Professional Documents
Culture Documents
ود سبت للانتاج الفني
ود سبت للانتاج الفني
1
وقد أسلم ملك غانة )تنكامين( عندما فتح أمير المرابطين أبو بكر ابن عمر اللمتوني وأبنه المير أبو
يحيى عاصمة غانة سنة 469هـ 1.76م ،وأصبحت مملكة غانة دولة إسلمية منذئذ حكومة وشعبا.
مملكة مالي السلمية:
دخل أول ملوك مالي السلم في القرن الخامس الهجري تقريبا وهو الملك )جور ماندانا كوناتي( حج
في عام 442هـ.1.5-م.
قال ابن خلدون :ودخلت قبائل الماندنجو في دين السلم منذ حين دخلها جماعة من المسلمين ،فحج
جماعة من ملوكهم ،وأول من حج منهم برمندار.
بلغت مملكة مالي أقصى اتساعها في عهد ملكها منسي موسى بن أبي بكر الذي حكم في الفترة من
738 -712هـ.
2
بحكم طبيعة تكوينها العرقي والحضاري ارتبطت منطقة شرق إفريقيا ارتباطا ً وثيقا ً ببلد العرب وإن
أقدم ما عرف عن اتصال شعب الجزيرة العربية بشرقي إفريقيا كان اتصال شعب وادي الرافدين في
عهد سرجون الكدي الذي حكم العراق حوالي سنة 17.9ق.م فقد كشفت الحفريات عن نقوش
سومرية وبابلية في ساحل شرقي إفريقيا ترجع إلى عهد هذا العاهل تشير إلى وصول شعب وادي
الرافدين إلى هذه الربوع)] .([1كذلك جاء العرب من جنوب غرب شبه الجزيرة العربية علوة على
مجموعات حوض البحر المتوسط فقد وفدت هجرات السبيئيين بعد انهيار سد مأرب في اليمن عام
.12م ،والذين جلبوا معهم الزراعة على سفوح الجبال ولغتهم المكتوبة ونظمهم السياسية ورغم قلة
أعدادهم فإنهم تركوا أثرا واضحا ظل موجودا ً في المنطقة وكان ذلك بفضل المصاهرة والندماج في
المجتمع المحلي حيث نجد أن التقاليد الثقافية والمعارف الحضارية التي جاءت بها الهجرات انصهرت
مع الموروثات المحلية وأصبحت تشكل بدورها جزءا من نسيج الوحدة في هذا المجتمع ،ومما ساعد
على تحقيق ونمو هذه العلقة الناحية التجارية التي شكلت قدرا مهما في نمو هذه العلقة وانصهارها
داخل مجتمع القرن الفريقي ،ويمكن القول بأن أكثر المجموعات العرقية تأثرا بالهجرات السامية هما
مجموعتا التيغري والمهرا في أثيوبيا وبعد ظهور السلم فإن التواصل إزداد بين العرب المسلمين
وسكان هذا القليم ،وتم ذلك على فترات نذكرها كالتالي:
الفترة الولى :الهجرات والتحولت السكانية:
تدل بعض المصادر على أن قبائل عربية مسلمة استقرت على الساحل الفريقي للبحر الحمر،
وبخاصة في مصوع منذ القرن الهجري /الثامن الميلدي .ويفترض أن هذا الستيطان رافقه نشاط
ثقافي أسفر عن انتشار تدريجي للسلم في المناطق الساحلية المحاذية للبحر الحمر والمحيط
الهندي.
وكان في طليعة هؤلء المهاجرون أهل عمان وأهل حضرموت بصورة خاصة حيث وفدوا إلى هذه
المناطق في مجموعات صغيرة انتشرت في بعض الجزر ثم في المراكز الساحلية واستطاعت هذه
المجموعات أن تطبع مناطق واسعة من شرق إفريقيا بلغتها ودينها وأن تختلط بالسكان الوطنيين.
وقد توالت الهجرات بعد ذلك من ساحل الجزيرة العربية ولسيما الحساء والبحرين وعمان
وحضرموت واليمن إلى شرق إفريقيا بشكل واسع لغرض الستيطان والستقرار الدائم)].([2
ومن المرجح أن الساحل الشرقي لفريقيا ظل ملجأ للمضطهدين في القرون الولى من تاريخ السلم
وتقول بعض الروايات أن مهاجرين أتوا من الحساء هم الذين أسسوا مقديشو ،وقد قامت حركة
تجارية بين شبه جزيرة العرب وشرق إفريقيا منذ القرن الهجري ،وكان يتم تبادل سلع كالعاج والذهب
والعبيد والعطور والقماش.
فالهجرة إلى الحبشة كانت أول هجرة تخرج جموع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
أرض الحبشة عندما قال الرسول )ص( لمن آمن من أصحابه "تفرقوا في الرض فإن الله سيجمعكم،
قالوا إلى أين نذهب؟ قال هاهنا ،وأشار بيده إلى أرض الحبشة ،فهاجر إليها ناس ذوو عدد ،منهم من
هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه حتى قدموا أرض الحبشة")].([3
إنها أول هجرة في السلم بتوجيه من رسول )ص( ،لنه لما رأى ما يصيب أصحابه من البلء وما هو
فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب ،وأنه ل يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلء
قال لهم" :لو خرجتم إلى أرض الحبشة ،فإن بها ملكا ل يظلم عنده أحد ،وهي أرض صدق حتى يجعل
الله فرجا مما أنتم فيه ،فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله )ص( إلى أرض الحبشة
مخافة الفتنة ،وفرارا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة في السلم")].([4
وتشير المراجع العربية إلى أن أقدم الهجرات )السياسية( في العصور السلمية إلى ساحل إفريقيا
كانت في عهد الخليفة الموي عبد الملك ابن مروان )86 -65هـ( على إثر اتباعه سياسة البطش
والتنكيل بالمناوئين لسياسة الدولة الموية ،فخرجت هجرات عربية إسلمية بإعداد ضخمة إلى ساحل
إفريقيا الشرقي ،وانضموا إلى من سبقهم من المهاجرين المسلمين العرب ليدعموا تأسيس المدن
السلمية العربية هناك.
وكان أهم الهجرات العربية السياسية التي خرجت من عمان خلل الفترة بين )85-75هـ( بقيادة
الخوين سليمان وسعيد بن عباد الجلندي من شيوخ قبيلة الزد العربية التي حكمت عمان في عهد
الدولة الموية ،وقد ثاروا في وجه الخليفة عبد الملك وأعلنوا تأييدهم لعبد الله بن الزبير الخليفة بمكة،
فوجه عبد الملك إليهم الحجاج بن يوسف القفي سنة 75هـ694 -م عاملة على العراق لخضاعهم ولما
لم يستطع الخوان مقاومة جيوش الحجاج هرب سليمان وسعيد وأنصارهما إلى الساحل الشرقي
لفريقيا.
3
ثم تبعت هذه الهجرات هجرات أخرى من الزيدية خرجت من اليمن إلى شرق إفريقيا ،في الفترة من
143-.14هـ .76 -757م ،فانتشروا إلى ساحل بنادر وتوغلوا إلى الداخل حتى وصلوا خط الستواء،
وبذلك زاد عددهم واتسع ملكهم حتى ضم مدينة مقديشو تلك المدينة التي أسسها المسلمون العرب
فيما بعد)].([5
هذا ولم تتوقف الهجرات من الجزيرة العربية إلى إفريقيا حتى وقت قريب ولكنها بأسباب مختلفة،
فمنها:
الهجرة بسبب الدين خوفا من الفتنة مثل الهجرة إلى الحبشة. -1
الهجرة بسبب التجارة والرتزاق. -2
الهجرة بسبب الضطهاد السياسي. -3
الهجرة بسبب الجفاف والنتقال من الصحراء إلى الراضي الخصبة. -4
الفترة الثانية :التفاعل الحضاري:
التفاعل الحضاري أحد المفاهيم التي كرستها الجغرافيا الحضارية وهي فرع من فروع الجغرافيا
البشرية يهتم بدراسة العلقات المكانية للديان واللغات ،كما يركز على دللت العلم الجغرافية
وأنماط السكن والمساكن والصبغة الدينية للعمران .وهكذا وبعبارة أوسع تهتم الجغرافيا الحضارية
بالحضارات وبيئاتها.
فمن ناحية العلقات المكانية للدين فإن السلم قد انتشر في القارة الفريقية عبر التصال السلمي
والقنوات الدعوية الهادفة ،والجهود الجماعية والفردية على حد سواء ،فإن هناك عددا من العوامل
المؤثرة استطاعت نقل الدعوة السلمية من الخطوة الولى إلى خطوات أكثر أهمية ،ومن المناطق
الساحلية إلى أعماق القارة ،ومن وافدة يحملها أناس وافدون إلى دعوة تنبع من أعماق قلوب
الفارقة ،يدافعون عنها كما يدافعون عن أبنائهم وأنفسهم ،ونذكر طرفا ً من تلك العوامل:
الخلق الرفيعة التي أحاطت بالمهاجرين الوافدين أيا كانت وظائفهم المعيشة أو الدرجات -1
العلمية ،فالمانة جعلت التجار المسلمين منارات هدى في أي موقع حلوا فيه مما ترك آثارا حميدة في
نفوس السكان الصليين ،وكذلك كل الصفات الطيبة مثل الصدق والنظافة ولين الجانب.
