You are on page 1of 16

‫‪:‬الدكتور حامد ميرة الباحث في المصرفية السلمية‬

‫العقود المصرفية الحالية ل تحقق‬


‫مقاصد الشريعة وأهداف القتصاد‬
‫السلمي‬

‫د‪ .‬حامد الميرة‬

‫كشف الخبير المصرفي السلمي الدكتور حامد ميرة أن ‪09‬‬


‫في المئة من عقود التمويل المطبقة في المصارف‬
‫السلمية حاليا ً هي عقود تورق ومرابحة‪ ،‬وهذا يمثل أهم‬
‫الشكالت والتحديات التي تواجه المصرفية السلمية‪،‬‬
‫ل‪ ،‬كما أن بعض العقود قد‬‫ويجب أن نقف ونتأمل فيه طوي ً‬
‫رأى بعض مشايخنا وعلمائنا إجازتها في بادئ المر عندما‬
‫كانت المصرفية السلمية في بداية طريقها لتشجيعها‪ ،‬أما‬
‫الن فقد أصبح الوقت يحتم علينا الوقوف لتصحيح المسار‬
‫والعودة بالمصرفية السلمية إلى المقاصد والغايات التي‬
‫‪.‬تكلم عنها منظروها الوائل‬

‫وأكد ميرة أن المصرفية السلمية في بداياتها كانت‬


‫متسامحة ومتساهلة لكنها اليوم وبعد ثلثين عاما؛ يجب أن‬
‫تعود إلى المسار الول‪ ،‬وما كنا نتحدث عنه من المثل‬
‫والمبادئ العليا للمصرفية السلمية‪ ،‬كذلك يجب علينا أن‬
‫نوسع دائرة الفق وأل نحصر أنفسنا في عقود التمويل في‬
‫المصارف أو ما يسمى بالمصارف التجارية‪ ،‬يجب أن نكون‬
‫أوسع أفقاً؛ فالقتصاد السلمي أوسع من مجرد عقود‬
‫تمويل في المصارف ومن استثمار في سوق السهم ‪..‬‬
‫‪:‬فإلى تفاصيل الحوار الذي الزميل أجراه محمد رسلن‬

‫في دراسة لكم أكدتم أن التمويل السلمي القائم على‬


‫العقود الشرعية فيه تحقيق مقاصد الشريعة وغاياتها؛ مما‬
‫يترتب عليه دعم الصغار والكبار في آن واحد‪ ،‬ويكون أثر‬
‫مته‪ .‬نود منكم توضيح ذلك؟‬‫ذلك إيجابيا على القتصاد بر ّ‬
‫ـــ تسهم عقود التمويل الشرعية بشكل كبير في تحقيق‬
‫التوزيع العادل للثروة‪ ،‬وتحقيق التوازن الذي يسهم في منع‬
‫ة من المرابين وأصحاب‬ ‫تكدس المال في أيدي فئة قليل ٍ‬
‫رؤوس الموال‪ ،‬وتحقق المقصد الشرعي في توزيع الثروة‬
‫بين أفراد المجتمع الذي يدل عليه قول الله ـــ سبحانه‬
‫وتعالى‪» :‬كي ل يكون دولة بين الغنياء منكم«‪ .‬وإذا تأملت‬
‫التمويل بالمشاركة ـــ على سبيل المثال ـــ حيث يتم فيه‬
‫التكامل بين صاحب المهنة أو صاحب الصنعة أو أصحاب‬
‫الملكات والقدرات وبين أصحاب رؤوس الموال؛ فيكون‬
‫توزيع الرباح بينهم‪ ،‬وبذلك يتم توزيع الثروة بين الناس‬
‫‪.‬ويتم تحقيق هذا المقصد الشرعي‬

‫وفي المقابل فإنك ترى التمويل الربوي ـــ في الغالب ـــ‬


‫يتجه نحو الجهات المليئة التي تستطيع أن تقدم الضمانات‬
‫المالية الكافية‪ ،‬أما المستثمر الصغير العاجز عن تقديم هذه‬
‫الضمانات فلن يحصل على التمويل المطلوب ولو كان‬
‫ة بين الغنياء‪،‬‬ ‫كفؤًا؛ ومآل ذلك ونتيجته أن يصبح المال ُ‬
‫دول ً‬
‫مرة‬‫ويترتب على ذلك من الثار القتصادية والجتماعية المد ّ‬
‫الكثير‪ ،‬مما يضيق المقام عن بيانه‪ .‬إل أن السؤال الهم‬
‫الذي يجب علينا طرحه في هذا المقام هو‪ :‬هل المصرفية‬
‫السلمية في الطريق الصحيح‪ ،‬وهل العقود السائدة الن‬
‫في المصرفية السلمية بالفعل تحقق مقاصد الشريعة‬
‫وأهداف القتصاد السلمي وغاياته؟ فمثل إذا نظرنا في‬
‫ظم وأمثاله؛ هل هو بالفعل‬ ‫د كالتورق المصرفي المن ّ‬ ‫عق ٍ‬
‫يسهم في تحقيق المقاصد الشرعية؟ في الحقيقة هي‬
‫نقطة تأمل وإنني ل أرى أن مثل هذه العقود الموجودة‬
‫بكثرة في المصرفية السلمية المعاصرة تحقق مبادئ‬
‫مُثله بالشكل المثل‬
‫‪.‬القتصاد السلمي و ُ‬

