You are on page 1of 212

‫الجن‬

‫واختلقا الرأباب‬

‫بقلم‪:‬‬
‫الشيخ‪ /‬عمرأو الشاعرأ‬

‫‪1‬‬
‫كلمة الغلفا الخلفي‬
‫عبرأ العصورأ أشرأك النإسان برأبه العلي آلهة كثيرأة‪ ,‬فعبدها من دونإه‪ ,‬ومع مرأورأ‬
‫الزمان تساقطت أكثرأ هذه اللهة المفترأاة‪ ,‬فلم يبقا منإها إل القليل‪.‬‬
‫ومن القليل الذي ل يزال ييعبد من دون ال –بالدعاء أنإه رأمز!‪ -‬الحجرأ والشجرأ‬
‫والنإسان‪ ...‬وكائنإات غيرأ مرأئية!‬
‫لذا نإعرأض في كتابنإا لتلك الكائنإات الرأباب التي يعبدت من دون ال‪ ,‬لنإبين أنإها لم‬
‫تزد عن بشرأ يجعل إلها‪ ,‬بإرأجاع أصله إلى الرأب العلى!‬
‫ولنإبين للمسلم‪ ,‬الذي يقفا موقفا الساخرأ من أولئك الذين عبدوا مسوخ آلهة‪ ,‬إلى‬
‫أنإه قد وقع في الفخ بشكل مغايرأ‪ ,‬فهو وإن لم يعبد تلك اللهة المختلقة‪ ,‬إل أنإه قد‬
‫اسيتدرأج إلى ساحة قتال وهمية‪ ,‬وبعد أن خرأج منإها خائرأ القوى‪ ,‬سللم للجن ‪...‬‬
‫وعبدهم!‬
‫فنإكشفا له إفك الجن الخرأافي المختتلقا‪ ,‬وكيفا أنإه ل ضرأ منإه ول نإفع‪ ,‬لنإه ل‬
‫وجود له إل في ذهنإه! وأن كل ما حيك حوله فقاعة كبيرأة ل تحتاج إلى أكثرأ من‬
‫إبرأة لتتلشى! وكيفا أنإه أساء إلى ال بإيمانإه بوجوده‪ ,‬وبوصفه بأوصافا جعلته‬
‫إلها أو يكاد! ثم نإعرأفه بالجن الحقيقيين‪ ,‬وعنإدما يعرأفهم فسييقرأ أن أكثرأ البشرأ –‬
‫وأكثرأ المسلمين‪ -‬يعبدونإهم من دون ال! فهل سيتبرأأ منإهم أم يظل على شرأكه؟!‬

‫‪2‬‬
‫بسم ال الرأحمن الرأحيم‬

‫تقـديم‬
‫الحمد ل وسلم على عباده الذين اصطفى‪ ,‬فال خيرأ مما يشرأكون‪...‬‬
‫خلقا السماوات والرأض بحكمة‪ ,‬وأنإزل من السماء ماء‪ ,‬فأنإبت به حدائقا ذات‬
‫بهجة! جعل الرأض قرأارأا وجعل خللها أنإهارأا وجعل لها رأواسي وجعل بين‬
‫البحرأين حاجزا! فما من إله مع ال!‬

‫‪3‬‬
‫يجيب المضطرأ إذا دعاه ويكشفا السوء‪ ,‬ويهدينإا في ظلمات البرأ والبحرأ‪ ,‬ويرأسل‬
‫الرأياح بشرأا بين يدي رأحمته‪ ,‬يبدأ الخلقا ثم يعيده‪ ,‬وهو علم الغيوب!‬

‫هو الواحد الحد الفرأد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفيوا أحد‪ ,‬تفرأد‬
‫بالجلل والكمال‪ ,‬وتنإزه عن الشبيه والمثال‪ ,‬وتعالى عن قيل وقال!‬
‫نإحمده حمدا يليقا بجلله وعظمته! ونإبرأأ من الحول والطول إل به وإليه‪ ,‬ونإعوذ به‬
‫أن نإقول عليه ما ل نإعلم وأن نإنإسب إليه ما ل يليقا به‪ ,‬ثم أما بعد‪:‬‬

‫يتعد مسألية وجود كائنإات غيرأ مرأئية من المورأ المسلم بها بين يجل البشرأ‪ ,‬بغض‬
‫النإظرأ عن انإتماءهم الدينإي أو الفكرأي وعن مستوى التقدم العلمي للمجتمع الذي‬
‫ينإتمون إليه‪ .‬ويختلفا تصورأ البشرأ لتلك الكائنإات ولدوارأها ولمقدرأتها من مجتمع‬
‫إلى آخرأ بل من فرأدد لخرأ‪ ,‬إل أنإه ثمة ما يشبه الجماع على أن لهذه الكائنإات قوى‬
‫"خارأقة" تفوقا قوى البشرأ‪ ,‬ويكفيهم أنإهم غيرأ مرأئيين وأنإهم يستطيعون النإتقال من‬
‫مكان إلى آخرأ بسرأعة فائقة‪ ,‬ل يعوقهم في هذا عائقا‪.‬‬

‫وتبعا لتصورأ كل مجتمع لتلك الكائنإات ولدوارأها يتشكل مسلك أفرأاده تجاه تلك‬
‫الكائنإات‪ ,‬بين الخوفا والتجاهل والسترأضاء‪ ...‬بل والعبادة‪.‬‬
‫ومع الثورأة العلمية والفكرأية التي استشرأت في زمانإنإا هذا‪ ,‬لم تعد الكائنإات الغيرأ‬
‫مرأئية تحتل المكانإة المقتدمة في عقول أكثرأ البشرأ‪ ,‬لكتشافهم أنإها ليست هي التي‬
‫تلعب كثيرأا من الدوارأ التي نإسبها القدمون إليها!‬
‫وعلى الرأغم من ذلك فقد بقي اليمان بوجودها إيمانإا مبهما عنإد أكثرأ النإاس‪ ,‬حتى‬
‫الملحدة‪ ,‬ل يعرأفون لها دورأا ول غاية ولكنإهم يقرأون بوجودها‪ ,‬تبعا لقرأارأ القطيع‬
‫البشرأي‪ ,‬فالنإسان بطبعه ل يشغل باله إل بما يشكل فارأقا في مسارأ حياته‪ ,‬وهذه‬
‫المسألة ليست كذلك‪ ,‬فلماذا يتفكرأ فيها؟!‬

‫ويختلفا الوضع بالنإسبة لتباع الديان‪ ,‬فهم يؤمنإون بوجودها وبتأثيرأها الفاعل في‬
‫حياة البشرأ‪ ,‬لن كتبهم "المقدسة" الموحى بها من الرأب‪ ,‬قد أخبرأتهم بوجودها‪,‬‬
‫وعلرأفتهم بأدوارأها‪ ,‬ومن ثم ل يمكن إنإكارأها!‬
‫ولم يختلفا السلم عن غيرأه من الديان في حديثه عن كائنإات غيرأ مرأئية‪ ,‬لها دوررأ‬
‫رأئيس في حياة النإسان‪ ,‬بل وفي تسييرأ الكون كله‪ ,‬جعل اليمان بها رأكنإا من‬
‫أرأكان اليمان‪ ,‬كما تحدث عن كائنإات أخرأى تلعب الدورأ الرأئيس في التضليل‬
‫والفساد والهلك‪.‬‬

‫وهكذا آمن المسلمون بوجود عوالم مختلفة من الكائنإات الغيرأ مرأئية‪ ,‬يلعب كل‬
‫منإها دورأا في هذه الحياة‪ ,‬فهنإاك عالم الملئكة‪ ,‬وهنإاك عالم الشياطين وهنإاك عالم‬
‫الجن! ومنإهم من جعل الشياطين من الجن‪ ,‬إل أنإهم يقومون بأدوارأ مغايرأة‪.‬‬
‫وأصبح اليمان بهذه العوالم بهذا الشكل من ضرأورأات اليمان‪ ,‬ومن ل يصدقا بها‪,‬‬
‫أو يفهمها بشكدل مغايرأ‪ ,‬فهو منإكررأ لثوابت الدين بل وخارأج عنإه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وعلى الرأغم من أن كثيرأا من المفكرأين عملوا على نإقد "الخرأافات" التي يدست في‬
‫الفكرأ السلمي‪ ,‬وعملوا على إبطالها وإظهارأ زيفها‪ ,‬وكيفا أنإها ليست من الدين‬
‫السلمي في شيء‪ ,‬إل أن أكثرأهم لم يعرأضوا لهذه الكائنإات بالقدرأ الكافي أو لم‬
‫يعرأضوا لها مطلقا! وذلك لظنإهم أنإها بالفعل كما أخذوها عن سابقيهم‪ ,‬وأنإها مما ل‬
‫يصدقا عليها قوانإين كونإنإا‪ ,‬ومن ثم ل يمكن الحكم عليها تبعا لهذه القوانإين‪ ,‬أو‬
‫لظنإهم أنإها تحتوي قدرأا من الخرأافة‪ ,‬إل أن الصل نإفسه صحيح‪ ,‬وأنإها من المورأ‬
‫التي ل ينإبغي للعقل الحكم عليها‪ ,‬ومن ثم ترأكوها!‬

‫ونإحن كذلك كنإا قد تجنإبا الخوض في هذه الغيبيات إل بالقدرأ اليسيرأ‪ ,‬وذلك لكونإنإا‬
‫اتخذنإا البنإاء منإهجا‪ ,‬بالعمل على مزاحمة الباطل بالجديد الجيد‪ ,‬ونإترأك للمتلقي‬
‫الختيارأ والموازنإة بين الصنإفين‪ ,‬فإن تقلبله هدم الباطل بنإفسه!‬
‫بينإما لو رأكزنإا على الهدم‪ ,‬لضعنإا جل جهدنإا فيه‪ ,‬لما يعوزه من جهد كبيرأ‬
‫متواصل‪ ,‬محكوم بأن ييتتبع بالبنإاء‪ ,‬فل يكفي أن ييهدم الباطل لييقبل الحقا‪ ,‬وإنإما لزام‬
‫أن ييهدم وييبنإى‪ ,‬فييقدم لمن يهدم باطله حقا بديل يستعيض به الباطتل الساقط‪ ,‬وإن لم‬
‫ييفعل فل يزيد أثرأ هدم الباطل عن إيجاد فرأادغ لدى المتلقي‪ ,‬قد يدفعه إلى الرأضا‬
‫بالباطل‪ ,‬أو التمسك به لنإه لم يجد له بديل يدافع عنإه ويمسسك به! فارأتأينإا أن نإسبقا‬
‫بيخطوة وأن نإبدأ بالبنإاء مباشرأة‪.‬‬

‫بدأنإا البنإاء معتمدين على أن غيرأنإا قد فلنإد أسس هذه الخرأافات والباطيل‪ ,‬ومن ثم‬
‫فإن الكتابة حولها تكرأارأ ل يفيد الفكرأ السلمي بقدرأ كبيرأ‪ ,‬فالفكرأة نإفسها أصبحت‬
‫محتل نإقاش‪ ,‬وأظهرأ المفكرأون مواطتن عورأها‪ ,‬فإن كان القارأئ ممن يزنإون ما‬
‫يقرأءون ويتفكرأون فيه‪ ,‬فسيقتنإع بجل ما ورأد في تلك الكتابات‪ ,‬وإن كان من أتباع‬
‫"إنإا وجدنإا آباءنإا على أمة"‪ ,‬من ذلك التيارأ الذي ل يحترأم كتاب رأبه ول عقله‪,‬‬
‫ويقدم عليهما كتل ما عداهما‪ ,‬فلن يجدي معه دليل آخرأ يضافا إلى الدلة السابقة‪,‬‬
‫فلقد أغلقا قلبه تجاه أي قول جديد! فالخيرأ عنإده فيما قلدمه القدمون‪ ,‬فما ترأكوا‬
‫لمن بعدهم مقال! فلقد نإضجت العلوم السلمية على أيديهم ‪ ....‬واحترأقت! ومن ثم‬
‫فجهد الجيال التالية لن ييقدم ‪ ...‬بل رأبما يؤخرأ!!!‬

‫ولن ترأاثنإا السلمي نإتارج بشرأي‪ ,‬صصيغ تبعا للخلفية المعرأفية لعصرأ كاتبيه‪ ,‬عملنإا‬
‫ل إسلميا معاصرأا‪ ,‬يعرأض لما لم يعرأض له‬ ‫على أن نإقدم في كتبنإا السابقة بدي ل‬
‫السابقون‪ ,‬يقدمه بلسان وفكرأ يفهمه أهل هذا العصرأ‪ ,‬يصحح كثيرأا من الخطاء‬
‫التي وقع فيها القدمون وتبعهم ثلة من المعاصرأين‪ ,‬متخذين كتاب رأبنإا إمامنإا في‬
‫كل نإقد وتصويب‪ ,‬معتمدين منإهجنإا الدقيقا –الذي ألصلنإا له سابقا‪ -‬في تدبرأ كتاب‬
‫رأبنإا‪ ,‬منإتفعين بالكتشافات والتصورأات الحديثة التي وفرأها لنإا التقدم العلمي‬
‫والنإفجارأ الفكرأي!‬

‫إل أنإنإا رأأينإا أنإه من الواجب علينإا أن نإعرأض لذلك الغيب‪ ,‬الذي ل يتنإاوله متنإاول إل‬
‫لتأكيد وتثبيت وترأسيخ ما عليه القدمون‪ ,‬بل ويعمل بعضهم على صبغه بصبغة‬

‫‪5‬‬
‫علمية‪ ,‬على الرأغم من القرأارأ بأنإه غيب! ذلك العالم الذي أصبح يحتل مكانإة بارأزة‬
‫في عقل المسلم‪ ,‬الذي يرأى أنإه يلعب دورأا رأئيسا في حياته!‬

‫رأأينإا أن نإعرأض له لنإبين أنإه غيب ل يحتوي خرأافة‪ ,‬وأن المسلمين أصابوا‬
‫وأخطئوا في تصورأهم لذلك العالم‪ ,‬وأنإهم نإسبوا إليه ما ليس فيه ول منإه!‬
‫فنإعمل بذلك على أن نإحرأرأ العقل السلمي من تلك الغلل التي أحاطت به ونإكشفا‬
‫له زيفا تلك الخرأافات التي آمن بها‪ ,‬ونإحمي دينإنإا من طعن الطاعنإين ونإبرأأه من‬
‫شبهات المفترأين‪ ,‬ونإظهرأ تميزه واختلفه عن كل الديان التي أصابها التحرأيفا أو‬
‫اختلقها اللفاكون‪.‬‬
‫وقبل ذلك كله ينإبرأأ رأبنإا العظيم الخلقا العليم الرأحيم‪ ,‬من تلك الفرأية التي ينإسبت‬
‫إليه‪ ,‬من أنإه خلقا شرأا ويخلقا عبثا! وأن نإقدم للقارأئ الكرأيم فهما دقيقا ليات كتاب‬
‫رأبه‪ ,‬ل ينإحرأفا عنإها‪ ,‬ول يزيد عليها!‬

‫وعررأضنإا لهذه المسألة ليس من باب الترأفا الفكرأي‪ ,‬أو النإشغال بما ل ينإفع‪ ,‬في‬
‫وقت تحيط بالمة المشكلت والمعضلت‪ ,‬ويترأبص بها أعداؤها الدوائرأ‪ ,‬وإنإما هو‬
‫لنإقل المعرأكة إلى ساحتها الحقيقة‪ ,‬بدل من تلك الحلبة الوهمية‪ ,‬التي ينإاطح فيها‬
‫عامية البشرأ أوهاتمهم! والتي نإجح الشياطين في جذب النإس إليها‪ ,‬وتعمية عيونإهم‬
‫عن المعرأكة المستعرأة‪.‬‬
‫فنإنإبه البشرأ إلى العدو الصيل‪ ,‬الذي يجب عليهم لقاءه ونإزاله‪ ,‬وإلى المعرأكة التي‬
‫يجب عليهم خوضها‪ ,‬حتى يتحققا لهم النإتصارأ في جولة وجولت من تلك‬
‫المعرأكة‪ ,‬وحتى ل يظلون يحارأبون طواحين الهواء!!‬
‫ونإأمل أن يصبح القارأئ –بعد هذا الكتاب‪ -‬من الجنإود الذين يشنإون حرأبا ضد‬
‫الشياطين‪ ,‬ل أن يظل بعد ظهورأ الحقيقة أمام عينإيه‪ ,‬كما كان في عماه‪.‬‬

‫ولن الوحي هو مبتدأ معرأفة النإسان بالكائنإات الغيرأ مرأئية‪ ,‬ولن الكتاب موجره‬
‫بالدرأجة الولى للقارأئ المسلم‪ ,‬ثم لمن يرأيد أن يعرأفا عن السلم بشأن هذه‬
‫المسألة‪ ,‬فإن المحورأ الرأئيس للكتاب سيكون كتاب ال العزيز‪ :‬القرأآن العظيم‪,‬‬
‫وسنإعرأض بجوارأه –في عجالة‪ -‬للكتابين السابقين‪ ,‬المسميين بالتورأاة والنإجيل‪,‬‬
‫ليبصرأ القارأئ الكرأيم بعينإه‪ ,‬مواطن التفاقا والختلفا!‬
‫كما سنإعرأض لتصورأات المم الخرأى عن تلك الكائنإات الغيرأ مرأئية‪ ,‬لنإبين كيفا أن‬
‫الخرأافة –كانإت ول تزال‪ -‬حاكملة على تلك التصورأات‪.‬‬

‫ولن الكتاب العزيز خاطب العرأب أوتل من خاطب‪ ,‬فإنإنإا سنإعرأض لساطيرأ العرأب‬
‫حول تلك الكائنإات وموقفهم منإها‪ ,‬لنإبين كيفا أن المفسرأين قاموا بإسقاط اليات‬
‫القرأآنإية على الخرأافات العرأبية! ومن ثم اكتسبت هذه الخرأافات العرأبية حصانإة‬
‫ومكانإة خاصة‪ ,‬تتميز عن باقي الساطيرأ! وذلك لدعائهم أن القرأآن قد صلدقا على‬

‫‪6‬‬
‫ما يقول العرأب! فأصبحت أساطيرأ العرأب حقا وصدقا! أما ما عداها فا‪ :‬حديث‬
‫خرأافة يا أم عمرأو!!‬

‫نإعرأض لهذه الخرأافات لنإبين أن القرأآن منإها برأاء‪- ,‬كما هو من غيرأها‪ -‬ونإتنإاول‬
‫اليات التي استنإد إليها المفسرأون‪ ,‬لنإبين كيفا خلطوا الخيوط ببعضها‪ ,‬فالتبس‬
‫المرأ على المسلم‪ ,‬على الرأغم من جلءه في القرأآن‪ ,‬فوقع فيما وقع فيه‬
‫السابقون‪ ,‬وعبد الجن بدون أن يدرأي أو يعلم!‬
‫ونإدعو القارأئ الكرأيم لن يصطحبنإا في تلك الرأحلة لفك اشتباك تلك الخيوط‪,‬‬
‫وللتعرأفا على ذلك العالم الذي كشفه القرأآن لنإا‪ ,‬للفرأارأ من شرأاك عبادة الجن‪,‬‬
‫والثبات على عبادة ال وحده!‬

‫نإعرأض لهذه المسألة ونإعرأفا أنإها ستجلب علينإا من المشاكل والتهامات الكثيرأ‪,‬‬
‫ورأبما يفسقنإا أو يكفرأنإا‪ ,‬ولكنإه الحقا الذي يجب الجهرأ به‪ ,‬فإذا كان ال قد فتح لنإا‬
‫وملن علينإا ببعض من علمه‪ ,‬فل يجوز كتمان هذا العلم حتى ينإسأل عنإه ونإجازى في‬
‫يوم الدين‪.‬‬
‫نإعرأفا أن القارأئ قد يستغرأب ويستنإكرأ‪ ,‬ورأبما يرأفض ‪ ...‬بدون برأهان‪ ,‬إل مخالفة‬
‫ما نإقول لما هو عليه! ونإحن ل نإتعجل أن يغيرأ القارأئ ما يعده من المسللمات‪ ,‬إل‬
‫أنإنإا على يقين أنإه سيفعل في يوم من اليام ‪ ...‬إن هو تفكرأ!‬
‫وكعادتنإا نإقول لمن يرأفض قولنإا‪ :‬سل نإفسك‪ ,‬أين موطن الخلل؟ وما هو سبب‬
‫الرأفض؟! فإن استطعت إجابلة فبها ونإعمت‪ ,‬وإل ‪!!...‬‬

‫نإسأل ال أن يجنإبنإا الزلل والخلل‪ ,‬وأن يجعلنإا هداة مهتدين‪ ,‬ل ضالين ول مضللين‪,‬‬
‫وأن يوفقنإا في مسعانإا‪ ,‬وأن يجعل الخيرأ والرأشاد على ألسنإتنإا‪ ,‬وأن ييسرأ لنإا إتمام‬
‫هذا الكتاب على الوجه الذي ييرأضيه عنإا‪ ,‬إنإه ولي ذلك والقادرأ عليه‪.‬‬

‫العبد الفقيرأ إلى عفو رأبه‪:‬‬


‫عمرأو الشاعرأ‬

‫‪7‬‬
‫الباب الول‬
‫تصورأ‬
‫الصجنإة قبل السلم‬

‫الفصل الول‬
‫في الحضارأات القديمة‬

‫‪8‬‬
‫سمعيات!‬
‫من المورأ المجمع عليها بين الحضارأات المختلفة‪ ,‬وجود كائنإات غيرأ مرأئية‪,‬‬
‫تعيش في نإفس العالم الذي يحيى فيه النإسان‪ ,‬تستطيع أن ترأاه ول يرأاها‪ ,‬إل إذا‬
‫أرأادت هي ذلك! فتتجسد ليتظهرأ نإفسها له‪ ,‬وقد تظهرأ على حالتها "الشبحية" بدون‬
‫تجسد‪ ,‬ويرأاها النإسان كذلك!‬
‫ويرأجع اختلفا المم في تصورأاتها لتلك الكائنإات بالدرأجة الولى إلى اختلفا‬
‫"وصفها" في مصادرأها الصلية التي يذكرأت فيها‪ ,‬والتي تتمثل في الكتب المقدسة‬
‫وفي الساطيرأ! فهما المصدرأ الرأئيس الذي يستقي النإسان منإه تخيله لتلك‬
‫‪1‬‬
‫الكائنإات‪ ,‬ومن ثم يمكن تسمية هذه الكائنإات بكائنإات "سمعية"‬

‫وذلك لنإك تجد دوما من يدعي أنإه رأأى هذه الكائنإات‪ ,‬ودائما ما يكون هذا الرأائي‬
‫هو الخرأ الذي يحكي عنإها وأنإت تسمع منإه‪ ,‬بينإما ل يحدث مرأة واحدة أن ترأاها‬
‫أنإت بنإفسك‪ ...‬إل في وسائل العلم المرأئية‪.‬‬
‫وعلى الرأغم من أنإها من السمعيات‪ ,‬إل أنإه يوجد علرم كامل مختص بها‪ ,‬يسمى )‬
‫‪ ،(Demonology‬ويعنإي علم الرأواح‪ ،‬وهو يدرأس الرأواح والمعتقدات المتعلقة‬
‫بها‪ .‬وتوجد كلليات عديدة في العالم الغرأبي تقدم هذا العلم كتخصص من بين‬
‫تخصصاتها‪ ,‬بل وتوجد مجلت دورأية تصدرأ بهذا الشأن‪.‬‬

‫وعلى الرأغم من أن وسائل العلم المرأئية قد وجدت في الساطيرأ والخرأافات مجال‬


‫خصبا لثارأة المشاهد‪ ,‬ودفعه دفعا إلى الذهاب إلى صالت العرأض‪ ,‬إل أنإها لم تقدم‬
‫جديدا في ذلك المجال تقرأيبا‪ ,‬فكل ما فعلته أنإها قامت بتحويل الخرأافات والساطيرأ‬
‫المكتوبة والمسموعة إلى مادة قابلة للمشاهدة‪ ,‬مع كثيرأد من عنإاصرأ البهارأ‬
‫البصرأي!‬
‫وإذا كان بعض المؤلفين قد قاموا بابتداع بعض الساطيرأ والشخصيات الخرأافية في‬
‫زمانإنإا هذا‪ ,‬إل أنإها كلها يتعد تقليدا ومحاكاة للساطيرأ القديمة وإضافة لبعض‬
‫العنإاصرأ إليها‪ ,‬ليس أكثرأ‪.‬‬

‫فالمشاهد ينإظرأ إلى المادة المعرأوضة على أنإها أسطورأة وخرأافة للتسلية والرأعاب‬
‫ليس أكثرأ ول أقل‪ ,‬ومن ثم ل ترأسخ في وجدانإه‪ ,‬بينإما يختلفا الحال كثيرأا مع‬
‫الساطيرأ المأخوذة من الجداد والوارأدة في الكتب المقدسة‪ ,‬فلها كيل الجلل‬
‫والتقديرأ والتصديقا!‬
‫والعجب كل العجب أنإك تجد بعض المم تسخرأ وتعجب من أساطيرأ وخرأافات‬
‫الخرأين! على الرأغم من أن لديهم من الخرأافات ما يماثلها أو يزيد عليها! إل أنإهم‬
‫يرأونإه عين اليقين‪ ,‬لورأوده في كتبهم المقدسة‪ ,‬ويتفنإنإون في صبغها بصبغة‬
‫علمية‪ ,‬وإبعادها عن الخرأافة!!‬
‫‪ 1‬في علم "العقيدة" س ممى العلماء بعض الغيبيات ب‪ :‬السمعيات‪ ,‬لنهم رأوا أنه ل دخل للعقل في إثباتها أو نفيها‪ ,‬ويإتوقف اليإمان بها على‬
‫سماعها من الوحي!!‬

‫‪9‬‬
‫والنإاظرأ في الساطيرأ الموجودة عنإد الشعوب يجدها تدورأ في فلك نإوعين اثنإين‪:‬‬
‫أ‪ -‬كائنإات متحولة‪ ,‬فهي خليط من البشرأ وغيرأه من الكائنإات‪ ,‬أو أنإها كانإت بشرأا‬
‫ثم تحولت‪/‬يحولت إلى كائنإات أخرأى‪.‬‬
‫ب‪ -‬كائنإات غيرأ مرأئية‪ ,‬والتي هي محورأ حديثنإا‪ ,‬ويتصنإفا هذه الكائنإات أصنإافا‬
‫عديدة‪ ,‬فهنإاك الملئكة‪ ,‬وهنإاك الشيطان والشياطين‪ ,‬وهنإاك الرأواح الشرأيرأة‬
‫والرأواح الخليرأة‪ ,‬وهنإاك العفارأيت‪ ,‬وهنإاك أرأواح الموتى التي تعود إلى الحياة!‬

‫ويمكن القول أنإه –على الرأغم من اختلفا الصنإافا‪ -‬يمكن جمعها في صنإفين‬
‫اثنإين‪ :‬الكائنإات الشرأيرأة والكائنإات الخيرأة "الطيبة"!‬
‫والمشكلة التي أصبحنإا نإواجهها في عصرأنإا هذا‪ ,‬هي تحول تلك "السمعيات" إلى‬
‫"مرأئيات" فبعد أن كان الخيال يسبح وينإطلقا في تخيل تلك الكائنإات الشفافة‪ ,‬تلك‬
‫الكائنإات الفلتاكة المفترأسة‪ ,‬أصبحت يترأى أشكال بشعة ووحوشا مقززة‪ ,‬تثيرأ الفزع‬
‫والشمئزاز‪ ,‬ويتوجد "عقدا" نإفسية بداخل المشاهد‪.‬‬

‫وبعد أن ذلكرأنإا بأن هذه الكائنإات الغيرأ مرأئية‪ ,‬وحتى المتحولة‪ ,‬هي كائنإات سمعية‬
‫ل يرأاها دوما إل الخرأون‪ ,‬نإبدأ في تقديم تصورأات السابقين لها‪.‬‬

‫كائنات بشرية حيوانية!‬


‫من أبرأز النإقاط الملحوظة بشأن الكائنإات السماعية‪ ,‬سواء كانإت غيرأ مرأئية أو‬
‫متحولة‪ ,‬أنإها كائنإات شبه بشرأية‪ ,‬فهي كائنإات بشرأية يمعدلة‪ ,‬فهي خليرط من بشرأ‬
‫وحيوان أو طيرأ‪ ,‬بشكدل من الشكال‪.‬‬
‫فنإجد أن الملئكة ييصلورأون على هيئة بشدرأ من نإورأ‪ ,‬غاية في الرأقة والجمال‪ ,‬لهم‬
‫أجنإحة‪ ...‬طيورأ! وقد ييصورأون على هيئة أطفادل صغارأ‪ ,‬ذوي أجنإحة!‬
‫بينإما ييصورأ الجن بشكل بشرأ من نإارأ‪ ,‬ليس له أرأجل‪ ,‬وذلك لنإه يطيرأ فل يحتاج‬
‫إليها! وقد ينإتهي بأرأجل حيوانإية!!‬
‫ونإجد أن الشياطين كذلك مثيل البشرأ‪ ,‬إل أنإها قبيحرة ولها قرأون في رأؤوسها وذيول‬
‫فوقا مؤخرأتها‪ ,‬كما أنإها مكسوة بشعرأ كثيفا يجعلها أقرأب إلى القرأود!‬

‫ول يختلفا الحال بالنإسبة للكائنإات المتحولة‪ ,‬فهي في الصل كانإت بشرأا أو هي‬
‫مزيج من البشرأ وكائن آخرأ‪ ,‬فنإجد منإها بشرأا لهم سيقان الخرأافا‪ ,‬وكائنإات هي‬
‫خليرط من البشرأ والحصان "القنإطورأ" ‪ ...‬وغيرأ ذلك!‬

‫ول يقتصرأ التشابه بين البشرأ وتلك الكائنإات على المظهرأ الخارأجي‪ ,‬وإنإما يتعداه‬
‫إلى أساليب الحياة والحتياجات "الجسدية" بل والطبقات الجتماعية‪ ,‬حتى أنإه يمكن‬
‫القول أن هذه المجتمعات انإعكاس للمجتمعات البشرأية في قوالب غيرأ بشرأية!‬

‫‪10‬‬
‫ويعلقا فارأس خضرأ على مسألة تشابه عوالم الكائنإات الغيرأ مرأئية مع عالم‬
‫المتخيلين له‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫المدهش أن العوالم المتخييلَّة لهذه الجماعة الشعبية‪ ,‬ما هي إل انعكاس لنظامها‬
‫الجاتماعي‪ ,‬وتكاد تتطابق تفاصيلَّها مع واقعها المعيش‪ ,‬مع تحويرات طفيفة؛‬
‫تحويرات تبث العقلَّية الشعبية خللها أشواقها وأحلمها ورأغباتهم الدفينة‪ ,‬فتبتكر‬
‫أفراداا يماثلَّون أفرادها‪ ,‬غير أنهم يملَّكون قوى خارأقة‪ ,‬ويعيشون حياة خالدة‪ ,‬ليست‬
‫كحياتهم التي تنتهي دوما بالفناء‪ "2.‬ا‪.‬هـ‬

‫ويحق لنا أن نتساءل‪ :‬لماذا هذا التشابه بين هذه العوالم وعالمنا؟ هل هو رأاجاع إلى‬
‫أنها من ابتكارأ مخيلَّة النسان‪ ,‬والتي لم تستطع أن تتخيل عالما يحوي كائنات‬
‫"عاقلَّة" إل أن يكون نسخة مكرورأة من عالمها؟!‬
‫أم لن هذا هو الشكل الوحيد الممكن للَّكائنات العاقلَّة‪ ,‬والمكانية الوحيدة للَّحياة؟!‬
‫ومن ثم فإن أي حياة ستتخلَّق في يوم من اليام ستكون مشابهة لنا!‬

‫كما نتساءل‪ :‬إذا كان ا الخلقا العلَّيم قد مايز في خلَّقه بين الحيوانات وبعضها‪,‬‬
‫فجعل لكل منها خصائصها المميزة‪ ,‬فلَّماذا حدث التداخل بين هذه الخصائص في‬
‫هذه الكائنات تحديداا‪ ,‬أضاقا علَّمه المحيط أن يوجاد أشكال إضافية متمايزة؟! –حاشا‬
‫ل العلَّيم‪,-‬‬
‫كما أننا رأأينا أن ا تعالى يوجاد كل كائن علَّى الهيئة المناسبة له‪ ,‬والتي يحتاجاها‬
‫في حياته‪ ,‬فلَّماذا كانت هذه الكائنات –المفترضة‪ -‬استثناءا‪ ,‬فجاء تكوينها عبثي‪,‬‬
‫علَّى غير حاجاة؟!! –تعالى ا عن العبث‪-‬‬

‫أرأباب وشياطين‬
‫بعد أن رأأينإا أن الكائنإات السماعية ما هي إل كائنإات شبه بشرأية‪ ,‬نإبدأ عرأضا سرأيعا‬
‫لتصورأات القدمين لتلك الكائنإات الغيرأ مرأئية‪.‬‬
‫ولن الملئكة ستمثل المحورأ الرأئيس عنإد حديثنإا عن الجن في القرأآن‪ ,‬فلن نإعرأض‬
‫لها في تنإاولنإا هذا‪ - ,‬وسنإعرأض لها بتفصيل كبيرأ في ذلك الموضع‪ -‬وسنإكتفي‬
‫بتنإاول الكائنإات الغيرأ المرأئية الخرأى في الحضارأات القديمة‪ ,‬والتي يمكن تقسيمها‬
‫إلى أرأباب وشياطين!‬

‫وعلى الرأغم من هذا التقسيم والختلفا‪ ,‬إل أنإه يمكن أن يتصنإفا كلها تصنإيفا‬
‫واحدا‪ ,‬فالتداخل بينإهما في تلك الحضارأات كبيرأ‪ ,‬والسمات المشترأكة بينإهما كثيرأة‪,‬‬
‫نإاهيك عن أن مصدرأ تلك الشياطين يرأجع في العم الغالب إلى الرأباب نإفسها!‬

‫‪ 2‬فارس خضر‪ ,‬العادات الشعبية بين السحر والجن والخرافة‪ ,‬ص‪.7.‬‬

‫‪11‬‬
‫وإذا يذكرأت الشياطين فإن الذهن ينإصرأفا مباشرأة إلى رأأس الشرأ ورأمزه الكبرأ‬
‫"الشيطان"‪ ,‬ثم إلى الشياطين‪ ,‬وعلى الرأغم من أن "الشيطان" بسماته المتعارأفا‬
‫عليها في الديان الكتابية‪ ,‬لم يكن ظاهرأتا في بعض الحضارأات القديمة‪ ,‬إل أن‬
‫سيادة وسائل العلم الغرأبية‪ ,‬والمتأثرأة كلية بالترأاث المسيحي جلسدت للبشرأية‬
‫قاطبة تصورأها حول الشيطان ودورأه في الحياة‪ ,‬ومن ثم أصبح له الزعامة‬
‫الرأوحية على كل الرأواح والكائنإات الشرأيرأة في مختلفا أنإحاء العالم‪ ,‬وإن لم يكن‬
‫له ظهورأ في الترأاث القديم!‬

‫وإذا قلنإا أن للملئكة دورأا معرأوفا محددا‪ ,‬وهو تنإفيذ أمرأ ال‪ ,‬فإن لنإا أن نإتساءل‪:‬‬
‫ما هي علة وجود تلك الكائنإات الشرأيرأة؟!‬
‫فإذا كنإا من المؤمنإين بإله خالقا‪ ,‬فمن المنإطقي أن نإتساءل‪:‬‬
‫لماذا خلقا الله العادل تلك الكائنإات الشرأيرأة "الخارأقة"؟ من المفترأض أن ال تعالى‬
‫ل يخلقا الشرأ‪ ,‬فهل خلقا ال الشرأ؟! أم أنإه لم يخلقها!!‬
‫أما إذا كنإا ل نإؤمن بإله خالقا فلن يكون هنإاك أي صعلة لظهورأها‪ ,‬فكما نإشأنإا عبثا‪,‬‬
‫كذلك نإشأت هي عبثا!‬

‫وللما كان التوحيد غيرأ متأصل في كثيرأ‪/‬بعض المم السابقة‪ ,‬وكانإت تؤمن بوجود‬
‫آلهة عديدة‪ ,‬كان من المنإطقي أن ييسقط على اللهة الخصائص البشرأية‪ ,‬فتصبح‬
‫هنإاك آلهة قوية وأخرأى ضعيفة‪ ,‬وآلهة طيبة وأخرأى شرأيرأة‪ ,‬تدورأ بينإها‬
‫الصرأاعات‪ ,‬ومن ثم ظهرأت هذه الكائنإات كآلهة شرأيرأة‪ ,3‬ومن ثم فلم يتعب القدماء‬
‫أنإفسهم في تعليل وجود هذه الكائنإات الشرأيرأة‪ ,‬لنإه سيكون من ضرأوب العبث‪,‬‬
‫فهي سابقة للنإسان نإفسه‪ ,‬إن لم تكن علة وجوده!!‬

‫وعلى الرأغم من اختلفا السماء بين الحضارأات القديمة‪ ,‬إل أن المسمى يظل‬
‫واحدا‪ ,‬يمكن إدرأاجه تحت اسم الشياطين أو الرأواح الشرأيرأة‪ ,‬مع الخذ في‬
‫العتبارأ أل نإنإظرأ إليها ككائنإات مخلوقة مكلفة مثلنإا –تبعا للتصورأ المألوفا عنإد‬
‫المسلمين‪ ,-‬وإنإما ككائنإات إلهية!‬
‫لذا نإعرأض في عجالة‪ ,‬كيفا يصورأت بعض الكائنإات الغيرأ ملئكية في أهم‬
‫الحضارأات القديمة!‬

‫في الحضارأة المصرأية القديمة‬

‫‪ 3‬في النفس أشياء من تفسيرات علماء الغرب للنصوص الثريإة القديإمة –الشرقية تحديإدا‪ -‬والتي أظهرت أن هذه الشعوب كانت تؤمن‬
‫بعشرات اللهة‪ ,‬من بينها آلهة شريإرة‪ ,‬وأميل إلى أن الرباب التي كانت تتحدث عنها النصوص هي الملئاكة‪ ,‬وأن الرباب الشريإرة هي‬
‫الملئاكة الساقطة! ول يإعني هذا أننا ننفي انحراف هذه المجتمعات أو تفشي الشرك فيها! ولكن هذا قريإب مما يإفعله الصوفية‪ ,‬فهم‬
‫يإتخذون الولي "زلفة‪/‬وسيط‪/‬شفيع" إلى الرب العليم‪ ,‬ل أنهم يإقولون أنه هو مدبر المور!!‬

‫‪12‬‬
‫ظهرأت في الحضارأة المصرأية القديمة الكثيرأ والكثيرأ من اللهة‪ ,‬والتي اختص كل‬
‫إله منإها بدورأ في هذا العالم‪ ,‬فهنإاك مثل‪:‬‬
‫"ماعت" إلهة العدالة‪ ,‬و "أورأيسيس" إله الزرأاعة‪ ,‬و "بتاح" إله الفنإون والجمال‪,‬‬
‫وخالقا كل الصنإاعات‪ ,‬و "رأع" إله الشمس ‪ ...‬الخ‬
‫وغالبا ما اتخذت هذه اللهة أشكال حيوانإات‪ ,‬أو خليط من بشرأ وحيوانإات!‬

‫والكلمة التي كانإت تشيرأ إلى اللهة في اللغة المصرأية القديمة‪ ,‬هي‪" :‬نإترأ"‪ ,‬والتي‬
‫حليرأت المترأجمين المتعاملين معها‪ ,‬وفي هذا يقول خزعل الماجدي‪:‬‬
‫"كانإت كلمة )نإترأ ‪ (Neter‬في اللغة المصرأية القديمة تعبرأ عن ال أو الله رأوح أي‬
‫من الكائنإات‪ ,‬وكانإت هذه الكلمة تعنإي القوة أو الطاقة التي تفوقا قوة البشرأ أو‬
‫الخارأقة للطبيعة‪ ,‬أما رأمزها الهيرأوغليفي فكان عبارأة عن صورأة فأس برأأس‬
‫(‬ ‫متجهة إلى اليسارأ )‬
‫وقد حليرأ العلماء تفسيرأ معنإى هذا الرأمز ومصدرأه‪ ,‬فقد رأأى البعض أن هذا الرأمز‬
‫يعود للعصورأ الحجرأية حيث استخدم كدال على القوة‪ ,‬حين كانإت الفأس أداة للصيد‬
‫والحفرأ والبنإاء‪ .‬وهنإاك من رأأى أن قداسة هذا الرأمز أتت من استخدامه في مرأاسيم‬
‫التضحية والقرأابين في تلك العصورأ‪ "4‬ا‪.‬هـ‬

‫ويرأى الدكتورأ نإديم السيارأ‪ ,‬صاحب كتاب‪" :‬قدماء المصرأيين أول الموحدين" أن‬
‫هذه الكائنإات الكثيرأة التي يعرأفت على أنإها آلهة‪ ,‬ليست بآلهة‪ ,‬وإنإما هي "ملئكة"‪,‬‬
‫وأن تسميتها باللهة رأاجع إلى خطأ المترأجمين‪ ,‬الذين ترأجموا كلمة "نإترأ"‪ ,‬أو‬
‫"نإترأوا" إلى ‪ Gott, Dieu God ,‬ومن ثم يعرأبت ب "إله"‪.‬‬

‫وأنإا أوافقا الدكتورأ السيارأ في أن المترأجمين قد أخطئوا اختيارأ الكلمة‪ ,‬وأرأى أنإه‬
‫كان من الدقا اختيارأ كلمة "رأب"‪ ,‬ولو اختيرأت هذه الكلمة لختلفا الوضع كثيرأا‪,‬‬
‫فل يوجد أي مانإع أبدا من وجود أرأباب عديدة‪ ,‬المهم أل تتخذ هذه الرأباب من دون‬
‫ال‪ ,‬وأل يتصليرأ آلهة!‬
‫فالب رأب السرأة‪ ,‬والعزيز كان رأب سيدنإا يوسفا‪ ,‬ونإحن –المسلمين‪ -‬نإتقبل ونإقرأ‬
‫أن هنإاك ملئكة للرأزقا وملئكة للرأياح وملئكة لكذا وكذا!‬
‫ولو قلنإا أن ملئكة الرأياح هي أرأباب الرأياح لما كان هنإاك أي حرأج‪ ,‬ونإفس ما قلنإاه‬
‫قاله القدمون‪ ,‬فلقد عرأفوا من خلل كتبهم أن هنإاك ملئكة قائمة على كل شيء في‬
‫الكون‪ ,‬ومن ثم قدموا تلك التماثيل والصورأ التي نإرأاها في المعابد المصرأية‬
‫القديمة‪ ,‬والتي تخيلوا فيها الملئكة على هذا الحال‪.‬‬

‫وبغض النإظرأ عن كونإها "أرأبابا" أم آلهة‪ ,‬فلقد آمن المصرأيون القدماء بوجودها‬
‫وبتصرأفها فيما يخصها ويتبعها‪ ,‬كما آمنإت بوجود كائنإات غيرأ مرأئية أخرأى‪ ,‬مثل‬
‫الرأواح الشرأيرأة‪ ,‬واعتقدوا أن لها تأثيرأا عظيما ومباشرأا على النإسان في كل‬

‫‪ 4‬خزعل الماجدي‪ ,‬الديإن المصري‪ ,‬ص‪.164-163.‬‬

‫‪13‬‬
‫جوانإب حياته‪ ,‬لذا حاولوا استرأضاءها بجميع الطرأقا!‬
‫وبسبب إيمانإهم هذا ظهرأ السحرأ وعلم في الحضارأة المصرأية القديمة‪ ,‬وأصبح‬
‫للكاهن الساحرأ دورأا عظيما في المجتمع‪ ,‬فهو يقوم بأدوارأ عدة‪ ,‬فهو رأجل الدين‬
‫وهو الساحرأ وهو الطبيب ‪ ...‬الخ‬
‫ويلجأ إليه النإاس ليشفيهم أو ليحميهم من أن تعرأض لهم الرأواح الشرأيرأة‪ ,‬التي‬
‫تعمل على إيذاء البشرأ!‬

‫وتعرأض حليمة خالد نإموذجا من نإماذج التأثرأ بهذا اليمان فتقول‪:‬‬


‫"وقد نإسب المصرأيون المرأاض إلى تلك الرأواح الشرأيرأة التي تتسلط بقواها‬
‫الخبيثة على الجسام‪ ,‬فتصيبها المرأاض‪ ,‬وإذا قوبلت بتأثيرأات أقوى منإها تنإهزم‬
‫أمامها‪ ,‬وتخرأج من الجسم فيشفى المرأيض‪ ,‬وكان ذلك من وظيفة الساحرأ‪ ,‬إذ يينإظرأ‬
‫إلى المرأض على أنإه من فعل رأوح شرأيرأة دخلت الجسم‪ ,‬ويرأكز الساحرأ عليها إما‬
‫بالمرأ‪ ,‬كأن يقول لها‪ :‬اخرأجي يا كاشرأة‪ ..‬أو بادعاء عدم الذعان للرأوح الضارأة‪,‬‬
‫اختفي أليتها الميتة‪ ,‬فالمرأض هو تقمص الشيطان للجسم‪ ,‬وعلجه تلوة الرأقي‪,‬‬
‫وقد استخدم المصرأيون التمائم ذات اللون الزرأقا‪ ,‬لطرأد الرأواح الشرأيرأة والحماية‬
‫من الحسد‪ "5.‬ا‪.‬هـ‬

‫وأشهرأ الكائنإات أو اللهة الشرأيرأة في الحضارأة المصرأية القديمة هو الرأب "سيت"‬


‫رأب الليل والصحرأاء ورأمز الشرأ‪ ,‬ذلك الذي اشتهرأ بصرأاعه مع أوزورأيس‪,6‬‬
‫والذي صورأته العقلية المصرأية القديمة بصورأة عجيبة‪:‬‬
‫"فاتخذ صورأة مخلوقا غرأيب أنإيقا له جسم كلب الصيد‪ ,‬وذنإب طويل متصلب‬
‫مشقوقا الطرأفا‪ ,‬وخطم رأفيع مقوس‪ ,‬وعينإان لوزيتان وأذنإان طويلتان‬
‫مستقيمتان‪ .‬وقد تقدمت عدة مقترأحات عن شخصيته‪ ,‬هل هو خنإزيرأ أم حمارأ أم‬
‫زرأافا أم كلب أم آكل نإمل أم أوكابي‪ "!7‬ا‪.‬هـ‬

‫وهنإاك من يرأى أن ست هذا هو تجسيد الشيطان في الحضارأة المصرأية القديمة‪,‬‬


‫ويدلل على ذلك بالتشابه الكبيرأ بينإهما في الدوارأ‪ ,‬وكذلك في السماء‪ ,‬قارأن‪:‬‬
‫"سيت" ب "شيط ان"‪.‬‬

‫عنإد الكنإعانإيين‬
‫إذا ترأكنإا الحضارأة المصرأية وانإتقلنإا إلى الحضارأة المجاورأة‪ ,‬وهي الحضارأة‬
‫الفينإيقية‪ ,‬تلك الحضارأة التي نإشأت في بلد الشام منإذ حوالي اللفا الرأابع قبل‬

‫‪ 5‬حليمة خالد رشيد صالح‪ ,‬الجن في الشعر الجاهلي‪ ,‬ص‪.29.‬‬


‫‪ 6‬تميز أوزوريإس بأنه هو الرب الوحيد الذي لم يإصور على هيئة حيوان أو نصف حيوان‪ ,‬وإنما كان يإصور دوما على هيئة إنسان‪,‬‬
‫صور على هيئة صقر! وفي هذا إشارة إلى بشريإته وأنه لم يإكن من تلك الرباب‪/‬اللهة‪ ,‬وهناك من يإرى أن‬ ‫فحتى ابنه حورس ص‬
‫أوزوريإس هو إدريإس عليه السلما!‬
‫‪ 7‬جورج بوزنر وغيره‪ ,‬معجم الحضارة المصريإة القديإمة‪ ,‬ترجمة أمين سلمة‪ ,‬ص‪.186 .‬‬

‫‪14‬‬
‫الميلد‪ ,‬والتي أنإشأت حضارأة عظيمة على ساحل البحرأ المتوسط‪ ,8‬فسنإجد أن‬
‫الفارأقا غيرأ كبيرأ‪.‬‬
‫فلقد ظهرأ فيهم الكثيرأ من الكائنإات اللهية مثل الله يمو وشمتم وشميم وإيل‪ ,‬كما‬
‫ظهرأت فيهم كائنإات غيرأ إلهية‪ ,‬والتي يتعرأفا بالشياطين وما شابه‪ ,‬إل أنإها كانإت‬
‫تنإتسب في بادئ أمرأها إليهم!‬

‫وفي هذا يقول خزعل الماجدي‪:‬‬


‫"ظهرأت الكائنإات السطورأية الولى‪ ,‬أو القديمة في بداية شجرأة اللهة‪ ,‬ومنإذ أول‬
‫اتصال للسماء مع الرأض فقد ظهرأ عماليقا الجبال وعماليقا الحضارأة وعماليقا‬
‫الممالك‪ ,‬وظهرأ أيضا الشياطين وكان على رأأسهم )تيفون( )‪(......‬‬
‫ثم ظهرأت أنإواع أخرأى من هذه الكائنإات السطورأية مع ظهورأ اللهين ايل وبعل‪,‬‬
‫وكانإت لها بعض الصفات اللهية الشرأيرأة أو الخيرأة‪ ,‬ولكنإها ل ترأقى إلى مستوى‬
‫اللهة‪ "9.... ,‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما هو متوقع‪ ,‬فلقد أتت صورأة هذه الكائنإات خليطا من البشرأ والحيوانإات‬
‫والطيورأ‪- ,‬كما ظهرأت في غيرأها من الحضارأات‪ -‬مع صبغة خيالية لتغايرأ بين‬
‫هيئة البشرأ وهيئتهم‪ ,‬ولتعطي النإطباع أن هذه آلهة مهابة‪ ,‬تستحقا التقديس‬
‫والتبجيل!‬

‫وتعلقا حليمة خالد على مسألة التشابه هذه فتقول‪:‬‬


‫"ولم تختلفا صورأة الجن في المعتقدات الكنإعانإية عن سابقتها‪ ,‬فقد ظهرأت بصورأة‬
‫كائنإات مجنإحة في نإقوشهم وتماثيلهم‪ ,‬وعبرأت عن العنإفا الذي يبدو من شكلها‪ ,‬إذا‬
‫تبدو بأشكال مختلفة‪ ,‬ومنإها الجن الذي يمسك سوطا بيده اليسرأى‪ ,‬وكرأة بيده‬
‫اليمنإى‪ ,‬وله رأأس طيرأ وجسد بشرأي‪ ,‬ومزود بأجنإحة‪ ,‬ومنإها الكرأوبيم أبالسة يقال‬
‫بأنإهم أبنإاء الله "إيل" واللهة "رأيا" إلهة الرأض‪.‬‬
‫ويعد الله "بعل" من وجهة نإظرأ الديانإة اليلية زعيم البالسة والشياطين‪ ,‬وسيد‬
‫الجحيم والعالم السفل‪ ,‬يرأافقه الشيطان حارأس الموات‪ ,‬ودليل المتوفين‪ ,‬كما‬
‫يرأافقه شيطان علة الموت قابض الرأواح‪.‬‬
‫ويتبع بعل كثيرأ من الشياطين‪ ,‬كرل يحمل اسمه الذي يدل على صفاته وأعماله‪ ,‬منإها‬
‫"الذي يعمي البصيرأة"‪" ,‬والذي يجعل الشفاء مستحيل"‪.‬‬
‫وقد ارأتبط الله "بعل" بإبليس‪ ,‬لما له من صفات الدهاء والفتنإة والتحالفا مع‬
‫الشرأ‪ "10.‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 8‬يإكفي أن نعرف أن اسم قارة أوروبا‪ ,‬يإرجع إلى الميرة الفينيقية "أوروبا" )عروبا( والتي اختطفها –تبعا للسطورة‪ -‬الله زيإوس إلى‬
‫كريإت‪ ,‬والذي كان متمثل هيئة عجل جميل‪ ,‬وهناك تزوجها وأنجب منها ثلثة أبناء‪ ,‬والتي ذهب أخوها المير قدموس إلى أوروبا باحثا‬
‫عنها ليحررها!‬
‫‪ 9‬خزعل الماجدي‪ ,‬المعتقدات الكنعانية‪.185-184 ,‬‬
‫‪ 10‬حليمة خالد رشيد صالح‪ ,‬الجن في الشعر الجاهلي‪ ,‬ص‪.22-21.‬‬

‫‪15‬‬
‫ويعتبرأ "بعل" أشهرأ أرأبابهم‪ ,‬ولقد ذكرأه ال تعالى في كتابه الكرأيم‪ ,‬في دعوة سيدنإا‬
‫إلياس لقومه‪ ,‬والذي قال‪:‬‬
‫ل توتتذيرأوتن أترحتستن ارلتخاصلصقيتن ]الصافات ‪"[125 :‬‬
‫"أتتترديعوتن تبرع ل‬

‫عنإد السومرأيين‬
‫ونإترأك الفينإيقيين ونإنإتقل إلى الشعب المجاورأ لهم‪ ,‬وهو شعب السومرأيين‪ ,‬ذلك‬
‫الشعب الذي أسس حضارأة من أعظم ما يكون في العرأاقا من بداية اللفا الرأابع قبل‬
‫الميلد‪ .‬وكغيرأها من الحضارأات القديمة ظهرأ عنإد السومرأيين العديد من‬
‫اللهة‪/‬الرأباب‪ ,‬والتي صورأت كذلك بصورأة بشرأية وحيوانإية!‬

‫ومن أشهرأ اللهة السومرأية الرأب "أنإو" والذي يعتبرأ إله السماء!‪ ,‬وكذلك الله‬
‫"إنإليل" وهو يعتبرأ ابن الرأب "أنإو"‪ ,‬وكذلك الرأب "إنإكي" رأب الرأض والمياة الجوفية‪,‬‬
‫وكان ييعتبرأ مستشارأا لللهة!!‬
‫وكذلك الله "نإنإا" رأب القمرأ‪ ,‬وكذلك الله "أوتو" رأب الشمس‪ ,‬وهو ابن إله القمرأ!‬
‫وغنإيرة عن الذكرأ رأبة الخصب الله "أنإانإا"‪ ,‬التي عبدها البابليون وسموها "عشتارأ"‪,‬‬
‫والتي سماها الغرأيقا أفرأوديت‪ ,‬والرأومان فينإوس‪.‬‬

‫فإذا ترأكنإا الرأباب وانإتقلنإا إلى الكائنإات الخرأى القل درأجة وجدنإا أن هنإاك خليطا‬
‫متنإوعا‪ ,‬إل أن أكثرأها ظهورأا وتكرأارأا‪ ,‬هي تلك الكائنإات التي اصطلحنإا على‬
‫تسميتها "شياطين"‪.‬‬

‫ويعرأض خزعل الماجدي للكائنإات التي ل تصنإفا كآلهة‪ ,‬فيقول‪:‬‬


‫"يتكون عالم الرأواح السومرأية )من غيرأ اللهة( من الشياطين والجن والكائنإات‬
‫الخرأافية التي تسكن العوالم السفلى والعليا والرأضية حسب طبيعتها وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الشياطين‪ :‬وهم سكنإة العالم السفل ويصنإفون كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الشياطين المنإحدرأون من أصل سماوي وهم )ذرأية الله أن وانإليل(‬
‫ب‪ -‬الشياطين المنإحدرأون من آلهة العالم السفل وهم أبنإاء كورأ وأبنإاء أنإمي شلرأا‬
‫)السبيتو( بعضهم صالح وبعضهم شرأيرأ‪.‬‬
‫ج‪ -‬الشياطين المنإحدرأون من أصل بشرأي وهم أرأواح أو أشباح الموتى واسمهم‬
‫بالسومرأية )كدم ‪ (Gidim‬وهي مرأكبة من مقطعين وتعنإي مخلوقات الظلم )‪(...‬‬
‫د‪ -‬الشياطين المرأكبة من تزاوج البشرأ والشياطين مثل ليليث وهي الشيطانإة التي‬
‫تطارأد الرأجال‪ .‬وتسمى بالسومرأية )لوليل( التي معنإى اسمها رأجل الرأيح‪ ,‬ومؤنإثة‬
‫)كسيكيل ليل( ويعنإي فتاة الرأيح‪ "11.‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 11‬خزعل الماجدي‪ ,‬متون سومر الكتاب الول‪ ,‬ص‪.135 .‬‬

‫‪16‬‬
‫وكما رأأينإا فالكائنإات التي ل تصنإفا كآلهة هي إما تنإتسب إلى اللهة أو هي خليط‬
‫من البشرأ وكائنإات أخرأى‪.‬‬

‫عنإد الغرأيقا‬
‫إذا ترأكنإا الحضارأات الشرأقية وانإتقلنإا إلى أصل الحضارأة الغرأبية‪ ,‬الحضارأة‬
‫الغرأيقية‪ ,‬وجدنإا أن هنإاك الكائنإات الغيرأ البشرأية عنإدهم كثيرأة‪ ,‬فهنإاك آلهة‬
‫وأنإصافا آلهة‪ ,‬وآلهة بدائية وهنإاك حورأيات وأشباح وجبابرأة وعمالقة وسكلوب!‬

‫فإذا أرأدنإا الحديث عن أشهرأ آلهة اليونإان فإن الذهن سينإصرأفا تلقائيا إلى آلهة‬
‫الوليمب الثنإي عشرأ‪:12‬‬
‫‪ ‬زيوس‪ :‬ملَّك اللهة وحاكمها‪ ،‬وهو إله الرعد والبرقا‪.‬‬
‫‪ ‬أبولو )إله إغريقي( إله الفنون‪ ،‬بما فيها الموسيقى والشعر‪ .‬هو الخأ التوأم‬
‫لرأتميس‪.‬‬
‫‪ ‬أثينا‪ :‬إلهة الحكمة‪ ،‬الحرب‪ ،‬والتخطيط‪ .‬هي ابنة زيوس المفضلَّة‪.‬‬
‫‪ ‬آرأتميس‪ :‬إلهة الصيد‪ ،‬الرماية‪ ،‬الولدة‪ ،‬العذرأية‪ ،‬حامية صغارأ الحيوانات‬
‫والبشر‪ ،‬وفي بعض الساطير‪ ،‬كانت آلهة للَّقمر‪.‬‬
‫‪ ‬آرأيس ‪:‬إله الحرب والنتقام‪ .‬هو أخأ آثينا‪.‬‬
‫‪ ‬أفروديت‪ :‬إلهة الحب والجمال‪.‬‬
‫‪ ‬بوسيدون‪ :‬إله البحارأ‪ .‬هو أخأ هيدز وزيوس‪.‬‬
‫‪ ‬ديميتر‪ :‬إلهة الزرأاعة والخصوبة‪.‬‬
‫‪ ‬هيرا‪ :‬إلهة الزواج‪ ،‬وهي زوجاة زيوس‪.‬‬
‫‪ ‬هيرميس‪ :‬إله السفر‪ ،‬اللَّصوص‪ ،‬التجارأة‪ ،‬ورأسول اللهة‪.‬‬
‫‪ ‬هيستيا‪ :‬إلهة الموقد‪ ,‬والتي تنازلت عن منصبها كإحدى اللهة الولمبية‬
‫الرئيسية لديونيسيوس‪.‬‬
‫‪ ‬هيفيستوس‪ :‬إله النارأ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫وعلى الرأغم من شهرأة هذه اللهة إل أنإها ل تعد آلهة الخليقة‪ ,‬فهنإاك "كاوس"‬
‫الرأبة الولية لهذا الكون‪ ,‬وهي الرأبة التي تجسد المكان الغيرأ محدود والمادة التي‬
‫ل شكل لها‪ ,‬والتي سبقت كل المخلوقات‪ ,‬ومن هذه الرأبة خرأجت باقي الرأباب‪,‬‬
‫التي عرأفت بأرأباب الخلقا الول!‬
‫وغيرأ أرأباب الخلقا الولى هنإاك الجبابرأة مثل كرأونإوس وأطليس وسيلين ‪ ..‬الخ‬
‫ولقد وصل زيوس إلى هذه المرأتبة الكبيرأة بالغتصاب‪ ,‬فلقد اغتصب زيوس الحكم‬

‫‪ 12‬يإحتل الرقم ‪ 12‬مركزا كبيرا في الديإانات الشرقية‪ ,‬يإكاد يإقارب الرقم سبعة‪ ,‬فشهور السنة كما وضعها ا ‪ 12‬شهرا‪ ,‬والسباط ‪,12‬‬
‫وحواريإو عيسى ‪ ,12‬والنقباء الذيإن بايإعوا محمدا في بيعة العقبة الولى كانوا ‪ ,12‬في السنة الثانية عشر من البعثة! وغير ذلك كثير!‬
‫‪ 13‬كلمة "كا أصس" تعني أصل الفوضى أو العشوائاية!‬

‫‪17‬‬
‫من أبيه كرأونإوس! ثم قلسم الكون بينإه وبين إخوته! فجعل لكل واحد منإهم‬
‫اختصاصا وتصرأفا!‬

‫والنإاظرأ في حياة هذه اللهة يجد أنإها ل تختلفا عن البشرأ في شيء! فلقد يصورأت‬
‫على هيئة البشرأ‪ ,‬وتصرأفاتها بشرأية بحتة‪ ,‬وليتها كانإت أفعالل بشرأية رأاقية‪ ,‬وإنإما‬
‫كانإت أفعال دنإيئة منإغمسة في الشهوات والرأذائل‪ ,‬فإله يخون إلها آخرأ ويضاجع‬
‫زوجه! وغيرأه يقتل أمه اللهة ‪ ...‬الخ ألوان المجون والنإحلل!‬
‫وهكذا نإجد أن اليونإانإيين قد شوهوا صورأة آلهتهم تشويها كبيرأا‪ ,‬يعكس الحالة‬
‫الخلقية المترأدية لديهم!‬

‫كما عملوا على إيجاد عداوة بينإهم وبين النإسان‪ ,‬فهم حرأيصون أشد الحرأص على‬
‫أل يتقدم النإسان! وأشهرأ المثلة على ذلك هي عقابهم البدي لبرأوميثوس‪ ,‬لنإه‬
‫سرأقا النإارأ وأعطاها البشرأ‪ ,‬الذين كانإوا يحيون بل نإارأ!‬
‫كما نإجد صرأاعات كثيرأة بينإهم وبين البشرأ! توحي بأنإهم كانإوا بشرأا! بشكل من‬
‫الشكال ثم ترأقوا درأجة ول يرأيدون للبشرأ أن يصلوا إليها!!‬
‫ومن ثم فل حاجة للبحث عن الشيطان في أساطيرأ اليونإان‪ ,‬وعلى الرأغم من وجود‬
‫أرأواح شرأيرأة تسمى ‪ ,Alastores‬تسعى دوما لضلل النإاس واليقاع بينإهم‪,‬‬
‫وهي تعتبرأ قرأيبة الشبه بالشياطين في التصورأ السلمي وفي غيرأه من الديان‪ ,‬إل‬
‫أن التصورأ الذي قدموه لللهة تستحقا معه عن جدارأة أن تكون هي الشياطين!‬

‫وتعرأض حليمة خالد لهذه النإقطة فتقول‪:‬‬


‫"وقد آمن اليونإانإيون كذلك بوجود أرأواح شرأيرأة تسمى )‪ (Alastores‬تتولى أعمال‬
‫الشيطان‪ ,‬وقد عدتها الساطيرأ اليونإانإية كائنإات جنإية خفية مؤثرأة تمتلك طبيعة‬
‫سرأية‪ ,‬جاءت من العالم الخرأ‪ ,‬ذات تأثيرأ حسن أو سيء في سلوك البشرأ‪ ,‬فأضفوا‬
‫على آلهتهم صفات شيطانإية‪ ,‬ودنإسوها بالرأذائل‪ ,‬إذ يبدو الله زيوس شيطانإا‬
‫شهوانإيا نإهما أكول شديد الطمع ‪ ...‬أرأسل الصاعقة القاتلة على "اسكولب" أبي‬
‫الطب‪ ,‬لنإه يشفي المرأضى‪ ,‬فهدفه القضاء على النإاس‪ .‬ول يختلفا هذا عن هدفا‬
‫الشياطين عنإد المم الخرأى‪ "14‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فإن الوثنإية اليونإانإية لم تفرأقا بين اللهة والشياطين‪ ,‬وجعلتهما عالمين‬
‫متداخلين تماما‪ ,‬فاللهة شياطين! والشياطين أبنإاء اللهة!‬

‫في الحضارأة الهنإدية القديمة‬

‫‪ 14‬حليمة خالد رشيد صالح‪ ,‬الجن في الشعر الجاهلي‪ ,‬ص‪.24.‬‬

‫‪18‬‬
‫تمليزت الحضارأة الهنإدية القديمة بوجود عدد هائل من اللهة‪ ,‬يشعرأ معه الباحث‬
‫بالحيرأة والدهشة‪ ,‬لتلك الفوضى الدينإية العارأمة المستشرأية في تلك الحضارأة‪,‬‬
‫وتدفعه للتفكرأ‪ ,‬هل تستحقا تلك المعبودات أن يتسمى باللهة؟‬
‫بعبارأة أخرأى‪ :‬هل تصورأ الله عنإد الهنإود القدماء هو نإفس تصورأه عنإد باقي‬
‫المم‪ ,‬أم أنإه قد يأسيئ فهمهم‪ ,‬وأنإهم لم يكونإوا يقصدون بتلك "المقدسات" آلهة‪,‬‬
‫وخاصة إذا علمنإا أن هنإاك أنإصافا آلهة وثلثة أرأباع آلهة!!‬

‫على أي حال‪ ,‬فإنإه من المتوقع في تلك الديانإة‪ 15‬التي وجد فيها آلفا اللهة –على‬
‫أقل تقديرأ‪ -‬أن يظهرأ فيها الكثيرأ والكثيرأ من الكائنإات الشرأيرأة‪ ,‬ومن أشهرأ تلك‬
‫الكائنإات معشرأ "الرأاكشا"‪ ,‬والذي يفسرأه بعض الباحثين بالعفارأيت أو الشياطين‪ ,‬إل‬
‫أن هنإاك من يرأى أنإها لم تكن إل طائفة من البشرأ‪ ,16‬كانإت تعمل على مطارأدة‬
‫وإيذاء الحكماء واللهة!‬

‫ومن المنإطقي كذلك أل يظهرأ "الشيطان" بالتصورأ المعرأوفا عنإد أتباع الديانإات‬
‫الثلثة الكتابية! ولقد أجهد الستاذ العقاد نإفسه في البحث عن الشخصية المماثلة‬
‫للشيطان في تلك الحضارأة‪ ,‬فلم يجد إل شخصية قرأيبة منإها‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫"وليس في الديانإة الهنإدية وفرأوعها المتشعبة شخصية واحدة تشبه شخصية‬
‫الشيطان غيرأ الرأب الذي يسمونإه "المارأا" من الموت‪ ,‬ويقولون أنإه يسيطرأ على‬
‫السماء السادسة وما دونإها من العوالم الرأضية‪ ,‬كأنإهم جمعوا فيه فتنإة الحياة‬
‫الدنإيا مشخصة معرأوفة باسم واحد بدل من تعميم القول على الفتن التي تساورأ‬
‫النإفس ول تتمثل لها ذات في الحس أو الخيال‪.‬‬
‫وهذا "المارأا" هو الذي قيل في قصة "بوذا" أنإه وسوس له وألح في وسواسه‬
‫ليشغله عن النإسك ويصرأفه عن مسلكه من الحكمة‪ ,‬وهو مسلك الزهد والعتدال‪.‬‬
‫فالشرأ الكونإي هو الشرأ النإفسي الذي يخامرأ الضميرأ ويزين له ترأك الحكمة والقبال‬
‫على الوهام والباطيل‪ "17.‬ا‪.‬هـ‬

‫وأنإا ل أوافقا الستاذ العقاد فيما ذهب إليه‪ ,‬وأرأى أن الشيطان يظهرأ بوضوح في‬
‫الديانإة الهنإدية‪ ,‬إذا نإحن ألغينإا تلك الطنإان المزعومة من اللهة! فعلى الرأغم من‬
‫أن هنإاك آلفا من اللهة إل أن هنإاك ثالوثا يعلو هذه اللهة كلها‪ ,‬وهو‪:‬‬
‫"برأاهما"‪ ,18‬وهو الخالقا العظيم‪ ,‬الذي خلقا الكون‪ ,‬ثم انإبثقا عنإه بعد ذلك إلهان‬
‫عظيمان هما‪:‬‬

‫‪ 15‬يإمكن التعرف على الديإانة الهنديإة من خلل ملحمة المهابهاراتا‪ ,‬وهي إحدى أشهر قصيدتين في الهند )الخرى هي‪ :‬رامايإانا( وتعد‬
‫ل‪ .‬وهي مكتوبة باللغة السنسكريإتية‬ ‫المهابهاراتا أطول قصيدة في العالم‪ ,‬حيث تتكون من ‪ 220‬ألف بيت‪ ,‬مقمسمة إلى ثمانية عشر فص ل‬
‫)اللغة القديإمة المقدسة للهند(‬
‫‪ 16‬يإذكر الدكتور سامي سعيد الحمد في كتابه‪" :‬الصول الولى لفكار الشر والشيطان"‪ ,‬ص‪ .43.‬أن الراكشا لم يإكونوا إل صنفا من‬
‫لخرى و الـ)راكشا( كما‬ ‫البشر‪ ,‬فيقول‪ " :‬فهناك الـ )راكشا( و هي عفاريإت خبيثة ‪,‬يإنسبون إليها أعمال كأعمال الشياطين في الديإان ا ص‬
‫يإقول البعض هو السم الذي كان يإطلق على الهمج الوائال الذيإن سكنوا الهند قبل إغارة الريإين عليها و كانت لهم حراسة على الطرق و‬
‫يإنابيع الماء‪ ,‬وقد رسخ في الذهان إنهم أعداء البشر و إنهم يإتربصون بالناس و يإؤذونهم" ا‪.‬هـ‬
‫‪ 17‬عباد العقاد‪ ,‬إبليس‪ ,‬ص‪.59-58.‬‬
‫‪ 18‬يإطلق على ذلك الخالق "براهما" و"براهمن"‪ ,‬وأميل إلى أنها مأخوذة من "رحمن"!‬

‫‪19‬‬
‫"فيشنإو"‪ :‬إله الخيرأ‪ ,‬والذي مهمته البنإاء والتغذية‪ ,‬والذي يخلقا كل ما هو نإقي‬
‫وطاهرأ‪ ,‬من نإبات أو حيوان‪.‬‬
‫"شيفا"‪ :‬إله الشرأ والدمارأ‪ ,‬وهو الذي يهدم ويحطم‪.‬‬

‫فلماذا ل يكون "شيفا" هذا هو الشيطان؟! حيث أن دورأه ومكانإته قرأيبة جدا من‬
‫دورأه في الديانإات الكتابية الثلثة –مع عدم اعتبارأه إلها!‪-‬‬
‫فإذا كان الهنإدوس يؤمنإون بأن "الله" فشنإو في صرأاع دائم مع شيفا‪ ,‬والصرأاع‬
‫بينإهما جوالت‪ ,‬فتارأة ينإتصرأ فشنإو فيعم الخيرأ‪ ,‬وتارأة ينإتصرأ شيفا فيعم الشرأ‪ ,‬إل‬
‫أنإه سيكون هنإاك انإتصارأ أخيرأ لفشنإو على شيفا‪ ,‬فيعم الخيرأ إلى البد‪ ,‬فإن هذا‬
‫التصورأ مماثل للتصورأ المسيحي عن الصرأاع بين ملئكة الخيرأ بقيادة ميكائيل‬
‫وملئكة الشرأ بقيادة إبليس‪.‬‬

‫وكما هو متوقع فلقد "يأنإسنإت" و"يحيونإت" تلك الكائنإات واللهة المزعومة للهنإود‪,‬‬
‫فظهرأت في شكل خليط من البشرأ والحيوانإات المقدسة عنإدهم‪ ,‬أو على شكل‬
‫حيوانإاتهم المقدسة مثل الفاعي والبقارأ!!‬

‫في اليهودية‬
‫ونإترأك الديانإات الوثنإية ونإنإتقل إلى الديانإات الكتابية‪ ,‬متنإاولين الديانإتين اليهودية‬
‫والمسيحية‪ 19,‬ونإبدأ باليهودية باعتبارأها السبقا ظهورأا‪.‬‬
‫وعلى الرأغم من تميز اليهودية عن الديان السابقة بالوحدانإية‪ ,‬فالله والرأب فيها‬
‫واحد‪ ,‬وليس آلهة وأرأبابا عديدة‪ ,‬إل أنإه لم يرأقا إلى الصورأة المثلى للله‪ ,‬فهو إله‬
‫عنإصرأي‪ ,‬رأب بنإي إسرأائيل فقط‪ ,‬ويعمل فقط لنإصرأتهم وتأييدهم‪ ,‬وأعطى بنإي‬
‫إسرأائيل مكانإة فوقا كل البشرأ!‬
‫كما أن كتبها لم تخل من النإزعة التجسيدية‪ ,‬والتي جعلت الرأب يظهرأ في بعض‬
‫الحيان في مظهرأ قرأيب من البشرأ‪ ,‬كما أنإه لم يكن كامل في كل المواطن‪!20‬‬

‫فإذا بحثنإا في كتب اليهود عن الشياطين‪ ,‬لم نإجد هنإاك ذكرأا للشياطين –بالسم‪,-‬‬
‫بل إن صورأة الشيطان نإفسه ل تظهرأ واضحة في العهد القديم‪ ,‬فلم ييذكرأ في الكتب‬
‫القديمة تصرأيحا‪ ,‬وإنإما إشارأة إلى شرأورأ النإفس‪ ,‬ثم أخذت صورأته في الوضوح‬
‫والتمييز فيما بعد‪ ,‬كمخلوقا ذي كيان خاص‪.‬‬

‫‪ 19‬يإؤخذ في العتبار أن ما سيقال في اليهوديإة صيإعد مسلمال به ومقبول كذلك في المسيحية‪ ,‬وذلك لن المسيحية اعتمدت كتب اليهود‪,‬‬
‫وجعلتها العهد القديإم‪ ,‬مع الناجيل والرسائال "العهد الجديإد" في كتاب واحد‪ ,‬سموه‪ :‬الكتاب المقدس!‬
‫‪ 20‬يإؤول علماء اليهوديإة هذه اليإات ويإعدونها من "المتشابهات" المجازيإة‪ ,‬ويإجعلون عمدتهم هي اليإات المحكمات‪ ,‬التي بمينت تفرد‬
‫الرب وأنه ليس له مثيل!‬

‫‪20‬‬
‫ويشيرأ الستاذ العقاد إلى هذه النإقطة‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫"ولم يذكرأ الشيطان قط في كتاب من الكتب قبل عصرأ المنإفى إلى أرأض بابل سنإة )‬
‫‪ 586‬قا‪.‬م( ثم كان ذكرأه فيها على الوصفا ل على التسمية‪ ,‬فجاء مرأة بمعنإى‬
‫الخصم في القضية وجاء مرأة أخرأى بمعنإى المقاوم في الحرأب‪ ,‬وأطلقا مرأة على‬
‫الملك الذي تصدي لبلعام في طرأيقه‪ ,‬لنإه كان بمعنإى المعترأض أو الضد أو الخصم‬
‫المقاوم‪ ,‬ولم يذكرأ بصيغة العلم إل حيث قيل في الصحاح الحادي والعشرأين من‬
‫سفرأ اليام أنإه "وقفا الشيطان ضد إسرأائيل"‪.‬‬
‫وقد كانإت قرأابين الكفارأة تقسم على التساوي بين الله وبين عزازيل رأب القفارأ أو‬
‫الجنإي الذي يهيمن على الصحرأاء‪ ,‬وكان إيمانإهم بوجود الرأباب الخرأى التي‬
‫يعبدها غيرأهم من المم بديل من صورأ الشياطين‪ ,‬لنإها كانإت تعمل عمل الشيطان‪,‬‬
‫كلما صرأفت الشعب عن عبادة "يهوا" إلى عبادة غيرأها تثيرأ النإقمة على العصاة‪,‬‬
‫وإنإما تأتي النإقمة إذن من "يهوا" ولم تأت قط من أولئك الرأباب الجنإبيين‪ ,‬البدلء‬
‫من الشياطين‪ "21‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فلم يكن توحيد اليهود خالصا‪ ,‬فهم وإن آمنإوا ب "يهوا" فإنإهم لم ينإكرأوا‬
‫وجود "أرأباب" أخرأى‪ ,‬واعتبرأت هذه الرأباب بمثابة "الشياطين"!‬
‫ويعتبرأ "عزازيل" أبرأز تلك الشياطين –والذي يرأى كثيرأون أنإه إبليس‪ -‬والذي يمثل‬
‫لغزا في اليهودية‪ ,‬بسبب تلك المكانإة التي احتلها‪ ,‬فلقد وصل لدرأجة أن القرأابين‬
‫يتقسم بينإه وبين الرأب!‬

‫وعلى الرأغم من أن العهد القديم لم يذكرأ الشياطين صرأاحة‪ ,‬فإن هنإاك ذكرأ صرأيح‬
‫لكائنإات غيرأ بشرأية‪ ,‬مثل الجن والتوابع‪ ,‬في آيات عدة مثل ما جاء في سفرأ‬
‫اللويين‪ 31 : 19" :‬ل تلَّتفتوا إلى الجان و ل تطلَّبوا التوابع فتتنجسوا بهم أنا‬
‫الرب إلهكم ‪ 27 : 20 ........‬و إذا كان في رأجال أو امرأة جاان أو تابعة فانه يقتل‬
‫بالحجارأة يرجامونه دمه علَّيه"‬

‫ونإجد أن الجن في العهد القديم يظهرأ بنإفس الصورأة الموجودة في العقلية العرأبية‪,‬‬
‫فهو يدخل النإسان –كما في اليات السابقة‪ ,-‬ويستعين به السحرأة في معرأفة‬
‫الغيب‪ ,‬كما جاء في سفرأ صامويل الول‪:‬‬
‫"‪ 7 :28‬فقال شاول لعبيده‪ :‬فتشوا لي علَّى امرأة صاحبة جاان‪ ,‬فأذهب إليها و‬
‫أسألها‪ .‬فقال له عبيده‪ :‬هي ذا امرأة صاحبة جاان في عين دورأ‪.‬‬
‫‪ 8 :28‬فتنكر شاول و لبس ثيابا أخرى و ذهب هو ورأجالن معه وجااءوا إلى المرأة‬
‫ليلا وقال‪ :‬اعرفي لي بالجان واصعدي لي من أقول لك ‪"...‬‬

‫‪ 21‬عباس العقاد‪ ,‬إبليس‪ ,‬ص‪.89.‬‬

‫‪21‬‬
‫ومن ثم ينإهاهم الرأب عن اللجوء إلى أصحاب الجن والتوابع لسؤالهم‪ ,‬ويأمرأهم‬
‫بسؤاله هو فقط! وعلى الرأغم من اتفاقا تصورأ أدوارأ الجن عنإد المسلمين واليهود‬
‫إل أنإنإا يجب علينإا أن نإفرأقا بين التصورأين‪ ,‬فأهل الكتاب ل ينإظرأون إلى الجن على‬
‫أنإهم مخلوقات مكلفة‪ ,‬فيها الخليرأ والشرأيرأ‪ ,‬وإنإما ينإظرأون إليها على أنإها أرأواح‬
‫شرأيرأة ساقطة تتبع الشيطان‪ ,‬ويعرأبت ب كلمة "الجن" لكونإها أقرأب مصطلح لفهم‬
‫الشرأقيين‪.‬‬

‫ولم تسلم كتب العهد القديم من الخرأافة‪ ,‬فظهرأ فيها الكثيرأ والكثيرأ من الكائنإات‬
‫الخرأافية‪ ,‬التي يذكرأت في كتب المم السابقة‪ ,‬مثل القنإطورأ والذي هو نإصفا إنإسان‬
‫ونإصفا حصان‪.‬‬
‫وكالعادة تدخلت يد المترأجم العرأبي فعملت على إخفاء تلك الكائنإات‪ ,‬بأن علرأبتها‬
‫بدون الشارأة إلى الصل السطورأي لها‪ ,‬أو غيرأتها أصل‪ ,‬وإن لم تقم بهذا مع كل‬
‫الكائنإات الخرأافية‪ ,‬فظهرأ بعضها في النإصوص العرأبية‪ ,‬ومن ذلك ما جاء في سفرأ‬
‫إشعياء‪:‬‬
‫"‪ 1 :27‬في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية‬
‫الهارأبة لوياثان الحية المتحوية و يقتل التنين الذي في البحر"‬
‫فهنا نجد حديثا عن التنين! والتنين ‪-‬لمن ل يعرف‪ -‬هو حية تطير تنفث النارأ!‬

‫وكذلك ما جااء في إشعياء‪:‬‬


‫"‪ 14 :34‬و تلقي وحوش القفر بنات آوى ومعز الوحش يدعو صاحبه هناك‬
‫يستقر اللَّيل و يجد لنفسه محل"‬
‫فهنإا مثال جيد لتلعب يد المترأجم العرأبي‪ ,‬فلقد قام بالتحرأيفا في موضوعين‪,‬‬
‫فترأجم بترأجمة ‪- Satyrs‬والذي ييعرأفا ككائن مشعرأ نإصفه العلى إنإسان ورأجله‬
‫أرأجل ماعز )الغول(‪ -‬ب "معز الوحش" بدلل من "الوحش المعزي" مث ل‬
‫ل!!‬
‫كما قام بترأجمة "ليليت" والذي هو اسم عتلم! إلى‪ :‬الليل!‬

‫فإذا أخذنإا نإصا محايدا نإزين عليه هذه التعرأيب –وهو من ترأجمة مارأتن لوترأ‪ -‬نإجد‬
‫أن المترأجم اللمانإي كان أكثرأ صرأاحة في ترأجمته للنإص‪ ,‬إل أنإه أخفى "ليليت"‬
‫كذلك‪ ,‬فلم يذكرأها بالسم وإنإما سماها "جنإية الليل" فقال‪:‬‬
‫"……‪und ein Feldgeist wird dem anderen Begegnen. Das ,‬‬
‫‪Nachtgespenst wird auch dort herbergen und seine Ruhestatt dort‬‬
‫‪".finden‬‬
‫والذي يمكن تعرأيبه ب‪:‬‬
‫"‪ ....‬وشبح الغابة سوفا يلقي آخرأا‪ ,‬وجلنإية الليل سوفا تستقرأ هنإاك وتجد لنإفسها‬
‫مأوى"‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ونإطلب إلى القارأئ العرأبي الذي ل يعرأفا كثيرأا عن ليليت‪ ,‬أن يجرأي بحثا حولها‬
‫على الشبكة المعلوماتية‪.22‬‬

‫ويتكررأ ذلك في نفس السفر‪:‬‬


‫"‪ 29 :14‬ل تفرحي يا جاميع فلَّسطين لن القضيب الضارأبك )الذي ضربك(‬
‫انكسر فانه من أصل الحية يخرج أفعوان و ثمرته تكون ثعبانا ساما‬
‫طيارأا"‬
‫ويظهر هذا بشكل أوضح في الترجامات الخرى‪ ,‬فيظهر في الترجامة اللمانية‪:‬‬
‫" ‪Freue dich nicht, ganz Philisterland, dass der Stock, der dich‬‬
‫‪schlug, zerbrochen ist, Denn aus der Wurzel der Schlange wird eine‬‬
‫‪giftige Natter kommen, und ihre Frucht wird ein feuriger fliegender‬‬
‫‪".Drache sein‬‬
‫والذي لو تعررب ما تحته خط يكون‪:‬‬
‫"‪ .....‬يكون تنينا طائراا نارأيا )وليس ساما‪ ,‬كما أخرجاها المترجام العربي("‪.‬‬

‫وهنإاك كائنإات خرأافية أخرأى في العهد القديم غيرأ تلك المذكورأة‪ ,‬إل أنإنإا نإكتفي بهذا‬
‫إشارأة إلى تأثرأ كتب اليهود بالساطيرأ الموجودة في البلد المحيطة بهم‪ ,‬والتي‬
‫نإزحوا إليها!‬

‫في المسيحية‬

‫إذا ترأكنإا اليهودية وانإتقلنإا إلى المسيحية‪ ,‬فسنإجد أن الحال لن يتغيرأ قليل أو كثيرأا‪,‬‬
‫فهو يؤمن بوجود الرأواح الشرأيرأة‪ ,‬والتي تسمى بالشياطين‪ ,‬والتي هي في الصل‬
‫ملئكة ساقطة تابعة للشيطان في عصيانإها للرأب‪.‬‬
‫وييلحظ أن تصورأ الشيطان أصبح جد واضح في المسيحية‪ ,‬وهو أقرأب ما يكون‬
‫إلى التصورأ السلمي‪ ,‬إل أنإه ثمة خلفا مع القول المشهورأ‪ ,‬فهم يرأون أنإه كان‬
‫من الملئكة وليس من الجن! لنإهم ل يقولون بوجود خلقا آخرأ اسمه الجن!‬

‫ويظهرأ ذلك في كثيرأ من النإصوص مثل ما جاء في رأسالة يهوذا‪:‬‬


‫"‪ 6 :1‬و الملئكة الذين لم يحفظوا رأياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة‬
‫‪ 22‬ليليت تعني في اللغة العبريإة "الليل أو العتمة"‪ .‬إل أنها تطلق منذ ما يإزيإد عن ثلثة آلف عاما على "جنية الليل"‪.‬‬
‫وطبقا للتفسيرات العبريإة المتأخرة لسفر التكويإن فإن ليليت كانت الزوجة الولى لدما‪ ,.‬وصخلقت من نفس الطينة الذي صخلق منها! إل أنها‬
‫لم تقبل الخضوع لدما‪ ,‬ثم هربت من الجنة في نهايإة المطاف بعد خلفات طويإلة مع آدما!!‬
‫ولهروبها عاقبها ا بأن تظل شهوانية مرعبة تعيش في الماكن المقفرة‪ ,‬وبعد ذلك اعتبرت ليليت فيما بعد إلهة الغراء والغوايإة‬
‫الجنسية‪ ,‬ويإظهر ذلك واضحا في الصور المتخيلة لها! وعندنا في القصص الشعبية المصريإة ما يإعد تجسيدا مصريإا له وهو ما صيإعرف ب‬
‫"النداهة" وهي تلك المرأة الجنية التي تنادي الرجال بالليل فيتبعونها‪ ,‬فتأخذهم إلى مكان مقفر فتقتلهم أو تغرقهم!‬

‫‪23‬‬
‫اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلم"‬
‫وما جااء في إنجيل متى‪:‬‬
‫"‪ 41 :25‬ثم يقول أيضا للَّذين عن اليسارأ اذهبوا عني يا ملعين إلى النارأ البدية‬
‫المعدة لبلَّيس و ملئكته"‬

‫كما أن إبليس يظهرأ بصورأة قرأيبة من الرأب! فثمة صرأاع مرأيرأ بين الرأب وملئكته‬
‫وإبليس وملئكته!‬
‫ولم ينإجح الرأب في النإتصارأ على إبليس وجنإوده في هذا الصرأاع إل بالخديعة‪ ,‬بأن‬
‫جعل نإفسه يتجسد ليظهرأ في صورأة إنإسان‪ ,‬ييقتل على الصليب ليفدي بدمائه خطايا‬
‫البشرأية!!‬
‫وفي نإهاية الزمان تحدث معرأكة عظيمة بين ملئكة الرأب بقيادة ميخائيل وملئكة‬
‫إبليس بزعامته‪ ,‬وينإتصرأ جيش الرأب ويهزم جنإود إبليس‪ ,‬ويأتي الرأب ابن‬
‫النإسان! ليدين العالم! وييلقى إبليس الحية القديمة في بحيرأة النإارأ البدية!‬

‫ولن المسيحية تمايزت عن الديانإات التوحيدية بثالوثها! والذي يمثل الرأوح القدس‬
‫أحد أرأكانإه‪ ,‬وجدنإا أن الرأوح القدس يؤيد الخيارأ‪ ,‬ومن ذلك ما ورأد في إنإجيل لوقا‬
‫في حقا يحيى عليه السلم‪:‬‬
‫"‪ 15 : 1‬لنه يكون عظيما أمام الرب و خمرا ومسكرا ل يشرب ومن بطن أمه‬
‫يمتلَّئ من الروح القدس"‬
‫وما ورأد كذلك في أعمال الرأسل أن الحوارأيين امتلئوا بالرأوح القدس وتكلموا‬
‫بألسنإة عديدة!!‬
‫أما الشرأارأ فيمتلئون بالرأواح النإجسة والتي يمكن التحرأرأ منإها بالصوم والصلة‪,‬‬
‫كما جاء في إنإجيل متى‪:‬‬
‫"‪ 21 :17‬و أما هذا الجنس فل يخرج إل بالصلة والصوم"‬
‫وتظهرأ الشياطين بوضوح في النإجيل‪ ,‬ويظهرأ لها سلطان مادي ورأوحي‪ ,‬فإبليس‬
‫كبيرأهم يحمل المسيح ويطيرأ به ليختبرأه!! كما جاء في إنإجيل متى‪:‬‬
‫"‪ 8:4‬ثم أخذه أيضا إبلَّيس إلى جابل عال جادا وأرأاه جاميع ممالك العالم ومجدها‪.‬‬
‫‪ 9 :4‬و قال له‪ :‬أعطيك هذه جاميعها إن خررأت وسجدت لي‪.‬‬
‫‪ 10 :4‬حينئذ قال له يسوع‪ :‬اذهب يا شيطان لنه مكتوب للَّرب إلهك تسجد و اياه‬
‫وحده تعبد"‬

‫كما أن الشياطين تدخل أجاساد البشر وتسبب لهم المراض العضوية‪ ,‬والمسيح‬
‫يخرجاها فيتعافى المصابون! ومن ذلك ما ورأد في إنجيل متى كذلك‪:‬‬
‫"‪ 32:9‬و فيما هما خارأجاان إذا إنسان أخرس مجنون قدموه إليه‪.‬‬
‫‪ 33 :9‬فلَّما أخرج الشيطان تكلَّم الخرس فتعجب الجموع قائلَّين‪ :‬لم يظهر قط مثل‬
‫هذا في إسرائيل‪.‬‬
‫‪ 34 :9‬أما الفريسيون فقالوا‪ :‬برئيس الشياطين يخرج الشياطين"‬

‫‪24‬‬
‫وكما ظهرأت كائنإات خرأافية في كتب العهد القديم‪ ,‬كذلك تظهرأ كائنإات خرأافية‬
‫عجيبة في كتب العهد الجديد‪ ,‬إل أن أعجب ما في المر أن واحدا من هذه الكائنات‬
‫الخرافية هو الرب!‬
‫فيظهر الرب في سفر رأؤيا يوحنا اللهوتي علَّى هيئة خروف عجيب!!‬
‫"‪ 6:5‬ورأأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الرأبعة و في وسط الشيوخأ خروف‬
‫قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون و سبع أعين هي سبعة أرأواح ا المرسلَّة إلى كل‬
‫الرأض‪ 7 :5 .‬فأتى وأخذ السفر من يمين الجالس علَّى العرش‪ 8 :5 .‬و لما أخذ‬
‫السفر خرت الرأبعة الحيوانات والرأبعة والعشرون شيخا أمام الخروف ولهم كل‬
‫واحد قيثارأات وجاامات من ذهب مملَّوءة بخورأا هي صلَّوات القديسين"‬
‫ولم نإعرأض لصفة هذه الحيوانإات الرأبعة لنإه سيقال أنإها رأؤيا وأنإها كائنإات ل‬
‫تنإتمي لعالمنإا‪ ,‬ول لغيرأها من الكائنإات الخرأافية الموجودة في العهد الجديد‪,‬‬
‫مكتفيين بذلك الرأب الخرأوفا العجيب‪ ,‬ففيه من العجب ما يكفي!‬

‫وكما رأأينإا من المثلة المعرأوضة فإنإه لم يظهرأ في تلك الحضارأات "الله المتفرأد"‬
‫وإنإما ظهرأت أرأباب عديدة مختلفة الدوارأ‪ ,‬لم يتحققا في أي منإها الكمال اللهي‬
‫وإنإما حملت السمات البشرأية النإاقصة‪ ,‬والممزوجة بالهيئة الحيوانإية‪ ,‬مما يدل‬
‫على أنإها صنإاعة بشرأية‪ ,‬حاول العقل فيها أن يتغلب على نإقاط الضعفا البشرأية‬
‫بإضافة مواطن قوة وتمليز الحيوانإات إلى النإسان‪.23‬‬

‫كما رأأينإا أن بعض هذه اللهة! يستحقا أن يينإعت بالشياطين! تبعا للدوارأ التي يقوم‬
‫بها‪ ,‬لذلك رأأينإا تهاوي الحاجز الفاصل بين الله والشيطان في التصورأ والدوارأ‪,‬‬
‫ولذلك احتل الشيطان والشياطين منإزلة كبيرأة في معبودات الحضارأات القديمة!‬
‫فلماذا يتفرأد اللهة –أو الله‪ -‬الخليرأة بالعبادة‪ ,‬إذا كانإوا في نإفس درأجة الشرأارأ‪,‬‬
‫وإذا كان في أفعالهم ما يقارأب أفعال الخرأين؟!‬
‫وإذا كان هنإاك صرأاع بين الفرأيقين فمن الحوط أن يتقرأب النإسان إلى كليهما‪,‬‬
‫حتى يضمن خيرأ هذا ويتجنإب غضب وضرأ ذاك!!‬

‫عبادة الشيطان‬

‫رأأينا كيف احتلَّت الشياطين مكانة بارأزة في الديان القديمة‪ ,‬حتى أنها اعتتبرت‬
‫كآلهة وتعبدت‪ ,‬ومع مرورأ الزمن توارأت تلَّك الديان وبرزت الديانات البراهيمية‪:‬‬
‫اليهودية والمسيحية والسلم‪.‬‬
‫ورأأينا كيف أن الشيطان احتل مكانة بارأزة في الديانة المسيحية‪ ,‬تكاد تقترب من‬
‫‪ 23‬نوصي القارئ الكريإم بالطلع على كتابنا‪ :‬السوبرمان بين نيتشه والقرآن‪ ,‬والذي عرض لمسألة "قوة النسان"‪ ,‬وبمين كيف أن‬
‫التصورات البشريإة للقوة تصورات سطحية ساذجة طفولية! وقدما تصورا إسلميا للنسان العلى!‬

‫‪25‬‬
‫مكانة الرب‪ ,‬حتى أن الرب نفسه لم يجد حلا للنتصارأ علَّيه إل أن يتجسد في شكل‬
‫بشري ليتصلَّب‪ ,‬ويفدي البشر بدمائه!‬
‫وعلَّى الرغم من ذلك فإن هذه الخدعة ل تفلَّح‪ ,‬وستقوم معركة في آخر الزمان بين‬
‫الملك ميخائيل وأتباعه وإبلَّيس وأتباعه‪.‬‬

‫وبسبب هذه المكانة الكبيرة للَّشيطان‪ ,‬انبثقت عن الديانة المسيحية بعض الطوائف‪,‬‬
‫التي اتجهت إلى عبادة الشيطان‪ ,‬بحجة أن الشيطان انتصر في تحديه للله‪ ,‬فالشر‬
‫هو السائد في العالم‪ ,‬ومن ثم فإن الشيطان هو المستحق للَّعبادة!‬
‫ونشأت هذه الطوائف علَّى استحياء في العالم الغربي في القرون الوسطى‪- ,‬وهناك‬
‫من يرى من المؤرأخين أنها نشأت في القرن الميلدي الول بالتوازي مع‬
‫المسيحية‪ -‬كتنظيمات سرية‪ ,‬خوفاا من البطش الذي كانت الكنيسة ستنزله بأفرادها‪,‬‬
‫وبالفعل كان تيعدم من تيضبط من هذه الجماعات‪.‬‬
‫ويعتبر الظهورأ الحقيقي لهذه الجماعات في العصر الحديث –عصر التحررأ!‪ -‬في‬
‫القرن العشرين‪ ,‬عندما ظهروا علَّى المل‪ ,‬وأخذوا يدعون إلى مذهبهم!‬

‫والقول بأن عبادة الشيطان في العصر الحديث منبثقة عن المسيحية رأاجاعع إلى أنها‬
‫نشأت في مجتمعات ذات ثقافة مسيحية‪ ,‬من أفرادد تمردوا علَّى الرموز المسيحية‪,‬‬
‫فنجد أنها تتخذ نفس الرموز المسيحية ولكن بشكل مخالف‪ ,‬فهناك كنيسة للَّشيطان‪,‬‬
‫وهناك إنجيل ولكنه أسود‪ ,‬وهناك صلَّيب ولكنه يستعمل مقلَّوبا ا أو معقوفاا‪ ,‬كما أنه‬
‫قد تيهان في تلَّك الطقوس‪ ,‬فتيحرقا أو تيداس!‬

‫و"يعد اليهودى المريكي أنطون سازاندورأ لفى ‪ Anton Szandor Lavey‬أول‬


‫من أسس معبد رأسمي للَّشيطان علَّى الرأض في العصر الحديث بمدينة سان‬
‫فرانسيسكو بولية كاليفورأنيا بالوليات المتحدة المريكية‪ .‬وقد قام لفي باعتماد‬
‫هذا المعبد وشهره رأسميا في ‪ 22‬أبريل عام ‪ 1966‬ميلدية‪ "24.‬ا‪.‬هـ‬

‫ولن عبادة الشيطان أو الديانة الشيطانية مـا هـي إل تمـرعد علَّـى المسـيحية‪ ,‬وجا دنا‬
‫لفي هذه يؤلف كتابا ا يسميه بالكتاب المقدس الشيطانى ‪! The Satanic Bible‬‬
‫ووضع فيه تعاليم‪ ,‬نسبها إلى الشــيطان‪ ,‬وهــي مضــادة للَّتعــاليم الموجاــودة بالنجيــل‬
‫المقدس‪ ,‬كما ضرمن هذا الكتاب شعائر وطرقا عبادة الشيطان!!‬

‫ويعرض عبد ا كمال النقاط الرئيسة لهذا الدين! والتي تتعد بمثابة الدستورأ أو‬
‫قانون اليمان! الخاص به‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫"والجزء الول يمثل دستورأ الديانة‪ ,‬وهو مكون من ‪ 9‬عبارأات‪ ,‬نصها كما يلَّي‪:‬‬
‫‪ -1‬الشيطان يمثل النغماس في اللَّذة بدلا من التقشف‪.‬‬
‫‪ -2‬الشيطان يمثل الوجاود الحيوي بدلا من الحلم الروحية المحدودة‪.‬‬

‫‪ 24‬مجدي صادق‪ ,‬عبادة الشيطان )ضد المسيح(‪ ,‬ص‪.29.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ -3‬الشيطان يمثل الحكمة غير الملَّوثة مقابل خداع النفس الزائف‪.‬‬
‫‪ -4‬الشيطان يمثل العطف علَّى من يستحقه بدلا من الحب الذي يمنح للَّجاحدين‪.‬‬
‫‪ -5‬الشيطان يمثل النتقام بدلا من إدارأة الخد الخر للَّضارأب‪.‬‬
‫‪ -6‬الشيطان يمثل المسئولية للَّمسئول بدلا من الهتمام بمصاصي الدماء‪.‬‬
‫‪ -7‬الشيطان يمثل النسان‪ ,‬مثل أي حيوان آخر‪ ,‬أحيانا ا يكون أفضل من‬
‫الحيوانات‪ ,‬وأحياناا يكون أسوأ من التي تمشي علَّى أرأبع‪ ,‬وذلك لنه‬
‫باهتمامه بالروحانيات اللهية أصبح أكثر الحيوانات وحشية‪.‬‬
‫‪ -8‬الشيطان يمثل كل ما يسمى بالخطايا‪ ,‬حيث إنها تقود إلى الشباع المادي‬
‫والجسدي والمعنوي‪.‬‬
‫‪ -9‬الشيطان هو أفضل صديق للَّكنيسة‪ ,‬حيث إنه هو الذي جاعلَّها تعمل طول هذه‬
‫السنوات‪ "25.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينا فإن قانون إيمان لفي –والذي كان اسمه‪ :‬ليفي )لوي(‪ ,‬فغيره حتى‬
‫يبتعد عن كل ما له علقة بالكتاب المقدس‪ -‬هو قوانين مضادة لما هو موجاود في‬
‫المسيحية‪ ,‬نزعت المسيح من مكانه ووضعت مكانه الشيطان!‬
‫وعلَّى الرغم من أن أتباع هذا الدين تيسمون عبدة الشيطان‪ ,‬إل أنهم ل يؤمنون كلَّهم‬
‫بالشيطان –كما تصورأه الديان السماوية‪ -‬وإنما ينقسمون إلى فرقتين‪:‬‬
‫فرقة الشيطانية اليمانية )‪ ,(Theistic Satanism‬والتي تؤمن بوجاود كائن فوقا‬
‫طبيعي هو الشيطان‪ ,‬يقدسونه ويبجلَّونه!‬
‫وفرقة الشيطانية اللحادية )‪ ,(Atheistic Satanism‬وهم ملَّحدون ل يؤمنون‬
‫بالشيطان كما تصورأه الديان‪ ,‬ول يؤمنون بإله ول بيوم آخر ول حساب‪ ,‬وإنما‬
‫يؤمنون بالرمز الذي يجسده الشيطان!‬

‫وعبادة الشيطان قائمة علَّى إطلقا العنان للَّشهوات وعدم تقييد النفس أو الرغبات‪,‬‬
‫وإنما الستجابة لكل ما تطلَّب‪ ,‬وأن يتعامل النسان بواقعية )حيوانية( بدلا من أن‬
‫يخدع نفسه بشعارأات ل يؤمن هو نفسه بها!‬
‫وفلَّسفة عرباد الشيطان محورأها القوة‪ ,‬فالقوي هو الصلَّح‪ ,‬ويرون أن أخلقا‬
‫الكتاب المقدس –والقرآن‪ -‬ما تجاعلَّت إل لحماية الضعف والضعفاء! ومن ثم فعلَّينا‬
‫إيجاد نظم جاديدة للَّتربية تعتمد علَّى الوصول إلى القوة‪ ,‬والتحصل علَّى اللَّذة بأقصى‬
‫حدد ممكن! ول بأس بخوض الحروب من أجال الوصول إلى هذه الهداف!‬
‫ويمكن القول أن مبادئ الديانة الشيطانية مستقاة من فلَّسفة القوة للَّفيلَّسوف‬
‫اللماني نيتشه‪ ,‬القائمة علَّى عدم المساواة والمناداة بالنسان الخارأقا‪!26‬‬
‫وعلَّى الرغم من تهافت وسطحية أقوالهم إل أنهم يرون أن ما يقولون به هو‬
‫الحقيقة‪ ,‬فهم في الواقع يعبدون الحقيقة والواقع ل الوهام!‬

‫‪ 25‬عبد ا كمال‪ ,‬تجربة شخصية مع عبدة الشيطان‪ ,‬ص‪.152-151.‬‬


‫‪ 26‬عرضنا لنيتشه وفلسفته في كتابنا‪ :‬السوبرمان بين نيتشه والقرآن‪ ,‬ونقدنا تصور النسان العلى عنده‪ ,‬وبمينا أنه تصور وهمي ل يإمكن‬
‫تطبيقه على الرض‪ ,‬وقدممنا البديإل القرآني له!‬

‫‪27‬‬
‫وفي هذا يقول حسين عبد الواحد‪:‬‬
‫"وقد أسس ليفي هذه الجماعة تحت شعارأ عبادة الحقيقة‪ ,‬باعتبارأ فهم خاطئ يرى‬
‫أن الشيطان هو الحكمة غير المشوهة‪ ,‬بدلا من خداع النفس والخرين‪ ,‬كما إنه‬
‫يمثل نقيض إدعاء التسامح حيث ينتقم ممن يعتدي علَّيه )‪(.....‬‬
‫كما إن العديد من أعضائها ل يؤمنون بوجاود الشيطان كحقيقة مادية بل كفكرة‬
‫مجردة‪ ,‬لمثل كل الخطايا أو الثام التي اختلَّقتها المجتمعات بهدف حرمانهم من‬
‫الشباع العضوي والعقلَّي والعاطفي‪ "27.‬ا‪.‬هـ‬

‫وأفعال المنتمين لهذه العبادة أفعال حمقاء هزلية‪ ,‬نابعة من التصورأات البدائية عن‬
‫الشيطان‪ ,‬والتي تظهره بمظهر كبش له قرون‪ ,‬وأنه كائعن أسود قبيح‪ ,‬ومن ثم فإنهم‬
‫يحرصون علَّى ارأتداء الملبس السوداء!‬
‫وبما أنها حركة مضادة للديان فمن المتوقع أن تكون عبادتهم ارأتكاب المحرمات‬
‫التي نهت الديان عنها لذلك نجد أن طقوس التقداس! الذي يقيمونه يشتمل استدعااء‬
‫للَّشيطان وممارأساة للَّجنس والشذوذ علَّى أنغام الموسيقى الصاخبة‪ ,‬مثل ‪Black‬‬
‫‪ Metal‬و ‪ Heavy Metal‬و ‪ ,Death Metal‬والتي تكون مصحوبة بالرقص‬
‫المجنون‪ ,‬الذي يدخل فاعلَّه في حالة من الغيبوبة‪ ,‬ل يدرأي معها ما يفعل!!‬
‫وكذلك قتل وتعذيب بعض الحيوانات –بل ويصل المر أحيانا ا إلى قتل البشر!‪-‬‬
‫وشرب دمائها!‬

‫ومما يأسف له المرء أننا وجادنا في مجتمعاتنا العربية‪ ,‬من انتسب إلى تلَّك‬
‫الجماعات‪ ,‬وأخذ يقلَّدهم فيما يفعلَّون‪ ,‬تقلَّيداا أعمى! ظنا ا منهم أن هذا تمرعد علَّى‬
‫المجتمع الذي يقيدهم! فلَّماذا التمسك بالعراف‪ ,‬لنتحررأ )لنصير حيوانات متوحشة(‬
‫كما تحررأ السياد الغربيون!‬
‫وظهرت هذه البدعة عندنا في أواخر القرن العشرين‪ ,‬حيث ألقت قوات المن‬
‫العربية القبض علَّى مجموعة من الشباب والفتيات –كلَّهم من أبناء علَّية القوم!‪-‬‬
‫في عددد من البلَّدان العربية‪ ,‬مثل مصر والسعودية والكويت والبحرين‪.‬‬

‫وهناك من يقول أنه قد توجاد بين المسلَّمين –منذ زمن بعيد‪ -‬من يعبد الشيطان‪ ,‬وهم‬
‫الطائفة اليزيدية‪ ,‬وكانت مظاهر عبادته تختلَّف عن هذه المظاهر كلَّياة! إل أننا‬
‫نرفض هذا القول تماما ا ونرى أنه مما تتقول علَّيهم‪ ,‬لساءة الناس فهم فلَّسفتهم‪,‬‬
‫وفي هذا يقول العقاد‪:‬‬

‫"أما النحلَّة التي ينسبونها إلى الشيطان‪ ,‬ول تزال لها بقية في العصر الحاضر‪,‬‬
‫فهي النحلَّة اليزيدية التي تقيم في شمال العراقا‪ ,‬وينتمي أبناؤها جاميعا ا إلى الكرد‪,‬‬
‫ول يعرف أحعد علَّى التحقيق سبب تسميتهم باليزيدية‪ ,‬ول يعول علَّى أقوال أحد‬

‫‪ 27‬حسين عبد الواحد‪ ,‬عبدة الشيطان على ضفاف النيل‪ ,‬ص‪.147.‬‬

‫‪28‬‬
‫علَّمائهم أو جاهلئهم‪ ,‬لنهم يحرمون التعلَّيم علَّى عامتهم ويجعلَّونه وقفا ا علَّى أسرة‬
‫منهم تتولى الكهانة وأمانة السرارأ في هذه الديانة‪.‬‬
‫فمن كان منهم عالماا بتلَّك السرارأ فهو ل يبوح بها ومن كان من جاهلئهم‬
‫وعامتهم‪ ,‬فهو يتلَّقى ما يسمعه وتيؤذن له بعلَّمه )‪(...........‬‬

‫وليس فيما رأواه الثقات عنهم ما يثبت عبادتهم للَّشيطان‪ ,‬ولعل القول بعبادتهم‬
‫س‪ ,‬جااء من اعتقادهم أن الله الذي يسمونه "طاووس ملَّك" نصح لدم‬ ‫للَّشيطان لب ع‬
‫بأكل الحنطة فانتفخ بطنه‪ ,‬وضاقت به الجنة‪ ,‬فأخرجاه طاووس ملَّك العراء وصعد‬
‫إلى السماء‪ ,‬ولم يكن لدم مخرج فأرأسل إليه طائراا ينقر بطنه فاستراح من أكل‬
‫الحنطة‪ ,‬وعاش بعيداا من الجنة المطهرة‪ ,‬يأكل هو وبنوه من ذلك الطعام الرأضي‬
‫إلى يوم القيامة‪ "28.‬ا‪.‬هـ‬

‫وهذه العبادة وإن لم تحقق الشرط الرئيس للَّعبادة‪ ,‬وهو حب المعبود والسعي‬
‫للَّوصول إلى رأضاه‪ ,‬فإنها حققت أهم شرط فيها وهو الطاعة‪ ,‬والعيش تبعا ا لما‬
‫يريده المعبود‪ ,‬لذا ل يظنن ظاعن أن عبادة الشيطان ظاهرة محدودة النتشارأ‬
‫والفراد‪ ,‬فأكثر أهل الرأض يعبدون الشيطان‪ ,‬فهم ينفذون مخططه‪ ,‬ويحققون له ما‬
‫يريد‪ ,‬فطالما أن النسان ل يعبد الرحمن فهو عابعد للَّشيطان‪ ,‬فكما قال الدكتورأ محمد‬
‫المسير‪:‬‬
‫" عبادة الشيطان هي المقابل لعبادة ا وعلَّى النقيض منها‪ ,‬وهي الوصف الجامع‬
‫لكل صورأ الشرك والكفر والفساد‪ .‬ويوم تناست البشرية عهدها الول مع ا تعالى‪,‬‬
‫بدأت عبادة الشيطان )‪(.......‬‬
‫ولذلك خاطب إبراهيم علَّيه السلم أباه يدعوه إلى عبادة ا‪ ,‬وترك عبادة الشيطان‪,‬‬
‫مع أن أباه كان يتخذ أصناما آلهة‪ ,‬قال تعالى‪:‬‬
‫ت للمم تمسعبتتد مما مل يم س‬
‫سممتع‬ ‫صدديقا ا نيبليرا ا إلسذ مقامل للملبيله ميا أمبم ل‬ ‫ب إلسبمرالهيمم إلنيهت مكامن ل‬ ‫مواسذتكسر لفي اسللكمتا ل‬
‫ت إلدني قمسد مجااءلني لممن اسللعسلَّلم مما لمسم يمأستلمك مفاتيبلسعلني‬ ‫شسيئا ا ميا أمبم ل‬
‫صتر مومل يتسغلني معنمك م‬ ‫مومل يتسب ل‬
‫صيرا ا ]مريم ‪:‬‬ ‫طامن مكامن لللَّيرسحمملن مع ل‬ ‫شسي م‬
‫طامن إلين ال ي‬ ‫شسي م‬
‫ت مل تمسعبتلد ال ي‬ ‫سلويرا ا ميا أمبم ل‬‫صمراطا ا م‬‫أمسهلدمك ل‬
‫‪ "29[44-41‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 28‬عباس العقاد‪ ,‬إبليس‪ ,‬ص‪.140-139.‬‬


‫‪ 29‬محمد سيد أحمد المسير‪ ,‬عبادة الشيطان في البيان القرآني والتاريإخ النساني‪ ,‬ص‪.36.‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل الثانإي‬
‫الجن في الجاهلية‬

‫بعد أن عرأضنإا لتصورأات عدد من الحضارأات القديمة لهذه الكائنإات الغيرأ مرأئية‪,‬‬
‫سواء كانإت أرأبابا أو شياطين‪ ,‬نإنإتقل لنإرأ كيفا تخليل العرأب قبل السلم هذه‬
‫الكائنإات! ولن العرأب كانإوا يعيشون في بيئة صحرأاوية‪ ,‬ذات طبيعة خاصة مختلفة‬
‫عن بيئات الحضارأات السابقة‪ ,‬فمن المتوقع أن يختلفا "جنإهم" عن "جن" باقي‬
‫الحضارأات‪ ,‬لن خصائص هذه الطبيعة ستنإعكس ل محالة في جنإهم!‬

‫ولنإنإا لم يصل إلينإا شيئا من تارأيخ العرأب القديم مدونإا‪ ,‬فسنإكتفي بما جاء مرأويا‬
‫عن عرأب الجاهلية‪ ,‬والذي سنإجد فيه آثارأ تأثرأ بالحضارأات التي اختلط بها‪,‬‬
‫وخاصة اليهودية والنإصرأانإية‪ ,‬لن أتباعهما كانإوا يعيشون بينإهم‪ ,‬وكان العرأب‬
‫الجاهليون يعرأفونإهم ويتعاملون معهم‪ ,‬ولهذا سنإجد تشابها خاصا بين تصورأ‬
‫العرأب للجن وبين التصورأ اليهودي له!‬

‫احتل الجن منإزلة عظيمة في حياة العرأبي الجاهلي‪ ,‬على الرأغم من أن تصورأه‬
‫لهيئة الجن نإفسها كان مبهما‪ ,‬إل أنإه كان يتصورأها كمخلوقات عظيمة‪ ,‬ذات قوة‬
‫خارأقة‪ ,‬تميل إلى الشرأ ومشاكسة النإسان‪ ,‬لذا عمل على استرأضاء هذه المخلوقات‬
‫وعدم التعرأض لها بالذى حتى ل تؤذيه بما ل ييطيقا!‬
‫كما نإسب كل أمدرأ غرأيب وشاذ إلى الجن‪ ,‬فالعرأبي ليس في حاجة إلى أن يتعب‬
‫ذهنإه‪ ,‬فهنإاك جن! وهو التفسيرأ اليمعد لكل ظاهرأة ل يستطيع لها تفسيرأا!‬

‫فمن ذلك أنهم نسبوا بعضاا من أفعال الطبيعة إلــى الجــن‪ ,‬وذلــك لعجزهــم عــن إيجــاد‬
‫تفســيدر لهــا‪ ,‬فلَّســيطرة الخــوف مــن المجهــول علَّيهــم‪ ,‬بحكــم عزلتهــم‪ ,‬تحيــط بهــم‬
‫الصحراء الملَّيئة بالمخاطر من كل جاانب‪ ,‬ولعدم وجاود عقلَّية علَّمية تحكم علَّى هــذه‬
‫المورأ‪ ,‬فمن المنتظر أن يخرج لنا ذلك العقل الفلزع هذه الخيالت المريضة‪.‬‬

‫وتذكر لنا حلَّيمة خالد نماذج لنتاج فزع العقل الجاهلَّي‪ ,‬فتقول‪:‬‬
‫"وهكذا نلحظ أن الخيال البشري تصورأ الجن في كل الشكال والصورأ‪ ,‬التي يمكن‬
‫أن يرسمها خيال ملَّيء بالذعر من هذه المخلَّوقات الخفية‪ ,‬التي لم يرها أحعد علَّى‬
‫التحديد‪ ,‬وهذا يؤكد ما ذهب إليه الشبلَّي من أنهم "قوم لهم أجانحة‪ ,‬وخراطيم دقيقة‪,‬‬
‫يمشون علَّى رأجالَّين‪ ,‬أو علَّى أرأبعة‪ ,‬ويطيرون"‪.‬‬

‫وزعم الجاهلَّيون أنهم يسمعون أصواتاا غريبة‪ ,‬نسبوها إلى تلَّك الكائنات‪ ,‬وأطلَّقوا‬
‫علَّيها عدة أسماء‪ ,‬أشهرها )العزيف(‪ ,‬ولم تأت هذه التسمية من فراغ‪ ,‬لن العزيف‬

‫‪30‬‬
‫في اللَّغة صوت الرمال إذا هبت بها الرياح‪ ,‬وعزف الرياح أصواتها‪ ,‬والعزف صوت‬
‫في الرمل ل تيدرأى ما هو‪ ,‬وفي حديث ابن عباس –رأضي ا عنهما‪" :-‬كانت الجن‬
‫ف اللَّيل كلَّه بين الصفا والمروة"‬
‫تعز ت‬
‫وقيل هو صوت يسمع باللَّيل كالطبل‪ ,‬وهو صوت الرياح في الجو‪ ,‬فتوهمه أهل‬
‫البادية صوت الجن‪ ,‬فالوهم هو الساس‪ "30.‬ا‪.‬هـ‬

‫ونإعرأض بشكدل غيرأ مفصل تصورأ العرأب للجن‪ ,‬وإن كنإا نإرأاه كافيا ليبصرأ القارأئ‬
‫كيفا صورأت العقلية العرأبية ‪-‬المعزولة تقرأيبا عن باقي الحضارأات‪ -‬الجن‪ ,‬وكيفا‬
‫أنإها لم تكن أقل ثرأادء من الحضارأات الخرأى‪ ,‬فلقد أتت بأنإواع وأصنإافا عديدة‪.‬‬
‫وسنإترأك بعض النإقاط في تنإاولنإا هذا لنإعرأض لها عنإد تنإاولنإا للجن في التصورأ‬
‫"السلمي"‪ ,‬لنإبصرأ كيفا انإتقل تصورأ الجاهليين إلى المسلمين!‬