التزويج والمصاهرة والختلط في المناسبات هي أمور ساهمت في إذابة الفوارق بين -2
الطرفين وفي قبول السكان العقيدة السلمية.
طبيعة الدين السلمي وعالميته وتسامحه عامل آخر يساعد على انتشاره في المجتمع الفريقي -3
ن) ) ...النحل: َ ّ ْ َ ْ ّ ّ َ ْ َ
س ُح َ
يأ ْ ه َ
هم ِبالِتي ِ
جاِدل ُ
و َ
ن ) )النبياء َ ( (1.7 : مي َعال ِ
ة لل َ م ًح َسلَناك إ ِل َر ْ ما أْر َ و َ
( َ
( 125فهذه التوجيهات الربانية إذا طبقت على الواقع فإنها تذلل العقبات في مختلف العصور لنها
م) )...السراء (.7 : مَنا ب َِني آدَ َ ول َ َ
قدْ ك َّر ْ تكرم النسان ( َ
عدم وجود أديان منافسة أخرى كالنصرانية واليهودية ،في تلك المرحلة وهذا من شأنه أن يمهد -4
الطريق لنتشار السلم بصورة تدريجية .
)]([6
ومن ناحية العلقات المكانية للغة فإن اللغة العربية قديمة في إفريقيا لنه ثبت وجود سللت سامية
قديمة في القرن الفريقي وأثيوبيا ،وكانت أكثف الهجرات بين ) .155ق.م.و( ...3ق.م على عهد
دولتي معين وسبأ ومن أشهر القبائل العربية الجنوبية قبيلتا سهرت أو سحرت ،والجعز أو )الجاعز(.
واللغة الخيرة انتهت إليها الهيمنة على بلد الحبشة ،ثم أصبحت أصل ً للغات أخرى لعل أهمها لغة
التجراي الحديثة ،والمعتقد أن وصول السامين إلى الحبشة قد يكون في فترة أقرب من تلك التي
ذكرت آنفًا) ...1 -..4ق.م (.بل هناك من ذهب إلى أن مهد الساميين الصلي هو القرن الفريقي
والحبشة ،وإنهم من هنا انطلقوا إلى شبه الجزيرة العربية )موسى ،1984 ،ص .(69ومن القبائل
العربية القديمة في القرن الفريقي وأثيوبيا قبيلة )حبشت( التي أصبح اسمها علما على الحبشة
)طرخان .(1959ويرى جريس ) ،1993ص ،(118أن حبشت ليست قبيلة واحدة بل هي عدة قبائل
سامية كتب لها فيما بعد تأسيس مملكة أكسوم الحبشية ،وكان لهذه القبائل نظامها الجتماعي
المتميز ولغتها التي طغت على سواها ،كما أنها أدخلت المؤثرات السبيئية في هذه البلد.
4
ومن قبائل جنوب الجزيرة العربية التي وفدت إلى السودان الشرقي ومنه امتد تأثيرها إلى كافة أنحاء
السودان مجموعات حميرية دخلت البلد بهدف الغزو ،ثم ما لبثوا أن واصلوا -أو واصل بعضهم -رحلته
إلى شمالي إفريقيا ) .(MacMichaei, 1922, P.9ولعل أهم المجموعات العربية ،التي وفدت إلى
السودان الشرقي هي مجموعة من عرب حضرموت )الحضارم( .جاءوا إلى السودان الشرقي في
وآخر القرن السادس الميلدي ،ويعرفون في شرق السودان )بالحدارب( تصحيفا ً من حضارم ،ويرى
بول ) (Paul, 1959, P. 75أنهم والمجموعة المعروفة في شرق السودان "بالبلو" أي الجانب
يرجعون إلى أصل واحد .والكلمة مشتقة من بيلويت ) (Belawietوتعني التحدث بلغة أجنبية في
اللغة التبداوية وهي اللغة المحلية لسكان شرق السودان .ويعتقد ) .(Paulأن المواطن الصلي لهؤلء
في الجزيرة العربية هو إقليم الشحر كما أنه يذهب على اعتبارهم فخذ من حمير)].([7
وبالمقابل فإن سكان شرق إفريقيا قد كان لهم وجود ظاهر في الجزيرة العربية قبل السلم وبعده,
ويكفي للتدليل على هذه الظاهر في التفاعل الحضاري ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي في كتابة تنوير
الغبش في الباب الخامس والعشرين ،في ذكر أبناء الحبشيات من قريش وهم كما أحصاهم:
نضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصى ،نفيل بن عبد العزى العدوي ،عمرو بن ربيعة بن حبيب،
الخطاب بن نفيل العدوي ،الحارث بن أبي ربيعة المخزومي ،عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد
محي ،هشام بن عقبة بن أبي معيط ،مالك بن عبد الله بن ج َ
العّزى ،صفوان بن أمية بن خلف ال ُ
جدعان ،عبيد الله بن عبد الله بن أبي ملكية ،المهاجر بن قنفذ بن عمرو ،مسافع بن عياض بن صخر
التيمي ،عمرو بن العاص بن وائل ]السهمي[ فرظة بن عبد ،عمرو بن نوفل بن عبد مناف ،مالك بن
حسن بن عامر بن لؤي ،عبد الله بن قيس بن عبد الله بن الزبير ،سمرة بن حبيب بن عبد شمس عبد
الله بن زعمة من بني عامر بن لؤي ،عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ،يعلى بن الوليد بن عقبة بن
أبي معيط ،عبد الله بن عبد الله بن عامر بن كريز ،محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين ،جعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ،عبيد الله بن حمزة بن موسى بن جعفر،
محمد وجعفر ابنا إبراهيم بن حسن بن حسن وأبوهما سليمان بن حسن من بني عقيل بن أبي طالب،
محمد بن داود بن محمد من بني الحسن بن علي ،أحمد بن عبد الملك من عثمان بن عفان ،أحمد بن
محمد بن صالح المخزومي ،العباس بن المعتصم ،هبة الله بن إبراهيم بن المهدي ،محمد بن عبد الله
بن إسحاق المهدي ،عيسى وجعفر ابنا أبي جعفر المنصور ،العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن
العباس ،عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد.
قال محققه:
هكذا ذكرهم السيوطي في رفع شأن الحبشان عن ابن الجوزي )ورقة 145وما بعدها( .وقال
السيوطي في أزهار العروش)) :ذكر أبناء الحبشات من قريش ،عدهم ابن الجوزي في تنوير الغبش
غير أنه ذكر أهل الجاهلية وغيرهم ،وتبعته في الصل )أي رفع شأن الحبشان( وأذكر هنا أهل السلم
فقط:
فمن الصحابة رضي الله عنهم :صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ،عمرو بن العاص .ومن غيرهم:
عبد الله بن قيس بن عبد الله بن الزبير .عبد الله بن عامر بن كريز ،محمد بن علي ابن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ،جعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ،عبيد الله بن موسى بن
جعفر ،إبراهيم بن حسن بن حسن ،ولداه :محمد وجعفر ،سليمان بن حسن عقيل بن أبي طالب ،يعلى
بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ،العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ،عيسى وجعفر ابنا
أبي جعفر المنصور ،هبة الله بن إبراهيم بن المهدي .العباس بن المعتصم.
وممن لم يذكره ابن الجوزي :الخليفة المقتفي لمر الله(( .أزهار العروش في أخبار الحبوش )ورقة
.([8])(.3
الفترة الثالثة :استقرار واستيطان الثقافة السلمية وبداية الصراع:
كان إسلم النجاشي في الحبشة أول الغيث في انتشار السلم في المنطقة كلها ،فقد كتب رسول
الله )ص( إلى النجاشي يدعوه إلى السلم ،فأسلم وآمن معه جماعة من أصحابه ،وأجابه عن كتابه
وبعث إليه ولده في ستين من الحبشة فغرقوا في البحر)].([9
ولكن بعد وفاة هذا النجاشي تولى حكمه نجاشي آخر لم يسلك مسلك أصحمة في الحفاظ على
العلقات الطيبة مع المسلمين .ويبدو أنه خاف على ملكه إذا ما أظهر عطفه على الدعوة الجديدة مثل
سابقه ،وأراد أن يبين رفضه لهذه الدعوة بأسلوب عملي عدائي ،فأرسل سفنا للغارة على جدة ،ورأى
أهل الشعيبة وأهل جدة هذه السفن الحبشية ،وبلغ هذا الخبر النبي )ص( فأرسل علقمة بن مجزز
المدلجى على رأس سرية تتكون من ثلثمائة مقاتل للتصدي لهذه السفن ومنعها من الغارة على جدة
وتهديد ساحل الحجاز.
