Professional Documents
Culture Documents
1961
الدهداء
غسان
مقدمـــــــة
جرت العادة أن يحصل التنتاج اللول ل ي كاتب على " جواز مرلور "
للقارئ ...كلمة لقلم مشهور تتصدر الكتاب..ألو جمل موجزة على
ظهر الغل،ف ،ألو حملة دعائية لواسعة يشترك فيها الكاتب لوالناشر
لوأصدقاء الطرفين ،يحكون فيها كيف خلقت القصص ،لوكيف تنزفها
القلم المجرلوح ،لوكيف ..لوكيف..
أتنا أؤمن أن الكتاب يجب أن يقدم تنفسه ،لوإذا عجز عن إحراز جزء
من طموح كاتبه ،فعلى الكاتب أن يقبل ذلك ببساطة ،كما قبل ـ
مرات لومرا ت ـ أن يمزق قصصا ً ليعيد كتابتها ..ألو يكتب سوادها..
لودهكذا ) فموت سرير رقم ،( 12أدفعها لتشق طريقها ،إن
استطاعت أن تهتد ي إلى ألول الطريق ،بنفسها ،دلون " شفاعة "
لودلون " لوساطة " لودلون " جواز مرلور "..
حتى دهذه الكلمة ،يجب أن ل تكتب لول أتنني أردت منها شرح تنقطة
لواحدة..
مجموعة القصص قسمتها إلى ةثلةثة أقسام ..لولم يكن الهد،ف من
ذلك ملحقة التطور الزمني ،فبعض القصص قي القسم اللول
كتبت في فترة زمنية أتت في أعقاب القصص التي كتبت في
القسم الثالث مث ً
ل ..لولكن الهد،ف من دهذا التقسيم دهو الفصل بين
ةثلةثة أتنواع من القصص ،إذا عجزت دهي تنفسها عن توضيح الفرق
بينها ،فلن تستطيع دهذه الكلمة الموجزة أن تفعل..
لولبد أيضًا ،لولو بدا ذلك غريبا بعض الشيء ،أن أرسل عزائي إلى
العائلة المجهولة التي فجعت بموت ابنها " محمد علي اكبر " الذ ي
مات بعيدا ،لوحيدا ،غريبا ،على السرير رقم ،12لودهو ينز،ف عرقا ً
تنبيل ً في سبيل لقمة شريفة..
غسان كنفاتني
القسم اللول
كل صور عدد كاتنون اللول من المجلة الهندية "أ "..كاتنت رائعة ،
لولكن أرلوعها بل شك صورة ملوتنة لبومة مبتلة بماء المطر ..
لوتكمن كل رلوعها في لحظة اللقطة الموفقة ،لوفي براعة الزالوية
..لوادهم من دهذا كله :في اصطياد النظرة الحقيقية للبومة
المختبئة في ظل ليل بل قمر .
كنت في غرفتي :غرفة عازب بجدران عارية تشابه إحساسه
بالوحدة لوالعزلة ..أرضها متسخة بألوراق ل يدر ي أحد من أين
جاءت ،لوالكتب تتكدس فوق طالولة ذات ةثل ث قوائم رفيعة ،أما
القائمة الرابعة فلقد استعملت يدا ً لمكنسة ما لبثت أن ضاعت ..
لوالملبس تتكوم فوق مسمار طويل حفر عدة ةثقوب بظهر الباب
قبل ان يرتكز تنهائيا ً في ةثقبه الحالي .
قلت لنفسي لوأتنا أشد بصر ي إلى صورة البومة الرائعة :
-يجب أن تعلق دهذه الصورة على حائط ما ..فذلك يكسب الغرفة
بل شك شيئا ً من الحياة لوالمشاركة ...
-ألصقت الصورة بالفعل على الحائط المقابل للسرير ،لوأطرتها
بورقة بنية كي تنسجم مع الحائط بشكل من الشكال ،كان العمل
الفني ،إذن ،قد أخذ سبيله إلى الغرفة لوكان لبد أن اغبط تنفسي
على التقاط دهذه الصورة .
عندما آلويت لفراشي في منتصف الليل فاجأتني الصورة ،كان
ضوء الغرفة خفيفا ً بعض الشيء ،لوقد يكون دهذا دهو السبب الذ ي
من اجله بدت لي الصورة في غاية البشاعة ،كان رأس البومة
اكبر من المعتاد لوكان يشبه شكل ً رمزيا ً لقلب مفلطح بعض
الشيء ،أما المنقار السود فلقد كان معقوفا ً بصورة حادة حتى
ليشبه من منجل ً عريض النصل ،لوالعينان كاتنتا مستديرتين كبيرتين
يختفي أعلدهما تحت اتنحناءة الحاجبين الغاضبين ،كان في العيني
غضب لوحشي ،لوكاتنت النظرة – رغم ذلك – تحتو ي خوفا ً يائسا ً
مشوبا ً بتحفز بطولي لوتشبه إلى حد بعيد تنظرة إتنسان خضع فجأة
للحظة ما ،عليه أن يختار فيها بين أن يموت ،ألو أن يهرب كان
الوجه مخيفا ً لوبدا أن العيون المستديرة اللماعة باماضة حية ،
كاتنت تحدق عبر صمت الغرفة ،لوتخترق برعشتها الحية جمجمتي ،
لوتقول بصرير حار :
-أتذكر ؟ ..لقد التقينا مرة قبل الن
شعرت فجأة بأتنني أعر،ف دهذا الوجه تماما ً ،لوأتني أرتبط معه
بذكرى يجب أن ل تمحى ،تنعم ،أتنا أعر،ف تينك العينين الحادتين
الغاضبتين الصامدتين للحظة اختيار مخيفة ..لكن أين تقابلن ؟
متى ؟ كيف ؟
لقد بدا كل شيء مغلفا ً بضباب متكاةثف ،لورغم ذلك كاتنت ةثمة
ذكرى تلتمع من بعيد ،إل أتنها كاتنت غامضة مغرقة في البعد ،دهناك
سد كثيف يحول دلون رأسي لوتلك الذكرى ،لوكان لبد من التذكر .
فعينا البومة الغاضبتين تبعثان دفقة إحساس حاد في تنفسي بأتننا
قد تعارفنا قبل الن ..لولكن متى ؟ لوكيف ؟ لوأين ؟ .
ل اعر،ف في أ ي يوم لوقع الحد ث ،حتى ابي أيضا ً تنسي ذلك ،كان
اليوم المشؤلوم ،كان أكبر من أن يتسعه اسم ألو رقم ،لقد كان
في حد ذاته علمة من علئم الزمن الكبيرة ،من تلك التي توضع
في مجرى التاريخ كي يقول الناس " حد ث ذلك بعد شهر من يوم
المذبحة " ..مثل ً ..كان يوما ً من تلك اليام ل شك ،لوإل لكنا
حشرتناه تحت رقم الو تحت اسم ألو تحت عنوان .
