You are on page 1of 63

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫هكذا ظهر جيل صلح الدين‬


‫وهكذا عادت القدس‬

‫د‪ .‬ماجد عرسان الكيلني‬

‫مقدمه‬
‫إلى الذ ين يتطلعون إلى ال صحوة ال سلميّة ال صحيحة ‪ ،‬ويقلّبون وجوه هم في ال سماء متضرع ين‬
‫إلى ال ‪ ،‬لرؤيتهجا ‪ ،‬نقدم هذا الكتاب ‪ ...‬فهجو دعوة إلى إعادة قراءة تاريخنجا ‪ ،‬واسجتلهام نماذججه‬
‫الناج حة ‪ ،‬ودعوة إلى ف قه سنن التغي ير ‪ ،‬وك يف أ نّ ظاهرة صلح الد ين لي ست ظاهرة بطوليّة‬
‫فرديّة خارقة ‪ ،‬ولكنها خاتمة ونهاية ونتيجة مقدرة لعوامل التجديد ولجهود المّة المجتهدة ‪ ،‬وهي‬
‫ثمرة مائة عام مجن محاولت التجديجد والصجلح ‪ ،‬وبذلك فهجي نموذج قابجل للتكرار فجي كجل‬
‫العصور‪.‬‬
‫تصجدر هذه الطبعجة فجي و قت تشجن فيجه الغارة على العالم السجلمي من جديجد ‪ ،‬ويُقام للمسجلمين‬
‫المسالخ البشرية التي تُسفك فيها الدماء ‪ ،‬وتُهتك الحرمات ‪ ،‬وتُدنس المقدسات ‪ ،‬وتُسلب المقدرات‪.‬‬
‫وحين تناقش هذا الهجوم الكبير في أروقة المم المتحدة وغيرها من المنظمات العالمية ‪ ،‬ومحافل‬
‫السجياسة الدوليجة يقلب باطجل المعتديجن حقا ‪ ،‬وحجق المعتدى عليهجم باطلً ‪ ،‬وتصجدر قرارات هذه‬
‫الهيئات آيات بيّنات للعجاز المتضمن في قوله تعالى‪:‬‬
‫"كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إل ول ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم‬
‫فاسقون"‪] .‬التوبة‪[8 :‬‬
‫ويتلفت المسلمون من حولهم فل يجدون نصيرا إل أن يتمثلوا قوله تعالى‪:‬‬
‫"ومالكم من دون ال من ولي ول نصير"‪ ].‬البقرة ‪[107:‬‬
‫وممجا يزيجد فجي شدة المحنجة أن الهجوم المشار إليجه يخفجي أهدافجه الحقيقيجة بعدد مجن الذرائع‬
‫وال تبريرات ال تي اخترعت ها مرا كز " صنع الرأي" و " صنع القرار" الغرب ية وال صهيونية في عقدي‬
‫ال سبعينات والثمانينات من القرن العشريجن ‪ ،‬ثجم سلّم بهجا العقجل المسجلم باعتبارهجا أ سبابا حقيق ية‬
‫أفرزتها "حماقة المتطرفين" المسلمين ونفذتها أيديهم الخاطئة !! وترتب على هذه السذاجة العربية‬
‫– ال سلمية أن صار ساسة الم سلمين ومفكرو هم وعلماؤ هم و ُكتّاب الزوا يا وال صفحات ال سياسية‬
‫في صحافتهم والمعلقون والمنتدون في إعلم هم ‪ ،‬يق سمون في اليوم عشرات المرات أن ال سلم‬
‫بريجء ممجا اقترفجه "المتطرفون الرهابيون" ‪ ،‬وأنهجم على اسجتعداد لسجتضافة مؤتمرات "حوار‬
‫الحضارات" ويرجون العقجل الغربجي أن يتخلى عجن القول ب "صجراع الحضارات" وأن المسجلمين‬
‫مسجتعدون للتعاون للقضاء على "الرهاب" وإغلق كجل الجمعيات الخيريجة السجلمية التجي يشتبجه‬
‫بتمويل ها للرهاب ‪ ،‬غافل ين عن ال سباب الحقيق ية ال تي تتل خص في الع مل على تفو يض الجدار‬
‫السجلمي – ماديا وفكريا – لنجه يشكجل ملذ المسجلمين الباقجي أمام المشروع الصجهيوني –‬
‫ال ستعماري في مرحل ته الحال ية‪ .‬ب عد أن ا ستهلكوا طاقات هم في المشروعات القوم ية والشتراك ية‬
‫والوطنية‪.‬‬
‫في هذا البلء العظ يم لم ي بق أمام – الم سلمين – إل التو جه إلى ال وحده ليب صروا سننه في قوة‬
‫المجتمعات وضعفها ‪ ،‬وفي انتصارها وهزيمتها فيهتدوا إلى " صواب" العداد والتخطيط والدارة‬
‫واستثمار الطاقات ومواجهة التحديات ‪ ،‬مطمئنين إلى وعده تعالى عند أمثال قوله‪:‬‬
‫" و قد مكروا مكر هم وع ند ال مكر هم وإن كان مكر هم لتزول م نه الجبال فل تح سبن ال مخلف‬
‫وعده رسله إن ال عزيز ذو انتقام " ]ابراهيم ‪[47-46‬‬
‫" ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم ل يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم‬
‫أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لية لقوم يعلمون " ]النمل ‪[52-50‬‬
‫" فلما جاءهم نذير ما زادهم إل نفورا استكبارا في الرض ومكر السيء وليحيق المكر السيء‬
‫إل بأهله فهل ينظرون إل سنت الولين فلن تجد لسنت ال تبديل ولن تجد لسنت ال تحويلً " ]‬
‫فاطر ‪[43-42‬‬
‫وانطلقا من الثقة المطلقة بوعد ال وسننه التي يزخر بها تاريخ المة السلمية وعمل هذه السنن‬
‫في النتصارات والهزائم التي مر بها المسلمون ‪ ،‬أتقدم بهذه الطبعة من الكتاب لمختلف الفئات من‬
‫الجماعات والقيادات‪:‬‬
‫لفقهاء السلم وعلمائهم ليتذكروا سنّة ال في – العلم والعلماء ‪ -‬فيزهدوا في المناصب واللقاب‬
‫ويروا فيها كلها زينة وزخرفة يبتليهم ال بها كما ابتلى ابراهيم عليه السلم بكلمات فأتمهن فجعله‬
‫للناس إماما‪ .‬وكلمات ال ال تي ابتلى – أي اخ تبر وامت حن – ب ها أ با ال نبياء هي‪ :‬مدى ا ستعداده‬
‫للتضحية بنفسه وولده واستقراره في سبيل ال‪ .‬وعندما نجح ابراهيم عليه السلم في البتلء كافأه‬
‫ال برت بة الما مة د عا ر به أن يجعل ها أيضا في ذري ته فجاءه الجواب‪ :‬ل ينال عهدي الظالم ين‪.‬‬
‫والظالمون من ذريته الذين حجب ال رتبة المامة عنهم هم الذين يفشلون في البتلءات الثلثة ‪،‬‬
‫ويشرون بآيات ال ثمنا قليلً ‪ ،‬والث من القل يل – ع ند ا بن عباس – هو الدن يا كل ها ‪ ،‬ولن ين فع مع‬
‫هذا الفشل حصول العالم على درجة الدكتوراه ومرتبة الستاذية !! أو جوائز الدولة‪.‬‬
‫وهذا ما ا ستلمته – قولً وعملً وحالً – علماء حر كة ال صلح ال تي أخر جت ج يل صلح الد ين‬
‫من أمثال أ بي حا مد الغزالي ‪ ،‬والش يخ ع بد القادر ‪ ،‬والش يخ عدي بن م سافر ‪ ،‬والش يخ ر سلن‬
‫الدمشقي ‪ ،‬والشيخ أبو مدين المغربي وآخرون‪.‬‬
‫للملوك والرؤساء والوزراء ليتبينوا سنّة ال في – العدل – الذي من أجله أرسل ال ر سله وأنزل‬
‫معهم‪ :‬الكتاب ليشرح للناس أفعال العدل وتفصيلته ‪ ،‬والميزان ليكون معيارا يزن الناس به درجة‬
‫العدل ‪ ،‬وأنزل الحد يد لي صنع الناس م نه ال سلح الذي يحمون به مؤ سسات العدل ‪ ،‬ولت صنع م نه‬
‫التقنيات والدوات النافعة للناس حين تقوم العلقات المحلية والعالمية على العدل‪.‬‬
‫" ل قد أر سلنا ر سلنا بالبينات وأنزل نا مع هم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالق سط وأنزل نا الحد يد‬
‫فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ال من ينصره ورسله بالغيب إن ال قوي عزيز " ]الحديد‬
‫‪[25‬‬
‫والقسط في الية‪ :‬هو العدل الجميل – أي المصحوب بالخلق الحسنة والمساواة في المعاملة‪.‬‬
‫وإن من آثار هذه السنة اللهية في العدل – كما يقول ابن تيمية ‪ : -‬إن الملك والسلم مع الظلم‬
‫ل يدوم ‪ ،‬وأن الملك والك فر مع العدل يدوم‪ .‬وال مل كبير أن ي تبين الملوك والرؤ ساء هذه ال سنة‬
‫الله ية في سارعون إلى تزك ية إدارات هم و سياساتهم بالعدل ‪ ،‬وي صدرون مواز ين القانون والد ستور‬
‫لنصرة العدل ‪ ،‬ويستعملون قوة السلحة والجيش والمن لحماية الشورى والعدل ‪ ،‬لتكون مثوبتهم‬
‫في الدنيا أن يستخلفهم ال في الرض ‪ ،‬ويبدلن خوفهم أمنا ‪ ،‬وضعفهم قوة ‪ ،‬وذلهم عزا ‪ ،‬وأخرى‬
‫ينالون ها في الخرة ح ين يكونون – ح سب المرا سم والبروتوكولت الله ية – أول ال سبعة الذ ين‬
‫يظل هم ال بظله يوم ل ظل إل ظله‪ .‬وأول هؤلء ال سبعة‪" :‬إمام عادل ‪ " ...‬ك ما ورد في الحد يث‬
‫المشهور‪.‬‬

‫لقادة الجماعات السيلمية والحزاب والمنظمات الوطنيية ليتجبينوا سجنة ال فجي (العمجل الصجالح)‬
‫في سارعوا إلى تحري – الخلص وال صواب – سواء‪ .‬لن اجتماع ال صفتين – ك ما يقول الفض يل‬
‫بن عياض – شرط في نجاح الع مل في الدن يا وقبوله من ال في الخرة‪ .‬فإن و جد "إخلص" ولم‬
‫ي جد " صواب" فإن الع مل ل يفلح (أي ل يظ فر بالمطلوب) ‪ ،‬وإن و جد صواب ولم يو جد إخلص‬
‫فإن العمل ل يُقبل ‪ ،‬وإن اجتمع الثنان قُبل العمل وأفلح‪ .‬وإلى هذه السنّة اللهية يشير قوله تعالى‬
‫‪ " :‬إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " ]فاطر ‪ .[10‬والكلم الطيب في الية يشير إلى‬
‫(الصواب) بينما يشير العمل الصالح إلى (الخلص)‪.‬‬
‫للتربيوي ين والمشرف ين على مؤ سسات الترب ية وإدارت ها لي تبينوا سنّة ال في (التغي ير) ال تي تتلو‬
‫على أسماعهم صباح مساء‪ :‬إن ال ل يغيّر ما بقوم من أحوال أسيفة حتى يغيروا ما بأنفسهم من‬
‫معتقدات وأفكار ومفاهيجم واتجاهات وطرائق تفكيجر وقيجم ومعاييجر ‪ ،‬ويجسجدون هذا التغييجر فجي‬
‫مراجعة مناهج التربية والتعليم وطرائقها وصفات العاملين فيها والقائمين عليها واستبدال ذلك كله‬
‫بنماذج مختلفة قادرة على رد إنسانية النسان المسلم التي شوهتها مؤسسات تربوية أرسى أصولها‬
‫وو ضع مناهج ها وتطبيقات ها بعوث و خبراء ال ستعمار الثقا في ثم تا بع التخر يب ضحا يا الغتراب‬
‫التربوي فكانجت ثمرة تخريبهجم إخراج أجيال لم تتقجن إل الهزيمجة ‪ ،‬واسجتمراء الذل والتبعيجة ‪،‬‬
‫والتثاقجل إلى الرض ‪ ،‬وترك الجهاد ‪ ،‬وعبادة المال وأربابجه ‪ ،‬والركون إلى ثقافجة السجتهلك‬
‫لمنتوجات يستوردونها ويتلفون الموارد المحلية من أجل تسويقها‪.‬‬

‫للع سكريين لي تبينوا سنة ال في – الن صر والجهاد – فيعملون على إحياء – المدر سة الع سكرية‬
‫السلمية – بنظرياتها ومؤسساتها وتدريباتها التي تربي جندها على تعشق معاني "ال أكبر" و"أنا‬
‫ل أقا تل من أ جل ع مر" وت ستلهم برا مج التوج يه المعنوي من قوله تعالى‪ " :‬يأي ها الذ ين آمنوا إذا‬
‫لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون "‪] .‬النفال ‪[45‬‬
‫ثم يتوقفون عن التأ سي بنموذج – المدر سة الع سكرية الم ستوردة – ال تي تؤله القادة وتر فع شعار‬
‫"نفجذ المجر ثجم اسجأل بعجد ذلك عجن السجبب" ‪ ،‬ويتولى إمامجة التوجيجه المعنوي فيهجا المغنون‬
‫والمغنيات ‪ ،‬وتستبدل الذكر بالمعازف والقينات ‪ ،‬وتعد جيوشها للرتزاق وتأجير المهارات القتالية‬
‫للقوى الكبرى الساعية في الرض بالفتنة والفساد الكبير تحت ألوية "الشرعة الدولية" و"قوات حفظ‬
‫السلم" ‪ ،‬و"محاربة الرهاب" إلى غير ذلك من المسوغات والتبريرات‪.‬‬

‫للمؤرخين والقائمين على دوائر الثقافة والعلم والفنون ليستلهموا سنّة ال في تزكية المجتمعات‬
‫مجن التلوث الفكري وتطيبقاتجه الجتماعيجة والفكريجة والفنيجة وخطورة – تدسجية – الحياة بهذه‬
‫الملوثات ‪ ،‬ومصائر المجتمعات التي تشيع فيها ‪ ،‬والسدنة القائمة على تسويقها وإشاعتها‪.‬‬

‫للقت صاديين ورجال العمال لي تبينوا سنّة ال في "اقت صاد الماعون" – أي الذ ين يع ين الناس على‬
‫إقا مة دين هم ودنيا هم ‪ .-‬و سنّته في "اقت صاد ال سحت" أي الذي ي سحت – أي ي ستأصل – مقومات‬
‫دين هم ودنيا هم‪ .‬ثم ي تبينون ك يف أن ال ير بط ب ين المظالم القت صادية وهلك المجتمعات‪ .‬وك يف‬
‫يضع المشتغلين في اقتصاد الماعون الذي يضربون في الرض يبتغون من فضل ال ‪ ،‬في منزلة‬
‫المجاهديجن والشهداء لنهجم يوفرون للناس مقومات حياتهجم كمجا يوفجر المجاهدون سجلمة نفوسجهم‬
‫وحرماتهم‪:‬‬
‫" علم أن لن تحصيون فتاب عليكيم فاقرأوا ميا تيسير مين القرآن علم أن سييكون منكيم مرضيى‬
‫وآخرون يضربون في الرض يبتغون من ف ضل ال وآخرون يقاتلون في سبيل ال " ]المز مل‬
‫‪[20‬‬
‫وفجي المقابجل يركجس ال سجبحانه المشتغليجن باقتصجاد السجحت مجع الهالكيجن مجن مرتكجبي الثجم‬
‫جانية‪ :‬هؤلء يشكلون الشركات‬
‫جر مقومات الحياة النسج‬
‫جن يتظافران لتدميج‬
‫والعدوان ‪ ،‬لن الفريقيج‬
‫عابرة القارات والمؤسسات المالية الدولية لمتصاص مقدرات الشعوب ‪ ،‬وأؤلئك يجندون الجيوش‬
‫الغازية لتنفيذ مخططات هذه الشركات والمؤسسات‪.‬‬
‫" وترى كثيرا منهم يسارعون في الثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون " ]المائدة‬
‫‪[62‬‬

‫لدول الطوائف ال تي أقام ها الم ستعمرون على أنقاض الدولة العثمان ية طبقا لمعاهدة سايكس‪ -‬بي كو‬
‫ومثيلتها ‪ ،‬ثم استمرت ِمزَقُ المة تفتخر بالنتماء إلى هذه الدول الممزقة وتدافع عنها ‪ ،‬لتتبين أن‬
‫يد ال – أي عونه وعطاءه – إنما هي مع الجماعة ‪ ،‬وأن الوحدة سنة وجود تنظم عوالم النسان‬
‫والحيوان والنبات والجماد ‪ ,‬وأن العت صام بح بل ال وعدم التفرق قانون إل هي من قوان ين الن صر‬
‫والفلح في كل مواجهة‪.‬‬

‫للرجال وللنساء في عامة المة ليتبينوا – سنّة ال في الزوجية – التي تنظم علقة الجنسين على‬
‫أساس التكامل بين المبدأ الخلقي والذوق الجمالي ‪ ،‬وأن الخروج على هذه السنّة يبعث الفوضى‬
‫ويحدث الضطراب في هذه العل قة ويح يل ع مل كل من الزوج ين إلى – ع مل غ ير صالح –‬
‫ثمرته العقم الجتماعي والضنك في المعيشة‪.‬‬
‫والمل الكبير أن تعي جميع هذه الفئات من الجماعات والقيادات السلمية أهمية – السنّة اللهية‬
‫المتضمنجة فجي قوله تعالى‪ " :‬أقرأ باسيم ربيك الذي خلق " الذي يتضمجن أول آيجة نزلت فجي غار‬
‫حراء ‪ ،‬ثجم يكون مجن نتائج هذا الوعجي إدراك الحاججة الماسجة إلى "قراءة" أحداث العصجر ووقائع‬
‫الغازة الجديدة على العالم السلمي وذلك لسببين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن العمل النا جح يولد ولدت ين‪ :‬ولدة نظر ية ‪ ،‬وأخرى عمل ية ول بد من الثنت ين وترت يب‬
‫تتابعهما‪ .‬والثاني‪ :‬أننا أصبحنا نعيش في زمن احتلت المعرفة فيه مركز المحور من القوة ‪ ،‬ولذلك‬
‫فإن ال مة ال تي تتفوق في – المعر فة – تتفوق في القوة – ك ما يقول أل فن توفللر في كتا به "تحول‬
‫القوة"‪ .‬وهذا مجا أدركتجه القوتان اللتان تقودان الغارة على العالم السجلمي مجن جديجد ‪ ،‬فراحتجا‬
‫تضاعفان مراكز البحث عن العالم السلمي لتدمير قوته واستغلل تناقضاته لثارة الفتن فيه‪.‬‬
‫ولعل أوضح مثال لذلك هو الطريقة التي استقبلت بها القوى الطبعة الولى من هذا الكتاب‪.‬‬
‫ف قد ن قل لي ب عض المشاهد ين أن – تلفاز إ سرائيل – نا قش محتويات الكتاب بالل غة العبر ية لمدة‬
‫ساعة كاملة ‪ ،‬وأن المناقش ين ا ستخلصوا في ضوء ما ورد ف يه خطورة انبعاث الروح ال سلمية‬
‫وأهمية التصدي ليقظة العالم السلمي كله تحت ذرائع – الرهاب – وغيره من الذرائع‪.‬‬
‫وح مل لي طالب – أحترم "إخل صه" وأد عو ال أن يله مه "ال صواب" في عمله – ا ستبيانا مكتوبا‬
‫باللغتيجن العربيجة والنكليزيجة‪ .‬ولقجد أعده لكتابجة أطروحجة الدكتوراه فجي جامعجة – كارديجن –‬
‫البريطانية‪ .‬ويبدأ الستبيان بالقول‪:‬‬
‫" الدكتور ماججد الكيلنجي أكجد فجي كثيجر من كتبجه أن المدرسجة التجي ظهرت وانتشرت فجي القرن‬
‫الخا مس وال سادس الهجري لع بت دورا هاما وحا سما في توح يد الم سلمين آنذاك ودع مت موقف هم‬
‫ضد – الصليبين – القادمين من الغرب ‪ ،‬وضد "المغول والتتار" القادمين من الشرق "‪.‬‬
‫ثم يستمر ال ستبيان ليطرح عددا غير قليل من ال سئلة – التي كان كان للدكتور المشرف أنتوني‬
‫باكر الثر الواضح في صياغتها – ومنها السئلة التالية‪:‬‬
‫ل وقبل كل شيء لماذا – في نظرك – ظهرت المدرسة آنذاك ؟‬
‫"س‪ :‬أو ً‬
‫س‪ :‬هل توافق على رأي الدكتور الكيلني بأن الحركة العلمية التي نجمت عن المدرسة كانت هي‬
‫حجر الزاوية في توحيد المة السلمية ؟‬
‫س‪ :‬في اعتقادك ما هو الجد يد في المدر سة ؟ وماالذي ميّز ها عن المؤ سسات التربو ية ال سابقة‬
‫وال ُكتّاب (وكيف كان ذلك) ؟‬ ‫كالمسجد‬
‫س‪ :‬بعض الكتاب يعتقدون أن الفلسفة المعاصرة التي تحكم التربية في أغلب البلد السلمية هي‬
‫عامل هدم أكثر من كونها عامل بناء بسبب أن هذه الفلسفات إما تقليدية جامدة تقادم عليها الزمن‬
‫وضع فت علقت ها بال سلم‪ .‬وإ ما فل سفة م ستوردة (عادة من الغرب العلما ني) ل ترا عي حاجات‬
‫المة الحقيقية‪.‬‬
‫أولً‪ :‬هل توافق على هذا الطرح ؟‬ ‫‪-‬‬
‫ثانياً‪ :‬لماذا تعتقد ذلك ؟‬ ‫‪-‬‬
‫س‪ :‬هل من المم كن إعطاء قائ مة بب عض الفكار أو الشخاص أو المؤ سسات ال تي ترى إعطاء‬
‫والتطبيقات التربوية التي ظهرت مع حركة المدارس في القرن الخامس) الولية في‬ ‫(الفكر‬
‫المستقبلية ؟‬ ‫الدراسات‬
‫س‪ :‬هل يتم تدريس تاريخ (حركة المدارس السلمية) بشكل كاف في جامعاتكم المحلية الن ؟‬
‫س‪ :‬هل قمت بنشر أية أبحاث في مجال إحياء الفكر التربوي التاريخي ؟ (ما هذه البحاث ولماذا‬
‫اخترتها بالذات ؟)‬
‫س‪ :‬هل لديكم طموحات بحثية حول هذا الموضوع بالذات ؟ " انتهى كلم الستبيان‪.‬‬