5
وقد وصل ذلك القائد إلى الساحل وخاض البحر بجنده حتى وصل إلى جزيرة فيه ..ولما شعر الحباش
بوصول المسلمين هربوا وعادوا إلى بلدهم دون أن يحدث صدام بينهم وبين جيش علقمة)].([10
ورغم أن هذه الحملة البحرية الحبشية لم تنجح في مسعاها إل أنها دللت على روح عدائية أظهرها
الحباش تجاه السلم والمسلمين .وقد فهم المسلمون الوائل هذه الروح وأقنعتهم الحداث بصحة
هذا المفهوم ..ويبدو أن رسول الله )ص( كان يتحسب ذلك أيضا .نفهم ذلك من أحديث منسوبة إليه
يخبرنا فيها أنه سوف ))يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة(()] ،([11ولذلك حذر المسلمين قائل لهم
))اتركوا الحبشة ما تركوكم(()].([12
ففي عهد عمر بن الخطاب tأغارت الحبشة على ساحل البحر الحمر الشرقي ))وتطرقت بلد
المسلمين(( ،فرد ابن الخطاب على ذلك بإرسال حملة بحرية إلى بلد الحبشة عام .2هـ.64/م وعلى
رأسها علقمة بن مجزز المجدلي ،وهو نفس القائد الذي تصدى لهم من قبل في عهد الرسول)ص( .إل
أن الفشل كان من نصيب هذه الحملة ،لن المسلمين لم تكن لهم خبرة كافية بركوب البحر وقتذاك.
ولذلك أخذ ابن الخطاب على نفسه عهدا ))بال يحمل في البحر أحدا أبدا(( .حتى ل تتعرض حياة
المسلمين للخطر بعد ذلك.
وفي عهد بني أمية اتجه الحباش إلى جدة مرة ثالثة حيث هاجموها من جديد .وكان الحباش ينزعون
إلى القرصنة في ذلك الفترة على نطاق واسع ،فنهبوا السفن التجارية التي كانت تمر في البحر
الحمر ،ونزلوا في جدة عام 83هـ7.2 /م .وكان هذا الهجوم على حد تعبير أحد الكتاب المسيحيين
أنفسهم تحذيرا أو نبوءة تعلن منذ وقت مبكر ،أن الحباش يودون أن يأتي اليوم الذي يستولون فيه
على مكة ويدمرون الكعبة وينجحون فيما فشل فيه أبرهة من قبل في عام الفيل .وكان رد خلفاء بني
أمية على ذلك كله ،هو احتلل بعض مواني الحبشة التي كانت قاعدة لسطول القراصنة الحباش،
والتي كانوا يغيرون منها على ساحل بلد الحجاز ،فأرسلوا قوات بحرية استولت على مصوع وجزر
دهلك ،وخربت ميناء عدو ليس بحيث لم تنهض بعد ذلك.
وهكذا أظهر الحباش روح العداء للسلم والمسلمين منذ البداية وربما كان هذا العداء راجعا
لحساسهم بالخطر الذي يمكن أن يتعرضوا له نتيجة لنجاح الدين الجديد في توحيد شمل العرب
وجعلهم قوة تقف على الساحل الخر للبحر الحمر في مواجهة الحباش وقد تزايد إحساسهم بالخطر
بعد أن تعدى السلم حدود شبه الجزيرة وتم فتح بلد الشام ومصر وشمال إفريقيا ،وانقطعت صلة
)]
الحباش بدولة الروم البيزنطيين بعد أن سيطر المسلمون على البحر الحمر وعلى البحر المتوسط
.([13ولكن الخطر الكبر الذي أثارهم بدرجة كبيرة وجعلهم يدركون أنهم في مواجهة حاسمة مع
السلم هو تسرب السلم نفسه داخل منطقة القرن الفريقي ،بل وداخل هضبة الحبشة معقل
المسيحية في تلك البلد .من هنا بدأت تتشكل علقتهم بمسلمي الزيلع والقرن الفريقي .ومن هنا
أيضا ً بدأت إرهاصات قيام الممالك والسلطنات السلمية في المنطقة*.
الفترة الرابعة :قيام الممالك والسلطنات السلمية:
التطور الطبيعي في تكوين الجماعات المسلمة أن تتحول إلى نظام اجتماعي وسياسي يدير شؤونها
الداخلية ،ويحدد علقاتها الخارجية مع من حولها ،لذلك كان لبد من تطور الجماعات المسلمة من
مجرد تجمعات ليست ذات قيادة مركزية إلى وضع مملكة أو سلطنة ذات قيادة موحدة ،وسلطة
مركزية وفقا ً لمقتضى الشريعة السلمية ،وتحولت المجتمع المسلم في بنائه الداخلي وترتيباته
الدارية ،ومصادماته العسكرية بل والفكرية .وقد ظهرت الحاجة إلى دولة إسلمية في فترة مبكرة من
تاريخ السلم في المنطقة ،فقد قامت إمارة شوا في الهضبة الحبشية في القرن الول الهجري ،مما
يعطينا مؤشرا ً واضحا ً إلى مدى انتشار السلم وتغلغله داخل المنطقة وليس فقط على سواحلها
الشرقية.
وفي هذه المرحلة تكونت المراكز والمعاهد والجامعات والمساجد ،ومدارس تحفيظ القرآن الكريم،
وتأسست مدن وحضارات علمية تمهد لمرحلة قيام الدولة ،وعندها يتحسس المسلمون قوتهم
ويشعرون بالنتماء السلمي ويجرون التصالت شبه المنتظمة مع الصف السلمي ويبعثون طلب
العلم إلى المراكز الحضارية العلمية للتزود من العلوم النافعة ،إنها مرحلة فاصلة لقيام المجتمع
والدولة المسلمة بكيانها الخاص وثقافتها المتميزة.
وكان لبد من ولدة ،لكنها كانت عسيرة ،ذلك أن المناخ المحيط ،والثقافة السابقة الراسخة في
المنطقة لبد أن تتحرك ضد هذا الوجود الحارث ،القادم من وراء البحار ،ولكن كانت العزيمة والقوة
التي بثها هذا الدين في نفوس أبنائه هي الترياق المضاد لكل محاولت الحباط والعراقيل والشغب.
م ذلك.وسنرى في الصفحات التالية كيف ت ّ
المطلب الثاني
6
نشأة الممالك والسلطنات في شرقي إفريقيا
سيتناول البحث نشأة الممالك والسلطنات السلمية في شرقي إفريقيا على شقين ،الشق الول
يتعلق بالممالك والسلطنات القدم نسبيا ً في المنطقة ،أما الشق الثاني فيتعلق بالممالك التي نشأت
بعد ذلك فيما اصطلح بتسمية ممالك الطراز السلمي في العصور الوسطى.
ل :نشأة الممالك والسلطنات القديمة: أو ً
إمارة لمو65) :ه684 -م(:
يقول الدكتور نور الدين عوض الكريم إبراهيم :عن هذه المارة:
أنشأها أزد عمان بزعامة سعيد وسليمان أبناء عبد الجلندي سنة 65ه ،حول منطقة أرخبيل لمو
وبالتالي فهي أقدم المارات السلمية ظهورا ً في المنطقة .ويذكر الطبرى حول هجرة آل الجلندي إلى
شرقي إفريقيا :وذلك إثر الصراع الذي نشب بينهم وبين الخليفة الموي عبد الملك بن مروان إذ
استطاعت جيوشه إلحاق الهزيمة بهما والقضاء على نفوذ أهل عمان ،وبانهزامهم هاجر أزد عمان
بقيادة الخوين سعيد وسليمان أبناء عبد الجلندي حمل ذراريهما ومن معهما من قومهما ،ولحقا ببلد ٍ من
بلد الزنج.
وقد ألقى الستاذ هتشنز )) ((Hichensالمزيد من الضوء على تلك الهجرة حين عثر على كتاب ألفه
شيبو فرج بن حمد الباقري وعنوانه أخبار لمو ،يعرض فيه لتاريخ هذا البلد والهجرات الولى التي
وفدت إليه حيث ذكر أن تلك الهجرة الولى استقرت في مدينة لمو شمال ممبسا ،وكانت السبب في
ظهور أمارة إسلمية في ذلك الوقت ،وبذلك كانت لمو أقدم المارات العربية السلمية ظهورا ً في
ساحل شرق إفريقيا)].([14
أمارة باتا أو )(Pate
إن الصل في تأسيس أمارة باتا يرجع إلى حكم الخليفة عبد الملك بن مروان ،الذي شهد عهده
تأسيس المسلمين لعدة مدن على الساحل الشرقي لفريقيا ،كماليندي ،وزنجبار ،وممباسا ،ولمو،
وكلوة ،وباتا .وعندما سقطت الدولة الموية وقامت الدولة العباسية اعتمد الخليفة هارون الرشيد على
ما كان للدولة الموية من ممتلكات في شرق إفريقيا ،فعزم على تدعيمها ومن أجل ذلك شجع الكثير
من العناصر وخاصة من الفرس على القامة في تلك المارات .وكانت أمارة باتا عظيمة ،حيث كانت
أول ً أمارة آهله بالسكان من قبائل أصيلة ،ثم أتت القبيلة النبهانية بقيادة سليمان بن مظفر النبهاني
الذي تزوج من أميرة سواحيلية هي ابنة إسحاق حاكم باتا ،ثم ورث الملك وأصبح أميرا ً شرعيًا ،ثم نقل
بلطه إلى جزء كبير من شرقي إفريقيا ،وتأسست السرة النبهانية في مدينة باتا وقامت هذه المارة
السلمية في ظلهم بدور بارز في تاريخ السلم في شرقي إفريقيا.
