Professional Documents
Culture Documents
1
صأــورة مغلوطــة عــن الغزالــي ومــا يحملــه مــن أفكــار ،ممــا أدى إلــى تضــييق الخنــاق عليــه
ومحاصأرة مؤلفاته ،وعدم إطلعهم على المصادر الساسية التي كتبها القدماء عنه ،وهذا كله
من أسباب فشلهم في إعطاء دراسة ميدانية عن الغزالي و مؤلفاته.
و إن الباحثين المحدثين سواء كانوا من السلميين أو المستشرقين الذين شــاركوا فــي
الدراسة و البحث عن الغزالــي كــثيرون ،ومــن المستشــرقين الــذين كتبــوا عــن حيــاة الغزالــي
1
أمثالا " :كرادي فو ،وبروكلمن ،وبول كراوس ،وهمري كروبان ،وغيرهم"...
و لكن بحوث هــؤلاء و أولئــك لــم تســتطع أن تكشــف عــن غمــوض تاريــخ شخصــية و ســيرة
الغزالي الزمنية و الفكرية و العلمية ،خصوصأــا الجتماعيــة و السياســية و القتصــادية-علــى
سبيل المثالا -لم نجد من المؤرخين من يكشف عن هوية وشخصية الشيخ الذي ربــى الغزالــي
بعد وفاة أبيه ،وإســمه ونســبه ،مــع أن هــذا الشــخص –علــى مــا نــرى -هــو أولا مــن أثــر فــي
شخصية الغزالي ،ثم ما نعرفه لا يزيد عن قولهم :إنه رجل صأالح ومن كبار الصوفية ،وهكذا
عن نسب أبويه ،و أخواته ،وزوجته ،و أبنائه ،و أصأولا نسبه عربية أم فارسية وما إلى ذلك.
و في الحقيقة إن تاريخ الغزالي في كل لحظة من لحظاتا حياته ،و في كل محطة من محطاته
العلمية منذ نيسا بور إلى بغداد ثم إلــى طــوس مــرة ثانيــة لا يخلــو عــن حركتــه ونضــاله فــي
إصألحا وتكوين قضايا عصره.
ومن هنـا نقصـد بهـذا البحـث الكشـف وتحقيـق أفكـاره ومـواقفه ونضـاله ،مـن خللا تجربتـه
الصوفية التي يجهلها بعض الباحثين و القراء.
وحتى يكون هذا البحث أكثر دقة وموضوعية وتفصيل ،ومحيطا بكل الجــوانب ،ســلكت فــي
منهج كتابته هذا التقسيم التالي:
وهكذا قسمت بحثي إلى ثلثة مباحث ،وكل مبحــث يضــم أربــع مطــالب ،خصصــت المبحــث
الاولا :لترجمــة الغزالــي ،و الــتي تــم مــن خللهــا تنــــــــاولا جوانــــب مــن حيـــاة الغزالــي
وصأفـــاته و أخلقه ورحلته العلمية وتأثره بعصــره ،و المبحــث الثــاني :خصصــته للتصــوف
السلمي ،وضرورة معرفة معنى الصوفية و التصوف ،ونشأته ،وحقيقته ،و النظرياتا الـتي
قيلت في أصأله.
1
عارف تامر ،الغزالي بين الفلسفة والدين ،رياض ريس للكتب ،بيروتا لبنان ،ص.1:
2
أما المبحث الثالث والخير -وهو بيت القصيد -و الذي عنونته بـ"تجربة الغزالــي الصــوفية"،
وهو يمثل البحث الذي نحن بصدده ،ويحدد لنا تجربة الغزالــي الصــوفية مــن خللا المراحــل
التي مر بها في حياته ،و التي تحدث عنها في كتابه"المنقذ من الضللا".
2أحمد الشرباصأي الغزالي و التصوف السلمي -ص 23طبع بمطابع مؤسسة دار الهللا.
3عارف تامر ،الغزالي بين الدين و الفلسفة -رياضة الريس للكتب و النش ،ص" .41يراجع :الغزالي ،أبو حامد-،ميزا العمل -دار الكتــب العلميــة،
بيروتا ،لبنان ،ط ،1ج 1ص4:
4الغزالي ،أبو حامد –إحياء علوم الدين -دار الكتب العلمية ،بيروتا ،لبنان ،ط 1ج ،1ص.4:
3
5
أبو حامد و أخوه احمد.
