Professional Documents
Culture Documents
نـزار نيوف
اإلسالم الطالبي ـ الحنيفي ـ النصراني
واإلسالم التلمودي
ق من اإلسالم الحقيقي إال ...اإلسالم الفارسي ،و ماعداه ليس سوى اإلسالم التلمودي ـ التناخي
لم يتب ّ
تربى دمحم بن عبد هللا في كنف عمه "أبو طالب" أكثر من أربعين عاما ،كان خاللها يالزمه في حله
وترحاله ،السيما إلى غار حراء ،فكان بمثابة أبيه ومعلمه في آن واحد.
سكت التاريخ اإلسالمي الرسمي على نحو شبه تام عن هذه الشخصية التاريخية العظيمة ،ولم يقل لنا إال
قصصا متفرقة تتعلق به .لم يقل لنا سوى أن "أبو طالب" كان المحامي والمدافع عن ابن أخيه في وجه
"المأل المكي" .هذا فضال عن قصة أخرى اختلف بشأنها السنة والشيعة ،وهي إعالنه إسالمه أو عدم
إعالنه .فبينما ذهب أغلب السنة إلى القول بأن"أبو طالب مات كافرا"(حسب قاموسهم التكفيري) وبين
الشيعة الذين جزموا بأنه مات مسلما وبعد أن أعلن إسالمه .ولم يكن تأكيدهم هذا ،الذي ال سند له ،سوى
بسبب محبتهم الصوفية آلل هاشم (آل البيت) ونظرتهم القدسية لهم ،وبالتالي إحساسهم بأنه من عظائم
األمور القول إن "أبو طالب" مات "كافرا" وهو الذي ربى وحمى ابن أخيه "رسول هللا وخاتم األنبياء"
طيلة أربعين عاما وأكثر ،وسليل "العائلة األقدس" في تاريخ العرب والعالم في اعتقادهم! وقد وصل بهم
دفاعهم عن "إسالم" أبي طالب حد تأليف شعرعلى لسانه يظهر "إيمانه بدين دمحم" ،رغم أن أي صاحب
ذائقة شعرية وعارف قليال بفنون الشعر ،يدرك أنه شعر ركيك ومنحول وال يأتي على لسان إنسان بليغ
عاش في بيئة بالغة ،فضال عن أنه ال ينتمي إلى شعر تلك الفترة.
رواية السنة في هذا السياق هي الصحيحة .فأبو طالب مات دون أن يؤمن بدين ابن أخيه ،ولكنه ـ بالتأكيد ـ
لم يمت "كافرا" وفق المعايير التناخية ـ التلمودية التي تشكل جوهر اإلسالم السني (مع استثناءات شافعية
وحنفية) ،والتي سنرى الحقا منشأها ومصدرها ومن أين أتت .فقد كان أبو طالب "حنيفيا ـ نصرانيا" .كما
أنه لم يكن يذهب إلى غار حراء طوال أربعين عاما مع أصحابه لمجرد التعبد فقط ،كما تقول الرواية
الرسمية أو توحي به ،بل للبحث والدراسة مع المئات غيره من "األحناف ـ النصارى" الذين لم يذكر لنا
التاريخ المكتوب سوى حوالي عشرين إلى ثالثين شخصية منهم،كانوا في معظمهم أعالما في بيئتهم
و"مثقفين" بمعايير عصرنا .وكان دمحم بصحبة عمه "بو طالب" ورفاقه منذ أن كان في الثامنة من عمره،
ولم يكن يذهب وحده إلى الغار كما تصور لنا الرواية اإلسالمية الرسمية الكاذبة .وبخالف ما تقوله هذه
الرواية غالبا ،لم يكن غار حراء مجرد"صومعة" للترهب والتعبد والزهد ،بل أشبه بـ"محفل دراسي"
يتدارس فيه األحناف ـ النصارى أمور دينهم ودنياهم .وأنا إذ أصفهم بـ "األحناف ـ النصارى" ،فألنهم
كانوا يشكلون مشروع دين"خام" لم يتبلور بعد في إطار محدد ،يتكون من عناصر نصرانية ،أي المسيحية
العربية األصلية التي ولدت في "نجران"(وليس في فلسطين!) ،ومن عناصر "الحنيفية" المعروفة ،التي
تشكل جوهر اإلسالم الحقيقي بعد تنظيفه وتطهيره من األفكار والشرائع التناخية ـ التلمودية التي جرى
إقحامها على"القرآن" (حين جمعه) وعلى تفاسيره والقسم األغلب من األحاديث المنسوبة لمحمد .وتعرف
هذه النصوص واألفكار التناخية ـ التلمودية عند المسلمين تحت اسم "اإلسرائيليات" .ومن أبرز الفقهاء
2
اليهود الذين أدخلوها إلى اإلسالم "عبد هللا بن سالم" ،وهو فقيه ومثقف يهودي بارز كان من أبرز
المؤثرين فكريا على دمحم منذ الساعات األولى لوصوله إلى يثرب وإعالنه"إسالمه"رغم أنه كان حاخاما
وابن حاخام وكبير طائفته .ويعتبر عند المسلمين السنة ،مثل "أنس بن مالك" و"البخاري" و"مسلم" ـ على
سبيل المثال ال الحصر ـ "صحابيا جليال" يبز الصحابة اآلخرين في أنه "واحد من العشرة المبشرين
بالجنة"! ومن ناحيتي ،وبعد تمحيص وتدقيق لسنوات طويلة ،فإني أرى أن معظم ما جاء في القرآن من
روايات وقصص وشرائع تناخية وخرافات وأساطير وشعوذات ،وخصوصا التلمودية منها ،هي من آثار
"المحاضرات" التي كان يلقيها "عبد هللا بن سالم "على دمحم ،إلى حد يمكن القول إنه كان أستاذه الثاني بعد
عمه "أبو طالب" .ويأتي بعد عبد هللا بن سالم في حجم التأثير كل من الحاخام التلمودي اليمني"كعب بن
ماتع الحميري" ،المعروف باسم"كعب األحبار" ،والمثقف التلمودي الكبير"وهب بن منبه" .وهذان
األخيران يعتبرهما المسلمون السنة من "التابعين"،أي الذين يحتلون المرتبة الثانية بعد"الصحابة" ،بينما
ينظر إليهما الشيعة نظرة الريبة والشك .وكان نشاطهما الفكري وتأثيرهما في الجيل األول من "مثقفي
اإلسالم" بعد وفاة دمحم كبيرا وعميقا و واسعا .ويمكن مالحظة تأثيرهما القوي في تفاسير علماء المسلمين
السنة و وروايات اإلمام البخاري .وال بد من اإلشارة في هذا السياق أيضا إلى أن إقحام الروايات
والقصص والعقائد واألفكار التناخية في القرآن لم يكن فقط خالل مرحلة ما يسمى بـ"نزول الوحي" ،بل
إيضا خالل مرحلة جمعه ،حيث جرى إسقاط الكثير من آيات وسور "القرآن" و"دحش" الكثير من
"اإلسرائيليات" في ثناياه والتالعب به من قبل "لجنة حكومية" أنشأها الخليفة أبو بكر ثم جدد مهمتها
الخليفة عثمان بن عفان لتكون برئاسة اليهودي ـ التلمودي "زيد بن ثابت" ،الذي كان يعرف العبرية
والسريانية جيدا .ومن المعلوم أن المصحف الرسمي الذي يتداوله ماليين الناس اليوم هو المصحف الذي
أقرته اللجنة المذكورة بعد مصادقة التلمودي "زيد بن ثابت" على كل آية وردت فيه!! .ويكفي اعتراف
الخليفة عمر بن الخطاب ،في خطبة بيعته ألبي بكر ،بأن هناك آية تدعى"آية الرجم" ،وهي آية جرى
إسقاطها عند جمع القرآن ،وحديث عائشة عن "الحيوان الداجن"(حمار ،عنزة ..إلخ) الذي أكل صحائف
من القرآن كانت تحتفظ بها في بيتها ،حتى نعلم أن القرآن الذين بين أيدينا اليوم ليس كامال.