وقد نشطت الحركة التجارية في عهدهم نشاطا ً عظيما ً وتوافد على سلطنتهم التجار المسلمون من
كل مكان .وسارت قوافل المسلمين التجارية من ممبسي مارة بموشي ونايروبي الحالية حتى وصلت
إلى بحيرة فكتوريا وغربي إفريقيا ،فقد ذكر ابن ماجد الملح العربي المشهور -في القرن التاسع
الهجري -إن طريق استجلب الفلفل قديما هو بلد الكانم.
ويذكر الدكتور جمال زكريا في بحوثه عن استقرار العرب في شرق إفريقيا :أنه بالرغم مما تعرضت
له السرة النبهانية من صراع حول السلطة إل أنها استطاعت أن تحقق انتعاشا ً كبيرا ً في شرقي
أفريقيا مما كان له أثر كبير في نشر السلم بين الشعب الفريقي)].([15
مملكة شوا :
688 -283هـ1289 -896 /م
وهي أقدم مملكة قامت بالحبشة ،أسسها مهاجرون من قبيلة بني مخزوم العربية القرشية ،منذ سنة
283هـ896 /م ،في منطقة من أمنع المعاقل فوق مرتفعات الهضبة الحبشية حيث تقع مدينة أديس
أبابا الحالية.
ويرى الدكتور حسن أحمد محمود :أن بني مخزوم هؤلء كانوا من المهاجرين المسلمين الوائل الذين
نفذوا إلى هذه الجهات وليس بعيدا ً أن يكون قد نزلوا في أول المر في ضيافة أمارة محلية ثم
اختلطوا بالمراء عن طريق المصاهرة حتى آل إليهم الملك آخر المر ،حيث عملت على توطيد
العقيدة السلمية في شرق إفريقيا.
ويبدو أن هؤلء المهاجرين عملوا بالتجارة فأثروا منها ثراء عظيما ً.
7
ولما نما شأنهم تصاهروا مع السرة الحاكمة ،فآل الحكم إليهم ،أو أن ما وصلوا إليه من ثروة ونفوذ
لدى السرة المتربعة على عرش الحبشة دفعها إلى إسناد حكم مملكة شوا السلمية إلى أسرة بني
مخزوم القرشية .وأيا ً كانت العوامل التي ساعدت تلك السرة المسلمة على اعتلء عرش مملكة شوا
السلمية فقد استمرت تحكمها قرابة أربعة قرون من الزمان تمتعت خللها المملكة بالمن
والستقرار ،وظلت في عزلة عن العالم ،لما تيسر لها من عزة ورخاء ،لكتفائها الذاتي واشتغال
رعاياها بالزراعة والرعي مما يتيح حياة الستقرار ،ولقوة السرة الحاكمة وما تتمتع به من ثروة ونفوذ.
وظل أمر تلك المملكة السلمية مجهول ً إلى أن اكتشف المستشرق اليطالي الدكتور روسيني
شيروللي -وثيقة عربية سنة 1355هـ ،تعرض للحداث التي مرت بها تلك المملكة في أواخر عهدها
من سنة 628هـ إلى سنة 688م ،حين دب فيها الضعف ،ومزقت أوصالها المنازعات الداخلية على
)]
السلطة ،والخارجية مع المارات السلمية المجاورة التي تبغي التخلص من سيطرة الحروب عليها
.([16
سلطنة مقديشو .29هـ 9.8 -م :
أسسها سبعة إخوة هاجروا على رأس مجموعة من قبيلة بني الحارث ،ونزلوا بساحل الصومال في
أواخر القرن الثالث الهجري ،وأنشأوا مدينة ))مقديشو(( 295هـ9.8 /م وأصبحت مملكة قوية ذات
شوكة ونفوذ حتى وصفها الرحالون بأنها مدينة السلم المشهورة في ذلك الصقع المترددة على ألسنة
المسافرين كثيرة المساجد عظيمة العمران. .وتحالف بنو الحارث هؤلء مع الصوماليين سكان البلد
الصليين ،وأنشأوا مدنا ً أخرى في هذه المنطقة مثل ))برادة(( وهي التي سماها الدريس ))برادت((
و))مركة(( التي تقع عند نهر ))ويبى(( و ))قرفاوة(( و ))النجا(( وغير ذلك.
وقد ظهرت مقديشو عليها جميعا ً كمركز تجاري هام ينبض بالحياة ويعج بحركة التجار ،فعمها الرخاء
وسادها المن واتسع بها العمران ،وأضحت صاحبة السيادة على سكان الساحل جميعا ً زهاء سبعين
عاما ً حتى أنشئت أمارة كلوة في الجنوب فنافستها السيادة.
وفي عهد أسرة بني الحارث هؤلء نمت ثروة مقديشو ،وازدهرت ازدهارا ً منقطع النظير ،وأصبحت
بمثابة عاصمة لجميع البلد المجاورة التي سبق ذكرها .وقد كان الناس يردون على مقديشو في
مواعيد معينة من السنة فيجتمعون في مسجدها الكبير ويقيمون به صلة الجمعة مما كان يزيد من
عظمة السلم في نفوس الفريقيين)].([17
وسارت سلطنة مقديشو في طريق النمو والزدهار ،حتى زارها الرحالة الشهير ابن بطوطة سنة
731هـ ،وجدها قد بلغت درجة عظيمة من الحضارة والرخاء ،وأنها قد حققت قدرا ً كبيرا ً من التقدم
السياسي والقتصادي والجتماعي ،وأن أهلها على خلق ودين ،والمدينة متناهية في الكبر وأهلها تجار
أقويا فقال إنها )مدينة متناهية في الكبر وأهلها لهم جمال كثيرة ينجرون الطين في كل يوم ولهم أغنام
كثيرة ،وهم تجار أقوياء ويها تصنع الثباب التي ل يظهر لها ،ومنها تحمل إلى ديار مصر وغيرها.
وقد ذكر ابن بطوطة عادات أهل المدينة وأشاد بها فيقول )ومن عادة أهل هذه المدينة أنه متى وصل
مركب إلى المرسى تصعد الصناديق ) وهي القوارب الصغيرة( إليه ويكون في كل صندوق جماعة من
شبان أهلها ،فيأتي كل واحد منهم ،طبق مغطى فيه الطعام فيقدمه لتاجر من تجار المراكب ويقول
هذا نزيلي ،وكذلك يفعل كل واحد منهم ول ينـزل التاجر من المركب إل إلى دار نزيله من هؤلء
الشبان ،إل من كان كثير التردد إلى البلد وعرف أهله فأنه ينـزل حيث شاء فإذا نزل عند نزيله باعا له
ما عنده واشترى منه ويصف لنا ابن بطوطه الطريقة المتبعة في التفتيش الكمركي إذا وصل مركب
جديد إلى الميناء فبمجرد وصول المركب )يصعد إليه صندوق السلطان فيسأل عن المركب من أين
قدم ومن صاحبه ،ومن ربانه وهو )الرئيس( وما وصفه )حمله( ومن قدم فيه من التجار وغيرهم،
فيعرف بذلك كله ويعرض على السلطان فمن استحق أن ...ينـزله عنده أنزله)].([18
وهذا الوصف يؤكد لنا مدى عظم هذه السلطنة والدرجة العالية من الرقي والزدهار التي بلغتها مما
جعل لها القدح المعلى في نشر الدعوة والحضارة السلمية في تلك الصقاع.
سلطنة كلوة:
9.2 -365هـ1499 -975 /م
أسسها الشيرازيون في عام 1499 -975م ،بقيادة على ابن الحسن بن علي الشيرازي وبنيه،
وعاصمتها كلوة التي جعلوا منها قاعدة ومركزا ً كبيرا ً تنشر السلم والثقافة السلمية بين القبائل
الفريقية في الساحل وداخله وهذا هو الرجح والذي أجمعت عليه المصادر العربية القديمة بخلف
المصادر التي تنسب تأسيس هذه السلطنة إلى جماعة هاجروا في عهد عبد الملك بن مروان.