‫هناك جدل كبير حول موضوع التورق المصرفي كأحد‬


‫المنتجات السلمية للمصارف‪ ،‬ما رؤيتكم لهذه القضية؟‬
‫ـــ موضوع التورق المصرفي أو التورق المن ّ‬
‫ظم من‬
‫الموضوعات التي أصبحت محل جدل ونقاش طويل‪،‬‬
‫ربما جزء من النقاش يكمن في عدم تحرير محل‬
‫الخلف‪ ،‬بمعنى أن كثيرا ً من المتحدثين سواء على نطاق‬
‫المحّرمين أو على نطاق الـمبيحين ل يحررون الصورة‬
‫من صور التورق التي يحكم عليها بالحل أو الحرمة‪،‬‬
‫فهناك بعض الناس ينادي بتحريم التورق وفي الوقت‬
‫نفسه تجده في بعض المصارف أو في بعض الجهات‬
‫يجيز بعض أنواع التورق؛ وعليه فإن من الهمية بمكان‬
‫‪.‬تحرير ما التورق المحرم وما التورق المباح‬
‫ولذلك فإنك تجد خلطًا‪ ،‬حيث يتم إطلق مصطلح التورق‬
‫بعمومه ويدخل في هذا المصطلح ناس يحرمون بعض‬
‫الصور وناس يبيحون بعض الصور‪ ،‬وإنني أرى أن بعض‬
‫صور التورق المصرفي ينبغي أل يكون هناك خلف في‬
‫تحريمها‪ ،‬فالتورق المصرفي الذي يكون على سلع غير‬
‫موجودة في الواقع أو التورق على سلع صورية‪ ،‬التورق‬
‫الذي يكون في نهاية المطاف مجرد أوراق ـــ وهذا في‬
‫الحقيقة موجود ـــ يجب أن نضع أيدينا على الجرح‬
‫ونعترف بأن هناك في بعض المصارف يوجد هذا النوع‬
‫‪.‬من التورق‪ ،‬هذا التورق الذي يجب أل ُيختلف في منعه‬
‫صورة أخرى‪ :‬إذا كان التورق المصرفي على سلع‬
‫حقيقية وموجودة لكنها غير معّينة )أي موصوفة في‬
‫الذمة(‪ ،‬كثير من الهيئات يرى تحريم هذه الصورة لنها‬
‫في المآل تؤول إلى الصورية‪ ،‬فلذلك يجب أن نمنع هذا‬
‫‪.‬النوع من التورق‬
‫أما التورق الذي يتم على سلع حقيقية معّينة مع قبض‬
‫العميل )المتوّرق( لها ـــ حقيقة أو حكما ً ـــ فإن هذا‬
‫‪.‬النوع من التورق أرى أن الخلف فيه أمره أوسع‬
‫لذلك أرى عندما نتحدث عن التورق أن نحدد عن أي نوع‬
‫من التورق نريد‪ ،‬كما أن بعض أنواع التورق يجب أل‬
‫تكون محل خلف‪ ،‬وأن نسعى جميعا ً إلى منعها وإزالتها‬
‫من المصرفية السلمية‬

‫‪.‬‬
‫تحدثتم عن عديد من المنتجات التمويلية المستجدة في‬
‫المصارف السلمية مثل المرابحة بربح متغير‪ ،‬وعن‬
‫تمويل المتاجرة في السهم )المارجن( من خلل عقد‬
‫المرابحة‪ ،‬وشراء المديونيات في المصارف‪ ..‬ما تقييمكم‬
‫لكل هذه المنتجات السلمية؟‬