هكذا يتضح لنا ،ودون الخوض في المزيد من التفاصيل والتعقيدات التاريخية والفكرية والفقهية ،ولمزيد
من تبسيط الفكرة ،أن القرآن وفكر اإلسالم األول عموما ،تكون من مكونين أساسيين هما":المكون
العرفاني الروحاني" الذي مصدره "أبو طالب" وفكره "الحنيفي ـ النصراني" ،و"المكون العقيدي" الذي
مصدره التناخ اليهودي ،السيما التلمود وقصصه ورواياته وشعوذاته ،لكن ـ على وجه الخصوص ـ فكره
العنصري اإلجرامي الكاره لآلخر ،الذي يحتل مواقع كثيرة جدا من آيات القرآن وسوره.
وعند معاينة النص القرآني بعين القارىء الباحث ،ال القارىء المؤمن المأخوذ باإلنشاء والوصف الشعري
في قسم كبير من ثناياه ،نالحظ أن المكون األول ،يركز بشكل خاص على العالقة المباشرة بين اإلنسان
وهللا ،ويقدم هللا لإلنسان بطريقة محببة تجعله كما لو أنه صديقه القريب منه ،فهو رحمن ورحيم وغفور
وكريم ومعين وعادل وحكيم وكريم ورؤوف....إلى آخر هذه الصفات .فضال عن تركيزه على قيم العدل
والمساواة بين الناس الذي كلهم "عباد هللا ال يتميز أحد منهم على آخر إال بالتقوى" .وهذا منطق ومعيار
"حنيفي ـ نصراني" دون ريب .أما المكون الثاني فيقدم لنا هللا بصورة بشعة ورهيبة ومقززة كما لو أنه
رئيس "فرع فلسطين" في المخابرات العسكرية السورية أو "فرع التحقيق" في شقيقتها المخابرات
الجوية ،أو بتعبير أدق :نسخة عن "يهوه" التناخي .فهو المنتقم والجبار والمقتدر والقهار والمتكبر
والمتعالي وشديد العقاب ،بل والماكر أو الخبيث الذي يذكرك بخبث الثعلب ومكره! وإذا ما أضفنا إليه ما
3
يتوعد به الناس المخالفين له من أساليب وصنوف تعذيب ،ومن نصوص شرعية تكرس فكر التكفير
والقتل والتمثيل بالجثث وتشرع الخداع واحتقار اآلخر(كما في سور"التوبة"،
"األنفال""،دمحم"...إلخ)،نصبح أمام صورة كاملة لـ"يهوه التناخي" دون ريب .وتشتد هذه الصورة ،أي
الصورة التناخية ـ التلمودية ،وضوحا حين ندقق في الشريعة القرآنية وامتداداتها في"السنة النبوية".
فعندها سنجد أنفسنا أمام الشريعة التلمودية وجها لوجه ،السيما "سدر نزيقين"(العقوبات) الذي يبحث في
أمور التشريعات المدنية والجزائية،و"سدر قداشيم" الذي يبحث في أمور التضحية وأحكام الصوم،
و"سدر طهروت"(الطهارة) الذي يبحث في أحكام الطهارة.
والواقع إن "استيراد" قصص وأحكام وأفكار القرآن ومكوناته من مصادر مختلفة ،هو سبب أساسي من
أسباب تناقضاته التي اكتشفها الفقهاء والمفسرون اإلسالميون الحقا ،فراحوا يمارسون عملية النصب
واالحتيال و"اللعب بالكشتبان" لخداع المؤمن البسيط .فاخترعوا قصة "النسخ" ،زاعمين أن بعضه نسخ
بعضه اآلخر ،رغم أن "النسخ" في معناه األصلي يعني التكرار)(Copyوليس اإللغاء(إال في معان أدخلت
الحقا) ،واخترعوا التفسيرات والتأويالت التي ال حصر لها في محاولة لـ"ضبضبة" و"لفلفلة" قصة
التناقضات ،بما في ذلك الزعم بأنه ال يعلم تأويله إالهللا .وربما علي بن أبي طالب أول من اكتشف هذه
المعضلة أثناء ما يعرف بقصة"التحكيم" ،حين طلب من وكيله النصاب "أبو موسى األشعري" أن ال
يحاجج وكيل معاوية ،المحتال عمرو بن العاص ،بكتاب هللا "ألنه حمال أوجه" ،ولكن محاججته "بسنة
رسوله"!