‫أصنإافا الجن‬
‫إذا أرأاد أي باحث الحديث عن الجن في العصرأ الجاهلي‪ ,‬فل بد أن يرأجع إلى كتاب‬
‫"الحيوان" للعلمة الموسوعي المام الجاحظ‪ ,‬وذلك لنإه عرأض لهم وأسهب في‬
‫عرأض ما قالته العرأاب حولهم‪.‬‬
‫ومما ذكرأه المام الجاحظ عن أقوال العرأاب في مرأاتب الجن‪:‬‬
‫"ثيم ينزلون الجن في مراتب فإذا ذكروا اسللجنديي سالماا قالوا ‪ :‬جاني فإذا أرأادوا أرنه‬
‫ممن سكن مع اليناس قالوا ‪ :‬عامر والجميع تعرمارأ‪ ,‬وإسن كان ممن يعرض للَّصبيان‬
‫فتهسم أرأواح‪ ,‬فإن ختبث أحتدهم وتعيرم فهو شيطان‪ ,‬فإذا زاد علَّى ذلك فهو مارأد‪.‬‬
‫شسيطادن مارأدد‪ ,‬فإن زاد علَّى ذلك في القيوة فهو‬ ‫ا عز ذكره‪ :‬مولحسفظا ا لمسن تكدل م‬ ‫قال ر‬
‫ت لممن اسللجدن أمنا آتيمك بلله قسبمل أسن‬‫ا تعالى‪ :‬قال لعسفري ع‬‫عفريت والجميع عفارأيت قال ر‬
‫تمسقومم مسن مقالمك‪.‬‬
‫سوى الخافي بها أثتر‬ ‫س ل‬ ‫وهم في الجملَّة جانن وخوافي قال الشاعر‪ :‬ول يتمح س‬
‫ظف ونمقلمي وصارأ خيراا كسلَّه فهو ممملَّك ‪-‬في قول من تأول قوله عز‬ ‫فإن طمهمر الجني ونم ت‬
‫ق معسن أسملر مرأبدله علَّى أرن الجين في هذا الموضع الملئكة‪. -‬‬ ‫ذكره ‪ :‬كامن لممن اسللجدن فممفس م‬
‫)‪ (.......‬استطراد لغوي وقال آخرون ‪ :‬كسل تمسستلجنن فهو لجانرني وجاارن وجانين وكذلك‬
‫الولتد قيل له جانيعن لكونه في البسطن‪ "31‬ا‪.‬هـ‬

‫ومن الصناف التي ذكرها الجاحظ كذلك في كتابه "الحيوان" وإن لم يعرض لها‬
‫بتفصيل‪" :‬الهاتف" و "الهواتف"‪ ,‬وذلك لنه رأأى أن المدلول واضح من السم‬
‫فل يحتاج إلى تعلَّيق!‬
‫والهاتف هو صوت تيسمع بدون أن تيرى قائلَّه‪ ,‬ومن ثم فقائلَّه ل محالة جاني! يريد‬

‫‪ 30‬حليمة خالد رشيد صالح‪ ,‬الجن في الشعر الجاهلي‪ ,‬ص‪.82.‬‬


‫‪ 31‬عمرو الجاحظ‪ ,‬الحيوان‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد السلما محمد هارون‪ ,‬المجلد السادس‪ ,‬ص‪.191 .‬‬

‫‪31‬‬
‫أن يخبر الناس بشيء ما‪ ,‬ولقد ورأد في التراث العربي –قبل السلم وبعده‪ -‬العديد‬
‫من القوال التي تنسبت إلى هواتف الجن‪ ,‬منها ما قيل أن هواتف الجن هتفت بموت‬
‫المنصورأ في البصرة في يوم موته في مكة!‬
‫ومنها ما قيل أن الجن قالت أنها قتلَّت سعد بن عبادة وأعلَّمت البشر بذلك في بيتي‬
‫شعر تفتخر بذلك!‬

‫ومن الصنإافا التي ذكرأها المام الجاحظ كذلك "الشقا"‪ ,‬فقال‪:‬‬


‫ق"‬‫س صورأةت الواحلد منهم علَّى نصف صورأة النسان واسمه "ش ر‬ ‫"ومن الجدن جان ع‬
‫وإرنه كثيراا ما يعرض للَّررتجال المسافر إذا كان وسحمده فيربما أهملَّكه فزعا ا ورأبما أهملَّكه‬
‫ضربا ا وقتلا ‪.‬‬
‫ث علَّقمة بن صسفوان بن أميية بن محدرث الكناني جارد مروان بن‬ ‫قالوا ‪ :‬فمن ذلك حدي ت‬
‫الحكم خرج في الجاهلَّية وهو يريد ماال له بمكة وهو علَّى حمارأ وعلَّيــه إزاعرأ ورأداء‬
‫ضلحيانة حتى انتهى إلى موضدع يقال له حائط حزمان فإذا هو‬ ‫ومعه لمسقرعة في ليلَّدة إ س‬
‫ق له يعد ورأجال وعيعن ومعه سيف ‪ "32.....‬ا‪.‬هـ‬ ‫بش ر‬

‫ولم تقصر المخيلة العربية عن ابتكار مخلوقات هي خليط من النإسان وتلك‬


‫الكائنإات الخرى! فوجدنإا "النإسنإاس" والواق واق والدوال باي! وغير ذلك!‬
‫ويعرض العلمة الجاحظ لهذه المخلوقات فيقول‪:‬‬
‫شق والنسان ويزعمون أين خلَّقــا ا مــن ورأاء‬ ‫ب ما بين ال د‬ ‫س تركي ت‬ ‫سمنا م‬ ‫"وزعموا أرن الني س‬
‫ق ويــأجاوج وممــأجاوج وذكــروا عــن الــمواقا‬ ‫س والنــاس والشــ د‬ ‫ســمنا ل‬‫ب من الني س‬ ‫السدد تركي ع‬
‫ت والحيــوان وذكــروا أين أيمــةا كــانت‬ ‫واقا‪ 33‬والدموال باي أنتهسم لنتاتج ما بيمن بعض الينبا ل‬
‫ا تعالى الملئكة فأجالَّموهم وإيياهم معمنوا بقولهم ‪ :‬أمتمسجمعــتل لفيمهــا ممــسن‬ ‫في الرأض فأممر ر‬
‫اــ عــيز وجاــيل‬ ‫س لممك ولــذلك قــال ر‬ ‫سبدتح بلمحسملدمك مونتقمدد ت‬
‫سفلتك الددممامء مونمسحتن نت م‬ ‫يتسف ل‬
‫ستد لفيمها مويم س‬
‫شمجمرةم فمتمتكومنا لممن الظيــاللميمن فهــذا يــدسل علَّــى أن ظالمــا ا‬ ‫لدم وحواء ‪ :‬مولم تمسقمرمبا هلذله ال ي‬
‫وظتلَّماا قد كان في الرأض‪ "34.‬ا‪.‬هـ‬

‫وهناك أصناف أخرى ابتكرتها مخيلَّة العربي‪ ,‬إل أننا سنفرد الحديث عن بعضها في‬
‫عنصر مستقل‪ ,‬لشهرتها في مجتمعاتنا المعاصرة‪.‬‬

‫‪ 32‬المرجع السابق‪ ,‬المجلد السادس‪ ,‬ص‪.206.‬‬


‫‪ 33‬سمعنا في صغرنا عن بلد الواق واق! وكنا نظن أنها بلد خرافية مختلقة‪ ,‬لما ورد في نعتها من الخرافات‪ ,‬فلقد قيل أنها ستمائاة‬
‫وألف جزيإرة وإنما سميت بهذا السم لن بها شجرة لها ثمرة على صور النساء معلقات من الشجرة بشعورها وإذا أدركت يإسمع منها‬
‫صوت واق واق! فلما كبرنا عرفنا أن بلد الواق واق هي بلد اليابان! وأن هذا هو السم الذي كان يإطلقه الصينيون على اليابانيين!‬
‫ويإوضح الستاذ نوتوهارا )نابوأكي( ‪-‬أحد المستعربين اليابانيين‪ -‬لماذا سمى العرب اليابان بلد الواق واق‪:‬‬
‫“في اللغة اليابانية القديإمة )واكو( تعني قراصنة‪ ،‬وربما حفظ هذه الكلمة العرب من التجار المسافريإن في مراكب صينية‪ ،‬على مقربة‬
‫من الرخبيل الياباني‪ ،‬وكانوا عرضة لهجوما أولئك القراصنة اليابانيين الذيإن كانوا رجالل قصار القامة غلظ البدان‪ ،‬موصوفين بالشدة‬
‫والعنف‪ ،‬وعندما كان البحارة الصينيون يإلمحون أولئك القراصنة‪ ،‬كانوا يإصرخون خوفا ل وتحذيإرلا‪“ :‬واكو واكو‪ ..‬واكو واكو”‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫في تقديإري‪ ،‬نحت العرب اسم ال”واق واق”‪ ..‬حين سمعوهم يإصرخون )واكو‪ ..‬واكو( ‪ ،Wakoo‬أي قراصنة‪ ،‬قراصنة‪.”..‬‬
‫‪ 34‬المرجع السابق‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.190-189 .‬‬

‫‪32‬‬
‫الغـول‬
‫من أشهر الكائنات الخرافية المعروفة عند النسان العربي في وقتنا الحالي‪ ,‬وعلَّى‬
‫الرغم من أنه من المفترض انتمائه إلى الجن‪ ,‬إل أن كثيرون يفردونه بصورأة‬
‫خاصة قبيحة! ورأبما يرجاع هذا إلى وسائل العلم والتي قامت بتصويره علَّى شكل‬
‫وحش قبيح مخيف! ورأبما إلى تشابه اسمه مع كلَّمة "غورأيل"‪ ,‬مما جاعل المتلَّقي‬
‫المعاصر تيسقط صورأة قريبة من ذلك الحيوان علَّى هذا الكائن السمعي!‬

‫فما هو الغول؟‬
‫يقول المام الدميري‪:‬‬
‫"الغول‪- :‬بالضم‪ -‬أحد الغيلن‪ ،‬وهو جانس من الجن والشياطين‪ ،‬وهم سحرتهم‪ .‬قال‬
‫الجوهري‪ :‬هو من السعالي والجمع أغوال وغيلن‪ ،‬وكل ما اغتال النسان فأهلَّكه‬
‫فهو غول‪ ،‬والتغول التلَّون‪ .‬قال كعب بن زهير بن أبي سلَّمى رأضي ا تعالى عنه‪:‬‬
‫فما تدوم علَّى حال تكون بها ‪ ...‬كما تلَّون في أثوابها الغول‬
‫ويقال‪ :‬تغولت المرأة إذا تلَّونت‪ .‬ويقال‪ :‬غالته غول‪ ،‬إذا وقع في مهلَّكة‪ .‬والغضب‬
‫غول الحلَّم‪ "35.‬ا‪.‬هـ‬

‫وعلَّى الرغم من هذه الشهرة الكبيرة للَّغيلن‪ ,‬فإن قرناءها من السعالي‪ ,‬لم تحظ‬
‫بهذا النتشارأ‪ ,‬علَّى الرغم من أنها من نفس الجنس‪ ,‬والمفترض أنها أخبث الغيلن!‬
‫والغول في العقلَّية العربية‪ ,‬هو ذلك المخلَّوقا الذي يضل المسافرين في أسفارأهم‪,‬‬
‫وهو "يتلَّون في ضروب الصورأ والثياب‪ ,‬ذكراا كان أو أنثى‪ ,‬إل أن الكثر علَّى أنه‬
‫سفارأ‪ .‬قالوا‪ :‬وإنما هذا‬‫أنثى‪ ,‬والسعلة اسم لواحدة من نساء الجن تتغول لتفتن ال ت‬
‫منها علَّى العبث‪ ,‬أو لعلَّها تفزع إنسانا فيتغير عقلَّه‪.‬‬
‫وزعموا أن خلَّق الغول كالنسان‪ ,‬ولكن رأجالَّيها رأجال حمارأ‪ .‬ول يزال أهل مكة‬
‫يتحدثون عن "الدجايرة" وهي في سماتها كالغول‪ ,‬فرجالها رأجال حمارأ‪ ,‬ووجاها‬
‫وجاه امرأة‪ ,‬وهي ل تسير إل ليل ‪ "36....‬ا‪.‬هـ‬

‫ويزيدنا جاواد علَّي تعريفا بذلك الكائن المشهورأ‪ ....‬المجهول! فيقول‪:‬‬


‫"وذكر بعض علَّماء اللَّغة‪ ،‬أن الغول الذكر من الجن‪ ،‬والسعلة النثى‪ .‬والغول‬
‫ساحرة الجن‪ ،‬وتقول إن الغول يتراءى في الفلة للَّناس فتضلَّهم عن الطريق‪.‬‬
‫سحرة الجن‪.‬‬ ‫وأما "السعالي"‪ ،‬وواحدتها السعلة‪ ،‬فذكر أنها م‬
‫وقيل‪ :‬إن الغيلن جانس منها‪ ،‬وأن الغيلن هي إناث الشياطين‪ ،‬وأنها ‪ -‬أي السعالي‬
‫‪ -‬أخبث الغيلن‪ ،‬وأكثر وجاودها في الغياض‪ ،‬وأنها إذا ظفرت بإنسان ترقصه وتلَّعب‬
‫به كما يلَّعب القط بالفأرأ‪ ،‬وأن الذئب يأكل السعلة‪.‬‬
‫وذكر أن "السعلة" اسم الواحدة من نساء الجن إذا لم تتغول لتفتن السرفارأ‪ .‬وهم‬

‫‪ 35‬كمال الديإن الدميري‪ ,‬حياة الحيوان الكبرى‪ ,‬تحقيق‪ :‬أحمد حسن بسج‪ ,‬الجزء الثاني‪ ,‬ص‪.263.‬‬
‫‪ 36‬عبد ا عبد الجبار‪ ,‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ,‬قصة الدب في الحجاز في العصر الجاهلي‪ ,‬ص‪.509.‬‬

‫‪33‬‬
‫إذا رأأوا المرأة حديدة الطرف والذهن‪ ،‬سريعة الحركة ممشوقة ممحصة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫سعلة‪.‬‬
‫قال العشى‪ :‬ورأجااال قتلَّى بجنبي أرأيك *** ونساء كأنهن السعالـي‬
‫وذكر أن في الجن سحرة كسحرة الإنس لهم تلَّبيس وتخييل‪ ،‬وهم السعالى‪ .‬وهم‬
‫أقدرأ من الغيلن في هذا الباب‪ ".37‬ا‪.‬هـ‬

‫ول يزال هذا التصورأ منتشر بين العوام عندنا في مصر –وغيرها من الدول العربية‬
‫وغير العربية‪ -‬فهم يؤمنون بوجاود جان نصفه إنسان ورأجاله رأجال ماعز!‬
‫وهذا التصورأ قريب من تصورأ الكائن المسمى ‪ Satyr‬الموجاود عند اليونانيين‪,‬‬
‫والذي هو كائن‪ ,‬نصفه العلَّوي إنسان وساقاه ساقي ماعز!‬
‫وعلَّى الرغم من أنهم يرون أن الغيلن هذه هي سحرة الجن‪ ,‬أو من شدادها‪ ,‬إل‬
‫أنها ل تستطيع أن تحول ساقيها إلى شكل سيقان البشر! فيظلن علَّى نفس الشكل‬
‫الذي يكشفها أمام البشر!‬
‫وفي هذا يقول الجاحظ‪:‬‬
‫ا تعالى قد ممرلَّك الجن والشياطين والتعيمارأ والغيلمن أسن يتحرولوا‬‫"وتزعم العايمة أرن ر‬
‫صورأة المرأة ولباسها إلر‬ ‫ي صورأة شاءوا إلر الغول فإرنها تتحيول في جاميع ت‬ ‫في أ د‬
‫‪38‬‬
‫رأجالَّيها فل بتيد من أن تكون رأجالَّسي حمارأ‪ " .‬ا‪.‬هـ‬

‫ونلحظ أن العلمة الجاحظ علَّى الرغم من إيراده هذه الخبارأ في كتبه‪ ,‬فإنه كان ل‬
‫يؤمن بها ول يصدقها‪ ,‬فهو تيصردرأها دوما بقوله "وتزعم العامة"‪" ,‬وتزعم‬
‫العراب" وما شابه من تلَّك القوال التي تجعل العهدة علَّى من يقول به‪ ,‬وتبين‬
‫عدم اقتناعه به‪ ,‬وذلك لنه كان معتزلياا يؤمن بأن البشر ل يقدرأون أن يروا الجن!‬

‫مجتمعات الجن!‬
‫لم تكتف العقلَّية العربية بتصورأ أفعال فراد الجن! وإنما تعدت إلى تصورأ طبيعة‬
‫حياة تلَّك المخلَّوقات! فجعلَّتها مجتمعات لها مساكن تقطنها! بل وزرأاعات تزرأعها!‬
‫والعجيب أن الجن –علَّى الرغم من قواهم الخارأقة!‪ -‬لم يختارأوا إل الماكن المقفرة‬
‫ليسكنوا فيها! ولست أدرأي لماذا رأضوا بهذا الحظ البئيس‪ ,‬لماذا ل يجلَّوننا نحن‬
‫إليها‪ ,‬ويتطيبون هم بأفضل الماكن؟!‬

‫الشاهد أن الجن رأضيت بالقفارأ‪ ,‬وفي هذا يقول العلمة الجاحظ‪:‬‬


‫ا عرز ذكره حين أهلَّك ا ت‬
‫لمة التي كانت تسيمى وبالرأ كما أهلَّك‬ ‫ب أن ر‬ ‫"وتزعم العرا ت‬
‫سما ا ومجالديسا ا وأميما ا وجااسما ا وعملقا ا وثموداا وعاداا أين الجرن سكنت في منازلها‬
‫ط س‬

‫‪ 37‬جواد علي‪ ,‬المفصل في تاريإخ العرب قبل السلما‪ ,‬المجلد السادس‪ ,‬ص‪.730-729.‬‬
‫‪ 38‬عمرو الجاحظ‪ ,‬الحيوان‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد السلما محمد هارون‪ ,‬المجلد السادس‪ ,‬ص‪.220.‬‬

‫‪34‬‬
‫ا وأكثرها شجراا وأطيتبها ثمراا‬ ‫ب بلد ر‬ ‫وحمتها من كدل ممسن أرأادها‪ ,‬وأرنها أخص ت‬
‫وأكثرها حبرا ا وعنبا ا وأكثرها نخلا وموزاا‪ ,‬فإن دنا اليومم إنساعن من تلَّك البلد متعدمداا‬
‫أو غالطا ا محثوا في وجاهه التراب فإن أبى السرجاومع خبلَّوه ورأربما قمتلَّوه‪ "39.‬ا‪.‬هـ‬

‫ول عجب لن أن يأخذ الجن العربي نفس الطباع العربية‪- ,‬أليس في بلد عربية؟!‪-‬‬
‫فجاءت السطورأة لتظهر مجتمع الجن كمجتمع العرب‪ ,‬فهم قبائل وعشائر‪ ,‬وهم‬
‫ينصرون بعضهم بعضا‪ ,‬ويثأرأون لقتلهم كما يفعل العرب!‬

‫وفي هذا يقول عبد الغني زيتوني‪:‬‬


‫"لقد عرف العرب الجاهلَّيون الجن معرفة واسعة‪ ،‬حتى بلَّغ بهم المر أن جاعلَّوا‬
‫الجن عالما ا شبيهاا بعالمهم في الجزيرة العربية‪ .‬ذلك أن الجن يتألفون من عشائر‬
‫وقبائل تربط بينها رأابطة القربى وصلَّة الرحم‪ ،‬فمن قبائلَّهم الشهيرة قبيلَّة "مالك‬
‫بن أقيش"‪ .‬وقبيلَّة "بني الشيعبان" )‪(........‬‬
‫فإذا حدث أن قتل إنسان أحد أفراد الجن‪ ،‬عامداا أو خطأ‪ ،‬فإن قبيلَّته تثورأ ثائرتها‪،‬‬
‫وتنهض للَّثأرأ من القاتل النسي وقبيلَّته‪ ،‬كما هي عادة الجاهلَّيين في الثأرأ‪ .‬ول‬
‫يحدث ذلك في هدوء‪ ،‬وإنما تتبعه ضجة صاخبة وغبرة عظيمة تكاد تحجب السماء‬
‫عن العين‪ ،‬مما يدخل الرهبة في نفوس البشر‪ "40.‬ا‪.‬هـ‬

‫ولن نسأل كيف قتل النسان واحداا من الجن‪ ,‬فربما كان متشكل في هيئة حيوان من‬
‫الحيوانات! –ثعبان مثل‪ -‬فقتلَّه النسان وهو ل يعلَّم!‬
‫وكما أن النسان يقتل الجن‪ ,‬فكذلك يقتل الجن النسان‪- ,‬ول يقتلَّون الضعيف وإنما‬
‫يقتلَّون ممن كان من قبيلَّة قوية!‪ -‬وفي هذا يقول الدكتورأ جاواد علَّي‪:‬‬
‫"وذهب الجاهلَّيون إلى جاواز قتل الجن للَّإنسان‪ .‬وقد بقى هذا العتقاد في السلم‪.‬‬
‫فلَّما قتتل "سعد بن عبادة بن دليم"‪ ،‬زتعم أن الجن قتلَّته‪.‬‬
‫ولما قتتل المغني المعروف "الغريض"‪ ،‬وهو من الموالي‪ ،‬وكان نشأ خياطا ا ثم أخذ‬
‫الغناء بمكة‪ .‬عن "ابن سريج"‪ ،‬تزعم أن الجن نهته أن يغني لحنه الذي يقول فيه‪:‬‬
‫تشرب لون الرازقـي بـياضـه *** أو الزعفران خالط المسك رأادعه‬
‫فلَّمرا لم ينتهل قتلَّته الجن في ذلك خنقاا‪.‬‬

‫عمم أن الجن خنقت "حرب بن أمية"‪ ،‬وقالت الجن في ذلك شعراا‪.‬‬ ‫وزت ل‬
‫وقتلَّت "مرداس بن أبي عامر"‪ ،‬أبا "عباس بن مرداس"‪ ،‬واستهوت "سنان بن‬
‫حارأثة"‪ ،‬ليستفحلَّوه‪ ،‬فمات فيهم‪ .‬واستهووا "طالب بن أبي طالب"‪ ،‬فلَّم يعثر أهلَّه‬
‫له علَّى أثر‪ ،‬واستهووا "عمرو بن عدي" اليلَّخمي الملَّك‪ ،‬ثم رأردوه علَّى خاله‬
‫"جاذيمة بن البرش"‪ ،‬بعد سنين وسنين‪ "41.‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 39‬عمرو الجاحظ‪ ,‬الحيوان‪ ,‬تحيق‪ :‬عبد السلما محمد هارون‪ ,‬الجزء السادس‪ ,‬ص‪.215.‬‬
‫‪ 40‬عبد الغني زيإتوني‪ ,‬الجن وأحوالهم في الشعر الجاهلي‪ ,‬مقال في مجلة التراث العربي‪- ,‬مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب‪-‬‬
‫دمشق العدد ‪ - 20‬السنة الخامسة ‪ -‬يإوليو ‪ - 1985‬ذو القعدة ‪.1405‬‬
‫‪ 41‬جواد علي‪ ,‬المفصل في تاريإخ العرب قبل السلما‪ ,‬المجلد السادس‪ ,‬ص‪.713-712.‬‬

‫‪35‬‬
‫ولن نعلَّق علَّى هذه النقطة‪ ,‬ونترك للَّقارأئ الحكم‪ ,‬إذا كان هذا من فعل الجن‪ ,‬أم أنها‬
‫مجرد اغتيالت خفية‪ ,‬تأرأيد أل تيبحث عن فاعلَّها! بالضافة إلى بعض الفراد الذين‬
‫ضلَّوا طريقهم‪ ,‬فلَّم يرجاعوا إلى أقوامهم!‬
‫ول يقتصر التشابه علَّى هذا المر وإنما يمتد إلى أحوالهم في قبائلَّهم‪ ,‬ففيهم الرحل‬
‫والحضر‪ ,‬وفيهم السادة والتباع‪ ,‬وفي هذا يقول جاواد علَّي‪:‬‬

‫"وتتألف الجن من عشائر وقبائل‪ ،‬تربط بينها رأابطة القربى وصلَّة الرحم‪ .‬وهي‬
‫كعشائر وقبائل جازيرة للَّعرب‪ ،‬تتقابل فيما بينها‪ ،‬ويغزو بعضها بعضاا‪ .‬ولها أسماء‬
‫ذكر بعضاا منها أهل الخبارأ‪ ،‬كما أن لها ملَّوكا ا وحكاما ا وساداتل قبائل‪ .‬فهي في‬
‫حياتسها تحيى علَّى شكل نظام حياة الجاهلَّيين‪ .‬وإذا اعتدى معتد علَّى جاان انتقمت‬
‫قبيلَّته كلَّها من المعتدي أو المعتدين‪ .‬وبين قبائل الجن عصبية شديدة‪ ،‬كعصبية‬
‫القبيلَّة عند الجاهلَّيين‪ ،‬وهي تراعي حرمة الجوارأ‪ ،‬وتحفظ الذمم والعقود وتعقد‬
‫الحلف‪.‬‬
‫فنحن إذن أمام حياة‪.‬جااهلَّية مستترة غير منظورأة‪ ،‬هي حياة جان جااهلَّيين‪ ،‬ومن‬
‫الجن "بنو غزوان"‪" ,‬بنو عزوان"‪.‬‬

‫وقد تتقاتل طوائف من الجن‪ ,‬فيثير قتالها عواصف الغبارأ‪ ,‬ولذلك فسر الجاهلَّيون‬
‫حدوث العواصف والزوابع بفعل الجن‪ .‬ونجد هذه الفكرة –فكرة إحداث الجن للَّرياح‬
‫والعواصف‪ -‬في المزامير من أسفارأ التورأاة‪.‬‬
‫وهم مثل البشر‪ ،‬فيهم الحضر‪ ،‬أهل القرارأ‪ ،‬وفيهم المتنقلَّة وهم أعراب الجن‪ ،‬وفيهم‬
‫من يسير بالنهارأ‪ ،‬وفيهم من يسير باللَّيل‪ ،‬وهم "سراة الجن"‪ ،‬و "السراره"‪.‬‬
‫قال الشاعر‪ :‬أتوا نارأي فقلَّت منون؟ قـالـوا‪ :‬سراة الجن‪ ،‬قلَّت‪ :‬عموا ظلماس‬
‫وللَّجن كما للَّإنس سادة ورأؤساء وعظماء‪ ،‬نذكر منهم‪ :‬الشنقناقا والشيصبان‪.‬‬
‫وقد ذتكر الول في شعر "بشارأ بن برد" وفي شعر لبي النجم‪ ،‬وفي شعر حسان بن‬
‫ثابت‪ .‬و "دحرش" أبو قبيلَّة من الجن‪.‬‬
‫وعقد الجاهلَّيون أحلفاا مع الجن علَّى التعاون والتعاضد‪ ،‬فقد ذتكر أن قوما ا من‬
‫العرب‪ ،‬كانوا قد تحالفوا مع قوم من الجن من "بني مالك بن أقيش‪ " ."42‬ا‪.‬هـ‬

‫ولم يقتصر المر علَّى هذا بل تعداه إلى خاصية من خواص النسان‪ ,‬وهي امتطاء‬
‫الدواب‪ ,‬فكما كان للَّعرب مطايا فلَّلَّجن كذلك مطايا! ول ينبغي لنا أن نتساءل‪ :‬ما‬
‫حاجاة الجن إلى المطايا؟ فإذا كان النسان يركب الفرس والجمل ليتحرك بسرعة‬
‫أكبر‪ ,‬فلَّماذا يلَّجأ الجن الذي يطير في الهواء إلى رأكوب بعض الدواب؟!‬

‫والمطايا التي يركبها الجن ل تصلَّح للَّركوب‪ ,‬بل إن بعضها جاد بطيء!‬
‫ويعررفنا العلمة الجاحظ بالدواب التي يدعي العراب أن الجن يركبونها‪ ,‬فيقول‪:‬‬

‫‪ 42‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.712-711.‬‬

‫‪36‬‬
‫"والعراب ل يصيدون يربوعا ا ول تقنفذاا ول ورألا من أول اللَّيل‪ ,‬وكذلك كل شيدء‬
‫يكوتن عندهم من مطايا الجرن كالينعام وال ر‬
‫ظباء ‪.‬‬
‫ضبع من مراكب الجن لن الرأنب تحيض ول تغتسل من‬ ‫ب وال ي‬ ‫ول تكون الرأن ت‬
‫ب أيومرأ القتلَّى والموتى إذا جاييفست أبدانهم وانتفخوا‬‫الحيض )!!( والضدباع ترك ت‬
‫وأنعظوا ثم ل تغتسل عندهم من الجنابة )!!( ول جانابة إل ما كان للنسان فيه‬
‫شسرك‪ ,‬ول تمتطي القرود لن القرد زان ول يغتسل من زناه‪.‬‬ ‫ل‬
‫ت‬
‫فإسن قتمل أعرابني قنفذاا أو ورألا من أول اللَّيل أو بعض هذه المراكب لم يأمسن علَّى‬
‫فحل إبلَّه‪ ,‬ومتى اعتراه شيعء حكم بأنه عقوبةع من قبلَّهم‪ " 43.‬ا‪.‬هــ‬

‫ويمتد التشابه بين الجن العربي وبين القبائل العربية إلى نهاية الخط‪ ,‬حتى أنه يمكن‬
‫القول أن الفارأقا بين الثنين يكاد ينحصر في أن هذا جانس وذاك آخر!!‬

‫شياطين الشعر‬
‫مما اشتتهر عن العرب قولهم بأن لكل شاعر مجيد شيطان‪ ,‬يلَّقي الشعر علَّى لسانه‪,‬‬
‫وذلك استمرارأاا لعادتهم في نسب كل غريب وغير مألوف إلى الجن! ومن ثم يمكن‬
‫القول أن تفاوت الشعراء في الجودة والتقان رأاجاع إلى حنكة شياطينهم التي‬
‫تلَّرقنهم‪ ,‬وليس إلى أي شيء آخر!‬
‫فإذا كان الشاعر محظوظا ورأافقه شيطان تمجيد فسيأتي بتدرأرأ الشعر‪ ,‬وإن لم يكن‬
‫كذلك فسيأتي بشعر رأديء!‬

‫وقول العرب بشياطين الشعر ليس مما تفرد به العرب‪ ,‬فلَّقد كان قدماء اليونانيين‬
‫يردعون أن لهم إلهات للَّشعر‪ ,44‬يسألونهن المدد! وتعطيهن معادن جاميلَّة وصورأاا من‬
‫البديع يزينون بها قصائدهم‪.‬‬
‫والفارأقا بين العرب واليونانيين أن اليونانيين جاعلَّوها آلهة أما العرب فقالوا أن ما‬
‫ينشأ في عقولهم هو "وحي" تلَّقيه الشياطين إليهم‪ ,‬ل أنه من نتاج أنفسهم‪.‬‬
‫كما أن آلهة الشعر اليونانية كانت للَّجميع‪ ,‬فهي تمد الجميع بما يطلَّبون! أما‬
‫شياطين الشعر العربية فهي مخصوصة‪ ,‬فلَّكل شاعر شيطان‪ ,‬يلَّقي الشعر علَّى‬
‫لسانه‪ ,‬ول يتعداه لغيره – رأبما حفظاا لحقوقا الملَّكية الفكرية!‪-‬‬

‫ويعلَّق جاواد علَّي علَّى إيمان العرب الشديد بشياطين الشعر هذه‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫"وكانت الشعراء تزعم أن الشياطين تلَّقي علَّى أفواهها الشعر‪ ،‬وتلَّقنها إياه وتعينها‬
‫علَّيه‪ ،‬وتدعي أن لكل فحل منهم شيطاناا يقول الشعر علَّى لسانه فمن كان شيطانه‬
‫أمرد كان شعره أجاود‪.‬‬
‫‪ 43‬عمرو الجاحظ‪ ,‬الحيوان‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد السلما محمد هارون‪ ,‬الجزء السادس‪ ,‬ص‪.47-46.‬‬
‫‪ 44‬من تلك اللهات‪ :‬كاليوبي‪ ,‬إلهة الحديإث العذب وإلهة الشعر القصصي‪ ,‬إنتريإب إلهة الموسيقى‪ ,‬ايإراتو إلهة الشعر الغنائاي‪ ,‬و ميلبومين‬
‫إلهة النشاد التراجيدي‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫وبلَّغ من تحقيقهم وتصديقهم بهذا أن ذكروا لهم أسماء شياطينهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن اسم‬
‫شيطان العشى‪ :‬مسحل‪ ،‬وللعشى أشعارأ فيه‪ ،‬يمدحه ويثني علَّيه‪ ،‬لنه يعاونه‬
‫ويساعده في نظم الشعر فيلَّقيه علَّيه إلقااء‪.‬‬
‫وقد زعم "حسان بن ثابت" أن شيطانه الذي يلَّهمه الشعر هو من "بني شيصبان"‬
‫من فصائل الجن‪ .‬وقد انتقلَّت هذه العقيدة في إلهام الشعر للَّشعراء إلى المسلَّمين‬
‫كذلك‪ .‬وقد دعا "جارير" شيطانه الذي يلَّقي علَّيه الشعر "إبلَّيس الباليس"‪.‬‬
‫ويكنى عن الشيطان بالشيخ النجدي‪ .‬وقد أشير إليه مرارأاع في كتب السير‬
‫والخبارأ‪ " 45.‬ا‪.‬هـ‬

‫ولست أدرأي حقيقة لماذا صردقا العرب والشعراء أنفسهم‪ ,‬في أن طيب الشعر الذي‬
‫يقولون هو من قول الجن وليس من بنات أفكارأهم؟!‬
‫نعم‪ ,‬رأبما يميل الشاعر إلى إضفاء الغموض علَّى شعره‪ ,‬وإنزال نفسه منزلة‬
‫ج من الحماية حول نفسه‪ ,‬ولكن أن يصدقا هو نفسه المر فهذا‬ ‫خاصة‪ ,‬وإضفاء سيا د‬
‫هو العجب العجاب!‬
‫وهنا نلَّحظ أن الشياطين –علَّى خلف المتوقع‪ -‬قد لعبت دورأاا جايدا‪ ,‬فبدل من أن‬
‫تكون عنصر أذى أو ضلل‪ ,‬لعبت دورأاا في تنمية وترقية الحس عند العرب‪ ,‬فأمدت‬
‫شعرائهم بأجاود القصائد‪ ,‬التي يطرب لها المستمعون‪ ,‬وبهذا يمكن القول أن‬
‫الشياطين ليست شريرة دائما‪ ,‬فلَّقد لعبت أخيرا دورأا تثقيفيا ا فنيا!‬

‫وإذا تكلَّمنا عن شعراء الجن فلَّزاعم أن نعرض لوادي عبقر‪ ,‬ذلك الوادي المجهول‬
‫الموضع‪ ,‬والذي ادعى بعضهم أنه في مكة‪ ,‬وآخرون أنه في نجد!‬
‫ذلك الوادي الذي اتدعي أن شعراء الجن تقطنه منذ زمن بعيد‪ ,‬فإذا حدث وبات‬
‫إنسان في ذلك الوادي فيأتيه واحد من هؤلء الشعراء الجن ويلَّقي الشعر علَّى‬
‫لسانه فيصبح شاعراا مفوها!‬
‫والواقع يقول بخلف هذه الخرافة‪ ,‬فعبقر قرية في اليمن‪ ,‬تتوشى فيها الثياب والبسط‬
‫والطنافس‪ ،‬وإنتاجاها بلَّغ الدرأجاة العلَّيا في الجودة‪ ,‬حتى صارأ يضرب بها المثل في‬
‫كل شيء عال الجودة‪ ,‬فإذا أرأادوا القول أنه ليس له مثيل قالوا‪ :‬عبقري‪!46‬‬
‫وبشياطين الشعر ننهي حديثنا عن الجن والشياطين عند العقلَّية العربية الجاهلَّية‬
‫قبل السلم‪ ,‬وقد قدمنا تصورأا سريعا‪- ,‬نراه كافياا لغايتنا‪ ,-‬ونعود لنذكر أن أهم‬
‫النقاط المتروكة سنعرض لها عند تناولنا للَّتصورأ "السلمي" للَّجن‪.‬‬

‫‪ 45‬جواد علي‪ ,‬المفصل في تاريإخ العرب قبل السلما‪ ,‬المجلد السادس‪ ,‬ص‪.734-733.‬‬
‫س‬
‫ضنر سوسعببقحر ي‬
‫ي ححسسانن‬ ‫ص‬
‫فخ ب‬‫‪ 46‬الموطن الوحيد الذي صذكر فيه "عبقر" في القرآن يإؤكد هذا القول‪ ,‬فال العليم يإقول‪ " :‬صمتحكحئيسن سعلى سرفسر ن‬
‫ب‬ ‫س‬ ‫ت‬
‫]الرحمن ‪ "[76 :‬فالحديإث هنا عن صنعة فائاقة‪ ,‬وليس له أي علقة بالجن!‬

‫‪38‬‬
‫الباب الثاني‬
‫اللجنة في السلم‬

‫الفصل الول‬
‫تعريفات وتصورأات‬

‫‪39‬‬
‫تقديم‬
‫بعد أن عرضنا في عجالة سريعة لتصورأ القدمين للَّكائنات السمعية‪ ,‬ورأأينا كيف أن‬
‫تصورأهم لها كان تصورأاا قائما ا علَّى أمرين اثنين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أنه لم يكن لدى أي أمة من تلَّك المم تصورأ سلَّيم خالص عن الله الخالق‪,‬‬
‫ذي الكمال‪ ,‬وكانت هذه المم علَّى درأجاة من درأجاات الشرك‪.‬‬
‫ب أو لشياطين أو لرأواح‪ -‬كان محورأه‬ ‫ثانيهما‪ :‬أن هذا التصورأ ‪-‬سوااء كان لرأبا د‬
‫تضخيم قدرأات النسان أو تشويه صورأته‪ ,‬أو العمل علَّى إيجاد خلَّيط بين النسان‬
‫وبين أحد أو بعض الكائنات الحيوانية‪.‬‬

‫فإذا انتقلَّنا إلى السلم ومصدرأه الرئيس "القرآن" فسنجد أن الحال يختلَّف كثيرا‪,‬‬
‫ففي هذا الدين وهذا الكتاب –المتفرد ببقاء نصه الصلَّي بلَّسانه الصلَّي‪ -‬نجد أن‬
‫الله هو الرب المتفرد بكل جالل وكمال‪ ,‬فلَّيس هناك أرأباب متنازعة ول آلهة‬
‫متناحرة‪ ,‬وإنما رأب واحد‪ ,‬ل شريك له وليس كمثلَّه شيء‪.‬‬
‫وتحت هذا الرب العلَّيم القدير نجد أن هناك ثمة مخلَّوقات أخرى تقوم بأدوارأ عديدة‪,‬‬
‫من أهمها تنفيذ أوامره‪ ,‬أوجاب علَّى المؤمنين به اليمان بها‪ ,‬وهي الملئكة‪.‬‬
‫بل وجاعل اليمان بها رأكناا رأكينا من أرأكان اليمان الخمسة‪ ,‬فهي ليست من المسائل‬
‫الفرعية أو المستنبطة وإنما هي من أصول اليمان‪ ,‬فمن ل يقر بها ليس مؤمنا!‬
‫ولم تيذكر في ذلك الكتاب أي مخلَّوقات أسطورأية أو وحوش عجائبية مسخية‪ ,‬وإنما‬
‫تذكر بجوارأ الملئكة "جان" و "جاان" و "شياطين"‬
‫إل أنه لم يجعل اليمان بهذه المخلَّوقات رأكنا من أرأكان اليمان‪ ,‬بل ولم يطلَّب‬
‫اليمان بهم مرة واحدة في الكتاب من أوله إلى آخره‪.‬‬

‫والملئكة والشياطين والجن هي أيضا ا كائنات سمعية‪ ,‬ورأد ذكرها في الكتاب‬


‫العزيز‪ ,‬ولم نرها بأعيننا‪ ,‬ومن ثم فإن البحث الصحيح عنها يجب أن يكون بين‬
‫صحف هذا الكتاب‪ ,‬لنستخرج منه التصورأ الصحيح الذي يقدمه لنا‪ ,‬ليعرفنا بها‪,‬‬
‫وفي هذا يقول الدكتورأ عبد الرزاقا نوفل‪:‬‬
‫"وبذلك فإن كل بحث علَّمي في عالم الجن إنما يكون ببحث الخصائص العامة‬
‫للَّمادة التي خلَّق منها الجن‪ ,‬ويمكن عن طريق الستنتاج الوصول إلى معرفة بعض‬
‫ظواهر عالم الجن وخصائصه وصفاته‪.‬‬
‫وعندما يتأيد هذا الستنتاج بما أورأد القرآن الكريم عن عالم الجن كان ذلك من‬
‫الحق واليقين الذي تيعتمد علَّيه‪ ,‬وأما إذا اختلَّف عما جااءت به اليات الشريفة‪ ,‬كان‬
‫الستنتاج سيئا والظن خطأ‪ "47‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 47‬عبد الرزاق نوفل‪ ,‬عالم الجن والملئاكة‪ ,‬ص‪.18.‬‬

‫‪40‬‬
‫وبغض النظر عن أنه ل يمكن إجاراء بحث علَّمي عن الجن والملئكة‪ ,‬لنها كائنات‬
‫غيبية‪ ,‬فإن الناظر في تصورأ المسلَّمين الحالي للَّشياطين والجن ل يجده يختلَّف في‬
‫قلَّيل أو كثير عن تصورأ عامة المم السابقة لها!‬
‫بل ويجد أنهم قد أضافوا اليمان بالجن إلى جاملَّة "العقائد" التي يجب علَّى المسلَّم‬
‫اليمان بها‪ ,‬وجاعلَّوه من المعلَّوم بالدين بالضرورأة‪ ,‬وفي هذا يقول ابن تيمية‪:‬‬
‫سمل تممحيمادا‬ ‫ام أمسرأ م‬
‫سلَّللميمن لفي توتجاولد اسللجدن‪ ,‬مومل لفي أمين ي‬ ‫ف اسلتم س‬ ‫ف أممحعد لمسن م‬
‫طموائل ل‬ ‫"لمسم يتمخالل س‬
‫ت اسللجدن أميما أمسهتل اسللكمتا ل‬
‫ب‬ ‫ف اسلتكيفالرأ معملَّى إسثمبا ل‬‫سلَّيمم إلمسيلهسم‪ ,‬موتجاسمتهوترأ طمموائل ل‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬ ‫م‬
‫سلَّللميمن موإلسن تولجامد لفيلهسم ممسن يتسنلكتر‬ ‫صامرأى فمتهسم تمقلسرومن بللهسم مكإ لسقمرالرأ اسلتم س‬ ‫لمسن اسليمتهولد موالني م‬
‫سلَّللميمن ممسن يتسنلكتر مذللمك مكمما تيومجاتد لفي طمموائل ل‬
‫ف اسلتم س‬
‫سلَّللميمن‬ ‫مذللمك مومكمما تيومجاتد لفي اسلتم س‬
‫طائلفملة موأمئليمتتمها تمقلدريمن بلمذللمك‪.‬‬
‫الغالطون مواسلتمسعتملزلملة ممسن يتسنلكتر مذللمك‪ ,‬موإلسن مكامن تجاسمتهوترأ ال ي‬

‫ضلطمرالرأ‪ ,‬موممسعتلَّوعم‬ ‫مومهمذا للمين توتجاومد اسللجدن تممواتممرست بلله أمسخمباترأ اسلمسنبلميالء تممواتتارا ممسعتلَّواما لبالل س‬
‫صمفا د‬
‫ت‬ ‫سوا ل‬ ‫ضلطمرالرأ أمنيتهسم أمسحمياعء تعقمملتء مفالعتلَّومن لبا س للمرأامدلة بمسل ممأستموترأومن ممسنلهسيومن‪ ,‬لمسي ت‬ ‫لبالل س‬
‫ض اسلمممللحمدلة‪ -‬فملَّميما مكامن أمسمتر اسللجدن‬ ‫سالن أمسو مغسيلرله ‪-‬مكمما يمسزتعتمهت بمسع ت‬ ‫ضا مقائلممةا لبا س للسن م‬‫موأمسعمرا ا‬
‫طائلفمةع مكلبيمرةع لمسن‬ ‫صةت‪ ,‬لمسم يتسملكسن م‬ ‫ظالهارا تمسعلرفتهت اسلمعايمةت مواسلمخا ي‬ ‫تمتممواتلارا معسن اسلمسنبلميالء تممواتتارا م‬
‫طائلفمدة مكلبيمردة لمسن الطيموائل ل‬
‫ف‬ ‫سلل أمسن تتسنلكمرتهسم‪ ,‬مكمما لمسم يتسملكسن لل م‬‫ف اسلتمسؤلملنيمن لبالسر ت‬ ‫الطيموائل ل‬
‫ال موسحمدهت مل‬ ‫سلل إسنمكاترأ اسلممملئلمكلة مومل إسنمكاترأ تممعالد اسلمسبمدالن مومل إسنمكاترأ لعمبامدلة ي‬ ‫اسلتمسؤلملنيمن لبالسر ت‬
‫س إملى مخسلَّقلله‪ ,‬مونمسحمو مذللمك لميما تممواتممرست‬ ‫سوال لمسن ا س للسن ل‬ ‫ات مرأ ت‬‫سمل ي‬‫شلريمك لمهت مومل إسنمكاترأ أمسن يتسر ل‬ ‫م‬
‫صة " ا‪.‬هـ‬ ‫ت‪48‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫م‬
‫بلله اسلسخمباترأ معسن اسلسنبلميالء تممواتتارا تمسعلرفهت اسلمعايمة مواسلمخا ي‬

‫وبغض النظر عن كون الجن والشياطين من أرأكان اليمان أم ل‪ ,‬فمجرد ذكرها في‬
‫كتاب ا تعالى تيحتم علَّى المسلَّم اليمان بها‪ ,‬فل يمكن لمسلَّم أن يرفض كلَّمة‬
‫واحدة في كتاب ا تعالى‪.‬‬
‫والخلف كلَّه يدورأ حول فهم هذه الكلَّمات المذكورأة في كتاب ا تعالى‪ ,‬فهل نفهمها‬
‫تبعاا للَّفهم الذي فهمه العرب‪ ,‬تبعا لتصورأهم لها في الجاهلَّية‪- ,‬والذي ل يختلَّف في‬
‫ف الخرافة الموجاودة فيه عن تصورأات المم الخرى‪ -‬أم نفهمها تبعا لفهم‬ ‫كرم وكي ل‬
‫الفلسفة‪ ,‬والذين لديهم تصورأ للله مخالف لتصورأ أصحاب الكتب السماوية‪ ,‬ومن‬
‫ثم أرولوها وجاعلَّوها قوى الخير والشر في النسان‪ ,‬أم نفهمها بشكل آخر؟!‬

‫الباحث عن القول الفصل‪ ,‬علَّيه أن ينظر في كتاب ا العزيز نظرة فاحصة بتدبر‪,‬‬
‫ليبصر ما يقول عن تلَّك الكائنات السمعية‪:‬‬
‫الملئكة‪ ,‬الشياطين –وعلَّى رأأسهم إبلَّيس‪ -‬الجان‪ ,‬والجن‪.‬‬
‫ق‬
‫وليعرف هل ما نؤمن به حول تلَّك الكائنات موافق لما جااء في الكتاب‪ ,‬أم أنه مواف ع‬
‫في بعض المواطن ومخالف في أخرى!‬

‫‪ 48‬أحمد ابن تيمية‪ ,‬مجموع الفتاوى‪ ,‬تحقيق‪ :‬أنور الباز وعامر الجزار‪ ,‬المجلد التاسع عشر‪ ,‬ص‪.10.‬‬

‫‪41‬‬
‫تصورأ الملئكة‬
‫الباحث في القرآن عن الملئكة‪ ,‬يجد أنها تذكرت إحدى وأرأبعون مرة‪ ,‬أولها ذكراا في‬
‫سورأة البقرة كان عند الحديث عن خلَّق النسان‪:‬‬
‫ض مخللَّيفمةا مقاتلوسا أمتمسجمعتل لفيمها ممن يتسف ل‬ ‫"موإلسذ مقامل مرأسبمك للسلَّمملمئلمكلة إلدني مجاالععل لفي المسرأ ل‬
‫‪49‬‬
‫ستد‬
‫س لممك مقامل إلدني أمسعلَّمتم مما لم تمسعلَّمتمومن‬
‫سبدتح بلمحسملدمك مونتقمدد ت‬
‫سفلتك الددمماء مونمسحتن نت م‬ ‫لفيمها مويم س‬
‫]البقرة ‪"[30 :‬‬

‫وتصرورأ الملئكة يكاد يكون متفقاا علَّيه بين المسلَّمين‪ ,‬إل أنهم اختلَّفوا في الصل‬
‫اللَّساني الذي اشتقت منه الكلَّمة علَّى وجاوه عدة‪.‬‬
‫ويعرض عبد العزيز بن صالح السلَّمي لهذه الختلفات في تعريفه للَّملئكة‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫"الملئكة في اللَّغة‪ :‬جامع مملَّك‪.‬‬
‫واختلَّف أهل اللَّغة من أي شيء اشتق‪ ,‬علَّى أرأبعة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬أنه مشتق من اللوكة‪ ,‬وهي الرسالة‪ ,‬لنها تؤلك بالفم‪ ,‬وأصلَّه مألوك‪,‬‬
‫ثم قدمت اللم علَّى الهمزة فقيل‪ :‬ملك‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫فلَّست لنسي ولكن لملك تنزل من جاو السماء ميصوب‬
‫ثم حذفت الهمزة لكثرة الستعمال فصارأ ملَّك )!!( ولما جامع عادت إليه الهمزة‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أنه مشتق من لك‪ ,‬والملكة‪ :‬الرسالة‪ ,‬فحذفت الهمزة وألقيت حركتها‬
‫علَّى ما قبلَّها‪ ,‬وسميت بها الملئكة لنهم يبلَّغون رأسالة ا عز وجال‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنه من اللملَّك والتملَّك وهو القوة‪ ,‬والميم فيه أصلَّية وجامعه علَّى‬
‫ملئكة وملئك شاذ‪.‬‬
‫سابة‪ ,‬فهو‬‫القول الرابع‪ :‬أنه ل اشتقاقا له‪ .‬والهاء لتأنيث الجمع‪ ,‬أو للَّمبالغة كن ر‬
‫معرب من اللَّغة العبرانية‪ .‬ويؤيده أن التورأاة سمت الملَّك مملمكا)ه(‪ "50.‬ا‪.‬هـ‬

‫وأنا أرأى أن هذه القوال الرأبعة غير صحيحة‪ ,‬وأرأى أن أصل هذه الكلَّمة )وما‬
‫شابهها من الكلَّمات القديمة الصل والمذكورأة في القرآن‪- ,‬والمستغربة والمنسوبة‬
‫إلى غير العربية‪ ,‬أو المدمعى أنها من المقلَّوب!‪ -‬مثل‪ :‬إبلَّيس وطالوت وطاغوت(‬
‫جاذرأ كان موجاوداا في العربية القديمة‪ ,‬وتأهمل استعماله مع التطورأ اللَّغوي‪.‬‬
‫والملئكة علَّى وزن "فعاعلَّة"‪ ,‬وفعاعلَّة جامع لرباعي أو خماسي‪ ,‬مثل‪ :‬مناذرأة‬
‫وغساسنة‪ ,‬ومن ثم يكون مفردها "ملك"‪ ,‬ونحن ل نزال نستعملَّه إلى يومنا هذا –‬
‫مخففا‪ -‬فنقول‪" :‬ملك"‪.‬‬

‫ونحن نرفض قولهم بأن أصل الكلَّمة رأاجاع إلى "ألك" أو "لك" –والتي أصلَّها‬
‫ألك!‪ -‬لن معنى كلَّتا الكلَّمتين يدورأ في فلَّك الرأسال‪ ,‬أي أن الملئكة "رأسالت! أو‬
‫‪ 49‬عرضنا لهذه اليإة في كتابنا‪ :‬نشأة النسان‪ ,‬وبمينا لماذا قال ا العليم الغني هذا للملئاكة‪ ,‬وكيف أنه لم يإكن من باب التشاور –كما قال‬
‫بعض المفسريإن‪ -‬وإنما من باب العلما بما يإحدث أمامهم!‬
‫‪ 50‬عبد العزيإز بن صالح العبيد السلمي‪ ,‬تفسير آيإات القرآن عن علقة الملئاكة بالنسان‪ ,‬ص‪.14.‬‬

‫‪42‬‬
‫مبلَّغو رأسالت"‬
‫سلا ‪] ...‬فاطر ‪,"[1 :‬‬‫وا تعالى يقول في كتابه العزيز‪ .... " :‬مجاالعلل اسلممملئلمكلة ترأ ت‬
‫فهل من المعقول أن أجاعل الرسالت ترأسل؟! أو أجاعل الشيء نفسه‪ ,‬فأقول مثل‪:‬‬
‫جاعلَّت مبلَّغ الرسالت رأسول؟! إن مبلَّغ الرسالت رأسول بالفعل وما هي إل نفس‬
‫التسمية بطريقة مغايرة!‬
‫وهذا يعني أن الملئكة في الصل ليسوا كذلك ثم تجاعلَّوا كذلك‪ ,‬ومن ثم فلَّزام أن‬
‫يكون السم حاملا دللة أخرى!‬

‫وا أعلَّم ما هو الصل القديم الذي تأخذت كلَّمة "ملئكة" فهل تكون الكلَّمة مأخوذة‬
‫من "ملَّك" التمزاد إليها الهمزة للَّدللة علَّى زيادة المعنى عن مجرد الملَّك؟! فهؤلء‬
‫ليس ملَّوكا وإنما ملئكة‪ .‬أما أنها مأخوذة من اللَّوك وهو المعالجة الشديدة‪ ,‬والتي‬
‫تظهر أكثر ما يكون في مضغ الشياء الصلَّبة‪ .51‬وأنا وإن كنت أميل إلى المعنى‬
‫الول إل أنه من الصعب الجزم به ونبذ الخر‪.‬‬

‫فإذا تركنا الجانب اللَّساني وانتقلَّنا إلى التعريف الصطلحي للَّملئكة عند المسلَّمين‪,‬‬
‫وجادنا أن التعريفات المذكورأة حولهم‪ ,‬ل تصلَّح أن تكون تعريفات‪ ,‬وذلك إما لنها‬
‫غير جاامعة مانعة‪ ,‬أو لنها تقدم تصورأات ل أصل لها في كتاب ا العزيز‪.‬‬

‫فإذا نظرنا في التعريف الذي قدمه عبد العزيز السلَّمي وجادناه يقول‪:‬‬
‫"والملئكة في اصطلح المسلَّمين‪ :‬ذوات قائمة بأنفسها قادرأة علَّى التشكل بالقدرأة‬
‫اللهية‪ ,‬ل يأكلَّون ول يشربون‪ ,‬ول ينكحون‪ ,‬يسبحون اللَّيل والنهارأ ل يفترون‪ ,‬ل‬
‫يعصون ا ما أمرهم ويفعلَّون ما يؤمرون!‪ "52‬ا‪.‬هـ‬
‫وجادنا أنه يحتوي عددا من المعلَّومات الغير صحيحة عن الملئكة‪ ,‬والتي لم ترد في‬
‫كتاب ا العظيم‪ ,‬كما أنه لم يبين إذا كانت هذه الكائنات عاقلَّة أم غير عاقلَّة! كما أنه‬
‫لم يعرض للَّدورأ الرئيس الذي تقوم به الملئكة ومن أجالَّه تخلَّقت‪.‬‬

‫فإذا انتقلَّنا إلى غيره من التعريفات وجادنا أنها تقتصر علَّى أنها أجاسام نورأانية‬
‫لطيفة‪ ,‬ليسوا بالذكورأ ول بالناث‪ ,‬لها أجانحة‪ ,‬قادرأة علَّى التشكل بقدرأة ا وأنها‬
‫مخلَّوقات خالدة ل تموت ول تتغير!‬
‫وهي تعريفات يعتريها من النقص وعدم الدقة ما يعتري التعريف السابق!‬
‫وحتى نبين للَّقارأئ الكريم الخلَّل في هذه التعريفات نعرض للَّنقاط الغير مستقيمة‬
‫فيها‪ ,‬ليبصر بعينيه كيف أن أكثر ما اشتتهر عنهم غير صحيح‪.‬‬

‫أبرز ما اشتتهر به الملئكة هو أنهم ل يأكلَّون ول يشربون‪ ,‬وهذا قول صحيح ولكن‬

‫‪ 51‬يإعتمد بعض الباحثين على التشابه بين تصور الملئاكة في الزرادشتية والسلما –واليهوديإة‪ -‬للقول بأن اليهوديإة أخذت هذا التصور‬
‫عن الزرادشتية‪ ,‬ثم أخذه السلما عن اليهوديإة‪ .‬ونحن نقر بوجود التشابه بين الزرداشتية والسلما‪ ,‬وذلك لن الزرادشتية ديإن إلهي‬
‫أصابه التحريإف مثل أديإان كثيرة سابقة‪.‬‬
‫‪ 52‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.15-14 .‬‬

‫‪43‬‬
‫"الآفة في تعاملنإا مع الملئكة أنإنإا أطلقنإا بعض الحكام بشأنإهم‪ ,‬بدون الستنإاد إلى‬
‫أدلة قطعية وأنإنإا قسنإاهم على البشرأ!‬
‫فقلنإا أنإهم ل يأكلون ول يشرأبون ول يتنإاكحون ول يتنإاسلون‪ ,‬استنإادا إلى بعض‬
‫آيات مثل أن الملئكة‪ ,‬التي أتت إلى الخليل‪ ,‬لم تأكل من العجل‪ ,‬الذي قلدمه لهم‪,‬‬
‫وألن ال تعالى شنإلع على من وصفا الملئكة بالنإاث!‬

‫وأنإا أسأل بدورأي‪ :‬هل الملئكة بشرأ‪ ,‬أو خلرقا من عالمنإا الطينإي‪ ,‬حتى نإسقط عليهم‬
‫هذه الوصافا؟!‬
‫إن الملئكة كائنإات ذات طبيعة مختلفة تماما‪ ,‬وأنإا أرأى فعل أنإهم ل يأكلون ول‬
‫يشرأبون‪ ,‬ولكن ل يعنإي هذا أنإهم ل يحتاجون إلى مصدرأ تغذية أو طاقة‪ ,‬فإذا كانإوا‬
‫محتاجين‪ ,‬فسيكون هذا المصدرأ بالتأكيد مختلفا عما نإحتاجه نإحن معشرأ البشرأ أو‬
‫الحيوانإات‪ ,‬في الهيئة وفي طرأيقة الوصول‪.‬‬
‫المشكلة الكبرأى أنإنإا تصورأنإا الملئكة بشرأا من نإورأ ولهم أجنإحة –كما نإرأى في‬
‫الرأسومات!‪ ,-‬فمن أدرأانإا أن لهم أفواه أصل‪ ,‬أو أنإوفا أو وجوه أو أذرأع أو‬
‫أرأجل؟! فل يعنإي أنإهم يتكلمون‪ ,‬أنإهم يتكلمون ل محالة بأفواه وألسنإة؟!‬
‫ول يعنإي أنإهم يتشكلون بأشكالنإا أنإهم مثلنإا! ويجب أن نإعي هذه النإقطة تماما‪:‬‬
‫الملئكة خلقا مختلفا تماما‪ ,‬له أجنإحة متنإاسبة مع خلقه‪ ,‬وليست كأجنإحة الطيورأ‪,‬‬
‫وهذا كل ما يمكنإنإا معرأفته عن خلقهم!‪ ".53‬ا‪.‬هـ‬

‫ولو قلنإا أنإهم ل يحتاجون إلى مصدرأ "طاقة‪/‬تغذية" لصبحوا آلهة! ل يتطتعم! وعلى‬
‫الرأغم من أن هذه المسألة تعتبرأ من المسللمات ومما أطبقا عليه العلماء‪ ,‬إل أنإه ل‬
‫يوجد دليل واحد عليها‪ ,‬فعدم أكلهم من الطعام الذي قدمه لهم الخليل ل يعنإي أنإهم ل‬
‫ل واحدا على عدم‬ ‫يتغذون بشكل آخرأ! وكل من عرأض لهذه المسألة لم يقدم دلي ل‬
‫احتياجهم لطاقة‪/‬تغذية‪ ,‬سوى أن العلماء أطبقوا على هذا! أي أن كل عالم ينإقل‬
‫عمن سبقه بدون دليل‪ ,‬ثم أصبحت أقوالهم نإفسها دليل!!‬

‫فإذا ترأكنإا هذه النإقطة وانإتقلنإا إلى القول بأنإهم ليسوا بالذكورأ ول بالنإاث‪ ,‬وجدنإا‬
‫كذلك أن هذا القول صحيح‪ ,‬ولكن هذا من البديهيات‪ ,‬فهم ليسوا من الخلقا الطينإي‬
‫حتى يصدقا عليهم هذا التقسيم‪.‬‬
‫"فيجب أل نإقع في شرأاك التقسيمة المضحكة حول كونإهم ذكورأا وإنإاثا! أو ذكورأا‬
‫فقط بدون إنإاث‪ ,‬أو وجود شهوة جنإسية فيهم!‬
‫إن هذه القسمة تعنإي انإتمائهم للجنإس الحيوانإي! )وهم ليسوا كذلك بداهة!(‬
‫والعجيب أنإها ل تنإطبقا على كل المخلوقات حولنإا‪ ,‬فالنإبتة الواحدة قد تكون ذكرأا‬

‫‪ 53‬عمرو الشاعر‪ ,‬نشأة النسان‪ ,‬ص ‪.291‬‬

‫‪44‬‬
‫وأنإثى في عين الوقت! وعامة الحيوانإات ل تمارأس الجنإس إل في موسم للتزاوج‪,‬‬
‫وليس اشتهالء كما يفعل النإسان والخنإزيرأ!‬
‫ذرأاتد ذات طبيعة موصجبة وأخرأى سالبة‪ ,‬ول تصدقا فيها‬ ‫والجمادات تنإقسم إلى ل‬
‫التقسيمة الحيوانإية‪ ,‬التي تصدقا علينإا!‬
‫فلماذا ل نإنإظرأ إلى الملئكة باعتبارأها قرأيبة من )ومختلفة عن( هذه التقسيمات؟!‬
‫إن الذي يجب أن نإأخذه في عين الاعتبارأ هو قوله تعالى‪:‬‬
‫" توصمن يكسل تشريدء تختلرقتنإا تزروتجريصن تلتعليكرم تتذلكيرأوتن ]الذارأيات ‪"[49 :‬‬
‫وكما رأأينإا فالزوجية ل تنإحصرأ في ذكرأ وأنإثى منإفصلين‪ ,‬وإنإما تظهرأ بأشكال عدة‪,‬‬
‫وال أعلم بحال الملئكة! ‪ "54‬ا‪.‬هـ‬
‫فزوجيتهم تختلفا ل محالة عن زوجية الحيوانإات والنإباتات والجمادات!‬

‫وينإدرأج تحت هذه النإقطة الدعوى بأنإهم ل يتغيرأون ول يتوالدون ول يتزاوجون‪,‬‬


‫وفي هذا يقول الدكتورأ محمد بن عبد الوهاب العقيل‪:‬‬
‫"الملئكة باقون على أصل خلقتهم ول يتوالدون ول يتزاوجون‪:‬‬
‫ميز ال علز وجلل الملئكة بأنإهم جنإس يخلقا كل واحد منإهم بذاته‪ ,‬ول يوصفون‬
‫بذكورأة ول أنإوثة وهم باقون على أصل خلقتهم التي خلقهم ال عليها‪ ,‬هذا ما دلت‬
‫عليه النإصوص من الكتاب والسنإة‪.‬‬
‫قال تعالى‪ { :‬تفارسترفصتصهرم أتصلترأسبتك ارلتبتنإايت توتليهيم ارلتبينإوتن أرم تختلرقتنإا ارلتمتلاصئتكة إصتنإاثا تويهرم‬
‫ت‬ ‫ت‬
‫تشاصهيدوتن أتتلا إصلنإيهم سمرن إصرفصكصهرم تلتييقويلوتن توتلتد الليه توإصلنإيهرم تلتكاصذيبوتن أترصتطتفى ارلتبتنإاصت تعتلى‬
‫ارلتبصنإيتن تما تليكرم تكريتفا ت رحيكيموتن ]الصافات ‪ "55}[154-149 :‬ا‪.‬هـ‬

‫ل إل على نإقطة واحدة‬ ‫وكما رأأينإا فالدكتورأ العقيل قلدم دعوى عرأيضة ولم يقدم دلي ل‬
‫منإها‪ ,‬وهي أنإهم ليسوا بالذكورأ ول بالنإاث‪ ,‬فأين الدليل على أنإهم باقون على أصل‬
‫خلقتهم‪ ,‬وأنإهم ل يتوالدون ول يتزاوجون؟!‬
‫لقد عرأض لهذا العنإصرأ في صفحتين كاملتين‪ ,‬ولم يقدم دليل متعلقا بالنإقاط التي‬
‫ذكرأها‪ ,‬وإنإما أخذ يذكرأ كلما عاما! إن التصورأ الذي قدمه المسلمون للملئكة قرأيب‬
‫أو مساو لتصورأ اللهة‪ ,‬فهم تبعا لقولهم ل يتغيرأون‪ ,‬والمخلوقا متغيرأ ل محالة!‬
‫ونإحن ل نإقول أنإهم يتوالدون‪ ,‬ولكن ما المانإع أن تكون لهم طرأيقة يخرأج منإها‬
‫ذرأية؟! ولن نإقع فيما وقع فيه السابقون‪ ,‬فنإقول‪ :‬بالنإقسام الذاتي مثل‪ ,‬لن هذا‬
‫يعنإي أنإنإا نإقيس الملئكة على الكائنإات البسيطة في عالمنإا الطبيعي!‬
‫إن أفلم الخيال العلمي قد أعطت تصورأات لعمليات انإقسام كائنإات من الطاقة‪ ,‬فرأبما‬
‫كان المرأ قرأيبا –أو حتى بعيدا‪ -‬بشكل ما؟!‬

‫‪ .54‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.‬‬


‫‪ 55‬محمد بن عبد الوهاب العقيل‪ ,‬معتقد فرق المسلمين واليهود والنصارى والفلسفة والوثنيين في الملئاكة المقربين‪ ,‬ص‪.72.‬‬

‫‪45‬‬
‫نإعود ونإكرأرأ‪ ,‬إنإنإا كمسلمين مقلرأين بتفرأد ال بالغنإى وعدم التغيرأ‪ ,‬ومن ثم يجب‬
‫علينإا القول بأن الملئكة تتغيرأ وتحتاج‪ ,‬بشكل يتنإاسب مع طبيعتها! ألما أن نإجعلها‬
‫غيرأ محتاجة وغيرأ متغيرأة فهذا مشابهة بال!‬
‫إن الواجب على كل منإا النإتباه إليه هو أنإه لم يقم دليل على أن الملئكة ل تموت –‬
‫ل تفنإى‪ ,-‬فكيفا نإجزم بما دون ذلك؟!‬
‫قد تمثل هذه المقولة صدمة كبيرأة للقارأئ‪ ,‬إل أنإنإا نإدعوه ليتفكرأ‪ :‬هل قلدم مدعو‬
‫خلود الملئكة دليل واحدا على ما يقولون؟!‬

‫وعلى الرأغم من اختلفاتنإا الكثيرأة مع الرأأي المشهورأ‪ ,‬إل أنإنإا نإتفقا معه في‬
‫العنإصرأ الرأئيس وهي أنإها ذوات قائمة وأنإها كائنإات عاقلة‪ ,‬ونإرأفض أقوال الفلسفة‬
‫الذين جعلوا الملئكة إشارأة إلى قوى الخيرأ في النإسان –والشياطين قوى الشرأ‪-‬‬
‫ولست أدرأي كيفا يوجدت قوى الخيرأ والشرأ قبل وجود النإسان نإفسه!‬

‫وللفلسفة أقوال أخرأى في الملئكة غيرأ السابقا‪ ,‬ومما ذكرأه المام الفخرأ الرأازي‬
‫في تفسيرأه لقوال الفلسفة في الملئكة‪:‬‬
‫"أنها جاواهر قائمة بأنفسها وليست بمتحيزة البتة‪ ,‬وأنها بالماهية مخالفة لنواع‬
‫النفوس الناطقة البشرية‪ ,‬وأنها أكمل قوة منها وأكثر علَّما ا منها‪ ,‬وأنها للَّنفوس‬
‫البشرية جاارأية مجرى الشمس بالنسبة إلى الضواء‪ .‬ثم إن هذه الجواهر علَّى‬
‫قسمين‪ :‬منها ما هي بالنسبة إلى أجارام الفلك والكواكب كنفوسنا الناطقة بالنسبة‬
‫إلى أبداننا‪ ,‬ومنها ما هي ل علَّى شيء من تدبير الفلك بل هي مستغرقة في معرفة‬
‫ا ومحبته ومشتغلَّة بطاعته‪ ,‬وهذا القسم هم الملئكة المقربون ونسبتهم إلى‬
‫الملئكة الذين يدبرون السموات كنسبة أولئك المدبرين إلى نفوسنا الناطقة‪.‬‬
‫فهذان القسمان قد اتفقت الفلسفة علَّى إثباتهما‪ ,‬ومنهم من أثبت أنواعا ا أخرى من‬
‫الملئكة وهي الملئكة الرأضية المدبرة لحوال هذا العالم السفلَّي؛ ثم إن المدبرات‬
‫لهذا العالم إن كانت خيررة فهم الملئكة وإن كانت شريرة فهم الشياطين‪ "56‬ا‪.‬هـ‬

‫فنإحن وإن كنإا نإرأى أن للملئكة دورأا في تسييرأ الكون إل أنإنإا نإرأفض أن تكون‬
‫الملئكة إشارأة إلى النإواميس والقوانإين الحاكمة للكون!‬

‫ولكي يقدم المرأء تعرأيفا شامل للملئكة فل بد أن يعرأض للدورأ الذي تقوم به‪,‬‬
‫وللمادة التي خلقوا منإها‪ ,‬وهذان العنإصرأان لن نإعرأض لهما هنإا‪ ,‬وإنإما سنإتنإاولهما‬
‫في نإقطة قادمة‪- ,‬حتى ل يحدث تكرأارأ أو عدم اتصال لبعض النإقاط والفكارأ‪-‬‬
‫وبهما سنإكون قد قلدمنإا التصورأ السليم عن الملئكة‪.‬‬

‫‪ 56‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬مفاتيح الغيب‪ ,‬المجلد الثاني‪ ,‬ص‪.148 .‬‬

‫‪46‬‬
‫هل الملئكة مسيرأون‬

‫على الرأغم من أنإه كان من المفترأض نإقاش هذه النإقطة تبعا للعنإصرأ السابقا‪ ,‬إل‬
‫أنإنإا رأأينإا أنإه من الفضل أن نإفرأد لها عنإصرأ مستقل‪.‬‬
‫الرأأي المتداول بين المسلمين هو أن الملئكة مجبولين على الطاعة‪ ,‬فل يمكنإهم‬
‫المعصية! وعامة المسلمين يقولون بهذا القول بدون أن ينإتبهوا إلى النإتيجة‬
‫الحتمية له‪ ,‬وهي أنإهم يصيرأون بهذا مسليرأين وليسوا مخيرأين!‬

‫فإذا كانإت الملئكة ل تستطيع إل فعل الطاعة فهذا يعنإي أنإها يتعتبرأ –بشكل ما‪-‬‬
‫جهاز حاسوب متطورأ! ومن ثم فإنإه ل فضل لها‪ ,‬ول مبرأرأ لليمان بوجودها!!‬
‫فلماذا يمتدحها ال تبارأك وتعالى‪ ,‬ويثنإي عليها؟!‬
‫والقول بأن الملئكة ل تستطيع إل الطاعة ول تقدرأ على المعصية ليس مما أجمع‬
‫عليه المسلمون‪ ,‬فهو مختلفا عليه منإذ صدرأ السلم‪ ,‬والمسألة معرأوضة ومتداولة‬
‫في كتب العقائد القديمة!‬
‫والعجيب أن الدلة التي يستدلون بها على جبلة الملئكة على الطاعة‪ ,‬هي في‬
‫الواقع أدلة على تخييرأهم‪.‬‬

‫لذا فسنإعرأض الدلة للقارأئ من منإظورأ آخرأ‪ ,‬ليبصرأ كيفا أن المنإظورأ الذي كان‬
‫ينإظرأ به إلى المسألة منإظورأ مقلوب‪:‬‬
‫"الدليل الول‪ :‬نإبدأ بالدليل الذي يستدلون به‪ ,‬وهو قوله تعالى‪" :‬تلا تيرعيصوتن اللته تما‬
‫أتتمترأيهرم توتيرفتعيلوتن تما يرؤتميرأوتن ]التحرأيم ‪"[6 :‬‬
‫والتكليفا عبارأة عن أمرأ بالفعل وأمرأ بالكفا عن الفعل )افعل‪ ،‬ول تفعل(‪.‬‬
‫وال تعالى ل يخاطب بالتكليفا إل مـن يعقل معنإى التكليفا‪ ,‬فالجمادات والحيوانإات‬
‫التي ل تعقل غيرأ مكلفة‪ ,‬وبالتالي ل عقاب عليها ول حساب‪ ,‬وفي هذه الية بلين‬
‫ال تعالى أن الملئكة مكلفون‪ ,‬لتوجيه خطاب التكليفا إليهم بقوله تعالى‪" :‬ما‬
‫أمرأهم" وقوله‪" :‬مـا يؤمرأون"‪(.....) .‬‬

‫ولو كانإوا مسيلرأين لما كان لهم فضل‪ ,‬ويكون مدلول الية مطابقا لمن يقول‪" :‬إن‬
‫هذه اللة رأائعة جدا‪ ,‬تنإفذ كل ما آمرأها به‪ ,‬ول تعصينإي أبدا"!‬
‫فليس هنإاك أي فضل لللة‪ ,‬فالمرأء هو الذي وضع لها البرأنإامج الذي تتحرأك به‪,‬‬
‫فل يكون المدح لها‪ ,‬بل لمصممها وصانإعها‪.‬‬

‫)والجملة المذكورأة في الية ليست عامة بحال‪ ,‬فهي في صنإفا مخصوص من‬
‫الملئكة‪" ,‬ملئكة النإارأ" وفي حالة مخصوصة "ما أمرأهم"‪ ,‬بفعل مخصوص‬
‫"العصيان" والذي ل يعنإي كل مخالفة وترأك!‬

‫‪47‬‬
‫ويدلل على ذلك قوله تعالى‪" :‬ويفعلون ما يؤمرأون" ولو كانإت المعصية بالمعنإى‬
‫المألوفا لما كان لهذه الجملة فائدة ولصبحت تكرأارأا(‬

‫الدليل الثانإي‪ :‬قوله تعالى‪" :‬للن تيرستتنإصكتفا ارلتمصسييح تأن تييكوتن تعربدا سلسله توتل ارلتملصئتكية‬
‫ارليمتقلرأيبوتن توتمن تيرستتنإصكرفا تعرن صعتباتدصتصه توتيرستركصبررأ تفتستيرحيشيرأيهرم إصتليصه تجصميعا ]النإساء ‪:‬‬
‫‪ " [172‬في هذه الية من الدللة على أفضلية المـلئكة الشيء الكبيرأ‪,(.....) ،‬‬
‫)والية دليل صرأيح على أن هنإاك من الملئكة من يستنإكفا ويستكبرأ‪ ,57‬وإذا حدث‬
‫فسيحشرأهم –أي عيسى والملئكة المقرأبين‪ -‬إليه جميعا!‬
‫لنإه ل حديث في اليات إل عنإهم‪ ,‬فتكون دليل على إمكانإية صدورأ المعصية من‬
‫الملئكة ‪ ...‬المقرأبين! فما بالنإا بغيرأهم؟!!(‬

‫س تقاتل‬ ‫الدليل الثالث‪ :‬قوله تعالى‪" :‬توإصرذ يقرلتنإا صلرلتملاصئتكصة ارسيجيدورا لتدتم تفتستجيدورا إتلل إصربصلي ت‬
‫أتأترسيجيد صلتمرن تختلرقتت صطينإا ]السرأاء ‪"[61 :‬‬
‫وكل اليات التي تتحدث عن أمرأ الملئكة بالسجود لدم ‪.‬‬
‫في هذه اليات دللة على التكليفا من عدة أوجه ‪:‬‬
‫)‪ (.....‬الوجه الثانإي‪ :‬أن المرأ بالسجود لدم كان اختبالرأا للملئكة وامتحالنإا لهم‪,‬‬
‫بالضافة إلى إبليس‪ ,‬حيث كان معهم في الختبارأ‪ ،‬فنإجح الملئكة بالختبارأ ورأسب‬
‫إبليس‪ ,‬والبتلء والختبارأ ل يكون إل لمكلفا‪ ,‬لن ال ل يبتلي ويختبرأ غيرأ‬
‫المكلفين‪ ,‬وهذا شيء متفرقا عليه‪ ,‬وإل ما الحكمة من البتلء والختبارأ إذا كان‬
‫‪58‬‬
‫المبتتلى غيرأ مكتلفا؟!‬

‫الدليل الرأابع‪ :‬قوله تعالى‪" :‬إصرذ ييوصحي ترأبتك إصتلى ارلتملصئتكصة أتسنإي تمتعيكرم تفتثسبيتورا اللصذيتن آتمينإوا"‬
‫[النإفال‪"[12:‬‬
‫والستدلل بالية على التكليفا أن ال يوحي إلى الملئكة "أنإه معهم" وهذه بشرأى‬
‫من ال تـعالى إلى الملئكة‪ ,‬والبشرأى ل تكون لمجبورأ وإنإما لمختارأ ‪.‬‬

‫ش‬‫الدليل الخامس‪ :‬قوله تعالى‪" :‬إصلنإيه تلتقرويل ترأيسودل تكصرأيدم صذي يقـلودة صعنإتد صذي ارلتعـررأ ص‬
‫تمـصكيدن يمـتطادع تثلم أتصميدن ]التكويرأ ‪"[21-19‬‬
‫فيصفا ال تعالى أمينإه جبرأيل عليه السلم بأنإه مكين ومطاع‪ ,‬ثم بأنإه أمين‪ ,‬وكيفا‬
‫نإتصورأ أن يمدح ال أحدا بالمانإة‪ ,‬وهو مجبول علـى فعل المـانإة ل يستطيع أن‬
‫يخون لن ال جبله على هذا الفعل؟! )‪(........‬‬

‫لصئتكية توأيرويلورا ارلصعرلصم تقآصئتما‬


‫الدليل السابع‪ :‬قوله تعالى‪" :‬تشصهتد البله أتلنإيه تل إصتلته إصلل يهتو توارلتم ت‬
‫صبارلصقرسصط ]آل عمرأان ‪. "[18 :‬‬
‫‪57‬لحظ أن المعصية الصادرة عن إبليس أنه أبى واستكبر!‬
‫‪ 58‬لسنا مخاطبين بمعرفة نوع الجزاء على البتلء والتكليف الذي صيإجازى به الملئاكة‪ ,‬فإذا كنا ل نعرف بالضبط حقيقة وصكنه الجزاء‬
‫الذي س صنجازى به مقابل التكليف الذي كلفنه ا‪ ،‬قال تعالى‪" :‬فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يإعملون"‪ ,‬فهل‬
‫سنعلم ما صأعد للملئاكة؟‬

‫‪48‬‬
‫في ذكرأ الملئكة بالشهود على وحدانإية ال تعالى مع أولي العلم من الرأسل والنإبيين‬
‫والصديقين‪ ,‬ومن هو عالم بوحدانإية ال تعالى وعدله‪ ,‬دون غيرأهم من المخلوقين‬
‫غيرأ المكلفين‪ ,‬لدللرة على تكليفهم ومنإزلتهم‪ ,‬حيث ذكرأوا بعد ال وقبل البشرأ‪.‬‬

‫لصئتكية صمرن صخيتفصتصه ‪]....‬الرأعد ‪:‬‬


‫الدليل الثامن‪ :‬قوله تعالى‪" :‬تويتسسبيح اللرأرعيد صبتحرمصدصه توارلتم ت‬
‫‪(.....) " [13‬‬
‫وذكرأ ال تعالى الفارأقا في سبب تسبيح الملئـكة‪ ,‬وهو الخوفا منإه سبحانإه‪ ,‬وهذا‬
‫السبب )أي الخوفا( غيرأ مذكورأ في الرأعد ومن في حكمه‪ ,‬صمن تمن ل إرأادة –‬
‫ظاهرأة‪ -‬له‪ ,‬أما الملئكة فذكرأ ال تعالى أنإهم يخافونإه‪ ,‬وهذا ينإافي قول من يقول‬
‫أن الملئكة مجرأد آلة أو خلقا للعبادة فقط‪ ،‬فإذا كان ال سبحانإه وتعالى أرأاد‬
‫الملئكة مخلوقات مجبولة على العبادة لما فلرأقا بين الرأعد‪ ,‬وتمن في حكمه‪ ,‬وبين‬
‫الملئكة في مسألة الخوفا من ال تعالى ‪.‬‬

‫الدليل التاسع‪ :‬قوله تعالى‪" :‬توتقايلوا التتختذ اللرأرحتمين توتلدا يسربتحاتنإيه تبل صعتبارد بمركترأيموتن تلا‬
‫تيرسصبيقوتنإيه صبارلتقروصل تويهم صبتأرمصرأصه تيرعتميلوتن تيرعتليم تما تبريتن أتريصديصهرم توتما تخرلتفيهرم توتلا تيرشتفيعوتن إصللا‬
‫صلتمصن اررأتتضى تويهم سمرن تخرشتيصتصه يمرشـصفيقوتن توتمن تييقرل صمرنإيهرم إصسنإي إصتلره سمن يدوصنإصه تفتذصلتك‬
‫تنإرجصزيصه تجتهلنإتم تكتذصلتك تنإرجصزي اللظاصلصميتن ]النإبياء ‪. "[29 -26:‬‬
‫فال يتوعد الملئكة بجهنإم في حال قول أحدهم بما يستوجب العقاب‪ ,‬أي أن‬
‫عليـهم ثواب وعقاب وال ل يستثنإي أحدا‪ .‬وفي هذه الية دللة واضحة كافية لمن‬
‫كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‪ "59.‬اهـ‬

‫الدليل العاشرأ‪ :‬أن ال تعالى ذكرأ الملئكة في موقفا الشفاعة في آيات عديدة‪ ,‬مثل‪:‬‬
‫" ‪ ...‬توتلا تيرشتفيعوتن إصللا صلتمصن اررأتتضى تويهم سمرن تخرشتيصتصه يمرشصفيقوتن ]النإبياء ‪"[28 :‬‬
‫" توتكم سمن لمتلدك صفي اللستماتواصت تلا يترغصنإي تشتفاتعيتيهرم تشريئا إصللا صمن تبرعصد تأن تيرأتذتن الليه صلتمن‬
‫تيتشايء توتيررأتضى ]النإجم ‪"[26 :‬‬
‫وهذا أكبرأ دليل يبطل جميع أقوال الفلسفة عن الملئكة‪ ,‬ويؤكد بما ل يدع مجال‬
‫للشك أن للملئكة إرأادة مستقلة‪ ,‬سائرأة في طاعة ال عز وعلى وتبارأك‪ ,‬إل أن هذا‬
‫ل يبطل أن يحدث ما يجعلهم يخرأجون عن الدرأب فيخالفون أمرأ ال‪.‬‬
‫وأعتقد أن فيما ذكرأنإا الكفاية والغنإاء على أن الملئكة خلرقا مكلرفا‬
‫مختارأ‪ ,‬وليس مجبول على الطاعة‪ ,‬وإل ليعدموا الفضل كله!‬

‫الشيطان‬

‫‪ 59‬عمرو الشاعر‪ ,‬عقائاد السلميين بين وحدة المنهج وتبايإن الحكاما‪ ,‬ص‪ .338-336 .‬منقول بتصرف كبير!‬

‫‪49‬‬
‫بعتد أن عرأضنإا للملئكة‪ ,‬وأظهرأنإا أن كثيرأا مما قيل حولهم ل دليل عليه وإنإما هو‬
‫استنإتاجات لعلماء المسلمين‪ ,‬جعلت الملئكة في منإزلة هي أقرأب إلى اللهة!‬
‫نإنإتقل إلى الجنإس المنإاقض له وهو الشيطان والشياطين‪ ,‬لنإنإظرأ كيفا ورأدت‬
‫واسيتعملت في كتاب ال العزيز‪.‬‬
‫ورأدت كلمة "شيطان" في القرأآن اثنإتين وستين مرأة‪ ,‬وورأدت بصيغة الجمع‬
‫"شياطين" سبع عشرأة مرأة‪ .‬فإذا نإظرأنإا في الصل الذي اشتقا منإه الكلمة‪ ,‬وجدنإا أنإه‬
‫ييرأجع إلى أحد الصلين‪ :‬شطن‪ ,‬وشيط‪.‬‬

‫فإذا نإظرأنإا في معجم "مقاييس اللغة" ألفينإا ابن فارأس يقول‪:‬‬


‫")شطن( الشين والطاء والنإون أصرل ملطرأد صحيح يدبل على اليبعد‪ .‬يقال تشتطنإت‬
‫الدارأ ترشيطن شطونإا إذا تغترأتبت‪ .‬ونإولى تشطورن‪ ،‬أي بعيدة‪ .‬قال النإابغة‪:‬‬
‫تنإتأرت بسعاتد عنإك نإولى تشطوين *** فبانإرت والفؤايد بها رأهيين‬
‫ويقال بئررأ تشطون‪ ،‬أي بعيدة التقعرأ‪ ،‬واللشتطن‪ :‬التحربل‪ .‬وهو القياس ‪ ،‬للنإه بعييد ما‬
‫بيتن اللطترأفين‪(......) .‬‬
‫توألما اللشيطان فقال قوم‪ :‬هو من هذا الباب ‪ ،‬والنإون فيه أصللية‪ ،‬فيسسمي بذلك ليبعده‬
‫متمرأد من الجلن والنإس والدوالب شيطان‪ .‬قال‬ ‫عن الحلقا وتمبرأده‪ .‬وذلك ألن كلل عادت ر‬
‫جرأيرأ‪:‬‬
‫الشيطان صمرن تغتزلي *** وهلن تيهتوريتنإنإي إصرذ يكنإيت شيطانإا‬ ‫ألياتم تيرديعوتنإنإي ل‬
‫س اللشتياصطين{ ]الصافات ‪.[65‬‬ ‫وعلى ذلك يفسسترأ قويليه تعالى‪} :‬تطرليعها تكتألنإيه يرأيؤو ي‬
‫وقيل إلنإه أرأاتد الحليات‪ :‬وذلك ألن الحلية تسلمى شيطانإا‪ "60 .‬ا‪.‬هـ‬

‫فإذا انإتقلنإا إلى "شيط" ألفينإاه يقول‪:‬‬


‫") شيط ( الشين والياء والطاء أصرل يدبل على تذهاب الشيء‪ ،‬إلما احترأاقا وإما تغريترأ‬
‫ذلك‪ .‬فاللشريط صمرن شاط اللشييء‪ ،‬صإذا احترأقا‪ .‬يقال شليطت الللحم‪ .‬ويقولون‪ :‬تشليطه‪،‬‬
‫إذا تدلخنإه ولم يرنإصضرجه‪ .‬واللويل أصبح وأقتيس‪.‬‬
‫ومن المشتلقا من هذا ‪ :‬استشاط اللرأجيل‪ ،‬إذا احتلد غتضبا‪ .‬ويقولون‪ :‬نإاقرة صمشياط‪،‬‬
‫وهي التي يطيرأ فيها السستمن‪ .‬ومن الباب اللشيطان ‪ "61 ....‬ا‪.‬هـ‬

‫ونإحن نإرأجح أن تكون الكلمة مشتقلة من شيط‪ ,‬لما فيه من ارأتباط بالنإارأ‪ ,‬كما أنإه لم‬
‫يحدث في أصل الكلمة أي تغييرأ أو تبديل‪ ,‬وإنإما يأضيفا إليها اللفا والنإون فصارأت‬
‫على وزن فعلن‪ ,‬مثل شبعان وعطشان وجوعان و ‪ ...‬إنإسان!‬

‫ولقد ظهرأت كلمة "شيطان" بشكدل مقارأب في اللغات العالمية‪ ,‬فنإجد أنإها في العبرأية‬
‫"سطن" –وذلك لن السين في العبرأية تقابل الشين في العرأبية‪-‬‬

‫‪ 60‬أحمد بن فارس‪ ,‬مقايإيس اللغة‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد السلما محمد هارون‪ ,‬الجزء الثالث‪ ,‬ص‪.184-83 .‬‬
‫‪ 61‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.235-234 .‬‬

‫‪50‬‬
‫ومن العبرأية انإتقلت الكلمة إلى اللغات الورأوبية‪ ,‬فنإجد أنإها في النإجليزية‬
‫واللمانإية ‪.Satan‬‬
‫والفارأقا بين العرأبية واللغات الورأوبية أن "شيطان" في العرأبية نإعت يصدقا على‬
‫أشياء كثيرأة‪ ,‬بينإما في الورأوبية هو اسم‪ ,‬فهو مسادو ل‪ :‬إبليس في العرأبية‪ ,‬بينإما‬
‫المقابل ل‪ :‬شيطان هو ‪ Devil‬في النإجليزية‪ ,‬و‪ Teufel :‬في اللمانإية‪.‬‬

‫والنإاظرأ في القرأآن يجد أنإه استعمل لفظة "الشيطان" إشارأة إلى ذلك الكائن الذي‬
‫يسعى إلى إضلل النإاس‪ ,‬فإذا ذكرأت معرأفة باللفا واللم أسقط المستمع الكلمة‬
‫تلقائيا على "إبليس"‪ ,‬فإذا استعمل الجمع "شياطين"‪ ,‬وجدنإا أنإها يتستعمل كدال على‬
‫فرأيقا من البشرأ أو جمع من تلك الكائنإات الغيرأ بشرأية على حدد سواء‪.‬‬
‫فمن مواطن استعمال "شياطين" مع البشرأ قوله تعالى‪:‬‬
‫"توإصتذا تليقورا اللصذيتن آتمينإورا تقايلورا آتملنإا توإصتذا تختلرورا إصتلى تشتياصطيصنإصهرم قايلورا إصلنإا تمتعركرم إصلنإتما تنإرحين‬
‫ت‬
‫يمرسترهصزيئوتن ]البقرأة ‪"[14 :‬‬

‫وعلى الرأغم من وجود الكلمة عنإد العرأب قبل السلم‪ ,‬إل أنإها كانإت يتستعمل بشكل‬
‫يختلفا كثيرأا عن الذي استعمله به السلم‪ ,‬فلم تظهرأ عنإدهم بمعنإى ذلك الكائن‬
‫الذي يسعى لضلل النإاس‪ ,‬وإنإما إشارأة إلى القوي "الماكرأ" الذي يأتي بالعجائب‬
‫ويصل إلى مبتغاه بالقوة أو بالحيلة‪ ,‬ولذلك كانإت الحيات يتسمى بالشياطين‪.‬‬

‫وفي هذا يقول الدكتورأ جواد علي‪:‬‬


‫"ولم ترد لفظة "الشيطان" في شعر الشعراء الجاهلَّيين‪ ،‬خل شعر "أمية بن أبي‬
‫الصلَّت" و "عدي بن زيد العبادي"‪ .‬والول شاعر وقف ‪-‬علَّى ما يظهر من شعره‪-‬‬
‫علَّى شيء من اليهودية والنصرانية‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ ،‬فهو نصراني‪ ،‬لذلك يجوز لنا أن نرجاع علَّمهما بالشيطان إلى ما جااء‬
‫ب‬‫في اليهودية والنصرانية عنه‪ ،‬ولذلك نستطيع أن نقول أن هذه اللَّفظة جااءت العر م‬
‫عن طريق أهل الكتاب‪(.........) .‬‬
‫وأما ما ورأد في القصص عن الشياطين عند الجاهلَّيين‪ ،‬فهو يختلَّف عما جااء عن‬
‫الشيطان في الكتب اليهودية والنصرانية‪ ،‬مما يدل علَّى أن منبعه منبع آخر‪ ،‬وان‬
‫"الشيطان" عند الجاهلَّيين‪ ،‬هو غير الشيطان المعروف عند اليهود والنصارأى‪،‬‬
‫الذي دخل إلى العرب قبيل السلم وفي السلم‪.‬‬
‫ومن القصص المذكورأة‪ ،‬استمد بعض الجاهلَّيين قصصهم عن ذكاء الشيطان وعن‬
‫حيلَّه‪ .‬ومن هذا القصص ول شك استعمل الناس مصطلَّح "تشيطن" و "الشيطنة"‬
‫بمعنى الذكاء والحيلَّة‪ ،‬لما رأسخ في ذهنهم من ذلك القصص عن ذكاء الشيطان‬
‫وسعة حيلَّه وتلعبه بأذكى البشر‪ "62 .‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 62‬جواد علي‪ ,‬المفصل في تاريإخ العرب قبل السلما‪ ,‬الجزء السادس‪ ,‬ص‪.731.‬‬

‫‪51‬‬
‫واستمرأ هذا الستعمال فترأة بعد السلم‪ ,‬ثم بدأت عملية الزاحة الدللية‪ ,‬فإذا‬
‫اسيتعملت كلمة "شيطان" أصبح المرأاد منإها ذلك الكائن المصضل!‬
‫ووجدنإا في ترأاثنإا السلمي القديم من استعمل "شيطان" لنإفس المدلول الذي‬
‫استعمله الجاهليون‪ ,‬ومن ذلك ما أورأده ابن هشام في سيرأته‪.‬‬
‫فنإجد أنإه في أثنإاء حديثه عن المعارأضين للدعوة السلمية‪ ,‬والذين تميزوا بالقوة‬
‫أو الدهاء‪ ,‬نإجد أنإه ينإعتهم بالشيطان أو بالشياطين‪.‬‬

‫فجاء في كتابه السيرأة النإبوية‪:‬‬


‫"ونمسوفل بن تخموسيلَّد بن أسد بن عبد التعيزى بن قصي‪ ،‬وهو ابن العدوية‪ .‬وكان من‬
‫شياطين قريش‪ ،‬وهو الذي قرن بين أبي بكر الصديق وطلَّحة بن تعبمسيد ا رأضي ا‬
‫عنهما في حبل حين أسلَّما‪ ،‬فبذلك كانا يسميان القرينين"‬
‫"وكان النضر بن الحارأث من شياطين قريش‪ ،‬وممن كان يؤذي رأسول ا ‪-‬صلَّى‬
‫ا علَّيه وسلَّم‪ -‬وينصب له العداومة‪ ،‬وكان قد قدم الحيرة‪ ،‬وتعلَّم بها أحادي م‬
‫ث ملَّوك‬
‫الفرس"‬
‫"جالَّس تعممسير بن وهب التجمحي مع صفوان بن أمية بعد تمصاب أهل بدرأ من قريش‬
‫شسيطاانا من شياطين قريش‪ ،‬وممن كان‬ ‫‪-‬في اللحسجر‪ -‬بيسير‪ ،‬وكان تعمير بن وهب م‬
‫تيؤلذي رأسومل ا صلَّى ا علَّيه وسلَّم وأصحابه‪ ،‬ويمسلَّمقون منه عنااء وهو بمكة "‬
‫‪63‬‬

‫ا‪.‬هـ‬

‫ونإظرأا للصل الذي اشتقا منإه "شيطان" والذي يدل على الحترأاقا والغرأبة والبعد‪,‬‬
‫وجدنإا أن العرأب تطلقا لفظة "شيطان" على القبيح المنإظرأ‪.‬‬
‫ومع انإتشارأ السلم‪ ,‬والذي رأسخ أن الشيطان أصل الشرأ‪ ,‬ازدادت هذه الصورأة‬
‫عمقا عنإد العرأب‪ ,‬ومن ثم أصبح الشيطان رأمز لكل ما هو قبيح وسيء وشرأيرأ‪.‬‬

‫وفي هذا يقول جواد علي‪:‬‬


‫"وقد وتصف الشيطان بالقبح‪ ،‬فإذا أرأيد تعنيف شخص وتقبيحه‪ ،‬قيل له‪ :‬يا وجاه‬
‫الشيطان وما هو إل شيطان‪ .‬يريدون بذلك القبح‪ ،‬وذلك علَّى سبيل تمثيل قبحه بقبح‬
‫الشيطان‪ .‬وقيل‪ :‬الشيطان حية ذو عرف قبيح الخلَّقة‪.‬‬
‫وقيل إنه كان حية ‪-‬تزعم أنها تأتي حول البيت‪ ،‬فل يطوف أحد‪ .‬ولما شرعوا ببناء‬
‫الكعبة في أيام شباب الرسول‪ ،‬جااء طير فالتقط الحية‪ .‬ولقبح وجاه الشيطان‪ ،‬قالوا‬
‫للَّذي به لقوة أو شتر‪ ،‬إذا سرب‪ :‬يا لطيم الشيطان‪ .‬وقالوا للَّمتكبر الضخم‪ :‬ظل‬
‫الشيطان‪ .‬وكانوا إذا أرأادوا ضرب مثل بقبح إنسان قالوا‪ :‬لهو أقبح من الشيطان‪.‬‬
‫وقالوا لشجرة تكون ببلد اليمن لها مظهر كريه "رأؤوس الشياطين"‪.‬‬
‫شمجمرةع تمسخترتج لفي أم س‬
‫صلل‬ ‫وبهذا المعنى فسرت "رأؤوس الشياطين" في الآية‪" :‬إلنيمها م‬
‫شميالطيلن ]الصافات‪"[65-64 :‬‬ ‫اسلمجلحيلم طمسلَّتعمها مكأ منيهت ترأتؤو ت‬
‫س ال ي‬

‫‪ 63‬عبد الملك بن هشاما‪ ,‬السيرة النبويإة‪ ,‬تحقيق‪ :‬طه عبد الرءوف سعد‪ ,‬الجزء الثاني‪ ,‬ص‪ ,138 /117.‬الجزء الثالث‪ ,‬ص‪.212.‬‬

‫‪52‬‬
‫يقول تعالى ذكره كأن طلَّع هذه الشجرة‪ ،‬يعني شجرة الزقوم في قبحه وسماجاته‬
‫رأؤوس الشياطين في قبحها‪ ،‬وذلك أن استعمال الناس قد جارى بينهم في مبالغتهم‬
‫إذا أرأاد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء‪ ،‬قال‪ :‬كأنه شيطان‪ ،‬فذلك أحد القوال‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يكون مثرل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطاناا‪(.....) .‬‬
‫والثالث أن يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين‪ ،‬ذتكر انه قبيح الرأس‪.‬‬
‫ويظهر أن العرب في الجاهلَّية‪ ،‬كانوا يطلَّقون "رأؤوس الشياطين" علَّى شجر كريه‬
‫المنظر جاداا‪ ،‬قال علَّماء اللَّغة‪:‬‬
‫"والصوم‪ :‬شجر علَّى شكل شخص النسان كريه المنظر جاداا‪ ،‬يقال لثمره رأؤوس‬
‫الشياطين‪ ،‬يعني بالشياطين الحيات‪ ،‬وليس له ورأقا ‪ "64‬ا‪.‬هـ‬
‫أما مسألة أصل الشيطان والشياطين فسنعرض لها في تناولنا "لبلَّيس"‪.‬‬

‫إبليـس‬

‫بعد أن عرأضنإا للشيطان والشياطين في كتاب ال العزيز‪ ,‬نإنإتقل إلى قائد وكبيرأ‬
‫الشياطين‪ ,‬رأأس الشرأ‪ ,‬والذي يعرأفا في السلم باسم‪ :‬إبليس‪.‬‬
‫ذلك الكائن‪ ,‬الذي ييعد من أشهرأ الشخصيات في التارأيخ النإسانإي‪ ,‬ذلك الذي لم يقبل‬
‫السجود لدم‪ ,‬وأعلنإها حرأبا شعواتء عليه وعلى الجنإس البشرأي‪.‬‬
‫نإعرأض لهذه الشخصية المحورأية‪ ,‬لنإبصرأ بأنإفسنإا هل أن الرأأي السائد المنإتشرأ بين‬
‫عامة المسلمين هو الصواب‪ ,‬أم أن هنإاك آرأاء أخرأى يأهملت ويضعفت هي الدقا‬
‫والصح!‬

‫على النإقيض من الشياطين‪ ,‬فإن إبليس اسم علم لكائن غيرأ أرأضي‪ ,‬بينإما الشيطان‬
‫نإعت لشخاص وأشياء كثيرأة‪ ,‬أرأضية وغيرأ أرأضية!‬
‫فإذا عرأضنإا لسم ذلك الكائن‪ ,‬وجدنإا أن هنإاك خلفا حول اسمه‪ ,‬فهنإاك من يرأى أن‬
‫"إبليس" هو اسم غيرأ يمعلل‪ ,‬وهنإاك من يرأى أن هذا السم يحمل دللت الشخصية‬
‫الصادقا عليها‪ ,‬ومن ثم فعلينإا البحث في اللسان لنإعرأفا ماذا يعنإي‪.‬‬

‫ولقد ورأدت كلمة "إبليس" في القرأآن إحدى عشرأة مرأة‪ ,‬كلها في معرأض الحديث‬
‫عن المرأ بالسجود لدم‪ ,‬إل موضعين اثنإين‪ ,‬الول في الشعرأاء عن الجحيم‪:‬‬
‫س أترجتميعوتن ]الشعرأاء ‪"[95 :‬‬ ‫"تويجينإويد إصربصلي ت‬
‫س تظلنإيه تفالتتبيعويه إصللا‬
‫والثانإي في سبأ يتحدث عن قوم سبأ‪" :‬توتلتقرد تصلدتقا تعتلريصهرم إصربصلي ي‬
‫تفصرأيقا سمتن ارليمرؤصمصنإيتن ]سبأ ‪[20 :‬‬

‫‪ 64‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.733-732.‬‬

‫‪53‬‬
‫وهي على وزن "إفعيل" مثل‪ :‬إنإجيل وإحليل وإبرأيقا‪ ,‬وهو من الوزان القليلة‬
‫الستعمال في اللسان العرأبي‪ ,‬حتى إن هنإاك من يقول أنإه اسم أعجمي غيرأ عرأبي‪,‬‬
‫ولذلك لم ينإصرأفا! إل أنإنإا نإرأى أنإه عرأبي مشتقا من "بلس"‪.‬‬

‫فإذا نإظرأنإا في "لسان العرأب" ألفينإا ابن منإظورأ يقول‪:‬‬


‫س ونملدمم‬‫ا مأي يمئل م‬ ‫س من رأحمة ي‬ ‫س الرجالت قتلطمع به ‪-‬عن ثعلَّب‪ -‬وأمسبملَّس سكت وأمسبلَّم م‬‫"أمسبلَّم م‬
‫س‬
‫ومنه سمي إبلَّيس‪ ,‬وكان اسمه عزازيل‪,‬م وفي التنزيل العزيز‪ :‬يومئذ يتسبلَّل ت‬
‫س )‪(......‬‬ ‫ا مأي تأويل م‬ ‫س من رأحمة ي‬ ‫ا مشتق منه ملنه أتسبلَّل م‬
‫المجرمون‪ .‬وإلبلَّيس لعنة ي‬
‫س‪ ,‬ولذلك قيل للَّذي يسكت عند انقطاع حجته ول يكون عنده جاواب‪:‬‬ ‫س اليائ ت‬ ‫والتمسبلَّل ت‬
‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫س‪ .‬وقال العجاج‪ :‬قال نممعسم أسعلرفه وأسبملَّسا‪ .‬أي لم يتلحسر لإليي جاوابا ا‪ ,‬ونحو ذلك قيل‬ ‫قد أمسبلَّم م‬
‫س‬‫ا أمسبلَّم م‬ ‫س من رأحمة ي‬ ‫في التمبللَّس‪ ,‬وقيل لإن إلبلَّيس سمي بهذا السم ملنه لما تأويل م‬
‫يمأسا ا‪ "65‬ا‪.‬هـ‬

‫وهناك من يرى أن "إبلَّيس" كلَّمة مأخوذة من اليونانية!! وأن أصلَّها ‪Diabolos‬‬


‫والتي تعني المقاوم أو المشتكي زورأاا‪ ,‬ونفذت إلى العرب عن طريقة أهل الكتاب!!‬
‫إل أننا نرى أن السم عربي أصيل مشتق من أصل عربي‪ ,‬وهو "بلَّس"‪ ,‬وهو اسم‬
‫أصيل لم يتطلَّق علَّى غيره‪ ,‬بخلف السم اليوناني والذي كان موجاوداا مسبقا‪ ,‬ثم‬
‫أتطلَّق علَّى هذا الكائن‪ .‬ومن ثم فيكون إبليس هو اليائس الذي ل أمل له!‬
‫–ولنإتذكرأ هذا المعنإى جيدا فسنإعرأج عليه لحقا!‪-‬‬
‫فإذا ترأكنإا الصل اللسانإي لهذه الكلمة ومدلولها‪ ,‬نإنإتقل إلى أقول علماء المسلمين‬
‫حول هذه الشخصية المتمرأدة‪.‬‬

‫إذا نإظرأنإا في ترأاثنإا السلمي بحثا عن آرأاء المسلمين حول إبليس‪ ,‬نإجد أن هنإاك‬
‫رأأيين ل ثالث لهما‪ 66‬بشأنإه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنإه لم يكن متلكا‪ ,‬وإنإما هو من الجن‪ ,‬وانإقسم أصحاب هذا الرأأي إلى‬
‫معسكرأين؛ أحدهما يرأى أنإه كان واحدا من الجن‪ ,‬والخرأ يرأى أنإه أصل الجن‪ ,‬كما‬
‫أن آدم هو أصل النإس‪.‬‬
‫الثانإي‪ :‬يرأى أنإه كان من الملئكة‪ ,‬وبرأفضه السجود لدم يطرأد من الملئكة وأصبح‬
‫شيطانإا‪.‬‬

‫والرأأي الول هو الكثرأ انإتشارأا بين المسلمين‪ ,‬علمالء وعواما‪ ,‬على الرأغم من أن‬
‫المام القرأطبي يذكرأ في تفسيرأه أن الرأأي الثانإي هو رأأي الجمهورأ‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫"لنه كان من الملئكة علَّى قول الجمهورأ‪ :‬ابن عباس وابن مسعود وابن جاريج‬
‫وابن المسيب وقتادة وغيرهم‪ ،‬وهو اختيارأ الشيخ أبي الحسن‪ ،‬ورأجاحه الطبري‪،‬‬
‫وهو ظاهر الية‪.‬‬
‫‪ 65‬جمال الديإن بن منظور‪ ,‬لسان العرب‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد ا علي الكبير وغيره‪ ,‬الجزء الول‪ ,‬ص‪.343.‬‬
‫‪ 66‬هناك رأي ثالث للجماعة الحمديإة القاديإانية –وهو رأي حديإث‪ -‬يإرى أن إبليس كان من البشر‪ ,‬وليس إبليس هو الشيطان الذي أخرج‬
‫آدما من الجنة‪ ,‬وإن كان كلهما من البشر! وسنعرض في عجالة لهذا الرأي بعد صفحات‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬وكان اسمه "عزازيل" وكان من أشراف الملئكة وكان من‬
‫الجانحة الرأبعة ثم أبلَّس بعد‪.‬‬
‫رأوى سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال‪ :‬كان إبلَّيس من الملئكة فلَّما‬
‫عصى ا غضب علَّيه فلَّعنه فصارأ شيطانا‪.‬‬
‫وحكى الماورأدي عن قتادة ‪ :‬أنه كان من أفضل صنف من الملئكة يقال لهم الجنة‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جابير‪ :‬إن الجن سبط من الملئكة خلَّقوا من نارأ وإبلَّيس منهم ‪،‬‬
‫وخلَّق سائر الملئكة من نورأ‪ "67.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فالرأأي رأاجع إلى بعض الصحابة‪ ,‬ويظهرأ تأثرأ ابن عباس فيما قاله‬
‫بالسرأائيليات‪ ,‬فالقول بأن اسمه عزازيل مأخوذ منإها ل محالة‪ .‬ولكي يتفادى‬
‫أصحاب هذا الرأأي إشكالية خلقا إبليس من النإارأ والملئكة من النإورأ‪ ,‬قالوا أن هذا‬
‫سبط مخصوص يخلقا من النإارأ‪.‬‬
‫والخلفا حول المسألة قديم‪ ,‬لذا نإعرأض ما ذكرأه المام الفخرأ الرأازي في تفسيرأه‪,‬‬
‫حول هذه المسألة‪ ,‬ونإطيل النإقل عنإه‪ ,‬لنإه عرأض أدلة كل الطرأفين عرأضا وافيا‪,‬‬
‫فقال‪:‬‬

‫"اختلفوا في أن إبليس هل كان من الملئكة؟‬


‫ض المتكلمين ‪-‬ول سيما المعتزلة‪ -‬إنإه لم يكن منإهم‪.‬‬ ‫قال بع ي‬
‫وقال كثيرأ من الفقهاء‪ :‬إنإه كان منإهم‪.‬‬
‫واحتج الولون بوجوه‪ :‬أحدها‪ :‬أنإه كان من الجن‪ ،‬فوجب أن ل يكون من الملئكة‪،‬‬
‫س تكاتن صمتن ارلصجسن‬ ‫وإنإما قلنإا إنإه كان من الجن لقوله تعالى في سورأة الكهفا‪ " :‬إصللا إصربصلي ت‬
‫] الكهفا ‪"[ 50 :‬‬
‫واعلم أن من النإاس من ظن أنإه لما ثبت أنإه كان من الجن وجب أن ل يكون من‬
‫الملئكة‪ ,‬لن الجن جنإس مخالفا للملك‪ ,‬وهذا ضعيفا؛ لن الجن مأخوذ من‬
‫الجتنإان؛ وهو السترأ‪ ,‬ولهذا سمي الجنإين جنإينإا لجتنإانإه‪ ,‬ومنإه الصجنإة لكونإها‬
‫ساترأة‪ ,‬والتجنإة لكونإها مستترأة بالغصان‪ ,‬ومنإه الجنإون لستتارأ العقل فيه‪.‬‬
‫ولما ثبت هذا والملئكة مستورأون عن العيون‪ ,‬وجب إطلقا لفظ الجن عليهم‬
‫بحسب اللغة‪ ,‬فثبت أن هذا القدرأ ل يفيد المقصود‪.‬‬
‫فنإقول‪ :‬لما ثبت أن إبليس كان من الجن وجب أن ل يكون من الملئكة‪ ,‬لقوله‬
‫تعالى‪ " :‬توتيروتم تيرحيشيرأيهرم تجصميعا يثلم تييقويل صلرلتمتلاصئتكصة أتتهيؤتلاء إصليايكرم تكاينإوا تيرعيبيدوتن تقايلوا‬
‫يسربتحاتنإتك تأنإتت توصلبيتنإا صمن يدوصنإصهم تبرل تكاينإوا تيرعيبيدوتن ارلصجلن ] سبأ ‪"[ 41 - 40 :‬‬
‫وهذه الية صرأيحة في الفرأقا بين الجن والملك‪(.........) .‬‬

‫‪ 67‬أبو عبد ا محمد القرطبي‪ ,‬الجامع لحكاما القرآن‪ ,‬تحقيق‪ :‬هشاما سمير البخاري‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.294.‬‬

‫‪55‬‬
‫وأما قوله تعالى‪" :‬توتجتعيلوا تبريتنإيه توتبريتن ارلصجلنإصة تنإتسبا" قلنإا يحتمل أن بعض الكفارأ أثبت‬
‫ذلك النإسب في الجن‪ ,‬كما أثبته في الملئكة‪ ,68‬وأيضا فقد بلينإا أن الملك يسمى جنإا‬
‫بحسب أصل اللغة‪ ,‬لكن لفظ الجن بحسب العرأفا اختص بغيرأهم‪ ,‬كما أن لفظ الدابة‬
‫وإن كان بحسب اللغة الصلية يتنإاول كل ما يدب‪ ,‬لكنإه بحسب العرأفا اختص ببعض‬
‫ما يدب فتحمل هذه الية على اللغة الصلية‪ ،‬والية التي ذكرأنإاها على العرأفا‬
‫الحادث‪.‬‬
‫وثانإيها‪ :‬أن إبليس له ذرأية والملئكة ل ذرأية لهم‪ ،‬إنإما قلنإا إن إبليس له ذرأية لقوله‬
‫تعالى في صفته‪" :‬أتتفتلتصخيذوتنإيه تويذسرأليتيه أتروصلتياء صمن يدوصنإي ]الكهفا ‪ "[50 :‬وهذا صرأيح‬
‫في إثبات الذرأية له‪ ،‬وإنإما قلنإا إن الملئكة ل ذرأية لهم لن الذرأية إنإما تحصل من‬
‫الذكرأ والنإثى‪ ,‬والملئكة ل أنإثى فيهم‪ ,‬لقوله تعالى‪" :‬توتجتعيلوا ارلتمتلاصئتكتة اللصذيتن يهرم‬
‫صعتبايد اللرأرحتمصن إصتنإاثا أتتشصهيدوا تخرلتقيهرم تسيتركتيب تشتهاتديتيهرم تويرستأيلوتن ]الزخرأفا ‪ "[19 :‬أنإكرأ‬
‫على من حكم عليهم بالنإوثة فإذا انإتفت النإوثة انإتفى التوالد ل محالة فانإتفت‬
‫الذرأية‪(........) .‬‬

‫واحتج القائلون بكونإه من الملئكة بأمرأين‪:‬‬


‫الول‪ :‬أن ال تعالى استثنإاه من الملئكة‪ ,‬والستثنإاء يفيد إخرأاج ما لوله لدخل أو‬
‫لصح دخوله‪ ،‬وذلك يوجب كونإه من الملئكة‪.‬‬
‫ل يقال‪ :‬الستثناء المنقطع مشهورأ في كلم العرب‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬موإلسذ مقامل إلسبمرالهيتم‬
‫للملبيله موقمسولمله إلنيلني بممراء دميما تمسعبتتدومن إليل اليلذي فمطممرلني ]الزخرف ‪ ,"[27-26 :‬وقال‬
‫سملما ا ]الواقعة ‪"[26-25:‬‬ ‫سملما ا م‬ ‫سممتعومن لفيمها لمسغواا مومل تمأسلثيما ا إليل لقيلا م‬ ‫تعالى‪" :‬مل يم س‬
‫ض ]النساء‬ ‫وقال تعالى‪" :‬لم تمأستكتلَّوسا أمسمموالمتكسم بمسينمتكسم لباسلمبالطلل إللي مأن تمتكومن تلمجامرأةا معن تممرا د‬
‫طئا ا ]النساء‪,"[ 92 :‬‬ ‫‪ ,"[ 29 :‬وقال تعالى‪" :‬مومما مكامن للتمسؤلمدن مأن يمسقتتمل تمسؤلمنا ا إللي مخ م‬
‫وأيضا ا‪ 69‬فلنه كان جانيا ا واحداا بين اللوف من الملئكة‪ ،‬فغلَّبوا علَّيه في قوله‪:‬‬
‫"فسجدوا"‪ ,‬ثم استتثنى هو منهم استثناء واحد منهم‪.‬‬
‫لنإا نإقول‪ :‬كل واحد من هذين الوجهين على خلفا الصل‪ ،‬فذلك إنإما يصارأ إليه عنإد‬
‫الضرأورأة‪ ،‬والدلئل التي ذكرأتموها في نإفي كونإه من الملئكة‪ ،‬ليس فيها إل‬
‫العتماد على العمومات‪ ،‬فلو جعلنإاه من الملئكة لزم تخصيص ما عولتم عليه من‬
‫العمومات‪ ،‬ولو قلنإا إنإه ليس من الملئكة‪ ،‬لزمنإا حمل الستثنإاء على الستثنإاء‬
‫المنإقطع‪ ,‬ومعلومر أن تخصيص العمومات أكثرأ في كتاب ال تعالى من حمل‬
‫الستثنإاء على الستثنإاء المنإقطع فكان قولنإا أولى‪.‬‬

‫وأيضا فالستثنإاء مشتقا من الثنإي والصرأفا‪ ,‬ومعنإى الصرأفا إنإما يتحققا حيث لول‬
‫الصرأفا لدخل‪ ,‬والشيء ل يدخل في غيرأ جنإسه فيمتنإع تحققا معنإى الستثنإاء فيه‪.‬‬
‫‪ 68‬هذا التبريإر من الماما الرازي قولل ل دليل عليه‪ ,‬فالمعروف –والمذكور في كتاب ا‪ -‬أن بعض غير المسلمين نسبوا الملئاكة إلى ا‪,‬‬
‫فقالوا أنهم بنات ا‪ ,‬بينما لم –ولن‪ -‬يإوجد أي إنسان نسب الجن إلى ا‪ ,‬وإن كان هناك من نسبهم إلى غيره من اللهة الناقصة!!‬
‫‪ 69‬هذه الكلمة مواصلة للرد على ردود غيرهم عليهم‪ ,‬فالتقديإر‪" :‬وأيإضا ل يإقال"‪ ,‬وهي معطوفة على‪" :‬ل يإقال الستثناء المنقطع ‪"...‬‬
‫المذكورة بأعلى ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫وأما قوله‪ :‬إنإه جنإري واحد بين الملئكة‪ ,‬فنإقول‪ :‬إنإما يجوز إجرأاء حكم الكثيرأ على‬
‫القليل‪ ,‬إذا كان ذلك القليل ساقط العبرأة غيرأ ملتفت إليه‪ ,‬وأما إذا كان معظم الحديث‬
‫ل يكون إل عن ذلك الواحد‪ ,‬لم يجز إجرأاء حكم غيرأه عليه‪.‬‬

