة ،
وقال في يوم السبت وقد وضع إحدى الرجلين على األخرى :أنا الملك« ث ُ َّم ا ْستَوى
علَى ْالعَ ْر ِش »راجع البقرة آية رقم ( ) 29وطه آية رقم ) ( 5 َ
ّللا أوجد العرش إظهارا لقدرته ،ال محال لذاته ،وأوجد الوجود ال حاجة واعلم أن ه
إليه ،إنما هو إظهار ألسمائه وصفاته ،فهو تعالى مقدس في وجوده عن مالمسة ما
أوجده ،ومجانبته ومواصلته ومفاصلته ،ألنه كان وال كون ،وهو اآلن كما كان ال
يتصل بكون ،وال ينفصل عن كون ،ألن الوصل والفصل من صفات الحدوث ال من
صفات القدم ،ألن االتصال واالنفصال يلزم منه االنتقال واالرتحال ،ويلزم من
االنتقال واالرتحال التحول والزوال والتغيير واالستبدال ،
هذا كله من صفات النقص ال من صفات الكمال ،فسبحانه سبحانه ،وتعالى عما يقول
الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ،
ولكن اقتضت مرتبة من ال يقبل المكان أن يخلق سماء جعله عرشا ،ثم ذكر أنه
استوى عليه حتى يقصد بالدعاء وطلب الحوائج ،فال يبقى العبد حائرا ال يدري أين
ّللا ذا جهة« يُ ْغ ِشي اللَّ ْي َل النَّ َ
هار » يتوجه ،ألن العبد خلقه ه
ّللا في الليل أي يغطيه وهو النكاح واإليالج ،لظهور أعيان المولدات وما يحدث ه
والنهار من المخلوقات عن هذا اإليالج والغشيان ،إليجاد ما سبق في علمه أن يظهر
فيه ،من األحكام واألعيان في العالم العنصري ،
فنحن أوالد الليل والنهار ،فما حدث في النهار ،فالنهار أمه والليل أبوه ،ألن لهما
عليه والدة ،وما ولد في الليل فالليل أمه والنهار أبوه ،فإن لهما عليه والدة ،فال
يزال الحال في الدنيا ما دام الليل والنهار يغشي أحدهما اآلخر ،
فنحن أبناء أم وأب لمن ولد معنا في يومنا أو في ليلتنا خاصة ،وما ولد في الليلة
الثانية والنهار الثاني فأمثالنا ،ما هم إخواننا ،ألن الليل والنهار جديدان «يَ ْ
طلُبُهُ
ص 151
ص 151 :
تس َّخرا ٍ س َو ْالقَ َم َر َوالنُّ ُج َ
وم ُم َ ش ْم ََحثِيثا ً »هذا الطلب منهما إلبراز أعيان الحوادث« َوال َّ
ّللا فيها .واعلم أن الفلك بِأ َ ْم ِر ِه »فكانت منافع الحيوانات بها وعن أحكامها بما أودع ه
عندنا متحرك تحرك اإلنسان في الجهات ،ألنه يعقل ويكلهف ويؤمر ،كما قال عليه
السالم في ناقته إنها مأمورة ،وقال عليه السالم في الشمس إنها تستأذن في الطلوع ،
ي الذي يحدث األشياء في فالفلك متحرك باإلرادة ليعطي ما في سمائه من األمر اإلله ه
ّللا فيها من العقل والروح والعلم ،فتعطي أشخاص كل األركان والمولدات بما أودع ه
نوع من المولدات على التعيين من معدن ونبات وحيوان وجن وملك مخلوق من عمل
ّللا لديها ،وهو قوله أو نفس بقول من تسبيح وذكر أو تالوة ،وذلك لعلمها بما أودع ه
سماءٍ أ َ ْم َرها )فمن ال كشف له يرى أن ذلك كله الكائن من تعالى َ (:وأ َ ْوحى فِي ُك ِهل َ
سريانها أنها مسخرات في حركاتها إليجاد هذه األمور ،كتحريك الصانع لْلالت
إليجاد صورة ما يريد إيجادها ،كالصورة في الخشب وغيره ،وال تعرف اآلالت شيئا
من ذلك وال ما صدر عنها ،وعندنا كل جزء من الكون عالم بما يراد منه ،فهو على
بصيرة ،حتى أجزاء بدن اإلنسان ،فما يجهل منه إال لطيفته المكلفة الموكلة إلى
استعمال فكرها ،أو تنظر بنور اإليمان حتى يظهر ذلك النور على بصرها ،فيكشف
ما كان خبرا عندها ،فما من متحرك في العالم إال وهو عالم بما إليه يتحرك إال الثقلين
ت ِبأ َ ْم ِر ِه »بما فيس َّخرا ٍ ،فقد يجهلون ما يتحركون إليه ،بل يجهلون« َوالنُّ ُج َ
وم ُم َ
حركة كل كوكب ،وما له من اقترانات مع الكواكب بما يحدث عنها من األمور
المختلفة ،بحسب األقاليم وأمزجة القوابل ومساقط نطفه في أشخاص الحيوان ،فيكون
القران واحدا ويكون أثره في العالم العنصري مختلفا بحسب األقاليم وما يعطيه طبيعته
ّللا عليها هذه الكواكب المسخرة ،فهي حوادث أ همن ه
[ « أَال لَهُ ْالخ َْل ُق َو ْاأل َ ْم ُر » ]
« أَال لَهُ ْالخ َْل ُق َو ْاأل َ ْم ُر »
الخلق خلقان :
خلق تقدير ،وهو الذي يتقدم األمر اْللهي ،كما قدمه الحق ،وأ هخر عنه األمر ،
فقال تعالى «:أَال لَهُ ْالخ َْل ُق َو ْاأل َ ْم ُر »
والخلق اآلخر بمعنى اْليجاد ،وهو الذي يساوق األمر اْللهي ،وإن تقدمه األمر
اإللهي بالرتبة ،فاألمر اإللهي بالتكوين بين خلقين ،خلق تقدير وخلق إيجاد ،
فمتعلق األمر خلق اإليجاد ،ومتعلق خلق التقدير تعيين الوقت إلظهار عين الممكن ،
فيتوقف األمر عليه ،
فاألمر اإللهي يساوق الخلق اإليجادي في الوجود ،فعين قول كن ،عين قبول الكائن
للتكوين فيكون ،فالفاء في قوله فيكون جواب أمره كن ،وهي فاء التعقيب ،وليس
الجواب
ص 152
ص 152 :
والتعقيب إال في الرتبة ،وما من ممكن من عالم الخلق إال وله وجهان :وجه إلى سببه
ّللا تعالى ،فكل حجاب وظلمة تطرأ عليه فمن سببه ،وكل نور وكشف ،ووجه إلى ه
فمن جانب حقه ،وكل ممكن من األمر فال يتصور فيه حجاب ،ألنه ليس له إال وجه
واحد ،فهو النور المحض ،فعالم الخلق طبيعي ،وعالم األمر أنوار ،والوجه
الخاص اإللهي الخارج عن الخلق هو األمر اإللهي ،فما كان من الوجه الخاص الذي
هّلل تعالى في كل موجود يلقي إليه منه ما يشاء ،مما ال يكون لغيره من الوجوه ،فذلك
ّللا سبحانه يعطي بسبب وهو األمر ،وما كان من غير ذلك الوجه فهو الخلق ،فإن ه
ّللا في خلقه ،ويعطي بغير سبب ،وهو ما يعطيه من الوجه الذي كتبه القلم من علم ه
الخاص ،فال تعرف به األسباب وال الخلق ،فعالم األمر هو الوجه الخاص الذي في
ّللا هو عالم
عالم الخلق -وجه آخر -كل موجود عند سبب حادث مخلوق مما سوى ه
الخلق ،فالغيب فيه مستور ،وكل ما لم يوجد عند سبب حادث مخلوق فهو عالم األمر
ّللا قد ،والكل على الحقيقة عالم األمر ،إال أنا ال يمكننا رفع األسباب من العالم ،فإن ه
ّللا ،فقوله تعالى «:أَال لَهُ ْالخ َْل ُق »هو كل ما
وضعها وال سبيل إلى رفع ما وضعه ه
يوجده عند سبب ،أو بسبب ،كيف شئت قل ،من غير مشافهة األمر التي هي الكلمة
ّللا بال واسطة إال ،وقوله« َو ْاأل َ ْم ُر »ما ال يوجده بسبب ،أي كل من صدر عن ه
فاّلل قادر من حيث األمر ،مقتدر من حيث الخلق بمشافهة األمر العزيز مثل الروح ،ه
،وعالم الخلق وعالم األمر ،خص باالسم الرب دون غيره من قوله تعالى «:ت َ َ
بار َك
ّللاُ َربُّ ْالعالَ ِمينَ »إشارة إلى أنه سيد العالم وخالقه ومربيه .واعلم أن األمور التي
َّ
يكرهها اإلنسان طبعا وشرعا هي أمور مخصوصة بعالم الخلق والتركيب الطبيعي ال
بعالم األمر ،فكان عالم الخلق والتركيب يقتضي الشر لذاته لتركيبه من طبائع متنافرة
،والتنافر هو عين التنازع ،والنزاع أمر مؤد إلى الفساد ،وعالم األمر هو الخير
الذي ال شر فيه ،فما ظهر من عالم التركيب من الشرور فمن طبيعته ،وما ظهر منه
من خير فمن روحه اإللهي ،فالشرور كلها مضافة إلى عالم الخلق ،والخير كله
مضاف إلى عالم األمر ،ولما كان عالم الخلق الموجود من الطبيعة موجودا فيه الفساد
ّللا
والتغيير ،ولوال هذا النور الذي من عالم األمر هلك عالم الخلق جملة واحدة ،أمر ه
ّللا الروح بما يعطيه من سبحانه أن يلجأ إليه بالدعاء في دفع هذه المكاره ،فيؤيد ه
النور من االسم الرب ليدفع به ما تقع به المضرة من جانب ظلمة الطبع
-إشارة -قال
ص 153
ص 153 :
س إِ َّال ِليَ ْعبُد ِ
ُون ) تعالى َ (:وما َخلَ ْقتُ ْال ِج َّن َو ْ ِ
اإل ْن َ
فجعل العبادة المقصود منه بخلقهم
ّللاُ ال ِإلهَ ِإ َّال أَنَا فَا ْعبُ ْدنِي )
وقال تعالى ِ (:إنَّنِي أَنَا َّ
هذا أمر بالعبادة ،فإن كان العبد مطيعا طائعا فقد فاز بوقوع ما قصد له في الخلق
ّللا رب العالمين ،وأما العاصي فهو مخالف واألمر ،فإن هّلل الخلق واألمر تبارك ه
ّللا ،فلم يقم بما قصد له من الخلق واألمر . ألمر ه
ص 154
ص 154 :
[ سورة األعراف ( : ) 7آية ]58
ف ْاآليا ِ
ت ج إِاله نَ ِكدا ً كَذ ِلكَ نُ َ
ص ِ ّر ُ ج نَباتُهُ ِب ِإ ْذ ِن َر ِبّ ِه َوالهذِي َخبُ َ
ث ال يَ ْخ ُر ُ ب يَ ْخ ُر ُ َوا ْلبَلَ ُد ال ه
ط ِيّ ُ
ون ( ) 58 شك ُُر َ ِلقَ ْو ٍم يَ ْ
ب يَ ْخ ُر ُج نَباتُهُ ِبإِ ْذ ِن َر ِبه ِه »وليس سوى الموافقة والسمع والطاعة ، « َو ْالبَلَ ُد َّ
الط ِيه ُ
ث »وهو الذي غلبت عليه نفسه والطبع ،وهو معتنى به في لطهارة المحل« َوالَّذِي َخبُ َ
نفس األمر« ال يَ ْخ ُر ُج إِ َّال نَ ِكدا ً »مثل قوله :إن هّلل عبادا يقادون إلى الجنة بالسالسل ،
ط ْوعا ً َو َك ْرها ً »فالبلد الطيب الذي ض َ ت َو ْاأل َ ْر ِ ّلل يَ ْس ُج ُد َم ْن فِي ال َّ
سماوا ِ :و ِ َّ ِ
وقوله تعالى َ
يخرج نباته بإذن ربه ،هو النفس التي تسارع إلى إجابة الداعي ،وهي من النفوس
الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ،وأما الذي خبث فال يخرج إال نكدا ،
س ُك ُم الض ُُّّر ِفي ْالبَ ْح ِرفهي النفس التي تجيب مضطرة مثل من قال فيه تعالى َ (:و ِإذا َم َّ
ض َّل َم ْن ت َ ْدعُونَ ِإ َّال ِإيَّاهُ ). َ
ص 155
ص 155 :
[ -إشارة -الرجل من جعل نفسه سفينة نوح ]
-إشارة -الرجل من جعل نفسه سفينة نوح .
ص 156
ص 156 :
فال تتعرضوا بالمخالفة لسطوتنا ،وال تستبطئوا عند اعتدائكم نقمتنا .
ض 157
ص 157 :
" َو ُه َو َخي ُْر ْالحا ِك ِمينَ »فإن له الحكم األعم ،يحكم على كل حكم وعلى كل حاكم بكل
حكم .
ص 158
ص 158 :
-فائدة -لما كان الرسول من الجنس ،ومن عادة الجنس الحسد إذا ظهر التفوق ،
وقد ارتفع عن المتشرعين المنكسرة قلوبهم الحسد ،وهم ناظرون إلى الرسول دائما
ّللا لهم البركات من السماء واألرض.
بعين حق مع شهود بشريته ،فتح ه
ص 159
ص 159 :
في البالء ،وأدنى المكر فيه أن يرى نفسه مستحقا لتلك النعمة ،
ّللا ليس بمحتاج إليها ،فهي له بحكم االستحقاق ،ويغيب وأنها من أجله خلقت ،فإن ه
عن أن األشياء إنما خلقت له تعالى ،لتسبح بحمده ،وكان انتفاعنا بها بحكم التبعية ال
بالقصد األول ،فمكر العموم اإللهي هو إرداف النعم على إثر المخالفات ،وزوالها
عند الموافقات ،وقد يكون المكر اإللهي في حق بعض الناس من الممكور بهم يعطي
الشقاء وهو في العامة ،وقد يكون يعطي نقصان الحظ وهو المكر بالخاصة وخاصة
الخاصة ،فالمؤمن ما هو في أمان إال في دار الحيوان ،وأما في هذه الدار فهو في
محل االختبار ،فإما إلى دار القرار وإما إلى دار البوار ،مما روينا أن جبريل
ّللا إليهما ما شأنكما تبكيان ؟ فقاال :ال نأمن
وميكائيل عليهما السالم بكيا ،فأوحى ه
مكرك ،قال :كذلك فكونا ال تأمنا مكري .
ص 160
ص 160 :
ّللا إِ َّال ْال َح َّق " فإنه ه
باّلل يسمع ويبصر وينطق . على أ َ ْن ال أَقُو َل َ
علَى َّ ِ " َح ِق ٌ
يق َ
161
ص 161 :
[سورة األعراف ( : ) 7اآليات 123إلى ٍ]127
قا َل فِ ْرع َْو ُن آ َم ْنت ُ ْم ِب ِه قَ ْب َل أ َ ْن آذَ َن لَ ُك ْم إِ هن هذا لَ َم ْك ٌر َمك َْرت ُ ُموهُ فِي ا ْل َمدِينَ ِة ِلت ُ ْخ ِر ُجوا ِم ْنها
الف ث ُ هم َأل ُ َ
ص ِلّبَنه ُك ْم طعَ هن أ َ ْي ِديَ ُك ْم َوأ َ ْر ُجلَ ُك ْم ِم ْن ِخ ٍ ون ( َ ) 123ألُقَ ِ ّ ف ت َ ْعلَ ُم َ س ْو َأ َ ْهلَها فَ َ
ون ( َ ) 125وما ت َ ْن ِق ُم ِمنها ِإاله أ َ ْن آ َمنها ِبآيا ِ
ت ين ( ) 124قالُوا ِإنها ِإلى َر ِبّنا ُم ْنقَ ِلبُ َ أَجْ َم ِع َ
ين ( َ ) 126وقا َل ا ْل َم ََل ُ ِم ْن قَ ْو ِم س ِل ِم َص ْبرا ً َوت َ َوفهنا ُم ْ علَ ْينا َ َر ِبّنا لَ هما جا َءتْنا َربهنا أ َ ْف ِر ْغ َ
سنُقَ ِت ّ ُل أ َ ْبنا َء ُه ْم ض َويَذَ َركَ َوآ ِل َهت َكَ قا َل َ سدُوا فِي ْاأل َ ْر ِ فِ ْرع َْو َن أ َ تَذَ ُر ُموسى َوقَ ْو َمهُ ِليُ ْف ِ
ون ) ( 127 ستَحْ يِي نِسا َء ُه ْم َوإِنها فَ ْوقَ ُه ْم قا ِه ُر َ َونَ ْ
«َ . . .ويَذَ َر َك َوآ ِل َهت َ َك »والمعبودين الذين نعبدهم ،وقد قرئ « ويذرك وألهتك »
سنُقَ ِت ه ُل أَبْنا َء ُه ْم َونَ ْست َ ْح ِيي نِسا َء ُه ْم َو ِإنَّا فَ ْوقَ ُه ْم
واأللهة العبادة ،أي وعبادتك« قا َل َ
قا ِه ُرونَ »هذه الصفة في المخلوقين ال تكون قط عن حقيقة ،بل يعلمون عجزهم
وقصورهم ،وإنما ذلك صورة ظاهرة كبرق الخلب ،وعلى قدر ما يظهر من هذه
الصفة يتوجه القهر اإللهي والبطش الشديد [.سورة األعراف ( : ) 7آية ] 128
ورثُها َم ْن يَشا ُء ِم ْن ِعبا ِد ِه ّلل يُ ِ صبِ ُروا ِإ َّن ْاأل َ ْر َ
ض ِ َّ ِ اّلل َوا ْ قا َل ُموسى ِلقَ ْو ِم ِه ا ْست َ ِعينُوا بِ َّ ِ
َو ْالعاقِبَةُ ِل ْل ُمت َّ ِقينَ ) ( 128
»فشرك الحق نفسه مع العبد في الفعل ،وأمر الحق ه قال موسى لقومه «:ا ْست َ ِعينُوا ِب َّ ِ
اّلل
َّاك نَ ْعبُ ُد باّلل تقريرا للدعوى ،حتى يكون ذلك عن أمره ،وأمثالنا نقول ِ (:إي َ باالستعانة ه
ين )ومثل هذا كله ،تعبدا ،ونثابر عليه بخالف من ال يعلم ،وما قرر َّاك نَ ْست َ ِع ُ
َوإِي َ
الحق لعباده هذا إال غيرة ،فيتخذون ذلك عبادة ،ويقولون إذا رجعوا إليه وكان الملك
هّلل الواحد القهار في موطن الجمع ،وسئلوا عن مثل هذا الشرك الخفي ،يقولون :أنت
أمرتنا باالستعانة بك ،فأنت قررت لنا أن لنا قوة ننفرد بها ،وإن كان أصلها منك ،
ولكن ما لها النفوذ إال بمعونتك ،
ص 162
ص 162 :
ّللا في كونهم جعلوا القوة منه التيفطلبنا القوة منك ،فإنك ذو القوة المتين ،فيصدقهم ه
فيهم ،وأنهم رأوا فيها القصور لخاصية المحل ،فما لها نفوذ االقتدار اإللهي إال
باّلل ] رحمة بمساعدة االقتدار اإللهي ،فشرع لهم سبحانه قول [ ال حول وال قوة إال ه
باّلل« ِإ َّن
ص ِب ُروا »على حمل المشاقات والتكاليف بال حول وال قوة إال ه بهم« َوا ْ
ورثُها َم ْن يَشا ُء ِم ْن ِعبا ِد ِه »فأنت وارث والحق موروث منه ،فإن الحق ْاأل َ ْر َ
ض ِ َّ ِ
ّلل يُ ِ
ما خلق األشياء لنفسه ،وإنما خلقها بعضها لبعض من هذا الوجه ،فخلق الخلق للخلق
وّللا هو النافع الموجد للمنافع .
ال لنفسه ،فإن المنافع تعود من الخلق على الخلق ،ه
ص 163
ص 163 :
كشف ما نزل بالخلق بيد الحق .
ص 164
ص 164 :
ع ْدنا ُموسى ثَالثِينَ لَ ْيلَةً »وهو الميقات الموسوي األول ،إال أنه طرأ أمر أخل به " َووا َ
،فزاد عشرا جبرا لذلك الخلل ،فقال تعالى «َ :وأَتْ َم ْمناها بِعَ ْش ٍر فَت َ َّم ِميقاتُ َر ِبه ِه أ َ ْربَ ِعينَ
لَ ْيلَةً
" [ -إشارة -ضرب الحق لموسى الميقات ليعلم أنه تحت رق األوقات ]
-إشارة -ضرب الحق لموسى الميقات ليعلم أنه تحت رق األوقات ،وجاء العدد
بالليل ولم يجئ بالنهار الحتجاب الحق عن األبصار ،ومقامات الخلفاء ،ومصابيح
الظلماء ثمانية وعشرون ،وحضراتهم اثنتا عشرة لتتميم األربعين ،وهي منازل
السالكين فجعله يسلك أربعين مقاما من مغيبات األسرار ،فصح له االتصال عند
األسحار ،وانتظم بها في شمل أمة محمد الداعي من مقام األرواح ،في تخلقهم
باألربعين صباح ،وهو ميقات الوارثين ،فشرف بذلك كليم رب العالمين ،
ولذلك كان منه مع محمد عليهما السالم في أمر الصالة ما شهر ،ألنه في أمته يطلب
الرفق بإخوته كما ذكر ،
وذلك لما وقع هنالك في حدسه ،أن محمدا عليه السالم سيقول :ال يكمل عبد اإليمان
ّللا عليه وسلم قال في موسى :لو كان حتى يحب ألخيه ما يحبه لنفسه ،أال تراه صلهى ه
حيا ما وسعه إال أن يتبعني ،
فأوضح لنا المعنى ،وبيهن لنا حقيقة أنه منا
[ إشارة -اترك الحق خليفتك على أهلك كما قال عليه السالم :اللهم أنت الخليفة في
األهل ]
-إشارة -اترك الحق خليفتك على أهلك كما قال عليه السالم :اللهم أنت الخليفة في
األهل ،فاستخلف الحق في الحقيقة ،وال تبال حينئذ بمن يختاره من عالم الحس ،
فإنك إذا توكلت على الحق واستخلفته ،وفق خليفتك الذي هو في عالم التكليف ،وهي
ّللا تعالى .
سنة ه
ص 165
ص 165 :
السالم إال من كونها واجبة وجوبا عقليا ،والمعلوم إذا شوهد تعطي مشاهدته أمرا ال
يمكن أن يحصل من غير مشاهدة ،كما قيل .ولكن للعيان لطيف معنى * لذا سأل
المعاينة الكليمفإنه ليس حكم من شاهد األمور حكم من لم يشاهدها إال باإلعالم ،
فللعيان حال ال يمكن أن يعرفه إال صاحب العيان ،كما أن للعلم حاال ال يعرفه إال أولو
العلم ،ليس لغيرهم فيه ذوق ،وما أسمع الرحمن كالمه بارتفاع الوسائط إال ليتمكن
االشتياق في السامع إلى رؤية المتكلم ،لما سمعه من حسن الكالم ،فتكون رؤية
ّللا جميل يحب ّللا عليه وسلم يقول :إن ه ّللا صلهى ه المتكلم أشد ،وال سيما ورسول ه
الجمال ،والجمال محبوب لذاته ،وقد وصف الحق نفسه به ،فشوق النفوس إلى
ّللا عباده إلى رؤيته بكالمه سدى ،ولوال أن موسى عليه السالم رؤيته ،وما شوق ه
ّللا بارتفاع الوسائط ما جرأه على طلب الرؤية ما فعل ،فإن فهم من األمر إذ كلمه ه
ّللا تعالى بارتفاع الوسائط عين الفهم عنه ،فال يفتقر إلى تأويل وفكر في سماع كالم ه
ّللا بالوسائط من رسول أو كتاب ،فلما كان عين السمع في ذلك ،وإنما يفتقر من كلمة ه
ّللا ،
هذا المقام عين الفهم ،سأل الرؤية ،ليعلم التابع ومن ليست له هذه المنزلة عند ه
ّللا لموسى أنه اصطفاه على الناس برساالته ّللا ليست بمحال ،وقد شهد ه أن رؤية ه
وبكالمه ،فهل رآه في وقت سؤاله بالشرط الذي أقامه له كما ورد في نص القرآن(
ف تَرا ِني )أو لم يره ؟ واآلية محتملة المأخذ ، ظ ْر ِإلَى ْال َجبَ ِل فَإِ ِن ا ْستَقَ َّر َمكانَهُ فَ َ
س ْو َ ا ْن ُ
فإنه ما نفى زمان الحال عن تعلق الرؤية ،وإنما نفى االستقبال بأداة سوف ،وال شك
ّللا تجلى للجبل وهو محدث ،وتدكدك الجبل لتجليه ،فحصل لنا من هذا رؤية أن ه
الجبل ربه التي أوجبت له التدكدك ،فقد رآه محدث ،فما المانع أن رآه موسى عليه
السالم في حال التدكدك ووقع النفي على االستقبال ؟ ما لذلك مانع لمن عقل ،وال
سيما وقد قام الصعق لموسى عليه السالم مقام التدكدك للجبل ،قال تعالى َ «:ولَ َّما جا َء
ُموسى ِل ِميقا ِتنا َو َكلَّ َمهُ َربُّهُ »لما كلم موسى عليه السالم ربه أدركه الطمع فقال َ «:ربه ِ
ظ ْر إِلَي َْك »فسأله ما يجوز له السؤال فيه ،إذ كانت الرسل أعلم الناس ه
باّلل ، أ َ ِرنِي أ َ ْن ُ
وأنه ذو إدراك يدركه به ،وأنه المدرك باإلدراك ال اإلدراك ،فإنه عالم بأن األبصار
ال تدركه ،وإنما هي آلة يدرك بها ،فقال َ «:ربه ِ أ َ ِرنِي أ َ ْن ُ
ظ ْر ِإلَي َْك »بعيني ،فإن
الرؤية بأداة إلى رؤية العين ،فقال له الحق «:لَ ْن تَرانِي »بعينك ،
ص 166
ص 166 :
الن المقصود من الرؤية حصول العلم بالمرئي ،ولم يكن ذاك موطنه ومقامه ،وال
تزال ترى في كل رؤية خالف ما تراه في الرؤية التي تقدمت ،فال يحصل لك علم
برؤية أصال في المرئي ،فقال «:لَ ْن تَرانِي »فإني ال أقبل من حيث أنا التنوع ،فإن
رؤية المرئي تعطي العلم به ،ويعلم الرائي أنه راء أمرا ما ،وقد أحاط علما بما رآه ،
والحق ال تنضبط رؤيته ،وما ال ينضبط ال يقال فيه إن الذي رآه عرف أنه رآه ،وال
تتعجب من طلب موسى عليه السالم رؤية ربه ،فإنه ث هم مقام يقتضي طلب الرؤية ،
واإلنسان بحكم الوقت ،ويحتمل أن موسى عليه السالم منع من الرؤية بقوله تعالى «:
لَ ْن تَرانِي »لكونه سألها عن غير أمر إلهي ،فقيل له «:لَ ْن تَرانِي »ثم استدرك
استدراك لطيف بعبده ،لما انته فيه حد عقوبة فوت األدب بالسؤال ابتداء ،الذي حمله
عليه شوقه ،فلما علم أن اليأس قد قام به فيما طلبه ،استدرك باإلحالة على الجبل في
ف تَرا ِني ظ ْر ِإلَى ْال َجبَ ِل فَإِ ِن ا ْستَقَ َّر َمكانَهُ فَ َ
س ْو َ استقراره ،عند التجلي ،فقال َ «:ول ِك ِن ا ْن ُ
»والجبل من الممكنات« فَلَ َّما ت َ َجلَّى َربُّهُ ِل ْل َجبَ ِل َجعَلَهُ َد ًّكا »اعلم أنه ال يثبت لتجلي
الحق ،فال بد من تغير الحال ،فإن التجلي اإللهي يورث الخشوع ،
ّللا إذا تجلى لشيء خشع له ] فلما تجلى ّللا عليه وسلم [ :إن ه ّللا صلهى ه
قال رسول ه
الحق للجبل نقله من حال الشموخ إلى حال الخشوع واالندكاك ،فإن للتجلي النقيضين
،يمحو ويثبت ،ويوجد ويعدم ،فقال تعالى «:فَلَ َّما ت َ َجلَّى َربُّهُ ِل ْل َجبَ ِل َجعَلَهُ »ذلك
التجلي« َد ًّكا »فما أعدمه ،ولكنه أزال حاله ونعته ،ولم يزل عينه ،ولكن أزال
ّللا عن قهره وجبروته ،فإن الجبال ظهرت شموخه وعلوه ،فكان أول جبل أنزله ه
بصورة القهر حيث س هكنت ميد األرض ،فال تعرف التواضع ،فإنها ما كانت أرضا ثم
صارت جباال ،فصار جبل موسى بالتدكدك أرضا بعد ما كان جبال ،ولوال العظمة
التي في نفس الجبل من ربه لما تدكدك لتجلي الرب له ،فإن الذوات ال تؤثر في
أمثالها ،وإنما يؤثر في األشياء قدرها ومنزلتها في نفس المؤثر فيه ،فعلمه بقدر ذلك
المتجلي أثر فيه ،ما أثر فيه ما ظهر له ،فإنا نرى الملك إذ دخل في صورة العامة
ومشى في السوق بين الناس وهم ال يعرفون أنه الملك لم يقم له وزن في نفوسهم ،فإذا
لقيه في تلك الحالة من يعرفه قامت بنفسه عظمته وقدره ،فأثر فيه علمه به ،وكان
نظر موسى عليه السالم للجبل في حال شموخه ،وكان التجلي له من الجانب الذي ال
يلي موسى ،فلما صار دكا ظهر لموسى ما صير الجبل دكا ،فخر موسى صعقا ،
فإنه لما كان الجبل حجابا
ص 167
ص 167 :
للتجلي ،لم يثبت التجلي ما دام الجبل باقيا ،الذي هو الحجاب ،فلما تدكدك الجبل
الذي هو الحجاب بقي التجلي بال حجاب ،فرآه موسى فصعق كما صعق الجبل ،
وقامت فيه عالمة الرؤية التي قامت في الجبل ،وذلك قوله تعالى َ «:وخ ََّر ُموسى
ص ِعقا ً »فكان الدك للجبل كالصعق لموسى ، َ
والذي دك الجبل أصعق موسى ،وما أصعقه إال ما عنده ،أي ما شاهده ،فعلم عند
ذلك ما لم يكن يعلم من صورة الحق مع العالم ،وال أدري اندك الجبل عن رؤية أو
عن مقدمة رؤية ،ال بل عن مقدمة رؤية ،وصعق موسى عن تلك المقدمة ،وكان
ّللا ،فالح له عند تدكدكه األمر الذي موسى عليه السالم ناظرا إلى الجبل طاعة ألمر ه
جعل الجبل دكا ،فخر موسى صعقا ،وكان هذا من ضروب الوحي لموسى عليه
السالم ،
ّللا إذا تكلم بالوحي كأنه سلسلة على صفوان صعقت المالئكة فإنه ورد في الخبر :أن ه
ص ِعقا ً »أي ميتا ، ،ويحتمل أن يكون قوله تعالى َ «:وخ ََّر ُموسى َ
ّللا عليه وسلم [ :إن أحدكم ال يرى ربه حتى يموت ] ّللا صلهى ه
قال رسول ه
فلذلك لما سأله موسى الرؤية أجابه فخر صعقا ،فرآه تعالى في صعقته ،وقد شك
ّللا عليه وسلم في أمر موسى إذا وجده يوم البعث ،فال يدري ّللا صلهى ه
رسول ه
أجوزي بصعقة الطور فلم يصعق في نفخة الصعق ؟ فإن نفخة الصعق ما تعم ،وقد
صعق بالطور ،
فما رآه تعالى حتى مات ،ثم أفاق فعلم من رأى .واعلم أن الحق إذا تجلى في صفة
ّللا ،كجبل الجبروت لمن تجلى من عباده ،فإن كان المتجلهى له ليس له مدبر غير ه
ّللا له
موسى ،تدكدك لتجليه ،فإنه ما فيه غير نفسه ،وإن كان له مدبر قد جعله ه
كتدبير النفوس الناطقة أبدانها ،لم تتدكدك أجسامها ،
لكن أرواحها حكم فيها ذلك التجلي حكمه في الجبل ،فبعد أن كان قائما بتدبير الجسد ،
زال عن قيامه ،فظهر حكم الصعق ،في جسد موسى ،وما هو إال إزالة قيام المدبر
خاصة ،كما زال الجبل عن وتديته ،فزال حكمه إذ زالت جبليته ،كما زال تدبير
الروح لجسد صاحب الصعق ،
إذ زال قيامه به ،ألن موسى ذو روح له حكم في مسك الصورة على ما هي عليه ،
وما عدا الحيوان فروحه عين حياته ،ال أمر آخر ،فكان الصعق لموسى مثل الدك
للجبل الختالف االستعداد ،إذ ليس للجبل روح يمسك عليه صورته ،فزال عن الجبل
اسم الجبل ،ولم يزل عن موسى بالصعق اسم موسى وال اسم اإلنسان ،فأفاق موسى
ولم يرجع الجبل جبال بعد دكه ،ألنه ليس له روح يقيمه ،فإن حكم األرواح في
األشياء ما هو مثل حكم الحياة لها ،فالحياة دائمة في كل شيء ،واألرواح
ص 168
ص 168 :
كالوالة ،وقتا يتصفون بالعزل ،ووقتا يتصفون بالوالية ،ووقتا بالغيبة عنها ،مع
بقاء الوالية ،فالوالية ما دام مدبرا لهذا الجسد الحيواني ،والموت عزله ،والنوم
غيبته عنه مع بقاء الوالية عليه ،وأفاق موسى بعد صعقته ولم يرجع الجبل إلى وتديته
لوجود العوض ،وهو غيره من الجبال ،وهذا الجسد الخاص ما له مدبر مخلوق
ّللا إليه ،فهذا سبب علةّللا بالحال مدبره ،فرده ه سوى هذا الروح ،فطلب الجسم من ه
إفاقة موسى وعدم رجوع الوتدية للجبل ،ألن األرض استغنت عنه بأمثاله ،وفي
تدكدك الجبل وصعق موسى عليه السالم إشارة لقول العارف :إن المحدث إذا ظهر له
القديم يمحو أثره ،إذ ال طاقة للمحدث على رؤية القديم ،ولهذا جاء الخبر الصحيح
اإللهي بأن الحق قد يكون بصر العبد وسمعه ،حتى يثبت لظهور الحق في التجلي أو
ّللا فكلمه ، في الكالم ،أال ترى إلى موسى عليه السالم لما كان الحق سمعه ثبت لكالم ه
فلما وقع التجلي ولم يكن الحق عند ذلك بصر موسى كما كان سمعه صعق ولم يثبت ،
ّللا
فلو كان بصره لثبت ،وكان اندكاك الجبل عن تجلي الحق لكون روحه ما أوجده ه
لحفظ الصورة على الجبل مثل األرواح المدبرة ،وإنما أوجده ليكون مسبحا له ،فلذلك
لم تحفظ عليه صورة الجبلية ،وأثر فيه التجلي جعله دكا ،وحفظ روح موسى عليه
السالم على موسى في صعقته عند رؤية ما رآه الجبل الذي كان حجابا عليه صورة
نشأته« فَلَ َّما أَفاقَ »
رجع موسى موسى وما رجع الجبل جبال ،فعلم موسى أنه قد وقع منه ما كان ينبغي
سبْحان ََك تُبْتُ إِلَي َْك »لما علم أن ه
ّللا يحب التوابين ، له أن ال يقع إال بأمر إلهي« قا َل ُ
قال :رجعت إليك ،أو رجعت إلى الحالة التي لم أكن سألتك فيها الرؤية ،فال أطلب
رؤيتك على الوجه الذي كنت طلبتها به أوال ،فإني قد عرفت ما لم أكن أعلمه منك «
َوأَنَا أ َ َّو ُل ْال ُمؤْ ِمنِينَ »على وجهين :
-الوجه األول -أول المؤمنين بوقوع هذا الجائز ،إذ ما تقدم ألحد من هذا النوع
اإلنساني أنه سأل ربه رؤيته ،وال أنه رآه ،فلذلك ادعى موسى أنه أول المؤمنين ،
ّللا صلهى فما انحجب موسى عن ربه ،واستصحبته رؤيته إلى أبد األبد ،ثم إن رسول ه
ّللا عليه وسلم أعلمنا أنه ما من أحد إال سيرى ربه ويكلمه كفاحا ،وأبان صلهى ه
ّللا ه
عليه وسلم ألمته عن صورة تجلي الحق لعباده ،ونحن نعلم قطعا أن ذوق الرسل فوق
ذوق األتباع بما ال يتقارب ،فال تظن أن سؤال موسى رؤية ربه أنه فاقد للرؤية التي
ّللا قبلهّللا عنه في قوله :ما رأيت شيئا إال رأيت ه كانت حالة أبي بكر الصديق رضي ه
،هذه الرؤية ما هي الرؤية التي طلبها موسى من ربه ،فإنها رؤية
ص 169
ص 169 :
حاصلة له لعلو مرتبته ،فإن ذوق الصادق ما هو ذوق الصديق ،فالرؤية ثابتة بال
ّللا تعالى من محارات العقول ،ومما يوقف عندها شك ذوقا ونقال ال عقال ،فإن رؤية ه
باّلل يكون وال يقطع عليها بحكم من أحكامها الثالثة ،إذ ليس لألنبياء وال لألولياء علم ه
ّللا عن ذلك -الوجه الثاني «َ -وأَنَا أ َ َّو ُل ْال ُمؤْ ِمنِينَ »أي عن فكر ،قد طهرهم ه
ي ،فأنا أول المصدقين بقولك« لَ ْن تَرا ِني »فإنه ما نزل هذا القول ابتداء إال عل ه
المؤمنين به ،ثم يتبعني في اإليمان به من سمعه إلى يوم القيامة ،فإنك ما قلت ذلك إال
لي ،وهو خبر ،فلذلك ألحقه باإليمان ال بالعلم ،ولوال ما أراد اإليمان بقوله« لَ ْن
تَرانِي »ما صحت األولية ،فإن المؤمنين كانوا قبله ،ولكن بهذه الكلمة لم يكن ،فما
ظهر الحق لطالب الرؤية وال للجبل ،ألنه لو رآه الجبل أو موسى لثبت ،ولم يندك
وال صعق ،فإنه تعالى الوجود ،فال يعطي إال الوجود ،ألن الخير كله بيديه ،
والوجود هو الخير كله ،فلما لم يكن مرئيا أثر الصعق واالندكاك ،ولذلك قلنا إن
الصعق واالندكاك كانا عن مقدمة الرؤية ،ومن هذه اآلية نفرق بين الرؤية والمشاهدة
،فالمشاهدة في حضرة التمثل كالتجلي اإللهي في الدار اآلخرة الذي ينكرونه ،فإذا
تحول لهم في عالمة يعرفونه بها أقروا به وعرفوه ،وهو عين األول المنكور ،وهو
هذا اآلخر المعروف ،فما أقروا إال بالعالمة ال به ،فالمشاهدة شهود الشاهد الذي في
القلب من الحق ،وهو الذي قيد بالعالمة ،والرؤية ليست كذلك ،ولهذا قال موسى «:
ظ ْر إِلَي َْك »وما قال أشهدني ،فإنه مشهود له ما غاب عنه ،وكيف يغيب َربه ِ أ َ ِرنِي أ َ ْن ُ
عن األنبياء وليس يغيب عن األولياء العارفين به ؟ فقال له « :لَ ْن تَرانِي »ولم يكن
ّللا تعالى من موسى ،وإنما أحاله على الجبل لما قد ذكر سبحانه في الجبل بأكرم على ه
اس َول ِك َّن أ َ ْكث َ َر النَّ ِ
اس ال يَ ْعلَ ُمونَ ض أ َ ْكبَ ُر ِم ْن خ َْل ِ
ق النَّ ِ ت َو ْاأل َ ْر ِ قوله (:لَخ َْل ُق ال َّ
سماوا ِ
)والجبل من األرض وموسى من الناس فخلق الجبل أكبر من خلق موسى من طريق
المعنى ،أي نسبة األرض والسماء إلى جانب الحق أكبر من خلق الناس من حيث ما
فيهم من سماء وأرض ،فإنها في السماء واألرض معنى وصورة ،وهما في الناس
معنى ال صورة ،والجامع بين المعنى والصورة أكبر في الداللة ممن انفرد بأحدهما ،
فجمع الجبل بين الصورة والمعنى ،فهو أكبر من جبل موسى المعنوي ،فإذا كان
الجامع بين األمرين وهو األقوى واألحق باسم الجبل صار دكا عند التجلي ،فكيف
يكون موسى حيث جبليته التي هي فيه معنى ال صورة ؟ ولما كانت الرؤية ال تصح
إال لمن يثبت
ص 170
ص 170 :
لها إذا وقعت ،والجبل موصوف بالثبوت في نفسه وباإلثبات لغيره ،إذ كان الجبل هو
الذي يس هكن ميد األرض ،ويقال فالن جبل من الجبال إذا كان يثبت عند الشدائد
واألمور العظام ،فلهذا أحاله على الجبل الذي من صفاته الثبوت ،فإن ثبت الجبل إذا
ّللا ال تطاق * فإنهاتجليت له ،فإنك ستراني من حيث ما فيك من ثبوت الجبل .فرؤية ه
ّللا صلهى ه
ّللا كلها محاقفلو أطاق الشهود خلق * أطاقه األرض والطباقلهذا قيل لرسول ه
عليه وسلم :أرأيت ربك ؟ قال نور أنهي أراه -تحقيق -فإن قلت :
ّللا الذين هم أهله لم يزالوا وال يزالون دنيا وآخرة في مشاهدة عينية إنك تزعم أن أهل ه
وإن اختلفت الصور ،فال يقدح ذلك عندهم ،فموسى أحق بهذه الصفة من الولي ،وقد
سأل الرؤية ،قلنا :قد ثبت عندك إن كنت مؤمنا -وإن لم تكن من أهل الكشف -أن
ّللا يتجلى في صورة ويتحول إلى صورة ،وأنه ّللا عليه وسلم قد أخبر أن ه النبي صلهى ه
يعرف وينكر ،إن كنت مؤمنا ال تشك في هذا ،وأنه قد بيهن أن التجلي في الصور
بحسب قدر المتجلى له ،فإذا علمت هذا ،تعلم أن موسى قد رأى الحق بما هو متجل
لألولياء ،إذ علم أنه يتجلى لألولياء في صور مختلفة ،ألن موسى ولي هّلل ،وقد علم
ذلك ،ومثل هذا فال يخفى ،وإنما سأل التجلي في الصورة التي ال يدركها إال األنبياء
ّللا بمقام لم ينله غيره ،كالكالم بارتفاع الوسائط لموسى
،ومن األنبياء من خصه ه
عليه السالم ،فطلب موسى عليه السالم من ربه أن يراه في تلك الصورة التي يطلبها
مقامه ،وأما رؤيته إياه في الصورة التي يراها األولياء فذلك خبره وديدنه ،فإن قلت :
قال تعالى «:لَ ْن تَرانِي »ولن تنفي األفعال المستقبلة ،قلنا :إن الحق ما يتجلى
لمخلوق إال في صورة المخلوق ،إما التي هو عليها في الحال فيعرفه ،أو ما يكون
ّللا
عليها بعد ذلك فينكره ،حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ،فإن ه
علمه وعلم ما يؤول إليه ،والمخلوق ال يعلم من أحواله إال ما هو عليه في الوقت ،
فالصورة صورتك ،فصدق« لَ ْن تَرا ِني »واعلم أنه ليس هناك منع بل فيض دائم
وعطاء غير محظور ،ولو لم يكن المتجلى له على استعداد أظهر له ذلك االستعداد
هذا المسمى تجليا ،ما صح أن يكون له هذا التجلي ،فالحق متجل دائما ،والقابل
إلدراك هذا التجلي ال يكون إال باستعداد خاص ،وقد صح له ذلك االستعداد فوقع
التجلي في حقه ،وال يخلو أن يكون له أيضا
ص 171
ص 171 :
استعداد البقاء عند التجلي أو ال يكون له ذلك ،فإن كان له ذلك فال بد أن يبقى ،وإن
لم يكن له ،فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء ،وال يصح أن
يكون له ،فإنه ال بد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غشية ،فإنه ال يبقى له
مع الشهود غير ما شهد ،فال تطمع في غير مطمع ،قال بعضهم :شهود الحق فناء
ما فيه لذة ال في الدنيا وال في اآلخرة ،فليس التفاضل وال الفضل في التجلي ،وإنما
ّللا لهذا المتجلى له من االستعداد ،وعين حصول التجليالتفاضل والفضل فيما يعطي ه
عين حصول العلم ،ال يعقل بينهما بون ،وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل
وااللتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري ،ومن لم ير غيره ربما حكم على
التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد
[ -إشارة -لم سأل موسى عليه السالم الرؤية وهو يعجز عن النظر ؟ ]
-إشارة -لم سأل موسى عليه السالم الرؤية وهو يعجز عن النظر ؟ حتى ال يبقى له
من الميراث أثر ،فإن الرؤية للنبي محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،وانظر إلى كثرة
سواد موسى عليه السالم في اآلخرة لقرب نسبته من الرسول عليهما السالم .
ص 172
ص 172 :
فاللوح المحفوظ هو المعبر عنه بكل شيء في الكتاب العزيز من باب اإلشارة والتنبيه
ّللا كتبه وصحفه المنزلة على رسله -إشارة -كان في ،تسمية إلهية ،ومنه كتب ه
ّللا عليه وسلم جوامع ألواح موسى عليه السالم تفصيل كل شيء علم ،ولمحمد صلهى ه
الكلم .
[ سورة األعراف ( : ) 7آية ] 146
ق َوإِ ْن يَ َر ْوا ُك هل آيَ ٍة ال يُ ْؤ ِمنُوا ض بِغَ ْي ِر ا ْل َح ّ ِون فِي ْاأل َ ْر ِ ي الهذ َ
ِين يَت َ َكبه ُر َ ف ع َْن آياتِ َ سأَص ِْر َُ
ي ِ يَت ه ِخذُوهُ َ
سبِيالً ذ ِلكَ سبِي َل الغَ ّ سبِيالً َوإِ ْن يَ َر ْوا َ ش ِد ال يَت ه ِخذُوهُ َ الر ْ بِها َوإِ ْن يَ َر ْوا َ
سبِي َل ُّ
ين ) ( 146 ع ْنها غافِ ِل َ ِبأَنه ُه ْم َكذهبُوا ِبآياتِنا َوكانُوا َ
ّللا ما صرف أحدا عن اآليات إال وقد صرفه عن العلم باألمر على ما هو اعلم أن ه
عليه األمر والشأن ،واآليات التي صرف العبد عنها هي اآليات التي أراها لمن أراها
في اآلفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ،فال تكن من الذين صرفوا عن اآليات
،فإن الذين صرفوا عنها حجبوا بنفوسهم ،فنسبوا إليها ما ليس لها ،فعموا عن اآليات
،فحلهت بهم اآلفات
-الوجه الثاني -اآلية هنا من حيث كونها معجزة ال من حيث كونها آية فقط ،فإن
المعجزة إذا كانت مقدورة للبشر ادعي الصرف عنها مطلقا ،فال تظهر إال على يدي
من هو رسول إلى يوم القيامة ،فإن المعجزات نصبت للخصم األلد الفاقد نور اإليمان
ق »فمن تكبر من الخلق بغير ض بِغَي ِْر ْال َح ه ِ ،لذلك قال تعالى «:الَّذِينَ يَت َ َكب َُّرونَ فِي ْاأل َ ْر ِ
الحق فما هو كبير في نفس األمر ،وإنما هي دعوى حال ال وجود له في عين المدعي
،والحق هو الذي له الكبرياء ،فما سمي متكبرا إال لكون الدعوى ما ظهرت إال في
محل ما له الكبرياء ،فالمتكبر في األرض بغير الحق أجهل الجاهلين ،ألنه وضع
الكبرياء في غير موضعه ،
إذ من شرطه أمران:
الواحد :الحق الذي يقبله المخلوق ،
والثاني :العلو ،ومن تكبر في األرض بالحق ،فالحق له العلو بالذات والسمو ،لم
ّللا عنه اآليات ،فيريه إياها تشريفا ،فإذا رآها تبيهن له عين الحق ،فإنه ما يصرف ه
رآها إال بالحق ،والموفقون هم الذين إذا رأوا سبيل الرشد اتخذوه سبيال ،فيمشي بهم
إلى السعادة األبدية ،فإنهم نسبوا تكوين اآليات إلى الحق ،
وأن قوى سلطان الطبيعة إنما هو في قبولها لما يكونه الحق فيها ،
وأما الذين نسبوا التكوين إلى الطبيعة وأضافوه إليها ونسوا الحق بها فأنساهم أنفسهم إذ
ع ْنها»صرفهم عن آيات أنفسهم« َوكانُوا َ
ص 173
ص 173 :
" غافِ ِلينَ " فللطبيعة القبول ،وللحق الوهب والتأثير .
[ سورة األعراف ( : ) 7اآليات 147إلى ] 148
ون (قاء ْاآل ِخ َر ِة َح ِب َطتْ أَعْمالُ ُه ْم َه ْل يُجْ َز ْو َن ِإاله ما كانُوا يَ ْع َملُ َ ِين َكذهبُوا ِبآياتِنا َو ِل َِوالهذ َ
وار أ َ لَ ْم يَ َر ْوا أَنههُ ال َ )147وات ه َخذَ قَ ْو ُم ُموسى ِم ْن بَ ْع ِد ِه ِم ْن ُح ِل ِيّ ِه ْم عِجْ الً َج َ
سدا ً لَهُ ُخ ٌ
ين ) ( 148 س ِبيالً ات ه َخذُو ُه َوكانُوا ظا ِل ِم َ يُ َك ِلّ ُم ُه ْم َوال يَ ْهد ِ
ِيه ْم َ
أن حب المال يلصق بالقلوب صاغ لهم العجل بمرأى منهم من حليهم لما علم السامري ه
،لعلمه أن قلوبهم تابعة ألموالهم ،فسارعوا إلى عبادته حين دعاهم إلى ذلك ،
وإنما كان عجال ،ألن السامري لما مشى مع موسى عليه السالم في السبعين الذين
ّللا عنه غطاء بصره ، مشوا معه ،كشف ه
فما وقعت عيناه إال على الملك الذي على صورة الثور ،وهو من حملة العرش ،
ألنهم أربعة ،
واحد على صورة أسد ،
وآخر على صورة نسر ،
وآخر على صورة ثور ،
ورابع على صورة إنسان ،
فلما أبصر السامري الثور تخيل أنه إله موسى الذي يكلمه ،فصور لهم العجل وقال
«:هذا إِل ُه ُك ْم َوإِلهُ ُموسى »وصاغه من حليهم ليتبع قلوبهم أموالهم ،لعلمه أن المال
حبه منوط بالقلب ،وعلم أن حب المال يحجبهم أن ينظروا فيه ،هل يضر أو ينفع أو
يرد عليهم قوال إذا سألوه ؟
وقال لهم هارون (:يا قوم إنما فتنتم به ) أي اختبرتم به لتقوم الحجة هّلل عليكم إذا
سئلتم ( وإن ربكم الرحمن ) ومن رحمته بكم أن أمهلكم ورزقكم مع كونكم اتخذتم إلها
تعبدونه غيره سبحانه ،
ثم قال لهم (:فَاتَّبِعُونِي ) *لما علم أن في اتباعهم إياه الخير( َوأ َ ِطيعُوا أ َ ْم ِري )لكون
موسى عليه السالم أقامه فيهم نائبا عنه ،
علَ ْي ِه )يريدون عبادة العجل ( عاكفين ) أي مالزمين( َحتَّى يَ ْر ِج َع فقالوا (:لَ ْن نَب َْر َح َ
ِإلَيْنا ُموسى ) الذي بعث إلينا وأمرنا باإليمان به ،فحجبهم هذا النظر أن ينظروا فيما
أمرهم به هارون عليه السالم ،
وأما الخوار فإنه من األثر المقبوض من وطء الروح ،فقبض السامري من أثر جبريل
لما علم أن الروح تصحبه الحياة حيث ح هل ،فرمى ما قبضه في العجل فخار العجل
بذلك األثر المقبوض ،ولو رماه في شكل فرس لصهل ،أو شكل إنسان نطق ،فإن
االستعداد لما ظهر بالحياة إنما كان للقابل.
ص 174
ص 174 :
[سورة األعراف ( : ) 7اآليات 149إلى ] 150
ضلُّوا قالُوا لَئِ ْن لَ ْم يَ ْر َح ْمنا َربُّنا َويَ ْغ ِف ْر لَنا لَنَكُونَ هن ِيه ْم َو َرأ َ ْوا أَنه ُه ْم قَ ْد َ س ِق َط فِي أ َ ْيد ِ َولَ هما ُ
سما سفا ً قا َل ِبئْ َ بان أ َ ِ
ض َ غ ْ ين ( َ ) 149ولَ هما َر َج َع ُموسى ِإلى قَ ْو ِم ِه َ س ِر َ ِم َن ا ْلخا ِ
ح َوأ َ َخذَ ِب َرأْ ِس أ َ ِخي ِه يَ ُج ُّر ُه ِإلَ ْي ِه قا َلَخلَ ْفت ُ ُمونِي ِم ْن بَ ْعدِي أ َ ع َِج ْلت ُ ْم أ َ ْم َر َر ِبّ ُك ْم َوأ َ ْلقَى ْاأل َ ْلوا َ
ي ْاألَعْدا َء َوال تَجْ عَ ْل ِني َم َع ضعَفُو ِني َوكادُوا يَ ْقتُلُونَ ِني فَال تُش ِْمتْ ِب َ ست َ ْا ْب َن أ ُ هم ِإ هن ا ْلقَ ْو َم ا ْ
ين ( ) 150 ظا ِل ِم َ ا ْلقَ ْو ِم ال ه
غضْبانَ »على قومه« أ َ ِسفا ً « َولَ َّما َر َج َع ُموسى ِإلى قَ ْو ِم ِه »وجدهم قد فعلوا ما فعلوا« َ
سما َخلَ ْفت ُ ُمونِي ِم ْن بَ ْعدِي »لما ترك »عليهم لما فعلوه من اتخاذهم العجل إلها« قا َل بِئْ َ
موسى قومه خلفه وسار إلى ربه سماهم خلفاء ،وما استخلفهم ولكنه تركهم خلفه « أ َ
ع ِج ْلت ُ ْم أ َ ْم َر َر ِبه ُك ْم َوأ َ ْلقَى ْاأل َ ْلوا َح " من يده" َوأ َ َخذَ ِب َرأْ ِس أ َ ِخي ِه يَ ُج ُّرهُ ِإلَ ْي ِه "عقوبة له بتأنيه َ
في قومه ،ولو لم يلق موسى األلواح ما أخذ برأس أخيه ،فإن في نسختها الهدى
والرحمة تذكرة لموسى ،فكان يرحم أخاه بالرحمة ،وتتبين مسألته مع قومه بالهدى ،
فناداه هارون عليه السالم بأمه ،فإنها محل الشفقة والحنان« قا َل ا ْبنَ أ ُ َّم »ال تأخذ
ضعَفُونِي َوكادُوا يَ ْقتُلُونَنِي » بلحيتي وال برأسي« ِإ َّن ْالقَ ْو َم ا ْست َ ْ
كما قال له أيضا ( ِإ ِنهي َخ ِشيتُ ) لما وقع ما وقع من قومك ،أن تلومني على ذلك ،
ت بَيْنَ بَ ِني ِإسْرا ِئي َل َولَ ْم ت َ ْرقُبْ ) أي تلزم ( قَ ْو ِلي ) الذي أوصيتك به وتقول (:فَ َّر ْق َ
الظا ِل ِمينَ "فهذا هارون الخليفة العلي ، ي ْاألَعْدا َء َوال ت َ ْجعَ ْلنِي َم َع ْالقَ ْو ِم َّ ت بِ َ " فَال ت ُ ْش ِم ْ
المنيع السني ،سقاه كأس الذل ،من أوى إلى الظل ،فناداه بذات الرحم ،وقد علم أنه
ّللا إال من رحم ،فسوى بينهما في النور والضياء ،وتبرزا ال عاصم اليوم من أمر ه
في صدر الخلفاء
[ -إشارة -أتعرف ما جزاء من استخلف في مقام اإلحسان ؟ ]
-إشارة -أتعرف ما جزاء من استخلف في مقام اإلحسان ؟
أن يأخذ بلحيته كليم الرحمن ،أي أن العبد ما دام في عبوديته ،كانت السالمة له
مصاحبة ،فإذا قبل النيابة في الخالفة فقد تلبسها وظهر بأوصافها ،وأبطن عبوديته ،
فحينئذ يبتلى بمن يأخذ بلحيته لالختبار
-إشارة -ال شك أن هارون عليه السالم أعلى رتبة ممن قال من العارفين :إن
ص 175
ص 175 :
[في ان الوجود ينعدم في حقهم ]
ّللا وال يبقى للعالم عندهم ما يلتفتون به إليه في الوجود ينعدم في حقهم ،فال يرون إال ه
ّللا ،ومع ذلك فقد أخبرنا الحق عنه أنه قال ألخيه موسى في وقت غضبه« فَال جنب ه
ي ْاألَعْدا َء »فجعل لهم قدرا ،وهذا هو الواقع ،ألن العالم ما زال عند من زال ت ِب َ ت ُ ْش ِم ْ
عندهم في نفس األمر ،فنقصهم من العلم بما هو األمر عليه على قدر ما فاتهم ،
فعندهم عدم العالم ،فنقصهم من الحق على قدر ما انحجب عنهم من العالم ،فإن العالم
كله هو عين تجلي الحق لمن عرف الحق ،ثم رد موسى عليه السالم وجهه إلى
ي )فقال له السامري ما رآه سام ِر ُّ
َطبُ َك )أي ما حديثك( يا ِ السامري فقال له (:فَما خ ْ
من صورة الثور الذي هو أحد حملة العرش ،فظن أنه إله موسى الذي يكلمه ،فلذلك
صنعت لهم العجل ،وعلمت أن جبريل ما يمر بموضع إال حيي به ،ألنه روح ،
فلذلك قبضت من أثره ،لعلمه بتلك القبضة ،فنبذتها في العجل فخار ،فما فعله
السامري إال عن تأويل فض هل وأض هل ،وقبل موسى عليه السالم عذر أخيه ،وأما
الذين عبدوا العجل فما أعطوا النظر الفكري حقه لالحتمال الداخل في القصة ،فما
عذرهم الحق ،وال وفهى عابدوه النظر في ذلك .
[ سورة األعراف ( ) : 7آية ] 151
ين ( ) 151 اح ِم َ ب ا ْغ ِف ْر ِلي َو ِأل َ ِخي َوأَد ِْخ ْلنا ِفي َرحْ َم ِتكَ َوأ َ ْنتَ أ َ ْر َح ُم ه
الر ِ قا َل َر ّ ِ
اح ِمينَ »بعباده . ت أ َ ْر َح ُم َّ
الر ِ « َوأ َ ْن َ
ص 176
ص 176 :
اح ِمينَ »ومن لم يلزم األدب الشرعي لم يغضب هّلل ،والغضب هّلل أسلم أ َ ْر َح ُم َّ
الر ِ
وأنجى وأحسن باإلنسان ،فإن فيه لزوم األدب المشروع ،ولما كان الغضب في أصل
جبلة اإلنسان ،كالجبن والحرص والشره ،بيهن الحق له مصارف إذا وقع من العبد
واتصف به ،وللتسليم محال ومواضع قد شرعت ،التزم بها األدباء ،حاال وغاب
عنها أصحاب األحوال ،ولعدم التسليم محال ومواضع قد شرعت ،فاألديب هو
الواقف من غير حكم حتى يحكم الشارع الحق ،وهو خير الحاكمين ،فإذا وقف
األديب حيث حكم ال يزيد وال ينقص ،والغضب صفة باطنة في اإلنسان قد يكون لها
أثر في الظاهر وقد ال يكون ،فإن الحال أغلب ،واألحوال يعلو بعضها على بعض
ّللا ،فالطبع البشري يقتضيفي القهر والغلبة على من قامت بهم ،وأما الغضب لغير ه
الغضب والرضى ،
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر يقول رسول ه
وأرضى كما يرضى البشر ]
– الحديث
ص 177
ص 177 :
سنَةً َوفِي ْاآل ِخ َرةِ إِنَّا ُه ْدنا إِلَي َْك »رجعنا عما كنا عليه من
" َوا ْكتُبْ لَنا فِي ه ِذ ِه ال ُّد ْنيا َح َ
مخالفتك ،من حال البطر واألشر وكفران النعم ،إلى حال التوبة واالفتقار"
يب ِب ِه َم ْن أَشا ُء »ثم قال تعالى مبالغة في الرحمة الواجبة واالمتنانية ص ُ عذا ِبي أ ُ ِقا َل َ
ش ْيءٍ » ]ت ُك َّل َ [ « َو َر ْح َم ِتي َو ِسعَ ْ
ش ْيءٍ »وهي رحمة االمتنان ،وهي الرحمة العامة التي يرحم ت ُك َّل َ «َ :و َر ْح َمتِي َو ِسعَ ْ
ّللا
ّللا بها العالم من عين المنة ،ال الرحمة الواجبة المخصوصة ،فإن الرحمة جعلها ه ه
لخلقه ،فمنا من تفيض عليه الرحمة من خزائن الوجوب ،ومنا من تفيض عليه
الرحمة من خزائن المنن ،فالكل طامع ،والمطموع فيه واسع( ِإ َّن َرب ََّك وا ِس ُع ْال َم ْغ ِف َرةِ
)أترى هذه السعة الربانية تضيق عن شيء وهي لم تضق عن الممكنات إذ كانت في
الشر المحض وهو العدم ؟ فكيف تضيق عن الممكنات إذ هي في الشر المشوب ؟
ّللا يحيا ش ْيءٍ »وجد ويوجد إلى غير نهاية ،فبرحمة ه ت ُك َّل َ فقوله تعالى «َ :و ِسعَ ْ
ّللا ،فالرحمة شاملة ،وهي في كل موطن بحسب ذلك ويرزق كل موجود سوى ه
الموطن ،فأثرها في النار بخالف أثرها في الجنة ،فوسعت كل شيء من مكروه
ّللا تشمله وغيره ،وغضب وغيره ،فما في العالم عين قائمة وال حال إال ورحمة ه
وتحيط به ،وهي محل له ،وال ظهور له إال فيها ،والرحمة حكم ال عين ،فإنها لو
كانت عينا وجودية النتهت وضاقت عن حصول ما ال يتناهى فيها وإنما هي حكم
يحدث في الموجودات بحدوث أعيان الموجودات ،وغضبه تعالى شيء ،فقد وسعته
الرحمة وحصرته وحكمت عليه ،فال يتصرف إال بحكمها ،فترسله إذا شاءت ،
وتمسكه إذا شاءت ،ومن ذلك أن مالئكة العذاب قد وسعتهم الرحمة كسائر األشياء ،
فيمنعهم ما وسعهم منها عن مقاومة الرحمة ،فيجدون في نفوسهم رحمة بأهل النار ،
ّللا قد تجلى في غير صورة الغضب الذي كان قد حرضهم على االنتقام ألنهم يرون ه
ّللا في حق أهل النار الذين ال يخرجون منها ،فيكونون من األعداء ،فيشفعون عند ه
ّللا شفاعتهم فيهم ،وقد حقت الكلمة اإللهية أنهم عمار لهم بعد ما كانوا عليهم ،فيقبل ه
تلك الدار ،فيجعل الحكم فيهم للرحمة التي وسعت كل شيء ،فأعطاهم في جهنم نعيم
المقرور والمحرور ،ألن نعيم المقرور بوجود النار ،ونعيم المحرور بوجود
الزمهرير ،فتبقى جهنم على صورتها ذات حر وزمهرير ،ويبقى أهلها متنعمين فيها
بحرها وزمهريرها ،فمآل
ص 178
ص 178 :
الكل إلى الرحمة وإن تخلل األمر آالم وعذاب وعلل وأمراض مع حكم االسم الرحمن
،فإنما هي أعراض عرضت في األكوان دنيا وآخرة ،فانقسمت رحمته تعالى بعباده
إلى واجبة وامتنان ،فبرحمة االمتنان ظهر العالم ،وبها كان مآل أهل الشقاء إلى
النعيم في الدار التي يعمرونها ،وابتداء األعمال الموجبة لتحصيل الرحمة الواجبة ،
ّللا عليه وسلم على طريق االمتنان ّللا فيها ،لنبيه صلهى ه وهي الرحمة التي قال ه
ت لَ ُه ْم )ّللا ِل ْن َ
( فَبِما َر ْح َم ٍة ِمنَ َّ ِ
ناك ِإ َّال َر ْح َمةً ِل ْلعالَ ِمينَ )
س ْل َ ( َوما أ َ ْر َ
رحمة امتنان ،وبها رزق العالم كله فعمت ،
ّللا في كتابهوالرحمة الواجبة لها متعلق خاص بالنعت والصفات التي ذكرها ه
سأ َ ْكتُبُها »يعني الرحمة الواسعة ،فأدخلها تحت التقييد بعد اإلطالق من أجل فقال «:فَ َ
الزكاة َ َوالَّذِينَ ُه ْم
الوجوب ،فهي الرحمة التي أوجبها على نفسه« ِللَّذِينَ يَتَّقُونَ َويُؤْ تُونَ َّ
بِآياتِنا يُؤْ ِمنُونَ »
وهذه كلها واجبات ،فأوجب الرحمة لهم بال شك ،واستوجب هؤالء هذه الرحمة على
ربهم في موطن ،بكونهم يتقون ويؤتون الزكاة على مفهوم الزكاة لغة وشرعا«
ّللا على نفسه ما كتب إال لمن قام بحق النيابة عنه َوالَّذِينَ ُه ْم ِبآياتِنا يُؤْ ِمنُونَ »فما كتب ه
ّللا وقاية لهم منه ،ومن كل شيء فيما استنابه ،وليس إال المتقين ،وهم الذين جعلوا ه
ّللا وقاية بينه وبين ما ذ همه من األمور مما هو خلق هّلل ،فينسب يكون منه ،كما جعلهم ه
ذلك إلى اآللة التي وقع بها الفعل ،فلما وفهاه وقاه ،وصح له ما كتب على نفسه ،وما
ّللا امتن عليهم بعد عدا هؤالء فهم أهل المنن ،فنالوا أغراضهم على االستيفاء ،ثم إن ه
ذلك بالمغفرة والرحمة التي عم حكمها ،ومنهم من لم يتق فيخصه بالحرمة المطلقة ،
وهي رحمة االمتنان وال تتقيد بحصر
ش ْيءٍ »فيها علم دقيق خفي ال يشعر به ت ُك َّل َ -تحقيق -قوله تعالى َ «:و َر ْح َم ِتي َو ِسعَ ْ
باّلل قد علموا شمول الرحمة ،والمؤمنون قد علموا لخفائه مع ظهوره ،فإن العلماء ه
اتساعها ،ثم يرونها مع الشمول واالتساع ،ما لها صورة في بعض المواطن ،ومع
كونها ما لها صورة ظاهرة في بعض المواطن فإن الحكم لها في ذلك الموطن الذي ما
لها فيه صورة ،وال يكون لها حكم إال بوجودها ،ولكن هو خفي لبطونها ،جلي
فاّلل يقول في لظهور حكمها ،وأكثر ما يظهر ذلك في صنعة الطب وإقامة الحدود ،ه
إقامة الحدود في حد الزاني والزانية
( َوال تَأ ْ ُخ ْذ ُك ْم بِ ِهما َرأْفَةٌ فِي د ِ
ِين َّ ِ
ّللا )
فهذا عين انتزاع الرحمة بهم ،وإقامة الحدود من حكم الرحمة وما لها عين ظاهرة ،
وكالطب إذا قطع الطبيب رجل صاحب األكلة ،فإن رحمه في هذا الموطن ولم يقطع
رجله هلك ،فحكم الرحمة حكم
179
ص 179 :
بقطع رجله وال عين لها ،فللرحمة موطن تظهر فيه بصورتها ،ولها موطن تظهر
فيه بحكمها ،فيتخيل أنها قد انتزعت من ذلك المحل ،وليس كذلك ،وفي األحكام
ّللا
ّللا بصيرته ،فإن القاتل ظلما قد نزع ه الشرعية في هذه المسألة خفاء إال لمن نور ه
الرحمة من قلبه في حق المقتول ،وهو تحت حكم الرحمة في قتله ظلما ،
وبقي حكمها في القاتل ،فإما أن يقاد منه ،وإما أن يموت فيكون في المشيئة ،وإن
كان القاتل كافرا فإما أن يسلم فتظهر فيه الرحمة بصورتها ،وحيثما كانت الرحمة
بالصورة كانت بالحكم ،وقد تكون بالحكم وال تكون بالصورة .
ّللا في عباده ليتراحموا بها مخلوقة من الرحمة واعلم أن الرحمة اإللهية التي أوجدها ه
ّللا بها العالم حين أحب أن يعرف ،وبها كتب على نفسه الرحمة ، الذاتية التي أوجد ه
وهذه الرحمة المكتوبة منفعلة عن الرحمة الذاتية ،
والرحمة االمتنانية هي التي وسعت كل شيء ،فرحمة الشيء لنفسه تمدها الرحمة
الذاتية وتنظر إليها ،وفيها يقع الشهود من كل رحيم بنفسه ،
وأما رحمة الراحم بمن أساء إليه وما يقتضيه شمول اإلنعام اإللهي واالتساع الجودي ،
فال مشهد لها إال رحمة االمتنان ،وهي الرحمة التي يترجاها إبليس فمن دونه ،ال
مشهد لهؤالء في الرحمة المكتوبة وال في الرحمة الذاتية ،
ّللا والرحمن دون غير الرحمن من األسماء له األسماء الحسنى ،فجميع وبهذا كان ه
ّللا ،
األسماء دالئل على االسم الرحمن وعلى االسم ه
ولكن أكثر الناس ال يشعرون ،فإن الرحمة اإللهية وسعت كل شيء ،فما ثم شيء ال
يكون في هذه الرحمة ،إن ربك واسع المغفرة ،فال تحجروا واسعا ،فإنه ال يقبل
التحجير ،قال بعض األعراب :يا رب ارحمني ومحمدا وال ترحم معنا أحدا .
ّللا عليه وسلم يسمعه . والنبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم :يا هذا لقد ح هجرت واسعا ،يعني ح هجرته قوال وطلبة، فقال النبي صلهى ه
ّللا :لقيت إبليس فعرفته وعرف مني أني عرفته ،فوقعت بيننا قال سهل بن عبد ه
مناظرة ،فقال لي وقلت له ،وعال بيننا الكالم وطال النزاع ،بحيث أن وقفت ووقف
،وحرت وحار ،
عز وجل ّللا ه فكان من آخر ما قال لي :يا سهل ه
ش ْيءٍ » فع هم ،وال يخفى عليك أني شيء بال شك ،ألن ت ُك َّل َ
يقول َ «:و َر ْح َمتِي َو ِسعَ ْ
لفظة كل تقتضي اإلحاطة والعموم ،وشيء أنكر النكرات ،فقد وسعتني رحمته ،
ّللا لقد أخرسني وحيهرني بلطافة سياقه ،وظفره بمثل هذه اآلية ،وفهم قال سهل :فو ه
منها ما لم نفهم ،وعلم منها ما لم نعلم ،فبقيت حائرا متفكرا وأخذت أتلو اآلية في
سأ َ ْكتُبُها »اآلية ،
نفسي ،فلما جئت إلى قوله تعالى «:فَ َ
سررت وتخيلت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما يقصم
ص 180
ص 180 :
ّللا قد قيدها بنعوت مخصوصة يخرجها من ذلك ظهره ،وقلت له :يا ملعون إن ه
سأ َ ْكتُبُها »فتبسم إبليس العموم ،فقال «:فَ َ
وقال :يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل هذا المبلغ ،وال ظننت أنك هاهنا ،
ألست تعلم يا سهل أن التقييد صفتك ال صفته ؟
ّللا ما
قال سهل :فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي ،وأقام الماء في حلقي ،وو ه
وجدت جوابا ،وال سددت في وجهه بابا ،وعلمت أنه طمع في مطمع ،وانصرف
ّللا سبحانه ما نص بما يرفع هذا ّللا ما أدري بعد هذا ما يكون ،فإن ه وانصرفت ،وو ه
اإلشكال ،فبقي األمر عندي على المشيئة منه في خلقه ،ال أحكم عليه في ذلك بأمد
ّللا أن تناله من عين المنة والجود ينتهي أو بأمد ال ينتهي ،فهذا إبليس ينتظر رحمة ه
المطلق ،الذي به أوجب على نفسه سبحانه ما أوجب ،وبه تاب على من تاب وأصلح
ّللا إال ما أوجبه على ،فالحكم هّلل العلي الكبير عن التقييد في التقييد ،فال يجب على ه
نفسه ،وبقيت الرحمة مطلقة ينتظرها من ينتظرها من عين المنة التي كان منها
ّللا تعالى رحمن بعموم وجوده ،فمهما رأيت الوجوب فاعلم أن التقييد يصحبه ،فإن ه
رحمته التي وسعت كل شيء ،رحيم بما أوجب على نفسه لعباده ،فهو رحمن في
العموم ،رحيم في الخصوص ،وهو رحمن برحمة االمتنان ،رحيم بالرحمة الخاصة
على سأ َ ْكتُبُها ِللَّذِينَ يَتَّقُونَ »اآليات ،وقوله َ (:كت َ َ
ب َربُّ ُك ْم َ ،وهي الواجبة في قوله « :فَ َ
الر ْح َمةَ )وأما رحمة االمتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل ،وبرحمة نَ ْف ِس ِه َّ
ّللا من وفقه للعمل الصالح الذي أوجب له الرحمة الواجبة ،وبها نال االمتنان رحم ه
العاصي وأهل النار إزالة العذاب وإن كان مسكنهم ودارهم جهنم .ومن صفة من
وجبت لهم الرحمة - :
ص 181
ص 181 :
ّللا عليه وسلم ،فما آمن أهل أيضا في كتبهم ،فمن إيمانهم بكتبهم إيمانهم به صلهى ه
الكتاب بكل ما أتى به موسى وعيسى عليهما السالم ،ولو آمنوا بكل ما أتى به موسى
ع ْن ُه ْم
ض ُع َ وعيسى عليهما السالم آلمنوا بمحمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم وبكتابه« َويَ َ
علَ ْي ِه ْم »وهي األعباء الثقال ،وهؤالء المذكورون طائفة ص َر ُه ْم َو ْاأل َ ْغال َل الَّتِي كانَ ْ
ت َ ِإ ْ
مخصوصة من أهل الكتاب ،فخرج من ليس بأهل الكتاب من هذا التقييد الوجوبي ،
ّللا على عباده ّللا من يبسط رحمة هوبقي الحق رحمانا على اإلطالق ،فمن عباد ه
ّللا عن بعض عباده ،وهو ّللا من يريد إزالة رحمة ه
طائعهم وعاصيهم ،ومن عباد ه
ّللا التي وسعت كل شيء ،وال يحجرها على نفسه ،وصاحب هذه الذي يح هجر رحمة ه
ّللا
ّللا سبقت رحمته غضبه ،لكان هذا الشخص ممن ال يناله رحمة ه الصفة لوال أن ه
ّللا من عين ّللا قد سرت في العالم ،طمع في رحمة ه أبدا ،فإن إبليس لما رأى منة ه
المنة ال من عين الوجوب اإللهي ،فع هم كل األشياء اتساع رحمته تعالى ،فمن ح هجر
ّللا فما حجرها إال على نفسه ،ولوال أن األمر على خالف ذلك ،لم ينل رحمة رحمة ه
ّللا فيمن حجرها بمن لم وّللا ما يستوى حكم رحمة ه
ّللا من حجرها وقصرها ،ولكن ه ه
ّللا ،فمنهم يحجرها وأطلقها من عين المنة ،فما من شيء إال وهو طامع في رحمة ه
من تناله بالوجوب ،ومنهم من تناله بحكم المنة .
ص 182
ص 182 :
كان منعه حماية وعناية وجودا من حيث ال يشعر الممنوع ،وكان الضرر في حقه
حيث لم يبلع إلى نيل غرضه لجهله بالمصلحة فيما حماه عنه النافع ،ومات هذا
ّللا وضرره وإماتته ، الممنوع لكونه لم تنفذ إرادته كما ال تنفذ إرادة الميت ،فهذا منع ه
فإنه المنعم المحسان ،فأرسل الرسل بالتوحيد تنبيها إلقرارهم في الميثاق األول« ال
ِإلهَ ِإ َّال ُه َو يُح ِيي َويُ ِميتُ »فهو سبحانه المحيي الذي يعطي الحياة لكل شيء ،فما ث هم إال
ّللا بحمده ،وال يسبحه إال حي ،سواء كان ميتا أو غير حي ،ألنه ما ث هم إال من يسبح ه
ميت ،فإنه حي ،ألن الحياة لألشياء فيض من حياة الحق عليها ،فهي حية في حال
ثبوتها ،ولوال حياتها ما سمعت قوله ( كن ) بالكالم الذي يليق بجالله فكانت ،وإنما
كان محييا لكون حياة األشياء من فيض اسم الحي كنور الشمس من الشمس المنبسط
على األماكن ،ولم تغب األشياء عنه ال في حال ثبوتها وال في حال وجودها ،فالحياة
لها في الحالتين مستصحبة ،فهو يحيي ويميت ،وليس الموت بإزالة الحياة في نفس
األمر وعند أهل الكشف ،ولكن الموت عزل الوالي وتولية وال ،ألنه ال يمكن أن
يبقى العالم بال وال يحفظ عليه مصالحه لئال يفسد ،أال ترى إلى الميت يسأل ويجيب
إيمانا وكشفا ،وأنت تحكم في هذه الحالة أنه ميت ،وما أزال عنه اسم الموت السؤال
،فإن االنتقال موجود ،فلو ال أنه حي في حال موته ما سئل ،فليس الموت بضد
الحياة إن عقلت ،فالموت عبارة عن انتقال من منزل الدنيا إلى منزل اآلخرة ،ما هو
ّللا أخذ بأبصارنا ،فال ندرك حياتهعبارة عن إزالة الحياة منه في نفس األمر ،وإنما ه
،فالميت عندنا ينتقل وحياته باقية عليه ال تزول ،وإنما يزول الوالي ،وهو الروح
ّللا بتدبيره أيام واليته عليه ،والميت عندنا يعلم من نفسه عن هذا الملك ،الذي وكله ه
أنه حي ،وإنما تحكم عليه بأنه ليس بحي لوقوفك مع بصرك ،ومع حكمك في حاله
قبل اتصافه بالموت من حركة ونطق وتصرف ،وقد أصبح متصرفا فيه ال متصرفا ،
ّللا لنا أن األمر كذا هو ،التصرف فيه للحق ال لك ،في حال دعواك وهو تنبيه من ه
التصرف ،فالموت انتقال خاص على وجه مخصوص ،
سو ِل ِه »فمن و هحده بلسان رسوله ال من لسانه
اّلل َو َر ُ لذلك قال تعالى متمما« فَ ِ
آمنُوا بِ َّ ِ
ّللا على توحيده جزاء رسوله ،فإن وحده ال بلسان رسوله بل بلسان رسالته جازاه ه
جازاه مجازاة إلهية ال تعرف ،تدخل تحت قوله :ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال
خطر على قلب بشر.
ص 183
ص 183 :
[سورة األعراف ( : ) 7اآليات 159إلى ] 160
عش َْرةَ ط ْعنا ُه ُم اثْنَت َ ْي َ
ون ) َ ( 159وقَ ه ق َو ِب ِه يَ ْع ِدلُ َ َو ِم ْن قَ ْو ِم ُموسى أ ُ همةٌ يَ ْهد َ
ُون ِبا ْل َح ّ ِ
ض ِر ْب ِبعَصاكَ ا ْل َح َج َر سقاهُ قَ ْو ُمهُ أ َ ِن ا ْ ست َ ْسباطا ً أ ُ َمما ً َوأ َ ْو َح ْينا ِإلى ُموسى ِإ ِذ ا ْ أَ ْ
علَ ْي ِه ُم ا ْلغَما َم َوأ َ ْن َز ْلنا ع ِل َم ُك ُّل أ ُ ٍ
ناس َمش َْربَ ُه ْم َو َظله ْلنا َ ع ْينا ً قَ ْد َ ستْ ِم ْنهُ اثْنَتا َ
عش َْرةَ َ فَا ْنبَ َج َ
ت ما َر َز ْقنا ُك ْم َوما َظلَ ُمونا َول ِك ْن كانُوا أ َ ْنفُ َ
س ُه ْم س ْلوى ُكلُوا ِم ْن َط ِيّبا ِ علَ ْي ِه ُم ا ْل َم هن َوال ه
َ
ون ( ) 160 يَ ْظ ِل ُم َ
[ عصا موسى ]
-إشارة -ضرب موسى عليه السالم بعصاه الحجر فانفجر ،والبحر المغلق فانفلق ،
ألن سر الحياة في العصا ،فلذلك انفجر الحجر ماء ،وسر القيومية فيها فلذلك أظهرت
في البحر يبسا ،فسر الحياة في النبات ،والقيومية تعطي التفرقة فانفرق البحر .
ص 184
ص 184 :
الراحة ،ولهذا أخبر تعالى أنه ما مسه من لغوب فيما خلقه ،واللغوب اإلعياء ،فهي
راحة ال عن إعياء كما هي في حقنا -من باب اإلشارة ال التفسير ِ «-إ ْذ يَ ْعدُونَ فِي
ت »يتجاوزون بالراحة حدهها .
س ْب ِ
ال َّ
ص 185
ص 185 :
هذا هو الميثاق الثاني بعد وجود آدم ،قبض الحق على ظهره واستخرج منه بنيه ،
وأشهدهم على أنفسهم ،وهو العهد الخالص ،أي الدين الخالص ،
والميثاق األول كان قبل وجود جسد آدم ،وهو ميثاق النبيين ،
سماءٍ أ َ ْم َرها )
وكما ذكرنا في تفسير قوله تعالى َ (:وأ َ ْوحى فِي ُك ِهل َ
وأن لهذه النشأة اإلنسانية صورا مبثوثة في العناصر واألفالك والسماوات والكرسي
والعرش واللوح والقلم ،حتى في العدم ،
كذلك لوال ما كان لنا وجود في صورة آدم العنصرية ،معينين مرئيين متميزين عند
ّللا في علمه ورؤيته وعندنا ما قلنا « بلى » أنت ربنا ،ف ه
ّللا وسواه كما سوى األفالك جعل لنا في صورته صورا إن آدم عليه السالم لما أوجده ه
،مثل ما فعل فيما تقدم من المخلوقات ،
ثم قبض على تلك الصور المعينة في ظهر آدم ،وآدم ال يعرف ما يحوي عليه ،كما
أن كل صورة لنا في كل فلك ومقام ال يعرف بها ذلك الفلك وال ذلك المقام ،وأنه للحق ه
في كل صورة لنا وجه خاص إليه ،من ذلك الوجه يخاطبنا ،
ومن ذلك الوجه نرد عليه ،ومن ذلك الوجه نقر بربوبيته ،فلو أخذنا من بين يدي آدم
لعلمنا ،فكان األخذ من ظهره غيبا له ،وأخذه أيضا معنا في هذا الميثاق من ظهره ،
فإن له معنا صورة في صورته ،
فشهد كما شهدنا ،وال يعلم أنه أخذ منه ،أو ربما علم ،فإنه ما نحن على يقين من
أنه لم يعلم بأنه أخذ منه وال بأنا أخذنا منه ،فقد ورد في الخبر المشهور الحسن
الغريب
ّللا تجلى آلدم عليه السالم ويداه مقبوضتان [ أن ه
فقال له :يا آدم اختر أيتهما شئت ،
فقال :اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة ،
قال :فبسطها ،فإذا آدم
ص 186
ص 186 :
وذريته ،فنظر إلى شخص من أضوئهم أو أضوئهم ،فقال :من هذا يا رب ؟
ّللا له :هذا ابنك داود ،فقال يا رب كم كتبت له ؟ فقال ه
فقال أربعين سنة ،فقال :يا رب وكم كتبت لي ؟
ّللا :ألف سنة ،فقال :يا رب فقد أعطيته من عمري ستين سنة : فقال ه
ّللا له :أنت وذاك ،فما زال يعد لنفسه حتى بلغ تسعمائة وأربعين سنة ،فجاء فقال ه
ملك الموت ليقبض روحه ،
ّللا إلى آدم :أي آدم إنك وهبتها البنك فقال له آدم :إنه بقي لي ستون سنة ،فأوحى ه
داود ،فجحد آدم فجحدت ذريته ،ونسي آدم فنسيت ذريته ،
ّللا عليه وسلم :فمن ذلك اليوم أمر بالكتاب والشهود [ فهذا آدم ّللا صلهى ه فقال رسول ه
وذريته صورا قائمة في يمين الحق ،وهذا آدم خارج عن تلك اليد ،وهو يبصر
ّللا الصور من ظهر آدم وآدم فيهم ، صورته وصور ذريته ،في يد الحق ،فأخذ ه
وأشهدهم على أنفسهم بمحضر من المأل األعلى والصور التي لهم في كل مجلى
« أ َ لَ ْستُ بِ َر ِبه ُك ْم قالُوا بَلى »فشهد على نطقهم من حضر ممن ذكرنا باإلقرار بربوبيته
عليهم وعبوديتهم له ،
ش ِه ْدنا أ َ ْن تَقُولُوا يَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة ِإنَّا ُكنَّا َ
ع ْن هذا غافِ ِلينَ » وهو قوله تعالى َ «:
فلو كان له شريك فيهم لما أقروا بالملك له مطلقا ،فإن ذلك موضع حق من أجل
الشهادة ،فنفس إقرارهم بالملك له بأنه ربهم هو عين نفي الشريك ،
وإنما قلنا ذلك ألنه لم يجر للتوحيد هنا لفظ أصال ،ولكن المعنى يعطيه ،قال رسول
ّللا لما خلق آدم قبض على ظهره فاستخرج ّللا عليه وسلم في هذه اآلية :إن ه ّللا صلهى ه
ه
ّللا بخلقه في أخذ العهد على الناس منه كأمثال الذر فأشهدهم على أنفسهم ،ومن رحمة ه
ّللا من ظهور آبائهم ،وأشهدهم على أنفسهم بربوبيته لما أخذهم ه
قالوا ":بلى " أنت ربنا ،ولم يشهدهم بتوحيده ،إبقاء عليهم ،لعلمه أن فيهم من
يشرك به إذا خرج إلى الدنيا ،وتبريه من الشريك في العقبى يوم العرض األكبر ،
ّللا ال بتوحيده
ّللا في هذه اآلية عنا في األخذ الميثاقي إال اإلقرار بوجود ه فإنه لم يذكر ه
،ما تعرض للتوحيد فيها ،فقال «:أ َ لَ ْستُ بِ َر ِبه ُك ْم »ولم يقل لهم ( ألست بواحد ؟ )
لعلمه تعالى بأنه إذا أوجدهم أشرك بعضهم ووحد بعضهم« قالُوا بَلى »
فاجتمعوا في اإلقرار له بالربوبية ،أي أنه سيدهم ،وزاد المشرك الشريك ،
وقد يكون العبد مملوكا الثنين بحكم الشركة ،فأي سيد قال له ( ألست بربك ؟ )
ّللا ربا له ،
فال بد أن يقول العبد بلى ،ويصدق ،فلهذا قلنا إن اإلقرار إنما كان بوجود ه
أي مالكا وسيدا ،فما كان التصديق إال بالوجود والملك ،ال بالتوحيد ،وإن كان فيه
توحيد فغايته توحيد الملك ،
ص 187
ص 187 :
فكانت الفطرة إنما هي بوجود الحق والملك ال بالتوحيد ،وبعد هذا الميثاق يولد كل
ّللا عليه وسلم [ :كل مولود يولد على الفطرة ] بني آدم على الفطرة وهو قوله صلهى ه
وهو الميثاق الخالص لنفسه ،فقولهم « بلى » هي الفطرة التي ولد الناس عليها ،
وإليها ينتهون ،ومن هنا نعلم أن اإليمان في حق الرضيع أثبت ،فإنه ولد على الفطرة
،فطرة اإليمان ،وهو إقراره بالربوبية هّلل تعالى على خلقه ،حين األخذ من الظهر
واإلشهاد ،وما نقل إلينا أنه طرأ أمر أخرج الذرية عن هذا اإلقرار وصحته قبل أن
ّللا خلقه
يولد ،فلما ولد ولد على تلك الفطرة األولى ،فإن الروح اإلنساني لما خلقه ه
ّللا
ّللا ،مقرا بربوبيته ،وهو الفطرة التي فطر ه كامال بالغا عاقال عارفا مؤمنا بتوحيد ه
الناس عليها ،ولوال ما هو عاقل بذاته ،وهو عقل لنفسه ،ما أقر بربوبية خالقه عند
أخذ الميثاق منه بذلك ،إذ ال يخاطب الحق إال من يعقل عنه خطابه ،ومن هذا الجمع
ّللا عليه وسلم :األرواح أجناد مجندة ،فإنه لما جمعهم جمعهم ّللا صلهى ه
قال رسول ه
في حضرة التمثيل ،فما كان وجها لوجه هناك تعارفوا هنا ،وما وقع ظهرا لظهر
هناك تناكر هنا ،وما بينهما من وجه إلى ظهر وجانب وغير ذلك ،وبهذا اإلقرار كل
أحد يقر بهذه الشهادة في اآلخرة ،وال ينكر وال يدعي لنفسه ربوبية ،وثبت بهذا
اإلقرار االسترقاق هّلل على بني آدم ،فطولبوا بالوفاء بحق العبودية لهذا اإلقرار ،
ولذلك فإن العبد إذا اشتراه اإلنسان من غيره فمن شرطه أن يقر العبد لبائعه بالملك ،
وال يسمع مجرد دعواه في أنه مالك له ،وال يقوم على العبد حجة بقول سيده ما لم
يعترف هو بالملك له ،ويغفل عن هذا القدر كثير من الناس ،فإن األصل الحرية ،
واستصحاب األصل مرعي ،وبعد االعتراف بالملك صار االسترقاق في هذه الرقبة
ّللا تعالىأصال يستصحب ،حتى تثبت الحرية إن ادعاها ،هكذا هو األمر ،ولما أخذ ه
الميثاق والعهد في قوله تعالى «:أ َ لَ ْستُ ِب َر ِبه ُك ْم »ألقمه الحجر األسود ،وأمر بتقبيله
ّللا عليه وسلم أن الحجر يمينه ،وال تصح تذكرة ،وأخبر بلسان الرسول صلهى ه
المعصية إال بعد العقد ،ولذلك كان االبتالء أصله الدعوى ،فمن ال دعوى له ال ابتالء
ّللا حتى قال لنا «:أ َ لَ ْستُ بِ َر ِبه ُك ْم »فقلنا «:بَلى »فإقرارنا
يتوجه عليه ،ولهذا ما كلفنا ه
بربوبيته علينا عين إقرارنا بعبوديتنا له ،والعبودية بذاتها تطلب طاعة السيد ،فلما
ادعينا ذلك ،حينئذ كلفنا ليبتلي صدقنا فيما ادعيناه ،وأوجدنا في هذه الدنيا على تلك
ّللا وأحديته وأنه ال إله إال هو الفطرة ،فادعى المؤمن اإليمان وهو التصديق بوجود ه
إلى غير ذلك ،فلما ادعى بلسانه أن هذا مما انطوى
ص 188
ص 188 :
عليه جنانه ،وربط عليه قلبه ،احتمل أن يكون صادقا فيما ادعاه أنه صفة له ،
ّللا إلقامة الحجة له أو عليه ،ويحتمل أن يكون كاذبا في أن ذلك صفة له ،فاختبره ه
بما كلفه من عبادته على االختصاص ،ال العبادة السارية بسريان األلوهية ،ونصب
تمس حاجة هذا المدعي على هذه األسباب ،فلم ه له وبين عينيه األسباب ،وأوقف ما
يقض له بشيء إال منها وعلى يديها ،
ّللا نورا يكشف به ويخترق سدف هذه األسباب ،فيرى الحق تعالى من فإن رزقه ه
ورائها مسببا اسم فاعل ،أو يراه فيها خالقا وموجدا لحوائجه التي اضطره إليها ،
فذلك المؤمن الذي هو على نور من ربه وبينة من أمره ،الصادق في دعواه ،الموفي
ّللا له نورا فما له حق المقام الذي ادعاه ،بالعناية اإللهية التي أعطاه ،ومن لم يجعل ه
من نور ،
ّللا ،فأضاف األلوهة ّللا منها وجعلها حجبا بينه وبين ه قال بألوهية األسباب التي رزقه ه
إلى غير مستحقها ،فكذب في دعواه لكثرة األسباب ،وإقراره في شركه بأن ذلك قربة
ّللا خالق األسباب ،فلم يصدق ، منه إلى ه
والذي لم يقل بنسبة األلوهة لألسباب ،لكنه لم ير إال األسباب وما حصل له من
الكشف ما يخرجه عنها ،مع توحيد األلوهة ،
كان ذلك شركا خفيا ال يشعر به صاحبه أنه شرك يحجبه عن األمر العالي الذي طلب
ّللا وتوحيده في أفعاله -مع االضطراب به ،فلم يوجد صاحب هذه الدعوى في توحيد ه
عند فقد السبب وسكونه عند وجوده -صادقا ،فنقصه على قدر ما فاته من ذلك ،
ّللا العباد بما شرع لهم بإرسال الرسل ،
هذا ولم يجعل األسباب آلهة ،فاختبر ه
ّللا
ّللا المؤمنين باألسباب ،فكل صنف اختبره بحسب دعواه ،ولما وضع ه واختبر ه
األسباب لم يرفعها في حق أحد ،
وإنما أعطى بعض عباده من النور ما اهتدى به في المشي في ظلمات األسباب ،غير
ذلك ما فعل ،فعاينوا من ذلك على قدر أنوارهم ،فحجب األسباب مسدلة ال ترفع أبدا
،فال تطمع ،وإن نقلك الحق من سبب ،فإنما ينقلك بسبب آخر ،
ّللا الذي أمرك باالعتصام به ،وهو الشرع فال يفقدك السبب جملة واحدة ،فإنه حبل ه
المنزل ،وهو أقوى األسباب وأصدقها ،وبيده النور الذي يهتدى به في ظلمات بر هذه
األسباب وبحرها ،فمن عمل كذا وهو السبب ،فجزاؤه كذا ،
ش ِه ْدنا أ َ ْن
ّللا رشة من ذلك النور على ذاتك« َ فال تطمع فيما ال مطمع فيه ،ولكن سل ه
تَقُولُوا يَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة إِنَّا ُكنَّا َ
ع ْن هذا غافِ ِلينَ »
-نصيحة -اعلم أن اإلنسان يغفل ويسهو وينسى ،ويرى لنفسه مرتبة سيادة في وقت
غفلته على غيره من العباد ،فإذ وال بد من هذا فليجتهد
ص 189
ص 189 :
أن يكون عند الموت عبدا محضا ،ليس فيه شيء من السيادة على أحد من المخلوقين
،ويرى نفسه فقيرة إلى ك هل شيء من العالم من حيث فقره إلى ه
ّللا[ قولهم « :بَلى » ]
-تحقيق -اعلم أنه إذا انقطعت األعمال من العبيد التي كانت عن تكليف مشروع لم
تنقطع العبادة ،فإذا تناهى حد العمل الحسن والقبيح في أهل الجنة وأهل النار ،بقي
جزاؤهم جزاء العبادة في السعداء ،وجزاء العبودية في أهل النار ،وهو جزاء ال
ينقطع أبدا ،فهذا أعطاهم اتساع الرحمة وشمولها ،فإن المجرمين لم يزل عنهم شهود
عبوديتهم وإن ادعوا ربانية ،فيعلمون من نفوسهم أنهم كاذبون ،بما يجدونه ،فتزول
الدعوى بزوال أوانها ،وتبقى عليهم نسبة العبودية التي كانوا عليها في حال الدعوى
وقبل الدعوى ،ويجنون ثمرة قولهم ":بَلى "
فكانوا بمنزلة من أسلم بعد ارتداده ،فحكم على الكل سلطان« بَلى »فأعقبهم سعادة بعد
ما مسهم من الشقاء بقدر ما كانوا عليه في زمان الدعوى ،فما زال حكم« بَلى
»يصحبهم من وقته إلى ما ال يتناهى دنيا وبرزخا وآخره ،وعرضت عوارض لبعض
الناس أخرجتهم في الظاهر عن حكم توحيدهم ،بما ادعوه من األلوهة في الشركاء ،
فأثبتوه وزادوا ،وكل عارض زائل ،وحكمه يزول بزواله ،ويرجع الحكم إلى
ّللا إليها مع عمارة الدارين ،
األصل ،واألصل يقتضي السعادة ،فمآل الكل إن شاء ه
ولكل واحدة ملؤها ،والرحمة تصحبها كما صحبت هنا العبودية لكل أحد ممن بقي
عليها أو ادعى الربوبية ،فإنه ادعى أمرا يعلم من نفسه خالفه ،فيرجع األمر في
اآلخرة إلى حكم أخذ الميثاق بالرحمة التي وسعت كل شيء -إشارة -إنما كان األخذ
من ورائك ،ولو كان من أمامك ما ضل أحد ،التفسير حمل الظهور على الظهر ،
واإلشارة حمله على الظهور الذي هو ضد الخفا ،فكأنه يقول :أخذهم من ظهورهم
لهم إلى ظهورهم له ،فأقروا ،أما قوله ( :لو كان من أمامك ما ضل أحد ) أي لو
شهدتني من كوني قادرا وال سبيل إلى ذلك ،ولما وقع حينئذ إنكار قط ،واألخذ إشارة
إلى القهر .
ص 190
ص 190 :
ّللا العلم بخاصية آية من آياته ،فدعا بها على موسى وهو ابن باعورا ،وكان قد آتاه ه
ّللا عنه علم ّللا فيما دعا فيه ،وشقي هو في نفسه وسلب ه عليه السالم وقومه ،فأجابه ه
ذلك ،وجعل مثله كمثل الكلب ،وهنا نكتة أحب بيانها وإن قليال ما يقع التنبيه عليها ،
وربما غلط فيها قوم من حيث الجواز اإلمكاني ،والوجود قد ثبت على أحد طرفي
الممكن ،فال سبيل إلى انقالبه ،وهو أن الحق سبحانه ما تجلى لشيء قط واحتجب
عنه ،وال كتب في قلبه إيمانا فمحاه ،وكل من قال استتر عني بعد التجلي ،فما تجلى
له قط ،ولكن جلهي له فقال :هو هو ،وال ثبات للكون على حال ،فتغير عليه ،فكذلك
كتبه اإليمان وإتيان اآليات والبينات ،إذا أعطيت في القلوب وقامت شواهدها منها فال
تزال أبدا ،فإذا أزيل عن شخص مثل هذا ،فاعلم أنه ما كتب قط في لوح قلبه ،وال
كان رداء عليها ،لكن كانت رداء عليه ،وأعطي عبارتها ولسانها ،ال أعيانها
علَ ْي ِه ْم نَبَأ َ الَّذِي آتَيْناهُ
ووجودها ،فمثل هذا العطاء يسترد ويزال ،ولذلك قال َ «:واتْ ُل َ
سلَ َخ ِم ْنها »كما يسلخ الرجل من ثوبه ،والحية من سلَ َخ ِم ْنها »فقوله « :فَا ْن َ
آياتِنا فَا ْن َ
جلدها ،فكانت عليه رداء كما ذكرنا ،لم يكن عنده سوى النطق ،فإذا نطق ظهر
مكنون االسم وأثره بالخاصية ،وال يشترط في الخواص المفردة تطهير وال تقديس
وال حضور وال جمعية وال كفر وال إيمان ،إال بمجرد ما يكون النطق بتلك الحروف
المعينة ظهر األثر ،ولو كان القائل غافال عن نطقه ،فدل على أن اآليات كانت على
بلعام ابن باعورا في الظاهر كالثوب ،فإنه أعطي الحروف ،فكان يفعل بالخاصية ال
ّللا ،ولو كان في باطنه لمنعه الحياء ّللا فأشقاه ه
بالصدق ،فعمل بها في غير طاعة ه
والمقام من الدعاء على نبي من األنبياء ،وأجيب لخاص االسم ،وعوقب وجعل مثل
الكلب ،ونسي حروف ذلك االسم .
ص 191
ص 191 :
ْص ُرونَ بِها َولَ ُه ْم ٌ
آذان ال يَ ْس َمعُونَ بِها »فهم وب ال يَ ْفقَ ُهونَ بِها َولَ ُه ْم أ َ ْعيُ ٌن ال يُب ِ
«لَ ُه ْم قُلُ ٌ
المحجوبون ال يعلمون وال يشهدون ،فالعين طريق ،والعلم تحقيق ،فما تنظر إال
لتعلم ،وال تخاطب إال لتفهم ،والتلبيس يدخل على البصر ،ومن استعمله العلم كان
بحكم الفهم ،فالشهادة على الخبر أقوى في الحكم من شهادة البصر ،فإذا أنصف
اإلنسان ،فرق بين اإليمان والعيان ،فالتصديق بالخبر فوق الحكم بما يشهده البصر ،
فإذا أنصف اإلنسان ،فرق بين اإليمان والعيان ،فالتصديق بالخبر فوق الحكم بما
ض ُّل »اإلنسان الحيوان يشهده البصر ،إال إذا نظر واعتبر« أُولئِ َك َك ْاأل َ ْن ِ
عام بَ ْل ُه ْم أ َ َ
حكمه حكم سائر الحيوان ،إال أنه يتميز عن غيره من الحيوان بالفصل المقوم له ،
كما يتميز الحيوان بعضه عن بعض الفصول المقومة لكل واحد من الحيوان ،
فاإلنسان الحيواني من جملة الحشرات ،فقال تعالى في أهل الضالل «:أُول ِئ َك
عام »فإن لهم قلوبا يعقلون بها ،وإن لهم أعينا يبصرون بها ،وإن لهم آذانا َك ْاأل َ ْن ِ
ض ُّل »ألن األنعام ما جعل ه
ّللا لهم يسمعون بها ،فأنزلوا أنفسهم منزلة األنعام« بَ ْل ُه ْم أ َ َ
هذه القوى التي توجب لصاحب البصر أن يعتبر ،ولصاحب األذن أن يعي ما يسمع ،
ولصاحب القلب أن يعقل ،فرتبة خلق اإلنسان الحيواني من اإلنسان الكامل رتبة خلق
النسناس من اإلنسان الحيواني .
ص 192
ص 192 :
على أمر آخر ،وأسماء تدل على صفات تنزيه ،وأسماء تدل على صفات أفعال ،وما
ثم مرتبة رابعة ،وكل هذه األسماء قد ظهرت في العالم ،فأسماء الذات يتعلق بها وال
يتخلق وأسماء صفات التنزيه يقدس بها جناب الحق تعالى ويتخلق بها العبد بحسب ما
ّللا أن تقوم به صفات الحدوث ،كذلك تعطيه مما يليق به ،فكما أن العبد يقدس جالل ه
يقدهس العبد بهذه األسماء في التخلق بها أن تقوم به صفات القدم والغنى المطلق ،
وأسماء صفات األفعال يوحد العبد بها ربه فال يشرك في فعله تعالى أحدا من خلقه .
شرح األسماء الحسنى وتعلقها :نسب الحق تعالى إلى نفسه األسماء الحسنى دون
عراها عن النعتغيرها من األسماء ،وإن كانت أسماء له في الحقيقة ،إال أنه ه
عز وجل « هللا » من حيث هويته وذاته « .الرحمن » بعموم رحمته بالحسنى فهو ه
التي وسعت كل شيء « .الرحيم » بما أوجب على نفسه للتائبين من عباده « .الرب
» بما أوجده من المصالح لخلقه « .الملك » بنسبة ملك السماوات واألرض إليه ،
ّللا حق قدره ،وتنزيهه عن فإنه رب كل شيء ومليكه « .القدوس » بقوله وما قدروا ه
كل ما وصف به « .السالم » بسالمته من كل ما نسب إليه مما كره من عباده أن
ينسبوه إليه « .المؤمن » بما صدق عباده ،وبما أعطاهم من األمان إذا وفوا بعهده .
« المهيمن » على عباده بما هم فيه من جميع أحوالهم مما لهم وعليهم .
«العزيز » لغلبه من غالبه إذ هو الذي ال يغالب ،وامتناعه في علو قدسه أن يقاوم .
«الجبار » بما جبر عليه عباده في اضطرارهم واختيارهم ،فهم في قبضته « .
المتكبر » لما حصل في النفوس الضعيفة من نزوله إليهم في خفي ألطافه لمن تقرب
بالحد والمقدار ،من شبر وذراع وباع وهرولة وتبشيش وفرح وتعجب وضحك
وأمثال ذلك « .الخالق » بالتقدير واإليجاد .
« الباري » بما أوجده من مولدات األركان .
« المصور » بما فتح في الهباء من الصور ،وفي أعين المتجلى لهم من صور
التجلي المنسوبة إليه ما نكر منها وما عرف وما أحيط بها وما لم يدخل تحت إحاطة.
« الغفار » بمن ستر من عباده المؤمنين .
" الغافر " بنسبة اليسير إليه .
« الغفور » بما أسدل من الستور من أكوان وغير أكوان .
"القهار " من نازعه من عباده بجهالة ولم يتب .
« الوهاب » بما أنعم به من العطاء لينعم ،ال جزاء وال ليشكر به ويذكر .
« الكريم » المعطي عباده ما سألوه منه .
« الجواد » المعطي قبل السؤال ليشكروه فيزيدهم ويذكروه فيثيبهم .
" السخي " بإعطاء كل شيء خلقه ،
ص 193
ص 193 :
وتوفيته حقه .
« الرزاق » بما أعطى من األرزاق لكل متغذ من معدن ونبات وحيوان وإنسان من
غير اشتراط كفر وال إيمان .
« الفتاح » بما فتح من أبواب النعم والعقاب والعذاب .
"العليم " بكثرة معلوماته « .العالم » بأحدية نفسه .
« العالم » بالغيب فهو تعلق خاص ،والغيب ال يتناهى ،والشهادة متناهية إذا كان
الوجود سبب الشهود والرؤية كما يراه بعض النظار ،وعلى كل حال فالشهادة
خصوص .
" القابض " بكون األشياء في قبضته ،واألرض جميعا قبضته ،وكون الصدقة تقع
بيد الرحمن فيقبضها .
« الباسط » بما بسطه من الرزق الذي ال يعطي البغي بسطه ،وهو القدر المعلوم ،
وأنه تعالى يقبض ما شاء من ذلك لما فيه من االبتالء والمصلحة ،ويبسط ما شاء من
ذلك لما فيه من االبتالء والمصلحة .
" الرافع " من كونه تعالى بيده الميزان ،يخفض القسط ويرفعه ،فيرفع ليؤتي الملك
من يشاء ،ويعز من يشاء ويغني من يشاء .
« الخافض » لينزع الملك ممن يشاء ،ويذل من يشاء ،ويفقر من يشاء ،بيده الخير
وهو الميزان فيوفي الحقوق من يستحقها ،وفي هذه الحال ال يكون معاملة االمتنان
فإن استيفاء الحقوق من بعض االمتنان أعم في التعلق .
« المعز » « المذل » فأعز بطاعته ،وأذل بمخالفته ،وفي الدنيا أعز بما آتى من
المال من أتاه ،وبما أعطى من اليقين ألهله ،وبما أنعم به من الرئاسة والوالية
والتحكم في العالم بإمضاء الكلمة والقهر ،وبما أذل به الجبارين والمتكبرين ،وبما
أذل به في الدنيا بعض المؤمنين ،ليعزهم في اآلخرة ،ويذل من أورثهم الذلة في
الدنيا إليمانهم وطاعتهم .
« السميع » دعاء عباده إذا دعوه في مهماتهم فأجابهم من اسمه السميع ،فإنه تعالى
ذكر في حد السمع فقال :وال تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم ال يسمعون ،ومعلوم
أنهم سمعوا دعوة الحق بآذانهم ،ولكن ما أجابوا ما دعوا إليه وهكذا يعامل الحق عباده
من كونه سميعا « .البصير » بأمور عباده كما قال لموسى وهارون إنني معكما
أسمع وأرى ،فقال لهما :ال تخافا فإذا أعطى بصره األمان ،فذلك معنى البصير ،ال
أنه يشهده ويراه فقط ،فإنه يراه حقيقة سواء نصره أو خذله أو اعتنى به أو أهمله « .
الحكم » بما يفصل به من الحكم يوم القيامة بين عباده ،وبما أنزل في الدنيا من
األحكام المشروعة ،والنواميس الوضعية الحكمية ،كل ذلك من االسم الحكم « .
العدل » بحكمه بالحق ،وإقامة الملة الحنيفية ،قل رب احكم بالحق ،فهو ميل إليه إذ
ّللا « .اللطيف » بعباده فإنه يوصل قد جعل للهوى حكما من اتبعه ضل عن سبيل ه
ص 194
ص 194 :
إليهم العافية مندرجة في األدوية الكريهة ،فأخفى من ضرب المثل في األدوية المؤلمة
المتضمنة الشفاء والراحة ال يكون ،فإنه ال أثر لها في وقت االستعمال مع علمنا بأنها
نحس بها للطافتها .ومن باب لطفه سريانه في ه في نفس استعمال ذلك الدواء ،وال
ّللاُ َخلَقَ ُك ْم َوما ت َ ْع َملُونَ »وال نرى األعمال إال من أفعال الموجودات وهو قوله َ «:و َّ
ّللا ،فلو ال لطفه لشوهد . المخلوقين ،ونعلم أن العامل لتلك األعمال إنما هو ه
« الخبير » بما اختبر به عباده ومن اختباره قوله :
«حتى نعلم » فيرى هل ننسب إليه حدوث العلم أم ال ،فانظر أيضا هذا اللطف ،
ولذلك قرن الخبير باللطيف فقال اللطيف الخبير « .الحليم » هو الذي أمهل وما أهمل
،ولم يسارع بالمؤاخذة لمن عمل سوءا بجهالة ،مع تمكنه أن ال يجهل وأن يسأل
وينظر حتى يعلم .
«العظيم » في قلوب العارفين به « .الشكور » لطلب الزيادة من عباده مما شكرهم
عليه ،وذكرهم به من عملهم بطاعته ،والوقوف عند حدوده ورسومه وأوامره
ونواهيه ،
ش َك ْرت ُ ْم َأل َ ِزي َدنَّ ُك ْم »فبذلك يعامل عباده ،فطلب منهم بكونه شكورا أن وهو يقول «:لَئِ ْن َ
يبالغوا فيما شكرهم عليه « .العلي »في شأنه وذاته عما يليق بسمات الحدوث ،
وصفات المحدثات .
« الكبير » بما نصبه المشركون من اآللهة ،ولهذا قال إبراهيم عليه السالم «:بَ ْل
ير ُه ْم »وهنا الوقف ويبتدئ« هذا فَ ْسئَلُو ُه ْم إِ ْن كانُوا يَ ْن ِطقُونَ »فلو نطقوا فَعَلَهُ َكبِ ُ
ّللا هو الكبير العلي العظيم « .الحفيظ » بكونه بكل شيء العترفوا بأنهم عبيد ،وأن ه
محيط ،فاحتاط باألشياء ليحفظ عليها وجودها ،فإنها قابلة للعدم كما هي قابلة للوجود
،فمن شاء سبحانه أن يوجده فأوجده حفظ عليه وجوده ،ومن لم يشأ أن يوجد وشاء
أن يبقيه في العدم حفظ عليه العدم ،فال يوجد ما دام يحفظ عليه العدم ،فإما أن يحفظه
دائما أو إلى أجل مسمى .
«المقيت » بما قدر في األرض من األقوات وبما أوحى في السماء من األمور فهو
سبحانه يعطى قوت كل متقوت على مقدار معلوم « .الحسيب » إذا عدد عليك نعمه ،
ليريك منته عليك ،ل هما كفرت بها فلم يؤاخذك لحلمه وكرمه وبما هو كافيك عن كل
شيء ،ال إله إال هو العليم الحكيم .
« الجليل » لكونه عز فلم تدركه األبصار وال البصائر ،فعال ونزل بحيث أنه مع
عباده أينما كانوا كما يليق بجالله ،إلى أن بلغ في نزوله أن قال لعبده مرضت فلم
تعدني ،وجعت فلم تطعمني ،وظمئت فلم تسقني ،فأنزل نفسه من عباده منزلة عباده
من عباده ،فهذا من حكم هذا االسم اإللهي .
« الرقيب » لما هو عليه من لزوم الحفظ لخلقه ،فإن
ص 195
ص 195 :
ذلك ال يثقله وليعلم عباده أنه إذا راقبهم يستحون منه ،فال يراهم حيث نهاهم ،وال
يفقدهم حيث أمرهم « .المجيب » من دعاه لقربه وسماعه دعاء عباده كما أخبر عن
عان »فوصف نفسه يب أ ُ ِج ُ
يب َدع َْوة َ الدَّاعِ ِإذا َد ِ سأَلَ َك ِعبادِي َ
ع ِنهي فَإِ ِنهي قَ ِر ٌ نفسه« َو ِإذا َ
بأنه متكلم إذ المجيب من كان ذا إجابة وهي التلبية « .الواسع » العطاء بما بسط من
الرحمة التي وسعت كل شيء ،وهي مخلوقة فرحم بها كل شيء ،وبها أزال غضبه
عن عباده « .الحكيم » بإنزال كل شيء منزلته ،وجعله في مرتبته ،ومن أوتي
ّللا عليه الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ،وقد قال عن نفسه :إن بيده الخير وقال صلهى ه
وسلم :والخير كله بيديك فلم يبق منه شيئا والشر ليس إليك .
« الودود » الثابت حبه في عباده ،فال يؤثر فيما سبق لهم من المحبة معاصيهم ،
فإنها ما نزلت بهم إال بحكم القضاء والقدر السابق ،ال للطرد والبعد« ِليَ ْغ ِف َر لَ َك َّ
ّللاُ ما
تَقَد ََّم ِم ْن ذَ ْن ِب َك َوما تَأ َ َّخ َر »فسبقت المغفرة للمحبين اسم مفعول « .المجيد » لما له من
ّللا أنه خلقه الشرف على كل موصوف بالشرف فإن شرف العالم بما هو منسوب إلى ه
ّللا « . وفعله فما هو شرفه بنفسه فالشريف على الحقيقة من شرفه بذاته وليس إال ه
الباعث » عموما وخصوصا ،فالعموم بما بعث من الممكنات إلى الوجود من العدم ،
وهو بعث لم يشعر به كل أحد إال من قال بأن للممكنات أعيانا ثبوتية ،وإن لم يعثر
ّللا بهذا
على ما أشرنا إليه القائل بهذا ،ولما كان الوجود عين الحق فما بعثهم إال ه
االسم خاصة ،ثم خصوص البعث في األحوال كبعث الرسل ،والبعث من الدنيا إلى
البرزخ نوما وموتا ،ومن البرزخ إلى القيامة ،وكل بعث في العالم في حال وعين ،
فمن االسم الباعث فهو من أعجب اسم تسمى الحق به تعريفا لعباده .
" الشهيد " لنفسه بأنه ال إله إال هو ،ولعباده بما فيه الخير والسعادة لهم بما جاءوا به
ّللا وطاعة رسوله ،وبما كانوا عليه من مكارم األخالق ،وشهيد عليهم بما من طاعة ه
ّللا وكرمه بهم كانوا فيه من المخالفات والمعاصي وسفساف األخالق ،ليريهم منة ه
حيث غفر لهم وعفا عنهم ،وكان مآلهم عنده إلى شمول الرحمة ،ودخولهم في سعتها
ّللا من العدم إلى وأن تلك األشياء المسماة مخالفة لم يبرزها ه إذ كانوا من جملة األشياء ه
الوجود إال برحمته ،فهي مخلوقة من الرحمة ،وكان المحل الذي قامت به سببا
لوجودها ،ألنها ال تقوم بنفسها وإنما تقوم بنفس المخالف ،وقد علمت أنها مخلوقة من
الرحمة ،ومسبحة بحمد خالقها ،فهي تستغفر للمحل الذي قامت به حتى ظهر وجود
عينها لعلمها بأنها ال تقوم بنفسها « .الحق » الوجود الذي ال يأتيه
ص 196
ص 196 :
الباطل ،وهو العدم من بين يديه وال من خلفه ،فمن بين يديه من قوله لما خلقت بيدي
ّللا مرمى ،فنسب إليه ّللا عليه وسلم :ليس وراء هّللا صلهى ه
،ومن خلفه لقول رسول ه
الوراء وهو الخلف ،فهو وجود حق ال عن عدم ،وال يعقبه عدم ،بخالف الخلق فإنه
عن عدم ويعقبه العدم من حيث ال يشعر به ،فإن الوجود واإليجاد ال ينقطع ،فما ثم
في العالم من العالم إال وجود وشهود ،دنيا وآخرة من غير انتهاء وال انقطاع ،فأعيان
تظهر فتبصر « .الوكيل » الذي وكله عباده على النظر في مصالحهم ،فكان من
النظر في مصالحهم أن أمرهم باإلنفاق على حد معين ،فاستخلفهم فيه بعد ما اتخذوه
وكيال ،فاألموال له بوجه ،فاستخلفهم فيها .
واألموال لهم بوجه فوكلوه في النظر فيها ،فهي لهم بما لهم فيها من المنفعة ،وهي له
ّللا ما خلق العالم إال
بما هي عليه من تسبيحها بحمده ،فمن اعتبر التسبيح قال :إن ه
ّللا ما خلق العالم إال لينفع بعضه بعضا .
لعبادته ،ومن راعى المنفعة قال :إن ه
« القوي المتين » هو ذو القوة لما في بعض الممكنات أو فيها مطلقا من العزة ،وهي
عدم القبول لألضداد ،فكان من القوة خلق عالم الخيال ،ليظهر فيه الجمع بين
األضداد ،ألن الحس والعقل يمتنع عندهما الجمع بين الضدين ،والخيال ال يمتنع عنده
ذلك ،فما ظهر سلطان القوي ،وال قوته إال في خلق القوة المتخيلة وعالم الخيال ،
فإنه أقرب في الداللة على الحق ،فإن الحق هو األول واآلخر والظاهر والباطن ،فما
حاز الصورة على الحقيقة إال الخيال ،وهذا ما ال يسع أحدا إنكاره ،فإنه يجده في
ّللا هو
نفسه ويبصره في منامه ،فيرى ما هو محال الوجود موجودا ،فتنبه لقوله :إن ه
الرزاق ذو القوة المتين « .الولي » هو الناصر من نصره ،فنصرته مجازاة ،ومن
ّللا من طريق الوجوب ،فإنه قال « :وكان آمن به فقد نصره ،فالمؤمن يأخذ نصر ه
حقا علينا نصر المؤمنين » مثل وجوب الرحمة عليه سواء .قال تعالى « :كتب
ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح »
ّللا تشبه رحمة الوجوب ،وتفارق رحمة االمتنان وأين هذا من اتساعها ؟ فنصرة ه
الواسعة ،فإنه ما رأينا فيما أخبرنا به تعالى نصرة مطلقة ،وإنما رأيناها مقيدة إما
باإليمان وإما بقوله « :إن تنصروا هللا ينصركم » .
«الحميد » بما هو حامد بلسان كل حامد وبنفسه ،وبما هو محمود بكل ما هو مثنى
عليه وعلى نفسه ،فإن عواقب الثناء عليه تعود « .المحصي » كل شيء عددا ،من
حروف وأعيان وجودية ،إذ كان التناهي ال يدخل إال في الموجودات ،فيأخذه
اإلحصاء فهذه الشيئية شيئية
ص 197
ص 197 :
الوجود وفي قوله وأحصى كل شيء عددا « .المبدى » هو الذي ابتدأ الخلق باإليجاد
في الرتبة الثانية ،وكل ما ظهر من العالم ويظهر فهو فيها ،وما ثم مرتبة ثالثة فهي
اآلخر واألولى للحق ،فهو األول ،فالخلق من حيث وجوده ال يكون في األول أبدا ،
وإنما له اآلخر ،والحق معه في اآلخر ،فإنه مع العالم أينما كانوا ،وقد تسمى باآلخر
فاعلم .
« المعيد » عين الفعل من حيث ما هو خالق وفاعل وجاعل وعامل ،فهو إذا خلق
شيئا وفرغ خلقه ،عاد إلى خلق آخر ،ألنه ليس في العالم شيء يتكرر ،وإنما هي
أمثال تحدث ،وهي الخلق الجديد ،وأعيان توجد .
« المحيي » بالوجود كل عين ثابتة لها حكم قبول اإليجاد ،فأوجدها الحق في وجوده.
« المميت » في الزمان الثاني فما زاد من زمان وجودها فمفارقتها وانتقالها لحال
الوجود الذي كان لها موت ،وقد يرجع إلى حكمها من الثبوت الذي كان لها فمن
المحال وجودها بعد ذلك حتى تفرغ ،وهي ال تفرغ لعدم التناهي فيها فافهم « .الحي
» لنفسه لتحقيق ما نسب إليه مما ال يتصف به إال من من شرطه أن يكون حيا .
« القيوم » لقيامه على ك هل نفس بما كسبت .
« الواجد » بالجيم لما طلب فلحق ،فال يفوته هارب ،كما ال يلحقه في الحقيقة طالب
معرفته .
« الواحد » من حيث ألوهته فال إله إال هو .
" الصمد " الذي يلجأ إليه في األمور ولهذا اتخذناه وكيال .
« القادر » هو النافذ االقتدار في القوابل الذي يريد فيها ظهور االقتدار ال غير .
" المقتدر " بما عملت أيدينا فاالقتدار له ،والعمل يظهر من أيدينا ،فكل يد في العالم
ّللا ،فإن االقتدار هّلل فهو تعالى قادر بنفسه ،مقتدر بنا .
لها عمل فهي يد ه
« المقدم » « المؤخر » من شاء لما شاء ومن شاء عما شاء .
« األول « » اآلخر » بالوجوب وبرجوع األمر كله إليه .
« الظاهر » « الباطن » لنفسه ظهر فما زال ظاهرا وعن خلقه بطن ،فما يزال باطنا
فال يعرف أبدا .
" البر " بإحسانه ونعمه وآالئه التي أنعم بها على عباده .
« التواب » لرجوعه على عباده ليتوبوا ،ورجوعه بالجزاء على توبتهم .
« المنتقم » ممن عصاه تطهيرا له من ذلك في الدنيا بإقامة الحدود ،وما يقوم بالعالم
من اآلالم ،فإنها كلها انتقام وجزاء خفي ال يشعر به كل أحد ،حتى إيالم الرضيع
جزاء .
" العفو " لما في العطاء من التفاضل في القلة والكثرة وأنواع األعطيات على اختالفها
ال بد أن يدخلها القلة والكثرة ،فال بد أن يعمها العفو ،فإنه ال بد من األضداد كالجليل.
"الرؤوف " بما ظهر في العباد من الصالح واألصلح ،ألنه من المقلوب وهو ضرب
من
ص 198
ص 198 :
الشفقة « .الوالي » لنفسه على كل من ولي عليه ،فولي على األعيان الثابتة فأثر
فيها اإليجاد ،وولي على الموجودات فقدم من شاء ،وأخر من شاء ،وحكم فعدل ،
وأعطى فأفضل .
«المتعالي » على من أراد علوا في األرض ،وادعى له ما ليس له بحق « .المقسط
» هو ما أعطى بحكم التقسيط ،وهو قوله « وما ننزله إال بقدر معلوم » وهو التقسيط
« .الجامع » بوجوده لكل موجود فيه « .الغني » عن العالمين بهم .
« المغني » من أعطاه صفة الغنى بأن أوقفه على أن علمه بالعالم تابع للمعلوم ،فما
أعطاه من نفسه شيئا فاستغنى عن األثر منه فيه لعلمه بأنه ال يوجد فيه إال ما كان عليه
« .البديع » الذي لم يزل في خلقه على الدوام بديعا ألنه يخلق األمثال وغير األمثال
،وال بد من وجه به يتميز المثل عن مثله ،فهو البديع من ذلك الوجه .
« الضار » « النافع » بما ال يوافق الغرض وبما يوافقه .
« النور » لما ظهر من أعيان العالم ،وإزالة ظلمة نسبة األفعال إلى العالم .
« الهادي » بما أبانه للعلماء به مما هو األمر عليه في نفسه .
« المانع » إلمكان إرسال ما مسكه ،وما وقع اإلمساك إال لحكمة اقتضاها علمه في
خلقه .
« الباقي » حيث ال يقبل الزوال ،كما قبلته أعيان الموجودات بعد وجودها ،فله دوام
الوجود ،ودوام اإليجاد .
« الوارث » لما خلفناه عند انتقالنا إلى البرزخ خاصة .
« الرشيد » بما أرشد إليه عباده في تعريفه إياهم بأنه تعالى على صراط مستقيم في
أخذه بناصية كل دابة ،فما ثم إال من هو على ذلك الصراط ،واالستقامة مآلها إلى
ّللا على عباده بنعمة أعظم من كونه آخذا بناصية كل دابة ،فما ثم الرحمة ،فما أنعم ه
إال من مشي به على الصراط المستقيم « .الصبور » على ما أوذى به في قوله « :
إن الذين يؤذون هللا ورسوله » فما عجل لهم في العقوبة مع اقتداره على ذلك ،وإنما
أخر ذلك ليكون منه ما يكون على أيدينا من رفع ذلك عنه باالنتقام منهم ،فيحمدنا
على ذلك ،فإنه ما عرفنا به مع اتصافه بالصبور إال لندفع ذلك عنه ونكشفه ،هذا فيما
ّللا تعالى أو في كتاب ورد عن األسماء أما الكنايات فإذا جاءت في كالم الرسول عن ه
ّللا فلننظر القصة والضمير ونحكم على تلك الكناية بما يعطيه الحال في القصة ه
المذكورة ال يزاد في ذلك وال ينقص منه .
واعلم أنه لما كانت األسماء اإللهية نسبا تطلبها اآلثار لذلك ال يلزم ما تعطل حكمه
فاّلل إله سواء وجدمنها ما لم يتعطل وإنما يقدح ذلك لو اتفق أن تكون أمرا وجوديا ،ه
العالم أو لم يوجد ،فإن بعض المتوهمين تخيل أن األسماء تدل على أعيان وجودية
قائمة بذات الحق
ص 199
ص 199 :
ّللا العالم رأيناه ذا
فإن لم يكن حكمها يعم وإال بقي منها ما ال أثر له معطال .فلما خلق ه
مراتب وحقائق مختلفة ،تطلب كل حقيقة منه من الحق نسبة خاصة ،فلما أرسل
تعالى رسله كان مما أرسلهم به ألجل تلك النسب أسماء تسمى بها لخلقه ،يفهم منها
داللتها على ذاته تعالى ،وعلى أمر معقول ال عين له في الوجود ،له حكم هذا األثر
والحقيقة الظاهرة في العالم من خلق ورزق ،ونفع وضر ،وإيجاد واختصاص ،
وأحكام وغلبة وقهر ولطف ،وتنزل واستجالب ومحبة ،وبغض وقرب ،وبعد
وتعظيم وتحقير ،وكل صفة ظاهرة في العالم تستدعي نسبة خاصة لها اسم معلوم
عندنا من الشرع ،فمنها مشتركة وإن كان لكل واحد من المشتركة معنى إذا تبين
ظهر أنها متباينة فاألصل في األسماء التباين واالشتراك فيه لفظي ،ومنها متباينة
ومنها مترادفة ،ومع ترادفها فال بد أن يفهم من كل واحد معنى ال يكون في اآلخر ،
فعلمنا ما سمى به نفسه واقتصرنا عليها .
[ « بحث في األسماء اإللهية » ]
«بحث في األسماء اإللهية » تنقسم األسماء اإللهية إلى أسماء إلهية تطلب العالم ،
ويطلبها العالم ،كاالسم الرب والقادر والخالق والنافع والضار والمحيي والمميت
والقاهر والمعز والمذل إلى أمثال هذه األسماء .
وثم أسماء إلهية ال تطلب العالم ،ولكن يستروح منها نفس من أنفاس العالم من غير
تفصيل ،كما يفصل بين هذه األسماء التي ذكرناها آنفا فأسماء االسترواح كالغني
والعزيز والقدوس وأمثال هذه األسماء ،وما وجدنا هّلل أسماء تدل على ذاته خاصة من
غير تعقل معنى زائد على الذات فإنه ما ثم اسم إال على أحد أمرين:
إما ما يدل على فعل وهو الذي يستدعي العالم وال بد ،فإنه من المحال أن يكون في
العالم شيء ليس له مستند إلى أمر إلهي يكون نعتا للحق كان ما كان ،
وإما ما يدل على تنزيه وهو الذي يستروح منه صفات نقص كوني تنزه الحق عنها ،
ّللا .