توفي أبوه ولم ير رجاءه قد تحقق ودعــوته قــد اســتجيبت لن أبــا حامــد و أخــاه لــم يبلغــا ســن
الرشد .أما أمه فلم يذكر التاريخ شيئا عنها و لكنها شهدتا بــزوغ شــمس ابنيهــا وســماء المجــد
حيث صأار أبو حامد أفقه أقرانه ،و إمام أهل زمانه وفارس ميدانه .و أما أحمــد فكــان واعظــا
تلين الصخور الصم عند سماع قوله ،وترعد فرائص الحاضرين في مجالس تذكيره.
توفي رحمه ا يوم الثنين الرابع عشر من جمــادى الخيــرة عــام 505هـــ /الموافــق
الثامن عشر من ديسمبر سنة 1111م ،ودفن بظاهر الطابران وهي قصبة طوس .وقالا آخوه
أحمد " :لما كان يوم الثنين وقت الصبح توضأ أخوه وصألى و قالا :علي بالكفن .فأخذه وقبله
ووضعه بين عينيه وقالا :سمعا وطاعة للدخولا على الملك ،ثم مد رجليه واستقبل ،فانتقل إلى
رضوان ا تعالى قبل السفار".
ولقد رثاه الديب أبو المظفر محمد البيوري الشاعر المشهور بقوله:
وهكذا أمضى الغزالي حياته كلها حتى مماته ،كما قالا الســبكي : :طيــب الثنــاء ،أعلــى
منزلة من نجم السماء ،لا يكرهه إلا حاسد أو زنديق ،و لا يســومه بســوء إلا جــائر عــن ســوء
7
الطريق".
5هو أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي الملقب بمجد الدين ،الفقيه الشافعي ،كان واعظا مليح الوعظ ،حسن النظر ،صأاحب كراماتا
و إنتشاراتا من الفقهاء ير أنه مالا إلى الوعظ فغلب عليه ودرس بالمدرسة النظامية نيابة عن أخيه أبي حامد ،و اختصر كتاب الحياء في مجلد واحد
سماه )لباب الحياء( ،وله تصنيف آخر )الذخيرة في علم البصيرة( ،طاف البلد وخـدم الصـوفية بنفسـه وكـان مـائل إلـى النقطـاع و العزل ة ،تـوفي
بقزوين سنة 520هــ.
6أحمد الشرباصأي ،المصدر السابق ،ص54:
7السبكي ،طبقاتا الشافعية ،المصدر السابق ،ج ،4ص .105
4
المطلب الثاني :صفات الغزالي و أخلقه.
عندما نتحدث عن حياة الغزالي و أسرته ،ورحلته العلمية ،نجد انه قد رزق الذكـــــاء،
و الجهد و المجاهدة ،و القناعة بالقليل ،و حسن الخلق ،وشدة العطش للعلم و المعرفــة ،وكــان
زاهدا ،وموحدا ،مخلصا ل تعالى في كل عمل يعمله.
وقالا أبو إبراهيم الفتح بن علي البغدادي " :هو من لم تر العيون مثلــه لســانا ،ونطقــا ،وبيانــا،
8
وخاطرا،و ذكاء ،وطبعا".
فالتاريخ يحدثنا بأن العيون في عصره لــم تــر مثلــه،..كمــا يقــولا إبــن كــثير":كــان مــن
أذكياء العالم في كل ما يتكلم به" .وكان صأــاحب ذهــن متوقــد مبــدع ،وصأــاحب روحا متألقــة
متوهجة ،وصأاحب نفس صأافية مشرقة ،يحب الفضيلة لذاتها ،ويريدها أن تســــود الحيــــــاة
9
و الحيـــاء ،و يحرص على السمو بالنسان روحيا و نفسيا وحسيا.
ومن صأفاته أيضا أنه كان شديد التواضع ،قالا ابن الســمعاني":قــرأتا فــي كتــاب كتبــه
الغزالي إلى أبي حامد بن احمد ابن السلمة بالموصأيل ،فقـالا مـن خللا فصــوله :أمـا الــوعظ
فلست أرى نفسي أهل له ،لن الوعظ زكاة نصابه التعاظ ،فمن لا نصــاب لــه فكيــف يخــرج
10
الزكاة؟ وفاقد الثوب كيف يستر به غيره؟ ومتى يستقيم الظل و العود أعوج؟.
ومــن تواضــعه ،أنــه صأــادف دخــوله يومــا مدرســة المنيــة،فوجــد المــدرس يقــولا ":قــــالا
11
الغـــزالي :و هو يدرس من كلمه .فخشي الغزالي على نفسه العجب ،ففارق دمشق".
