You are on page 1of 97

‫في الفهم والتربية‬

‫(‪)5‬‬
‫التضحية والفداء في السلم‬

‫تأليف‬
‫جمعة أمين عبد العزيز‬
‫دار الدعوة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫إهداء‬
‫إلى من ضحى بنفسه وجاد بروحه في سبيل هذه الدعوة إلى روح المام الشهيد حسن البنا وإلى كل من سار على دربه ممن قضى نحبه ومن‬
‫ينتظر وما بدلوا تبديل ‪.‬‬
‫==========‬
‫تقديم ‪ :‬فضيلة الشيخ محمد عبد ال الخطيب‬
‫الحمد ل رب العالمين الرحيم بخلقه العليم بعباده أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ليخرجهم من الظلمات إلى النور وفرض على الرسل ومن‬
‫سار على نهجهم دعوة الخلق لل حق إلى طريق النجاة والفوز فذاق من استجاب لدعوة الرسل طعم المان في رحاب اليمان وشقي وذل و ضل‬
‫كل من حاد عن منهج الرحمن والصلة والسلم على سيد الدعاة وإمام المتقين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫وبعد ‪، .....‬‬
‫ففي إطار الفهم الصحيح المتوازن الهادف الدافع والمحرك إلى اللتزام بهذا الحق يأتي كتاب التضحية والفداء في السلم للداعية الفاضل الخ‬
‫جم عة أم ين ع بد العز يز يأ تي ن سقا دعويا متجان سا يج مع ب ين وضوح الرؤ ية وف هم الوا قع ك ما يحتوى النظرة الشمول ية لل سلم والو سطية‬
‫والعتدال والفهم الصحيح الذي من خلله يستطيع أن يشق المسلمون طريقهم إلى النصر والسيادة على ظهر الرض ‪.‬‬
‫فقدر وضح لنا المؤلف ‪ :‬أن اليمان العميق الذي مقره القلوب لبد أن يولد عاطفة متأججة ملتهبة غيرة على دين ال وتذوب كمدا على أحوال‬
‫الم سلمين ويد عو للبذل والعطاء والتضح ية لدفع ما ي صيب أ مة السلم من م سخ وغزو وانحلل ول ي تم تمام اليمان إل بالرتباط الوث يق ب ين‬
‫النسان وربه فتكون الربانية منبع اليمان والعاطفة معا إن دعوة السلم في أشد الحاجة إلى هذا العطاء المنطلق من الفهم العميق القائم على‬
‫العلم والحجة والبرهان ‪ ،‬إن الفهم الشامل للسلم يحفظنا من الوقوع في خطر التجزئة ويمنعنا من الندفاع والتهور ‪.‬‬
‫ولقد أفاض المؤلف في بيان حقيقة العمل المتواصل وهو ل يتم إل بوجود العاطفة التي تحفز إليه والعقل المفكر الذي يوجهه والواقعية التي‬
‫يحدد بموجب ها تكي يف ال ساليب والو سائل المتكافئة والتخط يط الدق يق المح كم الذي ير بط ال سباب بالم سببات ح تى ت سير على ب صيرة بترت يب‬
‫ونظام ‪.‬‬
‫وج هد ال ستاذ المؤلف يذكر نا بأن ال حق تبارك وتعالى شرف نا وطوق أعناق نا بأما نة التبل يغ والبيان والتعر يف بجوا نب هذا الد ين العظ يم وح مل‬
‫الدعاة مسؤلية إيصال دعوته إلى الناس كافة انه ل خيار أبدا لمن آمن بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد نبيا ورسول أن يهدأ أو يقعد عن نشر‬
‫هذا الحق وإيصاله إلى الناس وهي مسئولية كل مسلم قادر على البلغ وإل فعاقبة كتمان هذا الحق خطير خطير والقعود عن أداء هذا الواجب‬
‫وخيمة ومسؤليته جسيمة ‪.‬‬
‫يقول الحهق سهبحانه وتعالى { إن الذيهن يكتمون مها أنزلنها مهن البينات والهدى مهن بعهد مها بيناه للناس فهي الكتاب أولئك يلعنههم ال ويلعنههم‬
‫اللعنون إل الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم } البقرة ‪. ) 160 - 159 :‬‬
‫إن موضوع الرسالة في دعوتها إلى التضحية والفداء لهو موضوع هام وخطير بالنسبة لوضاع المسلمين اليوم وظروفهم التي يمرون بها فلن‬
‫نخرج من هذا التيه إل بالحرص على الكفاح والتضحية والفداء والعطاء والجهاد والمجاهدة والمرابطة في سبيل ال ‪.‬‬
‫ول خيار ل من يرى المغ نم في هدا ية الناس وإرشاد هم مع عل مه بعظ يم ثواب من يهدى ال إن سانا واحدا على يده ب عد ما بل غه قول ر سول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم ( لن يهدى ال بك رجل واحدا خ ير م ما طل عت عل يه الش مس ) ول خيار ل من عرف مو قف الرع يل الول من ال سلف‬
‫ال صالح و هم يقطعون الفيا في والوهاد يرفعون را ية ال سلم في فجاج الرض وهضاب ها وأوديت ها ح ين يقرأ ترا جم أولئك الرواد ويتعرف على‬
‫موا قع ا ستشهاد قادة الفتوح وتضحيات هم على أ سوار الق سطنطينية وجبال الناضول و سفوح جبال ال سند أقول ل خيار ل من يعرف هذا التار يخ‬
‫العظيم أن يقعد أو يستكين دون أن يضرب بسهم في ميدان إبلغ دعوة ال عز وجل للناس ‪.‬‬
‫وفي ضوء هذه النصوص وهذا الواقع التاريخي وما أثبته من قناعات كان المام البنا عليه الرضوان يقول [ وددت أن أبلغ هذه الدعوة للطفل‬
‫في بطن أمه ] ‪.‬‬
‫ول قد كان ل صاحب هذا الكتاب ن صيب وا فر من هذه الجهود يحت سبه دائما ع ند ال و هو مجهود نحتاج إل يه لنتم كن من بناء ج يل ي عي حقائق‬
‫السلم الصحيحة ومفاهيمه ويعيش بها ولها حتى يلقى ال ‪.‬‬
‫وتقع هذه الرسالة في مائة وخمسة وثمانين صفحة من القطع المتوسط وتحتوى على مقدمة وتوطئة وستة أبواب وخاتمة ويشتمل الباب الول‬
‫على معنى التضحية وهدفها في السلم وأنها من أجل الحق ولمواجهة أعداء البشرية والنسانية ثم ساق نماذج عظيمة من حياة رسول ال‬
‫صلى ال عل يه وسلم وك يف قام ثل ثة وعشرين عاما بأ مر ال وحده لم يعرف الرا حة ول النوم بل قال لم المؤمن ين خدي جة ر ضى ال عن ها ‪:‬‬
‫مضى عهد النوم يا خديجة ‪.‬‬

‫أما الباب الثاني ‪:‬‬


‫فعهن التضحيهة بالمنافهع الماديهة والدنيويهة والعلقات الجتماعيهة والصهبر والحتسهاب والرضها فالمسهلمون ل ولء لههم إل مهع المؤمنيهن ‪:‬‬
‫والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ثم بعد التحليل الدقيق لما يجب أن يكون عليه المسلمون في هذا المر ربط التضحية بنماذج من‬
‫حياة الصحابة في هجرتهم وجهادهم رجالً ونساء لقد كانوا فذا في التضحية والحتساب والتجرد ل رب العالمين ‪.‬‬

‫والباب الثالث ‪:‬‬


‫أشار فيه المؤلف إلى شمول التضحية فليست بالمال وحده لكنها بالوقت والجهد وبذل الوسع والطاقة ثم ضرب المؤلف المثلة والنماذج الحية‬
‫من تاريخ السلم البعيد والقريب أمثلة من الواقع العملي لدعاة السلم على مر العصور ‪.‬‬

‫أما الرابع ‪:‬‬


‫ف قد خ صصه المؤلف لنوع من التضح ية و هو التضح ية بالمال زي نة الحياة الدن يا وع صبها وغاص في جوا نب كثيرة من هذا ال مر فا ستخرج‬
‫جوا هر وللئ و هي موجودة في تاريخ نا ول يو جد ل مة من ال مم م ثل هذا التار يخ الزا خر بالرجال البرار الذ ين أنفقوا كل غال ورخ يص في‬
‫سبيل ال ثم ختموا تاريخهم بتقديم أرواحهم فداء لدينهم ووفاء لحق ال عليهم ثم مضى في الباب الخامس في الحديث عن التضحية بالنفس‬
‫وهي تلي التضحية بالمال وتحدث عن ضرورة الجهاد في سبيل ال وذكر تربية القرآن لنوعية المجاهدين من الرجال وأشار إلى أن الموت في‬
‫سبيل ال هو بداية الحياة الحقة وأشار إلى النماذج الكريمة ثم عن قضية فلسطين وجذورها وجهاد رجالها والطريق الصحيح إلى تحريرها ثم‬
‫أشار في الباب السادس إلى ((منهج السلم في التربية على التضحية ))فأشار إلى ضرورة الفهم الصحيح الذي يسبق العمل دائما وأشار إلى‬
‫الركائز والنماذج للمجاهدين والبطال ‪.‬‬
‫ثم ختم كتابه بحديث ن أصحاب اهمم العالية ووضع الضوابط المحددة لذلك ووضع النقاط فوق الحروف فجزاه ال خيرا عن كل ما قدمه للسلم‬
‫ولدعوة السلم وتقبل ال هذه العمال وجعلها في ميزانه ‪.‬‬
‫محمد عبد ال الخطيب‬ ‫والحمد ل رب العالمين ‪،...‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫يقول رب نا عز و جل { ل كن الر سول والذ ين آمنوا م عه جاهدوا بأموال هم وأنف سهم وأولئك ل هم الخيرات وألئك هم المفلحون أ عد ال ل هم جنات‬
‫تجرى من تحتها النهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم }[التوبة ‪] 89 ،88 :‬‬
‫ويقول رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد الخدرى رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬أل أخبركم‬
‫بخير الناس وشر الناس إن خير الناس رجل عمل في سبيل ال على ظهر فرسه أو ظهر بعيره أو على قدمه حتى يأتيه الموت وإن شر الناس‬
‫رجل يقرأ كتاب ال تعالى ل يرعوى لشيء منه )) رواه النسائي ‪.‬‬
‫ويقول المام الشهيد حسن البنا ‪ ((:‬لقد قام هذا الدين بجهاد أسلفكم على دعائم قوية من اليمان بال والزهادة في متعة الحياة الفانية أو إيتاء‬
‫الخلود ‪ ..‬والتضحية بالدم والروح والمال في سبيل مناصرة الحق وحب الموت في سبيل ال والسير في ذلك كله على هدى القرآن الكريم ‪.‬‬
‫فعلى هذه الدعائم القوية أسسوا نهضتكم وأصلحوا نفوسكم وركزوا دعوتكم وقودوا المة إلى الخير وال معكم ولن يتركم أعمالك )) [ رسالة‬
‫المؤتمر الخامس ] ‪.‬‬
‫ويقول ‪ (( :‬أيهها الخوان ‪ :‬إن المهة التهي تح سن صهياغة الموت وتعرف كيهف تموت الموتهة الشريفهة يههب ال لهها الحياة العزيزة فهي الدنيها‬
‫والنعيم الخالد في الخرة وما الوهن الذي أذلنا إل حب الدنيا وكراهية الموت فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة‬
‫))[ من رسالة الجهاد ] ‪.‬‬

‫توطئة‬
‫** لم كانت التضحيات ؟‬
‫إذا كانت التضحية هي بذل كل ما يملك وما نستطيع من أجل حماية الدين والوطن والرض والعرض والمة السلمية ‪ ..‬وإذا كان صاحب كل‬
‫مبدأ وقيمة ل يمكن أن تبقى مبادئه أو تستمر إل إذا دعا إليها وضحى من أجلها أين كان هذا المبدأ وهذه القيمة ‪ ...‬فما بالك بدين هو الخاتم‬
‫الذي أتم ال به النعمة { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا } المائدة ‪ ]3 :‬أل يستحق هذا الدين أن نضحي‬
‫بكل ما نملك في سبيل نشره وحفظه ؟ ونحن ل نتجنى إذا قلنا إن العالم الغربي أعلن العداء للسلم بعد أن كان مستترا بل بعد سقوط الشيوعية‬
‫وانتهائها لم يجد له عدوا إل السلم فماذا عسانا أن نفعل حين تنتهك الحرمات وتداس المقدسات وينال من العراض وتلتهم الوطان ؟‬
‫ماذا ع سانا أن نف عل ب عد أن أ صبح واضحا ل كل ذي عين ين أن العالم ال سلمي يعا نى من عدو شرس يجرده من كل قوة سواء أكا نت ماد ية أو‬
‫معنويهة ويعاونهه على ذلك نظام عالمهي جديهد يكيهل بمكياليهن ويزن بميزانيهن ميزان يحقهق لهذا العدو أسهباب القوة والسهيطرة السهياسية‬
‫والقتصادية التي تمكنه من تحقيق مأربه وأغراضه وأهدافه وميزان آخر يعمل على إضعاف تبعيتنا وانسلخنا من هويتنا وانتمائنا السلمي ‪.‬‬
‫فالعدو الصهيوني ومعه الصليبية العالمية والعلمانية الكارهة للدين المحاربة له تجعل من إسرائيل رأس الحربة التي توجهها ضد كل ما هو‬
‫إسلمي باسم هذا النظام وتواصوا بذلك بالرغم من اختلفهم فيما إل أنهم يتحدون جميعا ضد السلم وقيمه ونظمه ومنهاجه ‪.‬‬
‫ول يس هذا الذي نقول ا ستنتاج ع قل وإن كان ال مر ل يحتاج لهذا ال ستنتاج بعد أن صرح قادة هؤلء العداء بذلك جهارا نهارا والوا قع المؤلم‬
‫يشهد بذلك في كل ساعة من ساعات النهار والليل على السواء لذلك فإننا نتساءل أل يحتاج ذلك إلى تضحية بكل عزيز وغال لنعيش كراما أو‬
‫نموت أعزة ؟ لنصون العرض والرض والوطن والدين ‪.‬‬
‫والتضح ية ال تي نق صدها لي ست وق فا على الن فس بل ال مر يبدأ ببذل الطا قة والتوسع لف هم للد ين دق يق نعرف به رب نا ونتعرف به على أنف سنا‬
‫ونحدد به رسالتنا في الوجود ونسخر به الكون كله لتنعم الدنيا بمنهاجنا ثم معرفة بالعدو وإمكاناته والعداد له لنتصدى لمكره ودهائه ردا على‬
‫افتراءاته وتفنيدا لدعاءاته وتوضيحا لشبهاته فكرا بفكر وقول بقول ول نقف عند حد الكلم بل نقدم النموذج الفذ فردا وأسرة ومجتمعا ليكون‬
‫الكلم سلوكا والعلم عمل واقعا معاشا وكل ذلك ل يتحقق إل بتضحيات بالوقت والمال والجهد بل والنفس أيضا ولذلك ل يجوز أن يصرف معنى‬
‫التضح ية على الن فس والمال فح سب فكون بذلك قد ضيق نا وا سعا بل إن التضح ية ك ما نقول المام الشه يد ح سن الب نا عل يه الرضوان ‪( :‬بذل‬
‫الن فس والمال والو قت والحياة و كل شئ في سبيل الغا ية ول يس في الدن يا جهاد ل تضح ية معه ول تض يع في سبيل فكرت نا تضح ية وإن ما هو‬
‫الجر الجزيل والثواب الجم يل ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم { إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } التوبة ‪ { ] 12 :‬قل إن‬
‫كان آباؤ كم وأبناؤ كم } التو بة ‪ { ]24‬ذلك بأن هم ل ي صيبهم ظمأً ول ن صب } التو بة ‪ { ] .12‬فإن تطيعوا يؤت كم ال أجرا ح سنا} الف تح ‪]16 :‬‬
‫وبذلك نعرف معنى هتافنا الدائم (الموت في سبيل ال أسمى أمانينا ) ‪.‬‬
‫فالتضحية ألوان متعددة وأشكال متنوعة بالمال والوقت والجهاد والهل والعشيرة بل والنفس في سبيل نشر الدعوة وإقامة الدين وحفظه وهكذا‬
‫أقيهم المجتمهع المسهلم الول على أكتاف رجال ضحوا بكهل أنواعهها إنفاقها للمال ومفارقهة للههل والولد وبذل للو قت والجههد وتضحيهة بالنفهس‬
‫وتبعهم بإحسان رجال وا صلوا المسيرة من التابعين وتابعيهم وإلى يومنا هذا بل وإلى أن يرث ال الرض ومن عليها فلن تخلو الرض يوما‬
‫من هذا الصنف المخلص والمخلص ليكونوا جند ال على أرضه وتتحول بهم المبادئ والقيم والعقائد واقعا على الرض ‪.‬‬

‫‪ -‬القيم والواقع ‪:‬‬


‫إن المبادئ ال سامية ت ظل مثل عال ية في عالم الذ هن ح تى يو جد من يمثل ها في عالم الوا قع و كم من إن سان يت صور هذه المبادئ في ذه نه‬
‫ويتحمس للدفاع عنها في تخيله ويراها هي ال حق كل الحق حتى إذا تحول إلى عالم الواقع جبن عن الدفاع عنها وضعف عن تمثيلها بنفسه‬
‫وفضل مداراة الناس بما هم عليه من باطل على مجابهتهم بما هو عليه من الحق ‪.‬‬
‫إن أههل الباطهل يتفانون فهي الدفاع عهن باطلههم ويغتنمون الفرص المناسهبة للهجوم على المعتقدات التهي يرون أنهها تهدد وجود باطلههم الذي‬
‫يتو قف وجود هم عل يه وتتم ثل زعامت هم في علو راي ته وقيام أمره فيضحون ب كل عز يز لدي هم لي صدوا عن ال سبيل ويبغون ها عو جا بشرا ستهم‬
‫المعهودة وحروبهم المعروفة وهم يقولون ‪ {:‬أجعل اللهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق المل منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم‬
‫إن هذا لش يء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الخرة إن هذا إل اختلق أؤنزل عل يه الذ كر من بين نا بل هم في شك من ذكرى بل ل ما يذوقوا‬
‫عذاب } [ص ‪ ]8-5‬أفل يس أولى بالذ ين يقولون رب نا ال ثم ا ستقاموا أن يضحوا ب كل ما يملكون من أ جل ال حق البا قي ببقاء الدن يا و ما بعد ها‬
‫ليعيشوا أعزة في دنياهم منعمين في أخراهم { تتنزل عليهم الملئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في‬
‫الحياة الدنيا وفي الخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزل من غفور رحيم } [فصلت ‪ ]32 - .3‬لنهم عاشوا على ل إله‬
‫إل ال مح مد ر سول ال وماتوا علي ها و في سبيلها جاهدوا وعلي ها لقوا ال تعالى ف صنع خ ير أ مة لن هم { رجال صدقوا ما عاهدوا ال عل يه‬
‫فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل } [الحزاب ‪.]23 :‬‬

‫* رجال العقيدة والتضحية ‪:‬‬


‫إن عقيدة التوحيهد ههي صهانعة الرجال الذيهن ينفقون فهي سهبيلها الموال ويقولون ‪ :‬أنفهق ول تخهش مهن ذي العرش إقلل ويضحون بأنفسههم‬
‫ويقولون فل نا مت أع ين الجبناء إن هم الرجال الذ ين يرجون تجارة لن تبور يقبلون على الموت و هم يقولون ‪ :‬غدا نل قى الح بة محمدا و صحبه‬
‫أنشودتهم هبي ريح الحنة هبي ‪.‬‬
‫وسل التاريخ عنهم قبل المصطفي علية الصلة والسلم وبعده سل عن الذين اصطفاهم ال من بين خلقه من النبيين والرسل الكرام سل الكرام‬
‫سل عن إيمانهم ومواقفهم وثباتهم وتضحياتهم سله عن زكريا ويحيى وعيس وإلياس وإبراهيم وموسى سل عن أصحاب الخدود (النار ذات‬
‫الوقود إذ هم عليها قعود } [البروج ‪ ]6-5‬وماذا صنعوا ؟ وكيف ضحوا ؟ وتأمل حال سحرة فرعون وكيف صنعت عقيدة التوحيد فيهم ؟ وهم‬
‫الذ ين ما عرفوا ل هم قبل ها ر با إل فرعون فأق سموا بز ته واحتموا بقو ته وافتقروا إل يه فل ما د خل اليمان قلوب هم صاروا رجال فضحوا ب كل ما‬
‫يملكون وما تصبوا إليه أنفسهم وهانت عليهم أرواحهم فما ووهنوا لما أصابهم في سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا ‪.‬‬
‫و سل التار يخ عن يا سر وعمار و سمية وبلل و صهيب وخباب وغير هم الكث ير رجال كانوا أم ن ساء شبا با أم شي بة سل عن هم في بدر وأ حد‬
‫وحمراء السد يوم قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيما نا وقالوا ح سبنا ال ونعم الوك يل ويوم تحزب الحزاب { ول ما‬
‫رأى المؤمنون الحزاب قالوا هذا ما وعدنا ال ورسوله وصدق ال ورسوله وما زادهم إل إيمانا وتسليما } الحزاب ‪.] 23‬‬
‫و ما حدث في هذه الغزوات من الموا قف اليمان ية والتضحيات البطول ية حدث مثل ها في اليرموك وحط ين وع ين جالوت والقاد سية وغير ها من‬
‫المواقف والمواقع التي سجلها التاريخ قديما وحديثا لرجال العقيدة في فلسطين والقنال والبوسنة والهرسك والشيشان وكوسوفو في كل أرض‬
‫يحميها رجال العقيدة فإنك تجد صورا من التضحيات الفريدة والبطولت النادرة ‪.‬‬

‫* التضحية دليل صدق وإخلص ‪:‬‬


‫فالتضحية من المواقف اليمانية التي هي دليل صدق وإخلص وثبات على دين ال وإعزاز لراية ال إنها مواقف غالية سامية عزيزة وببركة‬
‫هذه المواقف تفتح حصون وتسقط مدائن وتهزم جيوش الكفر المتكاثرة ويتنزل نصر ال عز وجل على النفوس المؤمنة هذه المواقف اليمانية‬
‫يحبها ال عز وجل ويحب أهلها والموقفين إليها إنها تشهد للمؤمنين بقوة اليمان ومحبة الرحمن ‪.‬‬
‫والمو فق إلى هذه الوا قف الكري مة الشري فة قل يل لن المؤمن ين قلة والمضحون أ قل { وقل يل من عبادي الشكور } سبأ‪ ]13 :‬ول كن ببر كة هذا‬
‫القليل ينتصر حزب ال وترفع رايته ‪.‬‬
‫والصهحابة رضهى ال عنههم هم المثلة الصهادقة والنماذج الفريدة لنههم أولى الولياء بمواقهف الرجال بعهد النهبياء وهذا شا هد قوى على قوة‬
‫يقينهم وعظيم صبرهم وبركة جهادهم وصغر الدنيا في أعينهم وعظم الخرة عندهم لنهم آمنوا بما أنزل على محمد صلى ال ليه وسلم وهو‬
‫الحق من ربهم وعلموا أن سلعة ال غالية تستحق التضحية ‪.‬‬
‫فالسلم يعلمنا أل نعز شيئا على ال عز وجل فل نبخل بشيء نبذله ل عز وجل فمحبة المؤمنين ل عز وجل تمل قلوبهم وتحرك جوارحهم‬
‫وتتضاءل أمام هذه المحبهة محبهة الباء والبناء والزوجات والموال قال تعالى { قهل إن كان آباؤكهم وإخوانكهم وأزواجكهم وعشيرتكهم وأموال‬
‫اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدى‬
‫القوم الفاسقين } التوبة ‪ ]42‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم ((ل يؤمن أحدكن حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )) وبهذه‬
‫المحبة تهون التضحيات ‪.‬‬
‫فهذه المعاني اليمانية كيف تستقر في القلوب وتعيها النفوس إذا لم ير المؤمنون أمثلة حية أمامهم تترجم هذه المحبة إلى واقع عملي ومواقف‬
‫إيمان ية يض حي في ها المؤ من ب كل ثم ين وغال ويظ هر في ها شرف اليمان ومح بة الرح من عز و جل وإيثار أمره وشر عه على طبائع النفوس‬
‫البشرية ومن أولى بهذه المواقف الشريفة من النبياء الكرام وأصحاب النبي محمد عليه الصلة والسلم ولذلك رأينا صور التضحيات متمثلة‬
‫في هم ومتجسدة في أعمال هم وأقوال هم ومواقف هم لن هم أ صحاب مبادئ وق يم ف من أراد أن ي ستعيد مجد ال مة وشرف ها وعز ها وعزت ها ل بد وأن‬
‫يحذو حذوهم ويسير على طريقهم إيمانا وحبا وتضحية في سبيل إعلء العقيدة وتطبيق الشريعة وتعميق الخلق لنستعيد مجد خير أمة أخرجت‬
‫للناس ‪.‬‬
‫وإذا تحدثنا في الصفحات التالية عن ركن التضح ية فلسنا بمعطيه حقه فليس الفرض من هذه الصفحات تعريف التضحية من الجانب النظري‬
‫وإن كنا قد فعلنا كما أننا ل يكون مجلدا من المجلدات وإنما ركزنا مع أنواع من التضحية نحسب أنها الهم وهي التضحية بالعلقات الجتماعية‬
‫والتضح ية بالوقت والجهد والتضح ية بالمال والتضح ية بالنفس وإن ك نا قد عرج نا بإيجاز على أنواع أخرى ولكن الترك يز وا ضح على الجانب‬
‫العملي والنماذج المضح ية وال ثر التربوي لغرس هذا الر كن في قلوب أتباع مح مد صلى ال عل يه و سلم لتهون عند هم الحياة في سبيل المبدأ‬
‫والعقيدة والقيمة ‪.‬‬
‫فضل عن كيفية تحقيق هذا الركن الركين بالمجاهدة مع النفس ونزع الهوى من القلب وترسيخ اليمان حتى تصبح الخرة أكبر همنا وغير ذلك‬
‫من المور التي تجلى حقيقة هذا الركن ‪.‬‬
‫ولقد قسمت الكتاب بعد التوطئة إلى ستة أبواب ‪.‬‬
‫‪ -1‬التضحية معناها ودوافعها ‪.‬‬
‫‪ -‬التضحية والعلقات الجتماعية الحميمة والعدية ‪.‬‬
‫‪ -3‬التضحية بالوقت والجهد ‪.‬‬
‫‪ -4‬التضحية بالمال ‪.‬‬
‫‪ -5‬التضحية بالنفس ‪.‬‬
‫‪ -6‬منهج السلم في التربية على التضحية ‪.‬‬
‫فإن كنت قد وفقت إلى ذلك فمن توفيق ال سبحانه وإن كانت الخرة فأسأل ال أن يغفر لي زلتي وينم على بنعمة الفهم والخلص ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين‬
‫الفقير إلى عفو ربه‬ ‫‪ 2.‬ربيع أول ‪ 1418‬هه الموافق ‪ 24‬يوليو ‪ 1998‬م‬
‫جمعه أمين عبد العزيز‬

‫الباب الول ‪ -‬التضحية معناها ودوافعها‬


‫‪ -‬معنى التضحية ‪.‬‬
‫‪ -‬من أجل الحق نضحي ‪.‬‬
‫‪ -‬حجم العداوات تستوجب التضحيات‬
‫‪ -‬التضحية والمسؤلية‬
‫‪ -‬التضحية أنواع وألوان‬
‫‪ -‬ليس كل تضحية تقبل ‪.‬‬
‫‪ -‬نماذج من تضحيات الرسول وتحمله الذى ‪.‬‬

‫التضحية معناها ودوافعها‬


‫* معنى التضحية ‪:‬‬
‫كلمة التضحية في اللغة مصدر للفعل ضحى ‪.‬‬
‫وضحى بالشاة أو نحوها مما يحل أكله أي ذبحها في الضحى يوم عيد الضحى وقد سميت بذلك في الشر ع لقول النبي صلى ال عليه وسلم ((‬
‫من ذبح قبل الصلة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين ))‬
‫وضحى الحاج ‪ :‬ذبح ضحيته وهو شاة في أي وقت من أيام التشريق وهذا المعنى قريب من معنى التضحية بالنفس والمال والجهد والوقت في‬
‫سبيل ال تعالى ‪.‬‬
‫ول يمكن لفكرة أن تسود أو مبدأ أن ينتشر أو قيمة أن تعلو أو منهج أن يطبق أو نظام أن يستقر إل برجال يؤمنون به ويدعون إليه بالحسنى‬
‫ويضحون من أجله بكل ما يملكون من نفس أو مال أو جهد أو وقت مهما كلفهم ذلك من نقص في الموال والنفس والثمرات فيجود بالنفس‬
‫التي بين جنبيه والمال الذي يجمعه والولد الذي أنجبه والزوجة التي يحبها بل والدنيا كلها وما فيها { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم‬
‫وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى‬
‫يأتي ال بأمره وال ل يهدى القوم الفاسقين } التوبة ‪. ] 24 :‬‬
‫ومعنى ضحى بوقته أو جهده أو ماله أو نفسه في سبيل ال أي تبرع به حسبة لوجه ال تعالى وتلك من المعاني التي جدت على مفهوم الكلمة‬
‫الصلي وهذه التضحية بأي معنى من معانيها عندما تكون لوجه ال تعالى وتقربا إليه فإن لها عنده سبحانه أحسن الجزاء ‪.‬‬
‫ولم يرد في القرآن الكريم لفظ التضحية بهذه الصياغة كما سنرى ولكن ورد معناه في عديد من اليات الكريمة حيث وردت معاني البذل والطاء‬
‫سواء أكان ذلك البذل والعطاء خاص بالنفس أو المال أو الولد أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫وهذه المعاني كلها مطلوبة بل وهامة لكل دارس ومتعلم لكن يبقى بعد ذلك ما هو أهم أل وهو كيفية تحقيق هذه التضحية ؟ وكيف نغرسها في‬
‫النفس ؟‬
‫وك يف تتح قق على أرض الوا قع ؟ وك يف تكون هذه المعا ني من هج حياة ووا قع ملموس؟ سلوك لزم ل كل م سلم يؤ من بال واليوم ال خر يراه‬
‫الناس جميعا أبيضهم وأسودهم مؤمنهم وكافرهم فيثبت التباع حين يروا هذه النماذج العملية بل قد يفتح ال بهم قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا‬
‫صما فينتشر الحق الذي يحملونه وذلك ما نبغي ‪.‬‬

‫* من أجل الحق نضحي‬


‫لشك أن المسلم يضحي من أجل الحق الذي يحمله ويهون الموت عليه في سبيله ذلك لن ال حق هو كل ما شرعه ال لعباده من أحكام تنظم‬
‫علقت هم بال أو علقت هم بالكون والحياة أو علقت هم بعض هم بب عض أفرادا وأ سرا وجماعات ولذلك و جب الحتكام إل يه والذعان له والت سليم‬
‫بعدالته { فماذا بعد الحق إل الضلل } يونس ‪. ]32‬‬
‫فكيهف ل يضحهي المسهلم مهن أجهل الحهق الذي علمنها أسهرار الوجود وغايات الحياة ودسهتور العدالة الذي يفصهل بيهن الناس ويوزع الحقوق‬
‫والواجبات بالق سطاس فيع طى كل فرد أو كل أ سرة أو جما عة ماله ويطال به ب ما عل يه لن م صدر هذا ال حق هو رب الخلق الذي خلق ف سوى‬
‫والذي قدر فهدى والذي يعلم ما يحتاج إليه عباده وما يصلحهم أو يفسدهم وهم جميعا لديه سواء ‪.‬‬
‫إن الحق في أجمل صوره وأعمق معانيه يتجلى في هذا الكتاب اللهي الذي أودع ال فيه نبأ من قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا وضمنه من‬
‫جواهر الحكم وجوامع الكلم وروائع العبر ودقائق المعاني وأسرار التشريع وحقائق الوجود وآيات البيان وبينات الهدى والفرقان ما ينير العقول‬
‫ويشفي الصدور ويزكى النفس ويصلح الحياة ويهدى الفراد والجماعات إلى أقوم سبيل ‪.‬‬
‫فهو يهدى إلى الحق لنه يهدى إلى القيم الخالدة والفضائل الصيلة التي تستقر بها الحياة وتنظم بها المعاملة ويتقيم بها ميزان الخلق والسلوك‬
‫أفل يستحق هذا كله التضحية بكل ما نملك ؟‪.‬‬
‫إننا إذا عرفنا الحق وتبين لنا الرشد من الغي ل يكفينا هذا لنكون من أهله وحزبه لن المعرفة النظرية المجردة للحق وإن كان لبد منها لنكون‬
‫على بصيرة ل تجدي ول تجعل النسان من أهله إل إذا رسخت جذورها في النفس وكان لها مذعن وبها يعتز فيدعو لها ويعمل على تكثير جنده‬
‫ويضحي من أجله بل وينتصر له ويثبت عليه ويتحمل الذى في سبيله ‪.‬‬
‫والم سلمون باعتبار هم أ مة مطالبون أن يقيموا ال حق في الرض ويتوا صوا به ويهدوا إل يه { والع صر إن الن سان ل في خ سر إل الذ ين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } سورة العصر ‪.‬‬
‫ويقينها أن الحهق ل ينتصهر وحده ولكهن سهنة ل أن ينصهر الحهق إذا كان له رجال يؤمنون بهه ويدعون إليهه ويتجردون له ويعيشون مهن أجله‬
‫ويموتون في سبيله ولهذا ك ثر أ هل البا طل ليكونوا ح جة ال على خل قه و في القرآن { وم من خلق نا أ مة يهدون بال حق و به يعدلون } العراف‬
‫‪ ] 181‬وفي الحديث (( ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر ال وهم كذلك إلى قيام الساعة )) رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫وظهور هم على ال حق يحتاج إلى تضحيات وتضحيات وهذه الطائ فة يحدو هم دائ ما ال مل الحلو وي مر جوانح هم الرجاء البا سم ول يعرف ظلم‬
‫اليأس إلى صدورهم سبيل { قال ومن يقنط من رحمة ربه إل الضالون } الحجر ‪. ] 56‬‬
‫إنهم كلما ادلهم الباطل من حولهم ازدادوا إيمانا بحاجة الناس إلى النور الذي يحملونه فزادوا إيمانا بتضحياتهم وكلما أمعن الفساد في الظهور‬
‫والنتشار امتلئوا يقينها بضرورة الصهلح فبذلوا الجههد والوقهت والموال والنفهس وكلمها زحهف تيار الكفهر الصهريح أو المقنهع ازدادوا قدرة‬
‫وإصرار على المقاومة بكل ما يملكون ‪.‬‬
‫ويوم ترى النسانية الحق ممثل في أمة تعرفه وتحبه وتحرسه وتنشره وتدعو إليه وتضحي في سبيله يومها ستسلم لها الزمام وتسير خلفها‬
‫طو عا أو كرها يومها يهرب الظلم وينكمش البا طل ويتراجع الشيطان بتضحيات الرجال الذ ين تربوا على مائدة الرحمن ونهلوا من ن بع محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم فالمر ل يحتاج إلى تهور يؤدى إلى التهلكة ولكن يحتاج إلى تربية متأنية تصنع الرجال لننا أمة مضحية في سبيل قيمة‬
‫وعقيدة ومبدأ وفكرة ‪.‬‬
‫ول كي يكون للتضح ية مذاق حلو ل بد أن تكون ض من منظو مة الق يم ال سلمية ال تي يع يش ل ها وب ها الم سلم ف هي ل تنف صل عن ها لن الم سلم‬
‫صاحب منهاج رباني شامل متكامل وصاحب فكرة إيمانية نوارنية تضئ الكون كله يشعر بعظمتها ويعتز بالنتساب إليها ويثق في نصر ال لها‬
‫طالما أخذ بالسباب واحترم السنن اللهية ‪.‬‬

‫* متى تنجح الفكرة ؟‬


‫ول تن جح الفكرة إل إذا قوى اليمان ب ها وتو فر الخلص في سبيلها وازدادت الحما سة ل ها وو جد ال ستعداد الذي يح مل على التضح ية والع مل‬
‫لتحقيق ها و من ه نا يش عر الم سلم بكثرة الواجبات والتبعات وث قل الما نة فيتقدم للنقاذ ليع طى أم ته حق ها كامل و هو يش عر بأ نه ينت مي إلى أ مة‬
‫مجاهدة عاملة في سبيل نشر الحق والخير والعدل والحرية ‪.‬‬
‫فالمسلم يؤمن إيمانا ل جدال فيه ول شك معه ويعتقد اعتقادا أثبت من الرواسي وأعمق من خفايا الضمائر بأنه هناك إل فكرة واحدة هي التي‬
‫تنقذ الدنيا المعذبة وترشد النسانية الحائرة وتهدى الناس السبيل وهي لذلك تستحق أن يضحي في سبيل إعلئها والتبشير بها بكل ما يملك‬
‫بالرواح والموال وكل ثمين وغال هذه الفكرة هي السلم الحنيف الذي ل عوج فيه ول شر معه ول ضلل لمن اتبعه { شهد ال أنه ل إله إل‬
‫هو والملئكة وأولوا العلم قائما بالقسط ل إله إل هو العزيز الحكيم إن الدين عند ال السلم } آل عمران ‪. ] 19 :18‬‬
‫ففكرتنا إسلمية بحتة على السلم ترتكز ومنه تستمد وله تجاهد وفي سبيل إعلء كلمته تعمل ل تدل بالسلم نظاما ول ترضى سواه إماما ول‬
‫تطيع لغيره أحكاما { ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين } [آل عمران ‪ ] 85‬لهذا كله كان لبد من تربية‬
‫إيمانية التضحية ركن من أركانها فبدونها ل تتحقق قيمة ول تنتشر فكرة ول يقوم على الرض بناء للسلم ‪.‬‬

‫* حجم العداوات يستوجب التضحيات ‪:‬‬


‫ولقد أ تى على السلم والمسلمين حين من الدهر توالت فيه الحوادث وتتابعت الكوارث وع مل خ صوم السلم على إطفاء روائه وإخفاء بهائه‬
‫وتضل يل أبنائه وتعط يل حدوده وإضعاف جنوده وتحر يف تعالي مه وأحكا مه تارة بالن قص من ها وأخرى بالزيادة في ها وثال ثة بتأويل ها على غ ير‬
‫وجهها ‪.‬‬
‫وساعد على ذلك ضياع سلطة السلم السياسية وتمزيق إمبراطوريته العالمية وتسريح جيوشه المحمدية ووقوع أممه في قبضة الكفر مستذلين‬
‫م ستعمرين فكان لزا ما علي نا أن نض حي بالج هد والو قت والمال ن صبر على اليذاء ل نبين للناس حدود السلم واض حة كاملة بي نة ل زيادة في ها‬
‫ول نقص بها ول لبس معها بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن دون قهر أو إجبار أو إكراه { فمن شاء فيؤمن ومن شاء‬
‫فليكفر } الكهف ‪ ] 29‬وهذا يحتاج إلى جهد يبذل ووقت ينفق ‪.‬‬
‫إن ال سلم د ين سلم وعقيدة حب ونظام ي ستهدف أن يظلل العالم كله بظله الوارف وأنواره الوضاءة وأن يق يم ف يه منه جه وأن يج مع الناس‬
‫ت حت لواءه إخوة متحاب ين متعارف ين ول يس هناك من عائق دون اتجا هه هذا إل عدوان أعدائه عل يه وعلى أهله أ ما إذا سألوه فلي سر ال سلم‬
‫برا غب في الخ صومة ول متطوع ب ها كذلك و هو ح تى في حالة الخ صومة ي ستبقى أ سباب الود في النفوس بنظا فة ال سلوك وعدالة المعاملة‬
‫انتظارا لليوم الذي يقت نع ف يه خ صومه بأن الخ ير في أن ينضووا ت حت لوائه الرف يع ول ييأس ال سلم من هذا اليوم الذي ت ستقيم ف يه النفوس‬
‫نتيجة هذا التجاه المستقيم ‪.‬‬
‫وترى هذا الرجاء الذي ل يغلب عل يه اليأس في معرض التخف يف على النفوس في قوله تعالى { ع سى ال أن يج عل بين كم وب ين الذ ين عادي تم‬
‫منهم مودة وال قدير وال غفور رحيم ل ينهاكم ال عن الذين لن يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن‬
‫ال يحب المقسطين إنما ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك‬
‫هم الظالمون } الممتح نة ‪ ] 9-7‬أل تستحق هذه المعا ني القي مة التضحية من أ جل تثبيت ها ون شر نورها متحملين كل أنواع اليذاء في سبيل‬
‫ذلك ؟‬
‫أ ين هذا المن هج من أعداء ال سلم الذ ين لم يتركوا أي نوع من ال سلحة في حرب هم لل سلم إل ا ستخدموه لبعاد الم سلمين عن دين هم ب سلح‬
‫الفتنهة تارة وسهلح الهويهة تارة أخرى وسهلح البههة تارة ثالثهة فضل عن سلح الجدل العقيهم والدعاوى الباطلة فإذا لم يجهد ذلك كان القتهل‬
‫والقتال مضحين بالنفس من أجل باطلهم ‪.‬‬
‫إن التيارات ال تي تحاول سلب روح نا والمعد ية ل سلمنا كث ير قدي ما وحدي ثا و هي تتزا يد يو ما ب عد يوم ول يس في هذا ما يدو إلى الده شة أو‬
‫الستغراب لن أعداء الحق كثرة في كل زمان ومكان { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } يوسف ‪.] 103‬‬
‫وهذه التيارات المعاد ية لل سلم تمثلت اليوم في ال صهيونية الماكرة وال صليبية الحاقدة والشيوع ية الملحدة و ما تفرع من هذا كله من دعوات‬
‫زائفة وأفكار هدامة وتصورات باطلة تبذل جهدها وتنفق مالها بل وتضحي برجالها ليصدوا عن سبيل ال ‪.‬‬
‫وبفضل ال لم يتوقف السلم عن النتشار منذ بزوغ فجره حتى في أشد أيام غزوه من القوى المعادية له بإخلص رجال ضحوا بالمال والهل‬
‫والولد والنفس فأعداء السلم يريدون له الحصار وال يريد له انتشار {ويأبى ال إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون }التوبة ‪ ] 32‬فمهما بذلوا‬
‫من ج هد ليطفئوا نور ال بأفواه هم فال م تم نوره ولو كره الكافرون ولك أن ترى مقدار العداوة والبغضاء والجهود المبذولة من هم لل صد عن‬
‫سبيل ال لتقف على مقدار التضحيات التي يجب أن يبذلها المسلمون ‪.‬‬
‫فإن ننسى ل ننسى يوم صعد جلدستون على منصة مجلس العموم البريطاني ومعه نسخة من القرآن يلوح بها في وجه العضاء ويقول ‪ :‬إنه‬
‫مادام هذا الكتاب باقيا في الرض فل أمل لنا في إخضاع المسلمين فإذا بأحدهم يأخذ الكتاب ويمزقه فيقول له ‪ :‬ليس هذا ما أردت إنما أردت أن‬
‫نفرغه من معانيه ! أل يحتاج هذا إلى يقظة رجال وتضحية أتباع يقولون ‪ :‬فل نامت أعين الجبناء ‪.‬‬
‫وحتى ل يخيل إلى البعض أننا نستثير العواطف أو نؤمن بنظرية المؤامرة ونبالغ في تصورنا في حرب أعداء السلم لنا دون بينة أو دليل إليك‬
‫ما قاله بعض أعداء هذا الدين وما كتبوه بأيديهم ليبينوا لنا سواد قلوبهم { قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } آل عمران‬
‫‪. ]118‬‬
‫يقول ول يم جي فر ‪ :‬م تى توارى القرآن ومدي نة م كة عن بلد العرب يمكن نا أن نرى العر بي يتدرج في طر يق الحضارة الغرب ية بعيدا عن مح مد‬
‫وكتابه‪.‬‬
‫ويقول ال صليبي كاتلى ‪ :‬ي جب أن ن ستخدم القرآن و هو أ خص سلح ال سلم ضد ال سلم نف سه ح تى نق ضى عل يه تما ما ك ما ي جب أن نبين‬
‫للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس بجديد وأن الجديد ليس بصحيح ‪.‬‬
‫ويقول زويمر ‪ :‬مخاطبا من يسمونهم بالمبشرين ‪ :‬إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلد المحمدية ليست هي إدخال‬
‫المسلمين المسيحية فإن هذا هداية لهم وتكريم إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من السلم ليصبح مخلوقا ل صلة له بالدين ‪.‬‬
‫إن الناظر البصير يرى من يوم أن انحسرت الخلفة السلمية عن بلد المسلمين وغاب الحكم السلمي عن واقع حياتهم تحركت قوى خارجية‬
‫وداخل ية عالم ية ومحل ية تع مل ليل نهار من أ جل تحق يق هدف وا حد أث يم وغا ية دنيئة لئي مة ا ستخدم من أجلها ش تى أنواع الحروب الع سكرية‬
‫والفكرية والقتصادية والنفسية تحاول أن تقوض بذلك أركان السلم وتطوى اليمان وتطفئ النور الذي أضاء الدنيا وما هم ببالغيه ‪.‬‬
‫ولن ن سوق لك أدلة من التار يخ البعيد ولكن خ ير شاهد على ذلك حدي ثا التهد يد بسحق العراق والذ ين يقولون اليوم ما ك نا نقوله بال مس و ما‬
‫زلنا نقوله كتاب ل ينتمون للتيار السلمي من قريب أو بعيد فها هو ذا الستاذ جمال الغيطانى يكتب تحت عنوان (حملة صليبية جديدة ) فيقول‬
‫يجب أل يغيب عنا جوهر هذه الحملة العسكرية الشرسة ضد العراق إن المستهدف ليس شعب العراق شبه العزل المنهك المستباح في مواجهة‬
‫هذه اللة الحربية الرهيبة إن الهدف الحقيقي هم العرب والسلم ليس في ذلك أي مبالغة بل إن الحجج والغطية العلمية المختلفة للسياسة‬
‫المريكية تسفر عن حقيقتها من خلل تصريحات هنا أو هناك في برنامج (لرى كينج) الشهير يحاور هذا المذيع الصهيوني الليكودى المتعصب‬
‫عضهو مهن أعضاء مجلس الشيوخ المريكهي ويتهجهم على السهلم والمسهلمين مباشرة ثهم يتحدث عهن الحشود الموجودة فهي الكويهت فيقول ‪:‬‬
‫طائرات تقلع وأخرى تنزل فوق الحاملت الجبارة جنوده يحملون صهواريخ مختلفهة ربمها يكون هناك صهاروخ جديهد مطلوب تجربتهه فهي أطفال‬
‫ورجال وشيوخ العراق العرب الم سلمين ‪ ...‬ينطلق بعدها صاروخ فتاك لين هي حياة آلف مؤل فة من ب شر يحملون أ سماء مح مد وعلى وح سين‬
‫وح سن ‪ ..‬ول بأس من إبادة هذه الجموع الم سلمة ك ما يقول ‪ :‬أي م صلحة لهؤلء في ضرب العراق هل اعتدى العراق على حدود ا ستراليا أو‬
‫نيوزيلندا ؟ هل ألحق أذى بمصالح هاتين الدولتين النائيتين ؟ لماذا يجئ هؤلء مع عدم ودود غطاء قانوني أو شرعي من المم المتحدة المن ؟‬
‫إنني ل أرى إل العنصرية المقيتة ضد العرب والمسلمين ‪.‬‬
‫هذه هي ثمرة النظام العالمي الجديد الذي لم يجد له عدوا إل السلم والمسلمين يريد أن يستأصل شأفتهم وينكس رايتهم ويمحو منهجهم وتعلن‬
‫الحرب عليهم بشتى أنواعها ولكن { كتب ال لغلبن أنا ورسلي إن ال قوى عزيز } المجادلة ‪.] 21‬‬
‫أقول هذا كله لتوض يح الرؤى ح تى يعلم كل م سلم جاد كم من التضحيات يحتاج ها الطر يق و كم من التضحيات نحتاج ها في سبيل ن شر دين نا‬
‫والمحاف ظة على هويت نا والزود عن حياض نا إن ال مر يحتاج إلى ترب ية شا قة ومعاناة طويلة وأ مل في ن صر ال كبير وجهاد في سبيل تحق يق‬
‫فكرتنا نبذل كل شئ في سبيلها فنحيا بها كراما أو نموت كراما ‪.‬‬
‫إننا في حاجة إلى رجال امتلت قلوبهم بإيمان ل يتزعزع وعمل ل يتوقف وتضحية بكل غال وثمين وثقة بال ل تضعف وأرواحا أسعد أيامها‬
‫يوم تلقى ال شهيدة في سبيله لنهم أصحاب قضية ‪.‬‬
‫لذلك كله فإنه يتحتم على من يتصدى لهذه المعركة الشرسة لستعادة بناء الوطان على اليمان بال لينعم الجميع بالخير العميم والمن الوفير‬
‫والسلم العادل أن يتصف بقوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور ‪:‬‬
‫‪ -1‬إرادة قوية ل يتطرق إليها ضعف ‪.‬‬
‫‪ -2‬وفاء ثابت ل يعدو عليه تلون ول غدر ‪.‬‬
‫‪-3‬تضحية عزيزة ل يحول دونها طمع ول بخل ‪.‬‬
‫‪ -4‬معرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والنحراف عنه والخديعة بغيره ‪.‬‬
‫ول يتحقق ذلك إل بالشعور بالمسئولية ‪.‬‬

‫* التضحية والمسئولية ‪:‬‬


‫إن منهج القرآن وسنة الرسول صلى ال عليه وسلم استطاعا تخريج جيل عظيم يدرك سر السعادة في تحمل المسئولية عن قناعة واختيار‬
‫حتى أضحى الكنز المخبوء المدخر عنده هو العطاء والبذل والنفاق حتى أصبحت التضحية والموت والستشهاد هي عين الحياة ‪.‬‬
‫وهناك ارتباط وثيهق بيهن وضوح الفكرة واليمان بهها والعمهل لهها وبيهن مقدار التضحيهة ف هي تزداد بزيادة هذه العوامهل السهابقة التهي تجعهل‬
‫الباعث قوى وبالتالي فإن التضحية من أجله تعظيم والحب في تقديم هذه التضحية يدفع للتسابق والستهانة بالمضحى به { قل إن كان آباؤكم‬
‫وأبناؤ كم وإخوان كم وعشيرت كم وأموال اقترفتمو ها وتجارة تخشون ك سادها وم ساكن ترضون ها أ حب إلي كم من ال ور سوله وجهاد في سبيله‬
‫فتربصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدى القوم الفاسقين } التوبة ‪. ] 24‬‬
‫ولذلك فإن أفراد المجتمع المسلم الول كان الواحد منهم يرضى ويسعد بتحمله للمسئولية في أدنى صورها كإماطة الذى عن طريق وفي أعلى‬
‫صورها كبذل الدم والنفس استشهادا في سبيل إعلء كلمة ال التي تنفع الناس وتسعدهم وبين أدنى صور المسئولية وأعلها مراتب شتى من‬
‫المسئولية ففي بذل النفس كان شعورهم الحقيقي الرغبة الشديدة في الستشهاد إقتداء عمليا برغبة النبي صلى ال عليه وسلم التي عبر عنها‬
‫بقوله ‪ .... (( :‬لوددت أن أقتل في سبيل ال ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل )) ‪.‬‬
‫والشهادة هي ذروة التضح ية حفا ظا على المجت مع ونمائه وازدهاره في ظل المبادئ ال سلمية وبذل الن فس طواع ية يع نى من ناح ية أخرى‬
‫ارتقاء الفراد إلى أعلى معدلت التنميهة الجتماعيهة تعاونها وإيثار وتفانيها ويقتضهي هذا النهص الشريهف الرغبهة الشديدة فهي أن تتاح الفرصهة‬
‫للمؤمن كي يتحمل المسئولية في أرفع مستوياتها عدة مرات يجود خللها بنفسه ودمه ول شك أن هذه الرغبة القوية في احتماله المسئولية‬
‫إن ما كا نت على هذا الن حو ب سبب نجاح ال سلم في إبراز جزائ ها العظ يم ورب طه بالم سئولية بم ثل قوله تعالى ‪ {:‬ول تح سبن الذ ين قتلوا في‬
‫سبيل ال أموا تا بل أحياء ع ند رب هم يرزقون } آل عمران ‪ ]169‬وبم ثل قوله صلى ال عل يه وسلم ((إن أرواح الشهداء في ط ير خ ضر تعلق‬
‫من ثمر الجنة ))وفي رواية مسلم ((أرواحهم في أجواف طير خضر لها قناديل معلقة بالوشى تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك‬
‫القناديل )) ‪.‬‬
‫وأما التضحية بالمال فقد كان شعارهم قوله صلى ال عليه وسلم ‪((:‬ما نقصت صدقة من مال وما زاد ال عبدا لعفو إل عزا وما تواضع أحد ل‬
‫إل رفعه )) فهذا الحديث يستنهض في المسلم ثلث ملكات من ملكات المسئولية حتى تصل بها إلى درجة من الكفاءة العليا القادرة على رعاية‬
‫أدق الخيوط الفا صلة ب ين مخا طر الن قص في المال مع ا ستدامة النف قة ومخا طر الض عف مع ا ستمرار الع فو ومخا طر الهوان مع الحفاظ على‬
‫التواضع وبذلك يتح مل المسلم المسئولية دون و جل فل خوف من الفلس عند النفقة ول رهبة من الضعف والمذلة عند العفو والتواضع ول‬
‫يمكن أن يضحي المسلم بماله وينفق وهو ل يخشى من ذي العرش إقلل إل إذا أطاع ال ورسوله في كيفية إدارة المال إدارة إسلمية واحترام‬
‫السباب التي خلقها ال لتصل بالناس إلى مسبباتها ولقد بين القرآن هذه المسئولية ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬آلمص كتاب أنزل إليك فل يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا‬
‫من دونه أولياء قليل ما تذكرون وكم من قر ية أهلكناها فجاءها بأسنا بيا تا أوهم قاتلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إل أن قالوا إنا كنا‬
‫ظالمين فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين } العراف ‪.] 6-1‬‬
‫ثانيا‪ :‬قوله تعالى ‪ {:‬فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون } الزخرف ‪.] 44 ،43 :‬‬
‫ولما كانت المسئولية شاملة للناس كافة فقد أورد المام ابن كثير في تفسيرها الحديث النبوي الذي رواه ابن عمر فقال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالمام يسأل عن رعيته والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل ن بيت زوجها والعبد يسأل‬
‫عن مال سيده ثم قرأ { فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين } العراف ‪)) ] 6:‬‬
‫فالشعور بالمسئولية نتاج الباعث الداخلي الذي أحدثته عقيدة التوحيد في قلوب أتباعها فرفوا رسالتهم فصغرت الدنيا في أعينهم وتشوقوا إلى‬
‫ملقاة ربهم وهم يقولون { وعجلت إليك رب لترضى } طه ‪.] 84 :‬‬

‫*التضحية أنواع وألوان ‪:‬‬


‫نحن أمة لها يقين تعيش عليه وغاية تعمل للوصول إليها وتضحي من أجلها وحاضر يجب أن يكون امتدادا لماضي تليد في قيمه ومقوماتها‬
‫فأمر هذه المة لن يصلح في حاضرها إل بما صلح به في ماضيها المشرق الكريم من ‪:‬‬
‫‪-‬استمساك بعروة اليمان الوثقى ‪.‬‬
‫‪ -‬وتدرع بدرع اليقين الحصين ‪.‬‬
‫‪ -‬واعتصام بحبل ال القوى المتين ‪.‬‬
‫‪-‬واجتماع على روح الجهاد حتى الستشهاد ‪ ،‬و التضحية بالغالي و النفيس ‪.‬‬
‫‪ -‬والتقاء على بي عة ل صادقة وف ية وتبارك ها يد ال ويؤيد ها بعو نه وهداه { و ما الن صر إل من ع ند ال العز يز الحك يم } آل عمران ‪126‬‬
‫{ ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوى عزيز } الحج ‪.4‬‬
‫‪ -‬مع إدراك بصير بهذه الحقائق وشعور عميق بحاجتنا إليه فتتلقاها الهمم العالية { وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال بالناس لرءوف رحيم }‬
‫البقرة ‪ ، 143‬فتضحي بالعزيز و النفيس لديها حتى ولو كانت الروح التي بين الجنوب من أجل حق يؤمن به صاحب الهمة العالية وعقيدة‬
‫يعتنقها ويخضع لها مع علمه بهول الخطار التي يتعرض لها في سبيل ذلك ‪.‬‬
‫ول يدفع إلى التضحية الصادقة إل إيمان عميق ويقين وطيد بعقيدة دينية أو نزعة وطنية ‪ ،‬أو غيرة على حق أو حرمة أو حرية ‪ ،‬و المضحى‬
‫الصيل ل يندفع إلى عمله البطولى لغرض أو عرض ‪ ،‬ول لمتعة أو منفعة ‪ ،‬ول لشهرة أو ذكر ‪.‬‬
‫ول يفوتنا أن نقول ‪ :‬إن الفداء و التضحية يستعملن بمعنى واحد ( فالضحية أو الضحية في الشرع هي الذبيحة التي يقدمها النسان لمقصد‬
‫ديني ‪ ،‬ولعل استعمال كلمة ( التضحية ) بمعنى الفداء كان تشبيه النسان الذي يقدم روحه فداء لعقيدته ‪ ،‬بمن يذبح هذه الروح ويجعلها ضحية‬
‫وفداء ‪ ،‬وعلى هذا جاء قول ال تعالى في شأن الذبيح إسماعيل { وفديناه بذبح عظيم } الصافات ‪ 107‬أي جعلنا هذا المذبوح فداء له وخلصناه‬
‫به من الذبح ‪.‬‬
‫ول ينبغي أن نفهم من هذا أن العمل الفدائي و الذي يتحقق به التضحية ل يتحقق إل بالموت ‪ ،‬لن التضحية ألوان وأنواع فالجندي الذي يقذف‬
‫بنفسه في أتون الحرب متوقعا الموت أكثر من توقعه الحياة إنسان مضحى‪ ،‬سواء أنال الشهادة أم نجا وعاد مترقبا جوالة فدائية أخرى قادمة ‪،‬‬
‫و الر جل الذي يبذل ماله في سبيل حق أو خ ير ‪ ،‬و هو ل يدرى من أ ين ين فق ب عد ذلك و هو إن سان مض حى ‪ ،‬وكذلك العالم الذي يب حث ب ين‬
‫مخابيرة ومناظيره وأدوات بح ثه لمعر فة دواء أو ك شف ميكروب دون أن يبالي بالخطار ال تي يتعرض ل ها ر جل مض حى ‪ ،‬و الذي يقذف بنف سه‬
‫لينقذ غيره وهو غير متأكد في هذا الموقف من سلمته هو رجل مضحى ‪.‬‬
‫و الذي يج هر بكل مة ال حق ح ين تخرس الل سنة أمام طغيان أو ت جبر ‪ ،‬دون أن يبالي العاق بة ‪ ،‬قا صد الخ ير وال صلح ر جل مض حى ‪ ،‬ف قد قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (:‬أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) ‪.‬‬
‫و الطهبيب المخلص الذي يعالج المرضهى ويختلط بههم ‪ ،‬لن واجبهه يقتضيهه ذلك ‪ ،‬ويتعرض للوان مهن الجراثيهم و الميكروبات ‪ ،‬وأسهباب‬
‫العدوى ‪ ،‬ومع ذلك يمضى في طريقه يكافح الداء ‪ ،‬ويطلب البرء ‪ ،‬رجل مضحى ‪ ،‬وهكذا فالتضحية متعددة الشكال واللوان ‪.‬‬
‫و القرآن الكريم وهو أساس السلم ودستوره يلفت أبصارنا وبصائرنا إلى وجود التضحية و الفداء منذ مطلع الخليقة فهو يحدثنا في سورة‬
‫المائدة فيقول { وا تل علي هم ن بأ اب ني آدم بال حق إذ قر با قربانا فتقُبِل من أحده ما ولم يُتَقبّ ل من ال خر } المائدة ‪ 27‬و في القربان ه نا مع نى‬
‫التضحية و الفداء لن القربان هو ما يتقرب به النسان إلى ال ‪ ،‬وصار في التعارف اسما للنسكية ‪ ،‬أي الذبيحة وجمعه قرابين ‪.‬‬
‫ك ما يحدث نا القرآن الكر يم عن ألوان من الفد ية في الد ين ‪ ،‬ف في ال صوم يقول { وعلى الذ ين يطيقو نه فد ية طعام م سكين } البقرة ‪ ، 184‬و في‬
‫الحج يقول { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } البقرة ‪ 126‬وفي الطلق يقول { فإن خفتم أل‬
‫يقيما حدود ال فل جناح عليهما فيما افتدت به } البقرة ‪ 229‬ويحدثنا عن الفداء في الحرب فيقول { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى‬
‫إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها } محمد ‪. 4‬‬
‫وكأن القرآن الكريم يريد بهذا الحديث أن يربينا ويشيع فينا جو الفداء ‪ ،‬وإذا كان القرآن لم يذكر مادة التضحية فإذا أشار إليها بكلمة ( النحر )‬
‫وهو الذبح ‪ ،‬ول يتحقق الذبح إل بذبيحة وتقديمها تضحية وفداء ‪ ،‬فقال في سورة الكوثر { إنا أعطيناك الكوثر فصلى لربك وانحر } وجاء في‬
‫الحديث الشريف " إن على كل أهل بيت أضحية كل عام "‪.‬‬

‫‪ -‬ليس كل تضحية تُقبل ‪:‬‬


‫وإذا كان القرآن الكريم قد حث المؤمنين به على البذل والتضحية و الفداء في سبيل الحق و العدل و العزة و الكرامة و الحرية ووعد بقبول‬
‫الفداء ال صادق الم ستقيم الخالص ‪ ،‬وضمن لصحابه عا جل الثواب وآجله ‪ ،‬فإ نه حذر نا ألوانا من التضح ية ل تجدي ول تنفع ‪ ،‬لنها لم ت صدر‬
‫عن إيمان ‪ ،‬ولم تقصد إلى الحق فقال في سورة آل عمران { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار لن يُقبَلَ من أحدهم ملء الرض ذهبا ولو افتدى‬
‫به أولئك لهم عاب أليم وما لهم من ناصرين } آل عمران ‪ ، 91‬وقال في سورة المائدة {إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الرض جميعا ومثله‬
‫معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تُقُبّل منهم ولهم عذاب أليم } المائدة ‪ 36‬وقال في سورة الحديد { فاليوم ل يؤخذ منكم فدية ول من‬
‫الذين كفروا مأواكم النار هي مولكم وبئس المصير } الحديد ‪. 15‬‬
‫وكأن القرآن المج يد حين ما حذر نا هذه اللوان ال تي ل تن فع ول تش فع من الفداء ‪ ،‬أراد أن نف هم أن الفداء إذ لم يأت في ميعاده ‪ ،‬ولم يقدم على‬
‫وجهه لم يثمر ثمرته ‪ ،‬فتضحيات هؤلء الذين كفروا ولهوا في حياتهم وبغوا على غيرهم ‪ ،‬يأتون بعد فوات الوان ‪ ،‬وفي يوم القيامة يحاولون‬
‫أن يقدموا الفداء ‪ ،‬وليس إلى قبوله سبيل ‪.‬‬
‫ويزيد القرآن هذا المعنى وضوحا حينما يحدثنا عن فداء ل يطال ول ينال فهو ميئوس من وقوعه وتحققه ‪ ،‬ومن هنا ل يتحقق شئ من وراء‬
‫محاولته ‪ ،‬فيقول في سورة الرعد{ للذين استجابوا لربهم الحسنى و الذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الرض جميعا ومثله معه لفتدوا به‬
‫أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد } الرعد ‪. 18‬‬
‫ويقول في سورة يو نس { ولو أن ل كل ن فس ظل مت ما في الرض لفتدت به وأ سروا الندا مة ل ما رأوا العذاب وق ضى بين هم بالق سط و هم ل‬
‫يظلمون } يونس ‪ ، 54‬ويقول في سورة الزمر { ولو أن للذين ما في الرض جميعا ومثله معه لفتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا‬
‫لهم من ال ما لم يكونوا يحتسبون } الزمر ‪ 47‬وفي سورة المعارج { يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذٍ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته‬
‫التي تؤويه ومن في الرض جميعا ثم ينجيه كل إنها لظى } المعارج ‪. 15-11‬‬
‫وهكذا يث بت القرآن في قلوب نا أن التضح ية المقبولة ي جب أن تكون عن عقيدة سليمة وإيمان صحيح ‪ ،‬وأن تكون مضبو طة التوق يت والوان ‪،‬‬
‫وأن الفتداء الخائب المردود هو ما كان مع الكفران ‪ ،‬أو بعد فوات الوان ‪.‬‬
‫وهكذا كان لبد للتضحية من أن تكون مشروعة يحكمها الشرع مكانا وزمانا ونوعا إخلصا ومتابعة حتى يقبلها ال سبحانه وتعالى من عبده ‪،‬‬
‫فتنف عه في يوم ل ين فع ف يه مال ول بنون إل من أ تى ال بقلب سليم ف هي تق بل بإخلص الن ية و صلح الع مل ‪ ،‬وإل ف هي مردودة عل يه في‬
‫الخرة ‪ ،‬وبذلك يكون قد خسر الدنيا والخرة وذلك هو الخسران المبين ‪.‬‬

