You are on page 1of 12

‫‪1‬‬

‫نـزار نيوف‬
‫اإلسالم الطالبي ـ الحنيفي ـ النصراني‬
‫واإلسالم التلمودي‬
‫ق من اإلسالم الحقيقي إال‪ ...‬اإلسالم الفارسي‪ ،‬و ماعداه ليس سوى اإلسالم التلمودي ـ التناخي‬
‫لم يتب ّ‬
‫تربى دمحم بن عبد هللا في كنف عمه "أبو طالب" أكثر من أربعين عاما‪ ،‬كان خاللها يالزمه في حله‬
‫وترحاله‪ ،‬السيما إلى غار حراء‪ ،‬فكان بمثابة أبيه ومعلمه في آن واحد‪.‬‬

‫سكت التاريخ اإلسالمي الرسمي على نحو شبه تام عن هذه الشخصية التاريخية العظيمة‪ ،‬ولم يقل لنا إال‬
‫قصصا متفرقة تتعلق به‪ .‬لم يقل لنا سوى أن "أبو طالب" كان المحامي والمدافع عن ابن أخيه في وجه‬
‫"المأل المكي"‪ .‬هذا فضال عن قصة أخرى اختلف بشأنها السنة والشيعة‪ ،‬وهي إعالنه إسالمه أو عدم‬
‫إعالنه‪ .‬فبينما ذهب أغلب السنة إلى القول بأن"أبو طالب مات كافرا"(حسب قاموسهم التكفيري) وبين‬
‫الشيعة الذين جزموا بأنه مات مسلما وبعد أن أعلن إسالمه‪ .‬ولم يكن تأكيدهم هذا‪ ،‬الذي ال سند له‪ ،‬سوى‬
‫بسبب محبتهم الصوفية آلل هاشم (آل البيت) ونظرتهم القدسية لهم ‪ ،‬وبالتالي إحساسهم بأنه من عظائم‬
‫األمور القول إن "أبو طالب" مات "كافرا" وهو الذي ربى وحمى ابن أخيه "رسول هللا وخاتم األنبياء"‬
‫طيلة أربعين عاما وأكثر‪ ،‬وسليل "العائلة األقدس" في تاريخ العرب والعالم في اعتقادهم! وقد وصل بهم‬
‫دفاعهم عن "إسالم" أبي طالب حد تأليف شعرعلى لسانه يظهر "إيمانه بدين دمحم"‪ ،‬رغم أن أي صاحب‬
‫ذائقة شعرية وعارف قليال بفنون الشعر‪ ،‬يدرك أنه شعر ركيك ومنحول وال يأتي على لسان إنسان بليغ‬
‫عاش في بيئة بالغة‪ ،‬فضال عن أنه ال ينتمي إلى شعر تلك الفترة‪.‬‬

‫رواية السنة في هذا السياق هي الصحيحة‪ .‬فأبو طالب مات دون أن يؤمن بدين ابن أخيه‪ ،‬ولكنه ـ بالتأكيد ـ‬
‫لم يمت "كافرا" وفق المعايير التناخية ـ التلمودية التي تشكل جوهر اإلسالم السني (مع استثناءات شافعية‬
‫وحنفية)‪ ،‬والتي سنرى الحقا منشأها ومصدرها ومن أين أتت‪ .‬فقد كان أبو طالب "حنيفيا ـ نصرانيا"‪ .‬كما‬
‫أنه لم يكن يذهب إلى غار حراء طوال أربعين عاما مع أصحابه لمجرد التعبد فقط‪ ،‬كما تقول الرواية‬
‫الرسمية أو توحي به‪ ،‬بل للبحث والدراسة مع المئات غيره من "األحناف ـ النصارى" الذين لم يذكر لنا‬
‫التاريخ المكتوب سوى حوالي عشرين إلى ثالثين شخصية منهم‪،‬كانوا في معظمهم أعالما في بيئتهم‬
‫و"مثقفين" بمعايير عصرنا‪ .‬وكان دمحم بصحبة عمه "بو طالب" ورفاقه منذ أن كان في الثامنة من عمره‪،‬‬
‫ولم يكن يذهب وحده إلى الغار كما تصور لنا الرواية اإلسالمية الرسمية الكاذبة‪ .‬وبخالف ما تقوله هذه‬
‫الرواية غالبا‪ ،‬لم يكن غار حراء مجرد"صومعة" للترهب والتعبد والزهد‪ ،‬بل أشبه بـ"محفل دراسي"‬
‫يتدارس فيه األحناف ـ النصارى أمور دينهم ودنياهم‪ .‬وأنا إذ أصفهم بـ "األحناف ـ النصارى"‪ ،‬فألنهم‬
‫كانوا يشكلون مشروع دين"خام" لم يتبلور بعد في إطار محدد‪ ،‬يتكون من عناصر نصرانية‪ ،‬أي المسيحية‬
‫العربية األصلية التي ولدت في "نجران"(وليس في فلسطين!)‪ ،‬ومن عناصر "الحنيفية" المعروفة‪ ،‬التي‬
‫تشكل جوهر اإلسالم الحقيقي بعد تنظيفه وتطهيره من األفكار والشرائع التناخية ـ التلمودية التي جرى‬
‫إقحامها على"القرآن" (حين جمعه) وعلى تفاسيره والقسم األغلب من األحاديث المنسوبة لمحمد‪ .‬وتعرف‬
‫هذه النصوص واألفكار التناخية ـ التلمودية عند المسلمين تحت اسم "اإلسرائيليات"‪ .‬ومن أبرز الفقهاء‬
‫‪2‬‬

‫اليهود الذين أدخلوها إلى اإلسالم "عبد هللا بن سالم"‪ ،‬وهو فقيه ومثقف يهودي بارز كان من أبرز‬
‫المؤثرين فكريا على دمحم منذ الساعات األولى لوصوله إلى يثرب وإعالنه"إسالمه"رغم أنه كان حاخاما‬
‫وابن حاخام وكبير طائفته‪ .‬ويعتبر عند المسلمين السنة‪ ،‬مثل "أنس بن مالك" و"البخاري" و"مسلم" ـ على‬
‫سبيل المثال ال الحصر ـ "صحابيا جليال" يبز الصحابة اآلخرين في أنه "واحد من العشرة المبشرين‬
‫بالجنة"! ومن ناحيتي‪ ،‬وبعد تمحيص وتدقيق لسنوات طويلة‪ ،‬فإني أرى أن معظم ما جاء في القرآن من‬
‫روايات وقصص وشرائع تناخية وخرافات وأساطير وشعوذات‪ ،‬وخصوصا التلمودية منها‪ ،‬هي من آثار‬
‫"المحاضرات" التي كان يلقيها "عبد هللا بن سالم "على دمحم‪ ،‬إلى حد يمكن القول إنه كان أستاذه الثاني بعد‬
‫عمه "أبو طالب"‪ .‬ويأتي بعد عبد هللا بن سالم في حجم التأثير كل من الحاخام التلمودي اليمني"كعب بن‬
‫ماتع الحميري"‪ ،‬المعروف باسم"كعب األحبار"‪ ،‬والمثقف التلمودي الكبير"وهب بن منبه"‪ .‬وهذان‬
‫األخيران يعتبرهما المسلمون السنة من "التابعين"‪،‬أي الذين يحتلون المرتبة الثانية بعد"الصحابة"‪ ،‬بينما‬
‫ينظر إليهما الشيعة نظرة الريبة والشك‪ .‬وكان نشاطهما الفكري وتأثيرهما في الجيل األول من "مثقفي‬
‫اإلسالم" بعد وفاة دمحم كبيرا وعميقا و واسعا‪ .‬ويمكن مالحظة تأثيرهما القوي في تفاسير علماء المسلمين‬
‫السنة و وروايات اإلمام البخاري‪ .‬وال بد من اإلشارة في هذا السياق أيضا إلى أن إقحام الروايات‬
‫والقصص والعقائد واألفكار التناخية في القرآن لم يكن فقط خالل مرحلة ما يسمى بـ"نزول الوحي"‪ ،‬بل‬
‫إيضا خالل مرحلة جمعه‪ ،‬حيث جرى إسقاط الكثير من آيات وسور "القرآن" و"دحش" الكثير من‬
‫"اإلسرائيليات" في ثناياه والتالعب به من قبل "لجنة حكومية" أنشأها الخليفة أبو بكر ثم جدد مهمتها‬
‫الخليفة عثمان بن عفان لتكون برئاسة اليهودي ـ التلمودي "زيد بن ثابت"‪ ،‬الذي كان يعرف العبرية‬
‫والسريانية جيدا‪ .‬ومن المعلوم أن المصحف الرسمي الذي يتداوله ماليين الناس اليوم هو المصحف الذي‬
‫أقرته اللجنة المذكورة بعد مصادقة التلمودي "زيد بن ثابت" على كل آية وردت فيه!!‪ .‬ويكفي اعتراف‬
‫الخليفة عمر بن الخطاب‪ ،‬في خطبة بيعته ألبي بكر‪ ،‬بأن هناك آية تدعى"آية الرجم"‪ ،‬وهي آية جرى‬
‫إسقاطها عند جمع القرآن‪ ،‬وحديث عائشة عن "الحيوان الداجن"(حمار‪ ،‬عنزة ‪..‬إلخ) الذي أكل صحائف‬
‫من القرآن كانت تحتفظ بها في بيتها‪ ،‬حتى نعلم أن القرآن الذين بين أيدينا اليوم ليس كامال‪.‬‬

