You are on page 1of 18

‫نشأة الممالك والدويلت السلمية في أفريقيا ممالك وسلطنات الطــراز الســلمي‬

‫في شرق إفريقيا‬


‫‪:‬‬ ‫الكاتب‬
‫*علي السماني‬
‫دمة‬‫مق ّ‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله‪ ...‬وبعد‪:‬‬
‫يحاول هذا البحث أن يطرح عرضا ً لنشأة الممالك والسلطنات السلمية في إفريقيا بالتصويب على‬
‫منطقة شرق إفريقيا فيما اصطلح على تسميته بالقرن الفريقي‪ ،‬وعلى وجه الخصوص ممالك الطراز‬
‫السلمي مع اصطحاب بعض الممالك والسلطنات ذات الصلة الوصفية والجغرافية بممالك الطراز‬
‫السلمي من حيث الدين والتوجه الحضاري العام‪.‬‬
‫إن قلة النصوص التاريخية التي بين أيدينا ل تكاد تعطينا صورة متكاملة ذات بيانات دقيقة ومصداقية‬
‫عالية عن نشأة كل مملكة أو سلطنة على حدة في تسلسل للحداث والحوادث والمؤثرات من المنشأ‬
‫إلى النهاية‪ ،‬كما أن المصادر التي بين أيدينا على ندرتها‪ ،‬إل أنها تتجه إلى السرد السياسي والعسكري‪،‬‬
‫وظهور السلطين وذهابهم دون النظر في الجوانب الحضارية والمجتمعية والنسانية‪ .‬لكل ذلك ل‬
‫تكتمل الصورة بمجموع المعطيات والدللت الزمانية والمكانية في هذه الفترة الخصيبة من تاريخ‬
‫شرق إفريقيا‪.‬‬
‫ً‬
‫لكن فيما وصلت إليه الدراسات المعاصرة في تاريخ القرن الفريقي يظهر واضحا اثر العرب‬
‫والمسلمين في نقل الحضارة السلمية إلى هذه المنطقة‪ ،‬ونشر القيم السلمية والتعليم والتقاليد‬
‫النسانية المنطلقة من التصور السلمي للحياة مع الندماج السكاني والتداخل العرقي‪.‬‬
‫كل ذلك كان له الثر الواضح في تكوين ممالك وسلطنات شرق إفريقيا بعامة وممالك الطراز‬
‫السلمي على وجه الخصوص‪.‬‬
‫تناول البحث فترات انتشار السلم في المنطقة والمؤثرات والتحولت السكانية التي حدثت‪ ،‬والتداخل‬
‫والتمازج النساني بين الجماعات المهاجرة والمقيمة‪ ،‬واستقرار الثقافة السلمية في المنطقة وبداية‬
‫الصراع مع القوى الخرى خاصة مما يلي ممالك الحبشة النصرانية‪ ،‬ومآلت هذا الصرع وتأثيراته على‬
‫قيام ممالك الطراز السلمي‪ ،‬وظهور الحمية الدينية بين الطرفين‪ ،‬واحتدام التدافع الحضاري بين‬
‫الجانبين‪.‬‬
‫ثم تناول البحث نشأة الممالك والسلطنات السلمية بشيء من التفصيل سواء منها الممالك‬
‫والسلطنات القديمة نسبيا ً منذ ظهور السلم أوالحديثة التي قامت بعد ذلك في بدايات القرون‬
‫الوسطى‪.‬‬
‫ومعلوم أن انتشار السلم في منطقة ما يصحبه بالضرورة تفكير المسلمين في إقامة كيان يجمعهم‬
‫في شكل دولة أو سلطنة أو إمارة ونحو ذلك من أشكال التعبير عن الهوية والخصوصية الثقافية‬
‫والسياسية‪.‬‬
‫ً‬
‫نجد ذلك في مناطق عديدة في إفريقيا ففي غربي إفريقيا مثل قامت الممالك السلمية القديمة على‬
‫ذات النمط الذي قامت عليه الممالك في شرق إفريقيا‪.‬‬
‫نذكر من تلك الممالك القديمة في غربي إفريقيا والصحراء‪:‬‬
‫مملكة الملثمين السلمية‪:‬‬
‫موطن قبائل الملثمين الصحراء الكبرى‪ ،‬مابين المحيط الطلسي في الغرب وغدامس في الشرق‪.‬‬
‫وتتمازج بلدهم ببلد السودان الغربي‪.‬‬
‫قامت مملكة الملثمين الصنهاجية سنة ‪138‬هـ‪755 -‬م‪ ،‬وقد دخلت في صراع مع ممالك السودان‬
‫الغربي الوثنية خاصة مملكة غانة‪.‬‬
‫مملكة غانة السلمية‪:‬‬
‫دخل السلم غانة في وقت مبكر على نحو ما ذكر ابن خلدون‪ :‬أن أهل غانة أسلموا أول الفتح‬
‫السلمي‪ ،‬بل أسلم ملكها السوننكي )تلوتان أو بولتان( وهو ابن )تكلن( حوالي سنة ‪222‬هـ‪837 -‬م‬
‫وحارب جيرانه الوثنيين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وقد أسلم ملك غانة )تنكامين( عندما فتح أمير المرابطين أبو بكر ابن عمر اللمتوني وأبنه المير أبو‬
‫يحيى عاصمة غانة سنة ‪469‬هـ ‪1.76‬م‪ ،‬وأصبحت مملكة غانة دولة إسلمية منذئذ حكومة وشعبا‪.‬‬
‫مملكة مالي السلمية‪:‬‬
‫دخل أول ملوك مالي السلم في القرن الخامس الهجري تقريبا وهو الملك )جور ماندانا كوناتي( حج‬
‫في عام ‪442‬هـ‪.1.5-‬م‪.‬‬
‫قال ابن خلدون‪ :‬ودخلت قبائل الماندنجو في دين السلم منذ حين دخلها جماعة من المسلمين‪ ،‬فحج‬
‫جماعة من ملوكهم‪ ،‬وأول من حج منهم برمندار‪.‬‬
‫بلغت مملكة مالي أقصى اتساعها في عهد ملكها منسي موسى بن أبي بكر الذي حكم في الفترة من‬
‫‪738 -712‬هـ‪.‬‬

‫مملكة سنغى )صغى( السلمية‪:‬‬


‫تقع في حوض نهر النيجر الوسط‪ .‬ضم إليها ملوكها فيما بعد أكثر بلد السودان الغربي‪ .‬وتعاقب على‬
‫حكمها ثلث أسر كبيرة‪ .‬أولها أسرة لقب ملوكها )زا( ومعناه )ملك(‪ .‬ثم أسرة )سن( ثم أسرة‬
‫)الساكي( جمع )أسكي(‪.‬‬
‫أول من دخل السلم من أسرة )زا( هو )زاكسي( وذلك عام ‪..4‬هـ‪.‬‬
‫وبلغت مملكة سنغي أحسن أوضاعها من ناحية اتساعها وتطبيقها أحكام الشريعة وبسط العدل‬
‫والشورى في عهد ملكها )أسكيا محمد بن أبي بكر( الذي خلف )سن علي( الذي أخضع جميع سكان‬
‫السودان الغربي لسلطانه‪.‬‬
‫أما خلفه )أسكيا محمد بن أبي بكر( هو إمام المسلمين في دولة سنغي السلمية‪ .‬وقد تولى الخلفة‬
‫في سنة ‪998‬هـ‪.‬‬
‫وهكذا نجد هذا التناغم العجيب بين شرق إفريقيا وغربها بل في كل ما يسمى الحزام السوداني من‬
‫شرقه في المحيط الهندي إلى غربه في المحيط الطلسي‪.‬‬
‫ثم تطرق البحث إلى الممالك السلمية القديمة في شرق إفريقيا‪ ،‬إمارة لمو في )‪65‬هـ‪684 /‬م( ثم‬
‫إمارة باتا ثم مملكة شوا )‪688-283‬هـ‪1289-896 /‬م(ثم الكلم على سلطنة مقديشو )‪295‬هـ‪/‬‬
‫‪9.8‬م( ثم سلطنة كلوا )‪9.2-365‬هـ‪1499-975 /‬م(‬
‫ومن بعد ذلك تناول البحث نشأة ممالك وسلطنات الطراز السلمي‪ ،‬فتناول الباحث مملكة أوفات‬
‫ومملكة عدل ومملكة فطجار وسلطنة هرر ومملكة دوارو ومملكة دارة ومملكة هدية ومملكة شرخة‬
‫وبالي‪.‬‬
‫م تطرق البحث إلى الثار التي تركتها هذه الدول على المنطقة من تلقاء الجانب الحضاري‬ ‫ومن ث ّ‬
‫والثقافي والمعرفي وغير ذلك‪.‬‬
‫فهذه لمحة عن معطيات هذا البحث حول ممالك الطراز السلمي على ضوء ما تيسر للباحث من‬
‫مصادر ومراجع‪.‬‬
‫وهي دراسة فيها الكثير من الدروس والعبر التاريخية وما علينا إل أن نستفيد جيدا ً من هذه التجربة‬
‫الكبرى في أبعادها ونتائجها مع ما تعانيه المنطقة اليوم من الصراعات والتدخلت والبلء المعلق على‬
‫رؤوس شعوبها‪.‬‬
‫المطلب الول‬
‫انتشار السلم في شرقي إفريقيا‬

