You are on page 1of 133

‫التربية الهادية‬

‫ف ضوء الكتاب والسنة‬

‫تأليف‬
‫عبد العزيز بن ناصر الليل‬

‫‪1‬‬
‫التربية الهادية‬
‫ف ضوء الكتاب والسنة‬
‫تهيـــد‬
‫ال مد ل رب العال ي وال صلة وال سلم على نبي نا م مد وعلى آله و صحبه‬
‫أجعي·‬
‫وبعد‪:‬‬
‫ف َوَيْنهَوْ َن عَ نِ‬
‫خيْ ِر َوَيأْمُرُو نَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫فيقول ال عز وجل‪( :‬وَْلتَكُ نْ ِمْنكُ مْ ُأ ّم ٌة يَ ْدعُو نَ إِلَى الْ َ‬
‫ك هُ ُم الْ ُمفْلِحُونَ) (آل عمران‪.)104:‬‬ ‫الْ ُمْنكَ ِر َوأُولَئِ َ‬
‫وم ا ل شك ف يه أن الهاد ف سبيل ال تعال ضرب م هم من ال مر بالعروف والن هي عن‬
‫النكر؛ إذ ل بد منه للمة الت تدعو إل ال عز وجل وتأمر بالعروف وتنهى عن النكر؛ وذلك‬
‫ف مرحلة من مراحلها؛ وذلك إما بهاد الدفع عندما تبتلى المة بن يفتنها ف دينها أو دمائها‬
‫أو أعراض ها فيفرض علي ها الداف عة فرضًا ح سب المكان وإل الفناء واللك‪ ،‬أو بهاد الطلب‬
‫ونشدر ديدن ال تعال عندمدا تكون قادرة على ذلك؛ إذ إن مدن سدنن ال تعال أن يدد الدعاة‬
‫أنف سهم و هم يتقدمون بالدعوة إل الناس أن الطواغ يت يولون بين هم وب ي و صول ال ق إل‬
‫الناس وأن يكون الدين كله ل‪ ،‬فيشرع حينئذ جهاد الفسدين الصادين عن سبيل ال تعال حت‬
‫ل تكون فت نة ويكون الد ين كله ل تعال· وهذا فرع عن ال مر بالعروف والن هي عن الن كر‬
‫الذي تقوم من أجله الدعوة وتبذل فيه التضحيات ف سبيل ال تعال·‬
‫وإن المة السلمية اليوم تر بظروف عصيبة تكالب فيها العداء وتنادوا من كل صوب‪،‬‬
‫وتداعوا على حرب ال سلم وأهله ال صادقي؛ وذلك ف حلة شر سة وح قد دف ي يريدون من‬
‫ورائه مسخ السلم ف قلوب أهله‪ ،‬وجر السلمي إل التبعية للغرب الكافر· وساعدهم ف ذلك‬
‫النافقون من ب ن جلدت نا؛ فجاءت الرب شاملة من خارج ال مة و من داخل ها‪( :‬يُرِيدُو نَ أَ نْ‬
‫يُ ْط ِفئُوا نُورَ اللّ ِه ِبأَفْوَاهِهِ ْم َوَي ْأبَى اللّهُ إِلّا أَ ْن ُيتِ ّم نُو َرهُ وََلوْ كَ ِر َه الْكَافِرُونَ) (التوبة‪.)32:‬‬

‫‪2‬‬
‫ومع إياننا بتمية الصراع بي الق والباطل‪ ،‬ومع أن جهاد الكفار أصبح أمرًا مفروضًا على‬
‫السلمي دفاعًا عن الدين والعرض حت ل تكون فتنة‪ ،‬إل أن السلم الناظر ف أحوالنا اليوم وما‬
‫هي عليه من ضعف إيان‪ ،‬وركون إل الدنيا‪ ،‬وترهل ف المم والجسام‪ ،‬ويأس وإحباط ليَشعُر‬
‫بال طر على نف سه وعلى أم ته‪ ،‬ويفرض عل يه ذلك البادرة مع إخوا نه ف و ضع برا مج علم ية‬
‫وعمل ية لعداد النفوس وانتشال ا من نوم ها أو موت ا‪ ،‬وإحياء الهاد وتد يث الن فس به‪ .‬فل قد‬
‫قال رسول ال‪" :‬من ل يغز ول يدث نفسه بالغزو مات على شعبة من شعب النفاق"(‪.)1‬‬
‫وتديث النفس بالغزو ليس الراد منه خاطرة تر ف النفس ث تدفن ف أودية الدنيا وزينتها الت‬
‫سيطرت على كثي منا؛ وإنا الراد به العزية الصادقة على ذلك‪ ،‬ومن علماتا الخذ بالسباب‪،‬‬
‫وإعداد العدة الشاملة للجهاد ف سبيل ال تعال علما وعملً وحالً· قال ال تعال‪( :‬وََلوْ أَرَادُوا‬
‫خرُوجَ َلَأعَدّوا لَ ُه عُ ّدةً ‪( )...‬التوبة‪ :‬من الية ‪.)46‬‬
‫الْ ُ‬
‫وف القابل لحوال الفرّطي ف إعداد العدة لهاد الكفار وتربية النفوس على ذلك‪ ،‬توجد‬
‫طائ فة أخرى قد أفر طت وتعجّلت ف مواج هة الكفار والنافق ي بال صدام ال سلح دون إعداد‬
‫شا مل لذه الواج هة‪ ،‬وق بل أن يأ خذ البلغ العام للناس ح قه كي ت ستبي ل م سبيل الؤمن ي‬
‫وسبيل الجرمي‪ ،‬ويزول اللبس والشتباه بينهما ليهلك من هلك عن بينة ويي من حيّ عن‬
‫بي نة·فن شأ من جراء ذلك مفا سد عظي مة على الدعوة وأهل ها وعلى عا مة ال سلمي الذ ين ل بس‬
‫المر عليهم ول يستبينوا سبيل الجرمي·‬
‫وعندمدا نذكدر السدتعجلي للجهاد قبدل العداد له فإناد نقصدد أولئك الذيدن بادروا إل‬
‫الواجهة مع النظمة الكفرية الستقرة التمكنة قبل العداد لذلك‪ ،‬وقبل وضوح الراية الكفرية‬
‫للناس ف هذه المكنة· أما الساحات الهادية الت قد اتضحت فيها رايات الكفار فهذا جهاد‬
‫مشروع ومطلوب كما هو الال ف كشمي وأفغانستان والشيشان وفلسطي·‬
‫والقصود ما سبق أن كل الفريقي‪ :‬سواء الهملون للتربية الهادية ف برامهم ومناهجهم‬
‫وسيطرة حياة الترف والترهل على حياتم‪ ،‬أو الستعجلون للجهاد السلح قبل استكمال عُدته‬
‫فد النفدس والواقدع؛ أن كل الفريقيد متاج لعداد العدة للجهاد فد سدبيل ال تعال بفهومده‬
‫الشا مل‪ ،‬وهو ما د فع إل كتابة هذه الوراق ال ت أر جو أن تكون فات ة خ ي ف هذا الوضوع‬

‫‪3‬‬
‫الهم‪ ،‬ولعلها أن تفتح الباب للمهتمي بالدعوة والهاد كي يدلوا بدلوهم ف هذا الجال الهم‬
‫من مالت الترب ية والعداد للجهاد ويكملوا ما ن قص م نه ح ت ي د الربون ف يه بغيت هم من‬
‫البامج العلمية والعملية لعداد شباب الصحوة وبقية المة للجهاد ف سبيل ال تعال·‬
‫وقبل الدخول ف ذكر الوسائل والبامج الت تُحيي ف النفوس الهاد والستعداد له يسن‬
‫الديث عن بعض القدمات الهمة الت تتعلق بالهاد والغزو ف سبيل ال تعال·‬
‫القدمة الول‪ :‬العن العام للجهاد ومراتبه·‬
‫القدمة الثانية‪ :‬أقسام الهاد ف سبيل ال عز وجل·‬
‫القدمة الثالثة‪ :‬غاية الهاد ف سبيل ال عز وجل·‬
‫القدمة الرابعة‪ :‬ثرة الهاد ف سبيل ال عز وجل ف الدنيا والخرة·‬
‫القدمة الامسة‪ :‬ماطر إهال الهاد ف سبيل ال عز وجل وترك الستعداد له·‬

‫القدمة الول‬
‫العن العام للجهاد ومراتبه‬
‫العن اللغوي‪:‬‬
‫لهْد‪:‬‬
‫لهْد بالفتح‪ :‬الشقة‪ ،‬وا ُ‬
‫لهْد‪ :‬الطاقة والشقة· وقيل ا َ‬
‫لهْد وا ُ‬
‫قال الراغب ف مفردات القرآن‪( :‬ا َ‬
‫الوسع)(‪.)2‬‬
‫وقال ابن حجر‪( :‬والهاد بكسر اليم‪ :‬أصله لغة‪ :‬الشقة)(‪.)3‬‬
‫العن الشرعي‪:‬‬
‫يدور العن الشرعي عند أغلب الفقهاء‪ :‬على قتال السلمي للكفار بعد دعوتم إل السلم أو الزية‬
‫ث إبائهم·‬
‫فهو عند الحناف‪( :‬بذل الوسع والطاقة بالقتال ف سبيل ال عز وجل بالنفس والال واللسان أو غي‬
‫ذلك أو البالغة ف ذلك)(‪.)4‬‬
‫وبأنه‪( :‬الدعاء إل الدين الق وقتال من ل يقبله)(‪.)5‬‬

‫‪4‬‬
‫وعند الالكية هو‪( :‬قتال مسلم كافرًا غي ذي عهد لعلء كلمة ال تعال)(‪.)6‬‬
‫وعند الشافعية كما قال الافظ ابن حجر‪( :‬وشرعًا‪ :‬بذل الهد ف قتال الكفار)(‪.)7‬‬
‫وعند النابلة‪( :‬قتال الكفار)(‪.)8‬‬
‫وكدل هذه التعريفات يُرى أناد قدد حصدرت الهاد فد قتال الكفار‪ ،‬وهذا هدو تعريدف الهاد عندد‬
‫الطلق· وهناك أنواع أخرى قدد أطلق عليهدا الشارع اسدم الهاد مدع خلوهدا مدن القتال كجهاد‬
‫النافقي‪ ،‬وجهاد النفس·‬
‫ولذا فإن لشيخ السلم ابن تيمية رحه ال تعال تعريفًا عامًا للجهاد قال فيه‪" :‬والهاد هو بذل الوسع‬
‫‪ -‬وهو القدرة ‪ -‬ف حصول مبوب الق‪ ،‬ودفع ما يكرهه الق"(‪.)9‬‬
‫وقال أيضا‪ ···" :‬وذلك لن الهاد حقيقته الجتهاد ف حصول ما يبه ال‬
‫من اليان والعمل الصال‪ ،‬ومن دفع ما يبغضه ال من الكفر والفسوق والعصيان"(‪.)10‬‬
‫وتت هذا العن العام للجهاد يدخل جهاد النفس ف طاعة ال تعال وترك معاصيه‪ ،‬وجهاد الشيطان‬
‫وجهاد النافق ي‪ ،‬وجهاد الكفار‪ ،‬و من ذلك جهاد البيان والبلغ‪ ،‬ومداف عة الف ساد والف سدين؛ بل‬
‫إن جهاد الكفار بالسدنان إن هدو إل جزء مدن القيام بفريضـة المـر بالعروف الكدب ‪ -‬وهدو نشدر‬
‫التوح يد ‪ -‬والن هي عن الن كر ال كب ‪ -‬و هو الشرك بال عز و جل والك فر به ‪ -‬وذلك ب عد دعوة‬
‫الكفار إل التوحيد ورفضهم له أو لدفع الزية·‬
‫ويبي المام ابن الق يم رح ه ال تعال حقيقة الهاد بعناه العام وأنواعه فيقول‪" :‬ل ا كان الهاد ذروة‬
‫سنام السلم وُقّبتَه‪ ،‬ومنازلُ أهله أعلى النازل ف النة‪ ،‬كما لم الرفعةُ ف الدنيا‪ ،‬فهم العلون ف‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ف الذّرو ِة العُليا منه‪ ،‬واستول على أنواعه كلّها‬
‫فجاهد ف ال حقّ جهاده بالقلب والَنا نِ‪ ،‬والدعوة والبيان‪ ،‬والسيف‪ ،‬وال سّنَانِ‪ ،‬وكانت ساعاته‬
‫موقوفة على الهاد‪ ،‬بقلبه‪ ،‬ولسانه‪ ،‬ويده· ولذا كان أرفعَ العالي ذِكرًا‪ ،‬وأعظمهم عند ال قدرًا·‬
‫وأمره ال تعال بالهاد من ح ي بع ثه‪ ،‬وقال‪( :‬وََل ْو ِشئْنَا َلَب َعثْنَا فِي كُلّ قَ ْرَي ٍة نَذِيرا فَل تُطِ ِع اْلكَافِرِي نَ‬
‫وَجَاهِ ْدهُ ْم بِهِ ِجهَادا َكبِيا) (الفرقان‪.)52-51:‬‬

‫‪5‬‬
‫فهذه سورة مكية أمر فيها بهاد الكفار‪ ،‬بالُجة‪ ،‬والبيان‪ ،‬وتبليغ القرآن· وكذلك جها ُد النافقي إنا‬
‫هو بتبليغ الُجّة‪ ،‬وإل فهم تت قهر أهل السلم؛ قال تعال‪( :‬يَا َأّيهَا النِّبيّ جَاهِ ِد الْ ُكفّا َر وَالْ ُمنَاِفقِيَ‬
‫س الْ َمصِيُ) (التوبة‪.)73:‬‬
‫ظ عََلْيهِ ْم َومَ ْأوَاهُمْ َج َهنّمُ َوبِْئ َ‬
‫وَاغْلُ ْ‬
‫ص المة‪ ،‬وورثة الرّسل‪ ،‬والقائمون به أفرادٌ‬ ‫فجها ُد النافقي أصعبُ من جهاد الكفار‪ ،‬وهو جها ُد خوا ّ‬
‫ف العال‪ ،‬والشاركُون ف يه‪ ،‬والعاونون عل يه‪ ،‬وإن كانوا هُم القل ي عددًا‪ ،‬ف هم العظمون ع ند ال‬
‫قدرًا·‬
‫ول ا كان من أف ضل الهاد قو ُل القّ مع شدة الُعارِ ضِ‪ ،‬مثلَ أن تتكلم به ع ند من تُخاف سَطوتهُ‬
‫وأذاه‪ ،‬كان للرسلِ ‪ -‬صلواتُ ال عليهم وسلمُهُ ‪ -‬مِن ذلك الظّ الوفَرُ‪ ،‬وكان لنبينا ‪ -‬صلوات ال‬
‫وسلمه عليه ‪ -‬من ذلك أكملُ الهاد وأتّه·‬
‫ولا كان جهاد أعداءِ ال ف الارج فرعًا على جها ِد العبد نفسه ف ذا تِ ال؛ كما قال النبّ صلى ال‬
‫جرَ ما نَهَى ال ع نه)(‪ .)11‬كان‬ ‫عل يه و سلم‪( :‬الجاهِ ُد مَ نْ جَاهَ َد َنفْ سَهُ ف طَا َعةِ ال‪ ،‬والُهاجِ ُر مَ ْن هَ َ‬
‫جها ُد الن فس مُقدّماَ على جهاد العدوّ ف الارج‪ ،‬وأ صلً له؛ فإ نه ما ل يُجا هد نف سه أو ًل لتف عل ما‬
‫ُأمِرَتْ به‪ ،‬وتترك ما نُهيت عنه‪ ،‬ويُحارِبا ف ال‪ ،‬ل يكنه جهادُ عدوه ف الارج‪ ،‬فكيف يُم ِكنُهُ جهادُ‬
‫عدوه والنتصاف منه‪ ،‬وعدوّه الذي بي جنبيه قاهرٌ له‪ ،‬متسلطٌ عليه‪ ،‬ل يُجاهده‪ ،‬ول يُحاربه ف ال‪،‬‬
‫بل ل يُمكنه الروجُ إل عدوه‪ ،‬حت يُجاهد نفسه على الروج·‬
‫ح َن العبدُ بهادها‪ ،‬وبينهما عد ٌو ثالث‪ ،‬ل يكنه جهادُها إل بهاده‪ ،‬وهو واقف‬ ‫فهذان عدوّانِ قد امتُ ِ‬
‫خيّل له ما ف جهادها من الشاق‪،‬‬ ‫ط العبدَ عن جهادها‪ ،‬ويُخَذّلُه‪ ،‬ويُرجِ فُ به‪ ،‬ول يزا ُل يُ َ‬ ‫بينهما يَُثبّ ُ‬
‫ْند إل بهاده‪ ،‬فكان‬ ‫ْنكد العدوي ِ‬ ‫وترك الظوظ‪ ،‬وفوت اللذات‪ ،‬والشتهيات‪ ،‬ول يُمكنده أن يُجاهِدَ َذي َ‬
‫جهادُه هدو الصدل لهاده ا‪ ،‬و هو الشيطان؛ قال تعال‪( :‬إِنّ الشّيْطَا نَ َلكُ ْم عَ ُدوّ فَاتّخِذُو هُ عَ ُدوّا )‬
‫(فاطر‪ :‬من الية ‪ .)6‬والمر باتاذه عدوًا تنبيه على استفراغ الوسع ف ماربته وماهدته‪ ،‬كأنّهُ عدو ل‬
‫يفتر‪،‬ول يُقصّر عن ماربة العبد على عدد النفاس·‬
‫فهذه ثل ثة أعداء‪ُ ،‬أمِ َر الع بد بحاربت ها وجهاد ها‪ ،‬و قد بُلي بحاربت ها ف هذه الدار‪ ،‬و سُلّطت عل يه‬
‫امتحانا من ال له وابتلء‪ ،‬فأع طى ال الع بد مددا وعُ ّد ًة وأعوانًا و سلًحًا لذا الهاد‪ ،‬وأع طى أعداءه‬
‫مددًا وعُ ّد ًة وأعوانًا و سلحًا‪ ،‬وَبلَ أحدَ الفريق ي بال خر‪ ،‬وج عل بعض هم لب عض فت نة ليبُلوَ أخبار هم‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫ويتحن من يتوله‪ ،‬ويتول رسله من يتول الشيطان وحزبه؛ كما قال تعال‪( :‬وَ َجعَ ْلنَا َب ْعضَكُ مْ ِلَبعْ ضٍ‬
‫ك وََل ْو يَشَاءُ اللّ ُه لنْتَ صَرَ‬
‫صبِرُونَ وَكَا نَ َربّ كَ بَ صِيا)(الفرقان‪ :‬من الية ‪ ، )20‬وقال تعال‪( :‬ذَلِ َ‬ ‫ِفْتَنةً أَتَ ْ‬
‫ِمْنهُ ْم وََلكِنْ ِليَبُْل َو َب ْعضَكُ ْم ِبَبعْضٍ)(ممد‪ :‬من الية ‪ ،)4‬وقال تعال‪( :‬وََلنَبُْل َوّنكُمْ َحتّى َنعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ‬
‫ِمْنكُ ْم وَالصّابِرِي َن َوَنبُْلوَ أَ ْخبَارَ ُكمْ) (ممد‪.)31:‬‬
‫إذا عُرِفَ هذا فالهاد أربع مراتب‪:‬‬
‫جهاد النفس ‪ -‬وجهاد الشيطان ‪ -‬وجهاد الكفار ‪ -‬وجهاد النافقي·‬
‫فجهاد النفس أربع مراتب أيضا‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬أن ياهدها على تعلّم الُدى‪ ،‬ودين الق الذي ل فلح لا‪ ،‬ول سعادة ف معاشها ومعادها‬
‫إل به‪ ،‬ومت فاتا عِلمُه‪ ،‬شقيت ف الدّارين·‬
‫الثانية‪ :‬أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه‪ ،‬وإل فمجرّدُ العلم بل عمل إن ل يَضُرّها ل ينفعْها·‬
‫الثالثة‪ :‬أن يُجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من ل يعلمه‪ ،‬وإل كان من الذين يكتمون ما أنزل ال‬
‫من الُدى والبينات‪ ،‬ول ينفعه علمُهُ‪ ،‬ول يُنجِيه من عذاب ال·‬
‫الرابعة‪ :‬أن يُجاهدها على الصب على مشاقّ الدعوة إل ال‪ ،‬وأذى اللق‪ ،‬ويتحمّل ذلك كله ل· فإذا‬
‫ا ستكمل هذه الرا تب الر بع‪ ،‬صار من ال ّربّانِييَ؛ فإن ال سلف م ِمعُو نَ على أن العَالِ َم ل ي ستح ّق أن‬
‫يُ سمى ربانيًا ح ت يعرف القّ‪ ،‬ويع مل به‪ ،‬وُيعَلّمَه‪ ،‬ف من علم وعَمِ َل وعلّ مَ فذاك يُد عى عظيما ف‬
‫ملكوت السماوات·‬
‫وأما جهاد الشيطان‪ ،‬فمرتبتان‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬جهادُه على دفع ما يُلقي إل العبد من الشبهات والشكوكِ القادحة ف اليان·‬
‫الثان ية‪ :‬جِهاد هُ على د فع ما يُل قي إل يه من الرادات الفا سدة والشهوات· فالها ُد الول يكون بعُدة‬
‫صبَرُوا وَكَانُوا‬
‫اليق ي‪ ،‬والثا ن يكون بُعدة ال صب؛ قال تعال‪( :‬وَ َجعَلْنَا ِمْنهُ مْ َأئِ ّمةً َيهْدُو َن ِبأَمْرِنَا لَمّ ا َ‬
‫بِآياتِنَا يُوِقنُونَ) (السجدة‪.)24:‬‬
‫فأ خب أن إما مة الد ين إن ا تُنال بال صب واليق ي؛ فال صب يد فع الشهوات والرادات الفا سدة‪ ،‬واليق ي‬
‫يدفع الشكوك والشبهات·‬
‫وأما جهاد الكفار والنافقي ‪ ،‬فأربع مراتب‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫بالقلب‪ ،‬واللّسان‪ ،‬والال‪ ،‬والنفس‪ ،‬وجها ُد الكفار أخصّ باليد‪ ،‬وجهادُ النافقي أخصّ باللسان·‬
‫وأما جهاد أرباب الظلم‪ ،‬والبدع‪ ،‬والنكرات‪ ،‬فثلث مراتب‪:‬‬
‫ج َز انتقل إل اللسان‪ ،‬فإن عَجَزَ جاهد بقلبه‪ ،‬فهذه ثلثة عشر مرتبة‬ ‫الول‪ :‬باليد ‪ -‬إذا قَ َدرَ ‪ -‬فإن عَ َ‬
‫ت عَلَى شُْعبَ ٍة من النفاق)(‪.)12‬‬
‫ث َنفْسَهُ بالغَ ْزوِ‪ ،‬مَا َ‬
‫من الهاد‪ ،‬و (من مات ول يغزُ‪ ،‬وَلَ ْم ُيحَدّ ْ‬
‫ب الِهاد كُّلهَا‪ ،‬واللق متفاوتون ف منازلم عند ال‪ ،‬تفاوتم ف‬ ‫وأكملُ اللق عند ال‪ ،‬من كمّلَ مراتِ َ‬
‫مراتب الهاد‪ ،‬ولذا كان أكمل اللق وأكرمهم على ال خاتُ أنبيائه ورُسُلِهِ؛ فإنه كمّل مراتبَ الهاد‬
‫وجاهد ف سبيل ال حقهَ جهاده ··"(‪.)13‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬ل ريب أن المر بالهاد الطلق إنا كان بعد الجرة‪ ،‬فأما جهاد الجة فأمر به ف مكة‬
‫ُمد بِهدِ) أي‪ :‬بالقرآن ( ِجهَادا َكبِيا) (الفرقان‪ )52:‬فهذه سدورة‬ ‫ِيند وَجَاهِ ْده ْ‬
‫ِعد اْلكَافِر َ‬
‫بقوله‪( :‬فَل تُط ِ‬
‫مكية والهاد فيها هو التبليغ"(‪.)14‬‬
‫من هذا الكلم النفيس حول الفهوم العام للجهاد وأنواعه يكن الروج بالفوائد التالية‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن الهاد بفهومه العام يش مل جهاد النفس والشيطان ف طاعة ال عز وجل وترك معصيته‪،‬‬
‫كما يشمل جهاد الكفار والنافقي بالجة والبيان‪ ،‬وجهاد أهل البدع والنكرات باليد أو باللسان أو‬
‫بالقلب حسب الستطاعة‪ ،‬ك ما يعن جهاد الكفار بالسيف والسنان إما جهاد د فع أو طلب وجهاد‬
‫الكفار بال سيف هو الذي ذ كر ال نب صلى ال عل يه و سلم أ نه ذروة سنام هذا الد ين و هو الراد من‬
‫الهاد ف سبيل ال عند الطلق·‬
‫الثانية‪ :‬أن جهاد الكفار ف العارك هو قمة الهاد وكماله‪ ،‬بل هو قمة اليان وهو ثرة جهاد طويل‬
‫مع النفس والشيطان وتربية لا على الصب والتضحية وقوة الصلة بال عز وجل‪ ،‬ول يصب على جهاد‬
‫الكفار وينت صر علي هم إل أولئك الذ ين انت صروا على أنف سهم والشيطان ف جهاد هم ل ما وكان ل م‬
‫نصيب من جهاد البيان وقول الق والصب على الذى فيه؛ إذ إن معركة الهاد مع الكفار إن هي إل‬
‫ساعات أو أيام حا سة لكن ها ثرة لعر كة سبقتها مع الن فس والشيطان‪ ،‬وجهاد بالعقيدة مع البا طل‬
‫بفض حه وبيان ما يضاده من ال ق و قد ي ستغرق ذلك سنوات أو أجيال‪ ،‬وهذا أ مر ل بد م نه و هو‬
‫ضرب من ضروب الهاد وإعداد للجهاد الاسم مع الكفار·‬

‫‪8‬‬
‫الثال ثة‪ :‬أن الكُمّ ل من الناس ف باب الهاد من قام برا تب الهاد كل ها وأ عد نف سه بم يع متطلبات‬
‫العداد للنت صار على الن فس والوى؛ والذي هو م هد للنت صار على الكفار ف ساحات الو غى‪،‬‬
‫ومهد للدخول ف ذروة سنام هذا الدين‪ ،‬والثبات أمام العداء‪ ،‬والستجابة لداعي الهاد‪ ،‬والتضحية‬
‫ف سبيل ال عز و جل بالال والن فس ع ند النداء‪ ،‬لتكون كل مة ال هي العل يا وليكون الد ين كله ل‪،‬‬
‫ولكن ل يسارع إل ذلك إل من كان له جهاد سابق مع نفسه وهواه وكان النصر له عليها·‬
‫وفد ذلك يقول المام ابدن القيدم رحهد ال تعال‪ ···" :‬إن جهاد الوى إن ل يكدن أعظدم مدن جهاد‬
‫الكفار فليس بدونه؛ قال ر جل للحسن الب صري رح ه ال تعال‪ :‬يا أبا سعيد أي الهاد أف ضل؟ قال‬
‫جهادك هواك· وسعت شيخنا يقول‪ :‬جهاد النفس والوى أصل جهاد الكفار والنافقي؛ فإنه ل يقدر‬
‫على جهادهم حت ياهد نفسه وهواه أولً حت يرج إليهم"(‪.)15‬‬

‫القدمة الثانية‬
‫أقسام الهاد ف سبيل ال‬
‫بعد أن تعرفنا على العن العام للجهاد ومراتبه نأت فنتعرف على أقسدام الهداد مع الكفدار حيث‬
‫ينقسم إل قسمي‪ :‬جهداد الدفدع‪ ،‬وجهاد الطلب·‬
‫‪ -1‬جهاد الدفع‪ :‬وهو جهاد الصائل والعتدي ‪ -‬سواءً كان فردًا أو طائفة ‪ -‬ومنعه من فتنة السلمي‬
‫ف دينهم والعتداء على النفس والعراض أو الستيلء على بلد السلمي·‬
‫وهذا القسم من الهاد فرض عي على كل مسلم مكلف قادر؛ وذلك عندما يهاجم الكفار السلمي‬
‫ف عقر دارهم أو يصل العتداء من الصائل على مال السلم أو عرضه‪ ،‬أو نفسه‪ ،‬وقد يكون الصائل‬
‫كافرًا أو ماربًا مسلمًا‪ ،‬وف هذا يقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪( :‬من قتل دون ماله فهو شهيد‪،‬‬
‫ومن قتل دون دمه فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دينه فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون حرمته فهو شهيد)(‪.)16‬‬
‫و عن مداف عة ال صائل يقول ش يخ ال سلم رح ه ال تعال‪" :‬وهذا الذي ت سميه الفقهاء "ال صائل" و هو‬
‫الظال بل تأويل ول ولية‪ ،‬فإذا كان مطلوبه الال جاز دفعه با يكن‪ ،‬فإذا ل يندفع إل بالقتال قوتل‪،‬‬
‫وإن ترك القتال وأعطاهدم شيئًا مدن الال جاز‪ ،‬وأمدا إذا كان مطلوبده الرمدة ‪ -‬مثدل أن يطلب الزندا‬
‫بحارم الن سان أو يطلب من الرأة‪ ،‬أو ال صب الملوك أو غيه الفجور به ‪ -‬فإ نه ي ب عل يه أن يد فع‬

‫‪9‬‬
‫عن نفسه با يكن‪ ،‬ولو بالقتال‪ ،‬ول يوز التمكي منه بال؛ بلف الال فإنه يوز التمكي منه؛ لن‬
‫بذل الال جائز‪ ،‬وبذل الفجور بالنفس أو بالرمة غي جائز· وأما إذا كان مقصوده قتل النسان‪ ،‬جاز‬
‫له الدفع عن نفسه· وهل يب عليه؟ على قولي للعلماء ف مذهب أحد وغيه· وهذا إذا كان للناس‬
‫سلطان‪ ،‬فأما إذا كان ‪ -‬والعياذ بال ‪ -‬فتنة‪ ،‬مثل أن يتلف سلطانان للمسلمي‪ ،‬ويقتتلن على اللك‪،‬‬
‫ف هل يوز للن سان‪ ،‬إذا د خل أحده ا بلد ال خر‪ ،‬وجرى ال سيف‪ ،‬أن يد فع عن نف سه ف الفت نة‪ ،‬أو‬
‫يستسلم فل يقاتل فيها؟ على قولي لهل العلم‪ ،‬ف مذهب أحد وغيه"(‪.)17‬‬
‫وقد عد شيخ السلم مدافعة الصائلي ومقاتلة الحاربي من السلمي من أنواع الهاد ف سبيل ال‬
‫عدز وجدل وذلك بقوله‪" :‬ل يلد للسدلطان أن يأخدذ مدن أرباب الموال جعلً على طلب الحاربيد‬
‫وإقامة الد‪ ،‬وارتاع أموال الناس منهم‪ ،‬ول على طلب السارقي ل لنفسه ول للجند الذين يرسلهم‬
‫ف طلبهم‪ ،‬بل طلب هؤلء من نوع الهاد ف سبيل ال فيخرج فيه جند السلمي كما يرج ف غيه‬
‫من الغزوات ال ت ت سمى (البيكار) وينفق على الجاهد ين ف هذا من الال الذي ين فق م نه على سائر‬
‫الغزوات"(‪.)18‬‬
‫ويفصل المام ابن القيم رحه ال تعال أقسام الهاد فيقول‪" :‬فمن العلوم أن الجاهد قد يقصد دفع‬
‫العدو إذا كان الجاهدد مطلوبا والعدو طالبًا‪ ،‬وقدد يقصدد الظفدر بالعدو ابتداء إذا كان طالبا والعدو‬
‫مطلوبًا‪ ،‬وقد يقصد كل المرين‪ ،‬والقسام ثلثة يؤمر الؤمن فيها بالهاد·‬
‫وجهاد الدّفع أصعب من جهاد الطلب؛ فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل‪ ،‬ولذا أُبيح للمظلوم‬
‫أن يدفع عن نفسه ‪ -‬كما قال ال تعال‪ُ( :‬أ ِذنَ لِلّذِي َن ُيقَاتَلُو َن ِبأَّنهُ ْم ظُلِمُوا)(الج‪ :‬من الية ‪.)39‬‬
‫(‪)19‬‬
‫وقال النب صلى ال عليه وسلم‪( :‬من ُقتِل دون ماله؛ فهو شهيد‪ ،‬ومن ُقتِل دون دمه؛ فهو شهيد)‬
‫ح ورخصة؛ فإن قتل‬ ‫‪ -‬لن دفع الصائل على الدين جهاد وقربة‪ ،‬ودفع الصائل على الال والنفس مبا ٌ‬
‫فيه فهو شهيد·‬
‫فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعمّ وجوبًا‪ ،‬ولذا يتعيّن على كل أحد أن يقوم وياهد فيه‪ :‬العبد‬
‫بإذن سيده وبدون إذنه‪ ،‬والولد بدون إذن أبويه‪ ،‬والغري بغي إذن غريه؛ وهذا كجهاد السلمي يوم‬
‫أحد والندق·‬

‫‪10‬‬
‫ول يشترط ف هذا النوع من الهاد أن يكون العدو ضعفي السلمي فما دون؛ فإنم كانوا يوم أحد‬
‫والندق أضعاف السدلمي‪ ،‬فكان الهاد واجبًا عليهدم؛ لنده حينئذ جهاد ضرورة ودفدع‪ ،‬ل جهاد‬
‫اختيار‪ ،‬ولذا تُباح فيه صلة الوف بسب الال ف هذا النوع‪ ،‬وهل تُباح ف جهاد الطلب إذا خاف‬
‫فوت العدو ول يف كرّته؟ فيه قولن للعلماء ها روايتان عن المام أحد·‬
‫ومعلوم أن الهاد الذي يكون فيه النسان طالبًا مطلوبًا أوجب من هذا الهاد الذي هو فيه طالب ل‬
‫مطلوب‪ ،‬والنفوس فيه أرغب من الوجهي·‬
‫وأما جهاد الطلب الالص؛ فل يرغب فيه إل أ حد رَجُلي‪ :‬إ ما عظيم اليان يقاتل لتكون كل مة ال‬
‫هي العليا‪ ،‬ويكون الدين كلّه ل‪ ،‬وإما راغبٌ ف الغنم والسب·‬
‫فجهاد الدفع يقصده كل أحد‪ ،‬ول يرغب عنه إل البان الذموم شرعا وعقلً‪ ،‬وجهاد الطلب الالص‬
‫ل يقصدده سدادات الؤمنيد‪ ،‬وأمدا الهاد الذي يكون فيده طالبا مطلوبا؛ فهذا يقصدده خيار الناس؛‬
‫لعلء كلمة ال ودينه‪ ،‬ويقصده أوساطهم للدفع ولحبة ال ّظفَر"(‪.)20‬‬
‫وقد جعل أهل العلم جهاد الدفع فرض عي على كل مسلم ذكر مكلف حت يندفع العدو عن ديار‬
‫السلمي·‬

‫القدمة الثالثة‬
‫غاية الهاد ف سبيل ال تعال‬
‫الهاد ف سبيل ال تعال عبادة من العبادات العظيمة الت يتعبد ل تعال با‪ ،‬وهو كما ذكرت سابقًا‬
‫يعد من لوازم القيام بشعية المر بالعروف والنهي عن النكر وإبلغ التوحيد للناس وإزالة ما يضاده‬
‫من الشرك·‬
‫فما أعظمه وأشرفه من عبادة؛ حيث ل ينحصر نفعها على القائم با ولكنها تتعداه إل الناس بدايتهم‬
‫إل الي والسعادة ف الدنيا والخرة وإنقاذهم بإذنه تعال من الشر والشقاء ف الدنيا والخرة·‬
‫ويكننا حصر الغاية من الدعوة والهاد ف الهداف التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬التعبّ د ل عز و جل بذه الشعية العظي مة؛ شعية الهاد ف سبيل ال تعال؛ فشعور الجا هد أ نه‬
‫عبد ل عز وجل يب ربه سبحانه‪ ،‬ويب ما يبه من الهاد ف سبيله‪ ،‬ويبغض ما يبغضه من الشرك‬

‫‪11‬‬
‫والف ساد‪ ،‬ويب غض من يبغض هم ال من أعدائه الكفرة‪ ،‬وياهد هم ح ت تكون كل مة ال هي العل يا‬
‫وكلمة الذين كفروا السفلى· إن هذا الشعور لن أعظم الدوافع إل بذل الهد والهاد ف سبيل ال‬
‫تعال· ولو ل ي صل الداع ية ف دعو ته وجهاده إل على شعوره بالعبود ية ل عز و جل والتلذذ بذلك‬
‫لكفى بذلك دافعًا وغاية عظيمة(‪.)21‬‬
‫كمدا أن فد مصداحبة شعور العبادة ل تعال فد جيدع تركات الجاهدد أكدب الثدر فد التربيدة على‬
‫الخلص وتري الق والصواب واللذان ها شرطا قبول العبادة‪ ،‬وعلى العكس من ذلك عندما ينسى‬
‫أو يغفل الجاهد أنه متعبد ل تعال بدعوته وجهاده‪ ،‬فإنه بذلك يضعف إخلصه وتبدأ حظوظ النفس‬
‫والوى يسيطران على القلب‪ ،‬ما ينتج عنه ف ناية المر فتور الجاهد أو مزلة قدمه عياذًا بال تعال·‬
‫وإن بذل النفس والال ف سبيل ال عز وجل ليعد من أكب العلمات على مبة ال تعال ودينه‪ ،‬وعلى‬
‫العكس من ذلك فيما لو تقاعس السلم عن الهاد ف سبيل ال تعال وبل باله أو نفسه عندما يوجد‬
‫داعي الهاد؛ فإن هذا دليل على ضعف الحبة ل تعال ولدينه·‬
‫وف ذلك يقول شيخ السلم ابن تيمية رحه ال تعال‪" :‬فمن كان مبًا ل لزم أن يتبع الرسول فيصدقه‬
‫فيما أخب‪ ،‬ويطيعه فيما أمر‪ ،‬ويتأسى به فيما فعل‪ ،‬ومن فعل هذا فقد فعل ما يبه ال‪ ،‬فيحبه ال·‬
‫فجعل ال لهل مبته علمتي‪ :‬اتباع الرسول‪ ،‬والهاد ف سبيله؛ وذلك لن الهاد حقيقته الجتهاد‬
‫ف ح صول ما ي به ال من اليان والع مل ال صال؛ و من د فع ما يبغ ضه ال من الك فر والف سوق‬
‫والعصيان وقد قال تعال‪( :‬قُلْ إِ نْ كَا نَ آبَاؤُكُ ْم َوَأبْنَاؤُكُ ْم َوإِ ْخوَانُكُ ْم َوأَ ْزوَا ُجكُ ْم َوعَشِ َيُتكُ مْ )(التوبة‪:‬‬
‫من الية ‪.)24‬‬
‫إل قوله‪َ ( :‬حتّ ى َيأْتِ يَ اللّ ُه بَِأمْرِ هِ) فتو عد من كان أهله وماله أ حب إل يه من ال ور سوله والهاد ف‬
‫سبيله بذا الوع يد ··· والهاد هو بذل الو سع ‪ -‬و هو القدرة ‪ -‬ف ح صول مبوب ال ق ود فع ما‬
‫يكرهه الق‪ ،‬فإذا ترك العبد ما يقدر عليه من الهاد كان دليلً على ضعف مبة ال ورسوله ف قلبه·‬
‫ومعلوم أن الحبوبات ل تنال غالبًدا إل باحتمال الكروهات‪ ،‬سدواء كان مبدة صدالة أو فاسددة؛‬
‫فالحبون للمال والرئا سة وال صور ل ينالون مطالب هم إل بضرر يلحق هم ف الدن يا مع ما ي صيبهم من‬
‫الضرر ف الدنيا والخرة ل(‪.)22‬‬

‫‪12‬‬
‫وقال ف مو طن آ خر‪ " :‬والن صوص ف فضائل الهاد وأهله كثية‪ ،‬و قد ث بت أ نه أف ضل ما تطوع به‬
‫العبد· والهاد دليل الحبة الكاملة ··· فإن الحبة مستلزمة للجهاد؛ لن الحب يب ما يب مبوبه‪،‬‬
‫ويبغض ما يبغض مبوبه‪ ،‬ويوال من يواليه‪ ،‬ويعادي من يعاديه‪ ،‬ويرضى لرضاه ويغضب لغضبه‪ ،‬ويأمر‬
‫ب ا يأ مر به وين هى ع ما ين هى ع نه‪ ،‬ف هو موا فق له ف ذلك‪ ،‬وهؤلء هم الذ ين ير ضى الرب لرضا هم‬
‫ويغضب لغضبهم؛ إذ هم إنا يرضون لرضاه ويغضبون لا يغضب له"(‪.)23‬‬
‫‪ -2‬الفوز برضوان ال تعال وجنته ف الدار الخرة؛ وهذا هو ثرة التعبّد ل عز وجل السابق ذكرها‪،‬‬
‫وهدي الغايدة العظمدى التد وعدد ال عدز وجدل باد عباده المريدن بالعروف والناهيد عدن النكدر‪،‬‬
‫والجاهدين ف سبيله على بصية· ولقد تكاثرت اليات ف كتاب ال عز وجل الت تدح الجاهدين‬
‫ف سبيله سبحانه والصابرين على ما أصابم ف سبيله وما أُعد لم ف الدار الخرة من الرضوان والنعيم‬
‫الق يم· وعند ما ينْشَ ّد الداع ية إل هذه الغا ية وتنجذب نف سه إلي ها فإ نه ي ستسهل ال صعاب وي ضي ف‬
‫طريقه بقوة وعزية وثبات‪ ،‬كما أنه عندما يتعلق بذه الغاية العظيمة ول ينساها‪ ،‬فإنه بذلك ل يلتفت‬
‫إل أعراض الدن يا الزائلة ول ينت ظر جزاء عمله ودعو ته وجهاده ف الدن يا‪ ،‬وإن ا يروض نف سه ويربي ها‬
‫على أن تعطي من صبها وجهدها وجهادها‪ ،‬ول تأخذ منه شيئًا ف الدنيا‪ ،‬وإنا تنتظر العطاء والثواب‬
‫ف الدار الخرة من رب ا الكر ي ف دار النع يم الق يم· ولذلك فإن أ صحاب هذه النفوس الخل صة ل‬
‫يتطرق إليهم الوهن ول الفتور الذي يتعرض له أصحاب الغراض الدنيوية القريبة‪ ،‬الذين إن حصلوا‬
‫على أهدافهم ف الدنيا رضوا وواصلوا العطاء‪ ،‬وإن تأخرت عليهم فتروا وكلوا وتوقفوا·‬
‫أ ما أ صحاب الغا ية العظي مة ف هم ل يفترون ول يتوقفون‪ ،‬لن و قت ومكان توف ية ال جر ل يس ماله‬
‫الدنيا وإنا ف الخرة ‪ -‬دار الساب والزاء ‪ -‬ولذلك فهم يعملون وياهدون حت يأتيهم اليقي·‬
‫‪ -3‬تعبيد الناس لرب العالي عز وجل‪ ،‬وإنقاذهم ‪ -‬بإذنه تعال ‪ -‬من الظلمات إل النور‪ ،‬وإخراجهم‬
‫مدن عبادة العباد إل عبادة ال وحده ل شريدك له‪ ،‬ومدن جور الديان والذاهدب إل عدل السدلم‪،‬‬
‫ومن ضيق الدنيا وشقائها إل سعتها وسعادتا‪ ،‬ومن عذاب النار يوم القيامة إل جنات النعيم·‬
‫وهذا ل يتأتى إل بإزالة الشرك وأربابه الذين يولون بي الناس وبي أن يصل التوحيد إل قلوبم‪ ،‬ومن‬
‫أجل ذلك شرع الهاد لزالة هذه الواجز والعوائق الت تعترض طريق الق وتنعه من الوصول إل‬

‫‪13‬‬
‫قلوب الناس؛ وذلك ح ت ل تكون فت نة ويكون الد ين كله ل؛ قال ال تعال‪( :‬وَقَاتِلُوهُ مْ َحتّ ى ل‬
‫َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ فَِإ ِن انَْت َهوْا فَِإنّ اللّ َه بِمَا َيعْمَلُو َن بَصِيٌ) (النفال‪.)39:‬‬
‫وعندما يتذكر الجاهد هذه الهمة السيمة وهذا الدف الساس من دعوته وجهاده‪ ،‬فإنه يضاعف‬
‫من جهده ول ي قر له قرار و هو يرى الشرك ال ستشري ف الناس والف ساد ال ستطي والظلم العظ يم ف‬
‫حياتم والذي يؤول بم إل الشقاء والعنت وكثرة الصائب ف الدنيا وإل العذاب الليم ف الخرة·‬
‫ولذلك فل ترى الجاهد الدرك لذه الغاية من جهاده إل خائفًا على نفسه وعلى الناس من عذاب ال‬
‫عز وجل ف الدنيا والخرة‪ ،‬ول تراه إل ناصحًا للعباد رحيمًا بم يريد من دعوته وجهاده هداية الناس‬
‫وإنقاذهم بإذن ال تعال من الظلمات إل النور ومن عذاب ال عز وجل ف الدنيا والخرة·‬
‫ولذلك فإن الهاد ف السلم إن ا شرع رح ة بالناس‪ ،‬ولو كان فيه ما فيه من الشقة وبذل الرواح‬
‫والراحات؛ فإن هذه الشقات والكاره ل ت ساوي شيئًا ف مقابلة ما يتر تب على الهاد من ال صال‬
‫العظيمة وذلك من نشر التوحيد وتعبيد الناس لربم سبحانه‪ ،‬وإزالة الفتنة والشرك والظلم عنهم·‬
‫وبعد هذا التفصيل ف غايات الهاد يكن القول بأنا كلها ترجع إل غاية ف الدنيا‪ ،‬وغاية ف الخرة·‬
‫فأما غاية الهاد ف الدنيا‪:‬‬
‫فهي نشر التوحيد وتعبيد الناس لربم سبحانه‪ ،‬ورفع الفتنة والشرك عنهم؛ وذلك لتكون كلمة ال هي‬
‫العليا ويكون الدين كله ل وحده·‬
‫وأما الغاية من الهاد ف الخرة‪:‬‬
‫فهي الفوز برضاة ال عز وجل وجنته‪ ،‬والنجاة من سخطه وعذابه·‬
‫والغاية من الهاد ف الدنيا إن هي ف القيقة إل وسيلة عظيمة لتحقيق الغاية العظمى ف الخرة؛ فعاد‬
‫المر إل غاية الغايات وهي رضوان ال وجنته·‬
‫ويو ضح ش يخ ال سلم ا بن تيم ية رح ه ال تعال مق صود الهاد وغاي ته فيقول‪" :‬والهاد مق صوده أن‬
‫تكون كلمة ال هي العليا وأن يكون الدين كله ل؛ فمقصوده إقامة دين ال ل استيفاء الرجل حظّه‪،‬‬
‫ولذا كان ما يصاب به الجاهد ف نفسه وماله أجره فيه على ال؛ فإن ال اشترى من الؤمني أنفسهم‬
‫وأموالم بأن لم النة"(‪.)24‬‬

‫‪14‬‬
‫و سواء كان الهاد جهاد د فع أو جهاد طلب فإن الق صود من الهاد ين وا حد؛ ف هو ف جهاد الد فع‬
‫لرفع الفتنة عن السلمي العتدى عليهم ف ديارهم؛ لن ف استيلء الكفار على ديار السلمي تعريضًا‬
‫للمسلمي للفتنة ف دينهم وأعراضهم وأموالم‪ ،‬وفيه علو لكلمة الكفر على كلمة التوحيد· إذًا فجهاد‬
‫الد فع شرع ح ت ل تكون فت نة على ال سلمي فيكفروا بت سلط الكفار علي هم‪ ،‬وح ت ل تعلو شعائر‬
‫الكفر ف بلد كان يرفع فيه شعار التوحيد·‬
‫وأما جهاد الطلب فالمر فيه واضح وجلي؛ حيث إن مقصود السلمي ف طلبهم للكفار وفتح ديارهم‬
‫إن ا هو لر فع الفت نة ‪ -‬و هي الشرك ‪ -‬عن الناس ف بلدان م وليكون الد ين في ها ل عز و جل ول يس‬
‫للكافرين والشركي والطواغيت الذين يستعبدون الناس ويظلمونم ويدعونم إل عذاب النار·‬
‫شبهة وجوابا ‪:‬‬
‫يث ي ب عض الهزوم ي روحيًا وعقليًا من أبناء ال سلمي ‪ -‬وت ت ض غط الوا قع اليائس وت ت الجوم‬
‫الستشراقي الاكر ‪ -‬قولم بأن الهاد ف السلم إنا شرع للدفاع عن النفس والوطان وليس لكراه‬
‫الناس على الدخول فيه بالسيف والستيلء على ديار غي السلمي بالقوة· ولقد ظهرت هذه الشبهة‬
‫بش كل جلي ف ال سنوات الخية وبال خص ف هذه اليام ب عد الملة ال صليبية واليهود ية على ديار‬
‫ال سلمي ب جة ما ي سمى مكاف حة الرهاب‪ ،‬م ا د فع ب عض الهزوم ي من أبناء ال سلمي بل ‪ -‬و يا‬
‫للسف ‪ -‬من ب عض دعات م إل أن يركزوا على أن ال سلم د ين ساحة و سلم وم بة للناس‪ ،‬وليس‬
‫ديدن إرهاب ول قتال ول غلظدة على الكفار‪ ،‬وصداروا يكررون اليات والحاديدث التد فيهدا ذكدر‬
‫الصفح وال سماحة والسلم‪ ،‬ويضربون صفحًا عن النصوص الت في ها جهاد الكفار والغلظ علي هم‬
‫حت يكون الدين كله ل‪ ،‬وحت يسلم الكفار أو يعطوا الزية عن يد وهم صاغرون·‬
‫وللرد على هذه الشبهة أورد جوابي‪ :‬أحدها ممل والخر مفصل‪:‬‬
‫أما الجمل ‪:‬‬
‫ف هو القول بأن دوا فع الهاد ف ال سلم تتلف عن تلك الدوا فع ال ت تن شأ عن ها الروب من أ جل‬
‫اللك فحسب؛ فالهاد ف السلم إنا شرع لتكون كلمة ال هي العليا وليكون الدين كله ل ف جيع‬
‫العمورة‪ ،‬فمت كان ف السلمي قوة وجب عليهم أن ينشروا هداية ال عز وجل ف العال‪ ،‬ول يتركوا‬
‫مكانًا تعلو فيه كلمة الكفر إل فتحوه وأعلو كلمة التوحيد فيه· فإن ل يكن بم قوة فل أقل من أن‬

‫‪15‬‬
‫يدافعوا عن بلدهم ال ت ت ت أيدي هم ح ت ل يعلوا فيها الك فر ويف ت الناس ف دين هم‪ ،‬مع إعدادهم‬
‫لهاد الفتدح والطلب· وبناء على هذه الغايدة الشريفدة للجهاد تسدقط كدل بنود هيئة المدم التحدة‬
‫الكافرة‪ ،‬ومدا يسدمى بإعلن حقوق النسدان التد تدعدو إل احترام حدود الغيد‪ ،‬والسدلم الدائم‪،‬‬
‫والتعايش بي أصحاب اللل‪ ،‬وإل حرية العتقاد لميع الفراد·‬
‫وأما الواب الفصل ‪:‬‬
‫فيكفينا فيه ما سطرته يد الداعية الجاهد سيد قطب رحه ال تعال ف ظلل القرآن الكري؛ حيث ل‬
‫أعثر حسب اطلعي القاصر على من تكلم ف هذا الوضوع الهم بكل عزة وصراحة كما تكلم هذا‬
‫الرجل عليه رحة ال·‬
‫وفي ما يلي مقتطفات متفر قة من رده الا سم على هؤلء الهزوم ي‪ :‬يقول رح ه ال تعال‪" :‬إن الذ ين‬
‫يلجأون إل تلمس أسباب دفاعية بتة لركة الد السلمي إنا يؤخذون بركة الجوم الستشرافية ف‬
‫وقت ل تعد للمسلمي شوكة ··· فيبحثون عن مبرات أدبية للجهاد ف السلم· والد السلمي ليس‬
‫ف حاجة إل مبرات أدبيه له أكثر من البرات الت حلتها النصوص القرآنية (قُلْ لِلّذِي نَ َكفَرُوا إِ نْ‬
‫ت اْلأَوّلِيَ وَقَاتِلُوهُ مْ َحتّ ى ل تَكُو نَ ِفْتَنةٌ‬ ‫ف َوإِ نْ َيعُودُوا َفقَ ْد َمضَ تْ ُسنّ ُ‬ ‫َيْنَتهُوا يُ ْغفَرْ َلهُ ْم مَا َقدْ سَلَ َ‬
‫َوَيكُو نَ الدّي نُ كُلّ هُ لِلّ هِ فَإِ ِن انَْت َهوْا فَِإنّ اللّ َه بِمَا َيعْمَلُو َن بَ صِ ٌي َوإِ ْن َتوَّلوْا فَاعْلَمُوا َأنّ اللّ َه َموْلكُ ْم ِنعْ مَ‬
‫الْ َموْلَى َوِنعْ َم النّصِيُ) (النفال‪.)40-38:‬‬
‫إنا مبرات تقرير ألوهية ال ف الرض‪ ،‬وتقيق منهجه ف حياة الناس‪ ،‬ومطاردة الشياطي ومناهج‬
‫الشياطي‪ ،‬وتطيم سلطان البشر الذي يتعبد الناس‪ ،‬والناس عبيد ل وحده‪ ،‬ل يوز أن يكمهم أحد‬
‫من عباده بسلطان من عند نفسه وبشريعة من هواه ورأيه! وهذا يكفي ·· مع تقرير مبدأ‪" :‬ل إكراه ف‬
‫الد ين" ·· أي ل إكراه على اعتناق العقيدة ب عد الروج من سلطان العب يد والقرار ببدأ أن ال سلطان‬
‫كله ل‪ ،‬أو أن الدين كله ل بذا العتبار·‬
‫إنا مبرات التحرير العام للنسان ف الرض‪ ،‬بإخراج الناس من العبودية للعباد إل العبودية ل وحده‬
‫بل شريك ·· وهذه وحدها تكفي ·· ولقد كانت هذه البرات ماثلة ف نفوس الغزاة من السلمي؛‬
‫فلم يُ سأل أ حد من هم ع ما أخر جه للجهاد فيقول‪ :‬خرج نا ندا فع عن وطن نا الهدد! أو خرج نا ن صد‬
‫عدوان الفرس أو الروم علينا نن السلمي! أو خرجنا نوسع رقعتنا ونستكثر من الغنيمة!‬

‫‪16‬‬
‫لقد كانوا يقولون كما قال ربعي بن عامر‪ ،‬وحذيفة بن مصن‪ ،‬والغية بن شعبة‪- ،‬رضي ال عنهم ‪-‬‬
‫جيعًا لرستم قائد جيش الفرس ف القادسية‪ ،‬وهو يسألم واحدًا بعد واحد ف ثلثة أيام متوالية‪ ،‬قبل‬
‫العركة‪ :‬ما الذي جاء بكم؟ فيكون الواب‪ :‬ال ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إل عبادة ال‬
‫وحده‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إل سعتها‪ ،‬ومن جور الديان إل عدل السلم ·· فأرسل رسوله بدينه إل‬
‫خلقه‪ ،‬فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه‪ ،‬وتركناه وأرضه· ومن أب قاتلناه حت نفضي إل النة أو‬
‫الظفر ····‬
‫حقًا إنه ل يكن بد لذا الدين أن يدافع الهاجي له؛ لن مرد وجوده‪ ،‬ف صورة إعلن عام لربوبية‬
‫ال للعالي‪ ،‬وترير النسان من العبودية لغي ال‪ ،‬وتثل هذا الوجود ف تمع تنظيمي حركي تت‬
‫قيادة جديدة غي قيادات الاهلية‪ ،‬وميلد متمع مستقل متميز ل يعترف لحد من البشر بالاكمية؛‬
‫لن الاكم ية ف يه ل وحده ·· إن مرد وجود هذا الد ين ف هذه ال صورة ل بد أن يد فع الجتمعات‬
‫الاهلية من حوله‪ ،‬القائمة على قاعدة العبودية للعباد‪ ،‬أن تاول سحقه‪ ،‬دفاعًا عن وجودها ذاته· ول‬
‫بد أن يتحرك الجتمع الديد للدفع عن نفسه·‬
‫هذه ملبسة ل بد منها؛ تولد مع ميلد السلم ذاته‪ ،‬وهذه معركة مفروضة على السلم فرضًا‪ ،‬ول‬
‫خيار له ف خوضها‪ ،‬وهذا صراع طبيعي بي وجودين ل يكن التعايش بينهما طويلً·‬
‫هذا كله حدق ·· ووفدق هذه النظرة يكون ل بدد للسدلم أن يدافدع عدن وجوده‪ ،‬ول بدد أن يوض‬
‫معركة دفاعية مفروضة عليه فرضًا··‬
‫ول كن هناك حقي قة أخرى أ شد أ صالة من هذه القي قة ·· إن من طبي عة الوجود ال سلمي ذا ته أن‬
‫يتحرك إل المام ابتداء؛ لنقاذ "النسان" ف "الرض" من العبودية لغي ال· ول يكن أن يقف عند‬
‫حدود جغرافيدة‪ ،‬ول أن ينوي داخدل حدود عنصدرية؛ تارك ًا "النسدان" ·· نوع النسدان ·· فد‬
‫"الرض" ·· كل الرض ·· للشر والفساد والعبودية لغي ال·‬
‫إن الع سكرات العادية للسلم قد ييء عليها زمان تؤ ثر فيه أل تا جم السلم إذا تركها ال سلم‬
‫تزاول عبود ية الب شر للب شر دا خل حدود ها القليم ية‪ ،‬ور ضي أن يدع ها وشأن ا ول ي د إلي ها دعو ته‬
‫وإعلنه التحريري العام! ·· ولكن السلم ل يهادنا‪ ،‬إل أن تعلن استسلمها لسلطانه ف صورة أداء‬
‫الزية‪ ،‬ضمانًا لفتح أبوابا لدعوته بل عوائق مادية من السلطات القائمة فيها·‬

‫‪17‬‬
‫هذه طبيعة هذا الدين‪ ،‬وهذه وظيفته بكم أنه إعلن عام لربوبية ال للعالي‪ ،‬وترير النسان من كل‬
‫عبودية لغي ال ف الناس أجعي!‬
‫وفرق بي تصور السلم على هذه الطبيعة‪ ،‬وتصوره قابعًا داخل حدود إقليمية أو عنصرية‪ ،‬ل يركه‬
‫إل خوف العتداء! إنه ف هذه الصورة الخية يفقد مبراته الذاتية ف النطلق!‬
‫إن مبرات النطلق ال سلمي تبز بوضوح وع مق ع ند تذ كر أن هذا الد ين هو من هج ال للحياة‬
‫البشر ية‪ ،‬ول يس من هج إن سان‪ ،‬ول مذ هب شي عة من الناس‪ ،‬ول نظام ج نس من أجناس!·· ون ن ل‬
‫نبحث عن مبرات خارجية إل حي تفتر ف حسنا هذه القيقة الائلة ·· حي ننسى أن القضية هي‬
‫قضية ألوهية ال وعبودية العباد ·· إنه ل يكن أن يستحضر إنسان ما هذه القيقة الائلة ث يبحث عن‬
‫مبر آ خر للجهاد ال سلمي! ·· وال سلم ل يس مرد عقيدة ح ت يق نع بإبلغ عقيد ته للناس بو سيلة‬
‫البيان· إنّما هو منهج يتمثل ف تمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس· والتجمعات الخرى‬
‫ل تكنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو‪ ،‬ومن ث يتحتم على السلم أن يزيل هذه النظمة‬
‫بوصفها معوقات للتحرير العام· وهذا ‪ -‬كما قلنا من قبل ‪ -‬معن أن يكون الدين كله ل؛ فل تكون‬
‫هناك دينونة ول طاعة لعبد من العباد لذاته‪ ،‬كما هو الشأن ف سائر النظمة الت تقوم على عبودية‬
‫العباد للعباد!‬
‫إن الباحث ي ال سلميي العا صرين الهزوم ي ت ت ض غط الوا قع الا ضر‪ ،‬وت ت الجوم ال ستشراقي‬
‫الاكر‪ ،‬يتحرجون من تقرير تلك القيقة لن الستشرقي صوروا السلم حركة قهر بالسيف للكراه‬
‫على العقيدة· والستشرقون البثاء يعرفون جيدًا أن هذه ليست هي القيقة‪ ،‬ولكنهم يشوهون بواعث‬
‫الهاد السلمي بذه الطريقة ·· ومن ث يقوم النافحون ‪ -‬الهزومون ‪ -‬عن سعة السلم‪ ،‬بنفي هذا‬
‫التام! فيلجأون إل تلمس البرات الدفاعية! ويغفلون عن طبيعة السلم ووظيفته‪ ،‬وحقه ف "ترير‬
‫النسان" ابتداء·‬
‫وقد غشي على أفكار الباحثي العصريي ‪ -‬الهزومي ‪ -‬ذلك التصور الغرب لطبيعة "الدين" ·· وأنه‬
‫مرد "عقيدة" ف الضمي؛ ل شأن لا بالنظمة الواقعية للحياة ·· ومن ث يكون الهاد للدين‪ ،‬جهادًا‬
‫لفرض العقيدة على الضمي!‬