‫ويعلم الذين يعرفون كيف يصنع القرار في أمريكا وأوربا وإسرائيل أ نّ الجامعات هناك ل تبحث‬
‫عن العلم من أجل العلم ‪ ،‬ول تبحث عن المعرفة من أجل الرتقاء بإنسانية النسان وشبكة علقاته‬
‫بالمنشأ والحياة والمصير ‪ ،‬وإنما يبحثون عن المعرفة والعلم باعتبارهما عنصرا من عناصر القوة‬
‫اللزمجة للنجاح فجي عمليجة الصجراع الدولي على ثروات الرض – كمجا تقرر فلسجفة الدارونيجة‬
‫الجتماعية وكما كتب أخيرا – ألفن توفللر في كتابه "تحول القوة"‪.‬‬
‫ولذلك يتكامل عندهم عمل الجماعات ومراكز البحوث مع عمل المؤسسات القتصادية والسياسية‬
‫والعسجكرية ‪ ،‬ومجن قاعات هذه المعاهجد العلميجة تبدأ عمليجة – صجنع القرار – حيجث يتجم جمجع‬
‫المعلومات من قبل الساتذة والباحثين وتحليلها ومناقشتها من قبل مندوبين عن المؤسسات العلمية‬
‫القتصجادية والسجياسية والعسجكرية والتربويجة ثجم يقوم هؤلء المندوبون بنقجل المحصجلة إلى –‬
‫جماعات تخطيط السياسة ومنهم إلى مراكز صنع القرار ومنها إلى جماعات صنع الرأي حيث يتم‬
‫صياغة الذرائع وال تبريرات والشعارات والم صطلحات ال تي يراد إعلن ها لتهيئة الرأي العام لد عم‬
‫تنفيذ القرارات واللتفاف حولها في الداخل‪ .‬وتبريرها وحشد النصار لها في الخارج ‪ ،‬ثم ينتقل‬
‫القرار إلى دوائر صنع القانون لعطائها السند القانوني ‪ ،‬وتتم هذه الخطوة من قبل رئاسة الدولة‬
‫والبرلمان أو الكونغرس‪ .‬وأخيرا إلى مؤسسات التنفيذ المباشر – التي تتكون في الغالب من ثلث‬
‫مؤ سسات هي‪ :‬المؤ سسة ال سياسية ‪ ،‬والمؤ سسة الع سكرية ‪ ،‬والمؤ سسسة التبشير ية – الخير ية ‪،‬‬
‫ح يث تقوم الولى بوضجع ال سياسات المرحل ية وتنفيذهجا ‪ ،‬وتقوم الثان ية بممار سة القوة لتفعيل ها ‪،‬‬
‫وتقوم الثالثة بتلطيف آثار العدوان والجراحات العملية لتغطية الثار السلبية التي تحدثها المؤسسة‬
‫السياسية والمؤسسة العسكرية‪ .‬أي أن القرار يبدأ – أفكارا ومناقشات – وينتهي أعمالً وممارسات‬
‫تنفذ على المسرحين الداخلي والخارجي وبذلك يصبح العلم في عداد العلم الذي ينفع‪.‬‬
‫أما في القطار العربية والسلمية فإن حال العلم والمعرفة كحال الذهب عند نساء هذه القطار ؛‬
‫يبقيان مجرد حليجة يباهجي بهجا الفراد وحملة الشهادات بعضهجم بعضا فجي الداخجل ‪ ،‬ويتنافسجون‬
‫ويتحاسدون للحصول بواسطتها على المال والمراكز‪ .‬وتتجمل بها دول الطوائف القائمة أمام الدول‬
‫العملقجة ‪ ،‬وتقام باسجمهما الحتفالت والمؤتمرات وتدبجج الخطجب وتكتجب المقالت ثجم يكون‬
‫مصيرهما إما الرتكاس في مستودعات العلم الذي ل ينفع ول يجد إلى التطبيق سبيلً ‪ ،‬وإما أن‬
‫تحمجل مخطوطاتجه ورسجائله ومطبوعاتجه – تحجت سجتار التبادل الثقافجي – إلى مراكجز البحوث‬
‫والجامعات فجي الغرب ليصجبح بعجض المواد النافعجة فجي صجناعة القرارات المتعلقجة بالمنطقجة‬
‫العربية‪-‬السلمية‪.‬‬
‫إن محور الز مة في حياة الجيال العرب ية وال سلمية الحاضرة هي – عدم الن ضج والبقاء نف سيا‬
‫وعقليا – فجي مرحلة العتماد على الغيجر‪ .‬وعجن هذه الحالة تنتجج مضاعفات تتمثجل فجي – عقدة‬
‫النبهار بالغرب وفقدان الستقللية في الفكر والتفكير – ومضاعفات ذلك في التبعية التي أزمنت‬
‫– وما زالت تستعصي على العلج‪ .‬وهذه تبعية تفرز التناقض في سلوك النسان العربي المسلم‬
‫المعصر في جميع أقواله وأفعاله‪ .‬فهو من ناحية يضيق بالوجود العضوي للغربي المحتل ويمارس‬
‫جميجع أشكال الجهاد والكفاح ضده ‪ ،‬ولكنجه مجن ناحيجة أخرى – إذا رحجل الغازي المحتجل – شجد‬
‫الرحال إليجه واسجتورد مجن عنده غذاء جسجده وثقافجة عقله وإرادتجه إلى أن ينتهجي المجر بعودة‬
‫الحتلل العضوي مرة ثانيجة ويكون مثجل العربجي أو المسجلم مثجل البجن الذي يكره والده القاسجي‬
‫المتسلط ولكنه ل يستطيع التوقف عن تقبيل يديه والتماس رضاه والحصول منه على نفقته‪.‬‬
‫ويمارس النسان في المنطقة العربية والسلمية هذه التبعية بأشكال مختلفة منها‪ :‬ترديد ما ينتجه‬
‫العقل الغربي والتسليم بالفرضية المتغطرسة التي تزعم أن الغربي ج كان دوما ج منبع الحضارة‬
‫ومنجه يجري التاريجخ وتخطجط مسجاراته ‪ ,‬وتصجنع أحداثجه ومنجزاتجه ‪ ,‬وهجو الن يقرر نهاياتجه ‪.‬‬
‫ويتفرع عجن هذه النقيصجة الفكريجة مضاعفات التسجليم بإمامجة الغربجي واتخاذه قدوة فجي نشاطات‬
‫الحياة اليوم ية الجار ية ابتداء من إما مة ال سياسة والع سكر والفكجر ومرورا بإما مة الثقا فة وال فن‬
‫والتعليم والرياضة حتى مصممي الزياء وحلقة الشعر وتسريحاته ‪.‬‬
‫و من مظا هر التبع ية المشار إلي ها ت صنيف المخت صين والعامل ين في مؤ سسات القطار العرب ية‬
‫والسلمية حسب المكنة التي جرى تعليمهم فيها بحيث يحتل خريجو المعاهد الغربية ج مكانة‬
‫وتوظيفا ج المنزلة الولى ولو كانوا ل يحملون من العلم إل "كرتونة الشهادة" ‪.‬‬
‫ومن ها تجا هل الوا قع وال سباب المحل ية ‪ ,‬وتكلف ال حل والمعال جة في ضوء النظريات والت طبيقات‬
‫التي تطورت في بيئات الغرب ثم استيرادها واستيراد الخبراء لتطبيقها تطبيقا يشوه خلله الجسد‬
‫العربي ليلئم اللباس الغربي !!‬
‫ومنها العجز عن استثمار موارد البيئة المحلية وتطويرها تطويرا يحفظ لها خصوصيتها وتمييزها‬
‫ويل بي الحاجات المعا صرة ‪ ,‬ثم التبا هي بتحويل ها إلى أ سواق ا ستهلكية لمنتوجات الغرب الثقاف ية‬
‫والسجياسية والعسجكرية والتربويجة والقتصجادية والصجحية والجتماعيجة واعتبار ذلك نموذج الحياة‬
‫المثلى بحيث صار ينطبق على المنطقة العربية والسلمية الوصف النبوي القائل‪ :‬لتتبعن سنن من‬
‫كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم خلفهم !!‬
‫وكانت نتي جة ذلك كله أن تعطل العقل العربي والسلمي عن التفكير وأصبحت أفعال ج إن سان‬
‫المنط قة ج مجرد ردود ف عل إشراط ية ‪ ,‬آن ية ‪ ,‬تلقائ ية لفعال الغر بي الما كر ج المخ طط ‪ ,‬تثور‬
‫النفعالت ليام أو ساعات ثم تنط فئ وتعود إلى (التفرج على ما يجري) وعدم المبالة ‪ .‬وب سبب‬
‫هذه الظاهرة تتحول جميع أشكال الجهاد والكفاح إلى إهدار مستمر للموارد والطاقات‪.‬‬
‫أنجا ل أنكجر أن فجي المجة مقاديجر هائلة مجن مخزون "الخلص" الذي يكشجف عجن نفسجه مجن آن‬
‫لخجر ‪ ،‬ولكجن أقولهجا بصجراحة أن هناك جدب وقحجط فجي معرفجة "الصجواب" الذي يقترن مجع‬
‫الصجلح لينجبجا ثماره النافعجة‪ .‬وأضرب لذلك مثلً مجن مواقجف رجال العلم وكتاب الصجفحات‬
‫ال سياسية في كبرى ال صحف ‪ ،‬وموا قف المفت ين والعلماء في القطار العرب ية وال سلمية‪ .‬ف هم –‬
‫مثلً – صدقوا المقولت التي طرحتها دوائر – صنع الرأي – المريكية والوربية تحت عناوين‬
‫"صراع الحضارات" و"مكافحة الرهاب" و"التطرف السلمي" و"الصولية السلمية" ‪ ،‬ثم انطلقوا‬
‫يدبجون المقالت ويعقدون الندوات ‪ ،‬ويتحدثون فجي الفضائيات لقناع الغرب ب "حوار الحضارات"‬
‫بدل صجراعها ‪ ،‬وتجبرئة السجلم مجن التطرف ‪ ،‬والدعوة لتحديجد مصجطلح الرهاب ثجم التعاون‬
‫لمكافح ته‪ .‬ولو أن هم كانوا م ستقلي التفك ير ‪ ،‬را سخين – محيط ين بالمحطات ال تي ي مر ب ها " صنع‬
‫القرار" الغربجي لتوحدت أفهامهجم ومواقفهجم ‪ ،‬ولمجا أضاعوا طاقاتهجم وأوقاتهجم فجي محاولة إقناع‬
‫الغرب ببراءتهم لن الغرب ل يحتاج إلى أن يقدم – العرب والم سلمون – له شهادة ح سن سلوك‪.‬‬
‫لن صانعي القرار ف يه يعرفون أن ما طرحوه من اتهامات وأ سباب مزعو مة – إن ما هو مجرد‬
‫م سوغات وضعو ها هجم أنفسجهم واسجتثمروا سجذاجة العرب والم سلمين وجهل هم لتجبرير السجاليب‬
‫الرامية إلى تجفيف منابع القوة السلمية ‪ ,‬والسلحة الفتاكة التي تقوض بنيانهم وتشردهم وتفتك‬
‫بأطفالهم ورجالهم ونسائهم في مرحلة – تنفيذ القرار‪.-‬‬
‫ولذلك فإن المواج هة الحقيق ية ال تي يحتاج ها – العالم العر بي وال سلمي – هي ال تي تجري على‬
‫مرحلت ين‪ :‬المرحلة الولى ‪ ،‬مواج هة مع الذات – يقوم ب ها العلماء وال ساسة وعا مة ال مة – بغ ية‬
‫تحريرها من – التبعية الثقافية والعتماد العقلي على الغير ‪ ،‬وتمكينها من اكتشاف الهوية وتحقيق‬
‫النتماء إلى ماضي الزدهار والمنعة ‪ ,‬وتحليل الحاضر ‪ ،‬واستشراف مسارات المستقبل ودروبه‪.‬‬
‫فإذا انتصرت المة في هذه المواجهة فستكون مؤهلة لبدء المواجهة الثانية مع الغير المتعدي بثقة‬
‫واستقللية وجدارة ‪ ،‬ولسوف تنتهي بها المعركة إلى النصر المادي والفتح السلمي‪.‬‬
‫هذه خطوط رئيسجة فجي التجاهات التجي اسجتهدف هذا الكتاب لفجت النتباه إليهجا وال سجبحانه هجو‬
‫القادر على فتح القلوب لها وتيسير النتفاع بها ‪ ،‬لذلك أدعوه سبحانه فأقول‪:‬‬

‫إلهي! لقد قلت في محكم كتابك الكريم "ادعوني أستجب لكم"‪ .‬وها أنا أتوجه إليك متبرأً من حولي‬
‫وطولي ‪ ،‬متضرعا بأن تحيجي قلوب أمتنجا رجالً ونسجاءً ‪ ،‬وشيبا وولدانا ‪ ،‬وقادةً ورعيةً ‪ ،‬وأن‬
‫تجعل لهم نورا يمشون به بين المم التي تمكر بهم وتتربص بهم وبدينهم الدوائر ‪ ،‬ويزينون لهم‬
‫سجوء مجا يعملون ‪ ،‬ويسجخرون من حالهجم فجي كجل هيئة ومؤتمجر ‪ ،‬ويتندرون بمصجائبهم فجي كجل‬
‫اجتماع‪.‬‬

‫الل هم إ ني ل أق نط من رحم تك ل نه ل يق نط من رحم تك إل القوم الكافرون‪ .‬ولن من سنتك في‬


‫العمل الصالح أن اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا ال لعلكم تفلحون‪.‬‬

‫اللهم تولنا بوليتك ‪ ،‬إنك نعم المولى ونعم النصير‪.‬‬

‫أهمية هذا البحث‬


‫إ نّ وقوف نا على تفا صيل هذا التغي ير ‪ ،‬ومظاهره ومراحله يقدّم ل نا الدرس المف يد في محنت نا ال تي‬
‫نواجه ‪ ،‬إزاء عوامل الضعف التي تعمل في كياننا من داخل ‪ ،‬والخطار التي تهددنا من خارج‪.‬‬
‫وكان ل بد من الجابة على كثير من السئلة‪:‬‬
‫س‪ :1‬ماهي المفاهيم والتصورات والقيم السلبية التي كانت تسود المة؟‬
‫س‪ :2‬ما هو التغيير الذي حدث؟‬
‫س‪ :3‬من هم الذين حملوا مسؤولية هذا التغيير اليجابي؟‬
‫س‪ :4‬هل كان صلح الدين ظاهرة فردية ‪ ،‬أم كان عيّنة لجيل مثله؟‬

‫الباب الول‪ :‬التكوين الفكريّ للمجتمع السلميّ قبيل الهجمات الصليبية‬

‫مذهبية الفكر السلميّ والصراع المذهبي‬

‫أ‪ .‬الطابع المذهبي للفكر السلميّ‪:‬‬


‫ي الذي عاصجر الحملت الصجليبية الولى مجن المخلصجين والدعاة‬
‫لم يعدم المجتمجع السجلم ّ‬
‫العامل ين ‪ ،‬أمثال الحنابله والشاعرة والشافعيّة ‪ ،‬ولقجد نشأت هذه الجماعات فجي ال صل كمدارس‬
‫فكريّة لها تخصصات في إطار الرسالة السلميّة الواحدة ‪ ،‬وكان أغلب رجالتها قد تتلمذ على يد‬
‫بعضهجم البعجض ‪ ،‬ولكجن فيمجا بعجد تطورت هذه المدارس الفكريّة إلى مذاهجب تشبجه الحزاب أو‬
‫الجماعات في زماننا ‪ ،‬ولقد كانت المشكلة الرئيسية التي تفرعت عنها سلبيات هذه المذاهب ‪ :‬أ نّ‬
‫كل جما عة من ها اع تبرت نف سها صاحبة ال حق الوح يد في التوا جد على م سرح الحياة ال سلميّة‬
‫بسبب تاريخ أسلفها المجيد ‪...‬‬

‫ب‪ .‬الثار الفكريّة والتربويّة والجتماعية والسياسيّة للصراع المذهبي‪:‬‬


‫‪ -1‬الثار الفكريّة‪:‬‬
‫تحددت أُ طر النتاج الفكر يّ في حدود المذ هب ‪ ،‬و صارت المؤلفات إ ما اجترارا وتكرارا لفكار‬
‫من سبقوا من رجال المذاهب ‪ ،‬أو إطراء وإشادة بهم ولكن أخطر الثار الفكريّة‪ :‬هو انقطاع أتباع‬
‫المذهب عن التصال المباشر بالقرآن على أنها الفهم الصحيح المطلق للقرآن والسنّة‪.‬‬
‫وأدى هذا إلى تعطل الفكر السلميّ عن البداع والجتهاد ‪ ،‬لن المختصين تحولوا من التصال‬
‫المباشر بالكتاب والسنّة إلى اللتزام بكتابات الئمة والنغلق عن التفاعل مع الخرين‪.‬‬
‫علما بأن مصادر الجتهاد ‪:‬‬
‫الكتاب والسنّة ‪ :‬ومن مظاهر إعجازهما هو تجدد معانيهما بتجدد الزمنة ‪ ،‬وتنوع‬ ‫‪-1‬‬
‫المكنة‪.‬‬
‫الفاق والنفس‪ :‬أي البيئة الطبيعية والجتماعية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ -2‬الثار التربويّة والتعليميّة‪:‬‬


‫انعكست آثار التعصب المذهبي على التعليم ومؤسساته بشكل خطير جدا تمثلت بمايلي‪:‬‬
‫فسجاد أهداف التعليجم وغاياتجه‪ :‬فقجد أصجبحت الهداف تدور حول تأهيجل الدارسجين‬ ‫‪-1‬‬
‫لمناصب الفتاء والقضاء والوقاف والتدريس في الجامعات والمدراس والحسبه‪.‬‬
‫جة بالعبادات‬
‫جه الخاصج‬
‫جث الفقج‬
‫جر على مباحج‬
‫جي‪ :‬فاقتصج‬
‫ضاق مفهوم المنهاج الدراسج‬ ‫‪-2‬‬
‫والمعاملت التي تحددت بالطر المذهبيّة ‪ ،‬ووقع النشقاق بين الدراسات السلميّة وبين‬
‫العلوم الطبيعيّة‪.‬‬
‫تسرب المذهبيّة الحزبية إلى صفوف الطل به‪ :‬وإفساد روابطهم وعلقاتهم ‪ ،‬وتدريبهم‬ ‫‪-3‬‬
‫على الخصومات والصراعات التي كانت قائمة في المجتمع‪.‬‬
‫تسجرب اتجاهات النحلل والقليميجة إلى صجفوف الطلبجه‪ :‬كثجر تناول المسجكرات‬ ‫‪-4‬‬
‫والش غب والفو ضى م ما أدى إلى تد خل الشر طة و سجن عدد من الطلب ‪ ،‬وإها نة ب عض‬
‫المدرسين‪.‬‬

‫‪ -3‬الثار الجتماعيّة‬
‫أ‪ .‬في ح ين كا نت المدراس الفكريّة ل تض مّ إلّ رجال الف كر وأئ مة الف قه والمشتغل ين بالعلم الذ ين‬
‫تن ظم علقات هم أخلق العلماء وفضائل الد ين ‪ ،‬صار المذ هب ي ضم أخلطا من المشا يخ والطل به‬
‫والتجّار والعوام الذين يريدون المذهب وسيلة لمنافعهم الخاصة‪.‬‬
‫ب‪ .‬ونتيججة لذلك انقسجم الناس على بعضهجم وانصجرفوا عجن التحديات التجي تهددهجم مجن الداخجل‬
‫والخارج‪.‬‬
‫ج‪ .‬ولم يقت صر هذا التف كك والتنا فس على المذا هب بعض ها مع ب عض ‪ ،‬وإنّ ما امتدّ إلى صفوف‬
‫المذ هب الوا حد نف سه ‪ ،‬ف قد كان المت صدرون في المذ هب يتناف سون في ما بين هم لت صدر الَتباع ‪،‬‬
‫وتمثيل المذهب في مناصب الدولة أو الحفال‪.‬‬

‫‪ -4‬الثار السياسيّة‪:‬‬
‫لقد أصبحت السّمة البارزة للنشاط السياسيّ لهذه المذاهب ‪ :‬هي انتهاء أهداف العمل السلميّ عند‬
‫مشاركة زعماء المذهب ورجالته في إدارات الدولة‪.‬‬
‫ولقجد أدى هذا الوضجع إلى نتيجتيجن ‪ :‬الولى ‪ :‬تنافجس المتصجدرين لهذه المذاهجب فجي التقرب من‬
‫ن النتهازي ين – أ صحاب المطامع الشخصيّة – وجدوا في النت ساب‬
‫السلطين والقادة‪ .‬الثان ية ‪ :‬أ ّ‬
‫للمذاهب وسيلة لتحقيق مطامعهم‪.‬‬
‫ن العلقات ب ين المذا هب ال سلميّة والحكومات القائ مة ‪ ،‬صارت تتش كل‬
‫و من الثار ال سياسيّة أ ّ‬
‫حسجب مواقجف هذه الحكومات مجن تلك المذاهجب ‪ ،‬وحسجب اسجتجابتها أو رفضهجا لطماع هذا‬
‫المذهب‪.‬‬
‫ونخلص مجن هذا كلّه إلى أن ّه لم تكجن لدى الفكجر السجلميّ والمؤسجسات التجي تمثّله الهداف‬
‫والمفاهيم التي تتناسب والحاجات والتحدّيات القائمة ‪ ،‬ولم تكن هناك الستراتيجيات التي تمكّن هذه‬
‫المؤسسات من تحمل مسؤولياتها في المجتمعات السلميّة المعاصرة‪.‬‬

‫انقسام الصوفيّة وانحرافها‬

‫الصل في التصوف‬
‫أنّه ن شأ كمدارس تربويّة هدفها تزك ية الن فس ‪ ،‬و صقل الخلق ‪ ،‬ولم ت كن هذه المدارس تغلو في‬
‫آرائها ‪ ،‬ول تخرج عن قيد الشريعة في شيء كما فصّل ذلك ابن تيميّة في فتاويه‪ .‬غير أنّ عوامل‬
‫التطور عملت فجي هذه المدراس التربويّة فطورّتهجا إلى طرق كمجا تطورت المدارس الفقهيّة إلى‬
‫مذاهب ‪ ..‬وأول ماظهرت الصوفيّة في البصرة وأول من بنى دويره للصوفيّة بعض أصحاب عبد‬
‫الواحد بن زيد ‪ ،‬وهو من أهم أصحاب الحسن البصري والتصوف عندهم له حقائق معروفة قد‬
‫تكلموا في حدوده وسيرته وأخلقه‪ .‬ومهما كان أمر التطور التاريخي للصوفيّة فقد انتهى في الفترة‬
‫التي نتحدث عنها بانقسامه إلى ثلثة اتجاهات هي‪:‬‬

‫‪ -1‬الملمتيّة‪:‬‬
‫مجن أبرز روادهجا حمدون القصجّار المتوفجي عام ‪ 271‬ه – ‪ 884‬م ‪ ،‬وهجو واحجد مجن كبار شيوخ‬
‫التصوّف السنّي ‪ ،‬ومن قوله ‪" :‬الملمه هي ترك السلمه"‪ .‬وقد امتاز باليقظة الوجدانيّة ‪ ،‬والحذر‬
‫من الرّياء في العلم والعمل ‪ ،‬ثم دفع بهم إلى التيّار السلبي محمد بن منازل ‪ ،‬فقد جعل دناءة النفس‬
‫وتأ صل ال شر في ها قاعدة أ صيلة ‪ ..‬وتمادوا في ال سلبية ف صار احتقار الناس ل هم مطلبا بحجّة أ نّ‬
‫الخلص ل يتح قق إل إذا سقط الع بد من عيون الخلق ؟! ثم آل أمر هم إلى فر قة خر جت عن‬
‫تعاليم الشريعة واستباحت المحرمات ‪ ،‬وقالت‪ :‬إن المراد خلوص القلب إلى ال ‪ ،‬أما التقيد بالشرع‬
‫فهو رتبة القاصرين عن الفهم والمقلّدين‪.‬‬

‫‪ -2‬الحلوليون والخارجون على قواعد الشريعة‪:‬‬


‫‪.1‬أتباع الحلّج الذ ين تداعَوا لمناق شة القضا يا ال تي صُلب من أجل ها الحلّج ومن هم مَ نْ أن كر‬
‫موت الحلج ‪ ،‬وقال برفعجه إلى السجماء ‪ ،‬وأن الذي صجُلب هجو عدوه ألقجى ال عليجه شبهجه ‪،‬‬
‫وكانوا يقيمون في بغداد‪.‬‬
‫‪ .2‬ثم تطورت نظرية الحلول وبرزت طائفة تقول ‪ :‬إ نّ الشريعة قيد للفرد في مقام العبودية ‪،‬‬
‫و هو مقام الجهل بال ‪ ،‬فإذا عرف ال صوفيّ ربّه ف قد تحلّى بالحرّ ية ‪ ،‬وسقطت ع نه التكال يف‪.‬‬
‫كما ظهرت طوائف تخلط النساء بالرجال‪.‬‬
‫ل الفرائض وأخذوا‬
‫‪.3‬القلندريجة‪" :‬أقوام ملكهجم سجكر طيبجة قلوبهجم" ولم يأتوا مجن العبادات إ ّ‬
‫بالرخص ولم يتحرَوْا الشبهات ‪ ،‬نشأت فرقتهم في دركّزين في همدان ثم زحفت نحو العراق‪.‬‬

‫‪ -3‬انقسام التصوّف السنّي‪:‬‬


‫لقد تصدّى التصوّف السنّي لهذه التيارات المنحرفة ‪ ،‬ومثّل هذا التصدي مدرستان‪:‬‬
‫مدرسة نيسابور‪ :‬التي قادها أبو النصر السراج ‪ ،‬وقام نشاطها على أمريْن ‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫الول ‪ :‬تدوين التراث الصوفيّ وصب مفاهيم الت صوّف في قوالب تقيّدها بالشرع وتبعد ها‬
‫عما يفضي بها إلى الحلول والتحاد‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إبراز التصوّف السنّي باعتباره عملية تزكية للنفس تدعم اليمان والتوحيد‪.‬‬
‫‪ .2‬مدر سة بغداد‪ :‬اعتمدت المنابر ومجالس الو عظ ‪ ،‬وشيخ ها (جع فر بن مح مد الخلدي) الذي‬
‫أصبح مرجعا في علوم التصوّف بعد الجنيد‪.‬‬
‫وقد نجح التصوّف السنّي في مهمته الفكريّة ‪ ،‬ولكن الضطراب الجتماعي جعله يجنح إلى‬
‫العزلة ‪ ،‬كمجا قامجت الخصجومات بيجن الفقهاء والمتصجوّفة ‪ ،‬إلى جانجب الفتجن المذهبيّجة ‪،‬‬
‫ج كثيرا مججن‬
‫وانتشرت طوائف الجهلة والسججطحيين مججن الصججوفيّة ‪ ،‬ويذكججر الهجويري أنجّ‬
‫الشيوخ أصبح همهم جمع المريدين ‪ ،‬وتصدر التباع طلبا للجاه والنّوال‪.‬‬

‫تحديات الفكر الباطني‬

‫لقد انتشر دعاة الباطنية في غرب العالم السلميّ وشرقه ‪ ،‬وأخذوا يدعون إلى إسقاط الحكومات‬
‫السنيّة ‪ ،‬وعلى رأسها الخلفة العباسيّة ‪ ،‬وقد استطاعوا من خلل ذلك أن يفسدوا عقائد المّة‪ ،‬وأن‬
‫يثيروا الفتجن والقلقجل ‪ ،‬و َمضَوْا يغتالون الشخصجيّات المعارضجة لهجم مجن القادة والعلماء ونشروا‬
‫الرعب في كلّ مكان‪.‬‬

‫تحديات الفلسفة والفلسفة‬

‫دخلت الفل سفة الحياة الفكريّة في العالم ال سلميّ م نذ القرن الثا ني الهجر يّ غ ير أ نّ الفل سفة م نذ‬
‫القرن الرابجع الهجري اتخذت طابعا آخجر تحدّى العقيدة وفكرة النبوّة والرسجالة فجي السجلم ليعيجد‬
‫للرستقراطيات هيمنتها بعد انهزامها أمام الفتح السلمي ‪ ،‬ومؤسسس هذا التجاه كان ابن سينا‬
‫‪ 428-370‬ه‪.‬‬
‫كان ا بن سينا تلميذا لر سطو ‪ ،‬ومت صوفا ‪ ،‬وهذه الثنائ ية جعل ته رجلً تتنا قض ف يه الراء ‪ ..‬ف هو‬
‫ذو اتجاهات دنيو ية مشبو هة ‪ ..‬أ سرف في الج نس ‪ ...‬إذ فرغ من دروس ال طب أح ضر الشراب‬
‫واللت المو سيقية ‪ ،‬وكان والده من جما عة الباطنيّة ويُعدّ من ال سماعيلية‪ ،‬و صاحَبَ ا بن سينا‬
‫الكثيجر مجن الفلسجفة فأثّرت الفلسجفة الباطنيجة تأثيرا كجبيرا فجي تفكيجر ابجن سجينا ليتحدّى العقيدة‬
‫السجلميّة ‪ ،‬وفجي كتابجه "نظريجة المعرفجة" يضجع الفلسجفة على قدم سجواء مجع النجبياء بجل جعجل‬
‫الفيلسجوف أعلى مجن العلماء الدينيجن والمجتهديجن الفقهاء ‪ ،‬وفتجح الباب إلى اسجتنتاج وجوب تولّي‬
‫ن النبوّة انتهت وختمت بنبيّ السلم‪.‬‬
‫الفلسفة مراكز الرشاد والتوجيه في المجتمعات ‪ ،‬طالما أ ّ‬
‫ن الفكر السلمي الذي‬
‫ولقد سحر علم المنطق المثقفين في تلك الفترة وممّا سهّل هيمنته وانتشاره أ ّ‬
‫تم ثل بالفقهاء وأمثال هم كان حبيس المذهبيّة والتقل يد ‪ ،‬لذلك لم ي ستطيعوا الوقوف أمام تيّار الفل سفة‬
‫التي أحدثت موج ًة حادةً من القلق العقائديّ لدى المثقفين ‪ ،‬والضطراب الجتماعي لدى العامّة‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬آثار اضطراب الحياة الفكريّة في المجتمعات السلميّة‬

‫فساد الحياة القتصاديّة‬

‫إ نّ الف ساد أو التخلف القت صاد ّييْن يعتمدان على الت صوّر العقلي الذي يوجّه طرق الك سب وطرق‬
‫النفاق ‪ ،‬ولم ي قم هذا الت صور في ذلك الع صر على الك سب المشروع ‪ ،‬والنفاق المشروع ‪ ،‬فل قد‬
‫قامجت وسجائل الكسجب فجي هذه الفترة على أسجس غيجر مشروعجه ‪ ،‬فالدولة تفننجت فجي أنواع‬
‫الضرائب ‪ ،‬وابتزاز الجُباة حتّى للحجاج‪ ...‬وتفنّن التجار بر فع ال سعار ‪ ،‬أمّا و سائل النفاق ف قد‬
‫جة‬
‫جن بقيج‬
‫جلطين والولة وكبار الموظفيج‬
‫جن ‪ ،‬وقلّد السج‬
‫جرت على شهوات الغنياء والمترفيج‬
‫اقتصج‬
‫الغنياء ‪ ،‬وكذلك وعاظ المذاهب‪...‬‬
‫ل شيئا من النفاق ‪ ،‬وعانت جماهير المسلمين من ضروب الجوع ‪ ،‬كما‬
‫أمّا المصالح العامّة فلم تن ْ‬
‫عمج الفقجر ‪ ،‬وتحدّرت المصجائب والمراض سجن ًة بعجد سجنةٍ ‪ ،‬وأصجبحت سجمةً ميّزت المجتمعات‬
‫ّ‬
‫ال سلميّة ‪ ،‬وأ سهمت إسجهاما بالغا فجي إضعافهجا أمام الخطار التجي جذبتهجا روائح الضعجف من‬
‫الخارج‪.‬‬