‫‪2‬‬
‫بحكم طبيعة تكوينها العرقي والحضاري ارتبطت منطقة شرق إفريقيا ارتباطا ً وثيقا ً ببلد العرب وإن‬
‫أقدم ما عرف عن اتصال شعب الجزيرة العربية بشرقي إفريقيا كان اتصال شعب وادي الرافدين في‬
‫عهد سرجون الكدي الذي حكم العراق حوالي سنة ‪ 17.9‬ق‪.‬م فقد كشفت الحفريات عن نقوش‬
‫سومرية وبابلية في ساحل شرقي إفريقيا ترجع إلى عهد هذا العاهل تشير إلى وصول شعب وادي‬
‫الرافدين إلى هذه الربوع)]‪ .([1‬كذلك جاء العرب من جنوب غرب شبه الجزيرة العربية علوة على‬
‫مجموعات حوض البحر المتوسط فقد وفدت هجرات السبيئيين بعد انهيار سد مأرب في اليمن عام‬
‫‪.12‬م‪ ،‬والذين جلبوا معهم الزراعة على سفوح الجبال ولغتهم المكتوبة ونظمهم السياسية ورغم قلة‬
‫أعدادهم فإنهم تركوا أثرا واضحا ظل موجودا ً في المنطقة وكان ذلك بفضل المصاهرة والندماج في‬
‫المجتمع المحلي حيث نجد أن التقاليد الثقافية والمعارف الحضارية التي جاءت بها الهجرات انصهرت‬
‫مع الموروثات المحلية وأصبحت تشكل بدورها جزءا من نسيج الوحدة في هذا المجتمع‪ ،‬ومما ساعد‬
‫على تحقيق ونمو هذه العلقة الناحية التجارية التي شكلت قدرا مهما في نمو هذه العلقة وانصهارها‬
‫داخل مجتمع القرن الفريقي‪ ،‬ويمكن القول بأن أكثر المجموعات العرقية تأثرا بالهجرات السامية هما‬
‫مجموعتا التيغري والمهرا في أثيوبيا وبعد ظهور السلم فإن التواصل إزداد بين العرب المسلمين‬
‫وسكان هذا القليم‪ ،‬وتم ذلك على فترات نذكرها كالتالي‪:‬‬
‫الفترة الولى‪ :‬الهجرات والتحولت السكانية‪:‬‬
‫تدل بعض المصادر على أن قبائل عربية مسلمة استقرت على الساحل الفريقي للبحر الحمر‪،‬‬
‫وبخاصة في مصوع منذ القرن الهجري‪ /‬الثامن الميلدي‪ .‬ويفترض أن هذا الستيطان رافقه نشاط‬
‫ثقافي أسفر عن انتشار تدريجي للسلم في المناطق الساحلية المحاذية للبحر الحمر والمحيط‬
‫الهندي‪.‬‬
‫وكان في طليعة هؤلء المهاجرون أهل عمان وأهل حضرموت بصورة خاصة حيث وفدوا إلى هذه‬
‫المناطق في مجموعات صغيرة انتشرت في بعض الجزر ثم في المراكز الساحلية واستطاعت هذه‬
‫المجموعات أن تطبع مناطق واسعة من شرق إفريقيا بلغتها ودينها وأن تختلط بالسكان الوطنيين‪.‬‬
‫وقد توالت الهجرات بعد ذلك من ساحل الجزيرة العربية ولسيما الحساء والبحرين وعمان‬
‫وحضرموت واليمن إلى شرق إفريقيا بشكل واسع لغرض الستيطان والستقرار الدائم)]‪.([2‬‬
‫ومن المرجح أن الساحل الشرقي لفريقيا ظل ملجأ للمضطهدين في القرون الولى من تاريخ السلم‬
‫وتقول بعض الروايات أن مهاجرين أتوا من الحساء هم الذين أسسوا مقديشو‪ ،‬وقد قامت حركة‬
‫تجارية بين شبه جزيرة العرب وشرق إفريقيا منذ القرن الهجري‪ ،‬وكان يتم تبادل سلع كالعاج والذهب‬
‫والعبيد والعطور والقماش‪.‬‬
‫فالهجرة إلى الحبشة كانت أول هجرة تخرج جموع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫أرض الحبشة عندما قال الرسول )ص( لمن آمن من أصحابه "تفرقوا في الرض فإن الله سيجمعكم‪،‬‬
‫قالوا إلى أين نذهب؟ قال هاهنا‪ ،‬وأشار بيده إلى أرض الحبشة‪ ،‬فهاجر إليها ناس ذوو عدد‪ ،‬منهم من‬
‫هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه حتى قدموا أرض الحبشة")]‪.([3‬‬
‫إنها أول هجرة في السلم بتوجيه من رسول )ص( ‪ ،‬لنه لما رأى ما يصيب أصحابه من البلء وما هو‬
‫فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب‪ ،‬وأنه ل يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلء‬
‫قال لهم‪" :‬لو خرجتم إلى أرض الحبشة‪ ،‬فإن بها ملكا ل يظلم عنده أحد‪ ،‬وهي أرض صدق حتى يجعل‬
‫الله فرجا مما أنتم فيه‪ ،‬فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله )ص( إلى أرض الحبشة‬
‫مخافة الفتنة‪ ،‬وفرارا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة في السلم")]‪.([4‬‬
‫وتشير المراجع العربية إلى أن أقدم الهجرات )السياسية( في العصور السلمية إلى ساحل إفريقيا‬
‫كانت في عهد الخليفة الموي عبد الملك ابن مروان )‪86 -65‬هـ( على إثر اتباعه سياسة البطش‬
‫والتنكيل بالمناوئين لسياسة الدولة الموية‪ ،‬فخرجت هجرات عربية إسلمية بإعداد ضخمة إلى ساحل‬
‫إفريقيا الشرقي‪ ،‬وانضموا إلى من سبقهم من المهاجرين المسلمين العرب ليدعموا تأسيس المدن‬
‫السلمية العربية هناك‪.‬‬
‫وكان أهم الهجرات العربية السياسية التي خرجت من عمان خلل الفترة بين )‪85-75‬هـ( بقيادة‬
‫الخوين سليمان وسعيد بن عباد الجلندي من شيوخ قبيلة الزد العربية التي حكمت عمان في عهد‬
‫الدولة الموية‪ ،‬وقد ثاروا في وجه الخليفة عبد الملك وأعلنوا تأييدهم لعبد الله بن الزبير الخليفة بمكة‪،‬‬
‫فوجه عبد الملك إليهم الحجاج بن يوسف القفي سنة ‪75‬هـ‪694 -‬م عاملة على العراق لخضاعهم ولما‬
‫لم يستطع الخوان مقاومة جيوش الحجاج هرب سليمان وسعيد وأنصارهما إلى الساحل الشرقي‬
‫لفريقيا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ثم تبعت هذه الهجرات هجرات أخرى من الزيدية خرجت من اليمن إلى شرق إفريقيا‪ ،‬في الفترة من‬
‫‪143-.14‬هـ ‪.76 -757‬م‪ ،‬فانتشروا إلى ساحل بنادر وتوغلوا إلى الداخل حتى وصلوا خط الستواء‪،‬‬
‫وبذلك زاد عددهم واتسع ملكهم حتى ضم مدينة مقديشو تلك المدينة التي أسسها المسلمون العرب‬
‫فيما بعد)]‪.([5‬‬
‫هذا ولم تتوقف الهجرات من الجزيرة العربية إلى إفريقيا حتى وقت قريب ولكنها بأسباب مختلفة‪،‬‬
‫فمنها‪:‬‬
‫الهجرة بسبب الدين خوفا من الفتنة مثل الهجرة إلى الحبشة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الهجرة بسبب التجارة والرتزاق‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الهجرة بسبب الضطهاد السياسي‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الهجرة بسبب الجفاف والنتقال من الصحراء إلى الراضي الخصبة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الفترة الثانية‪ :‬التفاعل الحضاري‪:‬‬
‫التفاعل الحضاري أحد المفاهيم التي كرستها الجغرافيا الحضارية وهي فرع من فروع الجغرافيا‬
‫البشرية يهتم بدراسة العلقات المكانية للديان واللغات‪ ،‬كما يركز على دللت العلم الجغرافية‬
‫وأنماط السكن والمساكن والصبغة الدينية للعمران‪ .‬وهكذا وبعبارة أوسع تهتم الجغرافيا الحضارية‬
‫بالحضارات وبيئاتها‪.‬‬
‫فمن ناحية العلقات المكانية للدين فإن السلم قد انتشر في القارة الفريقية عبر التصال السلمي‬
‫والقنوات الدعوية الهادفة‪ ،‬والجهود الجماعية والفردية على حد سواء‪ ،‬فإن هناك عددا من العوامل‬
‫المؤثرة استطاعت نقل الدعوة السلمية من الخطوة الولى إلى خطوات أكثر أهمية‪ ،‬ومن المناطق‬
‫الساحلية إلى أعماق القارة‪ ،‬ومن وافدة يحملها أناس وافدون إلى دعوة تنبع من أعماق قلوب‬
‫الفارقة‪ ،‬يدافعون عنها كما يدافعون عن أبنائهم وأنفسهم‪ ،‬ونذكر طرفا ً من تلك العوامل‪:‬‬
‫الخلق الرفيعة التي أحاطت بالمهاجرين الوافدين أيا كانت وظائفهم المعيشة أو الدرجات‬ ‫‪-1‬‬
‫العلمية‪ ،‬فالمانة جعلت التجار المسلمين منارات هدى في أي موقع حلوا فيه مما ترك آثارا حميدة في‬
‫نفوس السكان الصليين‪ ،‬وكذلك كل الصفات الطيبة مثل الصدق والنظافة ولين الجانب‪.‬‬
‫التزويج والمصاهرة والختلط في المناسبات هي أمور ساهمت في إذابة الفوارق بين‬ ‫‪-2‬‬
‫الطرفين وفي قبول السكان العقيدة السلمية‪.‬‬
‫طبيعة الدين السلمي وعالميته وتسامحه عامل آخر يساعد على انتشاره في المجتمع الفريقي‬ ‫‪-3‬‬
‫ن‪) ) ...‬النحل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س ُ‬‫ح َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ه َ‬
‫هم ِبالِتي ِ‬
‫جاِدل ُ‬
‫و َ‬
‫ن ) )النبياء ‪َ ( (1.7 :‬‬ ‫مي َ‬‫عال ِ‬
‫ة لل َ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬‫سلَناك إ ِل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫و َ‬
‫( َ‬
‫‪ ( 125‬فهذه التوجيهات الربانية إذا طبقت على الواقع فإنها تذلل العقبات في مختلف العصور لنها‬
‫م‪) )...‬السراء ‪(.7 :‬‬ ‫مَنا ب َِني آدَ َ‬ ‫ول َ َ‬
‫قدْ ك َّر ْ‬ ‫تكرم النسان ( َ‬
‫عدم وجود أديان منافسة أخرى كالنصرانية واليهودية‪ ،‬في تلك المرحلة وهذا من شأنه أن يمهد‬ ‫‪-4‬‬
‫الطريق لنتشار السلم بصورة تدريجية ‪.‬‬
‫)]‪([6‬‬