‫هكذا يتضح لنا‪ ،‬ودون الخوض في المزيد من التفاصيل والتعقيدات التاريخية والفكرية والفقهية‪ ،‬ولمزيد‬
‫من تبسيط الفكرة‪ ،‬أن القرآن وفكر اإلسالم األول عموما‪ ،‬تكون من مكونين أساسيين هما‪":‬المكون‬
‫العرفاني الروحاني" الذي مصدره "أبو طالب" وفكره "الحنيفي ـ النصراني"‪ ،‬و"المكون العقيدي" الذي‬
‫مصدره التناخ اليهودي‪ ،‬السيما التلمود وقصصه ورواياته وشعوذاته‪ ،‬لكن ـ على وجه الخصوص ـ فكره‬
‫العنصري اإلجرامي الكاره لآلخر‪ ،‬الذي يحتل مواقع كثيرة جدا من آيات القرآن وسوره‪.‬‬

‫وعند معاينة النص القرآني بعين القارىء الباحث‪ ،‬ال القارىء المؤمن المأخوذ باإلنشاء والوصف الشعري‬
‫في قسم كبير من ثناياه‪ ،‬نالحظ أن المكون األول‪ ،‬يركز بشكل خاص على العالقة المباشرة بين اإلنسان‬
‫وهللا‪ ،‬ويقدم هللا لإلنسان بطريقة محببة تجعله كما لو أنه صديقه القريب منه‪ ،‬فهو رحمن ورحيم وغفور‬
‫وكريم ومعين وعادل وحكيم وكريم ورؤوف‪....‬إلى آخر هذه الصفات‪ .‬فضال عن تركيزه على قيم العدل‬
‫والمساواة بين الناس الذي كلهم "عباد هللا ال يتميز أحد منهم على آخر إال بالتقوى"‪ .‬وهذا منطق ومعيار‬
‫"حنيفي ـ نصراني" دون ريب‪ .‬أما المكون الثاني فيقدم لنا هللا بصورة بشعة ورهيبة ومقززة كما لو أنه‬
‫رئيس "فرع فلسطين" في المخابرات العسكرية السورية أو "فرع التحقيق" في شقيقتها المخابرات‬
‫الجوية‪ ،‬أو بتعبير أدق‪ :‬نسخة عن "يهوه" التناخي‪ .‬فهو المنتقم والجبار والمقتدر والقهار والمتكبر‬
‫والمتعالي وشديد العقاب‪ ،‬بل والماكر أو الخبيث الذي يذكرك بخبث الثعلب ومكره! وإذا ما أضفنا إليه ما‬
‫‪3‬‬

‫يتوعد به الناس المخالفين له من أساليب وصنوف تعذيب‪ ،‬ومن نصوص شرعية تكرس فكر التكفير‬
‫والقتل والتمثيل بالجثث وتشرع الخداع واحتقار اآلخر(كما في سور"التوبة"‪،‬‬
‫"األنفال"‪"،‬دمحم"‪...‬إلخ)‪،‬نصبح أمام صورة كاملة لـ"يهوه التناخي" دون ريب‪ .‬وتشتد هذه الصورة‪ ،‬أي‬
‫الصورة التناخية ـ التلمودية‪ ،‬وضوحا حين ندقق في الشريعة القرآنية وامتداداتها في"السنة النبوية"‪.‬‬
‫فعندها سنجد أنفسنا أمام الشريعة التلمودية وجها لوجه‪ ،‬السيما "سدر نزيقين"(العقوبات) الذي يبحث في‬
‫أمور التشريعات المدنية والجزائية‪،‬و"سدر قداشيم" الذي يبحث في أمور التضحية وأحكام الصوم‪،‬‬
‫و"سدر طهروت"(الطهارة) الذي يبحث في أحكام الطهارة‪.‬‬

‫والواقع إن "استيراد" قصص وأحكام وأفكار القرآن ومكوناته من مصادر مختلفة‪ ،‬هو سبب أساسي من‬
‫أسباب تناقضاته التي اكتشفها الفقهاء والمفسرون اإلسالميون الحقا‪ ،‬فراحوا يمارسون عملية النصب‬
‫واالحتيال و"اللعب بالكشتبان" لخداع المؤمن البسيط‪ .‬فاخترعوا قصة "النسخ"‪ ،‬زاعمين أن بعضه نسخ‬
‫بعضه اآلخر‪ ،‬رغم أن "النسخ" في معناه األصلي يعني التكرار)‪(Copy‬وليس اإللغاء(إال في معان أدخلت‬
‫الحقا)‪ ،‬واخترعوا التفسيرات والتأويالت التي ال حصر لها في محاولة لـ"ضبضبة" و"لفلفلة" قصة‬
‫التناقضات‪ ،‬بما في ذلك الزعم بأنه ال يعلم تأويله إالهللا‪ .‬وربما علي بن أبي طالب أول من اكتشف هذه‬
‫المعضلة أثناء ما يعرف بقصة"التحكيم"‪ ،‬حين طلب من وكيله النصاب "أبو موسى األشعري" أن ال‬
‫يحاجج وكيل معاوية‪ ،‬المحتال عمرو بن العاص‪ ،‬بكتاب هللا "ألنه حمال أوجه"‪ ،‬ولكن محاججته "بسنة‬
‫رسوله"!‬