هذا "الكشول القرآني" كان ال بد له أن ينفجر الحقا إلى مكونيه األساسيين بعد انفجار الصراع على
السلطة ابتدا ًء وانطالقا من"انقالب سقيفة بني ساعدة" الذي نفذه "المهاجرون" الذين يمثلون "المأل المكي"
التجاري عمليا وحلفاؤهم ،أو"اإلسالم السفياني" إذا جاز التعبير ،على "األنصار" الذين كان على
رأسهم"الحزب الهاشمي" الذي يمثل الطبقات المسحوقة والفقراء والمستضعفين والعبيد الذين كانوا التحقوا
بالحر كة المحمدية بعد أن صدقوا دمحم ومزاعمه عن اإلسالم العادل ودولة اإلسالم العادلة "التي ليس فيها
لعربي من فضل على أعجمي إال بالتقوى" ،والتي يصبح فيها الناس"سواسية كأسنان المشط"....إلى آخر
مصفوفة األكاذيب المعروفة .وهنا ال بد من اإلشارة إلى أن بوادر هذا الصراع كانت قد بدأت عمليا خالل
حياة دمحم ،وتحديدا أثناء"صلح الحديبية" الذي مثــل أول خيانة دمحمية ألتباعه من الفقراء والمستضعفين
والعبيد الذين التحقوا به منذ البداية(كعمار بن ياسر) ،ولمن كانوا ينتظرون االلتحاق بحركته في أول
فرصة متاحة .فقد وقف كل من علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ضد الفقرة األخيرة من االتفاق التي
تقول"أن يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلما ً بدون إذن وليه ،وأن ال ترد قريش من يعود إليها من
المسلمين" .وكان هذا أول مسمار يدق في نعش اإلسالم .لكن الخيانة األكبر التي أقدم عليها دمحم ،أو
باألحرى الحركة /الخطوة التي تكشف عن حقيقة أن دعوته لم تكن في جوهرها إال استكماال للدين اليهودي
و أيديولوجيته التناخية والتلمودية ،هي ما قام به خالل "فتح مكة"،حين ساوى تماما بين "بيت هللا" و"بيت
الدعارة"("من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ومن دخل بيت هللا الحرام فهو آمن") .وهو ما يذكرك بعالم
مجرمي ونصابي التوراة الذين يسمون أنبياء ،السيما "دواد" و"يشوع" .فقد كان معلوما أن بيت أبي
سفيان عبارة عن بيت دعارة تقوم زوجة أبي سفيان،القوادة /البترونة "هند بنت عتبة"( التي تذكرك
شخصيتها بـ"راحاب") ،بإحضار العاهرات إليه لكي يقضي الباحثون عن اللذة وطرهم منهن لقاء
"كومسيون" محدد .وكانت الصفقة بين أبي سفيان ودمحم هي المسمار األخير الذي دق في نعش اإلسالم،إذ
فتح الباب على مصراعيه أمام كبار التجار واألثرياء والقتلة واللصوص والمجرمين وقطاع الطرق
4
ليستولوا على الحركة من الداخل ويتخذوها حزبا لهم مقابل "الحزب الهاشمي" ،وليصبح "اإلسالم" حزب
السلطة الخاصة بهم منذ ذلك التاريخ حتى اآلن ،باستثناء فترة من االنقطاعات التاريخية المحدودة.
هنا ال بد من فتح قوسين لإلشارة إلى العالقة "الملتبسة" بين دمحم واليهود ،السيما الفئة التجارية منهم التي
كانت مكونة أساسا من وجهاء "يثرب" و"خيبر" وأحبارهما .فقد يتساءل البعض :إذا كان األمر كذلك،
لماذا إذن كانت تقع الصدامات بينه وبينهم!؟
اإلجابة على هذا التساؤل تقتضي العودة قليال إلى الخلف ،وتحديدا إلى السبب الحقيقي لصراع دمحم مع
"المأل المكي" وقراره الهجرة إلى يثرب وجعلها مقر دعوته.
بخالف الروايات واألكاذيب التي يسوقها اإلسالم الرسمي ،لم يكن "المأل المكي" ضد دعوة دمحم في
األساس ،فقد كان يرى فيها مجرد ديانة جديدة تضاف إلى الديانات األخرى التي تعيش في مكة إلى جانب
بعضها البعض بشكل "ديمقراطي"على قاعدة احترام "التعددية الدينية والثقافية" .ولم تكن مكة كما
يصورها التاريخ اإلسالمي بوصفها مدينة متوحشين وقتلة وجالدين و كفار .فقد كانت أشبه بالحواضر
التجارية والثقافية الكبرى في عالمنا اليوم ،كفرانكفورت ونيويورك ،وكانت تستورد الكتب بكميات كبيرة
جدا من بالد الشام والدول المجاورة األخرى ،مما يعني أنها كانت تضم بين أهلها فئة واسعة من القراء
و"المثقفين" الذين يشكلون سوقا للكتاب.
وتعبيرا عن التعددية المشار إليها ،تكفي اإلشارة إلى أن"المأل المكي"،الذي كان يمثل"برلمانا"للمدينة
يجتمع بشكل دائم في "دار الندوة" التخاذ القرارات،كان يسمح لكل قبيلة بوضع"الطوطم"(الصنم) الذي
يمثلها داخل حرم الكعبة ،وكان اليهود يضعون شمعدانهم ،بينما كان النصارى يضعون أيقونة تمثل عيسى
وأمه مريم ،وهي األيقونة التي أمر دمحم بتخريبها (أو كسرها) عند فتح مكة ،متعامال معها كما بقية
"األصنام".وكان الجميع يؤدون طقوسهم وشعائرهم بحرية مطلقة.هذا بينما كانت دعوة دمحم تقوم على إلغاء
مبدأ تعددية"المراجع اإللهية"(وليس اآللهة ،فقد كان الجميع يؤمنون بإله واحد ،بخالف أكاذيب اإلسالم
الرسمي ،ولم تكن األصنام إال "وسيلة تقرب إلى هللا" كما المزارات الصوفية اليوم ،باعتراف القرآن
نفسه) ،وإقامة نظام ديكتاتوري شمولي إرهابي وفق العقيدة التلمودية ("أنا"مقابل"اآلخر" /الغوييم) .فضال
عن أن"المأل المكي" ـ كما أي نظام سياسي مستقر وآمن ـ لم يكن يريد تحويل"الحاضرة
التجارية"اإلقليمية الكبرى التي تمثلها مكة إلى مكان لالضطرابات والقالقل التي بدأ يثيرها دمحم ،وبالتالي
جعل وضع مكة حساسا إزاء اإلمبراطوريات والمملك القوية المحيطة (البيرنطية والفارسية والحبشية)
التي كان"المأل المكي"( أو "قريش البطاح" بتعريف أوسع) على عالقة ممتازة بها كلها ،وله معها
معاهدات تجارية تنظم هذه العالقة كما يحصل بين الدول في أيامنا هذه .وطيلة فترة دعوته في مكة ،التي