‫ومن ناحية العلقات المكانية للغة فإن اللغة العربية قديمة في إفريقيا لنه ثبت وجود سللت سامية‬
‫قديمة في القرن الفريقي وأثيوبيا‪ ،‬وكانت أكثف الهجرات بين )‪ .155‬ق‪.‬م‪.‬و( ‪...3‬ق‪.‬م على عهد‬
‫دولتي معين وسبأ ومن أشهر القبائل العربية الجنوبية قبيلتا سهرت أو سحرت‪ ،‬والجعز أو )الجاعز(‪.‬‬
‫واللغة الخيرة انتهت إليها الهيمنة على بلد الحبشة‪ ،‬ثم أصبحت أصل ً للغات أخرى لعل أهمها لغة‬
‫التجراي الحديثة‪ ،‬والمعتقد أن وصول السامين إلى الحبشة قد يكون في فترة أقرب من تلك التي‬
‫ذكرت آنفًا)‪ ...1 -..4‬ق‪.‬م‪ (.‬بل هناك من ذهب إلى أن مهد الساميين الصلي هو القرن الفريقي‬
‫والحبشة‪ ،‬وإنهم من هنا انطلقوا إلى شبه الجزيرة العربية )موسى‪ ،1984 ،‬ص ‪ .(69‬ومن القبائل‬
‫العربية القديمة في القرن الفريقي وأثيوبيا قبيلة )حبشت( التي أصبح اسمها علما على الحبشة‬
‫)طرخان ‪ .(1959‬ويرى جريس )‪ ،1993‬ص ‪ ،(118‬أن حبشت ليست قبيلة واحدة بل هي عدة قبائل‬
‫سامية كتب لها فيما بعد تأسيس مملكة أكسوم الحبشية‪ ،‬وكان لهذه القبائل نظامها الجتماعي‬
‫المتميز ولغتها التي طغت على سواها‪ ،‬كما أنها أدخلت المؤثرات السبيئية في هذه البلد‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ومن قبائل جنوب الجزيرة العربية التي وفدت إلى السودان الشرقي ومنه امتد تأثيرها إلى كافة أنحاء‬
‫السودان مجموعات حميرية دخلت البلد بهدف الغزو‪ ،‬ثم ما لبثوا أن واصلوا ‪-‬أو واصل بعضهم‪ -‬رحلته‬
‫إلى شمالي إفريقيا )‪ .(MacMichaei, 1922, P.9‬ولعل أهم المجموعات العربية‪ ،‬التي وفدت إلى‬
‫السودان الشرقي هي مجموعة من عرب حضرموت )الحضارم(‪ .‬جاءوا إلى السودان الشرقي في‬
‫وآخر القرن السادس الميلدي‪ ،‬ويعرفون في شرق السودان )بالحدارب( تصحيفا ً من حضارم‪ ،‬ويرى‬
‫بول )‪ (Paul, 1959, P. 75‬أنهم والمجموعة المعروفة في شرق السودان "بالبلو" أي الجانب‬
‫يرجعون إلى أصل واحد‪ .‬والكلمة مشتقة من بيلويت )‪ (Belawiet‬وتعني التحدث بلغة أجنبية في‬
‫اللغة التبداوية وهي اللغة المحلية لسكان شرق السودان‪ .‬ويعتقد )‪ .(Paul‬أن المواطن الصلي لهؤلء‬
‫في الجزيرة العربية هو إقليم الشحر كما أنه يذهب على اعتبارهم فخذ من حمير)]‪.([7‬‬
‫وبالمقابل فإن سكان شرق إفريقيا قد كان لهم وجود ظاهر في الجزيرة العربية قبل السلم وبعده‪,‬‬
‫ويكفي للتدليل على هذه الظاهر في التفاعل الحضاري ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي في كتابة تنوير‬
‫الغبش في الباب الخامس والعشرين‪ ،‬في ذكر أبناء الحبشيات من قريش وهم كما أحصاهم‪:‬‬
‫نضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصى‪ ،‬نفيل بن عبد العزى العدوي‪ ،‬عمرو بن ربيعة بن حبيب‪،‬‬
‫الخطاب بن نفيل العدوي‪ ،‬الحارث بن أبي ربيعة المخزومي‪ ،‬عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد‬
‫محي‪ ،‬هشام بن عقبة بن أبي معيط‪ ،‬مالك بن عبد الله بن‬ ‫ج َ‬
‫العّزى‪ ،‬صفوان بن أمية بن خلف ال ُ‬
‫جدعان‪ ،‬عبيد الله بن عبد الله بن أبي ملكية‪ ،‬المهاجر بن قنفذ بن عمرو‪ ،‬مسافع بن عياض بن صخر‬
‫التيمي‪ ،‬عمرو بن العاص بن وائل ]السهمي[ فرظة بن عبد‪ ،‬عمرو بن نوفل بن عبد مناف‪ ،‬مالك بن‬
‫حسن بن عامر بن لؤي‪ ،‬عبد الله بن قيس بن عبد الله بن الزبير‪ ،‬سمرة بن حبيب بن عبد شمس عبد‬
‫الله بن زعمة من بني عامر بن لؤي‪ ،‬عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي‪ ،‬يعلى بن الوليد بن عقبة بن‬
‫أبي معيط‪ ،‬عبد الله بن عبد الله بن عامر بن كريز‪ ،‬محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن‬
‫علي بن الحسين‪ ،‬جعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفر‪ ،‬عبيد الله بن حمزة بن موسى بن جعفر‪،‬‬
‫محمد وجعفر ابنا إبراهيم بن حسن بن حسن وأبوهما سليمان بن حسن من بني عقيل بن أبي طالب‪،‬‬
‫محمد بن داود بن محمد من بني الحسن بن علي‪ ،‬أحمد بن عبد الملك من عثمان بن عفان‪ ،‬أحمد بن‬
‫محمد بن صالح المخزومي‪ ،‬العباس بن المعتصم‪ ،‬هبة الله بن إبراهيم بن المهدي‪ ،‬محمد بن عبد الله‬
‫بن إسحاق المهدي‪ ،‬عيسى وجعفر ابنا أبي جعفر المنصور‪ ،‬العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن‬
‫العباس‪ ،‬عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد‪.‬‬
‫قال محققه‪:‬‬
‫هكذا ذكرهم السيوطي في رفع شأن الحبشان عن ابن الجوزي )ورقة ‪ 145‬وما بعدها(‪ .‬وقال‬
‫السيوطي في أزهار العروش‪)) :‬ذكر أبناء الحبشات من قريش‪ ،‬عدهم ابن الجوزي في تنوير الغبش‬
‫غير أنه ذكر أهل الجاهلية وغيرهم‪ ،‬وتبعته في الصل )أي رفع شأن الحبشان( وأذكر هنا أهل السلم‬
‫فقط‪:‬‬
‫فمن الصحابة رضي الله عنهم ‪ :‬صفوان بن أمية بن خلف الجمحي‪ ،‬عمرو بن العاص‪ .‬ومن غيرهم‪:‬‬
‫عبد الله بن قيس بن عبد الله بن الزبير‪ .‬عبد الله بن عامر بن كريز‪ ،‬محمد بن علي ابن موسى بن‬
‫جعفر بن محمد بن علي بن الحسين‪ ،‬جعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفر‪ ،‬عبيد الله بن موسى بن‬
‫جعفر‪ ،‬إبراهيم بن حسن بن حسن‪ ،‬ولداه‪ :‬محمد وجعفر‪ ،‬سليمان بن حسن عقيل بن أبي طالب‪ ،‬يعلى‬
‫بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط‪ ،‬العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس‪ ،‬عيسى وجعفر ابنا‬
‫أبي جعفر المنصور‪ ،‬هبة الله بن إبراهيم بن المهدي‪ .‬العباس بن المعتصم‪.‬‬
‫وممن لم يذكره ابن الجوزي‪ :‬الخليفة المقتفي لمر الله((‪ .‬أزهار العروش في أخبار الحبوش )ورقة‬
‫‪.([8])(.3‬‬
‫الفترة الثالثة‪ :‬استقرار واستيطان الثقافة السلمية وبداية الصراع‪:‬‬
‫كان إسلم النجاشي في الحبشة أول الغيث في انتشار السلم في المنطقة كلها‪ ،‬فقد كتب رسول‬
‫الله )ص( إلى النجاشي يدعوه إلى السلم‪ ،‬فأسلم وآمن معه جماعة من أصحابه‪ ،‬وأجابه عن كتابه‬
‫وبعث إليه ولده في ستين من الحبشة فغرقوا في البحر)]‪.([9‬‬
‫ولكن بعد وفاة هذا النجاشي تولى حكمه نجاشي آخر لم يسلك مسلك أصحمة في الحفاظ على‬
‫العلقات الطيبة مع المسلمين‪ .‬ويبدو أنه خاف على ملكه إذا ما أظهر عطفه على الدعوة الجديدة مثل‬
‫سابقه‪ ،‬وأراد أن يبين رفضه لهذه الدعوة بأسلوب عملي عدائي‪ ،‬فأرسل سفنا للغارة على جدة‪ ،‬ورأى‬
‫أهل الشعيبة وأهل جدة هذه السفن الحبشية‪ ،‬وبلغ هذا الخبر النبي )ص( فأرسل علقمة بن مجزز‬
‫المدلجى على رأس سرية تتكون من ثلثمائة مقاتل للتصدي لهذه السفن ومنعها من الغارة على جدة‬
‫وتهديد ساحل الحجاز‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وقد وصل ذلك القائد إلى الساحل وخاض البحر بجنده حتى وصل إلى جزيرة فيه‪ ..‬ولما شعر الحباش‬
‫بوصول المسلمين هربوا وعادوا إلى بلدهم دون أن يحدث صدام بينهم وبين جيش علقمة)]‪.([10‬‬
‫ورغم أن هذه الحملة البحرية الحبشية لم تنجح في مسعاها إل أنها دللت على روح عدائية أظهرها‬
‫الحباش تجاه السلم والمسلمين‪ .‬وقد فهم المسلمون الوائل هذه الروح وأقنعتهم الحداث بصحة‬
‫هذا المفهوم‪ ..‬ويبدو أن رسول الله )ص( كان يتحسب ذلك أيضا‪ .‬نفهم ذلك من أحديث منسوبة إليه‬
‫يخبرنا فيها أنه سوف ))يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة(()]‪ ،([11‬ولذلك حذر المسلمين قائل لهم‬
‫))اتركوا الحبشة ما تركوكم(()]‪.([12‬‬
‫ففي عهد عمر بن الخطاب ‪ t‬أغارت الحبشة على ساحل البحر الحمر الشرقي ))وتطرقت بلد‬
‫المسلمين((‪ ،‬فرد ابن الخطاب على ذلك بإرسال حملة بحرية إلى بلد الحبشة عام ‪.2‬هـ‪.64/‬م وعلى‬
‫رأسها علقمة بن مجزز المجدلي‪ ،‬وهو نفس القائد الذي تصدى لهم من قبل في عهد الرسول)ص(‪ .‬إل‬
‫أن الفشل كان من نصيب هذه الحملة‪ ،‬لن المسلمين لم تكن لهم خبرة كافية بركوب البحر وقتذاك‪.‬‬
‫ولذلك أخذ ابن الخطاب على نفسه عهدا ))بال يحمل في البحر أحدا أبدا((‪ .‬حتى ل تتعرض حياة‬
‫المسلمين للخطر بعد ذلك‪.‬‬
‫وفي عهد بني أمية اتجه الحباش إلى جدة مرة ثالثة حيث هاجموها من جديد‪ .‬وكان الحباش ينزعون‬
‫إلى القرصنة في ذلك الفترة على نطاق واسع‪ ،‬فنهبوا السفن التجارية التي كانت تمر في البحر‬
‫الحمر‪ ،‬ونزلوا في جدة عام ‪83‬هـ‪7.2 /‬م‪ .‬وكان هذا الهجوم على حد تعبير أحد الكتاب المسيحيين‬
‫أنفسهم تحذيرا أو نبوءة تعلن منذ وقت مبكر‪ ،‬أن الحباش يودون أن يأتي اليوم الذي يستولون فيه‬
‫على مكة ويدمرون الكعبة وينجحون فيما فشل فيه أبرهة من قبل في عام الفيل‪ .‬وكان رد خلفاء بني‬
‫أمية على ذلك كله‪ ،‬هو احتلل بعض مواني الحبشة التي كانت قاعدة لسطول القراصنة الحباش‪،‬‬
‫والتي كانوا يغيرون منها على ساحل بلد الحجاز‪ ،‬فأرسلوا قوات بحرية استولت على مصوع وجزر‬
‫دهلك‪ ،‬وخربت ميناء عدو ليس بحيث لم تنهض بعد ذلك‪.‬‬
‫وهكذا أظهر الحباش روح العداء للسلم والمسلمين منذ البداية وربما كان هذا العداء راجعا‬
‫لحساسهم بالخطر الذي يمكن أن يتعرضوا له نتيجة لنجاح الدين الجديد في توحيد شمل العرب‬
‫وجعلهم قوة تقف على الساحل الخر للبحر الحمر في مواجهة الحباش وقد تزايد إحساسهم بالخطر‬
‫بعد أن تعدى السلم حدود شبه الجزيرة وتم فتح بلد الشام ومصر وشمال إفريقيا‪ ،‬وانقطعت صلة‬
‫)]‬
‫الحباش بدولة الروم البيزنطيين بعد أن سيطر المسلمون على البحر الحمر وعلى البحر المتوسط‬
‫‪ .([13‬ولكن الخطر الكبر الذي أثارهم بدرجة كبيرة وجعلهم يدركون أنهم في مواجهة حاسمة مع‬
‫السلم هو تسرب السلم نفسه داخل منطقة القرن الفريقي‪ ،‬بل وداخل هضبة الحبشة معقل‬
‫المسيحية في تلك البلد‪ .‬من هنا بدأت تتشكل علقتهم بمسلمي الزيلع والقرن الفريقي‪ .‬ومن هنا‬
‫أيضا ً بدأت إرهاصات قيام الممالك والسلطنات السلمية في المنطقة*‪.‬‬
‫الفترة الرابعة‪ :‬قيام الممالك والسلطنات السلمية‪:‬‬
‫التطور الطبيعي في تكوين الجماعات المسلمة أن تتحول إلى نظام اجتماعي وسياسي يدير شؤونها‬
‫الداخلية‪ ،‬ويحدد علقاتها الخارجية مع من حولها‪ ،‬لذلك كان لبد من تطور الجماعات المسلمة من‬
‫مجرد تجمعات ليست ذات قيادة مركزية إلى وضع مملكة أو سلطنة ذات قيادة موحدة‪ ،‬وسلطة‬
‫مركزية وفقا ً لمقتضى الشريعة السلمية‪ ،‬وتحولت المجتمع المسلم في بنائه الداخلي وترتيباته‬
‫الدارية‪ ،‬ومصادماته العسكرية بل والفكرية‪ .‬وقد ظهرت الحاجة إلى دولة إسلمية في فترة مبكرة من‬
‫تاريخ السلم في المنطقة‪ ،‬فقد قامت إمارة شوا في الهضبة الحبشية في القرن الول الهجري‪ ،‬مما‬
‫يعطينا مؤشرا ً واضحا ً إلى مدى انتشار السلم وتغلغله داخل المنطقة وليس فقط على سواحلها‬
‫الشرقية‪.‬‬
‫وفي هذه المرحلة تكونت المراكز والمعاهد والجامعات والمساجد‪ ،‬ومدارس تحفيظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫وتأسست مدن وحضارات علمية تمهد لمرحلة قيام الدولة‪ ،‬وعندها يتحسس المسلمون قوتهم‬
‫ويشعرون بالنتماء السلمي ويجرون التصالت شبه المنتظمة مع الصف السلمي ويبعثون طلب‬
‫العلم إلى المراكز الحضارية العلمية للتزود من العلوم النافعة‪ ،‬إنها مرحلة فاصلة لقيام المجتمع‬
‫والدولة المسلمة بكيانها الخاص وثقافتها المتميزة‪.‬‬
‫وكان لبد من ولدة‪ ،‬لكنها كانت عسيرة‪ ،‬ذلك أن المناخ المحيط‪ ،‬والثقافة السابقة الراسخة في‬
‫المنطقة لبد أن تتحرك ضد هذا الوجود الحارث‪ ،‬القادم من وراء البحار‪ ،‬ولكن كانت العزيمة والقوة‬
‫التي بثها هذا الدين في نفوس أبنائه هي الترياق المضاد لكل محاولت الحباط والعراقيل والشغب‪.‬‬
‫م ذلك‪.‬‬‫وسنرى في الصفحات التالية كيف ت ّ‬

‫المطلب الثاني‬
‫‪6‬‬
‫نشأة الممالك والسلطنات في شرقي إفريقيا‬
‫سيتناول البحث نشأة الممالك والسلطنات السلمية في شرقي إفريقيا على شقين‪ ،‬الشق الول‬
‫يتعلق بالممالك والسلطنات القدم نسبيا ً في المنطقة‪ ،‬أما الشق الثاني فيتعلق بالممالك التي نشأت‬
‫بعد ذلك فيما اصطلح بتسمية ممالك الطراز السلمي في العصور الوسطى‪.‬‬
‫ل‪ :‬نشأة الممالك والسلطنات القديمة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫إمارة لمو‪65) :‬ه‪684 -‬م(‪:‬‬
‫يقول الدكتور نور الدين عوض الكريم إبراهيم‪ :‬عن هذه المارة‪:‬‬
‫أنشأها أزد عمان بزعامة سعيد وسليمان أبناء عبد الجلندي سنة ‪65‬ه‪ ،‬حول منطقة أرخبيل لمو‬
‫وبالتالي فهي أقدم المارات السلمية ظهورا ً في المنطقة‪ .‬ويذكر الطبرى حول هجرة آل الجلندي إلى‬
‫شرقي إفريقيا‪ :‬وذلك إثر الصراع الذي نشب بينهم وبين الخليفة الموي عبد الملك بن مروان إذ‬
‫استطاعت جيوشه إلحاق الهزيمة بهما والقضاء على نفوذ أهل عمان‪ ،‬وبانهزامهم هاجر أزد عمان‬
‫بقيادة الخوين سعيد وسليمان أبناء عبد الجلندي حمل ذراريهما ومن معهما من قومهما‪ ،‬ولحقا ببلد ٍ من‬
‫بلد الزنج‪.‬‬
‫وقد ألقى الستاذ هتشنز ))‪ ((Hichens‬المزيد من الضوء على تلك الهجرة حين عثر على كتاب ألفه‬
‫شيبو فرج بن حمد الباقري وعنوانه أخبار لمو‪ ،‬يعرض فيه لتاريخ هذا البلد والهجرات الولى التي‬
‫وفدت إليه حيث ذكر أن تلك الهجرة الولى استقرت في مدينة لمو شمال ممبسا‪ ،‬وكانت السبب في‬
‫ظهور أمارة إسلمية في ذلك الوقت‪ ،‬وبذلك كانت لمو أقدم المارات العربية السلمية ظهورا ً في‬
‫ساحل شرق إفريقيا)]‪.([14‬‬
‫أمارة باتا أو )‪(Pate‬‬
‫إن الصل في تأسيس أمارة باتا يرجع إلى حكم الخليفة عبد الملك بن مروان‪ ،‬الذي شهد عهده‬
‫تأسيس المسلمين لعدة مدن على الساحل الشرقي لفريقيا‪ ،‬كماليندي‪ ،‬وزنجبار‪ ،‬وممباسا‪ ،‬ولمو‪،‬‬
‫وكلوة‪ ،‬وباتا‪ .‬وعندما سقطت الدولة الموية وقامت الدولة العباسية اعتمد الخليفة هارون الرشيد على‬
‫ما كان للدولة الموية من ممتلكات في شرق إفريقيا‪ ،‬فعزم على تدعيمها ومن أجل ذلك شجع الكثير‬
‫من العناصر وخاصة من الفرس على القامة في تلك المارات‪ .‬وكانت أمارة باتا عظيمة‪ ،‬حيث كانت‬
‫أول ً أمارة آهله بالسكان من قبائل أصيلة‪ ،‬ثم أتت القبيلة النبهانية بقيادة سليمان بن مظفر النبهاني‬
‫الذي تزوج من أميرة سواحيلية هي ابنة إسحاق حاكم باتا‪ ،‬ثم ورث الملك وأصبح أميرا ً شرعيًا‪ ،‬ثم نقل‬
‫بلطه إلى جزء كبير من شرقي إفريقيا‪ ،‬وتأسست السرة النبهانية في مدينة باتا وقامت هذه المارة‬
‫السلمية في ظلهم بدور بارز في تاريخ السلم في شرقي إفريقيا‪.‬‬
‫وقد نشطت الحركة التجارية في عهدهم نشاطا ً عظيما ً وتوافد على سلطنتهم التجار المسلمون من‬
‫كل مكان‪ .‬وسارت قوافل المسلمين التجارية من ممبسي مارة بموشي ونايروبي الحالية حتى وصلت‬
‫إلى بحيرة فكتوريا وغربي إفريقيا‪ ،‬فقد ذكر ابن ماجد الملح العربي المشهور ‪-‬في القرن التاسع‬
‫الهجري‪ -‬إن طريق استجلب الفلفل قديما هو بلد الكانم‪.‬‬
‫ويذكر الدكتور جمال زكريا في بحوثه عن استقرار العرب في شرق إفريقيا‪ :‬أنه بالرغم مما تعرضت‬
‫له السرة النبهانية من صراع حول السلطة إل أنها استطاعت أن تحقق انتعاشا ً كبيرا ً في شرقي‬
‫أفريقيا مما كان له أثر كبير في نشر السلم بين الشعب الفريقي)]‪.([15‬‬
‫مملكة شوا ‪:‬‬
‫‪688 -283‬هـ‪1289 -896 /‬م‬
‫وهي أقدم مملكة قامت بالحبشة‪ ،‬أسسها مهاجرون من قبيلة بني مخزوم العربية القرشية‪ ،‬منذ سنة‬
‫‪283‬هـ‪896 /‬م‪ ،‬في منطقة من أمنع المعاقل فوق مرتفعات الهضبة الحبشية حيث تقع مدينة أديس‬
‫أبابا الحالية‪.‬‬
‫ويرى الدكتور حسن أحمد محمود‪ :‬أن بني مخزوم هؤلء كانوا من المهاجرين المسلمين الوائل الذين‬
‫نفذوا إلى هذه الجهات وليس بعيدا ً أن يكون قد نزلوا في أول المر في ضيافة أمارة محلية ثم‬
‫اختلطوا بالمراء عن طريق المصاهرة حتى آل إليهم الملك آخر المر‪ ،‬حيث عملت على توطيد‬
‫العقيدة السلمية في شرق إفريقيا‪.‬‬
‫ويبدو أن هؤلء المهاجرين عملوا بالتجارة فأثروا منها ثراء عظيما ‪ً.‬‬