‫‪ -‬نماذج من تضحيات الرسول صلى ال عليه وسلم وتحمله الذى ‪:‬‬


‫و الر سول صلى ال عل يه و سلم أول من ض حى بوق ته كله وجهده وأهله وعشير ته ووط نه وماله وع صمه المولى سبحانه وتعالى من الناس‬
‫فقال { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وال يعصمك من الناس } المائدة ‪ 67‬بل لقد ضرب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم في التضحية من أجل الدين أروع المثال ‪ ،‬ولقد كان من تضحيته صلى ال عليه وسلم أن تحمل الشدائد واحتمل صنوف‬
‫الذى ‪ -‬وكيف ل وهو القدوة والسوة الحسنة لمن كان يرجو ال و اليوم الخر ‪.‬‬
‫ومن صور إيذاء المشركين لرسول ال صلى ال عليه وسلم ما ذكره ابن اسحق في السيرة النبوية قال ‪ :‬وفيمن نصب لعداوته منهم ‪ :‬أبو لهب‬
‫وامرأته أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب ‪ ،‬وإنما سماها ال بهذا السم لنها كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول ال صلى‬
‫ب ما أغ نى ع نه ماله و ما ك سب سيصلى نارا ذات ل هب ‪ ،‬وامرأ ته حمالة‬
‫ال عل يه و سلم ح يث ي مر ‪ ،‬فأنزل ال تعالى { ت بت يدا أ بى ل هب وت ّ‬
‫الحطب في جيدها حبل من مسد } سورة المسد ‪.‬‬
‫أما قصة زوجها أبى لهب فكلنا يعرفها ‪ ،‬فعداؤه للرسول صلى ال عليه وسلم معروف لكل من قرأ سيرته صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومنهم أمية بن خلف بن وهب الذي كان يهمز الرسول صلى ال عليه وسلم ويلمزه أمام الناس ونزل فيه { ويل لكل همزة لمزة } الهمزة ‪، 1‬‬
‫فضلً عن النضر بن الحارث ‪ ،‬وعقبة بن أبى معيط وغيرهم الكثير ‪.‬‬

‫‪ -‬نماذج من الذى ‪:‬‬


‫وفيما يلي نماذج من أنواع الذى التي تعرض لها الرسول صلى ال عليه وسلم فيما رواه عنه علماء الحديث الشريف ‪:‬‬
‫‪ -‬روى المام أحمد بسنده عن أنس رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (:‬لقد أوذيت في ال ‪ ،‬وما يؤذى أحد ‪ ،‬وأخفت‬
‫في ال وما يخاف أحد ‪ ،‬ولقد أتت علىّ ثلثون ليلة من بين يوم وليلة ومالي ولبلل رضى ال عنه ما يأكله ذو كبد إل ما يوارى إبط بلل ) ‪.‬‬
‫وأخرجه ابن ماجة وابن حبان و الترمذى ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج الطبرانى في الكبير بسنده عن الحارث بن الحارث قال ‪ :‬قلت لبى ‪ :‬ما هذه الجماعة ؟ قال ‪ :‬هؤلء القوم الذين اجتمعوا على صابئ‬
‫لهم قال ‪ :‬فنزلنا فإذا برسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد ال عز وجل واليمان وهم يردون عليه ويؤذونه ‪ -‬وفي رواية‬
‫فمنهم من تفل في وجهه ومنهم من حثا عليه التراب ومنهم من سبه ‪ -‬حتى انتصف النهار وانصدع الناس عنه ‪ ،‬أقبلت امرأة قد بدا نحرها‬
‫تحمل قدحا ومنديلً فتناوله منها فشرب ‪ ،‬وتوضأ ثم رفع رأسه فقال ‪ :‬يا بنيّه خمري نحرك ول تخافي على أبيك ‪ -‬وفي رواية ول تخشى على‬
‫أبيك ‪ -‬غيلة ول مذلة ‪ ،‬فقلت من هذه ؟ قال زينب بنت رسول ال صلى ‪.‬‬
‫‪-‬وروى ابن أبى شيبة بسنده عن عمرو بن العاص رضى ال عنه قال ‪ :‬ما رأيت قريشا أرادوا قتل النبي صلى ال عليه وسلم إل يوما ائتمروا‬
‫به وهم جلوس في ظل الكعبة ورسول ال صلى ال عليه وسلم يصلى عند المقام فقام إليه عقبة بن أبى مقتول فأقبل أبو بكر رضى ال عنه‬
‫يشتد حتى أخذ بضبعى رسول ال صلى ال عليه وسلم من ورائه وهو يقول ‪ {:‬أتقتلون رجل أن يقول ربى ال } غافر ‪ . 28‬ثم انصرفوا عن‬
‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم فقام ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف صلى فل ما ق ضى صلته مرّ ب هم وهم جلوس في ظل الكع بة فقال يا مع شر‬
‫قريش ‪:‬أما والذي نفس محمد بيده ‪ :‬ما أرسلت إليكم إل بالذبح وأشار بيده إلى حلقه فقال له أبو جهل ‪ :‬ما كنت جهول فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪(( :‬أنت منهم )) ‪.‬‬
‫وروى البزار بسنده عن عبد ال بن مسعود رضى ال عنه قال ‪ :‬بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم في المسجد وأبو جهل بن هشام وشيبة‬
‫وعتبة ابنا ربيعة وعقبة بن أبى معيط وأمية بن خلف ورجلن آخران كانوا سبعة وهم في الحجر ورسول ال صلى ال عليه وسلم يصلى فلما‬
‫سجد أطال السجود فقال أبو جهل أيكم يأتي جزور بنى فلن فيأتينا بفرثها فنكفوه على محمد ؟ فانطلق أشقاهم ‪ :‬عقبة بن أبى معيط فأتى به‬
‫فألقاه على كت في ر سول ال صلى ال عل يه و سلم و هو ساجد قال ا بن م سعود ‪ :‬وأ نا قائم ل أ ستطيع أن أتكلم ول يس عندي من عة تمنع ني فأ نا‬
‫أذهب إذ سمعت فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم فأقبلت حتى ألقت ذلك عن عاتقه ثم استقبلت قريشا تسبهم فلم يرجعوا إليها شيئا‬
‫ورفع رسول ال صلى ال عليه رأسه كما كان يرفع عند تمام السجود فلما قضى رسول ال صلى ال عليه وسلم صلته قال ‪ ((:‬اللهم عليك‬
‫بقريش ثلثا عليك بعتبة وعقبة وأبى جهل وشيبة )) ثم خرج من المسجد فلقيه أبو البخترى بسوط يتخصر به فلما رأى النبي صلى ال عليه‬
‫و سلم أن كر وج هه فقال ‪ :‬مالك ؟ فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم (( خل ع نى )) قال ‪ :‬علم ال ل أخلى ع نك أو ت خبرني ما شأ نك ؟ فل قد‬
‫أصابك شئ فلما علم النبي صلى ال عليه وسلم أنه غير مخل عنه أخبره فقال (( إن أبا جهل أمر فطرح على ّ فرث فقال أبو البخترى ‪ :‬هلم‬
‫إلى المسجد فأتى ال نبي صلى ال عل يه وسلم وأ بو البخترى فدخل المسجد ثم أق بل أبو البخترى إلى أبى جهل فقال ‪ :‬يا أبا الحكم ‪ :‬أنت الذي‬
‫أمرت بمح مد فطرح عل يه الفرث ؟ قال ‪ :‬ن عم قال فر فع ال سوط فضرب به رأ سه قال ‪ :‬فثار الرجال بعض ها إلى ب عض قال ‪ :‬و صاح أ بو ج هل ‪:‬‬
‫ويحكم هي له إنما أراد محمد أن يلقى بيننا العداوة وينجو هو وأصحابه )) ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج الطبرانى في الكبير بسنده (( عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الخنس بن شريق حليف بنى زهرة مرسل أن أبا جهل اعترض‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم بالصفا فآذاه وكان حمزة رضى ال عنه صاحب قنص وصيد وكان يومئذ في قنصه فلما رجع قالت له امرأته‬
‫وكانت قد رأت ما صنع أبو جهل برسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا أبا عمارة لو رأيت ما صنع تعنى أبا جهل بابن أخيك فغضب حمزة رضى‬
‫ال عنه ومضى كما هو قبل أن يدخل بيته وهو معلق قوسه في عنقه حتى دخل المسجد فوجد أبا جهل في مجلس من مجالس قريش فلم يكلمه‬
‫حتى عل رأسه بقوسه فشجه فقام رجال من قريش إلى حمزة يمسكونه عنه فقال حمزة ‪ :‬ديني دين محمد صلى ال عليه وسلم أشهد أنه رسول‬
‫ال فوا ال ل أنث نى عن ذلك فامنعو ني من ذلك إن كن تم صادقين فل ما أ سلم حمزة ر ضى ال ع نه عز به ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫والمسلمون وثبت لهم بعض أمرهم وهابت قريش وعلموا أن حمزة رضى ال عنه سيمنعه )) ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج البخاري بسنده عن عروة رضى ال عنه عن عائشة زوج النبي صلى ال عليه وسلم حديثه أنها قالت للنبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟‬
‫قال ‪ (( :‬لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلل فلم يجبني إلى ما‬
‫أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إل وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبرائيل عليه‬
‫ال سلم فنادا ني فقال ‪ :‬إن ال قد سمع قول قو مك لك و ما ردوا عل يك و قد ب عث ال إل يك ملك الجبال لتأمره ب ما شئت في هم فنادا ني ملك الجبال‬
‫فسلم على ثم قال ‪ :‬يا محمد فقال ذلك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الخشبين ؟ قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬بل أرجو أن يخرج‬
‫ال عز وجل من أصلبهم من يعبد ال عز وجل وحده ل يشرك به شيئا )) أخرجه مسلم والنسائي ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج أبو نعيم نسنده في دلئل النبوة عن عروة بن الزبير رضى ال عنه قال ‪ :‬مات أبو طالب وازداد من البلء على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم شدة فعمد إلى ثقيف يرجو أن يؤووه وينصروه فوجد ثلثة نفر منهم سادة ثقيف وهم إخوة عبد يا ليل بن عمرو وخبيب ابن عمرو‬
‫ومسعود بن عمرو فغرض عليهم نفسه وشكا إليهم البلء وما انتهك قومه منه ‪.‬‬
‫فقال أحدهم ‪ :‬أنا أسوق ثياب الكعبة إن ال بعثك بشيء قط ‪.‬‬
‫وقال الخر ‪ :‬أعجز ال أن يرسل غيرك ؟‬
‫فأفشوا ذلك في ثق يف أي الذي قال ل هم صلى ال عل يه و سلم واجتمعوا ي ستهزئون بر سول ال صلى ال عل يه و سلم وقعدوا له صفين على‬
‫طريقه فأخذوا بأيديهم الحجارة فجعل ل يرفع رجله ول يضعها إل رضخوها بالحجارة وهم في ذلك يستهزئون ويسجرون ‪.‬‬
‫فل ما خاص من صفيهم وقدماه ت سيلن الدماء عمد إلى حائط من كرومهم فأتى ظل حبلة أي شجرة عنب من الكروم فجلس في أصلها مكرو با‬
‫موجعا تسيل قدماه الدماء فإذا في الكروم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فلما أبصرهما كره أن يأتيهما لما يعلم من عداوتهما ل ورسوله وبه‬
‫الذي به فأرسل إليه غلمهما عداسا بعنب وعداس نصراني من أهل نينوى فلما أتاه وضع العنب بين يديه فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪:‬‬
‫بسم ال ‪.‬‬
‫فتعجب عداس ‪.‬‬
‫فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ((من أي أرض أنت يا عداس ))ظ‬
‫قال ‪ :‬أنا من أهل نينوى ‪.‬‬
‫فقال النبي صلى ال عليه وسلم (( من أهل مدين الرجل الصالح يونس بن متى ))‬
‫فقال له عداس ‪ :‬وما يدريك من يونس بن متى ؟‬
‫فأخبره رسول ال صلى ال عليه وسلم من شأن يونس ما عرف وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يحقر أحدا يبلغه رسالت ال تعالى ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا رسول ال أخبرني خبر يونس بن متى ‪.‬‬
‫فلما أخبره رسول ال صلى ال عليه وسلم من شأن يونس ابن متى ما أوحى إليه من شأنه خر ساجدا للرسول ال صلى ال عليه وسلم ثم‬
‫جعل يقبل قدميه وهما تسيلن الدماء ‪.‬‬
‫فلما أبصر عتبة وأخوه شيبة ما فعل غلمهما سكنا فلما أتاهما قال له ‪:‬‬
‫ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه ولم نرك فعلت هذا بأحد منا ؟‬
‫قال ‪ :‬هذا رجل صالح حدثني عن أشياء عرفتها من شأن رسول بعثه ال تعالى إلينا يدعى يونس بن متى فأخبرني أنه رسول ال ‪.‬‬
‫فضحكا وقال ‪ :‬ل يفتنك عن نصرانيتك إنه رجل يخدع ‪.‬‬
‫ثم رجع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مكة ‪.‬‬
‫وكان من دعاء ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ب عد هذا المو قف ‪ ((:‬الل هم إل يك أش كو ض عف قو تي وقلة حيل تي وهوا ني على الناس يا أر حم‬
‫الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب على فل أبالي ولكن‬
‫ى سخطك‬
‫عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عل ّ‬
‫لك العتبى حتى ترضى ول حول ول قوة إل بك )) ‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج البخاري وم سلم والترميذى بأ سانيدهم عن أ نس ر ضى ال ع نه أن ال نبي صلى ال عل يه و سلم ك سرت رباعي ته يوم أ حد و شج في‬
‫رأسه فجعل يسلب الدم عن وجهه ويقول ‪ (( :‬كيف يصلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى ال ؟ )) ‪.‬‬
‫فنزل قول ال تعالى { ليس لك من المر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } آل عمران ‪ ] 128‬فكان الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫هو القدوة ل صحابه فهذا على بن أ بى طالب ر ضى ال ع نه ي قف من وراء الر سول صلى ال عل يه و سلم يتل قى من دروس التضح ية والفداء‬
‫فيعي ها ويهتدي بنور ها وعلى هو الذي كان يقول ‪(( :‬وال ما أبالي أدخلت على الموت أو خرج الموت إلى )) وكان يقول ‪(( :‬والذي ن فس ا بن‬
‫أ بى طالب بيده للف ضر بة بال سيف أهون على من مي تة الفراش في غ ير طا عة ال )) و هو القائل (( ول قد ك نا مع ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إل إيمانا وتسليما ومضينا على اللقم أي الطريق المعتدل وصبرا على مضض‬
‫اللم وحدا في جهاد العدو ولقد كان الرجل منا والخر من عدونا يتصاولن تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقى صاحبه كأس المنون‬
‫فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا فلما رأى صدقنا أنزل بعدونا الكبت أي الذل وأنزل علينا النصر حتى استقر السلم ملقيا جرانه ومتبوئا‬
‫أوطانه ‪.‬‬
‫والموقف البطولي الذي وقفه المام على رضى ال عنه ليلة الهجرة مشهور ل يحتاج إلى إطالة في عرضه حيث نام مكان رسول ال صلى ال‬
‫عل يه وسلم وهو يعلم أ نه هدف للمتآمر ين من المشرك ين ففدى ر سول ال صلى ال عل يه وسلم بنفسه وحيا ته وإن يكن ال تعالى قد كتب له‬
‫النجاة والسلمة ‪.‬‬
‫و قد قال ب عض المف سرين أن قول ال تعالى في سورة البقرة { و من الناس من يشرى نف سه ابتغاء مرضات ال وال رءوف بالعباد } نزل في‬
‫شأن على رضى ال عنه حين نام على فراش النبي صلى ال عليه وسلم ليلة الهجرة ‪.‬‬
‫وتمضى المسيرة فنجد فريقا من المؤمنين يتألقون في طليعتها مدافعين ومضحين من أجل دعوتهم أولئك هم شهداء غزوة بدر الكبرى وهي‬
‫الغزوة التي قال في أهلها رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ((:‬لعل ال اطلع إلى أهل بدر فقال لهم ‪ :‬اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم )) ولقد‬
‫كان أهل بدر قدوة رائعة في القدام على التضحية والفداء وكان شهداؤهم أروه وأسمى ‪.‬‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم هو المثل الكمل في السوة الحسنة في هذه المعاني بل هو المعلم والمربى أصحابه على الفداء والتضحية ولقد‬
‫رأيناه ليلة الهجرة يقدم على الرحلة الخطيرة المحفو فة بالهوال والخطار بعد أن تآمرت جموع الشرك على الب طش به ح تى قال القرآن الكر يم‬
‫في سورة النفال ‪ { :‬وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر ال وال خير الماكرين } ‪.‬‬
‫وكذلك رأيناه في أحرج موقف وهو داخل الغر والكفار على بابه وصاحبه أبو بكر رضى ال عنه يقول له مشفقا ‪ :‬يا رسول ال لو أن أحدهم‬
‫نظر إلى موطئ قدمه لرآنا فل يضطرب الرسول صلى ال عليه وسلم ول يخاف بل يطمئن أبا بكر في شموخ يقيني قائل ‪ :‬يا أبا بكر ما ظنك‬
‫باثنين ال ثالثهما يا أبا بكر ل تحزن إن ال معنا ‪.‬‬
‫هذا غيض من فيض كريم لكننا نراه صلى ال عليه وسلم وهو يضرب القدوة الطيبة والسوة الحسنة في مواقفه الكريمة العالية والغالية وهو‬
‫يوجه صحابته رضوان ال عليهم إلى مواقف التضحية والفداء عليه من ربه والعباد أفضل صلة وأتم سلم حتى صار شعار التضحية عندهم‬
‫كأنه ترنيمة يطيب لها أذن السامع وكل منهم يقول ‪ :‬فداك أبى وأمي يا رسول ال ‪.‬‬
‫ذلك كله لن الرسول صلى ال عليه وسلم كان القدوة في هذه التضحيات فلقد ضحى بكل شئ سواء أكانت التضحية في المجال المادي أو الدبي‬
‫أو المعنوي ضحى بالوقت والجهد والمال ومع هذه التضحيات كان الصبر الجميل ‪.‬‬

‫الباب الثاني ‪ -‬التضحية بالعلقات الجتماعية الحميمة والعادية‬


‫*مع التضحية صبر واحتساب ‪.‬‬
‫* جزاء التضحية ‪.‬‬
‫* التضحية بالجوار والصداقات بجميع أشكالها ‪.‬‬
‫* هجرة أم سلمة ‪.‬‬
‫* هجرة عمر وقصته مع عياش ‪.‬‬
‫* قصة زيد بن حارثة مع أسرته ‪.‬‬

‫أول ‪ :‬التضحية بالعلقات الجتماعية الحميمة والعادية‬


‫العلقات الجتماعية الحميمة هي علقة البوة والبنوة والزوجية والخوة والعشيرة وهو القربون الدنون ‪.‬‬
‫كل هذه العلقات الوشيجة يمكن أن نضحي بها المسلم في سبيل ال وفي سبيل دينه إن تعارضت ودعوته ومسيرته وطريقه وإن حاربوا صده‬
‫عن سبيل فلو فعل فهو مأجور عند ال تعالى لستجابته لما طلب منه ولو لم يفعل فإن ال تعالى يتهدده بعذاب عليه أن ينتظره هو وأمثاله من‬
‫الفاسقين الذين خرجوا عن أمر ال تعالى ‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن المؤمن مطالب بأن يفضل حق ال تعالى وحبه سبحانه وتعالى على حق نفسه وذويه وأن يحب ال أشد مما يحب نفسه وذويه‬
‫قال ال تعالى { يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون قل‬
‫إن كان آباؤكهم وأبناؤ كم وإخوان كم وأزواج كم وعشيرت كم وأموال اقترفتموهها وتجارة تخشون ك سادها وم ساكن ترضونهها أ حب إلي كم من ال‬
‫ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدى القوم الفاسقين } التوبة ‪.] 24 -23‬‬
‫وهاتان اليتان الكريمتان فيهما كثير من المضامين التي تتصل بالتضحية في سبيل ال مثل ‪:‬‬
‫التضحية بالقرابة مهما كانت وشيجة ‪.‬‬
‫والتضحية بالمال والتجارة ‪.‬‬
‫والتضحية بالمساكن الطيبة ‪.‬‬
‫التضحية بكل ذلك إيثارا لليمان بال وما يوجبه على المؤمن ‪.‬‬
‫كل هذه اليات من سورة ((براءة)) وهي السورة الكريمة التي جاءت بوجوب البراءة من المشركين والكافرين ‪.‬‬
‫‪-‬فالية الولى من هاتين اليتين الكريمتين وهي ‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليمان ومن‬
‫يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون } التوبة ‪.] 33‬‬
‫قال المفسرون ‪:‬‬
‫إن هذه الية الكريمة جاءت جوابا عن شبهة قامت في بعض النفوس مؤدى هذه الشبهة أن البراءة من الكفار في بداية السلم كانت متعذرة‬
‫فقد يكون الرجل في ذلك الوقت مؤمنا وأبوه أو ابنه أو أخوه أو زوجته على الكفر وحصول البراءة في مثل هذه الحالة متعذر أو ممتنع فجاءت‬
‫هذه الية لتنزل هذه الشبهة وتبين أن ال تعالى لما أمر المؤمنين بالتبرى من المشركين بل أوجبه إيجابا قال بعضهم ‪ :‬كيف يمكن ذلك ؟ وكيف‬
‫تكون مقاطعة تامة بين الرجل وأبيه أو ابنه أو أخته أو زوجته ؟‬
‫فأوضح ال تعالى أن هذه المقاطعة ممكنة بل واجبة بسبب كفرهم وإصرارهم على عدم الدخول في اليمان ‪.‬‬
‫وقال العلماء ‪ :‬هذا الن هي { ل تتخذوا آباء كم ‪ }..‬ال ية ل يم نع أن ي تبرأ الر جل من أب يه في الدن يا ك ما ل يم نع من قضاء د ين الكا فر ول من‬
‫استعماله في أعماله بل وأن يحسن إليه ويبره ويقسط إليه والولء هو القرب الشديد المؤدى إلى النصرة بما يعتقد من يواليه وذلك قد نهي ال‬
‫ع نه و من يتول هم من الم سلمين ف هو من الظالم ين وهناك فرق ب ين الموالة والمودة و هي تت صل بحر كة القلب أ ما البر والق سط فه ما يت صلن‬
‫بحركة الجوارح والمنهي عنه هو حركة القلب يقول ابن عباس رضى ال عنه أي يكون مشركا مثلهم له رضى بشركهم والرضا بالكفر كفر‬
‫ك ما هو مقرر معروف ع ند الم سلمين وال ية الثان ية و هي ‪ { :‬قل إن كان آباؤ كم وأبناؤ كم ‪ }..‬إلى نها ية ال ية الكري مة و قد تضم نت هذه ال ية‬
‫الكريمة تقرير الجواب عن الشبهة التي ذكرت في الية السابقة وذلك أن جماعة من المسلمين قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ :‬كيف يمكن البراءة منهم‬
‫بالكلية ؟ في حين هذه البراءة توجب انقطاعنا عن آبائنا وإخواننا وعشيرتنا وذهاب تجارتنا وهلك أموالنا وخراب ديارنا وإبقائنا ضائعين ؟‬
‫فبين ال تعالى في هذه الية الكريمة أنه يجب تحمل جميع هذه المضار الدنيوية ليبقى الدين سليما ‪.‬‬
‫وأوض حت ال ية الكري مة أ نه إن كا نت رعا ية هذه الم صالح الدنيو ية عند كم أولى من طا عة ال وطا عة ر سوله و من المجاهدة في سبيل ال‬
‫فتربصوا بهذا الذي تحبون حتى يأتي ال بأمره أي انتظروا عقوبة عاجلة أو آجلة والمقصود من ذلك وعيد ال لهم على اختيار مصالح دنياهم‬
‫دون مصالح دينهم ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وال ل يهدى القوم الفاسقين } أي ل يهدى الخارجين عن طاعته إلى معصيته وهذا يتضمن تهديدا ووعيدا ‪.‬‬
‫وهذه الية الكريمة تدل على أنه إذا وقع التعارض بين مصلحة واحدة من مصالح الدين وجميع مهمات الدنيا وجب على المسلم أن يرجح الدين‬
‫على الدنيا ‪.‬‬
‫وقد أثارت هذه الية الكريمة المور الداعية إلى مخالطة الكفار أو التي تخدع في مخالطتهم وهي أمور أربعة هي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬إنهم أقارب وذكروا من هؤلء القارب أربعة أصناف هم ‪ :‬الباء ‪ ،‬والبناء والخوان والزواج ‪ ،‬وسائر القرابة وقد عبر عنهم بالعشيرة‬
‫لن هذا اللفظ يدل عليهم جميعا ‪.‬‬
‫والثا ني ‪ :‬الم يل إلى إم ساك الموال المكت سبة والثالث ‪ :‬الرغ بة في تح صيل الموال بالتجارة ونحو ها والرا بع ‪ :‬الرغ بة في الم ساكن الطي بة‬
‫والخوف من فقدها ‪.‬‬
‫وهذه ال ية الكري مة تر غب في إنفاق المال والتضح ية به في سبيل ال تعالى وتحذر من أن تكون أعراض الحياة الدن يا من قرابات وتجارات‬
‫وأموال ومساكن أحب إلى المؤمن من ال ورسوله والجهاد في سبيله بل تتوعد من كان هذا شأنه ‪.‬‬
‫هذا فضل عن التضحية بالصداقات والجوار والعلقات الجتماعية بشتى ألوانها وأنواعها إذا تعارضت مع العقيدة والقيم والخلق { فذلك فادع‬
‫واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب وأمرت لعدل بينكم ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ل حجة بيننا‬
‫وبينكم ال يجمع بيننا وإليه المصير } الشورى ‪. 15‬‬

‫* مع التضحية صبر واحتساب ‪:‬‬


‫الصل في التضحية في سبيل ال أن يكون معها صبر بل صبر جميل واحتساب للجر والثواب عند ال تعالى ومعنى ذلك أل يكون فيها شئ من‬
‫الضيق أو التبرم فضل عن السخط واليأس ‪.‬‬
‫وقد كان ذلك هو المنطق النبوي الكريم في تضحياته منطق ل يستكين ول يضعف وإنما يعلن ‪ (( :‬إن لم يكن بك على ّ غضب فل أبالي ))‪.‬‬
‫فالعبرة في أن يكون ما بين الداعي إلى ال وربه سبحانه عامرا بالصلح والتقوى والصبر والحتساب عندئذ يستطيع الداعي إلى ال أن يعيش‬
‫حالة من لرضا والسعادة وانتظار فرج ال وتأييده ونصره بالكيفية التي يشاءها ال وفي الوقت والمكان والظروف التي يريد سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ول يس مضحيا ول صبرا ذلك الذي يقول ‪ :‬ل قد ضح يت و صبرت !! يقول م ستبطئ ‪ :‬م تى ن صر ل ؟ لن ذلك معناه أن ثق ته في ال قد اهتزت‬
‫بعض الهتزاز وأن تضحيته وصبره لم تكن جميعا ل تعالى وإنما شابتها بعض الشوائب والعياذ بال ‪.‬‬
‫* جزاء التضحية عند ال تعالى أعظم الجزاء ‪:‬‬
‫فلقد ضحى رسول ال صلى ال عليه وسلم بما ضحى به وجزاه ال تعالى عن تضحياته خير الجزاء في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫أما في الدنيا فقد طهر جزيرة العرب من الشرك قبل أن يلحق بربه واستطاع أن يجلى اليهود وأن ينتصر عليهم وهم أعداؤه اللداء الذين خانوا‬
‫وغدروا وحاربوا قتله أكثر من مرة ‪.‬‬
‫وعاش حتى جاء نصر ال والفتح ودخل الناس في دين ال أفواجا واستطاع أن يرد وأن يناوش جيوش الروم لطامعة وما مات صلى ال عليه‬
‫وسلم حتى كان ال تعالى قد عز به وبصحبه السلم وعزهم به ‪.‬‬
‫وأما في الخرة فقد غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعطه فيها الشفاعة وأعد له من لجزاء م ل يعلم عظمته وضخامته إل ل تبارك‬
‫وتعالى ‪.‬‬
‫والدعاة إلى ال كذلك ‪:‬‬
‫تضمن ال تعالى لهم بأحسن الجزاء الخروي إذا كانت تضحياتهم خالصة ل تبارك وتعالى وعد ال ل يخلف ال وعده فقال سبحانه { وعد ال‬
‫المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها النهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من ال أكبر ذلك هو الفوز العظيم }‬
‫التوبة ‪. 72‬‬
‫وأما الجزاء الدنيوي فمحتمل وليس قطعيا لنه سبحانه وعد بالنصر لمن نصره ونصر دينه وأخلص له القول والعمل والدعوة والحركة والجهاد‬
‫وع ند تخلف شئ من ذلك قد يتأ خر الن صر و قد يختار له أقواما أ شد إيما نا وأقوى يقي نا قال سبحانه { وإن تتولوا ي ستبدل قو ما غير كم ثم ل‬
‫يكونوا أمثالكم } محمد ‪ 38‬أي خيرا منكم ‪.‬‬
‫و قد يكون من حك مة ال تعالى أن ت ستمر التضحيات من أ جل هذا الد ين ليز يد الر صيد من الع مل ال صالح ويتنزل الن صر و قد مهدت له الرض‬
‫والنفوس والحداث ‪.‬‬
‫ول يس ل حد من الدعاة إلى ال أو العامل ين في مجالت التمك ين لد ين ال في الرض أن يقلل من شأن التضحيات ل يت صور أن يكون التمك ين‬
‫لدين ال في الرض ‪.‬‬
‫والصحابة رضوان ال عليهم طبقات في مقدمتهم العشرة المبشرون بالجنة ثم أهل بدر ثم أهل أحد إلى غيرهم من طبقات التي أفاض العلماء‬
‫فيها غير أنهم جميعا من أفضل المسلمين كما تحدثت عنهم آيات القرآن الكريم وكما وصفهم الرسول صلى ال عليه وسلم وهم رضى ال عنهم‬
‫الذين حملوا العلم عن الرسول صلى ال عليه وسلم ونشروه في الناس وهم الذين انطلقوا بالدعوة إلى آفاق الدنيا يتحملون في سبيل نشرها‬
‫مال يتحمله سواهم من الم سلمين وبف ضل ال علي هم ثم بفضل هم و صل هذا الد ين الخا تم إلى الجيال والقرون ال تي جاءت من بعد هم ولذلك لم‬
‫يكن عجيبا أن يصف الرسول صلى ال عليه وسلم القرن الذي عاشوا فيه بأنه خير القرون ووصفهم بأنهم خير الناس روى البخاري وأحمد‬
‫والترميذى بأسانيدهم عن عبد ال ابن مسعود رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم‬
‫الذين يلونهم ثم تجئ أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه شهادته ))‪.‬‬

‫*التضحية بالجوار وبالصداقات بجميع أشكالها ‪:‬‬


‫ال صداقة والجوار والعلقات الجتماع ية غ ير الل صيقة أولى أل تش غل المؤ من عن اليمان بال ور سوله و الجهاد في سبيله و ما يتطل به هذا‬
‫الجهاد مهن تضحيات ‪ ،‬وذلك لن العلقات الوشيجهة كالبوة و البنوة ونحوهها ممها ذكرنها ‪ ،‬ل ينبغهي أن تؤثهر ول أن تفضهل على اليمان بال‬
‫ورسوله و الجهاد في سبيله ‪ ،‬وعلى هذا فإن العلقات غير الوشيجة يجب أن يضحي بها من أجل الدين من باب أولى ‪.‬‬
‫إن الية الكريمة ‪ -‬التي أشرنا إليها توجه عاطفتي الحب والبغض ‪ ،‬وتجعل الحب حبا ل ولرسوله ولما أمر به ‪ ،‬و البغض بغضا لعداء ال‬
‫ورسوله ولو كانوا آباء أو أبناء أو أصدقاء أو جيرانا ‪ ،‬فتحرم مصادقة الفاسقين و العصاة ‪ ،‬ومن يكونون بأقوالهم وأعمالهم حيث نهاهم ال‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫وفهي تأكيهد هذا المعنهى وتقريره نجهد قول ال تبارك تعالى { ل تجهد قوما يؤمنون بال و اليوم الخهر يوادّون مهن حادّ ال ورسهوله ولو كانوا‬
‫آباء هم أو أبناء هم أو إخوان هم أو عشيرت هم أولئك ك تب في قلوب هم اليمان وأيد هم بروح م نه ويدخل هم جنات تجرى من تحت ها النهار خالد ين‬
‫فيها رضى ال عنهم ورضوا عنه أولئك حزب ال أل إن حزب ال هم المفلحون } ‪.‬المجادلة ‪. 22‬‬
‫و الموالة ‪ :‬التأييد و المظاهرة و الحب و النصح وطلب النصح ممن واله ‪.‬‬
‫وهذه اليهة الكريمهة تنفهي اليمان عهن أولئك الذيهن يتخذون أعداء ال أولياء ‪ ،‬أيا كانهت علقهة هؤلء العداء ل ورسهوله بمهن والههم مهن‬
‫المسلمين إذ يجب أن تبرأ منهم فضلً عن أن يواليهم ‪ ،‬هذه الية الكريمة توحي ببعض المعاني و التوجيهات نذكر بعضها ‪:‬‬
‫إن المؤمنيهن الذيهن يضحون بعلقاتههم ‪ -‬الصهداقة و الجيرة و القرابهة غيهر اللصهيقة ‪ -‬بهؤلء العداء الذيهن يحادون ال ورسهوله هؤلء‬
‫المؤمنون إنما يؤكدون بهذه العداوة إيمانهم بال ورسوله ‪ ،‬وينالون بذلك تأييد من ال في الدنيا وأجرا عظيما في الخرة ‪.‬‬
‫وإن هؤلء المؤمنيهن الذيهن تهبرأوا مهن أعداء ال ورسهوله ولم يوالوههم ‪ ،‬مضحيهن فهي هذا البراء بمصهالحهم الدنيويهة عنهد هؤلء ‪ ،‬هؤلء‬
‫المؤمنون بهذه الصفة هم حزب ال وأوليائه وأحبابه ‪ ،‬ومن كانوا حزب ال كتب ال لهم الفلح ورضى عنهم ورضوا عنه ‪.‬‬
‫وهكذا تح بب هذه ال ية الكري مة في التضح ية في سبيل ال تعالى و سبيل دي نه ومنه جه ونظا مه ‪ ،‬يقول جل وعل في مع نى قر يب من ذلك‬
‫{ الخلء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إل المتقين } الزخرف ‪67‬‬
‫كما توضح أن الصداقة لبد أن تكون ل تعالى وفي ال ‪ ،‬وإل أصبحت عداوة وندامة يوم القيامة ‪ ،‬فالصدقاء الذين جمعهم الباطل في الدنيا ‪-‬‬
‫مؤمنين كانوا أو كافرين ‪ -‬يصبحون أعداء يوم القيامة ‪ ،‬فتنقطع بينهم كل محبة كانت بينهم في الدنيا لنها لم تكن ل بل كانت للشيطان ‪ ،‬تلك‬
‫قاعدة عامة في الصداقات بين الناس في الدنيا وما تصير إليه ‪.‬‬
‫وي ستثنى من هذه القاعدة الذ ين اتقوا ال فكا نت صداقتهم مع الناس ل وفي ما ير ضى ال تعالى ‪ ،‬فل بد إذن أن يض حي المؤ من ب كل صداقة قد‬
‫تجد فيها مصلحة دنيوية مادية أو معنوية من أجل ال ورسوله ‪ ،‬ومن أجل أن يرضى ال تعالى عنه ‪ ،‬وفي هذا المعنى أو في قريب منه جاء‬
‫قوله تعالى { إنما يعمر مساجد ال من آمن بال و اليوم الخر وأقام الصلة وآتى الزكاة ولم يخش إل ال فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين‬
‫} التوبة ‪. 18‬‬
‫وهذه الية الكريمة تدل على أن أهل اليمان بال و اليوم الخر الذين يعمرون مساجد ال بحفظ بنائها أو القامة فيها و التردد عليها ‪ ،‬و الذين‬
‫يقيمون الصهلة ويؤتون الزكاة ويعملون الصهالحات ‪ ،‬ول يخشون أحدا أو عظيما خشيهة تعظيهم أو طاعهة ‪ ،‬أي أنههم ل يبالون أحدا مهن الناس‬
‫مهما كانت تربطه بهم علئق من أي نوع ‪ :‬قرابة أو صداقة أو مصالح متبادلة ‪.‬‬
‫هؤلء يجب أن يضحوا بهذه العلئق إيثارا لما عند ال وحبا فيه وفيما يأمر به ‪ ،‬هؤلء بهذه التضحية يرجى أن يكونوا عند ال من المهتدين ‪.‬‬
‫وفي قريب من هذه المعاني للتضحية في سبيل ال تعالى ‪ ،‬جاء قوله سبحانه وتعالى { ومن الناس من يقول آمنا بال فإذا أوذي في ال جعل‬
‫فتنة الناس كعذاب ال ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس ال بأعلم بما في صدور العالمين } العنكبوت ‪. 10‬‬
‫قال ابن القيم في تأويل هذه الية الكريمة ‪.‬‬
‫والن سان ل بد أن يع يش مع الناس ‪ ،‬والناس ل هم إرادات وتصهورات فيطلبون م نه أن يوافق هم عليهها ن وإن لم يوافق هم آذوه وعذبوه ‪ ،‬وإن‬
‫وافقهم حصل لهم العذاب تارة منهم وتارة من غيرهم ‪ ،‬كمن عنده دين وتقى ‪ ،‬حل بين قوم فجار ظلمة ‪ ،‬ل يتمكنون من فجورهم وظلمهم إل‬
‫بموافقته لهم أو سكوته عنهم ‪.‬‬
‫فإن وافقههم أو سهكت عنههم سهلم مهن شرههم فهي البتداء ‪ ،‬ثهم يتسهلطون عليهه بالهانهة والذى أضعاف مها كان يخافهه ابتداء لو أنكهر عليههم‬
‫وخالفهم ‪ ،‬وإن سلم منهم فلبد أن يهان ويعاقب على يد غيرهم ‪.‬‬
‫فالحزم كل الحزم في ال خذ ب ما قال به أم المؤمن ين عائ شة ر ضى ال عن ها لمعاو ية ر ضى ال ع نه ‪ (:‬من أر ضى ال ب سخط الناس كفاه ال‬
‫مئونة الناس ‪ ،‬ومن أرضى الناس بسخط ال لم يغنوا عنه من ال شيئا ) ‪.‬‬
‫فهذه هي التضح ية ك ما وردت معاني ها في القرآن الكر يم سواء ال تي اشتملت على التضح ية بالن فس في سبيل ال تعالى أي الجهاد ‪ ،‬وعلى‬
‫التضحية بالمال وبذله في سبيل ال تعالى ‪ ،‬في الوجوه التي أوجبها أو حبب فيها ‪ ،‬أو التضحية بالقرابات القريبة كالباء والبناء والخوان و‬
‫الزوجات مهن أجهل إرضاء ال تعالى بمعاداة أعدائه ‪ ،‬وترك موالتههم و التضحيهة بكهل منفعهة ترد منههم ‪ ،‬وأيضا على التضحيهة بالصهداقات و‬
‫القرابات البعيدة والجيران من أجل ما أمر ال تعالى ‪ ،‬و التضحية بكل منفعة قد يتسببون فيها ‪.‬‬
‫كل هذه التضحيات إنما طولب بها المؤمنون إيثارا لما عند ال واستجابة لمره وتقربا إليه وحبا فيه وفي رسوله صلى ال عليه وسلم وكتابه‬
‫ومنهجه ‪.‬‬
‫وسأضرب مثالين فيهما العظة و العبرة و الدروس المستفادة وأول هذين المثالين لمرأة هاجرت إلى المدينة هي أم سلمة لتلحق بزوجها هناك‬
‫ثم هجرة عمر بن الخطاب وقصته مع عياش بن أبى ربيعة ‪ ،‬ونختم بقصة زيد بن حارثة مع أهله وأسرته ‪.‬‬

‫‪ -‬هجرة أم سلمة إلى زوجها ‪:‬‬


‫قال بن اسحاق ‪ :‬فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم من المهاجرين ‪ ،‬من قريش ‪ ،‬من بنى مخزوم أبو‬
‫سلمة بن عبد السد بن هلل بن عبد ال بن عمر بن مخزوم ‪ ،‬واسمه عبد ال ‪ ،‬هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة ‪ ،‬كان قدم‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم مكة من أرض الحبشة ن فلما آذته قريش وبلغه إسلم من أسلم من النصار خرج إلى المدينة مهاجرا ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني أبى إسحاق بن يسار عن سلمة بن عبد ال بن عمر بن أبى سلمة عن جدته أم سلمة زوج النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قالت ‪ :‬لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه ‪ ،‬وحمل معي ابني سلمة بن أبى سلمة في حجري ن ثم‬
‫خرج بي يقود بي بعيره ‪ ،‬فل ما رأ ته رجال ب نى المغيرة بن ع بد ال بن عمرو بن مخزوم قاموا إل يه فقالوا هذه نف سك غلبت نا علي ها ‪ ،‬أرأ يت‬
‫صاحبتك هذه ؟ علم نتركك تسير بها في البلد ؟ قالت ‪ :‬فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬وعند ذلك غضب بنو عبد السد رهط أبى سلمة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ل وال ل نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ‪ ،‬قالت ‪ :‬فتجاذبوا بنى‬
‫سلمة بين هم ح تى خلعوا يده وانطلق به ب نو ع بد ال سد ‪ ،‬وحب سني ب نو المغيرة عند هم ‪ ،‬وانطلق زو جي أ بو سلمة إلى المدي نة ‪ ،‬قالت ‪ :‬ففرق‬
‫بيني وبين زوجي وبين ابني ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالبطح فما أزال أبكى حتى أمسى سنة أو قريبا منها ‪ ،‬حتى مر بي رجل من بنى عمى ‪ ،‬أحد بنى المغيرة‬
‫‪ ،‬فرأى ما بي فرحم ني فقال لب نى المغيرة ‪ :‬أل تخرجون هذه الم سكينة ! فرق تم بين ها وب ين زوج ها وب ين ولد ها ! قالت ‪ :‬فقالوا لي ‪ :‬إلح قى‬
‫بزوجك إن شئت ‪ ،‬قالت ‪ :‬ورد بنو عبد السد إلى عند ذلك ابني ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فارتحلت بعيري ‪ ،‬ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ‪ ،‬ثم خرجت إلى زوجي بالمدينة ‪ ،‬قالت ‪ :‬وما معي أحد من خلق ال ‪ ،‬قالت ‪ :‬فقلت‬
‫‪ :‬أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي ‪ ،‬حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بنى عبد الدار فقال لي ‪ :‬إلى أين يا‬
‫بنت أب أمية ؟ قالت ‪ :‬فقلت أريد زوجي بالمدينة ‪ ،‬قال ‪ :‬أو ما معك أحد ؟ قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬ل وال ‪ ،‬إل ال وبنى هذا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وال ما لك من مترك ‪ ،‬فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوى بي فوا ال ما صحبت رجلً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه ‪ ،‬كان إذا‬
‫بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عنى ‪ ،‬حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحط عنه ثم قيده في الشجرة ‪ ،‬ثم تنحى عنى إلى شجرة فاضجع تحتها ‪،‬‬
‫فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ‪ ،‬ثم استأخر عنى ‪ ،‬وقال اركبي ‪ ،‬فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاده ‪ ،‬حتى‬
‫ينزل بي ‪ ،‬فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمنى المدينة فلما نظر إلى قرية بنى عمرو بن عوف بقباء ‪ ،‬قال زوجك في هذه القرية ‪ -‬وكان أبو‬
‫سلمة نازلً فيها ‪ -‬فادخليها على بركة ال ‪ ،‬ثم انصرف راجعا إلى مكة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فكانت تقول ‪ :‬وال ما أعلم أهل بيت في السلم أصابهم ما أصاب آل أبى سلمة ‪ ،‬وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة ‪.‬‬
‫في هذا الخبر مثل من قساوة المشركين وفظاظتهم ‪ ،‬حتى ل يردعهم عن الظلم رادع إل خوف محاسبة الناس في الدنيا وانتقامهم‪ ،‬وقد أمنوا‬
‫ح ساب الدن يا في معاملت هم لهذه المرأة الم سكينة ‪ ،‬و هم ل يؤمنون بح ساب الخرة الذي ل يفرق ب ين قوى وضع يف وشر يف ووض يع لن هم ل‬
‫يؤمنون بالخرة ‪.‬‬
‫وهذه امرأة ض حت بال هل والقارب والحباب لت صل إلى زوج ها المها جر ب عد أن أدر كت الرح مة أ حد أقارب أم سلمة ر ضى ال عن ها فطالب‬
‫بإنصافها بدافع من القرابة ‪ ،‬ونجت من يد العداء ‪ ،‬ولكن كيف لها أن تسافر ذلك السفر الطويل وحدها ؟ وهنا يقيض ال تعالى لها عثمان بن‬
‫طلحة العبدرى رضى ال عنه الذي أبت شهامته أن يتركها تسافر وحدها فصحبها طول الطريق وقام بشئونها خير قيام ‪.‬‬
‫وإن ظهور هذا ال سيد الش هم ل ها وا ستعداده لل سفر مع ها و هي على أبواب مغادرة م كة دل يل وا ضح على عنا ية ال تعالى بأوليائه وت سخيره‬
‫لهم ‪ ،‬فهو جل وعل الذي سخر قلب ذلك الرجل للعناية بها وبذل الجهد و الوقت من أجلها ‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن يلحظ أن عثمان ابن طلحة لم يكن آنذاك مسلما ‪ ،‬ومع ذلك قدم هذه الخدمة الجليلة لمرأة كانت على دين أعدائه ‪ ،‬وهذا مثل‬
‫مما كان العرب يتصفون به من مكارم الخلق ‪ ،‬وخاصة قبيلة قريش التي اختارها ال جل وعل نبيه صلى ال عليه وسلم منها ‪.‬‬

‫‪ -‬هجرة عمر بن الخطاب وقصته مع عياش ‪:‬‬


‫قال ابن اسحاق ‪(( :‬ثم خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبى ربيعة المخزومى حتى قدما المدينة فحدثني نافع مولى عبد ال بن عمر عن أبيه‬
‫عمر بن الخطاب قال ‪ :‬اتّعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعياش بن أبى ربيعة وهشام بن العاصي بن وائل السهمي التناضب من أضاة‬
‫بنى غفار فوق سرف وقلنا ‪ :‬أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه قال ‪ :‬فأصبحت أنا وعياش بن أبى ربيعة عند التناضب وحبس‬
‫عنا هشام وفتن فافتتن ‪.‬‬
‫فلما قدمنا المدينة نزلنا في بنى عمرو بن عوف بقباء وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبى ربيعة وكان ابن عمهما‬
‫وأخاهما لمهما حتى قدما علينا المدينة ورسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة فكلماه وقال له ‪ :‬إن أمك قد نذرت أن ل يمس رأسها مشط حتى‬
‫تراك ول تستظل من شمس حتى تراك فرق لها ))‪.‬‬
‫وهكذا ندرك ك يف يبذل دعاة الضللة من وقت هم وجهد هم وأموال هم في سبيل ن صرة باطل هم ومحاولة إخماد دعوة ال حق ح يث خرج أ بو ج هل‬
‫وأخوه من مكة إلى المدينة وتحمل عناء السفر من أجل محاولة فتنة فرد واحد عن دينه أفل يتحمل المسلمون مثل هذا الجهد أو أفضل منه من‬
‫أجل دعوة الناس إلى الرشد واتباع الحق ؟!‬
‫لقد حاول أبو جهل أن يدخل على عياش من الجانب المؤثر عليه حيث ذكر وضع أمه ليكسب موافقته على العودة وهو يعلم أن عياشا من أهل‬
‫البر والصلة ‪.‬‬
‫وهذا مشهد يبين لنا صورة من مخططات أعداء السلم التي يحاولون بها صرف المسلمين عن التمسك بدينهم ‪.‬‬
‫((قال عمر رضى ال عنه في سياق روايته ‪ :‬فقلت له ‪ :‬ياعياش إنه وال إن يريدك القوم إل ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوا ال لو قد آذى أمك‬
‫القمل لمتشطت ولو قد اشتد عليها حر مكة لستظلت ))‪.‬‬
‫وهكذا كان عمر رضى ال عنه فطنا مدركا لمكائد الكفار فقد تفرس في وجوه القوم فعرف فيهم الغدر والمكيدة مع ما اشتهر عن أبى جهل قبل‬
‫ذلك من عداء المسلمين ‪.‬‬
‫وهكذا ينبغي لكل مسلم أن يكون حذرا من الكفار حتى ولو كانوا أهله وعشيرته وإن أظهروا النوايا الحسنة وأن يغلب جانب إساءة الظن بهم‬
‫وأن ل ي ضع ثق ته ب هم لن ال صل في هم أن هم ل يراعون في م سلم عهدا ول ذ مه لشدة حقد هم على ال سلم والم سلمين ك ما قال ال تعالى {ل‬
‫يرقبون في مؤمن إل ول ذمة } التوبة ‪ .1‬أي ل يراعون حرمة القرابة ول الجوار ول العهد ‪.‬‬
‫((قال ‪ :‬فقال يعنى عياش أبر قسم أمي ولى هناك مال فآخذه )) وهنا وقع عياش في شباك عاطفة القرابة ولم يثنيه تحذير القرآن من هذا المر‬
‫كما ذكرنا فاستطاع عدو السلم أبو جهل أن يخدع عياشا وأن يستميله للموافقة على العودة إلى مكة ‪.‬‬
‫((قال أي عمر ‪ :‬فقلت وال إنك لتعلم أنى لمن أكثر قريش مالً فلك نصف مالي ول تذهب معهما قال فأبى علىّ إل أن يخرج معهما فلما أبى إل‬
‫ذلك قال ‪ :‬قلت له ‪ :‬أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها فإن رابك من القوم ريب فانج عليها ))‪.‬‬
‫وهذه تضحية كبيرة من عمر حيث تنازل لعياش عن نصف ماله وهو صاحب المال الكثير في مقابل حمايته من الفتنة في الدين وإن بذل المال‬
‫في سبيل الخير دليل على قوة اليمان ووضوح الهدف السلمي العالي أل وهو ابتغاء رضوان ال تعالى والدار الخرة وذلك لن المال من أعز‬
‫المحبوبات لدى النسان فإذا جاد به من أجل ال تعالى فهو من أهل اليمان الراسخ كما سنرى في التضحية بالمال ‪.‬‬
‫ى بعيري‬
‫((قال عمر ‪ :‬فخرج عليها يعنى على ناقة عمر معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل ‪ :‬يا ابن أخي وال لقد استغلظ عل ّ‬
‫هذا أفل تعقب ني على ناق تك هذه ؟ قال ‪ :‬بلى قال ‪ :‬فأناخ وأنا خا ليتحول علي ها فل ما ا ستووا بالرض عدوا عل يه فأوثقاه ربا طا ثم دخل به م كة‬
‫وفتناه فافتتن ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني به بعض آل عياش بن أبى ربيعة ‪ :‬أنهما حين دخل به مكة دخل به نهارا موثقا ثم قال ‪ :‬يا أهل مكة هكذا فافعلوا‬
‫بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا )) ‪.‬‬
‫وهكذا تحقق ظن عمر بأبي جهل وأمثاله ووقع عياش في مكائد المشركين لنه وضع ثقته بهم ولم يغلب جانب الحذر منهم ‪.‬‬
‫وفهي ذلك عهبرة للمسهلمين حتهى ل يأمنوا الكفار وإن أظهروا لههم المودة وقدموا لههم المعونهة فإن ذلك نوع مهن الطعهم الذي يصهطادون بهه‬
‫المسلمين كما قال ال تعالى { يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون } التوبة ‪. ]8‬‬
‫وفي المشهد المؤلم الذي دخل فيه عياش مكة موثقا ووصفه بالسفاهة إمعان من أبى جهل في إذلل المسلمين وتحطيم معنوياتهم فكيف يثق‬
‫المسلمون بالكفار وهم ل يريدون بهم إل الشر ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ‪.‬‬
‫ومما ينبغي الشارة إليه أن أخا أبى جهل الحارث بن هشام قد أسلم بعد فتح مكة وحسن إسلمه وكان له في الجهاد بلء كبير ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني نافع عن عبد ال بن عمر عن عمر في حديثه قال ‪ :‬فكنا نقول ‪ :‬ما ال بقابل ممن افتتن صرفا ول عد ًل ول توبة‬
‫قوم عرفوا ال ثم رجعوا إلى الكفر لبلء أصابهم ! قال ‪ :‬وكانوا يقولون ذلك لنفسهم فلما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة أنزل ال‬
‫تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لنفسهم { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رح مة ال إن ال يغفر الذنوب جميعا إنه هو‬
‫الغفور الرح يم وأنيبوا إلى رب كم وأ سلموا له من ق بل أن يأتي كم العذاب ثم ل تن صرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من ق بل أن يأتكم‬
‫العذاب بغتة وأنتم ل تشعرون } الزمر ‪. ] 55 -53‬‬
‫قال عمر بن الخطاب فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصي قال ‪ :‬فقال هشام بن العاصي ‪ :‬فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي‬
‫طوى أصعد بها فيه وأصوب ول أفهمها حتى قلت ‪ :‬اللهم فهمنيها قال فألقى ال تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا‬
‫ويقال فينا قال ‪ :‬فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بالمدينة ‪.‬‬
‫وذ كر الحا فظ الهيث مى ن حو هذا ال خبر وقال ‪ :‬رواه البزار ورجاله ثقات وهكذا كانوا يهاجرون تارك ين البلد والعباد ابتغاء مرضاة ال ‪ .‬وهكذا‬
‫كانوا يظنون أن من فت نه الكفار فافت تن ور ضى بالع يش مع هم أن ال تعالى ل يق بل م نه تو بة ح تى نزلت هذه اليات ففرح ب ها ع مر ر ضى ال‬
‫عنه وقد كان في هم وأسف على إخوانه الذين استجابوا لفتنة فبادر بكتابة هذه اليات إلى هشام بن العاصي ‪.‬‬
‫و قد كان هشام وأمثاله في حالة يأس وقنوط من رح مة ال تعالى لظنهم بأن من كان في م ثل حالهم ل تو بة له فل ما أخذ ال صحيفة ال تي كتبها‬
‫عمر وقرأ اليات أصبح في حيرة من أمره إذ أنه لم يكن يتصور أن رحمة ال تعالى تتسع لمثاله فسأل ال تعالى أن يفهمه المقصود من الية‬
‫وإن كان يفهم معناها فألهمه ال سبحانه أنه وأمثاله هم المقصودون بها فتاب إلى ال تعالى وعزم على الهجرة ‪.‬‬

‫قصة زيد بن حارثة مع أسرته ‪:‬‬


‫أخرج الحا كم رح مه ال بإ سناده عن أ سامة بن ز يد بن حار ثة ر ضى ال ع نه قال ‪ :‬كان حار ثة بن شراحب يل تزوج امرأة في طىء من نبهان‬
‫فأولدها جبلة وأسماء وزيدا فتوفيت واختلفت أولدها في حجر جدهم لبيهم وأراد حارثة حملهم فأتى جدهم فقال ما عندنا فهو خير لهم فتراضوا‬
‫إلى أن حمل جبلة وأسماء وخلف زيدا ‪.‬‬
‫وجاءت خيل من تهامة من بنى فزارة فأغارت على طىء فسبت زيدا فصيروه إلى سوق عكاظ فرآه النبي صلى ال عليه وسلم من قبل أن يبعث‬
‫ل وأدبا وجمالً لو أن لي مالً لشتري ته‬
‫فقال لخدي جة ر ضى ال عن ها ‪ :‬يا خدي جة رأ يت في ال سوق غلما من صفته ك يت وك يت ‪ :‬ي صف عق ً‬
‫فأمرت ور قة بن نو فل فاشتراه من مال ها فقال‪ :‬يا خدي جة هبي لي هذا الغلم بط يب من نف سك فقالت ‪ :‬يا مح مد أرى غلما وضيئا وأخاف أن‬
‫تبيعه أو تهبه فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا موفقة ما أردت إل لتبناه فقالت ‪ :‬نعم يا محمد فرباه وتبناه فكان يقال له زيد بن محمد ‪.‬‬
‫فجاء رجل من الحي فنظر إلى زيد فعرفه فقال ‪ :‬أنت زيد بن حارثة قال ‪ :‬ل أنا زيد بن محمد قال ‪ :‬ل بل أنت زيد بن حارثة من صفة أبيك‬
‫وعمومتك وأخوالك كيت وكيت قد أتعبوا البدان وأنفقوا الموال في سبيلك فقال زيد ‪:‬‬
‫فإني قطين البيت عند المشاعر‬ ‫أحن إلى قومي وإن كنت نائيا‬
‫ول تعملوا في الرض فعل الباعر‬ ‫وكفوا من الوجه الذي قد شجاكم‬
‫خيار معد كابرا بعد كابر‬ ‫فإني محمد ال في خير أسرة‬

‫فقال حارثة لما وصل إليه ‪:‬‬


‫أحي فيرجى أم أتى دونه الجل‬ ‫بكيت على زيد ولم أدر ما فعل‬
‫أغالك سهل الرض أم غالك الجبل‬ ‫فوا ال ما أدرى وإني لسائل‬
‫فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل‬ ‫فيا ليت شعري هل الدهر رجعه‬
‫ويعرض لي ذكراه إذا عسعس الطفل‬ ‫تذكرنيه الشمس عند طلوعها‬
‫فيا طول أحزاني عليه ويا وجل‬ ‫وإذا هبت الرواح هيجن ذكره‬
‫ول أسأم التطواف أو تسأم البل‬ ‫سأعمل نص العيس في الرض جاهدا‬
‫وكل امرئ فان غره المل‬ ‫فيأتي أو تأتى علىّ منيتي‬

‫فقدم حارثة بن شراحيل إلى مكة في إخواته وأهل بيته فأتى النبي صلى ال عليه وسلم في فناء الكعبة فينفر من أصحابه فيهم زيد بن حارثة‬
‫فلما نظروا إلى زيد عرفوه وعرفهم ولم يقم إليهم إجللً لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫فقالوا له ‪ :‬يا زيد فلم يجبهم فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬من هؤلء يا زيد ؟ قال ‪ :‬يا رسول ال هذا أبى وهذا عمى وهذا أخي وهؤلء‬
‫عشيرتي ‪.‬‬
‫فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬قم فسلم عليهم يا زيد فقام فسلم عليهم وسلموا عليه ثم قالوا له ‪ :‬امض معنا يا زيد ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ما أريد برسول ال صلى ال عليه وسلم بد ًل ول غيره أحدا فقالوا ‪ :‬يا محمد إنا معطوك بهذا الغلم ديات فسم ما شئت فإنا حاملوه إليك‬
‫‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أسألكم أن تشهدوا أن ل إله إل ال وأنى خاتم أنبيائه ورسله وأرسله معكم فتأبوا وتلكئوا وتلجلجوا فقالوا ‪ :‬تقبل منا ما عرضنا عليك‬
‫من الدنانير ؟ فقال لهم ‪ :‬ها هنا خصلة غير هذه قد جعلت المر إليه فإن شاء فليقم وإن شاء فليرحل ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ما بقى شئ قالوا ‪ :‬يا زيد قد أذن لك الن محمد فانطلق معنا قال ‪ :‬هيهات هيهات ما أريد برسول ال صلى ال عليه وسلم بد ًل ول أوثر‬
‫عليه والدا ول ولدا فأداروه وألصوه واستعطفوه وأخبروه من وراءه من وجدهم فأبى وحلف أن ل يلحقهم ‪.‬‬
‫قال حارثة ‪ :‬أما أنا فأواسيك بنفسي أنا أشهد أن ل إله إل ال وأن محمد عبده ورسوله وأبى الباقون ‪.‬‬
‫وأخرج الحاكم أيضا من طريق أبى عمرو الشيبانى ‪ :‬حدثني جبلة بن حارثة أخو زيد ابن حارثة قال ‪ :‬أتيت النبي صلى ال عليه وسلم فقلت ‪:‬‬
‫يا رسول ال ابعث معي أخي زيدا فقال هو ذا هو إن أراد لم أمنعه فقال زيد ‪ :‬ل وال ل أختار عليك أحدا قال جبلة ‪ :‬إن رأى أ خي أف ضل من‬
‫رأيي ‪.‬‬
‫وقال الحاكم صحيح السناد ولم يخرجاه وهو شاهد للحديث الماضي وأٌره الذهبي ‪.‬‬
‫في هذا الخبر موافق ‪ :‬الول في اهتمام النبي صلى ال عليه وسلم بالدعوة إلى السلم حيث اغتنم فرصة قدوم عشيرة زيد بن حارثة رضى‬
‫ال عنه ليدعوهم إلى السلم خاصة وانهم في فرحة غامرة بلقاء ابنهم وفي شوق بالغ لرجوعه معهم فلم يطلب من زيد مالً وإنما جعل مقابل‬
‫سماحه بالعودة معهم أن يدخلوا في السلم ‪.‬‬
‫والموقف الثاني ‪ :‬في تعففه صلى ال عليه وسلم وترفعه عن الموال التي حكموه في عددها في مقابل تخليه عن زيد فلما فات ما قصده من‬
‫إسلمهم جعل الجيار إلى زيد نفسه ففرحوا بذلك واعتبروه غاية التكرم والتفضل ‪.‬‬
‫والموقف الثالث ‪ :‬في تعلق زيد بن حارثة برسول ال صلى ال عليه وسلم وحبه الشديد له الذي فاق حب والده وعشيرته حيث رفض الذهاب‬
‫معهم رغم إلحاحهم الشديد ويترتب على ذلك إيثار الحب في ال تعالى على جميع العلقات الدنيوية التي أبرزها حب القرابة ‪.‬‬
‫ل قد كان في شعور ز يد كأي إن سان م يل فطرى إلى ال هل والعشيرة والو طن الذي درج ف يه و هو في صباه ول قد كان في إمكا نه أن يذ هب مع‬
‫أسرته ويبقى على إسلمه ولكن بحبه للنبي صلى ال عليه وسلم قد مل قلبه حتى أصبح حبه لبيه وأسرته ل يساوى شيئا عند المقارنة بحبه‬
‫لسيده ورسوله صلى ال عليه وسلم لذلك قال ‪ :‬هيهات هيهات ما أريد برسول ال صلى ال عليه وسلم بدل ول أوثر عليه والدا ول ولد فكان‬
‫مصمما في قراره على البقاء في مكة من اللحظة الولى التي عرض عليه فيها أبوه العودة إلى بلده ولم يحصل منه أي تردد في هذا المر ‪.‬‬
‫وهكذا تبنى العلقات في السلم على أساس العقيدة وليست على أساس الدم ‪.‬‬

‫الباب الثالث ‪ -‬التضحية بالوقت والجهد‬


‫*ل تقدم على دعوتك شئ‬
‫* المر الثقيل ‪.‬‬
‫*رجال ورجال ‪.‬‬
‫* صنف تحمله الدعوة ‪.‬‬
‫* من النماذج الحية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التضحية بالوقت والجهد‬


‫* فهم ل غنى عنه ‪:‬‬
‫إن العبرة في حركة التاريخ أو فينمو الحضارة وازدهارها ليست بوجود الفراد المخلصين مهما بلغ صلحهم وتقواهم وإداركهم لحقائق المور‬
‫فح سب ول كن ال عبرة وال هم أن تكون هناك حر كة جماع ية و صلح يش به أن يكون تيارا قو يا هادرا غال با ل ضعي فا ول مغلو با مؤثرا في غيره‬
‫وهذا كله يحتاج إلى وقت وجهد مضن للتعريف بالدعوة بالحك مة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن حتى تنت شر الفكرة السلمية‬
‫بالقناع والقتناع ‪.‬‬
‫ذلك لنه إذا لم ينجح الفرد المخلص في تحويل دعوته إلى تيار عام يحمله المخلصون ويعتصمون بحبل ال ويكونون على قلب رجل واحد كان‬
‫من الخا سرين (فإن ما يأ كل الذئب من الغ نم القا صية ) ف ما كا نت عنا ية ال سلم بترب ية الفرد إل ليكون لب نة في جما عة تتح مل مشاق الطر يق‬
‫وعبء الدعوة من حيث نشرها والتضحية من أجلها والجهاد في سبيل نصرتها وإقامة الدولة التي دعي السلم إلى تشييدها وتدعيم أركانها ‪.‬‬
‫لذلك جعل المولى سبحانه وتعالى المة السلمية كلها أمة دعوة فبينما بعث النبي محمد صلى ال عليه وسلم إلى هذه المة وإلى البشرية كافة‬
‫أتبعث هذه ال مة المسلمة إلى سائر الناس من أ جل ذلك قال ها ربعي بن عا مر لرستم قائد الفرس ‪(( :‬إن ال ابتعث نا لنخرج من شاء من عباده‬
‫العباد إلى عبادة ال ومن جور الحكام إلى عدل السلم ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والخرة ))‪.‬‬
‫ومن الخلص للدعوة أن يبذل الوسع والجهد في سبيل نشرها ل ينتظر من وراء هذا الجهد والتعب أن يحقق عن طريقها رغبة أو مصلحة أو‬
‫فائدة شخصية يسعى إليها من خلل دعوته أو يتخذ منه سببا للجاه أو الشرف أو الرياسة أو ينفع بها قريبا في نسب أو بعيدا في حسب وهذا‬
‫ما فعله المام البنا رحمه ال فالقارئ لسيرته الذاتية يرى كم من الجهد بذل ومن الوقت أنفق حتى جاد بنفسه في سبيل دعوته وكم من المراكز‬
‫عرضت عليه فأبى وكم من الموال قدمت له فتعفف وواصل الليل بالنهار يجول الفيافي والقفار ويقول للناس ‪ :‬ل نريد منكم جزاء ول شكورا ‪.‬‬
‫لن كل نبي أو رسول من الرسل الكرام أكد لقومه أنه ل يبتغى من وراء رسالته جزاء ول شكورا ول فائدة مادية ول معنوية على أدائها وإن‬
‫كان هناك جزاء أو فائدة ف هي تلك ال تي تعود من وراء هدا ية المهتد ين ب ها و من أ جل ذلك ف هو يض حي بوق ته وجهده و كل ما يملك في سبيل‬
‫تحقيق هذه الفائدة النبيلة ‪.‬‬
‫وهذا مبدأ عام لتخل يص الدعوة إلى الق يم الن سانية من أي شائ بة تشوب ها إذ أن الدعوة إلى ال تب حث ع من يحمل ها ول تحمله ويعطي ها كل ما‬
‫يملك ل ليأخذ منه بسعيه لنشرها يبتغى بذلك الشهرة والصيت فإذا لم تحقق له ذلك نكص على عقبيه وبخل بكل شئ بل وتنكر للطريق لنه وجد‬
‫مصلحته في غيره ‪ ،‬يقول مؤمن ((سورة يس)) الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ‪ { :‬قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من ل يسألكم أجرا‬
‫وههم مهتدون } يس ‪ ]21 -.2‬بينمها سحرة فرعون كانوا يقولون ‪{ :‬أيهن لنها لجرا إن كنها ن حن الغالبيهن قال نعهم وإن كم إذا ل من المقرب ين }‬
‫الشعراء ‪ ] 42-41‬وهم أنفسهم الذين حين مس الحق قلوبهم حولهم وقالوا { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما‬
‫أ نت قاض إن ما تق ضى هذه الحياة الدن يا إ نا آم نا برب نا ليغ فر ل نا خطايا نا و ما أكرهت نا عل يه من ال سحر وال خ ير وأب قى } طه ‪ ] 73 -72‬لن‬
‫الخلص إذا تمكن من القلوب ل يحفل المرء بما يفقده من مال أو جاه أو سلطان ول بما ينفقه من وقت وجهد بل ل يبالي بما يقع عليه من‬
‫عذاب لن القلب الذي يرجو الخرة ل يهمه من أمر هذه الدنيا قليل ول كثير فتتضاءل في عينه حتى تصبح نفسه التي بين جنبيه رخيصه في‬
‫سبيل نشر هذه الدعوة إلى درجة أنه يستطيل الوقت الذي يأكل فيه تمرات ويقول ‪ :‬أبيني بين الجنة تلك التمرات ال إنها لحياة طويلة ‪.‬‬