دامت 31عاما ،أي أكثر من نصف دعوته( 31عاما) ،لم يحاولوا قتله،بل مجرد التضييق عليه والتفوض
معه على قاعدة حقه في االستمرار في دعوته ولكن في إطار "النظام العام" الذي أرسوه منذ سنوات
طويلة .ولو كانوا يريدون قتله لفعلوا دون تردد ودون خوف من أحد ،السيما وأن "الحزب الهاشمي"(
المؤلف من بني هاشم وبقية ما يعرف بـ"قريش الظواهر" ،أي الضواحي الفقير والمهمشة) كان ـ على
وجه العموم ـ فقيرا ،ولم يكن نفوذه يتجاوز النفوذ المعنوي الناجم عن كون بني هاشم "خدام الكعبة
والحجاج" .ولم يقرروا قتله إال حين قرر الهرب إلى "يثرب" ونام الفتى علي بن أبي طالب (ابن اإلثني
عشر عاما) في فراشه ذلك اليوم لتضليل القتلة ،ما تخبرنا القصة المعروفة .والواقع إن قرار "المأل
المكي" قتل دمحم لم يصدر بإجماع أعضائه إال بعد أن علموا بمراسالته مع "يثرب" ،وخشيتهم من أن
5
يتحالف مع تجارها(السيما اليهود منهم) ضدهم ،ويهدد ـ بالتالي ـ تجارتهم .فقد كانت يثرب ،التي عرفت
أوج ازدهارها في عهد الملك اآلشوري العظيم "نبونيئيد" منذ القرن السادس قبل الميالد ،الذي كان أول
من أدخل عبادة اإلله الذي يمثله القمر إلى الجزيرة العربية،ندا ً ومنافسا تجاريا وثقافيا لمكة ،السيما وأنها
كانت "عاصمة" اليهود العرب الذين جاؤوها مهاجرين من اليمن في فترات الحقة لموت وانقراض"مملكة
دواد" في شمال اليمن(التي ولدت فيها اليهودية كديانة على يد قبيلة إسرائيل العربية ،وليس في فلسطين)،
ثم"عائدين"من بابل بعد انتهاء "السبي البابلي" .والواقع هذا ما كان يفكر به دمحم فعال ،بدليل أن خطته
للتحالف مع التجار اليهود ظلت أمله الوحيد حتى إلى ما قبل تسعة أيام من وفاته ،حين أيقن بعدم إمكانية
حصوله! فبعد أن هاجر إلى يثرب،والتقى فور وصوله بمن سيصبح"مستشاره" للشؤون اليهودية والدينية
وتاريخ األديان السابقة حتى وفاته ،وأعني المثقف اليهودي ـ التلمودي الكبير"عبد هللا بن سالم"،الذي
ذكرناه أعاله ،حاول مرارا وتكرارا التحالف معهم ،والحصول على أموالهم من أجل تمويل حروبه .لكنهم
ظلوا يرفضون ذلك باستمرار ،ألنهم لم يكونوا يريدون الدخول في مواجهة مع "المأل المكي" .فبدأ
بابتزازهم وتحذيرهم على مدى سنوات بآيات تالمس "الربا" ،لكن دون أن تحرمه .ومع ذلك،ورغم
الوساطات الفاشلة التي قام بها "عبد هللا بن سالم" ،لم يخضعوا البتزازه وتهديده .فقد كانوا طبقة
تجارية"علمانية ـ مدينية" ال يشكل الدين اليهودي حضورا مهما في حياتها اليومية والعملية .وقبل تسعة
أيام فقط من وفاته ،أطلق عليهم قذيفة "هاون" من العيار الثقيل ،وهي اآلية التي تحرم الربا .وكانت قذيفة
مدمرة لهم ولمصالحهم فعال ،بالنظر لكونهم يمسكون بمفاصل األعمال المصرفية في المنطقة .وكانت آية
تحريم الربا (البقرة 372،وما بعد) آخر آية يكتبها دمحم في كتابه ،كما يخبرنا المؤرخون والفقهاء وعلماء
القرآن المسمون! وتكشف هذه الحقيقة عن جانب آخر ،وهو أن دمحم لم يكن معنيا بالدفاع عن مصالح
الفقراء والمستضعفين فعال ،بل بالتعاون مع مستغليهم وسارقي لقمة عيشهم ومستعبديهم،ألنهم أكثر جدوى
لمشروعه ،وإال لكان حرم الربا منذ األيام األولى لدعوته ،السيما وأن الربا الفاحش كان ـ بأشكاله
المختلفةـ المصدر األساسي لتكوين الثروة في مجتمع تجاري تقوم تجارته كلها على اإلقراض والتسليف
اآلجل!
ومع ذلك ،ليس هذا فقط ما ربط دعوة دمحم بالمشروع اليهودي ـ التلمودي ،أو "الصهيونية المبكرة" إذا جاز
التعبير .فقد كان إعالن "بيت المقدس" قبلة أولى للمسلمين مجرد تكريس لخرافة الفكر التلمودي الذي
صيغ بعد السبي البابلي من قبل "عزرا الكاتب"(النبي عزرا،أو عزيـْر في القرآن وعند المسلمين)،المعتبر
ـ بحق ـ المؤسس الفعلي للديانة اليهودية بعد موسى ،أو بتعبير أدق :الرجل الذي أحياها وأعاد تأسيسها بعد
موتها .وذلك من خالل إشرافه على كتابة التوراة والتلمود استنادا إلى الذكريات القديمة المتوارثة شفهيا
لدى من تبقى من أسباط قبيلة إسرائيل اليمنية العربية والمتهودين من خارجها ،واستنادا إلى الثقافة
العظيمة التي تعرف عليها"عزرا" وأحباره من كتاب التوراة خالل السبي ،وأعني الثقافة البابلية (أو ثقافة
بالد ما بين النهرين إجماال)التي كانت أعظم ثقافة عرفتها البشرية حتى ذلك الحين ،سواء على مستوى
إنتاج األساطير األدبية العظيمة والعقائد الدينية الجميلة ،أو على مستوى العلوم التطبيقية نفسها
(الرياضيات والفلك والهندسة المعمارية وغيرها) .ولهذا ـ بالمناسبة ـ نشعر حين نقرأ في التوراة أننا نقرأ
في أدب األساطير البابلية والتاريخ البابلي ،بدءا من "سفر التكوين" (حيث أسطورة الطوفان المسروقة
عن ملحمة جلجامش) وانتهاء بـ"سفر دانيال" الذي يحدثنا عن مجيء المسيح .ذلك دون أن ننسى "سفر
عزرا" (الكتاب األول والثاني) الذي زعم أن "أورشليم" تقع في فلسطين ،وليس في اليمن حيث وقع
السبي البابلي فعال ،وأنه ـ أي "عزرا"ـ مكلف من هللا بإعادة بنائها وبناء الهيكل فيها .ومن المعلوم أن
حكاية مغامرات عزرا في بابل خالل السبي هي من القصص التلمودية التي دخلت القرآن بتأثير عبد هللا
6
بن سالم على دمحم .فنجد ما يرد في أمان مختلفة من "سورة البقرة"(السيما 322وما بعد) مجرد ترديد
وترجيع صدى لما يرويه "عزرا" في أسفاره!