غير ذلك ما أعطانا ه
ّللا
فما ثم اسم علم ما فيه سوى العلمية هّلل أصال إال إن كان ذلك في علمه أو ما استأثر ه
به في غيبه مما لم يبده لنا ،وسبب ذلك ألنه تعالى ما أظهر أسماءه لنا إال للثناء بها
عليه ،فمن المحال أن يكون فيها اسم علمي أصال ،ألن األسماء األعالم ال يقع بها
ثناء على المسمى ،لكنها أسماء أعالم للمعاني التي تدل عليها ،
وتلك المعاني هي التي يثنى بها على من ظهر عندنا حكمه بها فينا ،وهو المسمى
بمعانيها ،والمعاني هي المسماة بهذه األسماء اللفظية ،كالعالم والقادر وباقي األسماء
ّللف األسماء الحسنى وليست إال المعاني ،ال هذه األلفاظ ،فإن األلفاظ ال تتصف .ه
بالحسن والقبح إال
ص 200
ص 200 :
بحكم التبعية لمعانيها الدالة عليها ،فال اعتبار لها من حيث ذاتها ،فإنها ليست بزائدة
ّللا منها معارف على حروف مركبة ونظم خاص يسمى اصطالحا .واعلم أن أسماء ه
كاألسماء المعروفة وهي الظواهر ،ومنها مضمرات مثل كاف الخطاب ،وتائه ،
وتاء المتكلم ،ويائه ،وضمير الغائب ،وضمير التثنية من ذلك ،وضمير الجمع مثل
نحن نزلنا ،ونون الضمير في الجمع مثل إنا نحن ،وكلمة أنا ،وأنت ،وهو ،ومنها
ّللا يستهزئ ّللا منهم ،ومثل ه أسماء تدل عليها األفعال ولم يبن منها أسماء مثل سخر ه
ّللا منابه ،مثل قوله « :سرابيل بهم ،ومنها أسماء النيابة هي هّلل ،ولكن نابوا عن ه
تقيكم الحر » وكل فعل منسوب إلى كون ما من الممكنات إنما ذلك المسمى نائب فيه
ّللا ،ألن األفعال كلها هّلل ،سواء تعلق بذلك الفعل ذم أو حمد ،فال حكم لذلك عن ه
التعلق بالتأثير فيما يعطيه العلم الصحيح ،فكل ما ينسب إلى المخلوق من األفعال فهو
ّللا يحب أن يمدح ّللا ألجل المدح ،فإن ه ّللا ،فإن وقع محمودا نسب إلى ه فيه نائب عن ه
ّللا عليه وسلم .وإن تعلق به ذم لم ننسبه ّللا صلهى ه ،كذا ورد في الصحيح عن رسول ه
ّللا ،أو لحق به عيب .مثل المحمود قول الخليل عليه السالم :فهو يشفين ،وقال إلى ه
ّللا فمرض ،كما في المرض :إذا مرضت ،ولم يقل :أمرضني ،وما أمرضه إال ه
أنه شفاه ،فإذا كنى الحق عن نفسه بضمير الجمع فألسمائه لما في ذلك المذكور من
حكم أسماء متعددة ،وإذا ثنهى فلذاته ونسبة اسم خاص ،وإذا أفرد فالسم خاص أو
ذات وهي المسمى ،وإذا كنى بتنزيه فليس إال الذات ،وإذا كنى بفعل فليس إال االسم
ّللا ال بطريق التعيين ،فإنه فيها ما على ما قررناه .وانحصر فيما ذكرناه جميع أسماء ه
ينبغي أن يعين ،وما ينبغي أن ال يعين ،وقد جاء من المعين مثل الفالق والجاعل ،
ولم يجئ المستهزئ والساخر ،وهو الذي يستهزئ بمن شاء من عباده ،ويكيد ويسخر
ممن شاء من عباده حيث ذكره ،وال يسمى بشيء من ذلك ،وال بأسماء النواب ،
ّللف األسماء ما له الصفات ،فهو المعروف باالسم ال ونوابه ال يأخذهم حصر ،ه
بالصفة ،ولذلك ما ورد بالصفة كتاب وال سنة ،
سبْحانَ َر ِبه َك َربه ِ ْال ِع َّزةِ َ
ع َّما عوهُ بِها »وورد« ُ ّلل ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى فَا ْد ُ
وورد قرآنا« َو ِ َّ ِ
ّللا في كونه لم يجعل له صفة صفُونَ »فتنزه عن الصفة ال عن االسم ،فانظر حكمة ه يَ ِ
في كتبه ،
ّلل ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى »
بل نزه نفسه عن الوصف فقال َ «:و ِ َّ ِ
فجعلها أسماء وما جعلها نعوتا وال صفات ،
وقال « :فادعوه بها » وبها كان الثناء ،
واالسم ما يعطي الثناء ،وإنما يعطيه النعت والصفة ،وما شعر أكثر
ص 201
ص 201 :
الناس لكون الحق ما ذكر له نعتا في خلقه ،وإنما جعل ذلك أسماء كأسماء االعالم
التي ما جاءت للثناء ،وإنما جاءت للداللة ،وتلك األسماء اإللهية الحسنى هي لنا
ّللا على نفسه بها ،ألن نزول الشرائع نعوت يثنى علينا بها ،وأثنينا علينا بها ،وأثنى ه
ّللا إنما تنزل بحكم ما تواطأ عليه أهل ذلك اللسان ،سواء صادف أهل في العالم من ه
ذلك اللسان الحق في ذلك أو ال ،وقد تواطأ الناس على أن هذه األسماء التي سمى
الحق بها نفسه مما يثنى بها في المحدثات إذا قامت بمن تقوم به نعتا أو صفة ،فأثنى
ّللا على نفسه بها ،ونبه على أنها أسماء ال نعوت ،ليفهم السامع الفهم الفطن أن ذلك ه
من حكم التواطؤ ،ال حكم األمر في نفسه كما دل دليل الشرع بليس كمثله شيء من
ّللا بصفات اإلثبات التي جعلها أسماء ، جميع الوجوه ،فال يقبل األينية .فالثناء على ه
وجعلها الخلق نعوتا ،كما هي لهم نعوت إذا وقع هذا الثناء من العبد صورة ال يكون
روح تلك الصورة تسبيحا بليس كمثله شيء كان جهال بما يستحقه المثنى عليه ،فإنه
أدخله تحت الحد والحصر ،بخالف كون ذلك أسماء ال نعوتا ،فيا ولي ال يفارق
ّللا جملة واحدة ،فإنك إن كنت بهذه المثابة نفخت روحا في التسبيح ثناؤك على ه
ّلل ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى » صورة ثنائك التي أنشأتها« َو ِ َّ ِ
ّللا ،ومع وإن كان له جميع األسماء التي يفتقر كل فقير إلى مسماها ،وال فقر إال إلى ه
هذا فال يطلق عليه من األسماء إال ما يعطي الحسن عرفا وشرعا ،وكذلك نعت
أسماءه بالحسنى والحق هو الذي نصبه الشرع للعباد ،وبما سمى به نفسه نسميه ،
وبما وصف به ذاته نصفه ،ال نزيد على ما أوصل إلينا وال نخترع له اسما من عندنا
،
عوهُ ِبها »فإذا دعوته باسم منها تجلى مجيبا لك في عين ذلك االسم ، وقال لنا «:فَا ْد ُ
ّللا وإن كان جامعا للنقيضين ،فهو وإن ظهر في اللفظ فليس المقصود إال فإن االسم ه
اسما خاصا منه ،تطلبه قرينة الحال ،
وّللا هو المانع أيضا ،فما يطلب ّللا ارزقني ،ه فإذا قال طالب الرزق المحتاج إليه :يا ه
بحاله إال االسم الرزاق ،فما قال بالمعنى إال يا رزاق ارزقني ،فمن أراد اإلجابة من
ّللا فال يسأله إال باالسم الخاص بذلك األمر ،وال يسأل باسم يتضمن ما يريده وغيره ، ه
وال يسأل باالسم من حيث داللته على ذات المسمى ،
ولكن يسأل من حيث المعنى الذي هو عليه ،الذي ألجله جاء ،وتميز به عن غيره من
األسماء تميز معنى ال تميز لفظ« َوذَ ُروا الَّذِينَ يُ ْل ِحدُونَ ِفي أَسْما ِئ ِه »أي يميلون في
أسمائه إلى ما ليس بحسن ،وإن كان في المعنى من أسمائه ،لكن منع أن يطلق عليه
لما ناط به عرفا أو شرعا
ص 202
ص 202 :
بأنه ليس بحسن -الوجه الثاني –
ّللا تعالى في تعدد أسمائه ] [ إشارة :حكمة ه
هم يميلون عن أسمائه ،ال بل يميلون في أسمائه إلى غير الوجه الذي قصد بها ،ثم
سيُ ْجزَ ْونَ ما كانُوا يَ ْع َملُونَ »من ذلك ،فكل يجزى بما مال إليه -إشارة -من
قال َ «:
ّللا في وحدانيته سبحانه أن جعل له أسماء كثيرة ندعوه بها في عموم أحوالنا ، حكمة ه
فننتقل من اسم إلى اسم ،لتتنوع علينا األدعية واألذكار ،مع أحدية المدعو والمذكور
،كل ذلك للملل الذي في جبلتنا ،فسبحان اللطيف بعباده ،وهذا من خفايا ألطافه التي
ال يعرفها إال القليل من عباده .
ص 203
ص 203 :
[ سورة األعراف ( : ) 7آية ] 185
ش ْي ٍء َوأ َ ْن عَسى أ َ ْن
َّللاُ ِم ْن َ
ق ه ض َوما َخلَ َ ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ت ال ه ظ ُروا فِي َملَكُو ِ أ َ َولَ ْم يَ ْن ُ
ون ( ) 185 ث بَ ْع َدهُ يُ ْؤ ِمنُ َ ب أ َ َجلُ ُه ْم فَ ِبأ َ ّ
ي ِ َحدِي ٍ ُون قَ ِد ْ
اقت َ َر َ يَك َ
ظ ُروا »يعني يتفكروا ،فإنه سبحانه لما أراد النظر الذي هو الفكر ،قرنه « أ َ َولَ ْم يَ ْن ُ
ت سماوا ِ بحرف في ،ولم يصحبه لفظ كيف ،فهو أمر بالنظر العقلي« ِفي َملَ ُكو ِ
ت ال َّ
ض »فيعلموا أنها لم تقم بأنفسها ،وإنما أقامها غيرها ، َو ْاأل َ ْر ِ
وهذا النظر ال يلزم منه وجود األعيان مثل النظر في الكيفية ،وإنما اإلنسان كلف أن
ينظر بفكره في ذلك ال بعينه ،ومن الملكوت ما هو غيب وما هو شهادة ،فما أمرنا
ّللا ،لنستدل بذلك عليه وأنه ال يشبهها ، قط بحرف في إال في المخلوقات ال في ه
ّللا وتوحيده ،وما يجب له من فاعتبر الشرع حكم النظر العقلي في إثبات وجود ه
األحكام ،وبالنظر العقلي في صدق آيات رسوله التي نصبها دليال على صدقه ،وفي
ّللا
القرآن مثل هذا كثير ،وهذه اآليات وأمثالها ألهل النظر واالستدالل الذين نصب ه
لهم األدلة واآليات .
ص 204
ص 204 :
عنه ولم يتسع له استراح على عالم الشهادة ،فتنفس الغيب تنفس الحامل المثقل ،
فأبرز في عالم الشهادة ما كان ثقل عليه ،ومن وجه آخر :ثقلت من كونها أمانة مكلفة
بحفظها وأدائها في وقتها ،فهو ثقل معنوي ،فإنه في طبع كل شيء القلق مما يثقل
ع ْنها قُ ْل ِإنَّما ِع ْل ُمها ِع ْن َد عليه حتى يخرجه عنه« ال تَأْتِي ُك ْم ِإ َّال بَ ْغتَةً يَ ْسئَلُون ََك َكأَنَّ َك َح ِف ٌّ
ي َ
اس ال يَ ْعلَ ُمونَ »لجهلهم . ّللا َول ِك َّن أ َ ْكث َ َر النَّ ِ
َّ ِ
ص 205
ص 205 :
ّللاُ " الوالية نصر الولي ،أي نصر الناصر ، ي َّ " إِ َّن َو ِل ِيه َ
ّللا لنفسه إال بتعلق خاص للمؤمنين خاصة والصالحين من ونعت الوالية ال ينسبها ه
عباده ،ولما كان نعتا إلهيا هذا النصر المعبر عنه بالوالية تسمى سبحانه به وهو اسمه
ّللا عليه وسلم هذه اآلية ليعرف ّللا تعالى على عبده محمد صلهى ه الولي ،ولما أنزل ه
ّللا عليه وسلم ما ال بد له أن يقوله ويتلفظ به ّللا حكى عن نبيه صلهى ه الناس بها ،فكأن ه
،فجعله قرآنا يتلى ،إذ كان الصالح من خصائص العبيد في نفس األمر ،فقال تعالى
صا ِل ِحينَ »فشهد له بالصالح إذا كان ّللاُ الَّذِي ن ََّز َل ْال ِك َ
تاب َو ُه َو يَت َ َولَّى ال َّ ي َّ ِ «:إ َّن َو ِل ِيه َ
ّللا عليه وسلم أخبر بذلك الحق حاكيا في هذه اآلية ،وإن كان آمرا فيكون النبي صلهى ه
ي الَّذِينَ آ َمنُوا )وهو من المؤمنين« َو ُه َو يَت َ َولَّى ال َّ
صا ِل ِحينَ »فيكون ّللاُ َو ِل ُّ
لقوله تعالى َّ (:
ّللا يتولى الصالحين ، ّللا تواله ،وأخبرنا أن ه من المشهود لهم بالصالح ،فعرفنا أن ه
فشهد لنفسه بالصالح بالوجه الذي ذكرناه ،ولم ينقل ذلك عن غيره من األنبياء
ّللا يتولى الصالحين كان الصالح مطلوبا ّللا وسالمه عليهم ،ولهذا القطع بأن ه صلوات ه
ّللا به لمن شاء من عباده على التعيين تشريفا له بذلك ، لكل نبي مكمل ،وشهد ه
كعيسى ويحيى عليهما السالم ،فإن االسم الصالح من خصائص العبودية ،ونعت
ّللا
عز وجل بشرى من ه عبودي ال يكون إال للعبيد الكمل ،فمنهم من شهد له بها الحق ه
،مثل يحيى وعيسى وإبراهيم ومحمد عليهم السالم ،ومنهم من سألها لنفسه كسليمان
عليه السالم.
ص 206
ص 206 :
[ سورة األعراف ( : ) 7اآليات 197إلى ] 199
ون ( َ ) 197وإِ ْن
ص ُر َس ُه ْم يَ ْن ُون نَص َْر ُك ْم َوال أ َ ْنفُ َ ست َ ِطيعُ َ ُون ِم ْن دُونِ ِه ال يَ ِْين ت َ ْدع َ َوالهذ َ
ون ِإلَ ْيكَ َو ُه ْم ال يُ ْب ِص ُر َ
ون ) ُ ( 198خ ِذ ظ ُر َ س َمعُوا َوتَرا ُه ْم يَ ْن ُ
ت َ ْدعُو ُه ْم ِإلَى ا ْل ُهدى ال يَ ْ
ين ( ) 199 ض ع َِن ا ْلجا ِه ِل َ ف َوأَع ِْر ْ ا ْلعَ ْف َو َوأْ ُم ْر ِبا ْلعُ ْر ِ
" ُخ ِذ ْالعَ ْف َو "أي القليل .
ص 207
ص 207 :
تخيلوه وتوهموه ،ثم بعد التنزيه يتسلط عليهم سلطان الوهم والخيال فيحكم عليه
ْطان تَذَ َّك ُروا فَإِذا ُه ْم ُمب ِ
ْص ُرونَ شي ِ ف ِمنَ ال َّ
س ُه ْم طائِ ٌ
بالتقدير ،وهو قوله تعالى ِ «:إذا َم َّ
»وهو رجوعهم إلى ما أعطاهم العقل بالبرهان الصحيح من التنزيه عن ذلك ،فالقوة
المذكرة من خاصيتها أن تعمي إبليس عن مالحظة كيده في الحال وتدهشه ،فال يلحق
يرجع إليه بصره إال والمؤمن على إحدى حالتين إما في غفلة فيمسه مرة أخرى ،وإما
في حضور فيحترق إن دنا منه ،واعلم أن األنبياء والرسل ما لهم إال ثالثة خواطر ،
وهي الخاطر اإللهي والخاطر الملكي والخاطر النفسي ،فهم معصومون من الشيطان
ّللا رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين بالعصمة التي أعطاهم وألبسهم وخواطره ،ليميز ه
إياها ،والمؤمنون لهم الخواطر األربعة ،فمنهم من ظهر عليه حكم الخاطر الشيطاني
في الظاهر ،وهم عامة الخلق ،ومنهم من يخطر له وال يؤثر في ظاهره ،وهم
ّللا تعالى ،فالشيطان يلقي في قلوب األولياء وليس له على المحفوظون من أولياء ه
األنبياء سبيل .
ص 208
ص 208 :
ّللا من استمع القرآن إال في الصالة بعد الجلسة الوسطى فإنه يقرؤها ابتداء ،وقد وعد ه
ّللا
ّللا حكمها حكم الواجب ،ومع هذا فإن ه وأنصت بالرحمة ،فإن أفعال الترجي من ه
أوقع الترجي مع صفة االستماع واإلنصات ،وما قطع بالرحمة ،فكيف حال من
خاصم ورفع صوته وداخل التالي ؟
وأرجو أن يكون الترجي اإللهي واجبا كما يراه العلماء ،فاألجر العظيم باإلصغاء إلى
القارئ إذا قرأ القرآن ،أو بإصغاء اإلنسان إلى نفسه إذا تاله ،فإذا قرئ القرآن المبين
فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ،فإنه ما جاء بالكالم إال لإلفهام ،فإذا خالج
ّللا
السامع القارئ في قراءته ،فقد شهد من الفهم ببراءته ،وأساء األدب ،فأسخط ه
ّللا عليه وسلم [ :أيكم خالجنيها وما لي أنازع القرآن ] وأيفغضب ،يقول صلهى ه
برهان أعظم من هذا البرهان ،الرسول حاز اآلداب ،وجاء بالكتاب وخاطب أولي
األلباب ،وما خص أعداء من أحباب ،بل عم الخطاب ،فمنا من أصاب ،ومنا
المصاب «،لَعَلَّ ُك ْم ت ُ ْر َح ُمونَ »بالفهم ،فإنك إن خالجته فيها ،حرمت معانيها ،وإذا كنا
ّللا عليه وسلم إذا تكلمّللا صلهى ه
نهينا وتحبط أعمالنا برفع أصواتنا على صوت رسول ه
فغض أصواتنا عندما نسمع تالوة القرآن آكد . ه ّللا ،
،وهو المبلغ عن ه
ص 209
ص 209 :
ّللا تعالى به المالئكة ،فمن سجد فيها ولم يحصل له نفحة مما حصل
أعظم مما هدى ه
للمالئكة في سجودها من حيث ملكيته الخاصة به فما سجدها ،وهكذا في كل سجدة
ترد .
( ) 8سورة األنفال مدنيّة
الرحيم
الرحمن ّ
َّللا ّ
بسم ّ
ص 210
ص 210 :
مظلمتي من هذا ،فيقول له :ارفع رأسك ،فيرى خيرا كثيرا ،فيقول المظلوم :لمن
هذا يا رب ؟ فيقول :لمن أعطاني الثمن ،فيقول :يا رب ومن يقدر على ثمن هذا ؟
فيقول له :
ّللا له :خذ أنت بعفوك عن أخيك هذا ،فيقول المظلوم :يا رب قد عفوت عنه ،فيقول ه
ّللا عليهّللا صلهى ه بيد أخيك فادخال الجنة ،فيأخذ بيده فيدخالن الجنة ،فقال رسول ه
ّللا يصلح بين عباده ذات بَ ْينِ ُك ْم »فإن ه ص ِل ُحوا َ ّللا َوأ َ ْ
وسلم عند إيراده هذا الخبر« فَاتَّقُوا َّ َ
يوم القيامة ،فالكريم إذا كان من شأنه أن يصلح بين عباده بمثل هذا الصلح حتى يسقط
فاّلل أولى بهذه الصفة من العبد في ترك المؤاخذة المظلوم حقه ويعفو عن أخيه ،ه
بحقوقه من عباده ،فيعاقب من شاء بظلم الغير ال بحقه المختص به ،ولهذا األخذ
ّللا ما ينتصر لنفسه ،وإنما ينتصر لغيره ،والذي شاء بالشرك من ظلم الغير ،فإن ه
سبحانه ينتصر له .
[ سورة األنفال ( : ) 8اآليات 2إلى ] 3
علَ ْي ِه ْم آياتُهُ زا َدتْ ُه ْم إِيمانا ً َّللاُ َو ِجلَتْ قُلُوبُ ُه ْم َوإِذا ت ُ ِليَتْ َ
ِين إِذا ذُ ِك َر ه
ون الهذ َ إِنه َما ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ
ون ( ) 3 صالةَ َو ِم هما َر َز ْقنا ُه ْم يُ ْن ِفقُ َ
ون ال ه ون ( ) 2الهذ َ
ِين يُ ِقي ُم َ َوعَلى َر ِبّ ِه ْم يَت َ َو هكلُ َ
« يُ ْن ِفقُونَ »مما استخلفهم فيه أداء أمانة لمن شاء من عبيده .
ص 211
ص 211 :
الحجاب بينه وبينه ،والمؤمن اآلخر الذي كان برهانه عين حصول اإليمان في قلبه ،
ال ألمر آخر ،وهذا هو اإليمان الذي يخالط بشاشة القلوب ،فال يتصور في صاحبه
شك ،ألن الشك ال يجد محال يعمره ،فإن محله الدليل وال دليل ،فما ث هم على ما يرد
الدخل وال الشك ،بل هو في مزيد ،ثم إن المؤمن على نوعين:
مؤمن له عين فيه نور ،بذلك العين إذا اجتمع بنور اإليمان أدرك المغيبات التي
متعلقها اإليمان ،
ومؤمن ما لعينه نور سوى نور اإليمان ،فنظر إليه به ونظر إلى غيره به ،فاألول
يمكن أن يقوم بعينه أمر يزيل عنه النور الذي إذا اجتمع بنور اإليمان أدرك األمور
التي ألزمه اإليمان القول بها ،
وهو المؤمن الذي ال دليل له وينظر األشياء بذاته فيدخله الشك ممن يشككه ،فإن
فطرته تعطي النظر في األدلة ،إال أنه لم ينظر ،فإذا نبهه تنبه ،فمثل هذا إن لم يسرع
إليه الذوق وإال خيف عليه ،
والمؤمن اآلخر هو بمنزلة الجسد الذي قد تسوت بنيته ،واستوت آالت قواه وتركبت
طبقات عينه ،غير أنه ما نفخ فيه الروح ،فال نور لعينه ،فإذا كان اإلنسان بهذه
المثابة من الطمس ،فنفخ فيه روح اإليمان فأبصرت عينه بنور اإليمان ،فال يتمكن له
إدخال الشكوك عليه جملة ورأسا ،فإنه ما لعينه سوى نور اإليمان ،والضد ال يقبل
الضد ،فما له نور في عينه يقبل به الشك والقدح فيما يراه ،ومتى لم يكن اإليمان
بهذه المثابة وإال فقليل أن يجيء منه ما جاء من األنبياء واألولياء من الصدق
باإللهيات ،فالفطر الذكية التي تقبل النظر في المعقوالت من أكبر الموانع لحصول ما
ينبغي أن يحصل من العلم اإللهي ،والفطر المطموسة هي القابلة التي ال نور لعينها
من ذاتها إال من نور اإليمان ،فال تعطي فطرته النظر في األمور على اختالفها ،
ومنزلة األنبياء فيما يأخذونه من الغيب بطريق اإليمان من المالئكة منزلة المؤمنين مع
ما يأخذونه من األنبياء ،فاألنبياء مؤمنون بما يلقي إليهم الروح ،والروح مؤمن بمن
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم :أنا يلقي إليه من يلقي إليه ،قال بعض الصحابة لرسول ه
مؤمن حقا ،فادعى حق اإليمان ،وهو من نعوت الباطن ،فإنه تصديق ،والتصديق
ّللا صلهى ه
ّللا محله القلب ،وآثاره في الجوارح إذا كان تصديقا له أثر ،فقال له رسول ه
عليه وسلم :فما حقيقة إيمانك ؟ فقال :كأني انظر إلى عرش ربي بارزا ،وقد كان
ّللا في قوله :إن عرش ربه يبرز يوم القيامة ،فجعله هذا السامع مشهود صدهق رسول ه
الوقوع في خياله ،فقال :كأني انظر إليه ،أي هو عندي بمنزلة من أشاهده ببصري ،
فالمؤمن ينبغي أن يعامل الموطن بما يعامله صاحب العيان وإال فليس بمؤمن حقا فإن
لكل حق حقيقة وليست
ص 212
ص 212 :
الحقيقة التي لكل حق إال إنزاله منزلة الشهود المدرك للبصر ،
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم للصحابي :عرفت فالزم ،ففسر الحقيقة لذلك قال رسول ه
بالنظر والرؤية ،وجعلها بكأن ألن يوم القيامة ما وقع حسا ،ولكن وقع في حقه ممثال
فأدركه في التمثيل كالواقع في الحس .
ص 213
ص 213 :
ّللا ذلك بما في الماء المنزل من الحياة العلمية بالبراهين والكشف ،هذا القلب ،فيذهب ه
ّللا ،زال الوسخ الجهلي وارتفع فإذا زال ذلك القذر الشبهي بهذا المنزل من عند ه
الغطاء عن القلب ،فنظر بعينه في ملكوت السماوات واألرض ،
وذلك بما أعطاه العلم المنزل الذي طهره به في ذلك الماء ،الذي جعل نزوله في
الظاهر عالمة على فعله في الباطن ،فكان من مواطنه مقابلة األعداء ،
فأداه ما عاينه وربط قلبه به أن تثبت قدمه يوم الزحف عند لقاء األعداء ،فما ولوا
ّللا في الماء من القوة ،
ّللا نصره وهو تثبيت األقدام ،فهذا ما أعطاه ه مدبرين ،وأنزل ه
ّللا جعل الماء
حيث أنزله منزلة المالئكة بل أتم من المالئكة ،وإنما قلنا بل أتم ،فإن ه
سبب تثبيت األقدام فأنزله منزلة المعين على ما يريد .
ص 214
ص 214 :
ّللا في عباده ،ألي شيء كان كذا ؟ ولو
ّللا االعتراض والتعليل ألفعال ه
ومن مشاققة ه
كان كذا كان أحسن وأليق ،فهي منازعة للربوبية ،فاألشقياء ليس لهم عذاب إال منهم.
ص 215
ص 215 :
في تلك الحال والصالة ،فوجبت عليه كما وجب الصبر ،فيصليها على قدر اإلمكان ،
ط ْعت ُ ْم )ّللا َما ا ْست َ َ
فاّلل يقول (:فَاتَّقُوا َّ َ
أي على قدر ما يمكنه أن يفعله منها ،ه
ّللا عليه وسلم يوتر ّللا صلهى ه ّللاُ نَ ْفسا ً ِإ َّال ُو ْسعَها ) وقد كان رسول ه ف َّ وقال (:ال يُ َك ِله ُ
على الراحلة يومي إيماء مع األمان ،فأحرى إيقاع الفرض مع الخوف ووجود
البشرى أنها من أسباب النصر ،فيصلي على قدر استطاعته في ذلك الوقت وعلى تلك
الحال بحيث أن ال يترك القتال وال يتوانى فيه ،فذلك استطاعة الوقت ،فإن المكلهف
بحكم وقته ،وسواء كان على طهارة أو على غير طهارة ،والمخالف لهذا ما حقق
ّللا في قوله ّللا برفع الحرج عن المكلف في دين ه ّللا ،وال ما أراده ه النظر في أمر ه
ج )فالمجتهد ال كالم معه ،فإنه يعمل علَ ْي ُك ْم فِي ال هد ِ
ِين ِم ْن َح َر ٍ تعالى َ (:وما َجعَ َل َ
بحسب ما يقتضيه دليله ويحرم عليه مخالفة دليله ،وأما المقلد فاألولى به عندنا تقليد
من يقول بجواز الصالة في حال المسايفة وعلى غير طهارة فيها ،فإن القرآن يعضده
،وال حجة للمقلد في التخلف عن تقليد من يقول بالصالة ،فإنه أبرأ لذمته وأولى في
ّللا عليه وسلم . ّللا صلهى ه ّللا على كل أحيانه اقتداء برسول ه حقه ،ويكون ممن ذكر ه
ص 216
ص 216 :
والمؤمن اإلله الحق ،وقد نصره الخلق ،وهو القائل( َوا ْقتُلُو ُه ْم َحي ُ
ْث َو َج ْدت ُ ُمو ُه ْم )
فأظهر آمرا وأمرا ومأمورا في هذا الخطاب التكليفي ،فلما وقع االمتثال هّلل ،وظهر
القتل بالفعل من أعيان المحدثات ،
قال :ما هم أنتم الذين قتلتموهم ،بل أنا قاتلهم ،فأنتم لنا بمنزلة السيف لكم ،أو أي آلة
كانت للقتل ،فالقتل وقع في المقتول باآللة ولم يقل فيه إنه القاتل ،وقيل في الضارب
به القاتل ،كذلك الضارب به بالنسبة إلينا مثل السيف له عنده ،فال يقال في المكلهف
ّللا هو القاتل بالمكلهف وبالسيف ،فقام له المكلهف مقام اليد الضاربة إنه القاتل بل ه
بالسيف ،وفي حضرة األفعال ينسب الفعل بالعوائد إلى المخلوق والحق مبطون فيه ،
ّللا ال إلى المخلوق ،ألنه خارج عن قدرة المخلوق ، وينسب الفعل بخرق العادة إلى ه
فيظهر الحق وإن كان ال يظهر إال في الخلق ،ومن هنا يتبين أن ما قام فيه اإلنسان
عين ما قام فيه الحق ،بين ظاهر وباطن ،
ّللا عليه وسلم في رميه فإذا ظهر من ظهر بطن اآلخر ،وذلك قوله تعالى لنبيه صلهى ه
ْت »ْت ِإ ْذ َر َمي َالتراب في أعين المشركين« َوما َر َمي َ
ّللا ،وإيصال الرمي إلى أعين الكفار حتى ّللا عليه وسلم بقول ه فالرمي وقع منه صلهى ه
ما بقيت عين لمشرك خاص إال وقع من التراب في عينه فهذا ليس لمخلوق ،
ّللا
ّللا محا رسول ه ّللا َرمى »إثباتا للنفي في أول اآلية ،فإن ه فقال تعالى َ «:ول ِك َّن َّ َ
ْت
ّللا عليه وسلم في حكم رميه مع وجود الرمي عنه ،فقال َ «:وما َر َمي َ صلهى ه
ّللا
ّللا َرمى »وما رمى إال بيد رسول ه ْت »فأثبت السبب« َول ِك َّن َّ َ »فمحاه« إِ ْذ َر َمي َ
ّللا عليه وسلم ، صلهى ه
ّللا َرمى ْت »إثبات عين ما نفى« َول ِك َّن َّ َ ْت »نفي« ِإ ْذ َر َمي َفقوله تعالى َ «:وما َر َمي َ
»نفى عين ما أثبته ،فصار إثبات الرمي وسطا بين طرفي نفي ،فالنفي األول عين
النفي اآلخر ،
فمن المحال أن يثبت عين الوسط بين النفيين ،ألنه محصور ،فيحكم عليه الحصر ،
وال سيما أن النفي اآلخر زاد على النفي األول بإثبات الرمي له ال للوسط ،فثبت
ّللا عليه ّللا عليه وسلم بثبوت محمد صلهى ه الرمي في الشهود الحسي لمحمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم رام ال رام ،وهذا ال يدرك إال بعين البصيرة ، وسلم ،فمحمد صلهى ه
فالبصيرة بها تدرك األمر على ما هو عليه ،ألنه علم محقق ،وإذا أدرك به عين نسبة
ما ظهر في الحس سمي بصرا ،فاختلفت األلقاب باختالف المواطن ،كما اختلف حكم
عين األداة ،وإن كانت بصورة واحدة حيث كانت ،تختلف باختالف المواطن ،مثل
أداة ما ،ال شك أنها عين واحدة ،
ففي موطن تكون نافية ،وفي موطن تكون تعجبا ،وفي موطن تكون مهيئة ،وفي
موطن تكون اسما ،وقد تكون مصدرية ،وتأتي لالستفهام ،وتأتي زائدة ،وغير ذلك
من
ص 217
ص 217 :
مواطنها ،فهذه عين واحدة حكمت عليها المواطن بأحكام مختلفة ،كذلك صور التجلي
ّللا لنا فيما ذكره في هذه اآلية الذي كنا نظنه بمنزلة األحكام لمن يعقل ما يرى ،فأبان ه
حقيقة محسوسة ،انما هي متخيلة ،يراها رأي العين ،واألمر في نفسه على خالف
ما تشهده العين ،وهذا سار في جميع القوى الجسمانية والروحانية ،ولوال االسم
ّللا في صورة محمدية ،فإنه ما رمى إال محمد صلهى الباطن ما عرفنا أن الرامي هو ه
ّللا ،فأين محمد صلهى ّللا عليه وسلم ،وما وقع الحس إال على رميه ،وما رمى إال ه ه
ّللا عليه وسلم وسلم ؟ محاه وأثبته ،ثم محاه ،فهو مثبت بين محوين ،كما ورد في ه
الخبر [ كنت سمعه وبصره ] فأين اإلنسانية هنا ؟ فإنه نفى عين ما أثبته لك وأثبته
ّللا َرمى »وما رمى إال العبد ،فأعطاه اسمه وسماه به ،وبقي لنفسه ،فقال َ «:ول ِك َّن َّ َ
حاله به كما سماه به أم ال ؟ فإنا ال نشك أن العبد رمى ،وال نشك أن الكالم في أنه هل ه
ّللا َرمى »وقد نفى الرمي عنه أوال ،فنفى عنه اسم العبودة ّللا تعالى قال َ «:ول ِك َّن َّ َ ه
وسماه باسمه ،إذ ال بد من مسمى ،وليس إال وجود عين العبد ،ال من حيث هو عبد
،لكن من حيث هو عين ،فإن العبد ال يقبل اسم السيادة ،والعين كما تقبل العبودة تقبل
السيادة ،فانتقل عنها االسم الذي خلقت له وخلع عليها االسم الذي يكون عنه التكوين ،
ّللا َرمى »والحق ال يباهت خلقه ،فما يقول إال ما هو األمر وهو قوله تعالى َ «:ول ِك َّن َّ َ
ْت »أثبت لك ما رأيت ،ودل قوله «: ْت ِإ ْذ َر َمي َ
عليه في نفسه ،فقوله َ «:وما َر َمي َ
ّللا يد األكوان ،وإنّللا َرمى »على أمر يستوي فيه البصير واألعمى ،فيد ه َول ِك َّن َّ َ
ّللا تعالى إلينا أن الفعل الذي يشهد به الحس أنه للعبد اختلفت األعيان ،وهذا عهد من ه
ّللا ال بإضافتي ،فأنا
هو هّلل تعالى ال للعبد ،فإن أضفته لنفسي فإنما أضيفه بإضافة ه
ّللاُ َخلَقَ ُك ْم َوما ت َ ْع َملُونَ )
ّللا به وهو قوله َ (:و َّ أحكي وأترجم عن ه
فرد الفعل الذي أضافه إلى نفسه وهو حقه الذي له قبلي بهذه اإلضافة ،ولكن ال بد من
ميزان إلهي نرده به إليه ،
ّللا كأنك تراه ،فإن الوزن نعت إلهي ال ينبغي ّللا عليه وسلم :اعبد ه وهو قوله صلهى ه
ّللا أن يغفل عنه في كل فعل ظاهر في الكون من موجود ما من لعبد من عباد ه
الموجودات ،فال يزال مراقبا له في غيره ،فيحكم عليه بالميزان الموضوع عنده ،
ّللا
وليس إال الشرع ،وهذه اآلية تشير إلى نفي الركون إلى األسباب ال األسباب ،فإن ه
ال يعطل حكم الحكمة في األشياء ،واألسباب حجب إلهية موضوعة ال ترفع ،فمن
الحكمة إبقاء األسباب ،مع محو العبد من الركون إليها على حكم نفي أثرها في
المسببات ،فاألسباب ستور
ص 218
ص 218 :
ّللا أو إلى العبد أو إلى
وحجب ،وفي هذه اآلية علم إضافة األفعال ،هل تضاف إلى ه
ّللا وإلى العبد ؟ فإن وجودها محقق ،ونسبتها غير محققة ،وهذا موضوع اختلف ه
الناس فيه ،والخالف ال يرتفع من العالم بقولي ،فمن الناس من نسب األفعال إلى
ّللا بوجه وإلىّللا ،ومنهم من نسب الفعل إلى ه الخلق ،ومنهم من نسب األفعال إلى ه
العباد بوجه ،فعلق المحامد والحسن بما ينسب من األفعال للحق ،وعلق المذام والقبح
بما ينسب من األفعال للعباد لحكم االشتراك العقلي ،وكمال الوجود توقف على
وجودهما ،
ّللا َرمى »فنفى الرمي عمن أثبته له ،فأثبت ْت َول ِك َّن َّ َ ْت ِإ ْذ َر َمي َ
قال تعالى َ «:وما َر َمي َ
بهذه اآلية أعيان العالم ،والفعل كله إنما يظهر صدوره من الصورة ،وهو القائل«
ّللا َرمى »فكان الحق عين الصورة التي تشاهد األعمال منها ،وهذا مقام الحيرة َول ِك َّن َّ َ
ّللا الخواص في حيرتهم بقوله هذا ألخص خلقه علما ومعرفة ،فنفى عين ما ،فصدهق ه
أثبت فما أثبت ؟ وما نفى ؟
باّلل حيرة ،والعلم بالخلق حيرة ،وقد حجر فأين العامة من هذا الخطاب ،فالعلم ه
النظر في ذاته وأطلقه في خلقه ،فالهداة في النظر في خلقه ألنه الهادي وقد هدى ،
والعمى في النظر في الحق فإنه قد حجر وجعله سبيل الردى ،وهذا خطاب خاطب به
العقالء ،فما زادهم إال إيمانا بالحيرة وتسليما لحكمها ،
ي ْال ُمؤْ ِمنِينَ ِم ْنهُ بَال ًء َح َ
س نا ً » ولذلك قال تعالى في هذه اآلية َ «:و ِليُ ْب ِل َ
ي »أي قلنا هذا اختبارا للمؤمنين في إيمانهم لنا في فجاء بالخبرة بقوله تعالى َ «:و ِليُ ْب ِل َ
ذلك من تناقض األمور ،الذي يزلزل إيمان من في إيمانه نقص عما يستحقه اإليمان
ّللا حيهر المؤمنين ،وهو ابتالؤه بما ذكر من نفي الرمي من مرتبة الكمال ،فإن ه
وإثباته ،وجعله بالء حسنا ،أي إن نفاه العبد عنه أصاب ،وإن أثبته له أصاب ،وما
بقي إال أي اإلصابتين أولى بالعبد وإن كان كله حسنا ؟
وهذا موضع الحيرة ،ولذلك سماه بالء أي موضع اختبار ،فمن أصاب الحق وهو
ّللا أي اإلصابتين أو أي الحكمين أراد ،حكم النفي أو حكم اإلثبات كان أعظم مراد ه
ع ِلي ٌم ».
س ِمي ٌع َ ّللا من الذي ال يصيب ،لذلك قال «ِ :إ َّن َّ َ
ّللا َ عند ه
ص 219
ص 219 :
" إِ ْن ت َ ْست َ ْفتِ ُحوا فَقَ ْد جا َء ُك ُم ْالفَتْ ُح "إن تستنصروا فقد جاءكم النصر .
ص 220
ص 220 :
ّللاُ » اعلم أن قوله تعالى« َولَ ْو َ
ع ِل َم َّ
ّللاُ ) *يقتضي نفي العلم بكذا ،ونفي المشيئة عن الحق ،وما ورد الكالم إال ( َولَ ْو شا َء َّ
بنفي العلم بأمر ما واإلرادة ،وما انتفى إال التعلق الخاص بأمر يحدث ،فال يتوجه
النفي واإلثبات إال على حادث ،أي على ممكن ،
سواء كان ذلك الحكم موصوفا بالوجود أو العدم ،فناب العلم هنا مناب التعلق حين
ّللاُ فِي ِه ْم َخيْرا ً َأل َ ْس َمعَ ُه ْم »والوجود هو الخير ،فيتصفون نفيته بأداة لو« َولَ ْو َ
ع ِل َم َّ
بالوجود« َولَ ْو أ َ ْس َمعَ ُه ْم »إذ أوجدهم« لَت َ َولَّ ْوا »إلى ذواتهم« َو ُه ْم ُم ْع ِرضُونَ »ألن
استعدادهم ال يعطي القبول ،
ّللا تعالى
ّللا فيما أخبر به عنهم ،وقد أخبر ه فال تقل فيمن لم يجب إنه سمع ،فتخالف ه
أن بهم صمما .
ص 221 :
ّللا على لسان ّللا ،فإذا قال ه
ّللا أو من الرسول هو كالم ه ّللا سواء سمعناه من ه فإن كالم ه
عبده ما يبلغه الرسول -فإنه ال ينطق عن الهوى -فإنه أكثر بال شك ،ألنا ما سمعناه
إال من الرسول ،ولينظر المدعو فيما دعي به ،فإن وجد حياة علمية زائدة على ما
ّللا أو دعاه الرسول ،فإنه ما عنده يحيا بها في نفس الدعاء ،وجبت اإلجابة لمن دعاه ه
ّللا ورسوله لشيء إال لما يحييه ،فلو أمر باإلجابة إال إذا دعاه لما يحييه ،وما يدعوه ه
لم يدر طعم الحياة الغريبة الزائدة لم يدر من دعاه ،وليس المطلوب لنا إال حصول ما
يحيا به ،ولهذا سمعنا وأطعنا ،فال بد من اإلحساس لهذا المدعو بهذا األثر الذي تتعين
اإلجابة له به ،فإذا أجاب من هذه صفته حصلت له فيما يسمعه حياة أخرى يحيا بها
قلب هذا السامع ،فإن اقتضى ما سمعه منه عمال وعمل به ،كانت له حياة ثالثة ،
ّللا
ّللا وال دعاء الرسول ،ففي الفرائض إجابة ه فانظر ما يحرم العبد إذا لم يسمع دعاء ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم . ،وفي السنن إجابة رسول ه
[ تفسير من باب اإلشارة :استجيبوا هّلل وللرسول ]
ّللا المعين المسمى فرقانا -تفسير من باب اإلشارة -اقتصر علماء الرسوم على كالم ه
ّللا عليه وسلم ،والعارفون عمموا وقرآنا وعلى الرسول المعين المسمى محمدا صلهى ه
السمع في كل كالم ،فسمعوا القرآن قرآنا ال فرقانا ،وعمموا الرسالة ،فاأللف والالم
سو ِل »عندهم للجنس والشمول ،ال للعهد ،فكل داع في العالم لر ُ
التي في قوله َ «:و ِل َّ
ّللا باطنا ،ويفترقون في الظاهر ،فيسعد العارف بتلقي رسالة فهو رسول من ه
الشيطان ويعرف كيف يتلقاها ،ويشقى بها آخرون ،وهم القوم الذين ما لهم هذه
ّللا
المعرفة ،ويسعد المؤمنون كلهم والعارفون معهم بتلقي رسالة الرسل صلوات ه
وسالمه عليهم ،ويكون العامل بما جاء في تلك الرسالة أسعد من المؤمن الذي يؤمن
بها عقدا وقوال ويعصي فعال وقوال ،فكل متحرك في العالم منتقل فهو رسول إلهي ،
كان المتحرك ما كان ،فإنه ال تتحرك ذرة إال بإذنه سبحانه ،فالعارف ينظر إلى ما
جاءت به في تحركها ،فيستفيد بذلك علما لم يكن عنده ،ولكن يختلف األخذ من
العارفين من هؤالء الرسل الختالف الرسل ،فليس أخذهم من الرسل أصحاب
ّللا عليهم كأخذهم من الرسل الذين هم عن اإلذن من حيث ال يشعرون الدالالت سالم ه
،ومن شعر منهم وعلم ما يدعو إليه كإبليس إذ قال لصاحبه ( :اكفر ) فيتلقاه منه
العارف تلقيا إلهيا ،فينظر إلى ما أمره الحق به من الستر فيستره ،ويكون هذا
ّللا ،فيسعد هذا العارف بما يستره وهو ّللا منبها عن ه
الرسول الشيطان المطرود عن ه
غير مقصود الشيطان الذي أوحى إليه ،
ص 222
ص 222 :
ّللا إليه ،وهو ورسالته -أعني العالم -في حق هذا
فالعالم كله عند العارف رسول من ه
العارف رحمة ،ألن الرسل ما بعثوا إال رحمة ،ولو بعثوا بالبالء لكان في طيه رحمة
إلهية ،ألن الرحمة اإللهية وسعت كل شيء ،فما ثم شيء ال يكون في هذه الرحمة .
ص 223
ص 223 :
كذلك ،فإنها دار تمييز ،فال تصيب العقوبة إال أهلها ،وأما في الدنيا فما هي في
البريء عقوبة ،وإنما هي فتنة ،وفي الظالم عقوبة ألنها جاءت عقيب ظلمه ،فكن في
ّللا منك ،وعلى عمل صالح ،وال سيما إذا كثر ّللا يرضاها ه
كل حال ذاتية حميدة مع ه
ّللا يرسل عليهم عذابا فيعم الصالح والطالح ،فتكونالفساد في العامة ،فما تدري لعل ه
ممن يحشر على عمل خير كما قبضت عليه ،فإن األنبياء مع طاعتهم هّلل والحضور
ّللا عامة عباده بشيء فيعم الصالح والطالح ،ولذلك كانمعه ال يأمنون أن يصيب ه
باّلل من أن أغتال من ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم كثيرا ما يقول في دعائه :أعوذ ه رسول ه
تحتي .
ص 224
ص 224 :
ظلَ َم نَ ْف َ
سه ُ ) ّللا فَقَ ْد َُحدُو َد َّ ِ
ّللا فيه أن ترده ّللا ،وكل أمر بيدك أمرك ه ّللا ،فقد خان ه ّللا في أهل ه وكذلك من خان ه
ّللا ،
إليه فلم تفعل فذلك من خيانة ه
وّللا يقول َ (:و ِإلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ )" والرسول " وأما خيانة من خان رسول ه
ّللا ه
ّللا صلهى ه
ّللا ّللا من اآلداب أن تعامل به رسول ه ّللا عليه وسلم فهي فيما أعطاك ه صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،فإذا لم تتأدب عليه وسلم ،وهذه المعاملة هي عين أدائها إليه صلهى ه
معه فما أديت أمانته إليه ،
ّللا عليه من ذلك ،ومن خيانتك ّللا عليه وسلم فيما أمنك ه ّللا صلهى ه فقد خنت رسول ه
ّللا عليه وسلم ما سألك فيه من المودة في قرابته وأهل بيته ،فإنه ّللا صلهى ه رسول ه
وأهل بيته على السواء في مودتنا فيهم ،فمن كره أهل بيته فقد كرهه ،فإنه صلهى ه
ّللا
عليه وسلم واحد من أهل البيت ،وال يتبعض حب أهل البيت ،
فإن الحب ما تعلق إال باألهل ال بواحد بعينه ،فاجعل بالك واعرف قدر أهل البيت ،
ّللا عليه وسلم ،ومن خان ما سنه ّللا صلهى ه فمن خان أهل البيت فقد خان رسول ه
ّللا عليه وسلم في سنته ،ومن خيانتك ّللا عليه وسلم فقد خانه صلهى ه ّللا صلهى ه رسول ه
ّللا عليهم ،مع ّللا عليه وسلم المفاضلة بين األنبياء والرسل سالم ه ّللا صلهى ه رسول ه
ّللا فضل بعضهم على بعض ، علمنا بأن ه
س ُل فَض َّْلنا ض )وقال (:تِ ْل َك ُّ
الر ُ كما قال تعالى َ (:ولَقَ ْد فَض َّْلنا بَ ْع َ
ض النَّبِ ِيهينَ َ
على بَ ْع ٍ
ض )فله سبحانه أن يفضل بين عباده بما شاء وليس لنا ذلك ،فإنا ال على بَ ْع ٍ ض ُه ْم َ بَ ْع َ
نعلم ذلك إال بإعالمه ،فإن ذلك راجع إلى ما في نفس الحق سبحانه منهم ،وال يعلم
ّللا
أحد ما في نفس الحق ،وال دخول هنا للمراتب الظاهرة والتحكم ،وقد نهى رسول ه
ّللا عليه وسلم عليهم إال ّللا عليه وسلم أن نفضل بين األنبياء وأن نفضله صلهى ه صلهى ه
ّللا فقد خان بإعالمه أيضا ،وعيهن يونس عليه السالم ،فمن فضل من غير إعالم ه
ّللا عليه وسلم« ّللا صلهى ه ّللا عليه وسلم وتعدى ما حده له رسول ه ّللا صلهى ه رسول ه
َوت َ ُخونُوا أَماناتِ ُك ْم »وأما خيانة األمانات فهي كل أمانة مشروعة ،قال تعالى ( :إِ َّن َّ َ
ّللا
ّللا عليه وسلم [ :ال تعطوا ت ِإلى أ َ ْه ِلها )ومنها قوله صلهى ه يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أ َ ْن ت ُ َؤدُّوا ْاألَمانا ِ
الحكمة غير أهلها فتظلموها ،وال تمنعوها أهلها فتظلموهم ]
والخيانة ظلم ،فالحكمة أمانة وخيانتها أن تعطيها غير أهلها وأنت تعلم أنه غير أهلها«
ّللا الحرج عمن ال يعلم » إال أنه أمره بأن يتعرض لتحصيل َوأ َ ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ »فرفع ه
العلم باألمور ،فال عذر له في التخلف عن ذلك .
ص 225 :
أ َ ْموالُ ُك ْم َوأ َ ْوال ُد ُك ْم فِتْنَةٌ »أي اختبرناكم بهما ،هل تحجبكم عنا وعما حددنا لكم أن تقفوا
عنده ؟ فهما اختبار إلقامة الحجة في صدق الدعوى أو كذبها ،يتمنى الشخص أن لو
ّللا له أجر من عمل ،فإن نيته خير من عمله ، كان له مال لعمل به برا ،فيكتب ه
ويكتب له على أوفى حظ ،وهو في ذمة الغير ليس بيده منه شيء ،فإذا حصل له ما
تمناه من المال أو مما تمناه مما يتمكن له به الوصول إلى عمل ذلك البر ،وجب عليه
أن يعمل ذلك البر الذي نواه ،فإن لم يفعل لم يكتب له أجر ما نواه ،وهنا الفتنة
واالختبار ،ويتخيل من ال علم له بأن إضافة األموال في قوله تعالى «:أ َ ْموالُ ُك ْم »
إضافة ملك ،وما علم أن تلك اإلضافة إضافة استحقاق ،كسرج الدابة وباب الدار ،ال
إضافة ملك ،
ّللا تعالى قال َ (:وأ َ ْن ِفقُوا ِم َّما َجعَلَ ُك ْم ُم ْست َ ْخلَ ِفينَ ِفي ِه )
فإن ه
ّللا المال والولد فتنة يختبر بهما عباده ألن لهما بالقلب لصوقا ، فما هو لنا ،وجعل ه
وهما محبوبان طبعا ،ويتوصل بهما وال سيما بالمال إلى ما ال يتوصل بغير المال من
أمور الخير والشر ،فإن غلب على العبد الطبع لم يقف في التصرف بماله عند حد ،
بل ينال به جميع أغراضه ،وما سمي المال ماال إال لكون القلب مال إليه ،لما فيه من
بلوغ العبد إذا كان صالحا إلى جميع الخيرات التي يجدها عند ربه في المنقلب ،
وإذا لم يكن تام الصالح فلما فيه من بلوغ أغراضه به ،وأما الولد فلما كان ألبويه
عليه والدة أحباه ،وماال إليه ميل الفاعل إلى ما انفعل عنه ،وميل الصانع إلى
مصنوعه ،فميله لحب الولد ميل ذاتي ،
فإن كرهه فبأمر عارض ألخالق ذميمة وصفات شريرة تقوم بالولد ،فبغضه عرضي
وقدم المال على الولد في الذكر ألن المال محبوب لإلنسان حب الولد« َوأ َ َّن َّ َ
ّللا ِع ْن َدهُ
ع ِظي ٌم »إذا رزأكم في شيء منهما . أ َ ْج ٌر َ
ص 226
ص 226 :
ّللا معاني علمه شك وال شبهة« يَ ْجعَ ْل لَ ُك ْم فُ ْرقانا ً »يخاطب مؤمنا وإيمانا أي يفهمكم ه
القرآن ،فتعلموا مقاصد المتكلم به ،ألن فهم كالم المتكلم ما هو ،بأن يعلم وجوه ما
تتضمنه تلك الكلمة بطريق الحصر مما تحوي عليه مما تواطأ عليه أهل اللسان ،وإنما
الفهم أن يفهم ما قصده المتكلم بذلك الكالم ،هل قصد جميع الوجوه التي يتضمنها ذلك
الكالم أو بعضها ؟ فينبغي لك أن تفرق بين الفهم للكالم أو الفهم عن المتكلم وهو
المطلوب ،فكل من فهم عن المتكلم فقد فهم الكالم ،وما كل من فهم الكالم فهم عن
المتكلم ما أراد به على التعيين ،إما كل الوجوه أو بعضها ،وقوله تعالى «:يَ ْجعَ ْل لَ ُك ْم
ّللا َويُعَ ِله ُم ُك ُم َّ
ّللاُ ) فُ ْرقانا ً »هو علم الكشف ،وهو قوله تعالى َ (:واتَّقُوا َّ َ
ّللا علم ما لم يكن يعلم ] وهو ّللا عليه وسلم [ :من عمل بما علم أورثه ه وقال صلهى ه
ّللا طريقا إلى حصول هذا العلم علم مكتسب بالتقوى ال علم وهبي ،فإن التقوى جعلها ه
ّللا له فرقانا من ،والعلم الوهبي ال يحصل عن سبب بل من لدنه سبحانه ،فيجعل ه
ّللا وبين اآللهة التي العلوم اإللهية المغيبة عن أكثر الخلق ،فرقانا تفرقون به بين ه
ّللا بالعلم الخبري وبالعلم عبدها المشركون ،فرقانا تفرقون به بين ما أدركتموه من ه
النظري وبالعلم الحاصل عن التقوى » فرقانا تميزون به ،ومن ذلك تفرقون بين ما
باّلل عن التقوى أعلى ينبغي له وما ينبغي لكم ،فيعطى كل ذي حق حقه ،فالعلم ه
المراتب في األخذ ،فإن له الحكم األعم على كل حكم وعلى كل حاكم بكل حكم ،ومن
ّللا بروح ادعى التقوى ولم يحصل له هذا الفرقان فما صدق في دعواه .واعلم أيدك ه
القدس أن المتقي بمجرد تقواه قد حصل في الفرقان ،إذ لو لم يفرق ما اتقى ،وهذا
ّللا ليس للنظر الفكري فيه طريق غيره الفرقان الذي أنتجته التقوى ال يكون إال بتعليم ه
باّلل ،وال ينبغي له ذلك ،وكذلك ،فإنه ما تقدم لنبي قط قبل نبوته نظر عقلي في العلم ه
باّلل ،وكل من تقدمه من األولياء كل ولي مصطفى ال يتقدم له نظر عقلي في العلم ه
باّلل من جهة نظر فكري فهو وإن كان وليا فما هو مصطفى وال هو ممن أورثه علم ه
ّللا بأمر ما يميزه به عن سائر ّللا الكتاب اإللهي ،وسبب ذلك أن النظر يقيده في ه ه
األمور ،وال يقدر على نسبة عموم الوجود هّلل ،فما عنده سوى تنزيه مجرد ،فإذا عقد
عليه فكل ما أتاه من ربه مخالف عقده ،فإنه يرده ويقدح في األدلة التي تعضد ما
ّللا به عصمه قبل اصطفائه من علوم النظر ، جاءه من عند ربه ،فمن اعتنى ه
باّلل
واصطنعه لنفسه وحال بينه وبين طلب العلوم النظرية ،ورزقه اإليمان ه
ص 227
ص 227 :
ّللا ،هذا في هذه األمة التي عمت دعوة ّللا على لسان رسول ه وبما جاء من عند ه
رسولها ،وأما في النبوة األولى ممن كان في فترة من الرسل ،فإنه يرزق ويحبب إليه
الشغل بطلب الرزق أو بالصنائع العملية أو االشتغال بالعلوم الرياضية من حساب
وهندسة وهيئة وطب وشبه ذلك ،من كل علم ال يتعلق باإلله ،فإن كان مصطفى
ّللا ،فيأتيه الوحي وهو طاهر القلب من التقييد بإله ويكون نبيا في زمان النبوة في علم ه
محصور في إحاطة عقله ،وإن لم يكن نبيا وجاء رسول إلى أمة هو منها قبل ما جاءه
ّللا عند ذلك فرقانا به نبيه ،ذلك لسذاجة محله ،ثم عمل على إيمانه واتقى ربه رزقه ه
ّللا عادته في خلقه ،وإن سعد صاحب النظر في قلبه وليس لغيره ذلك ،هكذا أجرى ه
باّلل إال من حيث العقلي فإنه ال يكون أبدا في مرتبة الساذج الذي لم يكن عنده علم ه
إيمانه وتقواه ،وهذا هو وارث األنبياء في هذه الصفة ،فهو معهم وفي درجتهم هذه ،
وهذا الفرقان الذي تعطيه التقوى ،ال بد أن يكون فرقانا خاصا ،وليس سوى الفرقان
الذي يكون في عين القرآن ،فإن القرآن يتضمن الفرقان بذاته ،وهذا الفرقان نتيجة
العامل بالقرآن العظيم ،وتختلف نتائج القرآن باختالف نعوته ،فالقرآن المطلق يعطي
ّللا قرآنه بالعظمة والمجد والكريم ،وإنما نسب ما ال يعطيه القرآن المقيد ،وقد قيد ه
الجعل إلى هذا الفرقان« يَ ْجعَ ْل لَ ُك ْم فُ ْرقانا ً »ألن التقوى أنتجته ،فإما أن يكون جعله
ظهوره لمن اتقاه مع كونه لم يزل موجود العين قبل ظهوره ،أو يكون جعله خلقه فيه
بعد أن لم يكن ،وما هو إال الظهور دون الخلق ،
ع ْن ُك ْم » أي يستر ،والستر ضد الظهور ،فال يخلو العبد فإنه أعقبه بقوله َ «:ويُ َك ِفه ْر َ
في تقواه ربه ،أن يجعل نفسه وقاية له عن كل مذموم ،وينسب إليه ،أو يجعل ربه
باّلل ،
وقاية عن كل شدة ال يطيق حملها إال به ،وهو ال حول وال قوة إال ه
َّاك نَ ْست َ ِع ُ
ين ) وهو قوله َ ( :و ِإي َ
س ِيهئا ِت ُك ْم »أي يستر عنكم ما فيتلقى به شدائد األمور ،ومن وجه آخر « َويُ َك ِفه ْر َ
ع ْن ُك ْم َ
يسوءكم فال ينالكم ألم من مشاهدته ،فإن رؤية السوء إذا رآه من يمكن أن يكون محال
له -وإن لم يحل به -فإنه تسوءه رؤيته ،وذلك لحكم الوهم الذي عنده واإلمكان
العقلي « َويَ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم »أي ويستر من أجلكم ممن لكم به عناية في دعاء عام أو خاص
معين ،فالدعاء الخاص ما تعين به شخصا بعينه أو نوعا بعينه ،والعام ما ترسله
ض ِل ْالعَ ِظ ِيم »
ّللاُ ذُو ْالفَ ْ
ّللا ممن يمكن أن يحل بهم سوء« َو َّ مطلقا على عباد ه
بما أوجب على نفسه من الرحمة وبما امتن به منها على من استحق العذاب كالعصاة
ص 228
ص 228 :
في األصول والفروع .
ص 229
ص 229 :
وما تأخر ،فكانت أحوال األنبياء والرسل في الدنيا البكاء والنوح ،فإنه موضع تتقى
فتنته .
ّللا العالم
ّللا طيب ال يقبل إال طيبا ،وقد جعل ه
ب »فإن ه يث ِمنَ َّ
الط ِيه ِ ّللاُ ْال َخ ِب َ
« ِليَ ِميزَ َّ
في الدنيا ممتزجا ،مزج القبضتين في العجنة ،ثم فصل األشخاص منها ،فدخل من
هذه في هذه ،من كل قبضة في أختها ،فجهلت األحوال ،وغاية التخليص من هذه
المزجة وتمييز القبضتين ،حتى تنفرد هذه بعالمها وهذه بعالمها كما قال تعالى «:
ب »فمن بقي فيه شيء من المزجة حتى مات عليها لم يحشر الط ِيه ِ ّللاُ ْال َخ ِب َ
يث ِمنَ َّ ِليَ ِميزَ َّ
يوم القيامة من اآلمنين ،ولكنه منهم من يخلص من المزجة في الحساب ،ومنهم من
ال يتخلص منها إال في جهنم ،فإذا تخلص أخرج ،فهؤالء هم أهل الشفاعة ،وأما من
تميز هنا في إحدى القبضتين انقلب إلى الدار اآلخرة بحقيقته من قبره إلى نعيم أو إلى
عذاب وجحيم ،فإنه قد تخلص .
230
ص 230 :
[سورة األنفال ( : ) 8اآليات 39إلى ] 41
ّلِل فَ ِإ ِن ا ْنت َ َه ْوا فَ ِإ هن ه َ
َّللا ِبما يَ ْع َملُ َ
ون ِين ُكلُّهُ ِ ه ُِون ال ّد ُ ُون فِتْنَةٌ َويَك َ َوقاتِلُو ُه ْم َحتهى ال تَك َ
ير ( ) 40 َّللا َم ْوال ُك ْم نِ ْع َم ا ْل َم ْولى َونِ ْع َم النه ِص ُير ) َ ( 39و ِإ ْن ت َ َوله ْوا فَا ْعلَ ُموا أ َ هن ه َ بَ ِص ٌ
سو ِل َو ِلذِي ا ْلقُ ْربى َوا ْليَتامى لر ُ سهُ َو ِل ه ش ْي ٍء فَأ َ هن ِ ه ِ
ّلِل ُخ ُم َ َوا ْعلَ ُموا أَنهما َ
غنِ ْمت ُ ْم ِم ْن َ
ع ْبدِنا يَ ْو َم ا ْلفُ ْر ِ
قان يَ ْو َم اّلِل َوما أ َ ْن َز ْلنا عَلى َ س ِبي ِل ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم آ َم ْنت ُ ْم ِب ه ِ َوا ْل َمسا ِك ِ
ين َوا ْب ِن ال ه
ِير ( ) 41 ش ْي ٍء قَد ٌ َّللاُ عَلى ُك ِ ّل َ عان َو ه ا ْلتَقَى ا ْل َج ْم ِ
ص 231
ص 231 :
ّللا في الليل
فالمسكين من سكن تحت مجاري األقدار ،ونظر إلى ما يأتي به حكم ه
ّللا إال إليه ،وأنه
ّللا به وعليه ،وعلم أن ال ملجأ من ه والنهار ،واطمأن بما أجرى ه
ّللا له حظا
ّللا ما هو عليه في الحال ،فجعل ه الفعال لما يريد ،وتحقق بأن قسمه من ه
ّللا إليه
في المغنم وإن لم يكن له فيه تعمل ،فخدمه غيره ،ونال هو الراحة بما أوصل ه
من ذلك مما جهد فيه الغير وتعب ،والخمس الخامس البن السبيل ،وهو قوله تعالى
ّللا له نصيبا من سبِي ِل »فهو المسافر ،والمسافر ال بد له من زاد ،فجعل ه َ «:واب ِْن ال َّ
المغنم ،فالحق يغذيه بما ليس له فيه تعمل ،وقد يكون ابن السبيل في هذه اآلية عين
ّللا ،التي المجاهد ،ويكون السبيل من أجل األلف والالم اللتين للعهد والتعريف سبيل ه
سبَ َّن الَّذِينَ قُتِلُوا فِي َ
س ِبي ِل َّ ِ
ّللا )يعنى الشهداء الذين قتلوا في ّللا فيها َ (:وال ت َ ْح َ قال ه
ّللا البن السبيل ،وهو الجهاد ،فيكون أيضا حظ المجاهد من المغنم القدر الذي عيهن ه
معروف سوى ما له في الصدقات ،فإن غلب على ظن اإلمام أن المذكورين في قوله
غنِ ْمت ُ ْم »اآلية ،والتي في سورة الحشر التي فيها ذكر األصناف تعالى «َ :وا ْعلَ ُموا أَنَّما َ
،حظهم من المغنم الخمس خاصة ،يقسم فيهم هكذا ،وما بقي فلبيت مال المسلمين
يتصرف فيه اإلمام بما يراه ،فإن شاء أعطاه المجاهدين على ما يريده من العدل
والسواء في القسمة ،أو بالمفاضلة ،وإن غلب على ظن اإلمام أن الخمس األصلي هّلل
ّللا نصيبا في ّللا للمجاهدين في سبيل ه ّللا تعالى ،وقد جعل ه وحده وما بقي فلمن سمى ه
الصدقات وما جعل لهم في المغنم إال ما نفله به اإلمام قبل القسمة أو ما أعطاه بقوله :
من قتل قتيال فله سلبه ،وقد ورد عن بعض العلماء وأظنه ابن أبي ليلى أن الحظ الذي
ّللا عليه وسلم يقبضه ويخرجه للكعبة ّللا صلهى ه هو الخمس في األصل كان رسول ه
ويقول :هذا هّلل ،ثم يقسم ما بقي .
ص 232
ص 232 :
ّللا بين القبضتين ،وهم أبناء اآلخرة ّللا على عبده يوم الفرقان ،ففرق بما أعلمه ه أنزل ه
ّللا ،أي أبناء اآلخرة بمحصل القربة والمكانة وأبناء الدنيا« ِإ ْذ أ َ ْنت ُ ْم بِ ْالعُ ْد َوةِ ال ُّد ْنيا »إلى ه
ب أ َ ْسفَ َل ِم ْن ُك ْم
الر ْك ُ
ّللا أي أبناء الدنيا« َو َّصوى »عن ه ّللا« َو ُه ْم ِب ْالعُ ْد َوةِ ْالقُ ْ الزلفى إلى ه
»فجعل السفل لهم إذ كانت كلمة الذين كفروا السفلى ،ومن كان أسفل منك فأنت أعلى
ّللا هي العليا .
ّللا الذين لهم السعادة ،إذ كانت كلمة ه منه ،ألنكم أهل ه
ّللا بالعدوة الدنيا *** كما أن أهل الشرك بالعدوة القصوى أال إن أهل ه
فإن الذي أقصاه يمتاز بالسفلى *** وإن الذي أدناه قد فاز بالعليا
أال تلحظن الركب أسفل منهم *** فكل فريق من مكانته أدنى
ص 233 :
المنافق هو الذي أسلم تقية حتى يعصم ظاهره في الدنيا .
ص 234
ص 234 :
[الفرق بين العلم والمعرفة ]
ّللا بشيء من آلة الحرب ما اعتنى بعلم الرمي بالقوس ،قال تعالى «: ما اعتنى ه
َوأ َ ِعدُّوا لَ ُه ْم َما ا ْست َ َ
ط ْعت ُ ْم ِم ْن قُ َّوةٍ »
ّللا عليه وسلم [ :أال إن القوة الرمي ،أال إن القوة الرمي ،أال ّللا صلهى ه فقال رسول ه
إن القوة الرمي ]
ّللاُ يَ ْعلَ ُم ُه ْم »ال تعرفونهم ،فالعلم هنا بمعنى المعرفة
وهو الرمي بالقوس« ال ت َ ْعلَ ُمونَ ُه ُم َّ
،وإنما جاءت هنا بلفظة العلم حتى ال يكون إلطالق المعرفة على الحق تعالى حكم في
الظاهر ،فالعلم صفته والمعرفة ليست صفته ،وإن كان العلم والمعرفة والفقه كله
بمعنى واحد ،لكن يعقل بينهما تميز في الداللة كما تميزوا في اللفظ ،فيقال في الحق
إنه عالم ،وال يقال فيه عارف وال فقيه ،وتقال هذه الثالثة األلقاب في اإلنسان ،وذكر
النحاة أن العلم ينوب عن المعرفة في اللسان بالعمل ،فعدوا العلم إلى مفعول واحد
للنيابة ،وذهلوا عما نعلمه نحن من أن المعرفة قد تكون من أسماء العلم ،ألن العلم
هو األصل ،فإنه صفة الحق ليست المعرفة صفته ،وال له منها اسم عندنا في الشرع
،وإن جمعها والعلم حد واحد ،لكن المعرفة من أسماء العلم ،ومعنى أن العلم إنما هو
موضوع لألحدية مثل المعرفة ،ولهذا سمينا العلم معرفة ،ألنا إذا قلنا علمت زيدا
قائما ،فلم يكن مطلوبنا زيدا لنفسه ،وال مطلوبنا القيام لعينه ،وإنما مطلوبنا نسبة قيام
زيد ،وهو مطلوب واحد ،فإنها نسبة واحدة معينة ،وعلمنا زيدا وحده بالمعرفة ،
والقيام وحده بالمعرفة ،فنقول :عرفت زيدا ،وعرفت
ص 235
ص 235 :
القيام ،وهذا القدر غاب عن النحاة ،وتخيلوا أن تعلق العلم بنسبة القيام إلى زيد هو
عين تعلقه بزيد والقيام ،وهذا غلط ،فإنه لو لم يكن زيد معلوما له والقيام أيضا
معلوما له قبل ذلك ،لما صح أن ينسب ما ال يعلمه إلى ما ال يعلمه ،ألنه ال يدري هل
تصح تلك النسبة أم ال ؟ .
ص 236
ص 236 :
اعلم أن النبوة في حق ذات النبي أعم وأشرف من الرسالة ،فإنه يدخل فيها ما اختص
به في نفسه وما أمر بتبليغه ألمته الذي هو منه رسول .
ص 237
ص 237 :
علم ،والصحيح ما قاله الشارع ،وإن لم تكن تلك النسبة أمرا وجوديا زائدا ،والسابقة
عين الخاتمة ،وذلك في الحكم على المحكوم عليه ،وبالمحكوم عليه تبينت الخاتمة من
السابقة ،فإن بينهما تميزا معقوال به يقال عن الواحدة سابقة وعن األخرى خاتمة .
-إشارة لغوية -أداة لو امتناع المتناع ،فهي دليل عدم لعدم ،فإذا أدخلت عليها ال ،
وهي أداة نفي ،عاد األمر امتناعا لوجود ،وهذا من أعجب ما يسمع ،فإن األولى أن
يكون الحكم في االمتناع ،والعدم أبلغ ،لكون الداخل أداة نفي ،والنفي عدم ،فأعطى
الوجود ،وأزال عن أداة لو وجها واحدا من أحكامها ،وهو قولهم المتناع ،وما
ّللا
العجب في دخول هذه األدوات على المحدثات ،وإنما العجب في دخولها في كالم ه
ّللا ،هذا هو العجب العجاب ،وقد ثبتت نسبة الكالم إلى ،ونفوذ حكمها وداللتها في ه
ّللا ،وقد ثبت أن الذي سمعناه في تركيب هذه الحروف هذا التركيب الخاص والنسبة ه
ّللا ،فقد حصل فيه هذه األدوات ،فجرى عليه حكمها ،فهل ذلك من الخاصة أنه كالم ه
جهتنا أو ما هو األمر إال كذلك ؟
سبَقَ » ] تاب ِمنَ َّ ِ
ّللا َ [ -تحقيق « -لَ ْو ال ِك ٌ
سبَقَ »الكتاب الذي سبق هو أنت ،فإن لألعيان ّللا َ -تحقيق «-لَ ْو ال ِك ٌ
تاب ِمنَ َّ ِ
الثابتة في حال عدمها أحكاما ثابتة ،مهما ظهر عين تلك العين في الوجود تبعه الحكم
في الظهور ،وعلى هذا تعلق علم الحق به ،فالشيء حكم على نفسه ،أعني المعلوم
ما حكم غيره عليه ،وإنما يظهر لك ما بطن فيك عنك .
ص 238
ص 238 :
ّللا لمحمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم فقسمها في أصحابه ،فتناولتها نار شهواتهم فأحلها ه
ّللا بهم لكرامة هذا الرسول عليه ،فأكرمه بأمر لم يكرم به غيره من الرسل عناية من ه
،وأكرم من آمن به بما لم يكرم به مؤمنا قبله بغيره.
ص 239
ص 239 :
ض »قال تعالى في اليهود والنصارى َ (:والَّذِينَ َكفَ ُروا " َوالَّذِينَ َكفَ ُروا بَ ْع ُ
ض ُه ْم أ َ ْو ِليا ُء بَ ْع ٍ
ّللا
ض )أي ينصر بعضهم بعضا ،وذلك من أثر الرحمة التي خلقها ه ض ُه ْم أ َ ْو ِليا ُء بَ ْع ٍ
بَ ْع ُ
،فجعل منها في الدنيا رحمة واحدة بها رزق عباده ،كافرهم ومؤمنهم ،وعاصيهم
ومطيعهم ،وبها يعطف جميع الحيوان على أوالده ،وبها يرحم الناس بعضهم بعضا .
ّللا :إن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ،والظالمين بعضهم ويتعاطفون ،كما قال ه
أولياء بعض ،والمنافقين بعضهم أولياء بعض ،كل هذا ثمرة هذه الرحمة .
ص 240
ص 240 :
) ( 9سورة التوبة مدنيّة
اختلف الناس في سورة التوبة ،هل هي سورة مستقلة كسائر سور القرآن ؟
أو هل هي وسورة األنفال سورة واحدة ؟
فإنهم كانوا ال يعرفون كمال السورة إال بالفصل بالبسملة ،ولم يجئ هنا ،فدل أنها من
سورة األنفال وهو األوجه
.وإن كان لترك البسملة وجه ،وهو عدم المناسبة بين الرحمة والتبري ،فإن بسملة
سورة براءة هي التي في النمل ،والحق تعالى إذا وهب شيئا لم يرجع فيه وال يرده
إلى العدم ،فلما خرجت رحمة براءة وهي البسملة ،حكم التبري من أهلها برفع
الرحمة عنهم ،وأعطيت هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان عليه السالم ،وهي ال
يلزمها إيمان إال برسولها ،فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة
ّللا الرحمن الرحيم الذي سلب عن المشركين .ولكن ما اإلنسانية حظا ،وهي بسم ه
ّللا المنعوت
لهذا الوجه تلك القوة بل هو وجه ضعيف ،وسبب ضعفه أنه في االسم ه
بجميع األسماء ما هو اسم خاص يقتضي المؤاخذة ،والبراءة إنما هي من الشريك ،
وإذا تبرأ من المشرك فلكونه مشركا ،ألن متعلقه العدم ،فإن الخالق ال يتبرأ من
المخلوق ،ولو تبرأ منه من كان يحفظ عليه وجوده ،وال وجود للشريك ،فالشريك
معدوم ،فال شركة في نفس األمر ،فإذا صحت البراءة من الشريك فهي صفة تنزيه
وتبرئة هّلل من الشريك ،وللرسول من اعتقاد الجهل .
ووجه آخر في ضعف هذا التأويل الذي ذكرناه وهو عدم المناسبة بين الرحمة والتبري
،وهو أن البسملة موجودة في كل سورة أولها( َو ْي ٌل ) *وأين الرحمة من الويل ؟
ولهذا كان للقراء في مثل هذه السورة مذهب مستحسن فيمن يثبت البسملة من القراء ،
وفيمن يتركها كقراءة حمزة ،وفيمن يخير فيها كقراءة ورش ،والبسملة إثباتها عنده
أرجح ،فأثبتناها عند قراءتنا بحرف حمزة في هذين الموضعين لما فيهما من قبيح
الوصل بالقراءة ،
وهو أن يقول( َو ْاأل َ ْم ُر يَ ْو َمئِ ٍذ ِللَّ ِهويل ) فبسملوا هنا ،وأما مذهبنا فيه فهو أن يقف على
آخر السورة ويقف على آخر البسملة ،ويبتدئ بالسورة من غير وصل .
والخالف في سورة التوبة أنها واألنفال سورة واحدة حيث لم يفصل بينهما بالبسملة
ّللا ما يجري من الخالف خالف منقول بين علماء هذا الشأن من الصحابة ،ولما علم ه
في هذه األمة في حذف البسملة في سورة براءة ،فمن ذهب إلى أنها سورة مستقلة
وكان القرآن عنده مائة وثالث
ص 241
ص 241 :
عشرة سورة فيحتاج إلى مائة وثالث عشرة بسملة ،أظهر لهم في سورة النمل بسملة
ليكمل العدد ،وجاء بها كما جاء بها في أوائل السور بعينها ،فإن لغة سليمان عليه
السالم لم تكن عربية ،
وإنما كانت أخرى في كتب لغة هذا اللفظ في كتابه ،وإنما كتب لفظة بلغته يقتضي
ّللا الرحمن الرحيم ،وأتى بها محذوفة األلف معناها باللسان العربي إذا عبر عنها بسم ه
كما جاءت في أوائل السور ،ليعلم أن المقصود بها هو المقصود بها في أوائل السور
ّللا َم ْجراها )و( ا ْق َرأْ بِاس ِْم َر ِبه َك ) فأثبت األلف هناك ليفرق
،ولم يعمل ذلك في( بِس ِْم َّ ِ
بين اسم البسملة وغيرها ،ولهذا تتضمن سورة التوبة من صفات الرحمة والتنزل
ّللا نفوس المؤمنين منهم بأن لهم الجنة وأي تنزل أعظم اإللهي كثيرا ،فإن فيها شراء ه
من أن يشتري السيد ملكه من عبده ؟
وهل يكون في الرحمة أبلغ من هذا ؟ فال بد أن تكون التوبة واألنفال سورة واحدة ،أو
تكون بسملة النمل السليمانية لسورة التوبة ،ثم انظر في اسمها ،فإن من يجعلها سورة
على حدة منفصلة عن سورة األنفال سماها سورة التوبة ،
وهو الرجعة اإللهية على العباد بالرحمة والعطف ،فإن الرجعة اإللهية ال تكون إال
بالرحمة ،ال يرجع على عباده بغيرها ،فإن كانت الرجعة في الدنيا ردههم بها إليه ،
وإن كانت في اآلخرة فتكون رجعتهم مقدمة على رجعته ،
ألن الموطن يقتضي ذلك ،فإن كل من حضر من الخلق في ذلك المشهد سقط ورجع
ّللا عليه بالرحمة في ّللا إليهم وعليهم ،فمنهم من يرجع ه بالضرورة إلى ربه ،فيرجع ه
القيامة ومنازلها ،ومنهم من يرجع عليه بالرحمة بعد دخول النار ،
وذلك بحسب ما تعطيه األحوال ،فالتوبة تطلب الرحمة ما تطلب التبري ،وإن ابتدأ
ّللا شهادته
عز وجل بالتبري فقد ختم بآية لم يأت بها وال وجدت إال عند من جعل ه ه
شهادة رجلين ،
فإن كنت تعقل علمت ما في هذه السورة من الرحمة المدرجة ،وال سيما في قوله
تعالى ( :ومنهم ) ومنهم ،وذلك كله رحمة بنا لنحذر الوقوع فيه ،واالتصاف بتلك
الصفات ،فإن القرآن علينا نزل ،فلم تتضمن سورة من القرآن في حقنا رحمة أعظم
من هذه السورة ،ألنه كثر من األمور التي ينبغي أن يتقيها المؤمن ويجتنبها ،فلو لم
يعرفنا الحق تعالى بها ،وقعنا فيها وال نشعر ،فهي سورة رحمة للمؤمنين .
ّللا عنه نائب محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في تالوة كان علي بن أبي طالب رضي ه
سورة براءة على أهل مكة ،وقد كان بعث بها أبا بكر ثم رجع عن ذلك فقال :ال يبلغ
عني القرآن إال رجل
ص 242
ص 242 :
من أهل بيتي ،فدعا بعلي فأمره فلحق أبا بكر ،فلما وصل إلى مكة حج أبو بكر
ّللا صلهى ه
ّللا ي إلى الناس سورة براءة ،وتالها عليهم نيابة عن رسول ه بالناس وبلغ عل ه
ّللا عنهما
عليه وسلم ،وهذا مما يدلك على صحة خالفة أبي بكر ومنزلة علي رضي ه
.
[ سورة التوبة ( : ) 9آية ] 1
ِين عا َه ْدت ُ ْم ِم َن ا ْل ُمش ِْر ِك َ
ين ) ( 1 سو ِل ِه إِلَى الهذ َ بَرا َءةٌ ِم َن ه ِ
َّللا َو َر ُ
فهو يتبرأ من الشريك ألن الشريك ليس ثم فهو عدم .
ص 243
ص 243 :
تصح البراءة من األعداء إال هّلل ولرسله عليهم السالم ومن كوشف على الخواتم ،ومن
سواهم فما لهم التبري ،وإنما لهم أن ال يتخذوهم أولياء يلقون إليهم بالمودة ال غير (،
ش ِر الَّذِينَ َكفَ ُروا
ّللا َوبَ ِ ه فَإِ ْن ت ُ ْبت ُ ْم فَ ُه َو َخي ٌْر لَ ُك ْم َو ِإ ْن ت َ َولَّ ْيت ُ ْم فَا ْعلَ ُموا أَنَّ ُك ْم َ
غي ُْر ُم ْع ِج ِزي َّ ِ
ب أ َ ِل ٍيم ).ِبعَذا ٍ
ي
وح َ س ً
وال فَيُ ِ ّللا للبشر في قوله (:أ َ ْو يُ ْر ِس َل َر ُ
وهذا الكالم هو النوع الثالث من كالم ه
ّللا ،وما سمعته الصحابة بِإِ ْذنِ ِه ما يَشا ُء )فقد يكون الرسول بشرا ،فأضاف الكالم إلى ه
ّللا صلهى
ّللا عليه وسلم ،فإن رسول ه ّللا صلهى ه
وال هذا األعرابي إال من لسان رسول ه
ّللا عليه وسلم هو الذي تال عليه القرآن ،
ه
ّللا عليه وسلم مناب الحق هنا من االسم ّللا صلهى هّللا تعالى فناب رسول ه
والقرآن كالم ه
الظاهر ،فكأن الحق ظهر في عالم الشهادة بصورة التالي كالمه ،فإن األعرابي ما
سمع إال األصوات والحروف من فم
ص 244
ص 244 :
النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،
ّللا :إن ذلك كالمي وأضافه إلى نفسه ،ومن وجه آخر كان الحجاب لألعرابي وقال ه
ّللا عليه وسلم .واعلم أن من المتشابه صفة الكالم ،ومنه ّللا محمدا صلهى ه على كالم ه
ّللا سبحانه ،وقد وردت آيات وأحاديث توهم ذلك ، نسبة الصوت والحرف إلى كالم ه
وهي مسألة مهمة بعيدة الغور تزلزلت فيها أقدام المتكلمين ،ومذهب أهل الحق أن هّلل
تعالى كالما قديما قائما بذاته واحدا في حقيقته ،مخالفا لصفة علمه وإرادته ،منزها
عن الظروف المرتبة واألصوات المحدثة ،منزال على نبيه مقروءا باأللسنة مكتوبا
ّللا تعالى ّللا عليه وسلم حقيقة ،ولمن يريد هفي المصاحف ،مسموعا لموسى صلهى ه
ّللا سبحانه صفته ، إسماعه ،غير مخلوق في الشجرة ،وال قائم بالحوادث .وكالم ه
وصفة القديم قديمة تتقدس عن الحدوث ،والحروف في إفادة الكالم يلزمها الترتيب
وتقدم بعضها على بعض ،
وذلك مستحيل على القديم ،ولما كان الحق تعالى لصفاته مظهران علم أن لكالمه
مظهرين ،مظهر علوي روحاني ،وهو روح القدس ،وكلمة العلي ،والحروف
واألصوات من لوازم المظهرين ،وكالمه منزه عنها كتنزه القلب في كالمه عن
الحروف اللسانية واألصوات الهوائية وإن كانت مظاهر له ،فقوله تعالى (:فَأ َ ِج ْرهُ
َحتَّى يَ ْس َم َع َك َ
الم َّ ِ
ّللا )
أي بواسطة مظاهره الجسمانية ،وهي أصوات العباد وحروفهم ،وإطالق كونه سامعا
ّللا تعالى لغة ّللا بذلك مجاز لما قدمناه أن المظاهر الجسمانية ليست منسوبة إلى ه لكالم ه
ّللا عنها في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما ،وال شرعا ،وروي عن عائشة رضي ه
ّللا عليه وسلم كيف يأتيك الوحي ؟ ّللا صلهى ه
،أن الحارث بن هشام سأل رسول ه
قال :أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي ،فيفصم عني وقد وعيت عنه
،قال :وأحيانا يتمثل لي الملك رجال فيكلمني فأعي ما يقول .
ّللا تعالى في الروحانيات مظهرين ،مظهر جلي يتشكل وهذا يحقق لك أن لكالم ه
بالمظاهر الجسمانية وأصواتها وحروفها ،ومظهر آخر له حروف وأصوات خفي
روحاني ،ألن الجرس في أصله هو الصوت الخفي ،والصلصلة صوت اليابس
ّللا تعالى بالتأويل الذي ذكرته لك الصلب إذا حرك ،ويصح نسبة المسموع حينئذ إلى ه
ّللا تعالى إلى موسى عليه السالم ،كإفادة ألسنة القراء ، ،وإفادة الشجرة إلسماع كالم ه
وكالهما في ذلك بمثابة القلم في إفادة المكتوب ،وكما أن المكتوب ال يحل بالقلم ،وال
يكون صفة له ،وال ينتقل به عمن هو صفته ،كذلك الكالم المسموع ال يحل باأللسنة
وال بالمصاحف وال باألقالم ،وال يكون صفة للقارئ وال ينتقل بالقراءة
ص 245
ص 245 :
ّللا
والكتابة عن موصوفه تبارك وتعالى .واعلم أن من مقام هذه اآلية قال رسول ه
صلهى ه
ّللا عليه وسلم :
ّللا قال على لسان
ّللا لمن حمده ،فقولوا :ربنا ولك الحمد ،فإن ه
إذا قال اإلمام سمع ه
ّللا استفاد ،ومن سمعه من
ّللا من ه
ّللا لمن حمده .واعلم أن من سمع كالم هعبده سمع ه
المحدث ربما عاند وربما قبل بحسب ما يوفق له .
ّللا ،أنت الترجمان ،
-إشارة -ال تقل نحن إياه ،لقوله فأجره حتى يسمع كالم ه
ّللا باألمكنة ،بكونه في المصاحف واأللسنة .الحروف والمتكلم الرحمن ،تقيد كالم ه
ظروف ،والصفة عين الموصوف ،فإذا نطقت فاعلم بمن تنطق ،فعليك بالصدق .
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم هو المتكلم بالقرآن ،فليس أحد من -تحقيق -لما كان رسول ه
ّللا ،فإنه
ّللا يجوز أن يخبر عن نفسه وال عن غيره ،وإنما إخبار الجميع عن ه خلق ه
سبحانه هو الذي يخلق فيهم بكن ما يخبرون به ،فالعارف يقبل كل كالم ،وينزله في
ّللا على لسان الشرع .
المنزلة التي عينها ه
ص 246
ص 246 :
ّللا تعالى ،وأفعال العباد بجملتها عند أهل السنة اعلم أنه ليس في الوجود فاعل إال ه
ّللا تعالى ،بال شريك وال معين ،فهي على والجماعة منسوبة الوجود واالختراع إلى ه
الحقيقة فعله وله بها عليهم الحجة ،ال يسأل عما يفعل ،وهم يسألون .
ومن المعلوم أن أفعال العباد ال بد فيها من توسط اآلالت والجوارح ،مع أنها منسوبة
إليه ،
وبذلك يعلم أن لصفاته تعالى في تجلياته لعباده مظهرين :
مظهر عبادي سفلي منسوب لعباده ،وهو الصور والجوارح الجسمانية ،
ومظهر حقيقي علوي منسوب إليه ،وقد أجرى عليه أسماء المظاهر المنسوبة لعباده
على سبيل التقريب ألفهامهم ،والتأنيس لقلوبهم ،ونبه تعالى في كتابه العزيز على
التنبيهين ،وأنه منزه عن الجوارح في الحالين ،
ّللاُ ِبأ َ ْيدِي ُك ْم »
ونبه على األول بقوله «:قا ِتلُو ُه ْم يُعَ ِذه ْب ُه ُم َّ
وذلك يفهم أن كل ما يظهر على أيدي العباد فهو منسوب إليه وفعل له ،وأن جوارحنا
مظهر له وواسطة فيه ،فهو على الحقيقة الفاعل بجوارحنا ،مع القطع الضروري
لكل عاقل أن جوارح العبد ليست بجوارح لربنا تعالى وال صفات له ،ونبه على الثاني
ّللا عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره « وال بقوله تعالى فيما أخبر عنه نبيه صلهى ه
يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ،
وبصره الذي يبصر به ،ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها » -الحديث –
ّللا عليه وسلم ذلك بقوله تعالى (:أ َ لَ ْم يَ ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ
ّللا ُه َو ّللا تعالى لنبينا صلهى ه وقد حقق ه
ت) ص َدقا ِ ع ْن ِعبا ِد ِه َويَأ ْ ُخذُ ال َّيَ ْقبَ ُل الت َّ ْوبَةَ َ
ط ِ هه ُر ُه ْم َوتُزَ ِ هكي ِه ْم ِبها ) بعد قوله ُ (:خ ْذ ِم ْن أ َ ْموا ِل ِه ْم َ
ص َدقَةً ت ُ َ
ّللا فَ ْوقَ أ َ ْيدِي ِه ْم )
ّللا يَ ُد َّ ِوبقوله تعالىِ ( :إ َّن الَّذِينَ يُبا ِيعُون ََك ِإنَّما يُبا ِيعُونَ َّ َ
فنزل يد نبيه منزلة يده في المبايعة ،وأخذ الصدقات ،
ّللا َرمى ) ،ذلك كله يفهم أن ْت َول ِك َّن َّ َ ْت إِ ْذ َر َمي َ والرمي في قوله تعالى َ (:وما َر َمي َ
العبد إذا صار
ص 247
ص 247 :
محمودا صارت أفعاله ناشئة عن أنوار علوية روحانية من عند ربه سبحانه ،تكون له
بمثابة الجوارح ،
ّللا سبحانه يكون له بواسطتها سمعا وبصرا ويدا ورجال ،مع القطع الضروري وأن ه
ّللا تعالى ال يكون جارحة لعبده ،
أن ه
فإن ذاته المتقدسة متعالية عن االتصاف بها ،ألن الجوارح يلزمها الحدوث ،وذاته
واجبة القدم ،وكل ما كان واجب القدم استحال عليه القدم .
ص 248
ص 248 :
ش ُر ُه ْم َربُّ ُه ْم بِ َر ْح َم ٍة ِم ْنهُ َو ِرض ٍ
ْوان » " يُبَ ِ ه
[ سبب دوام التنعم في الجنة وانتفاء الملل ]
البشرى مختصة بالمؤمن ،والكافر الحظ له في البشرى اإللهية برفع الوسائط ،
وكانت البشرى من الحق في مقابلة إجابتهم داعي الحق بالعبادات ،وكذلك في قوله
تعالى «:لَ ُه ُم ْالبُ ْشرى ِفي ْال َحيا ِة ال ُّد ْنيا َو ِفي ْاآل ِخ َر ِة »
ت لَ ُه ْم فِيها نَ ِعي ٌم ُم ِقي ٌم " النعيم والتنعم له أسباب ظاهرة وهي نيل األغراض كانت " َو َجنَّا ٍ
ما كانت ،فإن صاحبها يتنعم بوجودها فهو صاحب تنعم في مقام تنعيم ،وتسمى
أسباب وجود اللذة في الملتذ نعيما ،وليس النعيم في الحقيقة إال اللذة الموجودة في
النفس ،وهي لذات حسية ونفسية.
وفي الجنان في كل حين خلق جديد ،ونعيم جديد ،حتى ال يقع الملل ،فإن كل شيء
طبيعي إذا توالى عليه أمر ما من غير تبدل ال بد أن يصحب اإلنسان فيه ملل ،فإن
ّللا بالتجديد في كل وقت ليدوم له النعيم بذلك ،وإال الملل نعت ذاتي له ،فإن لم يغذه ه
كان يدركهم الملل .
فأهل الجنان يدركون في كل نظرة ينظرونها إلى ملكهم أمرا وصورة لم يكونوا رأوها
قبل ذلك ،فينعمون بحدوثها ،وكذلك في كل أكلة وشربة يجدون طعما جديدا لذيذا لم
يكونوا يجدونه في األكلة األولى ،فينعمون بذلك وتعظم شهواتهم .
ص 249
ص 249 :
[سورة التوبة ( : ) 9آية ] 24
اقت َ َر ْفت ُ ُموها
يرت ُ ُك ْم َوأ َ ْموا ٌل ْ
ش َ ع ِ كان آبا ُؤ ُك ْم َوأ َ ْبنا ُؤ ُك ْم َوإِ ْخوانُ ُك ْم َوأ َ ْزوا ُج ُك ْم َو َ
قُ ْل إِ ْن َ
سو ِل ِه َو ِجها ٍد فِي ب ِإلَ ْي ُك ْم ِم َن ه ِ
َّللا َو َر ُ ض ْونَها أ َ َح ه جارةٌ ت َ ْخش َْو َن كَسادَها َو َمسا ِك ُن ت َ ْر َ َوتِ َ
ين ( ) 24 س ِق َ َّللاُ ِبأ َ ْم ِر ِه َو ه
َّللاُ ال يَ ْهدِي ا ْلقَ ْو َم ا ْلفا ِ ي ه صوا َحتهى يَأْتِ َ س ِبي ِل ِه فَت َ َربه ُ
َ
« قُ ْل ِإ ْن كانَ آبا ُؤ ُك ْم »وهو كل من له عليك والدة« َوأَبْنا ُؤ ُك ْم »
كل من لك عليه والدة« َوإِ ْخوانُ ُك ْم » كل ما قابلك من األمثال ،وداخلك من األشباه ،
ومازجك أو قارب من األنداد« َوأ َ ْزوا ُج ُك ْم » وهو كل ثنهاك وجوده ،وانفعل لك فيما
تريده ،وكنت فيه خالقا ،وإليه إذا غاب عنك مشتاقا ،وجمعتكما الرحمة والمودة
الثابتة ،وسكنت إليه ،وسكن إليك ،وأعطاك من نفسه التحكم فيه ،وظهر فيه
يرت ُ ُك ْم ».
ع ِش َ
اقتدارك ،فهو زوجك ،تحبه طبعا وتتحد به ،ويكون ملكا لك شرعا« َو َ
العشائر :األصحاب ،وكل ما تعتضد به في أمورك" َوأ َ ْموا ٌل ا ْقت َ َر ْفت ُ ُموها "
وهو كل ما تميل إليه فيميل إليك ،ويحضره ديوان نيلك ،ويقف عند فعلك فيه وقولك
،ويتحكم فيه سلطان طولك ،وتصل في اقتنائه نهارك بليلك ،من ثابت كالعقار ،
ومن غير ثابت كالعروض والدرهم والدينار ،وكل منقول ال يقر به قرار ،وكله مال
،ألنه مال ،وإليه المآل بعد الرحلة عنه واالنتقال ،
جارة ٌ ت َ ْخش َْونَ َكسا َدها » وهو كل أمر تطلب الخروج عنه ،ليكون ذلك الخروج « َوتِ َ
سببا لتحصيل ما يكون عندك أنفس منه ،فتطلب به النفاق في األسواق ،تخشى
ض ْونَها »وهو كل ما اتخذته محال ،وكنت به كسادها وتخاف فسادها« َو َمسا ِك ُن ت َ ْر َ
محلى ،وجعلته لك حرما وحال ،فذلك مسكنك الذي ترضاه ،ومنزلك الذي تقصده
وتتوخاه ،
كل ذلك قاله لك الحق فيما أنزله إليك ،ووفد به رسوله األمين عليك ،إذا لم تر وجه
الحق في كل ما ذكرته وتعشقت به لعينه ،وتعرف أنه من عنده ما هو عينه ،وآثرته
مع هذا الحجاب على ما دعاك الحق إليه من الزهد فيه إذا فقدت فيه وجه الحق فتعلم
ّللا ما أراد منك إال أن تعرفه فيما أمرك بالزهد فيه ،والرغبة عنه ،وأحببته حب أن ه
ّللا
عين ،وصورة كون ،وكان أحب إليك من ه
ص 250
ص 250 :
الجامع للرغبة فيه ،والرغبة عنه ،فإنه المعطي المانع ،والضار النافع ،وأحب إليك
من رسوله الوافد عليك المعرف بما هو حجاب عن المقصود ،وستر بين العابد
والمعبود ،مع علمك بما أعلمك أنه ما خلقك إال لتعبده ،وتؤثره على ما تراه وتقصده
ّللا الذي يجمع لك بين الحياتين فال تعرف للموت ،وأحب إليك من جهادك في سبيل ه
صوا » طعما ،وال للحصر حكما« فَت َ َربَّ ُ
كلمة تهديد ووعيد ،والتربص :
ّللاُ بِأ َ ْم ِر ِه ْ نقيض الفرار المأمور به وهو قوله تعالى «:فَ ِف ُّروا ِإلَى َّ ِ
ي َّّللا »« َحتَّى يَأتِ َ
»فتعرف عند ذلك خيره من شره ،وحلوه من مره ،وتذوق شهده من صبره
-تفسير من باب اْلشارة –
صوا »عقيب ما تعدد من األعيان إذن وأمر بالتربص إن اعلم أن قوله تعالى «:فَت َ َربَّ ُ
ّللا
ّللا مشهودا لكم في كل ما ذكرناه ،فإن ذلك الشهود هو المطلوب بالفرار إلى ه كان ه
ّللا ، ّللا أمرنا بالفرار إلى ه ،ألن ه
ّللا في هذه األعيان أحب ّللا أي شهودكم ه ّللا " أي من أجل ه وقوله " :أ َ َحبَّ ِإلَ ْي ُك ْم ِمنَ َّ ِ
إليكم من شهودكم إياه في أعيان غيرها ،للمناسبة القريبة بينكم وبين هذه األشياء
المذكورة ،وإن كان الكامل يشهده في كل عين ،ولكن بعض األعيان قد يكون لبعض
سو ِل ِه "األشخاص أحب من أعيان أخر ،وقوله َ ":و َر ُ
ّللا »أي ومن أجل رسوله حيث أمركم ببر هؤالء ،وجعل لهم حقوقا مثل قوله ِ «:منَ َّ ِ
عليكم فحقوق اآلباء واألبناء واإلخوان واألزواج والعشائر معلومة ،منصوص عليها
ال تخفى على من وقف على العلم المشروع ،
وكذلك حقوق األموال ،نعم المال الصالح للرجل الصالح ،وحقوق التجارة معلومة ،
فإن صدق التجارة ال يكون لغيرها ،والتاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين
ّللا عليه وسلم وقوله «:ت َ ْخش َْونَ َكسا َدها »يقول تخافون أن والشهداء كذا قال صلهى ه
تتركوها ألجل الكساد طلبا لألرباح ،وأي ربح أعظم من ربح صدق التاجر وقوله «:
سبِي ِل ِه »أي ومن أجل أيضا شهودكم إياه تعالى في الجهاد في سبيله ألنه َو ِجها ٍد فِي َ
أمركم بهذا ،وعلمتم أن مشهودكم في كل ما ذكرناه ولما ذكرناه منزلة شريفة عندكم«
صوا »أي ال تفروا فإنه ما أمرنا بالفرار هإال لكوننا ليست لنا هذه المشاهدة .وقوله فَت َ َربَّ ُ
ّللاُ ِبأ َ ْم ِر ِه » وهو قيام الساعة ،أو الموت الذي يخرجكم عن مشاهدة ْ
ي َّ َ «:حتَّى يَأتِ َ
ّللاُ ال يَ ْهدِي ْالقَ ْو َم ْالفا ِس ِقينَ " هؤالء وقوله َ ":و َّ
يقول الخارجين عن حكم هذه المشاهدة التي أنتم فيها ،والتي دعيتم إليها ،فما هي في
حق أصحاب هذا النظر آية وعيد ،وإنما هي آية وعد وبشرى ،وتقرير حال وسكون
أي تربصوا إذا كان هذا
ص 251
ص 251 :
مشهدكم ،فقد حصل المطلوب ،فإن انتقلتم بعد هذا فهو انتقال من خير إلى خير ،أو
من خير أدنى إلى خير أعلى .
ص 252
ص 252 :
العالم كله طاهر ،فإن عرض له عارض إلهي يقال له نجاسة حكمنا بنجاسة ذلك
المحل على الحد المقدر شرعا خاصة في عين تلك النسبة الخاصة ،فالنجاسة في
باّلل ،فالمشرك نجس العين ،فإذا
األشياء عوارض نسب وأعظم النجاسات الشرك ه
آمن فهو طاهر العين ،
أي عين الشرك وعين اإليمان ،وهذا يدل على أن النجاسة عوارض ونسب ،وهذه
اآلية نص في المسجد الحرام الذي بمكة بأن ال يقربه مشرك ،وأنه نجس ،فمن علل
المنع بالنجاسة وجعل النجاسة لكفره ،وعلل المسجد لكونه مسجدا .منع الكفار كيفما
كانوا من جميع المساجد ،
ومن رأى أن ذلك خاص بالمسجد الحرام ولهذا خص بالذكر وأن ما عدا المشرك وإن
كان كافرا ،ال يتنزل منزلته منع دخول المشرك المسجد الحرام وكل مسجد ،
ّللاُ أ َ ْن ت ُ ْرفَ َع »
ت أَذِنَ َّ
لقوله تعالى ِ «:في بُيُو ٍ
وجوز الدخول فيه لمن ليس بمشرك ،ومن أخذ بالظاهر ولم يعلل منع المشرك خاصة
من المسجد الحرام خاصة ،فإن النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم حبس في المسجد في
المدينة ثمامة بن أثال حين أسر وهو مشرك وهو األوجه ،ولم يمنع غير المشرك من
المسجد الحرام ومن المساجد ،ومنع المشرك من سائر المساجد أولى إال أن يقترن
بذلك أمر أو حالة فال بأس .
ص 243
ص 253 :
ّللا ،إبقاء عليهم وتركوا يعصمهم من القتل ،فضربت عليهم الجزية ،وهذا من رحمة ه
على دينهم ليقيموه أو يقيموا بعضه على قدر ما يوفقون إليه .
وهنا نكتة لمن فهم أن دينهم مشروع لهم بشرعنا حيث قررهم عليه ،
ّللا عليه وسلم إذا سمع أن الروم قد ظهرت على فارس ّللا صلهى ه ولهذا كان رسول ه
ّللا عليه وسلم ،ولكنيظهر السرور في وجهه ،مع كون الروم كافرين به صلهى ه
ّللا عليه وسلم كان منصفا ، الرسول لعلمه صلهى ه
ألنه علم أن مستند الروم لمن استند إليه أهل الحق ،ألنهم أهل كتاب ،مؤمنون به
لكنهم طرأت عليهم شبهة ،من تحريف أئمتهم ،ما أنزل عليهم ،حالت بينهم وبين
اإليمان واإلقرار بنبوة محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم أو بعمومها ،
فعذرهم الشرع لهذا القدر الذي علمه منهم ،
وراعى فيه جناب الحق تعالى حيث وحدوده ،وما أشركوا به حين أشرك به فارس
وعبدة األوثان ،وقدحت في توحيد اإلله وما يستحقه من األحدية .واعلم أن كل
مشرك كافر ،فإن المشرك باتباع هواه فيمن أشرك واتخذه إلها ،وعدوله عن أحدية
اإلله ،يستر نفسه عن النظر في األدلة ،واآليات المؤدية إلى التوحيد ،فسمي كافرا
ّللا ،
ّللا مع هلذلك الستر ظاهرا وباطنا ،وسمي مشركا لكونه نسب األلوهية إلى غير ه
فجعل لها نسبتين ،فأشرك فهذا الفرق بين المشرك والكافر ،
وأما الكافر الذي ليس بمشرك فهو موحد غير أنه كافر بالرسول ،وببعض كتابه ،
وكفره على وجهين :
ّللا ،
َّللا ،مثل كفر المشرك في توحيد ه الوجه الواحد أن يكون كفره بما جاء من عند ّ
ّللا ،
ّللا أنه من عند ه
َّللا ،وبما جاء من عند هوالوجه اآلخر :أن يكون عالما برسول ّ
ويستر ذلك عن العامة والمقلدة من أتباعه ،رغبة في الرئاسة ،
وهو الذي أراد عليه السالم بقوله في كتابه إلى قيصر « :فإن توليت فعليك إثم
اليريسيين » يعني األتباع «.
طوا ْال ِج ْزيَةَ َ
ع ْن يَ ٍد َو ُه ْم صا ِغ ُرونَ »فيتعذبون عذابين عذابا بإخراج المال من َحتَّى يُ ْع ُ
أيديهم ،وعذاب الصغار والقهر الذي هو عذاب نفوسهم مما يجدون في ذلك من
الحرج ،ومما جاء في الشروط التي اشترطها أمير المؤمنين ،
ّللا عنه على أهل الذمة ،أن ال يحدثوا في وإمام المتقين عمر ابن الخطاب رضي ه
مدينتهم ،وال ما حولها كنيسة ،وال ديرا وال قلة وال صومعة راهب ،
وال يجددوا ما خرب منها ،وال يمنعوا كنائسهم أن ينزل بها أحد من المسلمين ثالث
ليال ،يطعموهم ،وال يؤووا جاسوسا ،
وال يكتموا غشا للمسلمين ،وال يعلموا أوالدهم القرآن ،وال يظهروا شركا ،وال
يمنعوا ذوي قرابتهم من اإلسالم إن أرادوه ،وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من
مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ،
ص 254
ص 254 :
وال يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ،في قلنسوة وال عمامة وال نعلين ،
وال فرق شعر ،وال يتسموا بأسماء المسلمين ،وال يتكنوا بكناهم ،وال يركبوا سرجا ،
وال يتقلدوا سيفا ،وال يتخذوا شيئا من السالح ،
وال ينقشوا خواتيمهم بالعربية ،وال يبيعوا الخمور ،وأن يجزوا مقادم رؤوسهم ،وأن
يلزموا زيهم حيث ما كانوا ،وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ،وال يظهروا صليبا ،
وال شيئا من كتبهم في طرق المسلمين ،
وال يجاوروا موتى المسلمين بموتاهم ،وال يضربوا بالناقوس إال ضربا خفيفا ،وال
يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ،
وال يخرجوا شعانين ،وال يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ،وال يظهروا النيران معهم ،
وال يشتروا من الرقيق ما جرت عليهم سهام المسلمين ،
فإن خالفوا في شيء مما شورطوا عليه ،فال ذمة لهم ،وقد حل للمسلمين منهم ما يحل
من أهل المعاندة والشقاق.
ص 255
ص 255 :
إن من حمل العبادة هنا على األعمال ،ال معرفة له باللسان ،فالعمل صورة ،والعبادة
روح تلك الصورة العملية التي أنشأها المكلف ،فحظ المؤمن المخاطب بهذه اآلية
توحيد األمر بالعبادة من حيث أحدية العين مع كثرة األسماء اإللهية ،فإن حقيقة
الطالب للرزق إنما تعبد الرزاق ،وحقيقة الطالب للعافية إنما تعبد الشافي ،
فقيل لهم :ال تعبدوا إال إلها واحدا ،وهو أن كل اسم إلهي وإن كان يدل على معنى
يخالف اآلخر فهو أيضا يدل على عين واحدة تطلبها هذه النسب المختلفة ،وأما غير
المؤمنين وهم المشركون فهم الذين نسبوا األلوهة إلى غير من يستحقها ،ووضعوا
اسمها على غير مسماها ،وادعوا الكثرة فيها ،
ولذلك تعجبوا من توحيدها فقالوا «:أ َ َجعَ َل ْاآل ِل َهةَ ِإلها ً ِ
واحدا ً ؟
ّللا أن ال يعبدوا إال إلها واحدا ال إله إال هو » في نفس جاب »فأمرهم ه ع ٌ ِإ َّن هذا لَ َ
ش ْي ٌء ُ
ع َّما يُ ْش ِر ُكونَ »
سبْحانَهُ َاألمر« ُ
ص 256
ص 256 :
[ سورة التوبة ( : ) 9آية ] 35
ور ُه ْم هذا ما َكنَ ْزت ُ ْم نار َج َهنه َم فَت ُ ْكوى ِبها ِجبا ُه ُه ْم َو ُجنُوبُ ُه ْم َو ُ
ظ ُه ُ علَ ْيها فِي ِ يَ ْو َم يُحْ مى َ
ون ( ) 35 س ُك ْم فَذُوقُوا ما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْكنِ ُز َ
ِأل َ ْنفُ ِ
[ عقوبة مانع الزكاة ]
ّللا منه الذي ّللا لإلنفاق فمن اكتنزه ولم يعط حق ه ما يراد المال لالكتناز ،وإنما خلقه ه
عينه له حمي عليه في نار جهنم ،فيكوى به جبينه ،فإنه أول ما يقابل به السائل
فيتغير منه إذا رآه مقبال إليه ،فإن السائل إذا رآه صاحب المال مقبال إليه انقبضت
أسارير جبينه ،لعلمه أنه يسأله من ماله ،فتكوى جبهته ،فإن السائل يعرف ذلك في
وجهه ثم إن المسؤول يتغافل عن السائل ،ويعطيه جانبه إعراضا عنه ،كأنه ما رآه ،
وكأنه ما عنده خبر منه ،فيكوى بها جنبه ،فإذا علم من السائل أنه يقصده وال بد
أعطاه ظهره ،وانصرف حتى ال يقابله بالسؤال .
ّللا أنه تكوى بها ظهورهم ،فهذا حكم مانعي الزكاة ،أعني زكاة الذهب فأخبر ه
والفضة ،فصار بالكي عين المكان الذي اختزنه فيه فهو خزانته ،وأما زكاة الغنم
والبقر واإلبل فأمر آخر ،كما ورد في النص أنه يبطح لها بقاع قرقر ،فتنطحه
بقرونها ،وتطؤه بأظالفها ،وتعضه بأفواهها ،فلهذا خص الجباه والجنوب والظهور
ّللا الزكاة طهارة لألموال . في الكي وأنزل ه
ص 257
ص 257 :
كانت العرب تنسأ في الشهور ،فترد المحرم منها -وهي ذو القعدة وذو الحجة
والمحرم ورجب مضر -حالال ،والحالل منها حراما ،فجاء محمد صلهى ه
ّللا عليه
ّللا به عند خلقه ،فعين المحرم من الشهور
وسلم فرد الزمان إلى أصله الذي حكم ه
ّللا عليه ،ولهذا قال :
على حد ما خلقها ه
ّللا .
إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه ه
« ِإ ْذ يَقُو ُل ِل ِ
صاح ِب ِه ال ت َ ْحزَ ْن ِإ َّن َّ َ
ّللا َمعَنا »حكاية اللفظ بعينه ،والمعية هنا معية
اختصاص ،ال معية عامة ،مثل قوله تعالى للعموم :وهو معكم أينما كنتم ،ومن هنا
ّللا عليه وسلم ،وعلوها على رتبة غيره من الرسل ،فإن تعرف مرتبة محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في حال خوف الصديق عليه وعلى نفسه فقال ّللا أخبر عن محمد صلهى ه ه
لصاحبه يؤمنه ويفرحه ،إذ هما في الغار ،وهو كنف الحق عليهما« ال ت َ ْحزَ ْن إِ َّن َّ َ
ّللا
ّللا عليه وسلم في هذا اإلخبار مقام الحق في معيته لموسى َمعَنا »فقام النبي صلهى ه
ص 258
ص 258 :
وهارون ،وناب منابه في قوله تعالى لهما «:إِنَّنِي َمعَ ُكما أ َ ْس َم ُع َوأَرى »
ّللا عليه وسلم لصاحبه : وقال صلهى ه
عز وجل حافظهما ،يعني في الغار ، ّللا ه ّللا ثالثهما » يريد أن ه «ما ظنك باثنين ه
زمان هجرة الدار .
ّللا عنه ،ويؤيدنا قول النبي -وجه آخر -المقالة عندنا إنما كانت ألبي بكر رضي ه
ّللا عليه وسلم :لو كنت متخذا خليال التخذت أبا بكر خليال ،فالنبي صلهى ه
ّللا صلهى ه
عليه وسلم ليس بمصاحب ،وبعضهم أصحاب بعض ،وهم له أنصار وأعوان ،فإن
النبي ال يصحب إال نبوته ،فإنه ال يتمكن للنبي أن يكون من صاحبه بحيث ما يريد
صاحبه منه ،وإنما هو مع ما يوحى إليه به ،ال يفعل إال بحسبه ،فالصاحب من يترك
إرادته إلرادة صاحبه ،فالنبي يصحب وال يصحب ،فإن الناس مع الرسول بحكم ما
يشرع لهم ،ما هم بحكم إرادتهم ،
ش َج َر بَ ْينَ ُه ْم ،ث ُ َّم ال
وك فِيما َ برهانه قوله تعالى «:فَال َو َر ِبه َك ال يُؤْ ِمنُونَ َحتَّى يُ َح ِ هك ُم َ
س ِله ُموا ت َ ْس ِليما ً ».
ْت َويُ َضي َيَ ِجدُوا فِي أ َ ْنفُ ِس ِه ْم َح َرجا ً ِم َّما قَ َ
فلذلك صحبوه وما صحبهم ،فالصحبة ال تصح إال من الطرف الواحد ،وهو األدنى ،
ولهذا ليست الصحبة فعل فاعلين .
ّللا عنه واقفا مع صدقه ،ومحمد عليه السالم واقفا مع الحق في فكان أبو بكر رضي ه
الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت ،فهو الحكيم ،كفعله يوم بدر في الدعاء واإللحاح
ّللا عليه ،وأبو بكر عن ذلك صاح ،فإن الحكيم يوفي المواطن حقها ،فهو صلهى ه
وسلم صادق ذلك الوقت وحكيمه ،وما سواه تحت حكمه ،ولما لم يصح اجتماع
ّللا عليه وسلم ،وثبت مع صادقين معا ،لذلك لم يقم أبو بكر في حال النبي صلهى ه
ّللا
ّللا عنه إلى الطالبين ،أسف على رسول ه صدقه به ،فلما نظر أبو بكر رضي ه
ّللا عليه وسلم ،فأظهر الشدة ،وغلهب الصدق صلهى ه
ّللا عليه وسلم على أبي بكر« إِ َّن وقال «:ال ت َ ْحزَ ْن »ألثر ذلك األسف الذي رآه صلهى ه
ّللا عليه وسلم القائل لم ّللا َمعَنا »كما أخبرتنا .وإن جعل المنازع أن محمدا صلهى ه َّ َ
ّللا عليه وسلم الجمع والتفرقة ،وعلم من أبي بكر األسف نبال ،لما كان مقامه صلهى ه
،وعلم أن أمره مستمر .
[ -تحقيق -أشرف مقام ينته إليه ]
ّللا عليك يقول الصديق « :ما رأيت شيئا إال -تحقيق -أشرف مقام ينته إليه تقدم ه
س ِكينَتَهُّللاُ َّللا َمعَنا ،فَأ َ ْنزَ َل َّ
رأيت هللا قبله » شهود بكري وراثة محمدية« ال ت َ ْحزَ ْن إِ َّن َّ َ
س ْفلى »الكافر هنا :هو علَ ْي ِه َ ،وأَيَّ َدهُ بِ ُجنُو ٍد لَ ْم ت َ َر ْوها َ ،و َجعَ َل َك ِل َمةَ الَّذِينَ َكفَ ُروا ال ُّ َ
ي ْالعُ ْليا »راجع سورة 8آية رقم «61 المشرك من جهة الشريك خاصة« َو َك ِل َمةُ َّ ِ
ّللا ِه َ
يز َح ِكي ٌم». ع ِز ٌّللاُ َ
َو َّ
ص 259
ص 259 :
[سورة التوبة ( : ) 9آية ] 41
َّللا ذ ِل ُك ْم َخ ْي ٌر لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ا ْن ِف ُروا ِخفافا ً َوثِقاالً َوجا ِهدُوا ِبأ َ ْموا ِل ُك ْم َوأ َ ْنفُ ِ
س ُك ْم فِي َ
س ِبي ِل ه ِ
ون ) ( 41 ت َ ْعلَ ُم َ
اعلم أن الشيطان إذا رأى عزم العبد في الجهاد أخطر له أنه يقاتل ليقال ،رغبة منه
وحرصا أن يحبط عمل هذا العبد ،وكان قد أخلص النية أوال عند شروعه في القتال
ّللا ،فال يبالي العبد بهذا الخاطر ،فإن األصل الذي بني عليه أنه يقاتل ذابا عن دين ه
صحيح ،واألساس قوي ،وهو النية في أول الشروع.
ع ْن َك ِل َم أ َ ِذ ْن َ
ت لَ ُه ْم -اآلية ] عفَا َّ
ّللاُ َ [ َ
ّللا عليه وسلم قبل العتاب ،وهذه اآلية عندنا خاصة ما ّللا البشرى لمحمد صلهى ه قدم ه
فيها عتاب ،بل هو استفهام لمن أنصف ،وأعطى أهل العلم حقهم ،فإن مقام رسول
ّللا عليه وسلم يعطي أن ذلك استفهام ال إنكار ،فإنما استفهم العالم ليتميز به ّللا صلهى ه ه
من في قلبه ريب ممن ليس في قلبه ريب ،فيعلم العالم من غير العالم إلقامة الحجة ،
فالسؤال هنا عن العلة ،ال سؤال عن توبيخ ،ألن العفو تقدمه ،فإن العفو ال سيما إذا
تقدم والتوبيخ ال يجتمعان ،ألنه من وبهخ فما عفا مطلقا ،فإن التوبيخ مؤاخذة وهو قد
عفا ،ولما كان هذا اللفظ قد يفهم منه في اللسان التوبيخ ،
ص 260
ص 260 :
باّلل أنه ما أراد التوبيخ الذي يظنه من ال علم له ، لهذا جاء بالعفو ابتداء ،ليتنبه العالم ه
ولذلك قال َ «:حتَّى يَتَبَيَّنَ لَ َك »فهو استفهام كأنه يقول :أفعلت ذلك حتى يتبين لك«
ص َدقُوا َوت َ ْعلَ َم ْالكا ِذ ِبينَ »؟ فهو عند ذلك إما أن يقول :نعم أو ال ،فهو استفهام الَّذِينَ َ
اس »إلقامة الحجة ،فهنا قدم الحق ت قُ ْل َ
ت ِللنَّ ِ كقوله تعالى لعيسى عليه السالم «:أ َ أ َ ْن َ
العفو عن السؤال عندنا ،وعلى العتاب عند غيرنا ،لتعرف العناية اإللهية بأحبابه
ّللاُ ما تَقَد ََّم ِم ْن ذَ ْنبِ َك َوما تَأ َ َّخ َر »فال ذنب لمحبوب وال حسنة
قال تعالى ِ «:ليَ ْغ ِف َر لَ َك َّ
لمحبه عند نفسه .
ص 262
ص 262 :
أخذ حقه ،ومن ترك أخذها ترك حقه وله ذلك .والذي أذهب إليه أنه من وجد من
هؤالء األصناف قسمت عليهم الصدقة بحسب ما يوجد منهم ،لكن على األصناف ،ال
على األشخاص ولو لم يوجد من صنف منهم إال شخص واحد دفع إليه قسم ذلك
الصنف ،وإن وجد من الصنف أكثر من شخص واحد قسم على الموجودين منه ما
سمه في ذلك البلد تعين لذلك الصنف ،قل األشخاص أو كثروا ،وكذلك العامل عليها ق ه
بحسب ما يوجد من األصناف ،فإن وجد الكل ،فلكل صنف ثمن الصدقة ،إلى سبع
ّللا بالذكر في العطاء ، وسدس وخمس وربع وثلث ونصف والكل ثم إنا نقدم من قدم ه
ّللا في هذه األموال ،فواجب على من والزكاة وإن كانت لهؤالء األصناف ،فإنها حق ه
أعطيها أن يأخذها ،فإن للعبد أن يأكل من مال سيده ،فإنه حقه ،وإنما حرمت على
أهل البيت تخصيصا إلضافة األموال إلى الخلق في قوله ُ «:خ ْذ ِم ْن أ َ ْموا ِل ِه ْم »أي
ّللا ،وما قدم الحق الفقراء بالذكر وفوقهم من هو أشد إضافة الزكاة إلى الخلق ال إلى ه
حاجة منهم ،ال مسكين وال غيره ،فإن الفقير هو الذي انكسر فقار ظهره ،فال يقدر
على أن يقيم ظهره وصلبه ،فال يزال منكسرا ،وهو الذي يجب إعطاء الصدقة له ،
وواجب عليه أخذها إذا أعطيها ،وال يسألها أصال ،فإن الفقير هو الذي يفتقر إلى كل
شيء ،وال يفتقر إليه شيء ،والمسكين هو من يدبره غيره ،فهو من السكون ،وهو
ّللا .والعاملين عليها ،وهم الجامعون لها ضد الحركة ،فهو المسلم المفوض أمره إلى ه
ممن تجب عليهم ،والمؤلفة قلوبهم :هم الذين يتألفهم اإلحسان على حب المحسن ،
وفي الرقاب :وهم الذين يطلبون الحرية من الرق ،والغارمين :وهم الذين أقرضوا
ّللا :يمكن أن يريد المجاهدين ، ّللا قرضا حسنا ومنهم أصحاب الديون ،وفي سبيل ه ه
ّللا عند الشرع هو الجهاد واألظهر ، واإلنفاق منها في الجهاد ،فإن العرف في سبيل ه
ّللا ،وهوّللا سبل الخير كلها ،المقربة إلى ه وفي هذه اآلية مع أنه يمنك أن يريد بسبيل ه
ما تقتضيه المصلحة العامة لكل إنسان ،بل لكل حيوان ونبات ،حتى الشجرة يراها
تموت عطشا فيكون عنده بما يشتري لها ما يسقيها به من مال الزكاة فيسقيها بذلك ،
ّللا وال قائل بهذا ،ويدخل في المجاهدين المجاهدون أنفسهم أيضا في فإنه من سبيل ه
ّللا عليه وسلم : ّللا صلهى ه ّللا ،فيعاونون بذلك على جهاد أنفسهم ،قال رسول ه سبيل ه
رجعتم من الجهاد األصغر ،إلى الجهاد األكبر يريد جهاد النفوس ومخالفتها في
ّللا تعالى ،وابن السبيل :وهم
أغراضها الصارفة عن طريق ه
263
ص 263 :
ّللا لهؤالء المذكورين فال يجوز أن تعطى
ّللا » *أي فرضها ه ضةً ِمنَ َّ ِ معلومون «فَ ِري َ
ع ِلي ٌم َح ِكي ٌم » *
ّللاُ َ
إلى سواهم« َو َّ
-إشارة واعتبار -إذا قابلنا األصناف التي تجب لهم الزكاة ،باألعضاء المكلفة من
اإلنسان ،نجد أن الفقراء يوازنهم من األعضاء :الفرج ،والمساكين يوازنهم :البطن
،ويوازن العاملين :القلب ،ويوازن المؤلفة قلوبهم :السمع ،ويوازن الرقاب :
بالبصر ،ويوازن الغارمين :باليد ،ويوازن المجاهدين :باللسان ،ويوازن ابن
السبيل :الرجل ،فالفقر في الفرج واضح ،وكذلك المسكنة في الباطن ظاهر ،
والعامل بالقلب صريح ،والمؤلفة قلوبهم بالسمع بيهن ،والرقاب بالبصر واقع ،
والغارم باليد إفصاح ،والمجاهد باللسان صحيح ،وابن السبيل بالرجل أوضح من
الكل .
ص 264
ص 264 :
ّللا فَنَ ِسيَ ُه ْم » ]
سوا َّ َ [ « نَ ُ
ّللا فَنَ ِسيَ ُه ْم » -الوجه األول -النسيان :نعت إلهي فنسيهم كما يليق بجالله . سوا َّ َ « نَ ُ
ّللا فلم يعملوا به «فَنَ ِسيَ ُه ْم »فأخرهم ه
ّللا ّللا » :أي أخروا أمر ه سوا َّ َ-الوجه الثاني «-نَ ُ
في النار حين أخرج منها من أدخله فيها من غيرهم -الوجه الثالث «-فَنَ ِسيَ ُه ْم »أي
أنه تعالى لما عذبهم عذاب األبد ،ولم تنلهم رحمته تعالى صاروا كأنهم منسيون ،
عنده ،وهو كأنه ناس لهم ،أي هذا فعل الناسي ،ومن ال يتذكر ما هم فيه من أليم
ّللا ،فجازاهم بفعلهم ففعلهم أعاده عليهم العذاب ،وذلك ألنهم في حياتهم الدنيا نسوا ه
ّللا فَنَ ِسيَ ُه ْم »أي
سوا َّ َ
للمناسبة . -الوجه الرابع -من باب اإلشارة ال التفسير «-نَ ُ
ّللا الحق الذي يستحقونه ،فلم يؤاخذهم وال آخذهم أخذ األبد ، ّللا ،فترك ه تركوا حق ه
فغفر لهم ورحمهم ،وهذا يخالف ما فهمه علماء الرسوم ،ألن الناسي هنا إذا لم ينس
ّللا فترك حق ّللا ،فإنه ما شرعه إال ه ّللا بإتيانه شرعا فقد نسي ه ّللا الذي أمره ه إال حق ه
ّللا كرمه فيه ،فترك حقه ولم يكن حق مثل هذا إال ما يستحقه وهو ّللا ،فأظهر ه ه
ّللا عليهم منة منه ابتداء ، العقاب ،فعفا عنه تركا بترك ،مقوال بلفظ النسيان ،فأفضل ه
ّللا يقول في تمام هذه اآلية ِ «:إ َّن ْال ُمنافِ ِقينَ ُه ُم ْالفا ِسقُونَ »ولم يقل إنهم هم أال ترى ه
الفاسقون فقوله تعالى ِ «:إ َّن ْال ُمنافِ ِقينَ ُه ُم ْالفا ِسقُونَ »ابتداء كالم آخر ما فيه ضمير
يعود على هؤالء المذكورين ،وكل منافق فاسق ،ألنه خارج من كل باب ،فيخرج
للمؤمنين بصورة ما هم عليه ،ويخرج للكافرين بصورة ما هم عليه .
ص 265
ص 265 :
[سورة التوبة ( : ) 9اآليات 70إلى ] 72
ب َم ْديَ َن ِين ِم ْن قَ ْب ِل ِه ْم قَ ْو ِم نُوحٍ َوعا ٍد َوث َ ُمو َد َوقَ ْو ِم إِ ْبرا ِهي َم َوأَصْحا ِ أ َ لَ ْم يَأْتِ ِه ْم نَبَأ ُ الهذ َ
س ُه ْم يَ ْظ ِل ُمو َن ( َّللاُ ِليَ ْظ ِل َم ُه ْم َول ِك ْن كانُوا أ َ ْنفُ َ
كان هت فَما َ ت أَتَتْ ُه ْم ُر ُ
سلُ ُه ْم ِبا ْلبَ ِيّنا ِ َوا ْل ُم ْؤت َ ِفكا ِ
وف َويَ ْن َه ْو َن ع َِن ون ِبا ْل َم ْع ُر ِض يَأ ْ ُم ُر َ ض ُه ْم أ َ ْو ِليا ُء بَ ْع ٍ ون َوا ْل ُم ْؤ ِمناتُ بَ ْع ُ َ ) 70وا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ
َّللاُ
سيَ ْر َح ُم ُه ُم ه سولَهُ أُول ِئكَ َ َّللا َو َر ُ
ون ه َ الزكاةَ َويُ ِطيعُ َ ون ه صالةَ َويُ ْؤت ُ َ ون ال ه ا ْل ُم ْنك َِر َويُ ِقي ُم َ
ت تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِ َها ت َجنها ٍ ين َوا ْل ُم ْؤ ِمنا ِ َّللاُ ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ع َد ه يز َح ِكي ٌم ( َ ) 71و َ َّللا ع َِز ٌ
إِ هن ه َ
َّللا أ َ ْكبَ ُر ذ ِلكَ ُه َو
وان ِم َن ه ِ
ض ٌ عد ٍْن َو ِر ْ ت َ ِين فِيها َو َمسا ِك َن َط ِيّبَةً فِي َجنها ِ هار خا ِلد َ ْاأل َ ْن ُ
ا ْلفَ ْو ُز ا ْلعَ ِظي ُم ) ( 72
جنة عدن أشرف الجنان ألنها قصب الجنة ،والقصبة حيث تكون دار الملك ،وهي
دار تورث من قصدها اإلمداد والفتح في العلم اإللهي ،الذي يعطي المشاهدة ،فإن بها
كثيب المسك األبيض ،وهو موطن الزور األعظم ،والرؤية العامة ،والكثيب أشرف
ّللا تعالى بيده ،دون سائر الجنات ،وجعلها له كالقلعة مكان في جنة عدن التي خلقها ه
للملك ،وجعل فيها الكثيب األبيض من المسك ،التي يتجلى فيها الرب لعباده عند
الرؤية ،كالمسك بفتح الميم من الحيوان وهو الجلد وهو الغشاء الظاهر لألبصار من
الحيوان ،وأدار الحق تعالى بجنة عدن سائر الجنات ،وبين كل جنة وجنة سور
يميزها عن صاحبتها ،وسمى كل جنة باسم معناه سار في كل جنة ،وإن اختصت
هي بذلك االسم فإن ذلك االسم الذي اختصت به أمكن ما هي عليه من معناه وأفضله ،
والجنات هي جنة عدن ،وجنة الفردوس ،وجنة النعيم ،وجنة المأوى ،وجنة الخلد ،
وجنة السالم ،وجنة المقامة والوسيلة ،وهي أعلى جنة في الجنات ،فإنها في كل جنة
ّللا
من جنة عدن ،إلى آخر جنة فلها في كل جنة صورة ،وهي مخصوصة برسول ه
ّللا ،حيث نال الناس السعادة ّللا عليه وسلم وحده ،نالها بدعاء أمته حكمة من ه صلهى ه
ّللا إلى الناس من أحكامه جزاء نزل ه ّللا ،وتبيينه ما ه ببركة بعثته ودعائه إياهم إلى ه
وفاقا ،وجعل
ص 266
ص 266 :
في كل جنة مائة درجة بعدد األسماء الحسنى ،واالسم األعظم المسكوت عنه لوترية
األسماء ،وهو االسم الذي يتميز به الحق عن العالم هو الناظر إلى درجة الوسيلة
خاصة ،وله في كل جنة حكم ،كما له حكم اسم إلهي .ومنازل الجنة على عدد آي
القرآن ،ما بلغ إلينا منه نلنا تلك المنزلة بالقراءة ،وما لم يبلغ إلينا نلناه باالختصاص
في جنات االختصاص ،كما نلنا بالميراث جنات أهل النار الذين هم أهلها ،وأبواب
الجنة ثمانية على عدد أعضاء التكليف ،وهي العين واألذن واللسان واليد والبطن
والفرج والرجل والقلب ،وقد يقوم اإلنسان في زمن واحد بأعمال هذه األعضاء كلها ،
فيدخل من أبواب الجنة الثمانية ،في حال دخوله من كل باب منها ،فإن نشأة اآلخرة
تشبه البرزخ ،وباطن اإلنسان من حيث ما هو ذو خيال ،وأ هما خوخات الجنة فتسع
وسبعون خوخة ،وهي شعب اإليمان بضع وسبعون شعبة ،ولكل شعبة من اإليمان ،
ّللا أ َ ْكبَ ُر ذ ِل َك ُه َو ْالفَ ْو ُز ْالعَ ِظي ُم ».راجع سورة 75 طريق إلى الجنة« َو ِرض ٌ
ْوان ِمنَ َّ ِ
آية 23حديث أبي بكر النقاش .