ومن صأفاته أيضا كان شديد الجهد و المجاهدة ،وذلك كما يعرف منذ شبابه حينما ترك
بغداد وما فيها من زخارف الدنيا و الجاه و السمع .و كان يتتبع كل مــا يمكــن أن يعرفــه و لــو
كان شرا ،و ذلك كما نعرفه من خللا ما أنشده الغزالي:
عرفـت الش ــر ل للشر لكـن لتوقيه
12
و مــن ل يعــرف الشر وق ــع فيـ ــه.
8الزبيدي ،محمد بن محمد الحسيني ،إتحاف السادة المتقين ،شرحا إحياء علوم الدين ،دار إحياء التراث العربي ،بيروتا لبنــان ،بــدون تاريــخ .ج ،1
ص ، 6:وهذا القولا نقله من كلم عبد الغافر الفارسي ،لنه أولا من أرخ للغزالي -.يراجع السبكي ،الطبقاتا الشــافعية الكــبرى ،نفــس المصــدر ،ج ،6
ص.20:
9أحمد الشرباصأي ،الغزالي و التصوف ،دار الجيل ،بيروتا ،سنة 1975م.
10السبكي ،الطبقاتا الشافعية الكبرى ،المصدر السابق ،ج 1ص.216:
11أحمد الشرباص ،المرجع السابق-ص.199:
12المام أبو حامد الغزالي ،فضائح الباطنية ،تحقيق محمد علي قطب المكتبة العصرية ،بيروتا ،لبنان، ،ط 1سنة 1421هـ2000/م.
5
المطلب الثالث :رحلة الغزالي العلمية
تعتبر حياة الغزالي في نيسابور من أخصب مراحل حياته العلميــة ،وبــرع فــي أثنائهــا
بالتأليف و الكتبة.
خرج الغزالي من نيسابور عام 478هــ ،بعد وفــاة أسـاتذة إمــام الحرميـن متجهـا نحــو مدينـة
المعسكر 13وكان سنه إذ ذاك ثماني ة وعش رين عام ا .وك ان متزوج ا لن ه ت زوج قب ل بل وغه
العشرين وعاش له ثلث بناتا وقد كان له ولــد مــاتا فــي طفــولته اســمه "حامــد" وهــو ســبب
14
تكنيته "أبا حامد".
ولقد قصد الغزالي في المعس كر مجل س ال وزير نظ ام المل ك ،15ال ذي ك ان مجم ع أه ل العل م
ومحط رجالا السلطين السلحوقيين .وكانت المجالس لا تخلو من المنـــــاظراتا الفقهيـــــــــة
و المطارحاتا الكلمية ،فناظر الغزالي العلماء وقهر الخصـــوم ،وظهر كلمـــــــــه عليــــهم
و اعترفوا بفضله حتى فوض الوزير إليه التدريس في مدرس ته النظامي ة ببغ داد16.و بـذا ق الا
الدكتور سليمان دنيـا " :و بخروجـه )مـن نيس ابور( ودع حيـاة التلمـذة نهائيـا ليـدخل معـترك
الحياة العلمية الحقيقية كعالم بارع ومناضل ومتبحر".
و خللا التدريس بالنظامية تمكن من جذب الانظار إليه لحسن كلمه وكمالا فضله و فصاحة
لسانه ونكته الدقيقة و إشارته اللطيفة حتى علت حشــمته الكــابر و الامــراء ودار الخلفــة ،17
وكان يقرأ على يده جمع غفير من الطلبة .وحولا حاله بالنظامية قالا الغزالي في " المنقذ مــن
الضللا" :و "أنا ممنون بالتدريس و الفادة لثلثمائة نفس من الطلبة ببغداد".
لقد بلغت شهرة الغزالي ومكانته العلمية في العالم السلمي أوجهــا ،ووصأــل إلــى أقصــى مــا
يصل إليه عالم في ذلك العصر من المجد الرئاسة .ولكن الشــهرة و الجــاه و المجــد لــم تفــض
إلى راحة البالا و استبد به القلق ،مما أدى به إلى أزمة نفسية عنيفة فكر خللها فـي العـتزالا
عن الناس و التدريس.
ووصأف لنا الغزالي هذه الحالة فـي كتـابه " المنقـذ مـن الضـللا" حيـث يقـولا" :ثـم لاحظـت
أحوالي فإذا أنا منغمس في العلئق وقد أحدقت بي الجــوانب ...و لاحظــت أعمــالي و أحســنها
18
الغزالي :المنقد من الضللا دار الكتب العلمية ،ص .59
19
الغزالي نفس المصدر و الصفحة.