‫‪18‬‬
‫ولكن المر ليس كذلك ف السلم؛ فالسلم منهج ال للحياة البشرية· وهو منهج يقوم على إفراد‬
‫ال وحده باللوهية ‪ -‬متمثلة ف الاكمية ‪ -‬وينظم الياة الواقعية بكل تفصيلتا اليومية! فالهاد له‬
‫جهادٌ لتقرير النهج وإقامة النظام· أما العقيدة فأمرها موكول إل حرية القتناع‪ ،‬ف ظل النظام العام‪،‬‬
‫بعد رفع جيع الؤثرات ·· ومن ث يتلف المر من أساسه‪ ،‬وتصبح له صورة جديدة كاملة·‬
‫وحيثما وجد التجمع السلمي‪ ،‬الذي يتمثل فيه النهج اللي‪ ،‬فإن ال ينحه حق الركة والنطلق‬
‫لتسلم السلطان وتقرير النظام‪ ،‬مع ترك مسألة العقيدة الوجدانية لرية الوجدان ·· فإذا كف ال أيدي‬
‫الماعة السلمة فترة عن الهاد‪ ،‬فهذه مسألة خطة ل مسألة مبدأ‪ ،‬مسألة مقتضيات حركة ل مسألة‬
‫مقررات عقيدة· وعلى هذا السداس الواضدح يكدن أن نفهدم النصدوص القرآنيدة التعددة فد الراحدل‬
‫التاريية التجددة‪ ،‬ول نلط بي دللتها الرحلية‪ ،‬والدللة العامة لط الركة السلمية الطويلة"(‪.)25‬‬
‫ويقول ف مو طن آ خر‪" :‬والهزومون روحيًا وعقليًا م ن يكتبون عن "الهاد ف ال سلم"ليدفعوا عن‬
‫ال سلم هذا "التام!" ·· يلطون ب ي من هج هذا الد ين ف ال نص على ا ستنكار الكراه على العقيدة‪،‬‬
‫وب ي منه جه ف تط يم القوى ال سياسية الاد ية ال ت تول ب ي الناس وبي نه‪ ،‬وال ت تع بد الناس للناس‬
‫وتنع هم من العبود ية ل ·· وه ا أمران ل عل قة بينه ما ول مال لللتباس فيه ما ·· و من أ جل هذا‬
‫التخليط ‪ -‬وق بل ذلك من أ جل تلك الزي ة! ‪ -‬ياولون أن ي صروا الهاد ف ال سلم في ما يسمونه‬
‫اليوم‪" :‬الرب الدفاعية" ·· والهاد ف السلم أمر آخر ل علقة له بروب الناس اليوم‪ ،‬ول بواعثها‪،‬‬
‫ول تكييفها كذلك ·· إن بواعث الهاد ف السلم ينبغي تلمسها ف طبيعة "السلم" ذاته‪ ،‬ودوره ف‬
‫هذه الرض‪ ،‬وأهدافه العليا الت قررها ال؛ وذكر ال أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بذه الرسالة‪،‬‬
‫وجعله خات النبيي‪ ،‬وجعلها خاتة الرسالت ··‬
‫إن هذا الدين إعلن عام لتحرير "النسان" ف "الرض" من العبودية للعباد ‪ -‬ومن العبودية لواه أيضا‬
‫وهي من العبودية للعباد ‪ -‬وذلك بإعلن ألوهية ال وحده ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وربوبيته للعالي ·· إن إعلن‬
‫ربوبية ال وحده للعالي معناها‪ :‬الثورة الشاملة على حاكمية البشر ف كل صورها وأشكالا وأنظمتها‬
‫وأوضاعها‪ ،‬والتمرد الكامل على كل وضع ف أرجاء الرض الكم فيه للبشر بصورة من الصور ·· أو‬
‫بتعبي آخر مرادف‪ :‬اللوهية فيه للبشر ف صورة من الصور ·· ذلك أن الكم الذي مرد المر فيه إل‬
‫البشر‪ ،‬ومصدر السلطات فيه هم البشر‪ ،‬هو تأليه للبشر‪ ،‬يعل بعضهم لبعض أربابًا من دون ال ··‬

‫‪19‬‬
‫ترى لو كان أبدو بكدر وعمدر وعثمان رضدي ال عنهدم قدد أمنوا عدوان الروم والفرس على الزيرة‬
‫أكانوا يقعدون إذن عن دفع الد السلمي إل أطراف الرض؟ وكيف كانوا يدفعون هذا الد‪ ،‬وأمام‬
‫الدعوة تلك العقبات الاديدة مدن‪ :‬أنظمدة الدول السدياسية‪ ،‬وأنظمدة الجتمدع العنصدرية والطبقيدة‪،‬‬
‫والقتصادية الناشئة من العتبارات العنصرية والطبقية‪ ،‬والت تميها القوة الادية للدولة كذلك؟!‬
‫‪ -2‬جهاد الطلب‪ :‬و هو طلب العدو الكا فر والظ فر به وبأر ضه ح ت ت ضع البلد والعباد لل سلم‪،‬‬
‫ويقضى على الشرك‪ ،‬ويكون الدين كله ل وتكون كلمة ال هي العليا·‬
‫وهو الذي قال عنه ابن القيم ف الفقرة السابقة‪" :‬وجهاد الطلب الالص ل يقصده سادات الؤمني"·‬
‫بينما قال عن جهاد الدفع‪" :‬فجهاد الدفع يقصده كل أحد‪ ،‬ول يرغب عنه إل البان الذموم شرعًا‬
‫وعقلً)·‬
‫قال ال تعال عن جهاد الطلب‪( :‬وَقَاتِلُوهُ مْ َحتّى ل َتكُو نَ ِفتَْن ٌة َويَكُو نَ الدّي نُ كُلّ هُ لِلّ هِ) (النفال‪ :‬من‬
‫الية ‪.)39‬‬
‫وعند القدرة على جهاد الطلب فإنه يكون على الكفاية إل إذا استنفر المام جيع السلمي للجهاد فل‬
‫يسوغ لحد أن يتخلف‪ ،‬بل يصبح الهاد عينًا على كل مسلم·‬
‫ول يع ن كون جهاد الطلب كفائيًا أن يز هد ال سلم ف يه ويفرط ف أن يكون من أهله؛ فإ نه من شأن‬
‫سَتوِي اْلقَاعِدُو نَ‬ ‫أولياء ال التقي· ويكفي ف فضل أهله وعلو منلتهم على القاعدين قوله تعال‪( :‬ل يَ ْ‬
‫مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َغيْرُ أُولِي الضّرَ ِر وَالْمُجَاهِدُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم َوَأْنفُ سِهِمْ َفضّلَ اللّ ُه الْ ُمجَاهِدِي نَ‬
‫سنَى وََفضّلَ اللّ ُه الْ ُمجَاهِدِي َن عَلَى الْقَاعِدِينَ‬ ‫سهِ ْم عَلَى الْقَاعِدِينَ دَ َر َجةً وَكُلّا َوعَدَ اللّ ُه الْحُ ْ‬
‫ِبَأ ْموَاِلهِ ْم َوَأْنفُ ِ‬
‫أَجْرا عَظِيما) (النساء‪.)95 :‬‬
‫إن ا سذاجة أن يت صور الن سان دعوة تعلن تر ير "الن سان" ·· نوع الن سان ·· ف "الرض"·· كل‬
‫الرض ·· ث ت قف أمام العقبات تاهد ها بالل سان والبيان! ·· إن ا تا هد بالل سان والبيان حين ما يلى‬
‫بينها وبي الفراد؛ تاطبهم برية‪ ،‬وهم مطلقو السراح من جيع تلك الؤثرات ·· فهنا‪" :‬ل إكراه ف‬
‫الدين" ·· أما حي توجد تلك العقبات والؤثرات الادية‪ ،‬فل بد من إزالتها أولً بالقوة‪ ،‬للتمكن من‬
‫ماطبة قلب النسان وعقله؛ وهو طليق من هذه الغلل!"(‪.)26‬‬
‫تنبيه‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫إن الديث السابق عن غاية الهاد ف السلم ل يعن التغافل عن مراحل الهاد ومدى قوة السلمي‬
‫وضعفهم وهل لم شوكة وتكي أو ل·‬
‫إن بيان غاية الهاد ل يتعارض مع كف اليد ف مراحل الستضعاف‪ ،‬أو القتصار على جهاد الدفع ف‬
‫بعض المكنة أو الزمنة؛ فهذا من باب ال سياسات الشرع ية وترجيح الصال أو الفا سد· وكل هذه‬
‫العتبارات ما هي إل أسباب مؤقتة يب على السلمي أن يتجاوزوها لينتقلوا من مرحلة إل غيها‪،‬‬
‫وأن يأخذوا بال سباب ال ت تؤول بال سلمي إل غايات الهاد ومراحله الخية ال ت يكون الد ين في ها‬
‫كله ل‪ ،‬ويضع الناس لسلطان السلم‪ ،‬ويتحدد مواقف الناس فيها‪ :‬إما مسلم مؤمن بدين السلم‪،‬‬
‫وإما مسال آمن يدفع الزية‪ ،‬وإما مارب خائف·‬
‫يقول ش يخ ال سلم ‪ -‬رح ه ال تعال ‪" :-‬كان ال نب صلى ال عل يه و سلم ف أول ال مر مأمورًا أن‬
‫ياهد الكفار بلسانه ل بيده فيدعوهم ويعظهم ويادلم بالت هي أحسن ·· وكان مأمورًا بالكف عن‬
‫قتالم لعجزه وعجز السلمي عن ذلك‪ ،‬ث لا هاجر إل الدينة صار له با أعوان أذن له ف الهاد‪ ،‬ث‬
‫ل ا قووا ك تب علي هم القتال ول يك تب علي هم قتال من سالهم؛ لن م ل يكونوا يطيقون قتال ج يع‬
‫الكفار‪ ،‬فلما فتح ال مكة ووفدت إليه وفود العرب بالسلم أمره ال بقتال الكفار كلهم إل من كان‬
‫له عهد مؤقت وأمره بنبذ العهود الطلقة"(‪.)27‬‬
‫وهذا ما أوض حه المام ا بن الق يم رح ه ال تعال ف كتا به الق يم "زاد العاد" و هو ي ستعرض مرا حل‬
‫الدعوة والهاد م نذ بعث ته صلى ال عل يه و سلم ح ت نزلت سورة براءة ح يث يقول‪ :‬صلى ال عل يه‬
‫و سلم أول ما أو حى إل يه ر به تبارك وتعال‪ :‬أن يقرأ با سم ر به الذي خلق وذلك أول نبو ته فأمره أن‬
‫يقرأ ف نف سه ول يأمره إذ ذاك بتبل يغ‪ ،‬ث أنزل عل يه (يَا َأيّهَا الْمُ ّدثّرُ ُق مْ َفأَنْذِرْ) (الد ثر‪)2-1:‬؛ فنبأه‬
‫بقوله‪( :‬ا ْق َرأْ) وأرسله بد (يَا َأيّهَا الْمُ ّدثّرُ)‪ ،‬ث أمره أن ينذر عشيته القربي‪ ،‬ث أنذر قومه‪ ،‬ث أنذر من‬
‫حول م من العرب‪ ،‬ث أنذر العرب قاط بة‪ ،‬ث أنذر العال ي‪ ،‬فأقام ب ضع عشرة سنة ب عد نبو ته يُنذر‬
‫بالدعوة بغي قتال ول جزية‪ ،‬ويؤُمر بالكف والصب والصفح·‬
‫ث أُذِ نَ له ف الجرة‪ ،‬وأُذن له ف القتال‪ ،‬ث أمره أن يقاتل من قاتله‪ ،‬ويكف عمن اعتزله ول يُقاتله‪ ،‬ث‬
‫أمره بقتال الشركي حت يكون الدين كله ل‪ ،‬ث كان الكفا ُر معه بعد المر بالهاد ثلثة أقسام‪ :‬أهل‬
‫صلح وهدنة‪ ،‬وأهل حرب‪ ،‬وأهل ذمة‪ ،‬فأمر بأن يتم لهل العهد والصلح عهدهم‪ ،‬وأن يوف لم به ما‬

‫‪21‬‬
‫ا ستقامُوا على الع هد‪ ،‬فإن خاف من هم خيا نة‪ ،‬ن بذ إلي هم عهد هم‪ ،‬ول يقاتل هم ح ت يعلم هم بن قض‬
‫العهد‪ ،‬وُأمِرَ أن يقاتل من نقض عهده· ولا نزلت (سورة براءة) نزلت ببيان حكم هذه القسام كلها؛‬
‫فأمره في ها أن يُقا تل عدوّه من أ هل الكتاب ح ت يعطوا الز ية‪ ،‬أو يدخلوا ف ال سلم‪ ،‬وأمره في ها‬
‫بهاد الكفار والنافقي والغلظة عليهم؛ فجهاد الكفار بالسيف والسنان‪ ،‬والنافقي بالجة واللسان·‬
‫وأمره في ها بالباءة من عهود الكفار‪ ،‬ون بذ عُهودهم إلي هم‪ ،‬وج عل أهل الع هد ف ذلك ثل ثة أق سام‪:‬‬
‫قسمًا أمره بقتالم ‪ -‬وهم الذين نقضوا عهده‪ ،‬ول يستقيموا له ‪ -‬فحاربم وظهر عليهم‪ ،‬وقسمًا لم‬
‫عهد مُؤقت ل ينقضوه‪ ،‬ول يظاهروا عليه‪ ،‬فأمره أن يتم لم عهدهم إل مدتم· وقسمًا ل يكن لم‬
‫عهد ول ياربوه‪ ،‬أو كان لم عهد مطلق‪ ،‬فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر‪ ،‬فإذا انسلخت (فَ سِيحُوا فِي‬
‫اْلأَ ْرضِ أَ ْرَب َعةَ َأ ْشهُرٍ )(التوبة‪ :‬من الية ‪.)2‬‬

‫قاتلهم؛ وهي الشهر الربعة الذكورة ف قوله‪ :‬وهي الُرُ مُ الذكورة ف قوله‪( :‬فَِإذَا انْ سَلَخَ الَْأ ْشهُرُ‬
‫شرِكِيَ )(التوبة‪ :‬من الية ‪.)5‬‬ ‫ح ُرمُ فَا ْقتُلُوا الْمُ ْ‬
‫الْ ُ‬
‫فالرم هاهنا‪ :‬هي أشهر التسيي‪ ،‬أولا يوم الذان ‪ -‬وهو اليوم العاشر من ذي الجة‪ ،‬وهو يوم الج‬
‫الكب الذي وقع فيه التأذين بذلك ‪ -‬وآخرُها العاشر من ربيع الخر‪ ،‬وليست هي الربعة الذكورة‬
‫ف قوله‪( :‬إِنّ عِ ّدةَ الشّهُو ِر ِعنْدَ اللّ هِ اْثنَا عَشَ َر َشهْرا فِي ِكتَا بِ اللّ ِه َيوْ مَ خََل َق ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضَ ِمْنهَا‬
‫أَ ْرَب َعةٌ حُرُ مٌ) (التو بة‪ :‬من ال ية ‪ )36‬؛ فإن تلك وا حد فرد‪ ،‬وثل ثة سرد‪ :‬رج بٌ‪ ،‬وذو القعدة‪ ،‬وذو‬
‫ال جة‪ ،‬والحَرّ مُ· ول يَ سِرْ الشرك ي ف هذه الرب عة؛ فإن هذا ل ي كن لن ا غ ي متوال ية‪ ،‬و هو إن ا‬
‫أجلهم أربعة أشهر‪ ،‬ث أمره بعد انسلخها أن يقاتلهم‪ ،‬فقتل الناقض لعهده‪ ،‬وأجّل من ل عهد له‪ ،‬أو‬
‫له ع هد مطلق أرب عة أش هر‪ ،‬وأمره أن يُتمّ للمو ف بعهده عهدَه إل مد ته‪ ،‬فأ سلم هؤلء كُلّ هم‪ ،‬ول‬
‫ضرَبَ على أهل الذمة الزية·‬ ‫يُقيموا على كفرهم إل مدتم‪ ،‬و َ‬
‫فاستقر أم ُر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلثة أقسام‪ :‬ماربي له‪ ،‬وأهل عهد‪ ،‬وأهل ذمة‪ ،‬ث آلت‬
‫حا ُل أهدل العهدد والصدلح إل السدلم‪ ،‬ف صاروا م عه ق سمي‪ :‬ماربيد‪ ،‬وأهدل ذمدة‪ ،‬والحاربون له‬
‫خائفون منه‪ ،‬فصار أهلُ الرض معه ثلثة أقسام‪ :‬مسلم مؤمن به‪ ،‬ومسال له آمن‪ ،‬وخائف مارب·‬

‫‪22‬‬
‫وأما سيته ف النافقي‪ :‬فإنه ُأمِرَ أن يقبل منهم علنيتهم‪ ،‬ويكل سرائرهم إل ال‪ ،‬وأن ياهدهم بالعلم‬
‫ظ عليهم‪ ،‬وأن يبلغ بالقول البليغ إل نفوسهم‪ ،‬وناه أن يُصلي‬ ‫والُجّة‪ ،‬وأمره أن ُيعْرِ ضَ عنهم‪ ،‬ويُغلِ َ‬
‫عليهم‪ ،‬وأن يقوم على قبورهم‪ ،‬وأخب أنه إن استغفر لم فلن يغفر ال لم؛ فهذه سيته ف أعدائه من‬
‫الكفار والنافقي"(‪ .)28‬ا‪.‬هد‪.‬‬
‫ونلص بعد هذا الكلم النفيس ف بيان الراحل الت تنقل فيها الرسول صلى ال عليه وسلم ف دعوته‬
‫وجهاده إل النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الرسول صلى ال عليه وسلم ف الرحلة الكية قد ُأمِ َر بكف اليد وترك الهاد السلح مع كفار‬
‫قريش‪ ،‬وُأمِ َر فيها بهاد البلغ والبيان‪ ،‬وتمل ف سبيل ذلك هو وأصحابه رضي ال عنهم من الذى‬
‫أ صنافًا كثية· ول شك أن ف ال مر ب كف ال يد ف الرحلة الك ية حكمًا وغايات عظي مة ل عل من‬
‫أبرزها‪:‬‬
‫‪ -‬ضعف السلمي وقلة عددهم بيث لو تت الواجهة مع الشركي فإن ذلك من شأنه أن يئد الدعوة‬
‫ف مهدها·‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬العداد والتربية للقاعدة الصلبة الت يقوم على كاهلها نشر السلم ونصرة الدين·‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬أن يأخذ البلغ حقه‪ ،‬وتقوم الجة على الشركي‪ ،‬ويتم البيان للناس عن حقيقة السلم‬
‫وحقيقة سبيل الجرمي‪ ،‬ليهلك من هلك عن بينة ويي من حي عن بينة·‬
‫وغي ذلك من الكم(‪.)29‬‬
‫‪ -2‬أن الهاد السلح للكفار ل يؤذن فيه إل بعد الجرة بعد أن تيأ للمسلمي الكان الذي يأمنون‬
‫فيه وينطلقون منه ويفيئون إليه·‬
‫وجاء الذن ف أول المر لرفع الظلم‪ ،‬ث تل ذلك المر بهاد العتدي‪ ،‬ث لّا قويت شوكة السلمي‬
‫بدأ جهاد الطلب حت انتهى أمر الهاد بعد آية السيف إل أن ل يقبل من الناس إل السلم أو الزية‬
‫أو الرب·‬
‫و ف ضوء ما سبق عر ضه من غايات الهاد ومراحله ي كن مناق شة موقف ي خاطئ ي من الهاد اليوم‬
‫أحدها يقابل الخر·‬
‫الوقف الول‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫هو من نظر إل أحوال السلمي اليوم وضعفهم وعجزهم عن مواجهة أعدائهم فرأى استحالة الهاد‬
‫ف هذا الزمان‪ ،‬ور ضي بال مر الوا قع ول ي سع للعداد وال ستعداد‪ ،‬وتاوز تبير ضع فه وموق فه إل‬
‫التشن يع على الركات الهاد ية ال ت قا مت للدفاع عن ال سلمي ف بقاع الرض؛ ك ما ف كشم ي‬
‫وأفغانستان والشيشان وفلسطي وغيها·‬
‫ويستند أصحاب هذا الرأي على هديه صلى ال عليه وسلم مع الشركي ف مكة؛ حيث ُأمِ َر بكف‬
‫ال يد وال صب· وهذا ال ستدلل صحيح ف حد ذا ته في ما لو ن ظر أ صحاب هذا الرأي إل أن ا مرحلة‬
‫مؤقتدة يسدعون فيهدا إل بذل الهدد فد الدعوة والعداد لتغييد النفوس وشحدذ المدم وتربيتهدا على‬
‫التضحية والبذل ف سبيل ال عز وجل·‬
‫أما أن ينظر لذه الرحلة وكأنا دائمة فيستسلم للواقع وتُستمرأ الذلة‪ ،‬وتفتر المم ول يصل العداد‬
‫للجهاد ف سبيل ال عز وجل؛ فهذا مالف لديه صلى ال عليه وسلم؛ حيث كان مع كف اليد يرب‬
‫الصحابة على التوحيد الالص‪ ،‬والصب ف سبيل ال عز وجل‪ ،‬ويعد النفوس للتضحية بالال والوطن‬
‫والنفس ف سبيل ال عز وجل؛ وهذا مطلوب لذاته كما أنه من أعظم العدة والزاد لا يُنتظر من الجرة‬
‫والهاد ف سبيل ال عز وجل· ويلحق بأصحاب هذا الرأي أولئك الهزومون الذين سبقت الشارة‬
‫إليهم ف الصفحات السابقة عند الديث عن غاية الهاد ف سبيل ال؛ وهم الذين وقفوا مع الراحل‬
‫الول للدعوة وفرض ية الهاد‪ ،‬وحاولوا تقي يد الن صوص ال ت تأ مر بهاد الكفار أين ما ثُ ِقفُوا بن صوص‬
‫الراحل السابقة الت فيها المر بهاد الدفع ورد العداء فحسب·‬
‫و ف ذلك يقول سيد ق طب رح ه ال تعال‪" :‬إن هذه الن صوص ال ت يلتجئون إلي ها ن صوص مرحل ية‬
‫تواجه واقعًا معينا· وهذا الواقع العي قد يتكرر وقوعه ف حياة المة السلمة· وف هذه الالة تطبق‬
‫هذه الن صوص الرحل ية لن واقع ها يقرر أن ا ف م ثل تلك الرحلة ال ت واجهت ها تلك الن صوص بتلك‬
‫الحكام‪ ،‬ولكن هذا ليس معناه أن هذه هي غاية الن‪ ،‬وأن هذه هي ناية خطوات هذا الدين ·· إنا‬
‫معناه أن على ال مة ال سلمة أن ت ضي قدمًا ف ت سي ظروف ها‪ ،‬و ف إزالة العوائق من طريق ها ح ت‬
‫تتمكن ف النهاية من تطبيق الحكام النهائية الواردة ف السورة الخية‪ ،‬والت كانت تواجه واقعًا غي‬
‫الواقع الذي واجهته النصوص الرحلية"(‪.)30‬‬

‫‪24‬‬
‫شرِكِيَ َحيْثُ وَجَ ْدتُمُوهُ ْم‬ ‫حرُمُ فَا ْقتُلُوا الْمُ ْ‬
‫ولذلك فهم يتعاظمون مثل قوله تعال‪( :‬فَإِذَا انْسَلَ َخ اْلأَ ْشهُ ُر الْ ُ‬
‫خلّوا َسبِيَل ُهمْ)‬‫وَ ُخذُوهُ ْم وَاحْ صُرُوهُ ْم وَا ْقعُدُوا َلهُ مْ كُ ّل مَرْ صَدٍ فَإِ نْ تَابُوا َوأَقَامُوا ال صّلةَ وَآَتوُا الزّكَاةَ فَ َ‬
‫جدُوا‬ ‫(التو بة‪ :‬من ال ية ‪ ،)5‬وقوله سبحانه‪( :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا قَاتِلُوا الّذِي َن يَلُونَكُ ْم مِ َن اْل ُكفّارِ وَلْيَ ِ‬
‫فِيكُ ْم غِلْ َظ ًة وَاعْلَمُوا َأنّ اللّ َه مَ َع الْ ُمّتقِيَ) (التوبة‪.)123:‬‬
‫وياول سديد قطدب ‪ -‬رحهد ال تعال ‪ -‬تفسدي مواقدف هؤلء الهزوميد‪ ،‬ولاذا تولمد مثدل هذه‬
‫النصدوص حتد ياولوا تقييدهدا بالراحدل السدابقة مدن أحكام فرض الهاد فيقول‪" :‬إنندا نعرف لاذا‬
‫يهولم هذا المر ويتعاظمهم على هذا النحو ·· إنم ينسون أن الهاد ف السلم جهاد ف "سبيل ال"‬
‫·· جهاد لتقرير ألوهية ال ف الرض وطرد الطواغيت الغتصبة لسلطان ال ·· جهاد لتحرير "النسان"‬
‫من العبودية لغي ال‪ ،‬ومن فتنته بالقوة عن الدينونة ل وحده والنطلق من العبودية للعباد ·· "حت ل‬
‫تكون فتنة ويكون الدين كله ل" ·· وأنه ليس جهادًا لتغليب مذهب بشري على مذهب بشري مثله؛‬
‫إنا هو جهاد لتغليب منهج ال على مناهج العبيد! وليس جهادا لتغليب سلطان قوم على سلطان قوم؛‬
‫إنا هو جهاد لتغليب سلطان ال على سلطان العبيد! وليس جهادًا لقامة ملكة العبد؛ إنا هو جهاد‬
‫لقامة ملكة ال ف الرض ·· ومن ث ينبغي له أن ينطلق ف "الرض" كلها‪ ،‬لتحرير "النسان" كله؛‬
‫بل تفر قة ب ي ما هو دا خل ف حدود ال سلم وب ي ما هو خارج عن ها ·· فكل ها "أرض" ي سكنها‬
‫"النسان" وكلها فيها طواغيت تُ َعبّد العباد للعباد!‬
‫وحي ينسون هذه القيقة يهولم طبعًا أن ينطلق منهج ليكتسح كل الناهج‪ ،‬وأن تنطلق أمة لتخضع‬
‫سائر المم ·· إنا ف هذا الوضع ل تستساغ! وهي فعلً ل تستساغ! ·· لول أن المر ليس كذلك‪،‬‬
‫ول يس له شبيه في ما ب ي أنظمة الب شر اليوم من إمكان التعايش! إن ا كلها اليوم أنظ مة بشر ية؛ فليس‬
‫لواحد منها أن يقول‪ :‬إنه هو وحده صاحب الق ف البقاء! وليس الال كذلك ف نظام إلي يواجه‬
‫أنظمة بشرية؛ ليبطل هذه النظمة كلها ويدمرها كي يطلق البشر جيعًا من ذلة العبودية للعباد‪ ،‬ويرفع‬
‫البشر جيعًا إل كرامة العبودية ل وحده بل شريك!‬
‫ث إنه يهولم المر ويتعاظمهم لنم يواجهون هجوما صليبيًا منظمًا لئيمًا ماكرًا خبيثًا يقول لم‪ :‬إن‬
‫العقيدة السدلمية قدد انتشرت بالسديف‪ ،‬وإن الهاد كان لكراه الخريدن على العقيدة السدلمية‬
‫وانتهاك حرمة حرية العتقاد!‬

‫‪25‬‬
‫وأخيًا فإن صورة النطلق ف الرض لواجهة من يلون السلمي من الكفار تول الهزومي روحيًا ف‬
‫هذا الزمان وتتعاظمهم؛ لن م يب صرون بالوا قع من حولم وبتكال يف هذا النطلق فيهول م ال مر ··‬
‫و هو يهول فعلً! ·· ف هل هؤلء الذ ين يملون أ ساء ال سلمي‪ ،‬و هم شعوب مغلو بة على أمر ها؛ أو‬
‫قليلة اليلة عمومًا! هل هؤلء هم الذ ين سينطلقون ف الرض يواجهون أ مم الرض جيعًا بالقتال‪،‬‬
‫حت ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل؟! إنه لمر ل يتصور عقلً ·· ول يكن أن يكون هذا هو أمر‬
‫ال فعلً!‬
‫ولكن فات هؤلء جيعًا أن يروا مت كان هذا المر؟ وف أي ظرف؟ لقد كان بعد أن قامت للسلم‬
‫دولة ت كم ب كم ال؛ دا نت ل ا الزيرة العرب ية ودخلت ف هذا الد ين‪ ،‬ونظ مت على أ ساسه· وق بل‬
‫ذلك كله كانت هناك العصبة السلمة الت باعت أنفسها ل بيعة صدق‪ ،‬فنصرها ال يومًا بعد يوم‪،‬‬
‫وغزوة ب عد غزوة‪ ،‬ومرحلة ب عد مرحلة··· إن الناس ل ي ستطيعون أن يفهموا أحكام هذا الد ين‪ ،‬و هم‬
‫ف مثل ما هم فيه من الزال· إنه لن يفقه أحكام هذا الدين إل الذين ياهدون ف حركة تستهدف‬
‫تقرير ألوهية ال وحده ف الرض‪ ،‬ومكافحة ألوهية الطواغيت"(‪.)31‬‬
‫الوقف الثان‪:‬‬
‫وأصحاب هذا الوقف يرون أن آية السيف الت نزلت ف سورة براءة قد نسخت كل مراحل الهاد‬
‫السابقة؛ سواء من كف اليد أو السالة مع الكفار‪ ،‬أو عقد صلح أو هدنة معهم ·· إل‪ ،‬ونظروا إل أن‬
‫قتال الكفار والرتد ين اليوم فرض دون أن ينظروا إل أحوال ال سلمي وضعف هم‪ ،‬ودون أن ينظروا إل‬
‫تق يق شرائط الهاد من‪ :‬القدرة‪ ،‬وإقا مة ال جة على الناس بالبيان الكا ف ل سبيل الؤمن ي‪ ،‬والتعر ية‬
‫التامة لسبيل الجرمي؛ حت يكفر من كفر ويهلك من هلك عن بينة‪ ،‬ويؤمن من آمن ويي من حي‬
‫ل وعبادة وأخلقًا·‬
‫عن بينة‪ ،‬ودون أن يكون هناك العداد العنوي الروحي للمجاهدين علمًا وعم ً‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحه ال تعال‪" :-‬فمن كان من الؤمني بأرض هو فيها مستضعف‬
‫أو ف وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصب والصفح عمن يؤذي ال ورسوله من الذين أوتوا‬
‫الكتاب والشركي‪ ،‬وأما أهل القوة فإنا يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون ف الدين‪ ،‬وبآية‬
‫قتال الذي أوتوا الكتاب حت يعطوا الزية عن يد وهم صاغرون"(‪.)32‬‬

‫‪26‬‬
‫وقد جاء هذا الوقف الذي ل ينظر إل إل الرحلة الخية من مراحل فرض الهاد ف مقابل الوقف‬
‫السابق الذي ل ينظر إل إل الرحلة الول ‪ -‬وهي كف اليد ‪ -‬ول ُيعِدّ للمراحل الهادية الت تلت‬
‫كف اليد والصب على أذى الكفار·‬
‫وبي هذين الوقفي موقف ثالث نسب أنه الوافق لديه صلى ال عليه وسلم ف الدعوة والهاد؛ وهو‬
‫الوقف الذي رأى أن واقع السلمي اليوم وما يعيشونه من ذلة ومهانة وتسلط أعدائهم عليهم وذهاب‬
‫دولت هم هو أش به ما يكون بال الر سول صلى ال عليه و سلم ف مكة؛ حيث ال ستضعاف وت سلط‬
‫الكفار· ولكدن أصدحاب هذا الوقدف فارقوا الوقدف الول الذي رضدخ للواقدع فد أنمد ل يرضوا‬
‫بالستسلم للواقع‪ ،‬ول يرضوا بالذل والهانة؛ بل قاموا باتباع أثر النب صلى ال عليه وسلم ف مثل‬
‫هذه الظروف ح يث جا هد و صب وبلّغ التوح يد الالص للناس‪ ،‬ور ب أ صحابه ر ضي ال عن هم على‬
‫التوح يد ومقتضيا ته‪ ،‬وأعد هم علمًا وعملً للجهاد والتضح ية ف سبيل ال تعال؛ ف صبوا و صابروا‪،‬‬
‫وهجروا اللن والوطان‪ ،‬واستعذبوا ذلك ف سبيل ال عز وجل؛ حت إذا علم ال عز وجل صدق‬
‫ذلك منهم هيأ لم الراحل التالية من مراحل الهاد ف سبيله سبحانه‪ ،‬وهيأ لم النصار والدولة الت‬
‫ينطلقون منها للجهاد ف سبيل ال عز وجل‪ ،‬ففتحوا الدنيا ونشروا أنوار التوحيد ورسالة السلم ف‬
‫كل مكان قدروا عليه حت أصبح الدين كله ل‪ ،‬وصارت كلمة ال هي العليا وكلمة الكافرين هي‬
‫السفلى·‬
‫كما فارقوا الوقف الثان بالصب وعدم العجلة ف جهاد الطلب للكفار والرتدين قبل العداد الشامل‬
‫لذلك·‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫ليس العن ف الوقف الثان تلك الركات الهادية الت تدافع عن السلمي ف أفغانستان والشيشان‬
‫وغيها‪ ،‬وإنا العن هم أولئك الذين يرون مواجهة النظمة الطاغوتية ف بلدان السلمي دون الصول‬
‫على الد الدن من العداد والقدرة‪ ،‬وقبل وضوح راية الكفر ف تلك البلدان للناس‪ ،‬ودون وضوح‬
‫راية أهل اليان ف مقابل ذلك؛ ما ينشأ عنه اللبس والتلبيس على الناس‪ ،‬فتختلط الوراق ويد هؤلء‬
‫الجاهدون الستعجلون أنفسهم وجهًا لوجه أمام إخوانم السلمي الذين غرر بم ولبس عليهم وقيل‬

‫‪27‬‬
‫لم بأن حكومتهم شرعية‪ ،‬وأن الارجي عليها متطرفون إرهابيون مفسدون‪ ،‬ول يد الناس من يزيل‬
‫عنهم هذا اللبس· فحينئذ تقع الفتنة بي السلمي‪ ،‬ويقتل بعضهم بعضًا·‬
‫أ ما تلك الركات الهاد ية ال ت أعلندت جهاد ها على الكفار ف م ثل أفغان ستان لواج هة التحالف‬
‫ال صليب أو ف كشمي لواجهة الندوس الوثني ي‪ ،‬أو ف الشيشان لواجهة اللحدة الشيوعي ي‪ ،‬أو ف‬
‫فل سطي لواج هة اليهود الغاش ي فإن ا حركات مشرو عة لوضوح الرا ية الكفر ية‪ ،‬وزوال الل بس عن‬
‫السلمي ف تلك الماكن‪ ،‬كما أنه جهاد للدفاع عن الدين والعرض والكان حت ل ترتفع فيه راية‬
‫الكفار·‬
‫أ ما جهاد الطلب فإ نه ل يكون إل ب عد قيام دولة وكيان قوي للم سلمي ينطلقون م نه ويفيئون إل يه‪،‬‬
‫ويهاجر إليه وتصب طاقات السلمي فيه· وقبل قيام هذا الكيان القوي المن فإنه ليس أمام السلمي‬
‫إل إعداد العدة لقا مة هذا الكيان‪ ،‬والقيام بهاد الد فع في ما لو تعرض ال سلمون إل عدو كا فر ير يد‬
‫صرفهم عن دينهم أو استباحة دمائهم وأموالم وأعراضهم وديارهم·‬

‫القدمة الرابعة‬
‫فضائل الهاد ف سبيل ال تعال وثاره ف الدنيا والخرة‬
‫تقدم الد يث عن غا ية الهاد ف سبيل ال عز و جل وثر ته ال كبى ف الدن يا والخرة‪ ،‬وأ نه شرع‬
‫لتعبيد الناس لرب العالي‪ ،‬وحت ل تكون فتنة ول شرك ويكون الدين كله ل· هذا ف الدنيا أما ف‬
‫الخرة فرضوان ال وجنته والنجاة من سخطه والنار·‬
‫وقد نبه ال سبحانه إل خيية الهاد ف الدنيا والخرة ف قوله تعال‪ُ ( :‬كتِ بَ عََلْيكُ ُم اْلقِتَا ُل َو ُهوَ ُكرْ هٌ‬
‫حبّوا َشيْئا َو ُه َو شَرّ َلكُ ْم وَاللّ ُه َيعْلَ ُم َوَأنْتُ مْ ل‬
‫َلكُ ْم َوعَ سَى أَ نْ تَكْ َرهُوا َشيْئا وَ ُهوَ َخيْرٌ َلكُ ْم َوعَ سَى أَ ْن تُ ِ‬
‫َتعْلَمُونَ) (البقرة‪.)216:‬‬
‫وسيتم ف هذه القدمة تفصيل بعض الثمار واليات الت تترتب على الهاد ف سبيل ال عز وجل ف‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬والت هي فرع عن غاية الهاد‪.‬‬
‫( أ ) الثمار الت تظهر ف الدنيا ‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -1‬بالهاد تظهر حقيقة الحبة ل عز وجل وصدق العبودية له‪ ،‬ويظهر الصادق فيها من الكاذب؛‬
‫فالهاد ف سبيل ال تعال وتقدي الروح رخيصة ل تعال من أقوى البيان على صحة دعوى الحبة ل‬
‫تعال ولدينه‪ ،‬وبالهاد يحص ما ف القلوب ويبتلى به ما ف الصدور ويتخذ ال عز وجل من شاء من‬
‫عباده شهداء·‬
‫و ف ذلك يقول ا بن الق يم رح ه ال تعال‪" :‬ل ا ك ثر الدعون للمح بة طولبوا بإقا مة البي نة على صحة‬
‫الدعوى؛ فلو يعطى الناس بدعواهم لدعى اللىّ حُرقَة الشّجيّ· فتنوع الدعون ف الشهود· فقيل‪ :‬ل‬
‫حِبْبكُ مُ اللّ هُ)(آل عمران‪ :‬من ال ية‬ ‫حبّو نَ اللّ هَ فَاتِّبعُونِي يُ ْ‬ ‫تُق بل هذه الدعوى إل ببي نة (قُلْ إِ نْ ُكْنتُ ْم تُ ِ‬
‫‪.)31‬‬
‫فتأخر اللق كلهم‪ ،‬وثبت أتباع البيب ف أفعاله وأخلقه‪ ،‬فطولبوا بعدالة البينة بتزكية (يُجَاهِدُونَ فِي‬
‫َسبِيلِ اللّ ِه وَل َيخَدافُونَ َل ْو َمةَ لئِمٍ ذَلِكَ َفضْلُ اللّ ِه ُي ْؤتِيهِ مَ ْن يَشَا ُء وَاللّ ُه وَاسِ ٌع عَلِيمٌ) (الائدة‪ :‬من الية‬
‫‪.)54‬‬
‫فتأ خر أك ثر ال حبي وقام الجاهدون‪ ،‬فق يل ل م‪ :‬إن نفوس ال حبي وأموال م لي ست ل م‪ ،‬فهلموا إل‬
‫جّنةَ )(التوبة‪ :‬من الية ‪.)111‬‬ ‫بيعة (ِإنّ اللّهَ ا ْشتَرَى مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َأْنفُسَهُ ْم َوَأ ْموَالَهُ ْم ِبَأنّ َلهُ ُم الْ َ‬
‫فلما عرفوا عظمة الشتري‪ ،‬وفضل الثمن‪ ،‬وجللة من جرى على يديه عقد التبايع‪ :‬عرفوا قدر السلعة‪،‬‬
‫وأن لا شأنًا· فرأوا من أعظم ال َغبْن أن يبيعوها لغيه بثمن بس· فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي‪،‬‬
‫من غي ثبوت خيار· وقالوا‪" :‬وال ل نقيلك ول نستقيلك"·‬
‫فل ما ت الع قد و سلموا ال بيع‪ ،‬ق يل ل م‪ :‬م نذ صارت نفوسكم وأموال كم ل نا رددنا ها علي كم أو فر ما‬
‫سبَ ّن الّذِي نَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ َأ ْموَاتا بَلْ أَ ْحيَا ٌء عِنْدَ َرّبهِ ْم يُرْزَقُو نَ‬ ‫كا نت‪ ،‬وأضعاف ها معًا‪( :‬وَل تَحْ َ‬
‫ضلِهِ) (آل عمران‪.)33()170-169 :‬‬ ‫َفرِحِيَ بِمَا آتَاهُمُ اللّ ُه مِنْ َف ْ‬
‫وقد تقدم قول شيخ السلم ابن تيمية رحه ال تعال‪ ··" :‬والهاد دليل الحبة الكاملة ··· فإن الحبة‬
‫مستلزمة للجهاد لن الحب يب ما يب مبوبه‪ ،‬ويبغض ما يبغض مبوبه‪ ،‬ويوال من يواليه‪ ،‬ويعادي‬
‫من يعاديه‪ ،‬ويرضى لرضاه‪ ،‬ويغضب لغضبه‪ ،‬ويأمر با يأمر به‪ ،‬وينهي عما نى عنه؛ فهو موافق له ف‬
‫ذلك ···)(‪.)34‬‬

‫‪29‬‬
‫وقال أيضًا‪" :‬فإذا ترك العب دد ما يقدر عل يه من الهاد كان دليلً على ض عف م بة ال ور سوله ف‬
‫قلبه"(‪.)35‬‬
‫وه نا ي سن الشارة إل م سألة مه مة تتعلق بعقيدة الولء والباء وال ب ف ال والب غض ف ال؛ أل‬
‫وهي‪ :‬أن هذه الشعية العظيمة الت هي صلب التوحيد وأسه التي إنا تقوى وتصقل بالهاد ف سبيل‬
‫ال تعال‪ ،‬والدعوة إل ال تعال‪ ،‬والمر بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬كما أنا تضعف ويصيبها الوهن‬
‫بترك ذلك أو ضع فه· وإن التأ مل ف كتاب ال عز و جل و ف وا قع الدعوة إل ال عز و جل يرى أن‬
‫هناك ارتباطًا وثيقًا ب ي الدعوة إل ال تعال والهاد ف سبيله‪ ،‬وب ي عقيدة الولء والباء ف ن فس‬
‫الداعية·‬
‫فكل ما قو يت الدعوة وقوي ال مر بالعروف والن هي عن الن كر و حب الهاد ف ن فس الع بد الخلص‬
‫لربه قويت هذه العقيدة ف نفسه وظهرت بشكل واضح ف حياته ومواقفه ومبته وعداوته؛ حت يصبح‬
‫على استعداد أن يهجر وطنه وأهله وماله إذا اقتضى المر ذلك·‬
‫بل إن هذه العقيدة لتبلغ ذروة ال سنام ف قلب الداع ية ومواق فه؛ وذلك ف جهاد أعداء ال ولو كانوا‬
‫ضهُ مْ َأوْلِيَا ُء َبعْ ضٍ َي ْأمُرُو نَ بِالْ َمعْرُو فِ َويَْن َهوْ نَ‬
‫أقرب قريب؛ قال ال تعال‪( :‬وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَا تُ َب ْع ُ‬
‫عَ ِن الْ ُمنْكَ ِر َوُيقِيمُو نَ ال صّلةَ َويُ ْؤتُو نَ الزّكَا َة َويُطِيعُو نَ اللّ َه وَرَ سُولَهُ أُولَئِ كَ َسيَرْ َح ُمهُمُ اللّ هُ ِإنّ اللّ َه عَزِيزٌ‬
‫َحكِيمٌ) (التوبة‪.)71:‬‬
‫والع كس من ذلك وا ضح ومشا هد؛ ف ما من داع ية فترت ه ته عن الدعوة والهاد ومال إل الدن يا‬
‫وأهلها إل كان الضعف ف عقيدة الولء والباء مصاحبًا لذلك·‬
‫والاصل أن عقيدة الولء والباء ليست عقيدة نظرية تفظ ف الذهن الجرد‪ ،‬بل هي‪ :‬عقيدة وعمل‬
‫ومفاصدلة ودعوة وجهاد وحدب وبغدض؛ فإذا أردندا أن تقوى هذه العقيدة فهذا هدو طريقهدا‪ :‬طريدق‬
‫الدعوة‪ ،‬والمر بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬والهاد ف سبيل ال تعال‪ ،‬وكلما ابتعد العبد عن هذه‬
‫العمال مؤثرًا الراحة عليها فهذا معناه هشاشة هذه العقيدة وتعرضها للخطر والهتزاز·‬
‫وهذه إحدى ثار الهاد؛ حيث ييز صادق الولء ل تعال ولدينه من كاذبه‪ ،‬كما أنه ف نفس الوقت‬
‫يقوي هذه العقيدة ويصدقلها· والصدلة بيد الهاد وعقيدة الولء والباء صدلة تناسدب مطرد متبادل؛‬

‫‪30‬‬
‫بعن أن الماس للجهاد والتضحية ف سبيل ال تعال يقوى بقوة عقيدة الولء والباء ف القلب‪ ،‬كما‬
‫أن الولء والباء يقوى ويشتد بالهاد ف سبيل ال تعال·‬
‫‪ -2‬نشر التوحيد وشريعة السلم الت يهنأ الناس ف ظللا‪ ،‬وتسعد البشرية با‪ ،‬ويرتفع عنها الظلم‬
‫والشقاء بارتفاع الشرك الذي فيه استعباد الناس وظلمهم وقهرهم· والتاريخ يشهد بذلك؛ فما من أمة‬
‫فشى فيها الشرك والكفر إل وعانت من الظلم والشقاء وتسلط الطواغيت الشيء العظيم‪ ،‬وما من أمة‬
‫دخلها السلم وحكمها بكمه العادل القائم على توحيد ال عز وجل إل صلح أمرها وعاشت هنيئة‬
‫سعيدة تت ظلله الوارفه‪ ،‬فالهاد إذن شرع رحة بالعباد·‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحه ال تعال‪" :‬والطاعة عاقبتها سعادة الدنيا والخرة؛ وذلك ما يفرح‬
‫به الع بد الط يع؛ فكان في ما أ مر به من الطاعات عاقب ته حيدة تعود إل يه وإل عباده؛ ففي ها حك مة له‬
‫ورحة لعباده؛ قال تعال‪( :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى ِتجَا َر ٍة تُنْجِيكُ ْم مِ ْن عَذَا بٍ أَلِي مٍ ُتؤْ ِمنُو نَ‬
‫سكُمْ ذَِلكُمْ َخيْرٌ َلكُمْ إِنْ ُكنْتُ ْم َتعْلَمُو َن َيغْفِرْ َلكُمْ‬‫بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه َوتُجَاهِدُونَ فِي َسبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلكُ ْم َوَأْنفُ ِ‬
‫ك اْلفَوْ ُز اْلعَظِي مُ‬ ‫ت عَدْ نٍ ذَلِ َ‬ ‫حِتهَا اْلَأنْهَا ُر َومَ سَاكِ َن َطّيبَةً فِي َجنّا ِ‬ ‫ت تَجْرِي مِ نْ تَ ْ‬ ‫ُذنُوَبكُ ْم َويُدْخِ ْلكُ مْ َجنّا ٍ‬
‫ب َوبَشّ ِر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ) (الصف‪.)13-10:‬‬ ‫حبّونَهَا َنصْ ٌر مِنَ اللّ ِه وََفتْحٌ َقرِي ٌ‬
‫َوأُ ْخرَى تُ ِ‬
‫ففي الهاد عاقبة ممودة للناس ف الدنيا يبونا‪ :‬وهي النصر والفتح‪ ،‬وف الخرة النة‪ ،‬وفيه النجاة‬
‫صفّا كََأّنهُ ْم ُبْنيَا نٌ‬ ‫حبّ الّذِي نَ ُيقَاتِلُو نَ فِي سَبِيلِهِ َ‬ ‫من النار؛ و قد قال تعال ف أول ال سورة (ِإنّ اللّ َه يُ ِ‬
‫مَ ْر صُوصٌ) (الصف‪ )4:‬فهو ي ب ذلك؛ ففيه حك مة عائدة إل ال تعال وفيه رح ة للعباد؛ وهي ما‬
‫يصل إليهم من النعمة ف الدنيا والخرة"(‪.)36‬‬
‫‪ -3‬بالهاد يُدفع عذاب ال عز وجل ونقمته ف الدنيا والخرة ويعيش السلمون حياة طيبة عزيزة‬
‫خالية من التذلل للكفار والبقاء تت سيطرتم وقهرهم· والعكس من ذلك يصل حي يُترك الهاد‬
‫وير كن الناس إل الدن يا؛ ح يث ي ل م ل العزة ذل ال سلمي وا ستكانتهم لعدائ هم ي سومونم سوء‬
‫العذاب ف أديانم وأنفسهم وأعراضهم وأموالم·‬
‫وهذا م صداق قوله صلى ال عل يه و سلم‪( :‬إذا ظن الناس بالدينار والدر هم‪ ،‬وتبايعوا بالعي نة‪ ،‬واتبعوا‬
‫أذناب البقر‪ ،‬وتركوا الهاد ف سبيل ال أنزل ال بم بلء‪ ،‬فلم يرفعه عنهم حت يراجعوا دينهم)(‪.)37‬‬

‫‪31‬‬
‫وواقعنا العاصر أكب شاهد على ذلك؛ حيث يعد عصرنا من أسوء العصور الت مرت بالسلمي حيث‬
‫بلغ السلمون فيه من الذل والستكانة والتفرق ما ل يبلغوه ف أي عصر مضى‪ ،‬ما أغرى بم أعداؤهم‬
‫فتداعوا إل بلدان السدلمي كمدا تداعدى الكلة إل قصدعتها‪ ،‬ومدا ذاك إل بترك طاعدة ال عز وجدل‬
‫وحب الدنيا وكراهية الوت‪ ،‬وترك الهاد ف سبيل ال تعال·‬
‫ولن يُرفدع هذا الذل عدن السدلمي إل أن يراجعوا دينهدم ويرفعوا عَلَم الهاد على الكفار ويعدوا مدا‬
‫استطاعوا من قوة لقتالم دفاعًا وطلبًا· وقبل أن يتم ذلك فل نرجو عزة‪ ،‬ول نطمع أن يكف الكفار‬
‫شرهم عن السلمي بجرد الفاوضات السياسية أو عن طريق ملس المن ‪ -‬أعتذر ‪ -‬ملس الوف‪،‬‬
‫أو هيئة المم الكفرية الطاغوتية· كل فلن يردع العداء العاصرين إل ما ردع أسلفهم العتدين من‬
‫قبل؛ إنه الهاد ف سبيل ال تعال·‬
‫يقول ابن القيم رحه ال تعال‪" :‬قال ال تعال‪( :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ا ْستَجِيبُوا لِلّ ِه وَلِلرّ سُولِ إِذَا َدعَاكُ مْ‬
‫شرُو نَ) (النفال‪ ، )24 :‬فتضم نت‬ ‫حيِيكُ ْم وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ َه يَحُو ُل َبيْ َن الْ َمرْ ِء وَقَ ْلبِ ِه َوَأنّ هُ إَِليْ ِه تُحْ َ‬
‫لِمَا يُ ْ‬
‫هذه ال ية أمورًا أحد ها أن الياة الناف عة إن ا ت صل بال ستجابة ل ور سوله؛ ف من ل ت صل له هذه‬
‫السدتجابة فل حياة له وإن كاندت له حياة بيميدة مشتركدة بينده وبيد أرذل البهائم· فالياة القيقيدة‬
‫الطي بة هي حياة من ا ستجاب ل والر سول ظاهرًا وباطنًا؛ فهؤلء الحياء وإن ماتوا‪ ،‬وغي هم أموات‬
‫وإن كانوا أحياء البدان· ولذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الر سول؛ فإن كل ما‬
‫د عا إل يه فف يه الياة؛ ف من فا ته جزء م نه فا ته جزء من الياة‪ ،‬وف يه من الياة ب سب ما ا ستجاب‬
‫للرسول·‬
‫قال ماهد‪ :‬لا يييكم يعن للحق·‬
‫وقال قتادة‪ :‬هو هذا القرآن؛ فيه الياة والثقة والنجاة والعصمة ف الدنيا والخرة·‬
‫وقال السدي‪ :‬هو السلم؛ أحياهم به بعد موتم بالكفر·‬
‫وقال ابن إسحاق وعروة بن الزبي واللفظ له‪ :‬لا يييكم يعن للحرب الت أعزكم ال با بعد الذل‪،‬‬
‫وقواكم بعد الضعف‪ ،‬ومنعكم با من عدوكم بعد القهر منهم لكم·‬
‫وهذه كلها عبارات عن حقيقة واحدة‪ ،‬وهي‪ :‬القيام با جاء به الرسول ظاهرًا وباطنًا·‬

‫‪32‬‬
‫قال الواحدي‪ :‬والكثرون على أن مع ن قوله ل ا ييي كم هو‪ :‬الهاد‪ ،‬و هو قول ا بن إ سحاق واختيار‬
‫أكثر أهل العان·‬
‫قال الفراء‪ :‬إذا دعا كم إل إحياء أمر كم بهاد عدو كم‪ ،‬ير يد أن أمر هم إن ا يقوى بالرب والهاد؛‬
‫فلو تركوا الهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم· قلت‪ :‬الهاد من أعظم ما يييهم به ف الدنيا‬
‫وف البزخ وف الخرة"(‪.)38‬‬
‫‪ -4‬الجاهدون ف سبيل ال تعال من أهدى الناس إل ال ق‪ ،‬وأ سعدهم ب سبيل ال عز و جل ع ند‬
‫ْسدنِيَ)‬ ‫َعد الْمُح ِ‬ ‫ّهد لَم َ‬ ‫سدبَُلنَا َوإِنّ الل َ‬
‫ُمد ُ‬
‫ِيند جَاهَدُوا فِينَا َلَنهْ ِدَينّه ْ‬
‫اختلف السدبل؛ قال ال تعال‪( :‬وَالّذ َ‬
‫(العنكبوت‪.)69:‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحه ال تعال‪" :‬ولذا كان الهاد موجبًا للهداية الت هي ميطة بأبواب‬
‫العلم؛ كما دل عليه قوله تعال‪( :‬وَالّذِي نَ جَاهَدُوا فِينَا َلَنهْ ِدَيّنهُ مْ ُسبَُلنَا) ‪ ،‬فجعل لن جاهد فيه هداية‬
‫جيع سبله تعال؛ ولذا قال المامان عبدال بن البارك وأحد بن حنبل وغيها‪ :‬إذا اختلف الناس ف‬
‫(‬
‫شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الق معهم لن ال يقول‪( :‬وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا َلَنهْ ِديَّنهُ ْم ُسبَُلنَا)‬
‫‪ )39‬ا·ه د‪ ،‬وقال تعال‪( :‬وَالّذِي نَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ فَلَ ْن ُيضِلّ َأعْمَاَلهُ مْ َسَيهْدِيهِمْ َويُ صْلِ ُح بَاَلهُ مْ)‬
‫(ممد‪.)5-4:‬‬
‫قرأها المهور‪" :‬قاتلوا" وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم‪" :‬قتلوا"‪.‬‬
‫‪ -5‬الهاد ف سبيل ال تعال من أع ظم و سائل الترب ية للن فس وتزكيت ها باطنًا وظاهرًا‪ :‬ف كم من‬
‫الخلق الفاضلة وأعمال القلوب الزك ية ل ي كن إ صلحها والو صول ب ا إل كمال ا أو قرب كمال ا‬
‫إل بالهاد فد سدبيل ال تعال· وبدون الهاد سدتبقى هذه العمال ضعيفدة أو يصدعب على العبدد‬
‫تكميلها وهو قاعد·‬
‫وهذا ما أشار إل يه ش يخ ال سلم رح ه ال تعال ف تعلي قه على كون الهاد ذروة سنام هذا الد ين؛‬
‫حيث قال‪ ···" :‬ولذا كان الهاد سنام العمل‪ ،‬وانتظم سنام جيع الحوال الشريفة؛ ففيه سنام الحبة‪،‬‬
‫ِيند‬
‫َهد أَذِّل ٍة عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ َأعِ ّز ٍة عَلَى الْكَافِر َ‬‫حبّون ُ‬ ‫ُمد َويُ ِ‬
‫حّبه ْ‬
‫ْمد يُ ِ‬
‫ّهد ِبقَو ٍ‬
‫ف َيأْتِي الل ُ‬
‫َسدوْ َ‬
‫كمدا فد قوله‪( :‬ف َ‬
‫يُجَاهِدُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَل يَخَافُو نَ َل ْو َم َة لئِ مٍ) (الائدة‪ :‬من الية ‪ .)54‬وفيه سنام التوكل وسنام‬
‫ال صب؛ فإن الجا هد أحوج الناس إل ال صب والتو كل؛ ولذا قال تعال‪( :‬وَالّذِي َن هَا َجرُوا فِي اللّ ِه مِ نْ‬

