Professional Documents
Culture Documents
مقال نادر لسماحة الشيخ الخليلي في ذكرى المولد النبوي الشريف
مقال نادر لسماحة الشيخ الخليلي في ذكرى المولد النبوي الشريف
www.waleman.com
مقال نادر لسماحة الشيخ الخليلي في ذكرى المولد النبوي الشريف (1974م)
في ذكرى المولد النبوي الشريف:
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على رسوله الصادق المين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين :
فإنه مما يغمر قلوبنا فرحا ويمتلك مشاعرنا سرورا مشاركتنا لخواننا مسلمي العالم في الحتفال بهذه المناسبة
العظيمة التي لها أكبر الخطر في التاريخ وأعظم الثر في النفوس تلك مناسبة ذكرى بزوغ شمس الحق
وإشراق نور الحقيقة بمولد من أرسله ال رحمة للعالمين وبعثه إلى خلقه متمما لمكارم الخلق مشيدا لصرح
العدالة ناصبا معالم الهداية حالً ألغاز الكون كاشفا عن أسرار الحياة ذلك عبد ال ورسوله وحبيبه وصفيه
سيدنا محمد صلى ال عليه وسلم الذي لم يعرف التاريخ ولن يعرف له مثيل من البشر في كمال خلقه وخلقه
وفي التصاف بأرقى ما يتصوره العقل من صفات المخلوقين .
إن البشرية ظلت قبل إشراق نور مبعثه صلى ال عليه وسلم تهيم في ظلمات متراكمة وتتيه في ضللت
عمياء ل تميز في شؤون حياتها بين الخير والشر ول بين المصلحة والمفسدة ول بين الرقي والنحطاط ول
بين الحقيقة والوهم ول بين العلم والجهل فقد كانت المفخرة الكبرى عند الناس استغلل القوى الطبيعية
وإشباع النهم والغرائز وإراقة الدماء وابتزاز الموال ل فرق في ذلك بني مجتمع ومجتمع ول بين دولة وأخرى
ومهما كانت هنالك من حضارة كحضارة الهند ومصر وفارس وحضارة الرومان -القائمة على أنقاض حضارة
الغريق البائدة – فإن جميع تلك الحضارات ما هي إل مادية بحتة لم تقوم اعوجاجا ولم تصلح فسادا بل
نستطيع أن نقول إنها منبثقة من النزعات الشريرة والنزوات البهيمية المتمثلة في أعمال تلك المم الضارية
التي ل رقة في قلوب كبرائها ول انسجام بين أفرادها ،وهكذا بقيت البشرية تتقلب على جمر المآسي وتتجرع
مرارة الظلم والهوان حتى أراد ال سبحانه وتعالى للرض الميتة الهامدة أن ينفخ في هيكلها البالي روح
الحياة حياة العلم واليمان حياة الحق والعدالة حياة الرشد والهداية حياة ارتباط أبنائها برباط العقيدة الصحيحة
حياة التصال بهذا الكون الواسع الذي تسبح كل ذرة منه بحمد ال تعالى حين أذن سبحانه لقطب دائرة الكون
وتاج مفرق الوجود سيدنا محمد صلى ال عليه وسلم أن يتجلى نور محياه على عالم الشهادة في يوم الثنين
ثاني عشر ربيع الول لخمسين يوما من حدوث واقعة الفيل فاستقبلت الرض أكرم ضيف نزل عليها ليكتسح
منها التصورات الباطلة والمفاهيم الخاطئة والوهام والخرافات التي راجت سوقها بين البشر فأصبحت عالقة
بكل ذهن مالئة لكل قلب وقد كان صلى ال عليه وسلم أول ما نادى به ودعا إليه بكلمة ( ل إله إل ال ) تلك
الكلمة التي زلزلت عروش الظلم ودكت صروح البغي وأرست دعائم العدالة ورسمت خط المساواة وكشفت عن
عيون الضعفاء المحتقرين ما نسجته أيدي الظلم من ستار كثيف وارى عنهم الحقائق لئل يهتدوا إلى أن لهم
في المجتمع حقوقا .