20
الغزالي-نفس المصدر ص.61-60:
7
العقلية مقبولة موثوقا بها على امن ويقين ،و لم يكن ذلك بنظم دليل و ترتيــب كلم ،بــل بنــور
قذفه ا تعالى في الصدر وذلك النور هو مفتاحا أكثر العارفين ،فمن ظن أن الكشــف موقــوف
21
على الدلة المجردة فقد ضيق رحمة ا الواسعة".
في عام 488هــ خرج الغزالي من بغداد وترك التدريس بالمدرسة النظاميــة و اســتناب أخــاه
أحمد بالتدريس فيها .وحولا خروجه من بغداد يحدثنا ويقولا ":و أظهرتا عــزم الخــروج إلــى
مكة و انا ادبر نفسي سفر الشام حذرا ان يطلــع الخليفــة وجملــة الصأــحاب علــى عزمــي فــي
المقام بالشام فتلطفت بلطـائف الحيــل فــي الخـروج مـن بغــداد علــى عــزم ألا أعاودهــا أبـدا...
ففارقت بغداد ،ما كان معي من المالا ولم أذخر إلا قدر الكفاف وقوتا الطفالا ،ترخصــا بــان
مالا العراق مرصأد للمصالح ،لكونه وقفا على المسلمين ،فلم أر فــي العــالم مــالا يأخــذه العــالم
لعياله أصألح منه" 22.ويقولا الغزالي أيضا":ثم دخلت الشام و أقمـت بهـا قريب ا مـن س نتين لا
شغل لي إلا العزلة و الخلوة و الرياضة و المجاهدة ...وكنت أعتكــف مــدة فــي مســجد دمشــق
23
أصأعد منارة المسجد طولا النهار و أغلق بابها على نفسي".
و في دمشق ألف الغزالي كتابه المشهور وهو كتاب"إحياء علوم الدين" .و من دمشــق
ذهب الغزالي إلى بيت المقدس ثم إلى الحجاز .قالا الغزالي ":ثم رحلت منها إلى بيت المقدس
أدخل كل يوم الصخرة و أغلق بــــــابها علـى نفســـــي ،ثـم تحركـت فـي داعيـــــة فريضـــة
الحج و الستمداد من بركاتا مكة و المدينة وزيارة رسولا ا )ص( ،بعد الفــراغ مــن زيــارة
24
الخليل صألواتا ا عليه فسرتا إلى الحجاز".
و بعد أداء فريضة الحج قصد مصر و أقــام بالســكندرية مــدة ،ويقــالا إنــه قصــد منهــا
الركوب في البحر إلى بلد المغرب على عزم الجتماع بالمير يوســف بــن تاشــفين صأــاحب
مراكش ،فبينما هو كذلك بلغه نعي يوسف بن تاشفين فصرف عزمه من تلك الناحيــة ثــم عــاد
إلى وطنه بطوس ،وقالا عـن عــودته إلــى طــوس":ثـم جـذبتني الهمـم ودعـواتا الطفــالا إلـى
الوطن فعاودته بعد أن كنت أبعد الخلق عن الرجوع إليه .فآثارتا العزلة به أيضا حرصأا على
25
الخلوة وتصفية القلب للذكر".
21
الغزالي-نفس المصدر-ص .29:
22
الغزالي-نفس المصدر،-ص.61:
23
الغزالي-نفس المصدر-ص .61
24
نفس المصدر و الصفحة.
25
نفس المصدر ،ص62-61 :
8
و في عام 499هــ ألزمه فخر الملك بن الوزير نظام الملك بالعودة إلى نيسابور للقيام
بالتدريس بالمدرسة النظامية مـرة أخــرى ،فأجـاب الـدعوة بعــد تكـرار المعــاوداتا لمــدة ســنة
واحدة .و بعدها عاد إلى مسقط رأسه وكانت طوس محطة أسفاره الخيرة.
قالا ابن خلكان":عاد إلى بيته وطنه واتخذ خانقاه للصوفية ومدرسته للمشــتغلين بــالعلم
في جواره ووزع أوقاته على وظائف الخير من ختم القـرآن ومجالسـة أهـل القلـوب و القعـود
26
للتدريس إلى أن انتقل على رحمة ربه".