‫‪7‬‬
‫ولما نما شأنهم تصاهروا مع السرة الحاكمة‪ ،‬فآل الحكم إليهم‪ ،‬أو أن ما وصلوا إليه من ثروة ونفوذ‬
‫لدى السرة المتربعة على عرش الحبشة دفعها إلى إسناد حكم مملكة شوا السلمية إلى أسرة بني‬
‫مخزوم القرشية‪ .‬وأيا ً كانت العوامل التي ساعدت تلك السرة المسلمة على اعتلء عرش مملكة شوا‬
‫السلمية فقد استمرت تحكمها قرابة أربعة قرون من الزمان تمتعت خللها المملكة بالمن‬
‫والستقرار‪ ،‬وظلت في عزلة عن العالم‪ ،‬لما تيسر لها من عزة ورخاء‪ ،‬لكتفائها الذاتي واشتغال‬
‫رعاياها بالزراعة والرعي مما يتيح حياة الستقرار‪ ،‬ولقوة السرة الحاكمة وما تتمتع به من ثروة ونفوذ‪.‬‬
‫وظل أمر تلك المملكة السلمية مجهول ً إلى أن اكتشف المستشرق اليطالي الدكتور روسيني‬
‫شيروللي‪ -‬وثيقة عربية سنة ‪1355‬هـ‪ ،‬تعرض للحداث التي مرت بها تلك المملكة في أواخر عهدها‬
‫من سنة ‪628‬هـ إلى سنة ‪688‬م‪ ،‬حين دب فيها الضعف‪ ،‬ومزقت أوصالها المنازعات الداخلية على‬
‫)]‬
‫السلطة‪ ،‬والخارجية مع المارات السلمية المجاورة التي تبغي التخلص من سيطرة الحروب عليها‬
‫‪.([16‬‬
‫سلطنة مقديشو ‪.29‬هـ ‪9.8 -‬م ‪:‬‬
‫أسسها سبعة إخوة هاجروا على رأس مجموعة من قبيلة بني الحارث‪ ،‬ونزلوا بساحل الصومال في‬
‫أواخر القرن الثالث الهجري‪ ،‬وأنشأوا مدينة ))مقديشو(( ‪295‬هـ‪9.8 /‬م وأصبحت مملكة قوية ذات‬
‫شوكة ونفوذ حتى وصفها الرحالون بأنها مدينة السلم المشهورة في ذلك الصقع المترددة على ألسنة‬
‫المسافرين كثيرة المساجد عظيمة العمران‪. .‬وتحالف بنو الحارث هؤلء مع الصوماليين سكان البلد‬
‫الصليين‪ ،‬وأنشأوا مدنا ً أخرى في هذه المنطقة مثل ))برادة(( وهي التي سماها الدريس ))برادت((‬
‫و))مركة(( التي تقع عند نهر ))ويبى(( و ))قرفاوة(( و ))النجا(( وغير ذلك‪.‬‬
‫وقد ظهرت مقديشو عليها جميعا ً كمركز تجاري هام ينبض بالحياة ويعج بحركة التجار‪ ،‬فعمها الرخاء‬
‫وسادها المن واتسع بها العمران‪ ،‬وأضحت صاحبة السيادة على سكان الساحل جميعا ً زهاء سبعين‬
‫عاما ً حتى أنشئت أمارة كلوة في الجنوب فنافستها السيادة‪.‬‬
‫وفي عهد أسرة بني الحارث هؤلء نمت ثروة مقديشو‪ ،‬وازدهرت ازدهارا ً منقطع النظير‪ ،‬وأصبحت‬
‫بمثابة عاصمة لجميع البلد المجاورة التي سبق ذكرها‪ .‬وقد كان الناس يردون على مقديشو في‬
‫مواعيد معينة من السنة فيجتمعون في مسجدها الكبير ويقيمون به صلة الجمعة مما كان يزيد من‬
‫عظمة السلم في نفوس الفريقيين)]‪.([17‬‬
‫وسارت سلطنة مقديشو في طريق النمو والزدهار‪ ،‬حتى زارها الرحالة الشهير ابن بطوطة سنة‬
‫‪731‬هـ‪ ،‬وجدها قد بلغت درجة عظيمة من الحضارة والرخاء‪ ،‬وأنها قد حققت قدرا ً كبيرا ً من التقدم‬
‫السياسي والقتصادي والجتماعي‪ ،‬وأن أهلها على خلق ودين‪ ،‬والمدينة متناهية في الكبر وأهلها تجار‬
‫أقويا فقال إنها )مدينة متناهية في الكبر وأهلها لهم جمال كثيرة ينجرون الطين في كل يوم ولهم أغنام‬
‫كثيرة‪ ،‬وهم تجار أقوياء ويها تصنع الثباب التي ل يظهر لها‪ ،‬ومنها تحمل إلى ديار مصر وغيرها‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن بطوطة عادات أهل المدينة وأشاد بها فيقول )ومن عادة أهل هذه المدينة أنه متى وصل‬
‫مركب إلى المرسى تصعد الصناديق ) وهي القوارب الصغيرة( إليه ويكون في كل صندوق جماعة من‬
‫شبان أهلها‪ ،‬فيأتي كل واحد منهم‪ ،‬طبق مغطى فيه الطعام فيقدمه لتاجر من تجار المراكب ويقول‬
‫هذا نزيلي‪ ،‬وكذلك يفعل كل واحد منهم ول ينـزل التاجر من المركب إل إلى دار نزيله من هؤلء‬
‫الشبان‪ ،‬إل من كان كثير التردد إلى البلد وعرف أهله فأنه ينـزل حيث شاء فإذا نزل عند نزيله باعا له‬
‫ما عنده واشترى منه ويصف لنا ابن بطوطه الطريقة المتبعة في التفتيش الكمركي إذا وصل مركب‬
‫جديد إلى الميناء فبمجرد وصول المركب )يصعد إليه صندوق السلطان فيسأل عن المركب من أين‬
‫قدم ومن صاحبه‪ ،‬ومن ربانه وهو )الرئيس( وما وصفه )حمله( ومن قدم فيه من التجار وغيرهم‪،‬‬
‫فيعرف بذلك كله ويعرض على السلطان فمن استحق أن‪ ...‬ينـزله عنده أنزله)]‪.([18‬‬
‫وهذا الوصف يؤكد لنا مدى عظم هذه السلطنة والدرجة العالية من الرقي والزدهار التي بلغتها مما‬
‫جعل لها القدح المعلى في نشر الدعوة والحضارة السلمية في تلك الصقاع‪.‬‬
‫سلطنة كلوة‪:‬‬
‫‪9.2 -365‬هـ‪1499 -975 /‬م‬
‫أسسها الشيرازيون في عام ‪1499 -975‬م‪ ،‬بقيادة على ابن الحسن بن علي الشيرازي وبنيه‪،‬‬
‫وعاصمتها كلوة التي جعلوا منها قاعدة ومركزا ً كبيرا ً تنشر السلم والثقافة السلمية بين القبائل‬
‫الفريقية في الساحل وداخله وهذا هو الرجح والذي أجمعت عليه المصادر العربية القديمة بخلف‬
‫المصادر التي تنسب تأسيس هذه السلطنة إلى جماعة هاجروا في عهد عبد الملك بن مروان‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وكان أبناؤه الستة قد نزلوا على امتداد الساحل الشرقي لفريقية والجزر المواجهة له‪ ،‬كل بموضع‬
‫معين‪ ،‬واعترفوا بسيادة أبيهم عليهم ولما شعر على بن الحسن بقوته وعزة جانبه أخذ يمد سلطانه‬
‫على المم المجاورة‪ ،‬فأرسل أحد أبنائه إلى جزيرة انجوان من جزر القمر‪ ،‬وأرسل آخر إلى جزيرة‬
‫منفية‪ ،‬ولقب هذا البن الشاب بالسلطان‪ ،‬واستطاع على هذا أن يؤسس مملكة قوية سيطرت على‬
‫جزر كبير جدا ً من ساحل شرقي إفريقيا والجزر المواجهة‪ ،‬امتد قبل وفاته من سفالة جنوبا ً إلى‬
‫ل‪ ،‬مما ساعد على انتشار السلم بتلك النحاء‪ .‬واستمر حكمه أربعين عاما ً‪.‬‬ ‫منبسي شما ً‬
‫وبسطت دولة كلوة سيطرتها على مناجم الذهب والحديد في روديسيا الحالية منذ عهد ثاني سلطينها‪،‬‬
‫وبلغت في عهده ذروة قوتها‪ ،‬فأخذت تمد نفوزها على المدن المجاورة وأخضعت لحكمها الجزر‬
‫القريبة مثل بمبة وزنجبار وما فيه والبعيدة مثل جزر القمر‪ ،‬وكان حكام المدن والسلطات والمارات‬
‫العربية الممتدة على طول الساحل من مقديشو شمال ً إلى سفالة وموزمبيق جنوبا ً يعترفون بسلطان‬
‫كلوة على أنه أعظمهم مقاما ً ورفعة)]‪.([19‬‬
‫ل‪)) :‬وركبنا البحر إلى مدينة كلوا وهي مدينة‬ ‫ووصف ابن بطوطة مملكة كلوة مظهرا ً عظمتها قائ ً‬
‫عظيمة ساحلية أكثر أهلها من الزنزج المستحكمي السواد ولهم شرطات في وجوههم‪ ،‬ومدينة كلوة‬
‫ر واحد‬‫من أشهر المدن وأتقنها عمارة وكلها بالخشب والمطار بها كثيرة‪ .‬وهم أهل جهاد لنهم في ب ٍ‬
‫متصل مع كفار الزنزج والغالب عليهم الدين والصلح وهم شافعية المذهب((‪.‬‬
‫))وكان سلطانها في عهد دخولي إليها أبو المظفر حسن ويكنى أيضا ً أبا المواهب لكثرة مواهبه‬
‫ومكارمه‪ ،‬وكان كثير الغزو إلى أرض الزنوج يغير عليهم ويأخذ الغنائم فيخرج خمسها فيصرفه في‬
‫مصارفه المعينة في كتاب الله تعالى‪ .‬ويجعل نصيب ذوي القربة في خزانة لوحده‪ ،‬وكان الشرفاء‬
‫يقصدونه من العراق والحجاز وسواها‪ ،‬ورأيت عنده من شرفاء الحجاز جماعة‪ ،‬وهذا السلطان له‬
‫تواضع شديد ويجلس مع الفقراء ويأكل معهم ويعظهم أهل الدين والشرف(()]‪.([20‬‬
‫ويذكر المؤرخون أنه كان بها ثلثمائة وستون مسجدا ً‪.‬‬
‫وتعاقب على حكم كلوة قبل مجيء البرتغاليين ثلثون سلطانا ً كان آخرهم فضيل بن سليمان الذي‬
‫تولى الحكم سنة ‪9.1‬هـ‪1498 /‬م‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬نشأة ممالك الطراز السلمي‪:‬‬