لقد بدأ الهجوم قبيل منتصف الليل لوقال أبي الشيخ لمي فيما دهو
يتنكب بندقيته الثقيلة :
-اتنه دهجوم كبير دهذه المرة ..
لولقد عرفنا ،تنحن الصغار من أصوات الطلقات أتنه دهناك أسلحة
جديدة لوأن دهناك دهجوما ً من تناحية أخرى لم تطرق قبل الن ..لوان
قنابل حارقة قد سقطت في لوسط القرية فأحرقت بيتا ً لوأطفال ،
لوحين تنظرتنا من خصاص النافذة الواطئه شادهدتنا كمن يحلم –
أشباح تنسوة منحنيات يسحبن جثثا ً إلى داخل القرية ،لوكان
يستطيع المستمع بإمعان أن يلتقط صوت تنشيج مخنوق :إحدادهن
– دهكذا كاتنت تشير أمي – فقدت زلوجها لوصموددها في آن معا ً .
لقد بدأ قتال الفؤلوس إذن ،دهذا يعني أن الرجال قد تلحموا ،لوأن
جثثنا كثيرة قد ضاعت في خطوط العداء مطبقة أكفها بتشنج
عنيد على الفأس ،لواضعة أتنوفها براحة مطلقة على التراب
الطيب ،لومستلقية بهدلوء .
بدأت قريتنا تنكمش ،لولم يعد دهناك أ ي عمل للشيوخ غير أن
يعودلوا إلى بيوتهم ،لولقد شادهدتنا أبي يعود منهكا ً ،لولكنه لم يضع
أية لحظة بل توجه لتوه على درج عتيق كان محظورا ً علينا
القتراب منه لوتنالول مسدسا ً صغيرا ً دفعه لمي بعد أن تأكد من
حشوه ،لوأشار لها بعينيه تجادهنا ،أتنا لوأخوتي ،لوقفل عائدا ً إلى
الشارع .
دخلت خلف العجوز إلى غرفة دافئة مفرلوشة ببسط ملوتنة .
لوأخذت أراقبه فيما دهو يحرك ستارة ،لويتنالول من لورائها صندلوقا ً
صغيرا ً يضعه برفق بين ذراعي ،شعرت أن الصندلوق أةثقل من ما
يبدلو فتساءلت برأسي لواتاتني الجواب من فمه الدرد :
-دهذه قنابل كان المرحوم ابني خبأدها دهنا .
دهدأ الرعب في صدر ي ،لوعدت إلى عملي حتى إذا أكملت أتنشأت
أتنظر إلى البومة بإمعان ،كاتنت ما تزال على لوضعها اللول لوكان
ضوء القنابل المباغت يعطي لعيوتنها ظلل ً مرعب ً
ة ،لوبدت لي أتنها
مصرة على لوقوفها المتحد ي ،لوأتنها سو،ف تبقى رغم كل الرصاص
لوالموت.
عدت أدراجي إلى البيت ببطء لودهدلوء فلقد زايلني كل خو،ف كنت
أحسه قبل أن أرادها ..ةثم لم املك إل أن أتوقف دهنيهة لوأعود إلى
النظر إليها ،كاتنت ما تزال تحرك رأسها المفلطح بتحذير إتنساتني
عميق ،لوعلى إماضة قنبلة بعيدة ،شادهدت في عينيها ذلك التحد ي
الباسل ،الخائف بعض الشيء ،لولكن الصامد لضغط لحظة اختيار
لواحدة بين الفرار لوالموت .
***
لوألوشك الصبح أن يطلع لوأتنا في لوقفتي أمام الصورة الملوتنة
الملصوقة على الحائط العار ي ..لقد أتنهكتني الذكرى لولكني
أحسست بارتياح غريب فجأة ،فهأتنذا ألتقي بالبومة الغاضبة بعد
غيبة طويلة ! لوأين ؟ في غرفة منعزلة مترامية تتنفس بوحدة
مقيتة ،بعيدا ً عن قريتي التي كاتنت تعبق برائحة البطولت لوالموت
،لوكاتنت البومة ل تزال ملصوقة على الحائط تحدق في ،عبر زمن
متباعد لوينحدر منقاردها المعقو،ف صرير حاد :
-آيه أيها المسكين ..دهل تذكرتني الن ؟؟ !
شيء ل يذدهب
منتصف آيار
عزيز ي ابرادهيم
لست أدر ي لمن سو،ف أرسل دهذه الرسالة .لقد كان عهد ي لك
ان أحمل إلى قبرك في كل منتصف آيار بعض ازدهار الحنون ،
فأتنثردها فوقه ..لودها قد لوصل منتصف آيار دلون أن أجد لولو زدهرة
حنون لواحدة ..لولو لوجدتها ..فكيف لي أن أصل إلى قبرك كي
أعطيكها ؟ ..لقد مضت اةثنتا عشرة سنة ..لوأعتقد أتنك بعدت كثيرا ً
عن كل شيء ..فكما أتنت تغور إلى أعماق الرض لوتتفتت ،فأتنت
أيضا ً تغور في ذاكرتنا ،لوتتلشى ملمحك ،حتى ملمحك ،لم أعد
أذكردها جيدًا ..أما صوتك فلست أعر،ف كيف كان ..عيوتنك ،لم
أعد أذكر كيف كان بريقها ..لويصعب علي كثيرا ً أن أتصور
حركتك ..كل الذ ي بقي منك في ذدهني .جسد جامد ..كفاه فوق
صدره ..لوخيط رفيع من الدم يصل بين شفتيه لوأذتنه ،لوأذكر _
بوضوح دهنا _ كيف حملوك لوألقوك في الحفرة بملبسك كلها ..ةثم
أدهالوا التراب ،بينما مزق صمود رفاقك صوت تنحيب مجرلوح أخذ
يعلو خلفنا شيئا ً فشيئًا ،ةثم يصمت...
لوالسؤال الن دهو :لماذا اكتب لك ؟ ..ألم يكن الجدر بي ،لوقد
فشلت في حمل أزدهار الحنون الى قبرك ..أن استمر في الصمت
الذ ي بدأ منذ اةثنى عشرة سنة ؟ يبدلو أتنه من المستحيل ان استمر
في صمتي ...ان منتصف آيار يضغط على صدر ي لوكأتنه قدر
مجنون ،اخطأ ذات مرة ..فقتلك بدل أن يقتلني..
إن خيوط القصة بدأت تنحل في رأسي ..لواخشى أن أتنسادها ..
دهل تصدق ؟ .إتني _ حقا ً _ اخشى ان أتنسادها ! لوربما تنسيتها أتنت ..
فما الذ ي يعني منها الن ؟ ...لولكني أريد أن اساعدك ،لوأساعد
تنفسي في تنسج خيوطها من جديد .
معظم القصص ليس لها بداية ..لولكن الغريب ان قصتنا معا ً لها
بداية لواضحة ..بل أكاد أقسم أن بدايتها من الوضوح بحيث
تستطيع أن تعتبردها فصل ً مستقل ً عن جريان بقية أحدا ث حياتنا ..