‫الحجة الثانإية‪ :‬قالوا‪ :‬لو لم يكن إبليس من الملئكة لما كان قوله‪" :‬توإصرذ يقرلتنإا صلرلتم ت‬
‫لصئتكصة‬
‫ارسيجيدورا لتدتم" متنإاولل له‪ ،‬ولو لم يكن متنإاولل له‪ ,‬لستحال أن يكون ترأكه للسجود‬
‫إباء واستكبارأا ومعصية‪ ,‬ولما استحقا الذم والعقاب‪ ،‬وحيث حصلت هذه المورأ‬
‫علمنإا أن ذلك الخطاب يتنإاوله‪ ,‬ول يتنإاوله ذلك الخطاب إل إذا كان من الملئكة‪.‬‬
‫ل يقال‪ :‬إنإه وإن لم يكن من الملئكة‪ ,‬إل أنإه نإشأ معهم وطالت مخالطته بهم‬
‫والتصقا بهم‪ ،‬فل جرأم يتنإاوله ذلك الخطاب‪ ,‬وأيضا فلم ل يجوز أن يقال‪ :‬إنإه وإن‬
‫لم يدخل في هذا المرأ‪ ،‬ولكن ال تعالى أمرأه بالسجود بلفظ آخرأ ما‪ ,‬حكاه في‬
‫القرأآن‪ ,‬بدليل قوله‪" :‬تما تمتنإتعتك أتلل ترسيجتد إصرذ أتتمررأيتتك"‪ ,‬لنإا نإقول‪:‬‬
‫أما الول فجوابه‪ ,‬أن الخطابة ل توجب ما ذكرأتموه‪ ،‬ولهذا قلنإا في أصول الفقه‪ :‬إن‬
‫خطاب الذكورأ ل يتنإاول اصلنإاث وبالعكس‪ ,‬مع شدة المخالطة بين الصنإفين‪ ،‬وأيضا‬
‫فشدة المخالطة بين الملئكة وبين إبليس للما لم تمنإع اقتصارأ اللعن على إبليس‪,‬‬
‫فكيفا تمنإع اقتصارأ ذلك التكليفا على الملئكة؟!‬
‫وأما الثانإي فجوابه‪ ,‬أن ترأتيب الحكم على الوصفا مشعرأ بالعلية‪ ,‬فللما ذكرأ قوله‬
‫لصئتكصة ارسيجيدورا لتدتم"‪ ,‬أشعرأ هذا التعقيب بأن‬ ‫"أبى واستكبرأ" عقيب قوله‪" :‬توإصرذ يقرلتنإا صلرلتم ت‬
‫هذا الباء إنإما حصل بسبب مخالفة هذا المرأ ل بسبب مخالفة أمرأ آخرأ‪ ,‬فهذا ما‬
‫عنإدي في الجانإبين وال أعلم بحقائقا المورأ‪ "70.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا‪ ,‬فالمام الفخرأ الرأازي فبعد أن عرأض المام الفخرأ الرأازي الرأأيين‬
‫ضعفا قول من قال أن إبليس كان من الملئكة‪ .‬إل أن الظاهرأ أنإه لم‬ ‫وأدلتهما‪ ,‬ل‬
‫يجزم ببطلن القول لنإه قال في آخرأ تعليقه‪" :‬فهذا ما عنإدي في الجانإبين وال أعلم‬
‫بحقائقا المورأ"‪ ,‬وفي هذا إشارأة إلى قوة أدلة الرأأي القائل بكونإه من الملئكة!‬

‫والنإقطة الرأئيسة التي نإخرأج منإها من تعليقا المام الرأازي أنإه ضلعفا قول من رأفض‬
‫أن يقول من الملئكة استنإادا إلى أنإه كان من الجن‪- ,‬وإن كان يوافقهم الرأأي‪-‬‬
‫وقال في آخرأ تعليقه على ذلك‪:‬‬
‫"وجب إطلقا لفظ الجن عليهم بحسب اللغة‪ ,‬فثبت أن هذا القدرأ ل يفيد المقصود‪".‬‬

‫واستنإادا إلى نإفس المنإطقا ضلعفا المام الطبرأي قول الرأافضين لكونإه من الملئكة‪,‬‬
‫ورأفض قولهم كلية‪ ,‬وقال أنإه كان من الملئكة ثم أصبح شيطانإا‪ ,‬فقال‪:‬‬

‫‪ 70‬الفخر الرازي‪ ,‬مفاتيح الغيب‪ ,‬المجلد الثاني‪ ,‬ص‪.197-195.‬‬

‫‪57‬‬
‫"قال أبو جعفرأ‪ :‬وهذه علل تنإبئ عن ضعفا معرأفة أهلها‪ .‬وذلك أنإه غييرأ مستنإكرأ أن‬
‫يكون ال جل ثنإاؤه تخلقا أصنإاتفا ملئكته من أصنإادفا من خلقه تشلتى‪ .‬فخلقا بعلضا‬
‫من ينإورأ‪ ،‬وبعلضا من نإارأ‪ ،‬وبعلضا مما شاء من غيرأ ذلك‪.‬‬
‫وليس في ترأك ال جل ثنإاؤه الخبرأ تعما تخلقا منإه ملئكته‪ ،‬وإخباصرأه عما خلقا منإه‬
‫إبليس‪ ,‬ما يوجب أن يكون إبليس خارألجا عن معنإاهم‪.‬‬
‫إرذ كان جائلزا أن يكون خلقا صصنإلفا من ملئكته من نإارأ كان منإهم إبليس‪ ،‬وأن يكون‬
‫أفرأد إبليس بأرن تخلقه من نإارأ السموم دون سائرأ ملئكته‪.‬‬
‫وكذلك غييرأ مخرأجه أن يكون كان من الملئكة بأرن كان له نإسل وذرأية‪ ،‬صلتما رألكب فيه‬
‫من الشهوة واللذة التي ينإزعت من سائرأ الملئكة‪ ،‬صلتما أرأاد ال به من المعصية‪.‬‬
‫وأما خبيرأ ال عن أنإه "من الجن"‪ ،‬فغيرأ مدفوع أن يسمى ما اجتلن من الشياء عن‬
‫س والملئكية‬ ‫البصارأ كلها جننإا ‪ -‬كما قد ذكرأنإا قبل في شعرأ العشى‪ -‬فيكون إبلي ي‬
‫منإهم‪ ،‬لجتنإانإهم عن أبصارأ بنإي آدم‪ "71.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فان المام الطبرأي لم يرأ أي حجة لمن يرأفض أن يكون إبليس من‬
‫الملئكة‪ ,‬إل أن أنإه –رأحمه ال‪ -‬لم يجد يبدا لجعله من الملئكة إل أن يجعله حالة‬
‫استثنإائية‪ ,‬فهو أول مخلوقا من مادة غيرأ مادة الملئكة‪ ,‬كما أن ال قد غرأس فيه‬
‫الشهوة‪ ,‬التي ينإزعت من الملئكة‪ ,‬لما أرأاد به من المعصية!‬
‫وهذا يعنإي أن ال قد خلقا صنإفا مخصصا من الملئكة –منإهم إبليس‪ -‬قاب ل‬
‫ل‬
‫للمعصية‪ ,‬بخلفا باقي الملئكة!!‬

‫الجــن‬

‫بعد أن عرأضنإا للملئكة والشياطين‪ ,‬نإنإتقل إلى الضلع الثالث لهذا المثلث وهو‬
‫الجن‪ ,‬لنإنإظرأ كيفا استعمل القرأآن هذه الكلمة‪ ,‬فهل استعملها كجنإس مخالفا‬
‫للجنإاس السابقة "الملئكة‪ ,‬الشياطين‪ ,‬البشرأ" أم كنإعت يصدقا على أي منإهم؟!‬

‫أول ما نإبدأ به حديثنإا هو التذكيرأ بأن القرأآن استعمل بالضافة إلى كلمة "الجن"‬
‫كلمتي "الصجنإة" و "الجان"‪ ,‬إل أنإنإا لم نإعرأهما القدرأ الكافي من الرأعاية والهتمام‪ ,‬فل‬
‫نإكاد نإستعملهما‪ ,72‬كما أنإه ل توجد حدود فاصلة بين تلك الصنإافا الثلثة في ذهن‬
‫السامع‪ ,‬فما هو مدلول كل واحدة من تلك الكلمات‪ ,‬وما الفرأقا بينإها؟‬

‫‪ 71‬ابن جريإر الطبري‪ ,‬جامع البيان في تأويإل القرآن‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.508.‬‬
‫س‬ ‫ت‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫ب‬
‫ت الحجنة إحنهصبم لصمبح س‬
‫ضصروسن‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ص‬
‫‪ 72‬وخاصة "الحجنة" فل صتستعمل البتة إل عند الحديإث عن آيإة الصافات‪ :‬سوسجسعلوا بسبينهص سوبسبيسن الحجنحة نسسبا سولقد سعلحسم ح‬
‫س‬ ‫س‬ ‫س‬
‫]الصافات ‪ ,[158 :‬وما عدا ذلك فالحديإث عن الجن‪ ,‬وأحيانا الجان –إذا أراد المتحدث تفخيم حديإثه!‬

‫‪58‬‬
‫نإبدأ بأول الكلمات وأكثرأها استعمالل وذكرأا في القرأآن‪" :‬الجن"‪.‬‬
‫إذا نإظرأنإا في القرأآن وجدنإا أن "الجن" يذكرأت تسع عشرأة مرأة‪ ,‬وهنإاك سورأة تحمل‬
‫هذا السم في الجزء التاسع والعشرأين من الكتاب العزيز‪.‬‬
‫وفي عصرأنإا هذا أصبحت الكلمة ل تحمل –في ذهن القارأئ أو السامع‪ -‬إل مدلولل‬
‫واحدا‪ ,‬فإذا يذكرأت "الجن" يفهم أن المرأاد من ذلك مخلوقات غيرأ بشرأية‪ ,‬مخلوقة من‬
‫النإارأ‪ ,‬ل نإرأاهم ويرأونإنإا‪ ,‬يمكلفة مثيلنإا فيهم المسلم والكافرأ‪ ,‬لهم قدرأات خارأقة‪.‬‬
‫باختصارأ هم "العفارأيت" في يعرأفنإا العام‪.‬‬

‫ونإقدم للقارأئ تعرأيفا المام ابن حزم للجن –والذي يعد من أشمل التعرأيفات المقدمة‬
‫لهم في كتب الترأاث‪ ,-‬والذي يقول فيه‪:‬‬
‫"وهم أجاسام رأقاقا صافية هوائية ل ألوان لها‪ ,‬وعنصرهم النارأ كما أن عنصرنا‬
‫التراب‪ ,‬وبذلك جااء القرآن‪ ,‬قال ا عز وجال‪ ) :‬والجان خلَّقناه من قبل من نارأ‬
‫السموم ( والنارأ والهواء عنصران ل ألوان لهما‪ ,‬وإنما حدث اللَّون في النارأ‬
‫المشتعلَّة لمتزاجاها برطوبات ما تشتعل فيه من الحطب والكتان والدهان وغير‬
‫ذلك‪ ,‬ولو كانت لهم ألوان لرأيناهم بحاسة البصر ولو لم يكونوا أجاساما صافية رأقاقا‬
‫هوائية لدرأكناهم بحاسة اللَّمس‪ ,‬وصح النص بأنهم يوسوسون في صدورأ الناس‬
‫وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم‪ "73‬ا‪.‬هـ‬
‫والمام ابن حزم يرأفض أن يرأى أحرد من النإاس الجن‪ ,‬إل أن يكون من النإبياء‪,‬‬
‫ومن ثم فإنإه يرأفض كل الدعاءات أن فلنإا رأأى الجن‪ ,‬ويحكم عليها بالهوس‬
‫والخرأافة‪ ,‬فيقول في سطورأ قبل هذا التعرأيفا‪:‬‬
‫"وإذا أخبرنا ا عز وجال أننا ل نراهم فمن ادعى أنه يراهم أو رأآهم فهو كاذب‪ ,‬إل‬
‫أن يكون من النبياء علَّيهم السلم فذلك معجزة لهم‪ ,‬كما نص رأسول ا ‪ ‬أنه تفلَّت‬
‫علَّيه الشيطان ليقطع علَّيه صلته‪ ,‬قال فأخذته فذكرت دعوة أخي سلَّيمان ولول ذلك‬
‫لصبح موثقا يراه أهل المدينة‪ ,‬أو كما قال علَّيه السلم‪.‬‬
‫وكذلك في رأواية عن أبي هريرة الذي رأأى‪ ,‬إنما هي معجزة لرسول ا ‪ ‬ول سبيل‬
‫إلى وجاود خبر يصح برؤية جان بعد موت رأسول ا ‪ ‬وإنما هي منقطعات أو عمن‬
‫ل خير فيه" ا‪.‬هـ‬

‫والملحظ أن المام ابن حزم ل يفرأقا بين الجن والشياطين‪ ,‬ويضعهم في سلة‬
‫واحدة‪ ,‬وقبل أن نإنإظرأ في القرأآن لنإحكم على هذا التصورأ‪ ,‬هل هو مطابقا تماما لما‬
‫ورأد فيه‪ ,‬أم موافقا في جزء مخالفا في آخرأ‪ ,‬أم مخالفا كليلة‪ ,‬نإنإظرأ في معجم‬
‫"لسان العرأب" لنإبصرأ أهم المواطن التي اسيتعملت فيها "جن"‪ ,‬مطيلين في النإقل‪,‬‬
‫مبتعدين عن المكرأرأ والبيات الشعرأية الغيرأ مألوفة‪.‬‬
‫‪ 73‬أبو محمد علي بن حزما الظاهري‪ ,‬الفصل في الملل والهواء والنحل‪ ,‬الجزء الخامس‪ ,‬ص‪.9.‬‬

‫‪59‬‬
‫قال ابن منإظورأ في اللسان‪:‬‬
‫")جنإن( تجلن الشيتء تييجبنإه تجلنإا تستترأه‪ ,‬وكبل شيء يسترأ عنإك فقد يجلن عنإك وتجلنإه اللييل‬
‫تييجبنإه تجلنإا ويجنإونإا وتجلن عليه تييجبن بالضم يجنإونإا وأتتجلنإه تستترأه )‪ (.....‬وبه سيمي الصجبن‬
‫لرسصتتاصرأهم وارخصتفائهم عن البصارأ‪ ,‬ومنإه سمي التجنإيين لرسصتتاصرأه في بطصن أيسمه‪,‬‬
‫وصجبن الليل ويجنإوينإه وتجنإاينإه شلدية يظرلمصته واردصلرهمايمه وقيل اختليط ظلصمه تلن ذلك كلله‬
‫ساتررأ )‪(.......‬‬
‫وفي الحديث‪ :‬الصويم يجلنإرة‪ ,‬تأي تيقي صاحتبه ما يؤصذيه من الشهوات‪ ,‬واليجلنإية الصوقايةي‬
‫وفي الحديث المايم يجلنإرة تلنإه تيصقي المرأموتم اللزتلتل واللسرهتو‪(..........) .‬‬

‫وفي التنإزيل العزيز‪" :‬ولقد تعصلتمت الصجلنإية إنإهم تليمرحتضيرأون" قالوا‪ :‬الصجلنإية هاهنإا‬
‫الملئكية عنإد قوم من العرأب وقال الفرأاء في قوله تعالى‪" :‬وجعلوا بيتنإه وبين الصجلنإصة‬
‫تنإتسبا"‬
‫قال‪ :‬يقال الصجلنإية هاهنإا الملئكة‪ ,‬يقول جعلوا بين ال وبين تخرلصقه تنإتسبا فقالوا الملئكية‬
‫بنإايت ال ولقد تعصلتمت الصجلنإية تأن الذين قالوا هذا القوتل يمرحتضرأون في النإارأ )‪(......‬‬
‫قوله وتيتحصك يا صجسنإلي هل تبدا لصك تأن تررأصجصعي تعرقلي فقد أتتنإى لصك؟ إنإما تأرأاد اتمررأتأة كالصجسنإلية‬
‫إلما في جمالها وإما في تتلبوصنإها وابصتدالها ول تكون الصجسنإلية هنإا منإسوبلة إلى الصجسن الذي‬
‫هو خلفا النإس حقيقة تلن هذا الشاعرأ المتغسزتل بها إرنإسيي‪ ,‬والنإسبي ل تيتعلشيقا‬
‫جسنإلية‪.‬‬
‫وقول بدرأ بن عامرأ‪ :‬ولقد نإتطرقيت تقواصفيا إرنإصس نية *** ولقد تنإطرقيت تقواصفتي اللترجنإيصن‬
‫س وتأرأاد باللترجنإيصن ما تقويله الصجبن‪ ,‬وقال السكرأي‪:‬‬ ‫تأرأاد بالرنإصسلية التي تقولها الرنإ ي‬
‫تأرأاد الغرأيتب التورحصشلي )‪(.......‬‬
‫وفي حديث الحسن‪ :‬لو تأصاب ابين آدتم في كسل شيء يجلن تأي أيرعصجتب بنإفصسه حتى‬
‫يصيرأ كالتمرجنإون من شلدصة إصرعجاصبه‪.‬‬
‫وقال القتيبي وأترحصسيب قوتل اللشرنإتفرأى من هذا فلو يجلن إرنإسارن من اليحرسصن يجلنإصت‪.‬‬
‫وفي الحديث‪ :‬اللهم إنإي تأعوذ بك من يجنإوصن التعتمصل تأي من الرعجاصب به ويؤسكد هذا‬
‫حدييثه الخرأ‪ :‬تأنإه رأتأى قوما مجتمعين على إنإسان فقال ما هذا؟ فقالوا‪ :‬تمرجنإورن‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذا يمصارب‪ ,‬إنإما التمرجنإوين الذي تيرضصرأيب صبتمرنإصكتبيه وينإظيرأ في تعرطتفريه ويتتملطى في‬
‫صمرشتيصته‪.‬‬
‫وكان تأهيل الجاهللية يسلمون الملئكية عليهم السلم صجلنإا لرسصتتاصرأهم عن العيون‪ ,‬قال‬
‫اتلعشى يذكرأ سليمان عليه السلم‪:‬‬
‫وتسلخترأ من صجسن الملصئصك صتسعلة صقياما تلتدريصه تيرعتملوتن بل أترجصرأ )‪(......‬‬
‫وصجبن اللشباصب أتلويله وقيل صجلديته ونإشايطه ويقال كان ذلك في صجسن صصباه تأي في تحتداتثصته‬
‫وكذلك صجبن كسل شيء أتلويل صشلداته وجبن المترأصح كذلك )‪(......‬‬
‫ويقال يخذ اتلمترأ بصجسنإه والتصقا النإاقتة فصإنإها بصجسن صضرأاصسها تأي بصحردثاصن نإتاصجها وصجبن اللنإربصت‬
‫تزرهيرأه وتنإرويرأه )‪ (......‬وقيل‪ :‬يجلن اللنإربيت يجنإونإا غيلظ واركتتهل‪ ,‬وقال تأبو حنإيفة‪ :‬نإخلة‬

‫‪60‬‬
‫تمرجنإونإة إذا طالت‪ ,‬وتأنإشد‪ :‬يا ترأسب أتررأصسرل خاصرأتفا التمساصكيرن تعجاجلة ساصطتعتة التعثاصنإيرن‬
‫ض ما في البسيحصقا التمجاصنإيرن‪ "74‬ا‪.‬هـ‬ ‫ترنإيف ي‬

‫وكما رأأينإا فإن كل المعانإي التي ذكرأها ابن منإظورأ في اللسان تدورأ في فلكين اثنإين‬
‫هما السترأ والختفاء‪ ,‬وذلك إذا كانإت "تجن" بفتح الفاء‪ ,‬فإن كانإت بكسرأها "صجن"‬
‫فإنإها تدل على الشدة والقوة‪ .‬واستدلله ببيت العشى ليس في موضعه وسنإعرأض‬
‫له لحقا‪ ,‬لنإبين كيفا أخطأ في الستدلل به!‬
‫كما أن المعانإي ل تنإحصرأ فقط في ذلك الكائن المسمى "جنإا" وإنإما هي أوسع من‬
‫ذلك بكثيرأ‪ ,‬والنإقطة الرأئيسة هي أن هنإاك جرن من كل شيء! فهنإاك جن النإبات‬
‫وجن الشباب وجن الليل‪ ....‬الخ‬
‫وهذا الجرن ليس خارأجا عن جنإس الشيء وإنإما هو القوي الزائد فيه‪.‬‬

‫وهنإا يحقا لنإا أن نإتساءل‪ :‬هل هنإاك جن في البشرأ؟‬


‫بعبارأة أخرأى‪ :‬هل من الممكن إطلقا "جن" على بعض البشرأ الذين يتميزون بالقوة‬
‫والخفة والسيطرأة؟!‬
‫تبعا للمنإطقا اللسانإي ل يوجد ما يمنإع أن ييطلقا "جن" على طائفة معينإة من البشرأ‪,‬‬
‫يتميزون بالقوة والمكانإة الكبيرأة‪ .‬وقد يرأى بعض القارأئين أنإه ليست العبرأة‬
‫بالمنإطقا وإنإما بالستعمال‪ ,‬فهل استعمل العرأب "جن" كدال على المتفرأدين من‬
‫البشرأ في القوة والمكانإة‪ ,‬وهل استعملها القرأآن كذلك؟!‬

‫وتأتي الجابة بنإعم‪ ,‬فلقد استعملها العرأبي مع البشرأ –وليتذكرأ القارأئ أنإها‬
‫استعملها مع بعض الحيوانإات كذلك‪ -‬عنإدما كان يرأيد الشارأة إلى برأوز سمة ما‬
‫من سماته‪ ,‬ورأأينإا ذلك فيما ذكرأه ابن منإظورأ قبل سطورأ‪.‬‬
‫ومن ذلك قول ابن مقبل –من شعرأاء الجاهلية والذين أدرأكوا السلم‪:-‬‬
‫إذا قيتل‪ :‬تمرن تدرهتمايء ؟ تخلبررأيت أنإها ‪ :‬من الجسن لم تيرقتدرح لها اللزرنإتد تماديح‬
‫وقول زهيرأ بن أبي سلمى –حكيم شعرأاء الجاهلية‪ -‬في مدح فرأسان قبيلته‪:‬‬
‫بخيدل‪ ،‬عليها صجلنإرة عبقرأليرة ‪ .:‬جديرأون يوما‪ ،‬أن ينإالوا‪ ،‬ويستعلوا‬

‫ولم يقتصرأ هذا الستعمال على العرأب‪ ,‬فلقد ظهرأ أيضا في اللغات الورأوبية فنإجد‬
‫أنإهم يسمون العبقرأي خارأقا الذكاء ‪- Genius‬كما في النإجليزية‪– Genie ,-‬‬
‫كما في اللمانإية‪ .-‬ولقد ينإسبت قبائل كاملة من قبائل العرأب إلى الجن‪ ,‬لما تميزت‬
‫به من القوة والخفة‪ ,‬من ذلك بنإو عزوان‪ ,‬وكانإوا مشهورأين برأكوب الخيل والقتال‪,‬‬
‫وبنإو يرأبوع بن حنإظلة‪ ,‬وهم من تميم‪ ,‬وكانإوا من القوة بمكان حتى أنإهم كانإوا‬
‫يغزون بلد الحيرأة! وبنإو مالك وبنإو شيصبان –وكانإا متجاورأين‪.-‬‬

‫‪ 74‬جمال الديإن بن منظور‪ ,‬لسان العرب‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد ا علي الكبير وغيره‪ ,‬الجزء الول‪ ,‬ص‪.705.‬‬

‫‪61‬‬
‫ولقد يذكرأت بنإو مالك في رأواية في مسنإد أحمد‪ ,‬تقول‪:‬‬
‫" سمعت رأبيعة بن عباد الديلَّي‪ ،‬قال إني لمع أبي رأجال شاب أنظر إلى رأسول ا‬
‫صلَّى ا علَّيه وسلَّم يتبع القبائل ‪-‬وورأاءه رأجال أحول وضيء ذو جامة‪ -‬يقف رأسول‬
‫ا صلَّى ا علَّيه وسلَّم علَّى القبيلَّة ويقول‪ :‬يا بني فلن إني رأسول ا إليكم آمركم‬
‫أن تعبدوا ا ول تشركوا به شيئا وأن تصدقوني حتى أنفذ عن ا ما بعثني به‪ .‬فإذا‬
‫فرغ رأسول ا صلَّى ا علَّيه وسلَّم من مقالته قال الخر من خلَّفه‪ :‬يا بني فلن إن‬
‫هذا يريد منكم أن تسلَّخوا اللت والعزى وحلَّفاءكم من الحي بني مالك بن أقيش إلى‬
‫ما جااء به من البدعة والضللة فل تسمعوا له ول تتبعوه‪ .‬فقلَّت لبي‪ :‬من هذا؟‬
‫قال‪ :‬عمه أبو لهب‪ "75.‬ا‪.‬هـ‬

‫والعربي المعاصر يستغرب أن تتطلَّق كلَّمة "جان" علَّى البشر‪ ,‬علَّى الرغم من أنه‬
‫يستعملَّها‪ ,‬فيقول‪ :‬فلن جان‪ ,‬إذا كان يفعل الشياء العجيبة بمهارأة‪ ,‬ومن الكلَّمات‬
‫المستعملَّة في السودان الشقيق كلَّمة "جانجاويد‪ :‬جان جااويد" والتي اشتهرت‬
‫بسبب أزمة دارأفورأ‪ -‬والتي تعني‪ :‬رأجال يقاتل أو ينهب رأاكباا جاوادا!‬
‫فنجد أن الكلَّمة استعملَّت مع إنسان متمرد يتحرك بسرعة وبخفة! وهذا الستعمال‬
‫مطابق للستعمال العربي القديم‪.‬‬

‫فإذا تركنا هذه الرحلَّة اللَّسانية ونظرنا في واقعنا السلمي وجادنا أن "الجن"‬
‫أصبحت تتستعمل استعماال واحدا‪ ,‬وهو ذلك المخلَّوقا النارأي الشهير‪ ,‬علَّى الرغم‬
‫من القرآن لم يتحدث في آية واحدة عن المادة التي تخلَّق منها! فلَّم يقل مث ا‬
‫ل‪:‬‬
‫خلَّق الجن من نارأ‪ ,‬أو حتى‪ :‬من عجل أو من ضعف!‬
‫فكيف تصورأه علَّماء السلم وكيف عرفوه؟!‬

‫أقوال الفلسفة في الجن‬


‫إذا نظرنا في أقوال الفلسفة في الجن‪ ,‬فسنجد فيها اختلفا ا كبيرا‪ ,‬بين الثبات‬
‫والنفي‪ ,‬والمثبتون أنفسهم اختلَّفوا بشأنها اختلفاا تاما‪ ,‬فمن قائل أنها أجاسام ومن‬
‫قائل أنها جاواهر قائمة بنفسها ‪ .....‬الخ‬
‫ول يجمع هذه القوال رأابط ول جاامع‪ ,‬ول يمكن البرهنة علَّى صواب أي منها‪ ,‬لنها‬
‫كلَّها تخيلت وتصورأات ليس لها ما يمكن فحصه في الواقع‪.‬‬

‫ولقد عرض المام الفخر الرازي هذه القوال باستفاضة عند تناوله للية الولى في‬
‫سورأة الجن‪ ,‬وحتى ل نطيل سنكتفي بذكر أهم ما قال‪:‬‬
‫"}يقرل يأوصحتي إصتللي أتلنإيه استمع تنإتفررأ لمن الجن{ وفيه مسائل‪:‬‬
‫‪ 75‬أحمد بن حنبل‪ ,‬المسند‪ ,‬المجلد الثالث‪ ,‬ص‪.492 .‬‬

‫‪62‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬اختلفا النإاس قديما وحديثا في ثبوت الجن ونإفيه‪ ،‬فالنإقل الظاهرأ‬
‫عن أكثرأ الفلسفة إنإكارأه‪ (........) ،‬واختلفا المثبتون على قولين‪:‬‬
‫فمنإهم من زعم أنإها ليست أجساما ول حالة في الجسام بل هي جواهرأ قائمة‬
‫بأنإفسها‪ ،‬قالوا‪ :‬ول يلزم من هذا أن يقال‪ :‬إنإها تكون مساوية لذات ال لن كونإها‬
‫ليست أجساما ول جسمانإية سلوب والمشارأكة في السلوب ل تقتضي المساواة في‬
‫الماهية‪ ،‬قالوا‪ :‬ثم إن هذه الذوات بعد اشترأاكها في هذا السلب أنإواع مختلفة‬
‫بالماهية كاختلفا ماهيات العرأاض بعد استوائها في الحاجة إلى المحل‪ ,‬فبعضها‬
‫خليرأة‪ ،‬وبعضها شرأيرأة‪ ،‬وبعضها كرأيمة محبة للخيرأات‪ ،‬وبعضها دنإيئة خسيسة‬
‫محبة للشرأورأ والفات‪ ،‬ول يعرأفا عدد أنإواعهم وأصنإافهم إل ال‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬وكونإها موجودات مجرأدة ل يمنإع من كونإها عالمة بالخبرأيات قادرأة على‬
‫الفعال‪ ،‬فهذه الرأواح يمكنإها أن تسمع وتبصرأ وتعلم الحوال الخبرأية وتفعل الفعال‬
‫المخصوصة‪ ،‬ولما ذكرأنإا أن ماهياتها مختلفة ل جرأم لم يبعد أن يكون في أنإواعها‬
‫ما يقدرأ على أفعال شاقة عظيمة تعجز عنإها قدرأ البشرأ‪(........) ،‬‬
‫ومن النإاس من ذكرأ في الجن طرأيقة أخرأى فقال‪ :‬هذه الرأواح البشرأية والنإفوس‬
‫النإاطقة إذا فارأقت أبدانإها وازدادت قوة وكمالل بسبب ما في ذلك العالم الرأوحانإي من‬
‫انإكشافا السرأارأ الرأوحانإية‪ ,‬فإذا اتفقا أن حدث بدن آخرأ مشابه لما كان لتلك النإفس‬
‫المفارأقة من البدن‪ ،‬فسبب تلك المشاكلة يحصل لتلك النإفس المفارأقة تعلقا ما لهذا‬
‫البدن‪ ،‬وتصيرأ تلك النإفس المفارأقة كالمعاونإة لنإفس ذلك البدن في أفعالها وتدبيرأها‬
‫لذلك البدن‪ ،‬فإن الجنإسية علة الضم ‪ ،‬فإن اتفقت هذه الحالة في النإفوس الخيرأة‬
‫سمي ذلك المعين ملكا وتلك العانإة إلهاما‪ ،‬وإن اتفقت في النإفوس الشرأيرأة سمي‬
‫ذلك المعين شيطانإا وتلك العانإة وسوسة‪.76‬‬

‫والقول الثانإي في الجن‪ :‬أنإهم أجسام‪ .‬ثم القائلون بهذا المذهب اختلفوا على قولين‪:‬‬
‫منإهم من زعم أن الجسام مختلفة في ماهياتها‪ ،‬إنإما المشترأك بينإها صفة واحدة‪،‬‬
‫وهي كونإها بأسرأها حاصلة في الحيز والمكان والجهة وكونإها موصوفة بالطول‬
‫والعرأض والعمقا‪ ،‬وهذه كلها إشارأة إلى الصفات‪ ،‬والشترأاك في الصفات ل يقتضي‬
‫الشترأاك في تمام الماهية لما ثبت أن الشياء المختلفة في تمام الماهية ل يمتنإع‬
‫اشترأاكها في لزم واحد‪ "77..... .‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فهم في حيرأة ما بعدها حيرأة‪ ,‬وأتوا بأقوال ل تتفقا بحال مع الوحي‬
‫الرأبانإي‪ ,‬ول مستنإد لهم فيما يقولون إل خيالتهم‪ ,‬أما فلسفة المسلمين فحاولوا‬
‫التوفيقا بين النإص القرأآنإي والعقل! فقالوا أن الجن حيوان هوائي‪.‬‬
‫وقولهم أن الجن حيوان يقصدون به أنإه ليس نإباتا ول جمادا فهو كائن حي‪.‬‬
‫‪ 76‬هذا القول ل صيإقبل بحال ول يإمكن أن يإكون متفقا مع ما جاء في الوحي القرآني!‬
‫‪ 77‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬تفسير‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ,‬المجلد الثلثون‪ ,‬ص‪.132-131.‬‬

‫‪63‬‬
‫وقولهم أنإه هوائي ل يقصدون به أن أصله ليس نإارأيا‪ ,‬وإنإما يقصدون أنإه في هيئته‬
‫الحالية مثل الهواء‪ ,‬كما أنإنإا مخلوقون من الطين‪ ,‬ونإحن الن من لحم ودم وعظم‬
‫‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫إل أن تصورأ الفلسفة يختلفا بدرأجة ما عن تصورأ العوام للجن! فلقد قدموا له‬
‫تصورأا يقنإع عقولهم‪ ,‬ومن ذلك تعرأيفا الفارأابي‪ ,‬والذي يقول فيه‪:‬‬
‫"وفي رأسالة للمعلم الثانإي أبي نإصرأ محمد الفارأابي في جواب مسائل سئل عنإها ما‬
‫مثاله‪:‬‬
‫سئل فيما رأآه بعض العوام في معنى الجن وسأله عن ماهيته )فقال(‪:‬‬ ‫) ت‬
‫الجن حي غير ناطق غير مائت وذلك علَّى ما توجابه القسمة التي يتبين منها حد‬
‫النسان المعروف عند الناس‪ ,‬أعني الحي الناطق المائت‪ ,‬وذلك أن الحي منه ناطق‬
‫مائت وهو البهائم‪ ,‬ومنه غير ناطق غير مائت وهو الجن‪.‬‬
‫ستممممع نمفمعر دممن اسللجدن فممقاتلوا‬
‫فقال السائل‪ :‬الذي في القرآن مناقض لهذا وهو قوله‪ ) :‬ا س‬
‫سلمسعمنا قتسرآنا ا معمجبا ا ( والذي هو غير ناطق كيف يستمع وكيف يقول؟‬
‫إلينا م‬

‫فقال‪ :‬ليس ذلك بمناقض وذلك أن السمع والقول يمكن أن يوجاد للَّحي من حيث هو‬
‫حي‪ ,‬لن القول والتلَّفظ غير التمييز الذي هو النطق‪ ,‬وترى كثيرا من البهائم ل قول‬
‫لها وهي حية‪ ,‬وصوت النسان مع هذه المقاطع هو له طبيعي من حيث هو حي‬
‫بهذا النوع‪ ,‬كما أن صوت كل نوع من أنواع الحي ل يشبه صوت غيره من النواع‬
‫كذلك هذا الصوت بهذه المقاطع التي للنسان مخالف لصوات غيره من أنواع‬
‫ب فممأنلظسرلني‬
‫الحيوان‪ .‬وأما قولنا‪ :‬غير مائت فالقرآن يدل بذلك في قوله تعالى‪) :‬مرأ د‬
‫إلملى يمسولم يتسبمعتثومن مقامل فمإ لنيمك لممن اسلتمنظملريمن(‪ "78‬ا‪.‬هـ‬
‫وهذا التعرأيفا والتصورأ غرأيب إلى حد كبيرأ على العقلية السلمية‪ ,‬وذلك لنإها‬
‫ترأى أن إبليس فقط هو الذي ل يموت وأما الباقي فيموتون! كما أنإها تتصورأ الجن‬
‫بشكل قرأيب جد من البشرأ!‬

‫ولقد جمع المام القزوينإي القوال حول الجن‪ ,‬فقال‪:‬‬


‫"زعموا أن الجن حيوان نارأي مشف الجرم من شأنه أن يتشكل بأشكال مختلَّفة‪,‬‬
‫واختلَّف الناس في وجاود الجن‪ ,‬فمنهم من ذهب إلى أرن الجن والشياطين مردة‬
‫النس‪ ,‬وهم قوم من المعتزلة‪ ,‬ومنهم من ذهب إلى أرن ا تعالى خلَّق الملئكة من‬
‫نورأ النارأ وخلَّق الجن من لهبها والشياطين من دخانها‪ ,‬وأن هذه النواع ل يراها‬
‫الناظر وأرنها تتشكل بما شاءت من الشكال‪ ,‬فإذا تكاثفت صورأتها يراها الناظر‪"79.‬‬
‫ا‪.‬هـ‬
‫ولقد قال بعض علَّماء المسلَّمين أنهم غير قادرأين علَّى التشكل بأشكال مختلَّفة –لما‬
‫في ذلك من إشكاليات عديدة ‪ ,-‬وإنما ا هو من يفعل لهم هذا!‬
‫‪ 78‬جمال الديإن القاسمي‪ ,‬مذاهب العراب وفلسفة السلما في الجن‪ ,‬ص‪.44-43.‬‬
‫‪ 79‬زكريإا القزويإني‪,‬عجائاب المخلوقات والحيوانات وغرائاب الموجودات‪ ,‬ص‪.292.‬‬

‫‪64‬‬
‫ولقد ذكر الشيخ وحيد بالي هذا الرأي ورأجاحه فقال‪:‬‬
‫"قال القاضي أبو يعلَّى محمد بن الحسين بن الفراء‪:‬‬
‫"ول قدرأة للَّشياطين علَّى تغيير خلَّقهم والنتقال في الصورأ‪ ,‬وإنما يجوز أن يعلَّمهم‬
‫ا تعالى كلَّمات وضروباا من الفعال إذا فعلَّه وتكلَّم به نقلَّه ا تعالى من صورأة إلى‬
‫صورأة‪ ,‬فيقال‪ :‬إنه قادرأ علَّى التصوير والتخييل علَّى معنى أنه قادرأ علَّى قودل إذا‬
‫قاله وفعلَّه نقلَّه ا تعالى عن صورأته إلى صورأة أخرى بجري العادة‪.‬‬
‫وأما إنه يصورأ نفسه فذلك محال‪ ,‬لن انتقالها عن صورأة إلى صورأة إنما يكون‬
‫بنقض البنية وتفريق الجازاء وإذا انتقضت بطلَّت الحياة"‬
‫قلَّت‪ :‬وهذا كلم جايد ولكنه يفتقر إلى دليل‪ .‬ويمكن أن تيستدل له بما رأواه ابن أبي‬
‫شيبة‪" :‬إن الغيلن تذكروا عند عمر بن الخطاب فقال‪ :‬إن أحداا ل يستطيع أن يتحول‬
‫عن صورأته التي خلَّقه ا علَّيها‪ ,‬ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأأيتم ذلك‬
‫فأرذنوا‪ "80‬ا‪.‬هـ‬

‫وقول القاضي أبو يعلَّى قوعل عجيب‪ ,‬يظهر فيه تأثره بالخرافات‪ ,‬التي تقول أن هناك‬
‫بعض الكلَّمات إذا قالها المرء! يفعل ا له كذا أو كذا! كأن ا تعالى "مارأد‬
‫المصباح" الذي ينفذ طلَّبات صاحبه! –تعالى ا العظيم عن ذلك‪-‬‬
‫أما القول المنسوب إلى الفارأوقا فهو قول جايد‪ ,‬إل أنه لم يجد من ينصره ويؤيده‬
‫علَّى الرغم من أنه أقرب إلى العقل والمنطق‪ ,‬فما المانع أن يكون للَّجن سحره‬
‫يسحرون أعين الناس ليروا أشياء غير حقيقية‪ ,‬ل أنهم هم الذين يتحولون‬
‫ويتشكلَّون؟!‬
‫ولكن من يبحث عن العقل والمنطق في الحديث عن الجن؟ إن النسان يبحث عن‬
‫الغرائب ويزيدها من عنده‪ ,‬فهل سيمنطقها؟!‬

‫الجان ‪ ...‬واللجرنة‬
‫بعد أن تحدثنا عن الجن ورأأينا كيف تصورأه المسلَّمون ككائن نارأي هوائي قادرأ‬
‫علَّى التشكل‪ ,‬ننتقل إلى الجان‪.‬‬
‫وأول ما نبدأ به هو القول بأن "الجان" تذكر في القرآن مرتين معرفا باللف واللم‪,‬‬
‫وكان الحديث فيهما عن المادة التي تخلَّق منها الجان‪.‬‬
‫س‪ ,‬لذلك‬
‫وهذا هو أول فارأقا بين الجن والجان‪ ,‬فلَّقد اعتبر منزل القرآن أن الجان جان ع‬
‫تحدث عن مادة خلَّقه –بينما لم يفعل مع الجن‪ -‬فقال‪:‬‬
‫ستمولم ]الحجر ‪"[27 :‬‬ ‫"مواسلمجاين مخلَّمسقمناهت لمن قمسبتل لمن ينالرأ ال ي‬
‫ج دمن ينادرأ ]الرحمن ‪"[15 :‬‬ ‫ق اسلمجاين لمن يمالرأ د‬ ‫"مومخلَّم م‬

‫‪ 80‬وحيد عبد السلما بالي‪ ,‬وقايإة النسان من الجن والشيطان‪ ,‬ص‪.32.‬‬

‫‪65‬‬
‫وفي غير هاتين اليتين تذكر في خمسة مواضع في القرآن‪ ,‬ثلث منهن في سورأة‬
‫الرحمن‪ ,‬واثنان في معرض الحديث عن أمر ا لموسى بإلقاء العصا‪:‬‬
‫ف‬‫سى مل تممخ س‬‫صامك فملَّميما مرأآمها تمسهتمسز مكأ منيمها مجاانن مويلى تمسدلبراا مولمسم يتمعقدسب ميا تمو م‬‫ق مع م‬‫"موأمسل ل‬
‫ستلَّومن ]النمل ‪"[10 :‬‬ ‫ي اسلتمسر م‬‫ف لممد ي‬ ‫إلدني مل يممخا ت‬
‫ولقد قال المفسرون أن المراد من الجان هنا الحية سريعة الحركة!‬

‫بعد هذا يأتي السؤال الحتمي‪ :‬ما هو الجان‪ ,‬وما الفرقا بينه وبين الجن واللجرنة؟!‬
‫وتأتي الجاابة الصادمة‪ ,‬أن علَّماء المسلَّمين ل يجزمون ما هو الجان‪ ,‬ول يعلَّمون‬
‫فرقا بينه وبين اللجنة!!‬
‫ل‪ ,‬لذلك نجد‬‫فعلَّى الرغم من أنهم قالوا فيه أقوال‪ ,‬إل أنه لم يكن لواحدد منهم فيها دلي ا‬
‫هذه القوال تتذكر علَّى استحياء!‬

‫والقوال التي تذكرت في "الجان" قلَّيلَّة ذكرها المام النيسابورأي في تفسيره لية‬
‫الرحمن‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫"وهو أب الجن‪ ،‬وقال الضحاك‪ :‬هو إبلَّيس‪ ،‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الجان واحد الجن‪.‬‬
‫من مارأج‪ :‬لهب صاف وخالص ل دخان فيه‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬هو لسان النارأ الذي‬
‫يكون في طرفها إذا لهبت‪ .‬عكرمة‪ :‬هو أحسنها‪ .‬مجاهد‪ :‬هو ما اختلَّط بعضه ببعض‬
‫من اللَّهب الحمر والصفر والخضر الذي يعلَّو النارأ إذا تأوقدت‪ ،‬وهو من قولهم ‪:‬‬
‫مرج القوم إذا اختلَّطوا‪ ،‬ومرجات عهودهم وأماناتهم‪ "81.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينا فلَّقد قال العلَّماء أن المراد من الجان أبو الجن‪ ,‬وعلَّى هذا فإنه يعني أن‬
‫الجن كلَّهم قد جااءوا من إبلَّيس! وهذا يبطل القول الذي يقول أن إبلَّيس كان من‬
‫الجن‪ ,‬ويحتم أن يكون أصلَّهم!‬
‫وبغض النظر عن هذا كلَّه‪ ,‬فل دليل لهم علَّى ما يقولون‪ ,‬ومستندهم في هذا القول‬
‫هو السياقا الوارأدة في سورأتي الحجر والرحمن‪ ,‬والذي تذكر فيهما بعد النسان‪:‬‬
‫ستنودن مواسلمجاين مخلَّمسقمناهت لمن قمسبتل لمن ينالرأ‬‫صادل دمسن محممإ د يم س‬ ‫صسلَّ م‬
‫سامن لمن م‬ ‫"مولمقمسد مخلَّمسقمنا اللن م‬
‫ستمولم ]الحجر ‪"[27-26 :‬‬ ‫ال ي‬
‫ج دمن ينادرأ ]الرحمن ‪-14 :‬‬ ‫ق اسلمجاين لمن يمالرأ د‬‫صادل مكاسلفميخالرأ مومخلَّم م‬‫صسلَّ م‬ ‫ق ا س للن م‬
‫سامن لمن م‬ ‫" مخلَّم م‬
‫‪"[15‬‬

‫فلن ا تعالى تحدث عن خلَّق النسان‪ ,‬والنسان في نظرهم هو آدم‪ !82‬قالوا أن‬
‫الجان هو إبلَّيس! أما نحن فنقول أن "لنسان" هو اسم يصدقا علَّى كل أفراد‬
‫الجنس وليس علَّى فرد واحد‪ ,‬وكذلك "الجان" اسم جانس يصدقا علَّى جاميع أفراد‬
‫الجنس‪ ,‬فتطلَّق علَّى الفرد وعلَّى الجنس!‬

‫‪ 81‬أبو إسحاق النيسابوري‪ ,‬غرائاب القرآن ورغائاب الفرقان‪ ,‬تحقيق‪ :‬أبو محمد بن عاشور‪ ,‬المجلد التاسع‪ ,‬ص‪.181.‬‬
‫‪ 82‬نطلب إلى القارئ الكريإم أن يإرجع إلى كتابنا‪ :‬نشأة النسان‪ ,‬والذي عرضنا فيه ليإات الخلق في القرآن‪ ,‬وبمينا أنها تقول بخلق جماعي‬
‫وليس فردي‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫فإذا كان "الجان" مثل "النسان" اسم جانس‪ ,‬فما هي "اللجرنة"؟!‬
‫نقول‪ :‬اللجنة هي ‪-‬وا أعلَّم‪ -‬صيغة الجمع‪ ,‬فكما أن "الناس" هي جامع "النسان"‬
‫فكذلك "اللجنة" هي جامع "الجان"‪.‬‬
‫ويدلل علَّى ذلك أن "اللجنة" تأتي في القرآن مرتبطة ب "الناس"‪ ,‬فمن ذلك‪:‬‬
‫" إللي ممن يرألحمم مرأسبمك موللمذللمك مخلَّمقمتهسم موتميمست مكلَّلممةت مرأبدمك لمسملين مجامهنيمم لممن اسللجنيلة موالينا ل‬
‫س‬
‫أمسجامملعيمن ]هود ‪"[119 :‬‬
‫ق اسلقمسوتل لمدني ملمسمملمين مجامهنيمم لممن اسللجنيلة‬
‫س تهمدامها مولملكسن مح ي‬ ‫شسئمنا ملتمسيمنا تكيل نمسف د‬
‫"مولمسو ل‬
‫س أمسجامملعيمن ]السجدة ‪"[13 :‬‬ ‫موالينا ل‬

‫وأشهر آية تذكرت فيها اللجنة هي قوله تعالى‪" :‬مومجامعتلَّوا بمسينمهت موبمسيمن اسللجنيلة نم م‬
‫سبا ا مولمقمسد‬
‫ضترومن ]الصافات ‪"[158 :‬‬ ‫ت اسللجنيةت إلنيتهسم لمتمسح م‬
‫معلَّلمم ل‬
‫وأكثر المفسرين علَّى أن المراد من اللجنة في هذه الية هم الملئكة‪ ,‬أي أن‬
‫المشركين جاعلَّوا بين ا وبين الملئكة نسباا‪ ,‬فقالوا أن الملئكة بنات ا! ‪-‬تعالى‬
‫الرب العظيم‪-‬‬
‫وهذا يعني أنهم يقبلَّون أن تكون الملئكة "لجانة"‪ ,‬لنهم مستترون‪.‬‬

‫والنإاظرأ في القرأآن يجد أن ال عز وجل لم يذكرأ "الجن" مع "النإاس" قط‪ ,‬فلم يقل‪:‬‬
‫"الجن والنإاس" ولو قالها مرأة واحدة‪ ,‬لكان معنإى هذا أن الجن غيرأ النإاس‪ ,‬وإنإما‬
‫يذكرأه مع ال "إنإس"‪ ,‬فيقول‪" :‬الجن والنإس"‪ ,‬وكذلك قال "إنإس وجان" أما مع‬
‫"النإاس" فيذكرأ "الجنإة"‪ .‬وذلك لن الجان مفرأد الجنإة‪ ,‬كما أن النإسان مفرأد النإاس!‬
‫ولن ال تعالى عطفا النإاس على الجنإة "من الجنإة والنإاس"‪ ,‬فل يمكن أن يكون‬
‫الجنإة من البشرأ وإنإما هم خلقا آخرأ‪.‬‬

‫وهنا نصل إلى السؤال المحورأي‪:‬‬


‫ما هو هذا الجنس المسمى بالجان‪/‬اللجرنة؟ هل هو الجن؟ أم الملئكة‪ ,‬أم كلهما؟!‬
‫الذي نعرفه عن هذا الجنس أن إبلَّيس كان أحد أفراده‪ ,‬بدليل تعلَّيلَّه رأفض السجود‬
‫لدم بأنه مخلَّوقا من النارأ‪ ,‬وهي مادة خلَّق الجان‪ ,‬فإذا كان من الملئكة فيكون‬
‫الملئكة جاان‪ ,‬وتكون الملئكة مخلَّوقة من النارأ‪ ,‬وإذا كان من الجن‪ ,‬يكون الجان‬
‫هم الجن‪.‬‬

‫"كان من الجن"‬
‫عدنا مجددا إلى إبلَّيس‪ ,‬ذلك الكائن الموجاود بين الملئكة‪ ,‬والذي يقال أنه لم يكن‬
‫منهم‪ ,‬بل هو من الجن! عدنا لنفض هذا الشتباك‪ :‬هل هو من الجن أم من‬
‫الملئكة؟! ولن الية المحورأية التي يستند إليها القائلَّون بأنه لم يكن من الملئكة‬
‫هي آية سورأة الكهف‪ ,‬فسنتوقف معها طويلا لننظر‪ ,‬هل هي لهم أم علَّيهم!‬

‫‪67‬‬
‫س تكاتن صمتن ارلصجسن‬ ‫يقول الرأب العليم‪" :‬توإصرذ يقرلتنإا صلرلتمتلاصئتكصة ارسيجيدوا صلآتدتم تفتستجيدوا إصللا إصربصلي ت‬
‫س صلللظاصلصميتن‬‫تفتفتستقا تعرن أترمصرأ ترأسبصه أتتفتلتصخيذوتنإيه تويذسرأليتيه أتروصلتياء صمن يدوصنإي تويهرم تليكرم تعيديو صبرئ ت‬
‫تبتدلل ]الكهفا ‪"[50 :‬‬
‫وأول ما نإبدأ به هو عرأض ما قاله المفسرأون حولها‪ ,‬ونإذكرأ هنإا ما قاله المام‬
‫الفخرأ الرأازي في تنإاوله لها‪ ,‬كنإموذج‪:‬‬
‫"في هذه الية أن إبليس كان من الجن‪ ,‬وللنإاس في هذه المسألة ثلثة أقوال‪ :‬الول‪:‬‬
‫أنإه من الملئكة وكونإه من الملئكة ل ينإافي كونإه من الجن‪ ,‬ولهم فيه وجوه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن قبيلة من الملئكة يسمون بذلك لقوله تعالى‪} :‬توتجتعيلورا تبريتنإيه توتبريتن الجنإة‬
‫تنإتسبا{ ] الصافات‪} [ 158 :‬توتجتعيلورا لللصه يشترأتكاء الجن{ ] النإعام ‪.[ 100 :‬‬
‫والثانإي‪ :‬أن الجن سموا جنإا للستتارأ والملئكة كذلك فهم داخلون في الجن‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنإه كان خازن التجنإة ونإسب إلى الجنإة كقولهم كوفي وبصرأي‪ ,‬وعن سعيد‬
‫بن جبيرأ‪ :‬أنإه كان من الجنإانإين الذين يعملون في الجنإات‪ ,‬حي من الملئكة‬
‫يصوغون حلية أهل الجنإة مذ خلقوا‪ ,‬رأواه القاضي في تفسيرأه عن هشام عن سعيد‬
‫بن جبيرأ‪.‬‬
‫والقول الثانإي‪ :‬أنإه من الجن الذين هم الشياطين والذين خلقوا من نإارأ وهو أبوهم‪.‬‬
‫والقول الثالث‪ :‬قول من قال كان من الملئكة فيمسخ وغيرأ‪ "83.‬ا‪.‬هـ‬

‫هذا ما ذكرأه المام الفخرأ الرأازي‪ ,‬ونإقول‪:‬‬


‫المشتهرأ عن إبليس أنإه أبو الجن‪/‬الشياطين‪ ,‬وهنإاك من يقول أنإه كان واحدا منإهم‬
‫وليس أصلهم! وسوارء كان هذا أو ذاك فكل القولين يوجدان إشكالين كبيرأين‪:‬‬
‫فإذا قلنإا أن إبليس هو أبو الشياطين‪ ,‬فإن الية تقول‪" :‬كان من الجن" وهذا يعنإي أن‬
‫هنإاك غيرأه‪ ,‬فكيفا يكون أصلهم؟!‬
‫وإذا قلنإا أنإه كان من الجن فلماذا خوطب مع الملئكة؟! هنإاك من يقول أنإه اجتهد‬
‫في العبادة حتى التحقا بهم وأصبح معهم!‬

‫ولكن هذا قورل ل دليل عليه‪ ,‬فلم ييذكرأ هذا في موضع واحد من المواضع الكثيرأة‬
‫التي جاءت فيها القصة‪ ,‬وإنإما ييذكرأ دوما أن الملئكة يأمرأوا بالسجود فسجدوا إل‬
‫إبليس‪ ,‬فهل هنإاك دليل أوضح من هذا على أنإه منإهم؟! وإبليس نإفسه لم يقل أنإه‬
‫غيرأ مخاطب بالمرأ‪ ,‬وإنإما قال أنإه أفضل منإه!!‬

‫فإذا قال قائل أن هذه الية دليل على أنإه لم يكن من الملئكة‪ ,‬فلقد حددت جنإسه‬
‫وقالت أنإه من الجن!‬
‫نإقول‪ :‬لحظ أن الية لم تقل‪" :‬إل إبليس من الجن" وإنإما قالت‪" :‬إل إبليس كان من‬
‫الجن فا" ورأتبت على ذلك فسقه عن أمرأ رأبه!‬

‫‪ 83‬الفخر الرازي‪ ,‬مفاتيح الغيب‪ ,‬المجلد الحادي والعشرون‪ ,‬ص‪.116.‬‬

‫‪68‬‬
‫والعجب كل العجب أن بعض المفسرأين جعل "كان" بمعنإى "صارأ" أي أنإه أصبح‬
‫شيطانإا بعد المعصية‪ ,‬وكان جنإا قبلها!!‬
‫ومنإهم من ألغاها بتاتا فجعلها كأن لم تكن‪ ,‬كأن الية قالت‪" :‬إل إبليس من الجن"‬
‫مع أن الية تقول أنإه "كان من الجن" أي أن هذا كان السبب‪ ,‬وييفهم من دليل‬
‫الخطاب أنإه لم يعد كذلك الن!‬

‫أما نإحن فنإقول استنإادا إلى المعنإى اللسانإي للكلمة والتي تفيد الشدة والعلو‪ ,‬وإلى‬
‫استعمالها في القرأآن –والذي لم يستعملها إشارأة إلى جنإس مستقل‪ -‬أن إبليس كان‬
‫واحلدا من كبارأ الملئكة البارأزين‪ ,‬فللما خوطبت الملئكة بالمرأ أبى واستكبرأ‪ ,‬فلم‬
‫يعد كذلك ويطرأد من السماء وأصبح شيطانإا!‬
‫وقد يعجب القارأئ من أن يكون هنإاك "جن" في الملئكة‪ ,‬لذلك نإذكرأه بما قلنإاه أن‬
‫اللسان العرأبي ل يحرأج أبدا أن يكون هنإاك جن من أي شيء‪ ,‬فأقوى وأمهرأ ما في‬
‫الشيء هو جنإه!‬

‫وحتى ل يقول القارأئ أن هذا قياس في اللغة‪ ,‬وليس عليه أي دليل‪ ,‬نإقدم له بيت‬
‫الشعرأ الذي ذكرأه ابن منإظورأ في اللسان –وذكرأنإاه سابقا ولم نإعلقا عليه‪ -‬والذي‬
‫قال قبله‪:‬‬
‫" وكان تأهيل الجاهللية يسلمون الملئكة عليهم السلم صجلنإا لرسصتتاصرأهم عن العيون‪ ,‬قال‬
‫ي‬
‫اتلعشى يذكرأ سليمان عليه السلم‪:‬‬
‫وتسلخترأ من صجسن الملصئصك صتسعلة صقياما تلتدريصه تيرعتملوتن بل أترجصرأ" ا‪.‬هـ‬

‫فهذا البيت ل يقول أن أهل الجاهلية كانإوا يسمون الملئكة جنإا‪ ,‬وإنإما كانإوا يرأون‬
‫أن فيهم جنإا –قادة‪/‬كبارأ‪/‬أشداء‪/‬مهرأة‪ -‬فالمضافا إليه ل يينإعت بالمضافا‪.‬‬
‫وشتان بين قولي‪ :‬جن الملئكة والجن الملئكة! فما فعله ابن منإظورأ مثل قولي أن‬
‫"عباقرأة التلميذ" تساوي "التلميذ العباقرأة"!‬
‫وهذا غيرأ صحيح‪ ,‬فالجملة الولى تتحدث عن عباقرأة هم جزء‪/‬طائفة من التلميذ‬
‫وهنإاك غيرأهم ليس بالعبقرأي‪ ,‬أما الجملة الثانإية فتقول أن التلميذ عباقرأة!‬
‫إذا‪ ,‬فالجاهليون أنإفسهم كانإوا يرأون أن هنإاك جن في الملئكة‪ ,‬أي قادة كبارأ مهرأة‪,‬‬
‫وهذا هو الفهم الذي نإقول به‪ .‬فالعشى كانإوا يقول أنإه يسخرأ لسليمان تسعا من‬
‫كبارأ الملئكة يعملون لديه!‬

‫أما القول بأن الجن جنإس مستقل‪ ,‬فيعنإي أن الكلم الوارأد في آية الكهفا غيرأ‬
‫مترأابط ول متجانإس‪ ,‬يهدم أوله آخرأه!‬
‫وللتوضيح نإقدم للقارأئ مثالين‪ ,‬الول مشابه لما يقولون به من أن إبليس لم يكن‬
‫من الملئكة‪ ,‬ييظهرأ أن الكلم على قولهم غيرأ مترأابط‪ ,‬والثانإي يبين كيفا أن قولنإا‬
‫يلغي كل الشكاليات المتعلقة بالية‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫"قلت للموظفين اكتبوا الملفات فكتبوا إل فلنإا ‪-‬كان من البائعين‪ -‬فلم يكتب!"‬
‫)فلن‪ :‬غيرأ مخاطب بالمرأ أصل‪ ,‬وعنإد توجيه المرأ للموظفين كان بائعا‪ ,‬أما الن‬
‫فلم يعد كذلك! –بدليل استعمالي‪" :‬كان"‪ ,‬ولو أنإه ل يزال حتى الن بائعا لقلت‪ :‬إل‬
‫فلن البائع‪ ,‬ول حاجة لقولي‪" :‬كان"!(‬

‫"قلت للموظفين اكتبوا الملفات فكتبوا إل فلنإا –كان من المديرأين‪ -‬فلم يكتب"‬
‫)فالكلم هنإا مترأابط‪ ,‬فلقد خاطبت حشدا من العاملين تحتي بأمرأ‪ ,‬فنإفذوا إل فلنإا‪,‬‬
‫استكبرأ أن يكتب لنإه كان مديرأا –ولذلك طرأدته فلم يعد الن كذلك‪(-‬‬

‫فكما رأأينإا فقولنإا بأن المرأاد من الجن هو "القادة الكبارأ" قد ألغى جميع الشكاليات‪,‬‬
‫فهو كان متلكا‪ ,‬لذلك خوطب بالمرأ‪ ,‬ولنإه كان قائدا بارأزا استكبرأ‪ ,‬فلم يعد كذلك!‬
‫ول يعنإي قولنإا أنإه أصبح شيطانإا أنإه أصبح أسودا قبيح الشكل‪ ,‬له قرأون وذيل! بعد‬
‫أن كان أبيضا جميل!! وإنإما فقد المرأتبة "ملك" واكتسب دورأا آخرأ "شيطان"‪.‬‬

‫وبهذا يظهرأ لنإا أن الملئكة والشياطين يصدقا عليهما كليهما نإعت "الجان‪/‬الجنإة"‪,‬‬
‫فهذا هو أصل الجنإس‪ ,‬أما الملئكة والشياطين فهي ليست أسماء أجنإاس‪ ,‬وإنإما‬
‫هي نإعوت يتعطى حسب الدورأ الذي يقوم به الواحد منإهم! فإذا كان مطيعا لمرأ ال‬
‫في تسييرأ الكون فهو متلك وإن كان عاصيا فهو شيطان!‬
‫لهذا لم يذكرأ ال تعالى في كتابه أنإه خلقا الملئكة من كذا والشياطين من كذا‪ ,‬لنإه‬
‫س اسمه‪ :‬الجان‪.‬‬ ‫ل يوجد جنإس اسمه الملئكة ول الشياطين وإنإما جنإ ر‬
‫ونإختم حديثنإا بما قاله الشيخ محمد رأشيد رأضا حول المسألة‪:‬‬
‫صال مجاسومهلر رايا يتمميدتز أممحمدتهمما معلن‬ ‫س لعسنمدمنا مدلليعل معملَّى أمين بمسيمن اسلممملئلمكلة مواسللجدن فم س‬ ‫"مولمسي م‬
‫ت‪.‬‬ ‫شتد إللمسيله اسلميا ت‬
‫ف‪ ،‬مكمما تتسر ل‬ ‫صا ع‬ ‫ف أمسو م‬ ‫ف لعسنمدمما تمسختملَّل ت‬
‫صمنا د‬ ‫ف أم س‬‫اسلمخلر‪ ،‬موإلنيمما تهمو اسختلمل ت‬
‫ق لفي اسلقتسرآلن لمسفظت اسللجنيلة معملَّى اسلممملئلمكلة‬ ‫ف لممن اسلممملئلمكلة‪ ،‬موقمسد أتسطلَّل م‬ ‫ظالهتر أمين اسللجين ل‬
‫صسن ع‬ ‫مفال ي‬
‫سابا( )‬ ‫سلريمن لفي قمسوللله ‪ -‬تممعاملى ‪) : -‬مومجامعتلَّوا بمسينمهت موبمسيمن اسللجنيلة نم م‬ ‫ي تجاسمتهولرأ اسلتمفم د‬
‫ل‬ ‫معملَّى مرأسأ‬
‫س‪ "84.‬ا‪.‬هـ‬ ‫سومرألة الينا ل‬ ‫شميالطيلن لفي آلخلر ت‬ ‫‪ (158 : 37‬مومعملَّى ال ي‬

‫إشكاليات وحلول‬
‫قد يرأفض القارأئ القول بأن إبليس كان من الملئكة ثم تشيطن‪- ,‬على الرأغم من‬
‫أنإنإا لسنإا أول من قال به‪ -‬وذلك لنإه يرأى أن هنإاك بعض اليات التي تخالفا هذا‬
‫القول‪ ,‬لذا سنإعرأض لهذه الشكاليات الموجودة في رأأسه لنإبين له أنإه ل مستنإد لها‬
‫في كتاب ال‪.‬‬
‫ثم نإزيده بأن نإذكرأ له بعض الشكاليات المترأتبة على قوله بأن إبليس لم يكن من‬
‫‪ 84‬محمد رشيد رضا‪ ,‬تفسير المنار‪ ,‬الجزء الول‪ ,‬ص‪.221.‬‬

‫‪70‬‬
‫الملئكة‪ ,‬والتي لم ينإتبه إليه هو وأصحاب الرأأي الخرأ‪ ,‬ونإبين له كيفا أن قولنإا‬
‫هو المانإع لنإشأة هذه الشكاليات كلها!‬

‫أول هذه العترأاضات هو الذرأية‪ ,‬فكيفا يكون ملكا‪ ,‬وال يقول أن له ذرأية‪:‬‬
‫"‪....‬أتتف تلتصخيذوتنإيه تويذسرألي تيه أتروصلتياء صمن يدوصنإي ‪]....‬الكهفا ‪"[50 :‬‬
‫والملئكة ل يأكلون ول يشرأبون ول يتنإاسلون؟!‬
‫نإقول‪ :‬هذا السؤال ينإبغي أن يوجه أول لمن قال أن إبليس أبو الجن‪ ,‬فيجب أن‬
‫ييسأل‪ :‬لماذا خلقا ال جنإا واحدا وألحقه بالملئكة؟!‬
‫وكيفا تكاثرأ إبليس فأنإجب ذرأية؟ من أين له بالنإثى‪ ,‬إذا كان قد يخلقا وحيدا؟!‬
‫هل تكاثرأ بالنإقسام الذاتي‪ ,‬أم أنإه نإكح نإفسه ‪-‬كما جاء في بعض الرأوايات‪ -‬فباض‬
‫عددا من البيضات‪ ,‬في داخل كل واحدة منإها شيطان رأضيع!!!‬

‫أما مسألة الذرأية للملئكة فلقد قلنإا سابقا أنإه ل دليل على أن الملئكة ل تتنإاسل!‬
‫وقلنإا أنإهم في حاجة –لزاما‪ -‬إلى مصدرأ تغذية أو طاقة‪ ,‬وإل لصبحوا أغنإياء‪,‬‬
‫والغنإي هو ال وحده‪ ,‬ل يحتاج إلى غيرأه!‬
‫فإذا سلمنإا باحتياجهم‪ ,‬فما المانإع من تكاثرأهم بشكل ما يختلفا عن كل الشكال‬
‫الرأضية‪ ,‬فلن نإقول بالنإقسام الذاتي ولن نإقول بزوج‪ ,‬فال أعلم كيفا يكون ذلك!‬

‫هذا وإن كنإت أميل إلى أن المرأاد من "ذرأيته" في الية هو كبارأ المجرأمين الذين‬
‫يتبعونإه‪ ,‬فهم ذرأيته بمعنإى أنإه هو الذي يحرأكهم وينإشرأهم ويبعثرأهم‪ ,‬وهذا هو‬
‫المعنإى الصلي للذرأي‪ ,‬فكما أن الرأياح ذارأيات‪ ,‬تذرأو الترأاب وغيرأه‪ ,‬أي تحرأكه‬
‫وتثيرأه وتنإشرأه‪ ,‬فكذلك هو ذادرأ لهؤلء التباع‪ ,‬يثيرأهم ويهيجهم‪ ,‬وهؤلء يتبعهم‬
‫عامة النإاس‪ ,‬ويتخذونإهم أولياء من دون ال!‬
‫بعبارأة أخرأى هؤلء هم البذرأ‪ 85‬الذي غرأسه إبليس‪ ,‬فهؤلء الذين نإسميهم "نإبتة‬
‫شيطانإية" الذين هم غرأس الشيطان‪ ,‬ينإهانإا ال عن إتباعهم!‬

‫وفي هذا يقول الدكتورأ محمد البهي‪:‬‬


‫"وتعبير الية هنا عن إبلَّيس بأنه )كان من الجن ففسق عن أمر رأبه( ل يدل علَّى‬
‫أنه خارأج عن طبيعة الملئكة‪ ,‬وإنما قصد بالجن التخفي والتستر وعدم العلنية‪.‬‬
‫فقد جااء في سورأة الصافات وهي سورأة الملئكة‪ ,‬قول ا تعالى في ادعاء المكيين‬
‫أن الملئكة بنات ا‪" :‬وجاعلَّوا بينه وبين الجنة نسبا )أي بين ا والملئكة( ولقد‬
‫علَّمت اللجنة )أي الملئكة‪ ,‬لن منهم وحدهم خزنة جاهنم( إنهم لمحضرون‪.‬‬

‫أفتتخذونه وذرأيته أولياء من دوني وهم لكم عدو‪ :‬والذي يسيرون من الناس في‬
‫طريق الغواية –وفي مقدمتهم الماديون الذين ينكرون ا‪ ,‬كما ينكرون البعث‪ -‬هم‬
‫أولئكم الذين يستجيبون لبلَّيس وذرأيته‪.‬‬
‫‪ 85‬لحظ أن عملية البذر هي ذرو‪ ,‬فالفلحا يإحمل في يإده كمية من الحبوب فينثرها في الهواء فتتفرق ثم تتساقط على الرض‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ل من الملئكة فذرأيته هم من بني النسان ‪ ...‬هم مصادرأ‬ ‫وإذا كان إبلَّيس أص ا‬
‫الضلل والفرقة‪ ,‬والفساد والعبث‪ ,‬بين الناس‪.‬‬
‫هم زعماء الشرك والوثنية والمادية ‪ ...‬هم الذين يحرضون علَّى انتهاك القيم‪,‬‬
‫ومجارأات الشهوة والهوى‪ "86‬ا‪.‬هـ‬

‫والعتراض الثاني هو‪ :‬كيف تكون الملئكة جااناا والجان مخلَّوقا من النارأ‪,‬‬
‫والملئكة مخلَّوقة من النورأ‪ ,‬كما جااء في الحديث الذي رأواه مسلَّم‪:‬‬
‫" ‪ ....‬عن عروة عن عائشة قالت‪ :‬قال رأسول ا صلَّى ا علَّيه و سلَّم خلَّقت‬
‫الملئكة من نورأ وخلَّق الجان من مارأج من نارأ وخلَّق آدم مما وصف لكم" ا‪.‬هـ‬
‫نإقول‪ :‬كنإا قد رأددنإا في كتابنإا السابقا "نإشأة النإسان" على هذه النإقطة‪ ,‬إل أنإنإا لم نإرأد‬
‫الحديث‪ ,‬فقلنإا‪:‬‬
‫"حتى على فرأض خلقا الملئكة من نإورأ‪ ,‬فل يعنإي هذا أنإها لم يتخلقا من نإارأ! ول‬
‫أنإها ليست من الجان!‬
‫ويدلل على هذا خلقا النإسان‪ ,‬فلقد قال ال تعالى أنإه خلقه من ماء‪ ,‬ومن ترأاب‪,‬‬
‫ومن طين‪ ,‬ومن صلصال! ول تعارأض‪ ,‬فكلها مرأاحل للخلقا‪ ,‬وفي النإهاية صارأ‬
‫النإسان كائنإا من دم ولحم‪ ,‬ول علقة له بهذه المواد الصلية!‬
‫فإذا قلنإا أن الملئكة يخلقت من نإورأ‪ ,‬فل يعنإي هذا أنإها لم يتخلقا من نإارأ‪ ,‬ول يعنإي‬
‫هذا في عين الوقت وجوب أن نإتصورأ الملئكة كأنإوارأ متحرأكة‪ ,‬فإذا كان الطين قد‬
‫صارأ لحما ودما وعظما‪ ,‬فال أعلم إلى ما صارأت النإارأ‪ "!87‬ا‪.‬هـ‬

‫ونإحن نإرأجع عن هذا القول الن‪ ,‬ونإرأد الحديث‪ ,‬جازمين بأنإه لم يصدرأ عن‬
‫الرأسول‪ ,‬لسباب عدة متعلقة بمتنإه‪ ,‬أهمها مخالفته لكتاب ال العزيز‪ ,‬فمن ذلك أنإه‬
‫ل عن الجان‪ ,‬وهذا ما ل يقول به القرأآن‪.‬‬ ‫جعل الملئكة جنإسا مستق ل‬
‫كما أنإه قال أنإهم مخلوقون من النإورأ‪ ,‬والنإورأ ليس مادة ييخلقا منإها‪ ,‬وإنإما النإارأ ‪-‬أو‬
‫حتى الضوء‪ -‬ييخلقا منإها! فل توجد مادة اسمها نإورأ‪ ,‬وإنإما هنإاك تعترأض اسمه‬
‫نإورأ‪ ,88‬ول ييخلقا من العرأاض!‬

‫كما أنإه استعمل "وصفا" مع كتاب ال‪ ,‬ولم يستعمل "ينإعت أو يسمي"‪ ,‬والوصفا لم‬
‫ييستعمل في القرأآن إل قرأينإا للكذب‪ ,‬فمعاذ ال أن يستعمل رأسول ال الوصفا مع‬
‫كتاب رأبه! فال تعالى لم يصفا في كتابه أي شيء‪ ,‬وإنإما نإعت وسلمى!‬

‫‪ 86‬محمد البهي‪ ,‬تفسير سورة الكهف‪ ,‬ص‪.27.‬‬


‫‪ 87‬عمرو الشاعر‪ ,‬نشأة النسان بين التوراة والنجيل ونظريإة دارون‪ ,‬ص ‪.285‬‬
‫‪ 88‬عرضنا ل‪" :‬النور" في مبحث طويإل‪ ,‬موجود على صفحات موقعنا الشخصي‪ www.amrallah.com :‬بمينا فيه الفارق بين النور‬
‫والضياء‪ ,‬وكيف أن أكثر العرب يإفهمون أن النور هو الضوء! وليس كذلك‪ ,‬والكلما في هذا الموضوع كبير‪ ,‬إل أننا نختصر ونقول‪:‬‬
‫النور هو سمة ملزمة للهدايإة والرشاد‪ ,‬لذلك فالنور في هذا الكون واحد‪ ,‬بينما الضواء كثيرة‪ ,‬فهناك ضوء الشمس وضوء المصباحا‬
‫وضوء النار ‪ ...‬الخ‪ ,‬والضواء هي ضياء صوجد الناس أما لم يإوجدوا‪ ,‬أما النور فل يإكون نورال إل في وجود من يإهتدي به! ولمزيإد من‬
‫التفاصيل يإرجى الرجوع إلى البحث‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫وبهذا نإكون قد أنإهينإا العترأاضين الشهيرأين‪ ,‬اللذان ييعترأض بهما على القول بأن‬
‫إبليس كان من الملئكة‪ ,‬ونإبدأ بعرأض الشكاليات المترأتبة على القول بأنإه من‬
‫"الجن" –بالمعنإى المشهورأ وليس الذي نإقول به‪.-‬‬

‫أول إشكالية تواجه القائلين بأنإه كان من الجن وليس من الملئكة‪ ,‬والتي أعجب‬
‫أنإهم والمخالفون لم ينإتبهوا إليها‪ ,‬وهي‪ :‬كيفا يوسوس إبليس ومن تبعه من جنإس‬
‫الجن إلى البشرأ؟!‬
‫إن الملئكة تستطيع أن تصل إلى قلب النإسان‪ ,‬فتوحي إليه‪ ,‬وتستطيع أن تبث إليه‬
‫من الفكارأ ما ييطلب منإها‪:‬‬
‫"إصرذ أتروتحريتنإا إصتلى أيسمتك تما ييوتحى أتصن ارقصذصفيصه صفي اللتايبوصت‪].....‬طه ‪"[39-38 :‬‬
‫"توأتروتحريتنإا إصتلى أيسم يموتسى أترن أتررأصضصعيصه‪ ] ....‬القصص ‪"[7 :‬‬
‫"تفتأروتحريتنإا إصتلريصه أتصن ارصتنإصع ارليفرلتك صبتأرعييصنإتنإا توتورحصيتنإا‪] ...‬المؤمنإون ‪"[27 :‬‬
‫وغيرأ ذلك مما ينإفع النإسان ويحتاجه في مواقفا حياته المختلفة‪ ,‬وكثيرأر من الفكارأ‬
‫التي تظهرأ فجأة في ذهن النإسان‪ ,‬هي مما ييوحى إليه بها‪ ,‬وما جزء كبيرأ من‬
‫المخترأعات والمكتشفات العلمية إل مما ييوحى به إلى النإسان‪ ,‬ويظن أنإه من بنإات‬
‫أفكارأه! ولكنإه ل ييوحي به بداهة إل لمن يضع قدمه على أول الطرأيقا!‬

‫مثلنإا‪ ,‬مخاطب‬
‫مخلوقا مكلفا ي‬
‫ر‬ ‫فأصحاب الرأأي القائل بأنإه من الجن يرأون أن الجن‬
‫بالقرأآن وقبله بكل الديان والشرأائع الرأبانإية‪ ,‬فيهم المؤمن والكافرأ‪ ,‬فهل للجن‬
‫القدرأة على الوسوسة إلى النإسان‪ ,‬والوصول إلى قلبه‪/‬عقله؟!‬
‫أم أنإه لم يكن لديه هذه القدرأة‪ ,‬وبعد أن رأفض المرأ بالسجود أعطاه ال هذه‬
‫القدرأة‪ ,‬هو ومن يتبعه في معصية ال والتمرأد عليه؟!‬
‫وإذا كان لدى الجنإي الكافرأ أو العاصي القدرأة على الوسوسة‪ ,‬فلماذا ل يوسوس‬
‫للنإاس؟! وما الفارأقا إذن بين الجنإي الكافرأ والشيطان؟!‬
‫ملكا‪ ,‬فإن هذا ييفسرأ كيفا يستطيع الوسوسة إلى النإسان‪ ,‬وبهذا‬ ‫أما إذا قلنإا أنإه كان ت‬
‫يكون النإسان بين وحي رأبانإي ووسوسة شيطانإية!‬

‫والقول بأن إبليس كان متلاكا ثم تشيطن‪ ,‬يقضي على إشكالية أن ال تعالى يخلقا‬
‫الشرأ‪ ,‬فلو قلنإا أنإه سبحانإه خلقا شياطين لكان معنإاه أنإه يخلقا الشرأ!! وال الرأحيم‬
‫لم يخلقا شياطين –تعالى العلي‪ -‬وإنإما خلقا ملئكة لتقوم بأدوارأ معينإة‪ ,‬وأعطاهم‬
‫الحرأية –كما أعطاها النإسان‪ -‬فتمرأد بعضهم ولم يقبل القيام بأدوارأ‪ ,‬يرأى أنإها ل‬
‫تليقا بقدرأته أو مكانإته!‬
‫ولم يقض ال العليم الحكيم عليه في هذه اللحظة‪ ,‬وإنإما أعطاه الفرأصة كاملة لينإفذ‬
‫الدورأ الذي ارأتضاه لنإفسه وهو الفساد!‬

‫وفي هذا يقول فرأاس السلواح‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫" أما لماذا سمح ال بظهورأ الشرأ على هذا النإحو‪ ,‬فإن جواب الحل الرأابع هو أن ال‬
‫لم يسمح بظهورأ الشرأ بل سمح بالحرأية‪ ,‬وليس الشرأ إل نإاتجا من نإواتج الحرأية‪.‬‬
‫فال ليس مسئول عن الشرأ وهو سيقاومه ويأتي به وبأصله إلى نإهاية محتومة في‬
‫لحظة مقرأرأة من صيرأورأة الزمن‪.‬‬
‫لقد كان ال قادرأا على محقا الشيطان لحظة عصيانإه‪ ,‬ولكنإه آثرأ البقاء على مبدأ‬
‫الحرأية الذي استنإه لخلقه‪ ,‬وترأكزت خطته في مقاومة الشيطان على النإسان الذي‬
‫أعطاه العقل والحرأية أيضا‪ ,‬وعليه أن يستخدمهما في محارأبة الشرأ وعدم الذعان‬
‫لسلطته‪ "89.‬ا‪.‬هـ‬

‫فال لم يخلقا شرأا‪ ,‬وإنإما الشيء ل يخلو من الشرأ‪ ,‬فإبليس –كواحد من الملئكة‬
‫المخليرأين‪ -‬اختارأ الشرأ‪ ,‬فترأكه ال‪ .‬وليس هذا الترأك ظلما للنإسان‪ ,‬فكما قال الرأب‬
‫العليم‪ " :‬إصلن تكريتد اللشريتطاصن تكاتن تضصعيفا ] النإساء ‪ ,"[76 :‬فكيد الشيطان ضعيفا‪,‬‬
‫وليس له سلطان إل أن يدعو النإسان‪ ,‬وهو بالخيارأ أن يتبع أو ييعرأض!‬

‫وبقولنإا أن إبليس حررأ مخيرأ‪ ,‬نإفهم قوله تعالى‪ " :‬توإصرذ يقرلتنإا صلرلتم ت‬
‫لصئتكصة ارسيجيدورا لتدتم‬
‫س أتتبى توارس ت ركتبترأ توتكاتن صمتن ارلتكاصفصرأيتن ]البقرأة ‪"[34 :‬‬
‫تفتستجيدورا إصلل إصربصلي ت‬
‫فلقد توقفا المفسرأون مع قوله تعالى‪" :‬وكان من الكافرأين"‪ ,‬فقالوا‪ :‬إن هذا يقتضي‬
‫وجود كافرأين آخرأين‪ ,‬فأين ومتى كان هؤلء الكافرأون؟‬
‫وللما لم يجدوا إجابة‪ ,‬جعلوا "كان" بمعنإى "صارأ" أي أنإه صارأ من الكافرأين بفعله‬
‫هذا! أما نإحن فنإقول أنإه كان هنإاك بعض الملئكة قد تمرألد قبل ذلك‪ ,‬ورأفض تنإفيذ‬
‫أمرأ من أوامرأ ال‪ ,‬وعنإدما رأفض إبليس السجود‪ ,‬كان من )ضمن( الكافرأين‪ ,‬نإفهم‬
‫الجملة كما هي‪ ,‬وليس كما نإتوقع نإحن!‬

‫وإذا قلنإا أن الملئكة مختارأة‪ ,‬نإفهم قوله تعالى في سورأة ص‪:‬‬


‫"تقاتل تفصبصعلزصتتك تليأرغصوتيلنإيهرم أترجتمصعيتن )‪ (82‬إصللا صعتباتدتك صمرنإيهيم ارليمرختلصصيتن )‪ (83‬تقاتل تفارلتحبقا‬
‫توارلتحلقا أتيقويل )‪ (84‬تلتأرمتلتألن تجتهلنإتم صمرنإتك توصملمرن تصبتعتك صمرنإيهرم أترجتمصعيتن )‪"(85‬‬
‫فإبليس عنإدما طرأده ال من السماء وأخرأجه من زمرأة الملئكة‪ ,‬يتوعد بأنإه‬
‫سيغويهم أجمعين! وهنإا قال ال العزيز لبليس‪ ,‬أنإه سيمل جهنإم منإه وممن تبعه‬
‫منإهم أجمعين‪.‬‬

‫ولقد توقفا المفسرأون مع كلمة‪" :‬أجمعين"‪ ,‬بشأن ماذا تؤكد؟! فقالوا أنإها تشيرأ إلى‬
‫البشرأ فقط! أي أنإها يؤكد أنإه سيغوي البشرأ أجمعين إل عباد ال المخلصين‪.‬‬
‫إل أنإنإا نإخالفا المفسرأين ونإرأى أن المؤكد أوسع من البشرأ‪ ,‬يدخل فيه الملئكة!‬
‫فإبليس يتوعد أنإه سيغوي الملئكة كذلك حتى ييطرأدوا مثله فل يظل وحيدا‪.‬‬
‫والذي يؤكد هذا الفهم قوله تعالى‪ " :‬تلتأرمتلتألن تجتهلنإتم صمرنإتك ‪ ,"...‬فهل المرأاد أن ال‬
‫سيمل جهنإم من أجزاء من إبليس‪ ,‬أم أنإه سيملئها من جنإسه؛ والذي هو الملئكة؟‬
‫‪ 89‬فراس السواحا‪ ,‬الرحمن والشيطان‪ ,‬ص‪.8-7.‬‬

‫‪74‬‬
‫بالتأكيد من جنإسه‪ ,‬فبهذا يكون التأكيد رأاجعا إلى البشرأ والملئكة‪ ,‬فمن تبع إبليس‬
‫من البشرأ والملئكة‪ ,‬فسيكونإون مل جهنإم!‬

‫وحتى ل يقول القارأئ‪ ,‬إنإه من المحتمل أن يكون التأكيد عائدا على البشرأ فقط‪,‬‬
‫نإثنإي له بقوله تعالى‪:‬‬
‫س أترجتمصعيتن ]هود‪"[119 :‬‬ ‫" ‪ ....‬توتلمرت تكصلتمية ترأسبتك تلرمللن تجتهلنإتم صمتن ارلصجلنإصة تواللنإا ص‬
‫س أترجتمصعيتن ]السجدة‪:‬‬
‫" ‪ .....‬توتلصكرن تحلقا ارلتقرويل صمسنإي تلتأرمتلتألن تجتهلنإتم صمتن ارلصجلنإصة تواللنإا ص‬
‫‪"[13‬‬
‫فال تعالى قال أنإه سيمل جهنإم من الجنإة والنإاس أجمعين! والية دليل صرأيح على‬
‫أن هنإاك صمن )الذين كانإوا صمن( الملئكة‪ ,‬تمن سيدخل النإارأ‪.‬‬

‫ولقد وجدنإا عامة المفسرأين يمرأون مرأورأ الكرأام على هذا الجزء من الية‪,‬‬
‫ويجعلونإه في الجن فقط! ولقد ذكرأ المام الطبرأي قول عن أبي مالك‪ ,‬قال أن المرأاد‬
‫من الجنإة‪ :‬الملئكة! إل أنإه وجهه فقال‪:‬‬
‫"وأما معنإى قول أبى مالك هذا‪ :‬أن إبليس كان من الملئكة‪ ،‬والجن ذرأيته‪ ،‬وأن‬
‫الملئكة تسمى عنإده الجن‪ ،‬لما قد بينإت فيما مضى من كتابنإا هذا‪ "90.‬ا‪.‬هـ‬

‫فالكلمة التي قالها ال في مبتدأ البشرأية لبليس‪ ,‬ستقع وتكون يوم القيامة‪ ,‬وسيمل‬
‫جهنإم من الجنإة والنإاس! والملحظ أن ال تعالى لم يقل أنإه سيمل جهنإم من‬
‫الملئكة والنإاس‪ ,‬لن الملاك الذي يتمرأد يتحول إلى شيطان! ول يظل ملكا‪ ,‬ولكنإه‬
‫الجنإة! لذلك ذكرأ ال أنإه سيمل جهنإم من الجنإة‪!91‬‬
‫في الحالتين من ص‬

‫والذي يبدو ‪-‬وال أعلم‪ -‬أنإه ليس للملئكة‪ ,‬الذين يتمرأدون ويتشيطنإون‪ ,‬توبة‪,‬‬
‫فإذا عصى الواحد وتمرأد منإهم‪ ,‬أصبح شيطانإا إلى يوم الدين‪ ,‬ول يعود ملكا أبدا‪,‬‬
‫لن معصيته حاصلة عن بطرأ وكبرأ‪ ,‬مع وجود علم بالحقا‪ ,‬يعلو على علوم البشرأ!‬
‫وليتذكرأ القارأئ معنإى "إبليس" والذي قلنإا أنإه بمعنإى اليائس‪ ,‬فهو فاقد المل‪ ,‬ل‬
‫طرأيقا له للرأجعة!‬

‫ومن الممكن القول كذلك ‪-‬وال أعلم‪ -‬أن جبلتهم مقدرم فيها الطاعة على المعصية‬
‫والتقوى على الفجورأ‪ ,‬بخلفا نإفس النإسان ذات الصل الحيوانإي‪ ,‬والتي يقدم فيها‬

‫‪ 90‬محمد بن جريإر الطبري‪ ,‬جامع البيان في تأويإل القرآن‪ ,‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ,‬الجزء الخامس عشر‪ ,‬ص‪.539.‬‬
‫‪ 91‬صنذكر القارئ أنه ل يإوجد خلق اسمه "شياطين"‪ ,‬وإنما هناك خلق يإتشيطن‪ ,‬فالنسان قد يإصير شيطانا –ول يإعني هذا أنه قد نبت له‬
‫قرون وغطى الشعر السود جسده ونبت له ذيإل‪ ,‬وامتلك رمحال ثلثي الرؤوس!‪ -‬والملك كذلك قد يإتمرد فيصير شيطانا‪ ,‬ول يإعني هذا‬
‫أن تتغير خلقته‪ ,‬وإنما يإتغير دوره!‬

‫‪75‬‬
‫الفجورأ على التقوى‪" :‬تفتأرلتهتمتها يفيجوترأتها توترقتواتها ]الشمس ‪ ,"[8 :‬كما أن النإسان‬
‫حيوانإي الصل‪ ,‬والصرأاع دائرأ في النإسان بين أثرأ الرأوح والحيوان!‬
‫بطرأا ل يؤمن‬ ‫وليس الجان المتشيطن فقط من ل يستطيع اليمان‪ ,‬فالنإسان الكافرأ ل‬
‫هو الخرأ‪ ,‬فلقد يختم على قلبه‪" :‬إصلن اللصذيتن تكتفيرأورا تستوارء تعتلريصهرم أتتأنإتذررأتيهرم أترم تلرم يتنإصذررأيهرم‬
‫تل يرؤصمينإوتن ]البقرأة‪"[6 :‬‬

‫والقول بأن إبليس متمرأد من الملئكة يحل الشكالية الكبرأى‪ :‬ماذا يحدث لو لم‬
‫يرأفض إبليس السجود؟ هل كنإا سنإحيى بدون شياطين توسوس؟!‬
‫ممكنإا لبليس أل يتمرأد‪ ,‬أما نإحن فنإقول‪ :‬لو لم يتمرأد إبليس‪,‬‬
‫ل‬ ‫تبعا لقولهم لم يكن‬
‫ف ل‬
‫لتمرأد غيرأه‪ ,‬وقد حدث هذا بالفعل ممن سبقه وتبعه من الملئكة! والفارأقا أنإه هو‬
‫من رأفض هذا المرأ‪ ,‬ثم تمرأد بعده آخرأون‪ ,‬فصارأ هو كبيرأهم!‬

‫وسبب استبعاد المفسرأين لهذه الحتمالية‪ ,‬ولكل ما ترأتب عليها‪ ,‬من مثل ما‬
‫استنإتجنإا‪ ,‬يرأجع إلى تلك التصورأات التي أسقطوها على الملئكة‪ ,‬بدون أدلة بلينإات‬
‫على ما يقولون‪ ,‬وإنإما هي استنإتاجات نإازعة إلى تشبيهها بالبشرأ!‬

‫النسان ‪ ..‬والنس‬
‫بعد أن عرضنا للَّملئكة وإبلَّيس‪ ,‬ورأأينا كيف أنه في الملئكة جاعن‪ ,‬وعمرفنا من أين‬
‫أتت الشياطين‪ ,‬ننتقل إلى الجنس البشري‪ ,‬لننظر كيف تحدث عنه الخلقا العلَّيم في‬
‫كتابه العظيم‪.‬‬
‫الناظر في كتاب ا تعالى يجد أنه سرمى جانسنا ثلثة أسماء باتفاقا‪ ,‬فسمانا‪ :‬بشر‪,‬‬
‫وإنسان والناس‪ ,‬والخلف حول السم الرابع وهو "النس"‪ ,‬فهل يقع علَّى الجنس‬
‫كلَّه‪ ,‬فيكون الجن جانساا آخر‪ ,‬أم علَّى بعضه فيكون الجن من عين الجنس؟!‬

‫أول ما نلَّحظه هو أن ا تعالى وتقدس لم يخاطب البشر في كتابه‪ ,‬فلَّم يقل في آية‪:‬‬
‫يا أيها البشر! وإنما خاطب النسان والناس‪.‬‬
‫فخاطب النسان في موضعين اثنين فقال‪" :‬يا أيها النسان ‪"...‬‬
‫وخاطب الناس في عشرين موضعا فقال‪" :‬يا أيها الناس ‪."...‬‬

‫وعندما كان يخاطب ا تعالى "الناس" أو "النسان" كان يخاطبهما بمفردهما فلَّم‬
‫يكن يشرك معهما جانس آخر!‬
‫بينما يختلَّف الوضع تماما مع "النس"‪ ,‬فلَّم تأت كلَّمة "النس" في آي واحدة من‬
‫القرآن إل وكان معها الجن‪ ,‬وغالبا ا ما يكون الجن سابقا ا لها في الذكر‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫وكذلك لم يخاطب ا تعالى "النس" في آية واحدة‪ ,‬وإنما كان يخاطبهم مع الجن‪,‬‬
‫ويكون الجن سابقا ا لهم‪.‬‬

‫كذلك لم تأت صيغة الخطاب مثل ما أتت مع "الناس" و "النسان"‪ ,‬فلَّم يقل ا‪:‬‬
‫"يا أيها النس والجن" وإنما قال "يا معشر الجن والنس"‪ ,‬كما في اليتين‬
‫الفريدتين اللَّتين خاطب ا فيهما الجن والنس‪:‬‬
‫صومن معلَّمسيتكسم آميالتي موتينلذترأونمتكسم للمقاء‬ ‫سعل دمنتكسم يمقت س‬‫س أملمسم يمأستلتكسم ترأ ت‬
‫شمر اسللجدن مواللن ل‬ ‫"ميا ممسع م‬
‫يمسولمتكسم مهـمذا ‪] .....‬النعام ‪[130 :‬‬
‫ت مواسلمسرأ ل‬
‫ض مفانفتتذوا‬ ‫سمماموا ل‬
‫طالرأ ال ي‬ ‫ستمطمسعتتسم مأن متنفتتذوا لمسن أمسق م‬ ‫س إللن ا س‬ ‫شمر اسللجدن موا س للن ل‬‫ميا ممسع م‬
‫طادن ]الرحمن ‪"[33 :‬‬ ‫مل متنفتتذومن إليل بل ت‬
‫سسلَّ م‬
‫وعلَّى النقيض نجد أن ا تعالى خاطب الجن في آية ولم يخاطب النس‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫س ‪] ....‬النعام ‪"[128 :‬‬ ‫ستمسكثمسرتتم دممن اللن ل‬ ‫شمر اسللجدن قملد ا س‬ ‫شترتهسم مجالميعا ا ميا ممسع م‬ ‫"مويمسومم يلسح ت‬

‫وهنا يجب علَّينا أن نتساءل‪ :‬لماذا تيجمع النس مع الجن دوما‪ ,‬لماذا ل تيذكرون‬
‫بمفردهم؟ ولماذا التعبير ب "معشر" والذي يفيد التداخل والتخلَّطة؟ هل يكون في‬
‫هذا إشارأة إلى أنهم من جانس واحد‪ ,‬وأنهم يحيون مع بعضهم؟!‬
‫إجاابة هذا السؤال تعتمد علَّى تحديد معنى "النس"‪ ,‬فهل هو مسادو للَّناس أو‬
‫ت لفئة معينة منه؟!‬ ‫النسان؟ أي أنه يدل علَّى الجنس البشري عامة‪ ,‬أم أنه نع ع‬
‫فإذا كان مسادو لهما‪ ,‬كان هذا دليلا حاسماا علَّى أن الجن جانس غير البشر‪ ,‬أما إذا لم‬
‫يكن مسادو لهما‪ ,‬فيكون في هذا إشارأة إلى احتمال كون الجن طائفة بارأزة من‬
‫البشر‪ ,‬كما هو الجن في كل شيء‪ ,‬حتى في الملئكة!‬

‫الناظر في المعاجام اللَّغوية ل يجد فرقا ا جالَّياا بين النس والنسان‪ ,‬فالنس في‬
‫المعاجام هو البشر‪ ,‬إل أن الناظر يجد أن المعاني المرتبطة بال "تأنس" هي الظهورأ‬
‫وعدم الوحشية والجاتماع‪ ,‬فإذا نظرنا في لسان العرب ألفينا ابن منظورأ يقول‪:‬‬
‫س‪ .‬تقول‪ :‬رأمأيت بمكان كذا وكذا‬ ‫س‪ ،‬وهم المنم ت‬ ‫س جاماعة الناس‪ ،‬والجمع تأنا ع‬ ‫"واللسن ت‬
‫س البشر‪،‬‬ ‫شلة‪ (.....) ،‬واللسن ت‬ ‫س‪ :‬خلف الموسح م‬ ‫أممنسا ا كثيراا مأي ناسا ا كثيراا )‪ (.....‬والمنم ت‬
‫سني وأممنسني مأيضا ا ‪ (.....) .‬في الحديث‪ :‬مأنه نهى عن التحتمر اللنسيية يوم‬ ‫الواحد إلسن ل‬
‫س مأهل المممحدل‪ ،‬والجمع‬ ‫س‪ ،‬وهو ضد الوحشة‪ (.....) ،‬والمنم ت‬ ‫مخسيمبر؛ )‪ (.....‬والتسن ت‬
‫س واللسن ت‬
‫س‬ ‫س والتسن ت‬‫سك‪ (.....) .‬والمنم ت‬ ‫سك مأي كيف نمسف ت‬ ‫س )‪ (.....‬وقالوا‪ :‬كيف ابتن إلسن ت‬ ‫أنا ع‬
‫م‬
‫سه‪ :‬رأآه وأبصره‬ ‫س‬
‫ستمأنم م‬ ‫ص وا س‬ ‫شسخ م‬ ‫س ال ي‬ ‫سه‪ .‬وآنم م‬ ‫م‬
‫س الشيمء‪ :‬أمح ي‬ ‫س‬
‫الطمأنينة‪ (.....) ،‬وآنم م‬
‫سه‪ :‬رأآه ومأبصره‬ ‫ستمأسنم م‬‫ص وا س‬ ‫شسخ م‬ ‫س ال ي‬ ‫سه‪ .‬وآنم م‬‫س الشيمء‪ :‬أممح ي‬ ‫ونظر لإليه )‪ (.....‬وآنم م‬
‫ونظر لإليه"‪ 92‬ا‪.‬هـ‬

‫إل أن الناظر يلَّحظ فارأقا في المعنى رأاجاعع إلى زيادة المبنى‪ ,‬فكلَّمة "إنسان" هي‬
‫"إنس" زيد إليها اللف والنون‪ ,‬فأصبحت علَّى وزن فعلن مثل جاوعان وعطشان‪.‬‬

‫‪ 92‬جمال الديإن بن منظور‪ ,‬لسان العرب‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد ا علي الكبير وغيره‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.148.‬‬

‫‪77‬‬
‫"وهي صيغة مبالغة تدل على الكثرأة والزيادة‪ ,‬وتفيد الحدوث والتجدد والمتلء‬
‫بالسمة! فالسمة البارأزة العالية المسيطرأة فيه هي النإس‪ ,‬وهي ل تكون إل في‬
‫تجمع وطمأنإينإة‪ ,‬نإابعة من البعد عن الوحشية )الحيوانإية(‪ ,‬فإذا ينإزعت منإه انإتكس‬
‫وصارأ وحشا كما كان سابقا!‪ "93‬ا‪.‬هـ‬

‫والذي يظهر من استعمال العرب للَّكلَّمة أن النس هم تلَّكم الجماعة التي يؤنس‬
‫ضها بعضاا‪ ,‬فيؤمن كعل منهم للخر المن والحماية‪ .‬والنسان هو ذلك الكائن‬ ‫بع ت‬
‫المنتمي إلى النس‪ ,‬والذي ظهرت فيه سمة النس‪ ,‬فترك الوحشية وانطوى تحت‬
‫لواء تلَّك الجماعة‪.‬‬

‫فإذا لم نجد تفريقا واضحاا في لسان العرب‪ ,‬نقصد كتاب ا لننظر‪ ,‬هل فرقا بين‬
‫النس والناس‪/‬النسان؟‬
‫بخلف الفروقا التي ذكرناها‪ ,‬نجد أن ا تعالى لم يذكر مادة خلَّق النس‪ ,‬فلَّم يقل‬
‫أنه خلَّق "النس" من كذا –كما لم يفعل مع الجن‪ ,-‬كما لم يثني علَّى خلَّقه‪ ,‬فيقول‬
‫أنه مخلَّوقا في هيئة حسنة مثل! كما لم نجد أي عرض للَّجانب التختلَّقي للنس‪ ,‬فلَّم‬
‫ل‪ :‬وكان النس ضعيفا‪ ,‬وكان النس قنوتا!‬ ‫يقل مث ا‬

‫كما نجد أن النس تيذكر دوما ا مجموعا ا –مقروناا بالجن‪ -‬فلَّم نجد آية تتكلَّم عن طائفة‬
‫منهم‪ ,‬علَّى عكس الناس‪ ,‬الذين يقول ا الخبير في حقهم أن منهم من يفعل كذا‬
‫وكذا‪ ,‬فال تعالى قال في اثنتي عشرة آية " ولمن الناس ممن ‪ ,"....‬بينما لم نجد آية‬
‫واحدة تقول‪" :‬ولمن النس ممن ‪"...‬‬

‫يظهر لنا من هذه الفروقا كللَّها‪ ,‬أن القرآن قد قسم البشر إلى طائفتين‪ ,‬وهاتان‬
‫الطائفتان معشر مختلَّط‪ ,‬وهما النس والجن‪.‬‬
‫وإذا كان الجن هو الشديد القوي في الشيء‪ ,‬فيكون النس هو الطرف المقابل‬
‫فيكون هم عوام الناس‪ .‬وبهذا يمكننا القول أن جان البشر هم القادة والسياد‬
‫المستكبرون‪ ,‬وأن النس هم من نسميهم عوام الناس‪ ,‬والذين يلَّعبون دورأ التباع‪.‬‬

‫وقد يستغرب القارأئ أن يكون هناك جان في البشر‪ ,‬ولكن لسان العرب يقول أن لكل‬
‫شيء جان‪ ,‬ووجادنا في الملئكة جان‪ ,‬فما المانع أن يكون في البشر جان؟!‬
‫قد يرفض القارأئ ذلك لنه رأأى أن القرآن استعمل تركيبة "شياطين النس" و‬
‫"شياطين الجن"‪ ,‬فكيف يكون هناك جان من البشر؟!‬
‫نقول‪ :‬استعمال القرآن لهذه التركيبة "شياطين الجن" رأاجاع إلى أن كلَّمة "الجن"‬
‫في حد ذاتها كلَّمة تتطلَّق علَّى الكبير والعظيم والخارأقا‪ ,‬كائنا ما كان‪ ,‬المهم أن يكون‬
‫يعمل في خفاء وخفة ومهارأة‪ ,‬بينما كلَّمة "شيطان" هي كلَّمة ذم‪ ,‬تشير إلى الشر‪.‬‬
‫فشياطين الجن من البشر ومن غيره‪ ,‬وشياطين النس من البشر فقط‪.‬‬

‫‪ 93‬عمرو الشاعر‪ ,‬السوبرمان بين نيتشه والقرآن‪ ,‬ص‪.85.‬‬

‫‪78‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫ا والجن‬
‫هل خلقا ال الجن؟!‬
‫كان من المفترأض أن يكون هذا الفصل لتنإاول اليات المتعلقة بالجن في القرأآن‪,‬‬
‫ولكلنإا رأأينإا أنإه من الواجب علينإا قبل هذا التنإاول أن نإدعو القارأئ الكرأيم ليتذكرأ ال‬
‫العظيم في هذه المعادلة‪ ,‬وليسأل نإفسه‪ :‬هل خلقا ال تعالى الجن‪94‬؟!‬
‫وحاشا ل أن يكون غيرأه خالقا لخلدقا في كونإه‪ ,‬ولكن التصورأ الموجود عنإد‬
‫المسلمين ل يتفقا مع كمالت ال وأسماءه الحسنإى‪.‬‬

‫وهذه النإقطة كانإت من أكبرأ أسباب جزمنإا بعدم وجود ذلك الكائن بهذا التصورأ‪,‬‬
‫فلسنإا من أولئك النإفرأ الذين يرأفضون الجن لنإه غيرأ مرأئي ول محسوس‪ ,‬ونإحن‬
‫نإقول أنإه ل يوجد ما يمنإع عقل من وجود كائدن غيرأ النإسان‪ ,‬له قدرأات تختلفا عن‬
‫قدرأات النإسان‪ ,‬ولكلنإا نإرأفض أن يقال أن الدليل العقلي على تصديقه‪ ,‬فهذا ما ل‬
‫دليل عليه! فلو يوجد سيكون من عالم الغيب الذي ينإحصرأ دورأ العقل في التصديقا‬
‫على عدم تنإاقضه مع المسلمات‪ ,‬أم أن يثبته فهذا ما ل ريقبل!‬
‫كما نإرأفض دعوى من يدعي أن المشاهدة دللت عليه‪ ,‬فليست أقوال المرأضى‬
‫والمخابيل وأصحاب الخيالت والوهام بدليل‪.‬‬

‫ونإعود فنإقول‪ :‬لقد ظهرأت تصورأات الكائنإات الخرأافية عنإد مجتمعات لم يكن لديها‬
‫تصورأ سليم عن الخلقا الحكيم‪ ,‬فلم تكن صورأة الله عنإدهم كالموجودة عنإد‬
‫المسلمين‪ ,‬فكانإوا يقبلون عليه العبث‪ ,‬ويقولون بصدورأ الخطاء منإه‪ ,‬وغيرأ ذلك‬
‫من النإقائص‪ .‬وكل مسلم ينإزه ال عن أي العبث‪ ,‬وعن أي نإقيصة‪ ,‬لذا فإنإنإا نإطرأح‬
‫عليه السؤال الحتمي‪ :‬لماذا خلقا ال الجن؟‬

‫‪ 94‬حديإثنا هنا عن الجن تبعال للتصور المشتهر بين المسلمين وهو الكائان الناري المكلف‪ ,‬وليس تبعال للتصور الذي قدمناه في الفصل‬
‫السابق‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫سؤارل قد ل يخطرأ بذهن أكثرأ المسلمين‪ ,‬لنإهم يظنإون أنإه من البديهيات‪ ,‬فلقد‬
‫خلقهم ال ليعبدوه‪ ,‬كما قال في سورأة الذارأيات‪.‬‬
‫ونإحن نإقرأ أنإه سبحانإه ما خلقا خلقا إل ليعبده ويسبحه! ولكن السؤال الذي نإطرأحه‪:‬‬
‫ما هو الدورأ الذي يقوم به الجن في حياته؟‬

‫لقد خلقا ال النإسان وجعله خليفة الرأض‪ ,‬وطلب إليه أن يعمرأها‪ ,‬فلم يخلقه‬
‫ليصلي ويسلبح ويذكرأه فقط‪ ,‬وإنإما يعمرأ الرأض ويكتشفها‪ ,‬فيعيش النإسان طالبا‬
‫للرأزقا مصلحا للرأض‪ ,‬يعمل أي عمل‪ ,‬فيتاجرأ هذا ويزرأع ذاك‪ ,‬ويخطط آخرأ‪,‬‬
‫ويعلم غيرأهم ‪ ....‬وهكذا‪ ,‬وعليهم في أثنإاء عملهم هذا أن يلتزموا شرأع ال العليم!‬
‫فل يسرأقون ول يغشون ول يزنإون‪ ,‬وعليهم أن يعدلوا ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫وخلقا الملئكة وجعل لها أدوارأا في تسييرأ الكون ومساعدة النإسان ومسانإدته‪,95‬‬
‫وهم بقيامهم بهذه الدوارأ يعبدون ال!‬
‫ولم يخلقا ال شياطين‪ ,‬فال ل يخلقا الشرأ‪ ,‬وإنإما هنإاك شرأ فيما خلقا‪ ,‬وإنإما خلقا‬
‫ملئكة وتملرأد بعضهم فأصبحوا شياطين‪ ,‬فلعبوا دورأا آخرأ في الكون!‬
‫والسؤال هو‪ :‬ماذا يفعل الجن؟ هل لهم حضارأات؟ هل عنإدهم تطورأ وتقدم علمي؟!‬
‫ما هي وظيفتهم؟ لقد جعل ال النإسان خليفة في الرأض‪ ,‬فما هو دورأ الجن؟!‬
‫هل خلقهم عاطلين؟!‬

‫إن الصورأة الموجودة للجن في الترأاث تقول أنإه كائن طفيلي! ليس له أي عمل ول‬
‫دورأ‪ ,‬إل أن يؤذي النإسان ويرأكبه‪ ,‬كما أنإه كائن غبي! فعلى الرأغم من أنإه مخلورقا‬
‫قبل النإسان‪ ,‬إل أنإه يقلد النإسان في كل ما يفعله‪ ,‬ولست أدرأي كيفا سيكون حال‬
‫الجن بدون النإسان‪ ,‬الذي يتطفل عليه في كل شيء‪ ,‬حتى في نإتاجه الحضارأي‪,‬‬
‫فيعيش بنإفس الطرأيقة التي يحيى بها النإسان وعليه أن يؤمن بالنإبياء والرأسل‬
‫الذين يرأسلون إلى النإسان! وعلى الرأغم من تخلفه الفكرأي هذا وتطفله‪ ,‬فإنإه‬
‫يستطيع أن يوسوس للنإسان!!‬

‫‪ 95‬للملئاكة دور عظيم في حياة النسان وفي تسيير الكون ‪ ,‬و نذكر هنا بعضا من وظائاف الملئاكة حتى يإتذكر النسان فضل ا عليه‬
‫في تسخيرهم له ‪ ,‬ويإتذكر دورهم في حياته ‪:‬‬
‫اح ‪] ....‬الرعد ‪"[11 :‬‬ ‫ظونسهص حمبن أسبمر ح م‬ ‫ت ممن بسبيحن يإسسدبيإحه سوحمبن سخبلفححه يإسبحفس ص‬ ‫‪ -1‬حفظ النسان من كثير من المخاطر‪ " :‬لسهص صمسعقمسبا ل‬
‫فالملئاكة تقوما بحفظ النسان من كثير من المخاطر التي يإتعرض لها وقد يإنجو منها بطريإقة غريإبة ‪ ,‬ول يإتفكر كيف نجا من هذا‬
‫الموقف‪ ,‬ويإظن في نهايإة المطاف أنها صدفة !!‪.‬‬
‫ف سوسل تسبحسزبن إحتنا صمنسجَجو س‬
‫ك‬ ‫ق بححهبم سذبرعا ل سوسقاصلوا سل تسسخ ب‬ ‫ضا س‬‫ت صرصسلصسنا صلوطا ل حسيسء بححهبم سو س‬ ‫‪-2‬إنزال العذاب بالقواما الطاغية الظالمة " و سلستما سأن سجاء ب‬
‫سصقوسن ]العنكبوت ‪-3. [34, 33 :‬‬ ‫ت حمسن ابلسغابححريإسن إتنا صمنحزصلوسن سعسلى أسبهحل هسحذحه ابلقسبريإسحة حربجزال ممسن التسسماحء بحسما سكاصنوا يإسبف ص‬ ‫ك إحتل ابمسرأستس س‬
‫ك سكانس ب‬ ‫سوأسبهلس س‬
‫ص‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ت‬
‫ق حعسباحدحه سويإصبرحسصل سعلبيكم سحفظة سحتسى إحذا سجاء أسحسدكصم السمبوت تسسوفتهص صرصسلسنا سوهصبم ل يإصفمرطوسن ]النعاما ‪-4 . [61 :‬‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ص‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ب‬
‫توفي النفس " سوهصسو القاحهصر فبو س‬
‫ب إحلسبيحه حمبن سحببحل ابلسوحريإحد إبذ يإستسلستقى‬ ‫س بححه نسبفصسهص سونسبحصن أسبقسر ص‬ ‫مراقبة النسان وتدويإن أعماله التي اقترفها‪" :‬سولسقسبد سخلسبقسنا ا ب حلنسساسن سونسبعلسصم سما تصسوبسحو ص‬
‫ب سعحتيلد ]قـ ‪.[16,17 18,:‬‬ ‫ابلصمتسلسقمسياحن سعحن ابليسحميحن سوسعحن المشسماحل قسحعيلد سما يإسبلفحظص حمن قسبونل إحتل لسسدبيإحه سرحقي ل‬
‫ك إحسلى ابلسملَئاحسكحة أسمني سمسعصكبم فسثسبمصتوبا ال تحذيإسن آسمصنوبا سسأ صبلحقي‬ ‫‪ -5‬تثبيت المؤمنين ونصرتهم في ساحات القتال نصرا معنويإا وماديإلا‪" :‬إحبذ صيإوححي سرجَب س‬
‫ضحرصبوبا حمبنهصبم صكتل بسسنانن ]النفال ‪ "[12 :‬ا‪.‬هـ‬ ‫ق السبعسنا ح‬
‫ق سوا ب‬ ‫ضحرصبوبا فسبو س‬ ‫ب ال تحذيإسن سكفسصروبا التربع س‬
‫ب سفا ب‬ ‫حفي قصصلو ح‬
‫منقول بتصرف من كتاب " التوحيد عقيدة المة منذ آدما " ‪ ,‬من إصدارات جمعية التجديإد‬

‫‪80‬‬
‫ونإذكرأ هنإا نإموذجين للقارأئ يظهرأان الجن –تبعا للتصورأ المشهورأ‪ -‬كائنإا طفيليا‪,‬‬
‫مجبررأ على سرأقتنإا والنإتفاع بممتلكاتنإا بدون إذنإنإا!‬
‫أولهما ما رأواه المام البخارأي‪:‬‬
‫ات معسنهت مقامل‪:‬‬ ‫ضمي ي‬ ‫سيلريمن معسن أملبي تهمرسيمرةم مرأ ل‬ ‫" ‪ ....‬معسن تممحيملد سبلن ل‬
‫ت فممجمعمل يمسحتثو‬ ‫ضامن فمأ ممتالني آ د‬ ‫سلَّيمم بللحسفلظ مزمكالة مرأمم م‬ ‫ات معلَّمسيله مو م‬‫صيلَّى ي‬ ‫ال م‬ ‫سوتل ي‬ ‫مويكلَّملني مرأ ت‬
‫سلَّيمم‪.‬‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬ ‫ال م‬ ‫سولل ي‬ ‫ال ملمسرأفممعنيمك إلملى مرأ ت‬ ‫ت‪ :‬مو ي‬ ‫لمسن الطيمعالم فمأ ممخسذتتهت‪ ,‬موقتسلَّ ت‬
‫شلديمدةع‪.‬‬‫مقامل‪ :‬إلدني تمسحمتاعج مومعلَّميي لعمياعل موللي محامجاةع م‬
‫سلَّيمم‪ :‬ميا أممبا تهمرسيمرةم مما فممعمل‬ ‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬ ‫ت فممقامل النيبلسي م‬ ‫صبمسح ت‬ ‫ت معسنهت‪ ,‬فمأ م س‬ ‫مقامل‪ :‬فممخلَّيسي ت‬
‫شلديمدةا مولعمياال فممرلحسمتتهت فممخلَّيسي ت‬
‫ت‬ ‫شمكا محامجاةا م‬ ‫ال م‬ ‫سومل ي‬ ‫ت‪ :‬ميا مرأ ت‬ ‫سيترمك اسلمبالرأمحةم؟ مقامل قتسلَّ ت‬ ‫أم ل‬
‫ات‬‫صيلَّى ي‬ ‫ال م‬ ‫سولل ي‬ ‫سيمتعوتد للقمسولل مرأ ت‬‫ت أمنيهت م‬ ‫سيمتعوتد‪ .‬فممعمرسف ت‬‫سلبيلَّمهت‪ .‬مقامل‪ :‬أممما إلنيهت قمسد مكمذبممك مو م‬ ‫م‬
‫سيمتعوتد‪.‬‬ ‫سلَّيمم إلنيهت م‬
‫معلَّمسيله مو م‬

‫ات معلَّمسيله‬‫صيلَّى ي‬ ‫ال م‬ ‫سولل ي‬ ‫صسدتتهت فممجامء يمسحتثو لمسن الطيمعالم فمأ ممخسذتتهت فمقتسلَّ ت‬
‫ت‪ :‬ملمسرأفممعنيمك إلملى مرأ ت‬ ‫فممر م‬
‫ت‬
‫صبمسح ت‬ ‫سلبيلَّمهت‪ .‬فمأ م س‬
‫ت م‬ ‫سلَّيمم‪ .‬مقامل‪ :‬مدسعلني فمإ لدني تمسحمتاعج مومعلَّميي لعمياعل مل أمتعوتد فممرلحسمتتهت فممخلَّيسي ت‬ ‫مو م‬
‫سيترمك؟ )‪(.....‬‬ ‫سلَّيمم‪ :‬ميا أممبا تهمرسيمرةم مما فممعمل أم ل‬ ‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬ ‫ال م‬‫سوتل ي‬ ‫فممقامل للي مرأ ت‬
‫ب‪ ,‬تمسعلَّمتم ممسن تتمخالط ت‬
‫ب‬ ‫صمدقممك موتهمو مكتذو ع‬ ‫سلَّيمم‪ :‬أممما إلنيهت قمسد م‬ ‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫فممقامل النيبلسي م‬
‫صيلَّى ي‬
‫طاعن‪ "96.‬ا‪.‬هـ‬ ‫شسي م‬ ‫ث لمميادل ميا أممبا تهمرسيمرةم؟ مقامل‪ :‬مل‪ .‬مقامل‪ :‬مذامك م‬ ‫تمسنتذ ثممل ل‬

