You are on page 1of 205

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫فهذا الكتاب ليس له قيمة لن النص قد شوه وحرف ‪ ،،‬وهذه البضاعة البادية‬
‫ل تستخدم إل شهادات تشير إلى قتل الضحايا بالغاز دون أن يوضحوا لنا أبدا ً‬
‫طريقة تشغيل غرفة غاز واحدة )والذي أثبت لوختر استحالة ذلك ماديا ً‬
‫وكيماويًا( أو شاحنة واحدة من تلك الشاحنات التي استخدمت بطريقة انبعاث‬
‫الديزل منها ‪ ،‬كغرف غاز متنقلة )‪.(13‬‬
‫وبعد أن قام لوشتر بزيارة واختبارات عينات غرف الغاز المزعومة في‬
‫أوشفيتر ـ بيركينا وغيره من معسكرات الشرق ‪ ،‬وبعد أن استعرض جميع‬
‫المواد الوثائقية ‪ ،‬وفحص جميع الماكن في أوشفيتر وبيركينا وماجدانك ‪ ،‬وجد‬
‫أن البراهين دامغة ‪ ،‬فل توجد في أي من هذه الماكن غرف غاز قاتل ‪ ،‬وهذا‬
‫ما ورد في تقرير لوشتر‪ ،‬ماساتشوست بتاريخ ‪.(14) 5/4/1988‬‬
‫وحتى هذه اللحظة ‪ ،‬فإن الحجج الوحيدة التي استخدمت أجيال الرافضين‬
‫للتاريخ الرسمي كانت هي المتناع عن المناقشة والغتيال والرقابة‬
‫والضطهاد )‪.(15‬‬
‫التفسير اليهودي للنبوءات ‪:‬‬
‫لكن ‪ ،‬بالرغم من التدليس والتزوير وطمس الحقائق ‪ ،‬والتنكيل بمن ينطق‬
‫بالصدق ‪ ،‬فلم تعدم الحقيقة أنصارا ً يكشفون الزيف ‪ ،‬ويفضحون الباطيل‬
‫والساطير‪ .‬ففي المحاضرة التي ألقاها الحاخام المربرجر الرئيس السابق‬
‫لرابطة ‪ :‬من أجل اليهودية في الوليات المتحدة ورد ‪ :‬أن السياسة الحالية‬
‫لسرائيل قد طمحت أو على القل قد طمست المعنى الروحي لسرائيل كما‬
‫قال ميشا الثالث بكل وضوح ‪ :‬استمعوا إذن يا رؤساء بيت يعقوب وقادة بيت‬
‫إسرائيل ‪ ،‬يا من تكرهون الخير وتحبون الشر‪ ،‬يا من تبنون صهيون وسط‬
‫حمامات من الدم والقدس بجرائمكم ‪ ،‬إن صهيون سيحرث كالحقل ‪،‬‬
‫وستصبح القدس كومة من الطلل ‪ ،‬وسيصبح جبل المعبد مكانا ً لعبادة‬
‫الصنام )‪ ،(16‬ومع ذلك فإن دولة إسرائيل الحالية ليس لها أي حق في ادعاء‬
‫تحقيق النية اللهية من أجل عصر مسيحي ‪ ،‬فهذه محض غوغائية التربة‬
‫والدم ‪.‬‬
‫ولم يكن إيجال عامير قاتل رابين بعربيد أو بمجنون ‪ ،‬ولكنه النتاج الخالص‬
‫للتربية الصهيونية )أو المعتقدات الصهيونية الشريرة( فهو ابن حاخام وطالب‬
‫ممتاز في الجامعة الكليركية بأرعيلن بالقرب من تل أبيب ‪ ،‬وتشبع بتعاليم‬
‫المدارس التلمودية ‪ ،‬وجندي من جنود الصفوة في الجولن ‪ ،‬ويحتفظ في‬
‫مكتبته بسيرة باروخ جولدشتين الذي اغتال قبل شهور في الخليل ‪ 27‬من‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العرب وهم يصلون ‪ ،‬ويندرج اغتيال رابين والغتيالت التي اقترفها جولدشتين‬
‫ضمن المنطق الضيق لميثولوجية المتطرفين الصهيونيين ‪ ،‬وكما يقول عامير‬
‫كما أوردت لوموند في ‪ : 8/5/1995‬إن المر بالقتل جاء من الرب )‪.(17‬‬
‫مزاعم الحقوق التاريخية ‪:‬‬
‫إذا عممنا هذا النمط الصهيوني من الـ )مطالب( المبنية على مثل هذه الـ‬
‫)الحقوق التاريخية( فإن الكوكب الرضي بأكمله سوف يصير إلى الفوضى ‪،‬‬
‫فلماذا ل يطالب اليطاليون بالحقوق التاريخية في فرنسا حيث سيطر‬
‫الرومان منذ يوليوس قيصر على بلد الغال ‪ ،‬ولماذا ل يطالب السويديون‬
‫بنورمانديا وإنكلترا وصقلية باسم أجدادهم الرومان )‪.(18‬‬
‫بل نقول ‪ :‬لماذا ل يطالب العرب بإسبانيا التي أقاموا فيها حوالي ثمانمائة‬
‫سنة أنشأوا على أرضها حضارة مدهشة ما زالت مصدر دخل كبير لسبانيا‬
‫في قطاع السياحة ‪ .‬وكذا صقلية وقسم من إيطاليا ؟!!!‬
‫ويعقب الستاذ جارودي على هذا المنطق السقيم للصهاينة في اغتصاب‬
‫فلسطين بقوله ‪ :‬ليس لدولة إسرائيل الصهيونية هنا حيث زرعت أية‬
‫شرعية ‪ :‬ل تاريخية ‪ ،‬ول توراتية ‪ ،‬ول قانونية ‪ ،‬كذلك ول خلقية ‪ ،‬فإن مسلكها‬
‫في الداخل وفي الخارج عرقية توسعية إرهابية )‪.(19‬‬
‫وقد أشار القرآن الكريم وأنبأت الحاديث الشريفة الصحيحة بأن هذه الدولة‬
‫آيلة إلى الزوال ‪ ،‬وأن تجمع اليهود في فلسطين من جميع أنحاء العالم‬
‫سيكون في المآل وبال ً عليهم وكارثة تحل بساحتهم ‪ ،‬وقد صدرت كتب‬
‫عديدة للتميمي رحمه الله وللخالدي ولعدد آخر من الكتاب المسلمين‬
‫يبرهنون بالنصوص أن زوال إسرائيل حقيقة قرآنية تدعمها المبشرات‬
‫النبوية ‪ .‬فعلى العرب والمسلمين أن يربوا أبناءهم ‪ ،‬وينشئوا أجيالهم على‬
‫هذه التوجيهات والحقائق الدامغة التي ل يأتيها الباطل من بين يديها ول من‬
‫خلفها ‪ ،‬وصدق الله العظيم ‪] :‬فإذا جاء وعد الخرة ليسوءوا وجوهكم‬
‫وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرًا[ )‪.(20‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫الهداف الصهيونية المدمرة‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لم يخف هرتزل حقده على العرب والمسلمين وعلى شعوب القارة السيوية‬
‫‪ ،‬وكان يبشر لدى الوروبيين أنه سيقيم دولة تحمي حضارتهم وتكون سدا ً‬
‫منيعا ً في مواجهة أعدائهم ‪ ،‬فقد نص كتابه الدولة اليهودية في الترجمة‬
‫الفرنسية منشورات باريس صفحة ‪ 95‬عام ‪ : 1926‬بالنسبة لوروبا سوف‬
‫تكون الحارس المامي للحضارة في وجه البربرية )‪ .(21‬ولم يكن هذا موقف‬
‫هرتزل فحسب ‪ ،‬بل كان جميع من حوله من المؤيدين وأعضاء المنظمة‬
‫الصهيونية تفيض قلوبهم بالحقاد والطماع المعلنة والمنشورة في كتبهم‬
‫ورسائلهم ‪ ،‬فقد تلقى هرتزل رسالة من صديقه المقرب ومستشاره‬
‫دافيدتريتش بتاريخ ‪ 29/10/1899‬بعد انعقاد مؤتمر بال الصهيوني العالمي‬
‫يقول فيها ‪ :‬أود أن أشير عليكم بالرجوع من وقت لخر إلى برنامج فلسطين‬
‫الكبرى )إسرائيل الكبرى( قبل أن يفوت الوان ‪ ،‬فلبد أن يحتوي برنامج بال‬
‫على كلمات إسرائيل الكبرى أو فلسطين والراضي المجاورة ‪ ،‬وإل يكون بل‬
‫معنى ‪ .‬لن يكون في وسعكم استقبال عشرة مليين من اليهود على ساحة‬
‫من الرض مقدارها ‪ 25000‬كم ‪.(22) 2‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما بن غوريون فقد قال بجلء تام ‪ :‬ليس المقصود على الوضع الراهن ‪ ،‬علينا‬
‫أن نخلق دولة ديناميكية ‪ ،‬متجهة نحو التوسع )‪ .(23‬وفي عام ‪ 1972‬كانت‬
‫غولدا مائير تجيب على أسئلة صحفية عندما سئلت عن المنطقة التي‬
‫يعتبرونها ضرورية لمن إسرائيل ؟ إذا كنت تريد القول بأنه يتعين علينا رسم‬
‫خطط لحدودنا ‪ ،‬فهذا ما لم نفعله ‪ ،‬سوف نفعل ذلك عندما يحين الوقت‬
‫المناسب )‪.(24‬‬
‫تمزيق الوطن العربي‬
‫ً‬
‫في ‪ 14/2/1982‬نشرت مجلة كيفوتنيم ـ اتجاهات ـ مقال ً صادرا عن‬
‫المنظمة العالمية بالقدس فيه عرض واف لستراتيجية إسرائيل في‬
‫الثمانينات ‪ ،‬نورد أهم ما جاء فيه ‪:‬‬
‫ـ استرداد سيناء هدف له الولوية بين الهداف ‪ .‬لبد من العمل على استعادة‬
‫الوضع الذي كان مرجحا ً في سيناء قبل زيارة السادات ‪ ،‬والتفاق التعس‬
‫الموقع معه في عام ‪.(25) 1979‬‬
‫ـ إن مصر لم تعد تمثل بالنسبة لنا مشكلة استراتيجية ‪ ،‬ومن السهل أن‬
‫نعيدها في أقل من أربع وعشرين ساعة إلى الحالة التي كانت عليها بعد‬
‫ً‬
‫حرب حزيران ‪ . 1967‬إن أسطورة مصر زعيمة العالم العربي ماتت تماما ‪،‬‬
‫وهي في مواجهة إسرائيل وسائر العالم العربي قد فقدت ‪ %50‬من قدرتها ‪،‬‬
‫فمصر صارت جثة هامدة ‪ ،‬وبخاصة إذا نحن أخذنا بعين العتبار المجابهة‬
‫المتزايدة في قسوتها بين المسلمين والمسيحيين ‪ ،‬فتقسيمها إلى مقاطعات‬
‫جغرافية منفصلة يجب أن يكون هدفنا الساسي على الجبهة الغربية في‬
‫التسعينات !!‬
‫إن تقسيم لبنان إلى مقاطعات خمس يجسد صورة لما سوف يجري في‬
‫العالم العربي برمته ‪ ،‬وتمزيق سورية والعراق إلى أقطار محددة على‬
‫ً‬
‫أساس المعايير العرقية أو الدينية يجب أن يكون على المدى البعيد هدفا له‬
‫الولوية بالنسبة إلى إسرائيل ‪ ،‬بالنظر إلى أن المرحلة الولى هي تدمير قوة‬
‫هذه الدولة العسكرية ‪ .‬وشبه الجزيرة العربية بأسرها محكوم عليها بانحلل‬
‫من النوع نفسه ‪ .‬والردن هدف استراتيجي في الحالة الحاضرة ‪ ،‬وعلى‬
‫المدى الطويل لم يشكل تهديدا ً لنا بعد انحلله ونهاية حكم الملك حسين ‪،‬‬
‫وانتقال السلطة إلى الكثرية الفلسطينية ‪ ،‬وسيعني التغيير حل مشكلة‬
‫الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية ‪ .‬فنزوح العرب )الفلسطينيين( إلى‬
‫الشرق )الردن( في ظروف سلمية ‪ ،‬أو على أثر حرب ‪ ،‬وتجميد نموهم‬
‫القتصادي والديمغرافي هما ضمان التغييرات القادمة ‪ ،‬وعلينا أن نفعل كل‬
‫شيء للتعجيل بتحقيق هذه الصيرورة ‪.‬‬
‫إن يهودا والسامرة والجليل هي الضمانات الوحيدة لبقائنا اليومي ‪ ،‬وإذا نحن‬
‫لم نصبح أكثرية في المناطق الجبلية نخاطر بأن نلقى ما لقاه الصليبيون‬
‫الذين فقدوا هذه البلد ‪ .‬لذلك فإن إعادة التوازن إلى المنطقة على الصعيد‬
‫السكاني والستراتيجي والقتصادي يجب أن يكون مطمحنا الرئيسي ‪ ،‬وهذا‬
‫يقتضي الشراف على موارد المياه في المنطقة التي تمتد من بير السبع إلى‬
‫الجليل العلى والتي هي خالية من اليهود اليوم )‪.(26‬‬
‫من مخططات التمزيق الصهيونية‬
‫إن سياسة إسرائيل الثابتة منذ إنشائها بدعم من أوروبا وأمريكا ترتكز على‬
‫تمزيق الوطن العربي إلى كيانات عرقية وطائفية متناحرة كالذي حدث في‬
‫إسبانيا إبان حكم الطوائف في العقود الخيرة للوجود العربي في إسبانيا ‪.‬‬
‫من برنامج التمزيق الصهيوني‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمنذ الخمسينات كشفت إسرائيل عن مخططها في تمزيق مصر وسوريا‬


‫ولبنان والعراق طبقا ً لبرنامج نشره الصحفي الهندي كرانجيا في كتيب بعنوان‬
‫‪ :‬خنجر إسرائيل )‪.(27‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فالصهاينة يؤكدون على إلغاء الدور المصري لسيما بعد أن استعصى شعب‬
‫مصر على التطبيع رغم الضغوط الداخلية والخارجية ‪ ،‬ويصرون على الجهاز‬
‫على كبرى القطار العربية ذات التاريخ الزاهر في مقاومة الغزاة لسيما‬
‫الصليبيون والتتار‪ ،‬وإلحاق الهزيمة بهم ‪ .‬فاليهود حاقدون على المصريين ‪،‬‬
‫إنهم يذكون الصراع بين المصريين مسلمين ومسيحيين ما استطاعوا إلى‬
‫ذلك سبيل ً ‪ ،‬وهذه سياستهم كما يقولون في التسعينات على الجبهة الغربية‪.‬‬
‫فإذا ما تفككت مصر كما تنص خطتهم وحرمت من السلطة المركزية ‪ ،‬فإن‬
‫بلدانا ً مثل ليبيا والسودان وغيرهما من البلدان البعد ستعرف نفس المآل‬
‫)التفكك(‪ ،‬ويعتبر تشكيل دولة قبطية في صعيد مصر كما يهدف العدو هو‬
‫مفتاح الحل لتطور تاريخي لبد منه على المدى الطويل ‪.‬‬
‫وفي سورية فإن الهياكل العرقية التي هي عرضة للتفكك قد يؤدي إلى إنشاء‬
‫دولة شيعية )نصيرية( على طول الساحل ‪ ،‬ودولة سنية في منطقة حلب ‪،‬‬
‫وأخرى في دمشق ‪ ،‬وكيان درزي قد يرغب في تشكيل دولته الخاصة به ـ‬
‫وربما فوق هضبة الجولن ـ مع حوران وشمال الردن ‪ ،‬ومثل هذه الدولة‬
‫ستصبح على المدى الطويل ضمانا ً للمن والسلم في المنطقة ‪ ،‬وهو هدف‬
‫في متناول يدنا بالفعل !!‪ .‬والعراق الغني بالبترول ‪ ،‬والمرتع للمنازعات‬
‫الداخلية هو خط التسديد السرائيلي ‪ ،‬وتفكيكه سيكون بالنسبة لنا أهم من‬
‫تفكيك سورية ‪ ،‬لنه يشكل على المدى القصير أخطر تهديد لسرائيل ‪.‬‬
‫إن العدو يقف كالجلد فوق رؤوس ضحاياه ‪ ،‬فمن يناوئ هذه المخططات أو‬
‫يعترض عليها يواجه أخطارا ً من كل الجهات ‪ ،‬ول يدري كيف أحاطت به ‪،‬‬
‫فعندما قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية السناتور فولبريت ‪ :‬إن زملءنا في‬
‫مجلس الشيوخ وبنسبة ‪ %70‬منهم ل يحددون مواقفهم إل تحت ضغط‬
‫اللوبي وليس برؤيتهم الخاصة القائمة على مبادئ الحرية والقانون ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫إن السرائيليين يتحكمون في سياسة الكونغرس ومجلس الشيوخ إذا‬
‫بالسيناتور يفقد مقعده في مجلس الشيوخ في النتخابات التالية ؟!!)‪.(28‬‬
‫وفي ذلك يقول فندلي ‪ :‬إن أي إنسان ينتقد سياسة إسرائيل عليه أن يتوقع‬
‫عمليات انتقام موجعة ل تنتهي وحتى فقدان سبل معيشته بواسطة ضغوط‬
‫اللوبي السرائيلي ‪ ،‬والرئيس نفسه يخاف من )اللوبي( والكونغرس يخضع‬
‫لكل مطالبه ‪ ،‬وتحرص أعرق الجامعات على إبعاد كل ما يتعارض معه في‬
‫برامجها ‪ ،‬وتستسلم وسائل العلم كما يخضع القادة العسكريون لضغوطه ‪.‬‬
‫وعندما انتقد الستاذ جارودي جرائم إسرائيل في لبنان وغزوها له في‬
‫‪ 17/6/1982‬وكتب عن ذلك في اللموند تلقى خطابات التهديد بالقتل ‪،‬‬
‫وأغلقت في وجهه كل وسائل العلم والنشر‪.‬‬
‫لقد فرضت الهيمنة شبه الكاملة على أجهزة العلم في أمريكا وفرنسا‬
‫وعلى معظم دول العالم من اللوبيات الصهيونية ‪ ،‬فالدفاع عن الوطن أصبح‬
‫إرهابا ً ‪ ،‬أما إذا غزت إسرائيل لبنان فالعملية تسمى من أجل السلم ‪ :‬السلم‬
‫في الجليل )‪.(29‬‬
‫ترى ألم يسمع العرب لسيما سلطينهم بالسياسات السرائيلية ؟ ألم يطلعوا‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على خططهم في الخمسينات والثمانينات ؟ ألم يقرؤوا تاريخهم الحافل‬


‫بالجرائم والمذابح والحراق والتدمير باسم الرب لكل شعوب الرض ؟ ألم‬
‫يطلعوا على أفكارهم التي تفيض بالحقد والكراهية والعداد للفتن وإيقاد‬
‫الحروب بين أبناء الشعب الواحد منذ أكثر من ثلثة آلف عام ؟ إن العرب ل‬
‫يقرؤون كما زعم دايان عندما سئل ‪ :‬كيف تنشرون برامجكم وتكشفون عن‬
‫مخططات المستقبل ؟!! إن العرب يتلقون كل يوم من إعلمهم وأجهزتهم‬
‫التي ينفقون عليها أكثر مما ينفقون على المدارس ودور القضاء التقارير‬
‫الكافية والوافية التي تحيط علما ً بكل ذلك وزيادة ‪ .‬لكن الحتفاظ بكراسي‬
‫الحكم أغلى من ذلك وأحلى ‪ .‬ألم نسمع بتصريح أحد أبطال الجولن عندما‬
‫قال ‪ :‬لم يخسر المعركة ولو ضاعت الجولن طالما أن حكومته استمرت في‬
‫السلطة وبقيت في الحكم ؟!!‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫الفاشية العسكرية الصهيونية‬
‫منذ تجمع اليهود في فلسطين بدعم النكليز ثم المريكان ‪ ،‬مارس الصهاينة‬
‫عن طريق الوكالة اليهودية ثم الدولة السرائيلية منذ عام ‪ 1948‬حكما ً دمويا ً‬
‫قوامه القتل والنسف والبادة ل فرق بين الرجل والمرأة والطفل ‪ ،‬ومارسوا‬
‫بفظاظة سياسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين ‪ ،‬فخرجوا من ديارهم‬
‫مكرهين ‪ ،‬وهاموا على وجوههم في البلد العربية وفي أرجاء العالم وقاراته ‪.‬‬
‫وهذه الفترة في حياة الدولة السرائيلية يسميها الستاذ جارودي بالصهيونية‬
‫العسكرية ‪ ،‬فعندما كانت إسرائيل تنفق أكثر من ‪ %50‬من ميزانيتها على‬
‫السلح والعداد العسكري ‪ ،‬كان هدف هذه العسكرية المعلن بلسان شارون‬
‫نفسه ‪ ،‬ليس الدفاع عن إسرائيل ‪ ،‬وإنما تفتيت الدول العربية اعتمادا ً على‬
‫نصوص توراتية تلتمس من أجل تبرير التوسع الدائم على الحدود ‪ ،‬وكذلك‬
‫تبريرا ً لمناهج الرهاب والمذابح ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫في عام ‪ 1937‬رسم بن غوريون حدود الدولة بالستناد إلى مصادر توراتية‬
‫فرأى أن أرض إسرائيل يجب أن تضمن خمس مناطق ‪ :‬جنوبي لبنان حتى‬
‫الليطاني ‪ ،‬وجنوب سوريا والضفة الشرقية )شرقي الردن( وفلسطين‬
‫وسيناء ‪ .‬وذكر بن غوريون في مشروعه أن خط الحدود يجب أن يمر الحد‬
‫الشمالي فيه من حمص في سورية التي كان يطابقها مع مدينة حماة التي‬
‫تحدد )في الصحاح ‪ 34‬من ‪ 1‬ـ ‪ (8‬تخوم أرض كنعان في الشمال ‪ ،‬ويطابق‬
‫صهيونيون توراتيون شديدو الحماسة وفقا ً للظروف مدينة حماة مع إدلب ‪،‬‬
‫في حين يرى آخرون أنها تقع ضمن حدود تركيا ‪ .‬وقد طالب الحاخام أدين‬
‫ستينسالنر في أثناء حوار عقده سارتر في إسرائيل بحقوق تاريخية في‬
‫قبرص ‪ ،‬وفي عام ‪ 1956‬أعلن بن غوريون أمام الكنيست في جو من التهليل‬
‫والتصفيق أن سيناء تشكل جزءا ً من مملكة داود وسليمان ‪ ،‬وبعد أن قامت‬
‫أمريكا والتحاد السوفياتي بعد الهجوم على قناة السويس بكبح جماح‬
‫إسرائيل خفت صوت هذه الجغرافيا التوراتية ‪ ،‬ثم عاد يطفو على السطح‬
‫عام ‪ 1967‬في حدود الوعد )من نهر الفرات العظيم إلى وادي مصر‪،‬‬
‫الصحاح ‪ 34‬ـ ‪ 4‬و ‪. (30) (5‬‬
‫لم يكن ضرب صيدا وصور وقصف بيروت ومجازر صبرا شاتيل امتدادا ً‬
‫مباشرا ً لمذبحة دير ياسين التي اقترفتها عصابات أرغون بقيادة بيجن عام‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 1948‬وقبية وكفر قاسم وللمفاخر الدموية لقتلة وحدة شارون الـ ‪ ، 101‬بل‬
‫كان ذلك كله يحظى بألقاب الشرف باسم رسالة إسرائيل التوراتية ‪ ،‬حيث‬
‫تكرر دولة إسرائيل الحالية المأثرة المقدسة لسرائيل التوراتية باجتثاث‬
‫أصول أصول الكنعانيين من البلد ‪ ،‬منفذة بالعرب ما فعلته بالمس مع‬
‫الكنعانيين والشعوب السابقة في هذه الرض ‪.‬‬
‫إن إسرائيل قدمت الدليل باحتللها للبنان أنه في مكنتها إقامة نظام جديد‬
‫في الشرق الوسط ‪ ،‬وأنه في احتلل لبنان بداية السلم للعالم ‪ ،‬فلم يعد‬
‫يكتفى بمديح حرب دفاعية ‪ ،‬بل تصبح الحرب نفسها قيمة ‪ ،‬فقد قدم أهارون‬
‫موجيد في صحيفة دافار عدد ‪ 3‬أيلول ‪ 1982‬تحليل ً جاء فيه ‪ :‬ففي هذه‬
‫الطريق للسلم قد بلغنا مرحلة أرقى مما بلغناه بعد حرب اليام الستة ‪،‬‬
‫فبهذه الحرب كشفنا عن قوتنا العسكرية ‪ ،‬نحن مسؤولون عن النظام في‬
‫الشرق الوسط وفي العالم في آن واحد )‪.(31‬‬
‫اليهود سادة العالم ‪ ،‬والكون ملك لهم ‪ ،‬اغتصب منهم ‪ ،‬والشعوب خلقت‬
‫لخدمتهم ‪ ،‬هذه معتقداتهم التي بها يؤمنون ‪ ،‬فإذا ما قتلوا سكان قرية‬
‫وأبادوهم ‪ ،‬فإنهم ينفذون مشيئة ربهم وأنبيائهم كما يزعمون !! ول حرج‬
‫عليهم في ذلك ‪ ،‬وضمائرهم مرتاحة لما يفعلون ‪ ،‬كانوا هكذا مع الكنعانيين‬
‫وقدامى الشعوب ‪ ،‬وما زالوا في هذا القرن يطبقون هذه السياسات‬
‫الجرامية مع الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين ‪ ،‬وهذا الماضي‬
‫السطوري الذي يواجه المستقبل نحو ما يمكن أن يكون انتحارا ً كونيا ً ‪ ،‬ففي‬
‫‪ 9/4/1948‬أباد مناحيم بيغن ومعه وحدات أرجون العسكرية سكان قرية دير‬
‫ياسين وقتلوا منهم ‪ 254‬رجل ً وامرأة وطفل ً ‪ ،‬وطافوا في من تبقى منهم‬
‫شوارع القرية ليملئوا قلوب القرى الخرى رعبا ً )‪.(32‬‬
‫في سفر ـ العدد ـ الفصل الحادي والثلثون ‪ 7‬ـ ‪ : 18‬يقال لنا إن مآثر بني‬
‫مد َْينيين ‪ ،‬فقاتلوا مدين كما أمر الرب موسى ‪ ،‬وقتلوا‬ ‫إسرائيل الذين هزموا ال َ‬
‫كل ذكر‪ ،‬وسبى بنو إسرائيل نساء مدين وجميع مدنهم مع مساكنهم ‪،‬‬
‫وأحرقوا قصورهم بالنار‪ ،‬وعندما عادوا إلى موسى ‪ ،‬سخط موسى على‬
‫وكلء الجيش ‪ ،‬وقال لهم موسى ‪ :‬هل استبقيتم الناث كلهن ؟ فالن اقتلوا‬
‫كل ذكر من الطفال وكل امرأة عرفت مضاجعة رجل اقتلوها‪،‬أما الناث‬
‫الطفال اللواتي لم يعرفن مضاجعة الرجال فاستبقوهن لكم )‪ 14‬ـ ‪.(18‬‬
‫وتابع يشوع خليفة موسى وفي أثناء غزوه لكنعان وبطريقة منهجية سياسة‬
‫التطهير العرقي التي أمر بها رب الجيوش ‪ .‬وجاء في )سفر يشوع ‪ ،‬الفصل‬
‫قَيدة ‪ ،‬وضربها بحد السيف ‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫العاشر ‪ 34‬ـ ‪ : (38‬وفتح يشوع في ذلك اليوم َ‬
‫وأبسل ملكها وكل النفس التي فيها ‪ ،‬فلم يبق باقيا ً ‪ ،‬فصنع بملك مقيدة كما‬
‫صنع بملك أريحا ‪ ،‬ثم اجتاز يشوع وجميع بني إسرائيل معه من مقيدة إلى‬
‫لبنة وحاربها ‪ ،‬فأسلمها الرب أيضا ً إلى بني إسرائيل هي وملكها ‪ ،‬فضربوها‬
‫بحد السيف وقتلوا كل نفس فيها ‪ ،‬فلم يبقوا فيها باقيا ً ‪ ،‬وفعلوا بملكها كما‬
‫فعلوا بملك أريحا ‪ .‬وجاز يشوع وجميع إسرائيل معه ‪ ،‬من لبنة إلى لكيش ‪،‬‬
‫ونزل عليها وحاربها ‪ ،‬فأسلم الرب لكيش إلى أيدي إسرائيل ‪ ،‬فافتتحوها في‬
‫اليوم الثاني وضربوها بحد السيف وقتلوا كل نفس فيها كما فعلوا بلبنة ‪،‬‬
‫حينئذ صعد هوارم ملك جاوز لنصرة لكيش فضربه يشوع هو وقومه حتى لم‬
‫يبق منهم باقيا ً ‪ ،‬واجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لكيش إلى عجلون ‪،‬‬
‫ونزلوا عليها وحاربوها وافتتحوها في ذلك اليوم وضربوها بحد السيف ‪،‬‬
‫وأبسل كل نفس فيها في ذلك اليوم عينه كما فعل بلكيش ‪ ،‬وصعد يشوع‬
‫وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى صبرون وحاربوها )‪.(33‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وتستمر هذه الملحمة المملة في سرد وتعداد عمليات البادة المقدسة التي‬
‫وقعت في الضفة الغربية !! يتساءل الستاذ جارودي ‪ :‬لماذا ل يحذو ـ والحالة‬
‫هذه ـ أي يهودي متدين ومتطرف أي متمسك بالقراءة الحرفية للتوراة حذو‬
‫هذه الشخصيات الجليلة المتمثلة في موسى ويشوع ؟ ألم يذكر سفر العدد ‪:‬‬
‫وعندما بدأ غزو فلسطين ـ كنعان ـ فسمع الرب صوت إسرائيل ‪ ،‬ودفع إليهم‬
‫الكنعانيين فأبسلوهم هم ومدنهم )العدد الحادي والعشرون ‪ (3 ،‬ثم بخصوص‬
‫الموريين وملكهم ‪ :‬فضربه إسرائيل بحد السيف هو وقومه حتى لم يبق‬
‫منهم أحدا ً واستولوا على بلده )العدد الحادي والعشرون ‪ .(35 ،‬ويكرر سفر‬
‫تثنية الشتراع ‪ :‬وإذا أدخلك الرب إلهك الرض التي أنت صائر إليها لترثها ‪،‬‬
‫واستأصل أمما ً كثيرة فأبسلهم إبسال ً ـ الفصل السابع ‪ 1‬ـ ‪ 2‬ـ فل يقف أحد‬
‫بين يديك حتى تفنيهم ـ الفصل السابع ‪ 24‬ـ ‪.‬‬
‫من يشوع إلى شارون‬
‫ومن شارون إلى الحاخام مائير كاهانا ‪ ،‬فذاك تجسيد للطريقة التي سيتبعها‬
‫الصهاينة حيال الفلسطينيين ! ألم تكن مسيرة يشوع هي مسيرة مناحيم‬
‫بيجن عندما قضى في ‪ 9/4/1948‬على سكان دير ياسين وقتلهم جنود‬
‫الرغون لكي يفر العرب العزل مذعورين كما ذكر بيجن نفسه في كتاب‬
‫العصيان ‪ ،‬تاريخ الرغون عام ‪ 1987‬في الصفحة المائتين )‪ (34‬؟!‪ .‬ألم يكن‬
‫طريق يشوع هو الطريق الذي وضعه يورام بن بورات في الجريدة‬
‫السرائيلية الكبرى أديعوت أحرونوت الصادرة في ‪ : 14/7/1972‬ل صهيونية‬
‫واستعمار للدولة اليهودية بدون إبعاد العرب وطردهم والستيلء على‬
‫أراضيهم !! أما وسائل وأساليب هذا الستيلء على الرض فقد حددها رابين‬
‫عندما كان جنرال ً على الرض المحتلة ‪ :‬تكسير عظام ملقي الحجار من‬
‫أطفال النتفاضة ‪ .‬وبنفس هذا اليقين اندفع الدكتور باروخ جولد شتين وهو‬
‫مستوطن ذو أصل أمريكي من قرية أربة في الضفة الغربية ‪ ،‬وقتل أكثر من‬
‫‪ 27‬فلسطينيا ً وجرح أكثر من خمسين وهم يصلون في الحرم البراهيمي ‪،‬‬
‫وكان باروخ عضوا ً في جماعة متطرفة تأسست برعاية شارون ‪ ،‬أي تحت‬
‫حماية من قاد مذابح صبرا شاتيل ‪ ،‬والذي كوفئ على جريمته بتعيينه وزيرا ً‬
‫للسكان ‪ .‬وباروخ موضع تبجيل المتطرفين الذين يأتون على قبره بالزهار ‪،‬‬
‫وينحنون لتقبيله ‪ ،‬فهو المين على تقاليد يشوع الرامية إلى القضاء على كل‬
‫شعوب كنعان من أجل الستيلء على أرضهم ‪ ،‬وهذا هو التطهير العرقي الذي‬
‫يمارس بشكل منتظم في دولة إسرائيل اليوم ينبع من مبدأ النقاء العرقي‬
‫الذي يمنع امتزاج الدم اليهودي بأي دم دنس من دماء الخرين )‪.(35‬‬
‫وهذا ما حمل منظمة المم المتحدة في ‪ 10/11/1975‬وفي جلسة عامة ‪،‬‬
‫اعتبرت فيها أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري ‪،‬‬
‫وهذا القرار ألغته أمريكا بعد انهيار التحاد السوفياتي‪،‬وبعد أن وضعت يدها‬
‫على المم المتحدة ‪،‬وحصلت في ‪ 16/12/1991‬على قرار بإلغائه )‪.(36‬‬
‫إن ما فعلوه من ذبح السكان بالجملة ‪ ،‬ومنهم الطفال والنساء والرجال من‬
‫السكان المنين ل يحرج قادة الصهيونية ول يشكل لضمائرهم مصدر ألم أو‬
‫قلق على القل ‪ .‬لقد كتب بيغن في كتابه التمرد قصة الرغون ‪ ،‬جاء فيه ‪ :‬ما‬
‫كانت دولة إسرائيل لتوجد من دون النتصار في دير ياسين )ص ‪ 162‬من‬
‫الطبعة النكليزية( ‪ ،‬وأضاف ‪ :‬أن الهاجانا كانت تقوم بهجمات مظفرة في‬
‫جبهات أخرى ‪ ،‬فكان العرب إذا أصابهم الذعر يفرون صارخين ‪ :‬دير ياسين‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)الطبعة الفرنسية ص ‪.(200‬‬


‫وفي عام ‪ 1949‬بعد الحرب الولى العربية السرائيلية كان الصهاينة‬
‫يسيطرون على ‪ %80‬من فلسطين ‪ ،‬وقد تم طرد ‪ 770000‬فلسطيني منها‬
‫)‪.(37‬‬
‫أجرى عالم النفس ج تامارين من جامعة تل أبيب الختبار التالي ‪ :‬وزع على‬
‫أكثر من ألف طالب في صفوف السنة الرابعة والسنة الثامنة ـ من الذين‬
‫يدرسون كتاب يشوع في برنامجهم ـ رواية البادة البشرية التي قام بها‬
‫يشوع في أريحا ـ الصحاح السادس ‪ 20‬ـ وطرح السؤال التالي ‪ :‬لنفرض أن‬
‫الجيش السرائيلي احتل قرية عربية أثناء الحرب ‪ ،‬فهل يجب عليه ـ نعم أو ل‬
‫ـ أن يلحق بسكانها نفس المصير الذي قدر لسكان أريحا باحتلل يشوع لها ؟‬
‫فجاءت الجوبة بنعم تتراوح بين ‪ %66‬و ‪ %95‬وفقا ً للمدرسة ‪ ،‬وهذا ما نشر‬
‫في باريس عام ‪.(38) 1977‬‬
‫ترى ‪ ،‬هل اطلع القادة السياسيون والمثقفون وحملة القلم على هذه‬
‫الفكار والحكام التوراتية ‪ ،‬وما أفرزته من تاريخ أسود ملطخ بدماء البرياء‬
‫من الشعوب غير اليهودية ؟ أول يرون أن الصهاينة المعاصرين يلقنون‬
‫أبناءهم والجيال نفس التوجيهات والتعليمات ؟ لينشأ كل صهيوني وكأنه‬
‫قنبلة موقوتة ستنفجر يوما ً على أبنائنا وأجيالنا ؟ أم أن هذا ل قيمة له ول‬
‫أهمية أمام السلم العتيد الذي نرفع رايته بين يدي حكام إسرائيل !!‬
‫يتبع‬
‫إن شاء الله ‪...‬‬
‫)‪ (1‬المأزق ص ‪.6‬‬
‫)‪ (2‬المأزق ص ‪. 7‬‬
‫)‪ (3‬كتاب الساطير المؤسسة للسياسة السرائيلية ص ‪. 192‬‬
‫)‪ (4‬كتاب المأزق ‪ ،‬إسرائيل الصهيونية السياسية الصفحة الثامنة تأليف‬
‫روجيه جارودي نشر دار المسيرة ببيروت ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫)‪ (5‬كتاب المأزق ص ‪. 9‬‬


‫)‪ (6‬كتاب المأزق ص ‪. 11‬‬
‫)‪ (7‬الساطير ص ‪. 18‬‬
‫)‪ (8‬كتاب الساطير لجارودي ص ‪ 18‬كما نقلها من اليوميات ص ‪ 560‬في‬
‫المجلد الول ومن الدولة اليهودية لهرتزل ص ‪. 450‬‬
‫)‪ (9‬كتاب الساطير لجارودي ص ‪ 20‬نقل ً عن اليوميات ص ‪. 224‬‬
‫)‪ (10‬كتاب الساطير لجارودي ص ‪ 29‬و ‪. 29‬‬
‫)‪ (11‬كتاب الساطير لجارودي ص ‪. 47‬‬
‫)‪ (12‬المأزق لجارودي ص ‪. 99‬‬
‫)‪ (13‬الساطير لجارودي ص ‪. 129 ، 128 ، 127‬‬
‫)‪ (14‬الساطير لجارودي ص ‪. 133‬‬
‫)‪ (15‬الساطير لجارودي ص ‪. 135‬‬
‫)‪ (16‬الساطير لجارودي ص ‪. 41 ، 40‬‬
‫)‪ (17‬الساطير لجارودي ص ‪. 43 ، 42‬‬
‫)‪ (18‬المأزق لجارودي ص ‪. 77‬‬
‫)‪ (19‬المأزق لجارودي ص ‪. 233‬‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (20‬سورة السراء الية ‪. 7‬‬


‫)‪ (21‬المأزق لجارودي ص ‪. 85‬‬
‫)‪ (22‬المأزق لجارودي ص ‪. 181‬‬
‫)‪ (23‬المأزق لجارودي ص ‪. 184‬‬
‫)‪ (24‬المأزق لجارودي ص ‪. 190‬‬
‫)‪ (25‬المأزق لجارودي ص ‪. 199 ، 198‬‬
‫)‪ (26‬المأزق لجارودي ص ‪ . 202 ، 201‬هذه مقتطفات من استراتيجية‬
‫إسرائيل في الثمانينيات كما أوردتها مجلة كيفوتيم واستقاها المفكر جارودي‬
‫وعرضها في كتابه المأزق ‪ ،‬وانتشر خبرها في الثمانينيات ‪.‬‬
‫)‪ (27‬الساطير ص ‪ 182 ، 181‬كما جاء في كيفوتيم شباط ‪ 1982‬من‬
‫صفحة ‪ 49‬ـ ‪. 59‬‬
‫)‪ (28‬الساطير ص ‪. 184‬‬
‫)‪ (29‬الساطير‪ :‬الصفحات ‪. 190 ، 189 ، 188 ، 186 :‬‬
‫)‪ (30‬المأزق لجارودي ص ‪ 25‬و ‪. 26‬‬
‫)‪ (31‬المأزق ص ‪. 29 ، 27‬‬
‫)‪ (32‬الساطير ص ‪. 55‬‬
‫)‪ (33‬الساطير ص ‪. 58 ، 57‬‬
‫)‪ (34‬الساطير ص ‪. 61 ، 60‬‬
‫)‪ (35‬الساطير ص ‪. 63‬‬
‫)‪ (36‬الساطير ص ‪. 68‬‬
‫)‪ (37‬المأزق ص ‪. 73‬‬
‫)‪ (38‬المأزق ص ‪. 109‬‬
‫مع الستاذ رجاء جارودي‬
‫في الحوار والفكار‬
‫)‪(2‬‬
‫بقلم ‪ :‬عدنان سعد الدين‬
‫المبحث الرابع‬
‫أسطورة المحرقة النازية‬
‫إن أخطر ما طرحته السياسة الصهيونية في العقود الستة الماضية موضوع‬
‫إفناء اليهود وعداء السامية وحرق ستة مليين يهودي في الهولوكست‬
‫)المحرقة( وفي غرف الغاز لتنفيذ البادة الجماعية لليهود في ألمانيا وفي‬
‫خارجها ‪ ،‬وقد اتخذ الحديث عن الهولوكست شكل ً استفزازيا ً ل يحتمل سماعه‬
‫ضمير حي أو قلب بشر‪ ،‬لن مثل هذه المأساة في حال حدوثها تستدر عطفنا‬
‫جميعا ً ‪ ،‬وفي الوقت نفسه اشمئزازنا البالغ من مرتكبيها ‪ ،‬بل إننا ل نجد في‬
‫اللغة وصفا ً يعبر عن فظاعة مثل هذه الجريمة ‪ ،‬فالوحشية والهمجية‬
‫والجرام كلمات تظل قاصرة عن وصف هذا الفعل والذين ارتكبوه وأقدموا‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وظفت الصهيونية وسائل العلم في العالم كله للحديث عن المحرقة وعن‬
‫النازية المتهمة بارتكابها حتى تم نشرها في جميع القارات وبلغت بها مسامع‬
‫كل الشعوب ‪ ،‬وجعلت منها حادثا ً بديهيا ً مسلما ً به ل يناقش ول يجوز بحثه أو‬
‫الستفسار عنه ‪ ،‬وابتزت باسمه المليارات من دخول اللمان لمدة طويلة ‪،‬‬
‫وسنت القوانين بالنفوذ الذي تملكه الصهيونية في أوروبا لسيما في فرنسا‬
‫وألمانيا وإنكلترا وغيرها والتي حرم بموجبها بحث الموضوع أو إنكاره أو‬
‫الستفسار عنه ‪ .‬بل وسلطت الصهيونية حمم غضبها على من يتناول بحث‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موضوع المحرقة لتلحقه قضائيا ً ‪ ،‬وتحاصره إعلميا ً ‪ ،‬وتشوه سمعته فكريا ً ‪.‬‬
‫وكتبت اللوحات التذكارية في أماكن حساسة للتذكير بستة مليين يهودي‬
‫قتلهم هتلر وحكومته النازية بالبادة والحراق ‪ ،‬والخنق بالغاز السام !‬
‫تعاون الصهيونية مع النازية‬
‫ليس ثمة محظور لدى الصهاينة إذا كان يحقق لهم هدفا ً أو مصلحة ‪ ،‬ولو‬
‫اقتضى ذلك قتل نفر منهم !! فهم يتعاونون مع الشيوعية تارة والرأسمالية‬
‫تارة ‪ ،‬وفي هذا السياق مدوا أيديهم للنازية ‪ ،‬ودعا إسحاق شامير عام ‪1941‬‬
‫إلى التحالف مع هتلر ومع ألمانيا النازية ضد بريطانيا ‪ ،‬كما ورد في )بن‬
‫زوهار‪ :‬بن غوريون النبي المسلح ص ‪ 99‬باريس ‪ (39)(1966‬وكتب المنظر‬
‫النازي الرئيسي الفريد روزنبرج ‪ :‬ينبغي مساندة الصهيونية بكل قوة حتى‬
‫يتسنى نقل مجموعة من اليهود اللمان سنويا ً إلى فلسطين كما جاء في‬
‫كتاب ‪ :‬مسار اليهود على مدار الزمان لـ أ ‪ .‬روزنبرج ص ‪ 153‬ميونيخ‬
‫‪ . 1937‬وكتب ليوفيتش في كتابه ‪ :‬إسرائيل واليهودية ص ‪ 116‬عام ‪: 1993‬‬
‫لقد كان وجود المنظمة الصهيونية ليهود ألمانيا وجودا ً قانونيا ً وشرعيا ً حتى‬
‫عام ‪ ، 1938‬أي بعد اعتلء هتلر الحكم ‪ ،‬واستمرت صحيفة الصهاينة اللمان‬
‫تصدر حتى عام ‪.(40) 1938‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وابتداًء من ‪ 1933‬بدأ التعاون القتصادي بين الصهاينة والنازيين ‪ ،‬وأنشئت‬


‫شركتان هما ‪ :‬شركة هعفرا في تل أبيب وشركة يالترو في برلين ‪ ،‬وكانت‬
‫آلية العملية أن يودع أي يهودي يرغب في الهجرة في بنك فاسرمان في‬
‫برلين أو في بنك فاربورج مبلغا ً ل يقل عن ‪ 100‬جنيه استرليني ‪ ،‬وبهذا‬
‫المبلغ يشتري المصدرون بضائع ألمانية وجهتها فلسطين ‪ ،‬ومع دفع القيمة‬
‫المقابلة بالجنيهات الفلسطينية ولحساب شركة هعفرا في البنك النجلو‬
‫فلسطيني في تل أبيب ‪ ،‬وعندما يصل المهاجر إلى فلسطين يستلم ما يعادل‬
‫المبلغ الذي أودعه في ألمانيا ‪ ،‬وقد شارك عدد من رؤساء وزراء إسرائيل‬
‫في هذه العملية لسيما بن غوريون وموسى شاريت ـ الذي كان يسمى‬
‫حينذاك موسى شرتوك ـ وجولدا مائير وليفي أشكول الذي كان هو الممثل‬
‫في برلين ‪ ،‬وهذا ما ورد في كتاب بن جوريون وشرتوك ص ‪.(41) 294‬‬
‫وقد استقبل موسوليني وايزمان في ‪ ، 3/1/1923‬وكذا قي ‪17/11/1926‬‬
‫وقال له ‪ :‬سأساعدكم في إنشاء هذه الدولة اليهودية )جولدمان السيرة‬
‫الذاتية ص ‪.(42) (170‬‬
‫تعترف منظمة أرجون زفاي ليومي بالموقف المتسامح لحكومة الرايخ حيال‬
‫النشطة الصهيونية داخل ألمانيا شريطة اعتراف حكومة ألمانيا بالتطلعات‬
‫القومية لحركة ليحي )المحاربون من أجل تحرير إسرائيل( ‪ ،‬وكان من‬
‫المشرفين عليها إسحاق شامير‪ .‬وقد توقفت المفاوضات بين الطرفين عندما‬
‫ألقت قوات الحلفاء القبض في يونيه حزيران عام ‪ 1941‬على مندوب‬
‫شتيرن وهو نفتالي ليوبتشيك وعلى شامير داخل مكتب الجهاز السري النازي‬
‫في دمشق بتهمة الرهاب والتعاون مع العدو النازي ‪ ،‬ومثل هذا الماضي لم‬
‫يمنع شامير من أن يصبح رئيس وزراء ‪ ،‬وأن يكون رئيسا ً لمعارضة قوية‬
‫متمسكة باحتلل الضفة الغربية ‪.‬‬
‫وقد أورد أ‪ .‬هابر مؤلف كتاب ‪ :‬مناحيم بيغن ‪ ،‬الرجل والسطورة الصادر في‬
‫نيويورك ‪ 1979‬في الصفحة ‪ 385‬على لسان بن جوريون ‪ :‬إن بيجن ينتمي‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دون شك إلى النمط الهتلري ‪ ،‬فهو عنصري على استعداد لبادة كل العرب‬
‫لتحقيق حلمه بتوحيد إسرائيل ‪ ،‬وهو مستعد لنجاز هذا الهدف المقدس بكل‬
‫الوسائل )‪.(43‬‬
‫جرائم ضد اليهود بأيدي اليهود‬
‫ل يتردد الصهاينة في تصفية من يقف أمام أطماعهم أو عدوانهم سواء أكان‬
‫من خصومهم كما فعلوا بقادة منظمة التحرير أمثال أبي جهاد وأبي الهول‬
‫وأبي إياد أم كانوا من موظفي المم المتحدة والوسطاء الدوليين أمثال‬
‫برنادوت ومساعده الفرنسي ‪ ،‬أم من اليهود المنصفين أم اليهود الذين‬
‫يجدون مصلحة لهم في قتلهم ‪ ،‬فقد نشر الدكتور هرتزل روزيلوم ‪1958‬‬
‫وجويسن نيوزلتر في تشرين الثاني نوفمبر ‪ 1958‬أنه في عام ‪ 1940‬ولثارة‬
‫السخط على النجليز الذين كانوا قد قرروا إنقاذ اليهود من هتلر‪ ،‬وذلك‬
‫باستضافتهم في جزيرة موريشيس ‪ ،‬فإن الباخرة باتريا الفرنسية التي كانت‬
‫تنقلهم توقفت في ميناء حيفا يوم ‪ ، 25/12/1940‬فلم يتردد الزعماء‬
‫الصهاينة من جماعة الهاجانا برئاسة بن غوريون في تفجيرها ‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫قتل ‪ 252‬يهوديا ً وأفراد طاقم الباخرة ‪ .‬ومثال آخر نشرته جريدة أديعوت في‬
‫‪ 8/11/1977‬وذكرت فيه أن عدد أبناء الطائفة اليهودية في العراق كان يبلغ‬
‫‪ 10000‬في عام ‪ ، 1948‬قال فيها حاخام اليهود في العراق خدوري ساسون‬
‫‪ :‬لقد تمتع اليهود والعرب بنفس الحقوق والمتيازات منذ ألف سنة ‪ ،‬ولم‬
‫يعتبروا أنفسهم عناصر غريبة أو منفصلة عن هذا البلد )العراق( ‪ ،‬ثم بدأت‬
‫التصرفات الرهابية السرائيلية في عام ‪ 1950‬في بغداد ‪ ،‬وأمام إحجام‬
‫اليهود العراقيين وترددهم في تسجيل أنفسهم على قوائم الهجرة إلى‬
‫إسرائيل ‪ ،‬لم تتردد الجهزة السرية السرائيلية من أجل إقناعهم بأنهم في‬
‫خطر بإلقاء قنابل عليهم ‪ ،‬فقتل الهجوم على معبد ـ شيم توف ـ ثلثة‬
‫أشخاص وجرح العشرات ‪ ،‬وهكذا بدأ الخروج الجماعي المسمى ‪ :‬عملية‬
‫علي بابا )‪. (44‬‬
‫محاكمة أو مهزلة نورمبرغ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫كان الحلفاء قساة في محاكمتهم كمنتصرين ضد اللمان في محاكمة‬


‫نورمبرغ ‪ ،‬ولم يوفروا الحد الدنى من العدالة والشروط القانونية التي‬
‫يتطلبها القضاء النزيه ‪ ،‬بل كانت شهادات الزور والتهامات التي ل تستند إلى‬
‫واقع أو حقيقة ‪ .‬فالمحكمة في نورمبرغ لم تكن محكمة دولية حيث لم‬
‫تشكل إل من المنتصرين في الحرب ‪ ،‬وهو ما اعترف به النائب العام‬
‫المريكي روبرت جاكسون الذي كان يرأس جلسة ‪ 26/7/1946‬حيث قال ‪:‬‬
‫مازال الحلفاء عمليا ً في حالة حرب مع ألمانيا ‪ ،‬وبوصفها محكمة عسكرية ‪،‬‬
‫فإن هذه المحكمة ل تمثل سوى استمرار لجهود حرب الشعوب الحليفة ‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال ‪ :‬إجبار ألمانيا المهزومة في عام ‪ 1918‬على دفع ‪132‬‬
‫مليار من الماركات الذهبية كتعويضات حرب في الوقت الذي كانت فيه‬
‫الثروة القومية للمانيا تبلغ ‪ 260‬مليار مارك ذهبيا ً ‪ .‬فانهار القتصاد اللماني‬
‫وأصيب الشعب اللماني بالحباط من جراء عملية الفلس وتدهور العملة‬
‫وانتشار البطالة ‪ ،‬مما أدى إلى صعود نجم هتلر بمنحه أسهل المبررات لدعم‬
‫فكرته الرئيسية في إلغاء معاهدة فرساي ‪ ،‬وما تضمنته من بؤس وإذلل‬
‫للشعب الماني )‪. (45‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعندما حصل هتلر على أكثرية البرلمان بدأت إعادة التسلح بمساعدة من‬
‫الشركات المريكية والنكليزية والفرنسية الكبرى ‪ ،‬ومن بينها الشركة‬
‫المريكية ديبون دي نيمور وشركة أمبريال كميكالز‪ .‬وقدم مصرف ديلون في‬
‫نيويورك العلنات لصناعة الصلب ‪ ،‬وهناك صناعات مولت من طرف‬
‫مورجان أو روكلفر‪ ،‬هكذا شارك الجنيه النكليزي والدولر المريكي في‬
‫المؤامرة التي جاءت بهتلر إلى الحكم ‪ ،‬لكن مديري هذه الشركات لم يتم‬
‫استجوابهم أمام محكمة نورمبوغ في إطار المؤامرة ضد السلم )‪.(46‬‬
‫يقول المؤرخ دافيد إيرفينج ‪ :‬لقد شعر كبار القانونيين في العالم بالخجل من‬
‫إجراءات نورمبرغ ‪ ،‬ول شك أن القاضي روبيرت جاكسون الرئيس المريكي‬
‫للدعاء كان يخجل من هذه الجراءات ‪ ،‬وقد اتضح ذلك من مذكراته التي‬
‫قرأتها )‪.(47‬‬
‫إبادة الشعب اللماني‬
‫طلب لكيفتون فاديمان محرر مجلة نيويوركر السبوعية في عام ‪ 1942‬من‬
‫الكتاب خلق روح من الحقد الشديد ضد كل اللمان وليس فقط ضد زعماء‬
‫الحزب النازي ‪ ،‬وأضاف ‪ :‬والطريقة الوحيدة لكي يفهمنا اللمان هي قتلهم ‪.‬‬
‫ونشر الب ويب في جريدة الديلي تلغراف اللندنية مقال ً جاء فيه ‪ :‬إن كلمة‬
‫السر يجب أن تكون القضاء عليهم ‪ ،‬ورغم أن رجل الدين ل ينبغي له أن‬
‫ينزلق إلى مثل هذه العواطف ‪ ،‬إل أنني صراحة لو استطعت لمحوت ألمانيا‬
‫من خريطة العالم ‪ ،‬إنه جنس شيطاني كان لعنة على أوروبا طيلة قرون ‪.‬‬
‫ومنذ عام ‪ 1934‬أعلن الزعيم الصهيوني فلديمير جابوتنسكي ‪ :‬إن مصالحنا‬
‫اليهودية تحتم القضاء النهائي على ألمانيا ‪ ،‬فالشعب الماني في مجموعه‬
‫يمثل لنا خطرا ً كبيرا ً ‪ ،‬وقال تشرشل في ‪ 16/5/1940‬كما جاء في )بول‬
‫بودوان ‪ ،‬تسعة أشهر في الحكومة ‪ 1948‬ص ‪ : (57‬سنجوع ألمانيا ‪ ،‬وسندمر‬
‫مدنها ‪ ،‬وسنحرق محاصيلها وغاباتها ‪ ،‬وكتب تشرشل في تموز يوليه ‪1944‬‬
‫كما جاء في مجلة الرث المريكي عدد آب وأيلول ‪ 1985‬إلى رئيس أركانه‬
‫هيستنجر مذكرة من أربع صفحات يقترح عليه فيها المشروع التالي ‪ :‬أود أن‬
‫نفكر جديا ً في مسألة الغازات الخانقة ‪ ،‬ونود أن نبحث بهدوء نتائج استخدام‬
‫الغازات الخانقة هذه ‪ ،‬ول ينبغي لنا أن نقف مكتوفي اليدي بسبب مبادئ‬
‫حمقاء ‪ .‬ولم يقف ل تشرشل ول ترومان ول ستالين في قفص التهام‬
‫كمجرمي حرب ‪ ،‬كما لم يقف المنادون بأفظع الجرائم مثل تيودور كوفمان‬
‫المريكي اليهودي الذي وجه في عام ‪ 1942‬نداء البادة الفعلية ضمن كتابه ‪:‬‬
‫يجب إبادة ألمانيا ‪ ،‬وكذلك ما جاء في نداء الكاتب السوفياتي إيليا اهرنبورغ‬
‫في عام ‪ : 1944‬اقتلوا اقتلوا ‪ ،‬فل أبرياء لدى اللمان ‪ ،‬ل بين الحياء ول بين‬
‫من سيولدون ‪ ،‬ولم يقف تورمان في قفص التهام بإلقائه قنبلتين ذريتين‬
‫على هيروشيما وناجازاكي ومصرع ‪ 300000‬من الضحايا المدنيين دونما‬
‫ضرورة عسكرية ‪ ،‬لن تسليم اليابان قد قرره المبراطور )‪.(48‬‬
‫إبادة اليهود المزعومة‬

‫)‪(11 /‬‬

‫كما سبق في هذه الدراسة ‪ ،‬فإن الصهيونية وظفت موضوع البادة في ابتزاز‬
‫المليارات وتشويه التاريخ وتزوير الوقائع ‪ .‬ثم طاردت بالعلم والقانون‬
‫والرهاب كل من يناقش هذا الموضوع ويكشف عن الحقائق ‪ ،‬حتى كممت‬
‫أفواه المفكرين والسياسيين والمؤرخين ‪ ،‬سيما وقد بدأت تظهر التساؤلت‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن عدد اليهود الذين كانوا يسكنون ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬وعن‬
‫الستة مليين الذين أبيدو من أين أتوا ‪ ،‬علما ً أن جميع اليهود في ألمانيا كانوا‬
‫أقل من ذلك بكثير‪ ،‬فتحرك اليهود ليستروا ذاك التزوير المفضوح ‪ ،‬وشرعوا‬
‫يعدلون الرقام المرة بعد المرة ‪ ،‬فقد نشرت جريدة )لوسوار بروكسل في‬
‫‪ 19‬ـ ‪ 1991 /10 /20‬ص ‪ (16‬أن اللجنة الدولية في نوفمبر تشرين الثاني‬
‫‪ 1990‬توخت استبدال اللوحة التذكارية في أوشفيتتز والتي تشير إلى ‪4‬‬
‫مليين من الضحايا بأخرى تحمل عبارة أكثر من مليون قتيل ‪ ،‬ولكن الدكتور‬
‫جولد شتين رئيس اللجنة اعترض على ذلك ‪ .‬والواقع أن الدكتور جولد شتين‬
‫لم يعترض على ضرورة تغيير اللوحة القديمة ‪ ،‬ولكنه كان يرجو أن ل تحمل‬
‫اللوحة الجديدة أي رقم ‪ ،‬لعلمه أنه قد يصبح من الضروري في زمن قصير‬
‫إعادة النظر مرة أخرى في تخفيض الرقم المذكور )‪ .(49‬وفي )حوليات‬
‫سيمون فيزنتال المجلد ‪ 3‬ص ‪ 294‬عام ‪ (1986‬كتب راؤول هيلبرج في كتابه‬
‫‪ :‬القضاء على يهود أوروبا الذي صدرت طبعته الولى عام ‪ ، 1961‬أن هناك‬
‫أمرين للبادة صدرا عن هتلر‪ ،‬أحدهما في ربيع ‪) 1941‬دخول روسيا( ‪،‬‬
‫والخر بعد عدة شهور من هذا التاريخ ‪ ،‬ولكن في ‪ 1985‬وفي الطبعة الثانية‬
‫المنقحة حذفت جميع الشارات إلى أوامر هتلر أو قراراته بشأن )الحل‬
‫النهائي( بصورة منهجية ‪ .‬وكان هيلبوج في طبعة ‪ 1961‬ذكر أن المر كان‬
‫شفويا ً وفي ‪ 31/7/1941‬سأل هيدريش رئيس الغستابو غورنغ الزعيم النازي‬
‫الشهير‪ :‬في ‪ 1939‬أعطيتني الوامر باتخاذ التدابير المتعلقة بالمسألة‬
‫اليهودية ‪ ،‬فهل علي الن مد هذه المهمة التي أسندتموها إلي لتشمل‬
‫الراضي التي استولينا عليها في روسيا ؟ وهنا كذلك كما نرى ‪ ،‬ل شيء‬
‫بخصوص قتل اليهود ‪ ،‬والمر ل يتعلق إل بنقلهم جغرافيا ً ‪ .‬وفي يناير كانون‬
‫الثاني عام ‪ 1942‬أبلغ رينهارد هيدريش رئيس الغستابو زعماء برلين أن‬
‫الفوهرر قرر إجلء كل اليهود نحو الراضي الشرقية ‪ ،‬مستبدل ً بذلك عملية‬
‫البعاد السابقة ‪ ،‬وفي المذكرة التي عممت في مارس آذار ‪ 1942‬داخل‬
‫مكتب هيدريش أبلغ الوزراء أن يهود أوروبا سيجري تجميعهم في الشرق‬
‫انتظارا ً لرسالهم بعد الحرب إلى أرض نائية مثل مدغشقر لكي تصبح وطنهم‬
‫القومي ‪ ،‬ويذكر بولياكوف )في ص ‪ 152‬في محكمة القدس في باريس‬
‫‪ : (1963‬أن مشروع مدغشقر وحتى التخلي عنه هو الذي كان يطلق عليه‬
‫الزعماء اللمان اسم الحل النهائي للمسألة اليهودية )‪.(50‬‬
‫وفي ‪ 10‬شباط فبراير ‪ 1942‬كتب مسؤول وزارة الخارجية اللمانية راد‬
‫ماخير في رسالة رسمية يقول ‪ :‬بعد أن أتاحت لنا الحرب ضد التحاد‬
‫السوفياتي الحصول على أراض جديدة للحل النهائي )‪ ،(51‬وعلى ذلك فقد‬
‫قرر الفوهرر نقل اليهود نحو الشرق ل نحو مدغشقر‪ ،‬ومن ثم لم تعد هناك‬
‫حاجة لختيار مدغشقر للحل النهائي ‪ .‬وفي أثناء محاكمة أوشفيتز التي جرت‬
‫في فرانكفورت في الفترة ما بين ‪ 20‬ديسمبر كانون الول ‪ 1963‬وحتى ‪20‬‬
‫آب أوغسطس ‪ 1965‬فإن محكمة الجنايات لم تستطع تفادي العتراف بأنها‬
‫ل تملك سوى عناصر واهية لدعم حكمها ‪ ،‬ولم يتم التحقيق في الشهادات إل‬
‫في حالت نادرة كما جاء في الصفحة ‪ 109‬من حيثيات الحكم ‪ .‬لقد كتب أحد‬
‫القانونيين المريكان الذين أرسلوا إلى داخاو بعد أن أصبح معسكرا ً أمريكيا ً‬
‫ومركزا ً للمحاكمات ضد جرائم الحرب يقول ‪ :‬لقد عشت في داخاو حوالي‬
‫‪ 17‬شهرا ً بعد الحرب كقاض عسكري للوليات المتحدة ‪ ،‬وأستطيع أن أشهد‬
‫أنه لم يكن هناك أي غرف للغاز‪ ،‬وما يعرض على الزوار يقدم بطريقة خاطئة‬
‫على أنه غرفة للغاز‪ .‬وهذا ما نقله ستيفن بنتر في جريدة زائر الحد الصفحة‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 15‬تاريخ ‪ . 14/6/1959‬ونظرا ً لنعدام أي دلئل خطية ووثائق ل يرقى إليها‬


‫الشك ‪ ،‬فإن محكمة نورمبرغ قد قامت على شهادات أن الفارين الذين‬
‫شهدوا على وجود غرف الغاز قاموا بذلك ليس على أساس ما شاهدوه ‪،‬‬
‫ولكن على أساس ما سمعوه ‪.‬‬
‫شهادة رودلف هيس‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ومن الشهادات الواضحة اعترافات هيس التي أخذت منه بالضرب والكراه ‪،‬‬
‫فشهد أن ‪ 2,5‬مليون يهودي أبيدو بالغاز أو الحرق ‪ .‬ونصف مليون ماتوا من‬
‫الجوع أو المرض ليكون المجموع ثلثة مليين ‪ ،‬ويقول ‪ :‬تسلمت أمر إعداد‬
‫البادة في أوشفيتز في يونيه حزيران ‪ ، 1941‬وكان ثمة ثلثة معسكرات‬
‫أخرى للبادة هي ‪ :‬بلزيك وتربلينكا وويلزيك ‪ ،‬ويشرح هيس نفسه ذلك قائل ‪ً:‬‬
‫كتبت العترافات الولى تحت إشراف السلطات البولندية التي اعتقلتني ‪.‬‬
‫وفي كتاب السيرة الذاتية لرودولف هيس جاء ما يلي ‪ :‬أثناء استجوابي‬
‫الول ‪ :‬انتزعت العترافات مني بضربي ‪ ،‬ول أعرف ما في هذا التقرير رغم‬
‫أني قد وقعت عليه ‪ .‬ولم تتأكد عمليات التعذيب التي تعرض لها هيس‬
‫للحصول على أدلة إل في عام ‪ 1983‬عندما كتب روبرت بتلر كتابه عن‬
‫فيالق الموت الذي جاء فيه ‪ :‬لدى إلقاء القبض عليه ضرب ضربا ً مبرحا ً إلى‬
‫درجة أن ضابط الصحة تدخل بإلحاح لدى الكابتن قائل ً له ‪ :‬قل له أن يوقف‬
‫هذا الضرب ‪ ،‬وإل فإننا لن نحصل إل على جثة هامدة )‪.(52‬‬
‫محاكمة أوشفيتز‬
‫إن مصير المتهم الرئيسي ريتشارد باير آخر قائد لمعسكر أوشفيتز الذي‬
‫توفي قبل بدء المحاكمة جدير بالهتمام ‪ ،‬فقد تم توقيفه في كانون الول‬
‫‪ 1960‬بالقرب من هامبورغ حيث كان يعمل ويعيش ‪ ،‬ثم مات في السجن‬
‫بشهر حزيران يونيه عام ‪ 1963‬في ظروف غامضة ‪ ،‬وطبقا ً لمصادر عديدة‬
‫رفض باير بعناد إثبات وجود غرف الغاز في القطاع الذي كان يشرف عليه ‪،‬‬
‫ويقرر محامي نورمبرغ إبراهارد أنجلها ردت أن باير قد دس له السم أثناء‬
‫التحقيق ‪ .‬وفي أغسطس آب ‪ 1960‬أعلن معهد التاريخ المعاصر في ميونيخ‬
‫للصحافة أن غرف الغاز لم تستكمل في داخاو ‪ ،‬ولم توضع موضع التنفيذ أبدا ً‬
‫‪ ،‬ومثل هذا الحديث جاء عن بولندا وليس عن ألمانيا بأي حال من الحوال )‬
‫‪.(53‬‬
‫خرافة الستة مليين‬
‫تعرف البادة الجماعية بأنها البادة المنظمة لمجموعة عرقية بالقضاء على‬
‫أفرادها ‪ ،‬ول ينطبق هذا التعريف حرفيا ً إل على يشوع في غزوه لرض كنعان‬
‫)‪.(54‬‬
‫كان هتلر يوجه إلى اليهود اتهامات متناقضة ‪ ،‬فهم في نظره من أنشط‬
‫الحركيين في الثورة البلشفية )وتسكي وزينوفييف وكامنيف( وأنهم في‬
‫الوقت ذاته من أشد الرأسماليين استغلل ً للشعب اللماني )‪ .(55‬وفيما‬
‫يتعلق بمجموع اليهود اللمان ثم الوروبيين ‪ ،‬فإن إحدى الفكار البشعة‬
‫للنازيين كانت تتمثل في تفريغ ألمانيا ثم أوروبا منهم ‪ ،‬وقد شرع هتلر في‬
‫ذلك على مراحل ‪ ،‬الولى ‪ :‬تنظيم تهجيرهم في ظروف تسمح له بسلب‬
‫أموال الغنياء منهم ‪ ،‬والثانية ‪ :‬البعاد بل شروط إلى جيتو عالمي ‪ ،‬وهو‬
‫جزيرة مدغشقر‪ ،‬وجرى التخلي عن هذا المشروع لضخامة العملية وصعوبتها‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في زمن الحرب ‪ ،‬أما الثالثة ‪ :‬فهي احتلل هتلر لشرقي أوروبا لسيما‬
‫بولندا ‪ ،‬والذي أمكن التوصل إليه بفضل الحل النهائي والذي يقضي بتفريغ‬
‫أوروبا من اليهود ونقلهم بشكل مكثف إلى معسكرات خارجية )في أوروبا‬
‫الشرقية( ذاقوا فيها أشد أنواع المعاناة والتعذيب ‪ ،‬بما في ذلك التجويع‬
‫والسير الجباري والمميت للضعفاء والشغال الشاقة في ظروف ل إنسانية‬
‫لخدمة المجهود الحربي ‪ .‬وهذه الجراءات تشكل لطخة سوداء في تاريخ‬
‫الحكم النازي ‪ ،‬من دون أن يلجأ اليهود إلى إضافة أساليب أخرى ل أصل‬
‫لها ‪ ،‬وكذا المبالغة بأرقام مفرطة ‪ ،‬والضطرار إلى تخفيضها لحقا ً ‪ ،‬وكذلك‬
‫استبدال اللوحة التذكارية في معسكر بيركيلنو ـ أوشفيتز لتخفيض عدد‬
‫الموتى من أربعة مليين إلى مليون ‪ ،‬أو تغيير لوحة ـ غرفة الغاز في داخار‬
‫للتوضيح بأنها لم تعمل أبدا ً ‪ ،‬أو تغيير لوحة )استاد الشتاء( في باريس‬
‫للشارة إلى أن عدد اليهود الذين اعتقلوا فيه كانوا ‪ 8160‬وليس ‪ 30000‬كما‬
‫جاء في اللوحة الصلية التي تم سحبها كما ذكرت اللموند في الصفحة ‪7‬‬
‫بتاريخ يوليه تموز ‪.(56) 1990‬‬
‫وهناك مثال آخر مؤسف يخص معسكر داخاو‪ ،‬فالفيلم الذي عرض في‬
‫نورمبرغ في أثناء المحاكمة بشأن فظاعات الحكم النازي أوضح وجود غرفة‬
‫غاز واحدة فقط ‪ ،‬هي غرفة معسكر داخاو ‪ ،‬وقد نظمت الزيارات للسياح‬
‫والطلبة حيث توجد اليوم لوحة تذكارية جاء فيها ‪ :‬إن أحدا ً لم يلق حتفه‬
‫بالغاز‪ ،‬لنها لم تستكمل أبدا ً ‪ ،‬وهذا ما أصدره مارتي بروزات عضو معهد‬
‫التاريخ المعاصر في ميونيخ في ‪ 19‬آب أغسطس ‪ 1960‬واعترف فيه بأنه لم‬
‫يحدث أن قتل اليهود أو المعتقلون الخرون بالغاز في داخاو أو بريجن ـ‬
‫بيلسن أو برشنفالد )‪.(57‬‬
‫لقد تناقضت أبواق الحركة الصهيونية في ذكر الرقام لقتلى اليهود من‬
‫وسائل العلم المختلفة ‪ ،‬حتى غدت مصدر سخرية المؤرخين والباحثين بمن‬
‫فيهم المنصفون من اليهود ‪.‬‬
‫فيما يتعلق بمعسكر أوشفيتز ـ بيركينا وحده ‪ ،‬بلغت ضحايا اليهود تسعة‬
‫مليين وفقا ً لفيلم الليل والضباب الذي أخرجه آلن رينيه المخرج الفرنسي‬
‫عام ‪ ، 1955‬وكان فيلما ً رائعا ً ومؤثرا ً ‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ـ أصدر المكتب الفرنسي للنشر في الصحيفة السابعة عام ‪ 1945‬أن عدد‬


‫اليهود المبادين بلغ ثمانية مليين وفقا ً لوثائق خدمة تاريخ الحرب‪.‬‬
‫ـ بلغ عدد ضحايا اليهود أربعة مليين طبقا ً للتقرير السوفياتي الذي جعلت منه‬
‫محكمة نورمبرغ دليل إثبات شرعي ‪.‬‬
‫ـ جاء في الصفحة ‪ 498‬من كتاب ترانيم الحقد المطبوع ‪ 1974‬للمؤرخ‬
‫اليهودي ليون بولياكون أن عدد ضحايا اليهود مليونان ‪.‬‬
‫ـ أما المؤرخ اليهودي راؤول هيلبرج فيذكر في كتابه ‪ :‬تدمير يهود أوروبا‬
‫الصادر عام ‪ 1985‬الصفحة ‪ 895‬أن عدد اليهود الذين أبادهم النازيون بلغ‬
‫مليونا ً وربع المليون ‪.‬‬
‫والن وبعد أبحاث تاريخية مطولة قام بها علماء من جنسيات مختلفة ‪ ،‬أوجز‬
‫مدير معهد التاريخ المعاصر في باريس فرانسوا بيداريدا هذه العمال في‬
‫مقال له صدر بجريدة لوموند وعنوانه ‪ :‬تقويم ضحايا أوشفيتز خلص فيه إلى‬
‫أن عدد ضحايا معسكر أوشفيتز يتراوح بين ‪ 950000‬على أقل تقدير ومليون‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومائتي ألف على أكثر تقدير‪ .‬وفي معسكر مجدانيك ذكر لوسي داود وفيتش‬
‫في كتابه )الحرب ضد اليهود الصادر عام ‪ ، 1987‬الصفحة ‪ (191‬أن عدد‬
‫ضحايا اليهود مليون ونصف ‪ ،‬وذكر وابرهارد في عام ‪ 1991‬أن القتلى اليهود‬
‫بلغوا ‪ 300‬ألف ‪ ،‬أما راؤول هيلبرج فقد أورد في كتابه ‪ :‬تدمير يهود أوروبا أن‬
‫عدد ضحايا مجدانيك بلغ خمسين ألفا ً ‪.‬‬
‫بعد حوالي خمسين عاما ً استيقظ الكتاب والمؤرخون من السبات ‪ ،‬وفتحوا‬
‫أعينهم على الحقيقة ‪ ،‬واكتشفوا أن موضوع المحرقة أو ما يسمى‬
‫بالهولوكوست إنما هو أسطورة وخدعة ضلل فيها الصهاينة الرأي العام‬
‫الدولي وبخاصة الشعوب الوروبية ‪ ،‬فانبرى المفكرون لفضح هذا الزيف ‪،‬‬
‫وشرعوا بالكشف عن الحقيقة ‪.‬‬
‫في طليعة هؤلء المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ الذي كانت كتبه تعتمد‬
‫كمصادر للحرب العالمية الثانية ‪ ،‬مثل كتب ‪ :‬حرب هتلر وحرب تشرس‬
‫وتدمير درسن ‪ ،‬قال المؤرخ ديفيد أنه من المستحيل أن يتم قتل مليين‬
‫الشخاص في غرف الغاز‪ ،‬لن وزن المليون شخص يبلغ مائة ألف طن ‪ ،‬مما‬
‫يخلق مشاكل لوجستية وهندسية كبيرة للجبهة التي تريد قتل هذا العدد من‬
‫الشخاص ‪ .‬ويقول بأنه ينكر أن النازيين دمروا مليين اليهود بالغاز‪ ،‬ويرى أن‬
‫معسكر أوشفتيز كان معسكرا ً لعمال السخرة ‪ ،‬كما أن غرف الغاز في هذا‬
‫المعسكر لم تكن حقيقية ‪ ،‬وإنما بناها البولنديون بعد انتهاء الحرب بثلث‬
‫سنوات ‪ ،‬واعترفوا بذلك عام ‪ . 1995‬وبعد أن جهر ديفيد إيرفينغ برأيه وفي‬
‫أعقاب نشره ‪ ،‬فتحت مراكز القوى الصهيونية في العالم النار عليه ‪ ،‬وحركوا‬
‫ضده القضاء والعلم ودور النشر والدوائر المنية ‪ ،‬واستمروا في ملحقته‬
‫لكثر من عشرين عاما ً ‪ ،‬وقد نشرت الكاتبة اليهودية ديبورا ليبستاد الستاذة‬
‫في إحدى الكليات المريكية كتابها )إنكار الهولوكوست ‪ ،‬الهجوم المتزايد‬
‫على الحقيقة والذكرى( فرفض عدد من الناشرين طباعة كتبه أو إعادة طبعها‬
‫‪ ،‬وألغى ناشر أمريكي التفاق الذي وقعه معه على نشر كتابه عن غوبلز‪.‬‬
‫فتقدم المؤرخ بشكوى ضد الكاتبة اليهودية وضد دار النشر‪ ،‬وذكر أمام‬
‫المحكمة التي بدأت أولى جلساتها شهر شباط ‪ 2000‬بأنهما ألحقا به ضررا ً‬
‫لنه كان يحصل على أكثر من مائة ألف جنيه استرليني سنويا ً من حقوق نشر‬
‫كتبه ‪ ،‬وهذا توقف بعد نشر ديبور كتابها المذكور وأعطى صورة سيئة عنه ‪.‬‬
‫ذكر أيرفينيغ أن المنظمات اليهودية استطاعت بنفوذها سن قوانين تمنع‬
‫النسان من حق الكلم ‪ ،‬وقال ‪ :‬وأعرف أصدقاء لي سجنوا في ألمانيا بسبب‬
‫ذلك ‪ ،‬وفي فرنسا قانون صدر ‪) 1991‬أسوأ مما صدر في ألمانيا( يجعل كل‬
‫من يشكك في جرائم الحرب التي حددتها محكمة نورمبرغ مجرما ً ويعاقب‬
‫بالسجن أو الغرامة أو كليهما ‪ ،‬وهذا ما حصل للمفكر جارودي في فرنسا ‪،‬‬
‫وكذلك لزميله الفرنسي فوريسن ‪ ،‬وأيضا ً هذا ما واجهه الكاتب والمؤرخ آرثر‬
‫أوتز صاحب كتاب ‪ :‬خدعة القرن العشرين الذي أنكر فيه وجود المحرقة ‪،‬‬
‫واعتبرها خدعة ‪ ،‬واتهم آرثر اليهود باستغلل تعاطف الغرب معهم ليطردوا‬
‫شعبا ً ويحلوا محله ‪ ،‬وينشئوا دولتهم على أرضه ‪.‬‬
‫على أثر الهجوم المحموم من اللوبيات الصهيونية على المؤرخ البريطاني‬
‫إيرفينغ بسبب آرائه قامت بعض الدول بمنعه من دخولها مثل ألمانيا وإيطاليا‬
‫ونيوزلندا ‪ .‬وفي إحدى المرات اقتيد في كندا من الطائرة مقيد اليدين ‪ ،‬وبعد‬
‫سنة من البحث في أرشيف الحكومة الكندية تأكد بأنه تم تلفيق تهمة له‬
‫بتسليم أموال من نازيين في جنوب أفريقيا ‪ ،‬وكان مصدر هذه التهمة جماعة‬
‫يهودية مقرها في لندن )‪.(58‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهل سبق هذا الرهاب الصهيوني الدولي ضد رجال الفكر والمؤرخين الكبار‬
‫أية مجتمعات بشرية أخرى في العصور الحديثة ؟‬
‫يتبع‪..‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫)‪ (39‬الساطير ص ‪. 71‬‬
‫)‪ (40‬الساطير ص ‪. 77 ، 76‬‬
‫)‪ (41‬الساطير ص ‪. 78‬‬
‫)‪ (42‬الساطير ص ‪. 84 ، 82‬‬
‫)‪ (43‬الساطير ص ‪. 85‬‬
‫)‪ (44‬الساطير ص ‪. 86 ، 85‬‬
‫)‪ (45‬الساطير ص ‪. 96 ، 95‬‬
‫)‪ (46‬الساطير ص ‪. 97‬‬
‫)‪ (47‬الساطير ص ‪. 103‬‬
‫)‪ (48‬الساطير ‪. 101 ، 100 ، 99‬‬
‫)‪ (49‬الساطير ص ‪. 108‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫)‪ (50‬الساطير ص ‪. 113 ، 112 ، 111‬‬


‫)‪ (51‬الساطير ص ‪. 115 ، 114‬‬
‫)‪ (52‬الساطير ص ‪. 122 ، 121‬‬
‫)‪ (53‬الساطير ص ‪. 123‬‬
‫)‪ (54‬الساطير ص ‪. 139‬‬
‫)‪ (55‬ليست مواقف اليهود متناقضة كما زعم هتلر‪ ،‬بل كان ذلك من تخطيط‬
‫منهم ‪ ،‬لنهم يركبون جميع الموجات ويوظفونها لصالح مشروعهم ‪.‬‬
‫)‪ (56‬الساطير ص ‪ 145‬ـ ‪. 147‬‬
‫)‪ (57‬الساطير ص ‪. 150‬‬
‫)‪ (58‬الساطير ص ‪. 149 ، 147‬‬
‫مع الستاذ رجاء جارودي‬
‫في الحوار والفكار‬
‫)‪(3‬‬
‫الستاذ رجاء جارودي ‪...‬‬
‫بقلم ‪ :‬عدنان سعد الدين‬
‫المبحث الخامس‬
‫الوجود اليهودي في فلسطين‬
‫منذ أكثر من خمسة آلف سنة استقرت الهجرات العربية في فلسطين ‪،‬‬
‫ومنذ أكثر من أربعة عشر قرنا ً جاءها العرب المسلمون ليتسلموا مفاتيح‬
‫القدس بحضور أمير المؤمنين الخليفة العادل عمر بن الخطاب ‪ ،‬الذي حضر‬
‫إلى القدس لتدشين هذه المناسبة التي اشترط فيها المسيحيون على‬
‫المسلمين أن ل يسمحوا لليهود بتعكير سلم القدس أو أمن فلسطين ‪ ،‬لهذا‬
‫كان الوجود اليهودي في الرض المقدسة قليل ً وضئيل ً ‪ ،‬بل أقل من قليل‬
‫وأضأل من ضئيل على مدى أربعة عشر قرنا ً ‪ .‬ففي عام ‪ 1170‬حضر السائح‬
‫اليهودي بنيامين الطليطلي إلى فلسطين وزار القدس فلم يجد من اليهود‬
‫سوى ‪ 1440‬يهوديا ً في جميع أنحاء فلسطين حسب روايته ‪ .‬وفي عام ‪1257‬‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زار القدس ناحوم جيروندي فلم يلق سوى عائلتين من اليهود في القدس ‪.‬‬
‫مع ذلك ‪ ،‬إذا كان الصليبيون قد أبادوا اليهود في معبدهم عندما استولوا على‬
‫القدس عام ‪ 1099‬م ‪ ،‬فإن صلح الدين اليوبي رحمه الله قد سمح لليهود‬
‫بالعودة إلى سكناهم في فلسطين بعد استرداده للقدس في عام ‪. 1187‬‬
‫وفي عام ‪ 1845‬لم يكن في فلسطين من اليهود إل ‪ 12000‬نسمة من‬
‫مجموع السكان البالغ ‪ 350000‬أي أقل من ‪ . %4‬وفي عام ‪ 1880‬كان عدد‬
‫اليهود ‪ 25000‬من مجموع السكان البالغ ‪ 500000‬أي ‪ %5‬بعد تنشيط‬
‫الهجرة ووصول عدد من المهاجرين إلى فلسطين ‪ ،‬لسيما بعد اضطهاد‬
‫اليهود في روسيا عام ‪ 1882‬التي كانت السبب في نزوح عدد من يهود‬
‫روسيا إلى فلسطين ‪ ،‬تبعتها موجات من يهود بولونيا ورومانيا )‪.(59‬‬
‫وبعد المؤامرة الكبرى على فلسطين بوعد بلفور‪ ،‬وتسليم فلسطين للنكليز‬
‫باسم النتداب ‪ ،‬وتعيين صموئيل اليهودي مفوضا ً ساميا ً على فلسطين ‪،‬‬
‫واستخدامه صلحيات واسعة وقاسية لتمكين اليهود من فلسطين ‪ ،‬بفتح باب‬
‫الهجرة على مصراعيه ‪ ،‬وتمليك الرض للوافدين بطرق شتى ‪ ،‬ازداد عدد‬
‫اليهود زيادة ملموسة ‪ ،‬ووقع سكان فلسطين بين السندان والمطرقة فقام‬
‫النكليز بإجراء إحصاء في ‪ ، 31/12/1922‬وأعلنوا عدد سكان فلسطين‬
‫‪ 757000‬منهم ‪ 663000‬من العرب و ‪ 83000‬يهودي أي حوالي ‪،% 12,3‬‬
‫وذلك بعد خمس سنوات من النتداب وموجات الهجرة الولى من أوروبا‬
‫لسيما من الذين نجوا من المذابح في روسيا وبولونيا ورومانيا )‪.(60‬‬
‫إذا كان عدد اليهود عام ‪ 1880‬قد وصل إلى ‪ 25000‬من عدد السكان البالغ‬
‫‪ 500000‬فإن العدد ارتفع إلى ‪ 50000‬عام ‪ . 1917‬لكن أكبر مجموعة‬
‫كانت الموجة التي وصلت من ألمانيا بسبب معاداة هتلر لليهودية ‪ .‬إذ وصل‬
‫إلى ‪ 400000‬يهودي إلى فلسطين قبيل عام ‪ ، 1945‬ولم يحل عام ‪1947‬‬
‫عشية العلن عن إنشاء الدولة اليهودية حتى كان عدد اليهود ‪ 600000‬من‬
‫مجموع السكان الكلي في فلسطين البالغ مليونا ً وربع مليون نسمة ‪.‬‬
‫بعد ما افتضحت المؤامرة بكل أركانها ضد شعب فلسطين ‪ ،‬وكانت بريطانيا‬
‫رأس الحربة في تنفيذ هذه الجريمة اللئيمة ‪ ،‬وتبعتها بعد ذلك أمريكا وفرنسا‬
‫والتحاد السوفياتي ومعظم دول أوروبا ‪ ،‬وجميعهم حكموا بإعدام أبناء‬
‫فلسطين على مذابح المطامع الصهيونية ‪ .‬وبعد تنفيذ هذه الجريمة الدولية‬
‫بدأت عملية الجتثاث المنظم للشعب الفلسطيني المنكوب بلؤم الصهيونية‬
‫وأحقاد عدد من الدول الغربية الكبرى ‪ .‬وبعد أن كان عدد الفلسطينيين‬
‫‪ 650000‬في عام ‪ 1949‬لم يبق منهم سوى ‪ 160000‬بعد نزوحهم إثر‬
‫المذابح المرعبة التي أوقعها بهم الصهاينة من أعضاء المنظمات الرهابية ‪.‬‬
‫لكن وبسبب الخصوبة وكثرة المواليد ارتفع عدد الفلسطينيين إلى ‪450000‬‬
‫في نهاية عام ‪ .(61) 1970‬وكشفت رابطة حقوق النسان في إسرائيل أنه‬
‫في الفترة من ‪ 11/6/1967‬وحتى ‪ 15/11/1969‬دمر اليهود ‪ 20000‬منزل‬
‫بالديناميت في إسرائيل وفي الضفة الغربية ‪ ،‬ورغم أن اتفاقية جنيف‬
‫الصادرة في ‪ 12/8/1949‬والتي تنص المادة ‪ 49‬منها على أنه ل تستطيع‬
‫القوى المحتلة القيام بأي نقل لجزء من سكانها المدنيين إلى الراضي التي‬
‫تحتلها ‪ ،‬وحتى هتلر لم ينتهك القانون الدولي ‪ ،‬فهو لم يسكن أي مستوطن‬
‫مدني ألماني في الراضي التي طرد منها الفلحين الفرنسيين )‪.(62‬‬
‫تدمير القوى العربية‬

‫)‪(15 /‬‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولتزوير الجغرافيا كما زوروا التاريخ ‪ ،‬ولمحو ذكرى وجود السكان الزراعيين‬
‫والتأكيد على أسطورة )بلد صحراوي بل شعب( دمرت الدولة السرائيلية‬
‫وليست المنظمات الصهيونية فقط معظم القرى العربية ومحتها من الوجود ‪،‬‬
‫وأزالت منازلها وأسوارها وحتى مقابرها وقبورها ‪ ،‬وقد أورد الستاذ إسرائيل‬
‫شاحاك عام ‪ 1975‬قائمة بأسماء ‪ 385‬قرية عربية دمرت بالبلدوزر‪ ،‬وذلك‬
‫من بين ‪ 475‬قرية كانت مسجلة في عام ‪ ، 1948‬وقال شاحاك كما أورد‬
‫في كتابه ‪) :‬عنصرية دولة إسرائيلية ص ‪ 152‬وما بعدها( ‪ :‬وليتسنى القناع‬
‫بأن فلسطين قبل إسرائيل لم تكن سوى صحراء دكت مئات القرى ‪،‬‬
‫وسويت بالرض ‪ ،‬واستمر زرع المستوطنات السرائيلية ‪ ،‬وتسليح اليهود ‪،‬‬
‫وازداد عددها منذ عام ‪ 1979‬في الضفة الغربية مع تسليم للمستوطنين ‪،‬‬
‫وبعد طرد ما مجموعه مليون ونصف مليون فلسطيني أصبحت الدولة‬
‫اليهودية كما يقول العاملون في الصندوق القومي اليهودي تمثل ‪ %93‬من‬
‫فلسطين بعد أن كانت ‪ % 6,5‬عام ‪.(63) 1948‬‬
‫وكل من رفع إصبعه أو صوته أو احتج على هذه المظالم الرامية إلى إفناء‬
‫الشعب ومصادرة وطنه وتغيير تاريخه وجغرافيته ‪ ،‬كان مصيره القتل‬
‫والغتيال على سمع الدنيا وبصرها ؟ فالوسيط الدولي الكونت فولك برنادوت‬
‫الذي وصف في تقريره الول السلب الصهيوني على النطاق الواسع وتدمير‬
‫القرى دون ضرورة عسكرية ملحة ‪ ،‬اغتيل في ‪ 17/9/1948‬بعد يوم واحد‬
‫من تقديم تقريره في ‪ ، 16/9/1848‬كما قتل مساعده الفرنسي الكولونيل‬
‫سيرو في الجزء الذي يحتله الصهاينة في القدس ‪ .‬ومن قبل عندما أعلن‬
‫اللورد موين الوزير المفوض البريطاني في القاهرة أمام مجلس اللوردات‬
‫البريطاني في ‪ 9/6/1942‬أن اليهود ليسوا أحفاد العبرانيين القدماء ‪ ،‬وأنهم‬
‫ل يملكون المطالبة الشرعية بالراضي المقدسة ‪ ،‬قام اثنان من عصابة‬
‫شتيرن التابعة لسحاق شامير باغتياله في ‪!!(64) 9/11/1944‬‬
‫المبحث السادس‬
‫النفوذ الصهيوني في أمريكا‬
‫ً‬
‫اللوبي الصهيوني كالعصار المتحرك ‪ ،‬يلف كل ردح من الزمان بلدا ‪ ،‬فقد‬
‫سيطر اليهود في ألمانيا لفترة طويلة منذ القرن الثامن عشر‪ ،‬وكان روتشيلد‬
‫وعائلته يهيمنون على الحياة القتصادية ‪ ،‬ويملكون القناطير المقنطرة من‬
‫المعادن الثمينة ‪ ،‬ثم تحول العصار فترة أخرى إلى إنكلترا ثم فرنسا ‪ ،‬لكنه‬
‫وجد مقامه في إسبانيا ‪ ،‬وأخيرا ً وجد في أمريكا ‪ -‬ذات الثراء الفاحش‬
‫والثروات السطورية ‪ -‬ضالته ‪ ،‬فرمى بثقله على أرض الوليات المتحدة ‪،‬‬
‫وبخاصة مدينة نيويورك ‪ ،‬فسيطر على المال والعلم والسياسة والسلطات‬
‫النافذة ‪ ،‬حتى غدت السياسة المريكية التي تمثلها الخارجية والمخابرات‬
‫ومجلس المن القومي تحت الهيمنة الصهيونية ‪ ،‬وطوع بنانها ‪ ،‬تتخذ القرارات‬
‫والمواقف المخجلة في المحافل الدولية بطلب من اليهود وتأثير اللوبي‬
‫الصهيوني في الوليات المتحدة المريكية ‪.‬لقد ذكر بول فندلي في الصفحة‬
‫‪ 92‬من كتابه ‪ :‬يتجرأون على الكلم ‪ :‬إن تأثير رئيس الوزراء السرائيلي على‬
‫السياسة الخارجية للوليات المتحدة في الشرق الوسط يفوق بكثير تأثيره‬
‫في بلده ‪ ،‬وأقوى لوبي معترف به في الوليات المتحدة هو إيباك )لجنة‬
‫الشؤون العامة المريكية السرائيلية(‪.‬‬
‫لقد قامت إنكلترا بتأسيس الدولة الصهيونية ‪ ،‬وأكملت الوليات المتحدة‬
‫المريكية بناءها ‪ ،‬كان تآمر النكليز في ضياع فلسطين خسيسا ً ‪ ،‬فعندما‬
‫شرح وايزمن بوضوح للحكومة البريطانية أن هدف الصهيونية هو إنشاء دولة‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يهودية )بها أربعة أو خمسة مليين يهودي( أعطاه لويد جورج وبلفور‬
‫التأكيدات على أننا باستخدام وطن قومي فإننا نقصد بذلك دولة يهودية ‪.‬‬
‫أكمل المريكان بحماسة فائقة وعمل دؤوب تنفيذ المؤامرة في سرقة‬
‫فلسطين من أهلها وإعطائها لليهود بعد تفريغها من شعبها بالقتل أو الطرد أو‬
‫بأي أسلوب آخر‪ ،‬والعجيب أن يهود أمريكا الذين ساندوا الصهيونية أكثر من‬
‫غيرهم فضلوا بقاءهم في أمريكا على الذهاب إلى فلسطين ‪ ،‬واعتبروا‬
‫نشاطهم في الوليات المتحدة في صالح إسرائيل نفسها ‪ ،‬فلم يستقر في‬
‫إسرائيل منهم سوى ‪ 5400‬يهودي من ‪ 35000‬أمريكي وكندي هاجروا إلى‬
‫إسرائيل ‪ ،‬ثم عادوا من حيث أتوا ‪ ،‬كما جاء في كتاب اليهودية المريكية‬
‫وإسرائيل ص ‪ 265‬نيويورك ‪ 1987‬للكاتب ملفين روفيسكي )‪. (65‬‬
‫الرؤساء المريكيون في خدمة إسرائيل‬

‫)‪(16 /‬‬

‫يظن عدد من الساسة العرب أن بعض الرؤساء في الوليات المتحدة‬


‫المريكية كانوا معتدلين تجاه الطماع الصهيونية ‪ ،‬وربما رجحوا أن كنيدي‬
‫ونيكسون من هؤلء ‪ .‬والحقيقة ‪ ،‬وكذا الدراسات التي تعمقت في مواقف‬
‫الرؤساء المريكان ‪ ،‬وأحاطت بالكثير من التفصيلت أثبتت أن جميع الرؤساء‬
‫وقفوا مع إسرائيل في كل مطامعها واعتداءاتها ‪،‬بدافع من التسابق إلى‬
‫كسب أصوات اليهود المريكان في النتخابات الرئاسية ‪ ،‬أو بتأثير الضغوط‬
‫واللوبيات الصهيونية ذات السطوة والنفوذ الواسعين في المجتمع المريكي ‪.‬‬
‫وهذا ما جعل الرؤساء مقيدين ل يستطيعون اتخاذ المواقف الصحيحة‬
‫والعادلة في أي ظرف ‪ ،‬وإذا ما حاولوا أن يبدوا بعض العتدال ‪ ،‬سرعان ما‬
‫يتراجعون أمام الخطبوط الصهيوني وبما يملكه من سيطرة سياسية‬
‫وإعلمية وأمنية في طول الوليات المتحدة وعرضها ‪ .‬وفي أول مقابلة‬
‫لكيندي مع بن غوريون في فندق وولدروف استوريا في نيويورك في ربيع‬
‫‪ ، 1961‬قال كيندي لبن غوريون كما ذكر ادوارد تيفنان في اللوبي ص ‪: 56‬‬
‫أعرف تماما ً أنني انتخبت بفضل أصوات اليهود المريكيين ‪ ،‬وأنا أدين لهم‬
‫بانتخابي ‪ ،‬قل لي ماذا علي أن أفعله من أجل الشعب اليهودي ‪ .‬وعندما‬
‫حضرت جولدا مائير إلى الوليات المتحدة عام ‪ 1979‬شبهها نيكسون بديبور‬
‫التوراتية ‪ ،‬وكال لها المديح على ازدهار إسرائيل ‪ ،‬كما ذكر ستيفن سبيجل‬
‫في الصفحة ‪ 185‬من كتابه ‪ :‬النزاع العربي السرائيلي الخر‪ ،‬الصادر سنة‬
‫‪ ، 1985‬ونيكسون هذا هو الذي سلم إسرائيل ‪ 45‬طائرة فانتوم إضافية ‪،‬‬
‫إلى جانب ‪ 80‬مقاتلة سكاي هوك )‪.(66‬‬
‫ضخامة المساعدات المريكية‬
‫ً‬
‫كشف بنحاس سابير عندما كان وزيرا لمالية إسرائيل أثناء مؤتمر أصحاب‬
‫المليين اليهود المنعقد في القدس يومي ‪ 9‬و ‪ 10/8/1967‬أن إسرائيل قد‬
‫تلقت ما بين ‪ 1949‬ـ ‪ 1966‬سبعة مليارات من الوليات المتحدة ‪ ،‬بينما‬
‫كانت المعونة لوروبا من ‪ 1948‬ـ ‪ 1954‬وفقا ً لخطة مارشال ‪ 13‬مليارا ‪،‬‬
‫ً‬
‫وهذا يعني أن إسرائيل قد حصلت لشعبها الذي كان عدده دون المليونين في‬
‫ذلك الوقت على أكثر من نصف ما حصل عليه مائتا مليون أوروبي أي مائة‬
‫ضعف للفرد الواحد من سكانها )‪.(67‬‬
‫وكان متوسط المعونة المريكية التي حصلت عليها البلدان النامية من ‪1951‬‬
‫ـ ‪ 1959‬لم يتجاوز ثلثة مليارات إل قليل ً ‪ ،‬في حين حصلت إسرائيل ـ وكان‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عدد سكانها ‪ 1,5‬مليون ـ على ‪ 400‬مليون دولر‪ ،‬أي أن إسرائيل التي يبلغ‬
‫عدد سكانها واحدا ً باللف من سكان الدول النامية الجمالي قد حصلت على‬
‫عشر المجموع ‪ .‬ليكون حظ الفرد السرائيلي مائة ضعف أكثر مما حصل‬
‫عليه الفرد في العالم الثالث البالغ تعداده ملياري نسمة ‪.‬‬
‫إن مليارات الدولرات السبعة التي تلقتها إسرائيل في ‪ 18‬سنة كهبة تمثل‬
‫أكبر إجمالي الدخل القومي السنوي لمجموع البلدان العربية المجاورة‬
‫لسرائيل ‪ ،‬وهي ‪ :‬مصر وسورية ولبنان والردن الذي بلغ في عام ‪1965‬‬
‫ستة مليارات دولر أمريكي )‪.(68‬‬
‫يتبع ‪..‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫)‪(59‬جريدة الدستور الردنية العدد ‪ 11668‬ص ‪ 33‬في ‪ 2/2/2000‬الموافق‬
‫‪ 27‬شوال ‪ 1420‬هـ ‪.‬‬
‫)‪(60‬المأزق ص ‪. 50‬‬
‫)‪(61‬المأزق ص ‪. 55‬‬
‫)‪(62‬زاد عدد الفلسطينيين في أراضي عام ‪ 1948‬فقط إلى أكثر من مليون‬
‫فلسطيني ‪ ،‬فإذا أضفنا إليهم عدد سكان غزة والقطاع يكون العدد قد ارتفع‬
‫إلى حوالي أربعة مليين فلسطيني في جميع فلسطين ‪.‬‬
‫)‪(63‬الساطير ص ‪. 167 ، 165 ، 164‬‬
‫)‪(64‬الساطير ص ‪. 163‬‬
‫)‪(65‬الساطير ص ‪. 159 ، 158‬‬
‫)‪(66‬الساطير ص ‪ 171‬ـ ‪. 173‬‬
‫)‪(67‬الساطير ص ‪. 176 ، 175 ، 174‬‬
‫)‪(68‬المأزق ص ‪. 211‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫مع المام أحمد بن حنبل رحمه الله‬


‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬
‫الزم التقوى قلبك‪...‬‬
‫حدث علي بن المديني قال‪ :‬قال لي أحمد بن حنبل‪:‬‬
‫‪ -‬إني لحب أن أصحبك إلى مكة‪ ،‬وما يمنعني من ذاك إلى أني أخاف أن‬
‫أملك أو تملني‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلما ودعته قلت له‪:‬‬
‫‪ -‬يا أبا عبد الله توصيني بشيء؟‬
‫قال‪ :‬ألزم ِ التقوى قلبك وانصب الخرة أمامك‪.‬‬
‫العالم الرباني‬
‫حدث صالح بن أحمد بن حنبل قال‪ :‬دخلت على أبي في أيام الواثق –والله‬
‫يعلم في أي حالة نحن‪ -‬وقد خرج لصلة العصر‪ ،‬وقد كان له لبد يجلس عليها‪،‬‬
‫قد أتت عليه سنون كثيرة حتى قد بلي‪ ،‬فإذا تحته كتاب كاغد‪ ،‬وإذا فيه‪:‬‬
‫دين‪ ،‬وقد‬ ‫)بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق‪ ،‬وما عليك من ال ّ‬
‫ت إليك بأربعة آلف درهم على يدي فلن لتقضي بها دينك‪ ،‬وتوسع بها‬ ‫وجه ُ‬
‫على عيالك‪ ،‬وما هي من صدقة ول زكاة‪ ،‬وإنما هو شيء ورثته من أبي(‪.‬‬
‫فقرأت الكتاب ووضعته‪ .‬فلما دخل قلت‪ :‬يا أبت ما هذا الكتاب؟‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاحمر وجهه وقال‪ :‬رفعته منك‪ .‬ثم قال‪ :‬تذهب بجوابه‪ ،‬فكتب إلى الرجل‪:‬‬
‫دين‪ :‬فإنه لرجل ل يرهقنا‪ ،‬وأما‬
‫ي ونحن في عافية‪ ،‬فأما ال ّ‬ ‫)وصل كتابك إل ّ‬
‫عيالنا‪ :‬فهم في نعمة والحمد لله(‪.‬‬
‫فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪ -‬ويحك لو أن أبا عبد الله قبل هذا الشيء ورمى به مثل ً في دجلة كان‬
‫مأجورًا‪ ،‬لن هذا رجل ل يعرف له معروف‪.‬‬
‫فلما كان بعد حين ورد كتاب الرجل بمثل ذلك‪ ،‬فرد ّ عليه الجواب بمثل ما رّد‪،‬‬
‫فلما مضت سنة أو أقل أو أكثر ذكرناها فقال‪ :‬لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت‪.‬‬
‫* مجلة حضارة السلم –السنة ‪– 8‬العدد ‪– 9‬ذو القعدة‪– 387/‬شباط‪1968 /‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مع الحسين بن علي في كربلء‬


‫د‪.‬خالد بن سعود الحليبي ‪9/1/1426‬‬
‫‪18/02/2005‬‬
‫جساما؛ على رأسها‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫في مطلع كل عام هجري‪ ،‬يتذكر المسلمون أحداثا ِ‬
‫الهجرة العظيمة التي غّيرت مجرى التاريخ‪ ،‬وذكرى انتصار موسى صلى الله‬
‫عليه وسلم على فرعون‪ ،‬فيكون شهر الله المحرم مصدر اعتزاز للمسلمين‬
‫مر المسلمون بأن يصوموا اليوم‬ ‫ُ‬
‫وفرحة بانتصار الخير على الشر‪ ،‬ولذلك أ ِ‬
‫العاشر منه شكرا ً لله تعالى‪ ،‬ويوما ً قبله أو بعده مخالفة لليهود الذين‬
‫يصومونه وحده‪.‬‬
‫ة‬
‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وكان لهذا اليوم قداسة حتى عند المشركين‪ ،‬فقد روى البخاري عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر‬‫مأ َ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ث ُ ّ‬ ‫شوَراَء ِفي ال ْ َ‬ ‫عا ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫صو ُ‬ ‫ت تَ ُ‬ ‫شا َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ن قَُري ْ ً‬‫ه عَن َْها أ ّ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫َر ِ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ن ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ضا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ض َر َ‬‫حّتى فُرِ َ‬ ‫مهِ َ‬ ‫صَيا ِ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شاَء أفْطَر"‪ .‬وفي حديث‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫شاَء فَلي َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سلمَ‪َ " :‬‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫ست َُر ِفيهِ ال ْك َعَْبة"‪.‬‬ ‫آخر أنه كان يوما ً " ت ُ ْ‬
‫ولكن محرم‪ ،‬وعاشوراء يذكر المسلمين كذلك بحادثة جلل‪ ،‬ل تهون في‬
‫قلوب المؤمنين‪ ،‬هي حادثة استشهاد المام الحسين بن علي ‪-‬رضي الله‬
‫حد ّ عََلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن نُ ِ‬ ‫ت‪ :‬ك ُّنا ن ُن َْهى أ ْ‬ ‫ة َقال َ ْ‬ ‫م عَط ِي ّ َ‬ ‫عنهما‪ -‬في كربلء‪ ،‬ولول أننا سمعنا أ ّ‬
‫شًرا‪ ،‬وتعزو ذلك إلى رسول الله‬ ‫شهُرٍ وَعَ ْ‬ ‫ة أَ ْ‬‫ث إ ِل ّ عََلى َزوٍْج أ َْرب َعَ َ‬ ‫ت فَوْقَ ث ََل ٍ‬ ‫مي ّ ٍ‬
‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لكان مثل الحسين يستحق استمرار الحداد عليه أبد‬
‫ن جد ّ الحسين أولى منه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫الدهر‪ ،‬بل إ ّ‬
‫إن ذكرى استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬لجديرة‬
‫بالبسط والتأسي‪ ،‬دون أن نسمح للسنتنا بالخوض في أقدار الصحابة‬
‫والتابعين الذين حضروا تلك الفتن العظيمة‪ ،‬وكانت لهم مواقفهم والظروف‬
‫التي أحاطت بهم‪ ،‬التي ل ندري ـ معها ـ لو كنا معهم ماذا كنا سنصنع؟ وإن‬
‫ت ل ََها‬ ‫دماء سلم الله أيدينا منها نريد أن تسلم ألسنتنا منها‪) ،‬ت ِل ْ َ ُ‬
‫خل َ ْ‬ ‫ة قَد ْ َ‬ ‫م ٌ‬‫كأ ّ‬
‫ما ك َسبت ول َك ُم ما ك َسبتم ول ت َ‬
‫ن( ]سورة البقرة‪:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫سأُلو َ‬ ‫َ ُْ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪ ، [134‬ول أريد بهذه الخطبة إل ذكر ما تدعو الحاجة لمعرفته من شأن هذا‬
‫العََلم الذي ل ينبغي أن ُيقابل الغلوّ في حّبه عند قوم بالجفاء عند آخرين‪،‬‬
‫حتى بلغ المر أن ُيهجر اسم الحسين أو ُينسى فضله‪ ،‬وهو من هو في القدر‬
‫والمكانة في نفس رسولنا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولو أنه اكتفى بشرف كونه‬
‫ب عَن ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه ل ِي ُذ ْهِ َ‬‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫من آل بيت رسول الله الطاهرين‪ ،‬لكفاه شرفًا‪) ،‬إ ِن ّ َ‬
‫م ت َط ِْهيرًا( ]سورة الحزاب‪.[33:‬‬ ‫ت وَي ُط َهَّرك ُ ْ‬ ‫ل ال ْب َي ْ ِ‬ ‫س أ َهْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫الّر ْ‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بلى إن حّبه دين وعبادة ُيرجى بها رضا الله تعالى وثوابه‪.‬‬
‫فمع الحسين بن علي بن أبي أطالب‪ ،‬ابن بنت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم نقضي الدقائق الغوالي من هذا اليوم المبارك‪..‬‬
‫الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي‪ ،‬سبط‬
‫خْلق من الصدر‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته‪ ،‬وشبيهه في ال َ‬
‫إلى القدمين‪ ،‬أبوه أمير المؤمنين علي‪ ،‬وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله‬
‫‪ ،r‬وكنيته أبو عبد الله ولقبه الشهيد‪ ،‬وهو أحد سيدي شباب أهل الجنة مع‬
‫أخيه الحسن‪.‬‬
‫ده‬
‫ولد في المدينة المنورة في شعبان في السنة الرابعة للهجرة‪ ،‬وعقّ عنه ج ّ‬
‫رسول الله عليه السلم‪ ،‬كما عقّ عن أخيه الحسن من قبل‪ ،‬وقال فيهما‪:‬‬
‫"هما ريحانتايَ من الدنيا" رواه البخاري‪ .‬وعن جابر أنه قال‪ :‬وقد دخل‬
‫الحسين المسجد‪" :‬من أحب أن ينظر إلى سّيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى‬
‫هذا" سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‪.(1‬‬
‫وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه ويلعبه ويقول عنه‪" :‬حسين سبط‬
‫ب‬
‫ب الله من أح ّ‬‫ب حسينًا" وفي رواية‪" :‬أح ّ‬ ‫من السباط‪ ،‬من أحبني فليح ّ‬
‫ححه الحاكم ووافقه‬ ‫سنه وص ّ‬‫حسينًا" أخرجه ابن ماجه وأحمد والترمذي وح ّ‬
‫الذهبي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عاش الحسين طفولته وصدر شبابه في المدينة المنورة‪ ،‬وترّبى في بيت‬


‫النبوة ثم في بيت والده‪ ،‬وفي حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف‬
‫على الخلق الفاضلة والعادات الحميدة‪ُ ،‬أثر عنه أنه حج خمسا ً وعشرين‬
‫حجة ماشيًا‪ ،‬وشهد سنة ‪35‬هـ مبايعة والده المام علي بالخلفة ثم خروجه‬
‫معه إلى الكوفة‪ ،‬وشهد معه موقعة الجمل ثم صفين‪ ،‬ثم قتال الخوارج‪،‬‬
‫وبقي معه حتى استشهاده سنة ‪40‬هـ‪ ،‬فأقام مع أخيه الحسن في الكوفة إلى‬
‫أن تنازل الحسن عن الخلفة‪ ،‬وسلم المر إلى معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وهو ما‬
‫ل الل ّهِ صلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فعن أبي ب َك َْرة َ أ ّ‬
‫ه‬
‫ق ِ‬ ‫ن عََلى ظ َهْرِهِ وَعََلى عُن ُ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫جد َ وَث َ َ‬ ‫صّلي فَإ َِذا َ‬
‫س َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫كا َ‬ ‫الله عليه وسلم َ‬
‫ل ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ل فَعَ َ‬ ‫صَرع َ َقا َ‬ ‫قا ل ِئ َّل ي ُ ْ‬‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َرفًْعا َرِفي ً‬ ‫سو ُ‬ ‫فَي َْرفَعُ َر ُ‬
‫َ‬
‫شي ًْئا َ‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬‫ح َ‬‫ت بال ْ َ‬‫صن َعْ َ‬‫ك َ‬ ‫ل الل ّهِ َرأي َْنا َ‬ ‫سو َ‬ ‫ه َقاُلوا َيا َر ُ‬ ‫صَلت َ ُ‬ ‫ضى َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫مّرةٍ فَل َ ّ‬ ‫غَي َْر َ‬
‫ه ت ََباَر َ‬
‫ك‬ ‫سى الل ّ ُ‬ ‫سي ّد ٌ وَعَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن اب ِْني هَ َ‬ ‫ن الد ّن َْيا وَإ ِ ّ‬ ‫م َ‬‫حان َِتي ِ‬ ‫ه َري ْ َ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬‫ه َقا َ‬ ‫صن َعْت َ ُ‬‫ك َ‬ ‫َرأ َي َْنا َ‬
‫َ‬
‫ن *رواه أحمد‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن فِئ َت َي ْ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫ح ب ِهِ ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ َ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫وَت ََعاَلى أ ْ‬
‫وكان الحسين ل يعجبه ما عمل أخوه‪ ،‬بل كان رأيه القتال؛ لنه يرى أنه الحق‬
‫قيته بالخلفة ولكنه آثر‬ ‫بالخلفة‪ ،‬ولكنه أطاع أخاه الذي كان يرى ـ كذلك ـ أح ّ‬
‫حقن دماء المسلمين‪ ،‬وبايع الحسين معاوية‪ ،‬ورجع معه إلى المدينة وأقام‬
‫معه إلى أن مات معاوية سنة ‪60‬هـ‪.‬‬
‫ولما تولى يزيد بن معاوية الخلفة‪ ،‬بعث إلى واليه على المدينة الوليد بن‬
‫عتبة ليأخذ البيعة من أهلها‪ ،‬فامتنع الحسين عن البيعة‪ ،‬وخرج إلى مكة وأقام‬
‫فيها‪ ،‬ثم أتته كتب أهل الكوفة في العراق تبايعه على الخلفة وتدعوه إلى‬
‫الخروج إليهم‪ ،‬فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليأخذ‬
‫بيعتهم فطالت غيبة مسلم وانقطعت أخباره‪ ،‬فتجهز الحسين مع جملة من‬
‫أنصاره للتوجه إلى العراق‪ ،‬ونصحه بعض أقاربه وأصحابه بالبقاء في مكة‬
‫وعدم الستجابة لهل العراق‪ ،‬ومنهم عبد الله بن عباس‪ ،‬وعبد الله بن عمر‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعبد الله بن جعفر‪ ،‬وجابر بن عبد الله‪ ،‬كما كتبت إليه إحدى النساء وتسمى‬
‫)عمرة( تقول‪ :‬حدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪" :‬يقتل الحسين بأرض بابل" فلما قرأ كتابها قال‪" :‬فل بد إذا ً من‬
‫جها ً إلى العراق وفي الطريق قريبا ً من‬ ‫مصرعي"‪ ،‬وخرج بمن معه متو ّ‬
‫القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له‪ :‬ارجع فإني لم أدع لك خلفي‬
‫خيرًا‪.‬‬
‫وأخبره أن عبيد الله بن زياد والي البصرة والكوفة قتل مسلم بن عقيل‪ ،‬فهم‬
‫الحسين أن يرجع ومعه إخوة مسلم فقالوا‪" :‬والله ل نرجع حتى نصيب بثأرنا‬
‫ف قرب كربلء‪ ،‬وكان عدد‬ ‫قَتل" فتابع سيره حتى وصل إلى منطقة الط ّ‬ ‫أو ن ُ ْ‬
‫ً‬
‫ما معه من الرجال )‪ (45‬فارسا ونحو )‪ (100‬راجل إضافة إلى أهل بيته من‬
‫النساء والطفال‪ ،‬حيث إن أهل الكوفة خذلوه ولم يوفوا بوعودهم لنصرته‪،‬‬
‫فالتقى بمن معه بجيش عبيد الله بن زياد بقيادة عمر بن سعد بن أبي‬
‫وقاص‪ ،‬وكان معه أربعة آلف فارس‪ ،‬وجرت بينهما مفاوضات لم تسفر عن‬
‫اتفاق‪ ،‬فهاجم جيش ابن زياد الحسين ورجاله‪ ،‬فقاتل الحسين ومن معه قتال‬
‫البطال واستشهد الحسين ومعظم رجاله‪ ،‬وُوجد في جسده ثلثة وثلثون‬
‫جرحًا‪ ،‬وكان ذلك في يوم عاشوراء من عام )‪61‬هـ( رحمه الله ورضي عنه ‪،‬‬
‫ورثاه الشعراء على مر القرون ‪ ،‬ومن ذلك ما قاله الشاعر عبدالله بن عوف‬
‫بن الحمر ‪:‬‬
‫صحوت وودعت الصبا والغوانيا ‪... ...‬‬
‫وقلت لصحابي‪ :‬أجيبوا المناديا‬
‫و قولوا له إذ قام يدعو إلى ‪... ...‬‬
‫قبيل الدعا‪ :‬لبيك لبيك داعيا‬
‫أل و انع خير الناس جدا و ‪... ...‬‬
‫حسينا ً لهل الدين إن كنت ناعيا‬
‫ليبك حسينا ً مرمل ذو خصاصة ‪... ...‬‬
‫عديم و أيتام تشكى المواليا‬
‫فأضحى حسين للرماح دريئة ‪... ...‬‬
‫ف ثاويا‬ ‫وغودر مسلوبا ً لدى الط ّ‬
‫ليبك حسينا ً كلما ذّر شارق ‪... ...‬‬
‫وعند غسوق الليل من كان باكيا‬
‫لحا الله قوما ً أشخصوهم و ‪... ...‬‬
‫فلم ير يوم البأس منهم محاميا‬
‫ي ‪... ...‬‬ ‫م َ‬ ‫و ل موفيا ً بالعهد إذ َ‬
‫ح ِ‬
‫ول زاجرا ً عنه المضلين ناهيا‬
‫فيا ليتني إذ ذاك كنت شهدته ‪... ...‬‬
‫فضاربت عنه الشانئين العاديا‬
‫و دافعت عنه ما استطعت ‪... ...‬‬
‫و أعملت سيفي فيهم و سنانيا‬
‫فيا أمة تاهت و ضلت سفاهة ‪... ...‬‬
‫أنيبوا فأرضوا الواحد المتعاليا‬
‫ويروى أن قاتله هو سنان بن أبي سنان النخعي‪ ،‬وأن خولي بن يزيد الصبحي‬
‫هو الذي أجهز عليه واجتّز رأسه‪ ،‬وُقتل مع الحسين سبعة عشر رجل ً من أهل‬
‫بيته‪ ،‬منهم إخوته الربعة‪ ،‬رحمهم الله جميعًا‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويروى أنه لما ورد رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية ومعه جماعة من أهل‬
‫البيت وجّلهم من النساء‪ ،‬قال يزيد‪ :‬كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل‬
‫الحسين‪ ،‬فقالت سكينة بنت الحسين‪ :‬يا يزيد أبنات رسول الله سبايا؟ قال‪:‬‬
‫ي منه عليك‪ ،‬وقال كلما ً يشتم فيه عبيد الله بن‬ ‫يا ابنة أخي هو والله أشد ّ عل ّ‬
‫ي لو‬ ‫زياد ] ولعل منه ما رواه يونس بن حبيب ‪ :‬أن يزيد كان يقول‪ :‬وما عل ّ‬
‫كمته فيما يريد‪ ،‬وإن كان علي في‬ ‫احتملت الذى وأنزلت الحسين معي‪ ،‬وح ّ‬
‫ذلك وهن‪ ،‬حفظا ً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورعاية لحقه‪ ،‬لعن الله‬
‫ابن مرجانة ـ يعني عبيد الله ـ فإنه أحرجه واضطره‪ ،‬وقد كان سأل أن يخلي‬
‫سبيله أن يرجع من حيث أقبل‪ ،‬أو يأتيني‪ ،‬فيضع يده في يدي‪ ،‬أو يلحق بثغر‬
‫من الثغور‪ ،‬فأبى ذلك عليه وقتله‪ ،‬فأبغضني بقتله المسلمون‪ ،‬وزرع لي في‬
‫ُ‬
‫ما‪.‬‬‫سل ً‬‫قلوبهم العدواة" ) (‪ .‬ثم قال‪ :‬رحم الله حسينا ً َلوِددت أن أتيت به ِ‬
‫ثم أمر بالنساء فأدخلن على نسائه‪ ،‬وأمر آل أبي سفيان فأقمن المأتم على‬
‫الحسين ثلثة أيام‪ ،‬ثم أمر بتجهيز نساء آل البيت وإعادتهن إلى المدينة‬
‫معّززات‪.‬‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بأن ابنه وحبيبه سوف يقتل على‬
‫يد مسلمين‪ ،‬فقد روى أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كوا هذا" يعني حسينًا‪ ،‬فكان يوم أم سلمة‪ ،‬فنزل جبريل فقال‬ ‫لنسائه‪" :‬ل ت ُب َ ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لم سلمة ‪ :‬ل تدعي أحدا يدخل‪ ،‬فجاء‬
‫حسين فبكى‪ ،‬فخلته يدخل‪ ،‬فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال جبريل‪ :‬إن أمتك ستقتله‪ ،‬قال يقتلونه وهم مؤمنون؟‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وأراه تربته‪ .‬إسناده حسن كما قال المام الذهبي‪.‬‬
‫وقد بقي هذا اليوم داميا ً في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬لم ينسوه لهل العراق الذين حضروا مصرع الحسين دون أن يدافعوا عنه‪،‬‬
‫شاهدا لبن عمر و َ‬ ‫ن أ َِبي ن ُعْم ٍ َقا َ‬
‫ن د َم ِ‬
‫ل عَ َ ْ‬ ‫ج ٌ‬
‫ه َر ُ‬ ‫سأل َ ُ‬‫ت َ ِ ً ِ ْ ِ ُ َ َ َ َ‬ ‫ل ك ُن ْ ُ‬ ‫ن اب ْ َ ِ‬ ‫ففي البخاري عَ ِ‬
‫سأل ُِني‬ ‫ل ان ْظ ُُروا إ َِلى هَ َ‬ ‫َ‬
‫ذا ي َ ْ‬ ‫ق َقا َ‬ ‫ل ال ْعَِرا ِ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ت؟ فَ َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫ل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ْ‬
‫الب َُعو ِ‬
‫ي‬
‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ُ‬
‫ض وَقَد ْ قَت َلوا اب ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن د َم ِ الب َُعو ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن الد ّن َْيا*‪.‬‬‫م َ‬‫حان ََتايَ ِ‬ ‫ما َري ْ َ‬ ‫ل هُ َ‬ ‫قو ُ‬‫م يَ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫وأما عن علقته بعمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ممن يظن بعضهم أنه‬
‫كان بينهم ما يسوء‪ ،‬فقد روى المام الذهبي أخبارا ً عديدة أسانيدها صحيحة‪،‬‬
‫تدل على مكانة خاصة للحسين في قلب عمر رضي الله عنه‪ ،‬منها‪ ،‬أنه قال‬
‫له‪" :‬أي بني وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إل الله ثم أنتم‪ ،‬ووضع يده على‬
‫رأسه‪ ،‬وقال‪ :‬أي بني! لو جعلت تأتينا وتغشانا"‪ .‬وكان يفرض له خمسة آلف‬
‫مثل أبيهم رضي الله عنه‪ ،‬وحين كسا أبناء الصحابة لم يجد ما يناسب‬
‫الحسنين‪ ،‬فبعث إلى اليمن فأتي بكسوة لهما‪ ،‬فقال‪ :‬الن طابت نفسي‪ .‬وبينا‬
‫عمرو بن العاص رضي الله عنه في ظل الكعبة إذ رأى الحسين فقال‪ :‬هذا‬
‫أحب أهل الرض إلى أهل السماء اليوم‪.‬‬
‫عترتهما الصالحة؛ لحّبنا‬ ‫مهما وأباهما و ِ‬ ‫اللهم إنا أحببنا الحسن والحسين وأ ّ‬
‫لنبيك صلى الله عليه وسلم فاجعلنا يوم القيامة مع من أحبْبنا‪.‬‬
‫ل وسّلم على نبيك محمد خاصة‪ ،‬وعلى‬ ‫ل وسلم عليهم جميعًا‪ ،‬وص ّ‬ ‫اللهم ص ّ‬
‫آله أجمعين وصحابته والتابعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫)‪ (1‬ذكره الهيثمي في المجمع ‪ 9/187‬ونسبه إلى أبي يعلى وليس لحمد ‪،‬‬
‫وقال‪ :‬رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعد وهو ثقة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مع الرجل العظيم الداعية الرباني الشيخ محمد الحامد رحمه الله‬
‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬
‫لقد اختار الله إلى جواره خلل اليام القريبة الماضية الشيخ محمد الحامد‬
‫أجزل الله له المثوبة‪ ،‬ويلحظ –ولله الفضل والمنة‪ -‬أنه سبحانه قد أكرم هذا‬
‫العلم من أعلم السلم‪ ،‬بأن جمع له بين العلم النافع‪ ،‬والعمل بهذا العلم‪،‬‬
‫والستقامة على العبادة‪ ،‬والورع في الدين‪ ،‬فهو عالم عامل عابد زاهد‪،‬‬
‫مجاهد‪ ،‬يخشى الله واليوم الخر‪ ،‬وإذا كان فضل العالم على العابد كفضل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى أصحابه‪ ،‬فما بالك بمن أكرمه‬
‫الله بالعلم والعمل والعبادة والصدع بالحق والزهد في الدنيا والخشية‬
‫الصادقة لله عز وجل؟!‬
‫عن أبي أمامة رضي الله عنه قال‪" :‬ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫رجلن‪ :‬أحدهما عابد‪ ،‬والخر عالم‪ ،‬فقال عليه أفضل الصلة والسلم‪:‬‬
‫فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم‪.‬‬
‫ثم قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫إن الله وملئكته وأهل السموات والرض‪ ،‬حتى النملة في جحرها‪ ،‬وحتى‬
‫الحوت ليصلون على معلم الناس الخير"‪.‬‬
‫رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‬
‫ة وحده‬‫يبعث أم ً‬
‫إنا ل نتألى على الله عز وجل‪ ،‬ولكننا بما عرفنا بيقين ل يعتوره شك‪ ،‬نحتسب‬
‫أن يكون رحمه الله في عداد أولئك الذين عناهم قول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه‪:‬‬
‫"أل أخبركم عن الجود الجود‪ ،‬الله هو الجود‪ ،‬وأنا أجود ولد آدم‪ ،‬وأجودكم‬
‫ة وحده‪ ،‬ورجل‬ ‫من بعدي رجل علم علما ً فنشر علمه‪ ،‬يبعث يوم القيامة أم ً‬
‫جاد بنفسه لله عز وجل حتى يقتل"‪.‬‬
‫أخرجه أبو يعلى والبيهقي‬
‫مصاب المة ورفع العلم‪..‬‬
‫لقد ذعرت المة بوفاة هذا الرجل الذي قضى في سبيل السلم ‪-‬وأعني هنا‬
‫أولئك الذين يدركون معنى المصاب بموت العالم العامل الزاهد في الدنيا‬
‫المجاهد في سبيل إعلء كلمة الله‪ -‬لقد ذعرت المة وحق لها ذلك في وقت‬
‫يعز فيه العاملون الزاهدون المستعلون على الحطام‪ ،‬الذين يخشون الله‬
‫فيما يحملون من أمانة العلم‪ ،‬وتبليغها للناس عن بصيرة وتحقيق وتقوى لله‬
‫عز وجل‪ ،‬أفل يسوغ لجيلنا الحاضر أن يخاف أن يصدق فيه ما بين رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من رفع العلم بقبض العلماء؟؟‪.‬‬
‫فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الله ل يقبض العلم انتزاعا ً ينتزعه من الناس‪،‬‬
‫ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى إذا لم يبق عالما ً اتخذ الناس رؤوسا ً‬
‫جهال ً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم والترمذي‬
‫نعم يحق لنا أن نخاف‪ ...‬وإن كان الشيخ –رحمه الله تعالى وجزاه عن‬
‫المسلمين خير الجزاء‪ -‬بما أدى من أمانة نشر العلم بأمانة وإخلص يقل‬
‫نظيرهما‪ ،‬وبسلوكه الذي كان مثل ً كريما ً يحتذى‪ ،‬قد ترك –والحمد لله‪ -‬من‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نأمل أن تفيد المة من علمهم وعملهم وخشيتهم لله بما رباهم عليه من‬
‫التحقيق والورع والعمل الجاد إن شاء الله‪.‬‬
‫أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه‬
‫إن كل الذين صحبوا الشيخ الحامد رحمه الله بصدق‪ ،‬يعلمون أنه كان في‬
‫مرضه الذي عانى منه سنين حيث أرهقه الجهد الدائب علما ً وتعليما ً وخطابة‬
‫وتدريسا ً وتأليفا ً ومنافحة عن السلم‪ ،‬فأخذ منه العياء مأخذًا‪ ،‬وحيث تقرحت‬
‫كبده حرقة على المسلمين‪ ،‬وقلقا ً على ما يصيب المة في دينها وبعدها عن‬
‫شريعة الله‪ ،‬يعلمون أنه لم يكن يجزع من الموت‪ ،‬وإنما كان يرى في‬
‫المرض جسرا ً يوصله إلى لقاء الله عز وجل‪ .‬فلقد أحب لقاء الله فأحب الله‬
‫لقاءه‪.‬‬
‫جاء في الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه‪ .‬فقالت‪ :‬عائشة رضي الله عنها‪ :‬إنا‬
‫لنكره الموت‪ .‬قال‪ :‬ليس ذلك‪ ،‬ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان‬
‫الله وكرامته‪ ،‬فليس شيء أحب إليه مما أمامه‪ ،‬فأحب لقاء الله وأحب الله‬
‫لقاءه‪ ،‬وإن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله وعقوبته‪ ،‬فليس شيء‬
‫أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله‪ ،‬وكره الله لقاءه"‪.‬‬
‫أخرجه الخمسة إل أبا داود‬
‫رحم الله الشيخ الكبير رحمة واسعة‪ ،‬وبوأه الفردوس العلى في دار كرامته‬
‫وجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‬
‫وحسن أولئك رفيقًا‪ .‬وصدق الله العظيم‪.‬‬
‫"ومن أراد الخرة وسعى لها سعيها فأولئك كان سعيهم مشكورًا"‪.‬‬
‫"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم"‪.‬‬
‫* مجلة حضارة السلم –السنة ‪– 10‬العدد ‪– 1‬ربيع الول ‪1389‬هـ ‪-‬آيار‪/‬‬
‫حزيران ‪1969‬م‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مع الزاهد الثقة أبي نصر " بشر الحافي "‬


‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬
‫ـ‪1‬ـ‬
‫هو المام العالم المحدث الزاهد الرباني القدوة ‪ ،‬شيخ السلم بشر بن‬
‫الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء أبو نصر الزاهد المعروف بالحافي ابن عم‬
‫المحدث علي بن خشرم المروزي)‪ ، (1‬كان مولده سنة ‪ 152‬هـ ‪ ،‬وممن‬
‫سمع منهم في بغداد ‪ :‬حماد بن زيد ‪ ،‬وعبد الله المبارك ‪ ،‬وابن مهدي ‪،‬‬
‫ومالك وأبو بكر بن عياش ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬وسمع منه جماعة منهم ‪ :‬أبو خيثمة ‪،‬‬
‫وزهير بن حرب ‪ ،‬وسري السقطي ‪ ،‬والعباس بن عبد العظيم ‪ ،‬ومحمد بن‬
‫حاتم وغيرهم ‪ .‬وقد مات رحمه الله في سنة سبع وعشرين ومائتين قبل‬
‫المعتصم الخليفة بستة أيام وعاش خمسا ً وسبعين سنة ‪.‬‬
‫ويبدو أنه انصرف إلى العبادة بعد كثرة سماع من العلماء واشتغال بالعلم ‪،‬‬
‫وأصبح من أهم ما يتميز به زهادته وورعه ونسكه وتقشفه ‪ .‬وعندما تكون‬
‫هذه المور عن علم ومعرفة بالشريعة ‪ ...‬فحدث ول حرج ‪.‬‬
‫من أجل ذلك أثنى عليه كثير من كبار الئمة رحمهم الله ‪ ،‬حتى قال المام‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحمد يوم بلغه موته ‪ :‬لم يكن له نظير إل عامر بن عبد قيس ‪ ،‬ولو تزوج لتم‬
‫أمره وفي رواية عنه أنه قال ‪ :‬ما ترك بعده مثله ‪ ،‬وقال إبراهيم الحربي ‪:‬ما‬
‫أخرجت بغداد أتم عقل ً منه ‪ ،‬ول أحفظ للسانه منه ‪ ،‬ما عرف له غيبة لمسلم‬
‫‪ ،‬وفي كل شعرة منه عقل ـ ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلء ‪..‬‬
‫وطبيعي أن هذا الكلم من المام أحمد والحربي يدل على طبيعة المقاييس‬
‫التي كانت تقاس بها الرجال يومذاك ‪ .‬ومن أوضحها ‪ :‬ما كان عليه بشر من‬
‫العلم والعمل ‪ ..‬والعبادة الصادقة ‪ ...‬والزهادة في الدنيا ‪ ..‬في ورع يجعل‬
‫الجوارح بعيدة عن الولوغ في المخالفات ‪ ..‬وهذا ما يجعل من حال العابد‬
‫قبل قاله نورا ً يضيء للناس طريقهم ‪ ..‬ويجعل لكلمه وسيره القبول في‬
‫الرض ‪..‬‬
‫من هنا ترجم له أبو نعيم في " الحلية " بقوله ‪ :‬ومنهم من حباه الله الحق‬
‫بجزيل الفواتح ‪ ،‬وحماه من وبيل الفوادح ‪ ،‬أبو نصر بشر بن حارث الكافي ‪،‬‬
‫المكتفي بكفاية الكافي ‪ ،‬اكتفى فاستشفى ‪.‬‬
‫وقد وردت عدة روايات بشأن تحوله عن الطريق المخالفة إلى حيث آل أمره‬
‫؛ منها ما أورده الحافظ ابن كثير أنه كان " شاطرا ً " في بدء أمره ‪ ،‬وكان‬
‫سبب توبته أنه وجد رقعة فيها اسم الله عز وجل في أتون حمام ‪ ،‬فرفعها‬
‫ورفع طرفه إلى السماء وقال ‪ :‬سيدي اسمك ههنا ملقى يداس !! ثم ذهب‬
‫إلى عطار فاشترى بدرهم غالية ـ طيبا ً ـ وضمخ تلك الرقعة ووضعها حيث ل‬
‫تنال ‪ ،‬فأحيا الله قلبه وألهمه رشده ‪ ،‬وصار إلى صار إليه من العبادة‬
‫والزهادة ‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا الذي أكرمه الله به جعل لكلمه ـ رحمه الله ـ رونقا ‪ ،‬لنه يخرج من‬
‫القلب فيدخل القلوب في نفاذ وتأثير‪.‬‬
‫ففي تذوق لما كان عليه من الزهادة الصادقة في الدنيا التي يتقاتل عليها‬
‫الناس ‪ ،‬وكثيرا ً ما تفرق بين المرء وأحب الناس إليه قال رحمه الله ‪ :‬من‬
‫أحب الدنيا فليتهيأ للذل ‪.‬‬
‫وعند بشر ـ أجزل الله مثوبته ـ تجد الفهم العميق لمكانة العلم ‪ ،‬وضرورة‬
‫ارتباطه بالتقوى ‪ ..‬وأن القضية جاءت من هنا ‪ ..‬وإل عاد العلم سلحا ً يرتد‬
‫إلى صدر صاحبه ‪ .‬قال في ذلك ‪ :‬إنما فضل العلم على غيره ليتقى به ‪.‬‬
‫وفي تعريف مشرق لعز المؤمن وشرفه قال رحمة الله عليه ‪ :‬عز المؤمن‬
‫استغناؤه عن الناس ‪ ،‬وشرفه قيامه بالليل ‪.‬‬
‫أرأيت ‪ ...‬العز فيما بايع النبي عليه أصحابه من أن ل يسأل أحدهم الناس‬
‫شيئا ً ‪ ...‬والشرف في وقفة العبودية بين يدي جبار السماوات والرض حيث‬
‫يقف الذين قال الله فيهم ‪] :‬تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا ً‬
‫وطمعا ً ومما رزقناهم ينفقون[ ‪.‬‬
‫ويبدو أنه كان كثير المحبة لصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وذلك من‬
‫سمات المؤمن الصادق لن في ذلك وقوفا ً عند الذي تمليه نصوص الكتاب‬
‫والسنة ؛ قال السري السقطي ‪ :‬سمعت بشر بن الحارث يقول ‪ :‬ما أنا‬
‫بشيء من عملي أوثق به مني بحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وعن علي بن الحسي القاضي ‪ ،‬سمعت عبيد بن محمد الوراق يقول ‪:‬‬
‫سمعت بشر بن الحارث يقول ‪ :‬أوثق عملي في نفسي حب أصحاب محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫هذا طرف من سيرة هذا الرجل الرباني الذي أكرمه الله بصدق العبودية له ‪،‬‬
‫وحسن النابة إليه ‪ ،‬والتزهد في الدنيا ‪ ،‬والعمل لما بعد الموت ‪ ...‬وما أشد‬
‫احتياجنا ـ والغفلة تضرب بجرانها على القلوب ـ لن نذكر عمل العاملين‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصدق الصادقين ليكون لنا ما به تستيقظ القلوب من غفلتها ‪ ...‬ولنا عودة ـ‬