‫‪33‬‬
‫صبَرُوا وَعَلَى َرّبهِمْ‬
‫سَنةً وََلأَ ْج ُر الْآخِ َرةِ أَكْبَرُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُو َن الّذِي نَ َ‬
‫َبعْ ِد مَا ظُلِمُوا َلنَُب ّوَئنّهُمْ فِي ال ّدْنيَا حَ َ‬
‫َيَتوَكّلُونَ) (النحل‪.)42-41:‬‬
‫صبِرُوا إِنّ الْأَرْ ضَ لِلّ ِه يُو ِرثُهَا مَ ْن يَشَاءُ مِ نْ عِبَادِ هِ‬‫وقال تعال‪( :‬قَا َل مُو سَى ِل َق ْومِ هِ ا ْسَتعِينُوا بِاللّ ِه وَا ْ‬
‫وَاْلعَاِقبَةُ لِ ْل ُمّتقِيَ) (لعراف‪.)128:‬‬
‫··· و ف الهاد أيضا‪ :‬حقي قة الز هد ف الياة الدن يا‪ ،‬و ف الدار الدن يا‪ ،‬وف يه أيضًا‪ :‬حقي قة الخلص؛‬
‫فإن الكلم فيمن ياهد ف سبيل ال‪ ،‬ل ف سبيل الرياسة‪ ،‬ول ف سبيل الال‪ ،‬ول ف سبيل المية‪،‬‬
‫وهذا ل يكون إل لند قاتدل ليكون الديدن كله ل‪ ،‬ولتكون كلمدة ال هدي العليدا· وأعظدم مراتدب‬
‫ُسدهُمْ‬
‫ِند الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َأْنف َ‬
‫ّهد ا ْشتَرَى م َ‬ ‫الخلص تسدليم النفدس والال للمعبود‪ ،‬كمدا قال تعال‪( :‬إِنّ الل َ‬
‫جّن َة ُيقَاتِلُونَ فِي َسبِيلِ اللّهِ َفَيقْتُلُو َن َوُيقْتَلُونَ) (التوبة‪ :‬من الية ‪.)40()111‬‬ ‫َوَأ ْموَاَلهُ ْم ِبأَنّ َلهُ ُم الْ َ‬
‫‪ -6‬وحدة صف السلمي واجتماع كلمتهم‪ :‬حيث إن استقراء التاريخ يدل على أن الهاد ف سبيل‬
‫ال عز وجل يوحد صفوف السلمي ويضيق أبواب اللف‪ ،‬وما من وقت كان السلمون يقارعون‬
‫فيه أعداءهم الكفار إل وكانوا فيه ف غاية الخاء والتاد‪ ،‬وما كانوا ينتهون من غزوة أو معركة إل‬
‫ويدخلون ف أخرى‪ ،‬ول ي د اللف إلي هم سبيل‪ ،‬والع كس من ذلك يدث عند ما يع طل الهاد‬
‫وينشغل السلمون بعضهم ببعض·‬
‫( ب ) الثمار الخروية للجهاد ‪:‬‬
‫ف الخرة تتحقق الثمرة العظمى للجهاد ف سبيل ال تعال‪ ،‬والت تنافس فيها التنافسون‪ ،‬وضحى ف‬
‫سبيلها الجاهدون بأرواح هم رخي صة راض ية ب ا نفو سهم‪ ،‬وك يف ل و هم يرجون رح ة ال تعال‬
‫ورضوانه وجناته؟! هذه الغاية الشريفة والثمرة العظيمة الت يرخص ف سبيلها كل شيء·‬
‫وإن التأ مل ف كتاب ال عز و جل والتدبر لم يع اليات ال ت ورد في ها ذ كر ال نة و ما أ عد ال عز‬
‫وجل فيها لهلها من الرضوان والنعيم ليلفت نظره أم ٌر مهم وشيئ عجيب؛ أل وهو أن جل ما ورد‬
‫من اليات ال ت يذ كر في ها سبحانه ما أ عد لوليائه من ال نة والرضوان ي سبقها ف العادة صفات‬
‫الوعود ين بذلك‪ ،‬وبالتأ مل ف أو صافهم تلك ن د أناد تكاد تنح صر ف‪ :‬الجاهد ين‪ ،‬وال صابرين‪،‬‬
‫والمرين بالعروف والناهي عن النكر· وفيما يلي ذكر بعض اليات الت يذكر ال عز وجل فيها ما‬
‫أعد لعباده الجاهدين من الرحة والنعيم والرضوان·‬

‫‪34‬‬
‫ك يَرْجُو نَ‬ ‫‪ -‬ال ية الول‪ :‬قوله تعال‪( :‬إِنّ الّذِي نَ آمَنُوا وَالّذِي َن هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ أُوَلئِ َ‬
‫َرحْ َمتَ اللّ ِه وَاللّ ُه غَفُورٌ َرحِيمٌ) (البقرة‪.)218:‬‬
‫سْتهُمُ‬ ‫جّن َة وَلَمّا َيأِْتكُ ْم َمثَلُ الّذِينَ خََلوْا مِنْ َقبِْلكُ ْم مَ ّ‬ ‫سبْتُمْ أَ ْن تَدْخُلُوا الْ َ‬ ‫‪ -‬الية الثانية‪ :‬قوله تعال‪( :‬أَمْ حَ ِ‬
‫اْلبَأْ سَا ُء وَالضّرّا ُء وَزُْلزِلُوا َحتّى َيقُولَ الرّ سُو ُل وَالّذِي نَ آ َمنُوا َمعَ هُ َمتَى نَ صْرُ اللّ هِ أَل ِإنّ نَ صْرَ اللّ هِ َقرِي بٌ)‬
‫(البقرة‪.)214:‬‬
‫جّنةَ وَلَمّ ا َيعْلَ مِ اللّ ُه الّذِي نَ جَاهَدُوا مِْنكُ مْ َوَيعْلَ مَ‬ ‫سْبتُمْ أَ نْ تَ ْدخُلُوا الْ َ‬‫‪ -‬ال ية الثال ثة‪ :‬قوله تعال‪( :‬أَ مْ حَ ِ‬
‫الصّابِرِينَ) (آل عمران‪.)142:‬‬
‫دِيلِ اللّهِدَأ ْو ُمتّم ْدلَ َم ْغفِ َرةٌ مِنَد اللّهِد وَرَحْ َمةٌ َخيْ ٌر مِمّاد‬ ‫‪ -‬اليدة الرابعدة‪ :‬قوله تعال‪) :‬وََلئِن ْد ُقتِ ْلتُم ْد فِي سَب‬
‫ج َمعُونَ) (آل عمران‪.)157:‬‬ ‫يَ ْ‬
‫سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا بَلْ أَ ْحيَا ٌء ِعنْدَ َرّبهِ ْم يُ ْرزَقُونَ‬ ‫‪ -‬الية الامسة‪ :‬قوله تعال‪( :‬وَل تَحْ َ‬
‫حقُوا ِبهِ مْ مِ نْ خَ ْل ِفهِ مْ أَلّا َخوْ فٌ عََلْيهِ مْ وَل‬ ‫ضلِ ِه َويَ سَْتبْشِرُونَ بِالّذِي نَ َل ْم يَلْ َ‬ ‫َفرِحِيَ بِمَا آتَاهُ مُ اللّ ُه مِ نْ َف ْ‬
‫ستَبْشِرُو َن ِبنِعْ َم ٍة مِ نَ اللّ ِه وََفضْ ٍل َوأَنّ اللّ َه ل ُيضِي عُ أَجْ َر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ الّذِي َن ا سْتَجَابُوا لِلّ هِ‬ ‫ح َزنُو َن يَ ْ‬ ‫هُ ْم يَ ْ‬
‫سنُوا ِمْنهُ مْ وَاّت َقوْا أَجْرٌ عَظِي مٌ) (آل عمران‪-169:‬‬ ‫وَالرّ سُولِ مِ ْن َبعْ ِد مَا أَ صَاَبهُ ُم الْقَ ْر حُ ِللّذِي نَ أَحْ َ‬
‫‪.)172‬‬
‫‪ -‬الية السادسة‪ :‬قوله تعال‪( :‬فَا ْستَجَابَ َلهُ مْ َرّبهُ مْ أَنّي ل أُضِي عُ عَ َم َل عَامِلٍ ِمْنكُ ْم مِ نْ ذَ َكرٍ َأوْ أُْنثَى‬
‫َب ْعضُكُ ْم مِ ْن َبعْضٍ فَالّذِي َن هَاجَرُوا َوأُخْ ِرجُوا مِنْ ِديَا ِرهِ ْم َوأُوذُوا فِي َسبِيلِي وَقَاتَلُوا وَُقتِلُوا َلأُكَفّ َرنّ َعْنهُمْ‬
‫حِتهَا الَْأْنهَا ُر َثوَابا مِ ْن عِنْدِ اللّ ِه وَاللّ ُه ِعنْدَ هُ حُ سْ ُن الّثوَا بِ) (آل‬ ‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫َسّيئَاتِهِ ْم وََلأُدْ ِخَلّنهُ مْ َجنّا ٍ‬
‫عمران‪.)195:‬‬
‫‪ -‬ال ية ال سابعة‪ :‬قوله تعال‪( :‬وَالّذِي نَ آ َمنُوا َوهَاجَرُوا َوجَاهَدُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَالّذِي َن آ َووْا َونَ صَرُوا‬
‫أُوَلئِكَ هُ ُم الْ ُم ْؤ ِمنُونَ َحقّا َلهُ ْم َم ْغفِ َرٌة وَرِ ْزقٌ كَ ِريٌ) (النفال‪.)74 :‬‬
‫سهِمْ َأعْظَ مُ‬ ‫‪ -‬ال ية الثام نة‪ :‬قوله تعال‪( :‬الّذِي نَ آ َمنُوا َوهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه ِبَأمْوَاِلهِ ْم َوَأْنفُ ِ‬
‫ضوَا نٍ َو َجنّا تٍ َل ُه مْ فِيهَا َنعِي ٌم ُمقِي مٌ‬ ‫ك هُ ُم اْلفَائِزُو َن ُيبَشّ ُرهُ مْ َرّبهُ ْم بِرَ ْح َم ٍة ِمنْ هُ وَرِ ْ‬
‫دَرَ َج ًة ِعنْدَ اللّ ِه َوأُولَئِ َ‬
‫خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا ِإنّ اللّ َه عِنْ َدهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة‪.)22-20 :‬‬

‫‪35‬‬
‫ف َوَيْن َهوْ نَ‬ ‫ضهُ مْ َأوِْليَاءُ َبعْ ضٍ َي ْأمُرُو نَ بِالْ َمعْرُو ِ‬ ‫‪ -‬الية التاسعة‪ :‬قوله تعال‪( :‬وَالْ ُم ْؤمِنُو َن وَالْ ُمؤْ ِمنَا تُ َب ْع ُ‬
‫عَ ِن الْ ُمنْكَ ِر َوُيقِيمُو نَ ال صّلةَ َويُ ْؤتُو نَ الزّكَا َة َويُطِيعُو نَ اللّ َه وَرَ سُولَهُ أُولَئِ كَ َسيَرْ َح ُمهُمُ اللّ هُ ِإنّ اللّ َه عَزِيزٌ‬
‫حِتهَا اْلأَْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َومَ سَاكِ َن طَّيَبةً فِي‬ ‫َحكِي ٌم َوعَدَ اللّ ُه الْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَا تِ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ك ُه َو اْل َفوْزُ اْلعَظِيمُ) (التوبة‪.)72-71:‬‬ ‫ضوَا ٌن مِنَ اللّهِ أَ ْكبَرُ ذَلِ َ‬‫َجنّاتِ عَ ْد ٍن وَرِ ْ‬
‫جّن َة ُيقَاتِلُونَ فِي‬ ‫سهُمْ َوَأ ْموَالَهُ ْم ِبَأنّ َلهُ ُم الْ َ‬
‫‪ -‬الية العاشرة‪ :‬قوله تعال‪ِ( :‬إنّ اللّ َه اشْتَرَى مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َأْنفُ َ‬
‫َسبِيلِ اللّ هِ َفَيقْتُلُو َن َوُيقْتَلُو نَ َوعْدا عََليْ هِ َحقّا فِي الّتوْرَاةِ وَاْلأِنْجِي ِل وَاْلقُرْآ ِن َومَ نْ َأوْفَى ِب َعهْدِ ِه مِ نَ اللّ هِ‬
‫ك ُه َو اْل َفوْزُ اْلعَظِيمُ) (التوبة‪.)111:‬‬ ‫فَا ْسَتبْشِرُوا ِبَبْيعِكُ ُم الّذِي بَاَيعْتُ ْم بِ ِه وَذَلِ َ‬
‫‪ -‬ال ية الاد ية ع شر‪ :‬قوله تعال‪( :‬وَالّذِي نَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ فَلَ ْن ُيضِلّ أَعْمَاَلهُ مْ سََيهْدِيهِ ْم َويُ صْلِحُ‬
‫جّن َة عَرَّفهَا َلهُمْ) (ممد‪.)6-4:‬‬ ‫بَاَلهُ ْم َويُدْ ِخُلهُ ُم الْ َ‬
‫‪ -‬الية الثانية عشر‪ :‬قوله تعال‪( :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى تِجَا َرةٍ ُتنْجِيكُ ْم مِ ْن عَذَا بٍ أَلِي مٍ‬
‫ُت ْؤ ِمنُو نَ بِاللّ ِه وَرَ سُولِهِ َوتُجَاهِدُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه ِبأَ ْموَالِكُ ْم َوَأْنفُ سِكُمْ ذَِلكُ مْ َخيْرٌ َلكُ مْ إِ نْ ُكْنتُ ْم َتعْلَمُو نَ‬
‫حتِهَا اْلأَْنهَا ُر َومَ سَاكِ َن َطيَّبةً فِي َجنّا تِ عَدْ نٍ ذَلِ كَ‬ ‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬‫َي ْغفِرْ َلكُ مْ ُذنُوَبكُ مْ َويُدْخِ ْلكُ مْ َجنّا ٍ‬
‫اْل َفوْ ُز الْعَظِيمُ) (الصف‪.)12-10 :‬‬
‫وأما الحاديث ف فضائدل الهداد ومدا أعدد ال للمجاهدين والشهداء ف الخرة فهي كثية‬
‫جدًا والتأمل ف أحاديث الفضائل يد أنه ما من عمل صال جاء ف فضيلته والترغيب فيه والثناء على‬
‫أهله أحاديث كثية ل تأت لغيه من الصالات كما جاء ف شعية الهاد؛ ومن هذه الحاديث‪:‬‬
‫‪ -‬قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬انتدب ال لن خرج ف سبيله ل يرجه إل إيا نٌ ب‪ ،‬وتصديق برسلي‬
‫أن أرج عه ب ا نال من أج ٍر أو غنيمةٍ أو أدخله ال نة‪ ،‬ولول أن أشق على أم ت ما قعدت خلف سَرية‪،‬‬
‫ولوددت أن أقتلُ ف سبيل ال‪ ،‬ث أحيا‪ ،‬ث أُقتل‪ ،‬ث أُحيا‪ ،‬ث أُقتل)(‪.)41‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬مثل الجاهد ف سبيل ال كمثل الصائم القائم القانت بآيات ال ل‬
‫يفتر من صيام ول صلة حت يرجع الُجاهد ف سبيل ال)(‪.)42‬‬
‫(‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬من قاتل ف سبيل ال من رجل مسلم فواق ناقةِ‪ ،‬وجبت له النة)‬
‫‪.)43‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عل يه و سلم‪( :‬إِن ف ال نة مائة درج ٍة أعدها ال للمُجاهد ين ف سبيل ال؛ ما ب ي‬
‫الدرجتي كما بي السماء والرض‪ ،‬فإذا سأَلتم ال فاسألُوهُ الفرْدَوس؛ فإنه أوسط النة وأعلى النة‪،‬‬
‫وفوقه عرش الرحن‪ ،‬ومنه تفجر أنار النة)(‪.)44‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عل يه و سلم ل ب سعيد‪ ( :‬من ر ضي بال ربًا‪ ،‬وبال سلم دينًا‪ ،‬وبح مد ر سولً‪،‬‬
‫وجبت له النة) فعجب لا أبو سعيد‪ ،‬فقال‪ :‬أعِدْهَا عليّ يا رسول ال‪ ،‬ففعل‪ ،‬ث قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬وأُخرى يرفع ال با العبد مائة درجة ف النة ما بي كل درجتي كما بي السماء‬
‫والرض) قال‪ :‬وما هي يا رسول ال؟ قال‪( :‬الهادُ ف سبيل ال)(‪.)45‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬من اغبّت قدماه ف سبيل ال حرّمه ال على النار)(‪.)46‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬من راح روحة ف سبيل ال كان له بثل ما أصابه من الغبار مسكًا‬
‫يوم القيامة)(‪.)47‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬رباط يوم ف سبيل ال خي من الدنيا وما عليها)(‪.)48‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عل يه و سلم‪( :‬رباط يوم وليلة خ ي من صيام ش هر وقيا مه‪ ،‬وإن مات جرى عل يه‬
‫الذي كان يعمله‪ ،‬وأجري عليه رزقه وأمن الفتان)(‪.)49‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن أبواب النة تت ظلل السيوف)(‪.)50‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬طوب لعبد آخذ بعنان فرسه ف سبيل ال‪ ،‬أشعث رأسه‪ ،‬مغبة قدماه‪،‬‬
‫إن كان ف الراسة كان ف الراسة‪ ،‬وإن كان ف الساقة كان ف الساقة‪ ،‬إن استأذن ل يؤذن له‪ ،‬وإن‬
‫شفّع)(‪.)51‬‬
‫شفع ل يُ َ‬
‫ولجل هذه الفضائل كان السلف الصال من الصحابة رضي ال عنهم ومَنْ بعدهم أحرص الناس على‬
‫هذه الشعية العظيمة؛ فتسابقوا ف بذل أنفسهم رخيصة ف سبيل ال عز وجل راجي هذه الفضائل‬
‫العظيمة‪ ،‬وعلى رأسها رضوان ال عز وجل ورحته وجنته· وأسوق فيما يلي ناذج من حرص السلف‬
‫على هذه الشعية العظيمة‪:‬‬
‫‪ -‬عن حاد بن سلمة‪ :‬حدثنا عليّ بن زيد‪ ،‬عن ابن السيّب‪ ،‬قال‪ :‬أقبل صُهيب مهاجرًا‪ ،‬واتبعه نفرٌ‪،‬‬
‫فنل عن راحلته‪ ،‬ونثل كِنانته‪ ،‬وقال‪ :‬لقد علمتم أن من أرماكم‪ ،‬وأيُ ال ل تصلون إلّ حت أرمي‬
‫بكل سهم معي‪ ،‬ث أضربُكم بسيفي‪ ،‬فإن شئتُم دللتُكم على مال‪ ،‬وخلّيتُم سبيلي؟ قالوا‪ :‬نفعل· فلما‬

‫‪37‬‬
‫س مَ ْن يَشْرِي َنفْ سَهُ‬‫قدم على النب صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ربح البي عُ أبا يي!) ونزلت‪َ ( :‬ومِ َن النّا ِ‬
‫اْبتِغَا َء مَرْضَاتِ اللّهِ) (البقرة‪ :‬من الية ‪.)52()207‬‬
‫‪ -‬وقال الواقدي ‪ :‬حدثنا عبدال بن نافع‪ ،‬عن أبيه عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬رأي تُ عمارًا يوم اليمامة على‬
‫صخرة وقد أشرف يصيح‪ :‬يا معشر السلمي‪َ ،‬أمِن النة َتفِرّون‪ ،‬أنا عمارُ بن ياسر‪ ،‬هلمّوا إلّ! وأنا‬
‫ب وهو يُقاتلُ أشد القتال"(‪.)53‬‬
‫أنظر إل أذنه قد قطعت‪ ،‬فهي تَ َذبْذَ ُ‬
‫‪ -‬وقال ابن الوزي ف ترجة سعد بن خيثمة ‪ :‬يكن أبا عبدال‪ ،‬أحد نقباء النصار الثنا عشر· شهد‬
‫العقبة الخية مع السبعي· ولا ندب رسول ال صلى ال عليه وسلم النا سَ إل غزوة بدر قال له أبوه‬
‫خيث مة‪ :‬إ نه ل بد لحد نا أن يق يم‪ ،‬فآثر ن بالروج وأ قم مع ن سائك· فأ ب سعد وقال‪ :‬لو كان غ ي‬
‫النة آثرتك به‪ ،‬إن لرجو الشهادة ف وجهي هذا فاستّهما فخرج سهم سعد فخرج فقتل ببدر(‪.)54‬‬
‫‪ -‬وعن ابن عُيينة عن ابن أب خالد‪ ،‬عن مول لل خالد بن الوليد أن خالدًا قال‪ :‬ما من ليلة يُهدى‬
‫صبّ ُح في ها‬‫إلّ في ها عرو سٌ أ نا ل ا مُحِبّ أح بّ إلّ من ليلة شديدة البد‪ ،‬كثية الل يد ف سرّيةٍ أُ َ‬
‫العَد ُدوّ(‪.)55‬‬
‫‪ -‬وعن جُبي بن ُنفَي قال ‪ :‬جلسنا إل القداد بن السود بدمشق وهو يدثنا وهو على تابوت ما به‬
‫عنه فضل‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬لو قعدت العام عن الغزو؟ قال‪ :‬أبت البحوث ‪ -‬يعن سورة التو بة ‪ -‬قال‬
‫ال تبارك وتعال‪( :‬اْنفِرُوا ِخفَافا َوِثقَالً) قال أبو عثمان‪ :‬بثت النافقي(‪.)56‬‬
‫‪ -‬وعن خارجة بن زيد بن ثابت‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬بعثن النب صلى ال عليه وسلم يوم أُحد أطلب سعد‬
‫بن الربيع‪ ،‬فقال ل‪ :‬إ ْن رأيتَه‪ ،‬فأ ْقرِه من السلم‪ ،‬وقل له‪ :‬يقول لك رسول ال‪ :‬كيف تدك؟ فطف تُ‬
‫ب ي القتلى‪ ،‬فأ صبته و هو ف آ خر ر مق و به سبعون ضر بة فأ خبته‪ ،‬فقال‪ :‬على ر سول ال ال سلم‬
‫وعليك‪ ،‬قل له‪ :‬يا رسول ال! أجد ريح النة‪ ،‬وقل لقومي النصار‪ :‬ل عذر لكم عند ال إن خُلِ صَ‬
‫إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وفيكم شفْر يطرف‪ ،‬قال‪ :‬وفاضت نفسه رضي ال عنه(‪.)57‬‬
‫‪ -‬وعن َحمّا ِد ب نِ سلمة‪ ،‬عن ثابت وعلي بن زيد‪ ،‬عن أنس‪ :‬أنّ أبا طلحة قرأ‪( :‬اْنفِرُوا ِخفَافا َوِثقَالً)‬
‫فقال‪ :‬ا ستنفرنا ال‪ ،‬وأمر نا شيوخ نا وشباب نا‪ ،‬جهزو ن· فقال بنوه‪ :‬يرحُك ال! إ نك قد غزوت على‬
‫ع هد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وأ ب ب كر‪ ،‬وع مر‪ ،‬ون ن نغزو ع نك الن· قال‪ :‬فغزا الب حر‪،‬‬
‫فمات‪ ،‬فلم يدوا له جزيرة يدفنونَه فيها إلّ بعد سبعة أيام‪ ،‬فلم يتغي(‪.)58‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ -‬وعن أنس رضي ال عنه قال ‪" :‬بعث النب صلى ال عليه وسلم أقوامًا من بن سليم إل بن عامر ف‬
‫سبعي فل ما قدموا قال ل م خال‪ :‬أتقدم كم‪ ،‬فإن أمنو ن ح ت أبلغ هم عن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم وإل كنتم من قريبًا‪ ،‬فتقدم فأمّنوه‪ ،‬فبينما يدثهم عن النب صلى ال عليه وسلم إذ أومؤوا إل‬
‫رجل منهم فطعنه فأنفذه فقال‪ :‬ال أكب‪ ،‬فزت ورب الكعبة· ث مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إل‬
‫رجل أعرج صعد البل‪ ،‬فأخب جبيل عليه السلم النب صلى ال عليه وسلم أنم لقوا ربم فرضي‬
‫عنهم وأرضاهم ··"(‪.)59‬‬
‫‪ -‬و عن ثا بت البنا ن عن ا بن أ ب ليلى‪ ،‬أن ا بن أم مكتوم قال‪ :‬أي ربّ! أنزل عذري· فأنزلت ( َغيْرُ‬
‫أُولِي الضّرَرِ) (النسداء‪ :‬مدن اليدة ‪ .)95‬فكان بعدُ يغزو ويقولُ‪ :‬ادفعوا إل ّ اللواءَ‪ ،‬فإند أعمدى ل‬
‫أستطيع أن أفِرّ‪ ،‬وأقيمون بي الصفي(‪.)60‬‬
‫‪ -‬وعن أساء بنت أب بكر رضي ال عنهما قالت ‪ :‬لا توجه النبّ صلى ال عليه وسلم من مكة حل‬
‫أبو بكر معه جيع ماله ‪ -‬خسة آلف‪ ،‬أو ستة آلف ‪ -‬فأتان جدّي أبو قُحافة وقد عمِي‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫هذا قد فجعكم باله ونفسه· فقل تُ‪ :‬كل‪ ،‬قد ترك لنا خيًا كثيًا· فعمد تُ إل أحجارِ‪ ،‬فجعَ ْلتُهنّ ف‬
‫ت علي ها بثوب‪ ،‬ث أخذ تُ بيده‪ ،‬ووضعتُ ها على الثوب‪ ،‬فقل تُ‪ :‬هذا تر كه ل نا·‬ ‫كوّة الب يت‪ ،‬وغطي ُ‬
‫فقال‪َ :‬أمَا إذْ ترك لكم هذا فنعم(‪.)61‬‬
‫‪ -‬وروى عا صم بن بدلة عن أ ب وائل أ ظن قال‪ :‬ل ا حضرت خالدًا الوفاةُ‪ ،‬قال‪ :‬ل قد طلب تُ الق تل‬
‫مظانّه فلم ُيقَدّر ل إل أن أموت على فراشي· وما من عملي شيءٌ أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة‬
‫بتّ ها وأ نا متترس‪ ،‬وال سماء تلّ ن ننت ظر ال صبح ح ت نُغيَ على الكفار· ث قال‪ :‬إذا متّ فانظروا إل‬
‫سلحي وفرسي‪ ،‬فاجعلوه عدة ف سبيل ال· فلما تُوف‪ ،‬خرج عمر على جنازته‪ ،‬فذكر قوله‪ :‬ما على‬
‫سفَحْنَ على خالد من دمُوعهن ما ل يكن نَ ْقعًا أو َلقَْل َقةً(‪.)62‬‬‫آل الوليد أن يَ ْ‬
‫‪ -‬ومن ترجة أب عقيل عبدالرحن بن ثعلبة ‪ -‬وهو بدري شهد الشاهد كلها مع رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم ‪ -‬روى ا بن الوزي عن جع فر بن عبدال بن أ سلم قال‪ :‬ل ا كان يوم اليما مة وا صطف‬
‫الناس كان أول من جُرح أبو َعقِيل؛ رُمي بسهم فوقع بي منكبيه وفؤادِه ف غي مَقتل‪ ،‬فأخرج السهم‬
‫ووهَن له شقّ ه الي سر ف أول النهار‪ ،‬و ُجرّ إل الر حل· فل ما ح ي القتال وانزم ال سلمون وجاوزوا‬
‫رحال م‪ ،‬وأ بو عق يل وا هن من جر حه‪ ،‬سع م عن بن عدي ي صيح يا للن صار! ال ال والكرّة على‬

‫‪39‬‬
‫عدوكم· قال عبدال بن عمر‪ :‬فنهض أبو عقيل يريد قومه‪ ،‬فقلت‪ :‬ما تريد؟ ما فيك قتال· قال‪ :‬فد‬
‫نوّه النادي باسي قال ابن عمر‪ :‬فقلت له‪ :‬إنا يقول‪ :‬يا للنصار‪ ،‬ول يعن الرحى· قال أبو عقيل‪ :‬أنا‬
‫من النصار‪ ،‬وأنا أجيبه ولو َحْبوًا· قال ابن عمر‪ :‬فتحزّم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمن‪ ،‬ث جعل‬
‫ينادي‪ :‬يدا للنصدار‪ ،‬ك َرةً كيوم حُنيد فاجتمعوا رحكدم ال جيعا تقدّموا فالسدلمون دريئة دون‬
‫عدو هم‪ ،‬ح ت أقحموا عدوّ هم الدي قة فاختلطوا واختل فت ال سيوف بين نا وبين هم· قال ا بن ع مر‪:‬‬
‫فنظرت إل أب عقيل وقد قُطعت يده الجروحة من النكب فوقع تْ إل الرض وبه من الراح أربعة‬
‫عشر جرحًا كلها قد خلصت إل مقتل‪ ،‬وقُتل عدو ال مسيلمة· قال ابن عمر فوقفت على أب عقيل‬
‫وهو صريع بآخر رمق فقلت‪ :‬يا أبا عقيل! قال‪ :‬لبيك ‪ -‬بلسان ملتاث (‪ -)63‬لن الدَبرَة(‪.)64‬؟ قلت‪:‬‬
‫أبشر قد قتل عدو ال· فرفع إصبعه إل السماء يمد ال· ومات يرحه ال·‬
‫قال ا بن ع مر‪ :‬فأ خبت ع مر‪ ،‬ب عد أن قد مت‪ ،‬خبه كله· فقال‪ :‬رح ه ال؛ ما زال ي سعى للشهادة‬
‫ويطلبها‪ ،‬وإن كان ‪ -‬ما علمت ‪ -‬من خيار أصحاب نبينا صلى ال عليه وسلم وقدي إسلمهم رضي‬
‫ال عنهم(‪.)65‬‬
‫‪ -‬ومن ترجة واثلة بن السقع رضي ال عنه‪ :‬عن ممد بن سعد قال‪ :‬أتى واثلة رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم ف صلى م عه ال صبح· وكان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إذا صلى وان صرف ت صفح‬
‫أصحابه· فلما دنا من واثلة قال‪ :‬من أنت؟ فأخبه فقال‪ :‬ما جاء بك؟ قال‪ :‬جئت أبايع· فقال رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬في ما أحبب تَ وكره تَ؟ قال‪ :‬ن عم· قال‪ :‬في ما أط قت؟ قال‪ :‬ن عم· فأ سلم‬
‫وبايعه(‪.)66‬‬
‫وكان ر سول ال صلى ال عليه وسلم يتجهز يومئذ إل تبوك فخرج واثلة إل أهله فلقي أباه ال سقع‬
‫فل ما رأى حاله قال‪ :‬قد فعلت ها؟ قال‪ :‬ن عم· قال أبوه‪ :‬وال ل أكل مك أبدا· فأ تى ع مه ف سلم عل يه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬قد فعلت ها؟ قال‪ :‬ن عم· فل مه أي سر من مل مة أب يه وقال‪ :‬ل ي كن ينب غي لك أن ت سبقنا بأ مر·‬
‫ك هذا يا‬‫فسمعت أخت واثلة كلمه فخرجت إليه وسلمت عليه بتحية السلم· فقال واثلة‪ :‬أنّ ل ِ‬
‫أخيّة؟ قالت‪ :‬سعت كلمك وكلم عمك فأسلمت· فقال‪ :‬جهّزي أخاك جها َز غَازٍ؛ فإن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم على جناح سفر· فجهزته فلحق برسول ال صلى ال عليه وسلم قد تمّل إل‬
‫تبوك وبقي ُغبّراتٌ(‪ )67‬من الناس وهم على الشخوص(‪ )68‬فجعل ينادي بسوق بن قينقاع‪ :‬من يملن‬

‫‪40‬‬
‫وله سهمي؟ قال‪ :‬وكنت رجلً ل رِحلة(‪ )69‬ب‪ .‬قال‪ :‬فدعان كعب بن عُجْرة فقال‪ :‬أنا أحلك عقبة‬
‫بالل يل وعق بة بالنهار ويدك أ سوة يدي وسدهمك ل· قال واثلة‪ :‬نعدم· قال واثلة‪ :‬جزاه ال خيًا لقدد‬
‫كان يمل ن ويزيد ن وآ كل م عه وير فع ل‪ ،‬ح ت إذا ب عث ر سول ال صلى ال عل يه و سلم خالد بن‬
‫الول يد إل أكيدر بن عبداللك بدو مة الندل خرج ك عب ف ج يش خالد وخر جت م عه فأ صبنا فيئًا‬
‫كثيًا فق سمه خالد بين نا فأ صابن ست قلئص(‪ )70‬فأقبلت أ سوقها ح ت جئت ب ا خي مة ك عب بن‬
‫عجرة فقلت‪ :‬اخرج رحك ال فانظر إل قلئصك فاقبضها· فخرج وهو يبتسم ويقول‪ :‬بارك ال لك‬
‫فيها ما حلتك وأنا أريد أن آخذ منك شيئًا(‪.)71‬‬
‫‪ -‬وعن عبدال بن قيس أب أميّة الغفاري قال‪ :‬كنا ف غزاة لنا فحضر عدوهم فصيح ف الناس فهم‬
‫يثوبون إل مصافهم‪ ،‬إذا رجل أمامي‪ ،‬رأس فرسي عند عجز فرسه‪ ،‬وهو ياطب نفسه ويقول‪ :‬أي‬
‫نفس أل أشهد مشهد كذا وكذا فقلت ل‪ :‬أهلك وعيالك‪ ،‬فأطعتُك ورجع تُ؟ أل أشهد مشهد كذا‬
‫وكذا فقلت‪ :‬أهلك وعيالك فأطعتدك ورجعدت؟ وال لعرضنّكد اليوم على ال‪ ،‬أخذك أو تركدك·‬
‫فقلت‪ :‬لرمقنه اليوم· فرمقته فحمل الناسُ على عدوهم فكان ف أوائلهم‪ ،‬ث إن العدو حل على الناس‬
‫فانكشفوا فكان ف حاتم‪ ،‬ث إن الناس حلوا فكانوا ف أوائلهم‪ ،‬ث حل العدو وانكشف الناس فكان‬
‫ف حاتم· قال‪ :‬فوال ما زال ذلك دأبه حت رأيته صريعًا· فعددتُ به وبدابته ستي‪ ،‬أو أكثر من ستي‬
‫طعنة(‪.)72‬‬
‫‪ -‬وعن ابن البارك عن السري بن يي‪ ،‬حدثنا العلء بن هلل أن رجلً قال لصلة‪ :‬يا أبا الصهباء!‬
‫ت شهدة‪ ،‬وأُعطيت شهدتي‪ ،‬فقال تستشهد وأنا وابن‪ ،‬فلما كان يوم يزيد بن زياد؛‬ ‫رأيت أن أعطي ُ‬
‫لقيتهم التر ُك بسجستان فانزموا· وقال صلة‪ :‬يا بُن ارجع إل أمك· قال‪ :‬يا أبة؛ تري ُد الي لنفسك‪،‬‬
‫وتأمرن بالرجوع! قال فتقدم‪ ،‬فتقدم‪ ،‬فقاتل حت أصيب فرمى صلة عن جسده ‪ -‬وكان راميًا ‪ -‬حت‬
‫تفرقوا عنه فأقبل حت قام عليه فدعا له ث قاتل حت قتل رحه ال(‪.)73‬‬
‫‪ -‬وقال حاد بن سلمة ‪ :‬أخبنا ثابت أن صَِل َة كان ف الغزو‪ ،‬ومعه ابنه‪ ،‬فقال‪ :‬أي ُبنَي! تقدّ مْ‪ ،‬فقاتل‬
‫صَلةُ‪ ،‬فقُ تل‪ ،‬فاجت مع الن سا ُء ع ند امرأ ته معاذة‪،‬‬
‫ح ت أَ ْحتَ سبك‪ ،‬فح مل‪ ،‬فقا تل‪ ،‬ح ت ُقتِلَ‪ ،‬ث تقدّم ِ‬
‫فقالت‪ :‬مرحبا إن ُكْنتُ ّن جئتُ ّن لتُهنّئنن‪ ،‬وإن كُنتُنّ جِئتُنّ لغي ذلك‪ ،‬فارجعْنَ(‪.)74‬‬
‫سؤال وجوابه‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫ب عد ذ كر هذه الفضائل والثمار العظي مة للجهاد والجاهد ين ف سبيل ال عز و جل يتبادر إل الذ هن‬
‫سؤال جدير بالواب أل وهو‪ :‬لاذا هذه الفضائل العظيمة الت أُعدت للمجاهدين والشهداء ف سبيل‬
‫ال عز وجل دون غيهم؟‬
‫الواب ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬يكمن ف معرفة غاية الهاد وبواعثه ف نفس الؤمن· وقد مر بنا ف مقدمة‬
‫سابقة أ نه تع بد ل تعال وم ك حقي قي لح بة ال عز و جل؛ فالهاد ف سبيل ال تعال وبذل الروح‬
‫رخي صة له سبحانه أ كب دل يل على صدق الح بة والعبود ية ل تعال؛ وال ت ي ستحق صاحبها هذه‬
‫الفضائل العظيمة دون غيها من العمال·‬
‫كما أن تقدي الروح ف سبيل ال عز وجل لجل أن ينتشر التوحيد والعدل ف الرض‪ ،‬ويكون الدين‬
‫كله ل‪ ،‬وينجو الناس من عبادة العباد إل عبادة رب العباد لو أيضًا عمل شريف كري عظيم يستحق‬
‫صاحبه هذه الفضائل العظي مة؛ ح يث بذل نف سه ف سبيل ال تعال ح ت ين جو بو ته فئام من الناس‬
‫ويرجون من الظلمات إل النور ومن الحيم إل النعيم؛ فأكرم به من عمل وأعظم با من غاية·‬
‫وف هذا يستطرد الستاذ الودودي رحه ال تعال حيث يقول‪" :‬ما سبب فضل الهاد ف سبيل ال‪،‬‬
‫وسبب امتداحه بذا الشكل؟ ولاذا يقال للمجاهدين ف سبيل ال مرة بعد مرة إنم هم الفائزون‪ ،‬وإن‬
‫لم الدرجات العليا؟ ولاذا وُجّه مثل هذا التحذير للقاعدين ف بيوتم ل يشاركون ف هذا الهاد؟‬
‫إن الجابة على هذا السؤال تستلزم مراجعة النظر مرة ثانية ف تلك اليات الت ورد فيها ذكر حكم‬
‫الهاد وفضله‪ ،‬ومسداوئ الفرار منده؛ ففدي هذه اليات ل يرد معند الفوز والعظمدة فد أي موضدع‬
‫بال صول على الال والثروة‪ ،‬واللك وال سلطان مثل ما كان كر شن يقول لرجُن‪" :‬إذا فزت ف هذا‬
‫القتال فسدوف تنال ملك الدنيدا" (جيتدا ‪ ،)2:73‬فمثدل هذا ل يرد فد القرآن‪ ،‬ول يثد القرآن‬
‫الجاهدين على القتال ف سبيل ال لينالوا مقابله ثروة الدنيا وسلطانا‪ ،‬بل على العكس من هذا كلما‬
‫ذكرت ثار الهاد ف سبيل ال كان ذكر ها مقتر نا برضاة ال ف قط‪ ،‬وال صول على مقام عالٍ ع ند‬
‫ال‪ ،‬والنجاة من العذاب الل يم· و قد أر شد رب العزة عباده إل أن الروج ف سبيل ال أف ضل من‬
‫سقاية الاج وعمارة البيت ‪ -‬وكانتا من أكب مصادر الدخل عند العرب‪ ،‬وأعظمها أثرًا ورسوخًا ‪-‬‬
‫ول يذكر للجهاد من ثرة سوى‪" :‬أعظم درجة عند ال"(‪ ،)75‬وف مكان آخر أرشد عباده وعلمهم‬
‫قاعدة من قوا عد التجارة ي ظن من ها أ نه يذ كر الثروة والال‪ ،‬ول كن ب عد قل يل نل حظ أن حقي قة هذه‬

‫‪42‬‬
‫التجارة أو رأ سالا هو التضح ية بالروح والال ف سبيل ال‪ ،‬والثمرة ‪ -‬أي ثرة هذه التجارة ‪ -‬هي‬
‫النجاة من العذاب‪ ،‬و ف مو ضع آ خر يذر ويع نف الارب ي من القتال لن م أ صبحوا أ سرى لح بة‬
‫زوجاتمد وأولدهدم‪ ،‬وأنمد يشون على أموالمد التد كسدبوها‪ ،‬ويشون كسداد تارتمد‪ ،‬بينمدا‬
‫الجاهدون فد سدبيل ال يقاتلون فد هذه الدنيدا وينتصدرون ويفتحون البلد‪ ،‬ويصدلون على أموال‬
‫طائلة‪ ،‬وتزدهر تارتم‪ ،‬ويدون مساكن يسلبونا من المة الغلوبة‪ ،‬إل أن هذا ليس هدو القصدود‬
‫باله داد ·· فإذا ل ي كن الق صود من ه دذا الهاد ثروة الدن يا و سلطانا فماذا ينال من هذا القتال‬
‫حت يعد عباده القاتلي بالدرجات العليا؟ وماذا ف هذا العمل الطي حت يعل من أقدام الهرولي‬
‫إليه الثية للغبار موردًا للطفه وعنايته؟ ث أي ناح وأي فوز يكمن فيه حت يقال "مرة بعد مرة" عن‬
‫ك هُ ُم اْلفَائِزُو نَ) (التوبة‪ :‬من ال ية ‪)20‬‬ ‫القاتل ي ف هذه الروب الشديدة إن م هم الفائزون ( َوأُولَئِ َ‬
‫؟!·‬
‫س َب ْعضَهُ ْم ِببَعْ ضٍ‬
‫إن الجا بة على ج يع هذه الت ساؤلت تك من ف قوله تعال‪( :‬وََلوْل دَفْ عُ اللّ ِه النّا َ‬
‫ض وَفَ سَادٌ َكبِيٌ) (النفال‪:‬‬ ‫ت الْأَرْ ضُ) (البقرة‪ :‬من الية ‪( ،)251‬إِلّا َت ْفعَلُو ُه تَكُ نْ ِفْتَنةٌ فِي اْلأَرْ ِ‬
‫َلفَ سَدَ ِ‬
‫من الية ‪)73‬؛ فال ل يريد أن تنتشر الفت وينتشر الفساد على أرضه‪ ،‬وهو ل يقبل أن يتعذب عباده‬
‫دون ذندب‪ ،‬أو أن يلد بمد الدمار والبلء‪ ،‬ول يبد أن يأكدل القوي الضعيدف‪ ،‬وأن يسدلبه أمنده‬
‫وطمأنينته‪ ،‬أو أن يصاب عباده ف حياتم الخلقية والنفسية والادية‪ ،‬وهو ل يرضى أن تنتشر أعمال‬
‫ال سوء وال شر ف الدن يا‪ ،‬وأن ينت شر الظلم والجحاف والق تل والغزو‪ ،‬ك ما ل يق بل أن ي صبح عباده‬
‫عبادًا لخلوقيه من بقية العباد فيلطخوا شرفهم النسان براح الذلة والوان‪ ،‬وبعد كل هذا فالماعة‬
‫الت تنهض لتطهي العال من هذه الفتنة وتلصه من الظلم‪ ،‬وتقيم العدل دون رغبة ف نيل جزاء‪ ،‬وبغي‬
‫أي طمع ف ثروة أو ف مال‪ ،‬وتضحي ف سبيل هذا العمل الطيب بروحها وبالا وبصالها التجارية‬
‫وببها لبنائها وآبائها وأخوتا‪ ،‬وبراحتها داخل بيتها ·· أهناك من هو أحق منها بحبة ال ومرضاته؟‬
‫··‬
‫هذه هي فضيلة الهاد ف سبيل ال ال ت جعل ته ي تل الدر جة العل يا ب ي ج يع العمال الن سانية ب عد‬
‫اليان بال"(‪.)76‬‬

‫‪43‬‬
‫القدمة الامسة‬
‫ماطر ترك الهاد ف سبيل ال‬
‫ب عد أن تبي ل نا ف القد مة ال سابقة ف ضل الهاد وثر ته ف الدن يا والخرة فإ نه ي سهل علي نا ف هذه‬
‫القد مة الد يث عن ما طر ترك الهاد وال ستعداد له‪ ،‬و ما يتر تب على ذلك من الفا سد والشرور‬
‫والعواقب السيئة ف الدنيا والخرة·‬
‫ويك في أن نع كس الفضائل والثمار ال سابقة لتظ هر ل نا تلك العوا قب ال سيئة الضادة لتلك العوا قب‬
‫والثمار الميدة‪ ،‬وقد عد أهل العلم ترك الهاد العين من كبائر الذنوب·‬
‫يقول ابن حجر اليتمي ف كتابه الزواجر‪" :‬الكبية التسعون والادية والثانية والتسعون بعد الثلثائة‪:‬‬
‫ترك الهاد عند تعينه؛ بأن دخل الربيون دار السلم أو أخذوا مسلمًا وأمكن تليصه منهم‪ ،‬وترك‬
‫الناس الهاد من أصله‪ ،‬وترك أهل القليم تصي ثغورهم بيث ياف عليها من استيلء الكفار بسبب‬
‫ترك ذلك التحصي"(‪.)77‬‬
‫ولذلك كان ترك الهاد وعدم ال ستعداد له عل مة على النفاق قال "‪ ( :‬من مات ول ي غز ول يدث‬
‫نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق)(‪.)78‬‬
‫وقدد عده ال عدز وجدل علمدة على عدم اليان باليوم الخدر‪ ،‬أو ضعدف اليقيدبده فقال تعال‪( :‬ل‬
‫سهِ ْم وَاللّ ُه عَلِي مٌ بِالْ ُمتّقِيَ ِإنّمَا‬
‫سَتأْ ِذنُكَ الّذِي َن ُي ْؤ ِمنُو نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ الْآ ِخرِ أَ نْ يُجَاهِدُوا ِبأَ ْموَالِهِ ْم َوَأْنفُ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫ك الّذِي َن ل ُي ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَاْلَيوْ ِم الْآخِ ِر وَا ْرتَابَ تْ ُقلُوُبهُ مْ َفهُ مْ فِي َرْيِبهِ ْم َيتَ َردّدُو نَ وََلوْ أَرَادُوا‬ ‫ستَأْ ِذنُ َ‬
‫يَ ْ‬
‫خرُو جَ َلأَعَدّوا لَ ُه عُ ّد ًة وَلَكِ نْ كَرِ هَ اللّ ُه انِْبعَاَثهُ مْ َفَثبّ َطهُ ْم وَقِي َل ا ْقعُدُوا مَ َع اْلقَاعِدِي نَ) (التو بة‪-44:‬‬ ‫الْ ُ‬
‫‪.)46‬‬
‫ويكن تفصيل الخاطر والعواقب السيئة لترك الهاد فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ترك الهاد كما مضى كبية من الكبائر؛ لن فيه تعريض النفس لسخط ال عز وجل وعقابه ف‬
‫الدنيا والخرة·‬
‫ّهد عَلَى كُلّ‬ ‫ّوهد َشيْئا وَالل ُ‬‫ُمد وَل َتضُر ُ‬ ‫َسدتَبْدِلْ َقوْما َغيْرَك ْ‬‫ُمد عَذَابا أَلِيما َوي ْ‬ ‫قال تعال‪( :‬إِلّ َتْنفِرُوا ُيعَ ّذْبك ْ‬
‫َشيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة‪.)39:‬‬

‫‪44‬‬
‫وقال تعال‪( :‬قُلْ إِ نْ كَا َن آبَاؤُكُ ْم َوَأبْنَاؤُكُ مْ َوإِ ْخوَاُنكُ ْم َوأَ ْزوَا ُجكُ ْم َوعَشِ َيتُكُ مْ َوأَ ْموَا ٌل اقْتَرَ ْفتُمُوهَا‬
‫ض ْوَنهَا أَ َحبّ إَِلْيكُ ْم مِ نَ اللّ ِه وَرَ سُولِهِ َو ِجهَادٍ فِي َسبِيلِهِ َفتَ َربّ صُوا‬ ‫شوْ نَ كَ سَا َدهَا َومَ سَاكِ ُن تَرْ َ‬ ‫َوتِجَا َرةٌ تَخْ َ‬
‫َحتّى َيأْتِ يَ اللّ ُه ِبَأمْرِ ِه وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َقوْ مَ اْلفَا ِسقِيَ َلقَ ْد نَ صَرَكُمُ اللّ هُ فِي َموَاطِ نَ َكثِ َيةٍ َوَيوْ مَ ُحَنيْ نٍ إِذْ‬
‫ت ثُمّ وَّليْتُ ْم مُ ْدبِرِي َن ثُمّ أَنْ َزلَ‬
‫ت عََليْكُ ُم اْلأَرْ ضُ بِمَا رَ ُحبَ ْ‬‫جَبتْكُ مْ َكثْ َرُتكُ مْ فََل ْم ُتغْ ِن عَْنكُ ْم َشيْئا وَضَاقَ ْ‬ ‫َأعْ َ‬
‫اللّ هُ َسكِيَنتَ ُه عَلَى رَ سُولِهِ َوعَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ َوَأنْزَلَ ُجنُودا لَ ْم تَ َروْهَا َوعَذّ بَ الّذِي نَ َكفَرُوا وَذَلِ كَ جَزَاءُ‬
‫اْلكَافِرِينَ) (التوبة‪.)26:‬‬
‫ويصف المام ابن الق يم رح ه ال تعال الذين يهملون ال مر بالعروف والن هي عن النكر والهاد ف‬
‫سبيل ال بأنم أقل الناس دينًا وأمقتهم إل ال تعال؛ فيقول‪ :‬صلى ال عليه وسلموأما الهاد‪ ،‬والمر‬
‫بالعروف والن هي عن الن كر والن صيحة ل ور سوله وعباده‪ ،‬ون صرة ال ور سوله ودي نه وكتا به؛ فهذه‬
‫الواجبات ل تطر ببالم فضلً عن أن يريدوا فعلها‪ ،‬وفضلً عن أن يفعلوها· وأقل الناس دينًا وأمقتهم‬
‫إل ال من ترك هذه الواجبات وإن زهد ف الدنيا جيعها‪ ،‬وقَلّ أن ترى منهم من يَحْ َمرّ وجهه ويعره‬
‫(‬
‫ل ويغضب لرماته‪ ،‬ويبذل عرضه ف نصرة دينه· وأصحاب الكبائر أحسن حالً عند ال من هؤلء"‬
‫‪.)79‬‬
‫إذًا فترك الهاد ف سبيل ال سبب للهلك ف الدنيا والخرة؛ وهذا ما يفهم من قوله تعال‪َ ( :‬وَأْن ِفقُوا‬
‫سنِيَ) (البقرة‪.)195:‬‬ ‫ب الْمُحْ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫سنُوا إِنّ اللّ َه يُ ِ‬
‫فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَل تُ ْلقُوا ِبَأيْدِيكُمْ إِلَى الّتهُْل َك ِة َوأَحْ ِ‬
‫قال ابن كثي‪" :‬وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أب حبيب عن أسلم أب عمران قال‪ :‬حل رجل من‬
‫الهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حت خرقه ‪ -‬ومعنا أبو أيوب النصاري ‪ -‬فقال أناس‪ :‬ألقى‬
‫بيده إل التهل كة· فقال أ بو أيوب‪ :‬ن ن أعلم بذه ال ية؛ إن ا نزلت في نا؛ صحبنا ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وشهدنا معه الشاهد ونصرناه‪ ،‬فلما فشا السلم وظهر اجتمعنا معشر النصار نيًا فقلنا‪:‬‬
‫قد أكرمنا ال بصحبة نبيه صلى ال عليه وسلم ونصره حت فشا السلم وكثر أهله ‪ -‬وكنا قد آثرناه‬
‫على الهلي والموال والولد ‪ -‬وقد وضعت الرب أوزارها‪ ،‬فنرجع إل أهلينا وأولدنا فنقيم فيهم‬
‫فنل فينا‪َ ( :‬وَأنْ ِفقُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَل تُ ْلقُوا ِبَأيْدِيكُ مْ إِلَى الّتهُْل َكةِ) (البقرة‪ :‬من الية ‪ .)195‬فكانت‬
‫التهلكة‪ :‬القامة ف الهل والال وترك الهاد"(‪.)80‬‬

‫‪45‬‬
‫كما أن ف ترك الهاد إضعافًا لعقيدة الولء والباء؛ وذلك كما مر بنا سابقًا أن عقيدة الولء والباء‬
‫تتناسب طردًا مع المر بالعروف والنهي عن النكر والهاد ف سبيل ال عز وجل؛ فكلما ركن العبد‬
‫عن الهاد ضعفت عقيدة الولء والباء وأصابا الوهن؛ وكفى بذلك خطرًا·‬
‫‪ -2‬بترك الهاد يفشو الشرك والظلم ويعلو الكفر وأهله ويستعبد الناس بعضهم بعضًا‪ ،‬ول يفى ما‬
‫ضهُ مْ‬‫ف ذلك من الشقاء والتعاسة والفساد الكبي على الناس قال ال تعال‪( :‬وََلوْل دَفْ عُ اللّ ِه النّا سَ َب ْع َ‬
‫ض وََلكِنّ اللّ هَ ذُو َفضْ ٍل عَلَى الْعَالَمِيَ) (البقرة‪ :‬من ال ية ‪ ،)251‬وقال تعال‪:‬‬ ‫ت اْلأَرْ ُ‬ ‫ِبَبعْ ضٍ َلفَ سَدَ ِ‬
‫صَلوَاتٌ َومَ سَاجِ ُد يُذْكَرُ فِيهَا ا سْمُ اللّ هِ‬‫صوَامِ ُع َوبِيَ ٌع وَ َ‬
‫ضهُ ْم ِبَبعْ ضٍ َلهُ ّدمَ تْ َ‬ ‫(وََلوْل دَ ْف عُ اللّ ِه النّا سَ َب ْع َ‬
‫ي عَزِيزٌ) (الج‪ :‬من الية ‪.)40‬‬ ‫َكثِيا وَلََيْنصُ َرنّ اللّ ُه مَ ْن َيْنصُ ُرهُ إِنّ اللّهَ َل َقوِ ّ‬

‫"فلول أن ال يد فع الكافر ين بهاد الؤمن ي‪ ،‬ويك بت الكفار ويذل م لعتلوا على الؤمن ي‪ ،‬وإذا اعتلى‬
‫الكافر جعل الناس يعبدونه هو من دون ال سبحانه وتعال‪ ،‬وإذا عبد الناس من دون ال أحدًا فسدت‬
‫حياتم كلها؛ لن الياة ل تستقيم إل إذا سارت على النهج الذي رسه ال؛ وهو النهج الذي يقق‬
‫العبود ية ل‪ ،‬ويقق الخلق الرفي عة والفضائل الميدة للب شر؛ فالذي رسم الن هج هو ال الذي خلق‬
‫الياة والحياء العال با يصلحهم‪ ،‬أما إذا اعتلى كافر على الرض وشرع للناس من عند نفسه فإنه ل‬
‫يعلم ج يع المور‪ ،‬ول يس مبأ من الن قص والوى‪ ،‬ول يعلم ما الذي ي صلح الن فس البشر ية فيتخ بط‬
‫خبط عشواء ويفسد الياة كما هو الال اليوم· ونظرة على الواقع الذي يعتلي فيه كافر كافية بتقرير‬
‫هذه القي قة‪ ،‬ولول تاذل ال سلمي عن الهاد الذي أ مر ال به ل صلحت حياة الناس الذ ين يكمون‬
‫بشرع ال· ل جل هذا شرع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الهاد ح ت مع المام الفا جر الذي ل‬
‫يصل إل درجة الكفر؛ لن بقاء السلم وأهله يكمهم فاسق خي لم من أن يكمهم كافر يكم‬
‫بغي ما أنزل ال؛ فإن الكم بغي ما أنزل ال هو سبب فساد الرض"(‪.)81‬‬
‫‪ -3‬ترك الهاد سدبب للذل والوان كمدا قال الرسدول صدلى ال عليده وسدلم‪( :‬لئن تركتدم الهاد‬
‫وأخذت بأذناب البقر وتبايعتم بالعينة ليلزمنكم ال مذلة ف رقابكم ل تنفك عنكم حت تتوبوا إل ال‬
‫وترجعوا إل ما كنتم عليه)(‪.)82‬‬

‫‪46‬‬
‫وهذا أمر مشاهد وبارز ف عصرنا اليوم؛ حيث تسلط الكفار على بلدان السلمي‪ ،‬وعاش السلمون‬
‫ف مؤخرة الر كب؛ يأ كل الكفار خيات م‪ ،‬ويتدخلون ف شؤون م‪ ،‬ويت سلطون علي هم بأنواع الذلة‬
‫والهانة؛ وما ذاك إل بتعطيل أحكام ال وترك الحتكام إل شرعه‪ ،‬ومن ذلك تعطيل شعية الهاد·‬
‫وإن الكفار لن يلتفتوا إل حقوق السددلمي ويراجعوا حسدداباتم ويكفوا شرهددم بجرد الدانات‬
‫والشجب والكلم الجوف‪ ،‬وإنا الذي ييفهم ويعلهم يكفون عن السلمي وديارهم هو الهاد ف‬
‫سبيل ال تعال الذي فيه كبت للكفر وأهله‪ ،‬وفيه إعزاز وكرامة للمسلمي·‬
‫وهذا أ مر يش هد له التار يخ ك ما يش هد له الوا قع؛ ف ما من مكان علت ف يه را ية الهاد إل وش عر‬
‫السلمون فيه بالعزة‪ ،‬وخاف أعداء ال الكفرة من تكبيات الجاهدين وتضحياتم(‪.)83‬‬
‫"فإذا وج دد إح ساس لدى أ مة م دا بضرورة د فع الش در عن نف سها‪ ،‬وض حت ف سبيل ذلك‬
‫براحتها ومتعها وثروتا ومالا‪ ،‬وبشهواتا النفسية‪ ،‬وبروحها وبكل عزيز لديها؛ فإنا ل يكن أبدًا أن‬
‫ت ظل أ مة ذليلة م ستضعفة‪ ،‬ول ي كن ل ية قوة مه ما كا نت أن تنال من عزت ا أو شرف ها· وي ب أن‬
‫تتصف المة الشريفة العزيزة بأن تفض الرأس أمام الق‪ ،‬وأن تفضل الوت عن أن تفض الرأس أمام‬
‫البا طل‪ ،‬وإذا ل تتوا فر ل ا القوة لعلء كل مة ال ق وم ساعدة ال ق فل بد على أ قل تقد ير أن تع مل‬
‫للحافظ على الق بكل شدة وبكل صلبة‪ ،‬وهذه أقل درجات الشرف"(‪.)84‬‬
‫ويقول سيد ق طب رح ه ال‪" :‬والذ ين يشون العذاب والل وال ستشهاد وخ سارة الن فس والولد‬
‫والموال إذا هم جاهدوا ف سبيل ال‪ ،‬علي هم أن يتأملوا ماذا تكلف هم الدينو نة لغ ي ال ف الن فس‬
‫والموال والولد‪ ،‬وفوق ها الخلق والعراض ·· إن تكال يف الهاد ف سبيل ال ف و جه طواغ يت‬
‫الرض كلها لن تكلفهم ما تكلفهم الدينونة لغي ال؛ وفوق ذلك كله الذل والدنس والعار!"(‪.)85‬‬
‫‪ -4‬وف ترك الهاد تفويت لصال عظيمة ف الدنيا والخرة؛ منها الجر العظيم الذي أعده ال تعال‬
‫للمجاهدين والشهداء ف الخرة‪ ،‬ومنها الياة العزيزة ف الدنيا وإقامة شرع ال عز وجل‪ ،‬والشهادة‬
‫والغنائم والتربية اليانية الت ل تصل إل ف أجواء الهاد ومراغمة أعداء ال تعال·‬
‫‪ -5‬إلقاء العداوة والفرقة بي السلمي‪ :‬وهذا أمر مشاهد؛ فما من وقت تركت فيه المة الهاد ف‬
‫سبيل ال عز وجل إل انشغلت بنفسها ووجه السلمون حرابم إل صدور إخوانم وانشغل بعضهم‬
‫ببعض·‬

‫‪47‬‬
‫ونظرة فاحصة إل أيام الفت الت تلت مقتل عثمان رضي ال عنه تطلعنا على أثر ترك الهاد ف سبيل‬
‫ال‪ ،‬وما يدثه من الفت والختلف والفتراق؛ فلقد توقف غزو الكفار طيلة تلك الدة‪ ،‬ول يستأنف‬
‫ال سلمون فتوحات م إل ب عد أن اجتم عت الكل مة على معاو ية بن أ ب سفيان ر ضي ال ع نه وهدأت‬
‫الفتنة·‬
‫ذكر الذهب ‪ -‬رحه ال تعال ‪ -‬ف السي عن سعيد بن عبدالعزيز قال‪" :‬لا قتل عثمان رضي ال عنه‬
‫وو قع الختلف ل ي كن للناس غزو ح ت اجتمعوا على معاو ية ر ضي ال ع نه‪ ،‬فأغزا هم مرات‪ ،‬ث‬
‫أغزى ابنه ف جاعة من الصحابة برًا وبرًا حت أجاز بم الليج وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابا ث‬
‫قفل"(‪.)86‬‬
‫ونظرة أخرى إل واقعنا العاصر وما جرى فيه من تعطيل لشرع ال عز وجل ‪ -‬ومن ذلك الهاد ف‬
‫سدبيل ال ‪ -‬تريندا كيدف ح ّل بالسدلمي مدن الفرقدة والتحزب والختلف بيد السدلمي حيدث‬
‫انشغل بعضهم ببعض· وما ذاك إل من النراف عن النهج الق وتعطيل هذه الشعية العظيمة وما‬
‫تر تب علي ها من ت سلط الكفار على بلد ال سلمي وتأجيج هم نار اللف والفر قة والتحر يش ب ي‬
‫السلمي‪ ،‬وهذه سنة ال عز وجل ف كل من أعرض عن شرعه سبحانه ونسي حظًا ما ذكر به قال‬
‫تعال‪َ ( :‬ومِ َن الّذِي نَ قَالُوا إِنّا نَ صَارَى أَخَذْنَا مِيثَاَقهُ مْ َفنَ سُوا حَظّا مِمّ ا ذُكّرُوا بِ هِ َفَأغْ َريْنَا َبيَْنهُ ُم الْعَدَا َوةَ‬
‫صنَعُونَ) (الائدة‪)14:‬‬ ‫ف ُينَّبُئهُمُ اللّ ُه بِمَا كَانُوا َي ْ‬
‫وَاْلبَ ْغضَاءَ إِلَى َي ْومِ اْل ِقيَا َمةِ َو َسوْ َ‬