‫* ل تقدم على دعوتك شيئا ‪:‬‬


‫إن اصطياد الدنيا بالدين مأساة وقد نبه القرآن الكريم أن نفرا من الذين يلبسون شارات اليمان ويصدون الناس عنه وممن يتملكون عن ال‬
‫يأكلون با سمه أموال الناس سحتا ويتقاضون عن أوقات هم أجرا ويحققون مغن ما وذلك في قوله تعالى ‪ :‬إن كثيرا من الخيار ولرهبان ليأكلون‬
‫أموال الناس بالبا طل وي صدون عن سبيل ال والذ ين يكنزون الذ هب والف ضة ول ينفقون ها في سبيل ال فبشر هم بعذاب أل يم } التو بة ‪ ]34‬إن‬
‫الم سلم المخلص لدعو ته ل يقدم على هذه الدعوة نف سا أو أهل أو مال أو تجارة { قل إن كان آباؤ كم وأبناؤ كم وإخوان كم وأزواج كم وعشيرت كم‬
‫وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي ال بأمره وال‬
‫ل يهدى القوم الفاسقين } التوبة ‪.] 24‬‬
‫إن القرآن يضع في الية الكريمة الوشائج والمطامع واللذائذ كلها في كفة ويضع العقيدة ومقتضياتها في الكفة الخرى الباء والبناء والخوان‬
‫والزواج والعشيرة وشي جة الدم والن سب والقرا بة والزواج والموال والتجارة مط مع الفطرة ورغبت ها والم ساكن المري حة متاع الحياة وزينت ها‬
‫وفي الكفة الخرى ‪ :‬حب ال ورسوله وحب الجهاد في سبيله الجهاد بكل مقتضياته وبكلل مشتقاته الجهاد وما يتبع من تعب ونصب وما يتبعه‬
‫من تضييق وحرمان وما يتبعه من جراح واستشهاد مجردا من الصيت والظهور والمباهاة والفخر والخيلء ‪.‬‬
‫وعلى المسلم أن يختار ليختبر إخلصه لدعوته وصدقه من ربه هل يضحي بالفانية بكل ما فيها من زينة الحياة الدنيا في سبيل دعوة تقوده إن‬
‫ف عل ذلك إلى ج نة عرض ها ال سموات والرض أعدت للمتق ين ي صحبه في ها الذ ين أن عم ال علي هم من ال نبيين وال صديقين والشهداء وال صالحين‬
‫وحسن أولئك رفيقا أو الخرى التي يخسر فيها الدنيا والخرة وذلك هو الخسران المبين لذلك كانت التضحية بالوقت والجهد أهون التضحيات‬
‫بالنسبة لصاحب الدعوة فإن بخل على ال بوقته وجهده سيكون بغيرهم أبخل ‪.‬‬
‫إن صاحب الدعوة كما قلنا الذي يحمل فكرة يؤمن بها لبد له من أن يبذل الوقت والجهد بل المال والنفس في نشرها والتضحية في سبيل أن‬
‫تسود وتنتشر وهذا سبيل النبياء والمرسلين وعباد ال الصالحين ‪.‬‬
‫فلقد عاش الرسول صلى ال عليه وسلم للدعوة إلى الحق في تجرد عن الدنيا وزينتها وفي جلد وتحمل وصبر على المكاره والشدائد المادية‬
‫والمعنوية لنجاحها ولشدة قضاء كل وقته لها وحرصه الشديد على أن تصل للناس قال له ربه ‪ { :‬فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا‬
‫بهذا الحديث أسفا } الكهف ‪ 6‬إن صاحب الدعوة يعلم أن عمره كله ل فما خلقه ال إل لعبادته عمارة للكون ‪ ،‬وأمنا للناس ‪ ،‬ونشرا للسلم‬
‫والسهلم ‪ ،‬ول يتحقهق ذلك بفضول الوقات { قهل إن صهلتي ونسهكى ومحياي ومماتهي ل رب العالميهن ل شريهك له وبذلك أمرت وأنها أول‬
‫المسلمين } النعام ‪ 163-162‬لذا وجدنا الصحابة رضوان ال عليهم بذلوا أعمارهم وأوقاتهم في سبيل ال ‪ ،‬ولقد علمهم القرآن ذلك حين قص‬
‫ل ونهارا سرا وجهرا وهم يتحملون كل أنواع اليذاء ‪.‬‬
‫عليهم قصص الرسل الذين قضوا حياتهم يدعون إلى ال على بصيرة لي ً‬

‫‪ -‬المر الثقيل ‪:‬‬


‫إن هم يحملون ال مر الثق يل الهائل العظ يم أ مر رقاب الناس ‪ ،‬أ مر حيات هم وممات هم ‪ ،‬أ مر سعادتهم وشقائ هم ‪ ،‬أ مر ثواب هم وعقاب هم ‪ ،‬أ مر هذه‬
‫البشرية التي إما أن تبلغ إليها الرسالة فتقبلها وتتبعها فتسعد في الدنيا والخرة ‪ ،‬وإما أن ل تبلغ إليها فتكون لها حجة إلى ربها ‪ ،‬ويكون تبعة‬
‫شقائها في الدنيا وضللها معلقة بعنق من كلف التبليغ فلم يبلغ ‪ ،‬فأما رسل ال عليهم الصلة و السلم فقد أدوا المانة وبلغوا الرسالة ومضوا‬
‫إلى ربهم خال صين من هذا اللتزام الثق يل ‪ ،‬و هم لم يبلغو ها بالل سان فحسب بل ضحوا بكل ما يملكون من جهد وو قت ومال ون فس في سبيل‬
‫نشرها ‪.‬‬
‫وبقى هذا الواجب الثقيل على من بعدهم ‪ ،‬على المؤمنين بالرسالة و الطريق ‪ ،‬فهناك أجيال وراء أجيال جاءت وتجئ بعد الرسل ‪ ،‬وبعد رسولنا‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وتبليغ هذه الجيال منوط بعده بأتباعه ‪ ،‬ول فكاك لهم من التبعة الثقيلة تبعة إقامة حجة ال على الناس وتبعة استنقاذ‬
‫الناس من عذاب الخرة وشقوة الدنيا إل بالتبليغ والداء على ذات المنهج الذي بلغ به رسول ال صلى ال عليه وسلم وأدى ضاربا المثل و‬
‫القدوة في التضحية ‪.‬‬
‫لذلك قص علينا القرآن قصص رجال آمنوا فتحركوا وضحوا وبذلوا الجهد و الوقت في سبيل نشر دعوهم وحماية صاحبها فهذا رجل جاء من‬
‫أقصا المدينة يسعى قال { يا موسى إن المل يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين } القصص ‪. .2‬‬
‫فكم من الجهد بذل في زمان لم تكن وسائل المواصلت والتصالت ميسرة وسهلة كما في أيامنا هذه ‪ ،‬وكم من الثمن دفع تضحية لنقاذ حامل‬
‫الحق الذي أراد أن يبلغه ‪.‬‬
‫إ نه اليمان بالفكرة و الدعوة و الطر يق و هو إيمان كله أ مل أن الم ستقبل لهذا الد ين ‪ ،‬إيمان وأ مل يد فع الرجال إلى الع مل الجاد للو صول إلى‬
‫ل عن أموال نا وأنف سنا ‪ ،‬بل ل بد أن نرتفع إلى م ستوى هذا الد ين فل نعط يه‬
‫الن صر الك يد ‪ ،‬ولن يكون ذلك كذلك إذا بخل نا بأوقات نا وجهد نا فض ً‬
‫فضل أوقات نا وفضل جهود نا وف ضل أموال نا { إن ال اشترى من المؤمن ين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ‪ } ...‬التو بة ‪ 111‬وهذا يتطلب أن‬
‫نرتفع إلى مستوى هذا الدين في حقيقة إيماننا ‪ ،‬ونرتفع إلى مستواه في حقيقة عبادتنا ونرتفع إلى مستواه في معاملتنا ونرتفع إلى مستواه في‬
‫فهمنا ووعينا ‪.‬‬
‫إن النصر يحتاج إلى جهاد طويل ‪ -‬أقول جهاد ول أقول قتال ‪ -‬لن جسامة التحديات التي تواجه السلم و المسلمين في هذه الحقبة كثيرة ‪"،‬‬
‫وكلكم على ثغر من ثغور السلم فال ال أن يؤتى من قبله " فعدم البخل بوقتك وجهدك وكل ما تملك لهذه الدعوة جهاد في سبيل ال و الصابر‬
‫على ذلك حتى يتحقق نصر ال الموعود من المجاهدين الصادقين ‪.‬‬
‫لذلك فإن الدعاة اليوم هم طلئع النور في أمة طال عليها الل يل ‪ ،‬وبوادر اليقظة في أمة تأخر عنها النور ‪ ،‬وأمل العالم في عصر أجدبت فيه‬
‫الدنيا من رسل الرحمة و اليقين ‪ ،‬وامتلت بزبانية الثرة واللحاد ‪ ،‬فهل يجوز لمسلم صادق اليمان أمام هذا كله أن يبخل بوقته أو جهده لدنيا‬
‫يصيبها أو امرأة ينكحها أو ولد يرجو ل مستقبلً يفخر به ل ليورثه الطريق ‪ ،‬ويكون له دعوة صالحة بعد فراقه لهذه الدنيا الفانية ؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬رجال ورجال ‪:‬‬
‫ل قد حدد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أهم أ سباب القعود و النكوص و الك سل و الترا خي وعدم القبال على التضحيات فبين صلى ال عل يه‬
‫وسلم أن ذلك راجع إلى مرض خطير فتاك أصاب الشخصية السلمية في مقتل فأحبت الدنيا وكرهت الموت ‪ ،‬نعم إنها أحبت الدنيا وتعلقت بها‬
‫وخدعتهها وغرتهها وزيهن لهها { حب الشهوات مهن النسهاء و البنيهن و القناطيهر المقنطرة مهن الذههب و الفضهة و الخيهل المسهومة والنعام و‬
‫الحرث } آل عمران ‪ 14‬ن سيت أن ذلك كله متاع الحياة الدن يا ‪ ،‬و ال عنده ح سن الثواب ‪ ،‬وهذا سر هزي مة الم سلمين اليوم مع كثرت هم ‪،‬‬
‫وانتصار الرجال الذين كانوا حول الرسول صلى ال عليه وسلم مع قلتهم ‪.‬‬
‫هذه القلة صنع بها رسول ال صلى ال عليه وسلم جيلً فريدا فهم يقومون الليل ‪ ،‬ويصومون النهار ‪ ،‬فرسان رهبان ‪ ،‬ينفقون بأيمانهم ما ل‬
‫تعلمه شمائلهم ‪ ،‬قطعوا المسافات هجرة إلى ال بدينهم ‪ ،‬وقضوا الليل و النهار عبدا ل ‪ ،‬وعمارة للكون فعمروه بمنهج ال ‪ ،‬لذلك لم يشعروا‬
‫بالتفاهة و الضياع ولم يعيشوا والدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم إنما عاشوا لقامة الحق ‪ ،‬وإفاضة الخير وإشاعة الجمال في هذا الكون لتسعد‬
‫البشرية بمنهاج ربها ‪.‬‬
‫إ نه شعور بج سامة الم سئولية ‪ ،‬وع ظم الما نة ال تي يحمل ها الر جل من هم ‪ ،‬فك يف ينام قر ير الع ين صاحب هذا الشعور ؟ و هو م ستشعر أن‬
‫الواجبات أكثر من الوقات ‪ ،‬فيجب أن يقت نص العاقل في هذه الدن يا كل لحظة لصالح دعو ته ‪ ،‬من أ جل ذلك كان من دعاء ال صديق رضى ال‬
‫عنه “ اللهم ل تدعنا في غمرة ول تأخذنا على غرة ول تجعلنا من الغافلين " وكان عمر رضى ال عنه يدعو أن يرزقه ال البركة في الوقات‬
‫وإصلح الساعات ‪ ،‬لنه ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ؟ وعن ماله مم اكتسبه ؟ وفيما أنفقه ؟ ‪.‬‬
‫إن هذا الجهد الذي يبذله الداعي ‪ ،‬وهذا الوقت الذي ينفقه في الدعوة ل يحتاج من الفئة التي عاهدت ال على حمل الرسالة ومواصلة الطريق‬
‫مهما كانت الصعاب إلى من يأمرهم بهذا أو يكلفهم به أو حتى يذكرهم به ‪ ،‬فهذا المر الجلل ‪ -‬الدعوة إلى ال ‪ -‬ل يغيب عنهم لحظة من ليل‬
‫أو نهار ‪ ،‬فهي الهواء الذي يتنفسونه وهي الحياة التي بها ولها يحيون ‪ ،‬فهل النسان في حاجة إلى تذكرة ليستنشق الهواء ؟ فكيف بالداعي‬
‫الذي تجرى في عروقه الدعوة ‪ ،‬وهي بالنسبة له الحياة ؟ أيحتاج إلى توجيه من أحد يكلفه وهي حركته التلقائية أينما كان في بيته أو مكتبه أو‬
‫متجره أو وظيفته ‪ ،‬مع أهله أو جيرانه أو مجتمعه إنه يشعر بأنه مكلف بذلك سلفا من قبل ال عز وجل ‪.‬‬
‫يشعر بذلك ويعمل على نشرها في الفاق كما فعل هدهد سليمان حين تفقد الطير فقال { مالي ل أرى الهدهد أم كان من الغائبين } النمل ‪، .2‬‬
‫فإذا بالهد هد يقول له { أحطت ب ما لم ت حط به وجئ تك من سبأ بن بأ يق ين } الن مل ‪ ، 22‬ولكي ترى كم من الم سافات قطع وكم من الجهد بذل‬
‫وضحى ؟ لك أن عرف أن مملكة سبأ تقع في جنوب الجزيرة باليمن فقطع الهدهد هذه المسافات الشاسعة و الفيافي و القفار وبلغ قائده بما رآه‬
‫حتى يرسل أتباعه لينشروا دعوة ال ‪.‬‬
‫إذا كان هذا حال هد هد ي سعى بدعو ته ‪ ،‬فهذا ر جل سمع الدعوة فا ستجاب ل ها بعد ما رأى في ها من دلئل ال حق و المن طق ما يتحدث ع نه في‬
‫مقالته لقومه ‪ ،‬وحينما استشعر قلبه حقيقة اليمان ‪ ،‬تحركت هذه الحقيقة في ضميره فلم يطق عليها سكوا ‪ ،‬ولم يقبع في داره بعقيدته وهو‬
‫يرى الضلل مهن حوله و الجحود و الفجور ‪ ،‬ولكنهه سهعى بالحهق الذي اسهتقر فهي ضميره وتحرك فهي شعوره ‪ ،‬وسهعى بهه إلى قومهه ‪ ،‬وههم‬
‫يكذبون ويجحدون ويتوعدون ويهددون ‪ ،‬وجاء من أقصى المدينة يسعي ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق ‪ ،‬وفي كفهم عن البغي ‪ ،‬وفي‬
‫مقاومة اعتدائهم الثيم الذي يوشكون أن يصبوه على المرسلين ‪ ،‬وظاهر أن الرجل لم يكن ذا جاه ول سلطان ‪ ،‬ولم يكن في عزوة من قومه أو‬
‫منعة من عشيرته ولكنها العقيدة الحية في ضميره والخلص لدعوته الذي دفعه لهذه التضحية فجاء من أقصى المدينة إلى أقصاها { قال ‪ :‬يا‬
‫قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من ل يسألكم أجرا وهم مهتدون }يس ‪ ، 21-.2‬إن الذي يسعى هذا السعي ‪ ،‬ويبذل هذا الجهد ‪ ،‬وهو ل يطلب‬
‫أجرا ول يبتغى مغنما ‪ ،‬إنه لصادق في تضحيته مخلص لدعوته يريد لها انتشارا وإل فما الذي يحمله على هذا العناء إن لم يكن يلبى تكليفا من‬
‫ال ؟ ما الذي يدفعه إلى حمل هذه الدعوة ومواجهة الناس بغير ما ألفوا من العقيدة ؟ و التعرض لذاهم وشرهم واستهزائهم وتنكيلهم ‪ ،‬وهو ل‬
‫يجنى من ذلك كسبا ‪ ،‬ول يطلب منهم أجرا ‪ ،‬بل بذل جهده وأنفق وقته ليلقى بكلمة اليمان الواثقة المطمئنة وأشهدهم عليها ‪ ،‬وطلب منهم أن‬
‫يقولوها كما قالها ‪.‬‬
‫إن إخلص الداعي الذي يبذل الطاقة ويقضى وقته في الدعوة إلى دين ال لينتشر بين الناس جميعا ‪ ،‬ويكون رأيا عاما لدعوته ل ينتظر تكليفا‬
‫من أحد ول أمرا من قيادة ‪ ،‬إنما هي تلقائية الحركة بدافع الخلص لها ‪ -‬كما ذكرنا ‪.-‬‬
‫‪ -‬وصنف تحمله الدعوة ‪:‬‬
‫أين هؤلء الرجال من هؤلء الذين تحملهم الدعوة ول يحملونها بل ربما يسببون إعاقة للصف ‪ ،‬وداء يسبب العدوى ‪ ،‬وقدوة للكسالى ‪ ،‬وحجة‬
‫للبطالة ‪ ،‬يضعفون الهمم ‪ ،‬فتراهم ينشغلون بأعمالهم ومشروعاتهم ‪ ،‬ومصالحهم وأولدهم ودنياهم فإذا ذكرتهم فما أكثر العذار ‪ ،‬وإن عاتبتهم‬
‫فما أكثر الحجج ‪ ،‬وإن حاسبتهم فما أشد غضبهم ‪ ،‬هم للدنيا يعطون وللدعوة يبخلون ‪ ،‬إن الدعوات ل تنتصر بأصحاب المصالح ‪ ،‬ول بطلب‬
‫الدنيا ‪ ،‬ول المعطين للدعوة فضول أوقاتهم وجهدهم ‪ ،‬ول طالبي الضواء وعبادة الشهرة و الظهور ‪ ،‬بل بمن سماهم الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم في الحديث الشريف ( البرار التقياء الخفياء ‪ ،‬الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا قلوبهم مصابيح الهدى ) ‪.‬‬
‫إنهم وقفوا حياتهم لدعوتهم فتراهم شامة في جبين الزمن في مواقعهم بين أساتذة الجامعات هم في المقدمة علميا وأخلقيا ودعويا يعطى من‬
‫وقته لبنى جلدته ليورثه الطريق علما ودعوة ‪ ،‬وتراهم في المصانع مهندسا كان أم إداريا أم عاملً يتقدم الصفوف ويشهد له الجميع بأنه في‬
‫القمة في خصصه أولً ‪ ،‬خادما به دعوه ‪ ،‬قدوة لغيره في جودة الداء ‪ ،‬كما تراهم بين من يفكرون في إيجاد الوسائل التي تناسب العصر نشرا‬
‫لهذه الدعوة ‪ ،‬فإذا اخترع العداء آلة أو جهازا ليستخدموه في مصالحهم وأفكارهم ومعتقداتهم بذلوا جهدهم لكي يستغلوه في دعوتهم ‪ ،‬فجميع‬
‫أوقاتهم مسخرة لدعوتهم ‪ ،‬إنهم في هم دائم وانشغال مستمر أينما كانوا في بيوتهم أو بين جيرانهم أو في مواقع عملهم يضحون بمصالحهم‬
‫الشخ صية في سبيل ن شر دين هم ودعوت هم ‪ ،‬ل يبالون ب سخرية ول ا ستهزاء ‪ ،‬ول إيذاء ح تى لو قدر ل هم أن تكون أوقات هم ال تي يبذلون ب ين‬
‫الجدران و الزناز ين ترا هم في ش غل دائم وتفك ير م ستمر وبذل للجهد وا ستغلل للو قت ل صالح دعوت هم ‪ ،‬يقولون ك ما قال نبي ال يو سف { يا‬
‫صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم ال الواحد القهار } يوسف ‪ 39‬وقدوتهم في ذلك رسولهم الكريم صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأصحابه الغر‬
‫الميامين ‪ ،‬كمصعب بن عمير الذي هاجر إلى المدينة بأمر من رسول ال صلى ال عليه وسلم فترك الهل و الوطن و المال وبذل كل وقته سعيا‬
‫بين الوس و الخزرج داعيا إلى ال على بصيرة بحكمة وموعظة حسنة ومجادلة بالتي هي أحسن ‪ ،‬فمهد لهجرة الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫و صحبه فكان خ ير سفير ‪ ،‬وعاد باثن ين و سبعين رجلً وامرأت ين إلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ب عد أن آمنوا خلل عام وا حد قضاه ‪،‬‬
‫وكذلك جعفر بن أبى طالب وإخوانه الذين هاجروا إلى الحبشة والمثلة كثيرة من أصحاب الهمم العالية ‪.‬‬
‫وفي عصرنا الحديث و القريب أمثلة مشرفة كذلك من رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه ‪ ،‬أنذروا حياتهم لدعوتهم ‪ ،‬واستغلوا كل ثانية ودقيقة‬
‫لصالح هذه الدعوة ‪ ،‬فالوقت بالنسبة لهم ليس من ذهب كما يقول الذين يقيسون الوجود من الناحية المادية ‪ ،‬ولكنه الحياة لن حياة النسان‬
‫في هذا الوجود هي الوقت الذي يم ضى ب ين الوفاة و الميلد ‪ ،‬فقد يذهب الذهب وين فذ ولكنك ت ستطيع الح صول عل يه بعد ذلك ‪ ،‬وت ستطيع أن‬
‫يكون معك منه أضعاف ما فقدت ‪ ،‬ولكن الوقت الذاهب و الزمن الفائت ل تستطيع له إعادة أو إرجاعا ( فما إن ينبثق فجر يوم جديد إل وينادى‬
‫مناد يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمنى فإني لن أعود إليك إلى يوم القيامة ) ‪.‬‬
‫ولذلك كان أع ظم الناس تعرضا للخ سارة والخفاق أولئك المضيعون لوقت هم الغافلون عن ر سالتهم { ول قد ذرأ نا لجه نم كث ير من ال جن وال نس‬
‫لهم قلوب ل يعقلون بها ولهم أعين ل يبصرون بها ولهم آذان ل يسمعون بها أولئك كالنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } العراف ‪. 179‬‬
‫‪ -‬من النماذج الحية ‪:‬‬
‫من هذه النماذج الحية التي بذلت الوقت و الجهد و القوة و الثبات على الدين ما كان من أبى ذر الغفارى رضى ال عنه لما أعلن إسلمه بمكة‬
‫وذلك في أول السلم ‪ .‬أخرج المام البخاري ومسلم من عدة طرق ومنها ما أخرجاه عن عبد ال بن عباس رضى ال عنه قال ‪:‬لما بلغ أبا ذر‬
‫مبعث النبي صلى ال عليه وسلم بمكة قال لخيه ‪ :‬اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء فاسمع‬
‫من قوله ثم ائتني ‪.‬‬
‫فانطلق الخر حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع إلى أبى ذر فقال ‪ :‬رأيته يأمر بمكارم الخلق وكلما ما هو بالشعر فقال ‪ :‬ما شفيتني فيما‬
‫أردت ‪.‬‬
‫فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قد م مكة فأتى المسجد فالتمس النبي صلى ال عليه وسلم ول يعرفه وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض‬
‫الل يل فاضط جع فرآه على ر ضى ال ع نه فعلم أ نه غر يب فل ما رآه تب عه فلم ي سأل وا حد منه ما صاحبه عن شئ ح تى أ صبح ثم احت مل قرب ته‬
‫وزاده إلى المسجد فظل ذلك اليوم ول يرى النبي صلى ال عليه وسلم حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمر به على فقال ‪ :‬ما آن للرجل أن يعلم‬
‫منزله ؟ فأقا مه فذ هب به م عه ول ي سأل وا حد منه ما صاحبه عن شئ ح تى إذا كان اليوم الثالث ف عل م ثل ذلك فأقا مه على م عه ثم قال ‪ :‬أل‬
‫تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد ؟‬
‫قال ‪ :‬إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت ففعل فأخبره فقال ‪ :‬فإنه حق وهو رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن‬
‫رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أر يق الماء فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ودخل معه فسمع من قوله وأسلم مكانه فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪((:‬أرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري )) فقال ‪ :‬والذي‬
‫نفسي بيده لصرخن بها بين ظهرانيهم ‪.‬‬
‫فخرج حتهى أي المسهجد فنادى بأعلى صهوته ‪ :‬أشههد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وثار القوم فضربوه حتهى‬
‫أضجعوه فأتى العباس فأكب عليه فقال ‪ :‬ويلكم ألستم تعملون أنه من غفار وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم ؟ فأنقذه منهم ثم عاد من الغد‬
‫لمثلها وثاروا إليه فضربوه فأكب عليه العباس فأنقذه ‪.‬‬
‫في هذا الخبر بيان للرعب الشديد الذي أثاره زعماء الكفار في مكة حتى أصبح القادم ل يستطيع أن يسأل عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫إل بحذر شديد كما فعل أبو ذر الغفارى رضى ال عنه وأصبح المسلمون ل يستطيعون أن يصبحوا القادمين ظاهرا بل لبد من الحتيال لخفاء‬
‫هذا الصطحاب كما فعل على بن أبى طالب رضى ال عنه فانظر لترى كم من الجهد بذل أبو ذر وكم عانى للوصول إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وكم تحمل من مشاق ؟ وكم مكث من الليالي مستخفيا ؟‬
‫وكان م صرا إلى الستخفاء حتى يحصل على بغي ته من الو صول إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم خشية أن يمنع من ذلك فلما و صل إليه‬
‫وآمن به كان قويا في إعلن إسلمه لنه ل يخشى على نفسه وإنما كان يخشى أن يمنع من سماع دعوة الحق ‪.‬‬
‫لذلك رأينا أبا ذر رضى ال عنه يجهر بأيمانه بهذا الدين أمام أعدى أعدائه آنذاك بعدما اقتنع أنه دين الحق ل يخشى في ال لومه لئم ‪.‬‬
‫وهذه نفحة من نفحات قوة اليمان أبت إل أن تبدو في صورة ظاهرة من العتزاز بالسلم والتحدي القوى لعدائه ‪.‬‬
‫إن إعلن السلم بهذه الصورة من رجل ليس له عشيرة ول حلفاء في مكة أمام أعداء يهيمنون على الوضع القائم آنذاك ويعذبون المسلمين ‪..‬‬
‫إن هذا العلن سلوك جرئ يشف عن محرك قوى من اليمان جعله يضحي بكل شئ ‪.‬‬
‫وإ نه إذا كان الم سلمون في فترات ضعف هم وقلت هم بحا جة إلى المداراة وال ستخفاء فإن بروز أفراد من هم يتحملون ويضحون في سبيل إعلن‬
‫دعوة الحق له أثره البالغ في توهين قوى العداء وتقوية إيمان المسلمين وربط قلوبهم ‪.‬‬
‫وكون النبي صلى ال عليه وسلم لبى ذر ‪ ((:‬ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري )) دليل على اهتمام النبي صلى ال عليه وسلم العظيم‬
‫بنشر دعوته وإشعار المسلمين بواجبهم نحو ذلك ‪.‬‬
‫وقد جاء في رواية أخرى أخرجها المام مسلم ما هو أبلغ في الدللة على ذلك وذلك في قوله صلى ال علي وسلم لبى ذر ‪ (( :‬إنه قد وجهت‬
‫لي أرض ذات نخل ل أراها إل يثرب فهل أنت مبلغ عنى قومك عسى ال أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم ! )) ‪.‬‬
‫قال أبو ذر ‪ :‬فأتيت أنيسا فقال ‪ :‬ما صنعت ؟ قلت ‪ :‬صنعت أنى أسلمت وصدقت قال ‪ :‬ما بي رغبة عن دينك فإني قد أسلمت وصدقت فأتينا أمنا‬
‫فقالت ‪ :‬ما بي رغ بة عن دينك ما فإ ني قد أ سلمت و صدقت فاحتمل نا ح تى أتي نا قوم نا غفارا فأ سلم ن صفهم وكان يؤم هم ((إيماء بن رح ضة‬
‫الغفارى )) وكان سيدهم وقال ن صفهم ‪ :‬إذا قدم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم المدي نة أ سلمنا فقدم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم المدي نة‬
‫فأسلم نصفهم الباقي )) ‪.‬‬
‫وهكذا أسلمت قبيلة غفار بدعوة أبى ذر بعد أن بذل ما بذل من جهد ووقت وتحمل الذى في سبيل نشر دعوته وكان له ولقومه مواقف مشرفة‬
‫في الدعوة والجهاد ‪.‬‬

‫* أهمية الوقت للمسلم ‪:‬‬


‫ولهم ية الو قت وضرورة تنظي مه وح سن توزي عه على الع مل أو على الواجبات نود أن نقرر حقي قة واق عة في مجال الع مل من أ جل ال سلم‬
‫بالنسبة للوقت ‪.‬‬
‫تلك الحقيقة هو أن الوقت وتنظيمه وحسن توزيعه على العمل هو أهم أسباب النجاح وأن تضييعه أو سوء تنظيمه وتوزيعه على العمل هو أهم‬
‫أسباب الفشل والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى ‪.‬‬
‫‪-‬إن الوقت وإنفاقه فيما يعود على السلم والمسلمين بالفائدة من أهم ما يسأل عنه النسان يوم القيامة أمام من منحه هذا الوقت أو ذاك العمر‬
‫ف قد روى الترمذى ب سنده عن ع بد ال بن م سعود ر ضى ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ (( :‬ل تزول قد ما ا بن آدم يوم‬
‫القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس ‪:‬‬
‫عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيما أبله ؟ وعن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ وماذا عمل فيما علم ؟ ))‬
‫وال سؤال ب ين يدي ال تعالى عن خ مس هو سؤال عن الو قت إذ الع مر و قت والشباب و قت وك سب المال يقع في و قت وإنفاق المال يحدث في‬
‫وقت والعمل وعاؤه الوقت بل العلم يحصل في وقت !!! ‪.‬‬
‫ومما يدعم هذه الهمية للوقت في حياة النسان ما رواه الحاكم بسنده في المستدرك عن ابن عباس رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ((:‬اغتنم خمسا قبل خمس ‪ :‬حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك ))‬
‫إذ الحياة والصحة والفراغ والشباب والغنى كلها أمور ل تكون إل في وقت ‪.‬‬
‫وكذلك ما رواه البخاري بسنده عن ابن عباس رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬نعمتان من نعم ال مغبون فيهما كثير‬
‫من الناس ‪ :‬ال صحة والفراغ )) وكله ما ل يكون إل في و قت وأي ضا في مجالت الع مل من أ جل ال سلم ‪ :‬الدعوة والحر كة والترب ية والعداد‬
‫للتمكين لدين ال في الرض ‪.‬‬
‫في هذه المجالت تبرز أهمية الوقت وأهمية تنظيمه وملئه بالنافع المرضى ل تعالى من القوال والعمال ‪.‬‬
‫وما يؤتى العمل من أجل السلم في مقتل كمثل ما يؤتى من تضييع الوقت أو سوء تنظيمه ‪.‬‬
‫وكثيرا ما يدور حوار فينفس بعض العاملين من أجل السلم حول الوقت وتنظيمه وحسن توزيعه على الواجبات ‪.‬‬
‫وأغلب الظن أن هذا الحوار يؤدى إلى الوصول لحدى نتائج ثلث ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن يضحي بوقته كله من أجل العمل السلمي ‪:‬‬
‫وهذا المسلم الذي أعطى كل وقته للدعوة وواجباتها ينجز في هذا المجال ما ل ينجزه سواه ويحظى بكل تقدير إخوانه بل إعجابهم به والدعاء‬
‫له وغبطته على ما هو فيه من نعمة هذا العمل الجليل ‪.‬‬
‫‪ -‬وليس هذا فيما أتصور بأحسن المنازل ول بأجود ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من التزام بأولويات بعينها في العمل من أجل السلم ‪.‬‬
‫‪ -‬وأغلب الظن أن هذا المسلم الكريم إذ أعطى وقته كله للدعوة وأهمل حق نفسه وحق أهله وذويه وما لهم من حقوق في وقته فقد جار وما‬
‫عدل ومن هنا وقع في الجلل بتنظيم الوقت وهذا الجلل تقصير قد يصل إلى الهمال والمعصية لن السلم دين التوازن والولويات وإعطاء‬
‫كل ذي حق حقه إن لربك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا وإن لهلك عليك حقا فاعط كل ذي حق حقه ‪.‬‬
‫وم ما يؤكد هذا التوازن ما رواه أ بو داود بسنده عن عائشة ر ضى ال عنها قالت ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه وسلم لعثمان بن مظعون ‪:‬‬
‫(( يا عثمان أراغب عن سنتي ؟ فإني أنام وأصلى وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق ال يا عثمان فإن لهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا‬
‫وإن لنفسك عليك حقا فصم وأفطر وصل ونم )) ‪.‬‬
‫وكان عثمان بن مظعون رضى ال عنه من المجتهدين في العبادة الراغبين في التفرغ لها من كل مشاغل الدنيا فوجهه النبي صلى ال عليه‬
‫و سلم هذا التوج يه الذي طال به ف يه بأن يوازن ب ين أ صحاب الحقوق في وق ته ول يغلب شيئا على شئ ولو كا نت العبادة ل تعالى وذلك أن من‬
‫عبادة ال إعطاء كل ذي حق حقه ‪.‬‬
‫والذي أود أن أؤكده هنا أن إعطاء الوقت كله للدعوة على حساب وقت الهل والبناء والرحام والقارب وعلى حساب القراءة والطلع وتربية‬
‫الخ لنفسه تربية ذاتية كل ذلك ليس من الصواب ول من فقه الموازنات بين الواجبات ول من فقه الولويات بين هذه الواجبات ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أو أن يضحي بعض المسلمين بهامش الوقت أو ما يفيض عن حاجتهم ويفضل الواحد منهم أن يعطى أكثر وقته لحاجاته الشخصية وما‬
‫يفيض عن ذلك يعطيه للدعوة ‪.‬‬
‫ومن المعروف أن حاجات النسان كثيرة ولو أعطاها النسان من وقته ما يكفيها ما بقى له من وقته شئ أو بقى له نزر يسير ل يكفي للقيام‬
‫بواجبات الدعوة إلى ال ‪.‬‬
‫فل يجوز أن يبرر لنفسه هذا التوزيع السيئ الظالم لوقته بقوله (( ل يكلف ال نفسا إل وسعها )) أو بقوله (إن لبدنك عليك حقا ولهلك عليك‬
‫حقا )) وهذا سوء فهم جاء عن غفلة وهمزة شيطان لن المطلوب هو أن ينسق بين هذه الواجبات ويعطيها ما تستحق من الوقات بهذا التبرير‬
‫المغلوط إنما يتكالب على الدنيا ويرضخ لمطالبها التي ل تنتهي والتي ل يجوز الرضوخ لها إلى حد تضييع وقت الدعوة ‪.‬‬
‫روى ابن ماجة بسنده عن أبى حميد الساعدى رضى ال عنه ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( أجملوا في طلب الدنيا فإن كلً ميسر لما‬
‫كتب له )) وروى الحاكم بسنده في مستدركه عن عبد ال بن مسعود رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ((اقتربت الساعة‬
‫ول يزداد الناس على الدن يا إل حر صا ول يزدادون من ال إل بعدا )) ‪ .‬وروى البيه قى ب سنده عن خباب بن الرت ر ضى ال ع نه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ((إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا مثل زاد الراكب )) ‪.‬‬
‫وروى الترميذى بسنده عن أنس رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ((من كانت الخرة همه جعل ال غناه في قلبه وجمع‬
‫له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل ال فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إل ما قدر له )) ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أو أن يضحي ببعض وقته للدعوة وبعضه لمطالب العيش ومعنى ذلك أنه يوازن بين مطالب دنياه دون تكالب ومطالب دينه ودعوته دون‬
‫توغل فيعطى كل من الوقت ما يناسبه وما من شأنه أن يصلح العمل إذا أدى بأمانة وإخلص وهذا الذي فقه وعمل هو الذي ينجح بمثله العمل‬
‫وتتح قق الهداف وتن مو الدعوة إلى ال وت صل إلى من ي جب أن ت صل إل يه هو بف ضل ال بأح سن المنازل ع ند ال تعالى إذ قام بواجبا ته دون‬
‫إخلل وهو عند الناس بأحسن المنازل أيضا لنه لم يهمل أصحاب واحب ول قصر في حق أحد ‪.‬‬
‫وإنما كان تنظيم الوقت علمة على المنزلة الحسنة عند ال تعالى وعند الناس كذلك لن تنظيم الوقت مطلب شرعي دعا إليه الدين وحث عليه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫روى ابن حبان في صحيحه بسنده عن أبى ذر الغفارى رضى ال عنه قال ‪ :‬مما رواه النبي صلى ال عليه وسلم عن صحف إبراهيم ‪(( :‬ينبغي‬
‫للعاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله ‪ -‬أن يكون له أربع ساعات ‪ :‬ساعة يناجى فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر في صنع ال‬
‫عز وجل وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب )) ‪.‬‬
‫روى البخاري ب سنده عن أ بى هريرة ر ضى ال ع نه عن ال نبي صلى ال عل يه سلم قال (( إن الد ين ي سر لن يشاد الد ين أ حد إل غل به ف سددا‬
‫وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشئ من الدلجة ))‪.‬‬
‫وإن الناظر في دين السلم يجد كل ما فيه من عبادات ومعاملت منظما وموقتا توقيتا دقيقا فالصلة اوالصيام والزكاة والحج عبادات لها نظام‬
‫إن اختهل فسهدت أو بطلت والزواج والطلق وسهائر العقود لهها نظام دقيهق إذا اختهل فسهدت أو بطلت كذلك والعبادات توقيهت ل تتهم إل فيهه‬
‫وللمعاملت توقيت كذلك في كثير من أنواعها ‪.‬‬
‫فتلك هي التضح ية بالوقت من أ جل الغا ية ال تي جاء ب ها السلم بل المطلوب أن تكون التضحية بالحياة كلها وبكل شئ في سبيل الغا ية وهذا‬
‫التعبير بالحياة كلها وبكل شئ يعنى أن تكون التضحية في سبيل الغاية بكل ما يستطيع النسان أن يضحي به من ماديات ومعنويات وجهود في‬
‫ظل المثل العليا ‪.‬‬
‫وهذه الغاية يجب أن يضحي في سبيلها بالحياة وبكل شئ لن تلك الغاية قد فرض ال تحقيقها على كل مسلم بما يستطيع من إمكانا سواء أكان‬
‫هذا الفرض عينيا أو كفائيا وبغير هذه التضحية لن يصل المسلم إلى ال إرضاء تعالى بالستجابة لما أمره به ‪.‬‬
‫وإنما كانت هذه الغاية فرضا لنها التي تمكن لدين ال في الرض وتحكم الناس بمنهج رب الناس سبحانه وتعالى وذلك واجب كل مسلم قادر‬
‫على التضحية بأي شئ إن هذه الغراض إلى جاء السلم ليحققها والتي هي الغاية تشمل كل أنواع العمل من أجل السلم ‪.‬‬
‫وان ظر إلى المام الب نا رضوان ال عل يه و هو يضرب الم ثل لتبا عه في بذل الج هد بل والتضح ية ب كل شئ ل قد زار ثل ثة آلف قر ية من أرب عة‬
‫آلف هي مجموع قرى القطر المصري بل إنه استقال من وظيفته ليفرغ لواجبات دعوته وكان ينام في أسفاره ليدخر الوقت لتباعه وقد ضحى‬
‫براحته وكان يتمثل قول المام أحمد بن حنبل رضى ال عنه ‪ :‬من أراد الراحة ترك الراحة وكذلك كان حال المخلصين من أتباعه إلى يومنا هذا‬
‫‪.‬‬

‫الباب الرابع ‪ -‬التضحية بالمال‬

‫مع شعبة بن الحجاج رضى ال عنه‬ ‫*من موازين اليمان ‪.‬‬


‫مع العمى في قصة الثلثة من بنى إسرائيل‬ ‫* النفاق في سبيل ال ‪.‬‬
‫مع عبد ال بن جعفر رضى ال عنه‬ ‫* النفاق ودللته‬
‫مع عبد ال بن المبارك رضى ال عنه‬ ‫*أولئك هم المؤمنون حقا ‪.‬‬
‫مجاهدون بأموالنا ‪.‬‬ ‫* شروط قبول التضحية بالمال‬
‫تعفف عن الهدايا والجر‬ ‫* التضحية بالمال كما جاءت في السنة‬
‫ما جئت جابيا‬ ‫*التضحية واجب شرعي ‪.‬‬
‫* مع رسول ال وسائل البردة‬
‫يبكون شوقا إلى الجهاد ل الغنائم ‪.‬‬ ‫*مع أبى بكر الصديق رضى ال عنه‬
‫التربية ابتداء وانتهاء‬ ‫* مع صهيب رضى ال عنه‬
‫هاجس الرزق‬ ‫* مع عبد الرحمن بن عوف رضى ال عنه‬
‫حاجة الجهاد للمال وفضل النفقة‬ ‫*مع عائشة رضى ال عنها ‪.‬‬
‫عليه ‪.‬‬ ‫* مع أبى عبيدة ومعاذ رضى ال عنهما‬
‫لماذا الجهاد بالمال ؟‬ ‫* مع أبى أمامة رضى ال عنه‬
‫* مع عبد ال بن عمر رضى ال عنه ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التضحية بالمال‬

‫* من موازين اليمان ‪:‬‬


‫يقول ال تعالى { إنمها المؤمنون الذيهن آمنوا بال ورسهوله ثهم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالههم وأنفسههم فهي سهبيل ال أولئك ههم الصهادقون }‬
‫الحجرات ‪. ] 15‬‬
‫إن المؤمن ين حقا هم الذ ين تحققوا باليمان في باطن هم وظ هر أثره على جوارحهم فاليمان هو ما و قر في القلب و صدقه الع مل إن هم الذ ين ل‬
‫يشكون ول يترددون في كل ما يتصل باليمان من قواعد وهم قائمون بالجهاد في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم ‪.‬‬
‫والجهاد بالمال وإن لم يت صل إلى مرت به الجهاد بالن فس له منزل ته العظي مة في ال سلم ول قد تحدث ال سبحانه وتعالى في القرآن الكر يم عن‬
‫النفاق والبذل والتضحية بالمال في سبيله وبين قواعده العامة التي نرجو أن يسير المسلم على هداها طيلة حياته ويقول سبحانه ‪ { :‬فأما من‬
‫أعطى وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغنى عنه ماله إذا تردى } الليل‬
‫‪. ] 11 -5‬‬
‫ويسمر القرآن في بيان المبدأ وشرح الموضوع فيقول ال سبحانه ‪ { :‬إنا علينا للهدى وإنا لنا للخرة والولى فأنذرتكم نارا تلظى ل يصلها إل‬
‫الشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها التقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لحد عنده من نعمة تجزى إل ابتغاء وجه ربه العلى ولسوف يرضى}‪.‬‬
‫الل يل ‪ ٍ 21 -12 :‬في هذه اليات الكريمة ترشد إلى أن النفاق في سبيل ال من شروط التيسر في هذه الحياة تي سر الرزق وتسير الشفاء‬
‫وتيسر الفرج وإزالة الضيق وتيسر إزالة الهم وتيسر كل خير في هذه الدنيا وفي يوم الدين إما الشح بالمال فإنه من أسباب العسر في كل هذه‬
‫المور ‪.‬‬
‫على أن ال سبحانه وتعالى قد وعد إنه يخلف المال الذي ينفقه المؤمن في سبيله فقال {وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين } ‪.‬‬
‫سبأ ‪ 39‬وبين سبحانه وتعالى أنه ل يخلفه بمثله ولكن بأضعاف ‪ ،‬فضرب هذا المثل الذي يتناسب مع كرمه سبحانه { مثل الذين ينفقون أموالهم‬
‫في سبيل ال كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة وال يضاعف لمن يشاء وال واسع عليم الذين ينفقون أموالهم في سبيل ال‬
‫ثم ل يتبعون ما أنفقوا منّا ول أذى لهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون } البقرة ‪ ، 262-261‬وبين سبحانه أن النفاق في‬
‫سبيله قرض حسن فقال { من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة وال يقبض ويبسط وإليه ترجعون } البقرة ‪. 245‬‬
‫إن المشههد الول الذي رآه رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فهي ليلة إسهرائه يتناسهق مهع هذا الكرم اللههي الذي غمهر اله سهبحانه وتعالى‬
‫المجاهدين في سبيله ‪ ،‬لقد رأي رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة السراء قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ‪ ،‬كلما حصدوا عاد كما‬
‫كان فقال ال نبي صلى ال عل يه و سلم يا جبر يل ما هذا ؟ قال ‪ :‬هؤلء المجاهدون في سبيل ال تضا عف ل هم الح سنة ل سبعمائة ض عف { و ما‬
‫أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين } سبأ ‪. 39‬‬
‫فالنساء يتبرعن بحليهن ومالهن ‪ ،‬و الرجال بما يستطيعون ‪ -‬كما حدث في غزوة العسرة ‪ -‬وها هو ذا أبو بكر الصديق يأتي بماله كله ‪ ،‬وكان‬
‫أربعة آلف درهم ويسأله رسول ال هل أبقيت لهلك شيئا ؟ فيقول رضى ال عنه ‪ :‬أبقيت لهم ال ورسوله ‪.‬‬
‫وي جئ ع بد الرح من بن عوف بمائة أوق ية من الذ هب الخالص ‪ ،‬وي جئ سيدنا عثمان بثلثمائة بع ير ‪ ،‬وبألف دينار ‪ ،‬وي ضع الدنان ير في ح جر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فيسر الرسول بها ‪ ،‬ويدخل يده فيها يقلبها ويقول ‪ :‬اللهم ارض عن عثمان فإني راض عنه ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ما على‬
‫عثمان ما عمل بعد اليوم ‪ ،‬وتتوالى التبرعات من الرجال و النساء ‪ ،‬حتى تنتهي بتجهيز الجيش وقيامه بالمهمة التي أرادها ال ورسوله ‪.‬‬
‫فللنفاق في سبيل ال منزلة كبيرة في ال سلم ‪ ،‬يقول ال تعالى في النفاق في سبيله { م ثل الذ ين ينفقون أموال هم في سبيل ال كم ثل ح بة‬
‫أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة وال يضاعف لمن يشاء وال واسع عليم } البقرة ‪. 261‬‬
‫وحينما فسر مكحول رضى ال عنه هذه الية الكريمة ‪ ،‬قال ‪ :‬يعنى بها النفاق في الجهاد من رباط الخيل ‪ ،‬وإعداد السلح وغير ذلك ومما‬
‫روى عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في ذلك قوله ‪:‬‬
‫( من أرسل بنفقة في سبيل ال وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم يوم القيامة ) ‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم وأقام في بيته أي لعذر‬
‫كالمرض مثلً ثم يستكمل رسول ال صلى ال عليه وسلم حديثه الشريف فيقول ‪ (:‬ومن غزا في سبيل ال وأنفق في جهة ذلك فله بكل درهم‬
‫سبعمائة ألف درهم ) ثم تل صلوات ال وسلمه عليه هذه الية { وال يضاعف لمن يشاء } ‪.‬‬
‫‪ -‬النفاق في سبيل ال ‪:‬‬
‫والسلم ي حث ويش جع على النفاق في سبيل ال في الحالت ال تي ل يكون في ها العدو دا خل حدود بلد ال سلم ‪ ،‬أ ما إذا اقت حم العدو الحدود ‪،‬‬
‫فإن السلم كما يوجب الجهاد بالنفس إيجابا ‪ ،‬فإنه يوجب البذل والنفاق إيجابا أيضا كل بقدر ما يستطيع ‪.‬‬
‫يقول ربنا { آمنا بال ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير } إلى قوله { وله أجر كريم } سورة‬
‫الحديد ‪ ، 11-7‬وهذه اليات الكريمة تطالب بأمرين وتستنكر أمرين وتحض على عمل جليل ‪ ،‬له عند ال أعظم الجر ‪ ،‬فهي تطالب باليمان‬
‫بال ور سوله على سبيل الوجوب في قوله سبحانه { آمنوا بال ور سوله } وتطالب بالنفاق أي التضح ية بالمال ‪ ،‬و هو مال قد ا ستخلف ال‬
‫تعالى الناس فيه { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } ‪ ،‬والية تعد بالجر الكبير على اليمان والنفاق ‪ { ،‬فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر‬
‫كبير } ‪ ،‬وتستنكر أمرين وتوبخ على تركهما ‪:‬‬
‫‪ -‬أحدهما ‪ :‬ترك اليمان مع أن الرسول صلى ال عليه وسلم يدعو لليمان ‪ ،‬وال تعالى قد أخذ الميثاق على الناس أن يؤمنوا يوم أخرجهم‬
‫ل لهم { ألست بربكم قالوا بلى } العراف ‪. 172‬‬
‫من ظهر آدم عليه السلم قائ ً‬
‫وما لهم ل يؤمنون وال تعالى قد أنزل على رسوله صلى ال عليه وسلم اليات البينات ليخرج الناس من الظلمات إلى النور رأفة بهم ورحمة‬
‫{ وما لكم ل تؤمنون بال ‪ } ...‬إلى آخر اليتين الكريمتين ‪.‬‬
‫‪ -‬والخر ‪ :‬ترك النفاق للمال و التضحية به في سبيل ال ‪ ،‬أي البخل به ‪ ،‬وإنما استحق هذا البخل الستنكار و التوبيخ لن البخيل يبخل بما‬
‫سوف يموت عنه ويتركه لسواه ‪ ،‬وذلك أن ال تعالى سوف يرث المال ويرث كل ما في السموات والرض { وما لكم أل تنفقوا في سبيل ال‬
‫ول ميراث السموات والرض ‪ } ...‬الية ‪.‬‬
‫وتوضح الية الكريمة حقيقة هامة وهى أن التضحية بالمال في سبيل ال في وقت يحتاج فيه المسلمون إلى التضحية أفضل من التضحية به‬
‫في وقت آخر ‪ ،‬وإن كان في كل خير ‪.‬‬
‫ولقد حدث ذلك النفاق في وقت الحاجة إليه أيام كان المسلمون في مكة ‪ ،‬فنالوا تلك الفضلية وهذه الدرجة ‪.‬‬
‫و المسلمون في كل وقت عليهم أن ينظروا إلى الظروف التي يتم فيها النفاق ‪ ،‬فعلى وجه اليقين سيكون النفاق في بعضها أفضل من النفاق‬
‫في بعض آخر ‪ ،‬قال تعالى ‪ {:‬ل يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلً وعد ال‬
‫الحسنى وال بما تعملون خبير } الحديد ‪. 10‬‬
‫وأما ما تحض عليه الية الكريمة ‪ ،‬وتعد فيه بالجر المضاعف فهو إقراض ال تعالى ‪ ،‬وال سبحانه ل يحتاج إلى قرض ول إلى شئ ‪ ،‬وإنما‬
‫الذي يحتاج هم عباده ‪ ،‬فمن أقرض محتاجا فكأنما أقرض ال تعالى ‪.‬‬
‫فالية الكريمة الخيرة من هذه اليات ترغب الناس في أن ينفقوا أموالهم ويضحوا بها في سبيل نصرة المسلمين وفي قتال أعدائهم وفي سد‬
‫حاجة المحتاجين ومواساتهم ‪ ،‬وتسمى ذلك كله قرضا ل تعالى و القرض هو ما يدفع إلى النسان من مال بشرط رد بدله ‪ -‬و الذي يرد البدل‬
‫في هذه الحالة هو ال الكريم ‪ ،‬قال ال تعالى { من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم } الحديد ‪. 11‬‬
‫قال مقاتل ‪ :‬القرض الحسن هو ما أخرجه النسان طيبة به نفسه ‪.‬‬
‫وقال الكلبي ‪ :‬يتصدق به لوجه ال ‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء ‪ :‬ل يكون النفاق أو القرض حسنا حتى يستوفي شروطا أو أوصافا عشرة نشير إليها بإيجاز فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون من الحلل‬
‫‪ -2‬وأن يكون من أكرم ما يملك ‪.‬‬
‫‪ -3‬وأن يتصدق به وهو يحبه ‪.‬‬
‫‪ -4‬وأن يعطى لمن هو أحوج ‪.‬‬
‫‪ -5‬وأن يكتم ول يتحدث عنه صاحبه ‪.‬‬
‫‪ -6‬وأن ل يتبعه بمن أو أذى ‪.‬‬
‫‪ -7‬وأن يقصد به وجه ال ول يرائي ‪.‬‬
‫‪ -8‬وأن يستحقر ما يعطى وإن كثر ‪.‬‬
‫‪ -9‬وأن يكون من أحب أمواله إليه ‪.‬‬
‫‪ -.1‬وأن يرى الفقير المعطى غير ذليل ول ضعيف ‪.‬‬
‫وكل وصف من هذه الوصاف للقرض الحسن أيدته آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية صحيحة ‪ ،‬فهذا هو شأن التضحية بالمال و إنفاقه في‬
‫سبيل ال تعالى ‪.‬‬
‫‪ -‬النفاق ودللته ‪:‬‬
‫و التضح ية بالمال تضح ية كبيرة ذات دللت عمي قة لن المال في حقيق ته هو القدرة على ال ستمتاع بطيبات الحياة الدن يا من مط عم ومشرب‬
‫وملبس ومسكن ومركب ‪ ،‬بل هو السبب في كسب المحامد و الثناء عند الناس ‪ ،‬فضلً عن رضا النسان عن نفسه وهو يعطى ويدفع الحاجة‬
‫عن المحتاجين ‪.‬‬
‫وقد أثنى ال تبارك وتعالى على من ينفق المال ابتغاء وجه ال ‪ ،‬وفي وجوهه التي شرعها ال تعالى ‪ ،‬بل سمى ال تعالى المال خيرا فقال جل‬
‫شأنه { وما تنفقوا من خير فلنفسكم وما تنفقون إل ابتغاء وجه ال وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم ل تظلمون للفقراء الذين أحصروا في‬
‫سبيل ال ل يستطيعون ضربا في الرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم ل يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن‬
‫ال به عليم الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سرا وعلنية فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون } البقرة ‪. 274-272‬‬
‫ل ‪ ،‬وهؤلء المنفقون للمال في وجوهه لهم عند ال أجر‬
‫ووعد ال تعالى في هذه اليات الكريمة بأن يصل ثواب هذا النفاق للمال بصاحبه كام ً‬
‫عملهم ول ينالهم خوف من أمر مستقبلهم ‪ ،‬ول حزن على شئ فاتهم ‪ ،‬والصديق رضى ال عنه كان رأس هؤلء المنفقين ‪.‬‬
‫ول قد أشاد القرآن بالنفاق في سبيل ال تعالى عموما ‪ ،‬وبخا صة في الوقات ال تي يكون فيها المسلمون قلة أو ضعفاء يقع عليهم الضطهاد ‪،‬‬
‫في هذه الحوال يكون النفاق في سبيل ال ذا أهمية أكبر من أهميته في الوقات الخرى ‪ ،‬قال ال تعالى { وما لكم ل تنفقون في سبيل ال و‬
‫ل ميراث السموات والرض ل يستوي منكم من أن فق من ق بل الفتح وقا تل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلً وعد ال‬
‫الحسنى و ال بما تعملون خبير } الحديد ‪. .1‬‬
‫قال الكلبي ‪ :‬نزلت هذه الية في فضل أبى بكر الصديق لنه كان أول من أنفق المال على رسول ال صلى ال عليه وسلم في سبيل ال ‪.‬‬
‫قال عمر رضى ال عنه ‪ :‬كنت قاعدا عند النبي صلى ال عليه وسلم وعنده أبو بكر ‪ ،‬وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلل ‪ ،‬فنزل جبريل‬
‫عليه السلم ‪ :‬فقال ‪ :‬ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة خللها في صدره بخلل ؟‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ ": :‬أنفق ماله علىّ قبل الفتح " وقال فخر الرازى في تأويلها ‪ :‬وأعلم أن الية دلت على أن من صدر عنه النفاق‬
‫في سبيل ال ‪ ،‬والقتال مع أعداء ال قبل الفتح يكون أعظم حالً ممن صدر عنه المر بعد الفتح ‪.‬‬
‫" وجعل علماء التوحيد هذه الية دالة على فضل من سبق إلى السلم وأنفق وجاهد مع الرسول صلى ال عليه وسلم قبل الفتح وبينوا الوجه‬
‫في ذلك وهو عظم موقع النصرة للرسول صلى ال عليه وسلم بالنفس وإنفاق المال في تلك الحال ‪ ،‬وفي عدد المسلمين قلة ‪ ،‬وفي الكافرين‬
‫شوكة وكثرة عدد ‪ ،‬فكانت الحاجة إلى النصرة المعاونة أشد بخلف ما بعد الفتح فإن السلم صار في ذلك الوقت قويا والكفر ضعيفا "‬
‫وأخرج أ بو داود في الز هد ب سنده من عروة بن الزب ير ر ضى ال ع نه قال ‪ :‬أ سلم أ بو ب كر وله أربعون ألف در هم ‪ ،‬قال عروة ‪ :‬وأ خبرتني‬
‫عائشة رضى ال عنه أنه مات وما ترك دينارا ول درهما ‪.‬وقد أعتق أبو بكر رضى ال عنه ست رقاب في سبيل ال وهم ‪:‬‬
‫عامر بن فهيرة ‪ ،‬ونذيرة ‪ ،‬و النهدية ‪ ،‬وابنة النهدية ‪ ،‬وجارية بنى المؤمل ‪ ،‬وأم عيسى ‪ ،‬وكان بلل رضى ال عنه سابعهم ‪.‬‬
‫وفي رواية أن أبا بكر رضى ال عنه اشترى بل ًل وهو مدفون بالحجارة بخمس أواق ذهب فقالوا ‪ :‬لو أبيت إل أوقية لبعناكه ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو أبيتم‬
‫إل مائة أوقية لخذته ‪.‬‬
‫ولئن كا نت التضح ية بالمال في سبيل ال تع نى انخلع الن سان من شئ يح به ويحتاج إل يه فإن التضح ية بالجاه و المكا نة ب ين الناس من أ جل‬
‫الد ين تضح ية كبرى وهكذا كان أ بو ب كر ر ضى ال ع نه فهو من قر يش في مكا نة رفيعة لخل قه وعل مه بالن ساب وأمان ته في تجار ته وثرو ته‬
‫وكرمه ‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬وكان أنسب قريش لقريش ‪ ،‬وأعلمهم بما كان منها من خير‬
‫ل مؤلفا لقومه محببا سه ً‬
‫قال عنه ابن اسحق في السيرة ‪ " :‬كان أبو بكر رج ً‬
‫وشر ‪ ،‬وكان تاجرا ذا خلق ومعروف وكانوا يألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته "‬
‫ل قد ض حى أ بو ب كر بهذه المنزلة ‪ ،‬وتلك الوجا هة الجتماع ية ‪ ،‬ود خل في د ين ال سلم ‪ ،‬وتعرض من ذلك للها نة و الضرب ح تى أشرف على‬
‫الموت ‪.‬‬
‫روى الصبهاني في الحلية بسنده عن أسماء بنت أبى بكر رضى ال عنها قالت ‪ ":‬أتى الصريخ آل أبى بكر ‪ ،‬فقيل له أدرك صاحبك ‪ ،‬فخرج‬
‫من عندنا وإن له لغدائر ‪ ،‬فدخل المسجد وهو يقول ‪ :‬ويلكم أتقتلون رجلً أن يقول ربى ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم ! فلهوا عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وأقبلوا على أبى بكر فرجع إلينا أبو بكر فجعل ل يمس شيئا من غدائره إل جاء معه وهو يقول ‪ :‬تباركت يا ذا الجلل‬
‫والكرام " ‪.‬‬
‫فهذا شأن أبى بكر رضى ال عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة في التضحية بماله وجاهه ومكانته في عشيرته بل في قريش كلها من أجل دينه‬
‫‪ ،‬وتله با قي العشرة المبشر ين بالج نة ‪ :‬ع مر بن الخطاب ‪ ،‬عثمان بن عفان ‪ ،‬على بن أ بى طالب ‪ ،‬ع بد الرح من بن عوف ‪ ،‬طل حة بن عب يد‬
‫ال ‪ ،‬الزبير بن العوام ‪،‬سعد بن أبى وقاص ‪ ،‬سعيد بن زيد ‪ ،‬أبو عبيدة بن الجراح رضى ال عنهم أجمعين ‪.‬‬
‫ولقد كان الصحابة جميعا رضوان ال عليهم يضحون بأموالهم ومكانتهم ووجاهتهم بل بأنفسهم من أجل هذا الدين ‪ ،‬ول يتسع المجال هنا لسرد‬
‫تفاصيل إنفاقهم وسنكتفي بضرب المثلة القليلة التي تبين فضلهم رضوان ال عليهم بعد قليل ‪.‬‬
‫‪ -‬أولئك هم المؤمنون حقا ‪:‬‬
‫إن المؤمنين حقا هم الذين يحسنون إدراك العواقب ‪ ،‬وهم الذين يعلمون أن ما في أيديهم من مال أو عرض من أعراض الدنيا ‪ ،‬إنما هو إلى‬
‫زوال أنفقه أو أمسكه ‪ ،‬ولكنه يبغي ما عند ال تعالى إذا أنفق في مرضاته قال ال تعالى { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل ال كمثل حبة‬
‫أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة وال يضاعف لمن يشاء وال واسع عليم } البقرة ‪. 261‬‬
‫و الذ ين يح سنون صنعا هم أولئك الذ ين يدركون أن النفاق في سبيل ال هو لمرضاة ال تعالى ‪ ،‬و هو ل ين قص من المال شيئا على و جه‬
‫الحقيقهة ويعلمون علم اليقيهن أن المسهاك عن النفاق إنمها يكون بهمهز الشيطان ولمزه وتخويفهه الناس مهن الفقهر ‪ ،‬قال ال تعالى { الشيطان‬
‫يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وال يعدكم مغفرة منه وفضلً وال واسع عليم } البقرة ‪. 268‬‬
‫و الذين يصفون إيمانهم من الشوائب والغيار ‪ ،‬هم الذين يخشون عذاب ال ويتجنبون ما يوقعهم فيه ‪ ،‬ويعلمون أنه مما يوقع في عذاب ال‬
‫إم ساك المال أو كنزه ومن عه من أ صحاب الحقوق ف يه ‪ ،‬بل يوقنون بأن التضح ية به هي ال صل ‪ ،‬قال ال تعالى { و الذ ين يكنزون الذ هب و‬
‫الف ضة ول ينفقون ها في سبيل ال فبشر هم بعذاب ال يم يوم يح مى علي ها في نار جه نم فتكوى ب ها جباه هم وجنوب هم وظهور هم هذا ما كنز تم‬
‫لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } التوبة ‪. 35-34‬‬
‫و الذ ين ل يحبون أن تض يع منهم الفرص ‪ ،‬ول يرغبون في أن يشعروا بالندم على ما فات ‪ ،‬أولئك الذ ين يبادرون إلى النفاق في سبيل ال و‬
‫التضحية بالمال ‪ ،‬قال ال تعالى في خطابه للذين آمنوا { و أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لول أخرتني إلى أجل‬
‫قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر ال نفسا إذا جاء أجلها و ال خبير بما تعملون } المنافقون ‪11-.1‬‬
‫إن مفهوم التضح ية في كل مة المام الب نا هو بذل المال في سبيل ال ‪ ،‬وهكذا ين فق المال في سبيل ال ‪ ،‬و سبيل ال باب وا سع في النفاق ‪،‬‬
‫وكانت الجماعة تعطى فيه لليتامى والرامل وتقيم المشروعات القتصادية الصغيرة و المتوسطة وترصد كثيرا مما تغله تلك المشروعات لسبيل‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫وفقه التضح ية في سبيل ال إن ما يعرف قيم ته ويدرك المكا نة ال تي يكون فيها عند ال من أنار ال ب صيرته ‪ ،‬فف قه الحياة الدن يا على حقيقتها‬
‫وعلم أنهها معهبر للحياة الخرة ودار ممهر إلى دار المقهر ‪ ،‬عندئذٍ قهد ينفهق ماله كله فهي سهبيل ال تعالى ‪ ،‬ول يبقهى لهله شيئا أو يبقهى لههم‬
‫القليل ‪ ،‬كما حدث من أبى بكر الصديق رضى ال عنه ‪ ،‬وكما حدث من كبار الصحابة رضوان ال عليهم ‪.‬‬
‫أخرج ابن اسحق بسنده عن أسماء بنت أبى بكر رضى ال عنها قالت ‪:‬‬
‫لما خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم وخرج معه أبو بكر رضى ال عنه أي في الهجرة احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلف أو ستة‬
‫آلف درهم فانطلق بها معه ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬وال إني لراه قد فجعكم بماله مع نفسه !!‬
‫‪ -‬قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬كل يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا قالت وأخذت أحجارا فوضعتها في كوة البيت الذي كان أبى يضع ماله فيه ثم وضعت عليه‬
‫ثوبا ثم أخذت بيده فقلت ‪ :‬يا أبت ضع يدك على هذا المال ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فوضع يده عليه فقال ‪ :‬ل بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلغ لكم ‪.‬‬
‫‪ -‬تقول أسماء رضى ال عنها ‪ :‬ل وال ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكت الشيخ بذلك ‪.‬‬
‫أخرجه المام أحمد وقال الهيثمي ‪ :‬رجال أحمد رجال الصحيح غر ابن إسحاق ‪.‬‬
‫فهذه أضواء على مفهوم التضحية كما تحدث عنها المام البنا في كلمته الوجيزة ‪.‬‬
‫وكان رحمه ال في هذه الكلمة يشجع المسلمين على بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شئ في سبيل الغاية يشجعهم على ذلك ليقاوموا‬
‫عدوا محتل لرض الوطن في مصر وفي العالمين العربي والسلمي ولكي يواجهوا اليهود وما يدبرونه من كيد وحرب للستيلء على فلسطين‬
‫وكانت مقدمات ما قام به اليهود في فلسطين توحي بالنتائج ‪.‬‬
‫ولقد ضحى الخوان بأنفسهم وأموالهم وأوقاتهم وبكل شئ يملكونه ويقدرون عليه من أجل مقاومة اليهود وطرد النجليز من مصر‬
‫والتضحية بالمال في سبيل ال تعالى من أنواع التضحية ذات الشأن الكبير في إحقاق الحق وتأمينه وتأمين أهله والمنادين به إذ ل يخفي على‬
‫أحد ما للمال من أهمية في حياة النسان ‪.‬‬
‫والنصوص السلمية التي تطالب المؤمنين بالتضحية بالمال في سبيل ال وإنفاقه في أوجهه التي أمر السلم بها أو ندب إليها إنها نصوص‬
‫ليست بالقليلة في الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة مما سيذكر بعضه في هذا المجال ‪.‬‬
‫والتضحية بالمال أنواع ‪:‬‬
‫‪ -‬منها بذل المال في تجهيز الجيوش المجاهدة في سبيل ال ‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها تأمين الحتياجات المتوقعة لهذه الجيوش في المستقبل القريب أو البعيد ‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها تأمين احتياجات المسلمين في حالة السلم ‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها بذل لدفع ضرر عن المسلمين في الحاضر أو في المستقبل ‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها بذله في وجوه الخير والبر عموما ‪.‬‬