‫ـــ في الواقع إذا بدأنا بموضوع المرابحة بربح متغير‪،‬‬


‫فإني أرى أن من أبرز التحديات التي تواجه المصرفية‬
‫السلمية المعاصرة‪ ،‬آلية تحديد الثمن أو الربح في عقود‬
‫التمويل طويلة الجل؛ حيث إنه في ظل التقلبات الكبيرة‬
‫في مؤشرات الرباح والسعار‪ ،‬وتذبذبات معدلت‬
‫ح الّتمويل‬‫ذر تقديُر رب ِ‬ ‫شبه المتع ّ‬
‫ح من ِ‬ ‫التضخم‪ ،‬فقد أصب َ‬
‫ل الجل بعائدٍ ثابت ـــ وبالخص في عقود التمويل‬ ‫طوي ِ‬
‫ن المصرف ل يرضى بتحديد الّربح‬ ‫الكبيرة ـــ حيث إ ّ‬
‫بمقدارٍ ثابت يخشى أن يرتفع في المستقبل؛ فيكون‬
‫ول ل يرضى بدفع‬ ‫م ّ‬
‫ن المت َ‬‫خاسرا ً بذلك‪ ،‬وفي المقابل فإ ّ‬
‫سوق‬ ‫‪.‬ربٍح أكثر من ال ّ‬
‫هذا وقد كانت المصارف السلمية تحتاط في تمويلتها‬
‫طويلة الجل فتضع الحد العلى الذي تتوقع أن تصل إليه‬
‫معدلت الرباح ـــ أو ما يقاربه ـــ أثناء مدة التمويل‬
‫بأكملها‪ ،‬ولكنها بذلك خسرت عملءها لكون مقدار الربح‬
‫الذي تطلبه أعلى بكثير من منافسيها التقليديين‪ ،‬بل إن‬
‫الواقع يشهد بأنه في حالت ليست باليسيرة أبَرم‬
‫ل طويلة الجل مع مصارف‬ ‫ولون عقود َ تموي ٍ‬
‫المتم ّ‬
‫إسلمية حال ارتفاع معدلت ومؤشرات الرباح‪ ،‬فلما‬
‫انخفضت هذه المؤشرات رجع كثيٌر منهم على المصرف‬
‫يطلب فسخ العقد‪ ،‬أو تخفيض العائد‪ ،‬بل إن بعض هذه‬
‫الحالت كانت منشأ نزاٍع وخصومة؛ مما أفقد المصارف‬
‫السلمية شريحة مهمة من العملء‪ ،‬وبالخص في عقود‬
‫‪.‬التمويل الكبرى‬
‫ل هذه الحاجة فقد طرحت بعض المصارف‬ ‫وفي ظ ّ‬
‫دة‪ ،‬أهمها‪) :‬المرابحة بربٍح‬
‫ع ّ‬
‫السلمية بدائل وحلول ِ‬
‫‪).‬متغّير‬
‫وكما هو معلوم فإن الصل في عقد المرابحة أن يكون‬
‫ددا ً بمبلٍغ ثابت مقطوٍع في مجلس‬ ‫رأس المال والّربح مح ّ‬
‫ف‬‫سلعة بأل ٍ‬‫العقد‪ ،‬كأن يقول البائع‪ :‬بعتك هذه ال ّ‬
‫ف منها رأس المال وخمسون ربح‪ .‬إل أن‬ ‫وخمسين؛ أل ٌ‬
‫ن‬
‫)المرابحة بربٍح متغير(‪ .‬محل النقاش هو‪ :‬حكم كو ِ‬
‫ددا ً في مجلس العقد‪ ،‬وأما مقدار الّربح‬ ‫س المال مح ّ‬ ‫رأ ِ‬
‫ر‬
‫ش ٍ‬‫طه بمؤ ّ‬ ‫فيت ِّفق العاقدان في مجلس العقد على رب ِ‬
‫دة‪ ،‬وفق‬ ‫ل مستقبلية محد ّ َ‬‫م به في آجا ٍ‬‫م العل ُ‬
‫ط عا ّ‬‫منضب ٍ‬
‫ددة‬‫‪.‬آلّية مح ّ‬
‫هذا ويتم تطبيق المرابحة بربٍح متغّير في الواقع العملي‬
‫دة‪ ،‬المهم والمشتَرك فيها‬‫ع ّ‬
‫ت ِ‬ ‫في المصارف عبر آليا ٍ‬
‫ون من ثلثة أجزاء‪) :‬حصة من‬ ‫جميعا ً أن الثمن فيها يتك ّ‬
‫أصل الدين‪ ،‬ومقدار المؤشر‪ ،‬والهامش الضافي(‪ ،‬اثنان‬
‫منها ثابتان محددان في مجلس العقد )وهما‪ :‬الحصة من‬
‫أصل الدين‪ ،‬والهامش الضافي(‪ ،‬ويبقى جزء واحد منها‬
‫‪).‬متغّير )هو مقدار المؤشر‬
‫هذا وإن حكم المرابحة بربٍح متغير من المسائل الشائكة‬
‫التي اختلف المعاصرون في حكمها ـــ مع كون أغلبية‬
‫المعاصرين على تحريمها ـــ إل إنه بعد بحث المسألة‬
‫تفصيل ً فقد ظهر غلبة جانب الجواز بشروط وضوابط‪،‬‬
‫أهمها‪ :‬استجماع شروط صحة المرابحة )كالعلم بالمبيع‪،‬‬
‫وعدم اللزام بالوعد‪ ،(..‬كذلك فإن من الهمية بمكان أن‬
‫ل‬‫ن وآجا ِ‬ ‫ط الّثم ِ‬
‫ن آلي ّةِ تحديد ِ أقسا ِ‬
‫يشتمل العقد على بيا ِ‬
‫ح ينفي عنها الجهالة‪ ،‬كما يجب أن‬ ‫ل واض ٍ‬‫حُلوِلها بشك ٍ‬ ‫ُ‬
‫دد العاقدان في مجلس العقد معيارا ً أو مؤشرا ً‬ ‫يح ّ‬
‫منضبطا ً ل يستقل العاِقدان بعلمه‪ ،‬ول يتطّرق النزاع‬
‫بينهما في تحديده يكون هو المرجع في تحديد أقساط‬
‫جلة‪ .‬إضافة إلى اشتراط اتفاق العاقدين عند‬ ‫الثمن المؤ ّ‬
‫ف أدنى لمقدار التذبذب‬ ‫التعاقد على سقف أعلى وسق ٍ‬
‫المقبول في مقدار أقساط الثمن الجل‪ .‬وأخيرا ً ُيشتَرط‬
‫ط‬
‫دد مقدار أي قس ٍ‬ ‫لصحة المرابحة بربٍح متغير أنه إذا تح ّ‬
‫ل أن‬ ‫ل أجُله فل يجوُز بحا ٍ‬ ‫من أقساط الثمن الجل‪ ،‬ثم ح ّ‬
‫دين نظير التأجيل أو‬ ‫ُتفَرض على المدين زيادةٌ في ال ّ‬
‫خر في السداد‪ ،‬سواٌء أكانت تلك الزيادة مبلغا ً ثابتا ً أم‬ ‫التأ ّ‬
‫متغّيرًا‪ ،‬وسواٌء أكان منصوصا ً عليها في العقدِ أم ات َّف َ‬
‫ق‬
‫‪.‬الط َّرفان عليها لحقا ً‬

