Professional Documents
Culture Documents
دعوتان
دعوتان
فا وهو
يوجد في المسلمين دعوتان :دعوة إسلمية وتنحصر فيما بّيناه آن ً
ترك
البدع والجمع بين الدين وبين العلم والمدنية ،ودعوة وطنية أو سياسية ؛
وهي
تنحصر في مطالبة أصحاب السلطة فيهم بما يرقي بلدهم ،ويحفظ
حقوقهم فيها ،
ول علقة لهذه الدعوة بالدين ،بل كثيًرا ما تخالفه .
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين والشكر له
استزادة منه هو أكرم الكرمين ،وأشهد
أن ل إله إل الله وحده ل شريك له حقا
وصدقا ،وأشهد أن سيدنا وإمامنا
وقدوتنا محمد بن عبد الله عبد الله
ورسوله النبي المبعوث رحمة للعالمين،
فصلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فاتقوا الله معاشر المؤمنين وعودوا
إليه واشكروه ول تكفروه فهو القائل
سبحانه :وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم
لزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد
]إبراهيم.[7:
واعلموا أن من كفران النعم أن يخولنا
الله الصحة والفراغ والرزق والمال ثم
نعصي الله بما أولنا وأعطانا ،فيسافر
بعض المسلمين في عطلهم إلى بلد
الكفر أو بلد الفسق والرذيلة
فيعرضون أنفسهم للوقوع فيها ،فيعود
الرجل موبقا بالذنوب والمعصية لعلم
الغيوب محمل بقلب يتلذذ ويحترق
بالمعاصي ونفس تتوق إلى الملهي
والمنكرات ،بل وربما حمل معه إلى
بلده الطاهرة مرضا جنسيا نجسا أو
حشيشة قذرة مدمرة فبئس الوافد على
الهل والولد وبئس الحامل والمحمول.
والمصيبة أكبر والهول أفظع إذا حمل
أهله وولده معه ينزع عن نسائه وبناته
جلباب الحياء ويدرب أولده وصبيانه
على غشيان دور الخمور والبغاء ،فإنا
لله وإنا إليه راجعون.
وإن تألم فأشد ما يؤلمك أن ترى في
العطلة النصفية تزاحم الرجال بل
وحتى النساء على شبابيك محلت
الفيديو يشترون أو يستأجرون أو
يشتركون في تداول أفلم الجنس
الرخيص والعبث والمجون أو تخريب
الفكار والمعتقدات أو تمجيد هذا
الغربي والكتابي أو ذاك الشرقي
الوثني ،في غياب كبير لعلم إسلمي
فعال يقدم البديل ،فيتعلم البنون
والبنات الرقص والميوعة والسيئ من
العادات ،في صورة لباس يرسخ المعية
والتقليد المشين ،أو في صورة قصة
شعر أو زي يطول تارة ويقصر أخرى
حسبما يحلو لعدائنا أن يعبثوا بنا
فنصبح ألعوبة بين المم ،ول تسأل عن
إضاعة الوقات وفوات الصلوات.
ول حول ول قوة إل بالله العلي
العظيم.
أيها الوالد أيها الولي أيها المسلم ويا
أيتها المسلمة اتقوا الله فيما وليتم من
رعية تسترعونا أو أموال تنفقونها أو
أوقات تضيعونها أو أعمار تفنونها ،فإن
الله سائل كل راع عما استرعاه ،فليعد
كل راع الجواب على هذا السؤال.
وها قد وضح النجدان واستبان
السبيلن ،فاختر لنفسك برد الجنان أو
حر النيران .
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا
واجعل أعمارنا في طاعتك.