‫* شروط قبول التضحية بالمال ‪:‬‬


‫وفي جميع أحوال التضحية بالمال في سبيل ال يجب أن تتوفر فيه شروط حتى يحظى صاحبه برضا ال تعالى ومن هذه الشروط ما نشير إلى‬
‫بعضه فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬وأن يكون هذا المال قد اكتسبه بالمال من أي من أو أذى أو رياء أو سمعة‬
‫‪ -‬وأن يكون هذا المال المبذول في سبيل ال من أحب أموال المنفق إلى نفسه ‪.‬‬
‫بكل هذه الشروط في بذل المال والتضحية به في سبيل ال وردت نصوص إسلمية كثيرة نذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ال تعالى { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل ال كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة وال يضاعف لمن يشاء وال‬
‫واسع عل يم الذ ين ينفقون أموالهم في سبيل ال ثم ل يتبعون ما أنفقوا م نا ول أذى لهم أجرهم ع ند ربهم ول خوف علي هم ول هم يحزنون }‬
‫البقرة ‪.] 262 ،261‬‬
‫وعند النظر في هاتين اليتين الكريمتين نستطيع أن نتبين ما يلي ‪:‬‬
‫أن إنفاق المال والتضحية به يجب أن يكون في سبيل ال وسبيل ال هو ‪ :‬طريقه والمقصود بذلك ما ينفق في الجهاد أو في طريق الخير والبر‬
‫تدخل فيه سائر الصدقات التطوعية فضل عن أن المنفقين أموالهم في سبيل ال يضاعف ال لهم الثواب أضعافا كثيرة كما تتضاعف الحبة التي‬
‫تزرع في الرض فتنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة أي سبعمائة ضعف ‪.‬‬
‫‪ -‬وأن المنفقين في سبيل ال ووجوه البر والخير ل يجوز لهم أن يتبعوا ما أنفقوا بمن أو تفاخر أو تطاول على من أحسنوا إليهم هؤلء لهم‬
‫أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم من شئ ول يصيبهم حزن على شئ ‪.‬‬
‫قال جل شأنه ‪ { :‬وأعدوا لهم ما ا ستطعتم من قوة ومن رباط الخ يل ترهبون به عدو ال وعدوكم وآخرين من دونهم ل تعلمونهم ال يعلمهم‬
‫وما تنفقوا من شئ في سبيل ال يوف إليكم وأنتم ل تظلمون } النفال ‪] .6 :‬‬
‫وهذه الية الكريمة ل تكتفي بالوعد بأحسن الجزاء عند النفاق في سبيل ال وإنما توضح للمسلمين إلى جانب ذلك أوجه النفاق في سبيل ال‬
‫تعالى ‪.‬‬

‫* ومن أوجه النفاق ‪:‬‬


‫العداد لمواجههة العداء بكهل أنواع القوة التهي تدفهع كيهد العداء كالعتاد بأنواعهه والمرابطهة فهي الثغور وتجهيهز المقاتليهن والتكفهل بأبنائههم‬
‫وذويهم وتطوير السلح بحيث يستطيع أن يواجه سلح العداء ‪.‬‬
‫* وأهداف هذا العداد ‪:‬‬
‫‪-‬إرهاب أعداء ال من الكفار الذين يتربصون حاليا بالمؤمنين ‪،‬‬
‫‪ -‬إرهاب أعداء ال الذين يخططون ويدبرون للكيد للسلم والمسلمين ‪.‬‬
‫ولنفاق المال في هذه الوجه لتحقيق هذه الهداف فإنما يلقى صاحبه عند ال أوفي الجزاء دون أن ينقصكم ال مثقال ذرة مما تستحقون من‬
‫فضل ال ‪.‬‬
‫والمتناع عن النفاق في سبيل ال أو ال ضن بالمال وعدم التضح ية به ع مل م ستنكر ل يل يق بم سلم بل ع مل ل مبرر له لن المال على و جه‬
‫الحقي قة مال ال ير ثه ويرث كل ما في ال سموات والرض والنفاق في سبيل قرض ل تعالى ي صلح به المؤ من أحوال إخوا نه في السلم وله‬
‫على هذا القرض أحسن الجزاء ‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬و ما ل كم أل تنفقوا في سبيل ال ول ميراث ال سموات والرض ل ي ستوي من كم من أن فق من ق بل الف تح وقا تل أولئك أع ظم‬
‫درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكل وعد ال الحسنى وال بما تعملون خبير من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر‬
‫كريم } الحديد ‪.] 11-10‬‬
‫وفي اليتين الكريمتين عدة حقائق منها ‪:‬‬
‫أنه ما ينبغي أن يثنى المؤمن عن النفاق في سبيل ال والتضحية بالمال شئ وأن إنفاق المال في سبيل ال واجب إذ المعنى أنكم ستموتون‬
‫فتورثون فهل قدمتم المال للنفاق في سبيل ال وطاعته ؟‬
‫وأن الناس في التضح ية بالمال في سبيل ال درجات فالذي يض حي بماله في و قت يكون المسلمون ف يه أحوج إلى المال يكون أعلى در جة من‬
‫الذي أنفق ماله في غير هذه الظروف وإن كان الثنان مأجورين بالحسنى من ال تعالى ‪.‬‬
‫وأن ال تعالى رغب الم سلمين في أن ينفقوا أموال هم في ن صرة المسلمين وقتال الكافر ين ومواساة فقراء المسلمين و سمى ذلك النفاق قر ضا‬
‫من حيث وعد به الجنة إذا كان قرضا حسنا ‪.‬‬

‫شروط القرض الحسن ‪:‬‬


‫ول يكون القرض حسنا كما يرى العلماء إل إذا استوفي شروطا منها ‪:‬‬
‫‪-‬أن تكون نفسه طيبة بهذه التضحية بالمال ‪،‬‬
‫‪-‬وأن يكون لوجه ال تعالى وحده ‪،‬‬
‫‪-‬وأن يكون المال الذي أنفقه من الحلل ‪،‬‬
‫‪-‬وأن يكون من أكرم ماله عليه أي يحبه ويحتاج إليه ‪،‬‬
‫‪-‬أن يكتمه إن كان صدقة تطوعية ‪،‬‬
‫أل يتبعه بمن ول أذى ‪،‬‬
‫‪ -‬وأن يخلو من الرياء ‪،‬‬
‫‪-‬وأن يرى أن ما ينفقه قليل ‪،‬‬
‫‪ -‬وأن يرى عز الفقير وذل نفسه هو ‪،‬‬
‫‪-‬وأن يوجهه إلى الحوج الولى بأخذه ‪،‬‬
‫ومن كان قرضه كذلك فقد أقرض ال سبحانه عندما أقرض عباده الفقراء فضحى بماله من أجلهم وعندئذ يستحق عند ال الجر المضاعف أي‬
‫الثواب الجزيل ‪.‬‬
‫وأي ر فع لشأن التضح ية بالمال في سبيل ال أعلى من ت سميته قر ضا ل تعالى ؟ وإن ما هو قرض للمحتاج ين من الناس لك نه التشر يف لهذا‬
‫الع مل الجل يل و في الحد يث ال صحيح ما رواه أح مد ب سنده عن أ بى هريرة ر ضى ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول ال‬
‫تعالى ‪(( :‬استقرضت عبدي فلم يقرضني )) ‪.‬‬
‫وهناك ب عض آيات القرآن الكر يم ال تي تهدد من د عي إلى النفاق في سبيل ال في خل بماله أن يقد مه في سبيل ال م ثل قوله تعالى { هاأن تم‬
‫هؤلء تدعون لتنفقوا في سبيل ال فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه وال الغنى وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم‬
‫ل يكونوا أمثالكم } محمد ‪. ] 38‬‬
‫* التضحية بالمال كما جاءت في السنة ‪:‬‬
‫قال علماء السلف ‪ :‬إن التقريب إلى ال بالمال نوعان ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬نوع بطريق تمليك المال للغير استجابة لمر ال وهو الصدقات ما فرض منها وما ندب إليها ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬نوع بطريق ذبح ما يحل أكله والسهام به في دفع حاجة المحتاجين وتأليف قلوب الصدقاء بالهدايا ‪.‬‬
‫وفي الضحية بما يذبح هذان النوعان من التقرب إلى ال ‪.‬‬
‫والتضحية بالمال معناه بذل المال للمحتاجين وردت فيه أحاديث كثيرة تصفه بالكرم والجود كما في حديث مسلم الذي رواه أبو هريرة رضى ال‬
‫عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬ما من يوم يصبح العباد فيه إل ملكان ينزلن فيقول أحدهما ‪ :‬اللهم أعط منفقا خلفا ويقول‬
‫الخر ‪ :‬اللهم أعط ممسكا تلفا ))‪.‬‬
‫وروى البيهقهى بسهنده عهن أبهى هريرة رضهى ال عنهه أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال (( إياكهم والفحهش فإن ال ل يحهب الفاحهش‬
‫المتفحش وإياكم والظلم فإنه عند ال ظلمة يوم القيامة وإياكم والشح والبخل فإنه دعا من قبلكم إلى أن يقطعوا أرحامهم فقطعوها ودعا إلى أن‬
‫يستحلوا محارمهم فاستحلوها ودعا إلى أن يسفكوا دماءهم فسفكوها ))‪.‬‬
‫وروى البيه قى ب سنده عن ع بد ال بن ع مر ر ضى ال ع نه قال قال ‪ :‬ر سول ال صلى ال عل يه و سلم (( خلتان يحبه ما ال وخلتان ال فأ ما‬
‫اللذان يحبهمها ال فالسهخاء والسهماحة وأمها اللذان يبغضهمها ال فسهوء الخلق والبخهل فإذا أراد ال بعبهد خيرا اسهتعمله على قضاء حوائج‬
‫الناس )) صدق رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وفي هذا الباب أحاديث كثيرة نذكر منها ‪:‬‬
‫ما رواه الدارمى بسنده عن أبى سعيد الخدرى رضى ال عنه قال ‪ :‬قيل يا رسول ال أي الناس أفضل ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫(( مؤمن يجاهد في سبيل ال بنفسه وماله قالوا ثم من ؟ قال مؤمن في شعب من الشعاب يتقى ال ويدع الناس من شره ))‪.‬‬
‫‪-‬وروى النسائي بسنده عن سبرة بن أبى فاكه رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ((إن الشيطان قعد لبن آدم بأطرقه‬
‫فق عد له بطر يق ال سلم فقال ‪ :‬ت سلم وتذر دي نك ود ين آبائك وآباء آبائك ؟ فع صا فأ سلم ثم ق عد له بطر يق الهجرة فقال ‪ :‬تها جر وتدع أر ضك‬
‫وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول (الحبل يربط في يد الدابة ) فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال ‪ :‬تجاهد فهو جهد‬
‫النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه فجاهد ‪.‬‬
‫ف من ف عل ذلك كان ح قا على ال أن يدخله الج نة و من ق تل كان ح قا على ال أن يدخله الج نة وإن غرق كان ح قا على ال أن يدخله الج نة وإن‬
‫وقصته دابته كان حقا على ال أن يدخله الجنة )) ‪.‬‬
‫‪ -‬وروى البيهقى بسنده عن عتبة بن عبد السلمي وكان من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫((القتلى ثلثة ‪ :‬رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل ال حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل فذلك الشهيد الممتحن في جنة ال تحت عرش‬
‫ل يفضله ال نبيون إل بدر جة النبوة ور جل مؤ من فرق (خاف) على نف سه من الذنوب والخطا يا جا هد بماله ونف سه في سبيل ال ح تى إذا ل قي‬
‫العدو وقاتل حتى يقتل فتلك مخمصة تحط من ذنوبه وخطاياه إن السيف محاء الخطايا وأدخل من أي أبواب الجنة شاء فإن لها ثمانية أبواب‬
‫ولجه نم سبعة أبواب وبعضها أف ضل من بعض ور جل منافق جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قا تل في سبيل ال حتى يقتل فإن ذلك في‬
‫النار إن السيف ل يمحو النفاق ))‪.‬‬
‫‪ -‬وروى أبو داود بسنده عن معاذ رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬الغزو غزوان فأما من غزا ابتغاء وجه ال‬
‫تعالى وأطاع المام وأنفق الكريمة (أي من المال ) وياسر الشريك واجتنب الفساد في الرض فإن لن يرجع بالكفاف ))‪.‬‬
‫‪ -‬وروى مسلم بسنده عن ابن مسعود رضى ال عنه أن رجل جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم بناقة مزمومة (أي مربوطة بزمامها ‪ -‬أي‬
‫لجامها ) صدقة يعنى في سبيل ال فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم (( ولك يوم القيامة بها سبعمائة ناقة مزمومة )) ‪.‬‬
‫‪ -‬وروى الترمذى بسنده عن خزيم بن فاتك السدى رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ((من أنفق نفقة في سبيل ال‬
‫كتب له سبعمائة ضعف ))‪.‬‬
‫‪ -‬وروى الدارمى بسنده عن صعصعة بن معاوية قال ‪ :‬لقيت أبا ذر رضى ال عنه وهو يسوق جمل له أو يقوده في عنقه قربة قلت ‪ :‬يا أبا ذر‬
‫مالك ملك ؟ قال ‪ :‬لي عملي فقلت ‪ :‬مالك ؟ قال ‪ :‬لي عملي قلت ‪ :‬حدثني حديثا سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬سمعت رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم يقول (( ما من م سلم أن فق زوج ين من مال في سبيل ال إل ابتدر ته حج بة الج نة ))قال أ بو مح مد ‪((:‬زوج ين أي‬
‫درهمين أو أمتين أو عبدين أو دابتين ))‪.‬‬
‫‪ -‬وروى المام أحمد بسنده عن أبى هريرة رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( ومن أنفق زوجا أو قال زوجين من‬
‫ماله أراه قال ‪ :‬في سبيل ال دعته خزنة الجنة يا مسلم هذا خير هلم إليه قال أبو بكر رضى ال عنه ‪ :‬هذا رجل ل تردى عليه فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما نفعني مال قط إل أبى بكر فبكى أبو بكر رضى ال عنه وقال ‪ :‬وهل نفعني ال إل بك وهل نفعني ال إل بك وهل‬
‫نفعني ال إل بك ؟!)) ‪.‬‬
‫‪ -‬وروى البيهقى بسنده في كتابه شعب اليمان عن محمد بن عقبة القاضي عن أبيه عن جده قال ‪ :‬أتينا تميما الدارى رضى ال عنه وهو‬
‫يعالج شعيرا لفرسه فقلنا له ‪ :‬يا أبا رقية أما لك من يكفيك ؟ (أي يكفيك خدمة فرسك ) قال ‪ :‬بلى ولكنى سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪ :‬من ارتبط فرسا في سبيل ال عز وجل عالج علفه بيده كان له بكل خبة حسنة )) ‪.‬‬
‫‪ -‬وروى البيهقى بسنده عن صعصعة بن معاوية قال ‪ :‬دخلت على أبى ذر رضى ال عنه قال ‪ :‬قلت مالك؟ قال ‪ :‬لي عملي لي عملي لي عملي‬
‫قلت ‪ :‬حدثني رحمك ال قال ‪ :‬نعم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬ما من عبد ملم ينفق من ماله زوجين في سبيل ال تعالى ‪ :‬إن كانت‬
‫رجل فرجلين وإن كانت إبل فبعيرين وإن كانت بقرا فبقرتين ))‪.‬‬
‫فهذه هي التضحية في السنة النبوية المطهرة في مجال بذل المال وإنفاقه في سبيل ال تعالى وبذل كل ما دون النفس من جهد وقت وإمكانات‬
‫فهي واجب شرعي ‪.‬‬
‫* التضحية واجب شرعي ‪:‬‬
‫هذه التضحية بالنفس والمال والوقت والحياة وكل شئ في سبيل ال قد تكون واجبا ل فكاك عنه إذا كان لبد منها لدفع ضرر عن المسلمين أو‬
‫رد عدو عن أرضهم ‪.‬‬
‫وقد تكون التضحية مندوبا إليها ومستحبة عما ل تكون واجبة وقد طالب السلم المسلمين بالتضحية في سبيل ال ووعد بالجزاء عليها أحسن‬
‫الجزاء وبالضعاف المضاع فة ودلت على ذلك ن صوص إسلمية كثيرة من الكتاب الكر يم وال سنة النبو ية المطهرة ونكت في بال ستشهاد بالمثال أ‬
‫المثالين محيلين من أراد أكثر من ذلك إلى كتاب ال سنة رسوله صلى ال عليه سلم ‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا ال إن ال خبير بما تعملون } الحشر ‪.] 18‬‬
‫قد جاء في تفسير هذه الية الكريمة ما ذكره ابن كثير القرشي قال ‪ :‬روى المام أحمد بسنده عن جرير بن عبد ال عن أبيه رضى ال عنه قال‬
‫‪:‬‬
‫((كنا عند رسول ال صلى ال عليه سلم صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابى النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم‬
‫من مضر فتغير وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم لما رأي بهم من الفاقة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فدخل ثم خرج فأمر بلل فإذن وأقام الصلة فصلى أي رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم خطب فقال ‪:‬‬
‫{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زجها وبث منهما رجا ًل كثيرا ونسا ًء واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام‬
‫إن ال كان عليكم رقيبا } النساء ‪. ] 1‬‬
‫ثم قرأ ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا ال إن ال خبير بما تعملون } تصدق رجل من ديناره من درهمه من‬
‫ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ‪ :‬ولو بشق تمرة‬
‫قال ‪ :‬فجاء رجل من النصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يتهلل وجهه كأنه مذهبة ‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬من سن في السلم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ‬
‫ومن سن في السلم سنة سيئة كان عليه وزرها وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شئ )) ‪.‬‬
‫أخرجه المام مسلم والترمذى والنسائي وابن ماجة بأسانيدهم عن جرير بن عبد ال رضى ال عنه‬
‫فالتضحية كما يفهم من نصوص الكتاب السنة إما أن تكون واجبا وإما أن تكون مستحبا والمسلم مطالب بالتضحية على كل حال ‪.‬‬
‫والضحية في حياة المسلمين هي التي تغذى الجهاد في سبيل ال وتمده بأسباب القوة وتهيئ له الستمرار حتى الوصول إلى إحدى الحسنيين ‪:‬‬
‫النصر على العدو في المعركة أو الستشهاد في سبيل ال ‪.‬‬
‫والجهاد في سبيل ال هو الذي يحمى السلم والمسلمين من أعدائهم الذين يواجهونهم ومن أعدائهم الذين ل يعلمونهم ولكن يعلمهم ال تعالى‬
‫وهل يتصور الجهاد بغير تضحية ؟‬
‫وإذا قلنا كما هو مقرر إن الجهاد قد يكون فرض عين وقد يكون فرض كفاية وقد يكون مندوبا إليه فإن التضحية في سبيل ال كذلك ‪.‬‬
‫والتضح ية هي ال تي تغذى الجهاد في سبيل ال وتم كن الم سلمين من ن شر دعوة ال سلم ب ين الناس والدعوة إلى ال ك ما نعلم وا جب شر عي‬
‫فرضه ال على القادرين عليه ول يمكن أن يتم هذا الواجب إل بالتضحية التضحية بالمال والوقت والجهد في سبيل نشر الدعوة السلمية ‪.‬‬
‫وسنعرض بعض المواقف اليمانية في النفاق في سبيل ال عز وجل مبتدئين برسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫* رسول ال صلى ال عليه وسلم وسائل البردة ‪:‬‬
‫عن سهل بن سعد قال ‪ :‬جاءت امرأة إلى النبي صلى ال عليه وسلم ببردة فقالت ‪ :‬يا رسول ال أكسوك هذه فأخذها النبي صلى ال عليه وعلى‬
‫آله وسلم محتاجا إليها فلبسها فرآها عليه رجل من الصحابة فقال ‪ :‬يا رسول ال ما أحسن هذه فاكسنيها فقال ‪ :‬نعم )) فلما قام النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم لمه أصحابه فقالوا ‪ :‬ما أحسنت حين رأيت النبي صلى ال عليه وسلم أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها ‪ ،‬وقد عرفت أنه ل يُسأَلُ‬
‫عن شيئا فيمنعه ‪ ،‬فقال ‪ :‬رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى ال عليه وسلم لعلى أُكفّن فيها ) ‪.‬‬
‫وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم أجود الناس ‪ ،‬وكان أجود ما يكون في رمضان ‪ ،‬كما في حديث ابن عباس رضى ال عنه ‪.‬‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم أنه ل يسأل شيئا فيقول ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أنس رضى ال عنه قال ‪ :‬ما سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم على السلم شيئا إل أعطاه ‪ ،‬فجاء رجل فأعطاه غنما‬
‫بين جبلين ‪ ،‬فرجع إلى قومه فقال ‪ :‬يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطى عطاء من ل يخشى الفاقة ‪.‬‬
‫والحاديث عن عطاء رسول ال صلى ال عليه وسلم وبذله ل تعد ول تحصى فهي مصاحبة لحياته كلها ل نستطيع أن نحصيها ‪.‬‬
‫‪ -‬مع أبى بكر الصديق رضى ال عنه ‪:‬‬
‫عن عمر بن الخطاب رضى ال عنه قال ‪ :‬أمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما أن نتصدق ‪ ،‬فوافق ذلك مالً عندي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬اليوم أسبق‬
‫أبا بكر إن سبقته يوما ‪ ،‬فجئت بنصف مالي فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬ما أبقيت لهلك ؟ فقال ‪ :‬مثله ‪ ،‬قال ‪ :‬وأتى أبو بكر بكل ما‬
‫عنده فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما أبقيت لهلك ؟ قال ‪ :‬أبقيت لهم ال ورسوله ‪ ،‬قلت ل أسابقك إلى شئ أبدا ) ‪.‬‬
‫فقد كان أبو بكر رضى ال عنه أجود الصحابة الكرام ‪ ،‬واسبقهم إلى كل خير ‪.‬‬
‫وكان عمر رضى ال عنه يقول ‪ :‬أبا بكر سيدنا وأعتق بللً سيدنا ‪ ،‬ولقد تحدثنا عن إنفاقه من قبل ‪ ،‬ومن المعروف أن الصحابة رضوان ال‬
‫عليهم سبقوا إلى كل خير ‪ ،‬وتسابقوا في الخيرات عملً بقول ال عز وجل { فاستبقوا الخيرات } البقرة ‪ 148‬وبقوله عز وجل { سابقوا إلى‬
‫مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والرض } الحديد ‪. 21‬‬

‫مواقف من تضحية الصحابة رضوان ال عليهم‬


‫‪ -‬مع عثمان بن عفان رضى ال عنه ‪:‬‬
‫عن ثمامة بن حزن القشيرى قال ‪ :‬شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال ‪ :‬ائتوني بصاحبيكم اللذين ألّباكم علىّ ؟‬
‫قال ‪ :‬فجئ بهما كأنهما جملن أو كأنهما حماران ‪ ،‬قال ‪ :‬فأشرف عليهم عثمان ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أنشد كم بال وال سلم هل تعلمون أن ر سول ال قدم المدي نة ول يس ب ها ماء ي ستعذب غبر بئر رو مة ‪ ،‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم ‪ (:‬من يشترى بئر رومة فيجعل دلوه مع دلء المسلمين بخير له منها في الج نة ) فاشتريتها من صلب مالي ‪ ،‬فأنتم اليوم تمنعو ني أن‬
‫أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر ‪ :‬قالوا اللهم نعم ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أنشدكم بال والسلم هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (:‬من يشترى بقعة آل فلن فيزيدها في‬
‫المسجد بخير له منها في الجنة ) فاشتريتها من صلب مالي ‪ ،‬وأنتم اليوم تمنعوني أن أصلى فيها ركعتين ؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أنشدكم بال والسلم هل تعلمون أنى جهزت جيش العسرة من مالي ؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أنشدكم بال والسلم هل تعلمون أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا ‪ ،‬فتحرك الجبل حتى‬
‫تساقطت حجارته بالحضيض قال ‪ :‬فركضه رجله فقال ‪ (:‬اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬ال أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أنى شهيد ثلثا ‪.‬‬

‫‪ -‬مع صهيب بن سنان رضى ال عنه ‪:‬‬


‫لما خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدينة وخرج معه أبو بكر رضى ال عنه يقول صهيب ‪ :‬وكنت قد هممت بالخروج معه فصدني‬
‫فتيان قر يش ‪ ....‬وقالوا ‪ :‬أتيت نا صعلوكا حقيرا ثم أ صبت ب ين أظهر نا المال ‪ ،‬وبلغت الذي بلغت ثم تر يد أن تخرج أنت ومالك ؟ وال ل يكون‬
‫ذلك ‪ ،‬فقال صهيب ‪ :‬أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون أنتم سبيلي ؟ فقالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬فخلع لهم ماله ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬ر بح صهيب ‪ ،‬ر بح صهيب ‪ ..‬ونزلت على ال نبي صلى ال عل يه و سلم { و من الناس من ي شر نف سه ابتغاء مرضات ال وال رؤوف‬
‫بالعباد } البقرة ‪ ، 2.7‬فلما رآه النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬أبا يحي ربيع البيع ‪ ،‬وتل عليه الية ‪.‬‬
‫فهذا موقف جليل لصهيب بن سنان رضى ال عنه حيث ضحى بماله وفدى به دينه ‪ ،‬وهو نموذج لعموم المهاجرين الذين تركوا أموالهم التي‬
‫ل يم كن نقل ها كالبيوت وب عض الموال الخرى ال تي غلب هم علي ها الكفار ‪ ،‬ك ما تركوا م صالحهم التجار ية ح يث كان أ هل م كة يتمتعون برحل تي‬
‫الشتاء و الصيف لليمن و الشام ووفادة العرب على مكة ‪ ،‬تركوا ذلك ابتغاء مرضاة ال ‪.‬‬
‫وهذا دل يل على أن الكفار وأعداء ال سلم أ صحاب م صالح ولي سوا أ صحاب مبادئ ف هم ينظرون أولً وق بل كل شئ إلى م صالحهم الخا صة من‬
‫وقاية أنفسهم وحصولهم على أكبر قدر ممكن من متاع الدنيا ‪ ،‬أما النظر إلى المبادئ المقدسة عندهم فهو أمر ثانوي ‪ ،‬بخلف المسلمين الذين‬
‫يعتبرون السلم هو المطلب السمى و القضية الكبرى ‪ ،‬كما فعل صهيب وغيره من الصحابة رضى ال عنهم ‪ ،‬وهذا هو أحد أسرار انتصار‬
‫المسلمين الساحق على الكفار رغم ضعف المسلمين الواضح من الناحية المادية ‪.‬‬
‫فان ظر إلى ذلك المها جر الذي كان يترك أهله ‪ ،‬ويفارق أر ضه في م كة ‪ ،‬وي فر بدي نه مضحيا ب كل ما يملك ‪ ،‬كان ي جد أما مه صورا أخرى من‬
‫التضحيات ‪ ،‬كان يجد أبناء السلم من فتيان يثرب ينظرون وكلهم شوق إليه ‪ ،‬وحب له وسرور بمقدمه ‪ ،‬وما كان لهم سابق معرفة ول قديم‬
‫صلة ‪ ،‬و ما ربط هم وشي جة من صهر أو عمو مة ‪ ،‬ما دفعت هم إل يه غا ية أو منف عة ‪ ،‬وإن ما هي عقيدة ال سلم إلى جعل هم يضحون ب كل ما‬
‫يملكون ‪ ،‬لدرجة أنهم يعدونه جزءا من أنفسهم ‪ ،‬وشقيقا لرواحهم ‪ ،‬وما هو إل أن يصل إلى المسجد حي يلف حوله الغر الميامين من الوس‬
‫و الخزرج ‪ ،‬كل هم يدعوه إلى أب يه ويؤثره على نف سه ويفد يه برو حه وعياله ‪ ،‬ويتش بث بمطل به هذا حي يؤول ال مر إلى القتراع ‪ ،‬فل قد روى‬
‫المام البخاري ما معناه ‪ (:‬ما نزل مهاجري على أن صاري إل بقر عة ) و حي خلّد القرآن للن صار ذلك الف ضل أ بد الد هر ‪ ،‬ف ما زال يبدو غرة‬
‫مشرقة في جبين السنين في قول ال تبارك وتعالى { و الذين بوءوا الدار واليمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ول يجدون في صدورهم‬
‫حاجة مما أووا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } الحشر ‪9‬‬
‫إن هؤلء الرجال ل يبخلون على دعوهم يوما من اليام بقوت أولدهم ‪ ،‬وع صارة دمائ هم ‪ ،‬وث من ضروريات هم و الفائض من نفقاتهم ‪ ،‬وأن هم‬
‫يوم أن حملوا هذا العبهء عرفوا جيدا أنهها دعوة ل رضهى بأقهل مهن الدم و المال ‪ ،‬فخرجوا عهن ذلك كله ‪ ،‬وفقهوا معنهى قوله تعالى { إن ال‬
‫اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } التوبة ‪ 111‬فقبلوا البيع وقدموا البضاعة عن رضى وطيب نفس معتقدين أن الفضل كله‬
‫ل فاستغنوا بما في أيديهم عما في أيدي الناس ‪ ،‬منحهم ال البركة في القليل فأنتج الكثير ‪ ...‬وهكذا يجب أن يكون حال الدعاة الصادقين ‪.‬‬
‫ذلك لن هذه الدعوة ل تنتصهر إل بالجهاد و التضحيهة ‪ ،‬والبذل وتقديهم النفهس و المال ‪ ،‬ولذلك قدم هؤلء الرجال النفوس وبذلوا الرواح ‪،‬‬
‫وجاهدوا فهي ال حهق جهاده ‪ ،‬وسهمعوا هاتهف الرحمهن يهتهف بههم { قهل إن كان آباؤكهم وأبناؤكهم وإخوانكهم وأزواجكهم وعشيرتكهم وأموال‬
‫اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدى‬
‫القوم الفاسقين } التوبة ‪ 24‬فأصاخوا للنذير ‪ ،‬وخرجوا عن كل شئ طيبة بذلك نفوسهم ‪ ،‬راضية قلوبهم مستبشرين ببيعهم الذي بايعوا ال به‬
‫‪.‬‬
‫ل ‪ :‬أبقيت لعيالي ال ورسوله ‪ ،‬ويخطر أحدهم و السيف‬
‫يعانق أحدهم الموت وهو يهتف ‪ :‬ركضا إلى ال بغير زاد ‪ ،‬ويبذل أحدهم المال كله قائ ً‬
‫على عنقه ‪:‬‬
‫على أي جنب كان في ال مصرعي‬ ‫ولست أبالي حين أقتل مسلما ً‬
‫كذلك كانوا ‪ :‬صدق جهاد ‪ ،‬وعظيم تضحية ‪ ،‬وكبير بذل ‪ ،‬وكذلك يجب علينا أن نكون مثلهم ‪.‬‬

‫‪ -‬مع عبد الرحمن بن عوف رضى ال عنه ‪:‬‬


‫‪ (:‬خيركم خيركم لهلي من بعدي )‬ ‫عن أبى هريرة رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ :‬فباع عبد الرحمن بن عوف حديقة بأربعمائة ألف ‪ ،‬فقسمها في أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫و عن أم ب كر ب نت م سور أن ع بد الرح من بن عوف باع أرضا له من عثمان بأربع ين ألف دينار ‪ ،‬فق سم ذلك في فقراء ب نى زهرة ‪ ،‬و في ذي‬
‫الحاجات من الناس ‪ ،‬وفي أمهات المؤمنين ‪.‬‬
‫قال المسور ‪ :‬فأتيت عائشة بنصيبها من ذلك فقالت ‪ :‬من أرسل بهذا ؟‬
‫قلت ‪ :‬عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬فقالت ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ (:‬ل يحنو عليكن بعدي إل الصابرون ) سقى ال ابن عوف من‬
‫سلسبيل الجنة ‪.‬‬
‫‪ -‬مع طلحة بن عبيد ال رضى ال عنه ‪:‬‬
‫سأله أحدهم وتقرب إليه برحم فأعطاه ثلثمائة ألف ‪.‬‬
‫وعن موسى عن أبيه أنه أتاه مال من حضرموت سبعمائة ألف ‪ ،‬فبات ليلته يتململ ‪ ،‬فقالت له زوجته ‪ :‬مالك ؟ قال ‪ :‬تفركت منذ الليلة فقلت ‪:‬‬
‫ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته ؟ قلت ‪ :‬فأين أنت من بعض أخلئك فإذا أصبحت فادع بجفان وقصاع فقسمه فقال لها ‪ :‬رحمك ال‬
‫إنك موفقة بنت موفق وهى أم كلثوم بنت الصديق ‪ ،‬فلما أصبح دعا بجفان فقسمها بين المهاجرين والنصار ‪ ،‬فبعث إلى على منها بجفنة ‪.‬‬
‫فقالت له زوجته ‪ :‬أبا محمد أما كان لنا في هذا المال من نصيب ؟ قال ‪ :‬فأين كنت منذ اليوم ؟ فشأنك ما بقى ‪ ،‬قال ‪ :‬فكان صرة فيها نحو ألف‬
‫درهم ‪.‬‬
‫وعن علىّ بن زيد قال ‪ :‬جاء أعرابي إلى طلحة يسأله ‪ ،‬فتقرب إليه برحم فقال ‪ :‬إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك ‪ ،‬إن لي أرضا قد أعطاني‬
‫بها عثمان ثلثمائة ألف فاقبضها ‪ ،‬وإن شئت بعتها من عثمان ‪ ،‬ودفعت إليك الثمن فقال ‪ :‬الثمن ‪ ،‬فأعطاه ‪.‬‬
‫إنه طلحة الخير ‪ ،‬وطلحة الفياض ‪ ،‬وطلحة الجود ‪.‬‬

‫‪ -‬مع أبى طلحة النصاري ‪:‬‬


‫عن أ نس ا بن مالك ر ضى ال ع نه قال ‪ ( :‬كان أ بو طل حة أك ثر الن صار بالمدي نة ما ًل من ن خل وكان أ حب أمواله إل يه بيرحاء وكا نت م ستقبلة‬
‫المسجد وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس ‪ :‬فلما أنزلت هذه الية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا‬
‫مما تحبون } آل عمران ‪ . ] 92‬قام أبو طلحة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال إن ال تبارك وتعالى يقول ‪ { :‬لن تنالوا‬
‫البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وإنها صدقة ل أرجو برها وذخرها عند ال فضعها يا رسول ال حيث أراك ال قال‬
‫‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في القربين فقال أبو‬
‫طلحة ‪ :‬أفعل يا رسول ال فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه )) ‪.‬‬

‫‪ -‬مع أبى الدحداح النصاري رضى ال عنه ‪:‬‬


‫قال الحافظ ‪ :‬روى أحمد والبغوى والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلً قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ :‬إن لفلن نخلة وأنا أقيم‬
‫حائطي بها فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ((أعطه إياها بنخلة في الجنة )) فأبى قال فأتاه أبو الدحداح فقال ‪ :‬بعني نخلتك بحائطي قال ‪/‬‬
‫ففعل فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ابتعت النخلة بحائطي فاجعلها له فقد أعطيتكها ‪.‬‬
‫فقال ‪ (( :‬كم من عذق وداح ل بى الدحداح في الج نة )) قال ها مرارا قال ‪ :‬فأ تى امرأ ته فقال ‪ :‬يا أم الدحداح اخر جي من الحائط فإ ني قد بع ته‬
‫بنخلة في الجنة فقال ‪ :‬ربح البيع أو كلمة تشبهها ‪.‬‬
‫فان ظر إلى صدق اليمان ك يف يد فع إلى البذل والنف قة في سبيل ال عز و جل ك ما قال تعالى { إن ما المؤمنون الذ ين آمنوا بال ور سوله ثم لم‬
‫يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ال أولئك هم الصادقون } الحجرات ‪. 15‬‬

‫‪ -‬مع عائشة رضى ال عنها ‪:‬‬


‫عن أم ذرة وكانت تغشى عائشة قالت ‪ :‬بعث إليها الزبير بمال في غرارتين ‪ .‬قالت ‪ :‬أراه ثمانين ومائة ألف فدعت بطبق وهى يومئذ صائمه‬
‫فجلس تقسمه بين الناس فأمست وما عندها من ذلك درهم فلما أمست قالت ‪ :‬يا جارية هلمي فطرى فجاءتها بخبز وزيت فقالت لها أم ذرة أما‬
‫استطعت مما قسمت اليوم أن نشترى لنا بدرهم لحما نفطر عليه ؟ فقالت لها ‪ :‬ل تعنفيني لو كنت ذكرتينى لفعلت‬
‫وعن عروة قال ‪ :‬لقد رأيت عائشة تقسم سبعين ألفا وهى ترفع درعها ‪.‬‬
‫فرحم ال أم المؤمنين ورضى ال عنها وقد امتل قلبها وباليمان ومحبة الرحمن حتى نسيت إلى جنب ذلك نفسها وهى صائمة والعبد إذا أكثر‬
‫من طاعة الرحمن تكون سعادته في الطاعة والنفاق والصيام والقيام فليست سعادتهم في الشراب والطعام وهكذا المؤمن تحبب إليه الطاعات‬
‫والقربات ك ما قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم ‪ ((:‬وجعلت قرة عي ني في ال صلة )) وكان يوا صل وين هى عن الو صال فيقال له ‪ :‬إ نك توا صل‬
‫فيقول ‪ (( :‬إني لست كهيئتكم إني أبيت لي معكم يطعمني وساق يسقيني )) ‪.‬‬

‫* مع أبى عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضى ال عنهما ‪:‬‬


‫روى مالك الدار قال ‪ :‬إن ع مر بن الخطاب ر ضى ال ع نه أ خذ أربعمائة دينار فجعل ها في صرة فقال للغلم ‪ :‬أذهب ب ها إلى أ بى عبيدة ثم تله‬
‫ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فذهب ب ها الغلم فقال ‪ :‬يقول لك أم ير المؤمن ين اج عل هذه في ب عض حاج تك قال ‪ :‬و صله ال ورح مه ثم قال ‪ :‬تعالى يا جار ية ‪ :‬اذ هبي‬
‫بهذه السبعة إلى فلن وبهذه الخمسة إلى فلن حتى أنفذها ‪.‬‬
‫فرجع الغلم إلى عمر وأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل فقال ‪ :‬أذهب بها إلى معاذ بن جبل وتله في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع ‪.‬‬
‫فذهب بها إليه فقال ‪ :‬يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال ‪ :‬رحمه ال ووصله ‪ :‬تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلن بكذا‬
‫واذهبي إلى بيت فلن بكذا ‪.‬‬
‫فاطلعت امرأة معاذ فقالت ‪ :‬نحن وال مساكين فأعطنا ولم يتبق من الحرقة إل ديناران فدحا بهما إليها فرجع الغلم إلى عمر فأخبره بذلك فسر‬
‫بذلك وقال إنهم إخوة بعضهم من بعض ‪.‬‬

‫‪ -‬مع أبى أمامة رضى ال عنه‬


‫ل ولو ببصلة أو‬
‫عن عبد الرحمن بن يريد بن جابر قال ‪ :‬حدثتني مولة أبي أمامة قالت ‪ :‬كان أبو أمامة يحب الصدقة ويجمع لها وما يرد سائ ً‬
‫بتمرة أو بشيء مما يؤكل ‪.‬‬
‫فأتاه سائل ذات يوم وقد افتقر من ذلك كله وما عنده إل ثلثة دنانير فسأله فأعطاه دينارا ثم أتاه سائل فأعطاه دينارا ثم أتاه سائل فأعطاه دينارا‬
‫‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فغضبت وقلت ‪ :‬لم تترك لنا شيئا ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فو ضع رأ سه للقائلة فل ما نودي للع صر أيقظ ته فتو ضأ وراح إلى الم سجد فرف قت عل يه صائما فتقر ضت وجعلت له عشاء ً وأ سرجت له‬
‫سراجا وجئت إلى فراشه لمهد له فإذا بذهب فعددتها فإذا ثلئمائة دينار قلت ‪ :‬ما صنع الذي صنع إل وقد وثق بما خلف فأقبل بعد العشاء فلما‬
‫رأي المائدة ورأي السراج تبسم وقال ‪ :‬هذا خير من عنده ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬قمت على رأسه حتى تعشى فقلت ‪ :‬يرحمك ال خلفت هذه النفقة سبيل ولم تخبرني فأرفعها قال ‪ :‬وأي نفقه؟! ما خلفت شيئا ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فرفعت الفراش فلما أن رآه فرج واشتد عجبه ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فقمت فقطعت زنارى وأسلمت ‪.‬‬
‫قال ابن جابر ‪ :‬فأدركتها في مسجد حمص وهى تعلم النساء القرآن والسنن والفرائض وتفقههن في الدين ‪.‬‬
‫إن صحت الروا ية فهي كرا مة ل بى أما مة ر ضى ال ع نه و من أ صول أهل ال سنة والجما عة الت صديق بكرامات الولياء وهى كثيرة في الكتاب‬
‫والسنة وسيرة السلف الصالح رضى ال عنه فمن ذلك قوله عز وجل { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك‬
‫هذا قالت هو من عند ال يرزق من يشاء بغير حساب } آل عمران ‪) 37‬‬
‫وكذا قصة أصحاب الكهف وفي الصحيح قصة قصعة الصديق رضى ال عنه وكان حبيب ابن عدى يؤتى بقطف من العنف وهو أسير بمكة وما‬
‫بمكة ثمرة ومن أولى بالكرامة من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ورضى ال عنهم أجمعين ‪.‬‬

‫‪ -‬مع عبد ال بن عمر ‪:‬‬


‫عن محمد بن زيد بن عبد ال بن عمر قال ‪ :‬أعطى ابن جعفر عبد ال بن عمر بنافع عشرة آلف أو ألف دينار فدخل عبد ال على صفية فقال‬
‫لها ‪ :‬إنه أعطاني ابن جعفر بنافع عشرة آلف أو ألف دينار فقالت ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن فما تنتظر أن تبيعه ؟ فقال ‪ :‬فهلً ما هو خير من ذلك‬
‫هو لوجه ال قال أبى ‪ :‬فكان يخيل إلى أن عبد ال ابن عمر كان ينوى قول ال عز وجل { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } آل عمران‬
‫‪. 92‬‬
‫وعن عبيد ال عن نافع قال ‪ :‬ما أعجب ابن عمر شئ من ماله إل قدمه بينا هو يسير على ناقته إذ أعجبته فقال ‪ :‬إخ إخ فأناخها وقال ‪ :‬يا‬
‫نافع حط عنها الرحل فجللها وقلدها وجعلها في بدنه ‪.‬‬
‫وعن محمد بن زيد عن أب يه أن ابن ع مر كاتب غلما له بأربعين ألفا فخرج إلى الكوفة يع مل على ح مر له حتى أدى خمسة عشر ألفا فجاءه‬
‫إن سان فقال ‪ :‬أمجنون أ نت ؟ أ نت هاه نا تعذب نف سك وا بن ع مر يشترى الرق يق يمينا وشمالً ثم يعتق هم ار جع إل يه ف قل ‪ :‬عجزت فجاء إل يه‬
‫بصحيفة فقال ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن قد عجزت وهذه صحيفتي فامحها فقال ‪ :‬ل ولكن امحها أنت إن شئت فمحاها ففاضت عينا عبد ال وقال ‪:‬‬
‫اذهب أنت حر قال ‪ :‬أصلحك ال أحسن إلى ابني قال ‪ :‬هما حران قال ‪ :‬أصلحك ال أحسن إلى أمي ولدى قال هما حرتان ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر قال ‪ :‬خطرت هذه الية ببالي { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } آل عمران‪ .] 92 :‬ففكرت فيما أعطاني ال عز وجل فما‬
‫وجدت شيئا أحب إلى من جاريتي رميثة فقلت ‪ :‬هي حرة لوجه ال فلول أنى ل أعود في شئ جعلته ل لنكحتها فأنحكها نافعا فهي أم ولده ‪.‬‬

‫مع شعبة بن الحجاج رضى ال عنه ‪:‬‬


‫عن النضر بن شميل قال ‪ :‬ما رأيت أرحم لمسكين من شعبة إذا رأي المسكين ل يزال ينظر إليه حتى يغيب عن وجهه ‪.‬‬
‫وقال يحيى القطان ‪ :‬كان شعبة من أرق الناس يعطى السائل ما أمكنه ‪.‬‬
‫وعن أبى داود الطيالسى قال ‪ :‬كنا عند شعبة فجاء سليمان بن المغيرة يبكى فقال له شعبة ‪ :‬ما يبكيك يا أبا سعيد ؟ قال ‪ :‬مات حماري وذهبت‬
‫منى الجمعة وذهبت حوائجي قال ‪ :‬فبكم أخذته ‪ :‬قال بثلثة دنانير قال ‪ :‬فعندي ثلثة دنانير وال ما أملك غيرها يا غلم هات تلك الصرة فإذا‬
‫فيها ثلثة دنانير فدفعها إليه وقال ‪ :‬اشتر بها حمارا ول تبك ‪.‬‬
‫وعن أبى داود قال ‪ :‬كنا عند شعبة نكتب ما يملى فسأل سائل فقال شعبة ‪ :‬تصدقوا فلم يتصدق أحد فقال ‪ :‬تصدقوا فإن أبا إسحاق حدثني عن‬
‫عبد ال بن معقل عن عدى بن حاتم قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬اتقوا النار ولو بشق تمرة )) قال ‪ :‬فلم يتصدق أحد فقال ‪:‬‬
‫فإن عمرو بن مرة حدثني عن خيثمة عن عدى بن حاتم قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا‬
‫فبكلمهة طيبهة )) ‪ .‬فلم يتصهدق أحهد فقال ‪ :‬تصهدقوا فإن محلً الضهبي حدثنهي عهن عدى بهن حاتهم قال ‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫((استتروا من النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة )) فلم يتصدق أحد فقال ‪ :‬قوموا عنى فوا ال ل حدثتكم ثلثة أشهر ثم دخل‬
‫منزله فأخرج عجينا فأعطاه السائل فقال ‪ :‬خذ هذا فإنه طعامنا اليوم ‪.‬‬
‫وعن سليمان بن حرب قال ‪ :‬لو نظرت إلى ثياب شعبة لم تكن تساوى عشرة دراهم إزاره ورداؤه وقميصه وكان شيخا كثير الصدقة ‪.‬‬
‫فمع أنه رحمه ال كان فقيرا وكان جلده قد لصق على عظمه ليس بينهما لحم وكان إذا حك جلده تساقط التراب إل أنه سخي النفس كريم الطبع‬
‫و كم من أناس يملكون الموال الضخ مة الفخ مة و مع ذلك جبلوا على الب خل وال شح فل ينفقون إل على شهوات نفو سهم ول يت صدقون علي ها‬
‫{ ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه وال الغنى وأنتم الفقراء } محمد ‪.] 38 :‬‬

‫* مع العمى في قصة الثلثة من بنى إسرائيل ‪:‬‬


‫عن أبى هريرة رضى ال ع نه أنه سمع رسول ال صلى ال عل يه وسلم يقول ‪ ((:‬إن ثل ثة من بنى إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى بدا ل أن‬
‫يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى البرص فقال ‪:‬أي شئ أحب إليك ؟ قال ‪ :‬لون حسن و جلد حسن قد قذرنى الناس قال ‪ :‬فمسه فذهب عنه فأعطى‬
‫لونا حسنا وجلدا حسنا ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أي المال أحب إليك ؟ قال ‪ :‬البل أو قال ‪ :‬البقر هو شك في ذلك أن البرص والقرع قال أحدهما ‪ :‬البل وقال الخر ‪ :‬البقر فأعطى ناقة‬
‫عشراء فقال ‪ :‬يبارك لك فيها ‪.‬‬
‫وأ تى القرع فقال ‪ :‬أي شئ أ حب إل يك ‪ :‬قال ‪ :‬ش عر ح سن ويذهب ع نى هذا قد قذر نى الناس قال‪ :‬فم سحه فذهب وأع طى شعرا ح سنا قال فأي‬
‫المال أحب إليك ؟ قال ‪ :‬البقر قال ‪ :‬فأعطاه بقرا حاملً وقال ‪ :‬يبارك لك فيها ‪.‬‬
‫وأتى العمى فقال ‪ :‬أي شئ أحب إليك قال ‪ :‬يرد ال إلى بصري فأبصر به الناس قال ‪ :‬فمسحه فرد ال إليه بصره قال فأي المال أحب إليك ؟‬
‫قال ‪ :‬الغنم فأعطاه شاة والدا ‪.‬‬
‫فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا من البل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من غنم ‪.‬‬
‫ثم أنه أتى البرص في صورته وهيئته فقال ‪ .‬رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفرة فل بلغ اليوم إل بال ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون‬
‫الح سن والجلد الح سن والمال بعيرا أتبلغ عل يه في سفره فقال له إن الحقوق كثرة فقال له كأ ني أعر فك ألم ت كن أبرص يقذرك الناس فأعطاك‬
‫ال؟ فقال لقد ورثت لكبار عن كابر ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬إني كنت كاذبا فصيرك ال إلى ما كنت‬
‫وأتى القرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا فرد عليه مثل ما رد عليه هذا ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬إن كنت كاذبا فصيرك ال إلى ما كنت ‪.‬‬
‫وأ تى الع مى في صورته فقال ‪ :‬ر جل م سكين وا بن سبيل وتقط عت به الحبال في سفري فل بلغ اليوم إل بال ثم بك أ سألك بالذي رد عل يك‬
‫بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد كنت أعمى فرد ال علىّ بصري‪ ،‬وفقيرا فقد أغناني فخذ ما شئت ‪ ،‬فوا ال ل أجهدك اليوم بشيء‬
‫أخذته ل فقال ‪ :‬أمسك مالك ‪ ،‬فإنما ابتليتم فقد رضى ال عنك ‪ ،‬وسخط على صاحبيك ) ‪.‬‬
‫قال الدكتور عمر الشقر ‪ :‬أما العمى فقد كان ذا نفس صافية عامرة باليمان و التقوى ‪ ،‬فذكره بصورته وحاله التي كان عليها قبل أن يرد ال‬
‫عليه بصره ‪ ،‬ويعطيه ما أعطاه من المال ‪ ،‬وكشف للسائل حقيقة ما كان عليه من قبل ‪ (:‬قد كنت أعمى فرد ال علىّ بصري وفقيرا فقد أغناني‬
‫)‪.‬‬
‫ولم يجد له بشاة واحدة ‪ ،‬إنما ترك له الخيار أن يأخذ ما يشاء ‪ ،‬ويترك ما يشاء ‪ ،‬وقال للسائل ‪ (:‬فخذ ما شئت فوا ال ل أجهدك اليوم بشيء‬
‫أخذ ته ل ) ع ند ذلك ك شف الملك له عن حقيق ته وقال له ‪ (:‬أم سك مالك فإن ما ابتلي تم ف قد ر ضى ال ع نك ‪ ،‬و سخط عن صاحبيك ) إن هؤلء‬
‫الثلثة يمثلون أنموذجين مختلفين ‪ ،‬أنموذج الشاكر لنعم ال ‪ ،‬و الكافر بها وبالشكر تدوم النعم ‪ ،‬وبالكفر يكون زوالها وبوارها ‪.‬‬

‫‪ -‬مع عبد ال بن جعفر رضى ال عنه ‪:‬‬


‫عن هشام ابن عروة عن أبيه قال ‪ :‬كتب رجل إلى عبد ال بن جعفر رقعة فجعلها في ثنى وسادته التي يتكئ عليها فقلب عبد ال الوسادة فبصر‬
‫بالرقعة فقرأها وردها في موضعها وجعل مكانها كيسا فيه خمسة آلف دينار ‪ ،‬فجاء الرجل فدخل عليه فقال ‪ :‬اقلب الرقعة فانظر تحتها فخذه ‪،‬‬
‫فأخذ الرجل الكيس فخرج فأنشأ يقول ‪:‬‬
‫أنه عندك مستور حقير‬ ‫زاد معروفك عرفا عظيما‬
‫وهو عند الناس مشهور كبير‬ ‫تتناساه كأن لم تأته‬
‫وعن الشعبي قال ‪ :‬كان لعبد ال بن جعفر على رجل من أهل المدينة خمسون ألفا فاستعان عليها بعبيد ال بن عباس في ذلك فقال ‪ :‬قد حططت‬
‫عنه شطرها وأخزته بالشطر الخر إلى ميسرة قال ‪ :‬فجزاه عبيد ال خيرا وانصرف فأتبعه ابن جعفر رسولً‪ :‬إني قد طيبت له النصف الخر ‪.‬‬
‫عن الداودى قال ‪ :‬قيل لمعاوية بن عبد ال بن جعفر ‪ :‬ما بلغ من كرم عبد ال بن جعفر ؟ قال ‪ :‬كان ليس له مال دون الناس هو والناس في‬
‫ماله شركاء من سأله شيئا أعطاه ومن استمنحه شيئا منحه إياه ل يرى أن يفتقر فيقتصر ول يرى أنه يحتاج فيدخر ‪.‬‬

‫* مع عبد ال بن المبارك رضى ال عنه ‪:‬‬


‫قال محمد بن عيسى ‪ :‬كان المبارك كثير الختلف إلى طرسوس وكان ينزل الرقة في خان فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه ويسمع منه‬
‫الحديث فقدم عبد ال مرة فلم يره فخرج في النفير مستعجلً فلما رجع سأل عن الشاب فقيل له ‪ :‬محبوس على عشرة آلف درهم فاستدل على‬
‫الغريم ووزن له عشرة آلف وحلفه أل يخبر أحدا ما عاش فأخرج الرجل وسرى ابن المبارك فلحقه الفتى على مرحلتين من الرقة فقال له ‪ :‬يا‬
‫فتى أين كنت ؟ لم أرك قال ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن كنت محبوسا بدين ‪ .‬قال ‪ :‬وكيف خلصت ؟ قال ‪ :‬جاء رجل فقضى ديني ولم أدر قال ‪ :‬فاحمد‬
‫ال ولم يعلم الرجل إل بعد موت ابن المبارك ‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه أمثلة حية للصحابة والتابعين ومن بعدهم فإن هناك أمثلة حية في عصرنا الحديث أكتفي بضرب المثل بالقليل منها ‪.‬‬

‫نماذج معاصرة‬

‫* مجاهدون بأموالنا ‪:‬‬


‫جاء مبعوث من السفارة النجليزية إلى دار المركز العام وقابل المام الشهيد وقال له ‪ :‬إن المبراطورية من خططها مساعدة الجمعيات الدينية‬
‫والجتماعية وهى تقدر جهودكم ونفقاتكم ‪ ..‬لذلك فهي تعرض عليكم خدماتها بدون مقابل وقد قدمنا مساعدات لجمعية كذا وكذا ‪ ..‬ولفلن وفلن‬
‫‪ ..‬وهذا شيك بعشرة آلف جنيه معاونة للجماعة ‪.‬‬
‫فتبسم المام الشهيد وقال ‪:‬‬
‫إنكم في حالة حرب وأنتم أكثر احتياجا إلى هذا اللف ‪.‬‬
‫فأخذ المبعوث يزيد في المبلغ والمام يرفض ‪.‬‬
‫وكان بعض الخوة يتعجبون ويتهامسون ‪:‬‬
‫لم ل نأخذ المال ونستعين به عليهم ‪.‬‬
‫فكان جواب المام الشهيد ‪ :‬إن اليد التي تمتد ل تستطيع أن ترتد واليد التي تأخذ العطاء ل تستطيع أن تضرب ‪.‬‬
‫إننا مجاهدون بأموالنا ل بأموال غيرنا وبأنفسنا ل بأرواح غيرنا ‪.‬‬

‫* تعفف عن الهدايا ‪:‬‬


‫في السنة التي حج فيها الستاذ الهضيبى منحه الملك سعود هدية ‪.‬‬
‫قال لرجال القصر ‪ :‬ل أستطيع قبول مثل هذه المنح ‪.‬‬
‫فألحوا عليه وذكروا محاسن القبول ومساوئ الرد ‪.‬‬
‫فقبل أخيرا ولكنه أودع الهدية في خزانة الجماعة ‪.‬‬

‫* تحويل الشيك ‪:‬‬


‫أرسلت وزارة الثقافة بدولة المارات دعوة للستاذ عمر التلمسانى عام ‪ 1982‬م فلبى الدعوة ‪.‬‬
‫وألقى محاضرة في النادي الثقافي بأبي ظبي حيث جاء جمع غفير مل القاعة وخارج القاعة ولم يأت قبله مثله كما عقد التليفزيون عدة ندوات‬
‫مع الستاذ المرشد وكذلك جريدة التحاد ‪...‬‬
‫وفي نهاية الزيارة قدمت الوزارة تحية لضيفها الكبير شيكا بخمسة وثلثين ألف درهم فشكر الستاذ عمر لهم هذا الصنيع الكريم ‪.‬‬
‫ثم قال للستاذ جابر رزق في الحال ‪:‬‬
‫‪-‬حول هذا الشيك إلى المجاهدين الفغان ‪.‬‬

‫ندوة بل أجر ‪:‬‬


‫عقدت إحدى المجلت الدين ية ندوة د عت إلي ها ال ستاذ ع مر التلم سانى فل بى الدعوة ‪ .‬ثم قدم إل يه مو ظف ور قة وطلب م نه التوق يع عل يه فقال‬
‫الستاذ ‪ :‬ما هذا ؟‬
‫قال ‪ :‬لو كنت أعلم أن الدعوة إلى ال تدفعون لها مقابل لما حضرت ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬مصاريف الركوب والنتقال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬عندي سيارة أعدها الخوان لمثل هذه المور ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ولكنهم جميعا يأخذون ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أنا لست من هذا الجميع أنا رجل على باب ال وانصرف دون قبض أو توقيع ‪.‬‬

‫* محاولة للرشوة ‪:‬‬


‫قابل الستاذ عمر التلمسانى أحد رؤساء الوزارات المصرية في عهد السادات وتبادل الحديث وفي النهاية قال رئيس الوزراء ‪ :‬كيف أحوالكم‬
‫المالية ؟‬
‫فقال الستاذ المرشد ‪ :‬بخير والحمد ل مستورة ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬إن الدولة تدعم كل الصحف والمجلت المصرية ‪.‬‬
‫ومجلة الدعوة كمجلة إسلمية أحق بهذا الدعم ‪.‬‬
‫فقال الستاذ وهو يتمالك أعصابه ‪:‬‬
‫يا شيخ ‪ ..‬سايق عليك النبي ماتكلمنيش في هذه الناحية ‪.‬‬

‫* ما جئت جابيا ‪:‬‬


‫ذهب الستاذ عمر التلمسانى لداء فريضة الحج ‪.‬‬
‫ولقيه أحد الخوة وقال له ‪ :‬إن شخصية كبيرة من السعودية تريد مقابلتك ‪.‬‬
‫فقبل الستاذ وحدد الموعد ‪.‬‬
‫وأثناء اللقاء تحدث هذا الكبير عن الدعوة السلمية ومستقبلها ‪ ...‬ثم عرج على مجلة الدعوة وكانت لم تصدر بعد ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬إنه يريد تدعيمها ‪ ..‬فأدرك الستاذ هدفه وقال مقاطعا ‪ :‬سيادتكم طلبتم مقابلتي كداعية ل كجاب فأنا جئت داعيا ل جابيا ‪.‬‬
‫ولو كنت أعلم أنك ستتحدث معي في مسألة نقود لعتذرت ولذلك أرجو أن تسمح لي سيادتكم بالنصراف ‪.‬‬

‫هذا ل يأخذ أجرا ‪:‬‬


‫انتدب الزهر الستاذ عمر فلتلمساني للقاء بعض المحاضرات في الشريعة والقانون بالجامعة ‪.‬‬
‫وكان ذلك أيام فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود ‪.‬‬
‫فلما جاء كشف صرف المكافآت للسادة الستاذة المحاضرين المنتدبين إذا بالدكتور عبد الحليم محمود يجد اسم الستاذ عمر التلمسانى مدرجا‬
‫بالكشف فقال للمسئول ‪ :‬ارفع اسم الستاذ عمر من الكشف هذا ل يأخذ أجرا (ده مش بتاع كده ) ‪.‬‬
‫ودار حوار ولم يرفع المسئول اسم الستاذ عمر‬
‫ولما حان وقت صرف المكافآت ذهب المسئول بالكشف للستاذ عمر ليوقع فأبى ‪.‬‬
‫فذهب المسئول للدكتور عبد الحليم محمود فقال الدكتور عبد الحليم محمود ‪ :‬ألم أقل لك أن الستاذ عمر ( ده مش بتاع كده )‬
‫وهكذا المؤمن الصادق اليمان ل يسأل الناس أجرا بل ينفق بيمينه ما ل تعلم شماله فإن لم يجد بكى حزنا من الفاقة وعدم القدرة على النفاق‬
‫‪.‬‬

‫* يبكون شوقا إلى الجهاد ل للغنائم ‪:‬‬


‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فبلغني أن ابن عمير بن كعب النضرى لقي أبا ليلى وعبد ال بن مغفل وهما يبكيان فقال ‪ :‬ما يبكيكما ؟‬
‫قال ‪ :‬جئنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحا‬
‫له فارتحله وزودهما شيئا من تمر فخرجا مع النبي صلى ال عليه وسلم زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال ‪ :‬وأما علبة بن زيد فخرج‬
‫من الل يل ف صلى من ليل ته ما شاء ال ثم ب كى وقال ‪ :‬الل هم إ نك أمرت بالجهاد ورغ بت ف يه ثم لم تج عل عندي ما أتقوى به ولم تج عل في يد‬
‫رسولك ما يحملني عليه وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها مال أو جسد أو عرض ‪.‬‬
‫ثم أصبح على الناس فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أين المتصدق هذه الليلة ؟ فلم يقم أحد ثم قال ‪ :‬أين المتصدق فليقم )) فقام إليه‬
‫فأخذه فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ((أبشر فوا الذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة )) ‪.‬‬
‫فالجهاد في سبيل ال بذل وتضح ية وبذل المال والنفاق في سبيل ال يقترن في القرآن غالبا بذ كر الجهاد والقتال ول قد مرت على الم سلمين‬
‫مرحلة كان الجهاد فيها تطوعا والمجاهد يومئذ ينفق على نفسه وقد يقعد به المال حين ل يقعد به الجهاد { ول على الذين إذا ما أتوك لتحملهم‬
‫قل ل أجد ما أحمكم عليه ولوا وأعينهم فيض من الدمع جزنا أل يجدوا ما ينفقون } التوبة ‪ . ] 92 :‬فلم يكن بد من الحث المستمر على النفاق‬
‫ليسير الطريق للمجاهدين في سبيل ال كما ذكرنا وهنا جئ الدعوة إلى النفاق { من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة‬
‫} البقرة ‪ .] 245‬فنفق يمينه ما ل تعلم شماله ‪.‬‬
‫فإذا كان الموت والحياة ب يد ال والحياة ل تذ هب بالقتال إذا قدر ال ل ها البقاء فكذلك المال ل يذ هب بالنفاق إن ما هو قرض ح سن ل مضمون‬
‫عنده يضاعفه أضعافا كثيرة يضاعفه في الدنيا مال وبركة وسعادة وراحة ويضاعفه في الخرة نعيما ومتاعا ورضى وقربى من ال ومرد المر‬
‫في الغنى والفقر إلى ال ل إلى حرص وبخل ول إلى بذل وإنفاق فأين يكون المال والناس أنفسهم راجعون بقضهم وقضيضهم إلى ال فل فزع‬
‫مهن الموت ول خوف مهن الفقهر ول محيهد عهن الرجعهة إليهه وإذن فيجاههد المؤمنون فهي سهبيل ال وليقدموا الرواح والموال وليسهتيقنوا أن‬
‫أنفا سهم معدودة وأن أرزاقهم مقدرة وأ نه من الخ ير ل هم أن يعيشوا الحياة قو ية طلي قة شجا عة كري مة ومردهم بعد ذلك إلى ال { وال يق بض‬
‫ويبسط وإليه ترجعون } البقرة ‪.] 245‬‬