‫فكما رأأينا فلَّقد اضطر هذا الشيطان للَّسرقة لنه كائن طفيلَّي‪ ,‬فماذا يفعل غير هذا؟!‬
‫وكذلك نجد مسلَّم يروي رأواية مشابهة لرواية البخارأي يقول فيها‪:‬‬
‫سلَّيمم‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬
‫سلممع النيبليي م‬ ‫ال رأضي ا عنه أمنيهت م‬ ‫" ‪ ...‬معسن مجاابللر سبلن معسبلد ي‬
‫ت‬‫طاتن ‪:‬مل مملبي م‬ ‫شسي م‬
‫ام لعسنمد تدتخوللله مولعسنمد طممعالمله‪ ,‬مقامل ال ي‬ ‫يمتقوتل‪ :‬إلمذا مدمخمل اليرتجاتل بمسيتمهت فممذمكمر ي‬
‫ت موإلمذا‬ ‫طاتن‪ :‬أمسدمرأسكتتسم اسلمملبي م‬‫شسي م‬
‫ام لعسنمد تدتخوللله‪ ,‬مقامل ال ي‬ ‫شامء‪ .‬موإلمذا مدمخمل فملَّمسم يمسذتكسر ي‬‫لمتكسم مومل مع م‬
‫شامءل‪ "97.‬ا‪.‬هـ‬ ‫طمعالمله‪ ,‬مقامل‪ :‬أمسدمرأسكتتسم اسلمملبي م‬
‫ت مواسلمع م‬ ‫ام لعسنمد م‬ ‫لمسم يمسذتكسر ي‬
‫فهنا يظهر التطفل أوضح ما يكون! ومعاذ ا أن يخلَّق كائنا ا عاقلا متطفلا يستبيح‬
‫أشياء النسان ويطلَّع علَّى عورأاته!!‬

‫وعلى الرأغم من أنإه من النإارأ فإنإه يتغذى بنإفس المواد التي يتغذى بها النإسان‪,‬‬
‫بدل من أن يكون له مصدرأ طاقة! ولنإهم عاطلون طفيليون‪ ,‬ليس لهم أي عمل أو‬
‫إنإتاج فهم يأكلون فضلت الحيوانإات والقمامة التي نإرأميها‪ ,‬وأحيانإا يحاول بعضهم‬
‫أن يرأتقي فيأكل شيئا آخرأ‪ ,‬فنإجده مضطرأا للسرأقة‪- ,‬كما جاء في الثرأ!‪-‬‬

‫إن مخترأعي هذه الخرأافات لم يقولوا أن للجن عالما وحضارأة خاصة به‪ ,‬كما لنإا‪,‬‬
‫وإنإما "حشرأوه" حشرأا معنإا في عالمنإا ودنإيانإا‪ ,‬يتصرأفا كما نإتصرأفا‪ ,‬على رأغم من‬
‫اختلفا طبيعته!‬
‫‪ 96‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ,‬صحيح البخاري‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ,‬الجزء الثالث‪ ,‬ص‪.101.‬‬
‫‪ 97‬مسلم النيسابوري‪ ,‬صحيح مسلم‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬الجزء الثالث‪1598 ,‬‬

‫‪81‬‬
‫ونإحن نإنإزه ال أن يخلقا كائنإا عاقل طفيليا‪ ,‬فإذا خلقا كائنإا مكلفا كلرأمه وشلرأفه‪ ,‬كما‬
‫أعلنإها صرأاحة أنإه كلرأم بنإي آدم‪ ,‬فلماذا أهان الجن وجعله عاطل؟!‬

‫الجن ‪ ...‬والشرأيعة‬
‫بعد أن رأأينإا أنإه من غيرأ اللئقا بال أن يخلقا كائنإا عبثا‪ ,‬نإنإتقل إلى نإقطة أخرأى‪,‬‬
‫وهي تكليفا ال تعالى الجن بما ل يطيقون‪ ,‬فهل يكلفا ال الرأحيم الجن بشرأعة‬
‫ل للنإاس‪ ,‬وهل يحاسبهم عليها؟! فإذا كان الجن مخاطبون بالسلم‪,‬‬ ‫يجعلت أص ل‬
‫فكيفا يطبقا الجن شرأائع السلم؟‬

‫فالجن المكلفا ‪-‬كما يرأون‪ -‬مخلوقا من النإارأ‪ ,‬يمكن تشبيهه بالشباح‪ ,‬يقدرأ على‬
‫التجسد‪ ,‬إل أن أصله كالدخان‪ ,‬فهل سيتوضأ بالماء؟ وإذا سرأقا –وسيسرأقا ل‬
‫محالة فهو طفيلي‪ -‬فهل نإقطع يده؟ وهل له يد أصل‪ ,‬وإذا كان‪ ,‬فكيفا نإقطع يده؟‬
‫وإذا زنإى كيفا نإجلده؟ و كيفا نإيعزرأه بالحبس؟!‬
‫وإذا قيل أنإه إذا تجسد يينإفذ كل هذا‪ ,‬فيمكنإه الوضوء ويمكن معاقبته‪ ,‬فإن هذا يعنإي‬
‫أن الشرأيعة غيرأ منإاسبة للجن بهيئتها الصلية‪ ,‬وعليها التجسد لتنإفذ الشرأيعة!‬
‫وإذا قبلنإا بهذا وقلنإا أن الجن سيتجسد لينإفذ أحكام الشرأيعة طائعا‪ ,‬فما الذي‬
‫سيجبرأه على التجسد لييجلد مثل أو لتقطع يده؟!‬

‫ثم لماذا وكيفا يحاسبه ال عز وجل على شرأعة لم يتجعل له وغيرأ منإاسبة له؟‬
‫لقد رأد ال على مطالب المشرأكين بإرأسال ملك بدلل من النإبي‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ض تملصئتكرة تيرميشوتن يمرطتمصئسنإيتن تلتنإلزرلتنإا تعتلريصهم سمتن اللستماصء تمتلكا لرأيسولل‬
‫يقل لرو تكاتن صفي اتلررأ ص‬
‫]السرأاء ‪[95 :‬‬
‫فالرأسول ل بد أن يكون من جنإس المرأسل إليه‪ ,‬فلنإهم بشرأ أرأسل ال إليهم بشرأا‬
‫رأسول‪ ,‬ولو كانإوا ملئكة لنإزل إليهم ملكا رأسول‪ ,‬فلماذا يكون رأسول الجن من‬
‫غيرأ جنإسهم‪ ,‬وعليهم اليمان به؟!‬
‫لقد قال الرأب العليم أن لنإا في رأسول ال أسوة حسنإة‪ ,‬فهل للجن في الرأسول‬
‫السوة الحسنإة؟ إن قدرأات الرأسول أقل بكثيرأ من قدرأات الجن‪ ,‬كما أن تكوينإه‬
‫مخالفا لتكوينإهم‪ ,‬فكيفا يكون قدولة حسنإة لهم؟!‬

‫وحاول بعض الذين انإتبهوا إلى هذا الشكالية حلها‪ ,‬بأن قالوا أنإه يمكن للجن تنإفيذ‬
‫بعض الحكام وما ل يمكنإه فهو غيرأ مخاطب به!‬
‫إل أن هذا يعنإي أن ال خاطب خلقا بشرأعة غيرأ منإاسبة‪ ,‬وأن اللتزام والخضوع‬
‫للمرأ أصبح بيد الجنإي‪ ,‬فيفعل أو ل يفعل!‬
‫وبغض النإظرأ عن أن ال لم يأمرأهم بأي أمرأ في القرأآن كله‪ ,‬فإنإه لم يبين لهم ما‬

‫‪82‬‬
‫عليهم اللتزام به وما ل يجب عليهم إتباعه‪- ,‬ومعاذ ال أن ينإزل كتابا غيرأ مبين‪,‬‬
‫ومن ثم سيحتاجون إلى رأسول‪ ,‬يبلين لهم ما عليهم‪ ,‬حتى ل يكون لديهم حجة بعد‬
‫الرأسل!!‬

‫هل يمكن وجود جن كافرأ؟!‬


‫يتعد هذه النإقطة من النإقاط التي لم ينإته إليها عامة المسلمين‪ ,‬إل أنإه من المنإطقي‬
‫أن نإتساءل‪:‬‬
‫كيفا يمكن وجود جن كافرأ‪ ,‬ويظل كافرأا وهو يرأى الملئكة ويستمع إليهم ويلمس‬
‫السماء؟ ‪-‬كما يعتقد أكثرأ المسلمين‪-‬‬
‫إن قبول المسلمين هذا القول لمن العجب العجاب‪ ,‬ومن العجب كذلك أن كثيرأا من‬
‫المسلمين يقبل بوجود جن نإصرأانإي وجن يهودي ومجوسي ‪ ....‬الخ الديان‬
‫الرأضية! ولست أدرأي كيفا يصدقون بوجودها‪ ,‬على الرأغم من وصولهم السماء‬
‫ومعرأفتهم بالملئكة وأحوالهم!‬

‫أما على قولنإا فل عجب من وجود الشياطين‪ ,‬فلقد كانإوا ملئكة ثم أصبحوا شياطين‬
‫–بدون تغييرأ في الصخلقة‪ ,‬فلم يكونإوا صبيضا فأصبحوا سودا‪ ,‬بقرأون وشعرأ كثيفا!‬
‫وإنإما بتغليرأ الدورأ‪ -‬ولنإه قد صدرأ الحكم بعقابهم‪ ,‬فهم يعملون على إدخال أكبرأ قدرأ‬
‫ممكن من البشرأ معهم في النإارأ‪ ,‬حتى ينإتقموا من البشرأ الذي عوقبوا بسببه!‬

‫ومن العجب أن كثيرأا من المسلمين يرأون أن الشياطين فرأيقا من الجن!‬


‫هذا يعنإي أنإهم كان لديهم قدرأات ما‪ ,‬فرألقاهم ال وجعلهم قادرأين على الوسوسة‬
‫للبشرأ! أو أن ال خلقهم أصل قادرأين على الوسوسة للنإسان‪ ,‬ولست أدرأي لماذا‬
‫يعطي ال خلقا أشرأارأا هذه القدرأة ابتدالء ولماذا يخلقهم أصل؟!‬

‫وختاما نإقول‪:‬‬
‫إن القول بوجود جن )عفارأيت( بهذه القدرأات التي يزعمون‪ ,‬يؤدي إلى التشكيك‬
‫في آيات النإبياء‪ ,‬و في كل شيء في هذه الدنإيا‪ ,‬فرأبما تشكل جنر و قام بفعل هذه‬
‫الشياء‪ ,‬ورأبما يكون النإبياء قاموا بهذه اليات بواسطة الجن‪.‬‬
‫أما مع القول بوجود ملئكة وشياطين‪ ,‬ليس لهم تدخل مادي في دنإيانإا‪ ,‬لن لهم‬
‫عالمهم ولنإا عالمنإا فل إشكال ول لبث على الطلقا!‬

‫‪83‬‬
‫القرأآن ‪ ...‬والجن‬

‫لقد قال الرأب العليم أن كتابه مفصل ومحكم‪ ,‬وإذا يقبل اختلفا الفهام في بعض‬
‫المسائل الفرأعية‪ ,‬فإنإه من غيرأ المقبول وقوع الختلفا حول أصل التكليفا‪ ,‬لذا‬
‫فإنإنإا سنإسأل القائلين بأن الجن مخاطب بالقرأآن‪ ,‬بأشكال عدة‪ ,‬متى وأين يكلفوا؟‬
‫وهل يجوز الستنإباط في التكليفا‪ ,‬أما ل بد من ورأوده بخطاب صرأيح‪ ,‬لذا فإنإنإا‬
‫نإدعو القارأئ للتفكرأ في النإقاط القادمة‪:98‬‬

‫‪ -1‬ما خاطب القرأآن إل النإاس‪ ,‬فلم يخاطب الجن قط‪ ,‬فلماذا لم يقل "يا أيها الجن"‪,‬‬
‫أليسوا مكلفين مثل النإاس على قولهم؟‬
‫س أيلملة تواصحتدلة تفتبتعتث البله اللنإصبسييتن‬ ‫‪ -2‬أنإزل ال كل الكتب لتحكم بين النإاس‪" ,‬تكاتن اللنإا ي‬
‫س صفيتما ارختتليفورا صفيصه‬ ‫يمتبسشصرأيتن تويمنإصذصرأيتن توتأنإتزتل تمتعيهيم ارلصكتتاتب صبارلتحسقا صلتيرحيكتم تبريتن اللنإا ص‬
‫كتبا لتحكم بين الجن أو الثنإين؟‬ ‫]البقرأة ‪ , [213 :‬فلم لم ينإزل ال العليم ل‬
‫‪ -3‬خاطب ال بنإي آدم في القرأآن أرأبع مرأات في الدنإيا ومرأة في الخرأة‪ ,‬ولم نإجد‬
‫أنإه خاطب بنإي الجن أو بنإي النإارأ قط‪.‬‬

‫س توالليه صبيكسل تشريدء‬ ‫‪ -4‬يضرأب ال المثال للنإاس فقط‪" ,‬توتيرضصرأيب الليه ارلتأرمتثاتل صلللنإا ص‬
‫تعصليرم ]النإورأ ‪ ,"[35 :‬فلم ل يضرأب أمثالا للجن تنإاسب طبيعتهم؟‬
‫س تلتعليهرم تيلتيقوتن ]البقرأة ‪:‬‬ ‫‪ -5‬بيلن ال آياته للنإاس فقط‪ " ,‬تكتذصلتك يتبسيين البله آتياصتصه صلللنإا ص‬
‫‪ , "[187‬فلم لم يبيلنإها للجن؟‬
‫ي‬
‫‪ -6‬أنإزل ال القرأآن والكتب نإورأال وهدى للنإاس‪" ,‬تشرهيرأ ترأتمتضاتن اللصذتي أنإصزتل صفيصه‬
‫س ]البقرأة ‪" ,[185 :‬يقرل تمرن تأنإتزتل ارلصكتتاتب اللصذي تجاء صبصه يموتسى ينإورأا‬ ‫ارليقررأآين يهلدى سلللنإا ص‬
‫كتبا هدى للجن؟‬ ‫س ‪]....‬النإعام ‪ , [91 :‬فلم لم ينإزل ل‬ ‫تويهلدى سلللنإا ص‬

‫‪ -7‬النإبياء والرأسل أرأسلوا من النإاس للنإاس فقط‪" :‬توتما أتررأتسرلتنإا صمن تقربصلتك إصلل صرأتجالل‬
‫بنإوصحي إصتلريصهم سمرن أترهصل ارليقترأى ‪] ...‬يوسفا ‪ ,"[109 :‬فلماذا لم يرأسل ال رأسل إلى‬
‫الجن؟‬
‫س صحتسايبيهرم تويهرم صفي تغرفتلدة لمرعصرأيضوتن‬ ‫ر‬
‫‪ -8‬سيحاسب ال النإاس فقط‪" ,‬اقتترأتب صلللنإا ص‬
‫]النإبياء ‪ ,"[1 :‬ألن يحاسب الجن؟‬
‫‪ -9‬أين كان هذا الجن المؤمن في مواقفا الشدة‪ ,‬التي كان يحتاجه المسلمون‬
‫فيها؟ ولماذا لم يتدخل الجن الكافرأ كذلك نإصرألة للكافرأين؟‬
‫نإحن لم نإجد أي ذكرأ في هذه المواقفا إل للملئكة أو الشيطان! فمثل‪:‬‬
‫" صإرذ ييوصحي ترأبتك إصتلى ارلتملصئتكصة أتسنإي تمتعيكرم تفتثسبيتورا اللصذيتن آتمينإورا تسيأرلصقي صفي يقيلوصب اللصذيتن‬
‫تكتفيرأورا اللرأرعتب ‪] ......‬النإفال ‪" [12 :‬‬

‫‪ 98‬إحقاق لا للحق فإن الجماعة الحمديإة )القاديإانية( هي من لفتت انتباهي إلى هذه النقطة‪ ,‬وهذه الدلة منقولة من بعضه كتبهم‪ ,‬بتصرف‬
‫كبير‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫"توإصرذ تزليتن تليهيم اللشريتطاين أترعتماتليهرم توتقاتل تل تغاصلتب تليكيم ارلتيروتم صمتن اللنإا ص‬
‫س توإصسنإي تجاررأ ليكرم‬
‫ص تعتلى تعصقتبريصه توتقاتل إصسنإي تبصرأيرء سمنإيكرم إصسنإي أتترأى تما تل ت ترأروتن إصسنإتي‬ ‫تفتللما ت ترأاءصت ارلصفتئتتاصن تنإتك ت‬
‫أتتخايفا الله توالبله تشصدييد ارلصعتقاصب ]النإفال ‪"[48 :‬‬
‫فأين هؤلء الجن المؤمن أو الكافرأ؟‬

‫ض توارلصجتباصل تفتأتبريتن تأن‬ ‫‪ -10‬قوله تعالى‪" :‬إصلنإا تعترأرضتنإا ارلتأتماتنإتة تعتلى اللستماتواصت توارلتأررأ ص‬
‫تيرحصمرلتنإتها توأترشتفرقتن صمرنإتها توتحتمتلتها ارلصإنإتساين إصلنإيه تكاتن تظيلوما تجيهولل ]الحزاب ‪" [72 :‬‬
‫فهذه الية تصرأح بأن النإسان هو الذي حمل المانإة‪ ,‬فلو كان الجن ‪-‬كما يدعون‪-‬‬
‫خلقار مستقل مخاطبر بالقرأآن‪ ,‬فهذا يعنإي أنإها نإست الجن!!‬
‫س تعتلريتها تلا‬‫‪ -11‬قوله تعالى‪" :‬تفتأصقرم تورجتهتك صللسديصن تحصنإيفا صفرطترأتة الللصه الصتي تفتطترأ اللنإا ت‬
‫س تلا تيرعتليموتن ]الرأوم ‪" [30 :‬‬ ‫ت ربصديتل صلتخرلصقا الللصه تذصلتك السديين ارلتقسييم توتلصكلن أتركتثترأ اللنإا ص‬
‫فال تعالى جعل الدين الفطرأة التي فطرأ النإاس عليها‪ ,‬و لم يقل أنإه فطرأ الجن‬
‫عليها‪ ,‬أفل يكون من التكليفا بما ل ييطاقا‪ ,‬أن نإطالب الجن باليمان بما هو غيرأ‬
‫مفطورأ عليه؟‬

‫فهذه أدلة كثيرأة على أن الجن غيرأ مخاطب بالقرأآن ‪ ,‬فل يمكن لحد – ممن يقول‬
‫بأن الجن خلقار مستقل‪ -‬أن يدعي أن ال يخاطب النإاس‪ ,‬ويعتبرأ الجن مخاطبال‬
‫بالجملة‪ ,‬فاليمان والكفرأ والوامرأ من ال ل توجه إلى الخلقا بالشارأة والتضمن‬
‫والتلميح‪ ,‬بل تكون صرأيحة ل وجه لي لبس فيها‪.‬‬
‫فالسادة العلماء قالوا‪ :‬هنإاك خلقا مختلفا مكلفا ومخاطب بالقرأآن اسمه الجن‪,‬‬
‫أبدا‪ ,‬فال يخاطبنإا نإحن ثم نإصرأ على أن هنإاك‬
‫ولكنإا لم نإجد ال يذكرأ هذا التكليفا ل‬
‫داخل معنإا في هذا الخطاب‪ ,‬فما دليلنإا على هذا الدعاء؟!!‬
‫ر‬ ‫خلقار آخرأ‬

‫الجن ‪ ..‬والجزاء‬
‫من المنإطقي ‪-‬تبعا لقولنإا‪ ,‬الذي يقول أن الجن هم القادة المستكبرأون‬
‫ل في كتاب‬ ‫المستعلون‪ -‬أن يكون الجن في الخرأة في النإارأ‪ ,‬وهذا ما وجدنإاه فع ل‬
‫ال تعالى‪ ,‬فهم ييذكرأون دوما في النإارأ‪ ,‬ولم ييذكرأوا مرأة واحدة في الجنإة‪.‬‬
‫ولقد سلبب هذا المرأ للقائلين بالجن النإارأي المكلفا إشكالية كبرأى‪ ,‬فإذا كانإوا‬
‫مكلفين مثلنإا‪ ,‬فلماذا ل يوجد لهم ذكررأ في الجنإة؟! فهل سيعاقبون فقط على‬
‫معصيتهم ول يثابون على طاعتهم إل النإجاة من النإارأ؟‬

‫بسبب هذه المسألة اختلفا العلماء في ثواب الجن اختلفا واسعا‪ ,‬ويعرأض لنإا‬
‫المحدث بدرأ الدين الشبلي الرأاء حول هذه المسألة‪ ,‬فيقول‪:‬‬

‫‪85‬‬
‫"اختلفا العلماء في الجن هل لهم ثواب على قولين‪ :‬فقيل‪ :‬ل ثواب لهم إل النإجاة‬
‫من النإارأ‪ .‬ثم يقول لهم‪ :‬كونإوا ترأابا مثل البهائم‪ ,‬وهو قول أبي حنإيفة‪ .‬حكاه ابن‬
‫حز وغيرأه عنإه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي الدنإيا‪ :‬حدثنإا داود بن عمرأ والضبي‪ ,‬حدثنإا عفيفا بن سالم عن‬
‫سفيان الثورأي عن ليث بن أبي سليم قال‪ :‬ثواب الجن أن ييجارأوا من النإارأ‪ ,‬ثم‬
‫يقال لهم‪ :‬كونإوا ترأابا‪(.......) .‬‬

‫القول الثانإي‪ :‬أنإهم يثابون على الطاعة ويعاقبون على المعصية‪ ,‬وهو قول ابن‬
‫أبي ليلى ومالك‪ .‬وذكرأ ذلك مذهبا للوزاعي وأبي يوسفا ومحمد‪ .‬ونإقل عن‬
‫الشافعي وأحمد بن حنإبل فقال‪ :‬نإعم لهم ثواب وعليهم عقاب‪ ,‬وهو قول أصحابهما‬
‫وأصحاب مالك‪ (......) .‬اختلفا العلماء في مؤمنإي الجن هل يدخلون الجنإة على‬
‫أرأبعة أقوال‪) :‬أحدها(‪ :‬أنإهم يدخلون الجنإة‪ ,‬وعليه جمهورأ العلماء )‪(....‬‬
‫)القول الثانإي(‪ :‬أنإهم ل يدخلونإها بل يكونإون في رأبضها يرأاهم النإس من حيث ل‬
‫يرأونإهم‪(.....) .‬‬
‫)القول الثالث(‪ :‬أنإهم على العرأافا‪ ,‬وفيه حديث مسنإد‪(...) .‬‬
‫)القول الرأابع(‪ :‬الوقفا ‪ "99...‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فلقد أتت كل جماعة من العلماء برأأي ل دليل عليه‪ ,‬حتى أنإنإا وجدنإا‬
‫من يقول أنإهم يدخلون الجنإة ول يأكلون ول يشرأبون! ومنإهم من قال أنإنإا نإرأاهم‬
‫ول يرأونإنإا –على خلفا الحال في الدنإيا!!‪ ,-‬وهي أقوال ما أنإزل ال بها من‬
‫سلطان‪ ,‬لذلك توقفا بعض العلماء في هذه المسألة‪ ,‬فعدل ال يقول أنإه من‬
‫المفترأض أن يثابوا كما أثيب البشرأ‪ ,‬لكن ل ذكرأ لثابتهم في الكتاب‪ ,‬لذلك توقفوا!‬

‫والذين قالوا أن ال يعاقبهم ول يثيبهم يبطلون فضل ال تبارأك وتقدس‪ ,‬أفل‬


‫يكفيهم أنإه كلفهم ما ل ينإاسبهم‪ ,‬فيجعلونإه يعاقبهم ول يثيبهم؟!‬
‫وكما رأأينإا فهي إشكالية كبرأى أوجدها قولهم أن الجن جنإس غيرأ البشرأ‪ ,‬أما على‬
‫قولنإا فل إشكال ول تعارأض بحمد ال‪.‬‬
‫يضافا إلى ذلك أنإنإا لم نإجد للجن ذكررأ عنإد جهنإم‪ ,‬فالذكرأ الحكيم يقول‪" :‬تفتوترأسبتك‬
‫تلتنإرحيشترألنإيهرم تواللشتياصطيتن يثلم تلينإرحصضترألنإيهرم تحروتل تجتهلنإتم صجصثليا ]مرأيم ‪"[68 :‬‬
‫فكما رأأينإا فالبشرأ والشياطين يحضرأون حول جهنإم جثيا‪ ,‬ثم ينإزع من كل شيعة‬
‫أيهم أشد على الرأحمن عتيا‪ ,‬وهذا يسبب لهم إشكالية مماثلة وهي أن الجن لم‬
‫ييحضرأوا! أما على قولنإا فل إشكال وذلك لن الجن طائفة في الجنإسين!‬

‫ولن المعنى الذي نقول به سيظل مستغربا ا ومرفوضاا من القارأئ‪ ,‬وذلك لنه يرى‬
‫أن آيات القرآن التي تتحدث عن الجن‪ ,‬ل تتحدث بحال عن بشر‪ ,‬فالنعوت المذكورأة‬
‫‪ 99‬بدر الديإن الشبلي‪ ,‬آكاما المرجان في أحكاما الجان‪ ,‬تحقيق‪ :‬إبراهيم محمد الجمل‪ ,‬ص‪.75-72.‬‬

‫‪86‬‬
‫لهم‪ ,‬ليست لبشر وإنما لكائنات أخرى‪.‬‬
‫لذا سنعرض في الفصل القادم ليات الجن في القرآن‪ ,‬لنبرين له كيف أنه يقرأها‬
‫قراءة سطحية‪ ,‬يتبع فيها من سبقه‪ ,‬وكيف أن القرآن ل يقول بما يقولون به‪ ,‬وكيف‬
‫أنهم لم يكونوا "يفسرون" النص القرآني‪.‬‬
‫كما سنعمل علَّى فض الشتباك بين اليات التي تتحدث عن شياطين الجان –والذين‬
‫كانوا ملئكة‪ -‬واليات التي تتحدث عن جان البشر‪ ,‬مظهرين كيف أن المفسرين قد‬
‫صبغوا جازاء كبيراا من الكتاب العزيز بصبغة الخرافة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫الجن في القرأآن‬

‫سورأة الجن‬
‫بعد هذا التمهيد الطويل والذي عرأضنإا فيه للتصورأات السلمية حول الكائنإات‬
‫السمعية عامة‪ ,‬والشكاليات المتعلقة بها‪ ,‬نإصل إلى النإقطة الحاسمة وهي تنإاول‬
‫اليات المتعلقة بالجن في القرأآن‪ ,‬لنإثبت أنإها إما في بشرأ أو في شياطين‪.‬‬
‫وأبرأز ما يستدل به القائلون أن الجن المذكورأ في القرأآن كائنإات غيرأ بشرأية هو‬
‫سورأة الجن‪ ,‬فالنإعوت المذكورأة فيها –من وجهة نإظرأهم‪ -‬ل تنإطبقا على البشرأ‪.‬‬

‫لذا سنإتنإاول هذه السورأة لنإبين أن القرأاءة المألوفة لهذه السورأة هي قرأاءة‬
‫سطحية للسورأة‪ ,‬تخالفا منإطوقها في الكلمات المحورأية‪ ,‬التي ينإبنإي عليها القول‬
‫ببشرأ أو بكائنإات أخرأى‪.‬‬
‫سنإتنإاول السورأة مقدمين الصورأة العامة للسورأة‪ ,‬والتي تظهرأ الوحدة‬
‫الموضوعية لها‪ ,‬والية البلينإة فيها –والتي لم يشغل أرأباب الرأأي الخرأ أنإفسهم‬
‫في البحث عنإها!‪ ,-‬كما سنإقدم تنإاول دقيقا لمفرأدات السورأة‪ ,‬يأخذها كما هي فل‬
‫يجعل حرأفا مكان حرأفا ول كلمة مكان كلمة‪.‬‬

‫ونإترأك للقارأئ في نإهاية المطافا الحرأية الكاملة في إتباع أي القولين‪ ,‬ذلك الذي‬
‫يخالفا منإطوقا اليات أم الذي يأخذها كما هي‪.‬‬
‫وعلى الرأغم من أن إثبات أن الجن في سورأة الجن بشرأ‪ ,‬دليرل كافا على أن الجن‬
‫في باقي السورأ بشرأ كذلك‪ ,‬إل أنإنإا سنإتنإاول باقي اليات حتى ل يكون في نإفس‬
‫القارأئ شيء منإها‪ ,‬وحتى ل يقع ضحية التفسيرأات الخرأافية لها‪ ,‬وكذلك حتى ل‬
‫تكون اليات التي تتحدث عن الشياطين متكلأ لمن يقول بالجن‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫وقبل أن نإبدأ نإشيرأ إلى أنإنإا لسنإا أول من قال أن الجن في القرأآن بشرأ‪ ,‬فهنإاك من‬
‫سبقنإا إلى ذلك‪ ,‬منإهم الدكتورأ محمد البهي وزيرأ الوقافا المصرأي السبقا‪ ,100‬إل‬
‫أنإنإا نإخالفهم في أنإنإا نإقول أن الجن المذكورأ في القرأآن منإهم بشرأ ومنإهم شياطين‬
‫–كانإوا في الصل ملئكة‪ ,-‬أما هم فيقولون أنإهم كلهم بشرأ‪.‬‬

‫التصورأ العام لسورأة الجن‬


‫يقرأأ عامة المسلمين سورأ القرأآن كآيات متنإاثرأات‪ ,‬ل يرأبطها رأابط ول يجمعها‬
‫جامع‪ ,‬إل ما كان من اتصال بين بعض اليات‪ ,‬ظاهرأ لكل ذي عينإين‪ ,‬فإن لم‬
‫يوجد فل حرأج فهي مجموعة آيات كونإت سورأة‪ ,‬ل يستطيع البشرأ أن يأتوا‬
‫بمثلها!‬
‫أما نإحن فنإرأى أن آيات كل سورأة متصلة ببعضها بعضا‪ ,‬منإطوية تحت موضوع‬
‫واحد‪ ,‬تتنإاوله السورأة من زوايا عجيبة‪.‬‬
‫ول يقتصرأ المرأ على آيات داخل السورأة نإفسها‪ ,‬وإنإما يتعدى المرأ إلى اتصال كل‬
‫سورأة بسابقتها ولحقتها‪ ,‬في بدايات وخواتيم السورأ‪- ,‬فنإجد أن بداية السورأة‬
‫منإاسبة لخاتمة ما قبلها‪ -‬وكذلك محتوى السورأة نإفسه‪ ,‬نإجد فيه اتصالل وتفصيل‬
‫لمحتوى السورأة السابقة بدرأجة ما‪.101‬‬

‫فلما نإظرأنإا في سورأة الجن ظهرأ لنإا وحدتها الموضوعية والصورأة التي تقدمها‪,‬‬
‫وسنإبدأ بتقديم الموضوع الذي قدمته السورأة‪ ,‬ثم نإقدم التصورأ العام لها‪:‬‬
‫الموضوع الرأئيس للسورأة هو أن الغيب بيد ال‪ ,‬وأنإه هو الذي سيحققا وعده للنإبي‬
‫بالنإصرأة وبنإزول العذاب بالمشرأكين‪ ,‬فإن لم يؤمن به مشرأكو مكة‪ ,‬فإن ال نإاصرأه‬
‫بغيرأهم‪ ,‬فقد آمن به كباررأ من غيرأهم‪ ,‬عنإدما اكتشفوا ضللهم بعد سماعهم القرأآن‪,‬‬
‫لذلك فعلى النإبي أل يضعفا ويخضع لطلبات المشرأكين بالكفا عن الدعوة أو‬
‫الشرأايك بال‪ ,‬وعليه الستمرأارأ في البلغ! وأن ل يتضايقا من سؤالهم عن ميعاد‬
‫نإزول العذاب بهم‪ ,‬فال وحده هو علم الغيوب‪ ,‬وهو من يقدم له الشارأات التي‬
‫تعلمه بقرأب تحققا الوعد‪ ,‬ليعلم النإبي أنإه وإخوانإه قد أبلغوا رأسالت رأبهم وأنإه‬
‫أحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا‪.‬‬

‫والبديع في هذه السورأة أنإها في أثنإاء حديثها عن تفرأد ال بالغيب‪ ,‬كشفت وسائل‬
‫الكهان ورأجال الدين‪ ,‬وبينإت أنإهم ل يعلمون الغيب‪ ,‬وإنإما لهم وسائلهم من التسمع‬
‫‪ 100‬يإرى الدكتور محمد البهي أن عالم الجن والملئاكة واحد‪ ,‬أما نحن فنرى أن الجن هم السادة المستكبرون في البشر أو الملئاكة أو‬
‫الشياطين‪ ,‬ولقد بحثت كثيرا عن تفسيره لسورة الجن والذي قال فيه أن الجن بشر‪ ,‬لنظر ماذا قال وكيف ومجه اليإات‪ ,‬إل أنني لم أجده!‬
‫‪ 101‬عرضنا لهذه القضية في كتابنا‪ :‬القرآن سورة واحدة‪ ,‬جزء عم نموذجا‪ ,‬لمسألة الوحدة الموضوعية لسور القرآن‪ ,‬وبمينا أن لكل سورة‬
‫وحدة موضوعية‪ ,‬والفارق بين ما قدمناه وقدمه غيرنا في هذا الموضوع –مثل الشيخ محمد الغزالي رحمه ا‪ -‬أنهم قالوا بأن السورة‬
‫تناقش موضوعات عدة متناسبة متناسقة‪ ,‬أما نحن فنقول أن السورة تناقش موضوعا واحدال فقط‪ ,‬يإندرج تحته عدلد من العناصر‪ .‬والكتاب‬
‫موجود على موقعنا الخاص‪- www.amrallah.com :‬‬

‫‪88‬‬
‫والنإظرأ في الكون حولهم‪ ,‬والتي تساعدهم على اكتشافا ما قد يخفى عن النإاس‪,‬‬
‫وليس هذا علما بالغيب وإنإما رأجما بالغيب!‬
‫وبعد أن علرأفنإا القارأئ بالموضوع الذي تنإاقشه السورأة‪ ,‬نإقدم له التصورأ العام لها‪.‬‬

‫جاء نإفرأ من الكهنإة أو رأجال الدين المسيحي متخفيين إلى النإبي الكرأيم ليستمعوا‬
‫القرأآن فلما سمعوا‪ ,‬قالوا ‪ -‬مخاطبين غيرأهم‪ -‬أنإهم سمعوا قرأآنإا عجبا‪ ,‬وأنإهم لما‬
‫سمعوا القرأآن اكتشفوا ما هم عليه من الشرأك‪ ,‬فآمنإوا بال وأعلنإوا أنإهم لن‬
‫يشرأكوا بال‪ ,‬وآمنإوا أن ال منإزه عن الصاحبة والولد‪ ,‬وأن سفيههم –كبيرأهم‪-‬‬
‫كان يقول على ال شططا‪ ,‬وأنإهم ظنإوا أن التباع والسادة )الدينإيون ورأجال المال‬
‫والحكم( لن يتقولوا على ال‪ ,‬وأن التباع الذين كانإوا يعوذون بالقادة لم ينإفعوهم‬
‫وإنإما زادوهم رأهقا‪ ,‬وأنإهم ظنإوا كما ظنإنإتم أنإه ل بعث بعد الموت ول رأسول بعد‬
‫عيسى!‬

‫وأنإا استقصينإا وفحصنإا السماء فوجدنإاها ملئت حرأسا شديدا وشهبا )وفي هذا دليل‬
‫على حدوث شيء عظيم( وأنإا كنإا نإقعد مقاعد لنإستمع أخبارأها فمن يستمع الن يجد‬
‫له شهابا دال ومشيرأا! وأنإا ل نإدرأي أأرأاد ال شرأا بمن في الرأض بهذه الشهب )إن‬
‫لم يؤمنإوا بنإبيه( أم أرأاد أنإها مجرأد علمة إرأشاد )إلى وجود نإبي وكتاب جديد!(‬
‫وآمنإا أنإنإا لسنإا على منإزلة واحدة‪ ,‬فمنإا الصالحون ومنإا دون ذلك‪ ,‬فنإحن مختلفون‬
‫تمام الختلفا فل نإلتقي أبدا‪ ,‬وأنإا ظنإنإا أن لن نإعجز ال في الرأض‪ ,‬ولن نإعجزه‬
‫بهرأوبنإا إلى أي مكان آخرأ! وأنإا لما سمعنإا الهدى آمنإا به ومن يؤمن برأبه ل يخافا‬
‫بخسا ول رأهقا‪ ,‬وأن من أسلم ملنإا فأولئك هم الذين تحرأوا وبحثوا وطلبوا الرأشد!‬
‫وأما القاسطون فكانإوا لجهنإم حطبا!‬

‫وهنإا ينإتهي حديث هؤلء النإفرأ وييخاتطب النإبي بأن هؤلء لو استقاموا لسقوا ماء‬
‫غدقا‪ ,‬ليفتنإوا فيه‪ ,‬ومن يعرأض عن ذكرأ رأبه ينإزل به عذابا صعدا! ثم يينإهى النإبي‬
‫عن دعاء أحد مع ال في المساجد مهما تكالب عليه الكافرأون وطلبوا إليه ذلك‪,‬‬
‫وأنإه للما قام سيدنإا عيسى يدعوه اجتمعوا ضده أشد التجمع!‬
‫ويؤمرأ النإبي بأن يعلن أنإه لن يترأك الدعوة إلى ال ولن يشرأك به‪ ,‬وأنإه ل يملك‬
‫ضرأا لهم وكذلك ل يملك رأشدا‪ ,‬وأنإه لن يجد أحدا أو شيئا يحميه وينإصرأه إل أن‬
‫يأتيه بلغ من ال يأمرأه بذلك‪ ,‬ومن يعص ال ورأسوله فله نإارأ جهنإم خالدا فيها‬
‫أبدا‪ ,‬وإذا رأأى المشرأكون العذاب نإازلل بهم فسيعلمون من أضعفا نإاصرأا وأقل‬
‫عددا! ثم يؤمرأ مجددا بأن يعلن أنإه ل يدرأي أقرأيب هذا أم يجعل ال له أمدا‪ ,‬فهو‬
‫وحده عالم الغيب ول يظهرأ على غيبه إل من ارأتضى من رأسول فإنإه يجعل له‬
‫رأصدا‪ ,‬ليعلم الرأسول أنإه قد أبلغ رأسالت رأبه وأنإه أحاط بما لديه وأحصى كل شيء‬
‫عددا!‬

‫‪89‬‬
‫الشيء وما يتضمنإه‬
‫بعد أن عرأضنإا للقارأئ التصورأ العام للسورأة‪ ,‬والذي قد يكون في نإفسه منإه شيء‪,‬‬
‫نإقدم له الدليل الثانإي على أن الجن في السورأة ليسوا كائنإات أخرأى‪ ,‬وإنإما هم‬
‫صنإفا من البشرأ‪ .‬وهذا الدليل هو أن السورأة فيها "ثنإائيات" عدة‪ ,‬ولكن هذه‬
‫الثنإائيات لم تقم على الشيء ونإقيضه أو ضده وإنإما على الشيء وما يحتويه! فهذه‬
‫إشارأة إلى أن الجن ليس جنإسا مستقل‪ ,‬وإنإما تابرع!‬

‫وفي هذا يقول الدكتورأ فاضل السامرأائي‪:‬‬


‫"النإاظرأ في السورأة كلها يجد أن ال تعالى لم يذكرأ فيها الشيء ونإقيضه أبدا وإنإما‬
‫جاء بالشيء وما يتضلمنإه‪ ,‬كما في قوله تعالى‪" :‬توأتلنإا تلا تنإردصرأي أتتشيرأ أيصرأيتد صبتمرن صفي‬
‫ض أترم أتترأاتد صبصهرم ترأبيهرم ترأتشلدا )‪"(10‬‬
‫ارلتأررأ ص‬
‫والرأشد ليس مقابل الشرأ وإنإما الخيرأ مقابله واليرأشد جزء من الخيرأ‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى‪" :‬توأتلنإا صملنإا اللصاصليحوتن توصملنإا يدوتن تذصلتك يكلنإا تطترأاصئتقا صقتدلدا )‪"(11‬‬
‫قال‪" :‬دون ذلك" مقابل "الصالحين" ولم يقل الطالحون‪ ,‬فا )دون ذلك( يمتد في ما‬
‫هو أقل صلحا إلى الفاسد‪.‬‬

‫وكذلك في الية موضع السؤال "القاسطون" ليست مقابل "المسلمون" وإنإما مقابلها‬
‫"الكافرأون"‪ ,‬وكل قاسط كافرأ وليس كل كافرأ قاسط‪ ,‬فذكرأ ما يتضمن لن "القاسطون"‬
‫جزء من الكافرأين‪.‬‬
‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫وكذلك في قوله تعالى‪" :‬توألنإا صملنإا ارليمرسصليموتن توصملنإا ارلتقاصسيطوتن تفتمرن أرستلتم تفأوتلصئتك تتحلرأروا‬
‫ترأتشلدا )‪ (14‬توأتلما ارلتقاصسيطوتن تفتكاينإوا صلتجتهلنإتم تحتطلبا )‪ (15‬ولم يقل‪" :‬وأما القاسطون‬
‫فلم يتحرأوا رأشدا" وإنإما قال تعالى‪) :‬تفتكاينإوا صلتجتهلنإتم تحتطلبا( وكذلك في استعمال‬
‫القاسطون مقابل‪ :‬من أسلم‪ ,‬في الية السابقة‪.‬‬

‫فهذا إذن سمرت السورأة كما في قوله تعالى‪" :‬يقرل إصسنإي تلا أترمصليك تليكرم تضنرأا توتلا ترأتشــلدا )‬
‫‪ "(21‬والنإفع مقابل اليضلرأ وليس الرأشد‪ ,‬وكذلك قوله تعالى‪" :‬يقرل إصرن تأردصرأي أتتقصرأيرب تما‬
‫يتوتعيدوتن أترم تيرجتعيل تليه ترأسبي أتتملدا )‪ "(25‬لم يقل "بعيد" وإنإما قال‪ :‬أمدا‪ ,‬والمــد هــو‬
‫الجل‪ .‬فكل السورأة ليس فيها شيء ومقابله وإنإما يأتي بالشيء وما يتضــمنإه‪"102‬‬
‫ا‪.‬هـ‬

‫فكما رأأينإا فهذه الثنإائيات إشارأة جلية على أن الجن المذكورأ في السورأة ينإطبقا‬
‫عليه نإفس المرأ‪ ,‬فهو ليس جنإسا مخالفا للبشرأ وإنإما متضمن فيه! وليست هذه‬

‫‪ 102‬مأخوذ من برنامج لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائاي‪ ,‬والذي كان صيإقدما على قناة الشارقة الفضائاية‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫الشارأة هي الدليل الكبرأ وإنإما اليات نإفسها تقول بذلك‪ ,‬ونإبدأ في تنإاول اليات‬
‫التي تؤكد ما نإقول به‪.103‬‬

‫جن ‪ ....‬مسيحي!‬
‫تبدأ السورأة بقوله تعالى‪ :‬بسم ال الرأحمن الرأحيم‬
‫يقرل يأوصحتي إصتللي أتلنإيه ارستتمتع تنإتفررأ صمتن ارلصجسن تفتقايلوا إصلنإا تسصمرعتنإا يقررأآتلنإا تعتجلبا )‪ (١‬تيرهصدي إصتلى‬
‫البرأرشصد تفتآتملنإا صبصه توتلرن ينإرشصرأتك صبترأسبتنإا أتتحلدا )‪ (٢‬توأتلنإيه ت تعاتلى تجبد ترأسبتنإا تما التتختذ تصاصحتبلة توتلا‬
‫توتللدا )‪(٣‬‬

‫أول ما يلحظه القارأئ أن هؤلء الجن لما سمعوا القرأآن آمنإوا وقالوا أنإهم لن‬
‫يشرأكوا برأبهم أحدا‪ ,‬وأنإه تعالى قردرأ ال‪ ,‬فلم يتخذ صاحبة ول ولدا!‬
‫فإذا نإظرأنإا فيما قاله المام الفخرأ الرأازي في تنإاوله لهذه الية وجدنإاه يقول‪:‬‬
‫"المسألة الثانإية‪} :‬تنإتفررأ لمن الجن{ جماعة منإهم ما بين الثلثة إلى العشرأة‪ ,‬رأوي أن‬
‫ذلك النإفرأ كانإوا يهودا‪ ،‬وذكرأ الحسن أن فيهم يهودا ونإصارأى ومجوسا ومشرأكين‪,‬‬
‫)‪ (....‬وكأن هؤلء الجن لما سمعوا القرأآن تنإبهوا لفساد ما عليه كفرأة الجن‬
‫فرأجعوا أولل عن الشرأك وثانإيا عن دين النإصارأى‪ "104.‬ا‪.‬هـ‬

‫أول ما يلحظه النإاظرأ في هذه الية يجد أن هؤلء الجن يدينإون بواحد من الديان‬
‫التي عليها أهل الرأض وهو المسيحية!‬
‫ولقد قال المام الرأازي أنإهم كانإوا خليطا من الديان لنإهم قالوا لن نإشرأك برأبنإا أحدا‬
‫وأنإه ما اتخذا صاحبة ول ولدا‪ ,‬ففهم أنإه كان فيهم مشرأكون ونإصارأى! بينإما نإرأى‬
‫نإحن أنإهم كانإوا مسيحيين‪ ,‬فالمسيحي يشرأك بال عيسى‪ ,‬ويؤمن أنإه اتخذ صاحبة‬
‫وولدا‪ ,‬فللما سمع هؤلء القرأآن أعلنإوا أن الشرأك باطل لذا فلن يشرأكوا بال ونإزهوه‬
‫عن الصاحبة والولد!‬

‫ولنا أن نتساءل‪ :‬كيف اقتنع الجن بالنصرانية المحرفة؟ ألم يكونوا قد رأأوا السيد‬
‫المسيح يدعو إلى ا‪- ,‬تبعاا للَّرأي الذي يقول أنهم يعيشون أعمارأاا جاد طويلَّة‪-‬‬
‫ورأأوا بولس يغرير وتيحرف؟ ورأأوا المبراطورأ قسطنطين تيطعم ديانته الوثنية‬
‫بالنصرانية؟ فلَّماذا وكيف آمنوا بها؟! وحتى علَّى فرض عدم درأايتهم بهذا‪ ,‬فلَّماذا‬
‫يؤمنون بالنصرانية أصل‪ ,‬إذا كان المسيح‪-‬تبعا للَّمسيحية الحالية‪ -‬قد افتدى بدمائه‬
‫خطايا البشر ‪-‬وليس الجن‪ ,-‬وحررأ البشر من خطيئة آدم الصلَّية والتي يولدون‬
‫محملَّين بها‪ ,‬وليس الجن؟! فما الذي يقنع الجن أن يؤمنوا بهذا المر الذي ل علقة‬
‫لهم به‪ ,‬إل إذا كان آدم أبوهم كذلك!!‬
‫‪ 103‬تناولنا السورة كاملة بتفصيل كبير على صفحات موقعنا‪ www.amrallah.com :‬وخشية الطالة اكتفينا بعرض النقاط التي نحتاج‬
‫على صفحات الكتاب‪ ,‬فمن أراد الستزادة فليرجع إليه‪.‬‬
‫‪ 104‬الفخر الرازي‪ ,‬مفاتيح الغيب‪ ,‬الجزء الثلثون‪ ,‬ص‪.137-136.‬‬

‫‪91‬‬
‫س الجن بعقيدة الفداء والصلب المزعومة‪ ,‬والتي‬‫وحقيقة لست أدرأي كيفا أقنإع إبلي ي‬
‫ل شأن للجن بها؟! فهل قال لهم أن ال –تعالى جده وتنإزه‪ -‬تجسد )تجنإن أو‬
‫تعفرأت( وافتدى بدخانإه خطايا الجن التي ورأثوها عن إبليس؟! إن المسيحية دين ل‬
‫يخاطب إل البشرأ! فلماذا يؤمن به الجن؟!‬

‫ما هي السورأة التي استمعوا إليها؟!‬


‫على الرأغم من اشتهارأ واقعة الجن‪ ,‬وكم ما قيل حولها‪ ,‬إل أنإنإا لم نإجد من‬
‫المفسرأين من اعتنإى بهذه المسألة‪ ,‬وهي‪:‬‬
‫ما هي السورأة التي استمع إليها الجن فآمنإوا وعترأفوا أن هذا كتاب سماوي وليس‬
‫كلما أرأضيا‪ ,‬وظهرأ لهم قردرأ ال ونإزهوه عن الصاحبة والولد؟‬

‫العجيب أنإنإا لم نإجد من يجيب هذا السؤال! ومن أجابه قال أن السورأة التي استمعوا‬
‫إليها كانإت سورأة العلقا! ولست أدرأي ما علقة سورأة العلقا بإبطال الشرأك‬
‫والنإصرأانإية؟! إن السورأة التي استمع إليها هؤلء النإفرأ يفترأض أن يكون فيها‬
‫كلمة‪ :‬قرأآن! وأن تكون تتحدث عن الشرأك والنإصرأانإية وتتحدث عن ال العظيم‪,‬‬
‫فما هي هذه السورأة؟‬

‫بعد نإظرأ طويدل في كتاب ال رأجحت أن تكون هذه السورأة هي سورأة النإعام‪,‬‬
‫ويحتمل أن تكون كذلك سورأة الكهفا! وإن كنإت أميل إلى كونإها النإعام! فسورأة‬
‫النإعام هي سورأة مكية‪ ,‬وفيها حديث طويل عن ال وعن قدرأته وخلقه‪ ,‬كما أنإها‬
‫تعرأضت للشرأك والمشرأكين في آيات عدة وأبطلته‪.‬‬

‫بالضافة إلى أنإها السورأة الوحيدة في القرأآن التي يذكرأ فيها "الصاحبة" –بالضافة‬
‫لسورأة الجن بداهة‪:-‬‬
‫ض أتلنإى تييكوين تليه توتلرد توتلرم ت يكن ليه تصاصحتبرة توتختلتقا يكلل تشريدء ويهتو‬
‫"تبصدييع اللستماتواصت تواتلررأ ص‬
‫صبيكسل تشريدء تعصليرم ]النإعام ‪"[101 :‬‬
‫كما أن الجن يذكرأ فيها في ثلثة مواطن‪ ,‬فلهذا كله رأجح عنإدي أن تكون النإعام‪.‬‬

‫وقلنإا باحتمالية أن تكون السورأة هي سورأة الكهفا استنإادا إلى التشابه الكبيرأ بين‬
‫كلمات السورأتين‪ ,‬بالضافة إلى الكلمات التي لم يتذكرأ إل في السورأتين!‬
‫فمن تلك التماثلت أن الجن ينإزهون ال عن الصحابة والولد‪" :‬تما التتختذ تصاصحتبلة توتلا‬
‫توتللدا )‪ (٣‬وفي سورأة الكهفا‪" :‬تويينإصذترأ اللصذيتن تقايلوا التتختذ الليه توتلدا )‪"(4‬‬
‫في الجن‪ " :‬يقررأآتلنإا تعتجلبا )‪ ,"(١‬وفي الكهفا‪" :‬صمرن آتتياصتتنإا تعتجلبا )‪"(٩‬‬

‫‪92‬‬
‫"توأتلنإيه تكاتن تييقويل تسصفييهتنإا تعتلى الللصه تشتطلطا )‪" "(٤‬تلتقرد يقرلتنإا إصلذا تشتطلطا )‪"(١٤‬‬
‫"توتلرن أتصجتد صمرن يدوصنإصه يمرل ت تحلدا )‪" "(٢٢‬توتلرن ت صجتد صمرن يدوصنإصه يمرل ت تحلدا )‪"105(٢٧‬‬

‫ومن يقرأأ سورأة الكهفا يعلم أنإها تبدأ بإنإذارأ الذين قالوا اتخذ ال ولدا )المسيحيون‬
‫ومن على شاكلتهم( وذكرأت قصة لنإفدرأ فرأوا بدينإهم إتباعا للرأشد وفرأارأا من‬
‫الضلل! وعن رأجل ابيتلي بالرأزقا والمال‪ ,‬وعن نإبي يجعل له علمة ليصل إلى عبد‬
‫آتاه ال علما من لدنإه‪ ,‬وعن رأجل أتاه ال سببا فأتبع سببا!‬
‫)ونإطلب إلى القارأئ أن يتذكرأ هذه النإقاط التي ذكرأنإاها فسيجد مثتلها في الجن(‬

‫وبفضل هذا التشابه استطعنإا وضع النإقاط على الحرأوفا في هذه السورأة‪ ,‬فهؤلء‬
‫النإفرأ الذين أتوا إلى الرأسول هم من النإصارأى‪ ,‬خرأجوا باحثين عن الحقا‪ ,‬مستنإدين‬
‫لعلمة ظهرأت لهم‪ ,‬كما خرأج سيدنإا موسى ليصل إلى العبد الصالح‪ ,‬ولما سمعوا‬
‫القرأآن أيقنإوا ببطلن دينإهم‪ ,‬وعادوا لينإذرأوا قومهم كما أنإذرأ الرأجيل صاحتب الجنإتين‬
‫الذي اغترأ بما عنإده‪.‬‬

‫رأجال الجن‬
‫نإواصل تنإاول آيات سورأة الجن‪ ,‬فنإصل أول آياتها المحورأية‪ ,‬وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫س تييعويذوتن صبصرأتجادل صمتن ارلصجسن تفتزايدويهرم ترأتهلقا )‪"(٦‬‬‫" توأتلنإيه تكاتن صرأتجارل صمتن ارلصإرنإ ص‬
‫وهذه الية دليرل جلي على أن هؤلء الجن كانإوا بشرأا‪ ,‬بدليل أنإهم كانإوا رأجالل‪ ,‬فهل‬
‫في الجن رأجال؟!‬
‫وحتى ل يظل في نإفس القارأئ من الية شيرء‪ ,‬سنإعرأض له ما قاله المام الفخرأ‬
‫الرأازي في تنإاوله للية ثم نإنإقد قوله‪.‬‬

‫يقول المام الفخرأ الرأازي في تفسيرأه‪:‬‬


‫"فيه قولن‪ :‬الول‪ :‬وهو قول جمهورأ المفسرأين أن الرأجل في الجاهلية إذا سافرأ‬
‫فأمسى في قفرأ من الرأض قال‪ :‬أعوذ بسيد هذا الوادي أو بعزيز هذا المكان من شرأ‬
‫جوارأ منإهم حتى يصبح‪.‬‬
‫د‬ ‫سفهاء قومه‪ .‬فيبيت في‬
‫وقال آخرأون‪ :‬كان أهل الجاهلية إذا قحطوا بعثوا رأائدهم‪ ،‬فإذا وجد مكانإا فيه كل‬
‫وماء رأجع إلى أهله فينإاديهم‪ ،‬فإذا انإتهوا إلى تلك الرأض نإادوا نإعوذ برأب هذا‬
‫الوادي من أن يصيبنإا آفة يعنإون الجن‪ ،‬فإن لم يفزعهم أحد نإزلوا‪ ،‬ورأبما تفزعهم‬
‫الجن فيهرأبون‪.‬‬

‫القول الثانإي‪ :‬المرأاد أنإه كان رأجال من النإس يعوذون برأجال من النإس أيضا‪ ،‬لكن‬
‫من شرأ الجن‪ ،‬مثل أن يقول الرأجل‪ :‬أعوذ برأسول ال من شرأ جن هذا الوادي ‪،‬‬
‫‪ 105‬التشابه بين السورتين كبير جدا‪ ,‬ولقد ذكرنا هنا جزء يإسيرلا منه‪ ,‬ويإمكن للقارئ استكمال باقي التشابهات على صفحات موقعنا‬
‫الشخصي‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫وأصحاب هذا التأويل إنإما ذهبوا إليه‪ ،‬لن الرأجل اسم النإس ل اسم الجن‪ ،‬وهذا‬
‫ضعيفا‪ ،‬فإنإه لم يقم دليل على أن الذكرأ من الجن ل يسمى رأج ل‬
‫ل‪ "106... ،‬ا‪.‬هـ‬

‫إذا كان المام الفخرأ الرأازي قال‪" :‬لم يقم دليل على أن الذكرأ من الجن ل ييسمى‬
‫رأجل"‪ ,‬فنإحن نإقول‪ :‬وما الدليل على أن الجن يتكون من ذكورأ وإنإاث؟! لم يقم دليل‬
‫كذلك على هذا المرأ؟ إن وطء النإثى للذكرأ ليس هو الشكل الوحيد للتكاثرأ في‬
‫الطبيعة‪ ,‬فهنإاك كائنإات تنإقسم مثل البكترأيا‪ ,‬فلماذا يكون الجن كذلك؟!‬
‫وإذا كانإوا قالوا أن الملئكة ل يوصفون بذكورأة ول أنإوثة‪ ,‬لختلفا ترأكيبهم عن‬
‫البشرأ‪ ,‬فلماذا قبلوا هذا مع الجن‪ ,‬والذي هو قرأيب جدا منإهم؟!‬

‫وعلى افترأاض أن الجن يتكون من ذكورأ وإنإاث‪- ,‬مع أن هذا من لوازم الكائنإات‬
‫ل؟ ما يسمي الرأجل رأجل إل‬ ‫الرأضية اللحمية‪ -‬فلماذا ييسمى ذكرأهم البالغ رأج ل‬
‫لرأرجله‪ ,‬لنإه يسعى على رأجله –والتي هي أقوى أعضائه‪ -‬طلبا للرأزقا أو لمبتغاه‪,‬‬
‫فهل الجن كذلك يمشون على أرأجلهم‪ ,‬ويسعون طلبا للرأزقا عليها؟!‬

‫بغض النإظرأ عن هذا كله فإن الية لم تقل من ماذا كان رأجال النإس يتعوذون برأجال‬
‫الجن‪- ,‬على خلفا كل آيات القرأآن والتي يذكرأ فيها المتعوذ منإه‪ -‬إل أن الية قالت‬
‫أنإه بسبب هذا التعوذ ازداد رأجال الجن رأهقا!‬
‫وهذا يعنإي أن رأجال الجن أصل كانإوا مرأهقين وزادهم هذا التعوذ رأهقا! ولنإا أن‬
‫نإتساءل‪ :‬لماذا كان رأجال الجن مرأهقين أصل‪ ,‬ثم زادهم هذا التعوذ رأهقا؟!‬

‫أما على قولنإا أن الجن هم الكابرأ )سواء كانإوا كبارأ رأجال الدين أو رأجال المجتمع‬
‫أو أكابرأ مجرأميها!( فإن هؤلء أصل يحملون على أكتافهم أوزارأ ومسئولية‬
‫أتباعهم الذين يضلونإهم ويسوقونإهم كالنإعام‪ ,‬فإذا نإزلت بهم النإازلة يهرأع هؤلء‬
‫إليهم ليعوذوا بهم منإها‪ ,‬بدل من أن يعوذوا بال‪ ,‬فيزداد هؤلء رأهقا على رأهقا!‬

‫لمس السماء‬

‫نإصل الن إلى اليتين الفاصلتين في سورأة الجن‪ ,‬واللتان هما أقوى أدلة القائلين‬
‫بالجن النإارأي‪ ,‬وهما قوله تعالى‪:‬‬
‫" توأتلنإا تلتمرستنإا اللستماتء تفتوتجردتنإاتها يمصلتئرت تحترألسا تشصديلدا تويشيهلبا )‪ (٨‬توأتلنإا يكلنإا تنإرقيعدي صمرنإتها‬
‫تمتقاصعتد صلللسرمصع تفتمرن تيرس تصمصع ارلتآتن تيصجرد تليه صشتهالبا ترأتصدلا )‪"(٩‬‬
‫فيقولون إن الجن يلمس السماء‪ ,‬ويقعد منإها مقاعد للسمع‪ ,‬وتغيرأ الحال بعد‬
‫الرأسول فمن يقعد ييحرأقا بشهاب! فكيفا يكون هؤلء بتشرأا؟‬
‫‪ 106‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.138.‬‬

‫‪94‬‬
‫والحقا أن النإظرأة السرأيعة تقول بنإفس ما يقولون به‪ ,‬ولكن النإاظرأ في كتب التفسيرأ‬
‫يجد أن هذا القول قد سبب للمفسرأين كثيرأا من الشكاليات في هاتين اليتين‪ ,‬ومن‬
‫ثم لم يجدوا بدا من النإحرأافا عن النإص القرأآنإي!‬
‫وحتى يظهرأ للقارأئ الكرأيم المواطن التي خالفا المفسرأون فيها النإص القرأآنإي‪,‬‬
‫فسنإعرأض ما ذكرأه المام الفخرأ الرأازي عنإد تنإاوله لهاتين اليتين‪ ,‬ونإتبعه بنإقد لما‬
‫يقول‪ ,‬حتى يظهرأ من يلوي النإصوص ويخالفها‪ ,‬ثم نإقدم بعد ذلك فهمنإا لها‪:‬‬

‫"اللمس‪ :‬المس فاستيعيرأ للطلب لن الماس طالب متعرأفا يقال‪ :‬لمســه والتمســه‪،‬‬
‫ــماء‬ ‫ــوغ الس‬ ‫ــا بل‬
‫ــى طلبنإ‬
‫ومثله الجس يقال‪ :‬جسوه بأعينإهم وتجسسوه‪ ،‬والمعنإ‬
‫واستماع كلم أهلها‪ ,‬والحرأس اسم مفرأد في معنإى الحرأاس كالخدم في معنإى الخدام‬
‫ولذلك وصفا بشديد ولو ذهب إلى معنإاه لقيل شدادا‪ (.....) .‬أي كنإا نإستمع فــالن‬
‫متى حاولنإا الستماع رأمينإا بالشهب‪".. ،‬‬

‫)لم يقل ال تعالى‪ :‬حاولنإا وإنإما قال‪ :‬يستمع‪ ,‬وهذا يعنإي أنإهم ل يزالون يستمعون!‬
‫فلم ينإقطع المرأ! –عمرأو‪(-‬‬
‫وفي قوله‪} :‬صشتهابا لرأتصدا{ وجوه‪ ,‬أحدها‪ :‬قال مقاتل ‪ :‬يعنإي رأميا من الشهب‬
‫ورأصدا من الملئكة‪ ،‬وعلى هذا يجب أن يكون التقديرأ شهابا ورأصدا لن الرأصد‬
‫غيرأ الشهاب وهو جمع رأاصد‪) .‬وقول مقاتل مخالفا لكتاب ال فل يعتد به!(‬
‫وثانإيها‪ :‬قال الفرأاء‪ :‬أي شهابا قد أرأصد له ليرأجم به‪ ،‬وعلى هذا الرأصد نإعت‬
‫للشهاب‪ ،‬وهو فعل بمعنإى مفعول‪.‬‬
‫وثالثها ‪ :‬يجوز أن يكون رأصدا أي رأاصدا‪ ،‬وذلك لن الشهاب لما كان معدا له‪ ،‬فكأن‬
‫الشهاب رأاصد له ومترأصد له ‪ "107......‬ا‪.‬هـ‬
‫)وليس رأصدا بمعنإى رأاصد وإنإما هي‪ :‬رأصد‪ ,‬ولتتذكرأ أن ال تعالى قال في آخرأ‬
‫السورأة‪ :‬يسلك من بين يديه ومن خلفه رأصدا‪ .‬ليعلم ‪ ,...‬فالرأصد سبب ووسيلة‬
‫للعلم‪ ,‬ألما المفسرأون فجعلوه سببا للهلك!!(‬

‫وكما رأأينإا فقد فهم المام الفخرأ الرأازي –وباقي المفسرأين‪ -‬بعض الكلمات على‬
‫غيرأ ما جاءت به! لذا نإبدأ في تقديم فهمنإا لها كما هي‪:‬‬
‫أول ما نإبدأ به هو كلمة‪" :‬اللمس"‪ ,‬وكما رأأينإا فلقد جعل المام الفخرأ الرأازي الكلمة‬
‫بمعنإى المس‪ ,‬وليس المرأ كذلك فليس اللمس مسا‪ ,‬ولقد فرأقا القرأآن بينإهما‪ ,‬فلقد‬
‫ورأد المس في إحدى وستين آية‪ ,‬بينإما لم يرأد اللمس إل في خمس آيات! وشتان ما‬
‫بين الرأقمين‪ !108‬وكذلك لم يرأد اللمس إل في قليل من الحاديث النإبوية‪ ,‬فهل‬
‫نإجعلهما في نإهاية المطافا متساويين؟‬

‫‪ 107‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.139.‬‬


‫‪ 108‬يإمكن للقارئ الكريإم تتبع المواطن التي ورد فيها المس في القرآن وسيجد أنها صتستعمل في المواطن التي نستعمل نحن فيها اللمس!‬

‫‪95‬‬
‫فإذا‬ ‫إن اللمس –كما يظهرأ من المعاجم اللغوية‪ -‬يأتي بمعنإى "المعالجة والطلب"‬
‫‪109‬‬

‫نإظرأنإا في تاج العرأوس ألفينإا الزبيدي يقول‪:‬‬


‫س وقال ابين اتلرعترأاصبلي‪ :‬ويتفلرأيقا بيتنإيهما فيتقال‪:‬‬ ‫"واليملتمتسية‪ :‬اليمتمالسية بالتيصد كاللرم ص‬
‫س اللشريصء باللشريصء ويكون تمرعصرأتفتة اللشريصء وإصرن تلرم تييكرن تثلم تم ي‬
‫س‬ ‫س قد يكوين تم ل‬ ‫اللرم ي‬
‫لتجروتهدرأ تعتلى تجروتهدرأ‪ "110‬ا‪.‬هـ‬

‫ومما جاء في معنإاه في معجم لسان العرأب‪:‬‬


‫ت‬
‫س فيه صعلما أي تيطليبه‪ ,‬فاستعارأ له‬ ‫" ‪ .........‬وفي الحديث‪ :‬من تستلتك طرأيقا تيرلتصم ي‬
‫س الشيتء وتتللمتسه‪ :‬تطتلتبه‪ .‬الليث‪:‬‬
‫اللرمس‪ ,‬وحديث عائشة‪ :‬فارلتتمرسيت صعرقصدي‪ .‬وارلتتم ت‬
‫اللرمس باليد تأن تطلب شيئا ههنإا وههنإا ‪ " 111‬اهـ‬
‫وكما جاء في القاموس المحيط‪:‬‬
‫"تلتمرسنإا السماتء" عاتلرجنإا تغريتبها‪ ،‬تفيرأرمنإا ارسصترأاقيه‪ " .‬ا‪.‬هـ‬
‫ت ‪112‬‬

‫فلو كان المعنإى المرأاد هو المألوفا عنإد النإاس "للمس" لقال ال تعالى‪" :‬مسسنإا‬
‫‪113‬‬
‫السماء" وليس "لمسنإا السماء"‬

‫ساذجا‪ ,‬يظهرأ السماء كأنإها جسمر‪,‬‬ ‫ل‬ ‫ولو كان المعنإى كما يقولون لكان التصورأ‬
‫يتسابقا الجن ليمس هذا الجسم‪ ,‬وعنإد مسه وجدوا الحرأس والشهب!‬
‫ولنإا أن نإتساءل‪ :‬لماذا يلمسون –بالمعنإى الخاطئ للكلمة‪ -‬السماء؟ ألم يكن من‬
‫الفضل أل يلمسوها ويظلوا يستمعون في أمان؟!! أم أنإهم ل يستطيعون السمع إل‬
‫إذا التصقوا بالسماء؟‬
‫وإذا قال القائل‪ :‬ليس المرأاد اللمس‪ ,‬وإنإما القترأاب حتى كأنإهم لمسوها!‬
‫نإقول‪ :‬ليس هذا معنإى اللمس‪ ,‬وإنإما هو بمعنإى الطلب والمعالجة‪ ,‬كما جاء في قوله‬
‫س صمن بنإوصرأيكرم صقيتل‬‫تعالى‪ " :‬تيروتم تييقويل ارليمتنإاصفيقوتن توارليمتنإاصفتقايت صلللصذيتن آتمينإوا انإيظيرأوتنإا تنإرق تصب ر‬
‫اررأصجيعوا توترأاءيكرم تفارلتصميسوا ينإورأا ‪] .....‬الحديد ‪"[13 :‬‬
‫وكما جاء في الحديث‪" :‬التمس ولو خاتما من حديد"‪" ,‬من سلك طرأيقا يلتمس فيه‬
‫علما ‪"...‬‬
‫فيظهرأ لنإا أن اللمس ليس بمعنإى المس وإنإما بمعنإى الطلب والبحث عن الشيء!‬

‫فإذا ترأكنإا "لمسنإا" وانإتقلنإا إلى "حرأسا" وجدنإا أن المام الفخرأ الرأازي –وعامة‬
‫المفسرأين‪ -‬قد جعلها بمعنإى الحرأاس‪ ,‬ولكنإا نإجد أن ال تعالى ينإعتها بقوله‪:‬‬
‫"شديدا" وهذا يعنإي أن هذا الحرأس مفرأد! والكلمة لم ترأد في القرأآن كله إل في هذا‬
‫الموضع‪ ,‬ولم ترأد في اليسنإة إل في مواطن جد قليلة!‬

‫‪ 109‬ونخرج من هذا المعنى أن المراد من اللمس في قوله تعالى " أو لمستم النساء" ليس الوطء كما قال الفقهاء ‪.‬‬
‫‪ 110‬المرتضى الزبيدي‪ ,‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ,‬الجزء السادس عشر ‪ ,‬ص‪.487.‬‬
‫‪ 111‬جمال الديإن بن منظور‪ ,‬لسان العرب‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد ا علي الكبير‪ ,‬المجلد الخامس‪ ,‬ص‪.4073 .‬‬
‫‪ 112‬محمد الفيروزآبادي‪ ,‬القاموس المحيط‪ ,‬ص‪.739.‬‬
‫‪ 113‬لكي يإدل اللمس على المس ل بد من التخصيص والتحديإد مثل التحديإد باليد‪ ,‬وذلك مثل قوله تعالى‪ " :‬ولو أنزلنا عليك كتابا في‬
‫قرطاس فلمسوه بأيإديإهم"‪ ,‬ويإظل على الرغم من ذلك زائادا على معنى "المس" متضمنا معنى الفحص والخببر‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫والمعنإى المشهورأ لها‪ ,‬من المعانإي المتأخرأة الظهورأ‪ ,‬فإذا نإظرأنإا في لسان العرأب‪,‬‬
‫ألفينإا ابن منإظورأ يقول‪:‬‬
‫ت‬
‫س‪ ،‬الواحد تحترأصسيي‪ ،‬لنإه قد صارأ اسم جنإس‬ ‫س السلطان‪ ،‬وهم اليحلرأا ي‬ ‫س تحترأ ي‬‫"والتحترأ ي‬
‫س صإل تأن تذهب به صإلى معنإى الصحرأاتسة دون الجنإس‪.‬‬ ‫فنإسب صإليه‪ ،‬ول تقل حاصرأ ر‬
‫ل فتأكلها‪ ،‬وهي‬‫س اصلبل والغنإم تيرحصرأسها وارح ت ترأتسها‪ :‬سرأقها لي ل‬ ‫)‪ (.....‬وتحترأ ت‬
‫التحرأاصئس‪.‬‬
‫وفي الحديث‪ :‬تأن صغرلتملة لحاطب بن تأبي تبرلتتعتة ارحتترأيسوا نإاقة لرأجل فانإتحرأوها‪.‬‬
‫س تأن يرؤخذ الشيء من المرأعى‪ ،‬ويقال للذي يسرأقا الغنإم‪:‬‬ ‫وقال شمرأ‪ :‬الرحصترأا ي‬
‫يمرح ت صرأس‪ ،‬ويقال للشاة التي يترسترأقا‪ :‬تحصرأيتسة‪ .‬الجوهرأي‪ :‬التحرأيتسة الشاة تسرأقا‬
‫ل‪ .‬والتحرأيسة‪ :‬السرأقة‪ .‬والتحرأيتسة تأيضا‪ :‬ما ارحيتصرأس منإها‪(.......) .‬‬ ‫لي ل‬
‫ويقال للشاة التي يدرأكها الليل قبل تأن تصل صإلى يمرأاصحها‪ :‬تحصرأيسة‪ " .‬ا‪.‬هـ‬
‫‪114‬‬

‫فكما رأأينإا فإن الحرأس يدورأ حول الخذ أو الخطفا ليل! والنإاظرأ في لسان العرأب‬
‫يجد أن أكثرأ المعانإي التي ذكرأها ابن منإظورأ تدورأ في فلك هذا المدلول‪.‬‬

‫فإذا ترأكنإا الحرأس وانإتقلنإا إلى الية التالية وجدنإا أن السادة المفسرأين قد خلطوا‬
‫خلطا شديدا بين خطفا الشياطين واسترأاقا السمع‪ ,‬وقعود هؤلء مقاعد!‬
‫فلن ال قال في حقا الشياطين‪:‬‬
‫" إصللا تمرن تخصطتفا ارلتخرطتفتة تفتأرتتبتعيه صشتهارب تثاصقرب ]الصافات ‪,"[10 :‬‬
‫" إصلل تمصن ارس ت ترأتقا اللسرمتع تفتأرتتبتعيه صشتهارب بمصبيرن ]الحجرأ ‪"[18 :‬‬
‫قالوا أن المرأاد أن هؤلء مثل أولئك‪ ,‬وأنإهم كانإوا يقعدون مقاعد للسمع! ولست‬
‫أدرأي كيفا! إن ال تعالى قال أن النإجوم والشهب رأجوم للشياطين من أول الخليقة‪,‬‬
‫فكيفا كان هؤلء يقعدون ‪ ...‬مقاعد؟!‬

‫إن القعود لم يأت في القرآن كلَّه إل بمعنى المكث الطويل –بغض النظر‬
‫عن الهيئة التي يكون علَّيها النسان‪ ,-‬بينإما يشيرأ الخطفا والسترأاقا –‬
‫المذكورأان في حقا الشياطين‪ -‬إلى السرأعة‪ ,‬فكيفا كان الجن يقعد مقاعد؟!‬
‫وحتى يظهرأ المعنإى الصلي للقعود‪ ,‬نإذكرأ بعضا من أهم المواطن التي ذكرأ فيها‬
‫القعود في القرأآن‪:‬‬
‫ث مومجادستتموتهسم موتختذوتهسم مواسح ت‬
‫صتروتهسم‬ ‫شتهتر اسلتحترتم مفاسقتتتلَّوسا اسلتم س‬
‫شلرلكيمن محسي ت‬ ‫سلَّممخ الم س‬
‫"فمإ لمذا ان م‬
‫صدد ‪]....‬التوبة ‪"[5 :‬‬ ‫مواسقتعتدوسا لمتهسم تكيل ممسر م‬
‫ئ اسلتمسؤلملنيمن مممقالعمد للسلَّقلمتالل ‪] ...‬آل عمران ‪"[121 :‬‬
‫‪115‬‬
‫موإلسذ مغمدسو م‬
‫ت لمسن أمسهلَّلمك تتبمدو ت‬

‫‪ 114‬جمال الديإن بن منظور‪ ,‬لسان العرب‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد ا علي الكبير‪ ,‬المجلد الخامس‪ ,‬ص‪.833 .‬‬
‫‪ 115‬عندما تناول الماما الفخر الرازي هذه اليإة في تفسيره قال‪ " :‬وقوله }سمسقاحعسد لحبلقحستاحل{ِ أي مواطن ومواضع‪ ،‬وقد اتسعوا في استعمال‬
‫ك{ِ ] النمل ‪ [ 39 :‬أي من‬ ‫ق{ِ ] القمر‪ [ 55 :‬وقال‪} :‬قسببسل سأن تسصقوسما حمن تمسقاحم س‬ ‫المقعد والمقاما بمعنى المكان‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪} :‬حفى سمبقسعحد ح‬
‫صبد ن‬
‫مجلسك وموضع حكمك‪ ,‬وإنما عبر عن المكنة هاهنا بالمقاعد لوجهين الول ‪ :‬وهو أنه عليه السلما أمرهم أن يإثبتوا في مقاعدهم ل‬
‫يإنتقلوا عنها ‪ ،‬والقاعد في مكان ل يإنتقل عنه فسمى تلك المكنة بالمقاعد ‪ ،‬تنبيهال على أنهم مأمورون بأن يإثبتوا فيها ول يإنتقلوا عنها‬
‫البتة‪ .‬والثاني ‪ :‬أن المقاتلين قد يإقعدون في المكنة المعينة إلى أن يإلقيهم العدو فيقوموا عند الحاجة إلى المحاربة فسميت تلك المكنة‬
‫بالمقاعد لهذا الوجه ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫سى إلينا ملن نيسدتخلَّممها أممبداا يما مداتموسا لفيمها مفاسذمهسب مأن م‬
‫ت مومرأسبمك فممقالتل إلينا مهاهتمنا‬ ‫"مقاتلوسا ميا تمو م‬
‫مقالعتدومن ]المائدة ‪"[24 :‬‬
‫ستملقيمم ]العراف ‪[16 :‬‬ ‫صمرا م‬
‫طمك اسلتم س‬ ‫"مقامل فمبلمما أمسغموسيتملني لمسقتعمدين لمتهسم ل‬
‫مولمسو أممرأاتدوسا اسلتخترومج لممعسدوسا لمهت تعيدةا موملـلكن مكلرهم ر‬
‫ات انبلمعاثمتهسم فمثمبيطمتهسم مولقيمل اسقتعتدواس مممع‬
‫اسلمقالعلديمن ]التوبة ‪[46 :‬‬
‫ال ‪] ....‬التوبة ‪"[81 :‬‬ ‫سولل ر‬ ‫ف مرأ ت‬‫"فملرمح اسلتممخلَّيتفومن بلممسقمعلدلهسم لخلم م‬

‫قا لعنمد ممللَّيدك‬ ‫ولقد ذكر المام الفخر الرازي في تفسيره لقوله تعالى‪" :‬لفي ممسقمعلد ل‬
‫صسد د‬
‫سمسقتملددرأ ]القمر ‪ "[55 :‬كلما طيباا يهدم ما يقولون به‪ ,‬ويجزم بأن القعود ل بد أن‬
‫يكون مكثاا طويل‪ .‬وسنكتفي بذكر أهم ما قال‪:‬‬
‫"قوله‪} :‬صفي تمرقتعصد صصرددقا{ يدل على لبث ل يدل عليه المجلس‪ ،‬وذلك لن قعد وجلس‬
‫ليسا على ما يظن أنإهما بمعنإى واحد ل فرأقا بينإهما‪ ,‬بل بينإهما فرأقا ولكن ل يظهرأ‬
‫إل للبارأع‪ ،‬والفرأقا هو أن القعود جلوس فيه مكث حقيقة واقتضاء‪ ،‬ويدل عليه‬
‫وجوه‪:‬‬
‫سمي‬‫الول‪ :‬هو أن الزمن يسمى مقعدا ول يسمى مجلسا‪ ,‬لطول المكث حقيقة ومنإه ي‬
‫قواعد البيت والقواعد من النإساء قواعد‪ ,‬ول يقال لهن‪ :‬جوالس‪ ,‬لعدم دللة‬
‫الجلوس على المكث الطويل‪ ,‬فذكرأ القواعد في الموضعين لكونإه مستقرأا بين الدوام‬
‫والثبات على حالة واحدة‪.‬‬
‫ويقال للمرأكوب من البل‪ :‬قعود‪ ,‬لدوام اقتعاده اقتضاء‪ ،‬وإن لم يكن حقيقة فهو‬
‫لصونإه عن الحمل واتخاذه للرأكوب كأنإه وجد فيه نإوع قعود دائم اقتضى ذلك ولم‬
‫يرأد للجلس‪ (.......) .‬إذا عرأفت هذا الفرأقا بين الجلوس والقعود حصل لك فوائد‬
‫منإها هاهنإا فإنإه يدل على دوام المكث وطول اللبث‪ "116...،‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فإن القعود يكون بمعنإى المكث الطويل‪ ,‬فكيفا إذا كان ال قد أكدها ب‪:‬‬
‫مقاعد‪ ,‬فل يقل‪ :‬نإقعد‪ ,‬وإنإما قال‪ :‬نإقعد مقاعد! فكيفا كانإوا يظلون هذه الفترأات‬
‫بدون أن ييقذفوا من كل جانإب‪ ,‬وبدون أن تتبعهم الشهب؟!‬

‫فإذا ترأكنإا معنإى القعود تماما –حتى ل يجادل فيه مجادل‪ -‬وجدنإا أن الية تقول أنإهم‬
‫لم يكونإوا في السماء! فال تعالى لم يقل‪ :‬كنإا نإقعد فيها مقاعد‪ ,‬وإنإما قال‪ :‬كنإا نإقعد‬
‫منإها مقاعد‪ ,‬وشتان بين الثنإين!‬
‫فعنإدما يقال عن رأجل‪ :‬قعد منإها مقعد الرأجل من زوجه‪ ,‬فهذا ل يعنإي أنإه أصبح‬
‫بداخل المرأأة أو فيها‪ ,‬وإنإما تعنإي أنإه اتخذ مقعدا قبالتها بشكدل ما!‬

‫فإذا ترأكنإا "منإها" وجدنإا أن ال تعالى لم يقل أنإهم انإقطعوا عن السماع‪ ,‬وإنإما أصبح‬
‫يحصل أشياء غرأيبة للمستمع!‬

‫‪ 116‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬مفاتيح الغيب‪ ,‬المجلد التاسع والعشرون‪ ,‬ص‪.71.‬‬

‫‪98‬‬
‫والمفسرأون عنإد تفسيرأهم قالوا أن المعنإى فمن يحاول الستماع الن‪ ,‬بينإما قال‬
‫ال‪ :‬فمن يستمع الن‪) ,‬لحظ أنإه لم يقل‪ :‬فمن يقعد الن( وهذا يعنإي أنإهم كانإوا ل‬
‫يزالون يستمعون!‬
‫وعنإدما يستمع المستمع "يجد له شهابا رأصدا"‪ ,‬والعجب كل العجب أن المفسرأين‬
‫جعلوا الشهاب الرأتصد بمعنإى الشهاب الرأاصد أو المعد لحرأقا المستمع!‬
‫كما أنإهم لم ينإتبهوا إلى "يجد له"‪ ,‬وجعلوها فاقدة المعنإى‪ ,‬إن الجنإي هو الذي يجد‬
‫الشهاب‪ ,‬كما أن هذا الشهاب له وليس عليه أو ورأائه )لحظ أن الشياطين الذين‬
‫يسترأقون السمع يتبعهم شهاب ثاقب مبين‪ ,‬أما هؤلء فالواحد منإهم يجد‪ ...‬له(‬

‫إن العجب كل العجب أن يقول الجن عنإدما ييقذفون بالشهب! أنإهم ل يدرأون أشرأ‬
‫أرأيد بمن في الرأض أم رأشدا‪ ,‬ما شأن أهل الرأض بذلك؟! إن الضرأ واقرع بهم‪,‬‬
‫وليس بأهل الرأض! فمن المفترأض أن يقولوا‪ :‬وأنإا ل نإدرأي هل غضب ال علينإا أم‬
‫أنإنإا سينإمنإع من قرأب السماء؟! إن الحالة الوحيدة التي يمكن أن يقول الجن فيها هذا‬
‫هي أن تكون الوظيفة الوحيدة لهم في حياتهم أن ينإقلوا الخبارأ إلى الكهنإة!‬

‫وطالما ليس المرأ كذلك‪ ,‬ومن المفترأض أن لهم حياتهم الخاصة فمن العجب كل‬
‫العجب أن ينإسوا أنإفسهم ويذكرأوا أهل الرأض! كم هم ودودون هؤلء الجن الذين‬
‫يخافون علينإا أكثرأ من أنإفسهم!‬

‫أما على قولنإا نإحن فالجن هم نإفرأ من أهل الرأض –كهنإة من النإصارأى‪ -‬أرأادوا أن‬
‫يؤكدوا لقومهم صدقا قولهم بظهورأ نإبي جديد صادقا‪ ,‬فقالوا أنإهم فحصوا السماء‬
‫فوجدوها ملئت أخذا وخطفا شديدا وشهبا‪ ,‬فلما رأأوا ظواهرأ غيرأ مألوفة تحدث في‬
‫السماء أخذوا في البحث ليعرأفوا هل حدث شيء عظيم وبسببه حدث هذا التغيرأ في‬
‫السماء‪ .‬وذكرأوهم بأنإهم كانإوا في الماضي يقعدون مقاعد لسمع هل نإزل من السماء‬
‫شيء أو حدث شيء‪- ,‬ولم ييرأ ولم ييسمع شيئا‪ -‬فمن يستمع‪ 117‬الن يجد له شهابا‬
‫ييترأقب به حدوث شيء!‬
‫وأنإا ل نإدرأي أيأرأيد شرأ بمن في الرأض بهذه الشهب‪ ,‬إن هم لم يؤمنإوا بالرأسول‪ ,‬أم‬
‫أرأاد ال بهم رأشدا‪ ,‬بأن يرأشدهم بهذه الشهب إلى ظهورأ النإبي وصدقه!‬

‫ثم تتواصل اليات التي تؤكد أنإهم بشرأ –نإصارأى‪ ,-‬فال تعالى يقول‪:‬‬
‫"توأتلنإا صملنإا اللصاصليحوتن توصملنإا يدوتن تذصلتك يكلنإا تطترأاصئتقا صقتدلدا )‪ (١١‬توأتلنإا تظتنإلنإا أترن تلرن ينإعصجتز اللته‬
‫ض توتلرن ينإرعصجتزيه تهترألبا )‪ (١٢‬توأتلنإا تللما تسصمرعتنإا ارليهتدى آتتملنإا صبصه تفتمرن يرؤصمرن صبترأسبصه‬
‫صفي ارلتأررأ ص‬
‫تفتلا تيتخايفا تبرخلسا توتلا ترأتهلقا )‪ (١٣‬توأتلنإا صملنإا ارليمرسصليموتن توصملنإا ارلتقاصسيطوتن تفتمرن أترستلتم‬
‫تفيأوتلصئتك ت تحلرأروا ترأتشلدا )‪ (١٤‬توأتلما ارلتقاصسيطوتن تفتكاينإوا صلتجتهلنإتم تحتطلبا )‪"(١٥‬‬

‫‪ 117‬لحظ أن ا تعالى قال في أول السورة‪" :‬قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن" فالجن لما سمعوا قراءة الرسول كانوا "يإستمعون"‪,‬‬
‫فهم خرجوا طلبا لسماع ما سمعوا عنه!‬

‫‪99‬‬
‫فاليات تصرأح أنإهم بشرأ‪ ,‬فيأبي المفسرأون إل أن يجعلوهم كائنإات أخرأى‪ ,‬ونإعرأض‬
‫نإموذجا لذلك‪.‬‬

‫قال المام الفخرأ الرأازي في تفسيرأه لليات‪:‬‬


‫"و }تهترأبا{ فيه وجهان‪ :‬الول‪ :‬أنإهما حالن‪ ،‬أي لن نإعجزه كائنإين في الرأض أينإما‬
‫كنإا فيها‪ ،‬ولن نإعجزه هارأبين منإها إلى السماء‪.‬‬
‫)من أين أتى المام الفخرأ الرأازي بهذه الجملة؟ ليس لها أي وجود في الية؟(‬
‫والثانإي‪ :‬لن نإعجزه في الرأض إن أرأاد بنإا أمرأا‪ ،‬ولن نإعجزه هرأبا إن طلبنإا‪.‬‬
‫)‪ (.....‬وقوله تعالى‪} :‬تبرخسا توتل ترأتهقا{ البخس النإقص‪ ،‬والرأهقا الظلم‪(.....) ،‬‬
‫السؤال الثانإي‪ :‬الجن مخلوقون من النإارأ‪ ،‬فكيفا يكونإون حطبا للنإارأ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أنإهم وإن خلقوا من النإارأ‪ ،‬لكنإهم تغيرأوا عن تلك الكيفية وصارأوا لحما‬
‫ودما هكذا‪ ،‬قيل ‪ :‬وههنإا آخرأ كلم الحسن‪ "118...... .‬ا‪.‬هـ‬

‫فكما رأأينإا فلقد اضيطرأ المام الفخرأ إلى زيادة جملة من عنإد نإفسه عنإد تفسيرأه لقوله‬
‫ض" فتكلم‪ :‬عن السماء! مع أن النإص‬ ‫تعالى‪" :‬توأتلنإا تظتنإلنإا أترن تلرن ينإعصجتز اللته صفي ارلتأررأ ص‬
‫يتكلم عن الرأض‪ ,‬ومن غيرأ المنإطقي أن يتكلم الجن عن الرأض إذا كانإوا يطيرأون‬
‫في الرأض ويمسون السماء!!‬
‫وكذلك للما كان قوله تعالى‪ :‬كانإوا لجهنإم حطبا‪ ,‬يسبب إشكالل لهم‪ ,‬اضطرأ المام‬
‫الفخرأ الرأازي إلى قبول القول الذي يقول أنإهم تحولوا إلى لحم ودم!‬
‫وهذا ما نإقول به أصل بدون أي حديث عن التحول! فهم بشرأ والقاسطون منإهم‬
‫كانإوا لجهنإم حطبا!‬

‫أما نإحن فنإقول‪:‬‬


‫استمرأ هؤلء النإصارأى في تذكيرأ قومهم بحالهم‪ ,‬فذكرأوهم بأنإهم –كإسرأائيليين‪-‬‬
‫منإهم الصالحون ومنإهم أمم دون ذلك‪- ,‬كما قال ال في حقهم‪" :‬توتقلطرعتنإايهرم صفي‬
‫ض أيتمما سمرنإيهيم اللصاصليحوتن توصمرنإيهرم يدوتن تذصلتك ‪]......‬العرأافا ‪"[168 :‬‬
‫اتلررأ ص‬
‫وأنإهم كانإوا طرأائقا متباينإة مختلفة متنإاحرأة‪ ,‬لكدل منإها هواها!‬
‫وأنإا ظنإنإا أن لن نإعجز ال في الرأض‪ 119‬التي يقطعنإا وتفرأقنإا فيها‪ ,‬ولن نإعجزه‬
‫بالهرأب‪ ,‬ففي أي مكان سيأتي بنإا ال‪.‬‬

‫‪ 118‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬مفاتيح الغيب‪ ,‬الجزء الثلثون‪ ,‬ص‪.142-141.‬‬


‫‪ 119‬قد يإرى بعضهم أن هذه اليإة دليل على أن المتحدث من الجن‪ ,‬فهي تدور حول إعجاز ا‪ ,‬والبشر لن يإظنوا هذا الظن! إل أن الناظر‬
‫ت سوسما سأنصتم‬
‫في القرآن يإجد كثير من اليإات تتحدث عن نهي البشر عن التكبر والظن أنهم سيفوتون ا‪ ,‬مثل قوله‪ " :‬إحتن سما صتوسعصدوسن ل ن‬
‫اح ‪] ....‬التوبة ‪[2 :‬‬ ‫ض أسبربسسعةس أسبشهصنر سوابعلسصموبا أسن تصكبم سغبيصر صمبعحجحزي م‬
‫بحصمبعحجحزيإنس ]النعاما ‪" ,[134 :‬فسحسيصحوبا حفي السبر ح‬
‫اح حمن سولحيي سولس‬ ‫ض سوسل حفي التسسماء سوسما لسصكم ممن صدوحن ت‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫س‬
‫ض ‪]...‬هود ‪" ,[20 :‬سوسما أنتم بحصمبعحجحزيإسن حفي البر ح‬ ‫صأوسلـئح س‬
‫ك لسبم يإسصكوصنوبا صمبعحجحزيإسن حفي السبر ح‬
‫صينر ]العنكبوت ‪."[22 :‬‬ ‫نس ح‬

‫‪100‬‬
‫وأنإا لما سمعنإا الهدى آمنإا به‪ ,‬فمن يؤمن برأبه فل يخافا بخسا ول رأهقا )فهؤلء‬
‫كان عليهم إصرأ وأغلل طالما كانإوا على شرأيعة موسى‪ ,‬وبإتباعهم شرأيعة محمد ل‬
‫يخافون بخسا ول رأهقا(‬
‫ويواصلون تذكيرأ قومهم بما هم عليه‪ ,‬فهم ليسوا فقط صالحين ودون ذلك‪ ,‬بل‬
‫‪121‬‬
‫منإهم مسلمون وقاسطون‪ ,‬فمن أسلم فأولئك تحرأوا‪ 120‬رأشدا‪ ,‬وأما القاسطون‬
‫الجائرأون )الذين قسموا الكتب فآمنإوا ببعضها وكفرأوا ببعض( فأولئك كانإوا لجهنإم‬
‫حطبا!‬

‫ض‬‫توأترن تلصو ارس ت تقايموا تعتلى اللطصرأيتقصة تلتأرستقريتنإايهم تمالء تغتدلقا )‪ (١٦‬صلتنإرفصتتنإيهرم صفيصه توتمرن يرعصرأ ر‬
‫تعرن صذركصرأ ترأسبصه تيرسيلركهي تعتذالبا تصتعلدا )‪(١٧‬‬
‫وتستمرأ اليات التي تؤكد بشرأية هؤلء‪ ,‬فيقول ال أنإهم لو استقاموا على الطرأيقة‬
‫على الطرأيقة الحقة‪- ,‬بدلل من اختلفا طرأائقهم‪ -‬التي جاء بها موسى وعيسى‪,‬‬
‫ليسقوا مالء غدقا! وهذه النإعمة ل تكون إل للبشرأ‪ ,‬فهل سينإعم ال على الجن النإارأي‬
‫بالماء الغدقا؟!‬

‫وبهذه اليات نكون قد أنهينا الجزء المختص بالجن‪ ,‬وكما رأأينا فهي كلَّها تتحدث‬
‫عن بشر يعيش في الرأض‪ ,‬سيسقى مااء غدقا‪ ,‬وباقي اليات تخاطب الرسول الكريم‬
‫وتذكره بما حدث لعبد ا عيسى‪ 122‬عند دعوته ا‪.‬‬
‫وقبل أن ننهي تناولنا لهذه السورأة‪ ,‬نعرض ليات آخر السورأة‪ ,‬حتى يتأكد القارأئ‬
‫أن الشهاب الذي يجده المستمع هو له وليس ضده!‬

‫ب ما هو أسبحسرى بالستعمال في غالب الظن‪ ،‬كما اشتق التتقسجَمن من القسحمين‪ .‬وفلن‬ ‫‪ 120‬من معاني التحري كما جاء في اللسان‪ ....." :‬س‬
‫طل س ص‬
‫ق‪ ،‬والت تسومخي مثله‪.‬‬ ‫ق‪ ،‬مأخوذ من السحسرى وهو السخلي ص‬ ‫ب‬ ‫صصد السبولى والسسح م‬ ‫صده‪ .‬والت تسحمري ق ب‬ ‫لمسر سأي يإتسسومخاه ويإسبق ح‬ ‫يإتسسحترى ا س‬
‫لواحخر سأي تسعتمدوا طلبها فيها‪ "..‬ا‪.‬هـ‬ ‫وفي الحديإث‪ :‬تسحتربوا ليلةس القسبدحر في السعبشحر ا س‬
‫صسته‪ .‬وكجَل حمقدار فهو قحبسطل في‬ ‫طه سأي حح ت‬ ‫ب‪ .‬يإقال‪ :‬سأخذ كل واحد من الشركاء قحبس س‬ ‫صي ص‬ ‫‪ 121‬القسط كما جاء في اللسان‪" :‬القحبسطص الحح ت‬
‫صةص والن ت ح‬
‫طوا الشيسء بينهم‪ :‬تقتسصموه على السعبدل والتسواء‪ .‬والقحبسط‪ ,‬بالكسر‪ :‬السعبدصل‪ ....... ،‬واحلبقساطص السعدل في القبسمة والصحكم؛‬ ‫الماء وغيره‪ .‬وتقستس ص‬
‫ط على حعياحله النسفقةس تسبقحسيطا ل حإذا قست تسرها؛ ‪ "....‬ا‪.‬هـ‬ ‫ط الشيسء‪ :‬فترسقه ‪ ....‬ويإقال‪ :‬قستس س‬ ‫ت بينهم وسأقسطت حإليهم‪ .‬وقستس س‬ ‫ط ص‬‫يإقال‪ :‬أسبقسس ب‬
‫والناظر في القرآن يإجد أن ا قد أثنى على المقسطين فقال في أكثر من موطن‪:‬‬
‫ب ابلصمبقحسحطيسن ]الحجرات ‪ ,"[9 :‬بينما توعد القاسطين هنا بالوعيد الشديإد‪ ,‬والفرق بين القاسط والمقسط أن المقسط يإعطي‬ ‫" ‪ ....‬إحتن ت‬
‫اس يإصحح جَ‬
‫لغيره أما القاسط فهو يإقتطع ويإأخذ لنفسه! وأخطر ما يإكون فيه القتطاع هو كتاب ا‪:‬‬
‫ب ال تحذي سجاء بححه صموسسى صنورال سوهصلدى مللتنا ح‬
‫س تسبجسعصلونسهص‬ ‫اص سعسلى بسسشنر ممن سشبينء قصبل سمبن سأنسزسل ابلحكستا س‬‫ق قسبدحرحه إحبذ سقاصلوبا سما سأنسزسل م‬ ‫اس سح ت‬‫"سوسما قسسدصروبا م‬
‫ل‬ ‫ص‬ ‫ب‬
‫س تصببصدونسسها سوتصخفوسن سكحثيرا ‪] ......‬النعاما ‪"[91 :‬‬ ‫قسسراحطي س‬
‫‪ 122‬المشهور أن المراد من "عبد ا" في اليإة هو الرسول الكريإم‪ ,‬ولكن اليإة تخاطب الرسول وتقول له أنه لما قاما عبد ا‪ ,‬فمن‬
‫اح آستانحسي‬‫المفترض أن يإكون عبد ا هذا شخص ال آخر‪ ,‬والوحيد الذي سماه ا في القرآن "عبد ا" هو عيسى عليه السلما‪" :‬سقاسل إحمني سعببصد ت‬
‫ب سوسجسعلسحني نسبحيما ل ]مريإم ‪ ,"[30 :‬فهذا تذكير بعبوديإته ردال على من أشركوه بال وجعلوه ابنا له‬ ‫ابلحكستا س‬

‫‪101‬‬
‫"تعاصليم ارلتغريصب تفتلا يرظصهيرأ تعتلى تغريصبصه أتتحلدا )‪ (٢٦‬إصللا تمصن اررأتتضى صمرن ترأيسودل تفصإلنإيه تيرسيليك‬
‫صمرن تبريصن تيتدريصه توصمرن تخرلصفصه ترأتصلدا )‪ (٢٧‬صلتيرعتلتم‪ 123‬أترن تقرد أتربتليغوا صرأتساتلاصت ترأسبصهرم توأتتحاتط صبتما‬
‫تلتدريصهرم توأترحتصى يكلل تشريدء تعتدلدا )‪"(٢٨‬‬

‫فهنإا نإجد أن ال تعالى يقول أنإه يسلك لمن ارأتضى من رأسول "رأصدا"‪ ,‬وهذا الرأصد‬
‫ليس ليعذب الرأسول وإنإما ليعلم‪ ,‬أي أن وظيفة الرأصد هو العلم‪ ,‬وكذلك كانإت‬
‫الشهب للجن إشارأة تعلمهم بحدوث شيء جلل!‬
‫وبهذا نإكون قد أنإهينإا هذه السورأة وأظهرأنإا كيفا أنإها تتحدث عن بشرأ ل عن كائنإات‬
‫خارأقة‪ ,‬وأظهرأنإا كيفا أن القرأاءة المجتزأة للسورأة‪ ,‬والتي ل تتبع النإص القرأآنإي‬
‫صبغتها بصبغة خرأافية‪.‬‬

‫ملك سليمان في الكتب القديمة‬


‫بعد أن تنإاولنإا سورأة الجن‪ ,‬والتي كانإت وقائعها في زمان النإبي المصطفى‪ ,‬نإنإقل‬
‫رأحالنإا عبرأ التارأيخ إلى زمن سابقا‪ ,‬لنإحل عنإد النإبي الصالح الملك سليمان الحكيم‪,‬‬
‫لما له من ارأتباط وثيقا بمحورأ حديثنإا‪ :‬الجن‪.‬‬
‫ذلك الملك الذي دعا ال القديرأ دعالء فرأيدا‪ " :‬تقاتل ترأسب ارغصفررأ صلي توتهرب صلي يمرلكا للا‬
‫تينإتبصغي صلتأتحدد سمرن تبرعصدي إصلنإتك تأنإتت ارلتولهايب ]ص ‪"[35 :‬‬

‫فحققا ال له مبتغاه وأتاه ملكا عجيبا‪ ,‬وقص علينإا في كتابه طرأفا من أخبارأ هذا‬
‫الملك‪ ,‬وحيك حوله الكثيرأ والكثيرأ من الساطيرأ في ترأاثنإا السلمي!‬
‫وسنإعرأض في عجالة لسيدنإا سليمان ولملكه في الكتب القديمة‪ ,‬قبل أن نإعرأض‬
‫لليات التي يذكرأ فيها الجن مع سيدنإا سليمان عليه السلم‪.‬‬

‫السورأة الوحيدة التي يأفرأد لسيدنإا سليمان جزلء كبيرأا منإها هي سورأة النإمل‪ ,‬ومما‬
‫يذكرأ في هذا السورأة أن سيدنإا سليمان كان له جيش من الجن والنإس والطيرأ‪ ,‬وأنإه‬
‫فهم كلم النإملة وخاطب الهدهد‪ ,‬وهي قدرأات خارأقة‪.‬‬

‫‪ 123‬لحظ أن ا تعالى لم يإقل أنه صيإظهر من ارتضى من رسول على الغيب‪ ,‬وإنما قال‪ :‬فإنه يإسلك من بين يإديإه ومن خلفه رصدا!‬
‫أي أن ا ل صيإظهر على غيبه أحد‪ ,‬والستثناء هم من ارتضى من الرسل )وليس كل الرسل( ول يإعني كونهم استثنالء أنه يإظهرهم على‬
‫غيبه‪ ,‬وإنما يإسلك بين يإدي من ارتضى منهم ومن خلفه رصدا!‬
‫اس حعنسدهص حعبلصم التساسعحة سويإصنسمزصل ابلسغبي س‬
‫ث سويإسبعلسصم‬ ‫وغيب ا الذي نفاه ا عن البشر وعن الملئاكة هو الثلثة أصناف التي جاءت في قوله‪ " :‬إحتن ت‬
‫اس سعحليلم سخحبيلر ]لقمان ‪ ,"[34 :‬وبما أن الساعة‬ ‫ت إحتن ت‬ ‫ي أسبر ن‬
‫ض تسصمو ص‬ ‫س بحأ س م‬
‫ب سغدال سوسما تسبدحري نسبف ل‬ ‫سما حفي ابلسبرسحاحما سوسما تسبدحري نسبف ل‬
‫س تماسذا تسبكحس ص‬
‫مستبعدة‪ ,‬فيكون القرب هو الحديإث عن عدما درايإة الموت!‬
‫فيكون النسب للسياق في الرد على المشركين الذيإن يإسألون أيإن ومتى يإنزل العذاب فنهلك‪ ,‬القول بأن ا ل صيإظهر على غيبه‪) ,‬وهو‬
‫محل وزمان نزول الموت بالنسان وماذا يإكسب في غده( أحدا‪ ,‬إل من ارتضى ا من رسول‪- ,‬مكافأة له‪ -‬فإنه يإرسل إليه لشارات‬
‫ودلئال كثيرة‪ ,‬تجعله يإترقب وفاته‪ ,‬ليعلم أن قد أبلغوا رسالت ربهم‪ ,‬وأدوا ما عليهم فلم يإبق شيء‪ ,‬وليطمئن إلى أن ا أحاط بما لديإهم‪,‬‬
‫وأحصى كل شيء عددا‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫إل أنإنإا وجدنإا من يستغرأب مثل هذه المورأ ويقول أن كتب اليهود والنإصارأى ليس‬
‫فيها أي ذكرأ لهذا‪ ,‬وهم يعملون دوما على التفخيم والتهويل‪ ,‬فلماذا يخفون أمرأا‬
‫كهذا‪ ,‬من المنإطقي أن ينإفخوا فيه ل أن يخفوه!!‬

‫وينإسى هؤلء أن اليهود يحملون في أنإفسهم بغضا خاصا لسيدنإا سليمان‪ ,‬حتى‬
‫أنإهم قد كلفرأوه‪ ,‬ولقد نإقل لنإا القرأآن هذه الفرأية وكيفا أنإهم تقولوا عليه القاويل‪,‬‬
‫وأنإه ما كفرأ وإنإما أحبارأهم هم الذين كفرأوا‪ ,‬بجعلهم هذا الباطل موجودا في كتبهم‬
‫ونإسبته إلى ال العليم‪" :‬توالتتبيعورا تما ترتيلورا اللشتياصطيين تعتلى يمرلصك يستلريتماتن توتما تكتفترأ‬
‫يستلريتماين توتلـصكلن اللشرياصطيتن تكتفيرأورا ‪] .....‬البقرأة ‪"[102 :‬‬

‫فلهذا ل عجب أن ل نإجد ذكرأا لهذا الملك الواسع في كتب اليهود المعتمدة‪ .‬ولن ما‬
‫ذكرأه القرأآن كان واقعا موجودا يوما من اليام‪ ,‬فمن غيرأ الممكن أن ييخفى كليلة‪,‬‬
‫وبالفعل وجدنإا في كتب اليهود الغيرأ معتمدة ذكرأا لهذا الملك‪ ,‬وإن كان بتحويرأ‬
‫وتهويل –وهذا هو الفارأقا بين الصياغة البشرأية والصياغة اللهية‪.-‬‬
‫فنإجد أن الترأجوم الثانإي من سفرأ استيرأ يقول‪:‬‬
‫"إن القدوس جاعل سلَّيمان حاكما لجميع الشياطين والوحوش الضارأية والرأواح‬
‫الشريرة وهي خاضعة له "‬

‫والقرآن لم يقل أنه سخر له كل الحيوانات‪ ,‬وإنما كانت الطيورأ فقط في جايشه –‬
‫وكان تسخيرها بشكل مألوف‪ ,-‬كما أنه لم يقل أنه سخر لسلَّيمان جاميع الشياطين‬
‫والرأواح الشريرة‪ ,‬وإنما قال أن بعضهم كان يعمل بين يديه‪ ,‬بدليل قوله‪:‬‬
‫" ‪ .....‬مولممن اسللجدن ممن يمسعممتل بمسيمن يممدسيله بلإ لسذلن مرأبدله ‪]...‬سبأ ‪"[12 :‬‬

‫"كما ان كتاب )عهد سلَّيمان( الذي يعود للَّقرن الأول الميلدي قد ذكر‪:‬‬
‫" أن خادم سلَّيمان في الهيكل يأتيه الشيطان أورأنياس ويأكل أكلَّه‪ ،‬وأن سلَّيمان‬
‫الملَّك أعطى هذا الخادم خاتمه‪ ,‬وطلَّب منه أن يضرب به الشياطين ويختمهم به‬
‫ليسخرهم لخدمته ")وبهذا نعرف أصل أسطورأة‪ :‬خاتم سلَّيمان‪– .‬عمرو‪(-‬‬

‫ومن الأساطير المدونة في هذا الكتاب أن شيطان الريح المدعو ‪ Ephippas‬كان‬


‫يتعاون مع شيطان البحر الأحمر المسمى ‪ Abezithbod‬في جالَّب عمود من‬
‫الأرأجاوان من البحر الأحمر‪ ،‬وهذا مطابق لما جااء بالآية ‪ 82‬من سورأة النبياء‪:‬‬
‫صومن لمهت مويمسعممتلَّومن معمملا تدومن مذللمك موتكينا لمتهسم محافللظيمن"‬
‫شميالطيلن ممن يمتغو ت‬
‫" مولممن ال ي‬
‫ص"‪ ,‬وهذا يؤيد‬ ‫شميالطيمن تكيل بميناء مومغيوا د‬ ‫وقد ورأد في الآية ‪ 37‬من سورأة ص‪" :‬موال ي‬
‫ما جااء بكتاب )عهد سلَّيمان( اليهودي من أن سلَّيمان سرخر الشياطين لبناء الهيكل‬
‫ومنهم الشيطان ازموداي‪ "124.....‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 124‬صباحا إبراهيم‪ ,‬مقال في موقع الحوار المتمدن‪ ,‬بعنوان‪ :‬تشابه القرآن مع ما جاء في كتب القدمين!!‬

‫‪103‬‬
‫فكما رأأينا فالقصص القرآني حول سيدنا سلَّيمان له أصل في كتب اليهود القديمة‪,‬‬
‫ولم يختف تماما من تراثهم! ول يقتصر المر علَّى ما ذكرنا‪ ,‬وإنما يتعداه إلى قصته‬
‫مع النملَّة ومع الهدهد‪ ,‬وإن ظهرتا بشكل مختلَّف‪.‬‬
‫وتذكرت هاتان القصتان –وغيرهما‪ -‬في التلَّمود البابلَّي‪ ,‬ونبدأ بعرض –تعريب‪ -‬نص‬
‫قصته مع النملَّة ثم نثني بقصته مع الهدهد‪:‬‬

‫سممع نملَّلة تأمر تكرل‬


‫"تامه سلَّيمان في أحد المرات في وادي النملل أثناء لرأحللته‪ ,‬ف م‬
‫ف الملَّك واستدعمى‬ ‫ش سلَّيمان‪ ,‬متوقر م‬
‫ق بجيو ل‬ ‫سمح م‬‫النمل الخر بالتممراتجاع‪ ،‬لمتفادي ال س‬
‫النملَّةم التي متكرلَّمست‪ ,‬فأخبرسته أرنها ملَّكةم النملل‪ ،‬وأنها أصدرأت أوامرها بالنسحا ل‬
‫ب‪.‬‬
‫أرأامد سلَّيمان متوجايه سؤال إلى ملَّكلة النملَّمة‪ ،‬ملكينها مرأفضست الجاابة ما لم يرفعها الملَّك‬
‫ويضمعها في يمدده‪ .‬فمرضمخ‪ ،‬وبعد ذلك قردم سؤامله‪:‬‬
‫"مهسل هناك أحد أعظم لمسني في تكرل العاللم؟ " فأجاابت النملَّةم "نعم"‪.‬‬
‫فسأل سلَّيمان‪" :‬من ؟" فأجاابت النملَّة‪" :‬مأنا"‬
‫فقال سلَّيمان‪" :‬كيف يكون هذا؟ "‬
‫ضعني علَّى يمددك"‬ ‫فقالت النملَّة‪ :‬لو لم أكن أعظمم منك‪ ،‬لما كان ا سيمتقوتدك نحوى لت س‬

‫ومما جاء كذلك في التلمود البابلي‪:‬‬


‫"سلَّيمان‪ ,‬كما يجب أن تيعرف‪ ,‬لم يحكم علَّى النس فقط‪ ,‬بل وعلَّى وحوش البر‬
‫وطيورأ الجو والشياطين والرأواح وأشباح اللَّيل أيضا‪ ,‬لقد عرف لغاتهم كلَّهم وهم‬
‫عرفوا لغته‪(......) .‬‬
‫في أحدى المناسبات أفتقد سلَّيمان الهدهد من بين الطيورأ‪ ,‬ولم يستطع أحد أن يجده‬
‫في أي مكان‪ ,‬فأمر الملَّك بغضب أن يؤتى به ويعاقب علَّى تكاسلَّه‪.‬‬
‫فظهر الهدهد وقال‪ " :‬مولي‪ ,‬ملَّك العالم‪ ,‬أصغ بأذنيك وأنصت لكلمي‪ .‬فقد مضت‬
‫ثلثة أشهر منذ أن بدأت بالتشاورأ مع نفسي لحدد لنفسي خطة لعملَّي‪ .‬لم أتناول‬
‫خللها طعاما ول شربت ماء لتمكن من الطيران حول أرأجااء العالم لرأى أن كان‬
‫هنالك بقعة في أي مكان من العالم لم تخضع لسلَّطان مولي الملَّك‪ .‬ولقد وجادت‬
‫مدينة‪ ,‬وهى مدينة كيتورأ‪ ,‬في الشرقا‪ .‬التراب الذي هناك أعلَّى قيمة من الذهب‪,‬‬
‫والفضة كأوحال الطرقا‪ ,‬أشجارأها نبتت منذ بداية العالم‪ ,‬وهي تمتص الماء الذي‬
‫ينبع من جانة عدن‪ .‬المدينة مملَّوءة بالرجاال‪ .‬وعلَّى رأأسهم يوجاد امرأة تسمى ملَّكة‬
‫سبأ‪(..........) .‬‬
‫ظفي أرأضه‪ .‬وكتبوا رأسالة ورأبطوها بجناح‬ ‫أسعد كلم الهدهد الملَّك‪ .‬فجمع مو ر‬
‫الهدهد‪ .‬صعد الطائر إلى السماء‪ ,‬أطلَّق صيحة و طارأ بعيدا ‪,‬متبوعا بكل الطيورأ‬
‫الخرى‪ ".‬ا‪.‬هـ‬

‫ونكتفي بهذا القدرأ من القصة‪ ,‬ولعل القارأئ قد لحظ الفرقا بين الصياغة القرآنية‬
‫وبين هذه الصياغة القصصية المعتمدة علَّى المبالغة والتفخيم‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ونلَّفت انتباه القارأئ إلى أن القرآن صرح بأن سيدنا سيلَّمان عندما دعا ا أن يهب‬
‫له ملَّكا ا ل ينبغي لحدد من بعده‪ ,‬تأعطي شيئان اثنان فقط‪ ,‬هما‪:‬‬
‫ب ]ص ‪"[36 :‬‬ ‫صا م‬ ‫ث أم م‬
‫سيخسرمنا لمهت الدريمح تمسجلري بلأ مسملرله ترأمخاء محسي ت‬
‫الريح‪" :‬فم م‬
‫وصنف مخصص من الشياطين‪ ,‬وهو البرناءون والغواصون منهم‪:‬‬
‫ص ]ص‪"[37 :‬‬ ‫شميالطيمن تكيل بميناء مومغيوا د‬ ‫"موال ي‬

‫أما ما عدا ذلك فلَّيس مما تفرد به سلَّيمان‪ ,‬وهو مما تأعطي وستيعطى لغيره‪.‬‬
‫وبما أننا نتكلَّم عن تسخير الريح‪ ,‬فنشير إلى الخرافة التي ارأتبطت بها وهي‪ :‬بساط‬
‫الريح! تلَّك الخرافة التي قالت أن الجن صنعت لسيدنا سلَّيمان بساطا ا جاد كبير‪ ,‬وكان‬
‫يركبه هو وجايشه‪ ,‬ويأمر الريح بنقلَّهم حيث شاء!‬

‫وعلَّى الرغم من أن المفسرين لم يقبلَّوا بهذه الخرافة‪ ,‬إل أن تفسيرهم لقوله تعالى‪:‬‬
‫شسهعر ‪].......‬سبأ ‪"[12 :‬‬ ‫سلَّمسيممامن الدريمح تغتدسومها م‬
‫شسهعر مومرأمواتحمها م‬ ‫" مولل ت‬
‫حمل قدرأا كبيرا من الخرافة لنحرافهم عن النص! فلَّقد قالوا أن المرأاد من "يغيدبوتها‬
‫تشرهررأ توترأتوايحتها تشرهررأ" أنإها تجرأي في الغداة مسيرأة شهرأ وفي الرأوحة مسيرأة شهرأ!‬
‫وهكذا جعلوا اليغيدو بمعنإى التغردو‪ ,‬والرأواح بمعنإى الرأوحة!‬

‫ولست أدرأي كيفا لم ينإتبهوا إلى أن "اليغيدو" جمع وليس مصدرأا! وكذلك الرأواح‬
‫جمع! ومفرأدهما الغدوة والرأوحة من المشتهرأ‪ ,‬كما جاء في حديث النإبي الشهيرأ‪:‬‬
‫" ‪ ....‬واستعينإوا بالغدوة والرأوحة وشيء من الدلجة!"‬
‫ولقد ورأدت كلمة اليغيدو صرأيحة في بعض آيات في الكتاب الكرأيم‪ ,‬منإها‪:‬‬
‫" توارذيكرأ لرألبتك صفي تنإرفصستك تتضبرأعا توصخيتفلة تويدوتن ارلتجرهصرأ صمتن ارلتقروصل صبارليغيدسو توالتصاصل توتل‬
‫تيكن سمتن ارلتغاصفصليتن ]العرأافا ‪[205 :‬‬
‫ض تطروعا توتكررأها توصظليليهم صبارليغيدسو توالتصاصل‬ ‫توصلسله تيرسيجيد تمن صفي اللستماتواصت تواتلررأ ص‬
‫]الرأعد ‪"[15 :‬‬

‫فكيفا قبلوها هنإاك جمعا وجعلوها هنإا مصدرأا؟! إن المعنإى الظاهرأ أنإها تجرأي شهرأا‬
‫ذاهبة إلى الرأض التي بورأك فيها وشهرأا آيبة‪ ,‬ل أن جرأيها في الغدوة الواحدة‬
‫مسيرأة شهرأ –بمقياس النإسان!‪-‬‬

‫شياطين أم نإجارأون!‬

‫‪105‬‬
‫قبل أن نإبدأ حديثنإا عن الجن في سورأة سبأ نإطرأح السؤال الحتمي‪:‬‬
‫هل كان الجن الذي يسخرأ لسيدنإا سليمان بشرأا –مهرأة محترأفين‪ -‬أم كانإوا من كبارأ‬
‫الشياطين القادرأين؟!‬
‫وتأتي الجابة بأن ال تعالى أجاب طلب سيدنإا سليمان أن يهبه ملكا ل ينإبغي لحد‬
‫من بعده بأن سخرأ له الشياطين كل بنإادء وغواص!‬
‫فلو كانإت الشياطين بشرأا بأي شكل من الشكال –كما يرأى أصحاب الرأأي القائل بأن‬
‫الشياطين هم العمال المهرأة‪ ,‬الذين أرأسلهم ملك صورأ الفينإيقي حيرأام إلى سليمان‪-‬‬
‫فكيفا يكون هذا ملك ل ينإبغي لحدد من بعده؟!‬

‫إن هؤلء مجموعة من النإجارأين والنإحاتين اليمعارأين‪ ,‬أو حتى أي عمال آخرأين‬
‫يوجد وسيوجد من هو أفضل منإهم‪ ,‬ومن يستطيع أن يأتي بما هو أحسن‪ ,‬مع‬
‫التطورأ العلمي المترأاكم‪.‬‬
‫ثم إن كتب اليهود القديمة التي عرأضت لسيدنإا سليمان ذكرأت أن ال سخرأ له‬
‫الرأواح الشرأيرأة –الشياطين‪ ,-‬فيكون هذا دلي ل‬
‫ل مؤكدا لما نإقول!‬

