You are on page 1of 4

‫التوريق وبدائل التمويل‬

‫كثر الحديث خلل السنوات القليلة الماضية عن أداة تمويل وتنشيط حديثة ظهرت في سوق‬
‫رأس المال وهو التوريق (التسنيد) ‪ ،‬والذي يعتبر أداة لتعزيز عجلة التنمية القتصادية عبر‬
‫تمويل موجودات غير سائلة إلى أدوات مالية قابلة للتداول‪ ،‬ويرجع تاريخ نشاط التوريق إلى‬
‫عام ‪ 1934‬بالوليات المتحدة المريكية عندما سن القانون الوطني للسكان مما ترتب عليه‬
‫تأسيس الدارة الفيدرالية للسكان وقد سمح هذا القانون بالتأمين على ديون الرهن العقاري‬
‫الصادرة عن مقرضين غير حكوميين‪ ،‬كما سمح بتأسيس هيئات الرهن العقاري الوطنية ‪.‬‬
‫وعليه فقد تم تأسيس الهيئة الوطنية للرهن العقاري بواشنطن في عام ‪ 1938‬الذي تغير اسمها‬
‫لحقا للهيئة الوطنية الفيدرالية للرهن العقاري ‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1968‬تم وضع تعديلت على القانون حيث تمخض عنها فصل الهيئة الوطنية‬
‫الفيدرالية للرهن العقاري إلى هيئتين منفصلتين هما ‪ :‬الهيئة الوطنية الحكومية للرهن العقاري‬
‫(جيني ماي‪ ) Ginnie Mae-‬والهيئة الوطنية للرهن العقاري (فاني ماي‪) Fannie Mae -‬‬
‫وقد ظلت الهيئة الوطنية الحكومية للرهن العقاري (جيني ماي) هيئة حكومية بينما تحولت‬
‫الهيئة الوطنية الفيدرالية للرهن العقاري (فاني ماي ) إلى هيئة خاصة بعدما بيعت حصة المال‬
‫العام بها ‪.‬‬
‫وفي حقبة السبعينات بدأ نشاط التوريق يزداد من خلل بيع شركة (جيني ماي) لقروض الرهن‬
‫العقاري‪ ،‬وجير بالذكر أن مهمة شركة (جيني ماي)تقتصر على دعم التوسع في توفير أدوات‬
‫مالية تضمنها الحكومة في السوق الثانوي مما يربط سوق المال بسوق السكان الفيدرالي ‪،‬‬
‫وتقتصر مسئولي شركة (جيني ماي) على إدارة برنامج للدوات المالية المضمونة بالرهن عن‬
‫طريق القيام بدور الضامن للدوات المالية المضمونة كمجموعة من الصول العقارية المرهونة‬
‫‪ .‬وتسمى هذه الوراق المالية بالوراق المالية المضمونة بأصول عقارية التي تقوم بإصدارها‬
‫بعض المؤسسات المالية الحاصلة على موافقة من شركة (جيني ماي) بممارسة هذا النشاط‪.‬‬
‫وهذه الصول العقارية المرهونة مؤمن عليها من قبل إدارة السكان الفيدرالية أو هيئة‬
‫الخدمات السكانية الريفية أو تكون مضمونة من قبل إدارة شئون المحاربين القدامى ‪ .‬وبما أن‬
‫الوراق المالية المضمونة بأصول عقارية مضمونة من قبل شركة (جيني ماي ) فتعتبر حاملة‬
‫تصديق الحكومة المريكية ولذلك تمنح المستثمر إحساس بالثقة بأن القساط المستحقة الدفع‬
‫حتى لو لم يقم المدير او المصدر بدفعها وعن طريق الستثمار في الوراق المالية المضمونة‬
‫باصول عقارية ‪ ،‬يقوم المستثمرون في امريكا بطريقة غير مباشرة بتوفير الئتمان اللزم‬
‫لتوفير فرص إسكان للمواطنين في أمريكا ‪.‬‬
‫أما حديثاً فيصنف التوريق واحدا من اكبر قطاعات التمويل في العالم‪ ،‬ومع هذا ليزال شبه‬
‫غائباً في منطقة الشرق الوسط الغنية بالسيولة والصول ومع ذلك لم تزد حجم عمليات‬
‫التمويل في المنطقة والخليج خاصة عن ‪ 10‬مليارات دولر مقارنة ‪ 7‬تريلونات دولر في‬
‫الوليات المتحدة المريكية وذلك بسبب وجود عقبات تشريعية تحول دون نمو هذا القطاع‬
‫بالمنطقة ‪.‬‬
‫ماهية التوريق‬