‫* التربية إبتدا ًء وانتهاء ‪:‬‬


‫لقد أنشأت التربية اليمانية و الجهادية مجموعة من الناس تتمثل فيهم المانة والورع يرون الغنائم أمام أعينهم فل تطلع أنفسهم إليها ول تمتد‬
‫أيديهم فيغلون إنما كانوا يتحرجون الغلول في أية صورة من صوره كما لم تتمثل قط في مجموعة بشرية وقد كان الرجل في أفناء الناس من‬
‫المسلمين يقع في يده الثمين من الغنيمة ل يراه أحد فيأتي إلى أميره ل تحدثه نفسه بشيء منه خشية أن ينطبق عليه قول ال تعالى المرهوب‬
‫‪ { :‬وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون } آل عمران ‪.] 161 :‬‬
‫وخشية أن يلقى نبيه على الصورة المفزعة المخجلة التي حذره أن يلقاه عليها يوم القيامة ‪.‬‬
‫فقد كان المسلم يعيش هذه الحقيقة فعل وكانت الخرة في حسه واقعا وكان يرى صورته تلك أمام نبيه وأمام ربه فيتوقاها ويفزع أن يكون فيها‬
‫وكان هذا هو سر تقواه وخشيته وتحرجه وهو يسمع لمقولة الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ((:‬يا أيها الناس من عمل لنا منكم عمل فكتمنا‬
‫م نه مخيطا ف ما فو قه ف هو غل يأ تي به يوم القيا مة ))فقام ر جل من الن صار أ سود قال مجاهد ‪ :‬هو سعد بن عبادة كأ ني أن ظر إل يه فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال أقبل منى عملك قال ‪ :‬وما ذاك ؟ قال ‪ :‬سمعتك تقول ‪ :‬كذا وكذا قال ‪ :‬أنا أقول ذلك الن من أستعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره‬
‫ف ما أو تى م نه أخذه و ما ن هي ع نه انت هي )) فالخرة كا نت حقي قة يعيش ها الم سلم ل وعدا بعيدا وكان على يق ين ل يخال جه شك من أن ن فس‬
‫ستوفي ما كسبت وهم ل يظلمون ‪.‬‬
‫روى ا بن جر ير ال طبري في تاري خه قال ‪ :‬ل ما ه بط الم سلمون المدائن وجمعوا القباض أق بل ر جل ب حق م عه فدف عه إلى صاحب القباض فقال‬
‫الذ ين م عه ‪ :‬ما رأي نا م ثل هذا قط ما يعدله ما عند نا ول يقار به فقالوا ‪ :‬هل أخذت م نه شيئا فقال ‪ :‬أ ما وال لول ال ما أتيت كم به فعرفوا أن‬
‫للر جل شأنا فقالوا ‪ :‬من أ نت ؟ فقال ‪ :‬ل وال ل أ خبركم لتحمدو ني ول غير كم ليقرظو ني ولك نى أح مد ال وأر ضى بثوا به فاتبعوه رجلً ح تى‬
‫انتهي إلى أصحابه فسأل عنه إذا هو عامر بن عبد قيس ‪.‬‬
‫وقد حملت الغنائم إلى عمر رضى ال عنه بعد القادسية وفيها تاج كسري وإيوانه ل يقومان بثمن فنظر رضى ال عنه إلى ما أداه الجند في‬
‫غبطة وقال ‪ :‬إن قوما أدوا هذا لميرهم لمناء وفي رواية قال أحد الجالسين ‪ :‬يا أمير المؤمنين عففت فعفوا ولو رتعت لرتعوا ‪.‬‬
‫ولقد ربى السلم المسلمين تلك التربية العجيبة التي تكاد أخبارها تحسب في الساطير ونقلهم نقلة تصغر في ظلها الغنائم ويصغر في ظلها‬
‫التفكير في هذا العراض ليلتمس المسلمون لمسات المنهج القرآني العجيب في تربية القلوب ورفع اهتماماتها وتوسيع أفاقها وشغلها بالسباق‬
‫الحقيقي في الميدان الصيل أل وهو اتباع رضوان ال وهذا هو مجال الطمع ومجال الختيار وهذا هو ميدان المكسب والخسارة وشتان بين من‬
‫يبع رضوان ال فيفوز به ومن يطمع في عرض من أعراض الدنيا الفانية { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له‬
‫جهنم يصلها مذموها مدحورا ومن أراد الخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا كل نمد هؤلء وهؤلء من عطاء ربك‬
‫وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلً } السراء ‪.] 21 :18‬‬

‫* هاجس الرزق ‪:‬‬


‫إذا كان خوف الموت هو السبب الول في الجبن فإن السبب الثاني ما يوسوسه الشيطان للنسان من جانب الرزق وكيف يتوافر للولد ولذويه‬
‫من بن ين وبنات وزو جة إذا ذ هب للحرب وإذا قدر له الشهادة في ها وك ما ا ستفاض ال ور سوله في البيان عن تحد يد الجال ف قد ا ستفاض ال‬
‫ورسوله في بيان أن الرزق مقسوم ‪.‬‬
‫وكم حرر السلم المجتمع السلمي من خوف الموت فقد حرره أيضا من هم الرزق بالنسبة للنسان نفسه الذي يكفل السرة وبالنسبة للسرة‬
‫نفسهها فردا فردا يسهتوي فهي ذلك حالة السهلم والحرب ذلك أن الرزق بيهد ال { ومها مهن دابهة فهي الرض إل على ال رزقهها ويعلم مسهتقرها‬
‫ومستودعها } هود ‪ { .] 6‬ما يفتح ال للناس من رحمة فل ممسك لها وما يمسك فل مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم } فاطر ‪.]2 :‬‬
‫و قد أ خبر سبحانه وتعالى أن الرزق في ال سماء محدد وأق سم سبحانه على أن ذلك حق وا قع ول قد أق سم سبحانه { و في ال سماء رزق كم و ما‬
‫توعدون فورب السماء والرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } الذاريات ‪.]23 - 22‬‬
‫على أن صاحب الثراء العريض الذي يعمد على ثرائه غير ناظر إلى ال تعالى واهب الرزق والثراء قد يخسف ال به وبداره الرض كما صنع‬
‫بقارون أو يطوف ببساتينه ومزارعه طائف منه سبحانه فتصبح خاوية على عروشها كما فعل سبحانه بأصحاب الجنة التي قص علينا أمرهم‬
‫في القرآن الكريم في سورة القلم ‪.‬‬
‫و ما من شك في أن ال سعي على الرزق مطلوب وأن من الذنوب ذنوبا ل يكفر ها إل ال سعي على الرزق وأن الع مل الجاد الكادح إن ما هو من‬
‫سمات السلم كل ذلك حق ‪,‬إذا كان الرزق بيد ال وإّذا كان العمل مطلوبا فإن ما ينهي عنه السلم إنما هو هذه الصورة الجشعة القلقة التي‬
‫تحاول اقتناص المال من ال سبل غ ير المشرو عة أو ال تي ترى أن عبدا من عباد ال بيده الرزق إعطا ًء ومنعا وبيده الرزق زيادة ونق صا أو أخذً‬
‫وتركا وقد حرر السلم بموقفه هذا المجتمع السلمي من أن يكون هم الرزق سببا في ضعفه أو ذلته ‪.‬‬

‫* حاجة الجهاد للمال ‪:‬‬


‫والجهاد كمها يحتاج للرجال يحتاج للمال ولقهد كان المجاههد المسهلم يجههز نفسهه بعدة القتال ومركهب القتال وزاد القتال لم تكهن هناك رواتهب‬
‫يتناولها القادة والجند إنما كان هناك تطوع بالنفس وتطوع بالمال وهذا ما تصنعه العقيدة حين تقوم عليها النظم إنها ل تحتاج حينئذ أن تنفق‬
‫لتحنى نفسها من أهلها أو من أعدائها إنما يتقدم الجند ويتقدم القادة متطوعين ينفقون هم عليها من أموالهم ‪.‬‬
‫ولكهن كثيرا مهن فقراء المسهلمين الراغهبين فهي الجهاد والذود عهن منههج ال ورايهة العقيدة لم يكونوا يجدون مها يزودون بهه أنفسههم ول مها‬
‫يجهزون به من عدة الحرب ومركب الحرب وكانوا يجيئون إلى النبي صلى ال عليه وسلم يطلبون أن يحملهم إلى ميدان المعركة البعيد الذي ل‬
‫يبلغ على القدام فإذا لم يجد ما يحملهم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع جزنا أل يجدوا ما ينفقون كما حكى عنهم القرآن الكريم ‪.‬‬
‫من أ جل هذا كثرت التوجهات القرآن ية والنبو ية إلى النفاق في سبيل ال النفاق لتجه يز الغزاة و صاحب الدعوة إلى الجهاد دعوة إلى النفاق‬
‫في معظم المواضع حتى جعل القرآن عدم النفاق تهلكة ينهي عنها المسلمون { وأنفقوا في سبيل ال ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن‬
‫ال يحب المحسنين } البقرة ‪ ] 195 :‬فالمساك عن النفاق في سبيل ال تهلكة للنفس بالشح وتهلكة للجماعة بالعجز والضعف وبخاصة في‬
‫نظام يقوم على التطوع كما كان يقوم السلم ثم يرتقى بهم إلى مرتبة الحسان وهي عليا المراتب في السلم وهي كما قال رسول ال صلى‬
‫ال عل يه وسلم (( أن تع بد ال كأ نك تراه فإن لم تكن تراه فإ نه يراك )) وح ين ت صل النفس إلى هذه المرت بة فإن ها تفعل الطاعات كلها وتنت هي‬
‫عن المعاصي كلها وتراقب ال في الصغيرة والكبيرة وفي السر والعلن على السواء وهكذا يكل النفس في أمر الجهاد إلى الحسان أعلى مراتب‬
‫اليمان ‪.‬‬

‫الجهاد في سبيل ال وفضل النفقة عليه ‪:‬‬


‫الدين كما نعلم رأسه السلم وعموده الصلة وذروة سنامه الجهاد في سبيل ال ولما كان الجهاد هو‬
‫بذل الجهد والطاقة في إعلء كلمة ال ونصرة دينه والذود عن حياض المسلمين وحقوقهم وحرياتهم تعددت أوجه الجهاد فجهاد الحجة والبيان‬
‫وجهاد القوة والرجال كما يكون بالمال ولما كانت الدنيا دار بلء كان الجهاد كذلك { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } محمد ‪-‬‬
‫‪ ] 31‬يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم )) ‪.‬‬
‫لذلك كان الجهاد هو التجارة الرابحة في الجر كما أنه من أسباب العز والنصر { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم‬
‫تؤمنون بال ورسوله وتجاهدون في سبيل ال بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها‬
‫النهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من ال وفتح قريب وبشر المؤمنين } الصف ‪ ] 13 - .1‬وإل‬
‫كان الذل وال صغار ك ما أخبر المصطفي صلى ال عل يه وسلم بأ نه ‪ (( :‬ما ترك قوم الجهاد في سبيل ال إل سلط ال عليهم ذلً ل ينز عه حتى‬
‫يراجعوا دينههم )) ولذلك كان الصهحابة منههم الباذل لماله حميهة دينيهة أو منههم البائع لنفسهه لعلمههم { إن ال اشترى مهن المؤمنيهن أنفسههم‬
‫وأموالههم بأن لههم الجنهة يقاتلون فهي سهبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليهه حقها فهي التوراة والنجيهل والقرآن ومهن أوفهي بعهده مهن ال‬
‫فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } التوبة ‪. ]111‬‬
‫فالر سول صلى ال عل يه و سلم بمجرد أن حث المؤمن ين على الجهاد في سبيل ال في غزوة الع سرة وكان ز من مجا عة وج هد قال عثمان بن‬
‫عفان ر ضى ال ع نه ‪ :‬على مائة بع ير بأحل سها وأقتاب ها ثم ل ما حث هم أخرى قال عثمان ‪ :‬على مائة بع ير بأحل سها وأقتاب ها قم جاء ب صرة‬
‫دنانير كادت كفه تع جز عنها فوضعها بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يقلبها يقول ‪ :‬ما ضر‬
‫عثمان ما فعل بعد اليوم غفر ال لك يا عثمان ما قدمت وما أخرت ‪.‬‬
‫أما عبد الرحمن بن عوف فقد قدمت عير له من الشام تقدر بسبعمائة بعير تحمل طعاما وثيابا وأدما فتصدق بها كلها في سبيل ال كما تصدق‬
‫عمر بشطر ماله رضوان ال عليهم أجمعين والحديث في هذا الباب يطول عن إنفاق الصحابة رضوان ال عليهم المال في سبيل ال ‪.‬‬
‫ولن المال بمثابة الترس للسلم يستجلب به العدد والعتاد وسائر وسائل الجهاد وليدفع به صولة أهل الكفر واللحاد والعناد فهو المحور الذي‬
‫تدور عليه رحى الحرب ويستعان به في الطعن والضرب فالمسلم يجاهد بنفسه وماله وقد فرض ال في أموال الغنياء نصيبا مفروضا يصرف‬
‫في الجهاد والمجاهد ين في سبيل ال فيجوز أو ي ستحب للتا جر أن ي صرف زكا ته في هذه الحالة إلى المجاهد ين في سبيل ال و في المال حق‬
‫سوى الزكاة فمن كان عنده زكاة وجب أن يساهم بقدر استطاعته كل حسب مقدرته والدرهم بسبعمائة درهم وعند ال أضعاف كثيرة وصدق ال‬
‫إذ يقول ‪ { :‬ل كن الر سول والذ ين أمنوا م عه جاهدوا بأموال هم وأنف سهم وألئك ل هم الخيرات وأولئك هم المفلحون أ عد ال ل هم جنات تجرى من‬
‫تحتها النهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } التوبة ‪. 89 -88‬‬
‫إن ال سبحانه قد ير بى بالبتلء ك ما أ نه سبحانه قد يبتلى بالن عم والمؤ من ال حق هو الذي ل يفرح بالنع مة إل على أ ساس أن ها تو صل إلى‬
‫مرضاة ال وأن المال قد يكون ابتلء إذا أق بل وقد يكون ابتلء إذا أدبر وقد يكون نعمة إذا أق بل و قد يكون نع مة إذا أدبر والم ثل العلى هو أل‬
‫تجعل المال في إقباله وإدباره إلها يعبد من دون ال وأن نسموا بأنفسنا وأل نجعلها من عبيد المال وأن نحررها من رق الذهب والفضة وذلك‬
‫بأداء حق ال والنفاق في سبيله ‪.‬‬
‫عن أ بى وا قد اللي ثى قال ‪ :‬كان ر سول ال صلى ال عل يه وسلم إذا أو حي إل يه أتيناه يعلم نا م ما أوحى إل يه فجئته ذات يوم فقال ال عز و جل‬
‫يقول (( إنا أنزلنا المال لقام الصلة وإيتاء الزكاة ولو كان لبن آدم واديا من ذهب لحب أن يكون له ثان ولو كان له الثاني لحب أن يكون له‬
‫الثالث ول يمل جفون ابن آدم إل التراب ويتوب ال على من تاب )) ‪.‬‬
‫ويقول صلوات ال عليه ((خلقان يحبهما ال عز وجل وخلقان يبغضهما ال عز وجل فأما اللذان يحبهما ال فحسن الخلق والسخاء وأما اللذان‬
‫يبغضهما ال فسوء الخلق والبخل وإذا أراد ال بعبد خيرا استعمله في قضاء حوائج الناس )) ‪.‬‬

‫النفاق والجهاد ‪:‬‬


‫روى مسلم والنسائي بسندهما عن أبى مسعود النصاري قال (( جاء رجل بناقة مخطومة فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ..‬هذه في سبيل ال فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة ))‪.‬‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم في هذا الحديث يرسم صورة لناحية خاصة من نواحي الجهاد هي ‪ :‬الجهاد بالمال أو التجهيز ويبين ثواب هذا‬
‫اللون من ألوان الجهاد ‪.‬‬
‫وأساس التحديد بسبعمائة ضعف قول ال تعالى { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل ال كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة‬
‫وال يضاعف لمن يشاء وال واسع عليم } البقرة ‪.] 261‬‬
‫قال مكحول ‪ :‬المراد بالنفاق ‪ :‬النفاق في الجهاد من العداد والستعداد ويؤيد حديث النياق المخطومة وقال ابن عباس ‪ :‬في الجهاد يضاعف‬
‫ال المال إلى سبعمائة ضعف ‪.‬‬
‫قال ابن كثير ‪ :‬وهذا المثل { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل ال } البقرة ‪ .] 261‬فيه إشارة إلى أن العمال الصالحة ينميها ال عز وجل‬
‫لصحابها كما ينمى الزرع لمن يذره في الرض الطيبة وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف روى أحمد بسنده عن أبى هريرة‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( كل عمل ابن آدم يضاعف ‪ :‬الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء ال )) ‪.‬‬
‫و من أ جل ذلك يمكن نا أ نقول ‪ :‬إن ثواب النفاق في الجهاد أعلى مرا تب الثواب وال يضا عف ل من يشاء ‪ :‬أي بح سب إخل صه في عمله وال‬
‫وأسع في فضله عليم بمن يستحق ومن ل يستحق ‪.‬‬
‫ولقد ركز الرسول صلى ال عليه وسلم على هذه الحقيقة تنشيطا للهمم وقمعا لكل المثبطات عن النفاق في سبيل ال فقال ‪((:‬من أنفق نفقه في‬
‫سبيل ال كتبت له بسبعمائة ضعف ))‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضى ال عنه أ ن رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة السراء سار وسار معه جبرائيل عليه السلم فأتى على قوم يزرعون‬
‫في يوم ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان‪ ...‬قال ‪:‬يا جبرائ يل ‪ ..‬من هؤلء ؟قال ‪:‬هؤلء المجاهدون في سبيل ال ‪ ..‬تضاعف لهم‬
‫الحسنة بسبعمائة ضعف {وما أنفقتم منشئ فهو يخلفه } (سبأ ‪) 39:‬‬
‫ولذلك ‪:‬أطلق ال صحابة في ميدان النفاق في سبيل ال وتناف سوا في ذلك فكا نت مظاهرة رائ عة إن دلت فإن ما تدل على إيمان متأ صل وعقيدة‬
‫راسخة فقد قدم أبو بكر ماله كله في سبيل ال فلما سأله الرسول صلى ال عليه وسلم ماذا أبقيت لهلك ؟قال ‪:‬أبقيت لهم ال ورسوله وكانت‬
‫لعثمان موافق رائدة في مجال النفاق في سبيل ال ذكرنا بعضها ‪.‬‬
‫لقد كان المال ذخيرة تبذل في وقت الشدائد في سبيل ال وتقدم فيه مصلحة المة قبل كل شئ وكان هذا البذل سبيل النصر ووسيلة النجاح وقد‬
‫أخلفه ال عليهم ففاضت عليهم الخيرات في الدنيا أضعافا مضاعفة عند ال ولهم في الخرة جزيل الثواب ‪.‬‬
‫وصدق ال العظيم إذ يقول ‪ { :‬وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم ل تظلمون } البقرة ‪272-‬‬

‫* لماذا الجهاد بالمال ‪:‬‬


‫للجهاد بالمال مغزى مميز وذاتية فريدة وحكم بالغة ‪...‬‬
‫من ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬يع تبر الجهاد بالمال اختبارا لقوة العقيدة ومقيا سا ل صدق اليمان وو سيلة لتطه ير الن فس البشر ية من ال شح والب خل ف من غرائز النسان‬
‫حب المال ‪ ..‬ول قد أشار القرآن ذلك فقال ‪ { :‬ز ين للناس حب الشهوات من الن ساء والبن ين والقناط ير المقنطرة من الذ هب والف ضة والخ يل‬
‫المسومة والنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا وال عنده حسن المآب } آل عمران ‪ ] 14‬إن التضحية بالمال في سبيل ال مع حبه وتفضيل‬
‫حب ال ورسوله لدليل قوى على العقيدة واليمان ‪ ..‬ولقد عبر القرآن عن ذلك فقال ال تبارك وتعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون‬
‫وما تنفقوا من شئ فأن ال به عليم } آل عمران ‪ ] 92‬وليس هناك أدنى شك في أن أفضل مجالت النفاق هو النفاق في سبيل ال ‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬ومهن الجهاد بالمال امتثال لمهر ال سهبحانه وتعالى المالك الحقيقهي والصهلي للمال فملكيهة الناس للمال ملكيهة حيازيهة مؤقتهة ووسهيلة‬
‫لم ساعدة الفرد على عبادة ال وعمارة الرض وأ صل ذلك قول ال تبارك وتعالى { آمنوا بال ور سوله الذي آتا كم } النور ‪ ]33‬ول قد أمر نا ال‬
‫في كث ير من اليات بإنفاق المال في سبيل الدعوة ال سلمية والذود عن ال سلم و قد و عد من يطي عه بالفوز برضائه والهدا ية إلى الطر يق‬
‫المستقيم فقد قال تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن ال لمع المحسنين } العنكبوت ‪.] 69‬‬
‫ثال ثا ‪:‬يع طى الجهاد بالمال فر صة للم سلم المؤ من والذي رز قه ال سعة من المال ولم يؤت قدرات الجهاد بالن فس أن ينال ثواب الجهاد وشر فه‬
‫وهؤلء الذيهن أطلق عليههم القرآن بأولى الضرر وأصهل ذلك قول ال تبارك وتعالى { ل يسهتوي القاعدون مهن المؤمنيهن غيهر أولى الضرر‬
‫والمجاهدون في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم ‪ }...‬النساء ‪ ] 95‬فجهاد النسان بماله يشعره بذاتيته ودوره في مجال الجهاد والذود عن السلم‬
‫والم سلمين و قد أشار ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إلى ذلك فقال ‪ ((:‬من ج هز غاز يا في سبيل ال ف قد غزا و من خل فه في أهله بخ ير ف قد‬
‫غزا ))أخرجه الشيخان ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬وفي الجهاد بالمال ضرورة حتمية للمحافظة على أعراض المسلمين وأموالهم وتقوية اقت صاد المة السلمية فنحن نعلم أن الطواغيت‬
‫والكفار والفراعنهة ينفقون أموالههم ليصهدوا عهن سهبيل ال ويعتدون على المسهلمين فينهبون أموالههم ويهتكون أعراضههم وييتمون أولدههم‬
‫ويشردون شيوخههم ‪ ..‬وهذا مها نشاهده فهي فل سطين وأفغانسهتان وسهوريا والفلبيهن ‪ ...‬ولبهد لهؤلء مهن قوة وعتاد لردعههم ‪ ..‬حتهى ينقلبوا‬
‫خاسهرين ولقهد صهور القرآن العظيهم ذلك تصهويرا بليغا فيقول ال تبارك وتعالى ‪ {:‬إن الذيهن كفروا ينفقون أموالههم ليصهدوا عهن سهبيل ال‬
‫ف سينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون و الذين كفروا إلى جه نم يحشرون } النفال ‪ ، 36‬أ ما الذين ينفقون أموالهم في سبيل ال ‪...‬‬
‫فقال تعالى { و الذ ين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال و الذ ين آووا ون صروا أولئك هم المؤمنون حقا ل هم مغفرة ورزق كر يم } النفال‬
‫‪. 74‬‬
‫ففهي الجهاد بالمال اختبار لقوة العقيدة وصهدق اليمان ودليهل على إخلص العمهل ل ‪ ...‬وفهي الجهاد بالمال امتثال لمهر ال سهبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫وفهي الجهاد بالمال فرصهة لولى الضرر أن ينالوا شرف وثواب الجهاد ‪ ،‬وفهي الجهاد بالمال كهل معانهي التكافهل و التعاون و التضامهن بيهن‬
‫المسلمين ضد الكفرة و الطواغيت و الفراعنة ‪ ،‬وفي الجهاد بالمال ضرورة المحافظة على أعراض المسلمين وشرفهم وكرامتهم وأموالهم حتى‬
‫تتحقق العبودية ل وحده ويتحرر الناس من عبودية الطواغيت ‪.‬‬

‫الباب الخامس‬
‫التضحية بالنفس‬
‫عبد الرحمن بن ثعلبة‬ ‫الحث على التضحية بالنفس‬
‫رجل حضره أبو موسى الشعرى‬ ‫ل تحيا الدعوة إل بالجهاد‬
‫عكرمة بن أبى جهل‬ ‫أمثلة موجزة‬
‫عبد بن حذيفة السهمي‬ ‫الفرق بين رجلين‬
‫سعيد بن عمرو بن زيد‬ ‫تربية القرآن للمجاهدين‬
‫عبد ال بن الزبير‬ ‫حقيقة تمل قلب كل مؤمن‬
‫‪ -‬مع الشباب و الصبية‬ ‫الموت ليس نهاية المطاف ( هاجس الموت )‬
‫معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء‬ ‫الموت في سبيل ال حياة‬
‫‪ -‬مع الغلمان‬ ‫الموت في سبيل ال قمة التضحية‬
‫عبد ال بن عمرو وصحبه‬ ‫فهم يجب أن يسود‬
‫‪ -‬مع النساء ‪ ...‬أم عمارة‬ ‫حقيقة ينساها الكثير‬
‫‪ -‬القضية الفلسطينية جذورها إسلمية‬ ‫مثال حي‬
‫القضية الفلسطينية وجهاد رجالها‬ ‫نماذج من الشهداء‬
‫‪ -‬قصة الجهاز السري في جماعة الخوان‬ ‫مع سيدنا إبراهيم‬
‫‪ -‬الطريق إلى فلسطين و القنال‬ ‫الملك الجبار‬
‫‪ -‬مع الشهداء سيد قطب ويوسف طلعت‬ ‫عوف بن الحارث‬
‫‪ -‬مع والد أحد الشهداء‬ ‫عمير بن الحمام‬
‫‪ -‬إنهم رجال‬ ‫مصعب بن عمير‬
‫الستاذ الهضيبى‬ ‫أنس بن النضر‬
‫عاصم بن ثابت‬
‫جعفر بن أبى طالب‬
‫عبد ال بن رواحة‬

‫رابعا ‪ :‬التضحية بالنفس‬


‫‪ -‬ذروة الجهاد ‪:‬‬
‫فرض ال الجهاد على كل م سلم فري ضة لز مة حاز مة ل مناص في ها ول م فر من ها ورغّ ب ف يه أع ظم الترغ يب ‪ ،‬وأجزل ثواب المجاهد ين و‬
‫الشهداء فلم يلحقهم في مثوبتهم إل من ع مل بم ثل عملهم و من اقتدى بهم في جهادهم ومنحهم من المتيازات الروحية و العمل ية في الدن يا‬
‫والخرة ما لم يمنحها سواهم ‪ ،‬وج عل دماءهم الطاهرة الزك ية عربون الن صر في الدن يا وعنوان الفوز و الفلح في الع قبى ‪ ،‬وتوعد المخلف ين‬
‫القاعدين بأفظع العقوبات ‪ ،‬ورماهم بأبشع النعوت و الصفات ووبخهم على الجبن و القعود ونعى عليهم الضعف و التخلف ‪ ،‬وأعد لهم في الدنيا‬
‫خزيا ل يرفع إل أن جاهدوا ‪ ،‬وفي الخرة عذابا ل يفلتون منه ‪ ،‬ولو كان لهم مثل أحد ذهبا ‪ ،‬واعتبر القعود و الفرار كبيرة من أعظم الكبائر ‪،‬‬
‫وإحدى السبع الموبقات المهلكات ‪.‬‬
‫ولست تجد نظاما قديما أو حديثا دينيا أو مدنيا ع نى بشأن الجهاد و الجند ية وا ستنفار ال مة ‪ ،‬وحشدها كلها صفا واحدا للدفاع بكل قواها عن‬
‫ال حق ك ما ت جد ذلك في د ين السلم وتعالي مه ‪ ،‬وآيات القرآن وأحاديث الر سول صلى ال عل يه و سلم فيا ضة بكل هذه المعا ني ال سامية داع ية‬
‫بأفصح عبارة وأوضح أسلوب إلى الجهاد و القتال و الجندية ‪ ،‬وتقوية وسائل الدفاع و الكفاح بكل أنواعها من برية وبحرية وغيرها على كل‬
‫الحوال و الملبسات ‪.‬‬
‫فللقرآن منهج فريد في الدعوة إلى الجهاد وبيان فضله وحث المؤمنين عليه وتبشير أهل بالثواب الجزيل ‪ ،‬و الجزاء الجميل فهو يبدأ بتحديد‬
‫مهام الم سلم وغاي ته في الحياة ب عد أن حدد غايات الناس ومقا صد الناس في ها ‪ ،‬فبين أن فقوما هم هم من الحياة ال كل و المت عة ‪ ،‬فقال تبارك‬
‫وتعالى { و الذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام و النار مثوى لهم } محمد ‪. 12‬‬
‫وبيهن أن قوما آخريهن مهمتههم الزينهة و العرض الزائل ‪ ،‬فقال تبارك وتعالى { زيهن للناس حهب الشهوات مهن النسهاء و البنيهن و القناطيهر‬
‫المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة والنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا و ال عنده حسن الثواب } آل عمران ‪. 14‬‬
‫وب ين أن قوما آخر ين أيضا شأن هم من الحياة إيقاد الف تن وإحياء الشرور وأولئك الذ ين قال ال في هم { و من الناس من يعج بك قوله في الحياة‬
‫الدنيا ويشهد ال على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث و النسل و ال ل يحب الفساد وإذا قيل‬
‫له اتق ال أخذته العزة بالثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد } البقرة ‪. 206-204‬‬
‫تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحياة نزه ال المؤمنين عنها ‪ ...‬وبرأهم منها ‪ ...‬وكلفهم مهمة أرقى ‪ ،‬و ألقى على عاتقهم واجبا أسمى ذلك‬
‫الواجب هو هداية البشر إلى الحق ‪ ،‬وإرشاد الناس جميعا إلى الخير ‪ ،‬وإنارة العالم كله بشمس السلم ‪.‬‬
‫فذلك قول ال تعالى { يا أيها الذ ين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخ ير لعلكم تفلحون وجاهدوا في ال حق جهاده هو اجتباكم‬
‫وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على‬
‫الناس فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة واعتصموا بال هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير } الحج ‪. 77،78‬‬
‫و المؤ من في سبيل هذه الغا ية قد باع نف سه وماله ‪ ،‬فل يس له في ها شئ إن ما هي و قف على نجاح هذه الدعوة ‪ ،‬وإي صالها إلى قلوب الناس ‪،‬‬
‫وذلك قوله تبارك وتعالى { إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا‬
‫في التوراة والنجيل و القرآن ومن أوفي بعهده من ال فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } التوبة ‪. 111‬‬
‫ومن ذلك نرى أن المسلم يجعل دنياه وقفا على دعوته ‪ ،‬وليكسب آخرته جزاء تضحيته وهو على يقين من أن جبنه وخوفه من السير في هذا‬
‫ل { فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون‬
‫الطريق ل يطيل عمرا ول جرأته وشجاعته وإصراره على السير مهما كانت الصعاب و التضحيات ل يقصر أج ً‬
‫ساعة ول ي ستقدمون } العراف ‪ 34‬فنقول " فل نا مت أع ين الجبناء " ‪ ،‬و قد تحرر من رق المادة ‪ ،‬وتط هر من لذة الشهوات ‪ ،‬وترفع عن‬
‫سفاسف المور ودنا يا المقا صد وو جه وج هه ل الذي ف طر ال سموات والرض ليعلى كل مة ال ويجاهد في سبيل ال ‪ ،‬وين شر دي نه ويزود عن‬
‫حياض شريع ته ب كل و سائل الدعوة إلى ال ويجا هد في ال حق جهاده بهذه الفري ضة الماض ية إلى يوم القيا مة ‪ ،‬و المق صود بقول ر سول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم ‪ ":‬من مات ولم يغز ولم ي نو الغزو مات مي تة جاهل ية " وأول مراتب هذا الجهاد إنكار القلب وأعلها القتال في سبيل ال‬
‫وبين ذلك الجهاد باللسان و القلم و اليد ‪ -‬بقواعده الشرعية وضوابطه الفقهية ‪ -‬وكلمة الحق عند السلطان الجائر ‪.‬‬

‫‪ -‬ل تحيا الدعوة إل بالجهاد ‪:‬‬


‫ول تح يا الدعوة إل بالجهاد ‪ ،‬وبقدر سمو الدعوة و سعة أفق ها تكون عظ مة الجهاد في سبيلها ‪ ،‬وضخا مة الث من الذي يطلب لتأييد ها وجزالة‬
‫الثواب للعاملين ‪.‬‬
‫هذه المعاني التي تربى عليها المجاهدون فهانت الدنيا في أعينهم وعظمت الخرة ‪ ،‬وهم يرون جنة عرضها السموات والرض أعدت للمتقين ‪،‬‬
‫فيها ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر ‪ ،‬فأسرعوا إليها راغبين في نعيمها وأبديتها ‪.‬‬
‫و المتأمهل فهي كتاب ال يرى كيهف يحهض المولى المسهلمين على الحذر وممارسهة القتال فهي جيوش ‪ ،‬أو عصهابات ‪ ،‬أو فرادى كمها يقتضيهه‬
‫الحال ‪ ،‬وك يف يو بخ القاعد ين و الجبناء و المخلف ين و النفعي ين ‪ ،‬وك يف ي ستثير اله مم لحما ية الضعفاء وتخل يص المظلوم ين ‪ ،‬وك يف يقرن‬
‫القتال بالصلة والصوم ويبين أن مثلهما من أركان السلم ‪ ،‬وكيف يفند شبهات المترددين ويشجع الخائفين أكبر تشجيع على خوض المعامع‬
‫ومقابلة الموت بصهدر رحهب وجنان جرئ مهبينا لههم أن الموت سهيدركهم ل محالة وأنههم إن ماتوا مجاهديهن فسهيعوضون عهن الحياة أعظهم‬
‫عوض ‪ ،‬ول يظلمون فتيلً من نفقة أو تضحية ‪.‬‬
‫ك ما ترى ف يه إشادة بمو قف المجاهد ين ‪ ،‬وعلى رأ سهم سيدهم الكر يم صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬وبيان أن هذه مهم ته المطهرة ‪ ،‬و سنة أ صحابه‬
‫ال غر الميام ين في قوله تعالى { ل كن الر سول و الذ ين آمنوا م عه جاهدوا بأموال هم وأنف سهم وأولئك ل هم الخيرات وأولئك هم المفلحون أ عد ال‬
‫لهم جنات تجرى من تحتها النهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } التوبة ‪. 89 ، 88‬‬
‫و في القرآن سورة بأكمل ها ت سمى " سورة القتال " في كتاب ال الحك يم تبين أن أ ساس الروح الع سكرية ك ما يقول أمران ‪ -‬لتحق يق التضح ية‬
‫بأ سمى معاني ها ‪ -‬أل وه ما ‪ :‬الطا عة و النظام ‪ ،‬و قد جمع ال هذا الساس في آيت ين من كتا به ‪ ،‬فأ ما الطا عة ف في قوله تعالى { ويقول الذ ين‬
‫آمنوا لول نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محك مة وذ كر في ها القتال رأ يت الذ ين في قلوب هم مرض ينظرون إل يك ن ظر المغ شي عل يه من الموت‬
‫فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم المر فلو صدقوا ال لكان خيرا لهم } محمد ‪. 20،21‬‬
‫وأ ما النظام ففي سورة ال صف في قوله تعالى { إن ال يحب الذ ين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مر صوص } ال صف ‪ ، 4‬وترى إشادة‬
‫بموقف رائع من مواقف الجهاد الكريم تحت ظل الشجرة المباركة ‪ ،‬حيث أعطيت البيعة على الثبات و الموت ‪ ،‬فأثمرت السكينة و الفتح وذلك‬
‫في قوله تعالى { ل قد ر ضى ال عن المؤمن ين إذ يبايعو نك ت حت الشجرة فعلم ما في قلوب هم فأنزل ال سكينة علي هم وأثاب هم فتحا قريبا } الف تح‬
‫‪ ، 18‬وفي السنة المكرمة ترى هذا الحث البليغ على الجهاد من رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جند ال ‪.‬‬

‫‪ -‬أمثلة موجزة ‪:‬‬


‫إن المجاهدين من المسلمين الوائل كانت الجنة تنسيهم الهموم و المصائب ‪ ،‬وتحملهم على الصبر عند المكاره ‪ ،‬فعن أم حارثة بنت سراقة أنها‬
‫أتت النبي صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا نبي ال أل تحدثني عن حارثة ‪ ،‬وكان قبل يوم بدر قد أصابه سهم غرب ‪ ،‬فإن كان في الجنة صبرت‬
‫‪ ،‬وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال ‪ :‬يا أم حارثة إنها جنان في الجنة ‪ ،‬وإن ابنك أصاب الفردوس العلى )‬
‫وعن عبد ال بن أبى أوفي رضى ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ (:‬اعلموا أن الجنة تحت ظلل السيوف )‬
‫وعن أبى سعيد الخدرى رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (:‬أل أخبركم بخير الناس وشر الناس ؟ إن من خير الناس‬
‫رجلً ع مل في سبيل ال على ظ هر فر سه أو ظ هر بعيره أو على قد مه ح تى يأت يه الموت ‪ ،‬وإن من شر الناس رجلً يقرأ كتاب ال تعالى ل‬
‫يرعوى بشيء منه )‬
‫و عن ا بن عباس ر ضى ال عنه ما قال ‪ :‬سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول ‪ (:‬عينان ل تم سهما النار ‪ :‬ع ين ب كت من خش ية ال‬
‫وعين باتت تحرس في سبيل ال )‬
‫وعن سهل بن حنيف رضى ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ (:‬من سأل ال تعالى الشهادة بصدق بلّغه ال منازل الشهداء وإن‬
‫مات على فراشه )‬
‫وعن المقداد بن معد يكرب قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (:‬للشهيد عند ال ست خصال ‪ :‬يغفر له في أول دفعة ن ويرى مقعده من‬
‫الجنة ‪ ،‬ويجار من عذاب القبر ‪ ،‬ويأمن من الفزع الكبر ‪ ،‬ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ‪ ،‬ويزوج اثنين‬
‫وسبعين زوجة من الحور العين ‪ ،‬ويشفع في سبعين من أقربائه )‬
‫و عن جابر بن ع بد ال ر ضى ال ع نه قال ‪ :‬ل ما قُتِل ع بد ال بن عمرو بن حزام يوم أ حد قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ :‬يا جابر أل‬
‫أخبرك ما قال ال عز وجل لبيك ؟ قلت ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬ما كلم ال أحدا إل من وراء حجاب وكلم أباك كفاحا فقال ‪ :‬يا عبدي تمنى علىّ أعطك ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية ‪ ،‬قال ‪ :‬إنه سبق القول منى أنهم إليها ل يرجعون قال ‪ :‬يا رب فأبلغ من ورائي ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل هذه‬
‫الية { ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا } آل عمران ‪ 169‬الية‪.‬‬

‫‪ -‬الفرق بين رجلين ‪:‬‬


‫ولكن لضعف اليقين في الخرة ‪ ،‬وشدة تعلق النسان بالدنيا ‪ ،‬يكره المرء الجهاد ‪ ،‬يقول ربنا { ويقول الذين آمنوا لول نزلت سورة فإذا أنزلت‬
‫سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت } محمد ‪. .2‬‬
‫هذا الذي وصفه المولى هو قلب مريض وسبب المرض هو اقتراف الذنوب وعلجها بالتوبة الصادقة التي تصقل القلب حتى يصفو فإذا ما صفا‬
‫القلب وطهر صار سليما ‪ ،‬أحسن استقبال وحي ال عز وجل ‪ ،‬وبذل كل غال وثمين طاعة ل ورضاء له ولكي يستمر هذا الصفاء القلبي يجب‬
‫أن نراعى ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬قطع علئق الدن يا ‪ ،‬وإخراج حب غير ال من القلب ‪ ،‬فأحد أسباب ضعف حب ال قوة حب الدنيا ‪ ،‬فبقدر ما يأ نس القلب بالدنيا ينقص‬
‫حبه وأنسه بال ‪ ،‬و الدنيا والخرة ضرتان ‪ ،‬لذلك كان سبب الغثائية في أمتنا السلمية كما بين الحديث الشريف ‪ :‬حب الدنيا وكراهية الموت ‪،‬‬
‫وإذا أحب المرء الدنيا وكره الموت فإن معنى ذلك أن كرهه للجهاد أشد لنه أحد السباب الموت الذي يكرهه كما يعتقد ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬معرفة ال تعالى ‪ ،‬لنه إذا حصلت المعرفة تبعها المحبة ‪ ،‬ول يوصل إلى هذه المعرفة إل التفكر و التدبر ‪ ،‬وتفاوت الحب إنما يرجع إلى‬
‫تفاوت المعرفة ‪ ،‬و الجهل بال سبب كل بلء وكفر ‪ ،‬و المعصية ليست دليلً على عدم حب ال ‪ ،‬ولكن دليلً على عدم كمال ذلك الحب ونقصانه‬
‫‪ ،‬و الدل يل على ذلك ق صة ال صحابي النعمان الذي كان يؤ تى به إلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ليحده إلى أن أتاه يوما فحده فلع نه ر جل‬
‫وقال ‪ :‬ما أكثر ما أوتى به !! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (:‬ل تلعنه فإنه يحب ال ورسوله ) فلم تخرجه المعصية عن المحبة وإنما‬
‫تخرجه عن كمالها ‪.‬‬
‫فالنسان إما أن يعيش لدنياه فتصبح أكبر همه ‪ ،‬أو يعيش لخرته فيعمل لها ويضحي من أجلها ‪ ،‬وذلك كله يرجع إلى العقيدة الصحيحة قوة‬
‫وضعفا لن العقيدة هي صانعة الرجال ‪.‬‬
‫وما أعظم الفرق بين رجلين ‪ ،‬يعيش أحدهما وهو يعتقد في نفسه أنه مجرد حيوان من فصيلة راقية ليس له قبل حياته جذور وليس بعد موته‬
‫امتداد ‪ ،‬وليس له في حياته صلة بالوجود الكبير أكثر من صلة القرود به ‪.‬‬
‫ويعيش الخر وهو يعتقد أنه خليفة ال في الرض ‪ ،‬ونائبه في إقامة الحق ‪ ،‬وإفاضة الخير ‪ ،‬وإشاعة الجمال في هذا الكون ‪ ،‬ويشعر أن الكون‬
‫كله في خدمته و الملئكة في حراسته ‪ ،‬وأن رب الوجود في معيته ‪ ،‬وأنه من فصيلة الذين أنعم ال عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء‬
‫والصالحين ‪ ،‬وأن وجوده ل ينتهي بالموت ‪ ،‬ودوره ل ينتهي بالقبر ‪ ،‬فإنما خلق للخلود البدي الذي ل ينقطع ول يزول هذا هو المجاهد بحق ‪.‬‬
‫لذلك ي جب على كل م سلم أن يح صن نف سه ‪ ،‬ويط هر قل به ‪ ،‬ويحا سب جوار حه الع ين على ما ترى ‪ ،‬والذن على ما ت سمع ‪ ،‬و ال يد على ما‬
‫امتدت ‪ ،‬و الرجل على ما سعت ‪ ،‬و البطن على ما حوت ‪ ،‬بل يكون حارسا لخواطره حذرا من إهمالها والسترسال معها ‪ ،‬فإن أصل الفساد‬
‫كله يكون من قِبَلها ‪ ،‬لذلك يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (:‬ل يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما ل بأس به حذرا مما به بأس‬
‫)‪.‬‬
‫ويقول المام البنا ‪ :‬إن رجل القول غير رجل العمل ‪ ،‬ورجل العمل غير رجل الجهاد ‪ ،‬ورجل الجهاد فقط غير رجل الجهاد المنتج الحكيم الذي‬
‫يؤدى إلى أعظم النتائج بأقل التضحيات ‪ ،‬إن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليل من هذا الكثير يثبتون عند العمل ‪ ،‬وكثير من هذا القليل‬
‫ي ستطيعون أن يعملوا ول كن قل يل من هم يقدرون على ح مل أعباء الجهاد الشاق و الع مل العن يف ‪ ،‬وهؤلء المجاهد ين هم ال صفوة القلئل من‬
‫الن صار قد يخطئون الطر يق ول ي صيبون الهدف إن لم تتدارك هم عنا ية ال ‪ ،‬و في ق صة طالوت بيان ل ما أقول ‪ ،‬فأعدوا أنف سكم وأقبلوا علي ها‬
‫بالتربية الصحيحة والختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل القوى البغيض لديها ‪ ،‬الشاق عليها ‪ ،‬وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها إننا‬
‫كي نح قق المال الكبار ال تي ننشد ها في حا جة إلى أ صحاب النفوس العال ية ذات الرادة القو ية و الوفاء الثا بت واليمان ال صادق و التضح ية‬
‫الكريمة بكل غال ليعلوا المبدأ وتبقى القيمة ويستمر فيض القرآن يروى الظمأى إليه ‪.‬‬

‫‪ -‬تربية القرآن للمجاهدين ‪:‬‬


‫يقول رب نا عز و جل { ألم تر إلى الذ ين خرجوا من ديار هم و هم ألوف حذر الموت فقال ل هم ال موتوا ثم أحيا هم إن ال لذو ف ضل على الناس‬
‫ولكن أكثر الناس ل يشكرون وقاتلوا في سبيل ال واعلموا أن ال سميع عليم } البقرة ‪ 243،244‬إلى قوله تعالى { تلك آيات ال نتلوها عليك‬
‫بالحق وإنك لمن المرسلين } البقرة ‪. 252‬‬
‫هذه اليات الكري مة تبين ل نا من هج القرآن في حث الم سلمين على الجهاد في سبيل ال بأ سلوب ي ستجيش العوا طف ‪ ،‬وينا قش العقول ويع مق‬
‫اليمان فيقبل المؤمن على الجهاد بقلب ملئ باليمان مطمئنا لقضاء ال محتسبا مخلصا له الدين مقبلً غير مدبر ‪ ،‬وهو يسمع كلمات ال فيلبى‬
‫نداءه { يها أيهها الذيهن آمنوا إذا لقيتهم الذيهن كفروا زحفا فل تولوههم الدبار ون يولههم يومئذٍ دبره إل متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ف قد باء‬
‫بغضب من ال ومأواه جهنم وبئس المصير } النفال ‪ 16 ،15‬فيخشى عاقبة الدبار فيردد بثقة واطمئنان نفس { وما لنا أل نتوكل على ال وقد‬
‫هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى ال فليتوكل المتوكلون } إبراهيم ‪ 12‬فيتوكل على ال وهو حسبه آخذا حذره ‪ ،‬طائعا لقيادته ‪،‬‬
‫ثابتا على عقيدته ذاكرا ال في كل حين ‪ ،‬محافظا على أخوته ووحدته مصغيا لنداء ربه { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال‬
‫كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا ال ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن ال مع الصابرين } النفال‬
‫على هذه المعاني يربى القرآن أتباعه ‪ ،‬ل يخشون في ال لومة لئم ‪ ،‬فل يهابون الموت ‪ ،‬ول يخافون الفقر ‪ ،‬وفي اليات السابقة ‪:‬‬
‫ترى جما عة { خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } البقرة ‪ 243‬فلم ينفعهم الخروج و الفرار و الحذر من الموت وأدركهم قدر ال‬
‫الذي خرجوا حذرا منه فقال لهم ال { موتوا } ‪ { ،‬ثم أحياهم } لم ينفعهم الجهد في إتقان الموت ‪ ،‬ولم يبذلوا جهد في استرجاع الحياة وإنما‬
‫هو قدر ال في الحالين ‪.‬‬
‫و في ظل هذه التجر بة يت جه إلى الذ ين آمنوا يحرض هم على القتال ‪ ،‬وعلى النفاق في سبيل ال ‪ ،‬وا هب الحياة ووا هب المال و القادر على‬
‫قبض الحياة وقبض المال ‪.‬‬
‫إنهه تصهحيح التصهور عهن الموت و الحياة وأسهبابه الظاهرة وحقيقتهها المضمرة ورد المهر فيهمها إلى القدرة المدبرة والطمئنان إلى قدرة ال‬
‫فيهما والمعنى في حمل التكاليف و الواجبات دون هلع ول جزع ‪ ،‬فالمقدر كائن و الموت و الحياة بيد ال في نهاية المطاف ‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬ول يردان قضاء ‪ ،‬وإن ال وا هب الحياة و هو‬
‫يراد أن يقال ‪ :‬الحذر من الموت ل يجدي ‪ ،‬وإن الفزع و الهلع ل يزيدان الحياة ول يمدان أج ً‬
‫آ خذ الحياة ‪ ،‬وإ نه متف ضل في الحالت ين ح ين ي هب وح ين ي سترد و الحك مة الله ية ال كبرى كام نة خلف اله بة وخلف ال سترداد ‪ ،‬وأن م صلحة‬
‫الناس متحققة في هذا وذاك ‪ ،‬وإن فضل ال عليهم متحقق في الخذ و المنح سواء { إن ال لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس ل يشكرون‬
‫} البقرة ‪. 243‬‬
‫و من ه نا فل يس الفزع و الجزع و الحذر يغ ير الم صير ‪ ،‬ول يد فع الموت ولم يرد القضاء ‪ ،‬فالولى الثبات و ال صبر و الرجوع إلى ال وا هب‬
‫الحياة بل جهد من الحياء ‪ ،‬إذن فل نامت أعين الجبناء ‪.‬‬
‫أما الدرس الثاني ‪ :‬فكان في حياة بنى إسرائيل من بعد موسى عليه السلم ‪ ،‬وبعد ما ضاع ملكهم ونهبت مقدساتهم وذلوا لعدائهم ‪ ،‬وذاقوا‬
‫الو يل ب سبب انحراف هم عن هدى رب هم وتعال يم نبيهم ‪ ،‬ثم انتف ضت نفو سهم انتفا ضة جديدة وا ستيقظت في قلوب هم العقيدة واشتاقوا القتال في‬
‫سبيل ال فقالوا ‪ {:‬لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل ال } البقرة ‪. 246‬‬
‫ومن خلل القصة يتعلم المسلمون أن انتفاضة العقيدة على الرغم من كل ما يعتورها من نقص وضعف ‪ -‬كما في القصة ‪ -‬ومن تخلى القوم‬
‫عنها فوجا بعد فوج في مراحل الطريق ‪ ،‬على الرغم من هذا كله فإن ثبات حفنة قليلة من المؤمنين قد حقق لبنى إسرائيل نتائج ضخمة جدا ‪،‬‬
‫ف قد كان في ها الن صر وال عز والتمك ين ‪ ،‬ب عد الهزي مة المنكرة ‪ ،‬و المها نة الفاض حة ‪ ،‬و التشر يد الطو يل ‪ ،‬و الذل ت حت أقدام المت سلطين ‪ ،‬ول قد‬
‫جاءت لهم بملك داود ‪ ،‬ثم ملك سليمان وهذه أعلى قمة وصلت إليها دولة بنى إسرائيل في الرض ‪ ،‬وهي عهدهم الذهبي الذي يتحدثون عنه ‪،‬‬
‫و الذي لم يبلغوه من قبل في عهد النبوة الكبرى وكان هذا النصر كله ثمرة مباشرة لنتفاضة العقيدة من تحت الركام وثبات حفنة قليلة عليها‬
‫أمام جحافل جالوت ‪ ،‬كل ذلك ليتعلم المسلمون الدروس المستفادة من هذه المواقف في كل زمان ومكان و التي تعود عليهم بالنفع العميم ‪ ،‬ومن‬
‫هذه الدروس‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الجماعة المسلمة المجاهدة ل تخدع القيادة فيها الحماسة الجماعية الظاهرة ‪ ،‬ويجب أن يضع القادة هذه الحماسة على محك التجربة قبل‬
‫أن يخوضوا بها المعركة الحاسمة ‪ ،‬فهذا النبي الكريم أراد أن يستوثق من صحة عزيمة الجند على القتال وقال لهم { هل عسيتم إن كتب عليكم‬
‫القتال أل تقاتلوا } البقرة ‪ 246‬فاستنكروا عليه هذا القول وارتفعت حماستهم إلى الذروة وهم يقولون له { وما لنا أل نقاتل في سبيل ال وقد‬
‫أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } البقرة ‪. 246‬‬
‫ولكن هذه الحماسة البالغة ما لبثت أن انطفأت شعلتها وتهاوت على مراحل الطريق ‪ -‬كما تذكر القصة ‪ -‬فلما كتب عليهم القتال تولوا إل قليلً‬
‫منهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن اختبار الحماسة الظاهرة والندفاع الغائر في نفوس الجماعات ينبغي أل يقف عند البتلء الول ‪ ،‬فإنه مع كثرة بنى إسرائيل هؤلء إل‬
‫أنهم تولوا بمجرد أن كتب عليهم القتال استجابة لطلبهم ولم يتبق إل قلة مستمسكة بعهدها مع نبيها ‪ ،‬وهم الجنود الذين خرجوا مع طالوت بعد‬
‫الحجاج و الجدال حول جدار ته بالملك و القيادة ووقوع عل مة ال باختياره ل هم ورج عة تابوت هم وف يه مخلفات هم تحمله الملئ كة ‪ ،‬و مع هذا فقد‬
‫سقطت كثرة هؤلء الجنود في المرحلة الولي ‪ ،‬وضعفوا أمام المتحان الول الذي أقامه لهم قائدهم ‪ ،‬وحتى القليل لم يثبت كذلك إلى النهاية ‪.‬‬
‫فأمام الهول ال حي أمام كثرة العداء وقوت هم تهاوت العزائم وزلزلت القلوب { قالوا ل طا قة ل نا اليوم بجالوت وجنوده } البقرة ‪ 249‬وأمام هذا‬
‫التخاذل ثب تت الفئة القليلة المختارة ‪ ،‬اعت صمت بال ووث قت وقالت ‪ {:‬كم من فئة قليلة غل بت فئة كثيرة بإذن ال و ال مع ال صابرين } البقرة‬
‫‪ 249‬وهذه هي التي رجحت الكفة وتلقت النصر واستحقت التمكين ‪.‬‬
‫و في ثنا يا هذه التجر بة تك من عبرة القيادة ال صالحة الحاز مة المؤم نة تبرز من ها ال خبرة بالنفوس ‪ ،‬وعدم الغترار بالحما سة الظاهرة ‪ ،‬وعدم‬
‫الكتفاء بالتجربة الولى واختبار الطاعة و العزيمة في نفوس الجند قبل المعركة ‪ ،‬وفصل الذين ضعفوا وتركهم وراء ‪ ،‬وعدم التخاذل و الثقة‬
‫في قوة اليمان الخالص ووعد ال الصادق للمؤمنين ‪.‬‬
‫‪ -3‬إن القلب الذي يتصل بال تتغير موازينه وتصوراته لنه يرى الواقع الصغير المحدود بعين تمتد وراءه إلى الواقع الكبير الممتد الواصل ‪،‬‬
‫وإلى أصل المور كلها وراء الواقع الصغير المحدود ‪ ،‬فهذه الفئة المؤمنة الصغيرة التي ثبتت وخاضت المعركة وتلقت الن صر كانت ترى مع‬
‫قلت ها وكثرة عدو ها ما ل يراه الخرون الذ ين قالوا { ل طا قة ل نا اليوم بجالوت وجنوده } ولكن ها لم تح كم حكم هم على المو قف ‪ ،‬إن ما حك مت‬
‫حكما آ خر ‪ ،‬فقالت { كم من فئة قليلة غل بت فئة كثيرة بإذن ال و ال مع ال صابرين } البقرة ‪ 249‬ثم اتجهت لرب ها تدعوه { رب نا أفرغ علي نا‬
‫صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } البقرة ‪ .25‬وهي تحس أن ميزان القوى ليس في أيدي الكافرين ‪ ،‬إنما هي في يد ال وحده‬
‫فطلبت منه النصر ‪ ،‬ونالته من اليد التي تملكه وتعطيه ‪ ،‬وهكذا تتغير التصورات و الموازين للمور عند التصال بال حقا وعندما يتحقق في‬
‫القلب اليمان ال صحيح ‪ ،‬وهكذا يث بت أن التعا مل مع و عد ال الوا قع الظا هر للقلوب أ صدق من التعا مل مع الوا قع ال صغير الظا هر للعيون ‪،‬‬
‫فتصغر الدنيا وتهون التضحيات ‪.‬‬

‫‪ -‬حقيقة تمل قلب كل مؤمن ‪:‬‬


‫ويتعلم الم سلمون الوائل ‪ -‬وي جب أن يتعلم من بعد هم ‪ -‬أن الفئة القليلة الواث قة بلقاء ال ‪ ،‬و ال تي ت ستمد صبرها كله من اليق ين بهذا اللقاء‬
‫وتسهتمد السهراء بالزههو ‪ ،‬ول تطيهر نفسهه لهذه أو تلك ‪ ،‬ول يتحسهر على أنهه لم يصهنع كذا ليتقهى كذا ‪ ،‬أو ليسهتجلب كذا ‪ ،‬بعهد وقوع المهر‬
‫وانتهائه ‪ ،‬فمجال التقد ير و التدب ير و الرأي و المشورة كله ق بل القدام و الحر كة ‪ ،‬فأ ما إذا تحرك ب عد التقد ير و التدب ير ‪ -‬في حدود أ مر ال‬
‫ونه يه ‪ -‬ف كل ما ي قع من النتائج ف هو يتلقاه بالطمأني نة و الر ضا و الت سليم ‪ ،‬موقنا أ نه و قع وفقا لقدر ال وتدبيره وحكم ته ‪ ،‬فأ ما الذي يفزع‬
‫قلبه من العقيدة في اله على هذه الصورة المستقيمة فهو أبدا مستطار ‪ ،‬وابد في قلق ويخاف الموت ‪ ،‬وما أدرك أن " ال يحي ويميت " فبيده‬
‫إعطاء الحياة ‪ ،‬وبيده استرداد ما أعطى ‪ ،‬في الموعد المضروب والجل المرسوم ‪ ،‬سواء كان الناس في بيوتهم و بين أهليهم أو في ميادين‬
‫الكفاح للرزق و العقيدة وعنده سبحانه الجزاء ‪ ،‬وعنده العوض ‪.‬‬

‫‪-‬الموت ليس نهاية المطاف ‪:‬‬


‫" هاجس الموت "‬
‫على أن المر ل ينتهي بالموت أو القتل ‪ -‬كما يظن أهل الباطل ‪ -‬فهذه ليست نهاية المطاف ‪ ،‬وعلى أن الحياة في الرض ليست خير ما يمنحه‬
‫ال للناس من عطاء فهناك ق يم أخرى واعتبارات أر قى في ميزان ال { ولئن قتل تم في سبيل ال أو م تم لمغفرة من ال ورحمهة خ ير ممها‬
‫يجمعون ولئن متم أو قتلتم للى ال تحشرون } آل عمران ‪. 158 ،157‬‬
‫فالموت أو الق تل في سبيل ال ‪ -‬بهذا الق يد وبهذا العتبار ‪ -‬خ ير من الحياة وخ ير م ما يجم عه الناس في الحياة من أعراض ها من مال و من‬
‫جاه و من سلطان و من متاع خ ير ب ما يعق به من مغفرة ال ورحم ته ‪ ،‬و هي في ميزان الحقي قة خ ير م ما يجمعون ‪ ،‬وإلى هذه المغفرة وهذه‬
‫الرح مة ي كل ال المؤمن ين ‪ ،‬إ نه ل يكل هم في هذا المقام ‪ -‬إلى أمجاد شخ صية ول إلى اعتبارات بشر ية ‪ ،‬إن ما يكل هم إلى ما ع ند ال ‪ ،‬ويعلق‬
‫قلوبهم برحمة ال وهي خير مما يجمع الباطل ‪ ،‬وخلل المعركة سيجدون قتلى يخرون شهداء في معركة الحق ‪ ،‬شهداء في سبيل ال ‪ ،‬قتلى‬
‫أعزاء أحياء ‪ ،‬قتلى كراما أزكياء ‪ ،‬فالذ ين يخرجون في سبيل ال و الذ ين يضحون بأرواح هم في معر كة ال حق هم عادة أكرم القلوب وأز كى‬
‫الرواح وأطههر النفوس ‪ ،‬هؤلء الذ ين يقتلون في سبيل ال ليسهوا أمواتا ‪ ،‬إنههم أحياء فل يجوز أن يقال عنههم أموات ول يجوز أن يعتهبروا‬
‫أمواتا في الحس و الشعور ول أن يقال عنهم أموات بالشفة و اللسان إنهم أحياء بشهادة ال ‪.‬‬

‫‪ -‬الموت في سبيل ال حياة ‪:‬‬


‫إن سمة الحياة الولى هي الفاعل ية والن مو والمتداد و سمة الموت الولى هي ال سلبية والخمود والنقطاع وهؤلء الذ ين يقتلون في سبيل ال‬
‫فاعليتههم فهي نصهرة الحهق الذي قتلوا مهن أجله فاعليهة مؤثرة والفكرة التهي مهن أجلهها قتلوا تروى بدمائههم وتمتهد وتأثهر الباقيهن وراءههم‬
‫با ستشهادهم يقوى ويم تد ف هم ما يزالون عن صرا فعالً دافعا مؤثرا في تكي يف الحياة وتوجيه ها وهذه هي صفة الحياة الولى ف هم أحياء بهذا‬
‫العتبار الواق عي في دن يا الناس ثم هم أحياء ع ند رب هم إ ما بهذا العتبار وإ ما باعتبار آ خر ل ندرى ن حن كن هه وح سبنا إخبار ال تعالى به‬
‫وصدق ال القائل { ول تقولوا لمن يقتل في سبيل ال أموات بل أحياء ولكن ل يشعرون } البقرة ‪. 154 -‬‬
‫يقول ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ((إن أرواح الشهداء في حوا صل طيور خ ضر ت سرح في الج نة ح يث شاءت ثم تأوي إلى قناد يل معل قة‬
‫تحت العرش فاطلع عليهم ربك إطلعة فقال ‪ :‬ماذا تبغون ؟ فقالوا ‪ :‬يا ربنا وأي شئ نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ ثم عاد عليهم‬
‫بمثل هذا فلما رأوا أنهم ل يتركون من أن يسألوا قالوا ‪ :‬نريد أن تردنا إلى دار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى لما يرون من‬
‫ثواب الشهادة فيقول الرب جل جلله ‪ :‬أنى كتبت أنهم إليها ل يرجعون )) ‪.‬‬
‫ويقول صلى ال عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضى ال عنه ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ((:‬تضمن ال تعالى لمن خرج في سبيل‬
‫ال ل يخرجه إل الجهاد في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلى فهو علىّ ضامن أن أدخله الجنة وأرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلً ما نال‬
‫من أ جر أو غني مة والذي ن فس مح مد بيده ما من كلم يكلم في سبيل ال إل جاء يوم القيا مة كهيئة يوم كلم لو نه لون دم وري حه ر يح م سك‬
‫والذي ن فس مح مد بيده لو ل أن أ شق على الم سلمين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل ال عز و جل أبدا ول كن ل أ جد سعة فأحمل هم ول‬
‫يجدون سعة فيتبعو ني وي شق علي هم أن يتخلفوا ع نى والذي ن فس مح مد بيده لوددت أن أغزو في سبيل ال فأق تل ثم أغزو فأق تل ثم أغزو‬
‫فأقتل )) ‪.‬‬
‫إن هذه المفاه يم تعد يل كا مل لمفهوم الموت م تى كان في سبيل ال وللمشا عر الم صاحبة له في نفوس المجاهد ين أنف سهم و في النفوس ال تي‬
‫يخلفونها من ورائهم وإفساح لمجال الحياة ومشاعرها وصورها بحيث تتجاوز نطاق هذه العاجلة كما تتجاوز مظاهر الحياة الزائلة وحيث تستقر‬
‫في مجال فسيح عريض ل تعترضه الحواجز التي تقوم في أذهاننا عن هذه النقلة من صورة ومن حياة إلى حياة ‪.‬‬

‫* الموت في سبيل ال قمة التضحية ‪:‬‬


‫كل بصير بالنفس النسانية يعلم أن الذي يخيف الناس إلى المسارعة إلى التضحية والفداء هو التهيب من لقاء الموت والرهبة في انتهاء الحياة‬
‫ولذلك أراد القرآن أن يلفت إلى حقيقة ل ر يب فيها ول معدل عنها وهي أن الموت آت آت ولبد من وقو عه ول وسيلة للتخلص منه فقال في‬
‫سورة الرحمن { كل من عليها فان } الرحمن ‪ ] 26 -‬وقال في سورة الواقعة { نحن قدرنا بينكم الموت } الواقعة ‪ ] .6-‬وكرر قوله { كل نفس‬
‫ذائقة الموت } ثلث مرات في ثلثة سور هي آل عمران والنبياء والعنكبوت ‪.‬‬
‫وأ كد أ نه ل سبيل إلى الفرار من هذا الموت فقال في سورة الن ساء { أين ما تكونوا يدرك كم الموت ولو كن تم في بروج مشيدة } الن ساء ‪]78 -‬‬
‫وقال في سورة الحزاب { قل لن ينفع كم الفرار إن فرر تم من الموت أو الق تل } الحزاب ‪ ]16‬وقال في سورة الجم عة { قل إن الموت الذي‬
‫تفرون منه فإنه ملقيكم } الجمعة ‪. 8-‬‬
‫وما دام الموت ل بد منه ول محيد عنه فإن الموت تضحية في سبيل ال وهو موطن كريم خير من الموت في موضع لئيم والمتنبي يقول ‪:‬‬