‫وقد يستدل بعضهم بأن ا تعالى قال‪ " :‬موآمخلريمن تمقميرلنيمن لفي اسلم س‬
‫صمفالد ]ص ‪:‬‬
‫‪ ,"[38‬فيقولون‪ :‬هل من الممكن أن تتقرن الشياطين في الصفاد؟ إن البشر أو‬
‫الحيوانات هم ما تيقيد بالقيود‪ ,‬أما الشيطان فل يمكن لنه سيعود إلى حالته الصلَّية‬
‫"النارأية الهوائية"‪ ,‬ومن ثم يهرب من القيود‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬ليس هذا مما خفي علَّى العلَّماء فلَّم ينتبهوا إليه‪ ,‬والمام الشبلَّي ذكر توجايها ا‬
‫لهذه الية فقال‪:‬‬
‫" قد قدمنا أن مذهب المعتزلة أن الجن أجاسام رأقاقا ولرقتها ل نراها‪ ,‬وعندهم يجوز‬
‫أن يكثف ا أجاسام الجن في زمان النبياء دون غيره من الزمنة وأن يقويهم‬
‫بخلف ما هم علَّيه في غير أزمانهم‪.‬‬
‫)قال القاضي( عبد الجبارأ‪ :‬ويدل علَّى ذلك ما في القرآن الكريم من قوله تعالى في‬
‫قصة سلَّيمان بن داود علَّيهما السلم‪:‬‬
‫"إنه كثفهم له حتى كان الناس يرونهم وقواهم حتى كانوا يعملَّون له العمال‬
‫الشاقة من المحارأيب والتماثيل والجفان والقدورأ الراسيات‪ ,‬والمقرن في الصفاد ل‬
‫يكون إل جاسما ا كثيفا ا‪ "125‬ا‪.‬هـ‬

‫ويجب أن نتذكر أن تدخل الجن في العالم كان بإذن ا عز وجال‪ ,‬وكان تسخيرهم‬
‫بأمره‪ ,‬فمن كان يزيغ عن أمره يذاقا من عذاب أليم‪ ,‬ومن ثم فلَّم يكن للَّجن أن‬
‫يهربوا‪ ,‬فلَّو تخلَّصوا من القيود لذاقوا أشد العذاب‪ ,‬فهم يرضون بالعذاب القل‪.‬‬
‫هذا إذا قلَّنا أن الصفاد قيود حديدية‪ ,‬وهذا هو أصل الشكال‪ ,‬فلَّرما ظنوا أنها قيود‬
‫حديدية قالوا أنها ل تفلَّح في تقييد الجن وإعاقة حركته‪ ,‬ولنا أن نتساءل‪:‬‬
‫‪ 125‬بدر الديإن الشبلي‪ ,‬آكاما المرجان في أحكاما الجان‪ ,‬تحقيق‪ :‬إبراهيم محمد الجمل‪ ,‬ص‪.34.‬‬

‫‪106‬‬
‫ما المانع أن تكون الصفاد من مادة أخرى؟ فإذا كان الحديد يقيد النسان‪ ,‬فما‬
‫المانع أن تكون قيودهم من شيء يعيقهم؟!‬

‫وبهذا يكون سيدنإا سليمان قد يسخرأ له الرأيح –التي تهلك الحضارأات وتحمل‬
‫السحاب بالماء‪ -‬ويعمال بقدرأات ل مثيل لها في البشرأ‪ ,‬وهم مهرأة الشياطين‪ ,‬فبهذا‬
‫يكون قد أوتي ملكا ل ينإبغي لحدد من بعده‪.‬‬

‫ثم ما فائدة قوله تعالى‪ " :‬توصمتن ارلصجسن تمن تيرعتميل تبريتن تيتدريصه صبصإرذصن ترأسبصه توتمن تيصزرغ صمرنإيهرم‬
‫تعرن أترمصرأتنإا ينإصذرقيه صمرن تعتذاصب اللسصعيصرأ ]سبأ ‪"[12 :‬؟‬
‫فهل عمل جماعة من البنإاءين يكون بإذن ال‪ ,‬وهل يكون عاقبة الزائغ في البنإاء أن‬
‫ييذاقا من عذاب السعيرأ؟!‬
‫أما على قولنإا فإن قوله "بإذن رأبه" إشارأة إلى أن الجن‪/‬الشياطين غيرأ مأذون لهم‬
‫بالعمل المادي في عالمنإا‪ ,‬وعمل هؤلء لسيدنإا سليمان كان حالة استثنإائية بإذن ال‬
‫لهم في ذلك التدخل في عالمنإا! وكانإوا مجبرأين على هذا العمل!‬

‫الجن في سبأ ‪ ..‬وأعماله‬


‫كما رأأينإا فإن الجن الذي يسخرأ لسيدنإا سليمان كانإوا من كبارأ الشياطين –الذين كانإوا‬
‫ملئكة‪ -‬وإذا قلنإا بهذا فمن المنإطقا أن نإتساءل‪:‬‬
‫لماذا سخرأهم ال الحكيم؟ هل سخرأ ال تعالى كبارأ الجن لسيدنإا سليمان‪ ,‬ليفعلوا‬
‫الشياء التي ذكرأها المفسرأون تفسيرأا للمحارأيب والتماثيل والجفان كالجواب‬
‫والقدورأ الرأاسيات؟‬
‫تبعا لقوال المفسرأين فإن تسخيرأهم كان ضرأبا من ضرأوب العبث‪ ,‬تعالى ال عن‬
‫ذلك‪ ,‬ومن ثم فالواجب أن نإنإظرأ إلى تسخيرأهم بعين الحكمة‪ ,‬ونإتساءل‪ :‬لماذا؟!‬

‫تأتي الجابة بأن الملك الذي ل ينإبغي لحدد يكون بعلدم ل ينإبغي لحد‪ ,‬ولقد أعطى ال‬
‫سيدنإا داود وسليمان علما عظيما‪:‬‬
‫س‬‫" توتلتقرد آتريتنإا تدايووتد تويستلريتماتن صعرلما ‪ .....‬توتوصرأتث يستلريتماين تدايووتد توتقاتل تيا أتبيتها اللنإا ي‬
‫يعسلرمتنإا تمنإصطتقا اللطريصرأ تويأوصتيتنإا صمن يكسل تشريدء إصلن تهتذا تليهتو ارلتفرضيل ارليمصبيين ]النإمل ‪-15:‬‬
‫‪"[16‬‬
‫أعطاه علما يسبقا الزمن الذي يوجد فيه سيدنإا سليمان بمرأاحل عديدة‪ ,‬وأعطاه فهما‬
‫ل عظيما‪ ,‬حتى أنإه يعرأفا بسليمان الحكيم!‬ ‫وعق ل‬

‫كما يلسرأ له موادا خاما‪ ,‬لم تكن ميسرأة قبله‪- ,‬وإن كان من بعده سيستخدمونإها‪-‬‬
‫فأسال ال له عين القطرأ! ومن العجب كذلك أن المفسرأين يقولون أن القطرأ هو‬

‫‪107‬‬
‫النإحاس! ولست أدرأي كيفا يكون النإحاس عينإا؟! إن النإحاس ل يوجد بأي حال‬
‫بشكل سائل في الطبيعة‪ ,‬وال عز وجل ل يقول أنإه جعل له النإحاس سائل –حتى‬
‫نإقول أنإها آية له‪ -‬وإنإما يتكلم عن إسالة عين القطرأ‪ ,‬وهذا يعنإي أنإها كانإت أصل‬
‫عينإا وال تعالى أسالها لسيدنإا سليمان!‬
‫والذي أرأاه وال أعلم أن عين القطرأ هي إما "البترأول" عامة أو القطرأان خاصة‪,‬‬
‫فالبترأول يوجد في الرأض على شكل سائل‪ ,‬ومن الممكن استعماله في صنإاعات‬
‫عدة!‬

‫وإذا كان سيدنإا سليمان يستطيع أن يأتي –بما حباه ال من علم ومواد‪ -‬باخترأاعات‬
‫عظيمة‪ ,‬فإنإه كان يحتاج إلى عمال ذوي قدرأة خارأقة‪ ,‬يستطيعون أن ينإفذوا له ما‬
‫يبتكرأ ويخترأع‪ ,‬لن التقنإيات التي كانإت متاحة في زمانإه بالضافة إلى البشرأ‬
‫الموجودين في ذلك العصرأ لم يكونإوا صالحين لتنإفيذ التطبيقات العلمية التي سيقول‬
‫بها سيدنإا سليمان‪ ,‬لذا سخرأ ال تعالى له الجن‪ ,‬لما لهم من قدرأات "جسدية!"‬
‫وليس عقلية! قادرأة على تنإفيذ تلك الشياء البديعة التي سيبتكرأها‪.‬‬

‫لحظ أن ال تعالى قال‪ " :‬تيرعتميلوتن تليه تما تيتشايء"‪ ,‬فالجن لم يكن يخطط أو يصمم‪,‬‬
‫وإنإما سيدنإا سليمان هو من كان يخطط ويرأسم‪ ,‬وليس للجن أي دورأ سوى التنإفيذ‬
‫)أنإفارأ!(‪.‬‬
‫ولم يكن تنإفيذ المورأ التي يطلبها سيدنإا سليمان بالمرأ اليسيرأ بالنإسبة لهم‪ ,‬وإنإما‬
‫كانإت شاقة عسيرأة‪ ,‬حتى أنإهم نإعتوها بعد موت سيدنإا سليمان ب‪ :‬العذاب المهين‪.‬‬

‫فإذا نإظرأنإا في الشياء التي بنإتها الجن لسيدنإا سليمان‪ ,‬وجدنإا أن أول شيء بنإته‬
‫الجن هو المحارأيب‪ ,‬فما هي هذه المحارأيب؟‬
‫المحارأيب هي جمع محرأاب‪ ,‬فإذا نإظرأنإا في كتب التفسيرأ بحثا عن معنإاها وجدنإا أن‬
‫المفسرأين قد ذكرأوا أقوالل عدة فيها‪ ,‬فقيل أنإه القصرأ‪ ,‬وقيل أنإه مكان مخصص‬
‫للعبادة‪ ,‬وقيل أنإها المساكن ‪ ...‬وغيرأ ذلك من القوال‪.‬‬

‫إل أنإه من الواجب علينإا أن نإتساءل‪ :‬لماذا يسخرأ ال تعالى الجن لتبنإي هذه الشياء‬
‫لسيدنإا سليمان؟ إنإها من الشياء المألوفة في كل الحضارأات‪ ,‬لذا فعلينإا أن نإتفكرأ‬
‫فيها لنإصل إلى أقرأب مدلول محتمل‪.‬‬
‫محرأاب‪ :‬على وزن مفعال‪ ,‬وهو اسم آلة مثل مفتاح ومسمارأ ومنإشارأ ومثقاب‬
‫وملقاط ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ولقد يذكرأ المحرأاب في القرأآن كمكان للعبادة في أكثرأ من موطن‪ ,‬منإها‪:‬‬
‫" تفتنإاتدرتيه ارلتملصئتكية تويهتو تقاصئرم يتصسلي صفي ارلصمرحترأاصب ‪] ....‬آل عمرأان ‪"[39 :‬‬

‫‪108‬‬
‫ولكن هل يتسخرأ الشياطين لبنإاء أماكن العبادة؟!‬
‫تميل نإفسي إلى أن المحارأيب هي من عتاد الحرأب‪) ,‬اسم آلة من‪ :‬حرأب(‪ ,‬فيمكن‬
‫القول بأن المحارأيب هي أبنإية مخصصة للحرأب )قلع‪ ,‬حصون أو ما شابه(‪.‬‬
‫والذي يدلل على ذلك قوله تعالى‪" :‬توتهرل أتتتاتك تنإتبيأ ارلتخرصصم إصرذ تتسلويرأوا ارلصمرحترأاتب ‪...‬‬
‫]ص ‪"[21 :‬‬
‫فلقد تسورأ هؤلء الخصم المحرأاب‪ ,‬وهذا يعنإي أنإه مبنإى ذو أسوارأ‪ ,‬وللما دخلوا‬
‫على داود فزع منإهم‪ ,‬أفل يكون في هذا إشارأة إلى ظنإه أنإهم من العداء الذين‬
‫اقتحموا حصنإا هو فيه‪ ,‬وليس مجرأد أنإهم دخلوا عليه في مكان عبادته؟!‬
‫ال أعلى وأعلم!‬

‫فإذا ترأكنإا المحارأيب وانإتقلنإا إلى ثانإي ما عمله الجن لسيدنإا سليمان‪ ,‬وهو التماثيل‪,‬‬
‫فعلينإا أن يتوقفا لنإتفكرأ‪ :‬لماذا تعمل الجن تماثيل لنإبي؟!‬
‫هل هي اخترأاع حديث؟ ألم تكن التماثيل موجودة من قبل سيدنإا سليمان؟ أل يستطيع‬
‫سيدنإا سليمان ومن معه أن يصنإعوا تماثيل؟‬
‫قد يقول قائل‪ :‬رأبما صنإعت له الشياطين تماثيل عظيمة جدا ل يقدرأ على صنإاعتها!‬
‫فنإقول‪ :‬إن هذا أدعى إلى تقديسها فيما بعد‪ ... ,‬ثم أين هي؟!!‬

‫إن السؤال البديهي‪ :‬لماذا صنإاعة التماثيل أصل؟ ألم تنإه التورأاة عن اتخاذ صورأة؟‬
‫أل تجرأ هذه التماثيل العظيمة إلى الشرأك؟‬
‫فهل لنإا أن نإقول أن المرأاد من التمثال ليس فقط الصنإم على شكل إنإسان أو حيوان‪,‬‬
‫وإنإما "البنإاء على مثال غيرأه"‬
‫فهل كانإت الجن تبنإي له صورأا مصغرأا من حصون العداء‪ ,‬أو تقلد له بعض‬
‫الشكال الطبيعية‪ ,‬حتى يعرأفا طبيعة البلد التي سيذهب إليها؟ ال أعلم!‬
‫وهل لنإا أن نإقول أن التمثال هو "إنإسان آلي"؟! فما هو تمثال إل أنإه متحرأك؟‬

‫قد يستغرأب القارأئ هذا القول ويعده من سعة خيال الكاتب‪ ,‬ولكن النإاظرأ في كتب‬
‫التفسيرأ يجد بعض التلميحات إلى هذا المرأ‪ ,‬فمن ذلك ما ذكرأه المام اللوسي في‬
‫تفسيرأه‪:‬‬
‫"وأخرأج الحكيم الترأمذي في »نإوادرأ الصول« عن ابن عباس أنإه قال في الية‪:‬‬
‫اتخذ سليمان عليه السلم تماثيل من نإحاس‪ ,‬فقال‪ :‬يا رأب انإفخ فيها الرأوح فإنإها‬
‫أقوى على الخدمة‪ ,‬فينإفخ ال تعالى فيها الرأوح فكانإت تخدمه واسفنإديارأ من‬
‫بقاياهم؛ وهذا من العجب العجاب ول ينإبغي اعتقاد صحته‪ ,‬وما هو إل حديث‬
‫خرأافة‪ "126‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 126‬محمود اللوسي‪ ,‬روحا المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني‪ ,‬الجزء الثاني والعشرون‪ ,‬ص‪.119-118.‬‬

‫‪109‬‬
‫ومن ذلك ما ذكرأه المام القرأطبي في تفسيرأه‪":‬وقيل‪ :‬إن هذه التماثيل رأجال اتخذهم‬
‫من نإحاس وسأل رأبه أن ينإفخ فنإها الرأوح ليقاتلوا في سبيل ال وليحيك فيهم‬
‫السلح‪ .‬ويقال‪ :‬إن إسفنإديارأ كان منإهم‪ ،‬وال أعلم‪ "127‬ا‪.‬هـ‬
‫وما ذكرأه المام القرأطبي أكثرأ تحديدا‪ ,‬فلو نإعتنإا ما قاله بلغتنإا المعاصرأة لقلنإا أن‬
‫الرأجال من النإحاس الذي يقاتلون في سبيل ال ول يؤثرأ فيهم السلح هو جنإود‬
‫آليون! فهل كانإت تماثيل سليمان جنإود آلية؟ ال أعلم!‬

‫وبالضافة إلى المحارأيب والتماثيل قام الجن بعمل جفان كالجواب‪ ,‬وقال المفسرأون‬
‫أن الجفان جمع جفنإة وهي قصعة الطعام العظيمة‪.‬‬
‫ونإحن نإتساءل‪ :‬ما الفائدة من قصاع كبيرأة‪ ,‬هل هذا ما ينإتصرأ به الجيش في‬
‫المعرأكة أو من معالم التقدم العلمي‪ ,‬أن يجتمع النإاس على طبقا كبيرأ؟!‬
‫إن هذا القول أشبه ما يكون بمن يقومون بأفعال عجيبة‪ ,‬فيصنإعون مث ل‬
‫ل أكبرأ فطيرأة‬
‫أو أكبرأ كوب عصيرأ‪ ,‬لمجرأد أن يدخلوا موسوعة الرأقام القياسية! ومعاذ ال أن‬
‫يكون النإبي الكرأيم يصنإع أشياء ل حكمة فيها ول نإفع للنإاس‪!128‬‬
‫وال أعلم لماذا كانإت هذه الجفان! وإن كنإا نإميل إلى أنإها كانإت أحواضا ضخمة‬
‫تخزن فيها المياه‪ ,‬التي تنإزل من المطارأ أو تنإحدرأ من على الجبال‪129‬؟!‬

‫وكذلك صنإعوا له قدورأا رأاسيات‪ ,‬وقال المفسرأون أن القدورأ جمع قدرأ وهو ما يطبخ‬
‫فيه من فخارأ أو غيرأه‪ ,‬وهي ثابتات ل تتحرأك من مكان اليقاد عليها لكبرأها‬
‫ولعظمها‪ ,‬التي قيل أنإها كانإت كالجبال‪.‬‬
‫ونإحن نإتساءل كذلك‪ :‬ما الحكمة من صنإع قدودرأ رأاسيات وما العظمة فيها؟! إن‬
‫احتمالية خسرأان الطعم فيها أكبرأ‪ ,‬فلو فسدت طبخة واحدة لضاع الطعام العظيم!‬
‫وهنإاك من قال أن المرأاد من القدورأ الرأاسيات هو المفاعلت النإووية‪ ,‬استنإادا إلى‬
‫أنإها شبيهة بالقدورأ –وابحث في الشبكة المعلوماتية عن صورأ للمفاعلت النإووية‬
‫إذا كنإت ل تعرأفا هيئتها‪ ,‬تجدهما متشابهين!‪-‬‬
‫ونإحن نإرأى أن صاحب هذا الرأأي قد أبعد النإجعة‪ ,‬فلم ينإتبه إلى أن ال تعالى قال في‬
‫حقا هذه القدورأ أنإها رأاسيات ولم يقل أنإها ثابتات! والرأسو لم يستعمل في القرأآن إل‬
‫مع الجبال‪ ,‬وذلك لن أصولها الممتدة في باطن الرأض ل تستنإد إلى قاعدة ثابتة‬
‫وإنإما هي رأاسية في ذلك اللب السائل!‬

‫ونإحن نإستعمل الرأسو كذلك مع السفن‪ ,‬لنإها ترأسو في الماء بجوارأ الشاطئ! فهل‬
‫يمكنإنإا القول أن قدورأ سيدنإا سليمان الرأاسيات كانإت في البحرأ؟ فهل كانإت قدورأا‬
‫‪ 127‬أبو عبد ا محمد القرطبي‪ ,‬الجامع لحكاما القرآن‪ ,‬تحقيق‪ :‬هشاما سمير البخاري‪ ,‬الجزء الرابع العشر‪ ,‬ص‪.272.‬‬
‫‪ 128‬هناك من قال أن المراد من الجفان هي الطباق اللقطة الكبيرة‪ ,‬وأن سيدنا سليمان هو أول من امتلك طبقا لقطا كبيرا‪ ,‬مثل تلك التي‬
‫نراها في المراصد الوروبية الكبيرة!‬
‫‪ 129‬الجوابي جمع جابية وهي حوض الماء العظيم‪ ,‬وهناك حديإث في البخاري عن أنس يإحكي حال المديإنة بعد مطر عظيم فيقول‪" :‬حتى‬
‫صارت المديإنة كالجوبة"‬

‫‪110‬‬
‫يستخرأج بها شيئا من البحرأ؟ أم أنإه كان يستغل البحرأ في الحصول على الطاقة من‬
‫أجل "غلي" أو معالجة المواد الموجودة في تلك القدورأ؟! ال أعلم‪.‬‬
‫وعلى أي حال فإن قول ال العظيم‪" :‬رأاسيات" يشيرأ إلى ارأتباطها بالبحرأ! ولنإتذكرأ‬
‫ص ]ص ‪"[37 :‬‬ ‫قول ال تعالى‪" :‬تواللشتياصطيتن يكلل تبلنإاء توتغلوا د‬
‫فالشياطين كانإت تغوص في أعماقا البحارأ لتفعل شيئا لسيدنإا سليمان‪- ,‬غيرأ‬
‫استخرأاج اللؤلؤ‪ -‬فهل احتاج سليمان إلى الشياطين من أجل بنإاء هذه القدورأ في‬
‫البحرأ؟ ال أعلم!‬

‫وبهذا نإكون قد عرأضنإا للشياء التي صنإعها الجن لسليمان‪ ,‬وبلينإا كيفا أن‬
‫المفسرأين تعاملوا معها بسطحية وعبثية‪ ,‬أما نإحن فأبرأزنإا لماذا رسخرأ الجن‬
‫لسليمان‪ ,‬وماذا كانإوا يعملون له –على الرأجح‪.-‬‬
‫وبهذا نإفهم أن الجن المذكورأ في سورأة النإمل في جيش سيدنإا سليمان هو كذلك من‬
‫الشياطين‪ ,‬وكان دورأه في الجيش نإقل المعلومات‪ ,‬والعمل على قذفا الرأعب في‬
‫قلوب جيوش العداء‪.‬‬

‫تفسيرأ الدكتورأ محمد البهي‬


‫قلنإا أن هنإاك من قال أن الجن المذكورأ في القرأآن هم بشرأ يعملون في خفاء‪ ,‬وممن‬
‫قالوا بهذا القول هو الدكتورأ محمد البهي‪ ,‬وزيرأ الوقافا المصرأي السبقا‪.‬‬
‫ونإعرأض هنإا للقارأئ تفسيرأه ليات سورأة النإمل‪ ,‬والذي يرأى أن الجن فيها هم من‬
‫البشرأ –والتي نإخالفه بشأنإها‪ -‬ونإترأك الحكم للقارأئ‪:‬‬

‫قال الدكتورأ محمد البهي في تفسيرأه لقوله تعالى‪:‬‬


‫س تواللطريصرأ تفيهرم ييوتزيعوتن ]النإمل ‪"[17 :‬‬
‫" تويحصشترأ صليستلريتماتن يجينإويديه صمتن ارلصجسن توارلصإنإ ص‬
‫"في جانإب القوة كانإت جنإوده من الجن والنإس والطيرأ‪ ,‬وكان الرأتباط بينإها وثيقا‪,‬‬
‫بحيث تمنإع من التفرأقا والنإتشارأ‪ ,‬وتلتزم بالتجمع والنإظام‪ ,‬فهم يوزعون‪ ,‬أي‬
‫ييمنإعون من التشتت‪.‬‬
‫ومعنإى حشرأ هذه الجنإود هو إخرأاجها وجمعها عنإد المسيرأة أو السفرأ من الشام إلى‬
‫اليمن‪ ..‬من الشام حيث توجد عاصمة المملكة إلى اليمن حيث توجد سبأ‪.‬‬
‫والجنإود من الجن هي التي تعمل في مهمة سرأية؛ والجنإود من النإس هي التي‬
‫تعمل في العلن‪ ,‬والجنإود من الطيرأ هي التي يتكلفا بالرأسائل في المسافات‬
‫البعيدة‪ "130.‬ا‪.‬هـ‬
‫وكما رأأينإا فلقد قال الدكتورأ البهي أن الجن هم من نإسميهم بلسان عصرأنإا "رأجال‬
‫المخابرأات"!‬

‫‪ 130‬محمد البهي‪ ,‬تفسير سورة النمل‪ ,‬ص‪.15.‬‬

‫‪111‬‬
‫وهذا الرأأي ليس مما تفرأد به الدكتورأ البهي‪ ,‬وكنإت أتوقع أن يقول بهذا القول‪ ,‬إل‬
‫أن تفسيرأه لليات الخرأى هو الذي أثارأ عجبي! فلقد قال في تفسيرأ قوله تعالى‪:‬‬
‫"تقاتل تيا أتبيتها التمتليأ أتبييكرم تيرأصتيصنإي صبتعررأصشتها تقربتل تأن تيرأيتوصنإي يمرسصلصميتن تقاتل صعرفرأيرت سمتن ارلصجسن‬
‫أتتنإا آصتيتك صبصه تقربتل تأن ت يقوتم صمن لمتقاصمتك توإصسنإي تعتلريصه تلتقصويي أتصميرن تقاتل اللصذي صعنإتديه صعرلرم سمتن‬
‫ارلصكتتاصب أتتنإا آصتيتك صبصه تقربتل تأن تيررأتتلد إصتلريتك تطررأيفتك تفتللما ترأآيه يمرستصقلرأا صعنإتديه تقاتل تهتذا صمن تفرضصل‬
‫ترأسبي صلتيربيلتوصنإي أتأترشيكيرأ أترم أتركيفيرأ توتمن تشتكترأ تفصإلنإتما تيرشيكيرأ صلتنإرفصسصه توتمن تكتفترأ تفصإلن ترأسبي تغصنإيي‬
‫تكصرأيرم ]النإمل ‪"[40 :‬‬

‫"وجمع سليمان أصحاب الرأأي عنإده وطلب إليهم وضع خرأيطة تصورأ مملكة‬
‫بلقيس‪ ,‬كي يستعد لغزوها‪ .‬وطلب وضع هذه الخرأيطة وأن تكون جاهزة عنإده قبل‬
‫أن يأتيه الرأد منإها على رأسالته الثانإية بالخضوع والقبول‪(....) .‬‬
‫وهنإا انإبرأى واحرد من القوياء‪ ,‬واسعي الحيلة‪ ,‬وشديد الدهاء‪ ,‬من غيرأ الظاهرأين‬
‫في مله‪ ,‬ووعد بأن يأتي بها قبل أن يغادرأ مكان الجتماع‪ ,‬وأكد استطاعته على‬
‫ذلك‪ ,‬وأمانإته ودقته في العمل والتنإفيذ‪(......) .‬‬
‫ولكن من كان يعلم الرأسم والكتابة بين أهل الرأأي في الجتماع وعده بأن يحضرأه‬
‫في أقصرأ مدة ممكنإة‪ ,‬وهي ما يعبرأ عنإها ب "قبل ارأتداد الطرأفا‪ ."131‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فلقد جعل الدكتورأ محمد البهي العرأش بمعنإى الخرأيطة أو صورأة الشيء!‬
‫وهو قول عجيب‪ ,‬لم أسمع به من قبل‪ ,‬إل أنإه أظهرأ الرأتباط والمنإطقية في ذكرأ من‬
‫عنإده علرم من الكتاب!‬

‫وبهذا نإكون قد أنإهينإا اليات التي تحدثت عن الجن بشكدل ييفهم منإه أنإهم من غيرأ‬
‫البشرأ‪ ,‬والتي هي عمدة القائلين بأن الجن المذكورأ في القرأآن كائن نإارأي مكلفا‪,‬‬
‫وبلينإا أنإها في البشرأ أو الشياطين‪ ,‬وليست في جنإس ثالث‪.‬‬
‫ي‬
‫إل أنإنإا لن نإكتفي بهذا وسنإعرأض في عجالة لباقي اليات التي ذكرأ فيها الجن‪,‬‬
‫‪-‬بدون أي نإعت يجعل كونإهم من البشرأ مستبعدا‪ -‬ونإقدمها للقارأئ من منإظورأنإا‬
‫المخالفا‪ ,‬حتى يرأى بعينإه أن تصورأنإا حولها أكثرأ منإطقية من التصورأ الخرأ‪,‬‬
‫وأظهرأ في اتصال اليات ببعضها!‬

‫الجن في سورأة النإعام‬


‫أول موطن يذكرأ فيه الجن في كتاب ال العظيم كان في سورأة النإعام‪ ,‬ويذكرأ فيها‬
‫ثلث مرأات‪ ,‬ونإذكرأ للقارأئ الكرأيم السياقا الذي ورأدت فيه اليات‪:‬‬
‫‪ 131‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.19 .‬‬

‫‪112‬‬
‫"توتجتعيلوا صلللصه يشترأتكاتء ارلصجلن توتختلتقيهرم توتخترأيقوا تليه تبصنإيتن توتبتنإادت صبتغريصرأ صعرلدم يسربتحاتنإيه توتتعاتلى‬
‫تعلما تيصصيفوتن )‪ (......) (100‬توتلا ت رأيكيلوا صملما تلرم يرذتكصرأ ارسيم الللصه تعتلريصه توإصلنإيه تلصفرسرقا توإصلن‬
‫اللشتياصطيتن تلييويحوتن إصتلى أتروصلتياصئصهرم صليتجاصديلويكرم توإصرن أتتطرعيتيمويهرم إصلنإيكرم تليمرشصرأيكوتن )‪"(١٢١‬‬

‫كما هو جلي‪ ,‬فإن اليات تتحدث عن أن الظالمين جعلوا ل شرأكاء‪ ,‬وهؤلء الذين‬
‫يجعلوا شرأكاء هم الجن! ثم تتواصل اليات إلى أن تقول أن الشياطين يوحون إلى‬
‫أوليائهم ليجادلوا المؤمنإين بشأن تحرأيم بعض المطعومات‪ ,‬وأن المؤمنإين إن‬
‫أطاعوهم أصبحوا مشرأكين!‬
‫أي أن المؤمن إذا أطاع ولي الشيطان جعله شرأيكا ل! فيكون هذا دليل على أن‬
‫المقصود من الجن هم أولياء الشياطين من البشرأ‪ ,‬الذين يجادلون في آيات ال‪,‬‬
‫والذين جعلهم فرأيرقا من النإاس شرأكاء ل بطاعتهم وهجرأهم أمرأ ال! فعنإدما أطييع‬
‫مشرأعا يشرأع بغيرأ شرأع ال يكون هذا شرأكا بال!‬

‫ونإنإتقل إلى الموطن الثانإي‪ ,‬وسنإعرأض عددا من اليات حتى يظهرأ السياقا مؤصكدا‬
‫بشكل قاطع لما نإقول‪:‬‬
‫ت‬ ‫ت‬
‫"توتكتذصلتك تجتعرلتنإا صفي يكسل قررأتيدة أتكاصبترأ يمرجصرأصميتها صلتيرميكيرأوا صفيتها توتما تيرميكيرأوتن إصللا صبأرنإيفصسصهرم توتما‬
‫ت‬
‫تيرشيعيرأوتن )‪ (١٢٣‬توإصتذا تجاتءرتيهرم آتتيرة تقايلوا تلرن ينإرؤصمتن تحلتى ينإرؤتتى صمرثتل تما يأوصتتي يرأيسيل الللصه‬
‫الليه أترعتليم تحرييث تيرجتعيل صرأتساتل تيه تسيصصييب اللصذيتن أترجترأيموا تصتغاررأ صعرنإتد الللصه توتعتذارب تشصديرد‬
‫صبتما تكاينإوا تيرميكيرأوتن )‪ (١٢٤‬تفتمرن يصرأصد الليه أترن تيهصدتييه تيرشترأرح تصردترأيه صلرلصإرستلاصم )‪(.....‬‬
‫س توتقاتل أتروصلتيايؤيهرم صمتن‬ ‫توتيروتم تيرحيشيرأيهرم تجصميلعا تيا تمرعتشترأ ارلصجسن تقصد ارستركتثررأيترم صمتن ارلصإرنإ ص‬
‫ض توتبتلرغتنإا أتتجتلتنإا اللصذي أتلجرلتت تلتنإا تقاتل اللنإايرأ تمرثتوايكرم‬ ‫ارلصإرنإ ص‬
‫س ترألبتنإا ارس ترم ت تع تبرعيضتنإا صبتبرع د‬
‫ض اللظاصلصميتن‬ ‫تخاصلصديتن صفيتها إصللا تما تشاتء الليه إصلن ترألبتك تحصكيرم تعصليرم )‪ (١٢٨‬توتكتذصلتك ينإتوسلي تبرع ت‬
‫س أتتلرم تيرأصتيكرم يرأيسرل صمرنإيكرم تييقبصوتن‬ ‫تبرعلضا صبتما تكاينإوا تيركصسيبوتن )‪ (١٢٩‬تيا تمرعتشترأ ارلصجسن توارلصإرنإ ص‬
‫تعتلرييكرم آتتياصتي تويرنإصذيرأوتنإيكرم صلتقاتء تيروصميكرم تهتذا تقايلوا تشصهردتنإا تعتلى أترنإيفصستنإا توتغلرأرتيهيم ارلتحتياية‬
‫البدرنإتيا توتشصهيدوا تعتلى أترنإيفصسصهرم أتلنإيهرم تكاينإوا تكاصفصرأيتن )‪ (١٣٠‬تذصلتك أترن تلرم تييكرن ترأبتك يمرهصلتك‬
‫ارليقترأى صبيظرلدم توأترهيلتها تغاصفيلوتن )‪ (١٣١‬توصليكرل تدترأتجارت صملما تعصميلوا توتما ترأبتك صبتغاصفدل تعلما‬
‫تيرعتميلوتن )‪ (١٣٢‬توترأبتك ارلتغصنإبي يذو اللرأرحتمصة إصرن تيتشرأ يرذصهربيكرم توتيرسترخصلرفا صمرن تبرعصديكرم تما‬
‫تيتشايء تكتما أترنإتشتأيكرم صمرن يذسرأليصة تقرودم آتتخصرأيتن )‪ (١٣٣‬إصلن تما يتوتعيدوتن تلتآدت توتما أترنإيترم‬
‫صبيمرعصجصزيتن )‪"(١٣٤‬‬

‫وكما نإرأى‪ ,‬فال تعالى يتحدث عن وجود أكابرأ مجرأمين وأن هؤلء ل يؤمنإون‬
‫وتصل درأجة كبرأهم إلى المطالبة بأن ييؤتوا هم الرأسالت‪ ,‬ويوم يحشرأهم جميعا‪,‬‬
‫أي أكابرأ المجرأمين والنإاس العاديين‪ ,‬الذين كانإوا تبعا لهم )أولياءهم( والمؤمنإين‪,‬‬
‫فيخاطب ال أكابرأ المجرأمين ب‪ :‬معشرأ الجن‪ ,‬ويعترأفا أولياءهم من المستضعفين‬
‫أنإهم انإتفع بعضهم ببعض –وليس تلذذ‪ -132‬وبلغوا الجل الذي جعله ال لهم‬

‫‪ 132‬من الكلمات التي صيإساء فهمها كلمة "متع" فصتفهم بمعنى اللذة! وليست كذلك فهي أصل بمعنى النتفاع‪ ,‬ونحن نستعملها في حديإثنا‬
‫أحيانا بهذا المعنى‪ ,‬مثل‪ :‬متعة المرأة المطلقة‪ ,‬فليس المقصود هنا التلذذ بداهة!‬

‫‪113‬‬
‫لهلكهم‪.‬‬
‫والسؤال الذي نإطرأحه كيفا انإتفع الجن بالنإاس وكيفا انإتفع النإاس بالجن‪ ,‬وكيفا‬
‫استكثرأ الجن من النإس؟ )تبعا للفهم المألوفا( فلهؤلء عالم ولنإا عالم؟!‬
‫الفهم السطحي جعل الستمتاع بمعنإى التلذذ‪ ,‬وفهموه على أنإه زواج الجن من‬
‫النإس! على الرأغم من أن المتعة ل علقة لها بالتلذذ!‬

‫أما نإحن فنإقول أنإهم ككبارأ انإتفعوا بالصغارأ‪ ,‬فهم الذين كانإوا يقضون لهم رأغباتهم‪,‬‬
‫ويساعدونإهم على بسط سلطانإهم على الخرأين‪ ,‬وفي المقابل كان هؤلء الصغارأ‬
‫يتلقون الفتات من الكبارأ ويرأضون به غنإيمة!‬
‫وهكذا استمرأ التعاون بين الكبارأ المجرأمين وبين الصغارأ المعاونإين حتى وصلت‬
‫المة إلى الجل الذي أجله ال فهلكت المة بسبب هذا التعاون الثم! ولو حدث أن‬
‫كبارأ المجرأمين لم يجدوا أتباعا نإعال لهم‪ ,‬لما استمرأ لهم بقاء في المجتمع!‬

‫ويبين ال تعالى أن الولية تكون بين من هم على شاكلة واحدة‪ ,‬فهم وإن كانإوا‬
‫صغارأا إل أنإهم ظالمون‪ ,‬لذلك تولوا هؤلء المجرأمين الكبارأ‪ ,‬ولم يتبعوا سبيل ال!‬
‫ولنإا أن نإتساءل‪ :‬ما علقة زواج الجن بالنإس أو الممارأسة الجنإسية بينإهم بدون‬
‫زواج بهلك المة؟! أما على قولنإا فالعلقة واضحة فهي أصل الفساد كله‪.‬‬

‫ثم يعاتب ال تعالى النإس والجن على أنإهم أتاهم رأسل منإهم‪ ,‬إل أنإهم لم يؤمنإوا‪,‬‬
‫وهذه الية حاسمة للمسألة‪ ,‬فالرأسل ما أرأسلوا إل من البشرأ العاديين‪:‬‬
‫ض‬ ‫" توتما أتررأتسرلتنإا صمن تقربصلتك إصلل صرأتجالل بنإوصحي إصتلريصهم سمرن أترهصل ارليقترأى أتتفتلرم تيصسييرأورا صفي اتلررأ ص‬
‫ل ترعصقيلوتن‬ ‫تفتينإيظيرأورا تكريتفا تكاتن تعاصقتبية اللصذيتن صمن تقربصلصهرم توتلتدايرأ الصخترأصة تخريررأ سلللصذيتن التتقورا أتتف ت‬
‫]يوسفا ‪"[109 :‬‬
‫توتما أتررأتسرلتنإا صمن تقربصلتك إصلل صرأتجالل بنإوصحي إصتلريصهرم تفارستأيلورا أترهتل السذركصرأ صإن يكنإيترم تل ت رعتليموتن‬
‫]النإحل ‪[43 :‬‬
‫توما أتررأتسرلتنإا تقربتلتك صمتن ارليمررأتسصليتن إصللا إصلنإيهرم تلتيرأيكيلوتن اللطتعاتم توتيرميشوتن صفي ارلتأرستواصقا توتجتعرلتنإا‬
‫ض صفرتتنإلة أت ترصصبيرأوتن توتكاتن ترأبتك تبصصيرأا ]الفرأقان ‪"[20 :‬‬ ‫تبرعتضيكرم صلتبرع د‬
‫فالرأسل رأجارل من أهل القرأى يوتحى إليهم‪ ,‬وهم يعيشون حياتهم العادية‪ ,‬فهم‬
‫يأكلون الطعام ويمشون في السواقا ويموتون فل يخلدون!‬

‫وهنإا يقول ال تعالى للنإس والجن أنإهم جاءهم رأسرل منإهم‪ ,‬وهذا يعنإي أنإهم جنإس‬
‫واحد "بشرأ"‪ ,‬ولو كان الجن جنإسا غيرأ النإسان‪ ,‬لكانإت الية غيرأ صحيحة ولقالوا‬
‫أنإهم لم يأتهم منإهم أحد؟!‬
‫ثم إن ال تعالى يتحدث بعد ذلك عن إهلك القرأى وأنإه ل يهلك الغافلين‪ ,‬وإنإما يهلك‬
‫من أرأسل إليهم الرأسل فكذبوا –كما في آية يوسفا‪ -‬فهل كان الجن يهلكون مع‬
‫البشرأ عنإد نإزول العذاب؟! فهل تهلك الرأيح أو المياه‪- ,‬التي كان ال يرأسلها إهلكا‬
‫للمم‪ -‬الجن؟!‬

‫‪114‬‬
‫ثم يبين ال أن لكدل درأجات وأن ال ليس بغافل‪ ,‬ثم يقول أنإه غنإي وأنإه لو شاء‬
‫لذهبنإا نإحن البشرأ واستخلفا بعدنإا أي كائن آخرأ‪ ,‬فلماذا ييذهب البشرأ ول يفعل‬
‫المماثل مع الجن؟ ثم يبين ال لنإا أن ما نإوعد آت وأنإنإا لن نإعجزه‪.‬‬
‫)تذكرأ آية الجن‪ :‬وأنإا ظنإنإا أن لن نإعجز ال في الرأض(‬
‫وكما رأأينإا فإن هذه اليات التي تحدثت في هذه السورأة عن الجن كانإت تقصد بهم‬
‫"الكابرأ" )المترأفين( الذين يتصدون للدعوة‪ ,‬ويستكثرأون حولهم التباع نإصرأة‪,‬‬
‫وليظهرأوا بمظهرأ من هو على الحقا‪ ,‬وبلينإت أنإه عنإد نإزول العذاب في الدنإيا‬
‫والخرأة فإنإه ينإزل بالجميع!‬

‫الجن في سورأة العرأافا‬


‫إذا ترأكنإا سورأة النإعام وانإتقلنإا إلى سورأة العرأافا‪ ,‬وجدنإا ال العليم يقول‪:‬‬
‫"تصليكسل أيلمدة أتتجرل تفصإتذا تجاء أتتجيليهرم تل تيرسترأصخيرأوتن تساتعلة توتل تيرسترقصديموتن )‪ (34‬تيا تبصنإي تآتدتم‬
‫إصلما تيرأصتتيلنإيكرم يرأيسرل صمرنإيكرم تييقبصوتن تعتلرييكرم آتتياصتي تفتمصن التتقى توأترصتلتح تفتلا تخرورفا تعتلريصهرم توتلا‬
‫س‬ ‫يهرم تيرحتزينإوتن )‪ (......) (٣٥‬تقاتل ارديخيلوا صفي أيتمدم تقرد تختلرت صمرن تقربصليكرم صمتن ارلصجسن توارلصإرنإ ص‬
‫صفي اللنإاصرأ يكلتما تدتختلرت أيلمرة تلتعتنإرت أيرختتها تحلتى إصتذا الداترأيكوا صفيتها تجصميلعا تقاتلرت أيرخترأايهرم‬
‫صليأوتلايهرم ترألبتنإا تهيؤتلاصء أتتضبلوتنإا تفتآصتصهرم تعتذالبا صضرعلفا صمتن اللنإاصرأ تقاتل صليكرل صضرعرفا توتلصكرن تلا‬
‫ت رعتليموتن )‪"(٣٨‬‬

‫تبدأ السورأة بالحديث عن آدم وخرأوجه من الجنإة ثم تخاطب بنإي آدم‪ ,‬وبعد عدة‬
‫آيات تقول أن لكل أمة أجل‪ ,‬ثم تعود فتخاطب بنإي آدم أنإه من يتقي ويصلح عنإدما‬
‫يأتيهم رأسول منإهم فل خوفا عليهم ول هم يحزنإون! أي أن الرأسول الذي يأتي‬
‫سيكون من البشرأ‪ ,‬وفي اليات السابقة قال ال أنإه لم يرأسل إل بشرأا‪ ,‬فيكون للجن‬
‫حجة على ال‪ ,‬لنإه لم يرأسل إليهم رأسول منإهم بشرأعة تنإاسبهم!‬

‫أما على قولنإا فال تعالى يتحدث عن أمة تهلك عنإد مجيء أجلها وعنإدما تدخل النإارأ‬
‫فإنإها تنإضم إلى أمم سابقة –مكونإة‪ -‬من الجن والنإس‪.‬‬
‫ولنإا أن نإتساءل‪ :‬متى كلون الجن )العفارأيت( والنإس أمة واحدة؟‬
‫لم يحدث هذا عبرأ التارأيخ كله‪ ,‬أما على فهمنإا أن الجن هم الكابرأ –والذين يكونإون‬
‫غالبا مترأفين مفسدين‪ -‬فتكون المم من الجن والنإس‪ ,‬فال يقول أن القادة‬
‫والتباع المخالفين لمرأه سيكونإون في النإارأ! كلما دخلت أمة لعنإت أختها‪.‬‬

‫ولقد فهم المفسرأون قول ال تعالى بالشكل التالي‪ :‬ادخلوا في أمم قد خلت من‬
‫قبلكم‪ ,‬أمم من الجن وأمم من النإس! أي أن ال تعالى يخاطب البشرأ لينإضموا إلى‬

‫‪115‬‬
‫مثلهم من البشرأ وغيرأهم من الجن!‬
‫وبغض النإظرأ عن أن الية لم تقل إل "أمم ‪ ....‬من الجن والنإس" أي أنإه من‬
‫المفترأض أنإها مكونإة منإهم‪ ,133‬فإن الية تقول أن هذه المم "تقرد تختلرت صمرن تقربصليكم"‪,‬‬
‫وأن المة اللحقة تلعن السابقة‪.‬‬

‫فهل عرأفا البشرأ أمم الجن ورأأوا مهلكم ولم يتعظوا به‪ ,‬أم أنإهم رأأوا مهلك‬
‫السابقين لهم ولم يتعظوا به وسارأوا على درأبهم حتى هلكوا مثلهم‪ ,‬لذلك فاللحقا‬
‫يلعن السابقا‪ ,‬والسابقا يرأى أن اللحقا لم يكن له عليه فضل وأنإه يستحقا العذاب‬
‫بما كسب!‬
‫وعلى قولنإا فإن كل أمة بإنإسها وجنإها تلعن أختها‪ ,‬وتبعا لقولهم فإن كل أمة تلعن‬
‫أختها‪ ,‬ولنإا أن نإسأل‪ :‬لماذا تلعن أمم الجن أمم النإس؟ هل أغووهم وأضلوهم أم‬
‫ماذا فعلوا بهم؟! ل مبرأرأ للعن أمم الجن أمم النإس!‬

‫ونإترأك هذا الموضع ونإنإتقل إلى الموضع الثانإي في السورأة‪ ,‬وهو قوله‪:‬‬
‫س تليهرم يقيلورب لل تيرفتقيهوتن صبتها توتليهرم أترعيرن لل‬ ‫"توتلتقرد تذترأرأتنإا صلتجتهلنإتم تكصثيرأا سمتن ارلصجسن تواصلنإ ص‬
‫يربصصيرأوتن صبتها توتليهرم آتذارن لل تيرستميعوتن صبتها أيروتلـصئتك تكاتلرنإتعاصم تبرل يهرم أتتضبل أيروتلـصئتك يهيم‬
‫ارلتغاصفيلوتن ]العرأافا ‪[179 :‬‬
‫وأول ما يلحظه النإاظرأ في هذه الية هو اتحاد تشرأيح الجن والنإس‪ ,‬فلكليهما قلوب‬
‫وأعين وآذان‪ ,‬فإذا قلنإا أن كليهما كائن واحد "بشرأ"‪ ,‬ينإقسم إلى كبارأ وصغارأ )قادة‬
‫وأتباع( كانإت الية مستنإدا لنإا!‬
‫أما على قولهم أن الجن كائن غيرأ البشرأ فعجيب‪ ,‬فإذا كان الجن )العفرأيت( كائن‬
‫هوائي نإارأي فكيفا يكون له هذه العضاء؟!‬
‫ل بد أن تختلفا أعضاء الجن عن أعضاء البشرأ حتى تستطيع أن تقوم بالوظائفا‬
‫المنإوطة بها! فكيفا يجمعهما ال مع بعضهما كأنإه ل فارأقا بينإهما؟!‬

‫والنإاظرأ في السياقا الذي ورأدت فيه اليات يجد أنإها كذلك تتحدث عن بنإي آدم‪:‬‬
‫"توإصرذ أتتختذ ترأبتك صمرن تبصنإي تآتدتم صمرن يظيهوصرأصهرم يذسرأليتيهرم توأترشتهتديهرم تعتلى أترنإيفصسصهرم )‪(.....‬‬
‫توارتيل تعتلريصهرم تنإتبتأ اللصذي آتتريتنإايه آتتياصتتنإا تفارنإتستلتخ صمرنإتها تفتأرتتبتعيه اللشريتطاين تفتكاتن صمتن ارلتغاصويتن )‬
‫‪ (.......) (١٧٥‬تمرن تيرهصد الليه تفيهتو ارليمرهتتصدي توتمرن يرضصلرل تفيأوتلصئتك يهيم ارلتخاصسيرأوتن )‬
‫س تليهرم يقيلورب تلا تيرفتقيهوتن صبتها توتليهرم‬ ‫‪ (١٧٨‬توتلتقرد تذترأرأتنإا صلتجتهلنإتم تكصثيلرأا صمتن ارلصجسن توارلصإرنإ ص‬
‫أترعيرن تلا يربصصيرأوتن صبتها توتليهرم آتتذارن تلا تيرستميعوتن صبتها يأوتلصئتك تكارلتأرنإتعاصم تبرل يهرم أتتضبل يأوتلصئتك يهيم‬
‫ارلتغاصفيلوتن )‪ (١٧٩‬توصلللصه ارلتأرستمايء ارليحرستنإى تفارديعويه صبتها توتذيرأوا اللصذيتن يرلصحيدوتن صفي‬
‫أترستماصئصه تسيرجتزروتن تما تكاينإوا تيرعتميلوتن )‪"(١٨٠‬‬

‫‪ 133‬كما نقول‪ :‬ادخلوا في جموع من الرجال والنساء‪ ,‬ولو كنت أريإد إظهار انفصال هذه الجموع عن تلك لكان لزاما أن أقول‪ :‬ادخلوا في‬
‫جموع من الرجال وجموع من النساء‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫فاليات تتحدث عن بنإي آدم ثم عن الذي آتاه ال آياته فانإسلخ منإها‪ ,‬وكيفا أن من‬
‫يهصد ال فهو المهتدي ومن يضلل فهو الخاسرأ‪ ,‬وكيفا أن كثيرأا من القادة والتباع‬
‫هم من أصحاب النإارأ –وليس هذا مكتوبا عليهم‪ -‬وإنإما لن لهم قلوب ل يعقلون بها‬
‫وأذان ل يسمعون بها وأعين ل يبصرأون بها‪ ,‬فهم أضل من النإعام!‬

‫الجن في سورأة سبأ‬


‫إذا ترأكنإا سورأة العرأافا نإجد أن الجن قد يذكرأ في سورأة الكهفا والنإمل‪ ,‬وقد‬
‫عرأضنإا ليات هاتين السورأتين فل حاجة لن نإعرأض لهما مجددا!‬
‫وبعد هاتين السورأتين يظهرأ الجن في سورأة سبأ في ثلثة مواضع‪ ,‬تنإاولنإا‬
‫موضعين منإهما‪ ,‬فنإعرأض للثالث فقط هنإا‪ ,‬وهو قوله‪:‬‬
‫"تقايلوا يسربتحاتنإتك تأنإتت توصلبيتنإا صمن يدوصنإصهم تبرل تكاينإوا تيرعيبيدوتن ارلصجلن أتركتثيرأيهم صبصهم بمرؤصمينإوتن‬
‫]سبأ ‪"[41 :‬‬

‫والجن في هذا الموضع ييحتمل أن يكون المرأاد منإهم "الشياطين" كذلك‪ ,‬أو يرأاد‬
‫منإهم كبارأ المجرأمين من البشرأ )السادة المترأفون( أو كلهما معا‪ ,‬ونإذكرأ للقارأئ‬
‫الكرأيم السياقا الذي ورأدت فيه الية‪:‬‬
‫"توتقاتل اللصذيتن تكتفيرأوا تلرن ينإرؤصمتن صبتهتذا ارليقررأآتصن توتلا صباللصذي تبريتن تيتدريصه توتلرو ت ترأى صإصذ اللظاصليموتن‬
‫ض ارلتقروتل تييقويل اللصذيتن ارسيترضصعيفوا صلللصذيتن‬ ‫تمرويقويفوتن صعرنإتد ترأسبصهرم تيررأصجيع تبرعيضيهرم إصتلى تبرع د‬
‫ارستركتبيرأوا تلروتلا أترنإيترم تليكلنإا يمرؤصمصنإيتن )‪ (٣١‬تقاتل اللصذيتن ارستركتبيرأوا صلللصذيتن ارسيترضصعيفوا أتتنإرحين‬
‫تصتدردتنإايكرم تعصن ارليهتدى تبرعتد إصرذ تجاتءيكرم تبرل يكرنإيترم يمرجصرأصميتن )‪ (٣٢‬توتقاتل اللصذيتن ارسيترضصعيفوا‬
‫صلللصذيتن ارس ت ركتبيرأوا تبرل تمركيرأ اللريصل تواللنإتهاصرأ إصرذ ت رأيميرأوتنإتنإا أترن تنإركيفترأ صبالللصه توتنإرجتعتل تليه أترنإتدالدا‬
‫توأتتسبرأوا اللنإتداتمتة تللما ترأأتيوا ارلتعتذاتب توتجتعرلتنإا ارلتأرغتلاتل صفي أترعتنإاصقا اللصذيتن تكتفيرأوا تهرل يرجتزروتن‬
‫إصللا تما تكاينإوا تيرعتميلوتن )‪ (٣٣‬توتما أتررأتسرلتنإا صفي تقررأتيدة صمرن تنإصذيدرأ إصللا تقاتل يمرتترأيفوتها إصلنإا صبتما‬
‫أيررأصسرليترم صبصه تكاصفيرأوتن )‪ (.......) (٣٤‬توتيروتم تيرحيشيرأيهرم تجصميلعا يثلم تييقويل صلرلتمتلاصئتكصة أتتهيؤتلاصء‬
‫إصليايكرم تكاينإوا تيرعيبيدوتن )‪ (٤٠‬تقايلوا يسربتحاتنإتك أترنإتت توصلبيتنإا صمرن يدوصنإصهرم تبرل تكاينإوا تيرعيبيدوتن ارلصجلن‬
‫أتركتثيرأيهرم صبصهرم يمرؤصمينإوتن )‪"(٤١‬‬

‫وكما رأأينإا فإن اليات تحكي تنإازع المستضعفين المستكبرأين‪ ,‬وكيفا أنإهم هم‬
‫السبب في عدم إيمانإهم‪ ,‬وتبرأأ المستكبرأين منإهم‪ ,‬وكيفا أن المستكبرأين هم من‬
‫يتصدون للدين ويسعون لبطاله‪ ,‬وأنإهم يرأبطون الرأزقا بصحة المسلك‪ ,‬وفي هذا‬
‫اليوم ييحشرأ المستضعفون والمستكبرأون ويسأل ال الملئكة‪ :134‬هل كانإوا يعبدونإكم‬
‫‪ 134‬ومسألة أن الجاهليين عبدوا الملئاكة من المسائال التي ل يإجد المرء في كتب التاريإخ أو التفسير ما يإريإح البال فيها‪ ,‬لذلك وجدنا‬
‫الدكتور جواد علي يإقول في كتابه‪ :‬المفصل في تاريإخ العرب قبل السلما‪ ,‬ص‪:738.‬‬
‫غير أن المفسريإن‪ ،‬لم يإشيروا إلى أولئك الذيإن تعبدوا للملئاكة‪ ،‬ولم يإذكروا أسماءهم‪ ،‬مع أنهم ذكروا اسم من تعبد للجن‪ ،‬بل يإظهر من‬
‫تفسيرهم للَيإة المذكورة‪ ،‬أنها وردت على سبيل الستفهاما‪ :‬كقوله عز وجمل لعيسى‪ :‬أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون ا‪،‬‬

‫‪117‬‬
‫فقط؟ فيتبرأأ منإهم الملئكة ويقولون أنإهم كانإوا يعبدون الجن! أي أنإهم كانإوا‬
‫يطيعونإهم فيما يأمرأونإهم به‪ ,‬سواء كان المرأاد من الجن الشياطين أو كبارأ القوم‬
‫المترأفين )وإن كنإا نإرأجح أن المرأاد من الجن هنإا كبارأ القوم الذي أمرأوهم فأطاعوا!(‬

‫الجن في سورأة فصلت‬

‫فإذا انإتقلنإا إلى سورأة فصلت‪ ,‬وجدنإا أن "الجن" يذكرأ في موضعين متتالين‪ ,‬وهما‬
‫قوله تعالى‪:‬‬
‫ي‬ ‫ت‬
‫"توتقليرضتنإا تليهرم يقترأتنإاتء تفتزليينإوا تليهرم تما تبريتن أريصديصهرم توتما تخرلتفيهرم توتحلقا تعتلريصهيم ارلتقرويل صفي أتمدم‬
‫س إصلنإيهرم تكاينإوا تخاصسصرأيتن )‪ (٢٥‬توتقاتل اللصذيتن تكتفيرأوا تلا‬ ‫تقرد تختلرت صمرن تقربصلصهرم صمتن ارلصجسن توارلصإرنإ ص‬
‫ترستميعوا صلتهتذا ارليقررأآتصن توارلتغروا صفيصه تلتعليكرم ت رغصليبوتن )‪ (٢٦‬تفتلينإصذيتقلن اللصذيتن تكتفيرأوا تعتذالبا‬
‫تشصديلدا توتلتنإرجصزتيلنإيهرم أترستوأت اللصذي تكاينإوا تيرعتميلوتن )‪ (٢٧‬تذصلتك تجتزايء أترعتداصء الللصه اللنإايرأ تليهرم‬
‫صفيتها تدايرأ ارليخرلصد تجتزالء صبتما تكاينإوا صبتآتياصتتنإا تيرجتحيدوتن )‪ (٢٨‬توتقاتل اللصذيتن تكتفيرأوا ترألبتنإا أتصرأتنإا‬
‫س تنإرجتعرليهتما ترحتت أترقتداصمتنإا صلتييكوتنإا صمتن ارلتأرستفصليتن )‪"(٢٩‬‬ ‫التذريصن أتتضللاتنإا صمتن ارلصجسن توارلصإرنإ ص‬

‫فال تعالى يقول أنإه يقيض لعداء ال قرأنإاء من الشياطين‪- ,‬كما جاء في قوله‪:‬‬
‫ض تليه تشريتطانإا تفيهتو تليه تقصرأيرن ]الزخرأفا ‪-"[36 :‬‬‫ش تعن صذركصرأ اللرأرحتمصن ينإتقسي ر‬
‫"توتمن تيرع ي‬
‫فحقا عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والنإس )ونإفس ما قيل في‬
‫العرأافا بشأن "أمم ‪ ...‬من" يقال هنإا(‬
‫فالحديث عن أمم قد خلت قبل المكذبين بالقرأآن‪ ,‬فكذبوا برأسلهم ويكتب رأبهم‪ ,‬فحقا‬
‫عليهم العذاب‪ ,‬والنإاس ل يعلمون إل بتارأيخ النإاس‪ ,‬وليس عنإدهم أي درأاية بتارأيخ‬
‫الجن!! وعنإدما يدخل الذين كفرأوا النإارأ يودون أن يرأيهم ال الذين أضلوهم من‬
‫"القادة ومن التباع العوام" ليجعلونإهم تحت أقدامهم!‬

‫ا عليهم إذا كذبتهم كان في ذلك تبكيت لهم‪ ،‬فهو استفهاما توبيخ للعابديإن‪ .‬ولكنهم أشاروا في‬‫قال النحاس‪ :‬فالمعنى أن الملئاكة صلوات م‬
‫م‬
‫مواضع أخرى إلى أن مشركي قريإش كانوا يإقولون‪ :‬الملئاكة بنات ا‪ ،‬وكانوا يإعبدونها‪ .‬ويإقولون إن أمهاتهن بنات سروات الجن‪،‬‬
‫يإحسبون أنهم خلقوا مما خلق منه إبليس‪.‬‬
‫وقد أشير في القرآن الكريإم‪ ،‬إلى أن من الجاهليين من زعم أن الملئاكة بنات ا‪ .‬وتحدث المفسرون في تفسير ذلك‪ ،‬غير أنهم خلطوا في‬
‫الغالب بين الملئاكة والجن‪ .‬ولم يإأتوا بشيء صيإذكر عن رأي أهل الجاهلية في الملئاكة‪ .‬وما ذكروه هم عن الملئاكة‪ ،‬هو إسلمي‪ ،‬يإرجع‬
‫في سنده إلى أهل الكتاب‪ ،‬ول سيما القصص السرائايلي‪ ،‬ولهذا فهو مما ل يإمكن أن يإقال عنه انه يإعبر عن رأي الجاهليين‪ .‬ويإظهر أن‬
‫الجاهليين لم يإكونوا يإعرفون شيئ لا عن الملئاكة‪ ،‬لن العتقاد بالملئاكة من عقيدة الديإانة اليهوديإة ثم النصرانية‪ ،‬وهم ل يإعرفون الكتاب‪،‬‬
‫إل من كان منهم على ديإن اليهوديإة أو النصرانية‪ ،‬أو كان من الحنفاء أو على اتصال بأهل الكتاب‪ ،‬كأمية بن أبي الصلت وأمثاله‪.‬‬
‫وقد أشير إلى الملئاك‪،‬أي "الملئاكة" في شعر يإنسب إلى "أمية بن أبي الصلت"‪ ،‬هو‪ :‬وكلان بحرقسع‪ ،‬والملئاك حوله سدلر تواكله القوائام‬
‫أجـرد‬
‫وورد "ملك" في شعر رجل من عبد القيس جاهلي يإمدحا بعض الملوك‪ ،‬قيل هو النعمان‪ .‬وقيل هو لبي وجزة يإمدحا به عبد ا بن‬
‫الزبير‪ :‬فلست لنسي‪ ،‬ولكحن لمـلك تنزل من جو السماء يإصوب‪ ".‬ا‪.‬هـ‬

‫‪118‬‬
‫الجن في سورأة الحقافا‬
‫فإذا انإتقلنإا إلى سورأة الحقافا وجدنإا أن الجن يذكرأ فيها في موضعين اثنإين‪ ,‬وأنإها‬
‫تؤيد أن المرأاد من "أمم قد خلت من قبلكم من الجن والنإس" هو أمم البشرأ ول‬
‫علقة بالعفارأيت بها!‬
‫والنإاظرأ في السورأة يجدها تجادل الذين يعبدون من دون ال )أسيادهم‪/‬رأجال دينإهم‪/‬‬
‫عيسى ‪ ...‬الخ‪ ,‬والحديث هنإا عن عبادة عاقلين وليس جمادات( فيسألهم ال أين ما‬
‫خلقوا أم لهم شرأك في السماوات‪ ,‬وتبين أنإهم على ضلل مبين وأن من عبدوهم‬
‫سيكفرأون بعبادتهم‪:‬‬
‫ض أترم تليهرم صشررأرك صفي‬‫"يقرل أتترأأترييترم تما تترديعوتن صمرن يدوصن الللصه أتيرأوصنإي تماتذا تختليقوا صمتن ارلتأررأ ص‬
‫اللستماتواصت ارئيتوصنإي صبصكتتادب صمرن تقربصل تهتذا أترو أتتثاترأدة صمرن صعرلدم إصرن يكرنإيترم تصاصدصقيتن )‪ (٤‬توتمرن‬
‫أتتضبل صملمرن تيرديعو صمرن يدوصن الللصه تمرن تلا تيرستصجييب تليه إصتلى تيروصم ارلصقتياتمصة تويهرم تعرن يدتعاصئصهرم‬
‫س تكاينإوا تليهرم أترعتدالء توتكاينإوا صبصعتباتدصتصهرم تكاصفصرأيتن )‪" (٦‬‬
‫تغاصفيلوتن )‪ (٥‬توإصتذا يحصشترأ اللنإا ي‬

‫فإذا وصلنإا للموطن الول الذي يذكرأ فيه "الجن" نإجد أنإه قد جاء بنإفس الترأكيبة التي‬
‫جاءت في سورأة فصلت والعرأافا "في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والنإس"‪,‬‬
‫ونإفس ما قيل هنإاك يقال هنإا‪ ,‬إل أنإه يضافا إليه أن الية السابقة قد أكدت هذا‬
‫المدلول‪ ,‬فال تعالى يقول‪:‬‬
‫"تواللصذي تقاتل صلتواصلتدريصه أيرفا تليكتما أتتصعتداصنإصنإي أترن أيرخترأتج توتقرد تختلصت ارليقيرأوين صمرن تقربصلي تويهتما‬
‫تيرس ت صغيتثاصن اللته توريتلتك تآصمرن إصلن تورعتد الللصه تحيقا تفتييقويل تما تهتذا إصللا أتتساصطييرأ ارلتألوصليتن )‪(١٧‬‬
‫يأوتلصئتك اللصذيتن تحلقا تعتلريصهيم ارلتقرويل صفي أيتمدم تقرد تختلرت صمرن تقربصلصهرم صمتن ارلصجسن توارلصإرنإ ص‬
‫س إصلنإيهرم تكاينإوا‬
‫تخاصسصرأيتن )‪"(١٨‬‬
‫فالذي يستبعد أن ييخرأج يرأد على والديه بأن القرأون قد خلت من قبله ولم ييخرأج‬
‫أحد‪- ,‬والقرأون هم الجيال وليسوا السنإين الزمنإية‪ ,-‬فيقول ال أن أولئك المكذبين‬
‫حقا عليهم القول وخلوا كما خلى السابقون!‬
‫فنإلحظ أنإه يستدل على والديه بخلو القرأون‪- ,‬الجيال والمم السابقة‪ ,-‬فقال ال‬
‫أن المكذبين حقا عليهم القول في أمم قد خلت قبلهم من الجن والنإس‪.‬‬

‫فإذا انإتقلنإا إلى الموضع الثانإي وجدنإا أنإه جاء في سياقا الحديث عن نإصرأة ال‬
‫لوليائه وإهلكه لعدائه‪ ,‬فال تعالى يقول‪:‬‬
‫"توتلتقرد تملكلنإايهرم صفيتما إصرن تملكلنإايكرم صفيصه توتجتعرلتنإا تليهرم تسرملعا توأتربتصالرأا توأترفصئتدلة تفتما أترغتنإى تعرنإيهرم‬
‫تسرميعيهرم توتلا أتربتصايرأيهرم توتلا أترفصئتديتيهرم صمرن تشريدء إصرذ تكاينإوا تيرجتحيدوتن صبتآتياصت الللصه توتحاتقا صبصهرم‬
‫تما تكاينإوا صبصه تيرسترهصزيئوتن )‪ (٢٦‬توتلتقرد أترهتلركتنإا تما تحروتليكرم صمتن ارليقترأى توتصلرأرفتنإا ارلتآتياصت تلتعليهرم‬
‫تيررأصجيعوتن )‪ (٢٧‬تفتلروتلا تنإتصترأيهيم اللصذيتن التتخيذوا صمرن يدوصن الللصه يقررأتبالنإا تآصلتهلة تبرل تضبلوا تعرنإيهرم‬
‫توتذصلتك إصرفيكيهرم توتما تكاينإوا تيرف ت يرأوتن )‪ (٢٨‬توإصرذ تصترأرفتنإا إصتلريتك تنإتفلرأا صمتن ارلصجسن تيرس تصميعوتن‬
‫ارليقررأتآتن تفتللما تحتضيرأويه تقايلوا أترنإصصيتوا تفتللما يقصضتي تولروا إصتلى تقروصمصهرم يمرنإصذصرأيتن )‪ (٢٩‬تقايلوا تيا‬

‫‪119‬‬
‫تقروتمتنإا إصلنإا تسصمرعتنإا صكتتالبا أيرنإصزتل صمرن تبرعصد يموتسى يمتصسدلقا صلتما تبريتن تيتدريصه تيرهصدي إصتلى ارلتحسقا توإصتلى‬
‫تطصرأيدقا يمرس ت صقيدم )‪ (٣٠‬تيا تقروتمتنإا أتصجييبوا تداصعتي الللصه توتآصمينإوا صبصه تيرغصفررأ تليكرم صمرن يذينإوصبيكرم‬
‫ض‬ ‫س صبيمرعصجدز صفي ارلتأررأ ص‬ ‫تويصجررأيكرم صمرن تعتذادب أتصليدم )‪ (٣١‬توتمرن تلا يصجرب تداصعتي الللصه تفتلري ت‬
‫س تليه صمرن يدوصنإصه تأوصلتيايء يأوتلصئتك صفي تضتلادل يمصبيدن )‪ ..... (٣٢‬تفارصصبررأ تكتما تصتبترأ يأويلو‬ ‫توتلري ت‬
‫ارلتعرزصم صمتن البرأيسصل توتلا ترس ت رعصجرل تليهرم تكتألنإيهرم تيروتم تيترأروتن تما ييوتعيدوتن تلرم تيرلتبيثوا إصللا تساتعلة‬
‫صمرن تنإتهادرأ تبتلارغ تفتهرل يرهتليك إصللا ارلتقرويم ارلتفاصسيقوتن )‪"(٣٥‬‬

‫فلقد أنإذرأ هود عادا بالحقافا فلم يؤمنإوا فأهلكوا فلم يغن عنإهم سمعهم ول أبصارأهم‬
‫ول أفئدتهم‪ ,‬ولقد أهلك ال القرأى المحيطة بمكة وصرأفا ال لهم اليات‪ ,‬فلم‬
‫تنإفعهم آلهتهم التي اتخذوها ولم ترأفع عنإهم العذاب‪.‬‬
‫وإذا كنإتم يا أهل مكة لم تؤمنإوا بمحمد فإن من نإصرأة ال له أنإه صرأفا إليه نإفرأا من‬
‫الجن يستمعون القرأآن‪ ,‬ولما استمعوا آمنإوا وولوا إلى قومهم منإذرأين‪.‬‬

‫والدليل القاطع على أن هؤلء الجن كانإوا بشرأا متخفين من قبائل أخرأى أتوا‬
‫ض"‬ ‫س صبيمرعصجدز صفي ارلتأررأ ص‬ ‫ليستمعوا النإبي قولهم لقومهم‪ " :‬تفتلري ت‬
‫فهم ينإتمون إلى قوم يعيشون في الرأض‪ ,‬فهذا دليل على أنإهم بشرأ وليسوا جنإا‬
‫يطيرأ ويصعد السماء! ولو كانإوا يطيرأون في السماء لما كان للكلمة معنإى!‬
‫س تليه صمرن يدوصنإصه تأوصلتيايء"‬
‫والدليل الثانإي قولهم‪" :‬توتلري ت‬
‫فإذا كان البشرأ يتولون الجن ويستقوون بهم ويعوذون بهم –كما يدعي أصحاب‬
‫الفهم التقليدي‪ -‬فمن يتولهم الجن؟!‬

‫أما نإحن فنإقول أن هؤلء ينإذرأون قومهم أن عليهم اليمان بالرأسول ليغفرأ ال من‬
‫ذنإوبهم ولكي يجيرأهم ال من العذاب في الدنإيا فل يهلكون‪) ,‬لحظ أنإه قال‪ :‬عذاب‬
‫أليم‪ ,‬ولم يقل‪ :‬العذاب الليم(‬
‫ومن ل يجب داعي ال فليس بمعجز في الرأض‪ ,‬فمهما فعل وأينإما ذهب فسينإزل به‬
‫العذاب في الدنإيا‪ ,‬وليس له أولياء ينإصرأونإهم‪ ,‬أو يرأفعون عنإهم العذاب‪ ,‬ثم يأمرأ‬
‫ال النإبي بالصبرأ على قومه ول يستعجل لهم العذاب‪ ,‬فكأنإهم يوم يرأون ما يوعدون‬
‫–وهو العذاب نإازل بهم‪ -‬لم يلبثوا إل ساعة من نإهارأ‪.‬‬

‫الجن في سورأة الذارأيات‬

‫إذا ترأكنإا سورأة الحقافا وانإتقلنإا إلى سورأة الذارأيات‪ ,‬وجدنإا أن "الجن" يذكرأ كذلك‬
‫في معرأض التوعد‪ ,‬فال تعالى يقول‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫"تفصفبرأوا إصتلى الللصه إصسنإي تليكرم صمرنإيه تنإصذيررأ يمصبيرن )‪ (٥٠‬توتلا ترجتعيلوا تمتع الللصه إصتللها آتتخترأ إصسنإي تليكرم‬
‫صمرنإيه تنإصذيررأ يمصبيرن )‪ (٥١‬تكتذصلتك تما أتتتى اللصذيتن صمرن تقربصلصهرم صمرن ترأيسودل إصللا تقايلوا تساصحررأ أترو‬
‫تمرجينإورن )‪ (٥٢‬أتتتواتصروا صبصه تبرل يهرم تقرورم تطايغوتن )‪ (٥٣‬تفتتولل تعرنإيهرم تفتما أترنإتت صبتميلودم )‬
‫س إصللا صلتيرعيبيدوصن )‬ ‫‪ (٥٤‬توتذسكررأ تفصإلن السذركترأى ترنإتفيع ارليمرؤصمصنإيتن )‪ (٥٥‬توتما تختلرقيت ارلصجلن توارلصإرنإ ت‬
‫‪ (٥٦‬تما أيصرأييد صمرنإيهرم صمرن صرأرزدقا توتما أيصرأييد أترن يرطصعيموصن )‪ (٥٧‬إصلن اللته يهتو اللرألزايقا يذو‬
‫ارليقلوصة ارلتمصتيين )‪ (٥٨‬تفصإلن صلللصذيتن تظتليموا تذينإولبا صمرثتل تذينإوصب أترصتحاصبصهرم تفتلا تيرسترعصجيلوصن )‪(٥٩‬‬
‫تفتوريرل صلللصذيتن تكتفيرأوا صمرن تيروصمصهيم اللصذي ييوتعيدوتن )‪"(٦٠‬‬

‫فال تعالى يأمرأ النإبي بالتذكيرأ‪ ,‬وأنإه ما خلقا الجن والنإس إل ليعبدوه‪ ,‬فهو ل يرأيد‬
‫منإهم رأزقا ول إطعام‪ ,‬فال هو الرأزاقا‪ ,‬وعلى الظالمين أل يستعجلوا العذاب‪ ,‬فويل‬
‫لهم من يومهم الذي يوعدون!‬

‫فإذا عرأضنإا اليات من منإظورأنإا نإحن نإقول‪:‬‬


‫يأمرأنإا ال تعالى بالفرأارأ إليه وأل نإجعل معه إلها آخرأ‪) ,‬ولن أكثرأ النإاس يعبدون‬
‫سادتهم وكبرأاءهم( يقول ال تعالى لهم أنإه ما خلقا السادة ول التباع إل ليعبدوه‪,‬‬
‫فهو ل يرأيد منإهم رأزقا‪ ,‬ويذكرأ التباع الذين يعبدون السادة بسبب ظنإهم أنإهم‬
‫يرأزقونإهم‪ ,‬بأن ال هو الرأزاقا ذو القوة المتين‪ ,‬وأن للذين ظلموا ذنإوبا من العذاب‬
‫مثل ذنإوب أصحابهم‪ ,‬فل يستعجلون نإزوله‪ ,‬فويل لهم من يومهم الذي يوعدون‪.‬‬

‫الجن في سورأة الرأحمن‬


‫إذا ترأكنإا سورأة الذارأيات وانإتقلنإا إلى سورأة الرأحمن‪ ,‬نإجد فيها دليل قاطعا آخرأ على‬
‫أن النإس والجن هما "إنإسان‪/‬بشرأ"‪ ,‬فال تعالى يخاطب النإاس في أول السورأة‪,‬‬
‫ويأمرأهم بإقامة الوزن وعدم تخسيرأ الميزان‪ ,‬ثم يقول لهم بعد ذلك‪ :‬فبأي آلء‬
‫رأبكما تكذبان!‬
‫ول الحمد فلم يكن هنإاك أي مذكورأ يعاد عليه ضميرأ المثنإى من أول السورأة إلى‬
‫الية الثالثة عشرأ إل النإسان!‬

‫فإذا قلنإا أن ال تعالى خاطب البشرأ بصيغة الجمع‪" :‬أل تطغوا ‪ ...‬وأقيموا ‪...‬ول‬
‫تخسرأوا" ثم عاد وقسمهم إلى قسمين –سيبينإهما بعد آيات‪ -‬فل إشكال‪ ,‬وهذا هو‬
‫المنإطقي‪:‬‬
‫س توارلتقتميرأ‬ ‫"اللرأرحتمين )‪ (١‬تعلتم ارليقررأآتتن )‪ (٢‬تختلتقا ارلصإرنإتساتن )‪ (٣‬تعلتميه ارلتبتياتن )‪ (٤‬اللشرم ي‬
‫صبيحرستبادن )‪ (٥‬تواللنإرجيم تواللشتجيرأ تيرسيجتداصن )‪ (٦‬تواللستماتء ترأتفتعتها توتوتضتع ارلصميتزاتن )‪ (٧‬أتللا‬
‫ض‬ ‫ترطتغروا صفي ارلصميتزاصن )‪ (٨‬توأتصقييموا ارلتورزتن صبارلصقرسصط توتلا يترخصسيرأوا ارلصميتزاتن )‪ (٩‬توارلتأررأ ت‬

‫‪121‬‬
‫توتضتعتها صلرلتأتنإاصم )‪ (١٠‬صفيتها تفاصكتهرة تواللنإرخيل تذايت ارلتأركتماصم )‪ (١١‬توارلتحبب يذو ارلتعرصصفا‬
‫تواللرأريتحاين )‪ (١٢‬تفصبتأسي آتتلاصء ترأسبيكتما يتتكسذتباصن )‪"(١٣‬‬

‫أما أن نإقرأأ هذه اليات ثم نإقول أن ال تعالى يخاطب البشرأ وكائنإا آخرأ‪ ,‬فما الدليل‬
‫على هذا؟ إن هذا الكائن لم يسبقا له ذكرأ‪ ,‬وليس هذا من المفهوم بداهة‪ ,‬مما ل‬
‫يختلفا عليه اثنإان!!‬

‫وبعد ذلك يقول ال تعالى‪:‬‬


‫"تختلتقا ارلصإرنإتساتن صمرن تصرلتصادل تكارلتفلخاصرأ )‪ (١٤‬توتختلتقا ارلتجالن صمرن تماصرأدج صمرن تنإادرأ )‪(١٥‬‬
‫تفصبتأسي آتتلاصء ترأسبيكتما يتتكسذتباصن )‪ ....... (١٦‬تستنإرفيرأيغ تليكرم أتبيته اللثتقتلاصن )‪ (٣١‬تفصبتأسي آتتلاصء‬
‫س إصصن ارس ت تطرعيترم أترن ترنإيفيذوا صمرن أترقتطاصرأ‬
‫ترأسبيكتما يتتكسذتباصن )‪ (٣٢‬تيا تمرعتشترأ ارلصجسن توارلصإرنإ ص‬
‫ض تفارنإيفيذوا تلا ترنإيفيذوتن إصللا صبيسرلتطادن )‪"(٣٣‬‬ ‫اللستماتواصت توارلتأررأ ص‬

‫فال العليم يتحدث عن مادة خلقا النإسان ومادة خلقا "الجان" )وليس الجن(‪ ,‬ثم‬
‫يخاطب معشرأ الجن والنإس –وهذا يعنإي أنإهم قوم يتعاشرأون يعيشون مع بعضهم‪,‬‬
‫ل أن هذا يعيش في عالم والخرأ في عالم آخرأ!‪ -‬بأنإهم إن استطاعوا أن ينإفذوا ‪....‬‬
‫الخ‬

‫فإذا واصلنإا قرأاءة اليات تأكد أن النإس والجن جنإس واحد‪ ,‬وأن "الجان" غيرأهما‬
‫فال العليم يقول‪:‬‬
‫س تفتلا ترنإتصصترأاصن )‪ (٣٥‬تفصبتأسي آتتلاصء ترأسبيكتما يتتكسذتباصن )‬‫"يررأتسيل تعتلرييكتما يشتوارظ صمرن تنإادرأ توينإتحا ر‬
‫‪ (٣٦‬تفصإتذا ارنإتشلقصت اللستمايء تفتكاتنإرت توررأتدلة تكالسدتهاصن )‪ (٣٧‬تفصبتأسي آتتلاصء ترأسبيكتما يتتكسذتباصن )‪(٣٨‬‬
‫س توتلا تجاين )‪"(٣٩‬‬ ‫تفتيروتمصئدذ تلا يرستأيل تعرن تذرنإصبصه إصرنإ ر‬
‫فالنإس والجن يرأسل عليهما شواظ من نإارأ ونإحاس‪ ,‬وهذا يعنإي أنإهم يعيشون مع‬
‫بعض‪ ,‬وأن العذاب ينإزل بهما سويا!‬

‫ونإلحظ أنإه عنإد حديثه عن الخرأة لم يقل‪" :‬فيومئذ ل يسأل عن ذنإبه إنإس ول جن"‪,‬‬
‫س توتلا تجاين"‪ ,‬وذلك لن النإس جنإس‪ ,‬والجان جنإس آخرأ‪.‬‬ ‫وإنإما قال‪" :‬إصرنإ ر‬
‫وفي اليتين الخرأيين اللتين يذكرأ فيهما الطمث‪ ,‬نإجد أن ال تعالى يذكرأ "الجان"‬
‫س تقربتليهرم توتلا تجاين"‬
‫وليس "الجن"‪ ,‬فيقول‪" :‬تلرم تيرطصمرثيهلن إصرنإ ر‬

‫وبهذا نإكون قد أنإهينإا كل اليات القرأآنإية التي ورأد فيها ذكرأ "الجن"‪ ,‬وكما رأأينإا‬
‫فاليات تتحدث عن صنإفا من البشرأ‪ ,‬وليس عن صنإفا آخرأ!‬
‫أما اليات التي تتحدث عن "الجان" و"الجنإة" فهي تتحدث عن صنإفا آخرأ غيرأ‬

‫‪122‬‬
‫البشرأ‪ ,‬فا‪" :‬الجان" مقابل "النإسان"‪ ,‬و‪" :‬الجنإة" مقابل "النإاس"‪.‬‬

‫هل الشيطان ليس إبليس؟‬

‫رأأينإا من خلل تنإاولنإا ليات الذكرأ أن كلمة "شيطان‪/‬شياطين" في لسان العرأب وفي‬
‫بيان القرأآن‪ ,‬قد اسيتعملت مع البشرأ ومع غيرأ البشرأ‪ .‬ومن البديهيات عنإد المسلمين‬
‫أن "الشيطان" المذكورأ في القرأآن هو إبليس‪ ,‬ذلك الكائن الغيرأ بشرأي‪ .‬إل أن‬
‫الجماعة الحمدية القاديانإية كان لها رأأري مخالفا تماما بهذا الشأن‪.‬‬

‫فالجماعة الحمدية تنإفي وجود الجن الشبحي –ونإحن نإتفقا معهم في هذه النإقطة‪-‬‬
‫إل أنإهم يقولون أنإه ل وجود للشياطين بالتصورأ المشهورأ‪ ,‬فليس هنإاك إل بشرأ‬
‫وملئكة‪ .‬ويرأون أن الشيطان اسم عام بمعنإى البعد والتطرأفا والطغيان والزيادة‪,‬‬
‫ومن ثم فإنإه يصدقا على أشياء كثيرأة وهو ييستعمل في اللسان مع النإسان‬
‫والحيوان‪ ,‬ومع كل ما كان الشطط والشطن حاله‪ ,‬إل أنإه ل يوجد خلقا مستقل‬
‫اسمه الشياطين! فالشياطين كذلك من النإاس!‬
‫وإبليس كان وحدا من البشرأ الموجودين مع سيدنإا آدم‪ ,‬إل أنإه ليس الشيطان الذي‬
‫أغواه! فالشيطان الذي أغواه كان فرأدا آخرأ!‬

‫ولن هذا القول يصادم اليات الصرأيحة التي تتحدث عن مادة خلقا الجان‪ ,‬فهم‬
‫يؤولون اليات الصرأيحات الوارأدة المخالفة لهم‪ ,‬فيقولون أن قول الرأب العليم‪:‬‬
‫"توارلتجالن تختلرقتنإايه صمن تقربيل صمن لنإاصرأ اللسيموصم ]الحجرأ ‪"[27 :‬‬
‫ليس حديثا عن مادة الخلقا‪ ,‬وإنإما عن الطباع مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫"يخصلتقا ارلصإنإتساين صمرن تعتجدل تسيأصرأييكرم آتياصتي تفتلا ترسترعصجيلوصن ]النإبياء ‪"[37 :‬‬
‫فليس المرأاد من "عجل" مادة الصنإع بل الطبع‪ ,135‬أي أن النإسان بطبعه عجول‪,‬‬
‫فكذلك ليس المرأاد من نإارأ السموم‪ ,‬مادة الخلقا وإنإما الطبع السائد في الشياطين!‬
‫كما يؤولون اليات والحاديث الوارأدة في ذكرأ الشياطين تأويلل‪ ,‬يجعلها وارأدة في‬
‫النإسان‪.‬‬

‫وهذا القول من أعجب العجب! فإذا كان ال تعالى يخاطب الملئكة بالسجود لدم‪,‬‬
‫فما شأن إبليس –البشرأي‪ -‬بهذا المرأ؟! إذا كان الخطاب للملئكة فكيفا سمعه‬
‫إبليس وفهمه؟! ولو فهمه فلماذا ينإفذه إذا كان بشرأا؟!‬

‫‪ 135‬يإمكن أن يإفهم أن "العجل" متعلق بمادة الخلق أيإضا‪ ,‬فكلمة "العجل" يإمكن فهمها على أنها حالة من حالت الماء‪ ,‬فتكون اليإة عن‬
‫مادة الخلق أيإضا‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫س البشرأي ال العظيم؟! فكما نإرأى فلقد خاطبه ال ورألد إبليس‬
‫ثم كيفا يخاطب إبلي ي‬
‫عليه‪ ,‬فكيفا يكون هذا من بشرأ ولبشرأ؟! فما أهنإئ ذلك البشرأي العاصي الذي‬
‫تشرأفا بمخاطبة ال له! ثم أي إنإسان بدائي هذا –على قولهم‪ -‬الذي يفهم طبائع‬
‫النإفوس ويرأى أن طبعه نإارأي ومن ثم يكون هذا الطبع –الحاد‪ -‬مبرأرأا لرأفضه‬
‫السجود لدم؟!!!‬

‫ثم كيفا يكون إبليس بشرأا وال تعالى يقول‪:‬‬


‫س تظلنإيه تفالتتبيعويه إصللا تفصرأيقا سمتن ارليمرؤصمصنإيتن ]سبأ ‪"[20 :‬‬
‫"توتلتقرد تصلدتقا تعتلريصهرم إصربصلي ي‬
‫فكيفا عاش ذلك البشرأي إلى زمان سبأ حتى أغواهم؟! إن قولهم بأنإه بشرأي يعنإي‬
‫أن المرأ أصبح شبيها بقصص الخيال العلمي التي تتحدث عن شخصية تظهرأ في‬
‫كل العصورأ‪ ,‬لتقوم بدورأ الشرأ البارأز! ومن ثم فإنإه من الواجب علينإا أن نإبحث في‬
‫التارأيخ عن شخصية تظهرأ وتختفي لنإحملها دورأ الشيطان!‬

‫وقولهم أن المرأاد من "نإارأ السموم" ليس مادة الخلقا يبطله السياقا‪ ,‬الذي يحتم أن‬
‫يكون المرأاد منإها مادة الخلقا‪ ,‬فال عز وجل قال في الية السابقة‪" :‬توتلتقرد تختلرقتنإا‬
‫اصلنإتساتن صمن تصرلتصادل سمرن تحتمدإ لمرسينإودن ]الحجرأ ‪ ,"[26 :‬ثم تحدث بعد ذلك عن‬
‫الجان‪ ,‬فيحتم هذا أن يكون الحديث عن مادة الخلقا‪.‬‬
‫وهم يقولون أن المرأاد من الصلصال أن النإسان طبعه ليرن قابل للتشكيل بسهولة‬
‫مثل الصلصال! وهذا تأويرل بعيد ل يوجد ما يوجب الحمل عليه!‬

‫كما أن قولهم أن إبليس شخص والشيطان شخص آخرأ هو من العجب كذلك‪ ,‬ويرأد‬
‫عليهم قوله تعالى في سورأة طه‪:‬‬
‫س أتتبى )‪ (١١٦‬تفيقرلتنإا تيا تآتديم إصلن‬
‫"توإصرذ يقرلتنإا صلرلتمتلاصئتكصة ارسيجيدوا صلتآتدتم تفتستجيدوا إصللا إصربصلي ت‬
‫تهتذا تعيديو تلتك توصلتزروصجتك تفتلا يرخصرأتجلنإيكتما صمتن ارلتجلنإصة تفترشتقى )‪"(١١٧‬‬
‫فكما رأأينإا فال تعالى قال لدم أن هذا )إبليس( عدرو له‪ ,‬وحلذرأه من أن يقع‬
‫في حبائله فيخرأجه من الجنإة‪.‬‬

‫فإذا انإتقلنإا إلى سورأة العرأافا وجدنإا الرأب العليم يقول عن الشيطان‪:‬‬
‫"تفتدللايهتما صبيغيرأودرأ تفتللما تذاتقا اللشتجترأتة تبتدرت تليهتما تسروآتيتيهتما توتطصفتقا تيرخصصتفاصن تعتلريصهتما‬
‫صمرن توترأصقا ارلتجلنإصة توتنإاتدايهتما ترأبيهتما أتتلرم أترنإتهيكتما تعرن صترليكتما اللشتجترأصة توأتيقرل تليكتما إصلن‬
‫اللشريتطاتن تليكتما تعيديو يمصبيرن )‪"(٢٢‬‬
‫فال تعالى يلوم آدم على أنإه استمع للشيطان على الرأغم من تحذيرأ ال تعالى له‪,‬‬
‫والذي رأأينإاه في القرأآن صرأاحلة هو أن ال حذرأه من إبليس فيكون هو الشيطان‪.‬‬

‫إن قولهم بأن الشياطين هي نإوازع النإفس السيئة قورل ل دليل عليه مخالفا للتصورأ‬
‫القرأآنإي‪ ,‬فال تعالى يقول مثل‪ " :‬إصلنإيه تيترأايكرم يهتو توتقصبييليه صمرن تحرييث تل تترأروتنإيهرم ‪...‬‬

‫‪124‬‬
‫]العرأافا ‪ "[27 :‬فهل نإوازع النإفس أو البشرأ الشرأارأ يرأونإنإا من حيث ل نإرأاهم؟!‬
‫وقوله "من حيث" دليرل كادفا على أن للشياطين عالم آخرأ غيرأ عالمنإا يرأونإنإا منإه‪,‬‬
‫ولذلك ل نإرأاهم!‬

‫كما أنإنإا نإجد أن ال يحكي عن الشيطان‪ " :‬توتقاتل اللشريتطاين تللما يقصضتي اتلرميرأ إصلن الله‬
‫توتعتديكرم تورعتد ارلتحسقا توتوتعدبتيكرم تفتأرختلرفيتيكرم توتما تكاتن صلتي تعتلرييكم سمن يسرلتطادن إصلل تأن تدتعرويتيكرم‬
‫ل تيلويموصنإي تويلويمورا تأنإيفتسيكم لما أتتنإرا صبيمرصصرأصخيكرم توتما تأنإيترم صبيمرصصرأصخلي إصسنإي‬
‫تفارستتجربيترم صلي تف ت‬
‫تكتفررأيت صبتما أترشترأركيتيموصن صمن تقربيل إصلن اللظاصلصميتن تليهرم تعتذارب أتصليرم ]إبرأاهيم ‪"[22 :‬‬
‫فتمن صمن البشرأ الذي أضل البشرأ بشكدل عام‪ ,‬ووعدهم فأخلفهم على عكس وعد‬
‫ال؟! أم أن نإوازع الشرأ هي التي تقول هذا؟!‬

‫إن النإاظرأ في كتاب ال تعالى يجد حديثا عن جنإس غيرأ جنإس البشرأ‪ ,‬وهو‪ :‬الجنإة‪,‬‬
‫ومن هذا الجنإس من يلعب دورأا في إضلل النإاس‪" :‬صمتن ارلصجلنإصة تواللنإا ص‬
‫س ]النإاس ‪:‬‬
‫‪ ,"[6‬والنإسان مأمورأ بالستعاذة بال من شرأ الوسواس الخنإاس سواء كان من‬
‫الجنإة أم من النإاس!‬
‫نإخرأج من هذا كله بأن القول بأن إبليس والشياطين ما هم إل بشرأ‪ ,‬قول غيرأ دقيقا‪,‬‬
‫فنإعم هنإاك شياطين بين البشرأ –بنإص كتاب ال‪ -‬ولكن أن نإحصرأهم فيهم فهذا غيرأ‬
‫صحيح‪ ,‬فهنإاك شياطين من جنإس غيرأهم )الصجلنإة(‪ ,‬يعملون على إضلل النإاس حتى‬
‫ل يكونإوا وحدهم أصحاب الجحيم‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫الفصل الرأابع‬
‫الجن في الرأوايات‬

‫بعد أن تحدثنإا عن "الجن" في كتاب ال تعالى‪ ,‬ورأأينإا كيفا أنإه يتحدث عن عنإصرأ‬
‫الفساد والضلل عبرأ العصورأ والمكنإة والعوالم‪ ,‬وهم القادة المستكبرأون‪ ,‬الذين‬
‫يجذبون التباع الصغارأ إليهم‪ ,‬ليستقووا بهم وليصيرأوا عونإا لهم‪.‬‬
‫بعد هذا نإنإتقل إلى الرأوايات الوارأدة عن النإبي الكرأيم‪ ,‬لنإنإظرأ هل تتطابقا مع ما ورأد‬
‫في كتاب ال تعالى‪ ,‬أم أنإها تقول بقول آخرأ‪.‬‬

‫ونإحن نإعرأض لهذه الرأوايات لنإها أكبرأ مستنإد لمن يرأفض أن يكون الجن من‬
‫البشرأ‪ ,‬لن الرأوايات تقول صرأاحة أن الجن خلقا آخرأ! فنإعرأض لها لنإبين أنإها‬
‫ليست المستنإد القوي للرأافضين‪.‬‬
‫فالنإاظرأ في الرأوايات الوارأدة عن النإبي بهذا الشأن يجد أنإها مما ل يمكن جمعه في‬
‫سلة واحدة‪ ,‬فمنإها ما هو صحيح ويأسيء فهمه ومنإها ما هو مختلقا لريقدم كتفسيرأ!‬
‫ليات القرأآن بهذا الشأن‪ ,‬ومنإها ما جاء مؤيدا لما كان عنإد العرأب قبل السلم من‬
‫الخرأافات‪ ,‬إل أنإه ينإسب إلى الرأسول الكرأيم‪ ,‬لييصبغ بصبغة إلهية رأبانإية!‬
‫وبالفعل تقبل المسلمون هذه الخرأافات وأصبحت من الدين الواجب اليمان به!‬

‫وهكذا أصبح لكل طاعن في الدين متكئا‪ ,‬فإذا كان السلم قد أليد أساطيرأ العرأب‬
‫فهذا يعنإي أنإه ابن بيئته! وإل لماذا ل تصح إل أساطيرأ العرأب‪ ,‬وتصبح أقاويل‬
‫العرأب هي التي أصابت كبد الحقيقة بخلفا أساطيرأ باقي الشعوب‪ ,‬والتي هي‬
‫أساطيرأ وخرأافات ما أنإزل ال بها من سلطان؟!‬

‫‪126‬‬
‫ولن الجن والشياطين قد يذكرأوا في عدد كبيرأ من الرأوايات‪ ,‬ل يمكن اللمام به في‬
‫فصل أو باب‪ ,‬وإنإما يحتاج إلى كتاب كامل من القطع الكبيرأ أو أكثرأ‪ ,‬لذا فإنإنإا‬
‫سنإكتفي بمنإاقشة نإماذج من أصنإافا الرأوايات الوارأدة بشأن الجن‪ ,‬فنإعرأض لرأوايات‬
‫يقدمت كتفسيرأ ليات سورأة الجن‪ ,‬لنإبين أنإها تخالفا آيات السورأة كلية‪ ,‬وكيفا أنإه‬
‫من غيرأ الممكن أن تكون الواقعة التي نإزلت بعدها السورأة!‬

‫ونإعرأض لرأوايادت تقول أن الجن هم بشرأ‪ ,‬لنإبين كيفا أن الرأواة أضافوا إليها ما‬
‫ليس منإها ليجعلوها في الكائن الخرأافي‪ ,‬كما نإعرأض لرأوايادت يظهرأ فيها التطابقا‬
‫بين معتقدات العرأب الجاهلية وبين ما تقول به‪ ,‬كما نإعرأض لرأوايادت تظهرأ أن الجن‬
‫خلقا طفيلي ضعيفا! كم سنإعمل على إبرأاز التنإاقضات في بنإية الرأواية نإفسها والتي‬
‫تسقطها من تلقاء نإفسها!‬

‫رأوايات عن سورأة الجن‬


‫أول ما نإبدأ به حديثنإا هو الرأوايات الوارأدة والمذكورأة في كتب التفسيرأ كمنإاسبة‬
‫لنإزول سورأة الجن‪ ,‬وسنإعرأض هنإا الرأوايات الوارأدة في تفسيرأ المام الفخرأ الرأازي‬
‫مفاتيح الغيب‪.‬‬
‫ولن نإكتفي بذكرأ الرأوايات‪ ,‬وإنإما سنإذكرأ تعليقا المام الفخرأ الرأازي حول هذه‬
‫الرأوايات ومحاولة توجيهه لها‪ ,‬وذلك حتى ل يقول القارأئ أنإك تذكرأ الرأوايات‬
‫مجرأدة‪ ,‬ول تذكرأ أقوال العلماء حولها وتوجيههم لها!‬

‫لذا نإذكرأ هنإا ما قال المام الفخرأ الرأازي –وهو من هو‪ -‬والذي قد ييحسب بدرأجة‬
‫من الدرأجات على المدرأسة العقلية‪ ,‬ليبصرأ القارأئ بعينإه كيفا أن توجيهه ودفاعه‬
‫ضعيفا ول يصلح بحال لتقوية هذه الرأوايات‪ ,‬وكيفا أنإها ستظل دوما منإاقضة‬
‫للقرأآن‪ ,‬مختتلقة ليتقدم كتفسيرأ لليات!‬

‫قال المام الفخرأ الرأازي في معرأض تفسيرأه لول آية في سورأة الجن‪:‬‬
‫"اختلفت الرأوايات في أنإه عليه الصلة والسلم هل رأأى الجن أم ل؟‬
‫فالقول الول‪ :‬وهو مذهب ابن عباس أنإه عليه السلم ما رأآهم‪ ،‬قال‪ :‬إن الجن كانإوا‬
‫يقصدون السماء في الفترأة بين عيسى ومحمد فيستمعون أخبارأ السماء ويلقونإها‬
‫إلى الكهنإة فلما بعث ال محمدا عليه السلم حرأست السماء‪ ،‬وحيل بين الشياطين‬
‫وبين خبرأ السماء وأرأسلت الشهب عليهم فرأجعوا إلى إبليس وأخبرأوه بالقصة‬
‫فقال‪ :‬ل بد لهذا من سبب فاضرأبوا مشارأقا الرأض ومغارأبها واطلبوا السبب فوصل‬

‫‪127‬‬
‫جمع من أولئك الطالبين إلى تهامة فرأأوا رأسول ال صلى ال عليه وسلم في سوقا‬
‫عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلة الفجرأ‪ "136.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فالمام الفخرأ الرأازي يعرأض القوال في هذه المسألة‪ ,‬وأول رأأي يذكرأه‬
‫هو رأأي ابن عباس‪ ,‬الذي يقول أنإه لم يرأهم‪ ,‬ولن نإتساءل‪ :‬من أين أتى ابن عباس‬
‫بهذه المعلومات عن تسمع الجن؟! وإنإما سنإعلقا على نإقطة أخرأى فنإقول‪:‬‬
‫أول ما يلحظه المرأء هو أنإه يخلط بين الجن والشياطين‪ ,‬فبعد أن كان الحديث عن‬
‫الجن في أول القول‪" :‬إن الجن كانإوا يقصدون السماء" أصبح الحديث عن‬
‫الشياطين‪ " :‬وحيل بين الشياطين وبين خبرأ السماء وأرأسلت الشهب عليهم فرأجعوا‬
‫إلى إبليس"‬
‫وتبعا لهذه الرأواية فإن الجن هم الشياطين‪ ,‬ويصبح الشياطين مخاطبين بالقرأآن‪,‬‬
‫وهكذا تكون الشياطين قد آمنإت بالقرأآن العزيز!‬

‫فإذا ترأكنإا هذه النإقطة وجدنإا أن هنإاك عجبا أكبرأ في هذه الرأواية‪ ,‬وهو أنإه لم يكن‬
‫هنإاك شياطين في جزيرأة العرأب‪ ,‬أو على القل في مكة وما يجاورأها! وحتى ل‬
‫يقول القارأئ‪ :‬من أين أتينإا بهذا‪ ,‬فالرأواية ل تقول هذا؟!‬
‫نإقول‪ :‬كيفا خفي على الشياطين خبرأ ظهورأ النإبي؟! هل كانإوا في الجازة السنإوية‬
‫أو القرأنإية‪ ,‬ولذلك لم يعلموا بظهورأ النإبي؟!!‬

‫إنإنإا نإدعو القارأئ الكرأيم للتفكرأ‪ :‬كيفا حدث هذا؟ إذا كان لكل إنإسان شيطان –حتى‬
‫الرأسول نإفسه‪ -‬كما جاء في الحديث الذي رأواه مسلم‪:‬‬
‫ت‬
‫"تعرن تعربصد الللصه ربصن تمرسيعودد تقاتل‪ :‬تقاتل ترأيسويل الللصه تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم تما صمرنإيكرم صمرن أتحدد‬
‫إصللا توتقرد يوسكتل صبصه تقصرأيينإيه صمرن ارلصجسن تقايلوا توإصلياتك تيا ترأيسوتل الللصه تقاتل توإصلياتي إصللا أتلن اللته‬
‫أتتعاتنإصنإي تعتلريصه تفتأرستلمت تفتلا تيرأيميرأصنإي إصللا صبتخريدرأ‪"137‬‬

‫س تقاتل‪:‬‬ ‫والذي رأواه أحمد تعصن اربصن تعلبا د‬


‫س صمرنإيكرم صمرن أتتحدد إصللا توتقرد يوسكتل صبصه تقصرأيينإيه صمرن‬
‫"تقاتل ترأيسويل الللصه تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم‪ :‬تلري ت‬
‫اللشتياصطيصن‪ .‬تقايلوا‪ :‬توأترنإتت تيا ترأيسوتل الللصه؟ تقاتل‪ :‬تنإتعرم توتلصكلن اللته أتتعاتنإصنإي تعتلريصه تفتأرستلمت‪"138‬‬
‫وكذلك ما رأواه تعرن تجاصبصرأ ربصن تعربصد الللصه تقاتل‪:‬‬

‫‪ 136‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬تفسير مفاتيح الغيب‪ ,‬الجزء الثلثون‪ ,‬ص‪.134.‬‬


‫‪ 137‬مسلم النيسابوري‪ ,‬صحيح مسلم‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬الجزء الرابع‪.‬‬
‫‪ 138‬أحمد بن حنبل‪ ,‬مسند أحمد‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.257 .‬‬

‫‪128‬‬
‫"تقاتل تلتنإا ترأيسويل الللصه تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم‪ :‬تلا تصليجوا تعتلى ارليمصغيتباصت تفصإلن اللشريتطاتن‬
‫تيرجصرأي صمرن أتتحصديكرم تمرجترأى اللدصم‪ .‬يقرلتنإا‪ :‬توصمرنإتك تيا ترأيسوتل الللصه؟ تقاتل‪ :‬توصمسنإي توتلصكلن اللته‬
‫أتتعاتنإصنإي تعتلريصه تفتأرستلمت‪"139‬‬

‫وبغض النإظرأ عن معنإى‪" :‬فأسلم"‪ ,‬فالشاهد في الرأوايتين‪ ,‬هو أن لكل واحد من‬
‫البشرأ شيطان‪ ,‬فكيفا خفي خبرأ ظهورأ الرأسول عن الشياطين؟!!‬
‫كما نإستخرأج من هذه الرأوايات شاهدا آخرأ‪ ,‬وهو أن الرأواة كانإوا يستعملون كلمة‬
‫"الجن" مكان الشياطين! فكما رأأينإا فإن بعض الرأوايات استعملت كلمة "الجن" مكان‬
‫كلمة "الشياطين‪/‬الشيطان" وهذا الذي سبب الشكال كله‪ ,‬وجعل المسلمين يظنإون‬
‫أن الجن هم الشياطين!!‬

‫فإذا قبلنإا هذه الرأوايات التي تقول أن لكل إنإسان قرأينإه من الشياطين‪ ,‬فيكون من‬
‫الواجب علينإا أن نإرأد الرأوايات التي تقول أن الجن لم تعلم بظهورأ الرأسول! ويكون‬
‫هذا أول مسألة غيرأ منإطقية في هذه الرأوايات!‬
‫ونإترأك هذه النإقطة ونإكمل تحليل ما ذكرأه المام الفخرأ الرأازي‪:‬‬
‫"فلما سمعوا القرأآن استمعوا له وقالوا‪ :‬هذا وال هو الذي حال بينإكم وبين خبرأ‬
‫السماء فهنإاك رأجعوا إلى قومهم وقالوا يا قومنإا }إنإا سمعنإا قرأآنإا عجبا{‪ "140‬ا‪.‬هـ‬
‫وهذا ثانإي ما ينإاقض النإص القرأآنإي‪ ,‬فلقد قال القرأآن أنإهم آمنإوا ونإزهوا ال عن‬
‫الصاحبة والولد‪ ,‬ولم تذكرأ الرأواية هذه الجزئية لنإها تعنإي إيمان الشياطين!‬
‫والشيطان ل يؤمن! وبغض النإظرأ عن هذا كله‪ ,‬فإن هذا يعنإي أن ملة الشياطين هي‬
‫المسيحية! أي أنإهم كانإوا يؤمنإون بدين بولس! وضع ما يحلو لك من علمات‬
‫التعجب!‬

‫ونإكمل ما ذكرأه المام الفخرأ الرأازي‪:‬‬


‫ي‬
‫"فأخبرأ ال تعالى محمدا عليه السلم عن ذلك الغيب وقال‪} :‬يقرل أوصحتى إصتللى{ كذا‬
‫وكذا‪ ،‬قال‪ :‬وفي هذا دليل على أنإه عليه السلم لم يرأ الجن‪ ,‬إذ لو رأآهم لما أسنإد‬
‫عرأفا وجوده بالمشاهدة ل يسنإد إثباته إلى‬ ‫معرأفة هذه الواقعة إلى الوحي فإن ما ي‬
‫الوحي‪(..........) ،‬‬
‫واختلفوا في أن أولئك الجن الذين سمعوا القرأآن من هم؟ فرأوى عاصم عن ذرأ قال‪:‬‬
‫قدم رأهط زوبعة وأصحابه مكة على النإبي صلى ال عليه وسلم فسمعوا قرأاءة النإبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ثم انإصرأفوا فذلك قوله‪} :‬توإصتذا تصترأرفتنإا إصتلريتك تنإتفرأا لمن الجن{‬
‫]الحقافا‪ [ 29 :‬وقيل‪ :‬كانإوا من الشيصبان‪ ,‬وهم أكثرأ الجن عددا وعامة جنإود‬
‫إبليس منإهم‪ "141.‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 139‬المرجع السابق‪ ,‬المجلد الثالث‪ ,‬ص‪.309.‬‬


‫‪ 140‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬تفسير مفاتيح الغيب‪ ,‬المجلد الثلثون‪ ,‬ص‪.134.‬‬
‫‪ 141‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬تفسير مفاتيح الغيب‪ ,‬المجلد الثلثون‪ ,‬ص‪135.‬‬

‫‪129‬‬
‫ومن هذا المقطع الذي ذكرأه المام الرأازي تظهرأ لنإا خرأافة جديدة من خرأافات‬
‫العرأب‪ ,‬وهي جن زوبعة‪ ,‬وكما جاء في الرأواية "رأهط زوبعة"!‬
‫والزوبعة رأيح مشهورأة‪ ,‬لذلك نإجد ابن منإظورأ يقول عنإد تعرأيفه لها في لسان‬
‫العرأب‪:‬‬
‫ح المعروفة‪ ,‬واليزوابلتع الدواهي‪ ,‬واليزسوبمتع واليزسومبعةت رأيح تدورأ في‬
‫"اليزسومبعلة الرري ل‬
‫صد وسجاها ا واحداا تحمل التغبارأ وترتفع لإلى السماء كمأنه عمود أتلخمذت من‬ ‫املرأض ل تمسق ل‬
‫التيمزسبع ‪,‬وصبيان املعراب يكنون اللعصارأ مأبا مزسومبعةم يقال فيه شيطان مارأد‪ "142‬ا‪.‬هـ‬

‫فكما رأأينإا فالعرأب للما لم تستطع أن تجد تفسيرأا لحدوث هذه الزوبعة‪ ,‬تلك الرأياح‬
‫التي تلتفا حول نإفسها‪ ,‬ولنإها تحمل في داخلها غبارأا وما شابه‪ ,‬فإنإها تأخذ شكل‬
‫عمود‪ ,‬قالوا أن بداخل هذه الرأياح جنإا وأنإه هو المسبب لها!‬
‫وعلى الرأغم من أن عامة المسلمين ل يصدقون بهذه الخرأافة الن‪ ,‬إل أنإهم ل‬
‫يرأفضون وجود جن زوبعة ‪ ....‬بدون زوبعة!!‬

‫ونإواصل منإاقشة ما ذكرأه المام الفخرأ الرأازي‪ ,‬وسنإجد أنإه انإتقل لذكرأ الرأأي الثانإي‬
‫الذي يقول أن النإبي الكرأيم رأأى الجن‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫"القول الثانإي‪ :‬وهو مذهب ابن مسعود أنإه يأمرأ النإبي صلى ال عليه وسلم بالمسيرأ‬
‫إليهم ليقرأأ القرأآن عليهم ويدعوهم إلى السلم‪ ،‬قال ابن مسعود‪ :‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪» :‬أمرأت أن أتلو القرأآن على الجن فمن يذهب معي؟‪ "143‬ا‪.‬هـ‬

‫وييفهم من هذه الرأواية أن الجن موجودة في مكان معينإة سيذهب إليها النإبي! ولنإا‬
‫أن نإتساءل‪ :‬لماذا لم تأت الجن إلى النإبي في دارأه إذا كانإوا غيرأ مرأئيين؟! ول‬
‫يشغلون حيزا من الفرأاغ؟! ثم هل يكفي الجن أن يقرأأ الرأسول عليهم القرأآن مرأة‬
‫ليؤمنإوا؟! وما حال من لم يحضرأ هذه الليلة ومن ليس من جن العرأب أصل؟!‬
‫وهل يعد هؤلء الجن من الصحابة لنإهم رأأوا الرأسول؟!!‬

‫ونإواصل ذكرأ ما قاله المام الفخرأ الرأازي‪:‬‬


‫"فسكتوا‪ ،‬ثم قال الثانإية فسكتوا‪ ،‬ثم قال الثالثة‪ ،‬فقال عبد ال‪ :‬قلت أنإا أذهب معك يا‬
‫رأسول ال‪ .‬قال‪ :‬فانإطلقا حتى إذا جاء الحجون عنإد شعب ابن أبي دب‪ ،‬خط علي‬
‫خطا فقال‪ :‬ل تجاوزه"‬
‫)ولست أدرأي لماذا كان النإبي الكرأيم يرأيد أن يأخذ معه أحدا من أصحابه إذا كان‬
‫سيخط له في نإهاية المطافا خطا ل يتجاوزه‪ ,‬ويذهب معهم بمفرأده؟! –عمرأو‪(-‬‬

‫‪ 142‬جمال الديإن بن منظور‪ ,‬لسان العرب‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد ا علي الكبير‪ ,‬الجزء الثالث‪ ,‬ص‪.1807.‬‬
‫‪ 143‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.135.‬‬

‫‪130‬‬
‫"ثم مضى إلى الحجون فانإحدرأوا عليه أمثال الحجل كأنإهم رأجال الزط يقرأعون في‬
‫دفوفهم كما تقرأع النإسوة في دفوفها حتى غشوه‪ ،‬فغاب عن بصرأي فقمت‪ ،‬فأومأ‬
‫إلي بيده أن أجلس‪"،‬‬
‫)لن أقول‪ :‬المفترأض أن الرأسول بعيد وأنإه ل يرأاه في الظلم‪ ,‬ول أنإه كان ل يرأاه‬
‫لن الجن قد غشيته‪ ,‬وإنإما أتساءل‪ :‬كيفا يكون الرأسول قد غاب عن بصرأه‪ ,‬ثم‬
‫يومأ إليه بيده ليجلس؟! فكيفا غاب عن بصرأه وعلى الرأغم من ذلك يرأى يده؟!(‬

‫"ثم تل القرأآن‪ ،‬فلم يزل صوته يرأتفع‪ ،‬ولصقوا بالرأض حتى صرأت أسمع صوتهم‬
‫ول أرأاهم‪.‬‬
‫وفي رأواية أخرأى فقالوا لرأسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما أنإت؟ قال‪ :‬أنإا نإبي‬
‫ال‪ ،‬قالوا‪ :‬فمن يشهد لك على ذلك؟ قال‪ :‬هذه الشجرأة‪ ،‬تعالي يا شجرأة! فجاءت‬
‫تجرأ عرأوقها لها قعاقع حتى انإصبت بين يديه‪ ،‬فقال‪ :‬على ماذا تشهدين لي؟ قالت‪:‬‬
‫أشهد أنإك رأسول ال‪ ،‬قال‪ :‬اذهبي‪ ،‬فرأجعت كما جاءت حتى صارأت كما كانإت‪.‬‬
‫قال ابن مسعود‪ :‬فلما عاد إلي‪ ،‬قال‪ :‬أرأدت أن تأتينإي؟ قلت‪ :‬نإعم يا رأسول ال قال‪:‬‬
‫ما كان ذلك لك‪ ،‬هؤلء الجن أتوا يستمعون القرأآن‪ ،‬ثم ولوا إلى قومهم منإذرأين‪،‬‬
‫فسألونإي الزاد فزودتهم العظم والبعرأ‪ ،‬فل يستطيبن أحد بعظم ول بعرأ‪ "144«.‬ا‪.‬هـ‬

‫ول بد أن نإتوقفا مع الجزء المتعلقا بالشجرأة في الرأواية‪ ,‬لنإه يبطل الدين كليلة‪,‬‬
‫فهو يقول أن الرأسول ذهب ليعرأض على الجن الدين‪ ,‬وبدلل من أن يقدم لهم القرأآن‬
‫ل على نإبوته‪ ,‬قدم لهم "آية"! كما أعتقد‪ ,‬فمن المفترأض أن الرأسول كان قد ذهب‬ ‫دلي ل‬
‫ليقرأأ عليهم القرأآن! فهل لم يكفا القرأآن فقدم لهم آية حسية؟!‬
‫ثم إن القرأآن كرأرأها أكثرأ من مرأة أنإه لن يقدم آية حسية لكي يؤمن النإاس‪ ,‬فلماذا‬
‫قدمها للجن؟!!‬

‫فإذا ترأكنإا هذه النإقطة وجدنإا أن الرأواية تقول‪" :‬ثم ولوا إلى قومهم منإذرأين"‪ ,‬والجن‬
‫لم يكونإوا قد ولوا إلى قومهم بعد! وعلى الرأغم من هذا فإنإنإا نإغض الطرأفا‬
‫ونإتساءل‪ :‬هل كان ابن مسعود يسمعهم أما ل؟‬
‫فطبقا لما قال سابقا‪ ,‬فمن المفترأض أنإه كان يسمعهم ويرأى الرأسول –على الرأغم‬
‫من أنإه كان بعيدا عنإه!‪ -‬ولكن هنإا يفترأض أنإه لم يكن يسمع الرأسول فقص عليه‬
‫الرأسول ما حدث بينإه وبين الجن!‬
‫ومسألة الزاد هذه سنإعلقا عليها عنإد تنإاولنإا لرأوايات الجن البشرأ!‬

‫‪ 144‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.135.‬‬

‫‪131‬‬
‫والعجب كل العجب أن المام الفخرأ الرأازي –والذي يبدو أنإه كان يشعرأ أن الرأوايات‬
‫غيرأ منإطقية ومتنإاقضة‪ -‬قال‪:‬‬
‫"واعلم أنإه ل سبيل إلى تكذيب الرأوايات‪ ،‬وطرأيقا التوفيقا بين مذهب ابن عباس‪،‬‬
‫ومذهب ابن مسعود من وجوه‪ ،‬أحدها‪:‬‬
‫لعل ما ذكرأه ابن عباس وقع أولل‪ ،‬فأوحى ال تعالى إليه بهذه السورأة‪ ،‬ثم أمرأ‬
‫بالخرأوج إليهم بعد ذلك كما رأوى ابن مسعود‪.‬‬