‫فساد الحياة الجتماعية‬

‫ل قد انهار مفهوم المّة ال سلميّة وحلّت محلّه مفاه يم الع صبيّة العشائريّة والقليميّة والمذهبيّة ‪،‬‬
‫فانت شر الشّ غب والضطراب مع مضاعفات في الل هو ومفا سد الخلق ‪ ،‬واقت صرت الممار سات‬
‫الدينيّة على أداء الشعائر ‪ ،‬واختفت آثار التّوجيه الدّيني‪.‬‬

‫النقسام السياسيّ والصراع السنّي الشّيعي‬


‫كا نت وفاة ال سلطان ملكشاه عام ‪ 486‬ه ‪ 1092 /‬م بدا ية لتف كك دولة ال سلجقة ‪ ،‬وانق سمت الدولة‬
‫إلى خمس ممالك متنافسة‪،‬‬
‫كمجا ظهرت فجي بلد الشام وحدات سجياسيّة عُرفجت باسجم التابكيات ‪ ،‬واسجتمرت علقات الشجك‬
‫والريبة والطمع تحكم هذه الدويلت‪.‬‬
‫و في دا خل كلّ دولة من هذه الدويلت ال سياسيّة المجزّأة ‪ ،‬كان أمراء الج يش وكبار القادة يقودون‬
‫النقلبات والثورات ‪ ،‬ويبيعون ولءهم للسلطين حسب العطيات والهدايا‪.‬‬
‫وإلى جانجب هذا التفكّك الداخلي ‪ ،‬دخلت هذه الدويلت مجع الدولة الفاطميّة فجي صجراع مريجر ‪،‬‬
‫ا ستنفذ طاقات ها الماديّة والبشريّة‪ ،‬وكان هدف ها تقو يض الخل فة العبا سيّة واجتثاث الف كر ال سلميّ‬
‫السنّي واستبداله بالفكر الشّيعي‪.‬‬
‫أمّا في الجانب الغربي – بلد الشام – فقد استمر مؤيدو الباطنيّة يبثّون الرّعب ويحيكون مؤامرات‬
‫الغتيال ويعقدون المحالفات مع الصليبين ضدّ العالم السنّي‪.‬‬
‫وقاموا فيما بعد بمحاولتيْن لغتيال السلطان صلح الدين اليوبي ‪ ،‬الذي نجا من المحاولة الثانية‬
‫بأعجوبة‪.‬‬

‫ضعف العالم السلمي أمام الهجمات الصليبية‬

‫كا نت المجتمعات السجلميّة تعانجي من الضعجف فجي مياديجن الحياة المختل فة ‪ ،‬فد خل الصجليبيون‬
‫فأطاحوا بمُلك سلجقة آسيا الوسطى ‪ ،‬ثم انحدروا إلى بلد الشام ‪ ،‬فاضطر الخوان رضوان في‬
‫حلب ودقاق في الشام للدخول في طاعة الصليبين ‪ ،‬لنقاذ الرعية ولرعاية حرمة الوطن السلمي‬
‫ثم تزايدت هجمات ال صليبين فا ستولوا على أنطاك ية ‪ ،‬ثم زحفوا إلى ب يت المقدس الذي سقط في‬
‫ل مكان اقترفوا المذابجح الوحشيّة ‪ ،‬والم سلمون يتلهّون فجي‬
‫أيديهجم عام ‪492‬ه ‪1098 /‬م ‪ ،‬و في ك ّ‬
‫منازعاتهم وخصوماتهم ‪ ،‬ولم يقم السلطين والمراء بأيْ عمل لوقف هذا الزحف ‪ ،‬واستغاث أهل‬
‫الشام بالخلفجة العباسجية بل طائل ‪ ،‬وحرضوا الملوك على الجهاد فلم يفدْ شيئا ‪ ،‬وفجي نفجس العام‬
‫الذي نزلت ف يه الكار ثة بالمدي نة المقد سة ‪ ،‬كان سلطين ال سلجقة الثل ثة أبناء ملكشاه يتحاربون‬
‫من أجل النفوذ والسلطان‪.‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬المرحلة الولى لحركة التجديد والصلح‬

‫اشتدّت الحاجة إلى تغيير التجاهات القائمة في المجتمع ومواجهة التحدّيات الزاحفة ‪ ،‬وصار العالم‬
‫السلميّ أمام مصيرين ل ثالث لهما‪:‬‬
‫إما أن يغيّر أوضاعه تغييرا جذريا من داخله‪.‬‬
‫وإما أن يستسلم للتحدّيات التي تنذر بتدميره والجهاز عليه‪.‬‬
‫وقد مرّت عملية التغيير بمرحلتيْن‪:‬‬
‫الولى‪ :‬اتّخذت طابعا سياسيّا ‪ ،‬قادتها حكومة السلجقة ‪ ،‬ووجهتها جماعات الشافعيّة والشاعرة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬بدأت في ميدان القيم والمعتقدات وتطبيقاتها في الداخل بدل النجرار وراء مضاعفات هذا‬
‫الضعف في الخارج ‪ ،‬واستمرّت هذه المدرسة حتى بلغت مداها في إخراج أمّة مسلمة معافاة إلى‬
‫ض المحتلّ ين من ال صليبين ‪ ،‬ود فع تحدّيات الباطنيّة ‪ ،‬وتحر ير المقد سات ‪،‬‬
‫حدّ ما ا ستطاعت دح َ‬
‫وقد كان نجاح المرحلة الثانية يتوافق مع قوله تعالى‪:‬‬
‫" إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " صدق ال العظيم‪.‬‬

‫المحاولت السياسيّة للصلح‬

‫عندمجا تسجلّم السجلجقة مهام الدارة فجي بغداد ‪ ،‬بدأت المحاولت الولى التجي قام بهجا الشاعرة‬
‫الشافعيّة في الصلح والتجديد ‪ ،‬وقد واجهوا التحدّي بوسيلتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬السلح الفكري ونشر العقيدة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قيام المؤسسات التي تجسّد هذه العقيدة في واقع الحياة‪.‬‬
‫ولتنفيجذ الولى‪ :‬أقيمجت الجامعات والمدارس فجي المدن والقرى ؛ المدارس النظاميّة ن سبةً للوزيجر‬
‫نظام الملك الذي حكجم ثلثيجن عاما تفانجى خللهجا فجي سجبيل مبادئه ‪ ،‬وكان مجلسجه حافلً بالعلماء‬
‫والفقهاء ‪ ،‬وكان متدينا مخلصا ‪...‬‬
‫وإلى جانجب نظام الملك كان هناك عشرات الشاعرة الذيجن توَلوْا أمور الدارة ‪ ،‬وآخرون تولّوا‬
‫أمور المدارس النظاميّة ‪ ،‬من أمثال الشيرازي والغزالي وغيرهم‪.‬‬
‫ن الهداف السلميّة للدولة السلجوقيّة كانت مقترنة بالخطر الفاطمي في بغداد ‪ ،‬فلمّا‬
‫ولكن يبدو أ ّ‬
‫زال هذا الخطر ‪ ،‬أخذت أهدافهم تتحوّل من أهداف عقائديّة إلى أهداف دنيويّة ‪ ،‬وإزاء هذا التحوّل‬
‫أخذت جهود نظام الملك وجماعتجه تصجطدم بمعارضجة السجلطان ملكشاه لمشروعاتهجم السجياسيّة‬
‫والداريّة‪.‬‬
‫فلمّا أخذوا بتنفيذ متطلبات الوسيلة الثانية ‪ ،‬وصاروا يعينون العناصر التي نضجت وتأهلت لحمل‬
‫مسؤولياتها في مختلف القيادات والدارات أرسل ملك شاه إلى نظام الملك يعنّفه ويوبّخه‪.‬‬
‫منجذ ذلك الوقجت – أي منجذ عام ‪ 470‬ه – أخذت العلقات تسجوء بيجن السجلجقة والشاعرة حتجى‬
‫انتهى المر بمقتل نظام الملك عام ‪ 485‬واتهام ملكشاه بتدبير اغتياله‪.‬‬
‫وخلل هذه التطورات سجيطر السجتياء على نفوس المخلصجين ‪ ،‬منهجم مجن اعتزل ينتظجر القضاء‬
‫اللهي في الخرة‪.‬‬
‫ومن هم من ان سحب من بيئة الشبهات وانش غل "بخا صة الن فس" لمراج عة وتجد يد ما ب ها من أفكار‬
‫ومناهج ثم "العودة" إلى المجتمع لستئناف الصلح أو المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫وهذا ال سلوب الثا ني هو الذي اختاره ن فر على رأ سهم ح جة ال سلم (أ بو حا مد الغزالي) الذي‬
‫استلهم منهاجه في الصلح من الصول السلميّة مباشرةً ‪ ،‬واستنار بخبراته الواسعة العميقة في‬
‫تراث السلف الشامل‪.‬‬

‫دور مدرسة أبي حامد الغزالي في الصلح والتجديد‬

‫حياة الغزالي‪:‬‬ ‫‪)1‬‬


‫ولد أبو حامد محمد بن محمد الغزالي عام ‪ 450‬ه ‪ ،‬أخذ علومه الوليّة في بلدة طوس ‪ ،‬ثم رحل‬
‫إلى نيسابور ‪ ،‬حيث تثقف على إمام الحرمين الجويني ‪ ،‬صنّف خلل هذه الفترة كتابه "المنخول"‪.‬‬
‫برز الغزالي بين الشاعرة ومازال يشتهر حتّى قرّبه الوزير نظام الملك ‪ ،‬وأسند إليه التدريس في‬
‫المدرسة النظاميّة ‪ ،‬كذلك صار لرأي الغزالي مكانة عالية في إدارات الدولة ووليات السلطين ‪،‬‬
‫ح يث ُقبِلَ ما أف تى به من عدم تَوْلية محمود بن ال سلطان ملكشاه بعد وفاة والده نظرا ل صغر سنه‬
‫وتولّى بركيا روق‪.‬‬
‫جب‬
‫جبي أداة للمناصج‬
‫جيد الجاه ‪ ،‬والنتماء المذهج‬
‫جبحت شعارات لصج‬
‫ولكنّجه رأى أنجّ العقيدة أصج‬
‫والمكا سب ‪ ،‬فقرر الن سحاب من صفوف التنظ يم المذ هبي ‪ ،‬وبدأ الخطوة الولى في ال صلح ‪،‬‬
‫أل وهي النسحاب من الشتغال بالمور العامّة ‪ ،‬والشتغال بخاصة نفسه بغية تحقيق أمريْن‪:‬‬
‫الول‪ :‬مراجعجة الفكار والمعتقدات والتصجورات المليئة بالمذاهجب المتناحرة والفرق المختلفجة ‪،‬‬
‫ومارس نوعا من الحِمية الفكريّة ‪ ،‬التي يعقبها اكتشاف الفكار في ضوء الكتاب والسنّة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مراجعة التجاهات النفسية ‪ ،‬والهداف الحقيقية التي اكتسبها خلل النشاط المذهبي فاشتغل‬
‫بخاصجة نفسجه ومال إلى الزهجد والتصجوف وصجحب الفضجل بجن محمجد الفارمذي ‪ ،‬وترك جميجع‬
‫منا صبه ‪ ،‬وتو جه إلى الشام ‪ ،‬وبلور لنف سه منهاجا خا صا ا ستنارت به ب صيرته ‪ ،‬وك تب كتا به "‬
‫المنقذ من الضلل"‪.‬‬
‫ثم عاد إلى بغداد وعقد مجلس الوعظ والتدريس ‪ ،‬وحدّث بكتابه "الحياء في علوم الدين"‪ .‬واتصل‬
‫حمَل ُه على التدر يس في النظاميّة في ني سابور ثم عاد إلى‬
‫بالوز ير ف ضل الملك بن نظام الملك و َ‬
‫طوس وابتنى مدرسة لتحقيق أمريْن اثنيْن‪:‬‬
‫الول‪ :‬إخراج جيل جديد من العلماء والقادة ‪ ،‬تتكامل جهودهم وتخلص غايتهم ل ‪ ،‬وبما يتفق مع‬
‫الرسالة السلميّة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬هو التركيز على المراض الداخليّة التي تنخر في جسم المّة‪ ،‬بدل الشتغال بالمضاعفات‬
‫الناتجة عن هذه المراض ومنها الخطار الخارجيّة‪.‬‬
‫ا ستمرّ الغزالي يوزع أوقا ته ب ين التعل يم والتأل يف والعبادة ح تى وفا ته يوم الثن ين في ‪ 14‬جمادى‬
‫الخرة عام ‪ 505‬ه ‪ 1111 /‬م‪.‬‬

‫منهج الغزالي في الصلح‬ ‫‪)2‬‬


‫قام منهجه على قواعد ثلثة‪:‬‬
‫الولى‪ :‬ضرورة حمل رسالة السلم إلى العالم كلّه ‪ ،‬فالرض امتلءت بالفتنة‪.‬‬
‫الثان ية‪ :‬من الوا جب أن يجىي الب حث عن أ سباب قعود الم سلمين عن ح مل الر سالة من دا خل‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫الثال ثة‪ :‬وهذا الب حث ي جب أن ي ستهدف التشخ يص ‪ ،‬وتقد يم العلج ل مجرد توترات سلبيّة ‪ ،‬تقوم‬
‫على التلوم وتبادل التهام‪.‬‬

‫صفات معالجات الغزالي لشؤون الصلح‪:‬‬


‫الصفة الولى‪ :‬خلو كتاباته من تحريض المسلمين على جهاد الصليبين أو المغول‪.‬‬
‫الصجفة الثانيجة‪ :‬هجي اعتماد النقجد الذاتجي ‪ ،‬وعدم تلمجس التجبريرات لنّج عوامجل الضعجف وقابليجة‬
‫الهزيمجة هجي السجبب ‪ ،‬وهذا يتفجق مجع قوله تعالى "وماأصيابكم مين مصييبةٍ فبميا كسيبت أيديكيم"‬
‫الشورى‪.‬‬
‫عالج قابل ية الهزي مة بدل التبا كي على مظا هر الهزي مة ‪ ،‬فالمشكلة ‪ -‬كلّ المشكلة ‪ -‬ح سب ت صوّر‬
‫الغزالي فجي فسجاد المحتويات الفكريّة والنف سيّة ع ند الم سلمين فجي أمور العقيدة والجتماع ‪ ،‬ومجا‬
‫سوى ذلك هي مضاعفات تزول بزوال الحرص الساسي‪.‬‬
‫ن ال ل يغ ير ما‬
‫ال صفة الثال ثة‪ :‬انطلق من منطلق إ سلميّ أ صيل ‪ ،‬وهذا مبدأ قرآ ني أ صيل‪" :‬إ ّ‬
‫بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الرعد‪.‬‬
‫بدأ بنفسه ‪ ،‬ثم بأنفس الخرين ‪ ،‬واستمرّ أصحابه وتلمذته في تطبيق هذا المنهاج ‪ ،‬فكان من ثمار‬
‫ذلك ظهور جيل نور الدين وصلح الدين‪.‬‬
‫الصفة الرابعة‪ :‬لم يعالج قضايا المسلمين باعتبارهم قوميةّ تصارع قوميّات أخرى ‪ ،‬وإنّما باعتبار‬
‫هذه القضايا بعض مضاعفات قعود المسلمين ‪ ،‬وضرورة استئناف حمل رسالة السلم‪.‬‬
‫وهو لم ينغزل عن الحداث الجارية ومظاهر ذلك (أي عدم سلبيته)‪:‬‬
‫‪ -1‬لنه عاد إلى الحياة العامذة بعد أن غيّر ما بنفسه ‪ ،‬وأعاد تنظيم أفكاره وتصوراته‪.‬‬
‫‪ -2‬عزم الغزالي على الم ضي إلى يو سف بن تاشف ين ليحضّه على النهوض بدار ال سلم وحال‬
‫موت يوسف بن تاشفين دون تحقيق ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬أَثره في مح مد بن تومرت مؤ سس دولة الموحد ين في المغرب ‪ ،‬الذي تتل مذ على يد الغزالي‬
‫في بغداد واتصف الغزالي في تشخيص المراض بأمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬بحجث عجن جذور النحراف فجي التراث ‪ ،‬ومحّجص فجي التراث العقائدي والجتماعجي‪.‬‬
‫فاستبعد الغريب الضّار ‪ ،‬واستبقى الصيل النافع ‪ ،‬واجت ثّ كل دخيل على الفكر السلميّ خلل‬
‫مسجيرته التاريخيجة الطويلة ‪ ،‬وهذا مجا فعله بالنسجبة للفكار الباطنيجة والفلسجفيّة ‪ ،‬وانتشجل مجا رآه‬
‫أصيلً صائبا ‪ ،‬وهذا ما فعله بالنسبة للتصوف حيث قيّده بالسنّة ‪ ،‬وبعد ذلك كله أقام الغزالي من‬
‫الجزاء المنتقاة بناءً فكريّا عقائديا وتربويّا ‪ ،‬استطاع من خلل (إحياء علوم الدين) ودفعها لتسري‬
‫مرة ثانية في شرايين المجتمع الذي عاصره‪.‬‬
‫ول بد من الت نبيه‪ :‬إلى أنّه من الخطورة أن يُعاد تفك يك البناء الفكر يّ الذي ركّ به الغزالي ثم يُقْرأ‬
‫قراءة جزئيجة حسجب التخصجصات أو التجاهات ‪ ،‬كان يقتطجع الفقيجه الجزء الخاص بالفقجه ‪،‬‬
‫والمتصوف الجزء الخاص بالتصوف ‪ ،‬والمشتغل بالفلسفة الجزء المتعلق بها وهكذا‪..‬‬

‫آراء علماء المسلمين فيه‪:‬‬


‫بعض هم يراه مت صوفا ‪ ،‬والب عض ال خر يراه فيل سوفا ‪ ،‬وآخرون يرو نه سلفيا ح يث قيّد منه جه‬
‫الصوفيّ بالسنّة ‪ ،‬ولو أن الغزالي وجد متسعا من العمر لبرزت ثمار هذا التجاه السلفي الجديد ‪،‬‬
‫كان صادقا جسورا في تحرّي الحقيقة لصلح المّة ‪ ،‬ومضحّيا ‪ ،‬وهذا ما جعل ابن تيميّة يحترمه‬
‫ويتسامح إزاء ما عَِلقَ بمنهجه خلل عبوره محطات الفلسفة وعلم الكلم والصوفيّة‪.‬‬

‫ميادين الصلح عند الغزالي‬ ‫‪)3‬‬

‫تشخيص الغزالي لمراض المجتمع السلمي المعاصر‬


‫فساد رسالة العلماء‬ ‫أ‬
‫القاعدة الساسية – عند الغزالي – في صلح المجتمع السلميّ وفساده ‪ ،‬هي نوع العلقة القائمة‬
‫ب ين العقيدة وال سياسة والجتماع ‪ ،‬فإذا كا نت هناك عقيدة صافيّة را سخة يدور في فلك ها كل من‬
‫السياسة والجتماع ‪ ،‬ارتقى العلماء واحتلوا المكا نة الولى في التوج يه وصلح المجتمع وانتظمت‬
‫فإنج الخلل والفسجاد يتسجربان إلى المجتمجع إلى حتجى ينتهيجا بجه إلى‬
‫الحياة ‪ ،‬وإن حصجل العكجس ّ‬
‫النهيار وال سقوط ‪ ،‬وهذه القاعدة حك مت فترة الخلفاء الراشد ين ثم تبدلت القاعدة ف صارت العقيدة‬
‫تدور فجي فلك السجياسيّة ‪ ،‬وأصجبح الفقهاء بعجد أن كانوا مطلوبيجن طالبيجن ‪ ،‬وبعجد أن كانوا أعزة‬
‫بالعراض عن السلطين أصبحوا أذلة بالقبال عليهم إل من وفقه ال تعالى‪.‬‬
‫وخلص الغزالي إلى نعت معاصريه من العلماء ‪ ،‬بأنهم علماء دنيا ل علماء دين‪.‬‬

‫ب‪ -‬آثار فساد رسالة العلماء وانتشار الشكلية في المجتمع السلمي‬


‫هذا الفساد في رسالة العلماء أفرز أمراضا فكريّة ونفسيّة منها‪:‬‬
‫أولً‪ :‬البعد عن قضايا المجتمع ‪ ،‬والشتغال بقضايا هامشيّة ل طائل تحتها‪:‬‬
‫فالعلماء لم يعالجوا مشكلت الحياة الواقعيّة ‪ ،‬وانحرفوا إلى قضايجا شكليّة ل علقجة لهجا بحاجات‬
‫العصجر‪ .‬ويرى الغزالي‪ :‬أن ّج هذا الفسجاد الذي أصجاب أهداف التعليجم والعلماء قجد جذب الدارسجين‬
‫للتخصص في العلوم الفقهيّة المذهبيّة ‪ ،‬وإهمال ما عداها من العلوم التي يحتاجها المجتمع ‪ ،‬والتي‬
‫هي كذلك فرض يفرضه الدين كالطب مثلً‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التعصب المذهبي واختفاء الفضائل العلميّة‪:‬‬


‫من النتائج ال سلبيّة قيام الخلفات والخ صومات المذهبيّة ‪ ،‬ويرى الغزالي أ نّ ظهور هذه الخلفات‬
‫أفسد الفضائل العلميّة ‪ ،‬وأقام الجفوة بين علماء التخصصات المختلفة ‪ ،‬ويقارنهم مع علماء السلف‬
‫‪ ،‬وراح يعدد آفات المناظرة والجدل بين رجال المذاهب‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تفتيت وحدة المّة وظهور الجماعات والمذاهب‪:‬‬
‫التنابذ المذهبي وأخلقه تفشى بين العلماء ‪ ،‬وأفرز جماعات مذهبيّة ‪ ،‬فتّت تْ وحدة المّة ‪ ،‬وامتداد‬
‫المذهبيّة المتعصبة إلى طبقات المجتمع ‪ ،‬أدّى إلى حرمان الجماهير من الصلح‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬انتشار التدّين السطحي والفئات التي مثّلته‪:‬‬


‫يصنّف الغزالي الفئات التي مثّلتْ هذا التديّن الشكلي كما يلي‪:‬‬

‫الفئة الولى‪ :‬فئة العلماء الذين فقدوا صفة العالم المسلم الحقيقي ‪ ،‬وينقسمون إلى أصناف‪:‬‬
‫الصنف الول‪ :‬سعى إلى التباري في تحصيل العلوم دون العناية بالتطبيق العملي‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬اتخذوا علمهم وعملهم سلما للشهرة في البلد وبين العباد‪.‬‬
‫ال صنف الثالث‪ :‬اتضعوا بالخلق الباط نة المذمو مة ‪ :‬كالع جب – ج مع شهوات الدن يا ف هم يطلبون‬
‫ن ال سلم قد عزّ ز من الر سول بالز هد وإعطاء‬
‫ع ّز ال سلم بمظا هر الحياة الزائلة ‪ ،‬وين سون أ ّ‬
‫الدنيا للناس ‪ ،‬وينسون قول سيدنا عمر‪" :‬إنّا قو ٌم أعزّنا ال بالسلم فل نطلب العزّ في غيره"‪.‬‬
‫ال صنف الرا بع‪ :‬جاهدوا أنف سهم ‪ ،‬ول كن ب قي في ها شهوة طلب الذ كر ‪ ،‬وانتشار ال صيت ‪ ،‬وطلب‬
‫الثناء ‪ ،‬والمدح بالزهد والورع والعلم ‪ ،‬والتلذذ باجتماع المعجبين للصغاء إليهم‪.‬‬

‫وهناك فر يق من العلماء تركوا العلوم وان صرفوا إلى غير ها فتق صّروا علي ها ‪ ،‬و صاروا مغتر ين‬
‫بها لستغنائهم عن أصل العلوم ‪ ،‬ويضمّ هذا الفريق الصناف التالية‪:‬‬
‫الصجنف الول‪ :‬وهجم الذيجن اقتصجروا على علم الفتاوى فجي الحكومات والخصجومات‪ .‬وهؤلء‬
‫انصرفوا عن العلوم الساسية التي تبلور العقيدة وترشد إلى ال‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬وهم الذين اشتغلوا بعلم الكلم والمجادلة في الهواء والردّ على المخالفين‪.‬‬
‫الصجنف الثالث‪ :‬وهجم الذيجن اشتغلوا بالوعجظ والتّذكيجر بدافجع العججب والرّياء وشدة الحرص على‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫الصجنف الرابجع‪ :‬وهجم الذيجن اشتغلوا فجي علم الحديجث فسجمعوه ‪ ،‬وجمعوا الروايات ‪ ،‬وطلبوا‬
‫السانيد ‪ ،‬دون أن يهتموا بفهم معاني الحديث والعمل بها ‪ ،‬أو استخراج الحلول لمشكلت العصر‪.‬‬
‫الصنف الخامس‪ :‬وهم الذين أفنوا أعمارهم في الشتغال بالنحو وصناعة الشعر وغريب اللغة‪.‬‬
‫الصنف السادس‪ :‬وهم المتعمقون في اختراع الحيل الفقهية والذين يبررون ظاهر العمل الشرعي‬
‫دون ربطه بالنوايا‪.‬‬

‫الفئة الثانية‪ :‬فئة أصحاب العبادة والعمل والمغرورن وهم أصناف‪:‬‬


‫منهم من أهملوا حقيقة الفرائض واشتغلوا بالفضائل والنوافل‪.‬‬
‫ومنهم من أهملوا حقيقة الصلة وروحها واشتغلوا بالجدل حول حركاتها‪.‬‬
‫ومنهم من أهملوا فهم آيات القرآن في الصّلة ‪ ،‬وما تدعو إليه هذه اليات ‪ ،‬وغلبت عليهم وسوسة‬
‫إخراج الحروف في الفاتحة‪.‬‬
‫ومنهم من اغترّوا بكثرة قراءة القرآن ‪ ،‬وربّما ختموه مرّة في الليل والنهار‪.‬‬
‫ومنهم من اغترّوا بالصوم وربما صاموا الدهر ‪ .. ،‬مع الغيبة ‪ ..‬والرياء ‪ ..‬والمال الحرام ‪..‬‬
‫ومنهم من اغتروا بالحج ‪ ،‬من غير خروج عن المظالم وقضاء الديون واسترضاء الوالديْن وطلب‬
‫الزاد الحلل‪.‬‬
‫ومن هؤلء من اقتنعوا بشكليات الوظائف الدينيّة ‪ ،‬وغفلوا عن محتواها‪.‬‬
‫ومجن هؤلء مجن اغتروا بمجاورة مك ّة والمدينجة ‪ ،‬ولم يراقبوا نواياهجم ‪ ،‬وظلّت قلوبهجم معلّقجة‬
‫ببلدهم‪.‬‬
‫ومن هؤلء من زهدوا بالمال وقنعوا بالدنى من اللباس والطعام والمسكن‪.‬‬
‫و من هؤلء من حر صوا على النوا فل ‪ ،‬وتهاونوا بالفرائض ‪ ،‬ولم يلحظوا أ نّ ترك الترت يب ب ين‬
‫الخيرات من جملة الشّرور‪.‬‬