‫هذا وقد كان من أبرز ما غّلب جانب الجواز ـــ بضوابط‬


‫ـــ من وجهة نظري في حكم )المرابحة بربٍح متغير(‬
‫حِته‪ ،‬وانتفت‬ ‫ص ّ‬
‫ط ِ‬‫أمور عدة منها‪ :‬أنه عقد ٌ استجمعَ شرو َ‬
‫ب فساد الُعقودِ من ربا‪،‬‬ ‫سِلم من أسبا ِ‬ ‫ع‪ ،‬و َ‬ ‫عنه الموان ِ ُ‬
‫ل الناس بالباطل‪ ،‬كما‬ ‫ل لموا ِ‬ ‫ة‪ ،‬وظلم ٍ وأك ٍ‬ ‫وغررٍ ومقامر ٍ‬
‫أن ما أورد عليه من جهالةِ الّثمن عند التعاقد‪ ،‬فهي جهال ٌ‬
‫ة‬
‫غير مؤثرة )كما بينت ذلك تفصيل ً في الدراسة(‪ ،‬بل ربما‬
‫قيل‪ :‬إنه في ظل التقلب الكبير في السعار‪ ،‬والتذبذب‬
‫الشديد في المؤشرات المالّية والقتصادية‪ ،‬فإن‬
‫المرابحة ذات الجل الطويل بربٍح متغي ّرٍ أبعد عن‬
‫شقاق والّنزاع‪ ،‬وأحرى في تحقيق الّرضا بين العاقدين‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫كما أن في المرابحة بربح متغير حل ّ لواحدة من أهم‬
‫ة لحد‬ ‫مشكلت المصرفية السلمية المعاصرة‪ ،‬ومعالج ً‬
‫ل مشكلة تحديد مقدار‬ ‫أهم عوائقها‪ ،‬وذلك فيما يتعلق بح ّ‬
‫هامش الربح في عقود التمويل طويلة الجل‪ ،‬وهو ما‬
‫ب شريحةٍ من‬ ‫سيكون له أثره اليجابي في استقطا ِ‬
‫ي لعدم ِ‬‫ل السلم ّ‬ ‫مون عن الّتموي ِ‬ ‫ج ُ‬
‫ملء الذين كانوا ُيح ِ‬ ‫العُ َ‬
‫ل الجل ذي العائدِ المتغّير‪.‬‬ ‫ل طوي ِ‬ ‫ل للّتموي ِ‬‫تواّفر بدي ٍ‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن القول بجواز المرابحة بربٍح متغير‬
‫ة وإبطال ً لجملةٍ من البدائل التي‬ ‫ي ُعَد ّ معالجة عملي ً‬
‫ل عن التمويل طويل الجل بعائد متغّير‪ ،‬مع‬ ‫رحت كبدي ٍ‬ ‫طُ ِ‬
‫دين )مثل منتج‪:‬‬ ‫اشتمالها على محظورات كقلب ال ّ‬
‫‪ Revolving‬المرابحة المدّورة أو ما يسمى بـالـ‬
‫فضل ً عما تشتمل عليه من تكلف وتعسف ‪Murabaha)،‬‬
‫للوصول إلى العائد المتغّير‪ .‬وذلك لنه لو كانت هذه‬
‫الغاية غير مقبولة شرعًا‪ ،‬فأي حيلة يراد منها الوصول‬
‫إلى هذه الغاية فهي ل تزيد المر إل قبحا ً وسوءًا؛ وإن‬
‫كانت تلك الغاية ل تتعارض مع مقاصد الشريعة‪ ،‬ول‬
‫تخالف نصوصها‪ ،‬فأن ُتؤَتى البيوت من أبوابها مع البعد‬
‫‪.‬عن إشكاليات الربا وقلب الدين والتحايل هو المتعّين‬