‫هذا "الكشول القرآني" كان ال بد له أن ينفجر الحقا إلى مكونيه األساسيين بعد انفجار الصراع على‬
‫السلطة ابتدا ًء وانطالقا من"انقالب سقيفة بني ساعدة" الذي نفذه "المهاجرون" الذين يمثلون "المأل المكي"‬
‫التجاري عمليا وحلفاؤهم ‪،‬أو"اإلسالم السفياني" إذا جاز التعبير‪ ،‬على "األنصار" الذين كان على‬
‫رأسهم"الحزب الهاشمي" الذي يمثل الطبقات المسحوقة والفقراء والمستضعفين والعبيد الذين كانوا التحقوا‬
‫بالحر كة المحمدية بعد أن صدقوا دمحم ومزاعمه عن اإلسالم العادل ودولة اإلسالم العادلة "التي ليس فيها‬
‫لعربي من فضل على أعجمي إال بالتقوى"‪ ،‬والتي يصبح فيها الناس"سواسية كأسنان المشط"‪....‬إلى آخر‬
‫مصفوفة األكاذيب المعروفة‪ .‬وهنا ال بد من اإلشارة إلى أن بوادر هذا الصراع كانت قد بدأت عمليا خالل‬
‫حياة دمحم‪ ،‬وتحديدا أثناء"صلح الحديبية" الذي مثــل أول خيانة دمحمية ألتباعه من الفقراء والمستضعفين‬
‫والعبيد الذين التحقوا به منذ البداية(كعمار بن ياسر)‪ ،‬ولمن كانوا ينتظرون االلتحاق بحركته في أول‬
‫فرصة متاحة‪ .‬فقد وقف كل من علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ضد الفقرة األخيرة من االتفاق التي‬
‫تقول"أن يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلما ً بدون إذن وليه‪ ،‬وأن ال ترد قريش من يعود إليها من‬
‫المسلمين"‪ .‬وكان هذا أول مسمار يدق في نعش اإلسالم‪ .‬لكن الخيانة األكبر التي أقدم عليها دمحم‪ ،‬أو‬
‫باألحرى الحركة‪ /‬الخطوة التي تكشف عن حقيقة أن دعوته لم تكن في جوهرها إال استكماال للدين اليهودي‬
‫و أيديولوجيته التناخية والتلمودية‪ ،‬هي ما قام به خالل "فتح مكة"‪،‬حين ساوى تماما بين "بيت هللا" و"بيت‬
‫الدعارة"("من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ومن دخل بيت هللا الحرام فهو آمن")‪ .‬وهو ما يذكرك بعالم‬
‫مجرمي ونصابي التوراة الذين يسمون أنبياء‪ ،‬السيما "دواد" و"يشوع"‪ .‬فقد كان معلوما أن بيت أبي‬
‫سفيان عبارة عن بيت دعارة تقوم زوجة أبي سفيان‪،‬القوادة ‪ /‬البترونة "هند بنت عتبة"( التي تذكرك‬
‫شخصيتها بـ"راحاب")‪ ،‬بإحضار العاهرات إليه لكي يقضي الباحثون عن اللذة وطرهم منهن لقاء‬
‫"كومسيون" محدد‪ .‬وكانت الصفقة بين أبي سفيان ودمحم هي المسمار األخير الذي دق في نعش اإلسالم‪،‬إذ‬
‫فتح الباب على مصراعيه أمام كبار التجار واألثرياء والقتلة واللصوص والمجرمين وقطاع الطرق‬
‫‪4‬‬

‫ليستولوا على الحركة من الداخل ويتخذوها حزبا لهم مقابل "الحزب الهاشمي"‪ ،‬وليصبح "اإلسالم" حزب‬
‫السلطة الخاصة بهم منذ ذلك التاريخ حتى اآلن‪ ،‬باستثناء فترة من االنقطاعات التاريخية المحدودة‪.‬‬

‫هنا ال بد من فتح قوسين لإلشارة إلى العالقة "الملتبسة" بين دمحم واليهود‪ ،‬السيما الفئة التجارية منهم التي‬
‫كانت مكونة أساسا من وجهاء "يثرب" و"خيبر" وأحبارهما‪ .‬فقد يتساءل البعض‪ :‬إذا كان األمر كذلك‪،‬‬
‫لماذا إذن كانت تقع الصدامات بينه وبينهم!؟‬

‫اإلجابة على هذا التساؤل تقتضي العودة قليال إلى الخلف‪ ،‬وتحديدا إلى السبب الحقيقي لصراع دمحم مع‬
‫"المأل المكي" وقراره الهجرة إلى يثرب وجعلها مقر دعوته‪.‬‬

‫بخالف الروايات واألكاذيب التي يسوقها اإلسالم الرسمي‪ ،‬لم يكن "المأل المكي" ضد دعوة دمحم في‬
‫األساس‪ ،‬فقد كان يرى فيها مجرد ديانة جديدة تضاف إلى الديانات األخرى التي تعيش في مكة إلى جانب‬
‫بعضها البعض بشكل "ديمقراطي"على قاعدة احترام "التعددية الدينية والثقافية"‪ .‬ولم تكن مكة كما‬
‫يصورها التاريخ اإلسالمي بوصفها مدينة متوحشين وقتلة وجالدين و كفار‪ .‬فقد كانت أشبه بالحواضر‬
‫التجارية والثقافية الكبرى في عالمنا اليوم‪ ،‬كفرانكفورت ونيويورك‪ ،‬وكانت تستورد الكتب بكميات كبيرة‬
‫جدا من بالد الشام والدول المجاورة األخرى‪ ،‬مما يعني أنها كانت تضم بين أهلها فئة واسعة من القراء‬
‫و"المثقفين" الذين يشكلون سوقا للكتاب‪.‬‬

‫وتعبيرا عن التعددية المشار إليها‪ ،‬تكفي اإلشارة إلى أن"المأل المكي"‪،‬الذي كان يمثل"برلمانا"للمدينة‬
‫يجتمع بشكل دائم في "دار الندوة" التخاذ القرارات‪،‬كان يسمح لكل قبيلة بوضع"الطوطم"(الصنم) الذي‬
‫يمثلها داخل حرم الكعبة‪ ،‬وكان اليهود يضعون شمعدانهم‪ ،‬بينما كان النصارى يضعون أيقونة تمثل عيسى‬
‫وأمه مريم ‪ ،‬وهي األيقونة التي أمر دمحم بتخريبها (أو كسرها) عند فتح مكة ‪ ،‬متعامال معها كما بقية‬
‫"األصنام"‪.‬وكان الجميع يؤدون طقوسهم وشعائرهم بحرية مطلقة‪.‬هذا بينما كانت دعوة دمحم تقوم على إلغاء‬
‫مبدأ تعددية"المراجع اإللهية"(وليس اآللهة‪ ،‬فقد كان الجميع يؤمنون بإله واحد‪ ،‬بخالف أكاذيب اإلسالم‬
‫الرسمي‪ ،‬ولم تكن األصنام إال "وسيلة تقرب إلى هللا" كما المزارات الصوفية اليوم‪ ،‬باعتراف القرآن‬
‫نفسه)‪ ،‬وإقامة نظام ديكتاتوري شمولي إرهابي وفق العقيدة التلمودية ("أنا"مقابل"اآلخر"‪ /‬الغوييم)‪ .‬فضال‬
‫عن أن"المأل المكي" ـ كما أي نظام سياسي مستقر وآمن ـ لم يكن يريد تحويل"الحاضرة‬
‫التجارية"اإلقليمية الكبرى التي تمثلها مكة إلى مكان لالضطرابات والقالقل التي بدأ يثيرها دمحم‪ ،‬وبالتالي‬
‫جعل وضع مكة حساسا إزاء اإلمبراطوريات والمملك القوية المحيطة (البيرنطية والفارسية والحبشية)‬
‫التي كان"المأل المكي"( أو "قريش البطاح" بتعريف أوسع) على عالقة ممتازة بها كلها‪ ،‬وله معها‬
‫معاهدات تجارية تنظم هذه العالقة كما يحصل بين الدول في أيامنا هذه‪ .‬وطيلة فترة دعوته في مكة‪ ،‬التي‬
‫دامت ‪ 31‬عاما‪ ،‬أي أكثر من نصف دعوته(‪ 31‬عاما)‪ ،‬لم يحاولوا قتله‪،‬بل مجرد التضييق عليه والتفوض‬
‫معه على قاعدة حقه في االستمرار في دعوته ولكن في إطار "النظام العام" الذي أرسوه منذ سنوات‬
‫طويلة‪ .‬ولو كانوا يريدون قتله لفعلوا دون تردد ودون خوف من أحد‪ ،‬السيما وأن "الحزب الهاشمي"(‬
‫المؤلف من بني هاشم وبقية ما يعرف بـ"قريش الظواهر"‪ ،‬أي الضواحي الفقير والمهمشة) كان ـ على‬
‫وجه العموم ـ فقيرا‪ ،‬ولم يكن نفوذه يتجاوز النفوذ المعنوي الناجم عن كون بني هاشم "خدام الكعبة‬
‫والحجاج"‪ .‬ولم يقرروا قتله إال حين قرر الهرب إلى "يثرب" ونام الفتى علي بن أبي طالب (ابن اإلثني‬
‫عشر عاما) في فراشه ذلك اليوم لتضليل القتلة‪ ،‬ما تخبرنا القصة المعروفة‪ .‬والواقع إن قرار "المأل‬
‫المكي" قتل دمحم لم يصدر بإجماع أعضائه إال بعد أن علموا بمراسالته مع "يثرب"‪ ،‬وخشيتهم من أن‬
‫‪5‬‬