__________
) (1أخرجه البخاري في صحيحه :كتاب
الدب ،باب من كان يؤمن بالله واليوم
الخر فل يؤذ جاره . 7/79وصحيح
مسلم كتاب اليمان :باب الحث على
إكرام الجار والضيف . 2/18
) (2صحيح البخاري كتاب الدب :باب
من كان يؤمن بالله واليوم الخر فل
يؤذ جاره ، 7/79وصحيح مسلم كتاب
اللقطة ،باب الضيافة . 12/30
) (3أخرجه أبو داود في السنن :كتاب
الدب باب من يؤمر أن يجالس ،
والترمذي في سننه :كتاب الزهد باب
ما جاء في صحبة المؤمن . 4/259
) (4أخرجه البخاري في صحيحه كتاب
النكاح باب من ترك الدعوة فقد عصى
الله ورسوله . 6/144ومسلم في
صحيحه كتاب النكاح باب المر بإجابة
الداعي . 9/239
) (5صحيح مسلم :كتاب النكاح باب
المر بإجابة الداعي الى الدعوة
. 11/234
) (6صحيح البخاري :كتاب الهبة ،باب
القليل من الهبة . 3/129
) (7صحيح مسلم كتاب الصيام باب ندب
الصائم إذا دعي الى طعام ولم يرد
الفطار ، 9/236والكلمة بين
المعترضين ليست من الحديث إنما هي
تفسيرية أي يدعو لهم )ومعناه :فليدع
لهل الطعام بالمغفرة والبركة ( صحيح
مسلم بشرح النووي . 9/236
) (8الدار قطني في سننه :كتاب
الصوم باب الشهادة على رؤية الهلل
.2/178
) (9صحيح البخاري كتاب بدء الوحي ،
باب كيف كان بدء الوحي . 1/2
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله وارث الرض ومن عليها من
الخلق ،وباعث محمد رسوله بالهدي
ودين الحق وصلى الله عليه وآله
وأصحابه وسلم تسليما ً كثيرًا.
وبعد:
أيها الخوة الكرام ،إن للدعاء على
أعداء الدين ،من اليهود والنصارى،
والمنافقين ،والعلمانيين ،وأذنابهم،
فوائد جمة ،منها:
-أن الدعاء في حد ذاته عبادة عظيمة،
بل هو لب العبادة وروحها ،ولذا ثبت
ن
ن بْ ِ ما ِ ع َ ن الن ّ ْ ع ْ في الحديث الصحيح َ
م ل َرب ّك ُ ْ قا َ و َ هَ : ول ِ ِق ْفي َ ي ِ ن الن ّب ِ ّ ع ْ
ر َ ٍ شي بَ ِ
عوِنى أ َ
ل: قا َ م ]غافرَ [60: ب ل َك ُ ْ ج ْ ِ َ ت سْ اد ْ ُ
ُ َ قر َ و ال ْ ِ
م
ْ ك ّ ب ر
َ َ
ل قا وَ أ: و َ َ ة(( َ عَبادَ ُ ه َ عاءُ ُ ))الدّ َ
َ
نذي َ ن ال ّ ِ م إِ ّ ب ل َك ُ ْ ج ْ ست َ ِ عوِنى أ ْ اد ْ ُ
م هن ّ َ ج َ ن َ خُلو َ سي َدْ ُ عَبادَِتى َ ن ِ ع ْ ن َ ست َك ْب ُِرو َ يَ ْ
ن ]غافر.[1](5)[60: ري َ خ ِ دا ِ
فالداعي ل يدعو الله صادقًا ،إل وقد
انقطع من كل من سوى الله جل وعل،
وتعلق نياط قلبه بالله وحده تعلقا ً أشد
من أي وقت آخر ،ول يتم له ذلك إل إذا
شهد أنه الله هو رب الرباب ،ومصرف
الكوان ،ومالك كل شيء ،والمعبود
وإ ِّيا َ
ك عب ُدُ َك نَ ْوحده ل إله إل هو ،إ ِّيا َ
ن ]الفاتحة.[5: عي ُ ست َ ِنَ ْ
وفي الدعاء يتمثل التوحيد في أنقى
صوره ،وأسمى معانيه ،ولهذا فقد أخبر
القرآن الكريم عن جميع الناس أنهم
في النوازل والنوائب ل يدعون أحدا ً إل ّ
ن ِإل إ ِّياهُ ]السراء: عو َ من ت َدْ ُ ل َ ض ّ اللهَ ،
ن
عو َ ما ت َدْ ُف َ ش ُ في َك ْ ِ
ن َ عو َ ل إ ِّياهُ ت َدْ ُ ،[67ب َ ْ
نكو َ ر ُ
ش ِ ما ت ُ ْ ن َو َ س ْوَتن َ شاء َ ن َ ه إِ ْ إ ِل َي ْ ِ