‫لكن ماذا عن تمويل المتاجرة في السهم بالهامش )أو‬


‫ما يسمى بالمارجن(؟‬

‫ـــ يمكن القول إن من أبرز بدائل تمويل المتاجرة في‬


‫‪ Margin Trading‬السهم بالهامش‬
‫التي طّبقتها المصارف السلمية هو منتج‪“ :‬تمويل‬
‫المتاجرة في السهم بالهامش عبر عقد المرابحة”‪ ،‬الذي‬
‫ت منتج المتاجرة بالهامش‬ ‫تشتمل هيكلته على جميِع آليا ِ‬
‫التقليدي وخصائصه الفنّية‪ ،‬مثل‪ :‬إجراءات فتح محفظة‬
‫المتاجرة بالهامش‪ ،‬وتحديد الحد الدنى للهامش‪،‬‬
‫وهامش الوقاية‪ ،‬ورهن المحفظة‪ ،‬وآلية تسييلها‪ ،‬إل أن‬
‫الفارق الرئيس بين هذا البديل والمنت َِج التقليدي هو‪:‬‬
‫ر‬
‫سمسارِ للمستثمرِ من خلل عقدِ المرابحة للم ِ‬ ‫ل ال ّ‬‫تموي ُ‬
‫ل عليه‬ ‫شراء‪ .‬هذا وبعد دراسة هذا المنَتج‪ ،‬وما اشتم َ‬ ‫بال ّ‬
‫عه‬ ‫ة استجما ِ‬ ‫جح جواُزه؛ شريط َ‬ ‫ت فقد تر ّ‬ ‫من تفصيل ٍ‬
‫مع عقود ُ بيِع‬ ‫لضوابط شرعّية عدة أبرزها‪ :‬أن تستج ِ‬
‫ط صحةِ عقدِ البيع وتنتفي عنها‬ ‫السهم بالجل شرو َ‬
‫ِ‬
‫موانُعه‪ ،‬ومن أهم ما يؤ َك ّد ُ عليه في ذلك‪ :‬تحّققُ العِل ْ ُ‬
‫م‬
‫ل شركة‪،‬‬ ‫بالمبيع؛ وذلك بتحديد ِ عددِ السهم ِ المبيعة في ك ّ‬
‫وتحديد ثمِنها‪ ،‬وأجل سداد دينها‪ .‬وأن تكون جميعُ السهم ِ‬
‫ة المتاجرة في السهم بالهامش‬ ‫التي تحويها محفظ ُ‬
‫ط الشرعيةِ للسهم‪ .‬كما أن‬ ‫ة للضواب ِ‬ ‫ة ومسَتجمع ً‬ ‫مباح ً‬
‫ك عند‬ ‫ب على البن ُ‬ ‫من الهمية بمكان التأكيد على أنه يج ُ‬
‫ة للعميل وعند بيِع موجوداتها‬ ‫ة الستثماري َ‬ ‫تسييله المحفظ َ‬
‫م تنفيذ ُ ذلك‬ ‫من السهم المرهونة ـــ أو بعضها ـــ أن يت ّ‬
‫ن ذلك على وجهٍ فيه ضرٌر ظاهٌر‬ ‫ق‪ ،‬وأل يكو َ‬ ‫سو ِ‬‫بسعرِ ال ّ‬
‫مته‪ ،‬كالزمات‬ ‫وبالغٌ على المستثمر وعلى القتصاد بر ّ‬
‫القتصادية الطارئة وانهيارات السواق؛ إذ إن من‬
‫المتقّرر في القاعدة الفقهية الكبرى أن “ل ضرر ول‬
‫ت المتاجرةِ في‬ ‫ضرار”‪ ،‬كما أنه يجب أن تخلو صفقا ِ‬
‫ذها المستثمُر من التغريرِ والّنجش‪،‬‬ ‫السهم ِ التي ينّف ُ‬
‫‪.‬والغش والخداع‪ ،‬والحتكار والتلعب والتضليل‬
‫هذا ويتحتم في هذا السياق التأكيد على قضية في غاية‬
‫ل‬
‫الهمية وهي‪ :‬أنه بالنظر إلى مقاصد الشريعةِ في الما ِ‬
‫ومقارنةِ ذلك بحقيقة منتج المتاجرة في السهم‬
‫سلبية‬ ‫بالهامش‪ ،‬وما ذكره بعض القتصاديين من آثاره ال ّ‬
‫في ‪) Speculation‬فإنه يظهر أن المجازفات )المضاربات‬
‫ل الذي‬ ‫السواق المالية ليست الخياَر الستثماريّ المث َ‬
‫مه‬ ‫ينبغي للمصارف السلمية تشجيُعه‪ ،‬فضل ً عن دع ِ‬
‫ج ومعالجة آثاِره‬ ‫م هذا المنت ِ‬ ‫ديون؛ وعليه فالولى تحجي ُ‬ ‫بال ّ‬
‫ن ـــ بوضِع جملة من الضوابط‬ ‫سلبي ّةِ ـــ بأكبرِ قدرٍ ممك ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫سياق يقعُ على‬ ‫دوَر الكبر في هذا ال ّ‬ ‫والمعايير‪ .‬هذا وإن ال ّ‬
‫ظمةِ والمراِقبة للسواق من‬ ‫ت الحكومي ّةِ المن ّ‬ ‫ق الجها ِ‬‫عات ِ ِ‬
‫سماح بنمو‬‫خلل تقدير المصلحة في ذلك‪ ،‬وعدم ال ّ‬
‫ل ضاّر بالسواق‪ ،‬فضل ً عن‬ ‫المضاربات والمجازفات بشك ٍ‬
‫دمها البنوك والمؤسسات‬ ‫إدارة حجم التمويلت التي تق ّ‬
‫المالية لنشطة المضاربة في السواق المالية مقارنة‬
‫جه للتنمية القتصادية الحقيقية‬ ‫بحجم التمويلت التي ت ُوَ ّ‬
‫من صناعةٍ وزراعةٍ وتجارةٍ ذات القيمةِ المضافةِ والثار‬
‫ت‬‫مع‪ ،‬فضل ً عن اتخاذ خطوا ٍ‬ ‫اليجابية على الفردِ والمجت َ‬
‫عمليةٍ تحمي آحاد المستثمرين من التوّرط في حبائل‬
‫القروض والتمويلت الكبيرة التي تفوق قدراتهم على‬
‫ب الثراِء‬ ‫ي خلف سرا ِ‬ ‫سداد التي يجذبهم إليها السع ُ‬ ‫ال ّ‬
‫سريع‬ ‫‪.‬ال ّ‬
‫أما الشق الثالث من السؤال فيتحدث عما نشأ في‬
‫مى بـ )شراء‬ ‫الواقع المصرفي المعاصر مما ُيس ّ‬
‫جلة للبنوك( أو )سداد مديونيات البنوك(‪،‬‬ ‫المديونيات المؤ ّ‬
‫ن ـــ فرد ٌ أو منشأة ـــ إلى‬ ‫م مدي ٌ‬ ‫والمراد ُ به‪“ :‬أن يتقد ّ ٌ‬
‫كن من سداد ـــ دينه‬ ‫وله ليتم ّ‬ ‫دد عنه ـــ أو يم ّ‬ ‫ف ليس ّ‬‫مصر ٍ‬
‫ددة”‪ .‬إل أنه لما كان‬ ‫ف آخر‪ِ ،‬وفقَ آلي ّةٍ مح ّ‬ ‫القائم لمصر ٍ‬
‫ق بين فقهاء العصر على تحريم اللية التقليدية‬ ‫مح ّ‬
‫ل اتفا ٍ‬
‫جلة على الغير التي تنتهجها‬ ‫لشراء المديونيات المؤ ّ‬
‫البنوك التقليدية‪ ،‬التي تقوم على شراء دين العميل‬
‫د؛ لشتمالها على ربا الفضل‬ ‫جل بنق ٍ‬ ‫النقدي المؤ ّ‬
‫ث‬
‫والنسيئة؛ فقد سعت المصارف السلمية إلى استحدا ِ‬
‫ل منضبطة بالضوابط الشرعية لتسديد مديونيات‬ ‫بدائ َ‬
‫مى بشراءِ‬ ‫العملء للبنوك والمصارف الخرى ـــ أو ما ُيس ّ‬
‫جلة ـــ وإن من أبرز ما اقت َُرح في ذلك‬ ‫المديونيات المؤ ّ‬
‫ن‬
‫دي َ‬‫ن جديدٍ للعميل مع اشتراط سداده ال ّ‬ ‫منتج‪“ :‬إنشاء دي ٍ‬
‫الّول”‪ .‬وقد حظي هذا البديل بتطبيق واسٍع في‬
‫المصارف السلمية لتمكين العملء من سداد مديونياتهم‬
‫م من خلل إبرام عقدِ‬ ‫القائمة للبنوك الخرى‪ ،‬الذي يت ّ‬
‫ل مباح جديدٍ مع العميل‪ ،‬واشتراط سداده لدينه‬ ‫تموي ٍ‬
‫القائم للبنك الول‪ ،‬وتحويل راتبه على المصرف بعد ذلك‬
‫ددة‪ .‬وبعد دراسة‬ ‫ت مح ّ‬‫ط وإجراءا ٍ‬ ‫ن شرو ٍ‬ ‫ضم َ‬‫مباشرة‪ِ ،‬‬
‫تفصيلية لهيكلته؛ فالذي يظهر جوازه شريطة استجماع‬
‫م تنفيذ التمويل‬ ‫دة‪ ،‬من أبرزها‪ :‬أن يت ّ‬ ‫ع ّ‬
‫ضوابط شرعية ِ‬
‫وإنشاء المديوني ّةِ ِوفقَ أحد عقودِ التمويل الشرعّية‬
‫المجازة‪ ،‬مع أهمية استيفاء الضوابط الشرعية لذلك‬
‫العقدِ وسلمته من الموانع والمحظورات‪ ،‬وأل يكون‬
‫هناك تواطؤ بين البنوك على تسديد مديونيات عملئها‪،‬‬
‫ب للدين بزيادةٍ على المدين‬ ‫‪.‬على وجهٍ فيه قل ٌ‬