‫يتحالف مع تجارها(السيما اليهود منهم) ضدهم‪ ،‬ويهدد ـ بالتالي ـ تجارتهم‪ .‬فقد كانت يثرب‪ ،‬التي عرفت‬
‫أوج ازدهارها في عهد الملك اآلشوري العظيم "نبونيئيد" منذ القرن السادس قبل الميالد‪ ،‬الذي كان أول‬
‫من أدخل عبادة اإلله الذي يمثله القمر إلى الجزيرة العربية‪،‬ندا ً ومنافسا تجاريا وثقافيا لمكة‪ ،‬السيما وأنها‬
‫كانت "عاصمة" اليهود العرب الذين جاؤوها مهاجرين من اليمن في فترات الحقة لموت وانقراض"مملكة‬
‫دواد" في شمال اليمن(التي ولدت فيها اليهودية كديانة على يد قبيلة إسرائيل العربية‪ ،‬وليس في فلسطين)‪،‬‬
‫ثم"عائدين"من بابل بعد انتهاء "السبي البابلي"‪ .‬والواقع هذا ما كان يفكر به دمحم فعال‪ ،‬بدليل أن خطته‬
‫للتحالف مع التجار اليهود ظلت أمله الوحيد حتى إلى ما قبل تسعة أيام من وفاته‪ ،‬حين أيقن بعدم إمكانية‬
‫حصوله! فبعد أن هاجر إلى يثرب‪،‬والتقى فور وصوله بمن سيصبح"مستشاره" للشؤون اليهودية والدينية‬
‫وتاريخ األديان السابقة حتى وفاته‪ ،‬وأعني المثقف اليهودي ـ التلمودي الكبير"عبد هللا بن سالم"‪،‬الذي‬
‫ذكرناه أعاله‪ ،‬حاول مرارا وتكرارا التحالف معهم‪ ،‬والحصول على أموالهم من أجل تمويل حروبه‪ .‬لكنهم‬
‫ظلوا يرفضون ذلك باستمرار‪ ،‬ألنهم لم يكونوا يريدون الدخول في مواجهة مع "المأل المكي"‪ .‬فبدأ‬
‫بابتزازهم وتحذيرهم على مدى سنوات بآيات تالمس "الربا"‪ ،‬لكن دون أن تحرمه‪ .‬ومع ذلك‪،‬ورغم‬
‫الوساطات الفاشلة التي قام بها "عبد هللا بن سالم"‪ ،‬لم يخضعوا البتزازه وتهديده‪ .‬فقد كانوا طبقة‬
‫تجارية"علمانية ـ مدينية" ال يشكل الدين اليهودي حضورا مهما في حياتها اليومية والعملية‪ .‬وقبل تسعة‬
‫أيام فقط من وفاته‪ ،‬أطلق عليهم قذيفة "هاون" من العيار الثقيل‪ ،‬وهي اآلية التي تحرم الربا‪ .‬وكانت قذيفة‬
‫مدمرة لهم ولمصالحهم فعال‪ ،‬بالنظر لكونهم يمسكون بمفاصل األعمال المصرفية في المنطقة‪ .‬وكانت آية‬
‫تحريم الربا (البقرة‪ 372،‬وما بعد) آخر آية يكتبها دمحم في كتابه‪ ،‬كما يخبرنا المؤرخون والفقهاء وعلماء‬
‫القرآن المسمون! وتكشف هذه الحقيقة عن جانب آخر‪ ،‬وهو أن دمحم لم يكن معنيا بالدفاع عن مصالح‬
‫الفقراء والمستضعفين فعال‪ ،‬بل بالتعاون مع مستغليهم وسارقي لقمة عيشهم ومستعبديهم‪،‬ألنهم أكثر جدوى‬
‫لمشروعه‪ ،‬وإال لكان حرم الربا منذ األيام األولى لدعوته‪ ،‬السيما وأن الربا الفاحش كان ـ بأشكاله‬
‫المختلفةـ المصدر األساسي لتكوين الثروة في مجتمع تجاري تقوم تجارته كلها على اإلقراض والتسليف‬
‫اآلجل!‬

‫ومع ذلك‪ ،‬ليس هذا فقط ما ربط دعوة دمحم بالمشروع اليهودي ـ التلمودي‪ ،‬أو "الصهيونية المبكرة" إذا جاز‬
‫التعبير‪ .‬فقد كان إعالن "بيت المقدس" قبلة أولى للمسلمين مجرد تكريس لخرافة الفكر التلمودي الذي‬
‫صيغ بعد السبي البابلي من قبل "عزرا الكاتب"(النبي عزرا‪،‬أو عزيـْر في القرآن وعند المسلمين)‪،‬المعتبر‬
‫ـ بحق ـ المؤسس الفعلي للديانة اليهودية بعد موسى‪ ،‬أو بتعبير أدق‪ :‬الرجل الذي أحياها وأعاد تأسيسها بعد‬
‫موتها‪ .‬وذلك من خالل إشرافه على كتابة التوراة والتلمود استنادا إلى الذكريات القديمة المتوارثة شفهيا‬
‫لدى من تبقى من أسباط قبيلة إسرائيل اليمنية العربية والمتهودين من خارجها‪ ،‬واستنادا إلى الثقافة‬
‫العظيمة التي تعرف عليها"عزرا" وأحباره من كتاب التوراة خالل السبي‪ ،‬وأعني الثقافة البابلية (أو ثقافة‬
‫بالد ما بين النهرين إجماال)التي كانت أعظم ثقافة عرفتها البشرية حتى ذلك الحين‪ ،‬سواء على مستوى‬
‫إنتاج األساطير األدبية العظيمة والعقائد الدينية الجميلة‪ ،‬أو على مستوى العلوم التطبيقية نفسها‬
‫(الرياضيات والفلك والهندسة المعمارية وغيرها)‪ .‬ولهذا ـ بالمناسبة ـ نشعر حين نقرأ في التوراة أننا نقرأ‬
‫في أدب األساطير البابلية والتاريخ البابلي‪ ،‬بدءا من "سفر التكوين" (حيث أسطورة الطوفان المسروقة‬
‫عن ملحمة جلجامش) وانتهاء بـ"سفر دانيال" الذي يحدثنا عن مجيء المسيح‪ .‬ذلك دون أن ننسى "سفر‬
‫عزرا" (الكتاب األول والثاني) الذي زعم أن "أورشليم" تقع في فلسطين‪ ،‬وليس في اليمن حيث وقع‬
‫السبي البابلي فعال‪ ،‬وأنه ـ أي "عزرا"ـ مكلف من هللا بإعادة بنائها وبناء الهيكل فيها‪ .‬ومن المعلوم أن‬
‫حكاية مغامرات عزرا في بابل خالل السبي هي من القصص التلمودية التي دخلت القرآن بتأثير عبد هللا‬
‫‪6‬‬

‫بن سالم على دمحم‪ .‬فنجد ما يرد في أمان مختلفة من "سورة البقرة"(السيما ‪ 322‬وما بعد) مجرد ترديد‬
‫وترجيع صدى لما يرويه "عزرا" في أسفاره!‬