‫الفئة الثالثة‪ :‬فئة المتصوفة‬


‫شدّد الغزالي فجي نقجد هذه الفئة ‪ ،‬حرصجا على إفراد التصجوّف السجنّي الصجحيح مجن ذلك الخليجط‬
‫المضّطرب الذي شاع في زم نه ت حت شعار الت صوّف ‪ ،‬والذي غلب الغرور على فر قة أك ثر من‬
‫أيّة فئ ٍة أخرى ‪ ،‬ول قد صنّف الغزالي هذه الفئة إلى عشرة أ صناف‪ :‬ل كل صنف من ها ش طط في‬
‫الزيج ‪ ،‬إدّعاء علم المعرفجة ‪ ،‬رفجض الحكام والتسجوية بيجن الحلل والحرام ‪ ...‬ترك‬
‫ّ‬ ‫ناحيجة ‪...‬‬
‫العمال وتفقد القلب فقط ‪ ،‬طلب الحلل الخالص في أمر القوت ‪ ،‬وربما إهمال الحلل في المطعم‬
‫والملبجس والمسجكن ‪ ،‬وربمجا ادّعوا حسجن الخلق والتواضجع لخدمجة الصجوفيّة وجمجع المال ‪.. ،‬‬
‫والتع مق بالف حص عن عيوب الن فس ومعر فة خدع ها ‪ ...‬كلم نظري دون أن ي صاحبه ع مل ول‬
‫ن لهم فضلً على غيرهم ‪،‬‬
‫تطبيق ‪ :‬ومن انفتح عليهم باب المعرفة ‪ ،‬ظنّوا أنّهم بلغوا الكمال ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ومنهم من قال‪ :‬أنا الحق‪.‬‬
‫وبعد هذا التصنيف‪ :‬لصناف الصوفيّة في زمانه ‪ ،‬وصف الغزالي هذه الفئات المتصوفة جميعَها‬
‫بأن ها مجرد أشكال وهيا كل فار غة ‪ ،‬وأنّه ل حظّ ل ها من الت صّوف الحقي قي أبدا ‪ ،‬و هي جميعَ ها‬
‫أنج فرق الصجوفيّة‬
‫إحدى مظاهجر السجلبية التجي ضربجت الحياة الجتماعيجة ‪ ،‬ويضيجف الغزالي‪ّ :‬‬
‫جميعَهجا فجي زما نه – إل من ر حم ال – قد جانبوا الن هج ال صحيح ‪ ،‬فا ستبدلوا الشعار بالقرآن‬
‫والذكر بالشطح ‪ ،‬وأحدثوا في التصوف فأجنح به إلى دائرة العصيان والزندقة‪.‬‬

‫الفئة الرابعة‪ :‬فئة أرباب المال‬


‫ويع ني بهذه الفئة الغنياء من الم سلمين الذ ين يحر صون على التّد ين والو صف بال صلح دون أن‬
‫يعرفوا الحكمة الساسيّة من المال ‪ ،‬فهو يفضل‪:‬‬
‫سجدّ حاجات الفقراء على بناء المسجاجد ‪ ،‬وعلى الحجج ‪ ،‬وعلى النوافجل ‪ ،‬كمجا ينتقجد الفقراء الذيجن‬
‫تقاعسوا عن العمل ‪ ،‬وارتكسوا في زوايا الذكر ‪ ،‬ينتظرون فتات صدقات الغنياء ‪،‬‬
‫و قد رأى في هؤلء المغرور ين من أرباب الموال‪ :‬أن هم يبنون الم ساجد والمدارس من الرشاوي‬
‫والظلم والن هب ‪ ،‬ورب ما من المال الحلل ‪ ،‬ولك نّ الغرور أ صابهم ‪ ،‬فكان عمل هم لمظا هر الحياة‬
‫الدنيا ‪ ..‬ومنهم من ينفق أمواله في المحافل العامّة للشهرة ‪ ،‬وربمّا جمع بعضهم الموال بكنزها‬
‫بح كم الب خل ‪ ،‬ثم ي صومون ويقومون الل يل ‪ ،‬ويختمون القرآن ‪ ،‬ل نّ هذا ل يحتاج للنفاق ورب ما‬
‫يؤدون الزكاة فقجط مجن مال ل يرغبون فيجه ‪ ،‬وإلى مجن يخدمهجم مجن الفقراء ‪ ،‬ومنهجم مجن اغترّ‬
‫بحضور مجالس الذكر دون العمل والتعاظ فاكتفوا بهذا ‪ ،‬وهم مغرورون‪.‬‬

‫ميادين الصلح عند الغزالي‬ ‫‪)4‬‬


‫شخّص الدواء لستخلص ميادين العلج المشتملة على مايلي‪:‬‬

‫أولً‪ :‬العمل على إيجاد جيل جديد من العلماء والمربين‪:‬‬


‫ولدعم هذا المطلب راح الغزالي يلتمس شواهده في الواقع والسنّة والتاريخ‪.‬‬
‫من الوا قع‪ :‬الداء العضال فَ قد ُ ال طبيب ‪ ،‬فالطباء هم العلماء ‪ ،‬و قد هلك الخلق لف قد الطباء ‪ ،‬بل‬
‫اشتغل الطباء بفنون الغواء ‪،‬‬
‫وأما السنّة‪ :‬فمثلها ما قاله الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنكم أصبحتم في زمن كثير فقهاؤه قليل‬
‫قراؤه وخطباؤه قليل سائلوه كثير معطوه العمل فيه خير من العلم‪ .‬وسيأتي على الناس زمان قليل‬
‫فقهاؤه كثير خطباؤه قليل معطوه كثير سائلوه العلم فيه خير من العمل " نق ً‬
‫ل عن الطبراني – حديث‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫وأمّا التار يخ‪ :‬ا ستعرض ف يه التطور الذي أ صاب منزلة العلماء ووظيفت هم ‪ ،‬وخلص إلى وجوب‬
‫إيجاد هذا النوع من العلماء ‪ ،‬وتحديد وظيفتهم ‪ ,‬وعلقتهم بالسلطين ‪،‬‬
‫وشروط العلماء الطباء حددها الغزالي بمايلي‪:‬‬
‫أن ل يتطلب العالم الدنيا بعلمه‬ ‫‪.1‬‬
‫أن يطلب العلم النافع للدنيا والخرة‬ ‫‪.2‬‬
‫أل يكون مائلً للترف ‪..‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أن يبتعد عن السلطين محترزا منهم‬ ‫‪.4‬‬
‫أل يسارع إلى ال ُف ْتيَا بل يتحرز في ذلك‬ ‫‪.5‬‬
‫شديد العناية بتوبة اليقين‬ ‫‪.6‬‬
‫أن يكون أكثر بحثه في علم العمال وعما يفسدها ويشوش الشكوك ويثير الشرّ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬

‫ثانيا‪ :‬وضع منهاج جديد للتربية التعليم‪:‬‬


‫لقد هاجم الغزالي نظام التعليم القائم ‪ ،‬ووضع منهاجا بديلً غاي ته تخر يج "علماء آخره" ‪ ،‬يخدمون‬
‫أهداف الديجن ‪ ،‬ويحملون رسجالة المجر بالمعروف والنهجي عجن المنكجر ‪ ،‬واحتذتجه بقيجة المدارس‬
‫المتأثرة به كالمدرسة القادريّة في بغداد‪.‬‬

‫فلسفة التعليم عند الغزالي‪:‬‬


‫تقوم على تحقيجق السجعادة الخرويجة للنسجان ‪ ،‬ولبلوغ السجعادة المنشودة ل بجد مجن تضافجر العلم‬
‫والع مل ‪ ،‬بح يث يت نج عن هذا التضا فر تغي ير في ال سلوك ‪ ،‬ومالم يتغ ير ال سلوك لن تح صل هذه‬
‫السعادة ‪ ،‬والسعادة الخروية وثيقة الصلة بالحياة الدنيا ‪ ،‬وبالسياسات التي توجّه هذه الحياة ‪ ،‬وهي‬
‫أربع‪:‬‬
‫سياسة النبياء‬
‫سياسيّة الخلفاء والولة والسلطين‬
‫سياسة العلماء والحكماء‬
‫سياسة الوعاظ والفقهاء‬
‫والثلث الخيرة ل بدّ من أن تب قى وثي قة ال صلة بال سياسة الولى ( سياسة ال نبياء) لنح صل على‬
‫إفادة العلم وتهذيب النفوس‪.‬‬

‫المنهاج عند الغزالي‪:‬‬


‫ل قد تكاملت في منهاج الغزالي العلوم الدينيّة كلها كالتوحيد والتصوف والفقه ‪ ،‬كذلك تكاملت ف يه‬
‫العلوم الدينيّة والمهن الدنيويّة ‪ ،‬فالعلوم عنده أي العلوم الدينية كلها ‪ ...‬شرعية أو غير الشرعية ‪،‬‬
‫وهي ما أرشد إليها العقل كالطب والحساب وغير الشرعية وهي فرض كفاية‪.‬‬
‫وتتطابق ميادين المنهاج عند الغزالي مع الميادين التي حددتها الصول التربويّة في القرآن والسنّة‬
‫الشريفة ‪ ،‬وتدلّ مؤلفاته التي درّسها لطلبه أنّه قد صنّفها لتغطي الميادين الربعة التالية‪:‬‬
‫الول‪ :‬بناء العقيدة ال سلميّة ‪ ،‬والهدف م نه تكو ين عقيدة واض حة حيّة ‪ ،‬تكون بمثا بة اليدلوج ية‬
‫ال تي تحدد م سار ال سياسات المختل فة وتوجّه ها ‪ ،‬وأو ضح الك تب ال تي مثّلت ميدان بناء العقيدة هو‬
‫كتاب "الحك مة من مخلوقات ال عزّ وجلّ" ‪ ،‬الذي اشت مل على أبواب معنو نة ب (التفك ير في خلق‬
‫السماء وفي هذا العالم) (حكمة خلق الرض) ‪....‬‬
‫الثاني‪ :‬هو ميدان تهذيب النفس والرادة ‪ ،‬وهدفه الرتقاء بالنسان من مستوى الخضوع للشهوات‬
‫والهواء إلى مقام العبوديّة ل ‪ ،‬وطبّقجه على نفسجه واسجتقاه مجن القرآن والسجنّة ‪ ،‬ثجم طبّقجه على‬
‫تلميذه عندما عاد لبلده ليشتغل بتعليم الخرين‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬هو دراسة العلوم الفقهيّة ‪ ،‬وما اشتملت عليه من أنظمة ومبادئ تتطلبها المعاملت الجاريّة‬
‫والقضا يا الحيات ية القائ مة والمتجدّدة ‪ ،‬و هي درا سة مت صلة مباشرة بالقرآن الكر يم ‪ ،‬متحررة من‬
‫التقليد المذهبي‪.‬‬
‫الرابجع‪ :‬هجو ميدان الحكمجة أو العداد الوظيفجي ‪ ،‬ولقجد أدرج الغزالي تحجت هذا الميدان جميجع‬
‫السجياسات والدارات والمهجن التجي يحتاجهجا المجتمجع المعاصجر ‪ ،‬وكيفيجة توزيجع الفراد حسجب‬
‫ن علوم هذا الميدان ل تقت صر على ما عر فه‬
‫ا ستعداداتهم وقدرات هم ‪ ،‬وأشار إشارة صريحة إلى أ ّ‬
‫الن سان وإنمّا سيبرز الكث ير من ها في الم ستقبل ب سبب تطور الحياة وتجدد الحاجات‪ .‬و من جهوده‬
‫في هذا المجال‪ :‬كتاب "التبر المسبوك في نصيحة الملوك" وكتاب "سر العالمين" وخرّج أنماطا من‬
‫الرجال أسهموا فيما بعد في الحركة الصلحيّة إسهاما فعالً‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إحياء رسالة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬


‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الغزالي هو القطب العظم في الدين ‪ ،‬وهو المهمة التي‬
‫ب عث ال ل ها ال نبين جميعا ‪ ،‬وإذا أه مل عل مه وعمله تعطلت ر سالة ال نبياء ‪ ،‬واضم حل الد ين ‪،‬‬
‫وفشت الضللة ‪ ،‬وشاعت الجّهالة ‪ ،‬واستشرى الفساد ‪ ،‬وخربت البلد ‪ ،‬وعندما غفل المجتمع عن‬
‫هذه الوظيفة ‪ ،‬آل أمره إلى ماآل عليه من فساد وضعف‪.‬‬
‫ودوائر ال مر بالمعروف والن هي عن المن كر‪ :‬تبدأ بدائرة الن فس ‪ ،‬ثم ال هل ‪ ،‬فالجيران ‪ ،‬ثم أ هل‬
‫المحلة ‪ ،‬فأهل البلد ‪ ،‬ثم أهل المناطق الحضريّة في البلد عامّة‪ ،‬فأهل البوادي ‪ ،‬وأخيرا النسانية‪.‬‬
‫إنج واججب العالم أن يُقرّع السجلطان الظالم ‪ ،‬كقوله ‪ :‬ياظالم‬
‫إلى أن خلص مجن ذلك كله إلى القول ّ‬
‫يامن ل يخاف ال ما يجري مجراه ‪..‬‬
‫وللمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراحل‪:‬‬
‫أولها‪ :‬التعريف بالتعليم‬
‫وثانيها‪ :‬الوعظ‬
‫وثالثها‪ :‬الزجر‬
‫ورابعها‪ :‬المنع بالقهر‪.‬‬

‫العتراضات التي تُوجّه لبي حامد الغزالي‬


‫أنّه نا قش في كتا به الرئي سي "إحياء علوم الد ين" جم يع الموضوعات ما عدا موضوع‬ ‫‪.1‬‬
‫الجهاد؟!‬
‫أنّه ما كان معزولً عن الخطار الخارجيّة التي تهدّد العالم السلمي آنذاك‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫الردّ على هذه العتراضات‬


‫ج الغزالي تناول محتواه واسجمه ضمجن موضوع "المجر‬
‫بالنسجبة لموضوع الجهاد ؛ يلحجظ أن ّ‬
‫بالمعروف والنهي عن المن كر" ‪ ،‬ح يث اع تبره في أك ثر من مو ضع أحد أشكال ال مر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫والذي يبدو من معالجة الغزالي للقضايا الجتماعيّة المختلفة أ نّ موقفه من الجهاد اتّصف بأمريْن‬
‫اثنين‪:‬‬
‫ن مفهوم الجهاد عند الغزالي – وهو مصيب في هذا الفهم – ليس دفاعا عن أقوام وأوطان‬
‫الول‪ :‬إ ّ‬
‫وممتلكات ‪ ،‬وإن كانت هذه بعض منافعه وثماره – بل هو وسيلة لحمل رسالة "المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر" ‪ ،‬التي هي السبب الحقيقي لخراج المّة المسلمة إلى الوجود‪.‬‬
‫ومادام المجتمجع الذي عاصجره الغزالي قجد توقجف عجن حمجل هذه الرسجالة ‪ ،‬فل حاججة للجهاد‬
‫العسكريّ ‪ ،‬فإن أية دعوة للجهاد العسكريّ لن تكون ذات فائدة ‪ ،‬إلّ إذا سبقه جهاد نفسي يبدّل ما‬
‫بأنفس القوم ‪ ،‬ويجعلهم يتذوقون معنى التضحية بالنفس والموال في سبيل ال‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن الغزالي كان واعيا بمفهوم الجهاد الشامل والمراحل التي تطبق فيها مظاهره‪:‬‬
‫فالجهاد له مظاهر ثلث هي ‪ :‬الجهاد التربوي ‪ ،‬والجهاد التنظيمي والجهاد العسكري‪.‬‬
‫فالدعوة إلى الجهاد العسكري وندب العامّة له في أمّة متوفاة ستكون بمثابة استنفار الموات الذين‬
‫في القبور؟!!‬
‫والذي يبدو أ نّ الغزالي كان يائ سا من إ صلح مجت مع العراق الذي ا ستمرّ في مفا سده وا ستعصى‬
‫على كل دعوات الصلح حتى ذاق وبال أمره على يد المغول عام ‪ 656‬ه ‪ 1258 /‬م‪.‬‬
‫ولذلك حاول التصال بيوسف بن تاشفين ‪ ،‬وشجّع محمد بن تومرت مؤسس دولة الموحدين ‪ ،‬ثم‬
‫كان لجهود تلمذته والمتأثرين بمنهجه الثر الكبير في إخراج (جيل صلح الدين)‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬نقد السلطين الظلمة‬


‫يكاد الغزالي أن يكون العالم الوحيجد الذي تجرأ على العتراض على السجياسات الماليجة الجائرة‬
‫لل سلطين والحكام ‪ ،‬ف قد اع تبر ال سلطين والمراء في ع صره ظل مة متعد ين لحدود ال ‪ ،‬يحرم‬
‫على العلماء المخلصجين الختلط بهجم أو التعامجل معهجم حتجى يفيئوا إلى شرع ال ‪ ،‬وأضاف أن‬
‫أبرز مظاهر الظلم هو اغتصابهم الموال ‪ ،‬وقيامهم بالمصادرات – من المسلمين والذمّة سواء ‪،‬‬
‫ثم إنفاق ذلك في الحرام ‪ ،‬ودعا إلى ما يسمّى في العصر الحديث بالعصيان المدني – ومن آرائه‪:‬‬
‫تحريم التعامل مع السلطين الظلمة‪( :‬فالمعاملة معهم حرام لن أكثر مالهم حرام)؟!!‬ ‫‪)1‬‬
‫فكلّ أعمال البيع والشراء والتعليم والجرة ‪ ...‬حرام أو مكروه‪.‬‬
‫تحريم التجارة في السواق التي بناها السلطين الظلمة‪:‬‬ ‫‪)2‬‬
‫ت بمال حرام ‪ ،‬وللناس أن يشتروا من هم ‪ ،‬ول كن لو وجدوا سوقا أخرى فالولى‬
‫لن ها بُنيَ ْ‬
‫الشراء منها‪.‬‬
‫تحريم التعامل مع قضاة السلطين الظلمة وخدمهم وشرطتهم‪:‬‬ ‫‪)3‬‬
‫ج معصجية الولة الظالميجن والشرطجة يتعدى أذاهجا إلى‬
‫ويجبرّر الغزالي تقريره هذا بأن ّ‬
‫المسلمين ‪ ،‬لذلك يجب أن يزداد المسلم منهم اجتنابا ‪ ،‬ومن معاملتهم احترازا ‪،‬‬
‫تحريم النتفاع بالمرافق والمؤسسات التي بناها السلطين الظلمة‪:‬‬ ‫‪)4‬‬
‫إل مؤقتا وعلى سبيل الحاجة الماسّة‪.‬‬
‫ولم ي قف الغزالي في معارض ته ل سياسات ال سلطين الظل مة ع ند حد الكتا بة والتدر يس ‪،‬‬
‫رفض التعاون معهم ‪ ،‬فقد اعتذر للسلطان ضياء الملك عن التدريس في المدرسة‬ ‫وإنّما‬
‫بغداد‪.‬‬ ‫النظاميّة في‬

‫خامسا‪ :‬محاربة المادية الجارفة والسلبيّة الدينيّة وتصحيح التصور السائد عن الدنيا والخرة‪:‬‬
‫عالج الغزالي الماديّة وال سلبيّة الدينيّة اللت ين جرف تا العالم ال سلمي في زما نه بروح العالم الفق يه‬
‫بأمر الدنيا والخرة موضحا مايلي‪:‬‬
‫هذه السلبيّة سببها سوء الفهم والجهل بالحكمة اللهيّة من خلق النسان والدنيا والخرة ‪ ،‬ويرى أنّ‬
‫ال قجد خلق النسجان ليعبده ويعرفجه ‪ ،‬وفجي هذه العبادة يعجبر الدنيجا إلى الخرة حيجث الجزاء‬
‫والمستقر‪.‬‬
‫وغموض منهج عهد النبوة وجيل الصحابة هو الذي أدّى إلى الوقوع في ظلمة المادية ‪،‬‬
‫والمخرج هو تبصيرها بحقيقة الدنيا ‪ ،‬والصورة التي يجب أن تكون عليها علقة النسان بها‪.‬‬
‫ويفصجّل‪ :‬آثار نسجيان هدف الرحلة الدنيويّة إلى الخرة الذي ينعكجس على البشجر فينقسجمون إلى‬
‫قسمين‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬من نسوا الغاية من الرحلة إلى الخرة واشتغلوا بمحطة الدنيا‪.‬‬
‫ن السعادة في الجاه وانقياد الخلق لهم‬
‫ن السعادة في كثرة المال – وطائفة ظنّوا أ ّ‬
‫نأ ّ‬
‫فمن هم من ظ ّ‬
‫ن السعادة في انطلق اللسنة بمدحهم‪.‬‬
‫بالتواضع والتوقير ‪ ،‬وآخرون ظنّوا أ ّ‬
‫القسم الثاني‪ :‬هم الذين نسوا الحكمة من محطة الدنيا ‪ ،‬وحاولوا الوصول إلى الخرة دون عبور‬
‫الدنيا ‪ ،‬فرأوا الدّنيا بل ًء ومح نة ‪ ،‬فقتلوا أنفسهم للو صول إلى دار السعادة – الخرة – ومنهم من‬
‫رأى أنّه ل بدّ أولً من إماتة الصفات البشرية وقطعها عن النفس بالكليّة‪.‬‬
‫ن المقصود من العبادات المجاهدة للوصول إلى معرفة ال ‪ ،‬ومن وصل استغنى‬
‫وطائفة‪ :‬ظنّت أ ّ‬
‫عن الوسيلة ‪ ،‬فتركوا السعي والعبادة ‪ ،‬وزعموا أنّ التكاليف على عوام الخلق‪.‬‬
‫ومذاهب وضللت أخرى والناجي من الخلق‪ :‬فرقة واحدة وهي التي تسلك ما كان عليه رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ويظلّ محافظا على حد العتدال والتّوسط في الشهوات ‪ ،‬حتّى ل يجاوز‬
‫حدود الورع والتقوى‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬الدعوة للعدالة والجتماعية‬
‫ركّججز الغزالي على الدّعوة للعدالة الجتماعيّججة بالقدر الذي ركّججز على أمور العقيدة والدعوة‬
‫للصلح‪.‬‬
‫وممّا قاله‪ :‬على الغن يّ أن يعرف أ نّ الفقير أفضل منه وصلحاء الغنياء يدخلون الجنّة بعد الفقراء‬
‫بخمسمائة عام‪.‬‬
‫وخلص لتقرير المور التالية‪:‬‬
‫فجي المال حجق سجوى الزكاة‪ :‬وعلى الغنياء أن يزيلوا دائما حاججة الفقراء وأن ل يكون العطاء‬
‫مباشرة وعلى الفق ير أن يش كر من سعَوْا في سدّ حاج ته ‪ ،‬وأن يبذل أق صى جهده للح صول على‬
‫رزقه من العمل والوسائل الشريفة‪.‬‬
‫كذلك وضع كتاب "الحلل والحرام" أراد منه تحديد أنماط الحياة الجتماعيّة ‪ ،‬وكيف ينقّي المجتمع‬
‫من العادات المخالفة للسلم في المعيشة والتكامل‪.‬‬
‫محاربة الحتكار والكنز‪.‬‬
‫أفرد كتابا في "حقوق الخوّة والصحبة"‬
‫منع إنفاق المال في النافلة من العبادات بعد أداء الفرائض ودعا إلى إنفاقها على الفقراء‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬محاربة التيارات الفكريّة المنحرفة‪:‬‬


‫تيار الباطنية وتيار الفلسفة‪ :‬ولم يلجأ في تفنيدهما إلى الشتائم والقذف ‪ ،‬بل اعتمد السلوب العلمي‬
‫القائم على الدراسة والطّلع إطّلعا يتفوق على أصحاب الفكر نفسه‪.‬‬
‫تفن يد الباطنيّة‪ :‬بأنّ هم وضعوا قامو سا لغويا للم صطلحات ال سلميّة يخرج هذه الم صطلحات من‬
‫مضامينهجا السجليمة ‪ ،‬ويضعهجا فجي خدمجة أهدافهجم بغيجر دليجل مجن القرآن أوالسجنّة ‪ ،‬لتبطجل الثقجة‬
‫باللفاظ ‪ ،‬وتسقط منفعة كلم ال وكلم رسوله‪.‬‬
‫ولقد خصص الغزالي كتابا خاصا للردّ عليهم سمّاه "المستظهري أو فضائح الباطنية"‬

‫أما بالنسبة للفلسفة‪:‬‬


‫أظهر التناقض بين رأي مقدمهم (أرسطاليس) وبين من قام بالترجمة والنقل والتحقيق من المتفلسفة‬
‫في السلم (الفارابي – ابن سينا) وأنّهم يشبهون الفكر المذهبي فكلهما اعتمد على التقليد وكانت‬
‫غاياته دنيويّة‪.‬‬
‫كذلك انت به الغزالي إلى ظاهرة ترا فق تقل يد العقائد الوافدة الغري بة في كلّ زمان ومكان وأنّ هم في‬
‫مرت بة عل يا لنّ هم ي ستشهدون بتقدم العلوم الطبيعيّة والهند سيّة والطبيّة في مواطن ها – ولم ين سَ‬
‫ن يحذر تلميذه وعلماء الم سلمين من النزلق العاط في الذي قد يدفع هم لمهاج مة العلوم‬
‫الغزالي أ ّ‬
‫الطبيع ية ب سبب ف ساد عقيدة ب عض العامل ين في ميادين ها‪ .‬كذلك انت به الغزالي إلى مشكلة نف سية ما‬
‫أنج الذيجن يقلّدون العقائد الغريبجة‬
‫زال العالم السجلميّ يواجههجا حت ّى الوقجت الحاضجر ‪ ،‬وهجي ّ‬
‫المناق ضة لل سلم إنّ ما يظنّون أنّ هم يُ صنّفون في عداد ال صفوة المثقّ فة‪ .‬كذلك فنّد الغزالي الفكرة‬
‫ل مجن أتقنوا علوم‬
‫أنج قضايجا العقيدة قضايجا غامضجة ل يفهمهجا إ ّ‬
‫التجي أشاعهجا الفلسجفة وهجي ّ‬
‫الرياضيات والهندسة والمنطق‪ .‬ولقد خلص الغزالي‪ :‬بعد مناقشة طويلة مفصّلة لتجاهات الفلسفة‬
‫إلى القول أنّهجم يصجطدمون بالعقيدة السجلميّة بشكجل أسجاسي وأنّج تكفيرهجم ل بجد منجه فجي ثلث‬
‫ن ال ل يحيط‬
‫مسائل‪ :‬إحداهما‪ :‬مسألة قدم العالم وقولهم إنّ الجواهر كلّها قديمة‪ .‬والثانية‪ :‬قولهم‪ :‬إ ّ‬
‫علما بالجزئيات الحادثة من الشخاص‪ .‬والثالثة‪ :‬إنكارهم بعث الجساد وحشرها‪.‬‬