ص 267
ص 267 :
ّللا تعالى عنه ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،وما أخبر ه وهو قول ثعلبة بن حاطب لرسول ه
ّللا لفعل ،ثم ،قال تعالى في حقه :
ّللا ،فلو قال :إن شاء ه
أنه قال إن شاء ه
ص 268
ص 268 :
ّللا أن صالته سكن للمتصدق ،يسكن إليها ،وهذه صفات تناقض ّللا وأخبر ه
كما أمره ه
ّللا
ّللا ،فلم يتمكن لهذه الشروط أن يأخذ منه رسول ه
النفاق وما يجده المنافق عند ه
ّللا
ّللا عليه وسلم الصدقة لما جاءه بها بعد قوله ،وامتنع أيضا بعد موت رسول ه صلهى ه
صلهى ه
ّللا عليه وسلم عن أخذها منه أبو بكر وعمر ،لما جاء بها إليهما في زمان
خالفتهما ،
ص 269
ص 269 :
ففرق بين النسب وميز بعضها عن بعض ليعلم ما بينها ،فالغيب أمر إضافي لما غاب
عنا ،وما يلزم من شهود الشيء العلم بحده وحقيقته ،ويلزم من العلم بالشيء العلم
بحده وحقيقته ،عدما كان أو وجودا ،واألشياء كلها مشهودة للحق في حال عدمها ،
ولو لم تكن كذلك لما خصص بعضها باإليجاد عن بعض ،فما هي معدومة هّلل الحق
من حيث علمه بها .
ص 270
ص 270 :
السورة بالسين هي المنزلة ،وسور القرآن منازله ،وكما أن لكل سورة آيات كذلك
لكل منزلة .
ص 271
ص 271 :
هذه اآلية نص على أن القتال فرض على األصحاء الذي يجدون ما ينفقون ،فالصحة
شرط من شروط الجهاد - .إشارة -من وقف مع إلحاق المتمني بالمتصدق الغني ،
عرف األمر ،فلم يطلب الكثر ،فاالستكثار من المال هو الداء العضال ،ويبلغ
المتمني بتمنيه مبلغ صاحب المال فيما يفعل فيه من الخير من غير كد وال نصب وال
سؤال وال حساب ،وهم في األجر على السواء مع ما يزيد عليه من أجر الفقر
ّللا ال يضيع أجر من أحسن عمال ،وتمنيه من عمله. والحسرة ،ه
وأن ه
272
ص 272 :
[الرضا ]
اختار الحق من األحوال الرضى فإنه آخر ما يكون من الحق ألهل السعادة من
البشرى ،فال بشرى بعدها ،فإنها بشرى تصحب األبد ،كما ورد في الخبر ،وهي
ّللا لهم في الكثيب عند الرؤية في
بشرى بعد رجوع الناس من الرؤية ،بل هي من ه
ّللا أوسع من أن أرضى منه باليسير ،فإن متعلق الرضى الزور األعظم ،وجناب ه
ّللا ال
اليسير ولكن أرضى عنه ال منه ،ألن الرضى منه يقطع همم الرجال ،فإن ه
يعظم عليه شيء طلب منه ،فإن المطلوب منه ال يتناهى ،فليس له طرف نقف عنده ،
باّلل ،وإذا كان اتساع الممكنات ال يقبل
سع في طلب المزيد إن كنت من العلماء ه فو ه
التناهي ،فما ظنك باالتساع اإللهي فيما يجب له ؟
ّللا
فالرضى عنه ال منه ،ألن الرضى منه جهل به ،ونقص ،ويكون الرضى بقضاء ه
،ال بكل مقضي ،فإنه ال ينبغي الرضى بكل مقضي .
ص 273
ص 273 :
اعلم أن الشرط المصحح لقبول جميع الفرائض فرض اإليمان ،فما من مؤمن يرتكب
ّللا ،من حيث إيمانه بها بأنها معصية ، معصية ظاهرة أو باطنة إال وله فيها قربة إلى ه
فال يخلص لمؤمن عمل سيئ دون أن يخالطه عمل صالح ،وال تخلص له معصية
غير مشوبة بطاعة أصال ،وهي طاعة اإليمان بكونها معصية ،فيؤجر على اإليمان
بها أنها معصية ،فهو في مخالفته طائع عاص ،
س ِيهئا ً » ]
ع َم ًال صا ِلحا ً َوآخ ََر َ طوا َ [ « َوآخ َُرونَ ا ْعت َ َرفُوا بِذُنُوبِ ِه ْم َخلَ ُ
س ِيهئا ً »فهذا معنى
ع َم ًال صا ِلحا ً َوآخ ََر َ طوا َ قال تعالى َ «:وآخ َُرونَ ا ْعت َ َرفُوا بِذُنُوبِ ِه ْم َخلَ ُ
المخالطة فالعمل الصالح هنا اإليمان بالعمل اآلخر السيهئ أنه سيهئ .واعلم أنه من
ّللا عليها فيفزع منها ،إال ويجد في نفسه الندم المحال أن يأتي مؤمن بمعصية توعد ه
ّللا عليه وسلم ،الندم توبة ،وقد قام به الندم فهو على ما وقع منه ،وقد قال صلهى ه
تائب فسقط حكم الوعيد ،على عكس قول المعتزلي القائل بإنفاذ الوعيد فيمن مات عن
غير توبة ،لحصول الندم فإنه ال بد للمؤمن أن يكره المخالفة وال يرضى بها ،وهو
في حال عمله إياها ،فهو من كونه كارها لها مؤمن بأنها معصية ذو عمل صالح ،
وهو من كونه فاعال لها ذو عمل سيهئ ،فغايته أن يكون من الذين خلطوا عمال صالحا
علَ ْي ِه ْم »وهو سبحانهوب َ ّللاُ أ َ ْن يَت ُ َ سى َّ ع َ
وآخر سيئا فقال تعالى عقيب هذا القول َ «:
يعلم ما يجريه في عباده ومع هذا جاء بلفظ الترجي ،وقال العلماء :
ّللا واجبة فإنه ال مانع له والتوبة الرجوع فمعناه أن يرجع عليهم بالرحمة إن عسى من ه
وبالمغفرة ،وتبديل السيئات والقبول ،فيغفر لهم تلك المعصية باإليمان الذي خلطها به
ّللا في القبول ،ويرزقهم الندم عليها ،والندم توبة ،فإذا ،فإنه وقع الترجي للعبد من ه
ّللا عليهم ،فالمؤمن هنا ذو عمل صالح من ثالثة أوجه ،اإليمان ندموا حصلت توبة ه
بكونها معصية ،وكراهته لوقوعها منه ،والندم عليها ،وهو ذو عمل سيهئ من وجه
واحد ،وهو ارتكابه إياها ،ومع هذا الندم فإن الرهبة تحكم عليه ،سواء كان عالما
بما قلناه أو غير عالم ،فإنه يخاف وقوع مكروه آخر منه ،ولو مات على تلك الرهبة
فإن الرهبة ال تفارقه ،وينتقل تعلقها من نفوذ الوعيد إلى العتاب اإللهي والتقرير عند
السؤال على ما وقع منه .واعلم أن متعلق عسى هنا رجوعه عليهم بالرحمة ،ال
رجوعهم إليه ،فإنه ما ذكر لهم توبة ،وما ذكر لهم قربة ،فما تاب هنا في هذه اآلية
علَ ْي ِه ْم
تاب َ عليهم ليتوبوا كما قال في موضع آخر «:ث ُ َّم َ
ص 274
ص 274 :
ِليَتُوبُوا »وإنما هو رجوع بالعفو والتجاوز ،فجاء هنا بحكم آخر ما فيه ذكر توبتهم ،
ّللا تعالى عليهم فإنه تعالى تمم اآلية بقوله « :إن هللا غفور رحيم » .
بل فيه توبة ه
فمن هذه اآلية نعلم أن اإليمان أصل ،والعمل فرع لهذا األصل بال شك ،ولهذا ال
يخلص للمؤمن معصية أصال من غير أن يخالطها طاعة ،فالمخلط هو المؤمن
العاصي ،فإن المؤمن إذا عصى في أمر ما ،فهو مؤمن بأن ذلك معصية ،واإليمان
واجب فقد أدى واجبا ،فالمؤمن مأجور في عين عصيانه واإليمان أقوى .
ص 275
ص 275 :
العبد إذا رجع إلى الحق بالتوبة ،رجع الحق إليه بالقبول «،أ َ لَ ْم يَ ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ
ّللا ُه َو
ّللا ال يقبل المعاصي ع ْن ِعبا ِد ِه »وهو رجوعه على عباده بالقبول ،فإن ه يَ ْقبَ ُل الت َّ ْوبَةَ َ
ويقبل التوبة والطاعات ،وهذا من رحمته بعباده ،فإنه لو قبل المعاصي لكانت عنده
في حضرة المشاهدة ،كما هي الطاعات ،فال يشهد الحق من عباده إال ما قبله ،وال
يقبل إال الطاعات ،فال يرى من عباده إال ما هو حسن محبوب عنده ،ويعرض عن
ت »يأخذ الحق الصدقات بحكم الوكالة ،فيربيها ص َدقا ِ السيئات فال يقبلها« َويَأ ْ ُخذُ ال َّ
ويثمرها ،فهو وكيل في حق قوم تبرعا من نفسه رحمة بهم ،وهو قوله صلهى ه
ّللا
عليه وسلم :إن الصدقة تقع بيد الرحمن قبل أن تقع بيد السائل -الحديث ،
الر ِحي ُم »بعدم اب »بقبوله التوبة والطاعة« َّ لذلك قال تعالى َ «:وأ َ َّن َّ َ
ّللا ُه َو الت َّ َّو ُ
مؤاخذته على الذنب .
ص 276
ص 276 :
بالشهادة ،وعالم ال يدركه الحس ،وهو المعبر عنه بعالم الغيب ،فإن كان مغيبا في
وقت وظهر في وقت للحس فال يسمى ذلك غيبا ،وإنما الغيب ما ال يمكن أن يدركه
الحس ،لكن يعلم بالعقل ،إما بالدليل القاطع ،وإما بالخبر الصادق وهو إدراك
اإليمان ،فالشهادة مدركها الحس ،وهو طريق إلى العلم ما هو عين العلم ،وذلك
ّللا ممن له إدراك حسي ،والعلم مدركه العلم عينه .
يختص بكل ما سوى ه
ص 277
ص 277 :
أفمن أسس بنيانه فقوى أركانه ،وأوثق قواعد بنيانه ،أمن من الهدم والسقوط ،
والبيت بيت اإليمان وقد قام على خمسة ،سقف وأربعة جدر ،وهو قوله صلهى ه
ّللا
ّللا وإقام الصالة وإيتاء
عليه وسلم :بني اإلسالم على خمس :شهادة أن ال إله إال ه
الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيال .والساكن المؤمن ،وحشمه
وخوله مكارم األخالق ونوافل الخيرات .
ص 278
ص 278 :
من حيث أنه حيوان ،ال من جهة مالكه ،فإن مالكه قد علم منه هذا المعار إليه « 1
»أنه يريد إتالفه ،فذلك محبوب له فلم يبق له عليه شفقة إال الشفقة الطبيعية ،
فالنفوس التي اشتراها الحق في هذه اآلية إنما هي النفوس الحيوانية ،اشتراها من
النفوس الناطقة المؤمنة المكلفة باإليمان ،فنفوس المؤمنين الناطقة هي البائعة المالكة
لهذه النفوس الحيوانية التي اشتراها الحق منها ،ألنها التي يحل بها القتل ،وليست
هذه النفوس بمحل لإليمان ،وإنما الموصوف باإليمان النفوس الناطقة ،
ومنها اشترى الحق نفوس األجسام فقال «:ا ْشتَرى ِمنَ ْال ُمؤْ ِمنِينَ »وهي النفوس
س ُه ْم »التي هي مراكبهم الحسية ،وهي الخارجة الناطقة الموصوفة باإليمان« أ َ ْنفُ َ
للقتال بهم والجهاد ،وهي التي تدعي الملك ،فبقي المؤمن ال نفس له كسائر الحيوان ،
فلم يبق من يدعي ملكا ،فصار الملك هّلل الواحد القهار ،وزال االشتراك ،فالمؤمن ال
نفس له ،فال دعوى له في الملك ،فكل مؤمن ادعى ملكا حقيقة فليس بمؤمن ،فإن
المؤمن باع نفسه ،فما بقي له من يدعي ،ألن نفسه كانت صاحبة الدعوى ،لكونها
ّللا تعالى ،فاحفظ نفسك يا أخي من على صورة من له الدعوى بالملك حقيقة ،وهو ه
دعوى تسلب عنك اإليمان .
فالمؤمن ال نفس له ،فليس له في الشفقة عليها إال الشفقة الذاتية التي في النفس الناطقة
على كل حيوان .
« َوأ َ ْموالَ ُه ْم »فأفلسهم ألنه حال بينهم وبينها ،فلم يبق لهم ما يصلون به إلى المنعة ،
ببقاء الحياة لبقاء الغذاء الحاصل بالمال .
« بِأ َ َّن لَ ُه ُم ْال َجنَّةَ »وهو الثمن فإن المؤمن ممدوح في القرآن بالتجارة
ب أ َ ِل ٍيم »والبيع فيما ملك بيعه عذا ٍ جارةٍ ت ُ ْن ِجي ُك ْم ِم ْن َ على تِ َ وهو قوله تعالى «:ه َْل أَدُلُّ ُك ْم َ
س ُه ْم َوأ َ ْموالَ ُه ْم ِبأ َ َّن لَ ُه ُم ْال َجنَّةَ "
ّللا ا ْشتَرى ِمنَ ْال ُمؤْ ِمنِينَ أ َ ْنفُ َ ،وهو قوله تعالى ِ ":إ َّن َّ َ
ّللا بين وجعلها الثمن للحديث الوارد في الخصمين من الظالم والمظلوم ،إذا أصلح ه
ّللا المظلوم أن يرفع رأسه ،فينظر إلى عليين فيرى ما يبهره خلقه يوم القيامة ،فيأمر ه
حسنه ،فيقول :يا رب ألي نبي هذا ألي شهيد هذا ؟
ّللا تعالى لمن أعطاني الثمن ،قال :ومن يملك ثمن هذا ؟ فيقول ه
قال :أنت بعفوك عن أخيك هذا فيقول :يا رب قد عفوت عنه ،فيقول :خذ بيد أخيك
فادخل الجنة .
ذات
ص ِل ُحوا َ ّللا َوأ َ ّْللا عليه وسلم هذا الحديث تال« فَاتَّقُوا َّ َ ّللا صلهى ه ولما أورد رسول ه
ّللا فَيَ ْقتُلُونَ َويُ ْقتَلُونَ
سبِي ِل َّ ِ ّللا يصلح بين عباده يوم القيامة «.يُقاتِلُونَ فِي َ بَ ْينِ ُك ْم »فإن ه
ّللا وبين المؤمن »وجه آخر في هذه المبايعة :وقع البيع بين ه
ص 279
ص 279 :
من كونه ذا نفس حيوانية ،فهي التي تدعي الملك ،وهي البائعة ،فباعت النفس
ّللا وما كان لها مما لها به نعيم من مالها بعوض وهو الجنة ،فالبيع الناطقة من ه
والشراء معاوضة ،والسوق المعترك ،فاستشهدت فأخذها المشتري إلى منزله وأبقى
عليها حياتها حتى يقبض ثمنها الذي هو الجنة ،
فلهذا قال في الشهداء :إنهم أحياء عند ربهم يرزقون ،فرحين ببيعهم لما رأوا فيه من
الربح ،حيث انتقلوا إلى اآلخرة من غير موت ،فاإلنسان المؤمن يتنعم من حيث نفسه
الحيوانية ،بما تعطي الجنة من النعيم ،ويتنعم بما يرى مما صارت إليه من النعيم
نفسه الناطقة ،التي باعها بمشاهدة سيدها ،فحصل للمؤمن النعيمان .
فإن الذي باع كان محبوبا له ،وما باعه إال ليصل إلى هذا الخير الذي وصل إليه ،
ّللا حيث باعه هذه النفس الناطقة العاقلة .وسبب شراء الحق وكانت له الحظوة عند ه
وحي " *إياها أنها كانت له بحكم األصل بقولهَ " :ونَفَ ْختُ ِفي ِه ِم ْن ُر ِ
فطرأت الفتن والباليا ،وادعى المؤمن فيها ،فتكرم الحق وتقدس ،ولم يجعل نفسه
خصما لهذا المؤمن ،فتلطف له في أن يبيعها منه ،وأراه العوض ،وال علم له بلذة
ّللا منه ،فلما حصلت بيد المشاهدة ،ألنها ليست له ،فأجاب إلى البيع فاشتراها ه
المشتري ،وحصل الثمن تصدق الحق بها عليه امتنانا ،لكونه حصل في منزل ال
يقتضي له الدعوى فيما ال يملك وهو اآلخرة .
ّللا عليه وسلم ،حين اشترى من جابر بن عبد ّللا صلهى ه وقد مثل هذا الذي قلناه رسول ه
ّللا ظهره إلى
ّللا بعيره في السفر بثمن معلوم ،واشترط عليه البائع جابر بن عبد ه ه
المدينة ،فقبل الشرط المشتري ،فلما وصل المدينة ،وزن له الثمن ،فلما قبضه
وحصل عنده وأراد االنصراف أعطاه بعيره والثمن جميعا ،فهذا بيع وشرط ،وهكذا
ّللا سواء ،اشترى من المؤمن نفسه بثمن معلوم وهو الجنة ،واشترط عليه ظهره فعل ه
إلى المدينة ،وهو خروجه إلى الجهاد ،فلما حصل هناك واستشهد ،قبضه الثمن ،
ورد عليه نفسه ،ليكون المؤمن بجميعه متنعما ،بما تقبله النفس الناطقة من نعيم
العلوم والمعارف ،وبما تعمله الحيوانية من المأكل والمشرب والملبس والمنكح
والمركب وكل نعيم محسوس ،ففرحت بالمكانة والمكان والمنزلة والمنزل . -إشارة
-إن من الرحمة التي تتضمنها سورة التوبة ومن التنزل اإللهي أن فيها شراء نفوس
المؤمنين منهم ،بأن لهم الجنة ،وأي تنزل أعظم من أن يشتري السيد ملكه من عبده ؟
وهل يكون في الرحمة أبلغ من هذا ؟
آن »من الناس عبيد ، اإل ْن ِجي ِل َو ْالقُ ْر ِ
علَ ْي ِه َحقًّا »يعني الجنة« فِي الت َّ ْوراةِ َو ْ ِ
« َوعْدا ً َ
ومنهم أجراء ،وألجل اإلجارة نزلت الكتب
ص 280
ص 280 :
اإللهية بها بين األجير والمستأجر ،فلو كانوا عبيدا ما كتب الحق كتابا لهم على نفسه
،فإن العبد ال يوقت على سيده ،إنما هو عامل في ملكه ،ومتناول ما يحتاج إليه ،
فاألجراء هم الذين اشترى الحق منهم أنفسهم وأموالهم بالجنة ،وعدا عليه حقا في
ّللا »قال صلهى ه
ّللا عليه وسلم في التوراة واإلنجيل والقرآن« َو َم ْن أ َ ْوفى ِبعَ ْه ِد ِه ِمنَ َّ ِ
ّللا عهد أن
الصلوات الخمس :فمن أتى بهن لم يضيع من حقهن شيئا كان له عند ه
يدخله الجنة فاستبشروا بيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم .
ص 281
ص 281 :
ّللا
الماضية ،ومن هلك من األمم السالفة ،ولما كان المقصود من الجهاد إعالء كلمة ه
ّللا ،جعل النبي صلهى ّللا ،ممن يعبد من دون ه ،في األماكن التي يعلو فيها ذكر غير ه
ّللا
ّللا عليه وسلم سياحة هذه األمة الجهاد ،فإن األرض وإن لم يكفر عليها وال ذكر ه ه
ّللا فيها وكفر فيها أحد من البشر ،فهي أقل حزنا وهما من األرض التي عبد غير ه
عليها ،وهي أرض المشركين والكفار ،فكانت السياحة بالجهاد أفضل من السياحة
ّللا في الجهاد أفضل ّللا عليها وال بد ،فإن ذكر ه بغير الجهاد ،ولكن بشرط أن يذكر ه
من لقاء العدو ،فيضرب المؤمنون رقابهم ،ويضرب الكفار رقاب المؤمنين .وأما
ّللا ،لما في األنس السياحة بالجوالن في األرض على طريق االعتبار والقربة إلى ه
ّللا ،ومن خرق ّللا يشاهدون من آيات ه بالخلق من الوحشة ،فالسائحون من عباد ه
باّلل ،وأنسا به ورحمة بخلقه ، العوائد ما يزيدهم قوة في إيمانهم ونفسهم ومعرفتهم ه
وشفقة عليهم ،فيفتح لهم في بواطنهم في علوم إلهية ال ينالونها إال في هذه المشاهدة ،
وما يحصل لهم من خرق العوائد واالعتبار ،فهم يرون في األرض من اآليات
ّللا
والعجائب واالعتبارات ما دعاهم إلى النظر فيما ينبغي لمالك األرض ،فأنار ه
قلوبهم بأنوار العلوم ،وفتح لهم في النظر في اآليات ،وهي العالمات الدالة على
الرا ِكعُونَ »من رجال ونساء ،هم الذين ّللا تعالى «َّ .
عظمة من انقطعوا إليه وهو ه
ّللا بالركوع ،وهو الخضوع والتواضع هّلل تعالى من حيث هويته سبحانه ، وصفهم ه
ولعزته وكبريائه حيث ظهر من العالم ،لعلمهم بأنها صفة الحق ،ال صفة من تلبس
بها ،فركعوا للصفة ال للعين ،ومن هنا تواضع العارفون للجبارين والمتكبرين من
اجدُونَ »من س ِ العالم للصفة ال لعينهم إذ كان الحق هو مشهودهم في كل شيء «.ال َّ
ّللا بسجود القلوب ،فهم ال يرفعون رؤوسهم ،ال في الدنيا الرجال والنساء ،توالهم ه
وال في اآلخرة ،وهو حال القربة وصفة المقربين قال تعالى «َ :وا ْس ُج ْد َوا ْقت َ ِربْ
اجدِينَ »يريد س ِس ِبه ْح ِب َح ْم ِد َر ِبه َك َو ُك ْن ِمنَ ال َّ »وقال تعالى لنبيه صلهى ه
ّللا عليه وسلم « :فَ َ
الذين ال يرفعون رؤوسهم ،وال يكون ذلك إال في سجود القلب ْ «.اآل ِم ُرونَ بِ ْال َم ْع ُر ِ
وف
باّلل ،إذ كان هو المعروف ،فال فرق ّللا باألمر ه »من رجال ونساء ،هم الذين توالهم ه
باّلل أو اآلمرون بالمعروف ،فهو المعروف الذي ال ينكر بال خالف أن تقول اآلمرون ه
باّلل
في جميع الملل والنحل والعقول ،فاآلمرون بالمعروف هم اآلمرون على الحقيقة ه
،فإنه سبحانه إذا أحب عبده كان لسانه الذي يتكلم به ،واألمر من أقسام الكالم ،فهم
اآلمرون به ألنه لسانهم ،
ص 282
ص 282 :
فهؤالء هم الطبقة العليا في األمر بالمعروف ،وكل آمر بمعروف فهو تحت حيطة هذا
ع ِن ْال ُم ْن َك ِر »وأعالهم طبقة الناهون عن المنكر بالمعروف ، األمر« َوالنَّا ُهونَ َ
والمنكر الشريك الذي أثبته المشركون بجعلهم ،فلم يقبله التوحيد ،وأنكره فصار
ّللا »اعلم أن قوله تعالى ْ «:الحافِ ُ
ظونَ منكرا من القول وزورا َ «.و ْالحافِ ُ
ظونَ ِل ُحدُو ِد َّ ِ
ّللا »إطالق في حقهم وهم على طبقتين :فمنهم من عرف الحدود الذاتية فوقف ِل ُحدُو ِد َّ ِ
عندها ،وذلك العالم الحكيم المشاهد صاحب العين السليمة ،ومنهم من عرف الحدود
الرسمية ،ولم يعلم الحدود الذاتية ،وهم أرباب اإليمان ،ومنهم من عرف الحدود
ّللا على بصيرة من أتباع الرسول الرسمية والذاتية وهم األنبياء والرسل ومن دعا إلى ه
ّللا الذاتية
ّللا عليه وسلم ،فهؤالء هم األولى بأن يطلق عليهم الحافظون لحدود ه صلهى ه
ش ِر ْال ُمؤْ ِم ِنينَ »الصابرين على ذلك ،وهم الذين حبسوا نفوسهم والرسمية معا َ «.وبَ ِ ه
عند الحدود ولم يتعدوها مطلقا .
ص 283
ص 283 :
ّلل تَبَ َّرأ َ ِم ْنهُ »وقد كان إبراهيم في حق أبيه أواها حليما ،ال " فَلَ َّما تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ َ
عد ٌُّو ِ َّ ِ
اآلن ،وقد ورد في الخبر أن إبراهيم يجد أباه بين رجليه في صورة ذيخ ،فيأخذه بيده
فيرمي به في النار ،فانظر ما أثر عند الخليل إيثاره لجناب الحق من عداوة أبيه في
فاّلل يجعلنا ممن آثر الحق على هواه ،وأن يجعل ذلك مناه ،فإن هذا هو ّللا تعالى ،ه ه
ما فعله إبراهيم الخليل عليه السالم في حق أبيه آزر ،عندما تحقق أنه عدو هّلل« ِإ َّن
ّللا ،وكونه ما يم َأل َ َّواهٌ َح ِلي ٌم »األواه هو الذي يكثر التأوه لما يشاهده من جالل ه إِبْرا ِه َ
في قوته مما ينبغي أن يعامل به ذلك الجالل اإللهي ،والتأوه من نعت المحبين ،فيتأوه
ّللا الشهود ،ويتأوه ّللا ،وشفقة على المحجوبين ،فيتأسف على من حرمه ه غيرة على ه
لحبه في محبوبه من أجل ما يراه من عمى الخلق عنه ،فإن من شأن المحبة الشفقة
على المحبوب «َ .ح ِلي ٌم »ببنية المبالغة ،وهي فعيل ،والحلم ال يكون إال مع القدرة
على من يحلم عنه ،فالحلم هو اإلمهال من القادر على األخذ ،فيؤخر األمر ويمهل
وال يهمل ،فإن صاحب العجز عن إنفاذ اقتداره ال يكون حليما ،وال يكون ذلك حلما ،
فال حليم إال أن يكون ذا اقتدار ،فإن العجلة باألخذ عقيب الجريمة دليل على الضجر ،
فالحليم هو الذي ال يعجل مع القدرة وارتفاع المانع ،وحلم العبد من العلم اإللهي
السابق وال يشعر به العبد ،حتى تقوم به صفة الحلم ،فحينئذ يعلم ما أعطاه حكم علم
ّللا في حكمه ،ولهذا إن تقدمه العلم بذلك ال يسمى حليما على جهة التشريف ،فالحق ه
يوصف بالحلم لعدم األخذ ،ال على طريق التشريف ،والعبد ينعت بالحلم لعدم األخذ
ّللا من ذلك ،قبل اتصافه بعدم أيضا ولكن على طريق التشريف ،لجهله بما في علم ه
المؤاخذة واإلمهال من غير إهمال ،فشرف الحق بالعلم ال بالحلم ،وشرف العبد
بالحلم ال بالعلم ،لجهله ذلك .فإن علم قبل قيام صفة الحلم به لم يكن الحلم به تشريفا ،
ولما كانت المخالفة تقتضي المؤاخذة أفسد الحلم حكمها في بعض المذاهب ،ولذلك
يقال :حلم األديم إذا فسد وتشقق ،وكذلك حلم النوم أفسد المعنى عن صورته ،ألنه
ألحقه بالحس وليس بمحسوس ،حتى يراه من ال علم له بأصله ،فيحكم عليه بما رآه
من الصورة التي رآها عليها ،ويجيء العارف بذلك فيعبر تلك الصورة إلى المعنى
الذي جاءت له ،وظهر بها ،فيردها إلى أصلها ،كما أفسد الحلم العلم ،فأظهره في
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم بتأويل رؤياه إلى صورة اللبن ،وليس بلبن ،فرده رسول ه
أصله وهو العلم فجرد عنه تلك الصورة.
ص 284
ص 284 :
[ سورة التوبة ( : ) 9آية ] 115
ع ِلي ٌمش ْي ٍء َ ون إِ هن ه َ
َّللا ِب ُك ِ ّل َ َّللاُ ِليُ ِض هل قَ ْوما ً بَ ْع َد إِ ْذ َهدا ُه ْم َحتهى يُبَ ِيّ َن لَ ُه ْم ما يَتهقُ َ َوما َ
كان ه
( ) 115
ض َّل »يضل أي ّللاُ ِليُ ِ
ّللا إنما هو البيان خاصة ،قال تعالى َ «:وما كانَ َّ الذي على ه
ليحير« قَ ْوما ً بَ ْع َد ِإ ْذ هَدا ُه ْم »في أخذ الميثاق والفطرة التي ولدوا عليها َ «،حتَّى يُبَ ِيهنَ
لَ ُه ْم ما يَتَّقُونَ »
[ الهدى التبياني والهدى التوفيقي ]
فإذا أبان لهم حيرهم ،فمنهم من حيره بالواسطة فشك في النبوة ،وحار فيها ،وما
تحقق أن هذا نبي ،فتوقف في األخذ عنه ،ومنهم من حيره في أصل النبوة هل لها
وجود أم ال ؟
ومنهم من حيره فيما جاء به هذا النبي ،مما تحيله األدلة النظرية ،فأورثهم البيان
اإللهي هذه الحيرة ،وذلك لعدم اإليمان ،فلم يكن لهم نور إيمان يكشف لهم عن حقيقة
ّللا ،وأبان عنه ،فلما أبان الحق ما أبانه لعباده فمنهم من رزقه العلم فعمل به ، ما قاله ه
ّللا العلم فضل وحار وشك وارتاب وتوقف ،فال ضالل إال بعد هداية ومنهم من حرمه ه
،فالهدى في هذه اآلية يحتمل أن يكون الهدى التبياني ،وهو ابتالء ،ال الهدى
التوفيقي ،
ّللا عليه وسلم :ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إال ومن الهدى التبياني قوله صلهى ه
على ِع ْل ٍم »والهدى بمعنى البيان ،قد يعطي ضلَّهُ َّ
ّللاُ َ أوتوا الجدل ،وقوله تعالى َ «:وأ َ َ
السعادة ،وقد ال يعطيها ،إال أنه يعطي العلم وال بد ،أما الهدى التوفيقي فهو الذي
ْت َ ،ول ِك َّن َّ َ
ّللا يعطي السعادة لمن قام به ،وهو قوله تعالى ِ «:إنَّ َك ال ت َ ْهدِي َم ْن أ َ ْحبَب َ
علَي َْك ُهدا ُه ْم »وهذا هو هدى األنبياء .فالهدى ْس َ يَ ْهدِي َم ْن يَشا ُء »وقوله تعالى «:لَي َ
التوفيقي هدى األنبياء عليهم السالم« فَ ِب ُهدا ُه ُم ا ْقت َ ِد ْه »وهو الذي يعطي سعادة العباد وما
باّلل .
توفيقي إال ه
ص 285
ص 285 :
ّللا في كل حال ي ِ »قد ال تكون التوبة من ذنب ،بل يرجع إلى ه علَى النَّبِ ه
ّللاُ َ
تاب َّ" لَقَ ْد َ
في كل طاعة ،فيرجع بالتائب إلى ربه من طاعة إلى طاعة ؛« َو ْال ُم ِ
هاج ِرينَ
ّللا عليه وسلم :إني ألجد نفس الرحمن يأتيني من ّللا صلهى ه
صار »قال رسول ه َو ْاأل َ ْن ِ
ّللا بهم دينه
ّللا ،نصر ه ّللا عنه باألنصار ،فكانت األنصار كلمات ه قبل اليمن ،فنفس ه
وأظهره .
ّللا يُ ِحبُّ الت َّ َّوا ِبينَ »فهذا الحب ما هو األول ،وللعبد حب آخر زائد
قال تعالى ِ «:إ َّن َّ َ
على قوله َ «:ويُ ِحبُّونَهُ »فاألول حب عناية منه ابتداء ،فالتوبة عن محبة منتجة لمحبة
ّللا ،وتاب عليهم فكان هو التائب علىأخرى منه ،فهي بين محبتين متعلقتين بهم من ه
الحقيقة ،والعبد محل ظهور الصفة ،فكانت رجعته عليهم في الدنيا ردهم بها إليه ،
ولذلك قال «ِ :ليَتُوبُوا »فما رجع إليهم إال ليرجعوا ،وكل معلل علهه الحق فإنه واقع ،
ّللا واقع ، كما أنه كل ترج من ه
ص 286
ص 286 :
ّللا على العبد هي التي يعطيه الحق بها اإلنابة إليه ،فإذا رجع فالرجعة األولى من ه
العبد إليه بالتوبة رجع الحق إليه غير الرجوع األول ،وهو الرجوع بالقبول ،ثم قال
اب » وهو لفظ المبالغة إذ كانت له التوبة األولى من قوله «:ث ُ َّم َ
تاب «:أ َ َّن َّ َ
ّللا ُه َو الت َّ َّو ُ
علَ ْي ِه ْم » َ
والثانية من قوله ِ ":ليَتُوبُوا " فالتوبتان له من كل عبد ،فهو التواب ال هم ،ووصف
الر ِحي ُم » الذي يرجع
ّللا تاب « َّّللا تعالى نفسه بأنه التواب ،فما تاب من تاب ولكن ه ه
على عبده في كل مخالفة بالرحمة له ،فيرزقه الندم عليها ،
ّللا عليه ،فلو ال توبة وقد قال صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :الندم توبة ] فيتوب العبد بتوبة ه
فاّلل أكثر رجوعا إلى العباد من العباد إليه ،ألن
ّللا عليهم ما تابوا ،والتوبة الرجوع ،ه ه
برجوعه تعالى إلى العباد يبقي عليهم الوجود بالحفظ اإللهي ،وهو التواب بالرجوع
عليهم بقبول التوبة ،الرحيم بعدم المؤاخذة على الذنب -راجع البقرة آية – 37
-نصيحة -عليك بااللتجاء إلى من تعرف أنه ال يقاوم فإنه يحميك .
ص 287
ص 287 :
[الجهاد من فروض الكفاية ]
الجهاد من فروض الكفاية إذا قام به من يقع به الغناء سقط عن الباقي ،لقوله تعالى «:
ّللا عليه وسلم ما خرج قط إلى ّللا صلهى ه َوما كانَ ْال ُمؤْ ِمنُونَ ِليَ ْن ِف ُروا َكافَّةً »وإن رسول ه
غزو عدو إال وترك بعض الناس في المدينة« فَلَ ْو ال نَفَ َر ِم ْن ُك ِهل فِ ْرقَ ٍة ِم ْن ُه ْم طائِفَةٌ
ِين »الفقه في الدين هو استخراج الحكم في مسئلة من نص ورد في ِليَتَفَقَّ ُهوا ِفي ال هد ِ
الكتاب أو السنة ،يدخل الحكم في هذه المسألة في مجمل ذلك الكالم ،وال يحتاج إلى
قياس في ذلك ،فإن الدين قد كمل وال تجوز الزيادة فيه كما لم يجز النقص ،فالفقه
ّللا عبده في القرآن ،كما قال علي بن أبي طالب على الحقيقة هو الفهم الذي أعطاه ه
ّللا من شاء من عباده في هذا القرآن ،لذلك قال ّللا عنه :ما هو إال فهم يؤتيه ه رضي ه
تعالى َ «:و ِليُ ْنذ ُِروا قَ ْو َم ُه ْم ِإذا َر َجعُوا ِإلَ ْي ِه ْم لَعَلَّ ُه ْم يَ ْحذَ ُرونَ »فأقامهم مقام الرسول صلهى
ّللا على بصيرة كما ّللا عليه وسلم في التفقه في الدين واإلنذار ،وهو الذي يدعو إلى ه ه
ّللا عليه وسلم على بصيرة ،ال على غلبة ظن ،كما يحكم عالم ّللا صلهى ه يدعو رسول ه
ّللا
الرسوم ،فشتان بين من هو فيما يفتي به ويقوله على بصيرة منه في دعائه إلى ه
ّللا بغلبة الظن . وعلى بينة من ربه ،وبين من يفتي في دين ه
ص 288
ص 288 :
اآلية أن ينظر إلى نفسه األمارة بالسوء ،التي تحمله على كل محظور ومكروه وتعدل
ّللا عليها ،وهي أقرب الكفار
به عن كل واجب ومندوب ،للمخالفة التي جبلها ه
واألعداء إليه ،فإذا جاهدها وقتلها أو أسرها حينئذ يصح له أن ينظر في األغيار على
حسب ما يقتضيه مقامه ،فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد اآلخر
في األعداء ،الذي إن قتلت فيه كنت من الشهداء األحياء ،فالهوى هو أقرب الكفار
إليك ،فاشتغل به وإال اشتغل بك فيهدم دينك .
ص 289
ص 289 :
الذي معه اإليمان أو العلم الضروري بوجود الحق الخالق فمرضه عدم اعتقاد صحة
التوحيد وعدم القبول من الشارع ما جاء به من صفات الحق ،فإن توحيد الحق يدرك
باإليمان ويدرك بالنظر« فَزا َدتْ ُه ْم ِر ْجسا ً ِإلَى ِر ْج ِس ِه ْم َوماتُوا َو ُه ْم كافِ ُرونَ »ألنهم على
مزاج ال يصلح إال للنار «فَزا َدتْ ُه ْم ِر ْجسا ً ِإلَى ِر ْج ِس ِه ْم »أي الصفقة من قوله تعالى
واشتروا الضاللة بالهدى ،وهي السورة المنزلة فال بد من الزوائد في الفريقين.
ص 290
ص 290 :
ُف َر ِحي ٌم »فوصف النبي لعلمه بأن شهادته مقبولة وكالمه مسموع« بِ ْال ُمؤْ ِمنِينَ َرؤ ٌ
ّللا عليه وسلم بالرحمة ،وهي رحمة فطر عليها زائدة على الرحمة التي بعث صلهى ه
ناك ِإ َّال َر ْح َمةً ِل ْلعالَ ِمينَ )
س ْل َ
بها ،وهي قوله تعالى َ (:وما أ َ ْر َ
باّلل ،ومن وجه آخر قيده باإليمان ولم يقيد وما من أحد من األمة إال وهو مؤمن ه
اإليمان فهذا تقييد في إطالق ،فإنه قال في اإليمان إنه مؤمن صاحبه بالحق والباطل ،
ّللا عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفا رحيما أن أبان ألمته عن صورة ومن كونه صلهى ه
تجلي الحق لعباده بقول ما قاله نبي ألمته قبله ،كما جاء في حديث الدجال
-مسئلة -االتصاف بأوصاف الحق تعالى التي بها يكون إلها واجب شرعا وعقال
اجتناب هذه األسماء اإللهية معنى وإن أطلقت لفظا ينبغي أن ال تطلق لفظا على أحد
إال تالوة ،
سو ٌل ِم ْن أ َ ْنفُ ِس ُك ْم َ
ع ِز ٌ
يز فيكون الذي يطلقها تاليا حاكيا كما قال تعالى «:لَقَ ْد جا َء ُك ْم َر ُ
ُف َر ِحي ٌم »فسماه عزيزا رؤوفا رحيما علَ ْي ُك ْم بِ ْال ُمؤْ ِمنِينَ َرؤ ٌ
يص َ علَ ْي ِه ما َ
عنِت ُّ ْم َح ِر ٌ َ
ّللا عليه وسلم في نفسه مع ربه عبد ذليل ّللا إياه ونعتقد أنه صلهى ه فنسميه بتسمية ه
خاشع أواه منيب ،فإطالق األلفاظ التي تطلق على الحق من الوجه الصحيح الذي يليق
ّللا إال من حيث أطلقها الحق ال بالجناب اإللهي ال ينبغي أن تطلق على أحد من خلق ه
غير وإن أباح ذلك ،
ّللا عليه وسلم ،فيكون فإن أطلقها العبد على من أطلقها عليه الحق أو الرسول صلهى ه
ّللا عليه وسلم في ذلك اإلطالق ّللا صلهى ه هذا المطلق تاليا أو مترجما ناقال عن رسول ه
،ومن الورع أن ال يطلق على أحد ممن ليس بنبي وال رسول اللفظ الذي اختصوا به ،
ّللا لفظة الورثة والمترجمين ،فيقال من فيطلق على الرسل الذين ليسوا برسل ه
السلطان الفالني إلى السلطان الفالني ترجمان يقول كذا .
ّللا ،ويطلق وكذا ،فال يطلق على المرسل وال المرسل إليه اسم الملك ورعا وأدبا مع ه
ّللا ،فيجتنب هذا اللفظ أدبا وحرمة وورعا ، عليه اسم السلطان ،فإن الملك من أسماء ه
ّللا ،ويطلق على الرسول الذي ويقال السلطان ،إذ كان هذا اللفظ لم يرد في أسماء ه
ّللا
جاء من عنده اسم الترجمان ولم يطلق عليه اسم الرسول ،ألنه أطلق على رسول ه
ّللا عليهم ّللا عليه وسلم ،فيجعل من خصائص النبوة والرسالة أدبا مع رسل ه صلهى ه
السالم ،وإن كان هذا اللفظ أبيح ولم ينه عنه فلزوم األدب أولى
-إشارة -التوحيد في اإلله ،من حيث ما هو إله ،ال من حيث األسماء فإنها للعبيد
واإلماء ،بها يكون التحقق ،وهي المراد بالتخلق ،قد قال في الكتاب الحكيم عن
رسوله الكريم ،إنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ،وقال سبحانه عن نفسه في كالمه القديم
ّللا بكم لرؤف رحيم ،فقد عرفنا ،بأنه وصف ،إن ه
ص 291
ص 291 :
نفسه بما وصفنا ،فلو ال صحة القبول منا ،ما أخبر بذلك عنا ،وخبره صدق ،وقوله
حق ،فالمشاركة في الصفات ،دليل على تباين الذوات ،فالحق تعالى يرى صورته
في مرآة اإلنسان الكامل ،ومعنى يرى صورة الحق فيه إطالق جميع األسماء اإللهية
وّللا الرازق ،
وّللا الناصر ،وبهم ترزقون هعليه ،كما جاء في الخبر فبهم تنصرون ه
وّللا الراحم ،وقد ورد في القرآن فيمن علمنا كماله واعتقدنا ذلك فيه
وبهم ترحمون ه
أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ،فالتخلق باألسماء ،يقول به جميع العلماء .
[ توحيد االستكفاء ]
« ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو »وهذا هو التوحيد الحادي عشر ،وهو توحيد االستكفاء ،وهو من
علَى ْال ِب ِ هر َوالت َّ ْقوى »فأحالنا علينا بأمره
توحيد الهوية لما قال تعالى «َ :وتَعا َونُوا َ
فبادرنا المتثال أمره ،فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد
صاحبه إلى ربه في ذلك ،ويستكفي به فيما كلفه ،
وهو قوله ( :واستعينوا باهلل ) خطاب تحقيق « عليه توكلت » التوكل اعتماد القلب
ّللا تعالى مع عدم االضطراب عند فقد األسباب الموضوعة في العالم ،التي من على ه
شأن النفوس أن تركن إليها ،فإن اضطرب فليس بمتوكل ،وهو من صفات
المؤمنين« َو ُه َو َربُّ ْالعَ ْر ِش ْالعَ ِظ ِيم »
فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم األجسام وأنت من حيث جسميتك أقل
ّللا حسبه انقلبباّلل ،الذي هو رب مثل هذا العرش ،ومن كان ه األجسام فاستكف ه
وّللا ذو فضل
ّللا ،هّللا وفضل لم يمسسه سوء ،وجاء في ذلك بما يرضي ه بنعمة من ه
عظيم على من جعله حسبه.
ص 292
ص 292 :
) ( 10سورة يونس مكيّة
الرحيم
الرحمن ّ َّللا ّ بسم ّ
[ سورة يونس ( : ) 10اآليات 1إلى ] 2
يمالر ِح ِ
من ه الرحْ ِ َّللا ه
س ِم ه ِ ِب ْ
ع َجبا ً أ َ ْن أ َ ْو َح ْينا ِإلى َر ُج ٍل ِم ْن ُه ْم أ َ ْن اس َ يم ( ) 1أ َ َ
كان ِللنه ِ ب ا ْل َح ِك ِ
الر ِت ْلكَ آياتُ ا ْل ِكتا ِ
ون إِ هن هذا ِين آ َمنُوا أ َ هن لَ ُه ْم قَ َد َم ِصد ٍ
ْق ِع ْن َد َر ِبّ ِه ْم قا َل ا ْلكافِ ُر َ ش ِر الهذ َ
اس َوبَ ِ ّ أ َ ْنذ ِِر النه َ
ين ( ) 2 ساح ٌر ُمبِ ٌ لَ ِ
ق ِع ْن َد َر ِبه ِه ْم ص ْد ٍش ِر الَّذِينَ آ َمنُوا »وهم أهل السعادة[ قدم صدق ]« أ َ َّن لَ ُه ْم قَ َد َم ِ « َوبَ ِ ه
ّللا ،وصحت لهم هذه القدم قبل كونهم حيث ال »أي سابق عناية عند ربهم في علم ه
ّللا ،خصوصية منه جل عاله لهم ،وهي الرحمة التي كتبها على نفسه ، قبل في علم ه
وقدم الصدق هذه تعطي ثبوت أهل الجنات في جناتهم ،ولهذا قال في أهل الجنان
ق ِع ْن َد َر ِبه ِه ْم ص ْد ٍ عطاء غير مجذوذ ،فما وصفه باالنقطاع ،فقال تعالى « :أ َ َّن لَ ُه ْم قَ َد َم ِ
»أي سابقة بأمر قد أعلمهم به قبل أن يعطيهم ذلك ،ثم أعطاهم فصدق فيما وعدهم به
ّللا
،واعلم أن من المتشابه صفة القدم ،فإنه ثبت في الصحيح من حديث أنس رضي ه
عنه ،قال :
ّللا عليه وسلم [ :ال تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع ّللا صلهى ه قال رسول ه
فيها رب العزة قدمه ،فتقول قط قط وعزتك ]
ّللا تعالى هي ظلل غمام الشريعة ،وأن وجهه وقد مهدنا أن الصورة المنسوبة إلى ه
منها هو بارق نور التوحيد ،ومظهره اإلخالص ،وعلى هذا فالقدم هي نور اإليمان ،
ومظهره الصدق ،وهذا هو القدم الذي تستغيث النار من نوره كما جاء في حديث أبي
سمية ،
ّللا عنه عن الورود ، ّللا رضي ه قال :سألت جابر بن عبد ه
ّللا عليه وسلم يقول : ّللا صلهى ه قال :سمعت رسول ه
[ الورود الدخول ،ال يبقى بر وال فاجر إال دخلها ،فتكون على المؤمنين بردا وسالما
،كما كانت على إبراهيم ،حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ]
ّللا عليه وسلم ّللا صلهى ه ّللا عنه ،قال :قال رسول ه وفي حديث يعلى رضي ه
[ إن النار لتنادي جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي ] أخرجهما
ص 293
ص 293 :
ّللا محمد الترمذي الحكيم ،وذكر القرطبي حديث يعلى عن أبي بكر النخاد ، أبو عبد ه
وهذا يحقق أن القدم فيما ذكرناه أمران :أحدهما أن نور اإليمان يكفر جميع أسباب
الكفر والمعاصي ،وهي أسباب ،فكما يطفئ أسبابها في الدنيا ،فكذلك حقيقته تطفئ
حقيقتها في اآلخرة ،والثاني نسبته إلى رب العزة ،وهو صاحب العزة ومالكها ،
والعزة إن كانت جميعا هّلل تعالى بمقتضى
ّللف ْال ِع َّزة ُ َج ِميعا ً )لكنه قد نسبها لرسوله وللمؤمنين قوله تعالى ِ َّ ِ َ (:
سو ِل ِه َو ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ ) فما من مؤمن إال وهو صاحب
ّلل ْال ِع َّزة ُ َو ِل َر ُ
في قوله تعالى َ (:و ِ َّ ِ
العزة ،فإذا وضع قدمه حق للنار أن تضج منه وتنزوي وتنطفئ نارها بما له من نور
العزة ،
ّللا عنه عند مسلم [ فأما النار فال تمتلئ حتى يضع وجاء في حديث أبي هريرة رضي ه
ّللا تبارك وتعالى رجله فتقول :قط قط ،فهناك تمتلئ وتنزوي بعضها إلى بعض ، ه
ّللا من خلقه أحدا ] فال يظلم ه
وذكر الحديث ،وهو غير مناف لما ذكرناه ،ومرجعه للحديث الصحيح [ وال يزال
عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به -إلى
قوله -ورجله التي يمشي بها ]
ّللا تعالى ، فإنه يقتضي تحقق رجل المؤمن بنور التوحيد ،حتى تكون منسوبة إلى ه
وحينئذ فهو موافق لما تقدم من القدم ،وانزواؤها بعضها إلى بعض فيه حكمتان :
إحداهما أنها عندما تضج بسبب نور العزة من أقدام المؤمنين ،فيخرجون منها ،لخلو
مواضعهم ،فلو بقيت كذلك لما كانت مملوءة ،وهو مناف لقوله تعالى (َ :أل َ ْم َأل َ َّن َج َهنَّ َم
) *اآلية ،
وأيضا ربما كان في ذلك تخفيف على أهلها ،فاقتضت الحكمة أنها حينئذ تنضم
وتجتمع على أهلها المتكبرين وتمتلئ بهم ،تحقيقا للوعيد وزيادة في العذاب ،والحكمة
الثانية أنها لو بقيت مواضع المؤمنين خالية من النار ،لم يتم لهم سرورهم باألمن منها
ّللا وعدها أنه يملؤها ،فربما توقعوا اإلعادة ،فكان في انزوائها ،لعلمهم بأن ه
وانضمامها على أهلها وامتالئها بهم تأمين للمؤمنين ،كما ذبح الموت بين الفريقين
تحقيقا للخلود -إشارة -اعلم أن نعلي قدم الصدق هما الخوف والرجاء [ راجع قوله
تعالى لموسى عليه السالم ( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس ) سورة طه آية رقم (
. ] ) 12
ص 294
ص 294 :
علَى ْالعَ ْر ِش »العرش له اإلحاطة باألجسام ،وله راجع األعراف آية «54ث ُ َّم ا ْستَوى َ
األولية في األفالك فما تحتها ،فهو األول المحيط ،فاختاره الحق لالستواء لما بين
ّللا ملكه ،والسماوات الصفتين ،وإن كان العرش هو الملك ،فكل شيء ما سوى ه
واألرض في جوف الكرسي كحلقة في فالة ،والكرسي في جوف العرش كحلقة في
فالة« يُ َد ِبه ُر ْاأل َ ْم َر »اعلم أن حكم المدبر في األمور إحكامها في موضع الجمع والشهود
،وإعطاؤها ما تستحقه ،وهذا كله قبل وجودها في أعيانها ،فالتدبير هو التقدير ،
فقوله تعالى« يُ َد ِبه ُر ْاأل َ ْم َر »يعني أن الحق على الحقيقة هو مدبر العالم ،وما وصف
نفسه بذلك إال ليعرفنا أنه ما عمل شيئا إال ما تقتضيه حكمة الوجود ،وأنه أنزله
موضعه الذي لو لم ينزله فيه لم يوف الحكمة حقها ،فلم يزل الحق في أزله مدبرا ،
وال بد أن يكون تدبيره في مدبهر معيهن له ،وليس إال أعيان الممكنات ،فهي مشهودة
له في حال عدمها ،فإنها ثابتة ،فيدبر فيها ما يكون من تقدم بعضها على بعض ،
وتأخرها في تكوين أعيانها وصور ما توجد فيها ،وهنالك هو سر القدر الذي أخفى
ّللا تعالى علمه عن خلقه ،حتى يظهر الحكم به في الصور الموجودة في رأي العين« ه
ش ِفي ٍع ِإ َّال ِم ْن بَ ْع ِد ِإ ْذنِ ِه »األنبياء والمؤمنون يشفعون في أهل اإليمان ،وأهل ما ِم ْن َ
اإليمان طائفتان :منهم المؤمن عن نظر وتحصيل دليل ،وهم الذين علموا اآليات
والدالالت والمعجزات ،وهؤالء هم الذين يشفع فيهم النبيون ،ومنهم المؤمن تقليدا بما
أعطاه أبواه إذ ربياه أو أهل الدار التي نشأ فيها ،فهذا النوع يشفع فيهم المؤمنون كما
أنهم أعطوهم اإليمان في الدنيا بالتربية ،وأما المالئكة فتشفع فيمن كان على مكارم
األخالق في الدنيا وإن لم يكن مؤمنا ،وما ثم شافع رابع ،وبقي من يخرجه أرحم
الراحمين من النار ،وهم الذين ما عملوا خيرا قط ،ال من جهة اإليمان وال بإتيان
ّللاُ َربُّ ُك ْم
مكارم األخالق ،غير أن العناية سبقت لهم أن يكونوا من أهل الجنة« ذ ِل ُك ُم َّ
فَا ْعبُدُوهُ أ َ فَال تَذَ َّك ُرونَ ».
ص 295
ص 295 :
[سورة يونس ( : ) 10آية ] 4
ي الهذ َ
ِين آ َمنُوا َوع َِملُوا ق ث ُ هم يُ ِعي ُدهُ ِليَجْ ِز َ
َّللا َحقًّا إِنههُ يَ ْب َدؤُا ا ْل َخ ْل َ
إِلَ ْي ِه َم ْر ِجعُ ُك ْم َج ِميعا ً َو ْع َد ه ِ
َذاب أ َ ِلي ٌم ِبما كانُوا يَ ْكفُ ُر َ
ون يم َوع ٌ َراب ِم ْن َح ِم ٍ ِين َكفَ ُروا لَ ُه ْم ش ٌ س ِط َوالهذ َت ِبا ْل ِق ْ
صا ِلحا ِ ال ه
()4
[ « ِإنَّهُ يَ ْب َدؤُا ْالخ َْلقَ » ]
« إِنَّهُ يَ ْب َدؤُا ْالخ َْلقَ »ما سمي الخلق خلقا إال بما يخلق منه ،فالخلق جديد ،وفيه حقيقة
اختالق ،ألنك تنظر إليه من وجه فتقول :هو حق ،وتنظر إليه من وجه فتقول :هو
خلق ،وهو في نفسه ال حق وال غير حق ،فإطالق الحق عليه والخلق كأنه اختالق ،
فغلب عليه هذا الحكم فسمي خلقا ،وانفرد الحق باسم الحق« ث ُ َّم يُ ِعي ُدهُ »اإلعادة تكرار
األمثال أو العين في الوجود ،وذلك جائز وليس بواقع ،أعني تكرار العين ،لالتساع
اإللهي ،ولكن اإلنسان في لبس من خلق جديد ،فهي أمثال يعسر الفصل فيها لقوة
الشبه ،فاإلعادة إنما هي في الحكم ،مثل السلطان يولي واليا ثم يعزله ،ثم يوليه بعد
عزله ،فاإلعادة في الوالية ،والوالية نسبة ال عين وجودي ،أال ترى اإلعادة يوم
ّللا عليه وسلم قد ميهز بين نشأة الدنيا القيامة إنما هي في التدبير ،فإن النبي صلهى ه
والنشأة اآلخرة ،والروح المدبهر لنشأة الدنيا عاد إلى تدبير نشأة اآلخرة ،فهي إعادة
حكم ونسبة ال إعادة عين فقدت ثم وجدت ،فاألعيان التي هي الجواهر ما فقدت من
الوجود حتى تعاد إليه ،بل لم تزل موجودة العين ،وال إعادة لموجود في الوجود فإنه
موجود ،وإنما هي هيئات وامتزاجات نسبية ،فال إعادة في الكون ،وإنما اإلعادة في
نشء اآلخرة إعادة حكم إلهي في حق أمر مخصوص ،بمنزلة من خرج من دار ثم
عاد إليها ،فالدار الدار والخارج الداخل ،وما ث هم إال انتقال في أحوال ال ظهور أعيان
،مع صحة إطالقها أن الخارج من الدار عاد إلى داره .
ص 296
ص 296 :
ضيا ًء »تضيء كل ما أشرقت عليه ،فهي ضياء لوجود روح س ِ " ُه َو الَّذِي َجعَ َل ال َّ
ش ْم َ
ّللا ضياء يكشف به كل ما تنبسط عليه لمن كان له بصر الحياة في العالم كله ،وجعلها ه
،فإن الكشف إنما يكون بضياء النور ال بالنور ،فإن النور ما له سوى تنفير الظلمة ،
ّللا تعالى
وبالضياء يقع الكشف ،فالضوء ال يكون معه حجاب عما يكشفه ،فجعل ه
الشمس ضياء ،فهي ضياء بالجعل نور بالذات ،كما جعل « ْالقَ َم َر نُورا ً »فهو نور
بالجعل وهو بالذات محو«
ساب «» والقمر » ولم يسمه بدرا وال هالال ، سنِينَ َو ْال ِح َ
ع َد َد ال ِ هناز َل ِلت َ ْعلَ ُموا َ
َوقَد ََّرهُ َم ِ
ناز َل
فإنه في هاتين الحالتين ما له سوى منزلة واحدة ،بل اثنتين ،فال يصدق قوله« َم ِ
»إال في القمر ،فللقمر درج التداني والتدلي ،وله األخذ بالزيادة والنقص ،فهو يتغير
ناز َل » في أحواله نورا« َوقَد ََّرهُ َم ِ
مقادير التقسيم التي في فلك البروج عيهنها الحق تعالى لنا ،إذ لم يميزه البصر بهذه
المنازل المعينة في الفلك المكوكب ،واسمه فلك المنازل ،
وهو من تقدير العزيز العليم ،وجعلها ثماني وعشرين منزلة ،مقسمة على اثني عشر
برجا ،فكل برج منزلتان وثلث ،
والقمر أحد السبعة ،الجواري السبع التي في السماوات السبع ،والتي تقطع في فلك
البروج بين سريع وبطيء ،ويوم كل كوكب منها بقدر قطعه فلك البروج ،
وأسرعها قطعا القمر ،فإن يومه ثمانية وعشرون يوما من أيام الدورة الكبرى التي
تقدر بها هذه األيام ،وهي األيام المعهودة عند الناس ،فأقصر أيام الكواكب يوم القمر
،
ومقداره ثمانية وعشرون يوما مما تعدون ،واعلم أن أصغر األيام هي التي نعدها
حركة الفلك المحيط ،الذي يظهر في يومه الليل والنهار ،فأقصر يوم عند العرب
وهو هذا ،ألكبر فلك ،وذلك لحكمه على ما في جوفه من األفالك ،إذ كانت حركة ما
دونه في الليل والنهار حركة قسرية له ،قهر بها سائر األفالك التي يحيط بها ،
ولكل فلك حركة طبيعية تكون له مع الحركة القسرية ،فكل فلك دونه ذو حركتين في
وقت واحد ،حركة طبيعية وحركة قسرية ،ولكل حركة طبيعية في كل فلك يوم
مخصوص ،يع هد مقداره باأليام الحادثة عن الفلك المحيط ،المعبر عنه
بقوله تعالى ِ (:م َّما تَعُ ُّدونَ ) *وكلها تقطع في الفلك المحيط ،فكلما قطعته على الكمال
كان يوما لها ،ويدور الدور ،فأصغر األيام منها هو ثمانية وعشرون يوما مما تعدون
،وهو مقدار قطع حركة القمر في الفلك المحيط ،
ّللا هذه الكواكب السبعة في السماوات ليدرك البصر قطع فلكها في الفلك ونصب ه
المحيط لنعلم عدد السنين والحساب ،فلكل كوكب منها يوم
ص 297
ص 297 :
مقدهر ،يفضل بعضها على بعض ،على قدر سرعة حركاتها الطبيعية أو صغر
ساب »بسير القمر في منازله والشمس فيها -فلك سنِينَ َو ْال ِح َ ع َد َد ال ِ هأفالكها « ِلت َ ْعلَ ُموا َ
المنازل -راجع سورة يس آية – 39 -
ص ُل ْاآليا ِ
ت ِلقَ ْو ٍم يَ ْعلَ ُمونَ ». ّللاُ ذ ِل َك ِإ َّال ِب ْال َح ه ِ
ق يُفَ ِ ه « ما َخلَقَ َّ
ص 298
ص 298 :
فال أسخط عليكم أبدا ،فالحمد هّلل له التأخير في األمور ،فهي تمأل الميزان ،فإن آخر
ّللا وبحمده ،فبها يمتلئ ،فالتحميد يأتي عقيب األمور ،
ما يجعل في الميزان سبحان ه
ففي السراء يقال ( :الحمد هلل المنعم المفضل )
وفي الضراء يقال ( :الحمد هلل على كل حال ) .
ص 299
ص 299 :
ّللاُ ما تَلَ ْوتُهُ " قُ ْل "أمر من الحق تعالى إلى نبيه صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،فقال «،لَ ْو شا َء َّ
علَ ْي ُك ْم َوال أ َ ْدرا ُك ْم بِ ِه »ولكنه شاء فتلوته عليكم وأدراكم به ،يقول :فهمكم إياه فعلمتم
َ
أنه الحق .
ص 300
ص 300 :
ما قدم تعالى البر على البحر وتهمم بتقديمه إال ليعلم أنه من قدر على البر ال يسافر في
البحر إال من ضرورة ،فلو ال أن هّلل فيه سرا ما قدمه وما أخر البحر ،إال إذا لم يجد
ّللا رأى خيرا في حركاته ،وكان المسافر سبيال إلى البر ،فإنه من التزم تقديم ما قدم ه
ّللا عنه يقول :لوال هذه اآلية ثم يتلو« ُه َو الَّذِي يُ َ
س ِيه ُر ُك ْم فِي عمر بن الخطاب رضي ه
ْالبَ ِ هر َو ْالبَ ْح ِر »لضربت بالدرة من سافر في البحر .
ت ِل ُك ِهل ولو لم يكن في اإلشارة إلى ترك السفر إال قوله في ذلك ( إِ َّن فِي ذ ِل َك َآليا ٍ
ور ) * ش ُك ٍ َّار َصب ٍ َ
ط ِيهبَ ٍة َوفَ ِر ُحوا بِها يح َ لكانت هذه اآلية كافية« َحتَّى ِإذا ُك ْنت ُ ْم فِي ْالفُ ْل ِك َو َج َريْنَ بِ ِه ْم بِ ِر ٍ
ط ِب ِه ْم "باألخذ ،من ظنُّوا أَنَّ ُه ْم أ ُ ِحي َ ف َوجا َء ُه ُم ْال َم ْو ُج ِم ْن ُك ِهل َم ٍ
كان َو َ عاص ٌ
ِ جا َءتْها ِري ٌح
أحاط بهم العدو ،فال يجدون مفلتا وال منفذا"
ّللا غير المعتادة تنبهوا من غفلتهم ، صينَ لَهُ ال هدِينَ »عندما رأوا آيات ه ّللا ُم ْخ ِل ِ
ع ُوا َّ َ
َد َ
ّللا مخلصين له الدين« لَئِ ْن أ َ ْن َج ْيتَنا ِم ْن ه ِذ ِه »اآلية ،وهو ما وقع بهم من العذاب فدعوا ه
شا ِك ِرينَ ». والهالك «لَنَ ُكون ََّن ِمنَ ال َّ
ص 301
ص 301 :
النار( يا لَ ْيتَنا نُ َر ُّد ) يقول تعالى( َولَ ْو ُردُّوا لَعادُوا ) كما عاد أصحاب الفلك إلى شركهم
وبغيهم بعد إخالصهم هّلل« ث ُ َّم ِإلَيْنا َم ْر ِجعُ ُك ْم فَنُنَ ِبهئ ُ ُك ْم بِما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع َملُونَ ».
ص 302
ص 302 :
[سورة يونس ( : ) 10آية ] 26
ق ُو ُجو َه ُه ْم قَت َ ٌر َوال ِذلهةٌ أُولئِكَ أَص ُ
ْحاب ا ْل َجنه ِة سنى َو ِزيا َدةٌ َوال يَ ْر َه ُ ِين أَحْ َ
سنُوا ا ْل ُح ْ ِللهذ َ
ُون) ( 26 ُه ْم فِيها خا ِلد َ
سنُوا »باألعمال« ْال ُحسْنى »بما لهم من األجور ،بل بما لألعمال من " ِللَّذِينَ أ َ ْح َ
األجور ،فمعيهن لمعيهن ،وهو الحد ،الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف "
فللذين أحسنوا الحسنى » جزاء ،وزاد غير معيهن فقالَ " :و ِزيا َدة ٌ "
سن َِزي ُد ْال ُم ْح ِسنِينَ ) وهو ما جاوز الحد ،فزيادة اإلحسان بعد وهو قوله تعالى َ (:و َ
العدل ،وهو الفضل ما زاد على المثل ،وهو ما لم يخطر بالبال ،
ّللا عليه وسلم [ :إن في الجنة ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر قال صلهى ه
على قلب بشر ] فال بد أن يكون غير معلوم للبشر.
ص 303
ص 303 :
ّللاُ َربُّ ُك ُم ْال َح ُّق »فهذا توحيد أشار به الحق ،يدل عليه إما العقل السليم أو " فَذ ِل ُك ُم َّ
الشرع المعصوم ،فإذا لم يكن حقا« فَما ذا بَ ْع َد ْال َح ه ِ
ق ِإ َّال الضَّال ُل »وليس إال الخلق ،
والضالل حيرة ،فالحق الوجود والضالل الحيرة ،وبالخلق ظهر حكم الضالل ،ففي
ص َرفُونَ »أي كيف تصرفون عن معرفة هذه الحقائق ، الخلق تاه الخلق « ،فَأَنَّى ت ُ ْ
ومن صرف عن الحق أين يذهب ؟ فما عدا هذين القرينين العقل والشرع ،يقول
بخالف ذلك ويصرف األلوهية إلى ما يراه .
ص 304
ص 304 :
[ سورة يونس ( : ) 10اآليات 35إلى ]36
ق أ َ فَ َم ْن يَ ْهدِي إِلَى ا ْل َح ّ ِ
ق ق قُ ِل ه
َّللاُ يَ ْهدِي ِل ْل َح ّ ِ قُ ْل َه ْل ِم ْن ش َُركائِ ُك ْم َم ْن يَ ْهدِي إِلَى ا ْل َح ّ ِ
ون ( َ ) 35وما يَت ه ِب ُع ف تَحْ ُك ُم َ ق أ َ ْن يُتهبَ َع أ َ هم ْن ال يَ ِه ّدِي ِإاله أ َ ْن يُهْدى فَما لَ ُك ْم َك ْي َ أ َ َح ُّ
ون ) ( 36 ع ِلي ٌم ِبما يَ ْفعَلُ َ ش ْيئا ً ِإ هن ه َ
َّللا َ ق َظ هن ال يُ ْغنِي ِم َن ا ْل َح ّ ِ أ َ ْكث َ ُر ُه ْم ِإاله َظنًّا ِإ هن ال ه
اعلم أنه من أقام في نفسه معبودا يعبده على الظن ال على القطع ،خانه ذلك الظن وما
ّللا شيئا . أغنى عنه من ه
ص 305
ص 305 :
[ سورة يونس ( : ) 10اآليات 43إلى ] 44
ي َولَ ْو كانُوا ال يُ ْب ِص ُر َ
ون ( ) 43إِ هن ه َ
َّللا ال ظ ُر إِلَ ْيكَ أ َ فَأ َ ْنتَ ت َ ْهدِي ا ْلعُ ْم َ
َو ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْن ُ
ون ( ) 44 اس أ َ ْنفُ َ
س ُه ْم يَ ْظ ِل ُم َ ش ْيئا ً َول ِك هن النه َ اس َ يَ ْظ ِل ُم النه َ
شيْئا ً »كلمة تحقيق ،فإن الناس ال يملكون شيئا حتى يكون من اس َ ّللا ال يَ ْ
ظ ِل ُم النَّ َ « ِإ َّن َّ َ
ّللا ،ومن
يأخذ منهم بغير وجه حق غاصبا ،فكل ما يقال فيه إنه ملك لهم فهو ملك ه
ظ ِل ُمونَ »فكنى سبحانه عن نفسه « بأنفسهم » لماس ُه ْم يَ ْ
اس أ َ ْنفُ َ
ذلك أعمالهم« َول ِك َّن النَّ َ
ّللا عليهم التصرف فيه وقع الظلم في العالم ،فلو كان ما عند الناس ملكا لهم ما حجر ه
،وال ح هد لهم فيه حدودا متنوعة ،فهذا يدلك على أن أفعال المكلهف ما هي له إنما هي
ّللا إال
هّلل ،فالظلم على الحقيقة في الناس دعواهم فيما ليس لهم أنه لهم ،فما عاقبهم ه
على دعواهم الكاذبة .
ص 306
ص 306 :
خلقوا له ،ويعلمهم بما للحق عليهم أن يفعلوه ،وما لهم إذا فعلوا ذلك من الخير عند
ّللا في الدار الدنيا إذا
ّللا في الدار اآلخرة ،وما ذا عليهم إذا لم يفعلوا من العقوبة عند ه
ه
علم والة أمورهم بذلك وفي اآلخرة .
ص 307
ص 307 :
[ الموت والحياة ]
سمي الحق محييا لكون حياة األشياء من فيض اسم الحي كنور الشمس من الشمس
المنبسط على األماكن ،ولم تغب األشياء عنه ال في حال ثبوتها وال في حال وجودها
،فالحياة لها في الحالتين مستصحبة ،فهو يحيي ويميت ،وليس الموت بإزالة الحياة
منه في نفس األمر ،ولكن الموت عزل الوالي وتولية وال ،ألنه ال يمكن أن يبقى
العالم بال وال يحفظ عليه مصالحه لئال يفسد ،فالموت عبارة عن انتقال وعزل ،أال
ترى إلى الميت يسأل ويجيب إيمانا وحقيقة ،وأنت تحكم عليه في هذه الحال عينا أنه
ميت ،وما أزال عنه اسم الموت السؤال ،فلو ال أنه حي في حال موته ما سئل ،
فليس الموت بضد للحياة ،فبالحياة يسبح كل شيء ،والميت مسبح حيث أنه شيء ،
فالموت عبارة عن االنتقال من منزل الدنيا إلى منزل اآلخرة ،ما هو عبارة عن إزالة
ّللا أخذ بأبصارنا فال ندرك حياته ،فالميت ينتقل
الحياة منه في نفس األمر ،وإنما ه
وحياته باقية عليه ال تزول ،وإنما يزول الوالي وهو الروح عن هذا الملك الذي و هكله
ّللا بتدبيره أيام واليته عليه ،والميت عندنا يعلم من نفسه أنه حي ،وإنما تحكم عليه
ه
بأنه ليس بحي لوقوفك مع بصرك ومع حكمك في حاله قبل اتصافه بالموت ،من
حركة ونطق وتصرف وقد أصبح متصرفا فيه ،فالموت انتقال خاص على وجه
مخصوص .
ص 308
ص 308 :
ألمره إياك بالفرح تجن ثمرة أداء الواجب في الفرح
[ -تحقيق حزن القلب ]
-تحقيق -ومن تحقق هذه اآلية تراه أبدا حزين القلب ما دام في الدنيا إلى الموت ،
وإن فتح له ما يقع له به الفرح فإنه يرى ما عليه من الشكر هّلل فيما فتح له فيه ،فيعظم
حزنه أشد مما كان فيه قبل الفتح ،ومن كان في مقام يريد أن يوفيه حقه ال يمكن أن
يفرح إال بعد أن ال يبقى عليه من حقه شيء ،وال يزال هذا الحق المعيهن على المكلف
ّللا ورحمته عليه إلى آخر نفس يكون عليه في الدنيا ،فإنه ال يفرح إالالمبشر بفضل ه
عند خروجه ،فإنه ال يسقط عنه التكليف إال بعد رحلته من دار التكليف ،وهي الدار
الدنيا .
ص 309
ص 309 :
في نظره إليه ،فإن األحوال تطلب األحكام المنزلة في الدنيا ،لهذا نزلت الشرائع على
األحوال والمخاطبون أصحابها .
ّللا تعالى لم يقل في اآلخرة ،فالوليعلَ ْي ِه ْم َوال ُه ْم يَ ْحزَ نُونَ » مطلقا ،فإن ه
ف َ"ال خ َْو ٌ
من كان على بينة من ربه في حاله ،فعرف مآله بإخبار الحق إياه على الوجه الذي
يقع به التصديق عنده ،وبشارته حق وقوله صدق وحكمه ،فالقطع حاصل ،فالمراد
ّللا كما قال تعالى ،وأي خوف وحزن يبقى مع بالولي من حصلت له البشرى من ه
البشرى بالخبر الذي ال يدخله تأويل ،فهذا هو الذي أريد بالولي في هذه اآلية ،واعلم
ّللا يختص بها من يشاء من عباده ،وقد أغلق ذلك الباب أن النبوة اختصاص من ه
ّللا محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،والوالية مكتسبة إلى يوم القيامة ،فمن وختم برسول ه
ّللا ،يختصتعمل في تحصيلها حصلت له ،والتعمل في تحصيلها اختصاص من ه
برحمته من يشاء ،فاألولياء هم والة الحق على عباده ،والخواص منهم األكابر يقال
لهم رسل وأنبياء ،ومن نزل عنهم بقي عليه اسم الوالية ،فالوالية الفلك المحيط
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم وقد قيل له :يا الجامع للكل ،وأما صفتهم فقد قال رسول ه
ّللا الذين ال خوف عليهم وال هم يحزنون ؟ فقال :الذين نظروا ّللا من أولياء ه رسول ه
إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها ،واهتموا بآجل الدنيا حين اهتم الناس
بعاجلها ،فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم ،وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم ،فما
عرضهم من نائلها عارض إال رفضوه ،وال خادعهم من رفعتها خادع إال وضعوه ،
خلقت الدنيا عندهم فما يجددونها ،وخربت بيوتهم فما يعمرونها ،وماتت في
صدورهم فما يحيونها ،بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ،ويبيعونها فيشترون بها ما
بقي لهم ،ونظروا إلى أهلها صرعى قد حلهت بهم المثالت ،فما يرون أمانا دون ما
يرجون ،وال خوفا دون ما يحذرون -رقيقة -اعلم أنه على قدر ما يخرج به العبد من
عبوديته ينقصه من تقريبه من سيده ،ألنه يزاحمه في أسمائه ،وأقل المزاحمة
االسمية ،والولي من أسمائه سبحانه ،فالذي ينبغي للعبد أن ال يزيد على هذا االسم
ّللا قد أطلق عليه اسما
ّللا ألسنة الخلق عليه بأنه ولي هّلل ورأى أن ه غيره ،فإن أطلق ه
أطلقه تعالى على نفسه فال يسمعه ممن يسميه به إال على أنه بمعنى المفعول ال معنى
الفاعل ،حتى يشم فيه
ص 310
ص 310 :
رائحة العبودية ،فإن بنية فعيل قد تكون بمعنى الفاعل ،واالسم الولي الذي قد تسمى
ّللا بمعنى الفاعل ،فينبغي أن ال ينطلق ذلك االسم على العبد ،وإن أطلقه الحق
به ه
عليه فذلك إليه تعالى ،ويلزم اإلنسان عبوديته وما يختص به من األسماء التي ال
تنطلق قط على الحق لفظا .
ص 311
ص 311 :
ّللا أن الرسل ولو بنفس واحد ،فيحصل المقصود ،وقد علمنا في الدنيا بإعالم ه
واألنبياء ومن عينته الرسل بالبشرى أنه سعيد ،فبشارة الحق ال يدخلها نسخ ،فيؤمن
ّللا عليه وسلم جماعة بالجنة شر النبي صلهى ه بوجودها المكر إذا كانت نصا ،وقد ب ه
وعاشوا بعد ذلك زمانا طويال ،فهذه صورة للبشرى بخالف بشرى المحتضر ،
صراطٍ ُم ْست َ ِق ٍيم ) على ِ آخذٌ ِب ِ
ناصيَ ِتها ِإ َّن َر ِبهي َ ومثل قوله تعالى (:ما ِم ْن َدابَّ ٍة ِإ َّال ُه َو ِ
ّللا لنا في الحياة الدنيا ،وللعارفين فكان تعريف الحق إيهانا بما قاله رسوله بشرى من ه
مقام اآلخرة في الدنيا فلهم الكشف والمشاهدة ،وهما أمران يعطيهما عين اليقين ،وهو
أتم مدارك العلم ،فالعلم الحاصل عن العين له أعظم اللذات في المعلومات المستلذة ،
فهم في اآلخرة حكما وفي الدنيا حسا ،وهم في اآلخرة مكانة وفي الدنيا مكانا « َوفِي
ْاآل ِخ َر ِة »من القبر إلى الجنة ،وما بينهما منازل اآلخرة ،فهو نعيم متصل ،ولما
ّللا » ّللا قال تعالى «:ال ت َ ْبدِي َل ِل َك ِلما ِ
ت َّ ِ كانت البشرى من كلمات ه
ي ) أي قولنا واحد ال يقبل التبديل . هو قوله تعالى (:ما يُبَ َّد ُل ْالقَ ْو ُل لَ َد َّ
ص 312
ص 312 :
الحسن ،ومن عالمته أيضا التصامم عن الغيبة والنميمة والبهتان والسوء من القول
ّللا تعالى .
كالخوض في آيات ه
ّللا ]
[ سؤال الرسل األجر من ه
علَى َّ ِ
ّللا »فإن المقام الرسل قاطبة وهم الكمل بال خالف ،تقول ِ «:إ ْن أ َ ْج ِر َ
ي ِإ َّال َ
ّللا يقتضي األجرة ،فما من نبي دعا قومه يعطي األجر وال بد ،فإن مقام الدعوة إلى ه
إال قيل له « :قل ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إال على هللا » فأثبت األجرة على
ّللا عليه وسلم ماّللا صلهى ه ّللا ال من المدعو ،حتى إن رسول ه دعائه ،وسألها من ه
سأل منا في األجر على تبليغ الدعاء إال المودة في القربى ،وهو حب أهل البيت
ّللا عليه وسلم ،وأن يكرموا من أجله ،كانوا ما كانوا ، وقرابته صلهى ه
ّللا ]
ّللا عليه وسلم [ :إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب ه ّللا صلهى ه
وقال رسول ه
في حديث الذي رقى اللديغ بفاتحة الكتاب واستراح ،
ّللا عليه وسلم [ :اضربوا لي فيها بسهم ] يعني في الغنم التي ّللا صلهى ه
فقال رسول ه
ّللا إن
أخذوها أجرا على ذلك ،فاإلنسان الداعي بوعظه وتذكيره عباد ه
ص 313
ص 313 :
أخذ أجرا فله ذلك ،فإنه في عمل يقتضي األجر بشهادة كل رسول ،وإن ترك أخذه
ّللا األجر ،
ّللا فله ذلك ،وسبب ترك الرسل لذلك وسؤالهم من ه من الناس وسأله من ه
ّللا هو الذي استعملهم في التبليغ ،فكان األجر عليه تعالى ال على المدعو ،وإنما
كون ه
أخذ الراقي األجر من اللديغ ألن اللديغ استعمله في ذلك ،ولذلك قال النبي صلهى ه
ّللا
عليه وسلم [ :اضربوا لي بسهم ] ألن الرسول عليه السالم هو الذي أفاد الراقي ما
رقى به ذلك اللديغ ،واعلم أن هذا األجر أجر تفضل إلهي ،عيهنه السيد لعبده ،فإن
العبد ال ينبغي له استحقاق األجر على سيده فيما يستعمله فيه ،فإنه ملكه وعين ماله ،
ولكن تفضل سيده عليه بأن عيهن له على عمله أجرا ،فأنت العبد في صورة األجير ،
وما هو أجر األجير ،فإن األجير من استؤجر ،فهذا أجنبي ،والسيد ال يستأجر عبده
،لكن العمل يقتضي األجرة وال يأخذها ،وإنما يأخذها العامل ،والعامل العبد ،فهو
ّللا ،فأشبه األجير في قبض األجرة وفارقه باالستئجار -راجعقابض األجرة من ه
سورة هود آية . 29
315
ص 315 :
تلك الخميرة عند فرعون تختمر بها عجين طينته ،وما ظهر حكمها وال اختمر عجينه
إال في الوقت الذي قال فيه «:آ َم ْنتُ »فتلفظ باعتقاده الذي معه« أَنَّهُ ال ِإلهَ ِإ َّال الَّذِي
ّللا ،ليرفع اللبس والشك ،إذ قد علم الحاضرون أن َت ِب ِه بَنُوا ِإسْرائِي َل »وما سمى ه
آ َمن ْ
بني إسرائيل ما آمنت إال باإلله الذي جاء موسى وهارون من عنده إليهم ،
فلو قال « :آمنت باهلل » وهو قد قرر أنه ما علم لقومه من إله غيره ،
ّللا لنفسه ،فرفع هذا اللبس لقالوا :لنفسه شهد ال للذي أرسل موسى إلينا ،كما شهد ه
بما قاله ،عند ذلك أخذ جبريل حال البحر فألقمه في فم فرعون حتى ال يتلفظ بالتوحيد
ّللا ،وغلبه ،ويسابقه مسابقة غيره على جناب الحق ،مع علمه بأنه علم أنه ال إله إال ه
فرعون ،
ّللا تعالى عنه في كتابه العزيز ،فجاء فرعون فإنه قال كلمة التوحيد بلسانه كما أخبر ه
باسم الصلة وهو« الَّذِي »ليرفع اللبس عند السامعين ولرفع اإلشكال عند األشكال ،
وهذا هو التوحيد الثاني عشر في القرآن ،وهو توحيد االستغاثة ،وهو توحيد الصلة ،
فإنه جاء بالذي في هذا التوحيد ،وهو من األسماء الموصولة ،وقدم الهوية في قوله :
أنه » ليعيد ضمير به » عليه ،ليلحق بتوحيد الهوية ،
ثم تمم وقال َ «:وأَنَا ِمنَ ْال ُم ْس ِل ِمينَ » خطاب منه للحق ،لعلمه بأنه تعالى يسمعه ويراه
قال ذلك لما علم أن اإلله هو الذي ينقاد إليه وال ينقاد هو ألحد ،أعلم بذلك فرعون ،
ّللا ،فإنه ليعلم قومه برجوعه عما كان ادعاه فيهم من أنه ربهم األعلى ،فأمره إلى ه
آمن عند رؤية البأس ،وما نفع مثل ذلك اإليمان فرفع عنه عذاب الدنيا ،إال قوم
ّللا صدهقه في إيمانه بقوله :
يونس ،ولم يتعرض لْلخرة ،ثم إن ه
ص 316
ص 316 :
ّللا في تلك الحال نكال اآلخرة واألولى ،وجعل ذلك عبرة لمن يخشى ،وما أشبه أخذه ه
إيمانه إيمان من غرغر ،فإن المغرغر موقن بأنه مفارق ،قاطع بذلك ،وهذا الغرق
هنا لم يكن كذلك ،ألنه رأى البحر يبسا في حق المؤمنين ،فعلم أن ذلك لهم بإيمانهم ،
فما أيقن بالموت ،بل غلب على ظنه الحياة ،فليس منزلته منزلة من حضره الموت
فقال ِ (:إ ِنهي تُبْتُ ْاآلنَ )وال هو من الذين يموتون وهم كفار فأمره إلى ه
ّللا تعالى .
ص 317
ص 317 :
ابتداء الغرق عذابا ،فصار الموت فيه شهادة خالصة بريئة لم تتخللها معصية ،
فقبضت على أفضل عمل ،وهو التلفظ باإليمان ،كل ذلك حتى ال يقنط أحد من رحمة
باّلل يجول في باطن فرعون ،وجاء طوعا ّللا ،واألعمال بالخواتيم ،فلم يزل اإليمان ه ه
في إيمانه ،وما عاش بعد ذلك ،فقبض فرعون ولم يؤخر في أجله في حال إيمانه ،
لئال يرجع إلى ما كان عليه من الدعوى ،ثم قوله تعالى في تتميم قصته هذه« َو ِإ َّن
ع ْن آياتِنا لَغافِلُونَ »وقد أظهرت نجاتك آية أي عالمة على حصول اس َ َكثِيرا ً ِمنَ النَّ ِ
النجاة ،فغفل أكثر الناس عن هذه اآلية وقضوا على المؤمن بالشقاء ،وأما قوله تعالى
ار ) فما فيه نص أنه يدخلها معهم ، (:فَأ َ ْو َر َد ُه ُم النَّ َ
ّللا أوسع ع ْونَ )ولم يقل ( أدخلوا فرعون وآله ) ورحمة ه ّللا (:أ َ ْد ِخلُوا آ َل فِ ْر َبل قال ه
من حيث أن ال يقبل إيمان المضطر ،وأي اضطرار أعظم من اضطرار فرعون في
سو َء ) ط َّر ِإذا َدعاهُ َويَ ْك ِش ُ
ف ال ُّ يب ْال ُم ْ
ض َ وّللا يقول (:أ َ َّم ْن يُ ِج ُحال الغرق ،ه
فقرن للمضطر إذا دعاه اإلجابة وكشف السوء عنه ،وهذا آمن هّلل خالصا ،وما دعاه
في البقاء في الحياة الدنيا خوفا من العوارض ،أو يحال بينه وبين هذا اإلخالص الذي
ّللا على البقاء بالتلفظ باإليمان ،وجعل ذلك جاءه في هذه الحال ،فرجح جانب لقاء ه
الغرق( نَكا َل ْاآل ِخ َرةِ َو ْاألُولى )فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء األجاج ،وقبضه على
أحسن صفة هذا ما يعطي ظاهر اللفظ ،وهذا معنى قوله ِ (:إ َّن ِفي ذ ِل َك لَ ِعب َْرة ً ِل َم ْن
يَ ْخشى )يعني في أخذه نكال اآلخرة واألولى ،وقدم ذكر اآلخرة وأخر األولى ليعلم أن
العذاب -أعني عذاب الغرق -هو نكال اآلخرة ،فلذلك قدمها في الذكر على األولى ،
وهذا هو الفضل العظيم .
ص 318
ص 318 :
ّللا عليه وسلم ليس في شك ،فالمقصود من هو في شك من األمة ، معلوم أنه صلهى ه
فهو المخاطب والقصد أمته ،مثل قولهم :إياك أعني فاسمعي يا جارة .
ص 319
ص 319 :
على قوم يونس وكانت اللحظة الزمانية عندهم في وقت رؤية العذاب كالسنة أو أطول
،ذكر أنه تعالى في مقابلة هذا الطول الذي وجدوه في نفوسهم أنه متعهم إلى حين ،
فبقوا في نعيم الحياة الدنيا زمنا طويال ،لم يكن يحصل لهم ذلك لوال هذا البالء وقد
وّللا أعلم .
قيل إن الحين الذي جعله غاية تمتعهم أنه القيامة ه
ص 320
ص 320 :
) ( 11سورة هود مكيّة
ّللا عليه وسلم :شيبتني هود وأخواتها من كل سورة فيها ذكر ّللا صلهى ه قال رسول ه
االستقامة ،فإنه والمؤمنين مأمور بها والحكم للعلم اإللهي ال لألمر ،ولم يكن شيب
ّللا عليه وسلم بالكثير ،وإنما كان شعرات معدودة ،لم تبلغ العشرين ّللا صلهى ه رسول ه
متفرقة لعلمه باألمر على ما هو عليه .
الرحيمالرحمن ّ َّللا ّ
بسم ّ
[ سورة هود ( : ) 11آية ] 1
يم
الر ِح ِ
من هالرحْ ِ َّللا ه
س ِم ه ِ
ِب ْ
ير ) ( 1 يم َخ ِب ٍ تاب أُحْ ِك َمتْ آياتُهُ ث ُ هم فُ ِ ّ
صلَتْ ِم ْن لَد ُْن َح ِك ٍ الر ِك ٌ
صلَتْ آياتُهُ قرآنا عربيا لقوم يعقلون تاب فُ ِ ّ
يم ِك ٌ الر ِح ِ
من ه الرحْ ِوقال تعالى (:ت َ ْن ِزي ٌل ِم َن ه
)
[ إحكام اآليات ]
ّللا الحكمة وفصل الخطاب ، إحكام اآليات فيه وتفصيلها ،ال يعرفه إال من آتاه ه
وصورة الحكمة التي أعطاها الحكيم الخبير ألهل العناية على مراتب األمور ،وما
تستحقه الموجودات والمعلومات من الحق الذي هو لها ،وهو إعطاء كل شيء خلقه
ّللا فنعلم بالقوة ما يستحقه كل
إعطاء إلهيا ليعطي كل خلق حقه إعطاء كونيا ،بما آتانا ه
موجود في الحدود ،ونفصله بعد ذلك آيات بالفعل لمن يعقل كما أعطاه الخبير الحكيم
،فننزل األمور منازلها ،ونعطيها حقها وال نتعدى بها مراتبها ،فتفصيل اآليات
صل حكيم ) صل إذا جعلها في أماكنها بهذا الشرط ( ألنه ما كل مف ه والدالالت من المف ه
دليل على أنهه قد أوتي الحكمة ،وعلم إحكام اآليات ورحمته باآليات والموجودات التي
هي الكتاب اإللهي ،وليس إال العالم الذي هو كتاب مسطور في رق منشور ،وهو
الوجود ،دليل على علمه بمن أنزله ،وليس إال الرحمن الرحيم .
وخاتمة األمر ليست سوى عين سوابقها ،وسوابقها الرحمن الرحيم ،فمن هنا تعلم
مراتب العالم ومآله ،أنه إلى الرحمة المطلقة وإن تعب في الطريق ،وأدركه العناء
والمشقة ،فمن
ص 321
ص 321 :
الناس من ينال الرحمة والراحة بنفس ما يدخل المنزل الذي وصل إليه ،وهم أهل
الجنة ومنهم من يبقى معه تعب الطريق ومشقته ونصبه بحسب مزاجه ،وربما مرض
واعتل زمانا ثم انتقل من دائه ،واستراح وهم أهل النار الذين هم أهلها ،ما هم الذين
ّللا فيها إماتة
خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم ،مع كونهم أماتهم ه
فإن أولئك ليست النار منزال لهم يعمرونه ،ويقيمون فيه مع أهليهم ،وإنما النار
لهؤالء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل منزله الذي فيه
ّللا الحكمة وفصل أهله ،فهذا معنى الحكمة والتفصيل من لدن حكيم خبير لمن أعطاه ه
الخطاب ،وليس إال الرسل والورثة خاصة .
ص 322
ص 322 :
فأعلم سبحانه اإلنسان أنه يرزقه وال بد سواء كان كافرا أو مؤمنا لكونه حيوانا ،ولكن
ما قال له :متى وال من أين ؟ فما عيهن الزمان وال السبب ،بل أعلمه أنه لن تموت
نفس حتى تستكمل رزقها ،لذلك اضطرب من اضطرب لبشريته وإحساسه بألم الفقد
وعدم الصبر ،فإنه ما يدري عند فقد السبب المعتاد لحصول الرزق وعند وجوده ،
هل فرغ وجاء أجله أم ال ،فيكون فزعه واضطرابه من الموت ،وإن كان لم يفرغ
ّللا ،فيكون اضطرابه لجهله بوقت حصول الرزق بانقطاع السبب ، رزقه في علم ه
ّللا بحكمته ربط المسببات باألسباب ،فيخاف من طول المدة وألم الجوع ألنه علم ه
أن ه
المتوقع ،وهذا كله لضعف نفسه واضطراب إيمانه وركونه إلى األسباب واالعتماد
عليها ،كما يضطرب في صدق وعده تبارك وتعالى في الرزق مع قسمه سبحانه عليه
ض ِإنَّهُ لَ َح ٌّق ِمثْ َل ما أَنَّ ُك ْم ت َ ْن ِطقُونَ ).
ماء َو ْاأل َ ْر ِ
س ِ لعباده فقال (:فَ َو َربه ِ ال َّ
ص 323
ص 323 :
فأخلق جوهرة الماء ،فخلقتها دون حجاب العزة األحمى ،وأنا على ما كنت عليه وال
شيء معي في عما ،فخلق الماء سبحانه بردة جامدة كالجوهرة في االستدارة والبياض
،وأودع فيها بالقوة ذوات األجسام وذوات األعراض ،ثم خلق العرش واستوى عليه
اسمه الرحمن ،ونصب الكرسي وتدلت إليه القدمان ،فنظر بعين الجالل إلى تلك
الجوهرة فذابت حياء وتحلهلت أجزاؤها فسالت ماء ،وكان عرشه على ذلك الماء ،قبل
وجود األرض والسماء ،وليس في الوجود إذ ذاك إال حقائق المستوى عليه والمستوي
وصوت بحمد الحمد ه واالستواء ،فأرسل النفس فتموج الماء من زعزعه وأزبد ،
المحمود الحق عندما ضرب بساحل العرش ،فاهتز الساق وقال له :أنا أحمد ،فخجل
الماء ورجع القهقرى يريد ثبجه ،وترك زبده بالساحل الذي أنتجه ،فهو مخضة ذلك
الماء ،الحاوي على أكثر األشياء ،فأنشأ سبحانه من ذلك الزبد األرض ،مستديرة
النشء مدحية الطول والعرض ،ثم أنشأ الدخان من نار احتكاك األرض عند فتقها ،
ففتق فيه السماوات العلى ،وجعلها مح هل األنوار ومنازل المأل األعلى ،وقابل
بنجومها المزينة لها النيرات ،ما زيهن به األرض من أزهار ونبات« ِليَ ْبلُ َو ُك ْم أَيُّ ُك ْم
ّللا تعالى جعل من الماء ع َم ًال »لما كان العرش على الماء قبل الحياة بذاته فإن ه س ُن َ أ َ ْح َ
كل شيء حي ،ولما كان الماء أصل الحياة وكل شيء حي ،قرن بين العرش
علَى
شه ُ َ ع ْر ُ المجعول على الماء وبين خلقه الموت والحياة في االبتالء ،فقال َ «:وكانَ َ
ت َو ْال َحياة َ ِليَ ْبلُ َو ُك ْم )فالحياة لألعيان ، ماء ِليَ ْبلُ َو ُك ْم »أي يختبركم ،وقال َ (:خلَقَ ْال َم ْو َ
ْال ِ
والموت للنسب ،فظهور الروح للجسم حياة ذلك الجسم ،وغيبة الروح عن الجسم
زوال الحياة من ذلك الجسم ،وهو الموت ،واالبتالء فتنة .فإبليس ما له نظر إال في
األوضاع اإللهية الحقيقية ،فيقيم في الخيال أمثلتها ليقال :هي عينها فيغتر بها من
نظر إليها ،وما ث هم شيء كما فعل بابن صياد حيث وضع إبليس عرشه على الماء ،لما
ّللا ،علم أن العرش الرحماني على الماء ،يلبهس بذلك على الناس أنه ه
ّللا عليه وسلم البن صياد [ :ما ترى ؟ قال :أرى عرشا على ّللا صلهى ه
فقال رسول ه
البحر فقال :ذلك عرش إبليس ]
ّللا قد أعطى إبليس السلطنة على خيال اإلنسان ،فيخيل إليه ما يشاء ،فإذا وضع فإن ه
عرشه على الماء ،بعث سراياه شرقا وغربا وجنوبا وشماال إلى قلوب بني آدم ،إلى
الكافر ليثبت على كفره وإلى المؤمن ليرجع عن إيمانه ،وأدناهم من إبليس منزلة
ع َم ًال " س ُن َ باّلل من الخذالن فقوله تعالى ِ ":ليَ ْبلُ َو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ َ ْح َ أعظمهم فتنة ،فنعوذ ه
ص 324
ص 324 :
بالتكليف ،وجعل الحق االختبار تمحيص عباده ،فكان ابتالء مدرجا في نعمة ،أو
نعمة مدرجة في ابتالء ،مثل خلق الحياة والموت ،فأحسن المؤمنون فربحوا ،ولم
يحسن الكفار فخسروا .
[ -إشارة -بالماء حياة األحياء ]
ّللا من الماء كل شيء سر اإلحياء ،جعل ه -إشارة -بالماء حياة األحياء ،لما فيه من ه
حي فكان عرشه على الماء ،قبل االستواء ،ثم استوى عليه ،وأضاف ما أحاط به
إليه ،فهو بكل شيء محيط من مركب وبسيط ،وعلم وجيز وبسيط ووسيط ،استوى
عليه اسم الرحمن ،وع هم حكمه اإلنس والجان« َولَئِ ْن قُ ْل َ
ت ِإنَّ ُك ْم َم ْبعُوثُونَ ِم ْن بَ ْع ِد
ين ». ْال َم ْو ِ
ت لَيَقُولَ َّن الَّذِينَ َكفَ ُروا ِإ ْن هذا ِإ َّال ِس ْح ٌر ُم ِب ٌ
ص 325
ص 325 :
به خفاء ،وإن كان في نسبة المناسبة للطلب باإلتيان بسور مثله جفاء ،فما أرسل
رسول إال بلسان قومه فتأمل ،فللمنزل األين ،وللمنزلة العين ،فاألمر والشان ،في
المكانة والمكان ،والنازل من معناه في منزلته ،وفي منزله من حيث صورته .
ص 326
ص 326 :
سونَ »ال يبخسه من ذلك شيئا ،فقد حبط عمله إن كانت إرادته الحياة الدنيا ،فال يُ ْب َخ ُ
حظ له في اآلخرة التي هي الجنة ،أو النعيم الذي ينتجه العمل ألنه قد استوفاه في ه
الدنيا ،فإن كان العبد ممن يريد الحياة الدنيا ،ونقصه من ذلك نفس واحد ،لم ينعم به
ّللا له فيها عمله ،ألنه ما مكنه من كل ما تعلقت به إرادته في فليس هو ممن وفهى ه
الحياة الدنيا ،وهل يتصور وجود هذا مع قرصة البرغوث والعثرة المؤلمة في
الطريق أو ال ؟ فاآلية تتضمن األمرين ،وهي في الواحد المحال وقوعه في الوجود
أظهر ،فإنه بعيد أن ال يتألم أحد في الدنيا ،فمن أراد الحياة الدنيا فقد أراد المحال ،
فلو ص هح أن يقع هذا المراد ،لكان إرادة ما يالئم طبعه ويحصل غرضه ،وهي
ّللا تعالى وصف نفسه بأنه ال يبخس أحدا في مراده ، اإلرادة الطبيعية األصلية ،فإن ه
كان المراد ما كان لكنه ليس بواقع ،وأما األمر اآلخر فإنه إذا تألم مثال بقرصة
البرغوث إلى ما فوق ذلك من أكبر أو أصغر ،فإن كان مؤمنا ،فله عليه ثواب في
ّللا ذلك الثواب في الدنيا معجال فينعماآلخرة ،فيكون لهذا المريد الحياة الدنيا ،يعطيه ه
به ،وإن لم يكن مؤمنا بالدار اآلخرة وفهاه ه
ّللا ما يطلبه ذلك العمل في الحياة الدنيا ،
وأما المؤمن فيعطيه نعيم العمل وصبره الذي ذكرناه على العثرة في مح هل التكليف
ّللا أحدا الحياة الدنيا مخلصة قط ،وال هو واقع ،ولو وقرصة البرغوث ،فما أعطى ه
ّللا تعالى لهوقع له كل مراد ،لكان أسعد الخلق ،فإنه من إرادته النجاة والبشرى من ه
بها ،وإن لم يكن مؤمنا فما وقع المشروط وقوع عموم الشرط .
ص 327
ص 327 :
ّللا في عباده على قسمين :القسم الواحد هو البينة الحقيقية ، اعلم أن بينة ه
[ « أ َ فَ َم ْن كانَ َ
على بَ ِيهنَ ٍة ِم ْن َر ِبه ِه » ]
على بَ ِيهنَ ٍة ِم ْن َر ِبه ِه »يعني في نفسه ،والبينة هنا الهدى وهو قوله تعالى «:أ َ فَ َم ْن كانَ َ
،وأما من تقام له البينة في غيره فقد يمكن أن يقبلها ،ويمكن أن ال يقبلها والذي يقبلها
إن قبلها تقليدا ،لم تكن في حقهه آية بينة وال تنفعه ،وإنما يكون التقليد فيما يجيء به
الرسول من األحكام ال من البينات والشواهد على صدقه ،وإن لم يقبلها تقليدا ،فما
قبلها إال أن يكون هو على بينة من ربه في أن تلك آية بينة على صدق دعوى من
ظهرت على يديه فيما ادعاه .واعلم أن األمر الذي كنى عنه الحق ،بأنه بينة لك من
ّللا إلى قلبك من خفي غيوبه مختص بك من حضرة الخطاب عنده هو سفير من ه
ّللا أنه من عنده ،ومن كان على بينة من ربه فقد سعد وارتفع اإللهي والتعريف من ه
اإلشكال ،وال بد للبينة التي يكون عليها أن تكون بينة له" َويَتْلُوهُ شا ِه ٌد ِم ْنهُ "
الشاهد حصول صورة المشهود في النفس عند الشهود ،فيعطي خالف ما تعطيه
الرؤية فإن الرؤية ال يتقدمها علم بالمرئي ،والشهود يتقدمه علم بالمشهود ،وهو
المسمى بالعقائد ،ولهذا يقع اإلقرار واإلنكار في الشهود ،وال يكون في الرؤية إال
اإلقرار وليس فيها إنكار ،وإنما سمي شاهدا ألنه يشهد له ما رآه بصحة ما اعتقده ،
فكل مشاهدة رؤية ،وما كل رؤية مشاهدة ،وفي هذه اآلية وجوه كلها مقصودة هّلل ،
ّللا لما يريده به أو منه ،وذلك ال يكون إال بإخبار إلهي فيكون العبد على كشف من ه
وإعالم بالشيء قبل وقوعه ،
ّللا لها
وقد يكون الشاهد الذي يتلوه منه هو ما يوافقه على ذلك من النفوس التي كشف ه
عن ذلك ،وقد يكون أي شاهد يشهد له بصدق البينة التي هو عليها ،فإنه مهما تخلهق
العبد باسم ما من األسماء ،فشاهد حاله يشهد بتصحيح أو بفساد شواهد األحوال ،
فإن من قام به توفيق في أمر من األمور المطلوبة بالسعادة وغيرها فشاهده يصدهق
دعواه أو يكذبها ،وشواهد األحوال على ضربين :
ضرب يقوم بذات صاحب الدعوى ،وضرب يقوم بذات غيره مقارنا لدعواه ،
ّللا تعالى في أحكامه فالمنوط به كصفرة الوجل وحمرة الخجل وترك االعتراض على ه
،والصبر إذا نالته المصائب في حق من ادعى أنه في مقام الرضا بالقضا والتسليم
لمجاري القدرة على اإلطالق ،
والضرب الثاني ينبئ عن ذاته القائم بذات غيره ،كتحدثه بانفصال كون ما معيهن عنه
بهيئته وهو ساكت ،ويكون ذلك على نوعين :
إما بأن يجوز أن يوصل إليه بحيلة ما حتى يقع ذلك ولم تعلم هذه الحيلة من هذا
المدهعي لقرينة
ص 328
ص 328 :
حال صحت عند المشاهدة المتقدمة به ،وإما أن يكون خارجا عن مقدور البشر ،فهذه
شواهد األحوال محصورة وقد يكون الشاهد منه بصدق اتباعه ،وهو اتباعه سنة
ّللا عليه وسلم وما شرع لنا ،لم يخل بشيء منها وال ارتكب مخالفة الرسول صلهى ه
ّللا أو تحريم ما حلهل ،فإن هّلل عبادا عملوا على إيمانهم ،وصدقوا ه
ّللا بتحليل ما حرم ه
ّللا أعين بصائرهم ،وتجلهى لهم في سرائرهم فعرفوه على الشهود في أحوالهم ،ففتح ه
،وكانوا في معرفتهم تلك على بصيرة وبينة وشاهد منهم ،وهو الرسول المبعوث
ّللا جعل الرسل شهداء على أممهم وألممهم ،فمع كون هذا المؤمن على إليهم ،ه
فإن ه
بينة من ربه حين تجلى له ،تاله في تلك الحال شاهد منه وهو الرسول ،فأقامه له في
الشهود مرآة فقال له :هذا الذي جئتك من عنده ،فلما أبصره ما أنكره بعد ذلك مع
اختالف صور التجلي
ّللا من – إشارة – " أ َ فَ َم ْن كانَ َ
على بَ ِيهنَ ٍة ِم ْن َر ِبه ِه َويَتْلُوهُ شا ِه ٌد ِم ْنهُ »ما يراه أهل ه
التجلي في األسماء اإللهية ،هل يقف مع رؤيته أو يتوقف حتى يقوم له شاهد من كتاب
على بَ ِيهنَ ٍة ِم ْن َر ِبه ِه »وهو صاحب الرؤية« َويَتْلُوهُ أو سنة ؟ فقوله تعالى« أ َ فَ َم ْن كانَ َ
شا ِه ٌد ِم ْنهُ »هو ما ذكرناه من العمل على الخبر إما كتاب أو سنة ،وهو الشاهد
الواحد ،والشاهدان الكتاب والسنة ،وإنما احتجنا إلى العمل عليهما دون العثور على
النقل الذي يشهد لصاحب هذا المقام ،ألن ذلك يتعذر إال بخرق العادة ،وهو أن
يعرف من هناك بآية الدليل أو الخبر . ه
ص 329 :
العمل يقتضي األجرة لذاته ،وهي العوض في مقابلة ما أعطى من نفسه ،وما بقي إال
ممن يؤخذ فما من نبي وال رسول إال قد قال إذ قيل له :قل :فأمر فقال « ال أسألكم
علَى َّ ِ
ّللا » عليه من أجر » من مال يعني في التبليغ« ِإ ْن أ َ ْج ِر َ
ي ِإ َّال َ
ّللا استخدمه في
ّللا ،وإن ه
ّللا أفضل القرب إلى ه *فما خرجوا عن األجرة ،والتبليغ عن ه
التبليغ من كونه عبدا ،فتعينت عليه األجرة سبحانه بتعيينه عوضا مما أعطاه من نفسه
،فيما استخدمه فيه وترك مباحه الذي هو له وتخييره –
[ تحقيق -اعلم أن اإلنسان مع الحق على حالين :حالة عبودية ،وحالة إجارة ]
تحقيق -اعلم أن اإلنسان مع الحق على حالين :حالة عبودية ،وحالة إجارة ،فمن
كونه عبدا يكون مكلفا بالفرض كالصالة المفروضة ،والزكاة وجميع الفرائض ،ال
اجر له عليها جملة واحدة في أداء فرضه ،فإن العبد فرض عليه طاعة سيده
ص 230
ص 330 :
يمتن به عليه سيده من النعم التي هي أفضل من األجور ال على جهة األجر ، ه بل له ما
ّللا تعالى ندبه إلى عبادته في أمور ليست عليه فرضا ،فعلى تلك األعمال ثم ه
ان ه
المندوب إليها فرضت األجور ،فإن تقرب العبد بها إلى سيده أعطاه إجارته عليها ،
وإن لم يتقرب لم يطلب بها ،وال عوتب عليها فمن هنا كان العبد حكمه حكم األجنبي
ّللا وعباده ،
في اإلجارة ،فالفرض له الجزاء الذي يقابله ،فإنه العهد الذي بين ه
والنوافل لها األجور ،والعلة في ذلك أن المتنفل عبد اختيار كاألجير ،فإذا اختار
ّللا على هواه ،وهو في الفرائض عبد اإلنسان أن يكون عبدا هّلل ،ال عبد هواه فقد آثر ه
اضطرار ،ال عبد اختيار فتلك العبودية أوجبت عليه خدمة سيده ،فيما افترضه عليه
،فبين اإلنسان في عبوديته االضطرارية ،وبين عبوديته االختيارية ما بين األجير
والعبد المملوك ،فالعبد األصلي ما له على سيده استحقاق إال ما ال بد منه ،يأكل من
سيده ،ويلبس من سيده ،ويقوم بواجبات مقامه ،فال يزال في دار سيده ليال ونهارا ال
ّللا وفي الجنة مع
ّللا وفي القيامة مع هيبرح إال إذا وجهه في شغله ،فهو في الدنيا مع ه
المالك ،واألجير ما له سوى ما ّللا ،فإنها جميعها ملك سيده ،فيتصرف فيها تصرف ه ه
عيهن له من األجرة ،منها نفقته وكسوته ،وما له دخول على حرم سيده ومؤجره وال
االطالع على أسراره ،وال تصرف في ملكه إال بقدر ما استؤجر عليه ،فإذا انقضت
مدة إجارته ،وأخذ أجرته فارق مؤجره ،واشتغل بأهله وليس له من هذا الوجه حقيقة
يمن عليه رب المال بأن يبعث خلفه ،ويجالسه أن ه وال نسبة تطلب من استأجره ،إال ه
ويخلع عليه ،فذلك من باب المنة ،وقد ارتفعت عنه في الدار اآلخرة عبودية االختيار
،فمن أي مقام قالت األنبياء -مع كونهم عبيدا مخلصين له لم يملكهم هوى أنفسهم وال
ّللا » *؟ فيعلم أن ذلك راجع إلىعلَى َّ ِ ّللا ومع هذا قالوا ِ «-إ ْن أ َ ْج ِر َ
ي ِإ َّال َ أحد من خلق ه
دخولهم تحت حكم األسماء اإللهية ،فمن هناك وقعت اإلجارة ،فهم في االضطرار
والحقيقة عبيد الذات ،وهم لها ملك ،وصارت األسماء اإللهية تطلبهم لظهور آثارها
فيهم ،فلهم االختيار في الدخول تحت أي اسم إلهي شاءوا ،وقد علمت األسماء اإللهية
ذلك ،فعينت لهم األسماء اإللهية األجور ،يطلب كل اسم إلهي من هذا العبد الذاتي أن
يؤثره على غيره من األسماء اإللهية بخدمته ،فيقول له :ادخل تحت أمري ،وأنا
أعطيك كذا وكذا ،فال يزال في خدمة ذلك االسم حتى يناديه السيد من حيث عبودية
الذات ،فيترك كل اسم إلهي ،ويقوم لدعوة
ص 331
ص 331 :
سيده ،فإذا فعل ما أمره به حينئذ ،رجع إلى أي اسم شاء ،فإذا رأى العبد ملهوفا ،
فأغاثه فيعلم أنه تحت تسخير االسم المغيث ،فيكون له من المغيث ما عيهن له في ذلك
من األجر ،وإذا رأى ضعيفا في نفسه ،فتلطف به كان تحت تسخير االسم اللطيف ،
وكذلك ما بقي من األسماء ،فتحقق يا ولي كيف تخدم ربك وسيدك ولكن على علم
صحيح في نفسك وفي سيدك ،تكن من العلماء الراسخين في العلم الحكماء اإللهيين ،
وتفز بالدرجة القصوى والمكانة العليا مع الرسل واألنبياء .
ص 332
ص 332 :
ف ت َ ْعلَ ُمونَ »وهو يوم القيامة فهذا استهزاء جزاء وقد خلهصه باالستقبال بقوله «:فَ َ
س ْو َ
جمع لنوح عليه السالم في الهالك بين الماءين ماء األرض وماء السماء ،ولم تزل
تجري بهم السفينة في موج كالجبال ،ونوح عليه السالم ينادي ابنه ،وكان في معزل
يا بني :اركب معنا وال تكن مع الكافرين .
واالبن ينادي قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال نوح عليه السالم «:ال
علَىّللا إِ َّال َم ْن َر ِح َم »وهم أهل السفينة فإن دعاءه « ال تَذَ ْر َ عاص َم ْاليَ ْو َم ِم ْن أ َ ْم ِر َّ ِ
ِ
ض ِمنَ ْالكافِ ِرينَ َديَّارا ً » سبقت وأجيبت ،فغرق من آوى إلى الجبل وكل من لم ْاأل َ ْر ِ
يكن في السفينة وحال بينهما الموج فكان من المغرقين
ماءَ . . .وحا َل بَ ْينَ ُه َما ْال َم ْو ُج فَكانَ ِمنَ
ص ُمنِي ِمنَ ْال ِسآ ِوي ِإلى َجبَ ٍل يَ ْع ِ -إشارة – " َ
ْال ُم ْغ َر ِقينَ "
ماءَ . . .وحا َل بَ ْينَ ُه َما ْال َم ْو ُج فَكانَ ِمنَ
ص ُمنِي ِمنَ ْال ِسآ ِوي إِلى َجبَ ٍل يَ ْع ِ -إشارة َ « -
ّللا مستندا .ْال ُم ْغ َرقِينَ »هذا حال ومآل من اتخذ غير ه
ص 333
ص 333 :
ض ا ْبلَ ِعي ما َء ِك الظا ِل ِمينَ »وهم الذين سخروا -إشارة «َ -وقِي َل يا أ َ ْر ُ " َوقِي َل بُ ْعدا ً ِل ْلقَ ْو ِم َّ
ي ْاأل َ ْم ُر »وظهر في النجاة ض َيض ْالما ُء »فارتفعت األنواء« َوقُ ِ سما ُء أ َ ْق ِل ِعي َو ِغ َ َويا َ
علَى ْال ُجو ِد ه
يِ ت »سفينة نوح عندما أقلعت السماء وأشرقت يوح« َ السر« َوا ْست َ َو ْ
»على جودي الجود ،لتتم كلمة الوجود بوالد ومولود إلى اليوم الموعود ،فإنه لو
انقطع األصل ،النقطع النسل « َو ِقي َل بُ ْعدا ً ِل ْلقَ ْو ِم َّ
الظا ِل ِمينَ -".
[ إشارة -من اعتصم بغير الحق هلك ]
. -إشارة -من اعتصم بغير الحق هلك ،ولم تنفعه شفاعة الشافعين ،قال العمل غير
ماء »فأصبح من المغرقين ،ثم جاء النداء ص ُمنِي ِمنَ ْال ِ سآ ِوي ِإلى َجبَ ٍل يَ ْع ِ الصالح« َ
من الغيب من الهواء فإنه لم يذكر المنادي نفسه فيه وجاء بالقول دون النداء للقرب«
سما ُء أ َ ْق ِل ِعي »فبلعت األرض ماءها وأقلعت السماء« ض ا ْبلَ ِعي ما َء ِك َويا َ َو ِقي َل يا أ َ ْر ُ
يِعلَى ْال ُجو ِد ه ت »سفينة النجاة« َ ي ْاأل َ ْم ُر َوا ْست َ َو ْ ض َ يض ْالما ُء »وانتقص الماء« َوقُ ِ َو ِغ َ
»إشارة إلى الجود اإللهي .
ص 334
ص 334 :
الذي ال يزال فيه محترما مرفوقا به في العرف والعادة ،فرفق به في قوله « :أ َ ِع ُ
ظ َك
»لشيخوخته وكبر سنه ،ومخاطبة الشيوخ ،لها حد ووصف معلوم ،ومخاطبات
الشباب لها حد معلوم ،
ّللا عليه وسلم (:فَال ت َ ُكون ََّن ِمنَ ْالجا ِه ِلينَ ) فأين ذلك
قال تعالى في حق محمد صلهى ه
اللطف من هذا القهر ؟
فذلك لضعف الشيخوخة وذا لقوة الشباب ،وأين مرتبة الخمسين سنة من رتبة
خمسمائة وأزيد ؟ فوقع الخطاب ،على الحاالت في أول الرسل ،وهو نوح عليه
السالم وفي آخرهم وهو محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم
ص 335
ص 335 :
قال ذلك هود عليه السالم لقومه المكذبين به وبرسالته ،فأشهد عليه السالم قومه مع
باّلل واإلقرار بأحديته ،لما علم عليه كونهم مكذبين به على نفسه بالبراءة من الشرك ه
ّللا سبحانه سيوقف عباده بين يديه ويسألهم عما هو عالم به ،إلقامة الحجة السالم أن ه
لهم أو عليهم ،حتى يؤدي كل شاهد شهادته ،فقال عليه السالم« َوا ْش َهدُوا أ َ ِنهي بَ ِري ٌء
ِم َّما ت ُ ْش ِر ُكونَ »فسأل هود عليه السالم قومه الشهادة مع شركهم لعلمه بأنهم ال بد أن
ّللا عنه .
يسألهم ه
فأتى بالصراط نكرة ألنه على كل صراط شهيد ،وجاء في فاتحة الكتاب في( ا ْه ِدنَا
يم )بالتعريف ألنه صراط مخصوص ،وهو المؤدي إلى السعادة ، ط ْال ُم ْست َ ِق َ
صرا َ
ال ِ ه
ومع هذا فإن هذا القول من الكالم القديم ،والقرآن الحكيم ،جاء به الرؤوف الرحيم ،
الخبير بما هناك العليم ،فمع الحق مشى من مشى ،وما تشاءون إال أن يشاء ،
فالسعادة كاملة ،والرحمة شاملة ،فإن أهل االستقامة في االستقامة هم أهل السالمة
في القيامة ،وأما الماشي في االستقامة بغير استقامة ،فهو المنحاز عن دار الكرامة ،
وكما أنه سبحانه في قبلة المصلي ،فهو تعالى من ورائه محيط فهو السائق والهادي ،
فهو سبحانه الذي نواصي الكل بيده الهادي إلى صراط مستقيم ،والذي يسوق
المجرمين إلى جهنم وردا ،وإليه يرجع األمر كله ،وإن كان الصراط المستقيم الذي
عليه الرب الكريم يتضمن الخير والشر ،والنفع والضر ،والفاجر والبر ،
على آخذٌ ِب ِ
ناصيَ ِتها ِإ َّن َر ِبهي َ [ إن ربي على صراط مستقيم ]« ما ِم ْن َدابَّ ٍة ِإ َّال ُه َو ِ
صراطٍ ُم ْست َ ِقي ٍم »وهو البر الرحيم ، ِ
ص 336
ص 336 :
فال ينفع االحتجاج بما سبق وإن كان حقا ،فهي حجة ال تنفع قائلها وال تعصم حاملها
لما يؤدي إليه من درس الطريق األمم ،الذي أجمع على صحته األمم« ما ِم ْن َدابَّ ٍة ِإ َّال
ناصيَتِها »دخل في حكم هذه اآلية جميع ما دبه علوا وسفال دخول ذلة آخذٌ ِب ِ
ُه َو ِ
وعبودية ،ألنها أعطته بحقيقتها وقبولها التمكن من األخذ بناصيتها إذالال ،ألنها عبد
ّللا تعالى ،فالكل أذالء بالذات ،وهو ،وكل من أخذ بناصيته فإنه ذليل ،والكل عبيد ه
العزيز الحكيم ،وإنما جعل يده بناصيتك ابتغاء عافيتك ،فأثبت أمرا هو عليه ،وما
سواه ،فانظر من يصل إليه ،وهذا من كرمه وسابقة قدمه ،فما ث هم إال مستقيم وعلى
منهج قويم ،ألنه بيد الكريم ،وتدل هذه اآلية على أنه ما ث هم إال من الحق آخذ بناصيته
،وال يمكن إزالة ناصيته من يد سيده ،ون هكر لفظ دابة فع هم ،فهو مسلوك به ،سالك
بحكم الجبر ،هكذا قال هود عليه السالم ،فلهذا كان المآل إلى الرحمة وإذا أدركه في
الطريق النصب ،فتلك أعراض عرضت له ،فإنه أخبر بأنه تعالى على صراط
مستقيم ،فما ث هم إال من هو مستقيم على صراط الرب ،فهذه اآلية دليل لمن قال بالجبر
صراطٍ ُم ْست َ ِق ٍيم »فيما شرع ،مع على ِ ،ويحتمل أن يكون قوله عليه السالم« ِإ َّن َر ِبهي َ
كونه تعالى آخذ بنواصي عباده إلى ما أراد وقوعه منهم وعقوبته إياهم مع هذا الجبر ،
فاجعل بالك ،وتأدب واسلك سواء السبيل ،فهذه آية بشرى لنا ،فما في العالم إال
مستقيم ألن اآلخذ بناصيته هو الماشي به ،وهو على صراط مستقيم ،فكل حركة
وسكون في الوجود فهي إلهية ،ألنها بيد حق ،وصادرة عن حق موصوف بأنه على
ّللا إال ما تعلمه منه ،فهم صراط مستقيم بإخبار الصادق ،فإن الرسل ال تقول على ه
باّلل ،وليس للكون معذرة أقوى من هذه ،فمن رحمة الرسل بالخلق تنبيه أعلم الخلق ه
ّللا أخبر عن نبيه ورسوله هود عليه السالم قوله هذا ،وما الخلق على مثل هذا ،فإن ه
خطأ هذا الرسول في هذا القول ،ومعلوم أن تصرف كل دابة قد يتعلق به لسان حمد ه
أو ذم ألمور عرضية في الطريق ،عينتها األحوال وأحكام األسماء ،واألصل محفوظ
ّللا ،ومع هذا التحقيق في نفس األمر ،تشهده الرسل عليهم السالم والخاصة من عباد ه
صراطٍ ُم ْست َ ِق ٍيم »من حيث ما يقود الماشي عليه إلى سعادته ، على ِفإن قوله« إِ َّن َر ِبهي َ
وعلى هذا الصراط كل دابة عموما ما عدا اإلنس والجن ،فإنه ما دخل من الثقلين إال
الصالحون منهم خاصة ،ولو دخل جميع الثقلين لكان جميعهم على طريق مستقيم -
نصيحة -ال تجعل زمامك إال بيد ربك ،فإن له كما قال يدين كما
ص 337
ص 337 :
أنه قد أخبرك أن يده بناصيتك اضطرارا ،فاجعل زمامك بيده اختيارا فتجن ثمرة
االختيار واالضطرار بجمعك بين اليدين ،واعلم أن العباد في قبضة الحق ،قال تعالى
آخذٌ ِب ِ
ناصيَتِها »لما هي مصرفة فيه ،فالكل في قبضته من «:ما ِم ْن َدابَّ ٍة ِإ َّال ُه َو ِ
قضائه في قضائه ،ومع ذلك عليك بأمر الحق فاتبعه ،وال تغتر بكونك ال ترى شيئا
إال تحت تصريفه وحكم إرادته ،هذا ال ينجيك واألخذ بأمر الحق ينجيك ،لكن انظر
وتصرف باألمر . ه ذلك عقدا
ص 338
ص 338 :
ظةً ) فن هكر فدخل تحت هذا اللفظ
علَ ْي ُك ْم َحفَ َ
الحافظ خلق هّلل مثل قوله تعالى َ (:ويُ ْر ِس ُل َ
حفظة الوجود وحفظة األفعال ،واالسم الحفيظ خزانة سعي األعمال من حيث نسبتها
إلى العاملين .
ص 339
ص 339 :
ّللا
كانت مساكن ثمود الحجر من وادي القرى والشام ،وكانت آية ثمود ناقة أخرجها ه
من هضبة من األرض ،يتبعها فصيل لها ،فيحلبون منها ريهم ،وتشرب في ذلك
اليوم جميع مياههم ،ويشربون هم اليوم الثاني الماء وال تأتيهم ،فلما طال ذلك عليهم
ملهوها ،فاجتمعوا تسعة من شرار قومه على عقرها وخرجوا لها ،فعقرها رجل منهم
ّللا بالعذاب بعد ثالث ،فأتتهم صيحة من السماء فماتوا كلهم ،ولحق صالح ،فوعدهم ه
ومن معه من قومه بمكة ،وأول يوم اصفرت وجوه القوم ،وفي الثاني احمرت ،وفي
الثالث اسودت .
ص 340
ص 340 :
بالتفكر وقيام اآلالم واللذات به ؟
فهل تلك الصورة التي ظهرت تشبه الحيوان أو اإلنسان أو ما كان ،تقبل هذا الحكم
في نفس األمر ؟
أو الرائي إذا لم يعلم أنها إنسان أو حيوان ما له أن يحكم عليها بما يحكم على من في
تلك الصورة عينه ،كيف األمر في ذلك ؟
فاعلم أن الملك على صورة تخالف البشر في نفسه وعينه ،وكما تخالف البشر فقد
خالفه أيضا البشر ،مثل جبريل ظهر بصورة أعرابي بكالمه وحركته المعتادة من تلك
الصورة في اإلنسان ،هي في الصورة الممثلة كما هي في اإلنسان ،أو هي من
الصورة كما هي الصورة متخيلة أيضا ،ويتبع تلك الصورة جميع أحكامها من القوى
القائمة بها في اإلنسان ،كما قام بها الكالم والحركة والكيفيات الظاهرة ،فهو في
الحقيقة إنسان خيالي ،أعني الملك في ذلك الزمان ،وله حكم تلك الصورة في نفس
األمر أيضا ،على ح هد الصورة من كونها إنسانا خياليا ،فإذا ذهبت تلك الصورة ،
ذهبت أحكامها لذهابها ،وسبب ذلك أن جوهر العالم في األصل واحد ،ال يتغير عن
حقيقته ،وأن كل صورة تظهر فيه ،فهي عارضة تستحيل في نفس األمر في كل
زمان فرد ،والحق يوجد األمثال على الدوام ،ألنه خالق على الدوام والممكنات في
حال عدمها مهيأة لقبول الوجود ،فمهما ظهرت صورة في ذلك الجوهر ،ظهرت
بجميع أحكامها سواء كانت تلك الصورة محسوسة أو متخيلة ،فإن أحكامها تتبعها كما
ّللا عليه وسلم يصف الحق جل جالله ّللا صلهى ه
قال األعرابي ،لما سمع رسول ه
بالضحك ،قال :ال نعدم خيرا من رب يضحك ،إذ من شأن من يضحك أن يتوقع منه
وجود الخير ،فكما أتبع الصورة الضحك ،أتبعها وجود الخير منها ،وهذا في الجناب
اإللهي فكيف في جوهر العالم ؟ .
ص 341
ص 341 :
ّللا لشمولها االمتنان والوجوب « َوبَ َركاتُهُ ّللا " أضيفت الرحمة إلى ه " َر ْح َمتُ َّ ِ
ت ِإنَّهُ َح ِمي ٌد َم ِجي ٌد »المجد هو الشرف ، علَ ْي ُك ْم أ َ ْه َل ْالبَ ْي ِ
»والبركات هي الزيادة « َ
وأعظم المجد هو ما اعترف به العبد لربه بأن شهد له بأنه الملك يوم الدين ،فله المجد
والشرف على العالم في الدنيا واآلخرة ،ألنه يجازي العالم على أعمالهم في الدنيا
ِين )يقول الحق مجدني عبدي ، واآلخرة ،فقد ورد أن المصلي إذا قال( ما ِل ِك يَ ْو ِم ال هد ِ
أي جعل لي الشرف عليه كما هو األمر في نفسه .
ص 342
ص 342 :
[ لو أن لي بكم قوة ]
يقول لوط عليه السالم لقومه «:لَ ْو أ َ َّن ِلي بِ ُك ْم قُ َّوة ً »أي همة فعالة ،فمن كان الحق
قواه فال همة تفعل فعل من هذه صفته ،لكن األمر ال يكون إال ما سبق به الكتاب ،
باّلل ،ويعلم أنه ما يكون إال ما سبق به الكتاب ،وال وهو عليه السالم من أعلم الناس ه
ّللا ،وما
كتب تعالى إال ما علم ،وما علم إال ما هو المعلوم عليه ،فال تبديل لكلمات ه
يبدل القول لديه ،وما هو بظالم للعبيد ،فال يقع إال ما هو األمر عليه ،ولو حرف
امتناع المتناع ،فأراد بالقوة إظهار األثر الذي جاء به ،وهو شريعته فيهم ،ثم قال«
أ َ ْو »وهي أداة أعطته ما عليه اإلمكان ،فقال« أ َ ْو آ ِوي ِإلى ُر ْك ٍن َ
شدِي ٍد »فأراد بالركن
الشديد -إذ لم يتمكن األثر فيهم -أن يحمي نفسه عنهم حتى ال يؤثروا فيه ،فلهذا
ّللا عليه وسلم ذكر األمرين القوة واإليواء ،وال شك أن الرسل عليهم السالم صلهى ه
ّللا ،فآوى إلى من يفعل ما يريد وال اختيار في باّلل ،فال يأوون إال إلى ه أعلم الناس ه
إرادته وال رجوع عن علمه ،فآوى إلى من ال تبديل لديه ،
ّللا أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ] ّللا عليه وسلم [ :يرحم ه وهو قوله صلهى ه
ّللا ،واالستناد إلى القوي حمى ال ينتهك ،فيرجع طالب انتهاكه يعني بذلك إيواءه إلى ه
خاسرا ،لذلك اشتدت العقوبة على قوم لوط ،وإن كان يحتمل من قول لوط عليه
شدِي ٍد »يريد القبيلة ،ألني ال أستطيع االنتقال من الركن السالم «أ َ ْو آ ِوي ِإلى ُر ْك ٍن َ
اإللهي إلى الركن الكوني ،
ّللا أخي لوطا ،فقد
ّللا عليه وسلم بذلك فقال [ :يرحم ه ّللا صلهى ه وقد شهد له رسول ه
ّللا عليه وسلم أكذبه ؟ حاشى هّلل ،وإن كان كان يأوي إلى ركن شديد ] ،أتراه صلهى ه
الركن الشديد الذي أراده لوط ،هو القبيلة ،
ص 343
ص 343 :
ّللا ،فنعم الشاهد ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم هو ه والركن الشديد الذي ذكره رسول ه
والمشهود له ،ويحتمل أن قوله صلهى ه
ّللا عليه وسلم يريد ضعف المعرفة ،فالركن
الشديد هو الحق مدبره ومربيه.