‫أطلق المؤرخون القدامى على الممالك التي نشأت في القرن الفريقي اسم ممالك الطراز‬
‫السلمي‪ .‬ذكر ذلك القلقشندي في صبح العشى‪ ،‬وهي البلد المسماة ببلد الزيلع‪ ،‬إذ لم تكن السماء‬
‫الخرى معروفة في القرون الوسطى‪ ،‬قال القلقشندي‪ :‬وبلد الزيلع هي ))البلد المقابلة لبر اليمن‬
‫على أعالى بحر القلزم )البحر الحمر(‪ ،‬وما يتصل به بحر الهند( )المحيط الهندي(‪ .‬ويعبر عنها باسم‬
‫))الطراز السلمى لنها على جانب البحر كالطراز له((‪ .‬وقال العمرى أن ))هذه البلد يقال لها بمصر‬
‫والشام بلد الزيلع‪ ...‬وأن طولها برا وبحرا خاصا بها نحو شهرين وعرضا يمتد أكثر من ذلك(()]‪.([21‬‬
‫وقال المقريزى أن جبرت )أوفات( من البلد وهديه في أقصى حدودها الغربية جنوبى أديس أبابا‬
‫الحالية‪ .‬وهكذا حدد القلقشندى موقع بلد الزيلع*‪ ،‬وحدد العمرى طولها وعرضها‪ ،‬وهو طول وعرض‬
‫يتناسب مع الحدود التي أوردناها لتلك البلد‪ ،‬وأشار المقريزى إلى أقصى حدودها الغربية وهي مملكة‬
‫هدية السلمية التي كانت تقع غرب الخدود الفريقى‪.‬وكان سكان بلد الزيلع السلميه يتكونون من‬
‫عناصر حامية وعربية‪ .‬وأغلب هذه العناصر الحامية ما يعرف بقبائل الصومال والجال والعفار أو‬
‫الدناكل‪.‬وكان العفار يتزلون شمال نهر عواش‪ ،‬والصومال والجال يتزلون جنوب هذا النهر وفي‬
‫الهضبة الشرقية لثيوبيا الن‪.‬ولذلك يمكن أن تسمى هذه الهضبة أيضا باسم الهضبة الصومالية في‬
‫حين أن الهضبة الغربية كانت معروفة باسم الهضبة الحبشية‪.‬‬
‫والزيالعة أو الصوماليون مغايرون ومتميزون عما حولهم سواء من ناحية اللغة أو الدين أو العادات‬
‫والتقاليد‪ .‬فهم جميعا ً مسلمون وتجمعهم تقريبا ً وحدة الصل والتاريخ‪ ،‬وهم يعتقدون أنهم ينتمون‬
‫لسللة معينة‪ .‬ولذلك كان التمايز واضحا بينهم وبين جيرانهم سواء في بر الحبش )اثيوبيا( أم في بر‬
‫الزنج )كينيا وما وراءها(‪ ،‬وإن كانت هناك اختلفات داخلية فيما بين فصائلهم وجماعاتهم‪ .‬فهناك قبائل‬
‫الصومال وقبائل العفار )الدناكل( وقبائل الجل والجماعات العربية‪ ،‬ولكل منها أصولها ولغاتها ولهجاتها‬
‫المحلية بجانب الطار الواسع الذي يجمعها‪ ،‬وهو أطار السلم والثقافة العربية السلمية‪.‬‬
‫ولم يكن يجمع هؤلء الزيالعة مملكة واحدة في العصور الوسطى‪ ،‬بل توزعوا بين عدة ممالك‬
‫وسلطنات إسلمية لم تكن متحدة أو متعاونة في معظم الحيان‪ ،‬وكان يحكم كل منهم ملك مستقبل‪.‬‬
‫ومن أهم هذه الممالك والسلطنات)]‪ ([22‬ما يأتي‪:‬‬

‫سلطنة أوفات ‪669‬هـ‪.127 -‬م‪:‬‬


‫‪9‬‬
‫أسس مملكة أوفات السلمية مهاجرون من قريش‪ ،‬قيل من بني عبد البدار‪ ،‬وقيل من بني هاشم من‬
‫ولد عقيل بن أبي طالب قدم اسلفهم من الحجاز واستوطنوا مدينة أوفات التي تقع غربي زيلع ‪-‬وهي‬
‫من أكبر مدن الحبشة‪ -‬واشتهر قوم منهم بالصلح والتقوى‪ ،‬إلى أن كان منهم عمر الملقب بـ‬
‫حطي(( مدينة أوفات وأعمالها‪ ،‬لما نما شأنه‪ ،‬فحكم بها‬ ‫))ولشمع(( أحد تجار أوفات القوياء فوله ))ال ُ‬
‫مدة طويلة‪ ،‬وشكرت سيرته‪ ،‬وصارت له بها شوكة قوية وذلك منذ منتصف القرن السابع الهجري)]‪.([23‬‬
‫وتنسب هذه السلطنة إلى اسم عاصمتها وهي مدينة أوفات التي كانت تسمي أيضا ً مدينة جبرة أو‬
‫جبرت‪ ،‬التي كانت تعد من أكبر مدن منطقة الطراز السلمي‪ ،‬وهي على مسافة عشرين مرحلة غرب‬
‫مدينة زيلع‪ .‬وهذه السلطنة كانت أوسع ممالك الزيلع أرضا‪ ،‬فقد كان طولها يبلغ مسيرة خمسة عشر‬
‫يوما بالسير المعتاد‪ .‬وكانت تشمل ما يعرف الن بجيبوتي والجزء الجنوبي من إقليم أريتريا وسهول‬
‫الدناكل وتمتد جنوبا ً وتضم الجزء الشرقي من حوض نهر عواش‪ ،‬والهضبة الصومالية بما فيها من‬
‫منطقة هرر والوجادين‪ ،‬وتمتد شرقا ً لتشمل جزءا ً كبيرا ً مما يعرف الن بالصومال الشمالي )النجليزي‬
‫سابقا( بما فيه من مواني زيلع وبربرة‪.‬‬
‫وعلى ذلك فقد كانت سلطنة أوفات تسيطر على مدخل البحر الحمر من الجنوب الغربي وتقابل بلد‬
‫اليمن‪ ،‬وهي بذلك أقرب بلد الزيلع إلى مصر وكانت ذات قوة عسكرية ل بأس بها‪ ،‬فجيشها يبلغ عدد‬
‫فرسانه خمسة عشر ألف فارس‪ ،‬ويبلغ عدد مشاته أكثر من عشرين ألف جندي‪ ،‬كما كانت هذه‬
‫السلطنة زاجرة وعامرة بالقرى المتصلة‪ .‬والمدن الكثيرة مثل مدن بقلزرة‪ ،‬وكجورة‪ ،‬وسيمق‪ ،‬وشوا‪،‬‬
‫وعدل‪ ،‬وجبا‪ ،‬ولو‪ ،‬وزيلع‪ ،‬وأنطوكية‪ ،‬وبازملي‪ ،‬وجندبلة‪ ،‬وأبونة‪ ،‬وبها روافد تسمى كوب والدير بالضافة‬
‫إلى نهر عواش)]‪.([24‬‬
‫ونظرا لحتواء هذه السلطنة على جزء كبير من وادي نهر عواش وعلى جزء كبير من الهضبة‬
‫الصومالية‪ ،‬فقد توافر لديها قدر من الرض الخصبة والمياه اللزمة للزراعة بما يكفي حاجة السكان‪،‬‬
‫وجاد فيها كثير من المزروعات وأشجار الفواكه التي لم يكن بعضها معروفا ً في مصر والشام والعراق‪،‬‬
‫وتوافر لديها أعداد هائلة من الغنام‪ ،‬والبقار ودواب الركوب مثل الخيل والبغال والحمير‪ ،‬فرخصت‬
‫السعار وانحطت قيمتها لدرجة أن حمل الحنطة كان يباع بدرهم وأحد‪ ،‬وتدفقت الموال عليها نظرا‬
‫لحتوائها على طرق التجارة التي تمر عبر أراضيها وتربط الساحل بالداخل‪ .‬وقد هيأ لها ذلك الوضع‬
‫القتصادي زعامة دول الزيلع السلمية وتحمل أعباء الكفاح والجهاد ضد الحبشة النصرانية‪ ،‬كما هيأ لها‬
‫موقعها الستراتيجي الممتاز بأن تكون حلقة الوصل بين ممالك الطراز السلمي الخرى وبين دول‬
‫العالم السلمي المختلفة وخاصة في مصر والحجاز واليمن)]‪.([25‬‬
‫وقد تتابع على سلطنة أوفات عدد ٌ من السلطين كالتالي‪:‬‬
‫سلطين سلطنة أوفات السلمية‪:‬‬
‫عمر والى أسمع )ولشمع(‪ :‬من بني عبد الدار من قريش‪ :‬كان معاصرا ملك الحبشة‬ ‫‪-1‬‬
‫يكونوا ملك )‪684 -669‬هـ‪.(1285 -.127 /‬‬
‫بزو بن عمر ولشع‪ :‬كان معاصرا ملك الحبشة‪ -‬يجبيا صيون )‪694 -684‬هـ‪-1285 /‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪.(1294‬‬
‫حق الدين بن عمر‪ :‬كان معاصرا ملك الحبشة ودم أرعد )‪714 -699‬هـ‪1314 -1299 /‬م(‬ ‫‪-3‬‬
‫وعمدا صيون )‪.(1344 -1314‬‬
‫صبر الدين محمد بن عمر‪ :‬حكم أوفات في حدود عام ‪..7‬هـ‪..13 /‬م وكان معاصرا لعمدا‬ ‫‪-4‬‬
‫صيون )‪745 -714‬هـ‪1344 -1314 /‬م(‪.‬‬
‫جلل الدين بن عمر‪ :‬كان معاصرا لعمدا صيون )‪1344 -1214‬م(‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫على بن صبر الدين محمد‪ ) :‬كان معاصرا لسيف أرعد ملك الحبشة( )‪774 -745‬هـ‪/‬‬ ‫‪-6‬‬
‫‪1372 -1344‬م(‪.‬‬
‫أحمد حرب أرعد بن علي بن صبر الدين‪) :‬كان معاصرا لسيف أرعد( )‪774 -745‬هـ‪/‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪1372 -1344‬م(‪.‬‬
‫حق الدين الثاني بن أحمد‪776 -766 :‬هـ‪1374 -1364 /‬م‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫سعد الدين محمد بن أحمد‪8.5 -776 :‬هـ‪14.2 -1374 /‬م‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪.‬‬‫)] ‪([26‬‬
‫فترة ضعف وهجرة أولد سعد الدين إلى اليمن فترة استمرت حوالي ‪ 12‬سنة‬