‫فمن العجز أن تعيش جبانا‬ ‫وإذا لم يكن من الموت بد‬


‫وما دام المر كذلك فالجدر بالنسان العاقل أن ينطلق إلى ساحة الجهاد معتمدا على ربه واثقا في نهاية سعيدة له وهي النصر أو الشهادة وهي‬
‫أعلى صور التضحية بالنفس غير هياب ول وجل فلن يصيبه إل ما كتبه ال له وهو خير على كل حال كما قال القرآن في سورة التوبة للمؤمن‬
‫الموقن { قل لن يصيبنا إل ما كتب ال لنا هو مولنا وعلى ال فليتوكل المؤمنون قل هل تربصون بنا إل إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن‬
‫يصيبكم ال بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون } التوبة ‪ ] 52 -51‬ويقول في سورة آل عمران مذكرا بتقرير الجل مفضل‬
‫ثواب الخرة وطري قه الجهاد والتضح ية على متاع الدن يا الزائل { و ما كان لن فس أن تموت إل بأذن ال كتابا مؤجلً و من يرد ثواب الدن يا نؤ ته‬
‫منها ومن يرد ثواب الخرة نوته منها وسنجزى الشاكرين } لل عمران ‪145‬‬
‫وير شد القرآن أهله إلى أن طر يق الجهاد والتضح ية ل يس مفرو شا بالورود والرياح ين وإن ما هو طر يق شاق له متاع به وتبعا ته ولك نه طر يق‬
‫المجد وإذا كان المؤمنون المحقون ينالهم شئ من اللم أو الجراح في هذا الطريق فإن الكافرين المبطلين من أعدائهم يصيبهم مثل ذلك أو أكثر‬
‫و مع ذلك ي صبرون على باطل هم بل ويضحون من أجله فك يف ل يكون المؤمنون أ صبر من هم على ال حق والرشاد ونها ية المؤمنون إلى النع يم‬
‫ونهاية أعدائهم إلى الجحيم يقول ال تعالى للمؤمنين في سورة النساء { ول تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون‬
‫وترجون من ال ما ل يرجون وكان ال عليما حكيما } النساء ‪ ]104‬وفي سورة آل عمران يقول { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله‬
‫وتلك اليام نداولها بين الناس وليعلم ال الذين لمنوا ويتخذ منكم شهداء وال ل يحب الظالمين} آل عمران ‪. ] -140-‬‬
‫وإذا كا نت كل مة الفداء التضح ية في أ صل معنا ها اللغوي تدل على ج عل شئ فد ية لش يء مقابل لتحقي قه فإن كتاب ال العز يز قد أ كد ذلك ح ين‬
‫صور القدام المخلص على التضح ية والفداء في سبيل ال تعالى ب صورة صفقة مبار كة يعقد ها ال جل جلله مع عباده المؤمن ين ال صالحين‬
‫بيقينهم وعباداتهم وأخلقهم وفضائلهم لشرف الجهاد ونع مة الستشهاد تضح ية فقال في سورة التو بة { إن ال أشترى من المؤمن ين أنفسهم‬
‫وأموالههم بأن لههم الجنهة يقاتلون فهي سهبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليهه حقها فهي التوراة والنجيهل والقرآن ومهن أوفهي بعهده مهن ال‬
‫فاسهتبشروا بهبيعكم الذي بايعتهم بهه وذلك ههو الفوز العظيهم التائبون العابدون الحامدون السهائحون الراكعون السهاجدون المرون بالمعروف‬
‫والناهون عن المنكر والحافظون لحدود ال وبشر المؤمنين } التوبة ‪.] 112 -111‬‬
‫كما يقدمها في صورة أخرى رائعة فهو يقصر على المؤمنين الدعوة إلى عقد الصفقة وإرشادهم إليها وهو يرسم لها طريقها ويوضح لهم فيها‬
‫ثمن السلعة الغالية المعروضة والتي يضحون من أجلها كما يوضح هم جلل هذه السلعة وثمراتها القريبة والبعيدة أو العاجلة والجلة فيقول‬
‫في سورة الصف { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ؟ تؤمنون بال ورسوله وتجاهدون في سبيل ال بأموالكم‬
‫وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها النهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم‬
‫وأخرى تحبونها نصر من ال وفتح قريب وبشر المؤمنين } الصف ‪.] 12-10‬‬
‫فهي إذن أخذ الخالد الباقي الدائم بالفاني الذاهب الزائل وفيها الثواب الجزيل وفيها اللجوء إلى ولية ال ونصره وهو خير الناصرين وما النصر‬
‫إل من عند ال العزيز الحكيم وفيها الوعد بالغلبة على حزب الشيطان وأوليائه كما بين في سورة النساء { فليقاتل في سبيل ال الذين يشرون‬
‫الحياة الدن يا بالخرة و من يقا تل في سبيل ال فيق تل أو يغلب ف سوف نؤت يه أجرا عظيما ومال كم ل تقاتلون في سبيل ال والم ستضعفين من‬
‫الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا وأجعل لنا من لدنك نصيرا الذين آمنوا‬
‫يقاتلون في سبيل ال والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا } النساء ‪.] 76 -74‬‬
‫والقرآن يجزم ويؤكد الوعد اللهي المحقق للمجاهدين المضحين الباذلين الفادين فيقول في سورة محمد { والذين قتلوا في سبيل ال فلن يضل‬
‫أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا ال ينصركم ويثبت أقدامكم } محمد ‪ ] 7-4‬ويقول‬
‫في سورة آل عمران { ولئن قتلتم في سبيل ال أو متم لمغفرة من ال ورحمة خير مما يجمعون } آل عمران ‪ ]157‬ويقول في السورة نفسها‬
‫{فاستجاب لهم ربهم أنى ل أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي‬
‫وقاتلوا وقتلوا لكفرن عنهم سيئاتهم ولدخلنهم جنات تجرى من تحتها النهار ثوابا من عند ال وال عنده حسن الثواب } آل عمران ‪. ] 195‬‬
‫فالقرآن هو المعلم لدروس التضح ية والفداء وهو الو جه إلى روح البذل والقدام فهو يجعل الجهاد فري ضة مكتو بة وركيزة مطلو بة من حرص‬
‫عليها وصدق فيها عز ومن أهملها أو خادع فيها ذل فقال في سورة العنكبوت { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن ال لمع المحسنين }‬
‫العنكبوت ‪] 69‬‬
‫وأر شد إلى أن الجهاد يكون ببذل الموال وتقد يم الن فس فداء لغا ية الجهاد وهد فه فأ مر عباده المؤمن ين بذلك فقال يخاطب هم في سورة التو بة‬
‫{ وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل ال } التوبة ‪ ]41‬ووصف المؤمنين بأنهم هم الذين { جاهدوا بأموالهم وأنفسهم } أربع مرات في سورة‬
‫النفال مرة وفي سورة التوبة مرتين وفي سورة الحجرات مرة ‪.‬‬
‫ومن هنا فإن القرآن الكريم يطالب أهله بتبعاته الفدائية والتضحية في القتال فالفدائي ل يليق به ول يجوز منه أن يفر أو يلقى السلح إل إذا‬
‫كان يتأخر ليكر ويتقدم أو إذا أن يتأخر في الميدان لينضم إلى جماعة من إخوانه في الجهاد يتقوى بهم ويشد ساعده وفيما عدا هاتين الحالتين‬
‫ل يباح ل أن يترك مواجهة عدوه مضحيا بكل غال ونفيس حتى ولو كانت نفسه التي بين جنبيه حتى يأتي ال بالفتح أو أمر من عنده وعليه‬
‫أن يث بت ويقاوم ذاكرا ر به م ستمدا من إيما نه به قوة تعي نه على بلوغ النجاح ولذلك يقول القرآن في سورة النفال { يا أي ها الذ ين آمنوا إذا‬
‫لقيتم الذين كفروا زحفا فل تولوهم يومئذ دبره إل متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من ال ومأواه جهنم وبئس المصير } النفال‬
‫‪ ] 16:‬ثم يقول في السورة نفسها { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون } النفال ‪.]45‬‬
‫ولقد ترجم هذا المعنى المام البنا رضوان ال عليه مخاطبا أتباعه قائل ‪ :‬أيها الخوان قبل أن آخذ معكم في حديث الدعوة أحب أن أوجه إليكم‬
‫هذا السؤال هل أنتم على استعداد بحق لتجاهدوا ليستريح الناس ؟ وتزرعوا ليحصد الناس ؟ وأخيرا لتموتوا وتحيا أمتكم ؟ وهل أعددتم أنفسكم‬
‫بحق لتكونوا القربان الذي يرفع ال به هذه المة إلى مكانتها والجابة إن كانت باليجاب فأصحابها ل يعرفون القهقرى بل التقدم والمسارعة ‪.‬‬

‫* فهم يجب أن يسود ‪:‬‬


‫عن أبى عمران قال ‪ :‬كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم وأكثر وعلى أهل مصر عقبة بن‬
‫عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم فصاح الناس وقالوا ‪ :‬سبحان ال يلقى بيده‬
‫إلى التهلكة فقام أبو أيوب النصاري فقال ‪ :‬أيها الناس أنتم تتأولون هذه الية هذا التأويل وإنما نزلت فينا معشر النصار لما أعز ال السلم‬
‫وكثر ناصروه قال بعضنا لعض سرا دون رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إن أموالنا قد ضاعت وإن ال تعالى أعز السلم وكثر ناصروه فلو‬
‫أقم نا في أموال نا وأ صلحنا ما ضاع من ها فأنزل ال تعالى على نبيه ليرد علي نا ما قلناه { ول تلقوا بأيدي كم إلى التهل كة } البقرة ‪ .]195‬وكا نت‬
‫التهلكة القامة على الموال وإصلحها وتركنا الغزو فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل ال حتى دفن بأرض الروم ‪.‬‬
‫هذا هو المع نى والف قه الذي يجب أن ي سود بعد أن فهم ها كث ير من الم سلمين بل مازالوا يكررون هذا المع نى الخا طئ ح تى يوم نا هذا فإذا قام‬
‫رجهل ليقول كلمهة الحهق أمام سهلطان جائر أو بذل ن ماله أو ضحهى بنفسهه فهي سهبيل مبدأ أو عقيدة أو قيمهة قالوا له ‪ :‬ول تلقوا بأيديكهم إلى‬
‫التهلكة ‪ ،‬وما علموا أن التهلكة في تركهم للباطل يستشري وللحق أن يتواري فكيف يسود المبدأ ويبقى ويستمر إذا لم يكن له رجال يضحون‬
‫لتعلو القيمة وتثبت العقيدة ويسود الحق ويقام شرع ال على الرض ؟ ‪.‬‬

‫* حقيقة ينساها الكثير ‪:‬‬


‫{ وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر ال شيئا وسيجزى ال‬
‫ل ون يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الخرة نؤته منها وسنجزى الشاكرين‬
‫الشاكرين وما كان لنفس أن تموت إل بإذن ال كتابا مؤج ً‬
‫} آل عمران ‪. ]145 -144 :‬‬
‫إن الب شر إلى فناء والعقيدة إلى بقاء ومن هج ال للحياة م ستقل في ذا ته عن الذ ين يحملو نه ويؤدو نه إلى الناس من الر سل والدعاة على مدار‬
‫التار يخ و ما مح مد صلى ال عل يه و سلم إل ر سول قد خلت من قبله الر سل يحملون هذه الدعوة الضار بة في جذور الز من العمي قة في منا بت‬
‫التاريخ المبتدئة مع البشرية تحدو لها بالهدى والسلم مع مطالع الطريق ‪.‬‬
‫و هي أكبر من الداع ية وأب قى م نه فدعات ها يجيئون ويذهبون وتب قى هي على الجيال والقرون ويب قى أتباع ها مو صولين بم صدرها الول الذي‬
‫أرسل بها الرسل وهو باق سبحانه يقوم إليه المؤمنون وما يجوز أن ينقلب أحد منهم على عقبيه ويريد عن هدى ال وال حي ل يموت وما‬
‫أطيب كلم النضر بن أنس رضى ال عنه حين أشيع أن محمدا قتل فقال لهم ‪ :‬فما تصنعون بالحياة من بعده فقوموا فموتوا على ما مات عليه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫والقرآن مع هذه القصة يلمس مكمن الخوف من الموت في النفس البشرية لمسة موصية تطرد ذلك الخوف عن طريق بيان الحقيقة الثابتة في‬
‫شأن الموت وشأن الحياة و ما ب عد الحياة والموت من حك مة ل وتدب ير و من ابتلء للعباد وجزاء { و ما كان لن فس أن تموت إل بإذن ال كتابا‬
‫ل ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الخرة نؤته منها وسنجزى الشاكرين } آل عمران ‪.145‬‬
‫مؤج ً‬
‫إن لكهل نفهس كتابها مؤجل إلى أجهل مرسهوم ولن تموت نفهس تسهتوفي هذا الجهل المرسهوم فالخوف والهلع والحرص والتخلف ل تطيهل جلً‬
‫والشجاعة والثبات والقدام والوفاء ل تقصر عمرا فل كان الجبن ول نامت أعين الجبناء فالجل المكتوب ل ينقص منه يوم ول يزيد ‪.‬‬
‫بذلك ت ستقر حقي قة ال جل في الن فس فتترك الشتغال به ول تجعله في الح ساب و هي تف كر في الداء والوفاء باللتزامات والتكال يف اليمان ية‬
‫وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص ك ما ترتفع على وهلة الخوف والفزع وبذلك ت ستقيم على الطر يق بكل تكالي فه وبكل التزاما ته في صبر‬
‫وطمأنينة وتوكل على ال الذي يملك الجال وحده ‪.‬‬
‫فإذا كان العمر مكتوبا والجل مرسوما فلتنظر نفس ما قدمت لغد ؟ ولتنظر نفس ماذا تريد؟ أتريد أن تقعد عن تكاليف اليمان وأن تحصر همها‬
‫كله في هذه الرض وأن تعيش لهذه الدنيا وحدها ؟ أم تريد أن تتطلع إلى أفق أعلى وإلى اهتمامات أرفع وإلى حياة أكبر من هذه الحياة ؟ مع‬
‫تساوى هذا الهم وذلك فما يختص بالعمر والحياة ؟‬
‫وشتان ب ين حياة وحياة وشتان ب ين اهتمام مع اتحاد النتي جة بالقياس إلى الع مر وال جل والذي يع يش لهذه الرض وحد ها وير يد ثواب الدن يا‬
‫وحد ها إن ما يح يا حياة الدن يا والدواب والنعام ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب !! والذي يتطلع إلى ال فق ال خر إن ما يح يا حياة‬
‫الن سان الذي كر مه ال وا ستخلفه وأفرده بهذا المكان ثهم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب { ومها كان لن فس أن تموت إل بأذن ال‬
‫كتابا مؤجلً و من يرد ثواب الدن يا نؤ ته من ها و من رد ثواب الخرة نؤ ته من ها و سنجزى الشاكر ين } آل عمران ‪ ] 145‬الذ ين يدركون تف هم‬
‫التكريم اللهي للنسان فيشكرون ال على هذه النعمة فينهضون بتبعات اليمان ‪.‬‬
‫وهكذا ي قر القرآن حقي قة الموت والحياة وحقي قة الغا ية ال تي ينت هي إلي ها الحياء و فق ما يريدون لنف سهم من اهتمام قر يب كاهتمام الدود أو‬
‫اهتمام بعيهد كاهتمام النسهان بذلك ينقهل النفهس ن النشغال بالخوف مهن الموت مهن التكاليهف وههي ل تملك شيئا فهي شأن الموت والحياة إلى‬
‫النشغال بما هو أنفع للنفس في الحقل الذي تملكه وتملك فيه الختيار فتختار الدنيا أو تختار الخرة وتنال من جزاء ال وتختار ‪.‬‬

‫* مثال حي ‪:‬‬
‫ويضرب القرآن المثهل الحهي لولئك الذيهن صهدقوا فهي إيمانههم وقاتلوا مهع أنهبيائهم فلم يعجزوا عنهد البتلء وتأدبوا وههم مقبلون على الموت‬
‫بالدب اليما ني في هذا المقام مقام الجهاد فلم يزيدون على أن ي ستغفروا رب هم وأن يج سموا أخطاء هم فيرو ها (إ سرافا) في أمر هم وأن يطلبوا‬
‫من ربهم الثبات والن صر على الكفار وذلك في قوله تعالى ‪ { :‬وكأ ين من نبي قا تل م عه ربيون كثير فما وهنوا لما أ صابهم في سبيل ال و ما‬
‫ضعفوا وما استكانوا وال يحب الصابرين وما كان قولهم إل أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم‬
‫الكافرين } آل عمران ‪.] 147 -146‬‬
‫مجاهدون لم تضعف نفوسهم أمام الموت ول تتضعضع قواهم ول تلين عزائمهم ول يستكينون أو يستسلمون وفي هذا الموقف لم تشغلهم الدنيا‬
‫لذلك لم يطلبوا نعمة ول ثراء بل لم يطلبوا ثوابا ول جزاء لقد كانوا أكثر أدبا مع ال وهم يتوجهون إليه بينما هم يقاتلون في سبيله فلم يطلبوا‬
‫منه سبحانه إل غفران الذنوب وتثبيت القدام والنصر على الكفار فحتى النصر ل يطلبونه لنفسهم إنما يطلبون هزيمة الكفر وعقوبة الكفار إنه‬
‫الدب اللئق بالمؤمنين في حق ال الكريم‬
‫كذلك أعطاهم ال من عنده كل شئ أعطاهم كل ما يتمناه طلب الدنيا وزيادة وأعطاهم كذلك كل ما يتمناه طلب الخرة ويرجونه { فأتاهم ال‬
‫ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة } وشهد لهم المولى بالحسان فقد أحسنوا الدب وأحسنوا الجهاد وأعلن المولى حبه لهم وهو أكبر نعمة وأكبر‬
‫ثواب { وال يحب المحسنين } آل عمران ‪.] 134‬‬
‫ولقد ترجم هذه المعاني إلى حياة ترى ومواقف مشهودة نماذج من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من‬
‫ينتظر وما بدلوا تبديل ‪.‬‬

‫* نماذج من الشهداء ( رجال استوعبوا الدرس ) ‪:‬‬


‫فهذا حنظلة النصاري (الملقب بحنظلة الغسيل ) شد على أبى سفيان فلما تمكن منه حمل على حنظلة شداد ابن أوس فقتله وكان جُنُبا فإنه لما‬
‫سمع صيحة الحرب وهو مع امرأ ته قام من فوره إلى الجهاد فأخبر ر سول ال صلى ال عل يه وسلم أصحابه أن الملئكة تغ سله ثم قال سلوا‬
‫أهله ما شأنه ؟ فسألوا امرأته فأخبرتهم الخبر !!‬
‫أما زيد بن ثابت فيقول بعثنى رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع قال ‪ :‬فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر‬
‫رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة رمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت أبا سعد إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرأ عليك السلم‬
‫ويقول لك ؟! أ خبرني ك يف تجدك ؟ فقال ‪ :‬وعلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ال سلم قل له يا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أ جد ر يح‬
‫الجنة وقل لقومي النصار ‪ :‬ل عذر لكم عند ال إن خلص إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وفيكم عين تطرف وفاضت نفسه من وقته ‪.‬‬
‫ويقول خيث مة وكان اب نه قد ا ستشهد يوم بدر ل قد أخطأت نى موق عة بدر وك نت وال علي ها حري صا ح تى ساهمت اب ني في الخارج فخرج سهمه‬
‫فرزق الشهادة وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها يقول ‪ :‬الحق بنا ترافقنا في الجنة وقد كبرت‬
‫سني ورق عظمى وأحببت لقاء ربى فادع ال يا رسول ال أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة فدعا له رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بذلك فقتل بأحد شهيدا ‪.‬‬
‫وكان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج وكان له أربعة بنين شباب يغزون مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا غزا فلما توجهوا إلى أحد‬
‫أراد أن يتوجه معهم فقال له بنوه ‪ :‬إن ال قد جعل لك رخصة فلو قعدت ونحن نكفيك وقد وضع ال عنك الجهاد فأتى عمرو بن الجموح رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال إن بنى هؤلء يمنعوني أن أخرج معك وال إني لرجو أن استشهد فأطأ بعرجتى هذه في الجنة‬
‫فقال له ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أ ما أ نت ف قد و ضع ال ع نك الجهاد وقال لبن يه و ما علي كم أن تدعوه ؟ ل عل ال عز و جل أن يرز قه‬
‫الشهادة ؟ فخرج مع رسول ال فقتل يوم أحد شهيدا ‪.‬‬
‫إن الذي حقق هذه المشاعر الصادقة في قلوب هؤلء الرجال هو حب الموت في سبيل ال فعبدوا ال حتى أتاهم اليقين ‪ ..‬الحقيقة التي ينساها‬
‫كثير من الناس ‪.‬‬
‫ووفقا لهذا المفهوم الجديد الذي أقامته في قلوب المؤمنين آيات القرآن الكريم التي عالجت هذه القضية سارت خطى المؤمنين المجاهدين الكرام‬
‫في طلب الشهادة في سبيل ال ل يهابون الموت وهم يقولون ‪ :‬أن نموت أعزة خير من أن نعيش أذلة وإليك صور من التضحيات المختلفة قبل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وبعده هي دروس لمة السلم لو وعوها وطبقوها لنتصروا في الدنيا ولفازوا في الخرة ‪.‬‬

‫* مع سيدنا إبراهيم المة ‪:‬‬


‫وإذا كان القرآن المجيد قد تحدث عن الجهاد والفداء باعتباره أعلى صور التضحية حديثا موسعا قائما على الدعوة المؤكدة إلى استشعار روح‬
‫التضحية والتدثر بدروع الثبات والقدام فإنه في الوقت نفسه قد أعطانا نماذج باهرة للذين سبقوا بمواقفهم البطولية الفدائية فعرض علينا من‬
‫هذه النماذج ما قام به سيدنا إبراهيم عليه السلم من عمل فيه الفدائية والتضحية حين سخر من قومه عبدة الصنام والوثان ووقف وهو فرد‬
‫في وجه الطغيان العتقادى والضلل الفكري والسفه الوثني وأقدم على إظهار السخرية بآلهة هؤلء فسألهم باستخفاف { ما هذه التماثيل التي‬
‫أنتم لها عاكفون } النبياء ‪ ]52‬فأجابوه إجابة المقلدين لمن سبقوهم تقليدا أعمى كأنهم ل عقول عندهم ول شخصية لهم { وجدنا آباءنا لها‬
‫عابدين} النبياء ‪ ]53‬فجابههم بالرد المقذع الموجع { لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلل مبين } النبياء ‪.] 54‬‬
‫وقصته مع الصنام معروفة فنزعة التضحية لحقاق الحق هي التي دفعته أن يفعل ما فعل ‪.‬‬
‫وما قصته مع سيدنا إسماعيل ببعيدة عنا حين رأى في المنام أنه يذبح هذا البن الحليم الغالي ورؤيا النبياء جزء من وحي ال تعالى إليهم فلم‬
‫يتردد إبراه يم عل يه السلم في القدام على الفداء والتضح ية { قال يا ب نى إ ني أرى في المنام أ نى أذبحك فان ظر ماذا ترى قال يا أبت أف عل ما‬
‫تؤمر ستجدني إن شاء ال من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين } الصافات‬
‫‪.] 105 -102‬‬
‫إن العبد قد يبذل نفسه ل عز وجل ويعلم أنها لحظات ثم تخرج روحه إلى رحمة ال عز وجل وكرامته والشهيد ل يذوق من مس القتل إل كما‬
‫يذوق من مس القرصة أما أن يمسك سكينا بيده ويطرح ولده على وجهه ويمر السكين على رقبته وتسيل دماء الولد على يده وثيابه !! فهذا‬
‫كله دليل صدق للتضحية في سبيل المبدأ والغاية ‪.‬‬
‫ل هذه النفوس التي تبتلى بمثل هذا البتلء ال أعلم حيث يجعل رسالته وأن تعجب من هذا الموقف اليماني من الشيخ الذي شاب في التوحيد‬
‫ومحبة الرب العزيز الحميد فاعجب من الغلم الذي يقول لبيه وهو يعرض عليه أن يذبحه بقوله ‪ {:‬إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا‬
‫ترى } فقال ‪ { :‬يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء ال من الصابرين } الصافات ‪ .]102‬ما قال ‪ :‬ما ذنبي ؟ وهل تطاوعك نفسك أن تذبحني‬
‫بيدك ؟ أو ما جوا بك ل مي ؟ إ نه غلم حل يم ك ما و صفه ال عز و جل وكان صادقا في كل مه و في وعده لب يه ك ما و صفه ال عز و جل بقوله‬
‫{ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولً نبيا } مريم ‪. 54‬‬
‫إن ها ذر ية مبار كة طي بة تتوارث النبوة والشرف وال سيادة إن ال عز و جل رفع ها باليمان واليق ين ف من أولى بالمو قف اليمان ية من إبراه يم‬
‫وذري ته وهذه المو قف اليمان ية ال تي يحب ها ال عز و جل هي مراد ال عز و جل من العباد ومطلو به من هم وال عز و جل ل ي ستفيد شيئا من‬
‫طاعات العباد ول يتضرر بشيء من معاصيهم { لن ينال ال لحومها ول دماؤها ولكن يناله التقوى منكم } الحج ‪. 37‬‬
‫فل ما ا ستسلم الب لتنف يذ أ مر ال وا ستسلم الولد للذ بح فدى ال عز و جل الولد بذ بح عظ يم وارتف عت را ية من رايات اليمان وعل منار من‬
‫منارات العقيدة وضرب إبراهيم عليه السلم وولده إسماعيل أروع المثلة في البذل والتضحية أمر ال وتقديم محبته ‪.‬‬

‫* الملك الجبار ‪:‬‬


‫وهذا ملك جبار ا ستبد بقو مه وط غى علي هم وأرد أن يخرج هم من دين هم إلى ضلله وكفره فا ستمسكوا بال حق وقاوموا البا طل فأ مر ال سلطان‬
‫المتجبر جنده بأن يحقروا أخاديد فحفروها على أفواه الطرق وأضرموا فيها النيران وجعل هذا الجبار يعرض المؤمنين على هذه الخاديد واحدا‬
‫بعد الخر فمن ارتد عن دينه عفا عنه ومن أصر على إيمانه قذفه في النار فجعل المؤمنون يصبرون على التضحية بأرواحهم ويلقون الموت‬
‫في النار ب صبر وثبات ح تى إن امرأة بين هم ترددت قليل ح ين ه مت بإلقاء نف سها في النار فقال ل ها ابن ها ‪ :‬يا أماه ق عي ول تتقاع سي ا صبري‬
‫فإنك على الحق اثبتي على ما أنت عليه فإنما هي غميصة امضي ول تجزعي فألقت المرأة بنفسها وتبعها ولدها ‪.‬‬
‫يقول ال تعالى عن ذلك في سورة البروج { والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الخدود النار ذات الوقود إذ هم‬
‫عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود و ما نقموا منهم إل أن يؤمنوا بال العز يز الحميد الذي له ملك السموات والرض وال على‬
‫كل شئ شهيد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق } البروج ‪9-1‬‬
‫وإذا كان هذا الذي أشرنا إليه كان دروسا للمسلمين مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وعوها وتأثروا بها فإننا سنذكر أمثله ن هؤلء الرجال‬
‫الذين ضحوا بالوطن والهل والولد والنفس ومن بعدهم رجال نهلوا من نفس النبع الصافي و ما زال بذكرهم التار يخ وإن كنا ل ن ستطيع لهم‬
‫حصرا فيكفي أن نسوق منهم أمثلة ونماذج ‪:‬‬
‫* نموذج منهم ‪:‬‬
‫هم سحرة فرعون ي ستدعيهم ليردوا على معجزة مو سى الله ية ح ين أل قى ع صاه فإذا هي ثعبان مبين فيقبلون عل يه و هم مازالوا في ضلل هم‬
‫يطمعون في الجر المجزى من فرعون إن أفلحوا قالوا { أئن لنا لجر إن كنا نحن الغالبين } الشعراء ‪ ]41‬وبدأ الصراع بين محاولة المخلوق‬
‫العا جز وقدرة الخالق الم سيطرة فأل قى ال سحرة حبال هم وع صيهم وقالوا من اغترار هم بفرعون وانخداع هم ب سلطانه { بعزة فرعون إ نا لن حن‬
‫الغالبون } الشعراء ‪ ]44‬ولكن موسى ألقى عصاه بوحي من ال { فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون } العراف ‪،117‬‬
‫‪.] 118‬‬
‫وانتصر موسى واندحر الساحرين وسطع ضوء وانمحى تمويه الباطل فاستبان للسحرة نور اليمان وظهر الطريق المستقيم للعيان لكن فرعون‬
‫ما زال هناك بجنوده وبنوده بقهره وفجوره ليكن ما يكون فمن عرف الحق وآمن به ضحى من أجله بكل ثمين وال ولو كانت نفسه التي بين‬
‫جنبيه ولذلك رأينا عمق اليمان في التضحية الصادقة { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى‬
‫هذه الحياة الدن يا إ نا آم نا برب نا ليغ فر ل نا خطايا نا و ما أكرهت نا عل يه من ال سحر وال خ ير وأب قى } طه ‪ . 73 ،72‬فلتعذب الج ساد أو تز هق‬
‫الرواح وتقطع اليدي والرجل من خلف ولتصلبنا في جذوع النخل فافعل ما تشاء ‪.‬‬
‫ولكأن القرآن الكريهم قهد حرص على أن يهبرز وسهائل التعذيهب التهي هدد بهها فرعون أولئك الذيهن أشرق اليمان فهي صهدورهم ليشيهر إلى أن‬
‫أصحاب العقيدة الذين يضحون بكل ما يملكون ل يذلون ول يهنون ول يضعفون مهما لقوا من وسائل التعذيب بل يظلون أوفياء للفداء شرفاء‬
‫عند البتلء أقوياء يتحدون جبروت العداء ومهما تكرر الوعيد أمامهم فإنهم يلجئون إلى العتصام بحبل ال القوى المتين قائلين { ربنا أفرغ‬
‫علينا صبرا وتوفنا مسلمين } العراف ‪ ]126‬فهم ل يبدلون ول يغيرون ول يشترون بل هم مضحون من أجل المبدأ والقيم والعقيدة واليمان‬
‫لنهم رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه فصاروا بعدما قضوا نحبهم أحياء بتضحياتهم ومواقفهم ‪.‬‬

‫* مع عوف بن الحارث ‪:‬‬


‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال ‪ :‬يا رسول ال ما يضحك الرب من عبده ؟ قال ‪:‬‬
‫غمسه يده في العدو حاسرا فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل ‪.‬‬
‫وهذا مثل من اهتمام الصحابة رضى ال عنه الحياة الخرة يتمثل في طلب مواطن رضوان ال تعالى يقدمه عوف بن مالك النصاري رضى ال‬
‫عنه حيث يسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن المواطن الذي بلغ فه الدرجات العلي من رضوان ال تعالى فأتى جواب النبي بأنه كون في‬
‫إقحام الن فس في المغامرات المهل كة طل با للشهادة و من ذلك أن نطلق المجا هد في ن حر العدو كال سهم الحدد الذي ل تحول العوائق دون بلو غه‬
‫هدفه وهو حاسر غر متدرع بما قه من سلح العداء ‪.‬‬
‫وم ثل هذا غلب على الظن وقو عه شهيدا في ساحة العداء ولكن بعد أن يثخن فيهم قتل لن النفوس ال تي ل تؤ من بالخرة يفر أصحابها من‬
‫الشجعان المغاوير خاصة الحسر من الدروع لن رمى الدرع يعتبر علمة على الستقتال وطلب الموت ومن كان كذلك فإن مواجهته تعتبر من‬
‫الخطر الذي يحذر منه طلب الدنيا ‪.‬‬

‫*مع عمير بن حمام ‪:‬‬


‫أخرج المام مسلم من حديث أنس بن مالك رضى ال عنه في سياقه لغزوة بدر أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪(( :‬قوموا إلى جنة عرضها‬
‫السماوات والرض )) قال ‪ :‬يقول عمير بن الحمام النصاري ‪ :‬يا رسول ال !جنة عرضها السماوات والرض ؟ ‪ :‬قال ‪ :‬نعم قال ‪ :‬بخ بخ ‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( ما يحملك على قولك بخ بخ )) قال ‪ :‬ل وال يا رسول ال إل رجاءة أن أكون من أهلها قال ‪(( :‬فإنك‬
‫من أهلها فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال ‪ :‬لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من‬
‫التمر ثم قاتلهم حتى قتل ‪.‬‬
‫و في هذا ال خبر نجد مثلً عاليا من قوة ارتباط ال نبي صلى ال عله و سلم وأ صحابه ر ضى ال ع نه بالج نة فالر سول صلى ال عل يه و سلم يعد‬
‫الشهداء بالجنة والمؤمنون تسابقون إلى الشهادة حرصا على الظفر بالجنة ‪.‬‬
‫ونجد عمير بن الحمام يبلغ به حرصه على الجنة إلى أن يرمى التمرات من يده وأن يرى أن وقت أكلها وقت طويل لنه يفصل بينه وبين دخول‬
‫الجنة وإن كان ذلك الوقت في عرف الناس قصرا‬
‫لقد كان الشعور القوى بالحياة الخرة متمثلً في حياة الصحابة رضى ال عنهم فكانت قلوبهم عامرة بالخوف من النار والشوق إلى الجنة وكان‬
‫تردد خواطرهم بين مقامي الخوف والرجاء حافزا قويا على تقوى ال تعالى والزهد في الحياة الدنيا والتسابق في ميادين الجهاد في سبيل ال‬
‫تعالى ‪.‬‬

‫* مصعب بن عمير رضى ال عنه ‪:‬‬


‫هذه ال سماء المضيئة الطاهرة الطي بة ال تي ا ستعملها ال عز و جل في الدعوة إلى دي نه وف تح البلد وقلوب العباد لر سالة نبيه صلى ال عل يه‬
‫وسلم إنه أول سفير في السلم إنه مبعوث النبي صلى ال عله وسلم إلى طيبة الطيبة وكان من أنعم شباب مكة وهجر هذا النعم وهاجر بأمر‬
‫النبي الكريم صلى ال عله وسلم وكان الذين يدخلون السلم ببركة دعوته أكثر ممن يدخله في مكة قبل هجرة النبي صلى ال عليه وسلم وما‬
‫مضى عليه عام حتى دخل السلم كل بيت في المدينة إما آمن كله أو بعضه عن عمر بن الخطاب قال ‪ :‬نظر النبي صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫مصعب بن عمير مقبلً وعليه إرهاب كبش قد تنطق به فقال النبي صلى ال عليه وسلم ((انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور ال قلبه لقد رأيته‬
‫بين أبوين يغدوانه بأطيب الطعام والشراب فدعاء حب ال ورسوله إلى ما ترون ))‪.‬‬
‫والمواقف اليمانية العظيمة يوفق لها الصادقون ‪.‬‬
‫وتأتى على قدر الكرام المكارم‬ ‫على قدر أهل العزم تأتى العزائم‬
‫عن مح مد بن شرحب يل قال ‪ :‬ح مل م صعب اللواء يوم أ حد فل ما جال الم سلمون ث بت به م صعب فأق بل ا بن قميئة فضرب يده اليم نى فقطع ها‬
‫ومصعب يول { وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل } آل عمران ‪ ]144‬وأخذ اللواء بيده اليسرى وحتى عليه فضربها فقطعها فحنا‬
‫على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول (( وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل } أل عمران ‪. 144‬‬
‫ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه رضى ال عنه ‪.‬‬
‫فكان مصعب رضى ال عنه من السابقين من المهاجرين هاجر الهجرتين إلى الحبشة ثم اختاره رسول ال صلى ال عليه وسلم يفتح المدينة‬
‫بالسلم ويعلم أهلها القرآن وختم له بالشهادة والسعادة ولم يطل عمره حتى يقطف ثمره جهاده وصبره ‪.‬‬
‫عن خباب قال ‪ :‬هاجرنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم نبتغى وجه ال فوجب أجرنا على ال عز وجل فمنا من مضى ولم يأكل من أجره‬
‫شيئا من هم م صعب بن عم ير ق تل يوم أ حد فلم ن جد له شيئا نكف نه ف يه إل نمره ك نا إذا غطي نا ب ها رأ سه خر جت رجله وإذا غطي نا رجل يه خرج‬
‫رأسه فأمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن نغطى بها رأسه ونجعل على رجليه إذخرا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها ))‪.‬‬

‫* أنس بن النضر رضى ال عنه ‪:‬‬


‫عن أنس بن مالك رضى ال عنه قال ‪ :‬غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر فقال ‪ :‬يا رسول ال صلى ال عليه وسلم غبت عن أول قتال‬
‫قاتلت المشركين لئن ال أشهدني قتال المشركين ليرين ال ما أصنع فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال ‪ :‬اللهم إني أعتذر إليك مما صنع‬
‫هؤلء يعنى أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلء يعنى المشركين ‪.‬‬
‫ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال ‪ :‬يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني لجد ريحها من دون أحد قال سعد ‪ :‬فما استطعت يا رسول ال ما‬
‫صنع ‪.‬‬
‫قال أنس ‪ :‬فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل به المشركون فما عرفه أحد إل أخته ببنانه‬
‫‪.‬‬
‫قال أ نس ‪ :‬ك نا ن ظن أن هذه ال ية نزلت ف يه و في أمثاله { من المؤمن ين رجال صدقوا ما عاهدوا ال عل يه فمن هم من ق ضى نح به ومن هم من‬
‫ينتظر وما بلوا تبديلً } الحزاب ‪.23‬‬
‫* مع عاصم بن ثابت رضى ال عنه ويوم الرجيع ‪:‬‬
‫عن أبى هريرة رضى ال عنه قال ‪ :‬أرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو جد عاصم بن عمر بن‬
‫الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحى من هذيل يقال لهم ‪ :‬بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتصوا آثارهم حتى‬
‫أتوا منزلً نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا ‪ :‬هذا تمر يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم فلما انتهي عاصم وأصحابه لجئوا‬
‫ل‪.‬‬
‫إلى فدفد أي مكان مرتفع وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا ‪ :‬لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أل نقتل منكم رج ً‬
‫فقال عاصم ‪ :‬أما أنا فل أنزل في ذمه كافر اللهم أخبر عنا نبيك فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل ‪ ..‬وبعثت قريش إلى عاصم‬
‫ليؤتوا بش يء من ج سده يعرفو نه وكان عا صم عظيما من عظمائ هم يوم بدر فب عث ال عل يه م ثل الظلة من الدبر الع بد المؤ من ب عد وفا ته ك ما‬
‫حفظه في حياته ‪.‬‬
‫وكان يجوز لعاصم رضى ال عنه أن يقبل المان ولكن قوة إيمانه وعزته على الكافرين أبت ذلك فقاتل حتى قتل رضى ال عنه ولكرامته على‬
‫ال عز وجل منع الكافرين من الوصول إلى جسده فوفي هو مع ال عز وجل فلم يقبل أمان المشركين وأن يجرى عليه حكم الكافرين وأن يسمه‬
‫المشركون ووفي ال عز وجل ببقية عهده فمنعهم من الوصول إليه بعد قتله فإن قال قائل ‪ :‬لماذا لم يمنعهم ال عز وجل من قتله ؟ فالجواب ‪:‬‬
‫ل ما يريده ال عز و جل له من الكرا مة ودر جة الشهادة وال تعالى ي حب أن يرى عباده المؤمن ين و هم يبذلون نفو سهم ل عز و جل فيبوئ هم‬
‫منازل الكرامة ويزيدهم من فضله ‪.‬‬

‫*مع جعفر بن أبى طالب ‪:‬‬


‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني بن عباد عن عبد ال بن الزبير عن أبيه عباد قال ‪ :‬الذي أرضعني وكان أحد بنى مرة بن عوف وكان في ذلك تلك‬
‫الغزوة غزوة مؤتة قال ‪ :‬وال لكأنى أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل ‪.‬‬
‫وقال ابن هشام وحدثني من أثق به من أهل العلم أن جعفر بن أبى طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى‬
‫قتل رضى ال عنه وهو ابن ثلث وثلثين سنة فآتاه ال بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء ويقال ‪ :‬إن رجلً من الروم ضربه يومئذ‬
‫ضربة فقطعه نصفين ‪.‬‬
‫و عن نافع أن ا بن ع مر أ خبره أ نه و قف على جع فر يومئذ و هو قت يل قال ‪ :‬فعددت به خم سين ب ين طع نة وضر بة ل يس من ها شئ في دبره أي‬
‫ظهره ‪.‬‬
‫قال عبد ال ‪ (( :‬كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبى طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية‬
‫))‪.‬‬
‫قال الحا فظ ‪ :‬وظاهره ما التخالف ويج مع بأن العدد قد ل يكون له مفهوم أو بأن الزيادة باعتبار ما ر مى ف يه من ال سهام فإن ذلك لم يذ كر في‬
‫الروا ية الولى أو الخم سين مقيدة بكون ها ل يس في ها شئ في دبره و هو محمول على أن الر مي إن ما جاء من ج هة قفاه أو جا نبيه ول كن يؤ يد‬
‫الول أن في رواية العمرى عن نافع ‪ :‬فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده بعد أن ذكر العدد بضع وتسعون ‪.‬‬
‫وعن عامر قال ‪ :‬كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال ‪ :‬السلم عليك يا ابن ذي الجناحين ‪.‬‬

‫* عبد ال بن رواحة رضى ال عنه وغزوة مؤتة ‪:‬‬


‫قال ابن إسحاق ‪ :‬كما حدثني عبد ال بن أبى بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال كنت يتيما لعبد ال بن رواحة في حجره فخرج في سفرته تلك‬
‫مردفى على حقيبة راحلته وال إنا لنسير ليلة إذ سمعته يتمثل بيته هذا ‪.‬‬
‫مسيرة أربع بعد الحساء‬ ‫إذا أرديتني وحملت رحلي‬
‫فلما سمعته منه بكيت فخفقني بالدرة وقال ‪ :‬ما عليك يالكع أن يرزقني ال الشهادة وترجع من شعبتي الرحل ‪ ..‬ولما نزل المسلمون بمعان من‬
‫أرض الشام بلغهم أن هرقل في ماب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وقد اجتمعت إليهم المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبهرام وبلى‬
‫في مائة ألف قاموا بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا ‪ :‬نكتب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا فإما أن يمدنا وإما‬
‫أن يأمر نا بأمره فنم ضي له فش جع ع بد ال بن روا حة الناس وقال ‪ :‬يا قوم وال إن الذي تكرهون للذي خرج تم له تطلبون الشهادة و ما نقا تل‬
‫الناس بعدد ول قوة ول كثرة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا ال به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ‪ :‬إما الظهور وإما الشهادة ‪.‬‬
‫و عن عباد بن ع بد ال بن الزب ير قال ‪ :‬حدث ني أ بى الذي أرضع ني وكان أ حد ب نى مرة ا بن عوف وكان في تلك الغزاة غزوة مؤ تة قال ‪ :‬وال‬
‫لكأنى أنظر إلى جعفر بن أبى طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل القوم حتى قتل فلما قتل جعفر أخذ عبد ال بن رواحة‬
‫الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه وتردد بعض التردد ثم قال ‪:‬‬
‫طائعة أو لتكرهن‬ ‫أقسمت يا نفس لتنزلن‬
‫إن أجلب الناس وشدوا الرنة‬ ‫مالي أراك تكرهين الجنة‬
‫هل أنت إل نطفة في شنة‬ ‫لطالما قد كنت مطمئنة‬
‫وقال عبد ال بن رواحة ‪:‬‬
‫هذا حمام الموت قد صليت‬ ‫يا نفس إل تقتلي تموتي‬
‫إن تفعلي فعلهما هديت‬ ‫وما تمنيت فقد أعطيت‬
‫ثم نزل ‪ ،‬فل ما نزل أتاه ا بن عم له بع ظم من ل حم فقال ‪ :‬اشدد بهذا صلبك فإ نك قد لق يت في أيا مك هذه ما لق يت ‪ ،‬فأخذه في يده فانت هش م نه‬
‫نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬وأنت في الدنيا ‪ ،‬ثم ألقاه من يده ‪ ،‬ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل رحمه ال ورضى عنه ‪.‬‬
‫وعن أ نس ر ضى ال ع نه أن ال نبي صلى ال عل يه وسلم نعى زيدا وجعفرا وا بن روا حة للناس ق بل أن يأتيهم خبرهم فقال ‪ (:‬أ خذ الرا ية ز يد‬
‫فأ صيب‪ ،‬ثم أ خذ جع فر فأ صيب ثم أ خذ ع بد ال بن روا حة فأ صيب ‪ -‬وعيناه تذرفان ‪ -‬ح تى أ خذ الرا ية سيف من سيوف ال ح تى ف تح ال‬
‫عليهم )‬

‫‪ -‬البراء بن مالك رضى ال عنه يوم اليمامة وحديقة الموت ‪:‬‬


‫عن أنس مرفوعا قال ‪ " :‬كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على ال لبره "‬
‫ولقي البراء زحفا فقالوا ‪ :‬ا براء أقسم على ربك ‪ ،‬فقال ‪ :‬أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم ‪ ،‬ولقي زحفا آخر فقالوا ‪ :‬يا براء أقسم على ربك ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم ‪ ،‬والحقنى بنبيك ‪ ،‬فمنحوا أكتافهم وقتل البراء رضى ال عنه ‪.‬‬
‫في يوم اليمامة أغلقت بنو حنيفة أنصار مسلمة الكذاب الباب عليهم ‪ ،‬وأحاط بهم الصحابة ‪ ،‬فقال البراء بن مالك ‪ :‬يا معشر المسلمين ألقونى‬
‫علي هم في الحدي قة ‪ ،‬فاحتملوه فوق الج حف ‪ ،‬ورفعو ها بالرماح ح تى ألقوه علي هم من فوق سورها ‪ ،‬فلم يزل يقاتل هم دون باب ها ح تى فت حه ‪،‬‬
‫دخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدين من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة لعنه ال ‪.‬‬
‫وقال الذهبي ‪ :‬بلغنا أن البراء يوم حرب مسيلمة الكذاب أمر أصحابه أن يحتملوه على ترس على أسنة رماحهم وأن يلقوه في الحديقة ‪ ،‬فاقتحم‬
‫إليهم وشد عليهم وقاتل حتى افتتح باب الحديقة ‪ ،‬فجرح يومئذٍ بضع وثمانين جرحا ‪ ،‬ولذلك قام خالد بن الوليد عليه شهرا يداوى جراحه ‪.‬‬
‫فلله هذه الموا قف اليمان ية ما أعظم ها بر كة على ال مة و ما أك ثر عائدت ها ‪ ،‬وأع ظم فائدت ها ‪ ،‬إن ها موا قف البطال في ساحات القتال ‪ ،‬إن ها‬
‫مواقف رجال باعوا أنفسهم للكبير المتعال ‪ ،‬فما تلكئوا في تسليم المبيع ‪ ،‬ول تعللوا بالباطيل فلله درهم وعلى ال أجرهم ‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن بن ثعلبة ( أبو عقيل ) رضى ال عنه ‪:‬‬


‫عن جعفر بن عبد ال بن أسلم قال ‪ :‬لما كان يوم اليمامة واصطف الناس كان أول من جرح أبو عقيل ‪ ،‬رمى بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده‬
‫في غير مقتل ‪ ،‬فأخرج السهم ووهن له شقه اليسر في أول النهار ‪ ،‬وجُرّ إلى الرحل ‪ ،‬فلما حمى القتال وانهزم المسلمون وجاوزوا رحالهم ‪-‬‬
‫وأبو عقيل واهن من جرحه ‪ -‬سمع معد بن عدى يصيح ‪ :‬يا للنصار ال ال و الكرة على عدوكم ‪ ،‬قال عبد ال بن عمر ‪ ،‬فنهض أبو عقيل‬
‫يريد قومه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما تريد ؟ ما فيك قتال ‪ ،‬قال ‪ :‬قد نوه المنادى باسمي ‪.‬‬
‫قال ابن عمر ‪ :‬قلت له ‪ :‬إنما يقول ‪ :‬يا للنصار ‪ ،‬ول يعنى الجرحى ‪ ،‬قال أبو عقيل ‪ :‬أنا من النصار ‪ ،‬وأنا أجيبه ولو حبوا ‪.‬‬
‫قال ابن عمر ‪ :‬فتحزم أبو عقيل ‪ ،‬وأخذ السيف بيده اليمنى ‪ ،‬ثم جعل ينادى ‪ :‬يا للنصار كرة كيوم حنين ‪ ،‬فاجتمعوا رحمكم ال جميعا ‪ ،‬تقدموا‬
‫فالمسلمون رديئة دون عدوهم ‪ ،‬حتى أقحموا عدوهم الحديقة ‪ ،‬فاختلطوا ‪ ،‬واختلفت السيوف بيننا وبينهم ‪.‬‬
‫قال ا بن ع مر ‪ :‬فنظرت إلى أ بى عق يل و قد قط عت يده المجرو حة من المن كب فوق عت إلى الرض ‪ ،‬و به من الجراح أرب عة ع شر جرحا كل ها قد‬
‫خلصت إلى مقتل ‪ ،‬وقتل عدو ال مسيلمة ‪.‬‬
‫قال ابن عمر ‪ :‬فوقفت على أبى عقيل وهو صريع بآخر رمق فقلت ‪ :‬يا أبا عقيل قال ‪ :‬لبيك ‪ -‬بلسان ملتاث ‪ -‬لمن الدبرة ؟ قلت ‪ :‬أبشر قد قتل‬
‫عدو ال فرفع إصبعه إلى السماء ‪ ،‬ومات يرحمه ال ‪.‬‬
‫قال ابن عمر ‪ :‬فأخبرت عمر بعد أن قدمت عليه خبره فقال ‪ :‬رحمه ال ما زال يسعى للشهادة ويطلبها ‪ ،‬وإن كان ما علمت من خيار أصحاب‬
‫نبينا صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقديم إسلمهم رضى ال عنه ‪.‬‬

‫‪ -‬أعرابي أتى النبي صلى ال عليه وسلم فآمن به واتبعه ‪:‬‬


‫عن شداد بن الهاد رضى ال عنه أن رجلً من العراب جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فآمن به واتبعه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أهاجر معك ‪ ،‬فأوصى به‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم بعض أصحابه ‪ ،‬فلما كانت غزوة غنم النبي صلى ال عليه وسلم سبيا فقسم وقسم له ‪ ،‬فأعطى أصحابه ما قسم له ‪،‬‬
‫وكان رعى ظهرهم ‪ ،‬فلما جاء دفعوه إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا ؟ قالوا ‪ :‬قسم قسمه لك النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫فأخذه فجاء به النبي صلى ال عله وسلم فقال ‪ :‬ما هذا ؟ قال ‪ ":‬قسمته لك " قال ‪ :‬ما على هذا اتبعتك ‪ ،‬ولكنى اتبعتك على أن أرمى هاهنا ‪-‬‬
‫وأشار إلى حلقه ‪ -‬بسهم فأموت فأدخل الجنة ‪ ،‬فقال ‪ ":‬إن تصدق ال يصدقك " ‪.‬‬
‫فلبثوا قليلً ثم نهضوا في قتال العدو ‪ ،‬فأتى به النبي صلى ال عليه وسلم ُيحمَل قد أصاب السهم حيث أشار ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ":‬أهو هو ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال‪ " :‬صدق ال فصدقه " ثم كفّنه النبي صلى ال عليه وسلم في جبته صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم قدمه فصلى عليه ‪،‬‬
‫فكان فيما ظهر من صلته ‪ ":‬اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك " ‪.‬‬

‫‪ -‬رجل حضره أبو موسى الشعرى رضى ال عنه ‪:‬‬


‫عن أبى بكر بن عبد ال بن قيس عن أبيه ‪ -‬يعنى أبا موسى الشعرى ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت أبى وهو بحضرة العدو يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ":‬إن أبواب الجنة تحت ظلل السيوف " فقام رجل رث الهيئة فقال ‪ :‬يا أبا موسى أنت سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‬
‫هذا ؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع إلى أصحابه فقال ‪ :‬أقرأ عليكم السلم ‪ ،‬ثم كسر جفن سيفه فألقاه ‪ ،‬ثم مشى بسيفه إلى العدو ‪ ،‬فضَرَب به حتى‬
‫قُتِل‪.‬‬
‫قوله ‪ ”:‬إن أبواب الجنهة تحهت ظلل السهيوف “ قال النووي ‪ :‬قال العلماء ‪ :‬معناه أن الجهاد وحضور معركهة القتال طريهق إلى الجنهة وسهبب‬
‫دخولها‪.‬‬
‫و المواقف اليمانية لحظات يصدق فيها المؤمن مع ربه عز وجل ويصدق نفسه هذه اللحظات يرتفع بها المؤمن لنه يرفع راية ال فهذا الرجل‬
‫لم نقف على اسمه ول يضيره ذلك لنه معروف عند ال عز وجل موقفه اليماني وصدق إيمانه كما لم نعرف اسم مؤمن آل فرعون ومؤمن آل‬
‫يس ول كن الموا قف اليمان ية ال صادقة مدو نة ع ند ال عز و جل ير فع ب ها أ صحابها في الدن يا والخرة وال تعالى يخ تص برحم ته وفضله من‬
‫يشاء والسعيد حقا من كان من أهلها فليس كل أحد يوفق لهذه المواقف التي ترفع راية اليمان وتعز دين الرحمن ‪.‬‬
‫فعن سعيد بن الم سيب أن رجلً سمع ع بد ال بن ج حش يقول ق بل يوم أ حد بيوم ‪ :‬الل هم إ نا لقوا هؤلء غدا ‪ ،‬وإ ني أق سم عل يك ل ما يقتلو ني‬
‫ويبقروا بطني ويجدعونى ‪ ،‬فإذا قلت لي ‪ :‬لم ُفعِل بك هذا ؟ فأقول ‪ :‬اللهم فيك ‪ ،‬فلما التقوا فعل ذلك به ‪ ،‬فقال الرجل الذي سمعه ‪ :‬أما هذا فقد‬
‫استجيب له ‪ ،‬وأعطاه ال ما سأل في جسده في الدنيا وأنا أرجو أن يعطى ما سأل في الخرة ‪.‬‬
‫وعن إسحاق بن سعد بن أبى وقاص قال ‪ :‬حدثني أبى أن عبد ال بن جحش قال له يوم أحد ‪ :‬أل ندعوا ال ؟ فخلوا في ناحية فدعا عبد ال بن‬
‫ل شديدا بأ سه شديدا حرده أقاتله فيك ويقتل ني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذ ني فإذا لقيتك غدا‬
‫جحش فقال ‪ :‬يا رب إذا لقيت العدو غدا فلق ني رج ً‬
‫قلت ‪ :‬يا عبد ال من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول ‪ :‬فيك وفي رسولك فتقول ‪ :‬صدقت ‪.‬‬
‫قال سعد ‪ :‬فقد لقيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلقتان في خيط مع عكرمة بن أبى جهل رضى ال عنه والمبايعة على الموت يوم اليرموك ‪.‬‬

‫* عكرمة بن أبى جهل ‪:‬‬


‫ل ما كان يوم اليرموك تقدم خالد إلى عكر مة بن أ بى ج هل والقعقاع بن عمرو أن ينشئا القتال فبدرا يرتجزان ودعوا إلى البراز وتنازل البطال‬
‫وتجادلوا وحميت الحرب وقامت على ساق فنادى عكرمة ‪ :‬قاتلت رسول ال صلى ال عل يه وسلم في كل موطن وأفر منكم اليوم ؟ من يبايع‬
‫على الموت ؟ فبايعه أربعمائة من وجوه الناس وفرسانهم فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الزور فاستبسلوا وقاتلوا قدام فسطاط خالد‬
‫حتى أثبتوا جميعا جراحا وأتى خالد بعكرمة جريحا فوضع رأسه على فخذه وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه فوجدوا به بضعا وسبعين ن طعنة‬
‫ورمية وضربة ‪.‬‬

‫* مع عبد ال بن حذافة السهمي رضى ال عنه ‪:‬‬


‫كان ملك الروم يسمع عن شجاعة الصحابة رضى ال عنه وصبرهم وجهادهم بما يشبه الساطير فوقع عبد ال بن حذافة السهمي أسيرا فذهبوا‬
‫به إلى ملك هم فقالوا ‪ :‬إن هذا من أ صحاب مح مد صل ال عل يه و سلم فأراد أن يخ تبره فقال ‪ :‬هل لك أن تنت صر وأعط يك ن صف مل كي ؟ قال ‪:‬‬
‫(( ولو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملك العرب ما رجعت عن دين محمد صل ال عليه وسلم طرفة عين )) قال ‪ :‬إذا أقتلك قال ‪(( :‬أنت‬
‫وذاك )) فأ مر به ف صلب وقال للرماة ‪ :‬ارموه قري با من بد نه و هو عرض عل يه ويأ بى فأنزله ود عا بقدر ف صب ف يه ماء ح تى احتر قت ود عا‬
‫بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقى فيها وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأتي ثم بكى فقيل للمك ‪ :‬إنه بكى فظن أنه قد جزع فقال ‪:‬‬
‫ردوه ما أبكاك؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬هي ن فس واحدة تل قى ال ساعة فنذ هب فك نت أشت هي أن يكون بعدد شعري أن فس تل قى في النار في ال فقال له‬
‫الطاغ ية ‪ :‬هل لك أن تق بل رأ سي وأخلى ع نك)) فقال له ع بد ال ‪(( :‬و عن جم يع ال سارى ؟ )) قال ن عم فق بل رأ سه وقدم بال سارى على ع مر‬
‫فأخبره خبره فقال عمر ‪ (( :‬حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة وأنا أبدأ فقبل رأسه ))‪.‬‬
‫إن الموقف اليمانية ل يقتصر برها ونفعها على أصحابها وحدهم بل تعم بركتها على من شاء ال من المؤمنين فتنزل بها الرحمات وتنفرج بها‬
‫الكربات لنها مواقف يحبها ال عز وجل ويحب أصحابها والمؤمن مبارك أينما كان ‪.‬‬

‫* مع سعيد بن عمرو بن زيد بن نفيل يوم اليرموك ‪:‬‬


‫قال سعيد بن عمرو بن نفيل ‪ :‬لما كان يوم اليرموك كنا أربعا وعشرين ألفا ونحوا من ذلك فخرجت لنا الروم بعشرين ومائة ألف وأقبلوا علينا‬
‫بخطىً ثقيلة كأن هم الجبال تحرك ها أ يد خف ية و سار أمام هم ال ساقفة والبطار قة والق سيسون يحملون ال صلبان و هم يجهرون بال صلوات فيردد ها‬
‫الحبش من ورائهم ولهم هزيم الرعد فلما رآهم المسلمون على حالهم هذه هالتهم كثرتهم وخالط قلوبهم شئ من خوفهم عند ذلك قام أبو عبيدة‬
‫بهن الجراح يحهض المسهلمين على القتال فقال ‪ :‬عباد ال انصهروا ال نصهركم وثبهت أقدامكهم عباد ال اصهبروا فإن الصهبر منجيهة مهن الكفهر‬
‫ومرضاة للرب ومدحضة للعار وأشرعوا الرماح واستتروا بالتروس والزموا الصمت إل من ذكر ال عز وجل في أنفسكم حتى آمركم إن شاء‬
‫ال ‪.‬‬
‫قال سعيد ‪ :‬عند ذلك خرج رجل من صفوف المسلمين وقال لبى عبيدة ‪ :‬إني أزمعت على أن أقضي أمري الساعة فهل لك من رسالة تبعث بها‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فقال أبو عبيدة ‪ :‬نعم تقرئه منى ومن المسلمين السلم وتقول له ‪ :‬يا رسول ال إنا وجدنا ما وعدنا ربنا‬
‫حقا ‪.‬‬
‫قال سعيد ‪ :‬فما إن سمعت كلمه ورأيته يمتشق حسامه ويمضى إلى لقاء أعداء ال حتى اقتحمت إلى الرض وطعنت أول فارس أقبل علينا ثم‬
‫ثبت على العدو وقد انتزع ال كل ما في قلبه من الخوف فثار الناس في وجوه الروم وما زالوا يقاتلونهم حتى كتب ال للمؤمنين النصر ‪.‬‬
‫* عبد ال بن الزبير وفتح ‘إفريقية ‪:‬‬
‫كان عدد المسلمين عشرين ألفا وعدد الكفار عشرين ومائة ألف في فتح إفريقية وكان قائد المسلمين عبد ال بن أبى سرح في خلفة عثمان‬
‫رضى ال عنه ورأى عبد ال بن الزب ير جرجير ملك إفريقية وراء عسكره على برذون أشهب ومعه جاريتان تظلنه بريش الطواويس وبينه‬
‫وب ين ع سكره أرض بيضاء فاختار ثلث ين فار سا من الم سلمين وأخذ هم م عه ثم ح مل في الو جه الذي ف يه جرج ير وقال للفر سان الذ ين م عه ‪:‬‬
‫احملوا ظهري فخرق الصف إلى جرجير وخرج صامدا له وما يظن هو وأصحابه إل أن ابن الزبير رسول إليه حتى دنا منه فعرف الشر فثنى‬
‫برذونه موليا ولكن ابن الزبير أدركه فطعنه ودافعه بالسيف وحز رأسه ونصبه في رمح وكبر فحمل المسلمون من الوجه الخر فانهزم العدو‬
‫من كل وجه ومنح ال المسلمين أكتافهم ‪.‬‬
‫فهذا موقف إيماني من الفارس عبد ال بن الزبير وكما يقولون ‪ :‬هذا الشبل من ذاك السد فقد أخذ هذه الشجاعة النادرة وهذا اليمان والثبات‬
‫ورباطة الجأش من أبيه الزبير رضى ال عنه وما أكثر المواقف اليمانية وما أكثر البطال في تاريخ السلم فهذا غض من فيض وقطرة من‬
‫بحر تنبئك بشرف هذه المة وكرامتها وتبرهن لك على شرف اليمان والمواقف اليمانية ‪.‬‬

‫* مع الشباب والصبية‬
‫* معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضى ال عنهم ‪:‬‬
‫عن عبد الرح من بن عوف ر ضى ال عنه قال ‪ :‬إ ني لوا قف يوم بدر في ال صف فنظرت عن يمي ني وشمالي فإذا أ نا بين غلم ين من الن صار‬
‫حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال ‪ :‬يا عماه أتعرف أبا جهل ؟ فقلت ‪ :‬نعم وما حاجتك إليه ؟ قال ‪ :‬أخبرت‬
‫أ نه يسب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم والذي نفسي بيده لئن رأي ته ل يفارق سوادي سواده ح تى يموت الع جل م نا فتعجبت لذلك فغمز نى‬
‫الخر فقال لي أيضا مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل وهو يجول في الناس فقلت ‪ :‬أل تربن هذا صاحبكم الذي تسألني عنه ؟ فابتدراه‬
‫ب سيفيهما فضرباه ح تى قتله قال كل منه ما ‪ :‬أ نا قتل ته قال ‪ (( :‬هل م سحتما سيفيكما ؟ ))قال ‪ :‬ل قال ‪ :‬فن ظر ال نبي صلى ال عل يه و سلم في‬
‫السيفين فقال ‪(( :‬كلهما قتله )) وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموع والخر معاذ بن عفراء ‪.‬‬
‫هذا موقف من المواقف اليمانية لشابين من النصار والنصار مدحهم ال عز وجل باليمان فقال عز وجل { والذين تبوءوا الدار واليمان من‬
‫قبلهم } الحشر ‪ ]9‬انقضا رضى ال عنهما على قائد كتيبة الكفر يوم الفرقان كأنهما صقران وقد حز في نفس أبى جهل أن يقتله شباب من‬
‫النصار واعتبر ذلك إهانة له ففي الصحيح عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( من ينظر لنا ما فعل أبو جهل ؟ ))‬
‫فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فأخذ بلحيته فقال ‪ /‬أنت أبو جهل ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬وهل فوق رجل قتلتموه أو قال ‪ :‬قتله قومه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقال أبو مجلز ‪ ،‬غير أكّار قتلني ‪.‬‬
‫قال النووي ‪ :‬قوله ‪ (( :‬لو غ ير أكار قتل ني )) الكار ‪ :‬الزراع والفلح و هو ع ند العرب نا قص وأشار أ بو ج هل إلى اب ني عفراء اللذ ين قتله‬
‫وهما من النصار وهما أصحاب زرع ونخيل ومعناه لو كان الذي قتلني غير أكار لكان أحب إلى وأعظم لشأني ولم يكن على نقص في ذلك ‪.‬‬
‫مع الغلمان‬
‫*عبد ال بن عمر وصحبه ‪:‬‬
‫قال محمد بن عمر الواقدى في سياق رواية له ‪ :‬ومضى رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أتى الشيخين فعسكر به وعرض عليه غلمان ‪:‬‬
‫عبد ال بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد والنعمان بن بشير وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس وأبو‬
‫سعيد الخدرى وسمرة بن جندب ورافع بن خديج فردهم قال رافع بن خديج فقال ظهير بن رافع ‪ :‬يا رسول ال إنه رام ! وجعلت أتطاول وعلى‬
‫خفان لي فأجازنى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫فلما أجازنى قال سمرة بن جندب لربيبه مرى بن سنان الحارثى وهو زوج أمه ‪ :‬يا أبة أجاز رسول ال صلى ال عليه وسلم رافع بن خديج‬
‫وردني وأنا أصرع رافع بن خديج فقال مرى بن سنان الحارثى ‪ :‬يا رسول ال رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬تصارعا ! فصرع سمرة رافعا فأجازه رسول ال صلى ال عليه وسلم وكانت أمه امرأة من بنى أسد ‪.‬‬
‫في هذا ال خبر م ثل ج يد على حب ال صحابة ر ضى ال عن هم للجهاد وارتفاع م ستواهم التربوي ح يث حببوا الجهاد لنبائ هم فأ صبح غلمان هم‬
‫يتسابقون إلى ميادين الجهاد ‪.‬‬
‫وتتبدى هذه المظاهر المتأصلة في نفوس هؤلء الغلمان في خروجهم مع جيش المسلمين وكلهم أمل في أن جزهم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وأن يشاركوا في الجهاد كما تتبدى في إلحاح رافع بن خديج على ولى أمره ليقنع النبي صلى ال عليه وسلم بالسماح له بالجهاد بحجة‬
‫أ نه يج يد الرما ية ويش فق على نف سه من رد ال نبي صلى ال عل يه و سلم بالر فض فينت صب قائ ما على أ صابع قدم يه ليبدو طويل قد بلغ مبلغ‬
‫الرجال مخفيا هذا التطاول بخفيه السابغين اللذين يخفيان عقبيه ويتم فوزه بإجازة النبي صلى ال عليه وسلم إياه ‪.‬‬
‫وتأ خذ الح سرة سمرة بن جندب الذي رد مع الغلمان ويع صف به الشوق إلى الجهاد فيدلى بم سوغ آ خر للقبول وأل يس ي صرع راف عا ؟ ف هو إذا‬
‫أقوى منه وما دام المر كذلك فهو أحق منه بالجازة ويهمس بذلك في أذن وليه فينطلق بها إلى النبي صلى ال عليه وسلم فرحا مسرورا بظفر‬
‫ابنه بذلك المسوغ ويتصارعان بأمر النبي صلى ال عليه وسلم ويتم لسمرة ما أراد من تلك الجازة ‪.‬‬
‫إن فرحة هذين الغلمين وأمثالهما بالمشاركة في الجهاد تفوق كل ما خطر على بال أقرانهم من أسرى المباهج الدنيوية والهداف القربة وذلك‬
‫شاهد على ارتفاع مستوى المجتمع السلمي آنذاك في المثل السامية والقيم العالية ‪.‬‬