]النعام.[41:
تقق استحضار العبد صفا ِ والدعاء يح ّ
الله تعالى وزيادة اليمان بها والشعور
بعظمتها وجللتها ,فهو إقرار من
ن العزة ن القوة لله جميعًا ،وأ ّ المؤمن بأ ّ
ن الله خالق كل شيء, لله جميعًا ،وأ ّ
ن الناصر هو الله ورازق كل داّبة ،وأ ّ
والقاهر هو الله ,والضار النافع هو الله,
والمر الناهي هو الله ,والظاهر الباطن
ل من يشاء هو الله) ,يعّز من يشاء ويذ ً
ل شيء قدير( بيده الخير وهو على ك ّ
والحساس بهذه المعاني هو الذي يقود
المسلمين إلى امتثال أمر الله تعالى:
نمِني َ م ْ
ؤ ِ م ّ ن ِإن ُ
كنت ُ ْ خا ُ
فو ِ و َم َ ه ْ فو ُ خا ُ فل َ ت َ َ َ
]آل عمران.[175:
فتحقيق هذا اليقين ،والتوحيد الذي
حصل بهذا الدعاء على الطغاة
والمتجبرين ،يخلع الخوف الذي تولد في
قلوب المسلمين من قوة المتجبرين،
وطغيان الكافرين ،ويجعلهم يحتقرون
القوى كلها بجانب قوة العزيز القهار،
ويعلمون أن ميزان القوى الحقيقي هو
أَ
عا ]البقرة،[165: مي ًج ِه َ وةَ ل ِل ّ ِّ ُ
ق ْ ل ا ن
ّ
فتصغر في عيونهم كل قوة مهما
عظمت إذا هم استمدوا قوتهم من الله
رب العالمين.
والدعاء على أعداء الدين بشتى
أنواعهم يا عباد الله تعبيٌر صادقٌ عن
عقيدة الولء والبراء التي هي الرحى
الذي تدور عليه عقيدة التوحيد ))أوثق
ب في الله والبغض عرى اليمان الح ّ ُ
في الله(( ,وهي العقيدة التي توجد
المفاصلة في العقائد والفكار
والمناهج ,ومن ثم تمايز الصفوف
والّنصرة عند القتال.
والدعاء على معسكر الكفر وأهله ،إذكاءٌ
لروح اليقين في حياة المسلمين,
ن المر كله لله )وما النصر إل ليعلموا أ ّ
من عند الله العزيز الحكيم( فتمتلئ
كون في قلوبهم بمعية الله ,فل يش ّ
نصره ول يخالجهم تردّدٌ في صدق وعده
ن ]الصافات: غال ُِبو َ م ال ْ َ ه ُ جندََنا ل َ ُ ن ُ وإ ِ ّ َ
توي ُث َب ّ ْ م َ صْرك ُ ْ ه َين ُ صُروا ْ الل ّ َ ِ ،[173إن َتن ُ
م
ه ُ عذّب ْ ُ م يُ َ ه ْ قات ُِلو ُ م ]محمدَ ،[7: مك ُ ْ دا َ ق َأَ ْ
م ه ي َ ل ع
َ م ُ ك ر ص ْ ن ي و م ه ز خ ْ ي و م ُ ك دي ي الل ّه بأ َ
ِ ْ ْ ُ ْ ْ َ ِ ْ َ ِ ُ ْ َ ِ ْ ُ ِ
ن ]التوبة،[14: مِني َ ؤ ِ م ْوم ٍ ّ ق ْ دوَر َ ص ُ ف ُ ش ِ وي َ ْ َ
نة ك َِثيَرةً ب ِإ ِذْ ِ فئ َ ٍت ِ غل َب َ ْة َ قِليل َ ٍ ة َ فئ َ ٍمن ِ كم ّ َ
ه ]البقرة.[249: الل ّ ِ
والدعاء على من اعتدى على
ة
ة ظاهر ٌ المسلمين ،وبغى عليهم ،علم ٌ
على إيمان العبد وتضامنه مع إخوانه
ة
و ٌ خ َ ن إِ ْ مُنو َ ؤ ِم ْ ما ال ْ ُ المسلمين إ ِن ّ َ
]الحجرات)) [10:ل ُيؤمن أحدكم حتى
ب لنفسه(( .كما يقول ب لخيه ما يح ّ يح ّ
دهم ل المؤمنين في توا ّ مث َ ُ رسولنا َ )) :
وتراحمهم وتعاطفهم ,مثل الجسد إذا
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد
سهر والحمى((. بال ّ
والدعاء على من يحارب المسلمين
ن
إحياءٌ لمعاني الجهاد في النفس؛ إذ إ ّ
دث نفسه بالغزو مات ميتة ))من لم يح ّ
جاهلية(( فل بدّ من تهيئة الفؤاد لحوال
القتال وساعات النزال.