‫كان السطو على اإلسالم وتجريده من أي بعد "عرفاني" ومن جوانبه "الطالبية"(نسبة إلى"أبو طالب"‪،‬‬
‫للتذكير‪ ،‬وليس لعلي) هو المعركة التي بدأها المأل السفياني ـ التلمودي منذ الساعات األولى لنجاح "انقالب‬
‫السقيفة" وصدور بيانه الرقم‪ :3‬الحكم يجب أن يكون في قريش‪ ،‬ثم ـ تضييقا وحصرا للدائرة ـ في"البطن‬
‫األموي"من القبيلة( أي قريش البطاح ـ "قريش التاون داون"!)‪ .‬فبعد الفترة االنتقالية البسيطة التي حكم‬
‫خاللها أبو بكر‪،‬جاء عمر بن الخطاب‪ ،‬الذي ـ ورغم أنه كان رجل دولة من الطراز األول واالستثنائي‬
‫ويعود إليه الفضل في تركيز دعائم الدولة األساسية وبناء"مؤسساتها" المدنية والعسكريةـ مارس"الخيانة‬
‫الطبقية"بأكثر أشكالها فجاجة‪ ،‬رغم أنه كان ـ عل األقل في بدايات حياته ـ فقيرا ومضطهدا‪ .‬ففي عهده‬
‫ولدت ونمت "المؤسسة العسكرية"بعد أن أطلق لها الحبل على غاربه تمويال وتنظيما وتوسيعا‪ ،‬رغم أنه‬
‫شعر بخطورتها في بعض المراحل‪ ،‬فأقدم على عدد من الخطوات من أجل قص جوانحها وتحجيم دورها‬
‫السياسي‪ ،‬فأقال قائدها البارز "الجنرال" الدموي المجرم خالد بن الوليد (بطل الفظائع البربرية التلمودية‬
‫في ما يسمى"حروب الردة"‪ ،‬وكان عمر بن الخطاب يريد إعدامه منذ جريمته في تلك الحرب‪ ،‬المتمثلة‬
‫بقتل الشاعر و المثقف البارز مالك بن نويرة بطريقة "داعشية" رهيبة وفظيعة من أجل اغتصاب‬
‫زوجته!)‪ ،‬واتخذ إجراءات إدارية ـ اقتصادية شجاعة في"سواد العراق" للحيلولة دون ترسخ جذور هذه‬
‫المؤسسة التي كان أول من أنشأها و وضع أسهها لتكون مؤسسة عسكرية محترفة‪ .‬لكن كان السيف سبق‬
‫العذل‪ ،‬ولم يعد يجدي مع استشراء السرطان التلمودي أي عالج‪ .‬هذا مع العلم بأن عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫وبسبب ضحالة ثقافته الدينية‪،‬حتى اإلسالمية منها‪ ،‬بخالف ما تقوله الرويات اإلسالمية الرسمية‪،‬اعتمد‬
‫اعتمادا كبيرا على الحاخام"كعب األحبار"( كعب بن ماتع الحميري اليمني) في تثقيف نفسه بالتوراة و‬
‫التلمود والعلوم التناخية األخرى‪ ،‬وكان بمثابة"مستشاره الثقافي"‪ ،‬حتى في تفسير القرآن استنادا إلى التناخ‬
‫الذي كانا "كعب" ضليعا فيه بوصفه حاخاما كبيرا!‬

‫وحين جاء عثمان بن عمان‪ ،‬وهو الممثل السياسي واالقتصادي الفعلي واألول للتيار التلمودي في الرعيل‬
‫األول من المسلمين الكبار‪ ،‬والذي وصفه عمر بن الخطاب في وصيته قبيل وفاته بأنه"صاحب عصبية‬
‫ألهله وعائلته"‪،‬بدأت واحدة من أكبر عمليات السطو والنهب والفساد في التاريخ العربي واإلسالمي‪ ،‬ال‬
‫يشبهها إال ما يقوم به الحكام المجرمون اليوم وسالالتهم العائلية‪ ،‬أمثال"آل األسد" وسواهم‪ .‬فلم يبق فاسق‬
‫وال مجرم وال لص وال "شبيح" من أقربائه وأزالمه إال وأقطعه أطيان الدولة و‪/‬أو جزءا من "بيت مال‬
‫المسلمين"‪ ،‬وأطلق عمليات السطو والسرقة للمال العام على غواربها‪ ،‬فاًصبح "شيخ الشبيحة األكبر" وهو‬
‫"الخليفة" و"أمير المؤمنين" المفترض أن يكون المؤتمن على مصالحهم‪ .‬وذلك إلى أن قتله الثوار كما‬
‫يقتل أي زعيم لصوص‪ .‬وعندما آل األمر لزعيم "التيار الطالبي" في اإلسالم‪ ،‬علي بن أبي طالب‪ ،‬كان‬
‫األمر انتهى‪ ،‬ولم يعد ينفع أي شيء في وقف "تهويد" الدولة وإعادة الحق إلى نصابه‪ .‬وحين أراد أن‬
‫يفعل‪ ،‬انتهى أمره كأي ثائر نبيل طوباوي حالم‪ ،‬على غرار تروتسكي وتشي غيفارا‪ ،‬إلى القتل غيلة وهو‬
‫في المسجد‪ .‬وكان ذلك "عقابا يستحقه" ككل ثائر حقيقي أصيل يمارس "الديمقراطية" مع القتلة‬
‫والمجرمين والطغاة ويمنحها لكل من ليس ديمقراطيا‪ ،‬ويقبل بأن يتساوى معهم أمام القاضي‪ ،‬السيما حين‬
‫يكون هذا القاضي والوكالء القانونيون منافقين ونصابين أمثال المحتال "أبو موسى األشعري"!‬

‫في غضون ذلك كان الغزاة المسلمون قد قاموا بواحدة من أكبر عمليات النهب والسلب في التاريخ على‬
‫اإلطالق‪ ،‬حين احتلوا بالد الشام‪ .‬فقد كانت بالدا غنية باقتصادها وتعيش حالة بحبوحة حقيقية‪ ،‬فضال عن‬
‫‪7‬‬

‫ازدهار ثقافي عز نظيره بفضل السوريين السريان النصارى(أفضل تسميتهم دوما ً بـ"النصارى" ألنها‬
‫التسمية األدق علميا‪ ،‬وألنها تفصلهم عن النصاب التوراتي ـ التلمودي "بولص الرسول" مخترع المسيحية‬
‫ومفبركها ومقوض النصرانية الحقيقية)‪.‬وتصف لنا كتب المؤرخين واإلخباريين العرب عمليات النهب‬
‫التي تعرضت لها دمشق على نحو يدمي القلب ويفجر األوردة! فقد كانت قوافل"الشبيحة" تمتد على طول‬
‫أميال‪ ،‬محملة بالنفائس والمجوهرات والفضة والذهب‪ ،‬فضال عن آالف السبابا من النساء‪ ،‬إلى حد أن‬
‫"قيادة الدولة" في "يثرب" بالجزيرة العربية عجزت عن توزيع "الغنائم" واألسالب والمسروقات والسبايا‬
‫من النساء على أركان الدولة التلمودية في الحجاز وعلى محاسيبها وأزالمها بسبب كثرتها وضخامتها‪.‬‬
‫وفاض "بيت مال المسلمين"( أو باألدق خزانة العصابة التلمودية الحاكمة) بالثروة التي لم يعهدها من قبل‪.‬‬
‫وكان كل شيء يذكرنا بصورة طبق األصل عن أفعال المجرمين البربريين "داود" و"يشوع" خالل‬
‫حروبهما التي تروي لنا التوراة تفاصيلها(السيما في"صموئيل األول"و"الثاني" و"سفر يشوع" السادس)‪.‬‬
‫ولم يكن هذا محض مصادفة‪ ،‬فالجزء "التلمودي" من أيديولوجية وعقيدة القرآن‪ ،‬التي تبيح الغزو والنهب‬
‫والسلب والقتل والسبي‪ ،‬فضال عن ممارسات دمحم نفسه في معظم غزاوته الـ ‪ ،32‬هي نسخة طبق األصل‬
‫عن مصدرها التلمودي‪ .‬وكالها كانتا تعبيرا عن أيديولوجية وقيم حقوقية رعوية ـ بدوية‪.‬‬

‫بالتوازي مع ذلك‪ ،‬كان التلموديون يطيحون بالجزء اآلخر من العقيدة اإلسالمية‪ ،‬الجزء العرفاني ـ‬
‫المساواتي المعبر عن مصالح الفقراء والمستضعفين‪ ،‬من خالل تأسيس طبقة من فقهاء البالط ومثقفي‬
‫السلطة الذين كل منهم كان مستعدا ليس فقط لإلفتاء بأن أمه"عاهرة" إذا طلب الحاكم منه ذلك‪ ،‬بل وحتى‬
‫لإلفتاء بأن"دمحم ليس آخر األنبياء"‪،‬وأن"الوحي يمكن أن ينزل"على أي من الحكام األمويين المجرمين‬
‫واللصوص! أولم يقل الحجاج بن يوسف الثقفي‪ ،‬حين بكت أم المؤمنين"أم أيمن" ألن "الصلة بين األرض‬
‫والسماء قد انقطعت بموت دمحم"‪ ،‬إن"أم أيمن كاذبة"وإنه هو يستطيع أن يتلقى الوحي كما كان يتلقاه دمحم!؟‬
‫وألم يكن الخليفة األموي الوليد بن عبد الملك يضع القرآن كـ"نيشان"(هدف) ويصوب عليه سهامه وهو‬
‫في حالة نشوة وضحك هستيري‪ ،‬مخاطبا إياه ببيت شعري من إبداعه ‪":‬إذا القيت ربك يوم حشر ‪ ...‬فقل‬
‫يا رب خرقني الوليد"!؟‬