‫التوريق (‪) Securitization‬هو تحويل الحقوق المالية المستحقة والتي تتدفق من مجموعة‬
‫من الصول المالية ( قروض عقارية وقروض سيارات ومستحقات بطاقات ائتمان وغيرها)إلى‬
‫أوراق مالية ‪ ،‬وذلك عن طريق إصدار أوراق مالية تكون مضمونة بتلك المجموعة من‬
‫الصول‪ .‬بمعنى آخر التوريق هو قيام مؤسسة مالية بحشد مجموعة من الديون المتجانسة‬
‫والمضمونة كأصول ‪ ،‬ووضعها في صورة دين معزز ائتمانيا ثم عرضه على الجمهور من خلل‬
‫منشأة متخصصة للكتتاب في شكل أوراق مالية ‪ ،‬تقليل للمخاطر ‪ ،‬وضمانا للتدفق النقدي‬
‫للبنك ‪.‬‬
‫إذا فان فكرة نشاط التوريق تعتمد على خلق أداة من أدوات سوق المال في صورة ورقة مالية‬
‫يسهل تسويقها ‪ .‬وتعتبر الوراق المالية المضمونة بأصول أداة اقتراض ونوع من المشتقات‬
‫في آن واحد ‪ .‬فهي أداة اقتراض لنها توزع عائد ( من الجائز أن يكون ثابت أو غير ثابت )‬
‫بصفة دورية وتعتبر أيضا نوع من المشتقات لنها مشتقة من أداة مالية مباشرة أل وهي‬
‫مجموعة الصول التي تضمن الصدار ‪.‬‬

‫عناصر التوريق‬

‫يقوم التوريق على العناصر الرئيسية التالية ‪:‬‬

‫‪ .1‬المقترض سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا ‪.‬‬


‫وقد يكون الغرض من القتراض هو مواجهة التعثر المالي أو إعادة الهيكلة ‪ ،‬أو الستعانة‬
‫بالموال المقترضة للوفاء بديون حل تاريخ استحقاقها ‪ ،‬وإحلل دين القرض طويل الجل محل‬
‫هذه الديون‪.‬‬
‫‪ .2‬الصول موضوع التوريق ‪ ،‬يتجسد الدين في صورة سندات مديونية ‪ ،‬والصول الضامنة‬
‫للدين محل التوريق دائما ما تكون أصول ذات قيمة مرتفعة ‪ ،‬لذلك غالبا ما تكون حقوق رهن‬
‫رسمي للمؤسسة المالية على عقارات أو منقولت يملكها الراهن الذي يدين للمؤسسة‪.‬‬
‫‪ .3‬الخطوات السابقة لعملية التوريق ‪ :‬يسبق إجراء عملية التوريق خطوات متعددة تنتهي‬
‫باتفاق المؤسسة المالية التي تنشد الحصول على سيولة نقدية سريعة لديونها مقابل نقل ملكية‬
‫الصول ‪ ،‬وتتمثل الخطوات التمهيدية لذلك في قيام المؤسسة المالية باستطلع رأي عملئها‬
‫المدينين فيما تنوي عمله في شأن توريق ديونهم ‪ ،‬وفى حالة موافقتهم فإن على المؤسسة‬
‫المالية تنظيم تفاصيل العلقة الجديدة بين المدينين والدائن الجديد ‪.‬‬
‫هناك أيضاً العديد من المهام التي تتم في إطار عمليات التوريق ‪ ،‬والتي تحتاج لعناية وتخصص‬
‫‪ ،‬وفى مقدمتها ‪ :‬التقييم الواقعي لقيمة الصول ‪ ،‬وتحديد السعر الملئم للوراق المالية المزمع‬
‫طرحها للكتتاب ‪ ،‬والتخطيط لبرامج الترويج للكتتاب ‪ ،‬وإعداد الدراسات الخاصة بالتدفقات‬
‫النقدية ‪ ... ،‬الخ ‪.‬‬
‫‪ .4‬إدارة الصول ‪ :‬على الرغم من انتقال ملكية الصول الضامنة للوفاء بقيمة الوراق المالية‬
‫المصدرة من الذمة المالية المؤسسة المالية القائمة بالتوريق للدائنين الجدد ‪ ،‬فإن الممارسة‬
‫العملية أثبتت انه في معظم الصفقات يناط بهذه المؤسسة مهام إدارة واستثمار محفظة هذه‬
‫الصول وضماناتها أثناء إنجاز أو تنفيذ عمليات التوريق ‪.‬‬
‫أنواع الصول التي تصلح لضمان الوراق المالية‬
‫نظريا أي نوع من الصول التي تولد عائد أو إيراد مستمر تصلح لن تكون ورقة دين سهلة‬
‫التسويق وفعليا معظم الوراق المالية المضمونة بأصول تكون مصاحبة بقروض أو أي أصول‬
‫مالية أخرى‪.‬‬
‫ومن الممكن تصنيف الوراق المالية المضمونة بأصول إلى أوراق رهن عقاري أو أوراق‬
‫مالية غير عقارية‪:‬‬
‫‪.1‬أوراق الرهن العقاري وتمثل أوراق مالية مضمونة بحزمة من القروض العقارية التقليدية‬
‫جمعتها مؤسسة مالية ( شركات الدخار والقروض‪ ،‬والبنوك التجارية‪ ،‬وشركات الرهن‬
‫العقاري) لتمويل عملية شراء المقرض لمنزل أو أي أصول عقارية‪ .‬ويقوم المصدر‬
‫بتجميع هذه القروض في وعاء واحد وبيعها للمستثمرين عن طريق طرح أوراق مالية‬
‫مضمونة بأصول عقارية بقيمة المديونيات‪ .‬وعندما يقوم المقترض بدفع أقساط الدين يتم‬
‫تسليم المستثمرون الفوائد المستحقة لهم ‪.‬‬
‫‪.2‬الوراق المالية غير العقارية أو الوراق المالية بأصول تشمل حاليا أنواع جديدة من‬
‫الصول مثل التزامات السندات المضمونة والتزامات القروض المضمونة ‪ ،‬ممتلكات‬
‫مصادرة من قبل مصلحة الضرائب ‪ ،‬ديون المشروعات الصغيرة ‪ ،‬السيارات المؤجرة ‪،‬‬
‫أوراق تجارية مضمونة بأصول ‪ ،‬بطاقات الئتمان وغيرها ‪.‬‬