-إشارة -اعلم أن اسم لوط أعني هذه اللفظة اسم شريف جليل القدر ،ألنه يعطي
ّللا سمي لوطا ،لم
اللصوق بالحضرة اإللهية ،فالستناده إليه ولصوقه به في علم ه
يضف إلى غيره .
ص 344
ص 344 :
ّللا
ّللا خلق لنا ما في األرض جميعا ،ثم ح هجر وأبقى ،فما أبقاه سماه بقية ه األصل أن ه
،وما حجر سماه حراما ،أي المكلهف ممنوع من التصرف فيه حاال أو زمانا أو مكانا
ّللا فيه مع التحجير ،فإن األصل التوقف عن إطالق الحكم فيه بشيء ،فإذا جاء حكم ه
ّللا في حق ،كنا بحسب الحكم اإللهي الذي ورد به الشرع إلينا ،وليس مسمى رزق ه
ّللا ،وما بقي إال أن يفرق بينهما ّللا ،وكل رزق في الكون من بقية ه المؤمنين إال بقية ه
،وذلك أن جميع ما في العالم من األموال ،ال يخلو إما أن يكون لها مالك معيهن أو ال
يكون لها مالك ،فإن كان لها مالك معيهن ،
ّللا لهذا الشخص ،وإن لم يكن لها مالك معيهن ،فهي لجميع المسلمين ، فهي من بقية ه
ّللا عليه التصرف في مال عمرو بغير إذنه ،ومال ّللا لزيد ،لما ح هجر ه فمال زيد بقية ه
ّللا ،هو ّللا لعمرو لما حجر عليه التصرف في مال زيد بغير إذنه ،فبقية ه عمرو بقية ه
ما أحل لك تناوله من الشيء الذي يقوم به أودك ،لتقوم به في طاعة ربك ،وإنما
سماه بقية ألنه باألصالة خلق لك ما في األرض جميعا ،
فكنت مطلق التصرف في ذلك تأخذ ما تريد وتترك ما تريد ،ثم في ثاني حال ،ح هجر
عليك بعض ما كان أطلق فيه تصرفك ،وأبقى لك من ذلك ما شاء أن يبقيه لك ،فذلك
ّللا" َخي ٌْر لَ ُك ْم "
بقية ه
وإنما جعلها خيرا لك ،ألنه علم من بعض عباده أن نفوسهم تعمى عن هذه البقية بما
يعطيهم األصل ،فيتصرفون بحكم األصل
ّللا خير لكم« إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ »أي مصدقين بأني خلقت فقال لهم :البقية التي أبقى ه
لكم ما في األرض جميعا ،فإن صدقتموني في هذا ،صدقتموني فيما أبقيت لكم من
ذلكم ،وإن فصلتم بين األمرين فآمنتم ببعض وكفرتم ببعض لم تكونوا مؤمنين ،فمن
ّللا تعالى ،أوصل إليه من البقية ال من غيرها ،واعلم أن الرزق على اعتنى به ه
نوعين في الميزان الموضوع في العالم إلقامة العدل وهو الشرع :النوع األول يسمى
ّللا التي جاء نصها في القرآن« بَ ِقيَّتُ حراما ،والنوع اآلخر يسمى حالال ،وهو بقية ه
ّللا َخي ٌْر لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ » فهذه هي التي بقيت للمؤمنين من قوله َ «:خلَقَ لَ ُك ْم ما َّ ِ
ض َج ِميعا ً »واإليمان ال يقع إال بالشرع ،وجاء هذا القول في قصة شعيب فِي ْاأل َ ْر ِ
ّللا عند بعض العلماء جميع ما يقع به عليه السالم صاحب الميزان والمكيال ،فرزق ه
التغذي من حالل وحرام ،
ّللا ِر ْزقُها ) وهو ظاهر ال نص ، علَى َّ ِ ض ِإ َّال َ ّللا يقول َ (:وما ِم ْن َدابَّ ٍة ِفي ْاأل َ ْر ِ فإن ه
ب)* ّللاُ يَ ْر ُز ُق َم ْن يَشا ُء بِغَي ِْر ِحسا ٍ ض َّ ِ
ّللا )( َو َّ وقال ( :فَذَ ُروها تَأ ْ ُك ْل فِي أ َ ْر ِ
ّللا وبين الرزق ] [ الفرق بين رزق ه
ّللا
وقد نهانا عن التغذي بالحرام ،فلو كان رزق ه
ص 345
ص 345 :
ّللا
ّللا ؟ وإنما هو رزق ،ورزق ه في الحرام ما نهانا عنه ،فإذا ما هو الحرام رزق ه
ّللا التي أبقاها لنا بعد وقوع التحجير وتحريم بعض األرزاق هو الحالل ،وهو بقية ه
علينا ،ولتعلم من جهة الحقيقة أن الخطاب ليس متعلقه إال فعل المكلف ال عين الشيء
ّللا ،والمتناول هو المحجور عليه ال المتناول الممنوع التصرف فيه ،فالكل رزق ه
بفتح الواو ،فإن الرزاق ال يعطيك إال رزقك ،وما يعطي الرزاق ال يطعن فيه ،فلهذا
علهق الذم بفعل المكلف ال بالعين التي ح هجر عليه تناولها ،فإن المالك لها لم يحجر
عليه تناولها والحرام ال يملك ،وهذه مسألة طال الخبط فيها بين العلماء ،وأما قوله (
ط ِيهبا ً ) من العامل في الحال ؟ فظاهر الشرع يعطي أن الال َ ّللاُ َح ً فَ ُكلُوا ِم َّما َرزَ قَ ُك ُم َّ
العامل رزقكم ،
ط ِيهبا ً ) للتبيين ال للتبعيض ،فإنه الالال َ فإن من هنا في قوله ( فَ ُكلُوا ِم َّما َرزَ قَ ُك ُم َّ
ّللاُ َح ً
فائدة للتبعيض ،فإن التبعيض محقق مدرك ببديهة العقل ،ألنه ليس في الوسع العادي
ّللا هو الحاللأكل الرزق كله ،وإذا كانت للتبيين وهي متعلقة بكلوا ،فبيهن أن رزق ه
ّللا ،فتدبر وانظر ما به حياتك ،فذلك حرم عليه فما أكل رزق ه الطيب ،فإن أكل ما ه
رزقك وال بد ،وال يصح فيه تحجير ،وسواء كان في ملك الغير أو لم يكن ،فإن
المضطر ال حجر عليه ،وما عدا المضطر فما تناول الرزق لبقاء الحياة عليه ،وإنما
تناوله للنعيم به ،وليس الرزق إال ما تبقى به حياته عليه ،وهذا ال يمكن ردهه من أحد
من علماء الشريعة ،
غي َْر باغٍ َوال عا ٍد ) *بعد التحجير ، ط َّر َ ض ُ ّللا يقول (:فَ َم ِن ا ْ فإن ه
ض ُ
ط ِر ْرت ُ ْم ِإلَ ْي ِه ) وقال ِ (:إ َّال َما ا ْ
وذلك هو الرزق الذي نحن بصدده ،وهو الذي يعطيه الرزاق .
ص 346
ص 346 :
ّللا كله فضل ،ألن التوفيق منه فالحاصل عن العمل بالموازنة ، من هنا نعلم أن عطاء ه
وإن كان جزاء فهو فضل باألصالة قال من ج هل ثناؤه وتقدست أسماؤه
[ التوفيق -كماله وعمومه وخصوصه ]
« َوما ت َ ْوفِي ِقي ِإ َّال ِب َّ ِ
اّلل »فأسنده سبحانه إلى االسم الجامع الذي هو للتعلق ال للتخلق ،
وفي إسناده إليه سر شريف ،فإن التوفيق مفتاح السعادة األبدية ،والهادي بالعبد إلى
سلوك اآلثار النبوية ،والقائد له إلى التخلق باألخالق اإللهية ،من قام به غنم ومن
ّللا في قلب من
فقده حرم ،وهو خارج عن كسب العبد ،وإنما هو نور يضعه ه
اصطنعه لنفسه ،واختصه لحضرته ،به تحصل النجاة ،وبه تنال الدرجات ،ومع أنه
سر موهوب ،ونور في قلب العبد موضوع ،فإن إرادة العبد من جهة العلم
ّللا سبحانه وتعالى في تحصيله منة ،واالتصاف به ، بخصائصه وحقائقه متعلقة بجود ه
ّللا فيه وإرادته إياه سبب
فقد يحصل للعبد بتلك اإلرادة ،فيتخيل أنه كسبي وأن دعاءه ه
في حصوله ،وما علم أن تلك اإلرادة التي حركته لطلب التوفيق من التوفيق ،فإنها
من آثاره ولواله لم يكن ذلك فإن إرادة التوفيق من التوفيق ،ولكن ال يشعر لذلك أكثر
الناس ،فإذا تقرر هذا فيكون اإلنسان إنما يطلب على الحقيقة كمال التوفيق من الموفق
الواهب الحكيم ،ومعنى كمال التوفيق استصحابه للعبد في جميع أحواله من اعتقاداته
وخواطره وأسراره ومطالع أنواره ومكاشفاته ومشاهداته ومسامراته وأفعاله كلها ،ال
أنه يتجزى ويتبعض فإنه معنى من المعاني القائمة بالنفس ،فنقصه الذي يطلق عليه
إنما هو أن يقوم بالعبد في فعل ما من األفعال ،ويحرمه في فعل آخر وكذلك زيادته
ّللا سبحانه وتعالىاستصحابه لجميع أفعال العبد ،وقد بان علة سؤاله في التوفيق من ه
،وتبين أن التوفيق لم يكن عنده معدوما عند سؤاله هّلل سبحانه فيه ،والتوفيق تفعيل من
طرو فعل من أفعاله الصادرة عنه علىه الموافقة ،وهو معنى يقوم بالنفس عند
اختالفها ،يمنعه من المخالفة للح هد المشروع له في ذلك الفعل ال غير ،فكل معنى كان
حكمه هذا يسمى التوفيق وقد يقوم بالعبد التوفيق في فعل ما ،والمخالفة في فعل آخر
في زمن واحد كالمصلي في الدار المغصوبة ،أو كمن يتصدق وهو يغتاب ،أو
يضرب أحدا في حال واحد وأشباهه ،فلهذا ما سأل العبد من مواله إال كمال التوفيق ،
يريد استصحابه له في جميع أحواله كلها حتى ال تكون منه مخالفة أصال ،فإذا كمل
ّللا علينا
التوفيق للعبد على ما ذكرناه فهو المعبر عنه بالعصمة والحفظ اإللهي ،حفظ ه
األوقات ،وعصمنا من نتائج الغفالت ،إنه جواد بالخيرات ،فالتوفيق هو العناية التي
ّللا
للعبد عند ه
ص 347
ص 347 :
قبل كونه المتفضل به عليه عند إيجاده إياه وتعلق خطابه به ،فالموفقون لما أوجدهم
الحق تعالى في أعيانهم بصفة الجود وأبرزهم في الوجود ،توالهم بلطفه فحققهم
بحقائق التوفيق ،وبيهن لهم الطريق الموصل إليه كما بيهنه ألنبيائه بواسطة مالئكته
وألوليائه بواسطة أنبيائه ولمالئكته بالجبلة التي أوجدهم عليها ،فاهتدوا على أوضح
منهاج ،وعرجوا على أنجح معراج ،فما زال التوفيق يصحبهم في كل حال ،
ّللا تعالى من أعمال القلوب والنفوس والمعامالت ويقودهم إلى كل عمل مقرب إلى ه
المتوجهة على الحواس ،حتى انته بهم فوق الهمم وأنزلهم في حضرة الجود والكرم ،
فغرقوا في بحار المنن واآلالء ،من نعيم جنان ومضاهاة استواء ،على قدر ما أراد
تعالى أن يمنحهم من نعماه ،وأن يهبهم من رحماه ،فعاينوا عند ذلك تولي الحق لهم
في ذلك ،ولم يكونوا شيئا مذكورا ،ثم استصحاب التولي لهم في محال الدعاوى
بتقديسهم عنها ،فالتوفيق قائد إلى كل فضيلة وهاد إلى كل صفة منجية وجالب كل
خلق رضي ،يجلو البصائر ويصلح السرائر ويخلص الضمائر ،ويفتح أقفال القلوب
ويزيل ريونها ،ويخرجها عن أكنتها ويهبها أسرار وجودها ويعرفها بما تجهله من
جالل معبودها ،هو الباعث المحرك لطلب االستقامة والهادي إلى طريق السالمة ،ما
باّلل من
اتصف به عبد إال اهتدى وهدى ،وال فقده شخص إال تردى وأردى ،فنعوذ ه
الخالف ،والتوفيق له مبدأ وموسط وغاية ،فمبدؤه يعطيك اإلسالم وموسطه يعطيك
اإليمان وغايته تعطيك اإلحسان ،فاإلسالم يحفظ الدماء واألموال ،واإليمان يحفظ
النفوس من ظلم الضالل واإلضالل ،واإلحسان يحفظ األرواح من رؤية األغيار ،
ويهبها المراقبة والحياء على الكمال ،فمن دعا لك بالتوفيق في جميع األحوال فما
ترك شيئا من الخير إال أعطاك إياه ،والتوفيق مبدؤه يعطيك العلم والعمل ،ووسطه
يطهر ذاتك من دنس األغراض والعلل ،وغايته تمنحك أسرار الوجود واألزل ،
ّللا مؤمل يؤمل .
وليس وراء ه
والتوفيق على قسمين في أصله :عام وخاص ،
فالعام هو الذي يشترك فيه جميع الناس كافة من المسلمين وغيرهم
وهو على ضربين :
منه ما يوافق الحكمة بما هي حكمة ،
ومنه ما يوافق األغراض ،
والخاص هو الذي يخرجك من الظلمات إلى النور ،وينتهي بك إلى السعادة األبدية
على مراتبها ،وإن دخل النار ،
وهذا أيضا عام وخاص :
باّلل ورسوله وما جاء به ،والخاص كالعمل بالعلم المشروع ، فالعام كاإليمان ه
وهو أيضا عام وخاص :فالعام كأداء الفرائض ،والخاص هو الذي يؤديك
ص 348
ص 348 :
إلى تصفية القلب وتفريغه والرياضات والمجاهدات ،وهذا الضرب أيضا من التوفيق
فيه عام وخاص :فالعام هو الذي يثمر لك جميع األخالق العلوية واألوصاف الربانية
القدسية ،والخاص هو الذي يثمر لك أسرار الخلق ومعاني التحقيق ،
وكالهما على ضربين :عام وخاص ،
فالعام ما أعطاك جميع ما تتخلق به وأسراره ،والخاص ما أعطاك الفناء عن مالحظة
الفناء ،فكل توفيق يستصحب العبد في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة هو توفيق
العارفين الوارثين العالمين ،وكل توفيق يصحب العبد في بعضها فهو منسوب لذلك
البعض ،ومضاف لما يعطيه المقام في مراتب الوجود ،
فيقال :هذا توفيق العارفين والزاهدين والعابدين وغيرهم من أصحاب المقامات
وأرباب السلوك ،
والتوفيق عند المحققين على نوعين :
توفيق أوجده الحق سبحانه فيك منك ،وتوفيق أوجده فيك على يد غيرك ،فالتوفيق
الذي فيك من غيرك كاإلسالم الذي أبقاه عليك أبواك وربياك عليه ،فكل مولود يولد
على الفطرة وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما جاء في الحديث ،
ّللا لك على مدرجتك من غير قصد منك إليه فوعظك بموعظة أو كشخص قيهضه ه
ّللا سبحانه لك عند انتباهك نور التوفيق في
زجرك بها فانتبهت من سنة الغفلة ،فقذف ه
قلبك فقبلتها ونظرت في تخليص نفسك فقادك إلى االنتظام في شمل السعداء ،
والتوفيق الذي فيك منك هو أن ترزق النظر ابتداء في عيوبك وذم ما أنت عليه من
األفعال القبيحة وتمقيتك نفسك وتبغيض حالك لك ،فإذا تقوى عليك هذا الخاطر وتأيد
،نهض بك في طريق النجاة وسارع بك إلى الخيرات على قدر ما قدر لك أزال وقسم
لك في شربك ،
وأول مقامات التوفيق االختصاصي اشتغالك بالعلم المشروع الذي ندبك الشارع صلهى
ّللا عليه وسلم إلى االشتغال بتحصيله ،وآخرها حيث يقف بك فإن تممت لك المقامات ه
حصلت في التوحيد الموحد نفسه بنفسه الذي ال يصح معه معقول فال حياة مع الجهل
وال مقام ،فالتوفيق إذا صح ،وتصحيحه بتحصيل العلم ،
فإذا حصل له وصح توفيقه أنتج اإلنابة واإلنابة منتجة للتوبة ،والتوبة تنتج الحزن
والحزن ينتج الخوف ،والخوف ينتج االستيحاش من الخلق ،واالستيحاش ينتج الخلوة
،والخلوة تنتج الفكرة ،والفكرة تنتج الحضور ،والحضور ينتج المراقبة ،والمراقبة
تنتج الحياء ،والحياء ينتج األدب ،واألدب ينتج مراعاة الحدود ،ومراعاة الحدود
تنتج القرب ،والقرب ينتج الوصال ،والوصال ينتج األنس ،واألنس ينتج اإلدالل ،
واإلدالل ينتج السؤال ،والسؤال ينتج اإلجابة ،وال يصح
ص 349
ص 349 :
شيء من هذه المقامات إال بعد تحصيل العلم الرسمي والذوقي ،فالرسمي كعلوم النظر
وهو ما يتعلق بإصالح العقائد ،وكعلوم الخبر وهو ما يتعلق بك من األحكام الشرعية
،وال يؤخذ منها إال قدر الحاجة ،والذوقي علم نتائج المعامالت واألسرار ،وهو نور
ّللا تعالى في قلبك ،تقف به على حقائق المعاني الوجودية ،وأسرار الحق في يقذفه ه
عباده ،والحكم المودعة في األشياء .
واعلم أن المشي في الظلمة بغير سراج وضوء في طريق كثيرة المهالك والحفر
واألوحال والمهاوي والحشرات المؤذية التي ال يتقى شيء من هذا كله إال أن يكون
الماشي فيها بضوء يرى به حيث يجعل قدمه ،ويجتنب به ما ينبغي أن يجتنب مما
يضره ،من مهواة يهوي فيها أو مهلك يحصل فيه أو حية تلدغه ،وليس له ضوء
سوى نور الشرع الذي قال فيه تعالى( نُورا ً نَ ْهدِي ِب ِه َم ْن نَشا ُء ِم ْن ِعبادِنا )( َو َم ْن لَ ْم
ور )فإذا اجتمع نور الشرع مع على نُ ٍ ور َ ّللاُ لَهُ نُورا ً فَما لَهُ ِم ْن نُ ٍ
ور )وقال (:نُ ٌ يَ ْجعَ ِل َّ
نور بصر التوفيق والهداية بان الطريق بالنورين ،فلو كان نورا واحدا لما ظهر له
ضوء ،وال شك أن نور الشرع قد ظهر كظهور نور الشمس ،ولكن األعمى ال
ّللا بصيرته لم يدركه فلم يؤمن به ،ولو كان نور عين يبصره ،كذلك من أعمى ه
البصيرة موجودا ،ولم يظهر للشرع نور بحيث أن يجتمع النوران فيحدث الضوء في
الطريق لما رأى صاحب نور البصيرة كيف يسلك ؛ ألنه في طريق مجهولة ال يعرف
ما فيها وال أين ينتهي به من غير دليل وموقهف ؟
فهذا الشخص الماشي في هذه الطريق إن لم يحفظ سراجه من األهواء ،أن تطفئه
بهبوبها ،وإال هبت عليه رياح زعازع ،فأطفأت سراجه ،وذهب نوره ،وهو كل
ريح يؤثر في نور توحيده وإيمانه ،فإن هبت ريح لينة تميل لسان سراجه وتحيره ،
حتى يتحير عليه الضوء في مشاهدة الطريق ،
فتلك الريح كمتابعة الهوى في فروع الشريعة ،وهي المعاصي التي ال يكفر بها
اإلنسان وال تقدح في توحيده وإيمانه ،فلقد خلقنا ألمر عظيم ،ولكن إذا اقتحمنا هذه
الشدائد ،وقاسينا هذه المكاره ،حصلنا على أمر عظيم ،وهو سعادة األبد التي ال
شقاء فيها ،
س ِبي َل ِإ َّما شا ِكرا ً َو ِإ َّما
فإنه لما تبينت طرق السعادة بالرسل قال تعالى ( ِإنَّا َه َديْناهُ ال َّ
ّللا عباده للعمل بما أمرهم به من اتباع رسوله َكفُورا ً ) وما بقي بعد هذا إال أن يوفق ه
ّللا عليه وسلم فيما أمر ونهى ،والوقوف عند حدوده ومراسمه ؛ فإن الحق صلهى ه
خص بعض عباده بالتوفيق ،ولم يع هم كما ع هم في الرزق ،فيا ربنا خاطبتنا ه
ص 350
ص 350 :
فسمعنا وفهمتنا ففهمنا ،فيا ربنا وفقنا واستعملنا فيما طلبته منا من عبادتك وتقواك ،إذ
فاّلل هو الموفق وبيده الهداية ،وليس لنا من األمر شيء ،ال حول لنا وال قوة إال بك ،ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،حين اجتمع به فقال له ولقد صدق الكذوب إبليس رسول ه
ّللا
ّللا أن ه ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم :ما عندك ؟ فقال إبليس :لتعلم يا رسول ه رسول ه
ّللا خلقني للغواية ،وما بيدي من
خلقك للهداية ،وما بيدك من الهداية شيء ،وأن ه
ّللا
الغواية شيء ،لم يزده على ذلك وانصرف ،وحالت المالئكة بينه وبين رسول ه
ّللا عليه وسلم ،فإن التوفيق من رحمة االمتنان للعمل الصالح الموجب لرحمة صلهى ه
االختصاص -مناجاة -يا حنان يا منان ،يا رؤوف يا قديم اإلحسان ،يا من جعل
معدن النبوة أشرف المعادن ،وموطن األحكام أرفع المواطن ،أنت الذي سويت
فعدلت ،وفي أي صورة ما شئت ركبت ما سويت ،يا واهب إذ ال واهب ،ويا مانح
المثوبات أهل المكاسب ،أنت الذي وهبت التوفيق ،وأخذت بناصية عبدك ومشيت به
على الطريق ،وخلقت فيه األعمال الرضية ،واألقوال الزكية ،وأنطقته بالتوحيد
والشهادة ،ويسرت له أسباب السعادة ،ثم أدخلته دارك ،ومنحته جوارك ،وقلت له :
هذا لعملك بعلمك ،ولك ما انته إليه خاطر أملك.
ص 351 :
ّللا فيكان حكم آل فرعون في نفس األمر خالف حكم فرعون في نفسه ،فسوى ه
الغرق بينهم ،وتفرقا في الحكم ،فجعلهم سلفا ومثال لْلخرين ،وأما قوله تعالى «:
ع ْونَ )ولمّللا ( :أ َ ْد ِخلُوا آ َل فِ ْر َ فَأ َ ْو َر َد ُه ُم النَّ َ
ار »فما فيه نص أنه يدخلها معهم ،بل قال ه
ّللا
يقل :أدخلوا فرعون وآله ،فخص فرعون بأن تكون نجاته آية لمن رجع إلى ه
بالنجاة ،هذا ما يعطي ظاهر اللفظ -راجع سورة يونس آية . 92
ص 352
ص 352 :
يدخل المشركون النار مع بعض آلهتهم ليتحققوا مشاهدة أن تلك اآللهة ال تغني عنهم
ّللا شيئا .
من ه
ص 353
ص 353 :
به ،وله القبول والر هد بحسب ما سبق به الكتاب ،وقضى به الخطاب ،فمنهم شقي
ّللا تبيان الخطأ مقرب وطريد ،فهو لمن أجاب وعلى ه وسعيد ،كما كان من القرناء ه
من الصواب ،والحق وصف نفسه بالرضى والغضب فقال «:يَ ْو َم يَأ ْ ِ
ت ال ت َ َكلَّ ُم نَ ْف ٌ
س
س ِعي ٌد »بالرضى ،والرضى دائم. ي »بالغضب ،والغضب زائل« َو َ ِإ َّال ِبإِ ْذنِ ِه فَ ِم ْن ُه ْم َ
ش ِق ٌّ
ص 354
ص 354 :
ّللا في ّللا حكم إرادة ه قال في عذابهم« إِ َّن َرب ََّك فَعَّا ٌل ِلما يُ ِري ُد »وما يعلم أحد من خلق ه
غي َْر َم ْجذُو ٍذ »والصورة عطا ًء َ خلقه إال بتعريفه ،أال تراه في حق السعداء يقول ؟« َ
واحدة والمدة واحدة ولم يقل في العذاب ،إنه غير مجذوذ ،لكن يقطع بأنهم غير
ّللا فيهم ،فالخارجين من النار ،وال نعرف حالتهم فيها في حال االستثناء ما يفعل ه
ّللا يجزي كل يقضى في ذلك بشيء مع علمنا بأن رحمته سبقت غضبه ،وعلمنا بأن ه
نفس بما عملت ،ولكن يستروح من العبارة أنه إذا استوفيت الحدود ،عمت الرحمة
من خزانة الجود ،
ش ِه ٌ
يق خا ِلدِينَ فِيها ما ار لَ ُه ْم فِيها زَ فِ ٌ
ير َو َ وهو قوله تعالى ":فَأ َ َّما الَّذِينَ َ
شقُوا فَ ِفي النَّ ِ
ض" سماواتُ َو ْاأل َ ْر ُ ت ال َّدا َم ِ
وهذا هو الحد الزمني ،ألن التبديل ال بد أن يقع بالسماوات واألرض ،فتنتهي المدة
عند ذلك ،وهو في حق كل إنسان من وقت تكليفه إلى يوم التبديل ،ألنه غير مخاطب
ببقاء السماوات واألرض قبل التكليف ،وهذا في حق السعيد والشقي ،فهما في نتائج
أعمالهما هذه المدة المعينة ،فإذا انتهت انته نعيم الجزاء الوفاق وعذاب الجزاء ،
صها بقوم دون ّللا باألعمال وال خ ه وانتقل هؤالء إلى نعيم المنن اإللهية التي لم يربطها ه
قوم ،
غي َْر َم ْجذُو ٍذ »ما له مدة ينتهي بانتهائها ،كما انته الكفر واإليمان عطا ًء َ وهو قوله َ «:
هنا بانتهاء عمر المكلف ،وانتهت إقامة الحدود في األشقياء والنعيم الجزائي في
السعداء بانتهاء مدة السماوات واألرض ؛« إِ َّال ما شا َء َرب َُّك » في حق األشقياء « إِ َّن
َرب ََّك فَعَّا ٌل ِلما يُ ِري ُد »
وكذا وقع األمر بحسب ما تعلقت به المشيئة اإللهية ،وما قال إن الحال التي هم فيها ال
تنقطع ،كما قال في السعداء ،فعلمنا بذكر مدة السماء واألرض وحكم اإلرادة في
األشقياء واإلعراض عن ذكر العذاب ،أن للشقاء مدة ينتهي إليها حكمه وينقطع عن
األشقياء بانقطاعها والذي منع أن يقول تعالى في األشقياء عذابا غير مجذوذ قوله«
ش ْيءٍ » ت ُك َّل َ َو َر ْح َمتِي َو ِسعَ ْ
وقوله [ إن رحمتي سبقت غضبي ] في هذه النشأة ،وعلمنا أن جزاء السعيد على مثل
ذلك ثم تعم المنن والرضى اإللهي على الجميع في أي منزل كانوا ،فإن النعيم ليس
سوى ما يقبله المزاج وغرض النفوس ال أثر لألمكنة في ذلك ،فحيثما وجد مالءمة
الطبع ونيل الغرض كان ذلك نعيما لصاحبه فإن الوجود رحمة في حق كل موجود
وإن تعذهب بعضهم ببعض ،فتخليدهم في حال النعيم غير منقطع وتخليدهم في حال
االنتقام موقوف على إرادة ،فقد يعود االنتقام منهم عذابا عليهم ال غير ويزول االنتقام
،ولهذا فسره في مواضع باأللم المؤلم ،وقال :عذاب أليم ،والعذاب األليم.
ص 355
ص 355 :
ذاب ) *يعني وإن ع ْن ُه ُم ْالعَ ُ وفي مواضع لم يقيد العذاب باألليم وأطلقه فقال (:ال يُ َخفَّ ُ
ف َ
زال األلم فإن السكنى ألهل النار في النار ال يخرجون منها كما قال تعالى« خا ِلدِينَ
فِيها » *يعني في النار ،
وقال في أهل السعادة« خا ِلدِينَ فِيها » *يعني في الجنة ،ولم يقل فيه فيريد العذاب ،
فلو قال عند ذكر العذاب خالدين فيه ،أشكل األمر ،ولما أعاد الضمير على الدار ،لم
يلزم العذاب ،
فإن قال قائل :فكذلك ال يلزم النعيم كما لم يلزم العذاب ،قلنا :وكذلك كنا نقول :
ّللا تعالى :في نعيم الجنة إنه عطاء غير مجذوذ ،أي عطاء غير ولكن لما قال ه
مقطوع ،
وقال :ال مقطوعة وال ممنوعة ،لهذا قلنا بالخلود في النعيم والدار ،ولم يرد مثل هذا
قط في عذاب النار ،فلهذا لم نقل به وما ورد في العذاب شيء يدل على الخلود فيه ،
كما ورد في الخلود في النار ،ولكن العذاب ال بد منه في النار وقد غيب عنا األجل
في ذلك ،وما نحن من جهة النصوص على يقين ،إال أن الظواهر تعطي األجل في
ذلك ،ولكن كميهته مجهولة ،لم يرد بها نص ،وال نص يعارض ونبقى نحن مع قوله
تعالى ِ «:إ َّن َرب ََّك فَعَّا ٌل ِلما يُ ِري ُد »
وأي شيء أراد ،فهو ذلك ،وال يلزم أهل اإليمان أكثر من ذلك ،إال أن يأتي نص
بالتعيين متواتر يفيد العلم ،فحينئذ يقطع المؤمن وإال فال ،
ّللا عليه وسلم عندما رأى جنازة يهودي فقيل له :إنها جنازة ّللا صلهى ه قام رسول ه
يهودي فقال :أليست نفسا ؟
ّللا في شرف النفس الناطقة ،وأن صاحبها وإن شقي وهذا أرجى ما يتمسك به أهل ه
بدخول النار فهو كمن يشقى هنا بأمراض النفس ،من هالك ما له وخراب منزله وفقد
ما يعز عليه ألما روحانيا ال حسيا ؛ فإن ذلك حظ الروح الحيواني ،وهذا كله غير
ّللا بطريق التشريف ،فاألصل مؤثر في شرفها فإنها منفوخة من الروح المضاف إلى ه
ّللا عليه وسلم لعينها ّللا صلهى ه شريف ،ولما كانت من العالم األشرف ،قام لها رسول ه
،وهذا إعالم بتساوي النفوس في أصلها ،وهذه من أعظم المسائل تؤذن بشمول
الرحمة وعمومها لكل نفس ،وإن عمرت النفوس الدارين ،وال بد من عمارة الدارين
ّللا ،فإنه ّللا سيعامل النفوس بما يقتضيه شرفها بسر ال يعلمه إال أهل ه كما ورد ،وأن ه
من األسرار المخصوصة بهم ،فكما أن الحد يجمعهم كذلك المقام يجمعهم لذاتهم إن
ّللا تعالى كما قال في الذين شقوا« إِ َّن َرب ََّك فَعَّا ٌل ِلما يُ ِري ُد »ولم يقل عذابا غير شاء ه
ّللا سبقت غضبه ،ورحمته تعالى وسعت كل مجذوذ كما قال في السعداء ،فإن رحمة ه
شيء منهة واستحقاقا ،وباألصل فكل ذلك منة منه سبحانه ،فإنه الذي كتب على نفسه
الرحمة للمتقي ،والمتقي بمنته سبحانه اتقاه ،وجعله محال للعمل الصالح.
ص 356
ص 356 :
[ سورة هود ( : ) 11آية ] 108
ض إِاله ما شا َءسماواتُ َو ْاأل َ ْر ُ
ت ال ه س ِعدُوا فَ ِفي ا ْل َجنه ِة خا ِلد َ
ِين فِيها ما دا َم ِ َوأ َ هما الهذ َ
ِين ُ
غ ْي َر َمجْ ذُو ٍذ) ( 108 َربُّكَ عَطا ًء َ
[ أقسام الجنة ومراتب التفاضل ]
س ِعدُوا فَ ِفي ْال َجنَّ ِة خا ِلدِينَ ِفيها »جعلت الجنة دار السعداء ،فهي دار كل « َوأ َ َّما الَّذِينَ ُ
سعيد ،وس همي هؤالء سعداء ألنهم أقيموا فيما يسهل عليهم ،وهو المساعدة
ض »من حيث جوهرهما ال من حيث سماواتُ َو ْاأل َ ْر ُ ت ال َّ
والموافقة «ما دا َم ِ
صورتهما « ِإ َّال ما شا َء َرب َُّك »واالستثناء هنا في حق أهل الجنة على معنى إال أن
ّللا ما شاء ذلك بقوله« يشاء ربك ،وقد شاء أن ال يخرجهم ،فهم ال يخرجون فإن ه
غي َْر َم ْجذُو ٍذ »أي غير منقطع ألن اللذة بالجديد الطارئ أعظم في النفس من عطا ًء َ َ
مالزمة الصحبة .
واعلم أن الجنة جنتان محسوسة ومعنوية ،والجنات ثالث جنات :
جنة اختصاص إلهي وهي التي يدخلها األطفال الذين لم يبلغوا حد العمل ،وحدهم من
ّللا من شاء من أول ما يولد إلى أن يستهل صارخا إلى انقضاء ستة أعوام ؛ ويعطي ه
عباده من جنات االختصاص ما شاء ،ومن أهلها المجانين الذي ما عقلوا ،ومن أهلها
أهل التوحيد العلمي ،ومن أهلها أهل الفترات ومن لم تصل إليهم دعوة رسول ،
والجنة الثانية جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين ،وهي
األماكن التي كانت معينة ألهل النار لو دخلوها ،
والجنة الثالثة جنة األعمال وهي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم ،فمن كان أفضل
من غيره في وجود التفاضل ،كان له في الجنة أكثر ،وسواء كان الفاضل دون
المفضول أو لم يكن ،غير أنه فضله في هذا المقام بهذه الحالة ،فما من عمل من
األعمال إال وله جنة ويقع التفاضل فيها بين أصحابها بحسب ما تقتضي أحوالهم ،فما
من فريضة وال نافلة وال فعل خير وال ترك محرم ومكروه إال وله جنة مخصوصة
ونعيم خاص يناله من دخلها ،
والتفاضل على مراتب :
فمنها بالسن ولكن في الطاعة واإلسالم ،فيفضل كبير السن على الصغير السن إذا كانا
على مرتبة واحدة من العمل بالسن ،فإنه أقدم منه فيه ،
ويفضل أيضا بالزمان فإن العمل في رمضان وفي يوم الجمعة وفي ليلة القدر وفي
عشر ذي الحجة وفي عاشوراء أعظم من سائر األزمان وكل زمان عينه الشارع ؛
وتقع المفاضلة بالمكان كالمصلي في المسجد الحرام أفضل من صالة المصلي في
مسجد المدينة ،
ص 357
ص 357 :
وكذلك الصالة في مسجد المدينة أفضل من الصالة في المسجد األقصى ،وهكذا فضل
الصالة في المسجد األقصى على سائر المساجد ،ويتفاضلون أيضا باألحوال فإن
الصالة في الجماعة في الفريضة أفضل من صالة الشخص وحده ،وأشباه هذا ،
ّللا األعمال
ويتفاضلون باألعمال فإن الصالة أفضل من إماطة األذى ،وقد فضل ه
بعضها على بعض ،ويتفاضلون أيضا في نفس العمل الواحد ،كالمتصدق على رحمه
،فيكون صاحب صلة رحم وصدقة ،
والمتصدق على غير رحمه دونه في األجر ،وكذلك من أهدى لشريف من أهل البيت
أفضل ممن أهدى لغير شريف أو بره أو أحسن إليه ،
ووجوه المفاضلة كثيرة في الشرع والرسل عليهم السالم إنما ظهر فضلها في الجنة
على غيرها بجنة االختصاص ،وأما بالعمل فهم في جنات األعمال بحسب األحوال ،
ونشأة اإلنسان في اآلخرة ال تشبه نشأة الدنيا وإن اجتمعتا في األسماء والصورة
الشخصية ،
فإن الروحانية على نشأة اآلخرة أغلب من الحسية فيكون اإلنسان بعينه في أماكن
كثيرة واعلم أن جنة األعمال مائة درجة ال غير ،
كما أن النار مائة درك ،غير أن كل درجة تنقسم إلى منازل ،
وهذه المائة درجة في كل جنة من الثماني جنات ،وصورتها جنة في جنة وأعالها
جنة عدن ،
وهي قصبة الجنة فيها الكثيب الذي يكون اجتماع الناس فيه لرؤية الحق تعالى ،
وهي أعلى جنة في الجنات والتي تلي جنة عدن ،إنما هي جنة الفردوس وهي أوسط
الجنات التي دون جنة عدن وأفضلها ،ثم جند الخلد ثم جنة النعيم ثم جنة المأوى ثم
دار السالم ثم دار المقامة ،
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم وأما الوسيلة فهي أعلى درجة في جنة عدن وهي لرسول ه
حصلت له بدعاء أمته ،فعل ذلك الحق سبحانه حكمة أخفاها ،فإنا بسببه نلنا السعادة
ّللا بنا األمم كما ختم به النبيين ،
ّللا ،وبه كنا خير أمة أخرجت للناس ،وبه ختم ه من ه
ّللا أن ندعو له
ّللا عليه وسلم بشر كما أمر أن يقول ،فأمرنا عن أمر ه وهو صلهى ه
بالوسيلة حتى ينزل فيها وينالها بدعاء أمته ،وهذا من باب الغيرة اإللهية ،وأهل
الجنة أربعة أصناف الرسل وهم األنبياء ،واألولياء وهم أتباع الرسل على بصيرة
ّللا أنه
وبينة من ربهم ،والمؤمنون وهم المصدقون بهم عليهم السالم والعلماء بتوحيد ه
ّللا من حيث األدلة العقلية ،
ال إله إال ه
وهؤالء األربع طوائف يتميزون في جنات عدن عند رؤية الحق في الكثيب األبيض ،
وهم فيه على أربع مقامات :
طائفة منهم أصحاب المنابر وهي الطبقة العليا الرسل واألنبياء ،والطائفة الثانية هم
األولياء ورثة األنبياء قوال وعمال وحاال وهم على بينة من ربهم ،وهم أصحاب
األسرة
ص 358
ص 358 :
باّلل من طريق النظر والبرهان العقلي ،وهم والعرش ،والطبقة الثالثة العلماء ه
أصحاب الكراسي ،والطبقة الرابعة وهم المؤمنون المقلدون في توحيدهم ،ولهم
المراتب وهم في الحشر مقدمون على أصحاب النظر العقلي ،وهم في الكتيب عند
ّللا أن يتجلى لعباده في الزور العام نادى
النظر يتقدمون على المقلدين ،فإذا أراد ه
منادي الحق في الجنات كلها يا أهل الجنان :
ي على المنة العظمى والمكانة الزلفى والمنظر األعلى ،هلموا إلى زيارة ربكم في ح ه
جنة عدن ،فيبادرون إلى جنة عدن فيدخلونها ،وكل طائفة قد عرفت مرتبتها
ومنزلتها فيجلسون ،ثم يؤمر بالموائد فتنصب بين أيديهم ،موائد اختصاص ،ما رأوا
مثلها وال تخيلوه في حياتهم وال في جناتهم ،جنات األعمال ،وكذلك الطعام ما ذاقوا
مثله في منازلهم ،وكذلك ما تناولوه من الشراب ،فإذا فرغوا من ذلك خلعت عليهم
من الخلع ما لم يلبسوا مثلها فيما تقدم ،ومصداق ذلك قوله صلهى ه
ّللا عليه وسلم في
الجنة :فيها ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر ،فإذا فرغوا
باّلل ال على قدرقاموا إلى كثيب المسك األبيض ،فأخذوا منازلهم فيه على قدر علمهم ه
عملهم ،فإن العمل مخصوص بنعيم الجنان ال بمشاهدة الرحمن فبيناهم على ذلك إذا
بنور قد بهرهم فيخرون سجدا فيسري ذلك النور في أبصارهم ظاهرا وفي بصائرهم
باطنا وفي أجزاء أبدانهم كلها وفي لطائف نفوسهم ،فيرجع كل شخص منهم عينا كله
وسمعا كله ،فيرى بذاته ال تقيده الجهات ويسمع بذاته كلها ،فهذا يعطيهم ذلك النور
فبه يطيقون المشاهدة والرؤية ،وهي أتم من المشاهدة ،
ّللا يقول لهم :
فيأتيهم رسول من ه
تأهبوا لرؤية ربكم ج هل جالله ،فها هو يتجلى لكم فيتأهبون ،فيتجلى الحق جل جالله
وبينه وبين خلقه ثالث حجب :حجاب العزة ،وحجاب الكبرياء ،وحجاب العظمة فال
ّللا جل جالله ألعظم الحجبة عنده :ارفعوا يستطيعون النظر إلى تلك الحجب ،فيقول ه
الحجب بيني وبين عبادي حتى يروني ،فترفع الحجب فيتجلى لهم الحق جل جالله
خلف حجاب واحد في اسمه الجميل اللطيف إلى أبصارهم ،وكلهم بصر واحد فينفهق
عليهم نور يسري في ذواتهم ،فيكونون به سمعا كلهم ،وقد أبهتهم جمال الرب
وأشرقت ذواتهم بنور ذلك الجمال األقدس ،
ّللا عليه وسلم كما جاء في حديث النقاش في مواقف القيامة وهذا ّللا صلهى ه
قال رسول ه
تمامه -راجع البقرة آية – 210
ّللا ،سالم عليكم من
ّللا جل جالله :سالم عليكم عبادي ومرحبا بكم ،حياكم ه فيقول ه
الرحمن الرحيم ،الحي القيوم ،طبتم فادخلوها خالدين ،
ص 359
ص 359 :
طابت لكم الجنة ،فطيبوا أنفسكم بالنعيم المقيم والثواب من الكريم ،والخلود الدائم ،
ّللا المؤمن المهيمن ،شققت لكم اسما من أسمائي ،ال أنتم المؤمنون اآلمنون وأنا ه
خوف عليكم وال أنتم تحزنون ،أنتم أوليائي وجيراني وأصفيائي وخاصتي وأهل
محبتي وفي داري ،سالم عليكم يا معشر عبادي المسلمين ،أنتم المسلمون وأنا السالم
وداري دار السالم ،سأريكم وجهي كما سمعتم كالمي ،فإذا تجليت لكم وكشفت عن
وجهي الحجب ،فاحمدوني وادخلوا إلى داري غير محجوبين عني بسالم آمنين ،
ي وتروني من قريب ،فأتحفكم بتحفي ، ي ،واجلسوا حولي حتى تنظروا إل ه فردوا عل ه
وأجيزكم بجوائزي وأخصكم بنوري وأغشيكم بجمالي ،وأهب لكم من ملكي ،
وأفاكهكم بضحكي وأعلفكم بيدي ،وأشمكم روحي ،أنا ربكم الذي كنتم تعبدوني ولم
تروني ،وتحبوني وتخافوني ،وعزتي وجاللي وعلوي وكبريائي وبهائي وسنائي إني
عنكم راض ،وأحبكم وأحب ما تحبون ،ولكم عندي ما تشتهي أنفسكم وتلذه أعينكم ،
ولكم عندي ما تدعون وما شئتم ،وكل ما شئتم أشاء ،فاسألوني وال تحتشموا وال
ّللا الجواد الغني الملي الوفي الصادق ،وهذه داري تستحيوا وال تستوحشوا ،وإني أنا ه
قد اسكنتكموها وجنتي قد أبحتكموها ،ونفسي قد أريتكموها ،وهذه يدي ذات الندى
والطل مبسوطة ممتدة عليكم ال أقبضها عنكم ،وأنا انظر إليكم ال أصرف بصري
عنكم ،فاسألوني ما شئتم واشتهيتم ،فقد آنستكم بنفسي وأنا لكم جليس وأنيس ،فال
حاجة وال فاقة بعد هذا ،وال بؤس وال مسكنة وال ضعف وال هرم وال سخط وال حرج
وال تحويل أبدا سرمدا ،نعيمكم نعيم األبد ،وأنتم اآلمنون المقيمون الماكثون
المكرمون المنعمون ،وأنتم السادة األشراف الذين أطعتموني واجتنبتم محارمي
فارفعوا إلي حوائجكم أقضها لكم وكرامة ونعمة ،قال :فيقولون :ربنا ما كان هذا
أملنا وال أمنيتنا ،ولكن حاجتنا إليك النظر إلى وجهك الكريم أبدا أبدا ،ورضى نفسك
عنا ،فيقول لهم العلي األعلى مالك الملك السخي الكريم تبارك وتعالى :فهذا وجهي
بارز لكم أبدا سرمدا فانظروا إليه وأبشروا ،فإن نفسي عنكم راضية فتمتعوا ،وقوموا
إلى أزواجكم فعانقوا وانكحوا ،وإلى والئدكم ففاكهوا ،وإلى غرفكم فأدخلوا ،وإلى
بساتينكم فتنزهوا ،وإلى دوابكم فاركبوا ،وإلى فرشكم فاتكئوا ،وإلى جواريكم
وسراريكم في الجنان فاستأنسوا ،وإلى هداياكم من ربكم فاقبلوا ،وإلى كسوتكم
فالبسوا ،وإلى مجالسكم فتحدثوا ،ثم قيلوا قائلة
ص 360
ص 360 :
ال نوم فيها وال غائلة ،في ظل ظليل وأمن مقيل ومجاورة الجليل ،ثم روحوا إلى نهر
الكوثر والكافور والماء المطهر والتسنيم والسلسبيل والزنجبيل ،فاغتسلوا وتنعموا ،
طوبى لكم وحسن مآب ،ثم روحوا فاتكئوا على الرفارف الخضر والعبقري الحسان
والفرش المرفوعة ،في الظل المدود والماء المسكوب والفاكهة الكثيرة ال مقطوعة وال
ممنوعة ،
شغُ ٍل فا ِك ُهونَ ُه ْمحاب ْال َجنَّ ِة ْاليَ ْو َم فِي ُص َ ّللا عليه وسلم ( إِ َّن أ َ ْ ّللا صلهى ه ثم تال رسول ه
سال ٌم قَ ْو ًال ِم ْن علَى ْاألَرائِ ِك ُمت َّ ِكؤُنَ لَ ُه ْم فِيها فا ِك َهةٌ َولَ ُه ْم ما يَ َّدعُونَ ََوأ َ ْزوا ُج ُه ْم فِي ِظال ٍل َ
حاب ْال َجنَّ ِة يَ ْو َمئِ ٍذ َخي ٌْر ُم ْستَقَ ًّرا َوأ َ ْح َ
س ُن َم ِق ً
يال ) ص ُ َربه ٍ َر ِح ٍيم ) ثم تال هذه اآلية ( أ َ ْ
-إلى هنا انته حديث أبي بكر النقاش -ثم إن الحق تعالى بعد هذا الخطاب يرفع
الحجاب ويتجلى لعباده ،فيخرون س هجدا فيقول لهم :ارفعوا رءوسكم فليس هذا موطن
ّللا ،
سجود ،يا عبادي ما دعوتكم إال لتنعموا بمشاهدتي ،فيمسكهم في ذلك ما شاء ه
فيقول لهم :هل بقي لكم شيء بعد هذا ؟
فيقولون :يا ربنا وأي شيء بقي ،وقد نجيتنا من النار وأدخلتنا دار رضوانك وأنزلتنا
بجوارك وخلعت علينا مالبس كرمك وأريتنا وجهك ؟
فيقول الحق جل جالله :بقي لكم ،فيقولون :يا ربنا وما ذاك الذي بقي ؟
فيقول :دوام رضاي عنكم فال أسخط عليكم أبدا ،فما أحالها من كلمة وما ألذها من
بشرى ،وتتفاضل الناس في رؤيته سبحانه ويتفاوتون تفاوتا عظيما على قدر علمهم ،
فمنهم ومنهم ،ثم يقول سبحانه لمالئكته :ردوهم إلى قصورهم فال يهتدون ،
ألمرين :لما طرأ عليهم من سكر الرؤية ،ولما زادهم من الخير في طريقهم فلم
يعرفوها ،فلو ال أن المالئكة تدل بهم ما عرفوا منازلهم فإذا وصلوا إلى منازلهم
تلقاهم أهلهم من الحور والولدان ،فيرون جميع ملكهم قد كسي بهاء وجماال ونورا من
وجوههم أفاضوه إفاضة ذاتية على ملكهم ،فيقولون لهم لقد زدتم نورا وبهاء وجماال
ما تركناكم عليه ،فيقول لهم أهلها :
وكذاكم أنتم قد زدتم من البهاء والجمال ،ما لم يكن فيكم عند مفارقتكم إيانا ،فينعم
بعضهم ببعض .
ص 361
ص 361 :
أمر اإلله من اإلله تعلق *** ما أمره في العالمين محقق
سره يتحقق إال بواسطة الرسول فإنهه *** أمر مطاع ه
إن خالفت أمر اإلله إرادة *** منه تكاد النفس منه تزهق
ولذاك شيبت النبي مقالة *** هي فاستقم فيما أمرت توفق
فإذا أراد نقيض ما أمرت به *** نفس المكلهف فالوقوع محقق
ت -اآلية ] [ فَا ْست َ ِق ْم َكما أ ُ ِم ْر َ
ّللا
ّللا نبيه باالستقامة المطلقة ،إذ ما ثم طريق إال وهو مستقيم موصل إلى ه ما خاطب ه
صراطٍ ُم ْست َ ِق ٍيم »ولكن قيد خطابه بقوله تعالى َ «:كما على ِ من قوله تعالى« ِإ َّن َر ِبهي َ
ت »فمعنى االستقامة هنا الحركات والسكنات على الطريقة المشروعة ،والصراط أ ُ ِم ْر َ
باّلل رأس هذا الطريق ،وشعب اإليمان منازل المستقيم هو الشرع اإللهي ،واإليمان ه
هذا الطريق التي بين أوله وغايته وما بين المنزلين أحواله وأحكامه .
ّللا إرادته فيه أنهه يمتثل أمره أو يخالفه ؟ ولما كان أحد ال يعرف هل وافق أمر ه
ّللا واشت هد ،فقال شيبتني هود ، ّللا عليه وسلم أمر ه ّللا صلهى ه لهذا صعب على رسول ه
ت » وأخواتها مما فيه هذه اآلية أو فإنها السورة التي نزل فيها« فَا ْست َ ِق ْم َكما أ ُ ِم ْر َ
طغ َْوا » أي ال ترتفعوا عن تاب َمعَ َك َوال ت َ ْ
معناها ،فالناس من ذلك على خطر« َو َم ْن َ
أمره بما تجدونه في نفوسكم من خلقكم على الصورة اإللهية ،فتقولوا مثلنا ال يكون
مأمورا ،فانظر فيما أمرت به أو نهيت عنه من حيث أنك مح هل لوجود عين ما أمرت
به أو نهيت عنه ،فمتعلق األمر عند صاحب هذا النظر أن يهيهئ محله باالنتظار ،فإذا
جاء األمر اإللهي الذي يأتي بالتكوين بال واسطة ،فينظر أثره في قلبه أوال ،فإن وجد
اإلباية قد تكونت في قلبه فيعلم
ص 362
ص 362 :
أنه مخذول وأن خذالنه منه ،ألنه على هذه الصورة في حضرة الثبوت عينه التي
أعطت العلم هّلل به ،وإن وجد غير ذلك وهو القبول فكذلك أيضا فينظر في العضو
الذي تعلق به ذلك األمر المشروع أن يتكون فيه من أذن أو عين أو يد أو رجل أو
لسان أو بطن أو فرج ،فإنا قد فرغنا من القلب بوجود اإلباية أو القبول ،فال نزال
نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى نعلم ما كنا فيه فإنه ال يحكم فينا إال بنا .
ّللا منها *** يرانا والوجود لنا شهيد
ألم تعلم بأن ه
فيلزمنا الحياء فال يرانا *** بحيث نهى ونحن له شهود
وذا من أعجب األشياء عندي *** فيأمرنا ويفعل ما يريد
يقول لي استقم ويريد مني *** مخالفة يؤيدها الوجود
فيا قوم اسمعوا ما قلت فيمن *** هو المولى ونحن له عبيد
يريد األمر ال المأمور فانظر *** إلى حكم يشيب له الوليد
ص 363
ص 363 :
هار َو ُزلَفا ً ِمنَ اللَّ ْي ِل »أعطى الحق تعالى الصالة الليل والنهار " َوأَقِ ِم ال َّ
صالة َ َ
ط َرفَي ِ النَّ ِ
ّللا صلهى ه
ّللا عليه ت »يقول رسول ه ت يُ ْذ ِهبْنَ ال َّ
س ِيهئا ِ حتى يعم الزمان بركتها« ِإ َّن ْال َح َ
سنا ِ
وسلم [ :أتبع السيئة الحسنة تمحها ] فكلما ذكرت خطيئة أتيتها فتب عنها عقيب ذكرك
ّللا عندها بحسب ما كانت تلك المعصية ،وإذا عصيت ّللا منها واذكر ه إياها ،واستغفر ه
ّللا بموضع ،فال تبرح من ذلك الموضع ،حتى تعمل فيه طاعة وتقيم فيه عبادة ،فكما ه
ّللا فيه
يشهد عليك إن استشهد يشهد لك وحينئذ تنتزح عنه ،وكذلك ثوبك إن عصيت ه
ّللا فيه قبل أن تفارقه« ذ ِل َك ِذ ْكرى ِللذَّا ِك ِرينَ ». فاعبد ه
ص 364
ص 364 :
ّللا تعالى لهذه الصالة أسماء من
والحاكم اآلخر االسم الباطن بال مؤازر ،ولما اشتق ه
لسر أبداه ،وخير إلينا أسداه ،فصالة الظهر في أوقاتها ال من ساعاتها ،علمنا أن ذلك ه
العقل لظهوره بالعلم ،وفي الحس لظهوره بالفعل في خلق الظهيرة والحكم ،وصالة
الحس لضمه إياه فيه العصر في العقل لضمه إياه في عقل معرفته عن النقل ،وفي
فروع األحكام إلى النقل عن العقل ،بضم الشمس إلى الغيب لوجود الفصل والفضل ،
وصالة المغرب في العقل الستتاره باألدلة الفكرية ،وفي الحس الستتاره عن الكيفية ،
وصالة العشاء في العقل الستسالمه إلى سلطان السمع ،فالحت له بارقة من بوارق
الجمع ،فغشيت عين بصيرته لشدة ظالم الطبع ،وفي الحس الستتار المبصرات
بجالبيب الظلمات ،فكأن العين غشيت عن إدراكها في أصل الوضع ،وصالة الفجر
الحس النفجار بحار األبصار .
ه في العقل النفجار بحار األسرار ،وفي
واعلم أن الصلوات المفروضة كلها نهارية ،إما بالشمس وإما بآثارها ،إال العشاء
لسر غريب ،ومعنى األخيرة فإنهها مشتركة بين الليل وبين النهار أنوارها ،وذلك ه
عجيب ،وهو أن الصالة تكليف ،ففيها مشقة وتعنيف ،هما صفتان للنهار دون الليل
عقال وإحساسا ،فجعل النهار معاشا وجعل النوم سباتا ،حين جعل الليل لباسا ،
وانظر ما أوزن هذا التعريف بحكمة التكليف ،ثم اعلم أن الصالة البرزخية ،وهي
وسر في وتر ،وذلك في العقل ألنه المغرب فرضها سبحانه بين جهر في شفع ،
البرزخ في الصالة أمر معقول بين عبد ورب علي قدر ،ألن العبد بالليل منوط ،
الحس بين كشف وستر ،وأن الصالة النهارية ه ّللا مربوط ،وفي
والرب بضوء شمس ه
وسر ،فالشفع للخلق ،والسر للوتر ،فإن الخلق إذا ظهر احتجب ه مفروضة بين شفع
الحق واستتر ،فلهذا شفع الظهر والعصر ،وبالقراءة أسر ،وجهر في كل صالة
الفجر لقرب طلوع الشمس .
ص 365
ص 365 :
[المشيئة اإللهية ]
اعلم أن المشيئة اإللهية ،لما كان لها أثر في الفعل لهذا نفى تعلقها بما ال يقبل االنفعال
ّللا تعالى بأنه لو شاء من حيث مرجحه ال من حيث نفسه ،فإن قلت فما فائدة إخبار ه
لفعل كذا مع كون كذا يستحيل وقوعه عقال لكون المشيئة اإللهية لم تتعلق به ؟ قلنا :
إن ذلك إعالم لنا أن ذلك األمر الذي نفى تعلق المشيئة اإللهية ،بكونه ،ليس يستحيل
كونه بالنظر إلى نفسه إلمكانه ،فإنه يجب له أن يكون في نفسه قابال ألحد األمرين ،
فيفتقر إلى المرجح بخالف المحال لنفسه ،فإنه يستحيل نفي تعلق المشيئة بكونه ،فإنه
ّللا تعالى بقوله« لَ ْو شا َء » *فيما ال يقع إعالما أنه ال يكون لنفسه ،فكانت فائدة إخبار ه
بالنظر إلى ذاته ممكن الوقوع ،ليفرق لنا سبحانه بين ما هو في اإلمكان وبين ما ليس
اس أ ُ َّمةً
بممكن ،فنفى تعلق المشيئة واإلرادة به قال تعالى «َ :ولَ ْو شا َء َرب َُّك لَ َجعَ َل النَّ َ
واح َدة ً َوال يَزالُونَ ُم ْخت َ ِل ِفينَ »الختالف معتقداتهم ،فهم يخالفون المرحومين مخالفيهم . ِ
ص 366
ص 366 :
لتجليه تعالى في الصور المختلفة ،وتحوله فيها الختالف المعتقدات في العالم إلى هذه
الكثرة ،فكان الحق سبحانه أول مسئلة خالف ظهر في العالم ،ألن كل موجود في
العالم أول ما ينظر في سبب وجوده ،ألنه يعلم في نفسه أنه لم يكن ثم كان بحدوثه
لنفسه ،واختلفت فطرهم في ذلك ،فاختلفوا في السبب الموجب لظهورهم ما هو ؟
فلذلك كان الحق أول مسئلة خالف في العالم ،ولما كان أصل الخالف في العالم في
المعتقدات ،وكان السبب أيضا وجود كل شيء من العالم على مزاج ال يكون للشيء
اآلخر ،لهذا كان مآل الجميع إلى الرحمة ألنه خلقهم وأظهرهم في العماء وهو نفس
الرحمن .
ّللا عليه وسلم بعلم إحياء األموات معنى وحسا ] خص صلهى ه ه [
ّللا عليه وسلم بعلم إحياء األموات معنى وحسا ،فحصل العلم بالحياة خص صلهى ه ه
المعنوية وهي حياة العلوم والحياة الحسية ،وهو ما أتى في قصة إبراهيم عليه السالم
علَي َْك
ص َ ّللا عليه وسلم ،وهو قوله تعالى َ «:و ُك ًّال نَقُ ُّ ّللا صلهى ه تعليما وإعالما لرسول ه
ّللا لما يجده رسوله صلهى س ِل ما نُث َ ِبهتُ بِ ِه فُؤا َد َك »وذلك تسكين ورفق من ه الر ُ ِم ْن أ َ ْن ِ
باء ُّ
ّللا عليه وسلم من ر هد أمره ،فيجد لذلك عزاء في نفسه ،لما يرى من منازعة أمته إياه ه
ّللا عليه وسلم ما قاست األنبياء من أممهم ّللا ،وليري نبيه صلهى ه فيما جاء به عن ه
ّللا ما وقع ّللا عليه وسلم ،إن وقع منا في أمر ه فيعزي نفسه بذلك وتثبيتا لفؤاده صلهى ه
ظةٌ َو ِذ ْكرى »لنا نحن« ِل ْل ُمؤْ ِم ِنينَ من هؤالء« َوجا َء َك ِفي ه ِذ ِه ْال َح ُّق » « َو َم ْو ِع َ
ّللا على ما أوالنا من نعمه ،حيث آمنا واستسلمنا ولم نكلف نبينا أن يسأل ربه »لنشكر ه
شيئا مثل ما كلهفت األمم رسلها ،فنشكره سبحانه على هذه النعمة إذ لو شاء أللقى في
قلوبنا ،ما ألقاه في قلوب األمم قبلنا .واعلم أن جميع هذا القصص ،إنما هو قناطر
وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ،فإن فيها منفعتنا ،إذ
ظةٌ َو ِذ ْكرى ّللا نصبها معبرا ،فما أبلغ قوله تعالى« َوجا َء َك فِي ه ِذ ِه ْال َح ُّق َو َم ْو ِع َ كان ه
»لما فيك وما عندك بما نسيته ،فيكون هذا الذي قصصته عليك يذكرك بما فيك وما
نبهتك عليه.
ص 367
ص 367 :
[ سورة هود ( : ) 11اآليات 121إلى ] 123
ون ( َ ) 121وا ْنت َ ِظ ُروا إِنها عاملُ َ ون ا ْع َملُوا عَلى َمكانَتِ ُك ْم إِنها ِ َوقُ ْل ِللهذ َ
ِين ال يُ ْؤ ِمنُ َ
ض َو ِإلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ فَا ْعبُ ْدهُ ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ب ال ه ّلِل َ
غ ْي ُ ون ( َ ) 122و ِ ه ِ ُم ْنت َ ِظ ُر َ
ون ) ( 123 علَ ْي ِه َوما َربُّكَ ِبغافِ ٍل َ
ع هما ت َ ْع َملُ َ َوت َ َو هك ْل َ
تغرب األمر عند المحجوبين عن موطنه بما ادعوه فيه ألنفسهم قيل لهمَ " [ :و ِإلَ ْي ِه لما ه
يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ » ]
ّللا ال أنتم « َو ِإلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ »لو نظرتم من نسبتم إليه هذا الفعل منكم ،إنما هو ه
،فأضاف الحق األفعال إليه ليحصل للعبد الطمأنينة ،بأن الدعوى ال تصح فيها مع
عز وجل وما ال يستحقه ،فإذا بلغ العبد هذا الح هد ر هد التمييز بين ما يستحقه الحق ه
األمور كلها هّلل ،ولما رجع األمر كله هّلل مما وقعت فيه الدعاوى الكاذبة ،لم يدل
ّللا ،بل هويته هي هي في حال الدعاوى ّللا تعالى على أمر لم يكن عليه ه رجوعها إلى ه
في المشاركة وفي حال رجوع األمر إليه ،والمقام ليس إال للتمييز والحقيقة ،ما
ّللا أحد وال أطاعه بل األمر كله هّلل ،فأفعال العبد خلق هّلل والعبد مح هل لذلك عصى ه
الخلق ،فاألصل في العالم قبول األمر اإللهي في التكوين ،والعصيان أمر عارض له
نسبي ،فإليه يرجع األمر كله ،يعني الذي عليه العالم بأسره ،ما صح منه وما اعتل ،
فال تنظر إلى المناصب وانظر إلى الناصب الذي يعمل بحكم الموطن ال بما يقتضيه
النظر العقلي ،فمن موطن الدنيا أن يعامل فيها الجليل باإلجالل في وقت ،وفي وقت
يعامل الجليل بالصغار ،وفي وقت يعامل الصغير بالصغار ،وفي وقت يعامل
الصغير بالجالل بخالف موطن اآلخرة ،
فإن العظيم بها يعامل بالعظمة ،والحقير بها يعامل بالحقارة ،ولو نظر الناظر لرأى
ّللا ما ال يليق به تعالى ومن يقول فيه ما يليق به من التنزيه في الدنيا من يقول في ه
والثناء ،فالناظر إذا كان عاقال علم بعقله أن موطن الدنيا كذا يعطي ويترك عنه
الجواز العقلي الذي يمكن في كل فرد فرد من أفراد العالم ،
فإن هذا الجواز في عين الشهود ليس بعلم وال صحيح ،وليكن العاقل مع الواقع في
الحال ،فإن ذلك صورة األمر على ما
ص 368
ص 368 :
ّللا تعالى ذكرنا بنفسه لنعلم أن المرجع إليه ،فال نقوم في فإن ه هو عليه في نفسه ،ه
شيء نحتاج فيه إلى االعتذار عنه أو نستحي منه عند المرجع إليه ،فهو تعالى على
صراط مستقيم ،ومنه بدأ األمر كله ولذلك جاء بالرجوع ،ألنه ال يمكن أن يكون
الرجوع إال من خروج متقدم ،والموجودات كلها والمحدثات ما خرجت إلى الوجود
ّللا ،فلهذا ترجع أحكامها إليه ولم تزل عنده ،وإنما سميت راجعة لما طرأ إال عن ه
للخلق من رؤية األسباب التي هي حجب على أعين الناظرين ،فال يزالون ينظرون
ويخترقون األسباب من سبب إلى سبب حتى يبلغوا إلى السبب األول ،وهو الحق فهذا
معنى الرجوع ،ومن جهة أخرى لما كانت األسماء والصفات كلها هّلل تعالى حتى ما
يزعم العبد أنها له ،
قال تعالىَ " :و ِإلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ " فأخذ منه جميع ما كان يزعم أنه له إال العبادة ،
فإنه ال يأخذها إذ كانت ليست بصفة له ،
فقال له تعالىَ " :وإِلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ فَا ْعبُ ْدهُ »وهو أصله الذي خلق له ( َوما َخلَ ْقتُ
ُون ) فالعبادة اسم حقيقي للعبد ،فهي ذاته وموطنه وحاله وعينه س ِإ َّال ِليَ ْعبُد ِ اإل ْن َْال ِج َّن َو ْ ِ
ونفسه وحقيقته ووجهه ،وأتى باسمه المضمر في « فَا ْعبُ ْدهُ »ألنه إن عبدته من حيث
عرفته فنفسك عبدت ،وإن عبدته من حيث لم تعرفه فنسبته إلى المرتبة اإللهية
فالمرتبة عبدت ،وإن عبدته عينا من غير مظهر وال ظاهر وال ظهور ،بل هو هو ال
أنت ،وأنت أنت ال هو ،
فهو قوله «:فَا ْعبُ ْدهُ »فقد عبدته ،وتلك المعرفة التي ما فوقها معرفة ،فإنها معرفة ال
يشهد معروفها «،فَا ْعبُ ْدهُ » أي تذلهل له في كل صراط يقيمك فيه ،ال تتذلل لغيره ،
فإن غيره عدم ،ومن قصد العدم لم تظفر يداه بشيء ،وال تقل أنت المدرك ،فإن
األبصار ال تدركه ،إذ لو أدرك الغيب ،ما كان غيبا ،لذلك جاء بضمير الغائب في
قوله« فَا ْعبُ ْدهُ »فاعبد ذاتا منزهة مجهولة ال تعرف منها سوى نسبتك إليها باالفتقار ،
ع َّما ت َ ْع َملُونَ »من
علَ ْي ِه »أي اعتمد عليه« َوما َرب َُّك بِغافِ ٍل َولهذا تمم فقال «َ :وت َ َو َّك ْل َ
دعواكم أن األمر إليكم ،وهو هّلل ،وقطع بهذا ظهر المدهعين باالستقامة على العبودية
والتوكل ،إذا لم يكن صفتهم وال حالهم ،فقوله تعالى« َو ِإلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ »يشير
ّللا ،فالحق سبحانه غاية الطرق ، به لإلنسان للبراءة من نفسه ،ورد األمر كله إلى ه
قصدت الطرق أو لم تقصد ،فما هو غاية قصد السالك ،فإن السالك مقيد القصد (ما
ناصيَ ِتها ) وفيه إشارة إلى أنه ما في الوجود بحكم الحقيقة إال آخذٌ ِب ِ ِم ْن َدابَّ ٍة ِإ َّال ُه َو ِ
طاهر ،فإن االسم القدوس يصحب الموجودات ،وبه يثبت
ص 369
ص 369 :
ع َّما ت َ ْع َملُونَ » من قوله َ ":وإِلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ فَا ْعبُ ْدهُ َوت َ َو َّك ْل َ
علَ ْي ِه َوما َرب َُّك بِغافِ ٍل َ
ّللا وبين عباده ،وال ينبغي أن يحال بين العبد وسيده ،وال يدخل بين العبد تفريقكم بين ه
والسيد إال بخير ولهذا شرع الشفاعة وقبل العذر ،وأما النجاسة فهي أمر عرضي ،
عيهنه حكم شرعي ،والطهارة أمر ذاتي ،ولما كان الوجود منه قال تعالى «َ :و ِإلَ ْي ِه
علَ ْي ِه »فيهما ،فهل يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ فَا ْعبُ ْدهُ » بين البدء والختم وهو الرجوع« َوت َ َو َّك ْل َ
طلب منك ما ليس لك فيه تعمل ؟
ع َّما ت َ ْع َملُونَ " فال بد من حقيقة هنا تعطي إضافة العمل إليك مع " َوما َرب َُّك بِغافِ ٍل َ
كونه خلقا هّلل تعالى ،حيث أنتم مظاهر أسمائه الحسنى ،وبها تسعدون وتشقون ،
ّللاُ َمعَ ُك ْم َولَ ْن يَتِ َر ُك ْم أَعْمالَ ُك ْم ) فأضاف العمل لك ،وجعل نفسه رقيبا عليه وشهيدا ( َو َّ
،ال يغفل وال ينسى ،ذلك لتقتدي أنت به فيما كلفك من األعمال ،فال تغفل وال تنسى
ألنك أولى بهذه الصفة الفتقارك إليه وغناه عنك ،فسلهم األمر إليه واستسلم ،تكن
موافقا لما هو األمر عليه في نفسه ،فتستريح من تعب الدعوى بين االفتتاح والختم ،
وإذا علمت هذا فارجع إليه مختارا وال ترجع مضطرا ،فإنه ال بد من رجوعك إليه ،
وال بد أن تلقاه كارها كنت أو محبا ،فإنه يلقاك بصفتك ال يزيد عليها ،فانظر لنفسك
يا ولي ،
ّللا ، ّللا لقاءه ،ومن كره لقاء ه ّللا ،أحب ه ّللا عليه وسلم [ :من أحب لقاء ه قال صلهى ه
ّللا لقاءه ] كره ه
ّللا ال يكون إال بالموت ،فمن علم الموت استعجله في الحياة الدنيا ، ولما كان لقاء ه
ّللا بحكم من يلقاه فيموت في عين حياته عن جميع تصرفاته وحركاته وإراداته فيلقى ه
محبا للقائه ،فإذا جاء الموت المعلوم في العامة وانكشف غطاء هذا الجسم ،لم يتغير
عليه حال وال زاد يقينا ،فما يذوق إال الموتة األولى ،وهي التي ماتها في حياته ،
ّللا هذا ّللا عنه :لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ،فمن رجع إلى ه ي رضي ه قال عل ه
الرجوع سعد وما أحس بالرجوع المحتوم االضطراري ،فإنه ما جاءه إال وهو هناك
ّللا يحال بينها ّللا ،فغاية ما يكون الموت المعلوم في حقه أن نفسه التي هي عند ه عند ه
وبين تدبير هذا الجسم الذي كانت تدبره ،
فتبقى مع الحق على حالها ؛ وينقلب هذا الجسد إلى أصله ،وهو التراب الذي منه
نشأت ذاته ،
فكأن دارا رحل عنها ساكنها ،فأنزله الملك في مقعد صدق عنده إلى يوم يبعثون ،
ويكون حاله في بعثه كذلك ال يتغير عليه حال مع كونه مع الحق ال من حيث ما يعطيه
الحق مع األنفاس ،وهكذا في الحشر العام وفي الجنان التي هي مقره ومسكنه ،وفي
النشأة
ص 370
ص 370 :
التي ينزل فيها ،وهذا الرجوع ما هو رجوع التوبة فإنهه لذلك الرجوع ح هد خاص ،
وهذا رجوع عام في كل األحوال التي يكون عليها اإلنسان .
-تحقيق -المسافر ترك الحق في أهله خليفة ،شفقة عليهم وحذرا وخيفة ،وما خاف
عليهم إال منه ،ألنه ما يصدر شيء إال عنه ،إذا كان السيد راعي الغنم ،فما جار وما
ظلم ،وما ينال منها إال ما يقوته ،وقوته ما يفوته ،قوته آثار أسمائه في عباده ،وبها
عمارة بالده ،فحراثة وزراعة ،وتجارة وبضاعة ،لذلك وصف باليدين ،وأظهر في
الكون النجدين ،فالواحدة بائعة واألخرى مبتاعة ،إلى قيام الساعة ،ولكل يد طريق ،
هذا هو التحقيق ،فإن حكم المشتري ما هو حكم البائع ،وهذا ما ال شك فيه من غير
مانع وال منازع ،آئبون تائبون وهو التواب وإليه المآب .
-تحقيق -قال تعالى َ «:وإِلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ »س همي رجوعا لكونه منه خرج ،
وإليه يعود وفيما بين الخروج والعود ،وضعت الموازين ،ومد الصراط ووقعت
الدعاوى ،وظهرت اآلفات ،وكانت الرسل وجاءت األدواء ،فمنهم المستعمل لها ،
واآلخذ بها والتارك لها .
ص 371
ص 371 :
[ سورة يوسف ( : ) 12اآليات 4إلى ] 5
س َوا ْلقَ َم َر َرأ َ ْيت ُ ُه ْم ِلي ت إِ ِنّي َرأَيْتُ أ َ َح َد َ
عش ََر ك َْوكَبا ً َوالش ْهم َ ف ِأل َ ِبي ِه يا أَبَ ِ
س ُإِ ْذ قا َل يُو ُ
ش ْي َ
طان ص ُر ْؤياكَ عَلى ِإ ْخ َوتِكَ فَيَ ِكيدُوا لَكَ َك ْيدا ً ِإ هن ال ه ص ْ ي ال ت َ ْق ُ ِين ( ) 4قا َل يا بُنَ ه ساجد َ ِ
ين ) ( 5 عد ٌُّو ُم ِب ٌ ْل ْن ِ
سان َ ِل ْ ِ
وذلك لما علم يعقوب عليه السالم من علم أبنائه بتأويل ما مثهل الحق ليوسف عليه
السالم في رؤياه ،إذ ما كان ما رآه ومثل له إال عين إخوته وأبويه ،فأنشأ الخيال
صورة اإلخوة كواكب ،وصورة األبوين شمسا وقمرا ،وكلهم لحم ودم وعروق
وأعصاب ،فانظر هذه النقلة من عالم السفل إلى عالم األفالك ،ومن ظلمة هذا الهيكل
إلى نور الكوكب ،فقد لطف الكثيف ،ثم عمد إلى مرتبة التقدم وعلو المنزلة والمعاني
المجردة فكساها صورة السجود المحسوس فكثف لطيفها ،والرؤيا واحدة ،ولوال قوة
الخيال وجمعيته ما جرى ما جرى ثم برأ يعقوب عليه السالم أبناءه عن ذلك الكيد
ين »أي عد ٌُّو ُمبِ ٌ إل ْن ِ
سان َ شيْطانَ ِل ْ ِوألحقه بالشيطان ،وليس إال عين الكيد ،فقال «:إِ َّن ال َّ
ظاهر العداوة
[ -الرؤيا ] -
ّللا أن لإلنسان حالتين حالة تسمى النوم وحالة تسمى اليقظة ، -الرؤيا -اعلم أيدك ه
ّللا له إدراكا يدرك به األشياء ،تسمى تلك اإلدراكات في وفي كلتا الحالتين جعل ه
اليقظة حسا ،وتسمى في النوم حسا مشتركا ،فكل شيء تبصره في اليقظة يسمى
رؤية ،وكل ما تبصره في النوم يسمى رؤيا مقصورا ،وجميع ما يدركه اإلنسان في
النوم هو مما ضبطه الخيال في حال اليقظة من الحواس ،وهو على نوعين :
إما ما أدرك صورته في الحس ،
وإما ما أدرك أجزاء صورته التي أدركها في النوم بالحس ال بد من ذلك ،
فإن نقصه شيء من إدراك الحواس في أصل خلقه ،فلم يدرك في اليقظة ذلك األمر
فقد المعنى الحسي الذي يدركه به في أصل خلقته ،فال يدركه في النوم أبدا ،فاألصل
الحس ،واإلدراك به في اليقظة والخيال تبع في ذلك ،وقد يتقوى األمر على بعض ه
الناس فيدركون في اليقظة ما كانوا يدركونه في النوم ،وذلك نادر وهو للنبي والولي ،
واعلم أن مبدأ الوحي الرؤيا الصادقة ،وهي ال تكون إال في حال النوم ،قالت عائشة
في الحديث الصحيح
ّللا عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ،فكان ال ّللا صلهى ه [ أول ما بدئ به رسول ه
يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح ]
ّللا عليه وسلم ،فإنه وسبب ذلك صدقه صلهى ه
ص 372
ص 372 :
ثبت عنه أنه قال أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ،فكان ال يحدث أحدا صلهى ه
ّللا عليه
وسلم بحديث عن تزوير يزوره في نفسه ،بل يتحدث بما يدركه بإحدى قواه الحسية أو
بكلها ،ما كان يحدث بالغرض وال يقول ما لم يكن ،وال ينطق في اليقظة عن شيء
يصوره في خياله مما لم ير لتلك الصورة بجملتها عينا في الحس ،فهذا سبب صدق
رؤياه ،وإنما بدئ الوحي بالرؤيا دون الحس ألن المعاني المعقولة أقرب إلى الخيال
منها إلى الحس ،ألن الحس طرف أدنى ،والمعنى طرف أعلى وألطف ،والخيال
بينهما والوحي معنى ،فإذا أراد المعنى أن ينزل إلى الحس فال بد أن يعبر على
حضرة الخيال قبل وصوله إلى الحس ،والخيال من حقيقته أن يصور كل ما حصل
عنده في صورة المحسوس ،ال بد من ذلك ،فإن كان ورود ذلك الوحي اإللهي في
حال النوم سمي رؤيا ،وإن كان في حال اليقظة سمي تخيال أي خيل إليه ،فلهذا بدئ
الوحي بالخيال ،ثم بعد ذلك انتقل الخيال إلى الملك من خارج ،فكان يتمثل له الملك
رجال أو شخصا من األشخاص المدركة بالحس ،وقد ينفرد هذا الشخص المراد بذلك
الوحي بإدراك هذا الملك ،وقد يدركه الحاضرون معه ،فيلقي على سمعه حديث ربه
وهو الوحي ،وتارة ينزل على قلبه صلهى ه
ّللا عليه وسلم فتأخذه البرحاء وهو المعبر
عنه بالحال ،فإن الطبع ال يناسبه ،وانفرد األنبياء في ذلك بالتشريع ،فقد يكون الولي
بشيرا ونذيرا ولكن ال يكون مشرعا ،فإن الرسالة والنبوة بالتشريع قد انقطعت فال
رسول بعده وال نبي ،أي ال مشرع وال شريعة ،
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم أنه قال [ :إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فال ثبت عن رسول ه
رسول بعدي وال نبي ]
فشق ذلك على الناس فقال [ :لكن المبشرات ]
ّللا ،وما المبشرات ؟
فقالوا :يا رسول ه
فقال [ :رؤيا المسلم ،وهي جزء من أجزاء النبوة ] هذا حديث حسن صحيح من
حديث أنس بن مالك ،
وعن أبي هريرة وحذيفة وابن عباس وأم كرز ،أنه صلهى ه
ّللا عليه وسلم أخبر أن
الرؤيا جزء من أجزاء النبوة ،فقد بقي للناس من النبوة هذا وغيره ،ومع هذا ال يطلق
اسم النبوة وال النبي إال على المشرع خاصة ،فحجر هذا االسم لخصوص وصف
معيهن في النبوة ،وما حجر النبوة التي ليس فيها هذا الوصف الخاص ،وإن كان حجر
االسم ،فنتأدب ونقف حيث وقف صلهى ه
ّللا عليه وسلم بعد علمنا بما قال وما أطلق وما
حجر ،فنكون على بينة من أمرنا ،وإذا علمت هذا فلنقل إن الرؤيا ثالث ،منها
بشرى ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه في اليقظة ،فيرتقم في خياله ،فإذا نام أدرك
ذلك بالحس المشترك ألنه تصوره في يقظته ،فبقي مرتسما
ص 373
ص 373 :
في خياله ،فإذا نام وانصرفت الحواس إلى خزانة الخيال أبصرت ذلك ،والرؤيا
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :إذا الثالثة من الشيطان ،عن أبي هريرة قال قال رسول ه
اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ،وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ،ورؤيا
المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ،
ّللا تعالى ،ورؤيا من تحزين الشيطان ، والرؤيا ثالث :فالرؤيا الصالحة بشرى من ه
ورؤيا مما يحدث الرجل به نفسه ،وإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم وليتفل وال يحدث به
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم [إذا الناس ] -الحديث -وفي حديث أبي قتادة عن رسول ه
باّلل من شرها فإنها
رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثالث مرات ،وليستعذ ه
تضره ] وهو حديث حسن صحيح ، ه ال
ّللا عليه وسلم [ إن رؤيا المسلم على رجل وفي الحديث الصحيح عن النبي صلهى ه
طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها وقعت ]
واعلم أن هّلل ملكا موكال بالرؤيا يسمى الروح ،وهو دون السماء الدنيا ،وبيده صور
األجساد التي يدرك النائم فيها نفسه وغيره ،وصور ما يحدث من تلك الصور من
األكوان ،فإذا نام اإلنسان ،أو كان صاحب غيبة أو فناء أو قوة إدراك ال يحجبه
المحسوسات في يقظته عن إدراك ما بيد هذا الملك من الصور ،فيدرك هذا الشخص
بقوته في يقظته ما يدركه النائم في نومه ،وذلك أن اللطيفة اإلنسانية تنتقل بقواها من
حضرة المحسوسات إلى حضرة الخيال المتصل بها ،الذي محله مقدم الدماغ ،
فيفيض عليها ذلك الروح الموكل بالصور من الخيال المنفصل عن اإلذن اإللهي ما
يشاء الحق أن يريه هذا النائم أو الغائب أو الفاني أو القوي ،من المعاني متجسدة في
باّلل وما يوصف به من األسماء ،فيدرك الصور التي بيد هذا الملك ،فمنها ما يتعلق ه
الحق في صورة ،أو القرآن أو العلم أو الرسول الذي هو على شرعه ،فهنا يحدث
للرائي ثالث مراتب أو إحداهن ،
المرتبة الواحدة أن تكون الصورة المدركة راجعة للمرئي بالنظر إلى منزلة ما من
منازله وصفاته التي ترجع إليه ،فتلك رؤيا األمر على ما هو عليه بما يرجع إليه ،
والمرتبة الثانية أن تكون الصورة المرئية راجعة إلى حال الرائي في نفسه ،
والمرتبة الثالثة أن تكون الصورة المرئية راجعة إلى الحق المشروع والناموس
الموضوع ،أي ناموس كان في تلك البقعة التي ترى تلك الصورة فيها ،في والة أمر
ذلك اإلقليم القائمين بناموسه ،وما ثم مرتبة رابعة سوى ما ذكرناه ،
فاألولى وهي رجوع الصورة إلى عين المرئي فهي حسنة كاملة وال بد ،ال تتصف
بشيء من القبح والنقص ،والمرتبتان الباقيتان قد تظهر الصورة فيها بحسب األحوال
من الحسن والقبح
ص 374
ص 374 :
والنقص والكمال ،فلينظر إن كان من تلك الصورة خطاب فبحسب ما يكون الخطاب
يكون حاله ،وبقدر ما يفهم منه في رؤياه ،وال يعول على التعبير في ذلك بعد
الرجوع إلى عالم الحس ،إال إن كان عالما بالتعبير أو يسأل عالما بذلك ،ولينظر
أيضا حركته أعني حركة الرائي مع تلك الصورة ،من األدب واالحترام أو غير ذلك
،فإن حاله بحسب ما يصدر منه في معاملته لتلك الصورة ،فإنها صورة حق بكل
وجه ،وقد يشاهد الروح الذي بيده هذه الحضرة وقد ال يشاهده ،وما عدا هذه الصورة
فليست إال من الشيطان إن كان فيه تحزين ،أو مما يحدث المرء به نفسه في حال
يقظته ،فال يعول على ما يرى من ذلك ،ومع هذا وكونها ال يعول عليها إذا عبهرت
كان لها حكم وال بد ،يحدث لها ذلك من قوة التعبير ال من نفسها ،وهو أن الذي
يعبرها ال يعبرها حتى يصورها في خياله من المتكلم ،فقد انتقلت تلك الصورة من
المحل الذي كانت حديث نفس أو تحزين شيطان إلى خيال العابر لها ،وما هي له
حديث نفس ،فيحكم على صورة محققة ارتسمت في ذاته ،فيظهر لها حكم أحدثه
حصول تلك الصورة في نفس العابر ،كما جاء في قصة يوسف مع الرجلين ،وكانا
ّللا تعالى إذا رأى أحد رؤيا فإن صاحبها له فيما رآه حظقد كذبا فيما صوراه ،ثم إن ه
من الخير والشر بحسب ما تقتضي رؤياه ،أو يكون الحظ في ناموس الوقت في ذلك
ّللا ذلك الحظ طائرا وهو ملك فيالموضع ،وأما في الصورة المرئية فال ،فيصور ه
صورة طائر ،كما يخلق من األعمال صورا ملكية روحانية جسدية برزخية ،وإنما
جعلها في صورة طائر ألنه يقال طار له سهمه بكذا ،والطائر الحظ ،ويجعل الرؤيا
معلقة في رجل هذا الطائر ،وهي عين الطائر ،ولما كان الطائر إذا اقتنص شيئا من
الصيد من األرض إنما يأخذه برجله ألنه ال يد له ،وجناحه ال يتمكن له األخذ به ،
فلذلك علق الرؤيا برجله ،فهي المعلقة وهي عين الطائر ،فإذا عبرت سقطت لما
قيلت له ،وعندما تسقط ينعدم بسقوطها ،ويتصور في عالم الحس بحسب الحال التي
تخرج عليه تلك الرؤيا ،فترجع صورة الرؤيا عين الحال ال غير ،ثم إن تسمية النبي
ّللا عليه وسلم لها بشرى ومبشرة لتأثيرها في بشرة اإلنسان ،فإن الصورة صلهى ه
البشرية تتغير بما يرد عليها في باطنها مما تتخيله ،من صورة تبصرها أو كلمة
تسمعها إما بحزن أو فرح ،فيظهر لذلك أثر في البشرة ال بد من ذلك ،فإنه حكم
ّللا في الطبيعة ،فال يكون إال هكذا .واعلم أن للرؤيا مكان ومحل
طبيعي أودعه ه
وحال ،فحالها النوم ،وهو الغيبة عن
ص 375
ص 375 :
المحسوسات الظاهرة الموجبة للراحة ،ألجل التعب الذي كانت عليه في هذه النشأة
في حال اليقظة من الحركة ،وإن كان في هواها ،فتعب اآلالت والجوارح واألعضاء
البدنية في حال اليقظة ،وجعل زمانه الليل وإن وقع بالنهار ،كما جعل النهار للمعاش
وإن وقع بالليل ،ولكن الحكم للغالب ،فتنتقل هذه اآلالت من ظاهر الحس إلى باطنه
في النوم الذي يكون معه الرؤيا ،ليرى ما تقرر في خزانة الخيال الذي رفعت إليه
الحواس ما أخذته من المحسوسات ،وما صورته القوة المصورة التي هي من بعض
ّللا هذه المدينة ما استقر في خدم هذه الخزانة ،لترى هذه النفس الناطقة التي ملهكها ه
خزانتها ،وعلى قدر ما كمل لهذه النشأة من اآلالت التي هي الجوارح والخدام الذين
هم القوى الحسية يكون االختزان ،فث هم خزانة كاملة لكمال الحياة ،وث هم خزانة ناقصة
كاألكمه ،فإنه ال ينتقل إلى خزانة خياله صور األلوان ،والخرس ال ينتقل إلى خزانة
خياله صور األصوات وال الحروف اللفظية ،هذا كله إذا عدمها في أصل نشأته ،
وأما إذا طرأت عليه هذه اآلفات فال ،فإنه إذا انتقل بالنوم إلى باطن النشأة ودخل
الخزانة وجد صور األلوان التي اختزنها فيها قبل طرق اآلفة ،وكذلك كل ما أعطته
قوة من قوى الحس الذين هم جباة هذه المملكة ،فإذا ارتقى اإلنسان في درج المعرفة
علم أنه نائم في حال اليقظة المعهودة ،وأن األمر الذي هو فيه رؤيا ،إيمانا وكشفا ،
ّللا أمورا واقعة في ظاهر الحس وقال( فَا ْعت َ ِب ُروا )وقال ِ (:إ َّن ِفي ذ ِل َك لَ ِعب َْرة ً
ولهذا ذكر ه
) *أي جوزوا واعبروا مما ظهر لكم من ذلك إلى علم ما بطن به وما جاء له ،قال
عليه السالم ( :الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ) ولكن ال يشعرون ،فمن اعتبر الرؤيا
ّللا
يرى أمرا هائال ويتبين له ما ال يدركه من غير هذا الوجه ،ولهذا كان رسول ه
ّللا عليه وسلم إذا أصبح في أصحابه سألهم :هل رأى أحد منكم رؤيا ؟ ألنها صلهى ه
نبوة ،فكان يحب أن يشهدها في أمته ،والناس اليوم في غاية الجهل بهذه المرتبة التي
ّللا عليه وسلم يعتني بها ويسأل كل يوم عنها ،والجهالء في هذا ّللا صلهى ه
كان رسول ه
الزمان إذا سمعوا بأمر وقع في النوم لم يرفعوا به رأسا وقالوا :بالمنامات يريد أن
يحكم ،هذا خيال ،وما هي إال رؤيا ،فيستهونوا بالرائي إذا اعتمد عليها وهذا كله
لجهله بمقامها ،وجهله بأنه في يقظته وتصرفه في رؤيا ،وفي منامه في رؤيا في
رؤيا ،فهو كمن يرى أنه استيقظ في نومه وهو في منامه ،وهو قوله عليه السالم [ :
الناس نيام ] وأما المكان والمحل ،فأما المحل فهو هذه النشأة العنصرية ،ال يكون
للرؤيا محل غيرها ،فليس للملك رؤيا ،وإنما ذلك للنشأة
ص 376
ص 376 :
العنصرية الحيوانية خاصة ،وأما المكان فهو ما تحت مقعر فلك القمر خاصة ،وفي
اآلخرة ما تحت مقعر فلك الكواكب الثابتة ،وذلك ألن النوم قد يكون في جهنم في
أوقات ،وال سيما في المؤمنين من أهل الكبائر ،وما فوق فلك الكواكب فال نوم ،
وأعني به النوم الكائن المعروف في العرف .واعلم أن اإلنسان إذا زهد في غرضه
ورغب عن نفسه وآثر ربه ،أقام له الحق عوضا من صورة نفسه صورة هداية إلهية
حقا من عند حق ،حتى يرفل في غالئل النور ،وهي شريعة نبيه ورسالة رسوله ،
فيلقى إليه من ربه ما يكون فيه سعادته ،فمن الناس من يراها على صورة نبيه ،
ومنهم من يراها على صورة حاله ،فإذا تجلت له في صورة نبيه فليكن عين فهمه فيما
تلقي إليه تلك الصورة ال غير ،فإن الشيطان ال يتمثل على صورة نبي أصال ،فتلك
ّللا بشريعته ،فما قال فهو
حقيقة ذلك النبي وروحه ،أو صورة ملك مثله عالم من ه
ّللا عليه وسلم فإن ّللا له على لسان رسوله صلهى ه ذاك ،فمن صبر نفسه على ما شرع ه
ّللا عليه وسلم في مبشرة يراها أو كشف بما ّللا ال بد أن يخرج إليه رسوله صلهى هه
ّللا إليه رسوله صلهى ه
ّللا عليه وسلم ألن ّللا من الخير ،وإنما يخرج هيكون له عند ه
ّللا عليه وسلم ال يتصور على صورته غيره ،فمن رآه رآه ال شك ّللا صلهى ه
رسول ه
ّللا إلى العبد ،أو من
فيه ،فالمبشرات وهي جزء من أجزاء النبوة إما أن تكون من ه
ّللا على يد بعض عباده إليه ،وهي الرؤيا يراها الرجل المسلم أو ترى له ،فإن جاءته ه
ّللا عليه وسلم ،فإن كان حكما تعبد نفسه به ّللا في رؤياه على يد رسوله صلهى ه من ه
ّللا عليه وسلم على الصورة الجسدية التي كان وال بد ،بشرط أن يرى الرسول صلهى ه
ّللا
عليها في الدنيا ،كما نقل إليه من الوجه الذي صح عنده ،حتى إنه إن رأى رسول ه
صلهى ه
ّللا عليه وسلم يراه مكسور الثنية العليا ،فإن لم يره بهذا األثر فما هو ذاك ،
ّللا عليه وسلم ورآه شيخا أو شابا مغايرا للصورة التي ّللا صلهى ه
وإن تحقق أنه رسول ه
كان عليها في الدنيا ومات عليها ،ورآه في حسن أزيد مما وصف له ،أو قبح صورة
ّللا
أو يرى الرائي إساءة أدب في نفسه معه ،فذلك كله الحق الذي جاء به رسول ه
ّللا ،فيكون ما رآه هذا الرائي عين الشرع ،إما صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،ما هو رسول ه
في البقعة التي يراه فيها عند والة األمور من الناس ،وإما أن يرجع ما يراه إلى حال
الرائي أو إلى المجموع ،غير ذلك ال يكون ،فيكون تغير صورته صلهى ه
ّللا عليه
وسلم عين إعالمه وخطابه إياه بما هو األمر عليه ،في حقه أو حق والة العصر
بالموضع الذي يراه فيه ،فإن جاءه بحكم في هذه الصورة فال يأخذ به إن اقتضى ذلك
نسخ حكم ثابت بالخبر المنقول الصحيح المعمول به ،وكل ما أتى به
ص 377
ص 377 :
من العلوم واألسرار مما عدا التحليل والتحريم فال تحجير عليه فيما يأخذه منه ،ال في
ّللا عليه وسلم على صورته العقائد وال في غيرها ،وذلك بخالف حكمه لو رآه صلهى ه
ّللا يقول (ْ :اليَ ْو َم أ َ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم دِينَ ُك ْم )هذا هو ،فيلزمه األخذ به وال يلزم غير ذلك ،فإن ه
ّللا عليه وسلم في الرؤيا أو في ّللا صلهى ه الفرقان بين األمرين ،فقد يرى رسول ه
الكشف ،فيصحح من األخبار ما ضعف بالنقل ،وقد ينفي من األخبار ما ثبت عندنا
ّللا عليه ّللا صلهى ه بالنقل ،كما ذكر مسلم في صدر كتابه عن شخص أنه رأى رسول ه
ّللا عليه وسلم وسلم في المنام ،فعرض عليه ألف حديث كان في حفظه ،فأثبت صلهى ه
ّللا عليه ّللا عليه وسلم ما بقي ،فمن رآه صلهى ه من األلف ستة أحاديث وأنكر صلهى ه
وسلم في المنام فقد رآه في اليقظة ما لم تتغير عليه الصورة ،فإن الشيطان ال يتمثل
ي
على صورته أصال ،فهو معصوم الصورة حيا وميتا ،فمن رآه فقد رآه في أ ه
صورة رآه .
[ سورة يوسف ( : ) 12آية ] 6
وبعلَ ْيكَ َوعَلى آ ِل يَ ْعقُ َ ث َويُتِ ُّم نِ ْع َمتَهُ َ َوكَذ ِلكَ يَجْ تَبِيكَ َربُّكَ َويُعَ ِلّ ُمكَ ِم ْن تَأ ْ ِوي ِل ْاألَحادِي ِ
ع ِلي ٌم َح ِكي ٌم ) ( 6 ق ِإ هن َربهكَ َ سحا َ كَما أَت َ همها عَلى أَبَ َو ْيكَ ِم ْن قَ ْب ُل ِإ ْبرا ِهي َم َو ِإ ْ
اعلم أنه كل ما يتخيل يعبر كالرؤيا ،كذلك يعبر كل كالم ويتأول ،فما في الكون كالم
ال يتأول
ث )وكل كالم فإنه حادث عند السامع ، ولذلك قال تعالى َ (:و ِلنُعَ ِله َمهُ ِم ْن تَأ ْ ِوي ِل ْاألَحادِي ِ
فمن التأويل ما يكون إصابة لما أراده المتكلم بحديثه ،ومن التأويل ما يكون خطأ عن
مراد المتكلم ،فقول يعقوب عليه السالم البنه يوسف عليه السالم َ «:ويُعَ ِله ُم َك ِم ْن
ث »يعني اإلصابة في التأويل بما يريد المتكلم . تَأ ْ ِوي ِل ْاألَحادِي ِ
[ سورة يوسف ( : ) 12اآليات 7إلى ] 20
ب ِإلى ف َوأ َ ُخو ُه أ َ َح ُّ س ُسا ِئ ِلي َن ( ِ ) 7إ ْذ قالُوا لَيُو ُ ف َو ِإ ْخ َو ِت ِه آياتٌ ِلل ه س َكان ِفي يُو ُ لَقَ ْد َ
ف أ َ ِو ا ْط َر ُحوهُ أ َ ْرضا ً س َ اقتُلُوا يُو ُ ين ( ْ ) 8 ضال ٍل ُمبِ ٍ صبَةٌ إِ هن أَبانا لَ ِفي َ ع ْ أَبِينا ِمنها َونَحْ ُن ُ
ين ( ) 9قا َل قائِ ٌل ِم ْن ُه ْم ال ت َ ْقتُلُوا يَ ْخ ُل لَ ُك ْم َوجْ هُ أَبِي ُك ْم َوتَكُونُوا ِم ْن بَ ْع ِد ِه قَ ْوما ً صا ِل ِح َ
ين ( ) 10قالُوا ار ِة ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم فا ِع ِل َ سيه َض ال ه ب يَ ْلت َ ِق ْطهُ بَ ْع ُت ا ْل ُج ّ ِ غيابَ ِ ف َوأ َ ْلقُوهُ فِي َ س َ
يُو ُ
ون ) ( 11 ناص ُح َ ف َو ِإنها لَهُ لَ ِ س َ يا أَبانا ما لَكَ ال تَأ ْ َمنها عَلى يُو ُ
ون ) ( 12قا َل ِإ ِنّي لَيَحْ ُزنُنِي أ َ ْن ت َ ْذ َهبُوا ِب ِه ظ َ غدا ً يَ ْرت َ ْع َويَ ْلعَ ْب َو ِإنها لَهُ لَحافِ ُ س ْلهُ َمعَنا َ أ َ ْر ِ
صبَةٌ ع ْ ب َونَحْ ُن ُ ون ( ) 13قالُوا لَ ِئ ْن أ َ َكلَهُ ال ِذّئْ ُ ع ْنهُ غا ِفلُ َ ب َوأ َ ْنت ُ ْم َ خاف أ َ ْن يَأ ْ ُكلَهُ ال ِذّئْ ُ
َوأ َ ُ
ب َوأ َ ْو َح ْينا ت ا ْل ُج ّ ِغيابَ ِ ون ) ( 14فَلَ هما ذَ َهبُوا بِ ِه َوأَجْ َمعُوا أ َ ْن يَجْ عَلُوهُ فِي َ س ُر َ إِنها إِذا ً لَخا ِ
ُون ) ( 16 ون ( َ ) 15وجا ُؤ أَبا ُه ْم ِعشا ًء يَ ْبك َ شعُ ُر َ إِلَ ْي ِه لَتُنَ ِبّئَنه ُه ْم بِأ َ ْم ِر ِه ْم هذا َو ُه ْم ال يَ ْ
ب َوما أ َ ْنتَ ِب ُم ْؤ ِم ٍن ف ِع ْن َد َمتا ِعنا فَأ َ َكلَهُ ال ِذّئْ ُ س َ ق َوت َ َر ْكنا يُو ُ ست َ ِب ُ قالُوا يا أَبانا ِإنها ذَ َه ْبنا نَ ْ
س ُك ْمس هولَتْ لَ ُك ْم أ َ ْنفُ ُ ب قا َل بَ ْل َ يص ِه ِبد ٍَم َك ِذ ٍ ين ( َ ) 17وجا ُؤ عَلى قَ ِم ِ لَنا َولَ ْو ُكنها صا ِدقِ َ
سلُوا ارةٌ فَأ َ ْر َ سيه َون ( َ ) 18وجا َءتْ َ عان عَلى ما ت َ ِصفُ َ ست َ ُ َّللاُ ا ْل ُم ْص ْب ٌر َج ِمي ٌل َو ه أ َ ْمرا ً فَ َ
ون ( ع ِلي ٌم ِبما يَ ْع َملُ َ س ُّرو ُه ِبضاعَةً َو ه
َّللاُ َ غال ٌم َوأ َ َ وار َد ُه ْم فَأَدْلى َد ْل َو ُه قا َل يا بُشْرى هذا ُ ِ
ِين) ( 20 الزا ِهد ََ ) 19وش ََر ْوهُ بِث َ َم ٍن بَ ْخ ٍس دَرا ِه َم َم ْعدُو َد ٍة َوكانُوا فِي ِه ِم َن ه
ص 378
ص 378 :
تعرض صاحبه للبالء ،ثم إن من شأن هذا الموطن اعلم أن الذي تحقق مقام العبودة ه
ّللا عز الحسن يوسف عليه السالم أن ال يكمل فيه عز ألحد وال راحة ،فإنه لما وهب ه
ابتلي بذل الرق ،ومع ذلك الحسن العالي الذي ال يقاومه شيء بيع بثمن بخس دراهم
معدودة ،من ثالثة دراهم إلى عشرة ال غير ،وذلك مبالغة في الذلة تقاوم مبالغته عزة
الحسن ،ثم سلب الرحمة من قلوب اإلخوة ،والحسن مرحوم أبدا بكل وجه ،فظهر
أن األمر اإللهي لم يكن بيد الخلق منه شيء سوى التصريف تحت القهر ،فزال بهذا
الذل العظيم عن ذلك الحسن
379
ص 379 :
ّللا ) طيب النفس عزيزا بالعزة
العرضي ،فبقي يوسف عليه السالم في سفره ( إلى ه
اإللهية ال غير
ص 380
ص 380 :
ت بِ ِه َو َه َّم بِها » ][" َولَقَ ْد َه َّم ْ
ّللا في اآلية فيما ذا ،فإنه قد يتبادر أنه في اللسان ت بِ ِه َو َه َّم بِها »ولم يعيهن ه « َولَقَ ْد َه َّم ْ
يدل على أحدية المعنى ،ولكن إذا نظرنا إلى قول يوسف للملك على لسان رسوله أن
يسأل عن النسوة وشأن األمر ،فما ذكرت المرأة إال أنها راودته عن نفسه ،وما
ذكرت أنه راودها ،
فزال ما كان يتوهم من ذلك فإن قلت :ال زال االشتراك في اللسان وال بد منه ،ففي
ما ذا يقع االشتراك ؟
قلنا :إنها همت به لتقهره على ما تريد منه ،وه هم هو بها ليقهرها في الدفع عن ذلك ،
فاالشتراك وقع في طلب القهر منه ومنها ،
ت ِب ِه »يعني في عين ما ه هم بها ،وليس إال القهر فيما يريد فلهذا قال تعالى َ «:ولَقَ ْد َه َّم ْ
كل واحد من صاحبه ،
ع ْن نَ ْف ِس ِه ) وما جاء في السورة قط ص ْال َح ُّق أَنَا َ
راو ْدتُهُ َ ص َح َ دليل ذلك قولها( ْاآلنَ َح ْ
أنه راودها عن نفسها ،
ّللا البرهان عند إرادته القهر في دفعها عنه فيما تريد منه« لَ ْو ال أ َ ْن َرأى بُ ْرهانَ فأراه ه
َر ِبه ِه »فكان البرهان الذي رآه أن يدفع عن نفسه بالقول اللين ،فإن القول اللين قد يأتي
في مواطن بما ال يأتي به القهر ،كما قال تعالى لموسى وهارون( فَقُوال لَهُ قَ ْو ًال لَ ِيهنا ً
)فكان البرهان ال تعنف عليها وال تسبها ،فإنها امرأة موصوفة بالضعف على كل حال
سو َء َو ْالفَ ْحشا َء »والهم بالسوء من السوء وهو مصروف عنه ع ْنهُ ال ُّف َ َ «،كذ ِل َك ِلنَ ْ
ص ِر َ
صينَ »بفتح الالم ،إذا ولد أعني السوء ،فلم يكن يهم بسوء« ِإنَّهُ ِم ْن ِعبا ِدنَا ْال ُم ْخلَ ِ
ّللا من بني آدم من المولود ونشأ محفوظا قبل التكليف ولم يرزأ في عهده الذي أخذ ه
ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم ،وهو الفطرة التي يولد عليها كل مولود ،فبقي عهده
على أصله خالصا ،وهو الدين الخالص ،ال المخلص من غير شوب خالطه ،فهو
صاحب العهد الخالص فال يشقى .
ص 381
ص 381 :
هذا الشاهد هو صبي كان في المهد .
ص 382
ص 382 :
عونَنِي إِلَ ْي ِه »محبة إضافة ال محبة س ْج ُن أ َ َحبُّ إِلَ َّ
ي ِم َّما يَ ْد ُ قول يوسف عليه السالم« ال ِ ه
حقيقية .
ص 383
ص 383 :
إلى ما ال يتناهى التضعيف فيه ،والواحد يضعفه أبدا ،فبقوة الواحد ظهر ما ظهر من
حكم العدد ،والحكم هّلل الواحد القهار ،ولوال أنه سمي بالمتقابلين ما تسمى بالقهار ،
ألنه محال أن يقاومه مخلوق أصال ،فإذا ما هو قهار إال من حيث أنه تسمى
بالمتقابلين ،فال يقاومه غيره ،فهو المعز المذل ،فيقع بين االسمين حكم القهر
والمقهور بظهور أحد الحكمين في المحل ،فلذلك هو الواحد من حيث أنه يسمى ،
القهار من حيث أنه يسمى بالمتقابلين ،وال بد من نفوذ حكم أحد االسمين ،فالنافذ
الحكم هو القاهر والقهار ،من حيث أن أسماء التقابل له كثيرة ،فهو القهار في مقابلة
المنازعين .
ص 384
ص 384 :
[سورة يوسف ( : ) 12آية ] 43
ت ُخ ْ
ض ٍر س ْنبُال ٍ
س ْب َع ُ
جاف َو َ س ْب ٌع ِع ٌ مان يَأ ْ ُكلُ ُه هن َ
س ٍ ت ِ َوقا َل ا ْل َم ِلكُ إِ ِنّي أَرى َ
س ْب َع بَقَرا ٍ
ون) ( 43 ت يا أَيُّ َها ا ْل َم ََل ُ أ َ ْفتُونِي فِي ُر ْء َ
ياي ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ِل ُّ
لر ْءيا ت َ ْعبُ ُر َ َوأ ُ َخ َر يا ِبسا ٍ
[ لم سمى الرؤيا عبارة ؟ ]
حضرة الخيال في النوم ،وهو الرؤيا كالجسر بين الشطين للعبور عليه من هذا الشط
إلى هذا الشط ،فجعل النوم معبرا ،وجعل المشي عليه عبورا ،وما سمي اإلخبار
عن األمور عبارة وال التعبير عن الرؤيا تعبيرا إال لكون المخبر يعبر بما يتكلم به ،
أي يجوز بما يتكلم به من حضرة نفسه إلى نفس السامع ،فهو ينقله من خيال إلى
خيال ،ألن السامع يتخيله على قدر فهمه ،فقد يطابق الخيال الخيال ،خيال السامع مع
خيال المتكلم وقد ال يطابق ،فإذا طابق سمي فهما ،وإن لم يطابقه كان لفظا ال عبارة
،ألنه ما عبر به عن محله إلى محل السامع ،غير أن التعبير عن غير الرؤيا رباعي
،والتعبير عن الرؤيا ثالثي ،ففي األول عبهر بالتشديد ،وفي الثاني عبر بالتخفيف ،
ولما كان عالم الخيال ليس مطلوبا لنفسه ،وإنما هو مطلوب لما نصب له لهذا سمي
تأويل الرؤيا عبارة ،ألن المفسر يعبر منها إلى ما جاءت له ،كما عبر النبي صلهى
ّللا عليه وسلم من القيد إلى الثبات في الدين ،ومن اللبن إلى العلم. ه
ص 385
ص 385 :
لما كان يوسف عليه السالم من أئمة علم التعبير بصور التمثيل والخيال ،علم أن
صور البقر هي السنوات ،وأن سمنها يعني الخصب ،وأن عجافها هو جدبها ،وذلك
كله من تجسد المعاني .
ص 386
ص 386 :
[سورة يوسف ( : ) 12آية ] 51
وء
س ٍعلَ ْي ِه ِم ْن ُ ع ِل ْمنا َ
ّلِل ما َ
حاش ِ ه ِ
َ س ِه قُ ْل َن
ف ع َْن نَ ْف ِ س َ قا َل ما َخ ْطبُك هُن إِ ْذ َ
راو ْدت ُ هن يُو ُ
ين ( س ِه َو ِإنههُ لَ ِم َن ال ه
صا ِدقِ َ ق أَنَا َ
راو ْدتُهُ ع َْن نَ ْف ِ ص ا ْل َح ُّ يز ْاآل َن َح ْ
ص َح َ ام َرأَةُ ا ْلعَ ِز ِ
ت ْقالَ ِ
)51
فما ذكرت المرأة إال أنها راودته عن نفسه ،وما ذكرت أنه راودها« َو ِإنَّهُ لَ ِمنَ
صا ِدقِينَ ». ال َّ
ص 387
ص 387 :
اآلالت لم يتعلق بها ذم ،والذي أجرأ النفوس على ارتكاب المحارم والدخول في المآثم
ّللا أدخلها في حكم المشيئة« ِإ َّال ما
هو كونها ليست على بصيرة من المؤاخذة ،فإن ه
ّللا به
ّللا ،بخوف أو رجاء أو حياء ،أو عصمة في علم ه َر ِح َم َر ِبهي »إال من عصم ه
خارجة عن هذه الثالثة ،وال خامس لهذه األربعة المانعة من وقوع المخالفة والتعرض
للعقوبة .واعلم أن النفس أشد األعداء شكيمة وأقواهم عزيمة ،فجهادها هو الجهاد
األكبر ،فمن ثبت قدمه في هذا الزحف ،وتحقق بمعنى ذلك الحرف انتهض بأعضائه
في الملكوت مليكا ،وكان له الملك جليسا ،غير أن هذه النفس العدوة الكافرة األمارة
بالسوء لها على اإلنسان قوة كبيرة وسلطان عظيم ،بسيفين عظيمين ماضيين ،تقطع
بهما رقاب صناديد الرجال وعظمائهم ،وهما شهوتا البطن والفرج ،اللتان قد تعبدتا
جميع الخالئق وأسرتهم ،ومن عظمهما وكبير فعلهما حتى أفرد اإلمام حجة اإلسالم
ّللا عنه كتابا س هماه ( كسر الشهوتين ) في إحياء علوم الدينأبو حامد الغزالي رضي ه
ّللا عنهم ،والذي يتوجه عليك في هذا له ،وكذلك اعتنى بهما كبار العلماء رضي ه
الباب أن تبدأ بالحسام الواحد الذي هو البطن ،ثم يليه الفرج .
-استدراك وموعظة -ال ينبغي لواعظ أن يخرج في وعظه عن الكتاب والسنة ،وال
يدخل في هذه الطوام ،فينقل عن اليهود والنصارى والمفسرين الذين ينقلون في كتب
ّللا عليهم السالم ،فإن هّلل مالئكة في
ّللا وال بمنزلة رسل ه
تفاسيرهم ما ال يليق بجناب ه
األرض سياحين فيها يتبعون مجالس الذكر ،فإذا وجدوا مجلس ذكر نادى بعضهم
ّللا من أنفاس بني آدم ،فينبغي
بعضا هلموا إلى بغيتكم ،وهم المالئكة الذين خلقهم ه
ّللا
ّللا ويستحي منه ،ويكون عالما بما يورده ،وما ينبغي لجالل ه للمذكر أن يراقب ه
ويجتنب الطامات في وعظه ،فإن المالئكة يتأذون إذا سمعوا في الحق وفي
المصطفين من عباده ما ال يليق ،وهم عالمون بالقصص ،وقد أخبر صلهى ه
ّللا عليه
وسلم أن العبد إذا كذب الكذبة تباعد منه الملك ثالثين ميال من نتن ما جاء به ،فتمقته
المالئكة ،فإذا علم المذكر أن مثل هؤالء يحضرون مجلسه فينبغي له أن يتحرى
ّللا عليهم
الصدق ،وال يتعرض لما ذكره المؤرخون عن اليهود من زالت من أثنى ه
ّللا ،ويقول :قال المفسرون ،وما ينبغي أنواجتباهم ،ويجعل ذلك تفسيرا لكتاب ه
ّللا بمثل هذه الطوام ،كقصة يوسف وداود وأمثالهم عليهم يقدم على تفسير كالم ه
ّللا عليه وسلم ،بتأويالت فاسدة وأسانيد واهية ،عن قوم قالوا فيالسالم ومحمد صلهى ه
ّللا عنهم ،فإذا أورد
ّللا ما ذكر ه
ه
388
ص 388 :
ّللا ،ووجد الذي في
المذكر مثل هذا في مجلسه مقتته المالئكة ونفروا عنه ،ومقته ه
دينه نقص رخصة يلجأ إليها في معصيته ،ويقول :إذا كانت األنبياء قد وقعت في
ّللا ،
وّللا األنبياء مما نسبت إليهم اليهود لعنهم ه
مثل هذا ،فمن أكون أنا ؟ وحاشا ه
ّللا بما ينبغي لجالله ،ويرغب فينبغي للمذكر أن يحترم جلساءه وال يتعدى ذكر تعظيم ه
ّللا ،من أجل من عندهفي الجنة ويحذر من النار وأهوال الموقف ،والوقوف بين يدي ه
من البطالين المفرطين من البشر ،فهؤالء المذكرون الذين يرددون افتراءات اليهود
ّللا لما غلب عليهم من الجهل ،فواجب على المذكر إقامة نقلة عن اليهود ال عن كالم ه
ّللا أن ال يقلد اليهود فيما قالوا في حق األنبياء
حرمة األنبياء عليهم السالم والحياء من ه
ّللا ،ومنها مراعاة من
عليهم الصالة والسالم من المثالب ونقلة المفسرين خذلهم ه
يحضر مجلسه من المالئكة السياحين ،فمن يراعي هذه األمور ينبغي أن يذكر الناس
،ويكون مجلسه رحمة بالحاضرين ومنفعة .
ص 389
ص 389 :
ش ْيءٍ إِ َّال ِع ْن َدنا خَزائِنُهُ َوما نُن ِ هَزلُهُ إِ َّال
ّللا سبحانه يقول َ (:وإِ ْن ِم ْن َ
بقدر معلوم ،كما أن ه
بِقَ َد ٍر َم ْعلُ ٍ
وم )
فإذا كانت هذه الصفة فيمن كانت ملك مقاليدها ،
ع ِلي ٌم »أخبرنا أنه عالم بحاجة المحتاجين لما في هذه يظ » « َثم قال بعد قوله« َح ِف ٌ
الخزائن التي خزن فيها ما به قوامهم ،عليم بقدر الحاجة .
واعلم أن الغفلة ما تع هم قط ،ال في العموم وال في الخصوص ،والعبد ال بد له أن يغفل
عن شيء دون شيء ،وحفظه لألشياء ما هو حفظ الحق لها ،فحفظ العبد بالتضمين ،
وحفظ الحق ما خلق ليس كذلك ،بل حفظ لكل صورة على التعيين .
ّللا [ :شفعت المالئكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين ]
يقول ه
ّللا يشفع من حيث أسماؤه ،فيشفع اسمه أرحم الراحمين عند اسمه القهار
فاعلم أن ه
والشديد
ص 390
ص 390 :
العقاب ليرفع عقوبته عن بعض الطوائف ،فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط .
ص 391
ص 391 :
[سورة يوسف ( : ) 12اآليات 68إلى ] 72
ش ْي ٍء ِإاله حا َجةً فِي َّللا ِم ْن َ ع ْن ُه ْم ِم َن ه ِ كان يُ ْغنِي َ ث أ َ َم َر ُه ْم أَبُو ُه ْم ما َ َولَ هما َد َخلُوا ِم ْن َح ْي ُ
ون ( ) 68 اس ال يَ ْعلَ ُم َ عله ْمنا ُه َول ِك هن أ َ ْكث َ َر النه ِ
وب قَضاها َو ِإنههُ لَذُو ِع ْل ٍم ِلما َ نَ ْف ِس يَ ْعقُ َ
س ِبما كانُوا يَ ْع َملُ َ
ون ف آوى ِإلَ ْي ِه أَخا ُه قا َل ِإ ِنّي أ َنَا أ َ ُخوكَ فَال ت َ ْبت َ ِئ ْ س َ َولَ هما َد َخلُوا عَلى يُو ُ
ير سقايَةَ فِي َرحْ ِل أ َ ِخي ِه ث ُ هم أَذه َن ُم َؤذّ ٌ
ِن أَيهت ُ َها ا ْل ِع ُ هاز ِه ْم َجعَ َل ال ِ ّ ( ) 69فَلَ هما َج هه َز ُه ْم بِ َج ِ
ع
صوا َ ُون ) ( 71قالُوا نَ ْف ِق ُد ُ علَ ْي ِه ْم ما ذا ت َ ْف ِقد َ ون ( ) 70قالُوا َوأ َ ْقبَلُوا َ سارقُ َ
إِنه ُك ْم لَ ِ
ير َوأَنَا ِب ِه َز ِعي ٌم ) ( 72 ا ْل َم ِل ِك َو ِل َم ْن جا َء ِب ِه ِح ْم ُل بَ ِع ٍ
-إشارة -جعل يوسف عليه السالم الصواع حجابا يقرع بذلك لالتصال باألحبة بابا.
ص 392
ص 392 :
فهو سبحانه العليم وال عالم ،وهو الحكيم في ترتيب العالم ،فالعالم والعليم أعم ،
والحكيم تعلق خاص للعلم .
ص 393
ص 393 :
لكل متصدق عليه صدقة تليق به من المخلوقين ،فيبدأ بنفسه ثم بجوارحه ،ثم األقرب
إليه بعد ذلك وهو األهل والولد ،ثم الخادم ثم الرحم والجار ،كما يتصدق على تلميذه
وطالب الفائدة منه .
علَ ْي ُك ُم ْاليَ ْو َم »فالحق قال يوسف عليه السالم لمن أساء في حقه فقطع رحمه« ال تَثْ ِر َ
يب َ
اح ِمينَ ّللاُ لَ ُك ْم َو ُه َو أ َ ْر َح ُم َّ
الر ِ أولى بهذه الصفة لمن أساء في حقه بقطع رحمه« يَ ْغ ِف ُر َّ
»بعباده .
قال ذلك إخوة يوسف ليعقوب عليه السالم يريدون حيرته في حب يوسف ،ألن الحب
من أوصافه الضالل والحيرة ،والحيرة تنافي العقل.
394
ص 394 :
[ سورة يوسف ( : ) 12اآليات 96إلى ]100
ارت َ هد بَ ِصيرا ً قا َل أ َ لَ ْم أَقُ ْل لَ ُك ْم إِ ِنّي أ َ ْعلَ ُم ِم َن ه ِ
َّللا ير أ َ ْلقاهُ عَلى َوجْ ِه ِه فَ ْ ش ُ فَلَ هما أ َ ْن جا َء ا ْلبَ ِ
ين ( ) 97قا َل خاطئِ َ ست َ ْغ ِف ْر لَنا ذُنُوبَنا ِإنها ُكنها ِ ون ( ) 96قالُوا يا أَبانَا ا ْ ما ال ت َ ْعلَ ُم َ
ف آوى الر ِحي ُم ( ) 98فَلَ هما َد َخلُوا عَلى يُو ُ
س َ ور ه ف أَ ْ
ست َ ْغ ِف ُر لَ ُك ْم َر ِبّي ِإنههُ ُه َو ا ْلغَفُ ُ س ْو َ
َ
ين ) َ ( 99و َرفَ َع أَبَ َو ْي ِه َ
علَى ا ْلعَ ْر ِش آم ِن ََّللاُ ِِإلَ ْي ِه أَبَ َو ْي ِه َوقا َل ا ْد ُخلُوا ِمص َْر ِإ ْن شا َء ه
س َنياي ِم ْن قَ ْب ُل قَ ْد َجعَلَها َر ِبّي َحقًّا َوقَ ْد أَحْ َ ت هذا تَأ ْ ِوي ُل ُر ْء َ س هجدا ً َوقا َل يا أَبَ ِ َو َخ ُّروا لَهُ ُ
طان بَ ْينِي َوبَ ْي َن
ش ْي ُ غ ال ه سِجْ ِن َوجا َء بِ ُك ْم ِم َن ا ْلبَ ْد ِو ِم ْن بَ ْع ِد أ َ ْن نَ َز َبِي إِ ْذ أ َ ْخ َر َجنِي ِم َن ال ّ
يف ِلما يَشا ُء ِإنههُ ُه َو ا ْلعَ ِلي ُم ا ْل َح ِكي ُم ( ) 100 ِإ ْخ َوتِي ِإ هن َر ِبّي لَ ِط ٌ
ص 395
ص 395 :
والترتيب أعطى العالم العلم بأن األمر كذا هو ،فال يوجد إال بحسب ما هو عليه في
الثبوت ،فالعارف يعلم بالجملة أن الظاهر في الوجود والواقع إنما هو في قبضة
ّللا
الحكمة اإللهية ،فيزول عنه التسخط والضجر ،ويقوم به التسليم والتفويض إلى ه
ّللا ما رجح إال الواقع ،فأوقع ما أوقع حكمة منه ،وأمسك ما في جميع األمور ،فإن ه
أمسك حكمة منه ،وهو الحكيم العليم ،فالعارف عنده الحكيم يتقدم العليم ،والعامي
يقدم العليم ثم الحكيم ،وقد ورد األمران معا ،فالحكيم خصوص والعليم عموم ،
ولذلك ما كل عليم حكيم ،وكل حكيم عليم ،فالحكمة الخير الكثير .
ص 396
ص 396 :
[سورة يوسف ( : ) 12آية ] 106
ُون ) ( 106 اّلِل إِاله َو ُه ْم ُمش ِْرك َ َوما يُ ْؤ ِم ُن أ َ ْكث َ ُر ُه ْم ِب ه ِ
لمعرفتهم باألسباب المولدة لتلك اآليات ،كالزالزل والكسوفات وما يحدث من اآلثار
العلوية
اّلل » ] [ « َوما يُؤْ ِم ُن أ َ ْكث َ ُر ُه ْم ِب َّ ِ
ّللا ال
ّللا ،فالمشرك مؤمن بوجود ه اّلل »ولم يقل بتوحيد ه « َوما يُؤْ ِم ُن أ َ ْكث َ ُر ُه ْم بِ َّ ِ
ّللا مؤمنبتوحيده« ِإ َّال َو ُه ْم ُم ْش ِر ُكونَ »والشرك منه جلي وخفي ،فالمؤمن بتوحيد ه
ّللا ،فينقص عن درجته في ّللا يكون مؤمنا بتوحيد ه ّللا ،وما كل مؤمن بوجود ه بوجود ه
ّللا من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم« قوة اإليمان ،فإنهه لما أخذ ه
أ َ لَ ْستُ ِب َر ِبه ُك ْم ،قالُوا بَلى »وما كان إال التصديق بالوجود والملك ال بالتوحيد ،وإن
كان فيه توحيد فغايته توحيد الملك ،
فجاء قوله تعالى« َوما يُؤْ ِم ُن أ َ ْكث َ ُر ُه ْم بِ َّ ِ
اّلل إِ َّال َو ُه ْم ُم ْش ِر ُكونَ »لما خرجوا إلى الدنيا ،
ألن الفطرة إنما كانت إيمانهم بوجود الحق والملك ال بالتوحيد ،فلما عدم التوحيد من
الفطرة ظهر الشرك في األكثر ممن يزعم أنه موحد ،وما أدهى من أدهاه إلى ذلك إال
ّللا ما كلفهم إال وقد علم أن لهم اقتدارا نفسيا التكليف ،فإنه لما كلفهم تحقق أكثرهم أن ه
ّللا
على إيجاد ما كلفهم به من األفعال ،فلم يخلص لهم توحيد ،فلو علموا من ذلك أن ه
ما كلفهم إال لما فيهم من الدعوى في نسبة األفعال إليهم ،التي نسبوها إلى أنفسهم
باّلل ال بنفوسهم ،كما فعل أهل الشهود ،فمن علم ذلك أقام العذر عند لتجردوا عنها ه
باّلل وهو خير ّللا أثبت لهم اإليمان ه
ّللا فيما أشركوا فيه عند إيمانهم ،فإن ه ّللا لعباد ه ه
ّللا آمن به على ما
كثير وعناية عظمى ،فإذا سمع السامع الخبر النبوي بوجود ه
وّللا موجود عند كل تصور كما هو موجود في يتصوره ،فما آمن إال بما تصوره ،ه
خالف ذلك التصور بعينه ،
باّلل إال وهم مشركون ،لما يطرأ عليهم في نفوسهم من مزيد العلم فما آمن أكثرهم ه
ّللا في ذلك كله ،فماباّلل ،ولو في كل مزيد تصور فيه ليس عين األول ،وليس إال ه ه
ّللا بهذه اآلية إال إلقامة عذرهم ،ولم يتعرض سبحانه للتوحيد ،ولو تعرض جاء ه
للتوحيد لم يصح قوله« ِإ َّال َو ُه ْم ُم ْش ِر ُكونَ »مع ثبوت اإليمان ،
فدل أنه ما أراد اإليمان بالتوحيد ،وإنما أراد اإليمان بالوجود ،ثم ظهر التوحيد لمن
ظهر في ثاني حال
-وجه آخر -الشرك الخفي هو االعتماد على األسباب الموضوعة ،والركون إليها
بالقلب ،فإن ذلك من أعظم رزيهة دينية في المؤمن ،وهو المراد بقوله تعالى« َوما
اّلل ِإ َّال َو ُه ْم ُم ْش ِر ُكونَ » يُؤْ ِم ُن أ َ ْكث َ ُر ُه ْم ِب َّ ِ
ص 397
ص 397 :
ّللا على العباد ،أن يعبدوه ال يشركوا به شيئا ] قال عليه السالم [ أتدرون ما حق ه
فدخل فيه الشرك الخفي والجلي الذي هو قطع اإلسالم ،
ّللا إذا فعلوا ذلك ،أن ال يعذبهم ] ثم قال [ أتدرون ما حقهم على ه
ّللا ،عذبهم باالعتماد على األسباب ،ألنها معرضة للفقر ، وذلك بأن ال تتوجه إال إلى ه
ففي حال وجودها يعذبهم بتوهم فقدها ،وبعد فقدها بفقدها ،فهم معذبون دائما ،والذين
لم يشركوا استراحوا ولم ينالوا بفقدها ألما
ّللا بالعالم أن أحالهم على األسباب وما جعل لهم رزقا إال -الوجه الثالث -من رحمة ه
فيها ليجدوا العذر في إثباتها ،فمن أثبتها جعال فهو صاحب عبادة ،ومن أثبتها عقال
ّللا
فهو مشرك ،وإن كان مؤمنا ،فما كل مؤمن موحد عن بصيرة شهودية أعطاه ه
إياها
ّللا إلها آخر ،ذلك هو الجهل المحض -لطيفة -ليس المراد بالشرك هنا أن تجعل مع ه
،فإنه ما ث هم إله آخر ،بل هو إله واحد عند المشرك وغير المشرك ،فكل شرك
باّلل
يقتضيه العلم ويطلبه الحق فهو حق ،فليس المقصود إال العلم ،فما يؤمن أكثرهم ه
باّلل ،وأبقى طائفة من المؤمنين هم في الشرك ،وال إال وهم مشركون ،فكثر العلماء ه
يعلمون أنهم فيه ،فلذلك لم ينسبهم إلى الشرك لعدم علمهم بما هم فيه من الشرك ،
ّللا هو الذي وقع عليه الشرك فيما يتضمنه ،فشاركه االسم وهم ال يشعرون ،فاالسم ه
عوا فَلَهُ ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنىالر ْحمنَ أَيًّا ما ت َ ْد ُ
عوا َّّللا أ َ ِو ا ْد ُ
عوا َّ َالرحمن قال تعالى« قُ ِل ا ْد ُ
ّللا شريكا في المعنى ،وهو االسم الرحمن ، »فجعل لالسم ه
فالمشركون هم الذين وقعوا على الشركة في األسماء اإللهية ،ألنها اشتركت في
الداللة على الذات ،وتميزت بأعيانها بما تدل عليه من رحمة ومغفرة وانتقام وحياة
وعلم وغير ذلك ،فإن من شأن الشركة اتحاد العين المشترك فيه ،فيكون لكل واحد
الحكم فيه على السواء ،وإال فليس بشريك مطلق ،فإن الشريك الذي أثبته الشقي لم
ّللا على أمر يقع فيه االشتراك ،فليس بمشرك على الحقيقة ،بخالف يتوارد مع ه
ّللا ،وباألسماء كلها في الداللة على الذات ، السعيد فإنه أشرك االسم الرحمن باالسم ه
فهو أقوى في الشرك من هذا ،فإن األول شريك دعوى كاذبة ،وهذا أثبت شريكا
بدعوى صادقة[ ال شقاء مع التوحيد ]
ّللا سعدوا سعادة األبد ولو شقوا يوما ما ،وال شقاء مع -تحقيق -أهل ال إله إال ه
التوحيد ،وال سعادة مع الشرك المعتقد ،وشرك الغفلة معفو عنه.