‫وبهذا أصبح اإلسالم ‪،‬على أيدي أبناء ثقافة التناخ والتلمود التي ضخها الحاخامات والمثقفون التلموديون‬
‫الثالثة في قرآن اإلسالم وسنته‪ ،‬مجرد قشرة أو مظلة أيديولوجية لتوفير"الشرعية" للحكام‪ ،‬كما فعل حافظ‬
‫األسد بحزب البعث اعتبارا من العام ‪!3271‬‬

‫لكن األدهى لم يكن قد حصل بعد على مستوى ترسيخ الجزء التلمودي ـ التناخي من القرآن والسنة النبوية‪،‬‬
‫من أجل تدعيم أركان "الملك العضود"(حكم العصابات والمافيات القائم على الوراثة والتشبيح)‪ .‬فقد بدأت‬
‫صياغة منظومة كاملة من "السنة النبوية"‪ ،‬التي تشكل المرجعية الثانية للمسلمين بعد القرآن‪ ،‬اعتمادا على‬
‫المثقفين والحاخامات اليهود التلموديين اليمنيين‪ ،‬خصوصا الحاخام "عبد هللا بن سالم" (المستشار الثقافي‬
‫لمحمد‪ ،‬والشخص الذي وقف وراء قراره بأن تكون قبلة المسلمين هي"بيت المقدس" ألنها حسب زعمه‬
‫عاصمة أنبياء هللا اليهود ومكان الهيكل)‪ ،‬والحاخام "كعب األحبار بن ماتع الحميري"(المؤلف الحقيقي‬
‫لـ‪ 37‬بالمئة من األحاديث النبوية في صحيح البخاري و ‪ 92‬بالمئة في صحيح مسلم‪ ،‬ولقسم كبير جدا من‬
‫أفكار وتفاسير"اإلمام مالك" في كتابه األساسي الضخم"الموطأ") والمنظر التلمودي "وهب بن منبه"‪.‬‬
‫وكان أخطر ما قام به األمويون على هذا الصعيد هو تكريس األكذوبة التلمودية عن أن"بيت‬
‫المقدس"‪،‬الموحى بها إيحاء دون ذكر واضح في القرآن‪،‬أي التي"صعد منها دمحم إلى السماء"‪ ،‬تقع في‬
‫فلسطين! فبعد أن تمكن عبد هللا بن الزبير من السيطرة على مكة‪ ،‬قام الحجاج بضرب الكعبة بالمنجنيق‬
‫‪8‬‬

‫بأمرعبد الملك بن مروان ودمرها وقتل الزبير بداخلها قبل أن يصلبه لبضعة أيام‪ .‬وكان خاللها األمويون‬
‫(عبد الملك وابنه الوليد) قد بنوا "المسجد األقصى"وحولوه إلى كعبة بديلة لمكة‪ .‬وقد بقي الناس يحجون‬
‫إليه ويدورون حوله ويمارسون طقوس الحج كلها ‪ ،‬من اإلحرام حتى الحالقة و النحر واألضحية‪ ،‬لمدة‬
‫ثالث سنوات!! هذا مع العلم بأن "المسجد األقصى" الذي جاء ذكره في مطلع سورة "اإلسراء" يقع على‬
‫بعد حوالي ‪ 31‬كم إلى الشمال الشرقي من مكة‪ ،‬وتحديدا في منطقة "الجعرانة"‪ .‬وكان دمحم يحرم منه عند‬
‫الحج‪ ،‬كما نعلم من "أبو الوليد األزرقي" صاحب "تاريخ مكة" المكتوب في القرن التاسع الميالدي‪.‬‬

‫كان اختراع مدينة اسمها "القدس"أو "بيت المقدس" في فلسطين واحدة من أخطر ما قام به التيار التلمودي‬
‫في سياق صياغة الثقافة اإلسالمية األولى‪ .‬ذلك ألنه "أكد" أكذوبة "عزرا"‪،‬وأكاذيب اليهود من بعده‪ ،‬عن‬
‫أنها "مدينة يهودية التأسيس والنشأة"‪ ،‬رغم أن"القدس"التي تذكرها التوراة تقع في اليمن‪ ،‬وهي واحدة من‬
‫ثالث مدن يمنية تحمل االسم نفسه في التوراة‪ ،‬وكلها تقع في اليمن‪ ،‬وبعضها موجود حتى اآلن‪ ،‬ويحمل‬
‫االسم نفسه رسميا في اإلدارة اليمنية‪ .‬فقدس فلسطين الراهنة لم يكن اسمها القدس‪ ،‬أو أيا من مشتقاتها‬
‫وطرق لفظها‪ ،‬في أي يوم من األيام‪ ،‬بدليل أن المسلمين حين غزوها كان اسمها "إيلياء"‪.‬وفي "العهدة‬
‫العمرية" لم يكتب عمر بن الخطاب‪":‬هذا ما أعطاه عمر إلى أهل القدس" بل كتب‪":‬هذا ما أعطى عبد هللا‪،‬‬
‫عمر‪ ،‬أمير المؤمنين‪ ،‬أهل إيلياء‪ !"...‬كما أن عمر‪ ،‬وحين زار إيلياء لم يذكر أبدا أنها المكان الذي زعم دمحم‬
‫أنه صعد منه إلى السماء‪ ،‬رغم أن هذا "الحدث" يشكل واحدة من أخطر األحداث في تاريخ اإلسالم ونبيه‪،‬‬
‫وكان الحاخام "عبد هللا بن سالم" هو الذي أوحى به لمحمد على األرجح‪ ،‬تقليدا لحكاية صعود "النبي‬
‫إيليا" إلى السماء في عربة نارية (سفر الملوك الثاني‪ ،‬اإلصحاحات من ‪ 3‬إلى ‪ !)31‬هذا مع العلم بأن‬
‫الحاخام "كعب كعب بن ماتع الحميري" حرص على أن يرافق عمر بن الخطاب بنفسه إلى إيلياء ويقنعه‬
‫بأن يضع حجر األساس لمسجده في المكان الذي سيصبح مسجد قبة الصخرة‪ ،‬ألنه "المكان المقدس في‬
‫التوراة"! وكان الحاخام كعب بن ماتع الحميري أحد أكبر المؤثرين في ثقافة عمر الذي كان‪ ،‬رغم عظمته‬
‫واستثنائيته كرجل دولة ومنظم "بيروقراطي" وإداري كبير وضليع بكل ما يتصل بأمور الدنيا‪ ،‬ضحل‬
‫الثقافة بأمور الدين‪ ،‬السيما ما يتصل منها بالقرآن و تفاسير قصصه المتصلة بالتوراة‪.‬‬