8
وكان أبناؤه الستة قد نزلوا على امتداد الساحل الشرقي لفريقية والجزر المواجهة له ،كل بموضع
معين ،واعترفوا بسيادة أبيهم عليهم ولما شعر على بن الحسن بقوته وعزة جانبه أخذ يمد سلطانه
على المم المجاورة ،فأرسل أحد أبنائه إلى جزيرة انجوان من جزر القمر ،وأرسل آخر إلى جزيرة
منفية ،ولقب هذا البن الشاب بالسلطان ،واستطاع على هذا أن يؤسس مملكة قوية سيطرت على
جزر كبير جدا ً من ساحل شرقي إفريقيا والجزر المواجهة ،امتد قبل وفاته من سفالة جنوبا ً إلى
ل ،مما ساعد على انتشار السلم بتلك النحاء .واستمر حكمه أربعين عاما ً. منبسي شما ً
وبسطت دولة كلوة سيطرتها على مناجم الذهب والحديد في روديسيا الحالية منذ عهد ثاني سلطينها،
وبلغت في عهده ذروة قوتها ،فأخذت تمد نفوزها على المدن المجاورة وأخضعت لحكمها الجزر
القريبة مثل بمبة وزنجبار وما فيه والبعيدة مثل جزر القمر ،وكان حكام المدن والسلطات والمارات
العربية الممتدة على طول الساحل من مقديشو شمال ً إلى سفالة وموزمبيق جنوبا ً يعترفون بسلطان
كلوة على أنه أعظمهم مقاما ً ورفعة)].([19
ل)) :وركبنا البحر إلى مدينة كلوا وهي مدينة ووصف ابن بطوطة مملكة كلوة مظهرا ً عظمتها قائ ً
عظيمة ساحلية أكثر أهلها من الزنزج المستحكمي السواد ولهم شرطات في وجوههم ،ومدينة كلوة
ر واحدمن أشهر المدن وأتقنها عمارة وكلها بالخشب والمطار بها كثيرة .وهم أهل جهاد لنهم في ب ٍ
متصل مع كفار الزنزج والغالب عليهم الدين والصلح وهم شافعية المذهب((.
))وكان سلطانها في عهد دخولي إليها أبو المظفر حسن ويكنى أيضا ً أبا المواهب لكثرة مواهبه
ومكارمه ،وكان كثير الغزو إلى أرض الزنوج يغير عليهم ويأخذ الغنائم فيخرج خمسها فيصرفه في
مصارفه المعينة في كتاب الله تعالى .ويجعل نصيب ذوي القربة في خزانة لوحده ،وكان الشرفاء
يقصدونه من العراق والحجاز وسواها ،ورأيت عنده من شرفاء الحجاز جماعة ،وهذا السلطان له
تواضع شديد ويجلس مع الفقراء ويأكل معهم ويعظهم أهل الدين والشرف(()].([20
ويذكر المؤرخون أنه كان بها ثلثمائة وستون مسجدا ً.
وتعاقب على حكم كلوة قبل مجيء البرتغاليين ثلثون سلطانا ً كان آخرهم فضيل بن سليمان الذي
تولى الحكم سنة 9.1هـ1498 /م.
دل:
ع َ
سلطنة َ
8.5هـ14.2 /م
10
)]
كانت عدل ضمن أقاليم سلطنة أوفات حتى عام 8.5هـ14.2/م وكانت تعرف باسم ))عدل المراء((
([27وعندما سقطت دولة أوفات قامت بدل منها دولة عدل وبقيادة نفس السرة التي كانت تحكم
أوفات .وكانت
هذه السلطنة الجديدة ،أقل من سلطنة أوفات السابقة في المساحة والقوة العسكرية والقتصادية.
فقد كانت تشمل الراضي الواقعة بين ميناء زيلع وهرر وتمتد جنوبا لتشمل جزءا مما يعرف الن
بالصومال الشمالي وإقليم الوجادين.
وعلى كل حال فقد أخذت هذه السلطنة اسمها من ميناء عدل الذي كان يقع على رأس خليج تاجورا
قرب جيبوتي الحالية ،وكانت عاصمتها تسمى دكر)]) ([28بفتح الكاف مع التشديد( حتى عام 927هـ/
1531م عندما انتقلت العاصمة إلى مدينة هرر في عهد السلطان أبي بكر ابن محمد .وبخلف دكر
وهرر كانت سلطنة عدل تشمل عددا آخر من المدن الهامة مثل مدينة زيفة وكدد وزعكة وهوبت
وشمنجود وسيم وبها نهر يسمى نهر شيخ)].([29
وقد توسعت هذه السلطنة في عهد السلطان عمر دين بن محمد من ذرية سعد الدين والمام أحمد
بن إبراهيم الغازي حتى ضمت كل ممالك الطراز السلمي ومعظم أقاليم الحبشة النصرانية.
وانتهت عام 949هـ1543 /م وانكمشت حدودها لتصبح دويلة صغيرة بين هرر وسواحل زيلع
والصومال.
دل عدد من السلطين كالتالي: وقد تتابع على سلطنة ع َ َ
سلطين سلطنة عدل السلمية:
صبر الدين الثاني على بن سعد الدين825 -817 :هـ 1421 -1414/م. -1
منصور بن سعد الدين828 -825 :هـ 1424 -1421 /م. -2
جمال الدين محمد بن سعد الدين835 -828 :هـ 1431 -1424 /م. -3
شهاب الدين أحمد بدلي بن صبر الدين على848 -835 :هـ1444 -1431 /م. -4
محمد بن شهاب الدين بدلى875 -847 :هـ.147 -1443 /م فترة أضطرابات. -5
محمد بن أظهر الدين بن أبي بكر بن سعد الدين924 -894 :هـ1518 -1488 /م. -6
أبو بكر محمد بنأظهر الدين933 -924 :هـ 1526 -1518 /م. -7
عمر دين بن محمد بن أظهر الدين :عينه المام أحمد بن إبراهيم الغازي سلطانا عام -8
.)] ([30
933هـ 1526 /م
مملكة فطجار:
935هـ1529 /م
كانت هذه المملكة تقع حول الجزء الوسط من نهر عواش في شماله وجنوبه ،وكان نصفها الشمالي
يمتد شمال حتى يصل قرب مدينة لل بل )لليبال الحالية( ،وهو بذلك يفصل بين سلطنة أوفات وبين
إقليم أمحرا )أمهرا( وشوا .أما نصفها الذي يقع جنوب نهر عواش ،فقد كان يتصل بمعظم الممالك
السلمية التي تقع جنوب هذا النهر .فكان يحده من الشرق سلطنة عدل وإقليم هرر ،ومن الغرب
مملكة هدية وشرخة ،ومن الجنوب الشرقي مملكة دوارو ،ومن الجنوب الغربي مملكة بالي.
ويلحظ أنه لم يرد ذكر لهذه المملكة الهامة عند العمري والقلقشندى والمقريزي ،ولكن ورد ذكرها
فقط عند عرب فقيه حيث وقعت على أرضها المعركة الشهيرة التي تسمى معركة شمبر كوري والتي
كانت أول نصر كبير لمسلمي الزيلع على نصارى الحبشة عام 935هـ1529 /م)].([31
وكانت مملكة فطجار مملكة قوية ،فعدد فرسانها كانوا ل يقلون عن عشرة آلف فارس ،ومشاتها
فكثيرون .أما مدنها وقراها فكانت عديدة مثل مدينة أماجة وجان زلق ومسين وبادقى وولدة مشك
والرزير وزقالة وأندوتنة وبرارة وشمبركرى.
سلطنة هرر:
927هـ .152 -م:
يأتي الموقع الجغرافي للمدينة السلمية بهرر على قطاع جغرافي متسع من الميال الممتدة إلى
الداخل نسبيا ً عن ساحل البحر الحمر وتشكل عند قمته في هيئة مثلث تمتد أضلعه وتستند عند
و "بربرة "Berberaحيث تقوم وتنتشر كقاعدة عريضة له ،بضع أميال ممتدة مدينتي "زيلع "zeila
باتجاه المدينتين الساحليتين ،وقد تمركزت هذه المارة السلمية المستقلة إلى الجنوب الشرقي من
بلد الحبشة وإلى الغرب من ميناء زيلع الصومالي أو مباشرة من الناحية الجنوبية الغربية ،وربما في
التجاه الشرقي من وسط البلد ،حيث يطلق عليها اسم منطقة هرر كمدينة ومقاطعة ،ليشمل الحافة
الشرقية للهضبة التي تلي المقاطعات الممتدة نسبيا ً صوب الشمال من بوغاز باب المندب حتى
الجهات الجنوبية الغربية من خليج عدن.
تكونت سلطنة هرر على إثر سقوط سلطنة عدل ومال سلطينها إلى مهادنة الحباش.
11
أصبحت مدينة هرر عاصمة منذ عام 927هـ.152 /م ،وأول أمرائها إعلنا ً للجهاد ضد نصارى الحبشة
كان عقب وفاة السلطان محمد بن بدلي عام 876هـ1471 /م.