‫ومع النساء المضحيات‬


‫* أم عمارة رضى ال عنهما ‪:‬‬
‫أخرج مح مد بن ع مر الواقدى بإ سناده عن شيو خه قالوا ‪ :‬وكا نت ن سيبة ب نت ك عب أم عمارة و هي امرأة غز ية بن عمرو وشهدت أحدا هي‬
‫وزوجها وابناها وخرجت معها شن لها في أول النهار تر يد أن تسقى الجرحى فقاتلت يومئذ وأبلت بلء حسنا فجرحت اث ني ع شر جر حا ب ين‬
‫طعنة برمح أو ضربة بسيف ‪.‬‬
‫فكانت أم سعد بن الربيع تقول ‪ :‬دخلت عليها فقلت لها ‪ :‬يا خالة حدثيني خبرك فقالت ‪ :‬خرجت أول النهار إلى أحد وأنا أنظر ما يصنع الناس‬
‫ومعي سقاء فيد ماء فانتهيت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين لما أنهزم المسلمون انحزت إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسل فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بالسيف وأرمى بالقوس حتى خلصت إلى الجراح‬
‫‪.‬‬
‫فرأيت على عاتقها جرحا له غور أجوف فقلت ‪ :‬يا أم عمارة من أصابك بهذا ؟ قالت ‪ :‬أقبل ابن قميئة وقد ولى الناس عن رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم ي صبح ‪ :‬دلو ني على مح مد فل نجوت إن ن جا فاعترض له م صعب بن عم ير وأناس م عه فك نت في هم فضرب ني هذه الضر بة ول قد‬
‫ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو ال كان عليه درعان ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يدك ما أ صابها ؟ قالت ‪ :‬أ صيبت يوم اليما مة ل ما جعلت العراب ينهزمون بالناس ؟ نادت الن صار ‪ (( :‬أخل صونا )) فأخل صت الن صار‬
‫فك نت مع هم ح تى انتهي نا إلى حدي قة الموت فاقتتل نا علي ها ساعة ح تى ق تل أ بو دجا نة على باب الحدي قة ودخلت ها وأ نا أر يد عدو ال م سيلمة‬
‫فيتعرض لي رجل منهم فضرب يدي فقطعها فوا ال ما كانت لي ناهية ول عرجت عليها حتى وقفت على الخبيث مقتولً وابني عبد ال بن زيد‬
‫المازنى يسمح سيفه بثيابه فقلت ‪ :‬قتلته ؟ قال ‪ :‬نعم فسجدت شكرا ل وكان ضمرة بن سعيد يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحدا تسقى الماء‬
‫قالت ‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪ :‬لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلن وفلن ! وكان يراها تقاتل يومئذ أشد القتال‬
‫إنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلث عشر جرحا فلما حضرتها الوفاة كنت فيمن غسلها فعددت جراحها جرحا جرحا فوجدتها ثلثة‬
‫عشر جرحا وكانت تقول ‪ :‬إني لنظر إلى ابن قمئة وهو ضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها لقد داوته سنة ثم نادى منادى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم إلى حمراء السد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم ولقد مكثنا ليلنا نكمد الجراح حتى أصبحنا فلما رجع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم من الحمراء ما وصل إلى بيته حتى أرسل إليها عبد ال ابن كعب المازنى يسأل عنها فرجع إليه يخبره بسلمتها فسر‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم بذلك‪.‬‬
‫قال الواقدى ‪ :‬حدثني سعيد بن أبى زيد عن مروان بن أبى سعيد بن المعلى قال قيل لم عمارة ‪ :‬هل كن نساء قريش يومئذ يقاتلن مع أزواجهن‬
‫؟ فقالت ‪ :‬أعوز بال ما رأ يت امرأة من هن ر مت ب سهم ول بح جر ول كن رأ يت مع هن الدفاف والكبار يضر بن ويذكرن القوم قتلى بدر ومع هن‬
‫مكا حل ومراود فكل ما ولى ر جل أو تكعكع ناول ته إحداهن مرودا ومكحلة ويقلن ‪ :‬إن ما أ نت امرأة ! ول قد رأيت هن ول ين منهزمات مشمرات ول ها‬
‫عن هن الرجال أ صحاب الخ يل ونحوا على متون الخ يل يتب عن الرجال على القدام فجعلن ي سقطن في الطر يق ول قد رأ يت ه ند ب نت عت بة وكا نت‬
‫امرأة ثقيلة ولها خلق قاعدة خاشية من الخيل ما بهن مشى ومعها امرأة أخرى حتى كر القوم علينا فأصابوا منا ما أصابوا فعند ال نحتسب ما‬
‫أصابنا يومئذ من قبل الرماة ومعصيتهم لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال الواقدى ‪ :‬حدثني ابن أبى سبرة عن عبد الرحمن بن عبد ال بن أبى صعصعة عن الحارث بن عبد ال قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن زيد بن‬
‫عاصم يقول ‪ :‬شهدت أحدا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما تفرق الناس عنه دنوت منه وأمي تذب عنه فقال ‪ :‬يا ابن أم عمارة ! قلت ‪:‬‬
‫نعم قال‪ :‬ارم ! فرميت بين يديه رجلً من المشركين بحجر وهو على فرس فأصبت عين الفرس فاضطرب الفرس حتى وقع هو وصاحبه وجعلت‬
‫أعلوه بالحجارة ح تى نضدت عل يه من ها وقرا وال نبي صلى ال عل يه و سلم ين ظر ويبت سم فن ظر إلى جرح بأ مي على عاتق ها فقال ‪ :‬أ مك أ مك !‬
‫اع صب جرح ها بارك ال علي كم من أ هل ب يت ! مقام أ مك خ ير من مقام فلن وفلن ومقام ربي بك يع نى زوج أ مه خ ير من مقام فلن وفلن‬
‫ومقامك لخير من مقام فلن وفلن في الجنة رحمكم ال أهل بيت ! قالت ‪ :‬ادع ال أن نرافقك في الجنة قال ‪ :‬اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة‬
‫قالت ‪ :‬ما أبالي ما أصابني من الدنيا ‪.‬‬
‫إن هذه العمال الجهاد ية الخش نة ل ي ستغرب صدورها من الرجال لن هم خ صوصا في ذلك الع هد قد مرنوا علي ها وأل فت علي ها أج سامهم ل كن‬
‫صدور ذلك من النساء غير مألوف عادة فكون أم عمارة تقوم بذلك الجهد الكبير وتواصل الدفاع عن النبي صلى ال عليه وسلم رغم إصابتها‬
‫بتلك الجراح التي بلغت ثلثة عشر يعتبر تضحية كبيرة وطاقة عالية غير معتادة ول يشك المتأمل بأن هذه الصحابية الجليلة قد حظيت بعون‬
‫من ال تعالى جعلها تصمد ذلك الصمود العجيب وتقدم ذلك الجهد الكبير ‪.‬‬
‫ومن المدهش في خبر تلك المرأة العظيمة أنها لن تقدم نفسها في الجهاد فحسب بل قدمت ابنيها ليكونا فداء للنبي صلى ال عليه وسلم ولئن‬
‫كان الدافع لدى زوجها وابنيها مألوفا في مجتمع الصحابة رضى ال عنهم فإن صدور ذلك من أمهما وهي تشاهدها وتتوقع في أي لحظة أن‬
‫يكونا تحت سنابك الخيل شهيدين ‪ ..‬إن ذلك يعتبر مثال عاليا لقوة اليمان ورسوخ اليقين وعظيم التضحية‬
‫فلهذه الفاع يل ال كبيرة والتضحيات العال ية من أم عمارة بنف سها وب حث بني ها على الجهاد ن جد ر سول ل صلى ال عل يه و سلم يث نى عل يه ذلك‬
‫الثناء الطيب ولكنها لقوة إحساسها بالحياة الخرة وشدة استحضارها لم أعده ال تعالى لهل الجنة من النعيم المقيم ل تكتفي بسماع ذلك الثناء‬
‫من ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بل تهت بل هذه الفر صة الغال ية لتطلب م نه صلى ال عل يه و سلم أن يد عو ال تعالى ل ها ولفراد أ سرتها‬
‫بمرافقته في الجنة وهي تعلم علم اليقين أنه في أعلى عليين ‪.‬‬
‫ونجد أم عمارة مع هذا الجهد الكبير والجراح المتعددة المؤلمة تقوم لتشد عليها ثيابها لما سمعت منادى رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو‬
‫المسلمين لملح قة ج يش العدو في حمراء السد ولكنها لم تستطع المشاركة في هذه المه مة لن جراحها مازالت تنزف د ما فأي عزي مة كانت‬
‫تملكها تلك المرأة وأي حيوية كان يشتمل عليها قلبها الكبير ؟!! ‪.‬‬
‫إن الطا قة لدى الفرد الم سلم ل تحد ها الحدود المعتادة إذا كان وراء تلك الطا قة إيمان قوى محرك وإذا كا نت هذه المرأة المؤم نة قد قا مت بهذه‬
‫العجائب وهي لم تكن مؤهلة لذلك بحكم طبيعتها النسوية فكيف بالرجال إذا ملكوا ذلك اليمان القوى الحيوي ؟!‬
‫وتمر اليام ويقع المسلمون في لحظات حرجة جدا وهم يواجهون أعنف مقاومة واجهوها في حروب الردة وتبرز أم عمارة بصحبة ابنها لتبحث‬
‫عن رأس المشركين المرتدين مسيلمة الكذاب وهي تريد أن تتصدى لقتله وإراحة المسلمين منه ول تبالي وهي تدفع نفسها لهذا الهدف العالي‬
‫بيدها التي قطعت وهي تؤدى هذه المهمة لن ال تعالى قد أبقى لها اليد الخرى التي بإمكانها أن تبذل بها ما تستطيع من طاقة ولكن ابنها عبد‬
‫ال ا بن ز يد الماز نى ي سبقها لداء هذه المه مة فيشارك في ق تل رأس الك فر م سيلمة وت قر ع ين أم عمارة بهذه النها ية الحميدة للم سلمين وب ما‬
‫قدمه ابنها للسلم والمسلمين من عمل جليل ‪.‬‬
‫ومن أمثال أم عمارة أسماء بنت أبى بكر التي قالت لبنها عبد ال بن الزبير حين أراد الحجاج قتله فقال لمه ‪ :‬أخاف إن قتلونى أن يمثلوا بى‬
‫فقالت ‪ :‬هل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها ؟‪.‬‬
‫والخنساء التى استشهد أربعة من أبنائها في موقعة القادسية فقالت ‪ :‬الحمد ل الذي شرفنى باستشهادهم وأسأل ال أن يلحقني بهم في مستقر‬
‫رحمته والتاريخ ملىء بهذه الصور والنماذج المشرفة قديما وحديثا ل نستطيع حصره ‪.‬‬
‫إن المواقف اليمانية يثمر بعضها بعضا حتى يعظم أمرها ويكثر نفعها ويستحق المؤمنون نصر ال الذي وعده لعباده المؤمنين كما قال تعالى {‬
‫ول قد أر سلنا من قبلك ر سل إلى قوم هم فجاءو هم بالبينات فانتقم نا من الذ ين أجرموا وكان حقا علي نا ن صر المؤمن ين } الروم ‪ ] 47‬فإذا و فق‬
‫بعض المسلمين لمثل هذه المواقف اليمانية وبذل الناس في ال عز وجل عند ذلك يتنزل نصر ال عز وجل ‪.‬‬
‫واليمان هو الذي يد فع المؤمن ين إلى البذل والتضح ية ك ما قال ال عز و جل {إن ما المؤمنون الذ ين آمنوا بال ور سوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا‬
‫بأموالهم وأنفسهم في سبيل ل أولئك هم الصادقون } الحجرات ‪]15‬‬
‫أ ما من يد عى اليمان ويب خل عن البذل في سبيل ال ويج بن عن الجهاد لعلء كل مة ال فهيهات هيهات أ ين ال صدق ‪ ،‬وإن ما يكون ع مل‬
‫الجوارح تصديقا لما في القلب فلما كانت قلوب المنافقين خالية من اليمان كافرة بالرحمن { فرح المخلفون بمقعدهم خلف رسول ال وكرهوا‬
‫أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ال وقالوا ل تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا } التوبة ‪.] 81‬‬
‫وو صف ال عز و جل عبادتهم فقال { إن المنافق ين يخادعون ال و هو خادع هم وإذا قاموا إلى ال صلة قاموا ك سالى يراءون الناس ول يذكرون‬
‫ال إل قليل ً } النساء ‪.]142‬‬
‫فبهذه المواقف اليمانية تفتح الحصون وتسقط القلع ويتنزل نصر ال عز وجل على المؤمنين وتقر أعينهم بالفتح المبين فأين للمسلمين اليوم‬
‫بمثل هؤلء الفرسان الشجعان ول تعجب فالصحابة رضى ال عنهم أعمالهم كلها عجيبة وهي تدل على صدق إيمانهم وشجاعتهم ‪.‬‬
‫ول تزال طائفة من هذه المة تحمل الراية وتزود عن الحوض وتقدم النفس رخيصة فداء للدين والوطن والعرض لنهم تربوا على ذات المنهج‬
‫الذي تربى عليه الصحابة رضوان ال عليهم وأرضاهم ومنهم على سبيل المثال من استشهد في فلسطين والقتال وحرى بنا أن نعرج على هذه‬
‫القضية لنرى مقدار تضحيات الرجال من أجلها ليرتبط الماضي بالحاضر في مسيرة التضحيات ول نقصد بذلك الحديث عن التضحيات التي قام‬
‫ب ها ل أقول ال سلميون فح سب بل الوطنيون جميعًا وهذا ل يت سع له مجلدات ول كن أش ير ه نا إلى ب عض ما قد مه ال سلميون من تضحيات‬
‫وأخص منهم الخوان إذ أن الشعب الفلسطيني كغيره من الشعوب المضطهدة والمشردة والتي ما زالت تبذل النفس والمهج في سبيل استرداد‬
‫الدين والعرض والرض ‪.‬‬

‫القضية الفلسطينية ‪ ...‬جذورها إسلمية !!‬


‫* من أجلها نضحي ‪:‬‬
‫إن القضية الفلسطينية ذات جذور موغلة في القدم فعلى ترابها قامت حروب عقائدية استمرت قرونا طوال وحسب اللورد للبنى أنه كان مصيبا‬
‫عندما وقف أمام قبر صلح الدين مزهوا بانتصاره على جنود العثمانيين في الحرب العالمية الولى وقال ‪ (( :‬الن فقط انتهت الحروب الصليبية‬
‫‪ )) !!..‬والحقيقة دون ذلك فقد تتابعت الحداث وسجلنا منها اللقطات التالية التي تشير إلى أن هذه القضية الفلسطينية إسلمية وستظل كذلك‬
‫جذورها وساقها وفروعها وأوراقها بله ثمارها !! ‪..‬‬
‫القضية الفلسطينية وجهاد رجالها‪:‬‬
‫أول ‪ :‬ا ستبسل الش يخ (( عز الد ين الق سام )) في مقاوم ته للحتلل البريطا ني فش كل في أوائل الثلثينيات الجما عة الم سماة (( سرايا الجهاد ))‬
‫التي رفعت شعر ((الجهاد والستشهاد !! وضرب رجالها أروع المثلة في التضحية بالمال والنفس ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬قاد مفتى فلسطين الحاج (( أمين الحسيني )) الجماهير الفلسطينية في انتفاضته الشهيرة عام ‪ 1937‬وكانت هتافاته ((اليوم المصاحف‬
‫وغدا المدافع )) ‪.‬‬
‫إشارة إلى التضحية المطلوبة وهي التضحية بالنفس قتال لتحرير الرض وصون العرض وحماية الدين ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الستاذ ((عبد الرحمن البنا )) الرحال إلى المسجد القصى والتقى بمفتى فلسطين سماحة الحاج ((أمين الحسيني )) ‪ ...‬وكانت تلك بداية‬
‫لتأسيس فروع للخوان المسلمين في أرض فلسطين استعدادا للجهاد في سبيل ال حماية للقصى والقدس ‪.‬‬
‫راب عا‪ :‬قام (كا تب هذه ال سطر ) بإلقاء خ طب سياسية في كل من حي فا ويا فا وغزة والقدس عا مي ‪ 1948 ،1947‬و قد ح ضر آخر ها الخوان‬
‫الراحلن ((الصهاغ ‪ /‬محمود لبيهب والحاج الفلسهطيني ‪ /‬يوسهف باميهه )) وذلك لمسهاندة مرشحهي الخوان ومناصهرتهم فهي انتخابات رئاسهة‬
‫البلديات هناك ‪.‬‬
‫‪ ...‬هذا و قد ا ستجاب المرحوم على علو به با شا لقتراح طل بة الجامعات الم صرية آنذاك بضرورة قيام هيئة عل يا لنقاذ فل سطين وأن يتولى‬
‫الشباب أمانتهها ‪ ..‬و قد كا نت تلك المهمهة إلى (كا تب تلك ال سطر ) واشترك فيهها رجالت الحزاب جميعها وكذلك المام الشهيهد (ح سن البنها )‬
‫المرشد العام للخوان المسلمين سنة ‪.. 1947‬‬
‫خامسها‪ :‬الزيارات الميدانيهة لشعهب (بالضهم أي فروع ) الخوان والتهي قام بهها الدكتور ‪ /‬سعيد رمضان في أعوام ‪ .. 1949 ، 48 ،47‬هذه‬
‫الزيارات كانت لها آثارها الناجحة عقائديا وتنظيميا ‪..‬‬
‫سادسا ‪ :‬ول مرية في أن (حزب التحرير السلمي ) الذي أسسه الشيخ ((تقي الدين النبهانى )) في حيفا عام ‪ 1952‬وانخراط الخوان ((خالد‬
‫وعلى الحسن )) ضمن رجاله كان له أثره العميق على الساحة السياسية في أرض فلسطين ‪..‬‬
‫سابعا‪ :‬أن قيام جماعات (( التوحيد الديني )) ظافر الشوا ‪ ،‬وشباب الثأر وكان ((صلح خلف )) أحد عمدها الرئيسية ‪ ((,‬كتيبة الحق )) التي‬
‫أسهم ((خليل الوزير )) بدور بارز في قيادتها ثم قام تنظيم ((الشباب المسلم ))‪.‬‬
‫كل هذه الجماعات استمرارية للمد السلمي البديل الذي ظهر عقب تعرض جماعة الخوان المسلمين في مصر سنة ‪ 1954‬وما بعدها لحملت‬
‫البطش والقهر والبادة الجماعية التي شنها عليهم الجبابرة الطواغيت ‪.‬‬
‫ثام نا‪ :‬النتفا ضة ال تي قاد ها الش يخ ((ع بد ال ن مر درو يش )) من قر ية (ك فر قا سم ) عام ‪ 1979‬و ما بعد ها وال صداء العال ية ل ها ال تي ردد ها‬
‫ونظم ها الش يخ ((أح مد يا سين )) في غزة عام ‪ 1984‬عرض ته وآخر ين لل صدمات الكهربائ ية دا خل ال سجون ال سرائيلية ال تي ضا قت بنزلئ ها‬
‫رجال ونساءا وأطفال !!‬
‫تاسعا‪ :‬عمليات مجموعة طارق وناصر حليس في القدس في أكتوبر الماضي وتزامنه مع إبعاد الشيخ عبد العزيز عودة من حي الشجاعية بغزة‬
‫وانتسابهم جميعا إلى جماعة الجهاد السلمي أو سرايا الجهاد يعطى دللة ذات مغزى ‪..‬‬
‫عاشرا ‪ :‬أن نتائج السهتفتاء وتقصهى الحقائق التهي قامهت بعثهة التلفزيون الكندي والمقابلت التهي أذاعهها التليفزيون السهترالى بالتعاون مهع‬
‫جماعة النجاح وهو في نابلس وطولكرم كلها تؤكد على أن التيار السلمي في تصاعد وسموق وأن نحو ثلثي الشباب ينتمون إليه ‪.‬‬
‫وهذا يعنى الرغبة في الجهاد والتضحية لسترداد ما اغتصب من أرض وما انتهك من عرض وما دنس من مقدسات ‪.‬‬
‫حادي عشر ‪ :‬تقدم السلميين في النتخابات الطلب ية بالض فة الغرب ية والقطاع أكدت ت سامى وتعاظم قوتهم في الكليات الجامع ية بغزة والخل يل‬
‫والقدس مما أكد لعداء السلم أن الجهاد ماض ول مناص منه ‪.‬‬
‫ثا ني ع شر ‪ :‬أن انتخابات رموز الخوان الم سلمين أمثال الدكتور ع بد ال أ بو عزة وع بد الرح من الحورا نى وفرض ب صماتهما على أما نة سر‬
‫المجلس المركزي له دلل ته ال تي ل تخ في على ذي عين ين ‪ ..‬و من ثم فل غرا بة أن تكون النتفا ضة الحال ية في م ستهل عام ‪ 1988‬إ سلمية‬
‫الهوية والمظهر والمضمون !!‬
‫فل عجب أن يستمر إعلن الجهاد وليس الرهاب كما يحلو للبعض تسميته فهو حق مشروع في كل الشرائع السماوية بل والوضعية لنه دفاع‬
‫عن العرض والرض والدين والهوية ولهذه السباب كان الجهاز السري للخوان للجهاد والتضحية وليس لقتل أبناء جلدته ووطنه كما شوهه‬
‫البعض عن عمد ‪.‬‬
‫* قصة الجهاز السري في جماعة الخوان ‪:‬‬
‫لم يبتدع الخوان الجهزة السرية فقد كانت منتشرة في مصر وفي العالم العربي السلمي وكانت ضرورة أملتها ظروف القهر والظلم والحرمان‬
‫من ممارسة الحرية واستسلم الحكومات للدول المستعمرة فل ضير على الخوان إذا سلكوا هذه المسلك لنهم يلتقون مع الجماهير في رغبتها‬
‫للتصهدي بالقوة لحلف السهتعمار مهن الحكومات علوة على نزعتههم الدينيهة والتهي وسهعت دائرة نشاطههم فامتدت أيديههم لتضرب العدو‬
‫الصهيوني في فلسطين والستعمار البريطاني في القتال وتضرب مصالحه ‪.‬‬
‫واتجه الجهاز السري للخوان المسلمين بكل قوته لضرب المؤسسات السرائيلية في مصر عامة والقاهرة بصفة خاصة ‪ ..‬وكان قد تمكن من‬
‫ح صرها وإعداد خ طة لتدمير ها وقام ب سلسلة من الهجمات على المحلت ال كبرى وكان الش عب الم صري يبارك ها ويبارك فاعليت ها وكا نت ال مة‬
‫العربية والسلمية تبدى إعجابها بهذا السلوب الفريد من نوعه ‪ ..‬ولعل إعجابها بعكس ما كان يذاع عن المذابح التي كان يتولها اليهود في‬
‫فلسطين وكانت في الواقع غاية في البشاعة ‪.‬‬
‫لهذا فإن الضربات التي وجهها الجهاز للمصالح اليهودية في مصر كان المصريون والعرب والمسلمون يباركونها ‪ ..‬وعلى العكس من هؤلء‬
‫كان موقف الحكومة المصرية ملكا وحكومة وأجهزة وكان أخطر هذه الضربات وكالة أنباء كانت مملوكة لليهود ‪.‬‬

‫* الطريق إلى فلسطين ‪:‬‬


‫ثم فتح أمام الجماعة باب كبير لتمارس فيه رغبتها الجامحة في قتال أعداء ال وتقديم تضحية فقد أغارت العصابات الصهيونية على فلسطين‬
‫تعمل القتل والسلب في شعبها والتخريب في كل مدنها ‪ ..‬وتهدد المسجد القصى أولى القبلتين ‪ ..‬وكانت أخبار المذابح البشعة التي ترتكبها‬
‫عصابات شتيرن وزفاى تشعل نار الثورة في صدور الجميع بسبب بقر بطون الحوامل وهتك أعراض الفتيات العربيات وتمزيق أطراف الشباب‬
‫وإحراق البيوت على أهلها ‪..‬‬
‫كل هذه الحداث كا نت ت ستحث المواطن ين جمي عا فضل عن الم سلمين لمجاب هة هذا العدو البا غي و هي تع طى ال مبرر الشر عي للقتال وتطمئن‬
‫الجماعة إلى أنها قد رشحت لهذه المعركة أسوة بالصحابة الذين كان لهم السبق في تحرير الجزيرة العربية من العصابات اليهودية هذا الوازع‬
‫الديني كان يسانده وازع عربي ويشد من أزره وطني فلسطين بلد عربي وتشترك مع مصر في حدود بعرض سيناء فالدفاع عن أرضها وشعبها‬
‫واجب علينا كمسلمين وعرب ومصريين وقد تعاطفت كل الشعوب السلمية والعربية مع الجماعة عندما أعلنت أنها ستخرج للدفاع عن الرض‬
‫المقدسة في فلسطين وزاد من حماس أفراد الجماعة تعاطف الستعمار النجليزي مع الصهيونية وكذلك تعاطف الشيوعية الدولية معها ‪ ..‬وهما‬
‫عدوان لدودان للسلم والمسلمين والعرب والمصريين ‪.‬‬
‫أوليس النجليز هم الذين اصدروا وعد بلفور الذي وعد اليهود بمنحهم وطنا قوميا في فلسطين ؟ ‪ ..‬ثم إن إنجلترا بادت بالتصويت في هيئة‬
‫المم لقامة دولة فلسطينية ‪ ..‬أما روسيا وهي الدولة الحاضنة للشيوعية كانت من الدول السابقة في العتراف بالدولة الصهيونية في فلسطين‬
‫وقد تعهدت بفتح باب هجرة اليهود إليها ‪.‬‬
‫إذن ل قد تجم عت كل العنا صر ال تي تد عو الجما عة للجهاد في فل سطين العقيدة والعرو بة والوطن ية وتعا طف العالم مع نا جمي عا با ستثناء الدول‬
‫الستعمارية وكانت الجماعة على ثقة كاملة بالنصر لن جميع مقوماته كانت ماثلة أمامها الوعود القرآنية الواردة في سورة السراء وحديث‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الشهير (( ل تقوم الساعة حتى تقاتل أمتي اليهود وحتى يقول الحجر هذا يهودي خلفي فاقتله يا مسلم ))‪.‬‬
‫وكأن أفراد الجماعة يحسبون أنفسهم المعنيين بهذا الموقف مم دعاهم للكثار من العبادة والجتهاد في العمل الصالح والعداد للقاء هذا العدو‬
‫‪ ..‬وكان الجميع يمنون أنفسهم بالشهادة ويمتثلونها أمامهم ويحملون بها ‪ ..‬وأكتفي بسرد بعض ما قاله أحد المشاركين فيها ‪.‬‬

‫* يقول الستاذ دوح ‪:‬‬


‫كان من ح ظي مراف قة ال ستاذ ح سن الب نا ومجمو عة م صطفاة من أ صحابه في رحلت نا عبر سيناء ‪ ،‬لنل حق بأول كتي بة إخوان ية سبقتنا ق بل‬
‫أسابيع ‪ ،‬وكانت بقيادة الشهيدين الشيخ محمد فرغلى ‪ ،‬والخ يوسف طلعت ‪.‬‬
‫وصلنا إلى معسكر النصيرات القائم بين خان يونس وغزة ‪ ،‬واحتفي رجال المعسكر بالقائد الكبير حسن البنا ‪ ،‬وأمضى الرجل بيننا أياما يفيض‬
‫علينا بأحاديثه وتوجيهاته ويشحذ من هممنا ‪ ،‬وأحسبه راجع مع قادتنا خطة العمل ‪ ،‬وكانت سياسته تتسم بالتعقل و البعد عن المغامرة ‪ ،‬و‬
‫الحرص ما أمكن على أرواح شباب الدعوة لنه كان يلمس فيهم الرغبة الجامحة في التضحية و الستشهاد ‪.‬‬
‫لبث نا في هذا المع سكر فترة رائ عة ل أن ساها ‪ ،‬ف قد شكل نا مدي نة إ سلمية نموذج ية ‪ ...‬طبق نا في ها توجيهات ح سن الب نا ‪ ،‬و هي ل تخرج عن‬
‫اللتزام بالمنهج و السلوك السلمي ‪....‬‬
‫من ذلك أن حسن البنا كان يولى الخوة في ال كل اهتمامه ‪ ،‬وكان يبدأ بها كل محاضراته وخطبه ‪ ...‬وكان يضرب لنا المثال في الماضي ‪ ،‬ثم‬
‫ينقل إلينا أمثلة من الخوة الجديدة التي شاعت في صفوف الخوان ‪ ...‬ولعله في اختياره لسم الجماعة كان صادقا كل الصدق في نفسه ومع‬
‫جماعته ‪ ...‬فحرصنا على ت طبيق الخوة فيما بين نا ‪ ...‬فألغينا كل الفروق الطبقية في معاشنا وملبسنا وسكننا وهي فروق تشكلت في مجتمع‬
‫كان ينصهب الثرياء و المثقفيهن وأرباب الشهادات سهادة وقادة لغيرههم ‪ ،‬فقمنها بانتزاع هذه الطبقيهة مهن صهفوفنا ‪ ،‬وزرعنها مكانهها القاعدة‬
‫السلمية ‪ ":‬إن أكرمكم عند ال أتقاكم “ ‪ ...‬فمثلً ارتضينا الشهيد يوسف طلعت قائدا لنا ‪ ،‬وكان يعمل نجارا ‪ ...‬واشهد للر جل أنه كان أهلً‬
‫لهذه المكانة فقد كان يستمتع بكل صفات القائد ‪ ،‬وقد أحببناه من كل قلوبنا وسمعنا وأطعنا لتوجيهاته وأوامره ‪.‬‬
‫ولست هنا بسبيل وصف المعركة ‪ ،‬ولكنني أستطيع أن أقول عنها إننا أعددنا لها ما استطعنا من قوة ودبرنا لها هجوما بليل ‪ ،‬وكان من نصيبي‬
‫القيام بن سف البرج ال كبير م ستعينا بعبوة نا سفة ‪ ،‬وكان يشارك ني في هذه المه مة الخطيرة الخ سيد ع يد ‪ ...‬وانت هت المعركة با ستشهاد ستة‬
‫عشر شابا من شبابنا ‪ ،‬ولم نتمكن من اقتحام المستعمرة فقد كانت محصنة بصورة محكمة ومعززة بأسلحة حديثة ‪ ،‬ويعمل بها شباب وفتيات‬
‫أحسن تدريبهم ‪.‬‬
‫وصور التضحيات بالنفس في فلسطين كتب عنها الحباب والعداء على حد سواء ‪ ،‬ولسنا بصدد سردها ولكننا نشير هنا إلى ما قام به الخوان‬
‫من تضحيات شهد لهم بها القريب و البعيد ‪ ،‬وما كان تكوين الجهاز السري إل لهذه المهام الجسام ‪ ،‬وما حدث منه في فلسطين حدث مثله في‬
‫القنال ‪.‬‬
‫ففي معركة ال تل الكبير أعددنا العدة وأخذنا بالسباب واكتفينا بثلثين شابا ليكونوا في الطليعة اخترناهم من أحسن الشباب إيمانا وأفضلهم‬
‫تدريبا وأكثرهم حرصا على القتال ‪.‬‬
‫ولقد عانينا كثيرا ونحن نختار هذا الشباب فقد كان التنافس بينهم شديدا و الحرص على الشهادة كان رائدهم وحافزهم ‪.‬‬
‫وتحت جنح الظلم وفي سرية تامة ‪ ،‬تحركت سيارة كبيرة تحمل الطليعة الولى تبعتها سيارات تحمل المعدات ومستلزمات الحياة العسكرية لم‬
‫تتجه السيارة إلى ميدان المعركة مباشرة فقد كان لبد من دورة تدريبية في أماكن مماثلة للميدان ‪ ،‬حيث مكثوا أسبوعين في قرية تابعة لبى‬
‫حماد ‪ ،‬ثم في سرية تامة انتقلوا إلى قرية التل الكبير ‪ ،‬وهو المكان الذي هزم فيه عرابي ‪ ،‬فقلنا لننتصر للرجل وجيشه ‪ ....‬وكان أول عمل‬
‫قمت به هو استكشاف الموقع بنفسي وتم توزيع القوات في مواقعها واطمأننت على كل شئ ‪ ،‬وبت ليلة معهم في الموقع ‪ ،‬وبعد أن رتبت المر‬
‫مع عمر شاهين و القيادات التي تعمل معي ‪ ،‬استأذنتهم في العودة ‪ ،‬وما إن وصلت إلى " القرين " إحدى مدن الشرقية ‪ ،‬حتى وصلتني رسالة‬
‫عاجلة من التل الكبير تطالبني بالعودة ‪ ،‬ثم استمعنا إلى بيانات من الذاعة عن وقوع معركة في التل الكبير ‪.‬‬
‫استشهد فيها رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه ‪ ،‬وحققوا نصرا ظهرت في آيات الرحمن بعد أن ابلوا بل ًء حسنا ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬
‫ثم يستكمل الراوي قائ ً‬
‫وعلى الفور قررت التصال بكل الجهات الحكومية لستعين بها للوصول إلى التل الكبير بعد أن علمت أن الطريق الرئيسي قد أغلقه النجليز ‪،‬‬
‫فاستجاب المسئول عن الشرقية وأرسل معي قوة من الشرطة ليساعدوني في إنقاذ الطلبة المحاصرين ‪ ،‬ولكن الرجل تراجع في منتصف الطريق‬
‫فتركته ‪ ،‬وواصلت سيرى تحت جنح الظلم ‪ ،‬وكان معي مجموعة من المقاتلين الذين كانوا معسكرين في أبى حماد ‪.‬‬
‫وصلنا إلى القرية ‪ ،‬وبعد جهد كبير ومساعدة الهالي وصلنا إلى حيث كان الشباب يتجمعون في بيوت أهل القرية ‪.‬‬
‫ل وهم في معركة مع العدو ‪ ،‬ثم إنهم كانوا غير قادرين على المواجهة ثانية قبل‬
‫كانوا في حالة إعياء شديد ‪ ،‬وحزن كبر لنهم أمضوا يوما كام ً‬
‫أن يلتقطوا أنفاسهم ‪ ،‬وتم سحبهم تحت جنح الظلم إلى “ أبو حماد “ حيث تجمعات أخرى كانت أكثر مأمنا ‪.‬‬
‫ومن " أبو حماد " حاولت التصال برئيس الوزراء ووزير الداخلية فلم أفلح ‪ ،‬وتمكنت بعد جهود من التصال بمدير الجامعة ‪ ،‬فأخبرته بكل ما‬
‫حدث وطل بت م نه ا ستصراخ الم سئولين لنقاذ الشباب ال ستة ‪ ،‬و فك الح صار عن القر ية ‪ ،‬وقام الر جل بمهم ته خ ير قيام ‪ ...‬و في اليوم التالي‬
‫جاء ني مو فد من الحكو مة ي خبرني بمواف قة النجل يز على ت سليم جث تي الشهيد ين ‪ ،‬ك ما أ خبرني بوجود خم سة من ال سرى لدى المع سكرات‬
‫البريطانية ‪ ...‬هذا الخبر خفف عنى بعض الشيء لن استشهاد اثنين في معركة كبيرة في مواجهة جيش بأكمله وقتل ضابط كبير وعدد من‬
‫الجنود ‪ ،‬وإحداث فزع كبير بين العداء ‪ ،‬كل هذا في مقابل شهيدين لشك أن المعادلة مقبولة ‪.‬‬
‫واسمع إلى ما رواه لي أحد الناجين في المعركة يقول ‪:‬‬
‫و صل إلى علم نا أن النجل يز سيغيرون على القر ية لتخريب ها ‪ ،‬وعلى الفور انتشرت قوات نا لحما ية مد خل القر ية ‪ ،‬وك نا في الليلة ال سابقة قد‬
‫فجرنا عبوات ناسفة تحت قضبان السكة الحديدية ‪ ،‬ووضعنا بالقرب منها عبوات أخرى ‪ ...‬لم يحدث شئ في هذه الليلة ولكن في صبيحة اليوم‬
‫التالي وصلتنا أنباء عن تحرك القطار الحربي من بلدة العبادلة في طريقه إلى المعسكر الذي نتربص به ‪ ...‬وبسرعة حملنا أسلحتنا من قنابل‬
‫ومدافع رشاشة ‪ ،‬ورابطنا في مواقعنا ‪...‬دوى انفجار كبير فطرنا فرحا فقد وقع الصيد في الفخ ‪ ...‬وشاهدنا الجنود النجليز وهم يخرجون من‬
‫المع سكرات لمعر فة حقي قة النفجار ‪ ،‬و من قب يل حب الستطلع ذهب ب عض الجنود الم صريين لمشاهدة الحادث ‪ ،‬إل أن ع مر أمر نا بأن نتريث‬
‫ل في جنود‬
‫حتى ل نقتل العساكر المصريين وتفتق ذهنه عن حيلة طيبة ‪ ...‬فألقى قنبلة صوتية تفرق على أثرها العساكر المصريين فأعملنا قت ً‬
‫العدو ‪ ...‬وزاد من فرحتنا وصول زميلنا محمد فريد و الذي تولى مهمة تفجير اللغم ‪ ،‬وأخبرنا أن أشلء النجليز تطايرت في الهواء وتناثرت‬
‫في كل مكان ‪ ...‬جاءت ثل ثة دبابات فاستقبلناها بالقنا بل و الرشاشات ففرت هار بة وهي تطلق الر صاص في الهواء ثم جاءت ثل ثة مصفحات‬
‫فاستقبلناها بوابل من نيراننا ‪.‬‬
‫جن جنون العدو ‪ ،‬و ظن أن ها كتي بة كبيرة ‪ ،‬وج يش عرمرم ‪ ،‬فأر سلوا نيران هم في كل مكان دون تفك ير ‪ ،‬وأطلقوا قنا بل الهاون على المزارع‬
‫فاشتعلت نارا ‪.‬‬
‫سمعنا صوت الشهيد عمر شاهين وهو يأمرنا بالنسحاب ‪ ،‬ثم خفت صوته فقد أصيب برصاصة قاتلة ‪ ،‬واستشهد أحمد المنيسى وكذلك استشهد‬
‫ستة من شباب القرية ‪ ،‬وجدنا أنفسنا محاصرين ن كل جانب وتم أسر ستة من إخواننا الطلبة ‪.‬‬
‫وبعد أن وقع الشباب في السر لقوا ألوانا من العذاب على أيدي دعاة الحرية ودعاة المساواة ‪ ...‬لبد من ذكر بعضها حتى تتشكف لنا حقيقة‬
‫هؤلء القوم لنأخذ حذرنا منهم ‪.‬‬
‫ولترك أحد الذين وقعوا في السر يحكى لنا ما وقع لهم وهو أحمد شعبان قال ‪:‬‬
‫جمعونا وأوقفونا في طابور ‪ ،‬ووقفت في مواجهتنا مجموعة من عساكرهم ‪ ،‬وصوبوا في وجوهنا مدافع رشاشة استعدادً لقتلنا جميعا فلم نملك‬
‫إل الشهادة فتلونا ها باطمئنان كا مل وفجأة حضهر ضا بط كهبير وأمر هم بالتو قف ‪ ...‬ثم ا صدر إلي هم أوامهر أخرى ‪ ...‬فأمرونها بالتالي لنجرى‬
‫بخطوة سريعة تجاه المعسكر ‪ ،‬ومن خلفنا كانت تطاردنا سيارات جيب ل نتوقف عن الجري ‪ ...‬ومن حولنا احتشد اللف من جنودهم وهم على‬
‫أهبة الستعداد ‪ ،‬وعلمنا فيما بعد أن عددهم كان خمسة آلف جندي كما نشرت صحيفتهم التي تصدر في القناة بعنوان " أخبار القنال " خمسة‬
‫آلف في مواجهة خمسة وإمبراطورية في مواجهة قرية ‪ ...‬يا لها من معادلة عجيبة ! ‪.‬‬
‫ويواصل السير حديثه ‪:‬‬
‫أمر نا بالتو قف عن الجري ‪ ،‬وفت حت أمام نا أقفاص حديد ية كبيرة وت حت التهد يد بالق تل أمرو نا بالدخول في هذه القفاص ‪ ،‬كا نت هذه القفاص‬
‫خاصة بكلبهم ‪ ...‬ثم أخرجونا منها على عجل ‪ ،‬ودفعوا بنا إلى غرفة التحقيق ‪.‬‬
‫بدأت مهزلة التحق يق بدا ية عجي بة ‪ ،‬ف قد تقدم م نى أ حد المحقق ين وأط فأ سيجارة مشتعلة في يدي و هو يهذي بح قد " م سلم " ‪ ...‬لم تؤلم ني‬
‫السيجارة بقدر ما آلمتني العبارة الحاقدة و التعصب المقيت ‪.‬‬
‫كنا ظمآنين فطلبنا ماء ‪ ،‬جاءنا الجندي بكوب ماء ‪ ،‬وكان يقف بجانبه كلبه فقدم الكوب للكلب وبعد أن لعق منه قدمه لنا فرفضناه ‪...‬‬
‫نقلونا مخفورين إلى معسكرهم الكبير بالسماعيلية حيث الحراسة أشد وهو المعسكر الذي يقيم فيه قائد عام جيوشهم الجنرال " أرسكين " ‪...‬‬
‫طوال الطريق لم يتوقف الضرب و الركل و السباب و التهديد بالقتل ! ‪.‬‬
‫ذات يوم جاءنا ضابط كبير من قبل القيادة العا مة وقال ل نا إن الجنرال " أرسكين " سمح ل نا بكتابة رسالة لذوي نا ليطمئنوا علينا ‪ ،‬واشترط أن‬
‫نكتب فيها أننا نعامل معاملة طيبة ‪ ،‬واستجبنا للمر ولكنا كتبنا رسالة لمدير الجامعة يفهم منها ما نلقيه من عذاب ‪.‬‬
‫واستقبلنا مقابلة البطال ‪ ،‬وكانت الفرحة تغمرنا إل أن استشهاد الخ عمر شاهين وأحمد المنيسى كتم أفراحنا ‪ ،‬وأضفي عليها حزن وأسى ‪،‬‬
‫وهذا مثال واحد ‪ ،‬ولكن الملحمة كبيرة وطابور شهدائنا طويل ل نستطيع حصر أسمائهم ‪ ،‬إذ من يوم ما بدأت هذه الملحمة الجهادية و الشهداء‬
‫يتسهاقطون إلى يومنها هذا ‪ ،‬لن ثمهن الحريهة فضلً عهن المقدسهات غال وثميهن ل تسهترد إل بدماء الشهداء الذيهن ضحوا بأنفسههم وأموالههم‬
‫لينصروا دينهم { ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوى عزيز } الحج ‪. .4‬‬
‫وقصة تضحيات الرجال في فلسطين والقنال مشرفة ففي القنال كانت هناك سلسة المعارك الحربية على طول الجبهة الممتدة من بور سعيد إلى‬
‫السويس أي بطول ‪ .16‬كيلوا مترا إل أنها كانت متمركزة في السماعيلية والسويس وبور سعيد والقنطرة وكان أبطال هذه المعارك من شباب‬
‫الخوان الم سلمين الذ ين تدربوا في الجهاز الخاص أو في حرب فل سطين ومن هم ع بد الرح من القبان الذي ا ستطاع بمفرده ن سف قطار حر بي‬
‫بأكمله فضل عن نسف معسكر أبو سلطان وكانت بإشراف الشهيدين الشيخ محمد فرغلى ويوسف طلعت وكانت مهمتهم نسف مخازن الذخيرة‬
‫بهذا المعسكر ‪.‬‬
‫وهذه البطولت والتضحيات في فل سطين أو القنال هي ال تي جعلت من ال سد البريطا ني أرن با وحملت ( تشر شل ) ب عد معر كة ال تل ال كبير أن‬
‫ل ‪ :‬لقد نزل إلى الميدان عنصرا جديدا ‪ ،‬بينما يقول الدكتور محمد صلح الدين الرجل الذي أعلن إلغاء المعاهدة مع بريطانيا ‪ :‬إنك ل‬
‫يصرح قائ ً‬
‫يمكن أن تتصور مدى المكسب الذي أحرزناه في أوروبا وأمريكا بعد معارك القنال و التل الكبير بالذات ‪.‬‬
‫و الغريب في المر أن هؤلء البطال الذين ضحوا بكل عزيز من أجل دينهم ووطنهم ومقدساتهم سيقوا إلى السجون و المعتقلت وعذبوا عذابا‬
‫شديدا فمنهم من قضى نحبه بسبب هذا التعذيب ‪ ،‬ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلً ‪.‬‬
‫ولقد رأى الحكام قبل الثورة وبعدها رؤوسا قد أينعت وعجز عن قطفها العداء ‪ ،‬ولكن للسف ‪ ،‬ما لم يستطع النجليز والمريكان و اليهود أن‬
‫يقطفوه من هذه الرؤوس قطفها رجال ( الثورة المباركة ) وأكتفي أيضا برواية بعض شهود العيان يقول ‪:‬‬
‫‪ -‬مع الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ‪:‬‬
‫لقد قضيت ليلة هي من أقسى الليالي التي قضيتها في السجن الحربي ‪ ،‬وفي غير السجن الحربي ‪ ،‬لقد بت الليلة الخيرة مع ستة من أعز‬
‫وأحهب الناس إلى قلبهي بهت مهع الشهداء السهتة عبهد القادر عودة ‪ ،‬القاضهي و المحامهى و العالم صهاحب أعظهم كتاب عهن التشريهع الجنائي‬
‫السلمي و الشيخ محمد فرغلى العالم و الواعظ وقائدي في حملة فلسطين ‪ ،‬ويوسف طلعت قائدي الثاني في حرب فلسطين ‪ ،‬وإبراهيم الطيب ‪،‬‬
‫وهنداوى دوير وكانا من خيرة المحامين ‪ ،‬و العاملين في حقل الدعوة ‪ ،‬ومحمود عبد اللطيف الذي أسهم في حرب فلسطين ‪ ...‬هؤلء الرجال‬
‫ال ستة أ صدرت محك مة الش عب حكم ها بإعدام هم شنقا ‪ ...‬و جئ ب هم إلى ال سجن الحر بي ليلة إعدام هم وأفردت ل كل وا حد من هم غر فة خا صة ‪،‬‬
‫وكانت غرفتي في مواجهتهم ‪ ،‬وقد أضيئت غرفهم طوال الليل ‪ ،‬وكان الحراس يراقبونهم من ثقب صغير في باب الزنزانة ‪ ،‬وقد نزعوا من‬
‫غرفهم كل شئ مخافة أن يقدموا على النتحار !‪.‬‬
‫ل قد قض يت هذه الليلة متقلبا ب ين مشا عر الحزن و الغ ضب و الحيرة و الت صديق و التكذ يب فلم ي كن يخ طر ببالي أن الرؤوس ال تي صورت في‬
‫جريدة الجمهورية منذ شهور كان المقصود قطعها ولكن الظروف وقتها لم تسمح فلما حانت الفرصة لم يترددوا في التحايل على قطعها ثم من‬
‫هم الذ ين سيقتلون ع بد القادر عودة الذي أن قذ رجال الثورة وأول هم جمال من غ ضب الش عب الذي كان يهتهف في الطرقات مطالبا بتنحيتههم‬
‫فتصهدى عبهد القادر عودة لهذه المظاهرات وصهرفها بحكمتهه ‪ ....‬ثهم الشيهخ فرغلى العالم الوقور و الذي ل يخطهر على البال أنهه يشترك فهي‬
‫مؤامرة لق تل ع بد النا صر ‪ ...‬والخرون والذ ين ل نعرف ل هم دورا في هذه المؤامرة ثم قلت لنفسي وح تى لو ث بت اشتراك هم في مؤامرة لق تل‬
‫عبد الناصر فعقوبتها القانونية و الشرعية ل تعدو الحكم بالسجن ‪ ...‬فلم تقع المجزرة الرهيبة ؟ ‪ ...‬ثم عدت أسأل نفسي وهل أنا في مأمن من‬
‫هذا المصير ؟ ‪ ...‬وقد كان رأسي من بين الرؤوس المصورة في صور جريدة الجمهورية وكل هذا الحشد من الفكار و التخيلت تزاحم على‬
‫رأسي وأنا أنظر من ثقب الباب إلى البواب المضاءة في مواجهتي ‪ ...‬ثم أشرف ب صيص من المل في نفسي ‪ ،‬فقد تخيلت عبد الناصر وقد‬
‫أخذ ته الشف قة على زملئه وإخوا نه في الجهاد ‪ ،‬فأعلن ال صفح عنههم وتخف يف الح كم ‪ ،‬ول كن كهل هذا تبدد ق بل مطلع الفجهر ‪ ،‬ف قد تزاح مت‬
‫السيارات حول باب " الشفخانة " وسمعت صوت حمزة المنكر وهو ينادى بأعلى صوته على الرجال الستة ‪ ...‬وتدافع نحوهم الجنود ‪ ،‬وابتلعتهم‬
‫السيارات السوداء ‪ ...‬إلى حيث نفذ فيهم حكم العدام رحمهم ال رحمة واسعة ‪..‬‬
‫هذه الليلة السوداء لن أنساها ما حييت ‪ ،‬وهؤلء الرجال لن يغيبوا عن خاطري ما عشت ‪ ،‬بل هما ليلتان سوداوان ليلة مذبحة طرة وليلة إعدام‬
‫سيد قطب ورفاقه ‪ ،‬و الحديث يطول وليس هنا مجاله وأكتفي أن أقدم لك شهيدا منهم قد ل يعرفه كثير من المعاصرين ‪.‬‬

‫‪ -‬يوسف طلعت رحمه ال ‪:‬‬


‫إنه من رجال السماعيلية ‪ ،‬اشتغل بالتجارة في بداية المر ‪ ،‬واعتقل مع الخوان المسلمين أول مرة عام ‪ 1936‬وشارك رحمه ال في معارك‬
‫الجهاد في فل سطين ‪ ،‬وج مع ال سلح لمحار بة النجل يز ‪ ،‬وكان في كل م سجد يؤدى ف يه ال صلة ينادى على الجماه ير فتجت مع إل يه فيشرح ل هم‬
‫الجهاد ‪ ،‬ويحثهم على سرعة حمل السلح و التضحية بالنفس في سبيل ال ‪.‬‬
‫لم يهدأ لرجال المخابرات البريطان ية بال ‪ ،‬ح يث تتب عت المجا هد تج مع ع نه المعلومات ‪ ،‬وتض يق عل يه الطرقات ير صدون حركا ته ‪ ،‬ويحاولون‬
‫اغتياله ‪ ،‬ولكنه كثيرا ما نجح في خداعهم ‪ ،‬وكان النصر حليفه ‪ ،‬ورصدوا لمن يقتله أو أحد إخوانه من المال الكثير ‪.‬‬
‫وبعد حادث المنشية اعتقل يوسف طلعت رحمه ال مع من اعتقل وذاق ألوان العذاب وفنون اليذاء ‪ ،‬فأصيب بكسر في عموده الفقري وكسر‬
‫ذراعه وشوه جسمه ‪ ،‬وضوعف عليه العذاب حتى كسرت جمجمته ‪.‬‬
‫وقدم البطل للمحاكمة وحكم عليه ‪ -‬ظلما وعدوانا ‪ -‬بالعدام وقبل تنفيذ الحكم بلحظات قال البطل وهو مستبشر ‪ ":‬اليوم أقابل ربى وهو عنى‬
‫راض ‪ ،‬اللهم اهد قومي فإنهم ل يعلمون ‪ ...‬اللهم سامحني وسامح من ظلمني " فرحم ال شهداء الخوان وغفر لنا ولهم ‪.‬‬
‫لقد كان شعورهم وهم يلقون ربا كريما هو بالضبط كما حدث وعبر عن ذلك مرشدهم فضيلة الستاذ المستشار حسن الهضيبى حين سؤل بعد‬
‫الحكم عليه بالعدام ‪ :‬ما شعورك عندما حكم عليك بالعدام ؟ فأجاب كأني أنتقل من غرفة الجلوس إلى غرفة النوم ‪.‬‬
‫أما الشهيد سيد قطب ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬فقد هدد بهتك عرض أخته أمامه ‪ ،‬فلم يفت في عضده ‪ ،‬وعرضت عليه الوزارة فرفضها ‪ ،‬وهو القائل ‪":‬‬
‫إن دماء الشهداء أبلغ في نفوس أتباعه من ألف خطبة يخطبها "‬
‫وقال ‪ ":‬إن إ صبع ال سبابة ال تي ت سبح ل في ال صلة تأ بى أن تك تب كل مة تأي يد لظالم " ون ستمر مع موكب الرجال أ صحاب التضحيات الغال ية ‪،‬‬
‫ونسمع إلى الستاذ عمر التلمسانى يقول ‪ ":‬لقد أحيا الشهيد روح الجهاد في نفوس أبناء هذا الجيل ‪.‬‬
‫وتأثر المام ن وتأثر الشباب وتأثر آباؤهم وكانت مواقف رائعة ‪:‬‬
‫‪ -‬مع والد أحد الشهداء ‪:‬‬
‫استشهد أحد أبناء الخوان في فلسطين ‪ ،‬فذهب المام إلى والد الشهيد ليعزيه فسمع الناس ورأوا درسا باهرا ‪.‬‬
‫قال الوالد للمام ‪ :‬إن كنت جئت معزيا فارجع أنت ومن معك‬
‫وأما إن كنت جئت مهنئا فمرحبا بك وبمن معك ‪.‬‬
‫لقد علمنا الجهاد وبين لنا ما فيه من عزة ورفعة ‪ ،‬كما علمنا أنه بالتضحيات تسود المبادئ وتعز الوطان ‪.‬‬
‫‪ -‬إنهم رجال ‪:‬‬
‫لقد كان زبانية السجن الحربي يأخذون الخوان يوميا ويصفونهم صفوفا ويجبرونهم على أن يغنوا أغنية أم كلثوم ‪:‬‬
‫أجمل أعيادنا الوطنية‬ ‫يا جمال يا مثال الوطنية‬
‫ردوا عليا ‪.....‬‬ ‫بنجاتك يوم المنشية‬
‫وكان المحكوم عليهم بالعدام عام ‪ 1954‬يقومون بدور ( المايسترو )‬
‫وكان منهم الستاذ الهضيبى ‪.‬‬
‫وفي ذات مرة مرّ جلد السجن الحربي حمزة البسيونى وكلبه الثلثة الشرسة وفي يده ( كرباج ) يلهب به ظهر الخوان ‪.‬‬
‫حتى وصل إلى الستاذ الهضيبى ووقف أمامه وقال ك‬
‫عجبك هذا يا هضيبى ؟ مبسوط من صوت الخوان يا هضيبى ؟ النغمة منتظمة يا هضيبى ؟!‬
‫فنظر إليه الستاذ المرشد بجنب عينه وقال له ‪:‬‬
‫اسمع ‪ ....‬اذهب إلى عبد الناصر بتاعك وقل له ‪:‬‬
‫إن كل هؤلء الخوان أرواحهم في يد من خلقهم وليست في يده ‪ ...‬وأنهم برءاء من دمه براءة الذئب من دم ابن يعقوب ‪!...‬‬
‫امشي‬
‫فانسحب حمزة وكلبه الثلثة دون أن ينبس بكلمة ‪ ،‬وعاد الستاذ إلى العمل ( المايسترو ) كأن لم يكن شئ‪.‬‬
‫ل يس ال مر واقفا على من ضحوا بأرواح هم في م صر بل هناك أبطال في كل بق عة من بقاع الدن يا أعلن في ها الجهاد ‪ ،‬في سوريا ولبنان و‬
‫السودان و الصومال ‪ ،‬في البوسنة وكوسوفا وفي الشيشان ‪ ،‬يقول أحد أبطال الشيشان ‪:‬‬
‫إن الشيشا نى يولد وعل مة الموت على جبه ته فهو يعرف أ نه في يوم أو آ خر سوف يموت و سلحه ب ين يد يه ‪ ،‬هذا قدره وهو يعد نفسه م نذ‬
‫طفول ته لهذا اليوم المج يد الذي يج مع رو حه بأرواح إخوا نه ‪ ،‬إن الما كن ذات ها ال تي حارب في ها المام من صور وحمزة الخزا جى ل تزال هي‬
‫نفسها التي تجرى الحرب اليوم عليها ‪.‬‬
‫إن الشعب الشيشانى تاريخا كان معلما لبقية شعوب القوقاز الجهاد و التضحية واستمرار المقاومة ‪ ،‬لذا فإن نصره سوف يستمر ‪.‬‬
‫و اليوم نرى هذه الصورة المشرقة من رجال ضحوا بأرواحهم في سبيل العقيدة في كردستان وألبانيا وجميع جمهوريات السلمية التي ظهرت‬
‫بعد انهيار الشيوعية ‪ ،‬وغدا سنرى فجرا جديدا بفضل ال ثم بفضل دماء هؤلء الشهداء الذين بلوها رخيصة ‪ ،‬وستستمر هذه المسيرة بفضل‬
‫ال حتى ينصر ال دينه بمثل هؤلء الرجال ليروا النصر في الدنيا كما سيرونه في الخرة مصداقا لقول ربنا { إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا‬
‫في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد } غافر ‪ ، 51‬ولن يتحقق هذا كله إل بالمنهاج الفريد منهاج السلم في التربية على التضحية بالنفس ‪.‬‬

‫الباب السادس ‪ -‬منهج السلم في التربية على التضحية‬


‫‪ -‬فهم لبد أن يسبق التضحية بالنفس‬
‫‪ -‬ركيزتان لبد منهما‬
‫‪ -‬أنموذج المجاهد ل بطولته‬
‫‪ -‬صاحب الفكرة المضحى وسماته‬
‫‪ -‬أمور تدفع إلى التضحية‬
‫‪-‬معوقات التضحية‬
‫‪-‬خاتمة وكلمة أخيرة‬
‫‪ -‬أصحاب الهمة العالية واليجابية‬
‫منهج السلم في التربية على التضحية‬
‫* فهم لبد أن يسبق التضحية بالنفس ‪:‬‬
‫للقرآن منهج فريد في التربية بوجه عام والتربية الجهادية بوجه خاص سواء أكانت متمثلة في التضحية بالمال أو التضحية بالنفس ‪.‬‬
‫ول ما كا نت ر سالة ال سلم ترب ية ق بل أن تكون ر سالة تشر يع ونظام كا نت الترب ية سابقة ومراف قة وملز مة ل كل خطوا ته التنظيم ية والتعليم ية‬
‫والقتصادية والسياسية والجهادية ‪...‬الخ ‪.‬‬
‫وتناول هذه النوا حي دون اللتزام بالترب ية القرآن ية ل كل يف صلها ف صلً تاما عن أ صلها وت صير شكل من الشكال المتعددة ال تي ل صلة ل ها‬
‫بالسلم أو تصير قالبا بل قلب وجسدا بل روح فالذين يريدون أن يقيموا نظام السلم دون تربية الفراد تربية إيمانية وأخلقية أنا لهم إقامة‬
‫هذا النظام الذي اه تم بالمشا عر ق بل الشرائع وبالقلوب ق بل ال صفوف وترب ية رو حه وحيا ته لذلك فإن الذ ين يت صورون الجهاد ا ستخداما للقوة‬
‫ل للعداء فح سب واهم ين بل وجاهل ين بطبي عة هذا الد ين فلو أن ال مر كذلك لفرض القتال على الم سلمين في م كة ق بل‬
‫وإم ساكا بال سلح وقت ً‬
‫المدينة والعرب يومها أهل حرب وشجاعة وفتوة ‪.‬‬
‫ل كن هذه الفري ضة أ تت متأخرة لتع طى للجما عة الم سلمة الفر صة ل كي يتوبوا بالحداث ترب ية إيمان ية لت صفوا النفوس وتتعلق القلوب بخالق ها‬
‫ويكون الدين ل فل تكون الحرب لعصبية أو قبيلة أو شجاعة أو فروسية إنما هي ل رب العالمين ل شريك له ‪.‬‬
‫لذلك اه تم ال سلم ب صفات الجندي ول يس بنوع ال سلح فح سب وبك يف الجنود ل بعدد هم وباليدي المتوضئة والجباه ال ساجدة والعيون الدام عة‬
‫والج ساد الخاش عة ق بل أن يهتهم بالعدد والخ طط والعتاد وإحراز الن صر وتقد يم التضحيات وفهي الختام اه تم بإيجاد صهنف من الرجال يعملون‬
‫للخرة وإن عمروا الدنيا فهم يبتغون فضلً من ال ورضوان لذلك قال ربنا { فليقاتل في سبيل ال الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة } النساء‬
‫‪] 74‬‬
‫والمتأمل في القرآن الكريم والمتدبر في السنة المطهرة يلحظ هذا المنهج الفريد في صناعة الرجال ليصبحوا من هذا الصنف الذي قال ال فيهم‬
‫{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل } الحزاب ‪ ]23‬إنهم خريجوا بيوت‬
‫ال { في بيوت أذن ال أن تر فع ويذ كر في ها ا سمه ي سبح له في ها بالغدو وال صال رجال ل تلهي هم تجارة ول ب يع عن ذ كر ال وإقام ال صلة‬
‫وإيتاء الزكاة يخافون يو ما تتقلب ف يه القلوب والب صار } النور ‪ ] 37 ،36‬فإذا لم ت كن هذه هي البدا ية فلن ت صلح النها ية ف من صحت بداي ته‬
‫صحت نهايته ‪.‬‬
‫وأ ما أعيننا أمثلة جهادية لم تحظ بالتربية الكافية لكنها أمسكت السلح وكان لها أن تمسكه دفاعا عن عقيدتها ووطنها لكنهم بعد التضحيات‬
‫وإحراز النصهر أصهبحوا طلب دنيها أسهاءوا إلى المجاهديهن وشمتوا فينها الحاسهدين وأدخلوا السهرور على الكافريهن وأسهالوا دماء إخوانههم‬
‫الم سلمين بعد أن انت صروا على الكافر ين ول سنا ب صدد الحد يث عن هذه الحركات ال تي خذلت الم سلمين ب عد ما انت صرت على الملح ين وأع طت‬
‫الفرصة لعداء الدين أن يشهروا بالجهاد والمجاهدين وأشاعوا اليأس بين المسلمين ‪.‬‬
‫لكن الكيس من دان نفسه واكتسب من المواقف والدروس والعبر والتزم بمنهاج القرآن الكريم ومواقف المصطفي المين صلوات ال وسلمه‬
‫عل يه { و ما كان لمؤ من ول مؤم نة إذا ق ضى ال ور سوله أمرا أن يكون ل هم الخيرة من أمر هم } الحزاب ‪ ] 36‬و ما كا نت ال سيرة بت سلسلها‬
‫وأحداثها ومواقفها إل منهجا يلتزم به المسلمون اتباعا لطريق والتزاما لقواعد { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل‬
‫معه أولئك هم المفلحون } العراف ‪. ] 157‬‬