‫التربية الهادية‬
‫وجوانب العداد للجهاد ف واقعنا العاصر‬
‫بعد أن تعرفنا ف القدمات السابقة على معن الهاد العام والاص‪ ،‬ومراتبه ومراحله‪ ،‬وغايته وأنواعه‪،‬‬
‫وفضائله والخاطر الت تترتب على تركه؛ يسن بنا الن أن ندخل إل صلب موضوعنا؛ أل وهو ذكر‬
‫الجالت الختل فة للترب ية الهاد ية وو سائل العداد لذلك‪ ،‬والذي هو الدا فع إل كتا بة هذا الب حث‪،‬‬
‫وذلك بعد ما رأيت من نفسي ومن كثي من العاملي ف مال الدعوة إل ال عز وجل من التقصي‬
‫ال كبي ف إعداد الن فس للغزو والهاد ف سبيل ال تعال‪ ،‬و ما صاحب ذلك من الترف والركون إل‬

‫‪48‬‬
‫الدنيا واليل إل زهرتا وزينتها· وقبل الدخول ف تفاصيل هذا الوضوع أرى أنه ل بد من توصيف‬
‫سريع لواقع السلمي اليوم ف ضوء القدمات السابق ذكرها ف الصفحات التقدمة·‬
‫فأقول وبال التوفيق‪:‬‬
‫‪ -‬إن السلمي اليوم يقاسون من الذلة والهانة وتسلط العداء والغثائية الشيء العظيم؛ وما ذلك إل‬
‫من العراض عن الدين وحب الدنيا وترك الهاد قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬يوشك المم أن تداعى‬
‫علي كم ك ما تداعى الكلة إل قصعتها) فقال قائل‪ :‬ومن قلة نن يومئذ؟ قال‪( :‬بل أنتم يومئذ كث ي‪،‬‬
‫ولكن كم غثاء كغثاء ال سيل‪ ،‬ولين عن ال من صدور عدو كم الها بة من كم‪ ،‬وليقذ فن ال ف قلوب كم‬
‫ال َوهْ نَ) قالوا‪ :‬يا ر سول ال و ما الو هن؟ قال‪ ( :‬حب الدن يا وكراه ية الوت)(‪ ،)87‬و من ذلك أيضا‬
‫حديث العينة السابق ذكره(‪.)88‬‬
‫‪ -‬يوا جه ال سلمون اليوم ف ب عض القطار احتل ًل وغزوًا ع سكريًا ف ع قر دار هم‪ ،‬وغزوًا فكريًا‬
‫وأخلقيًا ف كل ديارهم‪ ،‬وساعد العداء ف ذلك بطانة السوء والنافقي من أبناء السلمي الذين ربوا‬
‫على عي الغرب وتسلطوا على أزمة الكم ف أكثر بلدان السلمي وحكموا بقواني الشرق والغرب‬
‫ورفضوا الكم بشرع ال عز وجل‪ ،‬ووالوا أعداءه وعادوا أولياءه·‬
‫‪ -‬وف ظل هذه الظروف ل يترك ال العزيز الرحيم الكيم العليم هذا الغزو العسكري أو الفكري بل‬
‫مدافعة؛ بل اصطفى من عباده الؤمني طائفة تقوم بالق وتدافع الباطل على ضعفها وقلة إمكانياتا؛‬
‫وهذا مصداق قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تزال من أمت أمة قائمة بأمر ال ل يضرهم من خذلم‬
‫ول من خالفهم حت يأت أمر ال وهم على ذلك)(‪.)89‬‬
‫وهذه الطائفدة منتشرة فد الرض ومتنوعدة الهام فمنهدم العلماء الربانيون الذيدن يصددعون بالقد‬
‫ويعلمون الناس أمور دينهم·‬
‫ومنهم الربون والدعاة الذين يدعون الناس إل الي ويذرونم من الشر‪ ،‬ويوبون القرى والدن لنشر‬
‫التوح يد وال ي ب ي الناس‪ ،‬وي ستخدمون ف ذلك ج يع الو سائل التا حة ال ت ت ساعد على ذلك من‪:‬‬
‫الحاضرات والندوات‪ ،‬والدورات الشرعية‪ ،‬والتأليف‪ ،‬والشرطة النافعة‪ ،‬إل غيها من الوسائل·‬
‫ومنهدم المرون بالعروف والناهون عدن النكدر الذيدن يتسدبون على الناس ويغيون النكرات بقدر‬
‫استطاعتهم·‬

‫‪49‬‬
‫ومنهم الرابطون على الثغور الذين ياهدون العدو الكافر الذي استحل ديار السلمي ويدافعونه بقدر‬
‫استطاعتهم· ومع وجود هذه الفئات الت تقوم كل واحدة منها بنوع من أنواع الهاد إل أن الفساد‬
‫والباطل والغزو العسكري والفكري أكب بكثي من جهد وإمكانات هذه الفئات‪ ،‬وقد تلو بعض ديار‬
‫السلمي من هذه الفئات تامًا·‬
‫‪ -‬لقد حذرنا ال عز وجل من أعدائنا الكفار وبطانتهم من النافقي بقوله تعال‪( :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا‬
‫خفِي‬ ‫ت الَْب ْغضَاءُ مِ نْ أَ ْفوَا ِههِ مْ َومَا تُ ْ‬
‫ل َتتّخِذُوا بِطَاَنةً مِ نْ دُوِنكُ مْ ل َيأْلُونَكُ مْ َخبَا ًل وَدّوا مَا َعنِتّ مْ َق ْد بَدَ ِ‬
‫حبّوَنكُ ْم َوُت ْؤمِنُو نَ‬
‫حبّوَنهُ ْم وَل ُي ِ‬ ‫صُدُو ُرهُمْ أَ ْكبَرُ قَ ْد َبّينّا َلكُ مُ الْآيا تِ إِ نْ ُكْنتُ ْم َت ْعقِلُو َن هَا َأْنتُ مْ أُولءِ تُ ِ‬
‫بِاْل ِكتَا بِ ُكلّ ِه َوإِذَا َلقُوكُ مْ قَالُوا آمَنّ ا َوإِذَا َخَلوْا َعضّوا عََلْيكُ مُ الَْأنَامِلَ مِ نَ الْ َغيْ ظِ قُ ْل مُوتُوا ِبغَيْ ِظكُ مْ ِإنّ‬
‫ت ال صّدُورِ) (آل عمران‪ ،)119-118:‬وإن ما يدور م نذ سنوات ول سيما ب عد‬ ‫اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا ِ‬
‫أحداث (‪ 11‬سبتمب) من حلة صليبية صرية على السلم والسلمي لو أكب شاهد ومصدق لذه‬
‫ُوند‬
‫اليدة وغيهدا مدن اليات التد تذر السدلمي مدن الكفار وعداوتمد مثدل قوله تعال‪( :‬وَل يَزَال َ‬
‫ُيقَاتِلُونَكُمْ َحتّى يَ ُردّوكُ ْم عَنْ دِيِنكُمْ ِإ ِن اسْتَطَاعُوا) (البقرة‪ :‬من الية ‪.)217‬‬
‫‪.‬‬
‫وإن الملة ال صليبية على أفغان ستان و ما صاحبها من الدمار الروع الذي أهلك الرث والن سل‪ ،‬و ما‬
‫زا من ذلك من أحداث فل سطي الرو عة وتلو يح الكفار بالتد خل ف أي بلد إ سلمي يو جد ف يه من‬
‫يرفض التبعية للغرب ويضع نفسه ف صف الواجهة له؛ إن كل هذا يوجب على السلمي ‪ -‬ول سيما‬
‫الت صدرين للدعوة والترب ية والتعل يم ‪ -‬أن يفكروا ف جد ية الو قف‪ ،‬وأن تبذل ال ساعي والشاورات‬
‫ال ستمرة ف كيف ية إحياء ال مة من سباتا وج عل ال سلمي يدركون خ طر الكفار الحدق ب م؛ ف ما‬
‫يري ف بلدان السلمي البعيدة والقريبة من عدوان على الدين والنفس والعرض والال ليس ببعيد أن‬
‫يلد بغيهدم· وإن ل يتحرك الخلصدون مدن الدعاة والعلماء فد إعداد المدة لهاد أعدائهدا الكفار‬
‫والنافقي فإنه لن ينفع الندم حي يفاجأ السلمون بغزو الكفار لم واستيلئهم لديارهم وإذللم لم·‬
‫ول قد ذ كر أ هل العلم أن العدو إذا ها جم ال سلمي ف ع قر دار هم فإن دفعه ي صبح واجبًا على ج يع‬
‫السلمي فهل أعددنا العدة الشاملة لذلك·‬

‫‪50‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحه ال‪ ···" :‬فأما إذا أراد العدو الجوم على السلمي فإنه يصي دفعه‬
‫واجبًا على القصودين كلهم‪ ،‬وعلى غي القصودين لعانتهم ··· وهذا يب بسب المكان على كل‬
‫أ حد بنف سه وماله‪ ،‬مع القلة والكثرة‪ ،‬وال شي والركوب؛ ك ما كان ال سلمون ل ا ق صدهم العدو عام‬
‫الندق ل يأذن ال ف تركه لحد كما أذن ف ترك الهاد ابتداء لطلب العدو"(‪.)90‬‬
‫وهذا الكلم ف جهاد الدفع‪ ،‬وأسبابه اليوم منعقدة ف بلدان السلمي العتدى عليها أما جهاد الطلب‬
‫وغزو الكفار فد عقدر دارهدم فهذا يسدبقه قيام دولة وكيان للمسدلمي وقدرة تكنهدم مدن فتدح بلد‬
‫الكفار· ولذلك يب العداد له بإقامة هذا الكيان أولً‪ ،‬ث تقويته وإعداد الجاهدين لقتال الكفار حت‬
‫ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل·‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحه ال‪ ··" :‬وكما يب الستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط اليل‬
‫ف وقت سقوطه للعجز؛ فإن ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب"(‪.)91‬‬
‫‪ -‬ف ضوء السنن الربانية‪ ،‬وف ضوء ما سبق يكننا القول بأن الهاد مع الكفار والصراع مع الباطل‬
‫وأهله أصبح أمرًا حتميًا ل سيما جهاد الدفع حيث فرض على السلمي فرضًا ول مناص منه ‪ -‬كما‬
‫هو الاصل اليوم ف أفغانستان والشيشان وكشمي وفلسطي الت احتلها العدو الكافر ‪ -‬ووجب على‬
‫أهل تلك الديار الدفاع عن دينهم وديارهم وأعراضهم بكل ما استطاعوا من قوة· كما وجب على‬
‫السلمي الذين يلونم نصرتم وعدم خذلنم وإسلمهم لعدائهم الكفار·‬
‫‪ -‬ما دام أن جهاد الكفار وإخراجهم أو صدهم عن ديار السلمي أصبح أمرًا مفروضًا ‪ -‬سواء ما‬
‫كان مدن هذه البلد متلً أو مدا كان مهددًا بالحتلل والغزو ‪ -‬فماذا يبد أن نعدد لذا الهاد مدن‬
‫العداد بفهومه الشامل؟·‬
‫والواب على هذا السؤال ف الوقفات التالية‪:‬‬

‫الوقفة الول‬
‫الهاد العام بعناه ل يسقط عن السلم الكلف‬

‫‪51‬‬
‫إن الهاد بعناه العام ل ي سقط عن ال سلم الكلف؛ فك ما مر ب نا ف مرا تب الهاد أن جهاد الن فس‬
‫والشيطان ضرب من ضروب الهاد ‪ -‬وهو المهد لهاد الكفار ‪ -‬والهاد بذا الفهوم ل يسقط عن‬
‫أي مسلم·‬
‫بل إن ج نس جهاد الكفار فرض ع ي إ ما بالقلب‪ ،‬وإ ما بالل سان‪ ،‬وإ ما بالال‪ ،‬وإ ما بال يد وال سنان ‪-‬‬
‫وذلك ح سب القدرة والستطاعة ‪ -‬وما وراء الهاد القل ب ذرة إيان· والهاد القل ب يعن الباءة من‬
‫الكفار‪ ،‬وبغض هم‪ ،‬والتر بص ب م‪ ،‬وتد يث الن فس بغزو هم‪ ،‬والعداد لذلك؛ يقول المام ا بن الق يم‬
‫رحه ال‪" :‬والتحقيق أن جنس الهاد فرض عي إما بالقلب‪ ،‬وإما باللسان‪ ،‬وإما بالال‪ ،‬وإما باليد‪،‬‬
‫فعلى كل مسلم أن يهاد بنوع من هذه النواع·‬
‫أ ما الهاد بالن فس ففرض كفا ية(‪ ،)92‬وأ ما الهاد بالال ف في وجو به قولن‪ ،‬وال صحيح وجو به لن‬
‫ال مر بالهاد به وبالن فس ف القرآن سواء؛ ك ما قال تعال‪( :‬اْنفِرُوا ِخفَافا َوِثقَا ًل وَجَاهِدُوا بَِأ ْموَالِكُ مْ‬
‫سكُمْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ ذَِلكُ مْ َخيْرٌ َلكُ مْ إِ نْ ُكْنتُ ْم َتعْلَمُو نَ) (التوبة‪ ،)41:‬وعلق النجاة من النار به‪،‬‬ ‫َوَأْنفُ ِ‬
‫ومغفرة الذنب‪ ،‬ودخول النة؛ فقال‪( :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى تِجَا َرةٍ ُتنْجِيكُ مْ مِ ْن عَذَا بٍ‬
‫سكُمْ ذَِلكُ مْ َخيْرٌ َلكُ مْ إِ نْ ُكْنتُ مْ‬
‫أَلِي ٍم ُت ْؤمِنُو نَ بِاللّ ِه َورَ سُولِهِ َوتُجَاهِدُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه بَِأ ْموَاِلكُ ْم َوَأنْفُ ِ‬
‫ت عَدْ نٍ‬ ‫حِتهَا اْلأَْنهَا ُر َومَ سَاكِنَ َطّيَبةً فِي َجنّا ِ‬‫َتعْلَمُو نَ َي ْغفِرْ َلكُ مْ ُذنُوبَكُ ْم َويُدْخِ ْلكُ مْ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ك الْ َفوْ ُز اْلعَظِيمُ) (الصف‪.)12-10:‬‬ ‫ذَلِ َ‬
‫أي‪ :‬ولكم خصلة أخرى تُحبّونا ف الهاد‪ ،‬وهي‪َ( :‬نصْ ٌر مِنَ اللّ ِه وََفتْحٌ قَرِيبٌ)(‪.)93‬‬
‫وجهاد الن فس والشيطان ه ا ال صلن لهاد الكفار· والنت صار على الكفار ف ساحات القتال هو‬
‫نتيجة للنتصار على النفس والشيطان قبل ذلك· بل إن جهاد النفس والشيطان يستغرق العمر كله؛ إذ‬
‫ل بد منه قبل منازلة الكفار‪ ،‬وأثناءها‪ ،‬وبعدها·‬
‫و عن أه ية هذا النوع من الهاد يقول ا بن الق يم رح ه ال تعال‪" :‬قال تعال‪( :‬وَالّذِي نَ جَاهَدُوا فِينَا‬
‫دَلنَا) (العنكبوت‪ :‬مدن اليدة ‪ .)69‬علق سدبحانه الدايدة بالهاد؛ فأكمدل الناس هدايدة‬ ‫َلَنهْ ِدَيّنهُم ْد سُبُ‬
‫أعظم هم جهادًا‪ ،‬وأفرض الهاد‪ :‬جهاد الن فس‪ ،‬وجهاد الوى‪ ،‬وجهاد الشيطان‪ ،‬وجهاد الدن يا؛ ف من‬
‫جا هد هذه الرب عة ف ال هداه ال سبل رضاه الو صلة إل جن ته‪ ،‬و من ترك الهاد فا ته من الدى‬
‫بسب ما عطل من الهاد؛ قال النيد‪ :‬والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الخلص·‬

‫‪52‬‬
‫ول يتم كن من جهاد عدوه ف الظا هر إل من جا هد هذه العداء باطنًا ف من نُ صِ َر علي ها نُ صِ َر على‬
‫ت عليه ُنصِ َر عليه عدوه)(‪.)94‬‬
‫عدوه‪ ،‬ومن نُصِرَ ْ‬
‫وسيأت تفصيل ذلك إن شاء ال تعال عند الديث عن العداد اليان والعنوي للجهاد ف سبيل ال‬
‫عز وجل·‬

‫الوقفة الثانية‬
‫العداد اليان قبل الهاد ل يعن ترك جهاد الدفع‬
‫حت يكتمل هذا العداد‬
‫إن القول بضرورة العداد اليان قبل جهاد الكفار ل يعن ترك جهاد الكفار وقتالم ف جهاد الدفع‬
‫ح ت يكت مل العداد اليا ن· إن هذا ل يقول به عا قل؛ بل إ نه ي صادم مقا صد الشري عة ف ح فظ‬
‫الضرورات المس·‬
‫إن جهاد الد فع ي ب أن ي هب ال سلمون له بالالة ال ت هم علي ها سواء كانوا ف ض عف من اليان‬
‫وتفر يط ف طا عة ال عز و جل أو كانوا ف ض عف مادي؛ فإذا ل يند فع العدو عن الديار والر مة‬
‫والدين إل بقتاله وجب ذلك على السلمي با تيسر من القوة دون اشتراط للقدرة‪ ،‬والقوة اليانية‪ ،‬إذ‬
‫ل بد من التفريق بي جهاد الطلب الذي يشترط فيه العداد الادي والعنوي وبي جهاد الدفع الذي‬
‫ل يشترط فيه ذلك·‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال تعال‪" :‬وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الرمة‬
‫والد ين‪ ،‬فوا جب إجاعًا؛ فالعدو ال صائل الذي يف سد الد ين والدن يا ل ش يء أو جب ب عد اليان من‬
‫دفعه‪ ،‬فل يشترط له شرط بل يدفع بسب المكان‪ ،‬وقد نص على ذلك العلماء‪ :‬أصحابنا وغيهم‪،‬‬
‫فيجب التفريق بي دفع الصائل الظال الكافر وبي طلبه ف بلده"(‪.)95‬‬
‫ول يع ن عدم اشتراط العدة اليانية أو الادية ف جهاد الدفع التفريط في ها‪ ،‬بل يب الدفع با تيسر‬
‫منه ما مع الهتمام ب ما أثناء القتال وال سعي لتقويته ما قدر ال ستطاع؛ ف قد ي ستمر الدفاع شهورًا أو‬
‫سنوات‪ ،‬فحينئذ ي ب ال سعي أثناء القتال لتوف ي القدرة الاد ية وإعداد القاتل ي إيانيًا بو ضع البا مج‬

‫‪53‬‬
‫العلمية والعملية لتقوية هذا الانب؛ لثره العظيم ف الثبات والصب ونزول نصر ال عز وجل‪ ،‬وهزية‬
‫الكفار ودفع هم عن ديار ال سلمي وحرمات م· وإن الا جة لتش تد ف م ثل الظروف الراه نة ال ت يهدد‬
‫فيها الكفار بالجوم على ما تبقى من ديار السلمي·‬
‫وما ينبغي التنبيه إليه أن أجواء الهاد ف سبيل ال عز وجل من أفضل البيئات الت يعد فيها الجاهدون‬
‫إيانيًا وترب ية وزهدًا وتضح ية‪ ،‬وهذا ش يء مشا هد؛ ف ما ح صل عل يه ب عض الجاهد ين من التضح ية‬
‫وتزكية أعمال القلوب والزهد والخلص ف سنة من سنوات الهاد ل يصل عليه غيهم إل ف عدة‬
‫سنوات·‬

‫الوقفة الثالثة‬
‫مواطن التفاق والختلف بي جهاد الطلب وجهاد الدفع‬
‫يتفق جهاد الطلب مع جهاد الدفع ف أمور‪ ،‬ويتلف معه ف أمور أخرى؛ وذلك كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬يتفق هذان النوعان من الهاد ف ضرورة العداد لهاد الكفار سواء الادي أو اليان‪ ،‬ولكنهما‬
‫يفترقان ف أن جهاد الطلب وقته موسع فل يسارع فيه قبل توفر شروطه والت من أهها‪:‬‬
‫( أ ) القدرة ف العدة والعتاد·‬
‫(ب) العداد اليان من جوانبه الختلفة؛ والذي سيأت تفصيله قريبًا إن شاء ال تعال·‬
‫(حد) وجود الكيان والكان المن الذي يتمي فيه الجاهدون وينطلقون منه·‬
‫( د ) إذا كان العدو منافقًا أو مرتدًا قد التبس أمره على السلمي فل بد أن يسبق ذلك جهاد البيان‬
‫وفض حه للناس ح ت ي ستبينوا سبيل الجرم ي وتت ضح را ية الك فر للناس‪ ،‬و ف ن فس الو قت ُيعَرّف‬
‫الجاهدون أنفسدهم للناس حتد يتدبينوا حقيقدة دعوتمد وأهدافهدم‪ ،‬وأنمد ل كمدا يصدورهم إعلم‬
‫الجرم ي بأن م إرهابيون مف سدون خارجون على الشرع ية· و سيأت تف صيل هذه ال سألة قريبا إن شاء‬
‫ال تعال·‬
‫أما جهاد الدفع فالغالب ف القتال فيه أنه قتال مع الكفار العتدين ورايتهم للناس واضحة‪ ،‬فل يتاج‬
‫المر إل جهد كبي ف تعريف الناس بعدوهم كما هو الال ف النافق الذي التبس أمره على الناس‪،‬‬
‫ومن أمثلة ذلك اليوم ما يري ف أفغانستان أو كشمي أو الشيشان أو فلسطي·‬

‫‪54‬‬
‫كمدا أن جهاد الدفدع ل يشترط أن يكون له كيان أو دولة تميده‪ ،‬بدل إنده ينطلق مدن الظروف‬
‫والمكانات التاحدة له؛ لنده ل خيار للمسدلمي فد تركده‪ ،‬ولو وجدد الكان المدن فهدو الفضدل‬
‫والطلوب لكنه ليس بشرط·‬
‫‪ -2‬كما أن جهاد الدفع يفترق عن جهاد الطلب ف أن القيام به فرض عي على السلمي ولو ل‬
‫تتوفر الشروط لذلك من العداد الادي أو اليان؛ بشرط عدم انرام أصل التوحيد واليان وقد سبق‬
‫ذكر ذلك ف الوقفة السابقة·‬
‫أما جهاد الطلب فعلى الكفاية إل إذا استنفر المام جيع السلمي فإنه يتعي حينئذ كما يتعي أيضا‬
‫إذا حضر السلم الصف وتواجه مع العدو·‬
‫‪-3‬أ ما من ح يث غا ية النوع ي من الهاد فيشتركان ف كون ما لرد الفت نة عن الناس ف‬
‫دينهم وحرماتم؛ لكنها ف جهاد الدفع لرد الفتنة عن السلمي فيما لو استول الكفار‬
‫على البلد‪ ،‬أ ما جهاد الطلب ف هو لر فع فت نة الشرك والك فر والظلم عن الناس بعا مة؛‬
‫وذلك ف بلد الكفار ال ت ا ستعبد طواغيت ها الناس وحالوا بين هم وب ي و صول الد ين‬
‫الق إليهم‪ ،‬فيأت جهاد الطلب ليفع فتنة الشرك عن الناس ويرجهم من الظلمات إل‬
‫النور‪ ،‬ويكون الدين كله ل تعال·‬

‫الوقفة الرابعة‬
‫معن العداد اليان أو العنوي للجهاد ف سبيل ال‬
‫ماذا نعن بالعداد اليان ‪ -‬أو العنوي ‪ -‬للجهاد ف سبيل ال عز وجل؟ والواب أن يقال‪ :‬لقد ثبت‬
‫عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬من ل يغز ول يدث نفسه بالغزو مات على شعبة من شعب‬
‫النفاق)(‪.)96‬‬
‫وإن التأمل ف أحوالنا اليوم وطريقة تفكينا ومعيشتنا وتعاملتنا ليى ضعف العزية عندنا ف إعداد‬
‫الن فس للجهاد وتديث ها بالغزو على ج يع ال ستويات إل من ر حم ال تعال؛ فمجرد نظرة سريعة إل‬
‫اهتماماتنا‪ ،‬وما يشغل قلوبنا نرى أنا ليست اهتمامات ماهدين· وكذلك أسلوب معيشتنا وما يشتمل‬

‫‪55‬‬
‫عليه من الترف والترهل‪ ،‬وحب الدعة والراحة‪ ،‬والركون إل الدنيا‪ ،‬وضعف الصلة بال تعال؛ كل‬
‫هذا ل يتفق مع حقيقة تديث النفس بالغزو وإعدادها للجهاد‪ ،‬ومن كانت هذه حاله فهو من أول‬
‫الفارين عن الهاد عندما ينادى إليه·‬
‫إن "تد يث الن فس بالغزو" الذي ين جي من ش عب النفاق ل يك في له أن يدث الن سان نف سه أ نه‬
‫سيغزو وياهد ويكتفي بذا الديث النفسي وهو متكئ على أريكته مشحون قلبه بدنياه‪ ،‬كل ليس‬
‫هذا هو التحديث النجي· إنا تديث النفس بالغزو يعن أمورًا عملية ل بد من العزية عليها من الن‪،‬‬
‫وهذا ما نعنيه بالعداد اليان أو العنوي·‬
‫إن الهاد فد سدبيل ال عدز وجدل عبادة عظيمدة تتاج إل صدب ومصدابرة؛ لن فيهدا مدن الشاق‬
‫والتضحيات ما ل يو جد ف عبادة غي ها لكن ها خفي فة ولذيذة على من ا صطفاهم ال لن صرة دي نه‬
‫وإعلء كلم ته· ول ا كان الهاد ف يه ما ف يه من الشاق وبذل الال والن فس ف سبيل ال تعال أ صبح‬
‫الستعداد له باليان والخلص والتابعة والصب وقوة الصلة بال عز وجل أمرًا ل بد منه وإل خارت‬
‫القوى وانلت العزائم· ومن ذلك َأمْرُ ال تعال لنبيه صلى ال عليه وسلم بقيام الليل الطويل استعدادًا‬
‫لتح مل القول الثق يل وتبلي غه للناس وت مل أعباء الر سالة؛ قال ال تعال‪( :‬يَا َأيّهَا الْمُ ّزمّلُ قُ مِ الّليْلَ إِلّا‬
‫ص ِمنْهُ َقلِيلً َأوْ ِز ْد عََليْهِ وَ َرتّ ِل اْلقُرْآ َن تَ ْرتِيلً) (الزمل‪.)4-1:‬‬ ‫صفَهُ َأ ِو انْ ُق ْ‬
‫َقلِيلً ِن ْ‬
‫ك ما أن العداد اليا ن ق بل الهاد ضروري لتحق يق الن صر على العداء ع ند ملقات م والثبات ع ند‬
‫قتالم؛ قال ال عز وجل‪( :‬وََلوْ َأنّا َكتَْبنَا عََلْيهِ مْ أَ نِ ا ْقتُلُوا َأنْفُ سَكُمْ َأوِ اخْ ُرجُوا مِ نْ ِديَارِكُ ْم مَا َف َعلُو هُ إِلّا‬
‫َقلِي ٌل ِمنْهُ ْم وََلوْ َأّنهُ مْ َفعَلُوا مَا يُوعَظُو َن بِ هِ َلكَا نَ َخيْرا َلهُ ْم َوَأشَ ّد َتثْبِيتا َوإِذا لَآَتْينَاهُ ْم مِ نْ َل ُدنّ ا أَجْرا‬
‫عَظِيما) (النساء‪.)67-66:‬‬
‫والعداد اليا ن علمًا وعملً وحا ًل يبا عد ب ي الجاهد ين وب ي العا صي والذنوب أو ال يل إل الدن يا‬
‫والت هي من أسباب الذلن والزية كما قال عمر بن الطاب رضي ال عنه لسعد بن أب وقاص‬
‫ر ضي ال ع نه ف م سية إل غزو الفرس‪" :‬فإن تقوى ال أف ضل العدة على العدو ··· [إل قوله‪ ]:‬فإن‬
‫ذنوب اليش أخوف عليهم من عدوهم؛ وإنا ينصر السلمون بعصية عدوهم ل‪ ،‬ولول ذلك ل تكن‬
‫لنا بم قوة؛ لن عددنا ل يس كعددهم‪ ،‬ول عدتنا كعدتم‪ ،‬فإن استوينا ف العصية كان ل م الف ضل‬
‫علينا ف القوة"·‬

‫‪56‬‬
‫وذ كر البخاري ف كتاب الهاد ف صحيحه قال‪" :‬باب‪ :‬ع مل صال ق بل القتال‪ ،‬وقال أ بو الدرداء‪:‬‬
‫إنا تقاتلون بأعمالكم"(‪.)97‬‬
‫وقال ابن حجر ف فتح الباري‪" :‬جاء من طريق أب إسحاق الفزاري عن سعيد بن عبدالعزيز عن ربيعة‬
‫بن ز يد أن أ با الدرداء قال‪( :‬أي ها الناس ع مل صال ق بل الغزو· إن ا تقاتلون بأعمال كم) ث ظ هر ل‬
‫تفصيل البخاري؛ وذلك أن هذه الطريق منقطعة"(‪.)98‬‬
‫والصدل فد العداد الياند للمجاهديدن مدا ذكره سدبحانه فد سدورة التوبدة مدن صدفات الؤمنيد‬
‫الجاهدين الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالم بأن لم النة؛ قال تعال‪ِ( :‬إنّ اللّ َه ا ْشتَرَى مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬
‫جّنةَ ُيقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ َفَي ْقتُلُو َن َويُ ْقتَلُو َن َوعْدا عََليْ هِ َحقّا فِي الّتوْرَاةِ‬ ‫سهُ ْم َوَأ ْموَاَلهُ مْ بَِأنّ َلهُ مُ الْ َ‬
‫َأْنفُ َ‬
‫ك ُهوَ اْل َفوْزُ الْعَظِيمُ)‬ ‫وَاْلأِنْجِي ِل وَاْلقُرْآ ِن َومَنْ َأوْفَى ِب َعهْدِ ِه مِنَ اللّهِ فَا ْسَتبْشِرُوا بَِبْيعِكُ ُم الّذِي بَايَ ْعتُمْ بِ ِه وَذَلِ َ‬
‫(التوبة‪.)111:‬‬
‫ث عقب على هذه البيعة بصفات الؤهلي للجهاد الذين باعوا أنفسهم وأموالم ل تعال فقال سبحانه‪:‬‬
‫ف وَالنّاهُو َن عَنِ الْ ُمْنكَرِ‬ ‫(التّائِبُو َن الْعَابِدُو َن الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُو َن السّا ِجدُو َن الْآمِرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫حدُودِ اللّ ِه َوبَشّ ِر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ) (التوبة‪.)112:‬‬ ‫وَالْحَافِظُونَ لِ ُ‬
‫وقال عبدال بن ع مر بن الطاب ر ضي ال ع نه لر جل قال له‪ :‬أر يد أن أب يع نف سي من ال فأجا هد‬
‫ح ت أق تل‪ ،‬فقال له‪ :‬وي ك وأ ين الشروط؟ أ ين قوله تعال‪( :‬التّائِبُو َن الْعَابِدُو َن الْحَامِدُو َن ال سّائِحُونَ‬
‫ّهد َوبَشّرِ‬ ‫ُوند لِحُدُودِ الل ِ‬
‫َند الْ ُمْنكَ ِر وَالْحَافِظ َ‬ ‫ُوند ع ِ‬ ‫ُوفد وَالنّاه َ‬ ‫ُوند بِالْ َمعْر ِ‬ ‫ُوند السدّاجِدُونَ الْآمِر َ‬ ‫الرّا ِكع َ‬
‫الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)"(‪.)99‬‬
‫و قد اشتملت هذه ال ية على أ صول العمال الباط نة والظاهرة ال ت يب ها ال عز و جل؛ يقول الش يخ‬
‫السعدي رحه ال ف تفسي هذه اليات‪" :‬وإذا أردت أن تعرف قدر الصفقة‪ ،‬فانظر إل الشتري من‬
‫هو؟ وهو ال جل جلله· وإل العوض‪ ،‬وهو أكب العواض وأجلها؛ جنات النعيم· وإل الثمن البذول‬
‫في ها‪ ،‬و هو‪ :‬الن فس‪ ،‬والال‪ ،‬الذي هو أ حب الشياء للن سان· وإل من جرى على يد يه ع قد هذا‬
‫التبايع‪ ،‬وهو أشرف الرسل· وبأي الكتب رقم‪ ،‬ف كتب ال الكبار النلة على أفضل اللق·‬
‫كأنه قيل‪ :‬من هم الؤمنون الذين لم البشارة من ال بدخول النات ونيل الكرامات؟‬
‫فقال‪ :‬هم (التائبون) أي‪ :‬اللزمون للتوبة ف جيع الوقات‪ ،‬عن جيع السيئات·‬

‫‪57‬‬
‫(العابدون) أي‪ :‬التصفون بالعبودية ل‪ ،‬والستمرار على طاعته‪ ،‬من أداء الواجبات والستحبات‪ ،‬ف‬
‫كل وقت؛ فبذلك يكون العبد من العابدين·‬
‫(الامدون)‪ :‬ل ف السراء والضراء‪ ،‬واليسر والعسر‪ ،‬العترفون با ل عليهم من النعم الظاهرة والباطنة‪،‬‬
‫الثنون على ال بذكرها وبذكره‪ ،‬ف آناء الليل‪ ،‬وآناء النهار·‬
‫(السائحون)‪ :‬فسرت السياحة‪ ،‬بالصيام‪ ،‬أو السياحة ف طلب العلم·‬
‫وفسرت بسياحة القلب ف معرفة ال ومبته‪ ،‬والنابة إليه على الدوام· والصحيح أن الراد بالسياحة‪:‬‬
‫السفر ف القربات‪ ،‬كالج‪ ،‬والعمرة‪ ،‬والهاد‪ ،‬وطلب العلم‪ ،‬وصلة القارب‪ ،‬ونو ذلك·‬
‫(الراكعون الساجدون) أي‪ :‬الكثرون من الصلة الشتملة على الركوع والسجود·‬
‫(المرون بالعروف)‪ :‬ويدخل فيه‪ ،‬جيع الواجبات والستحبات·‬
‫(والناهون عن النكر)‪ :‬وهي جيع ما نى ال ورسوله عنه·‬
‫(والافظون لدود ال)‪ :‬بتعلم هم حدود ما أنزل ال على ر سوله‪ ،‬و ما يد خل ف الوا مر والنوا هي‬
‫والحكام‪ ،‬وما ل يدخل‪ ،‬اللزمون لا فعلً وتركًا"(‪.)100‬‬
‫ويقول سيد ق طب رح ه ال تعال عن هذه اليات‪" :‬هذا ال نص الذي تلو ته من ق بل و سعته ما ل‬
‫أستطيع عدة من الرات‪ ،‬ف أثناء حفظي للقرآن‪ ،‬وف أثناء تلوته‪ ،‬وف أثناء دراسته بعد ذلك ف أكثر‬
‫من ر بع قرن من الزمان ·· هذا ال نص ‪ -‬ح ي واجه ته ف "الظلل" أح سست أن ن أدرك م نه ما ل‬
‫أدركه من قبل ف الرات الت ل أملك عدها على مدى ذلك الزمان!‬
‫إنه نص رهيب! إنه يكشف عن حقيقة العلقة الت تربط الؤمني بال‪ ،‬وعن حقيقة البيعة الت أعطوها‬
‫‪ -‬بإسلمهم ‪ -‬طوال الياة؛ فمن بايع هذه البيعة ووف با فهو الؤمن الق الذي ينطبق عليه وصف‬
‫(الؤمن) وتتمثل فيه حقيقة اليان‪ ،‬وإل فهي دعوى تتاج إل التصديق والتحقيق!‬
‫ل وساحة ‪ -‬أن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬قد‬ ‫حقيقة هذه البيعة ‪ -‬أو هذه البايعة كما ساها ال كرمًا منه وفض ً‬
‫استخلص لنفسه أنفس الؤمني وأموالم؛ فلم يعد لم منها شيء ·· ل يعد لم أن يستبقوا منها بقية ل‬
‫ينفقونا ف سبيله‪ ،‬ل يعد لم خيار ف أن يبذلوا أو يسكوا ·· كل ·· إنا صفقة مشتراة‪ ،‬لشاريها أن‬
‫يتصرف با كما يشاء‪ ،‬وفق ما يفرض ووفق ما يدد‪ ،‬وليس للبائع فيها من شيء سوى أن يضي ف‬
‫الطريق الرسوم‪ ،‬ل يتلفت ول يتخي‪ ،‬ول يناقش ول يادل‪ ،‬ول يقول إل الطاعة والعمل والستسلم‬

‫‪58‬‬
‫·· والثمن‪ :‬هو النة ·· والطريق‪ :‬هو الهاد والقتل والقتال ·· والنهاية‪ :‬هي النصر أو الستشهاد ···‬
‫إن ال ق ل بد أن ينطلق ف طري قه‪ ،‬ول بد أن ي قف له البا طل ف الطر يق! بل ل بد أن يأ خذ عل يه‬
‫الطريق إن دين ال ل بد أن ينطلق لتحرير البشر من العبودية للعباد وردهم إل العبودية ل وحده‪ ،‬ول‬
‫بد أن يقف له الطاغوت ف الطريق ·· بل ل بد أن يقطع عليه الطريق ·· ول بد لدين ال أن ينطلق ف‬
‫"الرض" كلها لتحرير "النسان" كله· ول بد للحق أن يضي ف طريقه ول ينثن عنه ليدع للباطل‬
‫طريقًا! ·· وما دام ف "الرض" كفر· وما دام ف "الرض" باطل‪ ،‬وما دامت ف "الرض" عبودية لغي‬
‫ال تذل كرا مة "الن سان" فالهاد ف سبيل ال ماض‪ ،‬والبي عة ف ع نق كل مؤ من تطال به بالوفاء وإل‬
‫فليس باليان‪" ،‬ومن مات ول يغزو ول يدث نفسده بغزو مدات على شعبدة من النفاق"(‪.)101‬‬
‫ولكن الهاد ف سبيل ال ليس مرد اندفاعة إل القتال‪ ،‬إنا هو قمة تقوم على قاعدة من اليان التمثل‬
‫ف مشاعر وشعائر وأخلق وأعمال‪ ،‬والؤمنون الذين عقد ال معهم البيعة‪ ،‬والذين تتمثل فيهم حقيقة‬
‫اليان هم قوم تتمثل فيهم صفات إيانية أصيلة‪( :‬التّاِئبُو َن الْعَابِدُو نَ الْحَا ِمدُو َن ال سّائِحُونَ الرّا ِكعُو نَ‬
‫ف وَالنّاهُونَ عَ ِن الْ ُمْنكَ ِر وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ) (التوبة‪ .)112:‬هدذه‬ ‫السّاجِدُو َن الْآمِرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ه دي الما عة الؤم نة ال ت ع قد ال مع ها بيع ته‪ ،‬وهذه هي صفاتا وميزات ا‪ :‬تو بة ترد الع بد إل ال‪،‬‬
‫وتك فه عن الذ نب‪ ،‬وتدف عه إل الع مل الصال· وعبادة ت صله بال وت عل ال معبوده وغايته ووجه ته·‬
‫وحد ل على ال سراء والضراء نتيجة الستسلم الكامل ل والثقة الطلقة برحته وعدله· وسياحة ف‬
‫ملكوت ال مع آيات ال الناطقة ف الكون الدالة على الكمة والق ف تصميم اللق· وأمر بالعروف‬
‫وني عن النكر يتجاوز صلح الذات إل إصلح العباد والياة· وحفظ لدود ال يرد عنها العادين‬
‫والضيعي‪ ،‬ويصونا من التهجم والنتهاك·‬
‫هذه هي الماعة الؤمنة الت بايعها ال على النة‪ ،‬واشترى منها النفس والموال‪ ،‬لتمضي مع سنة ال‬
‫الارية منذ كان دين ال ورسله ورسالته؛ قتال ف سبيل ال لعلء كلمة ال‪ ،‬وقتل لعداء ال الذين‬
‫يادّون ال؛ أو ا ستشهاد ف العر كة ال ت ل تف تر ب ي ال ق والبا طل‪ ،‬وب ي ال سلم والاهل ية‪ ،‬وب ي‬
‫الشريعة والطاغوت‪ ،‬وبي الدى والضلل·‬

‫‪59‬‬
‫وليست الياة لوًا ولعبًا· وليست الياة أكلً كما تأكل النعام ومتاعًا· وليست الياة سلمة ذليلة‪،‬‬
‫وراحة بليدة ورضى بالسلم الرخيصة ·· إنا الياة هي هذه‪ :‬كفاح ف سبيل الق‪ ،‬وجهاد ف سبيل‬
‫الي‪ ،‬وانتصار لعلء كلمة ال‪ ،‬أو استشهاد كذلك ف سبيل ال ·· ث النة والرضوان ··"(‪.)102‬‬

‫الوقفة الامسة‬
‫جهدداد النفس ومراتبده‬
‫بعد أن تبي لنا من آية التوبة صفات الؤهلي للجهاد اتضح لنا بذلك أهية العداد اليان للمجاهدين‬
‫حت يلقوا عدوهم وهم مستعدون معنويًا وإيانيًا لذلك‪ ،‬وف هذه الوقفة الخية سيتم تفصيل جوانب‬
‫هذا العداد والو سائل الختل فة لتحقي قه ح سب ما يف تح ال عز و جل إ نه هو الفتاح العل يم‪ ،‬و هو‬
‫الستعان وحده وعليه التكلن‪ ،‬ول حول ول قوة إل به سبحانه·‬
‫فأقول وبال التوفيق‪:‬‬
‫ال صل ف العداد الذي ي سبق جهاد الكفار هو جهاد الن فس والشيطان· والعر كة معه ما م ستمرة‬
‫ومتواصلة منذ بلوغ السلم سن التكليف إل أن يوافيه الجل· فهو إذن جهاد ل يتقيد بوقت‪ ،‬بل هو‬
‫مطلوب ق بل ملقاة العدو وأثناء ملقا ته وب عد ملقا ته· والن صر على العداء ف معارك القتال مرهون‬
‫بالنتصار على النفس والشيطان ف معركة الهاد معهما·‬
‫والطلوب ف العداد التمثل ف جهاد النفس‪ :‬أربعة جوانب مهمة سبق ذكرها ف أول البحث نقلً‬
‫عن المام ابن القيم رحه ال تعال وأعيدها هنا لناسبتها ولكونا أصول العداد الشامل الت با ينجو‬
‫الع بد من ال سران ف الدن يا والخرة‪ ،‬ويثب ته ال عز وج دل ب دا ف مياد ين الهاد وغي ها من‬
‫الدواقف(‪.)103‬‬
‫يقول رحه ال تعال‪" :‬فجهاد النفس أربع مراتب أيضا‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬أن ياهدها على تعلم الُدى‪ ،‬ودين الق الذي ل فلح لا‪ ،‬ول سعادة ف معاشها ومعادها‬
‫إل به‪ ،‬ومت فاتا عِلمُه‪ ،‬شقيت ف الدّارين·‬

‫‪60‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه‪ ،‬وإل فمجردُ العلم بل عمل إن ل يضرها ل ينفعها·‬
‫الثالثة‪ :‬أن ياهدها على الدعوة إليه‪ ،‬وتعليمه من ل يعلمه‪ ،‬وإل كان من الذين يكتمون ما أنزل ال‬
‫من الُدى والبينات‪ ،‬ول ينفعُهُ علمُ ُه ول يُنجيه من عذاب ال·‬
‫الرابعة‪ :‬أن ياهدها على الصب على مشاقّ الدعوة إل ال‪ ،‬وأذى اللق‪ ،‬وبتحمّل ذلك كله ل·‬
‫فإذا استكمل هذه الراتب الربع صار من ال ّربّانيي؛ فإن السلف مُج ِمعُونَ على أن العال ل يستحق أن‬
‫ي سمى ربانيًا ح ت يعرف ال ق‪ ،‬ويع مل به‪ ،‬ويُعلّ مه‪ ،‬ف من علم وع مل وعلّ مَ فذاك يد عى عظيمًا ف‬
‫ملكوت السماوات"(‪.)104‬‬
‫وت ت كل مرتبة من هذه الراتب أمور تف صيلية وبرا مج علمية وعملية لتحقيقها وتكميل ها‪ ،‬ولذلك‬
‫سأعيد هذه الراتب الذكورة آنفًا مصاغة بشكل تفصيلي؛ وذلك كما يلي‪:‬‬
‫الرتبة الول‬
‫ماهدة النفس على تعلم الدى ودين الق‬
‫العلم بالشرع والب صية بال ق أ مر لزم ل كل م سلم فضلً عن الداع ية إل ال عز و جل والجا هد ف‬
‫سبيله تعال؛ قال تعال‪ُ( :‬ق ْل هَذِهِ َسبِيلِي َأ ْدعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيَةٍ َأنَا َومَنِ اّتَبعَنِي وَسُبْحَانَ اللّ ِه َومَا َأنَا‬
‫شرِكِيَ) (يو سف‪ .)108:‬فذ كر ال سبحانه ف هذه ال ية أن الدعوة إل يه ‪ -‬والهاد من‬ ‫مِ َن الْمُ ْ‬
‫الدعوة ‪ -‬يب أن يكون على بصية؛ أي على علم بأن ما يدعو إليه وياهد من أجله هو الق الذي‬
‫ي به ال ويرضاه‪ ،‬و هو الوا فق ل ا جاء به ال نب صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وبدون العلم بالشرع والف هم‬
‫الصحيح للدين تفسد الدعوة ويتلوث الهاد‪ ،‬ويتخلف شرط أساس من شروط قبول العمل عند ال‬
‫عز وجل؛ أل وهو التابعة لرسول ال صلى ال عليه وسلم·‬
‫‪-2‬‬ ‫والعلم الذي ي ب أن ي ستعد به الجاهدون ف سبيل ال عز و جل نوعان‪ -1 :‬عي ن·‬
‫وكفائي·‬
‫أما العين‪ :‬فهو الذي يعنينا ف هذا القام وهو ف حق الجاهد نوعان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬نوع عام‪ :‬يشترك ف يه ال سلمون جيعًا‪ ،‬و هو العلم بالف قه الوا جب على كل م سلم‪ ،‬و هو‪ :‬الف قه‬
‫بالعقيدة‪ ،‬والف قه بالحكام العين ية‪ ،‬و من ذلك ف هم أ صول اليان ال ستة على مذ هب ال سلف ال صال‪،‬‬

‫‪61‬‬
‫ومعر فة اليان والتوح يد وأنوا عه‪ ،‬و ما يضاده من الك فر والشرك والنفاق‪ ،‬والعر فة الجملة بضوا بط‬
‫التكفي‪ ،‬وما يترتب على ذلك من الحكام·‬
‫و من ذلك معر فة أركان ال سلم علمًا وعملً‪ ،‬والعر فة الجال ية بقوا عد الحكام ومقا صد الشري عة‪،‬‬
‫ومعر فة الحرمات العين ية والفروض العين ية الواج بة على كل م سلم· كل هذا م ا ي ب العلم به ق بل‬
‫الهاد‪ ،‬فإن فرض على ال سلمي القتال ق بل إتا مه‪ ،‬فإ نه ي صله أثن داء اله داد ويك مل م نه م دا‬
‫نقص· والقصدود أن ل يُقددم السلدم ‪ -‬فضلً عن الجاهد ‪ -‬على أمر حت يعلم حكم الشريعة‬
‫فيه‪ ،‬فإن ل يعلم فليسأل من يدله على حكم الشرع فيه؛ لقوله تعال‪( :‬فَاسْأَلُوا َأهْلَ الذّكْرِ إِ نْ ُكْنتُ مْ ل‬
‫َتعْلَمُو نَ)(ال نبياء‪ :‬من ال ية ‪ ،)7‬وم ا يد خل ف هذا‪ :‬العلم ب سبيل الجرم ي‪ ،‬والب صية بوا قع الكفار‬
‫الذين يراد قتالم·‬
‫ب ‪ -‬نوع خاص‪ :‬وهو العلم بشروعية الهاد وأحكامه‪ ،‬ومعرفة الراية الت سيجاهد السلم تتها·‬
‫كل هذا ما يب أن يعلمه الجاهد قبل الشروع ف الهاد؛ حيث أن الخلص ل يكفي وحده‪ ،‬بل‬
‫عل يه أن يعرف ما إذا كان الهاد الذي ينوي الدخول ف يه مشروع ومبوب إل ال عز و جل أم ل يس‬
‫كذلك· وهذا فرض واجدب؛ لن الهاد فيده ذهاب النفدس والموال‪ ،‬والسدلم ل يلك إل روح ًا‬
‫واحدة‪ ،‬فل يوز الخاطرة با ف أمر قد ل يكون مرضيًا ل عز وجل· وأسوق فيما يلي مثالي اثني‬
‫يوضحان حرص السلف الشديد على علمهم بشروعية أي جهاد قبل الدخول فيه·‬
‫الثال الول‪ :‬الناظرة الت تت بي أب بكر وعمر رضي ال عنهما ف قتال الرتدين حيث خفي على‬
‫عمر رضي ال عنه مشروعية قتالم وناظر أبو بكر رضي ال عنه ف ذلك فبي له أبو بكر ذلك حت‬
‫انشرح صدر ع مر لقتال م· ف عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬ل ا تو ف ال نب صلى ال عل يه و سلم‬
‫وا ستخلف أ بو ب كر‪ ،‬وك فر من ك فر من العرب قال ع مر‪ :‬يا أ با ب كر ك يف تقا تل الناس و قد قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا ل إله إل ال‪ ،‬فمن قال ل إله إل‬
‫ال عصم من ماله ونفسه إل بقه وحسابه على ال)‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬وال لقاتلن من فرق بي الصلة‬
‫والزكاة؛ فإن الزكاة حق الال‪ ،‬وال لو منعون عناقًا كانوا يؤدونا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لقاتلتُهم على منعها· قال عمر‪ :‬فوال ما هو إل أن رأيت أن قد شرح ال صدر أب بكر للقتال فعرفت‬
‫أنه الق(‪.)105‬‬

‫‪62‬‬
‫الثال الثان‪ :‬روى الذهب ف السي قال‪ :‬وقال حيد بن هلل‪ :‬أتت الرورية مطرف بن عبدال يدعونه‬
‫إل رأيهم فقال‪" :‬يا هؤلء‪ ،‬لو كان ل نفسان بايعتكم بإحداها‪ ،‬وأمسكت الخرى‪ ،‬فإن كان الذي‬
‫تقولون هدىً أتبعتها الخرى‪ ،‬وإن كان ضللة هلكت نفس وبقيت ل نفس‪ ،‬ولكن هي نفس واحدة‬
‫ل أغرّر با"(‪.)106‬‬
‫وما يلحق بالعلم بشروعية الهاد‪ :‬العلم بالراية الت سيجاهد السلم تتها‪ ،‬وما غايتها؛ فهذا ما يب‬
‫العلم به‪ ،‬فل يكفي أن يعلم هل قتال العدو واجب أم غي واجب‪ ،‬أم غي جائز‪ ،‬بل ل بد من معرفة‬
‫الراية الت سيقابل العدو تتها؛ قال تعال‪( :‬الّذِي نَ آمَنُوا ُيقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ وَالّذِي نَ َكفَرُوا ُيقَاتِلُو نَ‬
‫فِي َسبِيلِ الطّاغُوتِ) (النساء‪ :‬من الية ‪ .)76‬فمما يناف القتال ف سبيل ال‪ :‬القتال تت راية عمية؛‬
‫قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من قتل تت راية عِمّية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلةٌ جاهلية)(‪.)107‬‬
‫والق صود أنه كل ما كان ال سلم على بينة من سبيل الؤمن ي الذي يبه ال عز و جل‪ ،‬وعلى بينة من‬
‫سبيل الجرمي كان هذا أكب دافع للجهاد ف سبيل ال تعال·‬
‫وأما العلم الكفائي‪ :‬فيكفي أن يعلمه طائفة من الجاهدين؛ حيث يفرغ بعضهم لطلب العلوم الشرعية‬
‫اللز مة ل سد حاجات الدعوة والتعل يم والفتاء‪ ،‬ويكونوا من ذوي ال ستعداد لذلك· وإذا و جد ال د‬
‫الد ن من الكفا ية سقط الوجوب عن الخر ين· وال صل ف هذا أن يكون ق بل ملقاة العداء؛ لن‬
‫أيام القتال أيام ش غل‪ ،‬ل كن إن فرض على ال سلمي القتال ق بل إتام حد الكفاية من هذا العلم فينبغي‬
‫إتامه أثناء الهاد قدر الستطاع·‬
‫واللصة‪:‬‬
‫أن العلم هو أ ساس الع مل‪ ،‬و هو ق بل القول والع مل· والهاد من الع مل‪ ،‬فإن ل ي كن العلم صحيحًا‬
‫موافقًا ل ا جاء به الر سول صلى ال عل يه و سلم فإن الع مل سيكون باطلً ومنحرفًا· ولذلك كان‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ف مكة يعلم أصحابه أصول هذا الدين‪ ،‬ويعلمهم العقيدة وما تقتضيه من‬
‫ولء وبراء وإذعان وانقياد ل تعال‪ ،‬كمدا يعلمهدم الخلص وإرادة الدار الخرة فد جيدع القوال‬
‫والعمال· فلما جاء الذن بالهاد‪ ،‬ث فرضه ظهرت آثار هذا العلم ف تضحياتم العظيمة وفتوحاتم‬
‫البار كة· ولذلك و جب على الهتم ي بأمور الدعوة وترب ية الناس وتوجيه هم وإعداد هم للجهاد ف‬
‫سبيل ال عز و جل أن يولوا هذا الا نب اهتمامًا كبيًا‪ ،‬وأن يركزوا ف برام هم الدعو ية وأنشطت هم‬

‫‪63‬‬
‫الختلفة على تقيق ال د الد ن من العلم ب سبيل الؤمن ي ‪ -‬وهم أهل السنة والماعة أتباع ال سلف‬
‫ال صال ‪ -‬انطلقًا من القرآن الكر ي وتدبره‪ ،‬وال سنة ال صحيحة بف هم ال صحابة ر ضي ال عن هم وأن‬
‫يستفاد من كل وسيلة متاحة مشروعة لبناء العلم الشرعي ف النفوس؛ سواء على هيئة دروس علمية‬
‫عامة أو خا صة‪ ،‬أو بال ستفادة من الشرطة العلمية ال سجلة· والق صود أن يه تم الربون بذا الا نب‬
‫الهم من العداد لنه هو الساس‪ ،‬فإن صلح صلح ما بعده‪ ،‬وإن فسد فسد ما بعده·‬
‫وأختم هذه الرتبة من جهاد النفس بكلم نفيس لحد الصحابة رضي ال عنهم يتبي منه أهية معرفة‬
‫الق والعلم به‪ ،‬وأنه ضروري للمجاهد ف سبيل ال عز وجل‪ ،‬وأنه ل يكفي ف الجاهد أن يكون‬
‫مل صًا ل تعال ف جهاده‪ ،‬بل ل بد أن ينضم إل ذلك أن يكون جهاده على الق· والق ل يتبي إل‬
‫بالعلم الشرعي والبصية ف الدين‪ ،‬والواقع· فقد روى ابن وضاح ‪ -‬رحه ال تعال ‪ -‬ف كتابه "البدع‬
‫والن هي عن ها" ب سنده‪" :‬قال‪ :‬حدث نا أ سد قال‪ :‬حدث نا مبارك بن فضالة عن يو نس ا بن عب يد عن ا بن‬
‫سديين قال‪ :‬أخدبن أبدو عدبيدة بدن حذيفدة قال‪ :‬جاء رجدل إل حذيفدة بدن اليمان ‪ -‬وأبدو موسدى‬
‫الشعري قاعد ‪ -‬فقال‪ :‬أرأيت رجلً ضرب بسيفه غضبًا ل حت قتل أف النة أم ف النار؟ فقال أبو‬
‫مو سى‪ :‬ف ال نة· قال حذي فة‪ :‬ا ستفهم الر جل وأفه مه ما تقول· قال أ بو مو سى سبحان ال‪ ،‬ك يف‬
‫قلت؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬ر جل ضرب ب سيفه غضبًا ل ح ت ق تل أ ف ال نة أم ف النار؟ فقال أ بو مو سى‪ :‬ف‬
‫النة· قال حذيفة‪ :‬استفهم الرجل وأفهمه ما تقول· حت فعل ذلك ثلث مرات‪ ،‬فلما كان ف الثالثة‬
‫قال‪ :‬وال ل ت ستفهمه‪ ،‬فد عى به حذي فة فقال‪ :‬رويدك‪ ،‬إن صاحبك لو ضرب ب سيفه ح ت ينق طع‬
‫فأصاب الق حت يقتل عليه فهو ف النة‪ ،‬وإن ل يصب الق ول يوفقه ال للحق فهو ف النار· ث‬
‫قال‪ :‬والذي نفسي بيده ليدخلن النار ف مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا وكذا"(‪.)108‬‬
‫الرتبة الثانية‬
‫ماهدة النفس على العمل بالعلم بعد تعلمه‬
‫إن تعلم العلم والتزود به ليس مطلوبًا لذا ته‪ ،‬وإن ا هو مطلوب للع مل وال سي ف ضوئه إل ال تعال؛‬
‫بفعل ما يبه ويرضاه واجتناب ما يسخطه وينهى عنه·‬
‫والقوال والعمال الت يبها ال عز وجل كثية؛ منها الواجبات‪ ،‬ومنها الستحبات‪ ،‬وكذلك القوال‬
‫والعمال الت يبغضها ال عز وجل كثية· وليس القصود حصرها وعدها ف هذا القام‪ ،‬وإنا القصود‬