‫دل‪:‬‬
‫ع َ‬
‫سلطنة َ‬
‫‪ 8.5‬هـ‪14.2 /‬م‬

‫‪10‬‬
‫)]‬
‫كانت عدل ضمن أقاليم سلطنة أوفات حتى عام ‪8.5‬هـ‪14.2/‬م وكانت تعرف باسم ))عدل المراء((‬
‫‪ ([27‬وعندما سقطت دولة أوفات قامت بدل منها دولة عدل وبقيادة نفس السرة التي كانت تحكم‬
‫أوفات‪ .‬وكانت‬
‫هذه السلطنة الجديدة‪ ،‬أقل من سلطنة أوفات السابقة في المساحة والقوة العسكرية والقتصادية‪.‬‬
‫فقد كانت تشمل الراضي الواقعة بين ميناء زيلع وهرر وتمتد جنوبا لتشمل جزءا مما يعرف الن‬
‫بالصومال الشمالي وإقليم الوجادين‪.‬‬
‫وعلى كل حال فقد أخذت هذه السلطنة اسمها من ميناء عدل الذي كان يقع على رأس خليج تاجورا‬
‫قرب جيبوتي الحالية‪ ،‬وكانت عاصمتها تسمى دكر)]‪) ([28‬بفتح الكاف مع التشديد( حتى عام ‪927‬هـ‪/‬‬
‫‪1531‬م عندما انتقلت العاصمة إلى مدينة هرر في عهد السلطان أبي بكر ابن محمد‪ .‬وبخلف دكر‬
‫وهرر كانت سلطنة عدل تشمل عددا آخر من المدن الهامة مثل مدينة زيفة وكدد وزعكة وهوبت‬
‫وشمنجود وسيم وبها نهر يسمى نهر شيخ)]‪.([29‬‬
‫وقد توسعت هذه السلطنة في عهد السلطان عمر دين بن محمد من ذرية سعد الدين والمام أحمد‬
‫بن إبراهيم الغازي حتى ضمت كل ممالك الطراز السلمي ومعظم أقاليم الحبشة النصرانية‪.‬‬
‫وانتهت عام ‪949‬هـ‪1543 /‬م وانكمشت حدودها لتصبح دويلة صغيرة بين هرر وسواحل زيلع‬
‫والصومال‪.‬‬
‫دل عدد من السلطين كالتالي‪:‬‬ ‫وقد تتابع على سلطنة ع َ َ‬
‫سلطين سلطنة عدل السلمية‪:‬‬
‫صبر الدين الثاني على بن سعد الدين‪825 -817 :‬هـ ‪1421 -1414/‬م‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫منصور بن سعد الدين‪828 -825 :‬هـ ‪1424 -1421 /‬م‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫جمال الدين محمد بن سعد الدين‪835 -828 :‬هـ ‪1431 -1424 /‬م‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫شهاب الدين أحمد بدلي بن صبر الدين على‪848 -835 :‬هـ‪1444 -1431 /‬م‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫محمد بن شهاب الدين بدلى‪875 -847 :‬هـ‪.147 -1443 /‬م فترة أضطرابات‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫محمد بن أظهر الدين بن أبي بكر بن سعد الدين‪924 -894 :‬هـ‪1518 -1488 /‬م‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫أبو بكر محمد بنأظهر الدين‪933 -924 :‬هـ ‪1526 -1518 /‬م‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫عمر دين بن محمد بن أظهر الدين‪ :‬عينه المام أحمد بن إبراهيم الغازي سلطانا عام‬ ‫‪-8‬‬
‫‪.‬‬‫)] ‪([30‬‬
‫‪933‬هـ ‪1526 /‬م‬
‫مملكة فطجار‪:‬‬
‫‪935‬هـ‪1529 /‬م‬
‫كانت هذه المملكة تقع حول الجزء الوسط من نهر عواش في شماله وجنوبه‪ ،‬وكان نصفها الشمالي‬
‫يمتد شمال حتى يصل قرب مدينة لل بل )لليبال الحالية(‪ ،‬وهو بذلك يفصل بين سلطنة أوفات وبين‬
‫إقليم أمحرا )أمهرا( وشوا‪ .‬أما نصفها الذي يقع جنوب نهر عواش‪ ،‬فقد كان يتصل بمعظم الممالك‬
‫السلمية التي تقع جنوب هذا النهر‪ .‬فكان يحده من الشرق سلطنة عدل وإقليم هرر‪ ،‬ومن الغرب‬
‫مملكة هدية وشرخة‪ ،‬ومن الجنوب الشرقي مملكة دوارو‪ ،‬ومن الجنوب الغربي مملكة بالي‪.‬‬
‫ويلحظ أنه لم يرد ذكر لهذه المملكة الهامة عند العمري والقلقشندى والمقريزي‪ ،‬ولكن ورد ذكرها‬
‫فقط عند عرب فقيه حيث وقعت على أرضها المعركة الشهيرة التي تسمى معركة شمبر كوري والتي‬
‫كانت أول نصر كبير لمسلمي الزيلع على نصارى الحبشة عام ‪935‬هـ‪1529 /‬م)]‪.([31‬‬
‫وكانت مملكة فطجار مملكة قوية‪ ،‬فعدد فرسانها كانوا ل يقلون عن عشرة آلف فارس‪ ،‬ومشاتها‬
‫فكثيرون‪ .‬أما مدنها وقراها فكانت عديدة مثل مدينة أماجة وجان زلق ومسين وبادقى وولدة مشك‬
‫والرزير وزقالة وأندوتنة وبرارة وشمبركرى‪.‬‬
‫سلطنة هرر‪:‬‬
‫‪927‬هـ ‪.152 -‬م‪:‬‬
‫يأتي الموقع الجغرافي للمدينة السلمية بهرر على قطاع جغرافي متسع من الميال الممتدة إلى‬
‫الداخل نسبيا ً عن ساحل البحر الحمر وتشكل عند قمته في هيئة مثلث تمتد أضلعه وتستند عند‬
‫و "بربرة ‪ "Berbera‬حيث تقوم وتنتشر كقاعدة عريضة له‪ ،‬بضع أميال ممتدة‬ ‫مدينتي "زيلع ‪"zeila‬‬
‫باتجاه المدينتين الساحليتين‪ ،‬وقد تمركزت هذه المارة السلمية المستقلة إلى الجنوب الشرقي من‬
‫بلد الحبشة وإلى الغرب من ميناء زيلع الصومالي أو مباشرة من الناحية الجنوبية الغربية‪ ،‬وربما في‬
‫التجاه الشرقي من وسط البلد‪ ،‬حيث يطلق عليها اسم منطقة هرر كمدينة ومقاطعة‪ ،‬ليشمل الحافة‬
‫الشرقية للهضبة التي تلي المقاطعات الممتدة نسبيا ً صوب الشمال من بوغاز باب المندب حتى‬
‫الجهات الجنوبية الغربية من خليج عدن‪.‬‬
‫تكونت سلطنة هرر على إثر سقوط سلطنة عدل ومال سلطينها إلى مهادنة الحباش‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫أصبحت مدينة هرر عاصمة منذ عام ‪927‬هـ‪.152 /‬م‪ ،‬وأول أمرائها إعلنا ً للجهاد ضد نصارى الحبشة‬
‫كان عقب وفاة السلطان محمد بن بدلي عام ‪876‬هـ‪1471 /‬م‪.‬‬
‫ثم ظهر عهد المام أحمد جران الذي بدأ حياته بالنتساب إلى أسرة المير محفوظ‪ ،‬فتزوج ابنته‬
‫وكسب تأييد أنصاره وتثقف ثقافة دينية غزيرة)]‪ ،([32‬وصار أخيرا من قواد المير أبون بعد موت المير‬
‫محفوظ ولما قتل المير أبون على يد السلطان أبي بكر‪ ،‬ترك المام أحمد مدينة هرر واستقر في‬
‫مسقط رأسه في )هوبت( التي تقع في إقليم شوا بين قلديسى وهرر‪ ،‬يجمع النصار ويرتب‬
‫المجاهدين‪ ،‬واستطاع كما رأينا أن يقتل السلطان أبا بكر بن محمد ويعين أخاه عمر دين بن محمد بدل‬
‫منه‪ ،‬وتصبح السلطة الحقيقية في سلطنة عدل في يده‪.‬‬
‫اتبع المام بعد أن سيطر على مقاليد المور في هرر سياسة موفقة جمعت الناس حوله‪ .‬فقد طبق‬
‫الشريعة السلمية في حكمه وخاصة في توزيع أموال الزكاة على مستحقيها‪ ،‬وكان السلطين قبله‬
‫يجمعونها ويحتجزونها لنفسهم ولبطانتهم؛ كما طبق الشريعة بالنسبة لموال الغنائم والفيء‪ ،‬فكان‬
‫يخرج الخمس ويوزع الباقي على الجند‪ .‬وبذلك كسب حب الفقهاء والعلماء والمشايخ‪ ،‬كم كسب أيضا‬
‫محبة الشعب‪ ،‬فقد كان ))يجلس ويلطف بالمساكين ويرحم الصغير ويوقر الكبير ويعطف على الرملة‬
‫واليتيم‪ ،‬وينصف المظلوم من الظالم حتى يرد الحق إلى مكانه‪ ،‬ول تأخذه في الله لومة لئم((‪ .‬كما‬
‫قضى على قطاع الطرق فأمنت البلد وانصلح حال الناس وانقادوا له وأحبوه ونسجوا حوله الساطير‬
‫وقالوا عن ))ل تسموه السلطان ول المير‪ ،‬ولكن سموه إمام المسلمين‪ ..‬أو إمام آخر الزمان‪ ..‬وأنه‬
‫هو الذي يصلح الله تعالى به بلد الحبشة((‪ .‬ولذلك اشتهر بلقب المام دون غيره من اللقاب‪ ،‬ولم‬
‫يتسم باسم السلطان أو المير)]‪.([33‬‬
‫وكان أشهر الملوك المسلمين ‪-‬في الحبشة‪ -‬جميعا ً )‪949 -923‬هـ‪1543 -1526 /‬م(‪ ،‬الذي أعاد‬
‫لحكام مسلمي الحبشة سيرة الحكم السلمي الراشد وأدخل الحباش المسيحيين والوثنيين جميعا في‬
‫السلم حتى لم يبق على مسيحيته إل قرابة عشرهم وبالرغم من انشغاله في الجهاد السلمي ورد‬
‫عدوان الحبشة المسيحية وحليفتها البرتغال على مسلمي الحبشة إل أنه لم يدخر وسعا ً في الصلح‬
‫الديني والجتماعي والسياسي والقتصادي‪ ،‬والعمل على وفير حياة حرة كريمة لرعيته‪ ،‬مما جعل‬
‫حكمه فريدا ً بين حكم الملوك السابقين‪ ،‬وجعله أشهرهم وأقواهم وأعدلهم على الطلق وقد وحد‬
‫ممالك المسلمين جميعا ً تحت سلطانه‪ ،‬بل تربع على عرش الحبشة كلها وانتصر على الحباش الذين‬
‫كان المسلمون قبله يؤدون لهم التاوة وأدخلهم تحت سلطانه‪ ،‬ودخلوا في السلم‪ .‬ولو ل تدخل‬
‫البرتغاليين ومساعدتهم ملك الحبشة الطريد وفلول جيشه المهزوم لظلت الحبشة مسلمة جميعها إلى‬
‫يومنا هذا‪.‬‬
‫لقد أدى تدخل الفرق البرتغالية إلى استشهاد المام أحمد عام ‪1543‬م بالقرب من بحيرة تانا فانهار‬
‫جيشه ومحاربوه‪ ،‬وبعد ذلك أخذ مجد الممالك السلمية في الضعف وتراجعت قبائل الصومال والعفر‬
‫وسائر المسلمين في مناطق القرن الفريقي‪.‬‬
‫انتصار الحباش على آخر حركة جهاد قوية قام بها المسلمون على يد المام أحمد جران في الفترة )‬
‫‪949 -934‬هـ‪1542 -1527 /‬م( لم يؤد إلى نفس النتيجة التي انتهى إليها انتصار السبان‪ .‬فقد ضاعت‬
‫بلد الندلس كدين ودولة كيان سياسي إسلمي مستقل وعادت إلى النصرانية من جديد‪ ،‬وأصبحت أحد‬
‫أقاليم دولة أسبانيا‪ ،‬بينما في مناطق مملكة الطراز السلمي لم يتمكن الحباش من القضاء على دين‬
‫السلم وظل المسلمون على دينهم حتى الن‪.‬‬

‫مملكة دوارو‪:‬‬
‫كانت هذه المملكة تقع جنوب سلطنة أوفات وفي الجنوب الشرقي لمملكة فطجار‪ ،‬وتتشابه ظروف‬
‫الحياة فيها مع أخواتها من الممالك السلمية السابقة‪ ،‬وإن كانت مساحتها أقل‪ .‬فقد ذكر العمرى أن‬
‫طولها يبلغ مسيرة خمسة أيام وعرضها مسيرة يومين‪ ،‬ورغم ذلك فقد كانت تملك جيشا قويا ل يقل‬
‫عن جيش أوفات في عدد الفرسان والمشاة)]‪.([34‬‬
‫وتميزت أيضا ً باحتوائها على عدد كبير من المدن مثل مدينة ونبارية وكحل برى وزميت وزهرق‪،‬‬
‫أووالدة ‪ ،‬وباب سرى‪ ،‬ودل ميدة‪ ،‬وعندورة وزرى وجراورارى وزغبة وأرقوى وأجيت وتن وأدل مبرق‪.‬‬
‫ويمر بهذه المملكة أيضا بعض روافد نهر الوبى شبيلى والتي كانت تسمى نهر بور ونهر بوس ونهر‬
‫زميت)]‪.([35‬‬
‫مملكة بالى‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫تقع مملكة بالى جنوب مملكة فطجار ويفصلها عن مملكة دوارو نهر وبى شبيلى‪ ،‬وتقع فيها منابع‬
‫وروافد نهر جوبا الذي ينحدر جنوبا حتى يصب في المحيط الهندي جنوبي بلد الصومال‪ .‬وقد أشار‬
‫)]‬
‫عرب فقيه إلى أحد روافد هذا النهر وسماه نهر )ونبات( وقال عنه أنه نهر كبير كثير الماء مثل ويبى‬
‫‪ .([36‬وعلى ذلك فقد كانت هذه المملكة تشمل أرضا ً واسعة تمتد بين نهر وبى شبيلى ونهر جوبا‬
‫وروافده‪ .‬وقد أشار إلى اتساع مساحتها القدمون فقالوا أن مساحتها مسيرة عشرين يوما ً طول وستة‬
‫أيام عرضا‪ ،‬كما أشاروا إلى غناها ووفرة خيراتها وطيب هوائها وخصب أراضيها‪ ،‬ولذلك كان سكانها‬
‫كثيرون وجيشها كبير العد‪ ،‬إذ بلغ فرسانه ثمانية عشر ألف فارس‪ ،‬ومشاتها أكثر من ذلك بطبيعة‬
‫الحال)]‪.([37‬‬
‫وقد اشتملت هذه المملكة التي تسمى الن باسم إقليم أو مديرية بالى على عدد كبير من المدن‪،‬‬
‫فجانب بالى العاصمة كانت تشمل مدن ميزا‪ ،‬وقاقمة‪ ،‬وزلة‪ ،‬ومالو‪ ،‬وعقرى‪ ،‬وأدل جلت‪ ،‬ودل باد‪،‬‬
‫وجدة‪ .‬وكانت المدينة الخيرة تقع على بعد مسيرة ستة أيام غرب نهر الويبى شبيلى)]‪.([38‬‬

‫مملكة داره‪:‬‬
‫وكانت هذه المملكة تقع جنوب مملكة بالى‪ ،‬ولم يذكر عنها العمرى أو غيره كثيرا من المعلومات‪،‬‬
‫ولكنه حدثنا عن ضيق مساحتها وعن ضعفها بالنسبة لغيرها من ممالك الطراز السلمية‪ ،‬فقال أن‬
‫طولها يبلغ مسيرة ثلثة أيام‪ ،‬وعرضا مثل ذلك‪ ،‬وهي أقل بلد الطراز خيل ورجل‪ ،‬فعسكرها ل يزيد عن‬
‫لفي فارس وألفين من المشاة‪ ،‬وهي ل تختلف في حياتها وأسلوب معيشتها عن أخواتها من ممالك‬
‫الطراز الخرى‪ .‬ولعل موقعها المتطرف وبعدها عن الكثافة السلمية في بلد الطراز كان من أسباب‬
‫ضعفها)]‪.([39‬‬

‫مملكة هدية‪:‬‬
‫كانت مملكة هدية تقع جنوب إقليم شوا وإقليم الداموت وشمال إقليم كمباتا‪ ،‬وغرب البحيرة التي‬
‫تسمى الن بحيرة ‪ Zway‬التي سماها عرب فقيه باسم نهر زواى)]‪ ،([40‬ومساحتها كانت تبلغ مسيرة‬
‫ثمانية أيام طول وتسعة أيام عرضا‪ ،‬وهى بذلك أقل مساحة من سلطنة أوفات ‪-‬كبرى ممالك الطراز‪-‬‬
‫ورغم ذلك فقد كان جيش هدية أكثر عددا‪ ،‬إذ بلغ عدد فرسانه أكثر من نصف هذا العدد)]‪ .([41‬ومع هذه‬
‫القوة العسكرية فقد وقعت هدية تحت نفوذ الحباش منذ وقت مبكر وخاصة بعد ضعف سلطنة عدل‪.‬‬

‫مملكة شرخة‪:‬‬
‫كانت هذه المملكة تقع جنوب مملكة هدية‪ ،‬كما كانت مساحتها محدودة وضيقة‪ ،‬فطولها يبلغ مسيرة‬
‫ثلثة أيام وعرضها مسيرة أربعة أيام‪ .‬وكان جيشها يحتوي على ثلثة آلف فارس وعلى ضعف هذا‬
‫العدد من المشاة‪ .‬وكانت شرخة ))كأخواتها دوارو وأرابينى في بقية أحوالها من الزى والمعاملة‬
‫والحبوب والفواكه والبقول وسائر ما لهم وما عليهم((‪.‬‬
‫وبعد فهذا ما كان معروفا عن ممالك الطراز السلمية من حيث موقعها ومساحتها وقوتها العسكرية‬
‫وبعض مدنها وأنهارها ومحاصيلها وطبيعتها الجغرافية‪ ،‬وحياتها المعيشية ومستواها الحضاري‪ .‬ومما هو‬
‫جدير بالملحظة أن القلقشندي أضاف إلى ممالك الطراز جزائر دهلك ومدينة عوان المواجهة لبلد‬
‫اليمن‪ ،‬وكذلك سلطنة مقدشو‪ .‬وكل هذه البقاع كانت تدين بالسلم وينتمي سكانها لنفس العناصر‬
‫التي ينتمي إليها سكان بلد الطراز السلمي‪ ،‬وكانت دهلك وعوان تقع في كثير من الحيان تحت نفوذ‬
‫حكام الحبشة‪ ،‬أما مقديشو فكانت سلطنة مستقلة عن الحباش والزيلع‪.‬‬
‫ولم تكن بعض ممالك الطراز السلمي هي الخرى حياة الستقلل في كثير من الحيان‪ .‬فقد كان‬
‫الحباش يبادرونها بالغزو والقتال والهجوم والضطهاد‪ ،‬ويفرضون عليها سيطرتهم وإن كانوا يبقون‬
‫حكمها في يد أسرات مسلمة تتوارث الحكم فيها تحت المظلة الحبشية)]‪.([42‬‬