‫وثانإيها ‪ :‬أن بتقديرأ أن تكون واقعة الجن مرأة واحدة‪ ،‬إل أنإه عليه السلم أمرأ‬
‫بالذهاب إليهم‪ ،‬وقرأاءة القرأآن عليهم‪ ،‬إل أنإه عليه السلم ما عرأفا أنإهم ماذا قالوا‪،‬‬
‫وأي شيء فعلوا‪ ،‬فال تعالى أوحى إليه أنإه كان كذا وقالوا كذا‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬أن الواقعة كانإت مرأة واحدة‪ ،‬وهو عليه السلم رأآهم وسمع كلمهم‪ ،‬وهم‬
‫آمنإوا به‪ ،‬ثم لما رأجعوا إلى قومهم قالوا لقومهم على سبيل الحكاية‪} :‬إنإا سمعنإا‬
‫قرأآنإا عجبا{ وكان كذا وكذا‪ ،‬فأوحى ال إلى محمد صلى ال عليه وسلم ما قالوه‬
‫لقوامهم‪ ،‬وإذا كانإت هذه الوجوه محتملة فل سبيل إلى التكذيب‪ "145.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فالمام الفخرأ الرأازي الذي يرأى أن الرأوايات متنإاقضة يلزم بقبولها‬
‫باحتمالت! والحتمالت التي ذكرأها ل تتفقا مع الرأواية أصل!‬
‫فإذا أخذنإا بالحتمال الول تكون رأواية ابن مسعود غيرأ ذات علقة بالية‪ ,‬فلماذا‬
‫يتذكرأ عنإد تأويلها؟! وإذا أخذنإا بالحتمال الثانإي وجدنإا أنإه يخالفا رأواية ابن مسعود‪,‬‬
‫والذي كان يسمعهم ويرأاهم من بعيد‪ ,‬فكيفا بالرأسول الذي بينإهم؟!‬
‫والحتمال الثالث هو القول الوحيد المقبول‪ ,‬إل أنإه يشغب عليه كل التنإاقضات‬
‫الموجودة في رأواية ابن مسعود نإفسها‪ ,‬بغض النإظرأ عن تعارأضها مع الرأواية‬
‫الوارأدة عن ابن عباس‪ ,‬فمن ثم يجب الرأد والرأفض ل التكذيب!‬

‫وكما رأأينإا فالرأوايات التي ذكرأها المام الفخرأ الرأازي كتفسيرأ للية رأوايات‬
‫متنإاقضة تهدم نإفسها بنإفسها‪ ,‬كما أنإها ل تتطابقا مع اليات‪ ,‬ومن ثم فإنإها ل تصلح‬
‫كتأويل ليات الذكرأ الحكيم‪.‬‬

‫رأوايات جن البشرأ‬
‫بعد أن عرأضنإا لنإماذج من الرأوايات الوارأدة في كتب التفسيرأ بشأن سورأة الجن‪,‬‬
‫ورأأينإا أنإها مخالفة للنإص القرأآنإي وأنإها متنإاقضة في داخلها‪ ,‬وأنإها اخيتلقت اختلقا‬
‫نإنإتقل إلى نإوع آخرأ من الرأوايات‪ ,‬والذي يقول بأن الجن الذين أتوا الرأسول كانإوا‬

‫‪ 145‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.135.‬‬

‫‪132‬‬
‫من البشرأ‪ ,‬إل أن يد الرأواة –أو ألسنإتهم‪ -‬تلعبت بالرأواية لتجعلها في ذلك‬
‫المخلوقا الغيرأ بشرأي‪ ,‬ونإنإظرأ لنإبصرأ كيفا حدث هذا‪.‬‬

‫أول ما نإبدأ به هو ما ذكرأه المام مسلم في صحيحه‪:‬‬


‫"تحلدتثتنإا يمتحلميد ربين ارليمتثلنإى تحلدتثتنإا تعربيد ارلتأرعتلى تعرن تدايوتد تعرن تعاصمدرأ تقاتل تستأرليت تعرلتقتمتة‪ :‬تهرل‬
‫تكاتن اربين تمرسيعودد تشصهتد تمتع ترأيسوصل الللصه تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم تلريتلتة ارلصجسن؟ تقاتل تفتقاتل‬
‫تعرلتقتمية‪ :‬أتتنإا تستأرليت اربتن تمرسيعودد تفيقرليت‪ :‬تهرل تشصهتد أتتحرد صمرنإيكرم تمتع ترأيسوصل الللصه تصللى الليه‬
‫تعتلريصه توتسلتم تلريتلتة ارلصجسن؟‬
‫تقاتل‪ :‬تلا توتلصكلنإا يكلنإا تمتع ترأيسوصل الللصه تذاتت تلريتلدة تفتفتقردتنإايه تفارل تتمرستنإايه صفي ارلتأروصدتيصة توالسشتعاصب‬
‫تفيقرلتنإا ارسيتصطيترأ أترو ارغصتيتل تقاتل تفصبرتتنإا صبتشسرأ تلريتلدة تباتت صبتها تقرورم تفتللما أترصتبرحتنإا إصتذا يهتو تجادء صمرن‬
‫صقتبتل صحترأادء‪ ,‬تقاتل تفيقرلتنإا‪ :‬تيا ترأيسوتل الللصه تفتقردتنإاتك تفتطتلربتنإاتك تفتلرم تنإصجردتك تفصبرتتنإا صبتشسرأ تلريتلدة تباتت صبتها‬
‫تقرورم‪.‬‬
‫تفتقاتل‪ :‬أتتتاصنإي تداصعي ارلصجنس تفتذتهربيت تمتعيه تفتقترأرأيت تعتلريصهرم ارليقررأآتن تقاتل تفارنإتطتلتقا صبتنإا تفتأترأاتنإا‬
‫آتثاترأيهرم توآتثاترأ صنإيترأاصنإصهرم‪ .‬توتستأيلويه اللزاتد تفتقاتل تليكرم يكبل تعرظدم يذصكترأ ارسيم الللصه تعتلريصه تيتقيع صفي‬
‫أتريصدييكرم أتروتفترأ تما تييكوين تلرحلما تويكبل تبرعترأدة تعتلرفا صلتدتواسبيكرم تفتقاتل ترأيسويل الللصه تصللى الليه تعتلريصه‬
‫توتسلتم تفتلا ترس ترنإيجوا صبصهتما تفصإلنإيهتما تطتعايم إصرختواصنإيكرم‪.‬‬

‫و تحلدتثصنإيصه تعصلبي ربين يحرجدرأ اللسرعصدبي تحلدتثتنإا إصرستماصعييل ربين إصربترأاصهيتم تعرن تدايوتد صبتهتذا ارلصإرستنإاصد‬
‫إصتلى تقروصلصه‪ :‬توآتثاترأ صنإيترأاصنإصه رم‪.‬‬
‫تقاتل اللشرعصببي‪ :‬توتستأيلويه اللزاتد توتكاينإوا صمرن صجسن ارلتجصزيترأصة إصتلى آصخصرأ ارلتحصديصث صمرن تقروصل اللشرعصبسي‬
‫س‬ ‫يمتفلصللا صمرن تحصديصث تعربصد الللصه و تحلدتثتنإاه أتيبو تبركصرأ ربين أتصبي تشريتبتة تحلدتثتنإا تعربيد الللصه ربين صإردصرأي ت‬
‫تعرن تدايوتد تعرن اللشرعصبسي تعرن تعرلتقتمتة تعرن تعربصد الللصه تعرن اللنإصبسي تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم إصتلى‬
‫تقروصلصه‪ :‬توآتثاترأ صنإيترأاصنإصهرم‪ ,‬توتلرم تيرذيكررأ تما تبرعتديه‪ "146.‬ا‪.‬هـ‬

‫أول ما يلحظه القارأئ في هذه الرأواية هو قول ابن مسعود أنإه لم يكن مع النإبي أحد‬
‫في ليلة الجن‪ ,‬وهذا يبطل كل ما ذكرأه المام الفخرأ الرأازي سابقا عن ابن مسعود!‬
‫والنإاظرأ في الرأوايات يجد أن هنإاك من نإسب إلى ابن مسعود وهو في حياته أنإه كان‬
‫مع النإبي الكرأيم في تلك الليلة‪ ,‬لذلك كان ييسأل هل كان مع النإبي فيها أم لم يكن‪.‬‬

‫ثانإي ملحوظة هو أن الرأسول أتاه داعي الجن فذهب معه‪ ,‬أي أن الرأسول مشى مع‬
‫داعي الجن حتى ذهب إلى مكان الجن فقرأأ عليهم القرأآن!‬
‫ثالث ملحوظة هو أن لهؤلء الجن آثارأ وآثارأ نإيرأان‪ ,‬أي أنإهم يمشون على الرأض‬
‫ويترأكون آثارأا‪ ,‬كما أنإهم كانإوا يستعملون نإيرأان للتدفئة و للضاءة!‬
‫ومن ثم فيجب التساؤل‪ :‬هل يحتاج الجن إلى نإادرأ للتدفئة أم البشرأ؟!‬

‫‪ 146‬مسلم النيسابوري‪ ,‬صحيح مسلم‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.332.‬‬

‫‪133‬‬
‫قد يبدو للقارأئ أن ما نإقول به ونإنإاقشه عديم النإفع‪ ,‬فهؤلء الجن قد سألوا النإبي‬
‫الزاد فجعل لهم كذا وكذا‪ ,‬فهل هذا طعارم للبشرأ؟!‬
‫فنإقول‪ :‬هذه هي النإقطة الفاصلة‪ ,‬فهذه الزيادة المتعلقة بالزاد "وسألوه الزاد ‪....‬‬
‫الخ الحديث" ليس من الثابت أنإها من قول الرأسول‪ ,‬والرأاجح أنإها من قول الشعبي!‬
‫ولو كانإت من قول الرأسول لقال‪ :‬وسألونإي الزاد‪ ,‬وليس فسألوه الزاد!‬
‫لذلك نإجد أن المام مسلم قد رأوى الحديث نإفسه بالزيادة وبدونإها‪ ,‬لترأدده في‬
‫نإسبتها إلى النإبي!‬

‫إن مسألة الزاد هذه قد قال بها شخص ما وكانإت معرأوفة لدى الرأواة‪ ,‬فلما رأوى‬
‫بعضهم هذا الحديث عن النإبي الكرأيم‪ ,‬زاد إليها الشعبي هذه المعلومة من عنإده‪,‬‬
‫فالتبس المرأ على من أتى بعده فظنإها من قول ابن مسعود!‬
‫إل أن أغلب أئمة الحديث كانإوا يعلمون أن هذه الزيادة من قول الشعبي نإفسه! فنإجد‬
‫المام الترأمذي يرأوي هذه الرأواية بالشكل التالي‪:‬‬

‫"تعرن اللشرعصبسي تعرن تعرلتقتمتة تقاتل‪ :‬يقرليت صلاربصن تمرسيعودد ترأصضتي الليه تعرنإيه‪:‬‬
‫تهرل تصصحتب اللنإصبلي تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم تلريتلتة ارلصجسن صمرنإيكرم أتتحرد؟ تقاتل‪ :‬تما تصصحتبيه صملنإا أتتحرد‬
‫توتلصكرن تقرد ارفتتقردتنإايه تذاتت تلريتلدة تويهتو صبتملكتة تفيقرلتنإا ارغصتيتل أترو ارسيتصطيترأ تما يفصعتل صبصه‪ ,‬تفصبرتتنإا صبتشسرأ‬
‫تلريتلدة تباتت صبتها تقرورم تحلتى إصتذا أترصتبرحتنإا أترو تكاتن صفي تورجصه البصربصح إصتذا تنإرحين صبصه تيصجييء صمرن صقتبصل‬
‫صحترأاتء تقاتل تفتذتكيرأوا تليه اللصذي تكاينإوا صفيصه‪ ,‬تفتقاتل‪ :‬أتتتاصنإي تداصعي ارلصجنس تفتأترييتيهرم تفتقترأرأيت تعتلريصهرم‬
‫تفارنإتطتلتقا تفتأترأاتنإا آتثاترأيهرم توآتثاترأ صنإيترأاصنإصهرم‪.‬‬
‫تقاتل اللشرعصببي‪ :‬توتستأيلويه اللزاتد توتكاينإوا صمرن صجسن ارلتجصزيترأصة تفتقاتل يكبل تعرظدم يرذتكيرأ ارسيم الللصه‬
‫تعتلريصه تيتقيع صفي أتريصدييكرم أتروتفترأ تما تكاتن تلرحلما تويكبل تبرعترأدة أترو ترأروتثدة تعتلرفا صلتدتواسبيكرم تفتقاتل ترأيسويل‬
‫الللصه تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم تفتلا ترسترنإيجوا صبصهتما تفصإلنإيهتما تزايد إصرختواصنإيكرم ارلصجسن‪ "147.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فالمام الترأمذي جزم بأن الزيادة للشعبي ولم ينإسبها إلى الرأسول!‬

‫فإذا نإظرأنإا في مسنإد أحمد ألفينإاه يصرأح بأن الزيادة كذلك للشعبي‪:‬‬
‫"تحلدتثتنإا تدايويد تعصن اللشرعصبسي تعرن تعرلتقتمتة تقاتل‪:‬‬
‫يقرليت صلاربصن تمرسيعودد‪ :‬تهرل تصصحتب ترأيسوتل الللصه تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم تلريتلتة ارلصجسن صمرنإيكرم أتتحرد؟‬
‫)‪ (.......‬تقاتل توتقاتل اللشرعصببي‪ :‬تستأيلويه اللزاتد تقاتل اربين أتصبي تزاصئتدتة تقاتل تعاصمررأ‪ :‬تفتستأيلويه‬
‫تلريتل ت صئدذ اللزاتد توتكاينإوا صمرن صجسن ارلتجصزيترأصة تفتقاتل يكبل تعرظدم يذصكترأ ارسيم الللصه تعتلريصه تيتقيع صفي أتريصدييكرم‬
‫أتروتفترأ تما تكاتن تعتلريصه تلرحلما تويكبل تبرعترأدة أترو ترأروتثدة تعتلرفا صلتدتواسبيكرم تفتلا ترسترنإيجوا صبصهتما تفصإلنإيهتما‬
‫تزايد إصرختواصنإيكرم صمرن ارلصجسن‪ "148.‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 147‬محمد بن عيسى الترمذي‪ ,‬سنن الترمذي‪ ,‬الجزء الخامس‪ ,‬ص‪.382.‬‬


‫‪ 148‬أحمد بن حنبل‪ ,‬المسند‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.436.‬‬

‫‪134‬‬
‫فإذا نإظرأنإا في السنإن الكبرأى للبيهقي وجدنإاه يقول‪:‬‬
‫رأواه مسلم في الصحيح عن محمد بن المثنإى هكذا‪ ,‬ورأواه عن على بن حجرأ عن‬
‫إسماعيل بن إبرأاهيم عن داود بن أبي هنإد بهذا الإسنإاد إلى قوله‪ :‬وآثارأ نإيرأانإهم‪.‬‬
‫قال الشعبى‪ :‬وسألوه الزاد وكانإوا من جن الجزيرأة إلى آخرأ الحديث من قول الشعبي‬
‫مفصل من حديث عبد ال )‪(.......‬‬
‫ثم قال‪ :‬قال داود‪ :‬ول أدرأى في حديث علقمة أو في حديث عامرأ أنإهم سألوا رأسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم تلك الليلة الزاد‪ ,‬فذكرأه )أخبرأنإاه( أبو الحسن المقرأي انإا‬
‫الحسن بن محمد بن إسحاقا نإا يوسفا بن يعقوب نإا محمد بن أبي بكرأ نإا محمد بن‬
‫أبي عدى عن داود فذكرأه ورأواه جماعة عن داود مدرأجا في الحديث من غيرأ‬
‫شك‪ "149.‬ا‪.‬هـ‬
‫وكما رأأينإا فالمام البيهقي قد انإتبه هو كذلك إلى هذه الزيادة!‬

‫فإذا نإظرأنإا في السنإن الكبرأى للنإسائي‪ ,‬وجدنإاه يرأوي الرأواية عن ابن مسعود‪,‬‬
‫بدون الزيادة التي ذكرأها الشعبي‪:‬‬
‫عن عامرأ عن علقمة قال‪ :‬قلنإا لعبد ال‪ :‬هل صحب النإبي صلى ال عليه وسلم منإكم‬
‫أحد ليلة الجن؟ قال‪ :‬لم يصحبه منإا أحد‪ ,‬إل أنإا بتنإا بشرأ ليلة بات بها قوم إنإا‬
‫افتقدنإاه فقلنإا استطيرأ أو اغتيل فتفرأقنإا في الشعاب والأودية نإطلبه فلقيته مقبل من‬
‫نإحو حرأاء‪ ,‬فقلت‪ :‬بأبي وأمي بتنإا بشرأ ليلة بات بها قوم‪ .‬فقال‪ :‬إنإه أتانإي داعي‬
‫الجن فأجبتهم أقرأئهم القرأآن‪ .‬وأرأانإي آثارأهم وآثارأ نإيرأانإهم‪ "150.‬ا‪.‬هـ‬

‫فإذا نإظرأنإا في مستخرأج أبي عوانإة وجدنإاه ل يعرأفا إذا كانإت هذه الزيادة من قول‬
‫ابن مسعود أم من قول الشعبي‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫قال‪» :‬إنإه أتانإي داعي الجن لقرأئهم القرأآن« فانإطلقا بنإا فأرأانإا آثارأهم وآثارأ‬
‫نإيرأانإهم‪ ،‬قال‪ :‬فقال الشعبي‪ :‬سألوه الزاد‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪» :‬كل عظم يقع في أيديكم لم‬
‫يذكرأ اسم ال عليه أوفرأ ما كان لحما‪ ،‬والبعرأ علفا لدوابكم« قال‪ :‬فقال‪» :‬ل‬
‫تستنإجوا بالعظام ول بالبعرأ فإنإه زاد إخوانإكم من الجن« قال داود‪ :‬فل أدرأي هذا في‬
‫الحديث أو شيء قاله الشعبي؟!!‪ "151‬ا‪.‬هـ‬

‫وبغض النإظرأ عن الزيادة‪ ,‬فإن الرأواية تقول أنإه كان لهؤلء الجن كذلك دواب!‬
‫ولست أدرأي ما حاجة كائن يصعد السماء إلى دابة؟!‬
‫وكذلك نإجد أن المام الدارأقطنإي يرأجح في سنإنإه الرأواية التي تقول أنإه لم يشهد أحد‬
‫مع النإبي ليلة الجن‪ ,‬وكذلك فإن المام ابن حبان ل يذكرأ في صحيحه الزيادة‬
‫المتعلقة بالزاد‪ ,‬فيرأوي الرأواية بدونإها!‬

‫‪ 149‬أحمد بن الحسين البيهقي‪ ,‬سنن البيهقي الكبرى‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.109.‬‬
‫‪ 150‬أحمد بن شعيب النسائاي‪ ,‬سنن النسائاي الكبرى‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد الغفار سليمان البنداري‪ ,‬الجزء السادس‪ ,‬ص‪.499.‬‬
‫‪ 151‬أبو عوانة السفرائاني‪ ,‬مسند أبي عوانة‪ ,‬الجزء الثاني‪ ,‬ص‪.450.‬‬

‫‪135‬‬
‫فكما رأأينإا من أكثرأ كتب الحديث فإن أصحابها كانإوا يرأجحون أن الزيادة لم تكن من‬
‫قول ابن مسعود عن النإبي وإنإما من قول الشعبي‪ ,‬والذي لم يخبرأ من أين أتى بها‪,‬‬
‫وإنإما أضافها إلى الرأواية من عنإد نإفسه!!‬

‫فإذا ترأكنإا مسألة الزيادة والتفتنإا إلى النإص نإفسه وجدنإاه يقول بما نإقول به‪ ,‬فهؤلء‬
‫الجن يرأسلون داعيا إلى النإبي فيخرأج ليقابلهم في مكان خارأج مكة‪ ,‬فهذا مرأجح أن‬
‫هؤلء أنإاس أتوا متخفين إلى النإبي الكرأيم ليسمعوا القرأآن‪ ,‬وللحصارأ المفرأوض‬
‫على النإبي أو بسبب المضايقات لم يدخلوا مكة وإنإما ظلوا بخارأجها وخرأج لهم‬
‫النإبي فقرأأ عليهم القرأآن فآمنإوا!‬
‫ولو كانإوا جنإا‪/‬عفارأيت لما احتاج النإبي إلى الخرأوج إليهم‪ ,‬ولتوا النإبي في بيته ل‬
‫يرأاهم أحد!‬

‫ثم إن هؤلء الجن‪/‬البشرأ لهم آثارأ وآثارأ نإيرأان‪ ,‬فهذا يعنإي أنإهم يسيرأون على‬
‫الرأض ويوقدون نإارأا للتدفئة والضاءة‪ ,‬ولو كانإوا جنإا كما يتصورأ النإاس لطارأوا‬
‫في الهواء ولما احتاجوا إلى تدفئة‪ ,‬فكيفا يؤثرأ فيهم الرأيح والبرأد أصل؟!‬
‫ثم ما العلقة بين أن يرأي النإبي أصحابه آثارأ النإيرأان وأن يسألوه الزاد؟‬
‫فبعد أن أرأى النإبي ابن مسعود نإيرأانإهم‪ ,‬كان من المفترأض أن يسأله كيفا هم هؤلء‬
‫الجن‪ ,‬كيفا يبدون؟ إن العجب كل العجب أن يعرأفا الصحابة أن الرأسول قد التقي‬
‫جنإا –كائنإا غيرأ بشرأي‪ -‬فل يسألونإه عن شكلهم ول أحوالهم‪ ,‬وإنإما يسكت‬
‫الصحابة ول يهتم النإبي إل بأن يخبرأهم أنإهم سألوه الزاد!‬

‫إن الواضح من الرأواية أن النإبي الكرأيم والصحابة لم يرأوا في ليلة الجن حادثا‬
‫خارأقا‪ ,‬وإنإما مقابلة لوفد من الوفود أتى متخفيا‪ ,‬وفي هذا الوفد نإصرأة للسلم‬
‫ليس أكثرأ ول أقل‪ ,‬ولهذا لم يسأل الصحابة عن أي شيء‪ ,‬ولهذا أرأاهم النإبي الثارأ‬
‫ليطمئنإهم‪ ,‬وليعلموا أنإه قد انإضم إليهم عدد من المسلمين الجدد!‬
‫والعجيب أن القول بالزاد )بغض النإظرأ عن نإوعه( مصدقا لنإا فيما نإقول‪ ,‬فإن هذا‬
‫يعنإي أنإهم بشرأ يسيرأون على الرأض‪ ,‬يرأتحلون بدواب‪ ,‬ويحتاجون إلى زاد في‬
‫رأحلتهم‪ ,‬لذلك سألوا النإبي الزاد! أما أن يكونإوا جنإا يطيرأ في الهواء بسرأعة هائلة‬
‫فلماذا الحتياج إلى الزاد‪ ,‬إذا كان سيصل إلى موطنإه في ثوان معدودة؟!‬

‫وكما رأأينإا فهذه الرأواية جزء منإها سليم يتحدث عن أنإاس من خارأج مكة وجوارأها‬
‫أتوا للنإبي متخفين )جنإا( فآمنإوا ثم انإصرأفوا‪- ,‬وهذه الواقعة غيرأ الواقعة التي‬
‫نإزلت فيها سورأة الجن‪ ,‬لن الخرأين لم يعلم بهم النإبي‪-‬‬
‫فللما تنإوقلت الرأواية ظنإها بعض الرأواة تتحدث عن كائنإات غيرأ بشرأية فأضافا إليها‬
‫ما كان يسمعه من النإاس! وهكذا يصبغت الرأواية كلها بصبغة خرأافية‪ ,‬فرأفضها‬

‫‪136‬‬
‫فرأيرقا لمخالفتها العقل والمنإطقا‪ ,‬وقبلها فرأيقا آخرأ بفهمها المعوج على الرأغم مما‬
‫فيها!‬
‫أما نإحن فأخذنإا الثابت عن النإبي ورأفضنإا الزيادة وفهمنإاها فهما يلغي أي تنإاقض أو‬
‫تعارأض فيها‪ ,‬بعيدا عن الفهام العجمية للسان العرأبي!‬

‫وحتى ل يقول القارأئ أن ما ذكرأنإاه هو استنإتاج‪ ,‬وليس قولل صرأيحة في الرأواية‬


‫نإذكرأ له رأواية صرأيحة تقول أن الجن يتستعمل إشارأة إلى طائفة من البشرأ‪ ,‬وهي ما‬
‫رأواه المام مسلم‪:‬‬
‫" ‪ .....‬عن أبي إدرأيس الخولني عن أبي ذرأ‪:‬‬
‫عن النبي صلَّى ا علَّيه و سلَّم فيما رأوى عن ا تبارأك وتعالى أنه قال‪:‬‬
‫يا عبادي إني حرمت الظلَّم علَّى نفسي وجاعلَّته بينكم محرما فل تظالموا‪ ,‬يا عبادي‬
‫كلَّكم ضال إل من هديته فاستهدوني أهدكم‪(......) ,‬‬
‫يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجانكم كانوا علَّى أتقى قلَّب رأجال واحد منكم‬
‫ما زاد ذلك في ملَّكي شيئا‪.‬‬
‫يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجانكم كانوا علَّى أفجر قلَّب رأجال واحد ما‬
‫نقص ذلك من ملَّكي شيئا‪.‬‬
‫يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجانكم قاموا في صعيد واحد فسألوني‬
‫فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إل كما ينقص المخيط إذا أدخل‬
‫البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجاد خيرا فلَّيحمد‬
‫ا ومن وجاد غير ذلك فل يلَّومن إل نفسه‪ "152.‬ا‪.‬هـ‬

‫فكما رأأينإا في الرأواية‪ ,‬فلقد استعملت "إنإسكم وجنإكم" في مخاطبة العباد –البشرأ‪-‬‬
‫فيكون هذا تأكيدا لقولنإا بتقسيم البشرأ إلى إنإس وجن‪.‬‬
‫وحتى ل يقول قائل أن الخطاب في الرأواية للجنإسين البشرأ والجان‪ ,‬نإلفت النإتباه‬
‫إلى أنإه قيل "فأعطيت كل إنإسان" ولم تقل‪ :‬فأعطيت كل واحد‪ ,‬فهذا دليرل على أن‬
‫النإس والجن تابعان لجنإس واحد وهو البشرأ‪/‬النإسان‪.‬‬

‫والرأوايات التي يجعلت في الجن على الرأغم من أنإها كانإت تتكلم عن بشرأ! ل تقتصرأ‬
‫على ما ذكرأنإا‪ ,‬فهنإاك غيرأها‪ ,‬من ذلك ما رأواه المام البخارأي‪:‬‬
‫ط يمتقوتل إلدني ملمظتسنهت مكمذا إليل مكامن‬ ‫شسيدء قم س‬ ‫ت تعمممر لل م‬ ‫سلمسع ت‬ ‫ال سبلن تعمممر مقامل‪ :‬مما م‬ ‫"معسن معسبلد ي‬
‫ظدني أمسو إلين مهمذا‬ ‫طأ م م‬‫س إلسذ ممير بلله مرأتجاعل مجالميعل فممقامل‪ :‬لمقمسد أمسخ م‬ ‫مكمما يمظتسن‪ .‬بمسينممما تعممتر مجاالل ع‬
‫معملَّى لدينلله لفي اسلمجالهلَّلييلة أمسو لمقمسد مكامن مكالهنمتهسم‪ ,‬معلَّميي اليرتجامل‪ .‬فمتدلعمي لمهت فممقامل لمهت مذللمك‪ ,‬فممقامل‪:‬‬
‫ستتسقبلمل بلله مرأتجاعل تم س‬
‫سلَّلعم‪.‬‬ ‫مما مرأأمسي ت‬
‫ت مكاسليمسولم ا س‬
‫ت مكالهنمتهسم لفي اسلمجالهلَّلييلة‪.‬‬ ‫مقامل فمإ لدني أمسعلزتم معلَّمسيمك إليل مما أمسخبمسرتملني‪ ,‬مقامل‪ :‬تكسن ت‬
‫ب مما مجاامءستمك بلله لجاندييتتمك؟‬ ‫مقامل‪ :‬فممما أمسعمج ت‬
‫‪ 152‬مسلم النيسابوري‪ ,‬صحيح مسلم‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬الجزء الرابع‪ ,‬ص‪.1994.‬‬

‫‪137‬‬
‫ف لفيمها اسلفممزمع‪ ,‬فممقالمست‪ :‬أملمسم تممر اسللجين‬‫قا مجاامءستلني أمسعلر ت‬ ‫سو ل‬ ‫مقامل‪ :‬بمسينممما أممنا يمسواما لفي ال س‬
‫سمها‪.‬‬‫ص موأمسحمل ل‬ ‫سمها مولتتحوقممها لباسلقلمل ل‬ ‫سمها لمسن بمسعلد إلسنمكا ل‬ ‫سمها مويمأس م‬ ‫موإلسبمل م‬
‫قا بمسينممما أممنا منائلعم لعسنمد آللمهتللهسم إلسذ مجاامء مرأتجاعل بللعسجدل فممذبممحهت فم م‬
‫صمرمخأ بلله‬ ‫صمد م‬‫مقامل تعممتر‪ :‬م‬
‫صسواتا لمسنهت يمتقوتل‪ :‬ميا مجاللَّيسح أمسمعر نملجيسح مرأتجاعل فم ل‬
‫صيسح‬ ‫شيد م‬ ‫ط أم م‬
‫صالرأاخا قم س‬ ‫سممسع م‬ ‫صالرأعخأ لمسم أم س‬
‫م‬
‫‪153‬‬
‫ات‪ " ..... ,‬ا‪.‬هـ‬ ‫يمتقوتل مل إللمهم إليل ي‬

‫فكما رأأينا فالبخارأي ذكر أن عمر سأل الكاهن عن أعجب ما جااءت به جانيته! وهذا‬
‫يصدقا التصورأ الجاهلَّي‪ ,‬بينما نجد في دلئل البيهقي أن الحديث عن إنسان بشر‪,‬‬
‫وليس جاناا تابعا للَّكاهن‪:‬‬
‫عن ابن عمر قال‪ » :‬بينما عمر رأضي ا عنه جاالس إذ رأأى رأجال فقال ‪ :‬قد كنت‬
‫مرة ذا فراسة‪ ،‬وليس لي رأأي إن لم يكن قد كان هذا الرجال ينظر‪ ،‬ويقول في‬
‫الكهانة‪ ،‬ادعوه لي‪ ,‬فدعوه‪ ،‬فقال عمر‪ :‬من أين قدمت؟ قال‪ :‬من الشام‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأين تريد؟ قال‪ :‬أرأدت هذا البيت‪ ،‬ولم أكن أخرج حتى آتيك‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أل‬
‫تخبرني عن شيء أسألك عنه؟ قال‪ :‬بلَّى‪ .‬قال‪ :‬هل كنت تنظر في الكهانة شيئا؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن بعض ما رأأيت‪.‬‬
‫قال‪ :‬إني ذات ليلَّة بواد إذ سمعت صائحا يقول‪ :‬يا جالَّيح‪ ،‬خبر نجيح‪ ،‬رأجال يصيح‪،‬‬
‫يقول‪ :‬ل إله إل ا للَّجن وإياسها‪ ،‬والنس وإبلسها والخيل وأحلسها‪.‬‬
‫فقلَّت‪ :‬من هذا‪ ،‬إن هذا لخبر يئست منه الجن‪ ،‬وأبلَّست منه النس‪ ،‬وأعملَّت فيه‬
‫الخيل‪ ،‬فما حال الحول حتى بعث رأسول ا صلَّى ا علَّيه وسلَّم‪ «154‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فالرأواية كانإت تتحدث عن بشرأ يصيح‪ ,‬صوت لم ييعلم قائله‪ ,‬لذلك جعله‬
‫الرأواة عنإد البخارأي جنإا‪ ,‬لنإه إن لم ييعلم القائل فهو ل محالة جن!!‬
‫ول يقتصرأ المرأ على هذا‪ ,‬وإنإما وجدنإا رأوايات يتشد شدا إلى الجن‪ ,‬منإها ما رأواه‬
‫المام البخارأي في صحيحه‪:‬‬
‫سا يمتقوتل‪:‬‬ ‫ت أمنم ا‬
‫سلمسع ت‬‫ب مقامل‪ :‬م‬ ‫صمهسي د‬‫"‪ .....‬معسن معسبلد اسلمعلزيلز سبلن ت‬
‫سلَّيمم إلمذا مدمخمل اسلمخملمء مقامل‪ :‬اللَّيتهيم إلدني أمتعوتذ بلمك لمسن‬ ‫صيلَّى ي‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫مكامن النيبلسي م‬
‫سلعيتد سبتن مزسيدد محيدثممنا معسبتد اسلمعلزيلز إلمذا أممرأامد أمسن يمسدتخمل‬
‫ث‪ (....) .‬مومقامل م‬ ‫ث مواسلمخمبائل ل‬‫اسلتخبت ل‬
‫ضلع اسلممالء لعسنمد اسلمخمللء " ا‪.‬هـ‬
‫‪155‬‬
‫مباب مو س‬

‫فقالوا في تفسيرأ! هذا الحديث أن المرأاد من الخبث ذكورأ الجن والخبائث إنإاث‬
‫الجن! ولست أدرأي لماذا لم يقل الرأسول‪ :‬أعوذ بك من الخبيثين والخبيثات؟!‬
‫إن الذين يقرأءون مثل هذا الحديث ينإسون أن الرأسول –ومن معه‪ -‬كانإوا يذهبون‬
‫لقضاء حاجتهم في الصحرأاء‪ ,‬فلم تكن هنإاك "مرأاحيض" في البيوت‪ ,‬ومن ثم فإن‬
‫احتمالية وقوع الذى والضرأ من الثعابين والحيات والعقارأب والحشرأات الضارأة‪,‬‬

‫‪ 153‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ,‬صحيح البخاري‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ,‬الجزء الخامس‪ ,‬ص‪.48.‬‬
‫‪ 154‬أبو بكر أحمد البيهقي‪ ,‬دلئال النبوة‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد المعطي قلعجي‪ ,‬الجزء الثاني‪ ,‬ص‪.246.245.‬‬
‫‪ 155‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ,‬صحيح البخاري‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.41.‬‬

‫‪138‬‬
‫في تلك الحالة التي ل يستطيع النإسان الدفاع فيها عن نإفسه جيدا‪ ,‬تكون عالية‪,‬‬
‫لذلك كان النإبي يستعيذ بال من تلك الدواب الضارأة!‬

‫وبعد أن رأأينإا من الرأواية أنإها تتحدث عن بشرأ متخفين –وليس كائنإا غيرأ النإسان‪-‬‬
‫نإقول أن باقي الرأوايات التي ورأد فيها ذكرأ عفارأيت أو جن مكلفا فهي بين رأوايات‬
‫ضعيفة –بحكم أهل الحديث أنإفسهم‪ ,‬ونإحن نإجزم بوضعها!‪ -‬وبين محمولة على أن‬
‫المرأاد منإها المعنإى اللغوي وأرأيد بها النإسان‪.‬‬

‫فمن ذلك ما رأوه البخارأي في صحيحه‪:‬‬


‫صدلَّي‬‫ي لفي يمسولم تجاتممعدة يت م‬ ‫سلعيدد اسلتخسدلرأ ي‬ ‫ت أممبا م‬ ‫سيماتن مقامل‪ :‬مرأأمسي ت‬ ‫ح ال ي‬ ‫صالل د‬ ‫" ‪ .....‬محيدثممنا أمتبو م‬
‫ب لمسن بملني أملبي تممعسيدط أمسن يمسجمتامز بمسيمن يممدسيله فممدفممع‬ ‫شا ن‬ ‫س‪ ,‬فمأ ممرأامد م‬‫ستتترهت لمسن الينا ل‬ ‫شسيدء يم س‬ ‫إلملى م‬
‫سااغا إليل بمسيمن يممدسيله فممعامد لليمسجمتامز فممدفممعهت‬ ‫شاسب فملَّمسم يملجسد مم م‬ ‫صسدلرأله فمنمظممر ال ي‬ ‫سلعيدد لفي م‬ ‫أمتبو م‬
‫شمكا إللمسيله مما‬ ‫سلعيدد ثتيم مدمخمل معملَّى ممسرموامن فم م‬ ‫لوملى‪ ,‬فممنامل لمسن أملبي م‬ ‫شيد لمسن ا س ت‬‫سلعيدد أم م‬ ‫أمتبو م‬
‫سلعيدد مخسلَّفمهت معملَّى ممسرموامن فممقامل‪ :‬مما لممك موللسبلن أملخيمك ميا‬ ‫سلعيدد مومدمخمل أمتبو م‬ ‫لمقلمي لمسن أملبي م‬
‫صيلَّى أممحتدتكسم إلملى‬ ‫سلَّيمم يمتقوتل‪ :‬إلمذا م‬ ‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬ ‫ت النيبليي م‬ ‫سلمسع ت‬ ‫سلعيدد؟ مقامل‪ :‬م‬ ‫أممبا م‬
‫س فمأ ممرأامد أممحعد أمسن يمسجمتامز بمسيمن يممدسيله فمسلَّيمسدفمسعهت‪ ,‬فمإ لسن أممبى فمسلَّيتمقاتلسلَّهت فمإ لنيمما‬
‫ستتترهت لمسن الينا ل‬ ‫شسيدء يم س‬ ‫م‬
‫طاعن‪ " .‬ا‪.‬هـ‬ ‫‪156‬‬ ‫شسي م‬ ‫تهمو م‬

‫وكما رأأينإا فليس المقصود من الشيطان في هذا الحديث إبليس أو أحد أعوانإه‪,‬‬
‫وإنإما هو النإعت والسمة والمسلك‪ ,‬أي أن من يفعل هذا يكون حاله أنإه شيطان! ل‬
‫أنإه يخرأج من جنإسه البشرأي!‬
‫فهذه الرأواية وأمثالها أسيء فهمها‪ ,‬وكانإت سببا في أن الرأواة نإقلوا الرأوايات‬
‫الخرأى بغيرأ ألفاظها‪ ,‬ظانإين أنإه ل فارأقا بين المعنإيين‪ ,‬فجعلوها في ذلك الكائن‬
‫الخرأافي‪ ,‬ثم استيخدمت كدليل على ما يقولون به فيما بعد‪.‬‬

‫رأوايات ‪ ...‬من الجاهلية‬


‫بعد أن عرأضنإا لرأوايات كانإت تتحدث عن البشرأ ويجعلت في جنإس آخرأ‪ ,‬نإنإتقل‬
‫لنإعرأض لرأوايات ينإسبت إلى الرأسول الكرأيم وهي مما اشتهرأ بين العرأب قبل‬
‫السلم‪ .‬والواقع يقول أن المسلم إذا سمع بهذه الخرأافات استنإكرأها وحكم بكونإها‬
‫خرأافة لنإها مما ينإاقض العقل والعلم‪ ,‬فإذا علم أنإها منإسوبة إلى الرأسول توقفا‬
‫فيها‪ ,‬وحاول أن يقنإع نإفسه بتقبلها‪ ,‬بإدرأاجها تحت باب الغيبيات!‬

‫‪ 156‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.108.‬‬

‫‪139‬‬
‫لذا نإتوقفا مع هذه الرأوايات لنإبين أنإها من خرأافات العرأب‪ ,‬وينإسبت زوا وبهتانإا إلى‬
‫الرأسول الكرأيم!‬

‫النإاظرأ في الخرأافات المنإقولة عن عرأب الجاهلية يجد أن الحية احتلت فيها منإزلة‬
‫عظيمة‪ ,‬فهي أكثرأ الحيوانإات ذكرأا في قصص الجن‪ ,‬وارأتبطت ارأتباطا وثيقا بالجن‪,‬‬
‫بل إنإها اعتبرأت نإوعا من الجن!‬
‫وليست هذه النإقطة مما تفرأد به العرأب وإنإما وجدنإاها في جل الحضارأات المشرأكة‪,‬‬
‫فنإجد أنإها غالبا ما أللهت الحية وعبدتها‪ ,‬وهي نإقطة تدفعنإا للتساؤل‪:‬‬
‫لماذا احتلت الحية تحديدا عنإد شعوب الرأض هذه المنإزلة العظيمة‪ ,‬التي يكادون‬
‫يجمعون عليها‪ ,‬بخلفا باقي الحيوانإات؟!‬

‫وبغض النظر عن هذه فقد خاف العرب الجاهلَّيون من الحية بشكل كبير‪ ,‬حتى أنهم‬
‫كانوا يتجنبون قتلَّها خوفاا من أن تكون من الجن فيثأرأ الجن لها!‬
‫ويعرض العلمة جاواد علَّي لمنزلة الحية عند العرب‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫"ولم تنفرد مخيلَّة الجاهلَّيين وحدها باختراع أسطورأة أن الحيات هي من الجن‪،‬‬
‫وأنها جانس منها‪ ،‬فان غير العرب من الساميين مثل العبرانيين كانوا يقولون أيضا ا‬
‫بهذا القول‪ .‬وكذلك قال بهذه السطورأة غيرت الساميين‪ ،‬مما يدل علَّى أنه من‬
‫الساطير القديمة جاداا التي انتشرت عند البشر‪ ،‬بسبب ما قاسوه ‪-‬في أيام بداوتهم‪-‬‬
‫من هذا الحيوان‪ .‬ونجد قصة الحية في سفر التكوين‪ ,‬وهي في هذا السفر أشد‬
‫الحيوانات حيلَّة‪ ،‬فهي التي خدعت حواء خدعتها الشهيرة‪ ،‬وسببت طردها وطرد‬
‫زوجاها آدم من الجنة إلى الرأض‪.‬‬

‫ولعقيدتهم هذه في "الحية"‪ ،‬كانوا إذا وجادوا حية ميتة‪ ,‬كفنوها ودفنوها‪.‬‬
‫فعلَّوا ذلك في السلم أيضا ا‪ ,‬جااء أنه بينما كان )عمر بن عبد العزيز( يمشي في‬
‫أرأض فلة‪ ،‬فإذا حية ميتة‪ ,‬فكفنها بفضلَّة من رأدائه ودفنها‪.‬‬
‫وورأد أنه كان جامع من أصحاب رأسول ا يمشون فرفع لهم إعصارأ‪ ،‬ثم جااء‬
‫إعصارأ أعظم منه‪ ،‬ثم انقشع‪ ،‬فإذا حية قتيل‪ ،‬فعمد رأجال منا إلى رأدائه وكرفن الحية‬
‫ببعضه ودفنها‪.‬‬
‫فلَّما جارن اللَّيل إذا امرأتان تتساءلن‪ :‬أيكم دفن عمرو بن جاابر؟ فقلَّنا‪ :‬ما ندرأي ما‬
‫عمرو بن جاابر‪ .‬فقالتا‪ :‬إن كنتم ابرتغيتم الجار‪ ،‬فقد وجادتموه‪ ,‬إن فسقة الجن اقتتلَّوا‬
‫مع المؤمنين منهم‪ .‬فقتتل عمرو‪ ،‬وهو الحية التي رأأيتم‪.‬‬

‫وفي الحديث‪ :‬انه نهى عن قتل الجنان‪ .‬هي الحيات التي تكون في البيوت‪ ،‬واحدها‬
‫جاان‪،‬وهو الدقيق الخفيف‪ .‬والجان الشيطان أيضاا‪ ،‬وورأد فمي الحديث‪ :‬ذكر الحيات‪،‬‬
‫فقال‪ :‬من خشي خبثهن وشرهن وإرأبهن‪ ،‬فلَّيس منا‪ .‬أي من توقى قتلَّهن خشية‬

‫‪140‬‬
‫شررهن فلَّيس ذلك من سنتنا‪ .‬وكانت الجاهلَّية تقول أنها تؤذي قاتلَّها أو تصيبه‬
‫بخبل‪ ".157‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فإن العرأب كانإت تعتقد أن الحية من الجن‪ ,‬ولرأبما لعبت التورأاة دورأا‬
‫رأئيسا في هذا‪ ,‬وعلى الرأغم من ورأود الحديث الذي يرأد على خرأافات الجاهلية‬
‫والذي يحث على عدم الستسلم للخرأافات التي تخوفا من الحية‪ ,‬مثل الذي ذكرأه‬
‫الدكتورأ جواد في معرأض حديثه‪ ,‬ومثل الذي رأواه أبو داود في سنإنإه‪:‬‬
‫سلَّيمم‪ :‬اسقتتتلَّوا اسلمحييا ل‬
‫ت تكلَّيتهين‬ ‫صيلَّى ي‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫ال م‬ ‫ستعودد مقامل‪ :‬مقامل مرأ ت‬
‫سوتل ي‬ ‫"معسن اسبلن مم س‬
‫س لمدني‪ " .‬ا‪.‬هـ‬
‫‪158‬‬
‫ف ثمأسمرأتهين فملَّمسي م‬
‫فمممسن مخا م‬
‫والذي يبين أن الحية ليست من الجن‪ ,‬وأنإها ل تثأرأ من قاتلها بعد موتها! على‬
‫الرأغم من ذلك فإن الخرأافة قد انإتشرأت وثبتت بفضل رأوايات أخرأى كثيرأة أكدت‬
‫المعنإى الموجود عنإد الجاهليين‪.‬‬

‫فنإجد مث ل‬
‫ل أن المام الطبرأانإي يرأوي رأواية تقول صرأاحة أن الحيات صنإفا من‬
‫الجن!!‬
‫" عن أبي ثعلَّبة الخشني أن رأسول ا صلَّى ا علَّيه و سلَّم قال‪:‬‬
‫الجن على ثلثة أصنإافا‪ :‬صنإرفا لهم أجنإحة يطيرأون في الهواء‪ ,‬وصنإفار‬
‫حيات وصنإفار يحلون ويظعنإون‪ "159‬ا‪.‬هـ‬

‫ولم يقتصر المر علَّى الخبارأ بأن الحيات من الجن‪ ,‬وإنما تعداه إلى النهي عن‬
‫قتلَّها إل بعد إعلمها بذلك‪ ,‬فنجد المام مسلَّم يروي ما نصه‪:‬‬
‫ي لفي بمسيتلله‬ ‫سلعيدد اسلتخسدلرأ د‬ ‫شالم سبلن تزسهمرةم أمنيهت مدمخمل معملَّى أملبي م‬ ‫ب ممسوملى له م‬ ‫سائل ل‬ ‫"عن ال ي‬
‫ت تمسحلرياكا لفي‬ ‫سلمسع ت‬ ‫صملتمهت‪ ,‬فم م‬ ‫ضمي م‬ ‫ت أمسنتملظترهت محيتى يمسق ل‬ ‫س ت‬ ‫صدلَّي فممجلَّم س‬ ‫مقامل‪ :‬فممومجاسدتتهت يت م‬
‫س‪,‬‬ ‫شامرأ إللميي أمسن اسجالَّل س‬
‫ت للمسقتتلَّممها‪ ,‬فمأ م م‬‫ت مفاسلتمفمست فمإ لمذا محييةع فمموثمسب ت‬ ‫معمرالجايمن لفي منالحيملة اسلبمسي ل‬
‫ت لفي اليدالرأ فممقامل‪:‬‬ ‫شامرأ إلملى بمسي د‬ ‫ف أم م‬ ‫صمر م‬ ‫ت فملَّميما اسن م‬‫س ت‬‫فممجلَّم س‬
‫س‪ ,‬مقامل‪ :‬فممخمرسجامنا‬ ‫ث معسهدد بلتعسر د‬ ‫ت‪ :‬نممعسم‪ .‬مقامل‪ :‬مكامن لفيله فماتى لمينا محلدي ت‬ ‫ت؟ فمقتسلَّ ت‬ ‫أمتممرى مهمذا اسلبمسي م‬
‫ال‬ ‫سومل ي‬ ‫ستمأسلذتن مرأ ت‬
‫قا‪ ,‬فممكامن مذللمك اسلفممتى يم س‬ ‫سلَّيمم إلملى اسلمخسنمد ل‬‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬ ‫ال م‬ ‫سولل ي‬ ‫مممع مرأ ت‬
‫ستمأسمذنمهت يمسواما فممقامل لمهت‬‫ف النيمهالرأ فميمسرلجاتع إلملى أمسهلَّلله‪ ,‬مفا س‬ ‫صا ل‬ ‫سلَّيمم بلأ مسن م‬ ‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬ ‫م‬
‫شى معلَّمسيمك قتمرسيظمةم‪ ,‬فمأ ممخمذ‬ ‫سملمحمك فمإ لدني أمسخ م‬ ‫سلَّيمم‪ :‬تخسذ معلَّمسيمك ل‬ ‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬ ‫ال م‬ ‫سوتل ي‬ ‫مرأ ت‬
‫س‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫م‬
‫سملمحهت ثتيم مرأمجامع فمإ لذا اسممرأتتهت بمسيمن اسلمبابمسيلن مقائلممةا فمأسهموى إللمسيمها السرسممح لليمطتعنممها بلله‬ ‫اليرتجاتل ل‬
‫صابمستهت مغسيمرةع‪.‬‬ ‫موأم م‬

‫ت محيتى تمسنظتمر مما اليلذي أمسخمرمجالني‪ .‬فممدمخمل فمإ لمذا‬ ‫فممقالمست لمهت‪ :‬اسكفت س‬
‫ف معلَّمسيمك ترأسممحمك مواسدتخسل اسلبمسي م‬
‫ح مفاسنتمظممممها بلله‪ ,‬ثتيم مخمرمج‬‫ش فمأ مسهموى إللمسيمها لبالسرسم ل‬ ‫بلمحييدة معلظيممدة تمسنطملويمدة معملَّى اسلفلمرا ل‬
‫سمرمع ممسواتا اسلمحييةت أمسم اسلفممتى‪.‬‬‫طمربمست معلَّمسيله‪ ,‬فممما يتسدمرأى أمسيتهمما مكامن أم س‬ ‫فممرمكمزهت لفي اليدالرأ مفا س‬
‫ض م‬
‫‪ 157‬جواد علي‪ ,‬المفصل في تاريإخ العرب قبل السلما‪ ,‬ص‪.727-726.‬‬
‫‪ 158‬سليمان ابن الشعث‪ ,‬سنن أبي داود‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الديإن عبد الحميد‪ ,‬الجزء الثاني‪ ,‬ص‪.785.‬‬
‫‪ 159‬سليمان الطبراني‪ ,‬مسند الشاميين‪ ,‬تحقيق‪ :‬حمدي بن عبد المجيد السلفي‪ ,‬الجزء الثالث‪ ,‬ص‪.141.‬‬

‫‪141‬‬
‫ام يتسحلييله‬ ‫ع ي‬ ‫سلَّيمم فممذمكسرمنا مذللمك لمهت‪ ,‬موقتسلَّمنا‪ :‬اسد ت‬ ‫صيلَّى ي‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫ال م‬ ‫سولل ي‬ ‫مقامل فملجسئمنا إلملى مرأ ت‬
‫صالحبلتكسم ثتيم مقامل‪ :‬إلين لباسلمملدينملة لجا رانا قمسد أم س‬
‫سلَّمتموا فمإ لمذا مرأأمسيتتسم لمسنتهسم‬ ‫ستمسغفلتروا لل م‬ ‫لممنا‪ ,‬فممقامل‪ :‬ا س‬
‫طاعن‪ "160.‬ا‪.‬هـ‬ ‫شسيائا مفآلذتنوهت ثمملثمةم أمييادم‪ ,‬فمإ لسن بممدا لمتكسم بمسعمد مذللمك مفاسقتتتلَّوهت فمإ لنيمما تهمو م‬
‫شسي م‬ ‫م‬

‫فكما رأأينا فهذه الرواية تقول أن علَّينا أن نطلَّب إلى الحية النصراف ونتركها ثلثة‬
‫أيام‪ ,‬لنه رأبما تكون جاناا! فإن لم تفعل علَّمنا أنها شيطان فيحل لنا قتلَّها! ولست‬
‫أدرأي لماذا يظل الجن أو الشيطان الحمق علَّى هيئة‪ ,‬تمكن من قتلَّه؟ لست أدرأي‬
‫لماذا ل يختفي ويحمي نفسه ويريحنا؟!‬

‫إن هذه الرواية المخالفة للَّعقل والعلَّم والقرآن ما هي إل من آثارأ الجاهلَّية‪ ,‬كما أنها‬
‫مخالفة لروايات أخرى عن الرسول الكريم تأمر بقتل الحيوانات الضارأة مثل‬
‫الحيات‪ ,‬مثل ما رأواه البخارأي‪:‬‬
‫ات معسنتهمما‪:‬‬ ‫ضمي ي‬ ‫ساللدم معسن اسبلن تعمممر مرأ ل‬ ‫"معسن م‬
‫ت مواسقتتتلَّوا‬‫ب معملَّى اسللمسنبملر يمتقوتل‪ :‬اسقتتتلَّوا اسلمحييا ل‬ ‫سلَّيمم يمسخطت ت‬ ‫ات معلَّمسيله مو م‬‫صيلَّى ي‬ ‫سلممع النيبليي م‬ ‫أمينه م‬
‫طالن اسلمحبممل‪.‬‬‫سق ل م‬
‫ستم س‬
‫صمر مويم س‬ ‫سالن اسلبم م‬ ‫طسفيمتمسيلن مواسلمسبتممر فمإ لنيتهمما يمسطلم م‬
‫مذا ال س‬
‫طالرأتد محييةا للمسقتتلَّممها فممنامدالني أمتبو لتمبابمةم‪ :‬مل تمسقتتسلَّمها‪ ,‬فمقتسلَّ ت‬
‫ت‪ :‬إلين‬ ‫ال‪ :‬فمبمسيمنا أممنا أت م‬
‫مقامل معسبتد ي‬
‫ت‪ .‬مقامل إلنيهت نممهى بمسعمد مذللمك معسن مذموا ل‬
‫ت‬ ‫سلَّيمم قمسد أممممر بلقمستلل اسلمحييا ل‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬‫صيلَّى ي‬ ‫ال م‬ ‫سومل ي‬ ‫مرأ ت‬
‫ت‪ ,‬مولهمي اسلمعموالمتر " ا‪.‬هـ‬
‫‪161‬‬
‫اسلبتتيو ل‬

‫وعلَّى الرغم من أن المر الول كان أمراا عاماا‪ ,‬خوطب به المسلَّمون علَّى المنبر‪,‬‬
‫والخر عرف به بعضهم وغاب عن كثيدر منهم‪ ,‬مثل ابن عمر وعائشة وأبو هريرة‪,‬‬
‫فيمكن القول أنه كان إشارأة إلى أن القتل هو للَّضارأ وليس لكون الحية حية‪ ,‬فإذا‬
‫كانت ل تضر فل حاجاة لقتلَّها‪ ,‬فلَّم تيخرج المسلَّمون ليبيدوا أيا ا من أصناف الدواب!‬
‫ونلحظ أن بعض الرواة أضاف من عند نفسه "وهي العوامر"‪ ,‬كتوضيح للَّكلَّمة‬
‫وظنا ا بأن النهي متعلَّق بالجن!!‬

‫إن الناظر في الحاديث الوارأدة عن الرسول –بخلف أحاديث النهي عن قتل‬


‫الحيات‪ -‬يجد أن هناك أحاديث تأمر بقتلَّها‪ ,‬كما أن تعامل الرسول والصحابة مع‬
‫ل عاديا‪ ,‬فإذا حدث وظهرت حية‪ ,‬كان يأمر بقتلَّها حتى ل تؤذيهم‪,‬‬ ‫الحيات كان تعام ا‬
‫فإذا هربت ل يتتبعونها‪ ,‬فالمر ليس ثأرأاا أو انتقاماا‪ ,‬وإنما هو حماية‪ .‬واستمر ذلك‬
‫حتى قرب وفاة النبي الكريم‪ ,‬فالمام أحمد يروي في مسنده‪:‬‬
‫"‪ .......‬أمين أممبا تعبمسيمدةم أمسخبممرهت معسن أملبيله مقامل‪:‬‬
‫س اسلمحييلة‪ ,‬فممقامل‬ ‫ف لمسيلَّمةم معمرفمةم قمسبمل يمسولم معمرفممة‪ ,‬إلسذ م‬
‫سلمسعمنا لح ي‬ ‫سلجلد اسلمخسي ل‬ ‫تكينا تجاتلَّو ا‬
‫سا لفي مم س‬
‫ق تجاسحدر‪ ,‬فمأ تتلمي‬ ‫سلَّيمم‪ :‬اسقتتتلَّوا‪ .‬مقامل‪ :‬فمقتسممنا مقامل فممدمخلَّمست م‬
‫ش ي‬ ‫صيلَّى ي‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫ال م‬ ‫سوتل ي‬ ‫مرأ ت‬

‫‪ 160‬مسلم النيسابوري‪ ,‬صحيح مسلم‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬الجزء الرابع‪ ,‬ص‪.1756.‬‬
‫‪ 161‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ,‬صحيح البخاري‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ,‬الجزء الرابع‪ ,‬ص‪.128-127.‬‬

‫‪142‬‬
‫ض اسلتجسحلر فملَّمسم نملجسدمها‪ ,‬فممقامل‬ ‫سمعفمدة فمأ ت س‬
‫ضلرمم لفيمها مناارأا موأممخسذمنا تعوادا فمقملَّمسعمنا معسنمها بمسع م‬ ‫بل م‬
‫‪162‬‬
‫شيرمها "‪ .‬ا‪.‬هـ‬ ‫شيرتكسم مكمما مومقاتكسم م‬‫ات م‬ ‫سلَّيمم‪ :‬مدتعومها مومقامها ي‬ ‫صيلَّى ي‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫ال م‬ ‫سوتل ي‬ ‫مرأ ت‬

‫فكما رأأينا فالرسول عندما سمع حس الحية أمر بقتلَّها‪ ,‬ولم يسألها الرحيل! وعندما‬
‫هربت أمرهم بتركها! وإذا كان هذا قد حدث في حجة الوداع‪ ,‬قبل موت الرسول‬
‫الكريم بأشهر معدودات‪ ,‬فهذا يشير إلى أن الروايات الوارأدة في النهي هي مما تدس‬
‫وأضيف بعد وفاة الرسول الكريم‪.‬‬

‫ومن خرافات الجاهلَّية التي تسلَّلَّت إلى الحديث‪ ,‬وتنسبت إلى الرسول‪ ,‬القول بأن‬
‫الجن هو الذي يسبب الطاعون‪.‬‬
‫فإذا نظرنا في "الحيوان" وجادنا الجاحظ يقول‪:‬‬
‫"زعم العرأب أن الطاعون طعن من الشيطان قال‪ :‬والعرأب تزعم أن الطاعون‬
‫طعرن من الشيطان‪ ،‬ويسبمون اللطاعون رأماح الجلن‪ ،‬قال السدبي للحارأث الملك‬
‫الغلسانإي‪:‬‬
‫ي‬
‫تلتعرمرأتك ما تخشييت على أبري ‪ ...‬صرأماتح بنإي يمقسيدة الحماصرأ‬
‫ولكنإي تخشيت على يأبري ‪ ...‬صرأماصح الجسن أو إياتك حاصرأ‬
‫يقول‪ :‬لم أكن أخافا على يأبلي مع منإعته وصرأامته‪ ،‬أن يقتله النإذال‪ ،‬ومن يرأتبط‬
‫العيرأ دوتن التفرأس‪ ،‬ولكنإي إنإما كنإت أخافك عليه‪ ،‬فتكوين أنإت الذي تطتعنإه أو‬
‫يطتعنإه طاعوين اللشام‪.‬‬

‫وقال اليعمانإلي يذكرأ دولة بنإي العلباس‪:‬‬


‫قد تدفع اللله صرأماح الجن ‪ ...‬وأذهب العذاتب واللتجسنإي‬
‫وقال زيد بن يجنإدب اليادلي‪:‬‬
‫ولول صرأمايح الجسن ما كان هزهم ‪ ...‬صرأماح العادي من فصيح وأعجم‬
‫ذهب إلى قول أبي دؤاد‪:‬‬
‫يسسلط المويت والمنإوين عليهم ‪ ...‬فلهم في تصدى المقابرأ هايم‬
‫يعنإي الطاعون الذي كان أصاب إيادا‪.‬‬
‫وجاء في الحديث عن النإبي صلى ال عليه وسلم ألنإه ذكرأ اللطاعون فقال‪" :‬هو‬
‫تورخرز من تعيدسوكم" وألن تعرمرأو بن العاص قام في اللنإاس في طاعون تعتمواس‬
‫فقال‪ :‬إلن هذا الطاعون قد ظهرأ‪ ،‬وإنإما هو ورخرز من اللشيطان‪ ،‬فصفبرأوا منإه في‬
‫هذه السشعاب‪ .‬وبلغ يمعاذ بن جتبدل‪ ،‬فأنإكرأ ذلك القول عليه‪ "163.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينا فالقول بأن الطاعون من طعن الشيطان معروف عند الجاهلَّيين‪ ,‬ولما‬
‫حدث أن قال عمرو بن العاص بهذا القول بعد السلم وبلَّغ معااذ بن جابل هذا‪,‬‬
‫أنكر علَّيه هذا القول‪ ,‬لنه يعرف أن هذا من دجال الجاهلَّية!‬
‫‪ 162‬أحمد بن حنبل‪ ,‬المسند‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.385.‬‬
‫‪ 163‬عمرو الجاحظ‪ ,‬الحيوان‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد السلما محمد هارون‪ ,‬الجزء السادس‪ ,‬ص‪.220-218.‬‬

‫‪143‬‬
‫وعلَّى الرغم من هذا تنسبت هذه الخرافة إلى الرسول الكريم‪ ,‬فروى المام أحمد‬
‫بن حنبل‪:‬‬
‫" حدثناه أبو بكر بن أبي موسى الشعري عن أبيه عبد ا بن قيس أن النبي صلَّى‬
‫ا علَّيه و سلَّم ذكر الطاعون فقال‪ :‬وخز من أعدائكم من الجن‪ ,‬وهى شهادة‬
‫المسلَّم‪ "164.‬ا‪.‬هـ‬

‫ولقد حاول بعض علماء العصرأ الحديث‪ ,‬مثل المام محمد عبده وتلميذه الشيخ‬
‫محمد رأشيد رأضا وغيرأهما‪ ,‬تأويل الحاديث التي تكلمت عن الجن ورأبطته‬
‫بالمرأض‪ ,‬بالقول بأن المرأاد من الجن في هذه الحاديث –وليس في كل الحاديث‪-‬‬
‫هو الميكرأوبات والجرأاثيم!‬
‫ولو كان هذا القول مما تفرأد به الرأسول‪ ,‬لكان من الممكن القول أن هذا الفهم‬
‫محتمل‪ ,‬ولكن مع وجود هذه الخلفية عنإد المتلقين‪ ,‬والذين هم حديثو عهد‬
‫بالسلم‪ ,‬ول تزال التصورأات الجاهلية رأاسخة عنإدهم‪ ,‬فل فائدة منإه!‬
‫فعلى فرأض قول الرأسول لهذا الحديث فلن يفهم السامعون إل أن الرأسول الكرأيم‬
‫يؤكد التصورأ الشائع المتداول بينإهم!‬

‫ولم يقتصرأ المرأ على الحية وإنإما تعداه إلى الكلب‪ ,‬فنإجد أن العرأب كانإت ترأى أن‬
‫الكلب صنإفا من الجن‪ ,‬بل ووصل المرأ بهم إلى ظنإهم أن لها عينإا تحسد بها‬
‫البشرأ‪ ,‬لذلك كانإت يتوقون شرأها بأن يلقوا لها فتات طعامهم حتى ل "تنإظرأ" لهم‬
‫الطعام! ول يزال هذا العتقاد منإتشرأا بين العوام‪ ,‬فنإجد بعضهم يقول‪:‬‬
‫"أعطي له حاجة من عينإه!" حتى ل ينإظرأ الطعام!‬

‫وتسلَّلَّت تلَّك المعتقدات إلى الحديث النبوي‪ ,‬بسبب إساءة فهم أقوال ورأدت عن‬
‫النبي الكريم! فالناظر يجد بعض الروايات تقول بأن النبي أمر بقتل الكلب‪,‬‬
‫ورأوايات تقول أنه رأخص بعد ذلك في كلب الصيد والحراسة!!‬
‫فمن ذلك ما رأواه المام مسلَّم في صحيحه‪:‬‬
‫"أخبرني أبو الزبير أنه سمع جاابر بن عبد ا يقول‪:‬‬
‫أمرنا رأسول ا صلَّى ا علَّيه و سلَّم بقتل الكلب‪ ,‬حتى أن المرأة تقدم من البادية‬
‫بكلَّبها فنقتلَّه‪ ,‬ثم نهى النبي صلَّى ا علَّيه و سلَّم عن قتلَّها وقال‪) :‬علَّيكم بالسود‬
‫البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان("‬
‫وكذلك‪ ... :‬معسن اسبلن اسلتممغفيلل مقامل‪:‬‬
‫سلَّيمم بلقمستلل اسللكملبل ثتيم مقامل‪) :‬مما مبالتتهسم مومباتل اسللكملبل(‪ ,‬ثتيم‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫صيلَّى ي‬
‫ال م‬‫سوتل ي‬ ‫أممممر مرأ ت‬
‫ب اسلمغنملم‪ "165.‬ا‪.‬هـ‬ ‫صسيلد مومكسلَّ ل‬ ‫ص لفي مكسلَّ ل‬
‫ب ال ي‬ ‫مرأيخ م‬

‫‪ 164‬أحمد بن حنبل‪ ,‬المسند‪ ,‬الجزء الرابع‪ ,‬ص‪.413.‬‬


‫‪ 165‬مسلم النيسابوري‪ ,‬صحيح مسلم‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬الجزء الثالث‪ ,‬ص‪.1200.‬‬

‫‪144‬‬
‫ويظهر أن الكلب الشارأدة الضالة كانت قد انتشرت في المدينة‪ ,‬لذلك أمر النبي‬
‫الكريم بقتلَّها‪ .‬ويبدو أن الصحابة تنافسوا في تقتيل الكلب‪ ,‬فلَّم يتركوا منها شيئا!‬
‫حتى أن الرسول الكريم تعجب من فعلَّهم وقال‪" :‬ما بالهم وباب الكلب"؟!‬
‫أي ما هذا النشغال بقتلَّها‪ ,‬ولن المر كان لمناسبة أباح الرسول اقتناء الكلب لمن‬
‫سأله بعد ذلك‪.‬‬
‫وتخصيص النبي الكريم الكلَّب السود بالقتل لنه شيطان‪ ,‬أي أنه شرس‪ ,‬كثير‬
‫الذى والعقر‪ ,‬ل أن شيطان متشكل بهيئته!‬

‫وللسف تأسيء فهم القول‪- ,‬وهذه هي العادة‪ ,‬فإذا كان من الممكن حمل القول علَّى‬
‫الخرافة تحملَّت علَّيها ل العكس!‪ -‬فقيل أن شيطان تعني الكائن المتمرد العاصي ل‪,‬‬
‫وليس أنه شيطان بالمعنى اللَّغوي‪ ,‬والذي كانت العرب تطلَّقه علَّى كل عات متمرد!‬
‫ولذلك وجادنا ذكراا للَّكلب في كل الكتب التي تتحدث عن الجن –من المنظورأ‬
‫السلمي‪ -‬وتقسيماا لنواعها المنطوية تحت الجن‪ ,‬ونسبة ذلك إلى الرسول!!‬

‫ومن ذلك ما ذكرته حلَّيمة خالد في تناولها للَّجن‪ ,‬فقالت‪:‬‬


‫"يرأتبط الجن بالكلب السود ارأتباطا وثيقا‪ ,‬حتى قالوا‪" :‬السود من الكلب الجن"‬
‫والبقع منإها الحن‪ ,‬وبما أن "الحن ضعفة الجن" فالكلب كلها من الجن‪ ,‬وقد أثبت‬
‫ذلك ما ورأد عن النإبي "عليه السلم" قوله‪" :‬لول أن الكلب أمة‪ ,‬لمرأت بقتلها‪,‬‬
‫ولكن خفت أن أبيد أمة‪ ,‬فاقتلوا منإها كلل أسود بهيم‪ ,‬فإنإه جلنإها"‪ ,‬وقد أقرأ الرأسول‬
‫"عليه السلم" ذلك بقوله‪" :‬الكلب السود شيطان"‪ "166.‬ا‪.‬هـ‬

‫والروايات التي تستدل بها الستاذة حلَّيمة خالد –وأمثالها‪ -‬دليعل لنا وليس علَّينا‪,‬‬
‫فإذا أخذنا الرواية التي تقول‪ ... " :‬فاقتلوا منإها كلل أسود بهيم‪ ,‬فإنإه جلنإها"‬
‫نإجد أنإهم فهموها‪ :‬فاقتلوا منإها كل أسود بهيم‪ ,‬فإنإه جن متشكل بهيئتها‪ ,‬أو منإدس‬
‫فيها"‪ ,‬على الرأغم من أن الرأسول قال‪ :‬جنإها!‬

‫ولو تذكرأ القارأئ ما قلنإاه عن أن لكل شيء جن‪ ,‬لفهم ما كان النإبي يقصده بهذا‬
‫القول‪ ,‬فالنإبي يقول أن السود جن الكلب أي أنإه القوي الشديد فيها‪ ,‬وهو الذي‬
‫ريخشى ضرأه وشرأه‪ ,‬فلذلك ييقتل!‬
‫وتبعاا لهذا الفهم نفهم باقي الروايات التي ورأد فيها أنه شيطان‪ ,‬فالمراد أنه شرس‬
‫عقورأ مفترس‪ ,‬أما هم فيفهمون أنه كائن غير أرأضي متشكل!!‬

‫وكما رأأينا فلَّقد حارأب الرسول الكريم الخرافات التي كانت موجاودة في عصره‪ ,‬إل‬
‫أن أنصارأ الخرافة التفوا حول أقوال الرسول‪ ,‬ونسبوا إليه ما يؤيد هذه الخرافات‪,‬‬
‫وفسروا أقواله بما يوافق الخرافات!‬
‫فإذا كان الرسول الكريم قال أنه "ل غول" –كما جااء في الحديث الذي رأواه مسلَّم‪-‬‬
‫‪ 166‬حليمة خالد رشيد صالح‪ ,‬الجن في الشعر الجاهلي‪ ,‬ص‪.175.‬‬

‫‪145‬‬
‫ووجادنا من العلَّماء من يؤولها ويقول أنه ليس المراد بذلك نفي وجاود الغول وإنما‬
‫معناه إبطال ما تزعمه العرب من تلَّون الغول بالصورأ المختلَّفة واغتيالها‪ ،‬أي أنها‬
‫ل تستطيع أن تضل أحادا‪ ,‬وهي موجاودة!! فماذا ننتظر بعد ذلك؟!‬

‫‪146‬‬
‫الباب الثالث‬

‫أقاويــل‬

‫الفصل الول‬
‫غرأام ‪ ...‬واختطافا!‬

‫‪147‬‬
‫بعد أن عرأضنإا لتصورأ الجن في السلم‪ ,‬وأظهرأنإا كيفا أن الجن في كتاب ال وفي‬
‫أقوال الرأسول الكرأيم الصحيحة‪ ,‬هو غيرأ الجن الذي نإظن‪ ,‬تبعا لتصورأاتنإا‬
‫المحكومة بالخرأافة والوهم‪.‬‬

‫ولنإنإا أظهرأنإا أن الكتاب العزيز تكلم عن مخلوقا غيرأ بشرأي اسمه "الجان" ‪-‬وليس‪:‬‬
‫الجن‪ -‬كان من الواجب علينإا أن نإكمل الرأحلة إلى النإهاية‪ .‬فمن قال أنإه ل خلقا إل‬
‫النإسان –أو النإسان والملئكة‪ -‬أرأاحوا أنإفسهم‪ ,‬فالشياطين هم من البشرأ‪,‬‬
‫والظواهرأ التي ل نإعرأفا لها تفسيرأا في أيامنإا هذه هي من ألغاز الطبيعة‪ ,‬والتي‬
‫سنإكتشفها في يودم من اليام‪.‬‬

‫لذا ل يمكنإنإا أن نإتوقفا عنإد هذه النإقطة ونإقول أنإه ل جن بالمعنإى الخرأافي‪ ,‬لنإه من‬
‫الممكن أن يتقبل القارأئ ما نإقول به‪ ,‬ويقرأ فعل بعدم وجود الجن‪/‬العفارأيت‪ ,‬إل أنإه‬
‫من الممكن أن يقوم بعملية إزاحة وإسقاط! فيزيح كل التصورأات الموجودة عنإده‬
‫عن الجن‪ ,‬ويسقطها على شياطين الجان! وبهذا يكون كل جهدنإا قد ضاع من أجل‬
‫حرأفا!‬

‫فبدلل من الخوفا من الجن‪ ,‬نإخافا من الجان! وخاصة إذا كان هذا الجان ملك‬
‫سابقا‪ ,‬فهذا يعنإي أن له قدرأات خارأقة! وبدلل من القول بأن الجن يمس )يرأكب(‬
‫النإسان‪ ,‬سيصبح السؤال‪ :‬هل يرأكب الجان النإسان؟!‬
‫لذا نإتوقفا مع أبرأز الخرأافات التي نإسبت إلى الجن‪ ,‬والتي ل تزال تعشش في‬
‫العقلية العرأبية‪/‬السلمية‪- ,‬بل وحتى غيرأ العرأبية‪ -‬لنإبين أنإها حديث خرأافة‪ ,‬ما‬
‫أنإزل ال به من سلطان‪.‬‬

‫كذلك لنإعرأفا القارأئ بمقدارأ الشيطان وبقدرأ تدخله في حياتنإا‪ ,‬لنإظهرأ أن القوال‬
‫المنإتشرأة حول الجن ما هي إل أوهام‪ ,‬علينإا اجتثاثها من جذورأها‪ ,‬وتنإظيفا أدمغتنإا‬
‫منإها‪ ,‬وأنإه حتى من غيرأ المقبول أن تكون قصص تحكيه العجائز للولد قبل النإوم‪,‬‬
‫لن هذا مما يرأسخ في عقولهم ووجدانإهم‪ ,‬وأنإه ل يجوز لنإا كمسلمين متبعين‬
‫للحقا‪ ,‬أن نإؤمن بهذه اليترأهات‪ ,‬أو أن نإدعي أن دينإنإا مصدرقا لها!‬
‫لذا نإدعوك معنإا أيها القارأئ الكرأيم لتصطحبنإا في هذه الرأحلة السرأيعة في عالم‬
‫الجن المزعوم‪ ,‬لتدك معنإا أرأكانإه في عقلك وفي عقول من تعرأفا!‬

‫خرافة ‪ ...‬واختطافه‬

‫‪148‬‬
‫من الكلَّمات المشتهرة‪ ,‬الكثيرة الستعمال عند حديثنا عن الشياء الغريبة التي ل‬
‫يصدقها العقل‪ ,‬كلَّمة "خرافة"‪ ,‬فما هو معنى كلَّمة خرافة؟‬
‫نقول‪ :‬تختلَّف كلَّمة خرافة عن مثيلتها من الكلَّمات التي تدل علَّى نقل حدث واقع‬
‫إلى نص منطوقا أو مكتوب‪ ,‬والتي تشير إلى العنصر البرز في عملَّية النقل هذه‪.‬‬
‫فكلَّمة أسطورأة تشير إلى أن هناك نص مسطورأ في ورأقا‪ ,‬وكلَّمة رأواية تركز علَّى‬
‫عملَّية تناقل النص بين القائلَّين والمستمعين‪ ,‬وكلَّمة قصة تشير إلى عملَّية تتبع‬
‫الحداث ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫أما "خرافة" فل تشير إلى أي شيء من هذا‪ ,‬وذلك لنها بكل بساطة اسم لشخص‪,‬‬
‫إنسان عربي جااهلَّي‪ ,‬واسع الخيال‪ ,‬كان يختفي عن قومه عدة أيام‪ ,‬ثم يعود فيدعي‬
‫أن الجن اختطفته‪ ,‬ثم يبدأ في قص الحداث التي وقعت له في تلَّك اليام‪.‬‬
‫ومع تكررأ هذه المر من خرافة هذا‪ ,‬أصبح تيضرب به المثل في الحديث الذي ل‬
‫تيصدقا‪ ,‬فإذا حدث إنسان بحديث عجيب عن كائنات غريبة‪ ,‬أو وقائع عجيبة‪ ,‬لم‬
‫يصدقه أحد وقالوا‪ :‬حديث خرافة!‬

‫ولقد خرلَّد الشاعر العباسي أبو علء المعري هذه الكلَّمة في بيت شهير‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫لبن وخمر‬
‫عزفمت عن المدام وأنت حتي *** لما وعدوك من د‬
‫حيـاة ثم مـوت ثم حشـر *** حديث خرافة يا أم عمرو‬
‫ومع مرورأ الزمن وعدم معرفة القائلَّين بأصل الجملَّة‪ ,‬أصبح يقال‪ :‬خرافة‪ ,‬فقط‪,‬‬
‫بدون كلَّمة حديث‪ ,‬وأصبحت الكلَّمة إشارأة إلى الحاديث التي يتعلَّم بطلنها‪.‬‬

‫وعلَّى الرغم من أن حديث خرافة أصبح مضرب مثل عند العرب للَّكذب المستملَّح‪,‬‬
‫وجادنا من ينسب إلى الرسول أنه قال أن خرافة لم يكن كاذباا وأن حديثه كان حقا!!‬
‫فنجد أحمد بن حنبل يروي رأواية تقول‪:‬‬
‫شةم مقالمست‪:‬‬ ‫قا معسن معائل م‬ ‫سترو د‬ ‫"معسن مم س‬
‫م‬ ‫سامءهت مذا م‬
‫ت لمسيلَّمدة محلدياثا فممقالمست اسممرأةع لمسنتهين‪ :‬ميا‬ ‫سلَّيمم نل م‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬‫صيلَّى ي‬‫ال م‬ ‫سوتل ي‬ ‫ث مرأ ت‬‫محيد م‬
‫ث تخمرامفةم!‬ ‫ث محلدي م‬ ‫ال مكأمن اسلمحلدي ت‬ ‫سومل ي‬ ‫مرأ ت‬
‫فممقامل‪ :‬أمتمسدترأومن مما تخمرامفةت؟ إلين تخمرامفةم مكامن مرأتجاال لمسن تعسذمرأةم‪ ,‬أم م‬
‫سمرستهت اسللجسن لفي اسلمجالهلَّلييلة‬
‫س بلمما مرأمأى لفيلهسم لمسن‬ ‫ث الينا م‬ ‫س فممكامن يتمحدد ت‬‫ث لفيلهين مدسهارا طملويال ثتيم مرأسدوهت إلملى ا س للسن ل‬ ‫فممممك م‬
‫ث تخمرامفةم‪ "167‬ا‪.‬هـ‬ ‫س محلدي ت‬ ‫اسلممعالجاي ل‬
‫ب فممقامل الينا ت‬

‫وعلَّى الرغم من أن من علَّماء الحديث من ضرعف كل الحاديث التي تذكر فيها‬


‫خرافة‪ ,‬ونسبت إلى الرسول‪- ,‬مثل الشيخ اللباني رأحمه ا‪ -‬إل أننا وجادنا من أهل‬
‫الحديث من يدافع عنها‪ ,‬ويقول أن حديث خرافة ‪...‬حق!!‬
‫وظاهرة خرافة هذه ليست بالعجيبة‪ ,‬فهو ينتمي إلى قبيلَّة عذرأة‪ ,‬ويبدو أن رأجاال‬
‫هذه القبيلَّة كان لهم تميز فكري وعقلَّي مختلَّف عن باقي القبائل العربية‪ ,‬فهذه‬

‫‪ 167‬أحمد بن حنبل‪ ,‬المسند‪ ,‬الجزء السادس‪ ,‬ص‪.157.‬‬

‫‪149‬‬
‫القبيلَّة هي التي تنسب إليها الحب العذرأي! وذلك لكثرة عشاقها المتيمين الصادقين‬
‫في حبهم‪ ،‬الذين يتملَّكهم الحب والوجاد‪ ،‬حتى يصل بهم الحال إلى درأجاة من الضنى‬
‫والهزال‪ ,‬قد تودي بهم إلى الموت!‬

‫وبسبب ورأود خرافة هذا في الحديث النبوي –والذي لم يصح‪ -‬وجادنا من يتحدث‬
‫عن خطف الجن للنسان‪ ,‬وعن الحكام الشرعية المترتبة علَّى تغريب المخطوف من‬
‫الجن‪ ,‬كم تنتظره زوجاته قبل أن تتطلَّق!! ولست أدرأي كيف تيحكم علَّى المتغيب بأنه‬
‫مخطوف من الجن!! ولست أدرأي ما دليلَّهم علَّى أن الجن تختطف النسان!‬
‫هل تعد رأواية ذلك الرجال الذي اختطفته الجن في عهد عمر بن الخطاب‪ ,‬وعاد بعد‬
‫أكثر من أرأبع سنوات‪ -‬دليل؟!‬

‫ونذكر للَّقارأئ نموذجااا ذكره السيوطي في "لقط المرجاان"‪ ,‬يتحدث عن اختطاف‬


‫جان بشرا‪ ,‬ليحكم بنفسه علَّى هذه القصص‪ ,‬حيث قال‪:‬‬
‫"عن النضر بن عمرو الحارأثي قال‪ :‬كنا في الجاهلَّية إلى جاانبنا غدير فأرأسلَّت‬
‫ابنتي بصفحة لتأتينا بماء فأبطأت علَّينا فطلَّبناها فأعيتنا‪ ,‬فوا إني لذات ليلَّة جاالس‬
‫تعبا ا تحت مظلَّتي إذ طلَّع علَّي شبح‪ ,‬فلَّما دنا مني إذ ابنتي فقلَّت‪ :‬ابنتي؟ قالت‪ :‬نعم‬
‫ابنتك‪.‬‬
‫قلَّت‪ :‬أين كنت أي بنية؟ قالت‪ :‬أرأأيت ليلَّة بعثتني إلى الغدير؟ أخذني جاني فاستطارأ‬
‫بي فلَّم أذل عنده حتى وقع بينه وبين فريق من الجن حرب فأعطى ا عهداا إن ظفر‬
‫بهم أن يردني علَّيك‪ ,‬فظفر بهم فردني علَّيك‪.‬‬
‫فإذا هي قد شحب لونها وتمرط شعرها وذهب لحمها فأقامت عندنا فصلَّحت‪,‬‬
‫فخطبها ابن عمها فزوجاناها وقد كان الجني قد جاعل بينها وبينه أمارأة إذا أرأابها‬
‫رأيب أن تدخن له‪ ,‬وإن ابن عمها ذاك عريب علَّيها وقال لها‪ :‬جانية شيطانة ما أنت‬
‫بإنسية‪ .‬فدرخنت‪.‬‬
‫فناداه مناد‪ :‬مالك ولهذه؟ لو كنت تقدمت إليك لفقأت عينك‪ ,‬رأعيتها في الجاهلَّية‬
‫بحسبي وفي السلم بديني‪ "168...... .‬ا‪.‬هـ‬

‫إن هذه الرواية وأمثالها‪ ,‬تعد نموذجاا أكثر من ممتاز للَّخرافة‪ ,‬إنها سمر لبعض‬
‫الشخاص‪ ,‬فهل تتعد حجة وبرهانا؟! وعلَّى الرغم من ذلك وجادنا من يتخذها متكأ‬
‫ل! إن هذه القصص تصلَّح أن توضع بين قصص ألف ليلَّة وليلَّة‪ ,‬ل أن تتقبل‬ ‫ودلي ا‬
‫كخبر عن واقع حاصل‪ ,‬لنه ل دليل جاازم بوقوعها!!‬

‫ب كان‪ ,‬سواء كان للنتقام‬ ‫إننا نسأل الذين يقولون أن الجن تخطف البشر‪ ,‬لي سب د‬
‫أو للَّعشق‪ ,‬ما الذي يمنع الجن أن تخطف البشر كلَّهم أو علَّى القل الخارأقا الجمال‬
‫فيهم‪ ,‬فتخطف الجنية لنفسها أجامل الرجاال! ويخطف الجني لنفسه أجامل النساء؟!‬

‫‪ 168‬جلل الديإن السيوطي‪ ,‬لقط المرجان في أحكاما الجان‪ ,‬تحقيق‪ :‬مصطفى عاشور‪ ,‬ص‪.94.‬‬

‫‪150‬‬
‫إن ا تعالى قال أنه سخر لنا ما في السماوات والرأض جاميعا ا منه‪ ,‬فهل اختطاف‬
‫الجن النسان من تسخيرها لنا؟!‬

‫إن ا تعالى لم يحدثنا في كتابه عن اختطاف الجن‪/‬الجان للَّبشر‪ ,‬ولو كان هذا ممكن‬
‫الحدوث لعلَّمنا ا به ولعرلَّمنا كيف نتقيه‪ ,‬أو حتى وجادنا في حديث الرسول الكريم‬
‫ما يشير إليه‪ ,‬ولكننا لم نجد هذا ول ذاك‪ ,‬وهذا يعني أن هذه الخرافات لم تكن‬
‫موجاودة في الجاهلَّية وإنما كانت مما تأخر ظهورأه بعد السلم‪ ,‬بعد أن ترسخت‬
‫صورأة الجن الخرافية عند الداخلَّين الجدد في السلم‪ ,‬والذين بدأوا في التعرف‬
‫علَّيه ممزوجاا بالثقافة العربية!‬

‫إننا نتساءل‪ :‬كيف يختطف الجن النسان؟ إن صورأة الجني عند عامة الناس هي‬
‫أقرب ما يكون إلى الشبح‪) ,‬دخان علَّى هيئة إنسان تقريباا(‪ ,‬فكيف يحمل جاسما ا معه‬
‫ويختفي به؟! فإذا قلَّنا أنه شفاف وقادرأ علَّى الختفاء‪ ,‬فإنه ل يستطيع حتما أن‬
‫طف هذه المزية! أي أنه يظل مرئيا‪ ,‬مجبراا علَّى أن يسير‬ ‫تيكسب جاسد البشري المخت م‬
‫علَّى الرأض‪ ,‬ل يقدرأ علَّى أن يطير في الهواء! فكيف يختفي البشر؟!‬

‫وإذا قيل أن الجني يتجسد ويتشكل بأي شكل يستطيع أن يحمل به النسان‪- ,‬وعلَّى‬
‫الرغم من رأفضنا لتشكل الجن‪ -‬نقول‪ :‬إن الجني في هذه الحالة يكون محكوما‬
‫بطبيعة الجسد الذي تشكل به! –كما قلَّتم أن الجن يمكن قتلَّه إذا تشكل بهيئة حرية أو‬
‫أي دابة‪ -‬فكيف يمكنه أن يطير في هذه الحالة؟!‬

‫إن آفة من يقبل بوجاود الجن أنه ل تيعمل عقلَّه في أي مسألة‪ ,‬فطالما أن المر‬
‫متعلَّق بالجن فل تفكر كيف حدث هذا‪ ,‬وهل يقبل العقل هذا أم ل؟! فالجن قادعرأ علَّى‬
‫كل شيء –معاذ ا‪ -‬فهو يظهر ويختفي –كما يحدث في أفلم الرعب‪ -‬ول تسل‬
‫كيف قطع المسافة من بلَّدد لخر‪ ,‬أليس جاناا؟!‬
‫ويتحول من شكل لخر كما يحلَّو له! وعلَّى الرغم من تحوله لهيئة ما فإنه يمتلَّك‬
‫نفس القدرأات الموجاودة عنده بدون أي نقصان!‬

‫أما نحن فنحاكم الذين يصورأون الجن علَّى أنه كائن طفيلَّي‪ ,‬أقرب ما يكون للَّبشر‪,‬‬
‫ونقول لهم‪ :‬طالما أنكم جاعلَّتموهم من عالمنا‪ ,‬فلَّزاعم أن يكونوا محكومين بسنن‬
‫عالمنا‪ ,‬والتي برثها ا في كونه‪ ,‬أما أن يعطي ا لهؤلء هذه القدرأات وهم‬
‫يخوضون معنا نفس الختبارأ‪ ,‬فإن هذا يعني أنهم هم خلَّفاء الرأض ‪ ...‬وليس نحن!‬

‫نكاح الجن للنسان‬

‫‪151‬‬
‫بعد أن عرضنا لمسألة اختطاف الجن للنسان وأظهرنا بطلنها‪ ,‬نعرض لمسألة‬
‫أخرى أكثر شهرة‪ ,‬وهي مسألة نكاح الجن النسان‪ ,‬وهي من المورأ التي نسمع‬
‫عنها دوماا‪ ,‬وتتحاك حولها الكثير والكثير من القصص‪.‬‬
‫وأنا نفسي استمعت إلى قصة من إحدى قريباتي‪ ,‬وكانت تؤكد بكل ثقة أن إحدى‬
‫قريباتها كانت تتضاجاع من الجن!!‬

‫والناظر في كتب الفقه بخصوص هذه المسألة يجد أن الفقهاء قد تحدثوا عن حكمها‬
‫في كتبهم‪ ,‬فوجادنا أن منهم من قال بالتحريم مثل المام أحمد‪ ,‬ومنهم من قال‬
‫بالكراهة مثل المام مالك وغيره‪ ,‬ومنهم من قال بالباحة مثل بعض الشافعية!!‬
‫ب علَّى وقوعها أو إمكان وقوعها‪,‬‬ ‫والحديث عن حكم مسألة في كتب الفقه مترت ع‬
‫وعلَّماء الفقه كانوا يكرهون "الرأأيتين"‪- ,‬الذين يفترضون مسائل لم تحدث‪,‬‬
‫ويسألون الفقهاء عنها قائلَّين‪ :‬أرأأيت لو حدث كذا وكذا‪ ,-‬وكانوا ل يجيبونهم‪,‬‬
‫ويقولون أنهم سيردون عند وقوع المسألة‪.‬‬

‫ولست أدرأي لماذا لم يجيبوا بهذه الجاابة عند عرض هذه المسألة علَّيهم! إنه لم‬
‫يقم دليعل في كتاب ا علَّى وقوع هذا النكاح‪ ,‬ولم يأت ذكعر لها في أقوال الرسول إل‬
‫في رأوايات قلَّيلَّة في الكتب التي حوت الموضوعات والحاديث شديدة الضعف!‬
‫وا المتعال العظيم قال في كتابه العزيز‪:‬‬
‫ستكسم أمسزمواجاا ا لدتم س‬
‫ستكتنوا إللمسيمها مومجامعمل بمسينمتكم يممويدةا مومرأسحممةا‬ ‫ق لمتكم دمسن مأنفت ل‬
‫"مولمسن آمياتلله أمسن مخلَّم م‬
‫ت لدقمسودم يمتمفميكترومن ]الروم ‪"[21 :‬‬ ‫إلين لفي مذللمك ملميا د‬

‫فمن آيات ا أن جاعل لنا من جانسنا أزواجااا لنسكن إليها وجاعل بيننا مودة ورأحمة!‬
‫فكيف يتحقق ذلك مع الجن؟! ولماذا يتحقق أصل؟!‬
‫ق من خلَّق ا ل يجد اللَّذة إل مع جانسه‪ ,‬فالقرد ل يطأ إل‬‫من المفترض أن كل خلَّ د‬
‫قردة‪ ,‬والحماترأ إتان‪ ,‬والسد لبؤة‪ ,‬وهكذا‪.‬‬
‫فإذا أخذنا في العتبارأ أن النسان والخنزير هما اللَّذان يمارأسان الجنس شهوة‪,‬‬
‫بخلف باقي الحيوانات التي تمارأس الجنس في موسم التزاوج فقط‪ ,‬فإن لنا أن‬
‫نتساءل‪ :‬هل يمارأس الجن –المزعوم‪ -‬الجنس شهوة أم في موسم التزاوج؟!‬

‫وإذا قلَّنا أنه يمارأسه شهوة فمن المفترض أن تكون شهوته في بنات جانسه‪ ,‬وليس‬
‫في جانس آخر‪ ,‬فما الذي يدفع الجني إلى فعل هذا الشيء إل إذا كان شاذا؟!! وعلَّى‬
‫هذا فمن المفترض أن التركيب –الجسماني‪ -‬للَّجن هو نفس تركيب النسان إل أنه‬
‫في صورأة دخانية! فهل سيتلَّذذ وهو بهذه الصورأة بالمرأة البشرية المكونة من‬
‫اللَّحم والدم!‬
‫لحظ أن كل النساء اللتي يردعين أن الجن يضاجاعهن يقلَّن أنه يضاجاعهن بدون أن‬
‫يظهر‪ ,‬وبدون أن يتشكل في هيئة بشرية! أي أنهن يشعرن فقط بأنهن يمارأسن‬
‫العملَّية الجنسية‪ ,‬ولم تقل واحدةع منهن أن الجني تشكل في هيئة بشر!‬

‫‪152‬‬
‫فكيف لتلَّك المرأة أن تحكم أن ما يحدث له هو وطء من جاني‪ ,‬وليس خيالت في‬
‫رأأسها‪ ,‬رأاجاعة إلى مرض نفسي أو حرمان جانسي؟!‬

‫والناظر في الدلة التي استدل بها القائلَّون بوقوعه يجدها أدلة موضوعة في غير‬
‫ب لليات لما يؤمن به النسان! ويجد‬ ‫موضعها‪ ,‬والستدلل بها سذاجاةع متناهية وجاذ ع‬
‫الطرح نفسه متكلَّف! فإذا نظرنا في طرح المام السيوطي لهذه المسألة نجده يأتي‬
‫بأقوال وتفسيرات يأبها العقل والعلَّم والقرآن‪:‬‬
‫" فقيل‪ :‬إنه غير ممكن‪ ,‬والحق إمكانه‪ ,‬قال الثعالبي‪ :‬زعموا أن التناكح والتلقح قد‬
‫يقعان بين الجن والنس‪ ,‬قال تعالى‪) :‬وشارأكهم في الموال والولد(‪.‬‬
‫وأخرج الحكيم الترمذي وابن جارير‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬إذا جاامع الرجال أهلَّه‪ ,‬ولم‬
‫يسم‪ ,‬انطوى الجان علَّى إحلَّيلَّه‪ ,‬فجامع معه‪ ,‬فذلك قوله تعالى‪) :‬لم يطمثهن إنس‬
‫قبلَّهم ول جاان(‪.‬‬

‫وقال الطرطوشي في كتاب "تحريم الفواحش"‪ ,‬باب من أي شيء يكون المخنث‪:‬‬


‫)‪ (........‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬المخنثون أولد الجن‪.‬‬
‫قيل لبن عباس‪ :‬كيف ذلك؟ قال‪ :‬إن ا ورأسوله نهيا أن يأتي الرجال امرأته وهي‬
‫حائض‪ ,‬فإذا أتاها سبقه الشيطان‪ ,‬فحملَّت‪ ,‬فجاءت بالمخنث‪ "169‬ا‪.‬هـ‬

‫فكما رأأينا فهذا نموذعج فج للَّي آيات الكتاب لتتتخذ دلي ا‬


‫ل! فمشارأكة إبلَّيس لنا في‬
‫الولد تعني أن إبلَّيس يضاجاع أزواجانا! ومن ثم فكان من المفترض أن يقول ا‪:‬‬
‫وشارأكهم في الموال والزواج! لن الواحد منا يضاجاع زوجاه وكذلك يضاجاعها‬
‫إبلَّيس‪ ,‬فالشتراك وقع في الزوجاة وليس في الولد!‬

‫كما أننا رأأينا تصورأاا جاديداا في القول المنسوب إلى مجاهد‪ ,‬فالجن ل يضاجاع‬
‫المرأة‪ ,‬وإنما ينطوي كلَّه علَّى ذكر الرجال فيدخل معه! وهذا يعني أن الجان كلَّه –‬
‫وليس عضوه‪ -‬أصبح داخل المرأة‪ ,‬ولست أدرأي كيف يضاجاع هذا الكائن الصغير‬
‫المرأة! كما رأأينا نموذجاا للَّجهل الصريح في القول المنسوب إلى ابن عباس‪ ,‬والذي‬
‫جاعل المخنثين أولد الجن‪ ,‬بسبب نكاح الرجال زوجاه في الحيض!‬
‫وبغض النظر عن أن العلَّم أظهر سبب حدوث المخنثين فإن الحمل ل يحدث في فترة‬
‫الحيض أبدا!‬

‫ل‪ ,‬فالذين يدعون هذا يقولون أن‬ ‫العجب كل العجب فيمن يقول أنه ممكن وقوعه عق ا‬
‫الجن قادرأ علَّى الخلَّق!! وا وحده هو الخلقا العلَّيم!‬
‫فإذا قلَّنا أن الجني قادرأ علَّى التشكل في هيئة بشر ومضاجاعة المرأة‪ ,‬فهذا يعني أنه‬
‫قادرأ علَّى النزال في رأحمها‪ ,‬وهنا نتساءل‪ :‬من أين أتى الجني بهذا المني؟!‬

‫‪ 169‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.31-30.‬‬

‫‪153‬‬
‫من المفترض أن الجني من نارأ‪ ,‬فإذا استطاع تحويل المواد النارأية إلى ماء مهين‪,‬‬
‫فهذا يعني أنه أقدرأ من ا! –تعالى ا عن ذلك‪-‬‬

‫ب مر بمراحل عديدة‪ ,‬حتى كرون منها خلَّية تغرست في‬ ‫فال خلَّق النسان من ترا د‬
‫‪170‬‬
‫الرأض‪ ,‬نشأ منها النسان‪ ,‬وخرج الناس من الرأض ‪ ,‬أما ذلك الجني فيستطيع أن‬
‫يحول بعضاا منه إلى ماء في لمح البصر‪ ,‬ويحول نفسه كلَّه إلى لحم وعظم ودم!‬
‫وإذا كان قادرأاا علَّى تحويل بعضه إلى ماء‪ ,‬فبالتأكيد هو قادرأ علَّى أن يحول بعضه‬
‫إلى إنسان‪ ,‬فما أقدرأ هذا الجني‪ ,‬إنه خالق حقيق!!‬

‫ونقول للَّمدافعين الذين سيقولون أن التشكل في الظاهر فقط‪ ,‬أي أنه نوعع من خداع‬
‫أعين الناس وأنه يظل علَّى طبيعته بدون تغير‪:‬‬
‫لماذا قلَّتم أن الجني المتشكل يمكن قتلَّه؟ إن هذا يعني أنه اكتسب طبيعة جاديدة‪,‬‬
‫وليس أن التغيير في أعين الناس! ومن ثم فهو يخلَّق!‬
‫وبغض النظر عن هذا كلَّه فلَّماذا ل تيحبل الجن جال نساء البشر؟! لماذا ل يضعون‬
‫مائهم! في أرأحام النساء؟!‬

‫إن هذا من أكبر ما يمكن أن تتعرض له المرأة‪ ,‬أي امرأة‪ ,‬شرقية كانت أو غربية‪,‬‬
‫أن تجد في بطنها جانيناا ل تعلَّم من أين أتى! ناهيك عن المشكلت التي ستتعرض‬
‫لها النساء الشرقيات المسلَّمات خاصة‪ ,‬بسبب هذا الحمل!!‬
‫في ختام نقاشنا لهذه النقطة نسأل المصدقين بها مجددا‪:‬‬
‫هل ترى أن الجن قادعرأ علَّى الخلَّق؟‬
‫فإن كانت الجاابة بل‪ ,‬انتهى تماما النقاش حول مسألة نكاح الجن للَّبشر!!‬

‫مثلث برأمودا ‪...‬والشيطان‬


‫ليست الزمنإة الغابرأة فقط هي الزمنإة التي انإتشرأت فيها الخرأافات وعششت‪ ,‬وإنإما‬
‫زمانإنإا هذا والزمنإة القادمة وكل زمان قابل لن تظهرأ فيه خرأافات وتعشش وتفرأخ!‬
‫ويتكسى الخرأافة في كل زمان بما ينإاسبها‪ ,‬وبما يجعلها مقبولة مستساغة عنإد‬
‫المتقبلين‪ ,‬أو على القل في حيرأة منإها ل يستطيعون إيجاد تبرأيدرأ لها!‬

‫ويعد مثلث برأمودا نإموذجا مثاليا للخرأافة‪ ,‬التي يعمل كثيرأون على ترأسيخها‬
‫وتهويلها‪ ,‬حتى تصبح من المسللمات‪ ,‬ثم يتفنإن آخرأون في إيجاد تعليلت لها‪,‬‬
‫فتخرأج لنإا المخيلة البشرأية أفكارأا عجيبة مستنإدة على أسس واهية!‬
‫فما هو هذا المثلث‪ ,‬وما ارأتباطه بالشيطان؟!‬

‫‪ 170‬نطلب إلى القارئ قراءة كتابنا‪ :‬نشأة النسان‪ ,‬ليتعرف على تفاصيل نظريإتنا حول خلق النسان الول‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫مثلث برأمودا هو منإطقة جغرافية على شكل مثلث تقريبي وليس حقيقياا‪ ً,‬مساحته‬
‫حوالي ‪ 1.1‬مليون كم ‪ ،²‬يقع في في الجزء الغربي من المحيط الطلسي بجوار‬
‫الساحل الجنإوبي الشرقي لولية فلوريدا‪ ً,‬ويقع بين برمودا‪ ،‬وبورتوريكو‪ ،‬وفورت‬
‫لودرديل )فلوريدا(‪ ً,‬ويعرف كذلك ب "مثلث الشيطان"‪.‬‬
‫سمي المثلث باسمها هي عبارة عن مجموعة من الجزر‪ ً,‬يبلغ‬ ‫وبرمودا التي س‬
‫عددها ‪ 300‬جزيرة‪ ً,‬ليست كلها مأهولة بالسكان‪ ً,‬وإنإما المأهول منإها فقط ثلثين‬
‫جزيرة‪ ً,‬عاصمتها "هاملتون" وتقع في الجزيرة الم‪.‬‬

‫واشتهرت هذه المنإطقة عن غيرها بسبب مؤلفات سكتبت في النإصف الثانإي من‬
‫القرن العشرين‪ ً,‬تحدث مؤلفوها حالت اختفاء غير طبيعية في هذه المنإطقة‪.‬‬
‫والحق يقال أنإه قد وقعت بالفعل في هذه المنإطقة بعض حوادث اختفاء في هذه‬
‫المنإطقة‪ ً,‬سكتب لبعضها النإتشار والشهرة‪ ً,‬مثل‪:‬‬
‫اختفاء اثنإتين من أخوات السفينإة "السايكلوبس" في آخر شهر نإوفمبر وبداية‬
‫ديسمبر في عام ‪.1941‬‬
‫اختفاء طائرة الجيش سي‪ 45-‬في عام ‪ 1947‬على بعد ‪ 100‬ميل من برمودا‪.‬‬
‫اختفاء طائرة في يوم ‪ 30‬ينإاير من عام ‪ ً,1948‬بعد رحلة ترانإزيت إلى برمودا‪.‬‬
‫رجل وامرأة‬
‫ا‬ ‫اختفاء طائرة دي سي‪ 3-‬في عام ‪ ً,1949‬كانإت تحمل ثلثين‬
‫وطفلين‪.‬‬

‫وهنإاك حالت اختفاء أخرى غير هذه الحالت‪ ً,‬إل أن أشهر حالت الختفاء‪ ً,‬كانإت‬
‫حالة اختفاء السرب رقم ‪ 19‬بقيادة الملزم تشارلز تايلور‪ ً,‬والتي بدأ بعدها ظهور‬
‫كتابات كثيرة عن هذه المنإطقة‪ ً,‬بل وتم تجسيد هذه الواقعة في فيلم شهير من‬
‫إخراج ريتشارد فريدنإبرج‪.‬‬
‫ومن يقرأ ما سكتب عن هذه الرحلة –وغيره‪ -‬يعجب كيف اختفت هذه الرحلة وهذا‬
‫السرب‪ ً,‬فمما سوصفت به حالة الختفاء هذه‪:‬‬
‫"وهؤلء الرجال الذين يعملون في السرب ‪ ً,19‬قد أنإجزوا طلعات جوية نإاجحة‬
‫طوال عدة سنإوات‪ ً,‬وتتراوح مدة خبرة أفراده ما بين ثلثة عشر شهرا وست‬
‫سنإوات‪(.......) ...‬‬
‫وفي الساعة الرابعة بعد الظهر‪ ..‬تلقت القاعدة الجوية رسالة من قائد السرب‬
‫تشارلز تيلور – ينإادي‪.‬‬
‫القائد‪ :‬نإحن في حالة طوارئ‪ ..‬يبدو أنإنإا خارج خط السير تماماا‪ ..‬ل استطيع رؤية‬
‫الرض‪ ..‬ل استطيع رؤية الرض‪..‬‬
‫القاعدة‪ :‬أين موقعك بالضبط؟‬
‫القائد‪ :‬ل استطيع تحديد المكان‪ ً,‬ول أدري حتى أين نإحن على الطلق! أعتقد أنإنإا‬
‫قد سفقدنإا في الفضاء! )‪(......‬‬

‫‪155‬‬
‫القائد‪ :‬ل أدري في أي اتجاه يوجد الغرب‪ ..‬كل شيء غريب‪ ..‬ل استطيع تحديد أي‬
‫اتجاه‪ ً,‬حتى المحيط أمامنإا يبدو في وضع غريب‪ ..‬ل استطيع تحديده‪.‬‬
‫وقد زادت دهشة رجال القاعدة‪ ً,‬لنإه حتى في حالة ما إذا تعطلت البوصلة‪ ً,‬فمن‬
‫غير المعقول أل يوجد من ضباط الطائرات من يستطيع تحديد الغرب‪ ً,‬إذ يمكن أن‬
‫يعتمد في ذلك على الرؤية البصرية‪ ً,‬لن الشمس في هذا الوقت تكون قد مالت‬
‫نإحو الغرب‪ "171.‬ا‪.‬هـ‬

‫من يقرأ مثل هذه الكتابات ل بد أن يصدق أن هنإاك ظواهر غريبة تحدث في هذه‬
‫المنإطقة‪ ً,‬ومن ثم تشطح الذهان في تصور العلة في حدوث حالت الختفاء التي ل‬
‫يوجد لها سبب مباشر‪ ً,‬والتي تحدث في وضح النإهار‪ ً,‬وبدون تقلبات جوية‪.‬‬
‫فيظهر من يقول أنإها ظواهر طبيعية غير مفهومة‪ ً,‬وآخر يقول أنإها كائنإات من‬
‫كواكب أخرى‪ ً,‬تخطف البشر لتجري عليهم تجارب ولتتعرف علينإا!‬

‫ويعرض محمد عيسى داود بعض الراء المطروحة كتفسير لحالت الختفاء في‬
‫مثلث برمودا فيقول‪:‬‬
‫"في قضية )برأمودا(‪ ,‬فما زالت التأويلت والتحليلت بعيدة المنإال‪ :‬كمن قال إنإها‬
‫أمواج عاتية‪ ,‬سببها زلزل في قاع المحيط‪ ,‬ومن قال إنإها صواعقا كرأوية تحرأقا‬
‫الطائرأات المارأة على المثلث‪ .‬وتظلرأفا بعضهم في خياله فقال بوجود )التفافا في‬
‫متصل الزمان( يقود إلى بعد زمنإي آخرأ‪.‬‬
‫وما زال أقوى الرأاء هو الرأأي الذي يعزو المرأ كله للجسام الطائرأة المجهولة‬
‫الهوية أو الجسام الغاطسة المجهولة‪ ,‬ويرأبط بين المثلث وهذه السفن الفضائية‬
‫الغامضة‪ ,‬مؤكدين جميعا أنإها مقودة بطواقم طيارأين من عوالم أخرأى‪ ,‬وأنإهم‬
‫يختطفون البشرأ للحصول على نإماذج من سكان الرأض‪ ,‬وأمثلة عن التكنإولوجيا‬
‫الرأضية المعاصرأة‪.‬‬
‫وهنإاك رأأي شاذ لحد علماء النإفس الورأوبيين –توفى سنإة ‪1944‬م‪ ,‬وكان ييلقب‬
‫ب )النإبي النإائم(‪ -‬يعتقد فيه أن قارأة أطلنإطس قد غرأقت في )بحرأ بيمينإي( وهو‬
‫مكان الكثيرأ من حوادث الختفاء‪ ,‬وأن مصادرأ الطاقة التي كان يستخدمها سكان‬
‫الطلنإطس ل تزال تؤثرأ على البوصلت والجهزة الحديثة‪ "172.‬ا‪.‬هـ‬

‫ولم يقنإع بعض المحسوبين على التيار السلمي بالتبريرات التي قدمها الغربيون‬
‫–الكفار‪ -‬لتلك الظاهرة‪ ً,‬ومن ثم أدلوا بدلوهم في الموضوع‪ ً,‬فقدموا تفسيراا‬
‫إسلميا!! لحالت الختفاء تلك‪ ً,‬فقال بعضهم أن حالت الختفاء هذه راجعة إلى أن‬
‫تلك المنإطقة هي مقر المسيخ الدجال‪ !173‬فهو مقيد بإحدى الجزر –كما جاء في‬
‫الروايات‪ ً,-‬ومن ثم فمن المحتمل أن يكون هو سبب هذه الحوادث‪.‬‬
‫‪ 171‬مروة عماد الديإن‪ ,‬الرحلت المفقودة عند مثلث برمودا‪ ,‬جزر الشيطان المخيفة‪ ,‬ص‪.58-57.‬‬
‫‪ 172‬محمد عيسى داود‪ ,‬الخيوط الخفية بين المسيخ الدجال‪ ,‬وأسرار مثلث برمودا والطباق الطائارة‪ ,‬ص‪.147-146.‬‬
‫‪ 173‬المسيخ الدجال خرافة مسيحية‪ ,‬اصختلقت للصد عن الرسول الكريإم‪ ,‬وعندما جاء السلما صحورت حتى ل يإظهر صدق الرسول الخاتم‬
‫وأنه هو المبشر به‪ ,‬بل وصبغت بصبغة إسلمية‪ ,‬و صجعلت في شخصية تظهر في آخر الزمان‪ ,‬بسمات خرافية! ولقد عرضنا لهذه‬
‫الخرافة في كتابنا‪ :‬عقائاد السلميين بين وحدة المنهج وتبايإن الحكاما‪ ,‬وأظهرنا أنها تتعارض مع أصول الديإن!‬

‫‪156‬‬
‫ولم يقنإع آخرون بهذا فقالوا أن المسيخ الدجال ليس هو المسئول وإنإما الشيطان‬
‫الكبر نإفسه! واستنإدوا في هذا إلى الحديث الذي رواه مسلم –وغيره‪ -‬والذي‬
‫يروي عن النإبي الكريم أنإه قال‪ ..." :‬عن جاابر قال‪ :‬سمعت النبي صلَّى ا علَّيه و‬
‫سلَّم يقول‪ :‬إن عرش إبلَّيس علَّى البحر‪ ,‬فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم‬
‫عنده أعظمهم فتنة‪ "174‬ا‪.‬هـ‬
‫فبما أن عرش إبلَّيس علَّى البحر‪ ,‬وهناك منطقة تحدث فيها حالت اختفاء غير‬
‫طبيعية‪ ,‬وهناك حديث عن أجاسام غير مألوفة تظهر فوقا هذه المنطقة‪ ,‬فحتما هذه‬
‫الجاسام مرتبطة بالشياطين‪ ,‬وليست أطباقا طائرة لمخلَّوقات غير أرأضية‪ ,175‬ويكون‬
‫عرش الشيطان في هذه المنطقة‪ ,‬والويل لمن يقترب من عرشه!!‬

‫ولهذا اعتتبر مثلَّث برمودا من اللغاز الطبيعية التي تثير الفضول وخاصة عند‬
‫الشباب‪ ,‬الذين يجذبهم المجهول‪ .‬وهنا نتوقف لنبين كيف أن العتماد علَّى كرتاب‬
‫غير موثقي المصادرأ‪ ,‬والعتماد علَّى قيل وقال‪ ,‬وأن عدم الرجاوع إلى المصادرأ‬
‫الصلَّية يؤدي إلى نتائج كارأثية‪ ,‬من بينها ظهورأ خرافات عالمية‪ ,‬مصبوغة بصبغة‬
‫علَّمية! ومثلَّث برمودا المثال الفضل لمثل هذه الحالت‪.‬‬

‫هدم الكذوبة‬
‫إن الحقائق تقول أن هذا المثلَّث ل يختلَّف عن غيره‪ ,‬إل أن النسان يميل دوما ا إلى‬
‫تصديق الكتابات المثيرة‪- ,‬والتي يرنو أصحابها إلى الكسب المادي والنتشارأ‪ ,-‬فلَّما‬
‫ظهرت كتابات في العقد السادس من القرن العشرين تصف حالت الختفاء في هذه‬
‫المنطقة‪ ,‬مثل ما كتبه جاورأج ساندز في مقالة في مجلة المصير ‪Fate‬‬
‫‪ magazine‬في عام ‪ ،1952‬تحدث فيها عن غموض في اختفاء مركبات في‬
‫هذا المثلث‪ .‬ثم توالت الكتابات بعد ذلك‪ ً,‬ومن ذلك كتاب‪ :‬عالم نإسيان المفقودين‪ً,‬‬
‫والذي ألفه جون والس سبينإسر في عام ‪ ،1969‬وركز فيه على حوادث الختفاء‬
‫في هذه المنإطقة بعينإها‪ ،‬ولم يعرض لحوادث الختفاء الكثيرة في منإاطق أخرى‪.‬‬

‫‪ 174‬مسلم النيسابوري‪ ,‬صحيح مسلم‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬الجزء الرابع‪ ,‬ص‪.2176.‬‬
‫‪ 175‬ليس بعض المحسوبين على التيار السلمي هم فقط من يإربطون بين ما صيإسمى بالطباق الطائارة والشياطين‪ ,‬فهناك من المسيحيين‬
‫من يإفعل ذلك أيإضا‪ ,‬فنجد أن الباحث المسيحي مجدي صادق –المدرس بمعهد الدراسات القبطية‪ -‬يإؤيإد هذا التوجه في كتابه‪ :‬الطباق‬
‫الطائارة هل هي مركبات الكروبيم‪ ,‬ويإدافع عن وجهة النظر التي تقول هذا‪ ,‬ومما ذكره في كتابه المذكور في صفحة ‪:19‬‬
‫"ذهب أنصار هذا التجاه إلى أن الطباق الطائارة هي في حقيقتها مركبات شيطانية‪ ,‬خرجت علينا من أقساما الرض السفلى‪ ،‬وأن‬
‫خروجها ما هو إل مقدمات تمهد لمقدما المسيح الدجال‪ .‬فالطباق الطائارة وفقا لما يإرى أنصار هذا التجاه هي أرواحا ملئاكية ساقطة‬
‫تأخذ في ظهوراتها وتجلياتها شكل السحب أو كرات النار أو البرق الكروي‪.‬‬
‫ويإلخص نيافة النبا غريإغوريإوس أسقف الدراسات اللهوتية العليا والبحث العلمي أهم آراء القائالين بهذا الرأي بقوله‪:‬‬
‫إن هناك نظريإة حديإثة غريإبة الشكل تفسر ظاهرة الطباق الطائارة بأنها خرجت من أقساما الرض السفلى‪ ،‬وأن هذه الظهورات ما هي‬
‫إل مقدمات للحرب التي سيقودها الشيطان ضد الكنيسة في اليإاما الخيرة‪ ،‬وهذا التفسير يإستند إلى أسس علمية‪ .‬فقد لحظ العلماء أن‬
‫ظاهرة السحب الملونة وهى عظيمة الشبه بالطباق الطائارة تتواجد بكثرة في منطقة القطب الشمالي‪ .‬وقد اكتشف العلماء عند القطب‬
‫الشمالي تجويإفا أرضيال يإمتد إلى باطن الرض‪.‬‬
‫هذا الكشف العلمي الحديإث جعل العلماء ‪-‬لول مرة‪ -‬بعد أن تبرهن لهم وجود علقة بين التجويإف الرضي الممتد إلى باطن الرض‬
‫وظاهرة السحب الملونة‪ -‬يإستنتجون أن هذا التجويإف يإؤيإد فكرة وجود عالم سفلى هو عالم الرواحا السفلية‪ ,‬حيث الشيطان وكل جنوده‬
‫حيث الجحيم بحسب ما ورد فى كل التراث النساني‪ ".‬ا‪.‬هـ‬

‫‪157‬‬
‫وبما أن هذه الكتب صادرة في الغرب‪ ً,‬فل بد أن مؤلفيها من الثقات‪ ً,‬الذين ينإقل‬
‫المرء عنإهم بدون أي شك‪ ً,‬ومن ثم ظهر عدد من الكتب باللسان العربي تتحدث‬
‫عن نإفس الظاهرة‪ ً,‬تنإقل عن أي كتاب تصادفه حول هذه المنإطقة‪ ً,‬ول يهم من كان‬
‫مؤلف هذا الكتاب‪ ً,‬فهو بالتأكيد ثقة‪ .‬ومع كثرة الكتابات والمعالجات بالفلم‬
‫الوثائقية والدرامية بمختلف لغات العالم‪ ً,‬سظن أن ما يقال حقائق مؤكدة‪ ً,‬ومن ثم‬
‫تدخل بعض السلميين ليدلوا بدلوهم وليمثلوا بتدخلهم عنإصر تصديقق وتأكيد لما‬
‫سيروى عن ذلك المثلث!‬

‫والعجب كل العجب أن الكثرية تميل دوما ا إلى نإظرية المؤامرة أو الفاعل الخفي‪ً,‬‬
‫ومن ثم فل تصدق أن كل ما يقال هو نإوعع من التهويل والتخويف‪ ً,‬على الرغم من‬
‫أن الدراسات الموثقة تقول أنإه ل شيء يختلف في ذلك المثلث عن غيره من‬
‫ب عديدة منإذ فترات طويلة‪ ً,‬أبطلت تلك‬ ‫المنإاطق البحرية الخرى‪ ً,‬وظهرت كت ع‬
‫الخرافات‪ ً,‬إل أنإه لم سيلتفت إليها!‬
‫ومن ذلك كتاب مثلث برمودا‪ -‬تم حل اللغز‪ ً,‬والذي صدر في عام ‪ ً, 1975‬حيث‬
‫تحرى مؤلفه لري كوشيه‪ ،‬حول هذه الددعاءات الموجودة في المقالت والكتب‪.‬‬
‫فقام بالبحث والتنإقيب بعنإاية في السجلت التي أهملها الخرون‪ .‬ووجد أن معظم‬
‫الحوادث التي وسصفت بأنإها غريبة لم تكن غريبة في أغلب الحيان‪ ،‬وكان‬
‫المؤلفون يذكرون أن سفنإا أأو طائرات اختفت فيما كان البحر هادئا ا بصورة غير‬
‫طبيعية‪ ،‬بينإما كانإت سجلت خفر السواحل تشير إلى عواصف عاتية كانإت تضرب‬
‫منإطقة الحادثة‪ .‬أو عنإدما يذكر البعض أن السفن اختفت بصورة غامضة ولم‬
‫تظهر‪ ،‬تكون الحقيقة أن بقايا تلك السفن قد سوجدت وتم التعرف على سبب الغرق‪.‬‬