كان الوقت بعيد العصر بقليل ،لوقد لوقفنا _ اتنت لوأتنا _ إلى جاتنب
الحجر الكبير الذ ي كان يشكل مقعدا ً أمام بيت جدك ...كنا بدأتنا
التعلم على استعمال السلحة ..لوحتى تلك اللحظة ،كاتنت أدهدافنا
علب الطعمة المحفوظة الفارغة ..لوصفائح الزيت العتيقة .لوإذا
لم تني ذاكرتي استطيع أن أقول أتننا استعملنا " ضوء الكاز "
كهد،ف لرصاصنا مرتين ألو ةثلةثة .
كان الوقت عصرا ً ..تنعم ،سو،ف اؤكد على دهذا مرة اخرى لن
الصورة ل يمكن أن تكتمل عناصردها إل إذا دخل إليها ضوء العصر ..
لقد لوقفنا إلى جاتنب الحجر الكبير ،ةثم سمعت صوتك :
-ألست تريد التنتقام ؟
لوتبعت سؤالك سلسلة من الضحكات القصيرة قبل أن أسأل
بدلور ي :
" -مم " ؟
لورفعت اصبعك تجاه الحائط المقابل ..لوأشرت إلى شيء ما ةثم
قلت لوالضحكة ما زالت تمسح كلماتك :
-من القط الذ ي سرق زلوج حمام من البرج ..
لوضحكت اتنا الخر ..لوتذكرت كيف استطاع دهذا القط الملعون أن
يصل إلى برج الحمام في الحديقة في ليلتين متتاليتين لويسرق منه
زلوجا ً من أجود الحمام الذ ي يحرص جد ي ،لوتنحن ،على
تربيته..لوقبل أن اصل إلى قرار سمعتك مرة اخرى..
-سو،ف أقتله أتنا إذا خاتنتك شجاعتك ..
لورفعت بندقيتك إلى كتفك ..لواطلقتها ،لومن خلل الدخان ذ ي
الرائحة الغريبة ،شادهدتنا القط المسكين يقفز مذعورا ً إلى الوراء
..ةثم يطلق ساقيه للريح إلى سور الحديقة المجالورة ،لويقف فوقه
متحفزا ً يحدق بعين مددهوشة إلى حيث خدشت الرصاصة جزءا ً
من الحائط العتيق ..لست ادر ي أ ي شيطان جعلني أدهتف:
-أخطأته ..سو،ف أجرب حظي ..
إتنني أذكر كيف صوبت إلى رأسه ..لوحينما رأيته مقعيا ً على الصور
من خلل اتنفراج علمة التصويب في مقدمة بندقيتي ،شعرت
برجفة ..لواضطرب التصويب لفترة ..كاتنت عيوتنه تحدق _ ماتزال
_ حواليه بجزع لوددهشة ..بينما أخذ ذيله يضرب الرض باتنتظام،
لوأذتناه تنتصبان لوتميلن بحثا ً عن الخطر ..لوفي لحظة ةثاتنية رايته
في منتصف علمة التصويب ..فضغطت الزتناد ..لقد لطمته
الرصاصة في لوجهه ..فاتنقلب لوتشنجت أرجله في الهواء تتحرك
راجفة ..ةثم دهوى إلى جنبه لواخذ الدم يتدفق ..
لوقدتني إليه ،لوقلبته بمقدمة سلحك ..لودهتفت ..
-إصابة رائعة ..في منتصف رأسه ..لقد قطعت سلسلة أفكاره ..
الكويت 1960
في جنازتي
أيتها الغالية...
ي أن اكتب لك..كل
لو أردت الحقيقة فأتنا ل اعر،ف ماذا يتعين عل ّ
الكلمات التي يمكن أن يخفقها قلم مشتاق كتبتها لك عندما كنت
دهناك ,أما الن..فل شيء أستطيع أن ل أكرره على مسمعك ..ماذا
أقول لك؟ أأقول كما يقول أ ي إتنسان سو ي بان حبك يجر ي دهادرا ً
في دمي كطوفان ل يلجم؟ كنت أستطيع أن أقول لك ذلك لو كان
دهذا الذ ي يجر ي في شراييني شيئا ذا قيمة ..لولكنني في الحقيقة
ي ل قيمة له على الطلق:
إتنسان مريض ..فالدم الذ ي يحترق ف ّ
فهو دم يليق بإتنسان عجوز ,تنصف ميت ,تنصف ساكن ,ليس في
صدره سوى صناديق الماضي المقفلة ,أما مستقبله فمجرد شمعة
تضيء آخر لهبها كي تنطفئ ,كي ينتهي كل شيء..
كنت اعتقد ,أيتها الغالية ,أن اليام حين تمر سو،ف تبلسم قليل من
الجرح ..لولكن يبدلو لي الن أتنني اشتد تهالويا كشيء افرغ من
تماسكه على حين فجأة فهو ل يعر،ف ماذا يقيمه .أن كل يوم يحفر
في صمود ي صدعا ل يعوض.لوكل لحظة تصفع لوجهي بحقيقة أمر
من حقيقة ..اليوم صباحا صعدت الدرج راكضا لوحين أشرفت
تنهايته أحسست بقلبي ينشد على ضلوعي لويتوتر حتى ليكاد
ينقطع..أ ي شباب دهذا؟ أ ي قيمة تبقى يا عزيزة؟ آية قيمة؟ لماذا
أسير اكثر إلى المام؟ أ ي شيء يلوح كالشبح في ظلمة سواددها
أقتم من ضمير طاغية؟ أ ي شيء أفدته من حياتي كلها..تنعم ؟ أ ي
شيء؟
لولكنني كنت أعيش من اجل غد ل خو،ف فيه..لوكنت أجوع من اجل
أن اشبع ذات يوم ..لوكنت أريد أن اصل إلى دهذا الغد..لم يكن
لحياتي يوم ذاك أية قيمة سوى ما يعطيها المل العميق الخضر
بان السماء ل يمكن أن تكون قاسية إلى ل حدلود ..لوبان دهذا
الطفل ,الذ ي تكسرت على شفتيه ابتسامة الطمأتنينة ,سو،ف
يمضي حياته دهكذا ,ممزقا ً كغيوم تشرين ,رماديا كألودية مترعة
بالضباب ,ضائعا كشمس جاءت تشرق فلم تجد افقها..
لولكن السماء ,لوالرض ,لوكل شيء ,كاتنوا على شكل مغاير لمال
صغيرة ...لقد مضت قاسية بطيئة ..لوحين كبر تسلمته عائلته كي
يعطيها اللقمة التي أعطته يوم لم يكن يستطيع أن ينتزعها
بنفسه ..المسؤلولية شيء جميل ...لولكن الرجل الذ ي يواجه
مسؤلولية ل يقدر على احتمالها تسلب رجولته شيئا فشيئا تحت
ضغط الطلب...كل شيء في العالم كان يقف في لوجهه...كل
إتنسان كان يصفعه ,لوكل يوم يمر كان يبصق في لوجهه شعورا مرا
حاد المرارة بالتقصير.