كان السطو على اإلسالم وتجريده من أي بعد "عرفاني" ومن جوانبه "الطالبية"(نسبة إلى"أبو طالب"،
للتذكير ،وليس لعلي) هو المعركة التي بدأها المأل السفياني ـ التلمودي منذ الساعات األولى لنجاح "انقالب
السقيفة" وصدور بيانه الرقم :3الحكم يجب أن يكون في قريش ،ثم ـ تضييقا وحصرا للدائرة ـ في"البطن
األموي"من القبيلة( أي قريش البطاح ـ "قريش التاون داون"!) .فبعد الفترة االنتقالية البسيطة التي حكم
خاللها أبو بكر،جاء عمر بن الخطاب ،الذي ـ ورغم أنه كان رجل دولة من الطراز األول واالستثنائي
ويعود إليه الفضل في تركيز دعائم الدولة األساسية وبناء"مؤسساتها" المدنية والعسكريةـ مارس"الخيانة
الطبقية"بأكثر أشكالها فجاجة ،رغم أنه كان ـ عل األقل في بدايات حياته ـ فقيرا ومضطهدا .ففي عهده
ولدت ونمت "المؤسسة العسكرية"بعد أن أطلق لها الحبل على غاربه تمويال وتنظيما وتوسيعا ،رغم أنه
شعر بخطورتها في بعض المراحل ،فأقدم على عدد من الخطوات من أجل قص جوانحها وتحجيم دورها
السياسي ،فأقال قائدها البارز "الجنرال" الدموي المجرم خالد بن الوليد (بطل الفظائع البربرية التلمودية
في ما يسمى"حروب الردة" ،وكان عمر بن الخطاب يريد إعدامه منذ جريمته في تلك الحرب ،المتمثلة
بقتل الشاعر و المثقف البارز مالك بن نويرة بطريقة "داعشية" رهيبة وفظيعة من أجل اغتصاب
زوجته!) ،واتخذ إجراءات إدارية ـ اقتصادية شجاعة في"سواد العراق" للحيلولة دون ترسخ جذور هذه
المؤسسة التي كان أول من أنشأها و وضع أسهها لتكون مؤسسة عسكرية محترفة .لكن كان السيف سبق
العذل ،ولم يعد يجدي مع استشراء السرطان التلمودي أي عالج .هذا مع العلم بأن عمر بن الخطاب،
وبسبب ضحالة ثقافته الدينية،حتى اإلسالمية منها ،بخالف ما تقوله الرويات اإلسالمية الرسمية،اعتمد
اعتمادا كبيرا على الحاخام"كعب األحبار"( كعب بن ماتع الحميري اليمني) في تثقيف نفسه بالتوراة و
التلمود والعلوم التناخية األخرى ،وكان بمثابة"مستشاره الثقافي" ،حتى في تفسير القرآن استنادا إلى التناخ
الذي كانا "كعب" ضليعا فيه بوصفه حاخاما كبيرا!
وحين جاء عثمان بن عمان ،وهو الممثل السياسي واالقتصادي الفعلي واألول للتيار التلمودي في الرعيل
األول من المسلمين الكبار ،والذي وصفه عمر بن الخطاب في وصيته قبيل وفاته بأنه"صاحب عصبية
ألهله وعائلته"،بدأت واحدة من أكبر عمليات السطو والنهب والفساد في التاريخ العربي واإلسالمي ،ال
يشبهها إال ما يقوم به الحكام المجرمون اليوم وسالالتهم العائلية ،أمثال"آل األسد" وسواهم .فلم يبق فاسق
وال مجرم وال لص وال "شبيح" من أقربائه وأزالمه إال وأقطعه أطيان الدولة و/أو جزءا من "بيت مال
المسلمين" ،وأطلق عمليات السطو والسرقة للمال العام على غواربها ،فاًصبح "شيخ الشبيحة األكبر" وهو
"الخليفة" و"أمير المؤمنين" المفترض أن يكون المؤتمن على مصالحهم .وذلك إلى أن قتله الثوار كما
يقتل أي زعيم لصوص .وعندما آل األمر لزعيم "التيار الطالبي" في اإلسالم ،علي بن أبي طالب ،كان
األمر انتهى ،ولم يعد ينفع أي شيء في وقف "تهويد" الدولة وإعادة الحق إلى نصابه .وحين أراد أن
يفعل ،انتهى أمره كأي ثائر نبيل طوباوي حالم ،على غرار تروتسكي وتشي غيفارا ،إلى القتل غيلة وهو
في المسجد .وكان ذلك "عقابا يستحقه" ككل ثائر حقيقي أصيل يمارس "الديمقراطية" مع القتلة
والمجرمين والطغاة ويمنحها لكل من ليس ديمقراطيا ،ويقبل بأن يتساوى معهم أمام القاضي ،السيما حين
يكون هذا القاضي والوكالء القانونيون منافقين ونصابين أمثال المحتال "أبو موسى األشعري"!
في غضون ذلك كان الغزاة المسلمون قد قاموا بواحدة من أكبر عمليات النهب والسلب في التاريخ على
اإلطالق ،حين احتلوا بالد الشام .فقد كانت بالدا غنية باقتصادها وتعيش حالة بحبوحة حقيقية ،فضال عن
7
ازدهار ثقافي عز نظيره بفضل السوريين السريان النصارى(أفضل تسميتهم دوما ً بـ"النصارى" ألنها
التسمية األدق علميا ،وألنها تفصلهم عن النصاب التوراتي ـ التلمودي "بولص الرسول" مخترع المسيحية
ومفبركها ومقوض النصرانية الحقيقية).وتصف لنا كتب المؤرخين واإلخباريين العرب عمليات النهب
التي تعرضت لها دمشق على نحو يدمي القلب ويفجر األوردة! فقد كانت قوافل"الشبيحة" تمتد على طول
أميال ،محملة بالنفائس والمجوهرات والفضة والذهب ،فضال عن آالف السبابا من النساء ،إلى حد أن
"قيادة الدولة" في "يثرب" بالجزيرة العربية عجزت عن توزيع "الغنائم" واألسالب والمسروقات والسبايا
من النساء على أركان الدولة التلمودية في الحجاز وعلى محاسيبها وأزالمها بسبب كثرتها وضخامتها.
وفاض "بيت مال المسلمين"( أو باألدق خزانة العصابة التلمودية الحاكمة) بالثروة التي لم يعهدها من قبل.
وكان كل شيء يذكرنا بصورة طبق األصل عن أفعال المجرمين البربريين "داود" و"يشوع" خالل
حروبهما التي تروي لنا التوراة تفاصيلها(السيما في"صموئيل األول"و"الثاني" و"سفر يشوع" السادس).
ولم يكن هذا محض مصادفة ،فالجزء "التلمودي" من أيديولوجية وعقيدة القرآن ،التي تبيح الغزو والنهب
والسلب والقتل والسبي ،فضال عن ممارسات دمحم نفسه في معظم غزاوته الـ ،32هي نسخة طبق األصل
عن مصدرها التلمودي .وكالها كانتا تعبيرا عن أيديولوجية وقيم حقوقية رعوية ـ بدوية.