ثم ظهر عهد المام أحمد جران الذي بدأ حياته بالنتساب إلى أسرة المير محفوظ ،فتزوج ابنته
وكسب تأييد أنصاره وتثقف ثقافة دينية غزيرة)] ،([32وصار أخيرا من قواد المير أبون بعد موت المير
محفوظ ولما قتل المير أبون على يد السلطان أبي بكر ،ترك المام أحمد مدينة هرر واستقر في
مسقط رأسه في )هوبت( التي تقع في إقليم شوا بين قلديسى وهرر ،يجمع النصار ويرتب
المجاهدين ،واستطاع كما رأينا أن يقتل السلطان أبا بكر بن محمد ويعين أخاه عمر دين بن محمد بدل
منه ،وتصبح السلطة الحقيقية في سلطنة عدل في يده.
اتبع المام بعد أن سيطر على مقاليد المور في هرر سياسة موفقة جمعت الناس حوله .فقد طبق
الشريعة السلمية في حكمه وخاصة في توزيع أموال الزكاة على مستحقيها ،وكان السلطين قبله
يجمعونها ويحتجزونها لنفسهم ولبطانتهم؛ كما طبق الشريعة بالنسبة لموال الغنائم والفيء ،فكان
يخرج الخمس ويوزع الباقي على الجند .وبذلك كسب حب الفقهاء والعلماء والمشايخ ،كم كسب أيضا
محبة الشعب ،فقد كان ))يجلس ويلطف بالمساكين ويرحم الصغير ويوقر الكبير ويعطف على الرملة
واليتيم ،وينصف المظلوم من الظالم حتى يرد الحق إلى مكانه ،ول تأخذه في الله لومة لئم(( .كما
قضى على قطاع الطرق فأمنت البلد وانصلح حال الناس وانقادوا له وأحبوه ونسجوا حوله الساطير
وقالوا عن ))ل تسموه السلطان ول المير ،ولكن سموه إمام المسلمين ..أو إمام آخر الزمان ..وأنه
هو الذي يصلح الله تعالى به بلد الحبشة(( .ولذلك اشتهر بلقب المام دون غيره من اللقاب ،ولم
يتسم باسم السلطان أو المير)].([33
وكان أشهر الملوك المسلمين -في الحبشة -جميعا ً )949 -923هـ1543 -1526 /م( ،الذي أعاد
لحكام مسلمي الحبشة سيرة الحكم السلمي الراشد وأدخل الحباش المسيحيين والوثنيين جميعا في
السلم حتى لم يبق على مسيحيته إل قرابة عشرهم وبالرغم من انشغاله في الجهاد السلمي ورد
عدوان الحبشة المسيحية وحليفتها البرتغال على مسلمي الحبشة إل أنه لم يدخر وسعا ً في الصلح
الديني والجتماعي والسياسي والقتصادي ،والعمل على وفير حياة حرة كريمة لرعيته ،مما جعل
حكمه فريدا ً بين حكم الملوك السابقين ،وجعله أشهرهم وأقواهم وأعدلهم على الطلق وقد وحد
ممالك المسلمين جميعا ً تحت سلطانه ،بل تربع على عرش الحبشة كلها وانتصر على الحباش الذين
كان المسلمون قبله يؤدون لهم التاوة وأدخلهم تحت سلطانه ،ودخلوا في السلم .ولو ل تدخل
البرتغاليين ومساعدتهم ملك الحبشة الطريد وفلول جيشه المهزوم لظلت الحبشة مسلمة جميعها إلى
يومنا هذا.
لقد أدى تدخل الفرق البرتغالية إلى استشهاد المام أحمد عام 1543م بالقرب من بحيرة تانا فانهار
جيشه ومحاربوه ،وبعد ذلك أخذ مجد الممالك السلمية في الضعف وتراجعت قبائل الصومال والعفر
وسائر المسلمين في مناطق القرن الفريقي.
انتصار الحباش على آخر حركة جهاد قوية قام بها المسلمون على يد المام أحمد جران في الفترة )
949 -934هـ1542 -1527 /م( لم يؤد إلى نفس النتيجة التي انتهى إليها انتصار السبان .فقد ضاعت
بلد الندلس كدين ودولة كيان سياسي إسلمي مستقل وعادت إلى النصرانية من جديد ،وأصبحت أحد
أقاليم دولة أسبانيا ،بينما في مناطق مملكة الطراز السلمي لم يتمكن الحباش من القضاء على دين
السلم وظل المسلمون على دينهم حتى الن.
مملكة دوارو:
كانت هذه المملكة تقع جنوب سلطنة أوفات وفي الجنوب الشرقي لمملكة فطجار ،وتتشابه ظروف
الحياة فيها مع أخواتها من الممالك السلمية السابقة ،وإن كانت مساحتها أقل .فقد ذكر العمرى أن
طولها يبلغ مسيرة خمسة أيام وعرضها مسيرة يومين ،ورغم ذلك فقد كانت تملك جيشا قويا ل يقل
عن جيش أوفات في عدد الفرسان والمشاة)].([34
وتميزت أيضا ً باحتوائها على عدد كبير من المدن مثل مدينة ونبارية وكحل برى وزميت وزهرق،
أووالدة ،وباب سرى ،ودل ميدة ،وعندورة وزرى وجراورارى وزغبة وأرقوى وأجيت وتن وأدل مبرق.
ويمر بهذه المملكة أيضا بعض روافد نهر الوبى شبيلى والتي كانت تسمى نهر بور ونهر بوس ونهر
زميت)].([35
مملكة بالى:
12
تقع مملكة بالى جنوب مملكة فطجار ويفصلها عن مملكة دوارو نهر وبى شبيلى ،وتقع فيها منابع
وروافد نهر جوبا الذي ينحدر جنوبا حتى يصب في المحيط الهندي جنوبي بلد الصومال .وقد أشار
)]
عرب فقيه إلى أحد روافد هذا النهر وسماه نهر )ونبات( وقال عنه أنه نهر كبير كثير الماء مثل ويبى
.([36وعلى ذلك فقد كانت هذه المملكة تشمل أرضا ً واسعة تمتد بين نهر وبى شبيلى ونهر جوبا
وروافده .وقد أشار إلى اتساع مساحتها القدمون فقالوا أن مساحتها مسيرة عشرين يوما ً طول وستة
أيام عرضا ،كما أشاروا إلى غناها ووفرة خيراتها وطيب هوائها وخصب أراضيها ،ولذلك كان سكانها
كثيرون وجيشها كبير العد ،إذ بلغ فرسانه ثمانية عشر ألف فارس ،ومشاتها أكثر من ذلك بطبيعة
الحال)].([37
وقد اشتملت هذه المملكة التي تسمى الن باسم إقليم أو مديرية بالى على عدد كبير من المدن،
فجانب بالى العاصمة كانت تشمل مدن ميزا ،وقاقمة ،وزلة ،ومالو ،وعقرى ،وأدل جلت ،ودل باد،
وجدة .وكانت المدينة الخيرة تقع على بعد مسيرة ستة أيام غرب نهر الويبى شبيلى)].([38
مملكة داره:
وكانت هذه المملكة تقع جنوب مملكة بالى ،ولم يذكر عنها العمرى أو غيره كثيرا من المعلومات،
ولكنه حدثنا عن ضيق مساحتها وعن ضعفها بالنسبة لغيرها من ممالك الطراز السلمية ،فقال أن
طولها يبلغ مسيرة ثلثة أيام ،وعرضا مثل ذلك ،وهي أقل بلد الطراز خيل ورجل ،فعسكرها ل يزيد عن
لفي فارس وألفين من المشاة ،وهي ل تختلف في حياتها وأسلوب معيشتها عن أخواتها من ممالك
الطراز الخرى .ولعل موقعها المتطرف وبعدها عن الكثافة السلمية في بلد الطراز كان من أسباب
ضعفها)].([39
مملكة هدية:
كانت مملكة هدية تقع جنوب إقليم شوا وإقليم الداموت وشمال إقليم كمباتا ،وغرب البحيرة التي
تسمى الن بحيرة Zwayالتي سماها عرب فقيه باسم نهر زواى)] ،([40ومساحتها كانت تبلغ مسيرة
ثمانية أيام طول وتسعة أيام عرضا ،وهى بذلك أقل مساحة من سلطنة أوفات -كبرى ممالك الطراز-
ورغم ذلك فقد كان جيش هدية أكثر عددا ،إذ بلغ عدد فرسانه أكثر من نصف هذا العدد)] .([41ومع هذه
القوة العسكرية فقد وقعت هدية تحت نفوذ الحباش منذ وقت مبكر وخاصة بعد ضعف سلطنة عدل.