‫لماذا يلجأ المصدر إلى التوريق وماالذي يدفع المستثمرون للستثمار في الوراق المالية‬
‫المضمون بأصول ؟‬

‫قد يحتاج المصدر إلى مصدر نقدي لتمويل مشروعاته التوسعية ‪ ،‬ويعتبر التوريق من أسهل‬
‫الوسائل للحصول على التمويل بالمقارنة إلى القتراض ( من خلل البنوك أو إصدار سندات)‬
‫أو زيادة رأس المال ( عن طريق طرح أسهم الشركة للكتتاب في البورصة ) بسبب التكلفة‬
‫الباهظة لهذين الخيارين وتأثيرهم على الموقف المالي للشركة ‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى القتراض وزيادة رأس المال فهما مصدرين للتمويل يظهر تأثيرهما على موقف‬
‫الشركة المالي من خلل ميزانية الشركة ‪ ،‬بينما يعتبر التوريق مصدر تمويل ل يظهر تأثيره‬
‫على ميزانية الشركة طبقاً للقواعد المقررة من قبل منظمة معايير التمويل والمحاسبة – يتم‬
‫التعامل مع التوريق عن طريق إضافة الدخل الناتج عن بيع الصول إلى جزء الصول في‬
‫ميزانية الشركة بينما يتم حذف الصول المباعة ‪.‬‬
‫أما بخصوص لماذا يستثمر المستثمر في الوراق المالية المضمونة بأصول فذلك يعود لخلق‬
‫التوريق أدوات مالية ذات آجال ومخاطر مختلفة لكي تجذب المستثمر ويعتبر التوريق أداة‬
‫مالية مركبة مما يعني انه يمكن تخليقها حسب احتياجات المستثمر‪ ،‬بالنسبة للمخاطر والعائد‬
‫وتاريخ الستحقاق بالمقارنة مع حقوق الملكية الخرى سواء أدوات مالية أو أصول أخرى ‪.‬‬
‫إضافة إلى منحها لعائد أعلى عن العائد الذي تمنحه الدوات المالية الخرى ذات درجة‬
‫المخاطر المتساوية‪ .‬وذلك يعود إلى التصنيف الئتماني المرتفع لهذه الوراق المالية ( غالياً‬
‫متحمل تصنيف ‪) AAA‬وخصائص تحسين الجدارة الئتمانية التي قد تحملها هذه الوراق‬
‫المالية‪ .‬أيضا تمنح هذه الوراق تدفقات نقدية متوقعة ولذلك يقوم المستثمر بشراء هذه‬
‫الدوات بثقة لعلمه انه سيحصل على مستحقات بقيمة معينة في تاريخ معين في المستقبل ‪.‬‬
‫تأثير نشاط التوريق على سوق رأس المال‬