‫الخاتمة‬

‫خلصت هذه الدراسة إلى تبيان قوة العلقات والصلت بين إقليم القرن الفريقي والجزيرة العربية‪،‬‬
‫خاصة فيما اصطلح عليه بالقرون الوسطى‪ ،‬بل من أوائل عهد ظهور السلم والهجرات المتبادلة بين‬
‫السكان فقد أدى الختلط الثقافي بين الحبشة والعرب إلى نتائج بعيدة في اللغة فلغة الجعيز )‪(Geez‬‬
‫أو لسان الجعيز كان السم الذي عرفت به اللغة الحبشية القديمة‪ ،‬وتنسب هذه اللغة إلى قبيلة‬
‫الجاعز )الجعزيان( وهي إحدى القبائل العربية التي يروي أنها هاجرت إلى بلد الحباش واستقرت في‬
‫الجانب الشمالي الشرقي من الحبشة ثم ما لبثت أن تعاظم نفوذها‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫كانت هذه اللغة هي لغة الحديث والكتابة في الحبشة حتى القرن الثالث عشر الميلدي حيث غلبت‬
‫عليها اللغة المهرية لغة الدولة المهرية التي حكمت منذ ذلك الحين وتعتبر المهرية أصل للغتين‬
‫ساميتين من لغات الحبشة هما الجواراجواي ولغة هرر‪ ،‬ومن اللغات التي يتكلمها كثير من الحباش‬
‫لغة التجري ولغة التجرينيا التي اشتقت من لغة الجعيز‪ ،‬وتعتبر لغة الجعيز هي اللغة الم للّغات‬
‫المتحدثة في الحبشة وارتيريا وهي المهرية والتجرينية والتجرى والثابت من النقوش القديمة التي عثر‬
‫عليها في بعض مناطق الحبشة‪ ،‬في الدور الول من تاريخهم أثر‪ ،‬اللغة والكتابة السبئية وعثر على‬
‫أسماء أماكن في الحبشة لها نظائر في بلد اليمن مثل أوم التي وردت في النقوش السبئية للدللة‬
‫على حرم بلقيس أو أحد هياكل القمر)]‪.([43‬‬
‫م القتراض اللغوي من لغة الحبشة‪ ،‬وصارت‬ ‫وبالمقابل فإن العرب ولغتهم تأثروا بلغة الحبشة‪ ،‬فقد ث ّ‬
‫اللفاظ المقترضة جزًء من اللغة العربية‪ ،‬وهذه ظاهرة معروفة في تطور اللغات وتداعيها‪.‬‬
‫وكان من آثار دخول السلم إلى أرض الحبشة وكامل إقليم القرن الفريقي أثره الواضح في تحول‬
‫هذه المجتمعات إلى قيم الحضارة السلمية‪ ،‬وتمثل نمطها المتفرد في المعرفة والحكم والدارة‬
‫والتراتيب السلطانية‪.‬‬
‫ومن خلل استعراض ممالك وسلطنات الطراز السلمي ظهر أثر هذه الدول السلمية في نشر‬
‫الحضارة السلمية في المناطق التي امتد إليها ظلها الداري والثقافي‪.‬‬
‫لكن الصراع الذي نشب بين هذه الممالك والمجموعات السلمية مع الجانب الخر المسيحي والوثني‬
‫والذي استمر لمدة ثلثة قرون تقريبا ً انتهى بإضعاف كل الجانبين السلمي وغير السلمي‪.‬‬
‫إل أن الكفة الراجحة في هذه الحرب الضروس كانت لنصاري الحبشة نتيجة للعون الخارجي القادم‬
‫من الغرب المسيحي‪.‬‬
‫لكن هناك حقيقة للسف لبد من ذكرها هنا وهي أن القوى السلمية في البلد السلمية الخرى لم‬
‫يكن لها أثر أو خدمة في نصرة إخوانهم في دول الطراز السلمي‪ ،‬فأحيط بهم إما من قبل الممالك‬
‫المسيحية في الشمال‪ ،‬وهي ممالك الحبشة والنوبة‪ ،‬وإما الوثنية في الغرب والجنوب‪ ،‬أما الدول‬
‫السلمية في الجنوب الشرقي والشرق مثل مقديشو واليمن فقد كانت في حالة من الضعف ل تمكنها‬
‫من القيام بدور النصرة المطلوبة‪.‬‬
‫ً‬
‫كما أن عدم الوحدة السياسية بل والتنافس الحاصل أحيانا بين ملوك دول الطراز السلمي‪ ،‬كل هذا‬
‫التشرذم السياسي كان عامل ً مهما ً في ترجيح كفة أعدائهم‪ ،‬تماما ً كما التهم النصارى السبان ممالك‬
‫الطوائف وقضوا على دولة السلم في بلد الندلس‪.‬‬
‫لذلك فإن العامل القتصادي كان له أثر كبير‪ ،‬ذلك أن قوام اقتصاد ممالك شرق إفريقيا ُيبني على‬
‫التجارة‪ ،‬وهذا النشاط القتصادي يحتاج إلى المن والستقرار السياسي ذلك ما لم يكن متوفرا ً في‬
‫أغلب الحيان‪.‬‬
‫ً‬
‫لكن على كل حال فإن هناك آثارا عظيمة حضارية وإنسانية واجتماعية تركتها هذه الدول في المنطقة‪،‬‬
‫فمن هذه الثار التي أوجدتها ممالك الطراز السلمي وغيرها من ممالك وسلطنات شرقي إفريقيا ما‬
‫يمكن تلخيصه في التالي‪:‬‬

‫في مظاهر الحضارة‪:‬‬


‫انتقلت مظاهر الحضارة العربية السلمية إلى المنطقة فاهتم السكان في المنطقة على اختلف‬
‫عناصرهم بالعلوم السلمية والعربية حتى أصبحت )براوة( جزيرة عربية على ساحل إفريقيا الشرقي‬
‫تجذب الطلب إليها من مختلف النحاء‪.‬‬
‫وفي فن العمارة‪:‬‬
‫تجلت مظاهر الحضارة السلمية في شرق إفريقيا في فن العمارة وتخطيط المدن وزخارف البواب‬
‫والشبابيك‪ ،‬كما أدخل المسلمون من النقش والحفر والنحت وعقود الصفاء العالية والفسيفساء مع‬
‫الرخام الملون وظهر ذلك بوضوح في قصور )مكوة( ومساجدها‪.‬‬
‫وكانت هذه في نشأتها عبارة عن مراكز تجارية محصنة تحصينا ً قويا ً وتحميها قوة بحرية‪ ،‬ثم أخذت تنمو‬
‫وتتسع في داخل أسوارها حتى تحولت تدريجيا ً إلى مدن زاهرة ومداخل واسعة وحدائق غناء‪ ،‬وكانت‬
‫أبوابها وإطارات نوافذها الخشبية منقوشة نقشا ً جميل ً ومزينة بالرسوم المعدنية البارزة‪.‬‬
‫وفي النشاط التجاري‪:‬‬
‫اشتغل المسلمون بالتجارة ونقل المحاصيل بطريق البحر مثل‪ ،‬العاج والذهب وريش النعام والعسل‬
‫والجلود والموز واللؤلؤ والصمغ واللبان‪ ،‬وقد ظهرت هذه السلع في السواق العربية في الشام‬
‫والعراق وكانت ميسه وزنجبار وغيرها من المدن تشبه في أهميتها التجارية المدن الفينيقية مثل صور‬
‫وصيدا في شرق البحر المتوسط‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫وفي الصناعة‪:‬‬
‫قام المسلمون باستخراج المعادن كالذهب والفضة والنحاس والحديد‪ ،‬وقد ذكرت المصادر أن معاش‬
‫أهل الساحل من الذهب والحديد وكميات كبيرة من الذهب ترد الدولة السلمية من سفالة حتى‬
‫سميت )سفالة الذهب(‪.‬‬
‫وفي مجال الثروة الحيوانية‪:‬‬
‫أدخل المسلمون إلى شرق إفريقيا تربية واعتنوا بتربية البل الماشية والغنام وصارت الجلود من أهم‬
‫صادرات المنطقة‪.‬‬
‫قيام مدن إسلمية خالصة‪:‬‬
‫عندما حل القرن الخامس الهجري‪ /‬الحادي عشر الميلدي‪ ،‬كانت مدن الساحل قد ثبتت مقوماتها‬
‫وكرست سماتها السلمية فقضت على كل التأثيرات الخارجية وجعلت جميع المدن مدنا ً إسلمية‬
‫صرفه وهذه المدن من الشمال إلى الجنوب هي‪ :‬مقديشو‪ ،‬براوة‪ ،‬قسماتو‪ ،‬بات‪ ،‬لمو‪ ،‬زنجبار‪ ،‬موقيه‪،‬‬
‫مكوة‪ ،‬موزمبيق‪ ،‬سفالة‪ ،‬وكان أغلب هذه المدن تقع في الجزائر لعتدال حراراتها من جهة ولسهولة‬
‫تحصينها عن طريق البحر من جهة أخرى‪ ،‬وبعضها يقع على مسافة متوسطة من الساحل كجزيرة‬
‫زنجبار وبعضها الخر يقع على مقربة من الساحل مثل ميسه وكلوه وغيرها‪.‬‬
‫في الندماج الجتماعي‪:‬‬
‫بمرور الزمن تزاوج العرب القادمون والمهاجرون إلى شرق إفريقيا مع السكان المحليين فنتج عن‬
‫ذلك شعب خليط من العرب وغيرهم في اندماج اجتماعي منقطع المثل‪ ،‬في إطار من وحدة الثقافة‬
‫والدين‪.‬‬
‫وفيما يلي تلخيص لهم النتائج‪ ،‬وذكر التوصيات التي يرى الباحث أهميتها والنظر فيها بعين‬
‫العتبار‪.‬‬
‫ظهر في هذه الممالك جماعة من العلماء والدباء والكتاب البارعين في شتى فنون المعارف السلمية‬
‫والعربية‪.‬‬
‫فمن هؤلء المؤرخ المشهور عبد الرحمن الجبرتي )‪1168‬هـ‪1754 -‬م(‪.‬‬
‫ومن الجبرته أيضا ً الشيخ على الجبرتي‪ .‬ومن أهالي زيلع فخر الدين أبو عمر عثمان بن على بن محجن‬
‫البارعي الزيلعي‪ ،‬الفقيه الصولي المتكلم‪ .‬ومنهم جوهر بن حيدر علي الشنكي‪ .‬ومنهم الحاج حسن‬
‫بن لبن الكومبولشي المقرئ المجود للقرآن‪ ،‬ومنهم الشيخ حسن بن حبيب الحنفي الجبرتي الوللوي‬
‫ومنهم المام البارع العلمة جمال الدين محمد بن عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي )ت ‪ .(762‬من‬
‫أشهر مؤلفاته ‪)):‬نصب الراية لحاديث الهداية(( في أربع مجلدات‪ ،‬وقد اعتنى بهذا الكتاب جماعة من‬
‫كبار العلماء نظرا ً لجودته منهم العلمة قاسم بن قطلوبغا )ت ‪879‬هـ(‪ ،‬والحافظ ابن حجر العسقلني‬
‫)ت ‪842‬هـ( وغيرها‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن علماء هرر المعاصرين الشيخ محمد عارف عثمان موسى الهرري صنف بحثا في ‪ 486‬صفحة‬
‫موسوم ب ))القراءات المتواترة التي أنكرها ابن جرير الطبري في تفسيره والرد عليه(( من أول‬
‫القرآن إلى سورة التوبة‪ ،‬نال بها درجة الماجستير‪ ،‬عالج فيه موضوع القراءات المتواترة التي تناولها‬
‫الطبري وأنكر عليه دعوى التواتر وتفضيل بعضها على بعض‪ .‬كما بين مصدر القراءات وتنوعها وغير‬
‫ذلك من المباحث القيمة‪ .‬طبع الكتاب في عام ‪14.6‬هـ ‪1986‬م الرياض‪.‬‬
‫وغيرهم كثير ل يمكن حصرهم في مثل هذه الدراسة المختصرة‪.‬‬
‫النتائج‪:‬‬
‫خلصت الدراسة إلى النتائج التالية‪:‬‬
‫أحدثت ممالك الطراز السلمي نقلة نوعية في مجتمع إفريقي من القبيلة والطقوس الوثنية‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إلي مجتمع حضاري‪ ،‬في دولة مركزية موحدة ذات قيادة عليا تمارس النظم الدستورية‪ ،‬وأساليب‬
‫الحكم الشورية‪ ،‬وتطبيق العدالة السلمية‬
‫نشرت اللغة العربية التي هي وعاء الدين‪ ،‬في مساحة شاسعة من بلد القرن الفريقي‬ ‫‪-2‬‬
‫حيث صارت العربية لغة مقدرة في المنطقة‪.‬‬
‫صلت للنموذج القيادي السلمي‪ ،‬من حيث جودة الثقافة‪ ،‬وحسن الدارة‪.‬‬ ‫أ ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫تأسيس قاعدة انطلق دعوية وحضرية ومراكز إشعاع لكامل المنطقة شرقي إفريقيا‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫بناء تقاليد راسخة للقيم الفاضلة والترابط الجتماعي والوحدة الشعورية في القليم‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫‪15‬‬
‫نشأت دول الطراز السلمي على أساس فكري متين مما جعلها ترتكز على أعمدة فكرية‬ ‫‪-6‬‬
‫وثقافية راسخة‪ ،‬مكنتها من تجاوز الجتياح البرتغالي واليطالي والنجليزي إذ أنه برغم هذا الستعمار‬
‫والتسابق المحموم على إفريقيا فإن روح الثقافة السلمية ظلت نافذة في الشعوب ول يزال القرن‬
‫الفريقي عامرا ً بالمساجد والمدارس السلمية وما تزال الثقافة السلمية أكبر عامل مشكل لحركة‬
‫المجتمع وما يزال المجتمع متمسكا ً في أخلقه ومراسيم زواجه ومناسباته وتفاعلته بالثقافة السلمية‬
‫الصلية‪.‬‬
‫اتضح من الدراسة أن أغلب الكتابات عن ممالك وسلطنات القرن الفريقي تدور حول‬ ‫‪-7‬‬
‫الصراعات المسلمة بين تلك الممالك ومملكة الحبشة النصرانية‪.‬‬
‫استطاع البحث أن يخرج بحصيلة هامة في تصنيف ممالك الطراز السلمي‪ ،‬وخصائص هذه‬ ‫‪-8‬‬
‫الممالك ومقوماتها‪ ،‬ومواطن انجازاتها ومواقع ضعفها‪.‬‬
‫استطاع البحث إلقاء الضوء على مجموعة من علماء وزعماء المنطقة‪ ،‬ودورهم العلمي‬ ‫‪-9‬‬
‫والسياسي في نهضتها‪.‬‬
‫تبين من البحث غياب النصرة السلمية لمسلمي القرن الفريقي حال تصديهم للهجمة‬ ‫‪-10‬‬
‫الغربية‪ ،‬خاصة البرتغال‪ ،‬ثم من بعد ذلك النجليز والفرنسيين واليطاليين‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬‬
‫توصي الدراسة بالعناية بشؤون شعوب القرن الفريقي خاصة والصراعات المحلية‬ ‫‪-1‬‬
‫مازالت تنهش في وحدتهم وثقافتهم وكيانهم كله‪.‬‬
‫كما توصى الدراسة أن تأخذ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم زمام المبادرة بالتصويب‬ ‫‪-2‬‬
‫على دراسة تاريخ المنطقة وإعادة تدوينه خاليا ً من شوائب الدراسات الغربية لهذا التاريخ‪.‬‬
‫المسارعة بإنشاء متحف يكون مقرة في هرر أو مقديشو لتجميع مقتنيات المنطقة ووثائقها‬ ‫‪-3‬‬
‫التاريخية وكافة ما يخدم تراثها وثقافتها المتميزة‪.‬‬
‫الرفع المعماري لما هو موجود من الحضارة المعمارية السلمية لشهر مدن القرن الفريقي‬ ‫‪-4‬‬
‫قبل أن يدركها التغيير والتبديل‪ ،‬نظرا ً لما تتميز به هذه العمارة من دللت حضارية وثقافية‪.‬‬
‫إقامة مركز لدراسات شرق إفريقيا في جامعة إفريقيا العالمية يخدم الغراض العلمية‬ ‫‪-5‬‬
‫من الوجهة الكاديمية لحاضر ومستقبل المنطقة‪.‬‬
‫إعطاء طلب العلم من أبناء القرن الفريقي خصوصية وأولوية في القبول للدراسة الجامعية‬ ‫‪-6‬‬
‫وفوق الجامعية بجامعة إفريقيا العالمية خاصة في التخصصات العلمية البحتة ليستعيدوا بالعلم مجدهم‬
‫الفل‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ...‬يوصى الباحث بصياغة بروتكول تعاون وتؤامة بين جامعة إفريقيا العالمية في‬‫ً‬ ‫‪-7‬‬
‫السودان‪ ،‬وجامعة مقديشو في الصومال‪.‬‬
‫وبعد‪ .‬فهذا الذي ذكرنا مختصرا ً من أمر ممالك وسلطنات الطراز السلمي ما يناسب أوراق العمل‬
‫المطلوبة لمثل هذه الندوة المباركة‪ ،‬التي نسأل الله أن يجزي القائمين على أمرها خير الجزاء‪ ،‬إنه‬
‫جواد كريم رحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫* مستشار لجنة أفريقيا الندوة العالمية للشباب السلمي– الرياض – المملكة العربية‬
‫السعودية‪.‬‬