‫القسم الثاني‪:‬‬

‫اإلسالم الفارسي في مواجهة اإلسالم التلمودي‬

‫كان الجناح التلمودي في اإلسالم يعرف جيدا منذ األيام األخيرة لحياة دمحم‪ ،‬وخصوصا بعد موته‪،‬أن األمر‬
‫لن يستتب له قبل القضاء النهائي على "الحامل العائلي" لـ"اإلسالم الطالبي" المتمثل بـ"الحزب الهاشمي"‪،‬‬
‫ولكل من ينتمي إليه‪ ،‬سواء أكان قريشيا أو عربيا بشكل عام‪ ،‬أو من أبناء الجنسيات األجنبية من العبيد‬
‫والمسحقوين الذين سولت لهم أنفسهم أن يروا في اإلسالم منقذا لهم وطريقا لهم إلى جنة الدنيا ثم جنة‬
‫اآلخرة‪ .‬وكان قادة ورموزهذا التيار يعرفون جيدا أنه طالما بقي شخص واحد من حملة فكر"اإلسالم‬
‫الطالبي"‪ ،‬الحنيفي ـ العرفاني‪ ،‬لن يستقر لهم حال‪ ،‬السيما وأن رقعة المعارضة لهم كانت تتسع طردا مع‬
‫اتساع إجرامهم ومع تجريد الدعوة المحمدية من كل ما بقي فيها من فكر أبي طالب و"الحنيفية ـ‬
‫النصرانية"‪ ،‬واإلبقاء على ما ورثوه من التناخ‪ ،‬السيما التلمود وشرائعه‪ .‬ولهذا أمعن قادة الجناح التلمودي‬
‫قتال وذبحا وتشريدا وتنكيال بكل من يمت إلى الهاشميين واإلسالم الطالبي بصلة‪ ،‬بدءا من المنظر‬
‫األيديولوجي لإلسالم الطالبي"أبو ذر الغفاري" الذي نكل به ونفاه"زعيم الشبيحة"عثمان بن عفان‪ ،‬و"دمحم‬
‫بن أبي بكر الصديق" الذي وضعه معاوية في جوف حمار وأحرقه‪ ،‬وانتهاء بالمذبحة الكبرى في كربالء‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫ويمكن القول إنه لم يبق تقريبا رمز واحد من "الحزب الهاشمي ـ الطالبي" من أصول عربية أو أجنبية‪،‬‬
‫وهم بالمئات إن لم يكونوا باآلالف‪ ،‬إال وتعرض للقتل أو التشريد والتنكيل خالل الـ‪ 23‬عاما من الحكم‬
‫األموي ـ التلمودي‪.‬‬

‫وألن أيديولوجية "اإلسالم الطالبي" كانت أيديولوجية عرفانية ـ مساواتية(‪ )Gnostic-Egalitarian‬تمجد‬


‫العرفان على المستوى المعرفي والفلسفي‪ ،‬و المساواة على المستوى االجتماعي ـ االقتصادي‪ ،‬كان أمرا‬
‫طبيعيا أن يكون انتشارها في أوساط الفالحين وأصحاب الحرف (أي أبناء "نمط اإلنتاج الصغير‪ /‬البسيط"‬
‫حسب المفهوم الماركسي) بالدرجة األولى‪ ،‬باعتبارهم األكثر تعرضا لالضطهاد والظلم‪ ،‬وأكثر الناس ميال‬
‫إلى القيم "الم ْشتركية" (‪ ،)Communitarian‬وهي أمر مختلف تماما عن"االشتراكية"‪ .‬وباعتبار أن‬
‫أرياف الدولة األموية ـ التلمودية العربية واألجنبية‪ ،‬وقطاع الحرفيين‪ ،‬و"الموالي" من أصول أجنبية(بمن‬
‫فيهم الزنوج والعبيد األرقاء الذين كانوا بمئات األلوف)‪ ،‬هم أكثر من تعرض لالضطهاد على مدى العقود‬
‫التسعة من حكم تلك الدولة‪ ،‬فقد كان أمرا طبيعيا ومفهوما أن تبدأ الثورة في صفوفهم‪.‬‬

‫هكذا بدأت "الثورة" بقيادة "أبو مسلم الخراساني" في إحدى أطراف الدولة األكثر تعرضا لالضهاد‬
‫والتمييز العرقي والطبقي‪،‬أي خراسان‪ ،‬بعد سنوات من دعوته إلى أفكار"اإلسالم ـ الطالبي" والتبشير بها‪.‬‬
‫وقد التف حوله الفالحون والموالي من الفرس واألتراك واألكراد ومن األفارقة الزنوج الذين كانوا عبيدا‬
‫في أطيان الطبقة االرستقراطية‪ ،‬بجناحيها المدني والعسكري‪ .‬كما وانضم إليه القيسيون واليمانيون‪،‬‬
‫بالنظر لالضطهاد الذي مارسه األمويون(القريشيون) بحقهم‪ .‬وكانت"ثورة"الخراساني امتدادا سياسيا‬
‫أيديولوجيا لالنتفاضات "العباسية" التي شهدتها الدولة األموية وقمعتها بوحشية‪ ،‬والتي قادها أبناء وأحفاد‬
‫"العباس بن عبد المطلب"‪،‬عم النبي دمحم‪ .‬وبانتصار العباسسين على األمويين‪ ،‬بدأت واحدة من أعظم‬
‫العصور في التاريخ البشري حتى ذلك التاريخ‪ ،‬على المستوى االقتصادي والعلمي ـ التطبيقي والفلسفي‬
‫واألدبي‪ ،‬السيما خالل القرنين الثامن والتاسع‪ .‬ذلك قبل أن يقضي عليها السالجقة والمماليك والغزاة‬
‫البرابرة المغول‪.‬‬

‫في القرنين الذهبيين‪،‬اللذين يشبهان ما ستعرفه فرنسا وأوربا الحقا خالل الحقبة"األنوارية"‪،‬‬
‫استعاد"اإلسالم الطالبي"بعضا من روحه‪ ،‬فكانت "الثورة الثقافية اإلسالمية" األولى واألخيرة‪ ،‬وأعني‬
‫"الحركة المعتزلية"‪ .‬وكان العنصر"الفارسي" الفاعل األساسي في هذه الثورة الثقافية‪ ،‬بالنظر ألن‬
‫أيديولوجيا "اإلسالم الطالبي" التي شكلت إطارا لهذه الثورة‪ ،‬سمحت بتالقح أفكارها"العرفانية ـ‬
‫المساواتية" مع الحضارة الفارسية‪ ،‬في أبعادها األربعة‪ :‬العلمي‪ /‬التطبيقي و الفلسفي واألدبي والديني‪.‬‬
‫ولهذا كان أمرا طبيعيا أن تكون األغلبية الساحقة من العلماء والفالسفة والمفكرين واألدباء الذين عرفتهم‬
‫الدولة العباسية في قرنيها الذهبيين المذكورين من أصول فارسية أو متأثرين بالحضارة والثقافة الفارسية‬
‫العريقة‪ .‬وحتى على مستوى"السنة النبوية"‪ ،‬تكفي اإلشارة إلى أن"اإلمام البخاري"‪ ،‬الذي يعتبر المرجع‬
‫األساسي لإلسالم السني في كل ما يتعلق باألحاديث النبوية‪ ،‬من أصل فارسي! بل إن"سيبويه" نفسه‪ ،‬الذي‬
‫يعتبر إمام النحو العربي‪ ،‬وحافظ اللغة العربية‪ ،‬و"حجة العرب" وفق اإلمام السني الكبير "شمس الدين‬
‫الذهبي"‪ ،‬مولود من أسرة فارسية!‬

‫كانت المزاوجة بين أفكار"اإلسالم الطالبي"‪،‬العرفاني ـ المساواتي‪ ،‬والحضارة العلمية والفلسفية الفارسية‪،‬‬
‫السيما الفلسفة الزرادشتية(التي تعرف بـ"المجوسية")‪،‬هو ما قاد إلى ما أسميه "اإلسالم الفارسي"‪،‬والذي‬
‫يعتبر اإلسالم"الحقيقي"الوحيد المتبقي في مواجهة "اإلسالم التلمودي" من وجهة نظري‪ .‬وأعني‬
‫‪10‬‬

‫بـ"اإلسالم الفارسي" ذلك الذي ولد في ركاب "الثورة الثقافية المعتزلية" التي طورت فكرة المسلمين‬
‫"الخوارج"عن"خلق القرآن"و"فصل السماء عن األرض"‪،‬و"اإلمامة"التي هي"شأن من شؤون الناس وال‬
‫عالقة هلل بها"‪ ،‬واإلسالم"المدني" الذي خلص اإلسالم الرسمي من األيديولوجيا التناخية ـ التلمودية‬
‫وشقيقتها البدوية ـ العربية‪ ،‬اللتين تشكالن مرجعية دينية للقتل واإلرهاب والكراهية والعنصرية إزاء كل‬
‫ما هو "آخر"( الغوييم)‪.‬‬