‫يتلخص اثر نشاط التوريق على سوق رأس المال بعدة نقاط أهمها ‪:‬‬
‫•أدى نشاط التوريق إلى خفض تكلفة العمليات في سوق المال من خلل خلق سوق‬
‫للمطالبات المالية التي كانت تعاني من عدم السيولة والتداول المحدود ‪.‬‬
‫•يقوم نشاط التوريق بتشجيع التوفير من خلل تقديم أوراق مالية تضمن للمستثمر‬
‫فوائد أو مستحقات على استثماراته وتمنحه أيضا ضمانات للجدارة الئتمانية‬
‫للشركة المصدرة وغطاء أمان وحماية في هيئة مجلس المناء أو الوصياء ‪.‬‬
‫•يؤدي نشاط التوريق إلى تنويع المخاطر لنه يقوم بتجميع عدة أصول مالية تحمل‬
‫خصائص مختلفة في وعاء واحد وطرحها كأوراق مالية للمستثمرين‪ .‬عندما يتم‬
‫تقسيم ملكية الصول على عدد كبير من المستثمرين تقل درجة المخاطرة في‬
‫العمليات المالية‪.‬‬
‫وبسبب هذه المميزات السابقة لنشاط التوريق ‪ ،‬فقد زاد حجم وكمية التعامل على الوراق‬
‫المالية المضمونة بأصول في أسواق المال العالمية ( المتقدمة والناشئة ) ‪ .‬ففي عام ‪ 1995‬بلغ‬
‫حجم الوراق المضمونة بأصول إلى ‪ 316.3‬مليار دولر بالمقارنة بحجم هذه الوراق في الربع‬
‫الثالث من ‪ 2002‬الذي بلغ ‪ 1489.9‬مليار دولر ‪.‬‬

‫نشاط التوريق في الدول العربية‬

‫بدأ اتحاد المصارف العربية بإدخال مفهوم التوريق إلى السوق المصرفية العربية منذ العام‬
‫‪ ، 1995‬بعدما ازداد شيوع استخدام هذه الدوات المالية الحديثة في السواق العالمية ‪ ،‬والتي‬
‫وجدت فيها ملذاً مالياً هاماً لزيادة سيولتها وتقليل مخاطر محافظها المالية ‪.‬‬
‫وقد بدأت فكرة التوريق تكتسب أهمية متنامية في السواق العربية حيث بدأت الحكومات‬
‫ورجال البنوك المركزية والمصارف العربية يدرسون‪ ،‬بكل جدية ‪ ،‬آليات تطبيق هذه الداة في‬
‫السواق المحلية ‪ ،‬حيث يعتقد الخبراء أن التوريق قد أصبح محركاً هاما وأساسيا لعملية‬
‫الصلح في النظام المالي في الدول ‪ ،‬وأيضا ثورة مطلوبة في صناعة الخدمات المالية‬
‫والمصرفية ‪ ،‬بمالها من أبعاد مصرفية واقتصادية وإستراتيجية ‪.‬‬
‫هذا ويمثل التوريق أداة لوقف الركود في قطاع العقارات ‪ ،‬وزيادة السيولة في القطاع‬
‫المصرفي ‪ ،‬وتحريك النشاط والنتعاش في سوق رأس المال الذي يعاني من ركود ‪.‬‬
‫ويتطلب نجاح عمليات التوريق توفير التشريعات القانونية والضريبية والمحاسبية والرقابية‬
‫والئتمانية المناسبة لحفز وتحريك وتطوير هذه العمليات ‪ ،‬كما يتطلب المر تنسيقا ً فعالً مع‬
‫الطراف المعنية من اجل ضمان عدم وجود تناقضات أو مظاهر عدم انسجام في القواعد‬
‫والتوجهات والنواحي الرقابية والتشغيلية في كل مكونات البيئة المناسبة لعمليات التوريق ‪.‬‬

‫إعداد‬
‫معتز يوسف الخالدي‬
‫محلل مالي‬

You might also like