‫أثر الغزالي‬
‫تحدث الغزالي عجن آثاره وأثره ‪ ...‬ابجن النجار – السجبكي – أبجو الحسجن الفارسجي ‪ ..‬ولكجن أهجم‬
‫جوانب الثر الذي تركه الغزالي تمثّل في أمريْن‪:‬‬
‫جب‬
‫جن مختلف المذاهج‬
‫جبح مثلً احتذاه جمع جٌ غفيرٌ مج‬
‫جحاب والعودة" الذي أصج‬
‫الول‪ :‬مبدأ "النسج‬
‫والجماعات السلميّة وبذلك برز بين الفقهاء والصوفيّة اتجاه قوي يؤمن بتكامل الجهود والحتكام‬
‫إلى القرآن والسنّة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أثره في انحسار التيارات الفكريّة المنحرفة‪.‬‬
‫وهكذا فجّر الغزالي حركة الصلح التي تتابعت حلقاتها بعده حتّى انتهت بدحر الغزاة الصليبين‬
‫واسترجاع الرض والمقدّسات‪.‬‬

‫الباب الرابع ‪ :‬انتشار حركة الصلح والتجديد‬

‫مدارس الصلح والتجديد‬

‫ل قد كان من آثار مدر سة الغزالي ظهور نوع جد يد من المدارس والمؤ سسات التربويّة الخا صة‬
‫التجي اسجتلهمت روح المنهاج التربويّج الذي بلوره الغزالي ‪ ،‬وانقسجمت هذه المدارس إلى قسجمين‪:‬‬
‫قسم في بغداد ‪ ،‬لعداد النابهين للمشيخات التربويّة ‪ ،‬والقيادات السياسيّة والجتماعيّة ‪ ،‬وقسم ركّز‬
‫على تربيّة الفلحين والعامّةعلى أفكار الحركة الصلحيّة الجديدة‪.‬‬
‫وأهم هذه المدارس‪:‬‬

‫أولً‪ :‬المدرسة المركزيّة‪ :‬المدرسة القادريّة‬


‫أ‪ .‬سيرة عبد القادر الجيلني‬
‫‪ -1‬مؤسّسها عبد القادر الجيلني‪:‬‬
‫ولد في جيلن عام ‪ 470‬ه ‪ 1077 /‬م جنوب ب حر قزو ين ‪ ،‬ينت هي ن سبه إلى الح سن بن علي‬
‫ج هة والده ‪ ،‬وإلى الح سين بن علي من ج هة أ مه ‪ ،‬والز هد هو الطا بع وال سمّة‬ ‫من‬
‫عبد القادر ‪ ،‬تلقّى عبد القادر علومه الوليّة في جيلن ‪ ،‬وفي عام ‪488‬‬ ‫الغالبة على أصول‬
‫دراسته ‪ ،‬وكانت الحياة السياسيّة والجتماعيّة مضطربة فهي امتداد‬ ‫ه غادر إلى بغداد لكمال‬
‫الغزالي ‪ ،‬أمّا في الميدان العل مي فكان الف ضل ‪ :‬دروس في‬ ‫ل ما وضحناه في ع صر المام‬
‫ل هذا والمذهب الجنيدي يدعم التصوف السنّي‬
‫الحلفاء لك ّ‬ ‫محاضرات ومراكز علميّة ودعم من‬
‫أمام التجاهات الصوفيّة المنحرفة‪.‬‬
‫وحيا ته في بغداد تميّزت بأمريْن‪ :‬الول‪ :‬الف قر والعوز‪ .‬والثا ني‪ :‬اختل طه بشيوخ الف قه والز هد‬
‫والطلب الوافدين من مختلف العالم السلمي آنذاك‪.‬‬

‫‪ -2‬دارسته العلميّة وسلوكه طريق الزهد‪:‬‬


‫درس الشيخ عبد القادر الفقه الحنبلي ‪ ،‬وبرز فيه ‪ ،‬ثم عمل في الوعظ والتدريس ‪ ،‬ثم سلك طريق‬
‫الز هد و هو في الخم سين من عمره ‪ ،‬فج مع ب ين الف قه الحنبلي والز هد ال صوفي ‪ ،‬ودف عه إلى ذلك‬
‫سلوك الوعاظ الذي تحك مه دوا فع شخ صيّة ل عل قة ل ها بالد ين أو ال صالح العام ‪ ،‬وكذلك الف تن‬
‫والنفاق‪.‬‬
‫ن على الفقهاء أن يسلكوا الطريق الذي يمل قلوبهم بالتقوى ‪ ،‬ويوصلهم إلى مقام المعرفة‪.‬‬
‫ورأى أ ّ‬
‫والمر الثاني‪ :‬الذي أثّر في عبد القادر ودفعه إلى طريق الزهد هو المكانة التربويّة التي تسنمها‬
‫التصجوّف السجنّي زمجن عبجد القادر بسجبب جهود الغزالي فجي هذا الميدان ‪ :‬حيجث طبّق مثله مبدأ‬
‫النسحاب والعودة ‪ ،‬ولكنّها مرحلة مؤقتة ‪ ،‬فقد م ّر بالمراحل التالية‪:‬‬
‫المرحلة الولى‪ :‬عندما استلهم منهاج الغزالي في الجمع بين الفقه والتصوّف‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬حينما مارس تطبيقات السلوك الصوفيّ على كل من الدبّاس والمخرمي‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬عندما برز له طابعه الخاص ‪ ،‬وأحكم الجمع بين الفقه والتصوف‪.‬‬
‫وقد جاء تكامل الغزالي وعبد القادر مثلً للفرق بين المذهبيّة الحزبيّة التي تسخّر الدين لهدافها ‪،‬‬
‫وبين التربية التي يوجهها أهداف الدين وصفاؤه‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ب‪ :‬عبد القادر والدعوة إلى الصلح‬


‫ل قد أم ضى الش يخ ع بد القادر في التدر يس ثلثا وثلث ين سنّة بدأ ها عام ‪ 528‬ه ح تى وفا ته عام‬
‫‪ 561‬ه‪.‬‬
‫وقد بدأ دعوته إلى الصلح بأسلوب جديد يقوم على أمريْن‪:‬‬
‫الول‪ :‬اعتماد التعليم المنظّم والتربيّة الروحيّة المنظّمة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الوعظ والدعوة بين الجماهير‪.‬‬

‫‪ -1‬التعليم والتربية‪:‬‬
‫أسس الشيخ أبو سعيد المخرمي مدرسة صغيرة في بغداد وبعد وفاته آلت إلى تلميذه عبد القادر ‪،‬‬
‫الذي جعلهجا مركزا لنشاطات‪ :‬التدريجس والفتاء والوعجظ ‪ ،‬وقام التْباع والغنياء بالصجرف على‬
‫الطلب ‪ ،‬وهذه المدر سة لع بت دورا رئي سيا في إعداد ج يل المواج هة للخ طر ال صليبي في البلد‬
‫الشاميّة ‪ ،‬وسوف نعرض لدور الخريجين وأمثالهم عند استعراض العلقات بين الحركة القادريّة‬
‫والحركة الجهاديّة التي كان يقودها نور الدين وصلح الدين‪.‬‬

‫أ‪ .‬العداد الديني والثقافي‪:‬‬


‫درّس للكبار والعامّة عقيدة السنّة وفقه العبادات الذي تضمّنه كتابه "الغنية لطالبي طريق الحق" ‪،‬‬
‫أمجا طلبجة المدارس فكانوا يتلقّون إعدادا يتضمجن ثلثجة عشجر علما دينيا مجع اسجتبعاد علم الكلم‬
‫والفلسفة ‪ ،‬وكان الجمع بين الفقه والتصوف السنّي شرطا أساسيا للمريدين‪.‬‬

‫ب‪ .‬العداد الروحي‪:‬‬


‫ن يتصف بصفات أساسها المجاهدة والتحلّي بأعمال‬
‫ل شيء ‪ ،‬وأ ّ‬
‫على المتعلم أن يلتزم السنّة في ك ّ‬
‫أولي العزم ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ل يحلف بال صادقا ول كاذبا عامدا ول ساهيا ‪ ،‬وأن يجت نب الكذب هازلً أوجادا ‪ ،‬وأن ي في ب ما‬
‫أّ‬
‫وعد ‪ ،‬أن يتجنّب لعن شيء من الخلق ‪ ،‬أن يتجنب الدعاء على أحد ‪ ،‬ألّ يشهد على أحد من أهل‬
‫القبلة بشرك أو كفر أو نفاق ‪ ،‬أن يتجنب النظر إلى المعاصي ‪ ،‬وأن يتجنب العتماد على الخلق ‪،‬‬
‫أن يقطع طمعه من الدميين ‪ ،‬أن يتواضع وبه تعلو منزلة العابد‪.‬‬

‫ج‪ .‬العداد الجتماعي‪:‬‬


‫شمل حياة المريد الخاصة وعلقته مع الوالدين والهل ‪ ،‬ثم آداب السفر وضرورة العمل ‪ ،‬وعلقة‬
‫الطالب بالشيخ ‪ ،‬وعلقة المريد برفاقه ‪ ،‬ضمن أمور تشمل أحد عشر توجيها ‪ ، ..‬ثم نظّم علقة‬
‫الطلبة والمريدين بالمجتمع المحلّي‪.‬‬

‫‪ -2‬الوعظ وموضوعاته‪:‬‬
‫كان شديد الحماسة للسلم مشفقا لما آلت إليه تعاليمه في حياة الناس ‪ ،‬ويودّ لو استطاع استنفار‬
‫الخلق جميعا لن صرة ال سلم ‪ ،‬وكان يرى أ نّ صلح د ين الفرد ل يت مّ إلّ بإ صلح القلب ‪ ،‬وف كّ‬
‫ب الدن يا والخلق الذمي مة‪ .‬و من الموضوعات ال تي عالج ها‪ :‬انتقاد العلماء – انتقاد‬
‫إ ساره من ح ّ‬
‫الحكام – انتقاد الخلق الجتماعية المعاصرة – الدعوة لنصاف الفقراء والعامّة‪ .‬ولن أفصّل فيها‬
‫لنّه تن سّم فيها خط أبي حامد الغزالي فقد عاشا تقريبا في عصر واحد هو العصر الذي أع ّد فيما‬
‫بعد نور الدين وصلح الدين‪.‬‬

‫ج‪ .‬التصدي للتطرف الشيعي الباطني والتيارات الفكريّة المنحرفة‪:‬‬


‫تميّزت مناقشته‪ :‬باتّباع السلوب الموضوعي كما دلّت على اطّلع واسع على عقائدهم وفرّق بين‬
‫ن للخيرة جذورا يهوديّة ولم ت صل النتقادات إلى حدّ‬
‫الشي عة المعتدلة و من ت ستّر بالتّش يع وذ كر أ ّ‬
‫الخصومات وكان علماء الشيعة يقصدون مجالسه ويناقشهم‪.‬‬

‫د‪ .‬محاربة الخصومات المذهبية‪:‬‬


‫هاججم عبجد القادر التعصجّب المذهجبي ‪ ،‬ودعجا الدعاة الى عدم التعرض للقضايجا التجي يدور حولهجا‬
‫الختلف ‪ ،‬فاحتلّ المكا نة العال ية ب ين علماء الم سلمين ومؤرخي هم باختلف مذاهب هم واتجاهات هم ‪،‬‬
‫فحصل له القبول التّام من النّاس ‪.‬‬

‫ه‪ .‬إصلح التصوّف‪:‬‬


‫وذلك بما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تنقيتجه ممجا طرأ عليجه مجن انحرافات فجي الفكجر والممارسجة ‪ ،‬وردّه الى وظيفتجه كمدرسجة‬
‫تربويّة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحملة على المتطرفيجن مجن الصجوفيّة ممجن تلبّسجوا بالتصجوف وشوهوا معناه ‪ ،‬وانتقجد كلّ‬
‫أفعالهم التي ل تتفق مع الكتاب والسنّة …الرقص…اللحان…الصرّاخ…‬

‫و‪ .‬تعاليم عبد القادر‪:‬‬


‫‪ -1‬التوحيد‪:‬‬
‫" من لتوح يد له ولإخلص لع مل له" وللتوح يد عل قة بالحياة الجتماع ية وضا بط لت صرفات‬
‫الفرد … "وما أمروا إل ليعبدوا اللَه مخلصين له الدين حنفاء"‬

‫‪ -2‬القضاء والقدر‪:‬‬
‫أن تكون عقيدة القضاء والقدر حافزا لنصرة الخير ومقارعة الشرّ‪.‬‬
‫وعلى النسجان أن يعالج الحوال خيرهجا وشرّهجا بالوسجائل المشروعجة مجع النتظار‪ ,‬وعالج‬
‫الخاطئة للشرّ‪ .‬حيجث ناصجرته الفرق الباطنيّة أمّا جماهيجر المّة فاسجتسلموا له ولم‬ ‫المفاهيجم‬
‫يقاوموه…‬

‫‪ -3‬اليمان‪:‬‬
‫ي وجداني يقتضي العمل والخلص ومضمون اجتماعي يقتضي‬
‫له مضمونان‪ :‬مضمون فكر ّ‬
‫ن وظي فة الحا كم الم سلم – إن كان مؤمنا حقا‪ -‬هي‬
‫التكا فل الجتما عي وح سن توز يع الثروات وأ ّ‬
‫السهر على تحقيق العدل في مجال القتصاد ‪ ,‬وتوزيع الثروات‪.‬‬

‫‪ -4‬النهوض لحمل رسالة الصلح ‪ ,‬أو المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪:‬‬


‫‪ -1‬يجب أن يكون القائم بالمرعالما ‪ ,‬أحكم علوم الشريعة وسلوك الزهد‪.‬‬
‫قطعيج ‪ ,‬خوف الوقوع فجي الظنون‬
‫ّ‬ ‫‪ -2‬أن يكون عالما بالمنكجر الذي ينهجي عنجه على وججه‬
‫والثم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون قادرا على المجر بالمعروف ‪ ,‬دون أن يؤدي الى فسجادٍ عظيجم ‪ ,‬أو ضرر فجي‬
‫وماله وذلك ‪:‬‬ ‫نفسه‬
‫‪)1‬بأن تكون الغلبة لهل الصلح وعدل السلطان وإعانة أهل الخير‪.‬‬
‫‪)2‬وأن يكون من أ هل العزي مة وال صبر ف من اتّ صف بهذه ال صفة كان كالمجا هد في‬
‫سبيل ال لسيما اذا كانت كلمته عند سلطان جائر‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل والخلص‪:‬‬
‫وذلك بإفراد الق صد ل ‪ ،‬وإعزاز الد ين دون رياء أو سمعة أوحميّة للن فس ‪ ،‬وأن يع مل ب ما‬
‫يأمر‬
‫وينت هي عمّا ين هى ع نه ‪ ،‬وتطالع نا في مجال ال مر بالمعروف‪ :‬عدم الدعوة للجهاد الع سكريّ‬
‫ال سباب ال تي ذكرنا ها في حديث نا عن الغزالي… و مع أ نه لم يتحدث عن أخطار‬ ‫لن فس‬
‫وبشاعاتهجم ‪ ،‬إلّ أنّه وجّه ثمرات عمله وإصجلحه لمواجهجة هذه الخطار‬ ‫الصجليبيين‬
‫ومضاعفاتها‪.‬‬

‫‪ -6‬منزلة الدنيا والخرة‪:‬‬


‫التّ صور القادر يّ للدن يا والخرة يشا به ت صوره للتوح يد واليمان بمع نى أ نه ذو مضمونيْن‪:‬‬
‫واجتماعي…‬ ‫اعتقادي‬

‫ز‪ .‬الدعوة بين غير المسلمين‪:‬‬


‫ل نملك تفصيلت عن جهود عبد القادر في هذا المجال ‪ ،‬سوى ما تذكره المصادر عن نتائج هذا‬
‫النشاط ‪ ،‬إذ يذكر سبط بن الجوزي والتادفي أنّه أسلم على يد عبد القادر معظم اليهود والنصارى‬
‫ن عددا من المسيحيين قدموا من اليمن ‪ ،‬وأسلموا على يد الشيخ عبد‬
‫في بغداد ‪ ،‬ويذكر التادفي أ ّ‬
‫القادر لسماعهم بشهرته‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مدارس النواحي والرياف والبوادي‪:‬‬


‫ذكر الكتاب ما يزيد عن أربع وعشرين مدرسةً ل تختلف عن بعضها سوى باسم مؤسسها‪:‬‬

‫مدارس النواحي و الرياف والجبال‬


‫المدرسة العدويّة‬ ‫‪-1‬‬
‫المدرسة السهروديّة‬ ‫‪-2‬‬
‫المدرسة البيانيّة‬ ‫‪-3‬‬
‫مدرسة الشيخ رسلن الجعبري‬ ‫‪-4‬‬
‫مدرسة حياة بن قيس الحراني‬ ‫‪-5‬‬
‫مدرسة عقيل المنبجي‬ ‫‪-6‬‬
‫مدرسة الشيخ علي بن الهيتي‬ ‫‪-7‬‬
‫مدرسة الحسن بن مسلم‬ ‫‪-8‬‬
‫مدرسة الجوسقي‬ ‫‪-9‬‬
‫مدرسة الشيخ عبد الرحمن الطفسونجي‬ ‫‪-10‬‬
‫مدرسة موسى الزولي‬ ‫‪-11‬‬
‫مدرسة محمد بن عبد البصري‬ ‫‪-12‬‬
‫مدرسة جاكير الكردي‬ ‫‪-13‬‬
‫المدارس البطائحية – الرفاعية‬ ‫‪-14‬‬
‫مدرسة القيلوي‬ ‫‪-15‬‬
‫مدرسة علي بن وهب الربيعي‬ ‫‪-16‬‬
‫مدرسة الشيح بقابن بطو‬ ‫‪-17‬‬
‫مدرسة عثمان بن مرزوق القرشي‬ ‫‪-18‬‬
‫مدرسة الشيخ ماجد الكردي‬ ‫‪-19‬‬
‫مدرسة أبو مدين المغربي‬ ‫‪-20‬‬
‫مدرسة أبو السعود الحريمي‬ ‫‪-21‬‬
‫مدرسة ابن مكارم النعال‬ ‫‪-22‬‬
‫مدرسة عمر البزاز‬ ‫‪-23‬‬
‫مدرسة الجبائي‬ ‫‪-24‬‬

‫ومن أهمها‪:‬‬
‫المدرسة العدويّة‪ :‬مؤسسها الشيخ عديّ بن مسافر‪ :‬اجتمع بالشيخ عبد القادر في بغداد ‪ ،‬ثم استقرّ‬
‫في منط قة "ج بل هكار" في شمال العراق ب ين قبائل الكراد والهكاريّة ‪ ،‬وأثّر ب هم كثيرا ‪ ،‬ويذ كر‬
‫ي كان عالما مبتحرا في علوم الشري عة ‪ ،‬كان بالم ستوى نف سه الذي ت سنمه‬
‫ن الش يخ عد ّ‬
‫القاد في أ ّ‬
‫ن غالبيّة مشا يخ مدارس ال صلح ال تي ن ستعرضها ه نا‬
‫الغزالي وع بد القادر ‪ ،‬مع الشارة إلى أ ّ‬
‫ركّزوا على التربية أكثر من التأليف ‪ ،‬وقد لعب أكراد هكار دورا كبيرا فيما بعد في جيش صلح‬
‫الد ين ‪ ،‬ح يث شكلوا أ هم فر قة ‪ ،‬واحتلّ عدد من هم منزلة المراء والقادة الذ ين حققوا النت صارات‬
‫وأنجزوا الفتوح‪.‬‬
‫ومجن هذه المدارس – السيهرورديّة – البيانيّة (ابجن الحورانجي) فجي دمشجق – مدرسية رسيلن‬
‫الجعبري – مدرسة حياة بن قيس الحرّاني‪ :‬حيث كانت مدينة حرّان مركزا للعلم والتربية حيث‬
‫تخرج منهجا كبار العلماء والمربيجن كأسجرة (ابجن تيميّة) – مدرسية عقييل المنبجيي ‪ -‬المدارس‬
‫البطائحيّة الرفاعيّة‪ :‬البطائح جنوب العراق‪ :‬من صور البطائ حي ب عد أن تو في أو صى ل بن أخ ته‬
‫الش يخ أح مد الرفا عي الذي صادف حر كة ال صلح والتجد يد فاشتهرت المدر سة في ما ب عد با سمه‬
‫ولقجد اسجتمرّ الشيجخ أحمجد الرفاعجي فجي التدريجس والتربيجة وكان له علقات مجع شيوخ مدارس‬
‫الصلح والتجديد‪.‬‬
‫وممّا يك مل ال صورة ال تي تناول ها الب حث أن نقول‪ :‬إنّ ها كا نت تط بق منهاجا موحدا في الترب ية‬
‫والتدر يس ‪ ،‬يتطا بق إلى حد كبير مع التف صيلت ال تي أوردنا ها عن منا هج المدر سة الغزال ية‬
‫والمدرسجة القادري ّة – السجالف ذكرهجا – وأنّهجا كان لهجا امتدادات أصجغر فجي الرياف والجبال‬
‫والبوادي بحيث يمكن القول أنّها بلغت المئات‪.‬‬

‫دور المرأة المسلمة في حركة التجديد والصلح‬

‫نهضت المرأة المسلمة لتحمل مسؤولياتها في حركة الصلح والتجديد التي أخرجت جيل نور‬
‫وصلح الدين ‪ ،‬ورغم المقتضب من النباء التي ُدوّنت حول هذا الموضوع ولكنه يقدم صورة‬
‫واضحة عن جهود مسلمات تلك الفترة‪.‬‬
‫‪ -1‬من المنتسبات إلى المدرسة القادرية الشيخة عائشة بنت محمد البغدادي التي أجازها‬
‫عبد القادر الكيلني ‪ ،‬وكرست وقتها لوعظ النساء ‪ ،‬وصارت من‬ ‫الشيخ‬
‫والعبادة والصلح ‪ ،‬وعمّرت طويلً حتى توفيت عام ‪641‬‬ ‫طلئع الوعد والرشاد‬
‫ه‪.‬‬
‫‪ -2‬الشيخة تاج النساء بنت فضائل بن علي التكريتي زوجة عبد الرزاق بن عبد القادر‬
‫ت الشيخ عبد القادر ‪ ،‬ثم صارت من العالمات الواعظات المشهورات‬
‫صحِبَ ْ‬
‫َ‬ ‫الكيلني‬
‫ه‪.‬‬ ‫توفيت عام ‪613‬‬
‫‪ -3‬من المنتسبات إلى المدرسة السهروردية الشيخة المعروفة باسم خاصة العلماء ‪ ،‬بنت‬
‫المبارك بن أحمد النصاري زوجة الشيخ أبي نجيب مؤسس المدرسة‪ .‬بنت رباطا خاصا في‬
‫بغداد ‪ ,‬ووعظت النساء وعلمت البنات ‪ ،‬توفيت عام ‪ 585‬ه‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن أتباع المدرسة السهوردية أيضا الشيخة شمس الضحى بنت محمد بن عبد الجليل‬
‫عام ‪ 588‬ه‪.‬‬ ‫توفيت‬
‫‪ -5‬الشيخة جوهرة بنت الحسن بن علي بن الدرامي‪ :‬الزوجة الثانية بعد وفاة الولى لمؤسس‬
‫المدرسة السهروردية توفيت عام ‪ 604‬ه‪.‬‬
‫‪ -6‬الشيخة صلف بنت أبي البركات ‪ ...‬توفيت عام ‪ 611‬ه‪ .‬تتبع المدرسة السهروردية‪.‬‬
‫‪ -7‬الشيخة فاطمة بنت محمد علي البزازة البغدادية‪ :‬درس عليها عدد كبير من خريجي‬
‫القادرية ودرس عليها خلق كثير من الرجال والنساء ‪ ..‬حدث عنها كثيرون من‬ ‫المدرسة‬
‫الفترة توفيت عام ‪ 574‬ه‪.‬‬ ‫مؤرخي تلك‬
‫‪ -8‬الشيخة شهدة بنت أحمد بن الفرج المعروفة ب(فخر النساء)‪ :‬درست على كبار العلماء‬
‫ودرس عليها خلق كثير من الرجال والنساء ‪ ..‬حدث عنها كثيرون من مؤرخي تلك الفترة‪.‬‬
‫توفيت عام ‪ 574‬ه‪.‬‬
‫‪ -9‬الشيخة زينب بنت أبي البركات البغدادية‪.‬‬
‫‪ -10‬الشيخة جليلة بنت علي بن الحسن الشجري‪.‬‬
‫وغيرهن كثير‪.‬‬
‫ولم تكن هذه النماذج العالمة المصلحة من النساء المسلمات اللتي اشتركن في حركة‬
‫الصلح والتجديد والتي خرّجت جيل صلح الدين إلّ عينة قليلة من جيل نسائي شمل‬
‫اللوف اللواتي تواترت الكتابة عنهنّ في كتب طبقات المحدثين والفقهاء وكتب التاريخ‬
‫المختلفة‪.‬‬

‫التنسيق بين مدراس الصلح وتوحيد مشيخاتها‬


‫َيج ‪ 546‬ه – ‪ 550‬ه جرت حركجة تنسجيق واتصجالت بيجن مدراس‬
‫فجي الفترة الواقعجة بيجن عام ْ‬
‫جتوى العالم‬
‫جم التعاون ليجاد قيادة موحدة على مسج‬
‫جد الجهود ‪ ،‬وتنظيج‬
‫جلح ‪ ،‬بهدف توحيج‬
‫الصج‬
‫السلميّ‪.‬‬
‫‪ -1‬أول الجتماعات فجي رباط المدرسجة القادري ّة فجي "الحلّة" فجي بغداد ‪ ،‬حضره مايزيجد عجن‬
‫من شيوخ العراق وخارجه‪.‬‬ ‫الخمسين‬
‫‪ -2‬والجتماع الثا ني خلل مو سم ال حج ‪ ،‬ح يث حضره شيوخ المدراس ال صلحيّة من مختلف‬
‫العالم السلميّ‪.‬‬ ‫أرجاء‬
‫‪ -3‬ثم تل ذلك اجتماع موسع وأهم نتائجه تكوين قيادة واحدة كالتالي‪:‬‬
‫القطجب الغوث – ثجم يليجه البدال – ثجم الوتاد والولياء – فإذا توفجي أحجد البدال قام القطجب‬
‫ل محلّه‪( .‬وكان أول قطب غوث الشيخ عبد القادر الجيلني)‪.‬‬
‫بتعيين من يح ّ‬ ‫الغوث‬
‫وقد ترتّب على هذا التحاد بين مدارس الصلح آثار هامّة منها‪:‬‬
‫الول‪ :‬وحدة العمل لدى مدارس الصلح عامّة – اجتماعات – لقاءات‪.‬‬
‫إنج المدارس والرباطات المختلفجة أخذت ترسجل إلى المدرسجة القادريّة النابهيجن مجن‬
‫الثانجي‪ّ :‬‬
‫والمتقدمين من مريديها ‪ ،‬الذين ترى فيهم مؤهلت المشيخه في المستقبل‪.‬‬ ‫طلبها‬
‫الثالث‪ :‬إنّج أحكام الربجط بيجن تعليجم الفقجه وسجلوك الزهجد ‪ ،‬أدّى إلى خفجة – بجل ربمجا اختفاء‬
‫الفقهاء ‪ ،‬وإلى التعاون بيجن الطرفيجن ‪ ،‬ورأى ابجن تيميّة فجي قيادات هذه‬ ‫معارضجة‬
‫فريدة فجي الجمجع بيجن الفقجه والزهجد فأسجماهم "الشيوخ الكبار‬ ‫المدارس نماذج‬
‫المتأخرين"‪.‬‬
‫الرابع (وهو الهم)‪ :‬هو خروج الزهد من عزلته التي كان فيها في حالة التصوّف ‪ ،‬وإسهامه‬
‫مواجهة التحديات التي تجابه العالم السلميّ ‪ ،‬فقد توثقت الصلت بين نور الدين‬ ‫في‬
‫في دمشق وبين شيوخ مدارس الصلح في بغداد وحرّان وجبال هكار‬ ‫الزنكي‬
‫ذلك توا عي هذه المدراس للع مل مع نور الد ين ‪ ،‬ف صلح الد ين ‪،‬‬ ‫ودم شق ‪ ،‬ثم أع قب‬
‫أولى ال سلطانان عنايته ما الفائ قة بهذه المدارس ‪ ،‬و َبنَ يا ل ها‬ ‫وا ستمرّ هذا التعاون ح يث‬
‫الوقاف ‪ ،‬فججي المقابججل حملت هذه المدارس‬ ‫جا عليهججا‬
‫فروعا جديدة ‪ ،‬أَ ْوقَفَج‬
‫للجهاد بطريقةٍ فعّالةٍ ناجحة‪.‬‬ ‫مسؤولياتِها ‪ ,‬وأخذت دورَها في التوجيه المعنوي‬