ص 398
ص 398 :
[ سورة يوسف ( : ) 12اآليات 107إلى ] 108
ون ( شعُ ُر َساعَةُ بَ ْغتَةً َو ُه ْم ال يَ َّْللا أ َ ْو تَأْتِيَ ُه ُم ال ه
ب هِ شيَةٌ ِم ْن عَذا ِ أ َ فَأ َ ِمنُوا أ َ ْن تَأْتِيَ ُه ْم غا ِ
َّللا َوما س ْب َ
حان ه ِ ير ٍة أَنَا َو َم ِن اتهبَعَنِي َو ُ َّللا عَلى بَ ِص َ س ِبي ِلي أ َ ْدعُوا ِإلَى ه ِ
) 107قُ ْل ه ِذ ِه َ
ين) ( 108 أَنَا ِم َن ا ْل ُمش ِْر ِك َ
ّللا على بصيرة ] [ الدعوة إلى ه
ّللا »ولم يقل أدعو إلى نفسي ،وإلى حرف عوا إِلَى َّ ِ قال عليه السالم عن ربه« أ َ ْد ُ
موضوع للغاية ،فهو النبي األمي الذي يدعو على بصيرة مع أميته ،وبهذا يزيد العالم
ّللا على بصيرة ،فهم التابعون له اإللهي على غيره ،واألميون الذين يدعون معه إلى ه
في الحكم ،إذ كان رأس الجماعة ،فالبصيرة هي الفتح اإللهي والعلم اللدني ،
والمجتهد وصاحب الفكر ال يكون أبدا على بصيرة فيما يحكم به ،فأما المجتهد فقد
يحكم اليوم في نازلة شرعية بحكم فإذا كان في غد الح له أمر آخر أبان له خطأ ما
حكم به باألمس في النازلة ،فرجع عنه وحكم اليوم بما ظهر له ،ويمضي الشرع
حكمه في األول واآلخر ،
ويحرم عليه الخروج عما أعطاه دليله في اجتهاده في ذلك الوقت ،فلو كان على
بصيرة لما حكم بالخطإ في النظر األول ،فالخطأ ال يكون مع البصيرة ،وكذلك
صاحب العقل ،يزن المتكلم بميزان عقله ما هو خارج عن العقل لكونه وراء طوره ،
وهو النسب اإللهية ،لم يقبله ميزانه ويرمي به ،
وكفر به وتخيل أنه ما ث هم حق إال ما دخل ميزانه ،والمجتهد الفقيه وزن حكم الشرع
بميزان نظره كالشافعي المذهب مثال ،أراد أن يزن بميزانه تحيل النبيذ الذي قبله
ميزان أبي حنيفة فرمى به ميزان الشافعي فحرمه ،
وقال أخطأ أبو حنيفة ،ولم يكن ينبغي للشافعي المذهب مثال أن يقول مثل هذا دون
تقييد ،وقد علم أن الشرع قد تعبد كل مجتهد بما أداه إليه اجتهاده ،وحرم عليه العدول
عن دليله ،فما وفهى الصنعة حقها ،وأخطأ الميزان العام الذي يشمل حكم الشريعة
ّللا
على اإلطالق ،فالبصيرة في الحكم مثل الضروريات للعقول عند من يدعو إلى ه
على بصيرة ،
ّللا على بصيرة إال من كان على بينة من ربه« أَنَا َو َم ِن اتَّبَعَنِي »من فما يدعو إلى ه
ّللا عليه وسلم هم ورثة األنبياء الشتراكهم في الخبر ،فهو يدعو بمثل اتبعه صلهى ه
ّللا والعمل بطاعته ،بشرعه المنزل ّللا إلى توحيد ه دعوة النبي عليه السالم عباد ه
ّللا عليه وسلم وعلى ما جاء به ّللا صلهى ه المنطوق به حاليا ،ال يزيد على دعاء رسول ه
من اإلخبار باألمور
ص 399
ص 399 :
ّللا ،فله أن يدعو به مما ال ّللا على شيء من الغيب مما علهمه ه المغيبة ،إال إن أطلعه ه
يكون مزيال لما قرره الشرع بالتواتر عندنا ،أي على طريق يفيد العلم ،وذلك أن
ّللا من األولياء ،والذي اختص به النبي من هذا دون الوحي كله موجود في رجال ه
الولي الوحي بالتشريع ،فال يشرع إال النبي ،وال يشرع إال رسول خاصة ،فيحلل
ويحرم ويبيح ويأتي بجميع ضروب الوحي ،واألولياء ليس لهم من هذا األمر إال
اإلخبار بصحة ما جاء به هذا الرسول وتعيينه ،حتى يكون هذا التابع على بصيرة
فيما تعبده به ربه على لسان هذا الرسول ،إذا كان هذا الولي لم يدرك زمانه حتى
يسمع منه كما سمع أصحابه ،فصار هذا الولي بهذا النوع من الخطاب بمنزلة
ّللا عليه وسلم ما شرع ّللا صلهى ه الصاحب الذي سمع من لفظ رسول ه
على َم ْن يَشا ُء ِم ْن ِعبا ِد ِه ) الرو َح ِم ْن أ َ ْم ِر ِه َ قال تعالى( يُ ْل ِقي ُّ
على َم ْن يَشا ُء ِم ْن ِعبا ِد ِه )فما جاء إال وح ِم ْن أ َ ْم ِر ِه َ الر ِوقال تعالى( يُن ِ هَز ُل ْال َمال ِئ َكةَ ِب ُّ
باإلعالم ،فما أغلق باب التنزل بالعلم بالشريعة على قلوب أوليائه ،وأبقى لهم التنزل
ّللا بها ،كما كان من اتبعوه الروحاني بالعلم بها ليكونوا على بصيرة في دعائهم إلى ه
وهو الرسول ،فهو أخذ ال يتطرق إليه تهمة الحتمال التأويل وما يتطرق إلى الناظر
ّللا على بصيرة فإن صاحب الدليل إلى دليله من الدخل عليه فيه ،فإن من يدعو إلى ه
علمه من حق اليقين ،أي حق استقراره في القلب ،ال يزلزله شيء عن مقره ،فهو
إدراك األمر على ما هو ،ألنه علم محقق ،
يرةٍ أَنَا َو َم ِن اتَّبَعَنِي » وهم هؤالء الذين ص َ على بَ ِ عوا إِلَى َّ ِ
ّللا َ لذلك جاء في القرآن« أ َ ْد ُ
ذكرناهم ،فرب حديث صحيح من طريق رواية الثقات عندنا ليس بصحيح في نفس
األمر ،فنأخذه على طريق غلبة الظن ال على العلم ،وهذه الطائفة التي ذكرناها تأخذه
من هذا الطريق فتكون من عدم صحة ذلك الخبر الصحيح عندنا على بصيرة أنه ليس
بصحيح في نفس األمر ،وبالعكس ،
وهو أن يكون الحديث ضعيفا من أجل ضعف الطريق ،من وضهاع فيه أو مدلس ،
وهو في نفس األمر صحيح ،فتدرك هذه الطائفة صحته ،فتكون فيه على بصيرة ،
فهؤالء هم ورثة األنبياء الشتراكهم في الخبر ،
ّللا على بصيرة وانفراد األنبياء بالتشريع ،واشترك الرسول ومن اتبعه في الدعوة إلى ه
ّللا مباشرة دون واسطة ، ،ومنها األخذ عن ه
ومن هذا المقام قال أبو يزيد البسطامي :حدثني قلبي عن ربي ،فأنكر عليه من أنكر
وغاب عنه نص الكتاب وهو هذه اآلية ،فكل علم ال يكون حصوله عن كشف بعد فتح
الباب يعطيه الجود اإللهي ويبديه ويوضحه فهو شعور ال علم ،
400
ص 400 :
وليس ينبغي لعاقل أن يدعو إلى أمر حتى يكون من ذلك األمر على بصيرة ،وهو أن
ّللا ،بل هو لهم يعلمه رؤية وكشفا بحيث ال يشك فيه ،وما اختصت بهذا المقام رسل ه
وألتباعهم الورثة ،وال وارث إال من كمل له االتباع في القول والعمل والحال الباطن
خاصة ،فإن الوارث يجب عليه ستر الحال الظاهر ،فإن إظهاره موقوف على األمر
ّللا في العموم اإللهي الواجب ،فإنه في الدنيا فرع واألصل البطون ،ولهذا احتجب ه
في الدنيا ،وفي اآلخرة يتجلى عامة لعباده ،فإذا تجلى لمن تجلى له على خصوصه
كتجليه للجبل ،كذلك ما ظهر من الحال على الرسل من جهة الداللة على صدقه
ليشرع لهم ،والوارث داع لما قرره هذا الرسول ،وليس بمشرع ،فال يحتاج إلى ه
ظهور الحال كما احتاج إليه المشرع ،فالوارث يحفظ بقاء الدعوة في األمة عليها ،
وما حظه إال ذلك ،حتى إن الوارث لو أتى بشرع -وال يأتي به -ولكن لو فرضناه ما
قبلته منه األمة ،فال فائدة لظهور الحال إذا لم يكن القبول كما كان للرسول ،فما أظهر
ّللا ال عن تعمد وال قصد من العبد ،وهو المسمى ّللا عليهم من األحوال فذلك إلى ه
ه
ّللا في
ّللا إنما هو فتح ذلك الباب ليكون من هكرامة في األمة ،فالذي يجهد فيه ولي ه
أحواله عند نفسه على بصيرة ،ال أنه يظهر بذلك عند خلقه ،فكرامة مثل هذا النوع
باّلل وما يتعلق به من التفضيل في أسمائه الحسنى وكلماته العليا ،فأخبر رسول علمه ه
ّللا التابع هنا
ّللا على بصيرة ،فجعل ه ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم أن من اتبعه يدعو إلى ه ه
ّللا عليه وسلم في نوره وإمداده ،فإن المؤمن إذا أجاب ومشى على صورة نبيه صلهى ه
ّللا ،فيتلقاه الحق تلقي
إلى ربه على الطريقة التي شرع له هذا الرسول فإنه يصل إلى ه
ّللا على بصيرة كما دعا ذلك الرسول ، إكرام وهبات ومنح وعطايا ،فصار يدعو إلى ه
ّللا على بصيرة فذلك الدعاء والنور الذي يدعو فكل من أخذ عن النبوة النور ودعا إلى ه
ّللا في
به هو نور اإلمداد اإللهي ،ال النور الذي اقتبسه من سراج النبوة ،فينسب إلى ه
ّللا بوساطة رسول ّللا عن أمر ه
ّللا ،وهو الداعي إلى ه
ذلك ال إلى الرسول ،فيقال عبد ه
ّللا به عليه في قلبه من العلوم اإللهية التي هي فتح
ّللا ،بحكم األصل ال بحكم ما فتح ه ه
عين فهمه لما جاء به الرسول صلهى ه
ّللا عليه وسلم من القرآن واألخبار ،ال أن هذا
الداعي يأتي بشرع جديد ،وإنما يأتي بفهم جديد في الكتاب العزيز لم يكن غيره يعرف
ّللا عليهم وسالمه أن ذلك المعنى في ذلك الحرف المتلو أو المنقول ،فللرسل صلوات ه
العلم ولنا الفهم وهو علم أيضا ،فالبصيرة هي الدرجة التي تقع فيها المشاركة مع
األنبياء
401
ص 401 :
عليهم السالم ،وهي هنا الكشف ،فالمتبع على كشف مثل كشف الرسل ،فإن العلم
ّللا
الصحيح ال يعطيه الفكر وال ما قررته العقالء من حيث أفكارهم ،إنما هو ما يقذفه ه
في قلب العالم ،وهو نور إلهي يختص به من يشاء من عباده من ملك ورسول ونبي
وولي ومؤمن ،ومن ال كشف له ال علم له ،ولهذا جاءت الرسل والتعريف اإللهي بما
تحيله العقول فتضطر إلى التأويل في بعضها لتقبله ،وتضطر إلى التسليم والعجز في
ّللا ال تبلغه عقولنا ،أمور ال تقبل التأويل أصال ،وغايته أن يقول له وجه ال يعلمه إال ه
وهذا كله تأنيس للنفس ال علم حتى ال ترد شيئا مما جاءت به النبوة ،هذا حال المؤمن
العاقل ،وأما غير المؤمن فال يقبل شيئا من ذلك ،وقد وردت أخبار كثيرة مما تحيلها
العقول في الجناب العالي مما وصف الحق به نفسه في كتابه وعلى لسان رسله مما
يجب اإليمان به ،وال يقبله العقل بدليله على ظاهره إال إن تأوله بتأويل بعيد ،فإيمانه
إنما هو بتأويله ال بالخبر ،ولم يكن له كشف إلهي كما كان للنبي فيعرف مراد الحق
في ذلك الخبر ،فوصف نفسه سبحانه بالظرفية الزمانية والمكانية ،ووصفه بذلك
ّللا عليه وسلم وجميع الرسل ،وكلهم على لسان واحد في ذلك ،ألنهم رسوله صلهى ه
ّللا تعالى علىيتكلمون عن إ هل واحد ،والعقالء أصحاب األفكار اختلفت مقاالتهم في ه
قدر نظرهم ،فاإلله الذي يعبد بالعقل مجردا عن اإليمان كأنه بل هو إله موضوع
بحسب ما أعطاه نظر ذلك العقل فاختلفوا ،والرسل عليهم السالم ما نقل عنهم اختالف
ّللا من النعوت ،بل كلهم على لسان واحد في ذلك ،والكتب التي فيما ينسبونه إلى ه
ّللا بلسان واحد ما اختلف منهم اثنان ،يصدق بعضهم جاءوا بها كلها تنطق في حق ه
بعضا مع طول األزمان وعدم االجتماع ،وما بينهم من الفرق المنازعين لهم ،ما
اختل نظامهم ،وكذلك المؤمنون بهم على بصيرة المسلمون المسلهمون الذين لم يدخلوا
نفوسهم في تأويل ،فهم أحد رجلين ،إما رجل آمن وسلم وجعل علم ذلك إليه إلى أن
مات وهو المقلد ،وإما رجل عمل بما علم من فروع األحكام ،واعتقد اإليمان بما
ّللا عن بصيرته وصيره ذا بصيرة في شأنه كما جاءت به الرسل والكتب ،فكشف ه
ّللا
ّللا عليه وسلم وأهل عنايته ،فكاشف وأبصر ودعا إلى ه فعل بنبيه ورسوله صلهى ه
ّللا تعالى في حق نبيه صلهى ه
ّللا عليه وسلم مخبرا عز وجل على بصيرة ،كما قال ه ه
يرةٍ أَنَا َو َم ِن اتَّبَعَنِي »وهؤالء هم العلماء ه
باّلل العارفون ، ص َ على بَ ِ
ّللا َ له« أ َ ْد ُ
عوا ِإلَى َّ ِ
وإن لم يكونوا رسال وال أنبياء ،فهم على بينة من ربهم في علمهم به وبما جاء من
عنده ،وكذلك وصف نفسه
402
ص 402 :
بكثير من صفات المخلوقين في كل خبر صحيح ورد في كتاب أو سنة ،واألخبار
أكثر من أن تحصى ،مما ال يقبلها إال مؤمن بها من غير تأويل ،أو بعض أرباب
النظر من المؤمنين بتأويل اضطره إليه إيمانه ،فانظر مرتبة المؤمن ما أعزها ،
ومرتبة أهل الكشف ما أعظمها ،حيث ألحقت أصحابها بالرسل واألنبياء عليهم السالم
فيما خصوا به من العلم اإللهي ،ألن العلماء ورثة األنبياء ،وما ورثوا دينارا وال
ّللا عليه وسلم [ إنها معاشر األنبياء ال نورث ،ما درهما بل ورثوا العلم بقوله صلهى ه
تركناه صدقة ]
وهذا العلم المأخوذ من الكشف إنما هو على صورة اإليمان سواء ،فكل ما يقبله
ّللا ،فإنه حق كله ، اإليمان عليه يكون كشف أهل ه
ّللا عليه وسلم [ العلماء ورثة األنبياء ،وإن األنبياء ما ورثوا ّللا صلهى ه قال رسول ه
دينارا وال درهما ،ورثوا العلم ]
ّللا عليه وسلم إلى أن فتح ّللا صلهى ه ّللا بشريعة رسول ه فالوارث الكامل من انقطع إلى ه
ّللا عليهعز وجل على نبيه ورسوله محمد صلهى ه ّللا ه ّللا له في قلبه في فهم ما أنزل ه ه
وسلم بتجل إلهي ،
عز وجل وجعله من المحدثين في هذه األمة ،فقام له هذا مقام فرزق الفهم في كتابه ه
ّللا عليه وسلم ،ثم رده إلى الخلق يرشدهم إلى ّللا صلهى ه الملك الذي جاء إلى رسول ه
ّللا ،ويفرق لهم بين الخواطر المحمودة والمذمومة ،ويبين لهم صالح قلوبهم مع ه
ّللا عليه وسلم وما لم يثبت ، ّللا صلهى ه مقاصد الشرع وما ثبت من األحكام عن رسول ه
ّللا ،آتاه رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما ،فيرقي هممهم إلى طلب بإعالم من ه
ّللا عليه وسلم ّللا صلهى ه ّللا كما فعل رسول ه األنفس بالمقام األقدس ،ويرغبهم فيما عند ه
في تبليغ رسالته ،غير أن الوارث ال يحدث شريعة وال ينسخ حكما مقررا ،لكن يبين
،فإنه على بينة من ربه وبصيرة في علمه ويتلوه شاهد منه بصدق اتباعه ،وهو الذي
ّللا ،
ّللا عليه وسلم في الصفة التي يدعو بها إلى ه ّللا تعالى مع رسوله صلهى ه شركه ه
يرةٍ أَنَا َو َم ِن اتَّبَعَنِي »وهم الورثة ،يدعون إلى ص َ على بَ ِ عوا إِلَى َّ ِ
ّللا َ فأخبر وقال «أ َ ْد ُ
ّللا على بصيرة ،وكذلك شركهم مع األنبياء عليهم السالم في المحنة وما ابتلوا به ه
ق َويَ ْقتُلُونَ الَّذِينَ يَأ ْ ُم ُرونَ
ّللا َويَ ْقتُلُونَ النَّ ِب ِيهينَ ِبغَي ِْر َح ه ٍ
ت َّ ِ فقال( ِإ َّن الَّذِينَ يَ ْكفُ ُرونَ ِبآيا ِ
اس ) ْط ِمنَ النَّ ِ ِب ْال ِقس ِ
ّللا ،فمتبع وهم الورثة ،فشرك بينهم في البالء كما شرك بينهم في الدعوة إلى ه
ّللا عليه وسلم ال يخطئ ،فإنهه يقفو أثره ،وما أفرد نفسه صلهى ه
ّللا عليه الرسول صلهى ه
وسلم ،بل ذكر أتباعه معه ،فإنهم ال يكونون أتباعه إال حتى يكونوا على قدمه ،
فيشهدون ما يشهد ويرون ما يرى ،فقوله« َو َم ِن اتَّبَعَنِي »هم أهل المجاهدات الذين
اتبعوه في أفعاله أسوة واقتداء ،فأوصلهم ذلك االتهباع إلى البصيرة ،وهو الكشف ،
فكان ما أتوا به علما لهم ،فدعوا
ص 403
ص 403 :
ّللا في أحكامه على بصيرة ،وغاية المجتهدين من علماء الرسوم ،الذين لم يتبعوا إلى ه
الرسول صلهى ه
ّللا عليه وسلم في أفعاله وال اقتدوا به ،الحكم بغلبة الظن ،فكان ما أتوا
ّللا على غير بصيرة ،والبصيرة التي يكون به علما في نفسه ظنا لهم ،فدعوا إلى ه
عليها الداعي والبينة إنما ذلك فيما يدعو إليه ،وليس إال الطريق إلى السعادة ،ال إلى
باّلل ،فإنه إذا دعا إلى العلم أيضا إنما يدعو إلى الحيرة على بصيرة أنه ما ثم إال العلم ه
ّللا ،ألن األمر عظيم والمدعو إليه ال يقبل الحصر وال ينضبط ،فليس في الحيرة في ه
اليد منه شيء ،فما هو إال ما تراه في كل تجل ،والحق ال يتجلى في صورة مرتين ،
ّللا الذين أقامهم الحق مقام الرسل في الدعوة باّلل من أهل ه
فهؤالء األتباع هم العلماء ه
ّللا بلسان حق عن نبوة مطلقة ،اعتنى بهم في أن وصفهم بها ال نبوة الشرائع ، إلى ه
سبْحانَ َّ ِ
ّللا َوما بل نبوة حفظ ألمر مشروع على بصيرة من الحافظ ال عن تقليد َ «،و ُ
أَنَا ِمنَ ْال ُم ْش ِر ِكينَ ».
ص 404
ص 404 :
الرعد مدنيّة ) ( 13سورة ّ
الرحيم الرحمن ّ َّللا ّبسم ّ
[ سورة الرعد ( : ) 13آية ] 1
يم
الر ِح ِ
من ه الرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِ
ِب ْ
ق َول ِك هن أ َ ْكث َ َر النه ِ
اس ال يُ ْؤ ِمنُ َ
ون ( ب َوالهذِي أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْيكَ ِم ْن َر ِبّكَ ا ْل َح ُّالمر ِت ْلكَ آياتُ ا ْل ِكتا ِ
)1
أشار تعالى بقولهذ ِل َك ْال ِكتابُفي أول البقرة أوال لوجود الجمع أصال قبل الفرق ثم أوجد
الفرق فإن الكتاب للجمع واآليات للتفرقة .
ص 405
ص 405 :
اآلخرة بانتقال اإلنسان إليها وخربت الدنيا بانتقاله عنها ،علمنا قطعا أن اإلنسان هو
العين المقصودة هّلل من العالم ،وأنه الخليفة حقا ،وأنه محل ظهور األسماء اإللهية ،
ّللا بوجوده السماء أن تقع على األرض ،فإذا فاإلنسان الكامل عمد السماء الذي يمسك ه
زال اإلنسان وانتقل إلى برزخ دار الحيوان مارت قبة السماء وانشقت وهوت ،فكانت
شعلة نار سيال كالدهان ،فالعمد لقبة السماء المعنى الماسك ،فإن لم ترد أن يكون
اإلنسان فاجعله قدرة المالك«.
س ًّمى » فهو يثبت س َو ْالقَ َم َر ُك ٌّل يَ ْج ِري ِأل َ َج ٍل ُم َ س َّخ َر ال َّ
ش ْم َ علَى ْالعَ ْر ِش َو َ ث ُ َّم ا ْستَوى َ
إلى وقت معين ثم يزول حكمه ال عينه ،فإذا بلغ جريانه األجل زال جريانه وإن بقي
عينه ،ولما كان االسم الرب من خصائصه اإلصالح -فقد حد االسم الرب الحدود
ووضع المراسم إلصالح المملكة وفعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان الممكنات -
اتخذ وزيرين يعينانه على ما أمر به ،الوزير الواحد االسم المدبر ،والوزير اآلخر
المفصل ،فكان أصل وضع الشريعة في العالم وسببها طلب صالح العالم ومعرفة ما
ّللا مما ال يقبله العقل ،أي ال يستقل بإدراكه العقل من حيث نظره ،فنزلت جهل من ه
بهذه المعرفة الكتب المنزلة ونطقت بها ألسنة الرسل واألنبياء عليهم السالم ،
ت "بالكالم" لَعَلَّ ُك ْم ِب ِل ِ
قاء َر ِبه ُك ْم تُوقِنُونَ ص ُل ْاآليا ِ لذلك قال تعالى« يُ َد ِبه ُر ْاأل َ ْم َر »عامة« يُفَ ِ ه
»
ت »اعلم أن حكم المدبر في األمور إحكامها ص ُل ْاآليا ِ -الوجه الثاني «-يُ َد ِبه ُر ْاأل َ ْم َر يُفَ ِ ه
في موضع الجمع والشهود وإعطاؤها ما تستحقه ،وهذا كله قبل وجودها في أعيانها
وهي موجودة له ،فإذا أحكمها كما ذكرناه أخذها المفصل وهذا االسم مخصوص
بالمراتب ،فأنزل كل كون وأمر في مرتبته ومنزلته ،فالمعنى المراد من قوله تعالى«
ت »هو التقدير واإليجاد فالتدبير للتقدير ،والتفصيل لإليجاد من ص ُل ْاآليا ِ يُ َد ِبه ُر ْاأل َ ْم َر يُفَ ِ ه
فصلت الشيء عن الشيء إذا قطعته منه وفصلت بينه وبينه حتى تميز ،فإن كان
الفصل عن تقدير فهو على صورته وشكله ،وإن كان عن غير تقدير فقد ال يكون
على صورته وإن أشبهه في أمر ما
-الوجه الثالث -قوله تعالى« يُ َد ِبه ُر ْاأل َ ْم َر »يعني أن الحق على الحقيقة هو مدبر العالم
،وما وصف الحق نفسه بأنه يدبر األمر إال أن يعرفنا أنه ما عمل شيئا إال ما تقتضيه
حكمة الوجود وأنه أنزله موضعه الذي لو لم ينزله فيه لم يوف الحكمة حقها ،وهو
ت »يعني الدالالت على توحيده ،فيعطي كل ص ُل ْاآليا ِ الذي أعطى كل شيء خلقه« يُفَ ِ ه
صه على توحيد موجده ،ويفصل اآليات أي يقسمها على خلقه خلق داللة تخ ه
ص 406
ص 406 :
ّللا تعالى عليه ،فإن اآليات معتادة وغير معتادة ،فالخواص العالم بحسب ما فطرهم ه
كله عندهم آيات بينات ،والعامة ليست اآليات عندهم إال التي هي عندهم غير معتادة ،
وّللا قد جعل اآليات المعتادة ألصناف مختلفين من عباده ّللا ،ه
فتلك تنبههم إلى تعظيم ه
فمنها للعقالء وآيات للموقنين وآيات ألولي األلباب ،وآيات ألولي النهي وآيات
للسامعين ،وآيات للعالمين وآيات للعالمين وآيات للمؤمنين ،وآيات للمتفكرين وآيات
ّللا بنعوت مختلفة وآيات مختلفة ذكرها لنا ألهل الذكر ،فهؤالء كلهم أصناف نعتهم ه
في القرآن إذا بحثت عليها وتدبرتها علمت أنها آيات ودالالت على أمور مختلفة ترجع
إلى عين واحدة ،غفل عن ذلك أكثر الناس ،ولهذا عدد األصناف ،فيتلوها جميع
الناس وال يتنبه لها إال األصناف الذين ذكرهم في كل آية خاصة ،فكأن تلك اآليات في
حق أولئك أنزلت ،وفي حق غيرهم لمجرد التالوة ليؤجروا عليها «لَعَلَّ ُك ْم ِب ِل ِ
قاء َر ِبه ُك ْم
تُو ِقنُونَ »أي انتقالكم من وجود الدنيا إلى وجود اآلخرة أقرب في العلم إن كنتم توقنون
من انتقالكم من حال العدم إلى حال الوجود ،وتوقنون أي تثبتون على موازين الحكم .
ص 407
ص 407 :
الفوائد كاألخذ منها ،ثم يأخذ في النقص كنقصانها ،ثم يهرم كهرمها ،ثم يموت
كموتها ،ثم تراه يولد كتوليدها ،فيؤخذ بذر منها فيزرع فيحدث فيه الشباب كذلك حتى
يصير إلى مثل حالها ،فقد يؤخذ منه كما أخذ منها وقد يترك فينقطع النسل من تلك
الثمرة المعينة ،وكذلك اإلنسان في التوالد والتناسل على ذلك المهيع ،فإن قلت :هذه
شجرة ،فأين أختها التي تصح بها شفعيتها وإطالق هذه اآلية عليهما فكرا واعتبارا ؟
فإذا تتبعت وجود الحكمة في اإلنسان وتفضيله على سائر الحيوان وتقصيت أسراره
وحكمه ولطائفه ،رأيتها بأعيانها في العالم المحيط األكبر قدما بقدم ،حتى تجده كأنه
هو ،فتعلم أن الثمرة الواحدة العالم الكبير المحيط ،والثمرة األخرى اإلنسان الذي هو
ْص ُرونَ )العالم الصغير ،وعلى ذلك نبه الكتاب العزيز بقوله َ ( :وفِي أ َ ْنفُ ِس ُك ْم أ َ فَال تُب ِ
ق َو ِفي أ َ ْنفُ ِس ِه ْم )
سنُ ِري ِه ْم آيا ِتنا ِفي ْاآلفا ِ
وبقوله( َ
ّللا بصيرتك إلى ما تفرق في العالم األكبر تجده في هذا العالم اإلنساني ، نور ه فانظر ه
ّللا تعالى ابتلى اإلنسان ت ِلقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ »اعلم أن ه من ملك وملكوت« إِ َّن فِي ذ ِل َك َآليا ٍ
الذي جعله خليفة في األرض ببالء ما ابتلى به أحدا من خلقه ،إما ألن يسعده أو يشقيه
على حسب ما يوفقه إلى استعماله ،فكان البالء الذي ابتاله به أن خلق فيه قوة تسمى
الفكر ،وكلف العقل معرفته سبحانه ليرجع إليه في اقتناء العلوم ال إلى غيره ،ففهم
العقل نقيض ما أراد به الحق بقوله تعالى( أ َ َولَ ْم يَتَفَ َّك ُروا ) *" ِلقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ "
*فاستند إلى الفكر وجعله إماما يقتدى به ،وغفل عن الحق في مراده بالتفكر أنه
ّللا ،فيكشف له عن باّلل ال سبيل إليه إال بتعريف ه خاطبه أن يتفكر فيرى أن علمه ه
ّللا من أنبيائهاألمر على ما هو عليه ،فلم يفهم كل عقل هذا الفهم إال عقول خاصة ه
وأوليائه ،يا ليت شعري هل بأفكارهم قالوا بلى حين أشهدهم على أنفسهم في قبضة
الذرية من ظهر آدم ؟
وّللا ،بل عناية إشهادهم إياه ذلك عند أخذه إياهم عنهم من ظهورهم ،ولما رجعوا ال ه
ّللا لم يجتمعوا قط على حكم واحد في معرفة إلى األخذ عن قواهم المفكرة في معرفة ه
ّللا ،وذهبت كل طائفة إلى مذهب ،وكثرت القالة في الجناب اإللهي األحمى ، ه
ّللا ،وهذا كله من االبتالء الذي ذكرناه من خلقه الفكر في واجترءوا غاية الجرأة على ه
اإلنسان ،فالخاصة افتقروا إليه فيما كلفهم من اإليمان به في معرفته ،وعلموا أن
المراد منهم رجوعهم إليه في ذلك وفي كل حال ،فمنهم القائل ،سبحان من لم يجعل
سبيال إلى معرفته هإال العجز عن معرفته ،
ومنهم من قال :العجز عن درك اإلدراك
ص 408
ص 408 :
طونَ إدراك ،وقال صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ ال أحصي ثناء عليك ] وقال تعالى( َوال يُ ِحي ُ
بِ ِه ِع ْلما ً )فرجعوا إلى ه
ّللا في المعرفة به وتركوا الفكر في مرتبته ووفوه حقه ،لم
ّللا ،فوهبهم ينقلوه إلى ما ال ينبغي له التفكر فيه ،وقد ورد النهي عن التفكر في ذات ه
ّللا من معرفته ما وهبهم ،وأشهدهم من مخلوقاته ومظاهره ما أشهدهم ،فعلموا أنه ما ه
يستحيل عقال من طريق الفكر ال يستحيل نسبة إلهية ،فالفكر ال يتعدى النظر في اإلله
من كونه إلها ،وفيما ينبغي أن يستحقه من له صفة األلوهية من التعظيم واإلجالل
واالفتقار إليه بالذات ،وهذا كله يوجد حكمه قبل وجود الشرائع ،ثم جاء الشرع به
مخبرا وآمرا ،فأمر به وإن أعطته فطرة البشر ،ليكون عبادة يؤجر عليها ،وليس
للفكر حكم وال مجال في ذات الحق ال عقال وال شرعا ،فإن الشرع قد منع من التفكر
ّللا ،فالفكر يصيب العاقل به ويخطئ ،ولكن خطأه أكثر من إصابته ،ألن له في ذات ه
حدا يقف عنده ،فمتى وقف عنده أصاب وال بد ،ومتى جاوز حدهه إلى ما هو لحكم
ّللا وإياكم من غلطات قوة أخرى يعطاها بعض العبيد قد يخطئ ويصيب ،عصمنا ه
األفكار .
ص 409
ص 409 :
العقال وهو التقييد ،وما سميت العقول عقوال إال لقصورها على من عقلته من العقال ،
والعاقل يهوله المعتاد وغير المعتاد من اآليات ،ولذلك قال في المعتاد « ِإ َّن فِي ذ ِل َك
ت ِلقَ ْو ٍم يَ ْع ِقلُونَ »والسعيد من عقله الشرع ال من عقله غير الشرع .
َآليا ٍ
إشارة -اللذات في المطاعم ،والمطاعم في الثمر ،والثمر في األغصان ،واألغصان
تتفرع من األصل ،واألصل واحد ،ولوال األرض ما ثبت األصل ،ولوال األصل ما
ثبت الفرع ،ولوال الفرع ما كان الثمر ،ولوال الثمر ما وجد األكل ،ولوال األكل ما
وجدت اللذة ،فالكل متعلق باألرض ،واألرض مفتقرة إلى الماء ،والماء مفتقر إلى
السحاب ،والسحاب مفتقر إلى الريح ،والريح يسخرها األمر ،واألمر من الحضرة
الربانية يصدر ،ومن هنا ارق وانظر وتنزه وال تنطق -إشارة -يسقى بماء واحد
وفضل بعضها على بعض في الشاهد ! ! ألن للمزاج أثرا والغذاء واحد ،وتستمد منه
القوى على اختالفها فيظهر في كل موطن بما تقتضيه حقيقة ذلك الموطن ،وكل إناء
بما فيه ينضح ،انظر إلى بني آدم ! !
410
ص 410 :
ّللا تعالى و هكل مالئكة باألرحام عند مساقط النطف ،فيقلبون النطف من حال إلى إن ه
يض ّللا ،وقدر ذلك التنقل باألشهر ،وهو قوله تعالى« َوما ت َ ِغ ُ حال كما قد شرع لهم ه
ش ْيءٍ ْاأل َ ْرحا ُم »أي ما تنقص عن العدد المعتاد« َوما ت َ ْزدا ُد »عن العدد المعتاد« َو ُك ُّل َ
دار »فهو سبحانه يعلم شخصية كل شخص ،وشخصية فعله وحركاته ِع ْن َدهُ ِب ِم ْق ٍ
وسكونه ،وربط ذلك بالحركات الكوكبية العلوية ،فنسب من نسب اآلثار لها ،وجعلها
ّللا عندها ال لها ،فال يعلم ما في األرحام وال ما تخلهق مما لم يتخلهق من النطف على ه
ّللا تعالى من المالئكة الموكلة باألرحام« َو ُك ُّل ّللا تعالى ،ومن أعلمه ه
قدر معلوم إال ه
دار »فاألمور كلها بيديه ،ومع هذا لو ارتفعت الحاجات ،وزالت ش ْيءٍ ِع ْن َدهُ بِ ِم ْق ٍ َ
الفاقات وانعدمت الشهوات ،وذهبت األغراض واإلرادات ،لبطلت الحكمة ،
وتراكمت الظلمة ،وطمست األنوار وتهتكت األستار ،والحت األسرار ،وزال كل
شيء عنده بمقدار ،فذهب االعتبار وهذا ال يرتفع وال يندفع وبقي الحكم لألقدار ،فكل
شيء عنده بمقدار .
ص 411
ص 411 :
ّللا ،فهو معصوم محفوظ ،وقد يحفظونه من األمر النازل به فيدفعونه ،كما فعل ه
بالزاني في حين زناه ،أخرج عنه اإليمان حتى صار عليه كالظلهة ،يحفظه من أمر
ّللا النازل به حيث تعرض بالمخالفة لنزول البالء ،فهؤالء المعقبات يتبعون العبد ه
حيث تصرف ،فهو مطلق التصريف في إرادته ،وإن حجر عليه بعض التصرف ،
فإنه يتصرف فيما حجر عليه ،وال يستطيع الملك منعه من ذلك ألمرين :الواحد لكون
الحق قد ذهب بسمع هذا العبد عن قوله وببصره عن شهوده ،واألمر اآلخر لكون
الملك الحافظ الموكل به ال يمنعه لشهوده الحق معه في تصرفه الذي أمره بحفظه ،
ّللا ال يُغَ ِيه ُر ما بِقَ ْو ٍم َحتَّى يُغَ ِيه ُروا ما
فهؤالء المعقبات يحفظون العبد في تصرفه« ِإ َّن َّ َ
ِبأ َ ْنفُ ِس ِه ْم »وهذا لمناسبة التحويل ،فيطلب العباد التحويل بالتحويل ،ولسان األفعال
أفصح من لسان األقوال ،وإلى هذه اآلية يشار بتحويل الرداء في صالة االستسقاء ،
إشارة إلى تحويل الحال الذي أخرج العباد من الجدب إلى الخصب ،ومن حال شظف
فإن تحول أهل المصر في خروجهم إلى االستسقاء إنما هو تحول العيش إلى رغده ،ه
من حال البطر واألشر وكفران النعم إلى حال التوبة واالفتقار وإظهار الفاقة والمسكنة
،فطلبوا التحويل بالتحويل ،فإنهم القائلون بهذا الفعل ،أي ربنا إنا هدنا إليك ورجعنا
عما كنا عليه من مخالفتك ،فإن التنعم بالنعم وما كنا فيه من الخصب على جهة البطر
أوجب لنا الجدب والقحط ،ونرجو بكرمك أن توجب لنا باالفتقار والذلة والمسكنة
س ْوءا ً فَال َم َر َّد لَهُ َوما لَ ُه ْم ِم ْن دُونِ ِه ِم ْن وا ٍل والخشوع الخصب« َوإِذا أَرا َد َّ
ّللاُ بِقَ ْو ٍم ُ
»الوالي هو الذي يلي األمور بنفسه ،فإن وليها غيره بأمره فليس بوال وال إمام ،
وإنهما الوالي واإلمام هو المنصوب للوالية ،وإنما سمي واليا ألنه يوالي األمر من غير
إهمال ألمر ما مما له عليه والية ،وإن لم يفعل فليس بوال ،والوالي ال يكون أبدا إال
في الخير ،ال بد من ذلك ،فإنه موجد على الدوام ،فال تراه أبدا إال في فضل وإنعام
ّللا .
وإقامة حد لتطهير ،والتطهير خير ،فإن الوالي على الحقيقة هو ه
ص 412
ص 412 :
الملك المسمى بالرعد مخلوق من الهواء ،كما خلقنا نحن من الماء ،وذلك الصوت
ّللا ،فعينه نفس المسمى عندنا بالرعد تسبيح ذلك الملك ،وفي ذلك الوقت يوجده ه
صوته ،ويذهب كما يذهب البرق وذوات األذناب« َو ُه ْم يُجا ِدلُونَ فِي َّ ِ
ّللا َو ُه َو َ
شدِي ُد
ْال ِمحا ِل »المحال الشدة والقوة .
ص 413
ص 413 :
ط ْوعا ً َو َك ْرها ً »ويدخل
وهم األسفلون عالم األجساد ،الذين قاموا بالنشأة العنصرية« َ
في قوله تعالى« َك ْرها ً »المنافقون فإنهم سجدوا كرها ،وآمنوا كرها ،لظهور أهل
اإليمان بالسيف عليهم« َو ِظاللُ ُه ْم »
-الوجه األول في الظالل -الموجودات الممكنات التي أوجدها الحق تعالى هي
لألعيان التي يتضمنها برزخ الممكن ،أي حضرة اإلمكان بمنزلة الظالالت لألجسام ،
بل هي الظالالت الحقيقية ،وهي التي وصفها الحق سبحانه بالسجود له مع سجود
أعيانها ،فما زالت تلك األعيان ساجدة له قبل وجودها ،فلما وجدت ظاللها وجدت
ساجدة هّلل تعالى لسجود أعيانها التي وجدت عنها ،وظل األشخاص أشكالها ،فهي
أمثالها ،وهي ساجدة بسجود أشخاصها والسجود ال يكون هإال مع الشهود والمعرفة ،
ال غير ذلك
-الوجه الثاني -من أسرار العالم أنه ما من شيء يحدث إال وله ظل يسجد هّلل ليقوم
بعبادة ربه على كل حال ،سواء كان ذلك األمر الحادث مطيعا أو عاصيا ،فإن كان
من أهل الموافقة كان هو وظله على السواء ،وإن كان مخالفا ناب ظله منابه في
الطاعة هّلل ،والظالالت أبدا تابعة للصورة المنبعثة عنها حسا ومعنى ،فالحس قاصر
،ال يقوى قوة الظل المعنوي للصورة المعنوية ،ألنه يستدعي نورا مقيدا ،لما في
الحس من التقييد والضيق وعدم االتساع
-الوجه الثالث -ظالل األرواح أجسادها ،فاألجساد ظالل األرواح ،فإنها ال تتحرك
ّللا الظالل عن أشخاصها باألنوار إال بتحريك األرواح إياها تحريكا ذاتيا ،وأظهر ه
المحصورة ،ضرب مثال ألنوار العقائد المحصورة ،فإله كل معتقد محصور في
دليله ،فأراد الحق منك أن تكون معه كظلك معك من عدم االعتراض عليه فيما يجريه
عليك ،والتسليم والتفويض إليه فيما تصرف فيك به ،وينبهك بذلك أن حركتك عين
تحريكه ،وأن سكونك كذلك ،ما الظل يحرك الشخص ،
ّللا ،فإن األمر كما شاهدته ،فهو المؤثر فيك ،لذلك سجدت الظالل كذلك فلتكن مع ه
لمشاهدتها من خرجت عنه ،وهي األشخاص ،يتستر ظل الشخص عن النور بأصله
الذي انبعث عنه لئال يفنيه النور ،فلم يكن له بقاء إال بوجود األصل ،
ط ْوعا ً » لألرواح من باّلل ،فأخبر تعالى ع همن ذكر أنهم يسجدون « َ فال بقاء للعالم إال ه
حيث علمهم ومقامهم ،فسجدت المالئكة لمرتبة العلم فكان سجودها( ال ِع ْل َم لَنا )
*ولألجسام من حيث ذواتهم وأعيانهم« َو َك ْرها ً »
في األرواح من حيث ذواتهم ،وفي األجسام من حيث رياستهم وتقدمهم على أبناء
جنسهم ،ولما كان هذا السجود سجود إخبار ،تعيهن على العبد أن يصدهق
ص 414
ص 414 :
ّللا في خبره عمن ذكر ،فإنه من أهل األرض بجسده ومن أهل السماوات بعقله ، ه
فيسجد لربه طوعا وكرها ،من تقييده بجهة خاصة ال يقتضيها علمه ،وإن كان ساجدا
في نفس األمر سجودا ذاتيا وإن لم يشعر بذلك ،فيوقعها عبادة ،فإن ذلك أنجى له .
وذكر« ِب ْالغُد ه ُِو َو ْاآلصا ِل »المتداد الظالل في هذه األوقات ،فجعل امتدادها سجودا ،
فهي في الغدو تتقلص رجوعا إلى أصلها الذي منه انبعثت ،وفي اآلصال تمتد وتطول
بالزيادات ،والغدو واآلصال من األوقات المنهي عن الصالة فيها ،فأخرج حكم
السجود في هذه األوقات عن حكم النافلة ،وجعل حكمه حكم الفرائض ،أو المقضي
من النوافل ،فتعيهن على التالي في هذه اآلية السجود ،فيجازى من باب من صدهق ربه
تعالى في خبره ،فهي سجدة تصديق بتحقيق
-نكتة -أنفت الظالل من السجود للشمس لما هي عليه من شرف النفس ،فاستدبرتها
في هذه األوقات ،وامتدت ساجدة لمن بيده ملكوت األرض والسماوات ،حين سجد
لها من يزعم أنه من أهل التمكين ،وتعبدت من يدعي العقل الرصين ،أال ترى تبعية
ظالل األشخاص لها ،ما أحسنها وما أكملها ،ولقد أخبر سبحانه عن الظالل أنها
تسجد له بالغدو واآلصال ،فمن أولى بهذه الصفة في علمك ؟
أنت أم الظالل التي هي جماد في زعمك ؟!
هيهات ،لشغلك بالترهات .
ص 415 :
وال يكتسب الوجود إال من كونه قابال ،وذلك إلمكانه واقتدار الحق المخصص
المر هجح وجوده على عدمه ،فلو زال القبول من الممكن لكان كالمحال ال يقبل اإليجاد
،وقد اشترك المحال والممكن قبل الترجيح بالوجود في العدم ،كما أنه مع قبوله لو لم
يكن اقتدار الحق ما وجد عين هذا المعدوم الذي هو الممكن ،فلم تظهر األعيان
المعدومة للوجود إال بكونها قابلة ،فإذا اطلعت على حقيقتك وجدت نفسك عبدا محضا
عاجزا ميتا ضعيفا عدما ال وجود لك ،وأول اسم تلبسه الوجود ،فتظهر موجودا
لنفسك حتى تقبل جميع ما يمكن أن يقبله الموجود من حيث ما هو موجود ،فتقبل
جميع ما يخلع عليك الحق من األسماء اإللهية ،فتتصف عند ذلك بالحي والقادر
والعليم والمريد والسميع والبصير والمتكلم والشكور والرحيم والخالق والمصور
وجميع األسماء ،ومع وجود هذه الصفات ال يزول عن اإلنسان حقيقة كونه عبدا
ار »الواحد من حيث ألوهته واح ُد ْالقَ َّه ُ
إنسانا مع وجود هذه األسماء اإللهية فيه« َو ُه َو ْال ِ
ار »من نازعه من عباده بجهالة ولم يتب . ،فال إله إال هو« ْالقَ َّه ُ
ص 416
ص 416 :
إشارة إلى المعارف اإللهية القدسية الموسوية ،فالوادي مسيل المعارف في قلوب
العباد من حيث هم عباد .
ص 417
ص 417 :
ّللا إخوانا ] فنهوا
ورد في الخبر [ ال تحاسدوا وال تدابروا وال تقاطعوا وكونوا عباد ه
باّلل تعالى ،
ّللا به أن يوصل ذلك عين وصلتهم ه عن التقاطع ،فالواصلون ما أمر ه
فأثنى عليهم .
ص 418
ص 418 :
الجنة التي دون جنة عدن وأفضلها ،ثم جنة الخلد ،ثم جنة النعيم ،ثم جنة المأوى ،
ثم دار السالم ،ثم دار المقامة ،وأما الوسيلة فهي أعلى درجة في جنة عدن لرسول
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم . ه
419
ص 419 :
ّللا تطمئن القلوب ] [أال بذكر ه
ّللا »الذي ذكرها به« أَال بِ ِذ ْك ِر َّ ِ
ّللا ط َمئِ ُّن قُلُوبُ ُه ْم بِ ِذ ْك ِر َّ ِ -الوجه األول «-الَّذِينَ آ َمنُوا َوت َ ْ
وب »في تقلبها فتسكن إلى التقليب مع ط َمئِ ُّن ْالقُلُ ُ »الذي ذكرها به ،إذا كانت مؤمنة« ت َ ْ
األنفاس ،وتعلم أن الثبات على حال واحدة ال يصح ،فهو كل يوم في شأن حيث كان
،فما زال األمر مذ كان من حال إلى حال ،والقلب له عين تبصر ،ومن أبصر أمرا
فقد علمه ،وإذا علمه سكن إليه ،فأبصر التقليب دائما ،فعلمه دائما ،فاطمأن به
وسكن إليه ،فهو في كل نفس ينظر إلى آثار ربه في قلبه -فيما يقيمه وفيما يخرج
عنه -ما يعطيه فيه وينبهه به عليه ،فال يزال صاحب هذا المقام في كل نفس في علم
جديد
ّللا ،والطمأنينة سكينة أنزلها القرآن في قلوب المؤمنين -الوجه الثاني -القرآن ذكر ه
ّللا تعالى في بني ،فكانت آيات بني إسرائيل ظاهرة ،وآياتنا في قلوبنا ،إذ قال ه
إسرائيل في آية طالوت ( َوقا َل لَ ُه ْم نَبِيُّ ُه ْم إِ َّن آيَةَ ُم ْل ِك ِه أ َ ْن يَأْتِيَ ُك ُم التَّابُوتُ فِي ِه َ
س ِكينَةٌ ِم ْن
َر ِبه ُك ْم ) فكانت السكينة شهادة في غير هذه األمة ،غيبا في هذه األمة ،وبها وبأمثالها
كانت األمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس ،فعالمة هذه األمة في قلوبهم .ومقام
عز وجل ،هو سكونه لما يتلوه من كشفه الوارث المحمدي في تالوته كالم ربه ه
واطالعه على معانيه ،فهو في حال تالوته يستذكر ما عنده ،فيطلع على نفسه ،
ّللا نثر كالمه بتأييد الروح القدسي ،فكل من تال وسكن لما تال بصدق ، ويسمعه ه
بصورة ظاهر وحكمة باطن ،فذلك تال وصاحب سكينة ،فإن هو تال وسكن ظاهرا
ولم يسكن باطنا -والسكون الباطن فهم المعنى الساري في الوجود من تلك اآلية
المتلوة ،ال يقتصر على ما تدل عليه في الظاهر خاصة -فمن تال هكذا فليس بصاحب
ّللا عليه وسلم ، سكينة أصال وال هو وارث محمدي ،وإن كان من أمة محمد صلهى ه
فإن تال وسكن باطنا ولم يسكن ظاهرا وتعدى الظاهر المشروع ،فذلك ليس بوارث
ّللا ،فإن الروح القدسي أول من يرميه وال مح همدي وال بمؤمن ،وهو أبعد الناس من ه
ّللا عليه وسلم يقول لربه فيه يوم القيامة :سحقا سحقا ويرمي به ،والنبي محمد صلهى ه
وّللا عند ذلك ال يسعده وال يساعده. .ه
ص 420
ص 420 :
[ سورة الرعد ( : ) 13آية ] 29
ب ( ) 29 س ُن َمآ ٍ ت ُ
طوبى لَ ُه ْم َو ُح ْ الهذ َ
ِين آ َمنُوا َوع َِملُوا ال ه
صا ِلحا ِ
[ شجرة طوبى ]
شجرة طوبى غرسها الحق تعالى بيده في جنة عدن ،وأطالها حتى علت فروعها سور
جنة عدن ،وتدلت مطلة على سائر الجنات كلها ،وليس في أكمامها ثمر إال الحلي ،
والحلل لباس أهل الجنة وزينتهم زائدا في الحسن والبهاء على ما تحمل أكمام شجر
ّللا خلقها بيده ،فإن لباس
الجنات من ذلك ،ألن لشجرة طوبى اختصاص فضل بكون ه
أهل الجنة ما هو نسج ينسج ،وإنما تشقق عن لباسهم ثمر الجنة كما تشقق األكمام هنا
عن الورد وعن شقائق النعمان وما شاكلهما من األزهار كلها ،كما ورد في الخبر
ّللا عليه وسلم كان يخطب بالناس ّللا صلهى ه الصحيح كشفا والحسن نقال ،أن رسول ه
ّللا ،أو قام رجل من الحاضرين -الشك مني -فقال :يا فدخل رجل فقال :يا رسول ه
ّللا ،ثياب أهل الجنة أخلق تخلق أم نسج تنسج ؟ رسول ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم منهم فضحك الحاضرون من كالمه ،فكره ذلك رسول ه
وقال [ :أتضحكون إن سأل جاهل عالما ؟ يا هذا ،وأشار إلى السائل بل تشقق عنها
ثمر الجنة ]
وشجرة طوبى زينها بثمر الحلي والحلل اللذين فيهما زينة لالبسهما ،وأعطت في ثمر
الجنة كله من حقيقتها عين ما هي عليه ،كما أعطت النواة النخلة وما تحمله من النوى
الذي في ثمرها ،وكل من تواله الحق بنفسه من وجهه الخاص بأمر ما من األمور فإن
له شفوفا وميزة على من ليس له هذا االختصاص وال هذا التوجه .
من »ألنه لم يكن عندهم هذا االسم وال سمعوا به قبل هذا ،فلما « َو ُه ْم يَ ْكفُ ُرونَ بِ َّ
الر ْح ِ
قيل لهم
من ) فزادهم هذا االسم نفورا ،فإنهم ال يعرفون إال من قالُوا َو َما َّ
الر ْح ُ لر ْح ِ
( ا ْس ُجدُوا ِل َّ
ّللا ) *لم
ّللا زلفى ،ولما قيل لهم( ا ْعبُدُوا َّ َ
ّللا ،الذين يعبدون الشركاء ليقربوهم إلى ه ه
ّللا ؟ وإنما أنكروا توحيده ،وقد نقل أنهم كانوا يعرفونه مركبا ( الرحمن يقولوا :وما ه
الرحيم ) اسم واحد كبعلبك ورام هرمز ،فلما أفرده بغير نسب أنكروه ،فقال لهم
الداعي:
ص 421
ص 421 :
ّللا ،وهم ال ينكرون الرب ،وفسره بالرب ألنه الرحمن« ُه َو َر ِبهي »ولم يقل هو ه
ّللا ،ولهذا عبدوا المغذي ،وبالغذاء حياتهم ،فال يفرقون من الرب ويفرقون من ه
ّللا ،إذ بيده االقتدار اإللهي واألخذ الشديد ،وهو الكبير الشركاء ليشفعوا لهم عند ه
عندهم المتعالي ،فهم معترفون مقرون به ،فتلطف لهم بالعبارة باالسم الرب ليرجعوا
،فهو أقرب مناسبة بالرحمن ،فأمر نبيه أن يقول بحيث يسمعون« قُ ْل ُه َو َر ِبهي ال ِإلهَ
ب »أي مرجعي في أمركم ،عسى يهديكم علَ ْي ِه ت َ َو َّك ْلتُ »في أمركم« َوإِلَ ْي ِه َمآ ِ
إِ َّال ُه َو َ
إلى اإليمان ،فما أغلظ لهم ،لتتوفر دواعي المخاطبين للنظر فيما خاطبهم به ،إذ لو
خاطبهم بصفة القهر ،وهو غيب ال عين له في الوقت إال مجرد إغالظ القول ،لنفرت
طباعهم وأخذتهم حمية الجاهلية لما نصبوهم آلهة ،فأبقى عليهم ،وهذا هو التوحيد
الرابع عشر في القرآن وهو توحيد الرجعة وهو توحيد الهوية .
ص 422
ص 422 :
وما ظهر شيء من ذلك فينا وقد كلمنا به ،وهو يحيي الموتى بما فيه من العلم إن كان
المقصود بالموت الجهل فإن من أصناف الموت الجهل
يقول تعالى ( :أ َ َو َم ْن كانَ َميْتا ً فَأ َ ْحيَيْناهُ ) وتقطع به األرض وتسير الجبال بما فيه من
الزجر والوعيد ولذلك كان نزول القرآن شديدا على هذا الهيكل اإلنساني ،فكان الوحي
ّللا عليه وسلم ،عند نزوله بالقرآن ، ّللا صلهى ه
والغط على رسول ه ه يؤثر الغت
وهذه اآلية أيضا تدل على شرف الجماد على اإلنسان وشرف اإلنسان إذا مات وصار
ّلل ْاأل َ ْم ُر َج ِميعا ً ) كل ما مثل األرض في الجمادية على حاله حيا في اإلنسانية ( بَ ْل ِ َّ ِ
سوى الواجب الوجود لنفسه فهو هّلل ،حتى ما توصف أنت به ويوصف الحق به هو هّلل
ّللا« أ َ فَلَ ْم يَيْأ َ ِس الَّذِينَ
باّلل فال موجود وال موجد إال ه ّللا إنما هو ه كله ووجود ما سوى ه
اس َج ِميعا ً »فكان حكم هذه المشيئة في الدنيا بالتكليف آ َمنُوا أ َ ْن لَ ْو يَشا ُء َّ
ّللاُ لَ َه َدى النَّ َ
وأما في اآلخرة فالحكم لقوله تعالى « :يَ ْفعَ ُل ما يُ ِري ُد » *فله اإلطالق سبحانه .
ص 423
ص 423 :
إلى أن الفعل هّلل من خلف حجاب األكوان التي هي محل ظهور األفعال فيها« َو َجعَلُوا
س ُّمو ُه ْم »يريد أسماء االعالم وذلك في معرض الداللة فإذا سموهم قالوا ش َركا َء قُ ْل َ ّلل ُ
ِ َّ ِ
هذا حجر ،هذا شجر ،هذا كوكب والكل اسم عبد فيذكرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء
س ُّمو ُه ْم )فتعرفوا عند ذلك الحق بيد من ّللا فقال تعالى لنبيه صلهى ه
ّللا عليه وسلم ( قُ ْل َ ه
هو ؟ هل هو بأيديكم أو بيدي ؟
س َّم ْيت ُ ُموها أ َ ْنت ُ ْم
ي إِ َّال أَسْما ٌء َ
وقد قال الحق تعالى وأبان ذلك كله ليعقل عنه( إِ ْن ِه َ
طان )فلما عرفوا قوله وتحققوه علموا أنهم في فضيحة س ْل ٍ َوآبا ُؤ ُك ْم ما أ َ ْنزَ َل َّ
ّللاُ بِها ِم ْن ُ
باّلل بل آباؤكم نصبوهم آلهة ،وهذا اإلله الذي أدعوكم ألنهم إذا سموهم لم يسموهم ه
ّللا
ّللا ال تنكرونه ،وأنتم القائلون ما نعبدهم إال ليقربونا إلى ه إليه تعرفونه وأن اسمه ه
ّللاُ
ض ِل ِل َّ ّللا بأنهم في شركهم قد ضلوا ضالال مبينا فقال َ «:و َم ْن يُ ْ زلفى ثم وصفهم ه
فَما لَهُ ِم ْن ها ٍد »فما له من هاد معناه موفق ،ألنهم أوقعوا أنفسهم في الحيرة لكونهم
ّللا شيئا ، عبدوا ما نحتوا بأيديهم وعلموا أنه ال يسمع وال يبصر وال يغني عنهم من ه
ّللا بقصور نظرهم وعقولهم . فهي شهادة من ه
ص 424 :
ّللاُ ما يَشا ُء » ] [ « يَ ْم ُحوا َّ
ّللاُ ما يَشا ُء »فذكر المحو بعد الكتابة ،فثبت المحو وهو المعبر عنه بالنسخ « يَ ْم ُحوا َّ
ّللا ومحاه بعد ما كان له حكم في الثبوت والوجود عند الفقهاء ،فهو نسخ إلهي رفعه ه
وهو في األحكام انتهاء مدة الحكم ،وفي األشياء انتهاء المدة فإنه تعالى قال (ُ :ك ٌّل
س ًّمى )فهو يثبت إلى وقت معين ثم يزول حكمه ال عينه( َويُثْ ِبتُ )ما يَ ْج ِري ِإلى أ َ َج ٍل ُم َ
ّللا عليه وسلم في إسرائه إنه أسري به حتى ظهر لمستوى شاء مما كتبه ،قال صلهى ه
يسمع فيه صريف األقالم ،فوصل إلى سماع أصوات األقالم وهي تجري بما يحدث
ّللا في العالم من األحكام وهذه األقالم رتبتها دون القلم األعلى ودون اللوح المحفوظ ه
فإن الذي كتبه القلم األعلى ال يتبدل وسمي اللوح بالمحفوظ من المحو فال يمحى ما
كتب فيه وهذه األقالم تكتب في ألواح المحو واإلثبات على قدر ما تأتي به إليهم رسل
ّللا من رأس الديوان وهو القلم األعلى من إثبات ما شاء ومحو ما شاء ّللا من عند ه ه
ّللاُ ما يَشا ُء َويُثْبِتُ ) ومن هذه األلواح تنزل الشرائع
وهو قوله تعالى (:يَ ْم ُحوا َّ
ّللا عليهم وسالمه ولهذا يدخل في الشرائع والصحف والكتب على الرسل صلوات ه
ّللا عليه النسخ ويدخل في الشرع الواحد النسخ في الحكم وإلى هنا كان يتردد صلهى ه
وسلم في شأن الصلوات الخمسين بين موسى وبين ربه إلى هذا الحد كان منتهاه فيمحو
ّللا عليه وسلم ما شاء من تلك الصلوات التي كتبها في هذه ّللا عن أمة محمد صلهى ه ه
األلواح إلى أن أثبت منها هذه الخمسة وأثبت لمصليها أجر الخمسين وأوحى أنه ال
يبدل القول لديه ،فما رجع بعد ذلك من موسى في شأن هذا األمر ،ومن هذه الكتابة«
س ًّمى ِع ْن َدهُ »ومن هذه الحقيقة التردد الكوني في األمور والحيرة ث ُ َّم قَضى أ َ َج ًال َوأ َ َج ٌل ُم َ
فيها ،
425
ص 425 :
أن نفسه تتردد في فعل أمر ما ،هل يفعله أو ال يفعله ؟ وما وهو إذا وجد اإلنسان ه
تزال على تلك الحال حتى يكون أحد األمور التي ترددت فيها فيكون ويقع ذلك األمر
الواحد ويزول التردد فذلك األمر الواقع هو الذي ثبت في اللوح من تلك األمور
المتردد فيها وذلك أن القلم الكاتب في لوح المحو يكتب أمرا ما وهو زمان الخاطر
ّللا فيزول ذلك
الذي يخطر للعبد فيه فعل ذلك األمر ثم تمحى تلك الكتابة يمحوها ه
الخاطر من ذلك الشخص ألنه ما ثم رقيقة في هذا اللوح تمتد إلى نفس هذا الشخص
في عالم الغيب فإن الرقائق إلى النفوس من هذه األلواح تحدث بحدوث الكتابة وتنقطع
بمحوها فإذا أبصر القلم موضعها في اللوح ممحوا كتب غيرها مما يتعلق بذلك األمر
من الفعل أو الترك فيمتد من تلك الكتابة رقيقة إلى نفس ذلك الشخص الذي كتب هذا
من أجله فيخطر لهذا الشخص ذلك الخاطر الذي هو نقيض األول ،فإذا أراد الحق
إثباته لم يمحه ،فإذا ثبت بقيت رقيقة متعلقة بقلب هذا الشخص وثبتت ،فيفعل ذلك
الشخص ذلك األمر أو يتركه بحسب ما ثبت في اللوح فإذا فعله أو ثبت على تركه
وانقضى فعله محاه الحق من كونه محكوما بفعله وأثبته صورة عمل حسن أو قبيح
على قدر ما يكون ،ثم إن القلم يكتب أمرا آخر هكذا األمر دائما ،وهذه األقالم هذه
ّللا تعالى هو الذي يمحو على حسب ما يأمر مرتبتها والموكل بالمحو ملك كريم على ه
به الحق تعالى واإلمالء على ذلك الملك ومن أحكام هذه األقالم تكون جميع التأثيرات
في العالم دائما وال بد لها أن تكتب وتثبت انتثار الكواكب وانحالل هذه األجرام الفلكية
وخراب هذه الدار الدنياوية وانتقال العمارة في حق السعداء إلى الجنان العلية وفي حق
األشقياء إلى جهنم وهي أسفل سافلين -وجه آخر -للقلب وجهان ظاهر وباطن فباطنه
ال يقبل المحو بل هو إثبات مجرد محقق وظاهره يقبل المحو [ وهو لوح المحو ]
ّللاُ ما يَشا ُء َويُثْ ِبتُ »فقلب العبد هو محل اإللقاء
واإلثبات فيه وقتا أمرا ما «يَ ْم ُحوا َّ
اإللهي من خير وشر شرعا ،وهو لوح المحو واإلثبات ،فيخطر للعبد خاطر أن يفعل
أمرا ما من األمور ،ثم ينسخه خاطر آخر ،فيمحو األول ويثبت الثاني ،وهذا ما دام
العبد مهتما لخواطره ،محجوبا عن كشف اإللقاء اإللهي ،فإذا أيهد بالعصمة إن كان
نبيا ،أو بالحفظ إن كان وليا ،عاد قلبه لوحا محفوظا عن المحو ،فإن ظهر ممن هذا
مقامه محو في ظاهر الكون بعد إثبات ،وهو عن أمر يقوم بالقلب من الحق ،فال يقال
فيه إنه لوح محو وإثبات ألنه صاحب كشف ،وإنما وقع المحو في ظاهر الكون
وبقيت حكمته
426
ص 426 :
ب »فلو كان صاحب الكتاب مؤمنا بكل كتابه ما ضل أبدا - في القلب« َو ِع ْن َدهُ أ ُ ُّم ْال ِكتا ِ
ّللاُ ما يَشا ُء َويُثْبِتُ »يمحو األسباب من قلوب الموحدين ويثبت نفسه إشارة «-يَ ْم ُحوا َّ
ب »وهي ،ويمحو الوحدانية من قلوب الناظرين ويثبت األسباب« َو ِع ْن َدهُ أ ُ ُّم ْال ِكتا ِ
السابقة التي ال تتبدل وال تمحى ،فأم الكتاب هو الكتاب الذي فيه ما كان قبل إيجاده
وما يكون ،كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات وما يتكون عنها وفيه
ّللا في األشياء ال يحصره ّللا وحكمه وهو كتاب محصور ألنه موجود وعلم ه قضاء ه
ي ،ومن هذا كتاب مرقوم وال يسعه رق منشور وال لوح محفوظ وال يسطره قلم عل ه
الكتاب سمي الحق عليما وله القضاء الذي يحكم على القدر -الوجه الثاني َ «-و ِع ْن َدهُ
ب »اعلم أن تحقيق عندية كل شيء نفسه والعندية في اللسان ظرف مكان أو أ ُ ُّم ْال ِكتا ِ
ظرف محلي كالجسم للعرض اللوني الذي يدركه البصر فهو أجلى فيما ترومه من
الداللة فهو بحيث محله وصاحب المكان ما هو بحيث المكان والعندية جامعة
ب »وهو القرآن فإنه صفة الحق فالقرآن أم لألمرين« َو ِع ْن َدهُ »أي الحق فهو« أ ُ ُّم ْال ِكتا ِ
الكتاب الذي عنه خرجت الكتب المنزلة واختلفت األلسنة به لقبولها إياه بحقيقته فقيل
فيه :إنه عربي وإنه عبراني وإنه سرياني بحسب اللسان الذي أنزل به والقرآن من
جملة الكتب إال أن له الجمعية دون سائر الكتب .
ص 427
ص 427 :
ّللف ْال َم ْك ُر َج ِميعا ً »يعني المكر المضاف إلى عباده والمكر المضاف إليه سبحانه " َ ِ َّ ِ
ب ُك ُّل نَ ْف ٍس »فأتى بلفظ كل وهي حرف شمول فشملت فنفى المكر عنهم« يَ ْعلَ ُم ما ت َ ْك ِس ُ
ار »الكافر الذي ستر عنه هذا سيَ ْعلَ ُم ْال ُكفَّ ُ
كل نفس فما تركت شيئا في هذا الموضع « َو َ
َّار »في الدار اآلخرة حيث ينكشف الغطاء عن ع ْقبَى الد ِ العلم في الحياة الدنيا« ِل َم ْن ُ
األعين فيعلم من كان يجهل .
[ سورة الرعد ( : ) 13آية ] 43
اّلِل ش َِهيدا ً بَ ْينِي َوبَ ْينَ ُك ْم َو َم ْن ِع ْن َدهُ ِع ْل ُمسالً قُ ْل كَفى بِ ه ِستَ ُم ْر َ ِين َكفَ ُروا لَ ْ
َويَقُو ُل الهذ َ
ب) ( 43 ا ْل ِكتا ِ
تاب أ َ ْنزَ ْلناهُ إِلَي َْك »اعلم أن القرآن قرآن في الصدور ،وفي اللسان كالم ،وفي الر ِك ٌ
ور »من ظلمة العدم إلى نور ت إِلَى النُّ ِ اس ِمنَ ُّ
الظلُما ِ المصاحف كتاب ِ «،لت ُ ْخ ِر َج النَّ َ
يز » فهو صراط العزة ، راط ْالعَ ِز ِ
ص ِ الوجود« بِإِ ْذ ِن َر ِبه ِه ْم » فكنا نورا بإذن ربنا« ِإلى ِ
ّللا الذي عليه
صراط التنزيه الذي ليس لمخلوق فيه قدم في العلم به ،فإنه صراط ه
ينزل لخلقنا ،وعليه يكون معنا أينما كنا ،وعليه نزل من العرش إلى السماء الدنيا
وإلى األرض ،وهو قوله َ (:و ُه َو )
ص 428
ص 428 :
ض )وعليه يقرب من العبد أضعاف ما يتقرب إليه عبده ت َوفِي ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ
ّللاُ فِي ال َّ
( َّ
إذا سعى إليه بالطريق التي شرع له ،فهو يهرول إليه إذا رآه مقبال تهمما بعبده
وإكراما له ،ولكن على صراط العزة ،وهو صراط نزول ال عروج لمخلوق فيه ،
ولو كان لمخلوق فيه سلوك ما كان عزيزا ،فهو صراط ممنوع لنفسه ،فالحق سبحانه
يختص بالنزول فيه« ْال َح ِمي ِد »أي الحامد والمحمود ،ألن فعيل إذا ورد يطلب اسم
الفاعل والمفعول ،فإما أن يعطي األمرين معا مثل هذا ،وإما أن يعطي األمر الواحد
لقرينة الحال ،وقد أثنى على نفسه ،فهو الحامد والمحمود .
ص 429
ص 429 :
في أينية ،ومع هذا جاء لسان الشرع باألينية في حق الحق من أجل التواطؤ الذي
ّللا ؟ فلو قالها غير ّللا عليه وسلم للسوداء :أين ه عليه لسان المرسل إليهم ،فقال صلهى ه
الرسول لشهد الدليل العقلي بجهل القائل ،فإنهه ال أينية له ،فلما قالها الرسول وبانت
حكمته وعلمه ،علمنا أنه ليس في قوة فهم هذا المخاطب أن يعقل موجده إال بما
تصوره في نفسه ،فلو خاطبه بغير ما تواطأ عليه وتصوره في نفسه الرتفعت الفائدة
المطلوبة ولم يحصل القبول ،فمن حكمته أن سأل مثل هذه بمثل هذا السؤال وبهذه
ّللا
العبارة ،ولذلك لما أشارت إلى السماء ،قال فيها :إنها مؤمنة ،أي مصدقة بوجود ه
ولم يقل عالمة ،واعلم أن إخالف ما أوعدت به من الشر يس همى تجاوزا ،وهذه شبهة
س ْلنا ِم ْن َر ُ
سو ٍل ِإ َّال ِب ِل ِ
سان قَ ْو ِم ِه »وما المعتزلة ،وغاب عنها قوله تعالى َ «:وما أ َ ْر َ
تواطئوا عليه أعني األعراب ،إذا أوعدت أو وعدت بالشر التجاوز عنه ،وجعلت
ذلك من مكارم األخالق ،فعاملهم الحق بما تواطئوا عليه ،فزلت هنا المعتزلة زلة
ّللا تعالى في خبره ،وما علمت أن مثل عظيمة ،أوقعها في ذلك استحالة الكذب على ه
هذا ال يس همى كذبا في العرف الذي نزل به الشرع ،فحجبهم دليل عقلي عن علم وضع
حكمي ،وهذا من قصور بعض العقول ووقوفها في كل موطن مع أدلتها ،وال ينبغي
لها ذلك ،ولتنظر إلى المقاصد الشرعية في الخطاب ،ومن خاطب ،وبأي لسان
خاطب ،وبأي عرف أوقع المعاملة في تلك األمة المخصوصة ،فنقول للمعتزلي الذي
أن وعيده ينفذ فيمن شاء ّللا عرفنا ه يقول بإنفاذ الوعيد فيمن مات على غير توبة .إن ه
ويغفر لمن شاء ،والخبر اإللهي الصدق ال يدخله الكذب ،فإنه محال على الجناب
أن خطاب الحق لعباده إنما يكون بحسب ما تواطئوا عليه اإللهي ،وإن نظر العالم إلى ه
،وهذا خطاب عربي لسائر العرب ،بلسان ما اصطلحوا عليه من األمور التي
يتمدحون بها في عرفهم ،ومن األمور التي يذمونها في عرفهم ،فعند العرب من
مكارم األخالق ،أن الكريم إذا وعد وفي وإذا أوعد تجاوز وعفا ،وهي من مكارم
أخالقهم ومما يمدحون بها الكريم ،ونزول الوعيد عليهم بما هو في عرفهم ،لم
يتعرض في ذلك لما تعطيه األدلة العقلية من عدم النسخ لبعض األخبار والستحالة
الكذب ،بل المقصود إتيان مكارم األخالق يقول بعض األعراب في كرم خلقه :وإني
إذا أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعديمدح نفسه بالعفو والتجاوز عمن
جنى عليه بما أوعد على ذلك من العقوبة بالعفو
ص 430
ص 430 :
والصفح ،ومدح نفسه بإنجاز ما وعد به من الخير ،يقال في اللسان :وعدته في
الخير والشر ،وال يقال أوعدته بالهمز إال في الشر خاصة ،والتجاوز والعفو عند
فاّلل أولى بهذه الصفة ،وقد العرب مما تواطئوا على الثناء به على من ظهر منه ،ه
عرفنا أن وعيده ينفذ فيمن شاء ويغفر لمن شاء ،وال ينبغي أن يقال مخلف ،بل ينبغي
أن يقال إنه عفو متجاوز عن عبده ،ومع هذه الوجوه فال يتمكن زوال الرهبة من قلب
العبد من نفوذ الوعيد ،ألنه ال يدري هل هو ممن يؤاخذ أو ممن يعفى عنه ؟« ِليُبَ ِيهنَ
لَ ُه ْم »لتقوم عليهم الحجة إذا خالفوا ،أو يعملوا بما فهموا فيسعدوا ،فوقع البيان ،فما
ّللاُ َم ْن يَشا ُء »مطلق الضاللة الحيرة رمز نبي شيئا قط ،ألنه بعث للبيان« فَيُ ِ
ض ُّل َّ
ّللاُ َم ْن يَشا ُء »أي من والجهل باألمر وبطريق الحق المستقيم ،فقوله تعالى « :فَيُ ِ
ض ُّل َّ
عرفه بطريق الهداية عرفه بطريق الضاللة فإنه يضل فيها « َويَ ْهدِي َم ْن يَشا ُء »ومن ه ه
فإنه يهتدي فيها ،ولما كان العقل السليم يحار في األخبار الموهمة للتشبيه ويتيه ،فهذا
ّللا على ألسنة
معنى يضل ،أي يحير العقول بمثل هذه الخطابات -الصادرة من ه
الرسل الصادقة -المجهولة الكيفية ،وال يتمكن للعقل أن يهتدي إلى ما قصده الحق
بذلك مما ال يليق بالمفهوم ،ثم يرى العقل أنه سبحانه ما خاطبنا إال لنفهم عنه ،
والمفهوم من هذه األمور يستحيل عليه سبحانه من كل وجه يفهمه العبد بضرب من
التشبيه المحدث ،إما من طريق المعنى أو طريق الحس ،وال يتمكن للعقل أن ال يقبل
هذا الخطاب فيحار ،فث هم حيرة يخرج عنها العبد ويتمكن له الخروج منها بالعناية
ّللا العقل من أقسام اإللهية ،وث هم حيرة ال يتمكن له الخروج عنها بمجرد ما أعطى ه
ّللا بها ،فيحار الدال في المدلول لعزة الدليل ،لذلك قال تعالى َ «:و ُه َو القوة التي أيده ه
يز »ثم يجيء الشرع بعد هذا في أمور حكم العقل بدليله على إحالتها ،فيثبت ْالعَ ِز ُ
الشرع ألفاظا تدل على وجوب ما أحاله ،فيقبل ذلك إيمانا وال يدري ما هو ،فإنه«
ْال َح ِكي ُم ".
431
ص 431 :
ّللا تعالى إلى موسى عليه السالم : األيام مناب النعم ألنها اآلتية بأنواع الكرم ،أوحى ه
يا بن عمران حببني إلى عبادي ،قال :يا رب كيف أصل إلى ذلك ؟
ّللا تعالى إليه : فأوحى ه
يا بن عمران ذكرهم إحساني إليهم ،وعظيم تفضلي عليهم ،فإنهم ال يعرفون مني إال
الحسن الجميل .
ّللا هي أيام األنفاس على الحقيقة ،فإنها أقل ما ينطلق عليه اسم يوم ، وأيام ه
ّللا وأنت في غفلة عنها ْ
فهو أن يذكرهم بقوله تعالى ُ (:ك َّل يَ ْو ٍم ُه َو فِي شَأ ٍن )فتلك أيام ه
ّللا
،وهذه األيام التي ينبغي أن يذكر العبد بها ،مثل أيام النعم وأيام االنتقام التي أخذ ه
فيها القرون الماضية .
ّللا على عباده تكون واعلم أن الباليا أكثر من النعم في الدنيا ،فإنه ما من نعمة ينعمها ه
ّللا يطالبه بحقها من الشكر عليها ،وإضافتها إلى من يستحقها خالصة من البالء ،فإن ه
باإليجاد ،وأن يصرفها في الموطن الذي أمره الحق أن يصرفها فيه ،فمن كان
شهوده في النعم هذا الشهود متى يتفرغ لاللتذاذ بها ؟
وكذلك الرزايا هي في نفسها مصائب وباليا ،ويتضمنها من التكليف ما يتضمنه من
النعم من طلب الصبر عليها ،ورجوعه إلى الحق في رفعها عنه ،وتلقيها بالرضى أو
ّللا أن
ّللا ،فقد علمت من أيام هباّلل إلى غير هالصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى ه
الدار دار بالء ،ال يخلص فيها النعيم من البالء وقتا واحدا ،وأقله طلب الشكر من
المنعم بها عليه ،وأي تكليف أشق منه على النفس ،ولذلك تمم تعالى بقوله «:إِ َّن فِي
ور » ش ُك ٍ َّار َ ت ِل ُك ِهل َ
صب ٍ ذ ِل َك َآليا ٍ
ّللا وال
ّللا إذا مدح الصابرين فهم الذين حبسوا نفوسهم عن الشكوى لغير ه واعلم أن ه
ّللا
يحبسونها عن الشكوى إلى ه
ّللا لما أعلمنا أنه هو الدهر ،ذكر لنا ّللا »اعلم أن ه -الوجه الثاني َ «-وذَ ِ هك ْر ُه ْم ِبأَي َِّام َّ ِ
ّللا ،فعيهن هذه األيام أحكام أسمائه تعالى سبحانه أن له أياما من كونه دهرا ،وهي أيام ه
ّللا ،وتفاصيلفي العالم ،فلكل اسم أيام ،وهي زمان حكم ذلك االسم ،والكل أيام ه
الدهر بالحكم في العالم ،وهذه األيام تتوالج ويدخل بعضها في بعض ،ويغشي بعضها
بعضا ،وهو ما نراه من اختالف األحكام في الزمان الواحد ،
فذلك لتوالجها وغشيانها وتقليبها وتكرارها ،ولهذه األيام اإللهية ليل ونهار ،فليلها
غيب ،وهو ما غاب عنها منها ،وهو عين حكمها في األرواح العلوية الكائنة فوق
الطبيعة واألرواح المهيهمة ،ونهارها شهادة ،وهو عين حكمها في األجسام الطبيعية
إلى آخر جسم عنصري ،وهي ما تحت الطبيعة ،واالسم اإللهي النور هو الذي أظهر
ّللا ،والدهر من حيث عينه يوم واحد ال يتعدد ،وال ليل له وال الليل والنهار في أيام ه
نهار ،فإذا أخذته
ص 432
ص 432 :
األسماء اإللهية عينت بأحكامها في هذا اليوم األزلي -الذي هو عين الدهر -األيام
اإللهية التي أمر المذ هكر أن يذكرنا بها ،لنعرفها من أيام الزمان ،ثم جعل ه
ّللا هذه
األيام المعلومة عندنا ليقدر بها أحكام األيام اإللهية التي لألسماء ،فهي كالموازين لها
،يعرف بها مقادير تلك األيام ،
سنَ ٍة ِم َّما تَعُ ُّدونَ ) فإذا ضربت ثالثمائة يوم وستين
ف َ فقال َ (:و ِإ َّن يَ ْوما ً ِع ْن َد َر ِبه َك َكأ َ ْل ِ
يوما في ألف سنة ،فما خرج لك بعد ذلك الضرب من العدد فهو أيام التقدير التي ليوم
الرب ،فينقضي ،ثم ينشئ في الدهر يوما آخر السم آخر غير اسم الرب ،
وكذلك يضرب ثالثمائة يوم وستين يوما في خمسين ألف سنة ،فما خرج لك بعد
الضرب من األيام فهو أيام التقدير التي ليوم ذي المعارج من األسماء اإللهية ،فإذا
انقضى ذلك اليوم أنشأ في الدهر يوما آخر السم آخر غير الذي لذي المعارج ،هكذا
األمر دائما ،فلكل اسم إلهي يوم ،وإنما ذكرنا هذين اليومين يوم الرب ويوم ذي
ّللا ،فال يقدر المؤمنون بذلك على إنكارهما ،فما من المعارج لكونهما جاءا في كتاب ه
ّللا ،والكل على الحقيقة اسم إلهي مما يعلم ويجهل إال وله يوم في الدهر ،وتلك أيام ه
ّللا ولكن أكثر الناس ال يعلمون أيام ه
-إشارة -التذكر للعلماء الغافلين ،والوعظ ال يكون للناس أجمعين ،فالواعظ إنما
ّللا
باّلل ،وكذلك من يخوف الناس إنما يخوفهم بما يكون من ه ّللا ال ه يعظ بما يكون من ه
ّللا ،
ّللا ،فالترغيب ال يجري مجرى الترهيب ،فإن الترغيب قد يكون في ه ال من ه
ّللا .
ّللا ال من ه والترهيب ال يكون إال مما يكون من ه
ص 433
ص 433 :
نعمه ،فإن الشاكر في حال شكره هو عين فقره إلى ما ليس عنده وهو الزيادة التي
تزاد له على النعمة التي يكون فيها .
ي لهذا يطلب الشكراشكر لنعمة ربي نعمة أخرى *** منه عل ه
فقري إليه وما عندي سوى نعم *** من اإلله بها أرساله تترى
ي فنلت الزهو والفخراهو الغني وفقري منة ظهرت *** منه عل ه
بالفقر فخري وبالفاقات سلطنتي *** على الوجود فال أدري
وال أدرىفكلما زاد العبد في العبادة شكرا هّلل ،زاده الحق في الهداية والتوفيق في
موطن األعمال حتى اآلخرة ،حيث ال عمل وال ألم على السعداء ،ولما كان الشكر
ّللا ،ولهذا
فعال يطلب الماضي والواقع ،كانت الزيادة من النعم للشاكر فضال من ه
سماها زيادة يطلبها الشكر ال الشاكر ،
ّللا هذه النعم على عبده وهداه السبيل إليها قال :إما شاكرا فيزيده منها ،
ولما قرر ه
وإما كفورا بنعمه فيسلبها عنه ويعذبه على ذلك فليحترز اإلنسان لنفسه في أي طريق
ّللا بيان.
يمشي ،فما بعد بيان ه
434
ص 434 :
لما كانت الخالفة ربوبية في الظاهر ،ألن الخليفة يظهر بحكم الملك فيتصرف في
الملك بصفات سيده ظاهرا ،وإن كانت عبوديته له مشهودة في باطنه ،فلم تعم
عبوديته جميعه عند رعيته الذين هم أتباعه ،وظهر ملكه بهم وباتباعهم واألخذ عنه ،
فكان في مجاورتهم بالظاهر أقرب ،
وبذلك المقدار يستتر عنه من عبوديته ،فإن الحقائق تعطي ذلك ،
ي » *وهذهلذلك كثيرا ما ينزل الوحي على األنبياء « قُ ْل ِإنَّما أَنَا بَش ٌَر ِمثْلُ ُك ْم يُوحى ِإلَ َّ
آية دواء لهذه العلة .
ص 435
-
ص 435 :
باّلل ،وهكذا كل ذي سبب وإن كان
ّللا -فما في ظاهرهم االكتفاء ه
وإن اعتمدوا على ه
من المتوكلين ،فما كل متوكل يظهر منه االكتفاء على ظاهره .
ص 436
ص 436 :
هذا العماء جميع صور العالم الذي قال فيه إنه هالك ،يعني من حيث صوره ،وفي
هذا العماء ظهرت المالئكة المهيمة والعقل والنفس والطبيعة ،والطبيعة هي أحق نسبة
بالحق مما سواها ،فإن كل ما سواها ما ظهر إال فيما ظهر منها ،والنفس بفتح الفاء
هو الساري في العالم ،أعني في صور العالم ،فالعماء أصل األشياء والصور كلها ،
وهو أول فرع ظهر من أصل« ِإ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم »ولكن ما فعل مع جواز إعدام األشياء
بمسكه اإلمداد بما به بقاء أعيانها ،ولكن قضى القضية أن ال يكون األمر إال هكذا ،
ولذلك علق اإلذهاب بالمشيئة ،يريد مسك الشرط المصحح لبقاء الوجود عليكم ،
فتنعدمون إذ لم يوجده سبحانه ،فإن له التخيير في إيجاد كل ممكن أو تركه على حاله
ّللا ال يرد ما أوجده إلى عدم ،بل هو يوجد على الدوام من اتصافه بالعدم .واعلم أن ه
وال يعدم ،فالقدرة فعالة دائما ،فإنه ما شاء إال اإليجاد ِ [ « ،إ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم ] »
ولهذا قال ِ «:إ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم » -الوجه األول -الذهاب انتقالكم من الحال التي أنتم فيها
إلى حال تكونون فيها ،ويكسو الخلق الجديد عين هذه األحوال التي كانت لكم لو شاء
،لكنه ما شاء ،فليس األمر إال كما هو ،فإنه ال يشاء إال ما هي عليه ،ألن اإلرادة ال
تخالف العلم ،والعلم ال يخالف المعلوم ،والمعلوم ما ظهر ووقع ،فال تبديل لكلمات
ّللا ،فإنها على ما هي عليه -الوجه الثاني ِ «-إ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم »أي يلحقكم بالعدم أي ه
ق َجدِي ٍد »إيجاد المعدوم وفي ذلك وصف العدم بالكينونة ْ
ت ِبخَل ٍ ْ
إعدام الموجود« َويَأ ِ
فانظر كيف أضاف اإللحاق بالعدم إلى المشيئة ولم يضفه إلى القدرة التي يقع الخلق
والجعل بها ،والصحيح في ذلك أن الموجودات إذا كانت كما ذكرنا لها أعيان ثابتة
حال اتصافها بالعدم الذي هو للممكن ال للمحال فكما أبرزها للوجود وألبسها حاله
وعراها عن حال العدم فيسمى بذلك موجدا وتسمى هذه العين موجودة ،ال يبعد أن
يردها إلى ما منه أخرجها وهي حالة العدم فيتصف الحق بأنه معدم لها وتتصف هي
ق َجدِي ٍد »معناه إن يشأ بأنها معدومة -الوجه الثالث «ِ -إ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم َويَأ ْ ِ
ت ِبخ َْل ٍ
ّللا بأبصاركم عنه ،فإن األمر هكذا يشهدكم في كل زمان فرد الخلق الجديد الذي أخذ ه
هو في نفسه والناس منه في لبس ،فبقاء الجوهر ليس لعينه وإنما بقاؤه للصور التي
ّللا للبقاء ، ّللا دائما ،فالجوهر فقره إلى ه تحدث فيه ،فال يزال االفتقار منه إلى ه
ّللا.ّللا لوجودها ،فالكل في عين الفقر إلى ه والصور فقرها إلى ه
ص 437
ص 437 :
[ سورة إبراهيم ( : ) 14آية ] 20
يز ) ( 20 علَى ه ِ
َّللا ِبعَ ِز ٍ َوما ذ ِلكَ َ
أي بممتنع .عزة الشيء ال تكون إال على أمثاله ،فالشيء على عزته حقير بالنسبة
ّللا حقير ،
ّللا التي ال تقبل التأثير ،فإن كل شيء في العالم بالنظر إلى عظمة ه لعزة ه
ّللا ال بعظمته عظيم . ولكنه بتعظيم ه
ص 438
ص 438 :
[سورة إبراهيم ( : ) 14اآليات 23إلى ] 24
هار خا ِلد َ
ِين فِيها ت تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِ َها ْاأل َ ْن ُ ت َجنها ٍ ِين آ َمنُوا َوع َِملُوا ال ه
صا ِلحا ِ َوأُد ِْخ َل الهذ َ
َّللاُ َمثَالً َك ِل َمةً َط ِيّبَةً َك َ
ش َج َر ٍة ب ه ف َ
ض َر َ سال ٌم ( ) 23أ َ لَ ْم ت َ َر َك ْي َ ِب ِإ ْذ ِن َر ِبّ ِه ْم ت َ ِحيهت ُ ُه ْم فِيها َ
ماء ( ) 24 س ِصلُها ثا ِبتٌ َوفَ ْرعُها فِي ال ه َط ِيّبَ ٍة أ َ ْ
ْف » ] [ « أ َ لَ ْم ت َ َر َكي َ
ْف »أطلق النظر على الكيفيات والمراد بذلك بالضرورة قوله تعالى «:أ َ لَ ْم ت َ َر َكي َ
المكيفات ال التكييف ،فإن التكييف راجع إلى حالة معقولة لها نسبة إلى المكيهف وهو
ّللا تعالى ،وما أحد شاهد تعلق القدرة اإللهية باألشياء عند إيجادها ،فالكيفيات ه
المذكورة التي أمرنا بالنظر إليها ال فيها ،إنما ذلك لنتخذها عبرة وداللة على أن لها
من كيهفها ،أي صيهرها ذات كيفيات ،وهي الهيئات التي تكون عليها المخلوقات
المكيهفات .
ص 439
ص 439 :
ماء ما ًء فَأ َ ْخ َر َج بِ ِه ِمنَ الث َّ َمرا ِ
ت ِر ْزقا ً لَ ُك ْم »باطن المعتقد كون ه
ّللا هو س ِ " َوأ َ ْنزَ َل ِمنَ ال َّ
لفاعل لألشياء ،ال أثر لمخلوق وال لسبب ظاهر وال باطن فيها ،فإن األسباب جعلها
ّللا ابتالء ليتميز من يقف عندها ممن ال يرى وقوع الفعل إال بها ممن ال يرى ذلك ه
ويرى الفعل هّلل من ورائها ،عندها ،ال بها .
[ وآتاكم من كل ما سألتموه ]
سأ َ ْلت ُ ُموهُ » -إشارة -أوحى ه
ّللا إلى بعض أنبيائه :يا ابن آدم خلقت « َوآتا ُك ْم ِم ْن ُك ِهل ما َ
األشياء من أجلك وخلقتك من أجلي ،فال تهتك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك
،يا ابن آدم إني وحقي لك محب ،فبحقي عليك كن لي محبا ،كيف ال يحب الصانع
صنعته ؟ ! ونحن مصنوعاته بال شك ،فإنه خالقنا وخالق أرزاقنا ومصالحنا ،
والصنعة مظهرة علم الصانع لها بالذات واقتداره وجماله وعظمته وكبريائه ،فإن لم
يكن فعلى من وفيمن وبمن ،فال بد منا وال بد من حبه فينا ،فهو بنا ونحن به ،كما
ّللا عليه وسلم في ثنائه على ربه [ :فإنما نحن به وله ] فلم يزل يحب ،فلم قال صلهى ه
يزل ودودا ،فهو يوجد دائما في حقنا ،فهو كل يوم في شأن ،وال معنى للوداد إال هذا
،فنحن بلسان الحال والمقال ال نزال نقول له :افعل كذا ،افعل كذا ،وال يزال هو
تعالى يفعل ،ومن فعله فينا نقول له :افعل ،أترى هذا فعل مكره وال مكره له ؟
ّللا عن ذلك علوا كبيرا ،بل هذا حكم االسم الودود منه. تعالى ه
ص 440
ص 440 :
ّللا صوت سائله *** بالذي قد أراده منا سمع ه
فلهذا نكونه أبدا *** ولهذا عنا فما زلنا
فأعطانا الحق تعالى الوجود أوال ،وهو الخير الخالص ،وهو صفته تعالى ،ولو كان
عنده أكمل من ذلك ما بخل به علينا ،ثم لم يزل يعطي ما يستحقه الموجود مما به
ّللا ال تحصى من ّللا ال ت ُ ْح ُ
صوها »نعم ه ت َّ ِقوامه وصالحه ،فقال َ «:و ِإ ْن تَعُدُّوا ِن ْع َم َ
حيث أسبابها الموجبة لها ،أي للذة والتنعم ،فاألسباب ال تحصى كثرة ،واللذة واحدة
،وهي النعمة المحققة ،فسمى الشيء باسم الشيء إذا كان مجاورا له أو كان منه
ار »للبقاء على المخالفة مع إرداف النعم ،فالصبر على ظلُو ٌم َكفَّ ٌ بسبب« ِإ َّن ْ ِ
اإل ْنسانَ لَ َ
إرداف النعم لما في طيها من المكر اإللهي أعظم من الصبر على الرزايا ،فإن النعم
ّللا .
ّللا إال من وفقه ه أعظم حجاب عن ه
ص 441
ص 441 :
ّللا
ّللا تعالى الظالمين يوم القيامة بكونهم مقنعي رؤوسهم ،أي رافعين إلى ه وصف ه
يسألونه المغفرة عن جرائمهم ،فإن اإلقناع ارتفاع
ط ْرفُ ُه ْم » بهتا لتعظيم ما يروا « َوأ َ ْفئِ َدت ُ ُه ْم هَوا ٌء ».
« ال يَ ْرت َ ُّد ِإلَ ْي ِه ْم َ
ص 442
ص 442 :
ّللا من أن يمدح ،والمدح بالتجاوز عن وقد ورد في الصحيح ليس شيء أحب إلى ه
فاّلل أولى به تعالى ،والصدق في الوعد مما يتمدح به ،فقال المسئ غاية المدح ،ه
سلَهُ »فذكر الوعد ،فالثناء بصدق الوعد ال ف َو ْع ِد ِه ُر ُ ّللا ُم ْخ ِل َ تعالى« فَال ت َ ْح َ
سبَ َّن َّ َ
بصدق الوعيد ،والحضرة اإللهية تطلب الثناء المحمود بالذات ،فيثنى عليها بصدق
الوعد ال بصدق الوعيد ،بل بالتجاوز ،
س ِيهئاتِ ِه ْم )مع أنه توعد على ذلك ، ع ْن َ جاو ُز َ قال تعالى َ (:ونَت َ َ
قام »وقال في الوعيديز ذُو انتِ ٍ
ع ِز ٌ وأخبر عن اإليعاد في تمام اآلية بقوله ِ «:إ َّن َّ َ
ّللا َ
حق المحسن ،لكن في ه
حق بالمشيئة وفي الوعد بنفوذه وال ب هد ،ولم يعلهقه بالمشيئة في ه
وّللا عند ظن عبده به ،فليظن به خيرا ، المسئ علهق المشيئة بالمغفرة والعذاب ،ه
والظن هنا ينبغي أن يخرج مخرج العلم
قام »لما كان االنتقام من رحمة المنتقم بنفسه في الخلق ، يز ذُو ان ِت ٍ ع ِز ٌ « ِإ َّن َّ َ
ّللا َ
يز »عن مثل هذا« ذُو انتِ ٍ
قام ». ع ِز ٌ ّللا َ ّللا تعالى «:إِ َّن َّ َ قال ه
ص 443
ص 443 :
ّللا تعالى مكانا ضيقا لما في الغضب من الضيق ،فكان المشرك
أورثهم ذلك غضب ه
مع أمثاله من المشركين ،كونهم مقرنين في األصفاد .
ص 444
ص 444 :
ّللا ،وال يعرف معنى ذلك اللفظ حتى يشرح له
ّللا من حيث نسبته إلى ه
فيعظم كالم ه
بلسانه ويترجم له عنه .
ص 445
ص 445 :
صلهى ه
ّللا عليه وسلم وسيادته على الناس ،وافتقار الخلق إليه من سائر األمم في فتح
باب الشفاعة ،وبان فضله على سائر األنبياء والرسل ،فعلم هنالك عظم منزلته عند
ربه ،كما تظهر عزة كل مقرب عند سلطان عند ظهور سلطانه ودولته .
ص 446 :
ش ْيءٍ ِإ َّال ِع ْن َدنا خَزائِنُهُ " اآلية ]
[ " َو ِإ ْن ِم ْن َ
إن هنا بمعنى ما ،فعم بها وبشيء ،وجعله مخزونا في خزائن غيبه ،ولهذا قلنا إن
الكون صادر من وجود ،وهو ما تحويه هذه الخزائن إلى وجود ،وهو ظهورها من
هذه الخزائن ألنفسها بالنور الذي تكشف به نفسها ،فإنها في ظلمة الخزائن محجوبة
عن رؤية ذاتها ،فهي في حال عدمها ،والحقيقة أنها عن الحق صدرنا من كوننا عنده
في الخزائن كما أعلمنا فعلمنا ،فهو صدور لم يتقدمه ورود كما هو في بعض األمور
فمن قال إن الصدور بعد الورود فما عنده علم بحقائق الوجود ،فلو ال نحن ثابتين في
العدم ما صح أن تحوي علينا خزائن الكرم ،
شيْئا ً َم ْذ ُكورا ً ) فذلك إذ لم يكنفلنا في العدم شيئية غير مرئية ،أما قوله (:لَ ْم يَ ُك ْن َ
مأمورا ،فقيده بالذكر في محكم الذكر( ِإ َّال ِع ْن َدنا خَزا ِئنُهُ )
ّللا على قسمين ،أعني ما هو عنده ،القسم الواحد ما هو عليه من األمر الذي عندية ه
يعقل زائدا على هويته ،
وإن لم نقل فيه إنه غير وال عينه أيضا ،كالصفات المنسوبة إليه ،
ّللا ،فما ثم
ال هي هو وال هي غيره ،وقد يكون عنده ما يحدث فينا ولنا ،والكل عند ه
معقول وال موجود يحدث عنده ،بل الكل مشهود العين له بعين ثبوت ووجود ،
فالثبوت خزائنه ،
والوجود ما يحدثه عندنا من تلك الخزائن ،والعندية أضيفت إلى الحق ،
فاختلفت إضافات العندية باختالف ما أضيفت إليه من اسم وضمير وكناية ،وهي
ظرف ثالث ليس بظرف زمان وال ظرف مكان مخلص ،بل ما هو ظرف مكانة جملة
واحدة على اإلطالق
-الوجه األول -الخزائن:
ص 447
ص 447 :
ّللا جعل عنديته ظرفا لخزائن األشياء ،ومن هذه الخزائن تخرج األشياء إلى ثم إن ه
وجود أعيانها ،فهي في الخزائن محفوظة موجودة هّلل ،ثابتة ألعيانها غير موجودة
ألنفسها ،فاألشياء الموجودة بالنظر إلى أعيانها موجودة عن عدم ،وبالنظر إلى كونها
ّللا في هذه الخزائن هي موجودة عن وجود ،فأعيان العالم محفوظون في خزائنه عند ه
عنده ،وخزائنه علمه ،ومختزنه نحن ،فنحن أثبتنا له حكم االختزان ،ألنه ما علمنا
ّللا يخلق األشياء ويخرجها من العدم إلى الوجود ،وهذه اإلضافة إال منا ،ومعلوم أن ه
تقتضي بأنه يخرجه من الخزائن التي عنده ،فهو يخرجها من وجود لم تدركه إلى
وجود تدركه ،فما خلصت األشياء إلى العدم الصرف ،بل ظاهر األمر أن عدمها من
العدم اإلضافي ،فإن األشياء في حال عدمها مشهودة له يميزها بأعيانها ،
مفصلة بعضها عن بعض ،ما عنده فيها إجمال ،فخزائنها أعني خزائن األشياء التي
هي أوعيتها المخزونة فيها إنما هي إمكانات األشياء ليس غير ذلك ،ألن األشياء ال
وجود لها في أعيانها ،بل لها الثبوت ،
والذي استفادته من الحق الوجود العيني ،فتفصلت للناظرين وألنفسها بوجود أعيانها ،
ّللا تفصيال ثبوتيا ،ثم لما ظهرت في أعيانها وأنزلها الحق من ولم تزل مفصلة عند ه
فإن اإلمكان ما فارقها حكمه ،فلو ال ما هي في خزائنها ما عنده أنزلها في خزائنها ،ه
حكمت عليها الخزائن ،فما لها خروج من خزائن إمكانها ،والخزائن ال تكون خزائن
إال بما يختزن بها ،
ّللا مختزنة في حال ثبوتها ،فإذا أراد تكوينها لها أنزلها من تلكفاألشياء عند ه
الخزائن وأمرها أن تكون ،فتكتسي حلة الوجود فيظهر عينها لعينها ،ولم تزل ظاهرة
هّلل في علمه أو لعلمه بها ،فليست الخزائن إال المعلومات الثابتة ،فإنها عنده ثابتة
يعلمها ويراها ويرى ما فيها ،فيخرج منها ما شاء ،وهي مع كونها في خزائن ،
فيتخيل فيها الحصر والتناهي ،وإنما هي غير متناهية ،
-الوجه الثاني -اعلم أن الخزائن التي عند الحق على نوعين ،نوع منها خزائن
الثبوت للممكنات ،والنوع الثاني منها خزائن وجودية لمختزنات موجودة ،كشيء
يكون عند زيد ،من جارية أو غالم أو فرس أو ثوب أو دار أو أي شيء كان ،فزيد
خزانته ،
ّللا ،فيفتقر عمرو
ّللا ،فإن األشياء كلها بيد ه
وذلك الشيء هو المختزن ،وهما عند ه
ّللا تعالى في ذلك الذي عند زيد أن يكون عنده ،كان ما كان ،
إلى ه
ّللا في قلب زيد أن يهب ذلك الشيء أو يبيعه أو يزهد فيه ويكرهه فيعطيه
فيلقي ه
عمروا ،فمثل هذا من خزائن الحق التي عنده ،والعالم على هذا كله خزائن بعضه
لبعض ،وهو عين
ص 448
ص 448 :
المختزن ،والعالم خزانة مخزون ،وانتقال مختزن من خزانة إلى خزانة فما أنزل منه
شيء إلى غير خزانة ،فكله مخزون عنده ،فهو خزانته على الحقيقة التي ال يخرج
شيء عنها ،وما عدا الحق فإن المختزن يخرج عنها إلى خزانة أخرى ،فاالفتقار
ّللا وعنده ،فهو الصمد الذي يلجأ إليه للخزائن من الخزائن إلى الخزائن ،والكل بيد ه
في األمور ويعول عليه ،ومن هنا يتعلق المتوكلون في حال توكلهم على ما توكلوا
ّللا ،ومنهم المتوكل على األسباب ،غير أن األسباب قد عليه ،فمنهم المتوكل على ه
تخون من اعتمد عليها ولجأ إليها في أوقات ،والحق تعالى ال يسلم من توكل عليه
وفوض أمره إليه .
– الوجه الثالث -في هذه الخزائن :هي الخزائن الموجودة في الفلك األطلس فلك
البروج ،فإن لكل ملك من األمالك االثني عشر في كل برج ملكه إياه ثالثين خزانة ،
تحتوي كل خزانة منها على علوم شتى يهبون منها لمن ينزل بهم على قدر ما تعطيه
وم ) فله موازين ،فما يتميز عنده إال ما هو رتبة هذا النازل ( َوما نُن ِ هَزلُهُ إِ َّال بِقَ َد ٍر َم ْعلُ ٍ
موجود له ،وال يجري القدر إال في عين مميزة عن غيرها ،وليس هذا صفة المعدوم
من كل وجه ،فدل ذلك كله على وجود األعيان هّلل تعالى في حال اتصافها بالعدم لذاتها
،وهذا هو الوجود األصلي ال اإلضافي والعدم اإلضافي ،
وم ) على أن ترتيب اإليجاد يؤذن بالتوقيت كما يدل قوله تعالى( َوما نُن ِ هَزلُهُ ِإ َّال ِبقَ َد ٍر َم ْعلُ ٍ
على مقتضى الحكمة من اسمه الحكيم ،فينزل األرزاق بقدر معلوم في الدنيا ،فإذا
ّللا إلى العبد العارف كان في اآلخرة عاد الحكم فيما تحوي عليه هذه الخزائن التي عند ه
ّللا سعادته ،فيدخل فيها متحكما فيخرج منها ما يشاء بغير حساب ،وال الذي كمل ه
قدر معلوم ،بل بحكم ما يختاره في الوقت ،فإن المسعود في اآلخرة يعطى التكوين ،
ّللا ،فكل ما خطر له ّللا ،فإنه عند ه
ويكشف له عن نفسه أنه عين الخزانة التي عند ه
تكوينه كونه ،فال يزال في اآلخرة خالقا دائما ،فارتفع التقدير فهو يتبوأ من الجنة
حيث يشاء .
ص 449
ص 449 :
[خلق اإلنسان األول ]
ّللا اإلنسان من طين تركه مدة يختمر بما يمر عليه من الهواء الحار الذي
لما خلق ه
يتخلل أجزاء طينته ،فتخمر وتغيرت رائحته فكان حمأ مسنونا متغير الريح ،ثم
طبخت هذه الطينة بركن النار فظهرت فخارة اإلنسان والتأمت أجزاؤه وقويت
وصلبت ،فكان صلصاال كالفخار .
ص 450 :
وتغيرت رائحته فكان حمأ مسنونا متغير الريح ،ثم طبخت هذه الطينة بركن النار ،
فظهرت فخارة اإلنسان والتأمت أجزاؤه وقويت وصلبت ،فقصرها بالماء الذي هو
عنصر الحياة ،فأعطاها الماء من رطوبته وأالن بذلك من صالبة الفخار ما أالن ،
فسرت فيه الحياة وأمده الركن الهوائي بما فيه من الرطوبة والحرارة ليقابل بحرارته
برد الماء ،فامتنعا فتوفرت الرطوبة عليه فأحال جوهرة طينته إلى لحم ودم
وعضالت وعروق وأعصاب وعظام ،وهذه كلها أمزجة مختلفة الختالف آثار طبيعة
العناصر األربعة ،وهي الماء والتراب والهواء والنار واستعدادات أجزاء هذه النشأة ،
فلذلك اختلفت أعيان هذه النشأة الحيوانية فاختلفت أسماؤها لتتميز كل عين عن غيرها
،فلما أكمل النشأة الجسمية النباتية الحيوانية وظهر فيها جميع قوى الحيوان أعطاه
الفكر من االسم اإللهي المدبر ،
فإن الحيوان جميع ما يعمله من الصنائع وما يعلمه ليس عن تدبير وال روية ،بل هو
مفطور على العلم بما يصدر عنه ،ال يعرف من أين حصل له ذلك اإلتقان واإلحكام ،
كالعناكب والنحل بخالف اإلنسان ،
فإنه يعلم أنه ما استنبط أمرا من األمور إال عن فكر وروية وتدبير ،فيعرف من أين
صدر ،وبهذا القدر سمي إنسانا ال غير ،وهي حالة يشترك فيها جميع الناس إال
اإلنسان الكامل ،فإنه زاد على اإلنسان الحيواني بتصريفه األسماء اإللهية التي أخذ
قواها من خلقه على الصورة ،فجعل اإلنسان الكامل خليفة ،
وأما اإلنسان الحيواني فحكمه حكم سائر الحيوان ،إال أنه يتميز عن غيره من الحيوان
بالفصل المقوم له ،كما يتميز الحيوان بعضه عن بعض بالفصول المقومة لكل واحد
من الحيوان ،
فاإلنسان الحيوان من جملة الحشرات ،فإذا كمل فهو الخليفة فاجتمعا لمعان وافترقا
لمعان ،وبعد استعداد خلق الجسد نفخ فيه الحق من روحه فصار لإلنسان نفس أصلها
الطهارة من حيث أبوها ،ولم يظهر لها عين إال بوجود الجسد الطبيعي ،فكانت
الطبيعة األب الثاني ،فخرجت النفوس ممتزجة فلم يظهر فيها إشراق النور الخالص
المجرد عن المواد وال الظلمة الغائية التي هي حكم الطبيعة ،
واعلم أن النفس التي هي لطيفة العبد المدبرة هذا الجسم لم يظهر لها عين إال عند
تسوية هذا الجسد وتعديله ،فحينئذ نفخ فيه الحق من روحه ،فظهرت النفس بين النفخ
اإللهي والجسد المسوى ،ولهذا كان المزاج يؤثر فيها ،فالنفوس اإلنسانية نتيجة عن
هذه األجسام العنصرية ومتولدة عنها ،فإنها ما ظهرت إال بعد تسوية هذه األجسام
واعتدال أخالطها ،فهي للنفوس المنفوخة فيها من الروح
ص 451
ص 451 :
المضاف إليه تعالى كاألماكن ،تطرح الشمس شعاعاتها عليها فتختلف آثارها باختالف
القوابل ،أين ضوء الشمس في األجسام الكثيفة منه في األجسام الصقيلة ؟
فلهذا تفاضلت النفوس لتفاضل األمزجة ،فترى نفسا سريعة القبول للفضائل والعلوم ،
ونفسا أخرى من الضد منها ،وبينهما متوسطات ،فكانت النفوس عن الطبيعة فهي
ّللا بروح قدسي ينظر إليها ، أمها وأبوها الروح ،وال تتقوى النفس بأبيها إال إذا أيدها ه
فحينئذ تقوى على حكم الطبيعة ،فال تؤثر فيها التأثير الكلي وإن بقي فيها أثر ،فإنه ال
ففرق الحق بين روح األمر وبين روح ياء اإلضافة ،فجعل يمكن زواله بالكلية ،ه
روح األمر لما يكون به التأييد ،وجعل روح الياء لوجود عين الروح الذي هو كلمة
الحق المنفوخ في الطبيعة ،فمن حيث النفخ اإللهي ال تفاضل ،وإنما التفاضل في
القوابل ،فالنفس لها وجه إلى الطبيعة ووجه إلى الروح اإللهي ،وأضاف الروح إلى
نفسه بياء اإلضافة ينبه على مقام التشريف ،أي أنك شريف األصل فال تغفل إال
بحسب أصلك ،ال تفعل فعل األراذل ،وسميت حقيقة اإلنسان لطيفة ألنها ظهرت
س َّو ْيتُهُّللا ،من قوله ( :فَإِذا َ
بالنفخ عند تسوية البدن للتدبير من الروح المضاف إلى ه
ّللا على وحي )وهو النفس اإللهي ،فهي سر إلهي لطيف ينسب إلى ه َونَفَ ْختُ فِي ِه ِم ْن ُر ِ
اإلجمال من غير تكييف ،وأعطيت هذه الحقيقة في هذا المركب اآلالت الروحانية
والحسية إلدراك علوم ال يعرفها إال بوساطة هذه اآلالت ،وهذا من كونه لطيفا أيضا ،
فإنه من اإلمكان العقلي فيما يظهر لبعض العقالء من المتكلمين أن يعرف ذلك األمر
من غير وساطة هذه اآلالت ،وهذا ضعيف في النظر ،فإنا ما نعني باآلالت إال
المعاني القائمة بالمحل ،فنحن نريد السمع والبصر والشم ،ال األذن والعين واألنف ،
وهو ال يدرك المسموع إال من كونه صاحب سمع ال صاحب أذن ،وكذلك ال يدرك
المبصر إال من كونه صاحب بصر ال صاحب حدقة وأجفان ،فإذا إضافات هذه
اآلالت ال يصح ارتفاعها ،ولما ظهر عين هذه اللطيفة التي هي حقيقة اإلنسان كان
هذا أيضا عين تدبيرها لهذا البدن من باب اللطائف ،ألنه ال يعرف كيف ارتباط الحياة
لهذا البدن بوجود هذا الروح اللطيف ،لمشاركة ما تقتضيه الطبيعة فيه من وجود
الحياة التي هي الروح الحيواني ،فظهر نوع اشتراك ،فال يدري على الحقيقة هذه
الحياة البدنية الحيوانية هل هي لهذه اللطيفة الظاهرة عن النفخ اإللهي المخاطبة المكلفة
أو الطبيعة أو للمجموع إال من علم ذوقا أنه ما في العالم
ص 452
ص 452 :
إال حي ناطق بتسبيح ربه تعالى بلسان فصيح ينسب إليه بحسب ما تقتضيه حقيقته ،
ّللا تعالى اإلنسان من جملة خلقه ،خلقه إماما وأعطاه األسماء ، واعلم أنه لما خلق ه
وأسجد له المالئكة وجعل له تعليم المالئكة ما جهلوه ،ولم يزل في شهود خالقه ،فلم
تقم به عزة بل بقي على أصله من الذلة واالفتقار ،ولما حمل األمانة عرضا وجرى
ظلَ ْمنا أ َ ْنفُ َ
سنا ) بما حماله من ما جرى قال هو وزوجته إذ كانت جزءا منه ( َربَّنا َ
األمانة ،
ّللا لما اجتباه ربه وهدى به من هدى ،ورجع عليه ثم إن بنيه اعتزوا لمكانة أبيهم من ه
بالصفة التي كان يعامله بها ،ابتداء من التقريب واالعتناء الذي جعله خليفة عنه في
صل الصورتين ،صورة خلقه على صورة خلقه وكمل به وفيه وجود العالم ،وح ه
الحق وصورة خلقه مجموعا لصورة العالم ،
ففاز بالسورتين أعني المنزلتين ،منزلة العزة بالسجود له ومنزلة الذلة بعلمه بنفسه ،
وجهل من جهل من بنيه ما كان عليه أبوه من تحصيل المنزلتين والظهور بالصفتين ،
فراضهم االسم المذل من حضرة اإلذالل ،
ّللا به من بنيه فأشهدهم فأخرجهم عن اإلدالل بالدال اليابسة ،وذلك لما اعتنى ه
ّللا إال بها ،وكان سبب ذلك ما عبوديتهم فتقربوا إليه بها ،وال يصح أن يتقرب إلى ه
حصل في نفوس البنين من العزة التي حصلت له من رتبة أبيه من خلقه على الصورة
اإللهية ،
ّللا خلق آدم على صورته ،واختلف في ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم أن ه كما أخبر رسول ه
ضمير الهاء من صورته على من يعود ،فهو على الصورة اإللهية وفي رواية وإن
ضعفت على صورة الرحمن ،ولو علم من يجهل هذا أنه ما من شيء في العالم إال
وله حظ من الصورة اإللهية ،والعالم كله على الصورة اإللهية ،وما فاز اإلنسان
الكامل إال بالمجموع ،وما كملت الصورة من العالم إال بوجود اإلنسان ،
فامتاز اإلنسان الكامل عن العالم ،مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير بكونه على
الصورة بانفراده من غير حاجة إلى العالم ،
ّللا بما شرع لهم ،فقالفلما امتاز سرى العز في أبنائه ،أي في بعض بنيه ،فراضهم ه
لهم إن كنتم اعتززتم بسجود المالئكة ألبيكم فقد أمرتكم بالسجود للكعبة ،فالكعبة أعز
منكم إن كان عزكم للسجود ،فإنكم في أنفسكم أشرف من المالئكة التي سجدت لكم أي
ألبيكم ،وأنتم مع دعواكم في هذا الشرف تسجدون للكعبة الجمادية ،
ومن عصى منكم عن السجود لها التحق بإبليس الذي عصى بترك سجوده ألبيكم ،فلم
ّللا
يثبت لكم العز بالسجود مع سجودكم للكعبة وتقبيلكم الحجر األسود على أنه يمين ه
محل البيعة اإللهية كما أخبرتكم ،وإن كنتم اعتززتم بالعلم لكون أبيكم علم المالئكة
األسماء كلها
ص 453
ص 453 :
[سر في السجود ]
ّللا
فإن جبريل عليه السالم من المالئكة وهو معلم أكابركم ،وهم الرسل صلوات ه
عليهم وسالمه ،والنبي محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم يقول حين تدلى إليه ليلة إسرائه
رفرف الدر والياقوت فسجد جبريل عليه السالم ولم يسجد النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،
وقال :فعلمت فضل جبريل علي في العلم عند ذلك ،ثم إنكم عن لمة الملك تتصرفون
ّللا ،فهم الذين يدلونكم على طرق سعادتكم والتقرب ،فبأي شيء تعتزونفي مرضاة ه
على المالئكة ،فكونوا مثل أبيكم تسعدوا ،وما ثم فضل إال بالسجود والعلم وقد خرج
من أيديكم ،والذين لهم العزة من النبيين ليس إال الرسل والمؤمنون ،فمن ارتاض
ّللا فقد أفلح وسعد .
برياضة ه
ص 454
ص 454 :
ّللا العقل ]
[وجه :أول ما خلق ه
ّللا العقل ،وهو الذي ظهرت منه هذه العقول بوساطة -وجه -اعلم أن أول ما خلق ه
ّللا في كتابه العزيز الروح ،وأضافه إليه فقال في حق هذه النفوس الطبيعية ،وسماه ه
النفوس الطبيعية وحق هذا الروح وحق هذه األرواح الجزئية التي لكل نفس طبيعية(
وحي )وهو هذا العقل األكبر« فَقَعُوا لَهُ ِ
ساجدِينَ ». س َّو ْيتُهُ َونَفَ ْختُ فِي ِه ِم ْن ُر ِ
فَإِذا َ
ص 455
ص 455 :
ّللا اللعنة إلى يوم الدين ،فإنه تعالى أخبر عنه حاكيا وأقره عليه ولم ينكره( إِ َّن فأقهت ه
ع ْوت ُ ُك ْم س ْل ٍ
طان ِإ َّال أ َ ْن َد َ ع ْدت ُ ُك ْم فَأ َ ْخلَ ْفت ُ ُك ْم َوما كانَ ِلي َ
علَ ْي ُك ْم ِم ْن ُ ع َد ُك ْم َو ْع َد ْال َح ه ِ
ق َو َو َ ّللا َو َ
َّ َ
س ُك ْم ) . . .اآلية وأخبر عنه بقوله ِ (:إ ِنهي َكفَ ْرتُ فَا ْست َ َج ْبت ُ ْم ِلي فَال تَلُو ُمونِي َولُو ُموا أ َ ْنفُ َ
ون )اآلية ،فالشيطان جرم النار لو فهمت . ِبما أ َ ْش َر ْكت ُ ُم ِ
ض »فالتزيين الذي جاء به من قوله « قا َل َربه ِ ِبما أ َ ْغ َو ْيت َ ِني َألُزَ ِيهن ََّن لَ ُه ْم ِفي ْاأل َ ْر ِ
تعالى( َو ِع ْد ُه ْم ) فإنه يتضمنه وقوله ( َأل ُ ْغ ِويَنَّ ُه ْم أ َ ْج َم ِعينَ ) هو عن تخلق من قوله (
فَبِما أ َ ْغ َو ْيتَنِي ) ولوال التكليف ما قرب شيطان إنسانا بإغواء أبدا ،واعلم أن إبليس
يستدرج كل طائفة من حيث ما هو الغالب عليها ،فإنه عالم بمواقع المكر واالستدراج
،فيرسل خواطره الشيطانية على العامة بالمحظور فعال كان أو تركا ،وبالمكروه
فعال كان أو تركا في حق العبهاد من العامة ،ويأتي بالمباح في حق المبتدئ من أهل
ّللا أصحاب السماع ،ويأتي ّللا ،ويأتي بالمندوب في حق المتوسطين من أهل ه طريق ه
ّللا فعل أمر ما من الطاعات ،وهو العارفين بالواجبات ،فال يزال بهم حتى نووا مع ه
ّللا ،فإذا استوثق منه في ذلك وعزم وما بقي إال الفعل في نفس األمر عهد يعهده مع ه
أقام له عبادة أخرى أفضل منها شرعا ،فيرى العارف أن يقطع زمانه باألولى ويشرع
ّللا بعد ميثاقه والعارف ال خبر له
في الثاني ،فيفرح إبليس حيث جعله ينقض عهد ه
ّللا من ورثة األنبياء يراها مع كونها حسنة هي خواطر بذلك ،وكل متمكن من أهل ه
شيطانية .
[ سورة الحجر ( : ) 15آية ] 40
ين ) ( 40 ِإاله ِعبادَكَ ِم ْن ُه ُم ا ْل ُم ْخلَ ِص َ
ّللا إليه مما ألقى إليهم العدو وفيهم من نور الحفظ والعصمة. وهم الذين أخلصهم ه
ص 456
ص 456 :
[سورة الحجر ( : ) 15اآليات 41إلى ] 42
طان إِاله َم ِن اتهبَعَكَس ْل ٌ علَ ْي ِه ْم ُس لَكَ َ ست َ ِقي ٌم ( ) 41إِ هن ِعبادِي لَ ْي َ ي ُم ْ علَ هط َ قا َل هذا ِصرا ٌ
ين ( ) 42 ِم َن ا ْلغا ِو َ
ّللا عبدان :عبد ليس للشيطان عليه سلطان ، « ِإ َّن ِعبادِي »فأضافهم إليه ،وعبيد ه
باّلل ،فالحجة هّلل ال باّلل ،وال يسمع إال ه وهو عبد االختصاص ،وهو الذي ال ينطق إال ه
ّللا
ّللا ومن عبيد االختصاص من ينطق عن ه ّللف ْال ُح َّجةُ ْالبا ِلغَةُ )فإنها حجة ه له (،قُ ْل َ ِ َّ ِ
ّللا ،فهذا أيضا من أهل الحجة البالغة ،ألنه ال ينطق عن الهوى ويسمع من ه
ي يُوحى ) ( ِإ ْن ُه َو ِإ َّال َو ْح ٌ
ّللا عليه وسلم( ّللا صلهى ه والعبد الثاني ،عبد العموم ،وهو الذي قال عنهم لرسول ه
ْسعان )فأضافهم إليه« لَي َ يب َدع َْوة َ الدَّاعِ ِإذا َد ِ يب أ ُ ِج ُ
ع ِنهي فَإِ ِنهي قَ ِر ٌسأَلَ َك ِعبادِي َ َو ِإذا َ
ّللا تولى حفظهم وتعليمهم بما جعل طان » أي قوة وقهر وحجة ،ألن ه س ْل ٌ علَ ْي ِه ْم ُ
لَ َك َ
فيهم من التقوى ،وما تجد في القرآن عبادا مضافين إليه سبحانه إال السعداء خاصة ،
وجاء اللفظ في غيرهم بالعباد ،فكل عبد توجه ألحد عليه حق من المخلوقين فقد نقص
من عبوديته هّلل بقدر ذلك الحق ،فإن ذلك المخلوق يطلبه بحقه وله عليه سلطان به ،
فال يكون عبدا محضا خالصا هّلل ،فالمضاف إليه سبحانه من عباده الذين هم عباده ،
وهم الذين ال سلطان لمخلوق عليهم في اآلخرة ،وهم المعصومون المحفوظون
ّللا بهذه اآلية يأس إبليس من القائمون بحدود سيدهم الواقفون عند مراسمه ،وقطع ه
ّللا المخلصين أن يكون له عليهم سلطان وحكم فيهم ،فهم المعصومون عباد ه
ّللا ،
والمحفوظون في الباطن وفي الظاهر من الوقوع عن قصد انتهاك حرمة ه
فخواطر المعصومين والمحفوظين كلها ما بين ربانية أو ملكية أو نفسية ،وعالمة ذلك
عند المعصوم أنه ال يجد ترددا في أداء الواجب بين فعله وتركه ،ويجد التردد بين
المندوب والمكروه ،وال في ترك واجب تركه ،ال يجد فيه التردد ،ألن التردد في
مثل هذين هو من خواطر الشيطان ،فمن وجد في نفسه هذه العالمة علم أنه معصوم .
[ سورة الحجر ( ) : 15اآليات 43إلى ] 44
سو ٌم ( ب ِم ْن ُه ْم ُج ْز ٌء َم ْق ُ س ْبعَةُ أ َ ْبوا ٍ
ب ِل ُك ِ ّل با ٍ ين ( ) 43لَها َ َو ِإ هن َج َهنه َم لَ َم ْو ِع ُد ُه ْم أَجْ َم ِع َ
.)44
ض 457
ص 457 :
اعلم أن جهنم تحتوي على السماوات واألرض والكواكب كلها فيها طالعة وغاربة
على أهل النار بالحرور والزمهرير ،وأبوابها سبعة بحسب أعضاء التكليف الظاهرة
ّللا عليه عندما أقر له بالربوبية ،ألن باب القلب مطبوع عليه ال يفتح من حين طبع ه
وعلى نفسه بالعبودية ،فللنار على األفئدة اطالع ال دخول لغلق هذا الباب ،
[ أبواب جهنم السبعة ]
وأسماء أبواب النار السبعة :باب جهنم ،باب الجحيم ،باب السعير ،باب سقر ،باب
لظى ،باب الحطمة ،باب سجين ،وقيل باب الحامية والهاوية بدال من جهنم وسجين
ّللا تعالى ،
،والباب المغلق وهو الثامن الذي ال يفتح ،فهو الحجاب عن رؤية ه
واألبواب السبعة مفتحة ،لكل باب جزء من العالم ومن العذاب مقسوم ،وعلى كل
باب ملك من المالئكة مالئكة السماوات السبع ،وسميت األبواب بصفات ما وراءها
ّللا تعالى في مثل قوله في لظى ( مما أعدت له ،ووصف الداخلون فيها بما ذكر ه
عوا َم ْن أ َ ْدبَ َر َوت َ َولَّى َو َج َم َع فَأ َ ْوعى )وقال ما يقول أهل سقر إذا قيل لهم( ما إنهات َ ْد ُ
وض َم َع ص ِلهينَ َولَ ْم نَكُ نُ ْ
ط ِع ُم ْال ِم ْس ِكينَ َو ُكنَّا نَ ُخ ُ سقَ َر قالُوا لَ ْم نَكُ ِمنَ ْال ُم َ
سلَ َك ُك ْم فِي َ
َ
ضينَ )وقال في أهل الجحيم ( إنه يكذب بيوم الدين ) ووصفه باإلثم واالعتداء ثم ْالخائِ ِ
قال فيهم( ِإنَّ ُه ْم لَصالُوا ْال َج ِح ِيم )وهكذا في الحطمة والسعير .
ص 458
ص 458 :
[ سورة الحجر ( : ) 15آية ] 49
الر ِحي ُم ( ) 49 ور ه نَ ِبّ ْئ ِعبادِي أ َ ِنّي أَنَا ا ْلغَفُ ُ
[ -إشارة -ال يمتحن بالدليل إال صاحب الدعوى ]
-إشارة -ال يمتحن بالدليل إال صاحب الدعوى ،فمن ادعى فقد عرض نفسه للبلوى«
الر ِحي ُم »فقلنا بالجرأة على الخطايا . ور َّ نَ ِبه ْئ ِعبادِي أ َ ِنهي أَنَا ْالغَفُ ُ
[ سورة الحجر ( : ) 15آية ] 50
ذاب ْاأل َ ِلي ُم ) ( 50 َوأ َ هن عَذابِي ُه َو ا ْلعَ ُ
فحلت الرزايا بحلول الباليا .