‫‪64‬‬
‫الت نبيه على ضرورة إعداد النفوس وماهدت ا ‪ -‬ق بل جهاد الكفار ‪ -‬على النقياد لوا مر ال عز و جل‬
‫والقيام با‪ ،‬والنتهاء عما نى ال عز وجل عنه·‬
‫وهذا مطلوب من السلمي بعامة‪ ،‬ومن الجاهدين أو الذين يعدون أنفسهم للجهاد باصة؛ وذلك لا‬
‫للعمال الصالة من بركة وتثبيت لهلها‪ ،‬وكونا زادًا للمجاهد ف مشاق الطريق‪ ،‬وسببًا لحبة ال‬
‫تعال ومعيته الاصة ‪ -‬وما أحوج الجاهدين إل معية ال تعال ونصره وتأييده ‪ -‬كما أن ف اجتناب‬
‫العا صي والحرمات بعدًا عن أسباب الزية والذلن؛ ف ما ش يء أخ طر على الجاهد ين من ذنوب م؛‬
‫سكٍمً إنّ پلّهّ‬ ‫صًبتٍم َمٌثًّلًيهّا قًٍلتٍمً ّأنّى" هّذّا قٍ ًل ٍه ّو مٌ ًن عٌندٌ أّنفٍ ٌ‬
‫قال ال تعال‪ّ{ :‬أوّ ّلمّا أّصّابًّتكٍم مٍَصٌيّبةِ ّقدً أّ ّ‬
‫عّلّى" كٍ َلٌ ّشيًءُ ّقدٌيرِ} [آل عمران‪ ، ]165 :‬وقال سبحانه عن بركة العمل الصال والمتثال لوامر‬
‫ال تعال‪( :‬وََلوْ َأنّا َكتَْبنَا عََلْيهِ مْ أَ ِن ا ْقتُلُوا َأْنفُ سَكُمْ َأوِ اخْ ُرجُوا مِ نْ ِديَارِكُ ْم مَا َفعَلُو هُ إِلّا َقلِي ٌل ِمْنهُ مْ وََلوْ‬
‫َأّنهُ مْ َف َعلُوا مَا يُوعَظُو َن بِ هِ َلكَا نَ َخيْرا َلهُ ْم َوَأشَ ّد تَْثبِيتا َوإِذا لَآَتيْنَاهُ مْ مِ نْ لَ ُدنّا أَجْرا عَظِيما وََلهَ َدْينَاهُ مْ‬
‫سَتقِيما) (النساء‪.)68-66:‬‬ ‫صرَاطا مُ ْ‬
‫ِ‬
‫وقال صلى ال عل يه و سلم في ما يرو يه عن ر به سبحانه ف ف ضل التقرب إل ال عز و جل بالفرائض‬
‫والنوا فل‪ ··( :‬و ما تقرب إل عبدي بش يء أ حب إلّ م ا افترض ته عل يه‪ ،‬و ما يزال عبدي يتقرب إلّ‬
‫بالنوافل حت أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده الت يبطش‬
‫با‪ ،‬ورجله الت يشي با‪ ،‬ولئن سألن لعطينه‪ ،‬ولئن استعاذن لعيذنه ···)(‪.)109‬‬
‫كما أن فعل ماب ال واجتناب مساخطه يورث التقوى ف القلب‪ ،‬والتقوى تورث ثارًا عديدة منها‬
‫جعَلْ لَ ُه َمخْرَجا) (الطلق‪ :‬من الية ‪،)2‬‬ ‫تفريج الكروب وتيسي المور؛ قال تعال‪َ ( :‬ومَ ْن َيتّ قِ اللّ َه يَ ْ‬
‫جعَلُ َلهُ مُ الرّحْمَنُد ُودّا)‬ ‫دْ‬‫ت سَيَ‬ ‫د تأل يف القلوب؛ قال تعال‪( :‬إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصدّالِحَا ِ‬ ‫ومنه ا‬
‫(مر ي‪ .)96:‬وكل ما ك ثر ف الجاهد ين من يت صف بذه ال صفات كانوا أقرب إل ن صر ال تعال·‬
‫فلذلك و جب ال ستعداد بالعمال ال صالة ال ت تؤ هل لذه القامات الرفي عة ال ت ين صر ال عز و جل‬
‫أهلها ويثبتهم ويستجيب دعاءهم·‬
‫ذ كر الذ هب ‪ -‬رح ه ال ‪ -‬ف ترج ته لح مد بن وا سع العا بد الزا هد الجا هد رح ه ال تعال· قول‬
‫الصمعي‪" :‬لا صافّ قتيبة ابن مسلم للترك وهاله أمرهم‪ ،‬سأل عن ممد بن واسع فقيل‪ :‬هو ذاك ف‬

‫‪65‬‬
‫اليمنة جامع على قوسه يبصبص بأصبعه نو السماء· قال‪ :‬تلك الصبع أحب إل من مائة ألف سيف‬
‫شهي وشاب طرير"(‪.)110‬‬
‫ومن العمال الصالة الت رب رسول ال صلى ال عليه وسلم عليها الصحابة ف مرحلة العداد ف‬
‫مكة واستمر عليها ف الدينة بعدما شرع الهاد ما يلي‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬أعمال القلوب‪:‬‬
‫و هي ال صل ف العمال ال صالة الظاهرة‪ ،‬فإذا ف سدت ف سدت العمال كل ها وإذا صلحت صلح‬
‫العمل كله؛ وهذا معن قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬أل وإن ف السد مضغة إذا صلحت صلح السد‬
‫كله؛ وإذا فسدت فسد السد كله؛ أل وهي القلب)(‪.)111‬‬
‫ومن العمال القلبية الت يب أن يعتن با الربون ف العداد للجهاد ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬مبة ال عز وجل والب فيه والبغض فيه‪:‬‬
‫الحبة هي أصل العبادة‪ ،‬وهي ثرة معرفة ال عز وجل بأسائه وصفاته السن‪ ،‬وهي مستلزمة لتوحيده‬
‫وطاعته‪ ،‬وكلما قويت الحبة ف قلب العبد ظهر أثرها ف النقياد التام لمر ال عز وجل والتضحية ف‬
‫سبيله‪ ،‬وب غض أعدائه وماهدت م وموالة أوليائه ون صرتم· ك ما يظ هر أثر ها ف الب عد عن الزبيات‬
‫القيتة والرايات العصبية والنافع الدنيوية؛ فل ينقلب بغيض ال حبيبًا له بإحسانه إليه‪ ،‬كما ل ينقلب‬
‫حبيب ال له بغيضًا إذا وصله منه ما يكرهه ويؤله؛ والجاهدون ف سبيل ال عز وجل أو من يعدون‬
‫أنفسهم للجهاد أحوج من غيهم إل تزكية هذا العمل القلب الشريف؛ وذلك حت ل يتورط الجاهد‬
‫ف رايات عمية ولوثات حزبية أو وطنية أو قومية·‬
‫والتربية على هذا الصل تأت من الفهم الصحيح للعقيدة على مذهب السلف الصال‪ ،‬ول سيما عقيدة‬
‫الولء والباء‪ ،‬مع القراءة ف سي الصالي والحبي وتضحياتم وجهادهم‪ ،‬وما تلوا به من صدق ف‬
‫الحبة له سبحانه والحبة فيه· كما أن للقدوات من الربي والوجهي والعلماء أثرًا ف تقوية هذا العمل‬
‫القلب وتزكيته· وكما ذكرت ف أول البحث من أن كثيًا من العمال القلبية ستبقى ناقصة وضعيفة‬
‫ول يكمل ها ويقوي ها ويبلغ ب ا ذروة سنامها إل الهاد ف سبيل ال عز و جل‪ ،‬ف هو ذروة سنام هذا‬
‫الدين وف بيئته وأجوائه تصل كثي من أعمال القلوب إل ذروة قوتا وكمالا(‪.)112‬‬
‫‪ -2‬الخلص ل عز وجل‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫و هو من أع ظم أعمال القلوب وال ت ل يطلع علي ها إل ال عز و جل‪ ،‬و هو أن ير يد الن سان بقربا ته‬
‫وجه ال عز وجل والدار الخرة‪ ،‬ومن ذلك الهاد ف سبيل ال عز وجل والذي يقدم فيه العبد أغلى‬
‫ما عنده ‪ -‬وهي نفسه الت بي جنبيه ‪ -‬فإذا ل يكن قاصدًا بهاده وجه ال عز وجل ورضوانه وجنته‬
‫ف الخرة خ سر خسدرانًا مبينًا؛ ولذلك يبد إعداد الجاهديدن قبدل الهاد بالخلص ف أعمال م‬
‫والتجرد ل سبحانه ف حركاتم وسكناتم·‬
‫وكما أن للخلص أثره ف نيل رضا ال سبحانه وما أعده للمجاهدين الصادقي‪ ،‬فإن له أثرًا كذلك‬
‫سكِيَن َة عََلْيهِ ْم َوَأثَابَهُ مْ َفتْحا َقرِيبا)‬
‫ف الثبات أمام العداء لقوله تعال‪َ( :‬فعَِل َم مَا فِي قُلُوِبهِ مْ َفأَنْ َز َل ال ّ‬
‫(الف تح‪ :‬من ال ية ‪ ،)18‬وإذا ت كن الخلص من القلوب أث ر التضح ية والشجا عة ف سبيل ال عز‬
‫وجل‪ ،‬وأثر الصب‪ ،‬والزهد ف الدنيا ومتاعها الزائل‪ ،‬وتوحد الم ف إعلء كلمة ال تعال وإقامة دين‬
‫ال تعال؛ وبذلك ترتفع المة ويعلو القصد ويوجه إل ال تعال والدار الخرة وما أعد ال فيها لعباده‬
‫الجاهدين من الرضوان والنعيم ومرافقة النبيي والصديقي والشهداء والصالي‪ ،‬وحسن أولئك رفيقًا·‬
‫والخلص من أشرف أعمال القلوب الت يب أن يعتن با ف جيع العمال‪ ،‬ول سيما ف العداد‬
‫للجهاد ف سبيل ال تعال؛ وذلك لا يتعرض له الجاهد من فتنة الشهرة‪ ،‬أو حب الدح‪ ،‬والثناء عليه‬
‫بالشجاعة والبذل والتضحية·‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رح ه ال تعال‪" :‬والهاد مقصوده أن تكون كل مة ال هي العليا‪ ،‬وأن‬
‫يكون الدين كله ل؛ فمقصوده إقامة دين ال ل استيفاء الرجل حظه‪ ،‬ولذا كان ما يصاب به الجاهد‬
‫ف نفسه وف ماله أجره فيه على ال؛ فإن ال اشترى من الؤمني أنفسهم وأموالم بأن لم النة"(‪.)113‬‬
‫ولذلك ل يكاد يذكر الهاد ف الكتاب والسنة إل ويذكر بعده "ف سبيل ال"· وكذلك من يقتل ف‬
‫َند ُيقْتَلُ فِي‬
‫القتال مدع الكفار ل يسدمى شهيدًا إل إذا كان فد سدبيل ال· قال تعال‪( :‬وَل تَقُولُوا لِم ْ‬
‫شعُرُو نَ) (البقرة‪ .)154:‬أي الذ ين أخل صوا ف جهاد هم ل‬ ‫َسبِيلِ اللّ هِ َأمْوَا تٌ بَلْ أَ ْحيَا ٌء وََلكِ ْن ل تَ ْ‬
‫تعال ول يريدوا شيئًا من حظوظ هذه الدنيا الفانية‪.‬‬
‫ويعلق سيد ق طب رح ه ال تعال على هذه ال ية بقوله‪" :‬ول كن من هم هؤلء الشهداء الحياء؟ إن م‬
‫أولئك الذين يقتلون "ف سبيل ال" ·· ف سبيل ال وحده‪ ،‬دون شركة ف شارة ول هدف ول غاية‬
‫إل ال· ف سبيل هذا الق الذي أنزله· ف سبيل النهج الذي شرعه· ف سبيل هذا الدين الذي اختاره‬

‫‪67‬‬
‫·· ف هذا ال سبيل وحده‪ ،‬ل ف أي سبيل آ خر‪ ،‬ول ت ت أي شعار آ خر‪ ،‬ول شر كة مع هدف أو‬
‫شعار· وف هذا شدد القرآن وشدد الديث‪ ،‬حت ما تبقى ف النفس شبهة أو خاطر ·· غي ال ··‬
‫عن أب موسى رضي ال عنه قال‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة‪،‬‬
‫ويقا تل ح ية‪ ،‬ويق داتل رياء‪ .‬أي ذلك ف سبيل ال؟ فقال‪ ( :‬من قا تل لتكون كل مة ال هي العلي دا‬
‫فهو ف سبيل ال)(‪ )114‬أخرجه مالك والشيخان·‬
‫وعن أب هريرة رضي ال عنه أن رجلً قال‪ :‬يا رسول ال‪ :‬رجل يريد الهاد ف سبيل ال وهو يبتغي‬
‫عرضًا من الدنيا؟ فقال‪( :‬ل أجر له) فأعاد عليه ثلثًا· كل ذلك يقول‪( :‬ل أجر له)(‪ )115‬أخرجه أبو‬
‫داود·‬
‫وعنه رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬تضمن ال تعال لن خرج ف سبيله؛‬
‫ل يرجه إل جهاد ف سبيلي وإيان ب وتصديق برسلي فهو عل يّ ضامن أن أدخله النة أو أرجعه إل‬
‫مسكنه الذي خرج منه نائلً ما نال من أجر أو غنيمة· والذي نفس ممد بيده‪ ،‬ما من كلم يكلم ف‬
‫سبيل ال إل جاء يوم القيا مة كهيئ ته ح ي كلم‪ ،‬لو نه لون دم وري ه م سك· والذي ن فس م مد بيده‬
‫لول أن يشدق على السدلمي مدا قعدت خلف سدرية تغزو فد سدبيل ال أبدًا‪ ،‬ولكدن ل أجدد سدعة‬
‫فأحلهم‪ ،‬ول يدون سعة‪ ،‬ويشق عليهم أن يتخلفوا عن· والذي نفس ممد بيده لوددت أن أغزو ف‬
‫سبيل ال فأقتل‪ ،‬ث أغزو فأقتل‪ ،‬ث أغزو فأقتل)(‪.)116‬‬
‫فهؤلء هم الشهداء· هؤلء الذ ين يرجون ف سبيل ال‪ ،‬ل يرج هم إل جهاد ف سبيله‪ ،‬وإيان به‪،‬‬
‫وتصديق برسله·‬
‫ولقد كره رسول ال صلى ال عليه وسلم لفت فارسي ياهد أن يذكر فارسيته ويعتز بنسيته ف مال‬
‫الهاد‪ :‬عن عبدالرحن بن أب عقبة عن أبيه ‪ -‬وكان مول من أهل فارس ‪ -‬قال‪ :‬شهدت مع النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أحدًا‪ ،‬فضربت رجلً من الشركي‪ ،‬فقلت‪ :‬خذها وأنا الغلم الفارسي· فالتفت‬
‫إلّ النب صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬هل قلت‪ :‬وأنا الغلم النصاري؟ إن ابن أخت القوم منهم‪ ،‬وإن‬
‫مول القوم منهم)(‪.)117‬‬
‫فقد كره له " أن يفخر بصفة غي صفة النصر للنب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأن يارب تت شارة إل‬
‫شارة النصر لذا الدين· وهذا هو الهاد‪ ،‬وفيه وحده تكون الشهادة وتكون الياة للشهداء"(‪.)118‬‬

‫‪68‬‬
‫ويقول ف موطن آخر ‪ -‬رحه ال ‪" :-‬إنه ل جهاد‪ ،‬ول شهادة‪ ،‬ول جنة‪ ،‬إل حي يكون الهاد ف‬
‫سبيل ال وحده‪ ،‬والوت ف سبيله وحده· والنصرة له وحده‪ ،‬ف ذات النفس وف منهج الياة‪.‬‬
‫ل جهاد ول شهادة ول جندة إل ح ي يكون الدف هدو أن تكون كلمدة ال هدي العليدا‪ ،‬وأن تيمدن‬
‫شريع ته ومنها جه ف ضمائر الناس وأخلق هم و سلوكهم‪ ،‬و ف أوضاع هم وتشريع هم ونظام هم على‬
‫السواء‪.‬‬
‫عن أب موسى رضي ال عنه قال‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة‪،‬‬
‫ويقاتل حية· ويقاتل رياء· أي ذلك ف سبيل ال؟ فقال‪( :‬من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو ف‬
‫سبيل ال)(‪.)119‬‬
‫ول يس هنالك من را ية أخرى‪ ،‬أو هدف آ خر‪ ،‬يا هد ف سبيله من يا هد‪ ،‬وي ستشهد دو نه من‬
‫ي ستشهد‪ ،‬في حق له و عد ال بال نة‪ ،‬إل تلك الرا ية وإل هذا الدف· من كل ما يروج ف الجيال‬
‫النحرفة التصور من رايات وأساء وغايات!‬
‫وي سن أن يدرك أ صحاب الدعوة هذه اللف تة البديه ية‪ ،‬وأن يل صوها ف نفو سهم من الشوائب ال ت‬
‫تعلق ب ا من من طق البيئة وت صور الجيال النحر فة‪ ،‬وأل يلب سوا برايت هم را ية‪ ،‬ول يلطوا بت صورهم‬
‫تصورًا غريبًا على طبيعة العقيدة·‬
‫ل جهاد إل لتكون كلمة ال هي العليا؛ العليا ف النفس والضمي‪ ،‬والعليا ف اللق والسلوك‪ ،‬والعليا‬
‫ف الوضاع والن ظم‪ ،‬والعل يا ف العلقات والرتباطات ف كل أناء الياة· و ما عدا هذا فل يس ل‬
‫ولكن للشيطان·وفيما عدا هذا ليست هناك شهادة ول استشهاد· وفيما عدا هذا ليس هنالك جنة ول‬
‫نصر من عند ال ول تثبيت للقدام· وإنا هو الغبش وسوء التصور والنراف"(‪.)120‬‬
‫ويقول ف موطن ثالث‪" :‬ولقد كان القرآن ينشئ قلوبًا يعدها لمل المانة‪ ،‬وهذه القلوب كان يب‬
‫أن تكون من الصلبة والقوة والتجرد بيث ل تتطلع ‪ -‬وهي تبذل كل شيء وتتمل كل شيء ‪ -‬إل‬
‫ش يء ف هذه الرض‪ ،‬ول تنت ظر إل الخرة‪ ،‬ول تر جو إل رضوان ال· قلوبًا م ستعدة لق طع رحلة‬
‫الرض كلها ف نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية واحتمال‪ ،‬بل جزاء ف هذه الرض قريب·‬
‫ولو كان هذا الزاء هدو انتصدار الدعوة وغلبدة السدلم وظهور السدلمي ··حتد إذا وجدت هذه‬
‫القلوب ال ت تعلم أن ل يس أمام ها ف رحلة الرض ش يء إل أن تع طي بل مقا بل‪ ،‬وأن تنت ظر الخرة‬

‫‪69‬‬
‫وحدها موعدًا للجزاء ·· وموعدًا كذلك للفصل بي الق والباطل‪ ،‬وعلم ال منها صدق نيتها على ما‬
‫بايعت وعاهدت‪ ،‬أتاها النصر ف الرض وائتمنها عليه‪ ،‬ل لنفسها‪ ،‬ولكن لتقوم بأمانة النهج اللي‬
‫وهي أهل لداء المانة‪ ،‬منذ كانت ل توعد بشيء من الغنم ف الدنيا تتقاضاه‪ ،‬ول تتطلع إل شيء‬
‫من الغنم ف الرض تعطاه‪ ،‬وقد تردت ل حقًا يوم كانت ل تعلم لا جزاء إل رضاه· فالنصر ليس‬
‫بالعدد وليس بالعدة‪ ،‬وليس بالال والزاد؛ إنا هو بقدار اتصال القلوب بقوة ال الت ل تقف لا قوة‬
‫العباد"(‪.)121‬‬
‫ومن ثار الخلص ف الدنيا أنه سبب من السباب القوية ف سلمة القلوب‪ ،‬ووحدة الصف‪ ،‬وجع‬
‫الكلمة وائتلف القلوب وقطع الطريق على من يريد التحريش بي السلمي وإثارة الفرقة بينهم؛ لن‬
‫مدن أعظدم أسدباب الفرقدة والختلف والتناحدر بيد الدعاة والجاهديدن بعضهدم مدع بعدض ضعدف‬
‫الخلص‪ ،‬وتغلب الوى وحظوظ النفدس‪ ،‬فإذا حصدل العداد القوي والتربيدة الادة على الخلص‬
‫قبل الهاد وأثناءه فإن هذا من شأنه أن يقضي على الفرقة والتناحر‪ ،‬وأن يوحد الصف ويمع الكلمة‬
‫على قتال العداء‪ ،‬وبذا يُقضى على سبب خطي من أسباب الفشل والزية؛ قال تعال‪( :‬وَل َتنَا َزعُوا‬
‫َفَتفْشَلُوا َوتَذْ َهبَ رِ ُيكُمْ ) (النفال‪ :‬من الية ‪.)46‬‬
‫وإن ماد يقوي الخلص وينميده‪ :‬صددق الحبدة ل تعال ‪ -‬والتد سدبق ذكرهدا ‪ -‬وصددق التوحيدد‬
‫والعبود ية ل تعال واليق ي ال صادق باليوم ال خر‪ ،‬والقراءة ف سي ال صالي الخل صي وك يف كان‬
‫حر صهم على تق يق الخلص ف جيع أعمال م‪ ،‬وخوف هم من الرياء والنفاق‪ ،‬وإخفاؤ هم لعمال م‪،‬‬
‫وحفظ هم ل ا من كل ما يكون سببًا ف إحباط ها وإبطال ا؛ فإن ذلك م ا يشوق النفوس إل أعمال م‬
‫واللحوق بم·‬
‫كما أن وجود القدوات الخلصة الت تعلم وترب وتوجه يعد من السباب الهمة ف إعداد الجاهدين‬
‫الخل صي‪ ،‬ك ما أن من أع ظم أ سباب الخلص الز هد ف الدن يا والتخ فف من ها‪ ،‬والكثار من ذ كر‬
‫الوت‪ ،‬والتطلع إل الدار الخرة‪ ،‬والطمدع فد رضوان ال تعال ونعيمده فيهدا‪ ،‬والوف مدن سدخطه‬
‫وعذابه· وهذا ما سيدور الكلم حوله ف الفقرة التالية من أعمال القلوب·‬
‫‪ -3‬الزهد ف الدنيا والرغبة ف الخرة‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫إن الركون إل الدنيا وإشغال الم والفكر با وبتاعها الزائل لو من أعظم أسباب الغفلة وضعف كثي‬
‫من أعمال القلوب والوارح· وم ت ما امتل القلب ب ب الدن يا وزخرف ها ل ي عد ف يه مكان للعمال‬
‫الشرعية من الحبة والخلص والتوكل وغيها‪ ،‬لن التحلية بالعمال الشرعية ل بد أن يسبقها تلية‬
‫ما يضادها من العمال الهينة والقية والشغلة عن ال عز وجل والدار الخرة·‬
‫إن حب الهاد ف سبيل ال تعال ل يل ف قلب مشحون بالدنيا مائل إليها؛ لن من أهم مقومات‬
‫العداد للجهاد ف سبيل ال تعال الزهد ف الدنيا والستعلء عليها‪ ،‬والستعداد للتضحية با ف أي‬
‫وقت؛ فالدنيا ف حس الجاهد خادمة ل مدومة‪ ،‬وملوكة ل مالكة·‬
‫وإن الناظدر فد حياتندا اليوم ومدا فيهدا مدن الترف والدعدة والهتمام الشديدد بالتوسدع فد مراكبهدا‬
‫وم ساكنها ومآكل ها ومشارب ا‪ ،‬وكماليات ا ليى الفرق ال كبي والبون الشا سع ب ي هذه الياة وحياة‬
‫الجاهد ين؛ ولذا كان لزامًا علي نا وعلى كل من أراد إعداد نف سه للجهاد‪ ،‬وعلى من يتولون إعداد‬
‫المة للجهاد؛ علينا جيعًا أن ندرك خطر ما نن فيه من الترف والترهل والركون إل الدنيا(‪ ،)122‬وأن‬
‫نبادر للتخفف منها ونبذل السباب الت تزهدنا فيها وترغبنا ف الخرة‪،‬وإل نفعل تكن فتنة ومصيبة‬
‫على أنفسنا وعلى أمتنا؛ إذ لو فاجأنا داعي الهاد أو هاجنا الكفار ف عقر دارنا ‪ -‬وهاهم من حولنا‬
‫‪ -‬فإن أول من يقعد عن الهاد فيذل للكفار ويستكي أو يفر منهم بلده هم أولئك الترفون الغافلون‬
‫السادرون الذين ملت الدنيا قلوبم وصارت هي ههم ومبلغهم من العلم· والترف‪ :‬هو التوسع ف‬
‫النع مة والباحات‪ ،‬وبذل ال هد والو قت وال مة ف ت صيلها والتنا فس في ها· ول يرد ذ كر الترف ف‬
‫القرآن إل بعرض الذم؛ فلقد ذكر ال عز وجل ف أكثر من آية أنه سبب الكفر والعراض عن الق‬
‫ك ُمتْرَفِيَ) (الواقعة‪ ،)45:‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫أو رده؛ قال تعال عن أصحاب الشمال )ِإّنهُمْ كَانُوا َقبْلَ ذَلِ َ‬
‫(وَمَا أَرْ سَ ْلنَا فِي قَ ْرَي ٍة مِ ْن نَذِيرٍ إِلّا قَا َل ُمتْرَفُوهَا ِإنّ ا بِمَا أُرْ سِ ْلتُ ْم بِ هِ كَافِرُو نَ وَقَالُوا نَحْ نُ أَ ْكثَرُ َأ ْموَالً‬
‫ِيهد‬
‫ِيند ظَلَمُوا مَا ُأتْرِفُوا ف ِ‬ ‫َعد الّذ َ‬
‫ْند بِ ُمعَ ّذبِيَ) (سددبأ‪ ،)35-34:‬وقال تعال‪( :‬وَاتّب َ‬ ‫َوَأوْلدا وَمَا نَح ُ‬
‫ج ِرمِيَ)(هود‪ :‬من الية ‪.)116‬‬ ‫وَكَانُوا مُ ْ‬
‫ول يفهم من ذم الترف التهوين من شأن الال؛ فالال عصب الهاد ف سبيل ال تعال‪ ،‬ولكن القصود‬
‫التحذير من السراف ف التنعم وجعل ذلك من أكب الم‪ ،‬وباصة للعاملي ف حقل الدعوة والهاد‬
‫والعداد؛ ل ا لذلك من آثار سيئة ف حياة النت سبي إل الدعوة والهاد· والوا قع شا هد بذلك؛ ف كم‬

‫‪71‬‬
‫رأينا من الدعاة ومن كانوا مهتمي بالهاد قد تلوا عن الهاد والعداد له وركنوا إل الدنيا بسبب‬
‫الترف والتوسع ف النعيم·‬
‫ويبي ابن خلدون رحه ال مضار الترف على المم وأثره ف زوالا‪ ،‬وأثر التقشف وخشونة العيش ف‬
‫الغلبة على العداء فيقول ف مقدمته‪" :‬الفصل السادس عشر‪ :‬ف أن المم الوحشية أقدر على الّتغَلّب‬
‫من سواها‪ :‬اعلم أنه لا كانت البداوة سببًا ف الشجاعة كما قلناه ف القدمة الثالثة‪ ،‬ل جرم كان هذا‬
‫اليل الوحشي أشد شجاعة من اليل الخر؛ فهم أقدر على التغلب وانتزاع ما ف أيدي سواهم من‬
‫(‪)123‬‬
‫المم‪ ،‬بل اليل الواحد تتلف أحواله ف ذلك باختلف العصار‪ ،‬فكلما نزلوا الرياف وَت َفنّقوا‬
‫ف النعيم‪ ،‬وألفوا عوائد الصب ف العاش والنعيم‪ ،‬نقص من شجاعتهم بقدار ما نقص من توحشهم‬
‫وبداوتم"(‪.)124‬‬
‫وكل ما ت فف ال سلم من الدن يا ومتاع ها وأ صبحت ف يده ل ف قل به ها نت عل يه وهان عل يه فراق ها‬
‫والتضحية با‪ ،‬وسهل عليه الهاد والبذل‪ ،‬وقوي عنده الصب على الصائب والبليا·‬
‫ولذلك كان التقللون من الدنيا هم أتباع الرسل‪ ،‬وهم الذين يلبون منادي الهاد عند النداء‪" ،‬والمة‬
‫الجاهدة ل تكون متر فة‪ ،‬وال مة التر فة ل تكون ماهدة؛ فل يت مع ترف وجهاد؛ لن الترف نعو مة‬
‫وراحة واسترخاء وإغراق ف الشهوات واللذات يصعب على صاحبه مفارقة ما ألفه منه‪ ،‬بل إنه يعيش‬
‫وهو يفكر ف إضافة الزيد منه وياف أن يال بينه وبي ذلك الترف والنعيم· والهاد بذل وتضحية‬
‫ومش قة وب عد عن اللذات والشهوات ومفار قة للمحبوبات واقتحام للمكاره والعقبات؛ الترف ياف‬
‫كل شيء يعكر عليه صفو ترفه‪ ،‬والجاهد ل ياف ف ال لومة لئم‪ ،‬الترف يتلهف للفسق والفجور‬
‫والفواحدش‪ ،‬والجاهدد يتطلع لقيادة البشدر بالمدر بالعروف والنهدي عدن النكدر· فالترفون فاسدقون‬
‫والجاهدون مصلحون·‬
‫ولذا كا نت سنة ال ف الترف ي الفا سقي تدمي هم‪ ،‬والتدم ي قد يكون بال ستئصال بعذاب ال ك ما‬
‫كان ف المم الاضية‪ ،‬وقد يكون بإنزال البأس الذي يول بي الترف وما كان يتمتع به من شهوات‪،‬‬
‫وهو عذاب وتدمي‪ ،‬وقد يكون أشق عليه من مفارقة ترفه بالوت· والعقوبة تعم الترفي ومن ل يقف‬
‫سقُوا فِيهَا فَحَقّ عََليْهَا اْل َقوْلُ‬
‫ف و جه ترف هم؛ قال تعال‪َ ( :‬وإِذَا أَرَدْنَا أَ نْ ُنهْلِ كَ َق ْرَيةً َأمَرْنَا ُمتْرَفِيهَا َففَ َ‬
‫َف َدمّ ْرنَاهَا تَ ْدمِيا) (السراء‪.)125(")16:‬‬

‫‪72‬‬
‫ويعلق سيد ق طب رح ه ال تعال على آ ية ال سراء فيقول‪" :‬والترفون ف كل أ مة هم طب قة ال كباء‬
‫الناعم ي الذ ين يدون الال ويدون الدم ويدون الرا حة‪ ،‬فينعمون بالد عة وبالرا حة وبال سيادة ح ت‬
‫تترهل نفوسهم وتأس‪،‬ن وترتع ف الفسق والجانة‪ ،‬وتستهتر بالقيم والقدسات والكرامات‪ ،‬وتلغ ف‬
‫العراض والرمات‪ ،‬وهدم إذا ل يدوا مدن يضرب على أيديهدم عاثوا فد الرض فسدادًا‪ ،‬ونشروا‬
‫الفاحشة ف المة وأشاعوها وأرخصوا القيم العليا الت ل تعيش الشعوب إلّ با ولا‪ ،‬ومن ث تتحلل‬
‫المة وتسترخي‪ ،‬وتفقد حيويتها وعناصر قوتا وأسباب بقائها فتهلك وتطوى صفحتها· والية تقرر‬
‫سنة ال هذه ···"(‪.)126‬‬
‫والاصدل التندبيه على خطورة الترف على حياة الداعيدة والجاهدد‪ ،‬وأن الهاد والترف ل يتمعان‪،‬‬
‫وعلى من يعد نفسه للجهاد ف سبيل ال عز وجل أن يرب نفسه على الزهد ف الدنيا والتقلل منها‪،‬‬
‫وتعو يد الن فس على ش ظف الع يش وخشون ته· وهذا يتاج إل ماهدة للن فس المارة لن ا ت يل إل‬
‫الدعة والراحة والتنعم·‬
‫ك ما ل نن سى دور الرب ي والقدوات الذ ين يربون ال مة ويعدو ها للجهاد‪ ،‬فإن ل يكونوا مثالً للز هد‬
‫والب عد عن الترف بأشكاله كل ها فإن الترب ية ستكون ضعي فة وه شة؛ لن الناس ل ينظرون إل أقوال‬
‫الدعاة والربي فحسب‪ ،‬بل إن نظرهم يتركز على أفعالم وأحوالم· ولنتصور شخ صًا من الناس يثه‬
‫شيخه أو مربيه على الزهد ف الدنيا ويذره من الترف والتوسع ف الباحات‪ ،‬ث هو يرى شيخه ف‬
‫مرك به وم سكنه وملب سه ومطع مه ف واد والز هد ف واد آ خر· فماذا سيكون حال هذا التر ب؟! إ نه‬
‫سيشعر بالضطراب والزدواجية‪ ،‬وإن هذا لما يعوق التربية والعداد ويؤخرها·‬
‫وإن ما يعي على ترك الترف والرضى من الدنيا باليسي والتضحية با حي يتطلب المر ذلك‪ :‬النظر‬
‫ف سية الر ب العظ يم سيد الزاهد ين وإمام الر سلي م مد بن عبدال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وك يف‬
‫كانت حياته‪ ،‬وكيف كان يعد أصحابه رضي ال عنهم ويربيهم بقوله وعمله وحاله‪ ،‬ث النظر ف حياة‬
‫ال صحابة رضي ال عنهم والتابع ي لم بإحسان من سادات الجاهدين والزاهدين· إن الطلع على‬
‫حياة السلف رحهم ال لما يعي على القتداء بم وبذل الهد ف اللحوق بم؛ وإذا كان النعيم أثّرَ‬
‫ف بعض أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ف حياته فكاد يول بي بعضهم وبي النفي مع‬

‫‪73‬‬
‫ل بي بعضهم وبي ذلك‪ ،‬ول ينفعه من عقاب ال وسخطه‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحال فع ً‬
‫وسخط رسوله صلى ال عليه وسلم إل التوبة‪ ،‬فكيف بن بعدهم؟·‬
‫فهذا كعدب بدن مالك رضدي ال عنده يتخلف عدن رسدول ال صدلى ال عليده وسدلم فد غزوة تبوك‬
‫ويعرض ف سياق حدي ثه ب عض ال سباب ال ت أغر ته بذلك التخلف‪ ،‬من ها الشقات ال ت ا ستقبلت‬
‫الجاهد ين ك ما قال‪( :‬فغزا ها ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف حر شد يد‪ ،‬وا ستقبل سفرًا بعيدًا‬
‫ومفازًا‪ ،‬واستقبل عدوًا كثيًا‪ ،‬فجلّى للمسلمي أمرهم ···)(‪.)127‬‬
‫ومنها النعيم ووسائل الراحة التاحة ف الدينة الت كان ييل إليها كما قال‪( :‬وغزا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم تلك الغزوة حي طابت الثمار والظلل فأنا إليها أصعر)(‪ )127‬أي أميل‪.‬‬
‫وأخ تم هذا الد يث عن الز هد و ما يضاده من الترف بكلم نف يس للمام ا بن الق يم رح ه ال تعال‬
‫يوجه فيها النظار إل كيفية الستقامة بالزهد ف الدنيا فيقول‪" :‬ل تتم الرغبة ف الخرة إل بالزهد ف‬
‫الدنيا‪ ،‬ول يستقيم الزهد ف الدنيا إل بعد نظرين صحيحي‪:‬‬
‫نظر ف الدنيا وسرعة زوالا وفنائها وخستها‪ ،‬وأل الزاحة عليها والرص عليها؛ فطالبها ل ينفك من‬
‫هم قبل حصولا‪ ،‬وهم ف حال الظفر با‪ ،‬وغم وحزن بعد فواتا· فهذا أحد النظرين·‬
‫النظر الثان‪ :‬النظر ف الخرة وإقبالا وميئها ول بُد‪ ،‬ودوامها وبقائها‪ ،‬وشرف ما فيها من اليات‬
‫وال سرّات‪ ،‬والتفاوت الذي بي نه وب ي ما هه نا؛ ف هي ك ما قال ال سبحانه‪( :‬وَالْآ ِخ َرةُ َخيْ ٌر َوَأبْقَى)‬
‫(العلى‪.)17:‬‬
‫ف هي خيات كاملة دائ مة‪ ،‬وهذه خيالت ناق صة منقط عة مضمحلة‪ ،‬فإذا ت له هذان النظران آ ثر ما‬
‫يقتضي العقل إيثاره‪ ،‬وزهد فيما يقتضي الزهد فيه؛ فكل أحد مطبوع على أن ل يترك النفع العاجل‬
‫واللذة الاضرة إل النفع الجل واللذة الغائبة النتظرة إل إذا َتبَيّن له فضل الجل على العاجل وقويت‬
‫رغبته ف العلى الفضل‪ ،‬فإذا آثر الفان الناقص كان ذلك إما لعدم َتبَيّن الفضل له‪ ،‬وإما لعدم رغبته‬
‫ف الفضل"(‪.)128‬‬
‫وإن ما يعي على الزهد وترك الترف ماولة النتقال من حياة الدعة والترف ما بي الفينة والخرى؛‬
‫وذلك كأن يصص الداعية أيامًا أو أسابيع ف السنة يفارق فيها أهله وبلده ضمن برنامج دعوي ف‬
‫ب عض القرى أو ال جر أو الما كن النائ ية ف البال والغابات ال ت يقطن ها كث ي من الناس الذ ين ل‬

‫‪74‬‬
‫يعرفون التوحيد ول كيف يصلون ول يصومون وتنتشر فيهم الخلق والعادات السيئة؛ فإن مثل هذه‬
‫الجواء في ها ترب ية للداع ية نف سه‪ ،‬وذلك بالتعود على حياة الشو نة والش ظف‪ ،‬وفي ها ترب ية وتعل يم‬
‫لسكان هذه الماكن ما يهلونه من أمر دينهم‪ ،‬ول شك أن هذه العمال تتاج إل جهاد مع النفس‬
‫بنقلها من حياة الدعة والترف الت تبها إل حياة الشظف والتعب الت تكرهها‪ ،‬كما أن ف مثل هذه‬
‫السفار بذلً للمال ف سبيل ال عز وجل وماهدة للنفس ف حبها للمال والبخل به·‬
‫‪ -4‬التوكل على ال عز وجل ‪:‬‬
‫وهذا العمل القلب من أفضل العمال وأنفعها للعبد‪ ،‬ول سيما الجاهد أو من يعد نفسه للجهاد ف‬
‫سبيل ال تعال‪ ،‬وحقي قة التو كل‪ :‬هو غا ية العتماد على ال سبحانه وغا ية الث قة به‪ ،‬مع ال خذ‬
‫بالسباب الأمور با وعدم العتماد عليها ول التعلق با· وهو عبادة عظيمة تمع بي تفويض المور‬
‫إل ال تعال‪ ،‬وإحسان الظن به‪ ،‬والرجاء ف رحته ونصرته‪ ،‬وعدم الوف إل منه سبحانه؛ فهو الذي‬
‫بيده النفع والضر‪ ،‬وما من دابة إل هو آخذ بناصيتها·‬
‫لذا وجدب على الجاهدد أن يقوي هذه العبادة فد قلبده‪ ،‬ويسدأل ربده صددق التوكدل عليده‪ ،‬ويأخدذ‬
‫بال سباب ال ت توّل هذه العبادة من علم وعقيدة مردة إل ع مل وحال يتحرك ب ا ويوا جه الخطار‬
‫والصائب والعداء با؛ لن هناك فرقًا بي العلم بالتوكل والعرفة به وبي كونه عملً وحالً·‬
‫وف ذلك يقول المام ابن القيم رحه ال تعال‪ ···" :‬وكثي ما يشتبه ف هذا الباب‪ :‬الحمود الكامل‬
‫بالذموم النا قص ··· وم نه اشتباه علم التو كل بال التو كل؛ فكث ي من الناس يعرف التو كل وحقيق ته‬
‫وتف داصيله‪ ،‬في ظن أ نه متو كل ول يس من أ هل التو كل· فح دال التو كل أم در آ خر من وراء العلم‬
‫به···"(‪.)129‬‬
‫والترب ية على التو كل تأ ت من العتناء بالف قه بأ ساء ال تعال و صفاته ال سن؛ ف هو ثرة هذا العلم‬
‫الشريف؛ كالفقه بصفات العلم والقدرة والرحة والكمة والتعبد ل سبحانه با؛ لن من أيقن كمال‬
‫علم ال تعال وأ نه سبحانه يعلم ما كان وما يكون‪ ،‬وأ نه القادر على كل شيء‪ ،‬وأن رحته وسعت‬
‫كل شيء‪ ،‬وأنه رحيم بالؤمني‪ ،‬وحكيم ف أقضيته وأحكامه· من أيقن بذا وتشرب به قلبه اعتمد‬
‫على من هذه صفاته وفوض أمره إليه سبحانه·‬

‫‪75‬‬
‫ول يناف هذا الخذ بالسباب‪ ،‬لن ال عز وجل أمر بالخذ بالسباب ف قتال العداء فقال تعال‪:‬‬
‫خيْلِ) (لنفال‪ :‬من الية ‪ ،)60‬وأمر بأخذ الذر من‬ ‫ط الْ َ‬‫( َوَأعِدّوا َلهُ ْم مَا ا ْستَ َطعْتُ ْم مِ نْ ُق ّو ٍة َومِ نْ ِربَا ِ‬
‫الكفار فقال‪( :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا خُذُوا حِ ْذرَكُمْ) (النساء‪ :‬من الية ‪.)71‬‬
‫وظا هر الر سول صلى ال عل يه و سلم يوم أُ حد ب ي درع ي ول بس الغ فر‪ ،‬وح فر الندق؛ و هو سيد‬
‫التوكليد· ولكدن قلبده ل يتعلق بذه السدباب بدل فوض أمره إل ال عدز وجدل‪ ،‬ودعدا ربده بالنصدر‬
‫ت وََلكِنّ اللّ هَ َرمَى)‬
‫وإهلك الكافرين· قال سبحانه‪( :‬فََل ْم َت ْقتُلُوهُ ْم وََلكِنّ اللّ هَ َقتََلهُ مْ َومَا َر َميْ تَ إِذْ َر َميْ َ‬
‫(النفال‪ :‬من الية ‪.)17‬‬
‫ول ا ظن ال صحابة ر ضي ال عن هم تر تب الن صر على ال سباب وأعجبوا ب ا يوم حن ي هزموا ف أول‬
‫جَبْتكُمْ َكثْ َرُتكُمْ َفلَ ْم ُتغْ ِن عَْنكُ ْم َشيْئا) (التوبة‪ :‬من الية ‪.)25‬‬ ‫العركة‪ ،‬وقال تعال‪َ ( :‬وَيوْمَ ُحَنيْنٍ إِذْ َأعْ َ‬
‫فالخذ بالسباب من سنن الرسلي‪ ،‬والخذ با واجب وطاعة ل تعال مع ترك العتماد عليها‪ ،‬بل‬
‫العتماد على ال وحده ل شر يك له ف ح صول الق صود ب عد ال خذ بال سباب· و قد تض يق بالع بد‬
‫السبل وتنعدم السباب؛ وهنا ليس أمام العبد إل عمل القلب وحده بصدق التوكل على ال عز وجل‬
‫وصدق اللجوء والضطرار إليه؛ كما لو أحاط العدو الكافر بالجاهدين ول يكن لم حيلة ف دفعه؛‬
‫ش ْوهُ مْ‬
‫قال ال تعال عن ال سلمي يوم أ حد‪( :‬الّذِي نَ قَالَ َلهُ ُم النّا سُ إِنّ النّا سَ َقدْ َج َمعُوا َلكُ مْ فَاخْ َ‬
‫سبُنَا اللّ ُه َوِنعْ َم اْلوَكِيلُ) (آل عمران‪.)173:‬‬ ‫َفزَا َدهُمْ إِيَانا وَقَالُوا حَ ْ‬
‫قال ابن القيم رحه ال تعال‪" :‬والتوكل تارة يكون توكل اضطرار وإلاء بيث ل يد العبد ملجأ ول‬
‫وَ َزرًا إل التوكل؛ كما إذا ضاقت عليه السباب وضاقت عليه نفسه‪ ،‬وظن أن ل ملجأ من ال إل إليه‪،‬‬
‫وهذا ل يتخلف عنه الفرج والتيسي البتة‪ ،‬وتارة يكون توكل اختيار وذلك‪ :‬التوكل مع وجود السبب‬
‫الف ضي إل الراد‪ ،‬فإن كان ال سبب مأمورًا به ذُم على تر كه‪ ،‬وإن قام بال سبب وترك التو كل ذم على‬
‫تر كه أيضا؛ فإ نه وا جب باتفاق ال مة و نص القرآن والوا جب القيام ب ما وال مع بينه ما· وإن كان‬
‫السبب مرمًا حرم عليه مباشرته وَتوَحّد السبب ف حقه ف التوكل فلم يبق سبب سواه؛ فإن التوكل‬
‫من أقوى ال سباب ف ح صول الراد ود فع الكروه‪ ،‬بل هو أقوى ال سباب على الطلق· وإن كان‬
‫ال سبب مباحًا نظرت هل يُض عف قيا مك به التو كل أو ل يضع فه؟ فإن أضع فه وفرق عل يك قل بك‬
‫وش تت ه ك فتر كه أول‪ ،‬وإن ل يضع فه فمباشر ته أول؛ لن حك مة أح كم الاكم ي اقت ضت ر بط‬

‫‪76‬‬
‫ال سبب به فل تع طل حكم ته ‪[ -‬إل أن قال] ‪ -‬و سر التو كل وحقيق ته هو اعتماد القلب على ال‬
‫وحده؛ فل يضره مباشرة ال سباب مع خلو القلب من العتماد علي ها والركون إلي ها‪ ،‬ك ما ل ينف عه‬
‫قوله توكلت على ال مع اعتماده على غيه وركونه إليه وثقته به‪ ،‬فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب‬
‫شيء"(‪.)130‬‬
‫وإن من لوازم التو كل على ال عز و جل‪ :‬اليق ي بع ية ال سبحانه ون صرته لعباده الؤمن ي وت ثبيتهم‪،‬‬
‫وإلقاء الرعب ف قلوب أعدائهم الكافرين بعد الخذ بالسباب الأمور با وبذل الوسع ف ذلك·‬
‫والناس ف التوكل على ال عز وجل والخذ بالسباب ف قتال الكافرين طرفان ووسط‪:‬‬
‫الطرف الول‪ :‬الذين يرون أن ال عز وجل سينصر السلمي باليات والنود الذين يسخرهم للقضاء‬
‫على الكافريدن ولو ل يأخذوا بأسدباب النصدر أو ل يكملوهدا؛ فمدا داموا مسدلمي وأعداؤهدم مدن‬
‫الكافرين فإن نصر ال عز وجل سينل عليهم؛ لنم مسلمون وكفى· وهذا الفريق من الناس يفرّط ف‬
‫العادة ف الخذ بأسباب النصر أو ي ستطول الطريق فل يكملها‪ ،‬وإنا ينت ظر خارقة وآية من ال عز‬
‫وجل·‬
‫ول يفى ما ف هذا القول من التفريط والغفلة عن سنن ال عز وجل ف النصر والتمكي·‬
‫الطرف الثا ن‪ :‬و هو مقا بل للطرف الول‪ ،‬و قد يكون ردة ف عل له‪ ،‬وذلك بقول م بأ نه ل كي ينت صر‬
‫ال سلمون على أعدائ هم وي كن ل م ف الرض فل بد أن يكونوا مكافئ ي لعدو هم ف العدد والعتاد‬
‫وال سلح وال خذ بال سباب الاد ية‪ ،‬وم ثل هؤلء يغلبون ال سباب الاد ية ويتعلقون ب ا ويفرطون ف‬
‫السدباب الشرعيدة‪،‬ول يلتفتون إل اليات والعجزات والعانات التد ينصدر ال سدبحانه باد عباده‬
‫الحقق ي ل سباب الن صر م ت شاء سبحانه وعلم أن عباده الؤمن ي قد ا ستفرغوا ما ف جهد هم من‬
‫الخذ بأصول النصر وأسبابه· ومعلوم أن السلمي ف كل وقت ‪ -‬وباصة ف هذا الوقت ‪ -‬ل يصلوا‬
‫ولن يصلوا ول يكلفهم ال سبحانه بأن يصلوا إل مستوى أعدائهم ف القوة والصناعة والسلح؛ لنه‬
‫ليس شرطًا ف نزول النصر‪ ،‬ول يفى ما ف هذا القول من تطرف وغفلة عن مسبب السباب ونسيان‬
‫لقوة ال تعال والت ل يقف أمامها أي قوة ف الرض ول ف السماء‪ ،‬والت ينصر با عباده الؤمني‬
‫الذين أخذوا بأسباب النصر واستحقوا أن يسخر لم جنود السموات والرض·‬

‫‪77‬‬
‫الوسط‪ :‬وهو الق إن شاء ال تعال‪ ،‬وهم الذين بذلوا كل ما ف وسعهم ف الخذ بأسباب النصر‬
‫السالفة الذكر‪ ،‬حيث بذلوا ما ف وسعهم ف الخذ بالعلم النافع والعمل الصال‪ ،‬وربوا أنفسهم على‬
‫ذلك‪ ،‬وبلغوه للمة قدر استطاعتهم حت عرفتهم المة وما هم عليه من الق‪ ،‬وعرفت أعداءهم وما‬
‫هم عليه من كفر وفساد‪ ،‬وأخذوا بالسباب الادية الباحة والتاحة لم· ومع أخذهم بذه السباب‬
‫فلم يعتمدوا عليها بل اعتمدوا على مسبب السباب ومن بيده ملكوت السموات والرض‪ ،‬وانتظروا‬
‫نصره البي الذي وعد به عباده الؤمني الذين أخذوا بأسباب النصر وبذلوا ما ف وسعهم ف ذلك‪،‬‬
‫وانتظروا تأويل قوله سبحانه‪( :‬إِ نْ َتنْ صُرُوا اللّ َه َينْ صُرْكُ ْم َوُيثَبّ تْ أَ ْقدَا َمكُ مْ) (ممد‪ :‬من الية ‪ ،)7‬ول‬
‫ض وَكَانَ اللّ ُه عَزِيزا َحكِيما) (الفتح‪ ،)7:‬وقوله تعال‪:‬‬ ‫ينسوا قوله تعال‪( :‬وَِللّهِ ُجنُو ُد السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫(وَمَا َيعْلَ مُ ُجنُودَ َربّ كَ إِلّا ُهوَ) (الد ثر‪ :‬من ال ية ‪ ،)31‬بل هم موقنون بظهور قوة ال عز و جل‪،‬‬
‫وظهور اليات ب عد أن يبذلوا و سعهم ف ال خذ بال سباب وإعداد العدة للجهاد‪ ،‬ول يرهب هم حينئذ‬
‫قوة أعدائ هم من الكفرة والنافق ي مه ما بلغت من القوة والدمار؛ لن قوة ال عز و جل فوق قوت م‪،‬‬
‫ونواصيهم بيده سبحانه‪ ،‬ولو يشاء ال تعال دمرها عليهم وأبطل مفعولا· ولكن هذا ل يكون إل لن‬
‫حقق أسباب النصر والتمكي الشرعية والادية ول بد هنا من التفريق بي جهاد الدفع وجهاد الطلب‬
‫ف إعداد العدة كما سبق بيانه(‪.)131‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أعمال اللسان ‪:‬‬
‫‪ -1‬الذكر والدعاء ‪:‬‬
‫ستَ ْكبِرُونَ عَ نْ‬
‫جبْ َلكُ مْ إِنّ الّذِي َن يَ ْ‬
‫الدعاء هو العبادة‪ ،‬و قد قال ال تعال‪( :‬وَقَالَ َرّبكُ مُ ا ْدعُونِي أَ ْستَ ِ‬
‫ِعبَا َدتِي َسيَدْ ُخلُونَ َج َهنّ مَ دَاخِرِي نَ) (غافر‪ ،)60:‬وف الذكر ثناء وتجيد وتسبيح وحد ل تعال‪ ،‬وف‬
‫الدعاء تبؤ من الول والقوة وتعلق بقوة ال وحده؛ فهو ف القيقة يعب عن حقيقة التوكل والستعانة‬
‫بال عز وجل وحده·‬
‫وقد مر بنا ف صفات الجاهدين الذين اشترى ال تعال منهم أنفسهم وأموالم أن من صفاتم أنم‬
‫(العابدون الامدون)· والدعاء‪ :‬هو العبادة‪ ،‬وال مد‪ :‬هو ذ كر ال عز و جل والثناء عل يه ب ا له من‬
‫الساء السن والصفات العل‪ ،‬وبا أنعم وأحسن على عباده·‬

‫‪78‬‬
‫وقدد أمدر ال عدز وجدل عبداده الجاهدين أن يستعدوا للقداء عدوهم بكثرة الذكر والدعاء‬
‫والتضرع فإن ا من أ سباب الن صر؛ قال تعال‪( :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإذَا َلقِيتُ مْ ِفَئةً فَاْثُبتُوا وَاذْكُرُوا اللّ هَ‬
‫َكثِيا َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُونَ) (لنفال‪.)45:‬‬
‫وقد سن الرسول صلى ال عليه وسلم أدعية وأذكارًا ف اليوم والليلة ينبغي للمسلم وخاصة الجاهد‬
‫ومن يعد نفسه للجهاد أن يفظها ويذكر ال با ف أوقاتا؛ فهي من أكب العون ف طمأنينة القلب‬
‫وتوكله على ال وحده وا ستحضار مع ية ال سبحانه له؛ وذلك ك ما جاء ف الد يث القد سي‪( :‬أ نا‬
‫عند ظن عبدي ب‪ ،‬وأنا معه إذا ذكرن؛ فإن ذكرن ف نفسه ذكرته ف نفسي‪ ،‬وإن ذكرن ف مل‬
‫ذكرته ف مل خي منهم ···)(‪ )132‬الديث·‬
‫وأعظدم الذكدر قراءة القرآن قال تعال‪َ ( :‬وهَذَا ذِكْ ٌر ُمبَارَكٌدَأنْزَْلنَاهدُ) (الندبياء‪ :‬مدن اليدة ‪ ،)50‬وقال‬
‫سبحانه‪ِ( :‬إنّا نَحْنُ نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الجر‪ ،)9:‬وإن ما ينبغي على الداعية والجاهد أن‬
‫ل يغفل عن كتاب ال عز وجل‪ ،‬بل يتعاهده حفظًا وتلوة وتدبرًا‪ ،‬وأن يكون له حزب يومي ل يل‬
‫به مع كتاب ال عز وجل·‬
‫‪ -2‬التوبة والستغفار ‪:‬‬
‫وقد ذ كر ال عز وجل ف آية التوبة أن من صفات الؤمني الجاهدين الذين اشترى منهم أنفسهم‬
‫وأموالم أنم (التائبون)·‬
‫والتوبدة‪ :‬الرجوع إل ال عدز وجدل والنابدة إليده والندم على فعدل الذندب بعدد القلع عنده‪ ،‬وعدم‬
‫الرجوع إليده· وحاجدة الجاهدد إل التوبدة والسدتغفار شديدة؛ لن الجاهدد معرض أكثدر مدن غيه‬
‫للعجب بعمله الصال مع دنو أجله وتعرضه للموت ف كل لظة ولن أكثر ما يذل الجاهدين ف‬
‫العارك ذنوب م؛ فبالتو بة والسدتغفار ت حى آثار الذنوب والعا صي وتزول أ سباب الزي ة والذلن‪،‬‬
‫فضلً عن أن التوبة عبادة عظيمة من العبادات الت يبها ال عز وجل ويفرح با·‬
‫والجاهد بشر ليس بعصوم‪ ،‬بل إنه معرض للذنوب‪ ،‬ولكنه ل يصر على الذنب‪ ،‬بل يسرع الرجوع‬
‫ف مِ نَ‬‫سهُ ْم طَائِ ٌ‬‫وي ستغفر ر به عند ما تض عف نف سه وتزل قد مه؛ قال تعال‪( :‬إِنّ الّذِي َن اتّ َقوْا ِإذَا مَ ّ‬
‫شيْطَا نِ تَذَكّرُوا فَِإذَا هُ ْم ُمبْ صِرُونَ) (العراف‪ ،)201:‬وقال سبحانه ف اليات ال ت سبقت ق صة‬ ‫ال ّ‬

‫‪79‬‬
‫سهُمْ ذَكَرُوا اللّ هَ فَا ْسَتغْفَرُوا لِ ُذنُوِبهِ ْم َومَ نْ‬
‫شةً َأ ْو ظَلَمُوا َأنْفُ َ‬
‫أ حد ف آل عمران‪( :‬وَالّذِي نَ ِإذَا َفعَلُوا فَاحِ َ‬
‫َي ْغفِرُ ال ّذنُوبَ إِلّا اللّ ُه وَلَ ْم ُيصِرّوا عَلَى مَا َفعَلُوا َوهُ ْم َيعْلَمُونَ) (آل عمران‪.)135:‬‬
‫وقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم وهو العصوم يكثر من الستغفار ويقول‪( :‬وال إن لستغفر‬
‫ال وأتوب إليه ف اليوم أكثر من سبعي مرة) (‪ ،)133‬ويقول صلى ال عليه وسلم‪( :‬يا أيها الناس توبوا‬
‫إل ال فإن أتوب ف اليوم إليه مائة مرة)(‪.)134‬‬
‫‪ -3‬الدعوة إل ال عز وجل والمر بالعروف والنهي عن النكر‪:‬‬
‫و سيأت التف صيل في ها إن شاء ال تعال ف الرت بة الثال ثة من مرا تب جهاد الن فس و هي جهاد ها على‬
‫الدعوة والتعليم·‬
‫‪ -4‬صدق الديث‪ ،‬وطيب الكلم ‪:‬‬
‫وهذا يتاج إل ماهدة للنفس ف تقيقه‪ ،‬وليس القام مقام تفصيل ف فضل الصدق وأدلة ذلك‪ ،‬وإنا‬
‫الراد أن الداعية والجاهد ف سبيل ال من أخص أوصافه أنه صادق ل يب طن خلف ما يظهر‪ ،‬ول‬
‫يكذب على إخوا نه ف حدي ثه بل ي صدقهم‪ ،‬وين صح ل م ول يغش هم‪ ،‬وبذا ت صفو النفوس وتط يب‬
‫القلوب·‬
‫ثالثا‪ :‬أعمال الوارح‪ ،‬ومن أهها ف العداد للجهاد‪:‬‬
‫‪ -1‬الحافظة على الصلوات فرضها ونفلها‪:‬‬
‫سبق وأن مر بنا ف صفات الجاهدين الذكورين ف سورة التوبة‪ ،‬والذين اشترى ال عز وجل منهم‬
‫أنفسهم وأموالم أن من صفاتم‪( :‬الراكعون الساجدون)؛ وكأنا صفة لزمة لم؛ ل تراهم إل ركعًا‬
‫و سجدًا يعبدون رب م بذه الشعية العظي مة‪ ،‬هي لذت م ونور حيات م وقرة عيون م و سعادة قلوب م‪،‬‬
‫ولذلك ل يقدمون علي ها مالً ول ولدًا ول مرادًا من مرادات النفوس؛ يلبون نداء الصلة فور ساعهم‬
‫للنداء‪ ،‬يافظون على أدائها ف جاعة مبكرين لا مافظي على إتقانا بأركانا وواجباتا وخشوعها·‬
‫ويزيدون علي ها بال سنن الروا تب‪ ،‬ل يفرطون في ها ويافظون على النوا فل الواردة من صلة الض حى‬
‫وقيام الليل‪ ،‬يذرون الخرة ويرجون رحة ال عز وجل؛ كما قال ال عز وجل ف وصفهم‪( :‬وَالّذِي نَ‬
‫جعُو نَ)‬ ‫َيبِيتُو نَ لِ َرّبهِ مْ سُجّدا وَِقيَاما) (الفرقان‪ ،)64:‬وقال أيضا عن هم‪( :‬كَانُوا َقلِيلً مِ نَ الّليْ ِل مَا َيهْ َ‬
‫(الذريات‪ ،)17:‬وهم بذلك يرجون أن يكون لصلتم آثارها ومنافعها الدنيوية والخروية·‬