‫كيف تقيمون واقع المصرفية السلمية‪ ،‬خاصة بعد‬


‫تأكيدكم أن عقود التمويل يجب أن ترتبط بالنشاط‬
‫الحقيقي؟‬

‫ـــ تشير بعض الحصاءات إلى أن أكثر من ‪ 90‬في المائة‬


‫من عقود التمويل المطبقة في المصارف السلمية حاليا ً‬
‫هي عقود تورق ومرابحة‪ ،‬وهذا يمثل أهم الشكالت‬
‫والتحديات التي تواجه المصرفية السلمية ويجب أن‬
‫ل‪ ،‬كما أن بعض العقود قد رأى‬ ‫نقف ونتأمل فيه طوي ً‬
‫بعض مشايخنا وعلمائنا إجازتها في بادئ المر عندما‬
‫كانت المصرفية السلمية في بداية طريقها لتشجيعها‪،‬‬
‫أما الن فقد أصبح الوقت يحتم علينا الوقوف لتصحيح‬
‫المسار والعودة بالمصرفية السلمية إلى المقاصد‬
‫والغايات التي تكلم عنها منظروها الوائل‪ ،‬يجب أن ننظر‬
‫كيف كان نظر المؤسسين الوائل للمصرفية‪ ،‬وأين هي‬
‫الن؟ يجب أن نعود بها إلى المسار الول وما كنا نتحدث‬
‫عنه من المثل والمبادئ العليا للمصرفية السلمية‪،‬‬
‫كذلك يجب علينا أن نوسع دائرة الفق وأل نحصر أنفسنا‬
‫في عقود التمويل في المصارف أو ما يسمى بالمصارف‬
‫التجارية‪ ،‬يجب أن نكون أوسع أفقًا‪ ،‬فالقتصاد السلمي‬
‫أوسع من مجرد عقود تمويل في المصارف ومن استثمار‬
‫في سوق السهم‪ ،‬يجب أن نعتني بالقتصاد السلمي‬
‫في إطاره العم والشمل بما فيه من جوانب متعددة‪،‬‬
‫مثل العناية بمستجدات الزكاة وما يتعلق بها‪ ،‬ويجب أن‬
‫مُثل القتصاد السلمي‬ ‫نهتم بأوجه مهمة جدا ً تحقق ُ‬
‫ل أكثر جلء مثل‪ :‬ما يسمى باستثمارات‬ ‫وغاياته بشك ٍ‬
‫؛ أرى أن هذا النوع‪ Venture Capital‬رأس المال الجريء‬
‫من الستثمارات من أهم الشياء التي يجب أن نلفت لها‬
‫العناية ونوجه لها الجهد ونعقد لها المؤتمرات‪ ،‬لنها تمثل‬
‫إضافة حقيقية وتحقق مقاصد الشريعة‪ ،‬الشرق والغرب‬
‫يطبقان هذا النوع من الستثمارات‪ ،‬وأثبت نجاحه‪ ،‬ما‬
‫هذه ‪ Privet Equity،‬يتعلق مثل بالستثمارات الخاصة‬
‫بعض أنواع الستثمارات الحقيقية التي يجب أن نقيم لها‬
‫المؤسسات وأن ُتوّفر لها البنية التحتية ونشجعها‬
‫بالبحوث والمؤتمرات والملتقيات‪ ،‬فلماذا نظل ندور في‬
‫فلك المرابحة والتورق‪ ،‬فإذا عقدنا مقارنة كم مؤتمر أو‬
‫منتدى عقد لمناقشة الستثمارات في رأس المال‬
‫الجريء أو الخاص أو مستجدات الزكاة‪ ،‬وكم مؤتمر عقد‬
‫لمناقشة اليجار المنتهي بالتملك أو التورق أو المرابحة‬
‫أو بطاقات الئتمان؛ سنجد أن هناك فرقا ً كبيرًا‪ ،‬لذلك‬
‫‪.‬يجب أن نوسع النظرة أو الرؤية‬