[ سورة الحجر ( : ) 15آية ] 51
ف ِإ ْبرا ِهي َم ( ) 51 ض ْي ِ َونَ ِبّئْ ُه ْم ع َْن َ
ّللا ]
[ -إشارة -الصوفية أضياف ه
ّللا ،فإنهم سافروا من حظوظ أنفسهم وجميع األكوان -إشارة -الصوفية أضياف ه
ّللا
إيثارا للجناب اإللهي ،فنزلوا به ،فال يعملون عمال إال بإذن من نزلوا عليه ،وهو ه
،فال يتصرفون وال يسكنون وال يتحركون إال عن أمر إلهي ،ومن ليست هذه صفته
فهو في الطريق يمشي يقطع مناهل نفسه حتى يصل إلى ربه ،فحينئذ يصح أن يكون
ضيفا ،وإذا أقام عنده ولم يرجع كان أهال ،
ّللا وخاصته . ألن أهل القرآن -وهو الجمع به تعالى -هم أهل ه
[ سورة الحجر ( : ) 15اآليات 52إلى ] 56
ش ُركَ ون ) ( 52قالُوا ال ت َ ْو َج ْل إِنها نُبَ ِ ّ سالما ً قا َل إِنها ِم ْن ُك ْم َو ِجلُ َ علَ ْي ِه فَقالُوا َ إِ ْذ َد َخلُوا َ
ون ) ( 54قالُوا ش ُر َ ي ا ْل ِكبَ ُر فَ ِب َم تُبَ ِ ّ سنِ َيم ( ) 53قا َل أ َ بَش ْهرت ُ ُمونِي عَلى أ َ ْن َم ه ع ِل ٍالم َ ِبغُ ٍ
ط ِم ْن َرحْ َم ِة َر ِبّ ِه ِإاله ين ( ) 55قا َل َو َم ْن يَ ْقنَ ُ ق فَال تَك ُْن ِم َن ا ْلقانِ ِط َ بَش ْهرناكَ ِبا ْل َح ّ ِ
ون ( ) 56 ضالُّ َ ال ه
ّللا ،إال من ضل عن الطريق وتاه . ال يقنط من رحمة ه
[ سورة الحجر ( : ) 15اآليات 57إلى ] 75
ين ( ِ ) 58إاله س ْلنا ِإلى قَ ْو ٍم ُمجْ ِر ِم َ ون ( ) 57قالُوا ِإنها أ ُ ْر ِ سلُ َ قا َل فَما َخ ْطبُ ُك ْم أَيُّ َها ا ْل ُم ْر َ
ين ( ) 60فَلَ هما ام َرأَتَهُ قَد ْهرنا ِإنهها لَ ِم َن ا ْلغا ِب ِر َ ين ( ِ ) 59إاله ْ آ َل لُو ٍط ِإنها لَ ُمنَ ُّجو ُه ْم أَجْ َم ِع َ
ون ( ) 62قالُوا بَ ْل ِجئْناكَ ِبما ون ) ( 61قا َل ِإنه ُك ْم قَ ْو ٌم ُم ْنك َُر َ سلُ َ وط ا ْل ُم ْر َ جا َء آ َل لُ ٍ
س ِر ِبأ َ ْه ِلكَ ِب ِق ْط ٍع ون ( ) 64فَأ َ ْ ق َو ِإنها لَصا ِدقُ َ ون ( َ ) 63وأ َت َ ْيناكَ ِبا ْل َح ّ ِ كانُوا ِفي ِه يَ ْمت َ ُر َ
ض ْينا ون ( َ ) 65وقَ َ ث ت ُ ْؤ َم ُر َ امضُوا َح ْي ُ ْبار ُه ْم َوال يَ ْلت َ ِفتْ ِم ْن ُك ْم أ َ َح ٌد َو ْ ِم َن الله ْي ِل َواتهبِ ْع أَد َ
ين ) َ ( 66وجا َء أ َ ْه ُل ا ْل َمدِينَ ِة صبِ ِح َ ع ُم ْ طو ٌ إِلَ ْي ِه ذ ِلكَ ْاأل َ ْم َر أ َ هن دابِ َر هؤ ِ
ُالء َم ْق ُ
ون ( َ ) 68واتهقُوا ه َ
َّللا َوال ض ُح ِ ض ْي ِفي فَال ت َ ْف َ ُالء َ ون ( ) 67قا َل ِإ هن هؤ ِ ش ُر َ ست َ ْب ِ
يَ ْ
ُالء بَناتِي ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ين ( ) 70قا َل هؤ ِ ون ) ( 69قالُوا أ َ َولَ ْم نَ ْن َهكَ ع َِن ا ْلعالَ ِم َ ت ُ ْخ ُز ِ
ص ْي َحةُ ُمش ِْر ِق َ
ين ون ) ( 72فَأ َ َخذَتْ ُه ُم ال ه س ْك َر ِت ِه ْم يَ ْع َم ُه َ ين ) ( 71لَعَ ْم ُركَ ِإنه ُه ْم لَ ِفي َ فا ِع ِل َ
س ِ ّجي ٍل ( ِ ) 74إ هن ِفي ذ ِلكَ جارةً ِم ْن ِ علَ ْي ِه ْم ِح َ ( ) 73فَ َجعَ ْلنا عا ِليَها سا ِفلَها َوأ َ ْم َط ْرنا َ
ين) ( 75 س ِم َ ت ِل ْل ُمت َ َو ِ ّ َآليا ٍ
ص 459
ص 459 :
ت ِل ْل ُمت َ َو ِ ه
س ِمينَ ] [إِ َّن فِي ذ ِل َك َآليا ٍ
س ِمينَ »ت ِل ْل ُمت َ َو ِ ه
السمة هي العالمة وقوله تعالى ِ «:إ َّن فِي ذ ِل َك َآليا ٍ
ّللا عليه وسلم ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور هللا ) فالفراسة نور من قوله صلهى ه
عز وجل يهدي له عباده ،ولها دالئل ،والفراسة الشرعية ال تشذ ألنها عن ّللا ه أنوار ه
أمر إلهي ،فهي مستمرة عند أهلها ألن دالئلها ،في نفس من قامت به ،بخالف
الفراسة الحكمية فإن أدلتها في نفس المتفرس فيه فقد تشذ ،فالفراسة الشرعية هي
أعلى درجات المكاشفة وذلك أن لها عالمات في الحس ،بينها وبين عالم الغيب
ارتباط ،وهذا علم موقوف على الذوق خالف الفراسة الحكمية فإنها موقوفة على
ّللا تعالى فهي ال
التجربة والعادة وقد ال تصدق ،ولما كانت الفراسة الشرعية نور ه
ّللا لعالم علمها
تعطي إال الحقائق ،وسبب حصولها جالء عين البصيرة ،وقد جعل ه
ّللا
عالمات في ظاهر الموجودات ،كما جاء في األثر عن عثمان بن عفان رضي ه
عنه حين أخذ على الرجل في نظره إلى ما ال يحل له فقال له الرجل أوحي بعد رسول
ّللا عليه وسلم « اتقواّللا صلهى ه ّللا عليه وسلم قال ال ولكن قال رسول ه ّللا صلهى ه ه
فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور هللا » رأيت ذلك في عينيك ،فما جار وما ظلم ،من
تفرس وحكم ،يستخرج خفايا األسرار ،بما عنده من األنوار ،يعرف الماء في
ص 460
ص 460 :
الماء ،وال يخفى عليه شيء في األرض وال في السماء ،ليس بقائف ،بل هو العارف
يعرف األول من كل شيء فيكشف بها كل خبء ،يفور من بصره النور ،وال يبور ،
هو باإليمان مشروط ،وبحكمه مربوط ،يمده المؤمن بما شاء من أسمائه ،عند إنبائه
،فال يبطئ ،وال يخطي ،له النفوذ والمضاء ،وله الحكم والقضاء ،وال إمساك إن
شاء وال مضاء ،فإن شاء لم يقض وإن شاء قضى ،بما يكون وهو كائن وما قد
مضى ،نوره ال يحتاج إلى مدد ،وال انقضاء مدد ،وال استبصار بأحد .
461
ص 461 :
-الوجه األول -هو الوجود الصرف ،ألنه قد قام الدليل على أنه ما ث هم وجود أزال إال
وجود الحق ،فهو واجب الوجود لنفسه
-الوجه الثاني -الحق المخلوق به هو العماء ،وهو نفس الرحمن الذي هو علة
اإليجاد من جانب الرحمة بالخلق ،ليخرجهم من شر العدم إلى خير الوجود
ّللا العقل ،وهو الحق الذي
ّللا عليه وسلم أول ما خلق ه -الوجه الثالث -قال صلهى ه
خلق به السماوات واألرض
ّللا به يوم القيامة بين عباده وفي عباده وبه
-الوجه الرابع -الحق هنا هو ما يحكم ه
أنزل الشرائع –
ص 462
ص 462 :
[ سورة الحجر ( : ) 15آية ] 87
آن ا ْلعَ ِظي َم ( ) 87
س ْبعا ً ِم َن ا ْل َمثانِي َوا ْلقُ ْر َ َولَقَ ْد آت َ ْيناكَ َ
[ السبع المثاني ]
يراجع تفسير فاتحة الكتاب في السبع المثاني -الفاتحة هي السبع المثاني ،فهي سبع
آيات تحتوي على جميع اآليات ،فظهرت في الوجود حضرة تفرد وحضرة تجمع ،
فمن البسملة إلى الدين إفراد إلهي ،ومن اهدنا إلى الضالين إفراد العبد المألوه ،
ين ) تشمل ،وما هي العطاء ،وإنما العطاء ما بعدها ، َّاك نَ ْست َ ِع ُ
َّاك نَ ْعبُ ُد َو ِإي َ
وقوله( ِإي َ
وإياك في الموضعين ملحق باإلفراد اإللهي ،فصحت السبع المثاني ،يقول العبد
يم » ّللا« َو ْالقُ ْرآنَ ْالعَ ِظ َ فيقول ه
-الوجه األول -العظيم الصفات ،والقرآن الجمع ،وليس سوى إياك نعبد وإياك
نستعين
يم »قيد وصف القرآن في هذه اآلية بالعظمة ،فإن -الوجه الثاني َ «-و ْالقُ ْرآنَ ْالعَ ِظ َ
نزوله إذا كان بصفة العظمة أثر في القلب هيبة وجالال وحياء ومراقبة وحضورا
ّللا ،
وإخباتا وانكسارا وذلة وافتقارا وانقباضا وحفظا ومراعاة وتعظيما لشعائر ه
ّللا ،ولم
ّللا وعند أهل ه
وانصبغ القرآن كله عنده بهذه الصفة ،فأورثه عظمة عند ه
يجهل أحد من المخلوقات عظمة هذا الشخص ،إال بعض الثقلين ألنهم ما سمعوا نداء
الحق عليه بالتعريف ،
ّللا عبدا قال لجبريل
ّللا عليه وسلم أنه قال [ :إذا أحب ه ّللا صلهى ه وقد ورد عن رسول ه
:إني أحب فالنا ،فيحبه جبريل ،ثم يأمره أن يعلم بذلك أهل السماء ،فيقول أال إن
ّللا تعالى قد أحب فالنا فأحبوه ،فيحبه أهل السماء كلهم ،ثم يوضع له القبول في ه
األرض ] .
ص 463
ص 463 :
ّللا فيه
ّللا ،ألنه ما قال له اصدع إال وال بد أن يكون قابال لنفوذ أمر ه فانصدع بأمر ه
حتى يسمى مصدوعا ،فلو كان ال يقبل النفوذ لكان هذا األمر عبثا ،أال ترى إلى قوله
ع ِن ْال ُم ْش ِر ِكينَ »فإنه ال ينفذ في المشرك ،إذ لو نفذ لو هحد ،فقال له تعالى« َوأَع ِْر ْ
ض َ
:
وأعرض ،ألنهم ليسوا بمحل ،فيأمر الرسول المشرك من غير صدع ،والذي علم
منه أنه يجيب ويقبل األمر ولو كان على كره هو الذي يصدع باألمر .
ص 464
ص 464 :
سبحانه باالشتغال بالرب من مقام التذلل فقال .
[ سورة الحجر ( : ) 15آية ] 98
ِين ) ( 98 اجد َ س ِبّحْ ِب َح ْم ِد َر ِبّكَ َوك ُْن ِم َن ال ه
س ِ فَ َ
فالرب هنا بمعنى السيد ،وفي التسبيح بمعنى الثابت ،فأراد سبحانه بما أمره به من
التسبيح الرباني والعبادة الربانية أن يغنيه عنهم إلى يوم يلقاه ،والتسبيح التنزيه ،وهو
قسم من أقسام الحمد ،فهو ثناء بعدم ،وهو التنزه عن كل صفة تدل على الحدوث
التصافه بالقدم ،واحذر أن تسبح الحق بعقلك ،واجعل تسبيحه منك بالقرآن الذي هو
كالمه ،فتكون حاكيا ال مخترعا وال مبتدعا ،فهو أعلم بنفسه منك ،وهو يحمد ذاته
بأتم المحامد وهو قوله « ِب َح ْم ِد َر ِبه َك »فال تسبحه تسبيحة واحدة بعقلك جملة واحدة ،
فإن األدلة العقلية كثيرة التنافر لألدلة الشرعية في اإللهيات ،فسبح ربك بكالم ربك
وبتسبيحه ،ال بعقلك الذي استفاده من فكره ونظره ،فإنه ما استفاد أكثر ما استفاد إال
اجدِينَ »يريد الذين ال يرفعون رؤوسهم س ِالجهل ،فال تتعد بالفكر محله« َو ُك ْن ِمنَ ال َّ
أبدا ،وال يكون ذلك إال في سجود القلب ،ولهذا قال له عقيب قوله« َو ُك ْن ِمنَ
اجدِينَ »تمم فقال . س ِ ال َّ
ص 465
ص 465 :
ّللا عليه وسلم وتسمع ما سمع ،فتلحق به في درجته من غير نبوة الرسول صلهى ه
تشريع ،بل وراثة محققة لنفس مصدقة متبعة -لذلك قرأ بعضهم من باب اإلشارة«
َوا ْعبُ ْد َرب ََّك َحتَّى يَأْتِيَ َك »
ين »يعني الموت ،ألنه أمر متيقن ال اختالف في -الوجه الرابع َ «-حتَّى يَأْتِيَ َك ْاليَ ِق ُ
وقوعه في كل حيوان
-الوجه الخامس « -اليقين »
[ « اليقين » ]
حكم اليقين سكون النفس بالمتيقن ،أو حركتها إلى المتيقن وهو ما يكون اإلنسان فيه
على بصيرة ،أي شيء كان ،فإذا كان حكم المبتغى حكم الحاصل فذلك اليقين ،سواء
حصل المتيقن أو لم يحصل في الوقت ،وهو قول القائل لو كشف الغطاء ما ازددت
ّللا لنبيه ولكل عبد يكونيقينا ،مع أن المتيقن ما حصل في الوجود العيني ،فقال ه
ين »ولما كان شرف اليقين بشرف المتيقن ،لهذا بمثابته« َوا ْعبُ ْد َرب ََّك َحتَّى يَأْتِيَ َك ْاليَ ِق ُ
ين »يريد متيقنا خاصا ،ما هو يقين يقع جاء باأللف والالم في قوله« َحتَّى يَأْتِيَ َك ْاليَ ِق ُ
المدح به ،بل هو يقين معيهن ،واليقين هو الذي يأتي طالبا المحل الذي ينزل فيه ،فإذا
تيقنت علمت بمن آمنت -الوجه السادس -إذا أضاف الحق نفسه إلى شيء من خلقه ،
فانظر إلى عبادة ما أضاف نفسه إليه فقم بها أنت ،فإنك النسخة الجامعة ،وما عرفك
الحق بهذه اإلضافة الخاصة إال لهذا ،مثال اإلله المضاف :وإلهكم ،ربنا الذي أعطى
،رب المشرق والمغرب ،رب السماوات ،ورب آبائكم ،رب المشرقين ورب
المغربين فعطف ،وما أظهر اإلضافة كما فعل في غير ذلك ،ما فعله سدى ،فاعبد
ربك على ما قلته لك في كل إضافة حتى يأتيك اليقين ،وإذا أتاك اليقين انجلى لك
األمر وعرفت شرف اإلضافة ،فإنه ما عبد أحد اإلله المطلق عن اإلضافة فإنه اإلله
المجهول .
بحث في اليقين -اليقين مقام شريف بين العلم والطمأنينة ،وربما اشتق اليقين من يقن
ّللا
الماء إذا استقر ،فاليقين استقرار اإليمان في القلب ،واعلم أن اليقين لما اعتنى به ه
دون غيره من المقامات ،أكمل نشأته فسوى ذاته أوال حين أرسله مطلقا ،مثل قوله
ين »ثم جعل له عينا وعلما وحقا وأخفى حقيقته ،فإن رسول تعالى َ «:حتَّى يَأْتِيَ َك ْاليَ ِق ُ
ّللا عليه وسلم يقول [ :لكل شيء حقيقة ] وقد ثبت حق اليقين ،فال بد لهذا ّللا صلهى ه ه
الحق من حقيقة ،وهو حقيقة اليقين ،فصار اليقين على هذا نشأة قائمة على أربعة
أركان :علم وعين وحق وحقيقة ،فالحقيقة سنهية ،والثالثة األركان الباقية كتابية ،
فاليقين اسم يكون منه فعل فيظهر في حضرة األفعال على مراتبها ،وال يتمكن أن
يوصف بوجه ،بخالف العلم ،فال يوصف بالقدم
ص 466
ص 466 :
ويوصف بالعلم والعين والحق وغير ذلك ،ولما كان فلك اليقين واسعا ،كان في
حركته بطء التساع فلكه ولعلوه وارتفاعه ،فال يظهر له في عالم التركيب ذلك األثر
الظاهر إال عند القليل من المتروحنين من البشر ،وذلك لعلو هممهم ،فإنها جازت
عليه من فلكه وقربت منه فحصل آثاره فيها ،ولذلك قال تعالى (ِ :لقَ ْو ٍم يُوقِنُونَ )
*فجعلهم قوما ،فإن الشكوك هي الغالبة والقطع على جهالة ال على يقين ،فسمي
القطع يقينا ،واليقين من جهة الحقيقة غير حاصل عند أكثر الناس ،وإن القطع عندهم
حاصل عندهم ويسمونه يقينا ،وليس كذلك ،فلو كانت دائرة فلك اليقين قريبة منا
سريعة الدور ضيقة الفلك لكانت سريعة األثر ،وكان الخلق أكثرهم على اليقين ،
فكانوا على سبيل الحق ،لكن األمر كما ترى بالعكس ،وانظر في إشارة الشارع بقوله
ع ْن َ
س ِبي ِل َّ ِ
ّللا وك َ ضلُّ َ ض يُ ِ ّللا عليه وسلم( َو ِإ ْن ت ُ ِط ْع أ َ ْكث َ َر َم ْن ِفي ْاأل َ ْر ِ تعالى لنبيه صلهى ه
ت َوقَ ِلي ٌل ما ُه ْم )فأين أنت من صا ِلحا ِ ع ِملُوا ال َّ )وقلهل الصالحين فقال ِ (:إ َّال الَّذِينَ آ َمنُوا َو َ
أصحاب اليقين الذين هم أقل من ع همال الصالحات ،بل نبهه عليهم( بِقَ ْو ٍم ) *فهم أقل من
القليل ،واليقين فوق اإليمان بال شك ،فأين الطمأنينة أبعد وأبعد ،وأخبر صلهى ه
ّللا
ين »وسر ذلك أنه عليه وسلم أنه يتعلم اليقين ،وقيل له« َوا ْعبُ ْد َرب ََّك َحتَّى يَأْتِيَ َك ْاليَ ِق ُ
قيل له( َوقُ ْل َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً )والعلم ال بد بأن يستند إلى اليقين ،ألن اليقين روح العلم
والطمأنينة حياته ،فال يزال يطلب الزيادة من العلم ،فال يزال يتعلم اليقين الرتباطه به
،وهكذا في كل دقيقة من دقائق التفاصيل ،ولما كان العلم بهذه المثابة انبغى لكل
عاقل أن ال يسأل سواه في كل شيء ،ولما كان لليقين نشأة كاملة كانت له عين مميزة
،فقيل عين اليقين ،لئال يتخيل السامع أنا نريد عين الشمس وغير ذلك ،ونقول علم
حق اليقين ،لئال يتخيل اليقين في العلم ،لئال يتخيل علم النحو أو علم األدب ،وكذلك ه
حق قدره وحق تقاته إذا قلنا حق وال نضيفه إلى اليقين ،كذلك نقول حقيقة اليقين ،لئال
يتخيل أنا نريد حقيقة اإليمان وحقيقة الوجود ،فجاءت اإلضافة قطعا ،ألن اليقين هو
مجموع هذه األشياء فجازت ،واليقين ما بأيدي الناس منه إال مجرد ذاته الجسمانية ،
أي حروفه اللفظية والرقمية ،ولذلك ما تجد أحدا إال وهو يشك في المقدور ،إما بعقده
ّللا عليها
وإما بحاله ضرورة ،وأدناها مرتبة هذه الكسيرة التي وقع القسم من ه
بضمانها ،وال بد أن يعطيها ولم يشترط فيها إيمانا وال كفرا ،ومع هذا كله لم يثلج
صدره وال حصل في النفس من اليقين
467
ص 467 :
ّللا له عن بصيرته علم وال عين وال حق وال حقيقة ،فأين أنت يا مسكين ؟ فمن كشف ه
وانحل قفله من أهل الكمال قليلون جدا ،فانظر ما أعلى درجة اليقين ،فإن عين اليقين
بها ينظر إلى الهمم عند تسابقها إليه وتجاريها على براقات األعمال الصالحات ،
فيشهدها خارجة من النفوس المسجونة في الهياكل الظلمانية ،واختراقها عالم الوهم
والمثال الذي هو البحر الخضم الذي تهلك فيه أكثر الهمم ،وتعاين هذا اليقين بالعين
المضافة ،فالصاحب يقول :
ّللا عليه وسلم كان يكلم دحية ،وإنما كان جبريل عليه السالم ، ّللا صلهى ه
إن رسول ه
فإذا قال :إنه دحية فال علم عنده وال يقين ،لكنه عنده القطع الذي يسميه يقينا ،
ّللا عليه
واليقين إذا نظر بعينه إلى مثل ما ذكرناه ورأى رجوع الهمم يتعجب مما خلق ه
العقول من القصور ،فما أشأم من وثق بعقله ،أو قال إنه يعرف ربه بعقله ،وإذا
وصلت الهمم بالمسابقة إلى اليقين وهو ينظر إليها بعينه ،أنزلها في حضرته وحصل
من صور الهمم التي يمتاز بعضها من بعض صورة معقولة ،ال يمكن للبصر أن
يدركها ،ألنها غيب ،فيسلط علمه عليها ،وهذا هو علم اليقين المضاف إليه ،فعينك
إذا لم تغلط من عين اليقين ،وإذا غلطت من عين القطع ،وعلمك إذا لم يغلط من علم
اليقين وإذا غلط فمن علم القطع ،وهو قوله تعالى [ :كنت سمعه وبصره ] فال يرى
إال اليقين وال يعلم إال اليقين ،وأما حق اليقين فهو أن ينظر عندما تميزت له صفات
الفصل بين الهمم في األمر الذي انبعثت عنه وحكم مزاج صاحب تلك الهمة وأين
محله من عالمه وعلى ما ذا قامت بنيته حين يبدو له ما يعطي امتزاج أخالطه من
القوة ،فيكون اإلمداد بحسب ذلك ،وأما حقيقة اليقين فهو أن ينظر في المقام المعلوم
الذي منه نزل إلى أسفل سافلين ،فإنه إلى ذلك ينتهي بعد التكليف وااللتحاق
ّللا تعالى أوجد كل لطيفة إنسانية في مقامها الذي تؤول إليه بالروحانيات العلى ،فإن ه
كالمالئكة سواء ،ثم نزلت إلى تدبير األبدان فهكذا اإلنسان ال يزال يترقى إلى آخر
نفسه الذي يموت عليه ،وهو مقامه الذي نزل منه ،ولذلك قال( َوإِلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ ) *وال
يرجع إلى شيء إال من خرج منه ،فبذلك المقام تتعلق حقيقة اليقين.
ص 468
ص 468 :
) ( 16سورة النّحل مكيّة
الرحيم
الرحمن ّ َّللا ّ
بسم ّ
[ سورة النحل ( : ) 16آية ] 1
يمالر ِح ِمن ه الرحْ َِّللا ه
س ِم ه ِِب ْ
س ْبحانَهُ َوتَعالى َ
ع هما يُش ِْرك َ
ُون ( ) 1 ست َ ْع ِجلُو ُه ُ أَتى أ َ ْم ُر ه ِ
َّللا فَال ت َ ْ
ّللا »يوم القيامة وإن كان لم يأت بعد ولكن تقطع النفس « أَتى »بالماضي« أ َ ْم ُر َّ ِ
المؤمنة بإتيانه فال فرق عندها بين حصوله وعدم حصوله وعبر بالماضي عن
المستقبل لتحقق وقوعه وال بد وزوال حكم اإلمكان فيه إلى حكم الوجوب وكل ما كان
بهذه المثابة فحكم الماضي فيه والمستقبل على السواء وسياقه بالماضي آكد في الوقوع
وتحققه من بقائه على االستقبال.
ص 469
ص 469 :
ون »وهي نبوة خاصة بنبوة وهو توحيد اإلنذار ،وهو توحيد اإلناية ( أَنَا ) « فَاتَّقُ ِ
التشريع ،ألن اإلنذار مقرون أبدا بنبوة التشريع ،ويكون الروح صورة قوله« ال ِإلهَ
ون »فإنه لم يقل هو ،فكان الروح هو الملقى ِإ َّال أَنَا فَاتَّقُ ِ
ّللا لهم بذلك ،فاستوى -وجه آخر -المالئكة هنا هي التي نزلت باإلنذار من أجل أمر ه
في هذا التنزل في التوحيد رسل البشر والمرسلون إليهم ،والروح هنا ما نزلوا به من
اإلنذار ،ليحيى بقبوله من قبله من عباده كما تحيى األجسام باألرواح ،فحييت بهذا
الروح المنزل رسل البشر ،فأنذروا بهذا التوحيد العظيم الذي نزل من جبار عظيم
ون »أي فاجعلوني وقاية تدفعون بي ما بتخويف وتهديد مع لطف خفي في قوله« فَاتَّقُ ِ
أنذرتكم به ،هذا لطفه ،ليس معناه فخافوني ،ألنه ليس هّلل وعيد وبطش مطلق شديد
ليس فيه شيء من الرحمة واللطف ،ومثل هذه اآلية قوله تعالى ( يُ ْل ِقي ُّ
الرو َح ِم ْن
بار ُزونَ ) نبوة ق يَ ْو َم ُه ْم ِ على َم ْن يَشا ُء ِم ْن ِعبا ِد ِه (نبوة عامة ( ِليُ ْنذ َِر يَ ْو َم التَّال ِ أ َ ْم ِر ِه َ
تشريع ال نبوة عموم
-بحث في نزول المالئكة على البشر –
قال بعض أصحابنا كاإلمام أبي حامد الغزالي وغيره بأن الفرق بين الولي والنبي
نزول الملك ،فإن الولي ملهم ،والنبي ينزل عليه الملك مع كونه يكون ملهما ،فإنه
جامع بين الوالية والنبوة ،وهذا غلط عندنا من القائلين به ،ودليل عدم ذوق القائلين
به ،وإنما الفرقان إنما هو فيما ينزل به الملك ال في نزول الملك ،فالذي ينزل به
الملك على الرسول والنبي خالف الذي ينزل به الملك على الولي التابع ،فإن الملك قد
ينزل على الولي التابع باالتباع ،وبإفهام ما جاء به النبي مما لم يتحقق هذا الولي العلم
به وإن كان متأخرا عنه بالزمان ،أعني متأخرا عن زمان وجوده ،فقد ينزل عليه
بتعريف صحة ما جاء به النبي وسقمه مما قد وضع عليه ،أوتوهم أنه صحيح عنه ،
أو ترك لضعف الراوي وهو صحيح في نفس األمر ،وقد ينزل عليه الملك بالبشرى
ّللا ه
عز ّللا بأنه من أهل السعادة والفوز وباألمان ،كل ذلك في الحياة الدنيا ،فإن ه من ه
وجل يقول (:لَ ُه ُم ْالبُ ْشرى فِي ْال َحياةِ ال ُّد ْنيا )وقال في أهل السعادة القائلين بربوبية ه
ّللا
أن المالئكة تنزل عليهم ،
علَ ْي ِه ُم ْال َمالئِ َكةُ أ َ َّال ت َخافُوا َوال قال تعالى ِ (:إ َّن الَّذِينَ قالُوا َربُّنَا َّ
ّللاُ ث ُ َّم ا ْستَقا ُموا تَتَن ََّز ُل َ
عدُونَ ن َْح ُن أ َ ْو ِليا ُؤ ُك ْم فِي ْال َحيا ِة ال ُّد ْنيا ) ت َ ْحزَ نُوا َوأ َ ْب ِش ُروا ِب ْال َجنَّ ِة الَّتِي ُك ْنت ُ ْم تُو َ
[ بحث في نزول المالئكة على البشر ]
ّللا من يكون له ذوق اإلنزال في التنزيل ،فما طرأ ما طرأ على القائلين من أولياء ه
بخالف هذا إال من اعتقادهم في نفوسهم أنهم قد عموا بسلوكهم جميع الطرق
والمقامات ،وأنه ما بقي مقام إال ولهم فيه
ص 470
ص 470 :
ذوق ،وما رأوا أنهم نزل عليهم ملك ،فاعتقدوا أن ذلك مما يختص به النبي ،فذوقهم
صحيح وحكمهم باطل ،فمن هناك وقع الغلط ،ولو وصل إليهم ممن تقدمهم أو كان
ّللا القول بنزول الملك على الولي قبلوه وما ردوه .
معهم في زمانهم من أهل ه
ص 471 :
ال تعلم صانعها -وال منفصلة عن رازقها فإنها تأخذ عنه مضارها ومنافعها ،فخلق
األرواح واألمالك ورفع السماوات قبة فوق قبة على عمد اإلنسان ،وأدار األفالك ،
ودحى األرض ليميز بين الرفع والخفض ،وعيهن الدنيا طريقا لْلخرة ،وأرسل بذلك
ّللا من
رسله تترى ،لما خلق في العقول من العجز والقصور عن معرفة ما خلق ه
أجرام العالم وأرواحه ولطائفه وكثائفه ،فإن الوضع والترتيب ليس العلم به من حظ
الفكر ،بل هو موقوف على خبر الفاعل لها والمنشئ لصورها ،ومتعلق علم العقل
ّللا تعالى قدهر في العالم العلوي
من طريق الفكر إمكان ذلك خاصة ال ترتيبه ،ثم إن ه
المقادير واألوزان والحركات والسكون في الحال والمحل والمكان والمتمكن ،فخلق
السماوات وجعلها كالقباب على األرض قبة فوق قبة ،وجعل هذه السماوات ساكنة ،
وخلق فيها نجوما ،وجعل في سيرها وسباحتها في هذه السماوات حركات مقدهرة ال
ّللا تعالى يحدث عند هذه
تزيد وال تنقص ،وجعلها عاقلة سامعة مطيعة ،ثم إن ه
الحركات الكوكبية في الطرق السماوية في عالم األركان وفي المولدات أمورا مما
ّللا ابتلى بها عباده ،فمن
أوحى في أمر السماء ،وجعل ذلك عادة مستمرة ابتالء من ه
الناس من جعل ذلك األثر عند هذا السير هّلل تعالى ،ومن الناس من جعل ذلك لحركة
الكوكب وشعاعه ،لما رأى أن عالم األركان مطارح شعاعات الكواكب ،فأما الذين
باّلل ،وأما الذين آمنوا بالباطل فزادتهم إيمانا بالباطل وكفروا
باّلل فزادتهم إيمانا ه
آمنوا ه
،وهم الخاسرون الذين ما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين .
ص 472
ص 472 :
ق ْاأل َ ْنفُ ِس »وهو نصف ذاتك ،أي ما كنت تصل إليه إال
«لَ ْم ت َ ُكونُوا با ِل ِغي ِه إِ َّال بِ ِش ه ِ
بالوهم والتخيل ال بالحس إال بواسطة هذه المراكب .
ص 473
ص 473 :
ّللا تعالى لما رفع السماء ووضع الميزان في سباحة الكواكب في أفالكها التي اعلم أن ه
هي طرق السماوات ،لتجري بالمقادير الكائنة في العالم على قدر معلوم ال تتعداه ،
فهي تعطي وتمنع بذلك الميزان الذي وضع الحق لها ،ألنها تشاهد الميزان الذي بيد
الحق حين يخفض به ويرفع ،فإذا نظرت إلى من رفعه الحق بميزانه أعطته ما
يستحقه مقام الرفع ،وإذا رأت الحق يضع بميزانه من شاء أعطته ما يستحقه مقام
الوضع ،وذلك هو التسخير الذي ورد في القرآن في النجوم أنها مسخرات بأمره ،
فيقول العالم والمؤمن :
ّللا ورحمته ،بالوزن الذي جعله في سباحة كوكب من الكواكب وما مطرنا بفضل ه
ّللا له من المنازل التي ينزل فيها ،والمحجوب والكافر يقول :مطرنا بنوء كذا قدره ه
وكذا ،فيذكر الكوكب المجبور في ذلك ،ويضيف ما ظهر من المطر الصائب إليه«
ت ِلقَ ْو ٍم يَ ْع ِقلُونَ » *الذين يعقلون عن ه
ّللا كل شيء في العادة عندهم فيه ِإ َّن ِفي ذ ِل َك َآليا ٍ
تعجب ،وأما أصحاب العوائد فإنهم ال تعجب عندهم إال فيما ظهر فيه خرق العادة .
ص 474
ص 474 :
العامة ال ترى األنوار التي في كواكب السماء إال زينة خاصة ،ويراها العلماء
بمنازلها وسيرها وسباحتها في أفالكها موضوعة لالهتداء بها ،فاتخذوها عالمات
على ما يبغونه في سيرهم في ظلمات البر والبحر .
ص 475 :
سان أَنَّا َخلَ ْقناهُ ِم ْن قَ ْب ُل َولَ ْم يَكُ َ
شيْئا ً )فهذه أول نعمة جملة نعمه فقال (:أ َ َوال يَ ْذ ُك ُر ْ ِ
اإل ْن ُ
ّللا شكر هذه النعمة وحدها ،وجعل معك أهل السماوات أنعم بها عليك ،لو كلهفك ه
واألرض بعبادتهم مؤيدين لك عمرك األخروي الذي ال نهاية له ،ما قمت بشكرها ،
كيف وقد انضاف إليها نعم كثيرة ؟ ! منها كونه أوجدك متغذيا ناميا ،ولم يجعلك
جمادا صلدا ،فكانت القدرة ممكنة لما أوجدتك ولم تك شيئا ،أن تنزلك في أمة
الجمادات ،ولكن مقام النبات أعلى ،وأمته أفضل ،فجعلك متغذيا ولم يجعلك جمادا ،
ّللا نعمة على هذهوهذه نعمة كبيرة وال يؤدى شكرها وال يق هدر قدرها ،ثم زادك ه
النعمة بأن نقلك من أمة النبات والشجر ،إلى أمة الحيوان ،فجعلك حساسا ،فوجب
عليك من الشكر والعبادة ما وجب على الجماد والنبات والحيوان ،فإنك قد جمعت
ّللا تبارك وتعالى ،نعمة أخرى إلى هذه حقائقهم وزدت على كل واحد منهم ،ثم زادك ه
النعم ،فجعلك ناطقا ،وفضلك على الحيوان الحساس خاصة ،فزدت معرفة بما ال
يعرفه الحيوان ،فأعطاك بنطقك حقيقة الملك ،وهو االشتراك في العقل اإللهي ،
فوجب عليك ما وجب على الملك من جهة روحك ،فأنت مطالب بالحضور الدائم ،ثم
ّللا عليك بنعمة االختصاص ،فجعلك موحدا ولم يجعلك مشركا ،ال ليد تقدمت أنعم ه
سم جنسك إلى موحد وإلى مشرك وجعلك من لك عليه ،فهذا اختصاص ،إذ قد ق ه
حزب الموحدين ،ثم زادك إلى هذه النعمة نعمة أخرى ،وهي إيمانك بالرسول صلهى
ّللا عليه وسلم ،ولم يجعلك مكذبا برسوله كما فعل بغيرك من أبناء جنسك حيث كفر ه
ّللا عليه وسلم حين خذل غيرنا ،ثم نعمة ّللا باإليمان بالنبي صلهى ه برسوله ،فقد حبانا ه
ّللا عليه وسلم ،ولم يجعلك من أخرى لما جعلك مؤمنا بنبي جعلك من أمة محمد صلهى ه
أمة غيره من األنبياء ،وهنا نعم منها أن ألحق هذه األمة بدرجة األنبياء باتباعهم
ّللا عليه وسلم ،وعيسى عليه السالم من جملة أمة محمد صلهى ه
ّللا عليه محمدا صلهى ه
ّللا وروحه وكلمته ،والنعمة األخرى أن جعلك شهيدا على سائر وسلم ،وهو رسول ه
األمم ،وهي مرتبة النبوة ،فإنهم الشهداء على أممهم ،فهذه مواطن تحشر فيها غدا
مع النبيين ،ونعمة أخرى لم يعطها أحدا قبلك من األمم ،فإنك مؤمن بنبيك آخر
األنبياء وبمن تقدم إلى آدم ،ولكل نعمة شكر يخصها وعمل يطابقها ،ثم أنه حفظك
من البدعة وميزك في ديوان السنة ،فهذا اختصاص ،ثم أهل السنة قسمهم قسمين :
عالم وجاهل ،فجعلك عالما بما تعبدك به من شريعته ولم يجعلك جاهال بذلك ،فهذه
نعمة يجب أيضا شكرها ،
ص 476
ص 476 :
ثم جعل العالمين على قسمين :طائع وعاصي ،فجعلك من الطائعين ولم يجعلك من
العاصين ،فهذه نعمة عظيمة ،فقد غمرتك النعم ،وال يتسع الليل والنهار ألداء شكر
واجبات هذه النعم ،وأنه إن اشتغلنا بواحدة منها ،فغايتنا أن نقطع ضياءنا وظالمنا
ّللا وقتا
ببعض ذرة من واحدة ،فعلى هذا يجب علينا الذي يمكننا أن نفعله أن ال يرانا ه
واحدا بطالين وال متصرفين في مباح إال حاضرين بقلوبنا على الدوام ،مكفوفي
الجوارح عن التصرف المحظور علينا ،مطلوقي األلسنة بالذكر ،وبإظهار العلم
والشكر عليه ،واالعتراف بالتقصير دائما ،وتوبيخ النفوس الذي أراده الحق منا ،ال
تعديلها وتزكيتها ،وعطايا الحق كلها نعم ،إال أن النعم في العموم موافقة الغرض
وعوارف الحق مننه ونعمه على عباده ،فما أطلعك منها على شيء إال ليردك ذلك
الشيء منك إليه ،فهو دعاء الحق في معروفه ،لما رأى عندك من الغفلة عنه ،
ّللا لَغَفُ ٌ
ور َر ِحي ٌم ». فتحبب إليك بالنعم« ِإ َّن َّ َ
ص 477
ص 477 :
[سبب تكبر الثقلين دون سائر الموجودات ]
ّللا أحد من
ّللا غير الثقلين ،وال عصى ه
ّللا على أمر هاعلم أنه ما تكبر أحد من خلق ه
ّللا سوى الثقلين ،واعلم أن السبب الموجب لتكبر الثقلين دون سائر الموجودات خلق ه
،أن سائر الموجودات توجه على إيجادهم من األسماء اإللهية أسماء الجبروت
والكبرياء والعظمة والقهر والعزة ،فخرجوا أذالء تحت هذا القهر اإللهي ،وتعرف
إليهم حين أوجدهم بهذه األسماء ،فلم يتمكن لمن خلق بهذه المثابة أن يرفع رأسه وال
ّللا ،
أن يجد في نفسه طعما للكبرياء على أحد من خلق ه
فكيف على من خلقه ؟
وقد أشهده أنه في قبضته وتحت قهره ،وشهدوا كشفا نواصيهم ونواصي كل دابة بيده
عز وكبرياء على خالقه ،فمن كان حاله في شهوده نظره إلى ربه كيف يتصور منه ه
مع هذا الكشف ؟
وأما الثقالن فخلقهم بأسماء اللطف والحنان والرأفة والرحمة والتنزل اإللهي ،فعند ما
خرجوا لم يروا عظمة وال عزا وال كبرياء ،ورأوا نفوسهم مستندة في وجودها إلى
ّللا لهم من جالله وال كبريائه وال عظمته في خروجهم رحمة وعطف وتنزل ،ولم يبد ه
ّللا شهادة عين ،أو
إلى الدنيا شيئا يشغلهم عن نفوسهم ،فلو أشهدهم أن نواصيهم بيد ه
إيمان كشهادة عين :
ّللا طرفة عين ،وكانوا مثل سائر المخلوقات -كشهادة األخذ من الظهور -ما عصوا ه
يسبحون الليل والنهار ال يفترون ،فلما ظهروا عن هذه األسماء الرحمانية ،
قالوا :يا ربنا لم خلقتنا ؟
قال :
( لتعبدون ) أي لتكونوا أذالء بين يدي ،فلم يروا صفة قهر وال جناب عزة تذلهم ،بل
نظروا إلى األسماء التي وجدوا عنها ،فما رأوا اسما إلهيا منها يقتضي أخذهم
وعقوبتهم إن عصوا أمره ونهيه وتكبروا على أمره ،فلم يطيعوه وعصوه.
ص 478
ص 478 :
[سورة النحل ( : ) 16آية ] 30
سنَةٌ َولَ ُ
دار ِين أَحْ َ
سنُوا فِي ه ِذ ِه ال ُّد ْنيا َح َ ِين اتهقَ ْوا ما ذا أ َ ْن َز َل َربُّ ُك ْم قالُوا َخ ْيرا ً ِللهذ ََوقِي َل ِللهذ َ
ين ( ) 30 دار ا ْل ُمت ه ِق َ
ْاآل ِخ َر ِة َخ ْي ٌر َولَنِ ْع َم ُ
ّللا حسن ساء ذلك « َوقِي َل ِللَّذِينَ اتَّقَ ْوا ما ذا أ َ ْنزَ َل َربُّ ُك ْم قالُوا َخيْرا ً »فكل شيء من ه
الشيء أم سر .
ص 479
ص 479 :
ّللاُ »فإنهم ال يرجعون عندما يبصرون ،وال يعقلون عندما يسمعون ، « َوما َ
ظلَ َم ُه ُم َّ
س ُه ْم يَ ْ
ظ ِل ُمونَ »فكانوا هم الظالمين ،فإنهم وال يصيبون عندما يتكلمون« َول ِك ْن كانُوا أ َ ْنفُ َ
ظلموا الحقوق أهلها ،فإن لهم قلوبا يعقلون ويفقهون بها ،وإن لهم أعينا يبصرون بها
،وإن لهم آذانا يسمعون بها ،فأنزلوا أنفسهم منزلة األنعام بل أضل سبيال .
ص 480
ص 480 :
[مسألة الوجود العيني واألعيان الثابتة ]
والشيء هو الممكنات ،وأجناسها محصورة في جوهر متحيز وجوهر غير متحيز ،
وأكوان وألوان ،وما ال ينحصر هو وجود األنواع واألشخاص« أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن
ون »فجعل سبحانه نسبة التكوين إلى نفس المأمور به ،والقدرة ال تتعلق بإيجاد فَيَ ُك ُ
الممكن إال بعد تخصيص اإلرادة ،كما ال تتمكن القدرة من الممكن حتى يأتيه أمر
اآلمر من ربه ،فإذا أمره بالتكوين وقال له« ُك ْن »م هكن القدرة من نفسه ،وتعلقت
القدرة بإيجاده ،فكونته من حينه ،فاالسم المريد هو المرجح والمخصص جانب
الوجود على جانب العدم -مسئلة الوجود العيني واألعيان الثابتة -ما ورد في الشرع
ّللا يشهد الغيوب ،وإنما ورد يعلم الغيوب ، قط أن ه
ّللا يَرى ) ولهذا وصف نفسه بالرؤية فقال (:أ َ لَ ْم يَ ْعلَ ْم ِبأ َ َّن َّ َ
ففرق بين النسب وميز بعضها عن بعض ليعلم ما ووصف نفسه بالبصر وبالعلم ،ه
ّللا غيب ،علمنا أن الغيب أمر إضافي لما بينها ،ولما لم يتصور أن يكون في حق ه
غاب عنا ،وما يلزم من شهود الشيء العلم بحده وحقيقته ،ويلزم من العلم بالشيء
العلم بحده وحقيقته ،عدما كان أو وجودا ،وإال فما علمته ،وقد وصف الحق نفسه
ب)* ع َّال ُم ْالغُيُو ِ
بأنه( َ
واألشياء كلها مشهودة للحق في حال عدمها ،ولو لم تكن كذلك لما خصص بعضها
باإليجاد عن بعض ،إذ العدم المحض الذي ليس فيه أعيان ثابتة ال يقع فيه تمييز
شهود ،بخالف عدم الممكنات ،فكون العلم ميز األشياء بعضها عن بعض وفصل
بعضها عن بعض ،هو المعبر عنه بشهوده إياها وتعيينه لها ،أي هي بعينه يراها ،
وإن كانت موصوفة بالعدم فما هي معدومة هّلل الحق من حيث علمه بها ،كما أن
تصور اإلنسان المخترع لألشياء صورة ما يريد اختراعها في نفسه ثم يبرزها ،
فيظهر عينها لها ،فاتصفت بالوجود العيني ،وكانت في حال عدمها موصوفة
ّللا ،فظهور األشياء من وجود بالوجود الذهني في حقنا ،والوجود العلمي في حق ه
إلى وجود ،من وجود علمي إلى وجود عيني .واعلم أن الطبيعة لألمر اإللهي محل
ظهور أعيان األجسام ،فيها تكونت وعنها ظهرت ،فأمر بال طبيعة ال يكون ،
ّللا قادر على وطبيعة بال أمر ال تكون ،فالكون متوقف على األمرين ،وال تقل إن ه
إيجاد شيء من غير أن ينفعل أمر آخر ،
ش ْيءٍ ِإذا أ َ َر ْدناهُ أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
ون ّللا يرد عليك في ذلك بقوله ِ «:إنَّما قَ ْولُنا ِل َ فإن ه
»فتلك الشيئية العامة لكل شيء خاص -وهو الذي وقع فيها االشتراك -هي التي
أثبتناها ،وإن األمر اإللهي عليها يتوجه لظهور شيء خاص في تلك الشيئية المطلقة ،
فإذا ظهرت األجسام أو األجساد
ص 481
ص 481 :
ظهرت الصور واألشكال واألعراض وجميع القوى الروحانية والحسية ،وربما قيل
:هو المعبر عنها بلسان الشرع العماء الذي هو للحق قبل خلق الخلق ،ما تحته هواء
وما فوقه هواء ،فذكره وسماه باسم موجود يقبل الصور واألشكال ،وعلى ذلك فثبوت
عين الممكن في العدم به يكون التهيؤ لقبول اآلثار ،وثبوته في العدم كالبذر لشجرة
الوجود ،فهو في العدم بذرة وفي الوجود شجرة .
ثبوت العين في اإلمكان بذر *** ولوال البذر لم يك ثم نبت
ظهوري عن ثبوتي دون أمر *** إلهي محال حين كنت
فلو ال ثبوت العين ما كان مشهودا *** وال قال كن كونا وال كان مقصودا
فما زال حكم العين هّلل عابدا *** وما زال كون الحق للعين معبودا
فلما كساه الحق حلة كونه *** وقد كان قبل الكون في الكون مفقودا
تكونت األحكام فيه بكونه *** فما زال س هجادا فقيدا وموجودا
ّللا والخلق خالف حكم الوجود ،فبحكم الوجود يكون الخلق هو وحكم الثبوت بين ه
الذي ثنى وجود الحق ،وليس لحكم الثبوت هذا المقام ،فإن الخلق والحق معا في
الثبوت ،وليس معا في الوجود
ولنشرح لك ذلك المعنى :اعلم أن المعلومات ثالثة ال رابع لها ،
ّللا تعالى الواجب الوجود لنفسه ،وهي الوجود المطلق الذي ال يتقيد ،وهو وجود ه
والمعلوم اآلخر العدم المطلق الذي هو عدم لنفسه ،وهو الذي ال يتقيد أصال وهو
المحال ،وهو في مقابلة الوجود المطلق ،
فكانا على السواء حتى لو اتصفا لحكم الوزن عليهما ،وما من نقيضين إال وبينهما
فاصل ،به يتميز كل واحد من اآلخر ،وهو المانع أن يتصف الواحد بصفة اآلخر ،
وهذا الفاصل الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق ،لو حكم الميزان عليه لكان
على السواء في المقدار من غير زيادة وال نقصان ،
وهذا هو البرزخ األعلى ،وهو برزخ البرازخ ،له وجه إلى الوجود ووجه إلى العدم
،فهو يقابل كل واحد من المعلومين بذاته ،
وهو المعلوم الثالث ،وفيه جميع الممكنات ،وهي ال تتناهى ،
كما أنه كل واحد من المعلومين ال يتناهى ،وللممكنات في هذا البرزخ أعيان ثابتة من
الوجه الذي ينظر إليها الوجود المطلق ،
ومن هذا الوجه ينطلق عليها اسم الشيء الذي إذا أراد الحق إيجاده قال له :كن فيكون
،
ص 482
ص 482 :
وليس له أعيان موجودة من الوجه الذي ينظر إليه منه العدم المطلق ،ولهذا يقال له :
كن ،وكن حرف وجودي ،فإنه لو أنه كائن ما قيل له ُ «:ك ْن »وهذه الممكنات في
هذا البرزخ بما هي عليه وما تكون إذا كانت مما تتصف به من األحوال واألعراض
والصفات واألكوان ،وهذا هو العالم الذي ال يتناهى ،وما له طرف ينته إليه ،ومن
هذا البرزخ وجود الممكنات ،وبها يتعلق رؤية الحق لألشياء قبل كونها ،وكل إنسان
ذي خيال وتخيل إذا تخيل أمرا ما ،فإن نظره يمتد إلى هذا البرزخ ،وهو ال يدري
أنه ناظر ذلك الشيء في هذه الحضرة ،وهذه الموجودات الممكنات التي أوجدها الحق
تعالى ،
هي لألعيان التي يتضمنها هذا البرزخ بمنزلة الظالالت لألجسام ،ولما كان الظل في
حكم الزوال ال في حكم الثبات ،
وكانت الممكنات وإن وجدت في حكم العدم سميت ظالالت ،ليفصل بينها وبين من له
الثبات المطلق في الوجود -وهو واجب الوجود –
وبين ما له الثبات المطلق في العدم -وهو المحال -لتتميز المراتب ،
فاألعيان الموجودات إذا ظهرت ففي هذا البرزخ هي ،فإنه ما ث هم حضرة تخرج إليها
ففيها تكتسب حالة الوجود ،والوجود فيها متناه ما حصل منه ،واإليجاد فيها ال يتناهى
،فما من صورة موجودة إال والعين الثابتة عينها والوجود كالثوب عليها ،
والعجب من األشاعرة كيف تنكر على من يقول :
إن المعدوم شيء في حال عدمه وله عين ثابتة يطرأ على تلك العين الوجود ،وهي
تثبت األحوال ،اللهم منكر األحوال ال يتمكن له هذا ،
ثم إن هذا البرزخ الذي هو الممكن بين الوجود والعدم ،سبب نسبة الثبوت إليه مع
نسبة العدم هو مقابلته لألمرين بذاته ،
فالممكن ما هو -من حيث ثبوته -عين الحق وال غيره ،وال هو من حيث عدمه عين
المحال وال غيره ،فكأنه أمر إضافي ،
ولهذا نزعت طائفة إلى نفي الممكن وقالت :ما ث هم إال واجب أو محال ولم يتعقل لها
اإلمكان ،فالممكنات على ما قررناه أعيان ثابتة من تجلي الحق ،معدومة من تجلي
العدم ،ومن هذه الحضرة علم الحق نفسه فعلم العالم ،وعلمه له بنفسه أزال ،
فإن التجلي أزال ،وتعلق علمه بالعالم أزال على ما يكون العالم عليه أبدا مما ليس حاله
ّللا عن الزيادة في نفسه
الوجود ،ال يزيد الحق به علما وال يستفيد رؤية ،تعالى ه
واالستفادة ،
وقوله تعالى« ِإذا أ َ َر ْدناهُ »هنا اإلرادة تعلق المشيئة بالمراد ،
ّللا كان وما لم يشأ لم يكن ]
قال عليه السالم [ :ما شاء ه
فالممكن ما خرج عن حضرة اإلمكان ال في حال وجوده وال في حال عدمه ،
والتجلي له
ص 483
ص 483 :
مستصحب واألحوال عليه تتحول وتطرأ ،فهو بين حال عدمي وحال وجودي ،
ّللا تعالى وأسماؤه وأفعاله ،فهو األول من والعين هي تلك العين فما في الوجود إال ه
االسم الظاهر ،وهو اآلخر من االسم الباطن ،
فالوجود كله حق فما فيه شيء من الباطل ،إذ كان المفهوم من إطالق لفظ الباطل
عدما فيما ادعى صاحبه أنه موجود ،ولو لم يكن األمر كذلك النفرد الخلق بالفعل ولم
يكن االقتدار اإللهي يع هم جميع الكائنات ،بل كانت اإلمكانات تزول عنه ،
فسبحان الظاهر الذي ال يخفى ،وسبحان الخفي الذي ال يظهر ،حجب الخلق به عن
معرفته وأعماهم بشدة ظهوره ،فهم منكرون مقرون ،مترددون حائرون ،مصيبون
مخطئون ،
ومن أراد أن يعرف حقيقة ما أومأت إليه في هذه المسألة فلينظر خيال الستارة
وصوره ،ومن الناطق من تلك الصور عند الصبيان الصغار ،الذين بعدوا عن
حجاب الستارة المضروبة بينهم وبين الالعب بتلك األشخاص والناطق فيها ،
فاألمر كذلك في صور العالم ،والناس أكثرهم أولئك الصغار الذين فرضناهم ،
فالصغار في المجلس يفرحون ويطربون ،والغافلون يتخذونه لهوا ولعبا ،والعلماء
ّللا ما نصب هذا إال مثال لعباده ليعتبروا ،وليعلموا أن أمر يعتبرون ويعلمون أن ه
ّللا مثل هذه الصور مع محركها ، العالم مع ه
وأن هذه الستارة حجاب سر القدر المح هكم في الخالئق ،ولما كان تقدم العدم للممكنات
نعتا نفسيا ،ألن الممكن يستحيل عليه الوجود أزال ،فلم يبق إال أن يكون أزلي العدم ،
فتقدم العدم له نعت نفسي ،والممكنات متميزة الحقائق والصور في ذاتها ،ألن
ّللا أن يلبسها حالة الوجود خاطبها من حيث حقائقها ، الحقائق تعطي ذلك ،فلما أراد ه
فقال ِ «:إنَّما قَ ْولُنا »من كونه تعالى متكلما « ِل َ
ش ْيءٍ »
وهو المخاطب من الممكنات في شيئية ثبوتها ،فسماه شيئا في حال لم تكن فيه الشيئية
المنفية بقوله ولم يكن شيئا ،فهي الشيئية المتوجه عليها أمره بالتكوين إلى شيئية
أخرى ،
فإن الممكنات في حال عدمها بين يدي الحق ينظر إليها ويميز بعضها عن بعض بما
هي عليه من الحقائق في شيئية ثبوتها ،ينظر إليها بعين أسمائه الحسنى ،وترتيب
إيجاد الممكنات يقتضي بتقدم بعضها على بعض ،
وهذا ما ال يقدر على إنكاره ،فإنه الواقع ،فالدخول في شيئية الوجود إنما وقع مرتبا
بخالف ما هي عليه في شيئية الثبوت ،فإنها كلها غير مرتبة ،ألن ثبوتها منعوت
باألزل لها ،واألزل ال ترتيب فيه وال تقدم وال تأخر ،
فتوقف حكم اإلرادة على حكم العلم ،ولهذا قال تعالى ِ «:إذا أ َ َر ْدناهُ »فجاء بظرف
الزمان المستقبل في تعليق
ص 484
ص 484 :
ّللا تعلق إرادته تحت حكم الزمان ،فجاء بإذا وهي من صيغ الزمان ، اإلرادة ،فأدخل ه
والزمان قد يكون مرادا وال يصح فيه إذا ،ألنه لم يكن بعد فيكون له حكم ،واإلرادة
واحدة العين ،فانتقل حكمها من ترجيح بقاء الممكن في شيئية ثبوته إلى حكمها
بترجيح ظهوره في شيئية وجوده ،
فقوله تعالى ِ «:إذا أ َ َر ْدناهُ »
هو التوجه اإللهي على الشيء في حال عدمه" أ َ ْن نَقُو َل لَهُ "
وهو قوله لكل شيء يريده وذلك من كون الحق متكلما ،وما يؤمر إال من يسمع بسمع
ثبوتي أو وجودي ،يسمع األمر اإللهي« ُك ْن »
بالمعنى الذي يليق بجالله ،وكن حرف وجودي ،أو إن شئت أمر وجودي ،فما ظهر
عنها إال ما يناسبها ،فال يكون عن هذا الحرف إال الوجود ،ما يكون عنه عدم ،ألن
العدم ال يكون ،ألن الكون وجود ،وكن كلمة وجودية من التكوين ،فكن عين ما تكلم
به ،وهو األمر الذي ال يمكن للمأمور به مخالفته ،ال األمر باألفعال والتروك ،فظهر
المكون
ه عن هذا األمر الذي قيل له« ُك ْن »فيكون ذلك الشيء في عينه ،فيتصف ذلك
بالوجود بعد ما كان يوصف بأنه غير موجود ،
فإذا ظهر عن قوله« ُك ْن »لبس شيئية الوجود ،وهي على الحقيقة شيئية الظهور ،
ظهور لعينه ،
وإن كان في شيئية ثبوته ظاهرا متميزا عن غيره بحقيقته ،ولكن لربه ال لنفسه ،فما
ظهر لنفسه إال بعد تعلق األمر اإللهي من قوله« ُك ْن »بظهوره ،فاكتسب ظهوره
لنفسه ،فعرف نفسه وشاهد عينه ،فاستحال من شيئية ثبوته إلى شيئية وجوده ،وإن
شئت قلت استحال في نفسه من كونه لم يكن ظاهرا لنفسه إلى حالة ظهر بها لنفسه ،
ّللا التكوين إلى
ّللا بذلك .وأضاف ه ّللا والتوجه وقبول الممكنات لما أراد ه فما ث هم إال ه
الذي يكون ال إلى الحق وال إلى القدرة ،بل أمر فامتثل السامع في حال عدم شيئيته
وثبوته أمر الحق بسمع ثبوتي ،فأمره قدرته ،وقبول المأمور بالتكوين استعداده ،فإن
ّللا يأمر الممكن
الممكنات لها اإلدراكات في حال عدمها ،ولذا جاء في الشرع أن ه
بالتكوين فيتكون ،فلو ال أن له حقيقة السمع ،وأنه مدرك أمر الحق إذا توجه عليه لم
ّللا بالتكوين ،وال وصف نفسه بالقول لذلك الشيء المنعوت بالعدم يتكون ،وال وصفه ه
،فتعلق الخطاب باألمر لهذه العين المخصصة بأن تكون ،فامتثلت فكانت ،فلو ال ما
كان للممكن عين وال وصف لها بالوجود ،يتوجه على تلك العين األمر بالوجود لما
ّللا أنه خاطب األشياء في وقع الوجود ،فالمأمور به إنما هو الوجود ،ولذلك أعلمنا ه
حال عدمها ،وأنها امتثلت أمره عند
ص 485
ص 485 :
بالنعوت التي لها في حال وجودها ما وصفها الحق بما وصفها به من ذلك ،وهو
الصادق المخبر بحقائق األشياء على ما هي عليه ،فما ظهرت أعيان الموجودات إال
بالحال التي كانت عليه في حال العدم ،فما استفادت إال الوجود من حيث أعيانها ومن
حيث ما به بقاؤها ،فكل ما هي عليه األعيان القائمة بأنفسها ذاتي لها ،وإن تغيرت
عليها األعراض واألمثال واألضداد ،إال أن حكمها في حال عدمها ليس حكمها في
حال وجودها من حيث أمر ما ،وذلك ألن حكمها في حال عدمها ذاتي لها ليس للحق
فيها حكم ،ولو كان لم يكن لها العدم صفة ذاتية ،فال تزال الممكنات في حال عدمها
ناظرة إلى الحق بما هي عليه من األحوال ال يتبدل عليها حال حتى تتصف بالوجود ،
فتتغير عليها األحوال للعدم الذي يسرع إلى ما به بقاء العين ،وليست كذلك في حال
العدم ،فإنه ال يتغير عليها شيء في حال العدم ،بل األمر الذي هي عليه في نفسها
ثابت ،إذ لو زال لم تزل إال إلى الوجود ،وال يزول إلى الوجود إال إذا اتصفت العين
القائم به هذا الممكن الخاص بالوجود ،فاألمر بين وجود وعدم في أعيان ثابتة على
ون »يعني حكم ما توجه عليه أمر« ُك ْن »كان ما كان ،فيعدم به أحوال خاصة« فَيَ ُك ُ
ويوجد ،فليس متعلقه إال األثر ،فترى الكائنات ما ظهرت وال تكونت من شيئيتها
الثابتة إال بالفهم ال بعدم الفهم ،ألنها فهمت معنى« ُك ْن »فتكونت ،ولهذا قال« فَيَ ُك ُ
ون
»يعني ذلك الشيء ،ألنه فهم عند السماع ما أراد بقوله« ُك ْن »فبادر لفهمه دون غير
التكوين من الحاالت ،وكذلك يكون االنتقال من حال إلى حال ،أي من حال يكون
عليه السامع إلى حال يعطيه سماعه عند كالم المتكلم ،وسمي ذلك بالحركة من العدم
إلى الوجود ،فكان لألعيان في ظهورها شيئية وجودية ،فسميت هذه الحركة بالوجد
لحصول الوجود عندها ،أعني وجود الحكم ،سواء كان بعين ،أي في تقلبه أثناء
وجوده من حال إلى حال ،أو بال عين قبل إبرازه من العدم إلى الوجود ،فإنه عين في
نفسه هذا الكائن ،أي له عين ثابتة في العلم يتوجه عليها الخطاب ،فتسمع فتمتثل ،
ون »ما هو قبول التكوين وإنما قبوله للتكوين ،أن يكون فعندنا قوله تعالى «:فَيَ ُك ُ
مظهرا للحق ،فهذا معنى قوله« فَيَ ُك ُ
ون »ال أنه استفاد وجودا ،وإنما استفاد حكم
المظهرية حيث أنه قبل السماع من حيث عينه الثابتة الموجودة فالحق عين كل شيء
في الظهور وما هو عين األشياء في ذواتها سبحانه وتعالى ،بل هو هو واألشياء
ص 456
ص 486 :
ش ْيءٍ إِذا أ َ َر ْدناهُ » ]
[مسائل مستفادة من قوله تعالى « :إِنَّما قَ ْولُنا ِل َ
أشياء ،فلوال الحق ما تميزت الموجودات بعضها عن بعض ولكان األمر عينا واحدا ،
فعين تمييز الحق لها وجودها ،وعين تمييز بعضها عن بعض فألنفسها ،ولذلك لم
تزد كلمة الحضرة في كل كائن عنها على كلمة« ُك ْن »شيئا آخر ،بل انسحب على
كل كائن عين« ُك ْن »ال غير ،فلو وقفنا مع كن لم نر إال عينا واحدة ،وإنما وقفنا مع
أثر هذه الكلمة وهي المكونات ،
فكثرت وتعددت وتميزت بأشخاصها ،فلما اجتمعت في عين حدها علمنا أن هذه
الحقيقة وجدت كلمة الحق فيها وهي كلمة كن ،وكن أمر وجودي ال يعلم منه إال
اإليجاد والوجود ،
ولهذا ال يقال للموجود كن عدما ،وال يقال له كن معدوما الستحالة ذلك ،فالعدم نفسي
لبعض الموجودات ،ولبعضها تابع لعدم شرطه المصحح لوجوده ،وبهذه الحقيقة كان
ّللا سبحانه يرانا في حال عدمنا في ّللا خالقا دائما وحافظا دائما ،والخالصة هي أن ه ه
شيئية ثبوتنا كما يرانا في حال وجودنا ،
ألنه تعالى ما في حقه غيب ،فكل حال له شهادة ،فيتجلى تعالى لألشياء التي يريد
إيجادها في حال عدمها من اسمه النور تعالى ،فينفهق على تلك األعيان أنوار هذا
التجلي فتستعد لقبول اإليجاد ،فيقول له عند هذا االستعداد « كن » فيكون من حينه
من غير تثبط -مسائل مستفادة من هذه اآلية
-المسألة األولى -اعلم أن القول والكالم نعتان هّلل ،فبالقول يسمع المعدوم ،وهو
ون »وبالكالم يسمع ش ْيءٍ ِإذا أ َ َر ْدناهُ أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
قوله تعالى ِ «:إنَّما قَ ْولُنا ِل َ
الموجود ،
ّللاُ ُموسى ت َ ْك ِليما ً )وقد يطلق الكالم على الترجمة في لسان وهو قوله تعالى َ (:و َكلَّ َم َّ
المترجم وينسب الكالم إلى المترجم عنه في ذلك ،فالقول له أثر في المعدوم وهو
الوجود ،والكالم له أثر في الموجود وهو العلم
ّللا وال عن رسوله في مخلوق أنه أعطي« ُك ْن -المسألة الثانية -لم يرد نص عن ه
ّللا عليه وسلم في غزوة »سوى اإلنسان خاصة ،فظهر ذلك في وقت في النبي صلهى ه
تبوك ،فقال :كن أبا ذر ،فكان أبو ذر ،ورد في الخبر في أهل الجنة أن الملك يأتي
ّللا
إليهم فيقول لهم بعد أن يستأذن في الدخول عليهم ،فإذا دخل ناولهم كتابا من عند ه
ّللا ،فإذا في الكتاب لكل إنسان يخاطب به ،من الحي القيوم بعد أن يسلم عليهم من ه
الذي ال يموت إلى الحي القيوم الذي ال يموت ،أما بعد فإني أقول للشيء كن فيكون ،
ّللا عليه وسلم :فال يقول أحد من أهل وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون ،فقال صلهى ه
الجنة للشيء كن إال ويكون
-المسألة الثالثة -اعلم أن لألسباب أحكاما في المسببات فهي كاآللة للصانع ،
فتضاف
ص 487
ص 487 :
الصنعة والمصنوع للصانع ال لْللة ،وسببه أن ال علم لْللة بما في نفس الصانع أن
يصنع بها على التعيين ،بل لها العلم بأنها آلة للصنع الذي تعطيه حقيقتها ،وال عمل
للصانع إال بها ،فصنع اآللة ذاتي ،وما لجانب الصانع بها إرادي ،وهو قوله تعالى
ِ «:إذا أ َ َر ْدناهُ أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن »وكن آلة اإليجاد ،فما أوجد إال بها ،وكون تلك الكلمة
ذاته أو أمرا زائدا علم آخر ،إنما المراد هو فهم هذا المعنى وأنه ما حصل اإليجاد
بمجرد اإلرادة دون القول ودون المريد والقائل ،فظهر حكم األسباب في المسببات ،
فال يزيل حكمها إال جاهل بوضعها وما تعطيه أعيانها -المسألة الرابعة -المعلول لوال
ّللا ما وجد في عينه ،والعين عند العرب تذكر علته ما ظهرت له عين ،والعالم لوال ه
وتؤنث وذلك ألجل التناسل الواقع بين الذكر واألنثى ،ولهذه الحقيقة جاء اإليجاد
اإللهي بالقول وهو مذكر ،واإلرادة وهي مؤنثة ،فأوجد العالم عن قول وإرادة ،
فظهر عن اسم مذكر ومؤنث ،
ش ْيءٍ »وشيء أنكر النكرات والقول مذكر« إِذا أ َ َر ْدناهُ »واإلرادة فقال «:إِنَّما قَ ْولُنا ِل َ
ون »فظهر التكوين في اإلرادة عن القول ،والعين واحدة مؤنثة« أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
بال شك ،واألمر في نفسه صعب تصوره ،من الوجه الذي يطلبه الفكر ،سهل في
غاية السهولة من الوجه الذي قرره الشرع ،فالفكر يقول :ما ث هم شيء ثم ظهر شيء
من ال شيء ،والشرع يقول وهو القول الحق :بل ث هم شيء فصار كونا * وكان غيبا
فصار عينا
ص 488
ص 488 :
هو العلم ،فإنه على بينة من ربه ،ولو لم يكن عند الذاكرين بهذه المثابة لم يكن بينهم
وبين غيرهم من البشر فرقان ،فإنه تعالى معهم حيثما كانوا وأينما كانوا ،فال بد أن
يكون مع الذاكرين له بمعية اختصاص ،وما ث هم إال مزيد علم ،به يظهر الفضل ،فكل
ذاكر ال يزيد علما في ذكره بمذكوره فليس بذاكر وإن ذكر بلسانه ،ألن الذاكر هو
الذي يعمه الذكر كله ،فذلك هو جليس الحق ،فال بد من حصول الفائدة -وجه -أهل
ّللا تعالى يقول (:إِنَّا ن َْح ُن ن ََّز ْلنَا ال ِذه ْك َر )الذكر هم أهل القرآن فإن ه
ّللا وخاصته ،وهم أهل االجتهاد ومنهم وهو القرآن الذين يعملون به ،وهم أهل ه
المصيب والمخطئ ،فيتعين على المقلد إذا لم يعلم ،
السؤال عن الحكم في الواقعة لمن يعلم أنه يعلم من أهل الذكر ،فيفتيه ،فإن قال له :
ّللا أو حكم رسوله أخذ به ، هذا حكم ه
وإن قال له :هذا رأيي كما يقول أصحاب الرأي في كتبهم فإنه يحرم عليه اتباعه فيه ،
ّللا أحدا برأي أحد ،
ّللا ما تعبده إال بما شرع له في كتاب أو سنة ،وما تعبد ه فإن ه
واألشياخ يسألون وال يقتدى بأفعالهم إال إن أمروا بذلك في أفعال معينة ،قال تعالى
ّللا وخاصته ،وأهل القرآن هم الذين «:فَ ْسئَلُوا أ َ ْه َل ال ِذه ْك ِر »وهم أهل القرآن أهل ه
ّللا تعالى ،فال ينبغي أن يقتدى بفعل أحد دون يعملون به ،وهو الميزان المشروع من ه
ّللا عليه وسلم ،فإن أحوال الناس تختلف ،فقد يكون عين ما يصلح ّللا صلهى هرسول ه
ّللا عليه وسلم قد اختلف ّللا صلهى ه للواحد يفسد به اآلخر إن عمل به ،وإذا كان رسول ه
ّللا تعالى (:لَقَ ْد
الناس في أفعاله هل هي على الوجوب أم ال ؟ فكيف بغيره مع قوله ه
سنَةٌ )وقوله( فَاتَّبِعُونِي يُ ْحبِ ْب ُك ُم َّ
ّللاُ )؟ وهذا كله ليس ّللا أُس َْوة ٌ َح َ كانَ لَ ُك ْم فِي َر ُ
سو ِل َّ ِ
ّللا عليه وسلم قد اختص بأشياء ال بنص منه في وجوب االتباع في أفعاله ،فإنه صلهى ه
يجوز لنا اتباعه فيها ،ولو اقتدينا به فيها كنا عاصين مأثومين .
ص 489
ص 489 :
ما نزل ،ال عين ما نزل ،ويقع البيان بعبارة خاصة ويعقل بأي شيء كان ،فلو ال
البيان ما فصل بين المتشابه والمحكم ،فلو لم ينزل المتشابه لنعلم أنه متشابه لم يعلم
ّللا ،ما يكون متشابها ،وهذا غاية البيان حيث أبان لنا أن ث هم ما يعلم
أنه ث هم في علم ه
ّللا من يشاء من خلقه بأي وجه شاء أن ّللا ،وقد يمكن أن يعلهمه ه
وث هم ما ال يعلمه إال ه
يعلمه ،فالرسول ملزم بتبيين ما جاء به حتى يفهم عنه إلقامة الحجة على المبلغ إليه ،
وعلمنا أن كل رواية ترفع اإلشكال هي الصحيحة وإن ضعفت عند أهل النقل .
" أ َ َولَ ْم يَ َر ْوا »خاطب بذلك أهل الكشف وهم عامة اإلنس وكل عاقل ،فخاطبهم بالنعيم
ش ْيءٍ يَتَفَيَّؤُا ِظاللُهُ »الضمير في ظالله يعود على البصري« ِإلى ما َخلَقَ َّ
ّللاُ ِم ْن َ
الشيء ،وقد قلنا :إن األجساد ظالل األرواح ،وإن الموجودات الممكنات التي
أوجدها الحق تعالى هي لألعيان التي يتضمنها برزخ الممكنات بمنزلة الظالالت
لألجساد ،
ّلل »وهو ما قلنا في اآلية السابقة :فما زالس َّجدا ً ِ َّ ِ ين َوال َّ
شمائِ ِل ُ ع ِن ْاليَ ِم ِ
فقال تعالى َ «:
سجادا فقيدا وموجودا ،فاألعيان الثابتة ساجدة هّلل ،وظاللها وهي األعيان الموجودة
ّللا تعالى في هذه اآلية أن ذلك التفيؤ يمينا تخرج على صورتها ساجدة هّلل ،فأخبر ه
وشماال أنه سجود هّلل وصغار وذلة لجالله ،ولذلك قال َ «:و ُه ْم ِ
داخ ُرونَ »أي أذالء ،
فوصفهم بعقليتهم أنفسهم حتى سجدوا هّلل داخرين ،ثم أخبر فقال متمما .
ص 490
ص 490 :
ض ِم ْن دابَّ ٍة »أي ممن يدب عليها ،يقول ت َوما فِي ْاأل َ ْر ِ " َو ِ َّ ِ
ّلل يَ ْس ُج ُد ما فِي ال َّ
سماوا ِ
يمشي« َو ُه ْم »يعني أهل السماوات ،فكل ما في السماوات واألرض موصوف
بالسجود دائما الفتقاره ،ومن افتقر فقد كسر فقار ظهره ،فال يتمكن له أن يرفع رأسه
أبدا ،فالعالم الذي هو ما عدا الثقلين ساجد هّلل ،فهو مطيع قائم بما تعين عليه من عبادة
خالقه ومنشيه « َو ْال َمال ِئ َكةُ »يعني التي ليست في سماء وال أرض« َو ُه ْم ال يَ ْست َ ْك ِب ُرونَ
»يعني عن عبادة ربهم .
ص 491
ص 491 :
اإلنسان إذا أصابه الضر وانقطعت به األسباب ،وهو أشد العذاب ،ذكر ربه فرجع
إليه مضطرا ال مختارا .
ص 492
ص 492 :
هويته« ْال َح ِكي ُم »في تجليه حتى يقال إنه رؤي .
ص 493
ص 493 :
ّللا تعالى كل شيء حيا ناطقا ،جمادا كان أو نباتا أو حيوانا ،في العالم لما خلق ه
األعلى واألسفل ،مصداق ذلك قوله تعالى :
ش ْيءٍ ِإ َّال يُ َ
س ِبه ُح ِب َح ْم ِد ِه َول ِك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْس ِبي َح ُه ْم ) ( َو ِإ ْن ِم ْن َ
جاز بل وقع وصح أن يخاطب الحق جميع الموجودات ويوحي إليها فقال َ «:وأ َ ْوحى
ش َج ِر َو ِم َّما يَ ْع ِر ُ
شونَ » َرب َُّك ِإلَى النَّ ْح ِل أ َ ِن ات َّ ِخذِي ِمنَ ْال ِجبا ِل بُيُوتا ً َو ِمنَ ال َّ
[ الشكل السداسي في بيوت النحل ]
الستة أكمل األعداد ،وليس في األشكال شكل فيه زوايا إذا انضمت إليها األمثال لم
ّللا إلى النحل في قوله في هذه اآلية« َوأ َ ْوحى يكن بينها خلو إال الستة ،وبها أوحى ه
َرب َُّك ِإلَى النَّ ْح ِل »فأوحى إليها بصفة عملها ،فعملت بيوتها مسدسة الشكل ،وهو أكمل
األشكال ألنه ال يدخله خالء ويقارب االستدارة مع ظهور الزوايا ،فهو ال يقبل الخلل
مع الكثرة فيظهر الخلو ،والمستدير ليس كذلك ،وإن أشبه غيره في عدم قبول الخلل
كالمربع ،فإنه يبعد عن المستدير ،ووصف الشكل المستدير بالكمال ألنه يظهر عن
ّللا وحيه لما نصفه وثلثه وسدسه فيقوم من عين أجزائه ،فلو ال ما فهمت النحل من ه
صدر منها ما صدر ،وهذا من النبوة سارية في الحيوان والنبات والجماد قال تعالى
صالتَهُ َوت َ ْس ِبي َحهُ )فالنبوة سارية في كل موجود ،لكنه ال ينطلق من ذلك (ُ :ك ٌّل قَ ْد َ
ع ِل َم َ
اسم نبي وال رسول على واحد منهم إال على المالئكة خاصة والرسل منهم وهم
ّللا بذلك أنه المسمون المالئكة ،وقد يكون ذلك علما ضروريا في أصل الخلقة ،فيريد ه
فطرها في أصل نشأتها على ذلك .
ص 494 :
أي أن المقصود منه الشفاء بالوجود ،كما المقصود بالغيث إيجاد الرزق الذي يكون
عن نزوله بالقصد وإن هدم الغيث بيت الشيخ الفقير الضعيف ،فما كان رحمة في حقه
من هذه الجهة الخاصة ،ولكن ما هي بالقصد العام الذي له نزل المطر ،وإنما كان
من استعداد القابل للتهدم لضعف البنيان ،كما كان الضرر الواقع آلكل العسل من
ّللا عليه وسلم فقالّللا صلهى ه
استعداد مزاجه لم يكن بالقصد العام ،جاء رجل لرسول ه
:إن أخي استطلق بطنه ،فقال :اسقه عسال ،فسقاه عسال ،فزاد استطالقه ،فرجع
ّللا
فأخبره ،فقال :اسقه عسال ،فزاد استطالقه ،وما علم هذا الرجل ما علمه رسول ه
ّللا عليه وسلم من ذلك ،فإنه كان في المحل فضالت مضرة ال يمكن إخراجها صلهى ه
إال بشرب العسل ،فإذا زالت عنه أعقبته العافية والشفاء ،فلما رجع إليه قال له :يا
ّللا وكذب بطن أخيك ،اسقه ّللا سقيته عسال فزاد استطالقه ،فقال :صدق هرسول ه
عسال في الثالثة ،فسقاه فبرأ ،فإنه استوفى خروج الفضالت المضرة.
ص 495
ص 495 :
[سورة النحل ( : ) 16اآليات 72إلى ] 74
ين َو َحفَ َدةً َو َر َزقَ ُك ْم ِم َن س ُك ْم أ َ ْزواجا ً َو َجعَ َل لَ ُك ْم ِم ْن أ َ ْز ِ
واج ُك ْم بَنِ َ َّللاُ َجعَ َل لَ ُك ْم ِم ْن أ َ ْنفُ ِ
َو ه
َّللا ما
ُون ه ِ ُون ِم ْن د ِ ون ( َ ) 72ويَ ْعبُد َ َّللا ُه ْم يَ ْكفُ ُر َ
ت هِ ون َو ِبنِ ْع َم ِباط ِل يُ ْؤ ِمنُ َ ت أ َ فَ ِبا ْل ِ
ط ِيّبا ِال ه
ّلِل
ض ِربُوا ِ ه ِ ون ) ( 73فَال ت َ ْ ست َ ِطيعُ َ ش ْيئا ً َوال يَ ْ
ض َ ت َو ْاأل َ ْر ِسماوا ِ ال يَ ْم ِلكُ لَ ُه ْم ِر ْزقا ً ِم َن ال ه
ون ) ( 74 َّللا يَ ْعلَ ُم َوأ َ ْنت ُ ْم ال ت َ ْعلَ ُم َ
ْاأل َ ْمثا َل إِ هن ه َ
[فال تضربوا هّلل األمثال ]
-الوجه األول -نهينا أن نضرب األمثال هّلل لجهلنا بالنسب التي هي بها أمثال ،فقال
ّللا هو الذي يضرب األمثال للناس لعلمه ّلل ْاأل َ ْمثا َل » فإن ه تعالى « :فَال تَض ِْربُوا ِ َّ ِ
عز وجل يضرب لنا األمثال بما له وجود ّللا يعلم ونحن ال نعلم ،فهو ه بمواقعها ،ألن ه
في عينه ،ونحن لسنا كذلك إال بحكم المصادفة ،فنضرب المثل إذا ضربناه بما له
فاّلل يضرب األمثال لنفسه وال وجود في عينه وبما ال وجود له إال في تصورنا ،ه
تضرب له األمثال ،فيشبه األشياء وال تشبهه األشياء ،
ّللا في ّللا في خلقه مثل الملك في ملكه ،وال يقال مثل الملك في ملكه مثل ه فيقال :مثل ه
خلقه ،فإنه عين ما ظهر ،وليس ما ظهر هو عينه ،
فإنه الباطن كما هو الظاهر في حال ظهوره ،
فلهذا قلنا :هو مثل األشياء وليست األشياء مثله ،إذ كان عينها وليست عينه ،فإن
الممكن ما استفاد الوجود وإنما استفاد حكم المظهرية ،
وهو قوله تعالى للشيء :كن فيكون ،فقبوله للتكوين هو أن يكون مظهرا للحق ،
فالحق عين كل شيء في الظهور ما هو عين األشياء في ذواتها ،سبحانه وتعالى ،بل
هو هو واألشياء أشياء ،ففي نفس األمر ليس إال وجود الحق ،والموصوف باستفادة
الوجود هو على أصله ما انتقل من إمكانه ،فحكمه باق وعينه ثابتة ،
واعلم أن ما يشرك به الشيء من ليس مثله فهو مثله من ذلك الوجه الذي أشركه فيه
خاصة ،وينفصل عنه بأمور أخر له فيها أمثال ،فما ث هم معلوم ما له مثل جملة واحدة
ّللا األمثال ونهى عن ضربنا األمثال له ، ،فما ث هم إال أمثال وأشباه ،ولذلك ضرب ه
ّللا يَ ْعلَ ُم َوأ َ ْنت ُ ْم ال ت َ ْعلَ ُمونَ "
وعلل فقال ِ " :إ َّن َّ َ
فمن علهمه الحق ضرب األمثال ضربها على علم ،فال يضرب األمثال إال العلماء ه
باّلل
ّللا تعليمهم ،وليس إال األنبياء واألولياء ،وهو مقام وراء طور العقل ، الذين تولى ه
يريد أنه ال يستقل العقل بإدراكه من حيث ما هو مفكر ،
باّلل من حيث فكره علم التنزيه ،وضرب األمثال تشبيه فإن الذي عند العقل من العلم ه
،وموضع التشبيه من ضرب المثل دقيق ال يعرفه إال من عرف المشبه والمشبهه
ص 496 :
به ،والمشبه به غير معروف ،فاألمر الذي يتحقق منه ضرب المثل له مجهول ،
فالنظر فيه من حيث الفكر حرام على كل مؤمن ،وهو في نفس األمر ممنوع الوصول
إليه عند كل ذي عقل سليم ،
ّللا يَ ْعلَ ُم َوأ َ ْنت ُ ْم ال ت َ ْعلَ ُمونَ »فضرب ه
ّللا تعالى لنفسه األمثال ّللا تعالى ِ «:إ َّن َّ َ
ولذلك قال ه
ّللا يعلم كيف يضربها وأنتم ال تعلمون ،فناط بهم الجهل ألنه يعلم ونحن ال نعلم ،فإن ه
ّللا من األمثال فيرى في ذلك الشهود عين الجامع بالمواطن ،فيشهد الولي ما ضرب ه
الذي بين المثل وبين ما ضرب له ذلك المثل ،فهو عينه من حيث ذلك الجامع ،وما
هو عينه من حيث ما هو مثل ،فالولي ال يضرب هّلل األمثال بل هو يعرف ما ضرب
ّللا له األمثال
ه
ص 498
ص 498 :
[ سورة النحل ( : ) 16آية ] 78
صار َو ْاأل َ ْفئِ َدةَ
س ْم َع َو ْاأل َ ْب َ ش ْيئا ً َو َجعَ َل لَ ُك ُم ال ه
ون َ ون أ ُ همهاتِ ُك ْم ال ت َ ْعلَ ُم َ
ط ِ َّللاُ أ َ ْخ َر َج ُك ْم ِم ْن بُ ُ
َو ه
ون ( ) 78 شك ُُر َ لَعَله ُك ْم ت َ ْ
شيْئا ً »وذلك مثل من ر هد إلى أرذل العمر ون أ ُ َّمهاتِ ُك ْم ال ت َ ْعلَ ُمونَ َط ِ ّللاُ أ َ ْخ َر َج ُك ْم ِم ْن بُ ُ
« َو َّ
لكيال يعلم من بعد علم شيئا ،وما يلزم العالم حضوره دائما مع علمه ،فهكذا حال
ْصار َو ْاأل َ ْفئِ َدة َ لَعَلَّ ُك ْم ت َ ْش ُك ُرونَ
س ْم َع َو ْاألَب َ الجنين إذا خرج من بطن أمه« َو َجعَ َل لَ ُك ُم ال َّ
ّللا أعطى كل شيء خلقه ،فأعطى السمع خلقه فال يتعدى إدراكه ،وجعل »اعلم أن ه
العقل فقيرا إليه ،يستمد منه معرفة األصوات وتقطيع الحروف وتغيير األلفاظ وتنوع
اللغات ،فيفرق بين صوت الطير وهبوب الرياح وصرير الباب وخرير الماء وما
أشبه هذه األصوات كلها ،وليس في قوة العقل من حيث ذاته إدراك شيء من هذا ما
ّللا العقل فقيرا إليها فيما توصله لم يوصله إليه السمع ،وكذلك القوة البصرية جعل ه
إليه من المبصرات ،فال يعرف الخضرة وال الصفرة وال ما بينهما من األلوان ما لم
ينعم البصر على العقل بها ،وهكذا جميع القوى المعروفة بالحواس ،فالسمع
ّللا فيك تدرك بها األشياء ،وقدهم تعالى السمع على واألبصار واألفئدة أنوار جعلها ه
العلم والبصر فإن أول شيء علمناه من الحق وتعلق به منا القول منه والسمع منا ،
ّللا
فكان عنه الوجود ،وكما لم يصح الوجود -أعني وجود العالم -إال بالقول من ه
والسماع من العالم ،لم يظهر وجود طرق السعادة وعلم الفرق بينها وبين طرق الشقاء
إال بالقول اإللهي والسماع الكوني ،فجاءت الرسل بالقول جميعهم من قرآن وتوراة
وإنجيل وزبور وصحف ،فما ث هم إال قول وسماع ،غير هذين لم يكن ،فلو ال القول ما
علم مراد المريد ،ما يريده منا ،ولوال السمع ما وصلنا إلى تحصيل ما قيل لنا ،
فبالقول نتصرف ،وعن القول نتصرف مع السماع ،فهما مرتبطان ال يصح استقالل
واحد منهما دون اآلخر ،وهما نسبتان ،فبالقول والسماع نعلم ما في نفس الحق ،إذ
ال علم لنا إال بإعالمه بقوله ،ومن وجه آخر :حقيقة السمع أن ال يتقيد المسموع بجهة
معينة ،بخالف البصر الحسي فإنه يتقيد إما بجهة خاصة معينة وإما بالجهات كلها ،
والسمع ليس كذلك ،فإن متعلقه الكالم ،فإن كان المتكلم ذا جهة أو في جهة فذلك
راجع إليه ،وإن كان ال في جهة وال ذا جهة فذلك راجع إليه ال للسامع ،فالسمع أدل
في التنزيه من البصر ،وأخرج من التقييد
ص 499
ص 499 :
وّللا أخرجكم من بطون أمهاتكم وأوسع وأوضح في اإلطالق -إشارة -قرأ بعضهم :ه
ال تعلمون شيئا .
[ سورة النحل ( : ) 16آية ] 79
َّللاُ ِإ هن فِي ذ ِلكَ َآليا ٍ
ت س ُك ُه هن ِإاله ه
ماء ما يُ ْم ِ
س ِ س هخرا ٍ
ت فِي َج ّ ِو ال ه أ َ لَ ْم يَ َر ْوا ِإلَى ال ه
ط ْي ِر ُم َ
ون ( ) 79 ِلقَ ْو ٍم يُ ْؤ ِمنُ َ
ّللا باق ] [ وما عند ه
باّلل والطاعة له والقيام بحقه ، ّللا ورسوله لنا ما هي المخلوقات عليه من العلم ه كم بيهن ه
وال نؤمن وال نسمع ! !
ونتناول ما ليس األمر عليه لنكون من المؤمنين ،ونحن على الحقيقة من المكذبين ،
سنا على اإليمان بما عرفنا به ربنا ل هما لم نشاهد ذلك مشاهدة عين ، ورجحنا ح ه
فالموجودات كلها ما منها إال من هو حي ناطق أو حيوان ناطق ،المسمى جمادا أو
نباتا أو ميتا ،ألنه ما من شيء من قائم بنفسه وغير قائم بنفسه إال وهو مسبح بحمد
ّللا تعالى ،فهل ربه ،وهذا نعت ال يكون إال لمن هو موصوف بأنه حي يوحي إليه ه
ّللا
سمعتم في النبوة األولى والثانية قط أن حيوانا أو شيئا من غير الحيوان عصى أمر ه
ّللا ،فمن كان مشهده هذا من الموجودات استحى كل الحياء في خلوته أو لم يقبل وحي ه
التي تسمى خلوة في العامة كما يستحي في جلوته ،فإنه في جلوة أبدا ،ألنه ال يخلو
عن مكان يقله وسماء تظله ،ولو لم يكن في مكان الستحى من أعضائه ورعية بدنه .
ص 500
ص 500 :
سرابِي َل ت َ ِقي ُك ْم بَأ ْ َ
س ُك ْم »وهذه حجب وقايات وجنن تقي سرابِي َل ت َ ِقي ُك ُم ْال َح َّر َو َ
" َو َجعَ َل لَ ُك ْم َ
األجسام الحيوانية من البرد القوي والحر الشديد ،فيدفع بذلك األلم عن نفسه ،وكذلك
الطوارق يدفع بها في الحرب المقاتل عن نفسه سهام األعداء ورماحهم وسيوفهم ،
فيتقي هذا وأمثاله بمجنه الحائل بينه وبين عدوه ،ويدفع بذلك عن نفسه األذى من
خوذة وترس ودرع .
ب »الزيادة في العذاب لما زادوا هنا من المرض في قلوبهم عذابا ً فَ ْوقَ ْالعَذا ِ" ِز ْدنا ُه ْم َ
عند ورود اآليات اإللهية إلثبات الشرائع ،كما أن ذلك لطائفة مخصوصة وهم األئمة
قاال َم َع أَثْقا ِل ِه ْم )وهم الذين أضلوا العباد
المضلون ،يقول تعالى ( َولَيَ ْح ِملُ َّن أَثْقالَ ُه ْم َوأَثْ ً
وأدخلوا عليهم الشبه المضلة ،فحادوا بها عن سواء السبيل ،فضلوا وأضلوا ،وقالوا
لهم :
ّللا عليه وسلم [ :من سن سنة سيئة فعليه اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ،قال صلهى ه
وزرها ووزر من عمل بها دون أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ] فهؤالء قيل فيهم«
ب »وما أنزلوا من النار إال منازل استحقاق. عذابا ً فَ ْوقَ ْالعَذا ِ
ِز ْدنا ُه ْم َ
501
ص 501 :
[سورة النحل ( : ) 16آية ] 89
ُالء َونَ هز ْلنا علَ ْي ِه ْم ِم ْن أ َ ْنفُ ِ
س ِه ْم َو ِجئْنا ِبكَ ش َِهيدا ً عَلى هؤ ِ ث فِي ُك ِ ّل أ ُ هم ٍة ش َِهيدا ً َ َويَ ْو َم نَ ْبعَ ُ
ين ( ) 89 دى َو َرحْ َمةً َوبُشْرى ِل ْل ُم ْ
س ِل ِم َ ش ْي ٍء َو ُه ً علَ ْيكَ ا ْل ِك َ
تاب تِ ْبيانا ً ِل ُك ِ ّل َ َ
علَ ْي ِه ْم ِم ْن أ َ ْنفُ ِس ِه ْم »وهم الرسل ،وألحقنا ه
ّللا تعالى ث فِي ُك ِهل أ ُ َّم ٍة َ
ش ِهيدا ً َ " َويَ ْو َم نَ ْبعَ ُ
بأنبيائه بأن جعلنا شهداء على أممهم معهم حين يبعثهم ،
اس ). علَى النَّ ِ ش َهدا َء َ فقال تعالى( ِلت َ ُكونُوا ُ
ص 502 :
س ِيهئَةٌ ِمثْلُها فَ َم ْن َ
عفا س ِيهئ َ ٍة َ
سان )واإلحسان قبل المؤاخذة( َو َجزا ُء َ سان إِ َّال ْ ِ
اإل ْح ُ ِْ
اإل ْح ِ
ّللا )فإقامة العدل إنما هو علَى َّ ِ صلَ َح ) ولم يجاز السيئة على السيئة فهو أولى( فَأ َ ْج ُرهُ َ َوأ َ ْ
ّللا ليأمر بمكارم األخالق وال في حق الغير ال فيما يختص بالجناب اإللهي ،فما كان ه
يكون الجناب اإللهي موصوفا به ،فعدل فيما حكم به من الجزاء بالسوء ،وأحسن بعد
الحكم ونفوذه بما آل إليه عباده من الرحمة ورفع األمور الشاقة عليهم وهي اآلالم ،
فعمت رحمته كل شيء .
ص 503
ص 503 :
ق »فوصف البقاء والوجود ،وهو معنى قوله تعالى «:ما ِع ْن َد ُك ْم يَ ْنفَ ُد َوما ِع ْن َد َّ ِ
ّللا با ٍ
بالنفاد ما نسبه إلينا ،وما لفظة تدل على كل شيء ،كذا قاله سيبويه ،فكل ما نسب
إلى المخلوق فإنه ينفد بالموت أو الشهادة ،وكل ما ينفد فقد فارق من كان عنده ،وهذا
ال يوجد في الحق ،فإنه ال يفارقه شيء ،ألنه معنا وإليه تصير األمور« ما ِع ْن َد ُك ْم
ّللا في بقائه ،والخطاب هنا ق »فتعتمد على ه يَ ْنفَ ُد »فال تعتمد عليه« َوما ِع ْن َد َّ ِ
ّللا با ٍ
ّللا في محله من لعين الجوهر ،والذي عند الجوهر من كل موجود إنما هو ما يوجده ه
الصفات واألعراض واألكوان ،وهي في الزمان الثاني أو في الحال الثاني -كيف
وّللا يجدد للجوهر شئت قل -من زمان وجودها أو حال وجودها ،تنعدم من عندنا ،ه
األمثال أو األضداد دائما من خزائنه ،وهذا معنى قول المتكلمين إن العرض ال يبقى
زمانين ،وهو قول صحيح ،خبر ال شهبة فيه ،ألنه األمر المحقق الذي عليه نعت
ّللا ،وقد شاء أنه ال الممكنات ،ويتجدد ذلك على الجوهر ويبقى عينه دائما ما شاء ه
ّللا التوجه وهو قوله تعالى (:إِذا أ َ َر ْدناهُ ق »فعند ه يفنى فال بد من بقائه « َوما ِع ْن َد َّ ِ
ّللا با ٍ
ون ) فال يكون عنه إال الوجود وما يكون عنه عدم ،واعلم أن أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
تحقيق عندية كل شيء راجعة إلى نفسه ،ولهذا قال تعالى «:ما ِع ْن َد ُك ْم يَ ْنفَ ُد »فإن
ق »فإن له البقاء ،فلو كانت عندية الشيء غير نفس حكمكم النفاد« َوما ِع ْن َد َّ ِ
ّللا با ٍ
ّللا باق ،فنحن وما عندنا ّللا ،وما عند ه الشيء ما نفد ما عندنا ،ألنا وما عندنا عند ه
باق ،فتبين لك أن عندية كل شيء نفسه
ّللا فله البقاء في العدم كان أو الوجود ،وما نفد ما عندك -الوجه الثاني -الكل عند ه
إال بأخذه منك ،وأنت عنده فما عندك عنده ،وما خرج شيء من عنده ،فالكل عنده
باّلل ،فما عندنا منه في موطن ينفد في -الوجه الثالث « -ما عندك ينفد » من العلم ه
موطن آخر ،فإن الحكم للمواطن ،فإنها تحكم بنفسها في كل من ظهر فيها« َوما ِع ْن َد
ق »من علمه بنفسه ال يتغير وال يتبدل وال يتنوع في نفسه بتنوع المواطن . َّ ِ
ّللا با ٍ
فنحن وما عندنا عنده *** وليس الذي عنده عندنا
ص 504
ص 504 :
العمل الصالح له الحياة الطيبة ،وهي تعجيل البشرى في الحياة الدنيا ،كما قال تعالى(
لَ ُه ُم ْالبُ ْشرى فِي ْال َحياةِ ال ُّد ْنيا )فيحيى في باقي عمره حياة طيبة لما حصل له من العلم
فتهون عليه هذه البشرىّللا مما يؤول إليه في أبده ،ه
بما سبق له من سعادته في علم ه
ّللا حق وكالمه صدق ،وقد ما يلقاه من المشقات والعوارض المؤلمة ،فإن وعد ه
خوطب بالقول الذي ال يبدل لديه ،وال تكون الحياة طيبة إال أن تكون مستصحبة ،وما
ّللا ،وإن ظهر منهم ما توجبه األمور المؤلمة في العادة ينالها إال الصالحون من عباد ه
وظهر عليهم آثار اآلالم ،فالنفوس منهم في الحياة الطيبة ،ألن النفوس محلها العقل
ليس الحس محلها ،فآالمهم حسية ال نفسية ،فالذي يراهم يحملهم في ذلك على حاله
الذي يجده في نفسه لو قام به ذلك البالء ،وهو في نفسه غير ذلك ،فالصورة صورة
ّللا سيئاته
بالء ،والمعنى معنى عافية وإنعام ،وكذلك للعمل الصالح التبديل ،فيبدل ه
حسنات ،حتى يود لو أنه أتى جميع الكبائر الواقعة في العالم ،وكذلك للعمل الصالح
شكر الحق ألنه الغفور الشكور ،فسعيه مقبول وكالمه مسموع ،ولو لم يكن في العمل
الصالح إال إلحاق عامله بالصالحين وإطالقه هذا االسم عليه لكان كافيا ،فإنه مطلب
ّللا .
األنبياء عليهم السالم وهم أرفع طوائف عباد ه
ص 505
ص 505 :
ّللا
منه في تلك اآلية ،فيذكره في استعاذته وينظر فيما ينبغي أن يستعاذ به من أسماء ه
،أي اسم كان ،فيعيهنه بالذكر في استعاذته ،وللمصلي في صالته بعد أن يفرغ من
التوجه وقبل أن يشرع في القراءة أن يتعوذ
باّلل من الشيطان الرجيم ،وهذا نص القرآن ، وليقل :أعوذ ه
باّلل السميع العليم من الشيطان الرجيم ]
وقد ورد في السنة الصحيحة [ أعوذ ه
ّللا ،ثم زاد
ّللا من كون القرآن ذكرا ،والذاكر جليس ه ولما كان قارئ القرآن جليس ه
ّللا ،فهو أيضا في حال قرب على قرب ،كنور على أنه في الصالة في حال مناجاة ه
باّلل ،وتكون استعاذته من الشيطان ألنه البعيد ،يقال نور ،كان األولى أن يستعيذ هنا ه
:بئر شطون إذا كانت بعيدة القعر ،والبعد يقابل القرب ،فتكون استعاذته في حال
قربه مما يبعده عن تلك الحالة ،فلم يكن أولى من اسم الشيطان ،ثم نعته بالرجيم ،
وهو فعيل ،فأما بمعنى المفعول فيكون معناه من الشيطان المرجوم ،يعني بالشهب ،
ّللا باألنوار ،فكانت الصالة مما
وهي األنوار المحرقة ،والصالة نور ،ورجمه ه
تعطي بعد الشيطان من العبد ،وإن كان بمعنى الفاعل فهو لما يرجم به قلب العبد من
ّللا صلهى ه
ّللا عليه الخواطر المذمومة واللمات السيئة والوسوسة ،ولهذا كان رسول ه
وسلم إذا قام يصلي من الليل وكبر تكبيرة اإلحرام ،
ّللا أكبر كبيرا ،والحمد هّلل كثيرا والحمد هّلل كثيرا
ّللا أكبر كبيرا ه
ّللا أكبر كبيرا ه
قال [ :ه
ّللا
ّللا بكرة وأصيال وسبحان ه ّللا بكرة وأصيال وسبحان ه والحمد هّلل كثيرا ،وسبحان ه
باّلل من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه ] قال ابن عباس بكرة وأصيال ،أعوذ ه
:همزه ما يوسوسه في الصالة ،ونفثه الشعر ،ونفخه الذي يلقيه من الشبه في الصالة
ّللا عليه وسلم :إن سجود السهو ترغيم للشيطان ،يعني السهو .ولهذا قال النبي صلهى ه
باّلل من الشيطان الرجيم بخالص من قلبه ،يطلب ،فوجب على المصلي أن يستعيذ ه
بذلك عصمة ربه ،ولما لم يعرف المصلي بما يأتيه الشيطان من الخواطر السيئة في
ّللا الجامع لمعاني
صالته والوسوسة لم يتمكن أن يعين له ما يدفعها به ،فجاء باالسم ه
األسماء ،إذ كان في قوة هذا االسم حقيقة كل اسم دافع في مقابلة كل خاطر ينبغي أن
يدفع .
ص 506
ص 506 :
روح القدس أي الطاهر عن تقييد البشر .
" ِإ َّال َم ْن أ ُ ْك ِرهَ »أكره من اإلكراه ،ومن حصول الكراهة في نفس العامل لذلك العمل
يمان »وطمأنينته في هذه
اإل ِ الخارج عن ميزان األدب المشروع« َوقَ ْلبُهُ ُم ْ
ط َم ِئ ٌّن ِب ْ ِ
ّللا حبب اإليمان للمؤمن وكره إليه الفسوق النازلة إنما هو بما له من الكراهة ،فإن ه
والعصيان مع وقوعه منه ،فغير المكره إذا كفر أخذ بكفره ،وأي شيء فعل جوزي
ّللا أجل وأعظم وأعدل من أن يعذب مكرها مقهورا ، بفعله ،بخالف المجبور ،فإن ه
فإن شئت سترت دينك ونفسك ،وتظهر لهم فيما هم بسبيله بظاهرك إن جبروك على
ذلك فاضطررت إليه ،واعتزل عنهم ما استطعت في بيتك إلقامة دينك من حيث ال
يعلمون ،فقد كان بدء اإلسالم على هذه الصورة من التكتم ،وقد ثبت حكم المكره في
الشرع ،وعلم ح هد المكره الذي اتفق عليه والمكره الذي اختلف فيه ،وما بقي النظر
إال في معرفة المجبور المكره وما صفته ،فإن بعض العلماء لم يصح عنده الجبر
واإلكراه على الزنا فيؤاخذ به ،فإن اآللة ال تقوم إال بسريان
ص 507
ص 507 :
الشهوة وحكمها فيه ،وعندنا أنه مجبور في مثل هذا ،مكره على أن يريد الوقاع ،
وال يظهر حكم إرادته إال بالوقوع ،وال يكون الوقاع إال بعد االنتشار ووجود الشهوة ،
وحينئذ يعصم نفسه من المكره له على ذلك المتوعد له بالقتل إن لم يفعل ،فصح
اإلكراه في مثل هذا بالباطن ،بخالف الكفر فإنه يقنع فيه بالظاهر وإن خالفه الباطن ،
فالزاني يشتهي ويكره تلك الشهوة ،فإنه مؤمن ،ولوال أن الشهوة إرادة بالتذاذ لقلنا إنه
غير مريد لما اشتهاه .
[ سورة النحل ( : ) 16اآليات 107إلى ] 111
ين ( 107 علَى ْاآل ِخ َر ِة َوأ َ هن ه َ
َّللا ال يَ ْهدِي ا ْلقَ ْو َم ا ْلكافِ ِر َ ست َ َحبُّوا ا ْل َحياةَ ال ُّد ْنيا َذ ِلكَ ِبأَنه ُه ُم ا ْ
ون ( 108 صار ِه ْم َوأُولئِكَ ُه ُم ا ْلغافِلُ َ س ْم ِع ِه ْم َوأ َ ْب َِّللاُ عَلى قُلُو ِب ِه ْم َو َ
ِين َطبَ َع ه ) أُولئِكَ الهذ َ
ِين ها َج ُروا ِم ْن بَ ْع ِد ون ( ) 109ث ُ هم ِإ هن َربهكَ ِللهذ َ س ُر َ) ال َج َر َم أَنه ُه ْم ِفي ْاآل ِخ َر ِة ُه ُم ا ْلخا ِ
ور َر ِحي ٌم ( ) 110يَ ْو َم تَأ ْ ِتي ُك ُّل صبَ ُروا ِإ هن َربهكَ ِم ْن بَ ْعدِها لَغَفُ ٌ ما فُ ِتنُوا ث ُ هم جا َهدُوا َو َ
ون ( .) 111 سها َوت ُ َوفهى ُك ُّل نَ ْف ٍس ما ع َِملَتْ َو ُه ْم ال يُ ْظلَ ُم َ نَ ْف ٍس تُجا ِد ُل ع َْن نَ ْف ِ
ّللا ما كلف فكل نفس مطلوبة من الحق في نفسها ،ال تجزى نفس عن نفس شيئا ،فإن ه
أحدا إال بحاله ووسعه ،ما كلف أحدا بحال أحد ،وأقيم الكسب مقام العمل والعمل مقام
ت »أي ما كسبت ،وفي آية( ما الكسب ،فجاء في اآلية« َوت ُ َوفَّى ُك ُّل نَ ْف ٍس ما َ
ع ِملَ ْ
ت )فسمي العمل كسبا . سبَ ْ
َك َ
ص 508
ص 508 :
باس ْال ُجوعِ »بإزالة ّللا فَأَذاقَ َها َّ
ّللاُ ِل َ الجماعة التي أنعم عليها المنعم بهذه النعم« بِأ َ ْنعُ ِم َّ ِ
صنَعُونَ »من ستر النعم وجحدها واألشر ف »بإزالة األمن« بِما كانُوا يَ ْ الرزق« َو ْالخ َْو ِ
والبطر بها.
ص 509
ص 509 :
[الذي يحرم بالعموم في الخطاب المشروع على واحد يعم جميع المكلفين]
الذي يحرم بالعموم في الخطاب المشروع على واحد يعم جميع المكلفين من غير
اختصاص ،حتى لو قال بتحليل ذلك في حق شخص يتوجه عليه به لسان الذم في
الظاهر كان كافرا عند الجميع ،وكان كاذبا في دعواه ،وال تصح المنكرات إال بما ال
يتطرق إليه االحتمال ،والحرام النص مأمور باجتنابه ،ألنه ممنوع تناوله في حق من
منع منه ال في عين الممنوع ،فإن ذلك الممنوع بعينه قد أبيح لغيره لكون ذلك الغير
على صفة ليست فيمن منع منه ،أباحته له تلك الصفة بإباحة الشارع ،فلهذا قلنا :ال
حرم شيء لعينه جملة واحدة ،ولهذا قال تعالى( ِإ َّال َما في عين الممنوع ،فإنه ما ه
ط ِر ْرت ُ ْم ِإلَ ْي ِه )فعلمنا أن الحكم بالمنع وغيره مبناه على حال المكلهف ،وفي مواضع
ض ُ
ا ْ
على اسم الممنوع ،فإن تغير االسم لتغير قام بالمحرم تغير الحكم على المكلهف في
تناوله ،إما بجهة اإلباحة أو الوجوب ،وكذلك إن تغير حال المكلهف الذي خوطب
بالمنع من ذلك الشيء واجتنابه ألجل تلك الحال فإنه يرتفع عنه هذا الحكم وال بد ،
وإن كان األمر على هذا الحد فما ث هم عين محرمة لعينها.
ّللا
ّللا عليه وسلم أن العابد هّلل بما يعطيه نظره إذا لم يكن على شرع من ه أخبر صلهى ه
معيهن أنه يحشر أمة وحده بغير إمام يتبعه ،فجعله خيرا وألحقه باألخيار ،كما قال
يم كانَ أ ُ َّمةً »وذلك قبل أن يوحي إليه ،
تعالى في إبراهيم عليه السالم« إِ َّن إِبْرا ِه َ
ّلل »أي مطيعا هّلل في السر والعالنية ،وال تكون الطاعة إال واألمة معلم الخير« قانِتا ً ِ َّ ِ
عند المراسم اإللهية واألوامر الموقوفة على الخطاب« َحنِيفا ً »مائال في جميع أحواله
ّللا عنّللا عن مشاهدة وعيان ،ومن نفسه إلى ه ّللا إلى ه
من ه
ص 510
ص 510 :
ّللا« َولَ ْم يَكُ ِمنَ
ّللا ومن كل ما ينبغي أن يمال عنه عن أمر ه
ّللا وإيثارا لجناب ه
أمر ه
ْال ُم ْش ِر ِكينَ »مطلق الشرك المعفو عنه والمذموم فيما نسب إليه من قوله في الكوكب
ّللا .
هذا ربي ،فإن من مقام إبراهيم عليه السالم أنه أوتي الحجة على قومه بتوحيد ه
ص 511
ص 511 :
سنَ ِة » اآلية ] ظ ِة ْال َح َ سبِي ِل َر ِبه َك بِ ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َم ْو ِع َ
ع إِلى َ[ « ا ْد ُ
الحكمة إنزال األمر منزلته وال يتعدى به مرتبته ،وهي كلها أخالق ،وال تكون إال
لمن جعل القرآن إمامه ،فينظر إلى ما وصف الحق به نفسه ،وفي أي حالة وصف
نفسه بذلك الذي وصف نفسه ،ومع من صرف ذلك الوصف الذي وصف به نفسه ،
ّللا الميزان ،وبيهن فليقم الداعي بهذا الوصف بتلك الحال مع ذلك الصنف ،فأنزل ه
ظ ِة ْال َح َ
سنَ ِة المواطن واألحوال ،فال تخرج شيئا عن مقتضى ما تطلبه الحكمة « َو ْال َم ْو ِع َ
ّللا كأنك »فهي الموعظة التي تكون عند المذ هكر بها عن شهود ،فإن اإلحسان أن تعبد ه
تراه ،فكيف بمن حقق أنه يراه ؟ فإنه أعظم وأحسن ،وال تكون الموعظة بصفة قهر
وال منفرة ،
ّللا عليه ّللا صلهى ه س ُن »أمر رسول ه ي أ َ ْح َفإن جادلوك قال تعالى َ «:وجاد ِْل ُه ْم ِبالَّ ِتي ِه َ
س ُن »كما ورد في ي أ َ ْح َوسلم بالجدال الذي تطلبه األسماء اإللهية ،وهو قوله« ِبالَّ ِتي ِه َ
ّللا كأنك تراه ،فإذا جادل باإلحسان جادل كأنه يرى ربه ، اإلحسان أن تعبد ه
ّللا عليه وسلم ألبي هريرة [ :إذا خلوت بيهودي أو نصراني أو ّللا صلهى ه قال رسول ه
مجوسي فال يحل لك أن تفارقه حتى تدعوه إلى اإلسالم ،يا أبا هريرة ال تجادل أحدا
منهم فعسى ،أن يأتيك بشيء من التنزيل فتكذبه ،أو تجيء بشيء فيكذبك ،ال يكون
من حديثك إال أن تدعوه إلى اإلسالم ]
س ُن »الدعاء إلى اإلسالم ،هذه هي الصفة ي أ َ ْح َّللا تعالى« َوجاد ِْل ُه ْم بِالَّتِي ِه َ وهو قول ه
ّللا عليها ،وال ينبغي لمسلم ممن ينتمي إلى الالزمة التي ينبغي أن يكون الداعي إلى ه
ّللا أن يجادل إال فيما هو فيه محق عن كشف ال عن فكر ونظر ،فإذا كان مشهودا له ه
ما يجادل عنه ،حينئذ يتعيهن عليه الجدال فيه بالتي هي أحسن إذا كان مأمورا بأمر
إلهي ،فإن لم يكن مأمورا فهو بالخيار ،فإن تعين له نفع الغير بذلك كان مندوبا إليه ،
وإن يئس من قبول السامعين له فليسكت وال يجادل ،فإن جادل فإنه ساع في هالك
سبِي ِل ِه َو ُه َو أ َ ْعلَ ُم بِ ْال ُم ْهتَدِينَ »أي
ع ْن َض َّل َ ّللا« إِ َّن َرب ََّك ُه َو أ َ ْعلَ ُم بِ َم ْن َ السامعين عند ه
بالقابلين التوفيق ،فإنهم على مزاج خاص أوجدهم عليه ،فمن ال علم له بالحقائق
ّللا في بيانه أثر ذلك في نفوس السامعين ، يقول :إن العبد إذا صدق فيما يبلغه عن ه
ّللا والّللا وال أصدق في التبليغ عن ه ّللا ومن ه وليس كما زعموا ،فإنه ال أقرب إلى ه
ّللا عليهم وسالمه ،ومع ّللا من الرسل صلوات ه أحب في القبول فيما جاء به من عند ه
هذا فما ع هم القبول من السامعين ،بل قال الرسول الصادق في التبليغ [ فلم يزدهم
دعائي إال فرارا ] فلما لم يعم مع تحققنا هذه الهمة ،علمنا أن الهمة ما لها أثر جملة
واحدة في المدعو ،والذي قبل من السامعين ما قبل من أثر
ص 512
ص 512 :
ّللا في خلقه من مزاج همة الداعي -الذي هو المبلغ -وإنما قبل من حيث ما وهبه ه
ّللا الذي خلقهم عليه ، يقتضي له قبول هذا وأمثاله ،وهذا المزاج الخاص ال يعلمه إال ه
وهو قوله تعالى َ «:و ُه َو أ َ ْعلَ ُم ِب ْال ُم ْهتَدِينَ »
ّللا فلم تجد أثرا لكالمه فيك أن هذافال تقل بعد هذا إذا حضرت مجلس مذكر داع إلى ه
ّللا في ذلك من عدم صدق المذكر ،ال بل هو العيب منك من ذاتك ،حيث ما فطرك ه
الوقت على القبول ،فإن المنصف ينظر فيما جاء به هذا الداعي المذكر ،
فإن كان حقا ولم يقبله فيعلم على القطع أن العيب من السامع ال من المذكر ،فإذا
حضر في مجلس مذكر آخر وجاء بذلك الذكر عينه وأثر فيه ،
فيقول السامع بجهله :صدق هذا المذكر ،فإن كالمه أثر في قلبي ،والعيب منك وأنت
ال تدري ،فلتعلم أن ذلك التأثير لم يكن لقبولك الحق ،فإنه حق في المذكرين في نفس
األمر ،وإنما وقع التأثير فيك في هذا المجلس دون ذلك لنسبة بينك وبين هذا المذكر ،
أو بينك وبين الزمان ،فأثر فيك هذا الذكر ،
واألثر لم يكن للمذكر إذ قد كان الذكر وال أثر له فيك ،وإنما أثرت المناسبة التي
بيهنتها لك ،الزمانية أو النسبة التي بينك وبين المذكر ،وربما أثر العتقادك فيه ولم
يكن لك اعتقاد في ذلك اآلخر ،فما أثر فيك سواك أو ما أشبه ذلك ،وأقل فائدة في هذه
المسألة سالمة المذكر من تهمتك إياه بعدم الصدق في تذكيره ورده وردك الحق ،فإن
باّلل ،
السليم العقل يؤثر فيه الحق جاء على يد من جاء ،ولو جاء على لسان مشرك ه
ّللا ،لكن الذي جاء هو به حق ،فيقبله العاقل منّللا ممقوت عند ه عدو هّلل كاذب على ه
حيث ما هو حق ال من حيث المحل الذي ظهر به ،وبهذا يتميز طالب الحق من غيره.
ص 513
ص 513 :
[ الفرق بين الوارث المحمدي وباقي ورثة األنبياء عليهم السالم ]
ّللا معه ،ومن أحسن إلى نفسه بأداء-الوجه األول -من جمع اإلحسان والتقوى كان ه
ّللا كأنه يراه
الزكاة كان متقيا أذى شح نفسه فهو من المتقين ،ومن المحسنين من يعبد ه
ويشهده ،ومن شهوده للحق علمه بأنه ما كلفه التصرف إال فيما هو للحق وتعود
ّللا
منفعته على العبد ،منة وفضال ،مع الثناء الحسن له على ذلك ،فإن عمل ما كلفه ه
ّللا من ذلك نفع ،وإن لم يعمل ال يتضرر بذلك ،والكل يعود على
به ال يعود على ه
العبد ،فالزم األحسن إليك تكن محسنا إلى نفسك
ّللا مع المحسنين كما هو مع المتقين ،واإلحسان عيان وفي منزل -الوجه الثاني -إن ه
كأنه عيان .
ص 514
ص 514 :
ّللا عليه وسلم مجهول في العموم معلوم في الخصوص ،ألن خرق عادته إنما صلهى ه
هو حال وعلم في قلبه ،فهو في كل نفس يزداد علما بربه ،علم حال وذوق ،ال يزال
ّللا عليه وسلم بالمعراج ما رحل ،وال صعد إلى كذلك ،ولوال ما طلب الرسول صلهى ه
السماء وال نزل ،وكان يأتيه شأن المأل األعلى وآيات ربه في موضعه ،كما زويت له
األرض وهو في مضجعه ،ولكنه سر إلهي لينكره من شاء -ألنه ال يعطيه اإلنشاء -
سبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَ ْب ِد ِه »
ويؤمن به من شاء ،فقال تعالى« ُ
ص 515 :
كان حيث ال تغلب قوة نور البصر ،فإذا غلب حكمه مع نور البصر حكم الظلمة ال
يراه سواه ،إذ كان البصر ال يدرك في الظلمة الشديدة سوى الظلمة ،فالبصر يرى
بالنور المعتدل النور وما يظهر له النور من األشياء المدركة ،
وال فائدة عند السامع لو كان العروج به نهارا من رؤية اآليات فإنه معلوم له ،
فلهذا كان ليال ،وأتى أيضا بقوله« لَي ًْال »
ّللا عليه وسلم فإن قوله« أَسْرى » ليحقق أن اإلسراء كان بجسده الشريف صلهى ه
[ سر اإلسراء ليال ]
يغني عن ذكر الليل ،قليال في موضع الحال من عبده ،فاإلسراء ال يكون إال بالليل ،
وكذا معارج األنبياء لم تكن قط إال بالليل ،ألنه محل األسرار والكتم وعدم الكشف«
صى الَّذِي َ
بار ْكنا َح ْولَهُ »سمي المسجد األقصى رام ِإلَى ْال َمس ِْج ِد ْاأل َ ْق َ
ِمنَ ْال َمس ِْج ِد ْال َح ِ
ألنه أقصي من األولية ،ألن البيت الذي هو الكعبة قد حاز األولية ،وبين األقصى
وبينه أربعون سنة ،ولم يكن ظهوره للعبادة بعد المسجد الحرام ،إال بعد أربعين
سنة« ِلنُ ِريَهُ ِم ْن آياتِنا »
ّللا عبدا من مكان إلى مكان ليراه ،بل ليريه من آياته التي غابت عنه اعلم أنه ما نقل ه
ّللا تعالى قال َ ( :و ُه َو َمعَ ُك ْم أَيْنَ ما ُك ْنت ُ ْم ) فهو تعالى معنا أينما كنا ،في حال ،فإن ه
نزوله إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل في حال كونه استوى على العرش ،
في حال كونه في العماء ،في حال كونه في األرض وفي السماء ،وفي حال كونه
أقرب إلى اإلنسان من حبل الوريد منه ،وهذه نعوت ال يمكن أن يوصف بها إال هو ،
ّللا به ذلك المكان من اآليات الدالة عليه فنقله عبده من مكان إلى مكان ليريه ما خص ه
ّللا تعالى إال بتلك اآلية ،
تعالى ،من حيث وصف خاص ال يعلم من ه
ي ،فإنه ال يحويني فكأنما سبحانه وتعالى يقول ما أسريت به إال لرؤية اآليات ال إل ه
ي نسبة واحدة ،فأنا الذي وسعني قلب عبدي المؤمن ،فكيف مكان ،ونسبة األمكنة إل ه
ي وأنا عنده ومعه أينما كان ؟. أسري به إل ه
ّللا عليه وسلم :أخبر العباد بما رأيته ، ير " يقول له صلهى ه ص ُس ِمي ُع ْالبَ ِ" إِنَّهُ ُه َو ال َّ
ّللا تعالى أن يري النبيي ،وتكون رحمة لهم .فلما أراد ه ي وترغبهم ف ه تشوقهم إل ه
ّللا عليه وسلم من آياته ما شاء ،أنزل إليه جبريل عليه السالم وهو محمدا صلهى ه
الروح األمين بدابة يقال لها البراق ،إثباتا لألسباب وتقوية له ،ليريه العلم باألسباب
ذوقا ،ليعلمنا بثبوت األسباب التي وضعها في العالم ،والبراق دابة برزخية فإنه دون
البغل الذي تولد من جنسين مختلفين وفوق الحمار الذي تولد من جنس واحد ،وهو
مركب المعارج فإنه يجمع بين ذوات األربع وذوات الجناح فهو علوي سفلي ،فركبه
ّللا عليه وسلم وأخذه جبريل عليه السالم ،والبراق للرسل مثل فرس النوبة الذي صلهى ه
يخرجه المرسل
ص 516
ص 516 :
إلى المرسل إليه بالرسول ليركبه تهمما به في الظاهر ،وفي الباطن أن ال يصل إليه
إال على ما يكون منه « » 1ال على ما يكون من غيره ليتنبه بذلك ،فهو تشريف
ّللا عليه وتنبيه لمن ال يدري مواقع األمور ،فهو تعريف في نفس األمر ،فجاء صلهى ه
وسلم إلى البيت المقدس ونزل عن البراق وربطه بالحلقة التي تربطه بها األنبياء ،كل
ذلك إثبات لألسباب ،فإنه ما من رسول إال وقد أسري به راكبا على ذلك البراق ،
وإنما ربطه مع علمه بأنه مأمور ولو أوقفه دون ربط بحلقة لوقف ،ولكن حكم العادة
ّللا في مسمى الدابة ،وقد قلب البراق في منعه من ذلك إبقاء لحكم العادة التي أجراها ه
الطريق بحافره القدح الذي كان يتوضأ به صاحبه في القافلة اآلتية إلى مكة ،فلما
صلى جاءه جبريل عليه السالم بالبراق فركب عليه ومعه جبريل ،فطار البراق به في
الهواء فاخترق به الجو ،فعطش واحتاج إلى الشرب ،فأتاه جبريل عليه السالم
بإناءين :
إناء لبن وإناء خمر -وذلك قبل تحريم الخمر -فعرضهما عليه ،فتناول اللبن ،فقال
ّللا بك أمتك ،فلما وصل إلى السماء الدنيا جبريل عليه السالم :أصبت الفطرة أصاب ه
استفتح جبريل فقال له الحاجب :من هذا ؟ فقال :جبريل ،قال :ومن معك ؟ قال :
محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،قال وقد بعث إليه ؟
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :فدخلنا فإذا بآدم قال :قد بعث إليه ،ففتح :قال رسول ه
ّللا عليه وسلم وعن يمينه أشخاص بنيه السعداء أهل الجنة ،وعن يساره نسم صلهى ه
بنيه األشقياء عمرة النار ]
ّللا
ّللا عليه وسلم نفسه في أشخاص السعداء الذين عن يمين آدم فشكر ه ورأى صلهى ه
تعالى ،وعلم عند ذلك كيف يكون اإلنسان في مكانين وهو عينه ال غيره ،فقال :
مرحبا باالبن الصالح والنبي الصالح ،ثم عرج به البراق وهو محمول عليه في
الفضاء الذي بين السماء األولى والسماء الثانية أو سمك السماوات ،فاستفتح جبريل
السماء الثانية كما فعل في األولى ،وقال وقيل له ،فلما دخل إذا بعيسى عليه السالم
ّللا إلى هذه السماء وأسكنه بها ،فرحب بجسده عينه ،فإنه لم يمت إلى اآلن بل رفعه ه
به وسهل ،ثم جاء السماء الثالثة فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ،وإذا بيوسف عليه
السالم فسلم عليه ورحب وسهل ،وجبريل في هذا كله يسمي له من يراه من هؤالء
األشخاص ،ثم عرج به إلى السماء الرابعة ،فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ،فإذا
ّللا مكانا عليا ،وهو هذه بإدريس عليه السالم بجسمه فإنه ما مات إلى اآلن بل رفعه ه
السماء قلب السماوات وقطبها ،فسلم عليه ورحب وسهل ،ثم عرج به إلى السماء
) ( 1الوجه األول :أن براقه عمله ،والوجه الثاني :على ما يكون منه أي أن هذا
ّللا ونعمته ال من غيره.
االنتقال من فضل ه
ص 517
ص 517 :
الخامسة ،فاستفتح وقال وقيل له ،فإذا بهارون ويحيى عليهما السالم ،فسلما عليه
ورحبا به وسهال ،ثم عرج به إلى السماء السادسة ،فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ،
وإذا بموسى عليه السالم فسلم عليه ورحب وسهل ،ثم عرج به إلى السماء السابعة ،
فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ،فإذا بإبراهيم الخليل عليه السالم مسندا ظهره إلى
البيت المعمور ،فسلم عليه ورحب وسهل وسمى له البيت المعمور الضراح ،فنظر
إليه وركع فيه ركعتين ،وأعلمنا أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك من الباب الواحد
ّللا كل يوم من قطرات ويخرجون من الباب اآلخر ،وأخبره أن أولئك المالئكة يخلقهم ه
ماء الحياة التي تسقط من جبريل حين ينتفض كما ينتفض الطائر عندما يخرج من
انغماسه في نهر الحياة ،فإن له كل يوم غمسة فيه ،
ثم عرج به إلى سدرة المنتهى ،فإذا نبقها كالقالل وورقها كآذان الفيلة ،فرآها وقد
ّللا من النور ما غشى ،فال يستطيع أحد أن ينعتها ألن البصر ال يدركها غشاها ه
لنورها ،
ورأى يخرج من أصلها أربعة أنهار :نهران ظاهران ونهران باطنان ،فأخبره جبريل
أن النهرين الظاهرين النيل والفرات ،والنهرين الباطنين نهران يمشيان إلى الجنة ،
وأن هذين النهرين النيل والفرات يرجعان يوم القيامة إلى الجنة ،وهما نهرا العسل
واللبن - ،
وفي الجنة أربعة أنهار نهر من ماء غير آسن ،ونهر من لبن لم يتغير طعمه ،
ونهر من خمر لذة للشاربين ،ونهر من عسل مصفى -وأخبره أن أعمال بني آدم
تنتهي إلى تلك السدرة ،وأنها مقر األرواح ،فهي نهاية لما ينزل مما هو فوقها ونهاية
لما يعرج إليها مما هو دونها ،وبها مقام جبريل عليه السالم وهناك منصته ،
ّللا عليه وسلم عن البراق بها وجيء إليه بالرفرف -وهو نظير المحفة فنزل صلهى ه
عندنا -فقعد عليه وسلمه جبريل إلى الملك النازل بالرفرف ،فسأله الصحبة ليأنس به
،
ّللا
فقال :ال أقدر لو خطوت خطوة احترقت ،فما منا إال له مقام معلوم ،وما أسرى ه
بك يا محمد إال ليريك من آياته ،فال تغفل .
فودعه وانصرف على الرفرف مع ذلك الملك يمشي به ،إلى أن ظهر لمستوى سمع
ّللا بها مما يجريه في خلقه وما منه صريف القلم ،واألقالم في األلواح بما يكتب ه
تنسخه المالئكة من أعمال عباده ،وكل قلم ملك ،قال تعالىِ ( :إنَّا ُكنَّا نَ ْست َ ْن ِس ُخ ما ُك ْنت ُ ْم
ت َ ْع َملُونَ )
ثم زج في النور زجة فأفرده الملك الذي كان معه وتأخر عنه ،فاستوحش لما لم يره ،
وبقي ال يدري ما يصنع ،وأخذه هيمان في ذلك النور ،وأصابه الوجد فأخذ يميل ذات
اليمين وذات الشمال ،واستفزعه الحال وكان سببه سماع إيقاع تلك
ص 518
ص 518 :
األقالم وصريفها في األلواح ،فأعطت من النغمات المستلذة ما أداه إلى ما ذكرناه من
ّللا في نفسه علما علم به سريان الحال فيه وحكمه عليه ،فتقوى بذلك الحال ،وأعطاه ه
ما لم يكن يعلمه قبل ذلك ،عن وحي من حيث ال يدري وجهته ،فطلب اإلذن في
الرؤية بالدخول على الحق ،فسمع صوتا يشبه صوت أبي بكر وهو يقول له « :يا
محمد قف إن ربك يصلي » فراعه ذلك الخطاب وقال في نفسه :أربي يصلي ؟ ! !
فلما وقع في نفسه هذا التعجب من هذا الخطاب ،وأنس بصوت أبي بكر الصديق ،
ص ِلهي َ
علَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُ )فعلم عند ذلك ما هو المراد بصالة الحق ، تلي عليه( ُه َو الَّذِي يُ َ
ّللا إليه في تلك الوقفة ما أوحى ،أمره بالدخول فدخل ، فلما فرغ من الصالة وأوحى ه
فرأى عين ما علم ال غير وما تغيرت عليه صورة اعتقاده ،ثم فرض عليه في جملة
ما أوحى به إليه خمسين صالة في كل يوم وليلة ،فنزل حتى وصل إلى موسى عليه
ّللا فرض على السالم ،فسأله موسى عما قيل له وما فرض عليه ،فأجابه وقال إن ه
أمتي خمسين صالة في كل يوم وليلة ،
فقال له :يا محمد قد تقدمت إلى هذا األمر قبلك وعرفته ذوقا وتعبت مع أمتي فيه ،
وإني أنصحك فإن أمتك ال تطيق ذلك ،فراجع ربك وسله التخفيف ،فراجع ربه فترك
له عشرا ،فأخبر موسى بما ترك له ربه ،فقال له موسى :راجع ربك ،فراجعه
فترك له عشرا ،فأخبر موسى ،فقال له :راجع ربك ،فراجعه فترك له عشرا ،
فأخبر موسى ،فقال له :راجع ربك ،فراجعه فترك له عشرا ،فأخبر موسى ،فقال
له :راجع ربك ،فراجعه ،
فقال له ربه :هي خمس وهي خمسون ،ما يبدل القول لدي .فأخبر موسى ،فقال :
راجع ربك
.فقال :إني أستحي من ربي وقد قال لي كذا وكذا ،ثم ودعه وانصرف ونزل إلى
األرض قبل طلوع الفجر ،فنزل بالحجر فطاف ومشى إلى بيته ،فلما أصبح ذكر ذلك
والشاك ارتاب فيه ،ثم أخبرهمه للناس ،فالمؤمن به صدقه وغير المؤمن به كذبه
بحديث القافلة وبالشخص الذي كان يتوضأ ،وإذا بالقافلة قد وصلت كما قال ،فسألوا
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ، الشخص فأخبرهم بقلب القدح كما أخبرهم رسول ه
وسأله من حضره من المكذبين ممن رأى بيت المقدس أن يصفه لهم -ولم يكن رأى
ّللا له حتى نظر ّللا عليه وسلم ،إال قدر ما مشى فيه وحيث صلى -فرفعه ه منه صلهى ه
إليه ،فأخذ ينعته الحاضرين ،فما أنكروا من نعته شيئا ،فكان قوله تعالى« ِلنُ ِريَهُ ِم ْن
ّللا من آياتِنا »أي ليريه ما أودع من اآليات والحقائق فيما أبدع من الخالئق ،فأراه ه
باّلل
اآليات ما زاده علما ه
ص 519
ص 519 :
ّللا عليه وسلم كان بجسمه ] [إسراء الرسول صلهى ه
س ِمي ُع »لما خوطب به ولما يخبر به الحق من إلى علمه ،لذا قرن به« ِإنَّهُ ُه َو ال َّ
ير » ص ُ التعريفات« ْالبَ ِ
لما شاهده من اآليات وتقلبات األحوال في العالم كله آيات من أحكام األسماء اإللهية ،
فلو كان اإلسراء بروحه وتكون رؤيا رآها كما يراه النائم في نومه ما أنكره أحد وال
نازعه ،وإنما أنكروا عليه كونه أعلمهم أن اإلسراء كان بجسمه في هذه المواطن كلها
ّللا عليه وسلم أربعة وثالثون مرة ،الذي أسري به منها اإلسراء واحد ،وله صلهى ه
ّللا عليه وسلم على ّللا صلهى هبجسمه ،والباقي بروحه رؤيا رآها ،وبهذا زاد رسول ه
الجماعة بإسراء الجسم واختراق السماوات واألفالك حسا ،وقطع مسافات حقيقية
محسوسة .