‫‪80‬‬
‫وإن من العداد للجهاد الهتمام الشديد بالصلة فرضها ونفلها؛ وذلك لنا أم العبادات‪ ،‬وهي تنهى‬
‫عن الفحشاء والن كر‪ ،‬فضلً عن كون ا زادًا للمجا هد ف طري قه الشاق الطو يل؛ ي ستعي ب ا على ما‬
‫يواجهه ف جهاده من تكاليف ومشاق وقتل وقتال وهجر للمال والولد؛ قال تعال‪( :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ‬
‫صبْ ِر وَال صّلةِ إِنّ اللّ َه مَ َع ال صّابِرِينَ) (البقرة‪ .)153:‬فمن ل يكن له زاد من الصلة‬ ‫آ َمنُوا ا ْستَعِينُوا بِال ّ‬
‫بال عز وجل فإنه ل يقوى على مواصلة الطريق‪ ،‬ول على الثبات أمام العداء ف ساحات الوغى·‬
‫ث ل نن سى الد يث القد سي الذي مر ب نا قريبًًا‪ ،‬والذي يبي أ ثر التقرب إل ال عز و جل بالفرائض‬
‫والنوافل ف مبة ال عز وجل لن هذه حاله· وأن العبد ما يزال يتقرب بذلك حت يفظه ال عز وجل‬
‫ف سعه وبصره ويده ورجله؛ فل تنطلق جوارحه إل فيما يب ال عز وجل· وكفى بفظ ال تعال‬
‫حفظًا وقوة وثباتًا وجهادًا·‬
‫صبْرِ‬
‫ويعلق سيد ق طب رح ه ال تعال على آ ية البقرة الن فة الذ كر‪( :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ا ْسَتعِينُوا بِال ّ‬
‫وَال صّلةِ‪ )...‬فيقول‪" :‬وحي يطول المد ويشق الهد‪ ،‬قد يضعف الصب‪ ،‬أو ينفد إذا ل يكن هناك‬
‫زاد ومدد و من ث يقرن ال صلة إل ال صب؛ ف هي الع ي الذي ل ين ضب‪ ،‬والزاد الذي ل ين فد· الع ي‬
‫الذي يدد الطاقدة‪ ،‬والزاد الذي يزود القلب؛ فيمتدد حبدل الصدب ول ينقطدع· ثد يضيدف إل الصدب‪،‬‬
‫الرضى والبشاشة‪ ،‬والثقة‪ ،‬واليقي·‬
‫إنه ل بد للنسان الفان الضعيف الحدود أن يتصل بربه العلى‪ ،‬يستمد منه العون حي يتجاوز الهد‬
‫قواه الحدودة‪ ،‬حين ما تواج هه قوى ال شر الباط نة والظاهرة‪ ،‬حين ما يث قل عل يه ج هد ال ستقامة على‬
‫الطر يق ب ي د فع الشهوات وإغراء الطا مع‪ ،‬وحين ما تث قل عل يه ماهدة الطغيان والف ساد و هي عني فة‪،‬‬
‫حين ما يطول به ال مد وتب عد به الش قة ف عمره الحدود‪ ،‬ث ين ظر فإذا هو ل يبلغ شيئًا و قد أو شك‬
‫الغيب‪ ،‬ول ينل شيئًا وشرارة العمر تيل للغروب‪ ،‬حينما يد الشر نافشًا والي ضاويًا‪ ،‬ول شعاع ف‬
‫الفق ول معلم ف الطريق ·· هنا تبدو قيمة الصلة؛ إنا الصلة الباشرة بي النسان الفان وربه القوي‬
‫الباقي ·· إنا مفتاح الكن الذي يغن ويقن ويفيض· إنا النطلقة من حدود الواقع الرضي الصغي‬
‫إل مال الواقدع الكوند الكدبي‪ ،‬إناد الروح والندى والظلل فد الاجرة‪ ،‬إناد اللمسدة الانيدة للقلب‬
‫التعب الكدود ·· ومن هنا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا كان ف الشدة قال‪( :‬أرحنا با يا‬
‫بلل)(‪ ·· )135‬ويكثر من الصلة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء بال·‬

‫‪81‬‬
‫إن هذا الن هج ال سلمي من هج عبادة· والعبادة ف يه ذات أ سرار· و من أ سرارها أن ا زاد الطر يق‪ ،‬وأن ا‬
‫مدد الروح‪ ،‬وأن ا جلء القلب‪ ،‬وأ نه حيث ما كان تكل يف كا نت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا‬
‫التكليف ف حلوة وبشاشة ويسر ·· إن ال سبحانه حينما انتدب ممدًا صلى ال عليه وسلم للدور‬
‫صفَهُ َأوِ اْنقُ صْ مِنْ هُ قَلِيلً َأوْ ِز ْد عََليْ هِ‬
‫ل نِ ْ‬
‫الكبي الشاق الثقيل ‪ ،‬قال له‪( :‬يَا َأّيهَا الْمُ ّزمّلُ ُق مِ الّليْلَ إِلّا قَلِي ً‬
‫وَ َرتّ ِل اْلقُرْآنَ تَ ْرتِيلً ِإنّا َسنُ ْلقِي عََليْكَ َقوْ ًل َثقِيلً) (الزمل‪.)5-1:‬‬
‫فكان العداد للقول الثق يل‪ ،‬والتكليدف الشاق‪ ،‬والدور العظيدم هو قيام الليدل وترت يل القرآن ·· إناد‬
‫العبادة الت تفتح القلب‪ ،‬وتوثق الصلة‪ ،‬وتيسر المر‪ ،‬وتشرق بالنور‪ ،‬وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة‬
‫والطمئنان"(‪ )136‬ا·هد·‬
‫‪ -2‬الصيددام‪:‬‬
‫والصدوم مدن العبادات الشريفدة الحبوبدة إل ال عدز وجدل‪ ،‬وهدو يعود صداحبه الصدب وقوة الرادة‬
‫وال ستعلء على شهوات الن فس‪ ،‬فضلً عن كون ا عبادة يب ها ال عز و جل ويث يب علي ها ثوابًا ل‬
‫يضاهيه ثواب عبادة أخرى؛ كما جاء ف الديث القدسي‪( :‬الصوم ل وأنا أجزي به)(‪.)137‬‬
‫والراد بالصوم صيام الفرض أو ًل وإتقانه وحفظه من البطلت‪ ،‬ث صيام أيام النفل؛ وهي كثية منها‬
‫صديام يومدي الثنيد والميدس‪ ،‬وثلثدة أيام مدن كدل شهدر‪ ،‬وصديام سدت مدن شوال‪ ،‬ويوم عرفدة‪،‬‬
‫وعاشوراء؛ وكلها ورد ف فضل صومها أحاديث صحيحة·‬
‫وأه ية ال صوم ف العداد للجهاد ف أ نه يقوي اليان ويز يد ف التقوى ال ت تد فع الع بد إل امتثال‬
‫ب عَلَى‬ ‫صيَامُ َكمَا ُكتِ َ‬ ‫ب عََلْيكُ ُم ال ّ‬
‫الوامر واجتناب الحرمات؛ قال ال تعال‪( :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ُكتِ َ‬
‫الّذِي َن مِنْ َقبِْلكُمْ َلعَّلكُ ْم َتّتقُونَ) (البقرة‪.)183:‬‬
‫وقد ذكر ال سبحانه ف صفات الجاهدين الذين ورد ذكرهم ف سورة التوبة وأنه سبحانه قد اشترى‬
‫من هم أنف سهم وأموال م؛ ذ كر من صفاتم أن م (ال سائحون)‪ ،‬و قد ذ كر الف سرون أن من معاني ها‪:‬‬
‫الصائمي·‬
‫والحافظة على نوافل الصلة والصوم تتاج من العبد ماهدة وصبًا‪ ،‬ويقينًا بنافعهما العظيمة ف الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬وقناعة بأهية هذا الزاد ف العداد للجهاد ف سبيل ال تعال· كما تتاج إل تعاون وتواص‬
‫ب ي الدعاة‪ ،‬وأن تكون هناك البا مج العمل ية‪ ،‬والجواء التربو ية‪ ،‬والعي شة الماع ية ال ت ت سهل على‬

‫‪82‬‬
‫النفوس ال خذ بذه العبادات ويكون في ها القدوات ال صالة ال ت ت شد الناس بقول ا وفعل ها إل هذه‬
‫العمال وتببها إل النفوس·‬
‫‪ -3‬الخذ بحاسن الخلق وترك مساوئها ‪:‬‬
‫جاء ال سلم بحا سن الخلق‪ ،‬وأر شد الناس إلي ها وحث هم على التحلي ب ا‪ ،‬ونفّرَ هم من م ساوئ‬
‫الخلق وقبح ها وذم أهل ها· وإذا كان ال سلمون بعا مة مأمور ين بحا سن الخلق والت صاف ب ا‬
‫ومنهيي عما يضادها‪ ،‬فإن المر بالخذ با يكون آكد وأوجب ف حق الدعاة والجاهدين لنم ف‬
‫موطدن القدوة والصدلح والصدلح· فضلً عدن أن الدعوة والهاد يواجده أهلهمدا مدن الواقدف‬
‫والبتلءات ما يتاجون م عه إل اللق ال سن وال سلوك الم يل الذي ير غب الناس ف ال ي‪ ،‬ويد فع‬
‫الداعية والجاهد إل الصب والتحمل‪ ،‬والتحلي بالخلق الطيبة ف تعامله وتصرفاته ف الواقف؛ كما‬
‫أن ف اشتراك الدعاة والجاهدين ف برامج وأعمال مشتركة مالً لن يظهر بينهم خلف ف وجهات‬
‫النظر وتقدير الواقف· فإذا ل يكن هناك تربية أخلقية وسلوكٌ إسلميٌ قد ترب عليه الجاهد من قبل‬
‫وإل فقد تظهر بعض الخلق السيئة الكامنة‪ ،‬والت ل تتهذب من قبل‪ ،‬ما قد ينشأ عنه مفاسد من‬
‫الفتراق والتناحر والتشاجر كما نسمع أحيانًا هنا وهناك·‬
‫وقد وصف ال سبحانه نبيه صلى ال عليه وسلم وهو قدوة الدعاة والجاهدين بقوله‪َ ( :‬وإِنّ كَ َلعَلَى‬
‫خُلُ ٍق عَظِي مٍ) (القلم‪ ،)4:‬ولا سُئلت عائشة رضي ال عنها عن خلق النب صلى ال عليه وسلم قالت‪:‬‬
‫(كان خل قه القرآن)(‪ .)138‬وقال صلى ال عل يه و سلم‪( :‬خيار كم أحا سنكم أخ دلقًا)(‪ .)139‬وقال‬
‫أيضا‪( :‬إن الؤمن ليدرك بسن خلقه درجة الصدائم القائم)(‪ ،)140‬والحاديث ف فضل حسن اللق‬
‫كثية جدًا والخلق الفاضلة كثية·‬
‫وقد ذكر المام ابن القيم رحه ال تعال أصول الخلق الفاضلة وأنا تقوم على أربعة أركان فقال‪:‬‬
‫"وح سن اللق يقوم على أرب عة أركان ل يت صور قيام ساقه إل علي ها‪ :‬ال صب‪ ،‬والع فة‪ ،‬والشجا عة‪،‬‬
‫والعدل·‬
‫فالصدب‪ :‬يمله على الحتمال وكظدم الغيدط‪ ،‬وكدف الذى‪ ،‬واللم والناة والرفدق‪ ،‬وعدم الطيدش‬
‫والعجلة·‬

‫‪83‬‬
‫والعفدة‪ :‬تمله على اجتناب الرذائل والقبائح مدن القول والفعدل‪ ،‬وتمله على الياء؛ وهدو رأس كدل‬
‫خي‪ ،‬وتنعه من الفحشاء‪ ،‬والبخل والكذب‪ ،‬والغيبة والنميمة·‬
‫والشجاعدة‪ :‬تمله على عزة النفدس‪ ،‬وإيثار معال الخلق والشيدم‪ ،‬وعلى البذل والندى‪ ،‬الذي هدو‬
‫شجاعدة النفدس وقوتاد على إخراج الحبوب ومفارقتده· وتمله على كظدم الغيدظ واللم؛ فإنده بقوة‬
‫نفسه وشجاعتها يسك عنانا‪ ،‬ويكبحها بلجامها عن النغ والبطش· كما قال النب صلى ال عليه‬
‫و سلم‪( :‬ل يس الشد يد بال صرعة‪ ،‬إن ا الشد يد‪ :‬الذي يلك نف سه ع ند الغ ضب)(‪ .)141‬و هو حقي قة‬
‫الشجاعة‪ ،‬وهي ملكة يقتدر با العبد على قهر خصمه·‬
‫والعدل‪ :‬يمله على اعتدال أخلقده‪ ،‬وتوسدطه فيهدا بيد طرفد الفراط والتفريدط؛ فيحمله على خلق‬
‫الود والسخاء الذي هو توسط بي المساك والسراف والتبذير‪ ،‬وعلى خلق الياء الذي هو توسط‬
‫بي الذل والقحة‪ ،‬وعلى خلق الشجاعة‪ ،‬الذي هو توسط بي الب والتهور‪ ،‬وعلى خلق اللم‪ ،‬الذي‬
‫هو توسط بي الغضب والهانة وسقوط النفس·‬
‫ومنشأ جيع الخلق الفاضلة من هذه الربعة···)(‪ )142‬ا·هد·‬
‫والخلق الفاضلة كثية أذ كر من ها ف هذا القام ب عض ما هو ل صيق بياة الدعاة والجاهد ين‪ ،‬و ما‬
‫يكونون فيه أحوج إل التحلي با من غيهم· ومن ذلك‪:‬‬
‫( أ ) الكرم والود والبذل ف سبيل ال‪:‬‬
‫وهذه الخلق تن شأ من الشجا عة ال ت أشار إل يه المام ا بن الق يم رح ه ال تعال بأن ا من أ صول‬
‫الخلق السنة؛ لن الشجاعة تمل صاحبها على البذل والندى الذي هو شجاعة النفس وقوتا على‬
‫إخراج الحبوب ومفارق ته؛ بدا ية من بذل الال والاه والعلم وغي ها من وجوه البذل والود‪ ،‬ونا ية‬
‫ببذل النفس والروح الت هي أعز وأغلى ما يلك النسان ف سبيل ال عز وجل·‬
‫ولذلك فإن البخيدل فد العادة ل تده إل جبانًدا خوارًا‪ ،‬والبخدل والبد قرينان‪ ،‬كمدا أن الكرم‬
‫والشجاعة قرينان‪ ،‬وقد قرن النب صلى ال عليه وسلم بي الب والبخل ف دعائه حيث قال‪( :‬اللهم‬
‫إن أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الب)(‪.)143‬‬
‫ولذلك يب ماهدة النفس على بذل ما تبه‪ ،‬وتعويدها على الود واليثار وحب ال ي للم سلمي‪،‬‬
‫وبذل الاه لم بالساعدة والشفاعة والسعي ف حوائجهم· وهذا أمر يتاجه الجاهد ف سبيل ال لن‬

‫‪84‬‬
‫بيئة الهاد بيئة بذل فكاندت بالضرورة بيئة إيثار وتكافدل وتعاون بيد الجاهديدن‪ ،‬وأجواء الهاد‬
‫والجاهدين ل مكان فيها لهل الثرة والشح والنانية والبخل·‬
‫وما يساعد على تقوية خلق الكرم والود ما سبق ذكره ف أعمال القلوب من الخلص والزهد ف‬
‫الدنيا والرغبة فيما أعد ال لعباده الجاهدين النفقي ف الخرة من النعيم والرضوان‪ ،‬وما يساعد على‬
‫ذلك أيضًا الع يش ف بيئات أ هل العلم والزهادة والهاد؛ لن ف رؤ ية القدوات من أ هل ال سخاء‬
‫والشجاعة والود وطول صحبتهم أثرًا ف التربية على هذا اللق الكري وغيه من الخلق‪ ،‬كما أن‬
‫فيها التواصي والتذكي والث على هذه الخلق·‬
‫ك ما أن ف قراءة سي أ هل الشجا عة والود والكرم من سلف هذه ال مة وعلى رأ سها سية سيد‬
‫الجاهديدن وبطدل البطال وأكرم اللق ممدد ‪ -‬صدلى ال عليده وسدلم ‪ -‬دافعًا ومفزًا للقتداء بمد‬
‫واتباع آثارهم·‬
‫( ب ) العفو والصفح وكظم الغيظ ‪:‬‬
‫وردت ف الكتاب وال سنة ن صوص كثية ت ث على هذا اللق الكر ي وتدح أهله وتعد هم بالثواب‬
‫الز يل ف الخرة· قال ال تعال‪( :‬وَ سَا ِرعُوا إِلَى َم ْغفِ َر ٍة مِ نْ َربّكُ ْم وَ َجّنةٍ عَرْضُهَا ال سّمَاوَاتُ وَاْلأَرْ ضُ‬
‫حبّ‬ ‫س وَاللّ ُه يُ ِ‬
‫ُأعِدّ تْ ِللْ ُمّتقِي الّذِي َن ُينْ ِفقُو نَ فِي ال سّرّا ِء وَالضّرّا ِء وَاْلكَاظِمِيَ اْلغَيْ ظَ وَاْلعَافِيَ عَ ِن النّا ِ‬
‫سنِيَ) (آل عمران‪.)134-133:‬‬ ‫الْ ُمحْ ِ‬
‫وبالتأمل ف هذه الية ند أن ال عز وجل قد ذكر قبلها آيات ف غزوة أحد والستعداد لا؛ وذلك ف‬
‫ئ الْ ُم ْؤمِنِيَ َمقَاعِدَ ِل ْل ِقتَا ِل وَاللّهُ َسمِي ٌع عَلِيمٌ) (آل عمران‪ .)121:‬ث‬ ‫ك ُتَبوّ ُ‬
‫قوله‪َ ( :‬وإِ ْذ غَ َدوْتَ مِ نْ َأهْلِ َ‬
‫بعد أن ذكر تسع آيات ف هذه الغزوة انتقل السياق إل ني الؤمني عن أ كل الربا‪ ،‬ث حثهم على‬
‫السارعة إل النة بالنفاق ف سبيل ال‪ ،‬والعفو عن الناس وكظم الغيظ‪ ،‬ث عاد السياق مرة أخرى‬
‫ت مِ نْ َقبِْلكُ مْ ُسنَنٌ فَ سِيُوا فِي اْلأَرْ ضِ‪( )...‬آل‬ ‫إل موا صلة الد يث عن غزوة أ حد بقوله‪َ( :‬قدْ َخلَ ْ‬
‫عمران‪ :‬من الية ‪ )137‬فما معن توسط هذه اليات بي آيات الديث عن غزوة أحد؟‬
‫ي يب عن ذلك سيد ق طب رح ه ال تعال بقوله‪ ···" :‬وإذن فهذه التوجيهات الشاملة لي ست بعزل‬
‫عن العر كة؛ فالن فس ل تنت صر ف العر كة الرب ية إل ح ي تنت صر ف العارك الشعور ية والخلق ية‬
‫والنظام ية‪ ،‬والذ ين تولوا يوم الت قى المعان ف "أ حد" إن ا ا ستزلم الشيطان بب عض ما ك سبوا من‬

‫‪85‬‬
‫الذنوب· والذ ين انت صروا ف معارك العقيدة وراء أندبيائهم هم الذ ين بدأوا العر كة بالسدتغفار من‬
‫الذنوب‪ ،‬واللتجاء إل ال‪ ،‬واللتصداق بركنده الركيد· والتطهدر مدن الذنوب إذن واللتصداق بال‬
‫والرجوع إل كنفده مدن عدة النصدر‪ ،‬وليسدت بعزل عدن اليدان! واطراح النظام الربوي إل النظام‬
‫التعاون من عدة النصر؛ والجتمع التعاون أقرب إل النصر؛ من الجتمع الربوي· وكظم الغيظ والعفو‬
‫عن الناس من عدة النصر‪ ،‬فالسيطرة على النفس قوة من قوى العركة‪ ،‬والتضامن والتواد ف الجتمع‬
‫التسامح قوة ذات فاعلية كذلك"(‪.)144‬‬
‫والصل ف العفو وكظم الغيظ وكف الذى هو خلق الصب الذي عدّه المام ابن القيم رحه ال تعال‬
‫أحد الركان الربعة للخلق الفاضلة· وسيأت الديث عن خلق الصب إن شاء ال تعال بشيء من‬
‫التفصيل عند الديث عن الرتبة الرابعة من مراتب جهاد النفس·‬
‫وإن التأك يد على إعداد الجاهد ين وتربيت هم على هذا اللق الكر ي نا بع من أن الجا هد ف طر يق‬
‫الهاد الطو يل قد يتعرض لب عض الذى والخطاء من إخوا نه الشارك ي له ف درب الهاد‪ ،‬أو من‬
‫إخوانه السلمي الذين قد يؤذونه بكلم أو تذيل أو غي ذلك؛ فإن ل يكن على مستوى من التربية‬
‫الخلق ية ‪ -‬ول سيما خلق اللم والع فو وال صفح ‪ -‬فإ نه قد ل ي صب على ما يرت كب ف ح قه من‬
‫الخطاء‪ ،‬و قد يت صرف ب ا ل يل يق بال سلم فضلً عن الجا هد الذي يفترض ف يه أ نه قد ا ستعلى على‬
‫حظوظ نف سه وأغراض ها‪ ،‬وج عل غض به وانتقا مه ل عز و جل وحده ل شر يك له· ول ي فى ما ف‬
‫النتقام للنفس والنتصار لا من مفاسد على وحدة صف الدعاة والجاهدين واجتماع كلمتهم‪ ،‬وأنه‬
‫باب للحن والحقاد والشحناء‪.‬‬
‫وان التحمل والعفو وكظم الغيظ يتاج إل جهاد شديد مع النفس‪ ،‬وتعويدها على الصب والخلص‬
‫ل وحده؛ لن الخلص من أسباب سلمة الصدر وخلو القلب من الغل والقد؛ قال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪( :‬ثلثة ل يغل عليهن قلب مسلم ‪ -‬وذكر منها ‪ -‬إخلص العمل ل)(‪.)145‬‬
‫كما أن ف التربية الماعية ورؤية القدوات من ذوي اللم والناة والعفو والصفح‪ ،‬والقراءة ف سي‬
‫الخلصي والعافي عن الناس الثر الكبي ف التحلي بذه الخلق الفاضلة·‬
‫يقول ا بن الق يم رح ه ال تعال‪ ··" :‬و ف ال صفح والع فو واللم من اللوة والطمأني نة‪ ،‬وال سكينة‬
‫وشرف النفس‪ ،‬وعزها ورفعتها عن تشفيها بالنتقام ما ليس شيء منه ف القابلة والنتقام"(‪.)146‬‬

‫‪86‬‬
‫( ج ) المانة وحفظ العهد والوعد ‪:‬‬
‫لقد ذكر ال عز وجل أن من صفات الؤمني الفلحي مافظتهم على أماناتم‪ ،‬ورعايتهم لعهودهم؛‬
‫فقال ف صدر سورة "الؤمنون"‪( :‬قَدْ أَفْلَ َح الْ ُم ْؤ ِمنُو َن الّذِي نَ هُ مْ فِي صَلتِهِمْ خَدا ِشعُونَ) (الؤمنون‪:‬‬
‫‪ )2-1‬إل قوله‪( :‬وَالّذِي َن هُ مْ ِلَأمَانَاِتهِ ْم َوعَهْ ِدهِ مْ رَاعُو نَ) (الؤمنون‪ .)8:‬وأمر بتأدية المانة ف قوله‬
‫عز وجل‪ِ( :‬إنّ اللّ َه َي ْأمُرُكُ مْ أَ نْ ُتؤَدّوا الَْأمَانَا تِ إِلَى َأهِْلهَا) (النساء‪ :‬من الية ‪ ،)58‬ونى عن خيانة‬
‫المانة فقال‪( :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَخُونُوا اللّ َه وَالرّ سُو َل َوتَخُونُوا َأمَانَاتِكُ مْ َوأَْنتُ ْم َتعَْلمُو نَ) (النفال‪:‬‬
‫‪.)27‬‬
‫والما نة إذا أطل قت فالراد من ها القيام بم يع التكال يف ال ت كلف ال عز و جل ب ا عباده؛ سواء ما‬
‫يتعلق من ها بقوق ال تعال أو ما يتعلق من ها بقوق اللق وهذا هو الع ن الوارد ف آ ية الحزاب ف‬
‫جبَالِ َفَأَبيْ نَ أَ ْن يَحْ ِم ْلنَهَا َوَأ ْش َفقْ َن ِمنْهَا‬
‫قوله تعال‪ِ( :‬إنّ ا عَرَضْنَا الَْأمَاَنةَ عَلَى ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ وَالْ ِ‬
‫وَ َحمََلهَا اْلأِنْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُوما َجهُولً) (الحزاب‪.)72:‬‬
‫وأما المانة بعناها الاص فالراد منها جيع ما يُستَأمن عليه العبد من أموال أو أسرار أو مسؤوليات‬
‫مددة أو عهود ومواثيق‪ ،‬أو غي ذلك من الماندات؛ وذلك بفظها وعددم العتدداء عليهدا‪ ،‬أو‬
‫التفريط فيها‪ ،‬أو الغش فيها وعدم إتقانا·‬
‫وح فظ الما نة من الخلق الكري ة والروءات ال نبيلة ال ت تدل على تقوى صاحبها وخو فه من ال‬
‫وعف ته ووفائه· ولذلك و جب الهتمام بتقو ية هذا اللق ف الترب ية بعا مة‪ ،‬و ف العداد للجهاد ب صفة‬
‫خا صة؛ وذلك ل ا يتعرض له الجا هد من موا قف تتطلب م نه إبرام ع هد وع قد للقيام بهام معي نة ف‬
‫الهاد‪ ،‬أو يستودع بعض السرار الت تتعلق بالهاد‪ ،‬أو توكل إليه بعض أموال الهاد قبضًا وإنفاقًا‬
‫وحفظًا‪ ،‬وغي ذلك من الهمات الت تتاج إليها الدعوة ويتطلبها الهاد ف سبيل ال·‬
‫كما يدخل ف المانة تولية العمال للكفاء وإسنادها إل أهلها؛ فالوليات من المانات‪ ،‬وقد روى‬
‫المام مسلم رحه ال تعال عن أب ذر قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال أل تستعملن؟ قال‪( :‬يا أبا ذر إنك‬
‫ضع يف وإن ا أما نة وإن ا يوم القيا مة خزي وندا مة)(‪ .)147‬وقال صلى ال عل يه و سلم‪( :‬إذا ضي عت‬
‫المانة فانتظر الساعة) قيل‪ :‬وكيف إضاعتها· فقال‪( :‬إذا وسد المر إل غي أهله)(‪.)148‬‬

‫‪87‬‬
‫ونن اليوم ف زمن ضاعت فيه المانات‪ ،‬وضعفت ف قلوب كثي من الناس حت عز التصفون با· لذا‬
‫وجب التركيز عليها ف التربية والعداد للجهاد‪ ،‬واستخدام الوسائل الشرعية لتقويتها؛ وذلك بتقوية‬
‫أعمال القلوب السابق ذكرها من الخلص والزهد ف الدنيا وأعراضها وأموالا ورئاساتا‪ ،‬وإنشاء هم‬
‫الخرة ف النفس والوف من الساب·‬
‫وما يدل على قلة المناء ف هذا الزمان حديث حذيفة رضي ال عنه ف المانة‪ ،‬والذي يشتكي فيه‬
‫من نقص المانة ومنه قوله‪( :‬ولقد أتى عليّ زمان وما أبال أيكم بايعت؛ لئن كان مسلمًا ليدنه عليّ‬
‫دي نه‪ ،‬وإن كان ن صرانيًا أو يهوديًا ليد نه علىّ ساعيه· وأم دا اليوم ف ما ك نت أبا يع من كم إل فلنًا‬
‫وفلنًا)(‪ .)149‬وقوله بايعت‪ :‬من البيع والشراء؛ وهو يشي إل رفع المانة ونقصها ف الناس· فإذا كان‬
‫حذي فة ر ضي ال ع نه يش كو من ندرة المناء ف زما نه فك يف بزمان نا اليوم؟! والق صود من ذ كر‬
‫حد يث حذي فة هو قوله‪( :‬وأ ما اليوم ف ما ك نت أبا يع من كم إل فلنًا وفلنًا) وف يه الشارة إل تري‬
‫المانة ف من يعاملون ف بيع أو شراء أو يراد ائتمانم على المانات·‬

‫الرتبة الثالثة‬
‫ماهدة النفس على الدعوة إل الدى وتعليمه للناس‬
‫والدعوة وا سعة ومالت ا متعددة‪ ،‬ل كن الد يث ف هذه الرت بة سيكون عن الدعوة والبيان اللذَيْن‬
‫يسدبقان جهاد السدنان‪،‬ويكدن تسدمية هذا النوع مدن الهاد بهاد البيان وتبليدغ الناس الديدن القد‪،‬‬
‫وتعليمهم توحيد ال عز وجل وحقيقة العبودية‪ ،‬ومعرفة ال عز وجل بأسائه وصفاته وكيف يعبدونه‬
‫بعر فة الحكام العين ية كأركان ال سلم و ما ل تقوم إل به‪ ،‬ك ما أن م ا ل ي تم البلغ والبيان إل به‬
‫بيان سبيل الكافرين والجرمي‪ ،‬وبيان ما يناقض التوحيد والسلم الق‪ ،‬وتعرية أهله للناس·‬
‫إذن فإنه يكن القول ف هذه الرتبة بأنا ماهدة النفس على المر بالعروف والنهي عن النكر·ولقد‬
‫ذكر ال سبحانه ف صفات الجاهدين الذين عقدوا البيعة مع ال عز وجل ف قوله‪ِ( :‬إنّ اللّ َه ا ْشتَرَى‬
‫مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َأْنفُ سَهُ ْم َوَأ ْموَاَلهُ مْ‪( )...‬التوبة‪ :‬من الية ‪ )111‬الية‪ .‬ذكر من بي هذه الصفات أنم‪:‬‬
‫حدُودِ اللّهِ) (التوبة‪ :‬من الية ‪ .)112‬والهاد‬ ‫ف وَالنّاهُو َن عَ ِن الْ ُمنْكَ ِر وَالْحَاِفظُونَ لِ ُ‬
‫(الْآمِرُونَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫ف حقيق ته فرع عن ال مر بالعروف والن هي عن الن كر؛ لن الغا ية من الهاد ‪ -‬ك ما مر ب نا ‪ -‬هي‬

‫‪88‬‬
‫إعلء كلمة ال عز وجل بعلو العروف الكب وهو التوحيد وعبادة ال وحده‪ ،‬وإزهاق النكر الكب‬
‫وهو الشرك وأهله·‬
‫ول كن ل ا كان ال مر بالعروف والن هي عن الن كر يبدأ بهاد البيان والبلغ للناس‪ ،‬وتعريف هم بقي قة‬
‫سبيل الؤمني الوحدين‪ ،‬وحقيقة سبيل الكافرين والجرمي‪ ،‬كان لزامًا قبل جهاد الكفار والرتدين أن‬
‫يكون جهاد ال مر بالعروف والن هي عن الن كر‪ ،‬وأن تأ خذ الدعوة حظ ها من البيان والتعر يف للناس‬
‫بقي قة د ين ال سلم وشوله‪ ،‬وحقي قة النافق ي والجرم ي الذ ين يت سلطون على الناس وي ستعبدونم‪،‬‬
‫ويستخدمون ف ذلك جيع الوسائل العلمية الت يسيطرون عليها ف نشر باطلهم وثقافتهم والتلبيس‬
‫على الناس بأنم أصحاب حق وشرعية‪ ،‬وتشويه سعة الدعاة الصادقي‪ ،‬ووصفهم بالتطرف والسعي‬
‫إل الفتنة والفساد‪ ،‬والروج على الشرعية!!‬
‫والديث هنا منصب على جهاد الطلب ف واقع ل يستب فيه الناس سبيل الؤمني ول سبيل الجرمي‪،‬‬
‫وإنا الوضع عندهم ملتبس أو منعكس؛ بيث ينظرون إل الجرمي على أنم مصلحون وإل الؤمني‬
‫على أنم مفسدون·‬
‫أما جهاد الدفع‪ ،‬فكما أشرت ف أكثر من مرة إل أنه ف الغالب تكون فيه راية الكفر قد اتضحت‪،‬‬
‫وكذلك راية الؤمني الذين يدفعون العدو عنهم وعن السلمي‪ ،‬فل لبس حينئذ ول فتنة‪ ،‬وأما جهاد‬
‫الطلب فإن من يتخ طى ف يه جهاد البيان إل جهاد ال سنان سيجد نف سه متورطًا ف مواج هة إخوا نه‬
‫السلمي الذين يعيشون ف ظل النظمة الكفرية الت ُلبّس أمرها على الناس فلم يعرفوا الجاهدين ول‬
‫ت صل إلي هم حقي قة دعوت م‪ ،‬ول يس عند هم إل ما يتلقو نه من إعلم الجرم ي من تضل يل وع كس‬
‫للحقائق· وأ ما إذا أخ دذت الدع دوة حظه دا من البي دان والبلغ‪ ،‬وو صل ال ق إل الناس وزال‬
‫اللبس عنهم واتسعت قاعدة الدعوة‪ ،‬وحصل الد الدن من تربية الناس على الفاهيم الصحيحة لذا‬
‫الدين وبيان حقيقة الجرم ي الت سلطي‪ ،‬وبيان كفرهم وف سادهم؛ فإنه حينئذ يستطيع الجاهدون إذا‬
‫ملكوا الد الدن من القدرة الادية والعداد اليان أن يواجهوا عدوهم الذي قد عرّفوا الناس حقيقته‬
‫وعرّفوا حقي قة سبيل الؤمن ي وأهداف هم ال نبيلة‪ ،‬فإذا اختار أ حد من الناس سبيل الؤمن ي أو سبيل‬
‫الجرمي فإنه يكون قد اختاره عن علم ورضى واختيار‪ ،‬فحينئذ يزول الرج الشرعي من قتال الكفار‬

‫‪89‬‬
‫ومن هو ف صفهم؛ لن البينة قد تت‪ ،‬والجة قد قامت‪ ،‬وحينها يهلك من هلك عن بينة ويي من‬
‫حي عن بينة·‬
‫وعندما يُؤ كد على أهية العلم بسبيل الؤمن ي وسبيل الجرم ي وتعليم هم ذلك فإنه يُفترض سلفًا أن‬
‫الدعاة والجاهدين قد فهموا وعلموا سبيل الؤمني والجرمي قبل غيهم؛ وإل فكيف سيبينونه للناس‬
‫وفاقد الشيء ل يعطيه· وقد مضى ف الرتبة الول من مراتب جهاد النفس ذكر ماهدتا على تعلم‬
‫الدى والد ين ال ق‪ ،‬ومعر فة ما يناق ضه· وعلم أ صحاب ال ق ب سبيل الجرم ي ضروري ف توق يه‬
‫وماربته‪ ،‬والندفاع الشديد لجاهدته وماهدة أهله·‬
‫يقول ش يخ ال سلم ا بن تيم ية رح ه ال تعال‪" :‬فإن كمال ال سلم هو بال مر بالعروف والن هي عن‬
‫النكر‪ ،‬وتام ذلك بالهاد ف سبيل ال‪ ،‬ومن نشأ ف العروف ل يعرف غيه فقد ل يكون عنده من‬
‫العلم بالن كر وضرره ما ع ند من عل مه‪ ،‬ول يكون عنده من الهاد لهله ما ع ند ال بي ب م؛ ولذا‬
‫يو جد ال بي بال شر وأ سبابه إذا كان ح سن الق صد عنده من الحتراز ع نه وم نع أهله والهاد ل م ما‬
‫ليس عند غيه·‬
‫ولذا كان ال صحابة رضي ال عنهم أع ظم إيانًا وجهادًا م ن بعد هم‪ ،‬لكمال معرفتهم بال ي وال شر‪،‬‬
‫وكمال مبتهم للخي وبغضهم للشر‪ ،‬لا علموه من حسن حال السلم والعمل الصال‪ ،‬وقبح حال‬
‫الكفر والعاصي‪ ،‬ولذا يوجد من ذاق الفقر والرض والوف أحرص على الغن والصحة والمن من‬
‫سنَه الضِدُ)(‪.)150‬‬
‫ل يذق ذلك· ولذا يقال‪ :‬والضد يُظهِر حُ ْ‬
‫وقريب ما ذكره شيخ السلم رحه ال تعال قد أشار إليه سيد قطب رحه ال عند قوله عز وجل‪:‬‬
‫ستَبِيَ َسبِي ُل الْمُجْ ِرمِيَ) (النعام‪ )55:‬وذلك بقوله‪" :‬إن هذا الن هج هو‬
‫ت وَِلتَ ْ‬
‫ك ُنفَ صّ ُل الْآيا ِ‬
‫(وَكَذَلِ َ‬
‫النهج الذي قرره ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ليتعامل مع النفوس البشرية ·· ذلك أن ال سبحانه يعلم أن إنشاء‬
‫اليقي العتقادي بالق والي يقتضي رؤية الانب الضاد من الباطل والشر‪ ،‬والتأكد من أن هذا باطل‬
‫محض وشر خالص‪ ،‬وأن ذلك حق محض وخي خالص ·· كما أن قوة الندفاع بالق ل تنشأ فقط‬
‫من شعور صاحب الق أنه على الق؛ ولكن كذلك من شعوره بأن الذي ياده وياربه إنا هو على‬
‫الباطل ·· وأنه يسلك سبيل الجرمي؛ الذي يذكر ال ف آية أخرى أنه جعل لكل نب عدوًا منهم‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫(وَكَذَلِ كَ َجعَلْنَا ِلكُلّ َنبِيّ عَ ُدوّا مِ َن الْ ُمجْ ِرمِيَ) (الفرقان‪ :‬من ال ية ‪ .)31‬لي ستقر ف ن فس ال نب‬
‫ونفوس الؤمني أن الذين يعادونم إنا هم الجرمون؛ عن ثقة‪ ،‬وف وضوح‪ ،‬وعن يقي·‬
‫إن سفور الك فر وال شر والجرام ضروري لوضوح اليان وال ي والصلح· وا ستبانة سبيل الجرم ي‬
‫هدف مدن أهداف التفصديل الرباند لليات؛ ذلك أن أي غبدش أو شبهدة فد موقدف الجرميد وفد‬
‫سبيلهم ترتد غبشًا وشبهة ف موقف الؤمني وف سبيلهم· فهما صفحتان متقابلتان· وطريقان مفترقتان‬
‫·· ول بد من وضوح اللوان والطوط ··‬
‫ومن هنا يب أن تبدأ كل حركة إسلمية بتحديد سبيل الؤمني وسبيل الجرمي؛ يب أن تبدأ من‬
‫تعريدف سدبيل الؤمنيد وتعريدف سدبيل الجرميد‪ ،‬ووضدع العنوان الميدز للمؤمنيد‪ ،‬والعنوان الميدز‬
‫للمجرمي‪ ،‬ف عال الواقع ل ف عال النظريات· فيعرف أصحاب الدعوة السلمية والركة السلمية‬
‫من هم الؤمنون من حولم ومن هم الجرمون بعد تديد سبيل الؤمني ومنهجهم وعلمتهم‪ ،‬وتديد‬
‫سبيل الجرمي ومنهجهم وعلمتهم؛ بيث ل يتلط السبيلن ول يتشابه العنوانان؛ ول تلتبس اللمح‬
‫والسمات بي الؤمني والجرمي·‬
‫ل يوم كان ال سلم يوا جه الشرك ي ف الزيرة‬ ‫وهذا التحد يد كان قائمًا‪ ،‬وهذا الوضوح كان كام ً‬
‫العربية· فكانت سبيل السلمي الصالي هي سبيل الرسول صلى ال عليه وسلم ومن معه‪ ،‬وكانت‬
‫سبيل الشرك ي الجرم ي هي سبيل من ل يد خل مع هم ف هذا الد ين ·· و مع هذا التحد يد وهذا‬
‫الوضوح كان القرآن يتنل‪ ،‬وكان ال سبحانه يفصل اليات على ذلك النحو الذي سبقت منه ناذج‬
‫ف السورة ‪ -‬ومنها ذلك النموذج الخي ‪ -‬لتستبي سبيل الجرمي! ولكن الشقة الكبى الت تواجه‬
‫حركات ال سلم القيق ية اليوم لي ست ف ش يء من هذا ·· إن ا تتم ثل ف وجود أقوام من الناس من‬
‫سللت ال سلمي ف أوطان كا نت ف يوم من اليام دارًا لل سلم ي سيطر علي ها د ين ال‪ ،‬وت كم‬
‫بشريع ته ·· ث إذا هذه الرض‪ ،‬وإذا هذه القوام ت جر ال سلم حقي قة‪ ،‬وتعل نه ا سًا· وإذا هي تن كر‬
‫لقومات السلم اعتقادًا وواقعًا ‪ -‬وإن ظنت أنا تدين بالسلم اعتقادًا! ‪ -‬فالسلم شهادة أن ل إله‬
‫دو خالق هذا الكون‬ ‫دل ف د العتقاد بأن ال ‪ -‬وحده ‪ -‬هد‬ ‫إل ال ·· وشهادة أن ل إله إل ال تتمثد‬
‫التصرف فيه‪ ،‬وأن ال ‪ -‬وحده ‪ -‬هو الذي يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الياة كله‪ ،‬وأن‬
‫ال ‪ -‬وحده ‪ -‬هو الذي يتلقى منه العباد الشرائع ويضعون لكمه ف شأن حياتم كله ·· وأيا فرد‬

‫‪91‬‬
‫ل يشهد أن ل إله إل ال ‪ -‬بذا الدلول ‪ -‬فإنه ل يشهد ول يدخل ف السلم بعد؛ كائنًا من كان‬
‫ا سه ولق به ون سبه· وأي ا أرض ل تتح قق في ها شهادة أن ل إله إل ال ‪ -‬بذا الدلول ‪ -‬ف هي أرض ل‬
‫تدن بدين ال‪ ،‬ول تدخل ف السلم بعد· وهذا أشق ما تواجهه حركات السلم القيقية ف هذه‬
‫الوطان مع هؤلء القوام!‬
‫أشق ما تعانيه هذه الركات هو الغبش والغموض واللبس الذي أحاط بدلول ل إله إل ال‪ ،‬ومدلول‬
‫السلم ف جانب؛ وبدلول الشرك وبدلول الاهلية ف الانب الخر ··‬
‫أشق ما تعانيه هذه الركات هو عدم استبانة طريق السلمي الصالي‪ ،‬وطريق الشركي الجرمي‪،‬‬
‫واختلط الشارات والعناوين‪ ،‬والتباس الساء والصفات‪ ،‬والتيه الذي ل تتحدد فيه مفارق الطريق!‬
‫ويعرف أعداء الركات ال سلمية هذه الثغرة فيعكفون علي ها تو سيعًا وتييعًا وتلبي سًا وتليطًا ح ت‬
‫يصبح الهر بكلمة الفصل تمة يؤخذ عليها بالنواصي والقدام! ·· تمة تكفي "السلمي"!! ويصبح‬
‫ال كم ف أمر السلم والكفر م سألة الرجع فيها لعرف الناس وا صطلحهم‪ ،‬ل إل قول ال ول إل‬
‫قول ر سول ال! هذه هي الش قة ال كبى ·· وهذه كذلك هي العق بة الول ال ت ل بد أن يتاز ها‬
‫أصحاب الدعوة إل ال ف كل جيل!‬
‫ي ب أن تبدأ الدعوة إل ال با ستبانة سبيل الومن ي و سبيل الجرم ي ·· وي ب أل تأ خذ أ صحاب‬
‫الدعوة إل ال ف كل مة ال ق والف صل هوادة ول مداه نة‪ ،‬وأل تأخذ هم في ها خش ية ول خوف‪ ،‬وأل‬
‫تقعدهم عنها لومة لئم‪ ،‬ول صيحة صائح‪ :‬انظروا! إنم يكفرون السلمي! ··‬
‫··· أجل‪ ،‬يب أن يتاز أصحاب الدعوة إل ال هذه العقبة‪ ،‬وأن تتم ف نفوسهم هذه الستبانة‪ ،‬كي‬
‫تنطلق طاقاتم كلها ف سبيل ال ل تصدها شبهة‪ ،‬ول يعوّقها غبش‪ ،‬ول ييعها لبس؛ فإن طاقاتم ل‬
‫تنطلق إل إذا اعتقدوا ف يقي أنم هم "السلمون"‪ ،‬وأن الذين يقفون ف طريقهم ويصدونم ويصدون‬
‫الناس عن سبيل ال هم الجرمون"(‪ )151‬ا·هد·‬
‫وإن التدبر لديه صلى ال عليه وسلم ف مكة وكيف واجه الكفار فيها ليجد أن جهاده صلى ال عليه‬
‫وسلم ف تلك القبة من الدعوة كان جهاد بيان وبلغ وتربية طيلة العهد الكي‪،‬ول يعرف عنه عليه‬
‫الصلة والسلم أنه واجه الشركي بالسلح‪ ،‬ول يأذن لصحابه ف ذلك· وما ذاك ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬إل‬
‫لتأخذ الدعوة حظها من البلغ والقوة والتربية للقاعدة الصلبة· ولقد واجه عليه الصلة والسلم ف‬

‫‪92‬‬
‫سبيل ذلك من الذى والتعذيب لصحابه الشيء العظيم حت إذا استبانت سبيل الؤمني واستبانت‬
‫سبيل كفار قر يش الجرم ي‪ ،‬واتض حت ال سبيلن دون ل بس ول غموض‪ ،‬أذن ال عز و جل لر سوله‬
‫والؤمن ي بالجرة ث الهاد ب عد أن ت يأ ل م الن صار والكان الذي يؤون إل يه ويتمون به وينطلقون‬
‫منه‪ ،‬ولعل هذه هي إحدى الكم الت من أجلها أُمر السلمون أن يكفو أيديهم ف مكة·‬
‫وعن هذه الرحلة وضرورة بيان سبيل الؤمن وسبيل الجرمي قبل مصادمة الكفار يتحدث ممد قطب‬
‫وفقده ال تعال فيقول‪" :‬نتاج أن نقدف وقفات طويلة نتأمدل فيهدا نشأة اليدل الول؛ لن فيهدا زادًا‬
‫كاملً لكل من أراد أن يدعو‪ ،‬أو يتحرك بذا الدين ف عال الواقع؛ فقد صُنع ذلك اليل على عي ال‬
‫سبحانه وتعال‪ ،‬كما قال سبحانه لوسى عليه السلم‪( :‬وَِلتُ صْنَ َع عَلَى َعيْنِي) (طده‪ :‬من الية ‪،)39‬‬
‫ون شأ على يدي أع ظم مرب ف تار يخ البشر ية‪ ،‬م مد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬فكان جيلً‬
‫فريدًا ف تار يخ البشر ية كله‪ ،‬يوج هه ال بالو حي‪ ،‬ويتاب عه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بالترب ية‬
‫والتوجيه‪ ،‬فاكتملت له كل وسائل النشأة الصحيحة ف أعلى صورة‪ ،‬فأصبح كالدرس "النموذجي"‪،‬‬
‫الذي يلقيه الستاذ ليعلّم طلبه كيف يدرّسون‪ ،‬حي يئول إليهم أمر التعليم·‬
‫ث إن إرادة ال سبحانه وتعال قد اقت ضت أن ي تم أ مر هذا الد ين على السنن الارية ‪ -‬ل الار قة ‪-‬‬
‫لك مة أراد ها ال‪ ،‬ل كي ل يتقا عس ج يل من الجيال فيقول‪ :‬إن ا ن صر ال يل الول بالوارق‪ ،‬و قد‬
‫انقط عت الوارق ب عد ر سول ال ‪ !،‬وفي ما عدا هذه الار قة ال ت اخ تص ب ا أ هل بدر‪ ،‬وفي ما عدا ما‬
‫يتص بشخص الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد جرت أمور السلم كلها على السنة الارية؛ من‬
‫استضعاف ف البدأ‪ ،‬وابتلء وصب وتحيص‪ ،‬ث تكي على توف‪ ،‬ث تكي على استقرار وقوة‪ ،‬ث‬
‫انتشار فد الرض· لذلك فإن الدروس السدتفادة مدن نشأة اليدل الول هدي دروس دائمدة‪ ،‬ل تتعلق‬
‫بالنشأة الول وحدها‪ ،‬وإنا هي قابلة للتطبيق ف كل مرة تتشابه فيها الظروف أو تتماثل؛ لنا سنن‬
‫جارية‪ ،‬وليست حوادث مفردة عابرة ل تتكرر·‬
‫وإذا كان ال سبحانه وتعال قد وَ ّج َهنَا ف كتابه النل‪ ،‬لتدبر السنن الربانية ودراسة التاريخ ‪ -‬الذي‬
‫هو ف القي قة مرى ال سنن ف عال الوا قع ‪ -‬فن حن جديرون أن نع كف على درا سة النشأة الول؛‬
‫لن ستخلص من ها الدروس وال عب‪ ،‬ولتكون هاديًا ل نا ف كل ترك نقوم به‪ ،‬ومكًا ل ستقامتنا على‬

‫‪93‬‬
‫ت وَِلتَ سَْتبِيَ َسبِي ُل الْ ُمجْ ِرمِيَ)‬
‫ك ُنفَ صّ ُل الْآيا ِ‬
‫الطريق أو انرافنا عنه ··· يقول سبحانه وتعال‪( :‬وَكَذَلِ َ‬
‫(النعام‪.)55:‬‬
‫وكأن العن‪ :‬نظل نفصل اليات حت تستبي سبيل الجرمي·‬
‫وورود هذا العن ف آية مكية له دللة واضحة‪ ،‬أو ينبغي أن تكون واضحة؛ فاستبانة سبيل الجرمي‬
‫ستَبِيَ)‪ .‬ونزول هذه الية ف الفترة الكية‪ ،‬معناه أن‬ ‫هدف مقصود‪ ،‬تبينه لم التعليل ف قوله تعال‪( :‬وَِلتَ ْ‬
‫استبانة سبيل الجرمي هي من أهداف الدعوة‪ ،‬بل من لوازم الدعوة ف الفترة الول الت يتم فيها نشأة‬
‫الماعة السلمة·‬
‫فما الذي تققه استبانة سبيل الجرمي للدعوة؟‬
‫إن استبانة سبيل الجرمي تتضمن أمرين‪:‬‬
‫أولً‪ :‬بيان من هم الجرمون؟ وثانيا‪ :‬بيان السبيل الذي يسلكونه‪ ،‬والذي من أجله أصبحوا مرمي·‬
‫فمَن هم الجرمون؟ وما سبيلهم؟ وما علقة تفصيل اليات باستبانة سبيلهم؟‬
‫لقد ف صّلت اليات قضية اللوهية‪ ،‬وهي القضية الول والكبى ف القرآن كله‪ ،‬والسور الكية بصفة‬
‫خاصة·‬
‫فصلت اليات أنه إله واحد ل شريك له‪ ،‬ول يكن أن يكون له شركاء ف اللق ول ف التدبي‪ ،‬ول‬
‫ف أي شأن من الشؤون‪ ،‬وظلت اليات تتنل مبينة صفات ذلك الله‪ ،‬وتنفي عنه الشركاء حت صار‬
‫العن واضحًا تامًا‪ ،‬سواء لن آمن أو لن كفر؛ فقد كان الكفار قد أصبحوا على بينة تامة ما يريد‬
‫منهم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يعلموه ويؤمنوا به‪ ،‬حت قالوا كما روى ال عنهم‪( :‬أَ َجعَلَ‬
‫شيْ ٌء عُجَا بٌ) ( صّ‪ ...)5:‬وعلى هذ فقد انقسم الناس فريقي اثني‪ :‬فريق‬ ‫الْآِل َهةَ إِلَها وَاحِدا ِإنّ هَذَا لَ َ‬
‫الؤمن ي‪ ،‬و هم الذ ين آمنوا أ نه إله وا حد‪ ،‬فعبدوه وحده بل شر يك‪ ،‬واتبعوا ما أنزل إلي هم من رب م‪،‬‬
‫وفريق الجرمي وهم الذين أبوا أن يؤمنوا به‪ ،‬وأن يعبدوه وحده‪ ،‬وأن يتبعوا ما أنزله إليهم·‬
‫وإذن‪ ،‬فأين تقع قريش ف هذا التقسيم؟‬
‫لقد كانت قبل تفصيل اليات هي صاحبة الشرعية‪ ،‬وكان الؤمنون ف نظر قريش‪ ،‬وف نظر الناس‬
‫أيضًا‪ ،‬خارجي على الشرعية‪ ،‬فما الوقف الن بعد تفصيل اليات؟ وبعد ما رفضت قريش أن تؤمن‬
‫بال الوا حد‪ ،‬وتعبده وحده بل شر يك‪ ،‬وتت بع ما أنزل ال؟ هل بق يت هي صاحبة الشرع ية‪ ،‬وب قي‬

‫‪94‬‬
‫الؤمنون هم الارج ي على الشرع ية؟ أم تبدل الال ع ند ب عض الناس على ال قل‪ ،‬فأ صبحت قر يش‬
‫وأمثالا هم الجرمي‪ ،‬وأصبح أصحاب الشرعية هم الؤمني؟!‬
‫إنا نقلة هائلة ف خط سي الدعوة‪ ،‬أن يتبي الناس من هم الجرمون‪ ،‬وما سبيلهم‪ ،‬ويتبينوا ف القابل‬
‫من هم الذين على الق‪ ،‬وما هو سبيل الق·‬
‫ولقد كان الشكال بالنسبة لقريش خاصة أنم هم سدنة البيت‪ ،‬الذي يعظمه العرب جيعًا‪ ،‬فضلً عن‬
‫كونم أصحاب ثروة وأصحاب جاه وحسب ونسب‪ ،‬فاجتمعت لم بقاييس الاهلية كل مقومات‬
‫الشرع ية‪ ،‬متز جة ببقا يا الد ين الحرف الذي ينت سبون به إل إبراه يم وإ ساعيل عليه ما ال سلم ·· فلم‬
‫تكن زحزحة الشرعية عنهم أمرًا هينًا‪ ،‬خاصة والارجون على شرعيتهم ضعاف فقراء ل قوة لم ول‬
‫مال‪ ،‬ول سند من أحد من ذوي السلطان!‬
‫لقد كانت العقيدة الصحيحة وحدها هي الت يكن أن ُتجْليَهم عن شرعيتهم الدعاة‪ ،‬وتكشفهم على‬
‫حقيقتهم؛ وهي أنم مرمون ل شريعة لم‪ ،‬لرفضهم اليان بال الواحد‪ ،‬وعبادته وحده بل شريك‪،‬‬
‫واتباع ما أنزل ال·‬
‫وهنا نسأل‪ :‬لو أن الؤمني ف مكة دخلوا ف معركة مع قريش‪ ،‬فهل كانت تستبي سبيل الجرمي؟ لو‬
‫دخلوا العركة وف حس الناس أن قريشًا هي صاحبة الشرعية‪ ،‬وأن الؤمني خارجون على الشرعية‪،‬‬
‫فهل كان يكن أن يستقر ف َخلَد أحد ‪ -‬كما استقر ف خَلَد النصار ‪ -‬أن القضية لا معيار آخر غي‬
‫سدانة البيت‪ ،‬وغي الال والاه‪ ،‬وكثرة العدد‪ ،‬ورصيد العرف‪ ،‬ورصيد التاريخ؟ وأن هذا العيار هو‪:‬‬
‫ل إله إل ال ·· هو اليان بألوه ية ال وحده بل شر يك‪ ،‬و ما يتر تب على ذلك من ضرورة اتباع ما‬
‫أنزل ال‪ ،‬وأن هذا هو الق الذي ل شيء بعده إل الضلل‪ ،‬وأن هذه هي القضية الكبى الت يُقاس‬
‫با كل شيء‪ ،‬وينبن عليها كل شيء؟‬
‫هل كان ي كن أن ي صل ال ق الذي يمله الؤمنون إل أفئدة فر يق من الناس‪ ،‬ك ما و صل إل أفئدة‬
‫الن صار‪ ،‬لو أن الؤمن ي دخلوا معر كة مع قر يش‪ ،‬أم كان غبار العر كة يغ شى على حقي قة القض ية‪،‬‬
‫وتنقلب القضية بعد قليل إل قضية ضارب ومضروب‪ ،‬وغالب ومغلوب‪ ،‬وتصبح قضية "ل إله إل ال"‬
‫على هامش الصورة‪ ،‬إن بقي لا ف حس الناس وجود على الطلق؟!‬
‫أظن الصورة واضحة ··· لقد كانت ( ُكفّوا َأيْ ِديَكُمْ) هي سر الوقف كله!‬

‫‪95‬‬
‫كانت هي الت أتاحت لقضية ل إله إل ال ‪ -‬وهي قضية الرسل جيعًا من لدن آدم إل ممد صلى ال‬
‫عل يه و سلم ‪ -‬أن تبز نق ية شفا فة واض حة‪ ،‬غ ي متل طة بأي قض ية أخرى على الطلق‪ ،‬فتن فذ إل‬
‫القلوب الت أراد ال لا الداية صافية من كل غبش‪ ،‬فتتمكن من تلك القلوب‪ ،‬ويرسخ فيها اليان‪،‬‬
‫كما تنفذ إل القلوب الت ل يرد ال لا الداية‪ ،‬صافية من كل غبش‪ ،‬فيكفر أصحابا كفرًا ل شبهة‬
‫فيه؛ كفرًا غي متلط ل بالدفاع عن النفس‪ ،‬ول الدفاع عن الال‪ ،‬ول الدفاع عن المن والستقرار؛‬
‫إن ا هو الر فض ال صريح الوا ضح لل إله إل ال ·· وذلك توطئة لقدر قادم من أقدار ال‪ ،‬هو سنة من‬
‫حيَى مَنْ َحيّ عَ ْن َبّيَنةٍ) (النفال‪ :‬من الية ‪.)42‬‬
‫ك عَ ْن َبّينَ ٍة َويَ ْ‬
‫ك مَ ْن هَلَ َ‬
‫السنن الارية‪ِ( :‬لَيهْلِ َ‬
‫هذا الوضوح الذي أتاحته للقضية ( ُكفّوا َأيْ ِديَكُ مْ)‪ ،‬هو من مستلزمات الدعوة ·· فبغي استبانة سبيل‬
‫الجرمي‪ ،‬على أساس "ل إله إل ال"‪ ،‬واستبانة سبيل الؤمني ف القابل‪ ،‬على ذات الساس‪ ،‬ل يكن‬
‫أن تتسدع القاعدة بالقدر العقول فد الزمدن العقول‪ ،‬وتظدل الدعوة تراوح مكاناد‪ ،‬إن ل يدث لاد‬
‫انتكاس بسبب من السباب·‬
‫وحي وضحت القضية على هذا النحو من خلل ( ُكفّوا َأيْ ِدَيكُ مْ)‪ ،‬جاء النصار! وحي جاء النصار‬
‫اتسعت القاعدة‪ ،‬وحدث تول ف التاريخ!"(‪.)152‬‬
‫والق صود من كل ما سبق أن ال مر بالعروف ‪ -‬وأوله العروف ال كب و هو التوح يد ‪ -‬والن هي عن‬
‫النكر ‪ -‬وأوله النكر الكب وهو الشرك الكب ‪ -‬هو أمر ضروري يسبق الهاد بالسنان‪ ،‬وهو من‬
‫جهاد الن فس على تبل يغ وبيان ما تعلم ته من الدى والنور فتد عو الناس إل يه‪ ،‬و ما علم ته من الشرك‬
‫والضلل فتحذر الناس م نه و من سبيل أهله من الجرم ي وهذا البيان ضروري ل ي تم الهاد بال سنان‬
‫بدو نه‪ ،‬و هو يتاج إل و قت وج هد وبذل وتضح ية و صب‪ ،‬ول يس بال مر ال ي؛ لن البيان متاج إل‬
‫وسائل قوية للبلغ تواجه وسائل الجرمي الت يصدون با الناس عن سبيل ال تعال ويلبسوا عليهم‬
‫دينهم· كما تتاج إل التكاتف بي الدعاة وتوظيف طاقاتم كل بسب حاله وقدرته؛ فالطيب على‬
‫م نبه‪ ،‬وإمام ال سجد ف م سجده وح يه‪ ،‬والكا تب والؤلف بقل مه‪ ،‬والحا ضر ف ماضر ته‪ ،‬والش يخ‬
‫والرب مع طلبه ف دروسهم·‬
‫ك ما ل نن سى و سائل العلم الدي ثة وأثر ها ف تو سيع قاعدة الدعوة وإي صالا إل فئام كثية من‬
‫الناس‪ ،‬وهذا يؤكد ضرورة تيز الدعاة والجاهدين بؤسساتم العلمية التميزة النظيفة الت يرى فيها‬