‫ولهذا كان أمرا طبيعيا ومنطقيا‪،‬بل واجبا وفق منطق التاريخ‪ ،‬أن يكون هذا"اإلسالم الطالبي"هو الذي أنتج‬
‫"ثورة القرامطة والزنج" التي تعتبر الحركة االجتماعية الوحيدة التي حصلت في التاريخ العربي ـ‬
‫اإلسالمي التي ينطبق عليها مفهوم"الثورة" بالمعنى العلمي ـ الماركسي‪ ،‬أي وجود البرنامج االقتصادي ـ‬
‫االجتماعي والسياسي المعبر عن االنتقال من نمط وعالقات إنتاج أدنى إلى نمط وعالقات إنتاج أرقى‪.‬‬
‫وهذا "اإلسالم الطالبي" هو الذي أنتج معجزة "الدولة الفاطمية" التي كانت مرشحة‪ ،‬وفق معايير وقوانين‬
‫االنتقال من اإلقطاع إلى الرأسمالية التي استنبطها كارل ماركس ومن بعده"موريس دوب" و"بول‬
‫سويزي" و"جيليانو بروكاشي" و"كريستوفر هل" و"إيريك هوبسباوم"‪ ،‬للقيام بأول ثورة بورجوازية في‬
‫التاريخ واالنتقال إلى الرأسمالية‪ ،‬قبل هولندة بأكثر من ‪ 211‬عام‪ ،‬وقبل بريطانيا بأكثر من ‪ 911‬عام‪ ،‬لوال‬
‫أن أجهز عليها البربري صالح الدين األيوبي‪ ،‬أحد أبرز رموز"اإلسالم التلمودي" في العصر الوسيط‪،‬‬
‫الذي لم يكن يمثل أبدا القومية األكراد(كما يتوهم أكراد كثيرون اليوم) إال بمقدار ما يمثلها اليوم‬
‫"األخواني" عبد الباسط سيدا و"الداعشي" المال كريكار‪،‬وال عالقة له بها إال من حيث انتسابه لها‬
‫بالوالدة!‬

‫ولهذا كان أمرا منطقيا و واجبا أيضا‪ ،‬وفق منطق التاريخ‪ ،‬أن يكون جميع المفكرين والفقهاء المسلمين‬
‫والحركات اإلسالمية التي تتبنى هذا الشكل من "اإلسالم المدني"‪ ،‬المؤمن بالمساواة والعدالة وفصل‬
‫السماء عن األرض في أمور الناس المعاشية‪ ،‬تعود في أصولها إلى "اإلسالم الطالبي"المطعم بالفارسية ـ‬
‫المجوسية(الزرادشتية)‪ .‬وهذه حقيقة تاريخية ال يمكن ألحد ـ إال الجاهل أو المشعوذ ـ أن ينكرها؛ بينما‬
‫جميع المفكرين وفقهاء اإلرهاب والحركات اإلسالمية التي تتبنى عقيدة القتل واإلجرام واإلرهاب وكره‬
‫اآلخر‪ ،‬والتي تغلق الباب على نفسها في مواجهة أي تطور حضاري‪،‬هي سليلة "اإلسالم التلمودي"‪ ،‬بدءا‬
‫من اإلمام "أحمد ابن حبل" وتلميذه النجيب "ابن تيمية"‪ ،‬وانتهاء بالوهابية واألخوان المسلمين‬
‫و"داعش"و"جبهة النصرة"و أخواتها‪ .‬وكان أمرا طبيعيا أن يكون"اإلسالم التلمودي"وحده وراء قتل‬
‫وذبح وتقطيع أجساد الرموز الفكرية والثقافية لـ"اإلسالم ـ الطالبي ـ الفارسي ـ الزرادشتي"‪ ،‬ومن‬
‫الحضارات األخرى‪ ،‬أو على األقل حرق كتبهم‪ ،‬منذ الحسين بن منصور الحالج الذي قتل وقطعت‬
‫أوصاله على الصليب‪ ،‬وحتى متحف الموصل‪ ،‬مرورا بابن المقفع وابن رشد ومحي الدين بن عربي‬
‫والسهروري وابن سينا‪ ،‬وصوال إلى ‪...‬فرج فودة!‬

‫ومن هنا ليس مصادفة أو مجرد "تكتيك سياسي" أن يتحالف سليلو هذا "اإلسالم" مع إسرائيل والصهيونية‬
‫في المواجهة الدائرة اليوم‪ ،‬سواء في سوريا أو العراق أو غيرهما‪ ،‬وآخرها قيام المعارضة السورية يوم‬
‫أول من أمس بتقديم التهاني لبنيامين نتنياهو بمناسبة فوزه في االنتخابات البرلمانية‪ ،‬كما فضحتهم‬
‫"معاريف" و"يديعوت أحرونوت"! فهؤالء ـ في المقام األول واألخير ـ أحفاد الحاخام التناخي "عبد هللا بن‬
‫سالم" والحاخام التلمودي "كعب األحبار" والمفكر التناخي "وهب بن منبه"‪ ،‬الذين كانوا أول من أدخل‬
‫الفكر التناخي والتلمودي وقصصه إلى القرآن والسنة‪ ،‬وأول من ثقف دمحم بثقافة التناخ والتلمود وبأن‬
‫"إيلياء" هي نفسها أورشليم"(بيت المقدس) حيث الهيكل وحيث يجب أن تكون القبلة األولى للمسلمين!‬
‫‪11‬‬

‫لندن ‪ :‬آذار ‪3132‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هوامش ‪:‬‬
‫(*) ـ ليس هنا مجال التفصيل في تأثير الحاخامات الثالثة على اإلسالم األول وعلى صياغة القسم األكبر من مرويات رواة‬
‫األحاديث النبوية من أحاديث عن لسان دمحم هي في الواقع مفبركة من قبل هؤالء الحاخامات‪ ،‬وتأثير عبد هللا بن سالم على‬
‫وجه الخصوص بمحمد شخصيا‪ .‬فهذا ما قمت باستخراجه من بطون العشرات من أعمال المؤرخين واإلخباريين والفقهاء‬
‫المسلمين الكبار‪ ،‬أمثال "ابن سعد"( في طبقاته الكبرى)‪ ،‬و اإلمام "الذهبي" (في "طبقات الحفاظ") و "السيوطي"(‬
‫في "اإلتقان في علوم القرآن")‪ ،‬و"أبو منصور الجواليقي البغدادي" (في "المعرب من الكالم األعجمي")‪ ،‬و "ابن‬
‫األثير" في تاريخه ‪..‬إلخ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ النص أعاله يشكل خالصة عامة جدا‪ ،‬بل مبتسرة‪ ،‬لكتاب "اإلسالم التلمودي واإلسالم الطالبي ‪ :‬بحث في الجذور‬
‫التناخية للقرآن واإلسالم المحمدي وافتراقه عن إسالم أبي طالب الحنيفي ـ النصراني"‪ ،‬الذي شرفني أستاذنا المؤرخ‬
‫الكبير هادي العلوي بكتابة مقدمة له في العام ‪ ،1191‬رغم ما كان سيجره عليه من متاعب لو جرى توزيعه‪ .‬فقد جرت‬
‫مصادرته من قبل المخابرات العسكريةالتي تقوم مقام الضابطة العدلية في نظام الطوارىء‪ ،‬استنادا إلى كتاب من وزار‬
‫األوقاف إلى النيابة العامة‪ .‬وال أعرف ما الذي حصل بنسخه‪ ،‬ولو أن خمسا منها جرى حفظها ـ عمال بقانون إحداث‬
‫"مكتبة األسد" ـ في المكتبة المذكورة‪ ،‬بوصفها "مكتبة اإليداع الوطني"‪ .‬وفي هذه المكتبة هناك قسم الممنوعات‪ ،‬الذي‬
‫يضم جميع الكتب والمطبوعات والمنشورات المصادرة من قبل جميع الجهات‪ ،‬بما في ذلك المنشورات الحزبية‪ .‬ومن‬
‫أسف أني لم أستطع الحصول سوى على غالفه وبضع صفحات منه‪ ،‬على أمل الحصول على صورة كاملة عنه في‬
‫المستقبل‪.‬‬
12

You might also like