لورغم ذلك ...كنت أقول لذات تنفسي "اصبر ،يا لولد ،أتنت ما زالت
على أعتاب عمرك ،لوغدًا ،لوبعد غد ،سو،ف تشرق شمس جديدة,
الست تناضل الن من اجل ذلك المستقبل؟ سو،ف تفخر بأتنك أتنت
الذ ي صنعته بأظافرك ,منذ اسه اللول...إلى الخر" لوكان دهذا
المل يبرر لي ألم يومي؛ لوكنت أحدق إلى المام أدلوس على
أشواك درب جا،ف كأتنه طريق ضيق في مقبرة...
ةثم حد ث شيء جميل ,لقد اتنشقت الغيوم المتكومة عن ضوء بعيد,
تحررت قليل من ضغط الحاجة ..ةثم ..ةثم تعرفت إليك..أتذكرين؟
لقد جمعتنا حفلة صغيرة ,لوحين التقت عيوتني بعيوتنك أحسست
بمعول ينقض في صدر ي فيهدم كل المرارة التي اجترعتها طوال
طفولتي ...كان شعرك في أرلوع فوضى ,لوكاتنت عيوتنك مؤطرة
بسواد آسر ...لقد لوجدت تنفسي أحدق إليك دلون لوعي لوكتبت أتنت
عن دهذه اللحظة في مذكراتك ـ التي قرأتها فيما بعد ـاتنك
استلطفت دهذا البحار الذ ي يحدق كأتنما يوشك أن يرمي مرساته
في ميناء...
لومرة بعد مرة كنت أراك فأرى تنفسي اشد التصاقا بنفسي ...كنت
اقف أمامك كطفل يفصله عن لعبته زجاج لواجهة ملوتنة فحسب..
لوترتجف الكلمات المودهنة في حلقي ةثم تتساقط لواحدة تلو
الخرى إلى صدر ي فاسمع لها خفقا عنيفا يهز أضلعي ...لوعرفتك
اكثر فاكثر ...لوكتبت في مذكراتك عن تلك اليام..
” إتنني اتنتظر أن اعرفه اكثر فاكثر "...لوكنت أتنا ل أقوى ,بعد ,على
كتابة أيما شيء عنك...
ةثم ...آه أيتها العزيزة ,لقد أحببتك بكل القوى التي تحتويها ضلوع
إتنسان يبحث عن استقرار ..بكل خفقان القلب الذ ي تعذب طوال
عمره ...بكل صلبة الضلع التي جاعت ,لوتشردت لوتألمت ...من
اجل دهذه اللحظة ...كنت المنارة التي أشرقت على حين غرة أمام
الزلورق التائه ...لوتنشبت بهذا اليجاد بكل ما في زتنود ي من توق
إلى الطمأتنينة...
لوكتبت لي ,يوم ذاك ,تقولين" :لماذا أتنا اشتاق إليك كل دهذا
الشوق ,إذا كاتنت أتنا تعنينا تنحن الةثنين..كما اتفقنا؟"لوكنت أتنا أضم
أملى بعنف يليق به .لوكنت أريدك ..أريدك..بكل ما في الكلمة من
طلب ..لودا لي أن الحياة قد ابتسمت أخيرا لوان القلعة الجهمة من
اللم ,القلعة التي ارتفعت حجرا مرا فوق حجر مر في لوجود ي..
دهذه القلعة اطل من فوقها الن على كل دهذه السعادة ..لوأعطاتني
دهذا التصوير رضى كا،ف..
لوغبت عنك بعيدا حيث اقتلع لقم عيشي اقتلعا ..لودهناك ,في ذلك
البلد البعيد الذ ي يحتو ي على كل شيء لوليس فيه أ ي شيء ..البلد
الذ ي يعطيك كل شيء لويضن عليك بكل شيء لوفي ذلك البلد
البعيد الذ ي يتلون افقه في كل غرلوب بحرمان ممض ,لوالذ ي
يشرق صباحه بقلق ل يرحم..دهناك ,كنت أعيش على أمل أن
أستطيع ,في يوم يأتيان أضع حدا لكل شيء ..لوان أبدا معك من
جديد منذ البدء ..لولكن القدر كان ل يريد للشراع أن يندفع في ريح
طموح لوحينما جأرت عيون الطبيب تدب إلى خبر الرعب الذ ي
يجر ي في عرلوقي ,أحسست بالقلوع كلها تتهالوى في أعماقي,
لوسمعت قرقعة التهالو ي تدلو ي في أذتني ,لويدلور عالمي بي حتى
يغشى عيوتني بضباب ساخن ..لوعيون الطبيب إتمامي تكفن
مستقبلي ,لوعرلوق جبهته العريضة تقدم تفاصيل عذاب متصل
تناشف.
لوحين عادت بي أعصابي ,سمعت كلمات جوفاء يقيؤدها الطبيب بل
أعماق ,كلمات عن المل ,عن الشجاعة ,عن العلم ,عن
الشباب...كلمات فقدت بكل معاتنيها ,أصبحت حرلوفها مجرد ديدان
صغيرة تلتف حول تنفسها بل مبرر ...ما دهي الشجاعة التي يطالبني
بها الطبيب؟ أن ألواجه مستقبلت أتنا اعر،ف اتنه مشوب بالحرمان
لوالتعاسة؟ أم أن استسلم لهذا المستقبل بالقدرية التي تليق
بعجوز باع حياته كي يشتر ي أخرته كتاجر بل رأسمال؟ ما دهو المل
لوأتنا على يقين بان ل شيء يلوح في الفق ...أ ي شباب؟ تنعم أ ي
شباب دهذا الذ ي لم يومض قط ...الذ ي لم يعش قط..أ ي شباب؟
كم تافهة قيمة الكلمات التي يردددها الطبيب لمجرد أن كتب الطب
قالت ذلك.
لولكن الصفعة القوى أتت حينما دهبطت الدرج عائدا من عيادة
الطبيب ,لقد تذكرتك ...لوفي اللحظة التي لومض فيها لوجهك الحي
في عيني ,لومضت في صدر ي صاعقة يأس سوداء...
دهل تقبل دهذه التنساتنة رجل مريضا؟ كي تنجب منه أبناء مرضى؟
دهل تقبل أن تكون ممرضة؟ أن تعيش مع شاب تنصف ميت؟
لوكاتنت اليام التي أتت ذات قسالوة أعمق ..لقد فشلت أن أكون
بطل ,ألو شجاعا ,كما أرادتني الطبيب ,لوأحسست بان الشياء
الصغيرة التي كاتنت تمل حياتي بالتفاصيل قد فقدت أدهميتها
بالنسبة لي ,لوان اليام التي سو،ف تأتي ل تحمل في جواتنحها أ ي
خفقة جديدة لهذا القلب المسكين ...لقد فشلت في أن امثل دلور
البطل ...لوكان كل شيء في الحياة يتحداتني لويمتص صمود ي
لويشمخ أمام ضعفي كسد دهائل من اليأس...