بالتوازي مع ذلك ،كان التلموديون يطيحون بالجزء اآلخر من العقيدة اإلسالمية ،الجزء العرفاني ـ
المساواتي المعبر عن مصالح الفقراء والمستضعفين ،من خالل تأسيس طبقة من فقهاء البالط ومثقفي
السلطة الذين كل منهم كان مستعدا ليس فقط لإلفتاء بأن أمه"عاهرة" إذا طلب الحاكم منه ذلك ،بل وحتى
لإلفتاء بأن"دمحم ليس آخر األنبياء"،وأن"الوحي يمكن أن ينزل"على أي من الحكام األمويين المجرمين
واللصوص! أولم يقل الحجاج بن يوسف الثقفي ،حين بكت أم المؤمنين"أم أيمن" ألن "الصلة بين األرض
والسماء قد انقطعت بموت دمحم" ،إن"أم أيمن كاذبة"وإنه هو يستطيع أن يتلقى الوحي كما كان يتلقاه دمحم!؟
وألم يكن الخليفة األموي الوليد بن عبد الملك يضع القرآن كـ"نيشان"(هدف) ويصوب عليه سهامه وهو
في حالة نشوة وضحك هستيري ،مخاطبا إياه ببيت شعري من إبداعه ":إذا القيت ربك يوم حشر ...فقل
يا رب خرقني الوليد"!؟
وبهذا أصبح اإلسالم ،على أيدي أبناء ثقافة التناخ والتلمود التي ضخها الحاخامات والمثقفون التلموديون
الثالثة في قرآن اإلسالم وسنته ،مجرد قشرة أو مظلة أيديولوجية لتوفير"الشرعية" للحكام ،كما فعل حافظ
األسد بحزب البعث اعتبارا من العام !3271
لكن األدهى لم يكن قد حصل بعد على مستوى ترسيخ الجزء التلمودي ـ التناخي من القرآن والسنة النبوية،
من أجل تدعيم أركان "الملك العضود"(حكم العصابات والمافيات القائم على الوراثة والتشبيح) .فقد بدأت
صياغة منظومة كاملة من "السنة النبوية" ،التي تشكل المرجعية الثانية للمسلمين بعد القرآن ،اعتمادا على
المثقفين والحاخامات اليهود التلموديين اليمنيين ،خصوصا الحاخام "عبد هللا بن سالم" (المستشار الثقافي
لمحمد ،والشخص الذي وقف وراء قراره بأن تكون قبلة المسلمين هي"بيت المقدس" ألنها حسب زعمه
عاصمة أنبياء هللا اليهود ومكان الهيكل) ،والحاخام "كعب األحبار بن ماتع الحميري"(المؤلف الحقيقي
لـ 37بالمئة من األحاديث النبوية في صحيح البخاري و 92بالمئة في صحيح مسلم ،ولقسم كبير جدا من
أفكار وتفاسير"اإلمام مالك" في كتابه األساسي الضخم"الموطأ") والمنظر التلمودي "وهب بن منبه".
وكان أخطر ما قام به األمويون على هذا الصعيد هو تكريس األكذوبة التلمودية عن أن"بيت
المقدس"،الموحى بها إيحاء دون ذكر واضح في القرآن،أي التي"صعد منها دمحم إلى السماء" ،تقع في
فلسطين! فبعد أن تمكن عبد هللا بن الزبير من السيطرة على مكة ،قام الحجاج بضرب الكعبة بالمنجنيق
8
بأمرعبد الملك بن مروان ودمرها وقتل الزبير بداخلها قبل أن يصلبه لبضعة أيام .وكان خاللها األمويون
(عبد الملك وابنه الوليد) قد بنوا "المسجد األقصى"وحولوه إلى كعبة بديلة لمكة .وقد بقي الناس يحجون
إليه ويدورون حوله ويمارسون طقوس الحج كلها ،من اإلحرام حتى الحالقة و النحر واألضحية ،لمدة
ثالث سنوات!! هذا مع العلم بأن "المسجد األقصى" الذي جاء ذكره في مطلع سورة "اإلسراء" يقع على
بعد حوالي 31كم إلى الشمال الشرقي من مكة ،وتحديدا في منطقة "الجعرانة" .وكان دمحم يحرم منه عند
الحج ،كما نعلم من "أبو الوليد األزرقي" صاحب "تاريخ مكة" المكتوب في القرن التاسع الميالدي.
كان اختراع مدينة اسمها "القدس"أو "بيت المقدس" في فلسطين واحدة من أخطر ما قام به التيار التلمودي
في سياق صياغة الثقافة اإلسالمية األولى .ذلك ألنه "أكد" أكذوبة "عزرا"،وأكاذيب اليهود من بعده ،عن
أنها "مدينة يهودية التأسيس والنشأة" ،رغم أن"القدس"التي تذكرها التوراة تقع في اليمن ،وهي واحدة من
ثالث مدن يمنية تحمل االسم نفسه في التوراة ،وكلها تقع في اليمن ،وبعضها موجود حتى اآلن ،ويحمل
االسم نفسه رسميا في اإلدارة اليمنية .فقدس فلسطين الراهنة لم يكن اسمها القدس ،أو أيا من مشتقاتها
وطرق لفظها ،في أي يوم من األيام ،بدليل أن المسلمين حين غزوها كان اسمها "إيلياء".وفي "العهدة
العمرية" لم يكتب عمر بن الخطاب":هذا ما أعطاه عمر إلى أهل القدس" بل كتب":هذا ما أعطى عبد هللا،
عمر ،أمير المؤمنين ،أهل إيلياء !"...كما أن عمر ،وحين زار إيلياء لم يذكر أبدا أنها المكان الذي زعم دمحم
أنه صعد منه إلى السماء ،رغم أن هذا "الحدث" يشكل واحدة من أخطر األحداث في تاريخ اإلسالم ونبيه،
وكان الحاخام "عبد هللا بن سالم" هو الذي أوحى به لمحمد على األرجح ،تقليدا لحكاية صعود "النبي
إيليا" إلى السماء في عربة نارية (سفر الملوك الثاني ،اإلصحاحات من 3إلى !)31هذا مع العلم بأن
الحاخام "كعب كعب بن ماتع الحميري" حرص على أن يرافق عمر بن الخطاب بنفسه إلى إيلياء ويقنعه
بأن يضع حجر األساس لمسجده في المكان الذي سيصبح مسجد قبة الصخرة ،ألنه "المكان المقدس في
التوراة"! وكان الحاخام كعب بن ماتع الحميري أحد أكبر المؤثرين في ثقافة عمر الذي كان ،رغم عظمته
واستثنائيته كرجل دولة ومنظم "بيروقراطي" وإداري كبير وضليع بكل ما يتصل بأمور الدنيا ،ضحل
الثقافة بأمور الدين ،السيما ما يتصل منها بالقرآن و تفاسير قصصه المتصلة بالتوراة.