‫‪96‬‬
‫الناس القد ويسدمعونه‪ ،‬ويرون القدوات والقادة مدن العلماء والدعاة الذيدن يصددرون عدن مواقفهدم‬
‫ويستمعون توجيهاتم‪ ،‬ويتبصرون بسبيل الجرمي فينفرون منها ومن أهلها·‬
‫كما ل ننسى دور الال ف التعريف بسبيل الؤمني وبسبيل الجرمي على نطاق واسع؛ فإذا ل يكن‬
‫هناك ما يدعم الوسائل العلمية ويسهم ف إنشائها فسيكون أثر البيان ضعيفًا· وهذا ما يعوق الدعوة‬
‫ويؤخرها·‬
‫وم ا يل حق بال مر بالعروف والن هي عن الن كر وأهي ته ف العداد للجهاد ف سبيل ال عز و جل‬
‫التواصي بي التآخي ف طريق الدعوة والهاد‪ ،‬وأن ل يشغلهم المر والنهي الوجهان للناس عن المر‬
‫والنهي فيما بينهم؛ فإن كل بن آدم خطاء‪ ،‬ول عصمة إل للنبياء عليهم الصلة والسلم· لذا فمن‬
‫الطبيعي أن تظهر بعض الخطاء والنكرات ف صفوف الدعاة ومن يعدون أنفسهم للجهاد· وحينئذ ل‬
‫بد من الحتساب بي الخوان بأن يناصح بعضهم بعضًا‪ ،‬وأن يتواصوا بالق والعروف‪ ،‬وينبه القصر‬
‫ف الق على تقصيه‪ ،‬وينصح التلبس بالباطل حت يقلع عن باطله·‬
‫وبذا التناصدح والتواصدي وإشاعدة المدر بالعروف والنهدي عدن النكدر بيد الدعاة والجاهديدن تقدل‬
‫النكرات‪ ،‬ويف شو العروف‪ ،‬وت قل العاصي‪ ،‬وتك ثر الطاعات‪ ،‬وت سود الح بة واللفة‪ ،‬وتتح قق بذلك‬
‫أهم أسباب النصر على العداء؛ وها طاعة ال عز وجل‪ ،‬والجتماع والئتلف؛ قال تعال‪( :‬يَا أَّيهَا‬
‫الّذِي نَ آمَنُوا ِإذَا َلقِيتُ مْ ِفَئةً فَاْثبُتُوا وَاذْ ُكرُوا اللّ هَ َكثِيا َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُو َن َوأَطِيعُوا اللّ َه وَرَ سُولَهُ وَل َتنَا َزعُوا‬
‫َعد الصدّابِرِينَ) (النفال‪ .)46-45:‬ووحدة الصدف‬ ‫ّهد م َ‬
‫َاصدبِرُوا إِنّ الل َ‬
‫ُمد و ْ‬ ‫َبد رِ ُيك ْ‬ ‫َفَتفْشَلُوا َوتَذْه َ‬
‫واجتماع الكلمة من أعظم ما يستعد به للجهاد·‬
‫وما دمنا بصدد الديث عن الجتماع والفرقة فإنه من الناسب ف الديث عن المر بالعروف والنهي‬
‫عن الن كر الترك يز على خطورة الفرقة والختلف‪ ،‬وبا صة من الدعاة والجاهد ين؛ فإن ا من أع ظم‬
‫النكرات الت تضيع با ثار الدعوة والهاد‪ ،‬ولذلك يب التصدي لا وماربتها‪ ،‬وأن يُسعى للتغلب‬
‫على أسبابا والراتب السابقة ف العداد كفيلة بإذن ال تعال ‪ -‬عندما يأخذ با الربون ‪ -‬أن تقضي‬
‫على جذور الفتندة والفرقدة· وقدد سدبق الشارة إل أثدر العلم وأعمال القلوب والعمال الصدالة فد‬
‫القضاء على هذه الفة الطية الت تعوق الدعوة والهاد وتؤخر نصر ال عز وجل· وهذا ل يعن أن‬
‫ل ي صل اختلف ف وجهات الن ظر وب عض الجتهادات ب ي الدعاة والجاهد ين‪ ،‬لكن ها ل يوز أن‬

‫‪97‬‬
‫تؤدي إل الفتراق والنابذة‪ ،‬ول نا ف أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أ سوة ح سنة؛ ح يث‬
‫اختلفوا ف بعض السائل لكنهم بقوا صفًا واحدًا وقلوبًا متآلفة فبارك ال فيهم وف عملهم وجهادهم‬
‫ودعوتم· فالجتماع أصل‪ ،‬والسائل الت قد يتلف عليها فروع‪ ،‬فل يوز بال أن نضيع الصل وهو‬
‫الجتماع لنحافظ على فرع‪ ،‬وإل كنا كمن يهدم مصرًا ليبن قصرًا·‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحه ال تعال‪" :‬وقد كان العلماء من الصحابة والتابعي ومن بعدهم إذا‬
‫تنازعوا ف المر اتبعوا أمر ال تعال ف قوله‪( :‬فَإِنْ َتنَا َز ْعتُمْ فِي َشيْءٍ فَ ُردّوهُ إِلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ إِنْ ُكنْتُمْ‬
‫ُت ْؤ ِمنُو نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ الْآ ِخرِ ذَلِ كَ َخيْ ٌر َوأَحْ سَ ُن َت ْأوِيلً) (الن ساء‪ :‬من ال ية ‪ .)59‬وكانوا يتناظرون ف‬
‫ال سألة مناظرة مشاورة ومنا صحة‪ ،‬ورب ا اختلف قول م ف ال سألة العلم ية والعمل ية‪ ،‬مع بقاء الل فة‬
‫والع صمة وأخوة الد ين· ن عم من خالف الكتاب ال ستبي‪ ،‬وال سنة ال ستفيضة أو ما أج ع عل يه سلف‬
‫المة خلفًا ل يعذر فيه‪ ،‬فهذا يعامل با يعامل به أهل البدع"(‪.)153‬‬
‫الرتبة الرابعة‬
‫جهاد النفس ف الصب على الدعوة وبيان الق وأذى اللق‬
‫وهذه الرتبة من جهاد النفس ل يستغن عنها السلم ف جيع مراتبه السابقة‪ ،‬وف عمره كله· وبدون‬
‫الصب أو بضعفه ل يستطيع العبد أن ياهد نفسه على تعلم الشريعة والتبصر ف الدين‪ ،‬كما أنه يعجز‬
‫عن الع مل ب ا تعل مه‪ ،‬فضلً عن أن يد عو إل هذا الدى و يبينه للناس‪ ،‬ويتح مل ما يلق يه ف سبيل‬
‫ذلك· وإذا كان ل غن عن الصب لكل مسلم‪ ،‬فإنه ف حق الجاهدين والذين يعدون أنفسهم للجهاد‬
‫أشد وآكد؛ وذلك لبعد الشقة وطولا·‬
‫إذن فال صب خلق عظ يم رف يع الشأن ل بد من التزود به ف أداء الطاعات واجتناب الحرمات‪ ،‬و ف‬
‫مواجهدة الصدائب والكروهات وفد مقاتلة العداء قال تعال عدن التقيد‪( :‬وَالصدّابِرِينَ فِي اْلبَأْسدَاءِ‬
‫ي اْلبَأْسِ) (البقرة‪ :‬من الية ‪.)177‬‬ ‫وَالضّرّاءِ َوحِ َ‬
‫والديث عن الصب وأنواعه ومراتبه وفضله ل يتسع له القام(‪ ،)154‬وليس هو غرضنا ف هذه الدراسة·‬
‫وإن ا مق صودنا هو الشارة إل ضرورة توط ي الن فس على ال صب والتحلي به لل ستعداد للجهاد ف‬
‫سبيل ال تعال ل نه الزاد‪ ،‬و هو من أ سباب الن صر على العداء؛ قال تعال‪( :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا‬
‫َلقِيتُ مْ ِفَئةً فَاْثُبتُوا وَاذْكُرُوا اللّ هَ َكثِيا َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُو َن َوأَطِيعُوا اللّ َه وَرَ سُولَهُ وَل َتنَا َزعُوا َفَتفْشَلُوا َوتَ ْذهَ بَ‬

‫‪98‬‬
‫صبِرُوا ِإنّ اللّ َه مَ َع ال صّابِرِينَ) (النفال‪ ،)46-45:‬وقال تعال‪( :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ا صْبِرُوا‬ ‫رِ ُيكُ ْم وَا ْ‬
‫وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُونَ) (آل عمران‪.)200:‬‬
‫وما أحسن ما علق به سيد قطب رحه ال تعال على هذه الية إذ يقول‪" :‬والصب هو زاد الطريق ف‬
‫هذه الدعوة· إ نه طر يق طو يل شاق‪ ،‬حا فل بالعقبات والشواك‪ ،‬مفروش بالدماء والشلء‪ ،‬وباليذاء‬
‫والبتلء ·· الصدب على أشياء كثية‪ :‬الصدب على شهوات النفدس ورغائبهدا‪ ،‬وأطماعهدا ومطامهدا‪،‬‬
‫وضعفهدا ونقصدها‪ ،‬وعجلتهدا ومللاد مدن قريدب! والصدب على شهوات الناس ونقصدهم وضعفهدم‬
‫وجهلهدم وسدوء تصدورهم‪ ،‬وانراف طباعهدم‪ ،‬وأثرتمد‪ ،‬وغرورهدم‪ ،‬والتوائهدم واسدتعجالم للثمار!‬
‫وال صب على تن فج البا طل‪ ،‬ووقا حة الطغيان‪ ،‬وانتفاش ال شر‪ ،‬وغل بة الشهوة‪ ،‬وت صعي الغرر واليلء!‬
‫والصدب على قلة الناصدر‪ ،‬وضعدف العيد‪ ،‬وطول الطريدق‪ ،‬ووسداوس الشيطان فد سداعات الكرب‬
‫والضيدق! والصدب على مرارة الهاد لذا كله‪ ،‬ومدا تثيه فد النفدس مدن انفعالت متنوعدة مدن الل‬
‫والغيظ‪ ،‬والنق‪ ،‬والضيق‪ ،‬وضعف الثقة أحيانًا ف الي‪ ،‬وقلة الرجاء أحيانًا ف الفطرة البشرية؛ واللل‬
‫وال سأم واليأس أحيانًا والقنوط! وال صب ب عد ذلك كله على ض بط الن فس ف ساعة القدرة والنت صار‬
‫والغلبة‪ ،‬واستقبال الرخاء ف تواضع وشكر‪ ،‬وبدون خيلء وبدون اندفاع إل النتقام وتاوز القصاص‬
‫الق إل العتداء! والبقاء ف السراء والضراء على صلة بال‪ ،‬واستسلم لقدره‪ ،‬ورد المر إليه كله ف‬
‫طمأنينة وثقة وخشوع ··‬
‫والصب على هذا كله ‪ -‬وعلى مثله ‪ -‬ما يصادف السالك ف هذا الطريق الطويل ·· ل تصوره حقيقة‬
‫الكلمات· فالكلمات ل تن قل الدلول القي قي لذه العاناة· إن ا يدرك هذا الدلول من عا ن مشقات‬
‫الطريق‪ ،‬وتذوقها انفعالت وتارب ومرارات!‬
‫والذين آمنوا كانوا قد ذاقوا جوانب كثية من ذلك الدلول القيقي· فكانوا أعرف بذاق هذا النداء؛‬
‫كانوا يعرفون معن الصب الذي يطلب ال إليهم أن يزاولوه ·· والصابرة ·· وهي مفاعلة من الصب ··‬
‫م صابرة هذه الشا عر كل ها‪ ،‬وم صابرة العداء الذ ين ياولون جاهد ين أن يفلوا من صب الؤمن ي ··‬
‫مصابرتا ومصابرتم‪ ،‬فل ينفد صب الؤمني على طول الجاهدة· بل يظلون أصب من أعدائهم وأقوى‪:‬‬
‫أعدائهم من كوامن الصدور‪ ،‬وأعدائهم من شرار الناس سواء· فكأنا هو رهان وسباق بينهم وبي‬
‫أعدائهم‪ ،‬يدعون فيه إل مقابلة الصب بالصب‪ ،‬والدفع بالدفع‪ ،‬والهد بالهد‪ ،‬والصرار بالصرار ··‬

‫‪99‬‬
‫ث تكون لم عاقبة الشوط بأن يكونوا أثبت وأصب من العداء· وإذا كان الباطل يصر ويصب ويضي‬
‫ف الطريق‪ ،‬فما أجدر الق أن يكون أشد إصرارًا وأعظم صبا على الضي ف الطريق!‬
‫والرابطدة‪ :‬القامدة ف مواقع الهاد‪ ،‬وف الثغدور العرضة لجوم العداء ·· وقد كانت الماعة‬
‫السلمة ل تغفل عيونا أبدًا‪ ،‬ول تستسلم للرقاد! فما هادنا أعداؤها قط‪ ،‬منذ أن نوديت لمل أعباء‬
‫الدعوة‪ ،‬والتعرض ب ا للناس· و ما يهادن ا أعداؤ ها قط ف أي زمان أو ف أي مكان و ما ت ستغن عن‬
‫الرابطة للجهاد حيثما كانت إل آخر الزمان!"(‪ )155‬ا·هد·‬
‫والواطن الت يتاج الداعية والجاهد أن يوطن نفسه فيها على الصب كثية منها ما ذكره سيد قطب‬
‫ف النقل السابق‪ ،‬ومنها ما ل يذكره‪ ،‬ومن أهها‪:‬‬
‫‪ -‬الصب على شهوات النفس ورغباتا وميلها إل الراحة والترف والدعة·‬
‫‪ -‬الصب على ضعف النفس ونقصها وسرعة مللا·‬
‫‪ -‬الصب على ضغوط الواقدع وأذى العداء؛ فل يتغلب اليدأس ول القنوط·‬
‫‪ -‬الصب على طول الطريق وشدة البتلء؛ فل يدفع إل العجلة والواجهة قبل أوانا·‬
‫‪ -‬الصب على الناس وشهواتم وجهلهم وسوء تصوراتم‪ ،‬وانراف طبائعهم‪ ،‬وإعراضهم عن الق·‬
‫‪ -‬الصب على إخوان الدعوة والهاد‪ ،‬وما يطرأ عليهم من ضعف أو ما يصدر منهم من بعض الذى‬
‫والخطاء؛ فل يؤدي ذلك إل الفرقة والتنازع·‬
‫‪ -‬الصب على انتفاش الشر وانتفاخ الباطل‪ ،‬ووقاحة الطغيان‪ ،‬وقلة الناصر‪ ،‬وضعف أتباع الق وقلة‬
‫حالم‪ ،‬وطول الطريق ووساوس الشيطان ف ساعات الكرب·‬
‫‪ -‬الصب على ضبط النفس ف ساعات القدرة والنتصار والغلبة‪ ،‬واستقبال ذلك بالتواضع والشكر ل‬
‫عز وجل‪ ،‬وبدون خيلء أو تاوز ف القصاص الق إل العتداء·‬
‫‪ -‬الصب على البقاء ف صلة مستمرة مع ال عز وجل ف السراء والضراء‪ ،‬والستعانة به وحده‪ ،‬ورد‬
‫المر إليه كله ف طمأنينة وثقة·‬
‫‪ -‬الصب على مفارقة الهل والولد والوطان للدعوة والهاد·‬
‫‪ -‬الصب على تذيل الخذلي وإرجاف الرجفي‪ ،‬وشبهات الشبهي·‬
‫‪ -‬الصب ف ساحات الوغى على قتال الكافرين‪ ،‬والصابرة والرابطة ف ذلك·‬

‫‪100‬‬
‫والتربية على الصب‪ ،‬وتوطي النفس عليه يتاجان إل جهد ومشقة وأخذ بالسباب العينة عليه· ومن‬
‫أع ظم ال سباب تقو ية ال صلة بال عز و جل وكثرة ذكره وت سبيحه وكثرة العبادة· وهذا وا ضح من‬
‫توجيه ال عز وجل لنبيه صلى ال عليه وسلم ف كتابه الكري؛ حيث يغلب على اليات الت يأمر فيها‬
‫ال عز وجل نبيه صلى ال عليه وسلم بالصب أن تكون مقرونة بالمر بالتسبيح والصلة والستغفار؛‬
‫س وََقبْ َل غُرُوِبهَا َومِ نْ‬ ‫صبِ ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ َسبّ ْح بِحَ ْمدِ َربّ كَ َقبْ َل طُلُو عِ الشّمْ ِ‬ ‫قال ال عز وجل‪( :‬فَا ْ‬
‫ك َيضِيقُ‬ ‫ك تَرْضَى) (طده‪ ،)130:‬وقال سبحانه‪( :‬وََلقَ ْد َنعْلَمُ َأنّ َ‬ ‫سبّ ْح َوَأطْرَافَ الّنهَارِ َلعَلّ َ‬‫آنَاءِ الّليْلِ فَ َ‬
‫ك وَكُ ْن مِ َن ال سّا ِجدِي َن وَا ْعبُدْ َربّ كَ َحتّى َي ْأتِيَ كَ الَْيقِيُ) (الجر‪:‬‬ ‫سبّ ْح ِبحَمْدِ َربّ َ‬ ‫صَدْ ُر َك بِمَا َيقُولُو نَ فَ َ‬
‫ك وَل تُطِ ْع ِمْنهُ ْم آثِما َأوْ َكفُورا وَاذْكُ ِر ا سْمَ َربّ كَ‬ ‫حكْ مِ َربّ َ‬
‫صِبرْ لِ ُ‬
‫‪ ،)99-97‬وقال عز و جل‪( :‬فَا ْ‬
‫جدْ لَ ُه وَ َسبّحْهُ َلْيلً َطوِيلً) (النسان‪ ،)26-24:‬وقال تعال‪( :‬وَا صْبِرْ‬ ‫ُبكْ َر ًة َوأَ صِيلً َومِ نَ الّليْلِ فَا سْ ُ‬
‫سبّحْ ُه َوإِ ْدبَا َر النّجُو مِ) (الطور‪:‬‬‫ك ِبأَ ْعُينِنَا وَ َسبّ ْح بِحَمْدِ َربّ كَ حِيَ َتقُو ُم َومِ نَ الّليْلِ فَ َ‬
‫حكْ مِ َربّ كَ فَِإنّ َ‬ ‫ِل ُ‬
‫س وََقبْ َل الْغُرُو بِ‬
‫صِب ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ َسبّحْ ِبحَمْدِ َربّ كَ َقبْ َل طُلُو عِ الشّمْ ِ‬ ‫‪ ،)49‬وقال عز وجل‪( :‬فَا ْ‬
‫صبْرِ‬‫سبّحْ ُه َوأَ ْدبَا َر السّجُودِ) (قّ‪ ،)40-39:‬وقال تعال‪( :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ا ْسَتعِينُوا بِال ّ‬ ‫َومِنَ الّليْلِ فَ َ‬
‫وَالصّلةِ إِنّ اللّ َه مَ َع الصّابِرِينَ) (البقرة‪ .)153:‬واليات ف هذا العن كثية·‬
‫كما أن ما يعي على الثبات والصب وعدم النكول والضعف ما ذكره المام ابن القيم رحه ال تعال‬
‫ف منلة الصب عن أنواع الصب‪ ،‬وأن هناك شروطًا ثلثة إذا حققها العبد ف صبه حصل له الثبات‪،‬‬
‫وإن تلف واحد منها أو أكثر ضعف صبه وخذل· وملخص هذه الشروط ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون الصب بال تعال؛ وذلك بالتبؤ من الول والقوة والعتراف بالضعف واللكة لو وكل‬
‫العبد إل نفسه· وهذا ينبه على ضرورة الستعانة بال عز وجل وسؤاله الصب والثبات؛ لنه سبحانه‬
‫هو الصب والثبت ولوله ل يصب الصابرون ول يثبت الجاهدون·‬
‫‪ -2‬أن يكون ال صب ل تعال؛ بأن يكون البا عث على ال صب م بة ال عز و جل وإرادة وج هه‪،‬‬
‫والتقرب إل يه ورجاء ثوا به‪ ،‬ل لظهار الشجا عة وقوة الن فس وال ستحماد إل اللق وغ ي ذلك من‬
‫الغراض·‬
‫‪ -3‬أن يكون المر الصبور عليه مرضيًا ل تعال ودائرًا مع مراده الدين وأحكامه الدينية صابرًا نفسه‬
‫معها سائرًا بسيها‪ ،‬يتوجه معها أين توجهت ركابا‪ ،‬وينل معها أين استقلت مضاربا(‪.)156‬‬

‫‪101‬‬
‫ونظرا لهية هذه الشروط ف تقيق الصب وكماله كان لزامًا على من يعدون أنفسهم للدعوة والهاد‬
‫ف سبيل ال عز وجل أن يعتنوا بذه المور‪ ،‬ويبذلوا السباب العلمية والعملية ف تقويتها ف النفس‪،‬‬
‫وأن يتوا صوا ب ا؛ ف ما خذل ع بد ف مو قف وض عف صبه ف يه إل بتخلف وا حد أو أك ثر من هذه‬
‫الشروط·‬
‫تنبيه مهم‪:‬‬
‫ين ظر كث ي من الناس إل أن ض عف ال صب لدى الداع ية أو الجا هد إن ا يتم ثل ف عدم تمله لعباء‬
‫الطر يق وأذى العداء م ا يعله ير جع إل الوراء فيف تر أو يترك الدعوة والهاد‪ ،‬أو يدا هن العداء أو‬
‫ييأس ويصيبه الحباط·‬
‫وهذا لشك أنه ضعف ف الصب والتربية‪ ،‬لكن ضعف الصب ل ينحصر ف هذا فقط‪ ،‬وإنا هناك نوع‬
‫آخر من ضعف الصب ف طريق الدعوة والهاد قد ينظر إليه ف الوهلة الول أنه شجاعة وإقدام وقوة‬
‫و صب‪ ،‬ولك نه ف القي قة إن ا ن شأ من ض عف ف ال صب وا ستعجال للنتائج· وتتجلى أه ية هذا ال مر‬
‫با صة ف واقع نا العا صر الذي يش هد من ب عض الدعاة حا سًا مفرطًا وا ستعجا ًل وم سارعة لواج هة‬
‫ل ودعوة وعدة وعتادًا·‬ ‫العداء قبل العداد والستعداد لذلك علمًا وعم ً‬
‫وقد ينظر إل هذه المارسات ‪ -‬كما أسلفت ‪ -‬على أنا قمة الشجاعة والصب والتحمل‪ ،‬لكنها ‪-‬‬
‫وال أعلم ‪ -‬قد تكون ف أغلب ها إن ا نشأت من عدم ال صب على طول الطر يق وا ستكمال جوا نب‬
‫العداد· وزاد ف إذكائها أذى العداء وما يواجهون به الدعاة من السجن والتعذيب والتقتيل(‪.)157‬‬
‫وهنا يسن الستئناس بآية (كف اليد) ف مكة؛ حيث ُأمِ َر السلمون بذلك لكمة عظيمة‪ ،‬وأحسب‬
‫أن القام مناسب لذكرها والوقوف عند مدلولتا‪ ،‬وما مدى الستفادة منها ف ضوء الصراع القائم‬
‫اليوم مع الكفار والنافقي ف داخل بلدان السلمي·‬
‫يقول ال عز وجل‪( :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي نَ قِيلَ َلهُ مْ ُكفّوا َأيْ ِديَكُ ْم َوأَقِيمُوا ال صّل َة وَآتُوا الزّكَاةَ َفلَمّا ُكتِ بَ‬
‫شَي ًة وَقَالُوا َربّنَا لِ مَ َكَتبْ تَ عََليْنَا‬
‫شَيةِ اللّ هِ َأوْ َأشَدّ خَ ْ‬
‫شوْ نَ النّا سَ َكخَ ْ‬
‫عََلْيهِ ُم اْل ِقتَالُ ِإذَا َفرِي ٌق ِمْنهُ مْ يَخْ َ‬
‫اْل ِقتَالَ َلوْل أَخّ ْرتَنَا إِلَى أَجَلٍ َقرِي بٍ قُ ْل َمتَا عُ ال ّدنْيَا قَلِي ٌل وَالْآخِ َرةُ َخْيرٌ لِمَ ِن اتّقَى وَل تُظْلَمُو نَ َفتِيلً)‬
‫(النساء‪ ،)77:‬وامتثل الرسول صلى ال عليه وسلم والسلمون معه أمر ربم فكفوا أيديهم ف مكة‬
‫وصدبوا على الذى والتعذيدب‪ ،‬وعلى كدل المارسدات السدتفزازية‪ ،‬مدع قدرتمد الفرديدة على الرد‬

‫‪102‬‬
‫والنتقام‪ ،‬وو جه الر سول صلى ال عل يه و سلم ه ه إل البيان والبلغ بدعوة التوح يد‪ ،‬وإل الترب ية‬
‫الادة لن دخل ف السلم‪ ،‬مع الستمرار على ضبط النفس‪ ،‬حت أذن ال عز وجل لم بعد ذلك ف‬
‫الجرة ث الهاد· ول نا ف رسدول ال صلى ال عل يه وسدلموصبه وعدم عجلتده ف تلك الظروف‬
‫العصيبة أسوة حسنة‪ ،‬وباصة من يعيش اليوم ف ظل النظمة الت تدعي انتسابا إل السلم ف الظاهر‬
‫بين ما حقيقت ها أن ا عدوة لل سلم وأهله؛ ح يث ي كم في ها ب كم الطاغوت ويوال أعداء ال ويؤذى‬
‫فيها أولياء ال عز وجل ودعاته الصلحون· فما أشبه واقع الصلحي اليوم ف ظل هذه النظمة بواقع‬
‫الر سول صلى ال عليه و سلم ف ظل سلطة قريش‪ ،‬مع وجود فارق مهم يؤ كد على ضرورة الصب‬
‫على الدعوة والبيان ف هذا الزمان أكثر من أي زمان مضى؛ ذلك أن النظمة العاصرة ل تعلن عداءها‬
‫لل سلم صراحة ول كفر ها بر سالة م مد صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬بل تدّ عي ال سلم واليان زورًا‬
‫وتلبي سًا· ول يفى ما ف هذا من التلبيس والداع الذي يتاج فيه الدعاة والجاهدون إل وقت ليس‬
‫بالق صي‪ ،‬وج هد ل يس بالقل يل لي صبوا ويكفوا أيدي هم ويركزوا على إزالة هذا الل بس وبيان حقي قة‬
‫اليان الق‪ ،‬وحقيقة الكفر والنفاق‪ ،‬وحقيقة سبيل الجرمي مع العداد الشامل الذكور ف الراتب‬
‫السابقة·‬
‫ولو قفزت مرحلة البيان للناس والعداد الياند للمجاهديدن إل مرحلة الصددام مدع هؤلء الزنادقدة‬
‫العاصرين فل يفى على اللبيب التتبع لسنن ال عز وجل‪ ،‬وسنن الرسلي‪ ،‬ورصيد التجارب ف القدي‬
‫والد يث ما ن شأ وين شأ من جراء ذلك من الفا سد والف ت والشرور· وإنّ ال سعيد ل ن ج نب الف ت‬
‫وات عظ بغيه· ول عل من الف يد ف هذا القام أن ن قف على ب عض ما ك تب حول آ ية ( كف ال يد)‬
‫الذكورة آنفًا·‬
‫يقول المام ا بن كث ي رح ه ال تعال‪" :‬كان الؤمنون ف ابتداء ال سلم و هم ب كة مأمور ين بال صلة‬
‫والزكاة‪ ،‬ول تكن ذات النصب‪ ،‬لكن كانوا مأمورين بواساة الفقراء منهم‪ ،‬وكانوا مأمورين بالصفح‬
‫والعفو عن الشركي والصب إل حي‪ ،‬وكانوا يترقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم‪،‬‬
‫ول يكن الال إذ ذاك مناسبًا لسباب كثية منها‪ :‬قلة عددهم بالنسبة إل كثرة عدد عدوهم‪ ،‬ومنها‬
‫كونم ف بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الرض‪ ،‬فلم يكن المر بالقتال فيه ابتداءً لئقًا؛ فلهذا‬
‫ل يؤمر بالهاد إل بالدينة لا صارت لم دار ومنعة وأنصار"(‪.)158‬‬

‫‪103‬‬
‫ويعلق صاحب الظلل رح ه ال تعال على هذه ال ية بقوله‪" :‬إن أ شد الناس حا سة واندفاعًا وتورًا‪،‬‬
‫قد يكونون هم أشد الناس جزعًا وانيارًا وهزية عندما يد الد‪ ،‬وتقع الواقعة ·· بل إن هذه قد تكون‬
‫القاعدة! ذلك أن الندفاع والتهور والما سة الفائ قة غالبًا ما تكون منبع ثة عن عدم التقد ير لقي قة‬
‫التكاليف‪ ،‬ل عن شجاعة واحتمال وإصرار‪ ،‬كما أنا قد تكون منبعثة عن قلة الحتمال؛ قلة احتمال‬
‫الضيق والذى والزية‪ ،‬فتدفعهم قلة الحتمال‪ ،‬إل طلب الركة والدفع والنتصار بأي شكل؛ دون‬
‫تقدير لتكاليف الركة والدفع والنتصار ·· حت إذا ووجهوا بذه التكاليف كانت أثقل ما قدّروا‪،‬‬
‫وأ شق م ا ت صوروا· فكانوا أول ال صف جزعًا ونكولً وانيارًا ·· على ح ي يث بت أولئك الذ ين كانوا‬
‫يسدكون أنفسدهم‪ ،‬ويتملون الضيدق والذى بعدض الوقدت‪ ،‬ويعدون للمدر عدتده‪ ،‬ويعرفون حقيقدة‬
‫تكال يف الر كة‪ ،‬ومدى احتمال النفوس لذه التكال يف· في صبون ويتمهلون ويعدون لل مر عد ته ··‬
‫والتهورون الندفعون التحم سون ي سبونم إذ ذاك ضعافًا‪ ،‬ول يعجب هم تهل هم ووزن م للمور! و ف‬
‫العركة يتبي أي الفريقي أكثر احتمالً؛ وأي الفريقي أبعد نظرًا كذلك!‬
‫وأغلب الظن أن هذا الفريق الذي تعنيه هذه اليات كان من ذلك الصنف الذي يلذعه الذى ف مكة‬
‫فل يطيقه‪ ،‬ول يطيق الوان وهو ذو عزة· فيندفع يطلب من الرسول صلى ال عليه وسلم أن يأذن له‬
‫بدفع الذى‪ ،‬أو حفظ الكرامة· والرسول صلى ال عليه وسلم يتبع ف هذا أمر ربه بالتريث والنتظار‪،‬‬
‫والتربية والعداد‪ ،‬وارتقاب ال مر ف الوقت القدر الناسب‪ ،‬فلما أن أمن هذا الفريق ف الدينة‪ ،‬ول‬
‫يعد هناك أذى ول إذلل· وبعد لسع الوادث عن الذوات والشخاص ل يعد يرى للقتال مبرًا‪ ،‬أو‬
‫على القل ل يعد يرى للمسارعة به ضرورة!‬
‫شَي ًة وَقَالُوا َربّنَا لِ مَ‬
‫شَيةِ اللّ هِ َأوْ َأشَدّ خَ ْ‬
‫شوْ نَ النّا سَ كَخَ ْ‬
‫(َفلَمّ ا ُكتِ بَ عََلْيهِ ُم اْل ِقتَالُ إِذَا َفرِي ٌق ِمْنهُ ْم يَخْ َ‬
‫ت عََلْينَا الْ ِقتَالَ َلوْل أَخّ ْرَتنَا إِلَى أَجَلٍ َقرِيبٍ) (النساء‪ :‬من الية ‪.)77‬‬ ‫َكَتبْ َ‬
‫وقد يكون هذا الفريق مؤمنًا فعلً؛ بدليل اتاه هم إل ال ف ضراعة وأسى! وهذه الصورة ينبغي أن‬
‫تكون ف ح سابنا؛ فاليان الذي ل ين ضج ب عد‪ ،‬والت صور الذي ل تت ضح معال ه‪ ،‬ول ي تبي صاحبه‬
‫وظيفة هذا الدين ف الرض؛ وأنا أكب من حاية الشخاص‪ ،‬وحاية القوام‪ ،‬وحاية الوطان؛ إذ أنا‬
‫ف صميمها إقرار منهج ال ف الرض‪ ،‬وإقامة نظامه العادل ف ربوع العال‪ ،‬وإنشاء قوة عليا ف هذه‬
‫الرض ذات سدلطان‪ ،‬يندع أن تغلق الدود دون دعوة ال‪ ،‬ويندع أن يال بيد الفراد والسدتماع‬

‫‪104‬‬
‫للدعوة ف أي مكان على سطح الرض‪ ،‬وي نع أن يف ت أ حد من الفراد عن دي نه ‪ -‬إذا هو اختاره‬
‫بكامل حريته ‪ -‬بأي لون من ألوان الفتنة ···"(‪.)159‬‬
‫ث عرج على بعض الكم من كف اليد ف مكة والمر بالصب فقال رحه ال تعال‪" :‬أما حكمة هذا‬
‫فلسنا ف مل الزم با؛ لننا حينئذ نتأل على ال ما ل يبي لنا من حكمة‪ ،‬ونفرض على أوامره أسبابًا‬
‫وعللً قد ل تكون هي ال سباب والعلل القيق ية· أو قد تكون‪ ،‬ول كن يكون وراء ها أ سباب وعلل‬
‫أخرى ل يكشف لنا عنها‪ ،‬ويعلم ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن فيها الي والصلحة ·· وهذا هو شأن الؤمن أمام‬
‫أي تكل يف أو أي ح كم ف شري عة ال ل يبي ال سببه مددًا جازمًا حا سًا‪ ،‬وبذا الدب الوا جب‬
‫نتناول حكمة عدم فرض الهاد ف مكة وفرضيته ف الدينة ·· نذكر ما يتراءى لنا من حكمة وسبب‬
‫·· على أنه مرد احتمال ·· وندع ما وراءه ل· ل نفرض على أمره أسبابًا وعللً‪ ،‬ل يعلمها إل هو ··‬
‫ول يددها هو لنا ويطلعنا عليها بنص صريح!‬
‫إنا أسباب ·· اجتهادية ·· تطئ وتصيب‪ ،‬وتنقص وتزيد‪ ،‬ول نبغي با إل مرد تدبر أحكام ال وفق‬
‫ما تظهره لنا الحداث ف مرى الزمان‪:‬‬
‫( أ ) ربا كان ذلك لن الفترة الكية كانت فترة تربية وإعداد ف بيئة معينة لقوم معيني ··· ومن‬
‫أهداف التربية ف مثل هذه البيئات تربية النفس على الصب وضبط النفس لناس كانوا يثورون لول‬
‫وهلة ول يصبون على الضيم·‬
‫(ب) وربا كان ذلك لن الدعوة السلمية أشد أثرًا وأنفذ ف مثل بيئة قريش ذات العنجهية والشرف‪،‬‬
‫والت قد يدفعها القتال ف مثل هذه الفترة إل زيادة العناد وإل نشأة ثارات دموية ····‬
‫(جد) وربا كذلك لا يعلمه ال عز وجل من أن كثيين من العاندين هم بأنفسهم سيكونون من‬
‫جند السلم الخلصي ···‬
‫( د ) ورب ا كان كذلك لقلة عدد ال سلمي حينذاك وان صارهم ف م كة؛ فلو و قع القتال لح يت‬
‫الماعة السلمة وبقي الشرك···‬
‫(هد) ل يكن هناك حاجة للقتال؛ فقد كانت الدعوة تصل إل الناس ويبلغها الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم وهذا هو الطلوب ف هذه الفترة ···)(‪.)160‬‬

‫‪105‬‬
‫ويشي ال ستاذ ممد قطب وفقه ال تعال إل بعض هذه الحكام فيقول‪" :‬من أشد ما استوقفن ف‬
‫مسية اليل الول‪ ،‬ذلك المر الربان للمؤمني أن يكفّوا أيديهم ف مرحلة التربية بكة‪ ،‬وأن يتحملوا‬
‫الذى صابرين‪ ،‬وقد أشار ال إل هذا المر ف قوله تعال‪ ،‬مذكرًا به‪( :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِينَ قِيلَ َل ُهمْ ُكفّوا‬
‫َأيْ ِدَيكُ ْم َوأَقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا الزّكَاةَ) (النساء‪ :‬من الية ‪.)77‬‬
‫وكان ب عض ال صحابة رضوان ال علي هم قد سأل الر سول صلى ال عل يه و سلم ح ي اش تد الذى‬
‫بالؤمني‪ :‬أل نقاتل القوم؟ فقال عليه الصلة والسلم‪( :‬ما أُمرنا بقتالم)(‪.)161‬‬
‫ول يرد ف النصوص ‪ -‬ل ف الكتاب ول ف السنة ‪ -‬بيان لكمة هذا المر الربان‪ ،‬ومن ث فالمر‬
‫متروك للجتهاد لعرفة الكمة منه‪ ،‬وربا كان أيسر سبيل للتعرف على حكمته أن نفترض أن الؤمني‬
‫كانوا قد دخلوا ف معركة مع قريش ف ذلك الي‪ ،‬فماذا كان يكن أن يترتب على ذلك؟ ث نتدبر‬
‫الفوائد الت تققت حي كفوا أيديهم ول يدخلوا ف معركة ف ذلك الوقت·‬
‫أبسط ما يكن أن يتصور من نتائج هذه العركة غي التكافئة أن تتمكن قريش من إبادة الؤمني‪ ،‬وهم‬
‫حينئذ قلة مستضعفة ل سند لا‪ ،‬فينتهي أمر الدعوة الديدة ف معركة واحدة أو عدة معارك متلحقة‪،‬‬
‫دون أن يتحقق الدف‪ ،‬ودون أن يتعرف الناس على حقيقة الدعوة‪ ،‬ودون أن يكتب لا النتشار·‬
‫ونفترض أن العركة ‪ -‬على الرغم من عدم تكافئها ‪ -‬ل تؤد إل إبادة الؤمني كلهم‪ ،‬فثمة أمر آخر‬
‫على غاية من الهية‪ ،‬يلفت انتباهنا بشدة‪ ،‬لتصاله با يرى من أحداث ف وقتنا الاضر·‬
‫لن كانت الشرعية ف تلك الرحلة ف مكة؟ لقد كانت ف حس الناس جيعًا لقريش··!‬
‫وما وضع الؤمني يومئذ؟ وضعهم أنم خارجون على الشرعية··! ومن حق صاحب الشرعية ‪ -‬ول‬
‫شك ‪ -‬أن يؤدب الارجي عليه!‬
‫و صحيح أن قريشًا تش تد ف "التأد يب" إل حد الفظا ظة والق سوة‪ ،‬وأن ب عض الناس قد يتأذى لذه‬
‫الفظاظة‪ ،‬حت ليحاول أن يبسط حايته ‪ -‬أو جواره ‪ -‬على بعض العذبي الستضعفي‪ ،‬ولكن يظل‬
‫المر ف حس الناس ‪ -‬من حيث البدأ ‪ -‬أن قريشًا هي صاحبة الشرعية‪ ،‬وأن الؤمني خارجون على‬
‫الشرعية‪ ،‬وأن من حق صاحب الشرعية أن يؤدب الارجي عليه!‬
‫فهل كان من مصلحة الدعوة أن يدخل الؤمنون يومئذٍ ف معركة مع قريش‪ ،‬وهذا التصور هو السائد‬
‫بي الناس؟!‬

‫‪106‬‬
‫كل بالطبع! والن فلننظر ماذا ت حي استجاب الؤمنون للمر الربان وكفوا أيديهم·‬
‫ل قد ت ت أمور كثية ف القي قة ····· و من خلل ( ُكفّوا َأيْ ِديَكُ مْ) تكو نت النواة الم ال ت صنعت‬
‫التاريخ!‬
‫ولو كان الؤمنون قد دخلوا ف معر كة مع قر يش ف م كة‪ ،‬لتأ خر كثيًا تكوّن النواة الم‪ ،‬ولتغيت‬
‫كثيًا صفاتا الت اكتسبتها‪ ،‬وذلك فوق الغبش الذي كان سيصيب قضية ل إله إل ال‪ ،‬حي تتحول‬
‫إل قضيدة ضارب ومضروب‪،‬وغالب ومغلوب‪ ،‬ولتأخدر كذلك التجمدع الصدلب حول النواة الصدلبة‬
‫الصقولة التينة البناء ·· لقد تت أمور على غاية من الهية ف مسية الدعوة·‬
‫ت ترير موضع الناع‪ ،‬إن صح التعبي ·· إنه قضية "ل إله إل ال" دون غيها من القضايا ··‬
‫ل يس ال صراع الدائر ب ي قر يش وب ي الؤمن ي على سيادة أرض ية‪ ،‬ول على ال سلطة ال سياسية (و قد‬
‫عُرضت السلطة على رسول ال صلى ال عليه وسلم فأباها‪ ،‬وأصرّ على ل إله إل ال‪ ،‬والؤمنون من‬
‫جانبهم ل يتحركوا حركة واحدة تدف إل الستيلء على السلطة) ··‬
‫ليس الصراع على "شرف" سدانة البيت‪ ،‬ول "وجاهة" خدمة الجيج ··‬
‫ل يس على القوة القت صادية ال ت تلك ها قر يش وحد ها دون الؤمن ي‪ ،‬وتارب الؤمن ي من خلل ا‬
‫بالصار والتجويع‪ ،‬والؤمنون ل يتعرضون لا من قريب ول بعيد·‬
‫ال صراع كله على القض ية ال كبى ال ت هي ‪ -‬وال ت ي ب أن تكون دائمًا ‪ -‬القض ية الول‪ ،‬والقض ية‬
‫ب المر؟ من الشرّع؟ من واضع منهج‬ ‫الكبى ف حياة النسان؛ قضية من العبودُ؟ ومن ثَمّ من صاح ُ‬
‫الياة؟ قريش تريدها حسب أهوائها وخيالتا وموروثاتا وأعرافها‪ ،‬والؤمنون حول رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يريدونا ل·‬
‫وت تركيز الهد وتوفيه لتربية القاعد الصلبة‪ ،‬الت ستحمل البناء‪ ،‬وت ترير قضية "الشرعية"‪ ،‬بتفصيل‬
‫اليات واستبانة سبيل الجرمي·‬
‫وت أخيًا اتساع القاعدة بالنود الذين استضاءوا بالنار الت اكتوى با أهل النواة الم‪ ،‬فتجمعوا بقدر‬
‫من ال‪ ،‬وبسب سنة من سنن ال‪ ،‬حول تلك النواة‪ ،‬مضيفي إليها قوة حقيقية ف الصراع·‬
‫ث ت أمر آخر بالغ الهية كذلك؛ وهو التجرد ل·‬

‫‪107‬‬
‫إن التجرد ل عنصر من أهم العناصر الت تتاج إليها الدعوة‪ ،‬إن ل يكن أهها على الطلق‪ ،‬بالنسبة‬
‫للقاعدة بصفة خاصة‪ ،‬وبالنسبة لميع العالي على وجه العموم·‬
‫ولقد تعمق التجرد ل ف قلوب الصفوة الختارة‪ ،‬خلل فترة التربية ف مكة‪ ،‬من خلل اليات النلة‬
‫من ع ند ال‪ ،‬تد عو إل إخلص العبادة ل‪ ،‬و من خلل القدوة الباشرة ف ش خص الر سول صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬يعلمهم بالسلوك العملي كيف يكون إخلص العبادة ل"(‪.)162‬‬
‫والقصود بيان أن الستعجال ف جهاد الكفار قبل العداد اليان التمثل ف التربية على العلم بالشرع‬
‫ور سوخ العقيدة‪ ،‬والع مل ال صال‪ ،‬والدعوة والبلغ للناس؛ ف يه من الفاسد والشرور ال ت يتح تم على‬
‫الدعاة والجاهدين أن يدرءوها بالصب وضبط النفس ومواصلة العداد الشامل حت يهيئ ال عز وجل‬
‫الظروف والسباب الت يُ َمكّن ال با لهل الق ويدمغ الباطل وأهله·‬
‫وإن النا ظر اليوم ف ب عض الركات التعجلة ال ت أعل نت الهاد ق بل العداد والدعوة والبيان الكاف ية‬
‫لتجل ية سبيل الؤمن ي و سبيل الجرم ي للناس‪ ،‬ليى فتنًا ومفا سد قد ظهرت ب سبب هذا ال ستعجال‬
‫وض عف ال صب على طول الطر يق· و قد يت هم ب عض التحم سي لبدء ال صدام مع الكفار والنافق ي‬
‫إخوانمد الذيدن يرون التربيدة والعداد والبدء بهاد البيان قبدل جهاد السدنان بأنمد مذلون‪ ،‬أو أنمد‬
‫يريدون السلمة وعدم التعرض لي شيء يؤذيهم ويكدر عليهم حياتم·‬
‫وللرد على هذه التهمدة يقال لمد‪ :‬إن إخوانكدم الذيدن يرون الصدب على جهاد النفدس وجهاد البيان‬
‫للناس إنا هم ف جهاد ويشاركونكم الغاية والدف‪ ،‬وهم بذلك يعدون العدة لهاد الكفار وقتالم ف‬
‫الوقت الناسب بعد الخذ بأسباب النصر والتمكي· وهم بطرحهم هذا يؤدون واجب النصح لكم لا‬
‫ف قلوبم من الشفقة عليكم‪ ،‬والب والولء لكم‪ ،‬ولكل من يهمه أمر هذا الدين ويسعى لنصرته؛‬
‫فهم يتواصون معكم بالق والصب وليسوا مذلي·‬
‫أما القول بأنم يسعون بطرحهم هذا إل تنيب أنفسهم البلء والعناء‪ ،‬فل شك أن السلمة والعافية‬
‫مطلوبان‪ ،‬لكدن البتلء والتمحيدص سدنة مدن سدنن ال عدز وجدل فد عباده وباصدة الدعاة منهدم‬
‫والجاهدين‪ ،‬قال تعال‪( :‬وََلَنبُْل َونّكُ مْ َحتّى َنعْلَ َم الْمُجَاهِدِي نَ ِمْنكُ ْم وَال صّابِرِي َن َوَنبُْلوَ أَ ْخبَارَكُ مْ) (ممد‪:‬‬
‫سبَ النّاسُ أَ ْن ُيتْرَكُوا َأنْ َيقُولُوا آ َمنّا َوهُمْ ل ُي ْفَتنُونَ) (العنكبوت‪.)2-1:‬‬ ‫‪ .)31‬وقال تعال‪( :‬ال أَحَ ِ‬

‫‪108‬‬
‫وإن جهاد النفدس‪ ،‬والبيان للناس ليدس أمرًا هينًدا· وأصدحابه معرضون لذى العداء وسدجونم‬
‫وتعذيب هم؛ لن جهاد البيان يقت ضي بيان ال ق‪ ،‬وف ضح ما يضاده من البا طل‪ ،‬وهذا أ مر ل ير ضى به‬
‫الكفار والنافقون و من ث سيجندون و سائلهم الختل فة من تشو يه‪ ،‬وترغ يب وتره يب‪ ،‬و كل ما‬
‫ي ستطيعون لخاد صوت ال ق وإ سكات أهله· وهذا كله بلء وفت نة يتعرض ل ا الدعاة الذ ين يعدون‬
‫أنفسهم وأمتهم للجهاد‪ ،‬وليكون الدين كله ل·‬
‫وإن ما يؤ سف له أن الطاب الدعوي اليوم يفت قد إل البلغ ال بي‪ ،‬بل إن كثيا منه يع طي الشرعية‬
‫للطاغوت إما ضمنا وهو الكثر وإما تصريا؛ ول يفى ما ف ذلك من التلبيس·‬
‫والوا جب على رموز الدعوة أن يبينوا ال ق والبا طل للناس ويتجنبوا الطابات ال سياسية ال ت تشوش‬
‫وتلبس على الناس فهذا جعفر بن أب طالب رضي ال عنه لا سأله النجاشي عن قولم ف السيح كان‬
‫البيان منه واضحًا صريا· وكان هذا الواب منه يكن أن ينهي وجود السلمي معه ف البشة· لكن‬
‫جعفرًا وأ صحابه ر ضي ال عن هم قد تعلموا من مدر سة النبوة أن ل تنازل عن الثوا بت والحكمات‬
‫حت ف مرحلة السلم والستضعاف·‬
‫ويسن بذه الناسبة إيراد ما ذكره المام ابن تيمية ‪ -‬رحه ال تعال ‪ -‬ف أهية وفضل جهاد البيان‪،‬‬
‫وذلك ف كتابه العظيم "منهاج السنة" وهو يرد على شبهة الرافضي ف أن عليًا رضي ال عنه قد سبق‬
‫الشيخي أبا بكر وعمر رضي ال عنهما ف الشجاعة والهاد ف سبيل ال عز وجل· حيث أوضح ‪-‬‬
‫رحه ال تعال ‪ -‬عكس ذلك بقوله‪:‬‬
‫"وما ينبغي أن يُعلم أن الشجاعة إنا فضيلتها ف الدين لجل الهاد ف سبيل ال‪ ،‬وإل فالشجاعة إذا‬
‫ل يستعن با صاحبها على الهاد ف سبيل ال‪ ،‬كانت‪ :‬إمّا وبالً عليه‪ ،‬إن استعان با صاحبها على‬
‫طاعة الشيطان‪ ،‬وإما غي نافعة له‪ ،‬إن استعملها فيما ل يقرّبه إل ال تعال·‬
‫فشجاعة عل يّ والزبي وخالد وأب دجانة والباء بن مالك وأب طلحة‪ ،‬وغيهم من شجعان الصحابة‪،‬‬
‫إنا صارت من فضائلهم لستعانتهم با على الهاد ف سبيل ال؛ فإنم بذلك استحقّوا ما حد ال به‬
‫الجاهدين·‬
‫وإذا كان كذلك‪ ،‬فمعلوم أن الهاد منده مدا يكون بالقتال باليدد‪ ،‬ومنده مدا يكون بالج ّة والبيان‬
‫والدعوة·‬

‫‪109‬‬
‫ِهد ِجهَادا َكبِيا)‬
‫ُمد ب ِ‬
‫ِيند وَجَاهِ ْده ْ‬
‫ِعد اْلكَافِر َ‬
‫قال ال تعال‪( :‬وََلوْ شِئْنَا َلَب َعثْنَا فِي كُلّ قَ ْرَي ٍة نَذِيرا فَل تُط ِ‬
‫(الفرقان‪ )52-51:‬فأمره ال سبحانه وتعال أن يا هد الكفّار بالقرآن جهادًا كبيًا· وهذه ال سورة‬
‫مكيّة نزلت بكة‪ ،‬قبل أن يهاجر النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقبل أن يُؤمر بالقتال‪ ،‬ول يؤذن له· وإنا‬
‫كان هذا الهاد بالعلم والقلب والبيان والدعوة ل بالقتال· وأمدا القتال فيحتاج إل التدبيد والرأي‪،‬‬
‫ويتاج إل شجا عة القلب‪ ،‬وإل القتال بال يد· و هو إل الرأي والشجا عة ف القلب ف الرأس الطاع‬
‫أحوج منه إل قوة البدن· وأبو بكر وعمر رضي ال عنهما مقدّمان ف أنواع الهاد غي قتال البدن·‬
‫قال أ بو م مد بن حزم‪" :‬وجدنا هم يتجون بأن عليًا كان أك ثر ال صحابة جهادًا وطع نا ف الكفّار‬
‫وضربا‪ ،‬والهاد أفضل العمال· قال‪ :‬وهذا خطأ‪ ،‬لن الهاد ينقسم أقساما ثلثة‪ :‬أحدها‪ :‬الدعاء إل‬
‫ال تعال باللسدان· والثاند‪ :‬الهاد عندد الرب بالرأى والتدبيد· والثالث‪ :‬الهاد باليدد فد الطعدن‬
‫والضرب· فوجدنا الهاد باللسان ل يلحق فيه أحد بعد النب صلى ال عليه وسلم أبا بكر ول عمر·‬
‫أما أبو بكر فإن أكابر الصحاب أسلموا على يديه‪ ،‬فهذا أفضل عمل‪ ،‬وليس لعليّ من هذا كثي حظ·‬
‫وأمدا عمدر فإنده مدن يوم أسدلم ع ّز السدلم وعُبِ َد ال علنيدة‪ ،‬وهذا أعظدم الهاد· وقدد انفرد هذان‬
‫الرجلن بذين الهادين اللذين ل نظي لما·‬
‫وبقي القسم الثان‪ ،‬وهو الرأي والشورة‪ ،‬فوجدناه خالصا لب بكر ث لعمر·‬
‫بقي القسم الثالث‪ ،‬وهو الطعن والضرب والبارزة‪ ،‬فوجدناه أقل مراتب الهاد ببهان ضروري‪ ،‬وهو‬
‫أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل شك ع ند كل م سلم ف أ نه الخ صوص ب كل فضيلة‪ ،‬فوجد نا‬
‫جهاده صلى ال عليه وسلم إنا كان ف أكثر أعماله وأحواله بالقسمي الوّلي من الدعاء إل ال عز‬
‫وجل والتدبي والرادة‪ ،‬وكان أقل عمله الطعن والضرب والبارزة‪ ،‬ل عن جب‪ ،‬بل كان أشجع أهل‬
‫الرض قاطبدة نفسدا ويَدًا‪ ،‬وأتهدم ندة‪ ،‬ولكنده كان يؤثدر الفضدل فالفضدل مدن العمال‪ ،‬فيقدمده‬
‫ويشتغل به‪ ،‬ووجدناه يوم بدر ‪ -‬وغيه ‪ -‬كان أبو بكر معه ل يفارقه‪ ،‬إيثارًا من النب صلى ال عليه‬
‫و سلم له بذلك‪ ،‬وا ستظهارًا برأ يه ف الرب‪ ،‬وأُنْ سًا بكا نه‪ ،‬ث كان ع مر رب ا شُورك ف ذلك‪ ،‬و قد‬
‫انفرد بذا الحل دون عليّ ودون سائر الصحابة‪ ،‬إل ف الندرة·‬
‫ث نظرنا مع ذلك ف هذا القسم من الهاد‪ ،‬الذي هو الطعن والضرب والبارزة‪ ،‬فوجدنا عليًا ل ينفرد‬
‫بال سيوف ف يه‪ ،‬بل قد شار كه ف يه غيه شر كة العيان‪ ،‬كطل حة والزب ي و سعد‪ ،‬و من قُ تل ف صدر‬

‫‪110‬‬
‫السلم‪ ،‬كحمزة وعبيدة بن الارث بن عبدالطلب ومصعب بن عمي‪ ،‬ومن النصار سعد بن معاذ‬
‫و ساك بن خر شة ‪ -‬يع ن أ با دجا نة ‪ -‬وغيه ا‪ ،‬ووجد نا أ با ب كر وع مر قد شاركاه ف ذلك ب ظ‬
‫حسن‪ ،‬وإن ل يلحقا بظوظ هؤلء‪ ،‬وإنا ذلك لشغلهما بالفضل مع ملزمة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ومؤازرته ف حي الرب‪ ،‬وقد بعثهما على البعوث أكثر ما بعث عليًا‪ ،‬وقد بعث أبا بكر إل‬
‫بن فزارة وغيهم‪ ،‬وبعث عمر إل بن فلن‪ ،‬وما نعلم لعل يّ بعثا إل إل بعض حصون خيْب ففتحه·‬
‫(‬
‫فحصل أرفع أنواع الهاد لب بكر وعمر‪ ،‬وقد شاركا عليًا ف أقل أنواع الهاد‪ ،‬مع جاعة غيهم"‬
‫‪.)163‬‬
‫إذن فأمدر العداد للجهاد باليان والبيان ليدس أمرًا سدهلً إذا أخدذ بعزم وجدد· وكدم يتاج مدن‬
‫التضحيات وال صب وال صابرة وطول الن فس· و قد يتعرض أهله ف يه من البلء والقرح والشدائد ما قد‬
‫يفوق ما يتعرض له الجاهد ف ساحات الوغى من الهالك والتالف·‬
‫ونظرة سريعة إل ما تعرض إليه الرسول صلى ال عليه وسلم ومن معه من الؤمني ف مكة من البلء‬
‫ل على أن جهاد الترب ية والعداد والبلغ والبيان‬
‫والتعذ يب وال صار والتجو يع والتشر يد تعطي نا دلي ً‬
‫يتاج إل صب وتضحية واستعلء على حب الراحة والسلمة ل يقل عن الصب على قتال العداء·‬
‫إذن فالقول بأن الدعوة إل الصدب على إعداد النفوس للجهاد وبيان القد للناس‪ ،‬وعدم العجلة فد‬
‫منازلة الكفار قبل أوانا؛ بأنه هروب من الشدائد وإيثار للسلمة ليس صحيحًا ولمقبولً لا قدمنا·‬
‫نسأل ال عز وجل العافية ف ديننا ودنيانا وعاجل أمرنا وآجله·‬

‫تعقيبدددات‬
‫ف ختام هذه الر سالة التعل قة بالترب ية الهاد ية أورد ب عض التعقيبات اله مة التعل قة بالعداد للجهاد‬
‫أُضمن بعضها تتمات لسائل ل تأخذ حظها من اليضاح مع القناعة بأهيتها· وأضمن بعضها الخر‬
‫استدراكًا لبعض السائل الت لا علقة بالعداد لكنن غفلت عن ذكرها ف زحة السائل الخرى·‬

‫التعقيب الول ‪ :‬تداخل مراتب جهاد النفس بعضها مع بعض ‪:‬‬

‫‪111‬‬
‫إن ما ذكر من جوانب العداد ومراتبه (العلم والعمل والدعوة والصب) ل يعن البقاء ف مرتبة بيث‬
‫ل ينت قل من ها إل ال ت تلي ها ح ت ت ستكمل ال ت قبل ها· إن هذا غلط وف هم خا طئ لتحق يق مرا تب‬
‫العداد· والطلوب الخد بالراتب كلها وتكميل ما ل يكمل منها؛ فمجاهدة النفس وإعدادها بالتعلم‬
‫والتبصر ف الدين ل يعن ترك ماهدتا بالعمل الصال‪ ،‬وماهدتا بالدعوة إل الدى والمر بالعروف‬
‫والنهي عن النكر‪ ،‬والصب على ذلك كله· وكلما علم العبد شيئًا من دين ال تعال جاهد نفسه للعمل‬
‫به والدعوة إليه والصب على العمل والدعوة معًا· والسلمون اليوم ‪ -‬وباصة من يهمهم أمر هذا الدين‬
‫حوّلون فيه هذا العلم إل عمل ودعوة؛ أي‬ ‫‪ -‬لديهم رصيد ل بأس به من العلم يبدأون به العداد ويُ َ‬
‫إن م ل يبدأون العداد العل مي و هم خلو م نه؛ بل إن لدي هم من العلم قدرًا جيدًا‪ ،‬وحين ها يطالبون‬
‫بالهاد للع مل بذا العلم وتكم يل ما ينق صهم من العلم العي ن لو و جد ن قص ف ذلك· والق صود أن‬
‫الربي لن يدوا أنفسهم أمام أفراد ل علم عندهم‪ ،‬بل العلم موجود والمد ل‪ ،‬والطلوب تكميله ف‬
‫نفس الوقت الذي يصل فيه الجاهدة بالعمل به والدعوة إليه·‬

‫التعقيب الثان ‪ :‬تفاوت التربي ف تصيل مراتب الهاد‪ ،‬والعناية بالبزين منهم ‪:‬‬
‫يتفاوت التربون الذ ين يُعدون للجهاد ف ال خذ بذه الرا تب وتكميل ها وإتقان ا‪ ،‬ول يس مطلوبًا أن‬
‫يكونوا ف مرتبة واحدة‪ ،‬وإنا الطلوب التأكيد عليها والسعي لجاهدة النفس ف الخذ با· مع التأكيد‬
‫على ضرورة العنا ية بطائ فة من الذ ين يعدون أنف سهم للجهاد‪ ،‬والذ ين تظ هر علي هم علمات ال صدق‬
‫والد والخلص والمة العالية لتكميل هذه الراتب؛ فهؤلء وأمثالم ينبغي أن يكون لم شأن آخر ف‬
‫العداد‪ ،‬وأن ل يت سامح مع هم ك ما يت سامح مع غي هم‪ ،‬وإن ا يطلب من هم تكم يل هذه الرا تب قدر‬
‫المكان؛ حت يكونوا على قدر من العلم بالشريعة والواقع يؤهلهم لتربية أنفسهم والتأثي على الناس‪،‬‬
‫ويكونوا على قدر كدبي مدن‪ :‬العمدل الصدال‪ ،‬والخلص‪ ،‬والصددق‪ ،‬والتوكدل على ال عدز وجدل‪،‬‬
‫والزهد ف الدنيا‪ ،‬والتقرب إل ال عز وجل بالطاعات فرضها ونفلها؛ حت يتحملوا الشدائد ويكونوا‬
‫قدوات لغي هم ف العلم والع مل‪ ،‬ويكونوا على قدر كبي من الدعوة والتأث ي ف الناس وبيان ال ق‬
‫والبا طل ل م‪ ،‬وعلى قدر عظ يم من ال صب يتحملون به ما يواجه هم من الذى والبتلء من الكفار‬
‫والنافقي وأصحاب القلوب الريضة·‬