مملكة شرخة:
كانت هذه المملكة تقع جنوب مملكة هدية ،كما كانت مساحتها محدودة وضيقة ،فطولها يبلغ مسيرة
ثلثة أيام وعرضها مسيرة أربعة أيام .وكان جيشها يحتوي على ثلثة آلف فارس وعلى ضعف هذا
العدد من المشاة .وكانت شرخة ))كأخواتها دوارو وأرابينى في بقية أحوالها من الزى والمعاملة
والحبوب والفواكه والبقول وسائر ما لهم وما عليهم((.
وبعد فهذا ما كان معروفا عن ممالك الطراز السلمية من حيث موقعها ومساحتها وقوتها العسكرية
وبعض مدنها وأنهارها ومحاصيلها وطبيعتها الجغرافية ،وحياتها المعيشية ومستواها الحضاري .ومما هو
جدير بالملحظة أن القلقشندي أضاف إلى ممالك الطراز جزائر دهلك ومدينة عوان المواجهة لبلد
اليمن ،وكذلك سلطنة مقدشو .وكل هذه البقاع كانت تدين بالسلم وينتمي سكانها لنفس العناصر
التي ينتمي إليها سكان بلد الطراز السلمي ،وكانت دهلك وعوان تقع في كثير من الحيان تحت نفوذ
حكام الحبشة ،أما مقديشو فكانت سلطنة مستقلة عن الحباش والزيلع.
ولم تكن بعض ممالك الطراز السلمي هي الخرى حياة الستقلل في كثير من الحيان .فقد كان
الحباش يبادرونها بالغزو والقتال والهجوم والضطهاد ،ويفرضون عليها سيطرتهم وإن كانوا يبقون
حكمها في يد أسرات مسلمة تتوارث الحكم فيها تحت المظلة الحبشية)].([42
الخاتمة
خلصت هذه الدراسة إلى تبيان قوة العلقات والصلت بين إقليم القرن الفريقي والجزيرة العربية،
خاصة فيما اصطلح عليه بالقرون الوسطى ،بل من أوائل عهد ظهور السلم والهجرات المتبادلة بين
السكان فقد أدى الختلط الثقافي بين الحبشة والعرب إلى نتائج بعيدة في اللغة فلغة الجعيز )(Geez
أو لسان الجعيز كان السم الذي عرفت به اللغة الحبشية القديمة ،وتنسب هذه اللغة إلى قبيلة
الجاعز )الجعزيان( وهي إحدى القبائل العربية التي يروي أنها هاجرت إلى بلد الحباش واستقرت في
الجانب الشمالي الشرقي من الحبشة ثم ما لبثت أن تعاظم نفوذها.
13
كانت هذه اللغة هي لغة الحديث والكتابة في الحبشة حتى القرن الثالث عشر الميلدي حيث غلبت
عليها اللغة المهرية لغة الدولة المهرية التي حكمت منذ ذلك الحين وتعتبر المهرية أصل للغتين
ساميتين من لغات الحبشة هما الجواراجواي ولغة هرر ،ومن اللغات التي يتكلمها كثير من الحباش
لغة التجري ولغة التجرينيا التي اشتقت من لغة الجعيز ،وتعتبر لغة الجعيز هي اللغة الم للّغات
المتحدثة في الحبشة وارتيريا وهي المهرية والتجرينية والتجرى والثابت من النقوش القديمة التي عثر
عليها في بعض مناطق الحبشة ،في الدور الول من تاريخهم أثر ،اللغة والكتابة السبئية وعثر على
أسماء أماكن في الحبشة لها نظائر في بلد اليمن مثل أوم التي وردت في النقوش السبئية للدللة
على حرم بلقيس أو أحد هياكل القمر)].([43
م القتراض اللغوي من لغة الحبشة ،وصارت وبالمقابل فإن العرب ولغتهم تأثروا بلغة الحبشة ،فقد ث ّ
اللفاظ المقترضة جزًء من اللغة العربية ،وهذه ظاهرة معروفة في تطور اللغات وتداعيها.
وكان من آثار دخول السلم إلى أرض الحبشة وكامل إقليم القرن الفريقي أثره الواضح في تحول
هذه المجتمعات إلى قيم الحضارة السلمية ،وتمثل نمطها المتفرد في المعرفة والحكم والدارة
والتراتيب السلطانية.
ومن خلل استعراض ممالك وسلطنات الطراز السلمي ظهر أثر هذه الدول السلمية في نشر
الحضارة السلمية في المناطق التي امتد إليها ظلها الداري والثقافي.
لكن الصراع الذي نشب بين هذه الممالك والمجموعات السلمية مع الجانب الخر المسيحي والوثني
والذي استمر لمدة ثلثة قرون تقريبا ً انتهى بإضعاف كل الجانبين السلمي وغير السلمي.
إل أن الكفة الراجحة في هذه الحرب الضروس كانت لنصاري الحبشة نتيجة للعون الخارجي القادم
من الغرب المسيحي.
لكن هناك حقيقة للسف لبد من ذكرها هنا وهي أن القوى السلمية في البلد السلمية الخرى لم
يكن لها أثر أو خدمة في نصرة إخوانهم في دول الطراز السلمي ،فأحيط بهم إما من قبل الممالك
المسيحية في الشمال ،وهي ممالك الحبشة والنوبة ،وإما الوثنية في الغرب والجنوب ،أما الدول
السلمية في الجنوب الشرقي والشرق مثل مقديشو واليمن فقد كانت في حالة من الضعف ل تمكنها
من القيام بدور النصرة المطلوبة.
ً
كما أن عدم الوحدة السياسية بل والتنافس الحاصل أحيانا بين ملوك دول الطراز السلمي ،كل هذا
التشرذم السياسي كان عامل ً مهما ً في ترجيح كفة أعدائهم ،تماما ً كما التهم النصارى السبان ممالك
الطوائف وقضوا على دولة السلم في بلد الندلس.
لذلك فإن العامل القتصادي كان له أثر كبير ،ذلك أن قوام اقتصاد ممالك شرق إفريقيا ُيبني على
التجارة ،وهذا النشاط القتصادي يحتاج إلى المن والستقرار السياسي ذلك ما لم يكن متوفرا ً في
أغلب الحيان.
ً
لكن على كل حال فإن هناك آثارا عظيمة حضارية وإنسانية واجتماعية تركتها هذه الدول في المنطقة،
فمن هذه الثار التي أوجدتها ممالك الطراز السلمي وغيرها من ممالك وسلطنات شرقي إفريقيا ما
يمكن تلخيصه في التالي:
15
نشأت دول الطراز السلمي على أساس فكري متين مما جعلها ترتكز على أعمدة فكرية -6
وثقافية راسخة ،مكنتها من تجاوز الجتياح البرتغالي واليطالي والنجليزي إذ أنه برغم هذا الستعمار
والتسابق المحموم على إفريقيا فإن روح الثقافة السلمية ظلت نافذة في الشعوب ول يزال القرن
الفريقي عامرا ً بالمساجد والمدارس السلمية وما تزال الثقافة السلمية أكبر عامل مشكل لحركة
المجتمع وما يزال المجتمع متمسكا ً في أخلقه ومراسيم زواجه ومناسباته وتفاعلته بالثقافة السلمية
الصلية.
اتضح من الدراسة أن أغلب الكتابات عن ممالك وسلطنات القرن الفريقي تدور حول -7
الصراعات المسلمة بين تلك الممالك ومملكة الحبشة النصرانية.
استطاع البحث أن يخرج بحصيلة هامة في تصنيف ممالك الطراز السلمي ،وخصائص هذه -8
الممالك ومقوماتها ،ومواطن انجازاتها ومواقع ضعفها.
استطاع البحث إلقاء الضوء على مجموعة من علماء وزعماء المنطقة ،ودورهم العلمي -9
والسياسي في نهضتها.
تبين من البحث غياب النصرة السلمية لمسلمي القرن الفريقي حال تصديهم للهجمة -10
الغربية ،خاصة البرتغال ،ثم من بعد ذلك النجليز والفرنسيين واليطاليين.
التوصيات:
توصي الدراسة بالعناية بشؤون شعوب القرن الفريقي خاصة والصراعات المحلية -1
مازالت تنهش في وحدتهم وثقافتهم وكيانهم كله.
كما توصى الدراسة أن تأخذ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم زمام المبادرة بالتصويب -2
على دراسة تاريخ المنطقة وإعادة تدوينه خاليا ً من شوائب الدراسات الغربية لهذا التاريخ.
المسارعة بإنشاء متحف يكون مقرة في هرر أو مقديشو لتجميع مقتنيات المنطقة ووثائقها -3
التاريخية وكافة ما يخدم تراثها وثقافتها المتميزة.
الرفع المعماري لما هو موجود من الحضارة المعمارية السلمية لشهر مدن القرن الفريقي -4
قبل أن يدركها التغيير والتبديل ،نظرا ً لما تتميز به هذه العمارة من دللت حضارية وثقافية.
إقامة مركز لدراسات شرق إفريقيا في جامعة إفريقيا العالمية يخدم الغراض العلمية -5
من الوجهة الكاديمية لحاضر ومستقبل المنطقة.