أتنني امشي في جنازتي رغم اتنفي ...كل العظات الجوفاء التي
علمتها في السنوات الماضية تبدلو لي الن فقاعات صابون سخيفة
شديدة السخافة ,أن المرء يكون شجاعا ً طالما دهو ليس في حاجة
أ ي الشجاعة ...لولكنه يتهالوى حينما تصبح القضية قضية
حقيقية...حينما يصبح عليه أن يفهم الشجاعة بمعنى
الستسلم..بمعنى أن يلقي جاتنبا كل ما دهو إتنساتني لويكتفي
بالتفرج ,ل بالممارسة...
لوكنت أتنت ,في كل طريقي إلى غرفتي ,عذابي لودلوار ي ...لوكنت
أحس بك تتسربين من بين ضلوعي ,من بين أصابعي ,لوإتنني أعض
عبثا على أمل ل يريد أن يبقى معي ...لوكاتنت جملتك تدلو ي في
رأسي ,جملتك التي كتبتها لي ذات يوم":لو تبدلت أفكارك
سأتركك ...المهم سو،ف يكون فراق ...أتفهم أتنت معنى دهذا
الرعب ؟؟ " لم يتبدل رأسي ,أيتها العزيزة ,لقد تبدل دمي ,تبدل
كل شيء ...لوأخا،ف أن اقف أمام عيوتنك ,استجد ي حبك استجداء
إتنسان فقد أشياءه العزيزة ..أخا،ف ـ بكل ما في دهذه الكلمة من
جبن ـ أن أتطلع إلى عيوتنك فأرى معنى من معاتني الرفض مغلفا
بالشفقة ..سو،ف أحس بأن قدمي اتنزلقتا فوق الصخر الذ ي
أمضيت عمر ي أتسلقه بكل قوا ي ..لوسو،ف لن يقدر الواد ي ،قط،
أن يعيد لي لولو شيئا من الرغبة في الستمرار .أتعرفين معنى أن
يفقد التنسان كل شيء في مدى لحظات عودته إلى داره ؟
أتعرفين معنى أن يكتشف شاب بأن حياته القاسية الجافة لم تكن
إل عبثا ً محضا ً في لحظات قصار ؟ ةثم ،أتفهمين معنى أن يقوم
حب ما على أعمدة من الشفقة فحسب ؟
لوتنمت تلك الليلة في زلورق جموح يناضل دلوامة بل قرار ..لوكان
رأسي مسرحا ً لهزليات كثيرة تتعاقب دلون رباط ..آرائي التي
كوتنتها أصبحت في حاجة لتنظيف ..القيم التي عبدتها يجب أن
تحطم ..الحلم التي كوتنتها في صدر ي لم يعد لي حق امتلكها،
لوكل شيء في ماضي لوحاضر ي لومستقبلي تغلف بميوعة ذات
رائحة عفنة ..لوبدت لي كل القيم التي لوضعها التنسان المغرلور
لحياته ليست سوى دهذيان سكران يريد أن ينسى..
لوأفكار المريض ،حينما تجمح به تصوراته ،أفكار مضحكة مبكية..
لقد حبست لمدى لحيظات أن اختيار ي من بين آل،ف الل،ف من
البشر لكون مريضا ً الداء الملعون المزمن عملية تقييم فذة ،لوان
دهذا المرض لوسام من طراز تنادر يزين صدر ي من الداخل لوأتنني
أكاد اسمع رتنينه مع خفقان قلبي ..لولكن الحقيقة كاتنت شيئا ً آخر..
لوحينما صحوت كاتنت المأساة تمتد أمام بصر ي جهمة ،حادة،
سوداء ،ممتدة في مستقبلي إلى ما ل تنهاية ،تعبق بالعجز
لوالحرمان...
لماذا كنت أفكر فيك أتنت بالذات اكثر من أ ي شيء آخر ؟ .لقد بدا
لي كل شيء ممكن الحتمال ،لولكنك أتنت كنت عذابي الخاص
الملح ..لوكنت أريد ،بكل قوا ي ،أن احل دهذا اللحاح بصورة من
الصور ،أن أتركك ادهرب ...ألو أن التصق بك أكثر فأكثر ..لولكن
الموقف الخائف ،الموقف المتردد كان يقض رأسي بل رحمة..
لوبعد يوم آخر ،لوصلت إلى قرار ..أتنني ،الن ،ل أعر،ف ما الذ ي
دفعني إلى ذلك القرار ،لقد تنسيت ،ألو فلنقل أن الحدا ث التي
جرت فيما بعد جعلتني أتنسى ..لولكن الشيء الذ ي اذكر أتنه كان
في رأسي حينما قررت قرار ي دهو أتنني يجب أن أكون بطل ً لولو
مرة لواحدة حقيقية ..أن أكون لواحدا ً من ألولئك الذين ترد أسماؤدهم
في القصص بصفتهم لواجهوا مواقفهم الحادة بشجاعة فائقة،
لوصفعوا أقداردهم الخاصة بكل ما في لوسعهم من قسوة ..لوقلت
لنفسي ،فيا أتنا سعيد بعض الشيء بأتنني توصلت إلى قرار" :
سو،ف أسكب لها الحقيقة ،كل الحقيقة ..لولسو،ف تعرفه دهي أ ي
عذاب حملته لنفسي حينما قررت أن أتركها تبحث عن طريق آخر
لحياة سعيدة ،دهي تعر،ف كم احبها ..لولو لم تستطع أن تفهم عظم
تضحيتي الن .فلسو،ف تعرفها في المستقبل ..على أ ي حال ..أتنا
ل يهمني أن تعر،ف ألو أن ل تعر،ف ..كل ما دهنالك ،أن ضمير ي
سو،ف يرتاح بعض الشيء ،لوان حياتي ،سو،ف تكسب شيئا ً من
الطمأتنينة ،لوالقناعة"..
أتنت ل تعرفين ،يا عزيزتي ،كم كلفني دهذا القرار ..فلنقل إتنني كنت
مريضا ً منهارا ً فلم أستطع أن أفهم أ ي عمل أتنا مقدم عليه ..فلنقل
أتنني أردت أن أغوص حتى عنقي في ألوحال التحد ي المغرلور لوأتنني
أردت لنفسي أن تفقد كل شيء على الطلق طالما دهي فقدت
أدهم الشياء ..فلنقل أتنني أردت أن أمزق كل ما في صدر ي من
بقايا المال المحتضرة لوأن دهذا التحد ي السخيف كان الطريقة
الوحيدة التي أستطيع أن أبردهن فيها لنفسي – لولو لقصر مدى
ممكن – أتنه مازال في توقي أن أتصر،ف كإتنسان ..كأ ي إتنسان..