‫إن شاء الله ـ إلى سيرة هذا الرجل الكبير والله الموفق سبحانه ‪.‬‬
‫ـ‪2‬ـ‬
‫نحن على موعد مع هذا الرجل الرباني الكبير أجزل الله مثوبته ‪ ،‬وقد رأينا‬
‫من عهد قريب بعضا ً من مآثره وكلماته التي هي انعكاس صدقه واستقامته ‪،‬‬
‫واليوم نعيش مع رسالة أرسلها إلى علي بن خشرم‪ ،‬هي محض النصح ‪،‬‬
‫وسلمة التوجيه ‪ ،‬وصدق الخوة في الله ‪ .‬وذلك يذكرنا بقول الله تباركت‬
‫أسماؤه ‪] :‬الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين[ )‪ (2‬كتب رحمه الله‬
‫يقول ‪:‬‬
‫إلى أبي الحسن علي بن خشرم ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫السلم عليك فإني أحمد الله إليك الذي ل إله إل هو ‪ .‬أما بعد ‪ :‬فإني أسأل‬
‫الله أن يتم ما بنا وبكم من نعمة ‪ ،‬وأن يرزقنا وإياكم الشكر على إحسانه ‪،‬‬
‫وأن يميتنا ويحيينا وإياكم على السلم ‪ ،‬وأن يسلم لنا ولكم خلفا ً من تلف ‪،‬‬
‫وعوضا ً من كل ذرية ‪.‬‬
‫أوصيك بتقوى الله يا علي ‪ ،‬ولزوم أمره والتمسك بكتابه ثم اتباع آثار القوم‬
‫الذين سبقونا باليمان ‪ ،‬وسهلوا لنا السبل ‪ ،‬فاجعلهم نصب عينيك ‪،‬وأكثر‬
‫عرض حالتهم عليك تأنس بهم في الخلء ‪ ،‬ويغنوك عن مشاهد المل فمثل‬
‫حالهم أنك تشاهدهم ‪ ،‬فمجالسة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أوفق‬
‫من مجالسة الموتى ممن يرقب منك زلتك وسقطتك إن قدر عليها ‪ ،‬فإن لم‬
‫يقدر عليها جعل جليسك إن رآه عندك عيبك فرماك بما لم يره الله منك ‪.‬‬
‫واعلم علمك الله الخير وجعلك من أهله ‪ ،‬أن أكثر عمرك فيما أرى قد‬
‫انقضى ‪ ،‬ومن يرضى حاله قد مضى ‪ ،‬وأنت لحق بهم ‪ ،‬وأنت مطلوب ول‬
‫تعجز طالبك ‪ ،‬وأنت أسير في يديه ‪ ،‬وكل الخلق في كبريائه صغير‪ ،‬وكلهم‬
‫إليه فقير‪ ،‬فل يشغلنك كثرة من يحبك ‪ ،‬وتضرع إليه تضرع ذليل إلى عزيز ‪،‬‬
‫وفقير إلى غني ‪ ،‬وأسير ل يجد ملجأ ول مفرا ً يفر إليه غيره ‪ ،‬وخائف مما‬
‫قدمت يداه ‪ ،‬غير واثق على ما يقدم ‪ ،‬ل يقطع الرجاء ول يدع الدعاء ‪ ،‬ول‬
‫يأمن من الفتن والبلء ‪ ،‬فلعله أن رآك كذلك عطف عليك بفضله ‪ ،‬وأمدك‬
‫بمعونته وبلغ بك من عفوه ورحمته ‪ ،‬فافزع إليه في نوائبك ‪ ،‬واستعنه على ما‬
‫ضعفت عنه قوتك ‪ ،‬فإنك إذا فعلت ذلك قربك بخضوعك له ‪ ،‬ووجدته أسرع‬
‫إليك من أبويك ‪ ،‬وأقرب إليك من نفسك ‪ ،‬وبالله التوفيق وإياه اسأل خير‬
‫المواهب لنا ولك ‪.‬‬
‫واعلم يا علي أنه من ابتلي بالشهرة ومعرفة الناس فمصيبته جليلة ‪ ،‬فجبرها‬
‫الله لنا ولك بالخضوع والستكانة والذل لعظمته ‪ ،‬وكفانا وإياك فتنتها وشر‬
‫عاقبتها فإنه تولى ذلك من أوليائه ومن أراد توفيقه ‪ ،‬وارجع إلى أقرب‬
‫المرين منك ‪ ،‬إلى إرضاء ربك ‪ ،‬وإشارة أحياء القلوب من صالح أهل زمانك ‪،‬‬
‫ول ترجعن بقلبك إلى محمدة أهل زمانك ول ذمهم فإن من كان يتقي ذلك‬
‫منه قد مات ‪ ،‬وإنما أنت في محل موتى ومقابر أحياء ماتوا عن الخرة ‪،‬‬
‫ودرست عن طرقها آثارهم ‪ ،‬هؤلء أهل زمانك فتوار مما ل يستضاء فيها بنور‬
‫الله ‪ ،‬ول يستعمل فيها كتابه إل من عصم الله ‪ ،‬ول تبال من تركك منهم ‪ ،‬ول‬
‫تأس على فقدهم ‪ ،‬واعلم أن حظك في بعدهم أوفر من حظك في قربهم ‪،‬‬
‫وحسبك الله فاتخذه أنيسا ً ففيه الخلف منهم ‪ ،‬فاحذر أهل زمانك ‪ ،‬وما‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العيش مع من يظن به في زمانك الخير‪ ،‬ول مع من يسيء به الظن خير‪ ،‬وما‬


‫ينبغي أن يكون في طلعة أبغض إلى عاقل تهمة نفسه من طلعة إنسان في‬
‫زمانك ‪ ،‬لنك منه على شرف فتنته إن جالسته ‪ ،‬ول تأمن البلء إن جانبته ‪،‬‬
‫والموت في العزلة خير من الحياة مع من ل يؤمن خوف فتنته واجعل أذنك‬
‫عما يؤثمك صماء ‪ ،‬وعينك عنه عمياء ‪ ،‬إحذر سوء الظن فقد حذرك الله‬
‫تعالى ذلك ‪ ،‬وذلك قوله تعالى ]إن بعض الظن إثم[ )‪(3‬والسلم ‪.‬‬
‫ـ‪3‬ـ‬
‫حديث هؤلء البررة حديث ل تمله القلوب ‪ ،‬لما أنه يحملنا على جناح من‬
‫الطهر ورفافية الحس إلى واحة تزخر بالعطاء الرباني متمثلة في سيرهم‬
‫الدائب الحثيث إلى الله وفرارهم إليه ‪ ،‬ومسارعة ل تعرف الكلل إلى مغفرة‬
‫من ربهم وجنة عرضها السماوات والرض أعدت للمتقين ‪.‬‬
‫وقد كان من حديثنا عن هذا الزاهد الكبير بشر بن الحارث الذي اشتهر بـ‬
‫)بشر الحافي( رسالته التي بعث بها إلى علي بن خشرم ناصحا ً ومذكرا ً ‪...‬‬
‫حيث رأينا فيها كلمات هي أشبه ما تكون بميراث النبوة ‪ ...‬لنها فيض التباع‬
‫الصادق لصاحب الرسالة عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫ونعود اليوم ـ كما وعدنا ـ إلى بعض من سيرته وكلماته رحمه الله ‪.‬‬
‫ففي تقدير للرجال وإعطاء العمال قيمها قال في شأن موقف المام أحمد‬
‫رضي الله عنه يوم فتنة القول بخلق القرآن ‪ ...‬ذلك الموقف الذي أصبح‬
‫معلما ً من المعالم يسير على هديه العلماء العاملون الذين يصدعون بالحق‬
‫ول يخافون في الله لومة لئم ‪ ...‬قال بشر في ذلك ‪ :‬دخل أحمد بن حنبل‬
‫الكير فخرج ذهبا ً أحمر ‪ ...‬فبلغ ذلك أحمد فقال ‪ :‬الحمد لله الذي أرضى بشرا ً‬
‫بما صنعنا ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي تواضع جم ‪،‬ووقوف عند مقاييس علماء الخرة ‪ ،‬وخوف من الله أن‬
‫يحق عليه قوله سبحانه ‪] :‬يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون ‪ ،‬كبر‬
‫مقتا ً عند الله أن تقولوا ما ل تفعلون[ )‪ (4‬كان له موقف نراه فيما حدث‬
‫الحسن بن سعيد قال ‪ :‬كنا عند بشر بن الحارث فجاء رجل من خراسان ‪،‬‬
‫فبرك قدامه فقال له ‪ :‬يا أبا نصر‪ ،‬أنا وفد خراسان ‪ ،‬حدثني بخمسة أحاديث‬
‫أذكرك بها بخراسان ‪ ،‬فلم يزل يتلطف له وبشر يقول له ‪ :‬المحدثون كثير‪،‬‬
‫فلم يزل يداريه ويجتهد به ‪ ،‬فلما رأى أنه ل ينفعه شيء قال له ‪ :‬يا أبا نصر‪،‬‬
‫أليس تروي عن عيسى عليه السلم أنه قال ‪ :‬من علم وعمل وعّلم فذلك‬
‫الذي يدعى عظيما ً في ملكوت السماء ؟ قال له ‪ :‬كيف قلت ؟ أعد علي ‪،‬‬
‫فأعاد عليه القول ‪ :‬من علم وعمل وعّلم فذلك الذي يدعى عظيما ً في‬
‫ملكوت السماء ‪ ،‬قال له ‪) :‬صدقت ‪ ،‬قد علمنا حتى نعمل ثم نعّلم(‪.‬‬
‫وأنت ترى أن هذا من أبي نصر ليس كتما ً للعلم ‪ ،‬ولكن كان يرى في غيره‬
‫أهلية تبليغ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما يخشى على نفسه‬
‫أن يكون ممن يقول ول يفعل ‪ ..‬ولو تمحض أمر التبليغ فيه لما وقف هذا‬
‫الموقف ‪ ،‬عمل ً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى زيد بن‬
‫ضر الله امرءا ً سمع منا حديثا ً فحفظه حتى يبلغه غيره‬
‫ثابت رضي الله عنه " ن ّ‬
‫‪ ،‬فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ‪ ،‬ورب حامل فقه ليس بفقيه " )‪. (5‬‬
‫إن بشرا ً يخاف أن يكون حظه من العلم شقشقة اللسان دون عمل ‪ ،‬وأن‬
‫تحمله الكلمة مسؤولية العمل بها ‪ ،‬وهو لشدة مخافته من الله ل يرى في‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه أهلية العلماء المتقين ‪ ،‬وما أكثر ما يجد الشيطان من المداخل إلى‬
‫نفوس علماء الدنيا من طريق الرياء وأن يلتمس بالعلم الدنيا والقرب من‬
‫أهل الجاه والنفوذ ‪ ...‬نسأل الله عفوه وعافيته ‪.‬‬
‫ول بدع أن يخاف أبو نصر رحمه الله على نفسه الرياء وما غليه ‪ ،‬وهو الذي‬
‫كان على قدم أولئك الرجال الذين منهم مالك بن دينار‪ ..‬مالك الذي روى‬
‫بشر أنه رجل ً قال له ‪ :‬يا مرائي ‪ ،‬فقال ابن دينار أجزل الله مثوبته ‪ :‬متى‬
‫عرفت اسمي ؟ ما عرف اسمي غيرك ‪.‬‬
‫ومن هنا كان يأخذ نفسه بالعمل وبالعلم ‪ ..‬ويحرص على تربية من وله الله‬
‫أمرهم على ذلك ‪ ،‬فقد روى عن الفضل بن العباس الحلبي قال ‪ :‬سمعت أبا‬
‫نصر بشر بن الحارث ـ وذكر العلم وطلبه ـ فقال ‪ :‬إذا لم يعمل به فتركه‬
‫أفضل ‪ ،‬والعلم هو العمل ‪ ،‬فإذا أطعت الله علمك ‪ ،‬وإذا عصيته لم يعلمك ‪،‬‬
‫والعلم أداة النبياء إلى احتجاجهم ‪ ،‬فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أدى‬
‫إلى أصحابه فتمسكوا به ‪ .‬وحفظوه وعملوا به ‪ ،‬ثم أدوه إلى قوم فذكر من‬
‫فضلهم ‪ ،‬وأدى أولئك إلى قوم آخرين ‪ ،‬فذكر الطبقات الثلث ثم قال أبو‬
‫نصر‪ :‬وقد صار العلم إلى قوم يأكلون به ‪.‬‬
‫رحم الله بشر بن الحارث ‪ ..‬إن في كلماته هذه دعوة إلى العلم ‪ ،‬وحرصا ً‬
‫على العمل ‪ ،‬فالعلم بل عمل عبء على صاحبه ومسؤولية في كفه سيئاته‬
‫يوم الله ‪ ...‬والستشهاد بطرائق النبياء وفعل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يؤكد ما نقول ‪ ،‬وإذا كان أبو نصر يغترف من بحر النبوة ‪ ،‬فإن سنة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بيان الكتاب الكريم الذي نجد فيه بعد آية المداينة التي‬
‫علمت ما علمت ‪ ،‬وبينت من الحكام ما بينت ‪ ،‬قوله تبارك وتعالى ‪] :‬واتقوا‬
‫الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم[ )‪.(6‬‬
‫وتلك هي سنة السلم علم وعمل ‪ ،‬والله يفتح للمتقين من أبواب الفهم ما‬
‫يفتح ‪ ،‬وينير قلوبهم بما ينير‪ ...‬وكل ما تجده لديهم من الفتح اللهي ل يمكن‬
‫أن يخرج على العربية التي بها نزل الكتاب ‪ ،‬أو أن يتجافى مع مفهومات‬
‫الشريعة الموحى بها إلى النبي عليه الصلة والسلم ‪...‬‬
‫في خاتمة رحلتنا القصيرة مع أبي نصر " بشر الحافي " نسأل الله تبارك‬
‫وتعالى أن يفيض عليه من سحائب رحمته ويجزيه عن هذه المة خير جزائه ‪،‬‬
‫وأن يأخذ بأيدينا على مرابع السعادة بتقواه ‪ ،‬وهو المرجو سبحانه أن يتوفانا‬
‫مسلمين ‪ ،‬ويلحقنا بالصالحين ‪ ...‬وله الحمد في الولى والخرة ‪ ..‬ربنا ل تزغ‬
‫قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ‪.‬‬
‫*" حضارة السلم " السنة الخامسة عشرة العدد العاشر ذو الحجة ‪1394‬‬
‫كانون ثاني ‪.1975‬‬
‫**نفسه – س‪ -16:‬ع ‪ 1 :‬ربيع الول ‪ 1395‬هـ ‪ -‬آذار ‪. 1975‬‬
‫• " حضارة السلم " السنة السادسة عشرة ـ العدد الول ‪ :‬ربيع الول ‪/‬‬
‫‪ 1395‬آذار ‪. 1975‬‬
‫)‪ (1‬هو علي بن خشرم عبد الرحمن أبو الحسن الحافظ قريب بشر الحافي‬
‫ثقة روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وآخرون توفي سنة سبع وخمسين‬
‫ومائتين للهجرة أو بعدها وقد قارب المائة ‪.‬‬
‫)‪ (2‬سورة الزخرف ‪. 67:‬‬
‫)‪ (3‬الحجرات ‪. 12 :‬‬
‫• " حضارة السلم " السنة السادسة عشرة ـ العدد الثاني ربيع الخر ‪/‬‬
‫‪ 1395‬ـ نيسان ‪1975/‬‬
‫)‪ (4‬سورة الصف ‪ 2‬ـ ‪.3‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)‪ (5‬رواه الترمذي في العلم ‪ ،‬باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع )‬
‫‪ (5/34‬وله في رواية أخرى ‪ " :‬نضر الله امرءا ً سمع مقالتي فوعاها وحفظها‬
‫وبلغها ‪ "..‬الحديث ورواه أبو داوود في العلم رقم ‪ 3660‬حديث صحيح ورواه‬
‫أحمد وابن ماجه والدارمي ‪ .‬وللترمذي أيضا ً من رواية عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عنه " نضر الله امرءا ً سمع منا شيئا ً فبلغه كما سمعه ‪ ،‬فرب مبلغ‬
‫أوعى من سامع " ‪.‬‬
‫)‪ (6‬البقرة ‪. 282 :‬‬
‫‪...‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫جير‬ ‫مع الهَ ِ‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ل‬‫صوَُر الد ّل َ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫واث َب َ ْ‬ ‫ل ‪ ... ...‬وَت َ َ‬ ‫جما ِ‬ ‫جمال إ َِلى ال َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫تل‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫على‬ ‫َ‬ ‫‪...‬‬ ‫ج‬ ‫رو‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫خ‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ ََ َ ْ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫!‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫َر ّ ُ‬
‫ه‬ ‫با‬
‫ِ‬ ‫ُ ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫دى الطل ِ‬ ‫ن ‪ ...‬وََرْبوةٍ ‪ ...‬وَن َ َ‬ ‫جَنا ‪ِ ... ...‬‬ ‫ت إلى ال ِ‬ ‫م هََرعْ ُ‬ ‫وَل َك َ ْ‬
‫ب في ب َْردِ ال ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ظل ِ‬ ‫ن الَهجيـ ‪ ... ...‬ـرِ ‪ ...‬أِغي ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م هََرب ْ ُ‬ ‫وَل َك َ ْ‬
‫خَيالي‬ ‫دى َ‬ ‫ص َ‬ ‫سِتي ‪ ..‬وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫دا ‪ ... ...‬وِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ُ‬ ‫وََلم ْ‬
‫واهِرِ َواّلللي‬ ‫ج َ‬ ‫صى ‪ُ ... ...‬زهَْر ال َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫معْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫وَ َ‬
‫ت في َفيء الد َّوالي‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ما ‪ ... ...‬رِ ‪. . .‬هَ َ‬ ‫حلو الث ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫وَقَط ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ن َزاهرة الّتل ِ‬ ‫ل ‪ . . .‬وب َي ْ َ‬ ‫حقـ ‪ ... ...‬ـو ِ‬ ‫ن في ال ُ‬ ‫معِ ُ‬ ‫ت‪...‬أ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫وََرك ْ‬
‫ل‬
‫جَبا ِ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫خطا قِ َ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫سا ‪ ... ...‬ب َ َ‬ ‫ت وُْديانا ‪ . . .‬وَ َ‬ ‫ً‬ ‫وَن ََزل ْ ُ‬
‫ل‬ ‫س َ‬ ‫حـ ‪ ... ...‬ـلمي ‪ ...‬ت َل َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ؤا ِ‬ ‫ت بال ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫هامي وَأ ْ‬ ‫جري ‪ ! ...‬وَأوْ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ل‬ ‫ما ِ‬ ‫ج َ‬ ‫وقا ً إَلى د ُن َْيا ال َ‬ ‫فَها ‪َ ... ...‬‬
‫ش ْ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ث َ‬ ‫ل أ َل ْهَ ُ‬ ‫وأ َظ َ ّ‬
‫جل َ ِ‬
‫ل‬ ‫ة ال َ‬ ‫مخ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م َ‬ ‫حها ُ‬ ‫فّتـ ‪ ... ...‬ـ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قيقةِ ‪َ ! ..‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ُدنيا ال َ‬
‫ن الّليالي‬ ‫ن ُر ً‬ ‫َ‬ ‫ن كَ ّ‬ ‫َ‬
‫ؤى ب َي ْ َ‬ ‫ث عَ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ي ‪ . . .‬أْبـ ‪ ... ...‬ـ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫م ْ‬ ‫مد ّ ِ‬ ‫وَأ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫صا ِ‬ ‫ن وِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ري أطا ‪ ... ...‬رِد ُ ما أؤ ّ‬ ‫ن ن َظ َ َِ‬ ‫م ْ‬ ‫مد ّ ِ‬ ‫وَأ ُ‬
‫ل‬ ‫ب وََنا ِ‬ ‫طايَ ‪. . .‬في ط َل َ ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫ضُلعي ‪ ... ...‬وَ ُ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫ل ت َل ْهَ ُ‬ ‫وت َظ َ ّ‬
‫مالي‬ ‫خط َا ً مشت ّت َ َ َ‬ ‫طويـ ‪ ... ...‬ــ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ة ال َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫وأمّزق الد ّْر َ‬
‫حَيالي‬ ‫ري ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫مَنى ت َ ْ‬
‫طـ ‪ ... ...‬ـوى بي َ‬
‫ض وال ُ‬ ‫م ت َْر ‪ ... ...‬ك ُ‬ ‫سْير ‪ . . .‬والّيا ُ‬ ‫وَأ ِ‬
‫فاني الّليالي‬ ‫ج َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ح ‪ . . .‬وَ ت ُ ْ‬ ‫شَبا ٌ‬ ‫ب أَ ْ‬ ‫وَت َِغي ُ‬
‫من َيدي ِتلك الللي‬ ‫َ‬
‫ت ِ‬ ‫حلمي ‪ . . .‬وُتفـ ‪ ... ...‬ـل ِ ُ‬ ‫فّر أ ْ‬ ‫وَت َ ِ‬
‫خَيالي‬ ‫خَتفي ‪ ..‬وَأَرى َ‬ ‫َ‬ ‫ف ‪ ..‬فَت َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سك ِبالطُيـ ‪ ... ...‬ـو ِ‬ ‫م ِ‬ ‫َوأكاد ُ أ ْ‬
‫* * * ‪* * * ... ...‬‬
‫ل‬‫وا ِ‬ ‫ت وََراَء كاذِب َةِ الن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫جَرْيـ ‪ ... ...‬ــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سَرتاه ُ ‪َ ...‬فك ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫َيا َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫خطا ِ‬ ‫فِتي ب ِ ُ‬ ‫ن عََرِقي ‪َ ...‬وأد ْ ‪ ... ...‬فعُ لهْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫وَأ ُ‬
‫معَ الظ ّل َ ِ‬
‫ل‬ ‫مُروِج ‪َ ...‬‬ ‫قةِ في ال ُ‬ ‫حقيـ ‪ ... ...‬ـ َ‬ ‫ل ِلي د َُنيا ال َ‬ ‫م ِقي َ‬ ‫ك ْ‬
‫والي‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫‪...‬‬ ‫ريج‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫‪...‬‬ ‫د‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ورو‬ ‫ال‬ ‫مع‬ ‫‪...‬‬ ‫جنان‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫م َ ِ‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫وَ َ‬
‫والي‬ ‫ق ‪ ...‬والعَ َ‬ ‫واهِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ضا ‪َ ... ...‬رةِ ‪ ...‬وال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫معَ ال َ‬ ‫معَ الن ِّعيم ِ ‪َ ...‬‬ ‫وَ َ‬
‫معَ الَهوى ‪َ ...‬واها ً لحالي‬ ‫جَنا ‪ ... ...‬ت ‪َ ...‬‬ ‫ب الما ِ‬ ‫غا ِ‬ ‫معَ الّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫حيالي‬ ‫ن ‪َ . . .‬والد ّن َْيا ِ‬ ‫ي فا ‪ ... ...‬رِغَت َي ْ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ت في ك َ ّ‬ ‫وََنظْر ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ف ‪ . . .‬إلى َزَوا ِ‬ ‫ت كالطُيو ِ‬ ‫مُعها ‪ . . .‬فَوَلـ ‪ ... ...‬ــ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫وَأكاد ُ أ ْ‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‬
‫فَر الغََزا ِ‬ ‫خ َ‬ ‫عوا َ‬ ‫ل ‪ ...‬وََروّ ُ‬ ‫ما ‪ِ ... ...‬‬ ‫ج َ‬ ‫قَد ْ لوُّثوا ط ُهَْر ال َ‬
‫ن ‪ ...‬عََلى اّلللي‬ ‫جَنا ِ‬ ‫حل ْوِ الوُُرو ‪ ... ...‬د ِ ‪ ...‬عََلى ال ِ‬ ‫سوا عََلى ُ‬ ‫دا ُ‬
‫مالي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫دمي و َ‬ ‫هيَر التي ‪َ ... ...‬روّي ُْتها ب ِ َ‬ ‫قوا الَزا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫غالي‬ ‫حاِليةٍ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ز‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫نو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫وال‬ ‫ر‬ ‫ه‬
‫َ َ ِ َ‬ ‫وا‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫س‬
‫َ َ‬
‫ل‬ ‫تل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫فت ُفروعُك يا جنا ‪ ... ...‬ن ‪ ...‬وأ َ‬
‫ْ ُ ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ََ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ج ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ما‬
‫ّ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫‪...‬‬ ‫ب‬‫ّ ِ‬ ‫ترا‬ ‫ال‬ ‫على‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ريـ‬ ‫ِ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫دنيا‬ ‫ْ ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫سا‬ ‫وَ َ َ‬ ‫ت‬
‫ل‬
‫خَيا ِ‬ ‫ض ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫سرا ‪ ... ...‬ب ‪ ...‬كأن َّها وَ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫كأّنها و هْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫* * * ‪* * * ... ...‬‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جا ِ‬‫ف وِ َ‬ ‫ن أطَيا ٍ‬ ‫جيـ ‪ ... ...‬ـرِ ‪ ...‬وب َي ْ َ‬ ‫مى الهَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت ‪ ...‬في ُ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫وََر َ‬
‫حني ِرحالي‬ ‫ْ‬
‫ما ‪ ... ...‬وََتكاد ُ ت َطَر ُ‬ ‫ّ‬
‫قت ُلني الظ َ‬ ‫ُ‬ ‫كاد ُ ي َ ْ‬ ‫وَي َ َ‬
‫ل ارِتحالي‬ ‫طو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫مْنهكـ ‪ ... ...‬ــت َْين ‪ِ ...‬‬ ‫ن ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ج َ‬‫مايَ ت َْرت َ ِ‬ ‫قَد َ َ‬
‫ل‬
‫مل ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ضياع ‪ِ ..‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫شكا ‪ ... ...‬ة ُ ‪ِ ...‬‬ ‫وََتكاد ُ ت َغْل ُِبني ال ّ‬
‫ل‬
‫ن الكل ِ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫مالي عَلى وَهَ ِ‬ ‫ت ‪َ . . .‬يا رّباه ُ ‪ . . .‬آ ‪َ ... ...‬‬
‫َ‬
‫مي ْ ُ‬ ‫وََر َ‬
‫ل‬
‫ضل ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫شبا َ‬ ‫حـ ‪ ... ...‬ــلمي ‪َ ...‬وأ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫في ك ّ‬ ‫خل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ْ‬
‫وَت ََرك ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واِلي‬ ‫خ َ‬ ‫مي ال َ‬ ‫م أّيا ِ‬ ‫ب ‪ُ. . .‬ركا َ‬ ‫سَرا ‪ِ ... ...‬‬ ‫م ال ّ‬ ‫ها َ‬ ‫ت أوْ َ‬ ‫وَت ََرك ْ ُ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫جما ِ‬ ‫قةِ ‪ ..‬في الط َّهاَرةِ ‪..‬في ال َ‬ ‫قْيـ ‪ ... ...‬ـ َ‬ ‫ح ِ‬
‫ث في ال َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫وََر َ‬
‫ل‬ ‫عا‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫ف‬‫َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫‪...‬‬ ‫ق‬‫َ ِ‬ ‫ما‬ ‫ـ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫عـ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫‪...‬‬ ‫فس‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫تها‪...‬‬ ‫فَوَ َ ُ‬
‫جد‬
‫ل‬‫مآ ِ‬ ‫قَبى َ‬ ‫داِء ‪ . . .‬في عُ ْ‬ ‫ليمان ‪ ...‬في ال ‪ ... ...‬ن ْ َ‬ ‫في َرفّةِ ا ِ‬
‫* * * ‪* * * ... ...‬‬
‫‪1/8/1403‬هـ‬
‫‪14/5/1983‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ديوان جراح على الدرب ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مع الفضيل بن عياض رحمه الله )‪(1‬‬


‫الدكتور محمد أديب الصالح‬
‫ـ‪1‬ـ‬
‫ليست هذه ترجمة تحيط بأحوال الفضيل بن عياض رحمه الله ‪ ،‬فحقه أكبر‬
‫من ذلك وأكبر‪ ...‬ولكنها كلمات من مواعظه وتوجيهاته نزجيها ـ والوقت ل‬
‫يمهل ـ على أن نعاود الحديث على صفحات قادمة إن شاء الله ‪.‬‬
‫وهذه الكلمات ‪ ،‬على وجازتها ‪ ،‬صورة للمؤمن المخبت الذي زكى نفسه‬
‫فصفت من أكدارها ‪ ،‬وكانت معه في طاعة الله ل عليه ‪ ،‬فالقلب يقظ ذاكر‪..‬‬
‫قد امتل خشية لله ‪ ،‬ورهبته من السؤال ‪ ...‬والجوارح طوع هذا القلب‬
‫استقامة على الطريق ‪ ،‬واجتهادا ً في العبادة ‪ ،‬وتذكرا ً حين يذكر الله ‪ ،‬وتدبرا ً‬
‫حين يتلى القرآن ‪..‬‬
‫أو ليس من صفات المؤمنين ‪ :‬أنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت‬
‫عليه آياته زادتهم إيمانا ً وعلى ربهم يتوكلون ؟‪ ..‬وكذلك كان الفضيل أجزل‬
‫الله مثوبته ‪ ،‬ما نظرت في شيء من شأنه إل وجدت مراقبة الله ‪ ،‬وحسبان‬
‫الموت ‪ ،‬والتخلق بأخلق أهل الخرة ‪.‬‬
‫ً‬
‫قال إبراهيم بن الشعث ‪ :‬ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من‬
‫الفضيل ‪ ،‬كان إذا ذكر الله أو ذكر عنده أو سمع القرآن ‪ ،‬ظهر به من الخوف‬
‫والحزن ‪ ،‬وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من بحضرته ‪ ،‬وكان دائم الحزن‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شديد الفكرة ما رأيت يريد الله بعلمه وأخذه وإعطائه ‪ ،‬ومنعه وبذله ‪،‬‬
‫وبغضبه وحبه ‪ ،‬وخصاله كلها غيره ـ يعني الفضيل ‪.‬‬
‫كرون فيذكرون ‪ ،‬وتمر بهم العظمة‬ ‫والذين يصنعهم الله على عينه ‪ ،‬يذ ّ‬
‫فيتعظون ول يغفلون ‪ ،‬وإذا جاءت العبرة فقلوبهم طوع العتبار ونظرة‬
‫البصير‪ ،‬فأي شيء من هذا كله كالموت عظة وعبرة لولئك الذين أعدى‬
‫أعدائهم الغفلة وقسوة القلب ‪.‬‬
‫روي عن إبراهيم بن الشعث قوله كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة ل‬
‫يزال يعظ ويكر ويبكي ‪ ،‬حتى لكأنه يودع أصحابه ‪ ،‬ذاهبا ً إلى الخرة حتى يبلغ‬
‫المقابر فيجلس ‪ ،‬فكأنه بين الموتى ‪ ،‬جلس من الحزن والبكاء حتى يقوم ‪،‬‬
‫ولكأنه رجع من الخرة يخبر عنها(‪.‬‬
‫رحم الله هذا العالم الزاهد العابد ‪ ،‬وأكرم مثواه بما قدم من النموذج الصالح‬
‫لخلق ورثة النبياء ومن جعلهم الله للمتقين إماما ً ‪.‬‬
‫ـ‪2‬ـ‬
‫في العدد الول من اعداد هذه السنة ‪ ،‬كانت لنا وقفة عجلى ‪ ،‬لم نملك‬
‫سواها على الورق ‪ ،‬مع قصة الرجل الرباني الفضيل بن عياض ‪ ،‬حين قصده‬
‫الخليفة هارون الرشيد رحمهما الله تلك القصة التي كانت في عمق دللتها‬
‫صورة واضحة لموقف المؤمن الناصح لله ولرسوله ولمام المسلمين‬
‫وعامتهم ‪.‬‬
‫ونعود اليوم ـ والعود احمد ـ لنجد زادا ً جديدا ً في سيرة الفضيل ‪ ،‬وكلماته ‪،‬‬
‫صوى ‪ ،‬خصوصا ً‬ ‫ومواقفه ‪ ،‬فسير أعلم هذه المة معالم في طريق المسلم و ُ‬
‫أولئك الذين ظلوا على محجة الهدى ‪ ،‬وثبتوا على النهج صلة بالله عز وجل ‪،‬‬
‫ووقوفا ً عند كل الذي فيه مرضاته ‪ ،‬وصدق تطلع إلى من عند رب العالمين ‪،‬‬
‫مقتحمين عقبات النفس والهوى ‪ ،‬متجاوزين مزالق الشيطان والسلطان ‪...‬‬
‫وها إنك ل تعدم أن ترى في أي واحدة من عظات هذا الرجل ‪ ،‬ما يضيء‬
‫طريقك ‪ ،‬ويصلك بمنابع الهداية ‪ ،‬حيث ل ينفصم العلم عن العمل ‪ ،‬ول‬
‫الكلمات المسطورة عن السلوك ‪.‬‬
‫انظر إليه في هذه اللمامة الدقيقة الرائدة من خاف الله تعالى لم يغره‬
‫شيء ‪ ،‬ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد( أل ما أشد حاجة المسلم حين‬
‫تدلهم الخطوب وتعصف المغريات بكثير من القلوب ‪ ،‬ويترنح أهل العناوين‬
‫تحت مطارق الرغب أو الرهب ‪ ..‬ما أشد حاجة المسلم ـ والمر كذلك ـ إلى‬
‫تمثل هذه الحقيقة ‪ ،‬بل تذوق معناها ودللتها لتكون له خلقا ً وسجية !! حين‬
‫يخاف الله ‪ ..‬ما الذي يكون ؟؟‬
‫إنه حين يقف هذا الموقف ‪ ،‬ل يغره شيء ‪ ..‬مهما كان هذا الشيء ‪ ..‬وليذهب‬
‫فكرك في هذا الشيء كل مذهب ‪ ..‬ومن عبثت به الشياطين فخاف غير‬
‫الله ‪ ..‬سقط في الهاوية ‪ ،‬فلم ينفعه أحد من أولئك الذين نسي سلطان الله‬
‫فخاف سلطانهم ‪ ..‬نعم ‪ ..‬خاف غير الله فلم ينفعه أحد ‪ .‬أل إنها قاعدة‬
‫نورانية تبدو أهميتها أكثر فأكثر ونحن نبصرـ بألم وحسرة ـ واقع المسلمين‬
‫اليوم حين تنعكس الية ويستبدل العديد من أبناء المة مخافة غير الله‬
‫بمخافة الله ‪ ..‬فعلى صعيد البنية الفكرية والسلوكية عند المسلم لبد أن‬
‫يتحرر من هذا النتكاس ‪ ،‬كيما يكون قادرا ً أن يقف على قدميه في مواجهة‬
‫العوائق والصوارف سواء كان ذلك من داخل النفس أو من خارجها في‬
‫المجتمع في المجتمع على كل صعيد ‪..‬‬
‫وفي جواب عن سؤال كثيرا ً ما تردد ويتردد على اللسنة حين يتحسر الناس ـ‬
‫بعيدين عن العمل ـ ويتلمسون طريق الخلص دون سلوك مسالكه ‪ ،‬أجاب‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موجها ً إلى التزام طاعة الله مهما ابتعد الناس ‪ ،‬والبعد عن المعصية مهما‬
‫تردى في هاويتها من تردى ‪ ..‬وذلك هو الطريق ‪ ،‬سأله عبد الله بن مالك‬
‫فقال ‪ :‬يا أبا علي ما الخلص مما نحن فيه ؟ فقال له ‪ :‬أخبرني ‪ ،‬من أطاع‬
‫الله عز وجل ‪ ،‬هل تضره معصية أحد ؟ قال ‪ :‬ل ! قال ‪ :‬فمن عصى الله‬
‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬هل تنفعه طاعة احد ؟ قال ‪ :‬ل ! قال ‪ :‬فهو الخلص إن‬
‫أردت الخلص ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويا نعم ما جاءنا به الفضيل ـ أجزل الله مثوبته ـ من تحديد لمدلول التواضع‬
‫في نظره ‪ ،‬فالتواضع ـ كما يرى ـ خضوع للحق وانقياد له ‪ ،‬أيا ً كان المصدر‬
‫الذي نطق بهذا الحق ‪ ..‬وإذا كان الكبر على النقيض من التواضع ‪ ،‬فالمتكبر‬
‫ل يخضع للحق ول ينقاد له ‪ ،‬فإذا دعي إلى هذا الحق أخذته العزة بالثم ‪ ،‬أما‬
‫من يخضع للحق وينقاد له ‪ :‬فذلك هو النسان الذي أكرمه الله بخلق التواضع‬
‫‪ .‬سئل رحمه الله ‪ :‬ما التواضع ؟ فقال ‪ :‬أن تخضع للحق وتنقاد له ‪ ،‬ولو‬
‫سمعته من صبي قبلته منه ‪ ،‬ولو سمعته من أجهل الناس قبلته منه ‪.‬‬
‫ومن وصايا الفضيل الجامعة التي تزود بها رجل ً قال له ‪ :‬أوصني )أخف مكانك‬
‫ل تعرف فتكرم بعملك ‪ ،‬واخزن لسانك إل من خير‪ ،‬وتعاهد قلبك أن ل يقسو‪،‬‬
‫وهل تدري ما قساوة من أذنب؟(‬
‫أل ترى معي أن لكل فقرة من فقرات هذه الوصية أصل ً من الكتاب أو السنة‬
‫!! ثم أوليس ذلك دليل أن الرجل أكرم الله مثواه ‪ ،‬يعطي حين يعطي ‪،‬‬
‫والنفس مرتوية من هذا الخير في كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلة‬
‫والسلم ‪.‬‬
‫والن ‪ :‬هذه بعض سمات المؤمن وبعض سمات المنافق يعرضها الفضيل‬
‫ليعرفها المسلمون ويزنوا العمل والسلوك من خللها ‪ ،‬قال إبراهيم بن‬
‫الشعث سمعت فضيل بن عياض يقول ‪) :‬المؤمن قليل الكلم كثير العمل ‪،‬‬
‫والمنافق كثير الكلم قليل العمل ‪ .‬كلم المؤمن حكم ‪ ،‬وصمته تفكر‪ ،‬ونظره‬
‫عبرة ‪ ،‬وعمله بر‪ ،‬وإذا كنت كذا لم تزل في عبادة(‪.‬‬
‫أل إنها نعمة اليمان ‪ ،‬وأعظم بها من نعمة ‪ ،‬وإذا سلم ذلك للمسلم كان له‬
‫كل ذلك الخير‪ ،‬وكان منه كل ذلك العطاء ‪ ،‬فهو ليله ونهاره ‪ ،‬متقلبه ومثواه ‪،‬‬
‫يسعد بهذا اليمان ‪ ،‬ويسعد الخرين ‪ ..‬والمن لله ولرسوله في ذلك " بل الله‬
‫يمن عليكم أن هداكم لليمان إن كنتم صادقين " )‪.(2‬‬
‫اللهم ارزقنا كمال اليمان وصدق اليقين ‪ ،‬واجعلنا ممن يستمعون القول‬
‫فيتبعون أحسنه ‪ ،‬ونق قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مرضاتك ومحبتك ‪،‬‬
‫وحبب إلينا اليمان وزينه في قلوبنا ‪ ،‬وأجزل الفضيل بما نصح وذكر وبما علم‬
‫وعمل ‪ .‬وبما استقام على الطريقة خير الجزاء ‪.‬‬
‫اللهم ثبتنا بقولك الثابت ‪ ،‬وآت أنفسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها ‪،‬‬
‫والحمد لله رب في الولى والخرة عليه توكلت وإليه أنيب ‪.‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫• حضارة السلم السنة ‪ 18‬العدد ‪ 7‬رمضان ‪ 1397‬أيلول ‪. 1977‬‬
‫)‪ (1‬هو الفضيل بن عياض بن سعود بن بشر أبو علي التميمي ‪ .‬شيخ السلم‬
‫والمام القدوة ‪ ،‬أخذ عنه خلق منهم المام الشافعي رضي الله عنه ‪ .‬وممن‬
‫روى عنه شيخه سفيان الثوري أجل شيوخه ‪ .‬وترجمته زاخرة بالحديث عن‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زهادته وعبادته وتأثير مواعظه في القلوب ‪ .‬توفي رحمه الله سنة ‪.178‬‬
‫)‪ (2‬من الية ‪ 17‬من سورة الحجرات ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مع بدايات سورة يوسف‬


‫‪24/3/1425‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا‪ ،‬وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪،‬‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرًا‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فمازال الحديث متصل ً عن سورة يوسف‪ ،‬ولعلنا نبدأ الوقوف مع‬
‫ل‪ ،‬غير أنه يحسن التأكيد على أن هذه السورة‪ ،‬سورة مكية‪ ،‬نزلت‬ ‫آياتها تفصي ً‬
‫بعد سورة هود ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وعدد آياتها إحدى عشرة و مائة آية‪ ،‬وقد ذكر‬
‫بعض العلماء أن هذه السورة مكية إل آيتين منها أو ثلث‪ ،‬ولكن الراجح أن‬
‫جميع السورة مكية وليس فيها أي آية مدنية‪ ،‬وهذا يبين لنا المدة الحرجة‬
‫التي نزلت فيها السورة‪ ،‬وبالخص إذا علمنا أن وقت نزولها كان بين عام‬
‫الحزن وبين بيعة العقبة الثانية‪ ،‬من تاريخ الدعوة في العهد المكي‪ ،‬وهذا‬
‫التاريخ تحسن مراعاته لفهم هذه السورة‪ ،‬وملحظة مرامي آياتها ودللتها‪،‬‬
‫فهذه المدة في العهد المكي بين عام الحزن وبين بيعة العقبة الثانية‪ ،‬اشتد‬
‫فيها أذى قريش‪ ،‬حتى أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أذن لصحابه‬
‫بالهجرة إلى الحبشة‪ ،‬فقد بلغة الشدة والذى والبتلء والتعذيب مبلغها من‬
‫كفار قريش لصحابة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بل لمحمد ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فنزلت هذه السورة تسلية للنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ولصحابته‪ ،‬فهي تقول لهم‪ :‬إن يوسف ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬الذي مر بمصائب‬
‫عظام‪ ،‬وشدائد جسام‪ ،‬ومحن يرقق بعضها بعضًا‪ ،‬قد نجا منها جميعًا‪ ،‬وكانت‬
‫عاقبته تلك العاقبة الحميدة‪ ،‬فاصبروا كما صبر الرسل‪ ،‬وثقوا بموعود الله‬
‫لكم‪ ،‬فإنكم بعد هذا البلء وهذا الذى ستنتصرون ‪ -‬بإذن الله ‪ -‬ولذلك قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَد ْ ك ُذُِبوا‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬‫س الّر ُ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬
‫ست َي ْأ َ‬ ‫الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬في آخرها‪َ " :‬‬
‫شاُء" )يوسف‪ :‬من الية ‪.(110‬‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ي َ‬‫ج َ‬ ‫صُرَنا فَن ُ ّ‬‫م نَ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫َ‬
‫وهذا أمر معنى ينبغي أن يستحضره قارئ السورة‪ ،‬وبخاصة في أيامنا هذه‪،‬‬
‫ب وصوب‪ ،‬وتسلطت‬ ‫فإن أمتنا اليوم قد تداعى عليها العداء من كل حد ٍ‬
‫عليها المم كما بين النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وبلغ المر مبلغه في‬
‫نفوس كثير من المسلمين‪ ،‬وبدأ التشاؤم واليأس والقنوط‪ ،‬وبدأ الستعجال‪،‬‬
‫وبدأ التنازل‪ ،‬وكل ذلك لن يكفل حل ً ولن يجد به أصحابه مخرجًا‪.‬‬
‫والسورة تقول للمؤمنين‪ ،‬الصابرين الصادقين" ل تهنوا ول تحزنوا فأنتم‬
‫العلون ‪ -‬بإذن الله ‪ -‬يوسف ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬مرت به هذه المحن‪ ،‬مرت به‬
‫وبأبيه وبأهله وتجاوزها جميعًا‪ ،‬مرت به محن الضراء والسراء‪ ،‬فاستطاع أن‬
‫يتجاوزها‪ ،‬ووصل إلى ما وصل إليه من علو وسؤدد ومجد‪ ،‬فل يأس ينبغي أن‬
‫يدب في النفوس‪ ،‬والقارئ يجد النموذج العملي والقدوة الماثلة في يعقوب ‪-‬‬
‫ي اذ ْهَُبوا‬ ‫عليه السلم ‪ -‬إذ يقول لبنائه يوم َجاؤوا بخبر فقد ابنه الخر‪َ"َ :‬ياب َن ِ ّ‬
‫ن َروْح اللهِّ‬
‫ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل ي َي ْأ ُ‬ ‫ن َروِْح الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫خيهِ َول ت َي ْأ ُ‬‫ف وَأ َ ِ‬‫س َ‬‫ن ُيو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫فَت َ َ‬
‫ن" )يوسف‪.(87:‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬ ‫إ ِّل ال ْ َ‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قد يقول قائل‪ :‬كيف نصل إلى ما وصل إليه يوسف؟ كيف ننجو من هذا البلء‬
‫الذي نحن فيه؟ كيف نتخلص من مكايد العداء؟ كيف نرتفع بمستوى المة‬
‫نحو السؤدد والعلو والمجد والخلود كما كانت في قرونها المفضلة؟ جواب‬
‫ذلك كله في قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن‬
‫تضلوا بعدي أبدا ً كتاب الله وسنتي")‪.(1‬‬
‫فقراءتنا لهذه السورة‪ ،‬ووقوفنا معها‪ ،‬مما يبين سبيل رفع شأن المة‪.‬‬
‫شريطة أن نتعلمها ونعمل بها‪ ،‬فالقرآن ما نزل من أجل التلوة فقط‪ ،‬بل نزل‬
‫من أجل العمل واللتزام والتنفيذ‪ ،‬ولذلك كان الصحابة ‪ -‬رضوان الله عليهم ‪-‬‬
‫كما في أثر أبي عبد الرحمن السلمي ل يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما‬
‫فيها من العلم والعمل جميعًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولذلك كان الجيل الول خير جيل مر على وجه البسيطة جمعاء‪ .‬لم يمر ولن‬
‫يمر مثله أبدًا؛ لن القرآن كان خلقهم وهاديهم‪ ،‬وإذا أردنا العز والنصر‪،‬‬
‫ل‬‫حب ْ ِ‬
‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫فلنلتزم بما التزم به أولئك‪ ،‬ولنستمسك بحبل الله المتين "َواعْت َ ِ‬
‫فّرُقوا" )آل عمران‪ :‬من الية ‪ ،(103‬فالقرآن نزل من أجل أن‬ ‫ميعا ً َول ت َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫يتدبر ومن أجل أن يعمل به‪ ،‬أما اليوم فكثير من المسلمين‪ ،‬يتلون القرآن‬
‫ولكنهم ل يفقهونه‪ ،‬وإن فقهوه فمنهم من ل يعمل به‪ ،‬والله يقول‪" :‬أ ََفل‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ب أ َقْ َ‬ ‫قرآ َ‬
‫ن‬‫قْرآ َ‬ ‫فال َُها" )محمد‪" ،(24:‬أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬ ‫م عََلى قُُلو ٍ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ال ْ ُ ْ َ‬ ‫ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫خِتلفا ً ك َِثيرًا" )النساء‪ ،(82:‬ويقول‪:‬‬ ‫دوا ِفيهِ ا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫عن ْد ِ غَي ْرِ الل ّهِ ل َوَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫ُ‬
‫م(" )الزخرف‪،(43:‬‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬‫ك عََلى ِ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي أو ِ‬ ‫ك ِبال ّ ِ‬ ‫س ْ‬‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫"َفا ْ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سِبيل ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬ ‫سب ُ َ‬‫قيما َفات ّب ُِعوه ُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫"وَأ ّ‬
‫عو إ َِلى الل ّهِ‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫ن" )النعام‪" ،(153:‬قُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن" )يوسف‪:‬‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما أَنا ِ‬
‫ن اللهِ وَ َ‬ ‫حا َ‬‫سب ْ َ‬ ‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫عََلى ب َ ِ‬
‫‪.(108‬‬
‫ت‬‫خوَت ِهِ آَيا ٌ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ُيو ُ‬ ‫َ‬
‫قد ْ كا َ‬ ‫َ‬
‫أيها الحبة في قول الله ‪ -‬تعالى‪" :-‬ل َ‬
‫ن" )يوسف‪ (7:‬أجوبة على أسئلة المة‪ ،‬حلول للمعضلت التي تمر‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫بها‪ ،‬ولكن بشرط العمل واللتزام بتعاليم القرآن‪.‬‬
‫لقد بدأت السورة بسرد قصة واقعية لرؤيا رآها يوسف فقصها على أبيه ‪-‬‬
‫عليهما السلم ‪ -‬كما أن السورة اشتملت على أخبار شتى من بيت آل‬
‫يعقوب‪ ،‬وبالخص ليوسف ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وفي هذا بيان لهمية القصة‬
‫وأثرها‪ ،‬وقد عني القرآن بالقصص‪ ،‬وأولها أهمية خاصة لما لها من أثر في‬
‫العمل والدعوة والتربية والجهاد‪ ،‬ومن عناية القرآن بالقصص‪ ،‬تسمية سورة‬
‫كاملة بسورة القصص‪ .‬هذه السورة العظيمة التي تقع بين سورتي النمل‬
‫والعنكبوت‪ ،‬التي قص الله ‪ -‬جل وعل ‪ -‬علينا فيها نبأ موسى وفرعون وهامان‬
‫وقارون من أولها إلى آخرها‪ ،‬يتجلى فيها هذا المعنى‪.‬‬
‫وفي سورة الكهف قص الله عددا ً من القصص‪،‬ومن جملتها قصة موسى مع‬
‫الخضر التي يقول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فيها‪" :‬وددنا أن موسى‬
‫صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما")‪ ، (2‬وما ذاك إل ّ لفوائد القصص‪،‬‬
‫فالقصة أيها الحبة مؤثرة‪ ،‬واستخدامها كما استخدمت في القرآن والسنة‪،‬‬
‫يؤدي إلى نتائج باهرة عجيبة يصعب حصرها في هذه العجالة‪ ،‬ولذلك كان‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو قدوتنا وأسوتنا يعنى بالقصة مع صحابته‪،‬‬
‫يأتونه يشكون إليه أمرا ً من المور‪ ،‬فيعالج المر بقصة‪ ،‬عندما جاؤوا وهو في‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظل الكعبة‪ ،‬فقالوا له‪ :‬يا رسول الله أل تدع لنا‪ ،‬أل تستنصر لنا‪ ،‬فإذا به ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعالج هذا الموقف بداية بذكر قصة من أخبار القرون‬
‫الماضية "كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤتى به فيوضع في الحفرة ويشق‬
‫مابين لحمه وعظمه‪ "...‬الحديث)‪.(3‬‬
‫وكتب السنة فيها عشرات القصص‪ ،‬التي تعالج قضايا اجتماعية كما في خبر‬
‫أم زرع وأبي زرع)‪.(4‬‬
‫ولو أن الدعاة عنوا بهذا الجانب‪ ،‬وبالخص إذا عني المربون بهذا الجانب‬
‫عناية خاصة‪ ،‬فسيجدون أثرا ً عجيبًا‪ ،‬على أن يلتزموا بالقصة الصحيحة‪ ،‬فإما‬
‫أن تكون القصة قد وقعت فعل ً فيسردها كما هي‪ ،‬كما نقرأ في سورة‬
‫يوسف‪ ،‬أو أن تكون من قبيل ضرب المثل والتشبيه غير المنسوب إلى‬
‫معين‪ ،‬كما في قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬كان فيمن كان قبلكم"‪ ،‬أو‬
‫"يؤتى بالرجل"‪ ،‬وليس المراد حالة فرد‪ ،‬إنما هي أحوال متعددة‪.‬‬
‫فأوصي طلب العلم‪ ،‬أوصي المربين‪ ،‬أوصي الدعاة‪ ،‬أوصي الباء والمهات‬
‫أن يعنوا بهذا الجانب عناية خاصة‪ ،‬على أن يبتعدوا عن القصص التي يلجأ‬
‫إليها أدعياء الدب وليست من الدب في شيء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن" )يوسف‪:‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ثم لنقف مع قوله ‪ -‬تعالى‪" :-‬إ ِّنا أن َْزل َْناه ُ قُْرآنا ً عََرب ِي ّا لعَلك ْ‬
‫م ت َعْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫‪ (2‬يخبر الله بأن هذا القرآن عربي واضح بين جلي‪ ،‬لماذا؟ لعلكم تعقلون‪.‬‬
‫وأقف هنا مع عناية السلم بالعقل‪ ،‬الذي يميز النسان عن غيره من‬
‫الحيوانات‪ ،‬فالنسان بدون عقل يفقد فضله‪ ،‬ويذهب تكليفه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقد عني القرآن عناية كبرى بالعقل‪ ،‬ولذلك جاءت آيات كثيرة جدا ً تحث على‬
‫العقل‪ ،‬سواء بلفظ العقل أو التدبر أو التفكر‪ ،‬وكلها تشير إلى العقل "ل َ ْ‬
‫و‬
‫شي َةِ الل ّهِ وَت ِل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫أ َن َْزل َْنا هَ َ‬
‫ك‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دعا ً ِ‬ ‫ص ّ‬‫مت َ َ‬ ‫شعا ً ُ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل ََرأي ْت َ ُ‬ ‫جب َ ٍ‬‫ن عََلى َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫قْرآ َ‬ ‫ن" )الحشر‪" ،(21:‬أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬‫س ل َعَل ّهُ ْ‬‫ضرِب َُها َِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬‫اْل ْ‬
‫ن وَل َوْ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْدِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫فال َُها" )محمد‪" ،(24:‬أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬ ‫ب أقْ َ‬ ‫م عََلى قُُلو ٍ‬ ‫أ ْ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫خِتلفا ً ك َِثيرًا" )النساء‪" ،(82:‬أوَل َ ْ‬ ‫دوا ِفيهِ ا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫غَي ْرِ الل ّهِ ل َوَ َ‬
‫ض َفان ْظ ُُروا" )النمل‪ :‬من‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فَي َن ْظ ُُروا" )الروم‪ :‬من الية ‪" ،(9‬قُ ْ‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ل ِ‬
‫َ‬
‫فك ُّروا"‬ ‫م ت َت َ َ‬‫مث َْنى وَفَُراَدى ث ُ ّ‬ ‫موا ل ِل ّهِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬‫حد َةٍ أ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ما أ َ ِ‬
‫عظ ُك ُ ْ‬ ‫الية ‪" ،(69‬إ ِن ّ َ‬
‫)سبأ‪ :‬من الية ‪ .(46‬كل هذه اليات وغيرها دعوة إلى استخدام العقل الذي‬
‫ميز الله به النسان عن غيره‪ ،‬فإذا استخدمه النسان الستخدام الصحيح‬
‫هدي إلى الحق‪ ،‬أما إذا ركب هواه وعاطفته وألغى عقله فإنه يضل ‪ -‬والعياذ‬
‫ل"‬‫ض ّ‬ ‫ل هُ َ‬ ‫كاْل َن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫م إ ِّل َ‬
‫مأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫بالله ‪ -‬كما بين الله جل حال الكفار بقوله‪" :‬إ ِ ْ‬
‫)الفرقان‪ :‬من الية ‪.(44‬‬
‫ل؛ لنه يعقل صاحبه عن التصرفات غير المحمودة‪ ،‬كما‬ ‫وقد سمي العقل عق ً‬
‫أن الحكمة هي ما يلجم الدابة عن التصرف إل ّ عن طريق قائدها أو سائسها‪،‬‬
‫فالحكمة والعقل متقاربان‪.‬‬
‫وما أحوج المة اليوم إلى العقل الذي يمنع من الستعجال‪ ،‬يمنع من القدام‬
‫على تصرفات ل تناسبه‪ ،‬يدل المة أن مكانتها عظيمة‪ ،‬ويرشدها إلى سبيل‬
‫استثامر طاقاتها الستثمار المثل‪.‬‬
‫العقل يمنع العاقل من أن يتصرف تصرفا خاطئا مع زوجته‪ ،‬وأولئك الذين‬‫ً‬ ‫ً‬
‫يستعجلون في كثير من الحيان‪ ،‬فيطلقون زوجاتهم غالبا ً ما يكونون في حالة‬
‫غياب العقل‪ ،‬أو جزء من العقل بعبارة أدق‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهنا مسألة مهمة جدا ً تغيب عن أذهان الكثيرين‪ ،‬وهي العلقة بين العاطفة‬
‫والعقل‪ ،‬فالعاطفة مهمة‪ ،‬والمة بدون عاطفة كائن جامد ل يعرف معنى‬
‫الحياة‪ ،‬فالعاطفة هي التي تحرك المشاعر في النسان‪ ،‬ليتفاعل مع إخوانه‪،‬‬
‫بالعاطفة يرحم الب أبناءه‪ ،‬بالعاطفة يتكاتف الجار مع جيرانه‪ ،‬بالعاطفة‬
‫يكون النسان فعال ً في مجتمعه‪ ،‬ولكن النسياق وراء العاطفة وحدها خطأ‬
‫كبير جدًا‪ ،‬بل ل بد من توافق وتنسيق بين العاطفة والعقل‪ ،‬فكيف يكون‬
‫ذلك؟‬
‫يكون ذلك بإرجاع العاطفة إلى العقل‪ ،‬وإرجاع العقل إلى الشرع‪ ،‬فإذا‬
‫تحركت العاطفة عندك فارجع إلى عقلك‪ ،‬وانظر حكمه‪ ،‬ثم بعد ذلك عليك أن‬
‫ترجع العقل إلى الشرع‪ ،‬فيصدقه أو يكذبه‪ ،‬فالشرع هو الذي يحكم بين‬
‫العقل القاصر‪ ،‬والعاطفة الجياشة إن اختلفا‪.‬‬
‫والعقل الصريح ل يناقض النقل الصحيح أبدًا‪ ،‬فالعقل الصريح الخالي من‬
‫الشوائب‪ ،‬من الهوى‪ ،‬من الرواسب‪ ،‬ل يتعارض أبدا ً مع النقل الصحيح‪ ،‬كما‬
‫بين شيخ السلم ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬فمتى دل الشرع على خلف عقلك فثق بأن‬
‫في نمط التفكير خلل ً ينبغي أن يراجع‪.‬‬
‫أقف عند هذا الحد‪ ،‬وتتصل الوقفات مع آيات هذه السورة العظيمة في‬
‫مقالت أخرى‪ ،‬أسأل الله أن ينفع قارئها وكاتبها بها‪ ،‬وصلى الله على نبينا‬
‫محمد‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬رواه الحاكم في مستدركه ‪ 1/172‬برقم )‪ ،(319‬والبيهقي في الكبرى‬
‫‪ ،10/114‬والدراقطني في السنن ‪ ،4/245‬وغيرهم‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري ‪.4/1757‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري ‪.3/1322‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري ‪ ،5/1990‬ومسلم ‪.4/1901‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مع بلل بن سعد رحمه الله‬


‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬
‫ـ‪1‬ـ‬
‫هو واحد من الربانيين الذين شهد لهم كبار الرجال بعلو الكعب في عبادة الله‬
‫والخلص في طاعته ‪ ،‬وقد بلغ من صدقه وعظيم استقامته أنك ترى في‬
‫كلمه ومواعظه فيضا ً من إرث النبوة ‪ ،‬وروحا ً من روح القرآن الكريم ‪ .‬قال‬
‫الوزاعي رحمه الله ‪:‬‬
‫ً‬
‫كان بلل بن سعد من العبادة على شيء لم نسمع أحدا من أمة محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم كان عليه ‪.‬‬
‫وفي شأن بليغ قوله في النفوس وأثر مواعظه في القلوب يقول الوزاعي‬
‫أيضا ً ‪:‬‬
‫)سمعت بلل بن سعد ‪ ،‬ولم أسمع واعظا ً أبلغ منه( ‪.‬‬
‫أما عبد الله بن المبارك فيقول ‪:‬‬
‫)كان محل بلل بن سعد بالشام ومصر كمحل الحسن بن أبي الحسن‬
‫بالبصرة( ‪.‬‬
‫وشأن الربانيين أن يكون عملهم ترجمان علمهم ‪ ،‬حدث الوزاعي قال ‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)هلك ابن بلل بالقسطنطينية ‪ ،‬فجاء رجل يدعي عليه بضعة وعشرين دينارا ً ‪،‬‬
‫فقال له بلل ‪ :‬ألك بينة ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬كتاب ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فتحلف ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فدخل منزله فأعطاه الدنانير وقال ‪ :‬إن كنت صادقا ً فقد‬
‫أديت عن ابني ‪ ،‬وإن كنت كاذبا ً فهي عليك صدقة(‪.‬‬
‫وجاء في واحدة من مواعظه التي هي أشبه بجوامع الكلم قوله الصائب ‪:‬‬
‫)ل تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت؟(‪.‬‬
‫وفي كلمات يذكر بها الغافلين ‪ ،‬ويوقظ من ألهتهم الدنيا بمتاعها وشهواتها‬
‫قال فيما روى عنه عثمان بن مسلم ‪:‬‬
‫)رب مسرور مغبون ‪ ،‬ورب مغبون ل يشعر‪ ،‬فويل لمن له الويل ول يشعر‪،‬‬
‫يأكل ويشرب ‪ ،‬ويضحك ويلعب ‪ ،‬وقد حق عليه في قضاء الله أنه من أهل‬
‫النار‪ ..‬فيا ويل ً لك روحا ً ‪ ،‬ويا ويل ً لك جسدا ً ‪ ،‬فلتبك ‪ ،‬وليبك عليك البواكي‬
‫طول البد(‪.‬‬
‫ويتبدى حرصه ـ رحمه الله ـ على رد الجانحين إلى الطريق ‪ ،‬حين يذكر بسعة‬
‫رحمة الله وكريم عفوه وحلمه وتقبله عن عباده التائبين فيقول ‪:‬‬
‫)إن لكم ربا ً ليس إلى عقاب أحدكم بسريع ‪ ،‬يقيل العثرة ‪ ،‬ويقبل التوبة ‪،‬‬
‫ويقبل من المقبل ‪ ،‬ويعطف على المدبر(‪.‬‬
‫رحم الله بلل بن سعد وأسكنه الفردوس العلى في جنة الخلد يوم الدين ‪.‬‬
‫ـ‪2‬ـ‬
‫ها نحن نتابع الرحلة مع بلل بن سعد وفاًء بما وعدنا في العدد الماضي لعل‬
‫في ذلك ذكرى لمتذكر‪ ،‬فإن ما كان عليه هؤلء الرجال صورة صادقة لما‬
‫كانوا يدعون إليه من العمل بالعلم والزهادة في الدنيا والجهاد في سبيل الله‬
‫وأن ل يخاف المؤمن في الله لومة لئم ‪.‬‬
‫ها إن هذا الرجل يحدد لنا ـ كما روى عنه الوزاعي ـ مفهوم الذكر فيجعله‬
‫على نوعين ‪ :‬ذكر باللسان ‪ ،‬وأن يذكر الله عندما أحل وما حرم فيأخذ الحلل‬
‫ويجتنب الحرام ‪،‬وذلك قوله ‪:‬‬
‫)الذكر ذكران ؛ ذكر باللسان حسن جميل ‪ ،‬وذكر الله عندما أحل وحرم‬
‫أفضل( ‪.‬‬
‫ولو تنبه –لهذا‪ -‬العامة من المسلمين لكانوا على خير كبير‪.‬‬
‫ومن هو الخ الحقيقي عند بلل بن سعد ؟ قال الوزاعي ‪ :‬سمعت بلل بن‬
‫سعد يقول ‪:‬‬
‫)أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في‬
‫كفك دينارًا(‬
‫وتلك هي مقاييس أهل اليمان !!‬
‫ول تسأل عن صادق معرفته بربه عز وجل ‪ ،‬وحسن ظنه بجميل كرمه‬
‫سبحانه يقول الوزاعي رحمه الله ‪:‬‬
‫)خرج الناس يستسقون وفيهم بلل بن سعد ‪ ،‬فقال ‪ :‬أيها الناس ألستم‬
‫تقرون بالساءة ؟‬
‫قالوا ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اللهم إنك قلت ‪]:‬ما على المحسنين من سبيل[ وكل يقر لك بالساءة‬
‫فاغفر لنا واسقنا ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فسقوا(‬
‫ً‬
‫أل إنه ليس كثيرا على كرم الله سبحانه أن يجيب دعوة هذا الرجل الصادق‬
‫الذي كانت دموعه الخاشعة بريد نجواه ‪ ،‬ومخافة الله ينبوع توجهه إلى موله‪:‬‬
‫]وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ‪[..‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وليكون هناك عباد حقيقيون ‪ ..‬لبد من العبودية الحقة ‪...‬‬


‫وفي دعوة إلى إنصاف المظلوم ورحمة الضعيف ‪ ،‬والترهيب من تجاوز هذه‬
‫الحدود يقول أجزل الله مثوبته ‪:‬‬
‫)أيها الناس اتقوا الله فيمن ل ناصر له إل الله(‪.‬‬
‫وعلى صعيد الخشية من الله ونفاذ البصيرة في حقيقة عمل العبد بجانب‬
‫رحمة الله ووافر نعمه على خلقه ‪ ،‬يقول الوزاعي ‪:‬‬
‫)ربما سمعت بلل ً يقول ‪ :‬لكأنا قوم ل يعقلون ‪ ،‬ولكأنا قوم ل يوقنون(‪.‬‬
‫وحين ينظر هؤلء الرجال في شيء من كتاب الله تجد في نظرهم‬
‫وتفسيرهم شمول الرؤية والتصور الكامل لمعاني اليات الكريمة مجتمعة ‪،‬‬
‫وهذا من أهم المور التي تعوز الناظر في كتاب الله مفسرا ً مستنبطا ً لمعانيه‬
‫‪.‬‬
‫روى عبد الله بن المبارك عن الوزاعي عن بلل بن سعد في قوله تعالى ‪:‬‬
‫]ولو ترى إذ وقفوا فل فوت[ قال ‪ :‬ذلك قوله تعالى ‪] :‬يقول النسان يومئذ‬
‫أين المفر[ ‪ .‬وإنها للفتة تجمع بين أداة المفسر وإحساس صاحب البصيرة ‪..‬‬
‫هكذا يقف هؤلء الربانيون من أمثال بلل بن سعد على المحجة التي ترك‬
‫سيد النبياء أمته عليها ‪ ،‬فتراهم في قالهم وحالهم ‪ ،‬معادن خير في النتصار‬
‫على النفس ‪ ،‬وحسن الحدوثة لما أنهم ـ بعد اليمان ـ في تقوى الله ـ‬
‫فرضي الله عنهم وأعلى مقامهم في الخرين ‪.‬‬
‫ـ‪3‬ـ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫في فهم للدب النبوي والخلق المحمدية التي يفترض بالمؤمن أن يطوع‬
‫نفسه لتعيش في ظلها ‪ ،‬وتهتدي بنورها حدث الوزاعي قال ‪ :‬سمعت بلل بن‬
‫سعد يقول ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫)إذا رأيت الرجل لجوجا مماريا معجبا برأيه فقد تمت خسارته(‬
‫ولكم استنكر النبي صلى الله عليه وسلم اللجاجة والمماراة والعجاب بالرأي‬
‫‪ ،‬وأنذر من الوقوع فيها أو في واحدة منها ‪ ،‬والمتأسون به عليه الصلة‬
‫والسلم من بحر هديه يغترفون ‪.‬‬
‫وبلل بن سعد ـ وهو من النصحة لهذه المة ـ يخشى على المسلم النفاق ‪،‬‬
‫وأن يكون بين سريرته وعلنيته تخالف ‪ ،‬لن ذلك بريد الهاوية والعياذ بالله ‪...‬‬
‫يقول بلل وهو يخشى على أخيه المسلم ذلك ‪:‬‬
‫)ل تكن وليا ً لله في العلنية وعدوه في السر(‬
‫أوليس الله هو الذي يعلم السر وأخفى ‪] ..‬أل إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا‬
‫منه أل حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون[ ‪.‬‬
‫اللهم اجعل سريرتنا أصلح من علنيتنا واجعل علنيتنا صالحة ‪.‬‬
‫وعلى هذا الخط النوراني من ملحظة القلب وأعماله يتأول بلل بن سعد‬
‫قول الله تعالى ‪:‬‬
‫]إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر[‬
‫فيقول ـ كما يروي الوزاعي ـ رحمه الله ‪) :‬إن أحدكم إذا لم تنهه صلته عن‬
‫ظلمه لم تزده صلته عند الله إل مقتًا(‬
‫فويل ثم ويل للظالمين يريدون أن يسحروا أعين الناس لتغمض عن ظلمهم‬
‫وتراه غير ذلك ‪ ،‬فيقومون إلى الصلة !!! فل يزدادون بهذه الصلة وهم‬
‫مقيمون على الظلم والذى إل مقتا ً عند الله ‪ ..‬وهذا من كريم عدله سبحانه‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعالى ‪.‬‬
‫ولعل من الخير أن تعلم أن صاحبنا ـ رحمه الله ـ كان ل يتناول في بيانه‬
‫للناس وإرشاده لهم جانبا ً ويدع جانبا ً آخر‪ ...‬وإنما هي النظرات الشاملة‬
‫العميقة ‪ ،‬صنع العالم أل ريب ‪ ،‬والناصح المربي في حرص على التذكير‬
‫بالخرة ‪ ،‬وإخلص العمل لله عز وجل ‪ ،‬وحمل من وله الله هدايتهم إلى‬
‫ساحة التخلق بأخلق عباد الله المؤمنين الذين أثنى عليهم ـ سبحانه ـ في‬
‫أكثر من موضع من كتابه ‪ .‬ها هو ذا يقول ‪) :‬أما ما وكلكم به فتضيعون ‪ ،‬وأما‬
‫ما تكفل لكم به فتطلبون ‪ ،‬ما هكذا نعت الله عباده المؤمنين !! أذوو عقول‬
‫في طلب الدنيا ‪ ،‬وب ُْله عما خلقتم له ؟ فكما ترجون رحمة الله بما تؤدون من‬
‫طاعة الله ‪ ،‬فكذلك أشفقوا من عقاب الله بما تنتهكون من معاصي الله( ‪.‬‬
‫ذلكم هو التوازن فيما يجب أن يكون عليه سلوك المؤمن الذي يفهم عن الله‬
‫ما أراد ‪ ،‬ويعمل على حسن التأسي بنبيه عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫وانظروا إلى هذه الكلمات النابعة من القلب ‪ ،‬المثقلة بندى الصدق والخشية‬
‫من الله ‪ ،‬المزدانة بروح العبودية لله المنعم المتفضل ‪ ،‬تلك العبودية التي ل‬
‫ملذ للمؤمن غيرها ‪ ،‬فعن عبد الرحمن بن أبي حوشب قال ‪ :‬سمعت بلل بن‬
‫سعد يقول ‪:‬‬
‫)أربع خصال جاريات عليكم من الرحمن مع ظلمكم أنفسكم وخطاياكم ‪ ،‬أما‬
‫رزقه ‪ :‬فجاٍرعليكم ‪ ،‬وأما رحمته ‪ :‬فغير محجوبة عنكم ‪ ،‬واما ستره فسابغ‬
‫عليكم ‪ ،‬وأما عقابه ‪ :‬فلم يعجل لكم ‪ .‬ثم انتم على ذلك لهون تجترئون على‬
‫إلهكم ‪ ،‬أنتم تكلمون ويوشك الله تعالى يتكلم وتسكتون ‪ ،‬ثم يثور من‬
‫أعمالكم دخان يسود منه الوجوه ‪ .‬فاتقوا يوما ً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى‬
‫كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون ‪ ،‬عباد الرحمن لو غفرت لكم خطاياكم‬
‫الماضية لكان فيما تستقبلون شغل ‪ ،‬ولو عملتم بما تعلمون لكنتم عباد الله‬
‫حقًا(‪.‬‬
‫وفي موعظة تكاد تشم من خلل كلماتها رائحة كبد مقروحة ملذوعة حبا ً لله‬
‫وخشية من عقابه ‪ ،‬وتقرأ بين سطورها ما توحي به من صدق العزيمة‬
‫والزهادة في الدنيا ‪ ،‬وعلو الهمة ‪ .‬يقول أجزل الله مثوبته ‪:‬‬
‫)عباد الرحمن لو سلمتم من الخطايا فلم تعملوا فيما بينكم وبين الله‬
‫خطيئة ‪ ،‬ولم تتركوا لله طاعة إل جهدتم أنفسكم في أدائها إل حبكم الدنيا‬
‫لوسعكم ذلك شرا ً ‪ ،‬إل أن يتجاوز الله ويعفو‪.‬‬
‫عباد الرحمن إنكم تعملون في أيام قصار ليام طوال ‪ ،‬وفي دار زوال لدار‬
‫مقام ‪ ،‬وفي دار نصب وحزن لدار نعيم وخلد ‪ ،‬ومن لم يعمل على اليقين فل‬
‫يغتر(‪.‬‬
‫ويقول رحمه الله ‪:‬‬
‫ً‬
‫)عباد الرحمن هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من أعمالكم تقبل منكم ‪ ،‬أو‬
‫أن شيئا ً من خطاياكم غفر لكم ]أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ً وأنكم إلينا ل‬
‫ترجعون[ والله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لستقللتم كل ما افترض‬
‫عليكم ‪ ،‬أفترغبون في طاعة الله بتعجيل دنيا تفنى عن قريب ‪ ،‬ول ترغبون‬
‫في جنة ]أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين آمنوا وعقبى الكافرين النار[‬
‫عباد الرحمن أشفقوا من الله ‪ ،‬واحذروا الله ول تأمنوا مكره ‪ ،‬ول تقنطوا من‬
‫رحمته ‪ ،‬واعلموا أن لنعم الله عندكم ثمنا ً فل تشقوا على أنفسكم‪،‬أتعملون‬
‫عمل الله لثواب الدنيا!! فمن كان كذلك فوالله لقد رضي بقليل حيث‬
‫استعنتم على اليسير من عمل الدنيا فلم ترضوا ربكم فيها ورفضتم ما يبقى‬
‫لكم وكفاكم منه اليسير(‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي زمن تدور فيه الفتن بقرونها ‪ ،‬ويعمل مرضى القلوب على أن تغشى‬
‫قلوب الخرين غاشية الزيغ ‪ ،‬وأن يستحكم الضلل في الناس ‪ ،‬وتصبح‬
‫الذنوب بديل الطاعات ندعو الله بدعاء بلل بن سعد حين يقول ‪:‬‬
‫)اللهم إني أعوذ بك من زيغ القلوب ‪ ،‬ومن تبعات الذنوب ‪ ،‬ومن مرديات‬
‫العمال ‪ ،‬ومضلت الفتن( ‪.‬‬
‫ولله الحمد في الولى والخرة وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪..‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫* هو بلل بن سعد بن تميم السكوني‪ ،‬المام الرباني‪ ،‬الواعظ الزاهد العابد‪،‬‬
‫أبو عمر الدمشقي‪ ،‬شيخ أهل دمشق كان لبي سعد صحبة ‪.‬‬
‫** مجلة حضارة السلم‪ .‬س ‪-17‬ع‪ 7:‬رمضان ‪-1396‬أيلول‪.1976-‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مع سعيد بن المسيب رحمه الله*‬


‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬
‫دمهم أمانة في نقل السنة عن الصحابة‪ ،‬وفقها ً‬ ‫سيد التابعين في زمانه ومق ّ‬
‫في دين الله عز وجل وزهدا ً في الدنيا‪ ،‬وصدعا بالحق واستعلًء باليمان‬
‫ً‬
‫والعلم على حطام الدنيا‪ ،‬ورهبة السلطان‪ .‬قال الزهري‪ :‬جالسته سبع حجج‬
‫وأنا ل أظن عند أحد علما ً غيره‪ ،‬وقال محمد بن إسحق عن مكحول قال‪:‬‬
‫طفت الرض كلها في طلب العلم‪ ،‬فما لقيت أعلم من سعيد بن المسيب‪،‬‬
‫أما المام احمد فيقول‪ :‬سعيد بن المسيب أفضل التابعين‪ ،‬وقال علي بن‬
‫المديني‪ :‬إذا قال سعيد‪ :‬مضت السنة فحسبك منه‪ ،‬وهو عندي أجل التابعين‪.‬‬
‫والذي ينبغي التنبيه إليه ما كان عند هؤلء الرجال من التكامل بين العلم‬
‫والعمل‪ ،‬فالعلم وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل في أنفسهم وذويهم‪ ،‬وفيما‬
‫وراء ذلك من أبناء المة‪ ،‬فترى بجانب العلم الجم‪ ،‬العمل بهذا العلم‪ ،‬والعبادة‬
‫الخالصة المخلصة‪ ،‬والحرص على أن تكون التصرفات كلها موزونة بميزان‬
‫الشريعة والمخافة الحقة من رب العالمين‪ ،‬حتى صدق في سعيد وأمثاله‪،‬‬
‫قول الله تباركت أسماؤه‪" :‬إنما يخشى الله من عباده العلماء" قال الوزاعي‬
‫رحمه الله‪ :‬كانت لسعيد بن المسيب فضيلة ل نعلمها كانت لحد من التابعين‪،‬‬
‫لم تفته صلة في جماعة أربعين سنة‪ .‬وقال هو عن نفسه‪" :‬ما أذن المؤذن‬
‫ثلثين سنة إل وأنا في المسجد" وقيل له وقد اشتكى عينيه‪ :‬يا أبا محمد لو‬
‫خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة فوجدت ريح البرية لنفع ذلك‬
‫بصرك‪ ،‬فقال سعيد‪ :‬فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح" قال الحافظ ابن‬
‫كثير رحمه الله‪) :‬كان سعيد بن المسيب من أورع الناس فيما يدخل بيته‬
‫وبطنه‪ ،‬وكان من أزهد الناس في فضول الدنيا‪ ،‬والكلم فيما ل يعني(‪ .‬ومما‬
‫يؤيد ذلك أنه كان له مال يتجر فيه ويقول‪" :‬اللهم إنك تعلم أني لم أمسكه‬
‫بخل ً ول حرصا ً عليه‪ ،‬ول محبة للدنيا ونيل شهواتها‪ ،‬وإنما أريد أن أصون به‬
‫ي وفيهم‪ ،‬وأصل منه رحمي‪،‬‬ ‫وجهي عن بني مروان حتى ألقى الله فيحكم ف ّ‬
‫وأؤدي منه الحقوق التي فيه‪ ،‬وأعود على الرملة والفقير والمسكين والجار"‪.‬‬
‫أما وقوفه عند الحق وثباته عليه مهما كانت الظروف‪ ،‬فأمر مشهور وذائع‪،‬‬
‫وقصة إبائه البيعة لبني مروان‪ ،‬وعدم تزويج ابنته لهشام بن عبد الملك‪،‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعرضه للبتلء –فيما بعد من أجل ذلك‪ -‬ثم تزويجها على درهمين لكثير بن‬
‫أبي وداعة‪ -‬مما زان تاريخ العلماء العاملين الذين ل يخافون في الله لومة‬
‫لئم‪ ،‬ويؤدون حق الله والمة‪ ،‬فيما أوتوا من العلم وأمانة السوة‪.‬‬
‫وحدث عبد الله بن طلحة قال‪ :‬دعي سعيد بن المسيب إلى نيف وثلثين ألفا ً‬
‫ليأخذها فقال‪ :‬ل حاجة لي فيها ول ببني مروان‪ ،‬حتى ألقى الله فيحكم بيني‬
‫وبينهم‪.‬‬
‫أما عن حسن سمته وأدبه في الحديث وتذوقه حلوة اليمان‪ ،‬فحدث ول‬
‫حرج‪ .‬جاءه رجل وهو مريض فقال‪ :‬أقعدوني فأقعدوه‪ ،‬فجلس فحدثه ثم‬
‫اضطجع‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬وددت أنك لم تتعن‪ ،‬فقال‪ :‬إني كرهت أن أحدثك عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع‪.‬‬
‫ومن مواعظه التي تعمل عملها في تكوين شخصية المؤمن قوله رحمه الله‪:‬‬
‫"ل تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إل بالنكار من قلوبكم‪ ،‬لكيل تحبط‬
‫أعمالكم الصالحة" وهي نظرة بعيدة الغور تصدر عن إيمان عميق وتجارب‬
‫اصطلى بنارها‪ ،‬ومعاناةٍ عملية لخلق أهل اليمان التي لم يكن يدع أن يذكر‬
‫بها رحمه الله ويريد للمسلم أن تكون برقع سلوكه في الحياة‪ .‬أما وقد أكرمه‬
‫الله بما أكرمه من العلم والعمل‪ .‬فل بدع أن تتفجر ينابيع الحكمة على لسانه‪.‬‬
‫فيبين للناس أن الطاعة سبيل الكرامة والعزاز‪ ،‬وأن المعصية سبيل المهانة‬
‫والذل فيقول‪" :‬ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله‪ ،‬ول أهانت نفسها إل‬
‫بمعصية الله تعالى"‪.‬‬
‫وفي جانب من جوانب هذه الساحة يقول‪" :‬كفى بالمرء نصرة من الله له أن‬
‫يرى عدوه يعمل بمعصية الله"‪.‬‬
‫وفي لمسة رقيقة تدل على عظيم مراقبته لموله‪ ،‬وتحققه بمقام العبودية‬
‫الخالصة الذي كثيرا ً ما يكون العلم نفسه عائقا ً عن الوصول إليه‪ ،‬عندما يقع‬
‫العالم في حمأة الغفلة فيشرع يطوف حول ذاته وعلمه وكفى‪ ،‬قال‪" :‬يد الله‬
‫فوق عباده‪ ،‬فمن رفع نفسه وضعه الله‪ ،‬ومن وضعها رفعه الله‪ ،‬الناس تحت‬
‫كنفه يعملون أعمالهم‪ ،‬فإذا أراد الله فضيحة عبد أخرجه من تحت كنفه فبدت‬
‫للناس عورته"‪ .‬وما ربك بظلم للعبيد‪.‬‬
‫رحم الله عالم المدينة الذي اجتمع له –بفضل الله عز وجل‪ -‬العلم والعمل‪،‬‬
‫وأداء حق العلم في التعليم والبيان والصدع بالحق‪ ،‬والخشية الصادقة لرب‬
‫العالمين‪ ،‬ثم اليقظة التي يمدها إيمانه وعقله‪ ،‬فلم يقع –وهو المنصرف إلى‬
‫العلم والعبادة‪ -‬في شيء من الخداع والحابيل‪ ،‬وكان –وهو التقي الورع‪ -‬لكل‬
‫صغيرة أو كبيرة بالمرصاد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫)*( هو سعيد بن المسيب أبو محمد القرشي المخزومي عالم المدينة وسيد‬
‫التابعين في زمانه‪ ،‬ولد لسنتين مضتا من خلفة عمر رضي الله عنه وقيل‬
‫لربع مضين منها بالمدينة‪ .‬رأى عددا ً من الصحابة‪ ،‬وروى عن كثير وروى عنه‬
‫خلق‪ .‬روى سفيان الثوري عن عثمان بن حكيم سمعت سعيد بن المسيب‬
‫يقول‪ :‬ما أّذن المؤذن منذ ثلثين سنة إل وأنا في المسجد‪ ،‬أخرج ذلك صاحب‬
‫الحلية وقال الزهري في السير‪ :‬إسناده ثابت‪ .‬توفي رحمه الله سنة أربع‬
‫وتسعين للهجرة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع فاتحة الكتاب تحيا القلوب‬


‫بسم الله والحمد لله حمدا يليق بجلل وجهه وعظيم سلطانه‪ .‬والصلة‬
‫والسلم على رسوله وصفوة خلقه ورحمته للعالمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ن إ ِل ّ وَ ْ ُ ْ ُ ْ ِ ُ َ‬
‫مو‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ة المبنى‪ ،‬اشتملت على‬ ‫ة المعنى جليل ُ‬ ‫ت عظيم ُ‬ ‫ن سورةٌ قصيرةُ اليا ِ‬ ‫في القرآ ِ‬
‫ة‬
‫س المن والستقرار والسعاد ِ‬ ‫س َ‬ ‫إصلِح الّنفس وإصلِح المجتمع‪ ،‬وأرست أ ُ‬
‫ب‬
‫ة‪ ،‬وتفيض على القل ِ‬ ‫كب في النفس السكين َ‬ ‫في الرض‪ .‬ويالها من سورة تس ُ‬
‫مثوبة‪ ،‬وَوعد ووعيد‪،‬‬ ‫طمأنينة‪ ،‬فيها عقيدةٌ وعبادة‪ ،‬وجزاء و َ‬ ‫ُ‬
‫زل‬ ‫** هي خيُر ما أن ِ‬
‫ي بن كعب‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬أن الّرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم قال‬ ‫فعن أب ّ‬
‫ل ول في الفرقان‬ ‫ل في التوراة ول في النجي ِ‬ ‫له‪) :‬لعلمّنك سورةً ما أنزِ َ‬ ‫ّ‬
‫ة الكتاب هي السبعُ المثاني والقرآن الذي‬ ‫سورة كانت خيًرا منها(‪ ،‬قال‪) :‬فاتح ُ‬
‫أوتيُته(]‪ .[1‬هي قلب الصلةُ لّنه ل صلة َ إل بها‪ ،‬وهي السبعُ المثاني لنها تث َّنى‬
‫وتكّرر في الصلة‪.‬‬
‫ة‬
‫** هي الواقية وهي ُرقي ٌ‬
‫فى بها العليل؛ فعن أبي سعيدٍ‬ ‫قي قارئها السوَء‪ ،‬وهي الشفاء ُيستش َ‬‫ّ‬ ‫لنها ت ِ‬
‫ي من أحياء‬ ‫ح‬ ‫على‬ ‫توا‬ ‫الخدري رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب النبي أ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دغ سّيد أولئك فقالوا‪ :‬هل مَعكم من‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫إذ‬ ‫كذلك‬ ‫هم‬ ‫فبينما‬ ‫يقروهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فلم‬ ‫العَرب‬
‫جَعلوا‬ ‫ل‪ ،‬ف َ‬ ‫ل حتى تجَعلوا لنا جع ً‬ ‫ق؟ قالوا‪ :‬إّنكم لم تقرونا‪ ،‬ول نفعَ ُ‬ ‫دواٍء أو را ٍ‬
‫فل فبَرأ‪ ،‬فأتوا‬ ‫م القرآن ويجمع بزاَقه ويت ِ‬ ‫شاء‪ ،‬فجعل يقَرأ بأ ّ‬ ‫لهم قطيًعا من ال ّ‬
‫حك وقال‪)) :‬وما‬ ‫ي ‪ ،‬فسألوه فض ِ‬ ‫ل النب ّ‬ ‫خذه حتى نسأ َ‬ ‫بالشاِء فقالوا‪ :‬ل نأ ُ‬
‫م(( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ربوا لي معكم بسه ٍ‬ ‫ك أنها رقية؟! خذوها واض ِ‬ ‫أدرا َ‬
‫حد ُ الّنوَرين‬ ‫** هي أ َ‬
‫مع‬ ‫يس ِ‬ ‫ل قاعد ٌ عند النب ّ‬ ‫س رضي الله عنهما قال‪ :‬بيَنما جبري ُ‬ ‫فعن ابن عّبا ٍ‬
‫م‪ ،‬لم يفَتح‬ ‫ب من السماِء فِتح اليو َ‬ ‫ضا من فوِقه‪ ،‬فرفع رأسه فقال‪ :‬هذا با ٌ‬ ‫نقي ً‬
‫ط إل ّ‬ ‫زل ق ّ‬ ‫ض لم ين ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ق ّ‬
‫ملك نزل إلى الر ِ‬ ‫ط إل اليوم‪ ،‬فنزل منه ملك فقال‪ :‬هذا َ‬
‫ة الكتاب‬ ‫ي قبَلك‪ :‬فاتح ُ‬ ‫شر بنوَرين أوتيَتهما لم يؤتاهما نب ّ‬ ‫اليوم‪ ،‬فسّلم وقال‪ :‬أب ِ‬
‫ف منهما إل أعطيَته‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م سورة البقرة‪ ،‬لن َتقَرأ بحر ٍ‬ ‫وخواتي ُ‬
‫معت رسول الله‬ ‫َ‬ ‫ورد في صحيح مسل ِم ٍ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال‪ :‬س ِ‬
‫ت الصلة َ بيني وبين عبدي ِنصفين وِلعبدي ما‬ ‫يقول‪) :‬قال الله تعالى‪ :‬قسم ُ‬
‫دني عبدي‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫ن قال الله تعالى‪ :‬ح ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫سأل‪ ،‬فإذا قال العبد‪ :‬ال ْ َ‬
‫ك‬‫مال ِ ِ‬ ‫ي عبدي‪ ،‬وإذا قال‪َ :‬‬ ‫حيم ِ قال الله تعالى‪ :‬أثنى عل ّ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫وإذا قال‪ :‬الّر ْ‬
‫ن قال‪ :‬هذا‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬ ‫دني عبدي‪ ،‬فإذا قال‪ :‬إ ِّيا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن قال‪ :‬م ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫ي َوْم ِ ال ّ‬
‫صَراطَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫صَراط ال ُ‬ ‫عبدي وِلعبدي ما سأل‪ ،‬فإذا قال‪ :‬اهْدَِنا ال ّ‬ ‫بيني وبين َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذي َ‬
‫ن قال‪ :‬هذا ِلعبدي‬ ‫ضالي َ‬ ‫م َول ال ّ‬ ‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫مغْ ُ‬ ‫م غَي ْرِ ال َ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أن ْعَ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫ة‬
‫سور ِ‬ ‫سياق هذه ال ّ‬ ‫من ِ‬ ‫ث الصحيح يبّين ِ‬ ‫ل هذا الحدي َ‬ ‫وِلعبدي ما سأل(‪ .‬ولع ّ‬
‫من سبعَ عشرةَ مّرة في ك ّ‬
‫ل‬ ‫سّرا من أسرارِ اخِتيارها ليرد َّدها المؤ ِ‬ ‫شف ِ‬ ‫ويك ِ‬
‫يوم وليلة أو ما شاء الله أن يرد َّدها كلما قام يدعوه في الصلة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ة‬
‫ؤد ٍ‬ ‫حرِيّ بهذه السوَرة التي ت ُعَد ّ ركًنا من أركان الصلة أن يقَرَأها المصلي بت ُ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ج حروفها‬ ‫قا مخارِ َ‬ ‫ق ً‬
‫ضًرا معانيها‪ ،‬مح ّ‬ ‫ب‪ ،‬مستح ِ‬ ‫ن وتدّبر وخشوٍع وحضور َقل ٍ‬ ‫وتأ ّ‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫ي قرأ غي ْ ِ‬ ‫ت النب ّ‬ ‫ن حجر قال‪ :‬سمع ُ‬ ‫لب ِ‬ ‫سّرّية والجهرّية‪ ،‬عن وائ ِ‬ ‫صلة ال ّ‬ ‫في ال ّ‬
‫ن فقال‪)) :‬آمين(( ومد ّ بها صوَته]‪ .[2‬ومعنى‬ ‫ضالي َ‬ ‫ّ‬ ‫م َول ال ّ‬ ‫َ‬
‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫مغْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فص ُ‬
‫ل‬ ‫ئ ال ّ‬ ‫ب للقارِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫جب‪ ،‬وهي ليست من السورة‪ .‬وُيست َ‬ ‫م است ِ‬ ‫)آمين(‪ :‬الّله ّ‬
‫ل آمين‪ ،‬وفي الحديث عن رسول الله أنه قال‪:‬‬ ‫سورة وقو ِ‬ ‫بسكت َةٍ بين آخرِ ال ّ‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دم‬
‫فَر له ما تق ّ‬
‫ن الملئكةِ غ ِ‬
‫منوا؛ فإّنه من وافق تأميُنه تأمي َ‬ ‫م فأ ّ‬‫من الما ُ‬ ‫)إذا أ ّ‬
‫من َذنِبه( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ن سورةً لها هذا الفضل العظيم لجديرة بتأمل بعض معانيها واستخراج بعض‬ ‫إ ّ‬
‫كنوزِ معانَيها؛ لنهتدِيَ بُهداها‪.‬‬
‫ن‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫ح ْ‬‫‪ .1‬ال ْ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫م علينا وما أعطانا‪ .‬الّثناُء حقّ لله سبحانه‪ ،‬هو المست ِ‬ ‫ثناٌء على الله بما أنعَ َ‬
‫ف أي‬ ‫حمد ِ لعميم ن َِعمه وتنوِع آلئه على العباد‪ .‬فالحمد ُ فيه معنى العترا ِ‬ ‫لل َ‬
‫ل‬‫ل وعل بالكما ِ‬ ‫ف للهِ ج ّ‬ ‫ن العبد ِ بتقصيرهِ وفقرة وحاجِته‪ .‬واعترا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫إقراٌر ِ‬
‫ن العبادة؛ ولهذا قد يعُبد العبد رّبه‬ ‫والفضل والحسان‪ ،‬وهذا من أعظم ِ ألوا ِ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ف والذ ّ ّ‬ ‫ب ل يّتفق مع العترا ِ‬ ‫ن العجا َ‬ ‫ل منه؛ ل ّ‬ ‫مِله فل يقب َ ُ‬ ‫ب بع َ‬ ‫ج ِ‬ ‫عبادةَ المع َ‬
‫ل له والنكسار‬ ‫ب الذ ّ ّ‬ ‫سعَ وأفضل من با ِ‬ ‫ول يدخل العبد ُ على رّبه من باب أو َ‬
‫ديه سبحانه؛ ولهذا كان نبّينا‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كثيَر العتراف لله‬ ‫بين ي َ‬
‫ما كثيًرا‪،‬‬ ‫ت نفسي ظل ً‬ ‫م إني ظلم ُ‬ ‫ّ‬
‫م‪ ،‬يقول‪" :‬الله ّ‬ ‫سه بالّتقصير والظل ِ‬ ‫على نف ِ‬
‫فر لي مغفرةً من عندك وارحمني‪ ،‬إّنك أنت‬ ‫ب إل أنت‪ ،‬فاغ ِ‬ ‫ول يغفر الذنو َ‬
‫الغفور الرحيم"‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ن وجوَده ابتداًء‬ ‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫لله‪،‬‬ ‫ره‬‫ِ‬ ‫ذك‬ ‫د‬‫ر‬
‫ّ ِ‬ ‫بمج‬ ‫ن‬
‫م ِ‬ ‫ب المؤ ِ‬ ‫شعوٌر يفيض به قل ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ت الّنعمة اللهية التي تستوجب الحمد َ والثناَء‪ ،‬في‬ ‫من فيوضا ِ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ليس إل ّ في ً‬
‫خطوة تتوالى آلُء الله على العبد وتتواكب‬ ‫ل ُ‬ ‫ل لحظةٍ في ك ّ‬ ‫ل لمحةٍ في ك ّ‬ ‫ك ّ‬
‫م كان الحمد ُ لله ابتداًء وكان‬ ‫ة هذا النسان‪ ،‬ومن ث َ ّ‬ ‫قه كّلها وخا ّ‬
‫ص ً‬ ‫مر خلئ َ‬ ‫وتغ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مد ُ ِفي الولى‬ ‫ح ْ‬‫ه ال َ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ل ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ل اليمان‪ ،‬وَهُوَ الل ُ‬ ‫ما دلي َ‬ ‫الحمد لله ختا ً‬
‫خَرةِ ]القصص‪.[70:‬‬ ‫َوال ِ‬
‫دا‬‫مد الله حم ً‬ ‫ده المؤمن أنه إذا ح ِ‬ ‫ل الله سبحانه على عب ِ‬ ‫ومع هذا يبلغ من فض ِ‬ ‫ُ‬
‫مَر‪ ،‬رضي‬ ‫ل الموازين‪ ،‬فعن عبد الله بن ع َ‬ ‫حك ّ‬ ‫ة ترج ُ‬ ‫يليق بجلِله كتَبها له حسن ً‬
‫دا من عبادِ‬ ‫ن عب ً‬‫دثهم‪" :‬إ ّ‬ ‫ن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ح ّ‬ ‫الله عنهما‪ ،‬أ ّ‬
‫ب لك الحمد ُ كما ينبِغي لجلل وجِهك وعظيم سلطانك‪ ،‬فعضلت‬ ‫الله قال‪ :‬يا ر ّ‬
‫دك‬ ‫ن عب َ‬ ‫بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها‪ ،‬فصعدا إلى السماء‪ ،‬وقال‪ :‬يا رّبنا إ ّ‬
‫ل وهو أعلم بما قال‬ ‫ف نكتُبها‪ ،‬قال الله عّز وج ّ‬ ‫ة ل ندِري كي َ‬ ‫قد قال مقال ً‬
‫ب لك الحمد كما ينبغي‬ ‫ب‪ ،‬إّنه قال‪ :‬يا ر ّ‬ ‫ده‪ :‬ماذا قال عبدي؟ قال‪ :‬يا ر ّ‬ ‫عب ُ‬
‫ها كما قال‬ ‫َ َ‬ ‫با‬ ‫اكت‬ ‫لهما‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫وج‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫ع‬ ‫الله‬ ‫فقال‬ ‫سلطانك‪،‬‬ ‫وعظيم‬ ‫هك‬ ‫ِ‬ ‫وج‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫لجل‬
‫عبدي حتى يلقاني فأجزَِيه بها(]‪.[3‬‬
‫‪ .2‬لفظ الجللة )الله(‬
‫حق‬ ‫ل العلم‪ ،‬الذي تل َ‬ ‫من أه ِ‬ ‫ل طائفةٍ ِ‬ ‫ل على قو ِ‬ ‫م العظم للهِ عّز وج ّ‬ ‫هو الس ُ‬
‫به السماُء الخرى‪ ،‬ول يشاركه فيه غيره‪ .‬ومن معاني )الله( أنه الله أي‬
‫ق العبادة‪.‬‬ ‫المحبوب المعبود ُ المتفّرد باستحقا ِ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫‪َ .3‬ر ّ‬
‫ل ما في السموات والرض عبد ٌ له‬ ‫ل شيٍء وخالقه والقاِدر عليه‪ ،‬ك ّ‬ ‫بك ّ‬ ‫أي‪ :‬ر ّ‬
‫ره‪.‬‬‫ضِته وتحت َقه ِ‬ ‫وفي قب َ‬
‫حيم ِ‬‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬
‫‪ .4‬الّر ْ‬
‫صة به‬ ‫مى به غيُر الله‪ ،‬فالله والّرحمن من السماء الخا ّ‬ ‫م الرحمن ل ُيس ّ‬ ‫اس ُ‬
‫مى بها غير الله‬ ‫ما السماء الخرى فقد يس ّ‬ ‫ل وعل‪ ،‬ل يشاركه فيها غيُره‪ ،‬أ ّ‬ ‫ج ّ‬
‫م ]التوبة‪ .[128:‬والّرحمن‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ن َرُءو ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫كما قال سبحانه عن نبّيه‪ِ :‬بال ُ‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق‪ ،‬والّرحيم‬ ‫مة بجميع الخل ِ‬ ‫ة عا ّ‬‫ن الّرحمة‪ ،‬فالّرحمن رحم ُ‬ ‫والّرحيم مأخوذان م َ‬
‫ة‬
‫رق كل معاني الرحم ِ‬ ‫ّ‬ ‫ة تستغ ِ‬ ‫صف ٌ‬ ‫حيم ِ ِ‬ ‫ن الّر ِ‬‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫صة بالمؤمنين‪ .‬الّر ْ‬ ‫ة خا ّ‬ ‫رحم ٌ‬
‫ة‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سورة في آيةٍ مستقلة لتؤكد َ ال ّ‬ ‫صلب ال ّ‬ ‫وحالتها ومجالتها‪ ،‬تتكّرر في ُ‬
‫الباِرزة في تلك الّربوبّية الشاملة‪.‬‬
‫ن‬
‫دي ِ‬ ‫ك ي َوْم ِ ال ّ‬ ‫مال ِ ِ‬‫‪َ .5‬‬
‫ة‬
‫صف ٌ‬ ‫ن المِلك ِ‬ ‫ب سبحانه أ ّ‬ ‫فين بالّنسبة إلى الر ّ‬ ‫فرقُ بين الوص َ‬ ‫ك‪ ،‬وال َ‬ ‫وُقرئ َ‬
‫مل ِ ِ‬
‫ب سبحانه‪ ،‬وهو يوم‬ ‫م الجزاء من الر ّ‬ ‫م الدين يو ُ‬ ‫فعِله‪ ،‬ويو ُ‬ ‫ةل ِ‬ ‫صف ٌ‬ ‫ك ِ‬ ‫لذاِته والمال ِ َ‬
‫يدين الله العباد َ بأعمالهم أي‪ :‬يجاِزيِهم بها‪.‬‬
‫ن‬
‫ست َِعي ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬ ‫‪ .6‬إ ِّيا َ‬
‫ب إل ّ عوَنك‪ ،‬ل‬ ‫ُ‬
‫صك بالستعانة‪ ،‬ل نعبد غيَرك‪ ،‬ل نطل ُ‬ ‫صك بالعبادة‪ ،‬ونخ ّ‬ ‫أي‪ :‬نخ ّ‬
‫دمت العبادة على‬ ‫نستِعين بغيرك‪ ،‬ل نسَتغني عن فضِلك طرفة عين‪ ،‬وق ّ‬
‫دللة‬ ‫ة إلى الثانية‪ ،‬وقرَِنت العبادةُ بالستعانة لل ّ‬ ‫الستعان َةِ لكون الولى وسيل ً‬
‫قه‪،‬‬ ‫م بعبادةِ الله إل بإعانةِ الله له وتوفي ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن ل يستطيع أن يقو َ‬ ‫ن النسا َ‬ ‫على أ ّ‬
‫ل المانةِ الّثقيلة إذا لم‬ ‫ت وعن حم ِ‬ ‫وهو إقراٌر بعجزِ النسان عن القيام ِ بالعبادا ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫داَنا الله(‬ ‫ن هَ َ‬
‫ول أ ْ‬ ‫ُ‬
‫ما كّنا ل ِن َهْت َدِيَ ل ْ‬
‫ذا وَ َ‬‫داَنا ل ِهَ َ‬
‫ذي هَ َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ح ْ‬ ‫ي ُِعنه الله‪) ،‬وََقاُلوا ال ْ َ‬
‫]العراف‪.[43:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن السورة‬ ‫ن موضعَ الّرقي َةِ م َ‬ ‫قال ابن القّيم رحمه الله‪ ،‬في الطب النبوي‪" :‬إ ّ‬
‫متين من أقوى أجزاِء هذا‬ ‫ب في أن هاتين الكل ِ َ‬ ‫ن‪ ،‬ول ري َ‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬ ‫إ ِّيا َ‬
‫كل واللتجاء والستعانةِ والفتقار‬ ‫ض والتو ّ‬ ‫ن فيهما من عموم ِ الّتفوي ِ‬ ‫الدواء؛ فإ ّ‬
‫ف‬
‫ده ـ وأشر ِ‬ ‫ب وح َ‬ ‫والط َّلب والجمع بين أعلى الغايات ـ وهي عبادةُ الر ّ‬ ‫َ‬
‫رها‪ ،‬وتأثيُر الّرَقى‬ ‫ة به على عبادته ـ ما ليس في غي ِ‬ ‫الوسائل ـ وهي الستعان ُ‬
‫س الراقي تفعل في‬ ‫سّر بديع‪ ،‬ونف ُ‬ ‫سموم ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫من علج ذوا ِ‬ ‫رها ِ‬ ‫حةِ وغي ِ‬ ‫بالفات َ‬
‫دواء‪،‬‬ ‫قع بين الداِء وال ّ‬ ‫ما ي َ‬ ‫ل وانفعال ك َ‬ ‫سها ِفع ٌ‬ ‫ي‪ ،‬فيقع في نف ِ‬ ‫س المرق ّ‬ ‫نف ِ‬
‫وى نفس الراقي وقوُّته بالّرقَية على ذلك الدواء‪ ،‬فيدفعه بإذن الله"]‪.‬‬ ‫فتق َ‬
‫م‬
‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫صَراط ال ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ .7‬اهْدَِنا ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دعاٌء صريح‪ ،‬حظ العبد من الله‪ ،‬وهو التضّرع إليه واللحاح عليه أن يرزقه هذا‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫دنيا والخرة أفضل منه‪ ،‬كما م ّ‬ ‫ط أحد ٌ في ال ّ‬ ‫ب العظيم الذي لم ُيع َ‬ ‫المطل َ‬
‫ما ]الفتح‪ .[2:‬أي‪ :‬قوّ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ً‬
‫صَراطا ُ‬ ‫َ‬
‫الله على رسوله بعد َ الفتِح بقوله‪ :‬وَي َهْدِي َك ِ‬
‫هداي ََتنا‪ ،‬وّفقنا إلى معرفةِ الطريق الصحيح والستقامةِ عليه‪ ،‬ثّبتنا حتى ل‬
‫دا من الضاّلين‪.‬‬ ‫م مهتدًيا وغ ً‬ ‫ن اليو َ‬ ‫ف أو نزيغَ عنه‪ ،‬فقد يكون النسا ُ‬ ‫ننحر َ‬
‫ض على المسلم قوُله‪،‬‬ ‫م‪،‬هو الدعاَء الوحيد المفرو ٌ‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ال ْ ُ‬ ‫صَرا َ‬ ‫اهْدَِنا ال ّ‬
‫مّية‬
‫ل على أه ّ‬ ‫عد ّةَ مّرات في اليوم‪ ،‬وهذا يد ّ‬ ‫جب على المسلم قوُله ِ‬ ‫فيتو ّ‬
‫ة‬
‫دني" ترِبي ٌ‬ ‫الط َّلب وأثُره في الدنيا والخرة‪ .‬وفي قوله‪ :‬اهْدَِنا ولم يقل‪" :‬اه ِ‬
‫عرِ الث ََرة‬ ‫ة لمشا ِ‬ ‫للفة‪ ،‬وفيه ِإزال ٌ‬ ‫كر إخواِنه وتقوية معاني ا ُ‬ ‫للمسلم على تذ ّ‬
‫سك‪.‬‬ ‫ب لنفسك فادع ُ لهم بما تدعو لنف ِ‬ ‫ب لخواِنك ما تح ّ‬ ‫والنانية‪ ،‬فكما أّنك تح ّ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سالكين أنس وثبا ٌ‬ ‫منين‪ ،‬وكثرةُ ال ّ‬ ‫ب المؤ ِ‬ ‫والجتماعُ على الهدى مطل ُ‬
‫ذئاب‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قط أو تأكله ال ّ‬ ‫ل أو يس ُ‬ ‫ده قد يضُعف وقد يم ّ‬ ‫ك وح َ‬ ‫سال ِ ُ‬ ‫سائرين‪ ،‬وال ّ‬ ‫لل ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أن ْعَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫صَراط ال ِ‬ ‫‪ِ .8‬‬
‫من أنعم الله‬ ‫مة م ّ‬ ‫ة التا ّ‬ ‫ل الله وأصحاُبه‪ ،‬يعني‪ :‬الذين حازوا الهداي َ‬ ‫وهم رسو ُ‬
‫ّ‬
‫شهداِء والصالحين‪ ،‬ول يخُرج المكلفون عن‬ ‫ديقين وال ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫عليهم من الّنبّيين وال ّ‬
‫ق ينتمي لواحد ٍ من هذه الصناف‪ :‬الذين أنَعم الله‬ ‫خل ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ف‪ ،‬فك ّ‬ ‫هذه الصنا ِ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضاه‪،‬‬ ‫ملوا بمقت َ َ‬ ‫ط المستقيم وعرفوا الحقّ وع ِ‬ ‫عليهم هم الذين سَلكوا الصرا َ‬
‫علم ٍ هم‬ ‫ملون بل ِ‬ ‫ب عليهم‪ ،‬والعا ِ‬ ‫ما الذين عَرفوا الحقّ وخالفوه فهم المغضو ُ‬ ‫أ ّ‬
‫م ِفي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫سعْي ُهُ ْ‬‫ضل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫مال ال ِ‬ ‫ن أعْ َ‬‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خ َ‬ ‫م ِبال ْ‬ ‫الضالون‪ ،‬قال تعالى‪ :‬قل هَل ن ُن َب ّئك ْ‬
‫م‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪103‬‬ ‫]الكهف‪:‬‬ ‫عا‬ ‫ال ْحياة الدنيا وهُم يحسبو َ‬
‫ّ َ‬ ‫ح ِ ُ َ ُ ًْ‬
‫ن‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫س‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫َ َ ِ َّْ َ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫النسا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫بر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أك‬ ‫بهم‬ ‫َ‬ ‫وذن‬ ‫أخطر‬ ‫رهم‬ ‫َ‬ ‫أم‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫لين‬ ‫ّ‬ ‫ضا‬‫ب عليهم على ال ّ‬ ‫المغضو ُ‬
‫ضل ُ‬
‫ل‬ ‫فع بالعلم‪ ،‬وأما إذا كان هذا ال ّ‬ ‫ب الجهل فإّنه يرت ِ‬ ‫إذا كان ضلُله بسب َ ِ‬
‫ن‬
‫زع عن ضلله‪ ،‬ولهذا جاء الوعيد الشديد ُ في شأ ِ‬ ‫وى فإّنه ل يكاد ين ِ‬ ‫بسبب اله َ‬
‫ه‪.‬‬‫مل ِ‬ ‫مل بعَ َ‬ ‫من ل يع َ‬
‫ة سورةِ الفاتحة‬ ‫ن‪ ،‬خاتم ُ‬ ‫ضالي َ‬ ‫ّ‬ ‫م َول ال ّ‬ ‫َ‬
‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫مغْ ُ‬ ‫‪ .9‬غَي ْرِ ال ْ َ‬
‫مدِ الله‬ ‫من لم يح َ‬ ‫سورة من أّولها إلى آخرها‪ ،‬ف َ‬ ‫ل ما ورد في ال ّ‬ ‫سَبة لك ّ‬ ‫هي منا ِ‬
‫ن الله سبحانه‬ ‫دين وأ ّ‬ ‫من بيوم ِ ال ّ‬ ‫ل‪ ،‬ومن لم يؤ ِ‬ ‫ب عليه وضا ّ‬ ‫تعالى فهو مغضو ٌ‬
‫ة‬
‫ص الله تعالى بالعبادةِ والستعان ِ‬ ‫من لم يخ ّ‬ ‫مِلكه و َ‬ ‫دين و َ‬ ‫ك يوم ِ ال ّ‬ ‫وتعالى مال ِ ُ‬
‫ب عليهم وضاّلون‪.‬‬ ‫ومن لم يهتد ِ إلى الصراط المستقيم فهم جميًعا مغضو ٌ‬
‫مد‪ ،‬وارض عن الخلفاء الربعة‬ ‫ل وسّلم على عبدك ورسولك مح ّ‬ ‫مص ّ‬ ‫الّله ّ‬
‫الراشدين‪ ،‬وبقية الصحب والل الميامين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫]‪ [1‬أخرجه الترمذي في التفسير )‪ ،(3125‬والنسائي في الفتتاح )‪،(914‬‬
‫وعبد الله في زوائد المسند )‪ (5/114‬بنحوه‪ ،‬وصححه ابن خزيمة )‪،500‬‬
‫‪ ،(501‬وابن حبان )‪ ،(775‬والحاكم )‪ ،(2048‬وهو في صحيح سنن الترمذي )‬
‫‪.(2499‬‬
‫]‪ [2‬أخرجه أحمد )‪ ،(4/315‬وأبو داود في الصلة )‪ ،(932‬والترمذي في‬
‫الصلة )‪ ،(248‬والنسائي في الفتتاح )‪ ،(879‬وابن ماجه في الصلة )‪،(855‬‬
‫والدارمي في الصلة )‪ ،(1247‬وحسنه الترمذي‪ ،‬والنووي في المجموع )‬
‫‪ ،(3/369‬وصححه الدارقطني )‪ ،(1/687‬وابن حبان )‪ ،(1805‬وهو في صحيح‬
‫سنن الترمذي )‪.(205‬‬
‫]‪ [3‬سنن ابن ماجه‪ :‬كتاب الدب )‪ ،(3801‬وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير‬
‫)‪ (12/343‬والوسط )‪ ،(9249‬والبيهقي في الشعب )‪ ،(4/94‬وأورده اللباني‬
‫في ضعيف الترغيب )‪.(961‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مع قضية الحجاب‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫اتخذ الرئيس الفرنسي شيراك قرارا ً بمنع الفتيات المسلمات من الحجاب‬
‫في المدارس الفرنسية‪ .‬وتناول عدد من الكتاب والصحف ووسائل العلم‬
‫هذا القرار بالتعليق والعتراض والتنديد‪ .‬إل أن شيخ الزهر الدكتور محمد‬
‫سيد طنطاوي فاجأ العالم بفتواه أن من حقّ فرنسا أن تصدر مثل هذا القرار‬
‫جة‬‫وعلى المسلمة أن تستجيب له ما دامت تعيش في فرنسا تحت ح ّ‬
‫الضرورة التي يبدو أن شيخ الزهر غاب عنه معنى الضرورة في السلم‪.‬‬
‫كانت المشكلة الرد ّ على الرئيس الفرنسي فصارت المشكلة الن الرد ّ على‬
‫محمد سيد طنطاوي وشيراك‪ .‬أمريكا وإنكلترا والطائفة الكاثوليكية في‬
‫فرنسا والفاتيكان اعتبرت أنه ليس من حقّ فرنسا إصدار مثل هذا القرار‬
‫حسب المنهج الديمقراطي العلماني وحسب النصرانية‪ .‬وقامت ردود كثيرة‬
‫على الطنطاوي من شيوخ الزهر ومسلمي فرنسا ومسلمي العالم‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي‪ ،‬كما سبق لهم أو لبعضهم أن رد ّ على شيراك‪.‬‬


‫مشكلة الحجاب في فرنسا قديمة ربما ظهرت في العقد الماضي من القرن‬
‫الخامس عشر الهجري ) العقد العاشر من القرن العشرين الميلدي (‪.‬‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫لنه‬ ‫ض المدارس الفرنسية طالبات مسلمات‬ ‫وبدأت القضّية حين فصلت بع ُ‬
‫أصررن على الحجاب‪ .‬وبدأ المسلمون ينقلون اعتراضهم من دائرة إلى‬
‫دائرة‪ ،‬ومن مستوى إلى مستوى‪ ،‬دون الوصول إلى نتيجة‪ .‬واستمّرت القضّية‬
‫مع ضخامة الجهود التي بذلها مسلمو فرنسا إلى اليوم حين أصدر شيراك‬
‫قراره الخير‪ ،‬ونهض شيخ الزهر يؤيده‪.‬‬
‫أين هي المشكلة وما أسبابها ؟! عزا الكثيرون السبب إلى وجود تحد ّ للسلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وهذا مظهر من مظاهر هذا التحدي‪ ،‬ونحن نؤكد وجوده بصورة‬
‫أوسع من الحجاب‪ ،‬وأوسع من فرنسا‪ .‬إن نطاق التحدي للمسلمين واسع‬
‫ممتد ّ في الرض‪ ،‬ممتد ّ في الساليب‪ ،‬تتكاتف فيه قوى كثيرة‪.‬‬
‫ولكّني أود ُ أن أشير إلى سبب هو من أهم السباب في نظري‪ .‬ذلك هو‬
‫مسلسل التنازلت من المسلمين خلل تاريخ غير قصير‪ ،‬سواء أكان‬
‫المسلسل في العالم السلمي‪ ،‬أم في الغرب‪ ،‬أم في فرنسا بالذات‪.‬‬
‫ن‬
‫كنت في مؤتمر إسلمي في ـ باريس ـ فرنسا قبل بضع سنين‪ .‬فوجئت أ ّ‬
‫ن العلمانية مساوية للسلم في‬ ‫رحت آنذاك هو أ ّ‬ ‫من بين الفكار التي ط ُ ِ‬
‫مقصودها‪ .‬وتناول هذه الفكرة عدد من الدعاة المسلمين بالتأييد والشرح‪،‬‬
‫حتى قال أحدهم ‪ " :‬ل نملك إل أن ندخل في النسيج الفرنسي الثقافي‬
‫والديني "‪ .‬وترّدد هذا الكلم في مواقع متعددة‪ ،‬كان من بينها الحوار الذي دار‬
‫م‬
‫بيني وبينهم‪ ،‬بالرسائل‪ ،‬ثم في منزلي في الرياض شهده عدد من الدعاة‪ ،‬ث ّ‬
‫ت في‬ ‫الحوار الذي دار على صفحات المجتمع في أكثر من حلقتين‪ .‬لقد نصح ُ‬
‫ت إلى الخطر الذي يقع بسبب هذه التنازلت‪ (1).‬فإذا‬ ‫حدود وسعي‪ ،‬ونبهّ ُ‬
‫ُأضيف هذا إلى مسلسل التنازلت في العالم السلمي‪ ،‬التنازلت التي انتهى‬
‫بعضها بحكم علماني واضح يمنع الحجاب ويمنع كثيرا ً من أحكام السلم‬
‫وشرعه غير الحجاب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ون هذا المسلسل من التنازلت التي امتدت زمنا طويل قوة نفسية‬ ‫لقد ك ّ‬
‫دي السلم والمسلمين‬ ‫للكثيرين في العالم الغربي تغريهم بالجرأة على تح ّ‬
‫في قضايا الحجاب وغيرها‪ ،‬لما رأوا أن بعض المسلمين أنفسهم يتنازلون‬
‫شيئا ً فشيئا ً عن إسلمهم‪ ،‬حتى توافر لديهم‪ ،‬لدى بعض المسلمين‪ ،‬الستعداد‬
‫النفسي والفكري للتنازلت‪.‬‬
‫ف وتراٍخ‪،‬‬ ‫أضف إلى ذلك صدور بعض الفتاوى عن بعض المسلمين فيها ضع ٌ‬
‫أو مخالفة صريحة للسلم‪.‬وحتى في فرنسا قامت مؤخرا ً دعوة تطلب‬
‫استبدال الحروف الفرنسية بحروف اللغة العربية‪ ،‬وقام عدد من أبناء العرب‬
‫المسلمين يؤيدون ذلك‪ .‬ومن المنتسبين إلى السلم من طالب بتبّني اللغة‬
‫العامية بدل ً من لغة القرآن‪ .‬والمثلة على ذلك كثيرة يطول عرضها‪ .‬إنها من‬
‫مسلسل التنازلت المشهود‪.‬‬
‫أما بالنسبة لرأي الشيخ الطنطاوي‪ ،‬فأستحي أن أسميها فتوى‪ .‬إنه رأي أورثنا‬
‫ة للسلم من شيخ الزهر‪،‬‬ ‫صدمة كبيرة حين يخرج هذا الرأي المخالف كلي ّ ً‬
‫ل قرونا ً يحمي السلم والمسلمين‪ .‬الخطأ الكبير الذي وقع‬ ‫الزهر الذي ظ ّ‬
‫ً‬
‫فيه شيخ الزهر هو أنه كان من واجبه أن يخاطب الناس جميعا بالسلم‬
‫وشريعته وأحكامه‪ ،‬وأن ُيبّلغ دين الله كما ُأنزل على محمد صلى الله عليه‬
‫وسّلم‪ ،‬وأن يدعو الناس إليه‪.‬‬
‫فالسلم هو دين الله‪ ،‬دين جميع النبياء والمرسلين‪ .‬فالله واحد‪ ،‬وما كان لله‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الواحد الحد أن يبعث للبشرّية بأديان مختلفة‪ ،‬ولكنها رسالت تحمل الدين‬
‫الحقّ الواحد‪ ،‬رحمة من الله بعباده‪.‬‬
‫فالسلم دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر النبياء والمرسلين عليهم‬
‫السلم‪ ،‬ودين محمد صلى الله عليه وسّلم‪ ،‬خاتم النبياء والمرسلين‪ ،‬دين‬
‫واحد‪ .‬فهو رسالة الله إلى الّناس جميعًا‪ ،‬وإلى شيراك وشيخ الزهر وغيرهما‪،‬‬
‫فإن عصى أحدهم رّبه وخالف رسالة الله إليه‪ ،‬أفنقّره نحن على ذلك ؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ق‪ ،‬ول‬ ‫فليس من شأن شيخ الزهر أن ُيقّر التجاهات المنحرفة عن الدين الح ّ‬
‫وغات لحد من المسلمين‬ ‫وغات لوجودها‪ ،‬ول أن ُيعطي المس ّ‬ ‫أن ُيعطيها المس ّ‬
‫أن ينحرف عن دين الله ويخضع إليها‪.‬‬
‫ليس من حقّ فرنسا ول غيرها أن تصدر قوانين تخالف شرع الله‪ ،‬فإن فعلت‬
‫ذلك من منطلق قوتها وعلمانيتها‪ ،‬فليس من حقّ شيخ الزهر ول أحد من‬
‫المؤمنين أن ُيقّروا ذلك ويقبلوه ويدعموه‪ ،‬أو أن يتحاكموا إليه‪.‬‬
‫ل فرد حّر بأن يتبع‬ ‫دعي أن الدولة ل تتدخل في دين الناس‪ ،‬فك ّ‬ ‫العلمانّية ت ّ‬
‫الدين الذي يريده‪ .‬ومع ذلك فالدول العلمانية تطلق الحركات التنصيرية‬
‫وتدعمها بالمال والعلم وغير ذلك‪ .‬وأما السلم‪ ،‬الدين الواحد الحقّ من عند‬
‫الله‪ ،‬فيجعل أول مسؤوليات الدولة حماية الدين السلمي وإقامة شرعه‬
‫والدعوة إليه‪ ،‬ونشره في الرض كما ُأنزل على محمد صلى الله عليه وسّلم‪.‬‬
‫ن الدين عند الله السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما‬ ‫)إ ّ‬
‫ن الله سريع الحساب (‬ ‫جاءهم العلم بغيا ً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإ ّ‬
‫] آل عمران ‪[ 19 :‬‬
‫) أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والرض طوعا ً وكرها ً‬
‫وإليه ُيرجعون (‬
‫] آل عمران ‪[ 83 :‬‬
‫ً‬
‫وكذلك ‪ ) :‬ومن يبتغ غير السلم دينا فلن ُيقبل منه وهو في الخرة من‬
‫الخاسرين (‬
‫] آل عمران ‪[ 85 :‬‬
‫ً‬
‫ولقد ل حظنا في كثير مما كتب رد ّا على شيراك وشيخ الزهر أنهم تحاكموا‬
‫ن واجب كلّ‬ ‫إلى العلمانية وقوانينها‪ ،‬وإلى أعراف وقوانين يبرأ السلم منها‪ .‬إ ّ‬
‫ل قضاياه صغيرها وكبيرها إلى‬ ‫مسلم‪ ،‬كما هو واجب شيخ الزهر‪ ،‬أن يرد ّ ك ّ‬
‫جة والبّينة من الكتاب والسّنة‪ .‬ول‬ ‫الكتاب والسّنة وأن يخرج برأي تدعمه الح ّ‬
‫بأس بعد ذلك الرد ّ عليهم من خلل علمانيتهم وديمقراطيتهم‪ .‬ولكن أين‬
‫الديمقراطية التي يزعمونها‪ ،‬إنها عدوان واحتلل ونهب لخيرات الشعوب‪ .‬إّنها‬
‫دعوا بغيره من‬ ‫خ ِ‬
‫دع به المسلمون كما ُ‬ ‫شعار كذب في المواقع كّلها‪ ،‬و ُ‬
‫خ ِ‬
‫الشعارات‪.‬‬
‫ل لنا تغيير دين الله‪ ،‬ول أن‬ ‫إننا ندرك أننا اليوم ضعفاء ‪ .‬ولكن ضعفنا ل يح ّ‬
‫نتخلى عنه ول أن نتنازل عن شيء منه مراءاة لحد من خلق الله‪ .‬ول بد ّ أن‬
‫يعي المؤمن أنه مهما تنازل عن شيء من دينه مراءاة إلى العلمانية ودولها‪،‬‬
‫فإن ذلك لن يكسبه وّدهم‪ ،‬وإنما يخسر بذلك أمرين ‪ :‬أول ً يخسر رضا الله‪،‬‬
‫وثانيا ً ‪ :‬يخسر مهابته في قلوب أولئك‪ ،‬فيكون من الخاسرين‪ ،‬كما قال الله‬
‫سبحانه وتعالى في الية المذكورة أعله ) الية ‪ 85‬من سورة آل عمران (‪.‬‬
‫ومهما بذل المسلم من أجل هذه المراءاة فلن ينال رضاهم أبدا ً ‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو‬
‫ي‬
‫الهدى ولئن اتبعت أهوائهم من بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ول ّ‬
‫ول نصير (‬
‫] البقرة ‪[ 120 :‬‬
‫فإصدار قرار بمنع الطالبات المسلمات من الحجاب في المدارس الفرنسية‬
‫جة له من الدين أو العلم أو الخلق‪ ،‬فهل نسي‬ ‫هو هوى من النفوس ل ح ّ‬
‫شيخ الزهر هذه اليات الكريمة فاتبع أهواءهم ؟! إننا ندعو شيخ الزهر إلى‬
‫التوبة من فتواه هذه‪ ،‬إلى أن يتوب إلى الله‪ ،‬ففتواه خرجت به عن حدود‬
‫ن توبته قبل أن يلقى الله وهو من‬ ‫ب وليعل ْ‬ ‫الفتوى إلى المعصية والثم ‪ ,‬فَل ْي َت ُ ْ‬
‫ي ول نصير‪.‬‬ ‫الخاسرين‪ ،‬ليس له من الله ول ّ‬
‫ونقول للمسلمين في فرنسا وغيرها أن اثبتوا على دين الله إيمانا ً وعلما ً‬
‫ي‪ ،‬مهما كّلفكم ذلك‪ .‬واعلموا أن الضرورة‬ ‫ودعوة ً وبلغا ً على نهج جل ّ‬
‫دد المسلم بالموت من الجوع والعطش وأمثاله‪.‬‬ ‫الشرعية هي الحالة التي ته ّ‬
‫ّ‬
‫وهي ضرورة للفرد‪ ،‬ل ُيعقل أن تكون ضرورة للمة كلها أو للجماعة‪ ،‬ليتنازلوا‬
‫عن دين الله‪.‬‬
‫ق‪ ،‬بدين الله‪ ،‬بالسلم‪،‬‬ ‫جهروا بالح ّ‬ ‫ونقول للمسلمين بعامة كفاكم تنازلت‪ ،‬فا ْ‬
‫عن إيمان وعلم وخشية من الله ل خشية من الناس‪ ،‬وادعوا إلى دين الله‬
‫واجهروا به‪ ،‬فهو مصدر قوتنا وسبب نجاتنا‪ ،‬فاجهروا بدين الحق ول تنحرفوا‬
‫ول تتنازلوا مهما تكن المغريات‪ ،‬وإل فالهلك الهلك !‬
‫إن القضّية لدى فرنسا وغيرها ليست قضية الحجاب‪ ،‬إنها قضية السلم‬
‫ورسالته‪ ،‬قضّية اليمان بالله وبدينه‪.‬‬
‫إن الله سبحانه وتعالى لم يعط لحد من خلقه الحقّ في أن يكفر فيكون في‬
‫نجاة مع كفره‪ .‬كل ! إن الله يريد من عباده اليمان الصادق النابع من القلب‬
‫واليقين‪ ،‬ومن التأمل والتفكير‪ ،‬ومن رسالة النبوة الخاتمة‪ ،‬فمن آمن فله‬
‫الجّنة والجر والثواب‪ ،‬ومن كفر فله جهّنم والعذاب الشديد ‪:‬‬
‫ن ومن شاء فليكفْر إّنا أعتدنا‬ ‫) وقل الحقّ من رّبكم فمن شاء فليؤم ْ‬
‫شوي‬ ‫مْهل ي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫سَرادقها وإن يستغيثوا ُيغاثوا بماٍء كال ُ‬ ‫للظالمين نارا ً أحاط بهم ُ‬
‫ن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إّنا ل‬ ‫مْرتفقا‪ .‬إ ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫شراب وساء ْ‬ ‫الوجوه بئس ال ّ‬
‫ً‬
‫نضيعُ أجَر من أحسن عمل (‬
‫] الكهف ‪[ 30 – 29 :‬‬
‫ول يتكئن أحد ٌ على سوء تأويله لقوله سبحانه وتعالى ‪ ) :‬ل إكراه في الدين (‪،‬‬
‫فعليه أن يكمل الية ليتضح المعنى ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫) ل ِإكراه في الدين قد ّتبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت وُيؤمن‬


‫ي‬
‫بالله فقد استمسك بالعروةِ الوثقى ل انفصام لها والله سميع عليم ‪ .‬الله ول ّ‬
‫طاغوت‬‫الذين آمنوا ُيخرجهم من الظلمات إلى الّنور والذين كفروا أولياؤهم ال ّ‬
‫يخرجونهم من الّنور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (‬
‫] البقرة ‪[ 257 – 256 :‬‬
‫ب العالمين‬
‫والحمد لله ر ّ‬
‫‪9/11/1424‬هـ‬
‫‪1/1/2004‬م‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مع كل محنة منحة وفي المصيبة خير!‬