فهو استحضار للمعركة المتواصلة بين
مقات ُِلون َك ُ ْ ن يُ َ ول َ ي ََزاُلو َ الحق والباطل َ
عوا ْ طا ُ ست َ َ نا ْ م إِ ِ عن ِدين ِك ُ ْ م َ دوك ُ ْ حّتى ي َُر ّ َ
]البقرة .[217:فالدعاء يرّبي قوة
العزيمة وشدة البأس في نفس المسلم
ك حصون الباطل. ليكون مستعدّا ً لد ّ
ويبعث فيه الرادة الجازمة على محاربة
كيد الكافرين الذين يبتغون العزة عند
عيفا ً ض ِن َ كا َن َ طا ِ شي ْ َن ك َي ْدَ ال ّ الشياطين إ ِ ّ
]النساء ،[71:ال ِك ُم َ
ن ك َي ْ ِ
د ه ُ مو ِ ه ُن الل ّ َوأ ّْ َ
ن ]النفال.[18 : ري َ
ف ِ ال ْ َ
كا ِ
عباد الله ،أمة السلم ومن أعظم
ثمرات الدعاء ،أنه سبب من أسباب
ل َرب ّك ُ ْ
م قا َ و َالنصر ،قد ضمن الله نتيجته َ
َ
م ]غافر.[60: ب ل َك ُ ْ
ج ْست َ ِعوِنى أ ْ اد ْ ُ
أمة السلم ،لقد شرع قنوت النوازل
للدعاء على الظالمين الذين يعتدون
على المسلمين ،ولعل هذه المعاني
العظيمة التي ذكرت تتجلى فيه.
إخوة العقيدة ،أيها الخوة المؤمنون ،ل
يظن ظان أننا حينما نتحدث عن الدعاء
وأثره في النتصار للمظلومين من
الظالمين ،أن ذلك يعني أن نكف عن أي
عمل آخر غير الدعاء ،ولكننا نذكر
بالدعاء لنه أول وآخر ما يلجأ إليه ،ول
ينبغي أن يترك بحال من الحوال،
وحتى ل يتذرع متذرع بالعجز عن
الستنصار لهذا الدين وأهله ،بأنه قد
كبل بالغلل ،وأوثق بأشد الحبال .عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
قال)) :أعجز الناس من عجز عن
الدعاء ،وأبخل الناس من بخل
بالسلم(().[2](6
أيها الخوة ،ل تتحدث هذه الخطبة عن
الدعاء وآدابه وفضائله ،فلعل الله ييسر
ذلك في خطبة أخرى ،ولكنها تتحدث
عن أثر الدعاء في انتصار المظلومين
من الظالمين المعتدين على السلم
والمسلمين.
أمة التوحيد ،إن أضعف ما يمكن أن
يقوم به المسلم في هذه اليام ،ل
سيما في هذه البلد أن يكون له ورد
يومي من الدعاء يدعو فيه على أعداء
الدين من اليهود والصليبين،
والمنافقين ،وأخشى إن إيمان المرء
يعتريه الزوال إذا كان قلبه ميتا ً ل
يتحرك لنصرة الدين وأهله ولو بالدعاء.
__________
) (1أبو نعيم( عن دحية) .صحيح( انظر
حديث رقم ) (862في صحيح الجامع.
) (2رواه الطبراني ،وهو حديث حسن،
صحيح الجامع ).(116
) (3ابن كثير في البداية والنهاية.
) (4تاريخ الخلفاء ) ،(490العبر في
أخبار من غبر ) (3/4الذيل على طبقات
الحنابلة ).(1/258
) (5الترمذي وابن ماجه.
) (6ابن حبان وهو في السلسلة
الصحيحة ).(154