القسم الثاني:
كان الجناح التلمودي في اإلسالم يعرف جيدا منذ األيام األخيرة لحياة دمحم ،وخصوصا بعد موته،أن األمر
لن يستتب له قبل القضاء النهائي على "الحامل العائلي" لـ"اإلسالم الطالبي" المتمثل بـ"الحزب الهاشمي"،
ولكل من ينتمي إليه ،سواء أكان قريشيا أو عربيا بشكل عام ،أو من أبناء الجنسيات األجنبية من العبيد
والمسحقوين الذين سولت لهم أنفسهم أن يروا في اإلسالم منقذا لهم وطريقا لهم إلى جنة الدنيا ثم جنة
اآلخرة .وكان قادة ورموزهذا التيار يعرفون جيدا أنه طالما بقي شخص واحد من حملة فكر"اإلسالم
الطالبي" ،الحنيفي ـ العرفاني ،لن يستقر لهم حال ،السيما وأن رقعة المعارضة لهم كانت تتسع طردا مع
اتساع إجرامهم ومع تجريد الدعوة المحمدية من كل ما بقي فيها من فكر أبي طالب و"الحنيفية ـ
النصرانية" ،واإلبقاء على ما ورثوه من التناخ ،السيما التلمود وشرائعه .ولهذا أمعن قادة الجناح التلمودي
قتال وذبحا وتشريدا وتنكيال بكل من يمت إلى الهاشميين واإلسالم الطالبي بصلة ،بدءا من المنظر
األيديولوجي لإلسالم الطالبي"أبو ذر الغفاري" الذي نكل به ونفاه"زعيم الشبيحة"عثمان بن عفان ،و"دمحم
بن أبي بكر الصديق" الذي وضعه معاوية في جوف حمار وأحرقه ،وانتهاء بالمذبحة الكبرى في كربالء.
9
ويمكن القول إنه لم يبق تقريبا رمز واحد من "الحزب الهاشمي ـ الطالبي" من أصول عربية أو أجنبية،
وهم بالمئات إن لم يكونوا باآلالف ،إال وتعرض للقتل أو التشريد والتنكيل خالل الـ 23عاما من الحكم
األموي ـ التلمودي.
هكذا بدأت "الثورة" بقيادة "أبو مسلم الخراساني" في إحدى أطراف الدولة األكثر تعرضا لالضهاد
والتمييز العرقي والطبقي،أي خراسان ،بعد سنوات من دعوته إلى أفكار"اإلسالم ـ الطالبي" والتبشير بها.
وقد التف حوله الفالحون والموالي من الفرس واألتراك واألكراد ومن األفارقة الزنوج الذين كانوا عبيدا
في أطيان الطبقة االرستقراطية ،بجناحيها المدني والعسكري .كما وانضم إليه القيسيون واليمانيون،
بالنظر لالضطهاد الذي مارسه األمويون(القريشيون) بحقهم .وكانت"ثورة"الخراساني امتدادا سياسيا
أيديولوجيا لالنتفاضات "العباسية" التي شهدتها الدولة األموية وقمعتها بوحشية ،والتي قادها أبناء وأحفاد
"العباس بن عبد المطلب"،عم النبي دمحم .وبانتصار العباسسين على األمويين ،بدأت واحدة من أعظم
العصور في التاريخ البشري حتى ذلك التاريخ ،على المستوى االقتصادي والعلمي ـ التطبيقي والفلسفي
واألدبي ،السيما خالل القرنين الثامن والتاسع .ذلك قبل أن يقضي عليها السالجقة والمماليك والغزاة
البرابرة المغول.
في القرنين الذهبيين،اللذين يشبهان ما ستعرفه فرنسا وأوربا الحقا خالل الحقبة"األنوارية"،
استعاد"اإلسالم الطالبي"بعضا من روحه ،فكانت "الثورة الثقافية اإلسالمية" األولى واألخيرة ،وأعني
"الحركة المعتزلية" .وكان العنصر"الفارسي" الفاعل األساسي في هذه الثورة الثقافية ،بالنظر ألن
أيديولوجيا "اإلسالم الطالبي" التي شكلت إطارا لهذه الثورة ،سمحت بتالقح أفكارها"العرفانية ـ
المساواتية" مع الحضارة الفارسية ،في أبعادها األربعة :العلمي /التطبيقي و الفلسفي واألدبي والديني.
ولهذا كان أمرا طبيعيا أن تكون األغلبية الساحقة من العلماء والفالسفة والمفكرين واألدباء الذين عرفتهم
الدولة العباسية في قرنيها الذهبيين المذكورين من أصول فارسية أو متأثرين بالحضارة والثقافة الفارسية
العريقة .وحتى على مستوى"السنة النبوية" ،تكفي اإلشارة إلى أن"اإلمام البخاري" ،الذي يعتبر المرجع
األساسي لإلسالم السني في كل ما يتعلق باألحاديث النبوية ،من أصل فارسي! بل إن"سيبويه" نفسه ،الذي
يعتبر إمام النحو العربي ،وحافظ اللغة العربية ،و"حجة العرب" وفق اإلمام السني الكبير "شمس الدين
الذهبي" ،مولود من أسرة فارسية!
كانت المزاوجة بين أفكار"اإلسالم الطالبي"،العرفاني ـ المساواتي ،والحضارة العلمية والفلسفية الفارسية،
السيما الفلسفة الزرادشتية(التي تعرف بـ"المجوسية")،هو ما قاد إلى ما أسميه "اإلسالم الفارسي"،والذي
يعتبر اإلسالم"الحقيقي"الوحيد المتبقي في مواجهة "اإلسالم التلمودي" من وجهة نظري .وأعني
10
بـ"اإلسالم الفارسي" ذلك الذي ولد في ركاب "الثورة الثقافية المعتزلية" التي طورت فكرة المسلمين
"الخوارج"عن"خلق القرآن"و"فصل السماء عن األرض"،و"اإلمامة"التي هي"شأن من شؤون الناس وال
عالقة هلل بها" ،واإلسالم"المدني" الذي خلص اإلسالم الرسمي من األيديولوجيا التناخية ـ التلمودية
وشقيقتها البدوية ـ العربية ،اللتين تشكالن مرجعية دينية للقتل واإلرهاب والكراهية والعنصرية إزاء كل
ما هو "آخر"( الغوييم).