‫عبد العليم صديق*‬
‫"كان في سالف الزمان ملك يحكم دولة وفي إحدى معاركه مع أعدائه‬
‫قطعت ُأذنه‪ ,‬فقال له وزيره‪ :‬لعل في قطعها خيرًا‪ .‬فأمر بسجنه‪ .‬فقال‬
‫الوزير‪ :‬وفي سجني أيضا ً خير! ومرت السنون وفي يوم ما خرج الملك في‬
‫رحلة صيد فذهب بعيدا ً عن مملكته حتى َقبض عليه جماعة من الناس كانوا‬
‫يعبدون الصنام‪ .‬فقالوا لقد وجدنا شيئا ً نقربه للهنا‪ ,‬فلما هموا بذبحه وجدوه‬
‫مقطوع الذن فقالوا ل نقرب لمعبدونا شئيا ً ناقصا ً فأطلقوه‪ .‬وعند رجوعه‬
‫أمر بإخراج الوزير من السجن فقال له الوزير‪ :‬ألم أقل لك إن فيها خيرًا‪,‬‬
‫وفي سجني أيضا ً خير فلو كنت معك لذبحت بدل ً عنك"‪] .‬ذكرها أبو حامد‬
‫الغزالي[‬
‫ن تصديق العبد بالقضاء والقدر أحد أركان اليمان التي ل يقبل اليمان إل‬ ‫إ ّ‬
‫دره كما قال‬ ‫بها‪ .‬وهذا التصديق يستلزم التسليم لله عز وجل في كل ما يق ّ‬
‫تعالى‪) :‬ما أصاب من مصيبة إل بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل‬
‫شيء عليم( ]التغابن ‪.[11‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله‪" :‬هذا عام لجميع المصائب في‬
‫النفس والمال والولد‪ ...‬إلى أن قال‪ :‬فإذا آمن العبد أنها من عند الله فرضي‬
‫بذلك‪ ,‬وسلم لمره‪ ,‬هدى الله قلبه‪ ,‬فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب‪ ,‬كما‬
‫يجري ممن لم يهد الله قلبه‪ ,‬بل يرزقه الثبات عند ورودها والقيام بموجب‬
‫الصبر فيحصل له بذك ثواب عاجل مع ماُيدخر له يوم الجزاء من الجر‬
‫العظيم كما قال تعالى‪) :‬إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب(" ]تفسير‬
‫السعدي ص ‪.[1208‬‬
‫ن المراض واللم والهموم والفقر والشدة كلها خير للعبد علم أو لم يعلم‬ ‫إ ّ‬
‫كما قال المام ابن القيم رحمه الله‪" :‬تأملت المرض فوجدت فيه أكثر من‬
‫مائة فائدة فهو كفارة للخطايا ورفع للدرجات كما قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬مايصيب المسلم من نصب ول وصب ول هم ول حزن ول أذى ول‬
‫غم حتى الشوكة يشاكها إل ّ كفر الله بها من خطاياه((‪] .‬متفق عليه[‬
‫ن المراض ونحوها من المؤذيات التي‬ ‫فالنصب‪ :‬التعب‪ ،‬والوصب‪ :‬المرض‪ .‬فإ ّ‬
‫تصيب المؤمن‪ ،‬مطهرة من الذنوب‪ ,‬وأنه ينبغي للنسان أن ل يجمع بين‬
‫المرض أو الذى مثل ً وبين تفويت الثواب‪ .‬قال النووي رحمه الله تعالى ـ بعد‬
‫أن أورد عدة روايات ـ "وفي هذه الحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه‬
‫قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه المور‪ ,‬وفيه تكفير الخطايا‬
‫بالمراض والسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها وفيه رفع‬
‫الدرجات بهذه المور وزيادة الحسنات" ]شرح النووي على مسلم ‪.[128/16‬‬
‫ن العبد يكون في تلك الحال منكسرًا‪ ,‬مضطرا ً فيتوجه‬ ‫ومن فوائد المصائب أ ّ‬
‫إلى الله عز وجل أن يزيل همه ويكشف غمه وينفس كربته فيجتمع بكليته‬
‫من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء(‬ ‫فيدعو دعاء من قال الله فيه )أ ّ‬
‫ن العبد يقف مع نفسه وقفة محاسبة ويتساءل أنى‬ ‫]النمل[‪ ,‬ومن فوائدها أ ّ‬
‫هذا فيتفقد مواطن الزلل كما قال الله عز وجل‪) :‬وما أصابكم من مصيبة‬
‫فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير( ]الشورى ‪ [30‬فيرجع إلى رحاب التواب‬
‫الرحيم مجددا ً التوبة والنابة‪ .‬ومن فوائدها ـ وما أكثر فوائدها ـ أن يتذكر العبد‬
‫ن مشئية الله عز وجل في العبد نافذة‪ ,‬وأن قدره واقع ل محالة ل راد‬ ‫أ ّ‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقضائه ول معقب لحكمه ول غالب لمره‪ .‬ولو اجتمعت المة على أن ينفعوه‬
‫بشيء لم ينفعوه إل بشيء قد كتبه الله له‪ ,‬ولو أجتمعوا على أن يضروه‬
‫ن ما أخطأ العبد لم يكن‬ ‫بشيء لم يضروه إل بشيء قد كتبه الله عليه‪ .‬وأ ّ‬
‫ليصبه وما أصابه لم يكن ليخطئه فيسلم بذلك فتزيد عليه الفوائد أجرا ً و‬
‫إيمانًا‪.‬‬
‫وإذا أصيب العبد بفقد حبيب أو موت قريب فتجمل عند ذلك وتذكر مصابه‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وأن )كل نفس ذائقة الموت( واسترجع‬
‫واحتسب عوضه الله إيمانا ً يجده في قلبه فلما رضي عن الله عز وجل رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫ن مما يخفف المصائب ـ بعد علم العبد أنها بإذن الله ـ أن يتصبر ويتذكر أن‬ ‫وإ ّ‬
‫ن مع العسر يسرا ً‬ ‫الفرج مع الشدة وأن مع العسر اليسر كما قال تعالى‪) :‬فإ ّ‬
‫ن مع العسر يسرا(‪.‬‬ ‫إ ّ‬
‫وأخيرا‪ :‬بشارة نبوية من تمسك بها وتذكرها ـ ل سيما عند الصدمة الولى ـ‬ ‫ً‬
‫فاز وسعد سعادة ل يعلم بها إل من قام بها وهي قول المصاب )إنا لله وإنا‬
‫إليه راجعون(‪ ,‬يقول القرطبي في المصيبة‪ :‬هي كل ما يؤذي المؤمن‪،‬‬
‫ويصيبه‪ ،‬وقد جعل الله عز وجل‪ ،‬كلمات السترجاع‪ ،‬وهي قول المصاب‪ :‬إنا‬
‫لله وإنا إليه راجعون ملجأ وملذا ً لذوي المصائب‪ ،‬وعصمة للممتحنين من‬
‫الشيطان‪ ،‬لئل يتسلط على المصاب فيوسوس له بالفكار الرديئة‪ ،‬فيهّيج ما‬
‫سكن‪ ،‬ويظهر ما كمن‪ ،‬لنه إذا لجأ لهذه الكلمات الجامعات لمعاني الخير‬
‫والبركة‪ ،‬فإن قوله‪ :‬إنا لله اقرار بالعبودية والملك‪ ،‬واعتراف العبد لله بما‬
‫أصابه منه‪ ،‬فالملك يتصرف في ملكه كيف يشاء‪ ،‬وقوله‪ :‬وإنا إليه راجعون‬
‫إقرار بأن الله يهلكنا ثم يبعثنا‪ ،‬فله الحكم في الولى‪ ،‬وله المرجع في‬
‫الخرى‪ ,‬وفيه كذلك رجاء من عند الله بالثواب‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن بركة هذا السترجاع ‪ ،‬بالضافة إلى ما ذكر‪ ،‬ما ورد عن أم سلمة رضي‬
‫الله عنها قالت‪ ":‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪) :‬ما من‬
‫مسلم تصيبه مصيبة‪ ،‬فيقول ما أمره الله به‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون ‪ ،‬اللهم‬
‫أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا ً منها إل أخلف الله خيرا ً منها( فلما مات‬
‫أبو سلمة قلت‪ :‬أي المسلمين خير من أبي سلمة‪ ،‬أول بيت هاجر‪ ،‬إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم أني قلتها فأخلف الله علي برسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫ول عجب فإنه إخبار من ل ينطق عن الهوى )إن هو إل وحي يوحى( وما على‬
‫العبد إل التصديق والعمل بهذه البشارة‪.‬‬
‫قال المام الطحاوي رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫"ونؤمن باللوح والقلم وجميع ما فيه قد رقم‪ ,‬فلو اجتمع الخلق كلهم على‬
‫شيء كتبه فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه‪ ،‬ولو اجتمعوا كلهم‬
‫على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه أنه غير كائن ليجعلوه كائنا ً لم يقدروا عليه‬
‫جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة‪ ,‬وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه وما‬
‫أصابه لم يكن ليخطئه"‬
‫ربنا لتجعل مصيبتا في ديننا‪.....‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع مفهوم الدب السلمي‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫‪ _1‬تمهيد ‪:‬‬
‫إن المسلمين يمّرون اليوم في ظروف تجاوزت كل حدود الهوان والمذلة‪،‬‬
‫ن تستنفر المة قواها كلها لحماية ديارها وأعراضها ولحماية دينها‬ ‫مما يفرض أ ّ‬
‫قبل كل شيء‪ .‬إننا نريد من الدب السلمي أن يخوض معركة السلم بكل‬
‫قواه‪ ،‬ليكون أدبا ً يشد ّ البصار ويقرع القلوب ويهّز النفوس‪ .‬فقد كان سلحا ً‬
‫وة الخاتمة وفي معركتها وملحمها‪ ،‬سلحا ً متمّيزا ً‬ ‫عظيما ً في دعوة النب ّ‬
‫بخصائصه وروحه وألفاظه وأهدافه‪ ،‬ولم يكن تابعا ً لليونان ول مقلدا ً للرومان‪،‬‬
‫مته‪،‬‬ ‫عزت به أ ّ‬ ‫وإنما كان شيئا ً جديدا ً يقوم على أسس راسخة‪ ،‬أدبا ً عّز بأمته و ّ‬
‫كان روحا ً جديدة في حياة البشرية‪.‬‬
‫إننا نريد التعريف الذي يربط الدب السلمي بمصدره‪ ،‬ومنطلقه‪ ،‬وولدته‪،‬‬
‫ولغته‪ ،‬ومصادر جماله‪.‬‬
‫لذلك ل بد ّ من إقرار السس الثابتة والتصور الرئيس النابع من اليمان‬
‫والتوحيد ومن منهاج الله‪ ،‬السس والتصور الذي ل يجوز الختلف فيه‪ ،‬والذي‬
‫تنبع منه سائر القضايا وترتبط به‪.‬‬
‫لقد نال الدب تعريفات مختلفة وتصورات متباينة‪ ،‬لدى مختلف الشعوب‪،‬‬
‫ل تعريف من‬ ‫ورات فكرّية أو فلسفّية أو عقائدية‪ .‬وك ّ‬ ‫ل منها من تص ّ‬ ‫ينطلق ك ّ‬
‫هذه التعريفات كان يعطي ظل ً لجانب من جوانب الدب‪ ،‬حتى ل تكاد تجد‬
‫تعريفا ً واحدا ً جامعا ً وافيًا‪.‬‬
‫دمته لوجدنا أّنه‬ ‫ل مجال لنا هنا لتعداد ذلك‪ ،‬ولكننا لو عدنا لبن خلدون في مق ّ‬
‫اعتبر الدب أحد علوم العربّية التي عددها كما يلي ‪ :‬علوم النحو‪ ،‬علم البيان‪،‬‬
‫دث عن علم الدب حديثا ً نقتطف منه قوله ‪:‬‬ ‫علم اللغة‪ ،‬علم الدب‪ .‬ثم تح ّ‬
‫"‪ ...‬وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته التي هي الجادة في فّني‬
‫المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم‪ .(1) " ....‬ولكن ابن خلدون‬
‫دم تعريفًا‪.‬‬ ‫دم في بحثه هذا بعض خصائص الدب العربي أكثر مما ق ّ‬ ‫ق ّ‬
‫ّ‬
‫قاد الغرب ومفكريه في‬ ‫دم د‪ .‬محمد مندور عدة تعريفات للدب عند ن ّ‬ ‫ولقد ق ّ‬
‫ة لتجربة بشرية "‪ ،‬أو "‬ ‫َ‬
‫كتابه " الدب ومذاهبه "‪ ،‬مثل ‪ " :‬الدب صياغة فن ّي ّ ٌ‬
‫ّ‬
‫الدب نقد للحياة " )‪ .(2‬ونرى هنا كذلك أن هذه التعريفات تعطي ظل من‬
‫دم‬ ‫ظلل الدب أو جانبا ً من جوانبه أو خاصة من خصائصه‪ ،‬دون أن تق ّ‬
‫التعريف الشامل الذي ُيغني‪.‬‬
‫إن مفهوم الدب في السلم وفي اللغة العربّية ينبع من تصورات أعظم‬
‫وأشمل‪ ،‬ومن قواعد أثبت في حياة النسان و أشد رسوخا ً مما عرفته الداب‬
‫الخرى‪ .‬فلفظة الدب في اللغة العربّية مرتبطة من حيث الساس بالخلق‬
‫دمه هذه اللفظة من عطاء بعد ذلك‪ .‬وجاءت‬ ‫الكريم‪ ،‬ليرتبط به كل ما تق ّ‬
‫مق هذا المعنى وتربطه بالفطرة السليمة‪ ،‬والدين‬ ‫الحاديث الشريفة لتع ّ‬
‫ور‬ ‫ق‪ ،‬والكتاب والسّنة‪ ،‬وصفاء اليمان وصدق التوحيد‪ ،‬وسلمة التص ّ‬ ‫الح ّ‬
‫ّ‬
‫وأمانته‪ ،‬مما ل نجده في أيّ لفظة دالة على هذا العلم في أيّ لغة أخرى‪ .‬فل‬
‫بد أن يبرز تعريف الدب السلمي هذا التمّيز العظيم‪ ،‬لمفهوم الدب‬
‫السلمي ومنطلقه‪.‬‬
‫ف‬
‫ولم يكن عند العرب أول المر‪ ،‬ول عند انطلقة الدعوة السلمية‪ ،‬عُْر ٌ‬
‫يقضي بوضع التعريف أو المصطلحات‪ .‬فل نجد في تلك المراحل ظاهرة‬
‫ب َأدَبهم ينتمي‬ ‫لد ُ‬‫تعريف الدب أو ربطه بالسلم أو غيره‪ .‬فعند العرب كان ا َ‬
‫إليهم ويخرج منهم وعنهم وعن لغتهم العربّية‪ ،‬دون أن يأخذ مصطلحا ً علميا ً‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خاصا ً به‪ .‬وفي السلم أصبح الفكر‪ ،‬والدب كله شعره ونثره‪ ،‬والخطبة‬
‫ل ذلك كان إسلمي‬ ‫والموعظة‪ ،‬والسياسة والقتصاد والجتماع‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬ك ّ‬
‫طلق والعطاء والصياغة والهدف‪ .‬فلم يكن هناك حاجة لن‬ ‫المنبت والمن َ‬
‫لسلمي‪ ،‬لنه لم يعد في السلم غير أدب السلم‪ ،‬ولم‬ ‫مى الدب بالدب ا ِ‬ ‫ُيس ّ‬
‫يعد في المة شيء ل ينبع من السلم أو يرتبط به‪ ،‬دون أن يبالي أحد‬
‫بالمصطلح‪ ،‬شأنه في ذلك شأن السياسة والقتصاد وسائر ميادين الحياة‪.‬‬
‫فل عجب أن ل نجد مصطلح الدب السلمي آنذاك‪ ،‬أو مصطلح الدب‬
‫الملتزم بالسلم‪ ،‬وأن ل نجد تعريفا ً له‪ ،‬فلم يكن العرف مباليا ً كثيرا ً‬
‫دم الخصائص الثابتة والسمات البّينة من‬ ‫بالمصطلح أو التعريف‪ ،‬وإنما كان يق ّ‬
‫ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى لم يكن السلم يتبّنى غير أدبه‪ ،‬وخاصة في مدرسة‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مرنا أن نع ّ‬ ‫وة الخاتمة وسنتها‪ ،‬وعهد الخلفاء الراشدين وسنتهم مما أ ِ‬ ‫النب ّ‬
‫عليها بالنواجذ‪.‬‬
‫فل مجال إذن لعتراض بعض الحداثيين اليوم على مصطلح الدب السلمي‬
‫وإنكارهم له وادعائهم بأنه لم يكن لدى العرب هذا المصطلح قديمًا‪ ،‬ولذلك‬
‫لم يكن هناك أدب إسلمي‪ .‬نعم ! لم يكن هذا المصطلح ول غيره‪ ،‬ولكن‬
‫كانت هناك خصائص ممّيزة وسمات داّلة‪ ،‬كّلها تنطق وتقول ‪ :‬هذا هو الدب‬
‫لسلم‪ .‬هكذا كان العرف المتبع في الدب وغيره‪.‬‬ ‫الملتزم با ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫عْلمًا‪ ،‬ليتمّيز‬
‫ن المصطلحات التي أصبحت ِ‬ ‫ونحن اليوم في عصر يتمّيز بف ّ‬
‫شيٌء من شيء‪ ،‬بعد أن اختلطت الشياء‪ ،‬وبهتت الخصائص‪ ،‬وضعفت‬
‫السمات‪ ،‬وبرزت مذاهب أدبّية عديدة‪ .‬ولذلك برزت ظاهرة المصطلح‬
‫والتعريف كلما احتاج إليها الناس‪ ،‬وفي حاضرنا اليوم برز مصطلح الدب‬
‫السلمي أو الدب الملتزم بالسلم‪ ،‬وبرز المنادون به‪ .‬وكان ل بد ّ من ذلك‬
‫ليتمايز أدب من أدب‪.‬‬
‫لدباء المسلمين يطرحون المصطلح ويطرحون تعريفه‪.‬‬ ‫ولذلك أخذ بعض ا ُ‬
‫وكان من أوسع المصطلحات انتشارا ً مصطلح " الدب السلمي "‪ ،‬وكان من‬
‫ت تعريفات مختلفة‬ ‫لسلم " وط ُ ِ‬
‫رح ْ‬ ‫أكثرها دّقة مصطلح ‪ " :‬الدب الملتزم با ِ‬
‫لذلك نذكر أهم ما توافر لدينا من خلل المؤتمرات والندوات والكتابات ‪:‬‬
‫عّرف الستاذ سيد قطب يرحمه الله الدب بأنه ‪ " :‬التعبير عن تجربة شعورّية‬
‫في صورة موحية " )‪ .(3‬وعّرف الستاذ محمد قطب الدب السلمي بأنه ‪" :‬‬
‫ور السلم للكون‬ ‫التعبير الجميل عن الكون والحياة والنسان من خلل تص ّ‬
‫والحياة والنسان " )‪ .(4‬وعّرف الستاذ محمد المجذوب يرحمه الله الدب‬
‫ور للشخصية النسانّية من خلل الكلمة المؤثرة " )‪.(5‬‬ ‫ن المص ّ‬
‫بأنه ‪ " :‬الف ّ‬
‫أما الدكتور عبد الرحمن رأفت باشا يرحمه الله فقد عّرف الدب السلمي‬
‫بأنه ‪ " :‬التعبير الفني الهادف عن واقع الحياة والكون والنسان تعبيرا ً ينبع من‬
‫ل ومخلوقاته‪ ،‬ول يجافي القيم السلمية ")‬ ‫التصور السلمي للخالق عّز وج ّ‬
‫‪.(6‬‬
‫ت في كتاب " الدب السلمي إنسانيته وعالميته " وكتاب " النقد‬ ‫ولقد بّين ُ‬
‫الدبي المعاصر بين الهدم والبناء " وكتاب " أدب الوصايا والمواعظ " صعوبة‬
‫وضع تعريف شامل لي موضوع في العلوم النسانية بخلف العلوم‬
‫التطبيقية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولقد جمع الستاذ الدكتور جابر قميحة تعاريف الدب السلمي التي تمكن‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من حصرها بجهد كريم في مقالته ‪ " :‬بين إشكالية المصطلح ومعيارّية‬
‫التطبيق " )‪ .(7‬وعّلق عليها وقارن بينها‪ .‬وأشار كذلك في جملة ما أشار إليه‬
‫صعوبة وضع تعريف جامع شامل في العلوم النسانّية‪.‬‬
‫دمت كلها خيرًا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫جديد‪،‬‬ ‫هذه التعريفات التي ظهرت حديثا ً استجابة لواقع‬
‫ودفعت مسيرة الدب السلمي‪ ،‬وساهمت في الدعوة إلى مؤتمرات وندوات‬
‫انبثقت عنها رابطة الدب السلمي العالمية‪ ،‬وتبّنت الرابطة في لقائها‬
‫التأسيسي في لكهنو في الهند بضيافة ندوة العلماء في )‪25‬ـ ‪ (27‬ربيع الثاني‬
‫لعام ‪1406‬هـ الموافق ‪9‬يناير ‪1986‬م‪ ،‬التعريف التالي ‪ :‬الدب السلمي هو‬
‫التعبير الفني الهادف عن الحياة والكون والنسان وفق الكتاب والسّنة "‪.‬‬
‫حسب النظام الساسي للرابطة الصادر يوم تأسيسها‪.‬‬
‫ولقد طرأ تعديل بعد ذلك على هذا التعريف في نشرة الرابطة الصادرة سنة‬
‫)‪1409‬هـ ( حيث أصبح ‪ :‬هو التعبير الفّني الهادف عن الحياة والكون‬
‫ور " أطلقت‬ ‫ن لفظة " التص ّ‬ ‫ور السلمي لها "‪ .‬مع أ ّ‬ ‫والنسان في حدود التص ّ‬
‫العنان للتصورات المختلفة‪ ،‬وخاصة في عصرنا الحاضر‪ ،‬حيث ظهرت‬
‫ة واقتصادا‪ً.‬‬ ‫تصورات متضاربة في الميدان السلمي‪ ،‬أدبا ً وفكرا ً وسياس ً‬
‫كز على ناحية‬ ‫ل تعريف ر ّ‬ ‫نك ّ‬ ‫ومن خلل هذه التعاريف كّلها نخلص إلى أ ّ‬
‫محددة دون أن يبّين ماهّية الدب بعامة والدب الملتزم بالسلم بخاصة‪ .‬ولم‬
‫يكن هذا ناتجا ً إل عن طبيعة التعريف لموضوعات تتعلق " بالعلوم النسانّية‬
‫دده في‬ ‫دد الموضوع تحديدا ً كامل ً كما يح ّ‬ ‫"‪ ،‬حيث ل يمكن للتعريف أن يح ّ‬
‫العلوم التطبيقية‪ .‬فالتعريف في العلوم التطبيقية يكون عادة مغنيا ً كافيًا‪.‬‬
‫دد النظرّية بصورة تامة‪ ،‬وكذلك تعريف قانون‬ ‫فتعريف نظرّية فيثاغورس ح ّ‬
‫بويل وغيره‪ .‬ذلك لن العلوم التطبيقية تقوم على قانون أو نظرّية أو فرضّية‬
‫تتمّثل بمعادلة رياضّية أو فيزيائية أو كيميائية‪ .‬والعلوم النسانية تعتمد على‬
‫ي إل بها‪.‬‬ ‫دد العلم النسان ّ‬ ‫خصائص ووسائل وأساليب وأهداف‪ ،‬ل يتح ّ‬
‫فالتعريف بجمل محدودة وأسطر محدودة ل يستطيع أن يجمع ذلك كله‪،‬‬
‫ولكن يمكنه أن يشير إليها ليوفي أكثر في بيان التصور‪.‬‬
‫لسس التي يقوم عليها تعريف‬ ‫من هنا أعتقد أنه من المناسب أن ُتبي ّن ا ُ‬
‫َ‬
‫الدب السلمي وما يشير إلى منطلقه وولدته المتمّيزة‪ ،‬وخصائصه‬
‫دد ماهية الدب السلمي وجوهره‬ ‫ون كلها الميزان الذي يح ّ‬ ‫المتمّيزة‪ ،‬لتك ّ‬
‫ختلف عليها بعض المسلمين‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫ي‬ ‫قضايا‬ ‫يحسم‬ ‫الذي‬ ‫الميزان‬ ‫وأهدافه‪،‬‬ ‫ورسالته‬
‫فدون أن يكون للنسان ميزان يزن به المور والقضايا‪ ،‬فسيظل يضرب في‬
‫متاهة بعد متاهة‪ ،‬أو يثير خلفا ً بعد خلف‪ .‬يضاف إلى ذلك أن التعريف يجب‬
‫أن يفي بمتطلبات الواقع الذي نرّده إلى منهاج الله‪ ،‬كما أشرنا في أول‬
‫الكلمة‪ .‬ونورد أدناه أهم السس التي يقوم عليها التعريف ‪:‬‬
‫‪ _2‬السس التي يقوم عليها تعريف الدب السلمي ‪:‬‬
‫أ ـ قانون الفطرة ونظرية ولدة النص الدبي )‪: (8‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنه القانون الذي تصوغه لنا اليات الكريمة والحاديث الشريفة التي تقّرر بأن‬
‫كل إنسان يولد على الفطرة‪ ،‬والتي تشير إلى بعض خصائصها‪ ،‬وإلى بعض‬
‫القوى والميول والغرائز التي أودعها الله فيها‪ ،‬عّرفنا الله سبحانه وتعالى‬
‫ببعضها‪ ،‬وجهلنا بعضها‪ .‬من هذه اليات والحاديث المترابطة في منهاج الله‬
‫يخرج هذا القانون‪ ،‬ليقوم على حقائق ربانّية ثابتة في الكتاب والسنة‪ .‬ومن‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الحقائق كلها نستطيع أن نخرج بقواعد كثيرة في ميدان التربية والفكر‬
‫والدب والسياسة والقتصاد وغيرها‪ ،‬أو نشتق منه نظريات نحتاجها في‬
‫ميدان الممارسة والتطبيق‪.‬‬
‫ولقد سبق أن فصلنا هذا القانون بدراسات موسعة في كتب " الدب‬
‫دم موجزا ً‬ ‫السلمي والتربية والنهج اليماني للتفكير" وغيرها‪ .‬ولكننا هنا نق ّ‬
‫سريعا ً ليكون أساسا ً في تعريف الدب السلمي‪.‬‬
‫ن أهم ما أودع الله في فطرة النسان ‪ :‬اليمان والتوحيد ليكون فيها النبع‬ ‫إ ّ‬
‫الصافي‪ ،‬تفتحه النّية الصادقة الخالصة لله‪ ،‬لينطلق الريّ المتوازن العادل‪،‬‬
‫ل‪،‬‬‫يروي جميع القوى والميول والغرائز في فطرة النسان ري ّا ً متوازنا ً عاد ً‬
‫ت لها‪ .‬ومن ناحية أخرى فإن اليمان‬ ‫ق ْ‬‫خل ِ َ‬
‫مة التي ُ‬
‫حتى تؤّدي كل قوة المه ّ‬
‫والتوحيد في فطرة النسان يقوم بتصفية الزاد الذي يدخل الفطرة من‬
‫الواقع وينقيه حتى يخلص من الخبث والسوء‪ .‬فإذا اضطرب الريّ بفساد النّية‬
‫أو بالثام والمعاصي‪ ،‬فل يتم الريّ المتوازن العادل‪ ،‬أو ُيغلق الريّ حين ُيخَتم‬
‫متها الحقيقية‪ ،‬أو تتيه‬ ‫على قلب النسان‪ .‬وعندئذ تنحرف بعض القوى عن مه ّ‬
‫وتان هما ‪:‬‬ ‫وتضطرب‪ .‬ومن القوى الخرى الهامة في فطرة النسان ق ّ‬
‫"العاطفة " و " التفكير "‪ .‬ثم تأتي القوة المتمّيزة التي يمكن أن نسميها "‬
‫بالموهبة " في هذا العلم أو ذاك‪ ،‬يضعها الله في فطرة من يشاء من عباده‪.‬‬
‫ومن خلل مسيرة النسان يكتسب من الواقع زادا ً من العلم أو الخبرة‪،‬‬
‫تستقّر في الفطرة شحنات على " العاطفة " و" التفكير "‪ ،‬ومن أهم هذا‬
‫الزاد صدق العلم بمنهاج الله الذي فرض الله طلبه على كل مسلم‪ .‬فكأن‬
‫ت وتنمو عليهما‪ ،‬حتى تبلغ‬ ‫وتين قطبان تستقّر عليهما الشحنا ُ‬ ‫هاتين الق ّ‬
‫ح فيها جاهزة للتفاعل‪ ،‬فتأتي‬ ‫الشحنات على هذين القطبين درجة ُتصب ُ‬
‫الموهبة‪ ،‬أو القوة المتمّيزة‪ ،‬فتشعل التفاعل في لحظة محددة بقدر حقّ من‬
‫الله‪ ،‬فينطلق عطاء النسان ومضة غنّية أو شعلة مضيئة‪ ،‬على قدر سلمة‬
‫الفطرة ونقائها‪ ،‬وسلمة القوى وطهارة الزاد‪ .‬ويكون العطاء بذلك ثمرة‬
‫التفاعل بين " العاطفة " و " التفكير " و " الزاد من الواقع " و"الموهبة" في‬
‫فطرة النسان‪ .‬ويكون العطاء المتوّلد عطاًء إيمانيا ً حين تكون هذه القوى قد‬
‫رواها اليمان والتوحيد‪ ،‬ري ّا ً متوازنا ً عادل ً تطلقه النّية الخالصة لله سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫ويكون هذا العطاء المتوّلد أسلوبا ً من أساليب التعبير عند النسان‪ ،‬يعّبر‬
‫بعطائه عن شيء في نفسه‪ .‬ويكون هذا العطاء‪ ،‬حسب ما ذكرنا أعله‪ ،‬ثمرة‬
‫التفاعل بين العوامل التي عرضناها‪ ،‬تفاعل ً يمضي على قدر حق من الله‬
‫سبحانه وتعالى‪ .‬وكل عامل من هذه العوامل قد يضعف فيضعف أثره‪ .‬ول بد‬
‫أن نشير إلى أنه ل يمكن للعاطفة أن تعمل وحدها‪ ،‬ول للتفكير أن يعمل‬
‫وحده‪ .‬إنهما يعملن معًا‪ ،‬مع سائر القوى‪ ،‬ولكن تختلف نسبة العاطفة‬
‫والتفكير من حالة إلى حالة‪ ،‬ومن واقع إلى واقع‪ ،‬ومن موضوع إلى موضوع‪،‬‬
‫ومن إنسان إلى إنسان‪.‬‬
‫ب ـ الفن والدب بعامة )‪: (9‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فالفن والدب بعامة عطاء يصدر على النحو الذي عرضناه‪ ،‬ليمّثل أسلوبا من‬
‫أساليب التعبير‪ ،‬يحمل درجة من الزخرف أو الزينة أو الجمال‪ ،‬على قدر‬
‫ارتباطه باليمان والتوحيد ونبعه وما يتلقاه من ري منه‪ ،‬ويرتفع بها ليكون فنا ً‬
‫ن السلمي والدب‬ ‫أو أدبًا‪ ،‬تابعا ً لفئته أو جنسه أو ملته وأصحابه‪ .‬ج ـ الف ّ‬
‫السلمي )‪: (10‬‬
‫هو عطاء النسان المؤمن وأسلوب من أساليب التعبير لديه‪ .‬إنه العطاء الذي‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتوّلد على النحو الذي عرضناه من تفاعل العوامل التي رواها اليمان‬
‫والتوحيد فارتبطت به‪ ،‬حين يحمل هذا العطاء والتعبير الجمال الطاهر‪،‬‬
‫ن السلمي في بناء حضارة اليمان في حياة النسان‪ .‬ولكل باب‬ ‫ليساهم الف ّ‬
‫صة التي تهبه الجمال‪ .‬فالدب السلمي باب من‬ ‫ّ‬ ‫الخا‬ ‫عناصره‬ ‫الفن‬ ‫من أبواب‬
‫أبواب الفن السلمي‪ ،‬أسلوب التعبير فيه اللغة والبيان‪ ،‬ترفعه خصائصه‬
‫الفنّية ليكون أدبا ً وترفعه خصائصه اليمانية ليكون إسلميًا‪.‬‬
‫د ـ الجمال في الفن السلمي والدب السلمي )‪: (11‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ي من اليمان والتوحيد‪ ،‬وتفاعل‬ ‫ن السلم ّ‬ ‫ينبع الجمال الطاهر في الف ّ‬


‫العوامل المروّية به في فطرة النسان المؤمن والخصائص الفنية التابعة لكل‬
‫فن‪ .‬والسلم ل يطلق لفظة الجمال إل على هذا " الجمال " الطاهر الذي‬
‫ما " فتنة "‬
‫ينبع من تفاعل الخصائص اليمانية والفنية‪ ،‬وأما ما سواه فهو إ ِ ّ‬
‫تحمل الشّر والفساد‪ ،‬وإما "زخرف وزينة "عابرة‪ .‬وللجمال كذلك عوامل‬
‫جه‬ ‫ثلثة تؤّثر فيه نابعة من العوامل السابقة كلها ‪ ":‬فالنّية " هي العامل المو ّ‬
‫الذي يفتح في الفطرة ريّ اليمان والتوحيد‪ ،‬و " الموهبة " تمثل القوة‬
‫المطلقة للتفاعل‪ ،‬و" الموازنة " هي القوة التي تنظم أدوار العوامل كلها‬
‫والعناصر كلها وترّتبها‪.‬‬
‫هـ ـ موجز خصائص الدب السلمي )‪: (12‬‬
‫‪ _1‬إنه أدب العقيدة السلمية بكل خصائصها‪.‬‬
‫‪ _2‬إنه عطاء الديب المؤمن الملتزم‪.‬‬
‫‪3‬ـ ميدانه الكون والحياة كلها والنسان‪ ،‬الدنيا والخرة‪ ،‬من خلل تصور‬
‫ي متناسق نابع من الكتاب والسّنة‪.‬‬ ‫إيمان ّ‬
‫‪ _4‬اللغة العربّية هي لغته من حيث الساس‪.‬‬
‫‪5‬ـ إنه أدب العلم والحق‪ ،‬ل أدب الوهم والخرافة والساطير‪.‬‬
‫‪ _6‬إنه أدب الواقع الذي ُيفهم من خلل منهاج الله‪.‬‬
‫‪ _7‬إنه أدب ممتد ّ في حياة النسان مع الجيال المؤمنة الممتدة‪ُ ،‬يمّثل نهجا ً‬
‫ن إلى مكان‪.‬‬ ‫ممتد ّا ً ل قطعا ً متناثرة نتصّيدها من مكا ٍ‬
‫‪ _8‬أنه أدب إنساني لنه ينبع من حقيقة النسان وفطرته‪ ،‬ولنه يعالج قضاياه‪.‬‬
‫‪ _9‬إنه أدب عالمي‪ ،‬يستمد عالمّيته من إنسانيته وامتدادها‪ ،‬وقوة أمته‪،‬‬
‫وعالمّية رسالته‪.‬‬
‫‪ _10‬إنه أدب له رسالة رّبانّية وأهداف ربانّية‪ ،‬فهو بذلك يمّثل حاجة للنسان‬
‫كما أن السلم حاجة للبشرية‪.‬‬
‫ل ول يهون ول ينافق ول‬ ‫‪ _11‬إن هذه الخصائص تجعل منه أدبا ً عزيزا ً ل يذ ّ‬
‫ينحرف ول يكون تابعًا‪.‬‬
‫‪ _12‬إنه أدب نام ٍ متطور على أسس ثابتة راسخة عميقة الجذور‪ .‬ل يكون‬
‫وه انحرافا ً ول تبعية ول هبوطًا‪.‬‬ ‫نم ّ‬
‫‪ _13‬إنه ثمرة جهد بشري وبذل ومعاناة‪ .‬فهو أدب الجهاد والبذل والعطاء‪.‬‬
‫وأدب الموهبة الغنّية‪ .‬وأدب الخير والصلح ل أدب الفتنة والفساد‪.‬‬
‫‪ _14‬إنه سلح من أسلحة السلم وقوة عظيمة من قواه‪ .‬وأدب الحق ل أدب‬
‫الباطل‪ ،‬وأدب الكلمة الطيبة ل أدب الكلمة الخبيثة‪ ،‬إنه أدب الخلق الكريم‪.‬‬
‫‪ _15‬إنه أدب الحب الصادق النابع من الحب الكبر لله ورسوله‪.‬‬
‫‪ _16‬إنه أدب مسؤول‪ ،‬وصاحبه محاسب على كلمته بين يدي الله في‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخرة‪ ،‬ومحاسب في الدنيا‪.‬‬


‫ص بصاحبه‪ ،‬ول يمكن فصله عنه‪ ،‬إنه يرتبط ارتباط أمانة‬ ‫‪ _17‬لذلك يرتبط الن ّ‬
‫وعهد ومسؤولّية وحساب‪.‬‬
‫‪ _18‬ستظل الموعظة والوصّية والنصيحة بابا ً من أبواب هذا الدب السلمي‪،‬‬
‫مادامت ترتقي بخصائصها الفنية واليمانية‪ .‬وهي تحمل ثروة غنّية‪ ،‬وجمال ً‬
‫غني ّا ً في تاريخ أمة السلم‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ _19‬الدب السلمي ليس جديدا‪ .‬ابتدأ مع بعثة محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫بخصائصه اليمانّية والفنّية وامتد ّ مع العصور‪ ،‬ويستأنف مسيرته اليوم‪.‬‬
‫‪ _20‬إنه أدب متمّيز بخصائصه الثابتة اليمانية والفنية‪ ،‬ل تنحرف مع تيارات‬
‫الدب وعواصفه‪ ،‬يحافظ على استقلله وعدم تبعّيته‪.‬‬
‫الشعوب بحاجة إليه وإلى رسالته‪ ،‬أكثر مما هو بحاجة لدبها‪.‬‬
‫ب الدب السلمي شرفا ً وعّزة أنه ينبع من السلم ويحمل رسالته‬ ‫س ُ‬
‫ح ْ‬‫‪َ _21‬‬
‫وة له‪ ،‬ويكتسب منه ومن لغته الخصائص اليمانية‬ ‫ً‬
‫ويمتد ّ معه ويكون سلحا وق ّ‬
‫والفن ّّية‪.‬‬
‫صلة في مراجعها‪ ،‬يمكن‬ ‫ُ‬
‫وعلى ضوء هذه السس المعروضة هنا بإيجاز والمف ّ‬
‫أن نقدم التعريف التالي للدب السلمي أو الدب الملتزم بالسلم ‪:‬‬
‫تعريف الدب السلمي‬
‫ن الملتزم بالسلم‪ ،‬وهو أشرفها‬ ‫" الدب السلمي باب من أبواب الف ّ‬
‫ن التعبير باللغة والبيان‪ .‬لغته اللغة العربّية التي اختارها الله‬ ‫وأعّزها‪ .‬وهو ف ّ‬
‫لدينه الحقّ بيانا ً معجزا ً في كتابه الكريم‪ .‬وهو ثمرة التفاعل بين القوى‬
‫صة‬‫العاملة في فطرة النسان المؤمن‪ ،‬مروّية بريّ اليمان والتوحيد‪ ،‬خا ّ‬
‫ل منهما من شحنات الواقع وزاده‪،‬‬ ‫التفاعل بين العاطفة والتفكير وما تحمل ك ّ‬
‫ص الدبي شعلة مضيئة‪ ،‬يحمل‬ ‫التفاعل الذي تشعله الموهبة‪ ،‬فينطلق الن ّ‬
‫ي من تفاعل الخصائص اليمانية والخصائص الفنّية في فطرة‬ ‫جماله الفن ّ‬
‫النسان‪ ،‬مع صدق النّية‪ ،‬وعلى قدر حق من الله سبحانه وتعالى‪ ،‬يحمل‬
‫رسالة ربانّية ويسعى للمساهمة في تحقيق أهداف رّبانّية‪ ،‬لبناء حضارة‬
‫اليمان في الواقع البشري‪ ،‬ميدانه الكون والحياة والنسان والدنيا والخرة‪،‬‬
‫فيكون بذلك الدب النساني العالمي‪" .‬‬
‫ويمكن إيجاز هذا التعريف كما يلي ‪:‬ـ‬
‫موجز تعريف الدب السلمي‬
‫" الدب السلمي ثمرة التفاعل بين القوى العاملة في فطرة النسان‬
‫المروية باليمان والتوحيد‪ ،‬تشعله الموهبة المؤمنة ليخرج الدب شعلة غنية‪،‬‬
‫جماله إشراقة التفاعل بين خصائصه اليمانية والفنية‪ ،‬لغته هي اللغة العربية‪،‬‬
‫وميدانه آفاق الكون والحياة والنسان‪ ،‬يحمل رسالة ربانية ويسعى إلى‬
‫أهداف ربانية‪ ،‬ليساهم في بناء حضارة اليمان في الرض‪ ،‬وليكون بذلك‬
‫الدب النساني العالمي "‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫دد العوامل الموّلدة للدب السلمي ‪ :‬اليمان والتوحيد‪،‬‬‫من هذا التعريف نح ّ‬


‫النّية الخالصة لله سبحانه وتعالى‪ ،‬العاطفة‪ ،‬الفكر‪ ،‬شحنات عليهما من زاد‬
‫الواقع‪ ،‬وصدق العلم بمنهاج الله‪ ،‬الموهبة‪ ،‬قدر الله ومشيئته‪ .‬ويظل الفضل‬
‫في كل عمل كريم من الدب السلمي لله سبحانه وتعالى‪ .‬وُيبّين لنا هذا‬
‫التعريف أثر الواقع ودوره‪ .‬كما يبّين أن الدب السلمي هو عطاء الديب‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المؤمن‪ ،‬وأنه يحمل رسالة في الحياة وله أهداف يسعى إليها‪ ،‬يساهم بها في‬
‫بناء حضارة اليمان‪ .‬ويبّين هذا التعريف أيضا ً أن للدب السلمي خصائص‬
‫إيمانّية وخصائص فنّية‪ ،‬وأن الجمال فيه ينبع من تفاعل هذه الخصائص وتلك‪.‬‬
‫وندرك كذلك أن الدب ليس نتيجة تجربة شعورية فحسب‪ ،‬وإنما نتيجة تفاعل‬
‫ن لغته هي‬ ‫ذر لحداهما أن تعمل وحدها‪ .‬ويبّين كذلك أ ّ‬ ‫العاطفة والفكر‪ِ ،‬إذ يتع ّ‬
‫اللغة العربية‪.‬‬
‫ن " لغته الولى هي اللغة العربية "‪ ،‬فرّبما كان ذلك مسايرة لواقع‬ ‫وإذا قيل إ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تفّرق فيه المسلمون أقطارا وشعوبا وشيعا‪ ،‬وهان شأن اللغة العربّية بينهم‪.‬‬
‫مة السلم كما‬ ‫فاللغة العربية هي لغة المسلم‪ ،‬و لغة عبادته وعطائه‪ ،‬ولغة أ ّ‬
‫دت اللغة العربية إلى‬ ‫مة واحدة‪ ،‬حين امت ّ‬ ‫كانت عندما كان المسلمون أ ّ‬
‫المسلمين وإلى غير المسلمين‪ .‬ولم يعرف المسلمون في عصورهم الولى‬
‫أدبا ً بغير اللغة العربية‪ ،‬وبرز علماء كثيرون باللغة العربية وآدابها من غير‬
‫العرب‪.‬‬
‫ويشير التعريف إلى أن الدب السلمي أدب مجاهد‪ ،‬أدب طاهر‪ ،‬ينبع من‬
‫وه ولم تفسده سوء النية والثام‬ ‫فطرة النسان السوّية التي لم تش ّ‬
‫ي بطبيعته وجوهره‪ ،‬ولنه‬ ‫والمعاصي‪ .‬ولنه ينبع من فطرة النسان فهو إنسان ّ‬
‫يحمل رسالة ربانّية فهو عالمي‪ .‬فإذا فسدت الفطرة وتخّلى الدب عن‬
‫رسالته فقد منطلق إنسانّيته وعالميته وفقد جوهر خصائصه‪.‬‬
‫ويكون للدب السلمي خصائص وسمات تمّيزه من غيره من الداب‪،‬‬
‫وتساهم في بنائه وعطائه‪ .‬فله خصائص إيمانّية مغروسة في فطرة النسان‬
‫المؤمن كما ذكرناها قبل قليل‪ .‬وله خصائصه الفنّية أيضًا‪ ،‬يمكن أن نوجزها‬
‫بما يلي ‪ :‬الصياغة الفنّية‪ ،‬الجنس الدبي‪ ،‬الموضوع الفني والفكرة الموحية‪،‬‬
‫الشكل‪ ،‬السلوب‪ .‬ويكتسب الدب من هذه الخصائص الفنّية أربع صور‬
‫للجمال المؤثر ‪ :‬النغمة والجرس‪ ،‬الصورة‪ ،‬الحركة‪ ،‬الفكرة الموحية‪.‬‬
‫وبصورة عامة فإن جميع العوامل والعناصر للجمال في الدب السلمي تأخذ‬
‫رواءها إشراقتها من مصادر ثلثة ‪ :‬اليمان والتوحيد‪ ،‬الكتاب والسنة‪ ،‬اللغة‬
‫العربية‪ ،‬تجتمع كلها في فطرة الديب المسلم المؤمن‪ ،‬في فطرته النقّية‬
‫الصافية السليمة‪ .‬لتطلق جوهر الدب السلمي بتفاعل الخصائص اليمانية‬
‫والفنّية‪.‬‬
‫ويأتلق الجمال الفّني في الدب السلمي حين يصدق الدب في حمل رسالته‬
‫الربانّية‪ ،‬وحين يساهم في جهاد كريم لتحقيق الهداف الربانّية‪ ،‬ول ينحرف‬
‫ول يتيه ول يهبط‪.‬‬
‫فلبد للدب السلمي أن تتوافر فيه الخصائص الفنّية لترفعه ليكون أدبًا‪ ،‬ول‬
‫بد أن تتوافر فيه الخصائص اليمانية حتى ترتقي به ليكون إسلميًا‪ .‬ويأتلق‬
‫الجمال المتمّيز المؤثر بتفاعل الخصائص اليمانّية والخصائص الفنّية في‬
‫فطرة النسان‪.‬‬
‫ت وجهة نظري هذه بتفصيلها مع البّينة والحجة‬ ‫وأخيرًا‪ ،‬أقول إني قد عرض ُ‬
‫من منهاج الله‪ ،‬ومن الواقع الذي نفهمه من خلل منهاج الله‪ ،‬ومن قواعد‬
‫اللغة العربية العظيمة‪ ،‬في كتبي التي سبق أن أصدرتها منذ تأسيس الرابطة‬
‫دمت معها نماذج تطبيقية من الشعر والملحم تلتزم النهج‬ ‫إلى يومنا هذا‪ .‬وق ّ‬
‫الذي أعرضه‪.‬‬
‫)‪ (1‬التعريف ‪ :‬مقدمة ابن خلدون ‪.3/1277 :‬‬
‫د‪ .‬عدنان علي رضا النحوي ـ الدب السلمي إنسانيته وعالميته ـ الباب الول‬
‫ـ الفصل الول‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬التعريف ‪ :‬د‪ .‬محمد مندور ‪ :‬الدب ومذاهبه ـ ) ص ‪.( 6 :‬‬


‫)‪ (3‬التعريف ‪ :‬سيد قطب النقد الدبي وأصوله ومناهجه ـ ) ص ‪.( 9 :‬‬
‫)‪ (4‬التعريف ‪ :‬محمد قطب ‪ :‬منهج الفن السلمي ) ص ‪.( 6 :‬‬
‫)‪ (5‬التعريف ‪ :‬مجلة البعث السلمي ـ الهند ‪ :‬عدد رمضان ‪ /‬شوال سنة‬
‫‪1401‬هـ ـ ) ص ‪.( 68 :‬‬
‫)‪ (6‬التعريف ‪ :‬نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫)‪ (7‬التعريف ‪ :‬د‪ .‬جابر قميحة ـ مجلة الوعي السلمي العدد ‪ 376‬ـ ذو الحجة‬
‫‪1417‬هـ ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫)‪ (8‬قانون الفطرة وولدة النص الدبي ‪ :‬د‪ .‬عدنان علي رضا النحوي ‪:‬‬
‫الدب السلمي إنسانيته وعالميته ـ الباب الثاني ـ الفصل الول‪.‬‬
‫النهج اليماني للتفكير ـ الباب الرابع ـ الفصل الثاني‪.‬‬
‫السلوب والسلوبية ـ الباب الرابع ـ الفصل الول والفصل الثاني‪.‬‬
‫التربية في السلم ـ النظرية والمنهج ـ الباب الثالث ـ القسم الثاني‪.‬‬
‫)‪ (9‬د‪ .‬عدنان علي رضا النحوي ‪ :‬النقد الدبي المعاصر ‪ :‬الباب الثالث ـ‬
‫الفصل الثاني ) ص ‪ 135 :‬ـ ‪.( 140‬‬
‫)‪ (10‬المصدر السابق‬
‫)‪ (11‬د‪ .‬عدنان علي رضا النحوي ‪ :‬الدب السلمي إنسانيته وعالميته ‪ :‬الباب‬
‫الخامس بفصوله الخمس ـ ) ص ‪ 231 :‬ـ ‪.( 414‬‬
‫النقد الدبي المعاصر بين الهدم والبناء ‪ :‬الباب الثالث ـ الفصل الثاني ‪141 :‬‬
‫ـ ‪.145‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫)‪ (12‬د‪ .‬عدنان علي رضا النحوي ‪ :‬أدب الوصايا والمواعظ ‪ :‬الباب الول‬
‫الفصل الول ) ص ‪19 :‬ـ ‪.( 23‬‬
‫الدب السلمي إنسانيته وعالميته ‪ :‬الباب الول ـ بفصوله الربعة ـ ) ص ‪:‬‬
‫‪22‬ـ ‪.( 80‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫معادلت إيمانية‬
‫المعادلة الولى والثانية ‪:‬الخلص والمحبة‬
‫يتناول الدرس القوانين والمعادلت اليمانية لضبط ومعرفة كثير من السلوك‬
‫اليماني ‪ ،‬فكان من المناسب التطرق إليها‪ ،‬والوقوف عند بعضها؛ لتعين‬
‫الدعاة على سهولة محاسبة النفس‪ ،‬ومعرفة معالجة العيوب‪ ،‬والوصول إلى‬
‫ما يجب التحلي به من الخلق‪ ،‬والخصال التي حث عليها الشارع لتكامل‬
‫الشخصية السلمية‪ ،‬لتكون في ذروة القدوة‪ ،‬حتى تستطيع أن تؤثر في‬
‫الخرين عندما تدعوهم لعبادة الله وحده‪.‬‬
‫مقدمة‪ :‬كما أن في عالم الفيزياء‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬وعلوم الهندسة‪ ،‬وغيرها بعض‬
‫القوانين والمعادلت الرياضية للتسهيل في المجهول منها‪ ،‬فالسرعة =‬
‫المسافة × الزمن‪.‬‬
‫والحجم = الطول × العرض × الرتفاع‪.‬‬
‫والقوة = الوزن × المسافة × المساحة‪.‬‬
‫والضغط = الرتفاع × الكثافة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كذلك توجد قوانين ومعادلت إيمانية لضبط ومعرفة كثير من السلوك‬


‫اليماني‪..‬ولقد تحدث الكثير من العلماء عن معادلت إيمانية مستنبطة من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬منثورة في كتب الزهد والسلوكيات‪ ،‬فكان من المناسب‬
‫التطرق إليها‪ ،‬والوقوف عند بعضها؛ لتعين الدعاة على سهولة محاسبة‬
‫النفس‪ ،‬ومعرفة معالجة العيوب‪ ،‬والوصول إلى ما يجب التحلي به من‬
‫الخلق‪ ،‬والخصال التي حث عليها الشارع لتكامل الشخصية السلمية‪،‬‬
‫لتكون في ذروة القدوة‪ ،‬حتى تستطيع أن تؤثر في الخرين عندما تدعوهم‬
‫لعبادة الله وحده‪.‬‬
‫ه‬
‫قاَء َرب ّ ِ‬
‫جوا ل ِ َ‬
‫ن ي َْر ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫الخلص‪ :‬يقول الله تعالى في كتابه الكريم‪ {:‬فَ َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬ ‫حا وََل ي ُ ْ‬
‫دا]‪] }[110‬سورة الكهف[‪.‬‬ ‫ح ً‬ ‫شرِ ْ‬
‫ك ب ِعَِباد َةِ َرب ّهِ أ َ‬ ‫مًل َ‬
‫صال ِ ً‬ ‫ل عَ َ‬ ‫فَل ْي َعْ َ‬
‫م ْ‬
‫? والقانون هنا‪ :‬عمل موافق للكتاب والسنة ‪ +‬الخلص = ثواب الله تعالى‪.‬‬
‫والخلص أحد شرطي قبول العمل‪ ،‬وبغيره ل ُيقبل العمل‪ .‬والمخلص تراه‬
‫دائم الخوف من عدم القبول؛ لنه يخشى أن يكون ما قدم فيه شيء من‬
‫الرياء والسمعة‪ ،‬بينما المنافق تراه مطمئنا ً لما قدم‪ ،‬وفي ذلك ما قاله رجل‬
‫ت منافقا ً لم تخش'‪.‬‬ ‫لحذيفة ‪:‬أخشى أن أكون منافقا ً فقال‪':‬لو كن َ‬
‫أحسن في نهارك ُتكفى في ليلك ‪ :‬ومن فروع هذا القانون ما ذكره الزاهد‬
‫كفي في ليله‪ ،‬ومن‬ ‫أبو سليمان الداراني عندما قال‪':‬من أحسن في نهاره ُ‬
‫كفي في نهاره‪ ،‬ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من‬ ‫أحسن في ليله ُ‬
‫قلبه‪ ،‬والله أكرم من أن يعذب قلبا ً بشهوة ُتركت له'‪ .‬فمن أحسن العمل‪،‬‬
‫وأخلصه لله في النهار؛ كفاه الله من شرور الليل وحاجاته‪ ،‬ومن أحسن‬
‫العمل والتقرب إلى الله في الليل‪ ،‬فإن النتيجة تكون كفاية الله له في نهاره‪،‬‬
‫فل يحتاج لحد‪ ،‬ول ينقصه شيء‪ ،‬ومن ترك شهوة لله بالرغم من توافر‬
‫العوامل المساعدة لقترافها‪ ،‬كانت النتيجة أن الله ل يعذبه‪.‬‬
‫متى تكون الفضيحة ؟ ومن فروعه أن المرء عندما يريد وجه الله سبحانه في‬
‫عمله يوفق له‪ ،‬ويفتح الله عليه أكثر مما يتوقع‪ ،‬وأكثر مما كان مخططا ً له‪،‬‬
‫ومن أراد أن ُيشار إليه‪ ،‬أو يبرز أمام الخرين‪ ،‬أو يريهم ملكاته وحسن تدبيره‪،‬‬
‫فإن الله يفضحه‪ ،‬ويرى الخرين ضعفه‪ ،‬ول يوفقه للصواب‪ ،‬ويتعثر فل‬
‫يستطيع الوصول إلى ما يريد من الهداف‪ ،‬ويكون ذلك واضحا ً جليا ً في مجال‬
‫تعليم العلم والوعظ‪ ..‬فمن أراد أن ُيري الخرين عميق علمه‪ ،‬وجميل عبارته‪،‬‬
‫وتمكنه من التأثير في الخرين؛ فإن الله ينسيه العبارات‪ ،‬وتختلط عليه‬
‫الستدللت‪ ،‬ويرتبك بما كان قادرا ً عليه‪ ،‬ومن أراد نصرة دين الله‪ ،‬وهداية‬
‫الخرين‪ ،‬والقيام بحق الله‪ ،‬يدفعه الغضب لله‪ ،‬والحرقة على أحوال العصاة‪،‬‬
‫فإن الله يفتح عليه من العلوم ما يتعجب منه‪ ،‬ومن التوفيق والسداد ما لم‬
‫يحفظه أو يحضره‪،‬ويذكره من العلم ما نسيه‪ ،‬ويورد على لسانه ما لم‬
‫يتوقعه‪ ،‬وهذا كله من بركات الخلص لله وحده‪.‬‬
‫? ينقل لنا هذا الشعور‪ ،‬ويؤكد لنا صدق هذا القانون‪ :‬المام أبو يوسف‬
‫صاحب المام أبي حنيفة عندما قال‪ ':‬أريدوا بعلمكم الله تعالى‪ ،‬فإني لم‬
‫أجلس مجلسا ً قط أنوي فيه أن أتواضع‪ ،‬إل لم أقم حتى أعلوهم‪ ،‬ولم أجلس‬
‫مجلسا ً قط أنوي فيه أن أتواضع‪ ،‬إل لم أقم حتى أفتضح'‪.‬‬
‫ونستخلص من هذا أربعة معادلت جليلة في الخلص‪:‬‬
‫من أراد بعمله وجه الله = يوفقه الله ويفتح عليه‪.‬‬
‫سر عليه‪.‬‬ ‫من أراد بعمله غير وجه الله = يخذله الله ويع ّ‬
‫من أراد بعمله وجه الله = يفتح الله عليه‪ ،‬ويسدد لسانه‪ ،‬ويقوي حجته‪.‬‬
‫من أراد بعلمه غير وجه الله = ينسيه الله العلم‪ ،‬ويفضحه ويضعف حجته‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من أحب أن يذكر ‪ :‬ومن فروع القانون ما ذكره المام الزاهد الفضيل بن‬
‫عياض‪':‬من أحب أن ُيذ َ‬
‫كر لم ُيذكر‪ ،‬ومن كره أن ُيذكر ذ ُ ِ‬
‫كر'‪.‬‬
‫?فكم من الناس بذل ما يستطيع من المال والجهد من أجل أن يذكره‬
‫الخرون‪ ،‬فمات وكان في طي النسيان‪.‬‬
‫?كم من الخفياء‪ ،‬التقياء بالغ بإخفاء أعماله‪ ،‬وكره البروز‪ ،‬وحرص على‬
‫الختلء بالله‪ ،‬ولكن ذكره مل الرض‪.‬‬
‫والذي يقلب صفحات التاريخ يدرك حقيقة هذه القاعدة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫? فأين ملوك الكاسرة والباطرة‪ ،‬وملوك الدنيا من المسلمين من بني‬


‫الحمر في دولة الندلس؟ وأين ملوك الفاطميين‪ ،‬وملوك المغول‪ ،‬وغيرهم‬
‫ممن أرادوا أن ُيذكروا ؟‪ ..‬أين هم في واقعنا‪ ،‬وعلى ألسنتنا ؟ إنهم جميعا ً لم‬
‫يذكروا‪ ..‬بينما تأمل وتصفح صفحات التاريخ‪ ،‬فهل ترى جيل ً من أجيال‬
‫المسلمين نسي ذكر الخلفاء الراشدين‪ ،‬أو الصحابة الكرام والتابعين‪ ،‬أو‬
‫علماء المة البارزين من القدماء والمعاصرين؟ إنه يؤكد حقيقة القاعدة التي‬
‫كر'‪.‬‬ ‫كر لم ُيذكر‪ ،‬ومن أن ُيذكر ذ ُ ِ‬ ‫ذكرها المام الفضيل‪':‬من أحب أن ُيذ َ‬
‫أصدق في باطنك ‪ :‬إنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم والترمذي‬ ‫ت عَي َْنا ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫فا َ‬ ‫خال ًِيا فَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ذ َك ََر الل ّ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ظله‪] :‬وََر ُ‬
‫والنسائي ومالك وأحمد‪ .‬بعيدا ً عن رقابة الخرين‪ ،‬وبعيدا ً عن شبهة الرياء‪،‬‬
‫استشعر عظمة الله‪ ،‬ولقائه يوم القيامة‪ ،‬وعظيم حسابه‪ ،‬فخاف منه‬
‫وانحدرت دموعه رغما ً عنه‪ ،‬لقد صدق في باطنه؛ فأفاض الله الدمع من‬
‫عينيه‪ ،‬وأراه الدموع الغالية التي تطفئ غضب الرب‪ ..‬إنها معادلة يستمدها‬
‫المام ابن الجوزي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‪':‬اصدق في‬
‫باطنك‪ ،‬ترى ما تحب في ظاهرك' ‪.‬‬
‫فالصدق الداخلي‪ ،‬والنية الصالحة التي يعقدها المؤمن في قلبه دون أن يراها‬
‫أحد من الخلق؛ ينتج عنها صفاء النفس‪ ،‬وراحة البال‪ ،‬وصحة البدن‪ ،‬والسداد‬
‫بالرأي والقول والعمل‪ ..‬تلك معادلة أكدها علي رضي الله عنه قبل ابن‬
‫الجوزي حين قال‪':‬من أحسن سريرته أحسن الله علنيته'‪.‬‬
‫فإن نطق؛ فينطق صوابًا‪ ..‬وإن عمل؛ وفقه الله في عمله حتى يصل إلى ما‬
‫يريد‪ ،‬فما من عمل يقوم به أمام الناس علنية؛ إل بارك الله فيه‪ ،‬وجعله‬
‫صائبا ً مسددا ً مؤثرا ً في الخرين؛ لن ذلك نتيجة للشطر الول من المعادلة‬
‫'من أحسن سريرته'‪.‬‬
‫المعادلة الثانية‪ :‬المحبة‬
‫ل تكتمل حقيقة العبادة من غير محبة لله تعالى؛ لن الحب هو الدافع الكبر‬
‫للعمل وتحمل المشاق في سبيل المحبوب؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه‬
‫م‬‫ك الل ّهُ ّ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫فعُِني ُ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك وَ ُ‬ ‫حب ّ َ‬‫م اْرُزقِْني ُ‬ ‫وسلم يقول في دعائه‪]:‬الل ّهُ ّ‬
‫ما‬
‫م ّ‬ ‫ت عَّني ِ‬ ‫ما َزوَي ْ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ب الل ّهُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫ه قُوّة ً ِلي ِفي َ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫ب َفا ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ ُ ِ‬ ‫م ّ‬‫ما َرَزقْت َِني ِ‬ ‫َ‬
‫ب[ رواه الترمذي وحسنه‪ ،‬وحسنه الرناؤوط‪-‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أُ‬
‫ح ّ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫غا‬ ‫را‬‫ُ َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫فا‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ح‬
‫ِ‬
‫جامع الصول ‪ . 2363‬يقول المام المباركفوري في شرحه لهذا‬
‫م وَلَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب وََل ل َذ ّة َ وَل ن َِعي َ‬
‫َ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫سَعاد َة َ ل ِل ْ َ‬ ‫ه َل َ‬ ‫حّبك[ أيْ ِلن ّ ُ‬ ‫م ا ُْرُزقِْني ُ‬ ‫الحديث ‪]':‬الل ّهُ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ب[ أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ما َرَزقَت ِْني ِ‬ ‫م َ‬ ‫واه ُ ]الل ّهُ ّ‬ ‫س َ‬‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ح إ ِّل ب ِأ ْ‬ ‫صَل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مت ِعَةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫ُ‬
‫ن وَقوّت ِهِ وَأ ْ‬ ‫حةِ الب َد َ ِ‬ ‫ص ّ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حب َّها ِ‬ ‫شَياِء الِتي أ ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ذي أعْطْيتِني ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب[ ‪...‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫ه قُوّة ً ِلي[ أيْ عُد ّة ً ِلي ]ِفي َ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫فَراِغ ] َفا ْ‬ ‫جاهِ َواْلوَْلد ِ َوال ْ َ‬ ‫ل َوال ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سب ًَبا‬‫ه َ‬ ‫جعَل ْ ُ‬‫ن قَل ِْبي َوا ْ‬ ‫حهِ عَ ْ‬ ‫حاّبي فَن َ ّ‬ ‫م َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صَرْفت عَّني ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ضي‪ :‬ي َعِْني َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫عَباد َِتك ‪ .‬وََقا َ‬ ‫شغَ َ‬ ‫ل ب ِهِ قَل ِْبي فَي ُ ْ‬ ‫شغَ ْ‬ ‫طاعَِتك وََل ت َ ْ‬ ‫فَراِغي ل ِ َ‬
‫ي ‪ :‬أيْ‬ ‫طيب ِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫لِ َ‬
‫فَراعَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬ ‫حاب ّك وَذل ِك أ ّ‬ ‫م َ‬‫حاّبي عَوًْنا ِلي عَلى شغِْلي ب ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حْيته عَّني ِ‬ ‫ما ن َ ّ‬ ‫جعَل َ‬ ‫اِ ْ‬
‫فَراغ ُ عَوًْنا ل َُ‬
‫ه‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫حا‬‫م‬ ‫ب‬
‫َّْ ََِ ّ ِ َ َ ّ َ ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫يا‬ ‫ن‬‫د‬ ‫ال‬ ‫ه‬
‫َْ ُ‬‫ن‬ ‫ع‬ ‫وى‬ ‫ز‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬
‫ْ ِ ِ َ َ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫غ‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫خ‬
‫ِ‬
‫ه'‪.‬‬‫طاعَةِ الل ِّ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫غا‬
‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫إقبال القلوب ‪ :‬هذا التجرد الكامل وهذا القبال على الله بمثل هذه الطريقة؛‬
‫هو قمة الحب إلى درجة أنه يدعو ربه بأل ينشغل القلب لحظات بما زوى الله‬
‫عنه من ملذ الدنيا مما تحب النفس من المال والولد والجاه عن ذكر ربه‬
‫والشتغال بعبادته‪ ،‬هذا القبال على الله يتفاوت فيه الناس‪ ،‬فالنبياء هم أكثر‬
‫خْلق إقبال ً بقلوبهم على الله‪ ،‬ولهذا السبب تكون النتيجة أن الله سبحانه‬ ‫ال َ‬
‫يقبل بقلوب معظم الناس إليهم‪.‬‬
‫? والمعادلة هنا‪ :‬هي ما ذكره الواعظ يحيى بن معاذ عندما قال‪':‬على قدر‬
‫حبك لله يحبك الخلق'‪.‬‬
‫? ويوضح هذه المعادلة اليمانية‪:‬التابعي الجليل هرم بن حيان عندما قال‪':‬ما‬
‫أقبل عبد بقلبه إلى الله‪ ،‬إل أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه‬
‫ودهم'‪ .‬ومن العجيب أن ترى نفس العبارة عند الكثير من العلماء والصالحين‪،‬‬
‫بالرغم من تفاوت الزمان والمكان بينهم‪.‬‬
‫ترمومتر العلقة‪ :‬فمفتاح القلوب إلى الناس ليس المال ول المنصب‪ ،‬أو أي‬
‫شهوة من شهوات الدنيا‪ ،‬بل هو القبال على الله؛ لنه هو مالك القلوب‬
‫يصرفها كيف يشاء‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫هذا ما أراد أن يوصله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي‬
‫وقاص عندما كتب إليه‪':‬إن الله إذا أحب عبدا ً حببه إلى خلقه‪ ،‬فاعتبر منزلتك‬
‫ك عند الله مثل ما للناس عندك'‪.‬‬ ‫من الله بمنزلتك من الناس‪ ،‬واعلم أن ما ل َ َ‬
‫فحب الناس وإقبالهم على المرء هو ترمومتر علقتك وإقبال قلبك على الله ‪.‬‬
‫? وربما أراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تذكير خال النبي صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫وسلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يؤكد هذه المعادلة‪]:‬إ َِذا أ َ‬
‫َ‬
‫ري ُ‬
‫ل‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ل فَي َُناِدي ِ‬ ‫ري ُ‬ ‫جب ْ ِ‬‫ه ِ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫ه فَي ُ ِ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫ب فَُلًنا فَأ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫جب ْ ِ‬‫دا َناَدى ِ‬ ‫ه عَب ْ ً‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضع ُ ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫م ُيو َ‬ ‫ماِء ث ُ ّ‬ ‫س َ‬‫ل ال ّ‬ ‫ه أهْ ُ‬ ‫حّبوه ُ فَي ُ ِ‬
‫حب ّ ُ‬ ‫ب فَُلًنا فَأ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ماِء إ ِ ّ‬ ‫س َ‬‫ل ال ّ‬ ‫ِفي أهْ ِ‬
‫ض[ رواه البخاري ومسلم والترمذي ومالك وأحمد ‪.‬‬ ‫ر‬‫ل ِفي أ َهْل اْل َ‬ ‫قُبو ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول المام ابن حجر في الفتح‪' :‬والمراد في القبول قبول القلوب له‬
‫بالمحبة‪ ،‬والميل إليه والرضا عنه‪ ،‬ويؤخذ منه‪ :‬أن محبة قلوب الناس علمة‬
‫َ‬
‫ل إ ِّني قَد ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫جب ْ‬
‫دا َناَدى ِ‬ ‫ه عَب ْ ً‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫محبة الله' ويؤكد هذا المعنى رواية‪ ]:‬إ َِذا أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ة ِفي أهْ ِ‬ ‫حب ّ ُ‬‫م َ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ل لَ ُ‬ ‫م ت َن ْزِ ُ‬ ‫ماِء ث ُ ّ‬ ‫س َ‬‫ل فَي َُناِدي ِفي ال ّ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ت فَُلًنا فَأ ِ‬
‫حب ّ ُ‬ ‫حب َب ْ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ض‪ [...‬رواه الترمذي‪ ،‬وصححه اللباني‪.‬‬ ‫َْ‬
‫الْر ِ‬
‫المعادلة الثالثة‪ :‬التيسير‬
‫رئيسي ‪:‬فضائل ‪:‬‬
‫والتيسير في المور كلها يحدث نتيجة لبعض أعمال القلوب وأعمال الجوارح‪،‬‬
‫والتي من أبرزها‪ :‬التقوى‪ ،‬والنفاق في سبيله‪ ،‬والتصديق بما أنزله سبحانه‪،‬‬
‫والعمل بما أمر والبتعاد عما نهى‪.‬‬
‫هَ‬
‫لل ُ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ق الل َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫تقوى الله‪ :‬يذكر الله تعالى هذه المعادلة اليمانية ‪ {:‬وَ َ‬
‫م َ‬
‫سًرا]‪' }[4‬سورة الطلق'‪ .‬ويذكر المام الرازي معاني التيسير في‬ ‫مرِهِ ي ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الية‪ ،‬فيقول‪':‬في تفسير هذه اللفظة وجوه‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬أنها الجنة‪ .‬ثانيها‪ :‬أنها الخير‪ .‬ثالثها‪ :‬المراد منه أن يسهل عليه كل ما‬
‫كلف به من الفعال والتروك‪ .‬رابعها‪ :‬اليسرى هي العود إلى الطاعة التي أتى‬
‫ل‪ ،‬فكأنه قال ‪ :‬فسنيسره لن يعود إلى العطاء في سبيل الله‪ . '...‬هذه‬ ‫بها أو ً‬
‫النواع من التيسير إنما هي نتيجة للتقوى‪ ،‬والتقوى هي اتخاذ الوقاية من‬
‫النار‪ ،‬ومن كل ما يدخل النار‪ ،‬ويوجب غضب الجبار‪ ،‬والوقاية ل تكون إل‬
‫بالعمل بما أمر به الله تعالى‪ ،‬والبتعاد عما نهى‪ ،‬والتقرب الدائم له‪.‬‬
‫النفاق في سبيله‪ :‬فالمال –كما يقولون‪ -‬نسيب الروح‪ ،‬ول ينفق الروح إل من‬
‫استطاع إنفاق المال‪ ،‬والذي ينتصر على محبة المال‪ ،‬وينفقه في دروب الخير‬
‫ابتغاء ما عند الله؛ فقد فتحت له أبواب الفلح؛ لذلك قال تعالى‪ ،‬مادحا ً الذين‬
‫ح‬
‫ش ّ‬‫ن ُيوقَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ينتصرون على أنفسهم التي تدعوهم للبخل‪ ،‬ثم ينفقون‪ {:‬وَ َ‬
‫ن]‪' }[9‬سورة الحشر'‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬‫ك هُ ُ‬ ‫سهِ فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫سر له أموره‬ ‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إن الله يكافئه في الدنيا قبل الخرة‪ ،‬فيي ّ‬
‫كلها‪ ،‬فل يطرق بابا ً إل ُفتح‪ ،‬ول يقع في معضلة إل حلت‪ ،‬وييسر عليه كل ما‬
‫كلف به‪ ،‬بل ويحببه إلى نفسه‪ ،‬وييسر عليه ترك كل ما ُنهي عنه‪ ،‬بل ويكرهه‬
‫ن أ َعْ َ‬ ‫َ‬
‫سَرى]‪[7‬‬ ‫سُرهُ ل ِل ْي ُ ْ‬ ‫سَنى]‪[6‬فَ َ‬
‫سن ُي َ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫صد ّقَ ِبال ْ ُ‬ ‫قى]‪[5‬وَ َ‬‫طى َوات ّ َ‬ ‫م ْ‬‫ما َ‬ ‫إليه‪{ :‬فَأ ّ‬
‫} 'سورة الليل'‪ .‬بينما الذي ل يتخذ حماية له من غضب الله وعقابه‪ ،‬ول ينفق‬
‫ل‬‫خ َ‬‫ن بَ ِ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫في سبيله؛ فإن الله يعسر عليه أموره كله؛ لقوله تعالى‪ {:‬وَأ ّ‬
‫سَرى]‪' }[10‬سورة الليل'‪.‬‬ ‫سُرهُ ل ِل ْعُ ْ‬ ‫سَنى]‪[9‬فَ َ‬
‫سن ُي َ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب ِبال ْ ُ‬ ‫ست َغَْنى]‪[8‬وَك َذ ّ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫ويذكر المام ابن القيم في كتابه القيم‪':‬الجواب الكافي' التعسير من ضمن‬
‫آثار المعصية التي يجدها العاصي في نفسه وفي حياته‪':‬فل يتوجه لمر إل‬
‫يجده مغلقًا‪ ،‬أو متعسرا ً عليه‪ ،‬وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره‬
‫يسرًا‪ ،‬فمن عطل التقوي جعل له من أمره عسرًا‪ ،‬ويا لله العجبب كيف يجد‬
‫العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه‪ ،‬وطرقها معسرة عليه‪ ،‬وهو ل يعلم‬
‫من أين أتى ؟' ‪.‬‬
‫موسى عليه السلم يطلب التيسير‪ :‬وعندما كلف الله موسى –عليه السلم‪-‬‬
‫بالرسالة‪ ،‬وأمره بالتوجه إلى الطاغية فرعون‪ ،‬ولعلم موسى –عليه السلم‪-‬‬
‫الذي تربى في بيت الفرعون بطغيانه وجبروته؛ أدرك خطورة المهمة‬
‫سْر‬
‫صد ِْري]‪[25‬وَي َ ّ‬ ‫ح ِلي َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫با ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ووعورتها‪ ،‬فطلب من الله التيسير‪َ {:‬قا َ‬
‫سر الله له مجابهة فرعون‪،‬‬ ‫َ‬
‫ري]‪' }[26‬سورة طه' فكان ما أراد حيث ي ّ‬ ‫م ِ‬
‫ِلي أ ْ‬
‫سر الله له الخروج ببني‬ ‫سر الله له مجابهة السحرة حتى آمنوا به‪ ،‬وي ّ‬ ‫وي ّ‬
‫إسرائيل من مصر‪ ،‬ويسر له النجاة من بطش فرعون بفتح طريق في البحر‬
‫وإغراق فرعون وجنوده‪ ،‬كما يسر له قيادة بني إسرائيل قتلة النبياء‬
‫والرسل‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التيسير مع الناس ‪ :‬النسان بطبعه ل يستطيع العيش من غير الخرين‪ ،‬إنه‬


‫يحتاج إلى الزواج ليعيش مع شريكة له في حياته‪ ،‬ليقوما بتربية البناء‪،‬‬
‫وليستعين بها على عبادته‪ ،‬ويحتاج إلى البناء حتى يشعر بسعادة السرة‬
‫وجمعها‪ ،‬ويحتاج إلى رفاق العمل‪ ،‬فل يمكن العمل بمفرده بعيدا ً عن الناس‪،‬‬
‫ويحتاج إلى الناس في قضاء ما ل يستطيع قضاؤه من أمور الدنيا‪ ،‬ويحتاج إلى‬
‫إخوان له بعينونه على سلوك طريق الجنة‪ ..‬وهكذا‪ ،‬فالنسان ل يستطيع‬
‫الفكاك عن الناس‪ ،‬فإذا تعسرت علقته بالخرين‪ ،‬فإن ذلك يسبب له الضيق‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واللم النفسي‪ ،‬الذي يحول بينه وبين قضاء الكثير من الحوائج‪ ،‬أو حتى‬
‫العيش الهنيئ‪ ،‬فما من إنسان إل ويتمنى أن يكون محبوبا ً من الخرين‪ ،‬وأن‬
‫ُتيسر أموره كلها مع الخرين‪ ،‬حتى يحصل على هذا اللون من السعادة‪ ،‬ولكن‬
‫كيف ينجح في كسب الخرين‪ ،‬وإصلح ما بينه وبينهم؟ يرشدنا علي رضي‬
‫ن أصلح ما بينه‬ ‫م ْ‬ ‫الله عنه للمعادلة اليمانية التي تحقق هذا الحلم‪ ،‬فيقول‪َ ':‬‬
‫وبين الله‪ ،‬أصلح الله ما بينه وبين الناس' ‪.‬‬
‫? إنها إذن ثمرة العلقة بين العبد وربه‪ ،‬وعلى مقدار قوة هذه العلقة في‬
‫السر والعلن‪ ،‬يكون مقدار التيسير في علقة المرء مع الناس‪..‬يقول التابعي‬
‫الجليل أبو حازم‪':‬ل يحسن عبد فيما بينه وبين الله إل أحسن الله ما بينه وبين‬
‫العباد‪ ،‬ول يغور فيما بينه وبين الله عز وجل إل أغور فيما بينه وبين العباد‪،‬‬
‫ة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها‪ ،‬إنك إذا صانعت هذا‬ ‫صانع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ول َ ُ‬
‫الوجه مالت الوجوه كلها إليك‪ ،‬وإذا أفسدت ما بينك وبينه شنئتك الوجوه‬
‫كلها' ‪ ..‬إنه سبحانه هو مالك القلوب‪ ،‬فهل يعجزه أن يميلها لمن يشاء من‬
‫عباده ؟ والذي أمر النار بأن تكون بردا ً وسلما ً على عبد صالح دعا قومه‬
‫للتوحيد‪ ،‬وألقى في النار من أجله‪ ،‬أليس بقادر على أن ييسر أمور من أحسن‬
‫علقته به مع الناس ‍‬
‫؟‬
‫المعادلة الرابعة ‪ :‬الهيبة‬
‫والهيبة هي‪':‬خوف مقارن للتعظيم والجلل‪ ،‬وأكثر ما يكون مع المحبة‬
‫والمعرفة''مدارج السالكين'‪ .‬وبهذا التعريف‪ :‬فإن الهيبة ل يمكن أن تكون‬
‫مقرونة بالحب والتوقير‪ ،‬إذا كانت صادرة من العداء والفساق‪ ،‬أو المحاربين‬
‫لدين الله‪ ،‬إنما تكون كذلك إذا صدرت من المؤمنين المحبين لله ورسوله‪.‬‬
‫م ‪ :‬نرى تلك الهيبة العظيمة في شخصية‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫هيبة الرسول َ‬
‫م إلى درجة أن الصحابة الكرام يهابون حتى من‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫النبي َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ َقا َ‬ ‫َ‬
‫سلوِني'‬ ‫م‪َ ':‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬
‫َ‬ ‫سؤاله‪ ،‬فَعَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‪ ...‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫سألو ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فََهاُبوه ُ أ ْ‬
‫م الظهَْر َرك ْعَت َي ْ ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫صّلى ب َِنا الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫وجاء عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ضعَ ي َد َه ُ عَلي َْها وَِفي ال َ‬ ‫جدِ وَوَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ّم ِ ال َ‬ ‫م َ‬ ‫شب َةٍ ِفي ُ‬
‫َ‬
‫م إ ِلى َ‬ ‫م قا َ‬
‫َ‬
‫م َ‬
‫ه‪ ...‬رواه البخاري ومسلم والنسائي‬ ‫ما ُ‬ ‫ن ي ُكل َ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مُر فَهاَبا أ ْ‬ ‫َ‬ ‫مئ ِذ ٍ أُبو ب َكرٍ وَعُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫وأبوداود وابن ماجة وأحمد ‪ .‬ولم يستطع أن يكلمه إل رجل كان الرسول‬
‫م يدعوه‪ :‬ذا اليدين‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫هيبة الصحابة‪ :‬هذه الهيبة في كل من اتقى الله‪ ،‬ولهذا نجدها بوضوح في‬
‫م وهم صحابته الكرام‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫أفضل الناس بعد الرسول َ‬
‫َ‬
‫ه أي ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مُر َر ِ‬ ‫ل عُ َ‬ ‫ل‪َ ':‬قا َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ال ْي َ َ‬ ‫ةب ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫? فهذا ُ‬
‫ل قُل ْت أناَ‬ ‫فت ْن َةِ َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف ُ‬
‫ُ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫دي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ظ َ‬ ‫ح َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ريٌء فَك َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ل ِفي أهْل ِ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ة الّر ُ‬ ‫ت‪ ':‬فِت ْن َ ُ‬ ‫ل قُل ُ‬ ‫ف َقا َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫ك عَلي ْهِ ل َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ه كَ َ‬ ‫فظ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫س هَذِهِ أ ُِريد ُ وَل َك ِّني‬ ‫ل‪ :‬ل َي ْ َ‬ ‫ف' َقا َ‬ ‫معُْرو ُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫صد َقَ ُ‬ ‫صَلة ُ َوال ّ‬ ‫ها ال ّ‬ ‫فُر َ‬ ‫جارِهِ ت ُك َ ّ‬ ‫وَوَل َدِهِ وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫س‬‫ن ب َأ ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميَر ال ْ ُ‬ ‫ك ب َِها َيا أ ِ‬ ‫س عَل َي ْ َ‬ ‫ت ل َي ْ َ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫حرِ َقا َ‬ ‫موِْج ال ْب َ ْ‬ ‫ج كَ َ‬ ‫مو ُ‬ ‫أِريد ُ ال ِّتي ت َ ُ‬
‫ت َل ب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سُر َقا َ‬ ‫ل ي ُك ْ َ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫ح َقا َ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ب أوْ ي ُ ْ‬ ‫سُر ال َْبا ُ‬ ‫ل فَي ُك ْ َ‬ ‫مغْل َقٌ َقا َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ك وَب َي ْن ََها َبا ٌ‬ ‫ب َي ْن َ َ‬
‫قل َْنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب فَ ُ‬ ‫ن ال َْبا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل َ ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ل فَهِب َْنا أ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫تأ َ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫دا َقا َ‬ ‫م ي ُغْل َقْ أب َ ً‬ ‫سَر ل َ ْ‬ ‫ه إ َِذا ك ُ ِ‬ ‫فَإ ِن ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫مُر َ‬ ‫م عُ َ‬ ‫ل قُلَنا فَعَل ِ َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مُر َر ِ‬ ‫ل عُ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سأل ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ق َ‬ ‫سُرو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ط'‬
‫س ِبالغاِلي ِ‬ ‫ديًثا لي ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حد ّث ْت ُ ُ‬ ‫ة وَذ َل ِك أّني َ‬ ‫ن غد ٍ لي ْل ً‬ ‫ن ُدو َ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫مك َ‬ ‫ل ن َعَ ْ‬ ‫ت َعِْني قا َ‬
‫رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫هيبة التابعين والعلماء وكانت الهيبة فيهم كبيرة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫? ما يرويه عمر بن جعثم عن التابعي الجليل خالد بن معدان أنه‪':‬إذا قعد لم‬
‫يقدر أحد منهم يذكر الدنيا عنده هيبة له'‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫? وكان الحسن البصري رضي الله عنه ذا هيبة كبيرة حتى أن أيوب‬
‫السختياني يقول عنه‪ ':‬كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلث حجج ما يسأله‬
‫عن المسألة هيبة له'‪.‬‬
‫? ومما يرويه المام أحمد عن أحد شيوخه المام هشيم بن بشير‬
‫يقول‪':‬لزمت هشيما ً أربع سنين‪ ،‬أو خمسًا‪ ،‬ما سألته عن شيء إل مرتين هيبة‬
‫له‪ ،‬وكان كثير التسبيح بين الحديث'‪.‬‬
‫? وروي الدقي عن شيخه ابن الجلء القدوة شيخ الشام قوله‪':‬ما رأيت شيخا ً‬
‫أهيب من ابن الجلء مع أني لقيت ثلث مئة شيخ‪'.‬‬
‫خوف الله والهيبة‪ :‬يستخلص الواعظ يحيى بن معاذ مما سبق معادلة الهيبة‬
‫حيث يقول‪':‬على قدر خوفك من الله يهابك الخلق'‪ .‬ولهذا السبب كان النبي‬
‫م أكثر الناس هيبة؛ لنه أكثر الناس خوفا ً من الله‪ ،‬حتى‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫جعل الصحابة يهابون سؤاله‪ ،‬وكان الصحابة أكثر الناس خوفا بعد النبي َ‬
‫م‪ ،‬فكان التابعون يهابون من سؤالهم‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫م كان أكثر الناس خوفا ً من‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ت بالرعب ‪ :‬ولن النبي َ‬ ‫صْر ُ‬ ‫نُ ِ‬
‫صّلى‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫الله‪ ،‬وصحابته الكرام‪ ،‬كان أعداء الله أشد هيبة لهم‪ ،‬حتى َقا َ‬
‫خمسا ل َم يعط َه َ‬ ‫ُ‬
‫سيَرةَ‬ ‫م ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ت ِبالّرعْ ِ‬ ‫صْر ُ‬ ‫حد ٌ قَب ِْلي ن ُ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ْ ُْ ُ ّ‬ ‫ت َ ْ ً‬ ‫طي ُ‬ ‫م‪':‬أعْ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫شهْرٍ ‪ '...‬رواه البخاري ومسلم ‪ .‬فقد قذف الله الرعب والهيبة في قلوب‬ ‫َ‬
‫م وصاحبه الكريم على ُبعد‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫أعدائه الله من الرسول َ‬
‫شهر‪ ،‬ولعل هذا أحد السباب الرئيسة في انتصارات المسلمين على الكفار‪،‬‬
‫والفتوحات التي وصلت إلى مشارف أوروبا‪.‬‬
‫انتزاع الهيبة ‪ :‬عندما يقل هذا الخوف من الله‪ ،‬ويصبح الخوف من المخلوق‬
‫أكبر من الخوف من الله‪ ،‬فإن الله ينزع هذه الهيبة من قلوب العداء جزاًء‬
‫وفاقًا‪ ،‬حتى تمضي المعادلة ونتائجها من غير تبديل ول تعديل‪ ،‬فهي سنة‬
‫ماضية إلى يوم القيامة‪ ،‬يقول المام القدوة الزاهد عبد الله بن عبد العزيز‬
‫العمري‪ ،‬والذي وعظ الرشيد يوما ً فأغمى عليه‪':‬من ترك المر بالمعروف‬
‫ف المخلوقين‪ ،‬ونزعت منه الهيبة‪ ،‬فلو أمر ولده ل ستخف به'‪.‬‬ ‫خو ْ َ‬ ‫َ‬
‫آخر الزمان ‪:‬عندما يتناقص هذا الخوف من الله في آخر الزمان‪ ،‬ويزداد‬
‫الخوف من المخلوق‪ ،‬ويزداد التعلق بالدنيا وُتنسي الخرة؛ ينزع الله الهيبة‬
‫تماما ً من قلوب أعداء المسلمين‪ ،‬حتى يتجرأوا عليهم من كل صوب وحدب‪،‬‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ويمثل هذه المأساة التي تحدث للمسلمين قول النبي َ‬
‫َ‬ ‫عى اْل َك َل َ ُ‬ ‫ك اْل ُم َ‬
‫ل‬ ‫قا َ‬ ‫صعَت َِها' فَ َ‬ ‫ة إ ِلى قَ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫عى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫دا َ‬‫ن تَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫م‪ُ':‬يو ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬
‫سي ْ ِ‬ ‫م غَُثاٌء ك َغَُثاِء ال ّ‬ ‫مئ ِذ ٍ ك َِثيٌر وَلك ِن ّك ُ ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ل‪ ':‬ب َ ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ َقا َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن قِلةٍ ن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ :‬وَ ِ‬ ‫َقائ ِ ٌ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه ِفي قُلوب ِك ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫قذِفَ ّ‬ ‫َ‬
‫م وَلي َ ْ‬ ‫من ْك ْ‬‫ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫مَهاب َ َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ُ‬
‫دورِ عَد ُوّك ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫وَل َي َن َْزعَ ّ‬
‫ت'‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ب الد ّن َْيا وَك ََراهِي َ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل‪ُ ':‬‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ما ال ْوَهْ ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫قا َ‬ ‫ن' فَ َ‬ ‫ال ْوَهْ َ‬
‫رواه أبوداود وأحمد ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫المعادلة الخامسة‪:‬العجب بداية النهاية‬
‫رئيسي ‪:‬فضائل ‪:‬‬
‫ماهو العجب ؟ يعرف ابن المبارك العجب‪ ،‬فيقول‪':‬أن ترى أن عندك شيئا ً‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليس عند غيرك'‪ .‬ويقول القرطبي‪':‬إعجاب المرء بنفسه‪ :‬هو ملحظته لها‬
‫بعين الكمال‪ ،‬مع نسيان نعمة الله‪ ،‬فإن احتقر غيره مع ذلك‪ ،‬فهو الكبر‬
‫المذموم'‪.‬‬
‫? والعجب ضده التواضع‪ ،‬يقول المام الشافعي عن التواضع‪':‬أرفع الناس‬
‫قدرا ً من ل يرى قدره وأكثرهم فضل ً من ل يرى فضله'‪ .‬وعلى هذا فإن‬
‫المعجب بنفسه يرى أنه أرفع من الناس‪ ،‬وأنه ل يماثله أحد‪ ،‬يتصاحب ذلك مع‬
‫نسيانه بفضل الله عليه بتلك الصفة أو النعمة التي يترفع بسببها على الناس‪.‬‬
‫يتجلجل في الرض‪ :‬ولقد انطبقت هذه الصفات على قارون‪ ،‬حيث أعجبته‬
‫نفسه‪ ،‬واغتر بماله‪ ،‬ونسي المنعم عليه‪ ،‬بل نسب هذه النعمة لنفسه عندما‬
‫دي ]‪] }[78‬سورة القصص[ ‪ .‬فعاقبه الله على‬ ‫عل ْم ٍ ِ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ُ‬
‫عن ْ ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫قال‪{:‬إ ِن ّ َ‬
‫عجبه‪ ،‬ونسيانه لفضله عليه بأن خسف به الرض‪ ،‬وأمرها سبحانه بسحبه لها‪،‬‬
‫فمازال يتجلجل بها‪.‬‬
‫م‪:‬‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫فعن أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬قال‪َ :‬قا َ‬
‫و‬ ‫َ‬
‫ه ب ِهِ فهُ َ‬ ‫ّ‬
‫ف الل ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه إ ِذ ْ َ‬ ‫مت َ ُ‬
‫ج ّ‬‫ل ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مَر ّ‬ ‫ه ُ‬‫س ُ‬
‫ف ُ‬‫ه نَ ْ‬ ‫جب ُ ُ‬‫حل ّةٍ ت ُعْ ِ‬ ‫شي ِفي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫]ب َي ْن َ َ‬
‫ة[ رواه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد ‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫جل إ ِلى ي َوْم ِ ال ِ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جل ْ َ‬‫ي َت َ َ‬
‫م من العجب ‪ :‬ولن العجب قد يحبط العمل‪،‬‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫خوف النبي َ‬
‫م يخاف منه‪ ،‬حيث كان يوصي أصحابه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫النبي‬ ‫فقد كان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قوُلوا عَب ْد ُ‬ ‫ما أَنا عَب ْد ُه ُ فَ ُ‬ ‫م فَإ ِن ّ َ‬‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫صاَرى اب ْ َ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫ما أط َْر ْ‬ ‫بقوله‪َ] :‬ل ت ُط ُْروِني ك َ َ‬
‫ه[ رواه البخاري والدارمي وأحمد‪ .‬لنه كان يخشى على نفسه‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫الل ّهِ وََر ُ‬
‫عند الثناء من العجب‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫م كان يوصى صحابته الكرام أن يخفوا عبادتهم‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫?بل إنه َ‬
‫ة‬
‫قب َ َ‬‫ن عُ ْ‬ ‫ل؛ كي ل يكون ذلك سبًبا في عجبهم‪ ،‬فَعَ ْ‬ ‫ما استطاعوا إلى ذلك سبي ً‬
‫جاهُِر‬ ‫ْ‬
‫ل‪ ] :‬ال َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬‫ل َ‬ ‫مرٍ َقا َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫بْ ِ‬
‫ة[ رواه الترمذي‬ ‫صد َقَ ِ‬ ‫سّر ِبال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ن كال ُ‬‫َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ْ‬
‫سّر ِبال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫صد َقَةِ َوال ُ‬ ‫جاهِرِ ِبال ّ‬ ‫ْ‬
‫ن كال َ‬ ‫َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ْ‬
‫ِبال ُ‬
‫والنسائي وأبوداود وأحمد‪.‬‬
‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫معَْنى هَ َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ثأ ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذا ال َ‬ ‫يقول المام الترمذي‪ -‬معقًبا‪ -‬على الحديث‪ ':‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قرآ َ‬
‫سّر‬ ‫ة ال ّ‬ ‫َ‬
‫صد َق َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِل ّ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫قَراَءةِ ال ُ‬ ‫جهَُر ب ِ ِ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫قَراَءةِ ال ْ ُ ْ ِ‬ ‫سّر ب ِ ِ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫ل العِلم ِ ل ِك ْ‬ ‫عن ْد َ أهْ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫معَْنى هَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫صد َقةِ العَلن ِي َةِ وَإ ِن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل العِلم ِ ِ‬ ‫عن ْد َ أهْ ِ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ُ‬ ‫أفْ َ‬
‫ْ‬
‫ف‬‫خا ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ال ْعُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ل َل ي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫سّر ال ْعَ َ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ب ِل َ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ال ْعُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي َأ َ‬
‫ه'‪ .‬لن قارئ القرآن قد تعجبه قراءته‪ ،‬أو أنه يرى إعجاب‬ ‫ن عََلن ِي َت ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ِ‬
‫الخرين بقراءته‪ ،‬وحسن تجويده‪ ،‬وصوته‪ ،‬فيتسرب العجب إلى نفسه‪ ،‬فتأتي‬
‫م بالسرار حماية له من العجب‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫وصية النبي َ‬
‫نتيجة خطيرة‪ :‬فإذا كانت عقوبة قارون على عجبه بنفسه‪ ،‬ونسيانه للمنعم‪،‬‬
‫بخسف الرض به‪ ،‬فإن زوال الخيرية من النسان‪ ،‬وسقوطه من عين الله‪،‬‬
‫ومن أعين الناس ل تقل عن عقوبة الخسف‪ ،‬حيث يحذرنا المام الحسن‬
‫البصري من نتيجة العجب بقوله‪':‬ليس بين العبد وبين أل يكون فيه خير إل أن‬
‫يرى أن فيه خيًرا' ‪.‬‬
‫المام بشر يبين المعادلة‪ :‬وعلج العجب إنما يكون بالخلص والنية الحسنة‪،‬‬
‫وهذا هو الميزان‪ ،‬وهذه هي المعادلة‪ ،‬وكل أمر تشعر أنه ليس لله‪ ،‬فامتنع‬
‫منه؛ لن الله سبحانه وتعالي ل يقبل إل طيًبا‪.‬‬
‫? ويضع المام بشر الحافي ميزاًنا لفهم معادلة العجب‪ ،‬حيث يقول‪':‬إذا‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعجبك الكلم‪ ،‬فاصمت‪ ،‬وإذا أعجبك الصمت فتكلم'‪.‬‬


‫حا بقوله‪':‬ينبغي للعالم أن يتكلم بنيته‬ ‫? ويزيد المام الذهبي هذا الميزان وضو ً‬
‫وحسن قصد‪ ،‬فإذا أعجبه كلمه فليصمت‪ ،‬فإن أعجبه الصمت فلينطق‪ ،‬ول‬
‫يفتر عن محاسبة نفسه‪ ،‬فإنها تحب الظهور والثناء'‪.‬‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م يخصتر المعادلة‪ :‬ويختصر الرسول َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الرسول َ‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م معادلة العجب‪ ،‬بما أوتي من جوامع الكلم بقوله‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ت[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ْ‬
‫خرِ فَلي َ ُ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫ْ‬
‫م ْ‬ ‫ص ُ‬
‫خي ًْرا أوْ ل ِي َ ْ‬ ‫ل َ‬
‫فاليمان بالله واليوم الخر يساوي في طرف المعادلة الخر البحث عن‬
‫الخير‪ ،‬والخلص‪ .‬والنية الصالحة في قمة الخير الذي يبحث عنه المؤمن‪ ،‬فإذا‬
‫لم يجده في عمله‪ ،‬أو قوله؛ فليصمت خيًرا له من حديث‪ ،‬أو عمل يبتغي به‬
‫وجًها غير وجه الله‪ ،‬أو يدخل إلى قلبه العجب بسببه‪ ،‬فيفسد بذلك العمل‪.‬‬
‫ل الل ّهِ إ ِّني‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫ليس هذا من العجب‪ :‬عَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة[‬‫جُر العَلن ِي َ ِ‬ ‫سّر وَأ ْ‬ ‫جُر ال ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫َ‬
‫ل‪ ] :‬لك أ ْ‬ ‫جب ُِني َقا َ‬ ‫ل فَي ُط ّل َعُ عَل َي ْهِ فَي ُعْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ْعَ َ‬
‫م ُ‬‫أعْ َ‬
‫رواه ابن ماجة‪ .‬إذًا‪ :‬فالضابط ها هنا هو النية‪ ،‬فإذا عمل العمل يبتغي به وجه‬
‫ل‪ ،‬ثم اطلع عليه الناس‬ ‫الله تعالي‪ ،‬وحاول إخفاؤه ما استطاع إلى ذلك سبي ً‬
‫بغير إرادة منه لهذا الطلع وأثنوا عليه‪ ،‬ففرح لهذا الثناء‪ ،‬وحمد الله على‬
‫ذلك التوفيق للعمل الصالح‪ ،‬فليس هذا من العجب‪ ،‬وهو خارج عن تعريفه‬
‫بالشعور بالكمال‪ ،‬ونسيان المنعم عليه‪.‬‬
‫احذر المداحين ‪ :‬إن من السباب والعوامل المساعدة على نمو العجب في‬
‫نفس النسان‪ :‬تلك الفئة التي تبطن غير ما تظهر‪ ،‬وتمدح بالوجه ابتغاء‬
‫التقرب إليه وبعض مصالح الدنيا‪ ،‬وتذم عند غيبة ذلك النسان‪ ..‬ولهذا السبب‬
‫م يحذرنا من هذه الفئة‪ ،‬بل ويأمرنا أن نحثو‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫نرى الرسول َ‬
‫في وجوههم التراب‪ ،‬لما لهم من أثر في النفوس‪ ،‬وربما تسببوا في غرس‬
‫ذلك العجب الذي ينسى نعمة المنعم‪ ،‬ويجعل صاحبه يتعالي على الخرين‪،‬‬
‫ويظن أنه خيًرا منهم‪.‬‬
‫حا عن تلك الفئة الخطرة‪،‬‬ ‫? ويزيدنا التابعي الجليل وهب بن منبه إيضا ً‬
‫فيقول‪':‬إذا سمعت الرجل يقول فيك من الخير ما ليس فيك فل تأمن أن‬
‫يقول فيك من الشر ما ليس فيك'‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫المعادلة السادسة‪ :‬الحياة الطيبة‬
‫رئيسي ‪:‬فضائل ‪:‬‬
‫ن ذ َك َ ٍ‬
‫ر‬ ‫م ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫إنها معادلة قرآنية في طرفها الول يقول تعالي‪َ }:‬‬
‫َ ُ‬
‫ن ‪]{ [97]...‬سورة النحل[‪.‬‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬
‫ه‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫وطرفها الثاني نتيجة لتحقيق الطرف الول‪ ،‬حيث يقول تعالي‪ {:‬فَل َن ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ة ول َنجزينه َ‬
‫ن]‪] }[97‬سورة النحل[‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫حَياة ً ط َي ّب َ ً َ َ ْ ِ َ ّ ُ ْ‬ ‫َ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫العمل الصالح ‪:‬على الطلق‪ ..‬كل عمل صالح‪ ،‬والعمل الصالح ينقسم إلى‬
‫قسمين‪ :‬واجب‪ ،‬ونافلة‪ ،‬أما الواجب فل يستطيع النسان الزيادة فيه‪ ،‬أو‬
‫النقصان‪ ،‬وإنما يكون التنافس في النوافل‪ ،‬حيث تتفاوت همم الصالحين في‬
‫قا لما‬‫التقرب إلى الله‪ ،‬وبالتالي تكون الحياة الطيبة بالزيادة والنقصان‪ ،‬طب ً‬
‫ما‬
‫يتقرب به العبد من ربه من هذه النوافل بعد أداء ما أوجبه الله عليه‪ ،‬ك ً‬
‫فا‪.‬‬
‫وكي ً‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعمل الصالح بشكل عام تتعدد أشكاله‪ :‬فأعله‪ :‬كلمة التوحيد' ل إله إل الله'‬
‫وما تقتضيه‪ ،‬وأدناه إماطة الذى عن الطريق‪ ،‬وما بينهما الكثير من هذه‬
‫العمال الصالحة‪ ،‬والميدان مفتوح للجميع‪.‬‬
‫هل الحياة الطيبة في الدنيا أم في الخرة؟‬
‫أكثر العلماء يرجح أنها في الدنيا‪ ،‬واختلفوا في معنى الحياة الطيبة‪ ،‬ونجمع‬
‫هذه القوال فيما قاله المام القرطبي في 'تفسيره'‪':‬وفي الحياة الطيبة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه الرزق الحلل‪ .‬الثاني‪ :‬القناعة‪ .‬الثالث‪ :‬توفيقه إلى الطاعات‪ ،‬فإنها‬
‫تؤديه إلى رضوان الله‪ .‬الرابع‪ :‬السعادة‪ .‬الخامس‪ :‬حلوة الطاعة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬الجنة‪ ،‬وقال الحسن‪ ':‬ل تطيب الحياة لحد إل في الجنة'‪.‬‬
‫السابع‪ :‬المعرفة بالله‪ ،‬وصدق المقام بين يدي الله‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬الستغناء عن الخلق‪ ،‬والفتقار إلى الحق‪ .‬التاسع ‪ :‬الرضا بالقضاء' ‪.‬‬
‫? ويعقب المام ابن كثير على هذه القوال بقوله‪':‬والصحيح‪ :‬أن الحياة الطيبة‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫ن عََب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬‫تشمل هذا كله‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه المام أحمد عَ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ ]:‬قَد ْ أفل َ‬
‫ْ‬ ‫سل ّ َ‬
‫م َقا َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫صي أ ّ‬‫ن ال َْعا ِ‬
‫رو ب ْ ِ‬‫م ِ‬‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫ه[ ورواه مسلم والترمذي وابن ماجة ‪'.‬‬ ‫ما آَتا ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ه الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫فافا وَقن ّعَ ُ‬ ‫َ‬
‫م وَُرزِقَ ك َ‬ ‫َ‬
‫سل َ‬ ‫أ ْ‬
‫عيش المؤمن وعيش الكافر‪ :‬ويثبت الفخر الرازي بأن الحياة الطيبة تكون‬
‫في الدنيا بعقد مقارنة بين عيش المؤمن‪ ،‬وعيش الكافر‪ ،‬حيث يقول‪':‬اعلم‬
‫أن عيش المؤمن في الدنيا أطيب من عيش الكافر لوجوه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه لما عرف أن رزقه إنما حصل بتدبير الله تعالي‪ ،‬وعرف أنه تعالي‬
‫محسن كريم ل يفعل إل الصواب‪ ،‬كان راضًيا بكل ما قضاه وقدره‪ ،‬وعلم أن‬
‫دا في الحزن‬ ‫مصلحته في ذلك‪ ،‬أما الجاهل فل يعرف هذه الصول‪ ،‬فكان أب ً‬
‫والشقاء‪.‬‬
‫دا يستحضر في عقله أنواع المصائب والمحن ويقدر‬ ‫وثانيها‪ :‬أن المؤمن أب ً‬
‫وقوعها‪ ،‬وعلى تقدير وقوعها يرضي بها؛ لن الرضا بقضاء الله تعالي واجب‪،‬‬
‫فعند وقوعها ل يستعظمها‪ ،‬بخلف الجاهل‪ ،‬فإنه يكون غافل ً عن تلك‬
‫المعارف‪ ،‬فعند وقوع المصائب يعظم تأثيرها في قلبه‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬أن قلب المؤمن منشرح بنور معرفة الله تعالي‪ ،‬والقلب إذا كان‬
‫مملوًءا من هذه المعارف؛ لم يتسع للحزان الواقعة بسبب أحوال الدنيا‪ ،‬أما‬
‫ل من معرفة الله تعالي‪ ،‬فل جرم يصير مملوًءا‬ ‫قلب الجاهل‪ ،‬فإنه خا ٍ‬
‫بالحزان الواقعة بسبب مصائب الدنيا‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬أن المؤمن عارف بأن خيرات الحياة الجسمانية خسيسة‪ ،‬فل يعظم‬
‫فرحه بوجدانها‪ ،‬وغمه بفقدانها‪ ،‬أما الجاهل فإنه ل يعرف سعادة أخرى‬
‫تغايرها‪ ،‬فل جرم يعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬أن المؤمن يعلم أن خيرات الدنيا واجبة التغير‪ ،‬سريعة التقلب‪،‬‬
‫فلول تغيرها وانقلبها لم تصل من غيره إليه'‪.‬‬
‫نشاط النفوس ونبلها‪ :‬ويرى ابن عطيه الندلسي بأن‪':‬طيب الحياة اللزم‬
‫للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونبلها‪ ،‬وقوة رجائهم‪ ،‬والرجاء للنفس أمر‬
‫ملذ‪ ،‬فبهذا تطيب حياتهم‪ ،‬وبأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم‪ ،‬فإن‬
‫انضاف إلى هذا مال حلل‪ ،‬وصحة‪ ،‬أو قناعة؛ فذلك كمال‪ ،‬وإل فالطيب فيما‬
‫ذكرناه راتب'‪.‬‬
‫هل المال شرط للسعادة والحياة الطيبة؟‬
‫كثيرون يعتقدون ذلك‪ ،‬ول يتصورون أن السعادة يمكن أن تحدث من غير‬
‫مال‪ ،‬لذلك فهم يهلكون أنفسهم من أجل المال‪ ،‬ويبيعون قيمهم‪ ،‬ومبادئهم‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من أجل المال‪ ،‬ويقتلون النفس التي حرم الله من أجل المال‪ ..‬ويرد سيد‬
‫قطب على هؤلء بقوله‪':‬العمل الصالح مع اليمان جزاؤه حياة طيبة في هذه‬
‫الرض‪ ،‬ل يهم أن تكون ناعمة‪ ،‬رغدة‪ ،‬ثرية بالمال‪ ،‬فقد تكون به‪ ،‬وقد ل يكون‬
‫معها‪.‬‬
‫وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية‪:‬‬
‫فيها التصال بالله‪ ،‬والثقة به‪ ،‬والطمئنان إلى رعايته وستره وستره ورضاه‪،‬‬
‫وفيها الصحة والهدوء والرضا والبركة‪ ،‬وسكن البيوت‪ ،‬ومودات القلوب‪ ،‬وفيها‬
‫الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير‪ ،‬وآثاره في الحياة‪ ،‬وليس المال‬
‫دا يكفي منه القليل‪ ،‬حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكي وأبقي‬ ‫عنصًرا واح ً‬
‫عند الله'‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫الفرح بفضل الله‪ :‬وإن من الحياة الطيبة‪ :‬الفرح بما يرضي الله ويحبه‪ ،‬الفرح‬
‫ل‬‫ض ِ‬‫ف ْ‬‫ل بِ َ‬‫الذي ل يطغي صاحبه وينسيه فضل الله عليه‪ ،‬حيث يقول تعالي‪ {:‬قُ ْ‬
‫ن]‪] }[58‬سورة يونس[‪.‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬‫م ّ‬
‫خي ٌْر ِ‬‫حوا هُوَ َ‬ ‫فَر ُ‬‫ك فَل ْي َ ْ‬‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ‬ ‫الل ّهِ وَب َِر ْ‬
‫ح َ‬
‫ه‪]} [170] ...‬سورة آل‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ما َءاَتاهُ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حي َ‬ ‫وقوله تعالى‪ {:‬فَرِ ِ‬
‫عمران[‪ .‬عن الحسن‪ ،‬والضحاك‪ ،‬وقتادة‪ ،‬ومجاهد‪':‬فضل الله‪ :‬اليمان‪،‬‬
‫ورحمته‪ :‬القرآن'‪.‬‬
‫? أي‪ :‬أن الفرح بهما أفضل وأنفع مما يجمعونه من الذهب والفضة‪ ،‬وسائر‬
‫خيرات الدنيا؛ لنه هو سبب السعادة في الدارين‪ ،‬وتلك سبب السعادة في‬
‫الدنيا الزائلة فحسب‪ ،‬فقد نال المسلمون في العصور الولى بسببه الملك‬
‫الواسع‪ ،‬والمال الكثير مع الصلح والصلح مما لم يتسن لغيرهم من قبل ول‬
‫من بعد‪ ..‬وبعد أن جعلوا ديدنهم جمع المال‪ ،‬ومتاع الدنيا‪ ،‬ووجهوا همتهم إليه‪،‬‬
‫وتركوا هداية القرآن في إنفاقه‪ ،‬والشكر عليه‪ ،‬ذهبت دنياهم من أيديهم إلى‬
‫أيدي أعدائهم‪.‬‬
‫ما هو الفرح والسرور ؟‬
‫يقول ابن القيم‪':‬الفرح لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب‪ ،‬ونيل المشتهى‪،‬‬
‫فيتولد من إدراكه حالة تسمى الفرح والسرور‪ ،‬كما أن الحزن والغم من فقد‬
‫المحبوب‪ ،‬فإذا فقده؛ تولد من فقده حالة تسمى‪ :‬الحزن والغم'‪ .‬ويقول‬
‫موضع آخر‪':‬الفرح أعلى أنواع نعيم القلب‪ ،‬ولذته وبهجته‪ ،‬والفرح والسرور‬
‫نعيمه‪ ،‬والهم والحزن عذابه‪ ،‬والفرح بالشيء فوق الرضى به‪ ،‬فإن الرضى‬
‫ض‪،‬‬‫طمأنينة وسكون وانشراح‪ ،‬والفرح لذة وبهجة وسرور‪ ،‬فكل فَرٍِح َرا ٍ‬
‫حا‪ ،‬ولهذا كان الفرح ضد الحزن‪ ،‬والرضى ضد لسخط'‪.‬‬ ‫ض فَرِ ً‬ ‫وليس كل را ٍ‬
‫فرحتان ‪:‬الفرح فرحتان‪:‬‬
‫? فرحة بالزائل من الدنيا‪.‬‬
‫ق ل يزول‪،‬‬ ‫? وفرحة بالباقي وكل ما يتصل بالباقي الذي ل يزول فإن أثره با ٍ‬
‫فإن حب الدنيا الزائلة وما فيها والفرح بها‪ ،‬يزول عندما يزول هذا الشيء‪،‬‬
‫وأما الفرح بما عند الله‪ ،‬وبما أنزله من الكتاب‪ ،‬وما جاء به صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فإنه ل ينقطع‪ ،‬يبدأ في الحياة الدنيا‪ ،‬ويستمر حتى يغادر النسان هذه‬
‫الحياة‪ ،‬فيتواصل في حياة البرزخ بما يجده من الفضل والنعيم في القبر‪ ،‬ثم‬
‫يستمر يوم القيامة حين البعث عندما يرى صحائف أعماله نوًرا يتلل‪ ،‬ثم‬
‫يدخل الجنة‪ ،‬فتكون الفرحة الكبرى برؤية وجه العزيز الكريم‪ ،‬وبما يرى من‬
‫نعيم دائم مقيم‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مؤشر اليمان الصادق‪ :‬هذا الفرح بفضل الله ورحمته – والذي هو أحد‬
‫المظاهر البارزة للحياة الطيبة – ل يكون إل لولئك المؤمنين الصادقين‪،‬‬
‫الذين اشتروا الخرة وباعوا الدنيا‪ ،‬فاختاروا بذلك التجارة التي تنجيهم من‬
‫قا لما‬ ‫عذاب أليم‪ ،‬واختاروا الباقي على الزائل‪ ،‬فكان هذا الفرح مؤشًرا دقي ً‬
‫في قلوبهم من إيمان‪ ،‬حيث إن فاقد اليمان‪ ،‬أو ضعيفه ل يفرح إل بما في‬
‫الدنيا من الزخارف‪ ،‬ويزهد فيما عند الله من الباقي‪.‬‬
‫ولهذا المر نرى الصحابة الكرام عندما بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫حا كبيًرا‪:‬‬ ‫بأنه ل يصلي أحد سواهم أي المسلمين صلة العشاء؛ فرحوا فر ً‬
‫َ‬
‫ه‪]:‬عَلى‬ ‫ضَر ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫صَلت َ ُ‬ ‫ضى َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫? كما جاء عن أبي موسى قال‪ :‬فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫رسل ِك ُم أ َبشروا إن من ن ِعمة الل ّه عَل َيك ُ َ‬
‫صّلي هَذِهِ‬ ‫س يُ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫سأ َ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ّ ِ ْ ْ َ ِ‬ ‫ْ ْ ِ ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫ل اللهِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫معَْنا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫حَنا ب ِ َ‬ ‫فرِ ْ‬ ‫جعَْنا فَ َ‬ ‫سى‪ ':‬فََر َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل أُبو ُ‬ ‫م [ َقا َ‬ ‫ة غَي ُْرك ْ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫م' رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫?ونرى كيف فرحت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة عندما بشرها‬
‫أبوها صلى الله عليه وسلم بأنها سيدة نساء الجنة‪ ..‬حيث تروي عائشة‬
‫وتصف لنا تلك الفرحة الكبرى التي بدت على فاطمة – رضي الله عنها –‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬
‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ي الن ّب ِ ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شي َت ََها َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫شي ك َأ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ت َفاط ِ َ‬ ‫فتقول‪':‬أقْب َل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ل النبي صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم‪ ]:‬مرحبا بابنِتي[ ث ُ َ‬
‫ن‬
‫مين ِهِ أوْ عَ ْ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫سَها عَ ْ‬ ‫جل َ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ َ ً ِ َْ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫قا َ ّ ِ ّ َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ديًثا‬ ‫ح ِ‬ ‫سّر إ ِل َي َْها َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كي َ‬ ‫م ت َب ْ ِ‬ ‫ت ل ََها ل ِ َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ت فَ ُ‬ ‫ديًثا فَب َك َ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫سّر إ ِل َي َْها َ‬ ‫مأ َ‬ ‫مال ِهِ ث ُ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ِ‬
‫ما َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ها‬‫َ َُ‬‫ت‬ ‫ل‬ ‫أ‬‫س‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ز‬
‫َ َ ِ ْ ُ ْ ٍ‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫أ‬ ‫حا‬ ‫ر‬
‫َ ْ ِ َ ً‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫كا‬ ‫ت‬‫ُ َ َ ْ ُ‬‫ي‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ض‬
‫ُ‬
‫حّتى قُب ِ َ‬
‫ض‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ ِ‬ ‫سّر َر ُ‬ ‫ي ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ِلفْ ِ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سألت َُها فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ري َ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي ] إِ ّ‬ ‫سّر إ ِل ّ‬ ‫تأ َ‬ ‫قال ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ضَر‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن وَل أَراه ُ إ ِل َ‬ ‫م َّرت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضِني الَعا َ‬ ‫عاَر َ‬ ‫ه َ‬ ‫مّرة ً وَإ ِن ّ ُ‬ ‫سن َةٍ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ضِني ال ُ‬ ‫ي َُعارِ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت َكوِني‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما ت َْر َ‬ ‫ل‪ ]:‬أ َ‬ ‫قا َ‬ ‫حاًقا ِبي[ فَب َكي ْ ُ‬ ‫ل ب َي ِْتي ل َ‬ ‫ل أهْ ِ‬ ‫ك أوّ ُ‬ ‫جِلي وَإ ِن ّ ِ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك' رواه البخاري‬ ‫ت ل ِذ َل ِ َ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن[ فَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ساِء ال ْ ُ‬ ‫جن ّةِ أوْ ن ِ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ساِء أهْ ِ‬ ‫سي ّد َة َ ن ِ َ‬ ‫َ‬
‫ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫? ونرى كيف فرح الصحابي الجليل أبو هريرة‪ ،‬حتى بكى من شدة الفرح‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫عندما اهتدت أمه‪ ،‬ودخلت السلم عندما طلب من النبي َ‬
‫م أن يدعو لها بالهداية‪ ،‬يقول أبو هريرة عن تلك اللحظات السعيدة‪':‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فَرِح‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫كي‬
‫ُ‬
‫ب‬
‫َُْ ُ َ َ ْ ِ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ص‬
‫ِ َ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫َ ُ ِ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫فََر َ ْ ُ ِ‬
‫إ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫م أِبي هَُري َْرةَ‬ ‫دى أ ّ‬ ‫ك وَهَ َ‬ ‫ه د َعْوَت َ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫شْر قَد ْ ا ْ‬ ‫ل الل ّهِ أب ْ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ه وَأث َْنى عَل َي ْهِ وََقا َ‬ ‫َ‬
‫خي ًْرا'رواه مسلم وأحمد‪.‬‬ ‫ل َ‬ ‫مد َ الل ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَ َ‬
‫م فرحة‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫? وينقل لنا الصحابي الجليل أنس خادم النبي َ‬
‫م بأن‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫الصحابة التي ما كان يعدلها فرحة‪ ،‬عندما بشرهم َ‬
‫القيامة‪ ،‬حتى وإن لم يعمل العمل الكثير‪ .‬فَعَ ْ‬
‫ن‬
‫َ‬
‫المرء يكون مع من أحب يوم‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ساعَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سأ َ‬ ‫جًل َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ه‪':‬أ ّ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َ‬
‫ه‬‫ب الل ّ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫يَء إ ِّل أ َّني أ ُ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َل َ‬ ‫ت ل ََها[ َقا َ‬ ‫ماَذا أعْد َد ْ َ‬
‫َ‬
‫ل‪ ]:‬وَ َ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫مَتى ال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫س‪ :‬فَ َ‬ ‫ل أن َ ٌ‬ ‫ت[ َقا َ‬ ‫حب َب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل‪ ]:‬أن ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ت َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫حب َب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫حَنا ب ِ َ‬ ‫يٍء فََر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫حَنا ب ِ َ‬ ‫فَرِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن أكو َ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫مَر وَأْر ُ‬ ‫م وَأَبا ب َكرٍ وَعُ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ب الن ّب ِ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫س فَأَنا أ ِ‬ ‫أن َ ٌ‬
‫ل بمث ْ َ‬ ‫معهم بحبي إياهُم وإن ل َ َ‬
‫م ' رواه البخاري ومسلم‬ ‫مال ِهِ ْ‬ ‫ل أع ْ َ‬ ‫م ْ ِ ِ ِ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫َ َ ُ ْ ِ ُ ّ ِّ ْ َ ِ ْ ْ‬
‫والترمذي وأبوداود وأحمد‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫? هذه نماذج من فرح المؤمنين بفضل الله ورحمته‪ ،‬مما يدل على ما في‬
‫قلوبهم من اليمان الذي استحقوا أن يمنحهم الرب هذه الحياة الطيبة كنتيجة‬
‫لعمالهم الصالحة‪ ،‬وصدق الله العزيز عندما قال‪:‬‬
‫َ ُ‬
‫ن فَل َ ُ ْ ِ َ ّ ُ َ َ ً ّ َ ً َ َ ْ ِ َ ّ ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ة‬ ‫ب‬‫ي‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ي‬ ‫ح‬‫ن‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬‫حا ِ‬
‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫{ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ]‪]} [97‬سورة النحل[‪ ..‬لقد حققوا الشطر‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬‫ح َ‬‫م ب ِأ ْ‬
‫جَرهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫الول من المعادلة بالعمل الصالح‪ ،‬فحقق الله لهم شطرها الخر بالحياة‬
‫الطيبة‪ ،‬ويوم القيامة يجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫المعادلة السابعة كفاية الله‬
‫رئيسي ‪:‬فضائل ‪:‬‬
‫والمعادلة هنا‪ :‬يرويها لنا على بن أبي طالب رضي الله عنه حيث يقول‪':‬من‬
‫عمل لخرته كفاه الله أمر دينه ودنياه'‪ .‬والكفاية هي الحفظ من كيد العداء‪،‬‬
‫والستغناء‪ ،‬والقيام مقامه‪.‬‬
‫وفي المعجم الوسيط‪':‬كفاه كفاية‪ :‬استغنى به عن غيره‪ ،‬وكفى فلًنا المر‪:‬‬
‫قام فيه مقامه‪ ...‬وكفى الله فلًنا‪ ،‬أو شر فلن‪ ،‬حفظه من كيده‪ ،‬واكتفي‬
‫بالشيء‪ :‬استغنى به وقنع'‪.‬‬
‫متى تتحقق الكفاية؟‬
‫هذه الكفاية ل تتحقق للعبد حتى يتحقق الشطر الول من المعادلة‪ ،‬وهو‬
‫العمل للخرة‪ ،‬وأن تكون هي الهم الشاغل‪ ،‬وأل يكتفي بأداء ما وجب عليه‪،‬‬
‫بل يتمم ذلك بالكثير من النوافل حتى يحبه الله فيكون سمعه الذي يسمع به‪،‬‬
‫ويده التي يبطش بها‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬وأل يعطي آخرته فضول أوقاته‪،‬‬
‫بل تكون صلته‪ ،‬ونسكه‪ ،‬ومحياه‪ ،‬ومماته لله رب العالمين‪ ،‬والله سبحانه‬
‫يعوضه ما فاته من دنياه‪ ،‬ويحفظه من كل كيد يكاد له من أعدائه‪ ،‬ويمل قلبه‬
‫بالرضا والقناعة‪ ،‬ويعينه على كل ما من شأنه أن يقربه لله‪ ،‬ويجعله في أعلى‬
‫منزلة‪.‬‬
‫ربح البيع أبا يحيى‪ :‬عندما قبض على الصحابي الجليل صهيب الرومي أثناء‬
‫هجرته للمدينة‪ ،‬واشترطوا الفراج عنه‪ ،‬بأن يدلهم على ماله كله‪ ،‬وافق على‬
‫ه عَل َي ْهِ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الشرط من أجل الهجرة لله ورسوله‪ ،‬وعندما أقبل على النبي َ‬
‫َ‬
‫حَيى[ ‪.‬‬ ‫ح ال ْب َي ْعُ أَبا ي َ ْ‬‫م قال له مبشًرا‪َ]:‬رب ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫? إنها البشارة النابعة من حقيقة الميزان الخروي‪ ،‬الذي ل يعرفه إل من‬
‫تعلق بالخرة‪ ،‬حيث أن صهيًبا باع دنياه بآخرته‪ ،‬فاستحق كفاية الله لدينه‬
‫ودنياه‪ ،‬وماذا يتمنى المرء العاقل أكثر من ذلك في الدنيا؟ فلو قيل لنسان‪:‬‬
‫إنك برعاية الملك الفلني‪ ،‬وسيكفيك كل أمور معاشك‪ ،‬ويحميك من كل‬
‫مكروه‪ ،‬ماذا سيكون شعوره؟ وكيف سيكون فرحه؟ واعتزازه؟ فكيف عندما‬
‫يكون أضعاف هذا الحفظ والكفاية من قبل من عنده خزائن السموات‬
‫والرض‪ ،‬لذلك ربح بيع صهيب‪ ،‬وربح بيع كل داعية يبيع دنياه في سبيل آخرته‪،‬‬
‫ويستحق كفاية الله له في دينه ودنياه‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫منذ نسائم الفجر‪ :‬تبدأ كفاية الله لعبده العامل للخرة منذ نسائم الفجر‬
‫ل َقا َ‬
‫ل‬ ‫ك َقا َ‬ ‫الولى‪ ،‬وحتى يأوي لفراشه خاتما يومه ذلك‪ ،‬فع َ‬
‫مال ِ ٍ‬‫ن َ‬‫س بْ ِ‬
‫ن أن َ ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ً‬
‫هّ‬
‫سم ِ الل ِ‬ ‫ن ب َي ْت ِهِ ب ِ ْ‬‫م ْ‬‫ج ِ‬‫خَر َ‬ ‫ن قا َ‬
‫ل ي َعِْني إ َِذا َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬
‫م‪َ ]:‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ل الل ّهِ َ‬
‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ه‬
‫حى عَن ْ ُ‬ ‫ت وَت َن َ ّ‬ ‫ت وَوُِقي َ‬ ‫في َ‬ ‫ُ‬
‫هك ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قال ل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حوْل وَل قوّة َ إ ِل ِباللهِ ي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت عَلى اللهِ ل َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ت َوَكل ُ‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حا‬ ‫ن[ رواه الترمذي وأبوداود ‪ .‬يقول المام المباركفوري شار ً‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جُهو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صيغَةِ ال َ‬ ‫فيت[ ب ِ ِ‬ ‫ملك َيا عَب ْد َ اللهِ ]ك ِ‬ ‫ه[ أيْ ي َُناِديهِ َ‬ ‫قال ل ُ‬ ‫ه‪] :‬ي ُ َ‬ ‫للحديث‪ ':‬قوْل ُ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الوِقاي َةِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فيت وَوُِقيت[ ِ‬ ‫ديت وَك ِ‬ ‫ماِتك وَِفي رَِواي َةِ أُبو َداوُد َ ‪]:‬هُ ِ‬ ‫مهِ ّ‬ ‫أيْ ُ‬
‫ن [ أ َيْ ت َب َعّد َ ‪َ ,‬زاد َ أ َُبو َداوُد َ ِفي‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫حى عَن ْ ُ‬ ‫داِئك ] وَت َن َ ّ‬ ‫شّر أعْ َ‬
‫ظت من َ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ُ‬
‫ي[ '‪.‬‬ ‫ق‬ ‫و‬
‫َِ ُ ٍ ْ ُ ِ َ َ ِ َ َ ُ ِ َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫لك‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ُ ْ َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬‫ٌ‬ ‫طا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‪]:‬‬ ‫رِ َ َ ِ ِ‬
‫ت‬‫ي‬ ‫وا‬
‫? إنها رسائل إيجابية يبعثها المؤمن لعقله‪ ،‬ويستشعر كفاية الله منذ انفلق‬
‫صباح يوم جديد‪ ،‬مما يزيده ثقة بالله‪ ،‬ويقيًنا بحفظ الله له‪ ،‬وبهذه الهمة‬
‫العالية‪ ،‬والنفسية القوية؛ يحتك بالخرين‪ ،‬ويقوم بمهامه اليومية‪ ،‬فكيف ل‬
‫يوفق؟!‬
‫ل‪ :‬فما دامت النية خالصة لوجهه الكريم‪ ،‬ول يريد بهذا العمل‬ ‫حتى لو كان قلي ً‬
‫وجًها سواه‪ ،‬فإن الله سبحانه يعطيه هذه الكفاية حتى وإن كان العمل قليل‪ً،‬‬
‫أو ل يكلف المرء شيًئا من الجهد‪ ،‬عَ ُ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ب َقا َ‬ ‫ن ك َعْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ي بْ‬ ‫ن أب َ ّ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫س اذ ْك ُُروا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ل‪َ ]:‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ب ث ُل َُثا ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫م إ َِذا ذ َهَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ت بِ َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫جاَء ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ِفيهِ َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫جاَء ال َ‬‫ْ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬
‫ة ت َت ْب َعَُها الّرادِف ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت الّرا ِ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫اذ ْكُروا الل َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫فيه[ َقا َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫جعَل لك ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫صلة َ عَلي ْك فك ْ‬ ‫سول اللهِ إ ِّني أكث ُِر ال ّ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫ي قل ُ‬ ‫ل أب َ ّ‬ ‫ِ ِ‬
‫خي ٌْر ل َك[َ‬ ‫ت فهُوَ َ‬ ‫َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫ت فإ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫شئ َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ت الّرب ُعَ قال‪َ ]:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت[ قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫شئ َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قال‪َ ]:‬‬ ‫َ‬ ‫صَلِتي ف َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ل‪]:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ث‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫فال‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ك[‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ ِ َ ِ ْ ِ ْ َ ُ َ َ ٌْ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ش‬ ‫ما‬ ‫ل‪]:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫قُل ُ ّ ْ َ‬ ‫ص‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫فى‬ ‫ل‪ ]:‬إ ًِذا ت ُك ْ َ‬ ‫صَلِتي ك ُل َّها َقا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ك[ قُل ْ ُ‬ ‫خي ٌْر ل َ َ‬ ‫ت فَهُوَ َ‬ ‫ن زِد ْ َ‬ ‫ت فَإ ِ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ك[رواه الترمذي وأحمد‪.‬‬ ‫ك ذ َن ْب ُ َ‬ ‫فُر ل َ َ‬ ‫ك وَي ُغْ َ‬ ‫م َ‬ ‫هَ ّ‬
‫البائعون لرضا الناس‪ :‬هل من الممكن أن يرضى إنسان ببيع رضا الناس‬
‫عليه‪ ،‬ويقبل بالتعرض لسخطهم‪ ،‬وغضبهم وشرهم‪ ،‬وتهديدهم؟ في موازين‬
‫الناس يعتبرونه مجنوًنا‪ ،‬ولكنه في ميزان الله مؤمًنا عاقل ً وحبيًبا لله‪ ،‬لنه باع‬
‫رضا الناس واشترى رضا الله‪ ،‬فل يهمه غضب الناس ما دام مرضًيا رب‬
‫العالمين‪ ،‬وجزاء لهذا البيع يعطيه الله الكفاية ويجعله في كنفه‪ ..‬لقد خسر‬
‫م زعماء قومه‪ ،‬وبعض أقاربه في سبيل مرضاة‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫النبي َ‬
‫دا على حساب دينه وآخرته‪،‬‬ ‫الله‪ ،‬وقبل تهديدهم‪ ،‬وغضبهم‪ ،‬ولم يداهن أح ً‬
‫ن]‪] }[95‬سورة‬ ‫ست َهْزِِئي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫في َْناك ال ُ‬ ‫َ‬ ‫فأعطاه الله 'الكفاية' بقوله تعالى‪ {:‬إ ِّنا ك َ َ‬
‫الحجر[‪ .‬يقول المام المارودي في 'تفسيره'‪':‬وهم خمسة‪ :‬الوليد بن‬
‫المغيرة‪ ،‬والعاص بن وائل‪ ،‬وأبو زمعة‪ ،‬والسود بن عبد يغوث‪ ،‬والحارث بن‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَ ْ ِ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الطلطلة أهلكهم الله جميًعا قبل بدر لستهزائهم برسول الله َ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫صا بالنبي َ‬ ‫م '] النكت والعيون ‪ .[380 / 2‬وليس هذا خا ً‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫م‪ ،‬بل بكل من اشترى رضا الله بسخط الناس‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬
‫ه عَن َْها‪':‬‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ة إ َِلى َ‬ ‫مَعاوِي َ ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫عائشة توصي معاوية‪ :‬ك َت َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عَن َْها‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ي فَك َت َب َ ْ‬ ‫ري عَل ّ‬ ‫ني ِفيهِ وَل ت ُك ْث ِ ِ‬ ‫صي ِ‬ ‫ي ك َِتاًبا ُتو ِ‬ ‫ن اك ْت ُِبي إ ِل َ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫ة‪ :‬سَلم عَل َي َ َ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما ب َعْد ُ فَإ ِّني َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫مَعاوِي َ َ َ ٌ‬ ‫إ َِلى ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ة الّنا ِ‬ ‫مؤْن َ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فاهُ الل ّ ُ‬ ‫س كَ َ‬ ‫ط الّنا ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ضا الل ّهِ ب ِ َ‬ ‫س رِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ]:‬‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫م عَلي ْك' رواه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سل ُ‬ ‫َ‬ ‫س[ َوال ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ال ْت َ َ‬
‫ه إ ِلى الّنا ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ط اللهِ وَكل ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫س َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ضا الّنا ِ‬ ‫س رِ َ‬ ‫م َ‬
‫مؤْن َ َ‬
‫ة‬ ‫ه ُ‬ ‫فاهُ الل ّ ُ‬ ‫قا‪] ':‬ك َ َ‬ ‫الترمذي‪ ،‬وصححه اللباني‪ .‬يقول المام القارئ معل ً‬
‫ضا‬ ‫س رِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن الت َ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س[ أي مؤونة شرهم من الظلم عليه‪ ،‬والساءة إليه‪] ،‬وَ َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫س[ أي‪ :‬خله‪ ،‬وترك نصره‪ ،‬ودفعه إلى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِلى الّنا ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ط اللهِ وَكل ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫س َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫الناس‪ ،‬قال المظهر‪ :‬يعنى إذا عرض له أمر في فعله رضا الله وغضب‬
‫الناس‪ ،‬أو عكسه فإن فعل الول رضي الله عنه‪ ،‬ودفع عنه شر الناس‪ ،‬وإن‬
‫فعل الثاني وكله إلى الناس‪ ،‬يعنى سلط الناس عليه حتى يؤذوه‪ ،‬ويظلموا‬
‫عليه‪ ،‬ولم يدفع عنه شرهم'] مرقاة المفاتيح ‪.[855 / 8‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫قدِ اهْت َد َْوا‬ ‫م ب ِهِ فَ َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫ما َءا َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫مُنوا ب ِ ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫فسيكفيكهم الله‪ :‬يقول تعالى‪ {:‬فَإ ِ ْ‬
‫م]‪[137‬‬ ‫ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَهُوَ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫فيكهُ ُ‬ ‫ْ‬
‫سي َك ِ‬ ‫ق فَ َ‬ ‫قا ٍ‬‫ش َ‬ ‫م ِفي ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫وا فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫} ]سورة البقرة[‪ .‬تأكيد من الله‪ ،‬وضمانة لمن يعمل في سبيله‪ ،‬وهو دعم‬
‫نفسي وواقعي للمؤمن‪ ،‬تسهيل ً لمهمته‪ ،‬فخالقه لم يكلفه بما عجزت عنه‬
‫السموات والرض ثم يتركه من غير رعاية ول حماية‪ .‬يقول الشيخ عبد‬
‫الرحمن الدوسري رحمه الله ‪':‬إن إيغال أهل الهواء باتباع أهوائهم‪ ،‬ونبذهم‬
‫لوحي الله‪ ،‬وإطراحهم لرسالته‪ ،‬يغريهم على عداوة كل مطيع لله‪ ،‬محتكم‬
‫إلى شريعته‪ ،‬حامل لرسالته‪ ،‬متمسك بعقيدته؛ لنه قذاة أعينهم‪ ،‬فمشاقتهم‬
‫لله ورسوله بإطراح أمره ورسالته والكفر برسوله؛ يجعلهم يعادون من‬
‫خالفهم في مشاقة الله‪ ،‬وينصبون له الحابيل ليؤذوه‪ ،‬ويصدوه عن رسالته‬
‫القائم بها دونهم‪ ،‬ولكن الله سبحانه يكفي المسلم المؤمن شرهم‪ ،‬ويقيه من‬
‫جميع أنواع مكرهم‪ ،‬ويؤيد دعوته وأتباعه‪ ،‬كما وعد سبحانه في هذه الية‬
‫بقوله‪:‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫صا بالنبي َ‬ ‫ه } فهذا الوعد بالكفاية ليس خا ً‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫فيك َهُ ُ‬ ‫سي َك ْ ِ‬‫{ فَ َ‬
‫م‪ ،‬بل هو عام لجميع من قام بدعوته‪ ،‬وسار على نهجه في رعاية أمانة‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫الله‪ ،‬وحمل رسالته‪ ،‬وتوزيع هدايته'] صفوة الثار ‪.[373 ،372 / 2‬‬
‫الهم الواحد‪ :‬العمل للخرة الموجب لكفاية الله‪ ،‬ل يمكن أن يتم بأجمل‬
‫صورة حتى يكون الدافع لهذا العمل يتعلق بالهم الغالب على ذلك العامل‪،‬‬
‫فمن كانت همه الدنيا عمل لها‪ ،‬ومن كانت همه الخرة عمل لها‪ ،‬والعاملون‬
‫دا‪ ،‬وكل هم سوى‬ ‫ما واح ً‬ ‫للخرة هم أصحاب هم الخرة الذين جعلوا الهموم ه ً‬
‫ضا استحقوا‬ ‫هم الخرة لم يعبأوا به‪ ،‬وأسقطوه من حساباتهم‪ ،‬ولهذا السبب أي ً‬
‫كفاية الله‪ ،‬ليس على العمل فحسب‪ ،‬بل حتى على توحيد الهموم‪ ،‬وجعلها‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫دا يتعلق فيما عاهدوا الله عليه‪ ،‬وهو الخرة‪َ .‬قا َ‬ ‫ما واح ً‬ ‫ه ً‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م د ُن َْياه ُ وَ َ‬ ‫ه هَ ّ‬ ‫فاهُ الل ّ ُ‬ ‫خَرت ِهِ ك َ َ‬ ‫مآ ِ‬ ‫دا هَ ّ‬ ‫ح ً‬‫ما َوا ِ‬ ‫م هَ ّ‬‫مو َ‬‫ل ال ْهُ ُ‬‫جعَ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م يقول‪َ ]:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ه ِفي أيّ أوْدِي َت َِها هَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك[ رواه‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ل الد ّن َْيا ل َ ْ‬
‫م ي َُبا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ح َ‬‫م ِفي أ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫ت ب ِهِ ال ْهُ ُ‬ ‫شعّب َ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫ابن ماجة ‪.‬‬
‫إن الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الناس جميًعا – مسلمهم وكافرهم‪،‬‬
‫وعجمهم وعربهم‪ -‬هو 'طرد الهم' كما قال ابن حزم‪ ،‬وللناس مذاهب شتى‬
‫في طرد هذا الهم‪ ،‬منهم من يعبد الصنم‪ ،‬ومنهم من يشرب الخمر‪ ،‬ومنهم‬
‫من يقترف الفاحشة‪ ،‬ومنهم من يستمع إلى النكت والضحوكات‪ ،‬ومنهم من‬
‫يشاهد الفلم‪ ،‬ومنهم من يتعاطى المخدرات بأنواعها‪ ،‬كل هؤلء يفعلون ذلك‬
‫ل‪ ،‬ولكنه طرد مؤقت ل يلبث أن يداهمهم‬ ‫لطرد الهم‪ ،‬وقد يطرد الهم فع ً‬
‫طالما انتهى أثر تلك الوسيلة؛ ذلك لنهم لم يسلكوا الطريق الصحيح لطرد‬
‫الهم‪ ،‬عندما تشعبت بهم هموم الدنيا‪.‬‬
‫دا تصاغرت وتضاءلت في‬ ‫ما واح ً‬ ‫ولكن العامل للخرة‪ ،‬والذي جعل الهم ه ً‬
‫عينه هموم الدنيا كلها‪ ،‬وأصبحت ل تستحق أن ينفق عليها شيًئا من همه الذي‬
‫حصره كله في هم الخرة‪ .‬ولهذا السبب فهو ل يتأثر بما يصاب به من هموم‬
‫الدنيا‪ ،‬وإن تأثر فإنما يمر ذلك عليه كمر السحاب على ضوء القمر ل يلبث أن‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫يغادره‪ ،‬ويرجع القمر منيًرا تارة أخرى‪ ،‬كما ذكر الرسول َ‬
‫م‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫وهذا هو كفايته من هم الدنيا‪ ،‬والذي يلجأ بسببه الكثير إلى النتحار والجريمة‪،‬‬
‫والعقد النفسية‪ ،‬والمراض الكثيرة؛ لن الله لم يبال في أي أوديتها هلك‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التهديد وكفاية الله‪ :‬في سبيل إيقاف صاحب الحق والداعي إلى الله تعالى‬
‫قد يلجأ أعداء الله إلى تخويفه‪ ،‬أو تهديده بما يملكون من قوة‪ ،‬وقد يتسرب‬
‫ما‪ ،‬وأن كفايته‬ ‫الشيطان إلى نفس الداعية‪ ،‬إل أن الله يذكره بأنه معه دائ ً‬
‫متصلة دون انقطاع‪ ،‬تكفيه من شرور هؤلء وتخويفهم وتهديدهم‪ ،‬بل يؤكد له‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ك ِبال ّ ِ‬
‫خوُّفون َ َ‬‫ف عَب ْد َه ُ وَي ُ َ‬‫كا ٍ‬ ‫س الل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫هذه الكفاية على صيغة تساؤل‪ {:‬أل َي ْ َ‬
‫هاٍد]‪] }[36‬سورة الزمر[‪ .‬يقول الشيخ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ُدون ِهِ وَ َ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫المراغي‪':‬أي ويخوفك المشركون بغير الله من الوثان والصنام عبًثا وباط ً‬
‫ل‪،‬‬
‫لن كل نفع أو ضر فل يصل إل بإرادته تعالى‪ ...‬وفي الية إيماء إلى أنه‬
‫ضا‪،‬‬ ‫م دينه ودنياه‪ ،‬ويكفى أتباعه أي ً‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫سبحانه يكفي نبيه َ‬
‫ويكفيهم شر الكافرين'‪.‬‬
‫? ومن ذلك ما قاله تعالى في كتابه عن الذين خوفوا المؤمنين مما أعد لهم‬
‫أعداء الله‪ ،‬فكانت ثقتهم بربهم‪ ،‬وكفايته خير رد على ذلك التهديد‪ ،‬حيث قال‬
‫م فََزاد َهُ ْ‬
‫م‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مُعوا ل َك ُ ْ‬
‫ج َ‬‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬‫تعالي‪ {:‬ال ّ ِ‬
‫ل]‪] }[173‬سورة آل عمران[‪.‬‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬‫ح ْ‬‫ماًنا وََقاُلوا َ‬ ‫ِإي َ‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ماًنا } فزادهم ذلك من تخويف من خوفهم‬ ‫م ِإي َ‬ ‫يقول المام الطبري‪ {':‬فََزاد َهُ ْ‬
‫قا لله‬ ‫أمر أبي سفيان وأصحابه من المشركين‪ ،‬يقيًنا إلى يقينهم‪ ،‬وتصدي ً‬
‫ولوعده ووعد رسوله إلى تصديقهم‪ ،‬ولم يثنهم ذلك عن وجههم الذي أمرهم‬
‫م بالسير فيه‪ ،‬ولكن ساروا حتى بلغوا رضوان‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫رسول الله َ‬
‫الله منه‪ ،‬وقالوا ثقة بالله وتوكل ً عليه‪ ،‬إذ خوفهم أبو سفيان وأصحابه من‬
‫ل } يعني كفانا الله‪ ،‬يعني يكفينا الله‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫المشركين‪َ {:‬‬
‫ونعم الوكيل'‪.‬‬
‫? إنه اليمان العميق بالله تعالى‪ ،‬اليمان بقدرته وقوته‪ ،‬وكفايته‪ ،‬إيمان يصل‬
‫إلى اليقين المشاهد في القلوب‪ ،‬والذي ل يداخله شك كأنهم يرونه عياًنا يقيًنا‬
‫بنصر الله‪ ،‬وكفايته لشرورهم وأعدائهم‪ ،‬وإل فكيف يخاف المنتصر‪ ،‬ويجرؤ‬
‫المغلوب؟‬
‫كيف نطلب الكفاية؟‬
‫هذه الكفاية‪ ،‬ل تأتي إل بالعمل الصالح‪':‬من عمل لخرته ' وأن يطلبها من الله‬
‫م في عدة أحاديث‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫كما بين لنا رسول الله َ‬
‫جَنا ِفي ل َي ْل ٍَ‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫َ َ ْ‬ ‫ِ ْ ِ ُ َْ ٍ َ ْ ِ ِ‬ ‫مَعا ِ ْ ِ َ ْ ِ‬
‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ذ‬ ‫ن ُ‬ ‫قراءة الخلص ‪ :‬عَ ْ‬
‫صّلي ل ََنا‬ ‫م يُ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ديد َةٍ ن َط ْل ُ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫طيَرةٍ وَظ ُل ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ل[‬ ‫ل‪ ]:‬قُ ْ‬ ‫شي ًْئا َقا َ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫م أقُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل[‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‪]:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ئا‬‫ً‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل[‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‪]:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ك‬‫ر‬ ‫د‬‫فَأ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ ُ‬
‫ْ‬ ‫ل هُو الل ّه أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫قل ْت ما أ َ‬
‫ح‬ ‫ب‬
‫َُ ْ ِ ُ‬‫ص‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫سي‬ ‫َ ُ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫و‬
‫ُ َ ٌ َ ُ َ ّ َْ ِ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ق‬ ‫ل‪]:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫قو‬ ‫فَ ُ ُ َ‬
‫يٍء[ رواه الترمذي وأبوداود والنسائي ‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫في َ‬ ‫ت ت َك ْ ِ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ث ََل َ‬
‫ن إ َِذا أ ََوى‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سأ ّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ن أن َ‬
‫شكره لكفايته‪ :‬فَع َ‬
‫َ ْ‬
‫ن لَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫فاَنا َوآَواَنا فَك ْ‬ ‫َ‬
‫قاَنا وَك َ‬ ‫س َ‬ ‫مَنا وَ َ‬ ‫ذي أطعَ َ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل‪ ]:‬ال َ‬ ‫شهِ َقا َ‬ ‫إ َِلى فَِرا ِ‬
‫ي[ رواه مسلم ‪ .‬إنه استشعار لنعمة الكفاية وطلب في‬ ‫مؤْوِ َ‬ ‫ه وََل ُ‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫كافِ َ‬ ‫َ‬
‫استمرارها‪ ،‬ومقارنة مع حاله وحال من تركه الله من غير كفاية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫شا ل ّ‬ ‫ن قَُري ْ ً‬ ‫ه‪ ':‬أ ّ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سُعود ٍ َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫الدعاء بالكفاية‪ :‬عَ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سب ٍْع‬ ‫م بِ َ‬ ‫فِنيهِ ْ‬ ‫ْ‬
‫م اك ِ‬ ‫ل‪ ]:‬اللهُ ّ‬ ‫سلم ِ َقا َ‬ ‫م ِبال ِ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫أب ْط َُئوا عََلى الن ّب ِ َ ّ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫حّتى َ‬ ‫م َ‬ ‫ظا َ‬ ‫حّتى أ َك َُلوا ال ْعِ َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫صاب َت ْهُ ْ‬ ‫ف[ فَأ َ‬ ‫س َ‬ ‫سب ِْع ُيو ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ب‬
‫ق ْ‬ ‫ه‪َ {:‬فاْرت َ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ل الد ّ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ه وَب َي ْن ََها ِ‬ ‫ماِء فَي ََرى ب َي ْن َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل ي َن ْظ ُُر إ َِلى ال ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫الّر ُ‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ْ‬
‫فو‬ ‫ش ُ‬‫كا ِ‬ ‫ه‪ {:‬إ ِّنا َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن]‪] }[10‬سورة الدخان[ َقا َ‬ ‫ٍ‬ ‫مِبي‬ ‫ن ُ‬ ‫خا ٍ‬ ‫ماُء ب ِد ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ت َأِتي ال ّ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫م العَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪]}[15‬سورة الدخان[ أفي ُك َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ب ي َوْ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫دو َ‬ ‫عائ ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب قِليل إ ِن ّك ْ‬ ‫ذا ِ‬
‫ة' رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ت ال ْب َط ْ َ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ضى الد ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫مةِ وَقَد ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫إنه لجوء إلى الله تعالى‪ ،‬وجلب معونته من رجل صالح بذل كل السباب‬
‫لهداية قومه فلم يؤمنوا‪ ،‬فتقبل الله دعاءه 'الكفاية' منهم‪ .‬والله يلبي دعوة‬
‫أوليائه الصالحين عندما يلجأون إليه طالبين الكفاية من شرور أعداء الله‪ ،‬أو‬
‫من كل ظالم‪.‬‬
‫ل اللهِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫خد ْرِيّ َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫مي إ ِلى َر ُ‬ ‫حت ِْني أ ّ‬ ‫سّر َ‬ ‫ل‪َ ':‬‬ ‫سِعيدٍ ال ُ‬ ‫ن أِبي َ‬
‫َ‬ ‫العتقاد بكفايته ‪ :‬عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َغَْنى أغَْناهُ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ]:‬‬ ‫قب َلِني وََقا َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫ه وَقَعَد ْ ُ‬ ‫م فَأت َي ْت ُ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ه عَّز‬ ‫فاهُ الل ُّ‬ ‫فى ك َ َ‬ ‫ست َك ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف أَ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نا ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ََ َ ْ‬‫م‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ال ُ‬ ‫ل‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ت َناقَِتي الَياُقوت َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ف[ فَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة أوقِي ّةٍ فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سأ َ‬ ‫ج ّ‬
‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫قل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قد ْ أل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ِقي َ‬
‫َ‬
‫ل وَل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه' رواه النسائي وأحمد ‪ .‬فمن طلب الكفاية من الله‬ ‫سأل ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت وَل ْ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫أوقِي ّةٍ فََر َ‬
‫تعالى كفاه الله‪.‬‬
‫متى نفقد الكفاية ؟‬
‫عدم الخلص ‪ :‬فإذا أريد بالعمل غير وجه الله؛ ل يمكن أن تتحقق الكفاية‬
‫اللهية‪ .‬فكلما أخلصنا أعمالنا لله‪ ،‬كلما استحققنا هذه الكفاية‪.‬‬
‫عدم اليمان ‪ :‬إن الشرط الذي ذكره الله تعالى لستحقاق المؤمنين للكفاية‬
‫هو اليمان وذلك بقوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫حا َ‬ ‫س َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ َِلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ل إ ِل َي َْنا وَ َ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫{ُقوُلوا َءا َ‬
‫م َل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي الن ّب ِّيو َ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ط وَ َ‬ ‫سَبا ِ‬ ‫ب َواْل ْ‬ ‫قو َ‬ ‫وَي َعْ ُ‬
‫ن]‪} [136‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫نل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫نُ َ‬
‫م ِفي‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫وا فَإ ِن ّ َ‬ ‫ّ‬
‫ن ت َوَل ْ‬ ‫قدِ اهْت َد َْوا وَإ ِ ْ‬ ‫م ب ِهِ فَ َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫ما َءا َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫مُنوا ب ِ ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ثم قال‪{ :‬فَإ ِ ْ‬
‫م]‪] } [137‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَهُوَ ال ّ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫فيكهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫سي َك ْ ِ‬ ‫ق فَ َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫ِ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫فإذا تساوينا مع أعداء الله بعدم اليمان‪ ،‬وضعف الرتباط بالله ‪ ،‬وعدم القيام‬
‫بمستلزمات اليمان؛ فإننا نفقد الكفاية اللهية‪.‬‬
‫? ومن أنواع كفاية الله‪ :‬جعل أعدائهم في شقاق دائم وخلف‪ ،‬ل يقف عند‬
‫حد‪ ،‬وهم الن في خلفهم وشقاقهم يتفقون ضدنا‪ ،‬ما دمنا شاردين عن الله‪،‬‬
‫ولكن إذا عدنا إلى الله عودة صادقة نحمل فيها رسالته‪ ،‬ونعمل على إعلء‬
‫كلمته‪ ،‬كما عمل السلف؛ جعل الله بأسهم بينهم كما مضى‪ ،‬وجعل شقاقهم‬
‫وخلفهم يتفاقم‪ ،‬فل يتفقون ضدنا كما هم عليه الن‪ ،‬فإن الله بوعده سيكفينا‬
‫شرهم‪ ،‬كما كفى أسلفنا الصادقين إذا حققنا الصدق معه‪ ،‬والله هو السميع‬
‫العليم‪ ،‬يسمع كل شيء‪ ،‬ويجزي كل نفس بما كسبت‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫المعادلة الثامنة ‪ :‬الفتن في حياة يوسف عليه السلم‬
‫رئيسي ‪:‬فضائل ‪:‬‬
‫سورة يوسف من أبرز السور التي تتجلى فيها الفتن التي تحدث للداعية‪،‬‬
‫بأنواعها وأشكالها وفيها يتضح اليسر بعد العسر في كل فتنة يصادفها الداعية‬
‫يوسف في حياته‪ .‬إن النفراج بعد الشدة يسبقه ثبات على المنهج‪ ،‬وقد يكون‬
‫هو الهدية لذلك الثبات‪ ،‬وقد يكون النفراج بحد ذاته فتنة أخرى يختبر الله بها‬
‫ثبات عبده في اليسر‪ ،‬فكم من الدعاة من ثبت حين المحنة والشدة فلما جاء‬
‫اليسر والنفراج والرخاء؛ حاد عن الجادة‪ ،‬وابتعد عن الصف‪ ،‬هذه المعاني‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكثير غيرها يجدها قارئ القرآن من خلل سورة يوسف‪ ،‬فهي سورة تمثل‬
‫منهج البلء‪ ،‬ونتيجة هذا البلء ‪.‬‬
‫الفتنة الولى‪ :‬مؤامرة الغتيال ‪ :‬وكانت من صنع أقرب الناس إليه‪ ،‬وهم‬
‫إخوانه‪ ،‬مما يجعل لهذا البلء مذاًقا مًرا يختلف عن باقي مؤامرات الغتيال‪،‬‬
‫والتي عادة تكون من أعداء بعيدين بالنسب‪ ،‬أما أن يكون صاحب المؤامرة‬
‫هو الخ الذي خرج معه من صلب واحد؛ فهذا ما يزيد من قساوة الفتنة‪،‬‬
‫خاصة إذا كان سبب القتل سبًبا تافًها كالذي ذكره إخوة يوسف وهم يناقشون‬
‫ن أ ََباَنا‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫صب َ ٌ‬‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫مّنا وَن َ ْ‬
‫َ‬
‫ب إ َِلى أِبيَنا ِ‬ ‫ح ّ‬
‫َ‬
‫خوه ُ أ َ‬ ‫ف وَأ َ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫أمر اغتياله‪ {:‬إ ِذ ْ َقاُلوا ل َُيو ُ‬
‫ل ل َك ُم وج َ‬ ‫َ‬ ‫ل َفي ضَلل مبين]‪[8‬اقْتُلوا يوس َ َ‬
‫ه أِبيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ْ َ ْ ُ‬ ‫خ ُ‬‫ضا ي َ ْ‬‫حوه ُ أْر ً‬ ‫ف أوِ اط َْر ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ٍ ُ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ن]‪] }[9‬سورة يوسف[‪.‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫ما َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ قَوْ ً‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وَت َكوُنوا ِ‬
‫إذًا‪ :‬كان سبب المؤامرة حب أبيهم ليوسف وتفضيله عليهم بادعائهم‪ ،‬ولننظر‬
‫كيف يكون تفكير من استولى عليه الشيطان حتى أعمى بصيرته عن رؤية‬
‫البديهيات من المور‪ ،‬لقد غاب عن أذهانهم الحتمالت الخرى الناتجة عن‬
‫دا‪ ،‬وهو بقاؤهم بعد‬ ‫الجريمة‪ ،‬وتذكروا كما سول لهم الشيطان احتمال ً واح ً‬
‫يوسف ليكونوا هم الخيار الوحيد والبناء الوحيدين ليعقوب‪ ،‬ولم يضعوا‬
‫بالحسبان احتمال اكتشاف جريمتهم‪ ،‬وحزن يعقوب عليه السلم على‬
‫يوسف‪ ،‬وشكه بهم‪ ،‬وخطأهم بالتنفيذ‪ ،‬واحتمال بقائه حًيا‪ ،‬وإرجاعه لبيه‪،‬‬
‫وغيرها من الحتمالت الواردة‪.‬‬
‫ونلحظ لطف القدير بيوسف‪ ،‬بأن أنطق أحدهم لتمضي مشيئته بأن يكون‬
‫قت ُُلوا‬ ‫م َل ت َ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫اقتراح أحدهم بمثابة النفراج الول للفتنة الولى‪َ {:‬قا َ‬
‫ن]‪[10‬‬ ‫عِلي َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫سّياَرةِ إ ِ ْ‬ ‫ض ال ّ‬
‫ه ب َعْ ُ‬ ‫قط ْ ُ‬‫ب ي َل ْت َ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫قوه ُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ‬ ‫ف وَأ َل ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ُيو ُ‬
‫}]سورة يوسف[‪ .‬وأخذوا بهذا القتراح ومضوا جميًعا بعد حبك المؤامرة‬
‫لبيهم‪ ،‬ليقنعوه بأخذ يوسف للذهاب معهم في رحلتهم‪ ،‬وبالرغم من تردد‬
‫يعقوب عليه السلم إل أنهم أقنعوه بأخذه معهم‪ ،‬ومضوا به ليبدأ يوسف عليه‬
‫السلم في الجب فتنة ثانية ‪.‬‬
‫الفتنة الثانية‪:‬اللقاء في الجب ‪ :‬ومما يزيد في حجم هذه الفتنة رؤية يوسف‬
‫عليه السلم لخوانه‪ -‬وهو الغلم الصغير‪ -‬وهم يمسكونه ويتعاونون جميًعا‬
‫دا في تلك الصحراء‬ ‫لنزاله في الجب‪ ،‬ثم يراهم وهم يغادرون ليتركوه وحي ً‬
‫ليمكث في ظلم الجب‪ ،‬وكأن ذلك تهييًئا له للسجن الحقيقي الذي في‬
‫مراحل الفتن المتلحقة في حياته‪ ،‬ثم يأتي الفرج بعد تلك الشدة وذلك الصبر‬
‫ليوسف عليه السلم وهو يعاني الوحدة القاتلة في ذلك الجب على شكل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م فَأد َْلى د َل ْوَهُ‬ ‫سُلوا َوارِد َهُ ْ‬ ‫سّياَرة ٌ فَأْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫قافلة تمر؛ فتلقطه من الجب‪ {:‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن]‪]}[19‬سورة‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬‫ة َوالل ّ ُ‬ ‫ضاعَ ً‬ ‫سّروه ُ ب ِ َ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫ذا غَُل ٌ‬ ‫شَرى هَ َ‬ ‫ل َياب ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫يوسف[‪ .‬لقد أخرج من الجب‪ ،‬ليرى الدنيا مرة ثانية‪ ،‬ولكن هذا الخروج كان‬
‫بداية لفتنة جديدة في حياته ‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫الفتنة الثالثة‪ :‬الستعباد ‪ :‬يلتقطه هؤلء السيارة من الجب‪ ،‬يعجبون بجماله‪،‬‬


‫م‬
‫س د ََراهِ َ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ن بَ ْ‬‫م ٍ‬‫شَروْهُ ب ِث َ َ‬‫دا بسعر زهيد في مصر‪ {:‬وَ َ‬ ‫وأسرعوا في بيعه عب ً‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ذي ا ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن]‪[20‬وََقا َ‬ ‫دود َةٍ وَ َ‬
‫مَرأت ِ ِ‬
‫صَر ِل ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫شت ََراه ُ ِ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫دي َ‬
‫ن الّزاهِ ِ‬‫م َ‬
‫كاُنوا ِفيهِ ِ‬ ‫معْ ُ‬‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‪] } [21] ...‬سورة يوسف[‪ .‬ينتقل يوسف عليه السلم من‬ ‫وا ُ‬ ‫مث ْ َ‬
‫مي َ‬‫أكرِ ِ‬
‫الحرية التي كان يعيشها مع والديه بعز وتقدير‪ ،‬حسده عليه إخوانه‪ ،‬إلى ذل‬
‫العبودية والستعباد في قصر عزيز مصر‪ ،‬شأنه شأن العبيد المملوكين يحمل‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثقال لسيده‪ ،‬ويقضي الحاجات الحقيرة‪ ،‬ويؤمر فيطيع‪ ،‬وهذه الفتنة بحد‬
‫ذاتها تحتاج إلى صبر‪ ،‬وحسب العبد أن يشعر أنه ليس كباقي البشر‪ ،‬ول‬
‫يعامل معاملة البشر‪ ،‬بل يعامل معاملة أقرب للحيوان منها للبشر في معظم‬
‫الحيان‪.‬‬
‫الفتنة الرابعة‪ :‬فتنة النساء‪ :‬يوسف عليه السلم كان صارخ الجمال‪ ،‬فتنت‬
‫بجماله امرأة العزيز مع فارق السن الكبير بينهما‪ ،‬ولم تستطع أن تكتم‬
‫عشقها وتعلقها‪ ،‬وهي السيدة وهو العبد حتى أقدمت بعد أن بلغت شهوتها‬
‫ك‪ }[23]...‬بعد أن غلقت البواب‪ ،‬وتأكدت‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ت هَي ْ َ‬ ‫الذروة إليه وقالت‪ {:‬وََقال َ ْ‬
‫ه َل ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ح‬
‫فل ِ ُ‬ ‫وايَ إ ِن ّ ُ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َرّبي أ ْ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫من خلو القصر فقال‪َ ... {:‬‬
‫ن]‪] }[23‬سورة يوسف[‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫? إن المرأة ل تقول هذه الكلمة للرجل حتى تكون قد استعدت لذلك بل ما‬
‫أوتيت من دهاء الجاذبية‪ ،‬وفعلت كل ما من شأنه جذب من تريد إليها ‪ ..‬فقد‬
‫ما‪ ،‬أو كشفت الكثير من مفاتنها في أقل التقديرات‪ ،‬أو‬ ‫تكون قد تعرت تما ً‬
‫كشفت ما يثير شهوة الرجال‪ ،‬ووضعت الصباغ على وجهها‪ ،‬والعطور على‬
‫جسدها ‪.‬‬
‫? إن فتنة النساء التي فتن بها يوسف عليه السلم هي من أعظم الفتن التي‬
‫واجهها في حياته‪ ،‬وحتى نعرف عظم هذه الفتنة لبد أن نعرف ما هي‬
‫العوامل التي تدفع الرجال للزنا بالنساء‪ ،‬ل شك أنها كثيرة‪ ،‬وكثيًرا من‬
‫الحيان يكون توفر عامل واحد منها كافًيا لحدوث الزنا‪ ،‬فكيف إن تجمعت‬
‫جميعها في موقف يوسف مع امرأة العزيز؟!‬
‫إن من أبرز هذه العوامل‪:‬‬
‫جمال الرجل‪ :‬يدعوه إلى التقرب للنساء غروًرا بجماله‪ ،‬غير ذلك القبيح الذي‬
‫فا أنه غير مرغوب فيه‪.‬‬ ‫يعلم سل ً‬
‫طلب المرأة لذلك‪ :‬وهو من أقوى العوامل‪ ،‬ويكون هذا العامل أقوى عندما‬
‫يكون طلبها لحبها لقضاء الشهوة مع ذلك الرجل‪ ،‬وليس للمال‪ ،‬أو لمر آخر‪،‬‬
‫وهو ما حدث ليوسف عليه السلم‪.‬‬
‫دا عن‬ ‫غربة الرجل‪ :‬فالغريب ل يعرفه أحد‪ ،‬مما يسهل القيام بعملية الزنا بعي ً‬
‫رقابة المعارف ‪.‬‬
‫العبودية‪ :‬والعبد رهن لمر سيده‪ ،‬ل يستطيع ردها؛ لن من عمله الطاعة دون‬
‫تردد؛ لنه ل يملك قرار نفسه ‪.‬‬
‫الفتوة والشباب‪ :‬فيوسف كان شاًبا صغيًرا‪ ،‬بخلف الكبير بالسن الذي‬
‫انقطعت شهوته‪ ،‬أو كادت أن تنقطع ‪.‬‬
‫تهيؤ المرأة للزنا‪ :‬وهذا يختلف عن طلبها للزنا وهو يعني أنها وضعت وفعلت‬
‫ك‪]} [23]...‬سورة‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ت هَي ْ َ‬ ‫كل المغريات التي تغري الرجل بالمرأة { وََقال َ ْ‬
‫يوسف[‪.‬‬
‫دا عن رقابة عمال‬ ‫إغلق البواب‪ :‬وهذا أدعى للمان لفعل الفاحشة‪ ،‬وبعي ً‬
‫َ‬
‫ب‪]} [23]...‬سورة يوسف[‪.‬‬ ‫وا َ‬ ‫ت اْلب ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫القصر‪ ،‬أو القرباء لهذه المرأة ‪ {:‬وَغَل ّ َ‬
‫المنصب‪ :‬فامرأة العزيز كانت زوجة رئيس الوزراء في عهد الفراعنة‪،‬‬
‫ومنصبها يجعلها قادرة على إخفاء الجريمة‪ ،‬حتى وإن انكشف أمرها‪ ،‬وهذا‬
‫ن آخر يغري الرجل بالقدام ‪.‬‬ ‫عامل أما ٍ‬
‫دياثة الزوج‪ :‬ومن اليات يتبين أن العزيز زوجها كان ديوًثا بدليل قوله تعالى‪{:‬‬
‫جَزاُء‬
‫ما َ‬‫ت َ‬ ‫ب َقال َ ْ‬ ‫دى ال َْبا ِ‬ ‫ها ل َ َ‬‫سي ّد َ َ‬‫فَيا َ‬ ‫ن د ُب ُرٍ وَأ َل ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ت قَ ِ‬
‫ب وَقَد ّ ْ‬ ‫قا ال َْبا َ‬‫ست َب َ َ‬
‫َوا ْ‬
‫م]‪] }[25‬سورة يوسف[‪ .‬وبعد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ن أوْ عَذا ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫س َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫سوًءا إ ِل أ ْ‬‫ن أَراد َ ب ِأهْل ِك ُ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫المحاكمة وظهور الحق بجانب يوسف عليه السلم؛ ما زاد على قوله ليوسف‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ري‬ ‫ن هَ َ‬ ‫عليه السلم ‪ {:‬يوس ُ َ‬


‫ست َغْفِ ِ‬‫ذا‪ }[29]...‬وقال لزوجته‪َ...{:‬وا ْ‬ ‫ض عَ ْ‬‫ف أعْرِ ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫ن]‪. }[29‬وهذا دافع من أكبر الدوافع لقتراف‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ك ك ُن ْ ِ‬ ‫ك إ ِن ّ ِ‬‫ل ِذ َن ْب ِ ِ‬
‫هذه الفاحشة مادام الشخص الذي له هذه المرأة ل يمانع بذلك ‪.‬‬
‫ضا من‬ ‫ً‬ ‫أي‬ ‫وهو‬ ‫التهديد بالسجن‪ :‬وقد يضعف النسان ويرضخ لمثل هذا التهديد‪،‬‬
‫العوامل الفاعلة والمؤثرة في الكثير من الناس‪ ،‬وهذه العاشقة قد هددته‬
‫ن‬‫أمام النساء‪ -‬بعد أن قطعن أيديهن إكباًرا لجماله الفتان‪ -‬وقالت‪ {:‬فَذ َل ِك ُ ّ‬
‫مُرهُ‬ ‫ما َءا ُ‬ ‫فعَ ْ‬
‫ل َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬
‫ص َ‬ ‫سهِ َفا ْ‬
‫ست َعْ َ‬ ‫ف ِ‬‫ن نَ ْ‬
‫ه عَ ْ‬ ‫قد ْ َراوَد ْت ُ ُ‬‫مت ُن ِّني ِفيهِ وَل َ َ‬ ‫ذي ل ُ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن]‪] }[32‬سورة يوسف[‪ .‬إن الكثير من‬ ‫ري َ‬‫صاِغ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَل َي َ ُ‬
‫كون َ ْ‬ ‫جن َ ّ‬ ‫س َ‬‫ل َي ُ ْ‬
‫الجرائم الخطيرة ترتكب إذا استعمل التهديد بالسجن‪ ،‬فكيف إذا كانت‬
‫الجريمة مما ترغب به النفس وتتهالك عليه‪ ،‬ومن امرأة القصر صاحبة‬
‫السلطة والمنصب ‪.‬‬
‫? هذه العوامل جميعها تحققت في هذه الفتنة التي خاضها يوسف عليه‬
‫السلم‪ ،‬فإذا كان عامل واحد من هذه العوامل يتساقط بسببه الرجال‪ ،‬فكيف‬
‫وقد تجمعت جميعها ليوسف عليه السلم ؟!‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ضا‬‫? هذا يقرب لنا طبيعة الثبات الذي ثبت به يوسف عليه السلم‪ ،‬ويعطينا أي ً‬
‫الزاد والتربية الصلية التي تربى عليها‪ ،‬فكانت سبًبا من أسباب الثبات؛ لنه ل‬
‫يمكن أن يثبت في مثل هذه المواقف الذين يتركون نفوسهم ترتع حيث‬
‫شاءت ثم يتمنون الثبات‪ ..‬كل ل يثبت إل من تعب على نفسه وزكاها‪ ،‬فيثبته‬
‫الله تعالى في أعظم المحن والبليا ‪.‬‬
‫? وبعد أن نجح يوسف في هذه الفتة فرج الله عنه‪ ،‬وأخرجه من تلك الزمة‬
‫دا عن رائحة القصر التي تفوح بالفساد والنحلل الخلقي‪ ،‬وذلك بعد أن‬ ‫بعي ً‬
‫لجأ لله وحده‪ ،‬معترًفا بضعفه البشري أمام شلل الفتن المنهمر‪ {:‬وَإ ِلّ‬
‫َ‬ ‫ف عَني ك َيدهُ َ‬
‫ن]‪] }[33‬سورة يوسف[‪.‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ّ‬
‫ن وَأك ُ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫نأ ْ‬‫ْ َ ّ‬ ‫صرِ ْ ّ‬ ‫تَ ْ‬
‫أخرجه من تلك الفتنة‪ ..‬واستجاب له‪ ،‬ولكن إلى فتنة من لون جديد‪ ،‬إنها فتنة‬
‫السجن‪[ {:‬رب السجن أحب إلي مما يدعونني إلي]‪] }[33‬سورة يوسف[‪.‬‬
‫َ‬
‫ما َرأُوا اْلَيا ِ‬
‫ت‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م بَ َ‬ ‫الفتنة الخامسة‪ :‬السجن ‪ :‬يقول تعالى‪ {:‬ث ُ ّ‬
‫ن]‪] }[35‬سورة سوسف[‪ .‬عندما دخل السجن الذي كان له‬ ‫حي ٍ‬
‫حّتى ِ‬
‫ه َ‬‫جن ُن ّ ُ‬
‫س ُ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫جنة بمقارنته بذلك القصر الموبوء ‪ .‬إن أقسى ما يجده المسجون في‬
‫السجن‪ ،‬هو فصله عما يحدث في الخارج‪ ،‬عن أهله وأبنائه‪ ،‬وأقسى من ذلك‪:‬‬
‫عندما يدخل السجن وهو برئ من غير ذنب‪ ،‬ويهمل هناك دون أن يلتفت أحد‬
‫بالخارج أن هناك إنساًنا يعيش في السجن‪ ،‬وأقسى من ذلك أن السجين ل‬
‫يملك قرار نفسه بالذهاب‪ ،‬والياب‪ ،‬والطعام‪ ،‬والبقاء في هذا المكان‪ ،‬أو‬
‫غيره ‪.‬‬
‫الفتنة السادسة‪ :‬الطالة في السجن‪ :‬إن ذلك السجين الذي يعلم متى يخرج‪،‬‬
‫وفي أي ساعة ينتهي ذلك الحبس ل يعاني مثل ذلك الذي ل يعلم متى تنتهي‬
‫مدة الحبس ول يقال له متى الخروج‪ ،‬يظل يترقب كل يوم‪ ،‬وكل يوم يمضي‬
‫يشابه الذي قبله‪ ،‬دون استيقان حتى النهاية‪ ،‬مما يجعله في عذاب نفسي‬
‫دائم‪ ،‬خاصة إذا طالت المدة دون أن يشعر به أحد‪ ،‬وهذا ما حدث ليوسف‬
‫عليه السلم‪ ،‬فقد قال لحد السجينين الذي ظن أنه ناٍج منهما‪ {:‬اذ ْك ُْرِني ِ‬
‫عن ْد َ‬
‫ك‪] }[42] ...‬سورة يوسف[‪.‬‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ولكن الشيطان أنسى ذلك الرجل أن يتذكر يوسف المظلوم عند سيده‪{:‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪] }[42‬سورة يوسف[‪ .‬ولم يتذكره أحد إل بعد‬ ‫سِني َ‬


‫ضع َ ِ‬ ‫ن بِ ْ‬ ‫ج ِ‬‫س ْ‬‫ث ِفي ال ّ‬ ‫فَل َب ِ َ‬
‫أن احتاج الملك إلى من يؤول له رؤياه فتذكر حينها ذلك الرجل صديقه‬
‫يوسف عليه السلم وذكره للملك آنذاك‪ ،‬ولكن الصالة أبت عليه الخروج‬
‫بهذه الطريقة‪ ،‬ورفض أن يخرج وملصوقة فيه تهمة الزنا‪ ،‬حتى يعلن رسمًيا‬
‫على المل من المجرم الحقيقي‪ ،‬وتعلن براءته‪ ،‬ونصاعة صفحته‪ ،‬عندها فقط‬
‫رضي أن يخرج عزيًزا بريًئا‪ ،‬ولكنه خرج إلى فتنة قل أن يثبت فيها الرجال‬
‫وهي‪:‬‬
‫الفتنة السابعة ‪ :‬فتنة المنصب ‪ :‬ول شك أن فتنة المنصب من أكبر الفتن‬
‫التي يمكن أن يتعرض لها الدعاة‪ .‬ولكن يوسف عليه السلم ما كان من ذلك‬
‫الصنف المتهالك على الدنيا‪ ،‬بل إن قلبه معلق بالخرة؛ فلم تهزه فتنة‬
‫المنصب على الستسلم لله‪ ،‬والتأدب معه‪ ،‬والعتراف بنعمه عليه‪ ،‬فها هو‬
‫ب قَد ْ‬ ‫يقول في آخر المطاف بعد أن جمع الله له والديه وإخوته في مصر‪َ {:‬ر ّ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫ت‬
‫ض أن ْ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫ث َفاط َِر ال ّ‬ ‫حاِدي ِ‬‫ل اْل َ َ‬
‫ن ت َأِوي ِ‬‫م ْ‬ ‫ك وَعَل ّ ْ‬
‫مت َِني ِ‬ ‫مل ْ ِ‬
‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬‫َءات َي ْت َِني ِ‬
‫ن]‪] }[101‬سورة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫قِني ِبال ّ‬‫ح ْ‬
‫ما وَأل ِ‬ ‫سل ِ ً‬
‫م ْ‬‫خَرةِ ت َوَفِني ُ‬ ‫وَل ِّيي ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫يوسف[‪ .‬يقول سيد قطب‪':‬وهكذا يتوارى الجاه والسلطان‪ ،‬وتتوارى فرحة‬
‫اللقاء واجتماع الهل ولمة الخوان‪ ،‬ويبدو المشهد الخيرة مشهد عبد فرد‬
‫يبتهل إلى ربه أن يحفظ له إسلمه حتى يتوفاه إليه‪ ،‬وأن يلحقه بالصالحين‬
‫بين يديه‪ ،‬إنه النجاح المطلق في المتحان الخير' ‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬لبد للدعاة أن يتعلموا الكثير من هذه القصة القرآنية العظيمة‪،‬‬
‫وأول ما يجب أن يتعلموه‪ :‬سنة الله في البلء‪.‬‬
‫? والخطوة الثانية في كل ما يتعرض له المؤمن من بلء‪ ،‬وأكثر هذه الخطوط‬
‫حا‪:‬‬
‫وضو ً‬
‫الخط الول‪ :‬مقدار البلء يتناسب مع مقدار القرب إلى الله ‪.‬‬
‫الخط الثاني‪ :‬يكون البلء أحياًنا يسبب البتعاد ولو قليل ً في أحد معاني‬
‫العبودية‪.‬‬
‫الخط الثالث‪ :‬أنكل بلء يصاحبه لطف من الله ‪.‬‬
‫الخط الرابع‪ :‬أن النفراج بعد الشدة يسبقه ثبات على المنهج ‪.‬‬
‫? فنلحظ هذه الخطوط في قصة يوسف واضحة جلية‪:‬‬
‫فمقدار البلء يزداد بالتدريج في كل فتنة ينتقل إليها يوسف عليه السلم‪.‬‬
‫ونلحظ الخط الثاني‪ :‬عندما اعتمد يوسف عليه السلم على الذي ظن أنه ناٍج‬
‫ن‬‫ج ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ث ِفي ال ّ‬‫ل؛ فعاقبه الله بذلك النسيان‪ {: :‬فَل َب ِ َ‬ ‫منهما ولم يستعن بالله أو ً‬
‫ن]‪] }[42‬سورة يوسف[‪.‬‬ ‫سِني َ‬
‫ضع َ ِ‬ ‫بِ ْ‬
‫ونلحظ الخط الثالث‪ :‬في جميع الفتن التي مر بها يوسف‪ ،‬ففي الفتنة‬
‫الولى‪ ،‬كان اللطف في مؤامرة القتل أن ألقى الله الرحمة في قلب أحد‬
‫إخوانه ليعدل قرار القتل إلى إلقاء في الجب ‪.‬‬
‫وفي الفتنة الثانية‪ :‬نرى أن اللطف هو عدم موته‪ ،‬وبقاؤه على قيد الحياة ‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وفي الفتنة الثالثة‪ :‬نرى اللطف في حياة الستعباد‪ ،‬أنه كان في قصر عزيز‬
‫مصر‪ ،‬وكان الذي اشتراه يعامله معاملة البن المدلل‪.‬‬
‫وفي الفتنة الرابعة‪ :‬نرى اللطف أنه رأى برهان ربه عندما استبدت به الفتنة‪.‬‬
‫وفي الفتنة الخامسة‪ :‬نرى اللطف في أن السجينين اللذين سجنا معه قد‬
‫وثقا به‪ ،‬واستطاع أن يروح عن نفسه بالدعوة إلى الله ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونرى اللطف في الفتنة السادسة‪ :‬أنها تصاحب مع كارثة غذائية عظيمة‬


‫يهرب منها أشد الرجال‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬فكلما ثبت يوسف عليه السلم في فتنة‬ ‫أما الخط الرابع‪ :‬فكان جلًيا أي ً‬
‫أهداه الله تعالى هدية ذلك الثبات‪ ..‬إن المؤمن عندما يعيش هذه السنة‪ ،‬فإنه‬
‫ل يستغرب ما يصيبه الله به من بلء‪ ،‬وهذا يجعله أكثر ثباًتا ورهًنا بما يصاب‬
‫به من عند موله‬
‫‪...‬‬
‫المعادلة التاسعة‪ :‬تعجيل الجزاء‬
‫رئيسي ‪:‬فضائل ‪:‬‬
‫شاء‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ه ِفيَها َ‬ ‫َ‬
‫جلَنا ل ُ‬‫ْ‬ ‫ة عَ ّ‬ ‫َ‬
‫جل َ‬ ‫ْ‬
‫ريد ُ الَعا ِ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫َ‬
‫من كا َ‬ ‫يقول تعالى في كتابه الكريم‪ّ }:‬‬
‫حورا ]‪] {[18‬سورة السراء[‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مد ْ ُ‬ ‫ما ّ‬‫مو ً‬ ‫مذ ْ ُ‬ ‫ها َ‬‫صَل َ‬ ‫م يَ ْ‬‫جهَن ّ َ‬ ‫ه َ‬‫جعَل َْنا ل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ريد ُ ث ُ ّ‬
‫من ن ّ ِ‬‫لِ َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬‫ه ِفى ال ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫ث الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ‬
‫من َْها وَ َ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬‫ن يُ ِ‬ ‫َ‬
‫من كا َ‬ ‫ً‬
‫ويقول تعالى أيضا‪ {:‬وَ َ‬
‫ب ]‪] }[20‬سورة الشورى[‪.‬‬ ‫صي ٍ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وفي هاتين اليتين تتضح معالم المعادلة التاسعة‪ :‬ففي شطرها الول اختيار‬
‫الدنيا والرغبة فيها‪ ،‬وتفضيلها على الخرة‪ ،‬وفي شطرها الخر‪ :‬نتيجة هذا‬
‫الختيار‪ ،‬وهي تعجيل ما أراد من الدنيا‪ ،‬وفي الخرة ليس له شيء البتة غير‬
‫جهنم يصلها محتقرًا‪.‬‬
‫أين العقل ؟‬
‫من علم مثل هذه النتيجة الخطيرة كيف يختار هذا الختيار الخطير؟ بل كيف‬
‫ل‪ ،‬أو به ذرة من عقل من يختار ذلك؟ يقول المام ابن القيم‪':‬كيف‬ ‫يكون عاق ً‬
‫يكون عاقل ً من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة؟' وما أجمل ما علق الزاهد‬
‫يحيى بن معاذ على ذلك الختيار عندما قال‪':‬ما عصى الله كريم‪ ،‬وما آثر‬
‫الدنيا على الخرة حكيم' ‪ .‬ذلك لن الحكيم ينظر بالعواقب‪ ،‬والسفيه هو الذي‬
‫ل ينظر إل لشهوته‪.‬‬
‫جلة‪ :‬لذات الدنيا كلها زائلة‪ ،‬ومن اختارها فإن الله يعطيها إياه‪،‬‬ ‫الزائلة المع ّ‬
‫ويعجلها له في الدنيا؛ لنه يحرم منها في الخرة‪ ،‬حيث اللذات الدائمة‪ .‬يقول‬
‫ة }‪':‬‬ ‫جل َ َ‬
‫ريد ُ ال َْعا ِ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬‫من َ‬ ‫الشيخ أحمد المراغي‪ -‬معلقا ً على قوله تعالى‪ّ { :‬‬
‫أي من كان طلبه الدنيا العاجلة‪ ،‬ولها يعمل ويسعى‪ ،‬وإياها يبتغي‪ ،‬ل يوقن‬
‫بمعاد‪ ،‬ول يرجو ثوابًا‪ ،‬ول يخشى عقابا ً من ربه على ما يعمل‪ ،‬يعجل الله له‬
‫في الدنيا ما يشاء من بسط الرزق‪ ،‬وسعة العيش‪ ،‬ثم يصليه حين مقدمه‬
‫عليه في الخرة جهنم مذموما ً على قلة شكره‪ ،‬وسوء صنيعه فيما سلف‪،‬‬
‫مبعدا ً من رحمته‪ ،‬مطرودا ً من إنعامه'‪.‬‬
‫? وكان التابعون –رضي الله عنهم‪ -‬شديدي الخوف والحساسية من الدنيا‪،‬‬
‫لدرجة أن أحدهم إذا رأى تتابع النعم على أحد من الناس؛ ظن أن ذلك‬
‫استدراج من الله‪ ،‬ويخشى أن تكون نعمة معجلة‪ ،‬وليس له في الخرة من‬
‫نصيب‪.‬‬
‫مما جعل التابعي الجليل أبو حازم سلمة بن دينار‪ ،‬يقول‪':‬إذا رأيت الله عز‬
‫وجل يتابع نعمه عليك‪ ،‬وأنت تعصيه فاحذره' ‪.‬‬
‫وكان يقول‪':‬نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا أعظم من نعمته فيما‬
‫أعطاني منها‪ ،‬لني رأيته أعطاها قوما ً فهلكوا ' ‪.‬‬
‫أدبرت عنكم ‪ :‬كلمات بالغات لصحاب الحق والمؤمنين الذين يتحسرون على‬
‫منصب ُأعطي لغيرهم‪ ،‬وتجارة ينجح بها غيرهم من أهل الدنيا وهم يخسرون‪،‬‬
‫ورزق يبذر به أهل الدنيا ميمنة وميسرة‪ ،‬وهم محرومون منه‪ ،‬وغيرها من‬
‫زخارف الدنيا‪ ،‬فيشغلهم ذلك عن ذكر الله‪ ،‬والسعي للخرة‪ ،‬وينقلهم ذلك‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التحسر يوما ً بعد يوم إلى بيع الخرة وشراء الدنيا‪ ،‬فل يعطون لخرتهم إل ما‬
‫فضل من أوقاتهم‪:‬‬
‫ً‬
‫يصيح التابعي الجليل عون بن عبد الله بأمثال هؤلء قائل‪':‬إن من كان قبلنا‬
‫كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم‪ ،‬وإنكم تجعلون لخرتكم ما فضل‬
‫عن دنياكم'‪.‬‬
‫ومن استمر في مثل هذه الغفلة عن الخرة‪ ،‬وشراء الدنيا؛ فهو في خطر‬
‫عظيم قد ينسيه الخرة بالكلية‪ ،‬ثم ينزلق إلى المعاصي التي تجعله ربما‬
‫ن أعظم‬ ‫م ْ‬‫ختمت حياته بها‪ ،‬لذلك عندما سئل زين العابدين علي بن الحسين‪َ :‬‬
‫الناس خطرا ً ؟ قال‪':‬من لم ير الدنيا خطرا ً لنفسه' ‪.‬‬
‫ولن الصحابة الكرام‪ ،‬وطلب الخرة من بعدهم انتبهوا لخطورة الدنيا‪ ،‬فقد‬
‫هربوا منها عندما أقبلت عليهم‪ ،‬يقول عابد الكوفة الفقيه إبراهيم التيمي‬
‫مخاطبا ً أبناء جيله بعد أن عقد مقارنة بين من مضوا من الصحابة والتابعين‪،‬‬
‫ومن اقتفى أثرهم‪':‬كم بينكم وبين القوم ! أقبلت عليهم الدنيا فهربوا‪،‬‬
‫وأدبرت عنكم فاتبعتموها' ‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ول يعني الهروب من الدنيا‪ ،‬اعتزلها بالكلية‪ ،‬وتركها للفجار من أهل الهواء‬
‫يعبثون بها كيفما يشاءون‪ ،‬واختيار الفقر على الغنى‪ ،‬بل الهروب المقصود هو‬
‫جعلها باليدي ل في القلوب‪ ،‬وأل تشغلنا عما خلقنا من أجله وهو العبادة‪ ،‬وأل‬
‫تكون لها الولوية على الخرة‪ ،‬وأل نعطيها جل أوقاتنا‪ ،‬وأل تكون سببا ً في‬
‫تقصيرنا فيما أمرنا الله به‪ ،‬وأل تبعدنا عن التقرب إلى مرضاته‪ ،‬هذا هو‬
‫الهروب المقصود‪.‬‬
‫تعجيل مقيد‪ :‬ومع ذلك التعجيل من النعم المتقاذفة على أهل الدنيا وعبيدها‪،‬‬
‫إل أن الله تعالى جعلها مقيدة بقيدين‪:‬‬
‫شاء } أي ما يشاء الله سبحانه تعجيله له منها ل ما‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫الول‪ :‬قوله ‪َ {:‬‬
‫يشاؤه ذلك المريد‪ ،‬ولهذا نرى كثيرا من هؤلء المريدين للعاجلة يريدون من‬‫ً‬
‫الدنيا ما ل ينالون‪ ،‬ويتمنون ما ل يصلون إليه‪.‬‬
‫ريد ُ } أي لمن نريد التعجيل له منهم ما‬ ‫من ن ّ ِ‬‫والقيد الثاني‪ :‬هو قوله‪ {:‬ل ِ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫من كا َ‬ ‫اقتضته مشيئتنا‪ ...‬وهذه الية تقيد اليات المطلقة‪ ،‬كقوله سبحانه‪ {:‬وَ َ‬
‫من َْها]‪] }[20‬سورة الشورى[‪.‬‬ ‫ث الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ‬ ‫حْر َ‬‫ريد ُ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ها‬‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬‫ما‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ها‬ ‫ت‬‫ن‬ ‫زي‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫د‬ ‫ري‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وقوله‪{:‬‬
‫َ ُ ِ ُ َ َ َ َّْ َ ِ َََ ُ َ ّ ِ ِْ ْ ْ َ ُ ْ ِ َ َ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ن]‪] }[15‬سورة هود [' ]فتح القدير – الشوكاني ‪. [3/216‬‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َل ي ُب ْ َ‬
‫خسارة الخرة‪ :‬وبالرغم من تعجيل النعم لمن اختار العاجلة‪ ،‬وفضلها على‬
‫الخرة‪ ،‬فإن الخسارة الكاملة تنتظره في الخرة الدائمة‪ ،‬ليتحقق الشطر‬
‫حورا ً ]‪[18‬‬ ‫مد ْ ُ‬
‫ما ّ‬ ‫مذ ْ ُ‬
‫مو ً‬ ‫ها َ‬‫صَل َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫الخر من هذه المعادلة‪ {:‬ث ُ ّ‬
‫م َ‬
‫} ]سورة السراء[‪ .‬وخسارة الخرة لهؤلء ل تعني أنها العقوبة الوحيدة‪ ،‬بل‬
‫إن الله يعاقبها في الدنيا قبل الخرة‪ ،‬وذلك بتعسير المور عليهم‪ ،‬وسلبهم‬
‫السعادة النفسية‪ ،‬وراحة البال‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫المعادلة العاشرة ‪ :‬إرادة الخير للعبد‬
‫رئيسي ‪:‬فضائل ‪:‬‬
‫ختمت‬ ‫كيف للعبد أن يعرف أن الله يريد له الخير ؟ وقد انقطع الوحي‪ ،‬و ُ‬
‫م؟‬‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الرسالت برسالة محمد َ‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫? لقد أخبرنا الله في كتابه‪ ،‬و في السنة المطهرة ببعض العلمات الدالة على‬
‫محبة الله للعبد‪ ،‬وإرادته للخير له‪ ،‬ومن هذه العلمات‪ :‬إصابة العبد بالبلء‪ ،‬أو‬
‫م هذه‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫توفيقه لحب العلم وتعلم الدين‪ ،‬وصاغ الرسول َ‬
‫العلمات على شكل معادلة مكونة من شطرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬فيه إرادة الخير من الله للعبد‪.‬‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫والثاني‪ :‬إصابته بالبلء‪ ،‬أو تعلم العلم‪ ،‬حيث يقول الرسول َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه[ رواه البخاري‪ .‬ويقول َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ب ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫خي ًْرا ي ُ ِ‬ ‫ه ب ِهِ َ‬ ‫ن ي ُرِد ْ الل ّ ُ‬ ‫م ْ‬‫م‪َ ]:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‪ [...‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دي ِ‬ ‫ه ِفي ال ّ‬ ‫قهْ ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫خي ًْرا ي ُ َ‬
‫ه ب ِهِ َ‬ ‫ن ي ُرِد ْ الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ ]:‬‬ ‫سل َ‬ ‫وَ َ‬
‫ما هو الخير الذي يريده الله للبعض من الناس ؟‬
‫يقول المناوي في هذا الخير‪':‬أي‪ :‬جميع الخيرات؛ لن النكرة تفيد العموم‪ ،‬أو‬
‫خيرا ً كبيرا ً عظيما ً كثيرًا‪ ،‬فالتنوين للتعظيم'‪ .‬فقد يكون هذا الخير في الرزق‬
‫الوفير‪ ،‬أو البركة في المال‪ ،‬والوقت‪ ،‬والزوجة‪ ،‬والولد‪ ،‬والعمر‪ ،‬وقد يكون‬
‫هذا الخير في التوفيق للطاعات‪ ،‬واكتساب محبة الناس‪ ،‬وقد يكون هذا الخير‬
‫هو الحماية من شر شياطين النس والجن‪ ،‬وقد يكون هذا الخير هو السعادة‪،‬‬
‫والسداد في القرار‪ ،‬غيرها من أمور الخير التي ُتسعد النسان في دنياه‬
‫وآخرته‪.‬‬
‫بماذا يستحق الخير؟‬
‫هذا الخير الذي يريده الله بالبعض ل يتحقق إل إذا تحقق الشطر الخر من‬
‫المعادلة‪ ،‬وهذا الشطر مكون من علمات‪ ،‬منها‪ :‬الصابة بالبلء‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫التوفيق لتعلم العلم‪.‬‬
‫ل‪ :‬البلء‪ :‬ولن النبياء هم أحب الخلق إلى الله‪ ،‬وأحقهم بهذا الخير الرباني‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫شد ّ الّناس ب َلًء الن ْب َِياء ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫فهم أكثر الناس بلًء‪ ،‬كما جاء في الحديث‪]:‬أ َ‬
‫م[رواه المام أحمد ‪.‬‬ ‫ن ي َُلون َهُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫م ‪ ,‬ثُ ّ‬ ‫ي َُلون َهُ ْ‬
‫ه[ أي‪ :‬يبتليه بأنواع البلء‪ ،‬ليثيبه عليه‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬‫ب ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫وقوله في حديث المعادلة‪ ]:‬ي ُ ِ‬
‫ويقول القاضي‪':‬أي‪ :‬يوصل إليه المصائب ليطهره من الذنوب ويرفع درجته‪،‬‬
‫وهي اسم لكل مكروه‪ ،‬وذلك لن البتلء بالمصائب طب إلهي يداوي النسان‬
‫من أمراض الذنوب المهلكة'] فيض القدير ‪.[6/243‬‬
‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫ومن الخير الذي يناله صاحب البلء‪ :‬تكفير الذنوب‪ ،‬حيث يقول الرسول َ‬
‫ن وَلَ‬ ‫حْز ٍ‬ ‫م وََل ُ‬ ‫ب وََل هَ ّ‬ ‫ص ٍ‬‫ب وََل وَ َ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ن نَ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫صي ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م‪َ ]:‬‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫خ َ‬ ‫َ‬
‫ه[ رواه البخاري‬ ‫طاَيا ُ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬‫شاك َُها إ ِّل ك َ ّ‬ ‫شوْك َةِ ي ُ َ‬ ‫حّتى ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫أًذى وََل غَ ّ‬
‫ومسلم ‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التفقه في الدين ‪ :‬وهي العلمة الثانية لمن أراد الله به الخير‪ ،‬حيث‬
‫يحبب إليه تعلم العلم‪ ،‬ويزيد من همته في طلبه‪ ،‬كأن يكون رأسا ً في العلم‪،‬‬
‫ثم ينقله للخرين‪ ،‬فيسبب لهم الهداية الموجبة للجر العظيم‪ .‬يقول‬
‫المناوي‪':‬أي يفهمه أسرار أمر الشارع ونهيه بالنور الرباني الذي أناخه في‬
‫قلبه‪ ،‬كما يرشد إليه قول الحسن‪ :‬إنما الفقيه من فقه عن الله أمره ونهيه‪،‬‬
‫ول يكون ذلك إل لعامل بعلمه'‪.‬‬
‫والفقه ل يقتصر على علوم بعينها‪ ،‬بل حقيقة الفقه هو التقوى‪ ،‬ول خير في‬
‫فقه ل يوصل إلى التقوى‪.‬‬
‫يقول الغزالي‪':‬إن حقيقة الفقه في الدين ما وقع في القلب‪ ،‬ثم ظهر على‬
‫اللسان‪ ،‬فأفاد العمل‪ ،‬فأورث الخشية فالتقوى'‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان الحسن البصري يغضب لمن 'لقب' الفقيه لمن يتعلم علما ً بعينه‪ ،‬بل‬
‫دأبه دوما ً إرجاع من يحتك بهم إلى المعنى الحقيقي للفقه‪ ،‬فقد روى عنه‬
‫عمران قال‪:‬قلت للحسن يوما ً في شيء قاله‪ :‬يا أبا سعيد ! هكذا يقول‬
‫الفقهاء‪ ،‬قال‪ :‬ويحك‪ ،‬هل رأيت فقيها ً قط‪ ،‬إنما الفقيه الزاهد في الدنيا‪،‬‬
‫الراغب في الخرة‪ ،‬البصير بأمر دينه‪ ،‬المداوم على عبادة ربه‪.‬‬
‫أين الخير ؟‬
‫إذا كان تعلم العلم والتفقه في الدين يتسبب في الخير للمسلم سواًء في‬
‫زيادة معرفته بالله تعالى‪ ،‬ودعوته للناس‪ ،‬وبروزه في المجتمع‪ ،‬واحترام‬
‫الناس له‪ ،‬وسببا ً في هداية الناس إلى آخر هذه المنافع الواضحة‪ ،‬فأين هذا‬
‫الخير فيمن يصاب بالبلء؟‬
‫إذا عرفنا أن الخير المقصود في الحديث ل يقتصر على المنافع الملموسة‬
‫والدنيوية‪ ،‬وإنما يتجاوزه إلى المنافع المعنوية غير الملموسة‪ ،‬والخروية‪،‬‬
‫علمنا بأن الخير الذي يجنيه المصاب بالبلء كبير‪ ،‬وربما يتجاوز المتفقه‬
‫بالدين‪.‬‬
‫فمن هذا الخير ‪:‬‬
‫تقوية معدنه بعد البلء‪ :‬فالذهب ل ينقى مما شابه من المعادن حتى يوضع‬
‫في النار‪.‬‬
‫تعلمه للصبر‪ :‬وفي الصبر خير كثير‪.‬‬
‫ب وََل‬ ‫ص ٍ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫صي ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫تكفيره للسيئات‪ :‬كما جاء في الحديث‪َ ]:‬‬
‫َ‬
‫ه ب َِها‬‫فَر الل ّ ُ‬ ‫شاك َُها إ ِّل ك َ ّ‬ ‫شوْك َةِ ي ُ َ‬ ‫حّتى ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن وََل أًذى وََل غَ ّ‬ ‫حْز ٍ‬ ‫م وََل ُ‬ ‫ب وََل هَ ّ‬ ‫ص ٍ‬ ‫وَ َ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫َ‬
‫خطاَيا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‪[...‬‬‫ما اب ْت َلهُ ْ‬ ‫ب قَوْ ً‬ ‫ح ّ‬‫ه إ َِذا أ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫علمة لحب الله له‪ :‬كما جاء في الحديث‪...]:‬إ ِ ّ‬
‫رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد ‪.‬‬
‫ة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫المنزلة العالية يوم القيامة‪:‬كما في الحديث‪ ]:‬ي َوَد ّ أهْ ُ‬
‫م ِ‬‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ل الَعافِي َةِ ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫طى أ َهْ ُ‬
‫ت ِفي الد ّن َْيا‬ ‫ض ْ‬ ‫ت قُرِ َ‬ ‫م َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫جُلود َهُ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ب ل َوْ أ ّ‬
‫وا َ‬‫ل ال ْب ََلِء الث ّ َ‬ ‫ن ي ُعْ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ِ‬
‫ض [ رواه الترمذي ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫قاِري ِ‬ ‫م َ‬‫ِبال َ‬
‫الحساس بنعمة الله عليه‪ :‬فل يشعر بنعم الله إل الذي يفقدها‪.‬‬
‫زيادة التقرب واللجوء إلى الله‪ :‬فالنسان يزداد لجوؤه إلى الله إذا شعر‬
‫بالضعف والحاجة للعون‪ ،‬وفي هذا الخير كثير‪.‬‬
‫النكسار والتواضع بسبب البلء‪.‬‬
‫أن يكون عظة لغيره‪ ...‬هذا بعض الخير الذي يجنيه من أصيب بالبلء‪.‬‬
‫من كتاب‪':‬معادلت إيمانية' للشيخ‪ /‬عبد الحميد البللي‬

‫)‪(18 /‬‬

‫معاشر الشباب!‬
‫د‪ .‬لطف الله بن مل عبد العظيم خوجه ‪21/6/1426‬‬
‫‪27/07/2005‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬يا معشر الشباب ! من استطاع‬
‫منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر‪ ،‬وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع‬
‫فعليه بالصوم‪ ،‬فإنه له وجاء( مسلم‪.‬‬
‫هكذا خاطب رسول الله الشباب‪ ،‬ليحميهم من الشهوات المضلة‪..‬‬
‫وعناية رسول الله بالشباب لم تقتصر على تلك الكلمات‪ ،‬بل تعدت إلى‬
‫كلمات أخر ل تحصى‪ ،‬بل امتدت إلى التربية المباشرة؛ فجل أصحاب رسول‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله هم من الشباب الذين لم يبلغوا العشرين أو الثلثين‪ ،‬يلزمونه في الحل‬


‫والترحال‪ ،‬في الجهاد وفي الغزوات‪ ،‬يتلقون عنه‪ ،‬منهم‪ :‬ابن عمر‪ ،‬وابن‬
‫عباس‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫إن الحديث عن الشباب اليوم ذو شجون‪ ،‬أو قل ذو حزن وألم‪ ،‬وذلك أنهم‬
‫اليوم قد غرقوا في ثلثة أخطاء‪ ،‬كل واحدة منها تحطم آمالهم‪ ،‬وتعرضهم‬
‫للفتن والمحن والشقاء‪ ،‬ثم تطرحهم بعيدا عن طريق العظماء‪:‬‬
‫‪ -‬الخطأ الول‪ :‬الغراق في اللهو واللعب‪ ،‬وتضييع الوقات فيما يضر ول ينفع‪.‬‬
‫فكثير من الشباب لم يبق لهم هم إل قتل الوقت باللعب‪ ،‬بكافة أشكاله‬
‫وصوره‪ ،‬صار الزمن عدوا لهم‪ ،‬ليس لهم غرض إل في تبذيره وتبديده‪ ،‬تسأل‬
‫أحدهم‪ :‬فيشتكي الفراغ والملل‪ .‬كل آماله أن يملك سيارة من نوع كذا‪ ،‬أو‬
‫يسافر إلى بلد كذا‪.!!..‬‬
‫هذه الظاهرة خطيرة‪ ،‬تدل على نسيان الشباب مهامهم الجسيمة الموكلة‬
‫بهم؛ فهم عمود المة‪ ،‬وهم رجالها‪ ،‬المة كلها تقوم على سواعدهم‪ ،‬عزها في‬
‫عز الشباب‪ ..‬قوتها في قوة الشباب‪ ،‬فهم سر بقائها وهيبتها‪:‬‬
‫‪ -‬فالشباب هو العنصر القوي النشط الفعال في كل أمة‪ ،‬وهو الذي يبذل‬
‫بصدق وجد‪ ،‬وهو الذي يعمل لجل العمل‪ ،‬اليوم يتعلم ويتفقه‪ ،‬وغدا يعّلم‬
‫ويساهم في بناء المة‪.‬‬
‫‪ -‬إذا وقع حرب فالشباب هم الحماة‪ ،‬يحمون الدين‪ ،‬والديار‪ ،‬والعراض‪،‬‬
‫والموال‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا ضاقت الرض بالرزق فالشباب هم السعاة‪.‬‬
‫فهم أصحاب البذل والتضحية في كل زمان ومكان‪ ،‬فالمة الراشدة هي التي‬
‫تعتني بهم‪ ،‬وتسخر كل إمكانياتها لصلحهم‪ ،‬لكن المصيبة تكمن فيما إذا لم‬
‫تدرك المة ممثلة في‪ :‬البيت‪ ،‬والمدرسة‪ ،‬والمسجد والعلم‪ ..‬إلخ‪ ،‬أهمية‬
‫العناية السليمة بالشباب‪ ،‬فأهملت توجيههم وإصلحهم‪ ،‬فحينئذ يصبح الشاب‬
‫بل هدف يعمل لجله‪ ،‬ول غاية سامية يسعى لها‪ ،‬فيقبل على اللهو واللعب‪،‬‬
‫وتصبح غايته‪ ،‬فتتدنى همته‪ ،‬ويصير عالة على المجتمع‪ ،‬بل وبال‪.‬‬
‫إن من وسائل إصلح الشباب‪ ،‬وإيقاد الهمة في قلوبهم‪ ،‬وإبعادهم عن‬
‫الغراق في اللهو‪ :‬تذكيرهم بسيرة أسلفهم من شباب المة‪..‬‬
‫‪ -‬هل تعرف أخي الشاب معاذ بن جبل؟‪.‬‬
‫إنه صحابي شهد له رسول الله بالعلم وهو لم يبلغ العشرين‪ ،‬فقال‪ ) :‬أعلمهم‬
‫بالحلل والحرام معاذ( أحمد‪..‬‬
‫‪ -‬وهل سمعت بخبر شباب الصحابة في الغزوات؟‪.‬‬
‫كانوا يقفون على رؤوس أصابعهم‪ ،‬حين كان يستعرض رسول الله الجيش‪،‬‬
‫خشية أن يردهم لصغر سنهم‪.‬‬
‫‪ -‬فهل بلغك خبر ابن عباس ؟‪.‬‬
‫بلغت همته مبلغا كبيرا‪ ،‬جعلته وهو في مثل سنك أو أصغر‪ ،‬يتوسد باب زيد‬
‫بن ثابت في الظهيرة‪ ،‬تسفي الريح في وجهه التراب‪ ،‬ينتظر خروجه ليتعلم‬
‫منه دينه‪ ،‬حتى صار بحرا وحبرا وترجمانا للقرآن‪.‬‬
‫إنك أخي الشاب‪ ،‬إذا أمضيت عمرك في اللهو واللعب فلن تجني إل الشوك‪،‬‬
‫ولن تنال إل الكرب‪ ،‬وأدنى المآسي أن تعيش وتموت عديم الذكر‪ ،‬ليس لك‬
‫أثر من خير أو بر‪..‬‬
‫فهل رفعت همتك‪ ،‬وأنفت من عبث الصغار‪ ،‬وضننت بوقتك‪ ،‬الذي هو رأس‬
‫مالك في هذه الدنيا؟‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل أظنك تحب أن تكون مهمل‪ ،‬وضيع المنزلة والمكانة‪.!!..‬‬


‫إذا ً فلتعلم أن ما تحبه وما ترجوه من الرفعة والمنزلة لن يصير إليك إل‬
‫بالتعب والجد‪ ،‬ويومذاك ستحمد سهرك الليالي‪ ،‬وجدك في تحصيل المعالي‪،‬‬
‫كما أنك إذا ضيعت وقتك في اللهو‪ ،‬نالك تقلب الدهر‪ ،‬ولعبت بك اليام‪،‬‬
‫فضاع منك السؤدد‪ ،‬وصرت إلى مهانة‪ ،‬وحينذاك ستندم على لياليك الضائعة‪،‬‬
‫حين ل ينفعك الندم‪ ،‬وستبكي على تفريطك في اليام الخالية‪ ،‬فهل تحب أن‬
‫تقف مثل هذا الموقف؟‪.‬‬
‫‪ -‬الخطأ الثاني مما يقع فيه الشباب‪ :‬التقليد‪.‬‬
‫كم نرى من شبابنا من ل هم له إل تقليد الكفار‪ ،‬في‪ :‬ملبسهم‪ ،‬وشعورهم‪،‬‬
‫وحركاتهم‪ ،‬وكلمهم‪.‬‬
‫فلنسأل شبابنا سؤال‪ :‬لماذا هم ل يقلدونكم‪ ،‬لماذا ل يلبسون ملبسكم؟‪.‬‬
‫هل تعلمون الجواب؟‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬إنهم ل يأبهون لكم‪ ،‬والسبب أنتم‪ ،‬لما تهاونتم‪ ،‬وهانت أخلقكم‪،‬‬
‫وأظهرتم إعجابكم بهم‪ ،‬هنتم عليهم‪ ،‬ونقصتم في أعينهم‪ ،‬فاستنكفوا أن‬
‫يقلدوكم في شيء‪.‬‬
‫أليس من الواجب أن تعتزوا بدينكم وأخلقكم ؟!‪.‬‬
‫‪ -‬أنتم خير أمة أخرجت للناس‪ ..‬الله رضي لكم دينكم‪ ،‬ولم يرض لهم دينهم‪.‬‬
‫‪ -‬أنتم في الجنة‪ ،‬وهم في النار‪.‬‬
‫فبالله عليكم كيف رضيتم لنفسكم هذا الهوان‪ ،‬فصرتم تقلدونهم وكأنه‬
‫لحضارة لكم‪ ،‬ول كرامة ول دين قويم؟!‪.‬‬
‫كيف تقلدونهم‪ ،‬وأنتم العز ؟!‪ ،‬أليس من الولى أن تكونوا لهم قدوة ؟‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬أنتم أصحاب النور والقرآن‪ ،‬إنهم ينتظرون منكم أن تمدوا إليهم أيديكم‬
‫لتخرجوهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬فالعجب أنكم صرتم ترجون منهم النور‪،‬‬
‫وكأنكم ظمأى‪ ،‬لم تجدوا في دينكم ما يروي عطاشكم!!‪.‬‬
‫‪ -‬أنتم هنا قد تأثرتم بأخلقهم وعاداتهم‪ ،‬فكيف إذا سكنتم ديارهم وخالطتم‬
‫شبابهم‪ ،‬ماذا ستصنعون‪..‬؟‪.‬‬
‫لقد نسي شبابنا مبدأ البراء من الكافرين‪ ،‬وأن مودة الكافرين محرمة‪.‬‬
‫‪ -‬قال تعالى‪ } :‬لتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الخر يوادون من حاد الله‬
‫ورسوله{‪.‬‬
‫ألم تسمع أخي الشاب إلى قصة إبراهيم الخليل‪ ،‬الذي تمسك بمباديء دينه‪،‬‬
‫ووقف وحده ضد قومه عزيزا قويا‪ ،‬إذ كانوا كفارا وكان مؤمنا‪ ،‬ومن عزته‬
‫كسر أصنامهم‪ ،‬ولم يبال بسخطهم؟‪.‬‬
‫‪ -‬قال تعالى‪ }:‬قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا‬
‫فتى يذكرهم يقال له إبراهيم {‪.‬‬
‫سماه فتى لتعلم‪:‬‬
‫‪ -‬أن الفتى المؤمن يملك من قوة اليمان ما يزلزل به أركان الكفرة‬
‫والفاسقين‪.‬‬
‫‪ -‬وأن عنده من العزة ما يكسر به أصنام المشركين‪.‬‬
‫فضعفك ل معنى له‪ ،‬وتقليدك لمن ل خلق له‪ ،‬دليل على فقدانك الهوية‪،‬‬
‫إضاعتك مباديء دينك القويم‪.‬‬
‫ألم تسمع إلى قصة أصحاب الكهف الذين هجروا دورهم وقصورهم‪ ،‬وتبرؤوا‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من قومهم لما رأوا عصيانهم لله ؟‪.‬‬


‫‪ -‬قال تعالى‪ } :‬أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ‬
‫أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا‬
‫رشدا {‪.‬‬
‫‪ -‬وقال ‪ } :‬نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى‬
‫وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والرض لن ندعو من‬
‫دونه إلها لقد قلنا إذا شططا‪ ،‬هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لول يأتون‬
‫عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا {‪.‬‬
‫وصفهم بأنهم فتية‪ ،‬ومن السنة قرآءة هذه السورة كل جمعة‪ ،‬لتذكر دوما‬
‫قصة شباب زكت نفوسهم‪ ،‬وتعالت همتهم‪ ،‬وأنفوا أن يقلدوا أحدا في الكفر‪،‬‬
‫ولو كانوا قومهم‪ :‬فتتشبه بهم‪ ،‬وتتخذهم لك قدوة‪.‬‬
‫‪ -‬الخطأ الثالث مما يقع فيه الشباب‪ :‬الغزل وهوان العراض‪ ،‬وما يتبع ذلك‬
‫من المنكرات‪.‬‬
‫إن طائفة من الشباب ماتت الغيرة في قلوبهم‪ ،‬فصاروا ل هم لهم إل إفساد‬
‫العراض‪ ،‬ولهؤلء نقول‪:‬‬
‫‪ -‬كيف رضيتم هذا لنفسكم ؟!‪.‬‬
‫‪ -‬كيف رضيتم هذا لخواتكم المؤمنات ؟!‪.‬‬
‫‪ -‬كيف رضيتم هذا لمتكم ؟!‪.‬‬
‫أل تعلمون أن هذا المنكر يكتب عليكم الشقاء ؟‪ ،‬خاصة أولئك المجاهرون‪،‬‬
‫الذين يجتمعون على المنكر‪ ،‬والذين ل يتأثمون من ذنبهم‪ ،‬ول يتحرجون من‬
‫معصيتهم‪ ،‬وربما استحلوها‪.‬‬
‫أل فليعلم كل شاب أن من استحل شيئا محرما في الدين معلوما تحريمه‬
‫بالضرورة‪ ،‬كالزنا‪ ،‬فقد وقع في الكفر‪.‬‬
‫فرق بين الذي يعصي فيندم ويبكي ويعزم على عدم العودة‪ ،‬وبين الذي‬
‫يعصي فيفرح بمعصيته ويصر عليها‪ ،‬فهذا ُيخاف عليه من البوار والشقاء في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬ففي الحديث‪:‬‬
‫‪ ) -‬كل أمتى معافى إل المجاهرين‪ ،‬وإن من الجهار أن يعمل الرجل بالليل‬
‫عمل ثم يصبح وقد ستره الله فيقول‪ :‬عملت البارحة كذا وكذا‪ ،‬وقد بات‬
‫يستره ربه‪ ،‬ويصبح يكشف ستر الله عنه( متفق عليه‪..‬‬
‫فهذا الذي رضي لنفسه هذا الفعل الشنيع‪ ،‬أل يخاف من عقوبة الله في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬من‪ :‬جلد‪ ،‬ورجم‪ ،‬ونار تحرق‪ ،‬وعذاب ل يخف ول يرفع ؟!‪.‬‬
‫أيها الشاب الواقع في هذا الذنب العظيم‪ ،‬أل تستحي من نظر الله إليك؟‪.‬‬
‫أل تخشى أن ينزع اليمان منك؟‪.‬‬
‫في الثر‪) :‬من زنى‪ ،‬أو شرب الخمر‪ ،‬نزع الله منه اليمان‪ ،‬كما يخلع النسان‬
‫القميص من رأسه (‪ ،‬رواه الحاكم…‬
‫فإذا كان قلبك ميتا‪ ،‬فلم تخف عذاب الشرع‪ ،‬ولم تبال بنزع إيمانك‪ ،‬ولم‬
‫تستح من نظر الجبار المنتقم‪ ،‬ولم تخف من عذاب جهنم‪ ،‬وكنت ممن طبع‬
‫الله على قلبه فما عدت تفهم موعظة‪:‬‬
‫ويحك‪ ،‬أل تخاف من عذاب الدنيا‪ ،‬وأمراضها ؟‪.‬‬
‫أخي!‪ ،‬إن كنت تحب أن تكون تحت عرش الرحمن فأقلع عن العصيان‪ ،‬قال‬
‫رسول الله‪) :‬سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لظل إل ظله ]وذكر‬
‫منهم[ وشاب نشأ في طاعة الله عزوجل (‪ ،‬متفق عليه‬
‫وفي بعض الثار أن الله يقول‪ ) :‬أيها الشاب المتبذل لي‪ ،‬الطائع‪ ،‬أنت عندي‬
‫كبعض ملئكتي(‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي أثر آخر أن الله يباهي ملئكته بالشاب الناشيء في طاعته‪.‬‬


‫أل تحب أن تكون منهم‪،‬كيف وهذا حالك ؟!‪.‬‬
‫ثم كيف يرضى الشاب لخواته المؤمنات مثل هذا المر الشنيع؟!‪.‬‬
‫المفترض في المسلم أن يكون حافظا لعرض أخته المسلمة‪ ،‬ينظر إليها نظر‬
‫الخ الشفيق‪ ،‬يحميها من كل سوء‪ ،‬فمن المؤلم أن يكون هو المعتدي عليها‬
‫ظلما وعدوانا‪ ،‬بالتغرير والخداع !!‪.‬‬
‫وهنا تحذير صارم‪ ،‬قد علم بالتجربة والشرع أن من تعرض لعراض الخرين‪،‬‬
‫تعرض الناس لعرضه‪ ،‬ومن زنى يزني به‪ ،‬فلو لم يكن من خطورة الزنا إل أن‬
‫الزاني يعرض ـ بفعله المشين ـ أهله‪ :‬أخته‪ ،‬وزوجته‪ ،‬وأمه وابنته‪ .‬للزنى لكان‬
‫ذلك كاف في زجره وردعه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فيا أخي! قبل أن تقدم على أمر كهذا‪ ،‬تذكر أن لك في البيت أخوات‪ ،‬فاتق‬
‫الله فيهن ول تعرضهن للبليا والمحن‪ .‬اليوم تعصي‪ ،‬وأنت تلهو وتضحك‪ ،‬وغدا‬
‫عندما يكبر عقلك‪ ،‬ستبكي ندما‪ ،‬حينما ترى أولدك يفعلون ما كنت تفعله في‬
‫شبابك‪ ..‬هل نسيت أن الجزاء من جنس العمل؟‪..‬‬
‫فيا أخي الشاب! أذكرك الله أن تتقيه في نفسك وأهلك وأخواتك المسلمات‪،‬‬
‫وأل تستعجل شهواتك فتحرم الجنة‪– .‬‬
‫‪ -‬ألم تسمع بالحور العين في الجنة ؟‪.‬‬
‫‪ -‬ألم يبلغك خبر الكواعب التراب‪ ،‬البيض المكنون‪ ،‬اللؤلؤ المكنون؟‪.‬‬
‫‪ -‬ألم تتطلع على أوصافهن وسحر جمالهن؟‪.‬‬
‫إنهن لمن اتقى ربه‪ ،‬واجتنب الزنى‪..‬‬
‫إنهن طاهرات مطهرات‪ ،‬يرى مسخ سوقهن‪ ،‬ل يحضن ول يهرمن‪ ،‬أبكارا‪،‬‬
‫عربا أترابا‪ ،‬لصحاب اليمين‪..‬‬
‫فكن من أصحاب اليمين‪ ،‬فهو مهرهن‪ ،‬ول تكن من أصحاب الشمال‪ ،‬فتطرد‬
‫عن بابهن‪.‬‬
‫إنك لم تسمع أصواتهن الجميلة‪ :‬إن لهن أصواتا تسكر القلوب والعقول‪.‬‬
‫وإنك لم تر نصيف إحداهن‪ ،‬ولم تر أناملهن‪ :‬إن الدنيا تضيء منها‪.‬‬
‫ل خبر لك عن نعومتهن‪ ،‬وعن تبعلهن‪ ،‬وعن رقتهن‪ ،‬وعن جمال قدهن‪،‬‬
‫وخصرهن‪ ،‬وأعينهن‪.‬‬
‫لماذا تزهد في هذا النعيم المقيم؟‪.‬‬
‫بالله عليك كن عاقل‪..‬‬
‫واعلم أن الحياة قصيرة‪..‬‬
‫وأن الدنيا ارتحلت مدبرة‪ ،‬وأن الخرة ارتحلت مقبلة‪ ،‬ولكل واحدة منها بنون‪،‬‬
‫فكن من أبناء الخرة‪ ،‬ول تكن من أبناء الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل ول حساب‪،‬‬
‫وغدا حساب ول عمل‪.‬‬
‫***‬

‫)‪(3 /‬‬

‫معالجات المسألة الثقافّية بين قرنين‬


‫غازي التوبة ‪9/6/1427‬‬
‫‪05/07/2006‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زاد الهتمام بالمسألة الثقافية بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬وتكّرر‬


‫الحديث عن ضرورة إحداث تغييرات ثقافية واسعة في منطقتنا العربية في‬
‫القرن الحادي والعشرين‪ ،‬وطرحت أمريكا من أجل تحقيق تلك الغاية‬
‫"مبادرة الشراكة المريكية‪-‬الشرق الوسطية" في ‪12/12/2003‬م على يد‬
‫كولن باول وزير الخارجية المريكية آنذاك‪ ،‬كما طرح جورج بوش رئيس‬
‫الوليات المتحدة "مشروع الشرق الوسط الكبير" الذي ناقشته ووافقت‬
‫على تبّنيه الدول الصناعية الكبرى الثماني في حزيران )يونيو( من عام‬
‫سسات أمريكية‬ ‫من المشروعان السابقان الصادران عن مؤ ّ‬ ‫‪2004‬م‪ ،‬وقد تض ّ‬
‫جهات نحو إحداث تغيير في كل تفريعات المسألة الثقافية في‬ ‫ودولية تو ّ‬
‫منطقتنا من مناهج‪ ،‬وإعلم‪ ،‬ولغات‪ ،‬وطرق تربية‪ ،‬ومدارس‪ ،‬وخطاب ديني‬
‫الخ‪ ،...‬واستهدف المشروعان إقامة ورش عمل للتدريب على العمل‬
‫الديموقراطي‪ ،‬والممارسات النتخابية والنقابية الخ‪ ،...‬واعتمد المشروعان‬
‫تعميم ثقافة حقوق النسان‪ ،‬وحرية المرأة‪ ،‬والمبادئ الديموقراطية الخ‪،...‬‬
‫ورصد المشروعان مبالغ مالية من أجل النفاق على مراكز التدريب والتعليم‬
‫والورش والمؤتمرات والدعاية المرتبطة بهما‪.‬‬
‫والسؤال الن‪ :‬هل الهتمام بالمسألة الثقافية أمر جديد على المنطقة؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬بل هو قديم منذ القرن التاسع عشر‪ ،‬فقد اهتم رفاعة رافع‬
‫معَْلم من معالم النهضة بالمسألة الثقافية‪ ،‬وربما كانت‬ ‫الطهطاوي وهو أول َ‬
‫المسألة الثقافية اهتمامه الول‪ ،‬فقد كتب رسالته المشهورة "المرشد المين‬
‫في تعليم البنات والبنين" في صدد الحديث عن التعليم والتربية والمدارس‪،‬‬
‫كما أنشأ دارا ً للترجمة من أجل نقل جانب من التراث الفرنسي الذي اطلع‬
‫عليه أثناء مرافقته للبعثة المصرية خلل إقامته في فرنسا‪.‬‬
‫ً‬
‫كدت سيرة محمد عبده )ت ‪1905‬م( أبرز رموز النهضة أيضا الهتمام‬ ‫وأ ّ‬
‫دم إحداهما إلى‬ ‫كرتين في إصلح التعليم ق ّ‬ ‫بالمسألة الثقافية‪ ،‬فقد كتب مذ ّ‬
‫شيخ السلم في استنبول‪ ،‬والثانية إلى اللورد كرومر في مصر‪ ،‬وكتب رسالة‬
‫في إصلح الزهر تناولت المدرسين ونظام التدريس والمتحان وكتب‬
‫دم هذه الرسالة إلى مجلس إدارة‬ ‫التدريس ورواتب المدّرسين الخ‪ ،...‬وق ّ‬
‫الزهر الذي أصبح عضوا ً فيه‪ ،‬وكتب مذكرة في إصلح المحاكم الشرعية‪ ،‬كما‬
‫ّ‬
‫دمها إلى مجلس الوقاف لقرارها والعمل‬ ‫وضع لئحة لصلح المساجد وق ّ‬
‫بها‪ ،‬وأنشأ جمعية إحياء الكتب العربية افتتحها بطباعة كتاب "المخصص" لبن‬
‫سيده الخ‪ ...‬وأّلف محمد عبده كتبا ً عالجت مختلف النواحي الثقافية والدينية‪،‬‬
‫مة‪ ،‬كما‬‫فأّلف "رسالة التوحيد" التي عالجت الجانب العقائدي في تراث ال ّ‬
‫أّلف "تفسير المنار" الذي عالج التقريب بين الغيب الديني والمادية الغربية‬
‫الخ‪...‬‬
‫ثم زاد الهتمام بالمسألة الثقافية بعد الحرب العالمية الولى إثر التغييرات‬
‫الكبيرة التي مّر بها العالم العربي‪ ،‬ويمكن أن نمّثل على ذلك بطه حسين‬
‫الذي أّلف كتابا ً خاصا ً عن الثقافة إثر إعلن استقلل مصر عام ‪1936‬م‪،‬‬
‫دث في هذا الكتاب عن التعليم‪،‬‬ ‫ماه "مستقبل الثقافة في مصر" وقد تح ّ‬ ‫س ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واللغات الجنبية‪ ،‬وواجبات المعلم‪ ،‬وواجبات الدولة تجاه المعلم‪ ،‬والزهر‪،‬‬
‫واللغة العربية‪ ،‬والعلوم الدينية الخ‪ ،...‬ثم استلم طه حسين وزارة المعارف‬
‫في يناير عام ‪1950‬م‪ ،‬واستمّر وزيرا ً إلى يناير عام ‪1952‬م‪ ،‬وكانت فرصة‬
‫لتطبيق رؤاه الثقافية‪ ،‬وبالفعل من أشهر أفعاله أثناء توّليه الوزارة‪ ،‬حرصه‬
‫على تعميم التعليم وتوسيع دائرة المتعّلمين‪ ،‬وإطلق مقولته المشهورة حيث‬
‫قال‪" :‬التعليم يجب أن يكون بالنسبة للمصري كالماء والهواء"‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الهتمام بالمسألة الثقافية قديم‪ ،‬وقد ساهم في طرح‬ ‫خلصة القول‪ :‬إ ّ‬
‫ن النتائج كانت‬‫مشاكلها ووضع الحلول لها كل رموز النهضة‪ ،‬ومع ذلك فإ ّ‬
‫شية بلغت )‪ (70‬مليونا ً‬ ‫مية متف ّ‬ ‫ُ‬
‫مخّيبة للمال على مستوى العالم العربي‪ :‬أ ّ‬
‫في العالم العربي‪ ،‬عدد الختراعات والبتكارات محدود‪ ،‬المراكز البحثية‬
‫محدودة‪ ،‬الكتب المترجمة من اللغات الخرى إلى اللغة العربية قليلة‬
‫بالمقارنة مع ترجمات دولة كاليونان‪ ،‬الكتب المؤّلفة قليلة بالمقارنة بالكتب‬
‫المؤّلفة في دولة مثل إسرائيل الخ‪...‬‬
‫لماذا جاءت النتائج بهذه الصورة مع الهتمام الواسع المستمّر بالمسألة‬
‫الثقافية خلل القرن الماضي؟ ل يكمن النقص والخطأ في الهتمام بالمسألة‬
‫الثقافية ومعالجته‪ ،‬ولكن يكمن الخطأ في رؤية الواقع البشري والجتماعي‬
‫والنفسي والعقلي المرتبط بالمسألة الثقافية‪ ،‬والجابة الخاطئة عن أسئلة‬
‫من مثل‪ :‬من هو النسان الذي نّتجه إليه لمعالجة مشكلته الثقافية؟ ومن هو‬
‫المجتمع الذي نخاطبه؟ وسنأخذ مثال ً على ذلك طه حسين وكتابه الذي‬
‫استشهدنا به من قبل وهو "مستقبل الثقافة في مصر"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دث طه حسين في بداية كتابه عن العقل المصري‪ ،‬وقّرر أنه مّتصل‬ ‫تح ّ‬
‫ن الشعب المصري‬ ‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫بينهما‪،‬‬ ‫جوهري‬ ‫فرق‬ ‫هناك‬ ‫ليس‬ ‫وأنه‬ ‫الوروبي‪،‬‬ ‫بالعقل‬
‫ن السلم لم‬ ‫سط‪ ،‬واعتبر طه حسين ّ‬
‫أ‬ ‫متأّثر بشعوب البحر البيض المتو ّ‬
‫ن رضا مصر عن الفتح السلمي لم يبرأ‬ ‫يخرج مصر عن عقليتها الولى‪ ،‬وبأ ّ‬
‫من السخط‪ ،‬ولم يخلص من الثورة والمقاومة‪ ،‬وبأنها لم تهدأ‪ ،‬ولم تطمئن إل‬
‫ل ابن طوسون‪ ،‬وفي ظ ّ‬
‫ل‬ ‫حين أخذت تسترد شخصيتها المستقلة في ظ ّ‬
‫الدول المختلفة التي قامت بعده‪.‬‬
‫ويتصل هذا الكلم الذي ذكره طه حسين في كتاب "مستقبل الثقافة في‬
‫مصر" اتصال ً وثيقا ً بوجهات نظره الخرى التي عّبر عنها في منابر أخرى‬
‫سياسية وأدبية وثقافية؛ إذ دعا فيها إلى القومية المصرية الفرعونية‪ ،‬والتي‬
‫مة مصرية" مستقّلة‪ ،‬كما اعتبر أ ّ‬
‫ن‬ ‫كل "أ ّ‬‫ن الشعب المصري يش ّ‬ ‫اعتبر فيها أ ّ‬
‫مصر هي "الوطن المصري"‪.‬‬
‫ل أريد أن أناقش وجهات النظر السابقة ومدى خطئها وعدم صوابيتها‪ ،‬فقد‬
‫ن هذا هو‬‫فعلت ذلك في مكان آخر كما فعل ذلك غيري‪ ،‬ولكني أشير إلى أ ّ‬
‫أحد السباب الرئيسة الذي جعل الخطط الثقافية ل تنجح ول تعطي ثمارها؛‬
‫إذ كيف تنجح‪ ،‬ونحن لم نعرف ذاتنا معرفة صحيحة؟ فكيف يكون الشعب‬
‫مة التي تعتمد العوامل‬ ‫مة مصرية" بالمعنى الفرنسي لل ّ‬ ‫المصري "أ ّ‬
‫مة عربية إسلمية؟! وكيف‬ ‫مة‪ ،‬وليس جزءا ً من أ ّ‬ ‫الجغرافية في تكوين ال ّ‬
‫تكون مصر "وطنًا" بالمعنى الوروبي لكلمة "الوطن" وليس جزءا من الوطن‬
‫ً‬
‫ما كان عليه‬ ‫العربي السلمي؟ وكيف لم يخرج السلم "العقل المصري" ع ّ‬
‫قبل السلم‪ ،‬ونتجاهل كل الثار الثقافية والعلمية والتربوية والفنية التي تركها‬
‫السلم في واقع الحياة المصرية؟‬
‫هذه هي العوامل التي جعلت معالجات المسألة الثقافية في القرن العشرين‬
‫ل تعطي ثمارها ونتائجها الصحيحة‪ ،‬فهل المعالجات في القرن الحادي‬
‫ن معالجات المسألة الثقافية في‬ ‫والعشرين ستتجّنب تلك الخطاء؟ الملحظ أ ّ‬
‫القرن الحادي والعشرين‪ ،‬تقع في الخطأ ذاته الذي وقعت فيها معالجات‬
‫القرن العشرين‪ ،‬بل ربما في خطأ أسوأ‪ ،‬فهي تنظر إلى المنطقة على أنها‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دة فارغة تريد أن تملها بالمضمون الثقافي الذي تريده‪ ،‬وهي‬ ‫جغرافيا ممت ّ‬
‫دة من‬
‫سعها مّرة كما في "مشروع الشرق الوسط الكبير"‪ ،‬فتجعلها ممت ّ‬ ‫تو ّ‬
‫ً‬
‫باكستان إلى المغرب مرورا بأفغانستان وإيران وتركيا و إسرائيل‪ ،‬وهي‬
‫دة من إيران إلى المغرب كما في التعديلت‬ ‫تضّيقها مّرة أخرى لتجعلها ممت ّ‬
‫الوروبية له‪.‬‬
‫ن تلك الرؤية للواقع البشري تشير إلى أننا لم نستفد من كل التجارب‬ ‫إ ّ‬
‫السابقة في القرن العشرين‪ ،‬وإلى أننا ربما سننتهي إلى نتائج أسوأ في‬
‫معالجات المسألة الثقافية في القرن الحادي والعشرين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫معالم التاريخ القتصادي للمسلمين‬


‫‪10-2-2006‬‬
‫بقلم أحمد محمد محمود نصار‬
‫"‪...‬اهتمت السياسة القتصادية السلمية في التاريخ القتصادي بربط‬
‫السلوك القتصادي بالعقيدة التي لها تأثير على سلوك المسلم بشكل عام‬
‫مثل ربط الرزق والبركة باليمان والستغفار ‪"...‬‬
‫تميز التاريخ القتصادي للمسلمين بحيث أصبح هذا التاريخ حجة بينة واضحة‬
‫في الدراسات القتصادية السلمية‪ ,‬يستعين بها المتخصصون في القتصاد‬
‫السلمي للتدليل على كفاءة النظام القتصادي السلمي وصلحيته للتطبيق‪,‬‬
‫وهو ما نسعى إليه في هذا المقال عن طريق توضيح المعالم الرئيسية‬
‫والهامة التي تميز بها التاريخ القتصادي للمسلمين‪.‬‬
‫ونعرض لها كما يلي‪:‬‬
‫ل‪:‬‬‫أو ً‬
‫في مجال السياسات القتصادية ودور الدولة‪:‬‬
‫اهتمت السياسة القتصادية السلمية في التاريخ القتصادي بربط السلوك‬
‫القتصادي بالعقيدة التي لها تأثير على سلوك المسلم بشكل عام مثل ربط‬
‫الرزق والبركة باليمان والستغفار والذكر‪ ,‬حيث قال تعالى "ولو أن أهل‬
‫القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض" سورة العرف‪:‬‬
‫‪ ,96‬من هذا المنطلق قامت الدولة السلمية بتوجيه المسلمين لصلة‬
‫الستسقاء في حالت الجدب وقلة المطر‪ ,‬وقامت السياسة القتصادية أيضا‬
‫بتوجيه الموارد بما يحقق الستغلل المثل لها وخصوصا ً في مجال استغلل‬
‫الرض‪ ,‬حيث قال صلى الله عليه وسلم "من أحيا أرضا ً ميتا ً فهي له‪ ,‬وليس‬
‫لمحتجر حق فوق ثلث" أي من يعطل الرض ول يستغلها ثلثة أعوام تقوم‬
‫الدولة السلمية بأخذها منه لغيره لكي يعمل بها وينميها‪ ,‬وهذا يعني بلغة‬
‫القتصاد نقصان فجوة الموارد إلى أدنى حد وتعبئة كامل الموارد في المجتمع‬
‫للفعالية القتصادية‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬‬
‫في مجال المالية العامة‪:‬‬
‫أما في مجال المالية العامة فكانت الموارد الرئيسية للموازنة تتمثل في‬
‫خراج الرض الزراعية التي تم فتحها عنوة والعشور وهي الضرائب المأخوذة‬
‫من البضائع التي تمر ببلد المسلمين‪ ,‬والفيء والغنيمة وغيرها من الموارد‬
‫المالية التي تتعلق بسيادة الدولة وقوامتها على مصالح المسلمين‪ ,‬أما في‬
‫جانب النفقات فكان يوجه ضمن سلم الولويات وفق المقاصد الشرعية‪,‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الضروريات أول ً ثم الحاجيات ثم التحسينيات )الكماليات (والتي أجملها المام‬


‫الشاطبي في قاعدته المشهورة في المقاصد‪ ,‬بأنه ل يراعى تحسيني إذا كان‬
‫في مراعاته إخلل بحاجي ول يراعى حاجي إذا كان بمراعاته إخلل بضروري‪,‬‬
‫وكان الهتمام أيضا ًً بمحاربة الفساد المالي والنفقات غير الضرورية لن فيه‬
‫تلعب بالمال العام في غير صالح المجتمع‪.‬‬
‫أما بالنسبة للعجز فيجب لتمويله أن يتحقق شرطان‪ ,‬الول أن يكون له مبرر‬
‫موضوعي لحدوثه أي ل يكون سببه الفساد المالي وسوء التخطيط وان تكون‬
‫هنالك القدرة على سداده مستقبل ً ل أن يتحمل المجتمع أعباء ديون ل‬
‫يستطيع سدادها‪ ,‬وشهد التاريخ القتصادي للمسلمين تشدد الولة والخلفاء‬
‫في الحفاظ على المال العام لدرجة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان‬
‫يحصي أموال الولة قبل توليهم وبعد توليهم فإذا وجد هناك زيادة غير طبيعية‬
‫أخذه إلى بيت المال‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫في النظام النقدي‪:‬‬
‫اهتم المسلمون بالنقود وسكها وضبط أوزانها وأعيرتها‪ ,‬حيث لم يسمح بسك‬
‫النقود إل في دار مخصصة لذلك‪ ,‬هذا بالنسبة للجانب الشكلي في النقود أما‬
‫الجانب الحقيقي للنقود الذي يتمثل بتأدية دورها كوسيلة للتبادل فاهتم‬
‫المسلمين بسن الحكام الضابطة لذلك من تحريم الربا الذي يمنع التلعب‬
‫بقيمة النقود الحقيقية ويحد من الثراء غير المبرر للمرابين‪ ,‬وإيجاب الزكاة‬
‫التي تجبر الرصدة النقدية المعطلة على التوجه للستثمار وللفعالية‬
‫القتصادية‪ ,‬وهو مصداقا ً لقوله صلى الله عليه وسلم "اتجروا في مال اليتيم‬
‫حتى ل تأكله الصدقة"‪ ,‬وضمان فقه المسلمين بهذه الركائز كان عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه يخرج إل السواق ويقول "ل يبع في سوقنا إل من‬
‫يفقه وإل أكل الربا شاء أم أبى"‪.‬‬
‫رابعا‪:‬‬
‫في تنظيم السواق والمعاملت فيها‪:‬‬
‫أول ما قام به الرسول عليه الصلة والسلم عند وصوله إلى المدينة بعد‬
‫هجرته من مكة هو إقامة سوق للمسلمين يتبادلون فيه السلع والبضائع‪ ,‬وقام‬
‫عليه الصلة والسلم بالتدخل بهيكل هذه السوق حيث قام بتحريم الغش‬
‫والتدليس والحتكار والنجش وسائر المعاملت غير المشروعة وهو ضمان‬
‫لعمل السوق السلمية بكفاءة‪ ,‬ولم يتدخل عليه الصلة والسلم بآلية السوق‬
‫)العرض والطلب( لنها من الحريات الطبيعية التي ل يجب تقيدها إل إذا كان‬
‫هناك مصلحة من ذلك‪ ,‬حيث جاء نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لما ارتفعت السعار بالسوق وقالوا له سّعر لنا يا رسول الله‪ ,‬فرفض عليه‬
‫الصلة والسلم التسعير وقال‪ :‬إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق‬
‫وإني لرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ول مال"‪,‬‬
‫وشرع السلم لضمان ذلك كله نظام الحسبة للتفتيش والرقابة على‬
‫السواق ومعاقبة المخالفين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والله أسال التوفيق‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معالم الشخصية السلمية‬


‫المستشار‬
‫الشيخ حامد بن عبدالله العلي‬
‫رقم الستشارة‬
‫‪651‬‬
‫تاريخ الستشارة‬
‫‪ 17/1/1427‬هـ ‪15-02-2006 --‬‬
‫تصنيف الستشارة‬
‫استشارات تعليمية‪<-‬وسائل وأساليب‬
‫السؤال‬
‫فضيلة الشيخ أطلب منك أنك تكتب لي منهجا يلخص معالم الشخصية‬
‫السلمية لكي ادرسه للطلب على أن يكون بأسلوب سهل أكاديمي لغير‬
‫طلب الشريعة ‪ ،‬ويكون شامل تقريبا ‪ ،‬بحيث يمكن أن يلخص مقرر كامل‬
‫عن الثقافة السلمية ‪ ،‬ولكن بدون تفصيل ‪ ،‬حتى ل أكلف عليكم ‪ ،‬والله‬
‫يوفقكم ويرعاكم ‪،‬‬
‫الجابة‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد ‪ :‬ـ‬
‫‪1‬ـ أّول معالم الشخصية السلمية ‪ ،‬هو اليمان بالتوحيد ‪ ،‬فأّول ما يميز‬
‫المسلم عن بقية الناس ‪ ،‬أّنه ليعبد إل الله تعالى ‪ ،‬فهو ليصرف العبادة لغير‬
‫الله ‪ ،‬ول يتخذ سواه معبودا ‪ ،‬على الله وحده يتوكل ‪ ،‬وإّياه يدعو ‪ ،‬له صلته ‪،‬‬
‫ة من‬ ‫وركوعه ‪ ،‬وسجوده ‪ ،‬وسائر عباداته ‪ ،‬ليتخذ إلى الله في العبادة واسط ً‬
‫غيره ‪ ،‬لنبّيا مرسل ‪ ،‬ول ملكا مقرّبا ‪ ،‬ول ولّيا صالحا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ) ،‬قل‬
‫إنما أدعو ربي ول أشرك به أحدا ( ‪ ،‬وقال ‪ ) :‬قل إن صلتي ونسكي‬
‫وممحياي ومماتي لله رب العالمين لشريك له ( ‪ .‬فحقّ الله أن يعبد وحده‬
‫لشريك له ‪ ،‬وحقّ نبينا صلى الله عليه وسلم التباع والئتساء ‪ ،‬وحقّ الولياء‬
‫ما للمؤمنين من الحقوق ‪ ،‬ومن الزيادة ما تنبغي لزيادة منزلتهم ‪ ،‬فل يجوز‬
‫الخلط بين الحقوق ‪ .‬والتوحيد ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫ن معناه ‪ ،‬اعتقاد‬ ‫أحدها ‪ :‬توحيد الربوبية وهو كالمقدمة لتوحيد اللوهية ‪ ،‬ل ّ‬
‫العبد أن الله تعالى متفرد بالخلق ‪ ،‬والتكوين ‪ ،‬والتقدير ‪ ، ،‬وبالتصريف ‪،‬‬
‫من‬ ‫مُتم ّ‬ ‫ن َزعَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫عوا ال ّ ِ‬ ‫ل اد ْ ُ‬‫والتدبير ‪ ،‬لثاني له ولشريك له ‪ ،‬ولمعين ‪ ) :‬قُ ِ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫م ِفيهِ َ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬‫ض وَ َ‬ ‫ت َول ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ل ذ َّرةٍ ِفي ال ّ‬ ‫قا َ‬‫مث ْ َ‬
‫ن ِ‬‫كو َ‬ ‫ن الل ّهِ ل ي َ ْ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫ُدو ِ‬
‫من ظ َِهيرٍ ( ‪.‬‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬‫ك وَ َ‬ ‫شْر ٍ‬
‫من ِ‬ ‫ِ‬
‫كم ‪ ،‬وإليه‬ ‫ح َ‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫هو‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫أن‬ ‫العبد‬ ‫إعتقاد‬ ‫‪،‬‬ ‫التوحيد‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫يدخل‬ ‫كما‬
‫كم ‪ ،‬وهو ملك السموات والرض الذي ليملك غيره حق التشريع لعباده ‪،‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ُ‬
‫ملك ‪ ،‬بل هو أعظم خصائص‬ ‫ْ‬ ‫ذلك أن المر والنهي من أهم خصائص ال ُ‬
‫الملك ‪ ،‬فمن جعل التشريع لغير الله تعالى ‪ ،‬فقد كفر بأن الله تعالى ملك‬
‫الملوك ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬توحيد اللوهية ‪ :‬وهو إفراد الله بالعبادة كما بّينا ‪ ،‬فمن صرف شيئا‬
‫من العبادة لغير الله فقد أشرك في عبادة الله ‪ ،‬وهو شرك أهل الجاهلية من‬
‫كفار قريش ‪ ،‬فإنهم كانوا يقّرون بتوحيد الربوبية ‪ ،‬كما قال تعالى‪ ) :‬وَل َِئن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م(‪.‬‬ ‫زيُز ال ْعَِلي ُ‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫قهُ ّ‬ ‫ن َ‬‫قول ُ ّ‬‫ض ل َي َ ُ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سأل ْت َُهم ّ‬ ‫َ‬
‫غير أن هذا التوحيد لم ينفعهم ‪ ،‬كما لم ينفع إبليس معرفته بالله ‪ ،‬وإقراره‬
‫بربوبيته ‪ ،‬وبكمال صفاته ‪ ،‬لن الله تعالى أراد منهم أن يوحدوه توحيد العبادة‬
‫‪ ،‬ول يجعلوا بينهم وبينه ـ سبحانه ـ واسطة تقربهم إليه ‪ ،‬كما قال تعالى‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عند َ‬‫فَعاؤَُنا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ؤلء ُ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫م وَل َ َين َ‬ ‫ما ل َ ي َ ُ‬


‫ضّرهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫)وَي َعْب ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه وَت ََعالى‬‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬‫ض ُ‬ ‫ت وَل ِفي الْر ِ‬ ‫َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫َ‬
‫ما ل ي َعْل ُ‬‫ه بِ َ‬‫ن الل َ‬ ‫الل ّهِ قُل أت ُن َب ّئو َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫عَ ّ‬
‫دم على هذه الطاعة‬ ‫ّ‬ ‫يق‬ ‫ول‬ ‫‪،‬‬ ‫الله‬ ‫لطاعة‬ ‫العبد‬ ‫يخضع‬ ‫أن‬ ‫التوحيد‬ ‫هذا‬ ‫ومن‬
‫ن جعل طاعة غير الله ‪ ،‬كطاعة الله من شرك‬ ‫طاعة أحد كائنا من كان ‪ ،‬فإ ّ‬
‫النداد ‪ ،‬ومن اتخاذ الشريك مع الله تعالى ‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪ ) :‬ول يشرك‬
‫في حكمه أحدا ( ‪.‬‬
‫كمه ‪،‬‬ ‫ح ْ‬ ‫بل إن إفراد الله بالعبادة ‪ ،‬إنما صار حقا لله تعالى ‪ ،‬بأمر الله و ُ‬
‫وامتثال لطاعته ‪ ،‬كما قال ‪ ) :‬وقَضى رب َ َ‬
‫ن‬‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫دوا ْ إ ِل ّ إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬ ‫ك أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ساًنا( ‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫وتوحيد اللوهية لزم من توحيد الربوبية ‪ ،‬ولهذا يقول العلماء‪ :‬توحيد الربوبية‬
‫منحة ‪ ،‬وتوحيد اللوهية تكليف ‪،‬‬
‫ب الذي رّبى عباده بنعمه ‪ ،‬ومنحهم الوجود ‪ ،‬وأمدهم‬ ‫فالله تعالى لّنه الر ّ‬
‫بأسبابه ‪ ،‬أمرهم بعبادته ‪ ،‬وخلقهم ليعبدوه وحده لشريك له ‪ ،‬كما قال ) وما‬
‫ن والنس إل ليعبدون ( ‪.‬‬ ‫خلقت الج ّ‬
‫ولكن لفظ ) الله ( و) ا لرب ( إذا اجتمعا افترقا في الدللة ‪ ،‬فكان الّول‬
‫أخص بمعنى المعبود ‪ ،‬والثاني بمعنى الخالق المنعم ‪،‬‬
‫ن المعاني تتداخل‪ ،‬كما ورد ) إل ّ أن يقولوا رّبنا الله ( أي‬ ‫وأما إن افترقا ‪ ،‬فإ ّ‬
‫معبودنا الله الذي خلقنا ‪ ،‬وفي حديث سؤال منكر ونكير ) من رّبك ( أي ما‬
‫كنت تعبد في الدنيا ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والقسم الثالث ‪ :‬توحيد السماء والصفات ‪ ،‬وهو أن يعتقد العبد أن الله تعالى‬
‫ل وجه ‪،‬‬ ‫واحد في ذاته وصفاته وأسماءه ‪ ،‬له في ذلك الكمال المطلق ‪ ،‬من ك ّ‬
‫ول يلحقه عيب ‪ ،‬ولنقص ‪ ،‬ول يشبه شيئا من خلقه ‪ ،‬ول يمكن إدراك كيفية‬
‫صفاته ‪ ،‬فيجب إثبات جميع أسماء وصفاته الواردة في الوحي ‪ ،‬من غير‬
‫تعطيل ‪ ،‬ول تأويل ‪ ،‬ول تمثيل أي تشبيه ‪ ،‬ول خوض في الكيفية ‪ ،‬كما يقول‬
‫العلماء ‪ :‬إثباتا من غير تمثيل ‪ ،‬وتنزيها من غير تعطيل ‪.‬‬
‫ومن اليمان بكمال أسماءه وصفاته سبحانه ‪ ،‬اليمان بأنه سبحانه هو الملك ‪،‬‬
‫مت كلماته صدقا وعدل ‪ ،‬صدقا في‬ ‫قب لحكمه ‪ ،‬ت ّ‬ ‫الحكم ‪ ،‬العدل ‪ ،‬الذي لمع ّ‬
‫الخبار ‪ ،‬وعدل في الحكام ‪ ،‬فمن جعل التشريع لغير الله ‪ ،‬فإنه لم يحقق‬
‫اليمان بهذه السماء الحسنى ‪ ،‬والصفات العليا ‪.‬‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ب ال ّ‬‫وقد ذكرت هذه القسام ‪ ،‬في قوله تعالى )َر ّ‬
‫مّيا (‬
‫س ِ‬ ‫م لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ل ت َعْل َ ُ‬‫صط َب ِْر ل ِعَِباد َت ِهِ هَ ْ‬
‫َفاعْب ُد ْه ُ َوا ْ‬
‫‪2‬ـ التمسك بالوحي اللهي ‪ ،‬والنقياد للشرع ‪ ،‬فالمسلم ليقدم على كلم الله‬
‫‪ ،‬وكلم رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا ‪ ،‬فإنقياده لله وحده ‪ ،‬واستسلمه‬
‫لربه لشريك له ‪ ،‬وهذا هو معنى السلم ‪ ،‬كما قال تعالى ) إذ قال له ربه‬
‫أسلم ‪ ،‬قال أسلمت لرب العالمين ( ‪ ،‬وقال تعالى ) ثم جعلناك على شريعة‬
‫من المر فاتبعها ولتتبع أهواء الذين ليعلمون ( ‪.‬‬
‫وانطلقا من هذه العقيدة ‪ ،‬يؤمن المسلم أنه لفصل بين الدين والحياة ‪ ،‬ول‬
‫بين الدين والدولة ‪ ،‬فالسلم دين الحياة ‪ ،‬الدنيا والخرة ‪ ،‬وهو الدين وهو‬
‫الدولة ‪ ،‬ويعتقد المسلم أن العقيدة التي تفصل بين الدين والحياة ‪ ،‬أو بين‬
‫الدين والسياسة ‪ ،‬أو بين الدين والدولة ‪ ،‬عقيدة مناقضة لعقيدة السلم ‪،‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولمعناه ‪ ،‬ولعنوانه العام ‪ ،‬ولمقتضى الشهادتين ‪ ،‬وهي العلمانية اللدينية‬


‫المنتشرة في هذا العصر ‪.‬‬
‫ُ‬
‫سول وَأوِْلي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫مُنوا أ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫كما قال تعالى ‪َ ) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ل ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫يٍء فَُرّدوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫م ِفي َ‬ ‫م فَِإن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ال ْ‬
‫م‬ ‫خير وأ َحسن تأ ْويل ً * أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬ ‫خرِ ذ َل ِ َ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ ََ َ ِ‬ ‫ك َُْ ٌ َ ْ َ ُ َ ِ‬
‫ت‬‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫موا ْ إ َِلى ال ّ‬ ‫حاك َ ُ‬ ‫ن أن ي َت َ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك ي ُ َِ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫مُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مُروا أن ي َك ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫دا * وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫ضل َل ً ب َِعي ً‬ ‫م َ‬ ‫ضلهُ ْ‬ ‫ن أن ي ُ ِ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫فُروا ب ِهِ وَي ُ ِ‬ ‫وَقَد ْ أ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫دوًدا (‬ ‫ص ُ‬‫ك ُ‬ ‫عن َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَإ ِلى الّر ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫ت ََعال َوْا ْ إ ِلى َ‬
‫َ‬
‫دوا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل َ يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫ى يُ َ‬ ‫ك ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫إلى أن قال ‪) :‬فَل َ وََرب ّ َ‬
‫حت ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬
‫ما ( ‪.‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ّ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ِفي َأن ُ‬
‫فقد أقسم سبحانه أنه اليمان ليتحقق حتى يجعل العبد حكم الرسول المبلغ‬
‫عن الله تعالى ‪ ،‬محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬هو الفاصل في كل أمور‬
‫الحياة ‪.‬‬
‫ب الله أعظم من‬ ‫‪3‬ـ محّبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فالمسلم يح ّ‬
‫ب الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أعظم من حبه لنفسه‬ ‫كل محبوب ‪ ،‬ثم يح ّ‬
‫‪ ،‬وماله ‪ ،‬وولده ‪ ،‬كما في الحديث ) ليؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من‬
‫ولده ‪ ،‬ووالده ‪ ،‬والناس أجمعين ( متفق عليه ‪ ،‬وورد أيضا ) من نفسه ( ‪.‬‬
‫ضي عنهم ‪ ،‬ومنهم‬ ‫ومن محّبته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬محّبة أصحابه ‪ ،‬والتر ّ‬
‫ن أصحابه ‪ ،‬هم وزراؤه ‪ ،‬وتلمذته ‪ ،‬وخاصته ‪ ،‬ونتاج‬ ‫أهل بيته ولهم حقان ‪ ،‬فإ ّ‬
‫تربيته المباشرة ‪ ،‬ولهذا كان الطعن فيهم طعنا فيه صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وإيذاًء مباشرة له صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولهذا قال ‪ ) :‬فقال احفظوني في‬
‫أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ( ‪ ،‬رواه أحمد وغيره ‪.‬‬
‫وقال ) خير الناس قرني ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم يجيء‬
‫أقوام ‪ ،‬يسبق شهادة أحدهم يمينه ‪ ،‬ويمينه شهادته ( متفق عليه ‪.‬‬
‫غير أن محّبة النبي صلى الله عليه وسلم لتعني الغلوّ فيه ‪ ،‬وإطراءه بما هو‬
‫فوق منزلته ‪،‬فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ‪ ،‬ومن الضلل ما‬
‫يقوله أهل البدع ‪ ،‬من أنه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قد خلق الكون من نوره ‪،‬‬
‫ن من علومه علم اللوح والقلم ‪ ،‬أو أن تراب قبره أفضل من الكعبة ‪،‬‬ ‫أو أ ّ‬
‫وة ‪ ،‬ونحو هذا‬ ‫شق في وصفه ‪ ،‬بأبيات الشعر التي لتليق بمقام النب ّ‬ ‫وكذا التع ّ‬
‫من القوال المبتدعة ‪ ،‬والطراء المخالف للشرع ‪.‬‬
‫كما يحرم التمسح بجدران حجرته ‪ ،‬والتوسل بذاته ‪ ،‬وشد ّ الرحال إلى قبره ‪،‬‬
‫ل ذلك ماتركه الصحابة إل ّ لنه من البدع والمحدثات ‪ ،‬وقد يصل ببعض‬ ‫فك ّ‬
‫الجهلة إلى الشرك والعياذ بالله ‪ ،‬وذلك عندما يصرفون العبادة إليه ‪ ،‬مثل‬
‫دعاءه ‪ ،‬والتوكل عليه ‪ ،‬والستغاثة به ‪ ،‬والطواف بقبره ‪ ،‬والسجود له ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ) لتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ‪،‬‬
‫فإنما أنا عبد ‪ ،‬فقولوا عبد الله ورسوله ( رواه البخاري‪.‬‬
‫ب مكارم الخلق ‪،‬‬ ‫‪4‬ـ التحّلي بالخلق الحميدة ‪ ،‬فالمسلم ذو خلق كريم ‪،‬يح ّ‬
‫كالشجاعة ‪ ،‬والجود ‪ ،‬والحلم ‪ ،‬وهو ليظلم ‪ ،‬ول يجهل ‪ ،‬ول يعتدي ‪ ،‬فهو‬
‫عفيف في جوارحه كلها ‪ :‬عفيف البصر ‪ ،‬لينظر إلى المحرمات ‪ ،‬عفيف‬
‫الفرج ليزني ‪ ،‬عفيف اللسان ليغتاب ‪ ،‬وليؤذي المسلمين بلسانه ‪ ،‬ول‬
‫يخوض في عورات الناس ‪ ،‬عفيف اليد ليسفك دما حراما ‪ ،‬ول يسرق ‪ ،‬كما‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الحديث ) المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ( رواه البخاري ‪.‬‬
‫قه ‪ ،‬فللوالدين‬ ‫ل ذي حقّ ح ّ‬‫والمسلم يعامل الناس بالحسنى ‪ ،‬ويعرف لك ّ‬
‫ل‬‫م لك ّ‬ ‫أعظم الحقوق ‪ ،‬ثم للزوجة والولد ‪ ،‬وللرحام ‪،‬ولسائر المسلمين ‪ ،‬ث ّ‬
‫الناس ‪ ،‬وفي الحديث ‪ ) :‬وخالق الناس بخلق حسن (رواه أحمد وأبوداود‬
‫مم مكارم الخلق ( رواه الحاكم‬ ‫والترمذي وغيرهم ‪ ،‬وفيه ‪ ) :‬إنما بعثت لت ّ‬
‫وغيره ‪.‬‬
‫ل شيء ‪ ،‬حتى الحيوان ‪ ،‬لّنه دين الرحمة‬ ‫وقد أمر السلم بالحسان إلى ك ّ‬
‫ن امرأة دخلت النار في هّرة ‪ ،‬لنها‬ ‫والحسان ‪ ،‬وقد ورد في الحديث أ ّ‬
‫حبستها فماتت من الجوع ‪ ،‬وأخرى دخلت الجنة لسقيها كلبا ‪ ،‬كاد َيهلك من‬
‫دة العطش ‪.‬‬ ‫ش ّ‬
‫‪5‬ـ المسلم ذو شخصية تحمل رسالة الصلح ‪ ،‬والعطاء ‪ ،‬والبناء ‪ :‬فالمسلم‬
‫ب الخير للناس ‪ ،‬ويجود به ‪ ،‬ويسعى إلى نشره ‪ ،‬ويحارب الشّر ‪،‬‬ ‫معطاٌء ‪ ،‬يح ّ‬
‫والفساد ‪ ،‬كما قال تعالى ) كنتم خير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬تأمرون بالمعروف‬
‫وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ( ‪.‬‬
‫ل شيء ‪،‬فهو يبني بالخير نفسه ‪ ،‬وأسرته ‪،‬‬ ‫والمسلم يحب البناء الخّير في ك ّ‬
‫ل الحياة ‪ ،‬ويحرص‬ ‫ومجتمعه ‪ ،‬ويسعى في تنمية الجوانب المشرقة في ك ّ‬
‫دائبا ً على تطويرها إلى الحسن ‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما في سيرته العطرة ‪ ،‬كّلها‬ ‫وقد كانت حياةُ النب ّ‬
‫دمت للبشرّية أروع بناٍء حضاريّ ‪،‬‬ ‫مة ‪ ،‬ق ّ‬
‫في البناء والصلح ‪ ،‬فقد بنى أعظم أ ّ‬
‫في جميع جوانب الحياة ‪.‬‬
‫‪6‬ـ العتزاز بدينه ‪ ،‬فالمسلم يعتّز بدينه ‪ ،‬ويفخر به ‪ ،‬ويدعو إليه ‪ ،‬ويجاهد في‬
‫سبيل رفعته ‪ ،‬ذلك أّنه يعلم علم اليقين ‪ ،‬أن السلم هو الدين الحقّ ‪ ،‬الذي‬
‫ليقبل الله سواه ‪،‬‬
‫قال تعالى ) ومن أحسن قول ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من‬
‫المسلمين ( ‪.‬‬
‫وقال ) ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من‬
‫الخاسرين ( ‪.‬‬
‫ة دعوة الرسل‬ ‫‪7‬ـ القيام بحقّ المانة ‪ ،‬فالمسلم يعلم أّنه بدينه ‪ ،‬يحمل أمان َ‬
‫ص على تمييزها عن‬ ‫والنبياء جميعا ‪ ،‬فهو بإسلمه عنوان لها ‪ ،‬فلهذا هو حري ٌ‬
‫ل من الديان ‪ ،‬والفكار ‪ ،‬والمناهج الخرى ‪ ،‬فهو ليجامل في إيضاح‬ ‫ل باط ٍ‬‫ك ّ‬
‫ل عليه ديُنه‪ ،‬وفي فصله عن الباطل الذي هو غير‬ ‫الحقّ الذي يحمله مما د ّ‬
‫ل الديان والمناهج الخرى ؟‬ ‫دين السلم ‪ ،‬من ك ّ‬
‫ن الناس جميعا ‪ ،‬ينقسمون في موقفهم من الُهدى ‪،‬‬ ‫بل هو يقول بوضوح إ ّ‬
‫إلى قسمين لثالث لهما ‪:‬‬
‫مد صلى الله عليه وسلم فحسب ‪ ،‬وإلى‬ ‫إلى أهل الحقّ والنور وهم أتباع مح ّ‬
‫م يدخل في دين السلم ‪ ،‬كما قال تعالى‬ ‫أهل الباطل والظلمات ‪ ،‬وهم من ل ْ‬
‫جهم من الظلمات إلى النور ‪ ،‬والذين كفروا‬ ‫ي الذين آمنوا يخر ُ‬ ‫) الله ول ّ‬
‫أولياؤهم الطاغوت ‪ ،‬يخرجونهم من النور إلى الظلمات ‪ ،‬أولئك أصحاب النار‬
‫هم فيها خالدون ( ‪.‬‬
‫ل المسلم لهذه المانة بحقّ ‪ ،‬أنه ُيشفق على الناس من غير‬ ‫م ِ‬‫ومن ح ْ‬
‫المسلمين ‪ ،‬ويترفق بهم في معاملتهم ‪ ،‬وُيحسن إليهم ـ في غير المقامات‬ ‫ّ‬
‫التي تتطلب غير الرفق ـ حتى يروا في سماحة السلم ُأنموذجا لحضارته‬
‫السمحة ‪ ،‬المشرقة بالخير ‪ ،‬فيكون ذلك سببا لدخولهم في دين الله ‪.‬‬
‫‪8‬ـ المسلم ينظر إلى الحياة الدنيا على أنها فترة اختبار فحسب ‪ ،‬ستمضي به‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سريعا إلى الحياة الحقيقية ‪ ،‬التي يعود فيها إلى الله تعالى ‪ ،‬حيث يجد‬
‫ما إلى الفوز المبين في الجنة ‪ ،‬أو إلى الخسران‬ ‫حساب أعماله ‪ ،‬ثم يصير إ ّ‬
‫في نار الجحيم أعاذنا الله منها ‪.‬‬
‫ن أعماَله ‪ ،‬على أساس أنه سيجدها أمامه يوم القيامة‬ ‫م يز ُ‬
‫ولهذا فالمسل ُ‬
‫ت أو سيئات ‪ ،‬فهو ل تغ ّّره الدنيا بملذاتها ‪ ،‬ولتغريه الشهوات‬ ‫حسنا ٍ‬
‫ن وعد الله حق ‪ ،‬فل تغرنكم الحياة‬ ‫المحرمة ‪ ،‬كما قال تعالى ) يا أيها الناس إ ّ‬
‫الدنيا ‪ ،‬ول يغرنكم بالله الغرور ( ‪.‬‬
‫‪9‬ـ المسلم يوازن بين حاجات الجسد والروح ‪ ،‬ومتطلبات الدنيا ‪ ،‬والخرة ‪،‬‬
‫فهو ليظلم نفسه بمنعها مما أباح الله تعالى بغير إسراف ‪ ،‬في الكل ‪،‬‬
‫والشرب ‪ ،‬والنكاح ‪،‬وسائر المباحات ‪ ،‬مما فيه بهجة النفس ‪ ،‬وراحة الجسد ‪،‬‬
‫فل رهبانية في السلم ‪.‬‬
‫وقد قال تعالى ) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من‬
‫الرزق ( ‪.‬‬
‫حه‬
‫ن المسلم يتجّنب أيضا ما ُيشين النفس ‪ ،‬من المحّرمات ‪ ،‬وُيعطي رو َ‬ ‫غير أ ّ‬
‫قها بالعمال الصالحة والحسنات ‪ ،‬فإّنها لتزكوا إل بالعمل الصالح‪.‬‬ ‫ح ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ل شيء ‪ ،‬ويطلق حّبه في هذا‬ ‫ب معاني الجمال في ك ّ‬ ‫م يح ّ‬‫‪10‬ـ والمسل ُ‬


‫الميدان الرحب ‪ ،‬في حدود مرضاة الله ‪ ،‬ويسعى لتمّثل هذه المعاني في‬
‫ن الله تعالى تعالى‬ ‫نفسه ‪ ،‬وفيما حوله من جوانب الحياة ‪ ،‬ففي الحديث ‪ ) ،‬إ ّ‬
‫ب الجمال ‪ ،‬ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ‪،‬ويبغض البؤس‬ ‫ل ُيح ّ‬‫جمي ٌ‬
‫والتباؤس ( رواه البيهقي في شعب اليمان‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪ ) :‬إن الله طيب ل يقبل إل طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما‬
‫أرسل به المرسلين فقال } يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا‬
‫إني بما تعملون عليم { ‪ ،‬وقال } يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما‬
‫رزقناكم { ‪ ،‬ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا‬
‫رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فانى‬
‫يستجاب لذلك ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حريصا على تكميل شخصّية‬
‫المسلم ‪ ،‬في جميع المور حتى في بعدها الجمالي ‪ ،‬من ذلك أنه صلى الله‬
‫ل صلة (‬ ‫متي لمرتهم بالسواك عند ك ّ‬ ‫ن أشقّ على أ ّ‬
‫عليه وسلم قال ‪ ) :‬لول أ ّ‬
‫متفق عليه ‪ ،‬وكان يغّير حتى السماء غير الحسنة ‪ ،‬إلى أسماء حسنة تبعث‬
‫في النفس التفاؤل ؟‬
‫ضت شريعته ‪ ،‬ودّلت سيرته ‪ ،‬على استحباب التكميل الجمالي ‪ ،‬من‬ ‫كما ح ّ‬
‫لبس الحسن من الثياب ‪ ،‬وإكرام الشعر ‪ ،‬والعناية بحسن المظهر ‪ ،‬وكان إذا‬
‫بعث سفيرا بعثه حسن الوجه ‪ ،‬والثياب ‪ ،‬كريم الخصال ‪ ،‬والخطاب ‪ ،‬كما كان‬
‫ب ويدعو إلى تحسين الصوت في قراءة القرآن ‪ ،‬وما ورد من أمره‬ ‫يح ّ‬
‫بالعناية بتنظيف البيوت ‪ ،‬وتطهير المساجد ‪ ،‬والغتسال في المجامع العامة ‪،‬‬
‫وكل ذلك يدل على عناية السلم بالبعد الجمالي في الحياة ‪.‬‬
‫وبهذه الجوانب العشر تكتمل معالم الشخصية السلمية ‪ ،‬وماهي باكتمال‬
‫معالمها ‪ ،‬سوى آية من آيات روعة هذا الدين ‪ ،‬ودليل على صدق نبينا صلى‬
‫الله عليه وسلم وعظمة مدرسته ‪.‬‬
‫ن محور دعوته ‪ ،‬وقطب رحى رسالته ‪ ،‬إنما توجها إلى تقريب النسان‬ ‫ذلك أ ّ‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى أقرب مدى من البناء الكامل للشخصية النسانية ‪ ،‬ولهذا كان أصحابه‬
‫رضي الله عنهم ‪ ،‬أقرب الناس إلى ذلك الكمال الذي نشدته كل مناهج الفكر‬
‫والتربية البشرية ففشلت ‪ ،‬إل السلم فقد نجح نجاحا باهرا ‪ ،‬وكلما اقترب‬
‫النسان من التشبه بحياته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وماكان عليه أصحابه ‪،‬‬
‫صار أدنى إلى تمثل الشخصية السلمية الكاملة فيه ‪.‬‬
‫ل ساعة‪ ،‬بل ك ّ‬
‫ل‬ ‫فل جرم ‪ ،‬كان هو أكثر الديان يدخل الناس فيه ‪ ،‬ويعتنقونه ك ّ‬
‫ثانية من الزمان ‪ ،‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫سِلمة‬ ‫ُ‬
‫ه السرةِ الم ْ‬‫فق ُ‬
‫معالم تربوية لسرة راشدة‬
‫م‪ .‬عبد اللطيف البريجاوي‬
‫تقديم‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫ممدوح جنيد الكعكة عبد المعطي الدالتي‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫فقه السرة المسلمة‬
‫)معالم تربوية لسرة راشدة(‬
‫المخطط العام‬
‫كلمة الشيخ ممدوح جنيد‬
‫كلمة الدكتور عبد المعطي الدالتي‬
‫مقدمة بين يديك أخي القارئ‬
‫‪ 1‬ـ ما قبل الزواج وفترة الحمل السري‬
‫‪ 2‬ـ الشروط اللزمة لصلح السرة‬
‫‪ 3‬ـ إصلح الزوج‬
‫‪ 4‬ـ إصلح الزوجة‬
‫‪ 5‬ـ إشاعة ثقافة العفة في البيت‬
‫‪ 6‬ـ إشاعة ثقافة الشورى في البيت‬
‫‪ 7‬ـ إشاعة ثقافة الرفق في البيت‬
‫‪ 8‬ـ إشاعة ثقافة المصارحة في البيت‬
‫‪ 9‬ـ أدب الختلف ضمانة لسرة متماسكة‬
‫‪ 10‬ـ عدم التذكير بالماضي المزعج‬
‫‪ 11‬ـ السعي إلى التمييز السري‬
‫‪ 12‬ـ الحسم في المخالفات الشرعية‬
‫‪ 13‬ـ مراعاة الفروق الفردية في السرة‬
‫‪ 14‬ـ تخفيف التيتم والترمل الصوري‬
‫‪ 15‬ـ التعامل مع الخطاء في المْنزل‬
‫‪ 16‬ـ العلقات الخارجية في السرة‬
‫‪ 17‬ـ حل الشيفرة السرية‬
‫‪ 18‬ـ أي بنيتي‬
‫‪ 19‬ـ ألم وآلم‬
‫‪ 20‬ـ السيرة الذاتية‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 21‬ـ الفهرس العام‬


‫كلمة الشيخ ممدوح جنيد الكعكة‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬القائل في كتابه الكريم‪) :‬ومن آياِته أن خلقَ لكم‬
‫ت‬
‫ٍ‬ ‫ليا‬ ‫ن في ذلك‬ ‫ةإ ّ‬
‫ل بينكم مودةً ورحم ً‬‫فسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها وجع َ‬ ‫من أن ُ‬
‫لقوم ٍ يتفكرون) ]سورة النحل[‪.‬‬
‫جهنا إلى‬ ‫م التسليم على المبعوث رحمة للعالمين الذي و ّ‬ ‫وأفضل الصلة وأت ّ‬
‫ً‬
‫الخيرّية بجميع وجوهها ومنها أن نكون خيرا لهلينا فقال عليه السلم‪:‬‬
‫"خيُركم خيُركم لهله وأنا خيُركم لهلي"‪.‬‬
‫ة ما دمنا نعتني بها العناية التي أرادها‬ ‫ة حصين ً‬ ‫تبقى السرة كيانا ً عظيما ً وقلع ً‬
‫الله عز وجل وما دامت هي الّلبنة القوّية التي تكون مع أخواتها الجدار‬
‫وتها يستمد ّ هذا الجدار قوته‪ .‬فلنعمل على صيانتها وتحصينها‬ ‫السلمي‪ ،‬ومن ق ّ‬
‫وهي في أول مراحل تكونها وقبل ولدتها ولنوجد لها الشروط اللزمة لنموها‬
‫النمو الصحيح‪.‬‬
‫هذا ولقد اطلعت على ما كتبه الخ الكريم الستاذ عبد اللطيف البريجاوي‬
‫ه السرةِ المسلمة حيث كان هذا الكتاب‬ ‫حفظه الله تعالى تحت عنوان فق ُ‬
‫معالم تربوية للسرة السلمية المنشودة‪ .‬لقد بدأه بتوجيه العناية للسرة‬
‫م ذكر الشروط الملئمة لمناخ إصلحها ونموها حيث‬ ‫قبل وجودها ونشأتها‪ ،‬ث ّ‬
‫ت‬‫ة المثلى لصلح الزوج والزوجة‪ ،‬ونبهنا على تخفيف مثيرا ِ‬ ‫س الطريق َ‬ ‫لم ين َ‬
‫م إّنه أعطى‬ ‫ب والعقول لنبل الغايات‪ .‬ث ّ‬ ‫الشهوةِ في البيت حتى تتفرغ القلو ُ‬
‫الشورى السرية حقها من العناية حيث أصبح وجودها نادرًا‪ ،‬وطلب من‬
‫الجميع إشاعة الرفق ونبذ العنف في كل مجال ولسيما فيما نحن بصدده‪،‬‬
‫وأيقظ في السرة جو المصارحة والبيان حتى ل تتراكب الخطاء وتتعقد‬
‫م إّنه بّين أن تماسك السرة يغذيه أدب الحوار وعدم تذكير أي فرد‬ ‫المور‪ .‬ث ّ‬
‫من أفرادها بماضيه المزعج؛ كل هذا لتنشأ السرة المتميزة التي يشار إليها‬
‫بالبنان التي ل مهادنة فيها لية مخالفة شرعية‪ .‬وطلب من البوين مراعاة‬
‫الفروق الفردية وإعطاء كل فرد حظه وحقه من العناية والرعاية‪ .‬واعتبر أن‬
‫التيتم نوعان‪:‬‬
‫سا‪ً.‬‬‫ب مادةً وح ّ‬ ‫‪1‬ـ فقد ُ أ ٍ‬
‫ً‬
‫ى فقد يكون موجودا لكن أولده ل ينالون من تربيته أو‬ ‫ب معن ً‬ ‫‪2‬ـ وفقد ُ أ ٍ‬
‫توجيهه شيئا ً فطلب تخفيف آثار اليتم بنوعيه المادي والمعنوي وذكر الطريق‬
‫المثلى للتعامل مع الخطاء حتى ل تكبر ول تتكرر‪.‬‬
‫ت على هذا الكتاب فرأيت فيه الدواَء الناجعَ لكثير من‬ ‫وختاما ً فإني اطلع ُ‬
‫ج الذي‬ ‫ة السر من كل مرض‪ ،‬والسيا َ‬ ‫ح الذي يحصن بقي َ‬ ‫السر المريضة واللقا َ‬
‫م كل من يريد أن يسيء إلى هذا الكيان العظيم‪.‬‬ ‫بوجوده ترتد ّ سها ُ‬
‫وأسأل الله عز وجل أن يجعل نياتنا وأقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهه الكريم‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫ممدوح جنيد الكعكة‬
‫كلمة الدكتور عبد المعطي الدالتي‬
‫في الجنة كان الَبدء‪ ..‬وفي ظلل النعيم كان مولد السرة الولى‪.‬‬
‫فقد عاش أبونا آدم وأمنا حواء معا ً في السماء‪ ،‬ثم هبطا معا ً إلى الرض‪،‬‬
‫حاملْين ذكريات النعيم الول‪.‬‬
‫ة صغيرة تنشر البسمات العذبة‪ ،‬وتلد القلوب‬ ‫هبطا معا ً لَيبنيا من جديد جن ً‬
‫الصغيرة‪..‬‬
‫وصار آدم سقفا ً لبيت حواء‪ ،‬وأبا ً لبنائها‪ ،‬وقوة لضعفها النسوي‪..‬‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق‬
‫ولكن يا أسفا! فالشيطان الذي أخرجهما من جنتهما الكبيرة‪ ،‬راح يبغي شقا َ‬
‫بينهما ليخرجهما من هذه الجنة الصغيرة !‬
‫ن إذا ُوجد الحب كان البحث عن العدل من نافلة القول‪..‬‬ ‫ولك ْ‬
‫سد كل الثغرات‪ ،‬والمودة رحيمة تغفر كل الهَنات‪..‬‬ ‫ٌ ّ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫كري‬ ‫ب‬‫فالح ّ‬
‫حدا في اتجاه المسير‪..‬‬ ‫وخيٌر لمجدافي السفينة أن يت ّ ِ‬
‫ت‪ ....‬لني أنا‬ ‫ك أن ِ‬ ‫لن ِ‬
‫ت القصيدِ‬ ‫ي بي َ‬‫ي ِلنبن َ‬‫تعال ْ‬
‫ب الوجودِ‬ ‫ل لر ّ‬ ‫ي ُنص ّ‬ ‫تعال ْ‬
‫تسيُر الحياة ُ ُرخاًء ِبنا‬
‫ك ومّني أنا‬ ‫ن‪ :‬من ِ‬ ‫بشطري ِ‬
‫مَر بالدين أعماَرنا‬ ‫ليغ ُ‬
‫وإذا كان آدم هو الشطرالول‪ ،‬فإن حواء هي الشطرالجمل!‬
‫ة الستهلل‪..‬‬‫ف الَبدء‪ ،‬و براع ُ‬ ‫وإذا كان للشطر الول شر ُ‬
‫ة الختام‪..‬‬
‫حسن القافية‪ ،‬وروع ُ‬ ‫فللشطر الثاني ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ه السرةِ المسلمة ( الذي َيشي عنوانه الجميل‬ ‫سفر المبارك ) فق ُ‬ ‫وهذا ال ّ‬


‫بمضمونه النبيل‪ ،‬قد صاغه أخي المهندس عبد اللطيف البريجاوي ليشيع‬
‫ة لكل أسرة مسلمة ُبنيت أو سُتبنى على‬ ‫السلم بين الشطرين‪ ،‬فجاء هدي ً‬
‫الحب والبركة واليمان‪.‬‬
‫سفر فكُر الحياة‪ ،‬و أدب التربية‪ ،‬وخبرة الصلح‪ ،‬في‬ ‫وقد التقى في هذا ال ّ‬
‫كز على الكتاب العزيز والسنة‬ ‫واحة خضراء من التأصيل الشرعي المرت ِ‬
‫المباركة والسيرة المطهرة‪.‬‬
‫ففيه إذا ً دستورمبارك للسرة‪ ،‬ومنهج قويم للتربية‪ ،‬ومنجم كريم للسلم‬
‫السري‪.‬‬
‫أسأل الله تعالى أن ينفع به‪ ،‬وأن يبارك لمؤلفه في علمه وأهله وذريته‪.‬‬
‫شي بيوت المسلمين بالسكينة والرحمة والسلم‪.‬‬ ‫وأسأله أن ُيغ ّ‬
‫سِئل‪.‬‬‫إن ربي هو أكرم من ُ‬
‫سلين‪.‬‬ ‫وفي كل آخرٍ يطيب الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة على خاتم المر َ‬
‫د‪ .‬عبد المعطي الدالتي‬
‫بين يديك أخي القارئ‬
‫تبتل وثناء‪:‬‬
‫ن‪ ،‬ولك الحمد أنت قّيم‬ ‫"الّلهم لك الحمد أنت نوُر السموات والرض ومن فيه ّ‬
‫ق‬
‫دك حقّ وقولك ح ّ‬ ‫ن‪ ،‬ولك الحمد أنت الحقّ ووع ُ‬ ‫السموات والرض ومن فيه ّ‬
‫ق‪.‬‬‫مد ح ّ‬ ‫ولقاؤك حقّ والجّنة حقّ والنار حقّ والساعة حقّ والنبّيون حقّ ومح ّ‬
‫ت وإليك‬ ‫ت وبك خاصم ُ‬ ‫كلت وبك آمنت وإليك أن َب ْ ُ‬ ‫ت وعليك تو ّ‬ ‫م لك أسلم ُ‬ ‫الّله ّ‬
‫م‬
‫ت المقد ّ ُ‬ ‫ت أن َ‬‫ت وما أعلن ْ ُ‬ ‫سَرْر ُ‬
‫خرت وما أ ْ‬ ‫ت وما أ ّ‬ ‫دم ُ‬‫ت فاغفر لي ما ق ّ‬ ‫حاكم ُ‬
‫ّ‬
‫خر ل إله إل أنت ول إله غيرك" ) (‪.‬‬ ‫وأنت المؤ ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫م انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما‪ ،‬الحمد لله على‬ ‫ّ‬ ‫"الّله ّ‬
‫ل وأعوذ بالله من حال أهل النار" ) (‪.‬‬ ‫ل حا ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫م رّبنا لك الحمد ملَء السموات وملَء الرض وما بينهما وملَء ما شئت‬ ‫ّ‬
‫"الله ّ‬
‫ي لما منعت ول‬ ‫ل الثناِء والمجدِ ل مانع لما أعطيت ول معط َ‬ ‫من شيء بعد‪ ،‬أه َ‬
‫جد منك الجد " ) (‬ ‫ينفع ذا ال َ‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بين يديك أخي القارئ‪:‬‬


‫ل تعالج قضايا مهمة ودقيقة في حياة‬ ‫ة فصو ٍ‬ ‫بين يديك أخي القارئ مجموع ُ‬
‫السرة‪ ،‬وتقدم لها برنامجا ً علميا لحياة ملؤها السعادة والهناء‪ ،‬والتباع‬
‫ً‬
‫ت‬‫ب والمودة‪ ،‬وُتظل ُِلها )أنوار الذكر الحكيم( ونسما ٌ‬ ‫والقتداء‪ ،‬يحنو عليها الح ُ‬
‫من هداية المصطفى عليه السلم‪ ،‬فتبعث السرة ُ من جديد لتكون أسرةً‬
‫ة ل ُتدك‪ ،‬ومعقل ً‬ ‫على المستوى الذي أراده السلم‪ ،‬حصنا منيعا ً ل ُيهدم‪ ،‬وقلع ً‬
‫لنتاج أجيال السلم‪ .‬ونحن ل ندعي الكمال في ذلك ولكنها بعون الله تعالى‬
‫ت إصلح المجتمع المسلم‪ .‬ولقد تعمدنا الختصار غير‬ ‫ة من لبنا ِ‬
‫تكون لبن ً‬
‫ً‬
‫المخل في هذا الكتاب حتى يكون سهل التناول‪ ،‬وسهل الهضم وبعيدا عن‬
‫الطالة المملة التي تورث السآمة‪.‬‬
‫سبب هذا الكتاب‪:‬‬
‫ً‬
‫ل دام عامين تقريبا من مشاهدات خلل‬ ‫جاءت هذه الفصول حصيلة عم ٍ‬
‫العمل في التحكيم الشرعي في المحاكم الشرعية بحمص‪ ،‬حيث كنت‬
‫ت بين الزوجين‬ ‫م واضحةٍ في السلم لحل المشكل ِ‬ ‫أتساءل دوما ً عن معال َ‬
‫ة إلى درجة كبيرة‪ ،‬لكنها كانت تسبب‬ ‫التي قد تكون في بعض المور تافه ً‬
‫شقاقا ً يصل إلى درجة الطلق‪ ،‬وكنت أتساءل دائما وأبحث‪ ،‬حتى جاءتني‬
‫ً‬
‫امرأة تطلب الطلق بعد سبعة وثلثين عاما ً من زواجها ) (‪.‬‬
‫س إناث‪ ،‬ومن الصهارِ أربعة‪،‬‬ ‫ة ذكور وخم ُ‬ ‫وعندها من الولد تسعة‪ ،‬أربع ُ‬
‫صعق قلبي‪ ،‬واهتّزت أحلمي وآمالي حتى استطعنا مع أخي الستاذ قاسم‬ ‫ف ُ‬
‫شرف الدين بتوفيق من الله سبحانه إعادةَ شريان الحياة الزوجية إلى ما‬
‫مة‬ ‫كان عليه من قبل بل بشكل أفضل‪ ،‬نتيجة توضيح بعض النقاط المه ّ‬
‫والمهملة في الحياة الزوجية‪ ،‬وكانت البداية مع هذا الكتاب‪ ،‬حيث ألقيت‬
‫مجموعة خطب في مسجد الحافظ بحمص بعنوان فقه السرة المسلمة إذ‬
‫كان كل فصل من هذه الفصول عنوانا ً لخطبة كاملة‪.‬‬
‫ثم بدأت أفكر أن أعمم هذا الخير الذي سرى من خلل هذه الخطب‪ ،‬فبدأت‬
‫أنشرها في المواقع المختلفة‪ ،‬فتلقفتها المواقع بشغف كبير فنشرت في‬
‫مواقع عديدة مثل موقع صيد الفوائد‪ ،‬وموقع المرأة المتميزة‪ ،‬ولها أون لين‪،‬‬
‫والمختار السلمي‪ ،‬ونداء اليمان وغيرها من المواقع حيث كان لها الصدى‬
‫والثر الكبيران‪.‬‬
‫وكانت الفكرة الجديدة هي نشر هذه الفصول المختلفة وجمعها في كتاب‬
‫واحد الذي أسأل الله له حسن التمام وحسن القبول‪.‬‬
‫شكر وعرفان‪:‬‬
‫"من ل يشكر الناس ل يشكر الله" ) (‪.‬‬
‫وفي هذا المقام أجعل خالص شكري لكل من شجعني من إخواني وكان‬
‫معي أخا ً معينا ً محبا ً ناصحا ً مخلصا ً وهم كثر والحمد لله وأخص منهم بالذكر‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الطبيب الشاعر عبد المعطي الدالتي الذي قرأ هذا الكتاب وكان له‬
‫الفضل الكبر في تشجيعي لخراجه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الدكتور حسان شمسي باشا‪ ،‬الذي كان لي الشرف أن راجع أفكار هذا‬
‫الكتاب ودققها ووضع لمساته التي ل ُتنسى‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الدكتور فرحان السليم أستاذ علم النحو الذي دقق هذا الكتاب لغويا‪ً.‬‬
‫‪ 4‬ـ أ‪ .‬الشيخ ممدوح جنيد الذي أضفى على هذا العمل لمساته المتميزة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ والدي الكريمين وإخواني العزاء‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ زوجتي الغالية التي كانت وما زالت توفر لي الوقت والراحة والطمأنينة‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمتابعة الكتابة والتأليف‪.‬‬


‫إلهي‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ها أنا اليوم أكتسي ثوبا ً جديدا ً هو ثوب نشر الكتب‪ ،‬وكان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا لبس ثوبا ً جديدا ً قال‪" :‬الحمد لله الذي كساني ما أواري‬
‫به عورتي وأتجمل به في حياتي" ) (‪.‬‬
‫ً‬
‫فاجعل اللهم هذا الثوب الذي ألبستنيه ثوبا أواري به عورتي وأتجمل به في‬
‫حياتي‪ ،‬واجعله مقبول ً في الدنيا والخرة يا أكرم الكرمين آمين‪....‬‬
‫م‪ .‬عبد اللطيف البريجاوي‬
‫حمص ‪ -‬سوريا‬
‫غرة شهر محرم الحرام‬
‫عام ‪ 1426‬هـ‬
‫ل السري‬ ‫ما قبل الزواج وفترة الحم ِ‬
‫خطبة((‬
‫))ال ِ‬
‫السرة ُ تولد كما يولد الطفل‪ ،‬وفترة الحمل بهذا المولود الجديد قد تطول أو‬
‫تقصر حسب الظروف والمكانات‪ ،‬وبمقدار الهتمام بهذا الجنين المرتقب‪،‬‬
‫وتغذيته الغذاَء السليم‪ ،‬وتوعيةِ أبويه بالمراض التي تفتك به قبل الولدة‬
‫وبعدها‪ ،‬وإعطاِء والدته اللقاحات المناسبة‪ ،‬تكون صحة هذا المولود الجديد‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإن صحة السرة أو مرضها تتضح معالمها في فترة‬
‫الحمل السري )فترة ما قبل الزواج(‪ ،‬وتتشكل الصورة المبدئية لها‪ ،‬حيث‬
‫تخلق التصورات المختلفة‪ ،‬وتتضح المعالم‪ ،‬ويرى كل واحد من الخاطبين‬
‫الخر من منظوره‪ ،‬فيعقد عليه المل‪ ،‬أو يحكم على علقته بالفشل‪.‬‬
‫"والخطبة هي وعد بالزواج" ) (‪.‬‬
‫ة‬
‫والزواج هو أهم شركة يعقدها النسان في حياته‪ ،‬وبمقدار ما تكون الثق ُ‬
‫والوضوح بين أطراف هذه الشركة يكون التوفيق والستقرار والسعادة‪،‬‬
‫ل والخداع بين هذه الطراف يكون الفشل والحباط‬ ‫وبمقدار ما يكون التحاي ُ‬
‫واليأس‪.‬‬
‫وهذا مأخوذ من حديث رواه أبو داود عن أبي هريرة رفعه قال )أي النبي‬
‫دهما‬ ‫ث الشريكين ما لم يخن أح ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم(‪" :‬إن الله يقول‪ :‬أنا ثال ُ‬
‫ت من بينهما"‪.‬‬ ‫صاحَبه فإذا خاَنه خرج ُ‬
‫فما أجمل تلك الشركة الزوجية التي يكون الله سبحانه ثالثهما فيها !‬
‫وما أتعس تلك السرة التي يخرج الله سبحانه وتعالى بلطفه ورحمته منها !‬
‫وفترة الحمل السري فترة مشحونة بالعاطفة اللهبة‪ ،‬المشوبةِ بالحذر‬
‫ش الهنيء‪ ،‬والليالي‬
‫ن الجاذب‪ ،‬والحلم ِ الوردية‪ ،‬والعي ِ‬ ‫الخادع‪ ،‬والتلو ِ‬
‫المخملية‪ ،‬حيث يحاول الطراف المختلفة من خاطب ومخطوبة وذويهما‬
‫إظهاَر المحاسن الفاتنة‪ ،‬وإخفاَء المساوئ المخجلة‪ ،‬وتذليل الصعاب الجمة‪،‬‬
‫والعوائق المختلفة بطريقة سطحية بسيطة‪ ،‬وتنساق الطراف وراء هذه‬
‫العواطف المندفعة‪ ،‬حتى ينتهي المر وتولد السرة‪ ،‬وعند ذلك قد تصطدم‬
‫ح الكاذيب‪ ،‬فتتبلد ُ العاطفة‪ ،‬وتظهر‬ ‫بصخرة الواقع‪ ،‬وصعوبةِ العيش‪ ،‬وتتض ُ‬
‫ً‬
‫ح الحياة جحيما ل يطاق‪ ،‬فيحصل الشقاق وقد‬ ‫اللوان‪ ،‬وتتبخر الحلم‪ ،‬وتصب ُ‬
‫يقع الطلق‪.‬‬
‫ة لمختلف الطراف في هذه الفترة التي أسميناها فترة‬ ‫ت الخاطئ َ‬‫إن التصرفا ِ‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحمل السري هي التي تؤدي غالبا ً إلى إجهاض هذه السرة قبل ولدتها‪ ،‬أو‬
‫ولدتها ولدة مشوهة‪ ،‬وتصبح بذلك السرة عالة على المجتمع بدل ً من أن‬
‫تكون دعامة قوية له ولبنة صالحة فيه‪.‬‬
‫لذلك ل بد من ضوابط لهذه الفترة‪ ،‬حتى يكون هذا الحمل سليما ً معافى‬
‫وحتى ل تولد السرة بحالة مشوهة‪.‬‬
‫ط العامة للمسلمين مع بعض الخصوصية‬ ‫والضوابط لهذه الفترة هي الضواب ُ‬
‫في بعض المواقف ومن هذه الضوابط‪:‬‬
‫حسن النظر والختيار )نظر الخاطب إلى خطيبته والخطيبة إلى خطيبها(‪:‬‬ ‫‪1‬ـ ُ‬
‫ً‬
‫ح للقلوب بين الطرفين‪ ،‬وسببا في تحصيل‬ ‫ة المفتا َ‬
‫حيث تكون هذه الرؤي ُ‬
‫الوفاق بينهما‪ ،‬وتمهيدا ً لحياة ملؤها المودة والحنان‪ ،‬ولهذا وجه النبي عليه‬
‫السلم في الحديث الذي رواه الترمذي عن المغيرة بن شعبة أنه خطب‬
‫امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬انظر إليها فإّنه أحرى أن ُيؤدم‬
‫بينكما" ) (‪.‬‬
‫")أن يؤدم بينكما( أن يؤلف ويوفق بينكما‪ ،‬أي يوقع الدم بينكما يعني يكون‬
‫بينكما اللفة والمحبة‪ ....،‬إذا تزوجها بعد معرفة فل يكون بعدها غالبا ً ندامة" )‬
‫(‪.‬‬
‫قال النووي في شرح مسلم‪ :‬فيه استحباب النظر إلى من يريد تزوجها‪.‬‬
‫ويجب أل يفهم من كلمة "انظر إليها" فقط مجرد النظر الحسي والجسدي‪،‬‬
‫فكلمة "انظر" لها مدلولتها العديدة من النظر في أخلقها وأصدقائها وطريقة‬
‫تفكيرها ونظرتها إلى الحياة وغير ذلك من المور المهمة لبناء السرة وهذا‬
‫فر بذات الدين تربت َيداك" البخاري عن أبي هريرة‪،‬‬ ‫مأخوذ من الحديث "فاظ َ‬
‫ومن هنا تأتي أهمية النظر في مختلف جوانب الفتاة فالذي يريد أن يتزوج ل‬
‫بد أن يمعن النظر في صفات الفتاة ليستخلص ذات الدين‪.‬‬
‫ي حقٌ من‬ ‫وما يطبق على المخطوبة يطبق على الخاطب حيث النظُر الحس ُ‬
‫حقوق المخطوبة‪ ،‬بالضافة إلى النظر العام في أحواله وأفكاره ومبادئه‬
‫ضون‬ ‫ب إليكم من تر َ‬ ‫وتطلعاته وأهدافه‪ ،‬وهذا أيضا ً مأخوذ من حديث "إذا خط َ‬
‫قه فزّوجوه‪ ،‬إل ّ تفعلوا تكن ِفتنة في الرض وفساد ٌ عريض" ) (‪.‬‬ ‫خل َ‬
‫ديَنه و ُ‬
‫ة في الختيار‪ :‬من أخطر ما يصيب السرة هو المجاملة في‬ ‫‪ 2‬ـ ل مجامل َ‬
‫الختيار‪ ،‬حيث تكون الفتاة غير راغبةٍ أو يكون الزوج غير راغب فُيحرج أو‬
‫ُتحرج لسباب متعددة ويحصل الزواج وتولد السرة مشوهة وتبدأ المعاناة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد أكد النبي عليه الصلة والسلم مبدأ عدم المجاملة في الختيار الزوجي‬
‫مهما كانت السباب‪ ،‬فقد روى البخاري عن سهل بن سعد قال أتت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم امرأة ٌ فقالت إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال‪" :‬ما لي في النساء من حاجة" والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم معروف أنه ل يرد أحدًا‪ ،‬وهو الكريم والرؤوف الرحيم‪ ،‬لكنه مع ذلك‬
‫رفض تلك المرأة ولم يجاملها ويقبلها‪ ،‬فأمر الختيار في الزواج ل يحتاج إلى‬
‫مجاملة أو تورية إنما يحتاج إلى بت وقطع‪.‬‬
‫ب‬
‫ة الوضوح‪ ،‬وتجن َ‬‫ن من أهم صفات المسلم العامة صف َ‬ ‫‪ 3‬ـ الوضوح‪ :‬إ ّ‬
‫الغموض‪ ،‬والبتعاد َ عن الضبابية والتلون الزائف‪ ،‬في كل مجالت الحياة‬
‫ومعاملتها ل سيما إذا كان المر يتعلق بتأسيس الشركة الزوجية‪.‬‬
‫ب فيها مباح(‪ ،‬فيبدأ يرسم‬‫إن كثيرا ً من الناس يجعل هذه الفترة فترة ً )الكذ ُ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على صفحات الماء لوحات فنية من السعادة‪ ،‬ويطلق العنان للسانه أن يقول‬
‫ما يشاء‪ ،‬ويحمل نفسه أعباء هو في غنى عنها‪ ،‬ويشوه حقيقته المادية‬
‫ن زاهية من الرقي‬ ‫ت من كبد الخيال‪ ،‬ويلون تصرفاته السيئة بألوا ٍ‬ ‫بومضا ٍ‬
‫واللتزام والمحبة‪ .‬وفي الطرف الخر تتكلم الفتاة عن نفسها وهي في كثير‬
‫من الحيان تتكلم عن امرأة من صنع الخيال‪ ،‬فيلتبس المر على الطرفين‬
‫فيصطدمان في أول ليلة بواقع مرير وكأن كل واحد قد تزوج خيال الخر‪.‬‬
‫ض الذي يكرسه أحد‬ ‫ن أخطر ما يصيب الحياة الزوجية بعد الزواج ذلك الغمو ُ‬ ‫إ ّ‬
‫الطرفين أو كلهما‪ ،‬فتتحول تلك الكلمات التي ذكرت في فترة الخطبة إلى‬
‫معوقات حقيقية للحياة الزوجية‪ ،‬وما أبشع أن يكتشف النسان أنه قد خدع‬
‫وأنه بنى حياته على غموض وضبابية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ عدم إطلق الوعود الخادعة‪ :‬وثمة أمر آخر يجهض كل الضوابط التي‬
‫وضعها السلم لتحصين هذا الحمل السري وهو إطلق الوعود الكاذبة‬
‫والخادعة‪ ،‬حيث يبدأ الخاطب ببناء أحلم من جليد‪ ،‬ويعد بما ليس بمقدوره‬
‫قه‪ ،‬وتقابله الفتاة بوعودٍ مخملية‪ ،‬وحياة بألوان زاهية‪ ،‬فإذا حصل الوصال‬ ‫تحقي ُ‬
‫م وفائه‬ ‫ب الخر‪ ،‬وعد َ‬ ‫بينهما إذا بهما في خضم الحياة قد اكتشف كل واحد كذ َ‬
‫بعهده‪ ،‬ويذكر كل طرف الخر بوعوده الكاذبة‪ ،‬فتقع الجفوة‪ ،‬وتتكدر الحياة‪،‬‬
‫ن السراف في الوعود قبل الزواج يشكل عبئا ً على‬ ‫ة‪ ،‬لذلك فإ ّ‬ ‫وتنعدم الثق ُ‬
‫النسان لسيما إذا كانت الوعود غير قابلة للولدة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تبيان المنهج العام للسرة القادمة‪ :‬غالبا ً ما ينسى الطرفان أنهما مقدمان‬
‫على بناء شركة مهمة لسيما في خضم العواطف الجياشة التي تلف حالة‬
‫َ‬
‫ي الطرفين أن يوضحا معالم‬ ‫الخطبة‪ ،‬لكن هذه العواطف يجب أل ّ تنس َ‬
‫السرة التي يريدان وكيفية بنائها ومعالمها وطرق حل المشاكل فيها‪ ،‬وتبيان‬
‫ما يحب وما يكره كل طرف‪.‬‬
‫ن عرض مثل هذه المور في مرحلة الخطبة بين الطرفين يفتح آفاقهما‬ ‫إ ّ‬
‫للحوار‪ ،‬وهي محاولة لفهم الخر وتصرفاته وتبيان حقوقه وواجباته‪.‬‬
‫إن فترة الحمل السري من أهم فترات حياة السرة‪ ،‬فالعتناء به‪ ،‬وضبطه‬
‫بالضوابط اللزمة من أهم ما ينبغي معرفته وبيانه ليسهم هذا المر في بناء‬
‫أسرة متكاملة متماسكة وولدتها بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫الشروط اللزمة للبدء بإصلح السرة‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ُقوا أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫جاَرة ُ عليها‬ ‫ح‬
‫ّ ُ َ ِ َ‬‫ل‬‫وا‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫وقودها‬ ‫ا‬‫نار‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫م وَأهِْلي ْ‬
‫ك‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن) ) (‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬‫ن َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صو َ‬ ‫شداد ٌ ل ّ ي َعْ ُ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغل ٌ‬ ‫ملئ ِك َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ل راٍع على أهل‬ ‫ل عن رعيته‪ ،‬والميُر راٍع‪ ،‬والرج ُ‬ ‫ؤو ٌ‬‫كلكم مس ُ‬ ‫))كُلكم راٍع‪ ،‬و ُ‬
‫ل عن‬ ‫ة على بيت زوجها وولده‪ ،‬فكلكم راٍع وكلكم مسؤو ٌ‬ ‫بيته‪ ،‬والمرأةُ راعي ٌ‬
‫رعيِته(( ) (‪.‬‬
‫إن ملف السرة المسلمة ملف خطير جدا ومهم بكل ما في الكلمة من‬ ‫ً‬
‫ى وذلك لن السرة المسلمة هي أخطر الحصون المستعصية على أعداء‬ ‫معن ً‬
‫الدين‪.‬‬
‫م يركب الهواء والفضاء‪ ،‬وأعداُء الدين‬ ‫إّنه هجوم من نوع مختلف‪ ،‬هجو ٌ‬
‫يحاولون بكل ما أوتوا من قوةٍ تفكيك هذا الحصن الخير وضرَبه في الصميم‪،‬‬
‫وحتى الن والحمد لله ما زالت بعض السر مستعصية على هذا الهجوم لكن‬
‫قسما ً كبيرا ً منها سقط وأيما سقوط‪! ....‬‬
‫م‬‫منك ُ ْ‬ ‫من ي َْرت َدِد ْ ِ‬ ‫عوا وَ َ‬ ‫طا ُ‬‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫عن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حّتى ي َُرّدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬‫ن يُ َ‬ ‫)وَل َ ي ََزاُلو َ‬
‫ُ‬
‫خَرةِ وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫كافٌِر فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ت وَهُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن) ) (‪.‬‬ ‫دو‬ ‫ل‬ ‫خا‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ّ ِ ُ ْ ِ َ َ ِ ُ َ‬ ‫أ ْ َ ُ‬
‫حا‬ ‫ص‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا إصرار أعداء الدين فما الذي يقابله من المسلمين ؟!‬


‫وإلى متى نقف متفرجين‪ ،‬غير عابئين بالخطار التي تهددنا من كل جانب‪.‬‬
‫ما يزيد هذا المر خطورة‪:‬‬‫وم ّ‬
‫ن المسلمين اليوم قد تعلموا الكثيَر من العلوم الطبية والهندسية‬ ‫أ ّ‬
‫والكيميائية‪ ،‬ولكن نسوا علما ً مهما ً جدا ً هو علم الهندسة البشرية‪ ،‬كيف نربي‬
‫أولدنا وكيف نجعلهم يرتقون إلى حمل الرسالة اللهية‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن الحفاظ على الكائن البشري على قيد الحياة هو سهل جدًا‪ ،‬هو فعل تفعله‬
‫كل المخلوقات‪ ،‬لكن المشكلة الكبرى هي تحويل هذا العنصر البشري إلى‬
‫عنصر فعال ونشيط‪.‬‬
‫إن مهمة الباء والبناء والمهات تكاد تنحصر في هذا الزمن في المطعم‬
‫والملبس‪ ،‬وإن كان هناك اهتمام فإنه يرضي غرور البوين‪،‬‬
‫ومما يزيد هذا المر خطورة‪:‬‬
‫ن واقع أسرنا واقعٌ مأساوي في أغلبه إل من رحم الله‪" ،‬فالب مشغول‬ ‫أ ّ‬
‫والم في السواق" ) (‪ ،‬والولد ل ُيعرف لهم طريق ول اتجاه‪ ،‬وقد أوكلنا‬
‫تربيتهم إلى الظروف‪....‬‬
‫إن السلم أكد أن الباء يلعبون دورا ً مهما ً في التربية عندما قال )‪....)) :‬‬
‫ث للباء على عدم ترك‬ ‫صرانه(( ) (‪ ،‬وهذا ح ٌ‬ ‫جسانه أو ين َ ِ‬ ‫م ِ‬‫فأَبواه ُ ُيهودانه أو ي ُ َ‬
‫أولدهم ليتحكم الشارع والظروف في تربيتهم‪.‬‬
‫ناهيك عن الواقع المأساوي في العلقة بين الزوجين والعلقة بين الب وابنه‬
‫والم وابنتها بالضافة إلى العلقات السيئة بين الحماة والكنة والعم والد‬
‫الزوج أو الزوجة‪......‬‬
‫الشروط اللزمة للبدء بإصلح السرة‪:‬‬
‫ً‬
‫ل شك في أن كل واحد يريد لبنه أن يكون أحسن منه حال أو مثله على‬
‫القل‪ ،‬لقد أثبت الله هذه العاطفة على لسان سيدنا إبراهيم‪َ) :‬قا َ‬
‫ل إ ِّني‬
‫من ذ ُّري ِّتي‪.( ) )....‬‬ ‫ماما ً َقا َ‬
‫ل وَ ِ‬ ‫س إِ َ‬ ‫عل ُ َ‬
‫ك ِللّنا ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫َ‬
‫م أولَده‬ ‫س إبراهي ُ‬ ‫ل لم ين َ‬ ‫ت القرب من الله عّز وج ّ‬ ‫في هذه اللحظات‪ ،‬لحظا ِ‬
‫وذريَته‪ .‬وكلمة ) إماما ً ( هنا ليس معناها النبوة فقط على ما ذكره المفسرون‬
‫وإنما المامة في الخير‪ ....‬فهذه عاطفة متجذرة‪ ،‬لكن نريد لولدنا أن يكونوا‬
‫أفضل حال ً فأي إمامة نريد منهم‪ ،‬إمامة خير أم إمامة شر؟!‬
‫إن بيوتنا هي الملذ الخير لنا ول سيما في زمن هذه الفتن التي شبهها ) بأنها‬
‫ن مؤمنا ً ويصبح كافرًا‪ ،‬وُيصبح مؤمنا ً‬ ‫ل المظلم ِ ُيمسي النسا ُ‬ ‫قط َِع اللي ِ‬ ‫"ك ِ‬
‫ض من الدنيا") (‪.‬‬ ‫ً‬
‫ويمسي كافرا‪ ،‬يبيع دينه ب َِعر ٍ‬
‫ك على‬ ‫سعك بيُتك واب ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫إنه في زمن الفتنة وجه ) إلى البيوت فقال‪)) :‬ولي َ َ‬
‫خطيئ َِتك(( ) (‪.‬‬
‫أما إذا كانت البيوت هي الفتنة وكان البيت يموج بالفتن المختلفة فأين يذهب‬
‫البناء وأين تذهب الزوجات ؟‬
‫كيف الخروج ؟؟‬
‫هناك ثلثة شروط رئيسة للنطلق في موضوع إصلح السرة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الستعانة بالله عّز وجل‪) :‬إياك نعبد وإياك نستعين)‪.‬‬
‫وكما يقول الرافعي‪:‬‬
‫ل سهل إذا لم ‪ ... ...‬يوفق الله له صعب ) (‬ ‫فك ّ‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما تكرار الستعانة في اليوم أكثر من سبع عشرة مرة أثناء قراءة الفاتحة‬
‫م َتكرار الستعانة بالله سبحانه‪ ،‬والستعاُنة ليست‬ ‫في الصلة إل ّ ليتعلم المسل ُ‬
‫ي لما يريد أن‬ ‫ه القلب ُ‬ ‫مجرد تكرار ألفاظ‪ ،‬إنما هي في حقيقة المر التوج ُ‬
‫يفعل‪ ،‬ثم مباشرة العمل الذي يريد بعد ذلك ‪.‬‬
‫ة بالقدوة‪:‬‬ ‫‪ 2‬ـ التربي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب أفَل َ‬ ‫م ت َت ُْلو َ‬
‫ن الك َِتا َ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬‫سو ْ َ‬‫س ِبال ْب ِّر وََتن َ‬‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫قال تعالى‪) :‬أت َأ ُ‬
‫ن) ) (‪.‬‬ ‫قُلو َ‬‫ت َعْ ِ‬
‫فل يمكنك تحويل أسرتك إلى الخط الصحيح والمنهج السليم إذا ما زلت‬
‫منحرفا ً عن هذا الخط‪.‬‬
‫ن اصطحابه‬ ‫مهما دفعت ولدك إلى الصلة في المسجد لن يؤثر ذلك فيه‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل بكثير من كثير من النصائح‪.‬‬ ‫ك تدخل المسجد َ أفض َ‬ ‫مرةً واحدة أو رؤيَته ل َ‬
‫ت ولدك إلى التوقف عن التدخين لن يؤثر ذلك فيه إل إذا رأى ذلك‬ ‫ومهما دفع َ‬
‫ً‬
‫فعل ً وتطبيقا منك‪.‬‬
‫ومهما دفعت ولدك إلى القلع عن مشاهدة البرامج المسيئة فلن يؤثر ذلك‬
‫فيه إذا لم تقم أنت بالخطوة الولى‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ "ليس البيت حلبة صراع ل بد أن ينتصر فيها أحد الطرفين" ) ( ويمشي‬
‫برأي الزوج أو الزوجة أو الحماة أو والد الزوج أو الزوجة‪.‬‬
‫جه وأولَده أنه‬ ‫ل زو َ‬ ‫ن أهم السباب الموفقةِ لحياة سعيدةٍ هو أن ُيعّلم الرج ُ‬ ‫إ ّ‬
‫عه حتى لو جاء على أي لسان وليس عنده في ذلك أدنى‬ ‫يحب الحقَ واتبا َ‬
‫مشكلة ‪.‬‬
‫إن ما سنذكره في الفصول القادمة بإذن الله ليس كيف نربي الولد بل كيف‬
‫ّ‬
‫نربي السرة‪ ،‬فهو برنامج للسرة كلها لتسيَر على هدىً وبصيرةٍ وفهم ٍ‬
‫حقيقي لدين الله سبحانه وتعالى ولذلك أسميناه فقه السرة المسلمة‪.‬‬
‫ح الزوجة‬ ‫إصل ُ‬
‫ت متعددة‪ ،‬فهي تحمل في‬ ‫ة ضخمة‪ ،‬تحمل في طياتها مؤسسا ٍ‬ ‫ت مؤسس ٌ‬ ‫البي ُ‬
‫ة التموين والطعام ومؤسسة العلقات‬ ‫ة التربية ومؤسس َ‬ ‫محتواها مؤسس َ‬
‫ة الترفيه‪....‬‬ ‫الجتماعية ومؤسس َ‬
‫وعلى رأس هذه المؤسسات كلها تكون الزوجة‪ ،‬وأي إصلح للبيت ل يرافقه‬
‫ى‪ ،‬وإصلح الزوجة يعني إصلح البيت‪ .‬قال‬ ‫إصلح للزوجة فليس له أي معن ً‬
‫جه)) ( قال ابن عباس في‬ ‫َ‬ ‫زو‬ ‫له‬ ‫)وأصلحنا‬ ‫تعالى حكاية عن سيدنا زكريا‪:‬‬
‫تفسيره لهذه الية كان في لسانها طول فأصلحه الله تعالى‪ .‬وقيل جعلها‬
‫خلق ) (‪.‬‬ ‫ة ال ُ‬ ‫ولودا ً حسن َ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫والزوج معني بشكل أساسي بإصلح زوجته وتربيتها وتعليمها وترقيتها‪ .‬ولهذا‬
‫الرحمن بن عوف قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬ ‫َْْ‬ ‫ورد الحديث الشريف عن عبد‬
‫ت فْرجها‬
‫ت شهَرها وحفظ ْ‬ ‫مسها وصام ْ‬ ‫ت المرأة ُ خ ََ‬‫الله عليه وسلم‪" :‬إذا صل ّ ِ‬
‫ب الجنةِ شئت") (‪ ،‬وفي هذا‬ ‫جها قيل لها ا ُْدخلي الجنة من أي أبوا ِ‬ ‫ت زو َ‬
‫وأطاع ْ‬
‫ة على الزوج ليأمَرها بما أمره الله تعالى فل‬ ‫المر بالطاعة مسؤولية عظيم ً‬
‫مر عن ساعديه ليْنقذ َ بيته من الدمار ويعيد َ إلى زوجته قوتها‬ ‫بد للزوج أن يش ّ‬
‫وقدرتها على تربية الجيل المنشود‪.‬‬
‫كيف يكون إصلح الزوجة ؟؟‬
‫هناك خطوات عملية لهذا الصلح‪:‬‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخطوة الولى‪:‬‬
‫م الصحيح لليات القرآنية والحاديث النبوية التي سلطت الضواء على‬ ‫الفه ُ‬
‫العلقات السرية ومن هذه الحاديث‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ضل ٍْع وإن أعوج شيٍء في‬ ‫خلقت من ِ‬ ‫وسلم‪" :‬استوصوا بالّنساء فإن المرأة َ ُ‬
‫ل أعوج فاستوصوا‬ ‫ن تركته لم يز ْ‬ ‫ت تقيمه كسرَته وإ ْ‬ ‫عله فإن ذهب َ‬ ‫الضلع أ ْ‬
‫بالّنساء" ) (‪.‬‬
‫ة تقول‪" :‬إن السلم‬ ‫حيث يظن بعض الناس أن هذا الحديث يحمل إشكالي ً‬
‫خلقت من ضلع أعوج فإن جئت لتقومه كسرته ومع ذلك‬ ‫يقول‪ :‬إن المرأة ُ‬
‫ً‬
‫فهو يطلب من الزوج إصلح الزوجة ويقول إن تركته ظل معوجا"‪.‬‬
‫الحقيقة أنه ل إشكال في ذلك‪:‬‬
‫ط مهمة‪:‬‬ ‫ذلك أن إصلح الزوجة يعتمد على ثلث نقا ٍ‬
‫‪ 1‬ـ الصبر‪) :‬وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها) ) (‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الرفق‪) :‬إن الرفق ل يكون في شيء إل زانه ) ) (‪.‬‬
‫والرفقُ والصبر هما عماد الصلح في كل شيء‪ ،‬وإذا اجتمعا فإنهما يحققان‬
‫الصلح بأحسن صوره‪.‬‬
‫م ‪ :‬أي فهم طبيعة المرأة وبم تفكر حيث أولوياتها تختلف عن‬ ‫‪ 3‬ـ الفه ُ‬
‫أولويات الرجل‪ ،‬والرجل الحكيم هو الذي يوفق بين أولوياته وأولويات زوجته‪.‬‬
‫وهنا لبد للزوج أن يعرف نقطتين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن فشل الرجل يبدأ عندما يبدأ يقلد المرأة‪ ،‬وفشل المرأة يبدأ عندما تبدأ‬
‫تقلد الرجل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن العمال الحياتية تقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫* أمور تكون المرأة لها السيادة فيها ولها القرار فيها وعادة تكون هذه المور‬
‫م على الرجل أل‬ ‫متعلقة بالمْنزل‪ ،‬كترتيبه‪ ،‬ووضع لمسات الجمال فيه‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫يتدخل في كل شاردة وواردة ويعكر هذا العالم الخاص بالمرأة‪.‬‬
‫* وأمور يكون القراُر فيها للرجل مع الحتفاظ لها بحق المشورة وإبداء الرأي‬
‫ومعنى ذلك أن يترك للمرأة الحرية الكاملة في بعض المور ل سيما فيما‬
‫يتعلق في شؤون بيتها وأمور أخرى يتولها الرجل وبذلك نستطيع التوفيق في‬
‫أمور الحياة‪.‬‬
‫فالسلم ل يطلب من الرجل أن يغّير أولويات زوجته وطبيعة النوثة فيها‪ ،‬بل‬
‫يريد منه أل ّ يشدد على هذه الولويات فيزيل هوية النوثة فيها أو يترك هذه‬
‫الولويات هي التي تسيره وتسّير أسرته معها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الحديث الثاني عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ي منها آخر" ) (‪.‬‬ ‫خلقا ً رض َ‬ ‫كره منها ُ‬ ‫ن َ‬‫ن مؤمنة إ ْ‬‫فُرك مؤم ٌ‬ ‫وسلم‪" :‬ل ي َ ْ‬
‫ومعنى ل يفرك أي ل يكره وهو يدخل تحت الحديث الول وهو أن المرأة قد‬
‫يصدر منها ما يزعج الرجل فعليه أل يكرهها وأن يخفف هذا العوجاج بترك‬
‫بعض المور لها مع الحرص على المتابعة‪.‬‬
‫ة قرآنية تتكلم عن مسؤولية الرجل في إصلح زوجته وهذه الية‬ ‫مة آي ٌ‬ ‫‪ 3‬ـ وث ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫صطبر علْيها ل نسألك رزقا نحن نْرزُقك‬ ‫َ‬ ‫هلك بالصلةِ وا ْ‬ ‫مْر أ ْ‬
‫قوله تعالى‪) :‬وأ ُ‬
‫ة للتقوى) ) (‪.‬‬ ‫والعاقب ُ‬
‫ة عظيمة وهي‬ ‫فكثير من الناس ينشغل بالرزق وتأمينه لهله وينسى مهم ً‬
‫أمرهم بالصلة وما هو ضروري لستقامة الحياة على الوجهة الشرعية‪ ،‬وما‬
‫ذكرت الصلة إل لهميتها‪.‬‬
‫الخطوة الثانية‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العمل على رفع مستواها العلمي والتربوي‪:‬‬


‫وهذه مهمة أيضا ً للزوجة‪ ،‬فكثير من الرجال يتزوج الفتاة ول يريد أن يضيف‬
‫ة وجاهزة ً من عند أهلها‪،‬‬ ‫إليها شيئا ً مما يجب أن يضيفه‪ ،‬وهو يريدها مكتمل ً‬
‫ن كما يريدها أن تكون دون أن ُيسهم في بناء شخصيتها‪ ،‬وهو ليس على‬ ‫فتكو ُ‬
‫استعداد أن يقبل منها أي خطأ أو هفوة!!‬
‫فقبل أن يقف لها على هفواتها‪ ،‬عليه أن يعمل على تعليمها وتثقيفها وإعداِدها‬
‫ما وأي مهنةٍ أخطُر من هذه المهنة؟!‬ ‫نأ ّ‬ ‫لتكو َ‬
‫ّ‬
‫فكثيٌر من الرجال ل يجلس مع زوجته ليعلمها مع أن النبي عليه السلم قال‪:‬‬
‫خي ُْركم خيُركم لهله") (‪ .‬وليس هذا في الخدمة والتعاون في المْنزل فقط‬ ‫" َ‬
‫بل أيضا برفع المستوى اليماني والعلمي والفكري للزوجة‪.‬‬ ‫ً‬
‫الخطوة الثالثة‪:‬‬
‫ة التي تشعر فيها بالود ّ والرحمة الذي وصف الله بها الزواج‬ ‫معاملَتها المعامل َ‬
‫سكنوا‬ ‫ً‬
‫سكم أزواجا لت ْ‬‫ف ِ‬
‫ن أن ْ ُ‬
‫مم ْ‬ ‫خلقَ لك ْ‬‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ن آياته أ ْ‬‫في السلم حين قال‪) :‬وم ْ‬
‫ت لقوم ٍ يتفكرون) ) (‪ .‬وهذه‬ ‫ن في ذلك ليا ٍ‬ ‫ةإ ّ‬‫م ً‬
‫ل بينكم مود ّةً ورح َ‬‫جعَ َ‬ ‫إليها و َ‬
‫أقصر الطرق للصلح ول يخفى على المحسن أثر الحسان في نفوس‬
‫الناس‪.‬‬
‫الخطوة الرابعة‪:‬‬
‫إشعارها بكرامتها أمام أهلها وأهل الزوج خاصة‪ ،‬ولهذا أثره العميقُ في‬
‫نفسها مما يجعلها أكثر تقبل ً للتغير نحو الحسن والفضل‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ت الربع وغيرها تدخل تحت كلمة واحدة ذكرها القرآن الكريم‬ ‫ن هذه الخطوا ِ‬ ‫إ ّ‬
‫ع‬
‫م طبيعتها‪ ،‬ورف ُ‬ ‫ن)‪ ،‬ففه ُ‬ ‫ُ‬
‫في سورة النساء وهي قوله تعالى‪) :‬فعِظوه ّ‬
‫مستواها ومعاملُتها المعاملة الحسنة كله يدخل في باب الوعظ والمعاملة‬
‫ف) ) (‪.‬‬ ‫ك بمعُرو ٍ‬ ‫مسا ٌ‬
‫الطيبة التي أمر الله سبحانه بها )فإ ْ‬
‫ل إلى إصلح زوجته بتسلسل‬ ‫ومن الخطأ الكبير والجسيم أن ي َْعمد الرج ُ‬
‫ن على الّنساِء‬ ‫وامو َ‬ ‫لق ّ‬ ‫ب عما ورد في الية الكريمة‪ ،‬قال تعالى‪) :‬الرجا ُ‬ ‫مقلو ٍ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ت قاِنتا ٌ‬ ‫صالحا ُ‬‫موالهم فال ّ‬ ‫نأ ْ‬‫قوا م ْ‬ ‫ض وبما أْنف ُ‬ ‫ضهم على بع ٍ‬ ‫ه بع َ‬‫ضل الل ُ‬ ‫بما ف ّ‬
‫ن‬‫ن واهجروه ّ‬ ‫ن فعظوه ّ‬ ‫ه واللتي تخافون نشوزه ّ‬ ‫َ‬
‫ب بما حفظ الل ُ‬ ‫ت للغي ِ‬ ‫حاِفظا ٌ‬
‫ن عليا ّ‬ ‫ن الله كا َ‬ ‫ً‬
‫ن سبيل إ ّ‬ ‫َ‬
‫ن فإن أطْعنكم فل ت َْبغوا عليه ّ‬ ‫ضربوهُ ّ‬ ‫في المضاجع وا ْ‬
‫كبيرًا) ) (‪.‬‬
‫فيبدأ الزوج إصلح زوجِته هاجرا ً أو ضاربا ً ويْنسى أّنه لبد من المرور بالمرحلة‬
‫ب يؤدي‬ ‫ح المقلو ُ‬ ‫الولى والساسية وهي مرحلة الوعظ والتوجيه وهذا الصل ُ‬
‫جب ُْره‪.‬‬‫مَلمُته وإلى كسرٍ ل يمكن َ‬ ‫إلى نفورٍ ل يمكن ل َ ْ‬
‫ح الزوج‬ ‫إصل ُ‬
‫س استقرارها وهنائها‪ ،‬ومنبعُ التفاؤل والمل فيها‪،‬‬ ‫الزوج عماد ُ السرة‪ ،‬وأسا ُ‬
‫فْيه إلى‬ ‫ً‬
‫وأي كلم عن إصلح السرة ل يكون الزوج طرفا فيه فهو كباسط ك ّ‬
‫الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه فلن تبلغ السرة شأْوها في الستقرار والصلِح‬
‫إذا كان الب بعيدا ً كل البعد عن منهج الصلح ومقوماته‪.‬‬
‫قد ْ يطرأ ما يعكر صفوَ الحياة الزوجية‪ ،‬وَيطيح باستقرارها‪ ،‬وَيهدم الموّدة‬
‫س‬
‫الربانية التي سكَبها الله سبحانه بين الزوجين‪ ،‬فيتحول المْنزل إلى كابو ٍ‬
‫ة‬
‫ب السرة‪ ،‬حيث ُتصعق الزوج ُ‬ ‫نتيجة تصرفات شيطانية وعشوائية من ر ّ‬
‫والولد بكثير من هذه التصرفات التي تهز مشاعرهم وتسلب السكينة من‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضطراب‪ ،‬بدل ً من أن تتحول إلى مودة‬ ‫ل وا ْ‬ ‫قلوبهم‪ ،‬وتحيل حياتهم إلى ذهو ٍ‬
‫واستقرار‪.‬‬
‫وانطلقا ً من حرص السلم على السرة واستقرارها فقد جعل للمرأة سبل ً‬
‫مختلفة لصلح الزوج ورّده إلى السرة الهانئة‪ ،‬والحياة الرغيدة‪ ،‬والمسؤولية‬
‫الجسيمة الملقاة على عاتقه‪.‬‬
‫ن‬
‫ح عليهما أ ْ‬ ‫جنا َ‬ ‫ن بعِلها نشوزا ً أو إعراضا ً فل ُ‬ ‫تم ْ‬ ‫ن امرأة ٌ خاف ْ‬ ‫قال تعالى‪) :‬وإ ْ‬
‫ن ُتحسنوا وَتتقوا‬ ‫ح وإ ْ‬ ‫س الش ّ‬ ‫ت النف ُ‬ ‫ح خيٌر وأحضر ِ‬ ‫صل ُ‬ ‫ً‬
‫صلحا وال ُ‬ ‫ُيصلحا بينهما ُ‬
‫ن خبيرا)) (‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ه كان بما تعملو َ‬ ‫ن الل َ‬
‫فإ ّ‬
‫قال القرطبي رحمه الله‪ :‬النشوز‪ :‬التباعد‪ ،‬والعراض‪ :‬أل ّ يكلمها ول يأنس‬
‫بها‪.‬‬
‫عها من ناحية‬ ‫ة النشوز حين يخشى وقو ُ‬ ‫"‪ ....‬في هذه الية ُينظم القرآن حال َ‬‫ّ‬
‫ب‬
‫ن القلو َ‬ ‫ّ‬
‫ن السرة كلها كذلك‪ .‬إ ّ‬ ‫متها‪ ،‬وأم َ‬ ‫ن المرأة وكرا َ‬ ‫الزوِج فتهدد أم َ‬
‫ض‬
‫م منهج حياة يعالج كل جزئيةٍ فيها ويتعر ُ‬ ‫ب والمشاعُر تتغّير والسل ُ‬ ‫تتقل ُ‬
‫ض لها" ) (‪.‬‬ ‫لكل ما يعر ُ‬
‫ة تجاه استقرار البيت‬ ‫ف البيت يتحملون مسؤولي ً‬ ‫ن السلم جعل كل أطرا ِ‬ ‫إ ّ‬
‫جه‪،‬‬ ‫ج المسؤولية تجاه إصلح بيته وإصلح زو ِ‬ ‫مل الزو َ‬ ‫ُ‬
‫وهدوئه وطمأنينته‪ ،‬فح ّ‬
‫ة إصلِح زوجها‬ ‫َ‬ ‫ومسؤولي‬ ‫ورعايته‬ ‫بيتها‬ ‫حماية‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫مسؤولي‬ ‫ة‬
‫مل الزوج َ‬ ‫وبالمقابل ح ّ‬
‫ن‬‫ت الملقاة على عاتق كل واحد حزام أما ٍ‬ ‫ورعايته‪ ،‬فكانت هذه المسؤوليا ُ‬
‫قدها‪ ،‬ول ينت َِثر وُّدها‪.‬‬ ‫للسرة حتى ل ينفرط ع ْ‬
‫ة له وضحت كثيرا ً من المفاصل‬ ‫ة للقرآن والمبين ُ‬ ‫ن السنة النبوية الشارح ُ‬ ‫وإ ّ‬
‫الخرى في هذه المسؤوليات‪.‬‬
‫ض الزوج ونفوِره‪ ،‬وقسوةِ قلبه ونشوِزه‪،‬‬ ‫وفي حالتنا هذه وهي حال إعرا ِ‬
‫سمِح السلم للمرأة أن تَتدخل لتعالج الموقف وترد ّ الزوج إلى العيش الرغيد‬
‫ض الطرق المختلفة والمتنوعة حسب أحوال‬ ‫ن تستخدم بع َ‬ ‫والبيت السعيد وأ ْ‬
‫الناس ومعيشتهم‪.‬‬
‫كيف يكون إصلح الزوج؟؟‬
‫‪ 1‬ـ الحوار بالتي هي أحسن‪ :‬من المشكلت التي تعاني منها السر اليوم ِقلة‬
‫ة بصعوبة‪ ،‬وهي ل‬ ‫طرق الحوارِ بين الزوجين‪ ،‬وهي دائما ً مقطوعة‪ ،‬أو سالك ٌ‬
‫تكون إل في حالت محدودة ومعدودة‪.‬‬
‫ن حكمة المرأة للمحافظة على بيتها تقتضي منها تذليل الصعوبات في هذه‬ ‫إ ّ‬
‫الطرق الحوارية‪ ،‬وجعلها أمرا ً طبيعيا ً في الحياة الزوجية‪ ،‬وتجنب المشاكسة‬
‫والمعاندة فهي من أسباب زيادة الُهوة بين الزوجين "إن المشاكسة مرض‬
‫عاطفي هدام ولكن علجه ممكن ميسور" ) (‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 2‬ـ التفاني في خدمته‪ :‬وهو أمر مطلوب شرعا في الحالت العادية‪ ،‬وهو‬
‫مطلوب أكثر في مثل هذه الحالت لنه أقرب إلى تقبل الزوج وأسرع إلى‬
‫الدخول إلى قلبه‪ ،‬وأوثقُ للعلقة الزوجية‪.‬‬
‫ت والحاديث أكثر من أن تحصى في وجوب طاعة الزوجة لزوجها‪.‬‬ ‫واليا ُ‬
‫ب السعادة المرأة‪ ،‬ومن‬ ‫م من ذلك‪ ،‬ل بد أن َيعلم الرجل أن من أسبا ِ‬ ‫واله ّ‬
‫ب السعادة‬ ‫ْ‬
‫أسباب الشقاء كذلك المرأة‪ ،‬فل بد أن ت ُظهر المرأة ُ لزوجها أسبا َ‬
‫ن‬ ‫ن سعادةِ اب ِ‬ ‫ةم ْ‬ ‫م ثلث ٌ‬‫ن آد َ‬ ‫شقوةِ اب ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة وم ْ‬ ‫م ثلث ٌ‬ ‫ن سعادةِ ابن آد َ‬ ‫والهناء "م ْ‬
‫شقوة ابن آدم‬ ‫ن ِ‬ ‫صالح وم ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح والمرك ُ‬ ‫ن الصال ِ ُ‬ ‫ة والمسك ُ‬ ‫م المرأةُ الصالح ُ‬ ‫آد َ‬
‫ن السوُء والمركب السوُء") (‪.‬‬ ‫المرأة ُ السوُء والمسك ُ‬
‫)‪(7 /‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة الزوجة الصالحة في البيت وأنها من أهم أسباب‬ ‫فل بد أن يْلحظ الزوج أهمي َ‬
‫الحياة السعيدة ول يكون ذلك إل بالتفاني في خدمته وخدمة بيته‪.‬‬
‫ل والدِ الزوجة‪ :‬وفي حال عدم نجاح الممارسات المختلفة والمتنوعة‬ ‫خ ُ‬
‫‪ 3‬ـ ت َد َ ّ‬
‫فإّنه لبد من خطوةٍ أخرى تكون أْثقل وأقوى في نفس الزوج وهي تدخل‬
‫والد الزوجة الصالح‪ .‬ونشدد على كلمة الصالح الذي يكون أكبر اهتمامه هو‬
‫ف حدة التوتر بين‬ ‫المحافظة على حياة ابنته وأسرتها‪ ،‬ويسعى دوما ً إلى تخفي ِ‬
‫جها بحكمة وعقلنية‪.‬‬ ‫ابنته وزو ِ‬
‫وهذا ما حصل للسيدة فاطمة مع علي رضي الله عنهما فقد روى البخاري‬
‫ت‬‫ومسلم عن سهل بن سعد قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بي َ‬
‫ك؟ قالت كان بيني وبينه‬ ‫م ِ‬
‫نع ّ‬ ‫فاطمة فلم يجد عليا ً في البيت فقال ‪ :‬أّين اب ُ‬
‫ل عندي‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ق ْ‬ ‫شيء فغاضبني فخرج فلم ي َ ِ‬
‫د‪،‬‬‫وسلم لنسان انظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو في المسجد راق ٌ‬
‫فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن‬
‫حه عنه‬ ‫ب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس ُ‬ ‫شقه وأصابه ترا ٌ‬
‫م أَبا ت َُراب"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ويقول‪" :‬قُ َ‬
‫بق ْ‬ ‫م أبا ت َُرا ٍ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫ن كالعسل‪ ،‬وُدعاب ٍ‬ ‫ي ناضٍج‪ ،‬ولسا ٍ‬ ‫ر‪ ،‬ووع ٍ‬ ‫ب كبي ٍ‬ ‫ووالد الزوجة هنا صاحب قل ٍ‬
‫ب ونفوٍر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫غض‬ ‫من‬ ‫كان‬ ‫ما‬ ‫منه‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫لتزي‬ ‫لطيفةٍ ت ََتسرب إلى القلب‬
‫خل الصدقاء الصالحين‪ :‬الصدقاُء الصالحون ليسوا أقل تأثيرا ً في‬ ‫‪ 4‬ـ تد ّ‬
‫نفوس الزوج ولسيما إذا كانوا أصحاب مكانة عند الزوج‪ ،‬وكانوا أصحاب علم ٍ‬
‫وأمانة‪ ،‬وكلمهم له تأثير في نفسه وتصرفاته‪.‬‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين‬ ‫فقد روى البخاري والترمذي أ ّ‬
‫ّ‬
‫سلمان وبين أبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة ـ‬
‫ن أخاك أبا‬ ‫ة ؟ قالت ‪ :‬إ ّ‬ ‫متبذل ً‬ ‫ك ُ‬ ‫وذلك قبل نزول الحجاب ـ فقال ما شأن ِ‬
‫م قال له سلمان ‪:‬‬ ‫الدرداء ليس له حاجة في الدنيا‪ ،‬فلما جاء أبو الدرداء ليقو َ‬
‫م‬
‫م فلما كان الصبح قال له سلمان‪ :‬ق ْ‬ ‫م فنا َ‬ ‫م فنام ثم ذهب يقوم فقال له‪ :‬ن ْ‬ ‫ن ْ‬
‫ً‬
‫ن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولضْيفك‬ ‫ً‬ ‫الن فقاما فصليا فقال ‪ :‬إ ّ‬
‫قه فأتيا النبي صلى الله‬ ‫قح ّ‬ ‫طك ّ‬ ‫ً‬ ‫عليك حقا ً وإ ّ‬
‫ل ذي ح ٍ‬ ‫ن لهلك عليك حقا فأع ِ‬
‫عليه وسلم فذكرا ذلك فقال له‪ :‬صدق سلمان‪.‬‬
‫خل القارب الصالحين‪:‬‬ ‫‪ 5‬ـ تد ّ‬
‫م‬ ‫خفت‬
‫ْ ِ ْ‬ ‫ن‬ ‫)وإ‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫الشقاق‪،‬‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬‫متقدم‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مراح‬ ‫في‬ ‫هذه‬ ‫تكون‬ ‫وربما‬
‫ق‬ ‫ً‬ ‫حكما ً م ْ‬ ‫حكما ً م ْ‬ ‫شقاقَ ب َي ِْنهما فاْبعُثوا َ‬
‫صلحا ُيوف ِ‬ ‫ن ُيريدا إ ْ‬ ‫ن أهلها إ ْ‬ ‫هله و َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن عليما ً خبيرًا)) (‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫بينهما‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬
‫ومع ذلك فهي إحدى الوسائل المهمةِ والناجعةِ والناجحةِ في إعادة شْريان‬
‫ض عنها الغبار‪ ،‬وتزيل عنها ما لحقها من‬ ‫الحياة إلى الحياة الزوجية‪ ،‬فتنف ُ‬
‫أْدران الجاهلية حيث يبين الحكمان الحقوق والواجبات لكل الطرفين‪.‬‬
‫إن تقصير الزوجة في متابعة أخطاء زوجها‪ ،‬ومحاولة تصحيحها‪ ،‬والتقليل منها‪،‬‬
‫وإهمالها في ذلك ليوّلد الكثيَر من المشكلت التي يكون البيت في غنى عنها‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نشوز الزوج وإعراضه ونفوره‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ انقطاع الحوار والتفاهم بين الزوجين )الطلق النفسي(‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ضياع الولد بين البوين المتنافرين‪.‬‬
‫م الرابطة الزوجية‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ انهدا ُ‬
‫فة في البيت‬ ‫إشاعة ثقافة الع ّ‬
‫دين ُيحاربون المسلمين بسلحين‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫أعدا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫الله"‪:‬‬ ‫"رحمه‬ ‫يقول ابن القيم‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ح الشبهات لفساد عقولهم ) (‪ .‬انتهى‬ ‫سلوكهم ‪ ,‬وسل ُ‬ ‫ت لفسادِ ُ‬ ‫ح الشهوا ِ‬ ‫سل ُ‬


‫كلم ابن القيم‬
‫ورّبما يكون استخدام سلح أكثر من سلح آخر‪ ....‬في فترة محددة أقوى‬
‫وأكبر‪.‬‬
‫كون في القرآن‬ ‫فقد كان سلح الشبهات فيما مضى قويًا‪ ،‬فكانوا تارة يشك ّ‬
‫ككون في أحكام السلم‪ ....‬ويستأجرون بعض الشخاص ليبثوا بين‬ ‫وتارة يش ّ‬
‫ل متعددة‪.‬‬ ‫أفراد المسلمين شبهات بوسائ َ‬
‫شهوات‪ ،‬وجندوا أغلب قوتهم‬ ‫ولكن اليوم استخدموا سلحا ً آخر هو سلح ال ّ‬
‫س‬
‫من أجل ذلك‪ ،‬وساعدهم غفلة المسلمين عن خطورتها وميل النف ِ‬
‫النسانية إليها‪.‬‬
‫ن من أهم ِ صفات المجتمع المسلم أنه مجتمع ل تطفو الشهوة على سطحه‬ ‫إ ّ‬
‫ة ومرتبة ومحاطة بهالةٍ عظيمة من اليات‬ ‫أبدا‪ ،‬بل هي شهوة ٌ موجه ٌ‬ ‫ً‬
‫والنصوص والوامر والنواهي‪ ،‬تسير في طريق مضبوطةٍ ل تحيد عنها قيد َ‬
‫قوم وُتعاد إلى ما كانت عليه أول مرة‪.‬‬ ‫ن حادت فإنها ت ُ ّ‬ ‫أنملة‪ ،‬وإ ْ‬
‫ة على سطح المجتمع يريد لهذا‬ ‫ن من يحاول أن يجعل الشهوة طافي ً‬ ‫وإ ّ‬
‫ْ‬
‫المجتمع أن يميل عن صوابه ورشده‪ ،‬ويريد أن يخلع من قلوب المسلمين‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ل جار ٌ‬ ‫ة على سطح المجتمع سي ٌ‬ ‫فة والطهارة َ والحياء‪ .‬فالشهوةُ الطافي ُ‬ ‫الع ّ‬
‫يطيح بكل لبنة توضع لصلح المجتمع وتحصينه‪.‬‬
‫ومرة أخطأ الفضل بن عباس فجعل ينظر إلى امرأة وضيئةِ الوجه‪ ....‬فجعل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه عنها ويميله إلى الوجه الخر‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬كان الفضل بن عباس َرديف رسول‬
‫ل ينظر إليها‬ ‫خْثعم‪ ،‬فجعل الفض ُ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة ٌ من َ‬
‫ل إلى الشق‬ ‫وتنظر إليه‪ ،‬وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفض ِ‬
‫ن فريضة الله على عباده في الحج‪ ،‬أدركت أبي‬ ‫الخر‪ .‬فقالت يا رسول الله إ ّ‬
‫شيخا ً كبيرا ً ل يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة‬
‫الوداع) (‪.‬‬
‫وإذا كنا نتكلم عن السرة المسلمة وهي جزء من المجتمع المسلم فكذلك‬
‫ة ومهذبة ومرتبة‪ ،‬ل تكون‬ ‫تكون الشهوةُ في البيت شهوة ً مضبوطة وموجه ً‬
‫شهوة ً عشوائية يسمح لها أن تنمو دون تهذيب‪ .‬لذلك وجه السلم المسلمين‬
‫إلى ضبط أمور الشهوة في بيوتهم وهو أمر مهم جدا ً لن فورة الشهوة له‬
‫من الثار السلبية الشيء الكثير‪.‬‬
‫ـ ومن هذه الضوابط‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تعليم الولد الستئذان إذا أرادوا الدخول على آبائهم في غرفهم‬
‫الخاصة‪....‬‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫ت أيماُنكم والذين ل ْ‬ ‫ن ملك ْ‬ ‫ّ‬
‫م الذي َ‬
‫ن آمنوا ل َِيستأذَِنك ُ‬ ‫قال تعالى‪) :‬يا أّيها الذي َ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫ن ثياَبك ْ‬ ‫ضُعو َ‬
‫ن تَ َ‬
‫ل صلةِ الفجرِ وحي َ‬ ‫ن َقب ِ‬‫تم ْ‬ ‫ث مرا ٍ‬‫حُلم مْنكم َثل َ‬ ‫ي َب ُْلغوا ال ُ‬
‫ن ب َعْد ِ صلةِ الِعشاء ) ) (‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫ظهيرةِ و ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ولنسأل أنفسنا لماذا يتكلم الله بجلله في قرآنه العظيم عن هذه المور ؟‬
‫ن هذه الوقات هي أوقات‬ ‫إنها الضوابط السلمية في مجال السرة حيث أ ّ‬
‫راحة‪ ،‬فيخشى أن يطلع الولد أو البنت على ما ل يرضى أن يطلع عليه فتؤثر‬
‫ب قد يغفل عنه الكثيرون في حياتهم المْنزلية‬ ‫في ذلك أبلغ التأثير "وهو أد ٌ‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل البلوغ ل‬ ‫مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية ظاّنين أن الصغار قب َ‬


‫ض المشاهد ِ التي‬ ‫ن بع َ‬ ‫ينتبهون إلى هذه المظاهر بينما يقرر النفسيون اليوم أ ّ‬
‫تقع عليها أنظار الطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها‪ ،‬وقد‬
‫شفاؤهم منها " ) (‪.‬‬ ‫ب ِ‬ ‫تصيبهم بأمراض نفسية وعصبيةٍ َيصع ُ‬
‫‪ 2‬ـ التفريق بين الولد في المضاجع لحديث "وفرقوا بينهم في المضاجع"‬
‫ن النمو الجنسي يبدأ في هذا العمر فل بد أن نوقف كل محفزٍ له حتى‬ ‫) (‪ .‬ل ّ‬
‫م في سرير‬ ‫ي النو ُ‬ ‫ينمو بشكل صحيح "ولن اليام أيام مراهقة فل بد أن يفض َ‬
‫واحد ٍ إلى شهوة‪ ،‬فل بد ّ من سد ّ سبيل الفساد قبل الوقوع" ) (‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تعلم الولد النوم على شقهم اليمن وعدم النوم على بطونهم لن ذلك‬
‫أيضا ً مثير‪ .‬وهو يزيد عندهم المهيجات الجنسية‪.‬‬
‫ن هذه الضوابط وغيرها في السلم‪ ....‬هي للتخفيف من الشهوات في‬ ‫إ ّ‬
‫البيت المسلم‪ ،‬من أجل أن يعيش البيت المسلم سعيدا ً ينمو نموا ً سليما ً‬
‫ويوجه توجيها ً سليمًا‪.‬‬
‫ونه‬‫س ْ‬ ‫ب جدا ً أن ل يتنبه الباء والمهات إلى هذا الموضوع‪ ،‬ويتنا َ‬ ‫ن من الغري ِ‬ ‫إ ّ‬
‫ت عند‬ ‫ن الباء ُيشجعون الشهوا ِ‬ ‫ً‬
‫ب جدا أ ّ‬ ‫ُ‬
‫ويتجاهلونه ويخجلون منه‪ .‬والغري ُ‬
‫أولدهم وُيسهلونها لهم ول يقومون بضبط الفضائيات المختلفة‪....‬‬
‫ن أجرته "مجلة ولدي" أن ‪ %98‬من البناء يتابعون "الفيديو‬ ‫وقد أكد استبيا ٌ‬
‫كليب" بشغف!‬
‫ت غنائية فيها‬ ‫ت وأفلما ً وحفل ٍ‬ ‫ض الباء مع أبنائهم ليروا مسلسل ٍ‬ ‫وربما سهر بع ُ‬
‫مثيرات للشهوة فما شعور الب وهو يحفز ولده على الشهوة‪ .‬وما شعور الم‬
‫وهي تحفز ابنتها على الشهوة‪ ..‬وهي بقربها‪.‬؟!‬
‫ة أّنه يصعب على أي شخص مشاهدةَ أغنيةٍ مصورةٍ مع أسرته‬ ‫"والنتيج ُ‬
‫ل‪ ....‬والسبب ببساطة أّننا نشاهد في هذه‬ ‫مر وجهه خج ً‬ ‫وأولده دون أن يح ّ‬
‫ت‬ ‫ت إلى الغناء بصلة‪ ،‬وأصبحنا بصدد مشاهدةِ ))فتيا ِ‬ ‫م ّ‬‫ل ما ل ي َ ُ‬ ‫تك ّ‬ ‫الغنيا ِ‬
‫ن الشامل(( لليقاع بالمراهقين‬ ‫ل ))أسلحة دماره ّ‬ ‫دن ك ّ‬ ‫ش ْ‬‫ل(( يح ُ‬ ‫لي ٍ‬
‫مستخدمات آخر ما توصل إليه العلم من ))سيليكون(( وخلفه!" ) (‪.‬‬
‫ة وشابا ً مشوها‪ ....‬يريد أن‬ ‫ن هذه التربية الخاطئة ول تشكل إل فتاة مضطرب ً‬ ‫إ ّ‬
‫ينعتقَ مما فيه من الضوابط‪ ،‬وُيضمُر أشياء في نفسه يريد أن يظهرها في‬
‫مكان ما وفي وقت ما‪....‬‬
‫"ولقد منع أحد الباء ابنه من مشاهدة برنامج معه في أحد الصور الخليعة‪ ،‬مع‬
‫ن‬‫الحفاظ للب بحق المشاهدة‪ ..‬فسأل الطفل عن ذلك فكان جوابه‪ :‬إ ّ‬
‫الطفال ل يشاهدون مثل هذه المور لكن فقط للكبار") (‪.‬‬
‫ما هذه المعايير ؟‬
‫ل للكبار ينظرون إليها كيف‬ ‫ح ّ‬ ‫م تلك المشاهدة على الصغار وهي ِ‬ ‫أتحر ُ‬
‫يشاؤون؟!‬
‫ي الله تعالى فل نسمح لنفسنا بالنظر إلى ما حرم الله‪،‬‬ ‫أليس الجدر أن نتق َ‬
‫ونكون في ذلك أيضا ً قدوة لولدنا فنكسب الجرين معا؟!‬
‫ً‬
‫وده أبوه‬ ‫وينشأ ناشئ الفتيان مّنا على ما كان ع ّ‬
‫ل من ذنوبنا عندما نرى أولدنا وهم يحملون البراءة‬ ‫‪ ...‬أليس الجدر أن نخج َ‬
‫في أعينهم‪ ،‬ونحن نخفي عنهم معاصينا‪.‬‬
‫ب) (‬‫ت لكبرى الذنوب متا ُ‬ ‫ك ذنوبي فأن َ‬ ‫ن ناظري ّ‬ ‫لم ْ‬ ‫وتخج ُ‬
‫لبد لنا أن نخفف محفزات الشهوة في بيوتنا إلى أدنى درجة ممكنة‪ ،‬إذا كنا‬
‫نريد حقا ً أن نحفظ أبناءنا من السيل العارم للشهوات‪ ،‬وبذلك ننال سعادةَ‬
‫الدارين‪ ،‬ونستعيد ُ توازن أسرنا ونشيع بذلك ثقافة العفة التي أمر الله بها‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن فوائد تخفيف محفزات الشهوة في البيت تكمن في‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ تخفيف الضطراب النفسي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ البتعاد عن الفواحش‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التماسك السري‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫إشاعة ثقافة الشورى في البيت‬


‫ن أموَره الصغيرةَ‬ ‫ن من أهم الصفات التي يتصف بها المجتمع المسلم أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫والكبيرة َ التي تتعلق بمصالحه‪ ،‬وتؤثر في اتجاهاته‪ ،‬تعتمد ُ على قرارٍ جماعي‪،‬‬
‫وتعتمد على ما سماه القرآن الكريم الشورى‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وشاوِْرهم في‬
‫شورى ب َْينهم) ) (‪.‬‬ ‫مُرهم ُ‬ ‫مر) ) (‪ .‬وقال‪) :‬وأ ْ‬ ‫ال ْ‬
‫وكانت هذه هي صفة المجتمع المسلم في العصور الولى فكان النبي ل‬
‫يفعل أمرا ً يهم المجتمع إل و يشاور فيه صحابته الكرام‪ ،‬فقد شاوَرهم في‬
‫الخروج إلى بدر أو عدم الخروج )مقاتلة العداء(‪ ،‬وشاورهم في غزوة أحد‪.‬‬
‫وكذلك شاوَرهم في حادثة الفك فوقف خطيبا ً على المنبر ثم قال‪ " :‬م ْ‬
‫ن‬
‫ت أحدا ً‬ ‫ل ذكَر أهلي بسوء " وقد جاء في الترمذي‪" :‬ما رأي ُ‬ ‫يعذرني في رج ٍ‬
‫أشد ّ مشورةً لصحابه من محمد"‪ .‬وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم‬
‫يؤكدون هذا المر بتصرفاتهم‪.‬‬
‫ت امرأةٌ واحدة المسلمين في لحظة كان الصحابة متجهين فيها نحو‬ ‫لقد أنقذ ْ‬
‫الكعبة المشرفة فمنعتهم قريش ووقع النبي صلح الحديبية‪ .‬أمرهم النبي‬
‫ن يتحللوا فلم يتحرك واحد منهم لتنفيذ هذا المر‪،‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم أ ْ‬
‫ن اخرج‬ ‫س"‪ ،‬فأشارت عليه أ ْ‬ ‫ك الّنا ُ‬ ‫َ‬
‫فدخل النبي على أم سلمة فقال لها‪" :‬هَل َ‬
‫ول تكلم أحدا ً ثم اد ْع ُ حلقك ففعل عليه الصلة والسلم ذلك فبادر الصحابة‬
‫إلى تنفيذ أوامره والقتداء به عليه السلم) (‪.‬‬
‫ي ُيعلمنا كيف كان النبي عليه السلم يستشيُر نساءه في‬ ‫ن هذا المثا َ‬
‫ل الح ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫كثير من المور حتى لو كانت أمورا متعلقة بشؤون المة وليست في شؤون‬
‫السرة فقط‪.‬‬
‫ل السرة أقرب إلى الحق وأبعد‬ ‫ن اختيار ثقافة الشورى في السرة ليجع ُ‬ ‫إ ّ‬
‫م قط إل‬ ‫عن الخطأ كما قال الحسن بن علي رضي الله عنهما‪ :‬ما تشاوَر قو ٌ‬
‫شد أمورهم‪.‬‬ ‫هدوا إلى أر َ‬ ‫ُ‬
‫وكما قلنا سابقا ً )في الشروط اللزمة لصلح السرة( ليس المهم أن يكون‬
‫الحق على لساني المهم أن أتبعه ولو أتى على أي لسان من أهلي أو غيرهم‪.‬‬
‫ت أن يجريَ الله‬ ‫وبذلك يقول الشافعي رحمه الله‪ :‬ما ناظرت أحدا ً إل وتمّني ُ‬
‫الحق على لسانه‪.‬‬
‫ن كثيرا ً من الباء ليتصرفون تصرفا غير إسلمي في هذا الموضوع مع‬
‫ً‬ ‫إ ّ‬
‫ت كثيرةً تهم السرة كلها دون أن يعلموا‬ ‫أسرتهم فترى أحدهم يأخذ قرارا ٍ‬
‫بهذا المر‪ ،‬فتارة يبيع البيت أو يبيع المحل أو يزّوج ابنته أو ما شابه ذلك‬
‫م فإن كثيرا ً من السر تفشل في علقاتها‬ ‫والسرة آخر من يعلم‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫بسبب عدم التحاور أو التناقش في هذه المور‪.‬‬
‫"كما أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من ‪ %80‬من مشكلت المراهقين في‬
‫عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء المور تسيير أولدهم بموجب‬
‫آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم‪ ،‬ومن ثم يحجم البناء‪ ،‬عن الحوار مع‬
‫ن الباء إما أنهم ل يهمهم أن يعرفوا مشكلتهم‪ ،‬أو‬ ‫أهلهم‪ ،‬لنهم يعتقدون أ ّ‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنهم ل يستطيعون فهمها أو حلها") (‪.‬‬


‫إن دكتاتورية الب ل توّلد إل شابا ً مشوها أو فتاة مهتزة‪ ،‬وتصبح اهتمامات‬
‫ً‬
‫هذا الشاب وهذه الفتاة التخلص من هذا الواقع‪ ،‬لذلك نرى مثل ً أن أول شاب‬
‫يتقدم إلى الفتاة تقبل به حتى لو كان غير مناسب لتتخلص من ديكتاتورية‬
‫والدها‪.‬‬
‫ن الشورى السرية ل تنقص من مكانة الرجل بل بالعكس ترفعه في أعين‬ ‫إ ّ‬
‫أولده وتزيد هيبته ومحبته وتهديه معهم إلى سواء الصراط‪.‬‬
‫ن الفوائد التي نجنيها من هذه الشورى السرية كثيرة ومتنوعة نجمل‬ ‫ـإ ّ‬
‫بعضها فيما يلي‪:‬‬
‫م بمنهج الله في شؤون الحياة‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ اللتزا ُ‬
‫‪ 2‬ـ القدرةُ على الحوار وتقبل الخرين‪" :‬وتذكر أن المحاورة مع طفلك يعلمه‬
‫ده قربا ً‬‫ده على ترتيب أفكاره وُينمي شخصيته ويزي ُ‬ ‫ة في الكلم ويساع ُ‬ ‫الطلق َ‬
‫منك" ) (‪.‬‬
‫ً‬
‫فكثير من الولد والنساء إذا جلسوا مجلسا ل يستطيعون إبداء آرائهم لنهم‬
‫لم يتعودوا هذا في بيوتهم‪ ،‬وكثير منهم ل يتقبلون الخرين لنهم لم يتعودوا‬
‫هذا في بيوتهم أيضًا‪....‬‬
‫وهذا خطير على نشأة الولد وعلى مستقبلهم واندماجهم في الحياة‪.‬‬
‫ة ولكن عندما ُيسأل النسان يبدأ‬ ‫ة التفكير صعب ٌ‬ ‫ن عملي َ‬‫‪ 3‬ـ تفتق المواهب‪ :‬إ ّ‬
‫بجمع الخيوط لينسج حل ً وربما يكون حل ً متميزًا‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ البتعاد عن الخطأ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ إذا وقعَ الخطأ بعد المشورة يتحمل الجميع الخطأ ول يتهم أحد بالتقصير‪.‬‬
‫إشاعة ثقافة الرفق في البيوت‬
‫عندما ندخل إلى بيت النبي )‪ ،‬ونرى طريقة معاملته مع زوجاته وأسرته نجد‬
‫هناك ثقافة أساسية في حياته ومحورا ً أساسيا ً في حياته وهي ثقافة‬
‫الرفق‪ ....‬فقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الرفق‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ق ما ل يعطي على العُْنف((‬ ‫ب الّرفقَ وُيعطي على الرفْ ِ‬ ‫ه رفيقٌ يح ُ‬ ‫ن الل َ‬
‫))إ ّ‬
‫) (‪.‬‬
‫ّ‬
‫ن شيٍء إل شاَنه(( ) (‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن في شيٍء إل زاَنه ول ي ُْنزعُ م ْ‬ ‫ن الرفقَ ل يكو ُ‬ ‫))إ ّ‬
‫ن الجانب بالقول والفعل(( وهو ضد العنف‪.‬‬ ‫قال البخاري‪)) :‬الرفق هو لي ِ‬
‫ملحظة مهمة‪:‬‬
‫ومن الملحظ أن أغلب أحاديث الرفق ترويها السيدة ُ عائشة‪ ،‬وفي هذا إشارة‬
‫إلى إشاعة ثقافة الرفق بين أطراف السرة جميعا ً وهم الزوج والزوجة‬
‫والولد‪....‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ش رجولة الرجل ول‬ ‫ن هذا الرفقَ والخذ َ بلين الجانب في السرة ل يخد ُ‬ ‫إ ّ‬
‫يحط من قيمته بل بالعكس إّنه يرفع مكانته ويضعه في مكان العفو القادر‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ن الرفق في‬ ‫لكن كثيرا ً من الرجال يفهمون الرفق فهما ً خاطئا ً ويظّنون أ ّ‬
‫ل وانكسار وخضوع للمرأة‪....‬‬ ‫الحياة الزوجية عبارة عن ذ ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ج البيت أكثَر الناس حوارا ونقاشا‪ ،‬وتراه خارج البيت أكثر‬ ‫فترى أحدهم خار َ‬
‫ضحكا ً وابتسامًا‪ ،‬وأكثر حركة وحيوية‪.‬‬
‫ل الناس حوارًا‪ ،‬وأكثرهم عبوسا ً وتقطيبًا‪ ،‬وأثقلهم‬ ‫ثم إذا دخل بيته كان أق ّ‬
‫حركة ونشاطًا‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل مشكلته عن طريق‬ ‫ت المجتمِع المسلم هو أّنه مجتمع يح ّ‬ ‫م صفا ِ‬ ‫"ومن أه ّ‬


‫التفاهم") (‪.‬‬
‫وهذه صفة ملزمة للمجتمع المسلم فل يمكن بحال من الحوال أن تنفك‬
‫عنه‪ ،‬ويجب أن تكون ملزمة للسرة المسلمة لنها اللبنة الولى فيه‪.‬‬
‫لكن كثيرا ً من الرجال يلجؤون إلى حل مشكلتهم الزوجية عن طريق العنف‪،‬‬
‫ن السلم أكد على الرفق ونهى عن ضرب الزوجات ومعاملتهن بقسوة‪،‬‬ ‫مع أ ّ‬
‫ن شرار الزواج هم الذين يضربون زوجاتهم‪.‬‬ ‫وصرح أ ّ‬
‫جهن )أي من الضرب( ليس‬ ‫ن أزوا َ‬ ‫مد ٍ نساٌء كثير ي َ ْ‬
‫شتكي ْ َ‬ ‫ف بآل مح ّ‬ ‫"لقد ْ طا َ‬
‫أولئك بخياِركم" ) (‪.‬‬
‫وكثير من الرجال يحاولون أن يسدوا ثغرة ضعفهم في البيت وطريقة‬
‫إقناعهم عن طريق القوة العضلية‪.‬‬
‫حيث بينت دراسة في إحدى الدول العربية "أن ‪ %88‬من النساء يتعرضن‬
‫للضرب من أزواجهم") (‪.‬‬
‫وتتعدد السباب التي تجعل الرجل يستخدم قوته العضلية‪:‬‬
‫"السبب الول‪ :‬الطبيعة غير السوية عند بعض الرجال بسبب العقد النفسية‬
‫الكامنة في الصغر أو القهر والضغوط النفسية في العمل فيجد في ضرب‬
‫الزوجة متنفسا ً‬
‫السبب الثاني‪ :‬فهم مغلوط للرجولة إذ تعني عند البعض أن يكون الرجل‬
‫ب ل الزوج‬ ‫ن المرأة عندهم إنما تحترم الزوج الذي يضر ُ‬ ‫شديدا ً حازما ً ل ّ‬
‫ح الطيب") (‪.‬‬ ‫المتسام ُ‬
‫ن الرجل الذي يستعمل عضلته في منع زوجته أو أولده من أمر معين هو‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫إنسان ضعيف‪ ،‬وعليه أن يعيد ترتيب حياته‪ ،‬ويبحث جيدا في طريقة أخرى‬
‫"لبد أن نعلم أن القيادة ليست رفع صوت أو شتائم أو قسوة إنما القيادة‬
‫أخلقٌ ومن يقود بالطريقة الولى فليعلم أنه منبوذ ولن يستمر طوي ً‬
‫ل" ) (‪.‬‬
‫فإّنك إن أردت شيئا ً من زوجتك أو أبنائك فإن الطريقة المثلى هي المعاملة‬
‫برفق‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد دلت الدراسات أن السر التي تتعامل بالرفق هي أكثر تماسكا‪ ،‬بينما‬ ‫ّ‬
‫تزداد نسبة الطلق من الرجال الذين يحاولون أن يحلوا مشكلتهم بالقوة‪....‬‬
‫ن لها فوائد عديدة ‪:‬‬ ‫م في حياة كل مسلم ل ّ‬ ‫ن إشاعة ثقافة الرفق أمٌر مه ٌ‬ ‫إ ّ‬
‫‪ 1‬ـ تستطيع أن تحصل على ما تريد من زوجتك وأولدك بالرفق‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يعلمك الصبر لن الله أمر بالصبر على الزوجة والصطبار عليها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ زيادة العلقة بين أفراد السرة وزيادة الترابط السري فالكل يعلم أن‬
‫القلوب حوله لها حنان خاص‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ل يخاف الولد من بعض التقصير أو الخطاء فيصارحون الباء لعلمهم أن‬
‫معاملة أبنائهم لن تكون إل بالرفق والحنان‪.‬‬
‫إشاعة ثقافة المصارحة في البيوت‬
‫ت التي امتاز بها السلم عن بقية الشرائع السماوية هي‬ ‫ن من أكبر الميزا ِ‬ ‫إ ّ‬
‫ح في كل شيء‪ ،‬فل يوجد في السلم شيء غامض ول يوجد في‬ ‫الوضو ُ‬
‫ة عن مجموعة وهي مسموحة لمجموعة أخرى‪ ،‬فل‬ ‫ت محجوب ٌ‬ ‫السلم معلوما ٌ‬
‫ضبابية في السلم‪ ،‬وإنما الصفة الملزمة للسلم هي وضوح الرؤية في كل‬
‫شيء‪.‬‬
‫ّ‬
‫فالمسلم واضح في علقاته كلها‪....‬‬
‫فعلقته مع ربه علقة عبودية‪.‬‬
‫‪ ...‬وعلقته مع نبّيه علقة محبة واتباع‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬وعلقته مع المسلمين علقة أخوة‬


‫‪ ...‬وعلقته مع أسرته علقة رعاية وإنفاق وإشراف‬
‫‪ ...‬وعلقته مع أهل الكتاب علقة تعايش‪....‬‬
‫من‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ز‬ ‫ل بل ّغْ ما ُ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫سو‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وليس هنالك أوضح من قوله تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ّ ُ‬
‫ر‬ ‫ال‬
‫ه)) (‪ .‬واستدل العلماء بهذه الية أن النبي‬ ‫سال َت َ ُ‬‫ت رِ َ‬‫ما ب َل ّغْ َ‬
‫ل فَ َ‬
‫فعَ ْ‬
‫م تَ ْ‬‫ك وَِإن ل ّ ْ‬ ‫ّرب ّ َ‬
‫بلغ كل ما أنزل إليه‪.‬‬
‫ن يكون الوضوح‬ ‫ة الملزمة للسلم فكذلك يجب أ ْ‬ ‫وإذا كان الوضوح هو الصف ُ‬
‫والمصارحة هو الصفة الملزمة للسرة التي هي نواة المجتمع المسلم‪....‬‬
‫ن كثيرا ً من الناس يبنون حياتهم على الغموض‪ ،‬فتفاجأ الزوجة أو يفاجأ‬ ‫إ ّ‬
‫م تحصل المشكلت نتيجة لذلك‪ .‬ولقد‬ ‫الزوج بأمور لم تكن بالحسبان‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫أعطانا القرآن الكريم مثل ً راقيا ً جدا ً في المصارحة‪ ،‬وهذا المثال الرائع قد‬
‫نمّر عليه في القرآن الكريم دون أن نقف على دللته وعلى أهميته ل سيما‬
‫في هذه الحياة الصعبة‪....‬‬
‫وذلك في قصة موسى عليه السلم مع إحدى ابنتي الرجل الصالح عندما‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جْر َ‬‫ست َأ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫جْرهُ إ ِ ّ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫ت هذه الفتاة‪ ،‬في قوله تعالى‪َ) :‬يا أب َ ِ‬ ‫قال ْ‬
‫ب الب؟؟‬ ‫ن)) (‪ .‬ماذا كان جوا ُ‬ ‫َ‬
‫مي ُ‬ ‫قوِيّ ال ِ‬ ‫ال َ‬
‫"استجاب الشيخ لقتراح ابنته ولعله أحس من نفس الفتاة ونفس موسى ثقة‬
‫متبادلة وميل ً فطريا ً سليمًا" ) (‪.‬‬
‫ي‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فبادر الب بقوله‪ ،‬في قوله تعالى‪َ) :‬قا َ‬
‫دى اب ْن َت َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ن أنك ِ َ‬ ‫ل إ ِّني أِريد ُ أ ْ‬
‫ن)) (‪.‬‬‫هات َي ْ ِ‬‫َ‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ف إعجابها‬
‫ل واضح على الصراحة والمصارحة‪ ،‬فالفتاة لم ُتخ ِ‬ ‫ن هذا مثا ٌ‬
‫إ ّ‬
‫بموسى عليه السلم‪ ،‬والب فهم من هذه المصارحة أن الفتاة أعجبت‬
‫بموسى بأمانته وقوته‪ ،‬ولم تكن المصارحة حرجا ً على الطرفين ما دامت‬
‫مضبوطة بضوابط السلم العامة‪.‬‬
‫"وهكذا في بساطة وصراحة عَ َرض الرجل إحدى ابنتيه‪ ....،‬عرضها في غير‬
‫حرج ول التواء‪ ،‬فهو يعرض نكاحا ً ل يخجل منه‪ ،‬يعرض بناء أسرةٍ وإقامة بيت‬
‫وليس في هذا ما يخجل ول ما يدعو إلى التحرج والتردد واليماء من بعيد‬
‫والتصنع والتكلف مما يشاهد في البيئة التي تنحرف عن سواء الفطرة‬
‫وتخضع لتقاليد مصطنع باطلة سخيفة" ) (‪.‬‬
‫"وبمثل هذه البساطة والوضاءة سار المجتمع المسلم يبني بيوته ويقيم كيانه‬
‫في غير ما تلعثم ٍ ول جمجمة ول تصنع ول التواء" ) (‪.‬‬
‫إنها أعلى درجات المصارحة‪ ،‬وعندما يضرب السلم أعلى الدرجات في‬
‫المصارحة‪ ،‬فيعني هذا أن أدنى الدرجات أولى بذلك‪.‬‬
‫ن‬
‫فكثير من المسلمين ل يتصارحون في أدنى المور في البيت‪ ،‬لذلك تجد أ ّ‬
‫ن‬‫م َ‬
‫أصدقاء الولد يعرفون عن الولد أكثر من آبائهم‪ ،‬وصديقات الزوجة يعل ْ‬
‫عن الزوجة أكثر من زوجها‪ ،‬وصديقات البنات يعرْفن عن البنات أكثر من‬
‫أمهاتهن‪.‬‬
‫ن الخطوة الولى في المصارحة تكون من الباء ل من البناء‪ ،‬فالولد والبنت‬ ‫إ ّ‬
‫م في بداية المر‪ ،‬فل بد من أن تكون‬ ‫ب أو ال ّ‬
‫ل يستطيعان أن يصارحا ال َ‬
‫الخطوة الولى من الوالدين في البيت حتى يتعود الولد المصارحة‪.‬‬
‫ل هذه المصارحة إل من خلل تربية من الوالد‪ ،‬ومن خلل جهودِ‬ ‫"ول تتولد مث ُ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوالد من خلل تشجيِع الفتى على طرح المشكلت" ) (‪.‬‬


‫ن للمصارحة في البيت فوائد عديدة ‪:‬‬ ‫إ ّ‬
‫ف‬‫‪ 1‬ـ الجرأةُ والقدرة ُ على الحوار‪ :‬فكم من شاب نشأ وصار في مصا ّ‬
‫الرجال وهو ل يستطيع أن يتكلم ول يعرف كيف يتكلم‪ ،‬فالمصارحة تجعل‬
‫الشاب يميل إلى الجرأة والدفاع عن فكرته وما يريد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ القدرةُ على تمييز الخطأ من الصواب‪ :‬فبالمصارحة تطرح المور على‬
‫بساط البحث ومن ثم يميز الخطأ من الصواب‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ زيادة الثقة بين الباء والبناء‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ زيادة الترابط السري‪.‬‬
‫أدب الختلف ضمانة لسرة متماسكة‬
‫شجار المتكرر بين أولدهم‪ ،‬وأنه ما إن يخرج من‬ ‫يشكو كثيٌر من الباء ال ِ‬
‫ت زوجته‬ ‫البيت حتى يسمعَ صوت أولده قد وصل إلى الشارع ويسمع صو َ‬
‫وهي تصيح عليهم‪ ،‬وربما يرى الشجار بينهم بأم عينه فل يعلم كيف يوفق‬
‫بينهم وكيف يجمعهم وكيف يزيل الشقاق بينهم؟!‬
‫ن هذا الشجار الذي يقع في البيت المسلم صورة مصغرة لما يقع في‬ ‫إ ّ‬
‫المجتمع المسلم بين الفراد وبين الدول‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫المؤمنو‬ ‫نما‬
‫ّ‬ ‫)إ‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫إخوة‬ ‫فإذا كان الله قد وصف المؤمنين بأنهم‬
‫كم ُترحمون) ) (‪.‬‬ ‫ه لعل ُ‬ ‫ن أخوْيكم واتقوا الل َ‬ ‫صلحوا بي َ‬ ‫إخوةٌ فأ ْ‬
‫فهذا يعني أنهم يعيشون في بيت واحد لكنه كبير بعض الشيء وهو المجتمع‬
‫ن كثيرا ً‬ ‫بأكمله‪ ،‬ومع هذا الوصف الذي وصفه الله للمؤمنين بأنهم إخوة فإ ّ‬
‫منهم لم يحققوا هذه الخوة على واقع الرض بل استبدلوا بها حقدا ً وحسدا ً‬
‫حتى صار شعار العالم السلمي‪:‬‬
‫م نتشاجْر‬ ‫ذف نشت ُ‬ ‫نق ِ‬
‫ض نتفاخْر‬ ‫سد نبغ ُ‬ ‫نح ُ‬
‫ل منا يتهم الخْر ) (‪.‬‬ ‫وك ٌ‬
‫ً‬
‫ن المشاجرة بين البناء في البيت الواحد مشكلة كبيرة جدا قد تؤدي في‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫بعض الحيان إلى التفكير السلبي بأن يؤذي الخ أخاه ويكيد له كيدا وقد ذكر‬
‫الله سبحانه وتعالى كيف كاد أخوة ُ يوسف لخيهم حتى أنهم باشروا العمل‬
‫ب‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫وألقوه في غياهب الج ّ‬
‫ب وأْوحيَنا إليه ل َت ُن َب ِئ َّنهم‬ ‫ّ‬ ‫الج‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫غياب‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫جعلو‬‫مُعوا ْ ْ‬
‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َذهُبوا به وأ ْ‬ ‫)فل ّ‬
‫م ل َيشعرون)) (‪.‬‬ ‫م هذا وهُ ْ‬ ‫بأمره ْ‬
‫لذلك كان لزاما ً على الباء أن يتعلموا كيف ينقلون أبناءهم من هذه الحالة‬
‫السلبية إلى حالة أخرى أقل سلبية وأكثر إيجابية‪ ،‬وهذا يكمن في أساليب‬
‫كثيرة منها تعليم الولد أدب الختلف واحترام الخر‪ ،‬وهو موضوع مهم جدا ً‬
‫في العلقات السرية والجتماعية‪.‬‬
‫ومعنى أدب الختلف ببساطة‪ :‬أن أحترم الذي أمامي بما يقول ويطرح‬
‫ويفكر‪ ،‬وأن أنطلق في محاورته من نقاط التفاق ل من نقاط الخلف‪.‬‬
‫لذلك كان الفقهاء يقولون كلمنا صواب يحتمل الخطأ تأكيدا ً منهم على قبول‬
‫الرأي الخر واحترامه‪.‬‬
‫ب الختلف عبادةٌ لله سبحانه لنه طاعة لله وطاعة للرسول الكريم‬ ‫ن أد َ‬ ‫إ ّ‬
‫عليه السلم‪ ،‬وليس هناك أوضح دللة من اليات والحاديث في ذلك‪.‬‬
‫ب الختلف وأن نقنعهم بأننا ل يمكن أن‬ ‫فل بد ّ أن نعلم أولدنا منذ صغرهم أد َ‬
‫ة إبداِء ما عنده‬ ‫ي الطرف الخر حري َ‬ ‫نسوقَ العالم كّله لفكارنا دون أن نعط َ‬
‫ة أكيدةٌ لسرة‬ ‫وحرية التفكر والتصرف‪ .‬والتركيز على هذا الدب ضمان ٌ‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متماسكة‪ ،‬فالذي يخالفني في الرأي هو أخي‪ ،‬واستيعاب هذا الخلف عبادة‬


‫م بعد ذلك‬‫لن النبي عليه السلم كان يستمع تماما ً إلى ما يقوله المشركون ث ّ‬
‫يعرض عليهم السلم ويناقشهم ويحاورهم دون حديات جازمة‪ ،‬مع التأكيد‬
‫على "أن الخلف بين الولد ليس كله ضارا ً وليس بالسوء الذي يبدو للكبار")‬
‫(‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ب نقطتين مهمتين‪:‬‬ ‫ب نجتن ُ‬ ‫إننا بتعليم أولدنا هذا الد َ‬


‫ً‬
‫ن كلمه ليس نهائيا إنما قابل للمناقشة‬ ‫ـ الحادية‪ :‬فينشأ الطفل وهو يعلم أ ّ‬
‫والحوار ول بد له من تقبل الخر‪.‬‬
‫ن أّنه ضعيف في فكرة يستعيض عنها‬ ‫ب الصراخ والشجار‪ :‬فالذي يظ ّ‬ ‫ـ تجن ُ‬
‫بالصراخ وربما القوة العضلية‪.‬‬
‫م أن الختلف شيء‬ ‫ن يجب أن نعل َ‬ ‫ة الله في عباده‪ ،‬لك ْ‬ ‫ن الختلف هو سن ُ‬ ‫إ ّ‬
‫والتنافر شيء آخر‪ ،‬لذلك لبد أن نعلم أولدنا كيف نختلف وكيف يكون الدب‬
‫الضابط لذلك‪.‬‬
‫ويجب أن نعلم أيضا أن الشجار والتنافر بين الولد في البيت له أسباب‬ ‫ً‬
‫عديدة‪ ،‬ومن هذه السباب‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الغيرة بسبب التفضيل بين الولد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ انشغال الباء عن أولدهم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ شجار البوين أمام أولدهم‪.‬‬
‫م وجود برنامج للولد يشغلهم عن الخلفات التافهة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ عد ُ‬
‫وبمعرفة هذه السباب ومعالجتها يمكن أن ينشأ الولد على درجة عالية من‬
‫الوعي في هذه المور‪.‬‬
‫ولعل أبرز النتائج التي يمكن تحصيلها من تعليم الولد هذا الدب هي‪:‬‬
‫ك السري‪ :‬و"الولد الذين يسمح لهم ببعض الجدال في‬ ‫‪ 1 ...‬ـ التماس ُ‬
‫صغرهم فيصبحون عادة أشد قربا ً من بعضهم في كبرهم") (‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ القدرة ُ على المحاورة والمناقشة‪.‬‬
‫ل الخر‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ تقب ُ‬
‫‪ 4‬ـ توسيعُ الفاق وتمحيص الفكار كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله‬
‫ة الرجال تمحيصا ً لفكارهم) (‪.‬‬ ‫ت مناقش َ‬ ‫عنه‪ :‬إّني رأي ُ‬
‫عدم التذكير بالماضي المزعج‬
‫صر في حياته وأخطأ سواء كان هذا الخطأ كبيرا ً أو‬ ‫ما من إنسان إل وق ّ‬
‫صغيرًا‪ ،‬وهذه من صفات ابن آدم التي جبله الله عليها‪ ،‬ولذلك ورحمة بنا‬
‫ن‬
‫وردت آيات وأحاديث كثيرة تشجع على التوبة والنابة والستغفار "إ ّ‬
‫ذهْبن السيئات"‪.‬‬ ‫ت يُ ْ‬
‫الحسنا ِ‬
‫وفي الحديث الذي رواه المام مسلم في صحيحه عن أبي موسى عن النبي‬
‫مسيء‬ ‫ب ُ‬ ‫جل ي َْبسط يده بالليل ليتو َ‬ ‫ه عّز و ّ‬ ‫ن الل َ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إ ّ‬
‫س من‬ ‫ب مسيُء الليل حتى تطلعَ الشم ُ‬ ‫ط يده بالّنهار ليتو َ‬ ‫النهار وي َْبس ُ‬
‫مغربها"‪.‬‬
‫وطلب السلم من المسلمين قبول التائب وقبول توبته وعدم التذكير في كل‬
‫لحظة بالخطأ الذي ارتكبه‪ ،‬وتوعد أولئك الذين يحكمون على الناس بعدم‬
‫قبول التوبة‪ ،‬وذلك في الحديث الذي رواه المام مسلم عن جندب أن رسول‬
‫ن‬
‫ه لفلن وإ ّ‬ ‫ن رجل ً قال والله ل يغفُر الل ُ‬ ‫دث أ ّ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم "ح ّ‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ت لفلن‬ ‫ي أل ّ أغفُر لفلن فإّني قد غفر ُ‬ ‫ن ذا الذي يتأّلى عل ّ‬ ‫الله تعالى قال‪ :‬م ْ‬
‫مَلك"‪.‬‬ ‫تع َ‬ ‫وأحبط ُ‬
‫وعصُر الصحابة الذي هو خير القرون وجد فيه من وقع في الخطأ ورجع‬
‫وأناب وتاب وقبل الناس توبته ولم يقفوا عند أخطاء من أخطأ‪ ،‬فلم يذكر‬
‫التاريخ أن الصحابة عيروا كعب بن مالك لتخلفه عن غزوة تبوك بعد توبة الله‬
‫عليه‬
‫ً‬
‫وكذلك لم يذكر أن أحدا من الصحابة عّير حاطب بن أبي بلتعة على ذنبه‬
‫ة رسول الله بعد التوبة والنابة‪.‬‬ ‫ش ني َ‬
‫بإخبار قري ٍ‬
‫ويوم تكلم خالد رضي الله عنه عن المرأة الغامدية بعد رجمها نهاه النبي‬
‫س‬
‫مك ٍ‬ ‫ب َ‬
‫ة لو تابها صاح ُ‬‫ت توب ً‬
‫فسي بيده لقد تاب ْ‬ ‫بقوله‪" :‬يا خالد ُ فوا الذي ن ْ‬
‫ى عليها وُدفنت") (‪.‬‬ ‫صل َ‬‫ل َُغفر له‪ .‬ثم أمر بها ف ُ‬
‫ن السرة هي جزء من المجتمع المسلم فإن ما ينطبق عليه ينطبق‬ ‫وبما أ ّ‬
‫عليها تماما‪.‬‬
‫ن كثيرا من الناس تتملكهم الرغبة الشديدة والقوية في تذكير الناس‬ ‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫بماضيهم السيئ أو المزعج‪ ،‬فكلما جلسوا مجلسا واجتمعوا في مكان يبدؤون‬
‫ن يتوب من‬ ‫بتذكير الناس بهذا الماضي‪ ،‬وهذا يحدث للنسان وهو كبير يريد أ ْ‬
‫ن الّناس ل يريدون أن يتوبوا عليه أو يقبلوه‪،‬‬ ‫فعل اقترفه في سالف حياته‪ ،‬لك ّ‬
‫فكلما أراد أن يؤسس لحياة جديدة خرج له بعض الشخاص يذكرونه بما عاهد‬
‫الله على أل يعود إليه‪.‬‬
‫ن النسان يكون أكثر تعريا ً في التصرفات أمام أسرته وفي بيته‪،‬‬ ‫والحقيقة أ ّ‬
‫ة‬
‫فأغلب الباء يعرفون أولدهم كيف ارتقوا وتربوا وكيف انتقل الولد من فكر ٍ‬
‫سالبةٍ إلى أخرى موجبة أو من خطيئة إلى حسنة وكثير من الزواج يعلمون‬
‫هنات زوجاتهم وهنا ويا للسف الشديد يكون الطلع على مثل هذه المور‬
‫مدعاة للسخرية والتذكير بها في بعض المجالس‪.‬‬
‫ب‬‫فمثل كثير من الباء يجلسون مع ضيوف ويجلس معهم الولد فيبدأ ال ُ‬
‫بذكر ما فعله أولده من هنات )والولد جالسون يسمعون(‪ ،‬أو بالفكار التي‬
‫كانوا يدينون بها‪ .‬ويضحك الب ويضحك الضيوف دون الهتمام بأن الولد قد‬
‫كبروا وتغّيروا‪ ،‬إّنه المر الذي يجعل الثَر السلبي كبيرا ً على نفوس الولد‪.‬‬
‫والشيء نفسه يتكرر مع الزواج لزوجاتهم‪ ،‬فيذكر الزوج هنات زوجته التي‬
‫أقلعت عنها أمام أقاربهما مما يسيء إلى الزوجة‪.‬‬
‫ليس هناك أشد ّ تخريبا ً للعلقة السرية من التذكير بالماضي السيئ والمزعج‬
‫في كل لحظةٍ مما يجعل الحياة جحيما ل يطاق‪.‬‬
‫إن استدعاء الماضي للتقليل من شأن الخرين‪ ،‬وغض الطرف عن أفعالهم‬
‫الحسنة إنما يدل على إنسان مريض نفسيا يريد أن يبني شموخه وشهوته‬
‫ط من قدرهم ولعل هذا الفعل السيئ بتذكير الناس‬ ‫على أنقاض الخرين والح ّ‬
‫بماضيهم المزعج له آثاره السيئة الجلية منها‪:‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ة ‪ :‬حيث يكره البن أن يجلس مع أبيه وكذلك الزوجة تكره‬‫‪1‬ـ الكراهي ُ‬


‫الجلوس مع زوجها‪.‬‬
‫‪2‬ـ الصراُر على المعصية‪ :‬حيث سيكون ترك الفعل أو عدمه سيان‪ ،‬وهذا ما‬
‫يحصل لكثير من الشبان الذين يتعلمون بعض العادات السيئة ويريدون أن‬
‫يتوبوا فيكون التشهير بهم سببا للصرار على فعلهم‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل يذكر ولده بفعل معين‬ ‫ل إلى درجة الوقاحة‪ :‬حيث يبقى الرج ُ‬ ‫‪3‬ـ الوصو ُ‬
‫ويذكر ويذكر دون حكمة حتى يخلعَ الولد ما كان عليه من احترام ويصل إلى‬
‫درجة الوقاحة فيقول هذا أمر يخصني وحدي ول دخل لحد به‪.‬‬
‫ن التذكير بالماضي المزعج خطير جدا إذ يحطم الروابط السرية‪ ،‬ويبدل بها‬ ‫إ ّ‬
‫روابط أخرى مبنية على الكراهية والشماته‪.‬‬
‫وإن الحل المثل لهذا الماضي هو نسيانه ووضعه في مكان آمن من الذاكرة‬
‫ل يمكن الوصول إليه بحال من الحوال‪ ،‬والنظر إلى المستقبل والعمل على‬
‫تحسينه‪.‬‬
‫مّيز السري‬ ‫ي إلى الت َ‬ ‫السع ُ‬
‫ن من أهم الصفات التي اتصفت بها المة السلم عن سائر المم أنها أمة‬ ‫إ ّ‬
‫متميزة ومستقلة‪ ،‬وهذا التميز وهذه الستقللية جاءت في الكتاب والسنة‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫ون عن المنك ِ‬ ‫ف وت َن ْهَ ْ‬ ‫مُرون بالمعرو ِ‬ ‫ت للّناس َتأ ُ‬ ‫مةٍ أخرج ْ‬ ‫) كن ُْتم خيَر أ ّ‬
‫م‬
‫م المؤمنون وأكثُره ُ‬ ‫م منه ُ‬ ‫ً‬
‫ن خيرا له ْ‬ ‫ب لكا َ‬ ‫ل الكتا ِ‬ ‫ن أهْ ُ‬ ‫مُنون بالله ولوْ آم ُ‬ ‫وت ُؤْ ِ‬
‫سقون ) ) (‪.‬‬ ‫فا ِ‬ ‫ال َ‬
‫ن الَرسولُ‬ ‫س وََيكو َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫داَء على الّنا ِ‬ ‫سطا ل َِتكوُنوا شهَ َ‬ ‫ةو َ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫جعَلناك ْ‬ ‫)وكذلك َ‬
‫شهيدًا)) (‪.‬‬ ‫عََليكم َ‬
‫قال ابن كثير الوسط هو الخيار والجود‬
‫ث تؤكد استقللية هذه المة‬ ‫ما في السنة الشريفة فقد وردت عدةُ أحادي َ‬ ‫وأ ّ‬
‫وتميزها‪ ،‬من ذلك ما رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه‬
‫شوارب" ‪.‬‬ ‫حفوا ال َ‬ ‫شركين‪ ،‬وفِّروا اللحى وأ ْ‬ ‫خالفوا الم ْ‬ ‫وسلم قال‪َ " :‬‬
‫والتمّيز مطلوب حتى في اللباس‪ ،‬فالمسلم ل بد أن يكون ذا مظهر حسن‪،‬‬
‫وهذا ما رواه أبو داود والمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ه عّز‬ ‫ن الل َ‬ ‫مة فإ ّ‬ ‫سكم حتى تكوُنوا في الّناس كأّنكم شا ّ‬ ‫م وِلبا َ‬ ‫حاَلك ْ‬ ‫حوا رِ َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫"أ ْ‬
‫حش"‬ ‫ف ُ‬‫ش ول الت َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ل ل ُيح ُ‬ ‫وج ّ‬
‫ن كان له شعٌر‬ ‫وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬م ْ‬
‫مه" ) (‪.‬‬ ‫فلُيكر ْ‬
‫وبما أن السرة المسلمة هي الخلية الولى في المجتمع المسلم فل بد أن‬
‫تكون هذه الصفة ملزمة وملصقة لها‪.‬‬
‫ة بل‬ ‫ً‬ ‫أناني‬ ‫ليس‬ ‫السر‬ ‫سائر‬ ‫عن‬ ‫متميزة‬ ‫ن طلب الواحد منا أن تكون أسرته‬ ‫إ ّ‬
‫هو مطلب شرعي نبه الله سبحانه وتعالى عليه في كتابه الكريم فقال حكاية‬
‫عن سيدنا زكريا عليه السلم‪:‬‬
‫ب َرضّيا‬ ‫جعْله َر ّ‬ ‫ب وا ْ‬ ‫ن آل يعقو َ‬ ‫ثم ْ‬ ‫ك َولّيا )‪ (5‬ي َرُِثني وَي َرِ ُ‬ ‫ن ل َد ُن ْ َ‬ ‫يم ْ‬ ‫ب لِ ْ‬ ‫)‪ ...‬فَهَ ْ‬
‫)‪.( ) )(6‬‬
‫وقال حكاية على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫ةل َ َ‬ ‫مْين ل َ َ‬
‫سكَنا وُتب‬ ‫ك وأِرنا منا ِ‬ ‫مسلم ً‬ ‫ة ُ‬ ‫م ً‬‫ن ذ ُِريِتنا أ ّ‬ ‫م ْ‬‫كو ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعلنا ُ‬ ‫) رّبنا وا ْ‬
‫ب الّرحيم)) (‪.‬‬ ‫وا ُ‬ ‫ت الت ّ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫عليَنا إن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن أزواجنا‬ ‫ب لنا م ْ‬ ‫ن رّبنا ه ْ‬ ‫ن َيقولو َ‬ ‫ّ‬
‫وقال حكاية عن عباد الرحمن‪) :‬والذي َ‬
‫ً‬
‫متقين إماما) ) (‪.‬‬ ‫جعلنا لل ُ‬ ‫ن وا ْ‬ ‫وذّرّياتنا قرة َ أعي ٍ‬
‫م رّبه‬ ‫س إبراهيم عليه السلم ذريَته ) وإذ ابَتلى إبراهي َ‬ ‫وفي مقام القرب لم ين َ‬
‫ن ذ ُّرَيتي قال ل يَنا ُ‬
‫ل‬ ‫ل وم ْ‬ ‫ً‬
‫س إماما قا َ‬ ‫ن قال إّني جاعلك للّنا ِ‬ ‫مه ّ‬ ‫ت فأت ّ‬ ‫بكلما ٍ‬
‫عْهدي الظالمين)) (‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ة ولسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه‬ ‫ن التميز السري ضرورة ملح ٌ‬ ‫إ ّ‬
‫التفريعات والختصاصات‪ ،‬إذ أن كثيرا ً من السر ل تعرف أي نوع من أنواِع‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل إن الميزة‬ ‫التميز‪ ،‬إنما تعيش هكذا دون هدف ودون برمجة لحياتها‪ ،‬ب ْ‬
‫ف بسيطة جد ّا ً كنجاح في مدرسة أو الحصول‬ ‫الوحيدة لها تنحصر في أهدا ٍ‬
‫على سيارة وغير ذلك‪.‬‬
‫وقاِد‪ ،‬والعمل‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ْ‬
‫كر‬ ‫وبالف‬ ‫بالشخصية‪،‬‬ ‫ز‬
‫ٌ‬ ‫تمي‬ ‫هو‬ ‫السلم‬ ‫إن التمّيز الذي يطلبه‬
‫ف السامية‪ ،‬ول يمكن للمسلمين أن يسترجعوا هيبتهم ومكانتهم‬ ‫الجاد‪ ،‬والهدا ِ‬
‫بين المم إل إذا استعادوا التميز بأقل درجاته؛ وأقل درجات التميز هي أن‬
‫يكون الفرد المسلم يقابل بقوته العلمية وتفوقه في مجاله اثنين من الكفار‪.‬‬
‫م‬
‫مْنك ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ضْعفا ً فإ ْ‬
‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن فيك ْ‬ ‫مأ ّ‬‫م وعَل ِ َ‬‫ه عْنك ْ‬ ‫ف الل ُ‬ ‫ف َ‬
‫خ ّ‬
‫ن َ‬ ‫قال الله سبحانه )ال َ‬
‫ع‬
‫م َ‬‫ه َ‬‫ن اللهِ والل ُ‬ ‫فين بإذ ِ‬ ‫ف يغل ُِبوا أل َ‬‫م أل ٌ‬ ‫ن مْنك ْ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬
‫صابَرة ٌ َيغل ُِبوا ماَئتين وإ ْ‬
‫ة َ‬
‫مائ ٌ‬
‫صاِبرين)) (‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫فالنسبة في المعركة هي )واحد من المسلمين إلى اثنين من المشركين أي‬
‫‪ ،(1/2‬وهذه الية محكمة لم يرد فيها ناسخ فهي معمول بها إلى يوم الدين‬
‫ك الحربيةِ واجبا ً فإنه في المعارك الحياتية‬ ‫فإذا كان هذا المر في المعار ِ‬
‫أوجب) (‪.‬‬
‫فالطبيب المسلم ل بد أن يكون بطّبه بمقدار اثنين من أهل الشرك‪.‬‬
‫والشاعر المسلم ل بد أن يكون مقابل اثنين من الشعراء الخرين وهكذا‪.‬‬
‫وهذه أدنى درجات التميز التي يجب أن نعمل على تربية أسرنا عليها‪.‬‬
‫ة لجعل السرة متميزة منها‪:‬‬ ‫ت عملي ً‬ ‫ن هناك خطوا ٍ‬ ‫إ ّ‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ب التميز من الله سبحانه‪ :‬وقد علمنا القرآن ذلك في أكثر من موضع‪،‬‬ ‫‪ 1‬ـ طل ُ‬
‫ب‬
‫ل َر ّ‬ ‫َ‬
‫عا َزكرّيا َرّبه قَا َ‬ ‫هنال َ‬
‫ك دَ َ‬ ‫فقال حكاية على لسان زكريا عليه السلم‪ُ ) :‬‬
‫دعاء)) (‪ .‬فطلب من الله أن تكون‬ ‫سميعُ ال ّ‬‫ك َ‬ ‫ة ط َّيب ً‬
‫ة إن ّ َ‬ ‫ك ذ ُّري ً‬ ‫ن ل َد ُن ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ب لي ِ‬ ‫هَ ْ‬
‫ذريته طيبة‪.‬‬
‫صالحْين)) (‪.‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫ب لي ِ‬ ‫ب هَ ْ‬‫وقال حكاية على لسان إبراهيم‪) :‬ر ّ‬
‫‪ 2‬ـ إطلقُ بعض اللقاب والصفات الحسنة على الولد‪ :‬كما كان يفعل النبي‬
‫عليه السلم حيث إن لهذه اللقاب دورا مهما ً في حياة النسان‪ ،‬فهو يحاول‬
‫دائما أن يتصف بهذا اللقب أو ذاك‪ ،‬وهذا ما حصل للحسن رضي الله عنه‬
‫فقد روى البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه‪ :‬أخرج النبي صلى الله عليه‬
‫ه‬
‫ل الل ُ‬‫هذا سيد ٌ ولع ّ‬ ‫وسلم ذات يوم الحسن فصعد به على المنبر فقال‪" :‬اْبني َ‬
‫مسِلمين"‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ح به ب َْين فِئ َت َْين م َ‬ ‫ن ُيصل َ‬‫أ ْ‬
‫وإطلق هذا اللقب على الحسن رضي الله عنه لم يذهب سدى بل كان هو‬
‫سيد الموقف عندما تنازل لمعاوية عن المر رضي الله عنهم جميعا وجمع‬
‫سمي ذلك العام بعام الجماعة‪.‬‬ ‫ة المسلمين حتى ُ‬ ‫الله به كلم َ‬
‫ولعل من بعض اللقاب التي تؤثر في نفسية الولد‪ :‬صاحب الهمة ـ أبو‬
‫المعالي ـ الحافظ ـ العفيفة ـ الثقة ـ الصدوق وغير ذلك مما يجعل الولد‬
‫يلتزمون بهذه الصفات ويسعون ليتميزوا بها‪.‬‬
‫م بتحويل الم إلى أم متميزة ورفعها من المستوى الذي تعيشه‬ ‫‪ 3‬ـ الهتما ُ‬
‫نساء هذا العصر من تفاهات وترهات‪.‬‬
‫ح معايير النجاح والتميز‪ :‬حيث إن الكثير من الولد ل يعرفون معيار‬ ‫‪ 4‬ـ توضي ُ‬
‫ً‬
‫النجاح الحقيقي ومتى يكون المسلم ناجحا ومتى يكون فاشل‪ ،‬وهذا من‬
‫المور الخطيرة التي يجب بيانها فمثل يجب أن يعلم الولد أن المعيار الول‬
‫للنجاح هو رضا الله سبحانه وأن كثيرا من المور التي نظنها ناجحة هي‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمعيار الرضا اللهي غير ذلك) (‪.‬‬


‫م الولد سير المتميزين الذين خدموا أمتهم‪ :‬مثل النبياء والصالحين‬ ‫‪ 5‬ـ تعلي ُ‬
‫والمجاهدين وما قدموا لمتهم‪ ،‬واصطحابهم لملقاة العاملين الصالحين‪،‬‬
‫وحضور مجالسهم‪ ،‬فقد دلت دراسة على أن "‪ %63‬من المشاهير كانوا قد‬
‫تعرفوا على مشاهير في مرحلة مبكرة من العمر") (‪.‬‬
‫وتحفيظهم أشعار الطموح مثل نشيد المستقبل‪:‬‬
‫ي فتى‬ ‫ستصبح يا بن ّ‬
‫مته‬ ‫ى يْبني ل ّ‬ ‫فت ً‬
‫م في سعادِتها‬ ‫سُتسه ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ف أرى بإذن الل ِ‬ ‫وسو َ‬
‫شْهما ً‬ ‫تسيُر إلى العل َ‬
‫ل يدِ‬ ‫تشير إليه ك ّ‬
‫ح الخيرِ والرشدِ‬ ‫صرو َ‬
‫ن الواحدِ الحدِ‬ ‫بعو ِ‬
‫حد ِ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫َ‬
‫ن خطاك ل ْ‬ ‫أ ّ‬
‫ب َِعزم ٍ منك متقدِ‬
‫ن‬
‫ُ‬ ‫الربا‬ ‫الفتى‬ ‫جاءها‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫وم‬ ‫ي‬
‫ُ َ ْ‬ ‫ة‬ ‫السفين‬ ‫ت‬ ‫ن تاه ِ‬ ‫ن ت َك ُ ْ‬ ‫إ ْ‬
‫وجود ُ ُوجودا ً بعيَنيه ُتشرق الوطان) (‬ ‫ه ال ُ‬ ‫م صاغَ ُ‬ ‫مسل ٌ‬
‫إن السعي إلى التميز ومنه التميز السري ضرورة حتمية وليست ترفا ً‬
‫اجتماعيا أو أخلقيًا‪ ،‬وهي ضرورة ٌ يمليها علينا واجبنا اليماني والخلقي وهي‬
‫وسيلة من وسائل الدعوة‪ ،‬لن كثيرا ً من الناس لن يدخلوا السلم إذا لم يكن‬
‫أهله شامة بين الناس في كل المجالت‪.‬‬
‫الحسم في المخالفات الشرعية‬
‫ن السلم جاء للعالم كله‪ ،‬وهذا يعني أنه منفتح على العالم كله‪ .‬قال تعالى‬ ‫إ ّ‬
‫مين)) (‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ة للَعال َ‬ ‫ّ‬
‫سلَناك إل رحم ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫)وما أْر َ‬
‫ونتيجة لهذا النفتاح الذي هو ميزة لهذا الدين قد يتسرب إلى المجتمع‬
‫المسلم بشكل عام والسرة المسلمة خاصة بعض المور والحيثيات الغربية‬
‫أو الشرقية الغريبة عن المجتمع المسلم وعن مبادئه وأهدافه‪.‬‬
‫ومن هنا يكمن دور السرة في تحصين البيت من هذه السلبيات المختلفة‪،‬‬
‫وهي مسؤولية عظيمة وجسيمة تقع على أكتاف الباء والمهات وأعناقهم لن‬
‫هذا النفتاح الخطير والختلط الكبير جعل كثيرا من المور السلبية تتسرب‬
‫إلى بيوتنا ونحن عنها غافلون‪ ،‬وربما الكثير من المسلمين ل يلقون لها بال‬
‫وهي شديدة الخطر وكثيرة الضرر‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫سَنن َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ولقد حذر النبي عليه السلم من هذا التقليد العمى فقال‪" :‬لت َت ُّبع ّ‬
‫سل َك ُْتموه") (‪.‬‬ ‫ب لَ َ‬
‫ض ّ‬
‫جر َ‬ ‫ح ْ‬ ‫سل َ ُ‬
‫كوا ُ‬ ‫حتى لوْ َ‬‫شبرا ً بشبرٍ وَِذراعا ً بذراٍع َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَب ِْلك ْ‬
‫ونتيجة لهذا النفتاح على العالم تكون هناك واردات مختلفة على مجتمعنا‪،‬‬
‫والسلم لم يرفض هذه الواردات إنما وقف أمامها موقفا ً علميا ً ومنهجيًا‪:‬‬
‫‪1‬ـ فما وافق الصول السلمية ووافق الهداف السلمية قبله واعتنى به‪.‬‬
‫فعندما قدم تميم الداري رضوان الله عليه من بلد الشام وتعلم من هناك‬
‫كيف تشعل السرج وأنار بها المسجد النبوي دعا له النبي عليه السلم بأن‬
‫ينير الله قبره‪ ،‬وقبل منه هذا الوافد الجديد الذي ل يخالف أصول إسلمية بل‬
‫يفيد الدعوة ويفيد المة‪.‬‬
‫‪2‬ـ ما خالف هذه الصول والهداف رفضه رفضا ً قاطعا ً ل هوادة فيه حرصا ً‬
‫منه على استقللية السلم والمسلمين‪ .‬روى البخاري عن عائشة رضي الله‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا‬
‫مرَِنا َ‬ ‫َ‬ ‫عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "م َ‬
‫يأ ْ‬‫ثف ْ‬
‫حد َ َ‬
‫نأ ْ‬‫ْ‬
‫ما لْيس فْيه فَهُوَ َرّد"‪.‬‬
‫َ‬
‫وهكذا يجب أن يكون تعامل المسلمين اليوم مع هذه الواردات المختلفة‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫ة لتربية السرة هي تلك‬ ‫ت الذهبي َ‬ ‫ن الفترا ِ‬ ‫ن السرة َ تولد كما يولد الطفل وإ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫الفترات الذهبية لتربية الطفل أي في السنوات الولى من ولدتها‬
‫ن ‪-‬ويا للسف الشديد‪ -‬كثيرا من الزواج يبدؤون حياتهم الزوجية وهم غير‬ ‫لك ّ‬
‫ملتزمين بالسلم فتبدو السرة في الفترات الذهبية لتربيتها ضائعة ل تعرف‬
‫منهجا ول طريقا وينشأ قسم من الولد على هذا المنوال‪.‬‬
‫لقد كان منهج النبوة في المخالفات الشرعية التي توجد في البيت منهجا‬
‫واضحا وصريحا هو عدم السماح لهذه المخالفات أن تبيت ليلة واحدة في‬
‫البيت لقد كان منهجه هو "الحسم في المخالفات"‪.‬‬
‫َ‬
‫ما أْقبل رسو ُ‬
‫ل‬ ‫صاويٌر فل ّ‬‫ب ب َْيتي سترا ً فيه ت َ َ‬ ‫ت على ب َا ْ ِ‬ ‫جعَل ْ ُ‬
‫فعن عائشة قالت‪َ :‬‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ل ن َظَر إلْيه فت َهَت ّكه قالت‪ :‬فأخذ ُْته فقطع ُ‬ ‫َ‬ ‫دخ َ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ل ِي َ ْ‬
‫مَرقتين) (‪.‬‬ ‫منه ن َ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالنبي عليه السلم كان موقفه عندما رآى شيئا مخالفا وسلبيا في بيته هو‬
‫الحسم في هذه السلبية حتى أنه نزع هذه التصاوير بيده كما صرح المام‬
‫أحمد في روايته‪.‬‬
‫ومرة تتكلم السيدة عائشة عن صفية فيكون موقف النبي حاسمًا‪ ،‬فقد روى‬
‫أبو داود في سننه عن عائشة قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك‬
‫و‬
‫ةل ْ‬‫ت كلم ً‬ ‫من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة فقال "لقد ْ ُقل ِ‬
‫مَزجْته") (‪.‬‬ ‫حرِ ل َ َ‬‫ماِء الب َ ْ‬
‫تب َ‬ ‫ج ْ‬ ‫مزِ َ‬ ‫ُ‬
‫إن الحسم في المخالفات الشرعية في السنوات الذهبية من عمر السرة له‬
‫الدور الكبير في سير هذه السرة في الطريق الصحيح والسليم‪.‬‬
‫ن إذا تأخر الرجل في الحسم وإنهاء هذه المخالفات من بيته حتى سن‬ ‫لك ْ‬
‫ً‬
‫متأخرة فهذا ل يعني اليأس لكنه مكلف شرعا بإزالتها ولكنه يحتاج إلى جهد‬
‫أكبر يرافقه حكمة بالغة‪.‬‬
‫ن السكوت عن المخالفات الشرعية المختلفة في السرة يجعلها تتراكب‬ ‫إ ّ‬
‫وتتواكب لتشكل سدا منيعا في طريق إصلح السرة التي كلفنا الله سبحانه‬
‫وتعالى بإصلحها‪ .‬والخطر من ذلك هو أن القائمين على السرة من الباء‬
‫والمهات هم الذين يكرسون هذه السلبيات المختلفة فتنشأ السرة بعيدة كل‬
‫البعد عن المنهج القويم والصراط المستقيم‪ .‬والمثلة على ذلك كثيرة فمن‬
‫ذلك التدخين أمام الولد‪ ،‬والجلوس في البيت والب ذو عورة مكشوفة‪،‬‬
‫ومتابعة الساعات الطوال على شاشات الفضائيات وغير ذلك مع أن الله‬
‫جعل الب حاكما على بيته فمن يمنعه على القل من تطبيق السلم في بيته‬
‫!‬
‫مراعاة الفروق الفردية في السرة‬
‫ن الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق جميعا ونثر عليهم من هباته‪ ،‬جاء كل‬ ‫إ ّ‬
‫واحد منهم مختلفا عن الخر ول يطابقه‪ ،‬وقد أكد الله سبحانه هذا الختلف‪:‬‬
‫ض د ََرجات)‬ ‫كم َفوقَ بع ٍ‬ ‫ض ُ‬
‫)وََرفَْعنا ب َعْ َ‬
‫وهذا التفضيل قد يكون بالجسم أو بالعلم أو بطريقة التفكير أو بالمور‬
‫المادية قال الله حكاية عن طالوت‪:‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك‬‫مل ْ ُ‬‫ه ال ُ‬ ‫نل ُ‬‫ت ملكا ً قالوا أّنى يكو ُ‬ ‫طالو َ‬ ‫م َ‬ ‫ث لك ْ‬ ‫ه قد ب َعَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م َنبّيهم إ ّ‬‫ل لهَ ُ‬‫)وقا َ‬
‫صطفاهُ‬ ‫َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫مال قال إ ّ‬ ‫ن ال َ‬‫م َ‬
‫ة ِ‬ ‫ت سع ً‬ ‫م ي ُؤْ َ‬ ‫ك منه ول ْ‬ ‫مل ِ‬‫ن أحقُ بال ُ‬ ‫علينا ونح ُ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ه واس ٌ‬ ‫من يشاْء والل ُ‬ ‫َ‬
‫ملكه َ‬ ‫ْ‬ ‫ه ُيؤتي ُ‬ ‫ي الِعلم ِ والجسم ِ والل ُ‬ ‫ةف ْ‬ ‫سط ً‬ ‫عَلْيكم وََزاَده ب َ ْ‬‫َ‬
‫م)) (‪.‬‬ ‫علي ٌ‬
‫لذلك حرص السلم على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار ما‬
‫يفهمون فقد ورد في صحيح المام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه‪:‬‬
‫ن ل َِبعضهم فِْتنة"‪.‬‬ ‫ث قوما ً حديثا ً ل تْبلغه عقوُلهم إل ّ كا َ‬ ‫ت بمحد ٍ‬ ‫"ما أن َ‬
‫ب‬‫ن ُيكذ ّ َ‬ ‫ن أتحّبون أ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫طي ُ‬
‫س بما ي َ ِ‬ ‫حدِّثوا الّنا َ‬ ‫وورد عن علي رضي الله عنه‪َ :‬‬
‫ه ورسوُله) (‪.‬‬ ‫الل ُ‬
‫ومعنى هذا الكلم كله أن السلم أقر بالفروق الفردية بين الشخاص والفراد‬
‫أو بمعنى آخر أقر مبدأ الهتمامات المختلفة فما يهتم به الزوج ليس‬
‫بالضرورة ما تهتم به الزوجة‪ ،‬وما يهتم به البناء غير الذي يهتم به رب السرة‬
‫مع وجود قاعدة أساسية ضابطة لهذه الهتمامات والختلفات‪.‬‬
‫وإن كان هذا الكلم ينطبق على المجتمع المسلم كله فهو كذلك ينطبق على‬
‫السرة المسلمة فما يهتم به الزوج غير الذي تهتم به الزوجة فلذلك كان‬
‫لزاما على كل مسؤول عن أسرة أن ينتبه لهذه الفروق ول يحولها إلى نقطة‬
‫خلف تسيء إلى حياته وحياة من حوله‪.‬‬
‫القدوةُ العظمى عليه السلم اهتم بهذه الفروق الفردية وبّينها وتعامل معها‬
‫تعامل ً إيجابيا ً وحولها من نقطة خلف إلى نقطة تربية وتوعية فمرة كما في‬
‫ض‬
‫صحيح البخاري عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بع ِ‬
‫ت المؤمنين‬ ‫نساِئه )صرح غير البخاري بأنها عائشة( فأرسلت إحدى أمها ِ‬
‫ي صلى‬ ‫ت التي النب ُ‬ ‫حفة فيها طعام فضرب ْ‬ ‫)وصرح غيره بأنها أم سلمة( بص ْ‬
‫ة فانفلقت فجمعَ النبي‬ ‫حف ُ‬ ‫ت الص ْ‬ ‫الله عليه وسلم في بيتها يد َ الخادم فسقط ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم فلقَ الصحفة ثم جعل يجمعُ فيها الطعام الذي كان في‬
‫حفةٍ من عند التي‬ ‫م حتى أتي بص ْ‬ ‫س الخاد َ‬ ‫م ثم حب َ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫تأ ّ‬ ‫الصحفة ويقول‪ :‬غار ْ‬
‫ت صحفتها وأمسكَ‬ ‫ُ‬
‫ة إلى التي كسر ْ‬ ‫هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيح َ‬
‫المكسورة في بيت التي كسرت) (‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫والنبي في تعامله مع هذه الحادثة يعلمنا طريقة للتعامل مع فارق فردي‬


‫موجود عند النساء بكثرة إنه الغيرة والتعامل بحكمة مع شيء من التجاهل‪.‬‬
‫وكذلك كانت طريقة تعامله عليه السلم مع الطفال مراعاة منه لهذه‬
‫الفروق فكان يحمل الحسن والحسين وهو في الصلة كما رواه المام أحمد‬
‫ه عليه وسلم العشاءَ‬ ‫ل اللهِ صّلى الل ُ‬
‫عن أبي هريرة قال‪" :‬كّنا ُنصلي معَ رسو ِ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه أخ َ‬
‫ذهما بيدهِ ِ‬ ‫ن على ظهرهِ فإذا رفعَ رأس ُ‬ ‫ن والحسي ُ‬ ‫ب الحس ُ‬ ‫جد َ وَث َ َ‬
‫س َ‬
‫فإذا َ‬
‫ضى صلَته‬ ‫ض فإذا عاد َ عاَدا حتى إذا ق َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ضعُْهما على الر ِ‬ ‫خلفه أخذا رفيقا وي َ‬
‫ذيه" ) (‪ .‬ما أعظم سعادة الطفال عندما يتعلقون بآبائهم‬ ‫خ َ‬
‫هما على ف ِ‬ ‫أقعد َ ُ‬
‫وهم في الصلة‪.‬‬
‫ن خطأ الكثير من الناس أّنه يريد لزوجته أن تلغي هذه الفروق الفردية من‬ ‫إ ّ‬
‫ْ‬
‫حياتها‪ ،‬ويريد من أولده أن ي ُلغوا كذلك هذه الفروق‪ ،‬ويريد أن يحشر الناس‬
‫م ل يحصد في بيته‬ ‫جميعا في رغباته الخاصة وأهوائه وما يريد هو فقط‪ ،‬من ث َ ّ‬
‫إل شقاًء‪ ،‬وفي مجتمعه إل نفورًا‪.‬‬
‫ة ل تقوم على التشابه") (‪.‬‬ ‫ن الحياة الزوجي َ‬ ‫"إ ّ‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫ة مْنه فإّنه ل ْ‬ ‫ن أولِده نسخ ً‬ ‫جَعل م ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن ي ُرِد ْ أ ْ‬ ‫وإنما تقوم على المودة وم ْ‬
‫شقاًء‪ ،‬والب الواعي والمستهدي بهدي النبي صلى الله‬ ‫مرارةً و َ‬ ‫صد إل ّ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫عليه وسلم والسلف الصالح ل يجعل من هذه الفروق الفردية نقطة خلف‪،‬‬
‫إنما يحول هذه الفروق بحكمة إلى وسيلة تربوية وإرشادية‪.‬‬
‫ومن المثلة على الفروق الفردية التي يجب الهتمام بها واستخدامها وسيلة‬
‫ن كثيرا ً من النساء تكون الكلمة الجميلة واللطيفة من الزوج أفضل‬ ‫تربوية أ ّ‬
‫ن من كثير من المور الخرى والزوج مثل يعتبر هذا الكلم سخافة‬ ‫عنده ّ‬
‫وهراء وقد ذهب أوانه‪ ،‬وعدم الهتمام بهذه النقطة مثل قد يولد بعض النفور‬
‫من الزوجة‬
‫كذلك بعض الولد ينتظرون رجوع والدهم من عمله بفارغ الصبر ليأتي لهم‬
‫ببعض المور كالحلوى واللعاب لكن كثيرا ً من الباء ينسون هذا وتخيب آمال‬
‫الطفال برجوع آبائهم‪ ،‬إلى البيت ومن الفروق الفردية الخرى والمهمة جدا‬
‫ل كثيرا ً من الباء ربما يتصرفون‬ ‫ف كبير‪ ،‬تجع ُ‬ ‫ة الطفال للعب بشغ ٍ‬ ‫هو محب ُ‬
‫تصرفات ل تحترم هذه الفروق الفردية‪ ،‬وينعكس ذلك سلبا على طريقة‬
‫التربية‪.‬‬
‫م هَن ِّيا‬ ‫صِغيري ن َ ْ‬ ‫يا َ‬
‫ت يوما ً‬ ‫َ‬ ‫أمضي‬ ‫فلق ْ‬
‫د‬
‫كو‬ ‫ب َتش ُ‬ ‫هذهِ اللعا ُ‬
‫ن ي َد َّيا‬ ‫ة ب َي ْ َ‬ ‫ساع ً‬
‫شّيا‬ ‫ق َ‬ ‫م ت ُب ْ ِ‬ ‫صاخبا ً ل ْ‬
‫دويا ) (‪.‬‬ ‫كو ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫وََأنا أ َ ْ‬
‫إن الهتمام بهذه الفروق الفردية أمر مهم وملح ونحن بحاجة له لنثري‬
‫المجتمع بالتنوع وهو ل شك أمر يتماشى مع الحياة والفطرة السليمة‪.‬‬
‫تخفيف التيتم والترمل الصوري‬
‫ن مكانة اليتيم عند الله سبحانه وتعالى مكانة عالية جدا حتى إنه ورد في‬ ‫إ ّ‬
‫ذلك اليات والحاديث التي تحض على كفالة اليتيم وتحذر من مغبة ضياعه‬
‫في المجتمع ومن خطورة أكل ماله‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫موا َ‬ ‫قال تعالى‪) :‬إن اّلذين يأك ُُلو َ‬
‫ن في ب ُطوِنه ْ‬ ‫ل الي ََتامى ظلما إّنما َيأكلو َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫ن سعيرا)) (‪.‬‬ ‫صلو َ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫نارا ً وَ َ‬
‫جت َِنبوا‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬ا ْ‬
‫سحُر وقَت ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ك بالله وال ّ‬ ‫شر ُ‬ ‫ن قال ال ّ‬ ‫ت قالوا يا رسول الله وما ه ّ‬ ‫السبعَ الموِبقا ِ‬
‫ل الي َِتيم ِ والَتوّلي يو َ‬
‫م‬ ‫ل الّربا وأكل ما ِ‬ ‫م الله إل بالحق وأك ُ‬ ‫س التي حّر َ‬ ‫الّنف ِ‬
‫ت الغافلت") (‪.‬‬ ‫ت المؤمنا ِ‬ ‫حصنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ال ُ‬ ‫ف وقَذ ْ ُ‬ ‫الّزح ِ‬
‫وحث السلم على كفالة اليتيم والسعي على الرملة فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ج ب َي َْنهما‬ ‫َ‬
‫ي الجّنة هكذا وأ َ‬ ‫كاف ُ‬ ‫" أنا و َ‬
‫سطى وفّر َ‬ ‫سّبابة والوُ ْ‬ ‫شاَر بال ُ‬ ‫ل الي َِتيم ف ْ‬
‫شيئًا" ) (‪.‬‬
‫ة‬
‫مل ِ‬ ‫َ‬
‫عي على الْر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ال َ‬
‫صائم ِ الّنهار" ) (‪.‬‬ ‫ل اللهِ أوْ القائم ِ الليل ال ّ‬ ‫جاهد في سبي ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن كال ُ‬ ‫كي ِ‬ ‫َوالمس ِ‬
‫ولو سألنا أنفسنا لماذا هذا التشديد على موضوع اليتيم والرملة بشكل خاص‬
‫عن باقي أفراد المجتمع؟‬
‫ه‬
‫ج َ‬ ‫مو ّ‬ ‫ف وال ُ‬ ‫مشرِ َ‬ ‫مْنفقَ وال ُ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ن هذه الفئة قد فقد ْ‬ ‫لوجدنا أن الجواب هو أ ّ‬
‫وبفقد هؤلء الثلثة يمكن أن يضيع اليتيم أو تضيع الرملة ويصبح الواحد منهم‬
‫أقرب إلى النحراف نتيجة الوضع المادي )بغياب المنفق( ونتيجة للوضع‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخلقي )بغياب المشرف والموجه(‪.‬‬


‫إن اليتيم الحقيقي يحرك من مشاعر أغلب المسلمين فيتهافتون ويتسارعون‬
‫إلى رعاية هذه الفئة وهو أمر طيب ومأمور به شرعًا‪.‬‬
‫ل الصوري هو‪:‬‬ ‫م والترم ُ‬ ‫لكن هناك تيتما ً وترمل ً من نوٍع آخر إّنه التيت ُ‬
‫ر‬ ‫ج على قَْيد الحياةِ لكّنه ِبمْنزلة المّيت لي َ‬
‫س له أيُ أث ٍ‬ ‫ب أوْ الّزو ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن يكو َ‬‫"أ ْ‬
‫ي حياةِ زوجِته أوْ أْولِده"‬‫ف ْ‬
‫ويأخذ هذا التيتم والترمل أشكال مختلفة في العالم السلمي منها‪:‬‬
‫ـ كثيٌر من الباء قد جعلوا أولدهم أيتاما‪ ،‬فبعد مجيئه من العمل ما إن يتناول‬
‫طعامه ويستريح قليل حتى يغادر إلى عمل آخر نتيجة ظروف اقتصادية معينة‬
‫ثم يعود مساء لينام وليعيد الكرة في اليوم الثاني وهكذا‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫م يصبح البيت مكانا للطعام والنوم ول يمارس فيه أي نوع من أنواع‬ ‫ومن ث ّ‬
‫التوجيه والتربية مع أن القرآن حذر من النشغال بالرزق عن الصبر على‬
‫الهل والمر بالطاعات قال تعالى‪:‬‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ص َ‬ ‫مْر أهل َ َ‬
‫ن ن َْرُزقك والَعاِقب ُ‬
‫ح َ‬
‫طبر عليها ل َنسألك رزقا ن َ ْ‬ ‫صلة وا ْ‬‫ك بال ّ‬ ‫)وأ ُ‬
‫قوى) ) (‪.‬‬ ‫للت ْ‬
‫فكثير من الرجال ينسون واجباتهم المختلفة بالتربية نتيجة انشغالهم بالرزق‬
‫وهذا نوع من التيتم والترمل‪.‬‬
‫ـ صنف ثان من الرجال يقضون نهارهم بالعمل ولياليهم بالسهر مع الصدقاء‬
‫وإلى ساعات متأخرة من الليل فل يعود إل وقد نام الولد وأرهقت الزوجة‬
‫من النتظار وهو ل يريد سماع صوت زوجته ول أصوات أولده وهو يكتفي‬
‫بوضع مصاريف البيت على الطاولة عند الخروج فالولد ل يعرفون من أبيهم‬
‫أي نوع من أنواع التوجيه والتربية فينشؤون )كل يغني على ليله( وعلى ما‬
‫يقدمه لهم المجتمع من نماذج مختلفة‪.‬‬
‫ً‬
‫ـ صنف ثالث من الرجال يقضي عمره مغتربا عن زوجته وأولده من أجل‬
‫ن لقمة العيش ومستقبل مادي أفضل وينسى احتياجات الزوجة‬ ‫العمل وتأمي ِ‬
‫من قرب الرجل منها واحتياجات الولد من قرب أبيهم منهم‪.‬‬
‫ـ صنف آخر من الرجال يقضون نهارهم بالعمل‪ ،‬ولياليهم بالسهر في بيوتهم‬
‫لكنهم يقضون هذه الليالي بالسهر أمام شاشات التلفاز ومتابعة الفضائيات‬
‫المختلفة حتى أصبح البيت مجرد صالة للسينما ل يتكلم فيها أحد ول يعرض‬
‫أي موضوع مهم وويل للولد إذا تكلموا‪.‬‬
‫ن أولدنا وزوجاتنا ليسوا بحاجة إلى المال فقط وليسوا بحاجة أيضا ً إلى‬ ‫إ ّ‬
‫الطعام واللباس وما شاكل ذلك من ماديات بل هم بحاجة إلى رعاية وحنان‬
‫وعطف وتوجيه‪.‬‬
‫لب الذين يجلسون مع أفراد أسرتهم‬ ‫ت على أن الط ّ‬ ‫ت الدراسا ُ‬ ‫كد ِ‬‫" ولقد أ ّ‬
‫قبول‬ ‫ً‬
‫ت أسبوعيا أفراد يتمتعون بال َ‬ ‫ل مائدة الطعام على القل أربع مرا ٍ‬ ‫حو َ‬
‫والحترام في مجتمعهم والسرة مترابطة") ( والصل في ذلك مجموعة‬
‫أحاديث وآيات منها‪:‬‬
‫*ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قّبل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده القرع بن حابس التميمي جالسًا‪.‬‬
‫ت منهم أحدا ً فنظر إليه رسول‬ ‫ي عشرة ً من الولد ما قَب ّل ْ ُ‬ ‫نل ْ‬‫فقال القرعُ إ ّ‬
‫حم ل ُيرحم"‪.‬‬ ‫ن ل ي َْر َ‬ ‫م ْ‬‫الله صلى الله عليه وسلم ثم قال " َ‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫*وقد روى الترمذي عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫صاٍع") (‪.‬‬ ‫صدقَ ب ِ َ‬ ‫ن يت َ ّ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ده خيٌر ِ‬ ‫ل وَل َ َ‬‫ب الرج ُ‬ ‫ن ي ُؤَد ّ َ‬ ‫وسلم‪َ" :‬ل َ ْ‬
‫*وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال لي النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ألم ُأخَبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار قلت إني أفعل ذلك‬
‫م‪ .‬وحق الهل‬ ‫م وَن َ ْ‬‫م وأفطْر‪ ،‬وقُ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ك حقا ً فَ ُ‬ ‫حقا ً وِل َهْل ِ َ‬ ‫سك َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬ ‫قال‪ ..‬وإ ّ‬
‫يشمل حقوقا مختلف منها حق الرعاية والتوجيه‬
‫ً‬
‫ن ظاهرة التيتم والترمل الصوري في المجتمع ظاهرة ٌ خطيرة جدا ل ينتبه‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫إليها كثير من الناس وربما ل يعبؤون بها وهي تشكل خطرا جسيما يهدد‬
‫السرة من الداخل‪ ،‬ويجفف ينابيع الود والرحمة المزروعة من قبل الله بين‬
‫الزوجين‪ ،‬ويطفئ العاطفة الملتهبة بين أفراد السرة إلى درجة البرودة‬
‫القاتلة‪..‬‬
‫فيا أكرم الكرمين عرفنا واجباتنا حتى نقوم بها على الوجه الذي يرضيك‬
‫واجعل خيرنا أول ما يكون لهلينا مقتفين بذلك سنة رسولك صلى الله عليه‬
‫كم ِل َهِْله" الترمذي آمين‪.‬‬ ‫خي ُْر ُ‬‫كم َ‬ ‫خي ُْر ُ‬‫وسلم حيث قال‪َ " :‬‬
‫التعامل مع الخطاء في المْنزل‬
‫ن من الفنون‬ ‫ن التعامل مع الخطاء التي يرتكبها الولد أو حتى الزوجة ف ٌ‬ ‫إ ّ‬
‫ول هذا الخطأ إلى قوة‬ ‫ُ ّ‬ ‫يح‬ ‫و‬ ‫يتقنها‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫يتعلمها‬ ‫أن‬ ‫وزوج‬ ‫والد‬ ‫كل‬ ‫على‬ ‫يجب‬ ‫التي‬
‫إيجابية بناءة في السرة ل إلى قوة سلبية هدامة‪.‬‬
‫ولنفترض أن أحدا ً من أبنائنا أخطأ فما الخطوات السلمية في معالجة هذا‬
‫الخطأ أو ذاك؟‬
‫ً‬
‫ت والزواِج يسلكون سلوكا غير إسلميي في‬ ‫ن كثيرا ً من الباِء والمها ِ‬ ‫إ ّ‬
‫م فبدل من إيجاد حلول لهذه‬ ‫معالجة الخطاء التي تحصل في منازلهم‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫م نشأ‬ ‫جدت أخطاٌء أخرى هي مضاعفات لهذه الممارسات ومن ث ّ‬ ‫الخطاء‪ ،‬وُ ِ‬
‫ف غير‬ ‫ت عديدة متراكبة ومتداخلة كان منشؤها التصر ُ‬ ‫في مجتمعنا مشكل ٌ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ّ‬
‫الناضج مع خطأ ارتكبه أحد الطراف‪ ،‬ألم يقل الله تعالى‪) :‬يا أّيها الذي َ‬
‫ن‬
‫ل ب َي ْ َ‬ ‫حو ُ‬
‫ه يَ ُ‬‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫كم واعْل َ ُ‬ ‫حيي ُ‬‫ما ي ُ ْ‬ ‫عاك ُ ْ‬
‫م لِ َ‬ ‫ل إذا د َ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫جيُبوا للهِ وللَر ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫ا ْ‬
‫شرون )) (‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫مرِء وقلِبه وأّنه إ ِلْيه ت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال َ‬
‫قال البخاري لما يحييكم‪ :‬لما يصلحكم‬
‫فاستجابتنا لله وللرسول هي دعوة للصلح‪ ،‬ودعوة لترشيد المنهج‪ ،‬ودعوة‬
‫للحياة بصورتها المثلى‪.‬‬
‫فعندما تقع المشكلة أو الخطأ في المْنزل ل بد من بعض الخطوات المهمة‬
‫لزالة هذا الخطأ وفق المنهج السلمي السليم والنيق الذي يحول دون‬
‫تفشي الخطأ ويحوله إلى نقطة مراجعة واستذكار‪.‬‬
‫والسلم يرسم لنا الخطوط العريضة لطريقة التعامل هذه ويترك المجال‬
‫أمام البوين لمعالجة المر وفق هذه الخطوط العريضة ليتناسب حلها مع كل‬
‫زمان ومكان ومن هذه الخطوط العريضة ومن بعض نقاط هذا المنهج‪:‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫‪1‬ـ تسليط الضوء على الصواب‪:‬‬


‫إن كثيرا من الذين يخطئون ـ ولسيما الولد ـ ل يعلمون حجم الخطأ الذي‬
‫ارتكبوه‪ ،‬ولربما لم يعلموا بأنهم قد أخطؤوا‪ ،‬لذلك يصعب على بعضهم أن‬
‫ل في مثل هذه الحالة هو تسليطُ‬
‫ل المث ُ‬
‫تلومه على الخطأ الذي ارتكبه‪ ،‬فالح ّ‬
‫ح معالم الحق‬
‫ة الغشاوة عن عين الطفل‪ ،‬وتوضي ُ‬ ‫ضوِْء على الصواب وإزال ُ‬
‫ال َ‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغائب عن ذهنه‪ ،‬وهذا ما فعله النبي عليه السلم مع معاوية بن الحكم‬


‫فقد روى المام مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي قال بينا أنا‬
‫ل من القوم فقلت‪:‬‬ ‫س رج ٌ‬ ‫أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عَط َ َ‬
‫شأنكم ت َْنظرون‬ ‫م بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما َ‬ ‫ه فرماني القو ُ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ير َ‬
‫ت فلما‬ ‫مُتون َِني سك ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫ضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم ي ُ َ‬ ‫ي فجعلوا ي َ ْ‬ ‫إل ّ‬
‫ت معلما ً َقبله‬ ‫صّلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأي ُ‬ ‫َ‬
‫مني لكّنه قال‪:‬‬ ‫شت ََ‬ ‫ضَرَبني ول َ‬ ‫َ‬ ‫ول‬ ‫رني‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫الله‬ ‫فو‬ ‫منه‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫تعليم‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫أحس‬ ‫بعده‬ ‫َ‬ ‫ول‬
‫ح والتكبيُر‬ ‫سبي ُ‬ ‫ْ‬ ‫الت‬ ‫هو‬ ‫نما‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ناس‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫كل‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ٌ‬ ‫ء‬‫شي‬ ‫فيها‬ ‫ح‬‫ُ‬ ‫صل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫الصلة‬ ‫ذه‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫"إ ّ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫وقراءةُ القرآ ِ‬
‫فمعاوية لم يكن يعلم أن الصلة ل يصح فيها الكلم‪ ،‬والنبي عليه السلم لم‬
‫يقف عند حدود الخطأ الذي فعله معاوية رضي الله عنه لكن التصرف النبوي‬
‫ن لما يجب أن يفعله في المرات‬ ‫السليم هو تسليط الضوء على الصواب‪ ،‬وبيا ٌ‬
‫القادمة دون نهر أو لوم أو شتم‪.‬‬
‫وفي البيت إذا وقع الخطأ من قبل أحد الطراف فإن من الحلول المتنوعة‬
‫تسليط الضوء على الصواب وإرشاد المخطئ إليه فلربما كان غائبا عن ذهنه‬
‫ولم يقصد فعله أو التلبس به‪.‬‬
‫م تهويل الخطأ بحيث ُيصبح أكب ََر من حجمه‪:‬‬ ‫‪2‬ـ عد ُ‬
‫كثير من الخطاء التي تحصل في البيت تقابل بحجم أكبر من حجم الخطأ‬
‫الذي حصل‪ ،‬وذلك نتيجة تهويل البوين لهذا الخطأ دون حاجة إلى ذلك‪،‬‬
‫ة‬
‫ة بل عنيفة‪ ،‬وهذا ما يشكل إشكالي ً‬ ‫لبوين شديدةً وقوي ً‬ ‫فتكون ردةُ فعل ا َ‬
‫ذهنية في عقول الولد‪ ،‬وربما بعض الضطرابات النفسية‪ .‬وفي قصة جريج‪،‬‬
‫الذي أخطأ في إجابته لوالدته فواجهت والدته الخطأ الذي ارتكبه بخطأ آخر‬
‫تمثل بالدعاء عليه‪ ،‬مثال واضح لتهويل الخطأ بحيث ُيصبح أكبر من حجمه‪.‬‬
‫فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫ن في َبني إسرائيل‬ ‫عْيسى‪ ،‬وكا َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م في المهْدِ إل ّ ثلث ٌ‬ ‫م َيتكل ْ‬ ‫عليه وسلم قال‪" :‬ل ْْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫جيُبها أو أصلي فقال ْ‬ ‫لأ ِ‬ ‫مه فدعَْته فقا َ‬ ‫ن ُيصّلي جاءْته أ ّ‬ ‫جَرْيج كا َ‬ ‫ل له ُ‬ ‫ل ُيقا ُ‬ ‫رج ٌ‬
‫ت‬ ‫ض ْ‬ ‫معته فتعّر َ‬ ‫صو ْ َ‬ ‫ج في َ‬ ‫جري ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫مسات وكا َ‬ ‫مو ِ‬ ‫جوهَ ال ُ‬ ‫ه وُ َ‬ ‫ه حتى ت ُرِي َ ُ‬ ‫مت ْ ُ‬ ‫م ل تُ ِ‬ ‫الّله ّ‬
‫ت‬‫ت غلما ً فقال ْ‬ ‫فسها فوََلد ْ‬ ‫نن ْ‬ ‫مكنْته م ْ‬ ‫ت راعيا ً فأ ْ‬ ‫ه امرأةٌ وكّلمْته فأَبى فأت ْ‬ ‫ل ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أَتى الغل َ‬ ‫صلى ث ّ‬ ‫سّبوه فَتوضأ وَ َ‬ ‫ومعَته وأْنزلوه وَ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫وه فكسُروا َ‬ ‫جريج فأت َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ل ل ْ إل ّ‬ ‫ب قا َ‬ ‫ٍ‬ ‫ذه‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫تك‬ ‫مع‬
‫َ َ َ‬ ‫صو‬ ‫نبني‬ ‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫عي‬ ‫ِ‬ ‫الرا‬ ‫قال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫غل‬ ‫يا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫بو‬ ‫ْ ُ‬‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫فقال‬
‫ن ط ِْين‪."....‬‬ ‫م ْ‬
‫ضخم عصيان ولدها‪ ،‬حتى ألجأت نفسها إلى الدعاء‬ ‫فهذه الحادثة جعلت الم ت ُ َ‬
‫عليه‪ ،‬ويا لحظها التعس كانت ساعة الجابة التي ذكرها رسول الله صلى الله‬
‫عوا على أ َْولِدكم ول ْ‬ ‫فسكم ول ْ ت َد ْ ُ‬ ‫دعوا على أ َن ْ ُ‬ ‫عليه وسلم في الحديث‪" :‬ل ْ ت َ ْ‬
‫ن اللهِ تبار َ‬ ‫َ‬
‫ك وتعالى‬ ‫قوا م َ‬ ‫مواِلكم ل ُتوافِ ُ‬ ‫دعوا على أ ْ‬ ‫مكم ول ْ ت َ ْ‬ ‫خد َ ِ‬ ‫دعوا على َ‬ ‫تَ ْ‬
‫م") (‪ .‬والمثلة في مجتمعاتنا كثيرة على‬ ‫ب لك ْ‬ ‫سَتجي ُ‬ ‫ل فيها عطاٌء فَي َ ْ‬ ‫ة ن ِي ْ َ‬ ‫ساع ً‬
‫تضخيم الخطأ إلى درجة كبيرة أكبر من حجمه‪ ،‬فمن ضرب الرجل لولده‬
‫ضربا ً مبرحا ً لنه ناداه فلم يجبه‪ ،‬إلى مقاطعة الم لبنتها لنها لم تسمع‬
‫نصيحتها في بعض المور المتعلقة بالنساء‪..‬‬
‫إن هذا التصرف وغيره من التصرفات المتشابهة‪ ،‬يجعل معالجة الخطأ وعرا‪ً،‬‬
‫وطريقة تلفيه أشد وأصعب‪.‬‬
‫إن الحل المثل في مثل هذه الحالت هو إعطاء الخطأ حجمه الحقيقي ل‬
‫أكثر ول أقل بحيث ل نزيده فوق حجمه ول ننقصه عن حجمه كما يفعل بعض‬
‫الباء عندما يرون الفتاة قد خرجت بلباس غير شرعي وهي في عمر الورود‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيصغرون حجم هذا الخطأ ول يعطونه حجمه المناسب‪.‬‬


‫‪3‬ـ تجاهل بعض الخطاء‪:‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫التغاضي عن بعض الخطاء أحد ُ الفنون المهمة في معالجة الخطاء ليس‬


‫فقط في المْنزل بل حتى مع القارب والصدقاء‪ ،‬والتجاهل في حقيقته هو‪:‬‬
‫ة توجيه رسالةٍ له‬ ‫طرف عن نقيصةٍ ُبغية عدم إحراج فاعلها‪ ،‬وبغي َ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫غ ّ‬
‫ن هذا الخطأ غير مرغوب فيه‪ ،‬وهي نوع ٌ من السمو الخلقي الذي‬ ‫مفاُدها أ ّ‬
‫ة عدم إحراجهم على خطأ ارتكبوه‪ ،‬وبغية‬ ‫يعيشه البوان أمام أولدهما‪ ،‬بغي َ‬
‫إعطائهم فرصة لمعالجة هذا الخطأ‪ ،‬وهذا ما فعله عليه السلم مع ذلك‬
‫العرابي الذي بال في المسجد فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن أعرابيا‬
‫بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله صلى الله‬
‫َ‬
‫جل من ماء فإّنما‬ ‫ن ماء أو س َ‬ ‫ريقوا على ب َوِْله ذ َُنوب َا ً م ْ‬ ‫عوه وأهْ ِ‬ ‫عليه وسلم‪" :‬د َ ُ‬
‫سرين" وفي رواية فتناوله الناس قال في الفتح‬ ‫معَ ّ‬‫م ت ُْبعثوا ُ‬ ‫مّيسرين ول ْ‬ ‫ُبعثتم ُ‬
‫أي بألسنتهم ل بأيديهم‪ .‬وقد ذكر الله أدب العراض والتجاهل في سورة‬
‫ن ب َْعض)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫التحريم بقوله‪) :‬فَعَّر َ‬
‫ضع ْ‬ ‫ه وَأعَْر َ‬ ‫ض ُ‬
‫ف ب َعْ َ‬
‫‪4‬ـ التعريض بالخطأ‪ :‬والتعريض هو ذكر خطأ مشابه‪ ،‬أو أشخاص مشابهين‪،‬‬
‫لما ارتكبه الولد وهو في الحقيقة من أهم ما كان النبي عليه السلم يربي‬
‫أصحابه فقد كان يعرض دائما ً لبعض الخطاء فيقول‪ :‬ما بال أقوام ما بال‬
‫أقوام‪.‬‬
‫فقد روى البخاري عن عائشة أنها قالت صنع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫شيئا ً فرخص فيه فتن َّزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫صن َُعه فوالله‬‫ل أقوام ٍ يتن َّزهون عن الشيء أ ْ‬ ‫فخطب فحمد الله ثم قال "ما با ُ‬
‫شية"‪.‬‬ ‫خ ْ‬ ‫دهم َله َ‬ ‫ش ّ‬ ‫مهم بالله وأ َ َ‬ ‫إّني لعل َ ُ‬
‫دثهم أن النبي صلى الله‬ ‫وروى المام أحمد في مسنده عن قتادة أن أنسا ً ح ّ‬
‫صاَرهم في صلِتهم‪ .‬قال فاشتد في‬ ‫ل أقوام ٍ َيرفَُعون أب َ‬ ‫عليه وسلم قال‪ :‬ما با ُ‬
‫صارهم"‪.‬‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫َ‬
‫خط َ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َِلك أو لت ُ ْ‬ ‫نع ْ‬ ‫ذلك حتى قال‪" :‬ل َي َْنتهُ ّ‬
‫وهذه الحاديث وغيرها بما فيها من فوائد وسنن هي بمجملها تعريض بالخطأ‬
‫وبالمخطئين دون التوجيه المباشر الذي قد يؤذي الشعور النساني الذي كان‬
‫يراعيه النبي عليه السلم دومًا‪ ،‬وما أحوجنا إلى مثل هذا السلوب في‬
‫التعامل مع أولدنا وفي بيوتنا‪.‬‬
‫إن عدم اعتماد الطرق الشرعية في معالجة الخطاء يولد لنا عددا ً كبيرا ً من‬
‫المشكلت منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ تفاقم الخطأ وتراكبه وتحوله إلى قوة هدامة‪.‬‬
‫‪2‬ـ التستر أمام الوالدين بزوال الخطأ‪ ،‬وبقاؤه في الواقع والحقيقية‪.‬‬
‫‪3‬ـ لجوء الولد إلى الوقاحة لنهم عرفوا أنهم قد كشفوا أمام والدهم أو‬
‫أمهم فيستهترون بأفعالهم‪.‬‬
‫العلقات الخارجية في السرة‬
‫حرص واعتدال‬
‫تعارف وبّر‬
‫على الرغم من أن السرة كيان مستقل له صفاته الخاصة وحوائجه الخاصة‬
‫وميزاته الخاصة‪ ،‬إل أنه كيان ضمن مجموعة كبيرة من المواج المتلصقة من‬
‫السر والفراد‪ ،‬وهذه السرة أو تلك ليست وحيدة في الساحة بل تتأثر بما‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يحصل في خارج محيطها ومؤثر فيه‪ ،‬وتتفاعل معه‪.‬‬


‫ولم يكن السلم ليترك هذه العلقات الخارجية على أهميتها دون ضبط ودون‬
‫ل المعاقل السلمية التي يجب أن تحصن‬ ‫ن السرة أو ُ‬ ‫توجيه‪ ،‬ولسيما أ ّ‬
‫تحصينا ً جيدا ً حتى ل يتخلخل جسد المة‪.‬‬
‫والعلقات السرية الخارجية علقات متشابكة ومتداخلة ومتنوعة‪ ،‬تنطلق من‬
‫علقة الزوجين بعائلة كل واحد منهما إلى علقة الولد مع الخالة والعمة‬
‫والخال والعم وأولدهم‪.‬‬
‫والعلقات الخارجية هذه ل بد أن تتصف بالصفات التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ الحرص‪ :‬فحرص المسلم على بيته من الولويات في حياته‪ ،‬وهو حرص‬
‫ت المختلفة نتيجة هذه‬ ‫ف من التسربا ِ‬ ‫ة والخو َ‬ ‫ة والرعاي َ‬ ‫يشمل الحماي َ‬
‫ً‬
‫العلقات‪ ،‬لذلك ل بد أن يكون المسلم حريصا على بيته أشد الحرص‪ .‬ولقد‬
‫فُعك‬ ‫ما ي َن ْ َ‬ ‫ص على َ‬ ‫حرِ ْ‬ ‫أمرنا رسول الله عليه السلم بالحرص فقال‪" :‬ا ْ‬
‫ْ‬ ‫واستِعن بالله ول تعجز وإ َ‬
‫ت كان كذا وكذا‬ ‫قل لوْ أّني فَعَل ُ‬ ‫صاَبك شيٌء َفل ت َ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ‬
‫شيطان " مسلم‪ .‬ول‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ح عَ َ‬ ‫فت َ ُ‬‫ل فإّنض لوْ ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫شاَء فعَ ْ‬ ‫ه وما َ‬ ‫َ‬
‫ل قد َّر الل ُ‬ ‫ُ‬
‫نق ْ‬ ‫ولك ْ‬
‫شيء ينفع المسلم اليوم كحرصه على بيته‪ ،‬فعندما يرى مثل أن بعض‬
‫الزيارات لبعض الشخاص تؤثر على بيته سلبا فل بد أن يحد من هذه العلقة‪.‬‬
‫‪2‬ـ العتدال‪ :‬فل إفراط ول تفريط وأي علقة زادت عن حجمها الطبيعي فقد‬
‫تؤدي إلى خطورة متوقعة‪ ،‬وأي علقة وقع التقصير فيها فهي جفوة وقطيعة‬
‫ل يرضاها السلم‪.‬‬
‫وهذه العلقات أيضا ل بد أن تحقق الهداف التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ التعارف‪ :‬فالزواج ليس علقة بين فردين فقط بل هو علقة بين أسرتين‬
‫وعائلتين‪ ،‬وبهذا الزواج يزيد النسان من قاعدته المعرفية بالناس التي هي‬
‫ن‬‫كم م ْ‬ ‫س إّنا خل َ ْ‬
‫قَنا ُ‬ ‫أحد الهداف التي رصدها السلم فقال تعالى‪) :‬يا أّيها النا ُ‬
‫ل ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫ن‬
‫قاكم إ ّ‬ ‫كم عند َ اللهِ أت ْ َ‬ ‫م ُ‬‫ن أك َْر َ‬ ‫ّ‬ ‫شعوبا ً وقبائ َ َ‬ ‫كم ُ‬ ‫جعَْلنا ُ‬ ‫كر وأن َْثى و َ‬ ‫ذَ َ‬
‫م خبيٌر)) (‪.‬‬ ‫ه علي ٌ‬ ‫الل َ‬
‫ن رب ُك َقديًرا)) (‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫صْهرا وكا َ‬ ‫سبا وَ ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ن الماِء َبشرا فَ َ‬
‫جَعله ن َ َ‬ ‫َ‬
‫)وهوَ الذي خلقَ م َ‬ ‫ّ‬
‫قال القرطبي‪" :‬النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين"‬

‫)‪(20 /‬‬

‫والزواج أحد أسباب الرزق لنه يحقق علقات جديدة وكما يقول د‪ .‬البكار "‬
‫العلقات الجيدة مصدر رزق جيد") (‪.‬‬
‫‪2‬ـ البر والحسان والتواصل‪ :‬وهي من أهم أهداف هذه العلقات المتنوعة‬
‫ن‬‫ن واب ْ َ‬ ‫ه واِلمسكي َ‬ ‫ق ُ‬
‫قرَبى ح ّ‬ ‫ت ذا ال ُ‬ ‫لن هذه القرابة لها حقوق كثيرة )وآ ِ‬
‫ذيًرا)) (‪.‬‬‫ذر ت َب ْ ِ‬‫ل ول ْ ت ُب َ ّ‬ ‫السِبي ِ‬
‫مى‬ ‫قْربى والي ََتا َ‬ ‫ذي ال ُ‬ ‫ً‬
‫حسانا وَب ِ ِ‬ ‫والدْين إ ْ‬ ‫ً‬
‫شيئا وَِبال َ‬ ‫ركوا به َ‬ ‫ه ول ْ ت ُ ْ‬
‫ش ِ‬ ‫)واعُبدوا الل َ‬
‫سبْيل‬
‫ن ال َ‬ ‫ب واب ْ ِ‬
‫جن ْ ِ‬
‫ب بال َ‬ ‫صاح ِ‬ ‫ب وال ّ‬ ‫جن ُ ِ‬
‫جارِ ال ُ‬ ‫قْرَبى َوال َ‬‫جارِ ِذي ال ُ‬ ‫ساكين وال َ‬ ‫م َ‬‫وال َ‬
‫ً‬
‫مختال ً فخورا)) (‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ُ‬ ‫ن كا َ‬ ‫بم ْ‬ ‫ه ل ْ ُيح ُ‬
‫ن الل َ‬
‫ماُنكم إ ّ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫ملك ْ‬ ‫ما َ‬‫و َ‬
‫وهذه العلقات المتشابكة علقات بالغة التعقيد‪ ،‬ترك السلم للمسلم فيها‬
‫حرية التصرف والدارة بما يحقق الهداف الساسية لهذه العلقات ولكنه‬
‫رسم لذلك الخطوط العريضة ومنها‪:‬‬
‫أول علقة الزوج مع أسرة الزوجة‪:‬‬
‫الضوابط لهذه العلقة هي الضوابط العامة للسلم مع تركيز على عدد من‬
‫النقاط المهمة‪:‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪1‬ـ الحترام المتبادل‪ :‬وهو أن يحترم الزوج أهل الزوجة ويكرمهم‪ ،‬ويخاطبهم‬
‫بأحب السماء إليهم‪ ،‬ويقدمهم في مجالسه‪.‬‬
‫‪2‬ـ عدم التكلم بالكلم البذيء أمام أهل الزوجة‪ :‬ولسيما بما يمس أمور‬
‫الجماع وغيرها‪ ،‬وهذا المر يضعهم في دائرة الحرج والخجل‪ ،‬والمسلم‬
‫طن لذلك‬ ‫بطبيعته ينبغي أل يحرج أحدا فكيف إذا كان أهل زوجته‪ ،‬ولقد فَ ِ‬
‫علي رضي الله عنه فأبى أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم‬
‫فقهي هو بحاجةٍ إليه لنه كان زوجا ً لبنته فأرسل رسول ً هو المقداد بن‬
‫حيي‬ ‫ت أست َ ْ‬ ‫ت رجل ً مذاًء وكن ُ‬ ‫السود فقد روى المام مسلم عن علي قال‪ :‬كن ُ‬
‫ن السودِ‬ ‫قداد ب َ‬ ‫م ْ‬‫ت ال ِ‬
‫ن ابنِته فأمر ُ‬ ‫أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكا ِ‬
‫ل ذ َك ََرهُ وَي ََتوضأ‪.‬‬
‫فسأله فقال يغس ُ‬
‫‪3‬ـ عدم إفشاء سر الزوجة أمام أهلها‪ :‬وهذا من المور الخطيرة التي قد‬
‫يرتكبها بعض الرجال في حق نسائهم‪ ،‬سواء كان المر أمام أهلها أو غيرهم‪،‬‬
‫ولقد اعتبر السلم أن ذلك الرجل من أشر الرجال روى المام مسلم عن‬
‫ن أشّر‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إ ّ‬
‫م‬‫ضي إلي ْهِ ث ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ضي إلى امرأِته وت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م القيامةِ الرج ُ‬
‫ل يُ ْ‬ ‫ة يو َ‬ ‫س عند َ اللهِ مْنزل ً‬
‫النا ِ‬
‫سّرها" حيث أفرد المام مسلم في صحيحه بابا سماه باب تحريم‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫شُر ِ‬
‫إفشاء سر المرأة‪.‬‬
‫‪4‬ـ السماح للزوجة بزيارة أهلها والسماح لهم بزيارتها‪ :‬وهذا من أنواع البر‬
‫والترفيه للمرأة‪ ،‬فمساعدتها على بر ذويها والسماح لهم برؤيتها‪ ،‬وفتح قلبه‬
‫لهم قبل بيته‪ ،‬وتفهمه لطبيعة العلقة بينها وبين ذويها يشعر المرأة بقرب‬
‫الزوج منها‪ ،‬وتشعر بأمن وهي في مملكتها التي تعيش فيها‪ ،‬فهي بذلك لم‬
‫ل؟‬‫تخسر أهلها‪ ،‬وربحت زوجها فمن أحسن منها حا ً‬
‫إن من الخطاء الشائعة والقاتلة أن الزوج يريد أن يقطع وريد زوجته عن‬
‫أهلها‪ ،‬ويغير الدم الذي يجري في عروقها‪ ،‬فيمنع ويهدد ويحذر من زيارة أو‬
‫حتى اتصال فتعيش الزوجة في قلق دائم‪ ،‬ويسري هذا القلق إلى المفاصل‬
‫المختلفة من السرة فيعمل فيها حتى يشلها‪.‬‬
‫إن ضبط العلقة مع أسرة الزوجة بهذه الضوابط وبغيرها من الضوابط العامة‬
‫للسلم تجعل من البيت المسلم في مأمن من كثير من المآزق المحتملة‬
‫التي تكون غالبا بسبب إهمال في مثل هذه النقاط وتجاهلها‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫توترا ً دائما ً في هذه العلقة وشعورا ً بالقلق يسريان في أوصال السرة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬علقة الزوجة مع أسرة الزوج‪:‬‬
‫ة تنتقل من بيت أهلها إلى بيت‬ ‫ن الزوج َ‬ ‫وهي علقة دقيقة بعض الشيء‪ ،‬إذ إ ّ‬
‫كها‬‫ة مباشرة‪ ،‬واحتكا ُ‬ ‫الزوجية حيث تصبح علقتها مع بيت أهل زوجها علق ً‬
‫معهم شبه يومي‪ ،‬لذلك ل بد أن تكون الزوجة حكيمة في علقتها معهم‪،‬‬
‫دقيقة الملحظة لتصرفاتها‪ ،‬سريعة البديهة لتجاوز الخطاء إن وقعت‪.‬‬
‫وهذه العلقة أيضا علقة ترك السلم فيها حرية التصرف للطرفين بما يحقق‬
‫أهدافه السامية ويزيد ترابط العلقة بين جميع الطراف ومن هذه الضوابط‪:‬‬
‫‪1‬ـ احترام أهل الزوج‪ :‬فوالد الزوجة كالوالد تماما وحرمته حرمة مؤبدة‪ ،‬وأم‬
‫الزوج كذلك فهي أم أهدت للزوجة فلذة كبدها‪ ،‬وهذه الهدية هي أغلى هدية‬
‫للزوجة‪ ،‬فل بد من احترام مهديها وتقديره ومراعاة شعوره وتقديمه في‬
‫المناسبات والمحافل واستخدام اللباقة وحسن الكلم معه‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪2‬ـ تشجيع الزوج على بر والديه وأشقائه‪ :‬فليست أم الزوج منافسة للزوجة‬
‫م تخّلت عن ولدها الذي كان بين يديها ليكون بين يد‬ ‫في زوجها‪ ،‬ولكنها أ ّ‬
‫امرأة أخرى‪ ،‬فهي تشعر بفقدٍ وفراٍغ كبيرين في حياتها ولسيما إذا كانت الم‬ ‫ْ‬
‫نرجسية بعض الشيء في حبها لولدها‪ ،‬وهنا تأتي حكمة الزوجة في إزالة هذه‬
‫الفكرة من ذهن الم بتشجيع زوجها على بر والدته وأشقائه وإظهار رغبتها‬
‫ن ت َذ ْك َُرهم بخير أمام الناس وتذكر حب زوجها‬ ‫بذلك أمامهم بحب ولطف‪ ،‬وأ ْ‬
‫لهله‪ ،‬فهذه السيدة عائشة مع السيدة فاطمة وهي )ابنة زوجها( تذكرها بخير‬
‫فقد روى الترمذي عن جميع بن عمير التيمي قال‪ :‬دخلت مع عمتي على‬
‫عائشة فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قالت فاطمة) (‪.‬‬
‫فعندما تسمع فاطمة بهذا الكلم الذي ذكرته زوجة أبيها )عائشة( لن يكون‬
‫منها إل المبادلة بالمثل من ذكر بالمعروف والخير‪.‬‬
‫‪2‬ـ زيارتهم والتودد لهم‪ :‬الزيارة بلسم من بلسم الشفاء للمراض الجتماعية‬
‫المختلفة فهي يد من الرحمن لمسح اللم المختلفة لما فيها من رأب للصدع‬
‫وتقريب للقلوب وإزالة للجفوة‪ ،‬وتخفيف لللم وتعبيد للطرق الوعرة‪.‬‬
‫ولقد حث السلم على الزيارات بين الناس ولسيما إذا كان الرابط لهذه‬
‫الزيارة مرضاة الله وتحقيق أهداف السلم‪ .‬فعن معاذ بن جبل رضي الله‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم يقولك قال الله عز‬ ‫عنه قال‪" :‬إّني سمعت رسو َ‬
‫ي‬
‫نف ّ‬‫مت ََزاوري َ‬‫ي وال ُ‬ ‫نف ّ‬ ‫سي َ‬‫ي والمتجال ِ ِ‬ ‫حاّبين ف ّ‬ ‫مت َ َ‬
‫حب َِتي لل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫جب َ ْ‬‫وجل‪" :‬و َ‬
‫ي" أحمد ومالك‪.‬‬ ‫نف ّ‬ ‫مت ََباِذلي َ‬ ‫وال ُ‬
‫وإعراض بعض الناس عن الزيارات ولسيما زيارة الكنة لهل زوجها يسمح‬
‫لكثير من المتطفلين الدخول والعبث بأمن السرة فينقلون الكلم ويحللون‬
‫ويؤولون وهم في مأمن من أن هؤلء ل زيارات بينهم‪.‬‬
‫‪4‬ـ الحياد اليجابي بين الطراف‪ :‬العلقات الخارجية في السرة كأي علقة‬
‫يصيُبها أعراض وأمراض مختلفة‪ ،‬والمسلم تجاه هذه العراض ليس سلبيا ً‬
‫إلى درجة مقيتة‪ ،‬بل هو يتعامل مع الطراف المختلفة تعامل حياديا ولكنه‬
‫ديات‬ ‫حياد إيجابي‪ ،‬بحيث ل ينقل إل خيرا ً ول يقول إل خيرًا‪ ،‬ويبتعد عن الح ّ‬
‫الجازمة وعن التحّزب ضد أحد في محيط السرة‪ ،‬ويأخذ دوَر المصلح الذي‬
‫تهفو إليه القلوب وتطمئن له النفوس وتودع عنده السرار‪.‬‬
‫فإذا وقعت قطيعة بين بعض الطراف في السرة فواجب الزوجة مثل أن‬
‫شقة‬ ‫ضيقة ُ‬ ‫ب لحد‪ ،‬وتحاول الصلح م ّ‬ ‫تكون حيادّية ما استطاعت‪ ،‬ول تتحز ُ‬
‫ن‬
‫صِلح بي َ‬‫ب اّلذي ي ُ ْ‬ ‫ذا ُ‬‫ل النبي عليه السلم‪" :‬ليس الك ّ‬ ‫الخلف ومطّبقة قو َ‬
‫ل خيرًا" متفق عليه‪.‬‬ ‫قو ُ‬ ‫خيرا ً أوْ ي َ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫س فَي ُن ْ ِ‬ ‫النا ِ‬
‫ثالثًا‪ :‬قواعد مشتركة للعلقات الخارجية في السرة‪:‬‬
‫مال ي َْعنيه") (‪ .‬قاعدة مهمة جدا لكل‬ ‫ه َ‬
‫مرِء ت َْرك ُ‬ ‫ن ِإسلم ِ ال َ‬ ‫حس ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫‪1‬ـ "م ْ‬
‫العلقات ولسيما العلقات في محيط السرة‪.‬‬
‫فه") (‪.‬‬ ‫م ضي ْ َ‬ ‫ن باللهِ والَيوم ِ الخرِ فلُيكر ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ُيؤ ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫‪2‬ـ "م ْ‬
‫إكرام الضيوف يدخل السرور إلى قلوبهم ويجعلهم أكثر قربا‪ ،‬وأكثر حبا‪.‬‬
‫ة") (‪.‬‬‫ة صدق ٌ‬ ‫ة الطّيب ُ‬ ‫ك صدَقة" و "الكلم ُ‬ ‫خي َ‬ ‫ك في وجهِ أ ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ُ‬ ‫‪3‬ـ "تب َ ُ‬
‫‪4‬ـ تحديد أولويات الحياة الزوجية‪ :‬فأهم الولويات هو حماية السرة من أنواع‬
‫التسربات المختلفة‪ ،‬ثم تحقيق الطمأنينة فيها‪ ،‬وهذه الولويات يجب التفاق‬
‫عليها بين الزوجين‪.‬‬
‫‪5‬ـ التفاق على بعض المور التي لها حساسية من قبل بعض الطراف‪.‬‬
‫‪6‬ـ شجار الطفال يجب أل يتعدى ليصل إلى شجار الكبار‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رابعًا‪ :‬علقة الولد مع القارب من الجهتين‪:‬‬


‫علقة الولد مع القارب تسبب كثيرا من الحرج والمشكلت والتصادمات‪،‬‬
‫وما كان السلم ليترك هذه العلقة هكذا دون توجيه ودون إرشاد فوضع لذلك‬
‫مجموعة من المعالم العامة والمهمة منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ جواز النوم عند القارب‪:‬‬
‫ولسيما إذا لم يكن هناك مخالفات شرعية‪ ،‬وكان القارب من الطبقة‬
‫الملتزمة حيث يتعرف الطفل على علقات خارجية ملتزمة وقريبة‪ ،‬فيؤثر‬
‫ذلك فيه أبلغ التأثير‪ ،‬وهذا ابن عباس ينام عند رسول الله عليه السلم ويتعلم‬
‫منه كيف يقوم الليل‪.‬‬
‫ّ‬
‫ت الحارث زوِج الّنبي صلى‬ ‫ة بن ِ‬ ‫مْيمون َ‬‫ت خالتي َ‬ ‫ت في بي ِ‬ ‫عن ابن عباس قال‪ :‬ب ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫دها في لي ْلِتها فصلى‬‫َ‬ ‫ه عليه وسلم عن ْ َ‬ ‫ي صلى الل ُ‬ ‫ه عليه وسلم وكان الّنب ُ‬ ‫الل ُ‬
‫م‬
‫تث ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫من ْزِِله فصلى أْربعَ َركعا ٍ‬ ‫م جاَء إلى َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم العشاَء ث ّ‬ ‫الّنب ُ‬
‫ساِره‬‫ن يَ َ‬
‫تع ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م فَ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫م قا َ‬ ‫شبهها ث ّ‬ ‫ة تُ ْ‬ ‫َ‬
‫م الغُليم أو كلم ً‬ ‫ل نا َ‬‫م قا َ‬ ‫مث ّ‬ ‫م قا َ‬‫مث ّ‬ ‫َنا َ‬
‫ت‬‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬‫م حتى َ‬ ‫م نا َ‬ ‫ْ‬
‫م صلى ركعَتين ث ّ‬ ‫ّ‬ ‫تث ّ‬ ‫َ‬
‫س ركعا ٍ‬ ‫خم َ‬ ‫ّ‬
‫ميِنه فصلى َ‬ ‫ن يَ ِ‬‫جَعلني ع ْ‬ ‫فَ َ‬
‫صلة ) (‪.‬‬ ‫ج إلى ال ّ‬
‫خر َ‬ ‫م َ‬ ‫طه ث ّ‬‫خط ِي ْ َ‬ ‫طه أو َ‬ ‫غَط ِي ْ َ‬

‫)‪(22 /‬‬

‫وبعض الناس يمانعون ممانعة شديدة في نوم الطفال عند بعض القارب‬
‫دون عذر شرعي مقبول‪ ،‬وهذا مما يمنع الطفل من مشاهدة العالم الخارجي‬
‫عن أسرته الذي ينظر إليه دائما باستغراب ودهشة ويرغب بشدة أن يطلع‬
‫ج عالمه‪ ،‬ومنُعه من هذه الرغبة الشديدة يمن َُعه من رؤية هذا العالم‬ ‫عليه ويل َ‬
‫وقد يؤثر على رؤيته المستقبلية للمور‬
‫‪2‬ـ بر القارب‪:‬‬
‫وهذا من المور التي قد يغفل عنها الكثير من الناس فيقصرون بحق أقاربهم‬
‫فل يتفقدونهم ول يحسنون إليهم‪ ،‬وبعض الباء ل يربون أولدهم على ذلك‪.‬‬
‫كريب مولى ابن عباس أن مْيمونة‬ ‫فأفضل الصدقات ما كانت للقارب‪ :‬فعن ُ‬
‫بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة ً ولم تستأذن النبي صلى‬
‫ل‬‫ت يا رسو َ‬ ‫شَعر َ‬‫تأ َ‬ ‫مها الذي يدوًر عليها فيه قال ْ‬ ‫الله عليه وسلم فلما كان يو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما إن ّك لوْ أعْطي ِْتها‬‫ت‪ :‬نعم قال‪" :‬أ ّ‬ ‫ت" قال ْ‬ ‫دتي قال‪" :‬أو فعل ِ‬ ‫ت ولي َ‬
‫الله أّني أعتق ُ‬
‫ك" ) (‪.‬‬ ‫م لجرِ ِ‬‫ك كان أعظ ُ‬ ‫خوال َ ِ‬
‫أ ْ‬
‫وأفضل البّر بّر القارب‪ :‬فقد روى البخاري أن النبي عليه السلم قال‪:‬‬
‫م"‪.‬‬
‫ة بمْنزلةِ ال ّ‬
‫"الخال ُ‬
‫وبر القارب يكفر الذنوب‪ :‬فعن ابن عمر قال أتى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم رجل فقال يا رسول الله أذنبت ذنبا ً كبيرا ً فهل لي توبة فقال له رسول‬
‫خاَلة" قال‪ :‬نعم‬ ‫ك َ‬ ‫دان" قال‪ :‬ل قال‪" :‬فَل َ َ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أل َ َ‬
‫ك َوال ِ َ‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬فَب ِّرها إذا ً " ) (‪.‬‬
‫فالخال والخالة والعم والعمة والجد والجدة من القارب والرحام الذين وصى‬
‫بهم السلم وتربية الولد على برهم من أهم واجبات الوالدين تجاههم‪.‬‬
‫‪4‬ـ الفخر بالقارب المتميزين‪ :‬وسيلة تربوية مهمة وهي أن يفخر النسان‬
‫بأقاربه المتميزين والمتفوقين وهذا يؤدي وظائف عديدة منها‪:‬‬
‫ـ زيادة الترابط السري والمحبة بين أفراد السرة‪.‬‬
‫ـ السعي إلى التأسي بهذا القريب المتميز‪.‬‬
‫خُر بخاله سعد بن أبي وقاص فقد روى‬ ‫وقد كان النبي عليه السلم يف َ‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الترمذي عن جابر بن عبد الله قال أقبل َيعدو؟ فقال النبي صلى الله عليه‬
‫مُرؤ ٌ خاَله") (‪ ،‬وكان سعد بن أبي وقاص من بني‬ ‫خالي فل ْي ُرِِني ا ْ‬ ‫هذا َ‬ ‫وسلم‪َ " :‬‬
‫زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة فلذلك قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم هذا خالي‪.‬‬
‫وهذه الوسيلة العظيمة والمهمة والمهملة ‪-‬في بعض الوساط‪ -‬لها دورها‬
‫الفعال في تنشئة الطفال على التأسي بالقارب المتميزين‪ ،‬ولها دورها في‬
‫توطيد أواصر المحبة بين مختلف أطراف السرة‪.‬‬
‫‪5‬ـ عدم تسمية طفلة أنها زوجة طفل آخر في المستقبل‪ :‬وهذا قد يحصل في‬
‫كثير من السر والقبائل‪ ،‬فيقولون هذه الطفلة سنزوجها لهذا الصبي أو ذاك‬
‫في المستقبل‪ ،‬وهم بذلك يضعون أول مسمار نعش في العلقات الخارجية‬
‫للسرة‪ ،‬لن هذا المر يولد كثيرا ً من المشكلت بين مختلف الطراف لسيما‬
‫إذا نضج الولد ولم يكن هناك رغبة من أحد الطراف في الخر‪ ،‬عند ذلك تقع‬
‫المشكلت وتتفاقم الخلفات وربما أدى ذلك إلى قطيعة مدى العمر‪.‬‬
‫فالحل المثل لمثل هذه القضية هو عدم ربط أي طفلة بأي طفل ولو على‬
‫سبيل المزاح‪ ،‬وإنما تترك المور لوقتها ولصحابها‪ ،‬فالله أعطى الفتاة حق‬
‫اختيارها لزوجها كما أعطى الشاب حق اختياره لزوجته‪ ،‬وتسمية الطفال‬
‫لبعضهم سلب لهذا الحق الذي أعطاهم الله إياه‪ ،‬وتعد سافر على حرياتهم‪،‬‬
‫وفضول بغيض يكرهه السلم‪.‬‬
‫إن العلقات الخارجية في السرة على مستوياتها المختلفة علقات مهمة في‬
‫حياة كل أسرة‪ ،‬وهي وإن كانت متداخلة ومتشابكة فإن السلم طلب منا أن‬
‫نتلمس طريق الصواب فيها حتى ل نزل ول نضيع فتزل وتضيع بذلك أسرنا‬
‫التي ملكنا الله إياها‪.‬‬
‫ل الشيفرة السرية طريق السعادة‬ ‫ح ّ‬
‫ت غاب عنه هذان‬ ‫ف والتفاهم أساس الحياة السرية السعيدة ‪ ,‬وأيّ بي ٍ‬ ‫التآل ُ‬
‫ت‬
‫المفهومان فقد اتبعَ السبل التي تتفرق عن سبيل الله‪ ,‬وأصبح بيته كبي ِ‬
‫ة‪.‬‬
‫خترقه الحشر ُ‬ ‫ة‪ ,‬وت َ ْ‬ ‫فه القطر ُ‬ ‫ركه الّنسمة‪ ,‬وت ُْتل ُ‬ ‫ت ُتح ِ‬ ‫العنكبو ِ‬
‫م للتفاهم والتآلف بينه وبين زوجه ‪,‬‬ ‫ومن ل يستطيع أن يضع نقاطا ومعال َ‬
‫وبينه وبين أولده ‪ ,‬سيبقى في شقاء وتعب ‪ ,‬وجهد ونصب ‪ ,‬يلهث وراء‬
‫السعادة ول يصل إليها ‪ ,‬ويحلم بالهناء في بيته ول يجده على أرض الواقع‪.‬‬
‫ولعل الصل الشرعي للتفاهم والتراحم في الحياة السرية يكمن في كثير‬
‫من اليات القرآنية و الحاديث النبوية‪.‬‬
‫َ‬
‫س ُ‬
‫كنوا‬ ‫كم أزواجا ً ل ِت َ ْ‬
‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬‫خل َقَ ل َك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ن آيات ِهِ أ ْ‬‫فمن اليات قوله تعالى‪) :‬وم ْ‬
‫كرون) ) (‪ .‬فمقام‬ ‫ف َ‬ ‫ت لقوم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ك ليا ٍ‬ ‫ي ذ َل ِ َ‬
‫نف ْ‬ ‫ةإ ّ‬ ‫مودة ً وََرحم ً‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫إليها وجعَ َ‬
‫المودة والرحمة هو المقام الساس في الحياة الزوجية ول يمكن الوصول‬
‫إليه إل بالتفاهم والتآلف ‪ ,‬بتآلف الزوج مع قلب زوجته وتآلف الزوجة مع قلب‬
‫زوجها وبتفهم الزوج لهموم زوجته ومشكلتها وتفهم الزوجة مشكلت الزوج‬
‫وهمومه‪.‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫ومن الحاديث التي تحض على التفاهم والتآلف ما رواه المغيرة بن شعبة أنه‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ان ْظ ُْر إليَها فإّنه أ ْ‬
‫حرى أ ْ‬
‫ي ُؤْد َِ ب َي َْنكما " ومعنى قوله أحرى أن يؤدم بينكما أي أحرى أن تدوم المودة‬
‫بينكما‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ص طباعه الخاصة التي أمتعه الله بها فهو يعيش في هذه الطباع‬ ‫ولكل شخ ٍ‬
‫ويركن إليها‪ ,‬وتظهر هذه الطباع أكثر ما تظهر في حالت السرور الشديد‬
‫والحزن الشديد‪.‬‬
‫ولما كان الله سبحانه وتعالى قد جعل عقد الزواج على نية الديمومة بين‬
‫الزوجين كان ل بد لكل الزوجين أن يسيرا باتجاه بعضهما اتجاها إيجابيا‬
‫يحققان من خلله التآلف المنشود والتفاهم المقصود ويحطمان كل ما يقف‬
‫في طريق سعادتهما‪.‬‬
‫وكان من أحد سبل هذا السير اليجابي هو معرفة طباع الرجل لزوجته‬
‫ومعرفة طباع المرأة لزوجها وهو الذي أسميناه ) الشيفرة السرية (‪.‬‬
‫م على أن تسير باتجاه زوجها هذا السير‬ ‫ت العز َ‬‫فإذا كانت المرأة قد عقد ْ‬
‫طم كل ما يقف في طريق سعادتها كان ل بد لها أن‬ ‫اليجابي وقررت أن تح ّ‬
‫تعرف زوجها حق المعرفة ‪ ,‬وأن تسعى لتتعرف عليه وعلى طباعه بشكل‬
‫أكبر وبطرق مختلفة حتى تصل إلى حل الشيفرة الخاصة به ومن ثم تصل‬
‫بزوجها وبيتها إلى برِ المان وشاطئ المودة والتراحم التي ذكره الله‪ ،‬وما‬
‫يقال للزوجة يقال للزوج‪.‬‬
‫وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف زوجاته حق المعرفة حيث روى‬
‫المام مسلم والمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال لي رسول‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ت عل ّ‬ ‫ة وإذا ُ‬
‫كن ِ‬ ‫ضي ً‬‫ت عّني َرا ِ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬إّني َلعْل َ ُ‬
‫م إَذا كن ْ ِ‬
‫ة‬
‫ت عّني َراضي ً‬ ‫كن ِ‬‫ما إذا ُ‬‫ضَبى" قالت‪ :‬فقلت من أين تعرف ذلك فقال‪" :‬أ ّ‬ ‫غَ ْ‬
‫ضَبى قُْلت ل ْ وََر ّ‬
‫ب إب َْراهيم"‬ ‫ي غَ ْ‬ ‫ت عل ّ‬ ‫مد وإذا كن ْ ِ‬‫ب مح ّ‬ ‫ن ل ْ وََر ّ‬‫قوِلي َ‬‫فإّنك ت َ ُ‬
‫قالت‪ :‬قلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إل اسمك‪.‬‬
‫وقد قال في فتح الباري كلما لطيفا هذا نصه‪ " :‬قوله ) إني لعلم إذا كنت‬
‫عني راضية‪ ...‬إلخ ( يؤخذ منه استقراُء الرجل حال المرأة من فعلها وقولها‬
‫فيما يتعلق بالميل إليه وعدمه ‪ ,‬والحكم بما تقتضيه القرائن في ذلك ‪ ,‬لنه‬
‫صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها لسمه‬
‫وسكوتها ‪ ,‬فبنى على تغّير الحالتين من الذكر والسكوت تغّير الحالتين من‬
‫الرضا والغضب "‪.‬‬
‫فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا في هذا الحديث المبارك الهتمام‬
‫بطبيعة المرأة ومعرفة أحوالها والتصرف معها في كل حالة بما تقتضيها وهذا‬
‫أدعى إلى عدم الخلط ومعرفة الحوال ومن ثم يصل باستقراء أحوال زوجته‬
‫إلى الحكم الصحيح عليها فيعاملها بما تقتضيه القرائن‪.‬‬
‫وهذه الشيفرة الزوجية مهمة جدا في حسن سير الحياة بين الزوجين ‪ ,‬فإذا‬
‫وصل النسان إلى حل هذه الشيفرة الخاصة بزوجته استطاع أن يقود سفينة‬
‫بيته إلى شاطئ المودة والرحمة‪.‬‬
‫ومن ل يعرف ذلك سيصل بسفينته هذه إلى صخور التنافر لتحطمها وتكسرها‬
‫وهو ما عبَر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكسر عندما قال‪" :‬‬
‫سُرها ط ََلُقها ") (‪.‬‬ ‫وَك َ ْ‬
‫وكذلك المرأة ل بد أن تتعرف على طباع زوجها و شيفرته الخاصة لتهيئ‬
‫الجو المناسب والرياح الهادئة لسير هذه السفينة‪.‬‬
‫خطوات أولية عملية ضرورية على طريق حل الشيفرة السرية‪:‬‬
‫‪ - 1‬النية الصادقة في معرفة الحقوق والواجبات‪:‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫خت ََلف") (‪.‬‬‫ف منها اْئتَلف وما ت ََناكَر مْنها ا ْ‬ ‫جندة ٌ َفما تَعار َ‬‫م َ‬‫ح جُنود ٌ ُ‬ ‫"الروا ُ‬
‫قال في الفتح في شرح هذا الحديث‪ " :‬يقول ابن الجوزي يستفاد من هذا‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحديث أن النسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له الفضيلة والصلح فينبغي‬
‫مقتضى لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف‬ ‫أن يبحث عن ال ُ‬
‫المذموم "‪.‬‬
‫ويبنى على كلم ابن الجوزي رحمه الله أن الزوج إذا كان يعرف أن زوجه من‬
‫المشهود لها بالصلح وهو ل يستطيع أن يتفاهم معها ل بد أن يعيد حساباته‬
‫مع نفسه فلعله يحمل صفة مذمومة هي التي تحول بينه وبين التفاهم مع‬
‫زوجه ‪ ,‬وكذلك يقال للزوجة ‪ ,‬فل بد إذن من وجود نية صادقة لحل هذه‬
‫الشيفرة فيسعى النسان إلى فك رموزها ولو كان بالتخلص من بعض‬
‫الصفات التي يتصف بها‪.‬‬
‫‪ - 2‬معرفة نمط تفكير الزوج ونمط تفكير الزوجة‪:‬‬
‫خلق الله البشر متفاوتين بطباعهم وتصرفاتهم وطرائق تفكيرهم‪ ,‬وهذا‬
‫م إلى يوم الدين بين جميع البشر‪ ,‬والمسلم مطالب أ َل ّ يصل هذا‬ ‫الختلف قائ ٌ‬
‫الختلف إلى النفور والهجر والبغضاء‪ ,‬بل مطلوب منه أن يقارب الفكار‬
‫المختلفة ويتعامل معها بحكمة وروية ‪ ,‬فإذا كانت هذه هي الصفة العامة‬
‫والراسخة في السلم بين جميع المسلمين فهي بين الزوجين يجب أن تكون‬
‫أكثر ترسيخا ً وأكثر وضوحا ً إذ ينبغي أ َل ّ يكون هذا الختلف سببا ً في التنافر‬
‫بين الزوجين بل يجب أن يحصل نوع من التقارب وذلك من خلل معرفة‬
‫طريق تفكير الزوجين أحدهما للخر يقول د‪ .‬التكريتي‪:‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫ن صوريا ً أو سمعيا ً أو حسيا ً هل‬ ‫ن يكو َ‬


‫ما أ ْ‬
‫ب عليه فهو إ ّ‬ ‫ط يغل ُ‬ ‫)لكل شخص نم ٌ‬
‫ٍ‬
‫ل‬ ‫ن أن يكون بينهما تفاهم فهو يقو ُ‬ ‫ت مشهدا ً لزوٍج وزوجته يتجادلن دو َ‬ ‫رأي َ‬
‫ة‬
‫ل له لم أسمعْ منك كلم ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ة وسوارا ثمينا وهي تقو ُ‬ ‫ة جميل ً‬ ‫ك بدل ً‬‫تل ِ‬ ‫مثل ً جلب ُ‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫ل هو صوريٌ ونمط تفكي ِ‬ ‫َ‬
‫ن نمط تفكيرِ الرج ِ‬ ‫جاهي‪ ..‬إ ّ‬ ‫كت َ‬‫تعبر عن مشاعر َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ي فهي تريد أن تسمعَ منه كلما جميل ل أن تْنظَر إلى‬ ‫المرأةِ هو سمع ٌ‬
‫ت قلْيلة ( ) (‪.‬‬
‫ي زوجَته بكلما ٍ‬ ‫ن يرض َ‬ ‫الفساتين وكان يمكن لهذا الرجل أ ْ‬
‫‪ -3‬الهتمام بالحالة النفسية لكل الجانبين‪:‬‬
‫ولقد وضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يعرف تماما حال‬
‫زوجته) (‪.‬‬
‫حالة الغضب وحالة الرضا فهو يعرف حالة الغضب في زوجته ويعلم حالة‬
‫الرضا وهذا مهم جدا في الحياة الزوجية حتى يضع المور في نصابها‪.‬‬
‫‪ - 4‬الهتمام بالحالة الجنسية لكل الجانبين‪ :‬وهذا أمر مهم يعرفه كل زوج في‬
‫زوجه‪.‬‬
‫حيث يعتبر الزواج سببا في استقرار الحالة الجنسية عند الطرفين‪ ,‬فعندما‬
‫ب الذي‬ ‫يفقد أحد الطرفين الهتمام به أمام الطرف الخر يحصل الضطرا ُ‬
‫يسبب كثيرا من المشكلت التي تكون سببا ً في اختلل التوازن في السرة ‪,‬‬
‫والسلم ذهب إلى أبعد من هذا فقد طلب من الرجل أل ينزع عن زوجته في‬
‫ي حرصا منه على استقرار حالتها الجنسية ونيل حظها‬ ‫حال الجماع حتى تنته َ‬
‫من زوجها‪.‬‬
‫إن الخطوات المتعددة في حل الشيفرة السرية ل تقتصر على هذه النقاط‬
‫الربعة ‪ ,‬بل إن هناك أمورا دقيقة ل يعرفها إل الزواج أحدهما مع الخر‪ ،‬حتى‬
‫يصل الزوجان إلى سعادتهما الحقيقة وإلى مقام ) المودة والرحمة ( ل بد أن‬
‫يتجنب كل واحد ما يزعج الخر ويفعل ما يحبه وعند ذلك سيتحققان بهذا‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي بنيتي‪...‬‬
‫في لحظات الفراق والُبعد المؤقت يتذكر النسان لحظات البعد الذي ل عودة‬
‫فيه‪ ,‬ويتذكر الرحلة الخيرة والسفَر الخير وهنا تراوده أسئلة كثيرة ماذا لو‬
‫فارقت الدنيا الن ؟؟‬
‫ماذا تركت لولدي من بعدي ؟؟‬
‫ي )هداية(‬ ‫سألت نفسي هذا السؤال وجاشت عيناي بالدموع وتذكرت صغيرت ّ‬
‫ة من عمرها و )تسنيم( التي لم تبلغ عامها الول فعزمت‬ ‫التي لم تبلغ الثالث َ‬
‫ت لهما قائل‪:‬‬ ‫ً‬
‫على كتابة وصية لهما يتخذانها دليل ً ومنهجا فكتب ُ‬
‫في أي لحظة من اللحظات قد أودع الدنيا وأترك هذا العالم إلى عالم ٍ أشد ّ‬
‫ن من‬ ‫أ ْ ً‬
‫منا لّنه معَ الله وحده ‪ ,‬ومتى كان النسان مع الله وحده كان في مأم ٍ‬
‫كل شيء فهو الملجأ وإليه المصير‬
‫أي بنيتي‪:‬‬
‫ك على حين غفلةٍ وأخَتك التي لم تتجاوز عامها الول ماذا‬ ‫فكرت لو تركت ِ‬
‫سيكون منهجكما وكيف ستسيران في هذه الحياة فأحببت أن أكتب لكما هذه‬
‫الكلمات لتكون لكما ولكل فتيات المسلمين منهجا ً ودلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫أي بنيتي‪:‬‬
‫عرفها النسان لعرف كل شيء ‪ ,‬ولو فهمها‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫القرآن‬ ‫في‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫واحد‬ ‫كلمة‬
‫النسان لفهم كل شيء ‪ ,‬ولو تمسك بها النسان ما فاته شيء‪,‬وإن أضاعها‬
‫ضاع منه كل شيء أل وهي الله‬ ‫َ‬
‫ى وينسى أن يدور‬ ‫ً‬ ‫معن‬ ‫كل‬ ‫وحول‬ ‫شيء‬ ‫كل‬ ‫حول‬ ‫يدور‬ ‫أنه‬ ‫آدم‬ ‫ابن‬ ‫غفلة‬ ‫ومن‬
‫حول هذه الكلمة كمن يطوف حول نفسه فيعجب بها وينسى أنها خلق الله‬
‫حه‪.‬‬‫ده ول تسمو رو ُ‬ ‫في الرض فيطوف جس ُ‬
‫أي بنيتي‪:‬‬
‫القرآن مائدة ُ الله‪ ..‬ومن ذا الذي يجوع إذا جلس إلى مائدة الله!!‬
‫ل الله‪ ...‬ومن ذا الذي ينقطع إذا تمسك بحبل الله!!‬ ‫والقرآن حب ُ‬
‫ومائدة الله غذاء ‪ ,‬وحبله طريق مستقيم ‪ ,‬والمسلم في سفره ل يحتاج إل ّ‬
‫إلى غذاٍء في طريقه الصحيح ليصل إلى هدفه ومبتغاه فاجلسي إلى مائدة‬
‫س وخير معين‪.‬‬ ‫الله‪ ,‬وتمسكي بحبله المتين يكن لك خيَر جلي ٍ‬
‫أي بنيتي‪:‬‬
‫ل ومن ل يمتثل ل َيعرف ومن ليعرف ل‬ ‫ة والمتثا ُ‬ ‫ُ‬ ‫الطاع‬ ‫الله‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫معرف‬ ‫أول‬
‫ققي‬ ‫ح َ‬‫يغرف ومن ل يغرف ل يتصف فكوني مع الله بالطاعة والمتثال ‪ ,‬ت َت َ َ‬
‫خُلص لك السريرةُ‬ ‫ة‪ ,‬وت َ ْ‬ ‫رفي من هدايته ‪ ,‬فُتناُر لك البصير ُ‬ ‫بمعرفِته وت َغْ ِ‬
‫وتكوني ربانّية كما أراد الله سبحانه‪.‬‬
‫ن‪ ,‬فكوني ملهوفة القلب عليهم‬ ‫ة والحنا ُ‬ ‫ل إصلِح العلقة مع الرحام الّلهف ُ‬ ‫وأو ُ‬
‫ت‬‫ن فعل ِ‬ ‫كإ ْ‬ ‫ضاءة ً فيما يسعدهم فإن ّ ِ‬ ‫ة عما يزعجهم و ّ‬ ‫شديدة القرب منهم غريب ً‬
‫جبارا‪ً.‬‬
‫لتك دَِثارا ً ولهفواتك ِ‬ ‫كانوا لز ّ‬
‫م‬‫مل الُبنيان وبالجمال يت ّ‬ ‫ل فبالحب يك ُ‬ ‫ب والجما ُ‬ ‫ل السرورِ مع الزوِج الح ّ‬ ‫وأو ُ‬
‫العمران‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولتكن علقتك معه كلها جميلة فاصبري عليه صبرا جميل وتقربي منه تقربا‬ ‫ّ‬
‫جميل ً واعذريه عذرا ً جمي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ك لهم‪ ,‬فليس كل‬ ‫ن محبت ِ‬ ‫ب ثم ِ‬ ‫م طل ِ‬ ‫ح العلقةِ مع الصدقاء عد ُ‬ ‫وأول إصل ُ‬
‫إنسان يملك رصيدا ليدفع ثمن محبة الناس له ‪ ,‬فإّنك إن فعلت كشفت‬ ‫ً‬
‫أرصدة َ الناس والناس ل ُيحبون أن تكشف أرصدتهم‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وأول‬ ‫ٍ‬ ‫مل‬ ‫ول‬ ‫ل‬
‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫بل‬ ‫ح‪ ,‬وسيٌر أكيد ٌ إليه‬ ‫ف واض ٌ‬ ‫ل النجاح في الحياة هد ٌ‬ ‫وأو ُ‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النجاِح في الخرة أن يكون ذلك الهدف هو رضا الله سبحانه‪.‬‬


‫أي بنيتي‪:‬‬
‫ة ل تكون إل بامتحان‪.‬‬ ‫ة تجارب والتجرب ُ‬ ‫الحياة مجموع ُ‬
‫سّلم للرتقاء إلى العْلياء ‪,‬‬‫ُ‬ ‫أنها‬ ‫فاعلمي‬ ‫الدنيا‬ ‫في‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫المتحانا‬ ‫ك‬‫ت علي ِ‬
‫فإذا كثر ْ‬
‫ب عند الله‬ ‫ل واحتسا ٍ‬‫ستقبليها ب َِرحابة صدر وابتسامةِ أم ٍ‬‫عي منها وا ْ‬ ‫فل َتجز ِ‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫ل‬
‫ب الفتاةِ أشد ّ شبها بالكبريت الحمر‪ ,‬سريع الشتعا ِ‬ ‫واعلمي ُبنيتي أن قل َ‬
‫ب المنال‪ ,‬فل تزهدي به ول تعطيه لمن ل يستحقه‪ ,‬فيذهب به وي َت ُْرك‬ ‫وصع ُ‬
‫خلفه دخانا أسود َ يسود عليك حياتك ومعيشَتك‪.‬‬ ‫ً‬
‫ة‬
‫ة وعائش ُ‬ ‫ة و فاطم ُ‬ ‫ة وخديج ُ‬ ‫م وآسي ُ‬ ‫ن خَير ِنساء العالمين مري ُ‬ ‫واعلمي أ ّ‬
‫ُ‬
‫ب الّنسيم اهتّز فأسمعك من‬ ‫ن ُقرطا في أذنك كلما ه ّ‬ ‫فاجعلي من سيرته ّ‬
‫ك‪.‬‬‫ن به أمت ِ‬ ‫ن به من ربك وت َْنفعي َ‬ ‫قربي َ‬ ‫ك وت َت َ َ‬ ‫ن به سلوك ِ‬ ‫ن ما ُتقومي َ‬ ‫سيَرت ِهِ ّ‬ ‫ِ‬
‫عملي بعد مماتي ‪ ,‬وسبب َا ً‬ ‫ً‬
‫ج من الدنيا عاجل أم آجل وأنكما َ‬ ‫ً‬ ‫واعلمي أّني خار ٌ‬
‫حجابا من الّنار‬ ‫ً‬ ‫ت‪ ,‬و ِ‬ ‫ف ْ‬
‫خ ّ‬ ‫ن هي َ‬ ‫موازيني إ ْ‬ ‫ً‬
‫في زيادة حسناتي وسبب َا في تثقْيل َ‬
‫ً‬
‫ت ‪ ,‬فاجعل لي من ُدعائكما نصيبا ‪ ,‬ول تفرطا به وتذكرا أّني‬ ‫ي لفح ْ‬ ‫نه َ‬ ‫إ ْ‬
‫ت‪.‬‬ ‫فعل‬ ‫ما‬ ‫جى‬ ‫ر‬ ‫ربيتكما على الكتاب والسنة فإنه أوث َق ما عَمل ْت وأ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬
‫والدك‬
‫عبد اللطيف البريجاوي‬
‫مدينة نصر ـ القاهرة‬
‫ألم و آلم‬
‫الحمد لله والصلة على رسول الله وبعد‪:‬‬
‫ً‬
‫جاءتني تطلب الطلق بعد سبع وثلثين عاما‪!!....‬‬
‫وعندها من الولد تسعة‪! ...‬‬
‫س من الذكور وأربعٌ من الناث‪!!!....‬‬ ‫خم ٌ‬
‫وعندها من الصهار أربعة ومن زوجات البنين ثلثة‪!...‬‬
‫وعندها من الحفاد ِ عشرة‪!....‬‬
‫أما السبب فإنها لم تستطع أن تتفاهم معه‪!...‬‬
‫ي من العمر؟‬ ‫ق َ‬ ‫ت لها – ممازحا ً ‪-‬كم ب ِ‬ ‫قل ُ‬
‫ة أخرى لعل الله يحل هذه المشكلة بينكما‬ ‫ً‬ ‫سن‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫عشر‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫خم‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫انتظر‬ ‫هل‬
‫بوفاةِ أحدكما‪.‬‬
‫ت مستطردة ً لم أعد ْ أحتمله ول أستطيعُ التفاهم معه‪.....‬‬ ‫فأجاب ْ‬
‫قلت سبحان الله هذه إحدى المشاكل العديدة والمتنوعة في المجتمع‪ ،‬ثم‬
‫جلست أفكر في هذه القصة‪ .‬وتراودني أسئلة كثيرة‪:‬‬
‫جَناحه للخر؟؟‬ ‫فض َ‬ ‫ن َيخ ِ‬ ‫م يستطع أحد الزوجين أ ْ‬ ‫أل ْ‬
‫ة يسيران عليها في حياتهما ؟‬ ‫جدا نقاطا مشترك ً‬ ‫ً‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ألم يستطعْ الزوجان أ ْ‬
‫ما يزعج الخر؟؟‬ ‫ل واحد ٍ منهما ع ّ‬ ‫م يستطعْ الزوجان أن يبتعد َ ك ُ‬ ‫أل ْ‬
‫ت والصهاُر في توضيح الصورة للزوجين ؟‬ ‫ل الولد ُ والبنا ُ‬ ‫م يتدخ ُ‬ ‫أل ْ‬
‫م‪ .....‬حتى أصابني من هذه السئلة ألم‪...‬‬ ‫م‪ ....‬أل ْ‬ ‫م‪ ..‬أل ْ‬ ‫أل ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثم رحت أكّبر الصورة َ الجتماعية شيئا فشيئا حتى تشمل المجتمع المسلم‬
‫م كّله بأطرافه المختلفة يشبه هذه السرة‬ ‫ن المجتمعَ المسل َ‬ ‫كّله فرأيت أ ّ‬
‫الممّزقة‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نشتم‪ ..‬نقذف‪ ..‬نتشاجر‪ ..‬نحسد‪ ..‬نبغض‪ ..‬نتفاخر‪.‬‬


‫وكل منا يتهم الخر‪.‬‬
‫هذا هو حال المسلمين ل أحد يستوعب الخر ول أحد يرى الفضل للخر فكلّ‬
‫كر بأّنه سينتهي عنده‪.‬‬ ‫م من عنده و لرّبما ف ّ‬ ‫َ‬
‫واحد بدأ السل ُ‬
‫جه إلى العتراف بفضل الخرين وذلك نلمسه واضحا ً وجلي ّا ً‬ ‫ن السلم و ّ‬ ‫مع أ ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل النبياِء ِ‬ ‫مث ُ‬‫مثلي وَ َ‬ ‫ن َ‬‫في حديث رسول الله صّلى الله عليه وسّلم‪" :‬إ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫جع َ‬ ‫ه إل ّ موضعَ لِبنة من زاويةٍ فَ َ‬ ‫ه وأجمل ُ‬ ‫ل َبنى بيتا ً فأحسن َ ُ‬ ‫ل َرج ٍ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫َقبلي ك َ َ‬
‫ل‪ :‬فأنا‬ ‫ة قا َ‬ ‫ّ‬
‫ت هذه اللبن ُ‬ ‫ن هل ّ ُوضع ْ‬ ‫ن له وََيقولو َ‬‫ن به وي َْعجبو َ‬ ‫س ي َطوفو َ‬‫ُ‬ ‫النا ُ‬
‫م الّنبيين") (‪.‬‬ ‫خات َ ُ‬‫ة وأنا َ‬ ‫الّلبن ُ‬
‫ما جاء‬ ‫قر هذا البناء إن ّ‬ ‫فانظر كيف اعترف الرسول الكريم بالبناء كامل ً ولم يح ّ‬
‫مما ً وأّنه مجّرد لبنة ولبنة واحدة فقط‪!.‬‬ ‫مل ً له ومت ّ‬ ‫مك ّ‬
‫ل مسلم هو حلقة من سلسلة من الحلقات فل بد أن يعترف بالحلقة التي‬ ‫وك ّ‬
‫قبله ويمسك بالحلقة التي بعده حتى تصبح هذه الحلقات متينة وقوية‪.‬‬
‫ن لم تبلغ الكمال وإن لم‬ ‫وهذا الحديث يعلمنا كيف نتواضع لجهود الخرين وإ ْ‬
‫ح وكانت في طريق النجاح وكم نحتاج إلى هذا‪ ،‬فهاهو النبي الكريم‬ ‫تنج ْ‬
‫يعترف بجهود من قبله متواضعا لهم مع أن جهودهم لم تبلغ الكمال ولم تصل‬
‫إلى الدرجات العلى‪.‬‬
‫ج من خللها احترام الخر والعتراف‬ ‫فكم نحن بحاجة إلى الرضية التي ننس ُ‬
‫به وخفض الجناح له واحترام الزوج لزوجته واعترافه بفضلها وعلى ذلك رّبى‬
‫الرسول الكريم صحابته الكرام فجاؤوا أئمة هداة جابوا الدنيا ونشروا العلم‬
‫والمان‬
‫فيا ربنا أكرمنا بالبصيرة واتباع الكتاب والسنة المطهرة‪..‬آمين‬
‫وفي كل أول وآخر يطيب الحمد لله رب العالمين‬
‫السيرة الذاتية‬
‫ـ عبد اللطيف البريجاوي‬
‫ـ تولد حمص ‪1971‬‬
‫ـ إجازة في الهندسة الزراعية من جامعة حلب عام ‪1995‬‬
‫ـ إجازة في الشريعة السلمية من جامعة الزهر بالقاهرة عام ‪2005‬م‬
‫ـ عمل خطيبا ً ومدرسا ً في مساجد حمص منذ عام ‪ 1992‬وحتى الن‬
‫كما ً شرعيا ً في المحاكم الشرعية بحمص منذ عام ‪ 2002‬وحتى‬ ‫ـ عمل مح ّ‬
‫الن‬
‫ـ خبرة إدارية في الدارة من مشفى جمعية البر والخدمات الجتماعية‬
‫ـ متزوج وعنده ريحانتان ) هداية و تسنيم(‬
‫ـ الموقع اللكتروني ـ أطياف الهداية –‬
‫أعمال قيد النجاز‪:‬‬
‫ـ رحلة النظر في قصار السور‬
‫ـ رؤى في أحاديث القصص‬
‫ـ أمثال القرآن الكريم‪ :‬رؤى وأفكار‬
‫ـ محاولت في الفهم‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫الفهرس‬
‫كلمة الشيخ ممدوح جنيد ‪7 ... ... ... ...‬‬
‫كلمة الدكتور عبد المعطي الدالتي ‪11 ... ... ...‬‬
‫مقدمة بين يديك أخي القارئ ‪13 ... ... ...‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما قبل الزواج وفترة الحمل السري ‪19 ... ... ...‬‬
‫الشروط اللزمة لصلح السرة ‪26 ... ... ...‬‬
‫إصلح الزوجة ‪33 ... ... ... ... ...‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫إصلح الزوج ‪40 ... ... ... ... ...‬‬


‫إشاعة ثقافة العفة في البيت ‪47 ... ... ... ...‬‬
‫إشاعة ثقافة الشورى في البيت ‪54 ... ... ...‬‬
‫إشاعة ثقافة الرفق في البيت ‪58 ... ... ... ...‬‬
‫إشاعة ثقافة المصارحة في البيت ‪63 ... ... ...‬‬
‫أدب الختلف ضمانة لسرة متماسكة ‪67 ... ...‬‬
‫عدم التذكير بالماضي المزعج ‪72 ... ... ... ...‬‬
‫السعي إلى التمييز السري ‪76 ... ... ... ...‬‬
‫الحسم في المخالفات الشرعية ‪83 ... ... ... ...‬‬
‫مراعاة الفروق الفردية في السرة ‪88 ... ... ...‬‬
‫تخفيف التيتم والترمل الصوري ‪93 ... ... ...‬‬
‫التعامل مع الخطاء في المْنزل ‪99 ... ... ... ...‬‬
‫العلقات الخارجية في السرة ‪107 ... ... ... ...‬‬
‫حل الشيفرة السرية ‪121 ... ... ... ... ...‬‬
‫أي بنيتي ‪128 ... ... ... ... ... ...‬‬
‫ألم وآلم ‪132 ... ... ... ... ... ...‬‬
‫السيرة الذاتية ‪135 ... ... ... ... ...‬‬
‫الفهرس العام ‪137 ... ... ... ... ...‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫معالم رئيسة في واقع العمل السلمي‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫ي أمر هام في حياة الحركات السلمية‪ ،‬وفي‬ ‫ن دراسة واقع العمل السلم ّ‬ ‫إ ّ‬
‫مي العمل‬‫ن مثل هذه الدراسات هي التي تن ّ‬ ‫ّ‬
‫مة المسلمة كلها‪ .‬إ ّ‬ ‫حياة ال ّ‬
‫وتساعد على تطوره وقوته‪.‬‬
‫مى بعضهم هذه الدراسات والبحاث بالنقد والنقد الذاتي‪ ،‬كما اشتهر في‬ ‫يس ّ‬
‫العالم الشيوعي‪ ،‬أو النقد عامة كما عرف في العالم الغربي‪ .‬وقد انتشرت‬
‫هذه اللفظة في حياتنا‪ ،‬ولم ينتشر نهجها المتبع لدى هؤلء أو لدى هؤلء‪.‬‬
‫ولكن انتشرت مع اللفظة ظلل غير محببة‪.‬‬
‫أما السلم فقد وضع قاعدة أعظم من ذلك بكثير‪ .‬وضع قاعدة النصيحة‪،‬‬
‫حتى جعلها كأنها هي الدين تعبيرا ً عن شمولها واتساعها وأهميتها‪ ،‬كما جاء‬
‫في حديث رسول الله صلى الله عليه وسّلم ‪ ) :‬الدين النصيحة … … (‪.‬‬
‫ل خير‬‫وعندما نتتبع قواعد النصيحة وآدابها‪ ،‬ونهجها وُأسلوبها‪ ،‬نجدها تشمل ك ّ‬
‫ل شّر قائم فيه)‪ ،(1‬ذلك كّله من خلل آيات‬ ‫يمكن أن يدعو إليه النقد‪ ،‬وتنبذ ك ّ‬
‫ّ‬
‫وأحاديث‪ ،‬وممارسة كريمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حياة‬
‫صحابته‪.‬‬
‫ولكن النصيحة التي دعا إليها السلم غابت عن واقع المسلمين اليوم‪ ،‬والنقد‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي دعا إليه أولئك أخذنا منه التجريح والتشهير‪ ،‬والخصومة والعداء‪.‬‬
‫ل قواعدها وآدابها‪ ،‬حتى‬ ‫فل بد إذن من عودة النصيحة إلى حياة المسلمين بك ّ‬
‫تصبح النصيحة منهجا ً ربانيا ً ُيمارس عمليا ً في واقعنا في التربية والبناء‬
‫والتدريب والعداد والممارسة والتطبيق‪.‬‬
‫مى " وقفة‬ ‫ومن هذه القاعدة نخرج بأمر هام أل وهو ضرورة ما يمكن أن ُيس ّ‬
‫ل حركة إسلمية مع نفسها‪،‬‬ ‫المؤمن ومراجعة الحساب "‪ ،‬حتى تقف ك ّ‬
‫فتدرس واقعها وتكشف أخطاءها وصوابها‪ ،‬لتعالج هذه وتستفيد من تلك‪.‬‬
‫ولقد ضرب القرآن الكريم نماذج رائعة لهذه الوقفات‪ .‬فقد وقف القرآن‬
‫حد وحنين وتبوك والخندق وغيرها وقفات إيمانية‬ ‫ُ‬
‫الكريم مع غزوة بدر وأ ُ‬
‫دم للمسلمين نماذج يتعلمون منها أبد الدهر‪ .‬ووقف كذلك مع‬ ‫رائعة‪ ،‬تق ّ‬
‫أحداث هنا وهناك‪ ،‬ووقف مع سلوك أفراد‪ ،‬ومع حركات معادية ومناهج‬
‫محاربة‪ .‬وقف وقفات الدراسة والتحليل‪ ،‬والنصح والتوجيه‪ ،‬وكشف الخطاء‬
‫م وضع العلج والحلول‪.‬‬ ‫ومواطن الزلل‪ ،‬ث ّ‬
‫ً‬
‫وحين نحاول النصح لدعوة الله وحركاتها المختلفة‪ ،‬فإننا نشترط أول على‬
‫أنفسنا أن نصدق النية خالصة لوجه الله‪ ،‬مطّهرة من شهوات الدنيا‪ ،‬بعيدة‬
‫عن الحقاد والتجريح‪ ،‬نقول بما نعلم ونتقي الله حتى ل نجرح أو نسيء‪.‬‬
‫نؤكد هذا المعنى لمعرفتنا بما نعانيه نحن اليوم من حساسية تجاه النصيحة‪،‬‬
‫فور منها‪ ،‬وأحاطت الشبهة بمن يقوم بها‪ .‬وكأن النصيحة ل‬ ‫حتى غلب الن ُ ُ‬
‫ل ! إن النصيحة الصادقة‬ ‫تصدر إل من حاقد يعصف به الحقد والغضب‪ .‬ك ‍‬
‫الجريئة تخرج في حقيقتها وجرأتها وصدقها من قلب ملته السكينة باليمان‪،‬‬
‫والطمأنينة بالتقوى‪ ،‬والثقة بالعلم والمحّبة والموالة‪.‬‬
‫ت أتحدث في الصفحات المقبلة عن أخطاء العمل السلمي‪ ،‬عن‬ ‫وإذا كن ُ‬
‫ُ‬
‫أخطائه فقط‪ ،‬فلن هذا هو موضوع المقالة‪ .‬ولكنني لبد ّ أن أشير وأؤكد فضل‬
‫العمل السلمي‪ ،‬مهما تكن أخطاؤه‪ ،‬وفضل الدعاة الصادقين كّلهم قادةً‬
‫وأفرادًا‪ ،‬داعيا ً الله سبحانه وتعالى أن يتقّبل منهم ومنا أحسن ما عملنا‪ ،‬وأن‬
‫يغفر لنا سّيئاتنا ويتجاوز عنها إنه هو الولي الحفيظ‪.‬‬
‫ل حركة أن‬ ‫إننا نعرض هنا ما نعتقد أنها مواطن خطأ وضعف‪ ،‬يجب على ك ّ‬
‫تعود لنفسها‪ ،‬وتدرس مسيرتها‪ ،‬لتكشف هي بنفسها أخطاءها دون خوف أو‬
‫طل نماء‪.‬‬ ‫وة ونع ّ‬ ‫وجل أو ترّدد‪ .‬فهذا مصدر قوة ونماء وحياة‪ .‬وبتركه نفقد ق ّ‬
‫دمه للحركات السلمية كّلها‪،‬‬ ‫إنها كلمات نصح خالص لله سبحانه وتعالى‪ ،‬نق ّ‬
‫مهما اختلفت أسماؤها ومواقعها ل نقصد حركة معّينة بذاتها‪ ،‬ول نستطيع هنا‬
‫دم موجزا ً سريعا ً له ّ‬
‫م‬ ‫دم دراسة موسعة للعمل وواقعه‪ ،‬ولكننا نق ّ‬ ‫أن نق ّ‬
‫القضايا التي تحتاج إلى دراسة وبحث‪ ،‬ووقفة ونصح‪ ،‬حسب ما نعتقد ‪:‬‬
‫ور اليماني والتوحيد ‪(2):‬‬ ‫‪ -1‬التص ّ‬
‫ور اليماني والتوحيد في الدعوة والتربية‬ ‫إن عدم التركيز على قضّية التص ّ‬
‫والبناء والتدريب‪ ،‬ليكونا القضّية الولى في حياة النسان‪ ،‬والحقيقة الكبرى‬
‫في الكون‪ ،‬وليؤديا دورهما الحقّ في صياغة الفكر والنهج والسلوك‬
‫والمواقف‪ ،‬إن عدم التركيز على هذه القضّية أّدى إلى اضطراب في واقع‬
‫العمل السلمي‪ ،‬ورّبما كان أهم السباب لما يعانيه العمل السلمي من‬
‫خلفات وانشقاقات‪ ،‬واضطراب في المواقف الجتماعية والقتصادية‬
‫والسياسية‪ .‬كما أن عدم التركيز على هذه القضّية الولى جعل القضّية الولى‬
‫في الميدان العملي هي دعوة الناس إلى تكتلت وأحزاب‪ ،‬وإلى أفكار هذه‬
‫ور الذي يعرضه منهاج‬ ‫التكتلت والحزاب‪ ،‬فتضعف الجهود المبذولة لبناء التص ّ‬
‫الله لليمان والتوحيد‪ ،‬وتضعف بعد ذلك نواح عديدة في واقع العمل‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي‪ .‬وينتج عن ذلك ضعف الجهود في طرح المناهج وبناء التخطيط‬


‫ورسم الدرب‪ ،‬حين تنشغل الطاقات في ميادين الخلفات الفكرية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لذلك نعتبر هذه القضّية هي القضّية الولى في العمل السلمي‪ ،‬والهدف‬


‫الثابت الول من أهدافه‪ ،‬لبناء التصور الحقّ لليمان والتوحيد‪ ،‬ولتصحيح‬
‫ور القرآني لليمان‬‫التصورات المضطربة لدى بعض الناس‪ ،‬ولترسيخ التص ّ‬
‫والتوحيد‪ ،‬وترسيخ مبادئهما وقواعدهما‪ ،‬كما وردت في كتاب الله وسّنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسّلم‪ .‬ولكننا في الوقت نفسه ل نرى أنه يمكن‬
‫فصلهما عن سائر قضايا الدعوة‪ .‬فعلى العكس من ذلك فإننا نراها مرتبطة‬
‫مع سائر قضايا الدعوة‪ ،‬متداخلة معها‪ ،‬سواء في الناحية النظرية الفكرية أو‬
‫ق‪ ،‬وحتى‬ ‫العملية التطبيقية‪ ،‬حتى يأخذ الولء صورته المينة‪ ،‬والعهد معناه الح ّ‬
‫تمضي الممارسة اليمانية أقرب للتقوى‪.‬‬
‫ور اليماني في واقعنا اليوم خلل كبير‪ ،‬امتد ّ أثره إلى مختلف‬ ‫لقد أصاب التص ّ‬
‫نواحي الممارسة اليمانية في حياة الناس‪ .‬لقد طغت بعض العادات‬
‫والعراف على نصوص الدين‪ ،‬ودخلت البدع في بعض نواحي السلوك‪،‬‬
‫وتخّلى الكثيرون من المسلمين عن الشعائر كّلها أو بعضها‪ ،‬ومارس بعضهم‬
‫أشكال ً من الفسق‪ ،‬ومع ذلك ظّلوا في واقع العالم السلمي طبقة " عائمة "‬
‫ل مراكز ومواقع‪ ،‬قد يستغلها كثير من المجرمين والمفسدين في‬ ‫تائهة‪ ،‬تحت ّ‬
‫الرض‪.‬‬
‫ور اليماني الحقّ يرسمه الله منهاج الله قرآنا ً وسّنة‪ .‬فمن أجل هذه‬ ‫التص ّ‬
‫الحقيقة الكونّية الكبرى بعث الله النبيين والمرسلين‪ ،‬وأنزل الكتب السماوية‪،‬‬
‫ومن أجلها بعث الله محمدا ً صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء والمرسلين‪،‬‬
‫ة بشيرا ً ونذيرًا‪ .‬فجاء منهاج الله ـ قرآنا ً‬
‫وأنزل عليه الكتاب ليبلغه للناس كافّ ً‬
‫صل هذه القضّية الكبرى والحقيقة الكبرى تفصيل ً‬ ‫وسّنة ـ باللغة العربية ليف ّ‬
‫خاتما ً جامعا ً ل يترك لحد العذر في التفلت إل أن تقوم عليه الحجة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪-2‬هجر الكثيرين لمنهاج الله وغيابه عن أداء دوره الحقيقي ‪(3):‬‬
‫قرون طويلة غاب منهاج الله فيها عن واقع المسلمين‪ .‬وكادت اللغة العربية‪،‬‬
‫نفسها تغيب في موجات اللغات العامية واللغات الجنبية‪ .‬فزاد الجهل باللغة‬
‫ف العلم‬
‫من الجهل بكتاب الله وسّنة رسوله‪ ،‬حتى عجمت اللسن وج ّ‬
‫وهبطت العزائم‪.‬‬
‫من خلل هذا الوهن الممتد ّ في المة نشأت الحركات السلمية لتعالج قضايا‬
‫عديدة‪ .‬ورفعت أجمل الشعارات وأحّبها للنفوس‪ .‬ولكن الواقع لم يكشف عن‬
‫دور حقيقي لكثير من الشعارات‪ ،‬ول عن مناهج تطبيقية عملية تعالج هذا‬
‫الضعف أو ذاك‪ .‬وغلب على بعض الناس جهود ارتجالية ل تحمل عمق العلج‪.‬‬
‫فامتد ّ المرض في واقع المة حتى يومنا هذا لنلمس آثار المراض في الهزائم‬
‫المتتالية والنكبات المتلحقة‪.‬‬
‫كان لمنهاج الله الدور الول في بناء الجيل المؤمن في مدرسة محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬فهل قام منهاج الله اليوم في واقعنا بالدور نفسه؟ وهل أخذ‬
‫مكانه الحقّ في النهج والتخطيط ؟ هل عادت القلوب تنهل منه؟‬
‫إن غياب منهاج الله ـ قرآنا ً وسّنة ولغة عربية ـ زاد من خلل التصور في‬
‫اليمان والتوحيد‪ ،‬وضاعف العلل والمراض‪ .‬وأصبح الضعف هنا يزيد من‬
‫الضعف هناك‪ ،‬والضعف هناك يزيد من الضعف هنا‪ ،‬في تأثير متبادل بين هذا‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الضعف وذاك‪.‬‬
‫كثير من الناس ُيقبلون على كتاب الله في شهر رمضان أو في المواسم‪،‬‬
‫يهزون رؤوسهم مع التلوة دون أن تهتز قلوبهم أو تخشع نفوسهم‪ .‬ومنهم من‬
‫حسب كتاب الله وقف على العلماء‪ ،‬وأن الله خلقهم جهلء ليبقوا جهلء مع‬
‫العامة من الناس ل ينهضون لواجب أو تكليف‪.‬‬
‫ومنهم من رأى أن يأخذ بالقرآن وحده دون السّنة‪ ،‬أو السّنة يلتزمها أكثر من‬
‫كتاب الله‪ُ ،‬يفّرقون منهاج الله أجزاء‪ ،‬فيأخذون ويذرون‪.‬‬
‫ومنهم من انحصرت صلته في كتاب الله في آيات متفّرقة يأخذونها من هنا‬
‫ومن هناك‪ .‬حتى غلبت كلمة " الثقافة " على " العلم "‪ ،‬كأن السلم ثقافة‬
‫عامة ُيكتفى من أجلها بقدر محدود يسد ّ حاجة الندوات والمجالس ول يسد ّ‬
‫حاجة النفوس لبنائها والجيال لعدادها‪ .‬فاستبدل بعضهم الكتب البشرية‬
‫ل محّله‪ ،‬وأّنى لكتاب بشري أن يقوى على ذلك‪ .‬وظّلت‬ ‫بمنهاج الله لتح ّ‬
‫قق‬ ‫دد ول يح ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الكتب البشرية ُتمّثل في معظمها جهدا فردي ّا ل يخضع لنهج مح ّ‬
‫ونت مدارس شّتى‬ ‫ددت المصادر للشباب المسلمين وتك ّ‬ ‫ددة‪ ،‬فتع ّ‬‫مة مح ّ‬
‫مه ّ‬
‫ومذاهب متفرقة ل تخضع لمناهج مدروسة فتنافرت الثقافات والمفهومات‪،‬‬
‫وتنافرت القلوب والرواح‪.‬‬
‫‪-3‬جهل الواقع وعدم وعيه ودراسته ‪(4):‬‬
‫قرون طويلة مّرت على المسلمين وهم في غفوة ساهون ل يدرون ما يجري‬
‫حولهم ول أمامهم ول خلفهم‪ .‬لم يعد الواقع الذي يعيشونه مصدر تدّبر‬
‫دم الموعظة الجلّية والية البّينة‪ ،‬حتى تزداد القلوب إيمانا ً ويقينًا‪،‬‬ ‫ودراسة ليق ّ‬
‫وتزيد إخباتا ً لرّبها وخشوعا‪ .‬لقد أغمض المسلمون عيونهم عن الواقع حتى‬
‫ً‬
‫ن‪ .‬فما‬‫وجدوا أنفسهم في لهيب الفتنة‪ ،‬استزلهم إليها شياطين النس والج ّ‬
‫عادوا يعرفون العدوّ من الصديق‪ ،‬والغادر من المين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولقد كان جهلهم بالواقع سببا ً من أسباب أخطاء متراكمة في ممارسة دينهم‬
‫وإيمانهم‪ .‬يخالفون الدين ويحسبون أنهم على صراط مستقيم‪ُ .‬يستدرجون‬
‫ل العداء بينهم ينشرون الفتنة والفرقة‬ ‫إلى الضللة وهم ساهون‪ .‬وينس ّ‬
‫والشحناء والبغضاء‪ ،‬فيتهافتون فيها كتهافت الفراش في النار‪.‬‬
‫إذا استعرضنا تاريخنا لقرون خلت نجد هذه الظاهرة جلّية‪ ،‬ونجد أخطارها‬
‫بارزة واضحة‪ .‬فلقد كان من أوضح نتائج جهلنا بالواقع أن طعّنا أنفسنا‪،‬‬
‫وأسهمنا بأيدينا في كثير من نكباتنا‪ .‬ألم ُيسهم بعض المسلمين في إسقاط‬
‫الخلفة ؟! ألم يرفع بعض المسلمين شعارات مناهضة للسلم ؟! ألم يفتح‬
‫بعض المسلمين صدروهم وقلوبهم لعداء السلم؟!‬
‫وفي واقع العمل السلمي اختلطت المور كثيرًا‪ .‬ولعب الجهل بالواقع دورا ً‬
‫س المنافقون والعداء واتتهم الفرصة‬ ‫ل فيه من نكبات‪ .‬واند ّ‬ ‫واسعا ً فيما ح ّ‬
‫ددوا الطعنة وعّلقوا المشانق‪ ،‬ذلك كّله من خلل غفوة‬ ‫فأحكموا الضربة وس ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وجهل واضطراب‪ .‬أسباب كثيرة وليس سببا واحدا‪ ،‬كانت وراء عدد من‬
‫ن جهل الواقع كان أحد السباب الهامة‪.‬‬ ‫النكبات والمصائب‪ .‬ولك ّ‬
‫ودراسة الواقع ل تعني مطالعة صحيفة أو الستماع إلى إذاعة فحسب‪ ،‬ولكّنها‬
‫جهد ومعاناة‪ .‬ودراسات وأبحاث‪ ،‬ت َُرد ّ أحداث الواقع إلى منهاج الله رد ّا ً أمينًا‪.‬‬
‫ومن خلل ذلك الجهد المبارك‪ ،‬من خلل منهاج الله‪ُ ،‬يفهم الواقع‪ .‬والواقع‬
‫يراه العلماني من خلل معتقداته فتكون له رؤيته الخاصة به‪ ،‬والقومي كذلك‪،‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكذلك سائر أصحاب النظريات المضطربة‪ .‬أما المؤمن فله نظرته الخاصة‬
‫ورؤيته المتميزة‪ ،‬ووعيه اليماني العميق للواقع‪ ،‬يتفرد به عما سواه بالعمق‬
‫والنهج المستقيم‪ .‬وقد تلتقي رؤية غيره من خلل اعوجاجها مع رؤيته‬
‫ل مختلفا ً كل الختلف‪ .‬فنتيجة‬ ‫ن النهج يظ ّ‬ ‫المستقيمة في نقاط محددة‪ ،‬ولك ّ‬
‫الضغط الرهيب للفكار المنحرفة‪ ،‬ونتيجة لجهل الدعاة بالواقع أحيانًا‪ ،‬ونتيجة‬
‫إلى ضعف الزاد من منهاج الله‪ ،‬نتيجة لهذا كّله انحرفت رؤية بعض الدعاة‬
‫المسلمين للواقع‪ ،‬فرأوه بغير منظار اليمان والتوحيد‪ ،‬وبغير ميزان منهاج‬
‫ل شعار غربي جديد‪ ،‬فريق رفع "‬ ‫الله‪ .‬فمنهم من أخذ ُيعلي من شأن ك ّ‬
‫الشتراكية " وانساق مع دعايتهم حتى لبس رداءها وصبغها بطلء إسلمي‪.‬‬
‫ب فريق يجعل من القومية شعارا ً إسلميًا‪ ،‬وبعد‬ ‫ولما انتهت هذه النغمة ه ّ‬
‫ب آخرون يجعلون الديمقراطية سّنة من سنن الرسول صلى الله عليه‬ ‫حين ه ّ‬
‫وسّلم‪ ،‬أو دعوة حضارية أو لحنا إسلميا‪ .‬أحد الدعاة يقول ‪ " :‬نحن مع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ل أبعادها ومعانيها ")‪ .(5‬وآخرون انغمسوا في ممارسة‬ ‫الديمقراطية بك ّ‬
‫الديمقراطية بعد تمّنع وترّدد‪ .‬وآخرون سقطوا في العلمانّية ومذاهبها‪،‬‬
‫والحداثة ومذاهبها‪.‬لقد اختلطت الوراق في الساحة السلمية اختلطا ً عجيبا‪ً،‬‬
‫وحار كثيرون فيما يرون و يسمعون‪ ،‬وزادت البلبلة والنقسام‪.‬‬
‫لقد برز هذا الخلل في واقع المسلمين عامة‪ ،‬وكذلك في واقع العمل‬
‫السلمي‪ ،‬وفي تباين وجهات النظر واختلف الرؤية‪ ،‬حين كانت العاطفة‬
‫والرتجال‪ ،‬وعدم توافر الدراسات المنهجّية العميقة‪ ،‬وعدم رد ّ الواقع إلى‬
‫ون الرؤية للواقع‪ ،‬والنظرة‬ ‫منهاج الله‪ ،‬حين كان هذا كّله هو الذي يك ّ‬
‫للحداث‪ .‬وحسبنا أن نسأل أين هي الدراسات اليمانية المنهجّية للواقع؟!‬
‫‪ -4‬اضطراب الممارسة والتطبيق ‪:‬‬
‫من البداهة أن يضطرب العمل وتختلط الممارسة ويتناقض التطبيق‪ ،‬حين‬
‫ور اليماني‪ ،‬والجهل بمنهاج الله‬ ‫م خلل التص ّ‬ ‫م آفات إلى آفات‪ ،‬حين ينض ّ‬ ‫تنض ّ‬
‫م هذا كله بعضه إلى بعض فكيف تستقيم الممارسة‬ ‫ّ‬ ‫والجهل بالواقع‪ ،‬حين ينض ّ‬
‫ويصدق العمل؟!‬
‫لقد أّدى هذا الوهن إلى أخطاء تراكمت مع الزمن لم تجد فرصة للعلج ول‬
‫قدرة على المواجهة ول سبيل ً للصلح‪ .‬تراكمت الخطاء حتى سكت الناس‬
‫م أصبحت عادة يفوق حكمها‬ ‫سنًا‪ ،‬ث ّ‬
‫ح ْ‬ ‫م ألفوها وحسبوها ُ‬ ‫م اعتادوها‪ ،‬ث ّ‬ ‫عنها‪ ،‬ث ّ‬
‫م أصبحوا ُدعاة ً لها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫الشرعي‪،‬‬ ‫ص‬
‫حكم الن ّ‬
‫كان من أبسط هذه الخطاء‪ ،‬على خطورتها في ميزان السلم‪ ،‬انتشار الغيبة‬
‫حرمة‬ ‫والنميمة والفتراء والظلم بين المسلمين‪ ،‬حتى لم يعد لعرض المسلم ُ‬
‫ن الذي نهى عنه السلم حتى جعله بعضهم‬ ‫عى بين إخوانه‪ .‬ولقد غلب الظ ّ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫م اتخذ بسببه موقفا وسلوكا وقرارا‪ .‬وتمضي السنون تعمل فيها الفتنة‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يقينا‪ ،‬ث ّ‬
‫ن والهوى‪ ،‬والقيل والقال‪ ،‬وما تبّين ول‬ ‫حتى يكتشف المسلم أنه اتبع الظ ّ‬
‫تحقق‪ ،‬وأنه والى قريبا ً أو صديقا ً على باطل‪ ،‬فآذى بذلك نفسه وآذى‬
‫المسلمين وأشعل نار الفتنة والفساد‪ .‬قواعد إيمانية كثيرة يحفظها معظم‬
‫المسلمين في الرض‪ ،‬ولكن ل يطبقونها كما يأمرهم بها الله‪ .‬معظم‬
‫المسلمين يعلمون قول الله سبحانه وتعالى ‪ ) :‬إّنما المؤمنون إخوة … (‪،‬‬
‫وحديث رسول الله صلى الله عليه وسّلم‪ ) :‬المسلم أخو المسلم … (‪ ،‬ولكن‬
‫أين التطبيق والممارسة‪ ،‬وأين حقيقة الخوة اليمانية‪ ،‬وأين الموالة بين‬
‫المؤمنين؟!‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد تمّزقت الروابط اليمانية بصياغتها الرّبانية‪ ،‬وأخذت صورتها الجاهلية‬


‫ب الديار والهل إلى عصبية قومية جاهلية‪،‬‬ ‫ولت ح ّ‬ ‫وصياغتها الجاهلية‪ .‬تح ّ‬
‫تصوغها الهواء والعواطف بعيدة عن نداوة اليمان‪ .‬فتمّزقت الحركة‬
‫السلمية الواحدة إلى فرق شّتى‪ ،‬وتمّزقت الدعوة السلمية إلى مذاهب‬
‫ل العداء الجميع‬ ‫متناحرة‪ ،‬وتمّزقت المة كّلها إلى أقطار متصارعة‪ ،‬واستذ ّ‬
‫وهانت المة وتناهبتها شعوب الرض‪.‬‬
‫حاجز سميك وقف بين العلم والتطبيق‪ .‬لم يعد الجهل وحده مصدر وهن‬
‫ور اليماني خلل‪،‬‬ ‫قد َ بركته وخيره‪ ،‬حين أصاب التص ّ‬ ‫ن العلم فَ َ‬
‫وهلك‪ .‬ولك ّ‬
‫وحين غلبت الهواء‪ ،‬وانتشرت المعاصي‪ ،‬وعل القلوب الران‪.‬‬
‫م‬‫مسلم يهاجم القومية والديمقراطية في مرحلة من مراحل دعوته‪ ،‬ث ّ‬
‫ينغمس في ممارستها‪ .‬وآخر يقول ‪ " :‬إذا كانت القومّية تعني أن ينهج‬
‫الخلف منهج السلف‪ ،‬وأن عظمة الب مما يعتّز به البن‪ ،‬وإذا كان يقصد‬
‫بالقومية أن عشيرة الرجل وأمته أولى الناس بخيره‪ ،‬فهذا أمر يوافقه‬
‫السلم "‪ .‬ألفاظ محببة إلى النفوس‪ .‬ولكّنها عائمة ل تهدي إلى سواء‬
‫السبيل‪ .‬فمن هم الخلف ومن هم السلف ومن هي عشيرته ؟ أهم أهل‬
‫بلده وقطره خاصة؟! وما هو النهج الذي ي ُّتبع ؟! وأما الله سبحانه وتعالى فقد‬
‫قال‪:‬‬
‫) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال‬
‫ب إليكم من الله‬ ‫اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أح ّ‬
‫ورسوله وجهاد في سبيله فترّبصوا حتى يأتي الله بأمره والله ل يهدي القوم‬
‫الفاسقين (‬
‫] التوبة ‪[ 24 :‬‬
‫‪ -5‬غياب الميزان ورد ّ المور إلى منهاج الله ‪:‬‬
‫إن ما عرضناه في الصفحات السابقة من خلل في التصور اليماني وجهل‬
‫بمنهاج الله وجهل بالواقع أدى بصورة حتمية إلى اضطراب الممارسة في‬
‫الواقع كما عرضنا قبل قليل‪ .‬ومن أهم مظاهر هذا الضطراب هو غياب "‬
‫الميزان " من أيدي الناس‪ ،‬وغيابه عن فكرهم وعملهم‪ ،‬ولهمية وجود "‬
‫الميزان " في واقع الحياة أفردنا له فقرة خاصة للتأكيد‪ ،‬وليكون إفراده هنا‬
‫سببا ً في تقدير خطورة هذا المر‪ ،‬وأهمية بنائه في واقع المسلمين‪.‬‬
‫دد به منازل الناس وأقدارهم‪ ،‬ووسعهم‬ ‫" الميزان " الذي نعنيه هو ما تح ّ‬
‫وطاقتهم‪ .‬إنه مجموعة السس اليمانية والقواعد الربانّية التي تضبط حكم‬
‫الناس على الناس‪ ،‬واختيارهم لهذا المر أو ذاك‪.‬‬
‫لقد كشفت ممارسة النتخابات في واقع المسلمين خطورة غياب هذا‬
‫دمون بأموالهم وأنسابهم‪ ،‬وعائلتهم وعلقاتهم‬ ‫الميزان‪ ،‬فصار الناس يتق ّ‬
‫ّ‬
‫وتهم ونفوذهم من خلل ذلك كله‪ .‬وأصبحت‬ ‫ومصالحهم‪ ،‬وأحزابهم‪ ،‬ومدى ق ّ‬
‫مونها‪ ،‬هي التي تسود وتحكم‪ ،‬وترفع‬ ‫قواعد " اللعبة " الديمقراطية‪ ،‬كما ُيس ّ‬
‫وتخفض‪ ،‬بدل ً من القواعد اليمانية التي اختفت من الصدور ومن ميدان‬
‫الممارسة‪.‬‬
‫لم يكن النتخابات هي الساحة الوحيدة التي غاب عنها الميزان‪ .‬فقد غاب‬
‫الميزان عن معظم الساحات إن لم يكن كّلها‪ .‬وصار من السهل تسّرب‬
‫قواعد مضطربة وعلقات متشابكة لتحكم في ساحة الممارسة‬
‫والتطبيق‪،‬حتى ولو حملت شعارا ً إسلمي ًّا‪.‬‬
‫ول يقتصر الميزان على تحديد " منازل الرجال " وتحديد المسؤوليات‬
‫والواجبات‪ ،‬فإذا صورته العامة تتسع لتوزن به قضايا المة وأحداثها‪ ،‬وليصبح "‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الميزان " في حقيقة أمره هو المنهاج الرّباني الذي يجب أن تُرد ّ القضايا كّلها‬
‫ور اليماني وجفاف العلم بمنهاج الله‬ ‫إليه‪ .‬فمن خلل اضطراب التص ّ‬
‫سر رد ّ‬‫والغيبوبة عن الواقع وما يدور فيه‪ ،‬من خلل ذلك لم يعد من المتي ّ‬
‫المور إلى منهاج الله‪ .‬وبسبب ذلك غلب الهوى‪ ،‬حين لم يعد أمام الكثيرين‬
‫إل أهواؤهم ومصالحهم الخاصة ليرّدوا القضايا إليها‪ ،‬ولينظروا إلى الواقع من‬
‫خللها‪ .‬فاختلطت الحدود والمنازل‪ ،‬واضطربت المسؤوليات والواجبات‪ ،‬وساء‬
‫تقدير الواقع والحداث‪ ،‬واختلت الحكام‪ ،‬حين أخذ الكثيرون يصدرون عن‬
‫وراتهم البشرية وما حملوه من نزوات وأهواء‪.‬‬ ‫تص ّ‬
‫ور اليماني ـ وهي رد ّ المور إلى منهاج الله ـ‬ ‫هذه القضّية الخطيرة في التص ّ‬
‫ظها العادل المين في مناهج التربية إذا وجدت تلك المناهج !‬ ‫لم تأخذ ح ّ‬
‫فنشأت أجيال كثيرة ل تعرف هذه القضّية ول تشعر بخطورتها ول تقوى على‬
‫ممارستها‪ .‬غابت هذه القاعدة عن مناهج التربية وربما غابت المناهج ذاتها‪،‬‬
‫وغابت عن مناهج التدريب‪ ،‬وربما غاب التدريب ذاته‪.‬‬
‫وكان من أول النتائج هو زيادة النكبات وتوالي المآسي وامتداد الظلم‪ ،‬في‬
‫ساحة واسعة ل تكاد تعرف إل الشعار‪ ،‬وتكاد تغيب فيها قواعد اليمان شيئا ً‬
‫فشيئًا‪.‬‬
‫ددها ميزان أمين‪،‬‬ ‫ومن نتائج ذلك أيضا ً هو عدم معرفة الخطاء حين لم يعد يح ّ‬
‫وعدم توافر القدرة على معالجتها‪ .‬فأخذت الخطاء تتراكم في ساحة العمل‬
‫السلمي حتى أصبحت ركاما ً يحجب الرؤية ويضّلل الناظر‪ .‬وربما اعتاد‬
‫م رغبوا به وأجازوه‪.‬‬
‫الناس الخطأ حتى ألفوه‪ ،‬ث ّ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫جرى بعض المحاولت الرتجالية لمعالجة خطأ هنا أو هناك‪ ،‬فإذا‬ ‫وقد ت ُ ْ‬
‫المعالجة تزيد الخطأ بدل ً من أن تعالجه‪ ،‬وتورث الفتنة والشقاق‪ .‬ذلك لن‬
‫المعالجة تأخذ حادثة أو بعض الحوادث‪ ،‬فيدور حولها الخلف والشقاق‪ ،‬ول‬
‫ُتعالج القواعد الخاطئة والساليب المريضة والمناهج المضطربة‪.‬‬
‫‪ -6‬غياب النهج والتخطيط ‪:‬‬
‫ن من أهم أخطاء العمل‬ ‫من السهل أن ندرك الن‪ ،‬بعد العرض السابق‪ ،‬أ ّ‬
‫ّ‬
‫السلمي هو غياب النهج والتخطيط عن معظم ميادين العمل أو كلها‪.‬‬
‫كيف ينشأ التخطيط والنهج إذا عانى المسلمون من جهل بمنهاج الله وجهل‬
‫بالواقع‪ ،‬واضطراب في التصور اليماني والممارسة اليمانية‪ .‬إن الرتجال‬
‫ن الهواء‬ ‫وردود الفعل هي النتيجة الحتمية لهذا الضطراب والجهل‪ ،‬وإ ّ‬
‫وتزاحم الشعارات هي المظهر الرئيس لهذا الخلل والوهن‪ ،‬وإن الختلف‬
‫والشقاق هو ثمرة ذلك كّله‪ ،‬ثمرة مّرة مؤذية‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومها على أسس ثلث ‪ :‬العقيدة العامة‬ ‫إننا نستطيع أن ندرس أي حركة أو نق ّ‬
‫سكها بها وخضوعها لها‪،‬‬ ‫التي تحكمها‪ ،‬الطاقة البشرية التي تحملها ومدى تم ّ‬
‫النهج الذي تضعه الطاقة البشرية على أساس من عقيدتها وواقعها‪.‬‬
‫ل ما يتبعهما ويرتبط‬ ‫ففي حالة الحركات السلمية فإن اليمان والتوحيد مع ك ّ‬
‫بهما وعلى ضوء ما يعرضهما منهاج الله كما جاءا باللغة العربية‪ ،‬يمثلن‬
‫ل حركة إسلمية وعلى أساس من هذا‬ ‫العقيدة العامة التي يجب أن تحكم ك ّ‬
‫المنهاج الرباني واليمان الذي يعرضه‪ ،‬وعلى أساس الواقع الذي تعيشه‬
‫الطاقة البشرية‪ ،‬الواقع الذي تدرسه من خلل منهاج الله‪ ،‬على هذين‬
‫الساسين يقوم النهج والتخطيط الذي يجب أن تضعه الطاقة المؤمنة‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البشرية‪.‬‬
‫إن هذا النهج يجب أن ينطلق من النية الخالصة لله سبحانه وتعالى‪ ،‬ثم يرسم‬
‫م يكون من واجب كل‬ ‫دد كذلك الهداف كّلها‪ .‬ث ّ‬ ‫الدرب الذي يسير عليه‪ ،‬وُيح ّ‬
‫فرد في الدعوة السلمية أن يطمئن هو بنفسه عن ارتباط الدرب والوسائل‬
‫والساليب بالهداف‪ ،‬فل يتجه الدرب شرقا ً وتكون الهداف غربًا‪ .‬وأن يطمئن‬
‫كذلك إلى ارتباط هذا كّله بمنهاج الله وقواعد اليمان والتوحيد‪ .‬إنها مسؤولية‬
‫سب بين يدي الله العزيز الجّبار ل يغني أحد ٌ عن‬ ‫ل إنسان فهو الذي سيحا َ‬ ‫ك ّ‬
‫أحد ٍ شيئا‪ً.‬‬
‫دده منهاج الله‪ ،‬ومنها ما هو مرحلي يضعه‬ ‫والهداف منها ما هو ثابت ح ّ‬
‫النسان على أساس من منهاج الله والواقع‪ ،‬لينقله من هدف ثابت إلى هدف‬
‫ثابت‪ .‬ويكون الهدف الكبر والسمى هو الجّنة والدار الخرة وطاعة الله‬
‫ورضاه‪ .‬هذا الهدف الكبر والسمى ترتبط به جميع الهداف الثابتة وتقود‬
‫إليه‪ ،‬وترتبط به جميع الهداف المرحلية‪.‬‬
‫ولقد كان من أثر غياب النهج والتخطيط‪ ،‬ليس تفّرق الحركات السلمية‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما تفّرق الميادين في الحركة الواحدة‪ .‬لقد ساء حال المسلمين‬
‫حتى تفّرقت المة إلى شعوب وأقطار متنابذة‪ ،‬وتفّرق العمل السلمي إلى‬
‫م تمّزقت‬ ‫حركات متصارعة‪ ،‬وتفّرقت الحركة الواحدة أحزابا ً وشيعًا‪ ،‬ث ّ‬
‫الميادين والساحات حتى أصبحت كأنها مفتحة لولوج أعداء الله‪.‬‬
‫‪ -7‬الضطراب الفكري وتعدد التجاهات‪ ،‬والضطراب النفسي ‪:‬‬
‫من خلل الوهن الذي عرضناه‪ ،‬استطاعت أفكار كثيرة أن تتسّلل؟ إلى قلب‬
‫ل الزينة والزخارف‪ ،‬في ظروف كانت الحالت‬ ‫الدعوة السلمية تحمل ك ّ‬
‫ّ‬
‫النفسية فيها وردود الفعل المتوّقعة تساعد على تقّبل هذه الفكار المتسللة‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك ما يتوّلد في داخل الحركة نفسها من أفكار منحرفة نتيجة‬
‫ددناه سابقًا‪ .‬فيجتمع انحراف إلى انحراف‪ ،‬وتختلط المور‬ ‫الضعف الذي ع ّ‬
‫حتى يصعب على الفرد أن ُيمّيز بين النحراف وغيره‪ .‬وقد يصعب المر على‬
‫الفرد العادي‪ ،‬ويصعب كذلك على مستويات أعلى‪ .‬وزاد من ذلك وقوع نكبات‬
‫س دفعت بعض النفوس دفعا ً إلى هذا النحراف الفكري أو ذاك‪ .‬وقد‬ ‫ومآ ٍ‬
‫ساعدت الظروف الجتماعية والسياسية وسهولة وسائل المواصلت والضغط‬
‫ل اتجاهات النحراف على ذلك كّله على قدر من‬ ‫ذي ك ّ‬ ‫الدولي الهائل الذي ُيغ ّ‬
‫الله حقّ وقضاء نافذة‪.‬‬
‫ولقد كان من أخطر الفكار التي تسّللت‪ :‬الوطنية والقومية والقليمية‬
‫والديمقراطية والشتراكية مع جميع صورها المنحرفة عن اليمان والتوحيد‪،‬‬
‫ن‬
‫حتى أخذ بعضهم يبحث في السلم عن الدلة الشرعية لها‪ .‬ونحن ل ننكر أ ّ‬
‫حّببه إلى‬
‫أيّ فكر في الرض مهما كان نوعه فل بد ّ من أن يحمل زخارف ت ُ َ‬
‫قبل به أو ن َْرفض‪ .‬إن‬ ‫الناس‪ .‬ولكن هذه الزخارف ليست هي الميزان الذي ن َ ْ‬
‫دد الفكر‬ ‫ح ّ‬‫الميزان هو منهاج الله‪ .‬فنرفض أن تصبح القومية عصبية ت ُ َ‬
‫والمذهب والحقوق والواجبات‪ .‬وننكر أن تصبح الوطنية وثنا ً ي ُْعبد من دون‬
‫الله‪ ،‬ويزيح أحكام الدين وسلطان السلم‪.‬‬
‫أما بالنسبة للشتراكية والديمقراطية وأمثالهما‪ ،‬فإن أحسن ما يظّنه دعاتها‬
‫دمه السلم للنسان على‬ ‫فيها‪ ،‬وما يتوهمه أصحابها‪ ،‬هو أقل بكثير مما يق ّ‬
‫الرض‪ ،‬وإن الشّر الذي تحمله من علمانية وشرك هو أسوأ ما يحاربه السلم‬
‫!‬
‫‪ -8‬ضعف التكوين الداخلي والروابط اليمانية وغياب النظام الداري ‪:‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ل نقصد بذلك الروابط التنظيمية في واقع العمل السلمي فحسب‪ .‬فهذه قد‬
‫تقوى وتضعف متأثرة بعوامل متعددة ومتأثرة بجميع عوامل الضعف التي‬
‫سبق ذكرها‪ .‬فقد تقوى الروابط التنظيمية حتى تصبح عصبية جاهلية‪ ،‬تزيد‬
‫انحراف الدعوة وتزيد من تمّزقها‪ ،‬وتصبح مظهر ضعف وانحراف ومصدر فتنة‬
‫وشقاق‪ .‬وتضطرب معاني الخوة في الله والموالة بين المؤمنين اضطرابا ً‬
‫واسعًا‪.‬‬
‫لقد اضطربت العلقات والروابط اليمانية كلها اضطرابا ً واسعا ً حين صاغ هذه‬
‫العلقات والروابط أفكار متضاربة ومذاهب متصارعة ونزعات هائجة‪ .‬لم يعد‬
‫ب‬‫اليمان والتوحيد‪ ،‬ول الولء الخالص لله‪ ،‬ول العهد الول مع الله‪ ،‬ول الح ّ‬
‫الكبر لله ولرسوله‪ ،‬لم يعد هذا وغيره من قواعد اليمان وقواعد المنهاج‬
‫الرباني يصوغ الروابط والعلقات‪ .‬فاضطربت تبعا ً لذلك‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬قواعد‬
‫السمع والطاعة‪ ،‬والعلقات بين القيادة والقواعد‪ ،‬حتى تباينت بين تعظيم‬
‫مغالى فيه‪ ،‬وبين تهوين مفرط ومسيء‪ .‬وفي كلتا الحالتين فتنة وبلء‪.‬‬
‫لقد غاب النظام الداري الذي يوّفر نظام المتابعة والمراقبة والشراف‪،‬‬
‫ونظام التوجيه والنصح العملي التطبيقي‪ ،‬ونظام المعالجة والمحاسبة‬
‫م ذلك كّله بصورة منهجّية مدروسة محددة تحقق أهدافها‬ ‫والتذكير‪ ،‬ليت ّ‬
‫وغاياتها اليمانية‪ .‬لقد غاب النظام الداري اليماني القائم على منهاج الله‬
‫والملّبي لحاجات الواقع‪ ،‬والذي يبّين قواعد الحكام والجزاءات والوسائل‬
‫والساليب في ميدان التطبيق لينمو مع الممارسة‪.‬‬
‫لقد أدى هذا الخلل الكبير إلى تسلل أفراد إلى مواقع ل يحقّ لهم بلوغها‪،‬‬
‫لعدم توافر شروطها فيهم‪ ،‬وكذلك أّدى إلى أن تخسر الدعوة طاقات‬
‫ومواهب كثيرة قتلتها الفوضى الدارية والتحاسد والتباغض والتناجش‬
‫والصراع على الدنيا وزخارفها وعصبياتها‪.‬‬
‫‪ -9‬عدم انتقال الدعوة السلمية إلى ميدان القادة الدوليين ول إلى‬
‫شعوبهم ‪:‬‬
‫دت الدعوة السلمية إلى أقطار متعددة في أوروبا وأمريكا وأفريقيا‬ ‫لقد امت ّ‬
‫ُ‬
‫وآسيا‪ .‬وقامت مراكز إسلمية متعددة‪ ،‬وهيئات وحركات ومنظمات‪ .‬وأقيمت‬
‫مساجد يدّوي منها الذان والتكبير‪ .‬وذلك كّله فضل من الله ونعمة‪ .‬ولكن‬
‫النتائج التي بلغتها الدعوة السلمية بين تلك الشعوب وبين قادتها كانت أق ّ‬
‫ل‬
‫مما ترجوه القلوب المؤمنة‪ .‬و إنك لتجد أن معظم القادة الدوليين ل يدركون‬
‫حقيقة السلم‪ ،‬بالرغم من اتساع أفق بعضهم في الثقافة والتجربة‪ .‬فحين‬
‫يتحدث غورباتشوف في كتابه " البيروسترويكا " يبّين أن هنالك عقيدتين‬
‫م ينظر نظرة عطف وإشفاق‬ ‫وخطين في العالم هما الشيوعية والرأسمالية‪ ،‬ث ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على دول العالم الثالث‪ ،‬متجاهل ً السلم عقيدةً ونهجا وفكرا‪ .‬وكذلك يفعل‬
‫دث أحدهم عن السلم حسب السلم ما يراه من واقع‬ ‫قادة الغرب‪ .‬وإذا تح ّ‬
‫المسلمين اليوم‪ ،‬أو حسب السلم كالمسيحية دين طقوس وشعائر ل علقة‬
‫له بمنهج الحياة البشرية السياسي أو القتصادي أو غير ذلك‪ ،‬أو رأى في‬
‫السلم قوة إرهاب وتسّلط‪ ،‬أو غير ذلك من الفكار التي ُيزّينها شياطين‬
‫ن‪.‬‬
‫النس والج ّ‬
‫شغلت معظم الحركات في كثير من الحيان بالدعوة إلى أفكارها‬ ‫لقد ُ‬
‫شغلت بالدعوة إلى الله ورسوله وإلى حقائق‬ ‫الخاصة وحركاتها أكثر مما ُ‬
‫شغلت ببناء المة‬ ‫ت بالخلفات بينها أكثر مما ُ‬ ‫شغل ْ‬ ‫اليمان والتوحيد‪ .‬و ُ‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمة الواحدة في الرض‪.‬‬


‫شغلت المة كّلها بغير الدعوة إلى اليمان والتوحيد‪ ،‬إلى الله ورسوله‪ .‬ولقد‬ ‫و ُ‬
‫صلة في جميع‬ ‫دد منهاج الله علقة المسلم مع غير المسلم بصورة مف ّ‬ ‫ح ّ‬
‫الظروف والحوال‪ ،‬حتى تستقيم العلقات على جميع المستويات على نهج‬
‫إيماني‪ .‬وأول هذا النهج هو الدعوة إلى الله ورسوله هو البلغ والبيان‪،‬‬
‫وعرض حقائق السلم من منطلق القوة واليمان واليقين‪.‬‬
‫ن كثيرا ً من غير المسلمين يجهلون السلم‪ ،‬سواء أكانوا من العامة أم‬ ‫إ ّ‬
‫الرؤساء‪ .‬ولو أنهم عرفوا السلم كما أنزله الله لخفت عداوتهم وأحقادهم أو‬
‫عداوة بعضهم على القل‪ .‬إن كثيرا ً من الحقاد تتوارثها الجيال عن الجيال‬
‫في الشعوب غير المسلمة‪ ،‬تغرسها فيهم عصابات الجرام والظالمون‬
‫المترفون فيهم‪.‬‬
‫ن الله يهدي من يشاء‪ ،‬ولكننا مكلفون بحمل هذه المانة العظيمة وتبليغ‬ ‫إ ّ‬
‫الرسالة إلى الناس كاّفة‪ .‬فإن قصرنا في ذلك فنحن الثمون‪ ،‬نجني حصاد‬
‫تقصيرنا فيما نراه من نكبات وابتلء‪.‬‬
‫ن الدعوة إلى الله ورسوله يجب أن تكون الهدف الثابت الول في حياة‬ ‫إ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المسلم‪ ،‬وفي حياة كل حركة إسلمية‪ ،‬وفي مسيرة المة المسلمة كلها‬
‫بجميع مستوياتها‪ .‬إن هذه الدعوة إلى اليمان والتوحيد هي أول الجهاد‪ ،‬وأول‬
‫خطوة فيه إلى الجّنة‪ ،‬وهي سبيل المؤمنين العاملين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫هذه ملحظات عاجلة موجزة عن أهم ما نعتقد أنه يجب النصح به في هذه‬
‫ل قضّية عرضناها هنا تحتاج إلى‬ ‫المرحلة الحاسمة من تاريخنا‪ .‬ونؤمن أن ك ّ‬
‫دراسات علمية أمينة‪ ،‬لتكون الحركات السلمية هي أول من ينقد نفسه‪،‬‬
‫وأول من يتقبل النصيحة‪ ،‬حتى تصبح تجربة العمل السلمي زادا ً ناميا ً‬
‫ل حركة من نقطة الصفر‪ ،‬حين تموت تجارب السابقين‪.‬‬ ‫للدعوة‪ ،‬فل تبدأ ك ّ‬
‫وحين نذكر هذه الملحظات ونقدم هذه النصيحة‪ ،‬نؤكد أهمية الثر الطيب‬
‫للعمل السلمي‪ ،‬كما سبق أن أشرنا له في مستهل كلمتنا هذه‪ ،‬مؤمنين أن‬
‫الجر عند الله سبحانه وتعالى‪ ،‬هو أعلم بعباده‪ ،‬وهو أرحم بهم‪.‬‬
‫وندعو الله مخلصين أن يتقبل من الدعاة‪ ،‬قادةً وأفرادًا‪ ،‬أحسن ما عملوا‪،‬‬
‫ويتجاوز عن سيئاتهم‪ ،‬إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫)‪ (1‬يراجع كتاب ‪:‬الشورى وممارستها اليمانية‪ ،‬وكتاب الدب السلمي‬
‫إنسانيته وعالميته للدكتور‪.‬‬
‫)‪ (2‬يراجع كتاب ‪:‬لقاء المؤمنين الجزء الثاني‪ .‬وكتاب التوحيد وواقعنا‬
‫المعاصر للدكتور‪.‬‬
‫)‪ (3‬يراجع كتاب ‪:‬دور المنهاج الرباني في الدعوة السلمية للدكتور‪.‬‬
‫)‪ (4‬يراجع كتاب ‪ :‬دور المنهاج الرباني في الدعوة السلمية ـ الباب السابع ـ‬
‫للدكتور‪.‬‬
‫)‪ (5‬جريدة اللواء الردنية ‪ :‬العدد ‪ 685‬السنة في ‪19/10/1406‬هـ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫معالم شخصية المرأة المسلمة‬


‫وتميزها د‪ .‬إسماعيل محمد حنفي*‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مد وعلى آله‬ ‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على نبينا مح ّ‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ُ‬
‫قَناكم‬ ‫خل ْ‬‫َ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫لقد خلق الله سبحانه الذكر والنثى لحكم ٍ جليلة‪َ )) :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫م‬‫قاك ُْ‬ ‫عند َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫ل ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ َ َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫ُ‬
‫من ذ َك َرٍ وَأنَثى وَ َ‬ ‫ّ‬
‫خِبيٌر (( )الحجرات ‪ ،( 13 :‬التكريم عند الله بسبب التقوى‬ ‫م َ‬ ‫لي‬
‫َ ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫إِ ّ‬
‫وليس بسبب الجنس ذكرا ً كان أو أنثى أو لشعب دون شعب‪.‬‬
‫وعلى ذلك فالجميع سيحصل على الثواب الجزيل على تقواه وطاعته لله‬
‫ة‬
‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ك ي َد ْ ُ‬ ‫ن فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫َ ُ‬
‫من ذ َك َرٍ أوْ أنَثى وَهُوَ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا َ‬ ‫صال ِ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫))وَ َ‬
‫قيرا(( )النساء ‪.( 124 :‬‬ ‫ً‬ ‫ن نَ ِ‬‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وَل َ ي ُظل ُ‬
‫ولكن السلم يريد من المسلمين والمسلمات التمي ٌّز بالطاعات لينالوا‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫الدرجات الُعل فيتمي ٌّزون على غيرهم‪)):‬إ ِ ّ‬
‫ت‬‫صاب َِرا ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬‫ت َوال ّ‬ ‫صادَِقا ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫قان َِتا ِ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫قان ِِتي َ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ما ِ‬ ‫صائ ِ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫مي َ‬ ‫صائ ِ ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫صد َّقا ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫صد ِّقي َ‬‫مت َ َ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫شَعا ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ه ل َُهم‬ ‫َ‬
‫ت أعَد ّ الل ّ ُ‬ ‫ذاك َِرا ِ‬ ‫ه ك َِثيرا ً َوال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ت َوال ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ظا ِ‬ ‫حافِ َ‬ ‫م َوال ْ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ظيمًا(( )الحزاب ‪.( 35 :‬‬ ‫َ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫فَرةً وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ونحن في هذا البحث نريد التركيز على المرأة المسلمة في شخصيتها‬
‫ة عن بقية النساء اختلفا ً يرقى بها ويسمو لتكون‬ ‫المتمي ٌّزة التي تجعلها مختلف ً‬
‫مثال ً يحتذى وأنموذجا ً ُيقتدى به‪..‬‬
‫ولعل أهمية بيان معالم شخصية المرأة المسلمة وتمي ٌّزها يظهر من خلل‬
‫التي‪:‬‬
‫ن المرأة لها تأثير كبير‪ ،‬ول ينكر ذلك أحد‪.‬‬ ‫•أ ّ‬
‫ة‬
‫مهان ً‬ ‫ن المرأة كّرمها الله سبحانه‪ ،‬ورفع السلم من شأنها بعد أن كانت ُ‬ ‫•أ ّ‬
‫في الجاهلية وفي بعض المجتمعات البشرية‪ ،‬وهذا التكريم السلمي للمرأة‬
‫ل بد من ظهوره على شخصيتها ومن ثم على سلوكها لتكون قدوة ً لغيرها‪.‬‬
‫• أراد دعاة الضلل والنحلل أن يتخذوا من المرأة مطية لشهواتهم‪ ،‬والمرأة‬
‫ب من ذلك‪ ،‬سعيا ً وراء إذابتها ومن ثم تفكيك المجتمع‬ ‫المسلمة لها نصي ٌ‬
‫المسلم عن طريق تفكيك الروابط السرية‪.‬‬
‫وكان ل بد من بيان مقومات ومعالم شخصية المرأة المسلمة التي تحفظ بها‬
‫نفسها وبنات جنسها وأسرتها‪.‬‬
‫• إنها محاولة لتنبيه المسلمة إلى ما أودعه الله فيها من ُقوى وإمكانات هائلة‬
‫ة في مجتمعها وتتصدى بها لسيول الضلل الجارفة‪.‬‬ ‫تحفظ بها وتكون فّعال ً‬
‫• إّنها دعوة لغير المسلمات‪ ,‬والمسلمات اسما ً وليس منهجا وسلوكا‪ ..‬أن‬
‫يتأملن في فضل المرأة المسلمة المستقيمة على سائر النساء‪ ،‬وفي ما‬
‫تجنيه من ثمرات في الدنيا والخرة نتيجة هذا التمي ٌّز‪.‬‬
‫وأتناول هذا الموضوع في مبحثين وخاتمة‪:‬‬
‫مي )معالم الشخصية( و)التمي ٌّز(‪ ،‬أوضح ما المراد‬ ‫• المبحث الول‪:‬حول مفهو َ‬
‫بهذين المصطلحين الذين وردا في عنوان البحث‪.‬‬
‫• المبحث الثاني‪ :‬أتناول فيه أهم أو أبرز معالم شخصية المرأة المسلمة‬
‫التي تمي ٌّزها عن غيرها من النساء‪.‬‬
‫من فيها أهم نتائج البحث وأهم التوصيات التي أراها‬ ‫• ثم أختم بخاتمةٍ أض ّ‬
‫نافعة‪.‬‬
‫وأسعد أن أقدم هذا البحث للمتمر العلمي عن‪:‬‬
‫)المرأة المسلمة والعولمة( الذي تقيمه منظمة المشكاة الخيرية بالسودان]‬
‫‪ ،[1‬برعاية السيدة الفاضلة )فاطمة المين(‪ ،‬حرم سعادة نائب رئيس‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجمهورية الستاذ‪ /‬على عثمان محمد طه‪.‬‬


‫والذي يقام بقاعة الصداقة في الخرطوم بمشيئة الله تعالى‪..‬‬
‫سائل ربي سبحانه أن يوفقني لما فيه الخير وأن ينفع به‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫حول مفهومي )معالم الشخصية(‪ ،‬و)التمي ٌّز(‬
‫أول‪:‬‬
‫معالم الشخصية‪ :‬هي مقوماتها وأبرز مفرداتها التي تتحكم في تشكيلها‪،‬‬
‫ومنها المتكرر في جميع الُهوّيات‪ ،‬ومنها غير المتكّرر‪ ،‬ولعل القدر المشترك‬
‫يتمثل في‪:‬‬
‫• العقيدة التي ينطلق منها الفرد‪ ،‬بغض النظر عن صحتها‪ ،‬ويقابلها في‬
‫النظريات الوضعية )الفكر الفلسفي(‪.‬‬
‫• القيم العالية المطلقة التي يؤمن بها المجتمع‪ ،‬التي تتمثل في أخلق‬
‫النسان في الحياة ونظرته للوجود‪ ،‬والخلقيات والسلوكيات‪.‬‬
‫وعلى ضوء ذلك نرى تمي ٌّز الشخصية السلمية في مقوماتها من حيث الشكل‬
‫والمضمون‪ .‬لن السلم وحده هو عصب حركة هذه الشخصية ومحور‬
‫نشاطها‪ ،‬وهو القوة الدافعة التي تفجر طاقاتها وتقويها في مواجهة التحديات‪،‬‬
‫ويوم أن كان السلم هو هوية هذه المة كان المسلمون هم سادة الرض‬
‫بحق وصدق وعدل‪ ،‬وبغيره ستظل المة تلهث وراء المظاهر الحضارية‬
‫تحسبها التقدم‪ ،‬وهي القشور والخداع‪..‬‬
‫واليوم يبقى السلم وحده هو المنهج الذي يمثل خصائص المة ومنطلقاتها‬
‫العتقادية وأهدافها الحضارية]‪..[2‬‬
‫ثانيا‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التمي ٌّز‪ :‬هو المحافظة على الميزة التي يعتز النسان بها والهوية التي ينتمي‬
‫إليها‪ ،‬والهوية تلك هي حقيقة الشيء أو الشخص التي تمي ٌّزه عن غيره‪ ،‬فهي‬
‫ماهيته‪ ،‬أو ما يوصف به ويعرف به من صفات عقلية وجسمية وخلقية‬
‫ونفسية‪ ،‬إنها المفهوم الذي يكونه الفرد عن فكره وسلوكه الذين يصدران‬
‫عنه من حيث مرجعهما العتقادي والجتماعي‪ ،‬وبهذه الهوية يتمّيز الفرد‬
‫ويكون له طابعه الخاص‪ ،‬فهي تعريف النسان نفسه فكرا وثقافة وأسلوب‬
‫حياة]‪.[3‬‬
‫ن تمي ٌّزها‬‫ت أفكارها‪ ،‬إ ّ‬ ‫من ُبنّيا ِ‬ ‫ذات و ِ‬ ‫"إن التمي ٌّز الحق هو المنبثق من أقاصي ال ّ‬
‫صل فيها‬ ‫في مبادئها الصيلة التي ل َتبلى ول تتحّلل مع مرور الّزمن‪ ،‬فتتأ ّ‬
‫م الجسد َ ك ُّله‪ ،‬وتعمل به‬ ‫سخ‪ ،‬حتى تسري مسرى الدم في العروق‪ ،‬فيعُ ّ‬ ‫وتتر ّ‬
‫م بعد تثبيت الله‬ ‫ُ‬
‫ت ورسوخ‪ ،‬حينها لن يجرفه أيّ تيارٍ مهما عظ َ‬ ‫الجوارح في ثبا ٍ‬
‫تعالى له"]‪.[4‬‬
‫من قيودِ الرض‪،‬‬ ‫ت ِ‬ ‫ض وأفل َ‬ ‫ن مسلما ً ُنودِيَ بالسير مع الِهمم العالية‪ ،‬فانتف َ‬ ‫"إ ّ‬
‫م حريّ به أن تتم انتفاضُته بخطوةٍ تمي ٌّز واضحة"‪.‬‬ ‫وحلقَ بجناح العِّزة هو مسل ٌ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪-‬والسلم يطلب من أتباعه التمي ٌّز‪ ،‬لّنه تمي ٌّز مرتبط برب العالمين وما كلف‬
‫به عباده من شرع قويم ل يتطرق إليه الخلل أو القصور‪..‬‬
‫‪-‬أّنه تمي ٌّز متفّرد لنه يقوم على أصول وثوابت معصومة‪ ،‬فلن يكون هناك‬
‫ة الل ّه وم َ‬
‫ن((‬
‫عاِبدو َ‬‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫ح ُ‬
‫ة وَن َ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫صب ْغَ ً‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ َ َ ْ‬ ‫صب ْغَ َ‬
‫أفضل منه )) ِ‬
‫)البقرة ‪.(( 138 :‬‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سك بالقرآن وهديه لّنه الصراط القويم الذي ل‬ ‫‪-‬هذا التمي ٌّز ل يكون إل بالتم ّ‬
‫سكْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫َ‬
‫يزيغ من سار عليه‪ ،‬ولن ما احتوى عليه من عقائد وقيم متمي ٌّز ))فا ْ‬
‫م(( )الزخرف ‪ ،(( 43 :‬ولذا فإن‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك عََلى ِ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬‫ي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي ُأو ِ‬ ‫ِبال ّ ِ‬
‫ه‬
‫المستمسكين بهذا القرآن سيتمي ٌّزون على غيرهم بأن يرتفع ِذكُرهم ))وَإ ِن ّ ُ‬
‫ك وس و ف ت َ‬
‫ن(( )الزخرف ‪.( 44 :‬‬ ‫سأُلو َ‬ ‫م َ َ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ك وَل ِ َ‬ ‫ل َذِك ٌْر ل ّ َ‬
‫جعَل َْنا َ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫‪-‬وهو تمي ٌّز بهذه الشريعة لمن اّتبعها‪ ،‬وخالف أهواء النفوس‪)) ..‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م لن ي ُغُْنوا‬ ‫ن * إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫واء ال ّ ِ‬ ‫مرِ َفات ّب ِعَْها وََل ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ريعَةٍ ّ‬ ‫ِ‬ ‫عََلى َ‬
‫ش‬
‫ظال ِمين بعضه َ‬
‫ن ((‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ي ال ْ ُ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬‫ض َوالل ّ ُ‬ ‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫ن ال ّ ِ َ َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫شيئا ً وإ ِ ّ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫عن َ‬ ‫َ‬
‫)الجاثية ‪.( 19-18:‬‬
‫سِبي َ‬
‫ل‬ ‫‪-‬تمي ٌّز في مفارقة لسبيل الخرين ومنهجهم وسلوكهم ))وَل َ ت َت ّب ِعْ َ‬
‫ن(( )العراف ‪.( 142 :‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪-‬تمّيز المسلم يجعله حريصا ً على عدم التشّبه بغير المسلم شكل ً ومضمونًا‪،‬‬
‫رنا(]‪ ،[5‬وقال‪:‬‬ ‫شّبه بغي ِ‬ ‫نت َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا َ‬ ‫يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪) :‬ليس ِ‬
‫ن التشّبه بالخرين في الظاهر يورث‬ ‫شّبه بقوم ٍ فهو منهم(]‪ [6‬وذلك ل ّ‬ ‫نت َ‬ ‫م ْ‬ ‫) َ‬
‫ن‬
‫ة لهم في المور الباطَنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫مشابه ً‬
‫ن بعُد َ المكان والزمان‪،‬‬ ‫ً‬
‫ة وائتلفا وإ ْ‬ ‫ب مناسب ً‬ ‫ج ُ‬ ‫دي الظاهر ُتو ِ‬ ‫المشاركة في اله ْ‬
‫ث نوعَ محب ّةٍ ومودة وموالة في الباطن‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬ ‫تور‬ ‫ّ ُ‬‫نها‬ ‫إ‬ ‫بل‬ ‫محسوس‪،‬‬ ‫وهذا أمٌر‬
‫ن المحبة في الباطن ُتورث المشابهة في الظاهر]‪..[7‬‬ ‫أ ّ‬
‫سكه بها يبين عن غير‬ ‫‪-‬إن هذا التمّيز عقيدة ٌ يؤمن بها المسلم‪ ،‬وبتم ّ‬
‫مُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫المسلمين ويستقل عنهم حتى لو كانوا أقرب الناس إليه)) َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ّ‬ ‫خوانك ُ َ‬
‫من ي َت َوَلُهم‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬‫فَر عََلى ا ِ‬ ‫حّبوا ْ ال ْك ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م أوْل َِياء إ َ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ َ َ ْ‬ ‫ذوا ْ آَباءك ُ ْ‬
‫ُ‬
‫خ ُ‬ ‫ل َ ت َت ّ ِ‬
‫ن(( )التوبة ‪.( 23 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫َ‬
‫م فَأوْلئ ِ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪-‬والمسلمة يريد منها السلم أن تكون لها شخصيتها المتمّيزة التي ُتعَرف بها‬
‫بين الناس فتكسب الحماية من الذى‪ ،‬وتكون محط التقدير والحترام‪َ)) ..‬يا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِكَ‬‫جَلِبيب ِهِ ّ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ّ‬ ‫ن ي ُد ِْني َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ساء ال ْ ُ‬ ‫ك وَن ِ َ‬ ‫ك وَب ََنات ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ي ُقل ّلْزَوا ِ‬ ‫أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬‫م َينت َهِ ال ْ ُ‬ ‫حيما ً * ل َِئن ل ّ ْ‬ ‫فورا ً ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن فََل ي ُؤْذ َي ْ َ‬ ‫أد َْنى أن ي ُعَْرفْ َ‬
‫م َل‬ ‫م ثُ ّ‬‫ك ب ِهِ ْ‬ ‫دين َةِ ل َن ُغْرِي َن ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫فو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫مْر ِ‬‫ض َوال ْ ُ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سن ّ َ‬‫قِتيل ً * ُ‬ ‫ذوا وَقُت ُّلوا ت َ ْ‬ ‫خ ُ‬‫فوا أ ِ‬ ‫ما ث ُقِ ُ‬ ‫ن أي ْن َ َ‬ ‫مل ُْعوِني َ‬ ‫ك ِفيَها إ ِّل قَِليل ً * َ‬ ‫جاوُِرون َ َ‬ ‫يُ َ‬
‫ل(( )الحزاب ‪،( 62-59:‬‬ ‫دي ً‬ ‫ِ َْ ِ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫س‬
‫َ ِ َ ِ ُ ّ ِ‬‫ل‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫لن‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫وا‬‫َ‬
‫ِ َ َ ْ ِ‬‫ل‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫يقول المام ابن كثير في تفسيرها‪ ":‬يقول الله تعالى آمرا ً رسوله صلى الله‬
‫ن‪-‬بأن‬ ‫عليه وسلم أن يأمر النساء المؤمنات – خاصة أزواجه وبناته لشرفه ّ‬
‫ت‬‫سما ِ‬ ‫ت نساء الجاهلية و ِ‬ ‫سما ِ‬ ‫ن ليتمّيزن عن ِ‬ ‫ن من جلبيبه ّ‬ ‫ن عليه ّ‬ ‫يدني َ‬
‫ل‬
‫ساق أه ِ‬ ‫س من فُ ّ‬ ‫دي ومجاهد‪ " :‬كان نا ٌ‬ ‫الماء"]‪ ،[8‬وذكر رحمه الله قول الس ّ‬
‫المدينة يخرجون بالليل حيث يختلط الظلم إلى طرق المدينة فيعرضون‬
‫للنساء‪ ،‬وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة‪ ،‬فإذا كان الليل خرج النساء إلى‬
‫الطرق يقضين حاجتهن‪ ،‬فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن‪ ،‬فإذا رأوا‬
‫المرأة عليها جلباب قالوا‪ :‬هذه حرة فكفوا عنها‪ ،‬وإذا رأوا المرأة ليس عليها‬
‫جلباب قالوا هذه أمة فوثبوا عليها"‪ ،‬وقال مجاهد‪ ":‬يتجلببن فيعرف أنهن‬
‫حرائر فل يتعرض لهن فاسق بأذى ول ريبة"]‪.[9‬‬
‫ول يخفى أن إيراد المنافقين والذين في قلوبهم مرض يعد ذا صلة بما ورد‬
‫من توجيهات في الية‪ ،‬إذ أن هؤلء هم أعداء هذا التمي ٌّز لنهم دعاة النحلل‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫حبو َ‬
‫مُنوا (( )النور ‪..( 19 :‬‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ِفي ال ّ ِ‬ ‫ش ُ‬‫ح َ‬ ‫شيعَ ال ْ َ‬
‫فا ِ‬ ‫ن أن ت َ ِ‬ ‫ولذا فإنهم)) ي ُ ِ ّ َ‬
‫ويتعاونون جميعا في ذلك‪ ،‬ويسعون لشاعته والرجاف به تشويها لتمي ٌّز‬
‫المؤمنات لتهتز صورة النقاء والعفاف وتفقد الثقة وينهدم البناء‪..‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫من معالم شخصية المسلمة التي تمّيزها‬
‫ن (( )آل عمران ‪( 79 :‬‬ ‫كوُنوا ْ َرّبان ِّيي َ‬ ‫كن ُ‬ ‫أول‪:‬شخصية رّبانية‪)) :‬وَل َ ِ‬
‫صِبغت بتلك‬ ‫ن صياغة هذه الشخصية وتكوينها تمت بهذه العقيدة الّربانية‪ ،‬و ُ‬ ‫ل ّ‬
‫ب سبحانه بجلله وعظمته وكماله‪ ،‬صاحب‬ ‫الشريعة اليمانية التي مصدرها الر ّ‬
‫ب كل من فيه وما فيه‪ ،‬الذي خلق الناس‬ ‫الخلق والمر في هذا الكون‪ ،‬ور ّ‬
‫صلح لهم‬ ‫ُ‬ ‫ذكرهم وأنثاهم‪ ،‬وهو أعلم بهم وبما ينفعهم ويرفعهم‪ ،‬وما ي َ ْ‬
‫ف ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫خِبيُر (( )الملك ‪.( 14 :‬‬ ‫طي ُ‬ ‫خل َقَ وَهُوَ الل ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صِلحهم ))أَل ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫وي ُ ْ‬
‫وإنها شخصية متمي ٌّزة بالعقيدة السلمية التي تؤمن بها‪ ،‬وتخالط شغاف‬
‫قلبها‪ ،‬وتمتزج بأحاسيسها‪ ،‬فتعيش من أجلها‪ ،‬وتجعل حياتها وقفا ً عليها‪ ،‬إذ ْ ل‬
‫حياة ذات قيمة بل عقيدة سليمة‪.‬‬
‫هذه العقيدة تكون المسلمة بها رّبانية لّنها تؤمن فيها بالله الموجود وجودا ً‬
‫دبر المسير للكون‪ ،‬وبيده‬ ‫ب الخالق الم ّ‬ ‫مطلقا ً ليس كوجود مخلوقاته‪ ،‬وأّنه الر ّ‬
‫بقاء هذا الكون وزواله‪ ،‬المحيي‪ ،‬المميت ‪ ،‬الرازق ‪..‬ل يشركه في ذلك أحد‬
‫من خلقه ‪..‬‬
‫وهو المألوه الذي يستحق العبادة وحده دون سواه‪ ،‬وهنا الرتباط بين الربوبية‬
‫واللوهية‪ ،‬فمن كان ّربا ً خالقا ً رازقا ً محييا ً مميتًا‪ ..‬هو وحده الذي له الحق أن‬
‫يأمر فُيطاع‪ ،‬يأمر الكون كله فيستجيب‪ ،‬ويأمر كائناته فل تملك إل أن تأتيه‬
‫طوعا ً أو كرهًا‪.‬‬
‫وينبغي أن يجيب البشر عندما يأمرهم مشّرعا ً لهم ما فيه خيرهم في الدنيا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(( )العراف ‪.( 54 :‬‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫مُر ت ََباَر َ‬‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫والخرة ))أل َ ل َ ُ‬
‫ن المسلمة تؤمن بملئكة الله الذين خلقهم سبحانه على هيئة خاصة تتجلى‬ ‫إ ّ‬
‫فيها عظمته وقدرته‪ ،‬وكلفهم بمهام تظهر من خللها عناية الله بخلقه ورقابته‬ ‫ّ‬
‫ن الله لم يخلق‬ ‫عليهم‪ ،‬وتؤمن بكتب الله التي أنزلها على رسله فتدرك أ ّ‬
‫ة لهم على سلوك‬ ‫عباده ويتركهم همل ً بل أرسل الرسل وأنزل الكتب إعان ً‬
‫سبيل الهداية والثبات عليه على نور من الله‪ ،‬وتؤمن باليوم الخر الذي يكون‬
‫ن شّرا ً‬ ‫ن خيرا ً فخير‪ ،‬وإ ْ‬ ‫فيه بعث الخلئق من موتهم ومحاسبتهم ومجازاتهم إ ْ‬
‫فشر‪ ،‬حيث يحق الحق ويبطل الباطل‪ ،‬وُينصف المظلوم وُيحاسب الظالم‬
‫ضرر ‪ ...‬ويكون الملك كله‬ ‫وض المت ّ‬ ‫وُيكافأ المحسن وُيعاقب المسيء‪ ،‬وُيع ّ‬
‫لله ‪..‬‬
‫ن كل شيء ل يخرج عن سلطان‬ ‫كما تؤمن المسلمة بقضاء الله وقدره‪ ،‬وأ ّ‬
‫الله وملكوته‪ ،‬فتقبل بقضائه سبحانه‪ ،‬وترضى بما قدر فل تجزع ول تيأس ول‬
‫تحتج على ربها‪...‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ويترتب على هذا اليمان أن تكون المسلمة ذات شخصية رّبانية‪ ،‬أي متعّلقة‬
‫بربها سبحانه‪ ،‬تنظر إلى المور كلها من خلل إيمانها بالله تعالى‪ ،‬ل تجعل‬
‫إيمانها مجّردا ً باردا ً تحفظ أركانه وتستظهر أدلته‪ ،‬لكنها ل تصبغ به حياتها‪ ،‬ول‬
‫ملكه عّز وجل‪ ،‬وتتعامل مع‬ ‫تتذّوق به طعم العبودية لله‪ ،‬وهي تسير في ُ‬
‫عباده‪ ،‬وينزل عليها قدُره‪...‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويترتب علي هذه الشخصية الربانية أن‪:‬‬


‫• تشعر المسلمة بقدسية ما تؤمن به وتعتقده وتعمل به من أحكام‪.‬‬
‫طرق القصور أو النقص إليه‪.‬‬ ‫• توقن بسلمة المنهج الذي تسير عليه‪ ،‬وعدم ت ً‬
‫• تجزم بوجوب الثبات علي المبادئ والقيم‪ ،‬لّنها رّبانية ثابتة‪.‬‬
‫• تطمئن إلى أحكام الله الكونية والشرعية‪ ،‬لّنها تجد في نفسها الحترام‬
‫والقبول والطاعة والنقياد التام لتلك الحكام لّنها رّبانية معصومة‪.‬‬
‫ر‪ ،‬ودرء‬ ‫ل خي ِ‬ ‫ن أحكام الله هي العدل والكمل والوفى بتحقيق ك ُ ّ‬ ‫• تعتقد أ ّ‬
‫ل شر‪ ،‬وإقامة الحق وإبطال الباطل وقطع دابر الفساد‪.‬‬ ‫كُ ّ‬
‫لذا‪:‬‬
‫• تعمل بتلك الحكام باقتناٍع تام ل يتطرق إليه تشكيك المغرضين‪.‬‬
‫طلعه عليها في العمل بما أوجبه عليها واجتناب‬ ‫• تشعر برقابة الله عليها وا ّ‬
‫ما نهاه عنها‪ ،‬فيكون لديها الوازع النفسي الذاتي فتخلص لله في عملها‬
‫وعباداتها‪.‬‬
‫• تسارع في الخيرات‪ ،‬وتتراجع عن المحرمات‪ ،‬وتحاسب نفسها وتسعى‬
‫للتخلص من تبعات التقصير أو المعصية ‪..‬‬
‫• تستقي أحكامها على المور كلها من هدي السلم وشريعته‪ ،‬وتأخذ نفسها‬
‫بعد هذا بما تدين به لله في أعمالها وشؤون حياتها‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬شخصية قرآنّية في أخلقها وسلوكها‪:‬‬
‫"كان خلقه القرآن"]‪ [10‬المراد أن شخصّية المرأة المسلمة التي تمّيزها عن‬
‫مث ُل ً‬ ‫مُثل التي تحتذيها ُ‬ ‫غيرها شخصية تأخذ أخلقها من القرآن‪ ،‬تكون ال ُ‬
‫إسلمية‪ ،‬والفضائل التي تتحّلى بها أخلقا ً قرآنّية‪.‬‬
‫خُلق‪ -‬الذي ُيجمع على )أخلق(‪ -‬بأّنه‪" :‬عبارة عن‬ ‫وقد عّرف المام الغزالي ال ُ‬
‫ل بسهولةٍ وُيسرٍ من غير حاجة إلى‬ ‫هيئةٍ في النفس راسخة‪ ،‬عنها تصد ُُر الفعا ُ‬
‫فكر وروِّية"]‪.[11‬‬
‫ت‪ ،‬صلة‬ ‫ن وصفا ٍ‬ ‫فأفعال النسان إذن موصولة دائما بما في نفسه من معا ٍ‬ ‫ً‬
‫ل‬
‫ح أفعا ِ‬ ‫ن صل َ‬ ‫فروع الشجرة بأصولها المغّيبة في التراب‪ ،‬ومعنى ذلك أ ّ‬
‫ن الفرع بأصله‪ ،‬إذا صلح الصل صلح الفرع‪ ،‬وإذا‬ ‫النسان بصلِح أخلقه‪ ،‬ل ّ‬
‫ث لَ‬ ‫خب ُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َرب ّهِ َوال ِ‬ ‫ه ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ج ن ََبات ُ ُ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫فسد الصل فسد الفرع))َوالب َلد ُ الطي ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫كدا ً (( )العراف ‪. ( 58 :‬‬ ‫ج إ ِل ّ ن َ ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن المرأة المسلمة تتمي ٌّز بأخلق تنبع من القرآن‪ ،‬كل محاسن الخلق التي‬ ‫إ ّ‬
‫َ‬
‫خْر‬ ‫س َ‬ ‫مُنوا َل ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل‪َ)) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫ة بها‪ ،‬ومن ذلك مث ً‬ ‫دعا إليها القرآن هي معني ّ ٌ‬
‫َ‬ ‫سى َأن ي َ ُ‬
‫ن‬ ‫سى أن ي َك ُ ّ‬ ‫ساء عَ َ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ساء ّ‬ ‫م وََل ن ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خْيرا ً ّ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫من قَوْم ٍ عَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫َقو ٌ‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م وََل ت ََناب َُزوا ِباْلل ْ َ‬ ‫َ‬
‫سوقُ ب َعْد َ‬ ‫ف ُ‬ ‫س ُ‬ ‫س ال ِ ْ‬ ‫ب ب ِئ ْ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مُزوا أن ُ‬ ‫ن وََل ت َل ْ ِ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫خْيرا ً ّ‬ ‫َ‬
‫جت َن ُِبوا ك َِثيرا ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ب فَأوْلئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن *َيا أي َّها ال ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م ي َت ُ ْ‬ ‫من ل ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ا ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ض ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫كم ب َْعضا أي ُ ِ‬ ‫سوا وَل ي َغَْتب ب ّعْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫م وَل ت َ َ‬ ‫ن إ ِث ْ ٌ‬ ‫ض الظ ّ‬ ‫ن ب َعْ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ن الظ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫م((‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫مو‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫يت‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫خي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫أَ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫)الحجرات ‪.( 12 -11:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫عد ّ ْ‬ ‫ضأ ِ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ضَها ال ّ‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫من ّرب ّك ْ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫عوا ْ إ َِلى َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫• ))وَ َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ن الغَي ْظ َوالَعاِفي َ‬ ‫مي َ‬ ‫ضّراء َوالكاظ ِ ِ‬ ‫سّراء َوال ّ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ُينفِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن *ال ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬
‫ن(( )آل عمران ‪( 134 -133:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ن(( )التوبة ‪( 119 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه وَكوُنوا َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫• ))َيا أي َّها ال ِ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫سل ُ‬ ‫سوا وَت ُ َ‬ ‫ست َأن ِ ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫خلوا ب ُُيوتا غي َْر ب ُُيوت ِك ْ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ل ت َد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫• ))َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خُلو َ‬ ‫حدا ً فََل ت َد ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫دوا ِفيَها أ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ن *فَِإن ل ّ ْ‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عََلى أهْل َِها ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م ‪) ((...‬النور ‪( 28 -27:‬‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫حّتى ي ُؤْذ َ َ‬ ‫َ‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫• ))وُقل ل ّل ْمؤْمنات يغْضضن م َ‬
‫ن‬ ‫دي َ‬‫ن وََل ي ُب ْ ِ‬ ‫جهُ ّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬‫ح َ‬‫ن وَي َ ْ‬‫صارِهِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن (( )النور ‪( 31 :‬‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ن عَلى ُ‬‫َ‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫ْ‬
‫من َْها وَلي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ما ظهََر ِ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل َ‬ ‫ِزين َت َهُ ّ‬
‫سؤول(( )السراء ‪( 34 :‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن العَهْد َ كا َ‬ ‫• ))وَأوْفوا ِبالعَهْدِ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ري‬‫ّ‬ ‫ذ‬
‫ُ َ ِ َ‬‫ب‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫*‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ذير‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ب‬‫ت‬ ‫َ‬
‫ّ ِ ِ َ َُ ْ َْ ِ‬‫ل‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫قْرَبى َ ُ َ ِ ْ ِ َ َ ْ َ‬
‫ب‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ق‬‫ح‬ ‫ت َذا ال ْ ُ‬ ‫• ))َوآ ِ‬
‫فورًا(( )السراء ‪( 27 -26:‬‬ ‫ن ل َِرب ّهِ ك َ ُ‬
‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬ ‫كاُنوا ْ إ ِ ْ‬ ‫َ‬

‫)‪(4 /‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وى((‬ ‫ق َ‬ ‫ب ِللت ّ ْ‬ ‫ن قَوْم ٍ عََلى أل ّ ت َعْدُِلوا ْ اعْدُِلوا ْ هُوَ أقَْر ُ‬ ‫شَنآ ُ‬‫م َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬‫جرِ َ‬ ‫• ))وَل َ ي َ ْ‬
‫)المائدة ‪( 8 :‬‬
‫ن القرآن قد تحدث عن كثير من الخلق التي يجب الخذ بها‪،‬‬ ‫وفي الواقع إ ّ‬
‫ما ل‬‫والعديد من الفضائل التي ينبغي على المسلم والمسلمة التحلي بها‪ ،‬م ّ‬
‫ة جدًا‪ ،‬فهي تشمل‬ ‫ن "دائرة الخلق السلمية واسع ٌ‬ ‫مجال لحصره هنا‪ ،‬ذلكم أ ّ‬
‫جميع أفعال النسان الخاصة بنفسه أو المتعلقه بغيره‪ ،‬سواٌء أكان الغيُر فردا ً‬
‫ئ عن دائرة الخلق‪ ،‬ولزوم مراعاة الخلق‬ ‫ة أو دولة‪ ،‬فل يخُرج ش ٌ‬ ‫أو جماع ً‬
‫ة‬
‫ما ل نجد له نظير في أيّ شريعةٍ سماويةٍ سابقةٍ ول في أيّ شريع ٍ‬ ‫م ّ‬
‫وضعّية"]‪.[12‬‬
‫ن الخلق لها مكانتها العظيمة في الدين‪،‬‬ ‫ويتضح جلي ّا ً من خلل النصوص أ ّ‬
‫مم مكارم‬ ‫ت لت ّ‬ ‫حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ‪) :‬إّنما ب ُعِث ْ ُ‬
‫الخلق(]‪.[13‬‬
‫ي وأقربكم مّني مجلسا ً يوم القيامة أحاسنكم أخلقًا(]‬ ‫ن أحّبكم إل ّ‬ ‫ويقول‪ ):‬إ ّ‬
‫من تجّرد من الخلق‪) :‬ل إيمان لمن ل‬ ‫‪ [14‬وفي حديث آخر نفى اليمان ع ّ‬
‫أمانة له‪ ،‬ول دين لمن ل عهد له(]‪.[15‬‬
‫وكذلك قال صلى الله عليه وسلم ‪) :‬والله ل يؤمن‪ ،‬والله ل يؤمن‪ ،‬والله ل‬
‫ن جاُره بوائقه(]‪ [16‬أي ل‬ ‫ن يا رسول الله؟ قال‪ :‬الذي ل يأم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫يؤمن‪ ،‬قيل ‪َ :‬‬
‫خلقٌ رديء من اليمان‪.‬‬ ‫يجتمع ُ‬
‫ن المرأة المسلمة التي تحدثنا عن رّبانّية شخصيتها ل يمكن أن تنفصل‬ ‫إ ّ‬
‫ح لذلك اليمان وعطٌر يفوح لينبئ عنه‪،‬‬ ‫ن أخلقها رش ٌ‬ ‫أخلقها عن إيمانها‪ ،‬بل إ ّ‬
‫إّنها تتمي ٌّز على غيرها لهذه الشخصّية التي تحمل في طياتها وبين جوانحها كل‬
‫ق طّيب وكل فضيلة محمودة‪.‬‬ ‫خل ٍ‬ ‫ُ‬
‫فل تفعل إل خيرا لنفسها وللخرين‪ ،‬وأينما ُوضعت ظهرت آثارها وثمارها‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ن تعرفهم ومن ل تعرفهم‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫الطيبة إصلحا ً بين الناس وبذل ً للمروءة لهم‪َ ،‬‬
‫سماحة وكرم وإحسان ونبل وشهامة ورحمة ومودة ومؤازرة‪...‬‬
‫مل وأناة ورفق وإقدام وثبات وتواصل‪ ...‬وعطاء بل‬ ‫ثم صبر وجَلد ونح ّ‬
‫انقطاع‪...‬‬
‫ة ل تحمل إل الخير‪ ،‬كالبلسم على الجراح‬ ‫ل طّيب‪ ،‬ولسان ذاكر‪ ،‬وكلم ٌ‬ ‫قو ٌ‬
‫وكالماء على النار‪...‬‬
‫ما دامت هذه المسلمة مرتبطة بالقرآن وبأخلق القرآن فإنك تستطيع أن‬
‫تمي ٌّز شخصيتها من بين الكثيرات إذا رأيت ِفعالها أو سمعت أقوالها فتعلم أّنها‬
‫ن أخلقها قرآنّية‪.‬‬ ‫ل يمكن إل أن تكون مسلمة ل ّ‬
‫ة تؤّثر في‬ ‫ن شخصّية المرأة المسلمة شخصي ّ ٌ‬ ‫ثالثًا‪:‬شخصّية فّعالة مؤثرة‪ :‬إ ّ‬
‫غيرها بما فيها من خير وبما لديها من قدرات إيمانّية وحكم قرآنّية‪...‬‬
‫ن يستفيد منه من اقترب منه أو‬ ‫إّنها إيجابّية‪ ،‬كحامل المسك الذي ل بد وأ ْ‬
‫ً‬
‫ب وإما أن تجد منه ريحا طيبة‪،‬‬ ‫ما أن يعطيك شيئا ً من طي ٍ‬ ‫جالسه‪ ،‬فهو إ ّ‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكذلك المسلمة في شخصيتها مؤثرة فّعالة‪ ،‬تأمر بالمعروف وتنهى عن‬


‫المنكر وتتعاون على البر والتقوى‪...‬‬
‫ّ‬
‫ن الحكمة ضالة المؤمن‬ ‫ّ‬
‫وهي في ذات الوقت ل تتأثر لغيرها إل بما فيه خير ل ّ‬
‫أّنى وجدها فهو أولى الناس بها‪...‬‬
‫رض وجودها‬ ‫إّنها ذات شخصي ّةٍ ل تتأثر بالعادات والتقاليد الفاسدة التي تف ِ‬
‫بالنتشار في بعض المجتمعات فتجاري أحوال الناس في فسادهم‪ ،‬ول تعيش‬
‫في مجتمعات غير إسلمّية لمقاصد سليمة ثم ل تلبث طويل ً حتى تنخرط في‬
‫سلكها وتتقّبل أوضاع حياتها التي تتناَفى مع عقيدتها أو دينها‪ ،...‬لّنها حينئذٍ‬
‫مثلها‪.‬‬‫مات شخصيتها المسلمة وأهدرت ُ‬ ‫تكون قد تهاونت في مقو ّ‬
‫كل ذلك لّنها صاحبة ِرسالة في هذه الحياة‪ ،‬وهي رسالة عظيمة ل يمكن‬
‫ة في العطاء‪ ،‬غير خاضعة‬ ‫ن كانت نشطة راغب ً‬ ‫للمسلمة أن ّتطلع بنشرها إّل إ ْ‬
‫ئ من قيمها]‪.[17‬‬ ‫ة في ش ٍ‬ ‫للضغوط الجتماعية التي تجعلها متهاون ً‬
‫من غير تكّبر‪ ،‬وتشعر بقوة الحق الذي تدين به‬ ‫وماتها ِ‬ ‫إنها شخصّية تعتز بمق ّ‬
‫من غير استعلء على الخرين وازدراء لهم وتسفيه للقيم‪ ،‬ل تلين ول تضعف‬
‫ي‬
‫مها‪ ،‬بل تجد من إيمانها القو ّ‬ ‫ول تذوب في أيّ بيئةٍ تعيش فيها أو مجتمٍع يض ّ‬
‫خلقي والفساد‬ ‫ُ‬ ‫ما بحملها على مقاومة التيارات الفكرية والنحلل ال ُ‬
‫الجتماعي]‪.[18‬‬
‫رابعًا‪:‬‬
‫ة معتدلة‪ :‬إن المثل العليا التي تؤمن بها المرأة المسلمة‬ ‫ة واقعي ّ ٌ‬ ‫شخصي ّ ٌ‬
‫وتسعى لتتمثّلها وافعا ً في حياتها اعتقادا ً وعبادةً وسلوكا ً ومعاملة ل تمنع من‬
‫أن تكون شخصّيتها تلحظ وتراعي الواقع الذي تعيش فيه‪...‬‬
‫إنها شخصّية ل تسبح في بحار الخيال أو نحّلق في أجواء المثالّية المجّنحة‬
‫فتتصور شكل ً لشخصية ل وجود لها‪...‬‬
‫ه‬
‫م ِ‬‫شرعت للنسان كما هو‪ ،‬كما خلقه الله‪ ،‬بجس ِ‬ ‫ن شريعة الله ُ‬ ‫ذلكم أ ّ‬
‫صاعدة‪ ،‬وغرائزه الهابطة‪ ،‬بدوافعه‬ ‫الرضي وروحه السماوي‪،‬بأشواقه ال ّ‬
‫الفردّية ونزعته الغيرية‪ :‬بعوامل الفجور‪ ،‬وبواعث التقوى تصطرع في نفسه]‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها* وَقَد ْ‬‫كا َ‬‫من َز ّ‬ ‫ح َ‬‫ها* قَد ْ أفْل َ َ‬ ‫وا َ‬‫ق َ‬
‫ها وَت َ ْ‬
‫جوَر َ‬ ‫ها* فَأل ْهَ َ‬
‫مَها فُ ُ‬ ‫وا َ‬
‫س ّ‬
‫ما َ‬‫س وَ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫‪) [19‬وَن َ ْ‬
‫ها( )الشمس ‪(( 10 -7:‬‬ ‫سا َ‬‫من د َ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬
‫َ‬
‫ن شخصّية المرأة المسلمة توائم بين مطالب الشرع ومطالب الحياة‬ ‫لذلك فإ ّ‬
‫الدنيا‪ ،‬وبين مطالب الروح والمادة‪ ،‬والفرد والجماعة‪...‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ل ُتفرط في التفاؤل‪ ،‬ول تبالغ في الماني والتطلعات‪ ،‬بل تكون معتدلة‪ ،‬ل‬
‫ث غير متوقع‪...‬‬ ‫يثبطها عن السعي في طلب المعاني إخفاقٌ عارض أو حاد ٌ‬
‫إنها ل تتوقع أو تطلب من الخرين ما ل تقدر عليه هي نفسها‪ ،‬ول تنظر إلى‬
‫ن نسخة منها‪ ،‬بل القدرات متفاوته‪ ،‬واليمان يزيد‬ ‫شخصيات أخواتها على أنه ّ‬
‫وينقص‪ ،‬وأهله ليسوا على منزلة واحدة‪..‬‬
‫خاتمة‬
‫ن الحديث عن المرأة المسلمة ل تحصره ول‬ ‫وفي ختام هذا البحث نقول‪ :‬إ ّ‬
‫ً‬
‫تغطيه مثل هذه البحوث لكن يكفي أن نتناول جانبا من الجوانب ذات الهمّية‬
‫عن هذه المرأة المسلمة التي رفع السلم شأنها وأعلى منزلتها‪...‬‬
‫ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة‪:‬‬
‫ل‪ :‬معالم شخصّية المرأة المسلمة هي مقوماتها وأبرز مفرداتها التي صاغها‬ ‫أو ً‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم‪ ،‬وتتحكم في تشكيل سلوك المرأة المسلمة‪ ،‬وهي تتمثل في العقيدة‬


‫والقيم والخلق التي يدعو إليها السلم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يدعو السلم المرأة المسلمة لتكون ذات شخصية ربانية قرآنّية متمي ٌّزة‬
‫تمي ٌّزا ً يدعو الخريات للقتداء بها‪ ،‬ويجعلها ثابتة على مبادئها معتزة بها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬شخصية المسلمة المتمي ٌّزة تكون باليمان بالله‪ ،‬وطاعته فيما أمر‪،‬‬
‫وترك ما نهى عنه وزجر‪ ،‬والسير على طريق الصالحات من النساء‬
‫المؤمنات‪.‬‬
‫ونان من مكونات هذه الشخصية المتمي ٌّزة‬ ‫رابعًا‪ :‬الخلق والسلوك مك ّ‬
‫للمسلمة‪ ،‬وهما في نفس الوقت ثمرة ذلك اليمان بالله وطاعته‪.‬‬
‫ة لغيرها‪ ،‬إيجابية‬ ‫مصلح ً‬ ‫ة في نفسها ُ‬ ‫خامسًا‪ :‬المسلمة تتمي ٌّز بكونها صالح ً‬
‫وليست سلبية لنها تحب للخرين ما تحب لنفسها‪ ،‬وتتعاون على البر‬
‫والتقوى‪ ،‬فهي فّعالة مؤثرة‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬المسلمة كذلك واقعية‪ ،‬ليست حالمة‪ ،‬لنها تدين بهذه الشريعة التي‬
‫تخاطب النسان وتعترف بقصوره وتلتمس له العذر‪ ،‬وتراعي ظروفه‬
‫الضطرارية وأحواله الستثنائية فتشرع لها أحكام تناسبها‪.‬‬
‫ن شخصية المسلمة من معالمها الواضحة تجعلنا نطمئن إلى ثباتها‬ ‫سابعًا‪ :‬إ ّ‬
‫على منهجها التي تسير عليه وقناعتها به‪ ،‬وعدم انخداعها بالمؤثرات السالبة‪،‬‬
‫وانجرافها وراء الدعوات المشبوهة‪ ،‬بل هي داعّية إلى ما ذاقت حلوته من‬
‫ق قويم ٍ سارت عليه وشعرت فيه بالمان‪.‬‬ ‫إيمان‪ ،‬وطري ٍ‬
‫أهم التوصيات‬
‫ل‪ :‬على المؤسسات التعليمة والتربوية والدعوية في بلد المسلمين العناية‬ ‫أو ً‬
‫ن تسعى لتحقيق تلك‬ ‫بتوضيح معالم شخصّية المرأة المسلمة وتمي ٌّزها‪ ،‬وأ ّ‬
‫الشخصية بالبناء وتتعاهدها بالبناء والرعاية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نوصي الجهات ذات الصلة بالمرأة بإعداد البرامج المحكمة المتقنة التي‬
‫تحقق العناية والرعاية المتكاملة للمرأة في مراحلها المحتلفة‪ ،‬بعيدا ً عن‬
‫النشطة المشبوهه للجمعيات التي تعمل على هدم كيان المرأة وقيمها تحت‬
‫ستار العناية بها والدفاع عن حقوقها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬على المؤسسات الحكومّية المعنّية بالتربّية والدعوة والرشاد تبّني‬
‫مؤتمرات دورّية للمرأة المسلة بما يحافظ على مكونات شخصيتها وبراعي‬
‫خصوصياتها ويؤهلها لمواكبة المستجدات التي تهمها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬على المنظمات المهتمة بالدعوة تنظيم بالدعوة أن تجعل من أولوياتها‬
‫تنفيذ برامج دعوية تربوية معدة بواسطة خبراء من أهل العلم والختصاص‬
‫جه للفتاة المسلمة منذ مراحلها الولى‪ ،‬بحيث تكون متواصلة متتابعة غير‬ ‫تو ّ‬
‫منقطعة‪ ،‬لتحقق في النهاية الصياغة المتكاملة لشخصية المرأة المسلمة‬
‫المقوية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬أهمية العناية برصد وجمع وتصنيف نتائج وتوصيات البحوث‬
‫سلبي‪،‬‬ ‫والمؤتمرات والندوات التي ُتعقد بشأن المرأة‪ ،‬بجانبيها اليجابي وال ّ‬
‫سلبي بالنتباه لمكايد العدو‬ ‫للستفادة من اليجابي منها ومحاولة تطبيقه‪ ،‬وال ّ‬
‫وتجّنب الوقوع في حبائله‪.‬‬
‫هذا ما وفقني الله إليه‪ ،‬وأسأله سبحانه القبول وأسأله أن يجزي إخواننا في‬
‫منظمة المشكاة خيرا ً على هذا الجهد‪..‬‬
‫ي‬
‫ل‪ ،‬وأرجو أن ل يبخل عل ّ‬ ‫كتب على عج ٍ‬ ‫وأشكر لمن قرأ هذا البحث الذي ُ‬
‫بتوجيهاته وملحظاته‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫]‪ [1‬في الفترة من ‪6/9/2005‬م إلى ‪8/9/2005‬م‬
‫بمشاركة الستاذة‪ /‬كاميليا حلمي رئيسة اللجنة السلمية العالمية للمرأة‬
‫والطفل – مصر ‪ ،‬والدكتور فؤاد آل عبد الكريم – الستاذ المساعد في كلية‬
‫الملك فيصل – السعودية‪.‬‬
‫]‪ [2‬محمد محمد بدري – هوية المة السلمية‪) .‬مقال( – مجلة البيان – عدد‬
‫‪ 54‬ص ‪ 58‬صفر ‪1413‬هـ أغسطس ‪1992‬م‪.‬‬
‫]‪ [3‬أنظر‪ :‬وائل عبد الغني – هويتنا السلمية بين التحديات والنطلق‪ ،‬الحلقة‬
‫الولى‪) .‬مقال( بمجلة البيان – عدد ‪ 128‬ص ‪ 54‬ربيع آخر ‪1419‬هـ ‪-‬‬
‫أغسطس ‪1998‬م‪.‬‬
‫]‪ُ [4‬نهى بنت عبد الله العريني – المسلم والتمّيز‪) .‬مقال( بمجلة البيان –‬
‫عدد ‪ 165‬ص ‪ 140‬جمادى الولى ‪1422‬هـ ‪ -‬أغسطس ‪2001‬م‪.‬‬
‫]‪ [5‬سنن الترمذي ‪ 7/335‬رقم ‪ .2696‬وقال‪ :‬إسناده ضعيف‪ .‬ولكن اللباني‬
‫حسنه‪ ،‬أنظر صحيح الجامع ‪ 5/101‬رقم ‪.5310‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫]‪ [6‬سنن أبي داوود‪ :‬كتاب اللباس ‪ 4/314‬رقم ‪ .4031‬ومسند أحمد ‪7/142‬‬
‫رقم ‪ . 5114‬وقال الشيخ أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬وقال اللباني‪ :‬صحيح‪،‬‬
‫أنظر‪ :‬صحيح الجامع ‪ 5/270‬رقم ‪. 6025‬‬
‫]‪ [7‬أنظر‪ :‬ابن تيمية‪ :‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪ 220‬ط‪ 2:‬سنة ‪1369‬هـ‬
‫‪ -‬مطبعة أنصار السنة بالقاهرة‪.‬‬
‫محمد بن سعيد القحطاني‪ :‬الولء والبراء في السلم ص ‪223‬‬
‫دار طيبة – الرياض السعودية‪ .‬ط ‪ 1‬و ط ‪2‬‬
‫‪1402‬هـ و ‪1404‬هـ‬
‫]‪ [8‬أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي – تفسير القرآن العظيم‬
‫– ‪3/519‬‬
‫طبعة دار الفكر سنة ‪1981‬م‪ .‬نشر مكتبة الرياض الحديثة – الرياض‪.‬‬
‫]‪ [9‬ابن كثير – المرجع نفسه ‪. 520 – 3/519‬‬
‫خلق رسول الله صلى الله‬ ‫ُ‬ ‫]‪ [10‬هذا ما وصفت عائشة رضي الله عنها به ُ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أنظر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري –جامع البيان في‬
‫تأويل آي القرآن‪ ،‬المشهور بتفسير الطبري ‪.29/18‬‬
‫دار الفكر بيروت سنة ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫وانظر كذلك‪ :‬اسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي – تفسير القرآن العظيم‬
‫‪ .4/403‬دار الفكر – بيروت سنة ‪1401‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [11‬أبوحامد الغزالي – إحياء علوم الدين ‪.3/46‬‬
‫]‪ [12‬عبد الكريم زيدان – أصول الدعوة )مرجع سابق( ص ‪.90-89‬‬
‫]‪ [13‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبوبكر البيهقي – السنن الكبرى‬
‫‪.10/191‬‬
‫مكتبة دار الباز مكة سنة ‪1994‬م – تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‬
‫وانظر‪ :‬محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري‪ُ :‬تحفة الحوذي‬
‫‪ 5/470‬دار الكتب العلمية بيروت‪.‬‬
‫]‪ [14‬محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي – السنن ‪ ،4/370‬رقم‬
‫‪ 2018‬دار إحياء التراث العربي – بيروت – تحقيق أحمد محمد شاكر‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وآخرون‪.‬‬
‫والبيهقي – السنن الكبرى )مرجع سابق( ‪.10/193‬‬
‫]‪ [15‬محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي – صحيح ابن حبان‬
‫‪ 1/422‬رقم ‪.194‬‬
‫مؤسسة الرسالة – بيروت سنة ‪1414‬هـ ‪1993 -‬م – ط‪ .2:‬تحقيق‪ :‬شعب‬
‫الرناؤوط‪ ،‬و‪ :‬أبوبكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي‪ .‬المصنف‬
‫‪ 6/159‬رقم ‪.30320‬‬
‫مكتبة الرشد – الرياض سنة ‪1409‬هـ ‪ -‬ط‪ .1 :‬تحقيق‪ :‬كمال يوسف الحوت‪.‬‬
‫]‪ [16‬محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري – الجامع الصحيح ‪5/2240‬‬
‫رقم ‪.5670‬‬
‫دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة – بيروت سنة ‪1407‬هـ ‪1987 -‬م – ط‪ ،3 :‬تحقيق‪:‬‬
‫مصطفى ديب البغا‪ .‬و‪ :‬مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري –‬
‫صحيح مسلم ‪ 1/68‬رقم ‪.46‬‬
‫دار إحياء التراث العربي – بيروت – تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫]‪ [17‬أنظر‪ :‬مناع خليل القطان – الشخصية المتميزة للمسلم ص ‪177-175‬‬
‫ط‪ 4 :‬سنة ‪1981‬م – دار الصفهاني – جدة‪.‬‬
‫]‪ [18‬مناع القطان ‪-‬المرجع نفسه ص ‪.177-175‬‬
‫]‪ [19‬القرضاوي‪ :‬مدخل لدراسة الشريعة السلمية ص ‪119‬‬
‫مكتبة وهبة – القاهرة ط‪ 3 :‬سنة ‪1997‬م‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫معالم على طريق التقييم‬


‫وليد بن خالد الرفاعي ‪11/7/1424‬‬
‫‪08/09/2003‬‬
‫معرفة الرجال وتقييم الناس هبة ربانية يهبها الله لمن يشاء من أرباب‬
‫الفراسة والنباهة‪ ،‬ومع أن هذا الصنف من الناس هو القل؛ إل أن الناس كل‬
‫الناس ل ينفكون في حياتهم اليومية عن إقامة علقات ومعاملت مبنية على‬
‫تقييم خاص لهم وللخرين‪ ،‬وكلما كان التقييم أبعد عن الدقة؛ كلما ولجت‬
‫على المرء منه مضائق وشدائد‪ ،‬وعلقات وارتباطات‪ ،‬ربما كانت قاتلة في‬
‫بعض الحيان‪ ،‬ومع ذلك فإن للتقييم أصول ً من الممكن أن يتجنب الخذ بها‬
‫الكثير من الزلت في تقييمه‪.‬‬
‫ودقة التقييم حاجة ملحة سواء على المستوى الشخصي للنسان أو على‬
‫المستوى العام ‪ ،‬والدعوة إلى الله واحدة من هذه المجالت‪ ،‬والتي من‬
‫الممكن أن يكون لدقة التقييم دور كبير في اختصار كثير من الوقت‬
‫والمراحل‪ ،‬كما أن فوضوية التقييم كذلك قد تجر على العمل الدعوي آفات‬
‫وتعطله عن مصالح؛ بل قد تضربه في الصميم‪ ،‬وكم تحفظ ذاكرة الدعوة من‬
‫أسماء لم يكونوا على مستوى الدور الذي أنيط بهم‪ ،‬فما أحسنوا في العمل‪،‬‬
‫كما أحسن المصطفون لهم بالظن‪ ،‬بل ربما أساؤوا وأفسدوا!‪.‬‬
‫وهذه بعض الفات التي تعترض‪ ،‬وتعرض للكثير من المقّيمين بقصد أو بدون‬
‫قصد‪:‬‬
‫‪ -1‬الخلفية المسبقة للمقّيم أو لقبيلته أو لعائلته أو بلدته‪:‬‬
‫والخطأ هنا يقع من جانبين‪ :‬الول منها؛ هو التعميم اللمنطقي في الحكام‬
‫بالسلب أو اليجاب لمجرد انتماء الفرد لبلد أو عائلة‪ ،‬دون التدقيق في ذات‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشخص‪ ،‬ومن ثم فإن البعض يلقي بهالة على ابن الدكتور أو الداعية أو‬
‫الذكي أو الناجح ‪ ،‬وقد يكون ابن أي أحد من هؤلء أفشل وأغبى ممن هم‬
‫أقل منه في هذه المظاهر والنتماءات‪ .‬والجانب الخر في الخطأ؛ هو في‬
‫تغافل اعتبار هذه المؤثرات ‪ ،‬والتعامل مع ذات الشخص تعامل ً مجردا ً عن أي‬
‫اتصال آخر‪ ،‬والحق أن هذا مخالف للواقعية؛ فتقييم شخص قروي يجيد اللغة‬
‫النجليزية مثل ً ل يصح أن يماثل بقرينه ابن المدينة الذي هو وإياه على نفس‬
‫المستوى من القدرة والذكاء‪ ،‬ولكنه ليس على نفس المستوى من‬
‫المكانيات المتاحة‪ .‬وكذلك الشأن في ابن المدرس وابن العامل‪ ،‬فالدللت‬
‫تشير أن أحدهما بذل من الجهد ما لم يبذله الخر‪ ،‬وهكذا؛ فالداء الذي يطلب‬
‫من شخص‪ ،‬قد يرضى بنصفه من آخر‪ ،‬ليس لن الخر أقل منه قدرة‪ ،‬وإنما‬
‫أقل منه فرصة وإمكانيات‪ ،‬ومن هنا نستطيع أن نقول إن التعويل التام على‬
‫العلئق الخاصة بالفرد خطأ مماثل للتجاهل التام لهذه العلئق‪ ،‬وعلى التوازن‬
‫قامت الدنيا‪.‬‬
‫‪ -2‬إعاقة بعض العيوب الجتماعية نحو النفاذ إلى حقيقة المقيم‪:‬‬
‫ذلك أن البعض قد يعاني من "فقر اجتماعي" إن صح التعبير‪ ،‬في جوانب‬
‫معينة تعيق الخرين عن النفاذ إلى حقيقة ما يملك من مواهب وملكات‪،‬‬
‫ل من ثقل الظل‪ ،‬أو التبذل‬ ‫فعلى سبيل المثال قد يتصف البعض بقدر عا ٍ‬
‫المفرط في المظهر أو الحساسية المملة‪ ،‬أو ضعف إقامة العلقات وعدم‬
‫اللباقة في الحديث‪ ،‬أو الحدة في الطباع‪ ،‬أو ما شابه ذلك مما يعكس تقييما ً‬
‫سلبيا ً وسريعا ً تجاهه ل يراعي جوانب التمييز؛ فيكون سببا ً في عدم الخوض‬
‫في ما وراء هذه المظاهر الغير مشجعة‪ ،‬وينسى أصحاب التقييم أنه من‬
‫الممكن أن يوجد بعض الكابر والعظماء في مجالتهم‪ ،‬وهم متصفون بشئ‬
‫من هذه الصفات؛ بل ربما بها مجتمعة‪.‬‬
‫‪ -3‬التقييم من الموقف الواحد والرؤية الواحدة‪:‬‬
‫والمشكلة تكمن في أن النسان عاجز عن عدم تكوين تصور مباشر ول إراديا ً‬
‫لمن يلتقي بهم‪ ،‬ولو من أول نظرة‪ ،‬ولكن المشكلة الكبر تكمن في التعويل‬
‫على هذا التقييم‪ ،‬والحكم من خلله‪ ،‬فالذي يجب أن يستقر أن النعكاس‬
‫النفسي للشخاص من أول لقاء شئ‪ ،‬والتعويل على هذا النعكاس على‬
‫أرض الواقع شئ آخر‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ثم إنه من جانب آخر ل يخفى أن النفس‬
‫قد تتعرض لفترات متباينة من العواطف والظروف مما يؤثر على سلوكها‬
‫بالجملة؛ كالنقباض والنبساط والخجل والرهبة والحزن وغيرها‪ ،‬ومن ثم‬
‫يصبح التقييم من الموقف الواحد أو حتى اللقاء الواحد عرضة للخطأ في‬
‫عكس حقيقة الشخص المقيم‪ ،‬أضف أن هذا التبدل والنقلب كما أنه مما‬
‫يتعرض له المقيم )بالفتح(؛فإن المقيم كذلك يتعرض لمثل ذلك‪ ،‬مما يؤئر‬
‫عليه في الحكم على الشخاص سلبا ً أو إيجابًا‪.‬‬
‫‪ -4‬الغترار بالمكتسبات عن الحقائق والجواهر‪:‬‬
‫وتحميلها ما لتحتمل من الدللت من خلل الستدال بها على أمور بعيدة ل‬
‫يحتملها الفعل‪ ،‬وذلك لشيوع ارتباطات بين بعض المور ودللتها من خلل‬
‫العرف الجتماعي السائد‪ ،‬وهو عرف مالم يكن مستندا ً إلى مقاييس شرعية‬
‫دقيقة؛ فإنه معرض للخطأ‪ .‬فالبعض مثل ً قد اكتسب بعض المور التي ل يصح‬
‫أن يتجاوز في النظر إليها دللتها المباشرة عليها؛ فالذي إستطاع أن يحفظ‬
‫القرآن مثل ً ل يعني أنه رجل صالح كما يتبادر للبعض؟ وإنما يعني أنه رجل‬
‫يملك جلد على الحفظ‪ ،‬أما الصلح فله مقاييس أخرى‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والذي يتفوق على زملئه في الفصل ل يعني بالضرورة أنه أذكى منهم‪ ،‬وإنما‬
‫ما‪ ،‬أو أن الملهيات عنده قليلة‬ ‫يعني أنه صاحب همة‪ ،‬أو أن وراءه أبا ً حاز ً‬
‫ومحصورة‪ ،‬نعم قد يعني أنه ليس بغبي‪ ،‬لكن ل يعني بالضرورة أنه ذكي!‪.‬‬
‫‪ -5‬التأثير الخفي لقوة العلقة أو ضعفها بين المقّيم والمقّيم‪:‬‬
‫وهذه كما أنها تكون بالمحاباة وهي الكثر شهرة؛ فإنها تكون كذلك بالتجرد‬
‫المفتعل والمبالغ فيه‪ ،‬وهو الكثر خفاًء والذي قد يجر صاحبه إلى تقييم مختل‬
‫من خلل هضم حقوق صاحبه المقيم‪ ،‬الذي قد يكون أخا ً أو ابنا ً أو قريبًا‪،‬‬
‫والمشكلة تكمن في أن كل المرين ‪-‬التأثير باليجاب أو بالسلب‪ -‬من المور‬
‫الخفية على النفس‪ ،‬ولذا جاءت النصوص الشرعية بعدم قبول أو جواز هدايا‬
‫العمال إبتداًء‪ ،‬كتدبير شرعي إبتدائي وقائي حكيم؛ ذلك أن المر كما قال‬
‫المصطفى ‪-‬عليه الصلة والسلم‪" :-‬حبك الشئ يعمي ويصم"‪.‬‬
‫وبالمقابل نستطيع أن نقيس فنقول‪" :‬بغضك الشئ يعمي ويصم أيضًا" )َول‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ه إِ ّ‬‫قوا الل ّ َ‬
‫وى َوات ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ن قَوْم ٍ عََلى أّل ت َعْدُِلوا اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ‬
‫ب ِللت ّ ْ‬ ‫شَنآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬
‫جرِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن( ]المائدة‪ :‬من الية ‪" [8‬وكلمة الحق في الرضا‬ ‫ملو َ‬‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫الل َ‬
‫والغضب"‪.‬‬
‫‪ -6‬العتماد الكلي على تقويم الخرين‪:‬‬
‫ولقد ذكرنا لفظة الكلي ذلك أن السئناس بتقييم الخرين مهم؛ وإل كان في‬
‫ذلك تبديد لعقولهم وخبراتهم‪ ،‬إل أن المرفوض هو تعطيل النظر الشخصي‬
‫نظرا ً لوجود تقييمات )معلبة وجاهزة للتصدير والستيراد دون أي فحص أو‬
‫تحقق جمركي(‪ .‬والمشكلة أن هذه التقييمات المسبقة قد تكون من الكثرة‬
‫مما يشوش على أية نظرة مضادة لها‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى؛ أن‬
‫بعض التقييمات ما هي إل سلسلة منشؤها شخص واحد تابعه أو قلده‬
‫مجموعة من الناسي عليها‪ ،‬حتى أصبحت مسّلمة ل تقبل النقض أو النقد‪،‬‬
‫وبذلك تصبح سلسلة مبدؤها ومردها حلقة واحدة ‪.‬‬
‫‪ -7‬التأثر بتقييم شخص من الكابر أو الفضلء‪:‬‬
‫ومنشأ هذا التأثر هو التقدير والحترام في بعض الحيان‪ ،‬أو التسليم المطلق‬
‫في أحيان ثانية‪ ،‬أو المركزية والشخصية الساحرة والقوية في آن ثالث‪،‬‬
‫والمشكلة التي تعاني منها الشعوب العربية والسلمية أنها بقدر ماهي‬
‫شعوب فوضوية في مواقفها في جانب‪ ،‬بقدر ما هي عاطفية في جانب آخر!‪.‬‬
‫وعليه فإن عندها من الستعداد أن تتأثر بتقييم أي رمز‪ ،‬دونما أن تعمل عقلها‬
‫في ذلك التقييم‪.‬‬
‫وعندما تضع المة عقولها في أكف فضلئها وعلمائها فتأخذ عنهم دون تمييز؛‬
‫تكن قد ارتكبت خطأ ً في حق نفسها‪ ،‬وإن كانت ما تزال بخير‪ ،‬فكيف بها‬
‫عندما تضع عقلها في أكف رموز غير مستأمنين على دينها وعقلها‬
‫ومصلحتها؟!‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال؛ فإننا لو تتبعنا ما سطر عن إمام من الئمة كشيخ السلم‬
‫ابن تيمية أو محمد بن عبد الوهاب؛ تجد أن تأثر الشعوب كبير )سلبا ً أو‬
‫إيجابًا( بما يسطره رموز هذا القطر أو ذاك‪ ،‬بينما ل تجد عند الغالبية العظمى‬
‫من هؤلء المتحمسين بالسلب أو اليجاب‪ ،‬أي تتبع وتصور دقيق بنى عليه‬
‫نظرته‪ ،‬سوى أن الرمز الفلني قال‪ !..‬وعليه فقس‪ .‬والذي يجب أن يستقر‬
‫أن احترام العلماء والفضلء شئ‪ ،‬ومراجعتهم في آرائهم والتي منها تقييماتهم‬
‫للفراد أو المؤلفات شئ آخر‪ .‬إذ إن ذلك بعيد كل البعد عن أي مظهر من‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مظاهر التنقص أو الزدراء‪ ،‬ويطول عجب النسان عندما يقرأ مراجعات عمر‬
‫بن الخطاب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬للمصطفى – صلى الله عليه وسلم‪ -‬في شأن‬
‫بعض الفراد عندما أشكل عليه )ظاهرًا( تعامل وتقييم المصطفى مع ما تلقاه‬
‫منه سابقا ً ‪-‬علما ً أن فعل المصطفى تشريع لمته بحد ذاته‪ ،-‬لبعض الفراد‬
‫كحاطب بن أبي بلتعة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أو المنافق عبد الله بن أبي‪ ،‬وهو هو‬
‫عمر بن الخطاب خير الناس بعد الصديق ‪-‬رضي الله عنهما وأرضاهما‪.-‬‬
‫‪ -8‬تثبيت صورة التقييم وعدم تغييرها مع مرور الزمن‪:‬‬
‫إن من المور المستقرة في عرف الناس أن النسان قد يمر بظروف أو‬
‫مراحل تقلب عليه شخصيته أو جوانب منها على أقل تقدير‪ ،‬والذين يثبتون‬
‫حكمهم على الشخاص ل يراعون هذه المسّلمة‪ ،‬وإن كنا ينبغي أن نشير إلى‬
‫أن هذا التغيير ليس بالمر البسيط والسريع؛ فالنسان قد يحتاج إلى وقت‬
‫مديد ليغير جبلة أو طبعا ً اجتماعيا ً قديما ً وموروثا ً واحدًا؛ فكيف بالشخصية‬
‫بالعموم‪ ،‬إل أن الذي يحسن التنبه له أن بعض الصفات تتواجد وتتكاثر في‬
‫مرحلة عمرية معينة قد تخلو منها مرحلة عمرية أخرى؛ كالطيش في‬
‫المراهقة وعدم التؤدة مما يغلب سلمة الفرد منها بعد تجاوز تلك المرحلة‬
‫وهكذا‪..‬‬
‫هذا من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر؛ أن التغيير قد ليكون كليا ً كما يظن البعض‪،‬‬
‫بل تغييرا ً جزئيا ً وهذا هو الغلب‪ ،‬وبقدر ما يكون التغيير في الصفات العميقة‪،‬‬
‫بقدر ما يكون جذريا ً وحاسما ً في تغيير صورة التقييم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنك كثيرا ً ما تصاب بالحباط عندما تلصق بفلن نظرة معينة؛ لن آخر قد‬
‫زامله على مقاعد الدراسة منذ عشر سنوات‪ ،‬وهو يقول فيه كذا وكذا‪ ،‬ومرة‬
‫أخرى إلى صحابة رسول الله؛ فإذا بعمر يحاسب و يراجع كبار الصحابة على‬
‫الدرهم والدينار ممن خشي عليهم عمر أن تكون نفوسهم قد تغيرت‬
‫فترخصوا أو تساهلوا‪ -‬حاشاهم ‪ -‬وهم هم الصحابة الذين لول عدالتهم وثقة‬
‫عمر بهم ما عينهم!‪.‬‬
‫‪-9‬التقييم التعميمي‪:‬‬
‫ونعني بالتقييم التعميمي ذلك التقييم الذي يعدل بالجملة أويجرح بالجملة‪،‬‬
‫فليس عند أصحاب هذا التقييم نظرة وسطى‪ ،‬وعليه فإن أحكامهم تتجه دائما ً‬
‫نحو الطراف والتطرف‪ ،‬والحق أن التفصيل والتجزئ لي شئ هو السبيل‬
‫ل‪ ،‬وإطلق حكم سديد عليه ثانيًا‪ ،‬أما أخذ جانب من الصورة ثم‬ ‫إلى فهمه أو ً‬
‫تعميمها على الصورة كاملة؛ فهذا ما يعد خلل ً في الحكم على المور‪ ،‬إن‬
‫الخطيب الجيد والمفوه ل يعني أنه فقيه أو محدث أو حتى صاحب علم‬
‫راسخ‪ ،‬والرجل المخلص فيما يبدو من حاله وصلحه ل يعني أنه النسب في‬
‫الريادة الدعوية والشرعية‪ ،‬هذا من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر؛ فإن الكثير من‬
‫الناس يعانون من جور هذه النظرة التعميمية والتي تصبغهم بلون واحد فقط‪،‬‬
‫بينما ل تراعي القدرات الخاصة المتعلقة بالمقيم‪ .‬إن كون فلن غبيا ً ل يعني‬
‫أنه عاجز عن عمل شئ ‪ ،‬كما أن كون فلن صاحب كبر أو غرور أو حتى‬
‫بدعة؛ فإن هذا ل يعني أنه ل حسنات له وأنه عار من الفضائل‪ .‬إن علماءنا‬
‫الجلء ضربوا أمثلة مشرقة في دقة التقييم‪ ،‬وعدم الوقوع في الحكام‬
‫التعميمية‪ ،‬وطالع إن شئت ما سطره الذهبي أو ابن تيمية عن بعض‬
‫المتصوفة أو المتلبسين ببعض الفكار المخالفة‪ ،‬وكيف أنصفوهم وحكموا‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليهم حكما ً عروا فيه جوانب الخلل‪ ،‬وألمحوا إلى مواطن الحسان دون‬
‫تعميم يفضي إلى تغليب جانب على حساب جانب آخر‪.‬‬
‫وينشأ التقييم التعميمي من عدة عوامل؛ قد يكون من بينها العقلية ذات البعد‬
‫الواحد‪ ،‬أو الميل الطبيعي عند الناس إلى تبسيط المور وإطلق التقييمات‬
‫التعميمية التي تريحهم من عناء التفصيل والتدقيق‪ ،‬أوغير هذا وذاك‪.‬‬
‫‪ -10‬التقييم المباشر عن طريق المقابلت‪:‬‬
‫ل عن طريق الملحظة والتجريب‪ .‬وحتى نكون بعيدين عن المثالية؛ فإننا ل‬
‫نستطيع أن ننفي أنه قد ل يتيسر في بعض بل في كثير من الحيان التقييم‬
‫عن طريق الملحظة والتجريب‪ ،‬فمقابلت الجامعات مثل ً ل تعتمد إل على‬
‫أسلوب المقابلت‪ ،‬وكذلك اختبارات القبول لكثير من المؤسسات والشركات‬
‫وما شابهها‪ ،‬ولكن الذي يعنينا هنا أمور‪:‬‬
‫ل‪ :‬إذا صح أن تعد هذه الوسيلة هي الكثر عملية على نطاق المؤسسات‬ ‫أو ً‬
‫المهنية؛ فإنها ل تصلح أن تكون كذلك في مجال التقييم الدعوي والتربوي‪،‬‬
‫ذلك أن الشهادات والوراق ليست هي لغة التقييم التربوي والدعوي كما هو‬
‫في العمال الوظيفية المؤسسية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ينبغي أن نفرق بين أن تكون المقابلت الشخصية هي الوسيلة المتاحة‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ذلك أنها جزما ً ليست وسيلة‬ ‫وبين أن يعول على هذه الوسيلة تعويل ً كام ً‬
‫دقيقة أو الدق على أقل تقدير‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المقابلت الشخصية تعتمد في جزء كبير منها على الحذاقة والنباهة‬
‫وحسن العرض والمنطق والحجة‪ ،‬وعلى هذا فإن بعض من يملكون صفات‬
‫أفضل قد يفشلون لنهم يملكون قدرات أقل فيما ذكرنا من الصفات‬
‫الجتماعية الظاهرة‪ ،‬ونلحظ أن هذا المعنى نفسه قد أشار إليه المصطفى‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬في باب التخاصم فقال‪" :‬إن الرجل ليأتيني وقد يكون‬
‫ألحن حجة من صاحبه فأحكم له‪" ...‬؛ فإذا كان المصطفى ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬لم يأمن الغترار بمنطق أحدهما فكيف بغيره؟!‪ ،‬وجاء عن عمر‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪" -‬ل تعجبنكم طنطنة الرجل‪ ،‬ولكن من أدى المانة‪ ،‬وكف‬
‫لسانه عن أعراض المسلمين"‬
‫وخلصة القول‪ :‬إنه كما أن الكثير يحسن المنطق ول يحسن العمل؛ فإن‬
‫الكثير أيضا ً يحسن العمل ول يحسن المنطق والكلم!‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إن من أسباب عدم دقة أسلوب المقابلت اعتمادها على حالة نفسية‬
‫واحدة‪ ،‬في الغالب أنها وجلة ومضطربة‪ ،‬ول تعكس طبيعة الشخصية‬
‫وأريحيتها دون تكلف‪ ،‬ذلك أن المتكلفين ل يستطاع النفاذ إلى حقيقة‬
‫جوهرهم؛ بينما تعتمد طريقة الملحظة الطول زمنا ً من خلل المؤاخاة أو‬
‫السفر إلى استرخاء نفسي تتجلى من ورائه شخصية المقيم؛ بسبب ذهاب‬
‫التوتر من جهة‪ ،‬وكذلك تبدل المواقف والحداث التي تكشف وبجلء جوانب‬
‫متعددة من تلك الشخصية في الغضب والرضا والمنشط والمكره‪ ،‬ذلك أن‬
‫كثيرين من الناس قادرون على التمثيل‪ ،‬ولكن القليل منهم فقط قادرون‬
‫على التمثيل لفترات طويلة و متابينة‪.‬‬
‫‪-11‬تأثر المقيم بميولته الشخصية في التقييم‪:‬‬
‫لكل إنسان نبوغ أو ميول إلى علوم أو مهارات أو وجهات معينة‪ ،‬وهذا من‬
‫الختلف الجبلي الذي جبل عليه البشر‪ ،‬إل أن هذا الختلف في الميولت‬
‫ينبغي أل يعكس على التقييمات على الفراد سلبا ً أو ايجابا ً على حسب‬
‫وجودها أو انعدامها في المقيم )بالفتح(‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ل؛ أنك ترى أن البعض من القائمين‬ ‫ومن الواقع المر في العمل التربوي مث ً‬
‫عليه يحتفون بالفراد الذين تتوافق قدراتهم مع قدراتهم‪ ،‬ومن ثم يقدرونهم‬
‫ويطورونهم‪ ،‬بينما يخصص للخرين مساحة واهتمام أقل؛ فل يعني مثل ً كون‬
‫المربي أو المقيم شاعرا ً أو محبا ً للشعر أنه يزيد من حسن تقييمه لرباب‬
‫الشعر‪ ،‬بينما ل يجد أصحاب الميولت الفكرية مثل ً نصيبهم من التقدير في‬
‫نظر المقيم؛ لنه ليس في هذا الوادي‪ ،‬إننا إن تجاوزنا عن المربي في عدم‬
‫تطويره لهذه الخصال لي سبب كان؛ فإننا ل نتجاوز عن عدم تقديره لها‬
‫واعتبارها مقياس من مقاييس التقييم لي سبب كان‪.‬‬
‫‪ -12‬استخدام المقاييس النفسية غير الموضوعية ‪:‬‬
‫الراحة الشخصية ‪ ،‬والظن ‪ ،‬والتخمين ‪ ،‬والستشفاف ‪ ،‬والفراسة ‪ ،‬والشعور‬
‫الخفي ‪ ،‬والحاسة السادسة؛ قد يصلح استخدامها في اصطفاء صديق أو‬
‫خليل‪ ،‬إل أنها ل تصلح أن تكون عوامل مفردة للتقييم‪ ،‬ذلك أن أحدا ً ل‬
‫يستطيع الجزم بصحة نبؤاته‪ ،‬أو صدق فراسته‪ ،‬ولذلك ل بد أن تستبدل أو‬
‫تدعم على أقل تقدير تلك المور النفسية بالحقائق والوقائع والنجازات‪.‬‬
‫إن شيوع التقييم الموضوعي المبني على حقائق يدل على مدى احترام‬
‫المقيم لسامعه ولنفسه وللخرين ‪ ،‬بخلف ما يعكسه ذلك التقييم الذي ل‬
‫يبرره صاحبه إل بقوله‪" :‬لم أرتح له‪ ،‬أو هكذا أشعر‪ ،‬أوأظن ذلك‪ ،‬أوحاستي‬
‫السادسة تقول‪ ،‬أو من خلل فراستي التي ل تخطئ؛ فرأيي هو‪… ، ..‬إلخ"‬
‫‪- 13‬الوقوع بين فكي المثالية الحالمة‪ ،‬والواقعية المفرطة‪.‬‬
‫وآفة من آفات أمتنا الوسط أنها تجنح كثيرا ً إلى الطراف تاركة حد التوسط‬
‫والعتدال!‪.‬‬
‫‪ -14‬تقديم الجرح على التعديل‪:‬‬
‫وذلك من خلل البحث الدقيق عن جوانب القصور مقابل إهمال جوانب‬
‫البروز‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى؛ العتقاد خطأ ً أن التقييم الناجح هو‬
‫التقييم الذي يجلي الخطاء والمعايب وينقب عنها!‪ .‬وهي نظرة مع قتامتها إل‬
‫أنها شائعة في المجالت التربوية والدعوية و الجتماعية كذلك‪ ،‬حيث أصبح‬
‫الكثيرون ل ينظرون إل إلى نقاط الفتراق مقابل إهمالهم لنقاط التفاق‪،‬‬
‫والمشكلة أن هذه المشكلة تجاوزت المجالت التربوية لتلج إلى المجالت‬
‫الشرعية البحتة من خلل تقييمات الئمة والدعاة‪ ،‬والتي تنقب عن المثالب‬
‫وتهمل الحسنات بدعاوي شرعية!‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قدِّية في الذكار النبوّية د‪ .‬محمد عمر دولة*‬ ‫معالم عَ َ‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫صلة والسلم على أقرب‬ ‫الحمد لله الذي ُيجيب دعوة َ الداعي إذا دعاه‪ ،‬وال ّ‬
‫العباد إلى الله‪ ،‬وأعلمهم بحقوقه وتقواه‪ ،‬وأحرصهم على محّبته ورضاه‪ .‬اللهم‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جَتباه‪ ،‬وعلى آله وصحب ِهِ و َ‬ ‫م ْ‬
‫ق اللهِ وصفوت ِهِ و ُ‬
‫ف خل ِ‬‫م على أشر ِ‬ ‫ل وسل ّ ْ‬ ‫ص ّ‬
‫هداه‪.‬‬
‫ه واتبع ُ‬ ‫ج ُ‬
‫ج ن َهْ َ‬ ‫ن َهَ َ‬
‫ل مثُلها من‬ ‫م لم يمّر عليهم حا ٌ‬ ‫ن الحال التي تمّر على المسلمين اليو َ‬ ‫وبعد‪ ،‬فإ ّ‬
‫فهم‬‫ف عندهم الضرعُ والزرع؛ رفعوا أك ّ‬ ‫ل؛ ذلك أنهم كانوا فيما مضى إذا ج ّ‬ ‫قب ُ‬
‫ب‪،‬‬‫ت بهم الكرو ُ‬ ‫ل عليهم الماء! وكانوا إذا نزل ْ‬ ‫إلى السماء يستسقون؛ فينها ُ‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عوا إلى القنوت‬ ‫ب؛ لهجوا إلى رّبهم بالدعاء‪ ،‬وهُرِ ُ‬ ‫وحّلت بساحتهم الخطو ُ‬
‫سر أمَرهم‪،‬‬ ‫ه كرَبهم‪ ،‬وُيي ّ‬ ‫فس الل ُ‬ ‫خاشعين‪ ،‬وأنابوا إلى رّبهم متضّرعين؛ فين ّ‬
‫ما في هذا الزمان‪،‬‬ ‫ً‬
‫ق مخرجا! وأ ّ‬ ‫م فرجًا‪ ،‬ومن ك ّ‬ ‫ويجعل لهم من ك ّ‬
‫ل ضي ٍ‬ ‫له ّ‬
‫جر القنوت في النوازل إل من رحم الله‪ ،‬وكثرت الشكوى إلى من ل‬ ‫فقد هُ ِ‬
‫ن يقول‪) :‬إنما أشكو بّثي وحزني إلى‬ ‫م ْ‬ ‫ل في المسلمين َ‬ ‫يضّر ول ينفع! وق ّ‬
‫الله(!]‪[1‬‬
‫ن عنوان سعادةِ العبدِ أّنه "إذا أنعم عليه شكر‪ ،‬وإذا‬ ‫ل العلم أ ّ‬ ‫وقد قّرر أه ُ‬
‫ي صبر‪ ،‬وإذا أذنب استغفر!"]‪ [2‬وجماع هذه المور كلها في دعاء الله‬ ‫ابت ُل ِ َ‬
‫تعالى‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬فقه الذكار النبوّية‪:‬‬
‫]‪ [1‬عظمة الذكار النبوّية‪:‬‬
‫ل جلله‪:‬‬ ‫ل عباَده على كثرة دعائه والتضّرع إليه‪ ،‬فقال ج ّ‬ ‫ث الله عّز وج ّ‬ ‫وقد ح ّ‬
‫ن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهّنم‬ ‫ب لكم إ ّ‬ ‫عوني أستج ْ‬ ‫)اد ْ ُ‬
‫ل ما يعبأ بكم رّبي لول دعاؤكم(‪[3].‬‬ ‫داخرين(‪ .‬وقال تبارك وتعالى‪) :‬ق ْ‬
‫ذكر‪ ،‬كما روى أبو هريرة عن‬ ‫سّنة الّنبوّية بذكر فضائل الدعاء وال ّ‬ ‫وحفلت ال ّ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬يقول الله عّز وجل‪) :‬أنا عند ظ ّ‬
‫عبدي بي‪ ،‬وأنا معه حين يذكرني؛ إن ذكرني في نفسه ذكرُته في نفسي‪ ،‬وإن‬
‫ت‬‫ذكرني في مل ٍ ذكرُته في مل ٍ هم خيٌر منهم‪ ،‬وإن تقّرب مّني شبرا ً تقّرب ُ‬
‫ت منه باعًا‪ ،‬وإن أتاني يمشي أتيُته‬ ‫ي ذراعا ً تقّرب ُ‬ ‫منهم ذراعًا‪ ،‬وإن تقّرب إل ّ‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫ة(‪ [4].‬وروى أبو هريرة كذلك أ ّ‬ ‫هرول ً‬
‫ه‬
‫)سبق المفّردون‪ .‬قال‪ :‬وما المفّردون يا رسول الله؟ قال‪ :‬الذاكرون الل َ‬
‫كثيرا ً والذاكرات(‪[5].‬‬
‫]‪ [2‬أهمية القتداء بالسنة في الذكار‪:‬‬
‫ض الناس بالولوع بتعظيم بعض الدعية غير المأثورة وابتداع‬ ‫وقد ابُتلي بع ُ‬
‫كثيرٍ من الذكار؛ فكان ذلك سببا في حرمانهم من الشعور بنور الذكار‬ ‫ً‬
‫حرموا من البَركة والخير ما ل يعلمه إل الله! ذلك‬ ‫النبوّية؛ فأهملوا المأثور؛ ف ُ‬
‫ما في الذكار المأثورة من النوار!‬ ‫ل بالثار ُيبِعد أهله ع ّ‬ ‫ن الجه َ‬ ‫أ ّ‬
‫ّ‬
‫ن الله في دعائه‪ ،‬وعلم‬ ‫ن ما قاله القاضي عياض في هذا الشأن‪" :‬أذِ َ‬ ‫وما أحس ّ‬
‫ه‪ ،‬وعلم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لمته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الدعاَء في كتاب ِهِ لخليقت ِ ِ‬
‫واجتمعت فيه ثلثة أشياء‪ :‬العلم بالتوحيد‪ ،‬والعلم باللغة والنصيحة للمة؛ فل‬
‫ن‬‫ل عن دعائه صلى الله عليه وسلم؛ وقد احتال الشيطا ُ‬ ‫ينبغي لحدٍ أن يعد َ‬
‫ة يشتغلون‬ ‫م سوٍء يخترعون لهم أدعي ً‬ ‫ض لهم قو َ‬ ‫س من هذا المقام؛ فقي ّ َ‬ ‫للنا ِ‬
‫بها عن القتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واشد ما في الحالة أنهم‬
‫ينسبونها إلى النبياء والصالحين فيقولون‪ُ :‬دعاء نوٍح‪ُ ،‬دعاء يونس‪ُ ،‬دعاء أبي‬
‫سكم ل تشتغلوا من الحديث إل بالصحيح"‪[6].‬‬ ‫ه في أنف ِ‬ ‫بكر؛ فاتقوا الل َ‬
‫ص‬
‫رضون عن نصو ِ‬ ‫مع ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫حرِ َ‬ ‫ولله دّر ابن القّيم حيث قال‪" :‬سبحان الله! ما ُ‬
‫ة‬
‫الوحي‪ ،‬واقتباس العلم من مشكاِته من كنوزِ الذخائر؟! وماذا فاتهم من حيا ِ‬
‫كرًا‪،‬‬
‫ل الراء فِ َ‬ ‫ل استنبطْتها معاو ُ‬ ‫القلوب واستنارةِ البصائر؟ قنعوا بأقوا ٍ‬
‫ل‬
‫ف القو ِ‬ ‫ض زخر َ‬ ‫ضهم إلى بع ٍ‬ ‫وتقطعوا أمَرهم بيَنهم لجِلها ُزُبرًا‪ ،‬وأوحى بع ُ‬
‫ن في قلوِبهم‬ ‫م القرآ ِ‬ ‫ت معال ُ‬ ‫ن مهجورًا! درس ْ‬ ‫ل ذلك القرآ َ‬ ‫غرورًا؛ فاتخذوا لج ِ‬
‫ه‬‫ت ألويت ُ ُ‬ ‫ت معاهد ُهُ عندهم فليسوا يعمرونها‪ ،‬ووقع ْ‬ ‫فليسوا يعرفونها‪ ،‬ودثَر ْ‬
‫سهم؛‬ ‫ق أنف ِ‬ ‫ه النّيرة من آفا ِ‬ ‫ت كواكب ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه من أيديهم فليسوا يرفعونها‪ ،‬وأفل ْ‬ ‫م ُ‬‫وأعل ُ‬
‫دها فليسوا‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه عند اجتماِع ظلم ِ آرائهم وعُ َ‬ ‫س ُ‬‫ت شم ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫س َ‬ ‫ُ‬
‫فلذلك ل يحّبونها‪ ،‬وك ِ‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صرونها!"]‪[7‬‬
‫ُيب ِ‬
‫دعاء بأسماء الله الحسنى ‪:‬‬
‫]‪ [3‬فضل ال ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالدعاء يشتمل على تعظيم الله عز وجل والثناء عليه بما هو أهله والشهادة‬
‫له بالسماء الحسنى والصفات الُعلى‪ :‬كما روى البخاري في الدعوات )باب‬
‫الدعاء إذا انتبه من الليل( عن أبي عباس قال‪ :‬بت عند ميمونة فقام النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فأتى حاجته‪ ,‬فغسل وجهه ويديه ثم نام‪ ,‬ثم قام فأتى‬
‫القربة فأطلق شناقها؛ ثم توضأ وضوًءا بين وضوء لم يكثر وقد أبلغ ‪ ...‬وكان‬
‫يقول في دعائه‪) :‬اللهم لك الحمد أنت نور السموات والرض ومن فيهن‪,‬‬
‫ولك الحمد أنت قّيوم السموات والرض ومن فيهن‪ ,‬ولك الحمد أنت الحق‬
‫ووعدك حق وقولك حق ولقاؤك حق‪ ,‬والجنة حق والنار حق والساعة حق‬
‫ت وبك آمنت وإليك‬ ‫ت وعليك توكل ُ‬ ‫والنبيون حق ومحمد حق‪ .‬اللهم لك أسلم ُ‬
‫أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت؛ فاغفر لي ما قدمت وما أخرت‪ ,‬وما‬
‫ت وما أعلنت‪ ,‬أنت المقدم والمؤخر ل إله أل أنت أو ل إله غيرك( وفي‬ ‫أسرر ُ‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬ ‫رواية أخرى لبن عباس في الباب نفسه إ ّ‬
‫يقول في دعائه‪) :‬اللهم اجعل في قلبي نورا‪ ,‬وفي بصري نورا‪ ,‬وفي سمعي‬
‫نورا‪ ,‬وعن يميني نورا‪ ,‬وعن يساري نورا‪ ,‬وفوقي نورا‪ ,‬وتحتي نورا‪ ,‬وأمامي‬
‫نورا‪ ,‬وخلفي نورا‪ ,‬واجعل لي نورا(‪[8].‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم التكبير‬ ‫ولو تأملنا في الحديث الذي عّلم فيه النب ّ‬
‫ي رضي الله عنهما؛ لدركنا عظمة التكبير‬ ‫والتسبيح والتحميد لفاطمة وعل ّ‬
‫ن‬
‫ن فيه ذكرا لله الخالق الكبير المتعال‪ ,‬وإ ّ‬ ‫ً‬ ‫والتسبيح والتحميد عند النوم؛ فإ ّ‬
‫ً‬
‫ن فيه حمدا وشكرا لله عز‬ ‫ً‬ ‫ن‪ ,‬وإ ّ‬‫ب السموات والرض وما فيه ّ‬ ‫فيه تعظيما ً لر ّ‬
‫وجل على نعمه الكثيرة ورحمته الغزيرة التي وسعت كل شيء‪ .‬فقد روى‬
‫ن فاطمة عليها‬ ‫ي )أ ّ‬‫البخاري في )باب التكبير والتسبيح عند المنام( عن عل ّ‬
‫السلم شكت ما تلقى في يدها من الّرحى؛ فأتت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫تسأله خادمًا‪ ,‬فلم تجده‪ ,‬فذكرت ذلك لعائشة‪ ,‬فلما جاء أخبرته‪ ,‬قال‪ :‬فجاءنا‬
‫ك‪ ,‬فجلس بيننا حتى وجدت برد‬ ‫ت أقوم‪ ,‬فقال‪ :‬مكان ِ‬ ‫وقد أخذنا مضاجعنا‪ ,‬فذهب ُ‬
‫م؟ إذا‬ ‫ّ‬
‫قدميه على صدري‪ ,‬فقال‪ :‬أل أدلكما على ما هو خيٌر لكما من خاد ٍ‬
‫شكما أو أخذ ُْتما مضجَعكما فكّبرا أربعا ً وثلثين‪ ,‬وسّبحا ثلثا ً‬ ‫أويتما إلى فرا ِ‬
‫وثلثين‪ ,‬واحمدا ثلثا ً وثلثين؛ فهذا خيٌر لكما من خادم(‪[9].‬‬
‫ل النبي صلى الله عليه وسلم )أل أدّلكما على ما‬ ‫ل ـ يا رعاك الله ـ قو َ‬ ‫م ْ‬ ‫فتأ ّ‬
‫ر؛ ليكون‬ ‫هو خيٌر لكما من خادم؟( قال القرطبي‪" :‬إنما أحالهما على الذ ّك ْ ِ‬
‫ب لنفسه من إيثار‬ ‫ب لبنت ِهِ ما أح ّ‬ ‫دعاِء عند الحاجة‪ ,‬أو لكون ِهِ أح ّ‬ ‫ضا عن ال ّ‬ ‫عو َ ً‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫دته على الصبر عليه تعظيما لجرها"‪ [10].‬وقال ابن حجر‪:‬‬ ‫مل ش ّ‬ ‫الفقر وتح ّ‬
‫دة‬
‫ش وقلةِ الشيء وش ّ‬ ‫ف العي ِ‬ ‫ح من شظ ِ‬ ‫ف الصال ُ‬
‫"فيه ما كان عليه السل ُ‬
‫ة لهم من تبعاِتها‪ ،‬وتلك‬ ‫صيان ً‬
‫ن الله حماهم من الدنيا مع إمكان ذلك؛ ِ‬ ‫الحال‪ ,‬وأ ّ‬
‫ة أكثرِ النبياء والولياء"‪[11].‬‬ ‫سن ُ‬‫ُ‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المعالم العقدية في الذكار النبوية‪:‬‬
‫ة من‬ ‫ولو تدّبرنا القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ للفينا طائف ً‬
‫منها الذكار النبوّية‪ .‬منها‪:‬‬ ‫ة من السس التربوّية تتض ّ‬ ‫المعالم العقدّية وجمل ً‬
‫أ ول‪ :‬توحيد الله تعالى ‪:‬‬
‫فقد "اتفقت الفطر السليمة والعقول القويمة والشرائع المنزلة على وحدة‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صرف جميع أنواع العبادة لله تعالى‪ ،‬ومنها‪ :‬التوجه إلى الله تعالى بالقلب‬
‫ل بين الخوف والرجاء‪ ،‬في حال الشدة‬ ‫واللسان واللجوء إليه‪ ،‬والعبد في حا ٍ‬
‫والرخاء‪ ،‬والرغب والرهب‪ ،‬والخوف والطمع‪ :‬بالدعاء والمسألة والطلب‬
‫والستغاثة والستعانة والستعاذة والستجارة والستسقاء والستنجاد‬
‫والستغفار وطلب النصرة‪ ،‬وتحقيق المرغوب ودفع المرهوب‪ ،‬وغفران‬
‫الذنوب وهداية القلوب‪ ،‬وسد ّ الفاقات وسؤال قضاء الحاجات‪ ،‬ونيل‬
‫مات وإغاثة اللهفات‪ ،‬وإزالة الُغمة‬ ‫المسّرات وتفريج الكربات وكشف المل ّ‬
‫منكرٍ ونكير‪ ،‬والمن يوم‬ ‫وشفاء المريض‪ ،‬وأمن الطريق‪ ،‬والتثبيت عند سؤال ُِ‬
‫الوعيد والنجاة من العذاب الشديد‪ ...‬إلى غير ذلك من أنواع الدعاء‬
‫والمسألة؛ مما ل يقدر على إجابت ِهِ إل الله تعالى؛ جلبا ً لنفٍع أو دفعا ً لضّر‪ ،‬وأن‬
‫ص حقّ الله سبحانه وتعالى على العبد‪ ،‬وتوحيد من العبد لرب ّهِ في‬ ‫هذا من خال ِ‬
‫الدعاء كسائر أنواع العبادة"‪[12].‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل وتعظيمه والثناء عليه بما هو أهله‪،‬‬ ‫فالدعاُء يشتمل على توحيدِ الله عّز وج ّ‬
‫واليمان بأسمائه الحسنى والشهادة له بالصفات الُعلى‪ ،‬كما روى البخاري‬
‫في )الدعوات( )باب الدعاء إذا انتبه من الليل( عن ابن عّباس رضي الله‬
‫ت عند ميمونة‪ ،‬فقام النبي صلى الله عليه وسلم ‪...‬وكان يقول‬ ‫عنهما قال‪) :‬ب ّ‬
‫ن‪ ،‬ولك‬ ‫ت نوُر السموات والرض ومن فيه ّ‬ ‫م لك الحمد ُ أن َ‬ ‫في دعائه‪) :‬الله ّ‬
‫دك‬ ‫ن‪ ،‬ولك الحمد أنت الحقّ ووع ُ‬ ‫م السموات والرض ومن فيه ّ‬ ‫الحمد ُ أنت قّيو ُ‬
‫مد‬ ‫ق‪ ،‬والنبّيون حقّ ومح ّ‬ ‫ق‪ ،‬والجّنة حقّ والناُر ح ّ‬ ‫ق‪ ،‬وقوُلك حقّ ولقاؤك ح ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ت‪ ،‬وبك‬ ‫ت‪ ،‬وإليك أنب ُ‬ ‫ت‪ ،‬وبك آمن ُ‬ ‫كل ُ‬‫ت‪ ،‬وعليك تو ّ‬ ‫م لك أسلم ُ‬ ‫ق‪ .‬الله ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ت وما‬ ‫ت وما أسرر ُ‬ ‫خر ُ‬ ‫ت وما أ ّ‬ ‫دم ُ‬ ‫ت؛ فاغفْر لي ما ق ّ‬ ‫ت‪ ،‬ولك حاكم ُ‬ ‫خاصم ُ‬
‫خر‪ ،‬ل إله إل أنت أو ل إله غيرك(‪[13].‬‬ ‫م وأنت المؤ ّ‬ ‫ت‪ ،‬أنت المقد ّ ُ‬ ‫أعلن ُ‬
‫م‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ثانيًا‪ :‬عبادة الله عّز وج ّ‬
‫عل ٍ‬ ‫ل على ِ‬
‫ل القربات‪ ،‬كما روى أبو داود والترمذي‬ ‫ن الدعاء من أعظم العبادات‪ ،‬وأج ّ‬ ‫إذ إ ّ‬
‫وابن ماجه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫دعاء‬ ‫ب لكم(]‪ [14‬قال‪) :‬ال ّ‬ ‫عوني أستج ْ‬ ‫وسلم في قوله تعالى‪) :‬وقال رّبكم اد ْ ُ‬
‫ب لكم( إلى قوله )داخرين(‪].‬‬ ‫هو العبادة(‪ ،‬وقرأ‪) :‬وقال رّبكم ادعوني أستج ْ‬
‫‪[15‬‬
‫ن‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫د؛‬‫ُ‬ ‫العب‬ ‫به‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫ّ ُ‬ ‫يتق‬ ‫الذي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ذك‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ثمرا‬ ‫من‬ ‫العبادة‬ ‫على‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫القبا‬ ‫كان‬ ‫وإنما‬
‫ي النعم والحسان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لول‬ ‫والشكر‬ ‫"مشاهدةَ المّنة توجب له المحبة والحمد‬
‫ة في‬ ‫ل والنكساَر والفتقاَر والتوب َ‬ ‫جب له الذ ّ‬ ‫س والعمل تو ِ‬ ‫ب النف ِ‬ ‫ومطالعة عي ِ‬
‫ل منه العبد ُ على الله‬ ‫ب دخ َ‬ ‫ب با ٍ‬ ‫مفِلسًا‪ ،‬وأقر ُ‬ ‫سه إل ُ‬ ‫ت؛ وأن ل يرى نف َ‬ ‫كل وق ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫سهِ حال ً ول مقاما ول سببا يتعلق به ول وسيل ً‬
‫ة‬ ‫ً‬ ‫تعالى هو الفلس؛ فل يرى لنف ِ‬
‫صرف والفلس‬ ‫ن بها! بل يدخل على الله تعالى من باب الفتقار ال ّ‬ ‫منه يم ّ‬
‫ت تلك الكسرةُ‬ ‫ة قلَبه؛ حتى وصل ْ‬ ‫سر الفقُر والمسكن ُ‬ ‫َ‬
‫ل من قد ك َ‬ ‫المحض دخو َ‬
‫ه‪ ،‬وشهد ضرورَته‬ ‫ل جهات ِ ِ‬ ‫لك ّ‬ ‫ه الكسرةُ من ك ّ‬ ‫َ‬
‫ملت ْ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫سوَْيدائه؛ فانصدعَ و َ‬ ‫إلى ُ‬
‫ل ذ َّرةٍ من ذّرات ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ن في ك ّ‬ ‫ل فاقت ِهِ وفقرِهِ إليه‪ ،‬وأ ّ‬ ‫إلى رب ّهِ عز وجل‪ ،‬وكما َ‬
‫ة إلى رب ّهِ تبارك وتعالى‪ ،‬وأنه إن‬ ‫ة‪ ،‬وضرورةً كامل ً‬ ‫م ً‬‫ة تا ّ‬ ‫الظاهرة والباطنة فاق ً‬
‫ن هلك وخسر خسارةً ل ُتجب َُر؛ إل أن يعود الله تعالى عليه‬ ‫ة عي ٍ‬ ‫تخّلى عنه طرف َ‬
‫ب‬ ‫ب من العبودّية‪ ،‬ول حجا َ‬ ‫ه؛ ول طريقَ إلى الله تعالى أقر َ‬ ‫ويتداركه برحمت ِ ِ‬
‫ظ من الدعوى!"‪[16].‬‬ ‫أغل َ‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه العلماُء من أفضلّية الصلة على سائرِ العبادات؛‬ ‫ن ما استنبط َ ُ‬ ‫ولله ما أحس َ‬


‫جد في غيرها‪ ،‬كما قال‬ ‫منه من تربية ُروح العبودّية في النفس ما ل يو ّ‬ ‫لما تتض ّ‬
‫ّ‬
‫ة على القراءةِ والذكر والدعاء‪ ،‬وهي‬ ‫ن القيم‪" :‬لما كانت الصلة ُ مشتمل ً‬ ‫اب ُ‬
‫ذكر‬ ‫ل من القراءةِ وال ّ‬ ‫ة لجزاء العبودّية على أتم الوجوه؛ كانت أفض َ‬ ‫ٌ‬ ‫جامع‬
‫ع‬
‫ٌ‬ ‫ناف‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫أص‬ ‫فهذا‬ ‫العضاء؛‬ ‫سائر‬ ‫ية‬‫ّ‬ ‫عبود‬ ‫مع‬ ‫له‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ذلك‬ ‫عها‬
‫ِ‬ ‫لجم‬ ‫ه؛‬
‫ِ ِ‬ ‫د‬ ‫بمفر‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫والدعا‬
‫ب العمال وتنزيِلها منازَلها"‪[17].‬‬ ‫ِ‬ ‫مرات‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫معرف‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫با‬ ‫جد ّا ً يفتح للعبد‬
‫ثالثًا‪ :‬الشهادة لله تعالى بالّرُبوب ِّية‪:‬‬
‫جَههم إليه خاشعين خاضعين‬ ‫ن دعاء العباد رّبهم تبارك وتعالى‪ ،‬وتو ّ‬ ‫]‪ [1‬ذلك أ ّ‬
‫ل هو الخالق‬ ‫ل جلله بأنه أحد ٌ فرد ٌ صمد ٌ ؛ وأّنه عّز وج ّ‬ ‫ُ‬ ‫متضّرعين؛ شهادة ٌ له ج ّ‬
‫ور‪ ،‬الذي بيده الخير‪ ،‬وإليه ي َُرد ّ المر‪ ،‬وعنده النفع والضّر ‪ ،‬وهو‬ ‫الباريء المص ّ‬
‫ن القّيم‪ ،‬حيث قّرر هذا المعنى‬ ‫على كل شيء قدير‪ .‬ورحم الله العلمة اب َ‬
‫واستنبطه في تفسير )اهدنا الصراط المستقيم( حيث قال‪" :‬لما كان سؤال‬
‫ل المطالب‪ ,‬ونيُله أشرف المواهب؛‬ ‫الله الهداية إلى الصراط المستقيم أج ّ‬
‫ده والثناء عليه‬ ‫دموا بين يديه حم َ‬ ‫ة سؤاِله‪ ,‬وأمرهم أن يق ّ‬ ‫عّلم الله عباَده كيفي َ‬
‫ل‬‫س ٌ‬ ‫دهم؛ فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم‪ :‬تو ّ‬ ‫ده‪ ,‬ثم ذكر عُُبودِّيهم وتوحي َ‬ ‫وتمجي َ‬
‫سل إليه بعبوديته‪ .‬وهاتان الوسيلتان ل يكاد ُيرد ّ‬ ‫ٌ‬ ‫إليه بأسمائه وصفاته‪ ,‬وتو ّ‬
‫معهما دعاء‪ ,‬ويؤّيدهما الوسيلتان المذكورتان في السم العظم ‪ ...‬وهذه‬
‫ة عقيدةِ أهل السنة‪ ،‬والتوسل باليمان بذلك والشهادة‪ :‬هو السم‬ ‫ترجم ُ‬
‫العظم"!]‪[18‬‬
‫س العقدّية التي ينبغي للمسلم أن‬ ‫ن الكريم الس َ‬ ‫]‪ [2‬وقد بّين القرآ ُ‬
‫صد في الحوائج‬ ‫ه عز وجل هو الذي ُيق َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ً‬
‫يستحضرها في دعائه؛ مقّررا أ ّ‬
‫دون سواه‪ .‬فأيدي العباد ل ُترَفع إل إليه‪ ،‬ودموعهم ل تجري إل بين يديه‪،‬‬
‫كى إل إليه )إنما أشكو بّثي وحزني‬ ‫ش َ‬ ‫مهم ل ت ُ ْ‬ ‫وحاجاُتهم ل ُتطَلب إل منه‪ ،‬وهمو ُ‬
‫إلى الله(‪[19].‬‬
‫م مالك الملك تؤتي الملك‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل الله ّ‬ ‫ل الله تعالى‪) :‬قُ ِ‬ ‫وهذا المعنى ظاهٌر في قو ِ‬
‫ل من تشاء بيدك الخيُر‬ ‫من تشاء وُتعّز من تشاء وُتذ ّ‬ ‫من تشاء وتنزع الملك م ّ‬
‫ل شيٍء قدير(‪[20].‬‬ ‫إّنك على ك ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ب‬‫م الذين يقصدون المخلوقين ول يستعينون بر ّ‬ ‫]‪ [3‬ومن أجل ذلك يجيء ذ ّ‬
‫العالمين‪ ،‬كما قال الله عّز وجل‪) :‬يدعو من دون الله ما ل يضّره وما ل ينفعه‬
‫ب من نفعه لبئس المولى ولبئس‬ ‫ل البعيد يدعو لمن ضّره أقر ُ‬ ‫ذلك هو الضل ُ‬
‫طيهم‬ ‫ب العباد َ وي ُعْ ِ‬‫جي ُ‬
‫ه سبحانه وتعالى هو الذي ي ُ ِ‬ ‫ن الل َ‬
‫العشير(‪ [21]،‬ذلك أ ّ‬
‫ب‬‫ل جلله‪) :‬وإذا سألك عبادي عّني فإّني قري ٌ‬ ‫من خزائنه الواسعة كما قال ج ّ‬ ‫ِ‬
‫مُنوا بي لعلهم يرشدون(‪].‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫جيُبوا لي وليؤ ِ‬ ‫ست‬
‫ْ ِ‬ ‫لي‬ ‫ف‬ ‫دعان‬ ‫إذا‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫الدا‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫دعو‬ ‫ب‬
‫أ ِ ُ‬
‫جي‬
‫‪[22‬‬
‫خلُء‪،‬‬ ‫ْ‬
‫خل ق ُ ب ُ َ‬ ‫م وال َ‬ ‫]‪ [4‬فالله تبارك وتعالى هو القويّ والبشر ضعفاء‪ ،‬وهو الكري ُ‬
‫ل عجزٍ وفناء‪ ،‬كما قال سبحانه‪) :‬يا أيها الناس‬ ‫س أه ُ‬‫ي القادُر والنا ُ‬ ‫وهو الح ّ‬
‫من‬ ‫ل‪) :‬و َ‬ ‫ي الحميد(‪ [23]،‬وقال عّز وج ّ‬ ‫أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغن ّ‬
‫من ل يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن‬ ‫من دون الله َ‬ ‫من يدعو ِ‬ ‫لم ّ‬‫أض ّ‬
‫س كانوا لهم أعداًء وكانوا بعبادتهم كافرين(‪].‬‬ ‫حشر النا ُ‬ ‫دعائهم غافلون وإذا ُ‬
‫‪ [24‬وقال تبارك وتعالى‪) :‬له دعوةُ الحق والذين يدعون من دونه ل‬
‫فيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما‬ ‫يستجيبون لهم بشيٍء إل كباسط ك ّ‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعاء الكافرين إل في ضلل(‪ [25].‬وقال سبحانه‪) :‬قل ادعوا الذين زعمتم‬


‫ل ذّرةٍ في السموات ول في الرض وما لهم‬ ‫من دون الله ل يملكون مثقا َ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫من ظهير(‪[26].‬وقال جل جلله‪) :‬يا أيها الناس‬ ‫من شرك وما له منهم ِ‬ ‫فيهما ِ‬
‫ن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ً ولو‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫له‬ ‫معوا‬ ‫ِ‬ ‫فاست‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫مث‬ ‫رب‬ ‫ض ِ‬ ‫ُ‬
‫ب‬
‫ُ‬ ‫الطال‬ ‫ف‬
‫َ ُ َ‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫منه‬ ‫يستنقذوه‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫شيئ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫الذبا‬ ‫يسلبهم‬ ‫وإن‬ ‫له‬ ‫اجتمعوا‬
‫ن الله لقويّ عزيز(‪[27].‬‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ره‬ ‫ِ‬ ‫قد‬ ‫ه حق ّ‬ ‫ب ما قدروا الل َ‬ ‫والمطلو ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫رابعًا‪ :‬العبودّية لله عّز وج ّ‬
‫ة المذنبين برّبهم الغفار‪ :‬الذي خلقهم ورزقهم‬ ‫فالذكار بريد ُ البراِر‪ ،‬وصل ُ‬
‫وهداهم واجتباهم لليمان‪ ،‬وغفَر لهم الزلت‪ ،‬وأقال لهم العثرات؛ فالعبد ُ‬
‫ح يتضّرع إلى رّبه‪:‬‬ ‫الصال ُ‬
‫ن!‬‫ورَتني وخلقَتني وهديَتني لشرائع اليما ِ‬ ‫ت الذي ص ّ‬ ‫أن َ‬
‫ن!‬‫ي القرآ ِ‬ ‫ت صدري واع َ‬ ‫ت الذي علمَتني ورحمَتني وجعل َ‬ ‫ّ‬ ‫أن َ‬
‫ن!‬ ‫ّ‬
‫ت الذي أطعمتني وسقيتني من غير كسب يدٍ ول دكا ِ‬ ‫أن َ‬
‫ح كلها بخواطري وجوارحي ولساني!‬ ‫ّ‬ ‫فلك المحامد ُ والمدائ ُ‬
‫ه في قول الله‬ ‫ر‪ ،‬فقال رحمه الل ُ‬ ‫ن تعبي ٍ‬ ‫وقد عّبر الطّيبي عن هذا المعنى أحس َ‬
‫ل والفتقارِ إلى‬ ‫ّ‬
‫دعوني استجب لكم(‪" :‬الدعاُء هو إظهاُر غايةِ التذل ِ‬ ‫تعالى‪) :‬ا ْ‬
‫ت إل للخضوِع للباري وإظهارِ الفتقاِر‬ ‫ُ‬ ‫العبادا‬ ‫ت‬
‫ِ ْ‬ ‫رع‬ ‫ش‬‫ُ‬ ‫وما‬ ‫إليه؛‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫والستكان‬ ‫الله‬
‫ن الذين يستكبرون عن عبادتي( حيث‬ ‫ة بقوله تعالى‪) :‬إ ّ‬ ‫م الي َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫إليه؛ ولهذا َ‬
‫عبادتي( موضع )ُدعائي(‪,‬‬ ‫ضع َ ) ِ‬‫ل بالستكباِر‪ ,‬ووَ َ‬ ‫م ِ الخضوِع والتذل ّ ِ‬ ‫عّبر عن عد َ‬
‫صغاَر والَهوان"‪[28].‬‬ ‫وجعل جزاَء ذلك الستكباَر وال ّ‬
‫خامسًا‪ :‬التوبة والنابة إلى الله تعالى‪:‬‬
‫ة‬
‫ة الواردة في الستغفار؛ لوجدناها طافح ً‬ ‫]‪ [1‬ولو تدب ّْرنا الذكاَر الصحيح َ‬
‫ة‬
‫بمعاني التوبة إلى الله تعالى‪ ،‬وإظهار الفتقار إليه‪ ،‬وتلك ـ لعمري ـ صف ُ‬
‫عثا ً على‬
‫عيا ً إلى التوبةِ وبا ِ‬ ‫المتقين أنهم )يذك ُُرون الله(؛ فيكون ذِك ُْرهم دا ِ‬
‫ة أو ظلموا أنفسهم‬ ‫ل‪) :‬الذين إذا فعلوا فاحش ً‬ ‫الستغفاِر‪ ،‬كما قال الله عّز وج ّ‬
‫ب إل الله ولم يصّروا على ما‬ ‫ن يغفر الذنو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه فاستغفروا لذنوبهم و َ‬ ‫ذكروا الل َ‬
‫فعلوا وهم يعلمون(‪[29].‬‬
‫ه‪ ،‬واعترافه بذنبه‬ ‫ة‪ :‬مثل إنابة العبد ِ إلى رب ّ ِ‬ ‫ة جليل ٌ‬ ‫ن عقدي ّ ٌ‬ ‫]‪ [2‬وللستغفار معا ٍ‬
‫وإقراره بـ)أن له رب ّا ً يغفر الذنوب(‪ ،‬وتربية الخشوع والخضوع في نفس‬
‫المسلم‪ ،‬وتلذ ِّذه بالتذّلل بين يدي رّبه كما قال نبي الله صالح عليه السلم‪:‬‬
‫مجيب(‪[30]،‬‬ ‫ب ُ‬ ‫ن رّبي قري ٌ‬ ‫)فاستغفروه ثم توبوا إليه إ ّ‬
‫وشهادته برحمةِ رب ّهِ وتوبته على عباده؛ واستحضاره قرَبه وإجابَته من‬
‫ب عليه السلم‪:‬‬ ‫ي الله شعي ٌ‬ ‫ل نب ّ‬ ‫دعاه‪،‬ورحمَته ومحب َّته عباَده‪ ،‬كما قا َ‬
‫ث‬‫شعَ ٌ‬ ‫م ودود(‪" [31].‬ففي القلب َ‬ ‫ن رّبي رحي ٌ‬ ‫)واستغفروا رّبكم ثم توبوا إليه إ ّ‬
‫س به في خلوته‪،‬‬ ‫ة ل يزيلها إل الن ُ‬ ‫ل على الله‪ ،‬وفيه ِوحش ٌ‬ ‫مه إل القبا ُ‬ ‫ل يل ُ ّ‬
‫كنه‬‫ن ل ُيذهبه إل السروُر بمعرفته وصدق معاملته‪ ،‬وفيه قلقٌ ل يس ّ‬ ‫وفيه حز ٌ‬
‫ت ل يطفئها إل الرضى‬ ‫ن حسرا ٍ‬ ‫إل الجتماعُ عليه والفراُر منه إليه‪ ،‬وفيه نيرا ُ‬
‫ب‬ ‫بأمره ونهيه وقضائه‪ ،‬ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه‪ ،‬وفيه طل ٌ‬
‫دها إل محّبته‬ ‫ة ل يس ّ‬ ‫ده مطلوَبه‪ ،‬وفيه فاق ٌ‬ ‫شديد ٌ ل يقف دون أن يكون هو وح َ‬
‫ُ‬
‫والنابة إليه ودوام ذكره‪ ،‬وصدق الخلص له؛ ولو أعطي الدنيا وما فيها لم‬
‫ة منه أبدا"!]‪[32‬‬ ‫ُتسد ّ تلك الفاق ُ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مل في حديث سّيد الستغفار ُيدرك هذه الصلة الوثيقة بين ما‬ ‫ل المتأ ّ‬ ‫]‪ [3‬ولع ّ‬
‫بين الدعية والذكار وبين الصول العقدّية والمعاني اليمانّية؛ وهذا سّر الوعد‬
‫ت يقولها العبد يسيرةٍ في حروِفها ومبانيها كبيرةٍ في ُروحها‬ ‫بالجّنة لكلما ٍ‬
‫ومعانيها‪ ،‬فقد روى البخاري في )الدعوات( باب )أفضل الستغفار( حديث‬
‫داد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪):‬سّيد‬ ‫ش ّ‬
‫دك‪ ،‬وأنا‬ ‫م أنت رّبي ل إله إل أنت‪ ،‬خلقَتني وأنا عب ُ‬ ‫الستغفار أن تقول‪ :‬الله ّ‬
‫ت‪ ،‬أبوء لك‬ ‫ت؛ أعوذ بك من شّر ما صنع ُ‬ ‫دك ما استطع ُ‬ ‫دك ووع ِ‬ ‫على عه ِ‬
‫ب إل أنت‪ .‬قال‪ :‬ومن‬ ‫ي‪ ،‬وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي؛ فإنه ل يغفر الذنو َ‬ ‫بنعمِتك عل ّ‬
‫قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن ُيمسي؛ فهو من أهل الجّنة‪،‬‬ ‫ً‬
‫ن بها فمات قبل أن ُيصبح؛ فهو من أهل الجّنة(‪.‬‬ ‫ومن قالها من الليل وهو موق ٌ‬
‫]‪[33‬‬
‫حه الجامع‪ ،‬وهو آخُر‬ ‫]‪ [4‬وأما حديث أبي هريرة الذي ختم البخاريّ به صحي َ‬
‫ث في كتاب )التوحيد(‪ ،‬فهو ناطقٌ بهذا المعنى حيث قال النبي صلى الله‬ ‫حدي ٍ‬
‫عليه وسلم‪) :‬كلمتان خفيفتان على اللسان‪ ،‬ثقيلتان في الميزان‪ ،‬حبيبتان إلى‬ ‫ّ‬
‫الرحمن‪ :‬سبحان اللهِ وبحمده‪ ،‬سبحان الله العظيم(‪ .‬وقد ذكر الحافظ ابن‬
‫دم في فضل‬ ‫ث على إدامة هذا الذكر‪ ،‬وقد تق ّ‬ ‫ن من فوائد الحديث "الح ّ‬ ‫حجر أ ّ‬
‫ث آخر لفظه‪) :‬من قال‪ :‬سبحان‬ ‫ٌ‬ ‫حدي‬ ‫هريرة‬ ‫أبي‬ ‫عن‬ ‫آخر‬ ‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫وج‬ ‫من‬ ‫التسبيح‬
‫ت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد‬ ‫حط ّ ْ‬ ‫ة؛ ُ‬ ‫الله وبحمده في يوم ٍ مائة مّر ٍ‬
‫مت‬ ‫البحر(‪ ،‬وإذا ثبت هذا في قول )سبحان الله وبحمده( وحدها؛ فإذا انض ّ‬
‫إليها الكلمة الخرى فالذي يظهر أنها تفيد تحصيل الثواب الجزيل المناسب‬
‫ن من قال الكلمة الولى وليست له خطايا مثل ً فإنه يحصل له من‬ ‫لها‪ ،‬كما أ ّ‬
‫الثواب ما يوازن ذلك"‪[34].‬‬
‫ة‬
‫ة وافي ً‬ ‫ة نفيس ً‬ ‫ي؛ فقد ترجم في )الدعوات( ترجم ً‬ ‫م البخار ّ‬ ‫]‪ [5‬ورحم الله الما َ‬
‫بهذا الغرض‪)] :‬باب أفضل الستغفار‪ ،‬وقوله تعالى‪) :‬واستغفروا رّبكم إنه كان‬
‫ت‬
‫ل لكم جّنا ٍ‬ ‫ن ويجع ْ‬ ‫ل وبني َ‬ ‫درارا ً وُيمدْدكم بأموا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫سل السماء عليكم ِ‬ ‫فارا ُير ِ‬ ‫غ ّ‬
‫ه‬
‫سهم ذكروا الل َ‬ ‫ة أو ظلموا أنف َ‬ ‫ل لكم أنهارا(‪) ،‬والذين إذا فعلوا فاحش ً‬ ‫ويجع ْ‬
‫فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إل الله ولم يصّروا على ما فعلوا وهم‬
‫يعلمون([‪.‬‬
‫ً‬
‫ب التوبة والندم ِ‬ ‫قال ابن القّيم‪" :‬إذا أراد الله بعبده خيرا فتح له من أبوا ِ‬
‫ق اللجوء إليه‪ ،‬ودوام ِ التضرع‬ ‫ل والفتقار والستعانة وبه وصد ِ‬ ‫والنكسارِ والذ ّ ّ‬
‫والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات؛ ما تكون تلك السيئة به سبب‬
‫ض‬ ‫ُ‬
‫ل بع ِ‬ ‫ه! وهذا معنى قو ِ‬ ‫ه ولم أوقِعْ ُ‬ ‫ه؛ حتى يقول عدوّ الله‪ :‬ليتني تركت ُ ُ‬ ‫رحمت ِ ِ‬
‫ب يدخل به الجّنة! ويعمل الحسنة يدخل بها‬ ‫ن العبد َ ليعمل الذن َ‬ ‫ف‪ :‬إ ّ‬ ‫السل ِ‬
‫فقا ً‬ ‫مش ِ‬ ‫ً‬
‫ب عينيهِ خائفا منه ُ‬ ‫النار! قالوا‪ :‬كيف؟ قال‪ :‬يعمل الذنب؛ فل يزال نص َ‬
‫سَر القلب‬ ‫س بين يديه منك ِ‬ ‫س الرأ ِ‬ ‫حيا ً من رب ّهِ تعالى ناك َ‬ ‫مست َ ِ‬ ‫جل ً باكيا ً نادما ً ُ‬ ‫وَ ِ‬
‫ت كثيرةٍ بما ترتب عليه من هذه‬ ‫ب أنفعَ له من طاعا ٍ‬ ‫له؛ فيكون ذلك الذن ُ‬
‫ه‬
‫ب دخول ِ ِ‬ ‫ب سب َ‬ ‫ه؛ حتى يكون ذلك الذن ُ‬ ‫ح ُ‬‫المور التي بها سعادةُ العبد وفل ُ‬
‫ه‬
‫س ُ‬ ‫ن بها على رب ّهِ ويتكب ُّر بها‪ ،‬ويرى نف َ‬ ‫م ّ‬ ‫لي ُ‬ ‫ة؛ فل يزا ُ‬ ‫الجنة! ويفعل الحسن َ‬
‫ر‬
‫ب والك ِب ْ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه من العُ ْ‬ ‫ت؛ فُيورِث ُ ُ‬ ‫ت وفعل ُ‬ ‫ب بها ويستطيل بها‪ ،‬ويقول‪ :‬فعل ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫وُيع َ‬
‫ه تعالى بهذا المسكين‬ ‫ه؛ فإذا أراد الل ُ‬ ‫ب هلك ِ ِ‬ ‫والفخر والستطالة؛ ما يكون سب َ‬
‫سه عنده! وإذا أراد به‬ ‫ه وُيصغُّر به نف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ل به عُن ُ َ‬ ‫خيرا ً ابتله بأمرٍ يكسُرهُ بهِ وي ُذِ ّ‬
‫ه!"]‪[35‬‬ ‫ب لهلك ِ ِ‬ ‫ج ُ‬‫مو ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ه؛ وهذا هو الخذل ُ‬ ‫ه وك ِب َْر ُ‬‫عجب َ ُ‬ ‫غيَر ذلك؛ خله و ُ‬
‫ن بالله‪:‬‬ ‫سادسًا‪ :‬إظهار الّرجاء وحسن الظ ّ‬
‫]‪ [1‬وهذه المعاني ظاهرةٌ في أذكار الستغفار‪ ،‬كما روى الترمذي عن أنس‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل الله صلى الله عليه وسلم يقول‪) :‬قال‬‫ت رسو َ‬‫رضي الله عنه قال‪ :‬سمع ُ‬
‫ت لك ما كان منك ول‬‫ن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني؛ غفر ُ‬ ‫الله تعالى‪ :‬يا اب َ‬
‫ت لك ما‬‫ن السماء ثم استغفرتني غفر ُ‬
‫ت ذنوُبك عنا َ‬ ‫ن آدم لو بلغ ْ‬ ‫أبالي‪ ،‬يا اب َ‬
‫ن آدم إنك لو أتيتني بقراب الرض خطايا ثم لقيتني ل‬ ‫َ‬ ‫اب‬ ‫يا‬ ‫أبالي‪،‬‬ ‫ول‬ ‫كان منك‬
‫ة(‪.‬‬‫تشرك بي شيئا ً لتيتك بقرابها مغفر ً‬
‫]‪ [2‬وقد أحسن التعبير عن هذا المعنى يحيى بن معاذ حين قال‪" :‬يكاد لك‬
‫رجائي مع الذنوب يغلب رجائي لك مع العمال؛ لّني أجدني أعتمد في‬
‫فيها وأحزرها وأنا بالفات معروف؟! وأجدني‬ ‫العمال على الخلص وكيف أص ّ‬
‫في الذنوب أعتمد على عفوك وكيف ل تغفرها وأنت بالجود موصوف"‪[36].‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫]‪ [3‬ولله دّر صاحب الظلل حيث قال في تفسير‪):‬إنما أشكو بّثي وحزني إلى‬
‫الله وأعلم من الله ما ل تعلمون(]يوسف ‪" :[86‬في هذه الكلمات يتجّلى‬
‫الشعور باللوهّية في هذا القلب الموصول؛ كما تتجّلى هذه الحقيقة ذاتها‬
‫بجللها الغامر وللئها الباهر‪ ...‬وهذه قيمة اليمان بالله ومعرفته سبحانه هذا‬
‫دره‪،‬‬ ‫اللون من المعرفة‪ :‬معرفة التجّلي والشهود‪ ،‬وملبسة قدرته وقَ َ‬
‫ن هذه‬ ‫وملمسة رحمته ورعايته‪ ،‬وإدراك شأن اللوهّية مع العبيد الصالحين؛ إ ّ‬
‫الكلمات )وأعلم من الله ما ل تعلمون( تجلو هذه الحقيقة بما ل تملك كلماتنا‬
‫نحن أن تجلوها وتعرض مذاقا ً يعرفه من ذاق مثله؛ فيدرك ماذا تعني هذه‬
‫الكلمات في نفس العبد الصالح يعقوب"!]‪[37‬‬
‫سابعًا‪ :‬خشية الله تعالى‪:‬‬
‫ل؛ ول ريب أنه‬ ‫م تعبيرٍ عن الخوف من الله عّز وج ّ‬ ‫فدعاء الله تعالى أعظ ُ‬
‫م الحاديث الواردة في الستغفار مثل حديث أبي هريرة‪:‬‬ ‫ضح ذلك ض ّ‬ ‫يو ّ‬
‫ه‬‫ت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬والله إّني لستغفر الل َ‬ ‫)سمع ُ‬
‫ة(]‪ [38‬إلى أحاديث الورع والخوف‬ ‫وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مّر ً‬
‫ن المؤمن يرى ذنوبه كأنه‬ ‫والخشية مثل حديث ابن مسعود رضي الله عنه‪) :‬إ ّ‬
‫ب مّر على‬ ‫ن الفاجر يرى ذنوَبه كذبا ٍ‬ ‫ل يخاف أن يقع عليه‪ ،‬وإ ّ‬ ‫قاعد ٌ تحت جب ٍ‬
‫ب‬ ‫ن قل َ‬ ‫أنفه فقال به هكذا(‪ [39].‬قال ابن أبي جمرة‪" :‬السبب في ذلك أ ّ‬
‫المُر عليه؛‬ ‫ور به قلُبه عظم ّّ‬ ‫المؤمن منوٌّر؛ فإذا رأى من نفسه ما يخاِلف ما ُين ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن غيره من المهلكات قد يحصل التس ّبب إلى‬ ‫والحكمة في التمثيل بالجبل أ ّ‬
‫ة‪.‬‬‫ً‬ ‫عاد‬ ‫منه‬ ‫ينجو‬ ‫ل‬ ‫الشخص‬ ‫على‬ ‫سقط‬ ‫إذا‬ ‫ة‪ ،‬بخلف الجبل‬ ‫النجاة منه عاد ً‬
‫وة ما عنده من اليمان؛ فل يأمن‬ ‫ن المؤمن يغلب عليه الخوف؛ لق ّ‬ ‫وحاصله أ ّ‬
‫ن المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله‬ ‫العقوبة بسببها‪ .‬وهذا شأ ُ‬
‫يء"‪[40].‬‬ ‫الصالح‪ ،‬ويخشى من صغير عمله الس ّ‬
‫فالمسلمون الذين امتلت حياتهم بالمعاصي أحوج ما يكونون إلى الستغفار‬
‫في اليوم مرات ومرات‪ ,‬وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال‪ :‬قال‪:‬‬
‫)سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬والله إني استغفر الله‬
‫وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة(‪ [41].‬وقد صدق النووي حيث‬
‫قال‪" :‬نحن إلى الستغفار والتوبة أحوج"‪[42].‬‬
‫ثامنًا‪ :‬اليمان بالغيب‪:‬‬
‫وهذا ظاهٌر في حديث الملئكة السّياحين في الرض‪) ،‬يقولون‪ :‬تركناهم‬
‫جدونك ويذكرونك‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬فهل رأوني؟ فيقولون‪ :‬ل‪ .‬قال‪:‬‬ ‫يحمدونك ويم ّ‬
‫دا وأشد ّ‬ ‫فيقول‪ :‬فكيف لو رأوني؟ قال‪:‬فيقولون‪ :‬لو َرأْوك لكانوا أشد ّ تحمي ً‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ :‬وأيّ شيٍء يطلبون؟ قال‪ :‬فيقولون‪:‬‬ ‫دا وأشد ّ لك ذِك َْرا قال‪ :‬فيقو ُ‬ ‫تمجي ً‬
‫ُ‬
‫يطلبون الجّنة‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬وهل َرأْوها؟ قال‪ :‬فيقولون‪ :‬ل‪ ،‬فيقول‪ :‬فكيف لو‬
‫حْرصا‪ .‬قال‪:‬‬ ‫َرأْوها؟ قال‪ :‬فيقولون‪ :‬لو َرأْوها لكانوا أشد ّ لها طلبا‪ ،‬وأشد ّ عليها ِ‬
‫وذون من الّنار‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬وهل‬ ‫ل‪ :‬من أيّ شيٍء يتعوذون؟ قالوا‪ :‬يتع ّ‬ ‫فيقو ُ‬
‫ل‪ :‬فكيف لو َرأْوها؟ فيقولون‪ :‬لو َرأْوها لكانوا منها‬ ‫َرأْوها؟ فيقولون‪ :‬ل‪ .‬فيقو ُ‬
‫ت لهم(‪.‬‬ ‫غفر ُ‬ ‫ي قد َ‬ ‫كم أن ّ‬‫ل‪ :‬أشهد ُ ُ‬‫وذا‪ .‬قال‪ :‬فيقو ُ‬ ‫أشد ّ هََربا‪ ،‬وأشد ّ منها تع ّ‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫ولله در ابن جمرة حيث قال شارحا حديث البخاري عن ابن مسعود )إ ّ‬
‫ن الفاجر يرى‬ ‫المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه‪ ,‬وإ ّ‬
‫ن قلب المؤمن‬ ‫ذنويه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا(‪":‬السبب في ذلك أ ّ‬
‫ور به قلُبه عظم المر عليه؛‬ ‫ور؛ فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ين ّ‬ ‫من ّ‬
‫سبب إلى‬ ‫ن غيره من المهلكات قد يحصل الت ّ‬ ‫والحكمة في التمثيل بالجبل أ ّ‬
‫النجاة منه‪ ,‬بخلف الجبل إذا سقط على الشخص ل ينجو منه عادة‪ ,‬وحاصله‬
‫ن المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ماعنده من اليمان؛ فليأن العقوبة‬ ‫أ ّ‬
‫بسببها‪ ,‬وهذا شأن المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح‪،‬‬
‫ويخشى من صغير عمله السيء"‪[43].‬‬
‫وقال المحب الطبري‪" :‬إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله‬
‫ن من المغفرة‪,‬‬ ‫ومن عقوبته؛ لنه على يقين من الذنب‪ ,‬وليس على يقي ٍ‬
‫والفاجر قليل المعرفة بالله؛ فلذلك َقل خوفه واستهان بالمعصية"]‪[44‬‬
‫والدعاء علمة على اليقين في رحمة الله وحسن الظن به عز وجل ورجاء ما‬
‫عنده كما روى مسلم عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ن عبدي بي‪ ،‬وأنا معه إذا دعاني(‪ [45].‬ولعل‬ ‫ن الله يقول‪ :‬أنا عند ظ ّ‬ ‫وسلم‪) :‬إ ّ‬
‫مما يزيد هذا المر وضوحا ما رواه مسلم عن أمنا عائشة رضي الله عنها‬ ‫ً‬
‫ب الله‬ ‫ب لقاء الله أح ّ‬ ‫قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬من أح ّ‬
‫لقاءه‪ ,‬ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه‪ .‬فقالت يانبي الله أكراهية الموت‬
‫شر يرحمة الله‬ ‫فكّلنا نكره الموت؟ فقال‪ :‬ليس كذلك‪ ,‬ولكن المؤمن إذا ب ُ ّ‬
‫شر بعذاب الله‬ ‫ن الكافر إذا ب ُ ّ‬ ‫ب لقاء الله فأحبالله لقاءه‪,‬وإ ّ‬ ‫ورضوانه وجنته أح ّ‬
‫وسخطه كره لفاء الله وكره الله لقاءه(‪[46].‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وما أحسن ما استنبطه الحافظ ابن حجر من حديث انس وابن مسعود )لله‬
‫أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزل وبه مهلكه‪ ,‬ومعه راحلته عليها طعامه‬
‫ة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه‬ ‫وشرابه‪ ,‬فوضع رأسه فنام نوم ً‬
‫ة ثم‬
‫الحّر والعطش أو ما شاء الله‪ .‬فقال‪ :‬أرجع إلى مكاني فرجع فنام نوم ً‬
‫ن المذكور‬‫رفع رأسه فإذا راحلُته عنده(‪" :‬فيه بركة الستسلم لمر الله؛ ل ّ‬
‫ن الله عليه برد ّ ضالته"‪[47].‬‬‫لما أيس من وجدان راحلته استسلم للموت؛ فم ّ‬
‫ولو تدبرنا دعاء النوم للفينا فيه معاني الخبات لله تعالى والستسلم ظاهرةً‬
‫ن رسول الله صلى الله‬ ‫جلية‪ ,‬كما روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب أ ّ‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلة ثم اضطجع على‬
‫شقك اليمن‪ ,‬ثم قل‪) :‬الله إني أسلمت وجهي إليك‪ ,‬وفوضت أمري إليك‪,‬‬
‫ة إليك‪ ,‬ل ملجأ ول منجأ منك إل إليك آمنت‬ ‫ة ورهب ً‬‫وألجأت ظهري إليك‪ ,‬رغب ً‬
‫ت‬
‫بكتابك الذي أنزلت وبنبّيك الذي أرسلت‪ ,‬واجعلهم من آخر كلمك فإن م ّ‬
‫ت وأنت على الفطرة‪ .‬قال النووي رحمه الله‪)" :‬اللهم إني‬ ‫من ليلتك م ّ‬
‫ت نفسي منقادة ً لك منقادة‬ ‫ت وجعل ُ‬‫أسلمت وجهي إليك(‪ :‬أي استسلم ُ‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت عليك‪ .‬واعتمدتك في أمري‬ ‫لحكمك‪ ...‬ومعنى )ألجأت ظهري إليك( أي تو ّ‬


‫كل ُ‬
‫كله كما يعتمد النسان بظهره على ما يسنده‪ ,‬وقوله )رغبة ورهبة( أي‪ :‬طمعا ً‬
‫في ثوابك وخوفا ً من عذابك"‪[48].‬‬
‫وقال ابن حجر‪" :‬قال الطيبي‪ :‬من نظم هذا الذكر عجائب ل يعرفها إل‬
‫المتقن من أهل البيان‪ ,‬فأشار بقوله )أسلمت نفسي( إلى أن جوارحه منقادة‬
‫ن ذاته مخلصة له بريئة‬ ‫لله تعالى في أوامره ونواهيه‪) ,‬وجهت وجهي( إلى أ ّ‬
‫وضة‬ ‫ن المور الخارجة والداخلة مف ّ‬ ‫من النفاق‪ ,‬وبقوله‪) :‬فوضت أمري( إلى إ ّ‬
‫إليه ل مدّبر لها غيره‪ ,‬وبقوله‪) :‬ألجأت ظهري( إلى أنه بعد التفويض يلتجيؤ‬
‫إليه مما يغره ويؤذيه في السباب كلها"‪[49].‬‬
‫وقد شرح ابن حجر هذا الحديث بقوله‪)" :‬أسلمت( أي استسلمت وانقدت‪,‬‬
‫منقادة ً لك تابعة لحكمك؛ إذ ل قدرة لي على تدبيرها‬ ‫ت نفسي ُ‬ ‫والمعنى جعل ُ‬
‫ول على جلب ما ينفعها إليها‪ ,‬ول دفع ما يضرها عنها‪ ,‬وقوله )وفوضت أمري‬
‫إليك( أني توكلت عليك في أمري كله‪ ,‬وقوله )ألجأت( أني اعتمدت في‬
‫ن من استند إلى شيء تقوى به‬ ‫أموري عليك لُتعينني على ما ينفعني؛ ل ّ‬
‫واستعان به"‪[50].‬‬
‫]‪ [9‬اليمان والتصديق بعالم الغيب واليمان بالرسل والكتب والموت والجنة‬
‫والنار‬
‫وهذه المعاني ظاهرة في ما رواه البخاري في الدعوات )باب إذا بات طاهرًا(‬
‫و)باب ما يقول إذا نام( عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال‪ :‬قال لي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم)إذا أردت مضجعك فقل‪ :‬اللهم أسلمت‬
‫وضت أمري إليك‪ ,‬ووجهت وجهي إليك‪ ,‬وألجأت ظهري إليك‬ ‫نفسي إليك‪ ,‬وف ّ‬
‫رغبة ورهبة إليك‪ ,‬ل ملجأ منك إلى إليك‪ .‬آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك‬
‫ت على الفطرة(‪[51].‬‬ ‫تم ّ‬‫الذي أرسلت؛ فإن م ّ‬
‫وقد استنبط ابن حجر من فوائد الحديث‪" :‬أن يبيت على طهارة لئل يبغته‬
‫الموت؛ فيكون على هيئة كاملة‪ ,‬ويؤخذ منه الندب إلى الستعداد للموت‬
‫بطهارة القلب؛ لنه أولى من طهارة البدن"‪[52].‬‬
‫ويوضح ذلك كذلك حديث حذيفة رضي الله عنه قال‪) :‬كان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال‪ :‬باسمك أموت وأحيا‪ ,‬وإذا قام قال‪:‬‬
‫الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور(‪[53].‬‬
‫]‪ [10‬التوكل والنكسار والتذلل والفتقار‪:‬‬
‫وهذا من أعظم أحوال العبد‪ ,‬كما قال ابن القيم في )المدارج( في السباب‬
‫الجاِلبة للمحبة‪" :‬السابع‪ :‬وهو من أعجبها‪ :‬انكسار القلب بكليته بين يدي الله‬
‫تعالى‪ ,‬وليس في التعبير عن هذا المعنى غير السماء والعبارات"؛]‪[54‬‬
‫ل‪ ,‬وذ ُّلك له‬
‫عرفت المحبة بأنها "أن يكون كلك بالمحبوب مشغو ً‬ ‫ولذلك ُ‬
‫ل"‪[55].‬‬ ‫مبذو ً‬
‫ول يصح التوكل إل على الله‪ ,‬ول اللتجاء إل إليه‪ ,‬ول الخوف إل منه‪ ,‬ول‬
‫الرجاء إل له‪ ,‬ول الطمع إل في رحمته‪ ,‬كما قال أعرف الخلق به صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬أعوذ برضاك من سخطك‪ ,‬وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك‪ ,‬وأعوذ‬
‫بك منك( وقال‪) :‬ل منجى ول ملجأ منك إل إليك(‪[56].‬‬
‫كر في صفات الله تعالى الواردة في أسمائه الحسنى يكسو الذكار‬ ‫ن التف ّ‬
‫إ ّ‬
‫ة‪ .‬وقد روى البخاري في كتاب التوحيد باب )ما جاء في‬ ‫ة ومعرف ً‬ ‫ً‬ ‫ة ومهاب َ‬ ‫جلل ً‬
‫دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى( عن‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجل ً على سرية وكان يقرأ‬ ‫عائشة أ ّ‬
‫لصحابه في صلته فيختم بـ )قل هو الله أحد( فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬سلوه لي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال‪ :‬لنها‬
‫صفة الرحمن؛ وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أخبره‬
‫ن الله يحبه( قال ابن دقيق العيد‪ :‬يحتمل أن يكون سبب محبة الله له محبته‬‫أ ّ‬
‫ن محبته لذكر صفات‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫كلمه؛‬ ‫عليه‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫د‬ ‫لما‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫ويحتمل‬ ‫السورة؛‬ ‫لهذه‬
‫الرب دالة على صحة اعتقاده"‪[57].‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وقد ترجم البخاري في كتاب )التوحيد( ترجمة نفيسة تبين علقة الدعاء‬
‫بالتوحيد )باب سؤال بأسماء الله تعالى والستعاذة بها( عن أبي هريرة عن‬
‫صنفة‬
‫فضه ب ِ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬إذا جاء أحدكم فراشه فْلين ْ‬
‫ل‪ :‬باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه‪ ,‬إن‬ ‫)طرف( ثوبه ثلث مرات‪ ,‬وْليق ْ‬
‫ظها بما تحفظ به عبادك‬ ‫أمسكت نفسي فاغفر لها‪ ,‬وإن أرسلتها فاحف ْ‬
‫الصالحين(‪ .‬وحديث حذيفة قال‪) :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى‬
‫إلى فراشه قال‪ :‬اللهم باسمك أحيا وأموت‪ ,‬وإذا أصبح قال‪ :‬الحمد لله الذي‬
‫أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور(‪[58].‬‬
‫ن‬
‫معون على أ ّ‬ ‫مج ِ‬ ‫ّ‬
‫ن العارفين كلهم ُ‬ ‫ورحم الله ابن القّيم حيث قال‪" :‬إ ّ‬
‫َ‬
‫سك‪ ،‬والخذلن‪ :‬أن ي َك ِلك الله تعالى‬ ‫ك الله تعالى إلى نف ِ‬ ‫ق‪ :‬أن ل ي َك ِل َ َ‬‫التوفي َ‬
‫ل والنكسار ودوام اللجوء‬ ‫ب الذ ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫با‬ ‫له‬ ‫فتح‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫خير‬ ‫به‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫الل‬ ‫أراد‬ ‫فمن‬ ‫سك؛‬ ‫إلى نف ِ‬
‫عدواِنها‪ ،‬ومشاهدة‬ ‫سهِ وجهِلها و ُ‬ ‫ب نف ِ‬ ‫إلى الله تعالى والفتقار إليه‪ ،‬ورؤية عيو ِ‬
‫ه"‪[59].‬‬ ‫جودِهِ وبّرهِ وِغناه وحمدِ ِ‬ ‫ل رب ّهِ وإحسان ِهِ ورحمت ِهِ و ُ‬ ‫فض ِ‬
‫‪----------‬‬
‫]‪[1‬يوسف ‪.86‬‬
‫]‪[2‬الوابل الصّيب من الك َِلم الطّيب لبن القّيم ص ‪ .12‬دار الكتب العصرّية‬
‫بيروت‪ .‬ط ‪ 1424 .1‬هـ‪.‬‬
‫]‪[3‬سورة الفرقان ‪.77‬‬
‫]‪[4‬افتتح به المام مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والستغفار )شرح‬
‫النووي على مسلم ‪.(3-17/2‬‬
‫]‪[5‬شرح النووي على مسلم ‪.17/4‬‬
‫ً‬
‫]‪[6‬شرح ابن علن للذكار ‪ .1/17‬نقل عن تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد‬
‫ص ‪.6‬‬
‫]‪[7‬مدارج السالكين بين منازل إّياك نعبد وإّياك نستعين ‪.1/5‬‬
‫]‪[8‬فتح الباري ‪.11/116‬‬
‫]‪[9‬المرجع السابق ‪.11/119‬‬
‫]‪[10‬المرجع السابق ‪.14/ 11‬‬
‫]‪.12/124[11‬‬
‫]‪[12‬تصحيح الدعاء للعلمة بكر أبو زيد ص ‪ .237‬دار العاصمة الرياض‪ .‬ط ‪.1‬‬
‫‪ 1419‬هـ‪.‬‬
‫]‪[13‬فتح الباري ‪.11/116‬‬
‫]‪[14‬غافر ‪.60‬‬
‫واد‪ .‬دار الغرب السلمي بيروت‪.‬‬ ‫]‪[15‬جامع الترمذي ‪ 5/80‬تحقيق د‪.‬بشار ع ّ‬
‫ط ‪ 1418 .2‬هـ‪.‬‬
‫]‪[16‬الوابل الصّيب ص ‪.15-14‬‬
‫]‪[17‬الوابل الصّيب ص ‪.110‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت عن ذكر الحديث‬‫]‪[18‬مدارج السالكين دار الفكر ط ‪1408‬هـ‪ .‬وقد أعرض ُ‬


‫الثاني ـ وهو في الترمذي ـ لضعفه‪.‬‬
‫]‪[19‬يوسف ‪.86‬‬
‫]‪[20‬آل عمران ‪.26‬‬
‫]‪[21‬الحج ‪.13-12‬‬
‫]‪[22‬البقرة ‪.186‬‬
‫]‪[23‬فاطر ‪.15‬‬
‫]‪[24‬الحقاف ‪.6-5‬‬
‫]‪[25‬الرعد ‪.14‬‬
‫]‪[26‬سبأ ‪.22‬‬
‫]‪[27‬الحج ‪.74-73‬‬
‫]‪[28‬نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري ‪ 11/95‬مؤسسة مناهل العرفان‪.‬‬
‫]‪[29‬آل عمران ‪.135‬‬
‫]‪[30‬هود ‪.61‬‬
‫]‪[31‬هود ‪.90‬‬
‫]‪[32‬مدارج السالكين لبن القّيم ‪.3/164‬‬
‫]‪[33‬فتح الباري ‪.98-11/97‬‬
‫]‪[34‬فتح الباري ‪.13/548‬‬
‫]‪[35‬الوابل الصّيب لبن القيم ص ‪.13‬‬
‫]‪[36‬مدارج السالكين لبن القّيم ‪ .37-2/36‬دار الفكر ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫]‪[37‬في ظلل القرآن لسّيد قطب ‪.13/2016‬‬
‫]‪[38‬فتح الباري ‪.11/101‬‬
‫]‪[39‬المرجع السابق ‪.11/105‬‬
‫]‪[40‬المرجع السابق‪.‬‬
‫]‪[41‬فتح الباري ‪11/101‬‬
‫]‪[42‬شرح النووي ‪17/25‬‬
‫]‪[43‬نقله ابن حجر في فتح الباري ‪.11/105‬‬
‫]‪[44‬المرجع السابق‪.‬‬
‫]‪[45‬شرح النووي ‪17/11‬‬
‫]‪[46‬شرح النووي ‪.17/9‬‬
‫]‪[47‬الفتح ‪.11/108‬‬
‫]‪[48‬شرح النووي ‪.17/33‬‬
‫]‪[49‬فتح الباري ‪.11/111‬‬
‫]‪[50‬الفتح ‪111 - 11/110‬‬
‫]‪[51‬الفتح ‪11/113‬‬
‫]‪[52‬الفتح ‪.11/110‬‬
‫]‪[53‬المرجع السابق ‪11/113‬‬
‫]‪[54‬مدارج السالكين ‪.3/17‬‬
‫]‪[55‬المدارج ‪.3/16‬‬
‫]‪[56‬مدارج السالكين ‪.33/500‬‬
‫]‪[57‬فتح الباري ‪.13/357‬‬
‫]‪[58‬فتح الباري ‪.13/378‬‬
‫]‪[59‬الوابل الصّيب لبن القيم ص ‪.14‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫معالم في أدب الختلف سماح محمد هاشم*‬


‫ً‬
‫الختلف سنة كونية‪ ،‬وجبلة فطرية‪ ،‬موجودة في كل شيء؛ بدءا باختلف‬
‫مخلوقات الله عز وجل‪ ،‬واختلف الليل والنهار‪ ،‬وكذا اليام والشهور؛ فاليوم‬
‫ليس كالبارحة‪ ،‬وغدا ً يوم آخر‪ ،‬وأنا وأنت بشر‪ ،‬ومع ذلك فبيننا فوارق في‬
‫الهواء والطباع والصفات‪ ..‬هذا هو ما يجعل الحياة متجددة‪ ،‬وممتعة!!‪..‬‬
‫تصور إذا كانت اليام كلها مثل سابقاتها!‪ ،‬أو كان الليل والنهار شيئا واحدا؛ ل‬
‫فرق بينهما!!‪ ،‬وأنا وأنت كنا نسخة كربونية واحدة في كل شيء!!!‪ ،‬عندها‬
‫ل‪ ،‬ونثور‪ ،‬ونتفجر‪ ،‬وندعو إلى الختلف‪ ،‬والتغيير!!‪ ..‬إذن فالختلف أمر‬ ‫سنم ّ‬
‫طبيعي‪ ،‬بدهي‪ ،‬وفطري‪ ،‬وقد يكون أحيانا ً ضروريا‪.‬‬
‫ومبحثنا في هذه السطر هو جزئية معينة من أنواع الختلف؛ وهو اختلف‬
‫ل منا له فكره‪ ،‬وله رأيه الخاص الذي يميزه عن غيره‪،‬‬ ‫الفكر والرأي؛ فك ّ‬
‫والذي يتشكل‪ ،‬ويتكون بحس ثقافة المرء‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وعقيدته الدينية‪ ،‬وظروفه‬
‫البيئية‪ ،‬والجتماعية؛ فكلها عوامل تؤثر‪ ،‬وتتأثر؛ لتخرج لنا فكرا ً خاصا ً‬
‫بصاحبه‪ ..‬ومن هنا يتضح لنا أن هنالك أكثر من سبب يؤدي إلى اختلفنا في‬
‫الرؤى‪ ،‬والفكار!!‪ ..‬إذن فالمشكلة ليست في اختلفنا؛ بل في إيجاد أرضية‬
‫واحدة للتفاق؛ فليس معنى أن تخالفني الرأي أنك قد أصبحت ضدي‪،‬‬
‫وليست قاعدة )ما أريكم إل ما أرى( من الحق في شيء؛ فقد نختلف في‬
‫مسألة‪ ،‬ولكن هنالك العديد من المسائل التي نتفق فيها‪ ..‬وقد أختلف مع‬
‫أخي‪ ،‬ولكن هذا ل يعني أن أختزل ُأخوتي معه لهذا الختلف فقط‪..‬‬
‫إن من أهم‪ ،‬وأسلم‪ ،‬وأنجع الوسائل لحل الختلف الحوار الجاد‪ ،‬الهادئ‪،‬‬
‫البّناء؛ فهو موصل جيد للفكار‪ ،‬وأقصر الطرق لقناع الخرين‪ ..‬وعلينا أن‬
‫نقبل على من نحاور؛ فمقصودنا‪ ,‬ومرادنا من ذلك هو وضوح الحق؛ ل شيء‬
‫غيره‪ ..‬وكذلك من الهمية بمكان عند المحاورة توسيع‪ ،‬ودعم دائرة التفاق‪،‬‬
‫وتضييق دائرة الختلف‪ ..‬وهذا ل يكون إل بتأطير‪ ،‬وتحديد ما نختلف فيه؛ فقد‬
‫يكون وضوح المر المختلف فيه لكل الطرفين بداية الحل؛ فكثيرا ً ما نختلف‬
‫فقط لننا ل نعرف ما هو الشيء الذي اختلفنا فيه‪ ..‬وأحيانا ً قد نكون متفقين؛‬
‫ولكن هنالك مشكلة في قنوات التصال والفهم‪ ..‬فسوء الفهم آفة‪.‬‬
‫ومن هنا تنشأ حاجتنا الماسة لمعرفة أدب الحوار‪ ،‬وضرورة ممارسته‪،‬‬
‫وتطبيقه في قضايانا الكبرى؛ بل حتى في حياتنا اليومية المعتادة‪ ..‬وهنا جملة‬
‫من الداب التي يجب أن يلتزم بها المحاور‪:‬‬
‫• التجرد التام وتصحيح النية لله عز وجل‪.‬‬
‫• عدم الستكبار عن الحق‪ ..‬وأخذ الحق من أي شخص؛ فالحكمة ضالة‬
‫المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها‪.‬‬
‫• إياك والغرور العلمي‪ ..‬وهو أن تظن أن من تحاوره هو أقل منك علما؛ً‬
‫فهذا يسد عليك باب التمعن والتفكر فيما يقوله لك‪.‬‬
‫• التحدث بطريقة هادئة ومقنعة؛ فالثورة والغليان قد يضيع معها الحق‬
‫)وجادلهم بالتي هي أحسن(‪ ..‬وكما قال أحدهم‪ :‬النفوس بيوت؛ فاطرقها‬
‫برفق عند الولوج إليها‪.‬‬
‫• تذكر أنك تحاور من يختلف معك في فكره فقط ل في شخصك؛ فبذلك‬
‫تترفع عن أذيته والنيل من عرضه‪.‬‬
‫• البعد عن المسميات والنتماءات الحزبية؛ فإنها تشيع روح العصبية‪ ،‬وتزيد‬
‫عمق الشرخ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫• هنالك قاعدة تقول‪ :‬ليس كل ما لديّ صواب‪ ،‬وليس كل ما يأتي من الخر‬


‫خطأ‪.‬‬
‫• ليكن لسان حالك ومقالك ما قاله المام الشافعي رحمه الله‪) :‬ما ناظرت‬
‫أحدا ً قط إل ولم أبالي بّين الله الحق على لساني أو لسانه(‪.‬‬
‫وأخيرا ً وليس آخرا ً فمراد الحديث ومقصوده أل ّ ننزعج كثيرا ً إذا نحن اختلفنا؛‬
‫فهذا أمر قدري؛ بل إن ملئكة العذاب‪ ،‬وملئكة الرحمة اختلفوا في الرجل‬
‫التائب كما ورد ذلك في الحديث الشريف؛ أيهم يأخذه؟!‪ ..‬وكذلك اختلف‬
‫أعظم جيل بعد النبياء ‪ -‬وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ولكن ضربوا لنا أروع المثل في أدب الختلف‪ ،‬وحسن الحوار‪ ..‬وليكن شعارنا‬
‫في ذلك مقولة أحد الدعاة المعاصرين‪) :‬فلنتعاون فيما اتفقنا فيه‪ ،‬وليعذر‬
‫بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه(‪ ..‬والله أسأل أن يوفق‪ ،‬ويسدد كل باحث عن‬
‫الحق‪ ،‬وأن يرينا الحق حقا ً ويرزقنا اتباعه‪ ،‬وأن يرينا الباطل باطل ً ويرزقنا‬
‫اجتنابه‪ ،‬وهو الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫معالم في التعامل مع الفتن‬


‫محمد بن إبراهيم الحمد )*( ‪8/4/1425‬‬
‫‪27/05/2004‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فل ريب أن المة تعيش أحوال ً عصيبة‪ ،‬قد تكون أحرج أيام مرت بها عبر‬
‫التاريخ؛ فالمصائب متنوعة‪ ،‬والجراحات عميقة‪ ،‬والمؤامرات تحاك تلو‬
‫المؤامرات‪.‬‬
‫فرقة‪ ،‬وتسلط‬ ‫يضاف إلى ذلك ما تعانيه المة من الضعف‪ ،‬والهوان‪ ،‬وال ُ‬
‫العداء‪.‬‬
‫وما هذا الذي يجري في كثير من بلد المسلمين _ إل سلسلة من المكر‬
‫الكّبار‪ ،‬والكيد العظيم‪ ،‬والقتال الذي ل يزال مستمرًا‪.‬‬
‫عوا " ]البقرة‪:‬‬‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬‫م عَ ْ‬ ‫حّتى ي َُرّدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬‫"َول ي ََزاُلو َ‬
‫‪.[217‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عن ْدِ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫سدا ِ‬‫ح َ‬
‫فارا َ‬ ‫مك ّ‬ ‫مان ِك ْ‬‫ن ب َعْد ِ ِإي َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬
‫ب لوْ ي َُرّدون َك ْ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬‫"وَد ّ ك َِثيٌر ِ‬
‫ق‪] "...‬البقرة‪.[109 :‬‬ ‫ح ّ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ن ل َهُ ْ‬‫ما ت َب َي ّ َ‬‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َأن ُ‬
‫وفي مثل هذه الحوال يكثر السؤال‪ ،‬ويلح خصوصا ً من فئة الشباب المحبين‬
‫لدينهم‪ ،‬الراغبين في نصرته؛ فتراهم‪ ،‬وترى كل غيور على دينه يقول‪ :‬ما‬
‫وار‬ ‫دوري في هذه الحداث؟ وماذا أفعل؟ وكيف أتعامل مع هذا الخضم الم ّ‬
‫من الشرور والفتن والخطار؟‬
‫ض النفوس من جراء ذلك شيّء من اليأس‪ ،‬والحباط‪ ،‬وقد‬ ‫وقد يخالط بع َ‬
‫يعتريها الشك في إصلح الحوال‪ ،‬ورجوع المة إلى عزها وسالف مجدها‪.‬‬
‫ومهما يك من شيء فإن هذه المة أمة مباركة موعودة بالنصر والتمكين متى‬
‫توكلت على الله‪ ،‬وأخذت بالسباب‪.‬‬
‫وهذا الدين أنزله الله _ عز وجل _ وبعث به الرسول –صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‪.‬‬
‫أما التعامل مع هذه النوازل والمصائب والفتن فهو مبين في كتاب الله _عز‬
‫وجل_ وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم ‪ -‬موضح في كتب أهل العلم التي‬
‫تكلمت في هذا الباب‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومما تجدر الشارة إليه‪ ،‬ويحسن الط ّْرق عليه في هذا الصدد مما هو معين‬
‫_بإذن الله_ على حسن التعامل مع الفتن‪ ،‬والمصائب‪ ،‬والخروج منها‬
‫بأمان_أمور كثيرة‪ ،‬وفيما يلي ذكر لشيء منها‪ ،‬مع ملحظة أن بعضها داخل‬
‫في بعض؛ فإلى تلك المور‪ ،‬والله المستعان وعليه التكلن‪.‬‬
‫ل‪ :‬العتصام بالكتاب والسنة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫وهذا المعلم جماع هذا الباب كله؛ إذ جميع المعالم التية داخلة فيه‪ ،‬متفرعة‬
‫م"‬
‫قي ٍ‬‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬ ‫قد ْ هُدِيَ إ َِلى ِ‬ ‫م ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫ص ْ‬‫ن ي َعْت َ ِ‬ ‫م ْ‬‫عنه‪ ،‬قال الله _عز وجل_‪" :‬وَ َ‬
‫]آل عمران ‪.[101‬‬
‫وقال النبي‪" :‬تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما‪ :‬كتاب الله وسنتي‪ ،‬ولن‬
‫ي الحوض")‪(1‬‬ ‫يتفرقا حتى ي َرَِدا عل ّ‬
‫وقال_عليه الصلة والسلم_ في حديث العرباض بن سارية‪ -‬رضي الله عنه ‪:-‬‬
‫"وإنه من يعش منكم فسيرى اختلفا ً كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل‬
‫بدعة ضللة" )‪ (2‬فالتمسك بالوحيين عصمة من الزلل‪ ،‬وأمان _بإذن الله_‬
‫من الضلل‪.‬‬
‫وليس العتصام بهما كلمة تتمضمض بها الفواه من غير أن يكون لها رصيد‬
‫في الواقع‪.‬‬
‫وإنما هي عمل‪ ،‬واتباع في جميع ما يأتيه النسان ويذره‪.‬‬
‫ويعظم هذا المر حال الفتن؛ إذ يجب الرجوع فيها إلى هداية الوحيين؛ لكي‬
‫نجد المخرج والسلمة منها‪.‬‬
‫وهذا ما سيتبين في الفقرات التالية _إن شاء الله_‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التوبة النصوح‪:‬‬
‫م‬‫جاَءهُ ْ‬ ‫فهي واجبة في كل وقت‪ ،‬وهي في هذه الوقات أوجب "فَل َ ْ‬
‫ول إ ِذ ْ َ‬
‫ْ‬
‫عوا" ]النعام‪.[43 :‬‬ ‫ضّر ُ‬
‫سَنا ت َ َ‬ ‫ب َأ ُ‬
‫ولنا في قصة قوم يونس _ عليه السلم _ عبرة وموعظة؛ فهم لما رأوا ن ُ ُ‬
‫ذر‬
‫العذاب قد بدأت تلوح لجأوا إلى الله‪ ،‬وتضرعوا إليه‪ ،‬فرفع الله عنهم العذاب‬
‫ومتعهم بالحياة إلى حين مماتهم‪ ،‬وانقضاء آجالهم‪.‬‬
‫فعلى المة أن تتوب‪ ،‬وأن تدرك أن ما أصابها إنما هو جارٍ على مقتضى سنن‬
‫الله التي ل تحابي أحدا ً كائنا ً من كان؛ فتتوب من المنكرات التي أشاعتها من‬
‫شرك‪ ،‬وحكم بغير ما أنزل الله‪ ،‬وتقصير في الدعوة إلى الله‪ ،‬والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫وتتوب من المظالم‪ ،‬والربا‪ ،‬والفسق‪ ،‬والمجون‪ ،‬والسراف‪ ،‬والترف وما إلى‬
‫ذلك مما هو مؤذن باللعنة‪ ،‬وحلول العقوبة‪.‬‬
‫ما‬ ‫وعلى كل فرد منا أن ينظر في حاله مع ربه‪ ،‬وفي جميع شؤونه؛ لن " َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر" ]الشورى‪.[30 :‬‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬
‫فو عَ ْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬‫ديك ُ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬
‫م ِ‬
‫ن ُ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬‫صاب َك ُ ْ‬‫أ َ‬
‫ثالثًا‪ :‬النظر في التاريخ‪:‬‬
‫خصوصا ً تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬وذلك لخذ العبرة‪ ،‬وطرد شبح اليأس‪،‬‬
‫والبحث عن سبل النجاة والنصر‪.‬‬
‫فلو نظرنا _ على سبيل المثال _ إلى كتب التاريخ كتاريخ ابن الثير أو البداية‬
‫والنهاية لبن كثير لرأينا العجب من تسلط الصليبين‪ ،‬ولرأينا أن بغداد وبيت‬
‫المقدس _ على سبيل المثال _ يتكرر ذكرهما كثيرًا؛ فلقد لقت تلك البلد‬
‫من البلء ما الله به عليم‪ ،‬ومع ذلك ظلت صامدة‪ ،‬محافظة _إلى حد كبير _‬
‫على إسلمها وعراقتها‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتاريخ يعيد نفسه في هذه اليام‪ ،‬وتلك البلد وغيرها من بلد المسلمين _‬
‫بإذن الله _ ستصمد في وجوه اليهود والنصارى المعتدين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولو نظرنا في كتب التاريخ التي تحدثت عن غزو التتار لبلد المسلمين‪ ،‬وكيف‬
‫كانت شراسة تلك الهجمة‪ ،‬وكيف خالط النفوس من الرعب والوجال ما‬
‫خالطها‪ ،‬وكيف بلغ ببعضها اليأس من أن تقوم للسلم قائمة بعد ذلك‪.‬‬
‫وما هي إل أن كشف الله الغمة‪ ،‬وأعاد العز والمجد للمة‪ ،‬بل إن التتار‬
‫أنفسهم دخلوا في السلم‪.‬‬
‫ومن النظر في التاريخ النظر في سير أبطال السلم وقواده إبان الحروب‬
‫الصليبية‪ ،‬وخصوصا ً نور الدين محمود‪ ،‬وصلح الدين اليوبي _ عليهما رحمة‬
‫الله _ فسيرتهما تحمل في طياتها عبرا ً عظيمة تفيد في هذا الشأن كثيرًا؛‬
‫حيث حرصا على توحيد المة‪ ،‬ولم شعثها‪ ،‬ورفع الذلة والحباط اللذين خالطا‬
‫كثيرا ً من النفوس‪.‬‬
‫كما أنهما حرصا على العداد المتكامل للجهاد في سبيل الله؛ فنالت المة‬
‫بذلك سؤددًا‪ ،‬ومجدًا‪ ،‬ورفعة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الفادة من التجارب‪ :‬فذلك من جميل ما ينبغي؛ فالحياة كلها تجارب‪،‬‬
‫واستفادة من التجارب‪ ،‬وميزة إنسان على إنسان‪ ،‬وأمة على أمة هي القدرةُ‬
‫مها؛ فالحوادث تمر أمام جمع من الناس؛‬ ‫على الستفادة من التجارب وعد ُ‬
‫فيستفيد منها أناس بمقدار مائة‪ ،‬وآخرون بمقدار خمسين وهكذا‪ ،‬وآخرون‬
‫تمر منهم الحوادث على عين بلهاء‪ ،‬وقلب معرض؛ فل يفيدون منها شيئًا‪ ،‬ول‬
‫ة‪ ،‬ول تسمع لهم ركزًا‪.‬‬ ‫س له وجب ً‬
‫تح ّ‬
‫والفرق بين من يستفيد من التجربة ومن ل يستفيد أن الول يستطيع انتهاز‬
‫الفرص في حينها‪ ،‬وأن يتجنب الخطر قبل وقوعه‪.‬‬
‫على حين أن الثاني ل ينتهز فرصة‪ ،‬ول يشعر بالخطر إل بعد وقوعه؛ فل يليق‬
‫_ إذا ً _ أن تمر بنا وبأمتنا التجارب؛ فنكرَر الخطأ‪ ،‬ول نفيد َ من عبر الماضي‪.‬‬
‫فل تعامل أسلفنا مع ما مر بهم من البليا‪ ،‬وكيف تجاوزوا‬ ‫ول يحسن بنا أن ن ُغْ ِ‬
‫ْ‬
‫تلك المحن والفتن‪ ،‬بل علينا أن نقبس من هداهم‪ ،‬ونست َلِهم العبر من‬
‫صنيعهم‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬التذكير بعاقبة الظلم‪:‬‬
‫فمهما طال البلء‪ ،‬ومهما استبد اللم فإن عاقبة الظلم وخيمة‪ ،‬وإن العاقبة‬
‫الحميدة إنما هي للتقوى وللمتقين‪ ،‬كما بين ذلك ربنا في محكم التنزيل؛‬
‫فماذا كانت عاقبة النمرود‪ ،‬وفرعون‪ ،‬وهامان وقارون‪ ،‬وغيرهم ممن طغى‬
‫وتجبر وظلم؟‬
‫إنها الدمار‪ ،‬والبوار‪ ،‬وجهنم وبئس القرار‪ ،‬وماذا كانت عاقبة النبياء‬
‫والمصلحين المقسطين من عباد الله المؤمنين ؟‬
‫إنها الفلح والنصر‪ ،‬والتمكين‪ ،‬والجنة ونعم عقبى الدار‪.‬‬
‫وكما يحسن التحذير من الظلم العام على مستوى المة يحسن كذلك‬
‫التحذير من الظلم أي ّا ً كان نوعه‪ ،‬سواء في الحكم على الناس‪ ،‬أو القوال‪ ،‬أو‬
‫الشخاص‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الثقة بالله‪ ،‬واليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين‪:‬‬
‫فإن من أهم ما يجب على المؤمن _ في هذا الصدد _ أن يقوي ثقته بربه‪،‬‬
‫وأن ينأى بنفسه عن قلة اليقين بأن العاقبة للمتقين؛ فهناك من إذا شاهد ما‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه المسلمون من الضعف والتمزق‪ ،‬والتشتت‪ ،‬والتفرق‪ ،‬ورأى تسلط‬


‫أعدائهم عليهم‪ ،‬ونكايتهم بهم _ أيس من نصر الله‪ ،‬وقنط من عز السلم‪،‬‬
‫واستبعد أن تقوم للمسلمين قائمة‪ ،‬وظن أن الباطل سيدال على الحق إدالة‬
‫دائمة مستمرة يضمحل معها الحق‪.‬‬
‫فهذا المر جد خطير‪ ،‬وهو مما يعتري النفوس الضعيفة‪ ،‬التي قل إيمانها‪،‬‬
‫وضعف يقينها‪.‬‬
‫ل على قلة اليقين بوعد الله‬ ‫ق‪ ،‬وهو دلي ٌ‬ ‫فهذا الشعور مما ينافي اليمان الح ّ‬
‫ت إلى المور المحسوسة دون نظر إلى عواقب المور‬ ‫الصادق‪ ،‬والتفا ٌ‬
‫وحقائقها‪.‬‬
‫ن هذا الظن والله _ عز وجل _ قد كتب النصر في الزل‪،‬‬ ‫َ‬
‫وإل كيف ي ُظ ّ‬
‫وسبقت كلمته بأن العاقبة للتقوى وللمتقين‪ ،‬وأن جنده هم الغالبون‪ ،‬وهم‬
‫المنصورون‪ ،‬وأن الرض يرثها عباده الصالحون؟‬
‫فمن ظن تلك الظنون السيئة فقد ظن بربه السوء‪ ،‬ونسبه إلى خلف ما‬
‫يليق بجلله‪ ،‬وكماله‪ ،‬وصفاته‪ ،‬ونعوته؛ فإن حمده‪ ،‬وعزته‪ ،‬وحكمته‪ ،‬وإلهيته‬
‫ة لعدائه‪.‬‬ ‫ذل حزبه وجنده‪ ،‬وأن تكون النصرةُ والغلب ُ‬ ‫تأبى ذلك‪ ،‬وتأبى أن ي ُ ِ‬
‫فمن ظن ذلك فما عرفه‪ ،‬ول عرف ربوبيته‪ ،‬وملكه‪ ،‬وعظمته؛ فل يجوز في‬
‫حقه _ عز وجل _ ل عقل ً ول شرعا ً أن ي ُظ ِْهر الباطل على الحق‪ ،‬بل إنه‬
‫يقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق )‪ (3‬أما ما يشاهد من تسلط الكفار‬
‫واستعلئهم _ فإنما هو استعلء استثنائي‪ ،‬وذلك استدراجا ً وإملًء من الله لهم‪،‬‬
‫وعقوبة للمة المسلمة على بعدها عن دينها‪.‬‬
‫ه" ]النساء‪ ،[123:‬وهذه‬ ‫جَز ب ِ ِ‬‫سوءا ً ي ُ ْ‬‫ل ُ‬‫م ْ‬
‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬
‫ثم إن سنة الله ماضية فـ" َ‬
‫المة تذنب‪ ،‬فتعاقب بذنوبها عقوبات متنوعة منها ما مضى ذِك ُْره؛ كي تعود‬
‫إلى رشدها‪ ،‬وتؤوب إلى ربها‪ ،‬فتأخذ حينئذ مكانها اللئق بها‪.‬‬
‫ثم إن هذه المة أمة مرحومة تعاقب في هذه الدنيا‪ ،‬حتى يخف العذاب عنها‬
‫في الخرة‪ ،‬أو يغفر لها بسبب ما أصابها من بلء‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬الوقوف مع الشعوب السلمية المظلومة‪:‬‬
‫وخصوصا تلك الشعوب التي توالت عليها المصائب‪ ،‬وتتابعت عليها الخطوب؛‬
‫فنقف معها بالدعاء‪ ،‬والتثبيت‪ ،‬والتصبير‪ ،‬وبذل المستطاع‪.‬‬
‫كما ينبغي أل تنسينا أي مصيبة من المصائب مصائبنا الخرى؛ فوضع المور‬
‫في نصابها يجدي كثيرًا‪ ،‬ويصد شرا ً مستطيرًا‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬لزوم العتدال في جميع الحوال‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فينبغي في ذلك الخضم من الفتن والمصائب أل يفارقنا هدوؤنا‪ ،‬وسكينتنا‪،‬‬


‫ومروآتنا؛ فذلك دأب المؤمن الحق‪ ،‬الذي ل تبطره النعمة‪ ،‬ول تقنطه‬
‫المصيبة‪ ،‬ول يفقد صوابه عند النوازل‪ ،‬ول يتعدى حدود الشرع في أي شأن‬
‫من الشؤون‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويتأكد هذا الدب في حق من كان رأسا مطاعا في العلم‪ ،‬أو القدر؛ لن‬
‫لسان حال من تحت يده يقول‪:‬‬
‫اصبر نكن بك صابرين فإنما *** صبر الرعية عند صبر الراس‬
‫قال كعب بن زهير‪ -‬رضي الله عنه ‪ : -‬في قصيدته المشهورة _البردة_‪:‬‬
‫ل يفرحون إذا نالت رماحهم *** قوما ً وليسوا مجازيعا ً إذا نيلوا‬
‫فهو يمدح الصحابة _رضي الله عنهم_ بأنهم ل يفرحون من نيلهم عدوًا؛ فتلك‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عادتهم‪ ،‬ول يحزنون إذا نالهم العدو؛ لن عادتهم الصبر والثبات‪.‬‬


‫وقال عبدالعزيز بن زرارة الكلبي‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وهو من خيار المجاهدين‬
‫من التابعين‪:‬‬
‫قد عشت في الدهر أطوارا ً على طرق *** شتى فصادفت منها الل ّْين‬
‫شعا‬‫والب َ ِ‬
‫ت من لوائها جزعا‬ ‫شعْ ُ‬ ‫خ ّ‬‫ت فل النعماء تبطرني *** ول ت َ َ‬ ‫ك ُل ً بلو ُ‬
‫ً‬
‫ل قلبي قبل وقعته *** ول أضيق به ذرعا إذا وقعا‬ ‫ل يمل ُ الهو ُ‬
‫هذه الخصال يمتثلها عظماء الرجال؛ فلم يكونوا يتخلون عن مروآتهم‪،‬‬
‫وعاداتهم النبيلة حتى في أحلك المواقف‪.‬‬
‫وها هو سيد العظماء‪ ،‬وسيد ولد آدم نبينا محمد _عليه الصلة والسلم_‬
‫يضرب لنا أروع المثلة في ذلك؛ فهو يقوم بصغار المور وكبارها؛ فلم يمنعه‬
‫قيامه بأمر الدين‪ ،‬وحرصه على نشره‪ ،‬وقيادته للمة‪ ،‬وتقدمه في ساحات‬
‫الوغى_ لم يمنعه ذلك كله من ملطفة ذلك الطفل الصغير الذي مات طائره‪،‬‬
‫وقوِله له‪":‬يا أبا عمير ما فعل النغير!")‪(4‬‬
‫ولم يكن أحد يلهيه عن أحد *** كأنه والد والناس أطفال‬
‫ف عند السراء‪ ،‬ولم يتضعضع حال‬ ‫خ ّ‬ ‫فإذا لزم المرء هذه الطريقة؛ فلم ي َ ِ‬
‫الضراء _ فأحرِ به أن يعلو قدره‪ ،‬ويتناهى سؤدده‪ ،‬وأن تنال المة من خيره‪.‬‬
‫تذكر كتب السير التي تناولت سيرة عمر بن عبدالعزيز‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه‬
‫ده عبدالملك _ وهو أبر أولده‪ ،‬وأكثرهم دينا ً وعقل ً _ مّر بقوم‬ ‫ن ول َ َ‬ ‫لما د َفَ َ‬
‫يرمون؛ فلما رأوه أمسكوا‪ ،‬فقال‪ :‬ارموا‪ ،‬ووقف‪ ،‬فرمى أحد ُ الراميين فأخرج‬
‫م‪،‬‬
‫صر‪ ،‬وقال للخر‪ :‬ار ِ‬ ‫_ يعني أبعد عن الهدف _ فقال له عمر‪ :‬أخرجت فق ّ‬
‫ّ‬
‫صرت فبلغ‪.‬‬ ‫صر _ أي لم يبلغ الهدف _ فقال له عمر‪ :‬ق ّ‬ ‫فرمى فق ّ‬
‫فرغ قلبك إلى ما تفرغت‬ ‫َ‬
‫فقال له مسلمة بن عبدالملك‪ :‬يا أمير المؤمنين! أت ْ ِ‬
‫له‪ ،‬وإنما نفضت يدك الن من تراب قبر ابنك‪ ،‬ولم تصل إلى منزلك؟ فقال‬
‫ه عما‬ ‫له عمر‪ :‬يا مسلمة! إنما الجزع قبل المصيبة‪ ،‬فإذا وقعت المصيبة فال ْ ُ‬
‫نزل بك")‪ (5‬فالخذ بهذه السيرة_أعني العتدال حال نزول الفتن_ ينفع‬
‫كثيرًا‪ ،‬ويدفع الله به شرا ً مستطيرًا؛ لن الناس حال الفتن يموجون‪،‬‬
‫ويضطربون‪ ،‬وربما غاب عنهم كثير من العلم؛ فلذلك يحتاجون_وخصوصا ً من‬
‫كان عالمًا‪ ،‬أو رأسا ً مطاعًا_ إلى لزوم السكينة‪ ،‬والعتدال؛ حتى ي ُث َّبتوا الناس‪،‬‬
‫ويعيدو الطمأنينة إلى النفوس‪ ،‬ول تقطعهم تلك النوازل عما هم بصدده من‬
‫عمل‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ -‬رحمه الله ‪) : -‬ولهذا لما مات النبي"ونزلت‬
‫بالمسلمين أعظم نازلة نزلت بهم؛ حتى أوهنت العقول‪ ،‬وطيشت اللباب‪،‬‬
‫واضطربوا اضطراب الرشية في الطوي )‪ (6‬البعيدة القعر؛ فهذا ينكر موته‪،‬‬
‫وهذا قد أقعد‪ ،‬وهذا قد دهش فل يعرف من يمر عليه‪ ،‬ومن يسلم عليه‪،‬‬
‫وهؤلء يضجون بالبكاء‪ ،‬وقد وقعوا في نسخة القيامة‪ ،‬وكأنها قيامة صغرى‬
‫مأخوذة من القيامة الكبرى‪ ،‬وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين‪ ،‬وذلت كماته؛‬
‫فقام الصديق ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بقلب ثابت‪ ،‬وفؤاد شجاع فلم يجزع‪ ،‬ولم‬
‫جمع له بين الصبر واليقين فأخبرهم بموت النبي"وأن الله اختار له‬ ‫ينكل قد ُ‬
‫ً‬
‫ما عنده‪ ،‬وقال لهم‪) :‬من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات‪ ،‬ومن كان يعبد‬ ‫ً‬
‫س ُ‬
‫ل‬ ‫ن قَب ْل ِهِ الّر ُ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬‫ما ُ‬ ‫الله فإن الله حي ل يموت‪" ،‬وَ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عََلى أع ْ َ‬ ‫ت أ َوْ قُت ِ َ‬ ‫َ‬
‫ضّر الل َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬
‫قب َي ْهِ فل ْ‬‫ب عَلى عَ ِ‬ ‫قل ِ ْ‬
‫ن ي َن ْ َ‬‫م ْ‬‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫قاب ِك ْ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬
‫ل ان ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫أفَإ ِ ْ‬
‫ن" ]آل عمران‪.[144:‬‬ ‫ري َ‬
‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬‫شْيئا ً وَ َ‬ ‫َ‬
‫فكأن الناس لم يسمعوا هذه الية حتى تلها الصديق فل تجد أحدا ً إل وهو‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتلوها‪ ،‬ثم خطبهم فثبتهم وشجعهم‪.‬‬


‫قال أنس‪ -‬رضي الله عنه‪" :‬خطبنا أبو بكر‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وكنا كالثعالب‬
‫فما زال يشجعنا حتى صرنا كالسود"‪.‬‬
‫وأخذ في تجهيز أسامة مع إشارتهم عليه‪ ،‬وأخذ في قتال المرتدين مع‬
‫إشارتهم عليه بالتمهل والتربص‪ ،‬وأخذ يقاتل حتى مانعي الزكاة فهو مع‬
‫الصحابة يعلمهم إذا جهلوا‪ ،‬ويقويهم إذا ضعفوا‪ ،‬ويحثهم إذا فتروا؛ فقوى الله‬
‫به علمهم ودينهم وقوتهم؛ حتى كان عمر_مع كمال قوته وشجاعته_ يقول له‪:‬‬
‫ن مفترى؟‬ ‫يا خليفة رسول الله تألف الناس‪ ،‬فيقول‪ :‬علم أتألفهم؟ أعلى دي ٍ‬
‫أم على شعرٍ مفتعل؟ وهذا باب واسع يطول وصفه" )‪.(7‬‬
‫تاسعًا‪ :‬لزوم الرفق‪ ،‬ومجانبة الغلظة والعنف‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سواء في الدعوة‪ ،‬أو الرد‪ ،‬أو النقد‪ ،‬أو الصلح‪ ،‬أو المحاورة؛ فإن استعمال‬
‫الرفق‪ ،‬ولين الخطاب ومجانبة العنف _ يتألف النفوس الناشزة‪ ،‬ويدنيها من‬
‫الرشد‪ ،‬ويرغبها في الصغاء للحجة‪.‬‬
‫ويتأكد هذا الدب في مثل هذه الحوال العصيبة التي نحتاج فيها إلى تلك‬
‫المعاني التي تنهض بالمة‪ ،‬وتشد من أزر الدعوة‪.‬‬
‫ولقد كان ذلك دأب النبياء‪ ،‬قال _تعالى_ في خطاب هارون وموسى _ عليهما‬
‫شى‬ ‫خ َ‬ ‫ه ي َت َذ َك ُّر أ َوْ ي َ ْ‬
‫ه قَوْل ً ل َّينا ً ل َعَل ّ ُ‬ ‫قول ل َ ُ‬‫ه ط ََغى فَ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫السلم _ "اذ ْهََبا إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫" ]طه‪.[44-43 :‬‬
‫ن ما يخاطب به جبار‬ ‫قن موسى _ عليه السلم _ من القول اللين أحس َ‬ ‫ول ّ‬
‫كى‬ ‫ن ت ََز ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لل َ‬‫َ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ق ْ‬‫يقول لقومه‪ :‬أنا ربكم العلى‪ ،‬فقال _تعالى_‪" :‬فَ ُ‬
‫ك إ ِلى أ ْ‬
‫شى " ]النازعات‪.[19-18:‬‬ ‫خ َ‬ ‫ك فَت َ ْ‬ ‫ك إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫وَأ َهْدِي َ َ‬
‫مر به كيف قال‬ ‫ُ‬
‫قال ابن القيم – رحمه الله ‪" :-‬وتأمل امتثال موسى لما أ ِ‬
‫شى" ]النازعات‪-18:‬‬ ‫خ َ‬ ‫ك فَت َ ْ‬ ‫ك إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫كى وَأ َهْدِي َ َ‬ ‫ن ت ََز ّ‬ ‫َ‬
‫ك إ َِلى أ ْ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫لفرعون‪" :‬هَ ْ‬
‫‪.[19‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج المر‪ ،‬وقال‪":‬إ ِلى أ ْ‬ ‫خر َ‬ ‫م ْ‬ ‫فأخرج الكلم معه مخرج السؤال والعرض‪ ،‬ل َ‬
‫كى" ولم يقل‪) :‬إلى أن أزكيك(‪.‬‬ ‫ت ََز ّ‬
‫كي دون غيره؛ لما فيه من البركة‪،‬‬ ‫فنسب الفعل إليه هو‪ ،‬وذكر لفظ التز ّ‬
‫والخير‪ ،‬والنماء‪.‬‬
‫ك" أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك‪.‬‬ ‫ك إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫ثم قال‪" :‬وَأ َهْدِي َ َ‬
‫ك" استدعاًء ليمانه بربه الذي خلقه‪ ،‬ورزقه‪ ،‬ورباه بنعمه‬ ‫وقال‪" :‬إ َِلى َرب ّ َ‬
‫صغيرا ً وكبيرا ً )‪ (8‬ولهذا فإن الكلمة التي ُتلقى أو تحرر في أدب‪ ،‬وسعة صدر‪،‬‬
‫تسيغها القلوب‪ ،‬وتهش لها النفوس‪ ،‬وترتاح لها السماع‪.‬‬
‫ولقد امتن ربنا _جل وعل_ على نبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بأن‬
‫جبله على الرفق ومحبة الرفق‪ ،‬وأن جنبه الغلظة‪ ،‬والفظاظة‪ ،‬فقال _عز‬
‫فْر‬
‫ست َغْ ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬ ‫ك َفاعْ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب لن ْ َ‬ ‫قل ْ ِ‬
‫ظ ال ْ َ‬ ‫ت فَظ ّا ً غَِلي َ‬ ‫وجل_‪" :‬وَل َوْ ك ُن ْ َ‬
‫َ‬
‫ر" ]آل عمران‪.[159:‬‬ ‫م ِ‬‫م ِفي ال ْ‬ ‫م وَ َ‬
‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة بهذا الخلق الكريم الذي َ‬ ‫ولقد كانت سيرته _عليه الصلة والسلم_ حافل ً‬
‫كه بسط سلطانه على القلوب‪.‬‬ ‫مل َ َ‬‫َ‬
‫وكما كان _عليه الصلة والسلم_ متمثل هذا الخلق فقد كان يأمر به‪ ،‬ويبين‬ ‫ً‬
‫فضله‪.‬‬
‫قال "إن الله رفيق يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف‪،‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما ل يعطي على غيره)‪ (9‬وقال _عليه الصلة والسلم_‪" :‬إن الرفق ل يكون‬
‫في شيء إل زانه‪ ،‬ول ينزع من شيء إل شانه" )‪ (10‬ولما بعث أبا موسى‬
‫الشعري ومعاذا ً إلى اليمن قال لهما‪" :‬يسرا ول تعسرا‪ ،‬وبشرا ول تنفرا‪،‬‬
‫وتطاوعا ول تختلفا" )‪(11‬‬
‫قال المام أحمد –رحمه الله‪" :-‬يأمر بالرفق والخضوع‪ ،‬فإن أسمعوه ما يكره‬
‫ل يغضب؛ فيكون يريد ينتصر لنفسه")‪ (12‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫ضها إل الذي يترفق)‪(13‬‬ ‫ق ِ‬ ‫جٍج في حاجة *** لم ي َ ْ‬ ‫مد َ ّ‬
‫ف َ‬‫لو سار أل ُ‬
‫وكان يقال‪" :‬من لنت كلمته وجبت محبته" )‪(14‬‬
‫وخلصة القول أن الرفق هو الصل‪ ،‬وهو الجدى‪ ،‬والنفع‪ ،‬وأن الشدة ل‬
‫تصلح من كل أحد‪ ،‬ول تليق مع كل أحد‪ ،‬فقد تلئم إذا صدرت من ذي قدر‬
‫كبير في سن‪ ،‬أو علم وكانت في حدود الحكمة‪ ،‬واللباقة‪ ،‬واللياقة‪.‬‬
‫أما إذا صدرت ممن ليس له قدر في سن‪ ،‬أو علم‪ ،‬أو كانت في غير موضعها‪،‬‬
‫وتوجهت إلى ذي قدر أو جاه_فإنها _أعني الشدة_ تضر أكثر مما تنفع‪ ،‬وتفسد‬
‫أكثر من أن تصلح‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬القبال على الله _ عز وجل _‪:‬‬
‫وذلك بسائر أنواع العبادات‪.‬‬
‫قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فيما رواه مسلم – رضي الله عنه ‪-‬‬
‫العبادة في الهرج كهجرة إلي")‪(15‬‬
‫والهرج‪ :‬الفتن والقتل‪.‬‬
‫فحري بنا في مثل هذه اليام أن نزداد إقبال ً على الله ذكرا ً وإنابة‪ ،‬وصلة‪،‬‬
‫ونفقة‪ ،‬وبرا ً بالوالدين‪ ،‬وصلة للرحام‪ ،‬وإحسانا ً إلى الجيران‪ ،‬وحرصا ً على‬
‫تربية الولد‪ ،‬ونحو ذلك من العمال الصالحة‪.‬‬
‫وجدير بنا أن نكثر من الستغفار؛ فهو من أعظم أسباب دفع العذاب "وما‬
‫قِبل على أعمال‬ ‫كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ]النفال‪ [33:‬وأن ن ُ ْ‬
‫القلوب من خوف‪ ،‬ورجاء‪ ،‬ومحبة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫قِبل _كذلك_ على النفع المتعدي من أمر بالمعروف‪ ،‬ونهي‬ ‫و حقيق علينا أن ن ُ ْ‬
‫عن المنكر‪ ،‬ودعوة إلى الله‪ ،‬وإصلح بين الناس‪ ،‬وإحسان إليهم‪ ،‬وما جرى‬
‫مجرى ذلك‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬الحرص على جمع الكلمة ورأب الصدع‪:‬‬
‫فالمة مثخنة بالجراح‪ ،‬وليست بحاجة إلى مزيد من ذلك‪.‬‬
‫بل هي بحاجة إلى إشاعة روح المودة‪ ،‬والرحمة‪ ،‬ونيل رضا الله بترك التفرق‬
‫ونبذ الخلف‪.‬‬
‫وذلك يتحقق بسلمة الصدر‪ ،‬ومحبة الخير للمسلمين‪ ،‬والصفح عنهم؛ التجاوز‬
‫عن زلتهم والتماس المعاذير لهم‪ ،‬وإحسان الظن بهم‪ ،‬ومراعاة حقوقهم‪،‬‬
‫ومناصحتهم بالتي هي أرفق وأحسن‪.‬‬
‫وتكون بالتغاضي‪ ،‬والبعد عن إيغار الصدور‪ ،‬ونكأ الجراح‪.‬‬
‫ميعا ً َول ت َ َ‬
‫فّرُقوا" ]آل‬ ‫ل الل ّهِ َ‬
‫ج ِ‬ ‫حب ْ ِ‬
‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬
‫قال ربنا _تبارك وتعالى_‪َ" :‬واعْت َ ِ‬
‫عمران‪[103 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خير في ك َِثير من نجواهُم إل ّ م َ‬
‫صلٍح‬
‫ف أوْ إ ِ ْ‬ ‫صد َقَةٍ أوْ َ‬
‫معُْرو ٍ‬ ‫مَر ب ِ َ‬
‫نأ َ‬ ‫ٍ ِ ْ َ ْ َ ْ ِ َ ْ‬ ‫وقال‪" :‬ل َ ْ َ ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فعَ ْ‬
‫ظيما "‬ ‫ف ن ُؤِْتيهِ أ ْ‬
‫جرا عَ ِ‬ ‫سو ْ َ‬‫ضاةِ اللهِ ف َ‬ ‫ل ذ َل ِك اب ْت َِغاَء َ‬
‫مْر َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬‫س وَ َ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫ب َي ْ َ‬
‫]النساء‪.[114:‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في المتفق عليه ‪" :‬مثل المؤمنين في‬
‫توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له‬
‫سائر الجسد بالحمى والسهر"‪.‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬قيام روح الشورى‪:‬‬
‫خصوصا ً بين أهل العلم‪ ،‬والفضل‪ ،‬والحل والعقد‪ ،‬وذلك بأن ينظروا في‬
‫مصلحة المة‪ ،‬وأن يقدموا المصالح العليا قال الله _تعالى_ في وصف‬
‫م" ]الشورى‪.[38 :‬‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مُرهُ ْ‬
‫المؤمنين‪" :‬وَأ ْ‬
‫ر" ]آل عمران‪.[159 :‬‬ ‫َ‬ ‫وقال _ عز وجل _ لنبيه "‪" :‬وَ َ‬
‫م ِ‬
‫م ِفي ال ْ‬
‫شاوِْرهُ ْ‬
‫فقد أذن الله له "بالستشارة وهو غني عنها بما يأتيه من وحي السماء؛ تطييبا ً‬
‫لنفوس أصحابه‪ ،‬وتقريرا ً لسنة المشاورة للمة من بعده‪.‬‬
‫وكان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه ‪ -‬من العلم بالشريعة‪ ،‬والخبرة بوجوه‬
‫السياسة في منزلة ل تطاولها سماء‪ ،‬ومع هذا ل يبرم حكما ً في حادثة إل بعد‬
‫أن تتداولها آراء جماعة من الصحابة)‪(16‬‬
‫وهكذا كان عمر‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في الشورى‪ ،‬قال شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬‬
‫رحمه الله ‪" : -‬فكان عمر يشاور في المور لعثمان وعلي وطلحة والزبير‬
‫وعبدالرحمن بن عوف وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي موسى ولغيرهم‪،‬‬
‫حتى كان يدخل ابن عباس معهم مع صغر سنه‪.‬‬
‫م"‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مُرهُ ْ‬
‫وهذا مما أمر الله به المؤمنين ومدحهم عليه بقوله‪" :‬وَأ ْ‬
‫]الشورى‪.[38 :‬‬
‫ولهذا كان رأي عمر‪ ،‬وحكمه‪ ،‬وسياسته من أسد ّ المور‪ ،‬فما رؤي بعده مثله‬
‫قط‪ ،‬ول ظهر السلم وانتشر‪ ،‬وعّز كظهوره‪ ،‬وانتشاره‪ ،‬وعزه في زمنه‪.‬‬
‫وهو الذي كسر كسرى‪ ،‬وقصر قيصر الروم والفرس‪ ،‬وكان أميره الكبير على‬
‫الجيش الشامي أبا عبيدة‪ ،‬وعلى الجيش العراقي سعد بن أبي وقاص‪ ،‬ولم‬
‫يكن لحد ٍ ‪-‬بعد أبي بكر‪ -‬مثل خلفاءه ونوابه وعماله وجنده وأهل شوراه()‬
‫‪.(17‬‬
‫وكما كانت هذه هي سيرةَ الخلفاء الراشدين في الشورى فكذلك كانت سيرة‬
‫من جاء بعدهم فهذا معاوية ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬الذي كان مضرب المثل في‬
‫الدهاء والحلم وكياسة الرأي كان يأخذ بسنة الشورى‪.‬‬
‫جاء في الثمار للثعالبي ص ‪ 68‬ما يلي‪" :‬دهاء معاوية ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ذلك‬
‫ما اشتهر أمره‪ ،‬وسار ذكره‪ ،‬وكثرت الروايات والحكايات فيه‪ ،‬ووقع الجماع‬
‫على أن الدهاة أربعة‪ :‬معاوية‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬والمغيرة بن شعبة‪ ،‬وزياد‬
‫بن أبيه _رضي الله عنهم_ فلما كان معاوية ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بحيث هو من‬
‫الدهاء وبعد الغور_وانضم إليه الدهاة الثلثة الذين يرون بأول آرائهم أواخر‬
‫المور_ فكان ل يقطع أمرا ً حتى يشهدوه‪ ،‬ول يستضيء في ظلم الخطوب إل‬
‫بمصابيح آرائهم_سلم له أمر الملك‪ ،‬وألقت إليه الدنيا أزمتها‪ ،‬وصار دهاؤه‬
‫ودهاء أصحابه الثلثة مث ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫ثم إن للشورى فوائد عظيمة منها تقريب القلوب‪ ،‬وتخليص الحق من‬
‫احتمالت الراء‪ ،‬واستطلع أفكار الرجال‪ ،‬ومعرفة مقاديرها؛ فإن الرأي يمّثل‬
‫صه إذا استقبلها‪.‬‬ ‫ل صاحبه كما تمثل لك المرآةُ صورةَ شخ ِ‬ ‫لك عق َ‬
‫وقد ذهب الحكماء من الدباء في تصوير هذا المغزى مذاهب شتى‪ ،‬قال‬
‫بعضهم‪:‬‬
‫ب‬ ‫ً‬
‫ن أمٌر فاستشر فيه صاحبا *** وإن كنت ذا رأي تشير على الصح ِ‬ ‫إذا ع ّ‬
‫فإني رأيت العين تجهل نفسها *** وتدرك ما قد حل في موضع الشهب‬
‫وقال آخر‪:‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اقرن برأيك رأي غيرك واستشر *** فالحق ل يخفى على الثنين‬
‫والمرء مرآةٌ تريه وجهه *** ويرى قفاه بجمع مرآتين‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫الرأي كالليل مسودا ً جوانبه *** والليل ل ينجلي إل بإصباح‬
‫ح آراِء الرجال إلى *** مصباح ضوئك تزدد ْ ضوَء مصباح‬ ‫فاضمم مصابي َ‬
‫وإذا كان العالم النحرير‪ ،‬والحكيم الداهية‪ ،‬والقائد الحصيف ل يستغنون عن‬
‫الشورى_فكيف بمن دونهم‪،‬بل كيف بمن كان شابا ً في مقتبل عمره‪ ،‬ولم‬
‫ه التجارب؟!‪.‬‬ ‫حن ّك ْ ُ‬ ‫تصلب بعد قناته‪ ،‬ولم ت ُ َ‬
‫ثالث عشر‪ :‬الصبر‪:‬‬
‫سي ّئ َ ٌ‬
‫ة‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫صب ْك ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫سؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫قال ربنا _ جل وعل _‪" :‬إ ِ ْ‬
‫ن‬
‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ً‬
‫شْيئا إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م كي ْد ُهُ ْ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضّرك ْ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حوا ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫فَر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫حيط" ]آل عمران‪.[120 :‬‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ن أوُتوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫معُ ّ‬‫س َ‬ ‫م وَلت َ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِك ْ‬ ‫م َ‬‫ن ِفي أ ْ‬ ‫وقال _ عز وجل _ "لت ُب ْلوُ ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِكَ‬ ‫َ‬
‫قوا فإ ِ ّ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫َ‬
‫شَركوا أًذى كِثيرا وَإ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِ‬‫ال ْك َِتا َ‬
‫موِر" ]آل عمران‪[186 :‬‬ ‫ُ‬
‫ن عَْزم ِ ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ومن أعظم الصبرِ الصبُر على هداية الناس‪ ،‬والصبر على انتظار النتائج؛ لن‬
‫استعجال الثمرة قد يؤدي إلى نتائج عكسية تضر أكثر مما تنفع؛ فالصبر إذا‬
‫اقترن بالمر كان عصمة من الملل واليأس والنقطاع‪ ،‬وتفجرت بسببه ينابيع‬
‫العزم والثبات‪.‬‬
‫إنه الصبر المترع بأنواع المل العريض‪ ،‬وليس صبر اليائس الذي لم يجد بدا ً‬
‫من الصبر فصبر‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ر‬
‫م الصب ِ‬ ‫ل العبادات‪ ،‬وإن أعظ َ‬ ‫وبالجملة فإن الصبر من أعظم الخلق‪ ،‬وأج ّ‬
‫ما نهى الله عنه؛ لنه به‬ ‫ة الصبُر على امتثال أمر الله‪ ،‬والنتهاء ع ّ‬ ‫وأحمده عاقب ً‬
‫ب؛ فليس لمن قل صبُره على‬ ‫حقُ الثوا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ح الدين‪ ،‬وي ُ ْ‬ ‫خُلص الطاعة‪ ،‬وي ِ‬
‫ص ّ‬ ‫تَ ْ‬
‫ب من صلح‪.‬‬ ‫ة حظ من ب ِّر‪ ،‬ول نصي ٌ‬‫ّ‬ ‫الطاع ُ‬
‫شى حدوُثه من رهبة يخافها‪ ،‬أو يحذُر حلولهُ‬ ‫خ َ‬ ‫ومن جميل الصبر‪ :‬الصبُر فيما ي ُ ْ‬
‫ت؛ فإن أكثر الهموم كاذبة‪ ،‬وإن‬ ‫م ما لم يأ ِ‬ ‫له ّ‬ ‫من نكبةٍ يخشاها‪ ،‬فل يتعج ْ‬
‫الغلب من الخوف مدفوع‪.‬‬
‫ل من أمر مخوف؛‬ ‫ومن جميل الصبرِ الصبُر على ما نزل من مكروه‪ ،‬أو ح ّ‬
‫ل‬‫ست َد ْفَعُ مكائد ُ العداِء؛ فإن من ق ّ‬
‫ح وجوهُ الراِء‪ ،‬وت ُ ْ‬ ‫فبالصبر في هذا تنفت ُ‬
‫ة غمومه‪.‬‬ ‫عه‪ ،‬فصار صريعَ همومه‪ ،‬وفريس َ‬ ‫صبره عَُزب رأيه‪ ،‬واشتد جز ُ‬
‫س الحاجةِ إلى الصبر فكذلك المة؛ فأمة السلم كغيرها‬ ‫وكما أن الفراد َ بأم ّ‬
‫ة للكوارث‪ ،‬والمحن‪.‬‬ ‫من المم؛ ل تخرج عن سنن الله الكونية‪ ،‬فهي عرض ٌ‬
‫ة بمقتضى حكم الله الشرعي بحمل الرسالة‬ ‫وهي_في الوقت نفسه_مكلف ٌ‬
‫ل جميِع ما تلقيه في سبيلها برحابة‬ ‫م ِ‬‫الخالدة‪ ،‬ونشر الدعوة المباركة‪ ،‬وتح ّ‬
‫ن بأن العاقبة للتقوى وللمتقين‪.‬‬ ‫ت‪ ،‬ويقي ٍ‬ ‫صدر‪ ،‬وقوةِ ثبا ٍ‬
‫وهي _كذلك_ مطالبة بالجهاد في سبيل الله؛ لعلء كلمة الله‪ ،‬ونشر دين‬
‫الله‪ ،‬وإزاحة ما يقف في وجه الدعوة من عقبات؛ فل بد لها من الجهاد‬
‫الداخلي الذي ل يتحقق إل بمجاهدة النفس والهوى‪.‬‬
‫وهذا الجهاد ل يتحقق إل بخلق الصبر‪ ،‬ومغالبة النفس والشيطان والشهوات؛‬
‫ركوا‬ ‫هل للجهاد الخارجي؛ لن الناس إذا ت ُ ِ‬ ‫فذلك هو الجهاد الداخلي الذي يؤ ّ‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬ ‫عهم وما أ ُودع َ فيها من حب للراحة‪ ،‬وإيثار للدعة‪ ،‬ولم ي َ َ‬


‫شد ّ أْزُرهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ِ‬ ‫وطبا َ‬
‫ُ‬
‫بإرشاد إلهي تطمئن إليه نفوسهم‪ ،‬ويثقون بحسن نتائجه_ عجزت كواهِلهم‬
‫عن حمل أعباء الحياة‪ ،‬وخارت قواهم أمام مغرياتها‪ ،‬وذاب احتماُلهم إزاء‬
‫ل استعداد ٍ لتحصيل السمو‪ ،‬والعزة‪ ،‬والمنزلة‬ ‫دون ك ّ‬‫ق ُ‬ ‫ملذاتها وشهواتها؛ فَي َ ْ‬
‫ف ِ‬
‫اللئقة‪.‬‬
‫كي نفوسهم‪،‬‬ ‫قل أرواحهم‪ ،‬ويز ّ‬ ‫فلهذا اختار الله لهم من شرائع دينه ما يص ُ‬
‫ويمحص قلوبهم‪ ،‬ويربي ملكات الخير فيهم من صلة‪ ،‬وزكاة‪ ،‬وصيام‪ ،‬وحج‬
‫وغيرها من الشرائع‪..‬‬
‫رابع عشر‪ :‬إشاعة روح التفاؤل‪:‬‬
‫فإن ذلك مما يبعث الهمة‪ ،‬ويدعو إلى اطراح الخور والكسل‪ ،‬ويقود إلى‬
‫القبال على الجد والعمل؛ فلنثق بالله _ عز وجل _ ونصره وتأييده‪ ،‬ولنحذر‬
‫من كثرة التلوم‪ ،‬وإلقاء التبعات على الخرين‪ ،‬ولنحذر من القنوط واليأس‪،‬‬
‫والتشاؤم؛ فالسلم ل يرضى هذا المسلك بل يحذر منه أشد التحذير‪.‬‬
‫ثم لنثق بأن في طي هذه المحن منحا ً عظيمة‪.‬‬
‫كم نعمة ل تستقل بشكرها *** لله في طي المكاره كامنة‬
‫ولو لم يأت من ذلك إل أن المة تصحو من رقدتها‪ ،‬وتعود إلى ربها ودينها‪.‬‬
‫ولو لم يأت من ذلك إل أن هذا الجيل الجديد بدأ يعرف أعداءه‪ ،‬ويطرق‬
‫سمعه مسائل الولء والبراء‪ ،‬ويدرك ما يحاك حوله من مؤامرات‪ ،‬ويشعر بأن‬
‫العزة لله ولرسوله وللمؤمنين‪.‬‬
‫ولو لم يأت من ذلك إل أن المسلمين _ صاروا يشعرون بروح الجسد الواحد‪،‬‬
‫ويتعاطفون مع إخوانهم في كل مكان‪ ،‬ويحرصون على تتبع أخبارهم‪ ،‬وتقديم‬
‫المستطاع لهم‪ ،‬كل ذلك مع ما يواجهونه من التضليل العلمي‪ ،‬وما يحاَربون‬
‫به من سيل الشهوات العارم‪.‬‬
‫أين حال المسلمين الن من حالهم قبل تسعين سنة؟ أين هم لما سيطر‬
‫الشيوعيون على روسيا‪ ،‬وانقلبوا على الحكم القيصري؟ ماذا فعل زعماء‬
‫الشيوعية؟ يكفي أن نمثل بواحد منهم فحسب‪ ،‬إنه المجرم ستالين الذي قتل‬
‫جّلهم من المسلمين‪.‬‬ ‫إبان فترة حكمه ثلثين مليونا ً من البشر‪ُ ،‬‬
‫إن أكثر المسلمين في ذلك الوقت لم يكونوا ليعلموا عن إخوانهم آنذاك‬
‫شيئًا‪ ،‬بل إن كثيرا ً منهم لم يعلموا أن الجمهوريات السلمية التي استولى‬
‫عليها الشيوعيون _كانت بلدا ً إسلمية إل بعد أن انهارت الشيوعية قريبًا‪.‬‬
‫أما الن فإن المسلمين على درجة من الوعي والدراك‪ ،‬والسعي في مصالح‬
‫إخوانهم‪ ،‬والمؤمل أكثر من ذلك‪ ،‬وإنما المقصود أن ي ُب َّين أن الخير موجود‪،‬‬
‫وأنه يحتاج إلى مزيد‪.‬‬
‫وبالجملة فإن التفاؤل دأب المؤمن‪ ،‬وهو سبيل التأسي بالنبي‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" -‬خصوصا ً في وقت اشتداد المحن؛ وليس أدل على ذلك مما‬
‫كان في غزوة الحزاب بالمدينة‪ ،‬وبلغت القلوب الحناجر‪ ،‬ومع ذلك كان‬
‫_عليه الصلة والسلم_ يبشر أصحابه بمفاتيح الشام‪ ،‬وفارس‪ ،‬واليمن)‪.(18‬‬
‫وإذا ُتحدن عن الفأل‪ ،‬والحث على نشره _ فإن ذلك ل يعني القعود‪،‬‬
‫والخمود‪ ،‬والهمود؛ كحال من يؤملون المال العراض‪ ،‬ويفرطون في الماني‬
‫بحجة أن ذلك من الفأل‪ ،‬وهم كسالى قاعدون‪ ،‬ل يتقدمون خطوة‪ ،‬ول‬
‫ينهضون من كبوة‪.‬‬
‫ل ليس المر كذلك؛ بل إن الفأل المجدي هو ذلك الذي يحرك صاحبه‪ ،‬ويبعثه‬
‫على الجد‪ ،‬ويشعره بالنجح‪ ،‬ويقوده إلى إحسان الظن‪ ،‬ويبشر بحسن‬
‫العواقب‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خامس عشر‪ :‬التثبت مما يقال‪ ،‬والنظر في جدوى نشره‪ ،‬والحرص على رد‬
‫المور إلى أهلها‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫فالعاقل اللبيب ل يتكلم في شيء إل إذا تثّبت من صحته؛ فإذا ثبت لديه ذلك‬
‫ن َظ ََر في جدوى نشره؛ فإن كان في نشره حفز للخير‪ ،‬واجتماع ٌ عليه _نشره‪،‬‬
‫وأظهره‪ ،‬وإن كان خلف ذلك أعرض عنه‪ ،‬وطواه‪.‬‬
‫ولقد جاء النهي الصريح عن أن يحدث المرء بكل ما سمع‪.‬‬
‫قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" : -‬كفى بالمرء كذبا ً أن يحدث بكل ما سمع" )‬
‫‪.(19‬‬
‫وقد عقد المام مسلم في مقدمة صحيحه بابا سماه )باب النهي عن الحديث‬ ‫ً‬
‫بكل ماسمع( وساق تحته جملة من الثار منها الحديث السابق‪ ،‬ومنها مارواه‬
‫بسنده عن عمر بن الخطاب‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪" :‬بحسب المرء من‬
‫الكذب أن يحدث بكل ما سمع")‪.(20‬‬
‫وقال مسلم‪" :‬حدثنا محمد بن المثنى قال‪ :‬سمعت عبدالرحمن بن مهدي‬
‫يقول‪" :‬ل يكون الرجل إماما ً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع")‪.(21‬‬
‫ويتعين هذا الدب في وقت الفتن والملمات‪ ،‬فيجب على المسلم أن يتحرى‬
‫هذا الدب؛ حتى يقرب من السلمة‪ ،‬وينأى عن العطب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ن أ َوْ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫قال الله _تعالى_‪":‬وإَذا جاَءهُ َ‬
‫عوا ب ِهِ وَل َوْ َرّدوهُ‬ ‫ف أَذا ُ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫مٌر ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ُ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ول‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ ُ ِ ُْ ْ َ ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫طو‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ل‬
‫ْ ِ ِ ُْ ْ َ َ ُ ِ َ َ ْ َِْ‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫ل وَإ َِلى أوْ‬ ‫سو ِ‬ ‫إ َِلى الّر ُ‬
‫ل" ]النساء‪.[83:‬‬ ‫ن إ ِل ّ قَِلي ً‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬‫م ال ّ‬ ‫ه لت ّب َعْت ُ ْ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬‫الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫قال الشيخ العلمة عبدالرحمن السعدي ‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬في تفسير هذه‬
‫الية‪" :‬هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللئق‪ ،‬وأنه ينبغي لهم‬
‫إذا جاءهم أمر من المور المهمة‪ ،‬والمصالح العامة مما يتعلق بالمن‪ ،‬وسرور‬
‫المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم _أن يتثبتوا‪ ،‬ول يستعجلوا‬
‫بإشاعة ذلك الخبر‪ ،‬بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي المر منهم‪ :‬أهل‬
‫الرأي‪ ،‬والعلم‪ ،‬والنصح‪ ،‬والعقل‪ ،‬والرزانة‪ ،‬الذين يعرفون المور‪ ،‬ويعرفون‬
‫المصالح وضدها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين‪ ،‬وسرورا لهم‪ ،‬وتحرزا من‬ ‫ً‬
‫أعدائهم_فعلوا ذلك‪ ،‬وإن رأوا ما ليس فيه مصلحة‪ ،‬أو فيه مصلحة‪ ،‬ولكن‬
‫مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه‪.‬‬
‫م"‪.‬‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫طون َ ُ‬‫ست َن ْب ِ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ولهذا قال‪" :‬ل َعَل ِ َ‬
‫أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة‪ ،‬وعلومهم الرشيدة‪.‬‬
‫وفي هذا دليل لقاعدة أدبية‪ ،‬وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من المور‬
‫ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك‪ ،‬ويجعل إلى أهله‪ ،‬ول ُيتقدم بين أيديهم؛‬
‫فإنه أقرب إلى الصواب‪ ،‬وأحرى للسلمة من الخطأ‪.‬‬
‫وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر المور من حين سماعها‪ ،‬والمُر‬
‫بالتأمل قبل الكلم‪ ،‬والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه النسان أم ل‬
‫فيحجم عنه؟")‪(22‬‬
‫ً‬
‫وقال ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في موضع آخر حاثا على الثبت‪ ،‬والتدبر‪ ،‬والتأمل‬
‫ضى إ ِل َي ْ َ‬ ‫قرآن من قَب َ‬
‫ه‬
‫حي ُ ُ‬
‫ك وَ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ن يُ ْ‬‫لأ ْ‬ ‫ل ِبال ْ ُ ْ ِ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫قال‪" :‬وفي قوله _تعالى_‪َ" :‬ول ت َعْ َ‬
‫ب طالب العلم‪ ،‬وأنه ينبغي له أن يتأنى‬ ‫عْلمًا" ]طه‪ [114:‬أد ُ‬ ‫ب زِد ِْني ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫في تدبره للعلم‪ ،‬ول يستعجل بالحكم على الشياء‪ ،‬ول يعجب بنفسه‪ ،‬ويسأل‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موهُ‬
‫معْت ُ ُ‬
‫س ِ‬‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫ربه العلم النافع والتسهيل" َ)‪ (23‬وقال‪ :‬قوله –تعالى‪" :-‬ل َ ْ‬
‫ن" ]النور‪[12 :‬‬ ‫مِبي ٌ‬‫ك ُ‬ ‫خْيرا ً وََقاُلوا هَ َ‬
‫ذا إ ِفْ ٌ‬ ‫م َ‬‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬
‫ت ب ِأن ُ‬
‫مَنا ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫ظَ ّ‬
‫هذا إرشاد منه لعباده إذا سمعوا القوال القادحة في إخوانهم المؤمنين‬
‫رجعوا إلى ما علموا من إيمانهم‪ ،‬وإلى ظاهر أحوالهم‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى أقوال‬
‫القادحين‪ ،‬بل رجعوا إلى الصل‪ ،‬وأنكروا ما ينافيه‪.(24).‬‬
‫قال ابن حبان‪ -‬رحمه الله ‪": -‬أنشدني منصور بن محمد الكريزي"‬
‫جل‬ ‫دم الّر ُ‬ ‫ق ِ‬‫م شيء ي ُ ْ‬ ‫خرق أشأ ُ‬ ‫ن شيٍء أنت ت َت ْب َُعه *** وال ُ‬ ‫الرفقُ أيم ُ‬
‫ب الزلل )‪(25‬‬ ‫ب الرفقَ ل يستحق ِ‬ ‫فرٍ ***من يرك ِ‬ ‫َ‬
‫وذو التثبت من حمد إلى ظ َ‬
‫هذا وسيتضح شيء من ذلك في الفقرة التالية‪.‬‬
‫سادس عشر‪ :‬أل يحرص المسلم على إبداء رأيه في كل أمر‪ ،‬وأل يقول كل‬
‫ما يعلم‪:‬‬
‫فاللئق بالعاقل أن ينظر في العواقب‪ ،‬وأن يراعي المصالح؛ فل يحسن به أن‬
‫يبدي رأيه في كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬ول يلزمه أن يتكلم بكل نازلة؛ لنه ربما لم‬
‫يتصور المر كما ينبغي‪ ،‬وربما أخطأ التقدير‪ ،‬وجانب الصواب‪ ،‬بل ليس من‬
‫الحكمة أن يبدي النسان رأيه في كل ما يعلم حتى ولو كان متأنيا ً في حكمه‪،‬‬
‫مصيبا ً في رأيه؛ فما كل رأي ُيجهر به‪ ،‬ول كل ما يعلم يقال‪ ،‬ول كل ما يصلح‬
‫للقول يصلح أن يقال عند كل أحد‪ ،‬أو في كل مكان أو مناسبة‪.‬‬
‫بل الحكمة تقتضي أن يحتفظ النسان بآرائه إل إذا استدعى المقام ذلك‪،‬‬
‫واقتضته الحكمة والمصلحة‪ ،‬وكان المكان ملئمًا‪ ،‬والمخاطبون يعقلون ما‬
‫يقال‪.‬‬
‫وإذا رأى أن يبدي ما عنده فليكن بتعقل‪ ،‬وروية‪ ،‬ورصانة‪ ،‬وركانة‪.‬‬
‫ق‬
‫وِزن الكلم إذا نطقت فإنما *** يبدي عيوب ذوي العقول المنط ُ‬
‫ة تروق وجد ّة ً تعجب؛ فإذا سكنت‬ ‫قال أحد الحكماء‪" :‬إن لبتداء الكلم فتن ً‬
‫حه بإحسانه‬ ‫القريحة‪ ،‬وعدل التأمل‪ ،‬وصفت النفس_ فليعد ِ النظر‪ ،‬وليكن فر ُ‬
‫مه بإساءته"‪(26).‬‬ ‫مساويا ً لغ ّ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫جل ل يكاد‬ ‫سَبق كما أن العَ ِ‬ ‫وقال ابن حبان – رحمه الله ‪" :-‬الرافق ل يكاد ي ُ ْ‬
‫حق‪ ،‬وكما أن من سكت ل يكاد يندم كذلك من نطق ل يكاد يسلم‪.‬‬ ‫ي َل ْ َ‬
‫جّرب‪،‬‬ ‫حمد قبل أن ي ُ َ‬ ‫جل يقول قبل أن يعلم‪ ،‬ويجيب قبل أن يفهم‪ ،‬وي َ ْ‬ ‫والعَ ِ‬
‫ذم بعد ما يحمد‪ ،‬ويعزم قبل أن يفكر‪ ،‬ويمضي قبل أن يعزم‪.‬‬ ‫وي َ ّ‬
‫م‬
‫ةأ ّ‬‫جل تصحبه الندامة‪ ،‬وتعتزله السلمة‪ ،‬وكانت العرب ت ُك َّني العجل َ‬ ‫والعَ ِ‬
‫الندامات"‪(27).‬‬
‫وذكر بسنده عن عمر بن حبيب قال‪" :‬كان يقال‪ :‬ل يوجد العجول محمودًا‪ ،‬ول‬
‫ره غنيًا‪ ،‬ول‬ ‫ش ِ‬‫الغضوب مسرورًا‪ ،‬ول الحر حريصًا‪ ،‬ول الكريم حسودًا‪ ،‬ول ال ّ‬
‫الملول ذا إخوان"‪.(28).‬‬
‫ً‬
‫وقال ابن الجوزي‪ -‬رحمه الله تعالى ‪" :-‬ما اعتمد أحد ٌ أمرا إذا هم بشيء مثل‬
‫التثبت؛ فإنه متى عمل بواقعة من غير تأمل للعواقب كان الغالب عليه الندم؛‬
‫رض على نفسه‬ ‫ولهذا أمر بالمشاورة؛ لن النسان بالتثبت يفتكر؛ فتع ِ‬
‫الحوال‪ ،‬وكأنه شاور‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬خمير الرأي خير من فطيره‪.‬‬
‫وأشد الناس تفريطا ً من عمل بما ورده في واقعة من غير تثبت واستشارة؛‬
‫خصوصا ً فيما يوجب الغضب؛ فإنه طلب الهلك أو الندم العظيم")‪.(29‬‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال‪" :‬فألله ألله! التثبت التثبت في كل المور‪ ،‬والنظر في عواقبها؛ خصوصا ً‬


‫الغضب المثير للخصومة")‪ (30‬وقال ابن القيم –رحمه الله تعالى ‪" :-‬وقد جاء‬
‫في حديث مرسل‪":‬إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات‪ ،‬ويحب‬
‫العقل الكامل عند حلول الشهوات"‪.‬‬
‫فبكمال العقل والصبر ُتدفع فتنة الشهوة‪ ،‬وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة‬
‫الشبهة‪ ،‬والله المستعان" )‪.(31‬‬
‫ثم إن التثبت والتأني‪ ،‬والنظر في العواقب من سمات أهل العلم والعقل‪ ،‬ول‬
‫يستغني عنها أحد مهما كان‪ ،‬ول يكفي مجرد علم النسان‪ ،‬بل ل بد له _مع‬
‫العلم_ من هذه المور‬
‫وإليك هذه الكلمة الحكيمة الرائعة التي رقمتها يراعة العلمة الشيخ محمود‬
‫ب‬‫شاكر ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬والتي تعبر عن كثير مما مضى ذكره‪ ،‬قال‪ُ" :‬ر ّ‬
‫ل واسِع العلم‪ ،‬بحرٍ ل يزاحم‪ ،‬وهو على ذلك قصير العقل مضّلل الغاية‪،‬‬ ‫رج ٍ‬
‫رض له ذلك من قبل جرأته على ما ليس له فيه خبرة‪ ،‬ثم تهوره من‬ ‫وإنما ي َعْ ِ‬
‫غير روية ول تدبر‪ ،‬ثم إصراره إصرار الكبرياء التي تأبى أن تعقل‪.‬‬
‫دم على ما يحسن‪ ،‬وعلى الذي يعلم أنه به مضطلع‪ ،‬ثم يرى بعد‬ ‫ق ِ‬‫وإن أحدنا َلي ْ‬
‫التدبر أنه أسقط من حسابه أشياء‪ ،‬كان العقل يوجب عليه فيها أن يتثبت‪،‬‬
‫فإذا هو يعود إلى ما أقدم عليه؛ فينقضه نقض الغزل‪.‬‬
‫ومن آفة العلم في فن من فنونه‪ ،‬أن يحمل صاحبه على أن ينظر إلى رأيه‬
‫نظرة المعجب المتنزه‪ ،‬ثم ل يلبث أن يفسده طول التمادي في إعجابه بما‬
‫يحسن من العلم‪ ،‬حتى يقذفه إلى اجتلب الرؤى فيما ل يحسن‪ ،‬ثم ل تزال‬
‫تغيره عادة العجاب بنفسه حتى ينزل ما ل يحسن منزلة ما يحسن‪ ،‬ثم يصر‪،‬‬
‫ثم يغالي‪ ،‬ثم يعنف‪ ،‬ثم يستكبر‪ ،‬ثم إذا هو عند الناس قصير الرأي والعقل‬
‫على فضله وعلمه")‪.(32‬‬
‫ولقد كان الصحابة الكرام _رضي الله عنهم_ يراعون هذا الدب الحكيم؛ فما‬
‫كانوا يتكلمون في كل شيء‪ ،‬بل كانوا يراعون المكان‪ ،‬والزمان‪ ،‬والحال‪،‬‬
‫ي الكلم‪.‬‬‫ويراعون العقول‪ ،‬والفهام‪ ،‬ومرام َ‬
‫والمثلة على ذلك كثيرة جدًا‪ ،‬منها ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس‬
‫_رضي الله عنهما_ قال‪" :‬كنت أ ُْقرئ رجال ً من المهاجرين منهم عبدالرحمن‬
‫بن عوف ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ، -‬فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن‬
‫ي عبدالرحمن ‪-‬‬ ‫الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في آخر حجة حجها إذ رجع إل ّ‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬فقال‪ :‬لو رأيت رجل ً أتى أمير المؤمنين اليوم فقال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين هل لك في فلن يقول‪ :‬لو قد مات عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬لقد‬
‫بايعت فلنًا؛ فوالله ما كانت بيعة أبي بكر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬إل فلتة‪ ،‬فتمت‪،‬‬
‫ة في‬ ‫م العشي َ‬ ‫فغضب عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ثم قال‪ :‬إني _إن شاء الله_ لقائ ٌ‬
‫ذرهم هؤلء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم‬ ‫الناس‪ ،‬فمح ّ‬
‫قال عبدالرحمن ‪ -‬رضي الله عنه ‪ : -‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين! ل تفعل؛ فإن‬
‫الموسم يجمع َرعاع َ الناس وغوغاءهم؛ فإنهم هم الذين يغلبون على قُْربك‬
‫حين تقوم في الناس‪ ،‬وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطّيرها عنك كل‬
‫َ‬
‫م المدينة؛‬ ‫قد ُ َ‬
‫ل حتى ت َ ْ‬ ‫مط َّير‪ ،‬وأن ل يعوها‪ ،‬وأن ل يضعوها على مواضعها؛ فأ ْ‬
‫مهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ص بأهل الفقه وأشراف الناس‪ ،‬فتقول ما قلت‬ ‫خل َ‬‫ُ‬ ‫فإنها دار الهجرة والسنة فَت َ ْ‬
‫متمكنًا‪ ،‬فيعي أهل العلم مقالتك‪ ،‬ويضعونها على مواضعها‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪: -‬أما والله_إن شاء الله_لقومن بذلك أول مقام‬
‫أقومه بالمدينة" الحديث‪(33).‬‬
‫قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ -‬رضي الله عنه‪" : -‬حدثوا الناس بما‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعرفون؛ أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!")‪(34‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال ابن مسعود‪ -‬رضي الله عنه ‪" :-‬ما أنت بمحدث قوما حديثا ل تبلغه‬
‫عقولهم إل كان لبعضهم فتنة")‪(35‬‬
‫سابع عشر‪ :‬التحلي بالشجاعة‪ ،‬والفهم الصحيح لمعناها‪:‬‬
‫فالشجاعة فضيلة عظيمة‪ ،‬وخصلة من خصال الخير عالية‪.‬‬
‫وهي من أعظم ما ينهض بالفراد والمم؛ فالشجاع ينفر من العار‪ ،‬ويأبى‬
‫احتمال الضيم‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫والمة ل تحوز مكانة يهابها خصومها‪ ،‬وَتقّر ِبها عين حلفائها إل أن تكون عزيزة‬
‫الجانب‪ ،‬صلبة القناة‪.‬‬
‫وعزة الجانب‪ ،‬وصلبة القناة ل ينزلن إل حيث تكون قوة الجأش‪ ،‬والستهانة‬
‫بملقاة المكاره‪ ،‬وذلك ما يسمى شجاعة )‪ (36‬والشجاعة ل تقتصر على‬
‫القدام في ميادين الوغى‪ ،‬بل هي أعم من ذلك؛ فتشمل الشجاعة الدبية في‬
‫التعبير عن الرأي‪ ،‬وبالصدع بالحق‪ ،‬وبالعتراف بالخطأ‪ ،‬وبالرجوع إلى‬
‫الصواب إذا تبين‪.‬‬
‫ً‬
‫بل وتكون بالسكوت أحيانا‪ ،‬قال الشيخ محمد البشير البراهيمي –رحمه‬
‫ت يحسن السكوت فيه خيٌر من أن‬ ‫ن يسكت العاقل مختارا ً في وق ٍ‬ ‫الله‪" :-‬ول ْ‬
‫طقةٍ تمليها الظروف ل‬ ‫لن ْ‬ ‫ينطق مختارا ً في وقت ل يحسن الكلم فيه‪ ،‬وك ّ‬
‫الضمائر تثمر سكتة عن الحق ما من ذلك من بد")‪.(37‬‬
‫وليس من شرط الشجاعة أل يجد الرجل في نفسه الخوف جملة من الهلك‪،‬‬
‫أو القدام‪ ،‬أو نحو ذلك؛ فذلك شعور يجده كل أحد من نفسه إذا هو هم بعمل‬
‫كبير أو جديد‪.‬‬
‫بل يكفي في شجاعة الرجل أل يعظم الخوف في نفسه حتى يمنعه من‬
‫القدام‪ ،‬أو يرجع به النهزام‪.‬‬
‫قال هشام بن عبدالملك لخيه مسلمة _المسمى ليث الوغى_‪:‬‬
‫يا أبا سعيد! هل دخلك ذعر قط في حرب أو عدو؟‬
‫قال له مسلمة‪ :‬ما سلمت في ذلك من ذعر ينّبه على حيلة‪ ،‬ولم يغشني فيها‬
‫ذعر سلبني رأي‪.‬‬
‫قال هشام‪ :‬هذه هي البسالة‪.‬‬
‫فالشجاعة _إذًا_ هي مواجهة الخطر أو اللم أو نحو ذلك عند الحاجة في‬
‫ثبات‪ ،‬وليست مرادفة لعدم الخوف كما يظن بعض الناس‪.‬‬
‫فالشجاعة ل تعتمد على القدام والحجام فحسب‪ ،‬ول على الخوف وعدمه‪.‬‬
‫بل ليس بالمحمود أن يتجرد النسان من كل خوف؛ فقد يكون الخوف‬
‫فضيلة‪ ،‬وعدمه رذيلة؛ فالخوف عند القدام على أمر مهم تتعلق به مصالح‬
‫ة؛ وأي فضيلة؛ إذ هو يحمل على‬ ‫المة‪ ،‬أو يحتاج إلى اتخاذ قرار حاسم فضيل ٌ‬
‫الروّية‪ ،‬والتأني‪ ،‬والتؤدة؛ حتى يختمر الرأي‪ ،‬وينضج في الذهن؛ فل خير في‬
‫الرأي الفطير‪ ،‬ول الكلم القضيب _المرتجل_‪.‬‬
‫والعرب تقول في أمثالها‪" :‬الخطأ زاد العجول")‪(38‬‬
‫ً‬
‫كما أنها تمدح من يتريث‪ ،‬ويتأنى‪ ،‬ويقلب المور ظهرا لبطن‪ ،‬وتقول فيه‪" :‬إنه‬
‫ول قُّلب"‪.‬‬
‫لح ّ‬
‫ً‬
‫ولهذا تتابعت نصائح الحكماء على التريث خصوصا عند إرادة القدام على‬
‫المور العظيمة المهمة‪ ،‬قال المتنبي‪:‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن *** هو أول وهي المحل الثاني‬ ‫الرأي قبل شجاعة الشجعا ِ‬


‫ن )‪.(39‬‬‫مّرةٍ *** بلغت من العلياء كل مكا ِ‬ ‫فإذا هما اجتمعا لنفس ِ‬
‫وقال‪:‬‬
‫وكل شجاعة في المرء تغني *** ول مثل الشجاعة في الحكيم)‪.(40‬‬
‫وبالجملة فالشجاع ليس بالمتهور الطائش الذي ل يخاف مما ينبغي أن يخاف‬
‫فَرقُ من ظله‪ ،‬ويخاف مما ل يخاف منه‪.‬‬ ‫منه‪ ،‬ول هو بالجبان الرعديد الذي ي َ ْ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله ‪" :-‬والشجاعة ليست هي قوةَ‬
‫البدن؛ فقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب‪ ،‬وإنما هي قوة القلب‬
‫ل مداُره على قوة البدن‪ ،‬وصنعته للقتال‪ ،‬وعلى قوة القلب‪،‬‬ ‫وثباته‪ ،‬فإن القتا َ‬
‫وخبرته به‪.‬‬
‫والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة‪ ،‬دون التهور الذي ل يفكر صاحبه ول‬
‫يميز بين المحمود والمذموم؛ ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه‬
‫عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما ل يصلح‪.‬‬
‫فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ول شديد")‪(41‬‬
‫وقال‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في موضع آخر‪" :‬ومما ينبغي أن يعلم أن الشجاعة‬
‫إنما فضيلتها في الدين لجل الجهاد في سبيل الله‪ ،‬وإل فالشجاعة إذا لم‬
‫يستعن بها صاحبها على الجهاد في سبيل الله كانت إما وبال ً عليه إن استعان‬
‫بها صاحبها على طاعةالشيطان‪ ،‬وإما غير نافعة له إن استعملها فيما ل يقربه‬
‫إلى الله _تعالى_‪ .‬فشجاعة علي والزبير وخالد وأبي دجانة والبراء بن مالك‬
‫وأبي طلحة‪ ،‬وغيرهم من شجعان الصحابة إنما صارت من فضائلهم‬
‫لستعانتهم بها على الجهاد في سبيل الله؛ فإنهم بذلك استحقوا ما حمد الله‬
‫به المجاهدين‪ .‬وإذا كان كذلك فمعلوم أن الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد‪،‬‬
‫ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة")‪(42‬‬
‫قلة التي تجلب‬ ‫فما أحوجنا وما أحوج أمتنا إلى الشجاعة المنضبطة المتع ّ‬
‫الخير‪ ،‬والمصلحة للمة‪ ،‬وتنأى بها عن الشرور والبليا والرزايا )‪(43‬‬
‫ثامن عشر‪ :‬الدعاء‪:‬‬
‫فالدعاء من أعظم أسباب النصر والسلمة من الفتن‪ ،‬كيف وقد قال ربنا _عز‬
‫َ‬
‫م" ]غافر‪.[60 :‬‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬‫ج ْ‬‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬ ‫وجل_‪" :‬اد ْ ُ‬
‫فثمرة الدعاء مضمونة_بإذن الله_ إذا أتى الداعي بشرائط الجابة؛ فحري بنا‬
‫أن نكثر الدعاء لنفسنا بالثبات‪ ،‬وأن ندعو لخواننا بالنصر‪ ،‬وأن ندعو على‬
‫أعدائنا بالخيبة والهزيمة‪.‬‬
‫وإذا اشتبه على النسان شيء مما اختلف فيه الناس فليدع بما رواه مسلم‬
‫في صحيحه عن عائشة _رضي الله عنها_ أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " -‬كان يقول إذا قام يصلي من الليل‪" :‬اللهم رب جبريل وميكائيل‬
‫وإسرافيل فاطر السموات والرض أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه‬
‫يختلفون؛ اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهتدي من تشاء إلى‬
‫صراط مستقيم")‪.(44‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫فإذا انطرح العبد بين يدي ربه وسأله التوفيق والهداية والصواب والسداد _‬
‫فإن الله لن يخيب رجاءه‪ ،‬وسيهديه _بإذنه_ إلى سواء السبيل؛ فقد قال‬
‫_تعالى_ فيما رواه مسلم في صحيحه‪" :‬يا عبادي كلكم ضال إل من هديته‬
‫فاستهدوني أهدكم")‪.(45‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تاسع عشر‪ :‬البعد عن الفتن قدر المستطاع‪:‬‬


‫فالفتنة في هذه الزمان قائمة على أشدها؛ سواء فتنة الشهوات أو الشبهات؛‬
‫فالبعد عنها نجاة وسلمة‪ ،‬والقرب منها مدعاة للوقوع فيها‪.‬‬
‫ب الفتن‪ ،‬إن السعيد‬ ‫جن ّ َ‬
‫قال النبي _عليه الصلة والسلم_‪" :‬إن السعيد لمن ُ‬
‫لمن جنب الفتن‪ ،‬إن السعيد لمن جنب الفتن‪ ،‬ولمن ابتلي فصبر فواهًا")‪(46‬‬
‫قال ابن الجوزي – رحمه الله ‪" : -‬من قارب الفتنة بعدت عنه السلمة‪ ،‬ومن‬
‫ادعى الصبر وكل إلى نفسه")‪.(47‬‬
‫وقال‪" :‬فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة؛ فإن الهوى‬
‫مكايد‪ ،‬وكم من شجاع في الحرب اغتيل فأتاه ما لم يحتسب")‪.(48‬‬
‫وقال‪" :‬ما رأيت فتنة أعظم من مقاربة الفتنة‪ ،‬وقل أن يقاربها إل من يقع‬
‫فيها‪ ،‬ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه")‪ (49‬وقال ابن حزم‪ -‬رحمه‬
‫الله ‪:-‬‬
‫ل تلم من عّرض النفس لما *** ليس يرضي غيره عند المحن‬
‫ن)‪(50‬‬ ‫خ ْ‬ ‫ل تقرب عرفجا ً من لهب *** ومتى قربته ثارت د ُ َ‬
‫وقال‪:‬‬
‫ل تتبع النفس الهوى *** ودع التعرض للمحن‬
‫ي لم يمت *** والعين باب للفتن)‪(51‬‬ ‫إبليس ح ّ‬
‫وقال الشيخ أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني‪ -‬رحمه الله تعالى‪:-‬‬
‫من قارب الفتنة ثم ادعى الـ *** عصمة قد نافق في أمره‬
‫م في حظره‬ ‫ول يجيز الشرع أسباب ما *** يوّرط المسل َ‬
‫ج ودع عنك صداع الهوى *** عساك أن تسلم من شره)‪(52‬‬ ‫فان ُ‬
‫ومما يدخل في ذلك البعد عن مجالس الخنا والزور‪ ،‬ومجالس الجدال‬
‫بالباطل‪ ،‬ومجالس الوقيعة في عباد الله خصوصا ً أهل العلم والفضل خصوصا ً‬
‫في أوقات الفتن التي يكثر فيها القيل والقال؛ فالبعد عن الفتن سبيل للنجاة‬
‫مه‪ ،‬وإيمان يردعه‪ ،‬وكان يأنس من نفسه نفع‬ ‫منها إل من كان لديه علم يز ّ‬
‫ن الحق؛ فأولى لمثل هذا أل ينزوي‬ ‫الناس‪ ،‬وتبصيرهم‪ ،‬وكشف الشبه‪ ،‬وبيا َ‬
‫ّ‬
‫في قعر بيته‪ ،‬ويدع الناس يتخبطون في دياجير الظلم‪.‬‬
‫سئل شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله تعالى ‪" :-‬هل الفضل للسالك‪:‬‬
‫العزلة أو الخلطة؟"‪.‬‬
‫فأجاب بقوله‪" :‬فهذه المسألة ـ وإن كان الناس يتنازعون فيها إما نزاعا ً كليا ً‬
‫وإما حاليا ً _ فحقيقة المر أن الخلطة تارة تكون واجبة‪ ،‬أو مستحبة‪،‬‬
‫والشخص الواحد قد يكون مأمورا ً بالمخالطة تارة‪ ،‬وبالنفراد تارة‪.‬‬
‫وجماع ذلك أن المخالطة إن كان فيها تعاون على البر والتقوى فهي مأمور‬
‫ي عنها"‪.‬‬ ‫بها‪ ،‬وإن كان فيها تعاون على الثم والعدوان فهي منه ّ‬
‫إلى أن قال‪" :‬فاختيار المخالطة مطلقا ً خطأ‪ ،‬واختيار النفراد مطلقا خطأ"‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما مقدار ما يحتاج إليه كل إنسان من هذا وهذا‪ ،‬وما هو الصلح له في كل‬
‫حال "فهذا يحتاج إلى نظر خاص"ا‪.‬هـ)‪.(53‬‬
‫العشرون‪ :‬الحذر من أن يؤتى السلم من أي ثغر من الثغور‪:‬‬
‫سواء في ميدان التعليم‪ ،‬أو العلم‪ ،‬أو المرأة‪ ،‬أو الدعوة‪ ،‬وما جرى مجرى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫فهذه ثغور يجب على كل مسلم بحسبه أن يحافظ عليها خصوصا في مثل‬
‫هذه اليام العصيبة‪ ،‬فل يليق بنا أن نقول بأننا أمام أمور أعظم؛ فل داعي أن‬
‫نشتغل بهذه المور‪.‬‬
‫بل هي من صميم ما يجب علينا‪ ،‬وهي من أعظم ما يسعى العداء لتحقيقه‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعلينا أن ندرك الخطر المحدق بالمة‪ ،‬وأن نستشعر ما تتطلبه تلك المرحلة‬
‫من الصبر‪ ،‬والحكمة‪ ،‬والروية‪ ،‬والثبات‪ ،‬وب ُْعد النظرة‪ ،‬وصدق التوكل‪ ،‬وحسن‬
‫الصلة بالله‪.‬‬
‫وعلينا أن نسعى سعينا في إصلح عقائد المسلمين‪ ،‬وأخلقهم‪ ،‬وعباداتهم‪،‬‬
‫وسلوكهم‪ ،‬وأن نبذل الجهد في الرفع من إيمانهم‪ ،‬وتجنيبهم ما يسخط الله؛‬
‫فإذا علم الله منا صدق التوجه‪ ،‬وحسن النوايا أكرمنا بالنصر‪ ،‬وأيدنا بروح منه‪.‬‬
‫حنا‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وَتذهب ِري ُ‬ ‫أما إذا تخاذلنا‪ ،‬وتفرقنا فإنه يوشك أن ُنخذل‪ ،‬وَنفش َ‬
‫وكيف ننتصر إذا ابتعدنا عن الله؟ وهل سيدوم ذلك النصر لو كتب لنا؟‬
‫وماذا سيكون مصيرنا لو انتصرنا ونحن على تلك الحال المزرية؟‬
‫َ‬
‫م" ]محمد‪[7 :‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬‫صْرك ُ ْ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬
‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬
‫قال الله _عز وجل_ "إ ِ ْ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شد ّ ت َث ِْبيتا" ]النساء‪:‬‬ ‫م وَأ َ‬ ‫خْيرا لهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن ب ِهِ لكا َ‬ ‫ما ُيوعَظو َ‬ ‫م فَعَُلوا َ‬
‫وقال‪" :‬وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫‪[66‬‬
‫الحادي والعشرون‪ :‬ترسيخ الفهم الصحيح لليمان بالقدر والتوكل على الله‬
‫_عز وجل_‪:‬‬
‫فاليمان بالقدر يحمل على التسليم لله‪ ،‬والرضا بحكمه‪ ،‬والقيام بالسباب‬
‫المشروعة‪ ،‬ل على القعود‪ ،‬والخلد إلى الرض؛ فهناك من يترك الخذ‬
‫بالسباب‪ ،‬بحجة أنه متوكل على الله‪ ،‬مؤمن بقضائه وقدره‪ ،‬وأنه ل يقع في‬
‫ملكه شيء إل بمشيئته‪.‬‬
‫وذلك كحال بعض الذين يرون أن ترك الخذ بالسباب أعلى مقامات التوكل‪.‬‬
‫فهذا المر مما عمت به البلوى‪ ،‬واشتدت به المحنة‪ ،‬سواء على مستوى‬
‫الفراد‪ ،‬أو على مستوى المة‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫فأمة السلم مرت بأزمات كثيرة‪ ،‬وفترات عسيرة‪ ،‬وكانت تخرج منها‬
‫بالتفكير المستنير‪ ،‬والنظرة الثاقبة‪ ،‬والتصور الصحيح‪ ،‬فتبحث في السباب‬
‫والمسببات‪ ،‬وتنظر في العواقب والمقدمات‪ ،‬ثم بعد ذلك تأخذ بالسباب‪،‬‬
‫وتلج البيوت من البواب‪ ،‬فتجتاز _ بأمر الله _ تلك الزمات‪ ،‬وتخرج من تلك‬
‫النكبات‪ ،‬فتعود لها عزتها‪ ،‬ويرجع لها سالف مجدها‪.‬‬
‫هكذا كانت أمة السلم في عصورها الزاهية‪.‬‬
‫أما في هذه العصور المتأخرة التي غشت فيها غواشي الجهل‪ ،‬وعصفت فيها‬
‫أعاصير اللحاد والتغريب‪ ،‬وشاعت فيها البدع والضللت _ فقد اختلط هذا‬
‫المر على كثير من المسلمين؛ فجعلوا من اليمان بالقضاء والقدر تكأةً‬
‫للخلد إلى الرض‪ ،‬ومسوغا ً لترك الحزم والجد والتفكير في معالي المور‪،‬‬
‫وسبل العزة والفلح‪ ،‬فآثروا ركوب السهل الوطيء الوبيء على ركوب‬
‫الصعب الشق المريء‪.‬‬
‫فكان المخرج لهم أن يتكل المرء على القدر‪ ،‬وأن الله هو الفّعال لما يريد‪،‬‬
‫ض إرادُته‪ ،‬ولتكن مشيئته‪،‬‬ ‫وأن ما شاءه كان‪ ،‬وما لم يشأه لم يكن؛ فلتم ِ‬
‫وليجرِ قضاؤه وقدره‪ ،‬فل حول لنا ول طول‪ ،‬ول يد َ لنا في ذلك كله‪.‬‬
‫هكذا بكل يسر وسهولة‪ ،‬استسلم للقدار دون منازعة لها في فعل السباب‬
‫المشروعة والمباحة؛ فل أمر بالمعروف‪ ،‬ول نهي عن المنكر‪ ،‬ول حرص على‬
‫نشر العلم ورفع الجهل‪ ،‬ول محاربة للفكار الهدامة والمبادئ المضللة‪ ،‬كل‬
‫ذلك بحجة أن الله شاء ذلك!‬
‫والحقيقة أن هذه مصيبة كبرى‪ ،‬وضللة عظمى‪ ،‬أدت بالمة إلى هوة سحيقة‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من التخلف والنحطاط‪ ،‬وسب َّبت لها تسلط العداء‪ ،‬وجّرت عليها ويلت إثر‬
‫ويلت‪.‬‬
‫وإل فالخذ بالسباب ل ينافي اليمان بالقدر‪ ،‬بل إنه من تمامه؛ فالله _ عز‬
‫وجل _ أراد بنا أشياء‪ ،‬وأراد منا أشياء‪ ،‬فما أراده بنا طواه عنا‪ ،‬وما أراده منا‬
‫أمرنا بالقيام به‪ ،‬فقد أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن‬
‫يؤمنوا‪ ،‬وأراد منا أن نكون أمة واحدة وإن كان يعلم أننا سنتفرق ونختلف‪،‬‬
‫وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا‪ ،‬وإن كان يعلم أن بأسنا‬
‫سيكون بيننا شديدا ً وهكذا‪...‬‬
‫فالخلط بين ما أريد بنا‪ ،‬وما أريد منا‪ ،‬وبين المر الكوني القدري‪ ،‬والشرعي‬
‫الديني هو الذي ُيلِبس المر‪ ،‬ويوقع في المحذور‪.‬‬
‫ثم ل ريب أن الله _ عز وجل _ هو الفعال لما يريد‪ ،‬الخالق لكل شيء‪ ،‬الذي‬
‫بيده ملكوت كل شيء‪ ،‬الذي له مقاليد السموات والرض‪.‬‬
‫ولكنه _ تبارك وتعالى _ جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها؛ وقوانين ينتظم‬
‫بها‪ ،‬وإن كان هو _ عز وجل _ قادرا ً على خرق هذه النواميس وتلك القوانين‪،‬‬
‫وإن كان _ أيضا ً _ ل يخرقها لكل أحد‪.‬‬
‫فاليمان بأن الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين _ ل يعني أنه‬
‫سينصر المؤمنين وهم قاعدون عن الخذ بالسباب؛ لن النصر بدون الخذ‬
‫ف لحكمةِ الله‪،‬‬ ‫بالسباب مستحيل‪ ،‬وقدرة الله ل تتعلق بالمستحيل‪ ،‬ولنه منا ٍ‬
‫ة بحكمته‪.‬‬ ‫وقُد َْرُته_عز وجل_ متعلق ٌ‬
‫فكون الله قادرا ً على الشيء‪ ،‬ل يعني أن الفرد أو الجماعة أو المة قادرةٌ‬
‫عليه؛ فقدرة الله صفة خاصة به‪ ،‬وقدرة العبد صفة خاصة به‪ ،‬فالخلط بين‬
‫قدرة الله واليمان بها‪ ،‬وقدرة العبد وقيامه بما أمره الله به_ هو الذي يحمل‬
‫على القعود‪ ،‬وهو الذي يخدر المم والشعوب)‪.(54‬‬
‫وهذا ما لحظه وألمح إليه أحد المستشرقين اللمان وهو باول شمتز‪ ،‬فقال‬
‫وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم المتأخرة‪) :‬طبيعة المسلم التسليم‬
‫لرادة الله‪ ،‬والرضا بقضائه وقدره‪ ،‬والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار‪،‬‬
‫وكان لهذه الطاعة أثران مختلفان؛ ففي العصر السلمي الول لعبت دورا ً‬
‫ل؛ لنها دفعت في الجندي روح‬ ‫كبيرا ً في الحروب‪ ،‬وحققت نصرا ً متواص ً‬
‫الفداء‪ ،‬وفي العصور المتأخرة كانت سببا ً في الجمود الذي خيم على العالم‬
‫السلمي‪ ،‬فقذف به إلى النحدار‪ ،‬وعزله وطواه عن تيار الحداث العالمية( )‬
‫‪.(55‬‬
‫الثاني والعشرون‪ :‬مراعاة المصالح والمفاسد‪:‬‬
‫وقد مر شيء من ذلك؛ فل يكفي مجرد سرد النصوص‪ ،‬وتنزيلها على أحوال‬
‫معينة خصوصا ً عند الفتن واشتباه المور بل ل بد من الرؤية‪ ،‬والستنارة بأهل‬
‫العلم والفقه والبصيرة‪ ،‬ول بد من النظر في المصالح والمفاسد قال الشيخ‬
‫ت الذ ّك َْرى" ]العلى‪ ،[9:‬مفهوم‬ ‫فعَ ْ‬ ‫السعدي – رحمه الله‪ :-‬قوله "فَذ َك ّْر إ ِ ْ‬
‫ن نَ َ‬
‫ك التذكير؛ خوف وقوع المنكر‪.‬‬ ‫الية أنه إذا ترتب على التذكير مضرة أرجح ت ُرِ َ‬
‫)‪.(56‬‬
‫من ْكرِ يستلزم ما هو أنكر منه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وقال ابن القيم –رحمه الله‪":-‬فإذا كان إنكار ال ُ‬
‫وأبغض إلى الله ورسوله فإنه ل يسوغ إنكاره‪ ،‬وإن كان الله يبغضه‪ ،‬ويمقت‬
‫أهله"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬ومن تأمل ما جرى في السلم من الفتن الكبار والصغار رآها من‬
‫إضاعة هذا الصل وعدم الصبر على منكر‪ ،‬فطلب إزالته‪ ،‬فتوّلد منه ما هو‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أكبر منه؛ فقد كان رسول الله " يرى بمكة أكبر المنكرات ول يستطيع‬
‫تغييرها"‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫بل لما فتح الله مكة‪ ،‬وصارت دار إسلم عزم على تغيير البيت‪ ،‬ورّده على‬
‫ة وقوع ما هو أعظم‬ ‫قواعد إبراهيم‪ ،‬ومنعه من ذلك _مع قدرته عليه_ خشي ُ‬
‫منه‪ ،‬من عدم احتمال قريش لذلك‪ ،‬لقرب عهدهم بالسلم‪ ،‬وكونهم حديثي‬
‫عهد بكفر")‪.(57‬‬
‫ده"‬ ‫هض ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫ُ‬
‫خل َ‬‫وقال‪" :‬فإنكار المنكر أربع درجات‪ :‬الولى‪ :‬أن يزول وي َ ْ‬
‫ل‪ ،‬وإن لم يزل بالجملة‪.‬‬ ‫ق ّ‬
‫والثانية‪ :‬أن ي َ ِ‬
‫الثالثة‪ :‬أن يخلفه ما هو مثله‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن يخلفه ما هو شٌر منه‪.‬‬
‫ل اجتهاد‪ ،‬والرابعة محرمة‪.‬‬ ‫فالدرجتان الوليان مشروعتان‪ ،‬والثالثة مح ّ‬
‫فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون الشطرنج كان إنكارك عليهم من‬
‫عدم الفقه والبصيرة إل إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله‬
‫كرمي الّنشاب‪ ،‬وسباق الخيل‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو‪ ،‬أو لعب‪ ،‬أو سماع مكاء وتصدية فإن‬
‫نقلتهم إلى طاعة الله فهو المراد‪.‬‬
‫غهم لما هو أعظم من ذلك؛ فكان‬ ‫وإل كان تركهم على ذلك خيرا ً من أن ُتفرِ َ‬
‫ما هم فيه شاغل ً لهم عن ذلك‪.‬‬
‫ت من نقله عنها‬ ‫خف َ‬ ‫وكما إذا كان الرجل مشتغل ً بكتب المجون ونحوها‪ ،‬و ِ‬
‫ه وكتبه الولى‪ ،‬وهذا باب واسع‪.‬‬ ‫انتقاله إلى كتب البدع والضلل والسحر فَد َعْ ُ‬
‫وسمعت شيخ السلم ابن تيمية _قدس الله روحه ونوّر ضريحة_ يقول‪:‬‬
‫مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر؛ فأنكر‬
‫ن كان معي؛ فأنكرت عليه‪ ،‬وقلت له‪ :‬إنما حرم الله الخمر؛ لنها تصد‬ ‫م ْ‬
‫عليهم َ‬
‫عن ذكره وعن الصلة‪ ،‬وهؤلء يصدهم الخمر عن قتل النفوس‪ ،‬وسبي‬
‫عهم")‪.(58‬‬ ‫الذرية‪ ،‬وأخذ الموال؛ فَد َ ْ‬
‫الثالث والعشرون‪ :‬حسن التعامل مع الخلف والردود‪:‬‬
‫فربما يحصل في وقت النوازل والفتن اختلف في النظرة إليها من قبل بعض‬
‫أهل العلم وربما يحصل خلف حول أمر ما؛ فيحسن _ والحالة هذه _ أن‬
‫تنشرح صدورنا لما يقع من الخلف؛ فما من الناس أحد إل وهو راد ومردود‬
‫ل يؤخذ من قوله ويرد إل الرسول "‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬وك ّ‬
‫ويجمل بنا نحسن الظن بأهل العلم والفضل إذا رد بعضهم على بعض‪ ،‬وأل‬
‫ندخل في نياتهم‪ ،‬وأن نلتمس لهم العذر‪.‬‬
‫وإذا تبين لنا أن أحدا ً من أهل العلم والفضل أخطأ سواء كان رادا ً أو مردودا ً‬
‫عليه _ فل يسوغ لنا ترك ما عنده من الحق؛ بحجة أنه أخطأ‪.‬‬
‫وإذا كنا نميل إلى أحد من الطرفين أكثر من الخر فل يجوز لنا أن نتعصب‬
‫له‪ ،‬أو نظن أن الحق معه على كل حال‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا كان في نفس أحد ٍ منا شيء على أحد الطرفين _ فل يكن ذلك حائل دون‬
‫قبول الحق منه‪.‬‬
‫ن َذا قُْرَبى" ]النعام‪.[152:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م َفاعْدِلوا وَلوْ كا َ‬ ‫ْ‬
‫قال _ ربنا جل وعل _ ‪" :‬وَإ َِذا قُلت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وى"‬‫ق َ‬
‫ب ِللت ّ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن قَوْم ٍ عَلى أل ت َعْدِلوا اعْدِلوا هُوَ أقَر ُ‬
‫ْ‬ ‫شَنآ ُ‬ ‫من ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫جرِ َ‬ ‫وقال‪َ" :‬ول ي َ ْ‬
‫]المائدة‪.[8:‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫داَء ل ِل ّهِ وَل َوْ عََلى‬ ‫َ‬


‫شهَ َ‬ ‫ط ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫ن ِبال ْ ِ‬
‫مي َ‬‫وا ِ‬‫كوُنوا قَ ّ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال ‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م" ]النساء‪.[135:‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َأن ُ‬
‫قال ابن حزم – رحمه الله ‪" :-‬وجدت أفضل نعم الله _تعالى_ على المرء أن‬
‫حّبه‪ ،‬وعلى الحق وإيثاره")‪.(59‬‬ ‫لو ُ‬ ‫يطبعه على العد ِ‬
‫وقال‪" :‬وأما من طبع على الجور واستسهاله‪ ،‬وعلى الظلم واستخفافه _‬
‫وم طباعه أبدًا‪ ،‬وليعلم أنه ل يفلح في دين‬ ‫فلييأس من أن يصلح نفسه‪ ،‬أو يق ّ‬
‫ول في خلق محمود")‪.(60‬‬
‫وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله ‪" : -‬والعدل مما تواطأت‬
‫دح بادعاء القيام به‬ ‫على حسنه الشرائع اللهية‪ ،‬والعقول الحكيمة‪ ،‬وتم ّ‬
‫دحهم على نقوش الهياكل من كلدانية‪ ،‬ومصرية‪،‬‬ ‫عظماُء المم‪ ،‬وسجلوا تم ّ‬
‫وهندية‪.‬‬
‫وحسن العدل بمعزل عن هوى يغلب عليها في قضية خاصة‪ ،‬أو في مبدأ‬
‫خاص تنتفع فيه بما يخالف العدل بدافع إحدى القوتين‪ :‬الشاهية والغاضبة"‪).‬‬
‫‪.(61‬‬
‫وإذا كان لدينا قدرة على رأب الصدع‪ ،‬وجمع الكلمة‪ ،‬وتقريب وجهات النظر‬
‫فتلك قربة وأي قربة‪.‬‬
‫صد َقَةٍ أ َْو‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫م‬‫خير في ك َِثير من نجواهُم إل ّ من أ َ‬
‫ٍ ِ ْ َ ْ َ ْ ِ َ ْ َ َ ِ َ‬ ‫َ َْ ِ‬ ‫"ل‬ ‫_‪:‬‬ ‫قال الله _ عز وجل‬
‫َ‬
‫ف ن ُؤِْتي ِ‬
‫ه‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ضاةِ الل ّهِ فَ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ك اب ْت َِغاَء َ‬‫ل ذ َل ِ َ‬
‫فعَ ْ‬‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬‫س وَ َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫صلٍح ب َي ْ َ‬ ‫ف أوْ إ ِ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫َ‬
‫ظيمًا"‪.‬‬ ‫ع‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫جر‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أ ْ‬
‫وإذا لم نستطع فلنجتهد بالدعاء والضراعة إلى الله أن يقرب القلوب‪ ،‬ويجمع‬
‫الكلمة على الحق‪.‬‬
‫ولنحذر كل الحذر من الوقيعة بأهل العلم‪ ،‬أو السعاية بينهم‪ ،‬ولنعلم بأنهم ل‬
‫يرضون منا بذلك مهما كان المر‪.‬‬
‫منا الله من هذه الردود‪ ،‬فاشَتغل الواحد منا بما يعنيه _ فهو خير‬ ‫وإذا سل ّ َ‬
‫وسلمة _ إن شاء الله تعالى _‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ن بأهل الفضل سواء كان الواحد منهم راد ّا أو مردودا عليه _ أنهم‬ ‫والذي ي ُظ َ ْ‬
‫صب لهم أو عليهم تفنيدًا‪ ،‬أو تأييدًا‪.‬‬ ‫ل يرضون منا أن نتع ّ‬
‫بل يرضيهم كثيرا ً أن نشتغل بما يرضي الله‪ ،‬وينفع الناس‪.‬‬
‫ويؤسفهم كثيرا ً أن تأخذ تلك الردود أكثر من حجمها‪ ،‬وأن تفسر على غير‬
‫وجهها‪.‬‬
‫هذا وإن العاقل المحب لدينه وإخوانه المسلمين ليتمنى من صميم قلبه أن‬
‫تجتمع الكلمة‪ ،‬وأل يحتاج الناس أو يضطروا إلى أن يردوا على بعض‪ ،‬وما‬
‫ذلك على الله بعزيز‪ ،‬ولكن‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫فيا دارها بالحزن إن مزارها *** قريب ولكن دون ذلك أهوال‬
‫فمن العسير أن تتفق آراء الناس‪ ،‬واجتهاداتهم‪ ،‬ومن المتعذر أن يكونوا جميعا ً‬
‫صم الناس فل يخطئوا‪.‬‬‫على سنة واحدة في كل شيء‪ ،‬ومن المحال أن ي ُعْ َ‬
‫ثم ليكن لنا في سلفنا الكرام قدوة؛ فهم خير الناس في حال الوفاق وحال‬
‫الخلف؛ حيث كانوا مثال ً يحتذى في الرحمة‪ ،‬والعدل‪ ،‬والنصاف حتى في‬
‫حال الفتنة والقتال‪.‬‬
‫روي أنه ُأنشد في مجلس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –رضي الله‬
‫عنه‪ -‬قول الشاعر‪:‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ى كان يدنيه الغنى من صديقه *** إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر‬ ‫فت ً‬
‫شعرى وفي الخر البدر‬ ‫كأن الثريا علقت بجبينه *** وفي خده ال ّ‬
‫فلما سمعها علي – رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬هذا طلحة بن عبيد الله‪ ،‬وكان‬
‫السيف يومئذٍ ليلتئد مجردا ً بينهما‪.‬‬
‫فانظر إلى عظمة النصاف‪ ،‬وروح المودة‪ ،‬وشرف الخصومة‪.‬‬
‫ول ريب أن هذه المعاني تحتاج إلى مراوضة النفس كثيرًا‪ ،‬وإلى تذكيرها‬
‫بأدب النصاف‪ ،‬وإنذارها ما يترتب على العناد والتعصب من الثم والفساد‪.‬‬
‫وإذا استقبلنا الخلف والردود بتلك الروح السامية‪ ،‬والنفس المطمئنة صارت‬
‫ة‪ ،‬وإصلحًا‪ ،‬وتقويمًا‪ ،‬وارتقاًء بالعقول‪ ،‬وتزكية للنفوس‪.‬‬ ‫رحم ً‬
‫وبهذا نحفظ لرجالنا‪ ،‬وأهل العلم منا مكانتهم في القلوب‪ ،‬ونضمن _بإذن‬
‫الله_ لمتنا تماسكها وصلبة عودها‪ ،‬ونوصد الباب أمام من يسعى لتفريقها‬
‫واليضاع خللها ‪.‬‬
‫والعجيب أن ترى أن اثنين من أهل العلم قد يكون بينهما خلف حول مسألة‬
‫أو مسائل‪ ،‬وتجد أتباعهما يتعادون‪ ،‬ويتمارون‪ ،‬وكل فريق يتعصب لصاحبه مع‬
‫أن صاحبي الشأن بينهما من الود‪ ،‬والصلة‪ ،‬والرحمة الشيء الكثير!‪.‬‬
‫وأخيرا ً لنستحضر أن ذلك امتحان لعقولنا وأدياننا؛ فلنحسن القول‪ ،‬ولنحسن‬
‫العمل‪ ،‬ولنجانب الهوى‪.‬‬
‫الرابع والعشرون‪ :‬إشاعة روح التعاون على البر والتقوى والحرص على‬
‫الفادة من كل أحد‪:‬‬
‫فهذا مما ينمي روح المودة‪ ،‬ويقضي على الكسل والبطالة؛ فإن من النعم‬
‫الكبرى كثرة َ طرق الخير‪ ،‬وتّعدد َ السبل الموصلة إلى البر؛ فل يسوغ _والحالة‬
‫قّلل من أي عمل من أعمال الخير؛ فالمسلم بحاجة إلى ما يقربه‬ ‫هذه_ أن ي ُ َ‬
‫إلى ربه‪ ،‬والمة بحاجة إلى كل عمل من شأنه رفعُ راية السلم‪ ،‬وإعزاُز أهله‪.‬‬
‫وإذا شاعت روح التعاون بين أفراد المة في شتى الميادين_أمكن الفادة من‬
‫كل شخص مهما قلت مواهبه‪ ،‬ومن كل فرصة ووسيلة ما دامت جارية على‬
‫مقتضى الشرع‪.‬‬
‫أما إذا اقتصر كل واحد منا على باب من أبواب الخير‪ ،‬ورأى أنه هو السبيل‬
‫الوحيد للنهوض بالمة‪ ،‬وقبض يده عن التعاون مع غيره ممن فتح عليهم‬
‫فَتح علينا أبواب من‬ ‫أبواب أخرى من الخير_فإننا سنحرم خيرا ً كثيرًا‪ ،‬وست ُ ْ‬
‫الشر ل يعلمها إل الله _عز وجل_‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله ‪ -‬في معرض كلم له في بيان أن‬
‫أفضل العمال يتنوع بحسب أجناس العبادة‪ ،‬وباختلف الزمنة‪ ،‬والمكنة‪،‬‬
‫والشخاص‪ ،‬والحوال‪ ،‬قال‪" :‬وهذا باب واسع يغلو فيه كثير من الناس‪،‬‬
‫ويّتبعون أهواءهم؛ فإن من الناس من يرى أن العمل إذا كان أفضل في حقه‬
‫لمناسبته له‪ ،‬ولكونه أنفع لقلبه‪ ،‬وأطوع لربه _ يريد أن يجعله أفضل لجميع‬
‫الناس‪ ،‬ويأمرهم بمثل ذلك‪.‬‬
‫والله بعث محمدا ً بالكتاب والحكمة‪ ،‬وجعله رحمة للعباد‪ ،‬وهديا لهم يأمر كل‬
‫ً‬
‫إنسان بما هو أصلح له؛ فعلى المسلم أن يكون ناصحا ً للمسلمين‪ ،‬يقصد لكل‬
‫إنسان ما هو أصلح‪.‬‬
‫وبهذا تبين لك أن من الناس من يكون تطوعه بالعلم أفضل له‪ ،‬ومنهم من‬
‫يكون تطوعه بالجهاد أفضل له‪ ،‬ومنهم من يكون تطوعه بالعبادات البدنية _‬
‫كالصلة والصيام _ أفضل له‪.‬‬
‫والفضل مطلقا ً ما كان أشبه بحال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬باطنا ً‬
‫وظاهرًا؛ فإن خير الكلم كلم الله‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم ‪. -‬‬
‫والله _ سبحانه وتعالى _ أعلم‪(62)-‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫وبناًء على ما مضى فإنه ل غضاضة على من فتح عليه في باب من أبواب‬
‫الخير دون أن يفتح عليه في غيره؛ ول على من فتح عليه من أبواب الخير‬
‫دون أن يفتح على غيره فيه؛ فكل ميسر لما خلق له‪ ،‬وقد علم كل أناس‬
‫مشربهم؛ فل غرو_ إذا ً _ أن تتنوع العمال ما دامت على مقتضى الشرع؛‬
‫ب على العلم والبحث والتأليف‪ ،‬وذاك يقوم بتعليم الناس عبر‬ ‫فهذا ي ُك ِ ّ‬
‫الدروس‪ ،‬وهذا يسد ثغرة الجهاد‪ ،‬وذاك يقوم بشعيرة المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬وهذا يقوم على رعاية الرامل واليتام‪ ،‬ويتعاون مع جمعيات البر‬
‫المعنية بهذا الشأن‪ ،‬وذاك يقوم بتربية الشباب في محاضن التربية والتعليم‪،‬‬
‫وهذا يقوم بتعليم الناس كتاب الله‪ ،‬وتحفيظهم إياه‪ ،‬وذاك يعنى بشؤون‬
‫المرأة‪ ،‬وما يحاك حولها‪ ،‬وهذا يهتم بعمارة المساجد‪ ،‬ودللة المحسنين على‬
‫ذلك‪ ،‬وذاك يسعى في تنظيم الدروس والمحاضرات والدورات العلمية‪،‬‬
‫وتسهيل مهام أهل العلم في ذلك الشأن‪ ،‬وهذا يعنى بالجاليات التي تفد إلى‬
‫بلد المسلمين يعلمهم أمور دينهم إن كانوا مسلمين‪ ،‬ويدعوهم إلى السلم‬
‫إن كانوا غير مسلمين‪ ،‬وهذا مفتوح عليه في باب الشبكة العالمية _النترنت_‬
‫حيث ينشر الخير من خللها‪ ،‬ويصد الشر عن المسلمين‪ ،‬وذاك قد فتح عليه‬
‫في العلم ونشر الخير عبر وسائله المتنوعة‪ ،‬وهذا يعنى بالمسلمين في بقاع‬
‫الرض؛ حيث يسعى في تعليمهم‪ ،‬وبيان قضاياهم‪ ،‬ويحرص على رفع الظلم‬
‫عنهم‪ ،‬وهذا يسعى سعيه في الصلح بين الناس‪ ،‬وذاك يقوم بشؤون الموتى‬
‫من تغسيلهم‪ ،‬ودفنهم ونحو ذلك‪ ،‬وهذا منقطع للعبادة‪ ،‬والذكر‪ ،‬والتلوة‪،‬‬
‫وعمارة بيوت الله‪ ،‬وذاك مفتوح عليه في باب الصيام‪ ،‬وهذا مفتوح عليه في‬
‫باب الصلة‪ ،‬وذاك مفتوح عليه في باب الصدقة‪ ،‬وذاك الفذ ّ الجامع لكثر تلك‬
‫الخصال وهكذا‪. . .‬‬
‫وبهذه النظرة الشاملة نأخذ بالسلم من جميع أطرافه‪ ،‬ونسد كافة الثغرات‬
‫التي تحتاج إلى من يقوم بها‪ ،‬ويمكننا اغتنام جميع الفرص‪ ،‬وكافة المواهب‪،‬‬
‫ونستطيع من خلل ذلك إشاعة روح العمل للسلم‪ ،‬والقضاء على الكسل‬
‫والبطالة‪.‬‬
‫وبذلك يقل التلوم‪ ،‬ويكثر العمل‪ ،‬وي ُْنبذ الخلف‪ ،‬ونسلم من القيل والقال‪،‬‬
‫وننهض بأمتنا إلى أعلى مراقي السعود‪ ،‬وأقصى مراتب المجادة‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذه إشارات مجملة‪ ،‬ومعالم عامة في التعامل مع الفتن والمصائب‬
‫وكل واحد منها يحتاج إلى بسط وتفصيل‪ ،‬والمقام ل يسمح بذلك؛ فأسأل الله‬
‫أن ينفع بما ذكر؛ إنه سميع قريب‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫)*( المشرف العام على موقع دعوة السلم‪ ،‬وعضو هيئة التدريس بجامعة‬
‫المام محمد بن سعود السلمية‪.‬‬
‫)‪-(1‬أخرجه الحاكم ‪ 1/93‬عن أبي هريرة‪ ،‬وقال اللباني في صحيح الجامع )‬
‫‪) :(2938‬صحيح(‪.‬‬
‫)‪-(2‬رواه أبو داود )‪ (4607‬والترمذي )‪ (2676‬وصححه ابن حبان )‪.(5‬‬
‫)‪ (3‬انظر زاد المعاد لبن القيم ‪ 241_3/218‬ففيه كلم عظيم حول هذه‬
‫المسألة‪ ،‬وحول الحكمة من إدالة الكفار على المسلمين‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (4‬أخرجه البخاري)‪6129‬و ‪ (6203‬ومسلم )‪ (2150‬عن أنس ابن مالك‬


‫قال‪ :‬كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم ‪-‬أحسن الناس خلقًا‪ ،‬وكان لي‬
‫م‪ ،‬وكان إذا جاء قال‪ " :‬يا أبا عمير ما‬‫أخ يقال له أبو عمير‪ ،‬قال‪ :‬أحسبه فطي ٌ‬
‫فعل النغير" نغٌر كان يلعب به‪ .‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫)‪ (5‬الجامع لسيرة عمر بن عبدالعزيز لعمر بن محمد الخضر المعروف‬
‫بالملء‪ ،‬تحقيق د‪ .‬محمد البورنو)‪.(2/236‬‬
‫)‪ (6‬جمع رشاء وهو الحبل‪ ،‬والطوي‪ :‬البئر المطوية بالحجارة‪.‬‬
‫)‪ (7‬منهاج السنة النبوية ‪.84_8/83‬‬
‫)‪ (8‬بدائع الفوائد لبن القيم ‪.133_3/132‬‬
‫)‪ (9‬رواه مسلم )‪.(2593‬‬
‫)‪ (10‬رواه مسلم )‪.(2594‬‬
‫)‪ (11‬رواه البخاري )‪ ،(6124‬ومسلم )‪.(1733‬‬
‫)‪ (12‬جامع العلوم والحكم ‪.456 / 2‬‬
‫)‪ (13‬روضة العقلء ص ‪.216‬‬
‫)‪ (14‬البيان والتبيين للجاحظ ‪.174 / 2‬‬
‫)‪ (15‬مسلم )‪.(2948‬‬
‫)‪ (16‬انظر الحرية في السلم ص ‪.21‬‬
‫)‪ (17‬منهاج السنة النبوية ‪.8/58‬‬
‫)‪ (18‬انظر مسند المام أحمد ‪ ،4/203‬وسنن النسائي الكبرى )‪.(8858‬‬
‫)‪- (19-20‬رواه مسلم )‪ (5‬في مقدمة صحيحه‪.‬‬
‫)‪ (21‬مسلم في مقدمة صحيحه )‪.(5‬‬
‫)‪ (22‬تيسير الكريم المنان في تفسير كلم الرحمن للسعدي ص ‪.154‬‬
‫)‪ (23‬فتح الرحيم الملك العلم في علم العقائد والتوحيد والخلق والحكام‬
‫المستنبطة من القرآن للشيخ عبدالرحمن السعدي عناية الشيخ د‪ .‬عبدالرزاق‬
‫البدر ص ‪.161‬‬
‫)‪ (24‬فتح الرحيم الملك العلم ص ‪.162‬‬
‫)‪ (25‬روضة العقلء ص ‪.216‬‬
‫)‪ (26‬زهر الدب للحصري القيرواني ‪.1/154‬‬
‫)‪ (27‬روضة العقلء ص ‪.216‬‬
‫)‪ (28‬روضة العقلء ص ‪.217‬‬
‫)‪ (29‬صيد الخاطر ص ‪.605‬‬
‫)‪ (30‬صيد الخاطر ‪.625‬‬
‫)‪ (31‬إغاثة اللهفان ص ‪.537‬‬
‫)‪ (32‬مجلة الرسالة عدد ‪ 562‬إبريل ‪ ،1944‬وانظر جمهرة مقالت محمود‬
‫شاكر ‪ 1/258‬إعداد د‪ .‬عادل سليمان جمال‪.‬‬
‫)‪ (33‬البخاري )‪.(6830‬‬
‫)‪ (34‬أخرجه البخاري )‪.(127‬‬
‫)‪ (35‬أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه )‪.(5‬‬
‫)‪ (36‬انظر رسائل الصلح للشيخ محمد الخضر حسين ‪.77 / 1‬‬
‫)‪ (37‬عيون البصائر ص ‪.17‬‬
‫)‪ (38‬مجمع المثال للميداني ‪.432 / 1‬‬
‫)‪ (39‬ديوان المتنبي بشرح العكبري ‪.174/ 4‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (40‬ديوان المتنبي ‪.4/120‬‬


‫)‪ (41‬الستقامة ‪.271_270/ 2‬‬
‫)‪ (42‬منهاج السنة ‪.8/86‬‬
‫)‪ (43‬انظر تفاصيل الحديث عن الشجاعة في كتاب‪ :‬الهمة العالية للكاتب‬
‫‪.276_256‬‬
‫)‪ (44‬مسلم )‪.(770‬‬
‫)‪ (45‬مسلم )‪.(2577‬‬
‫)‪ (46‬رواه أبو داود )‪ (4263‬من حديث المقداد‪ ،‬وقال اللباني في صحيح‬
‫الجامع )‪) :(1637‬صحيح(‪.‬‬
‫)‪ (47‬صيد الخاطر لبن الجوزي ص ‪.41‬‬
‫)‪ (48‬صيد الخاطر لبن الجوزي ص ‪.41‬‬
‫)‪ (49‬صيد الخاطر ص ‪.350‬‬
‫)‪ (50‬طوق الحمامة لبن حزم ص ‪.128‬‬
‫)‪ (51‬طوق الحمامة لبن حزم ص ‪.127‬‬
‫)‪ (52‬روضة المحبين لبن القيم ص ‪.151‬‬
‫)‪ (53‬مجموع الفتاوى ‪.426_10/425‬‬
‫)‪ (54‬تفاصيل ذلك في كتاب )اليمان بالقضاء والقدر( للكاتب‪.‬‬
‫)‪ (55‬السلم قوة الغد العالمية‪ ،‬باول شمتز ص ‪.90‬‬
‫)‪ (56‬فتح الرحيم الملك العلم ص ‪.164‬‬
‫)‪ (57‬إعلم الموقعين لبن القيم ‪.6 / 3‬‬
‫)‪ (58‬إعلم الموقعين ‪.7_6 /3‬‬
‫)‪ (59‬الخلق والسير ص ‪.37‬‬
‫)‪ (60‬الخلق والسير ص ‪.37‬‬
‫)‪ (61‬أصول النظام الجتماعي في السلم للطاهر بن عاشور ص ‪.186‬‬
‫)‪ (62‬مجموع الفتاوى ‪.429_10/427‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫معالم في المنهج التربوي النبوي‬


‫محمد عبد الله الدويش‬
‫تكامل الشخصية النبوية لنبينا محمد جعلت منه الحاكم والقائد والزوج‬
‫والمعلم والداعية والمربي‪ .‬وما تتبع قارئ للقرآن الكريم والسيرة النبوية إل‬
‫وجد فيهما عناصر التفوق ووسائل النجاح من خلل الكثير من المواقف‬
‫التربوية الراقية التي هي قدوة حسنة لكل راغب في الوصول إلى الحق‪.‬‬
‫وعن طريق هذا المنهج ينشأ النسان الصالح ومن ثم المجتمع السلمي‬
‫الكريم‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد استقرأ الكاتب نماذج وصورا من المنهج التربوي النبوي‪ ،‬وقربها للقارئ‬
‫الكريم تذكيرا ً وترغيبا ً في هذا المنهج المتكامل الذي أرسل الله به نبيه‬
‫َ‬
‫ن(( ]النبياء‪.[107:‬‬ ‫ة ل ّل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك إل ّ َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬
‫للناس كافة ))وَ َ‬
‫وكم نحن بحاجة للوقوف أمام هذه المعالم النبوية وتمثلها في حياتنا‬
‫وسلوكنا؛ إذ هي السر في تميز الرعيل الول ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬أجمعين‪.‬‬
‫‪ -1‬الصبر وطول النفس‪:‬‬
‫يسهل على النسان أن يتعامل مع اللة الصماء‪ ،‬ويستطيع الباحث أن يصبر‬
‫ويكافح في دراسة هذه الظاهرة المادية أو تلك‪ ،‬لكن التعامل مع النسان له‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شأن آخر وبعد آخر‪ ،‬ذلك أن الناس بشر ل يحكم تصرفاتهم ومواقفهم قانون‬
‫مطرد؛ فتراه تارة هنا وتارة هناك‪ ،‬تارة يرضى وتارة يسخط‪.‬‬
‫ولهذا أجمع المختصون بأن الظاهرة النسانية ظاهرة معقدة‪ ،‬وأن البحث فيها‬
‫تكتنفه صعوبات عدة؛ فكيف بالتعامل المباشر مع النسان والسعي لتقويمه‬
‫وتوجيه سلوكه؟‬
‫ومن يتأمل سيرة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يرى كيف صبر وعانى حتى‬
‫ربى هذا الجيل المبارك‪ ،‬وكم فترة من الزمن قضاها؟ وكم هي المواقف‬
‫التي واجهها؟ ومع ذلك صبر واحتسب‪ ،‬وكان طويل النفس بعيد النظر‪.‬‬
‫إن البشر مهما عل شأنهم فلن يصلوا إلى درجة العصمة‪ ،‬وهل هناك من هو‬
‫أعلى شأنا ً من أصحاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إل النبياء‪ ،‬فها هم‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ما أ َ َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫سب َقَ ل َ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬
‫ب ّ‬ ‫ول ك َِتا ٌ‬‫يتنزل فيهم في بدر‪)) :‬ل َ ْ‬
‫ريد ُ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ريد ُ الد ّن َْيا وَ ِ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬
‫م(( ]النفال‪ [68 :‬وفي أحد‪ِ )) :‬‬ ‫ظي ٌ‬‫عَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م فَل ْ‬
‫م‬ ‫م كث َْرت ُك ْ‬ ‫جب َت ْك ْ‬ ‫ن إذ ْ أعْ َ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬
‫م ُ‬ ‫ة(( ]آل عمران‪ [152 :‬وفي حنين‪)) :‬وَي َوْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن(( ]التوبة‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬‫م وَلي ُْتم ّ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬
‫م الْر ُ‬ ‫ت عَلي ْك ُ‬ ‫ضاق ْ‬ ‫شْيئا وَ َ‬‫م َ‬
‫عنك ْ‬‫ن َ‬ ‫ت ُغْ ِ‬
‫‪.[25‬‬
‫وحين قسم غنائم حنين وجد بعض أصحابه في نفوسهم ما وجدوا‪.‬‬
‫وكان يخطب فجاءت عير فتبعها الناس فنزل فيهم قرآن يتلى‪.‬‬
‫ومع ذلك يبقى هذا الجيل وهذا المجتمع هو القمة‪ ،‬وهو المثل العلى للناس‬
‫في هذه الدنيا‪ ،‬ولن تكون هذه المواقف سببا ً للحط من شأنهم ومكانتهم ‪-‬‬
‫رضوان الله عليهم ‪ .-‬فكيف بمن دونهم؟! بل ل يسوغ أن يقارن بهم‪ .‬إن ذلك‬
‫يفرض على المربي أن يكون طويل النفس صابرا ً عالي الهمة متفائ ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -2‬الخطاب الخاص‪:‬‬
‫وكما كان يوجه الخطاب لعامة أصحابه‪ ،‬فقد كان يعتني بالخطاب الخاص‬
‫لفئات خاصة من أصحابه‪.‬‬
‫فقد كان من هديه حين يصلي العيد أن يتجه إلى النساء ويخطب فيهن‪ ،‬كما‬
‫روى ذلك ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال خرج النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ول بعد‪ ،‬ثم مال على النساء‬
‫قْلب‬ ‫ومعه بلل فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن‪ ،‬فجعلت المرأة تلقي ال ُ‬
‫خْرص)‪.(1‬‬ ‫وال ُ‬
‫بل تجاوز المر مجرد استثمار اللقاءات العابرة؛ فعن أبي سعيد الخدري ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬أن النساء قلن لرسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬غلبنا‬
‫عليك الرجال؛ فاجعل لنا يوما ً من نفسك‪ .‬فواعدهن يومًا‪ ،‬فلقيهن فيه‬
‫فوعظهن وأمرهن‪ ،‬فكان مما قال‪) :‬ما منكن من امرأة تقدم ثلثة من ولدها‬
‫إل كان لها حجابا ً من النار(‪ .‬فقالت امرأة‪ :‬واثنين فقال‪) :‬واثنين()‪.(2‬‬
‫وقد يكون الخصوص لقوم أو فئة دون غيرهم‪ ،‬كما فعل في غزوة حنين حين‬
‫دعا النصار‪ ،‬وأكد أل يأتي غيرهم‪.‬‬
‫وكما بايع بعض أصحابه على أل يسألوا الناس شيئا‪ً.‬‬
‫‪ -3‬المشاركة العملية‪:‬‬
‫اعتاد بعض المربين أن يكون دورهم قاصرا على إعطاء الوامر ومراقبة‬ ‫ً‬
‫التنفيذ‪ ،‬وهو مسلك مخالف لمنهج المربي الول‪ ،‬الذي كان يعيش مع أصحابه‬
‫ويشاركهم أعمالهم وهمومهم‪.‬‬
‫فشاركهم في بناء المسجد‪ :‬عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قدم‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال‬
‫لهم‪ :‬بنو عمرو بن عوف‪ ،‬فأقام النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فيهم أربع‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عشرة ليلة‪ ...‬وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬معهم وهو يقول‪ :‬اللهم ل خير إل خير الخرة؛ فاغفر للنصار‬
‫والمهاجرة()‪.(3‬‬
‫وشاركهم في حفر الخندق‪ :‬فعن سهل بن سعد الساعدي ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫قال‪ :‬كنا مع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في الخندق‪ ،‬وهو يحفر‬
‫ونحن ننقل التراب ويمر بنا فقال‪) :‬اللهم ل عيش إل عيش الخرة فاغفر‬
‫للنصار والمهاجرة()‪.(4‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكان يشاركهم في الفزع للصوت‪ :‬فعن أنس ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أحسن الناس وأشجع الناس‪ ،‬ولقد فزع أهل‬
‫المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لبي طلحة عري وفي عنقه السيف وهو‬
‫يقول‪) :‬لم تراعوا لم تراعوا( ثم قال‪) :‬وجدناه بحرًا‪ ،‬أو قال‪ :‬إنه لبحر()‪.(5‬‬
‫وأما مشاركته لهم في الجهاد‪ :‬فقد خرج في غزوة)‪ ،(6‬بل قال عن نفسه‪:‬‬
‫)ولول أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية()‪.(7‬‬
‫وهي مشاركة ل تلغي دورهم وتحولهم إلى مجرد آلت صماء‪ ،‬بل هي تدفع‬
‫للتوازن بين هذا وبين تعويدهم على العمل والمشاركة‪.‬‬
‫إن مجرد إصدار الوامر والتوجيه أمر يجيده الجميع‪ ،‬لكن الدخول مع الناس‬
‫في الميدان ومشاركتهم يرفع قيمة المربي لديهم ويعلي شأنه ويشعرون أنه‬
‫واحد منهم‪ ،‬وذلك أيضا ً يدفعهم لمزيد من البذل والهمة والحماس عكس‬
‫أولئك الذين يدعون للعمل ويربيهم بعيد ٌ عنهم‪ ،‬وقد عبر عن هذا المعنى ذاك‬
‫الحداء الذي كان يردده أصحاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫لئن قعدنا والنبي يعمل *** لذاك منا العمل المضلل‬
‫ثم إنه يشيع روح الود والخاء‪ ،‬ويسهم في بناء علقة إنسانية وطيدة بين‬
‫المربي ومن يربيهم‪.‬‬
‫‪ -4‬التربية بالحداث‪:‬‬
‫ً‬
‫من السهل أن نحدث الناس كثيرا عن معاني عدة‪ ،‬وأن ننظر لجوانب‬
‫متعددة‪ ،‬لكن ذلك وإن أّتر فإن أثره يبقى باهتا ً محدودًا‪.‬‬
‫أما النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فمع توجيهه لصحابه في كل موطن‪ ،‬إل‬
‫أن تربيته كانت تتم من خلل الحداث‪ ،‬فكان يضع الناس في الموقع‬
‫والميدان ويأتي التوجيه حينها‪.‬‬
‫ل أبو بكر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وهما في الغار‪ ،‬فيقول‪) :‬ما ظنك‬ ‫يشكو إليه الحا َ‬
‫باثنين الله ثالثهما(‪.‬‬
‫ويسأله رجل في الميدان والمعركة‪ :‬أرأيت إن قتلت؟ فيجيبه إجابة تصل إلى‬
‫شغاف قلبه فيتقدم حتى يستشهد؛ فعن جابر بن عبد الله ‪ -‬رضي الله عنهما‬
‫‪ -‬قال‪ :‬قال رجل للنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يوم أحد‪ :‬أرأيت إن قتلت‬
‫فأين أنا؟ قال‪) :‬في الجنة(( فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل()‪.(8‬‬
‫كره بفضلها وذلك؟ حين بعثه‬ ‫ويوصي عليا ً ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بالدعوة ويذ ّ‬
‫داعيا ً إلى الله مجاهدا ً في سبيله‪ .‬عن سهيل بن سعد ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يوم خيبر‪) :‬لعطين الراية غدا ً رجل ً يفتح‬
‫على يديه يحب الله ورسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ويحبه الله ورسوله(‬
‫فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى‪ ،‬فغدوا كلهم يرجوه‪ ،‬فقال‪) :‬أين علي؟( فقيل‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يشتكي عينيه‪ ،‬فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع‪ ،‬فأعطاه‬
‫فقال أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا‪ ،‬فقال‪) :‬انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم‪،‬‬
‫ثم ادعهم إلى السلم‪ ،‬وأخبرهم بما يجب عليهم؛ فوالله لن يهدي الله بك‬
‫رجل ً خير لك من أن يكون لك حمر النعم()‪.(9‬‬
‫أترى أن تلك التوجيهات لو تلقاها أصحابها وهم جالسون قاعدون في بيوتهم‬
‫ستترك أثرها؟ إن مثل هذه التربية هي التي خّرجت الجيل الجاد العملي‪،‬‬
‫ب على مجرد التوجيه الجاف البارد‪ ،‬إنما كان يعيش العلم‬ ‫الذي لم يتر ّ‬
‫والعمل معًا‪.‬‬
‫‪ -5‬الختيار والصطفاء‪:‬‬
‫إن التربية كما أنها موجهة لكل أفراد المة أجمع مهما كان شأنهم‪ ،‬والدين‬
‫خطاب للجميع صغارا ً وكبارًا‪ ،‬رجال ً ونساًء‪.‬‬
‫إل أن الدعوة تحتاج لمن يحملها ولمن يقوم بأعبائها‪ ،‬إنها تحتاج لفئة خاصة‬
‫ُتختار بعناية وُتربى بعناية‪.‬‬
‫لذا كان هذا المر بارزا ً في سيرة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وتربيته‬
‫لصحابه؛ فثمة مواقف عدة في السيرة يتكرر فيها ذكر كبار أصحاب النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وعلى رأسهم أبو بكر وعمر؛ مما يوحي أن هؤلء‬
‫كانوا يتلقون إعدادا ً وتربية أخص من غيرهم‪.‬‬
‫عن ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال‪ :‬إني لواقف في قوم فدعوا الله‬
‫لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره؛ إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه‬
‫على منكبي يقول‪ :‬رحمك الله إن كنت لرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لني‬
‫كثيرا ً ما كنت أسمع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪) :‬كنت وأبو‬
‫بكر وعمر‪ ،‬وفعلت وأبو بكر وعمر‪ ،‬وانطلقت وأبو بكر وعمر( فإن كنت لرجو‬
‫ت فإذا هو علي بن أبي طالب)‪.(10‬‬ ‫أن يجعلك الله معهما؛ فالتف ّ‬
‫ومنها قصة أبي هريرة حين كان بواب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪،-‬‬
‫فاستأذن أبو بكر‪ ،‬فقال‪) :‬ائذن له وبشره بالجنة(‪ ،‬ثم استأذن عمر‪ ،‬ثم‬
‫عثمان‪.(11) ...‬‬
‫وما رواه أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬حدثهم أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حد؛‬‫حدا ً وأبو بكر وعمر وعثمان‪ ،‬فرجف بهم فقال‪) :‬اثبت أ ُ‬ ‫وسلم ‪ -‬صعد أ ُ‬
‫ديق‪ ،‬وشهيدان()‪.(12‬‬‫فإنما عليك نبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬وص ّ‬
‫ومثله ما رواه أبو هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير فتحركت‬
‫الصخرة فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬اهدأ؛ فما عليك إل نبي‪،‬‬
‫ديق‪ ،‬أو شهيد()‪.(13‬‬ ‫أو ص ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪205‬‬

You might also like