‫فهذا الكتاب وغيره‪ ً,‬أظهر أن هذا الوهم الكبير ما هو إل "فبركة" مؤلفين‬


‫ومخرجين‪ ً,‬ونإقل عنإهم من نإقل بدون تحقر كاف! وحتى ل يظل النإفي نإفيا ا عاما ا‬
‫نإعرض للقارئ الكريم بعض ما ذكره الدكتور عبد المحسن صالح في تفنإيد بعض‬
‫الخرافات التي أثيرت حول هذا المثلث‪.‬‬

‫"والن‪ ...‬ما هو رأأي العلَّم في هذه المورأ الغريبة؟‬


‫الواقع أن ما أثير حول هذا المثلَّث المرعب فيه مبالغات ومغالطات كثيرة‪ ,‬ولو‬
‫أنصفناه لظهر لنا أن العالم كلَّه أكثر رأعبا من مثلَّث الرعب ‪ ...‬فهناك إحصائيات‬
‫دقيقة تشير إلى عدد الحوادث التي تتم في قطاعات مختلَّفة من هذا العالم‪ ,‬ومن هذه‬
‫الحصائيات يتضح أن مثلَّث برمودا بريء من حوادث الموت والتدمير‪ ,‬أو القوى‬
‫الخفية التي تتسلَّط علَّى مائه وأرأضه وهوائه‪ ,‬وأن ما يحدث فيه –رأغم شدة الحركة‬
‫فيه‪ -‬أقل مما يحدث في أماكن كثيرة مماثلَّة في العالم‪.‬‬
‫فمؤسسة لويدز للَّمعلَّومات بلَّندن‪ ,‬وكذلك تقارأير إدارأة حرس السواحل المريكية –‬
‫وهي جاهات موثوقا بها وبمعلَّوماتها وإحصائياتها‪ -‬تشير إلى أن ما تفقد في مثلَّث‬
‫برمودا في عام ‪ 1975‬كان أرأبع سفن ل غير من مجموع ما فقد حول السواحل‬

‫‪158‬‬
‫المريكية جاميعها‪ ,‬ويقدرأ عددها بإحدى وعشرين سفينة مفقودة‪ ...‬أي أن نصيب‬
‫مثلَّث برمودا من هذه الحوادث كان أقل من ‪.%20‬‬
‫وفي عام ‪– 1976‬علَّى حسب ما تقول إدارأة حرس السواحل المريكية‪ -‬فإن المفقود‬
‫في مثلَّث برمودا بلَّغ ست سفن من ‪ 28‬سفينة مفقودة حول سواحل أمريكا‪ ,‬وهذا‬
‫ينفي تلَّك اللَّعنة التي ألصقت لصقا بذلك المثلَّث البريء‪....‬‬

‫أضف إلى ذلك أن إدارأة حرس السواحل المريكية في دهشة من هذه المعلَّومات‬
‫المضلَّلَّة والخادعة التي تنشرها تلَّك الكتب غير الجادة‪ ,‬والتي تستقي معلَّوماتها من‬
‫خيال وخزعبلت تضر ول تنفع‪ ...‬فعلَّى حسب إحصائيات ملَّفات إدارأة حرس‬
‫السواحل فإن مثلَّث برمودا يعتبر من أكثر المناطق في العالم حركة وازدحاما‪ ,‬إذ‬
‫ينطلَّق علَّى سطح مياهه أكثر من ‪ 150‬ألف سفينة من كل النواع والحجام‪ ,‬وأنها‬
‫–أي الدارأة‪ -‬تتقبل من إشارأات الستغاثة سنوياا حوالي عشرة آلف استغاثة‪ ,‬لذلك‬
‫فإن هذا العدد الضئيل للَّغاية من السفن التي تغرقا سنويا في هذه المنطقة )ما بين‬
‫‪ 6-4‬علَّى حسب آخر إحصاء(‪ ,‬يشير إلى عدم وجاود قوى خفية مزعومة تخطف‬
‫السفن وتستولي علَّى المتاع‪ ,‬وتسبي الناس!‪ "176‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينا فالمنطقة ل تزيد عن غيرها في حوادث الختفاء‪ ,‬إل أن بعض التكتاب‬
‫أصحاب الخيال الواسع‪ ,‬كتبوا قصصا حول هذه المنطقة‪ ,‬وللسف الشديد اعتتبرت‬
‫كتب اا موثقة! ومما قدمه الدكتورأ عبد المحسن كنماذج للضافات‪ ,‬التي أضافها‬
‫المؤلفون من عند أنفسهم‪:‬‬
‫"ويظهر عدم دقة هؤلء المؤلفين‪ ,‬وتقديم معلَّومات خاطئة‪ ,‬أو ذكر عبارأات مثيرة‬
‫مضلَّلَّة‪ ,‬أو أقوال ليس لها من أساس‪ ...‬يظهر هذا وغيره من التحقيقات الجادة التي‬
‫تثارأ عادة بعد نشر هذه المعلَّومات الغريبة‪ ...‬فعلَّى سبيل المثال نعود لنذكر تلَّك‬
‫العبارأة التي ورأدت في كتاب "مثلَّث برمودا" عند غرقا السفينة اليابانية رأايفو‬
‫كومارأو‪ .‬إذ ورأدت صيغة الستغاثة هكذا‪" :‬الن الخطر يشبه الكابوس"‪...‬‬
‫وصحتها كما ورأدت في التسجيلت الخاصة بإدارأة حرس السواحل "الن خطير‬
‫جادا"‪ ,‬وعندما توجاهت إليها إحدى السفن القريبة –التي سمعت نداء الستغاثة‪-‬‬
‫وجادتها تتعرض لعاصفة مروعة أطاحت بها وأغرقتها‪ ...‬وهذا يعني أن هناك سببا‬
‫أو تعلَّيل ملَّموسا لغرقا السفينة‪ ,‬ولم تغرقا بسبب قوى أسطورأية تسيطر علَّى‬
‫المنطقة‪ "177‬ا‪.‬هـ‬

‫ول يقتصر المر علَّى التلعب باللفاظ‪ ,‬وإنما علَّى التلعب بالمعلَّومات‪ ,‬ومن ذلك‪:‬‬
‫"وجااء أيضا في قصة الطائرات التي اختفت دون أن تترك أثرا أن اختفاءها كان في‬
‫الساعة ‪ ,4.25‬وهذا يعني أن الختفاء كان في وضح النهارأ‪ ,‬وهذا ليس صحيحا‪ ,‬بل‬
‫ضلَّت الطائرات طريقها في الظلم‪ ,‬إذ دلت التقارأير علَّى أنها كانت ل تزال علَّى‬
‫‪ 176‬عبد المحسن صالح‪ ,‬النسان الحائار بين العلم والخرافة‪ ,‬ص‪.208-207.‬‬
‫‪ 177‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.208.‬‬

‫‪159‬‬
‫اتصال بالقاعدة حتى السابعة مساء‪ ,‬وفرقا كبير بين طيران في النورأ وطيران في‬
‫الظلم‪ ...‬أضف إلى ذلك أن بيرليتز قد أكد أن الطقس وقتها كان صافيا‪ ,‬وهو حقا لم‬
‫يكن كذلك‪ ,‬إذ أن سجلت الرأصاد الجوية قد أوضحت أن الطقس كان عاصفا‪,‬‬
‫والبحر مضطربا‪ ,‬كما أن الطيارأين –باستثناء اللَّيفتنانت تايلَّورأ‪ -178‬كانوا حديثي‬
‫عهد بالطيران‪ ,‬ول شك في أن سوء الحوال الجوية والظلم قد أضافا مزيدا من‬
‫العباء علَّى مهمة القائد‪ ,‬وعلَّى الطيارأين الشباب الذين كان معظمهم حديثي عهد‬
‫بالطيران فوقا المنطقة‪(.......) .‬‬

‫وفي كتابه الجديد "من دون أثر" يحبك بيرليتز السطورأة ويعطيها طعما جاديدا‪ ,‬إذ‬
‫إنه يذكر في طبعته الجديدة عبارأة غريبة ترد علَّى لسان اللَّيفتنانت تيلَّورأ وتقول "ل‬
‫تتبعني‪ ...‬كأنما هم قادمون من الفضاء"!‪ ...‬أي أنه بهذا يريد أن يوهم الناس بأن‬
‫مثلَّث برمودا هو المنطقة المختارأة لنشاط الطباقا الطائرة التي أصبحت علَّى كل‬
‫لسان في الوليات المتحدة‪ ,‬وبهذا يجد استجابة لما يكتب‪ ,‬وتصديقا فيما يتخيل‪ ,‬أو‬
‫كأنما هو يريد أن يقول –بطريق غير مباشر‪ -‬إن سبب الكوارأث في هذا المثلَّث إنما‬
‫تحدث بفعل هذه المخلَّوقات الشريرة التي جااءت تعلَّن الحرب والنتقام من أهل‬
‫الرأض‪ ,‬وخاصة من المريكان‪ ,‬ونحن ل ندرأي –بدورأنا‪ -‬لماذا جااءت هذه‬
‫المخلَّوقات الكونية العاقلَّة الفائقة الذكاء والتلَّيدة الحضارأة‪ ,‬لكي تقتل وتدمر‬
‫وتسرقا؟!‪ "179‬ا‪.‬هـ‬

‫فكما رأينإا فالمنإطقة من منإاطق الملحة المزدحمة ول بد أن يحدث فيها حوادث‬


‫اختفاء‪ ً,‬ولكن خيال البشر تدخل مضيفا ا ونإافخاا‪ ً,‬ومن ثم أظهر المر بشكل اللغز‪ً,‬‬
‫والذي أصبح لحقا ا أسطورة كبرى! وما هي إل خرافة عظمى!‬
‫وهكذا كل الخرافات في تاريخ البشرية‪ ً,‬تعود إلى أصقل ما‪ ً,‬إل أن العقل البشري‬
‫يرفض قراءة الحدث وعرضه كما هو‪ ً,‬ويصر على التدخل وصبغه بغموض محبب‪ً,‬‬
‫ومع تنإاقل الحداث تتغير وقائعها العادية وتصبح أمرا أسطوريا ا ‪ ..‬وعلى السامع‬
‫أن يتقبل‪ ...‬فهل توهم كل هؤلء؟!‬
‫الفصل الثاني‬
‫مس الجن النسان‬

‫‪ 178‬تشير التقاريإر بأمن تشارلز تايإلور كان يإعاني من الصداع بسبب الكحول‪ ,‬ولم يإستطع أن يإجد شخصا ليحل مكانه في رحلة التدريإب‪,‬‬
‫وكان هو القائاد والجميع يإتبع تعليماته ويإعتمد على توجيهاته‪ .‬وبعد فترة من الطيران تعطلت بوصلة تايإلور‪ .‬لكنه قرر الستمرار‬
‫بالطيران اعتمادا على معالم بعض الجزر في السفل‪ ،‬لكونه خبيرا بتضاريإس جزر فلوريإدا حيث كان يإعيش‪ ،‬وكان يإشعر بالثقة‬
‫بالاعتماد على البصر في الطيران‪ .‬واعتقد تايإلور بأمنهم كانوا يإحلقون فوق خليج المكسيك‪ ،‬وأمر الدوريإة بالتجاه شرقا بحثا ل عن اليابسة‪,‬‬
‫بينما كانوا على أطراف الطلسي! وبالفعل صأرسلت طائارة للستكشاف ولم تعد هي الخرى‪ ,‬ولكن هذا لم يإكن بسبب مثلث برمودا‪ ,‬وإنما‬
‫لنها انفجرت في الجو بعد ‪ 23‬ثانية من القلع‪ ،‬وشوهد انفجارها من القاعدة!‬

‫‪ 179‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.211-210.‬‬

‫‪160‬‬
‫بعد أن أبطلَّنا إمكانية نكاح الجن للنسان نعرض لهم مسألة تتطرح حولها‬
‫التساؤلت دوماا‪ ,‬وهي مس الجن النسان أو دخول الجن في النإسان!‬
‫نإتوقفا معها لنإنإظرأ هل المس الذي ذكرأه القرأآن له نإفس الدللة الموجودة في‬
‫رأؤوسنإا‪ ,‬وهل يمكن دخول الجن بدن النإسان والسيطرأة عليه‪ ,‬وإذا كان‪ ,‬فهل‬
‫يمكن أن يكون القرأآن علجا له وعام ل‬
‫ل على إخرأاج الجنإي!‬

‫وهذه النإقطة ليست مما يعتقد به العرأب المسلمون فقط‪ ,‬وإنإما هي موجودة صرأاحة‬
‫في أديان أخرأى‪ ,‬مثل المسيحية‪ ,‬والتي جاء فيها نإصوص صرأيحة تتكلم عن دخول‬
‫الرأواح الشرأيرأة والشياطين في بدن النإسان وقيام المسيح وتلميذه بإخرأاجهم من‬
‫النإسان‪ ,‬ومن ثم نإتساءل‪:‬‬
‫هل مسألة دخول الجن في بدن النإسان –تبعا للمنإظورأ السلمي‪ -‬من المسائل التي‬
‫أتت في نإصوص ثابتة‪ ,‬صرأيحة الدللة على هذا المرأ؟!‬

‫وتأتي الجابة بأنإه ل نإصوص ثابتة صرأيحة الدللة على هذا المرأ‪ ,‬فعمدة‬
‫اليمتملسكين بهذا القول هو بعض الرأوايات الضعيفة المنإسوبة إلى النإبي الكرأيم‬
‫وبعض الصحابة! كما أنإهم يظنإون أن لهم مستنإد في قوله تعالى‪:‬‬
‫س تذصلتك‬‫"اللصذيتن تيرأيكيلوتن السرأتبا تل تييقويموتن إصلل تكتما تييقويم اللصذي تي ت تخلبيطيه اللشريتطاين صمتن ارلتم س‬
‫صبتألنإيهرم تقايلورا إصلنإتما ارلتبرييع صمرثيل السرأتبا توأتتحلل البله ارلتبريتع توتحلرأتم السرأتبا تفتمن تجاءيه تمروصعتظرة سمن‬
‫لرأسبصه تفانإتتهتى تفتليه تما تستلتفا توأترميرأيه إصتلى السله توتمرن تعاتد تفيأروتلـصئتك أترصتحايب اللنإاصرأ يهرم صفيتها‬
‫تخاصليدوتن ]البقرأة ‪"[275 :‬‬
‫فيرأون أنإها دليرل صرأيح على أن الشيطان يدخل بدن النإسان –يتلبسه‪ -‬ويتحكم‬
‫فيه‪ ,‬ويصيبه بالمرأاض والسقام‪ ,‬وأظهرأها الصرأع‪ ,‬والذي يسمونإه صرأع الجن!‬
‫على الرأغم من أن الية لم تزد عن أن تكلمت عن "تخبط من مس"‪ ,‬ولم تقل بأدي‬
‫مما قالوا‪.‬‬
‫لذا نإتوقفا مع هذه الية لنإبين للقارأئ الكرأيم كيفا أن الية ل علقة لها البتة بما‬
‫يقولون‪ ,‬ونإظهرأ له مثالل طيبا لفعل المفسرأين حيال بعض اليات التي ل‬
‫يستطيعون تصورأها‪ ,‬ومن ثم ييفسرأها!! أحدهم بأي شكدل كان‪ ,‬فيتابعه الباقون‬
‫على قوله‪ ,‬لنإهم ل يجدون كذلك تصورأا لها‪ ,‬ثم يصبح هذا القول الذي ل ينإطبقا‬
‫مع الية هو التفسيرأ المعتمد لها‪ ,‬والذي عليه إجماع العلماء!!‬
‫ونإقدم للقارأئ الكرأيم أولل بعضا مما قاله المام الرأازي في تفسيرأه‪ ,‬حول التخبط‪,‬‬
‫لينإشأ لديه تصوررأ حول معنإى التخبط‪ ,‬وحول أقوال المفسرأين فيها‪ ,‬والجدل الدائرأ‬
‫حول فهمها‪ ,‬قبل أن نإقدم ما عنإدنإا فيها‪ .‬قال المام الرأازي‪:‬‬
‫"التخبط معناه الضرب علَّى غير استواء‪ ،‬ويقال للَّرجال الذي يتصرف في أمرد ول‬
‫يهتدي فيه‪ :‬إنه يخبط خبط عشواء‪ ،‬وخبط البعير للرأض بأخفافه‪) ,‬جامع تخف –‬
‫سه بخبل أو جانون‪ ,‬لنه كالضرب علَّى غير‬‫عمرو‪ (-‬وتخبطه الشيطان‪ :‬إذا م ر‬

‫‪161‬‬
‫الستواء في الدهاش‪(.........) ،‬‬
‫فالتخبط بالرجال والمس باليد‪ ،‬ثم فيه سؤالن‪:‬‬
‫السؤال الول‪ :‬التخبط تفعل‪ ،‬فكيف يكون متعديا ا؟‬

‫الجواب‪ :‬تفعل بمعنى فعل كثير‪ ،‬نحو تقسمه بمعنى قسمه‪ ،‬وتقطعه بمعنى قطعه‪.‬‬
‫)‪ (........‬قال الجبائي‪ :‬الناس يقولون المصروع إنما حدثت به تلَّك الحالة لن‬
‫الشيطان يمسه ويصرعه‪ ,‬وهذا باطل‪ ،‬لن الشيطان ضعيف ل يقدرأ علَّى صرع‬
‫الناس وقتلَّهم ويدل علَّيه وجاوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬قوله تعالى حكاية عن الشيطان }مومما مكامن للمى معلَّمسيتكسم رمن سلَّطان إللي مأن‬
‫مدمعسوتتتكسم فاستجبتم للى{ ] إبراهيم ‪ ,[ 22 :‬وهذا صريح في أنه ليس للَّشيطان قدرأة‬
‫علَّى الصرع والقتل واليذاء )‪(.......‬‬

‫لو كان الشيطان يقدرأ علَّى أن يصرع ويقتل لصح أن يفعل مثل معجزات النبياء‬
‫علَّيهم الصلة والسلم وذلك يجر إلى الطعن في النبروة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن الشيطان لو قدرأ علَّى ذلك فلَّم ل يصرع جاميع المؤمنين‪ ,‬ولم ل يخبطهم‬
‫مع شدة عداوته لهل اليمان‪ ،‬ولم ل يغصب أموالهم‪ ،‬ويفسد أحوالهم‪ ،‬ويفشي‬
‫أسرارأهم‪ ،‬ويزيل عقولهم؟ وكل ذلك ظاهر الفساد‪.‬‬
‫واحتج القائلَّون بأن الشيطان يقدرأ علَّى هذه الشياء بوجاهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما رأتوي أن الشياطين في زمان سلَّيمان بن داود علَّيهما السلم كانوا يعملَّون‬
‫العمال الشاقة‪ ,‬علَّى ما حكى ا عنهم‪ ,‬أنهم كانوا يعملَّون له ما يشاء من محارأيب‬
‫وتماثيل وجافان كالجوابي وقدورأ رأاسيات‪(.........) .‬‬

‫للَّمفسرين في الية أقوال؛ الول‪ :‬أن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا ا وذلك‬
‫كالعلمة المخصوصة بآكل الربا‪ ،‬فعرفه أهل الموقف لتلَّك العلمة أنه آكل الربا في‬
‫الدنيا‪ ،‬فعلَّى هذا معنى الية‪ :‬أنهم يقومون مجانين‪ ،‬كمن أصابه الشيطان بجنون‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬قال ابن منبه‪ :‬يريد إذا بتعث الناس من قبورأهم خرجاوا مسرعين‬
‫لقوله }يمسخترتجاومن لممن الجاداث ل‬
‫سمراعاا{ ] المعارأج‪ ,[ 43 :‬إل آكلَّة الربا فإنهم‬
‫يقومون ويسقطون‪ ،‬كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وذلك لنهم أكلَّوا‬
‫الربا في الدنيا‪ ،‬فأرأباه ا في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلَّهم فهم ينهضون‪،‬‬
‫ويسقطون‪ ،‬ويريدون السراع ‪ ،‬ول يقدرأون‪(.........) .‬‬

‫ف رممن‬
‫طئل ع‬ ‫والقول الثالث ‪ :‬أنه مأخوذ من قوله تعالى‪} :‬إلين الذين اتقوا إلمذا مم ي‬
‫ستهسم م‬
‫صترومن{ ] العراف ‪ "[ 201 :‬وذلك لن الشيطان يدعو‬ ‫الشيطان تممذيكتروسا فمإ لمذا تهم سمسب ل‬
‫إلى طلَّب اللَّذات والشهوات والشتغال بغير ا‪ ،‬فهذا هو المراد من مس الشيطان‪،‬‬
‫ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطاا‪ ،‬فتارأة الشيطان يجره إلى النفس‬
‫والهوى‪ ،‬وتارأة الملَّمك يجره إلى الدين والتقوى‪ ،‬فحدثت هناك حركات مضطربة‪،‬‬

‫‪162‬‬
‫وأفعال مختلَّفة‪ ،‬فهذا هو الخبط الحاصل بفعل الشيطان وآكل الربا ل شك أنه يكون‬
‫مفرطا ا في حب الدنيا متهالكاا فيها‪ ،‬فإذا مات علَّى ذلك الحب صارأ ذلك الحب حجابا ا‬
‫بينه وبين ا تعالى‪ ،‬فالخبط الذي كان حاصلا في الدنيا بسبب حب المال أورأثه‬
‫الخبط في الخرة‪ ،‬وأوقعه في ذل الحجاب‪.‬‬
‫‪180‬‬
‫وهذا التأويل أقرب عندي من الوجاهين اللَّذين نقلَّناهما عمن نقلَّنا‪ " .‬ا‪.‬هـ‬

‫والنإاظرأ فيما ذكرأه المام الرأازي –وغيرأه من كتب التفسيرأ‪ -‬يجد أن هنإاك ما يشبه‬
‫الجماع بين المفسرأين على أن المرأاد من القيام في قوله "ل يقومون" هو القيام في‬
‫الخرأة‪- ,‬وذلك لورأود رأواية عن ابن مسعود‪ ,‬تقول أنإه كان يقرأأ "ل يقومون من‬
‫قبورأهم"‪ ,‬وكذلك رأواية عن ابن عباس تقول أنإه يقوم يوم القيامة مجنإونإا‪ ,‬وكلتا‬
‫الرأوايتين ضعيفا ل يصح‪ ,-‬والختلفا دائررأ حول معنإى المس‪ ,‬فهل المرأاد من‬
‫المس هو القدرأة على تعذيب النإسان بوسوسة يبثها في صدرأه‪ ,‬أم المرأاد من‬
‫المس هو دخول جسم النإسان والتحكم فيه!‬

‫ونإبدأ تنإاولنإا لهذه الية‪- ,‬والتي تتحدث عن الذين يأكلون الرأبا من المؤمنإين‪-181‬‬
‫بسؤالنإا‪ :‬ما الدليل على أن المرأاد من القيام في الية "ل يقومون"‪ ,‬هو قيام في‬
‫اليوم الخرأ؟!‬
‫إن سياقا اليات السابقة واللحقة يقول أنإها تتكلم عن قيام في الدنإيا وليس في‬
‫الخرأة‪ ,‬كما أن بنإية الية نإفسها تقول ذلك‪ ,‬فالملحظ أن ال تعالى قال‪" :‬ل يقومون‬
‫إل كما يقوم" ولم يقل‪" :‬لن يقوموا إل كما يقوم"!‬
‫ولست أدرأي على أي أساس جعلوا القيام الول –في قوله‪ :‬ل يقومون‪ -‬في‬
‫الخرأة‪ ,‬بينإما الثانإي –في قوله‪ :‬يقوم الذي‪ -‬في الدنإيا؟!‬

‫إنإهم للما لم يجدوا معمولل للقيام قالوا أنإه في الخرأة‪ ,‬وليس هذا مما ييفهم بداهة‪,‬‬
‫فمن الرأجح أن يكون القيام في الصلة مثل‪ ,‬ولقد خطرأ في بالي هذا الحتمال ثم‬
‫رأأيت أنإه ل إشارأة إليه في الية‪ ,‬لذلك ل يمكن القول به حتى ل نإضيفا للية من‬
‫عنإد أنإفسنإا –كما فعل المفسرأون!‪ ,-‬ومن ثم فعلينإا البحث عن تصودرأ للقيام ل‬
‫يحتاج إلى معمول‪ ,‬ثم اهتديت إلى أن المرأاد من القيام هو القيام بالمعنإى الشامل‬
‫له‪ ,‬أي القيام بالمرأ والقيام عليه‪.‬‬

‫ثم وجدت أن الدكتورأ جمال محمود أبو حسان يقول بنإفس ما أقول به بتفصيل كبيرأ‪,‬‬
‫ومما قاله حول هذه الكلمة‪:‬‬
‫"جاء في تفسير الميزان‪ :‬إن المراد بالقيام هنا هو‬

‫‪ 180‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬مفاتيح الغيب‪ ,‬الجزء السابع‪ ,‬ص‪.79-77.‬‬


‫‪ 181‬سياق اليإات يإؤكد هذا‪ ,‬فلقد وردت في وسط عدد من اليإات‪ ,‬تخاطب المؤمنين وتأمرهم بالنفاق والتصدق وإخراج الطيب‪ ,‬وتجنب‬
‫الخبيث‪ ,‬كما أن اليإة تتحدث عن من جاءه موعظة من ربه فانتهى‪ ,‬والكافر ل يإستجيب لي أمر من أوامر الديإن أصل!‬

‫‪163‬‬
‫الساتواء على الحياة والقيام بأمر المعيشة؛ فإنه معنى‬
‫من معاني القيام يعرفه أهل اللسان في اساتعمالتهم‪،‬‬
‫ط ")الحديد‪(25:‬‬ ‫س ط‬
‫ق س‬ ‫س طبال س ط‬ ‫م الننا س‬‫قو م‬ ‫قال تعالى‪ ":‬ل طي م س‬
‫مى طبال س ط‬ ‫م‬
‫ط ")النساء‪:‬‬
‫س ط‬
‫ق س‬ ‫موا ل طل سي ممتا م‬ ‫ن تم س‬
‫قو س‬ ‫وأ س‬ ‫وقال تعالى‪ " :‬م‬
‫‪ .(127‬وأما كون المراد به المعنى المقابل للقعود‬
‫فمما ل يناساب المورد‪ ،‬ول يستقيم عليه معنى الية‪.‬‬
‫)‪(........‬‬

‫فالذي تخبطته الشياطين هو ذلك النسان العاصي‬


‫ه تعالى بها بالحرب‪ ،‬فتراه‬‫بمعصية عظيمة بارمز الل م‬
‫يسير ل على هدى‪ ،‬مضطرب الفكر‪ ،‬متقلب المزاج‪،‬‬
‫ساريع الغضب‪ ،‬مهووس بالدنيا على نحو بالغ‪ ،‬ل يرى‬
‫أي عائق أمام تحقيق مصالحه وأهوائه‪ .‬وهذا ل محالة‬
‫من أثر الوساوساة الشيطانية التي اساتولت عليه‬
‫فقهرته عن إدراك الحقيقة‪.‬‬
‫وبعد فإن الذي يترجح لدي في تفسير هذه الية بناء‬
‫على ما سابق بيانه في هذا البحث ما يلي‪:‬‬
‫إن هذه الية تحكي الحالة النفسية المضطربة لكلي‬
‫الربا بعد بيان أنه ما من ذنب قد أعلن الله تعالى‬
‫الحرب على مرتكبيه إل هذا الذنب‪ .‬فالمسلم يدرك‬
‫عظم الذنب من أكل الربا وحرمته‪ .‬لكن وسااوس‬
‫الشيطان التي تأتيه من كل باب؛ لتزين له ما في الربا‬
‫من المنافع‪ ،‬وتزين له التسويف في البتعاد والتوبة‪،‬‬
‫فتصبح نفس النسان من داخلها في تنازع شديد بين‬
‫أمرين‪:‬‬

‫الول‪ :‬حرمة الربا والوعيد الشديد عليه‪.‬‬


‫ور له من منافع الربا‪ .‬فتصبح في نفس‬ ‫والثاني‪ :‬ما سيص و‬
‫النسان المرتكب لهذه الحماقة حرب نفسية طاحنة‪.‬‬
‫فإما أن يتغلب الشرع اللهي بما فيه من أوامر‬
‫ع‬
‫ونواهي‪ ،‬وإما أن يغلب على تلك النفس النواز س‬
‫الشيطانية الشديدة‪ .‬ولذلك ترى كثيرا من متعاطي‬
‫دئة‪ .‬هذا‬‫الربا ل يذوقون للنوم طعما إل بالعقاقير المه و‬
‫إذا جاءوا للنوم‪ ،‬وأما في النهار حيث العمل والنشاط‬
‫فلعمرك ما أنت راءٍ من الجشع والطمع ما أنت رائيه‬
‫في تحركات هؤلء وتصرفاتهم‪ .‬هذا هو ما تحكيه الية‪،‬‬

‫‪164‬‬
‫ول لهم هذا المنكر‬
‫وليس فيه للشيطان إل أنه سا و‬
‫بوساوساته وإيحائه‪ "182.‬ا‪.‬هـ‬

‫وهنإا نإقول للقارأئ الكرأيم‪ :‬أيهما تتقبل وتتبع‪ :‬الذي يفهم كتاب ال كما هو‪ ,‬أم الذي‬
‫يضيفا من عنإد نإفسه؟! بل ول يكتفي بذلك وإنإما يفهم كلم ال على غيرأ ما قال‪,‬‬
‫وبغض النإظرأ عن أن المفسرأين لم يتوقفوا مع الترأكيبة "يتخبطه الشيطان من‬
‫المس‪ -‬بقدرأ ما تستحقا‪ ,‬وفسرأوها على غيرأ ما تقول‪ ,‬فإن النإقطة الرأئيس هم‬
‫فهمهم للمس‪ ,‬والذين يدعون بأن المرأاد منإه دخول الشيطان في جسم النإسان‬
‫والتحكم في عقله!‬

‫مس الشيطان أيوب‬


‫ل بل بينإة ول مستنإد في كتاب ال ول لسان العرأب‪,‬‬ ‫وكما اتخذوا هذه الية دلي ل‬
‫فهموا آية سورأة ص‪:‬‬
‫"توارذيكررأ تعربتدتنإا أتبيوتب إصرذ تنإاتدى ترألبيه أتسنإي تملسصنإتي اللشريتطاين صبينإرصدب توتعتذادب ]ص ‪"[41 :‬‬
‫فقالوا أن الشيطان مس سيدنإا أيوب بنإصب وعذاب‪ ,‬ورأووا في ذلك رأواية من‬
‫السرأائيليات تحكي تسلط الشيطان على أيوب وأهله!‬

‫والية لم تزد عن قالت أنإه مسه بنإصب وعذاب‪ ,‬ل أنإه دخل فيه وتحكم في عقله‪,‬‬
‫ولو كان كذلك لما أحس به أصل! والمفسرأون مختلفون حول الية‪ ,‬فمنإهم من‬
‫يقول بما ورأد في السرأائيليات ومنإهم من يقول أن النإصب والعذاب الذي أصاب‬
‫أيوب هو من الخواطرأ التي ألقاها الشيطان في صدرأه‪ ,‬فأصابه بالهم والغم الشديد‬
‫بسبب حدوث المكرأوه وزوال الخيرأات‪.‬‬

‫وأعجبنإي ما قاله المام أبو بكرأ بن العرأبي‪ ,‬والذي أورأده المام القرأطبي في‬
‫تفسيرأه‪ ,‬تعليقا على هذه السرأائيليات –بعد أن أورأدها!‪ ,-‬فنإذكرأه هنإا رأدا على من‬
‫يقبلون بهذه الخرأافات‪:‬‬
‫"وذكرأوا كلما طويل في سبب بلئه ومرأاجعته لرأبه وتبرأمه من البلء الذي نإزل‬
‫به‪ ،‬وأن النإفرأ الثلثة الذين آمنإوا به نإهوه عن ذلك واعترأضوا عليه‪(.......) ،‬‬
‫قال ابن العرأبي‪ :‬ما ذكرأه المفسرأون من أن إبليس كان له مكان في السماء‬
‫فقول باطل؛ لنإه أهبط منإها بلعنإة وسخط إلى الرأض‪،‬‬ ‫ر‬ ‫السابعة يوما من العام‪,‬‬
‫فكيفا يرأقى إلى محل الرأضا‪ ،‬ويجول في مقامات النإبياء ‪ ،‬ويخترأقا السموات‬
‫العلى‪ ،‬ويعلو إلى السماء السابعة إلى منإازل النإبياء‪ ،‬فيقفا موقفا الخليل؟!‬
‫إن هذا لخطب من الجهالة عظيم‪.‬‬

‫‪ 182‬جمال محمود أبو حسان‪ ,‬دراسة بعنوان‪ :‬العلقة بين النسان والجان بين اليقين القرآني والموروث الجتماعي‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫وأما قولهم‪ :‬إن ال تعالى قال له‪ :‬هل قدرأت من عبدي أيوب على شيء؟ فباطل‬
‫قطعا؛ لن ال عز وجل ل يكلم الكفارأ الذين هم من جنإد إبليس الملعون؛ فكيفا‬
‫يكلم من تولى إضللهم؟!‬
‫وأما قولهم‪ :‬إن ال قال قد سلطتك على ماله وولده‪ .‬فذلك ممكن في القدرأة‪،‬‬
‫ولكنإه بعيد في هذه القصة‪ .‬وكذلك قولهم ‪ :‬إنإه نإفخ في جسده حين سلطه عليه‬
‫فهو أبعد‪ ،‬والبارأي سبحانإه قادرأ على أن يخلقا ذلك كله من غيرأ أن يكون‬
‫للشيطان فيه كسب حتى تقرأ له ‪-‬لعنإة ال عليه‪ -‬عين‪ ,‬بالتمكن من النإبياء في‬
‫أموالهم وأهليهم وأنإفسهم‪.‬‬
‫وأما قولهم‪ :‬إنإه قال لزوجته أنإا إله الرأض‪ ،‬ولو ترأكت ذكرأ ال وسجدت أنإت‬
‫لي لعافيته‪ .‬فاعلموا وإنإكم لتعلمون أنإه لو عرأض لحدكم وبه ألم‪ ,‬وقال هذا‬
‫الكلم ما جاز عنإده أن يكون إلها في الرأض‪ ،‬وأنإه يسجد له‪ ،‬وأنإه يعافي من‬
‫البلء‪ ،‬فكيفا أن تسترأيب زوجة نإبي؟! ولو كانإت زوجة سوادي أو فدم برأبرأي‬
‫ما ساغ ذلك عنإدها‪.‬‬

‫وأما تصويرأه الموال والهل في واد للمرأأة فذلك ما ل يقدرأ عليه إبليس بحال‪،‬‬
‫ول هو في طرأيقا السحرأ فيقال إنإه من جنإسه‪ .‬ولو تصورأ لعلمت المرأأة أنإه‬
‫سحرأ كما نإعلمه نإحن وهي فوقنإا في المعرأفة بذلك؛ فإنإه لم يخل زمان قط من‬
‫السحرأ وحديثه وجرأيه بين النإاس وتصويرأه‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬والذي جرأأهم على ذلك وتذرأعوا به إلى ذكرأ هذا قوله تعالى‪" :‬إذ‬
‫نإادى رأبه أنإي مسنإي الشيطان بنإصب وعذاب"‪ ,‬فلما رأأوه قد شكا مس الشيطان‬
‫أضافوا إليه من رأأيهم ما سبقا من التفسيرأ في هذه القوال‪.‬‬

‫وليس المرأ كما زعموا والفعال كلها خيرأها وشرأها‪ ,‬في إيمانإها وكفرأها‪،‬‬
‫طاعتها وعصيانإها‪ ،‬خالقها هو ال ل شرأيك له في خلقه‪ ،‬ول في خلقا شيء‬
‫غيرأها‪ ،‬ولكن الشرأ ل ينإسب إليه ذكرأا‪ ،‬وإن كان موجودا منإه خلقال؛ أدبال أدلبنإا‬
‫وتحميدا علمنإاه‪ (.......) .‬والسرأائيليات مرأفوضة عنإد العلماء على البتات؛‬
‫ل‬ ‫به‪،‬‬
‫فأعرأض عن سطورأها بصرأك‪ ،‬وأصمم عن سماعها أذنإيك‪ ،‬فإنإها ل تعطي فكرأك‬
‫خبال‪ "183‬ا‪.‬هـ‬
‫ل‬ ‫إل خيالل‪ ،‬ول تزيد فؤادك إل‬

‫وهذا الكلم الذي أورأده المام القرأطبي عن المام أبو بكرأ بن العرأبي كلرم ثمين‪,‬‬
‫يوضح كيفا كان وينإبغي التعامل مع هذا الخرأافات‪ ,‬وفيه رأرد على من يفسرأون الية‬
‫كبرأهان على أن الشيطان ييمرأض النإسان!‬

‫والية غاية في الوضوح‪ ,‬فسيدنإا أيوب يشكو مس الشيطان له بنإصب وعذاب‪,‬‬


‫فهو يوسوس له ويحاول أن يقنإطه من إيمان قومه‪ ,‬أو بأي أفكارأ أخرأى–وغالب‬
‫‪ 183‬أبو عبد ا محمد القرطبي‪ ,‬الجامع لحكاما القرآن‪ ,‬تحقيق‪ :‬هشاما سمير البخاري‪ ,‬الجزء الخامس عشر‪ ,‬ص‪.210-208.‬‬

‫‪166‬‬
‫المرأاض العضوية أصلها نإفسي‪ ,-‬فالنإبي كان يتألم لعرأاض قومه وأهله حتى‬
‫مرأض‪ ,‬فقال ال له ارأكض برأجلك هذا مغتسل بارأد وشرأاب‪ ,‬ولما شفي وهب ال له‬
‫أهله وآخرأين‪ ,‬وليس معنإى ذلك أن أهله كانإوا قد ماتوا فأحياهم ال له‪ ,‬بل يعنإي‬
‫أنإهم آمنإوا به مع غيرأهم رأحمة من ال‪ ,‬وذلك مثل قوله تعالى‪" :‬توتوتهربتنإا تليه صمن‬
‫لرأرحتمصتتنإا أتتخايه تهايرأوتن تنإصبليا ]مرأيم ‪ ,"[53 :‬ول يعنإي هذا أن هارأون يأحيي لموسى!‬

‫ولما كان سيدنإا أيوب مؤمنإا حقا اليمان‪ ,‬دعا ال أن يذهب ما في صدرأه‪ ,‬وأن‬
‫يذهب عنإه هذا المرأض‪ ,‬لنإه ليس مما يليقا بمؤمن أن يكون في مثل هذه الحالة‪,‬‬
‫فاستعاذ بال فأعاذه‪ ,‬فأين الدليل على التحكم والدخول؟!‬

‫تحكيم الرأوايات‬
‫رأأينإا كيفا أن القرأآن لم يقل بشيء مما قالوا‪ ,‬وأنإه يخالفا دعواهم‪ ,‬وعلى الرأغم‬
‫من ذلك فإنإهم يعتبرأون قولهم هو التفسيرأ الصحيح للكلمة‪ ,‬وذلك لورأود بعض‬
‫الرأوايات عن النإبي الكرأيم تقول بدخول جن في البشرأ‪ ,‬ومن ذلك ما رأواه ابن ماجة‬
‫في سنإنإه‪:‬‬
‫ص مقامل‪:‬‬ ‫"معسن تعسثممامن سبلن أملبي اسلمعا ل‬
‫شسيعء‬
‫ض للي م‬ ‫ف مجامعمل يمسعلر ت‬ ‫طائل ل‬ ‫سلَّيمم معملَّى ال ي‬ ‫صيلَّى ا معلَّسيله و م‬ ‫سوتل ال م‬ ‫ستمسعمملَّملني مرأ ت‬
‫لميما ا س‬
‫صيلَّى ا‬ ‫سولل ال م‬ ‫ت إلملى مرأ ت‬‫ت مذللمك مرأمحسلَّ ت‬ ‫صلملتي محيتى مما أمسدلرأي مما أت م‬
‫صدلَّي‪ ،‬فملَّميما مرأأمسي ت‬ ‫لفي م‬
‫سومل ال‪.‬‬ ‫ت‪ :‬نممعسم ميا مرأ ت‬ ‫ص؟ قتسلَّ ت‬‫سلَّيمم‪ .‬فممقامل‪ :‬اسبتن أملبي اسلمعا ل‬ ‫معلَّسيله و م‬
‫صلَّمموالتي محيتى مما أمسدلرأي مما‬‫شسيعء لفي م‬ ‫ض للي م‬ ‫ا‪ ،‬معمر م‬ ‫سومل ل‬ ‫ت‪ :‬ميا مرأ ت‬ ‫مقامل‪ :‬مما مجاامء بلمك؟ قتسلَّ ت‬
‫صتدولرأ قممدمميي‪.‬‬
‫ت معملَّى ت‬ ‫س ت‬ ‫ت لمسنته‪ ،‬فممجلَّم س‬ ‫طاتن‪ ,‬اسدنتسه‪ .‬فممدنمسو ت‬ ‫شسي م‬‫صدلَّي‪ .‬مقامل‪ :‬مذامك ال ي‬ ‫أت م‬
‫صسدلرأي بليملدله‪ ،‬موتمفممل لفي فملمي‪ ,‬مومقامل ‪ :‬اسخترسج معتديو ال‪.‬‬ ‫ب م‬ ‫ضمر م‬ ‫مقامل‪ :‬فم م‬
‫ق بلمعمملَّلمك‪.‬‬ ‫ت ‪ ،‬ثتيم مقامل ‪ :‬اسلمح س‬ ‫ث مميرا د‬ ‫فمفممعمل مذللمك ثملم م‬
‫طلني بمسعتد‪ "184.‬ا‪.‬هـ‬ ‫سبتهت مخالم م‬ ‫مقامل ‪ :‬فممقامل تعسثمماتن ‪ :‬فملَّممعسملري مما أمسح ل‬

‫فيتخذون من هذه الرواية –علَّى الرغم من ضعفها سنداا‪ -‬متكئاا! ولو نظرنا في‬
‫ف تماما‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫صحيح مسلَّم لوجادنا أن المام مسلَّم يرويها بشكل مختلَّ د‬
‫" ‪ .....‬حدثني عثمان ابن أبي العاص الثقفي أن النبي صلَّى ا علَّيه و سلَّم قال له‪:‬‬
‫أم قومك‪ .‬قال قلَّت يا رأسول ا‪ :‬إني أجاد في نفسي شيئا‪ .‬قال‪ :‬ادنه‪.‬‬
‫فجلَّسني بين يديه ثم وضع كفه في صدرأي بين ثديي ثم قال‪ :‬تحول‪ ,‬فوضعها في‬
‫ظهري بين كتفي ثم قال‪ :‬أم قومك‪ ,‬فمن أم قوما فلَّيخفف فإن فيهم الكبير وإن فيهم‬
‫المريض وإن فيهم الضعيف وإن فيهم ذا الحاجاة‪ ,‬وإذا صلَّى أحدكم وحده فلَّيصل‬
‫كيف شاء‪ "185.‬ا‪.‬هـ‬
‫‪ 184‬محمد القزويإني‪ ,‬سنن ابن ماجة‪ ,‬الجزء الرابع‪ ,‬ص‪.568.‬‬
‫‪ 185‬مسلم النيسابوري‪ ,‬صحيح مسلم‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.341.‬‬

‫‪167‬‬
‫فكما رأأينا‪ ,‬فالحديث هنا عن شيء في صدرأه‪ ,‬كبعر أو وسواس‪ ,‬وليس شيطانا ا يكمن‬
‫في داخلَّه يتحكم فيه! بل ونجد الرواية عند مسلَّم بشكل آخر‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫"عن أبي العلء‪ :‬أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلَّى ا علَّيه و سلَّم‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫يا رأسول ا‪ ,‬إن الشيطان قد حال بيني وبين صلتي وقراءتي يلَّبسها علَّي‪.‬‬
‫فقال رأسول ا صلَّى ا علَّيه و سلَّم‪ :‬ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته‬
‫فتعوذ بال منه‪ ,‬واتفل علَّى يسارأك ثلثا‪ .‬قال‪ :‬ففعلَّت ذلك فأذهبه ا عني‪ "186‬ا‪.‬هـ‬

‫والذي يظهرأ أن الرأواة خلطوا بين الرأوايتين هذه والسابقة فأخرأجوا منإها شك ل‬
‫ل‬
‫جديدا‪ ,‬هو ما وجدنإاه عنإد ابن ماجة‪ ,‬وبدلل من أن يكون الرأجل يتفل على يسارأه‪,‬‬
‫أصبح النإبي يتفل في فم الرأجل!! وبعد أن كان شيطانإا يوسوس أصبح شيطانإا في‬
‫داخله‪ ,‬يأمرأه النإبي بالخرأوج منإه!‬
‫وحديث ابن ماجة على الرأغم من ذلك ليس صرأيحا في إثبات دخول الجن في‬
‫النإسان والتحكم فيه‪ ,‬لنإه يتحدث عن وسوسة في الصلة‪ ,‬وهي حاصلة عنإد كل‬
‫المصلين‪ ,‬ولم تذكرأ الرأواية أنإه خرأج منإه شيء!‬

‫لذلك فإن عمدة أدلتهم هو ما رأواه المام أحمد في مسنإده‪:‬‬


‫"‪ .....‬عن بن عباس‪ :‬أن امرأة جااءت بولدها إلى رأسول ا صلَّى ا علَّيه و سلَّم‬
‫فقالت‪ :‬يا رأسول ا‪ ,‬إن به لمما وإنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علَّينا طعامنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فمسح رأسول ا صلَّى ا علَّيه و سلَّم صدرأه ودعا له‪ .‬فتع تعة فخرج من فيه‬
‫مثل الجرو السود فشفي‪ "187‬ا‪.‬هـ‬

‫فهذه الرواية تتحدث عن شخص مجنون‪ ,‬تأتيه بعض النوبات‪ ,‬ولرما دعا له الرسول‬
‫خرج من فمه شيء مثل الجرو السود! فهذا دليعل صريح علَّى التلَّبس وعلَّى تأثير‬
‫الجن في النسان وإصابته بالصرع وخلفه‪.‬‬
‫إل أنه يشغب علَّيهم أنها –وكل الروايات المشابهة‪ -‬ضعيفة سنداا ‪ ,‬مردودة متنا ا‬
‫‪188‬‬

‫لمخالفتها القرآن والعقل والعلَّم!‬

‫والفة الكبرى أن هناك من يدافع عنها باستماتة! لنه يعدها من عقائد أهل السنة‬
‫والجماعة‪ ,‬فإذا أقر بضعف هذه الروايات‪ ,‬يقول أن هناك رأوايات صحيحة تقول‬
‫بذلك‪ ,‬ومن ثم يدلل علَّيها بروايات ليست في موضع الستدلل‪ ,‬مثل ما ورأد أن النبي‬
‫قال أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم!‬

‫وهي مقولة تتحدث عن الشك الموجاود عند النسان‪ ,‬ليس أكثر‪ ,‬وذلك لنها قيلَّت‬
‫لما قام الرسول الكريم ليقلَّب زوجاه صفية‪ ,‬والتي أتت لزيارأته في معتكفه‪ ,‬فلَّما رأآه‬
‫‪ 186‬المرجع السابق‪ ,‬المجلد الرابع‪ ,‬ص‪.1728.‬‬
‫‪ 187‬أحمد بن حنبل‪ ,‬المسند‪ ,‬المجلد الول‪ ,‬ص‪.239.‬‬
‫‪ 188‬انظر "السطورة التي هوت‪ ,‬علقة النسان بالجان" لحسان عبد المنان‪ ,‬والذي عرض لكل هذه الروايإات وأظهر ضعفها‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫صحابيان أسرعا‪ ,‬فقال لهما‪ :‬علَّى رأسلَّكما‪ ,‬إنها صفية‪ ,‬فقال‪ :‬سبحان ا! –أي‬
‫أنهما ل يمكن أن يشكا في النبي‪-‬‬
‫فهنا قال النبي مقولته الشهيرة "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"‪.‬‬
‫ونجد أن مسلَّم زاد " وإني خشيت أن يقذف في قلَّوبكما شرا أو قال شيئا"‪ ,‬فهذا‬
‫دليعل صريح علَّى أنها في الوساوس والظنون!‬

‫وكذلك يستدلون بما رأواه البخارأي في صحيحه‪:‬‬


‫سلَّيمم يمتقوتل‪:‬‬ ‫صيلَّى ي‬
‫ات معلَّمسيله مو م‬ ‫ال م‬ ‫سومل ي‬ ‫ت مرأ ت‬
‫سلمسع ت‬ ‫ات معسنهت قال‪ :‬م‬ ‫ضمي ي‬ ‫"عن أمتبي تهمرسيمرةم مرأ ل‬
‫صالرأاخا لمسن مم د‬
‫س‬ ‫طاتن لحيمن تيولمتد‪ ,‬فميم س‬
‫ستملهسل م‬ ‫شسي م‬ ‫مما لمسن بملني آمدمم ممسوتلوعد إليل يممم س‬
‫سهت ال ي‬
‫طالن مغسيمر ممسريممم مواسبنلمها‪.‬‬‫شسي م‬
‫ال ي‬
‫‪189‬‬
‫طالن اليرلجايلم‪ " .‬ا‪.‬هـ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ثتيم يمتقوتل أتبو تهمرسيمرةم‪ :‬موإلدني ألعيذمها بلمك موذدرأييتممها لمسن ال ي‬
‫شسي م‬

‫وعلَّى الرغم من أن الرواية تظهر إبلَّيس بشكل أقرب إلى الله‪ ,‬وعلَّى الرغم من أن‬
‫مختلَّقها نسي أن أم مريم لم تدع هذا الدعاء إل بعد ولدة مريم‪ ,‬وبعد أن عرفت أنها‬
‫أنثى‪ ,‬وهذا يعني أن الدعاء تحقق بأثر رأجاعي!! وعلَّى الرغم من أنه ليس حكراا‬
‫علَّى مريم وذرأيتها‪ ,‬فمن المكن أن يدعو أي إنسان بهذا الدعاء!‬
‫علَّى الرغم من هذا كلَّه‪ ,‬فإن هذه الرواية ليست دليلا علَّى ما يقولون‪ ,‬وإنما هي‬
‫دليعل علَّى أن الشيطان يصيبه بشيء‪ ,‬فمن أجال ذلك يبكي عند ولدته!‬
‫وهو تفسير خرافي لحدث واقع ل يعرف الناظر له علَّة‪ ,‬لذلك تنسب إلى الجن كفاعدل‬
‫خفي! كما كان يفعل الجاهلَّيون!!‬

‫إن مشكلَّة أرأباب مدرأسة الحديث‪ ,‬أنهم يحكمونه في القرآن‪ ,‬بدلا من أن يجعلَّونه‬
‫تابعاا له‪ ,‬وذلك رأاجاع لنهم أفنوا أعمارأهم فيه‪ ,‬أما القرآن فلَّيس لجلَّهم به علَّم!‬
‫والواجاب علَّى كل مسلَّدم أن ينظر أولا في كتاب ا لينظر ماذا يقول بشأن أي‬
‫مسألة‪ ,‬ثم ينظر بعد ذلك في الروايات‪ ,‬ليخبر هل توافق الكتاب العزيز أم ل‪ ,‬فإن‬
‫وافقت فبها ونعمت‪ ,‬وإن لم توافق كان من الواجاب رأدها!‬

‫فإذا نظرنا في كتاب ا وجادنا أنه لم يتحدث في آية واحدة عن دخول "جان" في‬
‫جاسم النسان‪ ,‬بل إن المشركين الذين حكا القرآن قولهم‪ ,‬ورأرد علَّيهم‪ ,‬لم يقولوا أن‬
‫النبي الكريم يأتيه جان‪ ,‬يلَّقي الكلم علَّى لسانه‪ ,‬وإنما كانوا يقولون‪" :‬به جانة"‬
‫صوا بلله محيتى لحيدن ]المؤمنون ‪"[25 :‬‬ ‫" إلسن تهمو إليل مرأتجاعل بلله لجانيةع فمتممربي ت‬
‫ضمللل‬ ‫ال مكلذبا ا مأم بلله لجانيةع بملل اليلذيمن مل يتسؤلمتنومن لباسللخمرلة لفي اسلمعمذا ل‬
‫ب موال ي‬ ‫"أمسفتممرى معملَّى ي‬
‫اسلبملعيلد ]سبأ ‪"[8 :‬‬
‫صالحبللهم دمن لجانيدة إلسن تهمو إللي نملذيعر سملبيعن ]العراف ‪"[184 :‬‬ ‫"أممولمسم يمتمفميكتروسا مما بل م‬

‫‪ 189‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ,‬صحيح البخاري‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ,‬الجزء الرابع‪ ,‬ص‪.164.‬‬

‫‪169‬‬
‫وذلك لن "الجن" كما قلَّنا هو القوي الفائق‪ ,‬أم "الجنة" فهي كائنات غير بشرية‪,‬‬
‫وحتى قول المشركين أن به جانة‪ ,‬ل يعني أن هناك كائن متلَّبس بالنبي‪ ,‬وإنما كانوا‬
‫يقصدون أن هناك كائن يأتي النبي الكريم فيلَّقي بالقرآن علَّى لسانه‪ ,‬كما كانت‬
‫شياطين الشعراء المزعومة تلَّقي القصائد الجيدة علَّى ألسنتهم‪.‬‬
‫س بالنبي أو بالشاعر‪ ,‬يجعلَّه‬‫ففي جاميع الحالت ل يقصدون أن هناك جاان متلَّب ع‬
‫يتصرف بخبل!‬

‫وبما أنإنإا نإتكلم عن "به صجنإة"‪ ,‬فنإلفت انإتباه القارأئ إلى أن تعبيرأ "به جنإة" وكذلك‬
‫"مجنإون" المذكورأان في القرأآن‪ ,‬ل ينإبغي أن نإفهمها بالمدلول المعاصرأ‪ ,‬فهما ل‬
‫يعنإيان أبدا أنإه مخبول ل يعقل أويتصرأفا بطيش‪ ,‬وإنإما يعنإيان أنإه صاحب صجنإة‪,‬‬
‫وأن ما يقوله ليس من عنإده‪ ,‬وإنإما ييلقى على لسانإه!‬

‫فلم يكن أهل قرأيش بعظيمي الحمقا حتى يقولوا أن من يأتي بمثل هذا القرأآن‬
‫مخبول‪ ,‬فإذا كان من يختلقا هذا مخبول‪ ,‬فما هو حال الباقين؟! وإنإما كانإوا يرأيدون‬
‫التعرأيض به والقول أنإه شاعرأ عظيم أو معلم حسن التعلم‪ ,‬غرأيب الطوارأ والقوال‪,‬‬
‫يسجع كما يسجع الكهان! إل أنإهم لم يعنإوا أبدا ب "مجنإون" أو "به جنإة" الستعمال‬
‫المتأخرأ الذي أصبحت الكلمة تستعمل به!‬

‫وتدبرأ عزيزي القارأئ اليات القادمة تجد معنإاها أكثرأ استقامة على قولنإا‪:‬‬
‫شالعدر يمسجتنودن ]الصافات ‪[36 :‬‬‫"مويمتقوتلومن أمئلينا لممتالرأتكوا آللمهتلمنا لل م‬
‫ثتيم تمموليسوا معسنهت مومقاتلوا تممعلَّيعم يمسجتنوعن ]الدخان ‪[14 :‬‬
‫سالحعر أمسو ممسجتنوعن ]الذارأيات ‪[39 :‬‬ ‫فمتممويلى بلترسكنلله مومقامل م‬
‫ت مرأبدمك بلمكالهدن مومل ممسجتنودن ]الطورأ ‪"[29 :‬‬‫ت بلنلسعمم ل‬ ‫فممذدكسر فممما مأن م‬

‫سلطان الشيطان‬

‫على الرأغم من أن القائلين برأكوب الشيطان النإسان يقرأون بأن النإسان هو الخليفة‬
‫في الرأض‪ ,‬إل أنإهم ل يجدون حرأجا في أن يكون لمخلوقا طفيلي تابع سلطان‬
‫عليه‪ ,‬ول يجدون في هذا تعارأضا مع تكليفه وتشرأيفه!‬
‫والنإاظرأ في القرأآن يجد أن ل مستنإد لهم في دعواهم‪ ,‬فال العليم قد ذكرأ السلطان‬
‫الذي يمنإح لبليس –وهو كبيرأهم‪ -‬في اعترأادفا يقدمه إبليس بنإفسه في اليوم الخرأ‪,‬‬
‫وهو قوله تعالى‪:‬‬
‫" توتقاتل اللشريتطاين تللما يقصضتي اتلرميرأ إصلن الله توتعتديكرم تورعتد ارلتحسقا توتوتعدبتيكرم تفتأرختلرفيتيكرم توتما‬
‫ل تيلويموصنإي تويلويمورا تأنإيفتسيكم‬ ‫تكاتن صلتي تعتلرييكم سمن يسرلتطادن إص تلل تأن تدتعرويتيكرم تفارستتجربيترم صلي تف ت‬
‫‪] .....‬إبرأاهيم ‪"[22 :‬‬

‫‪170‬‬
‫فهو نإفسه يقول أنإه لم يكن له سلطان علينإا إل أن دعانإا فاستجبنإا له‪ ,‬وأن علينإا أن‬
‫نإلوم أنإفسنإا وليس هو‪.‬‬
‫ونإلحظ أن ال تعالى استخدم أسلوب الحصرأ القصرأ "ما ‪ ...‬إل"‪ ,‬فلم يقل‪ :‬أنإا‬
‫دعوتكم فاستجبتم‪ ,‬وإنإما قال أنإه سلطانإه كان محصورأا في دعوتنإا‪ ,‬فهل نإكذب كلم‬
‫ال ونإقول أن القصرأ ل يفيد الحصرأ‪ ,‬وأنإه كان له علينإا سلطان الدعوة وكذلك‬
‫التحكم والمرأاض!!‬

‫كما أن ال تعالى بلين أن هذا السلطان ليس على كل البشرأ‪ ,‬وإنإما على من يتبعونإه‬
‫فقط‪ ,‬فإذا أنإت أطعته كان له سلطان عليك‪:‬‬
‫س تلتك تعتلريصهرم يسرلتطارن إصلل تمصن التتبتعتك صمتن ارلتغاصويتن ]الحجرأ ‪"[42 :‬‬ ‫" إصلن صعتباصدي تلري ت‬
‫س تليه يسرلتطارن تعتلى اللصذيتن آتمينإورا توتعتلى ترأسبصهرم تيتتولكيلوتن إصلنإتما يسرلتطاينإيه تعتلى اللصذيتن‬‫" إصلنإيه تلري ت‬
‫تيتتولروتنإيه تواللصذيتن يهم صبصه يمرشصرأيكوتن ]النإحل ‪"[100-99 :‬‬
‫فليس له سلطان على المتوكلين على ال وإنإما فقط على الذين يتولونإه‪ ,‬فيجرأهم‬
‫إلى الهلك‪ ,‬ويجعلهم من أعوانإه وجنإوده‪.‬‬

‫وال تبارأك وتقدس بلين لنإا في كتابه كيفا هو هذا المس الذي يمكن أن يمسه‬
‫الشيطاين النإسان‪ ,‬وأنإه ل يزيد عن الوساوس‪ ,‬وعلرأفنإا كيفا يمكن إبطاله‪ ,‬وأن ذلك‬
‫يكون بالستعاذة‪.‬‬
‫وللعلمة الشعرأاوي ‪-‬رأحمه ال‪ -‬لطيفة في تنإاوله لليات التي تتعلقا بحقيقة‬
‫المس‪ ,‬يقول فيها‪:‬‬
‫"ويجب أن نلحظ أن ا عز وجال قد فررقا في الحديث بين رأسول ا صلَّى ا علَّيه‬
‫وسلَّم وبين أمته ‪ ..‬فعندما خاطب رأسوله علَّيه الصلة والسلم قال‪" :‬وإما ينزغنك‬
‫من الشيطان نزغ فاستعذ بال إنه هو السميع العلَّيم" ‪ ..‬ولكن عندما خاطب أمة‬
‫رأسول ا صلَّى ا علَّيه وسلَّم قال‪:‬‬
‫صترومن ]العراف ‪:‬‬ ‫طالن تممذيكتروسا فمإ لمذا تهم سمسب ل‬
‫شسي م‬
‫ف دممن ال ي‬ ‫"إلين اليلذيمن اتيمقوسا إلمذا مم ي‬
‫ستهسم م‬
‫طائل ع‬
‫‪"[201‬‬
‫إذن فعندما تكلَّم الحق عن المؤمنين ‪ ..‬انتقل إلى المس‪ ,‬ولكن من رأحمته أنه لم‬
‫ينتقل إلى مرحلَّة اللَّمس )اللتحام( ‪..‬‬
‫فالشيطان ل يلَّتحم بإنسان مؤمن ‪ ..‬وإنما يكون علَّى مسافة قريبة منه ‪ ..‬ماذا يحدث‬
‫في هذه الحالة؟ ‪ ..‬يتذكر المؤمنون قدرأة ا عز وجال علَّى الشيطان ‪ ..‬ويتذكرون أن‬
‫منهج ا يحميهم من الشيطان‪ "190.‬ا‪.‬هـ‬

‫كما أن الرأب العليم يقول‪:‬‬


‫"و تتلن تيرجتعتل البله صلرلتكاصفصرأيتن تعتلى ارليمرؤصمصنإيتن تسصبي ل‬
‫ل ]النإساء ‪"[141 :‬‬

‫‪ 190‬محمد متولي الشعراوي‪ ,‬الشيطان والنسان‪ ,‬ص‪.84.‬‬

‫‪171‬‬
‫فإذا كان الجن –الكافرأ طبعا‪ -‬يرأكب النإسان ويسيطرأ على عقله‪ ,‬فقد سيطرأ عليه‬
‫وأسقط عنإه التكليفا‪ ,‬وال ينإفي أن يكون للكافرأين على المؤمنإين سبيل‪ ,‬فهل هنإاك‬
‫سبيلر أقوى من هذا؟‬

‫فكيفا نإدعي بعد هذا كله أنإه –أو أيا من أتباعه‪ -‬يستطيعون أن يدخلوا في جسد‬
‫النإسان ويتحكموا فيه؟!‬
‫إن هذا القول مخالرفا للقرأآن أشد المخالفة‪ ,‬لذلك فل يمكن القبول به بحال‪,‬‬
‫وليست هذه هي الدلة فقط من القرأآن‪ ,‬فهنإاك أدلة أخرأى تؤكد ل عقلنإية هذا‬
‫المرأ‪ ,‬وأنإه خرأافة في خرأافة‪ ,‬وأنإه يهدم نإفسه بنإفسه‪ ,‬وسيعجب القارأئ كيفا لم‬
‫ينإتبه إلى التنإاقضات في هذه المسألة‪.‬‬

‫أسباب المس‬
‫إذا نإظرأنإا في السباب التي يذكرأونإها سببا للمس –تبعا لتصورأهم‪ -‬نإجد عجبا‪,‬‬
‫وأمورأا ل منإطقا فيها‪ ,‬فمما ذكرأه أحدهم في ذلك‪:‬‬
‫"ويمكن تلَّخيص أسباب مس الجن للنس فيما يلَّي‪:‬‬
‫‪ -1‬عشق الجني للنسية‪ ,‬أو عشق الجنية للنسي‪.‬‬
‫‪ -2‬ظلَّم النسي للَّجني‪ ,‬بصب ماء ساخن علَّيه‪ ,‬أو بالوقوع علَّيه من مكان عادل‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬ظلَّم الجني للنسي‪ ,‬كأن يمسه دون سبب‪ ,‬ول يتسنى له ذلك‪ ,‬إل في حالة‬
‫من هذه الحالت الرأبع‪:‬‬
‫‪ -2‬الخوف الشديد‬ ‫‪ -1‬الغضب الشديد‬
‫‪191‬‬
‫‪ -3‬النكباب علَّى الشهوات ‪ -4‬الغفلَّة الشديدة " ا‪.‬هـ‬

‫وبغض النظر عن أن هذه السباب ظن وتقول ما أنزل ا به من سلَّطان‪ ,‬فإنها‬


‫كلَّها أسباب ل منطقية‪ ,‬فإذا عشق النسان القرد فمن الممكن أن يعشق الجن‬
‫البشر‪ ,‬وإذا كان من الممكن أن يؤذي المادي اللمادي فمن الممكن أن يؤذي‬
‫النسان الجن!!‬
‫إن القائلَّين بالمس حاولوا أن يوجادوا أسباباا يحدث معها المس‪ ,‬حتى ل تيسألوا‬
‫لماذا ل يركب الجن كل البشر؟!‬

‫وهي أسباب عقيمة ساذجاة‪ ,‬تنبئ عن عقلَّية المصدقين بها‪ ,‬فإذا كان هناك من‬
‫يقول أن الجلَّوس بين الظل والشمس قد يؤدي إلى تلَّبس الشيطان النسان‪,‬‬
‫وهناك من يصدقا بهذا الدجال‪ ,‬فماذا ننتظر من هذه العقول!!‬
‫‪ 191‬وحيد عبد السلما بالي‪ ,‬وقايإة النسان من الجن والشيطان‪ ,‬ص‪.75-74.‬‬

‫‪172‬‬
‫إن الخوض في هذه المسائل حديث عن الظن بالظن‪ ,‬فنتركه لمن يقبلَّونه في‬
‫دينهم‪ ,‬ونقصد كتاب رأبنا اليقيني‪ ,‬نستخرج منه النافع والقطعي‪.‬‬

‫القرآن شفاء ‪ ...‬أم عذاب؟‬


‫النإاظرأ في الكتاب العزيز يجد الرأب العليم الخبيرأ يقول‪:‬‬
‫"توينإتنإسزيل صمتن ارليقررأآصن تما يهتو صشتفاء توترأرحتمرة سلرليمرؤصمصنإيتن توتل تيصزييد اللظاصلصميتن إتلل تختسارأا‬
‫]السرأاء‪, "[82 :‬‬
‫س تقرد تجاءرتيكم لمروصعتظرة سمن لرأسبيكرم توصشتفاء سلتما صفي البصيدوصرأ تويهلدى‬ ‫ويقول‪" :‬تيا أتبيتها اللنإا ي‬
‫توترأرحتمرة سلرليمرؤصمصنإيتن ] يونإس‪"[57 :‬‬
‫ويقول‪" :‬توتللما تستكتت تعن بموتسى ارلتغتضيب أتتختذ اتلرلتواتح توصفي ينإرستخصتتها يهلدى توترأرحتمرة‬
‫سلللصذيتن يهرم صلترأسبصهرم تيررأتهيبوتن ] العرأافا‪"[154 :‬‬

‫فالله تعالى يقول أن كتبه كلها هدى ورأحمة وشفاء لما في الصدورأ‪ ,‬والذي ل‬
‫يتبعها يكون من الخاسرأين‪ ,‬فكيفا يؤذي القرأآن الجن؟‬
‫إن المشعوذين والدجالين يدعون أنإهم يخرأجون الجن بالقرأآن‪ ,‬لنإهم يخافون من‬
‫أن يحرأقهم القرأآن إذا قرأأه الدجال عليهم! فإذا كان القرأآن يؤذيهم لدرأجة أنإه قد‬
‫يحرأقهم أو حتى يسبب لهم اللم الشديدة!!‪ ,‬فكيفا نإطالبهم باليمان به وبالستماع‬
‫إليه حتى يدخلوا في السلم؟! وكيفا استمع الجن المزعوم إلى القرأآن أيام الرأسول‬
‫و لم يحترأقوا؟!‬

‫نإعم‪ ,‬نإحن نإعلم أن القرأآن يقول عن نإفسه‪ ......" :‬يقرل يهتو صلللصذيتن آتمينإوا يهلدى توصشتفاء‬
‫تواللصذيتن تلا يرؤصمينإوتن صفي آتذاصنإصهرم تورقررأ تويهتو تعتلريصهرم تعلمى ‪] ...‬فصلت ‪"[44 :‬‬
‫ولكن هذا يعنإي أنإه ل يجدي معهم نإفعا‪ ,‬وأنإهم لن يستجيبوا له‪ ,‬وسيكرأهون‬
‫سماعه‪ ,‬لنإه يحرأك ضمائرأهم الميتة‪ ,‬إل أن هذا ل يعنإي أنإه يحرأقهم!!‬

‫ولنإا أن نإتساءل‪ :‬إن القرأآن يتلى في كل مكان في العالم السلمي –على القل‪,-‬‬
‫في البيوت وفي المساجد وفي الطرأقا وفي وسائل المواصلت ‪ ...‬الخ‪ ,‬أفلا يسمع‬
‫الجن الموجود داخل النإسان القرأآن؟‬
‫بداهةل هو يسمعه شاء أم أبى‪ ,‬ول يؤثرأ فيه بتاتا‪ ,‬فلماذا يؤذيه إذا كان فقط من‬
‫الشيخ الذي سيخرأجه؟ هل رأبما لقبح صوته؟!‬
‫وإذا قلنإا أنإه ل يؤذيه إل القرأآن الذي يتلوه من يظن أنإه يعالج بالقرأآن‪ ,‬فلنإا أن‬
‫نإتساءل‪ :‬لماذا ل يخرأج الجان عنإد مجيء الشيخ العبقرأي البرأكة‪ ,‬ويدعه يضرأب‬
‫المسكين حتى يكاد يهلكه‪ ,‬ثم يعود مرأة أخرأى بعد انإصرأافا الشيخ‪ ,‬فيدخل فيه؟!‬

‫‪173‬‬
‫أم أن ال –تعالى وتقدس‪ -‬أعطى الجان رأخصة لدخول النإسان مرأة واحدة فقط‪,‬‬
‫ول ييسمح له أو لغيرأه بدخوله بعد ذلك؟!!!‬

‫تأثرأا بضرأب الشيخ‪ ,‬هل نإطبقا على الشيخ حكم القتل‬


‫وإذا حدث ومات المضرأوب ل‬
‫العمد‪ ,‬أم نإطبقه على أهله أم على كليهما؟! ولست أدرأي ما الدليل على أن الجن‬
‫يتأثرأ بالضرأب المادي‪ ,‬الذي ينإزل على جسم البشرأي؟‬
‫إن البشرأي هو الذي ييضرأب‪ ,‬وإذا كان أحرد يتألم فهو فقط )جسدا ونإفسا( فما علقة‬
‫الجن بهذا‪ ,‬هل حل الجن محل نإفس )رأوح‪ ,‬تبعا للتصورأ الغيرأ صحيح( النإسان‪,‬‬
‫فأصبح هو نإفسه ورأوحه؟!‬
‫وإذا كان الجن يتأثرأ بالضرأب الذي يقع على جسد البشرأي‪ ,‬فإن هذا يعنإي أن الجن‬
‫هو الذي ييفترأض أن يموت إذا ما أصاب البشرأي ما يميته‪ ,‬لن البشرأي أصبح‬
‫كالغلفا له‪ ,‬وأصبح هو المتأثرأ!!!‬

‫وكما رأأينإا فالمسألة متنإاقضة‪ ,‬مخالفة لكتاب ال صرأيح المخالفة‪ ,‬وما يقبلت إل لبعد‬
‫النإاس عن كتاب رأبهم‪ ,‬ولعدم تدبرأه ومعرأفتهم بما فيه‪.‬‬
‫ول نود أن نظلَّم الحديث‪ ,‬فنقول أنه هو الذي ورأد فيه هذه الفرية‪ ,‬مخالفا للَّقرآن‪,‬‬
‫فالحاديث الوارأدة بهذا الشأن ضعيفة‪ ,‬والصحيحة تتلَّوى أعناقها حتى تصبح دلي ا‬
‫ل!‬
‫كما أن هناك في الحديث ما يوافق القرآن‪ ,‬ويقول بأن الشيطان ليس له سلَّطان علَّى‬
‫النسان إل الوسوسة فقط‪.‬‬

‫وفي هذا يقول الدكتورأ جامال أبو حسان‪:‬‬


‫"وثمرم أحاديث عن النبي صلَّى ا علَّيه وسلَّم يمكن أن تكون في ذات المحل من‬
‫الستنباط نذكر منها ما يلَّي‪ :‬ورأد عن ابن عباس وغيره أن بعض الصحابة شكا إلى‬
‫النبي صلَّى ا علَّيه وسلَّم ما يجدونه من عنت الشيطان في عباداتهم فقال لهم‬
‫جاوابا ورأد بعدة صورأ هي‪" :‬الحمد ل الذي رأد أمره إلى الوسوسة" و "الحمد ل‬
‫الذي رأد كيده إلى الوسوسة" و "الحمد ل الذي لم يقدرأ منكم إل علَّى الوسوسة"‬
‫و "الحمد ل الذي لم يقدرأ لكم إل علَّى الوسوسة"‪ .192‬ولم أقرأ لحد ممن اعتنى‬
‫بالحديث أنه ضعف هذا الحديث أو طعن فيه‪.‬‬

‫بل قال الشيخ شعيب الأرأناؤوط في تحقيقه علَّى المسند‪ :‬حديث صحيح علَّى شرط‬
‫الشيخين‪ .193‬بل لقد وجادت عالماا كبيرا من علَّماء الحديث يعقد بابا من أبواب كتابه‬
‫فيسميه‪" :‬باب ذكر البيان بأن ل قدرأة للَّشيطان علَّى ابن آدم إل علَّى الوسوسة‬
‫فقط"‪ .‬وذلك استنباطا من هذا الحديث‪.194‬‬

‫‪ 192‬ابن حبان‪ ،‬صحيح ابن حبان‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،67‬وأحمد بن شعيب النسائاي‪ ،‬ت)‪303‬هـ(‪ ،‬سنن النسائاي الكبرى‪ ،‬تحقيق عبد الغفار‬
‫البنداري وسيد حسن‪ ،‬نشر دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1‬سنة ‪1991‬ما‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪ .171‬وأبي داوود‪ ،‬سنن أبي داوود‪ ،‬ج ‪ 4‬ص‬
‫‪ .329‬والطبراني‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬ج ‪ 10‬ص ‪.338‬‬
‫‪ 193‬تحقيق المسند‪ ،‬ج ‪2‬ص ‪.87‬‬
‫‪ 194‬ابن حبان‪ ،‬صحيح ابن حبان‪ ،‬ج ‪1‬ص ‪.67‬‬

‫‪174‬‬
‫وهذا الحديث بألفاظه المختلَّفة هو من قبيل القصر الحقيقي بل رأيب‪ ،‬فهو يقصر‬
‫فعل الشيطان علَّى الوسوسة‪ ،‬ويحصر فعلَّه فيها وحدها‪ ".195‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فالكتاب يؤكد أنإه ل سلطان له إل أن يدعونإا‪ 196‬إلى فعل المعاصي‪ ,‬وأن‬
‫كيد الشيطان ضعيفا‪ ,‬والصحيح الثابت من قول الرأسول يقول بذلك‪ ,‬فهل لمددع أن‬
‫يدع أن له سلطان غيرأ ذلك؟!‬

‫تحضير الرأواح‪ ...‬والجان!‬


‫من البدع التي ظهرت في زماننا المعاصر ‪ -‬والتي لم يكن العرب أو المسلَّمون يعد‬
‫فيها‪ -‬بدعة تحضير الرأواح‪ ,‬فعلَّى الرغم من أنهم قبلَّوا تسخير الجان‪ ,‬إل أن الخيال‬
‫لم يشطح بهم ليقولوا أنهم يستدعون أرأواح الموتى‪ ,‬فهم يؤمنون أنها عند خالقها‪,‬‬
‫ومن ثم اكتفى بعضهم بادعاء تسخير الجان!‬
‫إل أن الغربيين‪ ,‬الذين ليس عندهم نفس التصورأ عن الله وعن الموتى‪ ,‬لم يكن‬
‫لديهم ثمة مانع من القول بالتصال بأرأواح الموتى!‬

‫ويعتبر المنجم السويدي إيمانويل سودنبورأج أول من ادعى أنه أجارى اتصالا مع‬
‫سولدسنبورأج‪،‬‬ ‫أرأواح الموتى‪ ,‬وقد جااءت "كنيسة أورأشلَّيم الجديدة"‪ ،‬التي أسسها س‬
‫بتعاليمه إلى أميركا في أواخر سنة ‪ .١٧٠٠‬وقام جاون تشابمان )جاوني آبلَّسيد(‬
‫بنشر عقيدته عبر أميركا القديمة‪.‬‬
‫إل أن البداية الحقيقية لهذا الفن! كانت في منتصف القرن التاسع عشر‪ ,‬وتحديداا في‬
‫عام ‪ ,1848‬علَّى يد أختين شابتين‪ ,‬وهما كاتي )‪ 12‬عاماا( ومارأجاريت فوكس )‪١٥‬‬
‫سنة( ‪ ,‬وذلك بعدما انتقلَّتا مع والدهما جاون فوكس وأمهما إلى منزل في قرية‬
‫هايدسفيل‪ ,‬بالقرب من نيويورأك‪ ,‬والذي كانت تتثارأ حوله إشاعات أنه مسكون‬
‫بالشباح!‬

‫وادعت الفتاتان أنهما سمعتا أصوات قرع غريبة في البيت‪ ,‬بدون ظهورأ من‬
‫يصدرأها‪ ,‬وأنهما اكتشفتا أن من يصدرأها هو رأوح ميت‪ ,‬عندما سألتاه ماذا يكون‪,‬‬
‫وعندما طرحا هذا الحتمال علَّيه‪ ,‬فأجااب بالقرع‪/‬النقر موافقا!! ثم ادعتا أنهما‬
‫اكتشفتا لشفرة تمكنهما من التصال بالرأواح!‬
‫وأدى انتشارأ خبر هذه الحادثة إلى ولدة الحركة الروحانية المعاصرة في أمريكا‬
‫‪ 195‬جمال محمود أبو حسان‪ ,‬دراسة بعنوان‪ :‬العلقة بين النسان والجان بين اليقين القرآني والموروث الجتماعي‪.‬‬

‫‪ 196‬يإحاول بعض أنصار التفسير العلمي للديإن تحديإد كيفية وسوسة الشيطان‪ ,‬وذلك من خلل المعطيات العلمية المكتشفة‪ ,‬ومما قاله‬
‫ف لهذه العملية‪:‬‬
‫بعضهم كتوصي ن‬
‫"من المعروف علم ليا أن الدماغ في النسان يإمكن أن يإتأثر بالموجات الكهرومغناطيسية‪ ،‬وبما أن الجن مخلوق من نار‪ ,‬وهو الرأي‬
‫الثابت لهل الديإانات السماويإة والنار هي عبارة عن طاقة موجية‪ ،‬وبالتالي فإن الموجات عمولما لها تأثير على عقول البشر‪ ,‬وبالتالي‬
‫يإمكن تفسير الوسوسة الشيطانية بتأثير موجي على العقل" ا‪.‬هـ‬
‫إل أن هذا القول يإحتاج إلى تعديإل‪ ,‬فوسوسة الجن وتأثيره ل يإقعان على الدماغ‪ ,‬وإنما على "النفس" والتي هي النا‪ ,‬التي تتخذ القرار‬
‫وتبلغه الدماغ‪ ,‬التي تقوما بتسليمه لباقي أعضاء الجسد!‬

‫‪175‬‬
‫وأورأوبا والعالم كلَّه‪ ,‬بل وتألفت كتب عنها‪ ,‬وصارأت علَّما ا تيدرأس في بعض‬
‫الجامعات! وكذلك تأنشأت العديد من الجمعيات لتحضير الرأواح‪ ,‬بغرض معرفة‬
‫حالها في عالم الرأواح‪ ,‬أو كشف بعض الحوادث التي وقعت في الماضي!‬

‫وكما رأأينا فلَّقد نشأ هذا "العلَّم"!! علَّى يد طفلَّتين! ومن ثم يحق لكل مصدقا به أن‬
‫يشكر لهاتين الطفلَّتين عظيم صنيعهما‪ ,‬والذي عررف الناس بهذا الفن العظيم!‬
‫إل أنه سيعكر علَّيه أن الخت الكبرى مارأجاريت فوكس‪ ،‬قد اعترفت بعد مضي‬
‫أرأبعين سنة من هذا الدعاء‪ ,‬أن كل ما حصل كان احتيالا! وبرينت كيف استطاعت‬
‫هي وأختها إحداث أصوات القرع بفرقعة مفاصل رأكبهما وأصابع أرأجالَّهما!‬
‫وعلَّى الرغم من إقرارأ إحدى مؤسستيه بالحتيال‪ ,‬فإن "العلَّم" لم ينهارأ‪ ,‬وذلك لن‬
‫الفكرة كانت قد استهوت الكثيرين‪ ,‬فإذا كانتا هاتان محتالتين‪ ,‬فلَّيس الخرين كذلك‪,‬‬
‫والمطروح المقدم هو بحوث سلَّيمة!!‬

‫ووصل المر إلى بلدنا العربية‪ ,‬ووجادنا من يتقبلَّه ويدعو إليه‪ ,‬علَّى الرغم من إن‬
‫تحضير الرأواح أمر ل يمكن حدوثه من المنظورأ السلمي‪ ,‬بل والمسيحي‪ ,‬ولن‬
‫نعرض أقوال المسلَّمين في استحالة حدوث هذا المر‪ ,‬وإنما نترك البابا شنوده ليرد‬
‫هو هذه المرة علَّى من يقول بتحضير الرأواح‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫"منذ القديم والناس يحاولون أن يتصلَّوا بأرأواح الذين ماتوا من قبل‪ .‬وقد نهى‬
‫الرب عن هذا المر‪ ,‬في أول شريعة مكتوبة‪ .‬وذلك في سفر التثنية لموسى النبي‪.‬‬
‫واعتبر التصال بأرأواح الموتى رأجاساا من أرأجااس المم الوثنيين‪ ,‬وضمه إلى‬
‫العرافة والسحر وعمل الجن )أي الرأواح الشريرة( )‪(........‬‬
‫وللسف انتشر تحضير الرأواح في أيامنا‪ ,‬واعتبروه علَّماا! وصارأ له أساتذة‬
‫يدرأسونه في أقسام متخصصة في الجامعات‪ .‬واحتشم بعض رأجاال الدين أمامه‪,‬‬
‫وقالوا‪" :‬نحن ككنيسة ل نقف في سبيل العلَّم"‬
‫عجعب هذا المر! ا تبارأك اسمه‪ ,‬يقول عنه في الكتاب المقدس إنه رأجاس‪ ,‬ونحن‬
‫نوافق علَّى أنه علَّم‪ ,‬وله كرامته التي ل تمس!! )‪(......‬‬

‫ومن جاهة تحضير الرأواح‪ ,‬نسأل‪ :‬أي رأوح يحضرونها؟ هل هي رأوح بارأة أم‬
‫شريرة؟ والمعروف أن الرأواح البارأة تذهب إلى مكان انتظارأها في الفردوس‪ ,‬بينما‬
‫الرأواح الشريرة تذهب إلى مكان انتظارأها في الجحيم‪(......) ,‬‬
‫فمن الذي يستطيع أن يحضر رأوح رأسول أو نبي وينزله من الفردوس؟! بأي‬
‫سلَّطان يفعل هذا؟! وبأرية قوة؟! )‪(.....‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ,‬من يستطيع أن تيخرج واحداا من ساكني الجحيم‪ ,‬ويرجاعه إلى‬
‫العالم‪ ,‬ليلَّتقي ببعض أقارأبه أو أحبائه علَّى الرأض‪(.....) .‬‬
‫وهل نزول الرأواح إلى الرأض يكون بمشيئة ا؟ أي هل يوافق ا علَّى ما يفعلَّه‬
‫"علَّماء الرأواح" ويترك باب السماء مفتوحا ا تينزلون منه ممن يشاءون‪ ,‬وباب‬

‫‪176‬‬
‫الجحيم مفتوحا ا تيخرجاون منه من يشاءون؟! أليست الرأواح كلَّها في يد ا‪ ,‬وتحت‬
‫سلَّطانه؟ إذن ما سلَّطان "علَّماء الرأواح" علَّى الرأواح؟!‪ "197‬ا‪.‬هـ‬

‫ولقد أجااد البابا شنودة في إبطال دعاوى القائلَّين بتحضير الرأواح‪ ,‬وعلَّى الرغم‬
‫من ذلك‪ ,‬وجادنا بعضاا من عبيد الغرب‪ ,‬الذين يتصيدون كل ساقطة ولقطة‪ ,‬أخذوا‬
‫هذه الترهات وأعادوا نشرها في بلدنا السلمية‪ ,‬مع تقديم بعض المبررأات‪ ,‬التي‬
‫تقول أن المر يمكن وقوعه‪ ,‬وليس مستحيل! فوجادنا من يدعي أنه يمكن التصال‬
‫بالروح عن طريق الوسيط‪ ,‬وذلك بأن تحتل الروح جسد أحد الوسطاء بعد دخوله‬
‫في غيبوبة وتتكلم الروح بلسان هذا الوسيط وتجيب عن كل ما يوجه لها من‬
‫أسئلة!!‬

‫ولست أدري ما هي مقدرة ذلك البشري‪ ً,‬الذي يحضر الروح من عنإد بارئها‪ ً,‬من‬
‫عالم آخر‪ ً,‬له قوانإين لم يعلمنإا ا بها‪!!198‬‬
‫إن الطرق التي يدعون أنإهم يستحضرون الرواح بها ل تزيد عن كونإها لعب‬
‫أطفال –ربما لن مخترعيها أمريكيون!‪ -‬ويستحيل أن تكون حقا ا وسائل لمخاطبة‬
‫واستحضار أرواح من عنإد مالكها!‬
‫فمن تلك الطرق طريقة السلة‪ ً,‬والتي تعتمد على أن يمسك اثنإان سلة بأطراف‬
‫أصابعهما‪ ً,‬ويثبا قلماا في مقدم السلة‪ ً,‬وتكون هنإاك ورقة معلقة على الحائط‪ً,‬‬
‫والمفترض أن تتحرك السلة لتكتب بالقلم المثبت على الورقة المعلقة!‬

‫ومن تلك الطرق –والتي اشتهرت في اليام الخيرة‪ ً,‬بسبب تنإاولها سينإمائياا‪-‬‬
‫طريقة بلنإشيت‪ ً,‬وهو لوح عجيب الشكل‪ ,‬محفورأة علَّيه حروف وأرأقام‪ ,‬وكلَّمتا‬
‫)نعم( و )ل( وثمة مؤشر علَّى هذا اللَّوح‪ ,‬علَّى شكل قلَّب يتحرك بطريقة معينة‪,‬‬
‫ويفترض أرن حركة هذا المؤشر‪ ,‬هي استجابة الروح للَّمتصل‪.‬‬
‫ثم قام أحد مخترعي هذه اللَّعبة بتطويرها‪ ,‬وأسماها اسما ا جاديدا‪ ,‬وهو‪ :‬الويجا!‬
‫وادعى أنها كلَّمة فرعونية تعني الحظ السعيد!!‬

‫والعجب كل العجب فيمن يصدق أن ألعاب الطفال هذه قد تجلب شيئا ا غير الربح‬
‫الوفير لمخترعيها من أموال آلف الحمقى الذين يشترونإها!‬
‫وإذا افترضنإا –حمقا ا وليس جدال‪ -‬أن روحا ا ما تحضر‪ ً,‬لتلهو وتلعب! فلنإا أن‬
‫نإتساءل‪ :‬أين تذهب روح الوسيط‪ ً,‬عنإد مجيء الروح الخرى؟! أم أنإه يصبح‬
‫إنإسانإا ا بروحين‪ !!199‬ولست أدري ما الذي يدفع الروح للنإصراف مرة أخرى بعد‬
‫حلولها في هذا الشخص‪ ً,‬فها هي قد حلت في جسد‪ ً,‬ويمكنإها أن تبدأ حياة جديدة‪ً,‬‬

‫‪ 197‬البابا شنودة الثالث‪ ,‬الرواحا بين الديإن وعلماء الروحا‪ ,‬ص‪.84-81.‬‬


‫‪ 198‬من يإصدق بهذه الدعاءات هو إنسان تملكت الخرافة من عقله‪ ,‬ول يإعرف قليلل أو كثيرا عن ديإنه! فإذا كان هناك من يإظن أن النفس‬
‫التي يإتوفاها ا عند نوما النسان تحل في جسد أحد الحيوانات الضالة‪ ,‬ومن ثم ل يإجرؤ كثيرون على ضرب القطط أو الكلب بالليل‪,‬‬
‫حا من الرواحا! فل إشكال عنده من تحضير الرواحا!‬ ‫لظنهم أنها قد تكون متلبسة برو ن‬
‫‪ 199‬قولنا هذا مجاراة لهم في قولهم أن الروحا هي ما صتقبض عند الموت! أما نحن فنرى أن النفس هي ما صتتوفى عند الموت‪ ,‬وتكون عند‬
‫ا القديإر‪ ,‬وصترد إلى الجساد مرة أخرى في يإوما البعث!‬

‫‪177‬‬
‫أم أن لهذا الوسيط القدرة على صرفها؟! –لحظ أنإه وسيط وليس حاكماا‪!!-‬‬

‫ووجدنإا من يقول أنإه يمكن أن تظهر الروح بدون وسيط‪ ً,‬وإنإما عن طريق التجسد‪ً,‬‬
‫والذي يعنإي أن تظهر الروح مجسدة في صورة مطابقة لصورة صاحبها في الدنإيا‪،‬‬
‫ومن ثم فيمكنإها أن تتحدث‪ ،‬كما يمكن التقاط صور لها بواسطة الشعة تحت‬
‫الحمراء!!‬
‫وكما هو متوقع سأظهرت العديد من الصور‪ ً,‬التي يقال أنإها صور لرواح متجسدة‪ً,‬‬
‫لثبات هذه العملية!! ولكن لم تكن هذه الصور أكثر من لقطات سمخأتلقة!‬

‫ويكفي لثبات دجل هذه العمليات‪ ً,‬أنإه لم يتمكن أي أحقد حتى الن من ثبات صحة‬
‫اتصاله بالرواح‪ ً,‬كما لم ستقدم أي إثباتات جادة على ظهور شبح حقيقي أو إجراء‬
‫حواقر معه! ولقد أعلنإت مجلة "ساينإتفيك أميريكان" –وهي مجلة علمية لها‬
‫وزنإها‪ -‬عن جائزة مالية ضخمة لمن يؤكد صدق هذه الدعاءات! ولكنإها ل تزال‬
‫تنإتظر‪ ً,‬ولم يحدث أن فاز أحد بالجائزة‪ ...ً,‬ولن يحدث!‬
‫إن القول بإمكانإية تحضير الرواح ل يعنإي سوى أن هذه الرواح حرة طليقة في‬
‫عالم آخر‪ ً,‬ترى وتدرك ما يجري حولها‪ ً,‬وكل ما ينإقصها هو الوسيلة للتصال مع‬
‫البشر! وهو ما يوفره الوسيط! وهذا الدعاء يرفضه الدين تماماا!‬
‫لهذا وجدنإا أن السلميين يرفضون تماما ا القول بتحضير الرواح‪ ً,‬لما فيها من‬
‫مخالفة لعقيدة‪ 200‬السلم‪ ً,‬ولما فيها من دعوة إلى عقائد لديان ومذاهب أخرى!‬
‫وبما أن هذا الدجل قد تم اختلقه في الغرب‪ ً,‬فل بد أن يحمل أفكاراا‪ ً,‬يسعى‬
‫أصاحبها لنإشرها من خلل هذا "العلم"!! وكعادة النإاقلين الذين ينإقلون بدون‬
‫تبصر‪ ً,‬وجدنإا أن المؤمنإين –أو المنإتفعين‪ -‬بهذا المر‪ ً,‬يعملون على نإشر هذه‬
‫الفكار‪ ً,‬ظنإ اا منإهم أن هذه الفكار هي من صلب العلم‪ ً,‬وأنإه ل يمكن فصل هذا عن‬
‫ذاك‪ ً,‬فقاموا بتقديم السم في القرف!‬
‫وانإتبه السلميون إلى هذه الفكار الدخيلة التي يعمل الخرون –عمداا أو بسذاجة‪-‬‬
‫على نإشرها‪ ً,‬فأخذوا يحذرون من أن هذا الفن هو وليعد للصهيونإية‪ ً,‬تسعى لنإشر‬
‫أفكارها من خلله‪ ً,‬وفي هذا يقول محمد حسين‪:‬‬
‫"ومن أقوى الدلة علَّى صلَّة الروحية بالصهيونية العالمية الهدامة‪ ,‬المطابقة‬
‫الكاملَّة بين مزاعم الروحيين وبين عقائد اليهود في تصورأ الثواب والعقاب خاصة‪.‬‬
‫فكلهما يعتقد أنهما سيكونان في آخر الزمان علَّى الرأض‪ .‬وبمثل ما يبشر )شهود‬
‫يهوفا( بقرب السلم الدائم والنعيم الخالد‪ ,‬حين تحكم إسرائيل وتنتصر علَّى أعدائها‪,‬‬
‫يزعم الروحيون أن التواصل سوف يزداد حتى يتم ويصبح عاما ا بين الحياء‬
‫والموات‪ .‬وعن طريقه سوف يتحقق )السلم والطمأنينة الروحية‪ ,‬وسعادة القلَّب‬

‫‪ 200‬استعمال كلمة"عقيدة" في مجال اليإمانيات استعمال غير صحيح‪ ,‬ولقد عرضنا لها في كتابنا‪ :‬عقائاد السلميين! وبمينا تهافتها‪ ,‬إل أنها‬
‫وبكل أسى الكلمة التي يإفهم القارئ منها ما نريإد!‬

‫‪178‬‬
‫والنفس( بعد أن تتحطم )الحواجاز بين الشعوب وبين العقائد والديان‪ ,‬ويقذف بعيدا‬
‫بالجهل ليحل الحق محلَّه(‪ "201‬ا‪.‬هـ‬
‫والحق يقال أنه يمكن اعتبارأ الروحانية دين جاديد يبشر بمبادئ جاديدة‪ ,‬وعلَّى‬
‫النسان اليمان بها‪ ,‬بغض النظر عن توافقها مع دينه أم عدمه‪ ,‬فالروحانية هي‬
‫دين المستقبل! ويصدقا المتبعون ويرون أن إيمانهم بهذه الفكارأ ل يتعارأض مع‬
‫إيمانهم بدينهم –الذي ينتسبون إليه فقط ول يعرفونه‪-‬‬

‫وعلَّى الرغم من أن السلميين رأفضوا فن تحضير الرأواح واعتبروه مخالفا ا للَّدين‪,‬‬


‫إل إنهم لم يجزموا بأن ما يحدث في هذه الحلَّقات هو ضرب من ضروب الدجال‬
‫والخداع‪ ,‬ووجادنا بعضهم ‪-‬من الذين لم يجدوا تبريراا لبعض النقاط‪ ,‬مثل كيف يخبر‬
‫الوسيط عن بعض المعلَّومات الشخصية عن إنسان تيفترض أنه ل يعرف عنه شيئاا‪-‬‬
‫ل ل يقل خرافة عن هذه الفرية‪ ,‬فقالوا أن الذي يحضر في هذه الجلَّسات‬‫يقردم تعلَّي ا‬
‫هو جان‪ ,‬والذي هو قرين النسان والذي يعلَّم عنه كل كبيرة وصغيرة! فيحل في‬
‫الوسيط‪ ,‬من أجال فتنة وخداع الجالسين والستهزاء بهم!‬
‫وفي هذا يقول مجدي الشهاوي‪:‬‬
‫"أوضحت –بعون ا‪ -‬أن ما يسمى تحضير الرأواح إل استعانة بالجن والشياطين‪,‬‬
‫وأن الروح التي تحضر وتحل في جاسم وسيط أو سلَّة –أو حتى قترفة أو جاردل!!‪ -‬ما‬
‫هي إل شياطين من الجن‪ "202‬ا‪.‬هـ‬

‫فإذا نظر المرء في الموطن الذي أوضح فيه ذلك‪ ,‬وجاد أنه قد ذكر بعض الروايات‬
‫التي تتحدث عن تشكل الجن في شكل بشر! وبالتأكيد فإن حلَّول جان في إنسان‬
‫يختلَّف عن تشكلَّه علَّى هيئة إنسان! –وقد أبطلَّنا الصنفين‪-‬‬
‫وكما رأأينا‪ ,‬فلَّكي يبطلَّوا خرافة استعانوا بخرافة أخرى وهي الستعانة بالجن‬
‫وتسخيرهم‪ ,‬ليحققوا لهم ما يحلَّوا لهم‪ ,‬فيأتون ويتكلَّمون كما يريد المشعوذ!‬

‫وتجدهم يتخذون تسخير الجن لسلَّيمان دليلا علَّى إمكانية تسخيره لغيره‪ ,‬ويقولون‬
‫أن تستخيرهم لسلَّيمان‪ ,‬لم يكن بشعوذة وإنما بأمر ا‪ ,‬أما هؤلء فيسخرونهم‬
‫بشعوذات وما شابه!‬
‫إل أنه يشغب علَّى قولهم أن دعاء سيدنا سلَّيمان كان أن يؤتى ملَّكا ا ل ينبغي لحد‬
‫من بعده‪ ,‬فلَّماذا أعطى لهؤلء المشعوذين ما أعطى لسلَّيمان؟! كما أن ا سخرهم‬
‫لعلَّة وهي بناء اختراعات سيدنا سلَّيمان العظيمة النافعة‪ ,‬فلَّماذا يسخرهم لهؤلء؟!‬

‫والعجب كل العجب أنهم يتجاوزون هذه النقطة الفاصلَّة كأنها غير موجاودة‪ ,‬ثم‬
‫يبدءون في التعريف بكيفية تسخير الجن‪ ,‬وكيف أن هذا من الشرك! وأنه لزاعم أن‬
‫يكفر النسان حتى تيسخر الجن له‪ ,‬ومما قالوا بهذا الشأن‪:‬‬
‫‪ 201‬محمد محمد حسين‪ ,‬الروحية الحديإثة دعوة هدامة‪ ,‬ص‪.72-71.‬‬
‫‪ 202‬مجدي محمد الشهاوي‪ ,‬تحضير الرواحا وتسخير الجان بين الحقيقة والخرافة‪ ,‬ص‪.92.‬‬

‫‪179‬‬
‫" الجن ل يساعد النسان –أي إنسان‪ -‬ول يخضع له إل إذا كان كل منهما علَّى‬
‫عقيدة واحدة ودين واحد‪ .‬فإذا كان الجني كافراا فإنه –ول بد‪ -‬أن يكون الساحر‬
‫كافراا مثلَّه تماماا‪ ,‬وكذا الحال لو كان الجني يهوديا ا أو نصرانياا‪.‬‬
‫‪ -1‬بيان أن الكفر أو الشرك شرط أساسي بين الساحر والجني )‪(.........‬‬
‫ولهذا كثير من هذه المورأ يكتبون فيها كلم ا بالنجاسة –قد يكتبون حروف كلم‬
‫ا عز وجال‪ ,‬إما حروف الفاتحة‪ ,‬وإما حروف "قل هو ا أحد" وإما غيرهما‪-‬‬
‫بنجاسة إما دم وإما غيره‪ ,‬وإما بغير نجاسة‪ ,‬أو يكتبون غير ذلك مما يرضاه‬
‫الشيطان‪ ,‬أو يتكلَّمون بذلك‪ ,‬فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم علَّى‬
‫‪203‬‬
‫بعض أغراضهم‪ ".‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينا فهذا كلعم مرسل‪ ,‬سواء ما قاله المؤلف أو ما نقلَّه عن ابن تيمية‪ ,‬فل‬
‫دليل علَّيه‪ ,‬ورأبما كان السحرة يفعلَّون هذا‪ ,‬فنحن ل نجادل في هذه النقطة‪ ,‬وإنما‬
‫نتساءل‪ :‬هل هذا الجنون يثمر شيئاا في نهاية المطاف؟!‬
‫ق للَّظن‪ ,‬بأن إهانة المقدسات هو أسوء ما يستطيع‬ ‫إن هذا الجنون ما هو إل تطبي ع‬
‫النسان فعلَّه‪ ,‬وهذا تيرضي الشيطامن كثيرا! وأكيد أن هذه الفعال تترضى الشيطان‬
‫كثيراا بالحمق الذي يرتكبه النسان‪ ,‬ولكن هل يكفي هذا ليجعل نفسه خادما ا له‪ ,‬وهل‬
‫يستطيع أصلا أن يتدخل في دنيانا!‬
‫ولست أدرأي لماذا نفترض أن يكون الذي يقبل أن يفعل هذه الطوام صادقا‪ ,‬فنصدقا‬
‫دعواه بأنه نجح في تسخير الجان!!‬

‫القريـن‬
‫من القناعات الخرافية التي انتشرت في زماننا هذا –مع انتشارأ ثقافة الدجال!‪-‬‬
‫خرافة "القرين"‪ ,‬والتي تتعد نموذجاا ا مثاليا لتحريف كلم ا‪ ,‬فتيفهم وتيؤول بأقوال‬
‫ما أنزال ا بها من سلَّطان! فما هو القرين؟‬
‫قيل أن القرين هو جاان يولد مع ولدة النسان ويحيى معه ويموت بموته! –أو ل‬
‫سمي‬‫يموت وينتقل إلى غيره‪ -‬وهذا الشيطان ملزم للنسان طيلَّة حياته‪ ,‬ولهذا ت‬
‫قرينا‪ ,‬وهو يأمره دوما بالمعصية وينهاه عن فعل الخير!‬

‫وهناك من يقول أن القرين يتلَّبس النسان‪ ,‬وقد يظهر في الماكن التي كان النسان‬
‫يتواجاد فيها قبل موته! ونعجب ونتساءل‪ :‬من أين أتوا بهذه التصورأات‪ ,‬وما هي‬
‫علقتها بالقرآن؟‬
‫إن الناظر في القرآن يجد أن ل مستند لهم فيه كلَّياة‪ ,‬فلَّقد ورأدت كلَّمة "قرين" في‬
‫ستة مواضع في القرآن بصيغة المفرد‪ ,‬ومرة واحدة بصيغة الجمع "قرناء"‪ ,‬وكلَّها‬
‫‪ 203‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.99-98.‬‬

‫‪180‬‬
‫تتكلَّم عن القرين بمعنى الصاحب المماثل‪ .‬واستعمل "القرين" مع النسان والجان‪,‬‬
‫فلَّكدل منا قرناء من البشر ومن غير البشر‪.‬‬

‫واستعمالها مع الشيطان تعني أن النسان عندما يعرض عن منهج الرحمن يصبح‬


‫شيطاناا هو الخر‪ ,‬فلَّقد أصبح من أولياء الشيطان‪ ,‬وعندما يتولى الشيطان يصبح‬
‫فريسة سهلَّة له‪ ,‬فالشيطان ليس له سلَّطان علَّى الذين آمنوا وعلَّى رأبهم يتوكلَّون‪,‬‬
‫وإنما سلَّطانه علَّى الذين يتولونه والذين هم به مشركون‪.‬‬

‫فإذا نظرنا في اليات التي تحدثت عن القرين‪ ,‬وجادنا أول آية تقول‪:‬‬
‫"مواليلذيمن تينفلتقومن أمسمموالمتهسم لرأمئـاء الينا ل‬
‫س مولم يتسؤلمتنومن لبارلل مولم لباسليمسولم اللخلر موممن يمتكلن‬
‫ساء قللرينا ا ]النساء ‪"[38 :‬‬ ‫طاتن لمهت قملرينا ا فم م‬
‫شسي م‬
‫ال ي‬
‫فهنا حديعث عن أن الذين ينفقون أموالهم رأئاء ول يؤمنون أصبح الشيطان قرينا ا‬
‫لهم‪ ,‬وبئس القرين‪ .‬وليس في هذه الية أي إشارأة إلى أن الشيطان قرين لهم طيلَّة‬
‫أعمارأهم‪ ,‬بل يمكن القول أن الشيطان أصبح قرينا ا لهم بسبب أفعالهم‪.‬‬

‫فإذا انتقلَّنا للَّموضع الثاني وجادناه يقول‪:‬‬


‫صددلقيمن أمئلمذا لمستمنا موتكينا تتمرابا ا‬
‫"مقامل مقائلعل دمسنتهسم إلدني مكامن للي قملريعن يمتقوتل أمئلنيمك لملمسن اسلتم م‬
‫ظاما ا أمئلينا لممملديتنومن ]الصافات ‪"[53-51 :‬‬ ‫مولع م‬
‫فهنا الحديث عن قرين من البشر كان يخاطب قرينه‪ ,‬ويشككه في اليوم الخر‪ ,‬ثم‬
‫أصبح مآل المؤمن الجنة والخر في سواء الجحيم‪.‬‬

‫فإذا انتقلَّنا إلى الموضع الثالث والرابع‪ ,‬والوارأدان في سورأة الزخرف‪ ,‬وجادنا الرب‬
‫طانا ا فمتهمو لمهت قملريعن موإلنيتهسم‬
‫شسي م‬
‫ض لمهت م‬ ‫ش معن لذسكلر اليرسحمملن نتقميد س‬ ‫العلَّيم يقول‪" :‬موممن يمسع ت‬
‫ت بمسيلني‬‫ستبومن أمنيتهم سمسهتمتدومن محيتى إلمذا مجااءمنا مقامل ميا لمسي م‬ ‫صسدونمتهسم معلن ال ي‬
‫سلبيلل مويمسح م‬ ‫لميم ت‬
‫س اسلقملريتن ]الزخرف ‪"[38 :‬‬ ‫شلرقمسيلن فمبلسئ م‬
‫موبمسينممك بتسعمد اسلمم س‬
‫فكما رأأينا فالشيطان لم يكن ملزما للنسان‪ ,‬أما بعد أن عشى ذلك الحمق عن ذكر‬
‫الرحمن‪ ,‬فقد فتح الباب أمام الشيطان‪ ,‬وهدم بنفسه أقوى حصونه الدفاعية‪ ,‬فتملَّك‬
‫الشيطان منه‪ .‬وتأثير الشيطان ل يزيد عن الصد عن سبيل ا‪ ,‬فلَّيس هناك تأثير‬
‫آخر‪ ,‬وفي اليوم الخر يتبرأ من قرينه لنه أضلَّه!‬

‫فإذا انتقلَّنا إلى الموطنين الخيرين وجادنا الرب العلَّيم يقول‪:‬‬


‫شسفمنا معسنمك‬‫ت لفي مغسفلَّمدة لمسن مهمذا فممك م‬ ‫شلهيعد )‪ (٢١‬لمقمسد تكسن م‬ ‫ق مو م‬ ‫سائل ع‬‫س مممعمها م‬‫"مومجاامءست تكسل نمسف د‬
‫ي معلتيعد )‪ (٢٣‬أمسلقلميا لفي‬ ‫صترمك اسليمسومم محلديعد )‪ (٢٢‬مومقامل قملرينتهت مهمذا مما لممد ي‬ ‫طامءمك فمبم م‬ ‫لغ م‬
‫ال إللماها آممخمر‬‫ب )‪ (٢٥‬اليلذي مجامعمل مممع ي‬ ‫مجامهنيمم تكيل مكيفادرأ معلنيدد )‪ (٢٤‬ممينا د‬
‫ع للسلَّمخسيلر تمسعتمدد تملري د‬
‫ضملدل بملعيدد‬ ‫شلديلد )‪ (٢٦‬مقامل قملرينتهت مرأبيمنا مما أمسطمغسيتتهت مولملكسن مكامن لفي م‬ ‫فمأ مسلقلمياهت لفي اسلمعمذا ل‬
‫ب ال ي‬
‫ت إللمسيتكسم لباسلمولعيلد )‪"(٢٨‬‬ ‫ي موقمسد قميدسم ت‬ ‫)‪ (٢٧‬مقامل مل تمسختم ل‬
‫صتموا لممد ي‬

‫‪181‬‬
‫فالقرين هنا هو الشيطان المصاحب للنسان‪ ,‬والذي لم يزد فعلَّه عن أنه وجاد‬
‫النسان في ضلل بعيد فزاده ضلل! فهذا هو فعل الشياطين!‬

‫فإذا انتقلَّنا إلى الية الواحدة التي جااء فيه القرين بصيغة الجمع‪ ,‬وجادنا الرب يقول‪:‬‬
‫ق معلَّمسيلهتم اسلقمسوتل لفي أتممدم‬
‫ضمنا لمتهسم قتمرمناء فممزييتنوا لمتهم يما بمسيمن أمسيلديلهسم مومما مخسلَّفمتهسم مومح ي‬
‫"موقميي س‬
‫سلريمن ]فصلَّت ‪"[25 :‬‬ ‫س إلنيتهسم مكاتنوا مخا ل‬‫قمسد مخلَّمست لمن قمسبلَّللهم دممن اسللجدن موا س للن ل‬
‫وفعل القرناء هنا لم يزد عن فعل القرين‪ ,‬وهو تزيين الضللة التي علَّيها النسان!‬
‫وهو متوافق مع ما قاله القرآن عن الشياطين‪ ,‬أنها تضل الناس وتستهويهم‪ ,‬فمن‬
‫أين أتوا بهذه التصورأات؟!‬

‫يفهم الناس الكتاب تبعاا لهواءهم وخيالتهم ثم يقولون هذا من عند ا! ثم يوصم‬
‫كتاب ا بالخرافة!‬

‫‪182‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫السحـــــرأ والجان‬

‫بعد أن بلينإا أن الشيطان ليس له سلطان على النإسان‪ ,‬إل أن يدعوه إلى فعل‬
‫المعاصي والذنإوب‪ ,‬نإنإتقل لنإنإاقش مسألة أخرأى متعلقة بالجن! وهي السحرأ‪ ,‬تلك‬
‫الكلمة البرأاقة الرأنإانإة‪ ,‬التي لها تصورأ مبهم عنإد البشرأ‪ ,‬فلكلد تصورأه عن‬
‫هذه الكلمة‪ ,‬التي لها وقع عجيب في نإفوس البشرأ‪ ,‬يتأرأجح بين الخوفا‬
‫والرأهبة والغموض والجمال ‪ ...‬فلها وقع السحرأ!!‬

‫تلك الكلمة التي نإسمي بها كل ما يأتي مخالفا لمألوفنإا ول نإجد له‬
‫تفسيرأا‪ ,‬فنإسميه سحرأا‪ !204‬نإعرأض للسحرأ لنإنإا نإجد كثيرأا من العوام يؤمنإون بأن‬
‫الساحرأ يستطيع أن يأتي بالعجائب‪ ,‬وإذا يسئل عن الكيفية‪ ,‬علل ذلك بأن له اتصال‬
‫بكائنإات فوقا بشرأية‪ ,‬فهو يستطيع مثل أن ييسخرأ الجن‪ ,‬فإذا كانإت الجن قد يسخرأت‬
‫لسليمان عليه السلم‪ ,‬فما المانإع أن يتسخرأ لغيرأه‪ ,‬أو أن يفعل الساحرأ لهم ما‬
‫يرأيدون ليخدموه؟!‬

‫ومن النإقاط التي يطعن بها غيرأ المؤمنإين في الديان عامة قولهم بأنإه خرأافة‬
‫صرأيحة‪ ,‬نإشأت مرأتبطة بالسحرأ‪ ,‬والذي كان رأكنإا رأكينإا من الدين‪ ,‬وكان من‬
‫اختصاص رأجال الدين‪ ,‬يستمدون به سلطانإهم على التباع‪ ,‬حتى أنإنإا ل نإجد فارأقا‬
‫بين الساحرأ والكاهن في أديان القبائل البدائية‪ .‬ثم حدث بعد ذلك التمايز بين الدين‬
‫والسحرأ‪ ,‬وإن ظل الدين يعترأفا بالسحرأ أو يقفا منإه موقفا محايدا‪ ,‬لتحاد الصول‬
‫والمنإشأ!‬

‫وعلى الرأغم من أن جل المسلمين يرأفضون هذا التصورأ‪ ,‬إل أنإنإا نإجد أن أكثرأهم‬
‫يصدقون بحقيقدة للسحرأ‪ ,‬وأنإه قادرأ على التأثيرأ في النإسان نإفسيا وجسديا‪ ,‬بل‬
‫وتغييرأ طبائع الشياء‪ ,‬فيحول الشيء إلى آخرأ!‬
‫ومما يثيرأ السى أن أكثرأ المصدقين بالسحرأ من المسلمين يتكئون على الدين في‬
‫‪ 204‬هناك من يإقول أن البدايإة الفعلية للسحر كانت على يإد ساحر فارسي‪ ,‬كان صيإدعى )زوروستر( والذي كان يإعيش قبل المسيح بحوالي‬
‫خمسة آلف عاما‪ .‬ويإقال أنه هو من وضع أسس السحر وطرقه‪ .‬وأنا أتساءل‪ :‬هل زوروستر هذا هو شخص آخر غير النبي زوروستر‬
‫–والمعروف بزرادشت‪ -‬أما أنه مجرد تشابه أسماء؟!‬

‫‪183‬‬
‫مقولتهم هذه‪ ,‬فيقولون أن ال تعالى ذكرأ السحرأ في كتابه‪ ,‬كما أن الرأسول الكرأيم‬
‫نإفسه قد يسحرأ‪ ,‬فهذا برأهان أكيرد على أن السحرأ حقيقة وليس مجرأد خداع‪ ,‬ومن‬
‫ثم فعلى النإسان اتخاذ ما يلزم ليتجنإب أذى السحرأة وضرأهم!‬

‫لذا نإتوقفا مع هذه المقولة‪ ,‬لنإبين أنإه ل مستنإد لهم في القرأآن في دعواهم‪ ,‬وأن‬
‫القرأآن لم يقفا موقفا محايدا من السحرأ‪ ,‬وإنإما علرأفا النإاس به وأبطله‪ ,‬ونإبلين‬
‫كيفا أن الجن ليس له أي دوررأ في هذه الخدعة الكبرأى‪.‬‬

‫تعرأيفا السحرأ‬
‫لما كانإت معظم مشاكل العالم بسبب عدم تحديد المفاهيم‪ ,‬نإبدأ كعادتنإا بتحديد‬
‫المدلولت حتى ل تؤدي إلى الختلط والضطرأاب ونإبدأ بتعرأيفا السحرأ في اللغة‪,‬‬
‫فنإقول‪ :‬السحرأ كما جاء في معجم مقاييس اللغة‪:‬‬
‫"سحرأ‪ :‬السين والحاء والرأاء أصورل ثلثة متباينإة؛ أحدها عرضرو من العضاء‪،‬‬
‫والخرأ تخردرع وصشبهيه‪ ،‬والثالث وقرت من الوقات‪.‬‬
‫فاليعرضو اللسرحرأ‪ ،‬وهو ما تلصصتقا باليحلقوم والتمصرأيء من أعلى البطن‪ .‬ويقال بل هي‬
‫السرأئة‪ .‬ويقال منإه للجبان‪ :‬انإتتفتخ تسرحيرأه‪ .‬ويقال له البسرحرأ واللسرحرأ واللستحرأ‪.‬‬
‫وألما اللثانإي فالسسرحرأ‪ ،‬قال قوم‪ :‬هو إخرأاج الباطل في صورأة الحسقا‪ ،‬ويقال هو‬
‫الخديعة‪ .‬واحتبجوا بقول القائل‪:‬‬
‫فصإرن تسأصلينإا فيتم نإحين فإنإنإا *** عصافييرأ من هذا النإام المسلحصرأ‬
‫كألنإه أرأاد المخدوع‪ ،‬الذي خدتعرته البدنإيا وغلرأرته‪ .‬ويقال اليمتسلحرأ الذي يجصعتل لـه‬
‫تسرحرأ‪ ،‬ومن كان ذا تسرحرأ لم يجد يبلدا من تمطتعم ومشرأب‪.‬‬
‫وألما الوقت فاللستحرأ‪ ،‬والبسرحرأة‪ ،‬وهو تقربل البصربح ‪ ,‬وجمع اللستحرأ أسحارأ‪ .‬ويقولون‪:‬‬
‫أتييتك تستحترأ‪ ،‬إذا كان ليودم بعينإه‪ .‬فإن أرأاد بكرألة وتستحرأا من السحارأ قال‪ :‬أتيتك‬
‫تستحرأا‪ "205.‬ا‪.‬هـ‬

‫وكما رأأينإا فمدلول السحرأ –لسانإا‪ -‬يدل بشكل عام على التداخل واللتباس‪ ,‬فالعضو‬
‫المسمى بالسحرأ ملتقى أجزاء في الجسم‪ ,‬وعنإدما عرأض لما نإعرأفه بالسحرأ لم يقل‬
‫أنإه تغييرأ أو تأثيرأ‪ ,‬وإنإما قال أنإه خدع وشبهه‪ ,‬أي أنإه عملية تلبيس وتخليط على‬
‫المتلقي‪ ,‬ليس أكثرأ!!‬
‫وهذا المدلول اللسانإي للكلمة هو ما قدمه المام الفخرأ الرأازي كتعرأيفا شرأعي‬
‫للكلمة‪ ,‬فقال‪" :‬اعلَّم أن لفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه‬
‫ويتخيل علَّى غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع ومتى أطلَّق ولم يقيد أفاد‬
‫ذم فاعلَّه‪ "206‬ا‪.‬هـ‬
‫‪ 205‬أحمد بن فارس‪ ,‬مقايإيس اللغة‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد السلما محمد هارون‪ ,‬الجزء الثالث‪ ,‬ص‪.138.‬‬
‫‪ 206‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬مفاتيح الغيب‪ ,‬الجزء الثالث‪ ,‬ص‪.187.‬‬