ّللا سبحانه في كتابه العزيز أنه تعالى استوى على العرش ،على واعلم أنه لما ذكر ه
طريق التمدح والثناء على نفسه ،إذ كان العرش أعظم األجسام ،فجعل لنبيه صلهى ه
ّللا
عليه وسلم من هذا االستواء نسبة على طريق التمدح والثناء عليه به ،حيث كان أعلى
ّللا عليه وسلممقام ينتهي إليه من أسري به من الرسل ،وذلك يدل أنه أسري به صلهى ه
بجسمه ،
ولو كان اإلسراء به رؤيا لما كان اإلسراء وال الوصول إلى هذا المقام تمدحا ،وال
وقع من األعراب في حقه إنكار على ذلك ،ألن الرؤيا يصل اإلنسان فيها إلى مرتبة
ّللا تعالى ،وهي أشرف الحاالت ، رؤية ه
وفي الرؤيا ما لها ذلك الموقع من النفوس ،إذ كل إنسان بل الحيوان له قوة الرؤيا ،
ّللا عليه وسلم عن نفسه على طريق التمدح لكونه جاء بحرف الغاية وهو ( فقال صلهى ه
حتى ) فذكر أنه أسري به حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف األقالم ،وهو قوله
ير »فالضمير في « ِإنَّهُ ُه َو »يعود على س ِمي ُع ْالبَ ِ
ص ُ تعالى «ِ :لنُ ِريَهُ ِم ْن آيا ِتنا ِإنَّهُ ُه َو ال َّ
ّللا عليه وسلم ، محمد صلهى ه
فإنه أسري به فرأى اآليات وسمع صريف األقالم ،فكان يرى اآليات ويسمع منها ما
حظه السماع وهو الصوت ،فإنه عبهر عنه بالصريف ،والصريف الصوت ،فدل أنه ه
بقي له من الملكوت قوة ما لم يصل إليه بجسمه من حيث هو راء ولكن من حيث هو
ّللا في العالم من
سميع ،فوصل إلى سماع أصوات األقالم وهي تجري بما يحدث ه
األحكام .
واعلم أن قصة اإلسراء وإن كانت مشتملة على الترقي بالنبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،
فليست منافية إلى عموم إحاطة ربنا سبحانه بجميع الجهات وعدم اختصاصه ،وال
مستلزمة إلثبات الجهة ،ويدل عليه أمور :منها افتتاح السورة " بسبحان الذي "
المقتضي للتنزيه تنبيها على تعاليه عن التحيز بالجهات وعلى عدم اختصاصه بجهة .
الثاني :قوله« أَسْرى ِبعَ ْب ِد ِه »فأتى بهاء اإلضافة المفيدة للمصاحبة في تعدية الفعل ،
تنبيها على مصاحبته له في حالة إسرائه ،وأنه ليس نائيا وال بعيدا عنه ،فيحتاج في
ص 520
ص 520 :
ّللا عليه وسلم ( اللهم أنت الصاحب قربه إلى قطع مسافة مكانية ،وتحقيقا لقوله صلهى ه
في السفر ) .
الثالث :قوله« ِبعَ ْب ِد ِه »تنبيها على أنه على حسب التحقق لخضوع العبودية يكون
الترقي إلى حضرة الربوبية .
الرابع :قوله« لَي ًْال »وإن كان لفظ اإلسراء مفيدا لذلك تنبيها على أن كل ما تضمنه
اإلسراء كان خارجا عن العادة في مثله ،فإنه جعل العلة فيه أن يريه من آياته ،
واإلرادة العادية سلطانها النهار ،
فقال« لَي ًْال »ليعلم أن الرؤية المقصودة ليست عادية ،بل هي رؤية ربه بنور رباني
سلطانه الليل دون النهار .
صى »نبه على أن اإلسراء لو رام ِإلَى ْال َمس ِْج ِد ْاأل َ ْق َ
الخامس :قوله« ِمنَ ْال َمس ِْج ِد ْال َح ِ
كان لضرورة رؤية ربه لكونه مخصوصا بجهة العلو لم تكن حاجة بالذهاب إلى
المسجد األقصى ،وألمكن الترقي من مكة إلى السماء ،فدل على أن اإلسراء والترقي
من مكان لمكان لحكمة وراء ما زعم مثبت الجهة ،والسر فيه وفي كونه ذكره تعالى
ّللا تعالى إال فردا تحقيقا ،لقوله( َو ُكلُّ ُه ْم آتِي ِه يَ ْو َم في كتابه على أن العبد ال يصل إلى ه
ْال ِقيا َم ِة فَ ْردا ً )وال تتحقق له الفردية هإال بعد مفارقة الحوادث وتجرده عنها ،فهناك
يصل إلى حضرة عنديته ،وقد جاء الكتاب العزيز بالتنبيه على أن حضرة عنديته
ض َو َم ْن ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِوراء دوائر السماوات واألرض ،فقال تعالى( َولَهُ َم ْن فِي ال َّ
ع ْن ِعبا َدتِ ِه َوال يَ ْست َ ْح ِس ُرونَ )فعطف من عنده على من في ِع ْن َدهُ ال يَ ْست َ ْكبِ ُرونَ َ
السماوات واألرض ،وهي مع ذلك محيطة بالسماوات واألرض كإحاطة ربنا بذلك
كله ،مباينة لها كمباينته ،فمن أرادها فعليه بتفرقة الحوادث ومباينته لها ،فعلم أن
ّللا تعالى بقلبه ، الفرقة فرقة قلبية غيبية ،وفرقة حسية ،فإن فارقها بقلبه وصل إلى ه
ّللا تعالى بحسه وقلبه ،ولذلك كان اإلسراء وإن فارقها بحسه تبعا لقلبه وصل إلى ه
ّللا عليه وسلم شرع ألمته مرتين مرة بالروح ومرة بالجسد ،تنبيها على أنه صلهى ه
فراق الحوادث مرتين ،مرة بالروح وهو اإلسراء األول ،ومرة بالجسد حسا وهو
اإلسراء الثاني ،ومن المعلوم أنه ال تحقق لفرقة الحوادث حسا إال بمجاوزة دوائر
ّللا عليه وسلم وترقيه في األفالك كلها كما ثبت ليلة اإلسراء ،وأما ترتيب نقلته صلهى ه
توجهه ففيه أسرار بديعة ،أظهرها وأجالها أن فرض الصالة كان ليلة اإلسراء ،
والصالة حضرة القرب والمناجاة والمراقبة المثمرة لنعيم الرؤية ،ومن المعلوم أن
ّللا تعالى وال التوجه توجهان :روحاني وحسي ،فقبلة التوجه الروحاني وجه ه
اختصاص له بمكان ،وأما التوجه الحسي فله قبلتان بيت المقدس والكعبة ،فبيت
ّللا عليه وسلم ،فجاء المقدس هو قبلة األنبياء ،والكعبة هي قبلة إبراهيم صلهى ه
اإلسراء الروحاني أوال
ص 521
ص 521 :
ّللا )وجاء ب فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ َّم َو ْجهُ َّ ِ ّلل ْال َم ْش ِر ُق َو ْال َم ْغ ِر ُ
تأسيسا للشريعة في قوله تعالى( َو ِ َّ ِ
اإلسراء الحسي مبدوءا بالتوجه لبيت المقدس ثم إلى السماء ثم بالرجوع إلى الكعبة ،
تأسيسا للشريعة في التوجه الحسي في الصالة أوال لبيت المقدس ثم للسماء في قوله
ماء )ثم بالرجوع إلى قبلة مكة في قوله (فَ َو ِهل س ِ ب َو ْج ِه َك فِي ال َّ تعالى( قَ ْد نَرى تَقَلُّ َ
َو ْج َه َك ش ْ
َط َر ْال َمس ِْج ِد ْال َح ِ
رام )
سي ِْن أ َ ْو أ َ ْدنى )إياك أن تفهم أن ذلك يشعر كذلك قوله تعالى( ث ُ َّم َدنا فَت َ َدلَّى فَكانَ َ
قاب قَ ْو َ
بتحديد في القرب أو تخصيص في جهة ،وإنما هو دنو تجل وكشف ،ألنه ذكره في
ب ْالفُؤا ُد ما َرأى )ثم ذكر بعده قصة اإلسراء بالروح ،أال ترى قوله تعالى بعد( ما َكذَ َ
ت َر ِبه ِه اإلسراء الحسي فقال تعالى( َولَقَ ْد َرآهُ ن َْزلَةً أ ُ ْخرى )إلى قوله( لَقَ ْد َرأى ِم ْن آيا ِ
ْال ُكبْرى ) فإذا علمت أنه دنو تجل روحاني وكشف عرفاني ،
ق ْاألَعْلى )ثم دنا عن األفق األعلى في نعيم الرؤية فهمت سر قوله تعالى( َو ُه َو ِب ْاألُفُ ِ
سي ِْن أ َ ْو أ َ ْدنى )أي قدر قوسين ،والقوس في اللغة قاب قَ ْو َ وفي بيان الحق( فَكانَ َ
يستعمل في الذراع وما يقدر ويقاس به ،وهو المراد هنا وهو من قوله تعالى في
الصحيح [ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني ] الحديث وفيه
ي ذراعا تقربت منه باعا ] ي شبرا تقربت منه ذراعا ،وإن تقرب إل ه [ فإن تقرب إل ه
وليس فيهما ذراع حسي محدود ،وإنما المراد تمثيل التقريب لدنو الذاكر من المذكور
في مجالس النجوى والذكرى وتجلي سر المعية للقلب ،وأدنى الرتب في ذلك تحقق
ّللا عليه وسلم ليلة اإلسراء ، ّللا وسر الحمد هّلل ،وكذلك كان صلهى ه القلب بسر سبحان ه
وإذا أردت التحقيق فخذه من افتتاح سورة اإلسراء بسبحان واختتامها بقوله( َوقُ ِل
ّلل ) *ثم نبه على انتفاء التقدير في دنوه بقوله تعالى( أ َ ْو أ َ ْدنى )وهو التحقيق ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّللاُ ) بالتوحيد في نعيم الرؤية باآلية الكبرى وهي( ال ِإلهَ ِإ َّال َّ
*ولذلك وصفه بقوله آخر سورة اإلسراء( الَّذِي لَ ْم يَت َّ ِخ ْذ َولَدا ً )إلى قوله( َو َك ِبه ْرهُ ت َ ْك ِبيرا ً )
تحقيقا لقوله [ وما بينهم وبين النظر إلى ربهم إال رداء الكبرياء على وجهه في جنة
عدن ]
وإذا أردت أن تفهم سر التدلي في قوله تعالى( فَت َ َدلَّى )
فتأمل ما رواه أبو عيسى الترمذي من حديث العنان ،وفيه ذكر األرضين السبع وأن
بين كل أرض وأرض كما بين السماء واألرض ،ثم قال صلهى ه
ّللا عليه وسلم
ّللا ]
[ والذي نفسي بيده لو دلى أحدكم حبال لوقع على ه
ّللا عليه وسلم على عدم تحيزه في السماء وأنه ليس مختصا بجهة ،كما نبه فنبه صلهى ه
على ذلك قوله تعالى( ث ُ َّم َدنا فَت َ َدلَّى )
فإن اإلسراء كان للعلو ،فربما يوهم المحجوب أن الدنو في قوله( َدنا ) زيادة
ص 522
ص 522 :
العلو ،فنبه بقوله( فَت َ َدلَّى )على أن قربه قاب قوسين كان ثمرة التدلي المشعر بالتنزيل
،وأنه تعالى ال يختص قربه بجهة العلو ،بل التدلي إليه بالخضوع أقرب تحقيقا لقوله(
َوا ْس ُج ْد َوا ْقت َ ِربْ )
وفي الصحيح [ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ] وإذا أردت زيادة التبصر
ّللا عليهم وسلم إلى السماء بأن اإلسراء وعروج المالئكة ورفع عيسى وإدريس صلى ه
ّللا تعالى مخصوص بجهة السماء ،فاعتبر فرض الحج على العباد ال يدل على أن ه
ّللا تعالى الناس بالتوجه إليه من جميع الجهات ،وجعل إلى البيت الحرام ،وأمر ه
ّللا ،وحجاجه وفده وضيفانه ،والحجر األسود يمينه ،مع أن نسبة سكانه جيران ه
ّللا تعالى سبحانه كاعتبار المسافة بسفر أحد ،فعلم أن القصد بالسير البيت وغيره إلى ه
إلى البيت ال أن السير يقتضي القرب والوصول إليه بالمكان ،وإنما هّلل سبحانه تعبدات
وأسرار في ضمن مشروعات يقتضيها من عباده بحكم ظاهر وحقيقة ،أال تراه كيف
ّللا عليه وسلم بالواد المقدس وأسمعه كالمه من الشجرة ،ووصفه ناجى موسى صلهى ه
بالقرب إلى مجلس حضرته ونجواه ،مع االتفاق على أنه تعالى ال يختص بجهة الواد
المقدس ،
ّللا عليه وسلم قرب إليه وال يحل كالمه -وهو صفته -بالشجرة ،وأن موسى صلهى ه
مع كونه باألرض ،وسمع نداء ربه من جانب الطور ،ولم يكن ربه بجانب الطور ،
ّللا رتق قلبه وإنما لتجلياته مظاهر وحجب روحانية وجسمانية ،ال يشهدها إال من فتق ه
ّللاُ لَهُ
ونور مصباح مشكاته بزيت شجرة توحيده( َو َم ْن لَ ْم يَ ْجعَ ِل َّ ،وفلق أصباح ليله ،ه
سبْحانَ الَّذِي أَسْرى ِبعَ ْب ِد ِه »إلى ّللا تعالى نبه بقوله« ُور )واعلم أن ه نُورا ً فَما لَهُ ِم ْن نُ ٍ
ّللا عليه وسلم لما تحقق ( ّللا صلهى ه قوله« َوقُ ِل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل الَّذِي لَ ْم يَت َّ ِخ ْذ َولَدا ً »أن رسول ه
سبحان هللا ) أوال ( وبحمد هللا ) آخرا تجلى له وجه ربه بكماله الجامع للجالل
ّللا والحمد هّلل ،آية ربه الكبرى ، ّللا الجامع لسبحان ه واإلكرام ،في شرف ال إله إال ه
ولهذا قال آخر السورة( َو َك ِبه ْرهُ ت َ ْكبِيرا ً )
[ -مشهد روحاني ]
ّللا عليه وسلم ،وهو ّللا صلهى ه
خص به رسول ه
ه -مشهد روحاني -كان اإلسراء مقاما
مقام رؤية المعبود جل وعال ،وهو مقام قاب قوسين أو أدنى ،وذلك أنه لما كان
ّللا عليه وسلم ثمرة شجرة الكون « ، » 1 صلهى ه
ودرة صدفة الوجود وسره ،ومعنى كلمة كن ،ولم تكن الشجرة مرادة لذاتها ،وإنما
كانت مرادة لثمرتها ،فهي محمية محروسة الجتناء ثمرتها واستجالء زهرتها ،ولما
كان المراد عرض هذه الثمرة بين يدي مثمرها ،وزفها إلى حضرة قربه ،والطواف
بها على ندمان حضرته ،
..........................................................................................
) ( 1ثمرة شجرة الكون يعني بالكون كل ما خلق من الكلمة اإللهية وهي " ُك ْن " .
523
ص 523 :
قيل له :يا يتيم أبي طالب ،قم فإن لك طالب ،قد ادخر لك مطالب ،فأرسل إليه
أخص خدام الملك ،فلما ورد عليه قادما ،وافاه على فراشه نائما ،فقال له :يا جبريل
إلى أين ؟
فقال :يا محمد ارتفع األين من البين « ، » 1فإني ال أعرف في هذه النوبة أين ،
لكني رسول القدم ،أرسلت إليك من جملة الخدم ،وما نتنزل إال بأمر ربك ،قال :يا
جبريل فما الذي مراد مني ؟ قال :أنت مراد اإلرادة ،مقصود المشيئة ،فالكل مراد
ألجلك ،وأنت مراد ألجله ،وأنت مختار الكون ،أنت صفوة كأس الحب ،أنت درة
هذه الصدفة ،أنت ثمرة هذه الشجرة ،أنت شمس المعارف ،أنت بدر اللطائف ،ما
روق كأس المحبة م ههدت الدار إال لرفعة محلك ،ما هيئ هذا الجمال إال لوصلك ،ما ه
إال لشربك ،فقم فإن الموائد لكرامتك ممدودة ،والمأل األعلى يتباشرون بقدومك عليهم
،والكروبيون « » 2يتهللون بورودك إليهم ،وقد نالهم شرف روحانيتك ،فال بد لهم
وشرف بوطء ه فشرف عالم الملكوت كما شرفت عالم الملك ، من نصيب جسمانيتك ،ه
قدميك قمة السماء ،كما شرفت بهما أديم البطحاء ،
قال :يا جبريل الكريم يدعوني ،فما ذا يفعل بي ؟
قال :ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ،قال :هذا لي فما لعيالي وأطفالي ؟ فإن
شر الناس من أكل وحده ،قال :ولسوف يعطيك ربك فترضى ،قال :يا جبريل اآلن
طاب قلبي ،ها أنا ذاهب إلى ربي .
فقرب له البراق ،فقال :ما لي بهذا ؟ قال :مركب العشاق ،قال :أنا مركبي شوقي
وزادي توقي ودليلي ليلي ،أنا ال أصل إليه إال به ،وال يدلني عليه إال هو ،وكيف
يطيق حيوان ضعيف أن يحمل من يحمل أثقال محبته ،ورواسي معرفته ،وأسرار
أمانته التي عجزت عن حملها السماوات واألرض والجبال ؟ وكيف تطيق أن تدل بي
وأنت الحائر عند سدرة المنتهى ،وقد أنتهي إلى حضرة ليس لها منته ؟
يا جبريل أين أنت مني ولي وقت ال يسعني فيه غير ربي ،يا جبريل إذا كان محبوبي
ليس كمثله شيء فأنا لست كأحدكم ،المركوب يقطع به المسافات ،والدليل يستدل به
إلى الجهات ،وإنما ذلك محل الحدثات ،وأنا حبيبي مقدس عن الجهات ،منزه عن
الحدثات ،ال يوصل إليه بالحركات ،وال يستدل عليه باإلشارات ،فمن عرف المعاني
عرف ما أعاني ،هلم إن قربي منه مثل قاب قوسين أو أدنى .فوقعت هيئة الوقت
..........................................................................................
) ( 1أي ستذهب إلى حضرة ال توصف بأين ،وهي ظرف مكان .
) ( 2الكروبيون أعلى صنف من المالئكة .
ص 524
ص 524 :
على جبريل ،فقال :يا محمد ،إنما جيء بي إليك ألكون خادم دولتك وصاحب
حاشيتك ،وجيء بالمركب إليك إلظهار كرامتك ،ألن الملوك من عاداتهم إذا
استزاروا حبيبا ،أو استدعوا قريبا ،وأرادوا ظهور كرامتهم واحترامهم ،أرسلوا
أخص خدامهم وأعز دوابهم لنقل أقدامهم ،فجئناك على رسم عادة الملوك وآداب
السلوك ،ومن اعتقد أنه سبحانه وتعالى يوصل إليه بالخطإ وقع في الخطا ،ومن ظن
أنه محجوب بالغطاء فقد حرم العطاء ،يا محمد ،إن المأل األعلى في انتظارك ،
والجنان قد فتحت أبوابها وزخرفت رحابها وتزينت أترابها وروق شرابها ،كل ذلك
فرحا بقدومك وسرورا بورودك ،والليلة ليلتك والدولة دولتك ،وأنا منذ خلقت منتظر
هذه الليلة ،وقد جعلتك الوسيلة في حاجة قلهت فيها حيلتي ،وانقطعت وسيلتي ،فأنا
فيها حائر العقل ،ذاهل الفكر داهش السر ،مشغول البال زائد البلبال ،يا محمد ،
حيرتي أوقفتني في ميادين أزله وأبده ،فجلت في الميدان األول فما وجدت له أول ،
وملت إلى الميدان اآلخر فإذا هو في اآلخر أول ،فطلبت رفيقا إلى ذلك الرفيق فتلقاني
ميكائيل في الطريق ،فقال لي :إلى أين ؟ الطريق مسدودة واألبواب دونه مردودة ،
ال يوصل إليه باألزمان المعدودة ،وال يوجد في األماكن المحدودة ،قلت :فما وقوفك
في هذا المقام ؟
قال :شغلني بمكائيل البحار وإنزال األمطار ،وإرسالها في سائر األقطار ،فأعرف
كما أجاجها مددا ،وكم تقذف أمواجها زبدا ،وال أعرف لألحدية أمدا ،وال للفردية
عددا ،قلت :
فأين إسرافيل ؟ قال :ذلك أدخل في مكتب التعليم ،يصافح بصفحة وجهه اللوح
المحفوظ ،ويستنسخ منه ما هو مبروم ومنقوض ،ثم يقرأ على صبيان التعليم -في
مثال -ذلك تقدير العزيز العليم ،ثم هو في زمن تعلمه ال يرفع رأسه حياء من معلمه
،فطرفه عن النظر مقصور ،وقلبه عن الفكر محصور ،فهو كذلك إلى يوم ينفخ في
الصور ،قلت :فهلم نسأل العرش ونستهديه ،ونستنسخ منه ما علمه ونستمليه ،فلما
سمع العرش ما نحن فيه اهتز طربا ،وقال :ال تحرك به لسانك وال تحدث به جنانك
،فهذا سر ال يكشفه حجاب ،وستر ال يفتح دونه باب ،وسؤال ليس له جواب ،ومن
أنا في البين حتى أعرف له أين ؟ وما أنا إال مخلوق من حرفين ،وباألمس كنت ال
أثر وال عين ،من كان باألمس عدما مفقودا ،كيف يعرف رؤية من لم يزل موجودا ،
وال والدا وال مولودا ،وهو سبقني باالستواء ،وقهرني باالستيالء ،فلو ال استواؤه لما
استويت ،ولوال استيالؤه لما اهتديت ،استوى إلى
ص 525
ص 525 :
السماء وهي دخان ،واستوى على العرش لقيام البرهان ،فو عزته لقد استوى وال
علم لي بما استوى ،وأنا والثرى بالقرب منه على حد سوى ،فال أحيط بما حوى وال
أعرف ما زوى ،ولكني عبد له ولكل عبد ما نوى ،ثم إني أخبرك بقصتي ،وأبث
إليك شكوة غصتي ،أقسم بعلي عزته وقوي قدرته ،لقد خلقني وفي بحار أحديته
غرقني ،وفي بيداء أبديته حيرني ،تارة يطلع من مطالع أبديته فينعشني ،وتارة
يدنيني من مواقف قربه فيؤنسني ،وتارة يحتجب بحجاب عزته فيوحشني ،وتارة
يناجيني بمناجاة لطفه فيطربني ،وتارة يواصلني بكاسات حبه فيسكرني ،وكلما
استعذبت من عربدة سكري ،قال لسان أحديته :لن تراني ،فذبت من هيبته فرقا ،
وتمزقت من محبته قلقا ،وصعقت عن تجلي عظمته كما خر موسى صعقا ،فلما أفقت
من سكرة وجدي به ،قيل لي :أيها العاشق ،هذا جمال قد صناه ،وحسن قد حجبناه ،
فال ينظره إال حبيب قد اصطفيناه ،ويتيم قد ربيناه ،فإذا سمعت سبحان الذي أسرى
بعبده ،فقف على طريق عروجه إلينا ،وقدومه علينا ،لعلك ترى من يرانا ،وتفوز
بمشاهدة من لم ينظر إلى سوانا ،يا محمد إذا كان العرش مشوقا إليك فكيف ال أكون
خادم يديك ؟ .
قدم إليه مركبه األول وهو البراق إلى بيت المقدس ،ثم المركب الثاني وهو المعراج
إلى سماء الدنيا ،ثم المركب الثالث وهو أجنحة المالئكة من سماء إلى سماء ،وهكذا
إلى السماء السابعة ،ثم المركب الرابع وهو جناح جبريل عليه السالم إلى سدرة
المنتهى ،فتخلف جبريل عليه السالم عندها ،فقال :يا جبريل نحن الليلة أضيافك ،
فكيف يتخلف المضيف عن ضيفه ؟
أهاهنا يترك الخليل خليله ؟ قال :يا محمد أنت ضيف الكريم ،ومدعو القديم ،لو
تقدمت اآلن بقدر أنملة الحترقت ،وما منا إال له مقام معلوم ،
قال :يا جبريل إذا كان كذلك ألك حاجة ؟
قال :نعم ،إذا انتهى بك إلى الحبيب حيث ال منته ،وقيل لك :ها أنت وها أنا ،
فاذكرني عند ربك .ثم زج به جبريل عليه السالم زجة فخرق سبعين ألف حجاب من
نور ،ثم تلقاه المركب الخامس وهو الرفرف من نور أخضر قد سد ما بين الخافقين ،
فركبه حتى انته به إلى العرش ،فتمسك العرش بأذياله ،وناداه بلسان حاله ،وقال :يا
محمد إلى متى تشرب من صفاء وقتك آمنا من معتكره ،تارة يتشوق إليك حبيبك
وينزل إلى سماء الدنيا ،وتارة يطوف بك على ندمان حضرته ويحملك على رفرف
سبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَ ْب ِد ِه )وتارة يشهدك جمال أحديته( ما
رأفته( ُ
ص 526
ص 526 :
طغى )وتارة ص ُر َوما َ غ ْالبَ َ ب ْالفُؤا ُد ما َرأى )وتارة يشهدك جمال صمدانيته( ما زا َ َكذَ َ
ع ْب ِد ِه ما أ َ ْوحى )وتارة يدنيك من حضرة يطلعك على سرائر ملكوتيته( فَأ َ ْوحى ِإلى َ
سي ِْن أ َ ْو أ َ ْدنى )يا محمد هذا أوان الظمآن إليه واللهفان عليه ، قاب قَ ْو َ
قربه( فَكانَ َ
والمتحير فيه ال أدري من أي جهة آتية ،جعلني أعظم خلقه فكنت أعظمهم وأشدهم
خوفا منه ،يا محمد خلقني يوم خلقني فكنت أرعد من هيبة جالله ،فكتب على قائمتي
ي ( محمد رسول ّللا ) فازددت لهيبة اسمه ارتعادا وارتعاشا ،فلما كتب عل ه ( ال إله إال ه
ّللا ) سكن لذلك قلقي وهدأ روعي ،فكان اسمك أمانا لقلبي وطمأنينة لسري ورقية ه
ي ؟ يا محمد أنت ي ،فكيف إذا وقع جميل نظرك إل ه لقلقي ،فهذه بركة وضع اسمك عل ه
المرسل رحمة للعالمين وال بد لي من نصيب في هذه الليلة ،ونصيبي من ذلك أن
ي أهل الغرور ،فإنه وتقوله عل ه ي أهل الزور ه تشهد لي بالبراءة من النار مما نسبه إل ه
ي قوم فضلهوا وظنوا أني أسع من ال حد له ،وأحمل من ال هيئة له ،وأحيط أخطأ ف ه
ي أوبمن ال كيفية له ،يا محمد من ال حد لذاته وال عد لصفاته ،فكيف يكون مفتقرا إل ه
ي ؟ فإذا كان الرحمن اسمه ،واالستواء صفته ونعته ،وصفته ونعته محموال عل ه
متصل بذاته ،فكيف يتصل بي أو ينفصل عني ،وال أنا منه وال هو مني ؟
يا محمد وعزته لست بالقرب منه وصال وال بالبعد عنه فصال ،وال بالمطيق له حمال
وال بالجامع له شمال ،وال بالواجد له مثال ،بل أوجدني من رحمته منة وفضال ،ولو
محقني لكان فضال منه وعدال ،يا محمد أنا محمول قدرته ومعمول حكمته ،فكيف
س ْم َع َو ْالبَ َ
ص َر ْس لَ َك بِ ِه ِع ْل ٌم إِ َّن ال َّ
ف ما لَي َ يصح أن يكون الحامل محموال ؟( ال ت َ ْق ُ
ّللا عليه وسلم :أيها العرش ع ْنهُ َم ْسؤ ًُالفأجابه لسان حاله صلهى ه َو ْالفُؤا َد ُك ُّل أُولئِ َك كانَ َ
ي صفوتي وال تشوش علي خلوتي ،فما في إليك عني فأنا مشغول عنك فال تكدر عل ه
ّللا عليه وسلم طرفا وال قرأ الوقت سعة لعتابك وال محل لخطابك ،فما أعاره صلهى ه
ص ُر )ثم قدم المركب السادس وهو التأييد ، غ ْالبَ َ من مسطور ما أوحى إليه حرفا( ما زا َ
فنودي من فوقه ولم ير :حافظك قدامك ،ها أنت وربك .قال :فبقيت متحيرا ال
أعرف ما أقول وال أدري ما أفعل ،إذ وقعت على شفتي قطرة أحلى من العسل ،
وأبرد من الثلج ،وألين من الزبد ،وأطيب ريحا من المسك ،فصرت بذلك أعلم من
جميع األنبياء والرسل ،فجرى على لساني :التحيات المباركات هّلل الصلوات الطيبات
هّلل .
ّللا وبركاته .فأشركت إخواني األنبياء فيما فأجبت :السالم عليك أيها النبي ورحمة ه
ص 527
ص 527 :
ّللا الصالحين . خصصت به ،فقلت :السالم علينا وعلى عباد ه
ّللا عنه ليلة
أراد بهم األنبياء عليهم الصالة والسالم ،ولهذا قيل ألبي بكر رضي ه
ّللا عليه وسلم :إنه رأى ربه ،قال :صدق وكنت معه ّللا صلهى ه أسري برسول ه
متمسكا بأذياله ،مشاركه في مقاله ،قيل :كيف ؟ قال :في قوله :السالم علينا.
ّللا وأن محمدا رسوله قال :ثم نوديت ادن يا فأجابه المالئكة :أشهد أن ال إله إال ه
عز وجل( ث ُ َّم َدنا فَت َ َدلَّى ) وقيل : محمد ،فدنوت ،ثم وقفت ،وهو معنى قوله ه
عز وجل ،وقيل :دنا بالشفاعة وتقرب إلى دنا محمد في السؤال فتدلى فتقدم للرب ه
الرب باإلجابة ،وقيل :دنا بالخدمة وتقرب للرب بالرحمة .ثم دنا فتدلى معناه ،دنا
محمد من ربه فتدلى عليه الوحي من ربه ،دنا لطافة فتدلى عليه رأفة ورحمة .ال
يوصف بقطع مفازة وال مسافة ،قد ذهب األين من البين ،وتالشى الكيف واضمحل
سي ِْن )الحتمل أن يكون للرب مكان قاب قَ ْو َ
سي ِْن )فلو اقتصر على( َ قاب قَ ْو َ
األين( فَكانَ َ
،وإنما قوله( أ َ ْو أ َ ْدنى )لنفي المكان .وكان معه حيث المكان وال زمان ،وال أوان وال
أكوان ،فنودي :
يا محمد تقدم ،فقال :يا رب إذا انتفى األين فأين أضع القدم ؟
قال ضع القدم على القدم « » 1حتى يعلم الكل أني منزه عن الزمان والمكان
واألكوان ،وعن الليل وعن النهار ،وعن الحدود واألقطار ،وعن الحد والمقدار ،يا
محمد انظر ،فنظر فرأى نورا ساطعا ،فقال :ما هذا النور ؟
قيل :ليس هذا نورا ،بل هو جنات الفردوس ،لما ارتقيت صارت في مقابلة قدميك ،
وما تحت قدميك فداء لقدميك ،يا محمد مبدأ قدمك منقطع أوهام الخالئق ،يا محمد ما
دمت في سير األين جبريل دليلك والبراق مركبك ،فإذا ذهب المكان وغبت عن
األكوان ،وانتفى األين وارتفع البين من البين ،ولم يبق إال قاب قوسين ،فأنا اآلن
دليلك يا محمد ،أفتح لك الباب ،وأرفع لك الحجاب ،وأسمعك طيب الخطاب ،في
عالم الغيب وحدتني تحقيقا وإيمانا ،فوحدني اآلن في عالم الشهود مشاهدة وعيانا ،
فقال :
أعوذ بعفوك من عقوبتك ،فقيل :هذا لعصاة أمتك ،ليس هذا حقيقة مدهعي و هحدني ،
فقال :ال أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ،فقال :يا محمد ،إذا ك هل
ع ِن ْال َهوى )فإذا ض هل عيانك عن لسانك عن العبارة فألكسونه لسان الصدق( َوما يَ ْن ِط ُق َ
طغى )ثم ألعيرنك نورا ص ُر َوما َ غ ْالبَ َاإلشارة فألجعلن عليك خلعة الهداية( ما زا َ
تنظر به جمالي ،
..........................................................................................
) ( 1ضع القدم على القدم :أي ضع قدمك في حضرة القدم حيث المكان وال زمان.
ص 528 :
ي ،وحكمة نظرك وسمعا تسمع به كالمي ،ثم أعرفك بلسان الحال معنى عروجك عل ه
ي ،فكأنه يقول مشيرا :يا محمد إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا -والشاهد إل ه
مطالب بحقيقة ما شهد به ،وال يجوز له الشهادة على غائب -فأريك جنتي لتشاهد ما
أعددته ألوليائي ،وأريك ناري لتشاهد ما أعددته ألعدائي ،ثم أشهدك جاللي وأكشف
لك عن جمالي ،لتعلم أني منزه في كمالي عن المثيل والشبيه والبديل والنظير
والمشير ،وعن الحد والقد وعن الحصر والعد وعن الجوز والفرد ،وعن المواصلة
والمفاصلة والمماثلة والمشاكلة والمجالسة والمالمسة والمباينة والممازجة ،يا محمد
ي ،فقوم جعلوا العزيز ابني وأن يدي ي فاختلفوا عل ه
إني خلقت خلقي ودعوتهم إل ه
مغلولة وهم اليهود ،وقوم زعموا أن المسيح ابني وأن لي زوجة وولدا وهم النصارى
،وقوم جعلوا لي شركاء وهم الوثنية ،وقوم جعلوني صورة وهم المجسمة ،وقوم
جعلوني محدودا وهم المشبهة ،وقوم جعلوني معدوما وهم المعطلة ،وقوم زعموا أني
ال أرى في اآلخرة وهم المعتزلة ،وها أنا قد فتحت لك بابي ورفعت لك حجابي ،
ّللا عليه وسلمي شيئا مما نسبوني إليه ؟ فرآه صلهى ه فانظر يا حبيبي يا محمد هل تجد ف ه
بالنور الذي قواه به وأيده به من غير إدراك وال إحاطة ،فردا صمدا ،ال في شيء
وال على شيء ،وال قائما بشيء وال مفتقرا إلى شيء ،وال هيكال وال شبها وال
صورة وال جسما وال محيزا وال مكيهفا وال مركبا ،ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير ،فلما كلمه شفاها وشاهده كفاحا ،فقال :
يا حبيبي يا محمد ،ال بد لهذا الخلق من سر ال يذاع ،وزمن ال يشاع (فَأ َ ْوحى إِلى
ع ْب ِد ِه ما أ َ ْوحى )فكان سر من سر في سر ،وصل اللهم وسلم وبارك على أشرف َ
مخلوقاتك ،سيدنا وموالنا محمد بحر أنوارك ومعدن أسرارك ،ولسان حجتك وإمام
حضرتك ،وعروس مملكتك وطراز ملكك ،وخزائن رحمتك وطريق شريعتك ،
وسراج جنتك وعين حقيقتك ،المتلذذ بمشاهدتك ،عين أعيان خلقك ،المقتبس من نور
ضيائك ،صالة تحل بها عقدتي وتفرج بها كربتي ،وتقضي بها أربي وتبلغني بها
طلبي ،صالة دائمة بدوامك باقية ببقائك قائمة بذاتك ،صالة ترضيك وترضيه
باّلل
ّللا ونعم الوكيل ،وال حول وال قوة إال ه وترضى بها عنا يا رب العالمين ،وحسبنا ه
ّللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،والحمد هّلل رب العلي العظيم ،وصلى ه
العالمين.
ص 529
ص 529 :
[سورة اْلسراء ( : ) 17آية ] 2
سرائِي َل أَاله تَت ه ِخذُوا ِم ْن دُونِي َو ِكيالً ( ) 2
دى ِلبَنِي إِ ْتاب َو َجعَ ْلناهُ ُه ً
سى ا ْل ِك َ َوآت َ ْينا ُمو َ
يال » اآلية ] [ « . . .أ َ َّال تَت َّ ِخذُوا ِم ْن دُونِي َو ِك ً
فنهى تعالى أن نتخذ وكيال غيره ،وهي نيابة الحق عن العبد ،فالوكالة نيابة عن
الموكل فيما وكله فيه أن يقوم مقامه ،كما قال تعالى ( ال إله إال هللا فاتخذه وكيال )
فأثبت لك الشيء وسألك أن تستنيبه فيه بحكم الوكالة ،فمن قال :إن األموال ما خلقت
إال لنا إذ ال حاجة هّلل إليها ،فهي لنا حقيقة ،
ثم وكلنا الحق تعالى أن يتصرف لنا فيها ،لعلمنا أنه أعلم بالمصلحة فتصرف على
وجه الحكمة التي تقتضي أن تعود على الموكل منه منفعة ،فأتلف ماله هذا الوكيل
الحق تعالى بغرق أو حرق أو خسف أو ما شاء ،تجارة له ليكسبه بذلك في الدار
اآلخرة أكثر مما قيل إنه في ظاهر األمر إتالف ،وما هو إتالف بل هو تجارة بيع
بنسيئة ،يسمى مثل هذا تجارة رزء لكن ربحها عظيم ،
وهذا علم يعرفه الوكيل ال الموكل ،وهو يحفظ عليه ماله لمصلحة أخرى يقتضيها
ّللا فاستخلفه الوكيل في التصرف على ما يرسمه علمه فيها ،ومن الناس من وكل ه
الوكيل ،لعلم الوكيل بالمصلحة ،فصار الموكل وكيال عن وكيله ،وهو الذي ال
يتعدى األمر المشروع في تصرفه وإن كان المال له ،فالتصرف فيه بحكم وكيله
ص 530
ص 530 :
سأْت ُ ْم فَلَها »اعلم أن التكاليف إن عملتها ال يعود على
س ْنت ُ ْم ِأل َ ْنفُ ِس ُك ْم َوإِ ْن أ َ َ
س ْنت ُ ْم أ َ ْح َ
"إِ ْن أ َ ْح َ
ّللا منها نفع ،وإن أنت لم تعملها ال يتضرر بذلك ،وأن الكل يعود عليك ،فالزم ه
األحسن إليك تكن محسنا إلى نفسك .
ص 531
ص 531 :
ع ُج ً
وال" التلبيس أصله العجلة من اإلنسان ،فلو اتئد وتفكر وتبصر لم " َوكانَ ْ ِ
اإل ْن ُ
سان َ
يلتبس عليه أمر وقليل فاعله .
ص 532
ص 532 :
في عينه تعيين األوقات ،ليقال :خلق كذا وظهر كذا في وقت كذا ،فبطلوع كوكب
الشمس سمي المطلع مشرقا والطلوع شروقا ،لكون ذلك الكوكب المنير طلع منه
وأضاء به الجو ،وبالشمس سميت المقارنة استواء ،وعند بدء نزوله عن االستواء
سمي زواال ،وغيابها غروبا والموضع الذي غربت فيه مغربا ،وأظلم الجو فسميت
مدة استنارة الجو من مشرق الشمس إلى مغربها نهارا ،وسميت مدة الظلمة من
غروب الشمس إلى طلوعها ليال ،وكان اليوم مجموع الليل والنهار ،وسميت
المواضع التي يطلع منها هذا الكوكب كل يوم درجا ،وانتقال الشمس في الفروض
المقدرة في الفلك المحيط درجة درجة حتى يقطع ذلك بشروق سميت أياما ،وكلما
أكمل قطع فرض من تلك الفروض شرع في قطع فرض آخر إلى أن أكملت الشمس
االثني عشر فرضا بالقطع ،ثم شرعت في كرة أخرى في قطع تلك الفروض ،فسمي
ابتداء كل فرض إلى انتهاء قطع ذلك الفرض شهرا ،وسمي قطع تلك الفروض كلها
ص ً
يال »سبحانه ال إله إال هو ص ْلناهُ ت َ ْف ِ سنِينَ َو ْال ِح َ
ساب َو ُك َّل َ
ش ْيءٍ فَ َّ سنة« ِلت َ ْعلَ ُموا َ
ع َد َد ال ِ ه
الحكيم القدير .
ص 533
ص 533 :
وال » ] س ًث َر ُ الصالة والسالم َ « [،وما ُكنَّا ُمعَ ِذهبِينَ َحتَّى نَ ْبعَ َ
وال »-الوجه األول -يعني نبعثه س ًث َر ُ وقال جل ثناؤه« َوما ُكنَّا ُمعَ ِذهبِينَ َحتَّى نَ ْبعَ َ
ّللا تعالى أنه أيهد الرسل بالبينات ليعذر باآليات البينات على صدق دعواه ،وكذا أخبر ه
اإلنسان من نفسه ،فإنه قبل إرسال الرسل لم يقيد اإلنسان ،بل كان يجري بطبعه من
غير مؤاخذة أصال ،فوجد العذر لمن لم تبلغه الدعوة اإللهية ،فحكمه حكم من لم
ّللا إليه رسوال ،والرسول ما هو رسول لمن أرسل إليه حتى يؤدي رسالته لمن يبعث ه
أرسل إليه ،ففي هذه اآلية رحمة عظيمة لما هو الخلق عليه من اختالف الفطر
س ً
وال ث َر ُ ّللا تعالى قال« َوما ُكنَّا ُمعَ ِذهبِينَ َحتَّى نَ ْبعَ َ المؤدي إلى اختالف النظر ،فإن ه
»لم يقل حتى نبعث شخصا ،فال بد أن تثبت رسالة المبعوث عند من وجه إليه ،فال
بد من إقامة الداللة البينة الظاهرة عند كل شخص شخص ممن بعث إليهم ،فإن ربه
آية يكون فيها من الغموض أو االحتمال بحيث أن ال يدرك بعض الناس داللتها ،فال
بد أن يكون الدليل من الوضوح عند كل من أقيم عليه حتى يثبت عنده أنه رسول ،
ّللا ذلك إال رحمة بعباده لمن وحينئذ إن جحد بعد ما تيقن تعينت المؤاخذة ،وما فعل ه
ّللا تعالى أنها وسعت كل شيء -الوجه الثاني - علم شمول الرحمة اإللهية التي أخبر ه
هذه اآلية تدل على أن الشرائع قد عمت جميع الخلق من آدم إلى نبينا محمد صلهى ه
ّللا
ِير ) -الوجه الثالث -قال رسول عليه وسلم وقد قال تعالى( َو ِإ ْن ِم ْن أ ُ َّم ٍة ِإ َّال خَال ِفيها نَذ ٌ
ّللا دخل ّللا عليه وسلم في الصحيح [ :من مات وهو يعلم أنه ال إله إال ه ّللا صلهى ه ه
الجنة ] ولم يقل هنا يؤمن ،فإن اإليمان موقوف على الخبر ،وقد قال« َوما ُكنَّا
وال »وقد علمنا أن هّلل عبادا كانوا في فترات وهم موحدون علما س ً ُمعَ ِذهبِينَ َحتَّى نَ ْبعَ َ
ث َر ُ
ّللا عليه وسلم عامة فيلزم أهل كل ّللا صلهى ه ،وما كانت دعوة الرسل قبل رسول ه
ّللا المؤمن منهم من حيث ما هو زمان اإليمان ،فعم بهذا الكالم جميع العلماء بتوحيد ه
عالم به من جهة الخبر الصدق الذي يفيد العلم ال من جهة اإليمان وغير المؤمن ،
فاإليمان ال يصح وجوده إال بعد مجيء الرسول ،والرسول ال يثبت حتى يعلم الناظر
العاقل أن ثم إلها وأن ذاك اإلله واحد ،ال بد من ذلك ،ألن الرسول من جنس من
أرسل إليهم ،فال يختص واحد من الجنس دون غيره إال لعدم المعارض وهو الشريك
ّللا تتأهب العقالء أولو األلباب واألحالم والنهى لما ،فإذا حصل التصديق بأنه رسول ه
ّللا دخل الجنة بال يورده في رسالته هذا الرسول ،فمن مات وهو يعلم أنه ال إله إال ه
ّللا أمة وحده شك وال ريب وهو من السعداء فأما من كان من أهل الفترات فيبعثه ه
كقس بن
ص 534
ص 534 :
ّللا ،بل هو
ساعدة ،ال تابع ألنه ليس بمؤمن ،وال هو متبوع ألنه ليس برسول عند ه
باّلل .
عالم ه
ص 535
ص 535 :
قبوله للحكم اإللهي بحسب ذلك ،فإما مخالف وإما موافق ،ومن كان هذا حاله كيف
يتعلق به ذم ذاتي ؟
واألعراض ال ثبات لها ،فالجود اإللهي مطلق والمنع عدم القبول ،فمن المفيض
المعطي وجود جود صرف خالص محض ،وما ثم إال عطاء في عين منع ومنع في
عين عطاء ،فحضرة المنع تعطي المنع بعطاء العين ،فالمنع تبع ،فإن المحل إذا كان
في اللون األبيض فقد أعطاه البياض ،وعين إعطاء البياض منع ما يضادهه من األلوان
،لكن ليس متعلق اإلرادة إال إيجاد عين البياض فامتنع ضده بحكم التبع ،وهكذا كل
فاّلل يعطي على الدوام والمحال تقبل على قدر حقائق استعداداتها ،
ضد في العين ،ه
ّللا واحدة العين على األسماع ،فسامع يفهم منها أمرا واحدا فترد اآلية مثال من كتاب ه
،وسامع آخر ال يفهم منها ذلك األمر ويفهم منها أمرا آخر ،وآخر يفهم منها أمورا
كثيرة ،ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها الختالف استعداد األفهام ،فإذا
ّللا ليس بممنوع ،إال أنك تحب أن يعطيك ما ال يقبله
فهمت هذا علمت أن عطاء ه
استعدادك ،وتنسب المنع إليه فيما طلبته منه ،ولم تجعل بالك إلى االستعداد الذي هو
ّللا ،
على ترتيب الحكمة اإللهية في العالم وما تعطيه حقائق األشياء ،والكل من عند ه
فمنعه عطاء وعطاؤه منع ،ولكن بقي لك أن تعلم لكذا ومن كذا ،وفي هذه اآلية إشارة
إلى عدم سرمدة العذاب على أهل النار ،فعطاؤه تعالى عين الرحمة التي سبقت ،
فوسعت كل شيء من مكروه وغيره وغضب وغيره ،فما في العالم عين قائمة وال
ّللا تشمله وتحيط به ،وهي محل له وال ظهور له إال فيها ،فبالرحمن حال إال ورحمة ه
استوى على العرش ،وما انقسمت الكلمة إال من دون العرش من الكرسي فما تحته ،
فإنه موضع القدمين وليس سوى انقسام الكلمة ،فظهر األمر والخلق ،والنهي واألمر
،والطاعة والمعصية ،والجنة والنار ،كل ذلك عن أصل واحد وهي الرحمة التي
هي صفة الرحمن .
ص 536 :
علماء الرسوم يحملون لفظ« قَضى »على األمر ،ونحن نحملها على الحكم ،فقوله
تعالى« َوقَضى َرب َُّك أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا ِإ َّال ِإيَّاهُ »أي حكم ،وقضاء الحق ال ير هد ،والعبادة ذلة
ُون ) س ِإ َّال ِليَ ْعبُد ِ اإل ْن َفي اللسان المنزل به هذا القرآن ،قال تعالى ( َوما َخلَ ْقتُ ْال ِج َّن َو ْ ِ
ّللا ][ على الحقيقة ما عبد المشرك إال ه
اس أ َ ْنت ُ ُم
فإن العبادة ذاتية للمخلوق ال يحتاج فيها إلى تكليف ،فكما قال ( :يا أَيُّ َها النَّ ُ
ّللا ،فمن ّللا ،قضى أن ال يعبد غير ه ّللا ) ولم يذكر افتقار مخلوق لغير ه ْالفُقَرا ُء إِلَى َّ ِ
ّللا ،فما عبد شيء ّللا عبدت اآللهة ،فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إال ه أجل حكم ه
ّللا ،وإنما أخطأ المشرك حيث نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له لعينه إال ه
من جانب الحق ،فشقي لذلك ،
ّللا ) فاعترفوا به ،وأنزلوهم منزلة فإنهم قالوا في الشركاء( ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ هربُونا ِإلَى َّ ِ
النواب الظاهرة بصورة من استنابهم ،وما ثم صورة إال األلوهية فنسبوها إليهم ،
ولهذا يقتضي الحق حوائجهم إذا توسلوا بها إليه ،غيرة منه على المقام أن يهتضم ،
وإن أخطئوا في النسبة فما أخطئوا في المقام ،
س َّم ْيت ُ ُموها )أي أنتم قلتم إنها آلهة ،وإال فسموهم ،فلو ي ِإ َّال أَسْما ٌء َ
ولهذا قال( ِإ ْن ِه َ
سموهم لقالوا :هذا حجر وشجر أو ما كان ،فتتميز عندهم باالسمية ،إذ ما ك هل حجر
عبد وال اتخذ إلها ،وال كل شجر ،وال كل جسم منير ،وال كل حيوان ،هللف الحجة
س ُّمو ُه ْم )فكانت األصنام واألوثان مظاهر له في زعم الكفار ، البالغة عليهم بقوله( َ
فأطلقوا عليها اسم اإلله ،فما عبدوا إال اإلله ،وهو الذي دل عليه ذلك المظهر ،
فقضى حوائجهم وسقاهم ،وعاقبهم إذ لم يحترموا ذلك الجناب اإللهي في الصورة
ّللا ،فكان قوله تعالى َ «:وقَضى الجمادية ،فهم األشقياء وإن أصابوا أو لم يعبدوا إال ه
َرب َُّك أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا ِإ َّال ِإيَّاهُ »من الغيرة اإللهية حتى ال يعبد إال من له هذه الصفة ،فكان
من قضائه أنهم اعتقدوا اإلله ،وحينئذ عبدوا ما عبدوا ،مع أنهم ما عبدوا في األرض
من الحجارة والنبات والحيوان ،وفي السماء من الكواكب والمالئكة ،إال العتقادهم
في كل معبود أنه إله ،ال لكونه حجرا وال شجرة وال غير ذلك ،وإن أخطئوا في
ّللا ،وهي المرتبة النسبة فما أخطئوا في المعبود ،فعلى الحقيقة ما عبد المشرك إال ه
التي سماها إلها ،ألنه لو لم يعتقد األلوهة في الشريك ما عبده ،فإنه ما عبد ما عبد إال
بتخيل األلوهة فيه ،ولوالها ما عبد ،ولذلك قال تعالى« َوقَضى َرب َُّك أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا ِإ َّال
ّللا ،حتى المشركون ما عبدوه إال في الهياكل المسماة ِإيَّاهُ »فما عبد أحد سوى ه
ص 537
ص 537 :
ّللا ،ألنه ما عبد الحجر شركاء ،فما عبدت إال األلوهية في كل من عبد من دون ه
لعينه ،وإنما عبد من حيث نسبة األلوهة له ،فإن المشرك ما عبد شيئا إال بعد ما نسب
ّللا ،فاأللوهية هي المعبودة من كل معبود ،ولكن أخطئوا إليه األلوهة فما عبد إال ه
النسبة فشقوا شقاوة األبد ،وغار الحق لهذا الوصف فعاقبهم في الدنيا إذ لم يحترموه ،
ورزقهم وسمع دعاءهم ،وأجابهم إذا سألوا إلههم في زعمهم ،لعلمه سبحانه أنهم ما
لجئوا إال لهذه المرتبة وإن أخطئوا في النسبة ،فشقوا في اآلخرة شقاء األبد ،حيث
نبههم الرسول على توحيد من تجب له هذه النسبة فلم ينظروا وال نصحوا نفوسهم ،
ولهذا كانت داللة كل رسول بحسب ما كان الغالب على أهل زمانه ،لتقوم عليهم
الحجة ،فتكون هّلل الحجة البالغة -تحقيق -قوله تعالى« َوقَضى َرب َُّك أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا ِإ َّال ِإيَّاهُ
واح ٌد ) »قضاء صحيحا( َو ِإل ُه ُك ْم ِإلهٌ ِ
فإن اآلثار ال تكون إال لأللوهة ،وبها ظهرت اآلثار عن األكوان كلها في األكوان ،
ولوال هذا السريان الدقيق ،والحجاب العجيب الرقيق ،والستر األخفى ،ما عبدت
األلوهية في المالئكة والكواكب واألفالك واألركان والحيوانات والنباتات واألحجار
واألناسي ،إذ األلوهية هي المعبودة من الموجودات ،فأخطئوا في اإلضافة من وجه
ال غير ،ولكن كان في ذلك الوجه شقاوة األبد ،فالمحقق تحقق ذلك الوجه ورفع
الخطأ من جهة العقل ال من جهة الحكم ،فإن النظر اإللهي كان تمكنه من هؤالء
المعبودين أكبر من غيرهم ،فربط اآلثار بهم فظهرت عندهم ،ليضل من يشاء ويهدي
من يشاء ،وربما ارتفعت طائفة عن مدرج نسبة األلوهية لهم مطلقا ولحظت الوجه
ّللا ُز ْلفى )فاتخذوهم حجبة ووزراء نعوذ ه
باّلل الخفي فقالت( ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ هربُونا ِإلَى َّ ِ
،ولكن هي أشبه من األولى ،ولو رأت هذه الطائفة هذا الوجه من أنفسها ما عبدت
األلوهية في كون خارج عنها ،بل كانت تعبد نفسها ،ولكن أيضا لتحققها بها ووقوفها
مع عجزها وقصورها وإتالفها لم يتمكن لها ذلك ،ولو الح لها ما ذكرناه ما اختصت
بعبودة األلوهية في كون بعينه ،ومحصول ما قلناه أن األلوهية هي المعبودة على
اإلطالق ال األكوان ،ولهذا قال( َوإِل ُه ُك ْم إِلهٌ ِ
واح ٌد )
وقال« َوقَضى َرب َُّك أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا ِإ َّال ِإيَّاهُ »وقضاؤه غير مردود ،فمن وقف على هذه
الوجوه اإللهية من األكوان فما يصح عنده أن يعبده كون أصال ،ومن لم يعرفها وال
يشاهدها تعبده وجه الحق في الكون ال الكون ،وبهذا القدر يعاقب ويطلق عليه اسم
الشرك « َو ِب ْالوا ِل َدي ِْن ِإ ْحسانا ً ِإ َّما يَ ْبلُغ ََّن ِع ْن َد َك
ص 538
ص 538 :
ف َوال ت َ ْن َه ْر ُهما َوقُ ْل لَ ُهما قَ ْو ًال َك ِريما ً »لما كانت ْال ِكبَ َر أ َ َح ُد ُهما أ َ ْو ِكال ُهما فَال تَقُ ْل لَ ُهما أ ُ ه ٍ
األخالق تختلف أحكامها باختالف المحل الذي ينبغي أن يقابل بها ،احتاج صاحب
الخلق إلى علم يكون عليه حتى يصرف في ذلك المحل الخلق الذي يليق به عن أمر
ّللا ،فلهذا نزلت الشرائع لتبيهن للناس محال أحكام األخالق التي ّللا ،فيكون قربة إلى ه ه
ف »لوجود التأفف في خلقه ُ
ّللا في مثل ذلك« فَال تَقُ ْل لَ ُهما أ ه ٍ جبل اإلنسان عليها ،فقال ه
،فأبان عن المحل الذي ال ينبغي أن يظهر فيه حكم هذا الخلق ،ثم بيهن المحل الذي
ّللا )ومن الناحية ُون َّ ِف لَ ُك ْم َو ِلما ت َ ْعبُدُونَ ِم ْن د ِ ينبغي أن يظهر فيه هذا الخلق فقال( أ ُ ه ٍ
الفقهية اعتبر أهل القياس هذه اآلية دليال على تحريم ضرب الرجل أباه بالعصا أو بما
كان ،فقال أهل القياس :ال نص عندنا في هذه المسألة ،ولكن لما قال تعالى« فَال تَقُ ْل
ف َوال ت َ ْن َه ْر ُهما »[ مقارنة بين استخراج الحكم بالقياس وبين استخراجه بالنص لَ ُهما أ ُ ه ٍ
]
قلنا :فإذا ورد النهي عن التأفف وهو قليل ،فالضرب بالعصا أشد ،فكان تنبيها من
الشارع باألدنى على األعلى ،فال بد من القياس عليه ،فإن التأفف والضرب بالعصا
يجمعهما األذى ،فقسنا الضرب بالعصا المسكوت عنه على التأفف المنطوق به ،وقلنا
نحن :ليس لنا التحكم على الشارع في شيء مما يجوز أن يكلف به وال التحكم ،وال
سيما في مثل هذا لو لم يرد في نطق الشرع غير هذا لم يلزمنا هنا القياس وال قلنا به
وال ألحقناه بالتأفيف ،وإنما حكمنا بما ورد وهو قوله في اآلية« َوبِ ْالوا ِل َدي ِْن إِ ْحسانا ً
»فأجمل الخطاب ،فاستخرجنا من هذا المجمل الحكم في كل ما ليس بإحسان ،
والضرب بالعصا ما هو من اإلحسان المأمور به من الشرع في معاملتنا آلبائنا ،فما
حكمنا إال بالنص وما احتجنا إلى قياس ،فإن الدين قد كمل وال تجوز الزيادة فيه كما
لم يجز النقص منه ،فمن ضرب أباه بالعصا فما أحسن إليه ،ومن لم يحسن ألبيه فقد
ّللا به أن يعامل به أبويه ،ومن رد كالم أبويه وفعل ما ال يرضي عصى ما أمره ه
أبويه مما هو مباح له تركه فقد عقهما ،وقد ثبت أن عقوق الوالدين من الكبائر .
ص 539
ص 539 :
ّللا باألوبة في أحوالهم يقال آبت الشمس لغة في
األوابون من رجال ونساء توالهم ه
ّللا
ّللا فإن ه
ّللا أحد من خلق ه
ّللا فلم يشهد حالهم مع ه
غابت ،فالرجال الغائبون عند ه
وصف نفسه بأنه غفور لهم أي ساتر أي يستر مقامهم عن كل أحد سواه ألنهم طلبوا
الغيبة عنده حتى ال يكون لهم مشهود سواه سبحانه ،واآلئب أيضا الذي يأتي القوم ليال
ّللا في كل حال من كل ناحية يقال :جاءوا كالطارق والليل ستر ،وهم الراجعون إلى ه
ّللا من كل ناحية من األربع التي يأتي
من كل أوبة أي ناحية ،فاألواب الراجع إلى ه
منها إبليس إلى اإلنسان من ناحية أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فهم
ّللا أوال وآخرا .
يرجعون في ذلك كله إلى ه
ص 540
ص 540 :
ْط »كناية س ْ
طها ُك َّل ْالبَس ِ « َوال ت َ ْجعَ ْل يَ َد َك َم ْغلُولَةً ِإلى ُ
عنُ ِق َك »كناية عن البخل« َوال ت َ ْب ُ
سورا ً ». عن السرف« فَت َ ْقعُ َد َملُوما ً َم ْح ُ
ص 541
ص 541 :
[الحق ال يدرك ال علما وال رؤية ]
ّللا ،فهي ال تعلم ،فهو تعالى عن اإلدراك فلم
تعتبر هذه اآلية منعا من النظر في ذات ه
يدرك بعقل كنه جالله ،ولم يدرك ببصر كنه ذاته عند تجليه حيثما تجلى لعباده ،فهو
تعالى المتجلي الذي ال يدرك -اإلدراك الذي يدرك فيه هو نفسه -ال علما وال رؤية ،
ّللا
فال ينبغي أن يقفو اإلنسان علم ما قد علم أنه ال يبلغ إليه ،لذلك قال الصديق رضي ه
عنه :العجز عن درك اإلدراك إدراك .
تعالى عن التحديد بالفكر والخبر *** كما جل عن حكم البصيرة
والبصرفليس لنا منه سوى ما يرومه *** على كل حال في الدالالت والعبر
فأعلم أني ما تحققت غيره *** وأعلم أني ما علمت سوى البشر
ّللا في ذاته النظر
لذا منع الرحمن في وحيه على *** لسان رسول ه
فقال وال تقف الذي لست عالما *** به فيكون الناظرون على خطر
فلم يولد الرحمن علما ولم يلد *** وجودا فحقق من نهاك ومن أمر
ص 542
ص 542 :
إياه في الوزارة ،ولوالهما ما أمكن أن يبلغ قلب في الغالب .في هذا العالم ما يريد
إبالغه إليه ،فهما معه في عالم التكليف كالجسد والنفس مع الروح في عالم الخالفة ،
وال يتم ألحدهما ذلك إال باآلخرين وإال نقص بقدره ،والمراد في جميع التكليف سالمة
القلب ،والخطاب إليه من جهة كل عضو على انفراده ،ومن جهة المجموع ،ثم على
انفراده ( راجع سورة ق آية ) 37
[ -نصيحة -قف مع الظاهر في كل األحوال ]
-نصيحة -قف مع الظاهر في كل األحوال ،وال تقف ما ليس لك به علم من ظاهر
األقوال .
[ سورة اْلسراء ( : ) 17آية ] 37
طوالً ( ) 37 ق ْاأل َ ْر َ
ض َولَ ْن ت َ ْبلُ َغ ا ْل ِجبا َل ُ ض َم َرحا ً ِإنهكَ لَ ْن ت َ ْخ ِر َ َوال ت َ ْم ِش ِفي ْاأل َ ْر ِ
ّللا ما جعلها تقبل الكثافة والظلمة والصالبة إال لستر ض »فإن ه « ِإنَّ َك لَ ْن ت َ ْخ ِرقَ ْاأل َ ْر َ
ّللا فيها من الكنوز لما جعل فيها من الغيرة ،فحار السعاة في األرض فلم ما أودع ه
يخرقوها ولم يبلغوا جبالها طوال .
ص 543
ص 543 :
[ حياة كل الصور ]
السماوات واألرض جمع من يعقل ،وهذا التسبيح بوحي ذاتي تقتضيه ذواتهم ،وهو
ّللا ال يحتاجون في ذلك إلى تكليف ،بل هو لهم مثل النفس أنهم يسبحون بحمد ه
للمتنفس ،وذلك لكل عين على االنفراد ،فذكر سبحانه في كل حال ومن كل عين ،
فالوجود كله حي ناطق بتعظيم الحق سبحانه ،لكنه يختلف نطقهم باختالف حقائقهم ،
وقوله تعالى« َو َم ْن فِي ِه َّن »ر هد على من يقول بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه
مقامه ،كأنه يقول أهل السماوات السبع وأهل األرض ،فنفى هذا االحتمال بقوله«
ير )وليس َو َم ْن فِي ِه َّن »إذ قد ورد مثل ذلك في قوله ( َو ْسئ َ ِل ْالقَ ْريَةَ الَّتِي ُكنَّا فِيها َو ْال ِع َ
هذا كذلك ،
وقوله عليه السالم في أحد [ هذا جبل يحبنا ونحبه ] وقوله [ يشهد للمؤذن مدى صوته
من رطب ويابس ]
وقوله [ وما من دابة إال وهي مصيخة يوم الجمعة شفقا من الساعة ] وهذه أمور كلها
تقتضي العلم وهو مشروط بالحياة ،ولكن الحياة منها ما ظهر للحس ومنها ما لم
ّللا وحمده ، يظهر ،فما لم يظهر بالعادة ظهر بخرق العادة ،فالكل حي ناطق بتسبيح ه
ه
ولكن كالم ومعلوم أن ما هنا صوت معهود وال حرف من الحروف المعلومة عندنا ،
كل جنس مما يشاكله ،وعلى حسب ما يليق بنشأته ويعطيه استعداد القبول للروحانية
اإللهية السارية في كل موجود ،فالكل حي في نفس األمر ذو نفس ناطقة ،وال يمكن
أن يكون في العالم صورة ال نفس لها وال حياة وال عبادة ذاتية وأمرية ،سواء كانت
تلك الصورة مما يحدثها اإلنسان من األشكال أو يحدثها الحيوان ،ومن أحدثها من
الخلق عن قصد وعن غير قصد ،فما هو إال أن تتصور الصورة كيف تصورت
ّللا تعالى روحا من أمره ،ويتعرف إليها من حينه وعلى يد من ظهرت ،إال ويلبسها ه
فتعرفه منها وتشهده فيها ،هكذا هو األمر دنيا وآخرة ،فأكد ذلك بقوله« َو ِإ ْن ِم ْن
س ِبه ُح بِ َح ْم ِد ِه »وزاد في التوكيد بقوله« َول ِك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْسبِي َح ُه ْم »وأتى ش ْيءٍ إِ َّال يُ َ
َ
بلفظة من في قوله« َو َم ْن فِي ِه َّن »ولم يأت بما ،وأتى في الحشر بما ولم يأت بمن ،
فإن سيبويه يقول :إن اسم ما يقع على كل شيء إال أنه لم يعم الموجودات ،فوجلت
ّللا كسرها وأزال وجلها بقوله قلوب من بقي منها ولم يقع له ذكر في التسبيح ،فجبر ه
س ِبه ُح ِب َح ْم ِد ِه »وزاد في الثناء عليهم بجهل الناس ش ْيءٍ ِإ َّال يُ َ
عقيب هذا القول « َو ِإ ْن ِم ْن َ
تسبيحهم بقوله« َول ِك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْس ِبي َح ُه ْم »فأخبر تعالى أن كل شيء يسبح بحمده كما
هو األمر عليه في نفسه ،وسد خلل االنكسار بقوله« ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْسبِي َح ُه ْم »بحرف
االستدراك وهو قوله« َول ِك ْن »طمعا في أن ينفردوا
544
ص 544 :
دون من سواهم بهذا التسبيح الخاص ،وهذه اآلية دليل على أنه تعالى ما خلق العالم
ّللا لما س ِبه ُح بِ َح ْم ِد ِه »فإن ه ش ْيءٍ ِإ َّال يُ َلنفس العالم ،وإنما خلقه لنفسه ،فقال فيه« َو ِإ ْن ِم ْن َ
أوجد العالم ما خلقهم إال ليعبدوه ويسبحوه ،فما من شيء إال يسبح بحمده ولكن ال نفقه
ّللا وحمده وعبادته بالقصد األول ،وكان تسبيحه ،ففطر العالم كله على تسبيح ه
انتفاعنا باألشياء بحكم التبعية ،فما من شيء من العالم إال وهو يسبح بحمد خالقه ،
فلنفسه أوجده ألنه ما شغله إال به ،وقال فيمن جعل فيه استعدادا يمكن أن يسعى به
س ِإ َّال ّللا ،فنبه أنه ما خلقهم إال لعبادته فقال( َوما َخلَ ْقتُ ْال ِج َّن َو ْ ِ
اإل ْن َ لنفسه ولغير ه
ُون )فكونهم ما فعل بعضهم ما خلق له ،ال يلزم منه بالقصد المذكور أنه خلق لما ِليَ ْعبُد ِ
تصرف فيه ،ولذلك يسأل ويحاسب ،ومن ذلك نعلم أن كل مخلوق ما سوى اإلنس
والجان مفطورون على تعظيم الحق والتسبيح بحمده ،وكذلك أعضاء جسد اإلنس
والجان كلها ولكن ال على جهة التقريب وابتغاء المنزلة العظمى ،بل التسبيح لهم
كاألنفاس من المتنفسين لما تستحقه الذات ،وهكذا يكون تسبيح اإلنس والجان في
الجنة والنار ال على طريق القربة وال ينتج لهم قربة ،بل كل واحد منهم على مقام
معلوم ،فتصير العبادة طبيعية تقتضيها حقائقهم ،ويرتفع التكليف وال يتصور منهم
ّللا إذا ورد عليهم ،وال يبقى هنالك نهي أصال بعد قوله ألهل النار ( مخالفة ألمر ه
ون )وكالمنا إذا نزل الناس منازلهم في كل دار وغلقت األبواب سؤُا ِفيها َوال ت ُ َك ِله ُم ِ ْ
اخ َ
واستقرت الداران بأهلها الذين هم أهلها ،وعلى ذلك فكل جزء من العالم مسبح هّلل ه
تعالى ،وكل شيء ينزه ربه من كافر وغير كافر ،فإن أعضاء الكافر كلها مسبحة هّلل
،ولهذا يشهد عليه يوم القيامة جلده وسمعه وبصره ويده ورجله ،غير أن العالم ال
يفقهون هذا التسبيح وسريان هذه العبادة في الموجودات ،فلم يبق كافر وال مؤمن إال
وقد شملت تفاصيله هذه اآلية ،ولكن أكثر الناس ال يعلمون ،ألنهم ال يسمعون وال
يشهدون ،وعلماء الرسوم يخرجون هذا على أنه لسان حال ،وكذلك قوله تعالى( ِإنَّا
ض َو ْال ِجبا ِل فَأَبَيْنَ أ َ ْن يَ ْح ِم ْلنَها َوأ َ ْشفَ ْقنَ ِم ْنهات َو ْاأل َ ْر ِ علَى ال َّ
سماوا ِ ضنَا ْاألَمانَةَ َع َر ْ َ
)فجعلوا هذه اإلباية واإلشفاق حاال ال حقيقة ،وكذلك قوله عنهما( أَتَيْنا طائِ ِعينَ )قول
حال ال قول خطاب ،وهذا كله ليس بصحيح وال مراد في هذه اآليات ،بل األمر على
ظاهره كما ورد ،ولو كان تسبيح حال كما يزعم بعض علماء النظر لم تكن فائدة في
ّللا ال للجزاء ،ألنه قوله« َول ِك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْس ِبي َح ُه ْم »يريد بذلك التسبيح الثناء على ه
في عبادة ذاتية ال يتصور معها طلب مجازاة ،وقد يعذر علماء
ص 545
ص 545 :
الرسوم فإن التسبيح هنا نسب إلى من ال ينسب إليه قول وال نطق ،وهو التسبيح الذي
ال يفقه ،وما قال ال يسمع ،إذ الكالم أو القول هو الذي من شأنه أن يتعلق به السمع ،
والتسبيح لو كان قوال أو كالما لنفى عنه سمعنا ،وإنما نفى عنه فقهنا وهو العلم ،
ّللا حي ،فإنه والعلم قد يكون عن كالم وقول وقد ال يكون ،والتحقيق أن كل ما سوى ه
ما من شيء إال يسبح بحمده ،وال يكون التسبيح إال من حي عاقل عالم بمسبحه ،فإذا
ّللا بحمده ،وال يسبحه إال حي سواء كان ميتا أو غير ميت فإنه ما ث هم إال من يسبح ه
حي ،ألن الحياة لألشياء فيض من حياة الحق عليها ،فهي حية في حال ثبوتها ،ولوال
حياتها ما سمعت قوله ( ُك ْن )بالكالم الذي يليق بجالله فكانت ،وقوله تعالى« َو ِإ ْن ِم ْن
ّللا قد أخذ بأسماعنا عن تسبيح الجمادات ش ْيءٍ * » والشيء أنكر النكرات ،وإن كان ه َ
والنبات والحيوان الذي ال يعقل كما أخذ بأبصارنا عن إدراك حياة الجماد والنبات ،إال
ّللا عليه وسلم ومن حضره من أصحابه حين ّللا صلهى ه
ّللا له العادة كرسول ه
لمن خرق ه
ّللا تسبيح الحصى ،فما كان خرق العادة في تسبيح الحصى وإنما انخرقت أسمعهم ه
ّللا
العادة في تعلق أسماعهم به ،روي في الصحيح أن الحصى سبح في كف رسول ه
ّللا عليه وسلم ،فجعل الناس خرق العادة في تسبيح الحصى ،وأخطئوا ،وإنما صلهى ه
ّللا ،فالذي سمع خرق العادة في سمع السامعين ذلك ،فإنه لم يزل مسبحا كما أخبر ه
س ِبه ُح ِب َح ْم ِد ِه
السامع كونه سمع نطق ما لم تجر العادة أن يسمعه ،فقوله تعالى« يُ َ
»تسبيح نطق يليق بذلك الشيء ال تسبيح حال ،ولهذا قال« َول ِك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْسبِي َح ُه ْم
»الختالف ما يسبحون به إال لمن سمعه ،فهذا التسبيح ال يفقه بالنظر العقلي من جهة
ّللا على بعض عباده بعلم ذلك ،فالكل ناطق وتقع العين على الفكر والنظر إال أن ه
يمن ه
ناطق وصامت ،فالمؤمن يدرك ذلك إيمانا وصاحب الكشف يدرك الكيفية ،والكشف
ّللا من شاء من عباده ،فكل نطق في الوجود تسبيح وإن انطلق ّللا يمنحها ه
منحة من ه
عليه اسم الذم ،وجاء بضمير الجمع في «ت َ ْفقَ ُهونَ »وما يشير إليه هذا الضمير إنما هم
ّللا إال بعض الناس ،فالخلق عبد بالذات الناس خاصة ،فجميع المخلوقات عبدوا ه
أثرت فيه العوارض وال سيما الشخص اإلنساني ،بل ما أثرت العوارض إال في
الشخص اإلنساني وحده دون سائر الخلق ،وما سواه فعلى أصله من تنزيه خالقه عن
الشريك« ِإنَّهُ كانَ َح ِليما ً »فلم يعجل عليكم بالعقوبة ،وبإمهالكم حيث لم يؤاخذكم
ّللا ما خلق شيئا
سريعا بما رددتم من ذلك وقلتم إنه تسبيح حال ،فإن ه
ص 546
ص 546 :
من الكون إال حيا ناطقا جمادا كان أو نباتا أو حيوانا في العالم األعلى واألسفل ،فكل
شيء من عالم الطبيعة جسم متغذ ،فهو حيوان ناطق بين جلي وخفي ،والكل حيوان
ّللا تعالى ،ولما كان األمر هكذا ،جاز بل وقع وصح أن يخاطب ناطق مسبح بحمد ه
الحق جميع الموجودات ويوحي إليها من سماء وأرض وجبال وشجر وغير ذلك من
الموجودات ،ووصفها بالطاعة لما أمرها به واإلباية لقبول عرضه ،وأسجد له كل
شيء ،ألنه تجلى لكل شيء وأوحى إلى كل شيء بما خاطب ذلك الشيء به ،تقول
ش ْيءٍ )طقَ ُك َّل َ ّللاُ الَّذِي أ َ ْن َ الجلود يوم القيامة( أ َ ْن َ
طقَنَا َّ
فع همت فكانت الجلود أعلم باألمر ممن جعل النطق فصال مقوما لإلنسان خاصة ،
ّللا تعالى ما قال« وعرى غير اإلنسان عن مجموع حده من الحيوانية والنطق ،فإن ه
َول ِك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْس ِبي َح ُه ْم »إال في معرض الرد على من يقول إنه تسبيح حال ،فإن
ّللا في قوله
العالم كله قد تساوى في الداللة ،فمن يقول بتسبيح الحال فقد أكذب ه
غفُورا ًتعالى« ال ت َ ْفقَ ُهونَ »ولذلك قال تعالى« إِنَّهُ كانَ َح ِليما ً »وأما قوله تعالى« َ
»حيث ستر عنكم تسبيح هؤالء فلم تفقهوه ،فكان غفورا أي ساترا نطقهم عن أن
ّللا له العادة ،ومن هذه اآلية نعلم أن سر الحياة تتعلق به األسماع إال لمن خرق ه
اإللهية سرى في جميع الموجودات فحييت بحياة الحق ،فمنها ما ظهرت حياتها
ّللا فإنه
ّللا بأبصارنا عنها في الدنيا ،إال األنبياء وبعض أولياء ه ألبصارنا ومنها ما أخذ ه
كشف لهم عن حياة كل شيء ،ولسريان هذه الحياة في أعيان الموجودات نطقت كلها
مسبحة بالثناء على موجدها ،وهذه الحياة وباقي الصفات نسب وإضافات وشهود
ّللا هو العلي الكبير عن الحلول والمحل ،وعن ذلك نزهته األشياء في حقائق ،فإن ه
تسبيحها فإن التسبيح تنزيه ،فإن المولدات في عالم العناصر ثالثة عوالم طبيعية ،
ويسري في كل عالم مولد من هذه الثالثة أرواح ،هي نفوس هذه المولدات ،بها تعلم
خالقها ومنشئها ،وبها سرت الحياة فيها كلها ،وبها خاطبها الحق وكلفها ،وهو
رسول الحق إليها وداع كل شخص منه إلى ربه ،فما بطنت حياته س همي جمادا ونباتا
،وانفصل هذان المولدان ،وتميزوا بالنمو والغذاء ،فقيل في النامي منه نبات وفي
غير النامي جماد ،وما ظهرت حياته وحسه سمي حيوانا ،والكل قد عمته الحياة ،
ّللا األمور بالفطرة من حيث ال فنطق بالثناء على خالقه من حيث ال نسمع ،وعلهمهم ه
نعلم ،فلم يبق رطب وال يابس وال حار وال بارد وال جماد وال نبات وال حيوان إال
وهو مسبح هّلل تعالى بلسان خاص بذلك الجنس ،فكل جسم في
ص 547
ص 547 :
[ الفرق بين روح التدبير وروح التسبيح ]
العالم مقيد بصورة روح إلهي يالزم تلك الصورة ،به تكون مسبحة هّلل ،فمن األرواح
ما تكون مدبرة لتلك الصورة لكون الصورة تقبل تدبير األرواح ،وهي كل صورة
تتصف بالحياة الظاهرة والموت ،فإن لم تتصف بالحياة الظاهرة والموت فروحها
روح تسبيح ال روح تدبير ،فما من صورة في العالم -وما العالم إال صور -إال وهي
مسبحة خالقها بحمد مخصوص ألهمها إياه ،وما من صورة في العالم تفسد إال وعين
فسادها ظهور صورة أخرى في تلك الجواهر ،عينها مسبحة هّلل تعالى حتى ال يخلو
الكون كله عن تسبيح خالقه ،فتسبحه أعيان أجزاء تلك الصورة بما يليق بتلك الصورة
،واألرواح الجزئية متفاضلة بالعلم باألشياء ،فمنهم من له علم بأشياء كثيرة ،ومنهم
باّلل من أرواح الصور التي الحظ لها في التدبير ،
من ال يعلم إال القليل ،وال أعلم ه
باّلل أرواح
لكون الصورة ال تقبل ذلك وهي أرواح الجماد ،ودونهم في رتبة العلم ه
باّلل أرواح الحيوان ،وكل واحد من هؤالء مفطور على العلم النبات ودونهم في العلم ه
باّلل والمعرفة به ،ولهذا ما لهم ه هم إال التسبيح بحمده تعالى ،ودون هؤالء في العلم
ه
باّلل ال عقول باّلل أرواح اإلنس ،وأما المالئكة فهم والجمادات مفطورون على العلم هه
باّلل وعلى الشهوة ،واإلنس والجن
لهم وال شهوة ،والحيوان مفطور على العلم ه
مفطورون على الشهوة والمعارف من حيث صورهم ال من حيث أرواحهم ،وجعل
ّللا لهم العقل ليردوا به الشهوة إلى الميزان الشرعي ويدفع عنهم به منازعة الشهوة في ه
ّللا
ّللا لهم العقل القتناء العلوم ،والذي أعطاهم ه
غير المحل المشروع لها ،لم يوجد ه
القتناء العلوم إنما هي القوة المفكرة ،فلذلك لم تفطر أرواحهم على المعارف كما
فطرت أرواح المالئكة وما عدا الثقلين ،فإذا علمت هذا علمت أن العالم كله ما عدا
اإلنس والجان مستوفي الكشف لما غاب عن اإلحساس البشري ،فال يشاهد أحد من
ّللا بها ،كما أن كلاإلنس والجن ذلك الغيب إال في وقت خرق العوائد لكرامة يكرمه ه
جماد ونبات وحيوان في العالم كله ،وفي عالم اإلنسان والجن وأجسام المالئكة
واألفالك ،وكل صورة يدبرها روح محسوسا كان ذلك التدبير فيمن ظهرت حياته أو
غير محسوس فيمن بطنت حياته -كأعضاء اإلنسان وجلوده وما أشبه ذلك -كل
هؤالء في محل كشف الغيوب اإللهية ،المستورة عن األرواح المدبرة لهذه األجسام
من ملك وإنس وجن ال غير ،فإنها محجوبة عن إدراك هذا الغيب اإللهي ،وهو من
ّللا به إال من ذكرناهم ،فإنهم
الغيوب اإللهية فيجهل كل روح مثل هذا إال أن يعرفه ه
يعرفونه بالفطرة التي فطرهم
ص 548
ص 548 :
ّللا عليها .واعلم أن الكشف ال سبيل إلى حصوله إال بعناية أزلية تعطيك استعدادا تاما ه
لقبوله ،برياضات نفسية ومجاهدات بدنية وتخلق بأسماء إلهية ،وتحقق بأرواح
طاهرة ملكية وتطهير بطهارة شرعية مشروعة ال معقولة ،وعدم تعلق بأكوان وتفريغ
نوره باإليمان محل عن جميع األغيار ،ألن الحق ما اصطفى لنفسه منك إال قلبك حين ه
فوسع جالل الحق ،فعاين من هذه صفته الممكنات بعين الحق ،فكانت له مشهودة
وإن لم تكن موجودة ،فما هي له مفقودة ،وقد كشف لبصيرته بل لبصره وبصيرته
نور اإليمان حين انبسط على أعين الممكنات أنها في حال عدمها مرئية رائية مسموعة
سامعة برؤية ثبوتية وسمع ثبوتي ال وجود له ،فعيهن الحق ما شاء من تلك األعيان ،
فوجه عليه دون غيره من أمثاله قوله المعبر عنه باللسان العربي المترجم بكن ،
فأسمعه أمره ،فبادر المأمور فتكون عن كلمته ،ال بل كان عين كلمته ،ولم تزل
الممكنات في حال عدمها األزلي لها تعرف الواجب الوجود لذاته وتسبحه وتمجده
بتسبيح أزلي وتمجيد قديم ذاتي وال عين لها موجودة وال حكم لها مفقود ،فإذا كان
حال الممكنات كلها على ما ذكرناه من هذه الصفات التي ال هل معها ،فكيف تكون
في حال وجودها وظهورها لنفسها ،جمادا ال ينطق ؟ أو نباتا بتعظيم خالقه ال يتحقق ؟
أو حيوانا بحاله ال يصدق ؟ أو إنسانا بربه ال يتعلق ؟ هذا محال ،فال بد أن يكون كل
ّللا بحمده بلسان ال يفقه ،ولحن ما إليه كل أحد ما في الوجود من ممكن موجود يسبح ه
يتنبه ،فيسمعه أهل الكشف شهادة ،ويقبله المؤمن إيمانا وعبادة ،فقال تعالى َ «:وإِ ْن
غفُورا ً »فجاء باسم ش ْيءٍ إِ َّال يُ َ
س ِبه ُح بِ َح ْم ِد ِه َول ِك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْسبِي َح ُه ْم إِنَّهُ كانَ َح ِليما ً َ ِم ْن َ
الحجاب والستر ،وهو قوله غفورا ،وجاء باالسم الذي يقتضي تأخير المؤاخذة إلى
اآلجل وعدم حكمها في العاجل ،وهو الحليم ،لما علم أن في عباده من حرم الكشف
واإليمان ،وهم العقالء عبيد األفكار ،والواقفون مع االعتبار ،فجازوا من الظاهر
إلى الباطن مفارقين الظاهر ،فعبروا عنه إذ لم يكونوا أهل كشف وال إيمان ،لما
ّللا أعينهم عن مشاهدة ما هي عليه الموجودات في أنفسها ،وال رزقوا إيمانا حجب ه
في قلوبهم يكون له نور يسعى بين أيديهم .
وأما المؤمنون الصادقون أولو العزم من األولياء ،فعبروا بالظاهر معهم ال من
الظاهر إلى الباطن ،وبالحرف عينه إلى المعنى ،ما عبروا عنه ،فرأوا األمور
بالعينين ،وشهدوا بنور إيمانهم النجدين ،فلم يتمكن لهم إنكار ما شهدوا ،وال جحدوا
ّللا نطق ما تيقنوه ،فأسمعهم ه
ص 549
ص 549 :
دراكة بحياة ثبوتية الموجودات ،ال بل نطق الممكنات قبل وجودها ،فإنها حية ناطقة ه
ونطق ثبوتي ،إذ كانت في أنفسها أشياء ثبوتية ،فلما قبلت الوجود قبلته بجميع نعوتها
وصفاتها -وليس نعتها سوى عينها -فهي في حال شيئية وجودية حية بحياة وجودية
ّللا أسرى بسر الحياة في دراكة بإدراك وجودي ،فلو ال أن ه ي ه ناطقة بنطق وجود ه
ّللا
الموجودات ما كانت ناطقة ،ولوال سريان العلم فيها ما كانت ناطقة بالثناء على ه
س ِبه ُح بِ َح ْم ِد ِه »فأتى بلفظ النكرة وما خص شيئا ش ْيءٍ إِ َّال يُ َ موجدها ،ولهذا قال« َوإِ ْن ِم ْن َ
ثابتا من شيء موجود ،ألنها قبلت شيئية الوجود على الحال التي كانت عليها في
ّللا أخذ بأبصار بعض عباده عن إدراك هذه الحياة السارية شيئية الثبوت ،إال أن ه
ّللا ببصائر أهل العقول والنطق واإلدراك الساري في جميع الموجودات ،كما أخذ ه
واألفكار عن إدراك ما ذكرناه في جميع الموجودات وفي جميع الممكنات ،وأهل
الكشف واإليمان على علم مما هو األمر عليه في هذه األعيان في حال عدمها
ووجودها ،فمن ظهرت حياته سمي حيا ومن بطنت حياته فلم تظهر لكل عين سمي
نباتا وجمادا ،فانقسم عند المحجوبين األمر وعند أهل الكشف واإليمان لم ينقسم ،فأما
أصحاب الكشف والشهود أهل االختصاص فقد أعطاهم الشهود ،وما أعطى
المحجوبين شهودهم ،فيقول أهل الشهود :سمعنا ورأينا .ويقول المحجوبون :ما
سمعنا وال رأينا .
ش ْيءٍ إِ َّال يُ َ
س ِبه ُح بِ َح ْم ِد ِه ويقول أهل اإليمان :آمنا وصدقنا ،قال تعالى َ «:وإِ ْن ِم ْن َ
ض ت َو َم ْن فِي ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ »وشيء نكرة وقال )أ َ لَ ْم ت َ َر أ َ َّن َّ َ
ّللا يَ ْس ُج ُد لَهُ َم ْن فِي ال َّ
ش َج ُر َوالد ََّوابُّ ) س َو ْالقَ َم ُر َوالنُّ ُجو ُم َو ْال ِجبا ُل َوال َّ َوال َّ
ش ْم ُ
فذكر الجماد والنبات والحيوان الذين وقع فيهم الخالف بين المحجوبين من أهل العقول
واألفكار وبين أهل الشهود واإليمان ،وغير ذلك من اآليات القرآنية ،
ّللا عليه وسلم أنه قال [ :يشهد للمؤذن مدى صوته من رطب وقد صح عنه صلهى ه
ويابس ] وقال في أحد [ :هذا جبل يحبنا ونحبه ]
ي قبل أن أبعث ] وقال [ :إني ألعرف حجرا بمكة كان يسلم عل ه
ثم أنه قد صح أن الحصى سبح في كفه ،وصح حنين الجذع إليه ،إلى غير ذلك من
ّللا وال يسبح إال من يعقل من يسبحه ، األحاديث الكثيرة ،فكل شيء حي مسبح بحمد ه
فاّلل تعالى يرزقنا اإليمان إذا لم نكن من أهل العيان والكشف ويثني عليه بما يستحقه ،ه
ّللا عنها أهل العقول الذين تعبدتهم أفكارهم وغير والشهود لهذه األمور ،التي أعمى ه
ّللا على قلوبهم ،فمن علم أن كل شيء ناطق ناظر إلى ربه المؤمنين الذين طمس ه
لزمه الحياء من كل شيء ،حتى من نفسه
ص 550
ص 550 :
[ دور العقل في اإلنس والجن ]
وجوارحه ،فكل شيء في العالم يقال فيه عند أهل النظر وفي العامة إنه ليس بحي وال
ّللا عندنا قد فطره ل هما خلقه على المعرفة به والعلم ،وهو حي ناطق حيوان ،فإن ه
بتسبيح ربه ،يدركه المؤمن بإيمانه ويدركه أهل الكشف عينا ،وأما الحيوان ففطره
ونطقه بتسبيحه ،وجعل له شهوة لم تكن لغيره من المخلوقات ، ه ّللا على العلم به تعالى ه
وفطر المالئكة على المعرفة واإلرادة ال الشهوة ،وفطر الجن واإلنس على المعرفة
والشهوة -وهو تعلق خاص في اإلرادة -ألن الشهوة إرادة طبيعية ،فليس لإلنس
والجن إرادة إلهية كما للمالئكة بل إرادة طبيعية تسمى شهوة ،وفطرهما على العقل ال
ّللا آلة لإلنس والجن ليردعوا به الشهوة في هذه الدار الكتساب العلم ،ولكن جعله ه
خاصة ال في الدار اآلخرة ،فإذا استفاد اإلنسان أو الجان علما من غير كشف فإن ذلك
ّللا فيه من قوة الفكر ،فكل ما أعطاه الفكر للنفس الناطقة وكان علما في مما جعل ه
نفس األمر فهو من الفكر بالموافقة ،فالعلوم التي في اإلنسان إنما هي بالفطرة
ّللا
والضرورة واإللهام ،والكشف الذي يكون له إنما يكشف له عن العلم الذي فطره ه
عليه ،فيرى معلومه وأما بالفكر فمحال الوصول به إلى العلم ،وأما اإللهام واإلعالم
اإللهي فتتلقاه النفس الناطقة من ربها كشفا وذوقا من الوجه الخاص الذي لها ولكل
ّللا ،فالفكر الصحيح ال يزيد على اإلمكان وما يعطي إال هو ،ومن علم موجود سوى ه
باّلل ولما خلقت له ، البهائم ه
ّللا عليه وسلم [ :إن بقرة في زمن بني إسرائيل حمل عليها ّللا صلهى ه
ما قاله رسول ه
صاحبها ،فقالت :ما خلقت لهذا ،وإنما خلقت للحرث ،فقال الصحابة :أبقرة تكلم ؟
ّللا عليه وسلم :آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر ] ّللا صلهى ه فقال رسول ه
ّللا على رجل راكب على حمار وهو يضرب رأس الحمار حتى ومر بعض أهل ه
يسرع في المشي ،فقال له الرجل :لم تضرب على رأس الحمار ؟
فقال له الحمار :دعه فإنه على رأسه يضرب .فهذا حمار قد علم ما تؤول إليه األمور
ّللا
بالفطرة ،وكان ابن عطاء راكبا على جمل فغاصت رجل الجمل ،فقال ابن عطاء ه
باّلل من ابن ّللا يزيد على إجاللك .فكان الجمل أعلم ه ّللا ،فقال الجمل :جل ه :جل ه
عطاء ،فاستحى ابن عطاء ،فهذه البهائم تعرفك وتعرف ما يؤول إليه أمرك ،
ّللا تعالى لك( َوما َخلَ ْقتُ ْال ِج َّن
وتعرف ما خلقت له ،وأنت جهلت هذا كله مع قول ه
ّللا لنا ما هي ُون )فانظر يا محجوب أين مرتبتك من البهائم ؟ فكم بيهن ه س ِإ َّال ِليَ ْعبُد ِ َو ْ ِ
اإل ْن َ
باّلل والطاعة له والقيام بحقه وال نؤمن وال نسمع ،ورجحنا المخلوقات عليه من العلم ه
عرفنا به سنا على اإليمان بما ه ح ه
ص 551
ص 551 :
ّللا ،وقد وردت ّللا مسبح بحمد ه
ربنا ،لما لم نشاهد ذلك مشاهدة عين ،فكل ما سوى ه
األخبار بحياة كل رطب ويابس وجماد ونبات وأرض وسماء ،وهنا وقع الخالف بين
أهل الكشف واإليمان وبين من ال يقول بالشرائع أو من يتأول الشرائع على غير ما
جاءت له ،فيقولون إنه تسبيح حال ،وأما ما أدرك الحس حياته فال خالف في حياته ،
وإنما الخالف في سبب حياته ما هو ؟
وفي تسبيحه بحمد ربه لما ذا يرجع ؟
إذ ال يكون التسبيح إال من حي عاقل يعقل ذلك ،وما عدا اإلنسان والجن من الحيوان
ليس بعاقل عند المخالف ،بخالف ما يعتقده أهل الكشف واإليمان الصحيح ،فيدرك
المكاشف الحياة الذاتية التي في األجسام ،وهي صفة نفسية لها بها تسبح ربها دائما ،
سواء كانت أرواحها المدبرة فيها أو لم تكن ،فالحياة الذاتية لكل جوهر فيه غير زائلة
ّللا بأبصار بعض الخلق عنها ،بها تشهد الجلود يوم ،وبتلك الحياة الذاتية التي أخذ ه
القيامة على الناس واأللسنة واأليدي واألرجل ،وبها تنطق فخذ الرجل في آخر
الزمان فتخبر صاحبها بما فعل أهله ،وبها تنطق الشجرة في آخر الزمان إذا اختفى
اليهود حين يطلبهم المسلمون للقتل ،وإنما كانت هذه الحياة في األشياء ذاتية ألنها عن
التجلي اإللهي للموجودات كلها ،ألنه خلقها لعبادته ومعرفته ،ودوام التجلي أعطاها
الحياة الذاتية الدائمة ،وبهذه الحياة يسبح كل شيء ،فالعالم كله -الذي هو عبارة عن
ّللا -حيوان ناطق ،لكن تختلف أجسامه وأغذيته وحسه ،فهو الظاهر كل ما سوى ه
بالصورة الحيوانية وهو الباطن بالحياة الذاتية ،فأنطق الحق العالم كله بالتسبيح بحمده
بلسان فصيح ينسب إليه بحسب ما تقتضيه حقيقته ،وكل موجود من األجسام له لطيفة
روحانية إلهية تنظر إليه من حيث صورته ال بد من ذلك ،والتسبيح تنزيه ما هو ثناء
بأمر ثبوتي ،ألنه ال يثنى عليه إال بما هو أهل له ،وما هو له ال يقع فيه المشاركة ،
وما أثني عليه إال بأسمائه ،وما من اسم له سبحانه عندنا معلوم إال وللعبد التخلق به
واالتصاف به على قدر ما ينبغي له ،فلما لم يتمكن في العالم أن يثني عليه بما هو
س ِبه ُح
أهله ،جعل الثناء عليه تسبيحا من كل شيء ،ولهذا أضاف الحمد إليه فقال« يُ َ
بِ َح ْم ِد ِه »أي بالثناء الذي يستحقه وهو أهله ،وليس إال التسبيح ،فإنه سبحانه يقول(
سبْحانَ َر ِبه َك َربه ِ ْال ِع َّزةِ )والعزة المنع من الوصول إليه بشيء من الثناء عليه الذي ال ُ
صفُونَ )وكل مثن واصف ،فذكر سبحانه تسبيحه في كل حال ومن ع َّما يَ ِيكون إال له( َ
س ْب ُع َو ْاأل َ ْر ُ
ض س ِبه ُح لَهُ ال َّ
سماواتُ ال َّ كل عين ،فقال( ت ُ َ
ص 552
ص 552 :
ّللا على ما قررناه لم يتمكن َو َم ْن فِي ِه َّن )وما ثم إال هؤالء ،ولما كان األمر بالثناء على ه
لنا أن نستنبط له ثناء ،فإن كان التسبيح ثناء ،فقد قيد ثناء كل موجود في العالم بقوله
تعالى « بحمده » فقيد تسبيح كل شيء بحمده المضاف إليه ،أي الثناء الذي أثنى به
على نفسه ،وهو الذي أنزله من عنده ،في كتبه وعلى ألسنة رسله ،على حد ما
ش ْيءٍ ِإ َّال يُ َ
س ِبه ُح ِب َح ْم ِد ِه يعلمه هو ال على حد ما نفهمه ،فإنه تعالى نبهه بقوله« َو ِإ ْن ِم ْن َ
»إال هذا اإلنسان فإن بعضه يسبحه بغير حمده ،فنحن نكون في الثناء عليه بما أثنى
به على نفسه حاكين تالين ،ألن الثناء على المثنى عليه مجهول الذات ،ال يقبل
الحدود والرسوم ،وال يدخل تحت الكيفية ،وال يعرف كما هو عليه في نفسه ،وهو
الغني عن العالمين ،فال تدل على المعرفة به الدالالت ،وإنما تدل على استنادنا إليه
من حيث ال يشبهنا أو ال يقبل وصفنا ،وما من اسم إلهي إال ونتصف به ،فما تلك هي
المعرفة المقصودة التي يعلم بها نفسه ،فشرع التسبيح وفطر عليه كل شيء ،وهو
ّللا
نفي عن كل وصف ال إثبات ،فالتسبيح تنزيه ونفي ال إثبات ،والثناء على ه
بالتسبيح ال تكل به األلسنة ،وهو تسبيح كل ما سوانا ،أي األنفس الناطقة ،فإنا ال
نفقه تسبيحهم إال إذا أعلمنا به ،فالمحامد ال تقف عند حد ،والمسبهح ال يسبحه إال
بحمده ،بخالف الثناء باألسماء ،فإن األلسنة ( أي ألسنة األنفس الناطقة ) تكل وتعيا
ّللا عليه وسلم خاتما عند اإلعياء والحصر [ ال أحصي وتقف فيها ،ولهذا قال صلهى ه
ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ] ،وتتبعنا الكتاب والسنهة في التسبيح إذا سبح به
المسبح -أعني بلفظه الخاص به الدال عليه -فوجدناه أنه ال بد أن يقيد باسم من
األسماء اإللهية الظاهرة أو المضمرة والمضافة والمطلقة ،فطلبنا هذه األسماء
ّللا ،والرب المضاف ،واالسم الناقص ،واالسم المضمر كالهاء فوجدناها تدور على ه
سبْحانَ َر ِبه َك سونَ )والرب قوله( ُ ّللا ِحينَ ت ُ ْم ُ فاّلل يقول (فَ ُ
سبْحانَ َّ ِ ،والملك والعلي ،ه
سبْحانَ الَّذِي أَسْرى ِبعَ ْب ِد ِه )
)واالسم الناقص( ُ
والمضمر قوله ( سبحانه وتعالى ) والملك مثل الذي ورد في السنة ( سبحان الملك
القدوس ) والعلي كما ورد في السنة ( سبحان العلي األعلى )
وقد ورد من غير تقييد في السنة مثل قول ( سبوح ) وهذا ذكر المذكور ،ونتيجته
أعظم النتائج ،ألنه كناية عن عين المسبهح بالتسبيح ،فاسمه هنا عينه ،وهذا أكمل
تسبيح العارفين ،ألنه غاب عن االسم فيه بالمس همى ،ولما كان التسبيح بحمده قربة به،
ّللا والحمد هّلل أنهما ّللا عليه وسلم [ :سبحان ه ّللا صلهى ه فقال في الصحيح عن رسول ه
يمْلن أو يمْل ما بين
ص 553
ص 553 :
ّللا وبحمده ،فإن الحمد هّلل تمأل الميزان ،فإنها السماء واألرض ] وأراد قوله :سبحان ه
ّللا بما أثنى به على نفسه آخر ما يجعل في الميزان فبها يمتلئ ،فالعارف من سبح ه
وما استنبط شيئا ،ولهذا قال تعالى َ «:ول ِك ْن ال ت َ ْفقَ ُهونَ ت َ ْس ِبي َح ُه ْم »فدل على أن كل
شيء يسبح إلهه بما تقرر عنده منه مما ليس عند اآلخر ،فلو كان تسبيحهم راجعا إلى
أمر واحد لم يجهل أحد تسبيح غيره ،وفي ذلك إشارة إلى الذين استنبطوا الثناء عليه
ّللا
تعالى بعقولهم فنسوا قوله تعالى « بحمده » فحجبهم عن ذلك أدلة عقولهم ،إذ ستر ه
عنها ذلك بستر أفكارهم فلم يؤاخذهم على ذلك لقوله ِ «:إنَّهُ كانَ َح ِليما ً »فلم يؤاخذ مع
القدرة على ما تركتم من الثناء عليه بما أثنى به على نفسه ،ولم يعجل عليكم بالعقوبة
فيمن يزعم أنه على وصف كذا خاصة وما هو على وصف كذا ،فكان حليما مع ما
غفُورا ً »بما ستره عنكم من علم ذلك ممن هو بهذه في ذلك من سوء األدب منكم« َ
المثابة ،فوصف نفسه تعالى في آخر هذه اآلية بأنه غفور لما ستر به قلوبهم عن العلم
به إال من شاء من عباده ،فإنه أعطاه العلم به على اإلجمال ،فإذا أراد العبد نجاة نفسه
ّللا في ذلك ّللا إال بحمده ،كان ما كان ،على علم ه وتحصيل أسباب سعادته ،فال يحمد ه
من غير تعيين ،فإذا قام فضول باإلنسان واستنبط له ثناء لم يجئ بذلك اللفظ خطاب
إلهي فما سبحه بحمده بل بما استنبطه من عنده ،فينقص عن درجة ما ينبغي ،فقل ما
ّللا خلق العالمقاله عن نفسه وال تزد في الرقم وإن كان حسنا تكن من أهل الحق ،فإن ه
للتسبيح بحمده ال ألمر آخر ،فالعالم ال يفتر عن التسبيح طرفة عين ألن تسبيحه ذاتي
كالنفس للمتنفس ،وهذه اآلية إخبار من الحق عن األشياء أنها تنزه بحمده أي بالثناء
ّللا أنه أمرهم بتسبيحه ،بل أخبر أنهم يسبحون بحمده عليه ،والتنزيه البعد ،وما ذكر ه
ّللا في تالوتك لما يقول ربك عن نفسه وما يقوله العالم عنه ، ،فاجعل بالك لقول ه
وفرق ،وال تحتج فيه إال بما قاله عن نفسه ال بما يحكيه من قول العالم فيه ،تكن من ه
ّللا وخاصته -نصيحة -لما كان المؤمن ال يشك في أن كل أهل القرآن الذين هم أهل ه
شيء مسبح ،وكل مسبح حي عقال ،فإن أهل الورع يتورعون عن صيد الحيوان كما
يفعل الملوك ومن ال حاجة له بذلك ،للفرجة واللهو واللعب ،فقد ورد أن العصفور
يأتي يوم القيامة فيقول :يا رب سل هذا لم قتلني عبثا ؟ وكذلك من يقطع شجرة لغير
ّللا.
منفعة أو ينقل حجرا لغير فائدة تعود على أحد من خلق ه
ص 554
ص 554 :
[ سورة اْلسراء ( : ) 17اآليات 45إلى ] 46
ستُورا ً ( ) 45 ون ِب ْاآل ِخ َر ِة ِحجابا ً َم ْ آن َجعَ ْلنا بَ ْينَكَ َوبَ ْي َن الهذ َ
ِين ال يُ ْؤ ِمنُ َ َوإِذا قَ َرأْتَ ا ْلقُ ْر َ
َو َجعَ ْلنا عَلى قُلُو ِب ِه ْم أ َ ِكنهةً أ َ ْن يَ ْفقَ ُهوهُ َوفِي آذانِ ِه ْم َو ْقرا ً َو ِإذا ذَك َْرتَ َربهكَ فِي ا ْلقُ ْر ِ
آن
ْبار ِه ْم نُفُورا ً ( ) 46 َوحْ َد ُه َوله ْوا عَلى أَد ِ
[ آيتان أمان من الوسواس ]
على أ َ ْد ِ
بار ِه ْم من قرأ هاتين اآليتين كانتا له أمانا من الوسواس ،وقوله تعالى َ «:ولَّ ْوا َ
نُفُورا ً »ألنهم لم يسمعوا بذكر شركائهم واشمأزت قلوبهم ،هذا مع علمهم بأنهم هم
الذين وضعوها آلهة ،ولهذا قال :سموهم ،فإنهم إن سموهم قامت الحجة عليهم .
ص 555
ص 555 :
ض"] على بَ ْع ٍ ض النَّبِ ِيهينَ َ[" َولَقَ ْد فَض َّْلنا بَ ْع َ
ض »مع أن النبوة موجودة ،فما زالوا في النبوة على بَ ْع ٍ ض النَّبِ ِيهينَ َ« َولَقَ ْد فَض َّْلنا بَ ْع َ
مع فضل بعضهم على بعض ،فتفضل منازلهم بتفاضلهم وإن اشتركوا في الدار ،
ض »بما يقتضيه الشرف مع اجتماعهم على بَ ْع ٍ فقوله تعالى« َولَقَ ْد فَض َّْلنا بَ ْع َ
ض النَّ ِب ِيهينَ َ
في درجة النبوة ،أي يزيد كل واحد على صاحبه برتبة تقتضي المجد والشرف ،أي
جعلنا عند كل واحد من صفات المجد والشرف ما لم نجعل عند اآلخر ،فقد زاد
بعضهم على بعض في صفات الشرف والمراتب التي فضلوا بها بعضهم على بعض ،
أي أعطينا هذا ما لم نعط هذا ،وأعطينا هذا ما لم نعط من فضله ولكن من مراتب
ّللا ،وآتينا عيسى البينات وأيدناه بروح القدس ،ومنهم من الشرف ،فمنهم من كلم ه
فضل بأن خلقه بيديه وأسجد له المالئكة ،ومنهم من فضل بالكالم القديم اإللهي
بارتفاع الوسائط ،ومنهم من فضل بالخلة ،ومنهم من فضل بالصفوة وهو إسرائيل
يعقوب ،فهذه كلها صفات شرف ومجد ،وال يقال :إن خلهته أشرف من كالمه وال أن
كالمه أفضل من خلقه بيديه ،بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة ال تقبل الكثرة وال
المفاضلة ،ومذهب الجماعة أن كل واحد من األنبياء فاضل مفضول ،فخص آدم بعلم
ّللا عليه وسلم بماّللا صلهى ه
األسماء اإللهية ،وخص موسى بالكالم ،وخص رسول ه
ّللا فضهل بعضهم على ذكر عن نفسه ،وخص عيسى بكونه روحا ،ومع علمنا بأن ه
بعض ،فله سبحانه أن يفضل بين عباده بما شاء ،وليس لنا ذلك ،فإنا ال نعلم ذلك إال
بإعالمه ،فإن ذلك راجع إلى ما في نفس الحق سبحانه منهم ،وال يعلم أحد ما في
ّللا صلهى ه
ّللا نفس الحق ،وال دخول هنا للمراتب الظاهرة والتحكم ،وقد نهى رسول ه
ّللا عليه وسلم عليهم إال بإعالمه عليه وسلم أن نفضل بين األنبياء وأن نفضله صلهى ه
ّللا فقد خان
أيضا ،وعيهن يونس عليه السالم وغيره ،فمن فضهل من غير إعالم ه
ّللا عليه وسلم -ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم وتعدى ما حده له رسول ه ّللا صلهى ه رسول ه
وجه في هذه المفاضلة -الرسالة ونبوة الشرائع المتعدية إلى األمم ،والخاصة بكل
نبي ،اختصاص إلهي في األنبياء والرسل ال ينال باالكتساب وال بالتعمل ،وخطاب
الحق قد ينال بالتعمل ،والذي يخاطب به إن كان شرعا يبلهغه أو يخصه ،ذلك هو
الذي نقول فيه :ال ينال بالتعمل وال بالكسب ،وهو االختصاص اإللهي المعلوم ،فكل
شرع ينال به عامله هذه المرتبة فإن نبي ذلك الشرع من أهل هذا المقام ،وهو زيادة
ّللا ونعمة ،وكل شرع ال ينال العامل به هذا المقام على شريعة نبوته له ،فضال من ه
فإن نبي ذلك الشرع لم يحصل له هذا المقام الذي
ص 556
ص 556 :
حصل لغيره من أنبياء الشرائع ،فهذا وجه من الوجوه التي قال تعالى فيها «َ :ولَقَ ْد
ضعلى بَ ْع ٍ س ُل فَض َّْلنا بَ ْع َ
ض ُه ْم َ ض »وقوله تعالى( تِ ْل َك ُّ
الر ُ على بَ ْع ٍ فَض َّْلنا بَ ْع َ
ض النَّبِ ِيهينَ َ
ط ِب ِه ُخبْرا ً )فإن موسى على ما لَ ْم ت ُ ِح ْ ْف ت َ ْ
ص ِب ُر َ )قال الخضر لموسى في هذا المقام( َو َكي َ
عليه السالم في ذلك الوقت لم يكن له هذا المقام الذي نفاه عنه العدل بقوله ،وتعديل
ّللا إياه بما شهد له به من العلم ،وما رد عليه موسى في ذلك وال أنكر عليه بل قال( ه
ْصي لَ َك أ َ ْمرا ً ). ّللاُ صابِرا ً َوال أَع ِ
ست َ ِج ُدنِي إِ ْن شا َء َّ َ
ص 557
ص 557 :
إن الرجاء كمثل الخوف في الحكم *** فاعزم عليه وكن منه على علم
إن الرجاء مقام ليس يعلمه *** إال أولو العلم بالرحمن والفهم
ص 558
ص 558 :
ولو كان السجود بعد ظهوره بالعلم ما أبى إبليس وال قال( أَنَا َخي ٌْر ِم ْنهُ ) *وال استكبر
ين ) نار َو َخلَ ْقتَهُ ِم ْن ِط ٍ ت ِطينا ً »وقال ( َخلَ ْقتَنِي ِم ْن ٍ عليه ،ولهذا قال« أ َ أ َ ْس ُج ُد ِل َم ْن َخلَ ْق َ
ّللا عنهم ،ولهذا قال تعالى في ّللا المالئكة بخالفته فقالوا ما أخبر ه *ثم بعد ذلك أعلم ه
بعض ما كرره من قصته« َو ِإ ْذ قُ ْلنا ِل ْل َمالئِ َك ِة ا ْس ُجدُوا ِآل َد َم » *فأتى بالماضي من
األفعال ،وبأداة إذ وهي لما مضى من الزمان ،فاجعل بالك لهذه المسألة ،لتعلم فضل
آدم بعلمه على فضله بالسجود له لمجرد ذاته ،ولما ذا نهي في الشرع أن يسجد إنسان
إلنسان ،فإنه سجود الشيء لنفسه ،فإنه مثله من جميع وجوهه ،والشيء ال يخضع
ّللا عليه وسلم في الرجل إذا لقي الرجل أينحني له ؟ قال لنفسه ،ولهذا لما سئل صلهى ه
:ال ،قيل له :أيصافحه ؟ قال :نعم .
[ سورة اْلسراء ( : ) 17آية ] 62
ي لَ ِئ ْن أ َ هخ ْرت َ ِن ِإلى يَ ْو ِم ا ْل ِقيا َم ِة َألَحْ ت َ ِنك هَن ذُ ِ ّريهتَهُ ِإاله قَ ِليالًعلَ هقا َل أ َ َرأ َ ْيت َكَ هذَا الهذِي ك هَر ْمتَ َ
) ( 62
فقال تعالى من كرمه إلبليس وعموم رحمته .
ص 559
ص 559 :
( َأل َ ْحتَنِ َك َّن ذُ ِ هريَّتَهُ )شقي بها ،كما تعب المكلف فيما سأله من التكليف ،فإبليس مصدهق
ّللا بشبهة في أمره في قوله( َو ِع ْد ُه ْم )فأخبر ه
ّللا تعالى هّلل فيما أخبر به عنه ممتثل أمر ه
ّللا تعالى ،وهو أمر إلهي يتضمن ْطان يَ ِع ُد ُك ُم ْالفَ ْق َر )فما جاء إبليس إال بأمر ه
شي ُ عنه( ال َّ
ّللا بإبليس بأن جعل له متعلقا يتعلق به في موطن خاص ، وعيدا وتهديدا ،ولكن لطف ه
فأدرج الرحمة من حيث ال يشعر بها ،ولو شعر إبليس بهذا االستدراج الرحماني ،ما
طلب الرحمة من عين المنة ،ولكن حجبته قرائن األحوال عن اعتبار صفة األمر
اإللهي ،وكان ابتالء شديدا في حقنا ،ليريه تعالى أن في ذرية آدم من ليس إلبليس
عليه سلطان وال قوة فقال تعالى .
ص 560
ص 560 :
أجل العلم الذي أعطاه التجلي اإللهي لقلوبهم ،وهذا ال يكون ألحد من األولياء إال لمن
سجد قلبه ،فإن الشيطان ال يعتزل عن اإلنسان إال في حال سجوده في الظاهر
ّللا
يال »فيحفظ ه والباطن ،فإن لم يسجد قلب الولي فليس بمحفوظ« َو َكفى ِب َر ِبه َك َو ِك ً
أولياءه من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ،إذ ال دخول للشيطان
خالق في هذه الدار بالعمل ّللا ه
على بني آدم إال من هذه الجهات ،واألديب من عباد ه
ّللا
ّللا الرحمن الرحيم ،ليسلم عمله من مشاركة الشيطان ،حيث أمره ه ببسم ه
بالمشاركة في األموال واألوالد ،فهو ممتثل هذا األمر حريص عليه ،ونحن
مأمورون باتقائه في هذه المشاركة ،فطلبنا ما نتقيه به لكونه غيبا عنا ال نراه ،
ّللا على أعمالنا عند الشروع فيها توحدنا بها ،وعصمنا ّللا اسمه ،فلما سمينا ه
فأعطانا ه
من مشاركة الشيطان ،فإن االسم اإللهي هو الذي يباشره ويحول بيننا وبينه ،وإن
بعض أهل الكشف ليشهدون هذه المدافعة التي بين االسم اإللهي من العبد في حال
الشروع وبين الشيطان ،وإذا كان العبد بهذه الصفة كان على بينة من ربه وفاز ونجا
من هذه المشاركة ،وكان له البقاء في الحفظ والعصمة في جميع أعماله وأحواله .
ص 561
ص 561 :
واستقل ،قال :هذا أيضا من جملة األسباب التي يقوم بعضها عن بعض فيما تريده ،
فجعله واحدا من األسباب وهو المشرك .
ص 562
ص 562 :
اليوم تكون غدا ،فاجهد أن تكون هنا ممن أبصر األمور على ما هي عليه .
[ سورة اْلسراء ( : ) 17آية ] 73
غ ْي َرهُ َو ِإذا ً الت ه َخذُوكَ َخ ِليالً (
علَ ْينا َ َو ِإ ْن كادُوا لَيَ ْفتِنُونَكَ ع َِن الهذِي أ َ ْو َح ْينا ِإلَ ْيكَ ِلت َ ْفت َ ِر َ
ي َ
)73
وما سامحه سبحانه في طمعه باستدراجهم بذلك ليؤمنوا بقوله تعالى .
ص 563
ص 563 :
ّللا أكبر ،إثباتا لمن تكبر عليه وإعظاما ،ونزوال عليه وإلماما ،وقهرا له ّللا أكبر ه
ه
وإرغاما ،ورحمة به وإكراما .
ّللا :إثباتا لمن ادعى األلوهية في نفسه ،حين أوجدها له في يومه أشهد أن ال إله إال ه
دون أمسه ،فتنعم بها في حسه ،وظهر بها عند أبناء جنسه ،فحال بينه وبين دوام
أنسه .
ّللا :تحققا أن الرسالة في الثرى ،وأن كل الصيد في جوف أشهد أن محمدا رسول ه
الفرا ،فسرت سريان النفس في الورى ،فمنهم من تقدم ومنهم من طلب الوراء ،
وعند الصباح يحمد القوم السرى .
حي على الصالة :إثباتا للغفالت ،وتعشق الغافلين بالكائنات ،فاتحدوا بها في عالم
الكلمات ،وانفصلوا عنها في عالم السماوات ،انفصال الروحانيات الملكوتيات .
حي على الفالح :تعينا للبقاء « ، » 1ونجاة السعداء ،وعدمها من األشقياء ،
والفصل بين األرض والسماء ،يوم الفصل والقضاء .
قد قامت الصالة :فقاموا إجالال لقيامها ،وبادروا إليها تعظيما إلمامها ،فوهبتهم
األسرار القدسية ،بين افتتاحها بتكبيرها ،وتمامها بسالمها ،فمن فارح بقدومها ،
جزع من إقدامها ،ومن فارح بقضائها ،إذ كان على بيهنة من تمامها ،ومن محب في
دوامها للتلذذ بكالمها .
ّللا أكبر :تكبيرا من غير مفاضلة ،وقربا من غير مواصلة ،وبعدا من غير ّللا أكبر ه ه
مفاصلة ،وإنباء من غير مراسلة ،وإنعاما بمعاملة وغير معاملة ،ورؤية من غير
مقابلة .
ّللا :إثباتا للشرك والتوحيد في عالم الجمع والوجد ،في عالم الفرق والفقد ، ال إله إال ه
سر التعطيل والوجود ،والنسبة والتمجيد ،النفراد الوعد والوعيد ،من القريب والبعيد
،بمحل التعظيم والتأييد .
وأنت يا حس ،فقل :
ّللا أكبر :تنفي تكبير المتكبرين من غير طريق دعوى المدعين ،وإرغاما ّللا أكبر ه
ه
ألنوف الحاسدين ،ودحضا لحجة المبطلين ،وإقامة لبرهان المؤمنين.
..........................................................................................
) ( 1الفالح هو البقاء لغة.
ص 564
ص 564 :
ّللا ،فإن الحكيم األواه ،من قال بنفي
ّللا :ردا على من قال :إنه ه
أشهد أن ال إله إال ه
األشباه ،وساوى في الذكر بين القلوب واألفواه ،وفي السجود بين األقدام والجباه .
ّللا :إثباتا لقربه من ربه ،بعالم تربه ،ومن حبهه بعالم قلبه ،
أشهد أن محمدا رسول ه
لصحة حبهه ،فاتهخذ حبيبا وخليال ،وعبدا ورسوال ،فصحت له السيادة على صحبه .
حي على الصالة :إثباتا لإليمان ،وتعشقا في العيان ،بالبصر والجنان ،في اإلساءة
واإلحسان ،والجحيم والجنان ،فليس العجب من ورد في بستان ،إنما العجب من
ورد في قعر النبران " . " 1
حي على الفالح :إقباال على اإلحسان باألمان ،فإن البقاء بقاءان ،والنجاة نجاتان ،
وكل ذلك قد ظهر في اإلنسان .
قد قامت الصالة :من قعدتها ،وانحلت ( الم ألفها ) « » 2من عقدتها ،فصارت
سلطانة بوحدتها ،وظهرت في المؤمنين بقوتها ونجدتها ،وفي العارفين بترك عددها
وعدتها ،وإنها لكبيرة إال على الخاشعين .
ّللا أكبر :مفاضلة روحانية ،ومرتبة ربانية ،ومعادلة رحمانية ،وتكملة ّللا أكبر ه ه
إنسانية ،ونكتة رهبانية .
ّللا :شرك مقبول « ، » 3في توحيد معلول ،صاحبها مقيد مغلول ، ال إله إال ه
وتاركها في روض مطلول ،ال ملول وال مملول .
ّللا وإياكم ممن أقامها دائما ،وكان بأسرارها عالما . جعلنا ه
يا مقيم الصالة ما لك تدعو *** للمناجاة من حماه العيان
وهي عندي إزاحة لحجاب *** قررته عند الحكيم الكيان
ودليلي من قال :قم يا بالل *** فأرحنا بها فسر الزمان
فأقام الصالة فارتاح قلب *** جاءه الخوف تارة واألمان
قل لمن يقرأ القرآن :تبحر *** في علوم شتى حواها القران
ــــــــــــــــــــــــ
) ( 1راجع كتابنا شرح كلمات الصوفية صفحة .354
) ( 2راجع اإلشارة في الم ألف ص 408الجزء األول آل عمران آية( 1 ) .
( ) 3راجع معنى الشرك هنا في كتابنا شرح كلمات الصوفية ص . 404
ص 565
ص 565 :
ّللا إذ أتته الحسان
خلف ستر أدق من وهم سر *** شاهد ه
هو وهم وليس علما ولكن *** فيه سر لربنا وامتنان
فإذا ما قرأت قرآن ربي *** أظهر القول ما حواه الجنان
للفؤاد الكالم من غير حرف *** يا ولي ،وللحروف اللسان
عجبا أال ترى كل عبادة ال تمنع من قامت به التصرف في بعض أسبابه ،إال الصالة ،
فإنها تغلق على من قامت به جميع أبوابه ،فمقامها الغيرة ،ومشهدها الحيرة ،إنية
المحتد والمولد والمشهد ،وهي أسنى تكليف يقصد ،ولما كانت محل إدراك المنى ،
طولب المكلف فيها بالفناء .
ص 566
ص 566 :
عن ربه [ :ال زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي
عسى أ َ ْن يَ ْبعَث َ َك َرب َُّك َمقاما ً َم ْح ُمودا ً يسمع به وبصره الذي يبصر به ] -الحديث َ «-
ّللا واجبة ،والمقام المحمود هو الذي له عواقب الثناء والمقامات كلها ، »وعسى من ه
أي إليه يرجع كل ثناء ،وإليه تنظر جميع األسماء اإللهية المختصة بالمقامات ،وهو
ّللا عليه وسلم ،ويظهر ذلك لعموم الخلق يوم القيامة ،وبهذا صحت ّللا صلهى ه
لرسول ه
له السيادة على جميع الخلق يوم العرض ،فال يجمع المحامد يوم القيامة كلها إال محمد
ّللا عليه وسلم ،وهو الذي عبر عنه بالمقام المحمود ،فإنه لما كان إليه ترجع صلهى ه
المقامات كلها -وهو الجامع لها -لم يصح أن يكون صاحبه إال من أوتي جوامع الكلم
ّللا عليه وسلم يحمد ،ألن المحامد من صفة الكالم ،فإنه موقف خاص بمحمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم بيده ّللا فيها بمحامد ال يعرفها إال إذا دخل ذلك المقام ،فمحمد صلهى ه ه
ّللا عليه وسلم علم الثناء لواء الحمد ،وآلدم عليه السالم علم األسماء ،ولمحمد صلهى ه
بالمقام المحمود ،فأعطي في القيامة ألجل المقام المحمود العمل بالعلم ،ولم يعط
لغيره في ذلك الموطن ،فصحت له السيادة ،فقال :
ّللا
[ آدم فمن دونه تحت لوائي ] وما له لواء إال الحمد ،وهو رجوع عواقب الثناء إلى ه
،وهو قوله الحمد هّلل ال لغيره ،وهذا يدلك أن علوم األنبياء أذواق ال عن فكر ونظر ،
ّللا بها ،ما يقتضيه موطن الدنيا ، فإن الموطن يقتضي هنالك بآثاره أسماء إلهية يحمد ه
ّللا عليه وسلم في هذا المقام [ فأحمده بمحامد ال أعلمها اآلن ] ولهذا قال صلهى ه
وهذا المقام المحمود هو المقام المثنى عليه ،الذي أثنى الحق عليه ،الذي يقيم الحق
ّللا فيما
ّللا عليه وسلم ،هو الوسيلة ،ألن منه يتوسل إلى ه فيه سبحانه محمدا صلهى ه
ّللا
توجه فيه من فتح باب الشفاعة ،وهو شفاعته للجميع ،فهو مقام شفاعة رسول ه
ّللا عليه وسلم في الشافعين أن يشفعوا يوم القيامة ،فمن المقام المحمود يفتح صلهى ه
باب الشفاعة للمالئكة فمن دونهم ،وله األولية في الشفاعة ،
ّللا تعالى في حق من له أهلية الشفاعة من ملك ورسول ونبي وأول شفاعة يشفعها عند ه
ّللا عليه وسلم عند ربه ّللا صلهى ه وولي ومؤمن وحيوان ونبات وجماد ،فيشفع رسول ه
لهؤالء أن يشفعوا ،وأن يخرج الحق من النار أو يدخل الجنة من لم يعمل خيرا قط ،
حتى ال يبقى في النار إال أهلها الذين هم أهلها ،
ّللا لما سأل فيه ،فكان محمودا بكل لسان وبكل كالم ،فله أول الشفاعة فيجيبه ه
ووسطها وآخرها ،فإنه إذا قام الناس ،ومدهت األرض ،وانشقت السماء وانكدرت
النجوم ،وكورت الشمس وخسف القمر ،وحشرت الوحوش وسجرت البحار ،
وزوجت النفوس
ص 567
ص 567 :
بأبدانها ،ونزلت المالئكة على أرجائها -أعني أرجاء السماوات -وأتى ربنا في ظلل
من الغمام ،ونادى المنادي :يا أهل السعادة ،فأخذ منهم ثالث طوائف إلى الجنة ،
وهم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما
ّللا وإقام الصالة رزقناهم ينفقون ،والذين كانوا ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر ه
ّللا أحسن ما عملوا وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب واألبصار ليجزيهم ه
ّللا عليه ليجزي ويزيدهم من فضله ،والطائفة الثالثة هم الذين صدقوا ما عاهدوا ه
الصادقين بصدقهم ،ثم يخرج عنق من النار فيقبض ثالث طوائف إلى النار وهم :كل
ّللا ورسوله ،والطائفة الثالثة أهل التصاوير جبار عنيد ،والطائفة الثانية كل من آذى ه
الذين يصورون صورا في الكنائس لتعبد تلك الصور والذين يصورون األصنام ،فإذا
ماج الناس ،واشتد الحر وألجم الناس العرق ،وعظم الخطب وجل األمر ،وكان
البهت فال تسمع إال همسا ،وجيء بجهنم ،وطال الوقوف بالناس ولم يعلموا ما يريد
الحق بهم ،
ّللا عليه وسلم [ :فيقول الناس بعضهم لبعض تعالوا ننطلق إلى ّللا صلهى ه
فقال رسول ه
ّللا لنا أن يريحنا مما نحن فيه فقد طال وقوفنا ،فيأتون آدم أبينا آدم فنسأله أن يسأل ه
ّللا قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، فيطلبون منه ذلك ،فيقول آدم :إن ه
ولن يغضب بعده مثله ،وذكر خطيئته فيستحي من ربه أن يسأله ،فيأتون إلى نوح
بمثل ذلك فيقول لهم مثل ما قال آدم ،ويذكر دعوته على قومه قوله( َوال يَ ِلدُوا إِ َّال
فاجرا ً َكفَّارا ً )
ِ
ثم يأتون إلى إبراهيم عليه السالم بمثل ذلك ،فيقولون له مثل مقالتهم لمن تقدم ،فيقول
كما قال من تقدم ،ويذكر كذباته الثالث ،ثم يأتون إلى موسى وعيسى ويقولون لكل
واحد من الرسل مثل ما قالوه آلدم ،فيجيبونهم مثل جواب آدم ،فيأتون إلى محمد
ّللا عليه وسلم وهو سيد الناس يوم القيامة ،فيقولون له مثل ما قالوا لألنبياء ، صلهى ه
ّللا به يوم ّللا عليه وسلم :أنا لها ،وهو المقام المحمود الذي وعد ه فيقول محمد صلهى ه
ّللا تعالى إياها في ذلك الوقت لم يكن ّللا بمحامد يلهمه ه
القيامة ،فيأتي ويسجد ويحمد ه
ّللا ذلك الباب ، يعلمها قبل ذلك ،ثم يشفع إلى ربه أن يفتح باب الشفاعة للخلق ،فيفتح ه
فيأذن في الشفاعة للمالئكة والرسل واألنبياء والمؤمنين ،فبهذا يكون سيد الناس يوم
ّللا أن تشفع المالئكة والرسل ،القيامة ،فإنه شفع عند ه
ّللا عليه وسلم وقال [ :أنا سيد الناس ] ولم يقل سيد الخالئق ومع هذا تأدب صلهى ه
فتدخل المالئكة في ذلك مع ظهور سلطانه في ذلك اليوم على الجميع ،وذلك أنه صلهى
ّللا عليه وسلم جمع له بين مقامات األنبياء عليهم السالم كلهم ، ه
ص 568
ص 568 :
ولم يكن ظهر له على المالئكة ما ظهر آلدم عليه السالم من اختصاصه بعلم األسماء
كلها ،فإذا كان في ذلك اليوم افتقر إليه الجميع من المالئكة والناس من آدم فمن دونه
ّللا ،إذ كان القهر اإللهي
في فتح باب الشفاعة ،وإظهار ما له من الجاه عند ه
والجبروت األعظم قد أخرس الجميع ،وكان هذا المقام مثل مقام آدم عليه السالم
وأعظم ،في يوم اشتدت الحاجة فيه ،مع ما ذكر من الغضب اإللهي الذي تجلى فيه
الحق في ذلك اليوم ،ولم تظهر مثل هذه الصفة فيما جرى في قصة آدم ،فدل
ّللا عليه وسلم حيث أقدم مع هذه الصفة الغضبية بالمجموع على عظيم قدره صلهى ه
اإللهية على مناجاة الحق فيما سأل فيه ،فأجابه الحق ،كما جاء في حديث عثمان بن
عفان في الصحيح لمسلم بن الحجاج ،وقد أقيم آدم عليه السالم في هذا المقام لما
ّللا عليه وسلم في اآلخرة ،وإنما سجدت له المالئكة في الدنيا ،وهو لمحمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،ظهر به أوال أبو البشر لكونه كان يتضمن جسده بشرية محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في الدار اآلخرة ،فظهر في المقام المحمود فكانت العاقبة لمحمد صلهى ه
،ومنه يفتح باب الشفاعات ،فكان آلدم السجود ،ولمحمد المقام المحمود ،بمحضر
الشهود ،وأين المقام المحمود من مقام السجود ؟ سجد المقربون واألبرار ،لبناء قائم
من التراب واألحجار ،فالمجد الطريف والتليد ،فيمن اختص بالمقام الحميد .
ص 569
ص 569 :
المقام الشريف فأمره تعالى .
ص 570
ص 570 :
إال وهو متمكن قادر على الثناء على موجده ،وما في العالم جزء إال وهو يعلم موجده
من حيث ذاته ال من حيث ذات موجده ،وما في الوجود جزء إال وهو متكلم يسبح
بحمد خالقه ،وأعلمنا سبحانه أن من أسمائه تعالى الكريم ،ومن نزوله إلينا في كرمه
يقول :
ي ،يا عبدي إن عصيتني سترت عليك ،سترتك يا عبدي إن شردت عني دعوتك إل ه
عن أعين من وليته إقامة حدودي فيك وفي أمثالك فلم أؤاخذك ،وتحببت إليك بالنعم ،
ي بالقدوم على
وجررت على خطيئتك ذيل الكرم ،فمحا آثارها كرمي ،ودعوتك إل ه
ي قبلتك على ما كان منك ،ومن يفعل معك ذلك مع غناه عنك نعمي فإذا رجعت إل ه
وفقرك إليه غيري ؟
فهذا من معاملة الحق لنا على شاكلته من اسمه الكريم .