إعطاء طلب العلم من أبناء القرن الفريقي خصوصية وأولوية في القبول للدراسة الجامعية -6
وفوق الجامعية بجامعة إفريقيا العالمية خاصة في التخصصات العلمية البحتة ليستعيدوا بالعلم مجدهم
الفل.
وأخيرا ...يوصى الباحث بصياغة بروتكول تعاون وتؤامة بين جامعة إفريقيا العالمية فيً -7
السودان ،وجامعة مقديشو في الصومال.
وبعد .فهذا الذي ذكرنا مختصرا ً من أمر ممالك وسلطنات الطراز السلمي ما يناسب أوراق العمل
المطلوبة لمثل هذه الندوة المباركة ،التي نسأل الله أن يجزي القائمين على أمرها خير الجزاء ،إنه
جواد كريم رحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصادر والمراجع
* مستشار لجنة أفريقيا الندوة العالمية للشباب السلمي– الرياض – المملكة العربية
السعودية.
الزبيدي ،محمد حسين :هجرة العرب المسلمين إلى شرق إفريقيا ،مجلة المؤرخ العربي، )(1
العدد ) (23ص )1983 (99م بغداد ،العراق.
)] ([2نفس المرجع ،ص .1.4
)] ([3ابن عبد البر :الدرر في اختصار المغازي والسير ،ص ،22الطبعة الثانية ،بيروت لبنان.
)] ([4ابن هشام :السيرة النبوية :جزء) (1ص ،349طبعة دار الكتاب العربي ،بيروت ،لبنان 14.9هـ
1989م.
)] ([5الزبيدي ،محمد حسين :مرجع سابق ،ص .7
)] ([6الدكتور علي الشيخ أبو بكر :ضمن أبحاث ملتقى خادم الحرمين الشريفين ،جوهانسبرج،
جنوب إفريقيا1423 ،هـ.
)] ([7الدكتور عبد الحافظ الصم :ضمن أبحاث ملتقى خادم الحرمين الشريفين ،جوهانسبرج جنوب
إفريقيا1423 ،هـ ،ص .119 -118
16
)] ([8أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي :تنوير الغبش في فضل السودان والحبش ،حققه :مرزوق
علي إبراهيم ،طبعة دار الشريف ،الطبعة الولى 1419هـ 1998م .الرياض ص .246
)] ([9المصدر السابق :ص .72
)] ([10ابن سعد :الطبقات الكبرى ،الجزء ) (2ص 163دار صادر بيروت ،بدون تاريخ.
)] ([11المام محمد بن إسماعيل البخاري :الصحيح بشرح الكرماني الجزء ) (8ص .115 ،112
)] ([12المام النسائي :سنة النسائي بشرح السيوطي ،الجزء ) (6ص .44
)] ([13حسن محمود :السلم والثقافة العربية في إفريقيا ،ص .427طبعة القاهرة 1963م.
* مملكة الحبشة:
مملكة الحبشة النصرانية كانت تحت حكم أسرة واحدة وخاصة منذ عام 669هـ.127 /م ،بمعنى أنها
لم تنقسم إلى ممالك مستقلة بعضها عن البعض الخر كما كان المر بالنسبة لممالك الطراز
السلمية ،بل كانت تنقسم إلى أقاليم أو إمارات أو ممالك صغيرة على رأسى كل منها أمير أو ملك
يحكمها نيابة عن ملك ملوك الحبشة الذي كان يسمى نجاشي النجاشية أو الحطى.
فنجاشي النجاشية كانت له الكلمة العليا ،وكان يحكم بلد الحبشة كلها ،وكان يتم تنصيبه في بيت
أمهرة أي العاصمة ولكنه ل يقيم فيها طوال الوقت ،غذ كان ل يستقر في مكان واحد فترة طويلة ،بل
كان ينتقل من إقليم إلى آخر ويتخذ خيمة كبيرة كانت ترى من مسافة بعيدة يقيم فيها فترة من
الزمن ،ثم ل يلبث أن ينتقل إلى إقليم آخر ،وذلك حتى يباشر سلطته على كل أقاليم الحبشة وحتى
يجعل حكامها يحسون بسلطته وبنفوذه الذي ل يغيب عنهم طويل .ولذلك كانت الوحدة السياسية
متوفرة إلى حد كبير في بلد الحبشة.
)] ([14نور الدين عوض الكريم إبراهيم :ضمن أبحاث الندوة العالمية عن التعليم السلمي ،جامعة
الملك فيصل ،أنجمينا 1425هـ 1..2م.
)] ([15نفس المصدر :الصفحات .15 ،11 ،9 ،8
)] ([16رجب محمد عبد الحليم :العلقات السياسية بين مسلمي الزيلع ونصارى الحبشة في العصور
الوسطى ،دار النهضة العربية ،القاهرة14.5 ،هـ 1985م ،ص .16/17
)] ([17العمري :مسالك البصار ،الجزء ) (2نقل ً عن د .نور الدين عوض الكريم ،مرجع سابق.
)] ([18ابن بطوطة :نقل ً عن المؤرخ العربي ،مرجع سابق ،ص .111/112
)] ([19العمري :جزء ) (2ص 478مصدر سابق.
)] ([20د .نور الدين عوض الكريم ،ص 11مرجع سابق.
)] ([21رجب محمد عبد الحليم :مرجع سابق ص ..26
* بلد الزيلع:
ً
بلد الزيلع كانت تمتد من ميناء مصوع شمال إلى إقليم الوجادين جنوبا ،ومن رأس غوردافوى شرقا
حتى أطراف الهضبة الغربية غربا .بل إن الدولة السلمية امتدت لتشمل بعض أجزاء من هذه الهضبة
فيما كان يعرف بسلطنة شوا السلمية التي كانت تقع في الجزء الشرقي من هضبة شوا حيث تقع
مدينة أديس أبابا الن ،وتشمل أيضا ً ما كان يعرف بمملكة هدية ومملكة شرخا السلميتين اللتين كانتا
تقعا جنوب هضبة شوا فيما يعرف الن بأقاليم جالتلما وجوراجيا وكمباتا.
وبلد الزيلع والحبشة تعرف الن فيما يسمى بمنطقة القرن الفريقي والتي تضم دول أثيوبيا وأريتريا
والصومال وجيبوتي .وطبيعي أن هذه السماء لم تكن كلها معروفة في العصور الوسطى فقد كان
هناك ما يعرف عند العرب والمسلمين باسم الحبشة التي حرفها البرتغاليون على كلمة )
،(Abyssiniaوهناك بلد الزيلع التي نشأت فيها ممالك الطراز السلمية ،وهناك أيضا ً في أقصى
الجنوب سلطنة مقديشو ،وفي أقصى الشمال ممالك البجة.
)] ([22العمري :جزء ) (2ص 485مصدر سابق.
)] ([23نور الدين عوض الكريم ،ص 15مرجع سابق.
)] ([24المقريزي :اللمام ،ص .14
)] ([25فتحي غيث :السلم والحبشة عبر التاريخ ،ص 14-9نقل ً عن رجب محمد عبد الحليم .مرجع
سابق.
)] ([26رجب محمد عبد الحليم :مرجع سابق ص .261
)] ([27عرب فقيه :ص 2.3 ،2.2شهاب الدين أحمد ،فتوح الحبشة ،الهيئة المصرية للكتاب 1394هـ
1974م..
)] ([28نفسه ص ..5 ،23
)] ([29العمري :مسالك البصار جزء ) (2ص 482 ،481مصدر سابق.
)] ([30رجب محمد عبد الحليم :مرجع سابق ص .262
17
)] ([31شوقي عطا الله الجمل :سياسة مصر في البحر الحمر في النصف الثاني من القرن التاسع
عشر ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة 1974م.
)] ([32حسن محمود :السلم والثقافة العربية في إفريقيا ،مرجع سابق ،ص .427
)] ([33عرب فقيه :مصدر سابق ،ص .89 ،33 ،18 ،17 ،14
)] ([34العمري :جزء ) .482 -481 (2والقلقشندي جزءه ص .327 ،326
)] ([35عرب فقيه :ص .83 ،24
)] ([36فتوح الحبشة :ص .99
)] ([37العمري :جزء ) (2ص .483
)] ([38عرب فقيه :ص .1.9
)] ([39العمري :جزء 2ص .483والقلقشندي جزءه ص .329
)] ([40فتوح الحبشة :ص ..28
)] ([41العمري :جزء ) (2ص 482والقلقشندي جزءه ص 327والمقريزي :ص .7
)] ([42رجب محمد عبد الحليم :العلقات السياسية بين مسلمي الزيلع ونصارى الحبشة ،مرجع سابق،
ص .27
)] ([43د .عبد العزيز عبد الغني إبراهيم الثر الحبشي في الثقافة العربية مجلة دراسات إفريقية ص
117العدد.
18