فلنقل أيما شيء ،لولكن الشيء الماةثل بإصرار دهو أن قرار ي كان
تنهائيَا ..لوأتنني ،طوال الطريق إليك ،كنت قابضا ً عليه في صدر ي
بكل ما في قدرتي ..لوان ضلوعي كاتنت تنبض بقسوة ،لولكن بل
جدلوى..
ما جرى ،بعد ،أتنت تعرفينه جيدا ً كيفما يعر،ف إتنسان ما لوجه عملة
ما ..لولكنه ل يعر،ف لوجهها الخر على الطلق ..لوكنت أتنا ذلك
الوجه الخر ،لقد صارعت في داخلي بكل قوا ي كي أستطيع أن
أقول لك ،ألو ألهث أمامك ،قرار ي ..لولكن كل شيء كان يرفض أن
يصل على حلقي ..كنت ل اقدر أن أقف كما يقف أ ي بطل
شكسبير ي ليز،ف مأساته بجرأة القرلون الماضية ..لوكنت ابحث
جادهدا ً عن تنافذة ادخل منها ..عن كلمة أتعلق بها ..عن أ ي شيء
اتكئ عليه ..لولكنني أعطيتك في تردد ي فرصة تنادرة لتهدمي مكل
شيء..
لقد كنت أجرأ مني في أن تعترفي بان دهنالك رجل ً أخر ..لوبأتنك
مضطرة لن ترضخي للفرص التي منحها لك ..لوالتي لم امنحها
أتنا ..لولكن دهل قلت لي أتنت بأن دهنالك رجل آخر حقيقة ؟ كل ..اتنك
لم تلفظي الكلمات ..قلتها بصراحة أقسى من أ ي كلمة لواضحة..
لوصفعتني بها قبل أن أجد الكلمة التي أحملها مأساتي ،لواشحنها
بنبأ مرضي الحزين ..لقد قلت كل شيء بجرأة تليق بامرأة تريد أن
تستقر ..لوحينما غيبك الباب ،غيبتك اليام .لوذدهبت إلى حيث ل
ادر ي ،لولكنني أحس ..لولقد عذبتك اللحظة ،دهذا شيء لواضح
لولكنك تركت كل شيء معي ،بين الجدران العارية ،لوذدهبت..
بدأت ..تنسيت ..لولم تسمعي مني ابدأ الكلمات التي زرعتها بكل
ما تبقى من كرامتي .الكلمات التي جمعتها ليلة بعد ليلة من
لهاةثي ..لوشجاعتي ..لوخوفي ..لوالتي لم يتيسر لي أن أقولها لك..
لوكنت أحدق إلى الباب العتيق بعدما أغلقته ..كان يخيل إلي أتنني
مازلت أراك تدقين أرصفة دمشق ،لوكنت اسمع خفقات خطواتك
بكل لوضوح ،لولكنني كنت في القاع ..في آخر الدلوامة ..لقد
شعرت فورا ً أ ي شيء فقدت ..لوفقدته رغم أتنفي ..أتنت ل تعرفين
أتنك أضعت علي فرصتي الخيرة في أن استعيد إتنساتنيتي التي
امتصها المرض حتى آخردها ..أتنت ل تعرفين كم حرمتني من
لوسيلتي الوحيدة التي كنت أريد أن أقنع تنفسي بأتنني ما زالت
أستطيع أن أكون شجاعًا ..لوبدت لي كل حياتي صدفة فارغة لم
يكن لها أ ي معنى ..لوأن أخطاء العالم كلها تلتقي عند ي..
لماذا تسرعت في العترا،ف ؟ لماذا ؟ لماذا لم تتركي لي فرصتي
الخاصة في أن أمثل آخر أدلوار ي ؟ ..لولكنك ل تعرفين ..لقد حد ث
كل شيء بسرعة ،لوأتنت الن دهناك ،في حديقة ما ،أن لك كل الحق
في أن تفعلي ،لوفي أن يفعل ،لولكن من يستطيع أن يمنعني ،أتنا
الخر ،من أن أحقد عليكما ..على الجميع ..لوعلى تنفسي ؟ من
يستطيع أن يحرمني من أن أكردهكم جميعًا ..لوأتمنى الموت لكم..
لولي ..لولكل شيء؟القيم لوالمثل ؟ كل ،أتنها قيمكم لومثلكم اتنتم..
الناس الصحاء السعداء ..أما قيمي لومثلي فهي شيء آخر ..شيء
خاص مختلف يتناسب لوأكوام المرارة التي أعيش فوقها.
أرأيت ؟ لقد كان الفرق لحظة لواحدة فحسب ..لو تأخرت في
اعترافك ،لكان تغير كل شيء .لولكن الفرصة قد ضاعت الن..
لوابتدأت أتنت تماما ً من حيث اتنتهيت أتنا..
دمشق1959 -
كعك على الرصيف
أتكون محض مصادفة غربية إتنني التقيت به ,الن ,في تنفس
المكان الذ ي شادهدته فيه ألول مرة؟
لقد كان مقرفصا دهناك؟ كأتنه لم يزل كذلك حتى اليوم :بشعره
السود الخشن ,لوعينيه اللمعتين ببريق رغبة يائسة ,منكبا ً على
صندلوقه الخشبي يحدق إلى لمعان حذاء باذخ..لقد استطاعت
صورته أن تحفر في عظم رأسي قبل عام لواحد ,حينما رأيته في
تلك الزالوية بالذات ,ل لشيء غير عاد ي ,سوى أتنني ـ أتنا تنفسي ـ
كنت احتل دهذه الزالوية قبل عشر سنوات ,حينما كاتنت المحنة على
اشددها ,لوكاتنت طريقتي في مسح الحذية تشابه طريقته إلى حد
بعيد ,كان الحذاء بالنسبة لي دهو كل الكون:رأسه لوكعبه قطبان
باردان ,لوبين دهذه القطبين كاتنت تتلخص دتنيا ي.
لوقبل عام ,حين مررت به ,قاءت شفتاه عرضا آليا دلون أن تنظر
عيناه إلى الحذاء:
ـ أستطيع أن أحوله إلى مرآة ،يا سيد ي..
لوبدافع من رغبة خاصة ,تعوضني عن شهور طويلة من السى,
ركزت قدما على حدبة الصندلوق حيث تيسير لي أن أشادهد خطا ً
عريضا ً من العرق يبلل ظهر قميصه الزرق المتسخ ,لوكاتنت
عضلت كتفه الضامرة الصغيرة تنقبض لوتنبسط ,لوكان رأسه يهتز
باتنتظام..
ـ دهذا حذاء رخيص..
لم أحس الدهاتنة على الطلق ,فلقد كان شعور ي حينما كنت
أشادهد حذاء رخيصا يشابه شعوره ,لكني لم اكن اعبر عنه بهذه
السذاجة ,كان الحذاء الرخيص يشعرتني باقتراب غامض بيني لوبين
العالم ..لورغم ذلك ,فلقد رغبت في تغير الحديث..