‫‪184‬‬
‫فإذا أرأدنإا أن نإقدم تعرأيفا اصطلحيا للسحرأ وجدنإا المسألة مشكلة‪ ,‬لنإه "من الصعب‬
‫حصرأ تعرأيفا السحرأ بكلمات وجمل قليلة محدودة‪ ,‬وذلك لن كلمة السحرأ في حد‬
‫ذاتها تطلقا على علوم وفنإون كثيرأة‪ ,‬يلفها الغموض والبهام‪ ,‬وتتخللها الشعوذات‬
‫والوهام والصدقا والكذب‪ "207.‬ا‪.‬هـ‬

‫ل مع عدم وجود تعرأيفا جامع مانإع فإن السحرأ متصورأ عنإد‬ ‫ولن نإتوقفا طوي ل‬
‫النإاس‪ ,‬وإنإما نإنإتقل إلى النإقطة الحاسمة الفاصلة في هذا النإقاش وهي‪ :‬حقيقة‬
‫السحرأ‪ ,‬فهل للسحرأ حقيقة‪ ,‬أي هل للسحرأ وللساحرأ القدرأة على تغييرأ الشياء أم‬
‫أنإه مجرأد خداع وتمويه؟‬
‫اختلفت الجابات حول هذه المسألة منإذ قديم الزمان‪ ,‬وفي هذا يقول المام ابن حجرأ‬
‫العسقلنإي‪:‬‬
‫واختلَّف في السحر‪ ,‬فقيل‪ :‬هو تخييل ول حقيقة له‪ ,‬وهذا اختيارأ أبي جاعفر‬ ‫" ت‬
‫الستراباذي من الشافعية‪ ,‬وأبي بكر الرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري‬
‫وطائفة‪ ،‬قال النووي‪ :‬والصحيح أن له حقيقة وبه قطع الجمهورأ وعلَّيه عامة‬
‫العلَّماء‪ ،‬ويدل علَّيه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورأة انتهى‪.‬‬
‫لكن محل النزاع هل يقع بالسحر انقلب عين أو ل؟ فمن قال إنه تخييل فقط منع‬
‫ذلك‪ ،‬ومن قال إن له حقيقة اختلَّفوا هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعا‬
‫من المراض أو ينتهي إلى الحالة بحيث يصير الجماد حيوانا مثل وعكسه؟ فالذي‬
‫علَّيه الجمهورأ هو الول‪ ،‬وذهبت طائفة قلَّيلَّة إلى الثاني‪.‬‬
‫فإن كان بالنظر إلى القدرأة اللهية فمسلَّم‪ ،‬وإن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل‬
‫الخلف‪ ،‬فإن كثيرا ممن يدعي ذلك ل يستطيع إقامة البرهان علَّيه‪ ،‬ونقل الخطابي‬
‫أن قوما أنكروا السحر مطلَّقا وكأنه عني القائلَّين بأنه تخييل فقط وإل فهي‬
‫مكابرة‪ "208.‬ا‪.‬هـ‬

‫ويمكننا تلَّخيص ما ذكره المام ابن حجر في أن الخلف دائعر حول هل أن السحر‬
‫تخييل فقط‪ ,‬أم أنه له القدرأة علَّى التأثير في المزاج فيصل إلى المراض‪ ,‬أرما مسألة‬
‫تحويل طبائع الشياء فلَّم يقل بها إل قلَّيل وهو ل يوافقهم فيما يقولون!‬
‫وقبل أن ندلي بدلونا في هذا الباب تنقر أنه من العسير إقناع الفريق‪ ,‬القائل بأن‬
‫للَّسحر حقيقة وتأثير‪ ,‬ببطلن مذهبهم‪ ,‬وذلك لنهم ل يتبعون اللَّسان في هذه الكلَّمة‪,‬‬
‫ويفهمونها تبعا ا لفهامهم!‬

‫فالناظر في كتبهم يجد أنهم يبدءون بذكر القوال التي تقول أن السحر تخييل‬
‫وتمويه‪- ,‬والتي مرجاعها اللَّسان‪ -‬ثم يردونها بل برينة!‬
‫فنجد مثل أن المام القرطبي بعد أن يعرض القوال في السحر يقول‪:‬‬
‫‪ 207‬إبراهيم كمال أدهم‪ ,‬السحر والسحرة من منظار القرآن والسنة‪ ,‬ص‪.27.‬‬
‫‪ 208‬أحمد بن حجر العسقلني‪ ,‬فتح الباري في شرحا صحيح البخاري‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد العزيإز بن باز ومحب الديإن الخطيب‪ ,‬الجزء العاشر‪,‬‬
‫ص‪.222.‬‬

‫‪185‬‬
‫"السحر‪ ،‬قيل‪ :‬السحر أصلَّه التمويه والتخاييل‪ ،‬وهو أن يفعل الساحر أشياء‬
‫ومعاني‪ ،‬فيخيل للَّمسحورأ أنها بخلف ما هي به‪ ،‬كالذي يرى السراب من بعيد‬
‫خيل إليه أن ما يرى من‬
‫فيخيل إليه أنه ماء‪ ،‬وكراكب السفينة السائرة سيراا حثيثا‪ ,‬تي ر‬
‫الشجارأ والجبال سائرة معه‪ .‬وقيل‪ :‬هو مشتق من سحرت الصبي إذا خدعته‪،‬‬
‫وكذلك إذا علَّلَّته ‪(........) ،‬‬
‫وعندنا أنه حق وله حقيقة يخلَّق ا عنده ما شاء‪ (....) ،‬ومنه ما يكون كلما‬
‫تيحفظ‪ ،‬ورأقى من أسماء ا تعالى‪ .‬وقد يكون من عهود الشياطين )!!!!(‪ "209‬ا‪.‬هـ‬

‫فكما رأأينا فالمام القرطبي يرد مدلول اللَّسان‪ ,‬ويرى أن مدلول الكلَّمة مما جااء في‬
‫الشرع بمعنى جاديد‪ ,‬ولنا أن نتساءل‪:‬‬
‫إذا كان العرب يفهمون السحر علَّى أنه تخييل وتمويه‪ ,‬فأين أبطل القرآن اعتقادهم‬
‫هذا؟! وإذا كانوا يفهمونه بشكل أعم‪ ,‬يندرأج تحته كل ما نسميه سحرا‪ ,‬فأين أركد‬
‫القرآن العظيم هذا؟!‬
‫الناظر في استدللت المصدقين بحقيقة للَّسحر يجد أنها استدللت عامة‪ ,‬ل تخدم‬
‫دعواهم‪ ,‬فمما يستدلون به قوله تعالى‪} :‬تفتللما تجاتء اللستحترأية{‪ ,‬وقوله‪} :‬توتجايءوا‬
‫صبصسرحدرأ تعصظيدم{‪ ,‬وغيرأها من اليات‪ ,‬ثم يوحون بأن الخرأ ينإكرأ ويرأفض وجود‬
‫السحرأ الذي قال به القرأآن!‬
‫ول يوجد مسلرم واحد يقول أنإه ل وجود للسحرأ! فهو خداع وتمويه‪ ,‬وبه يسمي‬
‫السحرأة سحرأة‪ ,‬وهو ما يقوم به السحرأة حتى زمانإنإا هذا‪ ,‬فأين قال القرأآن بالزيادة‬
‫التي أضفتموها إلى المعنإى الصلي للكلمة؟!‬

‫إن الرأب الكرأيم قال‪ " :‬توأترلصقا تما صفي تيصميصنإتك ترلتقرفا تما تصتنإيعوا إصلنإتما تصتنإيعوا تكرييد تساصحدرأ توتلا‬
‫يرفصليح اللساصحيرأ تحرييث أتتتى ]طه ‪"[69 :‬‬
‫فال تعالى قلدم حكما قاطعا وهو أن الساحرأ ل يفلح حيث أتى‪ ,‬لن صنإعته ل تزيد‬
‫عن الكيد‪ ,‬فإذا كان الساحرأ قادرأا على التأثيرأ في النإاس وإمرأاضهم والتحكم فيهم‪,‬‬
‫فليس هنإاك فلرح أكثرأ من هذا!‬
‫وأكد هذا المعنإى النإبي الكرأيم موسى‪- ,‬كما ذكرأ الرأب قوله في كتابه‪ " :-‬تقاتل‬
‫يموتسى تأتيقويلوتن صلرلتحسقا تللما تجاءيكرم أتصسرحررأ تهـتذا توتل يرفصليح اللساصحيرأوتن ]يونإس ‪"[77 :‬‬

‫إن ال عز وجل عنإدما تكلم عن سحرأة موسى قال‪" :‬تقاتل أترليقرورا تفتللما أترلتقرورا تستحيرأورا‬
‫أترعيتن اللنإاسص توارستررأتهيبويهرم توتجاءوا صبصسرحدرأ تعصظيدم ]العرأافا ‪"[116 :‬‬
‫فالسحرأ العظيم الذي أتوا به هو أنإهم جعلوا النإاس –بما فيهم موسى‪ -‬يظنإون أن‬
‫الحبال والعصي تسعى‪ ,‬كما قال‪:‬‬
‫"تقاتل تبرل أترليقوا تفصإتذا صحتبايليهرم توصعصصبييهرم يتخلييل إصتلريصه صمن صسرحصرأصهرم أتلنإتها ترستعى ]طه ‪"[66 :‬‬

‫‪ 209‬محمد القرطبي‪ ,‬الجامع لحكاما القرآن‪ ,‬تحقيق‪ :‬هشاما سمير البخاري‪ ,‬الجزء الثاني‪ ,‬ص‪.44-43.‬‬

‫‪186‬‬
‫ونإلحظ أنإهم لم يجعلوا النإاس يظنإون أن الحبال والعصي ثعابين‪ ,‬وإنإما خليلوا لهم‬
‫أنإها تسعى‪- ,‬والعجيب أن أغلب المسلمين يظنإون أن السحرأة أتوا بثعابين وموسى‬
‫كذلك‪ ,‬إل أن ثعبان موسى أكل ثعابين السحرأة! والقرأآن لم يقل بهذا!‪-‬‬
‫فإذا كان هذا الفعل البسيط ييسمى بالسحرأ العظيم‪ ,‬فهذا يعطينإا إشارأة صرأيحة إلى‬
‫حقيقة السحرأ‪ ,‬وأنإه من ضرأوب الخداع والتمويه‪ ,‬ول يمكن بحال أن يصل إلى ما‬
‫يختلقه الفاكون!‬

‫والعجب كل العجب فيمن ينإسب السحرأ إلى ال‪ ,‬فيقول أن الساحرأ يقول كلمات‬
‫فيحول ال كذا إلى كذا أو ينإزل ال المرأض أو الذى بكذا! وهذا القول فيه من‬
‫الجرأأة على ال ما فيها‪ ,‬بجعله خالقا الشرأ وتابعا للشرأارأ –حاشا الجليل‪-‬‬

‫هارأوت ومارأوت ‪ ...‬ومحمد!‬

‫بعد أن أظهرأنإا أن القرأآن يستعمل السحرأ بمعنإاه اللسانإي‪ ,‬نإعرأض في عنإصرأ مستقل‬
‫لعمدة أدلة القائلين بحقيقدة للسحرأ في القرأآن‪ ,‬وهو قوله تعالى‪:‬‬
‫"توالتتبيعورا تما ترتيلورا اللشتياصطيين تعتلى يمرلصك يستلريتماتن توتما تكتفترأ يستلريتماين توتلـصكلن اللشرياصطيتن‬
‫س السسرحترأ توتما يأنإصزتل تعتلى ارلتمتلتكريصن صبتباصبتل تهايرأوتت توتمايرأوتت توتما‬ ‫تكتفيرأورا يتعسليموتن اللنإا ت‬
‫يتعسلتماصن صمرن أتتحدد تحلتى تييقوتل إصلنإتما تنإرحين صفرتتنإرة تف ت‬
‫ل تركيفررأ تفتيتتعليموتن صمرنإيهتما تما يتفسرأيقوتن صبصه‬
‫تبريتن ارلتمررأصء توتزروصجصه توتما يهم صبتضآسرأيتن صبصه صمرن أتتحدد إصلل صبصإرذصن السله توتي ت تعليموتن تما تييضبرأيهرم‬
‫س تما تشترأرورا صبصه‬ ‫لدقا توتلصبرئ ت‬
‫توتل تينإتفيعيهرم توتلتقرد تعصليمورا تلتمصن ارشتترأايه تما تليه صفي الصخترأصة صمرن تخ ت‬
‫تأنإيفتسيهرم تلرو تكاينإورا تيرعتليموتن ]البقرأة ‪"[102 :‬‬

‫والذي يقولون فيها أنإها تتحدث صرأاحة عن حقيقة للسحرأ‪ ,‬فإذا كانإت اليات‬
‫الخرأى لم تفصل‪ ,‬أو تحدثت عن تخييل‪ ,‬فهنإا حديث عن تأثيرأ يصل إلى التفرأيقا‬
‫بين المرأء وزوجه‪ ,‬بإذن ال!!!‬
‫نإقول‪ :‬على الرأغم من أن الية في إبطال السحرأ وتبرأئة الرأسول الكرأيم‪ ,‬إل أنإها‬
‫يجعلت بفضل! هؤلء الفاضل الدليل الكبرأ على إثباته!!‬
‫وقبل أن نإقدم للقارأئ الكرأيم تصورأنإا لهذه الية‪ ,‬وهو التصورأ الوحيد الذي يعرأضها‬
‫بدون تقديم أو تأخيرأ أو تغييرأ‪ ,‬نإعرأض له كيفا فهم السابقون هذه الية‪.‬‬

‫لن الية من اليات التي تحتاج فع ل‬


‫ل إلى تدبرأ‪ ,‬ولنإها تتحدث عن اليهود والسحرأ‪,‬‬
‫يأوجد لها تفسيرأات إسرأائيلية منإقولة نإصا من كتبهم!!‬

‫‪187‬‬
‫ول الحمد فإن هذه الرأوايات ليست بالصحيحة‪ ,‬كما أنإها ليست مرأفوعة إلى النإبي‪,‬‬
‫وإنإما موقوفة على بعض الصحابة‪ ,‬وأصبحت الن من النإماذج المشهورأة‬
‫للسرأائيليات‪ ,‬فلم يعد هنإاك من يقول بها أو يدافع عنإها‪.‬‬

‫ورأد بشأن الية رأوايات كثيرأة‪ ,‬ذات مضمون واحد‪ ,‬وملخص هذه الرأوايات أنإه‪:‬‬
‫لما كثرأ الفساد من بنإي آدم ‪-‬وذلك في زمن إدرأيس عليه السلم‪ -‬قالت الملئكة ل‬ ‫ل‬
‫أنإهم قالوا مسبقا عنإد بدء الخليقة أنإنإا مفسدون‪.‬‬
‫فقال لهم ال عز وجل‪ :‬أما أنإكم لو كنإتم مكانإهم ورأكبت فيكم ما رأكبت فيهم لعملتم‬
‫مثل أعمالهم‪ .‬فقالوا‪ :‬سبحانإك ما كان ينإبغي لنإا ذلك‪.‬‬
‫فقال ال‪ :‬فاختارأوا ملكين من خيارأكم! فاختارأوا هارأوت ومارأوت فأنإزلهما إلى‬
‫الرأض ورأكب فيهما الشهوة‪.‬‬

‫فما مرأ عليهما شهرأ –وفي رأوايات أقل– حتى يفتنإا بامرأأة اسمها بالنإبطية "بيدخت"‬
‫وبالعرأبية "الزهرأة"‪ ,‬كانإت قد اختصمت إليهما‪ ,‬فرأاوداها عن نإفسها‪ ,‬فأبت إل أن‬
‫يدخل في دينإها ويشرأبا الخمرأ ويقتل النإفس التي حرأم ال‪ ,‬فرأفضا أولل ثم أجاباها‬
‫وشرأبا الخمرأ ووقعا بها‪ ,‬فرأآهما رأجل فقتله‪.‬‬
‫وسألتهما عن السم الذي يصعدان به إلى السماء‪ ,‬فأعلماها إياه‪ ,‬فتكلمت به‬
‫فعرأجت في السماء فمسخت كوكبا !!‬
‫ورأوي أن هارأوت ومارأوت كانإا يعلمان السحرأ في بابل وكانإا يقولن لمن جاءهما‬
‫"إنإما نإحن فتنإة فل تكفرأ" فإن أبى أن يرأجع قال له‪ :‬ائت هذا الرأماد فبل فيه‪.‬‬
‫فإذا بال فيه خرأج منإه نإورأ يسطع إلى السماء وهو اليمان‪ ,‬ثم يخرأج منإه دخان‬
‫أسود يدخل في أذنإه وهو الكفرأ‪.‬‬
‫فإذا أخبرأهما بما رأآه من ذلك علماه ما يفرأقا به بين المرأء و زوجه‪ ,‬ولما دنإا أجل‬
‫خيرأا بين عذاب الدنإيا وعذاب الخرأة فاختارأا عذاب الدنإيا‪ ,‬فهما‬ ‫هارأوت ومارأوت ي‬
‫يعذبان في بابل في سرأب في الرأض‪.‬‬

‫هذا هو مختصرأ العديد من الرأوايات المختلقة المختلفة‪ ,‬المتعارأضة في أكثرأ‬


‫الحيان‪ ,‬والتي يذكرأت في معرأض تفسيرأ الية! وبغض النإظرأ عن الختلفات‬
‫الكثيرأة بين الرأوايات‪ ,‬وبغض النإظرأ عن أن لبها منإقول عن التلمود بالحرأفا‪ ,210‬مع‬
‫بعض الزيادات‪ ,‬التي أضافها الرأواة من عنإد أنإفسهم من أجل التشويقا والثارأة‪,‬‬
‫فإن لنإا أن نإتساءل‪ :‬ما علقة هذه القصة بالية؟!‬

‫‪ 210‬يإوجد في التلمود‪ ,‬فى مدراش شمهازي وعزازيإل ‪ Midrash of Shemhazai and Azazel‬قصة عن هبوط ملكين إلى الرض‬
‫أحدهما يإدعى عزازيإل والخر شمهازي‪ ،‬وذلك ليثبتا للخالق تفوق الملئاكة على النسان في الخلق وفي طاعة ا‪ ،‬وأن النسان غير‬
‫جديإر بالدور الذي رسمه ا له‪ .‬ولكن شمهازي ما لبث أن وقع في حب امرأة تدعى الصزهرة وطلب وصالها‪ ،‬ولكنها تمنعت واشترطت‬
‫عليه أن يإطلعها على اسم ا العظم الخفي‪ ،‬ففعل ذلك‪ .‬وما أن حازت على السم حتى استخدمت قوته في الصعود إلى السماء قبل أن‬
‫تفي بوعدها لشمهازي‪ ،‬ولكن ا أوقفها بين أفلك الجراما السماويإة السيارة‪ ،‬وحمولها إلى الجرما المعروف بكوكب الصزهرة أو كوكب‬
‫فينوس‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫إن الية ‪-‬تبعا لزعمهم‪ -‬تقول أن الملكين يأنإزل ليعلما السحرأ‪ ,‬وهذه الرأواية‬
‫وأمثالها تقول أنإهما يأنإزل ليثبتا أن الملئكة أفضل من البشرأ –وهذا أمررأ ل يحتاج‬
‫إلى إثبات‪ ,!!-‬فأين تعليم النإاس السحرأ‪ ,‬وأين تعليل ذلك النإزول؟! ولقد انإتبه بعض‬
‫القاصين لهذه الشكالية فأضافا في آخرأها أنإهما علقا في بابل‪ ,‬فأصبحا يعلمان‬
‫النإاس السحرأ!! وسوارء ذكرأت الرأواية تعليم السحرأ أم لم تذكرأ فإنإه ل ارأتباط بين‬
‫الرأواية والية‪.‬‬

‫ولن نإتوقفا طويل مع هذه الرأواية‪ ,‬لنإها لم تعد التفسيرأ! المقبول عنإد أكثرأ‬
‫المسلمين‪ ,‬فلقد أصبح طرأرح آخرأ هو التفسيرأ المعتمد‪ ,‬وهو أن اليهود أو‬
‫الشياطين‪ ,‬لما قالت أن سليمان لم يكن نإبيا وإنإما كان ساحرأا‪ ,‬وبسحرأه وبتسخيرأه‬
‫الشياطين استطاع التحصل على هذا الملك العظيم‪.‬‬
‫فأنإزل ال الملكين هارأوت ومارأوت ليعلما النإاس السحرأ‪ ,‬حتى يظهرأ لهم الفرأقا بين‬
‫السحرأ وبين اليات التي كانإت مع سليمان‪ ,‬وأنإهما كانإا يعلمان النإاس السحرأ‬
‫ويقولن لهما‪ :‬ل تكفرأوا!‬
‫ل على امرأأة ويقول‪ :‬ل تزن!‬ ‫وهكذا أصبح حالهم مثل الذي ييدخل رأج ل‬

‫إل أنإه يعكرأ على هذا القول أنإه ل حرأج في تعليم النإاس ما يأنإزل على الملكين –تبعا‬
‫لزعمهم‪ -‬بل إن هذا أمرأ مطلوب‪ ,‬فلقد يأنإزل ليعلما النإاس الفرأقا بين السحرأ وآيات‬
‫النإبياء‪ ,‬فمن الفضل أن يعرأفا النإاس هذا‪.‬‬
‫ألما أن نإقول أنإهم كانإوا يعلمون النإاس السحرأ‪ ,‬فليس السحرأ هو ما يأنإزل الملكين به‬
‫ومن أجله‪ ,‬وإنإما التفرأقة بين السحرأ واليات‪ ,‬فكيفا نإجعل هذا ذاك؟! ثم ما وجه‬
‫الختلفا‪ ,‬الذي من أجله عطفا ال السحرأ عليه‪ ,‬فقال‪" :‬يعلمون النإاس السحرأ وما‬
‫أنإزل"‪ ,‬ولو كان هذا سحرأا لكان عطفا للشيء على نإفسه!!‬

‫ولنإا أن نإتساءل‪ :‬هل قالت الية أنإه يأنإزل على الملكين ببابل السحرأ؟!‬
‫إن الية لم تقل بهذا‪ ,‬وإنإما قالت أن الشياطين يعلمون النإاس السحرأ وما يأنإزل على‬
‫الملكين‪ ,‬وأنإهما ما كانإا يعلمان من أحدد حتى يقول كذا‪ ,‬فما المانإع أن يكون هذا‬
‫الشيء اليمتعتلم هو الخداع والحيل؟! وأنإهما كان يعلمان اليهود هذا ليستخدموه ضد‬
‫أعدائهم‪ ,‬الذين يعذبونإهم ويضطهدونإه –لحظ أن هذا كان في مرأحلة السرأ‬
‫البابلي‪ -‬وكانإوا ينإهونإهم عن الكفرأ باستخدامه في غيرأ موضعه؟!‬
‫ل‪" :‬فيتعلمون منإهما ما يطيرأون به أو ييمرأضون به"‪ ,‬وإنإما‬ ‫لذلك لم تقل الية مث ل‬
‫قالت‪" :‬تفتيتتعليموتن صمرنإيهتما تما يتفسرأيقوتن صبصه تبريتن ارلتمررأصء توتزروصجصه ‪]..‬البقرأة ‪"[102 :‬‬
‫وهذا ل يحتاج إلى أكثرأ من الخداع بدهاء!‬

‫‪189‬‬
‫وعلى الرأغم من أن هذا القول أكثرأ منإطقية من الرأاء التي ذكرأوها‪ ,‬وأكثرأ توافقا‬
‫مع الية من القوال التي ذكرأوها‪ ,‬إل أنإنإا ل نإأخذ به‪ ,‬وذلك لنإه ل علقة له بالية‬
‫ول بسياقها‪ ,‬فالية تقول شيئا آخرأ‪.‬‬

‫الية من منإظورأ آخرأ‬


‫النإاظرأ في هذه الية يجد أنإها ورأدت في سياقا الحديث عن عدم إيمان اليهود‬
‫بالرأسول على الرأغم من أنإه مذكورأ في كتبهم‪ ,‬وعن عدم التزامهم بالعهود‬
‫واختلقا المبرأرأات لعدم اليمان‪ ,‬وإتباعهم ما لم ينإزله ال العليم بدلل من أن يتبعوا‬
‫كتبه‪ ,‬ونإقدم هنإا السياقا العام الذي ورأدت فيه الية‪ ,‬الذي يبلين وجهتها‪ ,‬والذي فيه‬
‫إلغاء لجميع الشكاليات‪ ,‬التي أوجدها المفسرأون بعدم التزامهم بمنإطوقا الية!‬

‫" تمرن تكاتن تعيدنوا صلللصه توتمتلاصئتكصتصه تويرأيسصلصه توصجربصرأيتل توصميتكاتل تفصإلن اللته تعيديو صلرلتكاصفصرأيتن )‬
‫‪ (٩٨‬توتلتقرد أترنإتزرلتنإا إصتلريتك آتتيادت تبسيتنإادت توتما تيركيفيرأ صبتها إصللا ارلتفاصسيقوتن )‪ (٩٩‬أتتو يكلتما‬
‫تعاتهيدوا تعرهلدا تنإتبتذيه تفصرأيرقا صمرنإيهرم تبرل أتركتثيرأيهرم تلا يرؤصمينإوتن )‪ (١٠٠‬توتللما تجاتءيهرم ترأيسورل‬
‫صمرن صعرنإصد الللصه يمتصسدرقا صلتما تمتعيهرم تنإتبتذ تفصرأيرقا صمتن اللصذيتن يأويتوا ارلصكتتاتب صكتتاتب الللصه توترأاتء‬
‫يظيهوصرأصهرم تكتألنإيهرم تلا تيرعتليموتن )‪ (١٠١‬توالتتبيعوا تما ترتيلو اللشتياصطيين تعتلى يمرلصك يستلريتماتن‬
‫س السسرحترأ توتما أيرنإصزتل تعتلى‬ ‫توتما تكتفترأ يستلريتماين توتلصكلن اللشتياصطيتن تكتفيرأوا يتعسليموتن اللنإا ت‬
‫ارلتمتلتكريصن صبتباصبتل تهايرأوتت توتمايرأوتت توتما يتعسلتماصن صمرن أتتحدد تحلتى تييقوتلا إصلنإتما تنإرحين صفرتتنإرة تفتلا‬
‫تركيفررأ تفتيتتعليموتن صمرنإيهتما تما يتفسرأيقوتن صبصه تبريتن ارلتمررأصء توتزروصجصه توتما يهرم صبتضاسرأيتن صبصه صمرن‬
‫أتتحدد إصللا صبصإرذصن الللصه توتيتتعليموتن تما تييضبرأيهرم توتلا تيرنإتفيعيهرم توتلتقرد تعصليموا تلتمصن ارشتترأايه تما تليه‬
‫س تما تشترأروا صبصه أترنإيفتسيهرم تلرو تكاينإوا تيرعتليموتن )‪ (١٠٢‬توتلرو‬ ‫صفي ارلتآصخترأصة صمرن تختلادقا توتلصبرئ ت‬
‫أتلنإيهرم تآتمينإوا توالتتقروا تلتميثوتبرة صمرن صعرنإصد الللصه تخريررأ تلرو تكاينإوا تيرعتليموتن )‪"(١٠٣‬‬

‫إن ال العليم يقول للرأسول أن من كان عدوا لجبرأيل وميكال –من بنإي إسرأائيل‪-‬‬
‫فإن ال عدرو له‪ ,‬وأن ال أنإزل آيات بلينإات‪ ,‬وأن هنإاك في اليهود فرأيقا ينإبذ العهود‬
‫دوما‪ ,‬وأن هذا ما حدث للما جاءهم الرأسول‪ ,‬فلقد نإبذوا كتاب ال‪ ,‬الذي يبشرأ‬
‫بمحمد ويعرأفا به‪ ,‬نإبذوه ورأاء ظهورأهم‪ ,‬واتبعوا ما تقلولته أحبارأهم –كما فعلوا‬
‫سابقا بإتباعهم أقوال شياطينإهم على ملك سليمان‪ -‬والذين نإسبوا الكفرأ إليه‪ ,‬ولم‬
‫يكفرأ سليمان‪ ,‬وإنإما هم الذين كفرأوا وأخذوا يعلمون النإاس السحرأ‪.‬‬

‫ولم يينإزل على الملكين –جبرأيل وميكال‪ ,‬الذين يعاديهم اليهود‪ -‬في بابل "الكتب"‬
‫المسماة هارأوت ومارأوت‪ ,‬وما كانإا يعلمان أحدا حتى يقول كذا وكذا‪ ,‬ومن ثم فلم‬
‫يتعلموا منإهم أي شيء‪ ,‬وإنإما هي افترأاءات على الملكين جبرأيل وميكال‪ ,‬بنإسبة‬
‫هذه الكتب إليهما‪ ,‬وهم ل يضرأون أحد بهذه الكتب إل بإذن ال‪ ,‬ويتعلمون ما‬

‫‪190‬‬
‫يضرأهم ول ينإفعهم‪- ,‬لن الكتب المختلقة المفترأاة على ال ل نإفع فيها بل هي ضررأ‬
‫خالص‪ -‬ولقد علموا أن من قبل وأخذ بغيرأ ما أنإزل ال ما له في الخرأة من خلقا‪,‬‬
‫فلبئس ما باعوا به أنإفسهم‪ ,‬ولو أنإهم آمنإوا واتقوا لمثوبة من عنإد ال خيرأ‪.‬‬

‫ونإعرأض للية بتفصيل‪ ,‬حتى نإبين للقارأئ أين انإحرأفا المفسرأون عنإها‪ ,‬مما أدى‬
‫بهم إلى القول بأقوال ما أنإزل ال بها من سلطان‪ ,‬ولماذا قلنإا بهذا القول‪:‬‬
‫")واتبعوا( أي واتبع بنإو إسرأائيل‪.‬‬
‫)ما( اسم موصول عام قرأيرب من معنإى‪ :‬الذي‪.‬‬
‫)تتلوا( التلوة هي القرأاءة المتتابعة أمام آخرأين‪ ,‬سواء كان من نإص مكتوب أو‬
‫من الذاكرأة‪.‬‬
‫)الشياطين( اختلفا المفسرأون في المرأاد بالشياطين في هذه الية‪ ,‬إل أن كثيررأ منإهم‬
‫على أن المرأاد من الشياطين الكائنإات الغيرأ بشرأية‪.‬‬

‫ونإحن نإرأجح القول الخرأ وهو أن المرأاد منإها في هذه الية هو شياطين النإس‪,‬‬
‫لن ال تعالى يتحدث عن إعرأاض بنإي إسرأائيل عن كتاب ال وإتباعهم ما "تتلوا"‬
‫الشياطين‪ ,‬ومن ثم فإنإهم قد ترأكوا كتاب ال من أجل لهو الحديث!‬
‫وشياطين الجان لن تأتي للنإسان وتقرأأ عليه بعضا من مؤلفاتها‪ ,‬أو قطعا من كتاب‬
‫الجان السحرأي!! وإنإما التلوة تكون من النإسان على النإسان‪ ,‬كما أن شياطين‬
‫الجان كافرأة ابتدالء‪ ,‬ومن ثم فلن يكون نإعتهم بالكفرأ إضافة لمعنإى‪ ,‬فتكون‬
‫"الشياطين" في الية هم شياطين النإس‪.‬‬
‫كتبا شغلوهم‬
‫ويرأجح أن يكون المرأاد منإهم علماء بنإي إسرأائيل لنإهم ألفوا لقوامهم ل‬
‫وحرأفوا في كتاب ال ذاته من حذفا وإضافة‪,‬‬ ‫ل‬ ‫بها عن التورأاة مثل التلمود وخلفه‪,‬‬
‫فأصبحت هذه الكتب هي المتبعة‪ ,‬ويهجرأ كتاب ال‪.‬‬

‫)توتما تكتفترأ يستلريتماين توتلـصكلن اللشرياصطيتن تكتفيرأورا يتعسليموتن اللنإا ت‬


‫س السسرحترأ(‬
‫"ما" هنإا نإافية بل خلفا‪ ,‬فسليمان عليه السلم لم يكفرأ‪ ,‬ولكن أحبارأ اليهود ‪-‬أو‬
‫من فعل ذلك من غيرأهم‪ -‬هم الذين كفرأوا وعلموا النإاس السحرأ‪.‬‬
‫وليس كفرأهم هو تعليمهم السحرأ أو بسبب تعليمهم السحرأ‪ ,‬وإنإما هذا مما حدث في‬
‫ل‪ :‬جاء عمرأو يقول‪ !...‬فل يعنإي هذا أن المجيء هو القول‪ ,‬أو‬ ‫كفرأهم‪ ,‬فإذا قلت مث ل‬
‫أن علة المجيء كانإت القول‪ ,‬وإنإما أن حاله في المجيء كان أنإه يقول كذا وكذا!‬
‫ويذكرأ تعليم السحرأ بعد الكفرأ‪ ,‬لن هذا السحرأ تقلول على نإبي كرأيم‪ ,‬فلقد كلفرأ هؤلء‬
‫ل عن الدين ‪ ..‬باسم الدين!‬ ‫ل شاغ ل‬ ‫نإبيا! وأصبحت كتبهم شغ ل‬

‫ونإصل إلى الجملة المحورأية في هذه الية‪ ,‬والتي ابتعد فيها المفسرأون عن النإص‪,‬‬
‫وهي قوله تعالى‪) :‬توتما يأنإصزتل تعتلى ارلتمتلتكريصن صبتباصبتل تهايرأوتت توتمايرأوتت(‬
‫و "ما" تلعب الدورأ الحاسم في فهم هذه الية‪ ,‬ويكاد يجمع المفسرأون على أن "ما"‬
‫هنإا موصولة بمعنإى "الذي"‪ ,‬ويكون المرأاد من الية على قولهم‪:‬‬

‫‪191‬‬
‫واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان والذي أنإزل على الملكين هارأوت‬
‫ومارأوت ببابل‪ .‬وتكون جملة )وما كفرأ سليمان ولكن الشياطين كفرأوا( جملة‬
‫اعترأاضية‪.‬‬

‫ولنإا هنإا وقفة‪ ,‬فإذا قلنإا أن "ما" هنإا موصولة ‪-‬كما يقول السادة المفسرأون‪-‬‬
‫عطفت؟ يقول المفسرأون أنإها يعطفت على ما في قوله‪" :‬ما تتلوا"‪.‬‬ ‫فعلما ي‬
‫ونإحن نإتساءل‪ :‬لماذا لم يتعطفا على "ما" السابقة في "وما كفرأ سليمان"‪ ,‬فتكون‬
‫نإافية‪ ,‬أي‪ :‬وما كفرأ سليمان وما يأنإزل على الملكين؟‬
‫والمفسرأون يرأون أن "وما كفرأ سليمان" جملة اعترأاضية‪ ,‬ونإحن نإقول أن الجملة‬
‫حذفت ل تؤثرأ في المعنإى‪ ,‬فهل يمكن حذفا "وما كفرأ‬ ‫العترأاضية هي التي إذا ي‬
‫سليمان" هنإا؟!‬

‫إذا قلنإا أنإه يمكن‪ ,‬فهذا يعنإي أن الية لم تذكرأ الغرأض الساسي وهو نإفي السحرأ‬
‫والكفرأ عن سليمان‪ ,‬وهذا ما ل يقول به أحد‪ ,‬فيكون المعنإى كما رأوي عن ابن‬
‫عباس‪ ,‬أنإه لم ينإزل ال السحرأ وكما رأوي عن الرأبيع ابن أنإس‪ :‬ما أنإزل ال عليهما‬
‫السحرأ‪.‬‬
‫ولنإه مشكل أن يتنإزل الملئكة من أجل السحرأ‪ ,‬قال بعض المفسرأين أن المرأاد من‬
‫"ملكين" بشرأيين‪ ,‬استنإادا إلى قرأاءة قرأأت بكسرأ اللم‪ ,‬فجعلتهما مصلكين!‬

‫والمشكلة أن كل المفسرأين والمتنإاولين للية‪ 211‬فهموا الجملة هكذا‪" :‬وما أنإزل‬


‫على الملكين هارأوت ومارأوت في بابل"‪ ,‬على الرأغم من أن ال العليم قال‪" :‬وما‬
‫يأنإزل على الملكين ببابل هارأوت ومارأوت"‪ ,‬فقالوا أن الملكين هما هارأوت ومارأوت‪,‬‬
‫و "ببابل" اعترأاضية!‬
‫أما نإحن فنإهم الية كما هي‪ ,‬ونإقول أن ال يقول‪ :‬ما أنإزل على الملكين ب‪-‬شأن‪-‬‬
‫بابل هارأوت ومارأوت‪.‬‬
‫فالملكان هما الملكان سابقا الذكرأ –جبرأيل وميكال‪ ,-‬وال تعالى ينإفي فرأيتهم‬
‫على جبرأيل وميكال ‪-‬كما نإفى فرأية بنإي إسرأائيل على سليمان‪ ,-‬ويقول أنإه لم يينإزل‬
‫عليهم بشأن أو بسبب بابل ذلك الشيء المسمى بهارأوت ومارأوت‪.‬‬

‫ونإلحظ أن كلمة "هارأوت" أو"مارأوت" مشابهة تماما لكلمة تارأوت‪ ,‬والتي هي‬
‫أورأاقا اللعب الشهيرأة‪ ,‬والتي يستخدمها السحرأة والكهان‪ ,‬كما أن كلمة هارأوت هي‬
‫معكوس كلمة تورأاه! فيكون هذا مؤكرد أن هارأوت ومارأوت كتب أو طرأقا لتعليم‬
‫السحرأ‪ ,‬ينإسبت إلى جبرأيل وميكال‪.‬‬
‫وقد يستغرأب القارأئ الفهم الطبيعي للية‪ ,‬لنإه اعتاد أن يفهمها على غيرأ ما قالها‬

‫حتى الدكتور أحمد حجازي السقا‪ ,‬والذي أخذنا عنه القول بأن "ما" في "وما أنزل على الملكين" نافية‪ ,‬وقمدما على طب ن‬
‫‪211‬‬
‫ق من ذهب في‬
‫ل‬
‫كتابه‪" :‬علم السحر بين المسلمين وأهل الكتاب" ح ل لهذه الشكالية‪ .‬ويإمكن للقارئ الستزادة حول اليإة بقراءة ما خطه الدكتور حولها‬
‫في كتابه المذكور‪ ,‬حيث عرض الشيخ الدكتور لقوال المفسريإن في اليإة بتفصيل كبير ورد عليهم‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫ال‪ ,‬لذا نإسأله‪ :‬هل هنإاك دليرل على أن هارأوت ومارأوت أسماء ملئكة وليست‬
‫أسماء كتب؟! ثم نإسأله مجددا‪ :‬أي التفسيرأين للمثال القادم هو القرأب للسياقا‪:‬‬
‫"ما أعطيت الزميلين في الفصل س و ص"‬
‫فإذا كان "س و ص" غيرأ معرأوفين‪ ,‬فهل ستميل إلى أن س وص هما الشيء‬
‫المعتطى أم أنإهما هما الزميلين؟! فإذا كان سيميل ل محالة إلى أنإهما هما الشيء‬
‫المعتطى‪ ,‬فلماذا يتمسك بالعكس مع الية؟!‬

‫وعلى الرأغم من أن القول بأن "ما" في قوله تعالى‪" :‬وما أنإزل على الملكين" نإافية‬
‫وليست موصولة‪ ,‬يظهرأ انإسجام وتنإاسقا الية‪- ,‬فبهذا القول يتعطفا "ما" في‬
‫الجملة )وما أنإزل على الملكين( على سابقتها‪ ,‬ثم يتعطفا لحقتاها النإافيتان في قوله‬
‫"وما يعلمان من أحد" و "ما هم بضارأين" عليها‪ ,‬بدون اضطرأارأ إلى القول بجملة‬
‫اعترأاضية مرأة أخرأى‪ -‬على الرأغم من هذا قد يرأفض القارأئ هذا الفهم‪ ,‬استنإادا‬
‫إلى العترأاض الذي أضعفا حجة القائلين بأن الجملة نإافية‪ ,‬ويقول‪:‬‬
‫إذا كان ال تعالى ينإفي أن يكون يأنإزل على الملكين ببابل شيء‪ ,‬فكيفا كانإا يعلمان‬
‫البشرأ؟!‬

‫نإقول‪ :‬إن ال تعالى لم يقل أنإهما علما أحد‪ ,‬وإنإما قال‪" :‬وما يعلمان من أحد" ولم‬
‫يقل "وما علما من أحد" فعلى فهمنإا يستقيم المعنإى‪ ,‬أي أنإه ما أنإزل عليهم شيء‬
‫وما يعلمان من أحد حتى يقول "إنإما نإحن فتنإة"‪.‬‬
‫أما على قولهم‪ :‬فهو أنإزل عليهم وهما ل يزالن يعلمان النإاس السحرأ حتى الن‪,‬‬
‫وقبل أن يعلما أي أحدا السحرأ يقولن له ‪" :‬إنإما نإحن فتنإة فل تكفرأ"!‬
‫وحتى ل يقول قائل‪ :‬أن هذا على سبيل استحضارأ الصورأة‪ ,‬فاستعمل ال المضارأع‬
‫ليشيرأ إلى تكرأارأ وقوع ذلك في الماضي‪.‬‬

‫نإقول‪ :‬لحظ أن ال تعالى قال‪" :‬من أحد حتى يقول إنإما نإحن فتنإة فل تكفرأ فيتعلمون‬
‫ما يفرأقون" ولم يقل‪ :‬فيتعلم ما يفرأقا به‪ ,‬ولم يقل‪ :‬فتعلموا به‪ ,‬وهذا يعنإي أن هذا‬
‫المرأ ل يزال يحدث‪ .‬أما على قولنإا فلم ينإزل عليهم‪ ,‬وما علما أحدا حتى يقول‬
‫وحتى يتعلمون منإهم ما يفرأقون به بين المرأء وزوجه!‬

‫وقد ل يفهم بعض القرأاء هذا التوجيه للية‪ ,‬وقد يرأفضه آخرأون ويرأون أنإه بعيد‬
‫ويظهرأ فيه التعسفا‪ ,‬فنإقول‪:‬‬
‫ل تعسفا في التأويل بل هو أسلوب معرأوفا وغيرأ معقد‪ ,‬ومستخدم في اللسان‬
‫شرأح في التأويل رأبما ظهرأ ذلك‬
‫حتى الن‪ ,‬و نإستعمله في كلمنإا‪ ,‬ولكن لما ي‬
‫مثال يبين أن هذا التأويل هو القرأب إلى الصواب‪:‬‬
‫وسأضرأب ل‬

‫عنإدما أقول‪ :‬ما أمارأس الرأياضة حتى أقول إنإي قوي البدن‪ ,‬فتطلب منإي حمل‬
‫المائدة‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫فهذا مثال واضح لما يذكرأ في الية‪ ,‬فنإفي الول مترأتب عليه نإفي ما بعده‪ ,‬فعنإدما‬
‫أقول أنإي ما أمارأس الرأياضة‪ ,‬فل يحقا لي أن أقول أنإي قوي البدن‪ ,‬فكيفا يطلب‬
‫منإي الحمل؟!‬
‫وكذلك في الية‪ :‬لم ينإزل عليهما شيء ليقول إنإما نإحن فتنإة‪ ,‬وبالتالي فلم يتعلموا‬
‫منإهما ما يفرأقون به بين المرأء وزوجه!‬

‫إذا‪ ,‬ل وجه للستدلل بالية في إثبات السحرأ‪ ,‬بل الية نإزلت كما رأأينإا من أجل نإفي‬
‫كفرأ سليمان ونإفي أن يكون السحرأ مأخوذ من الملئكة‪ ,‬ولبيان أنإه مما اختلقه‬
‫اليهود وأضلوا به النإاس‪ ,‬وأنإهم كما ترأكوا كتاب ال واتبعوا أقوال أحبارأهم‪ ,‬فكذلك‬
‫أعرأضوا عن الرأسول بترأكهم كتاب ال وإتباعهم أقوال البشرأ‪.‬‬

‫وفي ختام الحديث عن السحرأ نإقول‪:‬‬


‫إن كذب الساحرأ مكشوفا واضح‪ ,‬وعلى الرأغم من ذلك فالنإاس في عماء! فبال‬
‫عليكم لو كنإت أستطيع أن أحول طبائع الشياء أو أوذي هذا وأضرأ ذاك‪ ,‬فلم أكتسب‬
‫من هذه المهنإة؟!‬
‫إذا كنإت استطيع أن أسخرأ الجان لذى النإاس‪ ,‬فلماذا ل أغنإي نإفسي عن طلب‬
‫جنإيهات أو درأاهم معدودات من هذا ومن ذاك‪ ,‬لماذا ل أجعل نإفسي غنإيا وأتحكم في‬
‫النإاس بمالي؟!‬

‫النإفاثات في العقد‬
‫بعد أن بلينإا أن آية هارأوت ومارأوت هي في تبرأئة الملئكة وسليمان من السحرأ‪,‬‬
‫نإنإتقل إلى آخرأ أدلتهم‪ ,‬وهو قوله تعالى‪" :‬توصمن تشسرأ اللنإلفاتثاصت صفي ارليعتقصد ]الفلقا ‪"[4 :‬‬
‫فيقولون أن ال تعالى أمرأنإا بالستعاذة من أمودرأ عدة‪ ,‬ومن بينإها النإفاثات في‬
‫العقد‪ ,‬ولو لم يكن هؤلء مؤثرأات‪ ,‬ولهم ضرأرأ حقيقي لما أمرأ ال تعالى بالستعاذة‬
‫منإهم‪ .‬فهذا دليرل صرأيح على تأثيرأ السحرأ‪.‬‬

‫ونإقول لمن يقول بهذا‪ :‬أثبت العرأش أولل ثم أنإقش‪ ,‬فالية ل تقول بما يقولون‪,‬‬
‫ونإنإظرأ لنإرأ‪:‬‬
‫"العقد هو نإقيض الحل كما جاء في لسان العرأب‪ ,‬فما هو المرأاد من النإفاثات في‬
‫العقد‪ ,‬هل المرأاد منإها الساحرأات كما ورأد في كتب التفسيرأ؟‬
‫إذا نإحن نإظرأنإا في كتب التفسيرأ –كما جاء في تفسيرأ الفخرأ الرأازي– وجدنإاه يقول ‪:‬‬
‫" وإنإما أنإث النإفاثات لوجوه؛ أحدها‪ :‬أن هذه الصنإاعة إنإما تعرأفا بالنإساء لنإهن‬
‫يعقدن وينإفثن‪ ،‬وذلك لن الصل العظم فيه رأبط القلب بذلك المرأ وإحكام الهمة‬
‫والوهم فيه‪ ،‬وذلك إنإما يتأتى من النإساء لقلة علمهن وشدة شهوتهن‪ (!!!) ،‬فل‬

‫‪194‬‬
‫جرأم كان هذا العمل منإهن أقوى‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬النإفاثات هن بنإات لبيد بن أعصم‬
‫اليهودي‪ ,‬سحرأن النإبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وثانإيها‪ :‬أن المرأاد من النإفاثات‪ :‬النإفوس‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬المرأاد منإها الجماعات‪ ،‬وذلك لنإه كلما كان اجتماع السحرأة على العمل‬
‫الواحد أكثرأ كان التأثيرأ أشد‪.‬‬

‫القول الثانإي ‪-‬وهو اختيارأ أبي مسلم‪} :-‬صمن تشلرأ النإفاثات{ أي النإساء في العقد‪ ،‬أي‬
‫في عزائم الرأجال وآرأائهم وهو مستعارأ من عقد الحبال‪ ،‬والنإفث وهو تليين العقدة‬
‫ل‪ ،‬فمعنإى الية أن النإساء لجل‬ ‫من الحبل برأيقا )!!!( يقذفه عليه ليصيرأ حله سه ل‬
‫كثرأة حبهن في قلوب الرأجال يتصرأفن في الرأجال يحولنإهم من رأأي إلى رأأي‪ ،‬ومن‬
‫عزيمة إلى عزيمة‪ ،‬فأمر ا رأسوله بالتعوذ من شرهن كقوله‪} :‬إلين لمسن أزواجاكم‬
‫وأولدكم معتدرواا ليتكسم فاحذرأوهم{ ] التغابن ‪ [ 14 :‬فلَّذلك عظم ا كيدهن‪ ,‬فقال‪} :‬إلين‬
‫مكسيمدتكين معلظيعم{ ] يوسف‪ .[ 28 :‬واعلَّم أن هذا القول حسن‪ ،‬لول أنه علَّى خلف قول‬
‫أكثر المفسرين‪ "212.‬ا‪.‬هـ‬

‫إذا فالسادة المفسرأون يكادون يجمعون على أن المرأاد من النإفاثات‪ :‬النإساء! سواء‬
‫يكلن من الساحرأات أو النإساء‪ ,‬اللتي تنإفث في عزائم الرأجال! فهل هذه القوال فع ل‬
‫ل‬
‫مقبولة وهي ما تقول به الية؟‬
‫نإبدأ في تحليل الية لنإرأ ماذا تقول‪:‬‬
‫أول ما يلحظه المتدبرأ أنإها تأمرأ بالستعاذة من شرأ النإفاثات وليس من شرأ النإفث‬
‫نإفسه! فإذا كان المرأاد من الية إثبات تأثيرأ السحرأ لكان من الولى أن يقال "ومن‬
‫شرأ النإفث في العقد" فالضرأرأ يقع منإه سوالء كان نإافثه رأجل أم امرأأة‪ ,‬فالشرأ يقع من‬
‫النإفث‪ ,‬وسوالء كان التأثيرأ من المرأأة أكثرأ ‪-‬كما يدعون‪ -‬أم أقل‪ ,‬فالشرأ يقع في‬
‫النإفث‪ ,‬وليس من نإافثه! إذا فالية تستعيذ من النإفاثات وليس النإفث‪ ,‬فل يحقا لنإا‬
‫أن نإجعلها تستعيذ من النإفث!‬

‫إذا فالية تستعيذ من شرأ النإفاثات أي أن الشرأ يقع في النإفاثات‪ ,‬وإن النإاظرأ في حال‬
‫المفسرأين يجد عجبا‪ ,‬فنإجدهم جعلوا الية في النإساء‪ ,‬فكأن ال تعالى يأمرأنإا‬
‫بالستعاذة من النإفاثات أما إذا كان النإافثون رأجال فل نإستعيذ منإهم‪ ,‬ودعك من‬
‫التمحكات التي من نإماذجها "هذا من باب التغليب"! فهي ل تساوي شيئا!‬
‫فنإخرأج من هذا بأن النإفث نإفسه في هذه الية غيرأ ضارأ وإنإما الضرأرأ والشرأ في‬
‫نإافثه ‪ ,‬فهل المرأاد من النإفاثات فعل الساحرأات أو النإساء؟‬

‫"نإلفاثات" كما هو واضح لكل ذي عينإين صيغة مبالغة من "نإفث" فهي على وزن‬
‫فلعال‪ ,‬فالحديث في الية عن شخص كثيرأ النإفث‪ ,‬حتى أنإه أصبح عادته وطبعه‪,‬‬
‫‪ 212‬فخر الديإن الرازي‪ ,‬مفاتيح الغيب‪ ,‬الجزء الثاني والثلثون‪ ,‬ص‪.179.‬‬

‫‪195‬‬
‫ويستوي في هذا المرأ كون الشخص رأجل أو امرأأة ‪ ,‬لن نإفاثات جمع نإفاثة وهي‬
‫مما تطلقا على الرأجل والمرأأة‪ ,‬كما يقال‪ :‬علمة وفهامة‪ ,‬ولو كان المرأاد النإساء‬
‫لقيل نإافثات‪.‬‬
‫فإذا كانإت صيغة "نإفاثات" صيغة مبالغة تنإطبقا على الرأجل والمرأأة في عين الوقت‬
‫لنإها صيغة مبالغة‪ ,‬فما المرأاد منإها؟‬

‫نإقول ‪-‬وال أعلم‪ :-‬إن المرأاد من ذلك على عكس ما قاله أبو مسلم تماما‪ ,‬وكذلك‬
‫ما قاله المفسرأون‪ ,‬فالمرأاد من النإفاثات في العقد تلك النإفوس التي تعمل على النإفخ‬
‫في العقد من أجل تضخيمها وزيادة تعقيدها وليس من أجل حلها أو توهينإها‪,‬‬
‫فاليعرقتدية كما جاء في اللسان تحرجيم التعرقد‪ ،‬والجمع يعتقد‪ ,‬ومن ينإفخ في العقدة يعمل‬
‫على زيادتها وشدتها ل على توهينإها‪.‬‬
‫فنإستعيذ بال من شرأ تلك النإفوس التي تعمل على زيادة التعقيد في التعاقدات‬
‫والعلقات بين النإاس مما يؤدي في نإهاية المرأ إلى النإقسام والشقاقا والتباين‪,‬‬
‫ونإلحظ أن العقد نإفسه ل شرأ فيه‪ ,‬ولكن المشكلة هي في النإفث في هذا العقد حتى‬
‫يزيد ويتعقد ويشتد!‬

‫وحتى ل يقول القارأئ أن هذا تأويل بعيد‪ ,‬نإقدم الدليل على أن النإفث يأتي بمعنإى بث‬
‫الفكارأ )والذي ل يكون إل عن طرأيقا الكلم الذي يخرأج من الفم!( وليس مختصا‬
‫بما ينإفثه النإسان من رأيقه فقط‪ ,‬فهو أن هذا اللفظ عام ولم يستعمل فقط هكذا في‬
‫اللغة‪ ,‬ويكفيك شاهرد على ذلك جعل صاحب اللسان النإفث بمعنإى السرأاع! وأن‬
‫صاحب المقاييس جعله بمعنإى خرأوج من فم أو غيرأه!‬
‫والنإفث على قولنإا يخرأج كذلك من الفم‪ ,‬كما أن هذا الستعمال ورأد في الحديث‬
‫الشرأيفا‪ ,‬فقد جاء عن النإبي الكرأيم‪:‬‬
‫قال الرأسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬إصلن يرأوتح اليقيدس تنإتفتث في يرأوعي أن ‪" .....‬‬
‫وكذلك قوله في الحديث في افتتاح الصلة‪" :‬اللهلم صإنإي تأعوذ بك من الشيطان الرأجيم‬
‫من تهرمصزصه وتنإرفصثصه وتنإرفصخصه ‪"...‬‬

‫إذا فنإحن نإستعيذ من شرأ المضخمين والمشددين للعلقات والتعاملت بين النإاس‬
‫والذين يؤدون بها في نإهاية المطافا إلى الشقاقا والتنإازع‪ ,‬وهنإا نإلحظ أن ال‬
‫تعالى استعمل صيغة جمع المبالغة المطلقا لن هذا الصنإفا من البشرأ كثيرأ‪,‬‬
‫ويتصرأفا هذا التصرأفا بدون تخطيط أو إعداد وإنإما هو سجيته! فهو متشدد‬
‫‪213‬‬
‫متنإطع ل يشعرأ أنإه يؤذي أو يفعل شيئا ضارأا بنإفثه هذا فينإفث وينإفث وينإفث‪" .‬‬
‫ا‪.‬هـ‬

‫‪ 213‬عمرو الشاعر‪ ,‬قراءة لسور الطعن‪ ,‬ص‪.202-199.‬‬

‫‪196‬‬
‫وكما رأأينإا فليست الية كما يفهمها العوام‪ ,‬وإنإما هي بمعنإى مختلفا تماما‪ ,‬متعلقا‬
‫بالجانإب الجتماعي للنإسان‪.‬‬
‫وبهذا نإكون قد بلينإا أنإه ل توجد آية في كتاب ال العظيم تتحدث عن السحرأ طبقا‬
‫للتصورأ المتداول‪ ,‬وإنإما هي للنإفي وللبطال‪.‬‬

‫يسحرأ الرأسول ‪ ...‬فقط!‬

‫رأأينإا من خلل تنإاولنإا لي الذكرأ الحكيم أنإه بلين تهافت السحرأ وهوانإه‪ ,‬وأنإه أبطل‬
‫أن تكون هنإاك علقة بين السحرأ والدين‪ ,‬وقد يتقبل بعض القارأئين ما قلنإاه‪ ,‬إل أن‬
‫آخرأين سيتمسكون بما يؤمنإون به من وجود حقيقدة للسحرأ‪ ,‬وذلك لنإه ورأدت‬
‫رأوايات –مصححة!‪ -‬تقول أن الرأسول الكرأيم قد يسحرأ‪ ,‬ومن ثم فإن للسحرأ حقيقة‪,‬‬
‫ومن ثم فإن كل ما قلنإاه غيرأ صحيح!‬

‫وقبل أن نإبدأ حديثنإا حول هذه الرأواية الجائرأة‪ ,‬نإنإصح كل من يؤمن بأن كل ما في‬
‫البخارأي ومسلم صحيح‪ ,‬أل يقرأأ ما سنإورأده هنإا‪ ,‬لنإه سيحاول بشتى الطرأقا‬
‫اللتفافا حوله‪.‬‬
‫وحتى ل يتهمنإا القارأئ بالتجنإي على الرأواية بنإعتها بالجائرأة‪ ,‬نإقول‪:‬‬
‫على فرأض حدوث هذا الشيء للنإبي الكرأيم فعل‪ ,‬أل يعتبرأ رأوايتها غيبة للنإبي‬
‫الكرأيم؟! أل تعد هذه المسألة من أدقا خصوصيات النإسان؟! هل هنإاك إنإسان يحب‬
‫أن يعرأفا النإاس أنإه يسحرأ‪ ,‬وأنإه كان ل يعرأفا ما يفعل؟!‬
‫فإذا كان المرأ كذلك‪ ,‬أفل ييعد نإقل وقول هذا الكلم عن النإبي الكرأيم نإورع من الغيبة‬
‫له؟! ولست أدرأي من الذي أباح للرأواة جنإاب النإبي الكرأيم‪ ,‬أم أن سحرأ النإبي كان‬
‫من الدين‪ ,‬الواجب على كل مسلم معرأفته؟!!‬

‫بادئ ذي بدء نإقول‪ :‬لو كانإت هذه الرأوايات‪ ,‬التي تتحدث عن سحرأ النإبي الكرأيم‪,‬‬
‫في غيرأ البخارأي ومسلم‪ ,‬لوجدنإا كثيرأا من علماء الحديث يضعفونإها‪ ,‬ولكنإها للما‬
‫يذكرأت في البخارأي اكتسبت حصانإة خاصة‪ ,‬وأصبحت من الحقائقا التي ل يمكن‬
‫التشكيك فيها‪ ,‬بل ووجدنإا من يستخرأج من الرأواية الدلئل على علو قدرأ النإبي‬
‫وعلى حكمته‪ ,‬في التعامل في جميع المواقفا‪.‬‬

‫والرأوايات الوارأدة بشأن سحرأ الرأسول الكرأيم كثيرأة‪ ,‬إل أنإها ذات محتوى واحدد‬
‫تقرأيبا‪ ,‬ونإذكرأ نإموذجا مما رأواه البخارأي بهذا الشأن‪:‬‬

‫‪197‬‬
‫س تعرن صهتشادم تعرن أتصبيصه تعرن تعاصئتشتة‬ ‫"تحلدتثتنإا إصربترأاصهييم ربين يموتسى أترختبترأتنإا صعيتسى ربين ييوينإ ت‬
‫ترأصضتي الليه تعرنإتها تقاتلرت‪ :‬تستحترأ ترأيسوتل الللصه تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم ترأيجرل صمرن تبصنإي يزترأريدقا‬
‫يتقايل تليه تلصبييد ربين ارلتأرعتصصم‪ ,‬تحلتى تكاتن ترأيسويل الللصه تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم يتخلييل إصتلريصه أتلنإيه‬
‫تكاتن تيرفتعيل اللشريتء توتما تفتعتليه‪ .‬تحلتى إصتذا تكاتن تذاتت تيرودم أترو تذاتت تلريتلدة تويهتو صعرنإصدي تلصكلنإيه تدتعا‬
‫توتدتعا‪ ,‬يثلم تقاتل‪ :‬تيا تعاصئتشية أتتشتعررأصت أتلن اللته أترفتتاصنإي صفيتما ارس ت رف ترييتيه صفيصه؟!‬
‫أتتتاصنإي ترأيجتلاصن تفتقتعتد أتتحيديهتما صعرنإتد ترأرأصسي توارلآتخيرأ صعرنإتد صرأرجتللي‪ ,‬تفتقاتل أتتحيديهتما صلتصاصحصبصه‪ :‬تما‬
‫توتجيع اللرأيجصل؟ تفتقاتل‪ :‬تمرطيبورب‪ .‬تقاتل‪ :‬تمرن تطلبيه؟ تقاتل‪ :‬تلصبييد ربين ارلتأرعتصصم‪.‬‬
‫تقاتل‪ :‬صفي أتسي تشريدء؟ تقاتل‪ :‬صفي يمرشدط تويمتشاتطدة تويجسفا تطرلصع تنإرختلدة تذتكدرأ‪ .‬تقاتل‪ :‬توأتريتن يهتو؟‬
‫س صمرن أترصتحاصبصه‬ ‫تقاتل‪ :‬صفي صبرئصرأ تذررأتواتن‪ .‬تفتأتتاتها ترأيسويل الللصه تصللى الليه تعتلريصه توتسلتم صفي تنإا د‬
‫س‬ ‫س تنإرخصلتها يرأيءو ي‬‫تفتجاتء تفتقاتل‪ :‬تيا تعاصئتشية تكتألن تماتءتها ينإتقاتعية ارلصحلنإاصء أترو تكتألن يرأيءو ت‬
‫اللشتياصطيصن‪ .‬يقرليت تيا ترأيسوتل الللصه أتتفتلا ارسترخترأرجتيه؟! تقاتل‪ :‬تقرد تعاتفاصنإي الليه تفتكصرأرهيت أترن أيتثسوترأ‬
‫س صفيصه تشنرأا‪ .‬تفتأتمترأ صبتها تفيدصفتنإرت‪ "214‬ا‪.‬هـ‬ ‫تعتلى اللنإا ص‬

‫والغرأيب أنإه لو تأت هذه الرأواية وأمثالها لنإهارأت خرأافة السحرأ‪ ,‬فالنإاظرأ يجد أنإه‬
‫لم تذكرأ أي رأواية أخرأى أن أحدا من الصحابة يسحرأ! وهكذا فإن هؤلء السحرأة‬
‫الجبابرأة لم يفلحوا إل في سحرأ النإبي الكرأيم! وهذا يعنإي واحدة من اثنإتين‪:‬‬
‫إما أنإهم أرأادوا إظهارأ قوتهم وأنإهم أقوى من النإبي فسحرأوه‪ ,‬واكتفوا بذلك‪ ,‬فلم‬
‫يسحرأوا آخرأ‪ ,‬أو أنإهم لم يجدوا من هو أضعفا من النإبي الكرأيم‪ ,‬فسحرأوه‪ ,‬ثم لم‬
‫يفلح سحرأهم مع غيرأه! وكل القولين طامة كبرأى!‬

‫وبغض النإظرأ عن التنإاقضات بين رأوايات الحديث‪ ,‬وعن إساءة الدب مع الرأسول‬
‫بالتعبيرأ عنإه "بالرأجل"‪ ,‬فإن أول ما يلحظه المرأء أن هذه الرأوايات ورأدت عن السيدة‬
‫عائشة فقط‪ ,‬على الرأغم من المفترأض أن الرأسول ذهب مع رأهط من أصحابه إلى‬
‫البئرأ ليستخرأجوا "العمل"‪ ,‬فلماذا سكت الصحابة‪ ,‬مثل سيدنإا علي‪ ,‬الذي قيل أنإه‬
‫استخرأج "العمل"‪ ,‬وتكلمت الزوجة؟!‬
‫إن أي زوجة محبة لزوجها ل تذكرأ له بعد موته إل محاسنإه وتترأحم عليه وتوارأي‬
‫عيوبه‪ ,‬فما بال السيدة عائشة هي التي أظهرأت عيوب النإبي؟! ألم تتعظ من نإهي‬
‫النإبي الكرأيم لها‪ ,‬عنإدما زجرأها عنإدما نإعتت صفية بالقصيرأة؟!‬
‫–ونإحن نإنإزه السيدة عائشة عن هذا البهتان‪ ,‬ونإرأى أنإها لم تقل شيئا من هذا‪ ,‬وإنإما‬
‫يوضع على لسانإها!‪-‬‬

‫‪ 214‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ,‬صحيح البخاري‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ,‬الجزء السابع‪ ,‬ص‪.136.‬‬

‫‪198‬‬
‫كما نإلحظ أن المام مالك لم يرأو هذه الرأوايات‪- ,215‬وكذلك المام الترأمذي وأبو‬
‫داود والدارأمي‪ -‬فإذا كان المام مالك الذي عاش في المدينإة لم يعلم بها‪ ,‬أو علم‬
‫ولكنإها لم تصح عنإده‪ ,‬فإن هذا مرأجح كبيررأ على ضعفا هذه الرأوايات‪.‬‬
‫وعلى الرأغم من كثرأة هذه الرأوايات وتعددها فإن مدارأها على رأجلين اثنإين ليس‬
‫أكثرأ‪ ,‬فهي ليست من المتواترأ في شيء!‬

‫وأعجب من الذين يتمسكون بهذه الرأواية على الرأغم من أنإها لم تحققا شرأط‬
‫الصحة وهو السلمة من الشذوذ‪ ,‬وهي لم تسلم منإه‪ ,‬فلقد خالفت كتاب ال العزيز‬
‫مخالفة صرأيحة‪ ,‬ومن ثم تصبح من الرأوايات الواجبة الرأد‪.‬‬
‫فال تعالى ذكرأ طعن المشرأكين في النإبي وأنإهم قالوا زورأا وبهتانإا أنإه مسحورأ‪:‬‬
‫" لنإرحين أترعتليم صبتما تيرس تصميعوتن صبصه إصرذ تيرس تصميعوتن إصتلريتك توإصرذ يهرم تنإرجتوى إصرذ تييقويل اللظاصليموتن صإن‬
‫ل لمرسيحورأا ]السرأاء ‪"[47 :‬‬ ‫تلتصبيعوتن إصلل ترأيج ل‬
‫" أمسو يتسلَّمقى إللمسيله مكنعز أمسو تمتكوتن لمهت مجانيةع يمأستكتل لمسنمها مومقامل ال ي‬
‫ظاللتمومن لإن تمتيبلتعومن إليل مرأتجالا‬
‫ستحورأاا ]الفرقان ‪"[8 :‬‬ ‫يم س‬
‫سحر طرفة عين لصدقا قول هؤلء‪ ,‬ولما كانوا ظالمين ومن‬ ‫فلَّو كان النبي الكريم ت‬
‫ثم يصبح قول ا غير صحيح!!‬

‫لو كان هذا قد حدث لكان هذا باعثا كبيرأا للشك عنإد الصحابة‪ ,‬فإذا كان الذي يأتيه‬
‫الوحي من السماء غيرأ معصوم‪ ,‬وأصبح مصابا في عقله‪ ,‬فهل يمكن أن يأخذوا‬
‫منإه الدين في هذه الشهرأ الستة –كما ورأد في رأواية أحمد!‪ -‬فلرأبما كان ما يقول‬
‫من الهلوس‪ ,‬ولرأبما كان ما يأتي به طيلة الوقت كان هلوس وليس وحيا!!‬

‫ولن يقتصرأ المرأ على شك الصحابة –المنإطقي‪ -‬وإنإما يمتد لمخالفة قول الرأب‬
‫العليم‪ ,‬الذي قد قال للنإبي‪:‬‬
‫"تيا أتبيتها اللرأيسويل تبسلرغ تما يأنإصزتل إصتلريتك صمن لرأسبتك توصإن لرم ترفتعرل تفتما تبلرغتت صرأتساتلتيه توالبله‬
‫س إصلن الله تل تيرهصدي ارلتقروتم ارلتكاصفصرأيتن ]المائدة ‪"[67 :‬‬ ‫تيرعصصيمتك صمتن اللنإا ص‬
‫فإن كان ال قد ترأك عقل النإبي ليهودي يتلعب به‪ ,‬فأين العصمة؟! لذا نإسأل‬
‫القارأئ الكرأيم‪ :‬هل تصدقا قول الرأب أم تأخذ بغيبة البشرأ للرأسول؟!‬

‫‪ 215‬يإردد السلفيون مقولتهم الشهيرة‪" :‬صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب ا"‪ ,‬وبغض النظر عن أنها مقولة باطلة‪ ,‬لن كتاب ا ل‬
‫يإقارن به كتاب‪ ,‬إل أنني أرى أن موطأ مالك أصح من صحيح البخاري‪ ,‬ويإمكن بشكنل عاما الرجوع إلى موطأ مالك وإلى أقواله لمقارنتها‬
‫بالروايإات المتأخرة التدويإن‪ ,‬لمعرفة المور المحدثة والتي صنسبت إلى الرسول!‬

‫‪199‬‬
‫نإقد رأوايات سحرأ الرأسول‬

‫حتى ل يظل في نإفس القارأئ بقايا تصديقا برأوايات سحرأ الرأسول‪ ,‬نإبين له أن هذه‬
‫الرأواية لم تسلم من النإتقادات‪ ,‬وإنإما انإيتقدت انإتقادات عدة‪ ,‬ورأدها كثيرأون‪-.‬مثل‬
‫ض من أهل السنإة‪-‬‬ ‫فرأقة الشيعة كاملة‪ ,‬وبع ر‬
‫ونإذكرأ هنإا أجزالء منإتقاة من درأاسة طويلة‪ ,216‬أعدها الباحث ظافرأ سعيد نإحاس‪,‬‬
‫ينإقد فيها رأوايات سحرأ الرأسول سنإدا ومتنإا‪ ,‬يظهرأ مواطن ضعفها‪ ,‬واستحالة‬
‫وقوعها في ذلك الزمان‪.‬‬
‫وكنإا قد كتبنإا في نإقد هذه الرأواية‪ ,‬إل أنإنإا رأأينإا أنإه أجاد وأطال‪ ,‬وتنإاولها بتفصيدل‬
‫كبيرأ يستحقا معه أن ييقدم ما قال‪ ,‬فأثبتنإاه هنإا‪.‬‬

‫ذكرت‬ ‫يقول الباحث أنإه أحصى كافة أحاديث سحرأ الرأسول فوجدها قد س‬
‫في ساتة عشر كتابا ا‪ ,‬من هذه الروايات الموصول‬
‫والمنقطع‪ ,‬ثم عرض للرواة الذين رووا هذه الروايات‪,‬‬
‫وبعد أن عرض لكل الطرقا والرواة‪ ,‬خلَّص إلى أن الروايات الموصولة كلَّها تدورأ‬
‫علَّى رأجالَّين اثنين فقط‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫"ليس هناك غير العمش وهشام‪ ،‬أبدا من يروي موصولا حديث سحر يهود‬
‫صوى مشتركة‬ ‫ت ت‬ ‫للَّرسول صلَّى ا علَّيه وسلَّم‪ ,‬فهو حديث آحاد‪ ،‬معنعن ‪ ،‬وقد مومجاد ت‬
‫بين الرجالَّين‪:‬‬
‫‪ -‬فالعمش كوفي ولد سنة ‪ 61‬هـ ومات سنة ‪ 147‬هـ وهو من أم أعجمية‬
‫طبرستانية ‪.‬‬
‫‪ -‬وهشام مدني تعرقن‪) ،‬سكن العراقا( ولد سنة ‪ 61‬هـ ومات سنة ‪ 145‬هـ وهو من‬
‫أم أعجمية خراسانية‪ .‬وكلهما قد افتقد المروءة‪ ،‬التممعيرفمةت لدى رأجاال الحديث ‪.‬‬
‫‪ -‬وكان لقاؤهما في الكوفة‪ (........) ،‬وكان للعمش أساتذة كثر‪،‬رأبما بلَّغوا مائة أو‬
‫أكثر‪ ،‬وكان لهشام أساتذة كثر رأبما بلَّغوا ثلثين أو أكثر – فإذا أنت ذهبت تقاطع‬
‫هؤلء مع هؤلء لم تجد سوى شيخا مشتركا واحداا بينهما هو ‪:‬محمد بن مسلَّم بن‬
‫تدرأس – أبو الزبير السدي – مرو ‪126‬هـ‬
‫ونريد أن نمنح بعض الهتمام لهذا الرجال إذ قد يكون المختبئ ورأاء أورأاقا‬
‫الغرقد؟! )‪ (..........‬لم نجد لبن تدرأس من منبت‪ ،‬ول أين ولد‪ ،‬ول متى ولد‪ ،‬ول‬
‫من أين عسبي‪ ،‬وكيف كانت بداية حياته‪ ،‬بل إن كل شيء يتعلَّق في بدايات حياته كان‬
‫أبكمما‪ ،‬بل قد يكون مريبا م أيضام – اللَّهم إل أنه كان مولى لحكيم بن حزام في مكة‬
‫المكرمة‪ ".‬ا‪.‬هـ‬

‫‪ 216‬الدراسة كاملة موجودة على صفحات موقعنا‪ www.amrallah.com :‬لمن يإرغب في الستزادة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ض لقوال علَّماء الحديث فيهما‪ ,‬وكيف أنهما من المدلسين‪ ,‬جازم بأن‬ ‫وبعد أن عر م‬
‫الرواية لواحد منهما‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫إن العمش وهشام من جايل واحد – ويبدو أنهما من عمر واحد وكل منهما من أم‬
‫أعجمية – فالول ولد بطبرستان ) القريبة من خراسان( من أب وأم طبريين‬
‫والثاني ولد في المدينة من أم خراسانية‪ ،‬أم ولد – وتلدا في نفس العام ‪ ،‬والتقيا في‬
‫الكوفة وكلهما مدلس وماتا متقارأبين ‪ !...‬فهل أوحى العمش لهشام بفكرة سحر‬
‫الرسول صلَّى ا علَّيه وسلَّم ؟!‪ ...‬أم أن ابن تدرأس أوحى لهما بها ‪...‬؟ )‪(......‬‬
‫‪ -‬إن حديث ) اليهود سحروا نبي المسلَّمين ( في الظاهر برقبة اثنين من المدلسين‪،‬‬
‫الول هشام بن عروة بن الزبير‪ ،‬والثاني سلَّيمان بن مهران السدي‪ ،‬أبو محمد‬
‫العمش‪ ".‬ا‪.‬هـ‬

‫ولن أكثر القراء ليست عندهم الدرأاية الكافية بعلَّم مصطلَّح الحديث لم نعرض‬
‫القوال التي ذكرها في هؤلء‪ ,‬واكتفينا بالتعريف بمن تدورأ الروايات علَّيهم‪,‬‬
‫وبالحكم النهائي‪ ,‬حتى تنيسر المر علَّى من يريد البحث في أسانيد هذه الروايات‬
‫الكثيرة‪.‬‬

‫وبعد هذا التناول للَّسند‪ ,‬انتقل لمناقشة المتن فأظهر فيه كثيراا من النقاط‪ ,‬التي تهدم‬
‫هذه الفرية‪ ,‬فمما قال‪:‬‬
‫"الزمن الذي زتعم فيه سحر الرسول صلَّى ا علَّيه وسلَّم‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬حين عودته من الحديبية في ذي الحجة‪ ,‬ودخل المحرم من سنة سبع من‬
‫الهجرة‪ ،‬إذ جااء رأؤساء اليهود لبيد بن العصم فجعلَّوا له ثلثة دنانير‪ ) .‬الطبقات‬
‫الكبرى( وزعموا أنه سرى مفعول هذا السحر أرأبعين يوماا ـ وفي رأواية ستة أشهر‬
‫ـ كما في ) فتح البارأي ( ‪ 10/226 ، 6/125‬ـ ) مجمع الزوائد ( ـ‬
‫أما غزوة الحديبية فكانت في ذي القعدة سنة ‪ /6/‬بل خلف )‪.(......‬‬

‫قالوا سحرت اليهود نبي المسلَّمين‪ ،‬حين عودته من الحديبية ودخل المحرم‪ ،‬وكان‬
‫يتخيل أنه يأتي زوجااته ول يأتيهن! أو أنه يفعل الشيء ول يفعلَّه‪ ,‬من بداية محرم‬
‫وحتى أرأبعين يوما ا ـ وفي نفس هذا الوقت‪ ،‬وفي نفس هذه الساعات كان نبي‬
‫السلم يغزو يهود خيبر‪ ,‬بعد أن طرهر النبي صلَّى ا علَّيه وسلَّم المدينة من كافة‬
‫اليهود الذين كانوا فيها في ‪ /15‬ذي الحجة سنة ‪ 5‬هـ‪ ،‬فكيف يستقيم النقيضان؟"‬

‫وبعد أن عرض لبعض النقاط الخرى مثل‪ ,‬عدم وجاود أي ذكر للَّبيد بن العصم في‬
‫عشرات المئات من كتب الحديث‪ ,‬فلَّم يوجاد إل في هذه الرواية‪ ,‬وكيف أن النبي كره‬
‫أن يثورأ علَّيه الناس فيه شراا‪ ,‬وأن هذا مخالف لفعلَّه في مواقف كثيرة‪ ,‬انتقل إلى‬
‫مسألة أخرى‪ ,‬وهي‪:‬‬
‫"بنو تزمرأسيق من الخزرأج – لم يمتهنوا السحر‪.‬‬
‫زعموا أن الساحر يهودي من بني زرأيق يقال له لبيد بن أعصم )أو العصم( وذلك‬

‫‪201‬‬
‫في كثير من طرقا الحديث ‪.‬‬
‫والحقيقة أن بني زرأيق معمرعب من الخزرأج‪ ،‬وكانت الخزرأج قبل الهجرة محالفة‬
‫ليهود ضد الوس‪ ,‬فلَّما أسلَّموا وتآخى الوس والخزرأج انفك حلَّفهما من اليهود‪,‬‬
‫فقد وجاد من بني زرأيق )الخزرأج( نقباء في بيعة العقبة الولى‪ ،‬كما أن أول مسجد‬
‫تقرء فيه القرآن بالمدينة كان في رأبوع بني زرأيق )مسجد بني زرأيق(‪ -‬وهذا أرأقم‬
‫بن أبي أرأقم في دارأه التي قطعها له الرسول صلَّى ا علَّيه وسلَّم في بني زرأيق ‪،‬‬
‫إذ آخى بينه وبين زيد بن سهل الخزرأجاي من بني النجارأ‪ ،‬وفي غزوة ذي قرد لمع‬
‫اسم عبيد بن زيد بن صامت أخي بني زرأيق" ا‪.‬هـ‬

‫كما عرض لنقطة أخرى جاد خطيرة‪ ,‬وهي مكية المعوذتين‪ ,‬فالمشهورأ أن المعوذتين‬
‫نزلتا بعد سحر النبي‪ ,‬لتيفك بهما سحر النبي‪ ,‬إل أن الناظر في كتب أسباب النزول‬
‫وعلَّوم القرآن‪ ,‬يجد أنها تقول أن السورأتين مكيتان‪- ,‬كما أن صياغة السورأتين‬
‫تقول أنهما من المكي وليس المدني‪ -‬وهذا يعني أنهما نزل قبل وقوع الحادثة‬
‫بزمان طويل‪ ,‬فيكون هذا معول هدم جاديد للَّرواية‪.‬‬

‫ثم ختم الباحث أدلته بلَّطيفة‪ ,‬وهي قوله‪:‬‬


‫"ورأد في سنن النسائي الحديث الشريف الصحيح برقم ‪ 3898‬التالي‪:‬‬
‫أخبرنا قتيبة قال – حدثنا اللَّيث – عن يحيى ‪-‬هو ابن سعيد النصارأي‪ -‬عن عبادة‬
‫بن الوليد بن عبادة بن الصامت – أن عائشة قالت‪ :‬التمست رأسول ا صلَّى ا‬
‫علَّيه وسلَّم فأدخلَّت يدي في شعره فقال‪ :‬قد جااءك شيطانك؟ فقلَّت‪ :‬أمالك شيطان؟‬
‫فقال‪ :‬بلَّى‪ ،‬ولكن ا أعانني علَّيه‪ ،‬فأسلَّم ‪.‬‬
‫فإذا كان ا قد أعان رأسول ا علَّى شيطانه‪ ,‬فكيف ترك ا هذا النسان يسحر‬
‫نبيه؟! وإذا كانوا يقولون أن الساحر إنما يتمكن من النسان بتسخير الجن‪ ,‬وهو‬
‫ليس له سلَّطان علَّى النبي‪ ,‬فكيف سحر النبي؟!‬

‫كان هذا طرفاا مما ذكره بخصوص نقد متن الحديث‪ ,‬ويحق لنا أن نتساءل‪:‬‬
‫أين كان الصحابة رأضوان ال عليهم بعد وقوع الحادثة؟ لماذا لم ينإقل أنإهم أتوا‬
‫عرأفت؟!‬
‫لعيادة النإبي )ص( ما دامت الحادثة قد ي‬
‫ثم لماذا لم يتحرأك عمرأ كعادته ويذهب ليضرأب عنإقا هذا الرأجل؟! لقد كان رأضي ال‬
‫عنإه يغضب للنإبي )ص( لأقل شيء‪ ,‬أفما كان هذا الموقفا يستحقا أن يتحرأك له؟!‬
‫إن هذه العجائب كلها –مضافة إلى معارأضة الرأوايات لكتاب ال‪ -‬كافية لرأد هذه‬
‫الرأوايات‪ ,‬التي تغتاب النإبي العظم‪ ,‬وتوجد مطعنإا للطاعنإين‪ ,‬الذين لن تقنإعهم‬
‫تبرأيرأات السلفيين!‬

‫فمن رأأى بعد ذلك أن من ينإكرأها هو من الزنإادقة –كما قال بعض العلماء– فهو ممن‬
‫ينإطلقون من يقين واحد ثابت عنإده‪ ,‬ول يرأيد أن يتزحزح عنإه‪ ,‬وهو أن كل ما في‬
‫البخارأي صحيح‪ ,‬و لو لم يكن عنإده هذا اليقين لقال بما قلنإا به‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫ولكنإه –تبعا لمشائخه‪ -‬ل يمكنإه أن يقرأ بورأود الضعفا في البخارأي‪ ,‬لنإهم لو أقرأوا‬
‫غدا للقرأارأ بغيرأه وهكذا‬
‫بوجود حديث ضعيفا واحد في البخارأي‪ ,‬فسيضطرأون ل‬
‫حتى تزول هذه الهيبة التي أسقطوها على البخارأي‪. 217‬‬

‫إن ما يثيرأ العجب والحنإقا‪ ,‬هو أن المثبتين للحديث يطعنإون في الذين يرأدونإه‪ ,‬مع‬
‫أن كل الفرأيقين يعملون في جانإب واحد‪ ,‬فالذي يرأد الحديث يرأى أنإه ينإقص من قدرأ‬
‫النإبي )ص( ويتعارأض مع آيات في القرأآن ويطعن في ثبوت الرأسالة وكمالها‪ ,‬فلم‬
‫الطعن في أصحاب هذا القول‪ ,‬ما دام المنإطلقا سليم؟!‬

‫وفي الختام نإقول‪:‬‬


‫لقد اعتبرأ ال تحويل عصا موسى من آياته الكبرأى‪ ,‬وذلك لن مادة العصا قد تغيرأت‬
‫من حال إلى حال‪ ,‬ونإحن نإعدها "معجزة" كبرأى‪ ,‬وعلى الرأغم من ذلك يصدقا بعضنإا‬
‫بأن الساحرأ قادرأ على تحويل الشياء والتأثيرأ فيها!‬
‫وهذا يعنإي أنإه صارأ أفضل من موسى‪ ,‬فسيدنإا موسى لم يكن يعتقد أن معه عصا‬
‫سحرأية يفعل بها ما يحلو له‪ ,‬وإنإما كان يوحى إليه في كل مرأة‪ ,‬أن اضرأب بالعصا‬
‫أو ألقها‪ ,‬فتكون سببا لنإفاذ قضاء ال‪.‬‬

‫أما هذا الساحرأ فعنإده القدرأة من تلقاء نإفسه أن يحول هذا ويؤثرأ في ذاك‪ ,‬بغيرأ‬
‫السنإن التي جعلها ال لكل البشرأ! فييمرأض إنإسانإا أو يمنإعه من ممارأسة الجنإس‬
‫"الرأبط"‪ ,‬أو يقتل آخرأ! بكلمادت يقولها أو بدمية يصنإعها له‪ ,‬ثم يحرأقها أو يخرأقها!‬
‫والعجب كل العجب فيمن ل يزال يصدقا أن هنإاك كلمات إذا قالها النإسان حدث كذا‬
‫وكذا‪ ,‬فهذا النإسان يجعل ال العزيز العظيم –وحاشاه‪ -‬تابعا للساحرأ‪ ,‬مثل جنإي‬
‫المصباح!‬

‫وإنإي أسأل الذين يؤمنإون بأن من أتى ساحرأا أو عرأافا أو كاهنإا فقد كفرأ‪- ,‬تبعا‬
‫للحاديث‪ -‬كما جاء في الحديث الذي رأواه أحمد‪:‬‬
‫"‪ ...‬عن أبي هريرة والحسن عن النبي صلَّى ا علَّيه و سلَّم قال‪ :‬من أتى كاهنا ا أو‬
‫عرافا ا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل علَّى محمد صلَّى ا علَّيه و سلَّم‪ "218.‬ا‪.‬هـ‬
‫والذين يؤمنون أن من علَّق تميمة فقد أشرك‪ ,‬كما جااء في الحديث الذي رأواه أحمد‪:‬‬
‫"‪......‬عن عقبة بن عامر الجهني‪ :‬أن رأسول ا صلَّى ا علَّيه و سلَّم أقبل إليه‬
‫رأهط فبايع تسعة وامسك عن واحد‪ .‬فقالوا‪ :‬يا رأسول ا بايعت تسعة وتركت هذا؟‬
‫‪ 217‬يإمكن للقارئ قراءة نقد تحليلي لمتون أحاديإث بالبخاري في صفحة الدكتور محمد عمراني‪www.alhiwar.org/ar :‬‬
‫حيث يإقوما بمناقشة وتحليل المتون‪ ,‬بعد أن يإعرض للسند طبعا ‪ ,‬تحلي ل‬
‫ل أكثر من دقيق‪ .‬وللدكتور عمراني تأصيل جديإد لعلم مصطلح‬
‫الحديإث‪ ,‬قضى به على العلل التي أصابت هذا العلم عن طريإق التساهل في الشروط التي وضعها المحدثون‪ ,‬ولقد عرضت هذا المنهج‬
‫باختصار في كتابي‪ :‬القرآنيون مصلحون أما هادمون‪ ,‬فيمكن الرجع إليه هناك‪ ,‬أو على صفحات موقعه الشخصي‪.‬‬
‫‪ 218‬أحمد بن حنبل‪ ,‬المسند‪ ,‬الجزء الثاني‪ ,‬ص‪.429.‬‬

‫‪203‬‬
‫قال‪ :‬إن علَّيه تميمة‪ .‬فادخل يده فقطعها‪ ,‬فبايعه‪ .‬وقال‪ :‬من علَّق تميمة فقد‬
‫أشرك‪ "219‬ا‪.‬هـ‬

‫لقد اعتتبر المصدقا للَّكاهن والعراف كافراا لنه كفر بأن الغيب ل –كما قال في‬
‫كتابه‪ -‬وصدقا أن هذا النسان يعلَّم الغيب‪ ,‬وكذلك اعتتبر من علَّق تميمة مشركا ا لنه‬
‫ظن أن هذا الشيء يجلَّب النفع ويدفع الضر‪ ,‬أفل يكون المصدقا بالسحر كذلك؟!‬
‫العجيب أننا رأفضنا أن يعلَّم الكاهن والعراف الغيب‪ ,‬وقبلَّنا أن يتحكم الساحر في‬
‫الطبيعة والبشر كما يحلَّو له! واعتبرنا من يصدقا الكاهن كافر‪ ,‬بينما التصديق‬
‫بالساحر من اليمان‪ ,‬فعلَّينا أن نصدقا به! إل أن علَّينا أل نذهب إليه!‬
‫وأنا أقول أن من يصدقا بقدرأة للَّساحر –غير الخداع والتخييل‪ -‬فهو مشرك!‬

‫الخاتمة‬

‫وهنإا نإدعو القارأئ للتقاط أنإفاسه مجددا‪ ,‬فالرأحلة التي دعونإاه لصطحابنإا فيها في‬
‫عوالم الغموض والخرأافة قد انإتهت‪ ,‬وها نإحن قد وصلنإا إلى النإهاية!‬
‫ونإظن –وبعض الظن ليس إثما‪ -‬أنإنإا أفلحنإا في تقويض الخرأافات المعرأوضة بشأن‬
‫الكائنإات السماعية‪ ,‬والمنإسوبة إلى السلم‪ ,‬وبلينإا كيفا سيطرأت التصورأات‬
‫الخرأافية الموجودة قبل القرأآن على فهم آياته‪ ,‬فأصبح كأن السلم جاء مؤيدا‬
‫للخرأافات الموجودة عنإد العرأب الجاهليين‪ ,‬ولغيرأهم من المم الوثنإية الخرأى!‬

‫بلينإا كيفا حدثت عملية "النإزياح الدللي" للكلمة المحورأية لهذا الموضوع "الجن"‪,‬‬
‫لن العرأب لم يجعلوا القرأآن معيارأا لكلمهم‪ ,‬والذي نإفى نإفيا قطعيا وجود خلقا‬
‫كهذا‪ ,‬أو على أقل تقديرأ لم يتحدث عنإه‪ ,‬فساد التصورأ الجاهلي وانإتشرأ‪ ,‬بسبب‬
‫تقبل المسلمين الجدد لما ينإقل عن العرأب‪ ,‬وكان من بين ما ينإقل عن العرأب وجود‬
‫كائن اسمه جن‪ ,‬له عالم عجيب! وللما وجدوا أن القرأآن قد تكلم عن الجن‪ ,‬فقالوا‬
‫أن هذا هو ذاك‪ .‬وبهذا أصبحت الكلمة يتفهم بشكل آخرأ مطابقا للتصورأات الخرأافية‪,‬‬
‫بعد أن كانإت يتستعمل بشكل صحيح مطابقا لبنإائها‪.‬‬

‫لبس كبيرأ بين الشياطين‬


‫كما بلينإا كيفا حدث ‪-‬بسبب هذا الزاحة الدللية المقسيدة‪ -‬ر‬
‫والجن والملئكة والنإسان‪ ,‬فأصبحنإا نإجد كثيرأا –في أقوال العلماء‪ -‬تداخ ل‬
‫ل بين‬
‫الجن والشياطين‪ ,‬ول يستطيعون أن يفرأقوا بينإهما!‬
‫كما رأأينإا كيفا أصبح من المستغرأب إطلقا كلمة "الجن" أو "الجنإة" على الملئكة‪,‬‬
‫‪ 219‬المرجع السابق‪ ,‬الجزء الرابع‪ ,‬ص‪.156.‬‬

‫‪204‬‬
‫وأكثرأ استغرأابا ورأفضا أن يتطلقا على البشرأ! على الرأغم من أنإها اسيتعملت بهذا‬
‫المدلول‪ ,‬ول نإزال نإستعملها‪ ,‬فنإقول‪ :‬فلن جن!‬

‫وبلينإا كيفا أن النإقطة الفاصلة هي تسمية هذه الكلمة‪ ,‬فهم يرأون أنإها اسم ونإحن‬
‫نإرأى أنإها نإعت‪ ,‬يصدقا على ما يوافقا مدلوله‪ ,‬فالشياطين تينإعت بأنإها جن‪,‬‬
‫والملئكة كذلك تينإعت بأنإها جن‪ ,‬والبشرأ فيهم جن وشياطين‪ .‬وبسبب عمومية‬
‫الكلمة حدث تداخل بين هذا الصنإافا‪ ,‬ولم يميز ‪-‬من ضاعت سليقتهم العرأبية‪-‬‬
‫بينإها‪ ,‬فنإتج عن ذلك وجود صنإفا زائد و هو الجن المكلفا‪ ,‬أو ما يتعارأفا عليه‬
‫المسلمون ب"العفارأيت"‪.‬‬

‫وكما بلينإا أن التصورأ العبثي الجاهلي للجن‪ ,‬والذي ينإسب إلى السلم لحقا ل‬
‫يتنإاسب مع جلل ال‪ ,‬وأن القول به إساءة إلى ال تعالى وانإتقاص من قدرأه‪,‬‬
‫وتكذيب بكتابه‪ ,‬الذي تصرأح آياته أن النإسان هو الكائن الوحيد المكلفا في‬
‫الرأض‪ ,‬والملئكة تساعده وتهديه بأمرأ ال‪ ,‬والشياطين –الذين كانإوا في الصل‬
‫ملئكة ثم تشيطنإوا– تغويه وتضله‪ ,‬وأن لكدل عالمه‪ ,‬وليس هنإاك أي تداخل مادي‬
‫بين هذه العوالم‪ ,‬إل في حدود ما يرأيد ال ويأذن به! ولم يحدث إل مرأة واحدة –‬
‫وكانإوا مسخرأين لنإبي عظيم‪.‬‬

‫كما بلينإا كيفا أن المسلمين جعلوا الجن المكلفا! الذي ييفترأض أنإه يعيش في عالمنإا‪,‬‬
‫يقوم ببعض العمال‪ ,‬التي جعلها ال من آياته البلينإات‪ ,‬جعلوها من الفعال العادية‬
‫للجن‪ ,‬فجعلوه يخلقا ويخلقا ثم يخلقا! ولم يرأوا في قولهم هذا شائبة شرأك!‬
‫وهكذا ساد الفكرأ الخرأافي وتحكم في المسلمين‪ ,‬وأبعدهم عن الفكرأ العلمي ومنإهجه‬
‫والذي جاء به القرأآن‪.‬‬

‫كما عرأضنإا لعدد من الخرأافات التي يزعم أن الجن تفعلها‪ ,‬وبلينإا أنإها أقوال متهافتة‪,‬‬
‫يظهرأ عورأها لكل ذي عينإين‪ ,‬وأنإها ل تحتاج إل إلى قليدل من التفكرأ‪ ,‬وأنإها ما يكتب‬
‫لها البقاء إل لن البشرأ يميلون إلى تصديقا الغوامض والغرأائب‪ ,‬وأنإها لكثرأتها‬
‫سانإدت بعضها بعضا‪ ,‬فأصبحت الخرأافة تقوي وتؤكد خرأافات أخرأى‪ ,‬وأصبح عدد‬
‫ل على صدقها! فالعبرأة عنإد أكثرأ النإاس‬ ‫البشرأ الكثيرأ‪ ,‬المصدقين لهذه الخرأافة‪ ,‬دلي ل‬
‫بكثرأة المصدقين! على الرأغم من أن رأبنإا العليم قد عللمنإا أن العبرأة ليست بالكثرأة‪,‬‬
‫وأنإها قد تكون من أكبرأ وسائل الضلل!!‬

‫كما أظهرأنإا العدو الحقيقي لنإا‪ ,‬والذي أصبح أكثرأ البشرأ –مسلمون وغيرأ مسلمين‪-‬‬
‫يعبدونإه من دون ال‪ ,‬وهو‪ :‬الجن )المترأفون‪/‬كبارأ رأجال الدين‪/‬السياسيون(!‬
‫فهؤلء أصبحوا معبودات هذا العصرأ‪ ,‬الذين يتقرأب النإاس إليهم زلفى‪ ,‬ويفنإون‬
‫عمرأهم من أجل إرأضائهم‪ ,‬والحصول على الفتات الذي يلقونإه لهم! فأصبح أكثرأ‬

‫‪205‬‬
‫النإاس عنباد للجن‪ ,‬أولياء للشياطين‪ ,‬وهم ل يدرأون ول يشعرأون‪ ,‬ويظنإون أنإهم‬
‫يعبدون ال وحده‪ ,‬وما عبدوه وما سألوه!!‬

‫وللما يعبد الجن من دون ال‪ ,‬سيطرأوا على مجتمعاتنإا‪ ,‬وأصبحوا يتحكمون فيها كما‬
‫يحلو لهم‪ ,‬يشرأعون على خلفا شرأع ال‪ ,‬ويسنإون القوانإين التي تخدم مصالحهم‪,‬‬
‫وأصبح العوام عبيدا لهم‪ ,‬يعبدونإهم ويدعونإهم ويتوسلون إليهم ويرأجون منإهم‬
‫الرأزقا! ونإسوا أن ال هو الذي يرأزقا‪ ,‬وأنإه يرأزقهم كما يرأزقا أسيادهم‪ ,‬فهو‬
‫الرأزاقا ذو القوة المتين!‬
‫لذا فإنإنإا نإدعو المسلمين المؤمنإين برأبهم وبكلمته إلى أل يصبحوا عابدين للسادة‬
‫والكبرأاء‪ ,‬فسيتبرأءون منإهم في اليوم الخرأ ولن يخففوا عنإهم يوما من العذاب‪.‬‬
‫نإدعوهم أن يعبدوا ال حقا العبادة‪ ,‬وأن يتخذوا إلها‪ ,‬ويرأجون إليه الوسيلة‪ ,‬فبيده‬
‫وحده الخلقا والمرأ! فإذا فعلنإا ذلك لم يكن لهؤلء ول للشياطين علينإا أي سلطان‪,‬‬
‫ونإكون من عباد ال المستحقين أن يتمسكن لنإا في الرأض‪.‬‬

‫وفي الختام أدعو كل إخوانإي المؤمنإين بكتاب ال‪ ,‬الذين يقدمونإه على كلم النإاس‬
‫على الخرأافات وعلى قيل وقال‪ ,‬أدعوهم إلى أن يفيقوا وينإتبهوا من غفلتهم‪ ,‬وأل‬
‫يخشوا الجن الخرأافي‪ ,‬فليس له وجود ول تأثيرأ في حياتهم‪ ,‬وإنإما كل الثرأ من‬
‫المترأفين‪ ,‬الذين يفسدون في الرأض! فمع هؤلء يجب أن تكون المعرأكة الحقيقة!‬

‫نإدعوهم إلى أن يدرأكوا العالم حولهم‪ ,‬ودورأهم فيه! فلقد خلقهم ال بشرأا‪ ,‬وجعلهم‬
‫خلفاء الرأض‪ ,‬وأمدهم بوحيه ليعرأفهم طرأيقه‪ ,‬وجعل لهم منإزلة عظمى‪ ,‬وجعل‬
‫الملئكة قائمين علينإا! وعلى النإسان أن يشقا طرأيقه معتمدا على نإفسه‪ ,‬متبعا‬
‫لنإورأ ال‪ ,‬فلقد جعله سيد هذا الكون‪ ,‬وليس عبدا لجن مزعوم!!‬

‫أنإا أعلم أن هذا الرأأي سيسبب صدمة كبيرأة للقارأئ‪ ,‬وفي الغالب لن يتقبله‪..‬‬
‫بسهولة!‪ ,‬ولكنإي أدعوه إلى أن يقارأن بين ما قلنإا به وبين ما قاله الخرأون بمنإطقا‬
‫العقل!‬
‫نإدعوه أن ل يحمله إلفا القديم على رأفض الجديد‪ ,‬فليس القديم دوما هو الصواب!‬
‫ونإحن لسنإا بالعجولين‪ ,‬فما سيرأفضه القارأئ اليوم سيسلم به غدا بإذن ال‪.‬‬
‫لقد آن الوقت ليكون عنإدنإا الجرأأة والشجاعة لنإبذ الخرأافة‪ ,‬وإعلن تبرأأنإا منإها‪,‬‬
‫ولفهم معرأكتنإا الحقيقة والستعداد لها ‪ ...‬وأول خطواتها أن نإبرأأ من كل شرأك‬
‫ونإخلص عبادتنإا ل‪ ...‬فل نإعبد‪ ...‬الجن!‬

‫كان الفرأاغ من هذا الكتاب –بفضل ال وعونإه‪ -‬في يوم الثنإين‪ ,‬لست وعشرأين‬
‫خلون من شهرأ جمادى الولى‪ ,‬في عام واحد وثلثين وأرأبعمائة وألفا بعد الهجرأة‬
‫النإبوية‪ ,‬الموافقا للعاشرأ من شهرأ مايو في عام عشرأ وألفين بعد ميلد المسيح‬
‫عليه السلم‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫للتواصل مع الكاتب يرأجى زيارأة موقعه الشخصي‪:‬‬
‫‪www.amrallah.com‬‬

‫سرد لهم المراجاع‬

‫* القرآن الكريم‪.‬‬
‫* الكتاب المقدس‪.‬‬
‫* الكتاب المقدس‪ ,‬ترجامة ألمانية‪ ,‬شتوتجارأت ‪ ,1985‬طبعة‪Deutsche :‬‬
‫‪ Bibelgesellschaft‬تبعا ا لترجامة مارأتن لوتر‪.‬‬

‫كتب التفسير‪:‬‬
‫* أبو عبد ا محمد القرطبي‪ ,‬تفسير الجامع لحكام القرآن‪ ,‬تحقيق‪ :‬هشام سمير‬
‫البخارأي‪ ,‬دارأ عالم الكتب‪ ,‬الرياض ‪.2003‬‬
‫* فخر الدين محمد بن عمر الرازي‪ ,‬تفسير مفاتيح الغيب‪ ,‬الطبعة الولى ‪,2000‬‬
‫دارأ الكتب العلَّمية‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫* محمد بن جارير الطبري‪ ,‬جاامع البيان في تأويل القرآن‪ ,‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد‬
‫شاكر‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,2000‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫* محمد رأشيد رأضا‪ ,‬تفسير المنارأ‪ ,‬الهيئة المصرية العامة للَّكتاب‪.1990 ,‬‬
‫* محمد البهي‪ ,‬تفسير سورأة الكهف‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,1977‬مكتبة وهبة‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫* محمد البهي‪ ,‬تفسير سورأة النمل‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,1978‬مكتبة وهبة‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫كتب الحديث‪:‬‬

‫‪207‬‬
‫* أحمد بن الحسين البيهقي‪ ,‬سنن البيهقي الكبرى‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادرأ عطا‪,‬‬
‫مكتبة دارأ الباز –مكة‪.1994 -‬‬
‫* أحمد بن الحسين البيهقي‪ ,‬دلئل النبوة‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد المعطي قلَّعجي‪ ,‬الطبعة‬
‫الولى ‪ 1405‬هـ‪ ,‬دارأ الكتب العلَّمية‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫* أحمد بن شعيب النسائي‪ ,‬سنن النسائي الكبرى‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد الغفارأ سلَّيمان‬
‫البندارأي وسيد كسروي حسن‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,1991‬دارأ الكتب العلَّمية‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫* سلَّيمان بن أحمد الطبراني‪ ,‬مسند الشاميين‪ ,‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد السلَّفي‪,‬‬
‫الطبعة الولى ‪ ,1405‬مؤسسة الرسالة‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫* محمد بن إسماعيل البخارأي‪ ,‬صحيح البخارأي‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر‬
‫الناصر‪ ,‬الطبعة الولى ‪ 1422‬هـ‪ ,‬دارأ طوقا النجاة‪ -‬السعودية‪.‬‬
‫* مسلَّم النيسابورأي‪ ,‬صحيح مسلَّم‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬دارأ إحياء‬
‫التراث العربي‪ -‬بيروت‪) .‬بدون تارأيخ(‬

‫معاجام لغوية‪:‬‬
‫* أحمد بن فارأس‪ ,‬معجم مقاييس اللَّغة‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد السلم محمد هارأون‪ ,‬دارأ‬
‫الجيل‪ ,‬بيروت ‪.1999‬‬
‫* جامال الدين بن منظورأ‪ ,‬معجم لسان العرب‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد ا الكبير ومحمد حسب‬
‫ا وهاشم الشاذلي‪ ,‬دارأ المعارأف‪ -‬القاهرة ‪.1979‬‬
‫مراجاع عامة‪:‬‬
‫* إبراهيم كمال أدهم‪ ,‬السحر والسحرة من منظارأ القرآن والسنة‪ ,‬الطبعة الولى‬
‫‪ ,1991‬دارأ الندوة السلمية‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫* أحمد بن عبد الحلَّيم بن تيمية‪ ,‬مجموع الفتاوى‪ ,‬تحقيق‪ :‬أنورأ الباز وعامر‬
‫الجزارأ‪ ,‬الطبعة الثالثة ‪ ,2005‬دارأ الوفاء‪.‬‬
‫* البابا شنودة الثالث‪ ,‬الرأواح بين الدين وعلَّماء الروح‪ ,‬الطبعة الثانية ‪,2006‬‬
‫الكلَّية الكلَّيريكية بالكاتدرأائية الكبرى بالعباسية‪.‬‬
‫* بدرأ الدين الشبلَّي‪ ,‬آكام المرجاان في أحكام الجان‪ ,‬تحقيق‪ :‬إبراهيم محمد الجمل‪,‬‬
‫مكتبة القرآن‪ -‬القاهرة )بدون تارأيخ(‬
‫* جالل الدين السيوطي‪ ,‬لقط المرجاان في أحكام الجان‪ ,‬تحقيق‪ :‬مصطفى عاشورأ‪,‬‬
‫مكتبة القرآن‪ -‬القاهرة‪) .‬بدون تارأيخ(‪.‬‬
‫* جاواد علَّي‪ ,‬المفصل في تارأيخ العرب قبل السلم‪ ,‬جاامعة بغداد‪ ,‬الطبعة الثانية‬
‫‪.1993‬‬
‫* جاورأج بوزنر وآخرون‪ ,‬معجم الحضارأة المصرية القديمة‪ ,‬ترجامة‪ :‬أمين سلمة‪,‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للَّكتاب‪ ,‬من إصدارأات مكتبة السرة ‪.1996‬‬
‫* جامال الدين القاسمي‪ ,‬مذاهب العراب وفلسفة السلم في الجن‪ ,‬مؤسسة‬
‫قرطبة‪ -‬الجيزة‪.‬‬
‫* خزعل الماجادي‪ ,‬الدين المصري‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,1999‬دارأ الشروقا‪ -‬الرأدن‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫* خزعل الماجادي‪ ,‬المعتقدات الكنعانية‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,2001‬دارأ الشروقا‪-‬‬
‫الرأدن‪.‬‬
‫* خزعل الماجادي‪ ,‬متون سومر‪ :‬الكتاب الول‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,1998‬الهلَّية للَّنشر‬
‫والتوزيع‪ -‬الرأدن‪.‬‬
‫* حسين عبد الواحد‪ ,‬عبدة الشيطان علَّى ضفاف النيل‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,1998‬مركز‬
‫الحضارأة العربية‪ ,‬القاهرة‪.‬‬
‫* حلَّيمة خالد رأشيد‪ ,‬الجن في الشعر الجاهلَّي‪ ,‬رأسالة ماجاستير في اللَّغة العربية‪,‬‬
‫جاامعة النجاح الوطنية‪ ,‬نابلَّس‪-‬فلَّسطين‪.2005 ,‬‬
‫* زكريا بن محمد القزويني‪ ,‬عجائب المخلَّوقات والحيوانات وغرائب الموجاودات‪,‬‬
‫الطبعة الولى ‪ ,2000‬مؤسسة العلَّمي للَّمطبوعات‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫* عباس العقاد‪ ,‬إبلَّيس‪ ,‬دارأ نهضة مصر‪ -‬القاهرة‪.1985 ,‬‬
‫* عبد الرزاقا نوفل‪ ,‬عالم الجن والملئكة‪ ,‬دارأ الشعب‪ -‬القاهرة‪.1968 ,‬‬
‫* عبد ا عبد الجبارأ‪ ,‬محمد عبد المنعم خفاجاي‪ ,‬قصة الدب في الحجاز في العصر‬
‫الجاهلَّي‪ ,‬مكتبة الكلَّيات الزهرية ‪ ,1980‬القاهرة‪.‬‬
‫* عبد ا كمال‪ ,‬تجربة شخصية مع عبدة الشيطان‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,1997‬دارأ‬
‫الخيال – القاهرة‪.‬‬
‫* عبد العزيز بن صالح العبيد السلَّمي‪ ,‬تفسير آيات القرآن عن علقة الملئكة‬
‫بالنسان )رأسالة دكتورأاة( كلَّية القرآن الكريم بالجامعة السلمية بالمدينة المنورأة‪,‬‬
‫‪ 1411‬هـ‪.‬‬
‫* عبد المحسن صالح‪ ,‬النسان الحائر بين العلَّم والخرافة‪) ,‬سلَّسلَّة عالم المعرفة‪:‬‬
‫العدد الخامس عشر ‪ ,(1979‬المجلَّس الوطني للَّثقافة والفنون والداب‪ -‬الكويت‪.‬‬
‫* عمرو الشاعر‪ ,‬نشأة النسان بين التورأاة والقرآن ونظرية دارأون‪ ,‬الطبعة الولى‬
‫‪ ,2010‬مكتبة النافذة‪ -‬الجيزة‪.‬‬
‫* عبد الملَّك بن هشام‪ ,‬السيرة النبوية‪ ,‬تحقيق‪ :‬طه عبد الرءوف سعد‪ ,‬الطبعة‬
‫الولى ‪ 1411‬هـ‪ ,‬دارأ الجيل‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫* عمرو الشاعر‪ ,‬قراءة لسورأ الطعن‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,2009‬مكتبة النافذة‪ -‬الجيزة‪.‬‬
‫* عمرو الشاعر‪ ,‬عقائد السلميين بين وحدة المنهج وتباين الحكام‪ ,‬الطبعة‬
‫الولى ‪ ,2008‬مكتبة النافذة‪ -‬الجيزة‪.‬‬
‫* عمرو الشاعر‪ ,‬السوبرمان بين نيتشه والقرآن‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,2009‬مكتبة‬
‫النافذة‪ -‬الجيزة‪.‬‬
‫* عمرو بن بحر الجاحظ‪ ,‬الحيوان‪ ,‬تحقيق‪ :‬عبد السلم محمد هارأون‪ ,‬دارأ الجيل‪-‬‬
‫بيروت ‪.1996‬‬
‫* فارأس خضر‪ ,‬العادات الشعبية بين السحر والجن والخرافة )كتاب مجلَّة الذاعة‬
‫والتلَّيفزيون(‪ ,‬يناير ‪.2008‬‬
‫* فراس السواح‪ ,‬الرحمن والشيطان‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,2000‬دارأ علء الدين‪-‬‬
‫دمشق‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫* كمال الدين محمد الدميري‪ ,‬حياة الحيوان الكبرى‪ ,‬تحقيق‪ :‬أحمد حسن بسج‪,‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ ,2003‬دارأ الكتب العلَّمية‪ ,‬بيروت‪.‬‬
‫* مجدي صادقا‪ ,‬عبادة الشيطان )ضد المسيح( الطبعة الولى ‪.1998‬‬
‫* مجدي محمد الشهاوي‪ ,‬تحضير الرأواح وتسخير الجان بين الحقيقة والخرافة‪,‬‬
‫مكتبة القرآن‪ -‬القاهرة )بدون تارأيخ(‪.‬‬
‫* محمد سيد أحمد المسير‪ ,‬عبادة الشيطان في البيان القرآني والتارأيخ النساني‪,‬‬
‫الطبعة الولى ‪ ,1998‬المنصورأة‪.‬‬
‫* محمد بن عبد الوهاب العقيل‪ ,‬معتقد فرقا المسلَّمين واليهود والنصارأى‬
‫والفلسفة والوثنيين في الملئكة المقربين‪ ,‬الطبعة الولى ‪ ,2002‬أضواء السلَّف‪-‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫* محمد عيسى داود‪ ,‬الخيوط الخفية بين المسيخ الدجاال وأسرارأ مثلَّث برمودا‬
‫والطباقا الطائرة‪ ,‬دارأ البشير‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫* محمد متولي الشعراوي‪ ,‬الشيطان والنسان‪ ,‬قطاع الثقافة‪ -‬دارأ أخبارأ اليوم‪.‬‬
‫* محمد محمد حسين‪ ,‬الروحية الحديثة دعوى هدامة‪ ,‬تحضير الرأواح وصلَّته‬
‫بالصهيونية العالمية‪ ,‬مؤسسة الرسالة )بدون تارأيخ(‪.‬‬
‫* مروة عماد الدين‪ ,‬الرحلت المفقودة عند مثلَّث برمودا جازرأ الشيطان المخيفة‪,‬‬
‫دارأ الطلئع‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫* وحيد عبد السلم بالي‪ ,‬وقاية النسان من الجن والشيطان‪ ,‬الطبعة العاشرة‬
‫‪ ,1997‬مكتبة التابعين‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫الفهرست‬

‫‪........................................................................‬تقديم‬
‫الباب الول‪ :‬تصورأ الجنة قبل السلم ‪....................................‬‬
‫الفصل الول‪ :‬في الحضارأات القديمة ‪......................................‬‬
‫سمعيات ‪........................................................................‬‬
‫كائنات بشرية حيوانية ‪.......................................................‬‬
‫أرأباب وشياطين ‪...................................................................‬‬
‫في الحضارأة المصرية القديمة ‪...................................................‬‬
‫عند الكنعانيين ‪.......................................................................‬‬
‫عند السومريين ‪.......................................................................‬‬
‫عند الغريق ‪..............................................................................‬‬
‫في الحضارأة الهندية القديمة ‪...........................................................‬‬
‫في اليهودية ‪................................................................................‬‬
‫في المسيحية ‪................................................................................‬‬
‫عبادة الشيطان ‪..............................................................................‬‬

‫‪210‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الجن في الجاهلَّية ‪.........................................................‬‬
‫أصناف الجن ‪..................................................................................‬‬
‫الغول ‪...........................................................................................‬‬
‫مجتمعات الجن ‪.................................................................................‬‬
‫شياطين الشعر ‪..................................................................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬اللجنة في السلم ‪................................................................‬‬
‫الفصل الول‪ :‬تعريفات وتصورأات ‪...........................................................‬‬
‫تقديم ‪................................................................................................‬‬
‫تصورأ الملئكة ‪....................................................................................‬‬
‫هل الملئكة مسيرون ‪............................................................................‬‬
‫الشيطان ‪............................................................................................‬‬
‫إبلَّيس ‪...............................................................................................‬‬
‫الجن ‪................................................................................................‬‬
‫أقوال الفلسفة في الجن ‪........................................................................‬‬
‫الجان ‪ ..‬واللجنة ‪..................................................................................‬‬
‫"كان من الجن" ‪................................................................................‬‬
‫إشكاليات وحلَّول ‪..................................................................................‬‬
‫النسان والنس ‪...................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ا والجن ‪........................................................................‬‬
‫هل خلَّق ا الجن‪.................................................................................‬‬
‫الجن والشريعة ‪................................................................................‬‬
‫هل يمكن وجاود جان كافر ‪......................................................................‬‬
‫‪ ..................................................................................‬القرآن ‪ ..‬والجن‬
‫الجن والجزاء ‪.....................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الجن في القرآن ‪................................................................‬‬
‫سورأة الجن‪.......................................................................................‬‬
‫التصورأ العام لسورأة الجن‪.....................................................................‬‬
‫الشيء وما يتضمنه‪.............................................................................‬‬
‫جان‪ ....‬مسيحي! ‪................................................................................‬‬
‫ما هي السورأة التي استمعوا إليها؟ ‪.........................................................‬‬
‫رأجاال الجن ‪.......................................................................................‬‬
‫لمس السماء ‪.....................................................................................‬‬
‫تملَّك سلَّيمان في الكتب القديمة ‪...............................................................‬‬
‫شياطين أم نجارأون ‪............................................................................‬‬
‫الجن في سبأ ‪ ...‬وأعماله ‪....................................................................‬‬
‫تفسير الدكتورأ محمد البهي ‪................................................................‬‬
‫الجن في سورأة النعام ‪......................................................................‬‬

‫‪211‬‬
‫الجن في سورأة العراف ‪...................................................................‬‬
‫الجن في سورأة سبأ ‪........................................................................‬‬
‫الجن في سورأة فصلَّت ‪..................................................................‬‬
‫الجن في سورأة الحقاف ‪................................................................‬‬
‫الجن في سورأة الذارأيات ‪..................................................................‬‬
‫الجن في سورأة الرحمن ‪..................................................................‬‬
‫هل الشيطان ليس إبلَّيس ‪...................................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الجن في الروايات ‪........................................................‬‬
‫رأوايات عن سورأة الجن ‪.....................................................................‬‬
‫رأوايات جان البشر ‪............................................................................‬‬
‫رأوايات من الجاهلَّية! ‪.........................................................................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬أقاويل ‪........................................................................‬‬
‫الفصل الول‪ :‬غرام ‪ ...‬واختطاف ‪........................................................‬‬
‫خرافة‪ ..‬واختطافه ‪........................................................................‬‬
‫نكاح الجن للنسان ‪.......................................................................‬‬
‫مثلَّث برمودا‪ ..‬والشيطان ‪.................................................................‬‬
‫هدم الكذوبة ‪...............................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مس الجن النسان ‪.......................................................‬‬
‫مس الشيطان أيوب ‪...................................................................‬‬
‫تحكيم الروايات ‪.......................................................................‬‬
‫سلَّطان الشيطان ‪........................................................................‬‬
‫أسباب المس ‪............................................................................‬‬
‫القرآن شفاء أم عذاب ‪.................................................................‬‬
‫تحضير الرأواح‪ ...‬والجان ‪................................................................‬‬
‫القرين ‪........................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬السحر‪ ..‬والجان ‪...........................................................‬‬
‫تعريف السحر ‪............................................................................‬‬
‫هارأوت ومارأوت ‪ ....‬ومحمد ‪.............................................................‬‬
‫الية من منظورأ آخر ‪......................................................................‬‬
‫النفاثات في العقد ‪.............................................................................‬‬
‫سحر الرسول فقط ‪............................................................................‬‬ ‫ت‬
‫نقد رأوايات سحر الرسول ‪...................................................................‬‬
‫الخاتمة ‪.........................................................................................‬‬
‫سرعد لهم المراجاع‪............................................................................‬‬

‫‪212‬‬

You might also like