ولهذا كان أمرا طبيعيا ومنطقيا،بل واجبا وفق منطق التاريخ ،أن يكون هذا"اإلسالم الطالبي"هو الذي أنتج
"ثورة القرامطة والزنج" التي تعتبر الحركة االجتماعية الوحيدة التي حصلت في التاريخ العربي ـ
اإلسالمي التي ينطبق عليها مفهوم"الثورة" بالمعنى العلمي ـ الماركسي ،أي وجود البرنامج االقتصادي ـ
االجتماعي والسياسي المعبر عن االنتقال من نمط وعالقات إنتاج أدنى إلى نمط وعالقات إنتاج أرقى.
وهذا "اإلسالم الطالبي" هو الذي أنتج معجزة "الدولة الفاطمية" التي كانت مرشحة ،وفق معايير وقوانين
االنتقال من اإلقطاع إلى الرأسمالية التي استنبطها كارل ماركس ومن بعده"موريس دوب" و"بول
سويزي" و"جيليانو بروكاشي" و"كريستوفر هل" و"إيريك هوبسباوم" ،للقيام بأول ثورة بورجوازية في
التاريخ واالنتقال إلى الرأسمالية ،قبل هولندة بأكثر من 211عام ،وقبل بريطانيا بأكثر من 911عام ،لوال
أن أجهز عليها البربري صالح الدين األيوبي ،أحد أبرز رموز"اإلسالم التلمودي" في العصر الوسيط،
الذي لم يكن يمثل أبدا القومية األكراد(كما يتوهم أكراد كثيرون اليوم) إال بمقدار ما يمثلها اليوم
"األخواني" عبد الباسط سيدا و"الداعشي" المال كريكار،وال عالقة له بها إال من حيث انتسابه لها
بالوالدة!
ولهذا كان أمرا منطقيا و واجبا أيضا ،وفق منطق التاريخ ،أن يكون جميع المفكرين والفقهاء المسلمين
والحركات اإلسالمية التي تتبنى هذا الشكل من "اإلسالم المدني" ،المؤمن بالمساواة والعدالة وفصل
السماء عن األرض في أمور الناس المعاشية ،تعود في أصولها إلى "اإلسالم الطالبي"المطعم بالفارسية ـ
المجوسية(الزرادشتية) .وهذه حقيقة تاريخية ال يمكن ألحد ـ إال الجاهل أو المشعوذ ـ أن ينكرها؛ بينما
جميع المفكرين وفقهاء اإلرهاب والحركات اإلسالمية التي تتبنى عقيدة القتل واإلجرام واإلرهاب وكره
اآلخر ،والتي تغلق الباب على نفسها في مواجهة أي تطور حضاري،هي سليلة "اإلسالم التلمودي" ،بدءا
من اإلمام "أحمد ابن حبل" وتلميذه النجيب "ابن تيمية" ،وانتهاء بالوهابية واألخوان المسلمين
و"داعش"و"جبهة النصرة"و أخواتها .وكان أمرا طبيعيا أن يكون"اإلسالم التلمودي"وحده وراء قتل
وذبح وتقطيع أجساد الرموز الفكرية والثقافية لـ"اإلسالم ـ الطالبي ـ الفارسي ـ الزرادشتي" ،ومن
الحضارات األخرى ،أو على األقل حرق كتبهم ،منذ الحسين بن منصور الحالج الذي قتل وقطعت
أوصاله على الصليب ،وحتى متحف الموصل ،مرورا بابن المقفع وابن رشد ومحي الدين بن عربي
والسهروري وابن سينا ،وصوال إلى ...فرج فودة!
ومن هنا ليس مصادفة أو مجرد "تكتيك سياسي" أن يتحالف سليلو هذا "اإلسالم" مع إسرائيل والصهيونية
في المواجهة الدائرة اليوم ،سواء في سوريا أو العراق أو غيرهما ،وآخرها قيام المعارضة السورية يوم
أول من أمس بتقديم التهاني لبنيامين نتنياهو بمناسبة فوزه في االنتخابات البرلمانية ،كما فضحتهم
"معاريف" و"يديعوت أحرونوت"! فهؤالء ـ في المقام األول واألخير ـ أحفاد الحاخام التناخي "عبد هللا بن
سالم" والحاخام التلمودي "كعب األحبار" والمفكر التناخي "وهب بن منبه" ،الذين كانوا أول من أدخل
الفكر التناخي والتلمودي وقصصه إلى القرآن والسنة ،وأول من ثقف دمحم بثقافة التناخ والتلمود وبأن
"إيلياء" هي نفسها أورشليم"(بيت المقدس) حيث الهيكل وحيث يجب أن تكون القبلة األولى للمسلمين!
11
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
(*) ـ ليس هنا مجال التفصيل في تأثير الحاخامات الثالثة على اإلسالم األول وعلى صياغة القسم األكبر من مرويات رواة
األحاديث النبوية من أحاديث عن لسان دمحم هي في الواقع مفبركة من قبل هؤالء الحاخامات ،وتأثير عبد هللا بن سالم على
وجه الخصوص بمحمد شخصيا .فهذا ما قمت باستخراجه من بطون العشرات من أعمال المؤرخين واإلخباريين والفقهاء
المسلمين الكبار ،أمثال "ابن سعد"( في طبقاته الكبرى) ،و اإلمام "الذهبي" (في "طبقات الحفاظ") و "السيوطي"(
في "اإلتقان في علوم القرآن") ،و"أبو منصور الجواليقي البغدادي" (في "المعرب من الكالم األعجمي") ،و "ابن
األثير" في تاريخه ..إلخ.
( )1ـ النص أعاله يشكل خالصة عامة جدا ،بل مبتسرة ،لكتاب "اإلسالم التلمودي واإلسالم الطالبي :بحث في الجذور
التناخية للقرآن واإلسالم المحمدي وافتراقه عن إسالم أبي طالب الحنيفي ـ النصراني" ،الذي شرفني أستاذنا المؤرخ
الكبير هادي العلوي بكتابة مقدمة له في العام ،1191رغم ما كان سيجره عليه من متاعب لو جرى توزيعه .فقد جرت
مصادرته من قبل المخابرات العسكريةالتي تقوم مقام الضابطة العدلية في نظام الطوارىء ،استنادا إلى كتاب من وزار
األوقاف إلى النيابة العامة .وال أعرف ما الذي حصل بنسخه ،ولو أن خمسا منها جرى حفظها ـ عمال بقانون إحداث
"مكتبة األسد" ـ في المكتبة المذكورة ،بوصفها "مكتبة اإليداع الوطني" .وفي هذه المكتبة هناك قسم الممنوعات ،الذي
يضم جميع الكتب والمطبوعات والمنشورات المصادرة من قبل جميع الجهات ،بما في ذلك المنشورات الحزبية .ومن
أسف أني لم أستطع الحصول سوى على غالفه وبضع صفحات منه ،على أمل الحصول على صورة كاملة عنه في
المستقبل.
12