ـ كم عمرك؟
ـ إحدى عشر سنة..
ـ فلسطيني؟
دهز رأسه فوق الحذاء ,دلون أن يجيب ,أحسست بأتنه يخفي شعورا
بخجل صغير..
ـ أين تسكن
ـ في المخيم
ـ مع أبيك؟
ـ ل ,مع أمي..
ـ أتنت طالب أليس كذلك؟
ـ تنعم.
لوتنقر بإبهامه على النعل ,ةثم طالعني بعينين صافيتين ,باسطا ً كفه
الصغيرة تجادهي ,لوأحسست بخيط رفيع من السى في حنجرتي,
لوتنازعي شعوران حادان :دهل أعطيه أجرته فحسب؟ أم أزيد
عليها؟ كنت حينما أعطى اجر ي حسب استحقاقي أحس شر،ف
عملي ,لولكنني حين كنت ألودهب دهبة ما كنت اقبلها لوشعور بالدهاتنة
يتراكم فوق سعادتي في أتنني كسبت اكثر...
لولكن صلتي "بحميد" لم تنته باتنتهاء دهذا المنظر ..فبعد اقل من
شهر لواحد عينت مدرسا ً في مدارس اللجئين ,لوحين دخلت إلى
الصف للول مرة شادهدته جالسا في المقعد اللول ..كان شعره
السود الخشن اقصر من ذ ي قبل ,لوكان قميصه المهترىء مجرد
محالولة فاشلة لستر عريه ..لوكاتنت عيوتنه مازالت تلتمع ببريق
رغبة يائسة..
لقد سرتني اتنه لم يعرفني ,لورغم اتنه من الطبيعي أن ينسى ماسح
الحذية زبائنه العابرين فلقد كنت أخشى من كل قلبي أن
يتذكرتني ,لولو فعل لكان لوجود ي في الصف حرجا ل مهرب منه..
لوطوال درسي اللول كنت أحالول عبثا ً أن اتنتزع بصر ي عن لوجهه
المكتسي بتحفز مشوب بقلق صغير..لقد كان الصف كله مزيجا ً
من عدد كبير من أشباه حميد ,صغار ينتظرلون بفارغ الصبر صوت
الجرس الخير كي يشدلوا أتنفسهم إلى أزقة مترامية في مجادهل
دمشق الكبيرة يصارعون الغرلوب من اجل أن يكسبوا العشاء..
كاتنوا ينتظرلون الجرس بتوق جائع كي يتوزعوا تحت السماء
الرمادية الباردة ,كل منهم يمارس طريقته الخاصة في الحياة...
لوكاتنوا يعودلون ,إذ يهبط الليل إلى خيامهم ألو إلى بيوت الطين
حيث تتكدس العائلة صامتة طوال الليل إل من أصوات السعال
المخنوقة ..كنت أحس بأتنني ادرس أطفال اكبر من أعماردهم..
اكبر بكثير ,كل لواحد منهم كان شررا اتنبعث من احتكاكه القاسي
بالحياة القاسية ..لوكاتنت عيوتنهم جميعهم تنوس في الصف كنوافذ
صغيرة لعوالم مجهولة ,ملوتنة بألوان قاتمة ,لوكاتنت شفادههم
الرقيقة تنطبق بإحكام كأتنها ترفض أن تنفرج خو،ف أن تنطلق
شتائم ل حصر لها دلون أن يستطيعوا رددها..كان الصف إذن عالما
صغيرا ..عالما من بؤس مكوم لكنه بؤس بطل..
لوطوال تلك الليلة ,كنت أتصور المسكين الصغير يدلور حافيا في
شوارع دمشق النظيفة ينتظر خرلوج رلواد السينما ..كنا في
تشرين ,لوكاتنت السماء تمطر في تلك الليلة ..لوتصورته لواقفا في
زالوية ما راعشا كريشة في زلوبعة ..ضاما كتفيه قدر جهده إلى
بعضهما ,لوداسا كفيه في مزق ةثوبه محدقا إلى صحن الكعك
أمامه ..منتظرا شخصا ما يخرج من القاعة جائعا كي يشترى
كعكة ..شخصين ..ةثلةثة ..لويتسع فمه بابتسامة ,يائسة لويحدق إلى
ميازيب تشرين من جديد.
لولكنه كان يبدلوا منهكا بصورة حادة ,لودهكذا ,اقتدته إلى غرفة
المدرسين ,كاتنت غرفة عارية إل من صورة رسمها مدرس الرسم
الفاشل ببقايا ألوان الطلبة ،لوكاتنت المقاعد الثقيلة منثورة تحت
الجدران الرطبة لوحول مائدة صغيرة تكدست عليها أكوام الدفاتر
لوالكتب ,لقد لوقف حميد في باب الغرفة ,مستشعرا كما يبدلوا
إحساسا غريبا ,كان قلقا بعض الشيء ,لوكاتنت طاقيته تدلور بين
أصابعه الصغيرة ,لوعيوتنه تتنالوب التحديق إلي ,لوالى الغرفة..
-تنم على أ ي مقعد ,سو،ف تنضع حطبا في المدفأة.
تحرك بطيئا إلى المقعد القريب ,لوجلس فوقه تنصف جلسة ,فيما
إلتمعت عيناه بسعادة الد،فء.
-دهل بعت كثيرا من الكعك ليلة أمس ؟
-ليس كثيرا..
لوفى الفرصة كان حميد يغط في تنوم عميق ,لوكان اتنفه الصغير
مازال مزرقا من فعل البرد إل أن الدم كان قد بدأ يرد إلى لوجنتيه.
لم يسأل أحد من الساتذة أ ي سؤال ,إذ أن حواد ث كثيرة من دهذا
الطراز كاتنت تحد ث كل يوم ,لواكتفى الجميع برشف الشا ي
صامتين.
لوطوال اليام التالية كنت ابحث عن طريقة ادخل فيها إلى حياة
حميد دلون أن يمسه فضولي ,لوكاتنت دهذه العملية صعبة للغاية ,إذ
أن كل طالب في مدرسة النازحين كان يصر على الحتفاظ
بمأساته الخاصة ,لوضمها بعنف في صدره..كأتنما كان دهنالك شبه
اتفاق مشترك على أن دهذا لواجب لوضرلور ي..
إن الشياء الصغيرة ,حينما تحد ث في لوقتها ,يكون لها معنى اكبر
منها ,اقصد أن دهنالك بداية صغيرة لكل حاد ث كبير..
ففي أحد اليام آتى أخي الصغر إلى المدرسة يحمل طعام الغداء
لي ,لوحينما أعلمني خادم المدرسة بذلك ,أرسلت حميدا إليه كي
يأخذ منه ألوعية الكل .لوعندما عاد حميد أحسست بأتنه أدهين بكيفية
ألو بأخرى ,لولذلك طلبت منه أن يراجعني في غرفة المدرسين,
أةثناء فرصة الغداء.