‫‪112‬‬
‫وهذه الفئة من الدعاة والجاهد ين ضرور ية لن ا بثا بة القاعدة ال صلبة ال ت يثبت ها ال عز و جل ع ند‬
‫الشدائد‪ ،‬ويث بت ب ا ال صف ال سلمي من التف كك والضطراب ع ند النوازل· وهذا هو الذي قام به‬
‫الندب صدلى ال عليده وسدلم أثناء الدعوة والعداد فد العهدد الكدي؛ حيدث قام بتربيدة هذه الفئة مدن‬
‫ال سلمي وربا ها بالعلم والع مل والتجرد والخلص وال صب والتو كل على ال عز و جل‪ ،‬ف صلب‬
‫عودها وثبتت أمام البلء والحن‪ ،‬وكانت القاعدة الصلبة الت قام عليها سوق الدعوة والهاد‪ ،‬وفتح‬
‫ال عز وجل با الدنيا‪ ،‬وحى با بيضة السلم من العداء التربصي·‬
‫و عن أه ية إعداد القاعدة ال صلبة يقول الدكتور‪ /‬عبدال القادري حف ظه ال تعال‪" :‬كث ي من الناس‬
‫يستجيبون لنداء الق ولتطبيق هذا الدين على أنفسهم فينفذون أوامر ال ويتنبون ما نى عنه‪ ،‬وقد‬
‫يلطون العمل الصال بآخر سيء‪ ،‬ولكن قليل هم الذين يستجيبون لذا الدين فيطبقونه على أنفسهم‪،‬‬
‫ويملون غيهم من قريب أو بعيد على تطبيقه بالدعوة والمر بالعروف والنهي عن النكر وبذل الال‬
‫والاه والنصب ف سبيل ال وتقدي النفس ف ساح الوغى لهاد أعداء ال وإعلء كلمة ال·‬
‫هذا القل يل ي ب أن يأ خذ حظًا أو فر من الدعوة والتوج يه والتزك ية والتطه ي والعداد لتح مل أعباء‬
‫الدعوة وتكاليفها‪ ،‬ويعن به أكثر من غيه؛ لن هذا الصنف هو الذي يثبت وقت الشدائد والحن‪،‬‬
‫و هو الذي يل تف حوله من ل يبلغ مثله ف إيا نه وتمله· ولول أن ال تعال يه يئ لعا مة الناس رجالً‬
‫يلتفون حول م ويقتدون بم ويرون فيهم ما يذب م إل الثبات معهم ل ا كان لولئك العامة من شأن‬
‫يذكر‪ ،‬بل لكانوا ف مهب الرياح أينما تيلها تل·‬
‫لذلك كان من الواجب على الدعاة أن يتاروا ذوي الواهب العالية ف العلم والعمل والذكاء والقدرة‬
‫على الستيعاب‪ ،‬والصب واللد والقيادة؛ يولوهم من العناية ما يأخذ بأيديهم إل الستوى اللئق بم‪،‬‬
‫ويدربو هم على ت مل م سؤولياتم؛ ك ّل في ما يظ هر أ نه أن فع ف يه من غيه‪ ،‬وذلك هو الذي يض من‬
‫بتوفيق ال استمرار صفوف الدعاة إل ال وقادتا؛ لن القائد الواحد يرب قادة‪ ،‬والصف يرب صفوفًا؛‬
‫كل ما ذ هب قائد حل قائد آ خر مله‪ ،‬وكل ما ذ هب صف تقدم إل مكا نه ال صف الذي يل يه‪ ،‬ك ما‬
‫يضمدن بقاء الروح الهاديدة فد النفوس ··· وهذا العداد يكون بتقويدة اليان‪ ،‬وتزكيدة الخلق‬
‫الفاضلة‪ ،‬وكثرة الطا عة ل ولر سوله‪ ،‬والب عد عن الع صية‪ ،‬والتوع ية الكاملة والف قه ف الد ين ومعر فة‬

‫‪113‬‬
‫مشكلت العصدر وحلهدا‪ ،‬والتدريدب العملي على البذل والنفاق وإيثار الدعوة السدلمية بالنفدس‬
‫والنفيس‪ ،‬والخلص الكامل والتجرد ل وحده·‬
‫وهذا العداد مع صعوبته وطول مدته الت تتاج إل صب وجلد خي من العجلة ف جع جاهي ذوي‬
‫عواطف تبهج النفس وتنعشها العواطف ···"(‪.)164‬‬
‫وعن ضرورة تكوين القاعدة الصلبة والعتناء با ودورها ف حاية الدين وأهله يتحدث سيد قطب ‪-‬‬
‫رح ه ال تعال ‪ -‬عن القاعدة ال صلبة من الهاجر ين والن صار فيقول‪" :‬إن هذه القاعدة ال صلبة من‬
‫الهاجرين الوائل هي الت انضم إليها السابقون من النصار‪ ،‬ليكونوا القاعدة ف الدينة ‪ -‬قبل بدر ‪-‬‬
‫وليكونوا هم الراس القوياء الشداء ف فترة التخل خل ال ت أعق بت الن صر ف بدر‪ ،‬بالتو سع الف قي‬
‫الذي جاء بأعداد جديدة ل تنضج بعد‪ ،‬ول تتناسق مع القاعدة ف مستواها اليان والتنظيمي·‬
‫وأخيا فإن القاعدة ال صلبة ال ت ات سعت أبعاد ها قب يل الف تح‪ ،‬ح ت صارات تتم ثل ف الجت مع الد ن‬
‫بملته‪ ،‬هي الت حرست السلم وصانته من الزات بعد الفتح ث من الزة الكبى بعد وفاة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وارتداد الزيرة عن السلم·‬
‫··· إنه ابتداء يب توجيه الرص كله لقامة القاعدة الصلبة من الؤمني اللص‪ ،‬الذي تصهرهم الحنة‬
‫فيثبتون عليها؛ والعناية بتربيتهم تربية إيانية عميقة تزيدهم صلبة وقوة ووعيا ···"(‪.)165‬‬

‫التعقيب الثالث ‪ :‬الذر من اختراق النافقي للصف السلم‪ ،‬وتبوّئهم للمراتب العليا فيه ‪:‬‬
‫وهو مرتبط با قبله؛ وذلك من جهة التأكيد على ثرة مهمة من ثار العداد القوي للقاعدة الصلبة؛‬
‫أل وهي تصي الصف السلم أثناء العداد وأثناء الهاد من النافقي الذين يظهرون الصلح وحب‬
‫الدعوة والهاد ح ت يترقوا صفوف الدعاة والجاهد ين وي صلوا إل م ستويات متقد مة ف التوج يه‬
‫والتأثيد‪ ،‬وهدفهدم مدن الختراق أمور خطية مدن أههدا‪ :‬زعزعدة الصدف مدن داخله‪ ،‬وبدث الشقاق‬
‫والفر قة ب ي الدعاة والجاهد ين‪ ،‬و من أخ طر أهداف الختراق‪ :‬الطلع على خ طط الدعاة وأ سرار‬
‫الجاهديدن وإيصدالا إل أوليائهدم مدن الطواغيدت والكفرة حتد يقطعوا على الصدف السدلم أهدافده‬
‫ويعرضوا أهله للبليا والحن·‬

‫‪114‬‬
‫لذا وجب على التصدرين للدعوة والعداد والتربية الذر الشديد من هؤلء النافقي الذين يتربصون‬
‫بالسدلمي الدوائر؛ قال ال عدز وجدل فد التحذيدر منهدم ومدن غيهدم‪( :‬يَا َأيّهَا الّذِينَد آ َمنُوا خُذُوا‬
‫حِذْرَكُمْ) (النساء‪ :‬من الية ‪.)71‬‬
‫وإن التأمل ف تاريخ السلمي ف القدي والديث ليى أنه ما من مأساة و انتكاسة أو منة وقعت‬
‫بالصف السلم إل وكان للمنافقي يد فيها‪ ،‬ولذا فإن من أهم ما ينبغي الرص عليه ف العداد للجهاد‬
‫الذر من النافقي وتصي الصف من اختراقهم·‬
‫ومن أهم وسائل التحصي الهتمام بالقاعدة الصلبة‪ ،‬وحسن إعدادهم وتربيتهم ولو طال الزمان‪ ،‬وأن‬
‫ل يصل إل مستوى التوجيه والعداد إل من صهرته التربية وظهر صبه وفضله وتقواه وصدقه‪ ،‬وأن‬
‫يرص على الترب ية الادة ود قة الختيار‪ ،‬والذر م ن كان له تار يخ ف النفاق ولو صلح ب عد ذلك‪،‬‬
‫وكذلك الذر من كل من ارت فع ا سه فجأة ف أو ساط الدعاة‪ ،‬ومعر فة ال سبب ف اشتهاره هل هو‬
‫عمله أم أن جهات أخرى تولت هذه الهمدة؟! فينبغدي الذر مدن أمثال هؤلء فل تسدند إليهدم‬
‫مسؤوليات مهمة ف الدعوة والعداد·‬
‫و عن خ طر النافق ي ف واقع نا العا صر وضرورة ت صي ال صف من هم يقول أ حد الدعاة النا صحي‪:‬‬
‫"مرت فترات من عصرنا الديث اشتد فيها عود الماعات السلمية‪ ،‬وقويت شوكتها‪ ،‬وعل أمرها‪،‬‬
‫وتقق لا بعض أهدافها ف أكثر من بلد من عالنا السلمي الكبي·‬
‫وف مثل هذه الجواء يستغل النافقون مبدأ التوبة إل ال‪ ،‬فيترددون على الساجد‪ ،‬ويشهدون حلقات‬
‫الذ كر‪ ،‬ويكتبون القالت ال ت يعربون في ها عن ندم هم على ما اقترف ته أيدي هم من ذنوب ومعاص‪،‬‬
‫ويتدبأون مدن ماضيهدم السدود‪ ،‬ويشنون حربًا ضروسدًا على رفاق دربمد القدامدى مدن الفاسددين‬
‫والعلمانيي·‬
‫ويرحب بتوبتهم الذين يأخذون المور على ظواهرها من الدعاة وبعض قادة الماعات‪ ،‬وإذا قيل لم‪:‬‬
‫احذروا مدن هؤلء الوافديدن الدد‪ ،‬ول تسدندوا إليهدم مناصدب قياديدة‪ ،‬وتذكروا ظهور النفاق بعدد‬
‫غ دزوة ب ددر ال كبى‪ ،‬ول تن سدوا أنّ تف شي ه دذه الظاه درة يك ثر بع دد انت صارات الدعاة‬
‫والماعات ال سلمية؛ قالوا‪ :‬ل نكلف بالب حث عن نوا يا الناس و ما تف يه قلوب م‪ ،‬والذي نعل مه أن‬
‫التوبة تب ما قبلها‪ ،‬وال جل وعل يغفر الذنوب جيعًا‪ ،‬إنه هو الغفور الرحيم·‬

‫‪115‬‬
‫ونن ل نطلب من إخواننا الدعاة القادة البحث عن نوايا الناس‪ ،‬وما تكنه قلوبم‪ ،‬ول نريد منهم طرد‬
‫من جاء تائبًا م ستغفرًا؛ ول كن الذي نريده ونؤ كد عل يه أل ت سند لؤلء التائب ي وظائف قياد ية لن‬
‫علمهم الشرعي وماضيهم ل يسمحان بذلك·‬
‫وف خضم هذه النشطة السياسية الت تنقصها التربية والعداد ت اختراق معظم الماعات السلمية‬
‫مدن قبدل أشخاص مشبوهيد يقولون مدا ل يفعلون‪ ،‬ويظهرون مدا ل يبطنون‪ ،‬أو مدن قبدل أشخاص‬
‫مترفيد يظنون أن الدعوة إل ال‪ ،‬والعمدل مدن أجدل تكيدم شريعتده خاليدة مدن التمحيدص والبتلء‬
‫وخشو نة الع يش ··· وإذا كا نت معارك الوحد ين الدعاة مع الطغاة دائ مة وم ستمرة‪ ،‬وشعار الذر‬
‫يب أن يستمر مرفوعا‪ ،‬فهناك مراحل تتضاعف فيها الاجة إل الذر‪ ،‬ومنها هذه الرحلة الت مضى‬
‫عليها أكثر من عقدين‪ ،‬وشهدنا فيها سقوط أصنام متعددة‪ :‬شهدنا سقوط الصنم القومي‪ ،‬والصنم‬
‫الثوري الشترا كي‪ ،‬وشهد نا سقوط رائد القوم ية والتقدم ية والوحدة‪ ،‬ال صنم الذي عبده كث ي من‬
‫الماهي من دون ال·‬
‫ك فر الناس بذه ال صنام كل ها‪ ،‬وأيقنوا أن بعد هم عن ال سلم هو سبب هذه الزائم التكررة‪ ،‬وعاد‬
‫الشباب إل د ين ال أفواجا‪ ،‬وأ صبحت ال صحوة ال سلمية حد يث الشرق والغرب‪ ،‬وقو يت شو كة‬
‫الماعات السلمية‪ ،‬وكثر أنصارها ··· إن قوة الدعاة والماعات السلمية مسألة تدد كل طاغية‬
‫وتنذر بزواله‪ ،‬فل بد من تسخي جيع إمكاناتم وتنسيق جهودهم من أجل وأد الصحوة ف مهدها·‬
‫ومن الساليب الت يستخدمونا كما قلنا فيما مضى زرع جندهم داخل الصف السلمي‪ ،‬والعمل‬
‫على ضرب هذا الصدف مدن داخله‪ ،‬وهذه هدي الرحلة التد تتضاعدف فيهدا الاجدة إل الذر واتباع‬
‫هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ حيث كان يتار أمراءه وولته من الصحابة الذين تنطبق عليهم‬
‫الشروط الشرع ية ال ت ينب غي أن تتو فر ف أ هل ال ل والع قد‪ ،‬وكا نت الفضل ية لل سابقي الول ي من‬
‫الهاجر ين والن صار رضوان ال علي هم‪ ،‬وا ستمر هذا الن هج ب عد وفاة الر سول صلى ال عل يه و سلم‪،‬‬
‫ك ما كان ف ع هد أ ب ب كر ر ضي ال ع نه و ف ع هد ع مر بن الطاب ر ضي ال ع نه الذ ين كا نا‬
‫يتشددان فد اختيار الولة(‪ )166‬وكاندا فد شخصديهما قدوة حسدنة لكدل مسدؤول ··· أمدا القواعدد‬
‫والسدس التد يتدم على أسداسها اختيار السدؤولي فثابتدة· وأههدا‪ :‬الماندة والتقوى‪ ،‬وأن ل يكون‬
‫السؤول من يسعى ويعمل من أجل الوصول إل النصب"(‪.)167‬‬

‫‪116‬‬
‫ومن أجل هذا كان صف الصحابة رضي ال عنهم هو الصف الحصن الذي ل يترق؛ وما ذاك إل‬
‫لكونم القاعدة الصلبة الذين تعهدهم الرسول صلى ال عليه وسلم بالتربية والتعليم وصقلتهم الشدائد‬
‫وال حن؛ ولكون م يلكون الواز ين الشرع ية الدقي قة ف وزن الرجال‪ ،‬و من أ جل ذلك صعب على‬
‫النافقي اختراقهم‪ ،‬حيث ل يعرف أن أحدا من النافقي قد أسندت له مهمة قيادية سواء ف السلم أو‬
‫الرب·‬

‫التعقيب الرابع ‪ :‬يقبل ف مستويات التربية الهادية من عموم الجاهدين ما ل يقبل من قادتم ‪:‬‬
‫إن الراتب السابقة من مراتب العداد للجهاد ف سبيل ال ل تعن أن تتوفر بتمامها ف كل الفراد‪،‬‬
‫ولكن الطلوب توفرها بقوة ف القاعدة الصلبة الذين هم قادة الناس وقدواتم‪ ،‬وهم أصحاب التوجيه‬
‫والتربية·‬
‫أما من سواهم فإنه يقبل منهم الد الدن‪ ،‬ول يتشدد معهم ف توفر كل صفات الجاهدين فيهم· نعم‬
‫لو اكتملت هذه الصفات ف الميع لكان هو الفضل والطلوب‪ ،‬لكن طبائع البشر وما يتعرضون له‬
‫من ضعف وفتور تأب ذلك·‬
‫ومع ذلك فتستمر التربية والتزكية‪ ،‬والقصود الشارة إل أنه مع التأكيد على ضرورة التربية والعداد‬
‫إل أن ذلك ل يعن أن ل يشارك ف الدعوة والهاد ف سبيل ال تعال عندما يفرض على المة إل من‬
‫ليس عليه ملحظات أو هفوات‪ ،‬بل قد يرج للجهاد من هو متلبس ببعض الذنوب وبعض ما يقدح‬
‫ف كمال إيا نه الوا جب لك نه يا هد نف سه على ترك ذلك‪ ،‬وي ستمر الن صح والتوج يه له ف ج يع‬
‫الوقات بل إنه قد يرج صاحب البدعة الت دون الكفر مع الجاهدين إذا احتاج السلمون إل ذلك؛‬
‫كأن يهاجَمون ف عقر دارهم وهم على قلة من العدد والعتاد·‬
‫ولو ل يرج للجهاد فد سدبيل ال تعال إل الكمدل مدن الناس لتعطدل الهاد وتسدلط الكفار على‬
‫السلمي وساموهم سوء العذاب‪ ،‬ول يفى ما ف ذلك من الفاسد العظيمة·‬
‫وكذلك من هم ف موطن التوجيه والقدوة وال سؤولية؛ ف مع أنه ل ي سعهم ما ي سع غيهم م ن هم‬
‫دون م إل أن م لي سوا مع صومي‪ ،‬و صدور ب عض الفوات أو الذنوب ل يقدح في هم ول ين قص من‬

‫‪117‬‬
‫منلتهم إذا كانت ذنوبًا طارئة يرجعون منها ويتوبون ول يصرون·؛ قال ال تعال‪ِ( :‬إنّ الّذِينَ اّت َقوْا إِذَا‬
‫ف مِنَ الشّيْطَا ِن تَذَكّرُوا فَإِذَا هُ ْم ُمْبصِرُونَ) (لعراف‪.)201:‬‬
‫سهُ ْم طَائِ ٌ‬
‫مَ ّ‬

‫التعقيب الامس ‪ :‬أنواع العداد الادي وضرورة وجوده بانب العداد اليان ‪:‬‬
‫ما سبق ذكره من جوانب العداد للجهاد إنا كان منصبا على العداد العنوي أو اليان‪ ،‬ول ي شر‬
‫فيما مضى إل العداد الادي والسدي· وسبب ذلك أن العداد اليان للمجاهدين يتاج إل جهد‬
‫وزمن طويلي‪ ،‬وهو الساس الذي ينطلق منه الجاهد وتقق به غايات الهاد‪ ،‬وهو ما ينقصنا اليوم؛‬
‫حيدث نعيدش حياة الترف والترهدل‪ ،‬والركون إل الدنيدا‪ ،‬وضعدف اليان‪ ،‬وضعدف المدر بالعروف‬
‫والن هي عن الن كر‪ ،‬وض عف ال صب والتح مل· والنت صار على الن فس ف هذه الجاهدة والعداد هو‬
‫طريق النصر على العداء ف ساحات القتال‪ ،‬والعكس صحيح·‬
‫أما العداد الادي والسدي فإنه يتحقق ف وقت يسي إذا قيس بالعداد اليان·‬
‫ونظرًا لا تعيشه بلدان السلمي اليوم من تسلط العداء وتديداتم ما يعل الهاد أمرًا مفروضًا على‬
‫ال سلمي للدفاع عن الد ين والال والعرض؛ وذلك ف البلدان ال ت يتل ها العدو الكا فر‪ ،‬أو أ نه قر يب‬
‫الدوث ف البلدان الت يهددها العدو الكافر ويلمح بغزوها واحتللا·‬
‫إنه نظرا لذلك فل بد من الشارة إل العداد الادي والسدي بأن يكون له حظ من العداد؛ وذلك‬
‫ف خط موازي للعداد اليا ن والعنوي؛ ي سيان جنبًا إل ج نب دون أن يق طع إحد هم ال خر أو‬
‫يؤخره·‬
‫خيْ ِل تُ ْر ِهبُو َن بِ هِ‬
‫ط الْ َ‬
‫والصل ف العداد الادي قوله تعال‪َ ( :‬وأَعِدّوا َلهُ ْم مَا ا سْتَ َط ْعتُ ْم مِ نْ ُق ّوةٍ َومِ نْ ِربَا ِ‬
‫عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُ ْم وَآخَرِي َن مِ نْ دُوِنهِ ْم ل َتعْلَمُوَنهُ مُ اللّ ُه َيعْلَ ُمهُ ْم َومَا ُتنْ ِفقُوا مِ ْن َشيْءٍ فِي َسبِيلِ اللّ هِ‬
‫ُيوَفّ إَِليْكُ ْم َوَأْنتُ ْم ل تُظْلَمُونَ) (لنفال‪ ،)60:‬ومن أهم جوانب هذا العداد ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬العداد الال‪:‬‬
‫وهو من أهم جوانب العداد الادي؛ فهو عصب الدعوة والهاد‪ ،‬ول تكاد تلو آية من اليات الت‬
‫ت ض على الهاد إل ويذ كر الهاد بالال مع الهاد بالن فس بل يقدم علي ها· وإذا تأمل نا آ ية العداد‬

‫‪118‬‬
‫النفدة الذكدر وجدندا فد خاتتهدا ذكدر النفقدة‪ ،‬ماد يدل على أهيدة الال فد العداد الادي للجهاد·‬
‫والتفريط ف توفي الال للجهاد ف سبيل ال تفريط ف الخذ بأسباب النصر·‬
‫ولذا و جب ال سعي ف توف ي م صادر مال ية ثاب تة لد عم الهاد والعداد له؛ وذلك باقا مة الؤ سسات‬
‫القت صادية‪ ،‬و بث روح البذل ف ال مة وبا صة الو سورن في ها‪ ،‬وإقا مة الؤ سسات الي ية ال ت تعلم‬
‫وتدعو وتدعم الحتاجي من السلمي الهاجرين والستضعفي·‬
‫‪ -2‬العداد العلمي‪:‬‬
‫حيث ل ي فى على أ حد ما للعلم اليوم من أ ثر كبي ف التعريف بال سلم ال ق والتعر يف بأهله‪،‬‬
‫وكذلك ما له من الثر ف فضح الباطل والتحذير منه ومن أهله؛ بيث تستبي للناس سبيل الؤمني‬
‫وسبيل الجرمي‪ ،‬وقد سبق التنويه على ضرورة العرفة بال سبيلي للناس قبل القاتله بالسنان· كما ل‬
‫ي فى ما للعلم من دور ف التعر يف بالهاد والجاهد ين‪ ،‬ون قل أنباء انت صارات ال سلمي وهزائم‬
‫الكافرين‪ ،‬والستفادة من العلم ف الرب النفسية ضد الكفار‪ ،‬ورفع معنويات الجاهدين والسلمي‬
‫بعا مة؛ ح يث إن أ سلوب الرب النف سية عن طر يق العلم أ صبح من الو سائل اله مة ف تط يم‬
‫معنويات ونفسيات العداء وهزيتهم·‬
‫فإذا ل ي كن للم سلمي ‪ -‬سواء ف إعداد هم للجهاد بالدعوة والبيان أو أثناء قتال م الكفار ‪ -‬و سائل‬
‫إعلم ية قو ية ومؤثرة فإن تفريطًا كبيًا قد ح صل ف ال خذ بأ سباب العدة للجهاد والنت صار على‬
‫العداء·‬
‫‪ -3‬العداد السمي‪:‬‬
‫الطلوب من السلم أن يعتن بسمه ف جيع الحوال؛ فيعتن بصحته وكل ما من شأنه تقوية السد‬
‫(‪)168‬‬
‫وشدته وتمله للمشاق وشظف العيش؛ (فالؤمن القوي خي وأحب إل ال من الؤمن الضعيف)‬
‫والقوة ه نا تش مل قوة اليان والن فس وال سم‪ ،‬و قد تعوذ الر سول صلى ال عل يه و سلم من الع جز‬
‫والكسل‪ ،‬فإذا كان هذا ف الحوال العادية‪ ،‬فكيف بن يعد نفسه للجهاد؟ بل فكيف بن غزاه الكفار‬
‫ف عقر داره أو حاموا حول دياره؟! كما هو الال اليوم ف أكثر بلدان السلمي·‬

‫‪119‬‬
‫إن المر ف ح قه يكون آكد وأو جب؛ لن الجسام الضعيفة الترهلة الترفة الت أخلدت إل الراحة‬
‫وال سراف ف أنواع الطعام والشراب والثاث سوف لن تل ب نداء الهاد؛ وذلك ل ا ف يه من الشدائد‬
‫والوع والراحات‪ ،‬المر الذي ل تطيقه الجسام التنعمة الترهلة الترفة·‬
‫ووسائل تقوية الجسام كثية ينبغي أن يهتم با الربون والهتمون بالعداد للجهاد؛ منها‪:‬‬
‫( أ ) ت نب فضول الطعام والشراب والنوم ل ا ف ذلك من التر فه‪ ،‬ول ا ف يه من الدواء والمراض‬
‫للجساد والقلوب·‬
‫(ب) تقوية السم بأنواع الرياضة الشروعة؛ كالشي الطويل وصعود البال‪ ،‬والسباق‪ ،‬والسباحة‪،‬‬
‫وركوب ال يل‪ ،‬والدفاع عن الن فس‪ ،‬وغي در ذلك م ا في ده تقوي دة ال سم وتعويده على ت مل‬
‫الشدائد·‬
‫(جد) تعويد النفس على صوم النفل؛ فهو ف القام الول عبادة عظيمة مبوبة ل عز وجل‪ ،‬وفيها من‬
‫الصال والكم ما ذكره ال عز وجل ف كتابه من أنه يورث تقوى ال عز وجل‪ ،‬كما أن فيه تعويد‬
‫النفس على الصب والتغلب على شهواتا وتقوية إرادتا·‬
‫ووسائل تقوية الجسام كثية‪ ،‬لكن هذا هو الد الدن الذي ينبغي لن يعد نفسه للجهاد أن يأخذ به‬
‫ف حال المن والسلم·‬
‫أما ف حال الرب والتهديد فل بد من الخذ بالفقرة التالية·‬
‫‪ -4‬العداد بالتدريب على الرماية بأنواعها‪:‬‬
‫حيث قال فيها النب صلى ال عليه وسلم‪( :‬أل إن القوة الرمي ‪ -‬ثلثًا)(‪.)169‬‬
‫ويكون التدريب على الرماية واجبًا وفرض عي ف حال ما يكون الهاد عينيًا بأن يُهاجَم السلمون ف‬
‫عقر دارهم·‬
‫وأ ما العداد لهاد الطلب فيب قى كفائيًا تبعًا ل كم الهاد الطل ب· ومع ن هذا أن البلد ال ت غزا ها‬
‫الكفار اليوم يكون التدريدب فيهدا واجبًا‪ ،‬والعداد له متعينًا‪ ،‬وكذلك الال فيمدن هدو مهدد بالغزو‬
‫والحتلل حت ل يفاجأ السلمون بعدوهم وهم على غي استعداد·‬
‫و قد يقال‪ :‬إن ال سلمي ف م كة ح يث كف ال يد والترك يز على العداد اليا ن والعنوي ل يتدربوا‬
‫آنذاك ول يأمرهم ال نب صلى ال عليه و سلم بالتدريب· والواب أن يقال بأن الناس ف ذلك الو قت‬

‫‪120‬‬
‫ليسوا متاجي إل تدريب وتعليم لنم أهل القتال والبة بذا الفن لطبيعة العرب ف ذلك الوقت؛‬
‫حيث إن السلح والرماية جزء من حياتم كما هو الال اليوم ف بعض البيئات والبلدان·‬

‫التعقيب السادس ‪ :‬أخطاء بعض الجاهدين ل تعن خطأ الهاد‪ ،‬ونصحهم يكون مع الولء لم حت‬
‫ل يستغله البطلون ف رد الهاد ‪:‬‬
‫إن الجاهدين بشر كغيهم يطئون ويصيبون‪ ،‬ول عصمة لحد بعد النبياء عليهم الصلة والسلم‪،‬‬
‫ولكن ينبغي الذر كل الذر عندما يكون هناك حاجة إل ذكر هذه الخطاء والتناصح حولا أن ل‬
‫تكون ف منابر عامة قد يفهم منها التعريض بالهاد والجاهدين‪ ،‬وقد يكون إبرازها ف النابر العامة‬
‫مق صود لذاته من ق بل أعداء الد ين وأعداء الهاد والدعاة والجاهد ين؛ وذلك ليوظفوها ف مطط هم‬
‫الا كر ف القضاء على الدعاة ال صادقي وتعط يل شعية الهاد والحت ساب· و ف عدم النتباه لآلت‬
‫الكلم عن أخطاء الجاهدين مفسدة كبية قد يد التحدث نفسه متورطًا ف السهام مع أعداء الدين‬
‫ف عرقلة الدعاة والجاهد ين ف إحياء ال مة من سباتا· و قد ي د نف سه و هو ل يش عر ف خندق‬
‫الطواغيت من الكافرين والنافقي·‬
‫ولو و جد الداع ية نف سه مضطرًا للتعل يق على ب عض الخطاء فيمك نه أن يتحدث عن ذلك بعبارة ل‬
‫ي ستطيع العلم الا كر و من وراءه أن ي ستفيدوا من ذلك ف الو صول إل مبتغا هم؛ وذلك كأن يث ن‬
‫على الجاهد ين وأثر هم ف إحياء الهاد والعزة ودور هم ف الدفاع عن بلدان ال سلمي وأعراض هم‪،‬‬
‫ودورهم ف إرهاب الكفار‪ ،‬ف الوقت الذي يتول بالنقد والفضح تلك النظمة الطاغوتية الت تتول‬
‫الكفار وت ضع نف سها ف خندق هم ف مواج هة الدعاة والجاهد ين· ث يش ي ب عد ذلك إل ما يراه من‬
‫ملحظات وأخطاء قد تصدر من بعض الطوائف الهادية‪ ،‬وإن كان هناك ثة عذر يشي إليه‪ ،‬وإن ل‬
‫يد فيضعها ف حجمها الطبيعي‪ ،‬ويتوجه بالنصح للمجاهدين بعبارات مضمونا الود والشفقة والنصح‬
‫والولء·‬
‫إنه مت كان الديث بذه النفسية‪ ،‬وبذا الذر فل أظن العلم الاكر سيسمح لحد من الدعاة فضلً‬
‫عن أن يدعوه ويبزه للناس ليقول هذا الكلم ف منابره·‬

‫‪121‬‬
‫ك ما أن الجاهد ين سوف لن تُجرح نفو سهم من هذا الداع ية الذي هذا مق صده وهذا طر حه‪ ،‬ولن‬
‫يتهموه بأنه من الخذلي أو أنه من الذين يعرضون بالجاهدين ويشمتون بم·‬

‫وبعد ‪:‬‬
‫فهذا ما يسره ال عز وجل ووفق إليه من الكتابة ف هذا الوضوع الهم الطي ول أزعم أن استوفيته‬
‫أو قربت من تامه‪ ،‬ففي الوضوع مسائل كثية تتاج إل العلماء العاملي ليبينوها للناس· وحسب أن‬
‫ساهت ببضاع ت الزجاة وج هد ال قل ف ما كان ف يه من صواب ف من ال عز و جل و هو الان به وله‬
‫المد والشكر‪ .‬وما كان فيه من خطأ فمن ومن الشيطان واستغفر ال منه ومن جيع ذنوب‪.‬‬
‫وأسأله سبحانه الخلص والصواب ف القول والعمل‪ .‬اللهم أبرم لذه المة أمر رشد يعز فيه وليك‬
‫ويذل ف يه عدوك ويؤ مر ف يه بالعروف وين هى ف يه عن الن كر وير فع ف يه علم الهاد إ نك سيع قر يب‬
‫وأنت على كل شيء قدير‪ .‬وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي·‬

‫‪122‬‬
‫الوامش‬
‫(‪)1‬رواه مسلم‪.)1910( :‬‬
‫(‪")2‬الفردات"‪( :‬ص ‪.)99‬‬
‫(‪")3‬الفتح"‪.)6/3( :‬‬
‫(‪")4‬بدائع الصنائع"‪.)9/4299( :‬‬
‫(‪")5‬حاشية ابن عابدين"‪.)4/121( :‬‬
‫(‪")6‬الشرح الصغي على أقرب السالك"‪.)2/267( :‬‬
‫(‪")7‬فتح الباري"‪.)6/3( :‬‬
‫(‪")8‬مطالب أول النهى"‪.)2/497( :‬‬
‫(‪")9‬مموع الفتاوى"‪.)193 ،10/192( :‬‬
‫(‪")10‬مموع الفتاوى"‪.)10/191( :‬‬
‫(‪)11‬رواه أحدمد‪ ،)6/21( :‬وقال ممقق زاد العاد "الرناؤوط"‪" :‬سنده جيد‪ ،‬وصححه ابن حبان‪،)25( :‬‬
‫والاكم‪ ،)1/11( :‬ووافقه الذهب‪.‬‬
‫(‪)12‬رواه مسلم‪ )1910( :‬ف المارة‪ :‬باب ذم من مات ول يدث نفسه بالغزو‪ ،‬وأبو داود‪.)2502( :‬‬
‫(‪")13‬زاد العاد" ت‪ :‬الرناؤوط‪ )12-3/5( :‬متصرا‪.‬‬
‫(‪")14‬زاد العاد"‪.)3/71( :‬‬
‫(‪")15‬روضة الحبي"‪( :‬ص ‪.)478‬‬
‫(‪)16‬أبو داود‪ ،)4/246( :‬وابن ماجة‪ ،)2/681( :‬وقد روى شطره الول البخاري‪.)2480( :‬‬
‫(‪")17‬مموع الفتاوى"‪.)28/320( :‬‬
‫(‪")18‬مموع الفتاوى"‪.)28/321( :‬‬
‫(‪)19‬تقدم تريه‪.‬‬
‫(‪")20‬الفروسية" لبن القيم‪( :‬ص ‪.)189-187‬‬
‫(‪)21‬وعن شعور اللذة بالعبودية يقول المام ابن القيم رحه ال‪ ..." :‬فقُرّة عي الحب ف الصلة والج وفرح قلبه‬
‫وسروره ونعيمه ف ذلك وف الصيام والذكر والتلوة وأما الصدقة فعجب من العجب‪ ،‬وأما الهاد والمر‬
‫بالعروف والنهي عن النكر والدعوة إل ال والصب على أعداء ال سبحانه فاللذة بذلك أمر آخر ل يناله الوصف‬
‫ول يدركه من ليس له نصيب منه‪ .‬وكل من كان به أقوم كان نصيبه من اللتذاذ به أعظم‪ .‬ومن غلظ فهمه‬
‫وكثف طبعه عن إدراك هذا فليتأمل إقدام القوم على قتل آبائهم وأبنائهم وأحبابم‪ ،‬ومفارقة أوطانم‪ ،‬وبذل‬
‫نورهم لعددائهم"‪" .‬طريق الجرتي"‪ )1/56( :‬ط‪ .‬دار الديث‪.‬‬
‫(‪")22‬مموع الفتاوى"‪ )193-10/191( :‬باختصار‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫(‪")23‬مموع الفتاوى"‪ )58-10/57( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")24‬مموع الفتاوى"‪.)15/170( :‬‬
‫(‪")25‬ف ظلل القرآن"‪ )1444-3/1440( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")26‬ف ظلل القرآن"‪ )1436-3/1433( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")27‬الواب الصحيح"‪.)1/74( :‬‬
‫(‪")28‬زاد العاد"‪.)161-3/159( :‬‬
‫(‪)29‬انظر لزيد من التفصيل عن هذه الكم كتاب "ف ظلل القرآن"‪.)715 ،2/714( :‬‬
‫(‪")30‬ف ظلل القرآن"‪.)3/1581( :‬‬
‫(‪")31‬ف ظلل القرآن"‪ )1739-3/1737( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")32‬الصارم السلول"‪.)2/414( :‬‬
‫(‪")33‬مدارج السالكي‪ )3/9( :‬ط الفقي‪.‬‬
‫(‪")34‬مموع الفتاوى"‪ )58 ،10/57( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")35‬مموع الفتاوى"‪.)10/193( :‬‬
‫(‪")36‬مموع الفتاوى"‪.)8/36( :‬‬
‫(‪)37‬أبو داود (‪ ،)3462‬وأحد‪ )2/28( :‬واللفظ له‪ ،‬وصححه اللبان ف صحيح سنن أب داود‪.)2956( :‬‬
‫(‪")38‬الفوائد"‪( :‬ص ‪.)88‬‬
‫(‪")39‬مموع الفتاوى"‪.)28/242( :‬‬
‫(‪")40‬مموع الفتاوى"‪ )443-28/441( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪)41‬البخاري ف اليان باب الهاد من اليان‪ ،‬ابن ماجة (‪.)2753‬‬
‫(‪)42‬البخاري ف الهاد‪ :‬باب أفضل الناس ماهد بنفسه وماله (‪ ،)2787‬ومسلم (‪ )1878‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪)43‬أبو داود (‪ ،)2541‬وابن ماجة (‪ )7292‬وصححه الرناؤوط ف حاشية زاد العاد (‪.)3/78‬‬
‫(‪)44‬البخاري ف الهاد‪ :‬باب درجات الجاهدين (‪ ،)2790‬وأحد (‪.)2/335‬‬
‫(‪)45‬مسلم‪ ،)1884( :‬والنسائي‪.)20-6/19( :‬‬
‫(‪)46‬البخاري ف المعة‪ :‬باب الشي إل المعة (‪ ،)907‬وأحد (‪.)3/479‬‬
‫(‪)47‬ابن ماجه‪ )2775( :‬بسند حسن‪.‬‬
‫(‪)48‬البخاري ف الهاد‪ :‬باب فضل رباط يوم ف سبيل ال (‪.)2892‬‬
‫(‪)49‬مسلم‪.)1913( :‬‬
‫(‪)50‬قطعة من حديث رواه مسلم (‪ ،)1902‬وأحد‪.)4/396( :‬‬
‫(‪)51‬البخاري‪.)2887( :‬‬
‫(‪")52‬سي أعلم النبلء"‪.)2/23(:‬‬
‫(‪)53‬الصدر السابق‪.)1/422( :‬‬

‫‪124‬‬
‫(‪")54‬صفة الصفوة"‪.)1/468( :‬‬
‫(‪")55‬سي أعلم النبلء"‪.)1/375( :‬‬
‫(‪")56‬الهاد" لبن البارك‪.)1/88( :‬‬
‫(‪")57‬سي أعلم النبلء"‪.)1/319( :‬‬
‫(‪")58‬سي أعلم النبلء"‪.)2/34( :‬‬
‫(‪)59‬البخاري‪.)2801( :‬‬
‫(‪")60‬سي أعلم النبلء"‪.)1/364( :‬‬
‫(‪")61‬سي أعلم النبلء"‪.)2/290( :‬‬
‫(‪")62‬سي أعلم النبلء"‪ .)1/381( :‬واللقلقة‪ :‬الصوت الشديد الضطرب‪ .‬والنقع‪ :‬رفع الصوت وشق اليب‪.‬‬
‫(‪)63‬بسان ملتاث‪ :‬ثقيل بطيء ف الكلم‪.‬‬
‫(‪)64‬الدَبَرة‪ :‬النصر والغلبة‪.‬‬
‫(‪")65‬صفة الصفوة"‪.)467 ،1/466( :‬‬
‫(‪)66‬انظر "الطبقات الكبى" لبن سعد‪.)1/232( :‬‬
‫(‪)67‬غُبّرات‪ :‬الماعة الباقية‪.‬‬
‫(‪)68‬الشخوص‪ :‬الرتفعات‪.‬‬
‫(‪)69‬ل رحلة ب‪ :‬ليس لديه بعي أو ظهر يرتل عليه‪.‬‬
‫(‪)70‬قلئص‪ :‬جع قلوص وهي الناقة الشابة‪.‬‬
‫(‪")71‬صفة الصفوة"‪.)676-1/674( :‬‬
‫(‪")72‬صفة الصفوة"‪.)4/421( :‬‬
‫(‪")73‬سي أعلم النبلء"‪.)3/499( :‬‬
‫(‪")74‬سي أعلم النبلء"‪.)3/498( :‬‬
‫(‪)75‬القصود هنا‪ :‬أعظم الثمار وإل فثمار الهاد كثية كما مر بنا فيما سبق‪.‬‬
‫(‪")76‬شريعة السلم ف الهاد"‪( :‬ص ‪.)32-31‬‬
‫(‪")77‬الزواجر عن اقتراف الكبائر" للهيتمي‪.)2/163( :‬‬
‫(‪)78‬مسلم (‪.)1910‬‬
‫(‪")79‬عدة الصابرين"‪( :‬ص ‪.)121‬‬
‫(‪")80‬تفسي ابن كثي"‪ ،)1/228( :‬وصحح الديث ابن حبان (‪ ،)1667‬والاكم‪ )2/275( :‬ووافقه الذهب‪.‬‬
‫(‪")81‬أهية الهاد ف نشر الدعوة السلمية" د‪ .‬العليان‪( :‬ص ‪.)252‬‬
‫(‪")82‬الفتح الربان" لترتيب مسند أحد‪ )15/44( :‬وقال الحقق الساعات‪ :‬سنده جيد‪.‬‬
‫(‪)83‬انظر إل ما ذاقه الندوس على أيدي الجاهدين الكشمييي‪ ،‬وانظر كيف تركت قوافل اليهود للهجرة من‬
‫فلسطي بعد أن عرفوا أن القتل ليس من نصيب السلمي وحدهم‪ ،‬وف أفغانستان كيف دفعت المباطورية‬

‫‪125‬‬
‫الروسية ثنا باهظا لعدوانا على السلمي تفككت على إثره وتولت إل أمة متسولة ل تكاد تد قوتا‪ ،‬ث عادت‬
‫لتدفع ثنا غاليا لعدوانا على السلمي ف الشيشان‪ .‬وف البوسنة لا ولغ الكفار ف دماء السلمي وفرحت ملل‬
‫الكفر بذلك ل يكبتوا ويكسروا إل بعد نزول الجاهدين إل أرض البوسنة‪.‬‬
‫(‪")84‬شريعة السلم ف الهاد" للمودودي‪( :‬ص ‪.)34‬‬
‫(‪")85‬ف ظلل القرآن"‪.)4/1941( :‬‬
‫(‪")86‬نزهة الفضلء ف تذيب سي أعلم النبلء"‪.)1/242( :‬‬
‫(‪)87‬رواه أبو داود ف اللحم‪ :‬باب ف تداعي المم على السلم‪ ،)4297( :‬وصححه اللبان ف صحيح سنن أب‬
‫داود‪.)3610( :‬‬
‫(‪)88‬انظر الديث‪( :‬ص ‪.)79 ،54‬‬
‫(‪)89‬البخاري ف التوحيد‪ ،)7460( :‬ومسلم‪.)1037( :‬‬
‫(‪")90‬مموع الفتاوى"‪.)359 ،28/358( :‬‬
‫(‪")91‬مموع الفتاوى"‪.)28/259( :‬‬
‫(‪)92‬هذا ف جهاد الطلب‪ ،‬أما جهاد الدفع فإنه فرض عي على أهل البلد الذين يهاجهم الكفار‪.‬‬
‫(‪")93‬زاد العاد"‪.)3/72( :‬‬
‫(‪")94‬الفوائد"‪( :‬ص ‪ ،)59‬وقد مضى ف (ص ‪ )56‬قول ابن البارك والمام أحد رحهما ال تعال‪" :‬إذا اختلف‬
‫الناس ف شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الق معهم"‪ ،‬وعلى هذا فإن قوله تعال‪( :‬وَاّلذِينَ جَا َهدُوا فِينَا)‬
‫يدخل تته جهاد الوى وجهاد الكفار بالسنان‪.‬‬
‫(‪")95‬الختيارات الفقهية"‪( :‬ص ‪.)310 ،309‬‬
‫(‪)96‬تقدم تريه‪.‬‬
‫(‪")97‬فتح الباري"‪.)6/29( :‬‬
‫(‪)98‬الصدر نفسه‪.)6/30( :‬‬
‫(‪")99‬جامع الصول"‪.)2/580( :‬‬
‫(‪")100‬تفسي السعدي"‪.)2/290( :‬‬
‫(‪)101‬سبق تريه‪.‬‬
‫(‪")102‬ف ظلل القرآن" (‪ )1717-3/1716‬باختصار‪.‬‬
‫(‪)103‬انظر تفاصيل هذه الصول ف رسالة "وقفات تربوية ف ضوء سورة العصر" للمؤلف‪.‬‬
‫(‪")104‬زاد العاد"‪.)3/10( :‬‬
‫(‪)105‬البخاري‪ ،)1400 ،1399( :‬ومسلم‪.)20( :‬‬
‫(‪")106‬سي أعلم النبلء"‪.)4/195( :‬‬
‫(‪)107‬رواه مسلم‪.)1850( :‬‬
‫(‪")108‬البدع والنهي عنها" لبن وضاح‪ :‬رقم الثر (‪ )86‬ص (‪ ،)75‬ت‪ :‬عمر عبد النعم‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫(‪)109‬البخاري‪.)6502( :‬‬
‫(‪")110‬سي أعلم النبلء"‪.)6/121( :‬‬
‫(‪)111‬البخاري (‪ ،)52‬ومسلم‪.)1599( :‬‬
‫(‪)112‬انظر كلم شيخ السلم ابن تيمية‪( :‬ص ‪.)57‬‬
‫(‪")113‬مموع الفتاوى"‪.)15/170( :‬‬
‫(‪)114‬البخاري ف الهاد‪ :‬باب من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا (‪ ،)2810‬مسلم (‪.)1904‬‬
‫(‪)115‬أبو داود (‪ )2516‬وحسنه اللبان ف صحيح سنن أب داود برقم‪.)2196( :‬‬
‫(‪)116‬مسلم (‪.)1876‬‬
‫(‪)117‬أبو داود (‪ ،)5123‬وضعفه اللبان ف ضعيف سنن أب داود (‪.)1096‬‬
‫(‪")118‬ف ظلل القرآن"‪.)1/144( :‬‬
‫(‪)119‬البخاري‪ ،)123( :‬ومسلم‪.)1904( :‬‬
‫(‪")120‬ف ظلل القرآن"‪.)6/3288( :‬‬
‫(‪")121‬طريق الدعوة ف ظلل القرآن"‪( :‬ص ‪.)361‬‬
‫(‪)122‬وما يدل على أن حياتنا ليست حياة من يعد نفسه للجهاد أنه لو طلب من بعضنا بذل ربع ماله أو عشره أو‬
‫طلب منه النتقال إل بلد غي بلده لصلحة الدعوة والهاد لمتنع أو تردد وتلكأ‪ .‬فكيف با هو أكب من ذلك‬
‫كبذل النفس وهجر الهل والولد والوطان‪.‬‬
‫(‪َ)123‬تفَنّقوا‪ :‬تنعموا؛ انظر‪ :‬القاموس الحيط‪ ،‬مادة (فنق)‪.‬‬
‫(‪")124‬القدمة" لبن خلدون‪( :‬ص ‪.)138‬‬
‫(‪")125‬الهاد ف سبيل ال" (‪ ،)2/373‬د‪ .‬عبد ال القادري‪.‬‬
‫(‪")126‬ف ظلل القرآن"‪.)5/2217( :‬‬
‫(‪)127‬البخاري‪ ،)4418( :‬ومسلم (‪ ،)2121‬وانظر‪" :‬الهاد ف سبيل ال" الدكتور‪ /‬عبد ال القادري (‬
‫‪.)2/376‬‬
‫(‪")128‬الفوائد" لبن القيم‪( :‬ص ‪ )95 ،94‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")129‬مدارج السالكي"‪.)2/125( :‬‬
‫(‪")130‬الفوائد"‪( :‬ص ‪.)87 ،86‬‬
‫(‪)131‬انظر النارة الثانية والعشرين من (منارات ف الطريق) للمؤلف‪( :‬ص ‪.)199‬‬
‫(‪)132‬البخاري‪ ،)7405( :‬ومسلم‪.)2675( :‬‬
‫(‪)133‬البخاري‪.)6307( :‬‬
‫(‪)134‬مسلم‪.)2702( :‬‬
‫(‪)135‬أبو داود‪ ،)4986( :‬وأحد‪ )5/364( :‬وصححه اللبان ف صحيح سنن أب داود‪.)4172( :‬‬
‫(‪")136‬ف ظلل القرآن"‪ )1/141،142( :‬باختصار وتصرف يسيين‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫(‪)137‬البخاري‪ ،)7492( :‬ومسلم‪.)1151( :‬‬
‫(‪)138‬مسلم‪.)746( :‬‬
‫(‪)139‬البخاري‪ ،)3559( :‬ومسلم‪.)2321( :‬‬
‫(‪)140‬أبو داود‪ ،)4798( :‬وصححه اللبان ف صحيح سنن أب داود‪ ،)4013( :‬ورواه أحد‪.)6/64( :‬‬
‫(‪)141‬مسلم‪ ،)2609( :‬والبخاري ف الدب باب الذر من الغضب‪.‬‬
‫(‪")142‬مدارج السالكي"‪ )2/308( :‬ط‪ .‬الفقي‪.‬‬
‫(‪)143‬البخاري‪.)6370( :‬‬
‫(‪")144‬ف ظلل القرآن"‪.)1/459( :‬‬
‫(‪)145‬مسند أحد‪ ،)5/183( :‬والترغيب والترهيب‪ ،)1/23( :‬وعزاه اللبان إل الشافعي ف مسنده وصحح‬
‫إسناده‪ ،‬انظر "مشكاة الصابيح" الديث (‪.)229‬‬
‫(‪")146‬مدارج السالكي"‪.)2/319( :‬‬
‫(‪)147‬مسلم ف المارة باب كراهة المارة بغي ضرورة (‪.)1825‬‬
‫(‪)148‬البخاري‪.)59( :‬‬
‫(‪)149‬البخاري‪ ،)6497( :‬ومسلم‪.)143( :‬‬
‫(‪")150‬مموع الفتاوى"‪.)10/301( :‬‬
‫(‪")151‬ف ظلل القرآن"‪ )1107-2/1105( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")152‬كيف ندعو إل السلم"‪( :‬ص ‪ )19-11‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")153‬مموع الفتاوى"‪.)24/172( :‬‬
‫(‪)154‬للتوسع ف موضوع الصب وما يتعلق به يكن الرجوع إل رسالة (وقفات تربوية ف ضوء سورة العصر)‪،‬‬
‫مبحث‪" :‬وتواصوا بالصب" للمؤلف‪.‬‬
‫(‪")155‬ف ظلل القرآن"‪.)552 ،1/551( :‬‬
‫(‪)156‬انظر "مدارج السالكي"‪.)2/157( :‬‬
‫(‪)157‬أكرر ما ذكرته سابقا من أن ل أعن بذلك جهاد الدفع الذي يقوم به الجاهدون اليوم ف ساحات الهاد ف‬
‫أفغانستان والشيشان وكشمي وفلسطي وغيها ضد العتدين الكفرة؛ فهذا جهاد مشروع‪ ،‬ولكن أعن ما يقوم به‬
‫بعض التحمسي من جهاد الطلب ف أماكن ل يتبي للناس فيها حقيقة الجاهدين‪ ،‬وحقيقة أعدائهم‪ ،‬مع ضعف ف‬
‫الستعداد لذلك‪.‬‬
‫(‪")158‬تفسي ابن كثي"‪ :‬عند الية (رقم‪ )77 :‬ف سورة النساء‪.‬‬
‫(‪")159‬ف ظلل القرآن"‪.)713 ،2/712( :‬‬
‫(‪")160‬ف ظلل القرآن"‪ )715-2/713( :‬باختصار شديد وتصرف‪.‬‬
‫(‪)161‬ورد هذا الواب بلفظ مقارب ف بيعة النصار البيعة الكبى‪ :‬انظر مسند أحد‪ )3/460،462( :‬وصحح‬
‫إسناده الرناؤوط ف "زاد العاد"‪.)3/460( :‬‬

‫‪128‬‬
‫(‪")162‬كيف ندعو إل السلم"‪( :‬ص ‪ )23-14‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")163‬منهاج السنة"‪.)89-8/86( :‬‬
‫(‪")164‬الهاد ف سبيل ال"‪ )349-2/347( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪")165‬ف ظلل القرآن"‪ )1578 ،3/1577( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪)166‬ومن ذلك ما ذكره ا بن كثي – رحه ال تعال – ف "البداية والنهاية"‪ )6/323( :‬ف ترجة طليحة السدي‬
‫بعد أن ذكر ردته وتنبأه بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬وأما طليحة فإنه راجع السلم بعد ذلك‬
‫وذهب إل مكة معتمرا أيام الصديق واستحيا أن يواجهه مدة حياته وقد رجع فشهد القتال مع خالد‪ .‬وكتب‬
‫الصديق إل خالد‪ :‬أن استشره ف الرب ول تؤمره – يعن معاملته بنقيض ما كان قصده من الرياسة ف الباطن –‬
‫وهذا من فقه الصديق رضي ال عليه عنه وأرضاه"‪ .‬ا‪.‬هد‪.‬‬
‫(‪)167‬انظر "ملة السنة" العداد‪ )42 ،41 ،39 ،37 ،36 ،35 ،33 ،31( :‬باختصار شديد وتصرف يسي‪.‬‬
‫(‪)168‬انظر نص الديث ف صحيح مسلم‪.)2664( :‬‬
‫(‪)169‬رواه مسلم (‪ )917‬ف المارة‪ ،‬باب فضل الرمي والث عليه‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الفهرس‬

‫{ تهيد ·······················································································‬
‫{ القدمة الول‪ :‬العن العام للجهاد ومراتبه ··········································‬
‫العن اللغوي والشرعي للجهاد ····················································‬
‫مراتب الهاد ···········································································‬
‫{ القدمة الثانية‪ :‬أقسام الهاد ف سبيل ال تعال ···································‬
‫‪ -1‬جهاد الدفع ·········································································‬
‫‪ -2‬جهاد الطلب ········································································‬
‫{ القدمة الثالثة‪ :‬غاية الهاد ف سبيل ال تعال ····································‬
‫شبهة وجوابا‪ :‬ف الرد على من قال أن الهاد للدفاع ··························‬
‫تنبيه‪ :‬الديث عن غاية الهاد ل يعن التغافل عن مراحل الهاد ···········‬
‫مواقف خاطئة ف النظر إل مراحل الهاد ········································‬
‫{ القدمة الرابعة‪ :‬فضائل الهاد ف سبيل ال تعال وثاره ف الدنيا والخرة ·······‬
‫ثار الهاد ف الياة الدنيا ··························································‬
‫ثار الهاد ف الخرة ································································‬
‫اليات الواردة ف فضل الهاد والجاهدين ·····································‬
‫الحاديث الواردة ف فضل الهاد والجاهدين ·································‬
‫الثار الواردة عن السلف وحرصهم على الهاد وطلب الشهاة ف سبيل ال تعال‬
‫سدؤال وجوابده حول الكمدة فد ورود هذه الفضائل العظيمدة للجهاد دون غيه مدن العمال‬
‫········································································‬
‫{ القدمة الامسة‪ :‬ماطر ترك الهاد ف سبيل ال ·································‬
‫{ التربية الهادية وجوانب العداد للجهاد ف واقعنا العاصر ·······················‬

‫‪130‬‬
‫‪ -‬الوقفة الول‪ :‬الهاد بعناه العام ل يسقط عن السلم الكلف ·········‬
‫‪ -‬الوقفة الثانية‪ :‬العداد اليان للجهاد ل يعن ترك جهاد الدفع حت يكتمل العداد‬
‫‪ -‬الوقفة الثالثة‪ :‬مواطن التفاق والختلف بي جهاد الطلب والدفع ········‬
‫‪ -‬الوقفة الرابعة‪ :‬معن العداد اليان والعنوي للجهاد ف سبيل ال تعال‬
‫الصدل فد العداد الياند صدفات الجاهديدن فد سدورة التوبدة {التائبون العابدون ···} اليدة‬
‫··································································‬
‫‪ -‬الوقفة الامسة‪ :‬أصول التربية الهادية للنفس ومراتبها‪···················· :‬‬
‫‪ +‬الرتبة الول ‪ :‬ماهدة النفس على تعلم الدى ودين الق ····················‬
‫‪ +‬الرتبة الثانية‪ :‬ماهدة النفس على العمل بالعلم بعد تعلمه·····················‬
‫أولً‪ :‬من أعمال القلوب ·······························································‬
‫‪ -1‬مبة ال عز وجل والب فيه والبغض فيه ····························‬
‫‪ -2‬الخلص ل عز وجل ·····················································‬
‫‪ -3‬الزهد ف الدنيا والرغبة ف الخرة ······································‬
‫‪ -4‬التوكل على ال عز وجل ··················································‬
‫ثانيا‪ :‬من أعمال اللسان ······························································‬
‫‪ -1‬الذكر والدعاء ·······························································‬
‫‪ -2‬التوبة والستغفار ···························································‬
‫‪ -3‬الدعوة إل ال عز وجل والمر بالعروف والنهي عن النكر ·····‬
‫ثالثا‪ :‬من أعمال الوارح ····························································‬
‫‪ -1‬الحافظة على الصلوات فرضها ونفلها ·······························‬
‫‪ -2‬الصيددددام ···································································‬
‫‪ -3‬الخذ بحاسن الخلق ··················································‬
‫‪ -‬الكرم والود والبذل ف سبيل ال ·········································‬
‫‪ -‬العفو الصفح وكظم الغيظ ··················································‬

‫‪131‬‬
‫‪ -‬المانة وحفظ العهد والوعد ················································‬
‫‪ +‬الرتبة الثالثة‪ :‬ماهدة النفس على الدعوة إل الدى وتعليمه للناس ········‬
‫استبانة سبيل الجرمي ································································‬
‫‪ +‬الرتبة الرابعة‪ :‬جهاد النفس ف الصب على الدعوة وبيان الق ·················‬
‫ذكر بعض مالت الصب ····························································‬
‫شروط الصب النافع ·····································································‬
‫<> تنبيه‪ :‬العجلة ف مصادمة الكفار قبل الستعداد يدل على ضعف الصب‬
‫الصب على جهاد البيان ل يقل عن الصب ف ساحات القتال ···················‬
‫{ تعقيبات ····················································································‬
‫التعقيب الول ‪ :‬تداخل مراتب جهاد النفس بعضها مع بعض ···················‬
‫التعقيدب الثاندددي‪ :‬تفاوت التربيد فد تصديل مراتدب الهدل وضرورة العنايدة بالبدزين منهدم‬
‫······················································‬
‫التعقيدب الثالث‪ :‬الددذر مدن اختراق النافقيد للصدف السدلدم وتبوئهدم للمراتدب القياديدة فيده‬
‫·················································‬
‫التعق يب الراب ددع‪ :‬يق بل ف م ستويات التربية الهادية من عموم الجاهدين ما ل يق بل من قادت م‬
‫···················································‬
‫التعق يب الا مس‪ :‬الش دارة إل الع دداد ال دادي وضرورة العناي دة ب ده با نب العداد اليا ن‬
‫·····················································‬
‫‪ -‬العداد الال ····················································‬
‫‪ -‬العداد العلمي ·················································‬
‫‪ -‬العداد السمي ·················································‬
‫‪ -‬العداد بالتدريب على الرماية ··································‬
‫التعقيب السادس‪ :‬الذر من الديث عن أخطاء الجاهدين ف منابر عامة حت ل يستغله البطلون ف‬
‫رد الهاد والنيل من الجاهدين‬

‫‪132‬‬
‫الوامش ‪.................................................................‬‬
‫الفهرس ····················································································‬

‫‪133‬‬

You might also like