‫الباب الخامس‪ :‬الثار العامّة لحركة الصلح والتجديد‬

‫إخراج أمّة المهجر ]الدولة الزنكية[ وسياساتها في الصلح‬

‫بدأت نواة هذه الدولة خلل حياة نظام الملك السجالف ذكره ‪ ،‬حيجث أشار على السجلطان ملكشاه‬
‫بتول ية "آق سنقر ق سيم الدولة" مدي نة حلب وأعمال ها وحماه ومن بج واللذق ية و ما مع ها فكان من‬
‫أحسن الناس سياسة للرعية ‪ ،‬ودفاعا عن ديار المسلمين ‪ ،‬وفي عام ‪ 487‬قُتل آق سنقر وخلفه ابن‬
‫عماد الدين زنكي ‪ ،‬وفي عام ‪ 512‬ه نشبت الفتنة بين السلطان والخليفة ‪ ،‬ثم تتالت الفتن فضرب‬
‫اليأس النفوس والعناصر العسكريّة والفكريّة (أبي حامد الغزالي) فاتجه عماد الدين اتجاها جديدا‪...‬‬
‫وانتهى القائمون على الصلح والتجديد إلى التفكير في بناء أمّة إسلميّة جديدة بدل الستمرار في‬
‫ترميجم "أمةٍ" لفظجت أنفاسجها‪ .‬فبدأ بتوطيجد أركان دولتجه الجديدة ‪ ،‬فلم ّا قضجى شهيدا على أيدي‬
‫المتآمر ين خل فه اب نه نور الد ين ‪ ،‬الذي أع طى الدولة الجديدة طابع ها ال سلمي المميّز ‪ ،‬وهيأ ها‬
‫لحمجل رسجالتها كاملةً ‪ ،‬وأصجبحت دولة آل زنكجي دار هجرة فتحجت أبوابهجا لكجل المخلصجين ‪،‬‬
‫ووزعت الدوار بينهم‪.‬‬
‫والمؤرخون قديما أهملوا دور العمجل الجماعجي ‪ ...‬حيجث أبرزت قيادة نور الديجن أثجر التخطيجط‬
‫والتعاون الجماعي فكان وزير عماد الدين (مروان بن علي ‪ ...‬الطننري) أحد تلميذة الغزالي قد‬
‫ورد إلى بغداد وتفقّه على الغزالي والشادي ‪ ،‬ثجم عاد إلى بلده ليدبر أمور الوزارة حتجى وفاتجه ‪،‬‬
‫عام ‪ 540‬ه ‪.‬‬
‫ولقد تميّزت سياسة الدولة الجديدة – خلل فترة نور الدين – بأمور ستة‪:‬‬
‫الول‪ :‬إعداد الشعجب إعدادا إسجلميّا ‪ ،‬وتطهيجر الحياة الديني ّة والثقافي ّة مجن التيارات الفكريّجة‬
‫المنحرفة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬صبغ الدارة بالصبغة السلميّة ‪ ،‬وشيوع العدل والتكافل الجتماعي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬نبذ الخصومات ‪ ،‬وتعبئة القوى ‪ ،‬وتنسيق جهودها ضمن منهاج عمل موحد‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ازدهار الحياة القتصاديّة وإقامة المنشآت والمرافق العامّة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬بناء القوّة العسكريّة ‪ ،‬والعناية بالصناعات الحربيّة‪.‬‬
‫السجادس‪ :‬القضاء على الدويلت المتناثرة فجي بلد الشام ‪ ،‬وتحقيجق الوحدة السجلميّة بيجن الشام‬
‫ومصر والجزيرة العربية‪.‬‬

‫إعداد الشعب إعدادا إسلميّا وتكامل الجهود التربويّة‬

‫اعتبرت الدولة الجديدة النسان المسلم هو الدعامّة الرئيسية التي يقوم عليها بناء المّة السلميّة ‪،‬‬
‫فأعدّت خطة شاملة لعداد الشعب تناولت التعليم – التوجيه والرشاد – العداد العسكري‪.‬‬

‫‪ -1‬دور التعليم ومؤسساته‬


‫بناء المدارس والمساجد ودور الحديث – مشاهير العلماء‬
‫المساجد تعدّ جيلً جديدا ليحتلّ المرتبة الحقيقيّة للنسان المسلم‪.‬‬
‫والم ساجد كا نت مرا كز تعليميّة ركّزت على ب ثّ الروح ال سلميّة من جد يد وركّزت على تحق يق‬
‫التعاليم والمذاهب السماعيليّة والفلسفيّة‪.‬‬
‫ولقجد بلغ هذا الهتمام بالتعليجم أوجَهُج زمجن نور الديجن يقول أ بو شامجة‪ :‬أنّج نور الديجن أوججز هذه‬
‫السجياسة التعليمي ّة بقوله‪" :‬مجا أردنجا ببناء المدارس إل نشجر العلم ودحجض البدع مجن هذه البلدة‬
‫وإظهار الدين" وقد شملت الصفة الجماعية جميع أوجه النشاط التعليمي‪.‬‬

‫‪ -2‬التوجيه والرشاد الجماهيري‪:‬‬


‫استهدف جماهير المسلمين من التجار والعمال والمزارعين "تعليم الكبار" محو الميّة مع الخلق‬
‫والق يم والعقيدة ‪ ،‬تخ صص به شيوخ الت صوف ب عد إ صلح الت صوف على يد الش يخ ع بد القادر‬
‫وأصحابه ‪ ،‬وتزامن هذا مع جهود نور الدين التعليميّة والتربويّة‪.‬‬

‫‪ -3‬العداد العسكري‪:‬‬
‫نش طت الدولة في تدر يب كا فة جماه ير المّة تدريبا ع سكريّا وذلك بإعداد معنوي رو حي ‪ ،‬ثم‬
‫تدريب عسكري ‪ ،‬وألّف نور الدين كتابا في الجهاد ‪ ،‬وتكاملت الجهود التعليميّة والتربويّة لتناقش‬
‫كافة الموضوعات بروح علميّة متسامية ‪ ،‬وكان نور الدين نفسه يحضر هذه المجالس ويجلس أمام‬
‫العلماء والشيوخ كما يجلس الفراد العاديون ‪ ،‬وضم نور الدين مملكة دمشق إليه ‪ ،‬وتداعى الجميع‬
‫إلى الدولة الجديدة دار الهجرة‪.‬‬
‫وهكذا حلّ الطابع السلمي الذي تجلّت من خلله الروح السلميّة التي ه ّيأَت المجتمع وأفراده ‪،‬‬
‫الشابج صجلح الديجن ‪ ،‬ولقجد ترتجب على هذه الجهود التربويّة‬
‫ّ‬ ‫وفجي هذه المياديجن كانجت تربيجة‬
‫والتعليميّة لتغيير ما "بأنفس القوم" من أفكار وتصوّرات وقيم واتجاهات أن برز جيل مسلم يختلف‬
‫عن الجيال السابقة ‪ ...‬واللحقة ‪..‬‬

‫حياة القائد صلح الدين‬


‫وكان من أفراد هذا الجيل الجديد شاب يافع هو صلح الدين بن يوسف الذي خلف نور الدين فيما‬
‫بعد وتعتبر مسيرته معروفة باسم "المحاسن اليوسفيّة والنوادر السلطانيّة" ‪ ،‬من أوثق المصادر التي‬
‫أرّخت لصلح الدين ‪ ،‬وقد ألّفها ابن شداد ‪ ،‬وكان قاضيا لعسكر صلح الدين ‪،‬‬
‫ُولِد صلح الد ين في قل عة "تكر يت" ‪ ،‬ون شأ في المو صل وبعل بك في ك نف والده الذي كان أ حد‬
‫ضباط نور الد ين‪ .‬وكان شابا عاديا إلى أن خرج في ج يش عمّه أ سد الد ين شيركوه إلى م صر ‪،‬‬
‫وانض مّ إلى معسكر عقائدي يموج بالعداد الفكري والروحي والعسكري ‪ ،‬فتبدّلت شخصيّة صلح‬
‫الدين بتأثير التوجيه السلميّ الذي تعرّض له ‪ ،‬واتخذ موقعه في الحركة السلميّة التي يقودها‬
‫نور الد ين ‪ ،‬ول نخ جل ك ما ف عل الب عض من إيراد سيرته في أول حيا ته ‪ ،‬وإن كره الب عض هذا‬
‫ن ما ا ستعرضناه إنّ ما هو مفخرة لل سلم في ا ستمرار قدر ته في إعادة صياغة الب شر وإن‬
‫ل ّ‬
‫سقطوا‪.‬‬

‫هذه هي الصورة التي يجب أن تُعرض حتى تكون أملً وحافزا للجيال الحاضرة ‪ ،‬التي تفترسها‬
‫تيارات الحباط والفشجل والنحلل ‪ ،‬فالسجلم الذي أعاد صجياغة صجلح الديجن وجيله قادر على‬
‫إعادة صجياغة مجن يوصجمون بالنحلل والتمرد على القيجم والخلق ‪ ،‬إذا برزت المؤسجسات‬
‫التربويّة الحكيمة الواعية ‪ -‬فهؤلء الشباب هم المادّة الخام التي يجب العناية بها حتى يخرج من‬
‫صجفوفهم ‪" :‬صجلح الديجن الجديجد" وأعوانجه وأركان قيادتجه وإدارتجه ‪ ،‬إذا توفّر المنهاج التربوي‬
‫المح كم ووجدوا "علماء الخرة" الذ ين يفقهون تزك ية النفوس ويحكمون صياغة ال سلوك والتفك ير ‪،‬‬
‫بدلً مجن علماء الدنيجا الذي يخطبون ويتكسجبون بتتبجع عورات الشباب ‪ ،‬والتشهيجر بأخطائهجم فوق‬
‫المنابر ‪ ،‬و في ندوات التلفزيون ‪ ،‬و في الحفال العامّة‪ ،‬ويعيشون على إثارة الخ صومات "الحزبيّة‬
‫والمذهبيّة" بين الطلبة في الجامعات ودور العلم‪.‬‬

‫صبغ الدارة بالصبغة السلميّة وتكامل القيادات الفكريّة والسياسيّة‬

‫إ نّ أغلبية عناصر هذه القيادات تخرجّت من مدارس الصلح مع شيءٍ من التوزيع والتخصص‬
‫العام ‪ ،‬لذلك جاءت الصفات العامّة للدولة الجديدة وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الصبغة السلميّة للقيادات السياسيّة والداريّة والعسكريّة‪:‬‬
‫حيث تميّزت هذه القيادات بالتزامها العقائدي في جيمع نشاطاتها ‪ ،‬وممارساتها ‪ ،‬والسبب في ذلك‬
‫يعود إلى تربيت ها ال سلميّة – نور الد ين – صلح الد ين ‪ -‬القا ضي الفا ضل وز ير صلح الد ين‬
‫ضياء بن عي سى الهكاري أ كبر أمراء الج يش ز من صلح الد ين‪ .‬بهاء الد ين قراقوش و هو من‬
‫أروع القادة وأشجعهجم ‪ ،‬بنجى سجور القاهرة وقلعجة الجبجل فيهجا ‪ ...‬وقجد أظهجر هذا الرعيجل مجن‬
‫المهارات فجي التخطيجط والتنفيجذ وحشجد مقدرات المّة مجا هيأهجا لمجابهجة التحدّيات فجي الداخجل‬
‫والخارج‪.‬‬
‫ومن هذه المزايا‪:‬‬
‫تكامل القيادات الفكريّة والعسكريّة‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫اعتماد الشورى وعدم النفراد باتخاذ القرارات‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫غل بة الم صلحة العامّة على النفعلت والم صالح الشخ صيّة في معال جة المشكلت ال تي‬ ‫‪.3‬‬
‫تثور بين القران‪.‬‬
‫التفاني في أداء الواجب بتعاونٍ وتآخٍ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ومما لحظه الدكتور حسين مؤنس أ نّ تعلقهم بالدين جعلهم يتخيرون أسماءهم على نحو يتفق مع‬
‫هذه النزعة‪ :‬عماد الدين – سيف الدين – نور الدين – صلح الدين – أسد الدين – نجم الدين –‬
‫زين الدين ‪ ..‬وهذا التعلق بالدين جعلهم يحرصون على الجهاد والستشهاد‪.‬‬

‫‪ -2‬الزهد والتعفف وبذل المال في الصالح العام‪:‬‬


‫تجلّت آثار التربيّة السلميّة في مواقف رجال الدولة والدارة من الثروات والسياسة القتصاديّة ‪،‬‬
‫فقجد زهدوا فجي المكاسجب وعزفوا عجن الحتكار والترف ‪ ،‬وإليكجم مجا قاله نور الديجن الذي عده‬
‫المؤرخون سادس الخلفاء الراشدين عندما طلبت زوجته زيادة نفقتها فقال لخيها‪ :‬من أين أعطيها‬
‫ما يكفي ها؟ وال ل أخوض في نار جهنّم في هوا ها ‪ ..‬و ما بيدي هي أموال الم سلمين مر صدة‬
‫لمصالحهم ‪ ،‬وأنا خازنها فل أخونهم فيها!‬
‫وهذا ما فعله صلح الدين ورجاله وقادته ونساؤهم ‪ .‬روح باذلة كما قال ابن جبير شملت الجميع‪.‬‬

‫‪ -3‬توفر المن والعدل واحترام الحرمات العامّة‪:‬‬


‫يقول ابن الثير عن هذه الفترة‪:‬‬
‫ت تواريخ الملوك قبل السلم وبعده ‪ ..‬فلم أرَ فيه بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد‬
‫"لقد طالع ُ‬
‫العزيز ملكا أحسن سيرةً من الملك العادل نور الدين ‪ ،‬ول أكثر تحرّيا للعدل والنصاف منه ‪"..‬‬
‫لم يعا قب على المظنّة والته مة بل يطلب الشهود ويعا قب العقو بة الشرعيّة – ات خذ لنف سه مجل سا‬
‫ليصل إليه كل واحد من المسلمين وأهل الذمّة ‪ ،‬وهو أول من ابتنى دارا للعدل وتولّها بنفسه‪..‬‬
‫وهكذا تواترت أخبار ال من والعدل ‪ ،‬واحترام الحرمات العامّة‪ ،‬كحر ية الرأي ‪ ،‬والمحاف ظة على‬
‫كرامّة الفرد ‪ ،‬وعلى هذه السيرة سار صلح الدين ‪ ..‬ألّ يظلم أحدا ‪ ،‬ول يتعرض للضغط والذى‬
‫‪ ،‬وتق بل الن قد ‪ ،‬وهذا ما فعله نور الد ين عند ما أ مر بإلغاء المكوس والضرائب ب عد ق صيدة أ بي‬
‫عثمان ‪ ،‬كما منع كل ما من شأنه أن ينمّي روح التزلف والنفاق للمسؤولين‪.‬‬

‫التعاون بين مدارس الصلح والدولة الزنكيّة – اليوبيّة‬


‫من مظاهر هذا التعاون‪:‬‬
‫السهام في إعداد أبناء النازحين من مناطق الحتلل الصليبي‪:‬‬ ‫‪)1‬‬
‫بعد أن تستقدمهم كانت توفر لهم القامّة والتعليم ‪ ،‬ثم تعيدهم إلى مناطق الثغور والمرابطة ‪،‬‬
‫ويعرفون باسم المقادسة‪.‬‬
‫يذكر بسيط ابن الجوزي في كتابه "مرآة الزمان" أ نّ والد موفق الدين بن قدامه حين نزح من‬
‫إلى دمشق ‪ ،‬كان يقوم بنشاط دائب لحشد الطاقات في مواجهة الحتلل الصليبي ‪ ،‬وأ نّ‬ ‫بلده‬
‫دم شق كا نت ملت قى القيادات الفكريّة وال سياسيّة ‪ ،‬وأ نّ نور الد ين زن كي نف سه كان‬ ‫داره في‬
‫حضور هذه اللقاءات ‪ ،‬ويجلس كأحد الفراد العاديين‪.‬‬ ‫يداوم على‬

‫هجرة العلماء والعمل في المدارس النوريّة والصلحيّة‪:‬‬ ‫‪)2‬‬


‫تداعى العلماء وخريجو المدارس الصلحيّة من كل قطر للعمل في المدارس التي أنشأها نور‬
‫الديجن وصجلح الديجن ‪ ،‬مجن ذلك مجا قام بجه خريججو المدارس القادريجن ‪ ،‬حيجث كان على رأس‬
‫المهاجرين إلى هناك موسى بن الشيخ عبد القادر ‪ ،‬الذي قدم إلى دمشق ‪ ،‬واشتغل بالتدريس حتى‬
‫وفاته عام ‪ 618‬ه ‪.‬‬
‫و قد ب نى نور الد ين مدر سة في حرّان وأ سلمها إلى أ سعد بن المن جا بن بركات ‪ ،‬ومدر سة‬
‫أسلمها إلى حامد بن محمود ‪ ،‬وفي زمن صلح الدين عمل في التدريس موفق الدين‬ ‫أخرى‬
‫قدامه الذي تخرج من المدرسة القادريّة في بغداد ‪ ...‬ومن مشايخ الكراد الشيخ‬ ‫عبد ال بن‬
‫عثمان الصلح والد المحدث المشهور الشهرزوري وغيرهم‪.‬‬ ‫عبد الرحمن بن‬

‫المشاركة في الجيش والجهاد العسكري‪:‬‬ ‫‪)3‬‬


‫وأبرز المدارس ال تي رفدت هذا الميدان هجي المدر سة العدويّة وفروع ها التجي أ سسها الشيجخ‬
‫مسجافر فجي جبال هكار ‪ ،‬حيجث شكّل خريججو هذه المدارس مجن الكراد الهكاريجة‬ ‫عدي بجن‬
‫أمراء الج يش وقادة الف تح وجنوده ‪ ،‬ويأ تي على رأس هذه الجماعات أ سرة‬ ‫والرواديّة جمهرة‬
‫وهم من الكراد الروادية ‪ ...‬وأصلهم من بلدة (دوين) ‪ ،‬خرجوا من‬ ‫صلح الدين اليوبي ‪،‬‬
‫(تكريت) حيث ولد صلح الدين ‪ ،‬والتحق نجم الدين أيوب وأسد‬ ‫بغداد ومن هناك نزلوا‬
‫زنكي ‪ ،‬أما الكراد والهكاريّة فقد شكّلوا فيما بعد أمراء جيش‬ ‫الدين شيركوه بخدمة عماد الدين‬
‫المير‪ :‬سيف الدين المشطوب وكذلك ضياء الدين عيسى‬ ‫صلح الدين وقادته ‪ ،‬ومن أشهرهم‬
‫أصبح من كبار أمراء الدولة الصلحيّة‪.‬‬ ‫بن محمد الهكاري الفقيه المحقق ‪ ،‬الذي‬
‫المشاركة في ميادين السياسة‬ ‫‪)4‬‬
‫اشتغل نفر من تلميذ المدرسة القادريّة مع نور الدين ثم صلح الدين في السياسة ولعب بعض‬
‫أدوارا في غاية الخطورة ‪ ،‬منهم‪ :‬أسعد بن المنجا بن بركات ‪ ،‬وأوفر المعلومات جاءت عن زين‬
‫الدين على بن نجا الوعظ النصاري الدمشقي‪ :‬وهو من رجال صلح الدين ومستشاريه ‪ ،‬روى‬
‫ن لقاءه‬
‫عنه التادفي رواية بسيطة ل تصدق عن اتصاله بالفاطميين وتحالفه معهم ‪ ،‬وحقيقة المر‪ :‬أ ّ‬
‫مع "الغز" أي القيادة النوريّة ‪ ،‬ثم "الخليفة الفاطمي" إنّما كان بتوجيه الشيخ عبد القادر ‪ ،‬الذي كان‬
‫ين سّق مع الشيخ عثمان بن مرزوق القرشي قائد المعارضة السنيّة وشيخ المدرسة الصلحيّة في‬
‫مصر ‪ ...‬وقد نسّق ابن نجا مع الشيخ عثمان قدوم أسد الدين شيركوه إلى مصر ‪ ،‬وخطوة ابن نجا‬
‫تجاه الفاطمي ين كا نت ت ستهدف الطلع على موا طن الض عف والقوّة عند هم ‪ ،‬والتأث ير في عمل ية‬
‫ن صلح‬
‫التعبئة العلميّة التي كان يقودها أمثال الشيخ عثمان بن مرزوق ‪ ،‬ويضيف ابن رجب أ ّ‬
‫الدين كان يسمي ابن نجا عمرو بن العاص ويعمل برأيه لسداد رأيه وسعة حيلته ‪ ،‬وعندما خرج‬
‫صلح الدين لمحاربة الصليبين في بلد الشام كان يكاتب زين الدين بن نجا بوقائعه ‪ ،‬وقد استمرّ‬
‫ابن نجا يعمل مع صلح الدين حتّى دخل معه بيت المقدس فاتحا ‪ ،‬وألقى في المسجد القصى أول‬
‫مجلس للوعظ كما سنرى‪.‬‬

‫ازدهار الحياة القتصاديّة وإقامة المنشآت والمرافق العامّة‬

‫تبدّل التّ صور القت صادي الذي يو جه طرق الك سب وطرق النفاق ع ند الج يل الجد يد ‪ ،‬و صارت‬
‫المفاهيم القتصاديّة العامة تقوم على أساس الكسب المشروع والنفاق المشروع ‪،‬‬
‫ونتيجة لشيوع هذا المفهوم جاءت التطبيقات القتصاديّة كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬ازدهار الحياة القتصاديّة والعمل‪:‬‬


‫أولى كلّ مجن نور الديجن وصجلح الديجن عنايتهمجا للحياة القتصجاديّة ‪ ،‬وأزال كافجة الضرائب‬
‫والمكوس عن كافة البلد ‪ ،‬وكان لهذه السياسة أثرها في تشجيع النموّ القتصاديّ ‪ ،‬وإقبال الناس‬
‫على ال سلم في الع مل والبناء ‪ ،‬و قد م ضى كل من نور الد ين و صلح الد ين في تشج يع الحياة‬
‫القت صاديّة ‪ ،‬فأقي مت الخانات والفنادق على طرق القوا فل ب ين المدن والمقاطعات ‪ ،‬وأجري في ها‬
‫الماء والصهاريج ‪ ،‬وبُنيت السواق التجاريّة وازدهرت الصناعات المختلفة والزرا عة الواسعة ‪،‬‬
‫وإلى جانب فرص العمل كانت هناك فرص للتعليم الحرفي‪.‬‬

‫‪ -2‬إقامة المنشآت والمرافق العامّة‪:‬‬


‫شملت الرعايجة والعنايجة جميجع نواحجي البلد مجن المدن والقرى وجميجع مياديجن الحياة فيهجا ‪ ،‬فلم‬
‫تقتصر المساجد والمستشفيات والحمامات على جهة دون أخرى ‪ ،‬بنى نور الدين مشفى في دمشق‬
‫‪ ،‬وأمر بإصلح المسجد الموي ‪ ،‬وأصبحت دمشق مفخرة من مفاخر السلم ‪ ،‬ومن أحسن الدنيا‬
‫منظرا ‪ ،‬كما أوقف نور الدين أوقافا خاصة لسكان الحرميْن وأقطع أمراء العرب القطاعات حتّى‬
‫ل يتعرّضوا لقوافل الحجاج ‪ ،‬وألغى صلح الدين رسوم المرور التي كان الحجاج يدفعونها‪.‬‬

‫بناء القوة العسكريّة والصناعة والتحصينات الحربيّة‬

‫ل مجن نور الديجن وصجلح الديجن عنايجة فائقجة لمور الجيجش ‪ ،‬وبناء القوة‬
‫أولت الدولة بقيادة ك ّ‬
‫الع سكريّة ‪ ،‬وإقا مة التح صينات والقلع ‪ ،‬والم صانع الحربيّة ‪ ،‬ك ما امتازت القيادة بمهارة فائ قة‪.‬‬
‫وكان نور الدين يتولّى بنفسه تفقد أحوال الجند وخيولهم وأسلحتهم‪.‬‬
‫كمجا بُنيجت زمجن نور الديجن أسجوار المدينجة الشاميّة وقلعهجا ‪ ،‬وكذلك البراج على الطرق بيجن‬
‫المسلمين والفرنج‪.‬‬
‫وكان نور الدين يتحرّى السنن السلميّة في المور العسكريّة‪.‬‬
‫أمّا ‪ -‬ز من قيادة صلح الد ين – ف قد فا قت الو صفَ العنايةُ بالناح ية الع سكريّة ‪ ،‬بُ ني الكث ير من‬
‫التحصجينات العسجكريّة ‪ ،‬وأُنشئت فرق جديدة عرفجت باسجم "الفرق الصجلحيّة" ورُفجع مسجتوى‬
‫المهارات القتاليّة ‪ ،‬إلى درجة جعلت الجيش السلمي آنذاك على أرفع مستوى‪.‬‬
‫وكان هناك جيش دائم وفرق مساعدة غير نظاميّة ل تقلّ مهارة عن الجيش‪.‬‬
‫ولقد أنشا صلح الدين ديوانا خاصا بالسطول‪.‬‬
‫كذلك أقيمت المصانع الحربيّة التي تزوّد الجيش والسطول بكلّ أنواع السلحة والذخائر المستعملة‬
‫آنذاك‪.‬‬

‫بناء الوحدة السلميّة وتحرير المقدسات والراضي المحتلّة ومحاولة استئناف الفتوحات‬
‫السلميّة‬
‫كا نت أولى بدايات الوحدة انضمام ممل كة دم شق عام ‪ 545‬ه ‪ 1151 /‬م ‪ ،‬بعدَ مناوآت طويلة من‬
‫صاحبها ‪ ،‬ع مد خلل ها إلى معار ضة الوحدة ‪ ،‬وإلى التحالف مع ممل كة ال صليبين في القدس ضد‬
‫الدولة المسجلمة الفتيّة‪ .‬وازدادت جبهجة السجلم قو ًة بدخول دمشجق ورجالهجا وأنجادهجا فجي جبهجة‬
‫الجهاد والتحرير ‪ ،‬وانفتح الطريق إلى مصر‪.‬‬
‫كذلك قا مت المواج هة مع دولة انف صاليّة أخرى هي دولة الفاطمي ين في م صر ‪ ،‬فع مد نور الد ين‬
‫إلى تصفية الجيوب الصليبية التي تقع بينه وبين مصر ‪ ،‬وأرسل إلى مصر الدعاة والوعاظ لتهيئة‬
‫الرأي العام لستقبال الفاتح المخلص وللنضمام إلى ركب الوحدة السلميّة‪.‬‬
‫من هؤلء الدعاة ا بن ن جا الوا عظ – مح مد بن المو فق الخبوشا ني الذي شجّع صلح الد ين على‬
‫غزو مصر‪.‬‬
‫وجاءت الفرصة عندما اختلف حكام مصر الظلمة‪ :‬أمثال القائد ضرغام بن ثعلبة والوزير شاور –‬
‫حول مصالحهم الشخصيّة ‪ ،‬واستنجادهم بالصليبين وبنور الدين ضد بعضهم البعض‪ .‬فأرسل نور‬
‫الديجن حملة عام ‪ 562‬ه ‪ 1167 /‬م بقيادة أسجد الديجن شيركوه وابجن أخيجه صجلح الديجن ‪ ،‬فدخلت‬
‫م صر ‪ ،‬فوجدت ال صليبين قد أر سلوا حمل ًة أخرى ‪ ... ،‬وجرت مناورات ولم ت ستقرّ المور لنور‬
‫الديجن فجي مصجر حتجى عام ‪ 564‬ه ‪ 1169 /‬م حيجن قَتجل صجلح الديجن شاور لخيانتجه للجبهجة‬
‫السلميّة ومؤامراته مع الصليبين‪.‬‬

‫أثر دخول مصر إلى جبهة الجهاد‬


‫وكان لدخول مصر في دولة نور الدين دويّ بعيد ل في مملكة القدس الصليبيّة فحسب ‪ ،‬وإنّما في‬
‫الغرب الوربي كلّه ‪ ،‬حيث أخذوا يعدون العدّة لحملة صليبيّة جديدة على الشرق ‪ ،‬وقد أدى تطور‬
‫الحداث ال تي تلت إلى إلغاء الخل فة الفاطم ية نهائيا ‪ ،‬وض مّ م صر إلى الدولة ال سلميّة ‪ ،‬وب عد‬
‫استرجاع نيفا وخم سين مدينة من الصليبين ‪ ،‬عزم نور الد ين على فتح ب يت المقدس‪ :‬وأعدّ منبرا‬
‫جديدا للمسجد القصى ولكم المنيّة وافته عام ‪ 569‬ه ‪ 1169 /‬م‪.‬‬

‫صلح الدين وفتح بيت المقدس‬


‫آل ال مر ب عد وفاة نور الد ين إلى كبير رجاله ووال يه على مصجر صلح الد ين اليو بي ‪ ،‬الذي‬
‫مضى على الطريق نفسه لتحقيق الهداف نفسها‪.‬‬
‫نازل الم سلمون ال صليبين حتجى حان الوقجت ‪ ،‬فراحوا يزحفون ن حو القدس يضجم جيشهجم المراء‬
‫والعلماء والفقهاء والصوفيّة بمختلف مذاهبهم وتخصصاتهم ‪ ،‬أمثال‪ :‬موفق بن قدامه وأخوه محمد‬
‫بن قدامه وابن نجا الواعظ‪...‬‬
‫(حاشية‪ :‬جاء في الكتاب ص ‪ 305‬مقتل شاور ‪ 564‬ه ‪ 1169 /‬م ثم وفاة نور الدين عام ‪ 569‬ه ‪ 1169 /‬م وكان‬
‫يجب أن يكون ‪ 1174‬م أرجو التحقق من ذلك‪).‬‬
‫فتح بيت المقدس‬

‫التحجم المسجلمون بالمحتليجن متدافعيجن للجنّة والسجتشهاد ‪ ،‬ثجم دخلوا المدينجة المقدسجّة (ال أكجبر)‬
‫مكبّر ين مهلّل ين ‪ ،‬وتوجّ هت جموع الجماه ير إلى الق صى المحرر ‪ ،‬ونظّفوه ممّا ترا كم ف يه من‬
‫أوساخ الصليبين المحتلين وقاذوراتهم ‪ ،‬وفي أول يوم جمعة أقيمت فيه (امتلً الجامع وسالت لرقّة‬
‫القلوب المدامع)‬
‫وكانت أول خطبة ألقاها ابن الزكي الشافعي‪.‬‬
‫وكان أول واعظ ابن نجا القادري الحنبلي ‪ ...‬وهكذا تكرر الوعظ في الجمعة الثانية ‪...‬‬
‫ن هد فه الن أن يموت‬
‫ويذ كر ا بن شداد أ نّ ال سلطان صلح الد ين ب عد أن ف تح القدس ‪ ،‬أ خبره بأ ّ‬
‫أشرف الميتات ‪ ،‬فلمّا سأله عن كيفية ذلك؟ أجابه‪ :‬أنّه ير غب بأن يركب الب حر ‪ ،‬ويغزو موا طن‬
‫الفرنجة في أوربا لنشر السلم‪!!.‬‬
‫فاتّخجذ الجراءات الولي ّة لسجتئناف الفتوحات السجلميّة ‪ ،‬وكان ل بدّ مجن تعاون دولة الشرق‬
‫(دول ته) ودولة الموحدين في الغرب ‪ ،‬حيث تتلمذ مح مد بن تومرت على يد الشاعرة الشافعيّة ‪،‬‬
‫وقابل الغزالي واستلهم أفكاره‪.‬‬
‫أر سل صلح الد ين إلى سلطان الموحد ين يعقوب بن يو سف بن ع بد المؤ من وفدا برئا سة ع بد‬
‫الرحمن بن منقذ ‪ ،‬وأرسل معه رسالة في هذا المر ‪ ،‬ولم تفد المراسلة لنّها لم تذكر اسم يعقوب‬
‫باسجم "أميجر المؤمنيجن" ‪ ،‬ولم يكتبهجا صجلح الديجن أي عبارة أميجر المؤمنيجن خوفا مجن إغضاب‬
‫العباسيين ‪ ،‬ولقد ذاق الموحدون فيما بعد – نتائج قصر نظرهم‪.‬‬
‫ف سقطت الندلس ‪ ،‬وتعرّض المغرب لهجمات البرتغال وال سبان قرونا ‪ ،‬انت هت باحتلله ومعانا ته‬
‫من الستعمار الوربي حتى العصر الحديث‪.‬‬

‫وفاة السلطان صلح الدين اليوبي‬


‫على أ نّ صلح الدين بعد ذلك سرعان ما ظهر عليه الرهاق الجسدي ‪ ،‬وتناولت جسمه عدد من‬
‫المراض ‪ ،‬إلى أن عاجلتجه المنيّة فجي دمشجق ‪ ،‬حيجث دُفجن إلى جوار نور الديجن عام ‪ 589‬ه ‪،‬‬
‫وبموته توقّف مشروع الفتوحات السلميّة‪.‬‬
‫هذه الستراتيجية التي عملت لمدّة نصف قرن كامل ‪ ،‬هيّأت المجتمع السلميّ لمواجهة الخطار‬
‫ال تي أحا قت به – فكان نور الد ين و صلح الد ين طلي عة جي ٍل مرّ بعمل ية تغي ير ل كل التّجاهات‬
‫ل الضّ عف ‪ ،‬وال ستقرار‬
‫والدارات ‪ ،‬وانت هى ذلك كلّه إلى إحلل الوحدة م حل الفر قة ‪ ،‬والقوّة مح ّ‬
‫بدل الضطراب ‪ ،‬والشعور بالمسؤوليّة بدل النانيّة ‪ ،‬والنتصار بدل الهزائم‪.‬‬

‫دور المرأة المسلمة في الدولة النورية الصلحية‬

‫آتت حركة الصلح والتجديد التي قام بها جناح النساء المسلمات ثمارها ‪ ،‬وأفرزت جيلً من‬
‫النساء أسهم في حركة الجهاد التي قادها كلّ من عماد الدين زنكي وولده نور الدين وصلح‬
‫الدين‪.‬‬
‫ولقد ضمّ جيل الجهاد النسائي نسا ًء من كافة الطبقات ‪ ،‬ابتداء من نساء القيادة حتى نساء الطبقات‬
‫الشعبيّة‪.‬‬
‫من نساء القيادات العليا‪:‬‬

‫‪ -1‬السيدة زمرد خاتون بنت جاولي‪:‬‬


‫عندما مَالَ شمسُ الملوك اسماعيل الفرنج على المسلمين وهمّ بتسليم البلد إليهم ‪ ،‬أمرت غلمانها‬
‫بقتله عام ‪ 529‬ه وأجلست أخاه شهاب الدين محمد الذي قُتل عام ‪ 533‬ه ‪ ،‬فاتصلت بعماد الدين‬
‫وتحالفت معه ثم تزوجته وبعد استشهاده عادت إلى دمشق ‪ ،‬وكرّست أوقاتها للسهام في حركة‬
‫الصلح والتجديد‪.‬‬
‫بنت المدرسة الخاتونيّة غربي دمشق وأوقفتها على الشيخ برهان الدين علي بن محمد البلخي ثم‬
‫دخلت بغداد وسارت من بغداد إلى مكّة ثم أقامت بالمدينة المنّورة حتى مماتها عام ‪ 588‬ه‪.‬‬

‫‪ -2‬السيدة عصمت الدين خاتون بنت معين الدين زوجة نور الدين الزنكي‬
‫فقيهة على مذهب أبي حنيفة ‪ ،‬وبعد وفاة نور الدين تزوجت صلح الدين ‪ ،‬وكانت من أحسن‬
‫النساء وأعفّهن وأكثرهنّ صدقة‪.‬‬
‫‪ -3‬ست الشام زمرد خاتون بنت أيوب شقيقة صلح الدين وزوجة ناصر الدين محمد بن‬
‫شيركوه‬
‫َبنَت مدرستين الولى باسمها والثانية باسم الحساميّة وأقامت مصنفا للدوية وصيدلية كبيرة تزود‬
‫مستشفيات الجيش الصلحي بالعلج والدواء اللزم لجرحى الجهاد‪.‬‬

‫‪ -4‬ربيعة خاتون بنت أيوب الخت الثانية لصلح الدين وزوجة مظفر الدين صاحب اربل‬
‫وصاحب الجهاد العظيم في معركة حطين ‪ ،‬بنت في دمشق المدرسة التي عرفت باسمها وأوقفتها‬
‫على الحنابلة بسفح جبل قاسيون‪ .‬توفيت بدمشق عام ‪ 643‬ه‪.‬‬

‫‪ -5‬وكذلك عذرا بنت شاهنشاه بن أيوب‪:‬‬


‫توفيت في دمشق عام ‪ 593‬ه‪.‬‬

‫‪ -6‬ست العراق بنت أيوب‬


‫أوقفت سنة ‪ 574‬ه بحلب خانقاها بذرب البنات‪.‬‬

‫كذلك سارت نساء عامة رجالت الدولة النوريّة – الصلحيّة على نفس الطريق في المشاركة في‬
‫الصلح والجهاد‪.‬‬

‫من ذلك ما قامت به الشيخة الجليلة أم عبد الكريم فاطمة بنت سعد الخير النصاري‬ ‫‪.1‬‬
‫ولقد تزوجت الداعية المشهور زين الدين علي بن نجا الواعظ ‪ ،‬الذي تخرج من المدرسة‬
‫القادرية وصار مستشار صلح الدين الذي يوصف بالدهاء وحنكة الرأي‪.‬‬
‫ولقد شاركت الشيخة فاطمة زوجها هذا جهاده التربوي والسياسي وتنقلت معه في كل من‬
‫دمشق ومصر حيث ألقت الدروس والمواعظ‪ .‬توفيت عام ‪ 600‬ه‪.‬‬

‫الشيخة الصالحة المسندة عفيفة بنت أحمد الفارفانيّة‬ ‫‪.2‬‬


‫حصلت على إجازات عالية من أصبهان وبغداد حتى وصل عدد الشيوخ الذين درست‬
‫أكثر من خمس مائة شيخ ثم جلست للتدريس وتوفيت عام ‪ 606‬ه‪.‬‬ ‫عليهم‬

‫الشيخة فاطمة بنت محمد بن أحمد المسرقندي‬ ‫‪.3‬‬


‫زوجة الكسائي – لها مؤلفات عديدة ‪ -‬وكانت تفتي وكان زوجها يحترمها ويكرمها‪.‬‬
‫فاضلة محدّثة ذات خط جميل ‪ ،‬وكانت من حسان نساء عصرها‪ .‬توفيت بحلب‪.‬‬ ‫عالمة‬
‫وغيرهن كثير ‪...‬‬
‫وليست هذه النماذج النسائيّة إل عيّنة قليلة لنساء الجهاد والصلح وقد أورد المنذري في كتابه‬
‫"التكملة لوفيات النقلة" عددا وافرا من النساء المسلمات ‪ ...‬في المجلد الول والمجلد الثاني‬
‫المجلد الول‪:‬‬
‫الشيخة نور العين بنت أبي بكر بن أحمد المعروف بابن أبي الديات‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫الشيخة ست الناس زينب ابنة الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن الحسين الصابوني‬ ‫‪.2‬‬
‫الحنبلي‪.‬‬
‫‪.3‬الشيخة ست الدار ابنة الشيخ عبد الرحمن بن علي المعروف بابن البرني‪.‬‬
‫الشيخة شمس النهار بنت أبي البركات بن كامل‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الشريفة فاطمة بنت عبد الواحد بن أبي السعادات أحمد‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫الشيخة بلقيس ابنة سليمان بن أحمد بن الوزير نظام الملك المدعوة خاتون‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫الشيخة تمني بنت عمر بن ابراهيم الطيبي البغدادي‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫الشيخة أسماء بنت محمد بن الحسن بن طاهر الدمشقية‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫الشيخة الصالحة فتون بنت أبي غالب بن سعود بن الحبوس البغدادية‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫الشيخة تمام بنت الحسين بن قنان النباري الواعظ‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫الشيخة زينب ابنة اسماعيل بن عوف القرشية‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫الشيخة عفيفة بنت طارق بن سنان القرشية‪.‬‬ ‫‪.12‬‬
‫الشيخة كمال بنت أحمد بن القاسم‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫الشيخة شمائل ابنة المام موهوب بن أحمد الجواليقي‪.‬‬ ‫‪.14‬‬

‫المجلد الثاني‪:‬‬
‫‪ .1‬الشيخة رحمة بنت محمود بن نصر‪.‬‬
‫الشيخة فاطمة بنت الشيخ عبد الرحمن بن الحسن بن عبد ال الفارسي الصوفي‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الشيخة الصالحة فارس بانويه بنت محمد بن أبرويه‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الشيخة صفية بنت عبد الكريم بن شيخ الشيوخ أبي البركات إسماعيل‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الشيخة محبوبة بنت الشيخ أبي المظفر المبارك بن محمد بن سكينة‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫الشيخة عفيفة بنت الشيخ المبارك بن محمد‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫الشيخة درة بنت عثمان منصور المعروف بابن قيّامة‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫الشيخة صفية بنت أحمد بن محمد بن ملعب البغدادية‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫الشيخة فاطمة بنت عبد ال بن أحمد البغدادي المعروف بابن الطويرة‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫أم الحياة عفيفة ابنة الشيخ محمد بن عبد ال‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫الشيخة الصالحة عاتكة بنت الحافظ الحسن بن أحمد‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫الحاجة أم الفضل زينب ابنة الشيخ الفقيه ابراهيم بن محمد وزوجة الخطيب عبد‬ ‫‪.12‬‬
‫بن زيد الدولعي‪.‬‬ ‫الملك‬

‫تقويم مدارس الصلح والتجديد والمصير الذي انتهت إليه‬

‫نجحجت مدارس الصجلح والتجديجد فجي إخراج جيجل )نور الديجن وصجلح الديجن( الذي اسجتطاع‬
‫مواجهة التحديات الصليبية و"إعادة القدس" لكن هذه المدارس لم تن جح في إمداد المّة الجديدة بما‬
‫يحافجظ على اسجتمرار وحدتهجا ونمائهجا الحضاري ‪ ،‬وانتهجى بهجا التخلف إلى مجا عُرف بالطرق‬
‫الصوفيّة المتمثلة بجماعات الدراويش المختلفة‪.‬‬
‫وقجد ناقجش ابجن تيميّة هذا المصجير السجلبي الذي انتهجت إليجه مدارس الصجلح سجواء فجي "كتاب‬
‫السلوك" أو "كتاب التصوف"‪.‬‬
‫وهو يرى أ نّ البدايات قامت على أصول سليمة تتفق مع القرآن والسنّة ‪ ،‬أما النهايات فقد نسيت‬
‫تلك الصول الشرقية ‪ ،‬فقال "فقد كان قدماء المشايخ أمثال‪ :‬أبي الحسن القرشي وعدي بن مسافر‬
‫اليوبي فيهما من الفضل والدّين والصلح والتّباع للسنّة ماعظّم ال به أقدارهم ورفع منازلهم"‪.‬‬
‫وحينما سُئل ابن تيميّة عن البدع التي أحدثتها الطرق الصوفيّة أجاب‪:‬‬
‫"واتخاذ الضرب بال ّدفّ والغناء والرقص عبادة هو من البدع التي لم يفعلها سلف المّة ول أكابر‬
‫شيوخها‪"...‬‬
‫و في كجل مو ضع ينا قش ا بن تيميّة محدثات الطرق ال صوفيّة ‪ ،‬ين في هذه المحدثات عن الشيوخ‬
‫المؤسسين لمدارس الصلح ‪ ..‬أمثال الشيخ عبد القادر والشيخ عدي والشيخ أبي مدين ‪..‬‬
‫ولكن ابن تيميّة ل يحاول كشف المؤثرات والظروف التي انتهت بمدارس الصلح والتجديد إلى‬
‫المصير الذي آلت إليه ‪،‬‬
‫وهذه نجدها في عوامل ثلثة‪:‬‬
‫نقص الفقه الحركي الذي وجّه نشاطات هذه المدارس‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أثر قيم العصبيات السريّة والقبليّة في تنظيمها القيادي والداري‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أثر سياسات السلطنة المملوكية المفرطة في الظلم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫لقجد اكتفجت هذه المدارس بفقجه الباء الذي يرك ّز على المظهجر الدينجي للعبادة دون‬ ‫‪)1‬‬
‫المظهجر الجتماعجي ‪ ،‬ولم تفرز فقجه الحكمجة اللزم لتنظيجم مؤسجسات السجياسة والدارة‬
‫والقتصجاد وتنظيجم مسجؤوليات العامليجن فيجه ‪ ،‬ولم تطرق الفقجه المتعلق بالمظهجر الكونجي‬
‫للعبادة والمؤدي إلى تطويجر العلوم الطبيعيجة ‪ ،‬وتسجخير تطيبقاتهجا فجي مياديجن الحضارة‬
‫المادية المختلفة ‪ ،‬مما أدّى إلى‪:‬‬
‫‪ .1‬أن ارتدّ جيل البناء إلى تقاليد العصبيّة القبليّة والدم ‪،‬‬
‫‪ .2‬كما أدّى إلى انفجار الفتن بين الملوك وأمراء الجيش‪.‬‬
‫والخلصجة‪ :‬أنّج الجدب فجي الفقجه السجياسي والداري ‪ ،‬أفرز بعجد جيجل صجلح الديجن قيادات‬
‫وإدارات مت سلطة فرديّة ‪ ،‬ارتدّت لتح كم المّة بق يم "القوّة فوق الشري عة" و"الفرد ية بدل الع مل‬
‫الجماعي" ‪ ،‬و"التسلط بدل الشورى" ‪ ،‬و"الرتجال بدل التخطيط"‪.‬‬

‫أمّا عن أثر العصبيّة السريّة ‪ ،‬فإنّها تسللت إلى مدارس الصلح نفسها ‪ ،‬فقد استلم‬ ‫‪)2‬‬
‫ججة‬
‫ججة والدينيّج‬
‫البناء والحفاد قيادات هذه المدارس ‪ ،‬دون أن يملكوا المؤهلت العلميّج‬
‫والخلقيّة التي كانت لبائهم‪.‬‬
‫و قد أدّى الر عب الذي أشاع ته سياسات ال سلطنة المملوك ية المفر طة في الظلم ‪ ،‬إلى‬ ‫‪)3‬‬
‫انتحار المعار ضة ال سياسيّة اجتماعيا ‪ ،‬واغتراب ها في عالم الرؤى والت صورات ‪ ،‬فظهرت‬
‫الخوارق والكرامات والمبالغات‪.‬‬
‫وكان هذا النتحار الجتماعي تطورا متخلفا للمعارضة السلبية التي قادها الشيوخ المؤسسون‬
‫ضجد مجن أسجموهم "بالسجلطين الظلمجة" وحلفائهجم مجن "علماء السجوء" و"فقهاء الدنيجا" وهجي‬
‫المعارضة التي قلنا‪ :‬أنّها تشبه ما يسمّى بالعصيان المدني في الوقت الحاضر‪.‬‬

‫ماذا أفرزت هذه المعارضة السلبيّة – أو النتحار الجتماعي؟‬


‫‪ -1‬فيض من المصطلحات‪ :‬دولة الباطن ‪ ،‬دولة الظاهر ‪ ،‬الشيخ ‪ ،‬سلطان الوقت والمتصرف‬
‫في الزمان ‪ ،‬وصاحب الفتح السنّي ‪ ،‬والمتمكن من الحوال ‪،‬‬
‫فالشيخ عبد القادر‪ :‬سلطان الولياء ‪ ،‬والشيخ أحمد الرفاعي سلطان العارفين ‪ ،‬وآخر سلطان‬
‫العلماء ‪ ،‬وملوك وسلطين الدنيا حكّام على الجساد‪.‬‬
‫‪ -2‬أفرغت بعض المصطلحات‪" :‬القطب البدال الوتاد ‪ ...‬من مضامينها الداريّة والتنظيميّة‬
‫‪ ،‬وحلّ محلّها مضامين خوارقيّة خياليّة ‪ ،‬تجسّد المال المحبطة لدى المنتحرين اجتماعيا‪.‬‬
‫ن ظاهرة المقولت الخوارقيّة والكرامات المعجزة ‪ ،‬ليست مجرد بدع وضللت ومبالغات ‪،‬‬
‫إ ّ‬
‫وإنّمجا هجي بمقياس المنهجج التحليلي التشخيصجي‪ :‬إسجقاطات نفسجية لمعارضجة سجياسيّة شعبيّة‬
‫مفرطة في السلبيّة ‪ ،‬يئست من عدالة الواقع ‪ ،‬فارتدّت تبحث عنها في دنيا الخيالت والرؤى‪.‬‬
‫فالنت صارات الع سكريّة‪ :‬ل ها ظا هر وبا طن ‪ ،‬ظا هر مثلت ف يه قيادات ال سلطنة الع سكريّة –‬
‫الدنيويّجة فجي "دولة الظاهجر" ‪ ،‬دور القفازات والدوات التجي اسجتعملتها القيادات الروحيّجة‬
‫الخوارقيّة في "دولة البا طن" و من أمثلة ذلك الروا ية ال تي تقول‪ :‬إ نّ ان سحاب إحدى زحوف‬
‫المغول ‪ ،‬إنّما كان بسبب "باطن" التوجيه الروحي الذي مارسه "سلطين الوقت وشيوخ الوقت‬
‫وشيوخ العصجر" وروايجة ثانيجة تتحدث عجن انتصجار عسجكري ضجد الصجليبين ‪ ،‬وأخرى ضجد‬
‫الفرنج ‪ ، ..‬وهكذا دفع الظلم عامّة الجماهير من المتصوفة والدراويش إلى الغتراب النفسي‬
‫بحثا عجن العدل الجتماعجي ‪ ،‬ومسجاعدات الغاثجة التجي يقدمّهجا "السجلطين الروحيّون" ‪ ،‬بدل‬
‫المقاومة والمطالبة بالعدل وتساوي الفرص‪.‬‬

‫كيف نعالج المظاهر السلبية لظاهرة الطرق الصوفيّة؟‬


‫ل قد أح سّ ا بن تيميّة بال سباب الرئي سية لظوا هر النحراف والغتراب في المجت مع ال سلمي‬
‫الذي عاصره ‪ ،‬وأدانها ‪ ،‬ولكن هذا ل يكفي‪.‬‬
‫وعلى المجتمعات ال سلميّة الن أن تتجاوز "ال حس" الذي انت هى إل يه ا بن تيميّة ‪ ،‬إلى در جة‬
‫"الوعي" الذي يشخص ظاهرة الطرق الصوفيّة ‪ ،‬ويعالج بدعها وضللتها ‪ ،‬بتجفيف المسببات‬
‫الرئي سية ل ها‪ :‬بدواء العدل ‪ ،‬وتوز يع الثروات ‪ ،‬و صيانة الحريات ‪ ،‬بدل التعا مل مع ها بمن هج‬
‫المحاكمة والدانة الذي يدين "الضحية" ويتجاهل "الجاني"‪.‬‬
‫إنّج ثمرات هذا الوعجي سجتؤدّي إلى بروز ثقافجة إسجلميّة أصجيلة‪ ،‬تسجتبدل التفكيجر الخوارقجي‬
‫بالتفكير السنني – القانوني ‪ ،‬وسوف تطرح مفهوما مؤصلً للكرامة والمعجزة يتطابق مع ما‬
‫توجّه إل يه ال ية الكري مة‪" :‬ول قد كرّم نا ب ني آدم وحملنا هم في الب ّر والب حر ورزقنا هم من‬
‫الطيّبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلً" ‪ ،‬السراء‪.‬‬
‫ف "الكرامة" تقوم على الجتماع البشري حين يتعامل الناس بنعم ال في البرّ والبحر بما يرضي‬
‫ال ‪ ،‬و"المعجزة" تتمثل في القوان ين وال سنن التي يكشفها العالم في الفاق والن فس ‪ ،‬وتتجسد‬
‫تطبيقاتها في تكنولوجيا تحولها التربيّة الصحيحة إلى شواهد وآيات ‪ ،‬تحقق في النسان قوله‬
‫تعالى على لسان ابراهيم عليه السلم "لعلهم يشكرون"‪.‬‬
‫وعندهجا سجوف تنزل الجماهيجر الواعيجة إلى سجاحات الحياة الواقعيجة لتقول للظالم‪ :‬يجا ظالم !!‬
‫وللمحتكر‪ :‬يامحتكر؟! وبذلك تحقق مراد ال ورسوله في المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫واليمان بال!!‬