دخل حميد غرفة المدرسين قلقا كالعادة ,كنت لوحيدا ,لورغم ذلك
فان قلقه لم يبارحه ,كاتنت أصابعه تدلور طاقيته باضطراب ,لوكاتنت
عيوتنه تلتمع كعادتها..
ـ حميد ,دهل أعجبك أخي؟
ـ اتنه يشبه أخي..
لم اكن أتصور أن الموضوع سو،ف يطرق بهذه السرعة...لولذلك
فلقد سألت متعجبا:
ـ أخوك؟ أتنني اعر،ف أن لك أختين فحسب..
ـ تنعم .لولكن أخي مات..
ـ مات؟..
أحسست باضطراب أتنا الخر ,فهذا الصغير يضم صدره الضامر
أسرار كبيرة..
ـ كان اصغر منك..دها؟
ـ كل..اكبر مني..
ـ كيف مات؟
لولكن حميد لم يجب ,لوشادهدته يغالب دمعا غلبه في تنهاية المر,
لوامتل لوجهه الصغير بدمع غزير اخذ يمسحه خجل بعض الشيء...
ـ حسنا..ل تتكلم ..أتعر،ف إن أخي أتنا الخر مات؟
ـ صحيح؟
ـ تنعم ..لقد ددهسته سيارة كبيرة..
كنت اكذب..لولكنني رغبت في أن أشارك أحزان الصغير بكيفية
ما..لوشعرت بان كذبتي أخذت طريقها السو ي إلى رأسه إذ
التمعت عيناه بأسى مفاجئ لومضى يحكي ببطء:
ـ أخي لم تددهسه سيارة...لقد كان يعمل خادما في الطابق
الرابع..لوكان سعيدا..
كان حميد يستخدم بذراعيه كي يوضح كلمه لوكاتنت دموعه تنساب
دلون أن يشعر..
ـ لقد اطل في قفص المصعد فقطع المصعد رأسه لودهو يهبط..
ـ مات؟
لقد بدأت مشكلة حميد تدخل شيئا فشيئا فيما بعد ,إلى حياتي.
كنت ل أستطيع على الطلق أن أكون عابرا في حياته ,متفرجا إلى
مأساته ,لومن بين عشرات المآسي التي حفل بها صفي لم تجذبني
إل عيون حميد البائسة اليائسة..صرت أفكر فيه على الدلوام.لوكثيرا
ما كنت اقرر أن أبدأ بنفسي ,خارج المدرسة ,بحثا متصل حول
حياة حميد..بل لقد فكرت يوما في أن ابحث عن طريقة تجعل أمر
مساعدته ماليا شيئا طبيعيا ل يحمل رائحة الدهاتنة..لولكن كل شيء
كان يدلور مجهدا حوالي ,لوكان ينتهي إلى الفشل أمام العيون التي
تحتو ي ,إلى جنب السى ,شيئا كثيرا من الكبرياء لوالتعالي..
إل أن علقتي بقضية حميد أخذت تخفت شيئا فشيئا بعد سلسلة
من الحدا ث الصغيرة جعلتني احمل تنقمة غريبة على دهذا المخلوق
الصغير ,المقعد ,المكوم فوق أسرار ,ل تنتهي إلي لتبدأ ,لول تبدأ إل
لتستمر..فلقد حد ث ذات يوم أن شكا إلي حميد أستاذا زميل أدهاتنه
إدهاتنة بالغة.لولقد قال حميد ,يومها ,لودهو يحدق إلي مكشرا بعض
الشيء:
ـ إتنني يتيم...لوإل لكنت استدعيت أبى..
ـ دهل..أبوك ميت؟..
قال بخجل لودهو يطأطئ رأسه:
ـ تنعم..
ـ لماذا لم تقل لي ذلك من قبل؟
لم يجيب حميد على سؤالي لواكتفى بان دهز رأسه باتصال,.
لوصمت:
ـ أتنت الذ ي تصر،ف على عائلتك إذن؟
ـ تنعم..أتنا الذ ي اصر،ف..أن أمي تكسب قليل من تنظيف مخازن
لوكالة الغو ث..لولكنني أتنا اكسب اكثر..
لوصمت حميد قليل ةثم اتندفع قائل لودهو يبسط كفيه الصغيرتين
مستعينا بحركاتهما:
ـ إتنني اشتر ي كل ةثل ث كعكات بعشرة قرلوش..أبيع الكعكة
الواحدة بخمسة قرلوش..
ـ أما زلت تنام لوأتنت تنتظر خرلوج رلواد السينما؟..
ـ كل..لقد تعودت السهر..
دهل من الضرلور ي أن يعتر،ف المدرس ,بين الفنية لوالخرى ,بأتنه
يلجا إلى الغش كي يعين طالبا مسكينا على النجاح؟.لقد كنت أتنا
افعل ذلك..كاتنت علمات حميد جيدة على الدلوام رغم اتنه كان
متوسط المستوى ,لكني لم اشعر قط بعدالة علماتي بقدر ما
كنت اشعر دهذه العدالة حينما كنت أسجل علمات حميد..
لولكن القضية ل تتحرج دهنا على الطلق ,لقد بدأت تتحرج فقط
حينما أخذت اشك في سلوك دهذا "الحميد" لوفي كلمه لي ,بل
لوفي دمعه أيضا..
لوفي عصر يوم قائظ من أيام تنهاية العام تنقل ألي تلميذ الصف أن
خادم المدرسة ضرب حميدا ضربا قاسيا حينما كان يحالول عبور
حاجز المدرسة دهاربا ,لوحينما استدعيت الخادم إلى غرفة
المدرسين كي أعاتبه لوجدتني ألواجه رجل يتمتع بقناعة غريبة بأتنه
إتنما فعل عين الصواب ,ضاربا عرض الحائط بكل مفادهيم التربية
النموذجية التي حالولت أن ألوضحها له..حينذاك لم أجد بدا من أن
ألواجهه بمنطقه الخاص:
لوطوال الطريق إلى بيتي كاتنت كلمات أبى سليم تعرك رأسي
لويدلو ي صدادها في حنجرتي..لوكنت احد ث تنفسي زاعما لها أن
اؤلئك الملعين الصغار دهم في الحقيقة اكبر بكثير من أعماردهم
لوان الخطأ كان في أتنني عاملتهم على اتنهم أطفال فحسب ,لقد
تغاضيت عن كوتنهم رجال صغار يستطيعون الوصول إلى ما يريدلون
بأية طريقة تخطر على بالهم..لوان لعبة حميد على أستاذه ليست
في تنظره سوى لعبة بائع كعك على زبون تنصف سكران تنتهي
بشراء كعكتين ,ألو كعكة بسعر كعكتين ..
أتت تنهاية احتمالي في غداة يوم قائظ ,كنت عائدا فيه من
المدرسة فرأيته فجأة بعد غياب طويل..