‫الزبيدي‪ ،‬محمد حسين ‪ :‬هجرة العرب المسلمين إلى شرق إفريقيا‪ ،‬مجلة المؤرخ العربي‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫العدد )‪ (23‬ص )‪1983 (99‬م بغداد‪ ،‬العراق‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.1.4‬‬
‫)]‪ ([3‬ابن عبد البر‪ :‬الدرر في اختصار المغازي والسير‪ ،‬ص ‪ ،22‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫)]‪ ([4‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ :‬جزء)‪ (1‬ص ‪ ،349‬طبعة دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪14.9‬هـ‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([5‬الزبيدي‪ ،‬محمد حسين‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫)]‪ ([6‬الدكتور علي الشيخ أبو بكر‪ :‬ضمن أبحاث ملتقى خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬جوهانسبرج‪،‬‬
‫جنوب إفريقيا‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬الدكتور عبد الحافظ الصم‪ :‬ضمن أبحاث ملتقى خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬جوهانسبرج جنوب‬
‫إفريقيا‪1423 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.119 -118‬‬

‫‪16‬‬
‫)]‪ ([8‬أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي‪ :‬تنوير الغبش في فضل السودان والحبش‪ ،‬حققه‪ :‬مرزوق‬
‫علي إبراهيم‪ ،‬طبعة دار الشريف‪ ،‬الطبعة الولى ‪1419‬هـ ‪1998‬م‪ .‬الرياض ص ‪.246‬‬
‫)]‪ ([9‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪.72‬‬
‫)]‪ ([10‬ابن سعد‪ :‬الطبقات الكبرى‪ ،‬الجزء )‪ (2‬ص ‪163‬دار صادر بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫)]‪ ([11‬المام محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬الصحيح بشرح الكرماني الجزء )‪ (8‬ص ‪.115 ،112‬‬
‫)]‪ ([12‬المام النسائي‪ :‬سنة النسائي بشرح السيوطي‪ ،‬الجزء )‪ (6‬ص ‪.44‬‬
‫)]‪ ([13‬حسن محمود‪ :‬السلم والثقافة العربية في إفريقيا‪ ،‬ص ‪ .427‬طبعة القاهرة ‪1963‬م‪.‬‬
‫* مملكة الحبشة‪:‬‬
‫مملكة الحبشة النصرانية كانت تحت حكم أسرة واحدة وخاصة منذ عام ‪669‬هـ‪.127 /‬م‪ ،‬بمعنى أنها‬
‫لم تنقسم إلى ممالك مستقلة بعضها عن البعض الخر كما كان المر بالنسبة لممالك الطراز‬
‫السلمية‪ ،‬بل كانت تنقسم إلى أقاليم أو إمارات أو ممالك صغيرة على رأسى كل منها أمير أو ملك‬
‫يحكمها نيابة عن ملك ملوك الحبشة الذي كان يسمى نجاشي النجاشية أو الحطى‪.‬‬
‫فنجاشي النجاشية كانت له الكلمة العليا‪ ،‬وكان يحكم بلد الحبشة كلها‪ ،‬وكان يتم تنصيبه في بيت‬
‫أمهرة أي العاصمة ولكنه ل يقيم فيها طوال الوقت‪ ،‬غذ كان ل يستقر في مكان واحد فترة طويلة‪ ،‬بل‬
‫كان ينتقل من إقليم إلى آخر ويتخذ خيمة كبيرة كانت ترى من مسافة بعيدة يقيم فيها فترة من‬
‫الزمن‪ ،‬ثم ل يلبث أن ينتقل إلى إقليم آخر‪ ،‬وذلك حتى يباشر سلطته على كل أقاليم الحبشة وحتى‬
‫يجعل حكامها يحسون بسلطته وبنفوذه الذي ل يغيب عنهم طويل‪ .‬ولذلك كانت الوحدة السياسية‬
‫متوفرة إلى حد كبير في بلد الحبشة‪.‬‬
‫)]‪ ([14‬نور الدين عوض الكريم إبراهيم‪ :‬ضمن أبحاث الندوة العالمية عن التعليم السلمي‪ ،‬جامعة‬
‫الملك فيصل‪ ،‬أنجمينا ‪1425‬هـ ‪1..2‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([15‬نفس المصدر‪ :‬الصفحات ‪.15 ،11 ،9 ،8‬‬
‫)]‪ ([16‬رجب محمد عبد الحليم‪ :‬العلقات السياسية بين مسلمي الزيلع ونصارى الحبشة في العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪14.5 ،‬هـ ‪1985‬م‪ ،‬ص ‪.16/17‬‬
‫)]‪ ([17‬العمري‪ :‬مسالك البصار‪ ،‬الجزء )‪ (2‬نقل ً عن د‪ .‬نور الدين عوض الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫)]‪ ([18‬ابن بطوطة‪ :‬نقل ً عن المؤرخ العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111/112‬‬
‫)]‪ ([19‬العمري‪ :‬جزء )‪ (2‬ص ‪478‬مصدر سابق‪.‬‬
‫)]‪ ([20‬د‪ .‬نور الدين عوض الكريم‪ ،‬ص ‪ 11‬مرجع سابق‪.‬‬
‫)]‪ ([21‬رجب محمد عبد الحليم‪ :‬مرجع سابق ص ‪..26‬‬
‫* بلد الزيلع‪:‬‬
‫ً‬
‫بلد الزيلع كانت تمتد من ميناء مصوع شمال إلى إقليم الوجادين جنوبا‪ ،‬ومن رأس غوردافوى شرقا‬
‫حتى أطراف الهضبة الغربية غربا‪ .‬بل إن الدولة السلمية امتدت لتشمل بعض أجزاء من هذه الهضبة‬
‫فيما كان يعرف بسلطنة شوا السلمية التي كانت تقع في الجزء الشرقي من هضبة شوا حيث تقع‬
‫مدينة أديس أبابا الن‪ ،‬وتشمل أيضا ً ما كان يعرف بمملكة هدية ومملكة شرخا السلميتين اللتين كانتا‬
‫تقعا جنوب هضبة شوا فيما يعرف الن بأقاليم جالتلما وجوراجيا وكمباتا‪.‬‬
‫وبلد الزيلع والحبشة تعرف الن فيما يسمى بمنطقة القرن الفريقي والتي تضم دول أثيوبيا وأريتريا‬
‫والصومال وجيبوتي‪ .‬وطبيعي أن هذه السماء لم تكن كلها معروفة في العصور الوسطى فقد كان‬
‫هناك ما يعرف عند العرب والمسلمين باسم الحبشة التي حرفها البرتغاليون على كلمة )‬
‫‪ ،(Abyssinia‬وهناك بلد الزيلع التي نشأت فيها ممالك الطراز السلمية‪ ،‬وهناك أيضا ً في أقصى‬
‫الجنوب سلطنة مقديشو‪ ،‬وفي أقصى الشمال ممالك البجة‪.‬‬
‫)]‪ ([22‬العمري‪ :‬جزء )‪ (2‬ص ‪ 485‬مصدر سابق‪.‬‬
‫)]‪ ([23‬نور الدين عوض الكريم‪ ،‬ص ‪15‬مرجع سابق‪.‬‬
‫)]‪ ([24‬المقريزي‪ :‬اللمام‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫)]‪ ([25‬فتحي غيث‪ :‬السلم والحبشة عبر التاريخ‪ ،‬ص ‪ 14-9‬نقل ً عن رجب محمد عبد الحليم‪ .‬مرجع‬
‫سابق‪.‬‬
‫)]‪ ([26‬رجب محمد عبد الحليم‪ :‬مرجع سابق ص ‪.261‬‬
‫)]‪ ([27‬عرب فقيه‪ :‬ص ‪2.3 ،2.2‬شهاب الدين أحمد‪ ،‬فتوح الحبشة‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب ‪1394‬هـ‬
‫‪1974‬م‪..‬‬
‫)]‪ ([28‬نفسه ص ‪..5 ،23‬‬
‫)]‪ ([29‬العمري‪ :‬مسالك البصار جزء )‪ (2‬ص ‪ 482 ،481‬مصدر سابق‪.‬‬
‫)]‪ ([30‬رجب محمد عبد الحليم‪ :‬مرجع سابق ص ‪.262‬‬
‫‪17‬‬
‫)]‪ ([31‬شوقي عطا الله الجمل‪ :‬سياسة مصر في البحر الحمر في النصف الثاني من القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪1974‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([32‬حسن محمود‪ :‬السلم والثقافة العربية في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.427‬‬
‫)]‪ ([33‬عرب فقيه‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.89 ،33 ،18 ،17 ،14‬‬
‫)]‪ ([34‬العمري‪ :‬جزء ) ‪ .482 -481 (2‬والقلقشندي جزءه ص ‪.327 ،326‬‬
‫)]‪ ([35‬عرب فقيه‪ :‬ص ‪.83 ،24‬‬
‫)]‪ ([36‬فتوح الحبشة‪ :‬ص ‪.99‬‬
‫)]‪ ([37‬العمري‪ :‬جزء )‪ (2‬ص ‪.483‬‬
‫)]‪ ([38‬عرب فقيه‪ :‬ص ‪.1.9‬‬
‫)]‪ ([39‬العمري‪ :‬جزء ‪2‬ص ‪ .483‬والقلقشندي جزءه ص ‪.329‬‬
‫)]‪ ([40‬فتوح الحبشة‪ :‬ص ‪..28‬‬
‫)]‪ ([41‬العمري‪ :‬جزء )‪ (2‬ص ‪ 482‬والقلقشندي جزءه ص ‪ 327‬والمقريزي‪ :‬ص ‪.7‬‬
‫)]‪ ([42‬رجب محمد عبد الحليم‪ :‬العلقات السياسية بين مسلمي الزيلع ونصارى الحبشة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪.27‬‬
‫)]‪ ([43‬د‪ .‬عبد العزيز عبد الغني إبراهيم الثر الحبشي في الثقافة العربية مجلة دراسات إفريقية ص‬
‫‪ 117‬العدد‪.‬‬

‫‪18‬‬

You might also like