لقد أوحت هذه الكلمة العادلة الشاملة إلى كل قلب واع أنه ل فرق أمام الحق بين قوي وضعيف ول بين غني و
فقير ول بين رفيع ووضيع ول بين حاكم ومحكوم ول بين إنسان وإنسان آخر فالكل عباد ال ليس الحكم إل له
،وكل الكبرياء والعظمة والجلل والقهر والخلق والمر مما استأثر به ال فلم يبق مجال لستعلء أحد على
أحد أو استغلل إنسان لنسان وإنما يحق للناس أن يتنافسوا في القتراب من ال بالعمل الصالح وبذلك
يتباينون في المنازل والدرجات ،وهكذا ظل رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو إلى هذه المثل العليا
والمبادئ الرفيعة غير مبال بما يلقاه من تحديات الدهر ومعاكسات الزمن ضاربا أروع المثال لقادة الصلح
وأرباب النهضات في الصبر على الشدائد وتجرع المآسي ،إذ كان صلوات ال وسلمه عليه يلقى جميع
المصائب والمصاعب بقلب كله إيمان بال وثقة بجلله فلم يكن اليأس ليجد سبيلً إليه ،ول التردد يحوم
حوله ،وبهذه الروح الفعالة تأثر الناس بدعوته ،فتقبلوا السلم موقنين أنه دين الحق والصواب ،ودين
الهداية والرشد ،دين المن والسلم ،وعابوا ما كانوا عليه من عقائد متناقضة ،وأحوال متباينة ،وأخذ
السلم يمل العالم صيته مكتسحا بتياره الهادر ما علق بالذهان من ترهات وأوهام ،جاعلً من البشر كلهم أمة
واحدة تجمعهم كلمة ال ،ويربط بين أقصاهم وأدناهم اليمان بال ،فل قبلية ول عنصرية ول إقليمية ،إنما
الفارق السلم أو الكفر ،هذه هي رسالة محمد صلى ال عليه وسلم إلى البشر ،فما أسعد ذكرى مولده
الشريف التي تعيد إلى نفوس المؤمنين مواقفه المباركة كأنما يشاهدونها عن كثب .
إن من أهم ما يجب أن نحرص عليه هو أخذ العظات النافعة والدروس البالغة من أبعاد هذه الذكرى فما أحوج
الرض اليوم إلى دورة تاريخية تكون امتدادا لتلك الدورة الكبرى لتتلفى هذه البشرية التي عادت إلى جاهليتها
الولى فأصبحت تتسكع في أحلك الظلمات ،وتهيم في اخطر المتاهات ،وأصبح من أبرز خصائصها وأوضح
سماتها الحسد والجشع والتنافر والتدابر ،والقسوة والستبداد ،تفتح لها من علوم الطبيعة ما يمكنها به
الترفيه على العالم وتوحيد الشمل وتعميم روح الطمأنينة والسلم ولكنها استغلتها في البادة والتدمير وإثارة
البغضاء والفصام وإشاعة الكاذيب وترويج الرذائل فأصبحت الحياة يساورها القلق ويهددها الضطراب ولذلك
تبرم منها كثير من الشباب الحائر فأصبح النتحار عندهم الحل الوحيد لمشاكلها والراحة الفريدة من متاعبها ،
كل ذلك نتيجة تقلص اليمان من القلوب واستيلء الحيرة والشك عليها .
إن هذه الحالة البارزة الشاهرة لدليل قاطع على صدق من يقول من علماء المسلمين ومفكريهم في هذا العصر
(( إن الزمان قد استدار كهيئته حين بعث ال محمد صلى ال عليه وسلم فما أحوجه اليوم إلى مثل تلك الدورة
الكبرى يقوم بها قوم من أمة محمد صلى ال عليه وسلم يحكمون لمر ال منجزون لوعده حريصون على
مرضاته ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال وإقام الصلة يرجون تجارة لن تبور ) إن بأمثال هؤلء البررة
المخلصين يعيد الزمان تاريخه الذهبي ويتحقق وعد ال لعباده المؤمنين بالنصر والتمكين كما تحقق في
العصور الغابرة ( وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الرض كما استخلف الذين من
قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناُ يعبدونني ل يشركون بي شيئا ومن
كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) اللهم أعنا على طاعتك وجنبنا معصيتك واهدنا لمرضاتك وحقق لنا وعدك
وانصرنا على عدوك ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ،وصلى ال وسلم على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين .