You are on page 1of 7

‫يف ظل حرب اإلبادة على غزة‪ ..

‬الغرب ميوت سريريًا‬


‫نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ ‪ 29‬أكتوبر ‪2023‬‬

‫بقلم‪ :‬الدكتور زكريا الخنجي‬

‫"وفى الصباح الباكر من اليوم التالي‪ ،‬اقتحم باب المسجد ثلة من‬
‫الصليبيين‪ ،‬فأجهزت على جميع الالجئين إليه‪ ،‬وحينما توجه قائد القوة‬
‫(ريموند أجيل) في الضحى لزيارة ساحة المعبد أخذ يتلمس طريقه بين‬
‫الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه‪ .‬وتركت مذبحة بيت المقدس أثرًا‬
‫عميقًا في جميع العالم‪ ،‬وليس معروفًا بالضبط عدد ضحاياها‪ ،‬غير أنها‬
‫أدت إلى خلو المدينة من سكانها المسلمين؛ بل إن كثيرًا من المسيحيين‬
‫اشتد جزعهم لما حدث"‪ .‬هذا الوصف لم أقتبسه من مؤرخ عربي يصف‬
‫مذابح الصليبيين في فلسطين وسوريا‪ ،‬وإنما اقتبسته من كتاب (تاريخ‬
‫الحروب الصليبية) للمؤرخ (ستيفن رنسيمان)‪.‬‬

‫ولم يكن هو فقط من تحدث عن هذه المذابح‪ ،‬وإنما وصف كثير من‬
‫المؤرخين أحداث المذابح التي حدثت في القدس يوم دخول الصليبيين‬
‫إليها‪ ،‬وكيف أنهم كانوا يزهون بأنفسهم؛ ألن ركب خيولهم كانت‬
‫تخوض في دماء المسلمين التي سالت في الشوارع‪ ،‬وقد كان من وسائل‬
‫الترفيه لدى الصليبيين أن يشووا أطفال المسلمين كما تشوى النعاج‪.‬‬

‫يقول أيضًا‪" :‬وعمل الصليبيون مثل ذلك في مدن المسلمين التي‬


‫اجتاحوها؛ ففي المعرة قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين الالجئين‬
‫في الجوامع والمختبئين في السراديب‪ ،‬فأهلكوا ما يزيد على مائة ألف‬

‫‪1‬‬
‫إنسان‪ ،‬وكانت المعرة من أعظم مدن الشام بعدد السكان بعد أن فر إليها‬
‫الناس بعد سقوط أنطاكية وغيرها بيد الصليبيين"‪.‬‬

‫وفي مكان آخر من الكتاب يقول‪" :‬لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في‬
‫هيكل سليمان‪ ،‬وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك‪،‬‬
‫وكانت األيدي المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها‪،‬‬
‫ولم يكتف الفرسان الصليبيون األتقياء بذلك فعقدوا مؤتمرًا أجمعوا‬
‫فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج‬
‫النصارى – الذين كان عددهـم ستين ألفًا – فأفنوهم عن بكرة أبيهم في‬
‫ثمانية أيام‪ ،‬ولم يستبقـوا منهم امرأة وال ولدًا وال شيخًا"‪.‬‬

‫ولسنا هنا نريد أن نثير المواجع القديمة ونفتح الملفات الصفراء‬


‫المفجعة‪ ،‬وإنما الذي نريد أن نقوله هو إن ما يفعله اليوم هؤالء في غزة‬
‫من قتل وحقد وكراهية‪ ،‬هو نفسه تم نقله من األجداد إلى األبناء‪ ،‬فهل‬
‫يُرجى من األبناء الخير والسالم ؟‬

‫في كتاب قديم نوعًا ما‪ ،‬أوراقه صفراء بعنوان (فلسطين الشهيدة)‬
‫يسجل فيه المؤرخ في سجل مصور كل المذابح والفظائع التي ارتكبها‬
‫االنجليز واليهود في فلسطين فيما بين عام ‪ 1921‬إلى ‪1938‬؛ يقع الكتاب‬
‫في ‪ 83‬صفحة يوثق فيها المؤرخ بالصور والوثائق كل تلك الجرائم التي‬
‫حدثت‪ ،‬وذلك حتى ال يأتي أبناؤهم وأحفادهم كما يفعلون اليوم‬
‫ويدعون أو يزعمون أنهم دعاة حرية وحملة الديمقراطية‪.‬‬

‫في سلسلة من الكتب المتتالية للكاتب (يوسف العاص الطويل) حول‬


‫الحروب الصليبية الجديدة بعنوان (الحملة الصليبية على العالم‬

‫‪2‬‬
‫اإلسالمي والعالم – دراسات وبحوث حول التحيز األوروبي واألمريكي‬
‫إلسرائيل)‪ ،‬يقول في مقدمة الجزء األول‪:‬‬

‫"فهذه المدة الطويلة التي مرت على أول مره نشرتُ بها الدراسة لم‬
‫تفقدها أهميتها وموضوعيتها في تفسير ما يجرى على األرض العربية‪،‬‬
‫بل أكدت الحاجة إلى إعادة نشرها وتنقيحها‪ ،‬وبالذات وأنها تعالج‬
‫موضوعًا حساسًا ومصيريًا لألمة العربية واإلسالمية وهو أسباب تحيز‬
‫أمريكا وبريطانيا السافر إلسرائيل وعداؤهما لكل ما هو عربي وإسالمي‪،‬‬
‫حيث لم تكتف هاتان الدولتان بزرع إسرائيل في قلب األمة العربية‬
‫ومدها بكل أسباب الوجود‪ ،‬بل لجأت خالل القرن الحالي إلى محاربة‬
‫وتدمير أية قوة عربية أو إسالمية يمكن أن تهدد إسرائيل‪ ،‬وسعتا بكل‬
‫ما أوتيتا من قوة إلى تفكيك العالم اإلسالمي وأضعافه بكل الوسائل‪،‬‬
‫مستخدمة مبررات وأالعيب مختلفة‪ ،‬والتي كانت لألسف تنطلي على‬
‫العرب والمسلمين مره باسم التحرر من السيطرة العثمانية ومحاربة‬
‫النازية والفاشية‪ ،‬وأخرى باسم محاربة المد الشيوعي والقومي‪ ،‬وثالثة‬
‫بدعوى نشر الديمقراطية وحقوق اإلنسان‪ ،‬وأخيرًا بدعوى محاربة‬
‫اإلرهاب‪.‬‬

‫ولسنا هنا بحاجة كبيرة إلى إمعان النظر لنتبين الدور الخبيث الذي لعبته‬
‫هاتان الدولتان مجتمعتين أو منفردتين في تقسيم الدول العربية‬
‫جغرافيًا وسياسيًا‪ ،‬ونهب ثرواتها‪ ،‬ومحاربة توجهاتها الوحدوية‬
‫والنهوضوية‪ ،‬ابتداءً من وعد بلفور واتفاق سايكس بيكو ومرورًا بحرب‬
‫‪ ،48‬و‪ ،56‬و‪ ،67‬و‪ ،73‬وحرب لبنان ‪ ،82‬حتى حرب الخليج التي دمرت خاللها‬

‫‪3‬‬
‫القوة العسكرية واالقتصادية لألمة العربية‪ ،‬وفرض عليها الجلوس على‬
‫طاولة المفاوضات مع إسرائيل خاوية اليدين‪.‬‬

‫أما حربها الحالية ضد ما تسميه باإلرهاب التي وضعت على قائمتها ‪60‬‬
‫دوله غالبيتها العظمى إسالمية وعربية‪ ،‬بدأتها بأفغانستان وفلسطين‬
‫والعراق‪ ،‬وتقف في االنتظار‪ ،‬دول مثل إيران وسوريا ولبنان والصومال‬
‫وليبيا والسودان‪ ،‬وحتى دول تعتبر حليفه ألمريكا مثل السعودية ومصر‬
‫‪ ..‬الخ‪ ،‬فالحديث عنها يطول‪ ،‬ويبدو أن أمريكا وبريطانيا تريدان أن تتوجا‬
‫حملتهما الصليبية على العالم اإلسالمي والعربي والتي بدأت قبل أكثر‬
‫من قرنين من الزمن‪ ،‬بهذه الحرب الفاصلة‪ ،‬حيث اتخذتا من أحداث ‪11‬‬
‫سبتمبر مبررًا لشن هذه الحملة الشرسة ضد اإلسالم والمسلمين في كل‬
‫مكان بدعوى محاربة اإلرهاب‪ .‬وقد قمتُ في حينه وبعد أحداث ‪11‬‬
‫سبتمبر مباشرة بنشر دراسة عن هذه الحملة في عدد من الصحف‬
‫والمجالت العربية وعبر مواقع اإلنترنت‪ ،‬بينتُ فيها البعد الديني لهذه‬
‫الحملة وكيف أن بوش عندما أعلن أنها حرب صليبية فإنه كان يعنى ما‬
‫يقول حرفيًا‪ ،‬وبينتُ أيضًا كيف أن أحداث ‪ 11‬سبتمبر هي من تدبير‬
‫أمريكي ال عالقة للمسلمين بها من قريب أو بعيد‪ ،‬ولكن قامت اإلدارة‬
‫األمريكية والتيار الديني األصولي المسيحي الذي يحكم أمريكا اآلن‬
‫بافتعال هذه األحداث لتبرير شن هذه الحملة على العالم اإلسالمي‪ ،‬حيث‬
‫يؤمن أتباع هذا التيار األصولي بخرافات ونبوءات توراتية تقول بضرورة‬
‫قيام معركة فاصلة بين قوى الخير والشر تسمى (هرمجيدون) في أرض‬
‫فلسطين كمقدمه ضرورية لعودة المسيح المنتظر الذي سيحكم العالم‬
‫من مقره في القدس"‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ويحمل الكتاب في أجزائه األربع كثيرًا من الحقائق والوثائق التي تؤكد‬
‫هذا التواطؤ الدموي البغيض بين كل تلك الدول وكل أبناء الصليبيين‬
‫وبني صهيون التي تدعي السالم والمحبة والديمقراطية بهدف القضاء‬
‫على اإلسالم والمسلمين والعرب للتحكم في العالم‪ ،‬والثروات‪ ،‬وإلغاء أي‬
‫فكر وعقيدة تكشف معتقداتهم الخرافية والقائمة على األساطير‪.‬‬

‫واليوم‪ ،‬كل هؤالء وغيرهم الكثير اجتمعوا وأتوا بكل ما يملكون من بوارج‬
‫حربية وطائرات وأسلحة دمار شامل‪ ،‬وكل أنواع األسلحة التي ابتكرتها‬
‫عقولهم العفنة وكل وسائل اإلعالم المتحيزة‪ ،‬وخرافات الحريات‬
‫والديمقراطيات ممزوجة بلون ورائحة وطعم الدم إلى هذا الجزء من‬
‫العالم ليس لتدمير غزة فحسب‪ ،‬وإنما أتوا لتوجيه الضربة القاضية‬
‫إلنهاء كل ما يمت للعالم العربي اإلسالمي بصلة‪ ،‬وإنهاء ما بدأه‬
‫أجدادهم في الحروب الصليبية وخاصة أن أبناء صالح الدين األيوبي في‬
‫غفلة ومهرجانات غنائية ومسرحية وسينمائية‪ ،‬ورقص وطرب‬
‫ومتابعات لمباريات كرة القدم العالمية واإلقليمية وما شابه ذلك‪.‬‬

‫هؤالء وإعالمهم الذي ما أنفك يصدع رؤوسنا بالحريات والديمقراطيات؛‬


‫فتارة يتحدثون عن حقوق وحريات المرأة‪ ،‬وأن تمتلك حريتها‬
‫ومستقبلها بيدها‪ ،‬وتارة يتحدثون عن حقوق القطط والكالب وبقية‬
‫الحيوانات‪ ،‬وتارة يتحدثون عن حقوق الشواذ وحرياتهم المكبوتة‬
‫وحقهم في اختيار الحياة التي يرغبون من غير أن يعترض عليهم أحد‪،‬‬
‫وحقوق البيئة‪ ،‬وحقوق الشجرة‪ ،‬وحقوق الصخرة‪ ،‬وحقوق النملة‪ ،‬وحقوق‬
‫كل شيء‪ ،‬ويصولون ويجولون بين تيارات الحقوق والحريات من هنا‬
‫وهناك‪ ،‬ولكن هؤالء أنفسهم وإعالمهم المفضوح يغضون الطرف وبكل‬

‫‪5‬‬
‫وقاحة عن حقوق اإلنسان العربي والطفل العربي والمرأة العربية التي‬
‫تُقصف من غير هوادة وال ضمير وتُقتل تحت القصف المدفعي والمباني‬
‫المهدومة‪ .‬أين جمعيات حقوق الطفل ؟ أين جمعيات حقوق المرأة ؟ أين‬
‫جمعيات حقوق البيئة ؟ أين جمعيات حقوق الحيوانات ؟ أليست كل‬
‫هذه الكائنات تموت جراء القصف اليومي في غزة ؟ أم أن إنسان‬
‫وحيوانات‪ ،‬ونباتات وبيئة هذا الجزء من العالم ال حقوق لها ؟‬

‫أين من صدع رؤوسنا بالتنمية المستدامة وضرورة تطبيقها في دول‬


‫العالم ؟ أين من سطر اتفاقيات حقوق المرأة واتفاقية سيداو ؟ أين األمم‬
‫المتحدة ؟ أين مجلس األمن ؟ كل ما نراه على شاشات التلفزيون من‬
‫السابع من أكتوبر حتى اليوم مجرد ترهات وكالم مثالي وإنشائي فارغ ال‬
‫يمت للواقع بصلة‪ .‬ولكن في الحقيقة نحن نعلم والجميع يعلم أن الغرب‬
‫بكل قوته وكل أسلحته وجيوشه بدأ يزحف خالل هذه الفترة إلى هذه‬
‫األرض‪ ،‬فهل فعالً ستكون هذه الحرب هي النهاية ؟‬

‫ونحن نعلم أيضًا‪ ،‬أن الغرب بكل أطيافه وتقسيماته وتاريخه‪ ،‬ال يحب‬
‫هذا الجزء من العالم‪ ،‬ال يحب العالم العربي وال العقيدة والفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫فلماذا نكذب على أنفسنا ؟ ولماذا نرتمي في أحضانهم ونقدم لهم‬
‫ثرواتنا وأجيالنا بهدف تربيتهم ورعايتهم ؟ وهم في المقابل يتحينون‬
‫الفرصة إللغاء هذا الجزء من العالم من خريطة العالم‪.‬‬

‫ولنقولها وهي كلمة حق‪ ،‬حتى وإن تراجعت المقاومة‪ ،‬ونرجو من اهلل‬
‫سبحانه وتعالى أال يحدث ذلك‪ ،‬فإنها لن تكون النهاية‪ ،‬سينبت من‬
‫األرض من يقاوم‪ ،‬سينبت من هذه العقيدة وسيولد أمثال صالح الدين‬
‫األيوبي وغيرهم الكثير‪ ،‬فال تعتقدوا أنها النهاية وإنما هو حق مسلوب‬

‫‪6‬‬
‫مهما طال الزمن‪ ،‬ومهما حاولت المكائن واألجهزة اإلعالمية العوراء أن‬
‫تمسح الحقائق وتخفيها‪ ،‬إال أنه حق مسلوب‪ ،‬والحقوق المسلوبة البد‬
‫وأن تعود يومًا ما إلى أصحابها‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like