‫متى سنجد أن أخلقيات التمويل السلمي تتحقق على‬


‫أرض الواقع بدل من إطلق النصوص بشكل نظري؟‬

‫ـــ نعود إلى ما سبق‪ ،‬فالمصرفية السلمية ليست‬


‫ول شراء‬ ‫محصورة في كيف أبيع بطاقة ائتمان أو أم ّ‬
‫منزل أو سيارة‪ ،‬القتصاد السلمي له أفق أوسع وأشمل‬
‫من ذلك كله‪ ،‬ومن أهم ركائزه العنصر الخلقي‪ ،‬فأين‬
‫دين؛‬
‫محاربة الغرر والغش والخداع والتدليس وقلب ال ّ‬
‫لذلك نحن نحتاج إلى مزيد من التوعية بالجانب الخلقي‬
‫‪.‬للمصرفية السلمية تنظيرا ً وتطبيقا ً‬

‫البعض ينكر وجود صناعة مصرفية إسلمية بالمعنى‬


‫الحقيقي ـــ رغم وجود مالية وتمويل إسلمي معترف به‪،‬‬
‫لكن ما يؤخذ عليها عدم وجود ملمح وإطار محدد لنظام‬
‫اقتصادي إسلمي متكامل؟‬
‫ـــ كما ذكرت في سياق متقدم أن المصرفية السلمية‪،‬‬
‫جزء من إشكالياتها أن هناك خلل ً في الواقع وفي‬
‫التطبيق‪ ،‬وهذا يندرج على جملة من منتجاتها التي غلبت‬
‫عليها الحيل‪ ،‬ومن ذلك ـــ على سبيل المثال ـــ بعض‬
‫أنواع الصكوك ل فرق بينها وبين السندات إل أنهم قاموا‬
‫بتغيير السم من سند إلى صك والعائد عليها من فائدة‬
‫إلى ربح؛ بينما الحقيقة والمآلت والنتائج شبه متطابقة‪،‬‬
‫إن مثل هذا النوع من المنتجات التي تغلب عليها الحيل‬
‫تفقد المصرفية السلمية مصداقيتها؛ فالشخص الذي‬
‫كان يتعامل مع المصرفية التقليدية وقتا طويل وجاء‬
‫ليعرف ويرى هذه الصكوك أو هذا المنتج أو هذا‬
‫المصرف‪ ،‬فهو في الحقيقة شبه متطابق فقط مع تغيير‬
‫السماء أو اللفاظ‪ ،‬فل شك أنه يفقد المصداقية وفي‬
‫النهاية يقول‪ :‬أين الفرق وأين الجديد الذي جئتم به؟ فما‬
‫أنتم عليه نحن الن نطبقه‪ ،‬لذلك فأحد ما نهدف إلى‬
‫معالجته عاجل ونوجه الجهد له هو تنقية وتصفية‬
‫المصرفية السلمية مما يشوبها من أخطاء‪ ،‬نحن ندرك‬
‫أنه مع كل جهد بشري يمكن أن تكون هناك أخطاء‬
‫ومشكلت‪ ،‬لكن يجب أن نسارع في العتراف بهذه‬
‫‪.‬الخطاء وضرورة العمل على تصويبها وتصحيح المسار‬

‫وجه للمصرفية السلمية كثير من النتقادات في الفترة‬


‫الخيرة سواء من الداخل أو من الخارج‪ ،‬كيف يمكن الرد‬
‫على هذه النتقادات‪ ،‬وهل كل هذه النتقادات في محلها‬
‫وأصحابها على حق؟‬

‫ـــ من طبيعة المور أن يكون هناك نقد بناء ونقد هدام‬


‫بصرف النظر عن المقاصد أو النيات‪ ،‬لكن من صيغة‬
‫الخطاب هناك نقد بناء وإن قسا في اللفظ وجزء آخر‬
‫من النقد نقد هدام يقصد القضاء على هذه المصرفية‬
‫السلمية‪ ،‬وأنه ل جدوى منها‪ ،‬لذلك يجب أن نلغيها‪ .‬علينا‬
‫أل نلتفت طويل ونقف أمام من يريد هدم هذه المصرفية‬
‫السلمية‪ ،‬أما أصحاب النقد البناء فيتعين علينا أخذ هذا‬
‫النقد على محمل الجد والهتمام‪ ،‬حتى وإن كان نقدهم‬
‫قاسيا في بعض الحيان‪ ،‬فكثير منهم من يحب ويريد‬
‫الخير للمصرفية السلمية فهو يقسو عليها حتى تصحح‬
‫مسارها‪ ،‬من هنا يتعين علينا أن نقر بأن هناك أخطاء في‬
‫المصرفية السلمية ويتعين استيعاب هذا النقد وهذه‬
‫الخطاء‪ ،‬والسراع حال في معالجتها ‪ ،‬فالمر يحتاج إلى‬
‫خطة استراتيجية ذات نظرة طويلة الجل ويجب أن‬
‫أعرف حتى بعد ‪ 50‬سنة أهدافي التي أريد تحقيقها‪،‬‬
‫واللية التي تساعد على تحقيقها‪ ،‬فإذا لم تكن هناك رؤية‬
‫واستراتيجية أو قياس للنجازات أو الخفاقات فلن نعرف‬
‫‪.‬أين نحن سائرون‬
‫وهناك من ينتقد المصرفية السلمية وهو من أبنائها‪،‬‬
‫حيث يرى أن المصرفية السلمية ليست تدرجا وإنما‬
‫استدراجًا‪ ،‬تتراجع إلى الوراء وهذا مكمن الخطر‪ ،‬فليس‬
‫عيبا أن نتدرج ولكن العيب أن نتراجع‪ ،‬لذلك أرى من‬
‫وجهة نظري أن جزءا كبيرا ً من النقد الموجه للمصرفية‬
‫السلمية هو نقد حقيقي في محله‪ ،‬فالمطلوب أن‬
‫نسعى في أسرع وقت ممكن لتكوين رؤية ونضع‬
‫استراتيجية‪ ،‬وأن ننظر بمقياس الرباح والخسائر أين‬
‫وصلنا وأين نريد أن نصل؟‬