‫* ركيزتان لبد منهما ‪:‬‬


‫تقوم الجماعة المسلمة المناط بها إقامة الدين وتحكيم شرع ال على ركيزتين تؤدى بهما دورها الشاق العظيم فإذا انهارت واحدة منهما لم تكن‬
‫هناك جماعة مسلمة ولم يكن هناك دور لها تؤديه ول كان لها انتصار في معركة ول قيمة في حياة بل ل يحسب لها تضحياتها إل بهما ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬ركيزة اليمان والتقوى التقوى التي تبلغ أن توفي بحق ال الجليل التقوى الدائمة اليقظة التي ل تغفل ول تفتر لحظة من لحظات العمر‬
‫حتى يبلغ الكتاب أجله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون } آل عمران ‪. ] 1.2‬‬
‫فكلما اقترب العبد بتقواه من ال تيقظ شوقه إلى مقام أرفع مما بلغ وإلى مرتبة وراء ما ارتقى وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قبله فل ينام‬
‫ول يزال كذلك حتى يوفيه أجله والموت غيب ل يدرى النسان متى يدركه فمن أراد أل يموت إل مسلما فسبيله منذ اللحظة مسلما وأن يكون في‬
‫كل لحظة مسلما إنه الستسلم ل طاعة له واتباعا لنهجه واحتكاما إلى كتابه ‪.‬‬
‫هذه هي الركيزة الولى ال تي تقوم علي ها الجما عة الم سلمة لتحق يق وجود ها وتؤدى دور ها أي أ نه بدون هذه الركيزة ل تقوم ل ها قائ مة ول‬
‫تسمى مسلمة إذ ل يكون هناك منهج ل تتجمع عليه المة وهذا الذي بدأ به رسول ال صلى ال عليه وسلم منذ قرأ باسم ربه فقام الليل إل‬
‫قليل فته جد بالقرآن وذ كر ال كثيرا ور بى أ صحابه على هذه المعا ني فكانوا خ ير أ مة أخر جت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المن كر‬
‫ويؤمنون بال ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ركيزة الخوة في ال على مهج ال لتحقيق هذا المنهج أخوة تنبثق من التقوى والسلم من الركيزة الولى أساسها العتصام بحبل ال‬
‫أي عهده ونه جه ودي نه { واعت صموا بح بل ال جمي عا ول تفرقوا واذكروا نع مت ال علي كم إذ كن تم أعداء فألف ب ين قلوب كم فأ صبحتم بنعم ته‬
‫إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك بين ال لكم آياته لعلكم تهتدون } آل عمران ‪1.3‬‬
‫إنها الخوة المعتصمة بحبل ال وهي نعمة يمتن ال بها عليهم ويهبها لمن يحبهم من عباده دائما فتتألف بها القلوب وتتوحد بها الصفوف‬
‫وتقوى بها الجيوش وتهون معها التضحيات وما كان إل السلم وحده الذي يجمع القلوب المتنافرة ول يمكن أن يجمع القلوب إل أخوة في ال‬
‫تصهغر إلى جانبهها الحقاد التاريخيهة والثارات القبليهة والطماع الشخصهية والرايات العنصهرية ويتجمهع الصهف تحهت لواء ال الكهبير المتعال‬
‫{ وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن ال ألف بينهم } النفال ‪.] 36‬‬
‫وهكذا ترجع هذه الجماعة إلى ميزان واحد تقوم به كل ما يعرض لها في الحياة وتتحاكم إلى شريعة واحدة من عند ال يقوم كيانها على الحب‬
‫والتكافل اللذين تختفي في ظللهما مشاعر الثرة وتتضاعف بها مشاعر اليثار فينضبط سلوكها في الحرب والسلم على حد سواء وعلى مثل‬
‫ذلك اليمان وبم ثل هذه الخوة يقوم من هج ال في الرض في كل زمان ين شر ال من والمان ويح قق الرخاء والطمئنان وي سود ال سلم مشارق‬
‫الرض ومغاربها حين يطبق هذا المناهج الذي يضحي من أجله بكل عزيز ‪.‬‬
‫ولذلك كان من مهام هذه الجماعة المسلمة صيانة الحياة من الشر والفساد وأن تكون لها القوة التي تمكنها من نشر المعروف فتأمر به ومن‬
‫منع المنكر فينتهي عنه لنها خير أمة أخرجت للناس فعملها العمل اليجابي لحفظ الحياة البشرية من المنكر ولقامتها على المعروف مع تحمل‬
‫هذه التكاليف من متاعب وبكل ما في طريقها من أشواك لتحقيق الصورة التي يحب ال أن تكون عليها الحياة ول يتحقق ذلك إل بصنف من‬
‫الرجال أعطوا للخرة ما يملكون فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ال ‪.‬‬

‫* أنموذج المجاهد ل بطولته ‪:‬‬


‫الذي يتأمل في الرجال الذين كانوا حول رسول ال صلى ال عليه وسلم كما ذكرنا بعضهم يجدهم نماذج فريدة في كل شئ وفي كل موقع كانوا‬
‫فيه وفي كل موقف وقفوه بين يدي ال رجال أفذاذ أبطال مغاوير ونسأل من الذي صنعهم هذه الصنعة ورباهم هذه التربية فل نجد إجابة غل‬
‫كلمات قلئل تقول ‪ :‬إ نه ال سلم هو الذي حدد طريق هم و سلوكهم في الحياة و صاغها هذه ال صياغة الربان ية ح تى ا صبحوا أبطالً أفذاذا الوا حد‬
‫منهم أمة وحده وصدق عمر بن الخطاب حين قال ‪ :‬وما عمر لول السلم ؟‬
‫ومجتمعهم يعرف هذه الحقيقة مع بساطتها حتى أن الواحد منهم يقول ‪ :‬كنا أذلة فأعزنا ال بالسلم فمن ابتغى العزة في غير السلم أذلة ال‬
‫لذلك حين قيل لخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز ‪ :‬جزاك ال خيرا عن السلم قال ‪ :‬بل جزى ال السلم عنى خيرا ‪.‬‬
‫فالسلم بعقيدته قوة هائلة قادرة على العطاء بغير حدود وما زال وسيزال قادرا على مد الحياة بأمثال هؤلء الرجال الذين كانوا قليل من الليل‬
‫ما يهجعون وبالسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم رهبان الليل فرسان النهار ‪.‬‬
‫لذلك فإن مهن ينظهر إلى هذه النماذج ال سلمية الفذة التهي ضربهت أروع المثهل في التضحيات على أنهها بطولت ذاتيهة أو أنهها عبقريات نادرة‬
‫حققت في الحياة ما حققت لشخصيتها المستقلة واهم ومخطئ في التقدير والتحليل لنهم إذا انفصلوا عن هذا المعين ذبلوا وإذا سقطوا من هذه‬
‫الشجرة جفوا وماتوا فالسلم هو الذي صنع تلك المثل وهو الذي ربى هؤلء الرجال وهو الذي صاغ ذلك الحشد الهائل من البطولت على مدار‬
‫التاريخ السلمي ‪.‬‬
‫إن منهج الفصل بين السلم وبين تلك المثل الرفيعة فضل عما فيه من البعد عن الحق أو تضليل الخلق ظلم للسلم وإبعاد عن منهجه لننا إن‬
‫فعلنا ذلك أبعدنا تلك المثل عن الناس والقتداء ويجعل منها فلتات بعيدة المنال تأتى مصادفة كأنها من فلتات الحياة ليس لها سبب واقعي ول‬
‫باعث مستطاع وال حق أن الفهم الصحيح والتباع السليم والتطبيق الواعي لمبادئ السلم يؤدى تلقائيا إلى هذه المواقف وتلك البطولت التي‬
‫سجلها التاريخ من جهاد بالنفس وتضحية بها وإنفاق للموال إنفاق من ل يخشى الفقر أبدا ‪.‬‬
‫وهذا ل يعنى بطبيعة الحال إنكار المواهب والقدرات الذاتية إنما يعنى أن السلم بمبادئه وقيمه يصقلها وينميها ويوجهها المثلى بما يعود على‬
‫النسانية بالخير العميم وذلك بتهيئة المناخ الذي تعمل فيه وتبلغ فيه مداها ‪.‬‬
‫وما أحوج النسانية في هذا العصر إلى منهج للتاريخ يحفظ لها إيمانها نظيفا وضميرها سليما وقيمها ثابتة وقدوتها صالحة لبد لهذا المنهج‬
‫من ميزان توزن به البطولة ويقدر به الرجال وتقدم به العمال فالتاريخ الذي يجعل من الظالم عظيما ومن الخائن أمينا ومن المنافق زعيما‬
‫ومن الكذب سياسيا ومن الجبان شجاعا ومن البخيل حريصا ومن الرعديد بطل تاريخ خاطئ المنهج مختل الموازين ‪.‬‬
‫فليست العظمة في الزعامة التي تتقن الكذب والخداع ول في السياسة التي تقوم على الفك والنفاق ول في القيادة التي تبرع في الغدر والخيانة‬
‫ول في الح كم الذي يب طش وبذل بال سلطان مه ما بل غت شخ صية الزع يم وال سياسي من قوة وتأث ير ومه ما ات سعت فتوحات القائد ومه ما ح قق‬
‫الحاكم من أعمال وإنجازات وتضحيات ‪.‬‬
‫إنما يوزن الرجال وتقدر العظمة ويحسب العظيم عظيما بما قدم للنسانية من خير وبما أرسى في واقع الحياة من مثل وبما أقر في الضمير‬
‫النساني من قيم وبما التزم في حياته من خلق وبما سكب في قلوب الناس من أيمان فجعلهم يبذلون المهج والرواح والموال في سبيل المبدأ‬
‫والعقيدة ول يتح قق ذلك إل بمن هج الترب ية ال سلمية وبهذا تتقدم الن سانية وير قى الن سان فإذا خلد التار يخ الرعد يد والجبان والبخ يل وعا بد‬
‫المال فسيكون الخاسر هو ضمير النسان وروح النسان ويومها قل على الدنيا العفاء ‪.‬‬

‫* صاحب الفكرة المضحى وسماته ‪:‬‬


‫إن صاحب الدعوة رجل مضحى غارم ل غانم من دنيا يصيبها لن دعوته بريئة نزيهة قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية‬
‫واحتقرت المنافع المادية وخلفت وراءها الهواء والغراض ومضت قدما في الطريق الذي رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إليه { قل هذه‬
‫سبيلي أدعو إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان ال وما أنا من المشركين } يوسف ‪ ] 108‬فالداعي ل يسأل الناس شيئا ول يقتضيهم‬
‫مال ول يطلب منهم أجرا ول يزيد بهم وجاهة ول يريد منهم جزاء ول شكورا ‪.‬‬
‫إنه حبيب إلى نفوس الناس لنه يضحي بنفسه في سبيل عزتهم إن كان فيها الفداء وأن تزهق روحه ثمنا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وإنه لعزيز‬
‫على الدعاة جد عزيز أن يروا ما يحيط بقومهم ثم يستسلمون للذل أو يرضون بالهوان ويستكينون لليأس فهم يعملون للناس في سبيل ال أكثر‬
‫م ما يعملون لنف سهم ‪ .‬إن صاحب الفكرة ل بد وأن يؤ من ب ها إيما نا يحمله على ن سف الجبال وبذل الن فس والمال واحتمال ال صعاب ومقار عة‬
‫الخطوب حتى ينتصر بها أو تنتصر به ‪.‬‬
‫ف قد ب ين المولى سبحانه وتعالى أن المؤ من الذي يج عل غاي ته هي هدا ية الب شر إلى ال حق وإرشاد الناس جمي عا إلى الخ ير وإنارة العالم كله‬
‫بشمس السلم إنه في سبيل هذه الغاية قد باع ل نفسه وماله فليس له فيها شئ وإنما هي وقف على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب‬
‫الناس وذلك قوله تعالى { إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } التوبة ‪. ] 111‬‬
‫من ذلك نرى أن المسلم المضحى دنياه وقفا على دعوته ليكسب آخرته جزاء تضحيته فإذا فهم هذا المعنى سمت نفسه وزقت روحه وتحرر من‬
‫رق المادة وتطهر من لذة الشهوات والهواء وترفع عن سفاسف المور ودنايا المقاصد ووجه وجهه للذي فطر السموات والرض حنيفا يعلى‬
‫كل مة ال ويجا هد في سبيلها ين شر دي نه يزود عن حيا ضه لي سترد خ ير أ مة أخر جت للناس لن تكو ين ال مم وترب ية الشعوب وتحق يق المال‬
‫ومناصرة المبادئ تحتاج من المة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على القل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور ‪:‬‬
‫إرادة قوية ل يتطرق إليها ضعف ووفاء ثابت ل يعدو عليه تلون ول غدر وتضحية عزيزة ل يحول دونها طمع ول بخل ومعرفة بالمبدأ وإيمان‬
‫به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والنحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره ‪.‬‬
‫على هذه الركان الولية التي هي من خصائص النفوس وحدها وعلى هذا القوة الروحية الهائلة تبنى المبادئ وتتربى المم الناهضة وتتكون‬
‫الشعوب الفتية وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنا طويل‬
‫و كل ش عب ف قد هذه ال صفات الرب عة أو على ال قل فقد ها قواده ودعاة ال صلح ف يه هو ش عب عا بث م سكين ل ي صل إلى خ ير ول يح قق أمل‬
‫وحسبه أن يعيش في جو من الحلم والظنون والوهام { إن الظن ل يغنى من الحق شيئًا } يونس ‪ ]36‬هذا هو قانون ال تبارك وتعالى وسنته‬
‫في خلقه ولن تجد لسنة ال تديل ‪.‬‬
‫من ه نا فل قد اع تبر المام الب نا التضح ية ر كن من الركان ولي ست فضيلة من الفضائل فح سب ول ما كان ال سلم بناء ل يقوم إل بأركا نه فكان‬
‫لزا ما على المسلم أن ي ضع التضح ية في موضعها ال صحيح ‪ ،‬وإذا كان أهل البا طل يقدمون التضحيات ال تي قد ت صل إلى التضح ية بالن فس من‬
‫أجل باطلهم فأحرى بنا نحن المسلمين أهل الحق أن نقدم أغلى ما نملك تضحية من أجل ديننا وهو الحق الذي جاء من عند ربنا ‪.‬‬
‫ولهذا كان لبد أن يكون للمضحى سمات وخلل يتحلى بها وتميزه عن غيره من البشر ‪.‬‬

‫سمات المضحى ‪:‬‬


‫ل ما كان صاحب الفكرة أول المؤمن ين ب ها والعامل ين على نشر ها كان لزا ما عل يه أن يض حي من أجل ها خا صة إن كا نت هذه الفكرة تد عو إلى‬
‫تكريم النسان وحريته وإعلء شأنه واعتباره أكرم مخلوق على الرض لذلك فهو ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬يأبى لضيم ويرفض لهزيمة سواء كانت هزيمة في داخل نفسه أو خارجها لن ال تعالى يقول { ول تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون إن‬
‫كنتم مؤمنين } آل عمران ‪.] 139‬‬
‫فل يبالي بما يصيبه بل يفضل الموت على ذل الحياة ويضع نصيب عينيه قول ربنا { يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل ال‬
‫اثاقلتم إلى الرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الخرة فما متع الحية الدنيا في الخرة إل قليل إل تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم‬
‫ول تضروه شيئا وال على كل شئ قدير } التوبة ‪.] 39 ،38‬‬
‫ثانيا ‪ :‬لديه الثقة بتقدير الجل وانتهائه فل يحرص على الحياة ول يرهب الموت لنه آت آت على كل حال فهو يرى أن طلب الشهادة يجعله ال‬
‫با با للحياة الكري مة في الدن يا أو حياة النع يم في الخرة ولذلك قال أ بو ب كر ال صديق ر ضى ال ع نه ‪ (:‬إحرص على الموت تو هب لك الحياة )‬
‫وبذلك يح قق القدرة العمل ية للتضح ية ول قد روى أن عوف بن الحارث قال لر سول ال صلى ال عل يه و سلم يوم غزوة بدر ‪ :‬يا ر سول ال ما‬
‫يضحك الرب من عبده ؟ قال ‪ :‬غمسه يده في العدو حاسرا فنزع عوف درعا كانت عليه وقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل ‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬يحتاج المضحى إلى طول نفس وجميل صبر ووطيد احتمال ولقد كان خالد ابن الوليد رضى ال عنه يقول وهو يسير بين الصفوف يذكر‬
‫الجنود أي يشجعهم (يا أهل السلم إن الصبر عز وإن الفشل عجز وإن النصر مع الصبر ) ‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬إنكار الذات وإحياء روح الجندية في نفس المسلم والعمل الصموت بل مباهاة أو مفاخرة وما قصة مسلمة بن عبد الملك منا ببعيد وكان‬
‫أميرا على جيش من جيوش المسلمين وكان يحاصر حصنا من الحصون استعصى عليهم فلم يفتحوه فحرض المير جنده على التضحية والقدام‬
‫حتى يحدثوا في ذلك الحصن ثغرة وينقبوا فيه نقبا فتقدم من عرض الجيش رجل ملثم غير معروف ودفع نفسه إلى الحصن غير مبال بالموت‬
‫وأحدث فيه ثغرة كانت سببا في سقوط الحصن ودخل الخيش المسلم فيه ففرح مسلمة كثيرا ونادى ‪ :‬حاجبي بإدخاله على ساعة يأتي فعزمت‬
‫أي حلفت عليه إل جاء وكان يريد أن يخصه بشيء من الغنائم والتكريم ‪.‬‬
‫فجاء رجل ملثم إلى حاجب مسلمة وقال له استأذن لي على المير فقال له الحاجب أأنت صاحب النقب ؟ فقال‪ :‬أنا أدلكم عليه وأخبركم عنه فدخل‬
‫الحاجب وا ستأذن الر جل على الم ير فل ما م ثل ب ين يدي مسلمة قال له ‪ :‬أيها الم ير إن صاحب النقب يشترط ثل ثا ‪ -1 :‬أل تبعثوا با سمه في‬
‫صحيفة إلى الخليفة ‪ -2 .‬وأل تأمروا له بشيء ‪ -3 .‬أل تسألوا من هو ‪.‬‬
‫فقال مسلمة ‪ :‬ذلك له فقال الرجل في استحياء ‪ :‬أنا صاحب النقب ثم ولى مسرعا فكان مسلمة ل يصلى بعد ذلك صلة إل دعا فيها فقال ‪ :‬اللهم‬
‫اجعلني من صاحب النقب يوم القيامة ‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬قوى الرادة الذات ية وال تي تقوده إلى المبادرة ومباشرة الفعال والعمال بإيمان واقتناع فل ي كن إم عة يوجهو نه ح يث يشاءون ولك نه‬
‫يتعامل مع الناس وفق مفاهيم ومبادئ وأسس ثابتة ل يحيد عنها‬
‫سابعا‪ :‬أن يكون على فقه بالولويات والواقع ويسير في حيا ته وفق أسلوب الهم فالمهم والضروري فالقل ضرورة فل يه تم بالمور التافهة‬
‫ويولى المور الحاسمة عظيم اهتمامه ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬إيجابي الحياة ويأخذ بنصيبه منها فل سلبية ول انزواء ول فرار من الواقع ول تواكل فهو مقدام يسارع في الخيرات ويواجه الصعاب‬
‫بواقعية ‪.‬‬
‫تا سعا‪ :‬قوى كر يم ل يتر خص في حقو قه ول يتخاذل أمام ظلم أو ع سف ول يتخاذل أمام ج سامة الم سئوليات ف هو مجا هد بالمفهوم ال سلمي‬
‫للجهاد فيبدأ بمجاهدة نفسه ثم الجهاد في سبيل العلم ثم العيش وفي سبيل ال لن ال غايته ‪.‬‬
‫عاشرا ‪ :‬أخلقي يملك من الصفات الحميدة الكثير كالبر والشجاعة والعدل والحلم والرحمة والوفاء بالعهد والتسامح والمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر إلى آخر هذه الصفات الكريمة ‪.‬‬
‫وهو من التقياء الخفياء إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا وباختصار هو كما وصفه المام البنا ‪:‬‬
‫أتصور المجاهد شخا قد أعد عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه ‪ ..‬فهو دائم التفكير ‪ ..‬دائم الهتمام ‪..‬‬
‫على قدم الستعداد أبدا ‪.‬‬
‫إذا د عي أجاب وإن نودي ل بى ‪ ...‬غدوه وروا حه وحدي ثه وكل مه وجده ولع به ل يتعدى الميدان الذي أ عد نف سه ف يه ول يتناول سوى المه مة‬
‫التي وقف عليها حياته وإرادته ‪.‬‬
‫تقرأ ق سمات وج هه وترى في بر يق عين يه وت سمع في فلتات ل سانه ما يدلك على ما يضطرم به قل به من جوى لق وألم دف ين و ما تف يض به‬
‫نفسه من عزمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة وذلك شأن المجاهدين من الفراد والمم ‪ ..‬فأنت ترى ذلك جليا في المة التي أعدت نفسها‬
‫للجهاد ‪.‬‬
‫أما المجاهد الذي ينام ملء عينيه ويأكل ملء ماضغيه ويضحك ملء شدقيه ويقضى وقته لهيا عابثا ماجنا ‪ ..‬فهيهات أن يكون من الفائزين أو‬
‫يكتب في عداد المجاهدين ‪.‬‬

‫* أمور تدفع إلى التضحية ‪:‬‬


‫أول ‪ :‬التصور الصحيح للحية الدنيا فل انكباب عليها ول حرمان مما أحل ال { قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل‬
‫هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالة يوم القيامة كذلك نفصل اليات لقوم يعلمون } العراف ‪.] 32‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وضع النسان في موضعه الصحيح وفهمه لرسالته في الوجود وتكريم ال له { ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم‬
‫من الطيبات } ال سراء ‪ .] .7‬لذلك خلق الوجود كله في خدم ته والملئ كة في حرا سته و ما عل يه إل أن يع بد ر به ليع مر الكون ك ما أراد ال‬
‫سبحانه وتعالى مقدما نفسه وماله وولده تضحية لهذه الغاية الكريمة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إن أثر العقيدة التي نضحي من أجلها يظهر جليا واضحا حين تجمتع هذه النفوس النفيسة والقلوب الطاهرة على محبة ال وتلتقي على‬
‫طاعته فتعاهد ال على نصرة شريعته بالمهج والرواح والموال وهذا أسمى ما تتمنى لذلك كانت الخوة ركن من الركان ‪.‬‬
‫فمن مقاصد السلم إقامة أمة صالحة ول تصلح المة إل إذا توافر فيها رسالة من مبادئ عليا وأن تكون أمة موحدة متحابة لتكون مضحية‬
‫فادية مستعدة لبذل كل ما تملك والمة التي وطنت نفسها على ذلك يحفظها ال ويحقق لها رسالتها على أرض الواقع بهذه التضحية ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬الباعث القوى عند المسلم والذي يتولد عنه ‪:‬‬
‫أ‪ -‬اللتزام الخلقي والدبي بمنهج السلم ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الشعور بالمسئولية الفردية أول ثم التضامنية ‪.‬‬
‫ج‪ -‬تقدير الوقت والخوف على القوت فيستغل في التضحية به في سبيل الفكرة ‪.‬‬
‫د‪ -‬اليجابية في تنفيذ المطلوب والمبادأة والمسارعة في التضحية في التنفيذ ‪.‬‬
‫هه ‪ -‬الحب في تأدية الواجبات مهما كانت النتائج ‪.‬‬
‫خام سا ‪ :‬تج سيد الث قة بالذات وانتفاء الشعور بالن قص سواء ع ند مواج هة الخر ين والتعا مل مع هم أو في عمل ية النتاج وال ستحداث الثقا في‬
‫والمادي فالثقة بالنفس تشعر المسلم بالعزة بالنتماء لهذا الدين فيقدم نفسه فداء له وهو يباهي بهذا الدين ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬التخلص من الروح النهزامية ونبذ التبعية التي أصبحت تكبل المسلم وتحد من نشاطه وحيويته وبالتالي تضحياته لنه أسير مشاعر‬
‫الدونية والنكسار ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬ال ستقلل في الرأي والمو قف وهذا يع نى وضوح ما يعت قد ويؤ من فل يتردد في قول ال حق الذي يحمله بل يقوله دون انتظار إذن من‬
‫أحد فيتصدى لعوامل الهدم ومقاومة الحجة بالحجة (ل يخشى في ال لومة لئم )‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬التمييز بين الحقوق والواجبات فل يخلط بين الذي له وبين الذي عليه فالذي له كحق عليه أن يسعى لنيله والحصول عليه ون منه أو‬
‫تفضل من أحد وأما الواجب فعليه أن يؤديه عن طيب كما أن عليه أن يعلم أن الحق ل يعطى ولكن يؤخذ ولو تطلب ذلك منه التضحية من أجله‬
‫‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬ترك حياة الترف والد عة والسكون إلى حياة الجد والنشاط والحيو ية فمن لم يشغل نفسه بعظائم المور مضح يا من أجلها شغل ته الدن يا‬
‫بسفاسفها لن المضحى يتحمل المسئولية كاملة فهو صاحب ضمير يهديه إلى كافة واجباته نحو نفسه وأسرته ومجتمعه ‪.‬‬
‫عاشرا ‪ :‬شدة الشعور بالنتماء والذي يولد الولء ويحدد الداء فيكون الحب ل والبغض ل والخذ ل والترك ل وبذلك نعرف من نحب ونضحي‬
‫من أجله ومن نبغض فنتبرأ من عمله وبذلك يصبح هناك وضوح للرؤى ومعالم للطريق وإخلص يمل القلب ‪.‬‬
‫حادي عشر ‪ :‬شدة الشعور بالجزاء الخروي الذي ينتظره بعد أن سعد بمذاق اليمان في دنياه فيردد هبي ريح الجنة هبي ‪.‬‬
‫ونكتفي بهذا القدر الذي ل يمثل حصرا للدوافع إلى التضحية بقدر ما يمثل أهم هذه الدوافع فحسب ‪.‬‬
‫ول ننس أنه إذا حدثت التضحية من المسلم فإن لها شروطا لكي تقبل منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون عن إيمان عن إيمان وعقيدة صحيحة وعمل سليم وإخلص وتجرد ل رب العالمين ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون في وقتها مضبوطة التوقيت والوان ‪.‬‬
‫وبذلك يكون الفداء والتضحية الخائبة المردودة ما كان مع كفران وجهل أو بعد فوات الوان ‪.‬‬
‫* معوقات التضحية ‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم الخلص للفكرة أو إذا شاب الخلص شئ يقلل من فاعليته ‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم وضوح الفكرة التي يضحي من أجلها واختلط المفاهيم ‪.‬‬
‫‪ -3‬حب الذات والثرة ‪.‬‬
‫‪ -4‬ضعف الشعور بأهمية العمل الجماعي مع ضعف الشعور بالنتماء لفرادها ‪.‬‬
‫‪ -6‬الولء لعداء ال من الكفار والمنافقين والتبعية لهم ‪.‬‬
‫‪ -7‬البعد عن ال وضعف التعبد والتقرب إليه وترك السنن والنوافل والوراد ‪.‬‬
‫‪ -8‬النغماس في اللهو والترف والدعة ‪.‬‬
‫‪ -9‬إساءة الظن بإخوانه وعدم الثقة ‪.‬‬
‫‪ -10‬عدم الخلص للمنهج والفراد والقيادة ‪.‬‬
‫‪ -11‬هاجس الرزق الذي يقعده عن لنفاق والتضحية بالمال وهاجس الموت الذي يقعده عن الجهاد والتضحية بالنفس ‪.‬‬
‫‪ -12‬التعلق بالدنيا وزينتها وكراهية الموت حتى يصبح التنافس عليها هي المقياس هذا هو الداء الوبيل المهلك للفراد والجماعات والمم إذا‬
‫فشي فيها هذا المرض اللعين ويكفي أنه يسبب نزع ال المهابة من قلوب العداء ويقذف الوهن في القلوب التي تعلقت بالدنيا ولقد بين رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم الفرق بين رجلين في الحديث الذي رواه أبو هريرة وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد ‪ ..‬يقول رسول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم (( ت عس وانت كس وإذا ش يك فل انت قش طو بى لع بد آ خذ بعنان فر سه في سبيل ال أش عث رأ سه م غبرة قدماه إن كان في‬
‫الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع ))‪.‬‬
‫لقد استهدف هذا الحديث رسم صورتين متقابلتين لهما وجودهما الواقعي في كل جيل صورة الرجل الذي استبعدته المطامع ولعبت به الهواء‬
‫وتعلق بالمتاع الزائل وتهالك على اللذة العاجلة فيلزمه الشفاء وتحيق به التعاسة من حيث قدر لنفسه السعادة وأراد لها الفوز ‪.‬‬
‫وصهورة رجهل العقيدة والمبدأ الذي يضحهي فهي سهبيلها ثهم ل يبالي بعهد ذلك بمها نال مهن متاع الحياة الدنيها ول يحرص على أن يزاحهم طلب‬
‫العاجلة في سوقها الحقير بل يبحث دائما عن ميدان من ميادين الجهاد ينفق فيه قوته ويبذل جهده ول يحنقه بعد ذلك أن الناس لم يقدروا له‬
‫جهاده ول تضحي ته أو لم يضعوه في المرت بة اللئ قة به ل نه لم يع مل من أجل ها ولم يجا هد في سبيل أن ينال شيئا م ما في أيدي هم وإن ما كان‬
‫جهاده وتضحيته خالصا ل وابتغاء رضوانه ‪.‬‬
‫فهو آخذ بعنان فرسه في سبيل ال فهو مجاهد في أي ميدان من ميادين الجهاد في سبيل ال متهيئ دائما لبذل الجهد والتضحية فهو مجاهد‬
‫وفارس ومرابط وهو جندي مجهول سامع مطيع ل يحرص على الظهور ول يبتغى التصدر إنما يؤدى واجبه في أي موقع كان في الحراسة أو‬
‫الساقة فهو منكر لذاته يقاوم نزعات الرياء والسمعة ى يبغي مكافئة فهو حتى إذا حضر في المجالس لم يعرف ولم تتجه إليه البصار وإن غاب‬
‫من هم لم يفت قد ل نه ل يس بذي شأن خط ير في أوضاع الحياة الماد ية وإن كان عظي ما في إيما نه وإخل صه وتقواه وجهاده وتضحي ته ف هو ر جل‬
‫عقيدة ل يحرص على ما يحرص عليه غيره ول يبتغى من الدنيا إل ما يرضى ال ‪.‬‬
‫وهذه المنزلة ل تتحقهق إل بالمجاهدة والمتابعهة ولذلك كان لبهد مهن منههج تربوي كمها قلنها يغرس الفضائل ومنهها التضحيهة فليسهت العهبرة‬
‫بالحاديث النظرية ولكن بالمواقف العملية التي تصنع أصحاب الهمم العالية ‪.‬‬

‫خاتمة في كلمة أخيرة‬

‫* أصحاب الهمة العالية ‪:‬‬


‫صحيح أن للبا طل قوة ومؤيد ين ر غم وه نه وف ساده يحاول ب ها أن ي صول ويجول وي سود فيتواري حينا ويظ هر آ خر فل بد أن يكون لل حق من‬
‫سطوة وقوة ورجال يحملونه ويدافعون عنه ولقد مضت سنة ال أن يصطرع الحق والباطل ول ينتصر الحق إل على كواهل رجال تحقق اليقين‬
‫في قلوبهم وصفت نفوسهم وسلمت صدورهم وعلت همتهم وهكذا كان الصحابة رضوان ال عليهم إنهم لم يعتذروا عن شئ أمروا به بل بذلوا‬
‫كل غال في سبيل دعوتهم ونصرة شريعتهم فدخل نصف أهل الرض يومها في دين ال أفواجا في خلل قرن من الزمان ‪.‬‬
‫إن كثيرا مهن العامليهن فهي حقهل الدعوة السهلمية ل يتكلمون إل عهن العلوم السهلمية أو الشعائر التعبديهة أو القوة الماديهة أو يتكلمون عهن‬
‫التخطيط والتنظيم والتنظير ويعجب إذا سألت أحدهم عن صلة الفجر على وقتها ؟ أو عن قيام الليل والنوافل ؟ أو عن أوراده أو قرآنه ؟ أو‬
‫عن حسن صلته بال ؟ ‪.‬‬
‫وقد تجد آخرين يعتبرون الدعوة صحبة أخيار وبث أشواق واستماع إلى خطبة أو درس مع بشاشة وجه ورقة كلمة وتبحث عنه وقت العمل فل‬
‫تجده وإن وجدته ففي فضل وقته ووقت التكاليف والعمل سرعان ما يتخلف ‪.‬‬
‫إن اله مة العال ية تقوم على العلم التكوي ني النا فع والزاد الربا ني البناء ف هو سبحانه ل يحا بى أحدا ين صر من ين صره وي عز من اع تز به فإذا‬
‫أدبروا عن دينهم سلبهم النعمة التي أعطاها والعزة التي أولها مصداقا لقوله سبحانه { ذلك بأن ال لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى‬
‫يغيروا ما بأنفسهم } النفال ‪ ] 53‬فالفساد إذا ظهر وانتشر إنما بصنع أيدينا كما بين القرآن { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي‬
‫الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } الروم ‪.] 41‬‬
‫وهذا ما نراه بأعيننا اليوم من الذين عزلوا القرآن عن الحياة عزلً صارما تاما وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعنيهم حين قال القرآن‬
‫على لسانه { يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } الفرقان ‪ ] .3‬فها هم فرغوه من محتواه بسوء التأويل وتحريف التفسير حتى أصبح‬
‫الحهق باطلً والحلل حراما بهل فرضوا على الناس حياة اجتماعيهة على غيهر مها رسهم القرآن وربوا أتباعههم وتلميذههم على اللحاد والكفهر‬
‫والعلمانية والمادية فأحبوا الحياة وكرهوا الموت حتى أصبح أحفاد رجال المس هم غثاء اليوم ‪.‬‬
‫وللسف فإن كثيرا من الجيال السابقة التي واجهت الستعمار ظنت أن التماسها أساليب الغرب ومناهجهم في التربية والتعليم ربما يحقق لهم‬
‫القدرة على الوصول إلى ما وصل إليه من ‪ :‬ثقافة وعلم وقوة وتمكين ‪.‬‬
‫ولم ي كن ذلك إل وهما لن أي أ مة من ال مم لن ت ستطيع أن تب نى نف سها أو تجدد كيان ها أو تق يم حضارت ها إل إذا ا ستمدت ذلك من جذور ها‬
‫وأصولها وتصوراتها واعتقاداتها ومصادرها الولى ومنابعها الحقة التي شكلتها في أول المر ‪.‬‬
‫ل إلى اليقظة والنهضة بل إن تطبيق المناهج الخرى يعوقها ويشوه حقيقة السلم ‪.‬‬
‫لذلك فإن أمة السلم ل تجد في أي منهج آخر سبي ً‬
‫إننا في حاجة إلى وقفة ناقدة ونظرة فاحصة ومراجعة النفس ومحاسبتها والحركة الدؤبة المنضبطة ثم المسارعة في الخيرات لتحقيق المهام‬
‫الجسام وهذا يتطلب فهم دقيق وأساس الفهم عقل راجح وإيمان عميق وأساس اليمان قلب زكى وإخلص صادق وأساس الخلص فواد نقى‬
‫وحما سة منضب طة وأ ساس الحما سة شعور قوى وع مل مشروع وأ ساس الع مل عزم ف تى ‪ ..‬إن الدعوة المش قة والن صب ليتخلص من جواذب‬
‫الرض وشواغل العيش وهواتف النفس والحياة الرخيصة فيترك حياة عباد الدنيا وعشاقها فل يهتم إل بشيء واحد ول يستحوذ على قلبه إل‬
‫هم واحد فل يهرب من مرارة الواجب ول يستطيع أن يحقق هذا الشعور وتصبح الخرة أكبر همه إل إذا تحقق اليمان في قلبه ‪.‬‬
‫لقد ظل رسول ال صلى ال عليه وسلم أكثر من عشرين عاما لم يسترح يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ عبء البشرية وعبء المانة‬
‫الكبرى في الرض عبء العقيدة بكفاحها في شتى الميادين ومعه أصحاب قائمون ل يلههم شأن عن شأن تركوا دفء الفراش في البيت الهادئ‬
‫والحضن الدافئ ‪.‬‬
‫و ما عاشوا لنف سهم لن الذي يع يش لنف سه قد يخ يل إل يه أ نه م ستريح ولك نه يع يش صغيرا ويموت صغيرا لن ال كبير هو الذي يح مل الع بء‬
‫الكبير ويعمل للناس جميعا ولذلك كان من دعاء أبى بكر الصديق ((اللهم ل تدعنا في غمرة ول تأخذنا على غرة ول تجعلنا من الغافلين ))‪.‬‬
‫إن الحياة أمام أصحاب الهمم العالية تهون حين تعز العقيدة وإن الدنيا تصغر حين تكبر المقاصد وتسمو‬
‫غايات فما قيمة الحياة بغير لبلبها ولبابها العقيدة فإذا خلت منها فهي ذل وصغار وما غثاء الدنيا بدون شرفها وشرفها أن يعمل النسان على‬
‫إقامة العثار ويعين على نوائب الحق ‪.‬‬
‫لذلك كان انطلق المسهلم دائما إنطلقا ربانيا يسهتمده مهن كتاب ال الذي ل يأتيهه الباطهل مهن بيهن يديهه ول مهن خلفهه فسهلوكه وحركاتهه تبعا‬
‫لمنهاجه ومصدر تلقيه فهو يتحرك في جنيات الرض ساعيا للخير بل مسارعا إليه واضعا نصب عينيه قول ربه ‪ {:‬وسارعوا إلى مغفرة من‬
‫ربكم وجنة عرضها السموات والرض أعدت للمتقين} آل عمران ‪.] 133‬‬
‫فهو مأمور بالمسارعة والمسابقة { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } المطففين ‪ ] 26:‬فينطلق إلى العمل‬
‫صغيرا كان أو كبيرا { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } الزلزلة ‪7،8‬‬
‫فهو مدعو إلى العمل بمثاقيل الذر من الخير لنه محاسب ومجزى بها أو عليها لينال جنة وصفها الرسول صلى ال عليه وسلم فقال ‪ (( :‬هي‬
‫ورب الكعبة نور يتلل وريحانة تهتز وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة أل هل من مشمر لها )) قال الصحابة ‪ :‬نحن المشمرون يا رسول‬
‫ال فقال صلى ال عليه وسلم ((قولوا إن شاء ال )) فقال القوم ‪ :‬إن شاء ال أل تستحق هذا كله تضحية وفداء ‪.‬‬
‫فعلم يتباطؤن في عبادت هم ل و هو سبحانه الغ نى عن هذه العبادة و هم الفقراء إل يه قد أعلم هم الر سول صلى ال عل يه و سلم بحقي قة ال مر‬
‫وحقيقة الخرة وبما يدور في السماوات فقال ‪(( :‬أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إل وملك واضع جبهته ساجدا ل‬
‫ل ولبكيتهم كثيرا ومها تلذذتهم بالنسهاء على الفرش ولخرجتهم إلى الصهعدات تجأرون تضربون‬
‫تعالى )) (( وال لو تعلمون مها أعلم لضحكتهم قلي ً‬
‫صدوركم وتبكون على أنفسكم )) يقول راوي الحديث لوددت أنى كنت شجرة تعض ‪.‬‬
‫أبعد هذا البيان يكون التباطؤ ؟ أم يقول كل امرئ إلى كسله فينفضه عنه وإلى تقصيره فيبرأ إلى ال عز وجل منه وإلى عمل الخيرات فيستبقه‬
‫متذكرا قول ال تعالى { إن كل من في ال سموات والرض إل آ تى الرح من عبدا ل قد أح صاهم وعد هم عدا وكل هم آت يه يوم القيا مة فردا } مر يم‬
‫‪.] 95 ،93‬‬
‫ويومها سيجد ملكا يسوقه وآخر يشهد عليه ويختم على فيه وتنطق جوارحه عليه فماذا سوف يفعل وقتها ؟ ليس أمامه من سبيل إل أن يكون‬
‫من الم سارعين في الخيرات و من ال سباقين إلى الطاعات و من العامل ين بمثاق يل الذر من الخيرات ل يترك بابا من أبوب الخ ير إل ول جه ول‬
‫يترك علمة من علمات الخير إل أتاها كل ذلك ليوم ل حيلة له منه ول شفاعة ولن ينفعه وقتها إل ما قدم من الصالحات ومن الطاعات ليرد‬
‫النار عن نفسه ((اتقوا النار ولو بشق تمرة )) فهو يتقى النار بالكلمة الطيبة ويتقى النار بالعمل الصالح ويتقى النار بالدعوة الحكيمة ويتقى‬
‫النار بكل أفعاله وكلماته بكل حركاته وسكناته يريد أن ينجو من الموقف العظيم بين يدي ال الديان { قل إني أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم‬
‫عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين } النعام ‪.] 16 ،15‬‬
‫* حاجتنا إلى اليجابية ‪:‬‬
‫إن إيجاب ية الم سلم تتح قق على أرض الوا قع بوع يه حقي قة الخرة وإدرا كه قي مة الدن يا ومعرف ته حقي قة وجوده وطبي عة ر سالته فينطلق لينادى‬
‫الناس بالرسالة حتى وإن خذله الناس وإن تكاتفت ضده قوى البغي وتحالف عليه العداء وتكالب عليه الخصوم وتحزب عليه الجميع وإن وجد‬
‫نفسه وحيدا فريدا ضعيفا في الميدان ليس بذي سطوة في قومه وليس له نفوذ بين أفراد مجتمعه فهو يسعى سعى الرجل الذي { جاء من أقصى‬
‫المدينة رجل يسعى } يس ‪ ] .2‬ينادى قومه { يا قوم اتبعوا المرسلين } يس ‪ .] .2‬فل ينشغل بضعفه وقلة حيلته ولكنه يسرع الخطى من‬
‫أقصى المدينة ليأتي أمام الكافرين ليعلنها صريحة أمامهم { إني آمنت بربكم فاسمعون } يس ‪ ] 25‬مضحيا بكل شئ ‪.‬‬
‫ولم يقهل الرجهل إنههم كفروا برسهل ال فمها تعنهى كلماتهي أو قال ‪ :‬لم يؤمهن الناس بالرسهل أفيؤمنون بكلم ضعيفههم ؟!! الذي خل مهن أسهباب‬
‫الوجاهة والسلطان إن هذه المور كلها لم تشغل باله فتحرك من أقصى الرض إلى أقصاها ليعلى كلمة الحق ليزف بعد ذلك إلى السماء شهيدا‬
‫بعد أن قال ما قال وليعلن على الناس { يا ل يت قو مي يعلمون ب ما غ فر لي ر بى وجعل ني من المكرم ين } يس ‪ .] 27 ،26‬بعد أن قدم نف سه‬
‫رخيصة في سبيل الحق الذي يحمله ‪.‬‬
‫إن إيمانه أبى عليه السكوت وعدم التحرك وإن عقيدته أبت عليه الخضوع والستكانة ولو أنه جلس في بيته وقبع في داره وتل قرآنه وأدى‬
‫صلواته وأقام شعائر ال في خا صة نف سه وأولده فل عل في ذلك مندو حة له ع ند ب عض الناس ول كن أي خ سارة سيخسرها هو في ذا ته وأي‬
‫احترام سوف يكنه في نفسه ولرسالته حين يرى نفسه قد ضعف وجبنت ولم ينطق بكلمة الحق ولم يتحرك لينصر دعوة ال في الرض ولينصر‬
‫المرسلين من عباد ال عز وجل ‪.‬‬
‫ك ما أ مر سبحانه وتعالى في كتا به { وإذ أ خذ ال ميثاق ال نبيين ل ما آتيت كم من كتاب وحك مة ثم جاء كم ر سول م صدق ل ما مع كم لتؤم نن به‬
‫ولتن صرنه قال أأقرر تم وأخذ تم على ذل كم إ صرى قالوا أقرر نا قال فاشهدوا وأ نا مع كم من الشاهد ين } آل عمران ‪ .] 81‬إ نه اليمان والن صرة‬
‫اللذان بها الفلح مع التصديق بالرسالة { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون العراف ‪.] 157‬‬
‫إن نا مطالبون مع اليمان بهذا الد ين أن نكون { أن صار ال } ك ما قال عي سى بن مر يم للحواري ين { من أن صاري إلى ال قال الحواريون ن حن‬
‫أن صار ال } آل عمران ‪ .] 52‬إن نا في حا جة إلى من يقول ن حن أن صار ال لينال عز الدن يا و سعادة الخرة و عز الدن يا ينال ب صدق اليمان‬
‫{ وأن تم العلون إن كن تم مؤمن ين } آل عمران ‪ .]139‬والتمك ين في الرض يتح قق بت سخير كل الطاقات أخذا بال سباب و سعادة الخرة تنال‬
‫بتقوى ال التي يصلح بها العبد ما بينه وبين ربه فيحبه سبحانه وتعالى وحسن الخلق يصلح به ما بينه وبين الناس فيحبه الناس فيجمع بذلك‬
‫بين حب ال وملئكته في السماء وحب الصالحين ن عباده في الرض كما أخبرنا بذلك كتاب ربنا ‪ { :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل‬
‫له الرحمن ودا } مريم ‪ .] 96‬وبهذا كله تتحقق على أرض الواقع حضارة اليوم الخر ثمرة هذا المنهج الرباني الذي أسس على التقوى من‬
‫أول يوم لن الحضارة كالعمارة لم تأت مهن عدم بهل انبع ثت مهن تصهور ونشأت على أسهس وأقي مت على جدر فنحهن نقصهد أو ًل وأخيرا الجدار‬
‫والساس ل الشكل و البناء و الثاث { أ فمن أسس بنيانه على تقوى من ال ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به‬
‫في نار جهنم } التوبة ‪ .] 1.9‬ول يكون ذلك كذلك إل بالتضحيات ‪.‬‬
‫لذلك كان الواجب الول لعمارة الكون ‪ ،‬وبناء حضارة السلم الوقوف مع النفس منطلقا من الدا خل إلى الخارج { قد افلح من زكاها وقد خاب‬
‫من دساها } الشمس ‪ 9‬وصدق ال حين قال { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل ذلك هو الخسران المبين } الزمر‬
‫‪. 15‬‬

‫‪ -‬أولى مراحل النصر ‪:‬‬


‫إن المسلم أول ما ينتصر إنما ينتصر على نفسه التي بين جنبيه ‪ ،‬وعلى ذاته التي بين جوانحه ‪ ،‬فإن انتصر عليها فهو على غيرها أقدر ‪ ،‬وإن‬
‫ع جز عن ها ف هو ع ما سواها أع جز ‪ ،‬وكأن المؤمن ين يتنادون عبر الزمان بمن طق اليمان الوا حد فترى ذلك المن طق ي سود بين هم في الع صور‬
‫والزمان { وجاء ر جل من أق صا المدي نة ي سعى قال يا مو سى إن المل يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إ ني لك من النا صحين } الق صص ‪ .2‬ف هو‬
‫رجل مؤمن يحمل في قلبه معالم الحق و الرجولة و المروءة ‪ ،‬ولم يكن موسى عليه السلم قبل أن يخرج من مصر قد أوحى إليه بعد ‪ ،‬ولكنه‬
‫يم ثل لونا من ألوان الحق و البعد عن الفحش السائد بين الناس ‪ ،‬ل تناله أرجاسهم ‪ ،‬ول رذائلهم ‪ ،‬وإذا بالر جل المؤمن يعلم بالمؤامرة التي‬
‫تحاك وتدبر لقتل موسى عليه السلم ليعلمنا القرآن الكريم من خلل المواقف أن نكون إيجابيين كمؤمن موسى ‪ ،‬ومؤمن سورة يس فكل من‬
‫الرجلين جاء من أقصى المدينة ساعيا ولم يأت متمهلً لينصر حقا وليذود عن مظلوم ‪ ،‬ليرد عنه مؤامرة توشك أن تفتك به ‪ ،‬لن الحق إذ نما‬
‫وترعرع في قلب النسان ‪ ،‬فإنه يقاد إلى ال عز وجل ويسير في طريق ال ل يرشده إليه أحد ‪ ،‬وإنما تمليه عليه فطرته السليمة ‪ ،‬لذا يعمد‬
‫الظالمون إلى تخريهب فطهر الشعوب ‪ ،‬وإلى إرهاق تلك الروح الطيبهة فهي نفوسههم فيعمدون إلى روح الكرامهة و المروءة فهي نفوس الناس‬
‫فيقتلوها ويزهقوها ويقيمون الحواجز و العوائق في دنيا الناس ويشغلونهم بلقمة العيش فل يلتفت كل منهم إل إلى خاصة نفسه وبيته ‪ ،‬ويترك‬
‫الحياة تمر أحداثها ومشاغلها ‪ ،‬ولكن هذا المنطق ل يعرفه أصحاب الحق ‪ ،‬فما إن ينبلج النور في قلوبهم ويؤمنوا بدعوة السلم إل وتحركوا‬
‫كل بقدر ما يحمل من علم ويطبق من تكليف ‪ ،‬وما يتحمل من جهد " بلغوا عنى ولو آية " ‪.‬‬
‫إنهم ل يرضون بالقهر بحال من الحوال ‪ ،‬ولنا في أبى ذر الغفارى السوة ‪ ،‬هذا الرجل المؤمن الذي توجه بقلبه وفطرته إلى ال قبل أن يؤمن‬
‫بدعوة السلم وأر سل أخاه إلى م كة لي ستعلم له عن شأن نبي السلم ‪ ،‬وح ين لم يأت ب ما يش في غليله إذا به ير حل بنف سه ويذهب إلى م كة‬
‫يتلمس الخير حتى ساقه قدره إلى النبي صلى ال عليه وسلم فشهد شهادة الحق ‪ ،‬وما إن نطقت شفتاه بتلك الكلمات النيرات إل قال ‪ :‬يا رسول‬
‫ال و الذي بعثك بال حق ل صرخن بها بين ظهرانيهم ‪ ،‬إ نه ر جل أتى من غفار وليست م كة موط نه ‪ ،‬ول عشيرة له فيها ‪ ،‬يقول و الذي بع ثك‬
‫بالحق لصرخن بها بين ظهرانيهم ‪ ،‬ل يحملها فحسب بل يصرخ بها ‪ ،‬إنه يريد أن يدعو إلى ال بكل قواه وهو الغريب النائي عن الديار البعيد‬
‫عن الهل ‪ ،‬ولكنه ل يضع كل ذلك في تصوره فهو يرى استضعاف المؤمنين ونبيهم معهم ويرى ما يُحمل عليهم من عذاب ‪ ،‬ويحاول النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أن يثنيه عما هو مقدم عليه رحمة به وشفقة ‪ ،‬ولكنه يأبى ويخرج حيث يجلس الناس حول الكعبة ‪ ،‬وينادى فيهم بشهادة‬
‫ال حق فإذا بالجال سين ي ستنكرون ف عل هذا الغر يب الذي جاء ليعلن تلك الدعوة ال تي يريدون خ نق أ صحابها ‪ ،‬فيأتي هم هذا الغر يب معلنا الدعوة‬
‫التي ل يريدونها بينهم فيجتمعون عليه ضربا ول يبعدهم عنه إل العباس بعد أن استحال إلى نصب أحمر بسبب ما سال من دمه ‪ ،‬ويأتي في‬
‫اليوم التالي ويفعل مثل ما فعل في اليوم الول ول يخلصه من بين أيديهم إل العباس بمنطق القوة التي ل يفهم الظالمون غيرها ‪ ،‬قال لهم‬
‫العباس ‪ :‬يا قوم أتدرون من أين الرجل ؟ إنه من قبيلة غفار التي تمر عليها قوافلكم ‪ ،‬وهم قطاع طريق ‪ ،‬فحينئذٍ كفوا أيديهم عنه فحمل أبو‬
‫ذر كل مة ال حق و صرخ ب ها ب ين الناس ‪ ،‬و ما ب ين إ سلمه وب ين تلك الكلمات إل دقائق معدودات ‪ ،‬لم يم كث سنوات في رحاب الم سجد ليتعلم‬
‫وجوب الدعوة إلى ال ‪ ،‬وفريضة المر بالمعروف و النهي عن المنكر ‪ ،‬ليتلقى في ذلك الدروس و المحاضرات و الخطب ‪ ،‬إنما حين شرح ال‬
‫صدره لرسالة السلم أبى على نفسه أن يكون من الساكتين ‪.‬‬
‫وكما فعل الطفيل بن عمرو الدوسى شاعر العرب اللبيب حين جاء الرجل إلى مكة وخافت قريش من إسلم هذا الرجل فهو يقول عن نفسه فما‬
‫زالوا يخوفون ني من مح مد ودعو ته ويقولون لي ‪ :‬أ نت ر جل شا عر وامرؤ لب يب ‪ ،‬ونخاف عل يك من سحر مح مد ‪ ،‬قال ‪ :‬ف ما زالوا يخوفون ني‬
‫ح تى حشوت أذ ني بالكر سف ( الق طن ) لكيل أ سمع دعوة السلم ول دعوة القرآن ‪ ،‬فيقول ‪ :‬بين ما أ نا ع ند الكع بة ور سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم يحاورني إذ أبى ال إل أن يسمعني بعض ما يقول ‪ :‬فتسلل القرآن إلى أذني حين شاء ال بالهداية أن تلمس بشاشتها قلبي ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت‬
‫في نفسي ‪ :‬إني امرؤ ذو عقل وفطنة ‪ ،‬فما علىّ أن أستمع إليه ‪ ،‬فأخرج الكرسف من أذنيه فناقشه وحاوره واستمع إلى القرآن ‪ ،‬فآمن بال‬
‫عز وجل فما أن نطق بتلك الكلمات حتى قال ‪ :‬يا رسول ال إني راجع وإني داعيهم إلى السلم فأريدك أن تجعل لي آية أن تسأل ال تبارك‬
‫وتعالى أن يؤيدني بآية من عنده فأيده ال تبارك وتعالى بمدد من عنده بنور في إبهامه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إذن يا رسول ال قد يسخروا منى فتحول هذا‬
‫النور من إبها مه إلى طرف سوطه كأ نه قند يل معلق يتدلى من طرف سوطه ‪ ،‬و ما إن رجع إلى قو مه فا ستقبله أبوه بعد طول شوق فقال ‪ :‬يا‬
‫أبى إليك عنى فلست منى ولست منك ‪ ،‬قال ‪ :‬لم يا بنى ‪ ،‬قال ‪ :‬يا أبت إنى آمنت بمحمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ديني هو دينك فدخل أبوه‬
‫في السلم ‪ ،‬وجاءت زوجه فقال ‪ :‬إليك عنى فرق بيني وبينك السلم قالت ‪ :‬ديني دينك فآمنت بال عز وجل ورسوله صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وتحمل الرجل مشاق الدعوة وحمل أمانة الرسالة فأي فترة قضاها في مكة مع النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬إنها فترة يسيرة ولكنه‬
‫عاد ليح مل الر سالة ومشعل اليمان لين ير به لقو مه الطر يق ‪ ،‬فإذا ب هم ي ستأثرون عل يه ويحول الز نا بين هم وب ين السلم ‪ ،‬ويذهب الر جل إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة ويقول ‪ :‬يا رسول ال قد غلب الزنا على دوس فادع ال فيرفع النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يداه فيقول الناس هلك دوس فيقول الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ :‬اللهم اهد دوسا وأت بهم مسلمين ‪ ،‬فيرجع الرجل إليهم ويمكث فيهم ويرجع‬
‫إلى النبي صلى ال عليه وسلم بأكثر من سبعين أو ثمانين بيت من دوس قد أسلموا ل رب العالمين فيحمل الرجل نور الهداية إلى قومه على‬
‫الرغم من أنه لم يمكث كثيرا بين النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه ولكن تحرك في قلبه روح اليمان وحبه لدعوته فجند كل إماكناته وكل‬
‫طاقا ته من أ جل دعوة ال سلم فكان بذلك إيجابيا متحركا ل يحتاج إلى أ مر من أ حد ول يحتاج إلى تكل يف من أ حد وإن ما ينطلق ب ما أمله عل يه‬
‫إسلمه ‪.‬‬
‫ولقد سجل التاريخ أن الرجل الذي حيل بينه وبين الجهاد بكى ‪ ،‬ما أدراك ما الجهاد ؟ إنه قطع رقبة ‪ ،‬أو فقدان حياة بين الناس إنه يثكل أمه‬
‫وير مل زو جه ويي تم ولده أو يخلف ما ًل ‪ ،‬ويورث متاعا فهذا هو الجهاد في دن يا الناس !! مع ذلك كان يب كى الر جل ل نه ح يل بي نه وب ين أن‬
‫تقطع رقبته في سبيل ال وح يل بي نه وب ين أن يذهب ليرفع راية ال عز و جل بين الناس بل كان أحدهم لشدة فقره يذهب ويتحرك فيع مل في‬
‫بساتين المدينة ليأخذ أجره آخر النهار ليساهم بها في تجهيز جيش العسرة ولول مرة في التاريخ يعرف أن أناسا يعملون ليتصدقون ‪ ،‬وأناسا‬
‫يعملون من أجل أن يقدموا المال لدعوتهم ودينهم ‪ ،‬فقد تعرف دنيا رجلً يعمل ليكفي ذاته لينفق على أسرته ليحسن من أوضاع معيشته ‪ ،‬أما‬
‫هذا الجيل الفريد فقد ذهب ليعمل ل من اجل احتياجه الشخصي ‪ ،‬وإنما لحتياج جماعي لتجهيز الجيش ‪ ،‬للتصدق في سبيل ال ليكون له مهمة‬
‫وتكون له مساهمة في النف قة و كل من هم يقدم ما لد يه في سبيل ال عز و جل دون ما توج يه دون ما أ مر ‪ ،‬ح تى المرأة الم سلمة ذه بت وأقا مت‬
‫خيمت ها في الم سجد " رفيدة " رضوان ال عل يه لتمرض جر حى الم سلمين وت ضع كل طاقت ها في هذا المجال و في هذا الع مل دون ما توج يه أو‬
‫تكليف من نبيهم صلى ال عليه وسلم بل يستيقظ النبي صلى ال عليه وسلم من نومه فيجد أبا أيوب واقفا على الباب ومعه سلحه فيقول ‪ :‬ما‬
‫نابك ؟ فيقول ‪ :‬يا رسول ال قد سمعت صوتا فخفت عليك ‪.‬‬
‫فينتدب الرجل للدفاع عن النبي صلى ال عليه وسلم دونما تكليف ‪ ،‬وحينما يغير بعض العداء على إبل الصدقة في المدينة المنورة ولم يكن‬
‫أمامهم إل سلمة بن الكوع وقد رآهم أمامه فندى سلمة وأصحابه وانطلق وحده يطارد المعتدين وكان سلمة بن الكوع رضوان ال عليه رجل‬
‫ي سابق الفرس وي سبقه فجرى خلف هم وأ خذ يطارد هم ب عد أن أطلق صيحته وأ صحابه فأدرك الم سلمون أن هناك عدوا على المدي نة فإذا بال نبي‬
‫صلى ال عليه وسلم يبادر لكي يسد الثغرة ‪.‬‬
‫فالمسلم إن كان وحده مطالب بأن يزود عن دولة السلم ‪ ،‬يقول بن مسعود ‪ :‬الجماعة أن تكون على الحق ولو كنت وحدك ‪ ،‬وإن خذلك الناس‬
‫ن وإن تخلى عنك الناس فأنت الجماعة ‪ ،‬أنت ‪ -‬إذا ‪ -‬مطالب بأداء دورك ‪ ،‬مطالب بالجهاد حين الهيعة ل تتباطأ ول تتراجع ‪.‬‬
‫ورضوان ال على المام البنا القائل مبينا أن المة تحتاج إلى نهضة رجل ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إن رجلً باستطاعته أن يبنى أمة لو صحت رجولته ‪ ،‬وإن‬
‫كل الدعوات ال صلحية و التجديد ية إن ما قام ب ها أناس ‪ ،‬وقام ب ها أفراد في لح ظة غ في في ها الم سلمون ‪ ،‬فو قف هذا الر جل الذي أراد ال أن‬
‫يجدد على يد يه الد ين فا ستنهض عزائم الناس ‪ ،‬وا ستحث همم هم ‪ ،‬ور فع للخ ير را ية فتج مع الم سلمون من حوله فكا نت نه ضة ب عد غفلة ‪،‬‬
‫وكانت صحوة بعد منام ‪ ...‬إنه العمل الدءوب الذي ل يعرف الكلل ول الملل { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } المؤمنون ‪، 61‬‬
‫ول تتحقق الخيرات على الرض إل بتضحيات الرجال أصحاب الهمة العالية ‪.‬‬

‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪3‬‬ ‫الهداء‬
‫‪5‬‬ ‫مقدمة فضيلة الشيخ عبد ال الخطيب‬
‫‪.1‬‬ ‫التوطئة‬
‫الباب الول ‪ :‬التضحية معناها ودوافعها‬
‫‪17‬‬ ‫معنى التضحية‬
‫‪18‬‬ ‫من أجل الحق نضحي‬
‫‪.2‬‬ ‫حجم العداوات تستوجب التضحيات‬
‫‪23‬‬ ‫التضحية و المسئولية‬
‫‪25‬‬ ‫التضحية أنواع وألوان‬
‫‪27‬‬ ‫ليس كل تضحية تقبل‬
‫‪29‬‬ ‫نماذج من الذى‬
‫الباب الثاني ‪ :‬التضحية و العلقات الجتماعية الحميمة و العادية‬
‫‪39‬‬ ‫مع التضحية صبر واحتساب‬
‫‪.4‬‬ ‫جزاء التضحية‬
‫‪41‬‬ ‫التضحية بالجوار و الصداقات بجميع أشكالها‬
‫‪43‬‬ ‫هجرة أم سلمة‬
‫‪45‬‬ ‫هجرة عمر وقصته مع عياش‬
‫‪48‬‬ ‫قصة زيد بن حارثة مع أسرته‬
‫الباب الثالث ‪ :‬التضحية بالوقت و الجهد‬
‫‪54‬‬ ‫ل تقدم على دعوتك شئ‬
‫‪55‬‬ ‫المر الثقيل‬
‫‪57‬‬ ‫رجال ورجال‬
‫‪58‬‬ ‫صنف تحمله الدعوة‬
‫‪.6‬‬ ‫من النماذج الحية‬
‫الباب الرابع ‪ :‬التضحية بالمال‬
‫‪69‬‬ ‫من موازين اليمان‬
‫‪.7‬‬ ‫النفاق في سبيل ال‬
‫‪73‬‬ ‫النفاق ودللته‬
‫‪75‬‬ ‫أولئك هم المؤمنون حقا‬
‫‪77‬‬ ‫شروط قبول التضحية بالمال‬
‫‪79‬‬ ‫شروط القرض الحسن‬
‫‪.8‬‬ ‫التضحية بالمال كما جاءت في السنة‬
‫‪82‬‬ ‫التضحية واجب شرعي‬
‫‪84‬‬ ‫مع رسول ال وسائل البردة‬
‫‪84‬‬ ‫مع أبى بكر الصديق رضى ال عنه‬
‫‪86‬‬ ‫مع صهيب رضى ال عنه‬
‫‪87‬‬ ‫مع عبد الرحمن بن عوف رضى ال عنه‬
‫‪89‬‬ ‫مع عائشة رضى ال عنها‬
‫‪.9‬‬ ‫مع أبى عبيدة ومعاذ رضى ال عنهما‬
‫‪.9‬‬ ‫مع أبى أمامة‬
‫‪91‬‬ ‫مع عبد ال بن عمر رضى ال عنهما‬
‫‪92‬‬ ‫مع شعبة بن الحجاج رضى ال عنه‬
‫‪93‬‬ ‫مع العمى في قصة الثلثة من بنى إسرائيل‬
‫‪94‬‬ ‫مع عبد ال بن جعفر رضى ال عنه‬
‫‪95‬‬ ‫مع عبد ال بن المبارك رضى ال عنه‬
‫‪95‬‬ ‫مجاهدون بأموالنا‬
‫‪96‬‬ ‫تعفف عن الهدايا والجر‬
‫‪97‬‬ ‫ما جئت جابيا‬
‫‪98‬‬ ‫يبكون شوقا إلى الجهاد ل الغنائم‬
‫‪99‬‬ ‫التربية ابتداء وانتهاء‬
‫‪..1‬‬ ‫هاجس الرزق‬
‫‪1.1‬‬ ‫حاجة الجهاد للمال وفضل النفقة عليه‬
‫‪1.5‬‬ ‫لماذا الجهاد بالمال ؟‬
‫الباب الخامس ‪ :‬التضحية بالنفس‬
‫‪1.9‬‬ ‫الحث على التضحية بالنفس‬
‫‪.11‬‬ ‫ل تحيا الدعوة إل بالجهاد‬
‫‪111‬‬ ‫أمثلة موجزة‬
‫‪112‬‬ ‫الفرق بين رجلين‬
‫‪114‬‬ ‫تربية المجاهدين القرآنية‬
‫‪117‬‬ ‫حقيقة تمل قلب كل مؤمن‬
‫‪117‬‬ ‫الموت ليس نهاية المطاف ( هاجس الموت )‬
‫‪118‬‬ ‫الموت في سبيل ال حياة‬
‫‪119‬‬ ‫الموت في سبيل ال قمة التضحية‬
‫‪122‬‬ ‫فهم يجب أن يسود‬
‫‪122‬‬ ‫حقيقة ينساها الكثير‬
‫‪124‬‬ ‫مثال حي‬
‫‪124‬‬ ‫نماذج من الشهداء‬
‫‪125‬‬ ‫مع سيدنا إبراهيم‬
‫‪127‬‬ ‫الملك الجبار‬
‫‪128‬‬ ‫عوف بن الحارث‬
‫‪129‬‬ ‫عمير بن الحمام‬
‫‪129‬‬ ‫مصعب بن عمير‬
‫‪.13‬‬ ‫أنس بن النضر‬
‫‪131‬‬ ‫عاصم بن ثابت‬
‫‪131‬‬ ‫جعفر بن أبى طالب‬
‫‪132‬‬ ‫عبد ال بن رواحة‬
‫‪134‬‬ ‫عبد الرحمن بن ثعلبة‬
‫‪135‬‬ ‫رجل حضره أبو موسى الشعرى‬
‫‪136‬‬ ‫عكرمة بن أبى جهل‬
‫‪136‬‬ ‫عبد ال بن حذيفة السهمى‬
‫‪137‬‬ ‫سعيد بن عمرو بن زيد‬
‫‪137‬‬ ‫عبد ال بن الزبير‬
‫‪138‬‬ ‫مع الشباب و الصبية ‪ :‬معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء‬
‫‪139‬‬ ‫مع الغلمان ‪ :‬عبد ال بن عمرو وصحبه‬
‫‪.14‬‬ ‫مع النساء ‪ :‬أم عمارة‬
‫‪143‬‬ ‫القضية الفلسطينية جذورها إسلمية‬
‫‪144‬‬ ‫القضية الفلسطينية وجهاد رجالها‬
‫‪146‬‬ ‫قضية الجهاز السري في جماعة الخوان‬
‫‪146‬‬ ‫الطريق إلى فلسطين و القنال‬
‫‪152‬‬ ‫مع الشهداء سيد قطب ويوسف طلعت‬
‫‪154‬‬ ‫مع والد أحد الشهداء‬
‫‪154‬‬ ‫إنهم رجال‬
‫‪154‬‬ ‫الستاذ الهضيبى‬
‫الباب السادس ‪ :‬منهج السلم في التربية على التضحية‬
‫‪159‬‬ ‫فهم لبد أن يسبق التضحية بالنفس‬
‫‪.16‬‬ ‫ركيزتان لبد منهما‬
‫‪161‬‬ ‫أنموذج المجاهد ل بطولته‬
‫‪163‬‬ ‫صاحب الفكرة المضحى وسماته‬
‫‪167‬‬ ‫أمور تدفع إلى التضحية‬
‫‪169‬‬ ‫معوقات التضحية‬
‫‪171‬‬ ‫خاتمة وكلمة أخيرة‬

You might also like