ص 571 :
يقل أوتيتم ،بل كان يقول أوتيتم الطريق إلى تحصيله ،ال هو ،ونحن نعلم أن ث هم علما
ّللا
اكتسبناه من أفكارنا ومن حواسنا ،وث هم علما لم نكتسبه بشيء من عندنا بل هبة من ه
عز وجل ،أنزله في قلوبنا وعلى أسرارنا فوجدناه من غير سبب آخر ظاهر ،مثل ه
علَّ ْمناهُ ِم ْن لَ ُدنَّا ِع ْلما ً )
قوله في عبده خضر( َو َ
وليست اآلية بنص في الوهب ،ولكن له وجهان :وجه يطلبه «أُو ِتيت ُ ْم »ووجه يطلبه«
يال »من االستقالل ،أي ما أعطيتم من العلم إال ما تستقلون بحمله ،وما ال تطيقونه قَ ِل ً
ما أعطيناكموه فإنكم ما تستقلون به ،فيدخل في هذا العطاء علوم النظر ،فإنها علوم
تستقل العقول بإدراكها .وأما إذا كان السؤال عن الماهية فيكون قوله تعالى« قُ ِل
الرو ُح ِم ْن أ َ ْم ِر َر ِبهي »أي الروح الذي هو من أمر ربي هو الذي لم يوجد عن خلق ، ُّ
فإن عالم األمر كل موجود ال يكون عند سبب كوني يتقدمه ،
فقد قال البعض :
إن الروح من عالم األمر وليس من عالم الخلق اصطالحا ،ومن هنا للتبيين ،وأرادوا
ّللا بال واسطة إال بمشافهة األمر العزيز ،وعالم الخلق بعالم األمر كل ما صدر عن ه
كل موجود صدر عن سبب متقدم من غير مشافهة األمر ،التي هي الكلمة التي ال
يتصور واسطة في حقه البتة ،وأما من دونه فال بد من واسطة .
ّللا تعالى الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع ،أوجدها في مقام ولما أوجد ه
الجهل ومحل السلب ،أي أعماه عن رؤية نفسه فبقي ال يعرف من أين صدر وال كيف
ّللا همته صدر ،وكان الغذاء فيه ،الذي هو سبب حياته وبقائه وهو ال يعلم ،فحرك ه
لطلب ما عنده وهو ال يدري أنه عنده ،فأخذ في الرحلة بهمته ،فأشهده الحق تعالى
ّللا فيه من
ذاته فسكن ،وعرف أن الذي طلب لم يزل به موصوفا ،وعلم ما أودع ه
األسرار والحكم ،وتحقق عنده حدوثه وعرف ذاته معرفة إحاطية ،فكانت تلك
المعرفة له غذاء معينا يتقوت به وتدوم حياته إلى غير نهاية ،فقال له عند ذلك التجلي
األقدس :ما اسمي عندك ؟ فقال :أنت ربي ،فلم يعرفه إال في حضرة الربوبية ،
وتفرد القديم باأللوهية فإنه ال يعرفه إال هو ،فقال له سبحانه :أنت مربوبي وأنا ربك
،أعطيتك أسمائي وصفاتي ،فمن رآك رآني ،ومن أطاعك أطاعني ،ومن علمك
علمني ،ومن جهلك جهلني ،فغاية من دونك أن يتوصلوا إلى معرفة نفوسهم منك ،
وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك ال بكيفيتك ،كذلك أنت معي ال تتعدى معرفة نفسك
وال ترى غيرك ،وال يحصل لك العلم بي إال من حيث الوجود ،ولو أحطت علما بي
لكنت أنت أنا ،ولكنت
ص 572
ص 572 :
محاطا لك ،وكانت أنيتي أنيتك ،وليست أنيتك أنيتي .فأمدك باألسرار اإللهية وأربيك
بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها وقد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها ،إذ ال
طاقة لك بحمل مشاهدتها ،إذ لو عرفتها ال تحدث اإلنية ،واتحاد اإلنية محال ،
فمشاهدتك لذلك محال ،واعلم أن من دونك في حكم التبعية لك كما أنت في حكم
ّللا من الروح النفس وهي التبعية لي ،فأنت ثوبي وأنت ردائي وأنت غطائي .ثم خلق ه
الرو ُحوح قُ ِل ُّ
الر ِ أول مفعول عن االنبعاث -بحث -في قوله تعالى « َويَ ْسئَلُون ََك َ
ع ِن ُّ
ِم ْن أ َ ْم ِر َر ِبهي »
[ مراتب األرواح وأقسامها ]
ّللا خلق األرواح على ثالث مراتب ال رابع لها :أرواح ليس لهم شغل إال اعلم أن ه
تعظيم جناب الحق ،ليس لهم وجه مصروف إلى العالم وال إلى نفوسهم ،قد هيمهم
ّللا واختطفهم عنهم ،فهم فيه حيارى سكارى ،وأرواح مدبرة أجساما طبيعية جالل ه
أرضية ،وهي أرواح األناسي وأرواح الحيوانات وأرواح كل شيء ،فإن كل شيء
مسبح بحمد ربه وال يسبح إال حي ،وأرواح مسخرات لنا وهم على طبقات كثيرة ،
فمنهم الموكل بالوحي واإللقاء ،ومنهم الموكل باألرزاق ،ومنهم الموكل بقبض
األرواح ،ومنهم الموكل بإحياء الموتى ،ومنهم الموكل باالستغفار للمؤمنين والدعاء
لهم ،ومنهم الموكلون بالغراسات في الجنة جزاء ألعمال العباد ،واألرواح حياتها
ذاتية لها ،لذلك لم يصح فيها موت البتة .واعلم أن األرواح المدبرة لألجسام العلوية
والسفلية لها أحكام فيها ،فحكمها في األجسام النورية هو تشكلها في الصور خاصة ،
كما أن حكمها في األجسام الحيوانية اإلنسانية التشكل في القوة الخيالية مع غير هذا
من األحكام ،فإن األجسام النورية ال خيال لها بل هي عين الخيال ،والصور تقلباتها
عن أرواحها المدبرة لها ،فكما ال يخلو خيال اإلنسان عن صورة كذلك ذات الملك ال
تخلو عن صورة ،وبيد هذه األرواح تعيين األمور التي يريدها الحق ،بهذه األجسام
كلها .واعلم أن الناس قد اختلفوا في أرواح صور العالم ،هل هي موجودة عن
صورة أو قبلها أو معها ؟ ومنزلة األرواح في صور العالم كمنزلة أرواح صور
أعضاء اإلنسان الصغير ،كالقدرة روح اليد ،والسمع روح األذن ،والبصر روح
العين ،والتحقيق عندنا أن األرواح المدبرة للصور كانت موجودة في حضرة اإلجمال
ّللا في علمه ،فكانت في حضرة اإلجمال غير مفصلة ألعيانها ،مفصلة عند ه
ّللا
كالحروف الموجودة بالقوة في المداد ،فلم تتميز ألنفسها وإن كانت متميزة عند ه
ّللا صور العالم ،أي عالم شاء ،كان الروح مفصلة في حال إجمالها ،فلما سوى ه
ص 573
ص 573 :
الكلي كالقلم واليمين الكاتبة ،واألرواح كالمداد في القلم ،والصور كمنازل الحروف
في اللوح ،فنفخ الروح في صور العالم ،فظهرت األرواح متميزة بصورها ،فقيل
هذا زيد ،وهذا عمرو ،وهذا فرس ،وهذا فيل ،وهذه حية ،وكل ذي روح ،وما ث هم
إال ذو روح لكنه مدرك وغير مدرك ،فمن الناس من قال :إن األرواح في أصل
وجودها متولدة من مزاج الصورة ،ومن الناس من منع من ذلك ،والطريقة الوسطى
ّللا الصورة الجسمية ،ففي أي صورة شاء من الصور ما ذهبنا إليه ،فإذا سوى ه
ّللا ،فامتازت األرواح بصورها ، الروحية ركبها ،فتنسب إليها ،وهي معينة عند ه
ّللا ل هما سوى جسم العالم ،وهو الجسم الكل الصوري في جوهر الهباء المعقول ، فإن ه
قبل فيض الروح اإللهي الذي لم يزل منتشرا غير معيهن ،إذ لم يكن ثم من يعينه ،
فحيي جسم العالم به فكما تضمن جسم العالم أجسام شخصياته ،كذلك تضمن روحه
أرواح شخصياته( ُه َو الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍس ِ
واح َد ٍة )ومن هنا قال من قال :إن الروح
واحد العين في أشخاص نوع اإلنسان ،وإن روح زيد هو روح عمرو وسائر
أشخاص هذا النوع ،ولكن ما حقق صاحب هذا األمر صورة هذا األمر فيه ،فإنه كما
لم تكن صورة جسم آدم جسم كل شخص من ذريته ،وإن كان هو األصل الذي منه
ظهرنا وتولدنا ،كذلك الروح المدبرة لجسم العالم بأسره ،كما أنك لو قدرت األرض
مستوية ال ترى فيها عوجا وال أمتا ،وانتشرت الشمس عليها أشرقت بنورها ،ولم
يتميز النور بعضه عن بعضه ،وال حكم عليه بالتجزي وال بالقسمة ،فلما ظهرت
البالد والديار على األرض ،وبدت ظالالت هذه األشخاص القائمة ،انقسم النور
الشمسي وتميز بعضه عن بعضه ،لما طرأ من هذه الصور في األرض ،فإذا
اعتبرت هذا علمت أن النور الذي يخص هذا المنزل ليس النور الذي يخص المنزل
اآلخر وال المنازل األخر ،وإذا اعتبرت التي ظهر منها هذا النور وهو عينها من
حيث انفهاقه عنها ،قلت :األرواح روح واحدة ،وإنما اختلفت بالمحال الشمس ،
كاألنوار نور عين واحدة غير أن حكم االختالف في القوابل مختلف الختالف أمزجتها
وصور أشكالها ،ويمكن أن يشبه بالماء في النهر ال يتميز فيه صورة ،بل هو عين
الماء ال غير ،فإذا حصل ما حصل منه في األواني تعين عند ذلك ماء الجب من ماء
الجرة من ماء الكوز ،وظهر فيه شكل إنائه ولون إنائه ،فحكمت عليه األواني
بالتجزي واألشكال ،مع علمك أن عين ما لم يظهر فيه شكل إذا
ص 574
ص 574 :
كان في النهر ،عين ما ظهر إذا لم يكن فيه ،غير أن الفرقان بين الصورتين في
ضرب المثل ،أن ماء األواني وأنوار المنازل إذا فقدت رجعت إلى النور األصلي
والنهر األصلي ،وكذلك هو في نفس األمر لو لم تبق آنية وال يبقى منزل ،ألنه لما
ّللا بقاء هذه األنوار على ما قبلته من التمييز ،خلق لها أجسادا برزخية تميزت أراد ه
فيها هذه األرواح عند انتقالها عن هذه األجسام الدنياوية ،في النوم وبعد الموت ،
وخلق لها في اآلخرة أجساما طبيعية كما جعل لها في الدنيا ذلك ،غير أن المزاج
مختلف ،فنقلها عن جسد البرزخ إلى أجسام نشأة اآلخرة ،فتميزت أيضا بحكم صور
أجسامها ،ثم ال تزال كذلك أبد اآلبدين ،فال ترجع إلى الحال األول من الوحدة العينية
أبدا .فإذا فارقت األرواح المواد ،فطائفة تقول :إن األرواح تتجرد عن المواد تجردا
كليا وتعود إلى أصلها كما تعود شعاعات الشمس المتولدة عن الجسم الصقيل إذا صدئ
إلى الشمس ،واختلفوا هنا على طريقين :فطائفة قالت :ال تمتاز بعد المفارقة ألنفسها
كما ال يمتاز ماء األوعية التي على شاطئ النهر إذا تكسرت فرجع ماؤها إلى النهر ،
فاألجسام تلك األوعية والماء الذي ملئت به من ذلك النهر كاألرواح من الروح الكل .
وقالت طائفة بل تكتسب بمجاورتها الجسم هيئات رديئة وحسنة ،فتمتاز بتلك الهيئات
إذا فارقت األجسام ،كما أن ذلك الماء إذا كان في األوعية أمور تغيره عن حالته إما
في لونه أو رائحته أو طعمه ،فإذا فارق األوعية صحبه في ذاته ما اكتسبه من
ّللا عليها تلك الهيئات المكتسبة ،ووافقوا في ذلك
الرائحة أو الطعم أو اللون ،وحفظ ه
بعض الحكماء .وطائفة قالت :
األرواح المدبرة ال تزال مدبرة في عالم الدنيا ،فإذا انتقلت إلى البرزخ دبرت أجسادا
برزخية ،وهي الصورة التي يرى اإلنسان نفسه فيها في النوم ،وكذلك هو الموت
وهو المعبر عنه بالصور ،ثم تبعث يوم القيامة في األجسام الطبيعية كما كانت في
يال » -بحث في العلم -اعلم أن العلم باألشياء واحد ، الدنيا« َوما أُو ِتيت ُ ْم ِمنَ ْال ِع ْل ِم ِإ َّال قَ ِل ً
والكثرة في المعلوم ال في ذاته ،فإن األشعري يرى ويزعم أنه متعدد في ذاته وصفاته
،والحقيقة أبت ما قاله ،فإن العلم لو تعدد أدى أن يدخل في الوجود ما ال يتناهى وهو
محال ،فإن المعلومات ال نهاية لها فلو كان لكل معلوم علم لزم ما قلناه ،ومعلوم أن
ّللا يعلم ما ال يتناهى ،وعلمه واحد ،فال بد أن يكون للعلم عين واحدة ،ألنه ال يتعلق ه
بالمعلوم حتى يكون موجودا ،فإن العلم نسبة ال تتصف بالوجود وال بالعدم كاألحوال
ّللا العلم بالقلة إال العلم الذي ،وما وصف ه
ص 575
ص 575 :
ّللا عباده ،وهو قوله« َوما أُوتِيت ُ ْم »أي أعطيتم ،وقال في حق عبده خضر( أعطى ه
علَّ َم ْالقُ ْرآنَ )فهذا كله يدلك على أنه نسبة ،ألن الواحد
علَّ ْمناهُ ِم ْن لَ ُدنَّا ِع ْلما ً )وقال( َ َو َ
في ذاته ال يتصف بالقلة ،وال بالكثرة ألنه ال يتعدد ،فإن كان العلم نسبة فإطالق القلة
والكثرة عليه إطالق حقيقي ،فإن النسب ال تتناهى ألن المعلومات ال تتناهى ،فيمكن
على هذا أن يكون لكل معلوم علم ،وإن كان غير ذلك فإطالق القلة والكثرة عليه
إطالق مجازي ،وكالم العرب مبني على الحقيقة والمجاز عند الناس ،وإن كنا
خالفناهم في هذه المسألة بالنظر إلى القرآن ،فإنا ننفي أن يكون في القرآن مجاز بل
في كالم العرب -رقيقة -كان الشيخ أبو مدين يقول إذا سمع من يتلو هذه اآلية« َوما
يال »القليل أعطيناه ما هو لنا بل هو معار عندنا وهبناه عناية منه أُوتِيت ُ ْم ِمنَ ْال ِع ْل ِم ِإ َّال قَ ِل ً
والكثير منه لم نصل إليه ،فنحن الجاهلون على الدوام فليس لنا شيء ندعيه .
ص 578
ص 576 :
أتى به الناطق المعصوم معجزة *** إلى الذي كان في الدنيا من الملل
فما يعارضه جن وال بشر *** بسورة مثله في غابر الدول
ولو يعارضه ما كان معجزة *** فليس إعجازه يجري إلى أجل
رأيت ربي في نومي فقلت له *** ما صورة الصرف في القرآن حين تلي ؟
تزور أمورا إن أردت تلي فقال لي أصدق فإن الصدق معجزة *** وال ه
لكن كالمك إن تفعله معجزة *** فقلت يا رب غفرا ليس ذلك لي
هذا دليل بأن القول قولكمو *** ال قوله وهو عندي أوضح السبل
أتى به روحه من فوق أرقعة *** سبع إلى قلبه والقلب في شغل
أتى على سبعة من أحرف نزلت *** ميسر الذكر يتلوه على عجل
إذا تكرر فيه قصة ذكرت *** تكون أقوى على اإلعجاز بالبدل
والكل حق ولكن ليس يعرفه *** إال الذي بدليل العقل فيه بلي
هذا هو الحق ال تضرب له مثال *** فإنه من صفات الحق في األزل
ال يحجبنك ما تتلوه من سور *** بأحرف وأصوات على مهل
فكله قوله إن كنت ذا نظر *** فيه على حد إنصاف بال ملل
ص 577
ص 577 :
[سورة اْلسراء ( : ) 17آية ] 94
سوالً ()94 َّللاُ بَشَرا ً َر ُ
ث ه اس أ َ ْن يُ ْؤ ِمنُوا إِ ْذ جا َء ُه ُم ا ْل ُهدى إِاله أ َ ْن قالُوا أ َ بَعَ َ
َوما َمنَ َع النه َ
ّللا ما بعث الرسل سدى ،ولو استقلت العقول بأمور سعادتها ما احتاجت إلى اعلم أن ه
الرسل ،وكان وجود الرسل عبثا ،ولكن لما كان من استندنا إليه ال يشبهنا وال نشبهه
،ولو أشبهنا عينا ما كان استنادنا إليه بأولى من استناده إلينا ،فعلمنا قطعا علما ال
يدخله شبهة أنه ليس مثلنا وال تجمعنا حقيقة واحدة ،فبالضرورة يجهل اإلنسان مآله
وإلى أين ينتقل ،وما سبب سعادته إن سعد أو شقاوته إن شقي عند هذا الذي استند إليه
ّللا فيه ،وال يعرف ما يريد به ،وال لما ذا خلقه تعالى ،فافتقر ،ألنه يجهل علم ه
عرف كل شخص بأسباب بالضرورة إلى التعريف اإللهي بذلك ،فلو شاء تعالى ه
سعادته وأبان له عن الطريق التي ينبغي له أن يسلك عليها ،ولكن ما شاء إال أن يبعث
في كل أمة رسوال من جنسها ال من غيرها ،قدهمه عليها وأمرها باتباعه والدخول في
طاعته ،ابتالء منه لها إلقامة الحجة عليها لما سبق في علمه فيها ،ثم أيده بالبينة
واآلية على صدقه في رسالته التي جاء بها ،ليقوم له الحجة عليها ،وإنما قلنا من
جنسها ألنه كذا وقع األمر ،قال تعالى َ (:ولَ ْو َجعَ ْلناهُ َملَكا ً لَ َجعَ ْلناهُ َر ُج ًال )أي لو كان
الرسول للبشر ملكا لنزل في صورة رجل حتى ال يعرفوا أنه ملك ،فإن الحسد على
المرتبة إنما يقع بين الجنس ،فقد علم اإلنسان أن البهائم وجميع الحيوانات دونه في
ّللا إليكم ،
المرتبة ،فلو تكلم حيوان ولو كان خنفساء ونطقت وقالت :أنا رسول من ه
احذروا من كذا وافعلوا كذا ،لتوفرت الدواعي من العامة على اتباعها والتبرك بها
وتعظيمها ،وانقادت لها الملوك ،ولم يطلبوها بآية على صدقها ،وجعلوا نطقها نفس
اآلية على صدقها ،وإن كان األمر ليس كذلك ،وإنما لما نال المرتبة غير الجنس لم
ّللا به خلقه بعث الرسل إليهم منهم ال من يقم بهم حسد لغير الجنس ،فأول ابتالء ابتلى ه
غيرهم ،ومع الدالالت التي نصبها لهم على صدقهم واستيقنوها حملهم سلطان الحسد
الغالب عليهم أن يجحدوا ما هم به عالمون موقنون ،ظلما وعلوا .
ص 578
ص 578 :
يعني من جنسهم ،فإن كل نذير من جنس من بعث إليه ،وإنما جعل الرسول من
الجنس الستخراج عيب النفس ،وأنزل بلسان قومه لرفع اللبس ،فالرسول من جنس
المرسل إليه ،لذلك قال ملكا رسوال ،ولم يقل رجال ،ألن المرسل إليهم مالئكة ،فإن
دعا أمر أن يكون من غير الجنس في الحقيقة ،فال بد وأن يظهر لهم في صورة
الجنس في عالم تمثيل الرقيقة ،مثل تمثل الروح لمريم بشرا سويا –
خليفة القوم من أبناء جنسهم *** ألن ذلك أنكى في نفوسهم
لو لم يكن منهم لصدقوه ولم *** يقم بهم حسد لغير جنسهم
[ -إشارة -الفرق بين الخالفة والرسالة ،ومعرفة النبوة والوالية ]
-إشارة -الفرق بين الخالفة والرسالة ،ومعرفة النبوة والوالية :الرسالة عرش الرب
وسماء المربوب ،ومقام الرسول بينهما ،ألنه طالب مطلوب ،فلو لم ينادى الرسول
من مقامه اإللهي ما أجاب ،ولو سقي من غير مشربه ما طاب ،
فإن قيل له في ذلك الخطاب :
بلغ ما أنزل إليك من ربك فذلك الرسول ،وإن زيد عليه :وقاتلهم إن أبوا القبول ،
فذلك الخليفة الرسول ،فله أن يصول ،فقد مضى زمن النبوة المشهورة ،وأنت في
زمن النبوة المستورة ،فلو نزلت عليك في عالم الكون والفساد ،لكفرك أهل النظر في
فإن بغلبة الحال تقول :قلت وقال ،وهنا قد ارتفع اإلنكار ،وزال االعتقاد ،ه
االضطرار ،فالرسول و هجه إلى قومه ،والنبي تعبد في نفسه إلى يومه ،والولي أيقظه
الرسول من نومه ،فالرسول هو اإلمام ،والولي هو المأموم ،والنبي إمام مأموم ،
محفوظ غير معصوم ،والرسول من هذا النمط هو المطلوب ،ومنه وإليه يكون
الهرب المرغوب ،فالمؤمن به صدقه وانصرف ،والعالم قام له البرهان فأقر بصدقه
واعترف ،والجاهل نظر فيه وانحرف ،والشاك تحير فيه فتوقف والظان تخيل وما
عرف ،والناظر تطلع وتشوف ،والمقلد مع كل صنف تصرف ،إن مشى متبوعه
مشى ،وإن وقف وقف ،فهو معه حيثما كان إما في النجاة وإما في التلف« َك َمث َ ِل
ّللا َربَّ سان ا ْكفُ ْر ،فَلَ َّما َكفَ َر قا َل إِ ِنهي بَ ِري ٌء ِم ْن َك إِ ِنهي أ َ ُ
خاف َّ َ إل ْن ِ ْطان إِ ْذ قا َل ِل ْ ِ
شي ِ ال َّ
ار »فأسكنه تقليده دار البوار . ْالعالَ ِمينَ ،فَكانَ عاقِبَت َ ُهما أَنَّ ُهما فِي النَّ ِ
ص 579
ص 579 :
ّللاُ فَ ُه َو ْال ُم ْهت َ ِد َو َم ْن يُ ْ
ض ِل ْل فَلَ ْن ت َ ِج َد لَ ُه ْم أ َ ْو ِليا َء ِم ْن دُونِ ِه " " َو َم ْن يَ ْه ِد َّ
ع ْميا ً َوبُ ْكما ً
على ُو ُجو ِه ِه ْم ُ ش ُر ُه ْم يَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة َ ّللا يرجع األمر كله « َون َْح ُ فالكل بيده وإلى ه
س ِعيرا ً »هذه اآلية تدل على أن النار محسوسة ت ِز ْدنا ُه ْم َ ص ًّما َمأْوا ُه ْم َج َهنَّ ُم ُكلَّما َخبَ ْ َو ُ
بال شك ،فإن النار ما تتصف بهذا الوصف إال من كون قيامها باألجسام ،ألن حقيقة
النار ال تقبل هذا الوصف من حيث ذاتها وال الزيادة وال النقص ،وإنما هو الجسم
المحرق بالنار وهو الذي يس هجر بالنارية ،وإن حملنا هذه اآلية على الوجه اآلخر قلنا :
ت »يعني النار المسلطة على أجسامهم ،أي كلما سكن لهيبها « قوله تعالى « ُكلَّما َخبَ ْ
س ِعيرا ً » بتبديل الجلود ،فإنه لم يقل زدناها ، ِز ْدنا ُه ْم »يعني المعذبين« َ
ومعنى ذلك أن العذاب ينقلب إلى بواطنهم وهو أشد العذاب ،العذاب الحسي يشغلهم
عن العذاب المعنوي ،فإذا خبت النار في ظواهرهم ووجدوا الراحة من حيث
ّللا بأهل النار في أيام عذابهم خمود النار عنهم ،سلهط ه
ّللا أجسامهم ،فإن من رحمة ه
عليهم في بواطنهم التفكر فيما كانوا فرطوا فيه من األمور التي لو عملوا بها لنالوا
السعادة ،وتسلط عليهم الوهم بسلطانه ،فيتوهمون عذابا أشد مما كانوا فيه ،فيكون
عذابهم بذلك التوهم في نفوسهم أشد من حلول العذاب بتسلط النار المحسوسة على
أجسامهم .
ص 580
ص 580 :
ق »نزل لذاته ،فالحق ق أ َ ْنزَ ْلناهُ »لتحكم به بين الناس فيما اختلفوا فيه « َوبِ ْال َح ه ِ " َوبِ ْال َح ه ِ
ناك »خطاب لمن أنزل عليه تبيانا س ْل َ
المنزل والحق التنزيل والحق المنزل« َوما أ َ ْر َ
شرا ً »تبشر قوما برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، لكل شيء« ِإ َّال ُمبَ ِ ه
وتبشر قوما بعذاب أليم « َونَذِيرا ً »معلما بمن تبشره وبما تبشر .
ص 581
ص 581 :
به «إِ َّن الَّذِينَ أُوتُوا ْال ِع ْل َم »أعطوا العالمات التي تعطي اليقين والطمأنينة في األشياء«
علَ ْي ِه ْم »تتبع آياته بعضها بعضا بالمناسبة
ِم ْن قَ ْب ِل ِه »ممن تقدمه من أمثاله« ِإذا يُتْلى َ
س َّجدا ً »يقعون على وجوههم مطأطئين أذالء ، التي بين اآلية واآلية «يَ ِخ ُّرونَ ِل ْأل َ ْذ ِ
قان ُ
والسجود التطأطؤ ،يقال :أسجد البعير إذا طأطأه ليركبه .
َويَقُولُونَ ُ
سبْحانَ َر ِبهنا »أي وعده صدق وكالمه حق« ِإ ْن كانَ َو ْع ُد َر ِبهنا لَ َم ْفعُ ً
وال
»واقعا كما وعد ،الوعد يستعمل في الخير والشر ،والوعيد في الشر خاصة ،فالوعد
ّللا ال بد منه ،والوعيد قد يعفو ويتجاوز عنه ،فإنه من صفة الكريم عند في الخير من ه
العرب ومما تمدح به األعراب ساداتها وكبراءها يقول شاعرهم :وإني إذا أوعدته أو
وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
ص 582
ص 582 :
ال يشعرون أنهم محرومون ،ألن الرحمانية ال تتضمن سوى العافية والخير المحض ،
عواّللا أ َ ِو ا ْد ُ فاّلل معروف بالحال والرحمن منكور بالحال ،فقيل لهم« قُ ِل ا ْد ُ
عوا َّ َ ه
عوا »من حيث داللته على عين الر ْحمنَ »من حيث المسمى ،فإنه قال« أَيًّا ما ت َ ْد ُ
َّ
ّللا والرحمن منها من حيث المسمى« فَلَهُ »أي لذلك المسمى « ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى »التي ه
ّللا واالسم الرحمن ،بل جعل ما هي أسماء ،فلم يفرق الحق في دعائه بين االسم ه
االسمين من األلفاظ المترادفة ،وإن كان في الرحمن رائحة االشتقاق ،ولكن المدلول
واحد من حيث العين المسماة بهذين االسمين ،والمسمى هو المقصود في هذه اآلية ،
ّللا والرحمن ،إلى كل اسم ولذلك قال« فَلَهُ ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى »ومن أسمائه الحسنى ه
سمى به نفسه مما نعلم ومما ال نعلم ومما ال يصح أن يعلم ،ألنه استأثر بأسماء في
علم غيبه ،فالحكم للمدعو باألسماء اإللهية ال لألسماء ،فإنها وإن تفرقت معانيها
وتميزت ،فإن لها داللة على ذات معينة في الجملة وفي نفس األمر ،وإن لم تعلم وال
يدركها ح هد فإنه ال يقدح ذلك في إدراكنا وعلمنا أن ث هم ذاتا ينطلق عليها هذه األسماء .
الحكم للمدعو باألسماء *** ما الحكم لألسماء في األشياء
لكن لها التحكيم في تصريفها *** فيه كمثل الحكم لألنواء
في الزهر واألشجار في أمطارها *** وقتا وفي األشياء كاألنداء
لعبت بها األرواح في تصريفها *** كتالعب األفعال باألسماء
وقد و هحد بقوله« فَلَهُ »لما أراد المسمى ولم يراع اختالف الحقائق التي تدل عليها ألفاظ
هذه األسماء الحسنى ،فإن األسماء لو لم تختلف معانيها لكانت اسما واحدا كما هي
واحد من حيث مسماها ،فإن قلت الرحمن سميته بجميع األسماء الحسنى ،وإن قلت
ّللا سميته بجميع األسماء الحسنى ،فجميع األسماء دالئل على االسم الرحمن واالسم ه
ّللا جامعا لكل شيء ،وكان الرحمن جامعا لحقائق العالم وما يكون ّللا ،فإنه لما كان ه ه
الر ْحمنَ ّللا أ َ ِو ا ْد ُ
عوا َّ فيه ،ولهذا قيل :رحمن الدنيا واآلخرة ،لهذا قيل لهم« قُ ِل ا ْد ُ
عوا َّ َ
عوا فَلَهُ ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى »فإن دعاءهم إنما هو تعلقهم به لمنافعهم على قدر أَيًّا ما ت َ ْد ُ
معارفهم وهي عنه -اسمه الرحمن -وهذا االسم الرحمن يتضمن جميع األسماء
ّللا ،وإذا ناديتّللا ،فإن له األسماء الحسنى والرحمن وما يتضمنه االسم ه الحسنى إال ه
ّللا فإنما تنادي منه الرحمن خاصة ،وتنادي من الرحمن االسم ه
ص 583
ص 583 :
الذي تطلبه الحقيقة الداعية إلى الدعاء ،فيقول الغريق :يا غياث ،والجائع :يا رزاق
،والمذنب :يا غفار ،يا غفور ،وكذلك في جميع األسماء ،فافهم ما أشرنا به إليك ،
فإنه باب عظيم نافع -بحث في األسماء اإللهية -األسماء اإللهية وإن دلت على ذات
واحدة ،فإنها تتميز في أنفسها من طريقين :
الواحد من اختالف ألفاظها ،
والثاني من اختالف معانيها وإن تقاربت غاية القرب وتشابهت غاية الشبه ،وأسماء
المقابلة في غاية البعد ،فال بد من مراعاة حكم ما تدل عليه من المعاني ،وبهذا يتميز
العالم من الجاهل ،وما أتى الحق بها متعددة إال لمراعاة ما تدل عليه من المعاني ،
ّلل ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى »
قال تعالى« َو ِ َّ ِ
وليس سوى الحضرات اإللهية التي تطلبها وتعيهنها أحكام الممكنات ،والحضرة اإللهية
ّللا هي الحضرة الجامعة للحضرات كلها ، وهي االسم ه
ّللا بالوضع األول كل اسم إلهي ،بل كل اسم أثر في الكون ألنه لما كان في قوة االسم ه
يكون عن مسماه ،ناب مناب كل اسم هّلل تعالى ،
ّللا ،فانظر في حالة القائل التي بعثته على هذا النداء ،وانظر أي فإذا قال قائل :يا ه
اسم إلهي يختص بتلك الحال ،
ّللا بالوضع ّللا ،ألن االسم ه فذلك االسم الخاص هو الذي يناديه هذا الداعي بقوله :يا ه
األول إنما مسماه ذات الحق عينها ،التي بيدها ملكوت كل شيء ،
فلهذا ناب االسم الدال عليها على الخصوص مناب كل اسم إلهي ،ويتضمن هذا االسم
أسماء التنزيه -وإن كان كل اسم إلهي بهذه المثابة من حيث داللته على ذات الحق جل
جالله وعز في سلطانه –
ّللا من األسماء مع داللته على ذات الحق يدل على معنى لكن لما كان ما عدا االسم ه
آخر من سلب أو إثبات بما فيه من االشتقاق ،لم يقو في أحدية الداللة على الذات قوة
هذا االسم ،كالرحمن وغيره من األسماء اإللهية الحسنى ،وإن كان قد ورد قوله
الر ْحمنَ أَيًّا ما ت َ ْد ُ
عوا فَلَهُ عوا َّ ّللا أ َ ِو ا ْد ُ
عوا َّ َّللا عليه وسلم« قُ ِل ا ْد ُ تعالى آمرا نبيه صلهى ه
ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى »فالضمير في « له » يعود على المدعو به تعالى ،فإن المسمى
ّللا تعالى قد عصم هذا االسم األصلي الزائد على االشتقاق ليس إال عينا واحدة ،ثم إن ه
عز وجل في معرض ّللا هالعلم أن يسمى به أحد غير ذات الحق جل جالله ،ولهذا قال ه
س ُّمو ُه ْم )فبهت الذي قيل له الحجة على من نسب األلوهة إلى غير هذا المسمى( قُ ْل َ
ّللا ،وأما ما فيه من الجمعية ،فإن مدلوالت ذلك ،فإنه لو سماه سماه بغير االسم ه
األسماء الزائدة على مفهوم الذات مختلفة كثيرة ،وما بأيدينا اسم مخلص علم للذات
ّللا يدل على الذات بحكم المطابقة كاألسماء األعالم على ّللا ،فاالسم ه سوى هذا االسم ه
ص 584
ص 584 :
مسمياتها ،وث هم أسماء تدل على تنزيه وث هم أسماء تدل على إثبات أعيان صفات - ،وإن
لم تقبل ذات الحق قيام األعداد -وهي األسماء التي تعطي أعيان الصفات الثبوتية ،
كالعالم والقادر والمريد والسميع والبصير والحي والمجيب والشكور ،وأمثال ذلك ،
وأسماء تعطي النعوت فال يفهم منهم في اإلطالق إال النسب واإلضافات ،كاألول
واآلخر والظاهر والباطن ،وأمثال ذلك ،وأسماء تعطي األفعال ،كالخالق والرازق
والبارئ والمصور ،وأمثال ذلك من األسماء ،وانحصر األمر ،وجميع األسماء
اإللهية -بلغت ما بلغت -ال بد أن ترجع إلى واحد من هذه األقسام أو إلى أكثر من
واحد ،مع ثبوت داللة ك هل اسم منها على الذات ال بد من ذلك ،فاجعل ذلك كله نسبا
أو أسماء أو صفات ،واألولى أن تكون أسماء وال بد ،ألن الشرع اإللهي ما ورد في
ّلل ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى
حق الحق بالصفات وال بالنسب ،وإنما ورد باألسماء فقال« َو ِ َّ ِ
»وليست سوى هذه النسب ،وهل لها أعيان وجودية أم ال ؟
ففيه خالف بين أهل النظر ،وأما عندنا فما فيها خالف أنها نسب وأسماء على حقائق
معقولة غير وجودية ،فالذات غير متكثرة بها ،ألن الشيء ال يتكثر إال باألعيان
ت ِبها »فإنه صالتِ َك َوال تُخافِ ْ الوجودية ال باألحكام واإلضافات والنسب« َوال ت َ ْج َه ْر ِب َ
س ِب ً
يال »فإنه يعلم الجهر وما يخفى ،كما أنه يعلم السر وأخفى وأصفى« َوا ْبت َ ِغ بَيْنَ ذ ِل َك َ
أخفى من السر ،أي أظهر ،فإن الوسط الحائل بين الطرفين المعيهن للطرفين والمميز
لهما هو أخفى منهما.
ص 585
ص 585 :
ذلك ولد الصلب ،فليس له تعالى ولد وال تبنى أحدا ،فنفى عنه الولد من الجهتين ،لما
ّللا ،وأرادوا التبني ،فإنهم عالمون ادعت طائفة من اليهود والنصارى أنهم أبناء ه
تكون عن أب« َولَ ْم ّللا ،إذ لم يعرفوا له أبا وال ه بآبائهم ،وقالوا في المسيح :إنه ابن ه
يك ِفي ْال ُم ْل ِك »وقيد تعالى التكبير عن الشريك في الملك ال في اإليجاد ، يَ ُك ْن لَهُ ش َِر ٌ
ّللا تعالى أوجد األشياء على ضربين :ضرب أوجده بوجود أسبابه ،وضرب ألن ه
أوجده بال سبب ،وهو إيجاد أعيان األسباب األول ،ولما كان السبب من الملك لم
يثبت الشريك في الملك ،ولهذا قيد التكبير عن الشريك في الملك ،وهو كل ما سوى
ّللا تعالى أحدي المرتبة ،فال إله إال هو وحده ال شريك ّللا ،وقد ثبت شرعا وعقال أن ه ه
له في الملك ،فما هو مثل الشريك في الملك ،فإن ذلك منفي على اإلطالق ،ألنه في
ي ِمنَ الذُّ ِهل »أي ناصر من أجل الذل ،فإن نفس األمر منفي العين« َولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ َو ِل ٌّ
ّللا ابتغاء القربة إليه والتحبب ،عسى يصطفيه الولي موجود العين ،وهو ينصر ه
ويدنيه ،ال لذل ناله فينصره على من أذله ،أو ينصره لضعفه تعالى ،فأمرنا أن
نكبره أن يكون له ولي من الذل ،فقيد بقوله تعالى« ِمنَ الذُّ ِهل »
ص ْر ُك ْم ) فما نصرناه من ذل وهو سبحانه ّللا يَ ْن ُ
ص ُروا َّ َ ألنه تعالى يقول ِ ( :إ ْن ت َ ْن ُ
الناصر ،
ّللا ) والناصر هو الولي ،فلهذا قيده ،فإذا كبرته عن وقد قال تعالى ُ ( :كونُوا أ َ ْن َ
صار َّ ِ
الولي فاعلم عن أي ولي تكبره « َو َك ِبه ْرهُ ت َ ْكبِيرا ً » عن هذين الوصفين ،فإذا كبرت
ربك فكبره كما كبر نفسه ،تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ،وهم الذين يكبرونه
عما لم يكبر نفسه ،في قوله :يفرح بتوبة عبده ،ويتبشش إلى من جاء إلى بيته ،
ويباهي مالئكته بأهل الموقف ،
ويقول :جعت فلم تطعمني ،فأنزل نفسه منزلة عبده ،فإن كبرته بأن تنزهه عن هذه
المواطن فلم تكبره بتكبيره ،بل أكذبته ،فهؤالء هم الظالمون على الحقيقة ،فليس
تكبيره إال ما يكبر به نفسه ،فقف عند حدهك وال تحكم على ربك بعقلك -بحث في
ّللا تعالى آمرا« َوقُ ِل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل » الحمد -قال ه
اعلم أن الحمد والمحامد هي عواقب الثناء ،ولهذا يكون آخرا في األمور ،كما ورد
أن آخر دعواهم أن الحمد هّلل رب العالمين ،
ّللا عليه وسلم في الحمد :إنها تمأل الميزان ،أي هي آخر ما يجعل في وقوله صلهى ه
الميزان ،وذلك ألن التحميد يأتي عقيب األمور ،
ففي السراء يقول [ :الحمد هّلل المنعم المفضل ]
ّللا ،وهو على وفي الضراء يقال [ :الحمد هّلل على كل حال ] والحمد هو الثناء على ه
قسمين ،ثناء عليه بما هو له ،كالثناء بالتسبيح
ص 586
ص 586 :
والتكبير والتهليل ،وثناء عليه بما يكون منه ،وهو الشكر على ما أسبغ من اآلالء
ّللا ،فإنه المثني على العبد والنعم ،وله العواقب فإن مرجع الحمد ليس إال إلى ه
ّللا عليه وسلم [ :أنت كما أثنيت على نفسك ] وهو والمثنى عليه ،وهو قوله صلهى ه
الذي أثنى به العبد عليه ،فرد الثناء له من كونه مثنيا اسم فاعل ومن كونه مثنيا عليه
اسم مفعول ،فعاقبة الحمد في األمرين له تعالى ،
ّللا مطلقا ومقيدا في اللفظ ،وإن كان مقيدا وتقسيم آخر :وهو أن الحمد يرد من ه
بالحال فإنه ال يصح في الوجود اإلطالق فيه ،ألنه ال بد من باعث على الحمد ،وذلك
الباعث هو الذي قيده وإن لم يتقيد لفظا ،كأمره في قوله تعالى« َوقُ ِل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل »فلم
ّلل الَّذِي َخلَقَ يقيد ،وأما المقيد فال بد أن يكون مقيدا بصفة فعل كقوله ( ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ض) ت َو ْاأل َ ْر َ سماوا ِ
ال َّ
ت ) وقد سماوا ِ فاط ِر ال َّ ّلل ِ تاب ) و( ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ع ْب ِد ِه ْال ِك َ على َ وكقوله( ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل الَّذِي أ َ ْنزَ َل َ
ّلل الَّذِي لَ ْم يَت َّ ِخ ْذ َولَدا ً » واعلم أن الحمد لما يكون مقيدا بصفة تنزيه كقوله ْ « :ال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّللا ،وال كان يعطي المزيد للحامد ،علمنا أن الحمد بكل وجه شكر ،ألنه ثناء على ه
نحمده تعالى إال بما أعلمنا أن نحمده به ،فحمده مبناه على التوقيف ،وقد خالفنا في
ذلك جماعة من علماء الرسوم ،فإن التلفظ بالحمد على جهة القربة ال يصح إال من
جهة الشرع
يك فِي ْال ُم ْل ِك " على هذه المسألة تبتني مسألة : -مسألة -قوله تعالى" َولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ش َِر ٌ
العبد هل يملك أم ال يملك ؟
فمن رأى شركة األسباب التي ال يمكن وجود المسببات إال بها لم يثبت الشريك في
الملك ،ألن السبب من الملك ،وهو كاآللة ،واآللة يوجد بها ما هو ملك للموجد ،كما
هي اآللة ملك للموجد ،وما تملك اآللة شيئا ،فنفى الشريك في الملك ال في اإليجاد ،
فيضاف التابوت إلى النجار من كونه صنعة لصانعه -ولم يصنع إال باآللة ،
ثم ث هم إضافة أخرى ،وهو إن كان النجار صنع في حق نفسه أضيف التابوت إليه ألنه
ملكه ،وإن كان الخشب لغيره فالتابوت من حيث صنعته يضاف إلى النجار ومن حيث
الملك يضاف للمالك ال إلى النجار ،
وّللا ما نفى إال الشريك في الملك ال الشريك في الصنعة. فالنجار آلة للمالك ،ه
ص 587 :
المراجع
- 1كتاب الفتوحات المكية -طبعة الميمنية .
- 2إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن .
- 3كتاب التنزالت الموصلية .
- 5كتاب اإلسرار إلى مقام األسرى .
- 6كتاب النجاة في رفع حجب االشتباه .
- 6كتاب مراتب التقوى .
- 7كتاب ترجمان األشواق وذخائر األعالق .
- 8كتاب مواقع النجوم .
- 9كتاب التدبيرات اإللهية في إصالح المملكة اإلنسانية .
- 10كتاب فصوص الحكم .
- 11كتاب رد اآليات المتشابهات إلى اآليات المحكمات .
- 12كتاب منزل القطب .
- 13كتاب اإلعالم بإشارات أهل اإللهام .
- 14كتاب الشاهد .
- 15كتاب اإلسفار عن نتائج األسفار .
- 16كتاب عقلة المستوفز .
- 17كتاب مسائل ابن سودكين .
- 18كتاب التراجم .
- 19كتاب روح القدس في محاسبة النفس .
- 20كتاب األزل .
- 21كتاب الشأن .
- 22كتاب المشاهد القدسية.
ص 588 :
- 23كتاب الفناء .
- 24كتاب الجالل والجمال .
- 25ديوان الشيخ األكبر .
- 26كتاب الوصية .
- 27كتاب مسامرة األبرار ومحاضرة األخيار .
- 28كتاب تلقيح األذهان .
- 29كتاب نقش الفصوص .
- 30كتاب العقد النفيس لسيدي أحمد بن إدريس .
- 31كتاب المسائل .
- 32كتاب التجليات .
- 33كتاب القسم اإللهي .
- 34رسالة اليقين .
- 35كتاب شجرة الكون ( المعراج ).
ص 589
ص 589 :
مراجع جمع آيات ج 2رحمة من الرحمن سورة المائدة
) ( 1ف ح - 140 / 3ح - 592 / 2ح - 261 ، 259 / 3ح ) 2 ( 686 / 1
ف ح / 101 - 2ح - 655 / 1ح ) 3 ( 351 / 3ف ح - 438 / 4ح 752 / 1
-إيجاز البيان آية - 144ف ح - 502 / 3ح - 434 / 4ح - 156 / 3ح / 1
) 5 ( 687ف ح - 632 / 1إيجاز البيان آية - 221ف ح - 512 / 3إيجاز
البيان آية ( 6 ) 221ف ح - 335 / 1ح - 331 / 1ح - 486 / 4ح 335 / 1
- 339 ، 338 ،ح / 301 - 3ح - 341 ، 339 / 1ح - 235 / 4ح 343 / 1
-ح - 366 / 4ح 364 - ، 365 / 1التنزالت الموصلية ( ) 12التنزالت
الموصلية ( ) 13ف ح ( 15 ) 3 / 2ف ح - 303 / 4ح - 107 / 2ح / 4
) 17 ( 424ف ح - 664 / 1ح - 381 / 4ح / 652 ( 18 ) 1ف ح 93 / 4
-ح - 405 / 2ح ) 19 ( 162 / 3ف ح ) 20 ( 400 / 3ف ح - 273 / 3ح
) 23 ( 419 / 1ف ح ) 24 ( 73 ، 200 / 3ف ح ( 26 ) 745 / 1ف ح / 1
) 27 ( 745ف ح - 754 / 1كتاب اإلسراء ( ) 30ف ح ( 31 ) 195 / 3ف
ح - 140 / 2كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 32ف ح - 520 / 1ح / 61 ( 4
) 33ف ح - 262 / 4ح - 161 / 2ح ) 35 ( 262 / 4كتاب مراتب التقوى -
ف ح - 97 / 2ح - 177 / 4ح - 488 / 3ح - 378 / 4كتاب مراتب التقوى (
) 37ف ح ) 38 ( 338 / 4ف ح ) 44 ( 304 / 3كتاب األعالق ( ) 45ف ح
( 48 ) 733 ، 725 / 1ف ح - 205 ، 400 / 4كتاب األعالق -ف ح / 4
- 274ح - 413 / 3ح - 217 ، 414 / 2ح - 322 / 1ح - 164 / 3ح / 1
- 265ح - 413 / 3ح / 131 - 4ح ) 51 ( 153 / 3إيجاز البيان آية ( 15
) 52ف ح ) 54 ( 475 / 1ف ح - 474 / 1ح - 102 / 4ح 345 ، 20 / 2
-ح ) 60 ( 37 / 4ف ح ( 64 ) 553 / 2ف ح - 530 / 1ح ، 535 / 3
- 430 ، 317ح - 530 / 1ح ( 66 ) 483 ، 317 / 3كتاب األعالق -ف ح
- 431 / 4ح - 594 / 2ح - 439 / 3ح 488 - ، 594 / 2ح ، 631 / 1
- 192ح - 595 / 2ح ) 67 ( 431 / 4ف ح - 158 / 3ح 595 ، / 2572
- 388 ، 654 ،ح - 393 / 4ح ) 69 ( 118 / 2ف ح - 450 / 1كتاب
النجاة ( ) 71ف ح ) 72 ( 250 / 4ف ح ) 73 ( 652 / 1ف ح
ض 590
ص 590 :
4 / 370 -ح - 499 / 3ح - 215 / 2ح - 126 / 3ح ) 80 ( 382 / 4ف
ح / 495 ( 82 ) 3ف ح ) 83 ( 533 / 2ف ح - 193 / 4ح - 554 / 3ح
- 378 / 4كتاب اإلسراء -كتاب النجاة -ف ح ) 84 ( 54 / 4ف ح ( 54 / 4
) 85كتاب مواقع النجوم ( ) 88ف ح ) 89 ( 463 / 2ف ح - 299 / 3ح / 4
- 47كتاب النجاة ) ( 90ف ح - 171 / 1ح - 381 / 4إيجاز البيان آية - 220
ف ح - 385 / 1ح / 197 ( 94 ) 2ف ح - 574 / 1ح ) 95 ( 411 / 2ف
ح - 727 / 1ح - 235 / 4ح / 27 - 3ح - 728 / 1ح - 236 / 4ح / 1
) 96 ( 727ف ح ( 97 ) 685 ، 686 / 1ف ح ) 99 ( 757 ، 666 / 1ف
ح - 523 / 1ح ) 101 ( 272 / 2كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح ( 685 / 2
) 105إيجاز البيان آية ) 106 ( 144إيجاز البيان آية ) 109 ( 144ف ح / 3
- 184ح - 327 / 1ح - 162 / 4ح - 83 / 2إيجاز البيان آية - 120ف ح 4
) 110 ( 80 /ف ح - 558 ، 149 / 3ح - 401 / 2ح / 108 - 4ح 51 / 2
- 143 ،ح - 108 / 4ح - 401 / 2ح ) 114 ( 370 / 3ف ح ، / 5381
( 115 ) 517 ، 518كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 116ف ح ، 354 / 3
267 -ح - 631 / 2ح - 278 / 3ح - 410 / 4ح - 631 / 2فصوص الحكم
فص - 15ف ح - 278 / 3ح - 631 / 2فصوص الحكم فص - 15ف ح / 4
- 332ح 538 - ، 300 / 2ح - 550 / 1ح - 267 / 3ح ، 267 ، 538 / 1
- 538فصوص الحكم فص - 15كتاب رد اآليات المتشابهات ( ) 117ف ح / 3
- 267كتاب فصوص الحكم فص - 15إيجاز البيان آية - 144كتاب فصوص
الحكم فص ) 118 ( 15ف ح - 250 / 2ح / 387 - 4كتاب رد اآليات
المتشابهات ( ) 119ف ح - 222 / 2ح - 432 ، 351 / 4ح - 212 / 2ح 4
- 351 /ح - 212 / 2ح - 18 ، 27 / 4ح 212 / 2
سورة األنعام
) ( 1ف ح ) 2 ( 236 / 4ف ح - 288 / 3ح ) 3 ( 587 / 2ف ح 346 / 4
- 251 ،ح - 363 / 3ح - 315 / 2ح ) 6 ( 346 / 4ف ح ) 9 ( 173 / 2
ف ح - 83 / 3كتاب التنزالت الموصلية -كتاب منزل القطب ( ) 12ف ح / 3
- 496ح - 303 / 4ح - 662 / 2ح - 72 / 3ح - 590 ، 556 / 1ح / 2
) 13 ( 408 ، 589 ، 45ف ح 2 / 473 -ح - 304 / 3كتاب اإلعالم -ف ح
- 202 / 1ح - 295 ، 294 / 2ح / 202 - 1ح - 48 ، 374 / 4كتاب الشاهد
( ) 14ف ح - 69 / 2ح 434 - ، 418 / 1ح - 251 / 4كتاب التدبيرات
اإللهية -ف ح - 221 / 3كتاب التنزالت الموصلية
ص 591
ص 591 :
) ( 18ف ح - 72 ، 216 / 4كتاب رد اآليات المتشابهات -ف ح ( 374 / 4
) 19ف ح ) 20 ( 99 ، 84 ، 57 ، 56 / 2إيجاز البيان آية ، 43آية ) 22 ( 7
ف ح / 108 ( 27 ) 4ف ح ) 28 ( 245 / 3ف ح - 55 / 2ح ، 24 / 3
- 243إيجاز البيان آية ) 29 ( 167ف ح ) 31 ( 641 / 1ف ح ( 347 / 4
) 32كتاب مواقع النجوم ( ) 35إيجاز البيان آية - 4كتاب اإلسفار عن نتائج
األسفار -ح - 552 ، 565 ، / 3193ح - 728 / 1ح - 552 / 3ح 284 / 4
( ) 36كتاب مواقع النجوم -ف ح ) 38 ( 162 / 4ف ح - 352 / 3ح / 1
- 220ح - 491 / 3ح - 8 / 4ح - 107 / 2ح - 377 / 4ح ( 56 ، 94 / 3
) 40ف ح ) 41 ( 137 / 4ف ح / 137 ( 43 ) 4إيجاز البيان آية ) 54 ( 12
ف ح - 72 / 3ح - 556 ، 210 / 1ح 4 / 274 -ح - 94 / 2ح - 274 / 4
ح - 45 ، 662 / 2إيجاز البيان ،الفاتحة آية - 3ف ح - 274 / 4ح - 45 / 2
ح - - 422 / 4ح ) 57 ( 590 / 1ف ح - 39 / 2ح ) 59 ( 4 / 4ف ح / 3
- 542 ، 397ح - 101 / 2ح - 350 / 3ح 2 / 584 -ح - 228 ، 279 / 3
ح ) 61 ( 593 ، 142 / 1ف ح - 216 / 4ح / 464 - 3ح - 216 / 4ح 3
) 68 ( 221 /ف ح - 473 ، 141 / 4ح ) 70 ( 81 / 2ف ح ( 270 / 4
) 71ف ح ) 73 ( 313 / 4كتاب عقلة المستوفز -ف ح 50 ، 394 ، 95 / 2
-ح - 85 / 1ح - 360 / 4ح - 305 / 1ح ( 74 ) 530 ، 79 ، 10 / 3ف
ح ) 75 ( 106 / 4كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح - 240 / 2ح ( 340 / 3
) 76ف ح - 289 / 4ح - 706 / 1ح ) 78 ( 342 / 4ف ح - 278 / 2ح
- 350 / 3كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 79كتاب اإلسراء -كتاب النجاة -ف
ح - 419 ، 412 ، 434 ، / 4181كتاب التنزالت الموصلية ( ) 81ف ح / 1
( 82 ) 118ف ح - 135 / 1ح - 136 / 4ح - 135 / 1ح - 136 / 2ح 3
) 83 ( 522 /ف ح / 448 - 3ح - 289 / 2ح - 20 / 4ح - 278 / 2ح 3
- 448 /ح ( 88 ) 498 / 1ف ح ) 89 ( 653 / 2ف ح ) 90 ( 586 / 1ف
ح - 77 ، 408 ، 313 / 4إيجاز البيان الفاتحة آية - 7ف ح - 125 / 2ح / 4
- 82ح - 635 / 1ح ( 91 ) 45 / 3ف ح - 466 / 1ح - 317 ، 535 / 3
ح - 132 ، 407 / 4ح - 535 / 3ح ( 93 ) 400 ، 435 ، 350 ، / 1424
ف ح ) 94 ( 282 ، 367 / 1كتاب األعالق -ف ح ) 4 / 474 ( 95ف ح / 2
- 575ح - 369 / 3ح ) 96 ( 347 / 4ف ح - 398 / 4ح ) 97 ( 575 / 2
ف ح - 192 / 1ح ) 99 ( 249 / 3ف ح ) 101 ( 462 / 2ف ح 1 / 329
) ( 102ف ح - 408 / 2ح - 167 / 1ح ) 103 ( 78 / 3كتاب األعالق -ف
ح - 392 / 3ح
ص 592
ص 592 :
- 305 ، 1 / 685كتاب مسائل ابن سودكين -ف ح - 38 ، 301 ، 39 / 4ح 2
- 499 /ح - 30 / 4ح - 220 / 2ح - 30 / 4ح - 151 / 3ح - 220 / 1ح
- 395 / 3ح - 238 ، 301 ، 2 ، 301 ، 2 / 4ح - 285 / 1ح ، 2 / 4
- 301ح ( 106 ) 77 / 1ف ح ) 112 ( 408 / 2ف ح - 281 / 1ح / 3
- 522إيجاز البيان آية - 15ف ح - 281 / 1ح - 400 / 4ح - 530 / 3ح 1
) 113 ( 281 /ف ح ( 117 ) 474 / 3ف ح ) 119 ( 654 / 2ف ح / 3
- 156ح ) 121 ( 463 ، 175 / 2ف ح / 491 - 3كتاب التراجم -ف ح / 3
) 122 ( 562ف ح - 558 ، 350 / 1ح - 369 / 3ح - 342 ، 274 / 2ح
- 100 / 3فصوص الحكم فص - 25ف ح - 618 / 2ح / 312 - 4ح / 2
- 618ح - 312 / 1ح - 100 / 3ح - 342 / 2ح ( 123 ) 312 / 4إيجاز
البيان آية - 66ف ح ) 124 ( 530 / 2ف ح - 122 ، 405 / 4فصوص الحكم
فص ) 125 ( 22ف ح ) 126 ( 412 / 3ف ح ) 127 ( 413 / 3ف ح / 4
) 130 ( 202ف ح - 367 / 3ح ) 133 ( 436 / 4فصوص الحكم فص ( 5
) 145إيجاز البيان آية - 173ف ح ) 149 ( 381 / 1ف ح ، 72 ، 240 / 4
- 16 ، 240ح - 112 / 3ح 2 / 507 -ح - 135 / 3فصوص الحكم فص ( 5
) 150كتاب النجاة ( ) 152ف ح - 584 ، / 552 1ح ) 153 ( 60 / 2ف ح
- 471 ، 217 / 2ح - 69 / 3ح - 471 ، 217 ، 148 / 2ح - 69 / 3ح 4
) 154 ( 391 /ف ح ) 158 ( 275 / 4ف ح : 471 - 217ح - 69 / 3ح
) 154 ( 391 / 4ف ح ) 158 ( 275 / 4ف ح - 434 / 4ح / 121 - 2ح
) 160 ( 396 ، 262 / 4ف ح ) 162 ( 9 / 3ف ح - 434 / 4ح / 418 1
) ( 163ف ح ) 164 ( 418 / 1ف ح ) 165 ( 471 / 2ف ح - 447 / 2
كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح . 401 ، 68 ، 60 ، 68 / 2
سورة األعراف
) ( 8كتاب عقلة المستوفز ( ) 9ف ح ) 11 ( 35 / 4كتاب األعالق ( ) 12ف
ح 2 / 449 -ح - 131 / 1ح - 449 / 2ح - 74 / 3ح - 467 / 2ح / 1
283 ( 13 ) ، 131ف ح ) 17 ( 144 / 3ف ح - 668 ، 550 / 2كتاب
األعالق -ف ح - 668 ، / 5502ح - 644 / 1ح - 482 / 3ح ، 749 / 1
- 158كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح - 158 / 1كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح 1
- 709 ، 302 ، 158 /كتاب اإلسراء -كتاب النجاة -ف ح ) 18 ( 229 / 3ف
ح ( 19 ) 718 / 1إيجاز البيان آية - 36ف ح - 508 ، 231 / 1ح 218 / 2
( ) 22ف ح - 565 / 2كتاب اإلسراء ( ) 23كتاب
ص 593
ص 593 :
اإلسفار عن نتائج األسفار -ف ح - 141 / 2ح - 419 / 1ح ) 24 ( 142 / 2
ف ح / 231 - 1كتاب اإلسراء ( ) 26ف ح - 163 ، 69 / 4ح - 680 / 1ح
- 163 / 4ح / 30 - 2ح - 383 ، 468 ، 518 / 1ح 27 ( 423 ، 163 / 4
) ف ح - 541 ، 89 / 3ح ) 28 ( 467 ، 466 / 2ف ح - 44 ، 735 / 1ح
- 66 / 2ح ) 29 ( 44 / 1ف ح - 41 ، 24 ، 493 ، 514 ، 3 / 24ح / 2
- 469 ، 184ح - 316 / 4ح - 184 / 2ح - 41 / 3ح - 312 / 1ح / 4
) 31 ( 369 ، 420ف ح - 453 / 4ح - 192 ، 468 ، 560 / 1ح / 4
- 270كتاب األعالق -ف ح - 560 / 3كتاب مواقع النجوم ) ( 32ف ح / 4
- 453كتاب روح القدس -ف ح - 15 / 3إيجاز البيان آية - 168ف ح / 1
- 740ح ) 33 ( 381 ، 483 / 2إيجاز البيان آية - 219ف ح - 10 / 2ح 4
- 410 /ح - 358 / 2فصوص الحكم فص - 10ف ح ) 34 ( 514 / 3ف ح
( 39 ) 468 ، / 2883إيجاز البيان آية - 166ف ح ) 40 ( 112 / 3ف ح 4
- 405 /ح ) 42 ( 124 / 2كتاب التنزالت الموصلية ( ) 43ف ح - 530 / 1
ح - 224 / 4ح - 318 ، 317 / 1كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 46ف ح 1
- 316 /ح / 10 - 4ح - 509 ، 316 / 1ح - 10 / 4ح - 211 / 2ح / 4
- 10 ، 354ح / 316 ( 47 ) 1ف ح ) 51 ( 316 / 1ف ح 52 ( 270 / 4
) ف ح ) 54 ( 388 / 4كتاب األزل -ف ح - 646 / 1كتاب الشأن -ف ح / 3
- 408ح - 395 / 1ح - 170 / 2ح - 548 / 3ح ، 457 ، 161 ، 170 / 2
- 678ح - 210 / 4ح - 434 ، 46 / 1ح 2 / 423 -ح - 116 / 4ح / 1
- 382ح - 129 / 2ح - 297 / 4كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح - 297 / 4
كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح - 575 / 2ح ) 55 ( 123 / 3ف ح ( 390 / 1
) 56ف ح ) 57 ( 390 / 1ف ح ) 58 ( 172 / 4ف ح ) 62 ( 172 / 4
كتاب التنزالت الموصلية ( ) 64كتاب اإلعالم ( ) ( 73 ) 72كتاب النجاة ( ) 87
ف ح ) 89 ( 401 / 3ف ح ) 96 ( 39 / 2ف ح / 472 ( 99 ) 2ف ح / 3
- 147ح - 530 / 2ح - 147 / 3ح - 530 ، 221 / 2ح 401 ، / 3954
) ( 102ف ح ) 105 ( 35 / 4ف ح ) 122 ( 334 / 4ف ح ( 276 / 2
) 127ف ح - 494 / 3ح ) 128 ( 190 / 4ف ح - 563 / 3ح - 278 / 4
ح / 421 - 2ح ) 135 ( 317 / 4ف ح ) 136 ( 374 / 4ف ح ( 164 / 3
) 142ف ح / 460 - 1كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 143ف ح - 258 / 1
ح - 116 ، 395 ، 195 ، 443 ، 349 / 3ح - 55 / 4ح - 349 ، 116 / 3
ح - 540 ، 304 / 2ح - 554 ، / 4863ح - 540 / 2كتاب
ص 594
ص 594 :
النجاة -ف ح - 349 / 3ح - 300 ، 63 / 4ح - 78 / 2ح - 486 ، 349 / 3
ح - 540 / 2ح - 486 / 3ح - 65 / 4ح - 349 ، 116 / 3ح ، 300 / 4
- 63ح - 116 / 3ح - 300 ، 63 ، 300 / 4ح - 495 / 2ح - 541 / 3
كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 144ف ح - 395 / 3كتاب اإلسراء -كتاب
النجاة ( ) 145ف ح / 260 - 3ح - 110 / 1ح - 260 / 3كتاب اإلسراء -
كتاب النجاة ( ) 146ف ح - 436 ، / 1494ح - 305 / 2ح 150 ، 149 / 4
( ) 148ف ح - 584 / 1كتاب اإلسفار ( ) 150كتاب اإلسفار -ف ح 269 / 4
-ح - 277 / 2كتاب اإلسفار -كتاب اإلسراء -كتاب النجاة -ح - 349 / 3كتاب
اإلسفار ( ) 151ف ح ( 154 ) 39 / 2ف ح - 277 / 2كتاب النجاة -ف ح 2
- 277 /ح ) 155 ( 350 / 1ف ح - 189 ، 2 / 159ح - 454 / 4ح / 2
) 156 ( 159 ، 39ف ح - 505 / 1ح / 172 - 3ح - 274 / 4ح 506 / 3
-ح - 77 / 1ح - 274 / 4ح - 171 ، 9 ، 506 / 3ح - 437 / 2ح / 4
- 200ح - 45 / 2ح - 564 / 1ح - 422 / 4ح - 76 / 2ح ، 472 / 3
- 496ح - 161 / 4ح - 662 / 2ح ) 157 ( 466 / 3إيجاز البيان آية - 5
ف ح - 635 / 1ح - 403 / 3ح - 45 / 2ح ( 158 ) 532 ، 370 / 3ف ح
- 251 / 1ح - 408 / 2ح ) 160 ( 290 ، 289 / 4كتاب اإلسراء -كتاب
النجاة ( ) 163ف ح - 11 ، 421 / 4ح ) 167 ( 639 / 1ف ح ( 401 / 2
) 168ف ح ) 172 ( 342 / 2ف ح - 58 / 4ح - 23 / 3ح - 381 / 1ح
- 254 / 4ح - 259 / 3ح - 618 ، 247 ، 618 / 2ح - 58 ، 133 / 4
كتاب عقلة المستوفز -ف ح - 670 / 1ح - 170 ، 690 / 2ح ، 268 / 4
- 122ح 411 - ، 248 ، 284 / 3ح - 213 / 2ح - 566 / 3كتاب المشاهد
القدسية -كتاب النجاة ) ( 175ف ح - 178 / 4كتاب الفناء -ف ح ، 121 / 2
) 176 ( 300ف ح ) 179 ( 230 / 2ف ح - 547 / 3ح - 338 / 4ح / 3
- 297ح - 149 / 4ح ) 180 ( 296 / 3ف ح - 463 / 1ح - 322 / 4ح
- 499 ، 474 ، 499 ، 441 / 3ح - 412 ، 318 / 4ح - 149 / 3ح / 4
- 199 ، 171ح - 498 / 3ح - 462 / 2ح - 77 ، 171 / 4إيجاز البيان آية
) 182 ( 62ف ح - 145 / 4ح ) 183 ( 232 / 1ف ح ( 184 ) 372 / 2
ف ح ) 185 ( 620 / 2ف ح - 195 / 1ح - 163 / 2ح - 195 / 1ح / 2
163 -ح ) 186 ( 401 / 3ف ح ) 187 ( 498 / 3ف ح - 427 / 4ح / 2
- 630ح / 89 - 3ح ) 189 ( 401 / 1ف ح - 190 ، 272 / 2ح 137 / 4
( ) 196ف ح - 247 ، / 2462ح
ص 595
ص 595 :
1 / 231 -ح - 283 / 4ح - 231 / 1ح - 283 / 4ح ) 199 ( 230 / 1ف
ح / 248 ( 201 ) 1كتاب األعالق -ف ح - 36 / 2كتاب كتاب الجالل والجمال
-كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح ) 204 ( 666 / 1ف ح ، 456 ، 509 / 1
343 - ، 298 ، 504ح - 397 ، 389 / 4ح ) 206 ( 13 / 2ف ح / 1
. 509
سورة األنفال
) ( 1ف ح - 476 / 3ح - 80 / 4ح ) 3 ( 383 / 3ف ح ) 4 ( 39 / 2ف
ح - 563 ، / 982ح ) 11 ( 541 / 3ف ح ) 12 ( 452 ، 110 ، 60 / 2
ف ح ( 13 ) 452 / 2ف ح ) 14 ( 447 / 2ف ح ) 15 ( 283 / 4ف ح / 1
) 16 ( 474ف ح / 395 - 4ح ) 17 ( 474 / 1ف ح - 362 / 4ح / 3
- 286 ، 549ح - 414 ، 33 / 4ح 2 / 553 -ح - 525 / 3ح - 69 / 2ح
- 33 ، 335 ، 213 / 4ح - 553 / 2ح / 731 - 1ح - 280 / 4ح / 3
- 411ح ) 19 ( 147 ، 69 / 2إيجاز البيان آية ) 91 ( 21ف ح - 189 / 3
ح - 208 / 1ح - 25 ، 162 / 4ح - 208 / 1ح ( 469 ، 189 ، / 5503
) 23ف ح - 46 / 4ح - 550 / 3ح - 484 / 2ح ( 24 ) 163 / 4ف ح 3
- 550 /ح - 160 / 4ح - 699 / 1ح - 160 / 4ح - 699 / 1ح / 161 4
) ( 25ف ح - 239 / 4الديوان - 107 /ف ح - 160 / 2ح ( 27 ) 505 / 4
ف ح ) 28 ( 138 / 4ف ح - 189 / 2ح - 555 / 1ح - 200 / 3ح / 4
- 126ح / 583 ( 29 ) 1ف ح - 380 / 4ح - 372 / 1ح 111 ، 128 / 3
-ح - 254 ، 506 ، 372 / 1ح - 401 ، 166 ، 401 ، 434 / 3ح / 4
- 150ح - 402 / 3ح - 150 ، 399 ، / 1504ح ) 32 ( 434 / 3ف ح 1
- 538 /ح ) 33 ( 252 ، 268 / 3ف ح ) 34 ( 42 / 4ف ح - 52 / 2ح 3
) 37 ( 50 /ف ح ) 38 ( 120 ، 721 / 1ف ح ) 410 ( 553 / 1ف ح / 3
) 42 ( 475 ، 480 ، 168 ، 475ف ح - 641 / 2ح / 481 ( 44 ) 3ف ح
) 49 ( 507 / 3ف ح ) 60 ( 669 / 1ف ح - 21 ، 22 / 3ح / 636 - 1ح
- 55 / 4ح ) 61 ( 636 / 1ف ح ) 63 ( 470 ، 300 / 4ف ح / 178 - 1
ح ) 64 ( 123 / 2ف ح ) 66 ( 429 / 1ف ح ) 67 ( 204 / 3ف ح / 2
( 68 ) 568ف ح - 317 / 3ح - 349 / 1ح ) 69 ( 422 ، 418 / 4ف ح
( 71 ) 144 / 3ف ح ) 72 ( 389 / 1ف ح ) 73 ( 146 ، 145 / 2ف ح 3
) 75 ( 171 /ف ح / 531 . 3
ص 596
ص 596 :
سورة التوبة
ف ح - 9 / 3ح - 83 / 1ح - 9 / 3ح - 270 / 1ح - 148 / 3ح 270 / 1
-ح / 78 ( 1 ) 4ف ح ) 3 ( 477 / 3ف ح - 78 / 4ح - 754 ، 712 / 1
ح ( 6 ) 417 / 4ف ح - 108 / 3ح - 666 / 1ح - 301 ، 283 / 3ح / 4
- 431ح - 375 / 2ح - 644 ، 395 / 1ح - 77 / 2ح - 346 ، 402 / 4
ح ) 8 ( 4 / 3ف ح / 544 - 3ح ) 14 ( 553 / 1كتاب رد اآليات المتشابهات
( ) 15إيجاز البيان آية ( 21 ) 120 ، 11ف ح - 410 / 4ح 746 ، 698 / 1
-ح ) 23 ( 280 / 2ف ح / 155 ( 24 ) 2ف ح - 505 / 3ح ، 156 / 4
- 157ح - 155 / 2ح - 157 / 4ح / 156 ( 25 ) 2ف ح ) 26 ( 328 / 3
ف ح ) 28 ( 59 / 2ف ح - 382 / 1إيجاز البيان آية ) 29 ( 116ف ح / 2
- 592 ، 363 ، 592ح - 387 / 3ح ( 30 ) 547 / 4ف ح 31 ( 405 / 2
) ف ح ) 34 ( 409 / 2ف ح ) 35 ( 548 / 1ف ح / 416 - 4ح 548 / 1
-ح - 416 / 4ح ) 37 ( 548 / 1ف ح ) 38 ( 144 / 1ف ح / 351 ( 4
) 40ف ح - 487 ، 414 / 2ح - 370 / 4ح - 110 / 1ح - 288 / 2ح 1
( 41 ) 474 ، / 110ف ح ) 42 ( 474 / 1ف ح ) 43 ( 264 / 2ف ح / 1
- 230ح - 410 ، 234 ، 41 ، / 410 4ح ) 46 ( 359 / 2ف ح ( 4 / 1
) 60ف ح - 477 / 3ح ) 67 ( 562 / 1ف ح - 244 / 2ح - 97 / 1ح 3
) 69 ( 552 /إيجاز البيان آية ) 72 ( 221ف ح - 756 / 1ح 73 ( 434 / 3
) ف ح ) 75 ( 145 ، 438 / 1ف ح ) 76 ( 440 / 4ف ح 586 ، 548 / 1
) 77 ( 548 ،ف ح ) 78 ( 548 / 1ف ح / 538 ( 80 ) 1ف ح ( 48 / 4
) 86ف ح ) 88 ( 491 / 1ف ح ( 91 ) 36 / 2إيجاز البيان آية - 216ف ح
) 93 ( 416 ، 394 / 4إيجاز البيان آية ) 100 ( 8ف ح ( 213 ، 173 / 2
) 102ف ح - 559 / 2ح - 208 / 3ح - 336 / 1ح / 476 - 4ح 533 / 2
-ح - 336 ، 634 / 1ح - 476 / 4ح - 598 / 1ح - 533 / 2ح 598 / 1
-ح - 476 / 4ح - 559 / 2ح ) 103 ( 553 ، 336 / 1ف ح ، 584 / 1
- 586 ، 584 ، 549 ، 551إيجاز البيان آية - 130ح ، 548 ، 481 / 1
( 104 ) 551ف ح - 302 / 4ح ) 105 ( 478 / 3ف ح - 192 / 4ح / 3
) 108 ( 78ف ح ) 2 / 342 ( 109ف ح ) 111 ( 422 / 4ف ح 147 / 2
-ح - 163 / 4ح - 147 / 2ح - 471 / 3ح - 147 / 2ح 541 ، 675 / 1
-ح - 271 / 4ح - 658 ، 675 ، 270 / 1ح ) 112 ( 478 / 3ف ح / 2
- 33 ، 17 ، 32ح - 530 / 1ح ، 33 ، 392 ، 33 ، 23 ، 527 ، 33 / 2
( 113 ) 30 ، 34ف ح
ص 597
ص 597 :
) 3 / 272 ( 114ف ح - 272 / 3ح - 449 / 4ح - 722 / 1ح - 352 / 2
ح / 722 - 1ح - 35 / 2ح ) 115 ( 240 / 4ف ح - 243 / 3ح 335 / 4
( 117 ) 314 ،ف ح - 632 / 1ح ) 118 ( 197 / 3ف ح 139 ، 474 / 2
-ح - 148 / 3ح / 302 - 4ح - 534 ، 144 / 2ح 120 ( 230 ، 374 / 3
) ف ح ( 122 ) 337 / 4إيجاز البيان آية - 217ف ح 123 ( 280 ، 371 / 1
) ف ح - 462 / 4ح - 467 / 1ح - 462 / 4ح - 467 / 1كتاب الوصية -
كتاب مواقع النجوم -ف ح - 462 / 4كتاب التدبيرات اإللهية ( ) 124ف ح / 3
- 565ح ) 125 ( 414 / 1ف ح / 475 - 1إيجاز البيان آية - 17ح 565 / 3
-ح ) 128 ( 520 / 2ف ح - 294 / 3ح - 127 ، 126 ، 199 ، 265 / 2
ح - 304 / 4ح - 116 / 3ح - 245 / 1ح / 373 - 4ح - 398 / 3إيجاز
البيان آية ) 129 ( 138ف ح . 409 ، 199 ، 409 / 2
سورة يونس
) ( 2ف ح - 118 / 3ح - 129 / 2كتاب مواقع النجوم -ف ح - 281 / 2ح
/ 76 - 3كتاب رد اآليات المتشابهات ( ) 3ف ح - 174 / 2ح 296 ، 171 / 3
163 - ، 67 ،ح - 62 / 4ح ) 4 ( 462 / 3ف ح - 279 / 4ح ( 471 / 2
) 5ف ح / 107 - 2ح - 157 / 1ح - 107 / 2ح - 198 / 4ح - 107 / 2
ح - 111 / 3ح / 440 - 2ح - 436 / 3ح - 440 / 2ح ) 6 ( 121 / 1ف
ح ) 10 ( 111 / 3كتاب التنزالت الموصلية -ف ح - 524 ، 466 / 3ح / 4
) 12 ( 95كتاب التدبيرات اإللهية ( ) 13ف ح ) 16 ( 115 / 3ف ح / 3
) 18 ( 467ف ح ( 22 ) 534 / 1كتاب اإلسفار عن نتائج األسفار -ف ح / 2
- 262ح - 562 / 1كتاب اإلسفار -إيجاز البيان آية - 20ف ح 23 ( 208 / 1
) ف ح ) 24 ( 208 / 1ف ح - 198 ، 199 ، 197 / 4ح ) 25 ( 232 / 3
كتاب األعالق -ف ح ) 26 ( 699 / 1ف ح / 538 - 3ح - 358 / 2ح / 3
- 407ح - 446 / 4ح ) 32 ( 540 / 3ف ح - 95 ، 576 ، 418 / 2ح / 4
) 33 ( 279ف ح ) 34 ( 535 / 2ف ح ) 36 ( 55 / 2ف ح / 612 ( 2
) 42كتاب مواقع النجوم ( ) 44ف ح ) 47 ( 468 / 3ف ح ) 49 ( 352 / 3
ف ح ) 56 ( 50 / 2ف ح ) 57 ( 289 / 4ف ح ) 58 ( 58 / 3ف ح 4 / 4
-ح / 433 - 3ح ) 61 ( 128 ، 440 ، 127 / 4ف ح - 175 / 4ح / 1
- 433ح ( 62 ) 407 ، / 1754ف ح - 23 / 2ح - 14 / 3ح - 543 / 4
ح ( 63 ) 230 ، 229 / 1كتاب مواقع النجوم -ف ح ) 64 ( 14 / 3إيجاز
البيان -ف ح
ص 598
ص 598 :
- 605 ، 2 / 211ح - 190 / 3ح ) 65 ( 69 ، 563 ، 654 ، 563 / 2ف
ح ( 67 ) 129 / 2ف ح - 206 / 1كتاب مواقع النجوم ( ) 72ف ح 588 / 2
-ح - 402 / 1ح ) 90 ( 575 / 1ف ح - 90 ، 533 ، 90 / 3ح - 60 / 4
ح 410 ( 91 ) ، 276 ، 410 / 2ف ح - 533 / 3ح ) 92 ( 410 / 2ف ح
- 164 / 3ح ( 94 ) 276 / 2ف ح ) 98 ( 138 / 2ف ح - 383 / 3ح / 2
. 415
سورة هود
ف ح ) 1 ( 182 / 4ف ح ) 3 ( 455 / 3ف ح ) 4 ( 245 / 4ف ح / 4
) 6 ( 245ف ح ) 7 ( 520 / 1كتاب عقلة المستوفز -ف ح - 65 / 3ح 4 / 1
-ح - 436 / 2ح - 65 / 3ح - 493 / 4كتاب األعالق -إيجاز البيان -ف ح 1
- 259 /ح / 356 ( 13 ) 4ف ح ) 14 ( 332 / 4ف ح ) 15 ( 410 / 2ف
ح ) 17 ( 121 / 4ف ح 2 / 634 -إيجاز البيان -ف ح ، 632 ، 634 / 2
- 567ح - 404 / 4ح - 54 / 2كتاب مواقع النجوم -ف ح - 201 ، 251 / 1
ح ) 29 ( 311 / 3ف ح - 672 / 1إيجاز البيان -ف ح ) 39 ( 63 / 3إيجاز
البيان آية ) 42 ( 16كتاب اإلسفار عن نتائج األسفار ( ) 43كتاب التراجم -كتاب
اإلسفار -كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 44ف ح ) 45 ( 372 / 4ف ح / 2
) 46 ( 39ف ح / 617 - 2ح - 552 / 3ح - 617 / 2ح ) 54 ( 179 / 3
ف ح - 36 / 3ح ( 56 ) 154 / 2إيجاز البيان الفاتحة آية - 6ف ح - 384 / 4
ح - 406 / 1ح - 364 / 4ح - 426 / 1ح - 366 ، 273 / 4ح - 217 / 2
ح - 410 ، 413 / 3ح - 217 / 2ح - 413 / 3ح - 478 ، 217 ، 563 / 2
ح - 426 / 1ح - 400 / 4كتاب التراجم ( ) 57ف ح - 118 / 2ح 188 / 1
-ح - 221 ، 169 / 3ح ) 60 ( 75 / 2كتاب المسامرات ( ) 65كتاب
المسامرات -فصوص الحكم فص ) 70 ( 11ف ح / 133 - 1ح 73 ( 452 / 3
) ف ح - 429 / 1ح ) 75 ( 261 ، 262 / 4ف ح ( 80 36 ، 35 ، 34 / 2
)ف ح - 53 / 4ح - 230 / 3كتاب تلقيح األذهان -كتاب اإلسفار عن نتائج
األسفار -ف ح - 347 / 3كتاب اإلسفار -كتاب نقش الفصوص -كتاب اإلسفار (
) 81ف ح ) 86 ( 461 / 3ف ح - 335 / 3ح - 114 / 4ح / 463 ( 2
) 88ف ح - 432 / 4كتاب مواقع النجوم -ف ح - 687 / 2ح 131 ، 84 / 3
-ح - 434 ، 334 ، 238 / 1كتاب التنزالت الموصلية ( ) 90ف ح 197 / 1
) ( 101ف ح ) 102 ( 309 / 3ف ح 252 / 3
ص 599
ص 599 :
) ( 103ف ح ) 104 ( 715 / 1ف ح ) 105 ( 713 / 1ف ح - 390 / 3ح
( 106 ) 405 / 4ف ح - 447 / 2كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 107ف ح
- 688 / 2ح - 387 ، / 7 3ح - 281 / 2ح - 387 / 3ح - 381 / 2ح / 3
- 77ح ( 108 ) 527 / 1ف ح - 281 ، 688 ، 447 / 2كتاب األعالق -ف
ح ) 112 ( 317 / 1ديوان -ف ح - 218 / 2ح ) 113 ( 145 ، 182 / 4ف
ح - 160 / 2ح - 460 / 3ح ( 114 ) 198 ، / 1602ف ح ( 446 / 4
) 115كتاب التنزالت الموصلية ( ) 118ف ح ( 119 ) 465 ، 3 / 84ف ح 2
- 335 /كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح - 162 / 3ح - 404 / 4ح ( 465 / 3
) 120ف ح - 457 ، 268 ، 145 / 3إيجاز البيان آية - 56كتاب اإلسفار عن
نتائج األسفار ( ) 123ف ح - 144 / 2ح 552 - ، 418 / 1ح - 28 / 4ح 3
- 254 /ح - 86 / 4ح - 471 / 3ح - 67 / 4ح / 218 - 2ح - 427 / 4ح
- 218 ، 144 ، 218 ، 74 ، 153 / 2ح 707 - ، 470 ، 416 / 1ح / 4
- 227ح - 88 / 3ح - 707 / 1ح - 223 / 3ح - 380 / 4كتاب ذخائر
األعالق .
سورة يوسف
) ( 3ف ح - 492 / 2ح ) 5 ( 99 / 4ف ح - 451 / 3كتاب فصوص الحكم -
ف ح / 375 - 2ح - 70 / 3ح ) 6 ( 27 ، 184 / 4ف ح ) 20 ( 453 / 3
كتاب اإلسفار -كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 21ف ح - 299 ، 453 / 3ح 1
- 429 /ح / 299 ( 23 ) 3ف ح ) 24 ( 451 / 3ف ح - 348 / 3كتاب
اإلسفار -ف ح ( 27 ) 57 / 4ف ح ) 30 ( 17 / 3ف ح ) 31 ( 323 / 2
كتاب اإلسفار -كتاب اإلسراء ) ( 33ف ح ) 36 ( 625 / 1ف ح ( 615 / 2
) 39ف ح - 408 / 2ح - 463 / 3ح ) 2 / 538 ( 41ف ح 42 ( 377 / 2
) كتاب العقد النفيس لسيدي أحمد بن إدريس ) ( 43ف ح - 378 / 2ح 454 / 3
-كتاب اإلسفار ( ) 44كتاب اإلسفار -كتاب األعالق ( ) 48ف ح ( 275 / 2
) 50ف ح - 180 / 4ح - 347 / 3ح / 625 ( 51 ) 1ف ح 52 ( 348 / 3
) ف ح ) 53 ( 347 / 3ف ح - 286 / 1ح - 195 / 2ح - 418 / 3كتاب
مواقع النجوم -ف ح - 562 / 3ح ) 54 ( 256 / 2كتاب اإلسراء -كتاب النجاة
( ) 55كتاب اإلسفار -ف ح - 142 / 3كتاب فصوص الحكم ( ) 64ف ح / 2
) 67 ( 86ف ح ) 72 ( 200 / 2كتاب اإلسراء ( ) 83ف ح 2 / 243 ( 86
)ف ح ) 88 ( 338 / 2ف ح ) 92 ( 574 / 1ف ح - 28 / 4ح / 39 ( 2
) 95ف ح ) 100 ( 338 / 2ف ح - 373 / 3ح 259 ، 258 / 4
ص 600
ص 600 :
) ( 101كتاب اإلعالم ( ) 104ف ح ) 105 ( 95 / 2إيجاز البيان آية ( 40
) 106ف ح - 133 ، 284 / 4كتاب المسائل -كتاب الوصية -ف ح - 357 / 3
ح / 435 - 4ح - 138 / 2كتاب الشاهد ( ) 108ف ح - 51 / 3ح - 645 / 2
ح - 404 / 4ح - 403 / 1ح - 569 ، 376 / 2ح - 525 / 3ح - 376 / 2
ح - 412 / 4ح - 311 ، 332 ، 52 ، / 458 3ح - 251 ، 218 / 1ح / 3
- 332ح - 183 / 4كتاب التجليات -ف ح - 186 / 4ح ) 111 ( 53 / 2
كتاب اإلسفار عن نتائج األسفار -ف ح - 471 / 3كتاب اإلسفار .
سورة الرعد
) ( 1ف ح ) 2 ( 64 / 1ف ح - 396 / 4ح - 396 / 4ح - 125 / 1كتاب
التراجم -ف ح - 418 / 3ح - 4 / 1ح - 552 / 2ح 325 ، 325 ، 324 / 1
-ح / 128 - 2ح - 67 ، 163 ، 67 ، 296 ، 171 / 3ح - 206 / 1ح / 2
- 62ح / 28 ( 3 ) 3ف ح - 620 ، 39 ، 556 / 2كتاب التدبيرات اإللهية -
ف ح - 126 / 1ح ) 4 ( 595 ، 230 / 2ف ح - 231 / 3ح - 209 / 1ح 2
- 416 /ح - 186 / 3ح - 411 ، 409 / 4كتاب المشاهد القدسية -كتاب
اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 7ف ح ) 8 ( 498 / 3ف ح - 417 / 3ح 350 / 4
) 9 ( 351 ،ف ح 748 - ، 51 / 1ح ) 11 ( 322 ، 91 / 4ف ح 187 / 4
- 187 ، 216 ،ح - 505 / 1ح / 305 ( 13 ) 4ف ح - 452 / 2كتاب
النجاة ( ) 15ف ح - 101 / 2ح 509 - ، 515 / 1ح - 152 / 3ح 509 / 1
-إيجاز البيان -ف ح - 47 / 3كتاب األعالق -ف ح - 509 ، 137 / 1ح / 4
- 435ح - 101 / 2ح - 509 / 1ح - 333 / 4كتاب التنزالت الموصلية ( 16
) ف ح - 121 / 3ح - 236 ، 240 ، 279 / 1ح / 322 ( 17 ) 4ف ح / 1
- 189ح - 419 / 3ح - 632 / 1ح - 556 / 2ح - 419 / 2كتاب األعالق (
) 20ف ح - 37 / 2ح - 723 / 1ح ) 21 ( 37 / 2ف ح ( 22 ) 38 / 2
الديوان ( ) 23ف ح - 442 / 3ح ) 24 ( 319 / 1ف ح ( 26 ) 209 / 3ف
ح ) 28 ( 224 / 4ف ح ) 29 ( 50 ، 21 / 4ف ح ) 30 ( 436 ، 434 / 3
ف ح / 411 ( 31 ) 2ف ح - 194 / 2ح - 3 / 3ح - 529 / 1ح 194 / 2
-ح - 3 / 3ح ) 1 / 551 ( 32كتاب فصوص الحكم ( ) 33ف ح - 481 / 1
ح - 513 / 2ح / 544 - 3ح - 106 ، 11 / 4ح - 418 / 2ح - 106 / 4ح
- 498 / 3ح ( 35 ) 106 / 4إيجاز البيان آية - 18ف ح - 660 / 1ح
ص 601
ص 601 :
) 3 / 564 ( 39ف ح - 534 ، 552 ، 534 / 2ح - 61 / 3ح - 287 / 4ح
- 61 / 3كتاب الفناء -كتاب مواقع النجوم -رسالة ابن سودكين -ف ح 112 / 3
( 40 ) 160 ،ف ح ) 41 ( 394 / 1ف ح ) 42 ( 357 / 2ف ح - 698 / 1
ح . 249 / 4
سورة إبراهيم
) ( 1ف ح ) 4 ( 412 ، 411 ، 412 ، 174 / 3ف ح - 632 ، 3 / 2ح / 4
- 43ح 3 / 483 -ح - 43 / 4ح - 530 / 3ح - 468 / 4ح - 534 / 2ح
- 468 / 4ح / 533 - 2ح - 490 / 3ح - 420 / 1كتاب التراجم ( ) 5ف ح
- 333 / 4كتاب المسامرات -ف ح - 564 / 3ح - 208 / 2ح ) 7 ( 561 / 3
ف ح - 202 / 2ح / 457 - 4ح - 505 / 1ح - 343 / 2ح 410 ، 152 / 3
( ) 8ف ح ) 11 ( 410 / 3ف ح ) 12 ( 50 / 3ف ح ) 15 ( 424 / 2كتاب
اإلسراء -كتاب النجاة ) ( 16كتاب النجاة ( ) 19ف ح - 420 / 3ح - 539 / 2
ح - 548 ، 365 / 3ح - 240 / 4ح - 607 / 2ح ) 20 ( 460 / 3ف ح 3
) 22 ( 528 /ف ح - 112 / 3كتاب تلقيح األذهان ( ) 24ف ح ( 195 / 1
) 25ف ح ) 32 ( 451 / 3ف ح ( 34 ) 526 / 2ف ح - 259 / 4ح / 3
- 96ح - 257 ، 260 / 4ح ( 43 ) 531 ، 530 ، 620 / 2ف ح 198 / 2
-ح - 354 / 4ح ) 47 ( 485 / 3ف ح - 474 / 2ح - 535 / 1ح / 2
- 474كتاب فصوص الحكم -ف ح ) 48 ( 474 / 2ف ح - 102 / 3ح / 1
308 -ح - 432 ، 421 / 3ح ) 49 ( 439 / 2ف ح ) 51 ( 158 / 4ف ح
- 268 / 4ح - 85 / 3ح - 513 / 1ح - 85 / 3ح - 326 / 1ح - 85 / 3
ح - 513 / 1ح / 544 . 3
سورة الحجر
) ( 3ف ح ) 6 ( 344 / 4إيجاز البيان ( ) 9ف ح - 369 / 3إيجاز البيان (
الفاتحة آية - ) 5ف ح - 461 / 4ح - 230 / 3ح - 8 / 4إيجاز البيان ( المقدمة
) -ف ح ) 21 ( 145 / 1ف ح - 587 / 2ح - 129 ، 340 / 4ح 193 / 3
- 192 ،ح - 281 / 2ح - 108 / 4ح - 193 / 3ح - 295 ، 293 / 4ح 3
- 434 /كتاب األعالق -ف ح - 587 / 2ح - 426 / 4ح - 281 / 2ح 6 / 3
-ح / 180 ( 26 ) 4ف ح ) 27 ( 296 / 3ف ح - 438 / 3إيجاز البيان آية
( 28 ) 40إيجاز البيان آية ( - ) 40ف ح ) 29 ( 438 / 3ف ح - 296 / 3ح
568 - ، 272 / 2ح - 663 / 1ح - 125 / 3ح ، 568 / 2
ص 602
ص 602 :
503 -ح - 230 / 4ح - 306 / 4ح ) 30 ( 67 ، 46 / 2ف ح - 294 / 3
كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح ) 35 ( 86 / 2كتاب تلقيح األذهان ( ) 39ف ح
/ 467 - 2ح - 527 / 3ح ) 40 ( 283 / 1ف ح ) 42 ( 381 / 3ف ح / 1
- 197ح / 4 - 4ح - 381 / 3ح - 197 / 1ح ) 44 ( 467 / 2ف ح / 3
- 441ح 303 ( 47 ) ، 229 / 1ف ح ) 48 ( 286 / 3ف ح - 500 / 1
إيجاز البيان آية ) 49 ( 26 ، 6ف ح ) 50 ( 342 / 4ف ح ) 51 ( 342 / 4
ف ح ) 56 ( 655 / 1ف ح ( 75 ) 356 / 4ف ح - 241 / 2كتاب التدبيرات
اإللهية -ف ح ) 79 ( 358 / 4ف ح / 26 ( 85 ) 4ف ح ، 216 ، 285 / 2
( 86 ) 310 ، 331 ، 310 ، 331 ، 285 ، 95 ، 391ف ح 87 ( 348 / 3
) ف ح - 134 / 2ح ) 91 ( 130 ، 500 / 3كتاب القسم اإللهي ( ) 94ف ح
) 96 ( 190 / 4ف ح - 302 / 1كتاب القسم اإللهي ( ) 97ف ح - 185 / 4
كتاب القسم اإللهي ( ) 98ف ح - 404 ، 403 / 2ح ( 99 ) 34 ، 290 / 2
كتاب القسم اإللهي -ف ح - 311 / 3ح - 74 ، 34 / 2ح - 311 / 3كتاب
اإلعالم -ف ح - 204 ، 295 / 2ح - 365 / 4رسالة اليقين
سورة النحل
) ( 1إيجاز البيان آية - 111ف ح - 204 ، 95 / 2ح ) 2 ( 354 / 3ف ح 2
/ 356 -ح - 412 ، 638 ، 90 ، 568 / 2ح ) 3 ( 316 / 3ف ح 354 / 3
) 5 ( 416 ،ف ح ) 7 ( 339 / 4ف ح - 490 / 3ح ) 9 ( 560 / 1ف ح 1
- 209 /ح / 388 - 3ح ) 12 ( 668 ، 302 / 1ف ح - 34 / 4ح 338 / 3
( ) 15ف ح ( 16 ) 455 / 2ف ح ) 17 ( 142 / 3ف ح - 612 / 2ح / 1
- 712ح - 511 / 2ح - 400 ، 712 / 1إيجاز البيان آية ) 18 ( 20روح
القدس في محاسبة النفس -ف ح / 408 ( 22 ) 4إيجاز البيان آية ) 29 ( 4ف ح
) 30 ( 368 / 1ف ح ) 31 ( 105 / 4ف ح ) 33 ( 252 ، 180 / 4ف ح 4
) 40 ( 149 /ف ح - 260 / 1ح - 495 / 2ح - 280 / 3ح ، 260 / 1
- 538 ، 323 ، 265ح 255 - ، 68 ، 46 ، 286 ، 90 / 3ح - 401 / 2ح
- 254 / 3ح - 62 / 2ح - 280 / 3ح 201 ، 401 ، 62 ، 280 ، 302 / 2
- 280 ،ح - 525 / 3ح - 401 ، 62 ، 280 / 2ح 525 - ، 217 / 3ح / 2
- 401ح - 255 / 3ح - 46 / 1ح - 263 / 3ح - 70 / 4ح / 484 - 2ح
- 282 / 3ح - 732 / 1ح - 400 / 2ح - 289 ، 134 ، 295 / 3ح / 2
) 402 ( 43ف ح
ص 603
ص 603 :
1 / 724 -ح - 8 / 4ح - 309 ، 457 / 3ح - 190 / 2ح - 373 / 1ح / 2
( 44 ) 190ف ح - 301 / 3ح ) 48 ( 259 ، 672 / 2ف ح - 328 / 2ح
- 510 / 1ح / 46 - 3ح - 328 / 2ح - 510 / 1ح ) 49 ( 328 / 2ف ح
( 50 ) 328 ، 308 ، 102 ، 328 / 2كتاب اإلسفار عن نتائج األسفار -ف ح
- 340 / 1ح - 328 / 2ح ) 1 / 510 ( 53ف ح ) 56 ( 207 / 3ف ح / 3
) 59 ( 162ف ح ( 60 ) 367 / 3إيجاز البيان آية - 18ف ح 62 ( 116 / 3
) ف ح ) 65 ( 367 / 3كتاب مواقع النجوم ( ) 68ف ح - 142 ، 393 / 3ح
- 254 ، 78 ، 434 / 2ح ( 69 ) 287 / 1ف ح - 120 ، 488 / 3ح / 4
- 257كتاب ذخائر األعالق -ف ح - 282 / 4كتاب ذخائر األعالق -ف ح / 4
) 74 ( 282ف ح - 301 / 4ح - 344 / 3ح - 203 / 4ح - 488 / 2ح 3
- 291 /ح - 379 / 4ح - 345 ، 185 / 3ح - 349 / 1ح ، / 1853
( 77 ) 450ف ح - 82 / 2ح - 46 / 4ح - 82 / 2ح ) 78 ( 417 / 4ف
ح 4 / 390 -ح - 288 / 1ح - 366 ، 61 / 2ح - 399 / 3كتاب اإلعالم (
) 79ف ح ) 81 ( 490 / 3ف ح ) 88 ( 211 / 3ف ح - 472 / 2ح / 1
) 89 ( 303ف ح / 135 ( 90 ) 1ف ح - 407 / 3كتاب التدبيرات اإللهية -
ح ) 93 ( 407 / 3ف ح ) 3 / 309 ( 96ف ح ، 280 ، 201 ، 518 / 2
- 281ح - 161 / 3ح 108 - ، 413 / 4كتاب المسائل -ف ح ( 107 / 4
) 97ف ح ) 98 ( 123 / 4ف ح - 409 / 4ح ) 102 ( 421 ، 413 / 1ف
ح ) 106 ( 71 / 2ف ح - 125 / 4ح - 220 / 3كتاب عقلة المستوفز -ف ح
- 560 / 1ح ) 111 ( 220 / 3ف ح - 627 ، 628 / 1ح 112 ( 145 / 2
) ف ح ) 114 ( 406 / 3كتاب مواقع النجوم -ف ح ( 115 ) 401 / 1ف ح 2
) 116 ( 175 /ف ح - 563 ، 559 / 3ح ) 120 ( 175 / 2ف ح / 562 2
-ح ) 121 ( 722 / 1ف ح - 722 / 1ح ) 122 ( 202 / 2ق ح 230 / 1
) ( 125ف ح - 563 / 3ح - 267 ، 266 / 2ح - 563 / 3ح ، 265 / 2
- 93ح / 516 - 4ح - 265 / 2ح ) 127 ( 498 ، 339 / 3ف ح 343 / 2
( ) 128ف ح / 549 - 1ح . 360 / 4
سورة اإلسراء
) ( 1ف ح - 50 / 4ح - 49 / 1ح - 403 ، 419 / 2كتاب اإلسفار -ح / 1
- 276ح - 270 / 3كتاب اإلسفار -كتاب األعالق -ف ح - 745 / 1ح / 3
- 340كتاب المشاهد القدسية -ف ح - 340 / 3ح - 172 / 2ح - 340 / 3ح
-2/1ح
ص 604
ص 604 :
2 / 294 -ح - 61 ، 345 / 3كتاب رد اآليات المتشابهات -كتاب شجرة الكون (
) 2ف ح ) 7 ( 671 / 1ف ح ) 8 ( 549 / 1ف ح 300 ، 299 ، 297 / 1
-ح / 21 - 4ح ) 11 ( 172 / 3ف ح ) 12 ( 352 / 3ف ح - 514 / 1ح
- 56 / 3كتاب عقلة المستوفز -ف ح ) 14 ( 388 ، 295 ، 514 / 1ف ح / 1
( 14 ) 388 ، 295 ، 514ف ح - 419 / 4كتاب تلقيح األذهان ( ) 15ف ح
- 209 / 1ح - 468 / 3ح 1 / 520 -ح - 135 / 3ح - 162 / 4ح / 3
- 469ح ) 16 ( 326 / 1ف ح / 156 ( 20 ) 3ف ح - 286 / 2ح / 3
- 183ح - 274 / 4ح - 211 ، 183 / 3ح / 287 - 1ح - 183 / 3ح / 4
- 310ح - 287 / 1ح ) 23 ( 274 / 4ف ح - 117 / 3ح - 405 / 1ح 4
- 101 ، 100 /ح - 405 / 1ح - 117 / 3ح - 661 / 2ح ، / 5891
- 328ح - 591 ، 92 ، 326 / 2ح - 415 / 4إيجاز البيان الفاتحة آية 5 -ف
ح - 328 / 1كتاب المسائل -ف ح ) 24 ( 371 ، 146 / 1كتاب النجاة ( 25
)كتاب النجاة ( ) 25ف ح ) 26 ( 36 / 2ف ح - 574 / 1ح 29 ( 532 / 3
)ف ح ) 31 ( 342 / 1ف ح ) 34 ( 307 / 3كتاب تلقيح األذهان -كتاب
النجاة -كتاب المشاهد القدسية ( ) 36ف ح - 76 ، 371 / 3ح - 599 / 1كتاب
تلقيح األذهان -كتاب اإلسراء ( ) 37ف ح ) 44 ( 455 / 2ف ح - 555 / 3ح
- 213 / 4ح - 209 / 3ح - 117 / 2ح - 148 / 3كتاب المسائل -كتاب
الشأن -ف ح / 437 - 3ح - 213 / 4ح - 218 / 2ح - 94 / 4ح 218 / 2
-ح - 120 / 3ح - 247 ، / 6882ح - 429 / 1ح - 333 / 3ح - 59 / 1
ح - 400 ، 330 / 2ح - 147 ، / 3811ح - 298 / 4ح - 381 / 1ح / 4
- 451ح - 398 / 1كتاب عقلة المستوفز -ف ح - 404 / 4ح ، 355 / 3
- 393ح - 398 ، 247 / 1ح - 393 / 3ح - 398 ، 247 ، 398 / 1كتاب
المسائل -ف ح - 99 ، 557 / 3ح - 682 / 2ح 3 / 99 -ح - 682 / 2ح 3
- 148 ، 65 ، 489 ، 257 ، 263 ، 257 /ح - 504 / 2ح - 148 / 3ح 2
- 404 /ح - 91 / 4ح - 148 ، 375 ، 148 ، 375 / 3ح / 93 - 4ح / 3
- 148ح - 94 / 4ح - 404 ، 510 ، 404 / 2ح - 375 / 3ح ، / 5102
- 404ح - 375 / 3ح - 510 / 2ح - 147 ، 385 ، 375 / 3ح - 510 / 2
ح ) 1 / 247 ( 55ف ح - 522 / 1ح - 442 / 3ح - 522 / 1ح ، 61 / 2
- 52ح / 139 - 4ح ) 56 ( 19 / 2كتاب الشاهد ( ) 57ف ح ( 185 / 2
) 60إيجاز البيان آية ) 61 ( 36ف ح ) 63 - 62 ( 366 ، 683 / 2ف ح / 2
) 64 ( 467ف ح - 368 ، 3 / 143ح - 4 / 4ح - 467 / 2ح ( 301 / 1
) 65ف ح
ص 605
ص 605 :
- 516 ، 515 ، 1 / 236ح - 7 / 2ح ) 67 ( 240 / 3ف ح ، 173 / 4
- 148ح / 531 - 3ح - 633 / 2ح - 614 / 1ح ) 72 ( 173 ، 256 / 4
ف ح - 641 / 2ح / 489 - 3ح - 185 ، 423 ، 185 / 4ح ، 489 / 3
- 565ح ) 73 ( 423 / 4إيجاز البيان ( ) 74إيجاز البيان آية ) 75 ( 121ف
ح ) 78 ( 59 / 3ف ح - 388 / 1كتاب التنزالت الموصلية ( ) 79ف ح / 1
- 164ح - 268 / 2ح - 487 ، 164 ، 487 ، 164 / 1ح 268 ، 126 / 2
-ح - 164 / 1ح - 87 ، 86 / 2ح - 164 / 1ح - 286 / 4ح - 86 / 2ح
- 29 / 4ح - 29 / 4ح - 141 / 3ح - 86 / 2ح / 29 - 4ح - 86 / 2ح 1
- 313 /ح - 86 / 2ح ) 80 ( 368 / 4ف ح - 165 / 1كتاب الشاهد ( ) 81
ف ح ) 82 ( 223 / 1ف ح - 267 / 2ح - 94 / 3ح / 267 ( 84 ) 2ف ح
- 437 ، 435 / 2ح ) 85 ( 481 / 1ف ح - 560 / 2ح - 254 / 1ح / 2
- 59كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح - 38 / 3 - 113 / 1ح - 55 / 1ح 3 /
- 12 ، 187 ، 12 ، 22ح - 253 / 1كتاب مواقع النجوم ( ) 88ف ح / 4
397 -ح - 35 / 3إيجاز البيان آية - 24ف ح - 148 / 2الديوان ) ( 93إيجاز
البيان آية ) 94 ( / 1ف ح ) 95 ( 83 / 3إيجاز البيان الفاتحة آية - 2كتاب
التنزالت الموصلية ( ) 97ف ح - 252 / 2 0ح - 321 ، 317 / 1ح / 36 2
-ح ) 105 ( 321 ، 316 / 1ف ح - 510 / 1ح ) 106 ( 95 / 2ف ح / 1
- 510ح ) 107 ( 402 / 4ف ح ) 108 ( 510 / 1ف ح ) 109 ( 510 / 1
ف ح ( 110 ) 510 / 1ف ح - 667 / 1ح - 108 / 4ح - 126 / 3ح / 4
- 118ح - 611 / 1ح 4 / 108 -ح - 544 / 3كتاب الجالل والجمال -ف ح
- 611 / 1ح 294 - ، 196 / 4ح ) 111 ( 667 / 1ف ح 405 ، 404 / 2
-ح - 483 / 3ح - 405 / 2ح / 96 .4
ص 606
ص 606 :
فهرس الجزء الثاني
الصفحة الموضوع
سورة المائدة
االجتهاد المشروع 5
نكاح المحصنات من أهل الكتاب 6
الوضوء والمسح واالغتسال من الجنابة 7
تحقيق ونصيحة :إذا قمتم إلى الصالة 9
إشارة :وإن كنتم جنبا فاطهروا 10
إشارة في األجور 11
الرجل من أثبت األسباب 15
إشارة :قبول قربان هابيل دون أخيه 17
إشارة :لم كان الغراب معلما ؟ 17
ّللا عليه وسلم 21 ّللا صلهى ه
التوسل برسول ه
جرح العجماء جبار 25
ّللا من حيث هو كالمه 26 ال مفاضلة في كالم ه
سبب إنزال الشرائع 26
إشارة :الشريعة والحقيقة 28
ّللا تعالى 30
من أي حقيقة ابتلي أولياء ه
توحيد 32
تفسير من باب اإلشارة :ولو أنهم أقاموا التوراة . . .اآلية 33
ّللا عليه وسلم للقرآن الكريم 35 كيفية تبليغ الرسول صلهى ه
تفسير من باب اإلشارة :صفة العارفين 40
607
ص 607 :
أنواع األقسام -راجع سورة الحاقة آية 42 38
إساءة المسئ إحسان كبير إن عقلت 42
كل مسكر حرام والحكم أعم من العلة الموجبة للتحريم 43
ّللا تعالى في األشياء سابق ال يحدث له علم 44 علم ه
التمدح بالتجاوز عن إنفاذ الوعيد 44
المثل في كفارة قتل المحرم الصيد 45
إشارة واعتبار في اإلحرام 47
لم سميت الكعبة كعبة ؟ 48
الفرق بين الرسول والخليفة 49
قول الرسل عليهم السالم يوم القيامة « ال علم لنا 51 » . . .
إشارة :ال تطلب مائدة حتى تعرف شرطها 54
قول عيسى عليه السالم « :تعلم ما في نفسي وال أعلم ما في نفسك » 56
قول عيسى عليه السالم « :ما قلت لهم إال ما أمرتني به » 58
ّللا وبين عباده 60 نصيحة :ال تدخل بين ه
ّللا عنهم ورضوا عنه 61 رضي ه
تحقيق الرضا 62
سورة األنعام
س ًّمى ِع ْن َدهُ »اآلية 63« ث ُ َّم قَضى أ َ َج ًال َوأ َ َج ٌل ُم َ
ّللا به خلقه 65 بعث الرسل أول ابتالء ابتلى ه
الرحمات الثالث 65
هار »اآلية 66 س َكنَ فِي اللَّ ْي ِل َوالنَّ ِ « َولَهُ ما َ
إشارة :وله ما سكن في الليل والنهار 67
إشارة :فاطر السماوات واألرض 68
« َو ُه َو ْالقا ِه ُر فَ ْوقَ ِعبا ِد ِه »اآلية 68
608
ص 608 :
لفظة الشيئية ال تطلق على الحق 70
تحقيق َ «:ولَ ْو ُردُّوا لَعادُوا »73
نصيحة :ال تضف إلى أثقالك أثقاال 73
إشارة :حسرة العالم الشقي يوم القيامة 75
يب الَّذِينَ يَ ْس َمعُونَ »76 نكتة وسر دقيق في قوله تعالى ِ «:إنَّما يَ ْست َ ِج ُ
الولي ال يأمر أبدا بعلم فيه تشريع ناسخ لشرعه 78
الر ْح َمةَ »اآلية 81 على نَ ْف ِس ِه َّ ب َربُّ ُك ْم َ« َكت َ َ
ب ال يَ ْعلَ ُمها ِإ َّال ُه َو »اآلية 82 « َو ِع ْن َدهُ َمفاتِ ُح ْالغَ ْي ِ
الطبيعة 83
الخوض في القرآن بأنه محدث أو قديم وغير ذلك 85
بحث في الحق المخلوق به 87
العالم مظهر الحق على الكمال 88
حجاب عين البصيرة 90
النور الذي ينبسط من حضرة الجود على المغيبات ال يعم 90
باّلل واالعتبار 91 إشارة :الكوكب والقمر والشمس في المعرفة ه
التوجه في الصالة 92
إشارة :من دعاء التوجه في الصالة 92
المعلومات األربعة 93
حجج الرسل عليهم السالم ليست عن نظر فكري 94
تحقيق الحجة 95
األسباب محال رفعها «95أُولئِ َك الَّذِينَ َه َدى َّ
ّللاُ فَ ِب ُهدا ُه ُم ا ْقت َ ِد ْه »اآلية 96
ّللا موازن لقدره عندك 99 حكمة :قدرك عند ه
ّللا تعالى 99 ّللا أن ينسب اإلنسان ما سنهه إلى ه من االفتراء على ه
609
ص 609 :
إشارة :وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها 101
التوحيد السابع في القرآن 102
ْصار »اآلية 103 ْصار َو ُه َو يُ ْد ِركُ ْاألَب َ
« ال ت ُ ْد ِر ُكهُ ْاألَب ُ
التوحيد الثامن في القرآن وهو توحيد االتهباع 106
تعريف العلم 109
تغير األحوال يغير األحكام 109
ّللا 110إشارة :سماع األشعار التي أهلت لغير ه
ّللا -الوقف على الجاللة الثانية 112 ّللا ه
قراءة :رسل ه
رقيقة في قوله تعالى ِ «:إ ْن يَشَأ ْ »وكون العلم تابعا للمعلوم 114
ما كل محرم نجس 116
العلم تابع للمعلوم في الحادث والقديم 117
الشريعة هي المحجة البيضاء ،محجة السعداء 119
رتبة الخالفة متوارثة ،والخليفة واحد أبدا 122
وزن األعمال يوم القيامة بالعامل 124
إشارة :لم أتى إبليس ابن آدام من جميع جهاته إال أعاله ؟ 128
أول أمر وأول نهي في الوجود 129
إشارة :ال تقربا هذه الشجرة 129
إشارة :سر ظهور سوأة آدم وحواء 130
إشارة :اهبطوا بعضكم لبعض عدو 131
إشارة :رحم آدم عليه السالم رحم مقطوعة عند أكثر الناس 131
إشارة :السوءة عورة لميلها 131
باس الت َّ ْقوى ذ ِل َك َخي ٌْر »اآلية 132 « َو ِل ُ
كما أنه تعالى لم يأمر بالفحشاء كذلك ال يريدها 132
« َكما بَ َدأ َ ُك ْم تَعُودُونَ »اآلية 133
610
ص 610 :
إشارة إلى النعلين 135
« قُ ْل َم ْن َح َّر َم ِزينَةَ َّ ِ
ّللا »اآلية 138
ّللا 141 تحقيق :زينة ه
ّللا نفسا إال وسعها 144إشارة :ال يكلف ه
الجنة المحسوسة والجنة المعنوية والجنات الثالث 145
إشارة وشرحها 147
ما الدين بالدف والمزمار واللعب «150أَال لَهُ ْالخ َْل ُق َو ْاأل َ ْم ُر »اآلية 152
من باب اإلشارة :هو الذي يرسل الرياح بشرا 154
إشارة :الرجل من جعل نفسه سفينة نوح 156
فائدة 159
طريق العصمة من المكر اإللهي 159
ال يكون انتقام إلهي إال بعد إغضاب 164
إشارة :اللهم أنت الخليفة في األهل 165
المناجاة والرؤية والمشاهدة 165
إشارة :لم سأل موسى الرؤية وهو يعجز عن النظر ؟ 172
إشارة :جزاء من استخلف في مقام اإلحسان 175
إشارة :هل يصح قول العارف :إن الوجود ينعدم في حقه ؟ 175
ش ْيءٍ »اآلية -شمول الرحمة 178 ت ُك َّل َ « َو َر ْح َمتِي َو ِسعَ ْ
التوحيد التاسع في القرآن :توحيد الملك 182
إشارة :عصا موسى 184
الميثاق الثاني :قول بلى 186
تحقيق :شمول الرحمة من سلطان « بلى » 190
مراتب األسماء اإللهية -شرح األسماء الحسنى 192
611
ص 611 :
بحث في األسماء اإللهية 200
ّللا تعالى في تعدد أسمائه 203 إشارة :حكمة ه
واح َدةٍ »اآلية 205 « ُه َو الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍس ِ
ف » . . .اآلية 207 س ُه ْم طائِ ٌ « ِإ َّن الَّذِينَ اتَّقَ ْوا ِإذا َم َّ
صتُوا » . . .اآلية 208 آن فَا ْست َ ِمعُوا لَهُ َوأ َ ْن ِ ئ ْالقُ ْر ُ « َو ِإذا قُ ِر َ
سورة األنفال
لم سميت المغانم أنفاال ؟ 210
من هو المؤمن حقا ؟ 211
جواز صالة الفرض عند المسايفة ولو على غير طهارة 215
ّللا َرمى »اآلية 216 ْت َول ِك َّن َّ َ ْت ِإ ْذ َر َمي َ« َوما َر َمي َ
تفسير من باب اإلشارة :استجيبوا هّلل وللرسول 222
صةً »اآلية 223 ظلَ ُموا ِم ْن ُك ْم خَا َّ صيبَ َّن الَّذِينَ َ « َواتَّقُوا فِتْنَةً ال ت ُ ِ
سو َل »اآلية 224 الر ُ
ّللا َو َّ « يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ال ت َ ُخونُوا َّ َ
ّللا يَ ْجعَ ْل لَ ُك ْم فُ ْرقانا ً »اآلية 226« يا أَيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإ ْن تَتَّقُوا َّ َ
تقسيم الغنائم 231
إشارة ال تفسير 232
الحس وعين الخيال 233 ه عين
الفرق بين العلم والمعرفة 235
النبوة في حق ذات النبي أعم وأشرف من الرسالة 237
ّللا سبق » 238 تحقيق « :لوال كتاب من ه
ّللا عليه وسلم أنه أحلت له الغنائم 238 مما اختص به النبي صلهى ه
سورة التوبة
سبب دوام التنعم في الجنة وانتفاء الملل 249
612
ص 612 :
شرط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على أهل الذمة 254
التوحيد العاشر في القرآن توحيد األمر بالعبادة 256
عقوبة مانع الزكاة 257
ّللا عليه وسلم يصاحب وال يصاحب 259 سبب كون النبي صلهى ه
تحقيق :أشرف مقام ينته إليه 259
ت لَ ُه ْم -اآلية 260 ع ْن َك ِل َم أ َ ِذ ْن َ عفَا َّ
ّللاُ َ َ
إشارة :مقابلة األصناف التي تجب لهم الزكاة باألعضاء 264
ّللا فنسيهم 265 إشارة ال تفسير :نسوا ه
ّللا عنه الزكاة من ثعلبة 269 أخذ عثمان بن عفان رضي ه
إشارة :االستكثار من المال هو الداء العضال 272
الرضا 273و
س ِيهئا ً -اآلية 274
ع َم ًال صا ِلحا ً َوآخ ََر َ طوا َ ََآخ َُرونَ ا ْعت َ َرفُوا بِذُنُوبِ ِه ْم َخلَ ُ
إشارة من كلمة مالك 275
سولُهُ َو ْال ُمؤْ ِمنُونَ -اآلية 276 ع َملَ ُك ْم َو َر ُ ّللاُ َسيَ َرى َّ فَ َ
س ُه ْم -اآلية 278 ّللا ا ْشتَرى ِمنَ ْال ُمؤْ ِمنِينَ أ َ ْنفُ َ المطهرون ِ 277إ َّن َّ َ
التائبون العابدون السائحون اآلية 281
إن إبراهيم ألواه حليم 283
الهدى التبياني والهدى التوفيقي 285
ّللا هو التواب الرحيم -نصيحة 286 إن ه
موعظة :نصب األبدان 287
جهاد العدو من فروض الكفاية -الجهاد األكبر 288
مرض القلوب 289
سو ٌل ِم ْن أ َ ْنفُ ِس ُك ْم -اآلية 290 لَقَ ْد جا َء ُك ْم َر ُ
613
ص 613 :
التوحيد الحادي عشر -توحيد االستكفاء 292
سورة يونس
قدم الصدق 293
ِإنَّهُ يَ ْب َدؤُا ْالخ َْلقَ ث ُ َّم يُ ِعي ُدهُ -اآلية 296
الحمد هّلل هو آخر دعوى السعداء 298
للمشرك ضرب من التوحيد 300
ّللاُ يَ ْب َدؤُا ْالخ َْلقَ ث ُ َّم يُ ِعي ُدهُ -اآلية 304 قُ ِل َّ
ظ ِل ُمونَ -اآلية 306 س ُه ْم يَ ْ اس أ َ ْنفُ َ
َول ِك َّن النَّ َ
جميع أنواع المخلوقات في الدنيا أمم 307
الموت والحياة 308
تحقيق :حزن القلب 309
رقيقة :على قدر ما يخرج به العبد من عبوديته ينقصه من تقريبه من سيده 310
البشرى في الحياة الدنيا 311
ّللا 313 سؤال الرسل األجر من ه
إيمان فرعون 315
حكم آل فرعون في نفس األمر خالف حكم فرعون نفسه 317
رفع البأس عن قوم يونس 319
سورة هود
علَى ْال ِ
ماء -اآلية 323 شه ُ َ ع ْر ُ
إحكام اآليات وتفصيلها َ 321وكانَ َ
إشارة :بالماء حياة األحياء 325
على بَ ِيهنَ ٍة ِم ْن َر ِبه ِه َويَتْلُوهُ شا ِه ٌد ِم ْنهُ -اآلية 328 أ َ فَ َم ْن كانَ َ
تحقيق :العبد مع الحق على حالين ،عبودية أو إجارة 330
ّللا مستندا 333 إشارة :حال ومآل من اتخذ غير ه
614
ص 614 :
إشارة :من اعتصم بغير الحق هلك 334
إشارة :الجهل ال يكون معه خير 335
صراطٍ ُم ْست َ ِق ٍيم -اآلية 336 على ِ ِإ َّن َر ِبهي َ
نصيحة :ال تجعل زمامك إال بيد ربك 337
يظ -اآلية 338 ش ْيءٍ َح ِف ٌ على ُك ِهل َ ِإ َّن َر ِبهي َ
تجسد المالئكة في صورة محسوسة 340
يب -اآلية 342 يم لَ َح ِلي ٌم أ َ َّواهٌ ُمنِ ٌِإ َّن ِإبْرا ِه َ
قا َل لَ ْو أ َ َّن ِلي بِ ُك ْم قُ َّوة ً أ َ ْو آ ِوي ِإلى ُر ْك ٍن َ
شدِي ٍد -اآلية 343
ّللا وبين الرزق 345 الفرق بين رزق ه
التوفيق -كماله وعمومه وخصوصه 347
إيمان فرعون 352
خالدين فيها . . .إال ما شاء ربك . . .اآلية 354
أقسام الجنة ومراتب التفاضل 357
ت -اآلية 362 فَا ْست َ ِق ْم َكما أ ُ ِم ْر َ
ّللا 363إشارة :ال تركن إلى غير ه
إشارة :الصالة انبعثت من الحضرة الصمدانية 364
المشيئة اإللهية 366
ّللا عليه وسلم بعلم إحياء األموات معنى وحسا 367 خص صلهى ه
« َو ِإلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ »اآلية 368
تحقيق :المسافر ترك الحق في أهله خليفة 371
تحقيق َ «:و ِإلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ »371
سورة يوسف
الرؤيا 372
إشارة :وبيع بثمن بخس 380
615
ص 615 :
ولقد همت به وه هم بها 381
قول لسيدي أحمد بن إدريس -هامش 384
لم سمي تأويل الرؤيا عبارة 385
فتوة يوسف عليه السالم 386
النفس ليست أمارة بالسوء من حيث ذاتها 387
استدراك وموعظة للواعظ 388
وعليه فليتوكل المتوكلون 391
إشارة :صواع يوسف عليه السالم 392
ّللا فقد أدى قربة 395 ّللا عن أمر ه من سجد لغير ه
باّلل إال وهم مشركون 397 وما يؤمن أكثرهم ه
تحقيق :ال شقاء مع التوحيد 398
ّللا على بصيرة 399 الدعوة إلى ه
سورة الرعد
ع َم ٍد ت َ َر ْونَها »اآلية 405
ت ِبغَي ِْر َ ّللاُ الَّذِي َرفَ َع ال َّ
سماوا ِ « َّ
إن في ذلك آليات لقوم يتفكرون 407
إشارة :يسقى بماء واحد 410
المعقبات 411
سجود الظالل 413
نكتة :أنفت الظالل من السجود للشمس 415
شعر في الصبر والرضا 418
ّللا تطمئن القلوب 420 أال بذكر ه
شجرة طوبى 421
ّللا ما يشاء ويثبت 425 يمحو ه
616
ص 616 :
سورة إبراهيم
سو ٍل ِإ َّال بِ ِل ِ
سان قَ ْو ِم ِه »اآلية «429 س ْلنا ِم ْن َر ُ « َوما أ َ ْر َ
ّللا »اآلية 431 َوذَ ِ هك ْر ُه ْم ِبأَي َِّام َّ ِ
ش َك ْرت ُ ْم َأل َ ِزي َدنَّ ُك ْم »اآلية 433 « لَئِ ْن َ
ق َجدِي ٍد »اآلية 437 ت ِبخ َْل ٍ « ِإ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم َويَأ ْ ِ
ف »439 قوله تعالى «:أ َ لَ ْم ت َ َر َك ْي َ
إشارة :وآتاكم من كل ما سألتموه 440
اس »اآلية 444 غ ِللنَّ ِ « هذا بَال ٌ
سورة الحجر
« َويُ ْل ِه ِه ُم ْاأل َ َم ُل »اآلية 445
ّللا تعالى في الدنيا ما يجب من تعظيم محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم 445 أخفى ه
إنا نحن نزلنا الذكر -نون الجمع ال العظمة 446
ش ْيءٍ ِإ َّال ِع ْن َدنا خَزائِنُهُ »اآلية 447 « َو ِإ ْن ِم ْن َ
خلق اإلنسان األول 450
سر في السجود 454
ّللا العقل 455 وجه :أول ما خلق ه
إشارة :ظهور آدم في الدنيا في المقام المحمود 455
أبواب جهنم السبعة 458
إشارة :ال يمتحن بالدليل إال صاحب الدعوى 459
ّللا 459 إشارة :الصوفية أضياف ه
س ِمينَ »اآلية 460 ت ِل ْل ُمت َ َو ِ ه« ِإ َّن فِي ذ ِل َك َآليا ٍ
الحق المخلوق به العالم 461
تحقيق :كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف 462
السبع المثاني والقرآن العظيم 463
617
ص 617 :
ين »اآلية 465 « َوا ْعبُ ْد َرب ََّك َحتَّى يَأْتِيَ َك ْاليَ ِق ُ
بحث في اليقين 466
سورة النحل
بحث في نزول المالئكة على البشر 470
خلق السماوات واألرض بالحق 471
سبِي ِل َو ِم ْنها جائِ ٌر »اآلية 473 ّللا قَ ْ
ص ُد ال َّ علَى َّ ِ« َو َ
صوها »اآلية 475 ّللا ال ت ُ ْح ُ « َو ِإ ْن تَعُدُّوا نِ ْع َمةَ َّ ِ
سبب تكبر الثقلين دون سائر الموجودات 478
ال بد أن اآلخرة تطلب حشر األجساد وظهورها 479
مسألة الوجود العيني واألعيان الثابتة 481
ش ْيءٍ ِإذا أ َ َر ْدناهُ »487 مسائل مستفادة من قوله تعالى ِ «:إنَّما قَ ْولُنا ِل َ
« فَ ْسئَلُوا أ َ ْه َل ال ِذه ْك ِر »اآلية 488
الشكل السداسي في بيوت النحل 494
فال تضربوا هّلل األمثال 496
وّللا أخرجكم من بطون أمهاتكم 500 إشارة :قرأ بعضهم :ه
ّللا باق 503 وما عند ه
الر ِج ِيم »اآلية 505 ْطان َّ شي ِ اّلل ِمنَ ال َّت ْالقُ ْرآنَ فَا ْست َ ِع ْذ بِ َّ ِ « فَإِذا قَ َرأْ َ
الذي يحرم بالعموم في الخطاب المشروع على واحد يعم جميع المكلفين 510
سنَ ِة "اآلية 512 ظ ِة ْال َح َ
سبِي ِل َر ِبه َك بِ ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َم ْو ِع َع ِإلى َ "ا ْد ُ
سورة اإلسراء
الفرق بين الوارث المحمدي وباقي ورثة األنبياء عليهم السالم 514
العبودية المحضة أشرف الحاالت 515
سر اإلسراء ليال 516
618
ص 618 :
ّللا عليه وسلم كان بجسمه 520 إسراء الرسول صلهى ه
مشهد روحاني عن إسراء الرسول صلهى ه
ّللا عليه وسلم وعروجه 523
يال »اآلية 530 « . . .أ َ َّال تَت َّ ِخذُوا ِم ْن دُونِي َو ِك ً
تعريف الزمان 532
وال »اآلية 533 س ً ث َر ُ « َ . . .وما ُكنَّا ُمعَ ِذه ِبينَ َحتَّى نَ ْبعَ َ
طاء َر ِبه َك » . . .اآلية 535
ع ِ ُالء ِم ْن َ ُالء َو َهؤ ِ « ُك ًّال نُ ِم ُّد هؤ ِ
ّللا 537 على الحقيقة ما عبد المشرك إال ه
مقارنة بين استخراج الحكم بالقياس وبين استخراجه بالنص 539
ّللا وخاصته 540 إشارة :أهل القرآن هم أهل ه
الحق ال يدرك ال علما وال رؤية 542
نصيحة :قف مع الظاهر في كل األحوال 543
س ِبه ُح بِ َح ْم ِد ِه » . . .اآلية 543 ش ْيءٍ إِ َّال يُ َ
« َوإِ ْن ِم ْن َ
حياة كل الصور 544
الفرق بين روح التدبير وروح التسبيح 548
دور العقل في اإلنس والجن 551
العالم كله حيوان ناطق 552
آيتان أمان من الوسواس 555
ض »اآلية 556 على بَ ْع ٍ ض النَّبِ ِيهينَ َ« َولَقَ ْد فَض َّْلنا بَ ْع َ
تحقيق :تعلم الخصام 557
مقام الرجاء 557
الحفظ لألولياء والعصمة لألنبياء 560
تحقيق وإشارة في معنى إقامة الصالة 563
التهجد والنافلة والمقام المحمود 566
القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين 570
619
ص 619 :
وح » . . .اآلية 571 الر ِ ع ِن ُّ « َويَ ْسئَلُون ََك َ
مراتب األرواح وأقسامها 573
بحث في العلم 575
رقيقة للشيخ أبي مدين 576
إعجاز القرآن 576
ّللا تعالى 578 إرسال الرسول من جنس البشر ابتالء من ه
إشارة :الفرق بين الخالفة والرسالة ومعرفة النبوة والوالية 579
الر ْحمنَ » . . .اآلية 582 عوا َّ ّللا أ َ ِو ا ْد ُ
عوا َّ َ « قُ ِل ا ْد ُ
ّلل الَّذِي لَ ْم يَت َّ ِخ ْذ َولَدا ً » . . .اآلية 585 « َوقُ ِل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
المراجع 589
- 23كتاب الفناء .
- 24كتاب الجالل والجمال .
- 25ديوان الشيخ األكبر .
- 26كتاب الوصية .
- 27كتاب مسامرة األبرار ومحاضرة األخيار .
- 28كتاب تلقيح األذهان .
- 29كتاب نقش الفصوص .
- 30كتاب العقد النفيس لسيدي أحمد بن إدريس .
- 31كتاب المسائل .
- 32كتاب التجليات .
- 33كتاب القسم اإللهي .
- 34رسالة اليقين .
- 35كتاب شجرة الكون ( المعراج ).
620
ص 620 :