‫هل هناك جهات معينة تحمل رؤية وتنظيرا للمصرفية‬


‫السلمية حسبما أرادها الوائل؟ وإذا كانت موجودة لماذا‬
‫ل يكون لها حضورها؟‬

‫ـــ الهداف العامة والخطوط العريضة أعتقد كانت‬


‫موجودة‪ ،‬لكن الستراتيجية متوسطة المدى وبعيدة‬
‫المدى لتحقيق هذه الغايات والهداف نحن نفتقدها‪ ،‬وما‬
‫يجب أن يوضع الن من خلل استثمار الدوات والليات‬
‫الحديثة للدارة‪ ،‬وأرى أن أفضل الجهات المهيأة‬
‫والمؤهلة للقيام بهذا الدور هي الجهات غير الربحية من‬
‫المنظمات والجمعيات المعنية بالقتصاد السلمي‬
‫وكراسي البحث ومراكز الدراسات المتخصصة‪ ،‬يجب أن‬
‫ون رؤية للمصرفية السلمية‬ ‫تتفاعل هذه الجهات وتك ّ‬
‫وأن تقارن مدى بعدنا وقربنا من الغايات والهداف التي‬
‫بدأت المصرفية السلمية بها‪ ،‬وأن نعترف بالخطاء‬
‫‪.‬الموجودة ونحددها‪ ،‬وما الولويات للعلج والتثقيف‬

‫لم تستطع المصرفية السلمية أن تسوق نفسها بشكل‬


‫حقيقي كبديل‪ ،‬خاصة بعد الزمة المالية العالمية‪ ،‬ليس‬
‫بديل كليا وإنما تعبر عن حضورها الفاعل؟‬

‫ـــ في البداية يجب أن نقرر أن المصرفية السلمية ل‬


‫تعيش بمعزل عن المتغيرات القتصادية العالمية‪ ،‬من هنا‬
‫فإن المصرفية السلمية قد تأثرت بالزمة المالية‬
‫ل غير مباشر‪ ،‬لكن‬ ‫ل مباشر أو بشك ٍ‬
‫العالمية سواء بشك ٍ‬
‫بل شك أن المصارف التي كانت أقرب إلى تحقيق‬
‫الشريعة السلمية في واقعها التطبيقي ـــ مثل البعد عن‬
‫شراء الديون والمتاجرة في الديون‪ ،‬والبعد عن‬
‫المشتقات المالية ـــ كانت بمنأى من التأثر المباشر‬
‫بتداعيات الزمة‪ .‬لكن هناك بعض الجوانب العامة التي‬
‫تؤثر في المنتجات والمصارف السلمية والتقليدية على‬
‫حد ّ سواء‪ ،‬كوجود الشكالت الئتمانية سواٌءُ أكان مدينا ً‬
‫ول شخصا‬ ‫لمصرف إسلمي أم لبنك تقليدي‪ ،‬فعندما تم ّ‬
‫فل تدرسه ائتمانيا بشكل جيد‪ ،‬فإذا أخفق فهذا ليس‬
‫راجعا ً إلى كون العقد الذي تم عقدا شرعيا أو عقدا‬
‫ربويا‪ ،‬فهو أخفق بسبب ائتماني فمن هذا القبيل يكون‬
‫هناك تأثير على المصرفية السلمية‪ ،‬لذلك انكشف بعض‬
‫الناس لوجود ثغرات ائتمانية في مسيرتهم‪ ،‬انكشفت‬
‫بعض هذه العقود الكبرى في الزمة المالية العالمية‬
‫سواء بعض الشخاص في العالم العربي الذين مولوا‬
‫تمويل ً شرعيا ً من المصارف السلمية ومن المصارف‬
‫التقليدية وأخفقوا هنا وهناك‪ ،‬وهذا ليس للعقد في ذاته‬
‫‪.‬وإنما الخفاق كان إخفاقا ً ائتمانيا ً أو لغيره من السباب‬
‫المهم أعود وأؤكد أنني أرى أن المصرفية السلمية لم‬
‫تستثمر الزمة العالمية الستثمار المثل للتسويق‬
‫لمبادئها ومثلها وأخلقياتها‪ ،‬كان لها دور مشهود وجهود‬
‫جيدة أثناء الزمة ونالت شهرة كبيرة إقليمية وعالمية‪،‬‬
‫سواء في أوروبا أو آسيا أو أمريكا وأشاد بها كافة الخبراء‬
‫والمختصين العالميين‪ ،‬بل نادى الجميع بضرورة اتباع‬
‫النهج المصرفي السلمي في مصارفهم ومؤسساتهم‬
‫المالية والقتصادية‪ ،‬والستعانة بالنهج السلمي في‬
‫تشريعاتهم ولوائحهم التنظيمية والقانونية‪ .‬حتى ل يتكرر‬
‫ما حدث في الزمة العالمية الخيرة‪ ،‬لكن ـــ مع السف‬
‫الشديد ـــ رغم ذلك لم تستثمر المصرفية السلمية‬
‫الستثمار المثل في تسويق أخلقياتها ومبادئها‬

You might also like