‫الباب السادس‪ :‬قوانين تاريخية وتطبيقات معاصرة‬

‫ن التار يخ يع يد نف سه ‪ ،‬فالتطور – أو ال ستمرارية – سنة من سنن ال‬


‫ل ست من المؤمن ين بأ ّ‬
‫ن في التاريخ عبرة ‪ ،‬فالتاريخ يقدّم لنا‬
‫الكون "كلّ يوم هو في شأن" ‪ ،‬ولست من المؤمنين بأ ّ‬
‫ن السباب التي أودت بأم مٍ سابقة تكررّت لتودي بأم مٍ لحقة ‪ ،‬دون‬
‫العديد من المثلة ‪ ،‬على أ ّ‬
‫ن أهدى من‬
‫أن تتعلم منها شيئا‪ .‬قال تعالى‪" :‬وأقسموا بال جهد إيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونُ ّ‬
‫إحدى المم فلمّا جاءهم نذير مازادهم إلّ نفورا "‪.‬‬
‫ولكن في التاريخ قوانين تحكم الحداث والظواهر وتوجهها الوجهة التي يقضيها منطق القانون‬
‫ن علماؤه كثير خطباؤه قليل ‪ ،‬من ترك‬
‫‪ ،‬والرسول صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬إنّكم في زما ٍ‬
‫فيه عشر ما يعلم هوى أو قال هلك‪ .‬وسيأتي على النّاس زما نٌ يق ّل علماؤه ويكثر خطباؤه من‬
‫تمسك فيه بعشر ما يعلم نجا"‪.‬‬
‫ولقد رأينا كيف تغلب (فقه) الرسول صلى ال عليه وسلم على (خطابة) أبي جهل ‪ ،‬وفي عام‬
‫‪ 1967‬طبّقجت إسجرائيل شيئا مجن فقجه الرسجول‪ :‬المثجل العلى – توحيجد الصجفوف – العداد‬
‫والنتفاع بالمقدرات‪ .‬وفي المقابل طبّق العرب ارتجالية أبي جهل ‪ ،‬فحرموا أمّتهم من "المثل‬
‫العلى" وتركوهجا بل روابجط ‪ ، ..‬وحينمجا انطلق صجوت النذيجر ‪ ،‬واسجتنفروا المغنيجن‬
‫َنج وراء‬
‫والمغنيات ‪ ،‬وألقوا خطبا ناري ّة قالوا فيهجا‪" :‬وال ل نرججع حتجى نهزم إسجرائيل َوم ْ‬
‫إسرائيل وندخل تل أبيب وتغنينا أم كلثوم"‪.‬‬
‫فما هي هذه القوانين؟!‬
‫القانون الول‪:‬‬
‫ن صحة المجتمعات ومرضها أساسهما صحة الفكر أو مرضه ‪ ،‬وهو ما تضمّنه قوله تعالى‪:‬‬
‫إّ‬
‫"إنّ ال ل يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم"‪.‬‬
‫وحين يكون الولء (للشخاص) هو المحور ‪ ،‬وتدور "الفكار والشياء" في فلك "الشخاص" ‪،‬‬
‫ن ال سمة الغال بة للمجت مع ت صبح هيم نة م حبي الجاه والنفوذ وأ صحاب القوّة ‪ ،‬لذا ي جب أن‬
‫فإ ّ‬
‫يكون الولء "للفكار" فهجو المحور الذي يتمركجز حوله سجلوك الفراد وعلقاتهجم وسجياسات‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫القانون الثاني‪:‬‬
‫ح ين تف شل جم يع محاولت ال صلح ‪ ،‬وتتحوّل الجهود المبذولة إلى سلسلة من الحباطات‬
‫والنتكاسجات المتلحقجة ‪ ،‬فإنّج المطلوب‪ :‬هجو القيام بمراجعجة تربويّة شاملة جريئة وصجريحة‬
‫ل الموروثات الثقافيّة ال تي تلي ن صوص القرآن‬
‫وفاعلة ‪ ،‬يكون من نتائج ها إعادة الن ظر في ك ّ‬
‫والحديجث الصجحيح ‪ ،‬وإعادة النظجر فجي كلّ العمليجة التربويّة ‪ ،‬ابتداء مجن فلسجفة التربي ّة ‪،‬‬
‫ومرورا بأهدافها ومناهجها ‪ ،‬وطرائقها ‪ ،‬ومؤسساتها ‪ ،‬وإداراتها ‪ ،‬والمربين ‪ ،‬العاملين فيها ‪،‬‬
‫حتّى النتهاء إلى تطبيقاتها ال سياسيّة والجتماعيّة والداريّة‪ .‬والوا قع أنّه ما كا نت لتبرز تلك‬
‫النجازات التاريخ ية المشر قة ال تي قام ب ها ج يل صلح الد ين لول تلك "التو بة الن صوح" في‬
‫الفكر والقيم والسلوك ‪ ،‬التي قام بها طلئع الصلح ورواده ‪ ،‬ونحن الن بأم سّ الحاجة إلى‬
‫مثل تلك التوبة النصوح‪.‬‬

‫القانون الثالث‪:‬‬
‫ل أ نّ‬
‫ن السلم هو العلج المؤدي إلى صحة المجتمعات وقيام الراقي من الحضارات ‪ ،‬إ ّ‬
‫مع أ ّ‬
‫السجلم ل يؤدي هذا الدور الحضاري ‪ ،‬إلّ إذا تولّى "فقهجه" "أولو اللباب" النيّرة والرادات‬
‫العازمجة النجبيلة ‪ ،‬وهذا مجا أشار إليجه القرآن الكريجم فجي مواضجع كثيرة ‪ ,‬وهذا مجا أشار إليجه‬
‫ن اجتم عت ف يه خ صلتان‪ :‬الع قل والن سك ‪ ،‬فإن‬
‫الش عبي ح ين قال‪" :‬إنّ ما كان يطلب هذا العلم م ْ‬
‫ل ولم يكن ناسكا لم يطلبه ‪ ،‬فإ نّ هذا المر ل يناله إلّ‬
‫ن كان عاق ً‬
‫ن ناسكا ولم يكن عاقلً وإ ْ‬
‫كا ْ‬
‫النساك العقلء ‪ ،‬والن يطلبه من ليس فيه واحدة منهما ل عقل ول نسك" ؟!!‬

‫إنّ المشكلة في العالم السلمي والعالم الثالث تتمثل في‪:‬‬


‫ل جيجل عجن مؤسجسات العداد للقيادة الفكريّجة‬
‫إقصجاء الموهوبيجن الذكياء مجن ك ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫والسجياسيّة والعسجكريّة والقتصجاديّة ‪ ،‬ثجم بعثرة أولئك الموهوبيجن وإهدارهجم بوسجيلتين‪:‬‬
‫و سيلة داخل ية‪ :‬ح ين تتضا فر أغلل الثقا فة الخاطئة ‪ ،‬والتراث ال سلبي لعا قة ق سم كبير‬
‫من الذكياء الموهوب ين عن تح مل م سؤولياتهم القياد ية ‪ ،‬واغت صاب أدورا هم وت سليمها‬
‫للغبياء الذين يفسدون ول يصلحون‪.‬‬
‫وو سيلة خارج ية‪ :‬تمار سها المؤ سسات الجنب ية ت حت عناو ين المعونات الثقاف ية ‪ ،‬ح يث‬
‫تنصجح بفرز النخبجة الذكيجة مجن كلّ جيجل ‪ ،‬ثجم يجري تهجيرهجا إلى الخارج والقطار‬
‫ال صناعيّة المتقد مة ‪ ،‬عن طر يق البعثات الدرا سيّة ال تي تقدم ها الشركات الجنبيّة ح سب‬
‫حاجاتها في الخبرات الصناعيّة والتقنيّة ‪ ،‬التي تفرزها خططها التنموية ‪ ،‬أو عن طريق‬
‫التهجيجر القسجري ‪ ،‬أو التهجيجر الطوعجي تحجت تأثيجر القيجم الجديدة التجي ترفجع مكانجة‬
‫الدارسين والعلماء في العالم المتقدم‪.‬‬
‫والتو جه القرآ ني في كل دعوة للخ ير أو ح ضّ على النجاز والع مل ال صالح إنّ ما هو‬
‫لولي اللباب أو قوم يعقلون ‪ ،‬ك ما أ نّ التند يد القرآ ني ب كل وقوع في ال شر ‪ ،‬أو اقتراف‬
‫للشح والعمل السيء ‪ ،‬إنّما هو للذين لهم قلوب ل يفقهون بها وآذان ل يحسنون الستماع‬
‫بها ‪ ،‬وأعين ل يحسنون الملحظة والبصار بها‪.‬‬

‫القانون الرابع‪:‬‬
‫مع أ نّ الدين السلمي هو "الدين الصحيح" بين الديان المعاصرة ‪ ،‬إنّه هو منهاج الحياة‬
‫الراشدة الهانئة فجي الدنيجا والخرة ‪ ،‬إلّ أنّجه ل يقود إلى هذا النوع مجن الحياة إلّ إذا‬
‫أحكمت خطوات عرضه وتطبيقه حسب نظام خاص ومنهجية معينة‪.‬‬
‫ن يبدأ الترك يز على العن صر الول من الشري عة ال سلميّة‬
‫وأول عنا صر هذا النظام ‪ ،‬أ ْ‬
‫وهو "القيم" قبل تطبيق العنصر الثاني "الحدود" وأ نْ يجري تنمية هذه القيم المذكورة في‬
‫ن يطالبوا غيرهم بها ‪ ،‬والقرآن الكريم يجعل ذلك كلّه شرطا في‬
‫حياة الداعين إلها قبل أ ْ‬
‫النجاح والمثوبة‪.‬‬

‫القانون الخامس‪:‬‬
‫تتحقق قوة المجتمعات من خلل نضج وتكامل عناصر القوة كلّها في دائرة فاعلة وتناسق‬
‫صحيح ‪ ،‬وهذه العناصر هي‪" :‬المعرفة والثروة والقدرة القتالية"‪.‬‬
‫وتتج سد المعر فة في العلماء المتخ صصين وال خبراء والثروة في القت صاديّين ‪ ،‬ورجال‬
‫العمال والغنياء ‪ ،‬بينما تتجسد القدرة القتالية في الجند والقادة العسكريّين ‪ ،‬ويجب أن‬
‫تكون القدرة القتالية والثروة في فلك المعرفة ‪ ،‬لتكون السياسة الحكيمة والقيادة الناجحة ‪،‬‬
‫كمجا فجي أميركجا وإسجرائيل‪ .‬وفجي البلد العربيجة والسجلميّة انتكسجت – مجن زمجن –‬
‫المؤسجسات التجي تخرّج وتوظّفج المفكري ّن والفقهاء الذيجن يحسجنون اكتشاف وتطجبيق‬
‫القوانين التي تحكم الجتماع والثقافة التربية والسياسة والقتصاد‪.‬‬
‫عن ابن مسعود عن الرسول صلى ال عليه وسلم "في آخر الزمان يكثر الخطباء ويقلّ‬
‫الفقهاء"‪.‬‬

‫القانون السادس‪:‬‬
‫ما لم يتزاوج الخلص مع ال ستراتيجية ال صائبة في تعبئة الموارد والقوى البشر ية في‬
‫ن جميع الجهود والطاقات سوف تذهب هدرا على مذابح الصراعات الداخلية ‪،‬‬
‫المّة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫وتؤول إلى الفلس‪ .‬ويتجسجد هذا القانون مجن خلل نوعيجن مجن المؤسجسات‪ :‬مؤسجسات‬
‫تربويّجة كالمدارس والجامعات ‪ ،‬ومؤسجسات تخطيجط وتنفيجذ كالحزاب والجماعات ‪،‬‬
‫وتتكا مل المؤ سسات التربويّة والفكريّة مع مؤ سسات التخط يط والتنف يذ تكاملً محكما ‪،‬‬
‫بحيث يؤدي غياب إحداها إلى فساد عمل الخرى‪.‬‬
‫فإنج محاولت العلج للواقجع الذي تعيشجه الحركات والجماعات السجلميّة وغيجر‬
‫ولذلك ّ‬
‫ال سلميّة ‪ ،‬تحتاج بش كل مُل حّ لن ت ضع في ق مة أولويات ها "إفراز المؤ سسات التربويّة‬
‫والفكريّة" ‪ ،‬التي تبدأ من رياض الطفال حتى آخر مراحل التعليم الجامعي ‪ ،‬بغية إخراج‬
‫"فقهاء" راسجخين فجي مياديجن الفكجر والسجياسة والجتماع والقتصجاد والعسجكريّة وسجائر‬
‫مياد ين الحياة محيط ين بعنا صر القوة الثل ثة‪ :‬القوة والمعر فة والقوة القتاليّة ‪ ،‬وبأ ساليب‬
‫تكاملهجا وبنائهجا بغيجة إحلل الفقهاء المنشوديجن محجل الخطباء القائميجن ‪ ،‬وذلك لتحليجل‬
‫المشكلت ‪ ،‬ودراسجة التحديات ‪ ,‬وأن تبحجث كذلك عجن الموهوبيجن مجن الجيال الناشئة‬
‫وتنميجة مواهبهجم ‪ ،‬ورعايتهجا حتجى تجبرز القيادات الحكيمجة ‪ ،‬التجي ترشجد الجماعات‬
‫والحزاب وتو صل الج سور المهدو مة بين ها ‪ ،‬وتي سر ل صفوفها أن تجت مع ولفكار ها أن‬
‫تتلقجى ‪ ،‬ولقلوبهجا أن تتآلف ‪ ،‬ثجم تنظجم العلقات بيجن جميجع الطراف فجي إطار المّة‬
‫ن العمل إن كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل" وأضيف هنا أنّ العمل إن لم‬
‫الواحدة ‪" ،‬إ ّ‬
‫يكن خالصا وصوابا لم يثمر‪.‬‬

‫القانون السابع‪:‬‬
‫إ نْ لم ي قم ال صلح على التدرج التخ صص وتوز يع الدوار ‪ ،‬ف سوف ينت هي إلى الف شل‬
‫والحباط المدمّر ‪،‬‬
‫ن النهضات وحركات الصلح الناجحة تمرّ بثلث مراحل‪:‬‬
‫وأهمية التدرج أ ّ‬

‫المرحلة الولى‪:‬‬ ‫‪)1‬‬


‫مرحلة النتقال مجن الغياب إلى الحجس الجتما عي و هي المرحلة ال تي يشيجر إليهجا‬
‫عند قوله تعالى‪" :‬أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في‬ ‫القرآن‬
‫الناس" وفجي هذه المرحلة نحتاج إلى العودة للماضجي للتعرف على هويتهجا بعجد الضياع‬
‫في متاهات القبلية والطائفية والقليمية‪ .‬ثم تبدأ‬

‫المرحلة الثانية‪:‬‬ ‫‪)2‬‬


‫مرحلة النتقال من الحس إلى الوعي الجتماعي ‪ ،‬ول بدّ فيها من تضافر القوى‬
‫الثلث‪" :‬المعرفة – القوة – القدرة القتالية"‬
‫وإذا بلغت المرحلة الثانية حالة النضج ‪ ،‬قامت الحاجة إلى‬

‫المرحلة الثالثة‪:‬‬ ‫‪)3‬‬


‫مرحلة النتقال من الوعي إلى التطبيق‪ .‬وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم باقتران‬
‫اليمان بالعمجل الصجالح ‪ ،‬وذلك لتوفيجر السجتراتيجيات والوسجائل اللزمجة لدفجع مسجيرة‬
‫الحاضجر عجبر المسجتقبل ‪ ،‬وتكشجف تجربجة جيجل نور الديجن وصجلح الديجن عجن عمجق‬
‫التدرج والتخصص ‪،‬‬
‫فقد مرّت بثلثة أطوار‪:‬‬
‫الطور الول‪ :‬مرحلة الجهاد التربويججّ أو التغييججر الفكريججّ (جهود المدارس‬
‫الصلحيّة)‪.‬‬
‫الطور الثاني‪ :‬مرحلة الجهاد التنظيمي ‪ ،‬وبناء المهجر الجديد الذي جسدته الدولة‬
‫الزنكية ‪ ،‬وقاد العمل فيه نور الدين وأترابه‪.‬‬
‫والطور الثالث والخيجر‪ :‬هجو مرحلة الجهاد العسجكريّ ‪ ،‬الذي قاد مياديجن العمجل‬
‫صلح الدين وأصحابه‪.‬‬ ‫فيه‬

‫القانون الثامن‪:‬‬
‫إذا لم تترجم "أفكار" الصلح والوحدة إلى "أعمال وتطبيقات صائبة" ‪ ،‬فسوف تعمل هذه‬
‫الفكار على زيادة ضعف المجتمع وتعميق التخريب فيه ‪ ،‬يتسارع كتسارع النشطارات‬
‫النووية التي ل تتوقف عند حد‪.‬‬
‫وتكاد أحداث القرن الحالي الذي تعي شه القطار العرب ية وال سلميّة أن تكون سلسلة من‬
‫الت طبيقات العمل ية لهذا القانون ‪ ،‬فهذه القطار تع يش هذا التنا قض ب ين الف كر والع مل ‪،‬‬
‫وتتوالى فيهجا سجلسلت النفجارات الفكريّة ‪ ،‬وتسجارع التصجدع والتخريجب فجي جميجع‬
‫المياد ين ال سياسيّة والجتماع ية والقت صاديّة والعقائد ية ‪ ،‬ول قد صاحب تدم ير المّة هذا‬
‫وتفكيجك تاريخهجا المشترك تدميرٌ لشخصجيّة الفرد نفسجه ‪ ،‬وذلك مجن خلل السجتهانة‬
‫بإنسانيته وكرامته ‪ ،‬وتدمير حريته‪.‬‬

‫القانون التاسع‪:‬‬
‫"فجي ا ستراتيجات الصجلح والتجديجد يتناسجب مقدار النجاح بقدر مراعاة قوان ين ال من‬
‫الجغرافي"‪.‬‬
‫ومع نى هذا أ نّ كل وحدة من الوحدات الجغراف ية الرئي سة في الكرة الرض ية تنق سم إلى‬
‫أقسجام تمارس قانون التخصجص والتكامجل فهناك مناطجق الحتكاك مجع الخارج وهجي‪:‬‬
‫موانججئ تصججدير الحضارة خلل فترات القوّة ‪ ،‬ومعابر تسججلّل الغزاة خلل فترات‬
‫الضعف ‪ ،‬وهناك العمق الجغرافي وهو مركز التفاعل الجتماعي بجميع أشكاله‪.‬‬
‫والتخطيط السليم يراعي هذا التخصص والتنوع في الستراتيجات العامّة ‪ ،‬والمم التي‬
‫ل تربض على بقعة تتوافر فيها هذه التخصصات ‪ ،‬تتحالف مع غيرها من المم من أجل‬
‫غايات التكا مل والتعاون ‪ ،‬والف قه ال سلمي ق سّم دار ال سلم إلى "حوا ضر" وإلى "ثغور‬
‫ورباط"‪.‬‬
‫ن المنطقة الحساسة في‬
‫وعندما نطبق هذا القانون على العالم العربي والسلمي ‪ ،‬نجد أ ّ‬
‫مناطجق الثغور والرباط كانجت دائما بلد الشام ‪ ،‬وحيجن نزلت الرسجالة السجلميّة جعلت‬
‫"البيجت الحرام" حاضرة الهدايجة ‪ ،‬و"المسججد القصجى" ثغجر الرباط ‪ ،‬واشترطجت فجي‬
‫ن انحرفت هذه الجماعة عن‬
‫الجماعة التي تقيم في هذا الثغر مواصفات إيمانية معينة ‪ ،‬فإ ْ‬
‫هذه المواصجفات ‪ ،‬بعجث ال عليهجا عبادا له أولي بأس شديجد ‪ ،‬فجاسجوا خلل الديار ‪،‬‬
‫ودمروا أعراض الدّنيا التي ألهتها عن رسالتها تدميرا‪.‬‬
‫أنج بلد الشام "رباط"‬
‫والرسجول صجلى ال عليجه وجّه لذلك ‪ ،‬وقرر فجي أحاديجث عديدة ّ‬
‫المجاهد ين ‪ ،‬وأ نّ أهل الشام في جهاد دائم إلى قيام ال ساعة ‪ ،‬وهذا التوجيه النّبوي يم كن‬
‫ربطه بتوجيه نبوي آخر هو قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"فارس نطحة أو نطحتان ثم ل فارس بعد هذا ‪ ،‬والروم ذات القرون كلّما هلك قرن خلفه‬
‫قرن ‪ ،‬أهل صبر وأهله أهل لخر الدهر ‪ ،‬هم أصحابكم ما دام في العيش خير"‪ .‬وفي‬
‫حديث آخر قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم مع الساعة" ‪,‬‬
‫والناظر في هذا التوجيه النّبوي يلحظ أمريْن‪:‬‬
‫الول‪ :‬قوة الرتباط ب ين ما ذكرناه حول موقع بلد الشام كرباط دائم للمجاهد ين إلى يوم‬
‫القيامجة‪ ،‬وبيجن اسجتمرار المواجهجة مجع الغرب "الروم" فالغرب هجو التحدي الكجبر لدار‬
‫السلم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬هو إيجابية النظر في تحدي الغرب رغم عناده واستمراره "فهم أصحابكم ما دام‬
‫في العيش خير" ‪ ،‬ولع ّ‬
‫ل العيش المقصود هنا هو أسلوب الحياة في المجتمع السلمي ‪،‬‬
‫فما دام هذا المجتمع يلتزم منهج ال في العيش وفي توفير أسباب المنعة ‪ ،‬فسوف يقدّر‬
‫سعَون لمصاحبة أهله ‪ ,‬أمّا عندما ينتكس هذا المنهج في‬
‫الغربيون الخير في هذا المنهج و َي ْ‬
‫حياة المسلمين ‪ ،‬فسوف يُنظر إليهم نظرة استخفاف ‪ ,‬ويعاملونهم بما يستحقون‪.‬‬
‫وحسم المواجهة مع الغرب‪ :‬بإعداد ما يستطاع من قوة ‪ ،‬وحسن عرض السلم بالفكر‬
‫والتطبيق ‪ ،‬وهو ما يتفق مع مستوى التفكير الغربي ‪ ،‬الذي يتمتع بكثير من الخصائص‬
‫ن مفهوم المّة‬
‫اليجابية في هذا الميدان ‪ ،‬وإذا كان مفهوم السرة قد انهار في الغرب ‪ ,‬فإ ّ‬
‫قد انهار عندنا ‪ ,‬وأنّه إذا كانت نقطة الضعف في الغرب هي "ضعف المناعة الجتماعية"‬
‫‪ ،‬فإ نّ نقطة الضعف عندنا هي "ضعف المناعة السياسيّة" ‪ ,‬وقابليّة التفتت إلى عصبيّات‬
‫وإقليميّات وهو ما أشار إليه الحديث النبوي‪.‬‬
‫ب فيجه روافجد العالم السجلمي‬
‫أنج بلد الشام هجي الحوض الذي تصج ّ‬
‫نخلص مجن ذلك ّ‬
‫والعربجي حضاريا واجتماعيا ‪ ،‬و هي الرباط الذي تتج مع على ساحاته الطاقات المتدف قة‬
‫من العالم السلميّ كله ‪ ،‬وأنّه ما لم يحافظ على منعة هذا الرباط وذلك بتوحيده وتقويته‬
‫وإقامة الحياة الراشدة فيه ‪ ،‬فسوف يكون الثغرة التي تنفذ منها الخطار ‪ ،‬وسوف تذهب‬
‫الروا فد والطاقات ال تي ترِد من العالم العر بي وال سلمي هدرا ‪ ،‬ثم ترتدّ إلى م صادرها‬
‫شؤما ومآ سيَ ‪ ،‬و سوف ي صاب باعثو ها بالحباط ‪ ،‬وتؤول جهود هم إلى النطواء على‬
‫النفجس والتقوقجع إلى الوراء ‪ ،‬وفجي العصجر الحديجث ‪ ،‬جرت تطجبيقات جديدة لهذا المبدأ‬
‫الجغرا في ‪ ،‬ولكنّ ها ذات طا بع سلبي ‪ ،‬فح ين أرادت قوى ال ستعمار وال صهيونية توف ير‬
‫أسباب النجاح لقيام إسرائيل وقوتها ‪ ،‬جرى التخطيط والتنفيذ لتجزئة بلد الشام وإعادتها‬
‫ِبج الميدان الشامجي‬
‫خر َ‬‫إلى الوضجع الذي مهجد لنجاح الحملت الصجليبية الولى ‪ ،‬حيجن ُ‬
‫بمعاول الطائفيّة والمذهبيّة والتجزئة السياسيّة‪.‬‬
‫ولقد أوضح هذه المؤامرة "الضابط البريطاني لورنس" صديق العرب؟!!‬
‫عطَوا وعد بلفور عام ‪1906‬م وليس في عام ‪1917‬‬
‫ن المخططين الستعماريين أ ْ‬
‫وذلك أ ّ‬
‫كما هو مشهور ‪ ،‬حين قرورا أنّه من الشروط التي يجب توفيرها لتحقيق هذا الوعد هو‬
‫تقسيم بلد الشام إلى دويلت ضعيفة ‪ ،‬تشكل جدرا واقية لسرائيل من الشرق والشمال ‪،‬‬
‫ح تى يكت مل قيام إ سرائيل على رق عة فل سطين كاملةً ‪ ،‬ثم تبتلع هذه الدويلت واحدة ب عد‬
‫الخرى ‪،‬‬
‫ن المسلمين سيقاتلون اليهود في بلد الشام ‪ ،‬ويقتلونهم‬
‫وإذا كانت البشرى النبوية تقرر أ ّ‬
‫ح تى يقول الش جر والح جر‪ :‬يا م سلم ! يا ع بد ال ! هذا يهودي خل في تعال فاقتله ‪ ،‬فإ نّ‬
‫تحقيجق هذا البشرى يتطلب مقدمات مجن العداد ‪ ،‬وتوفيجر السجباب‪ .‬وأهجم هذه السجباب‬
‫هي توحيد بلد الشام ‪ ،‬وإعادة الصفاء السلمي إليها ‪ ،‬وتوفير المنعة وحشد الطاقات –‬
‫كما فعل جيش نور الدين الزنكي وصلح الدين اليوبي‪.‬‬
‫هذا يعني أنّه إذا كانت بلد الشام هي رباط المجاهدين الفاتحين المدافعين ‪ ،‬و"الثغر" الذي‬
‫يتسجلل منجه الغزاة فإن "الهلل المنجي" المكوّن مجن بلد الشام ومصجر وشمال افريقيجا‬
‫وإضا فة ترك يا إن أم كن ‪ ،‬هو رباط المهاجم ين الفاتح ين ‪ ،‬أمّا ما وراء ذلك من الع مق‬
‫الجغرافي فهو مركز التفاعل السلمي ومركز المداد وروافد القوة‪.‬‬
‫وأخيرا هذه نماذج للقوانيجن التاريخيجة التجي يججب أن تعززهجا هذه الدراسجة التاريخيجة ‪،‬‬
‫وتظلّ الحا جة الملحّة قائ مة إلى ال ستراتيجية ال صائبة ال تي تنت قي المئات واللوف من‬
‫أولي اللباب ‪ ،‬ممن يكونون من أوائل الصفوف الدراسيّة ‪ ،‬ويحصلون على مايزيد عن‬
‫خمس ٍة وتسعين بالمئة في امتحان الثانوية ‪ ،‬ثم يجري إعدادهم وتربيتهم ليكونوا‪ :‬فريقيْن‪:‬‬
‫فريجق يتسجلم القيادة الفكري ّة ويتجمجع فجي مراكجز الدراسجات والبحوث ‪ ،‬ليتفكروا فجي‬
‫مشكلت العالم السجلمي ويبصجروا قوانيجن ال فجي بناء المجتمعات وهدمهجا ‪ ،‬وفريجق‬
‫يتسلم القيادة السياسيّة ‪ ،‬ويحوّل هذه القوانين إلى سياسات وخطط واستراتيجيات ‪ ،‬وبذلك‬
‫تتكامل الطاقات والمؤسسات ويظهر جيل صلح الدين الجديد وتعود القدس‪.‬‬

‫إن شاء الله‬

You might also like