29
عاطف الزين-الصوفية في نظر السلم –ص.124:
10
المبحث الثاني :التصوف السلمي
إن التصوف حركة دينية انتشرتا في العالم السلمي كنزعاتا فردية تدعو إلى الزهد
وشدة العبادة كرد فعل مضاد للنغماس في الترف الحضاري .ثم تطورتا تلك النزعاتا حــتى
صأارتا طرقا مميزة معروفة باسم"الصوفية" .و لا شك أن ما يدعو إليه الصــوفية مــن الزهــد
و الورع و التوبة و الرضا ،إنما هي أمور من السلم الذي يحث على التمســك بهــا و العمــل
من أجلها ،و لكن الصوفية في ذلـك يخـالفون مادعــا إليـه الســلم ،و ذلــك راجــع إلـى ابتـداع
مفاهيم و سلوكياتا مخالفة لما كان عليه النبي )ص( وصأحابته.
11
ويبقى رأي السراج هو أرجح الراء ،و إن طعن فيه القشيري على أساس أن الصوفية لم
30
يختصوا بلباس الصوف دون غيره من القمشة.
أما الراء الخرى الواردة في المصادر العربية فبعيدة الحتمالا ،ونذكر أهمها هنا على سبيل
الستقصاء فحسب:
الصفة :و هي "المقعد" ،حيث سموا بذلك نسبة إلى اهل الصفة ،وكان لقبا أعطي .1
لبعض فقراء المسلمين في عهد الرسولا)ص( ممن لم تكن لهم بيوتا يؤون إليهـا ف امر
الرسولا )ص( ببناء فناء ملحق بالمسجد مــن أجلهــم ،وهــذا يوضــح ادعــاء المتصــوفة
بربط التصوف بعصر النبي )ص( و أنه أقر النواة الصوفية الولى ،مع العلم أن أهــل
الصفة ما كانوا منقطعين عن الناس لجل الزهد الصوفي.
الصفاء :ومعناها أن الصوفية صأافية من الشرور و شهواتا الدنيا ،وهذا الشتقاق .2
غير صأحيح لغويا فبالنسبة إلى الصفاء :صأفوي أو صأفاوي أو صأفائي وليس صأوفيا.
الصف الول :بعض الصوفية ينسبون أنفسهم إلى الصف الولا من المؤمنين في .3
الصلة ،وهذا التعبير بعيد عن سلمة الشتقاق اللغوي بالنسبة إلــى الصــف :صأــفي لا
صأوفي.
بني صوفة :بعضهم ينسبون الصوفية إلى بني صأوفة وهي قبيلة بدوية كانت تخدم .4
الكعبة في الجاهلية.
الصوفة :و البعض منهم ينسبونها إلى "صأوفة" وهي خصلة الشعر على القفا. .5
الصفوانة :ومنهم ينسبون الصوفية إلى "الصفوانة" وهي نوع من البقل. .6
وكما لاحظ القشيري فإن هذه الراء لا يشهد لها اشتقاق مــن جهــة العربيــة ولا قيــاس ،وكلهــا
31
بعيدة من جهة القياس اللغوي.
30
د.عبد الرحمن بدوي-تاريخ التصوف السلمي-ط – Iص7:
31
د .عبد الرحمن بدوي -نفس المصدر-ص.9:
12
المطلب الثاني :نشأةا التصــوف الســلمي و
العوامل التي أثرت فيه.
لا يعرف على وجه التحديد من أولا متصوف في السلم ،ويقــالا بــأن التصــوف كــان
أولا ما ظهر في الكوفة بسبب قربها من بلد فارس ،ويقولا شيخ السلم ابن تيميــة ":إن أولا
من عرف بالصوفي هو أبوهاشم الكوفي سنة 150هـ" .وقــد بلــغ التصــوف دروتــه فــي نهايــة
القرن الثالث وواصأــلت الصــوفية انتشــارها فــي بلد فــارس ثــم العــراق ومصــر و المغــرب،
وظهرتا من خللا الطرق الصوفية.
ويذكر ابن خلدون أن التصوف احد العلوم الشرعية الحادثة في الملة ،وأصأله العكوف
على العبادة و النقطاع إلى ا تعالى ،و العراض عن زخــارف الــدنيا وزينتهــا ،و النفــراد
عن الخلق ،وهذه الصفاتا كانت عامة في الصحابة و السلف ،ولما فشا القبالا على الدنيا فــي
32
القرن الثاني وما بعده اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية و المتصوفة.
وليس من الصواب أن نرجع كل ظاهرة في بيئة ما إلى عوامــل خارجــة عنهــا فنهمــل
بذلك العوامل الداخلية ،بل يجــــــب النظـر أولا إلى البيئة العقليــــة و الدينية و السياسيـــــــة
و الجتماعية التي نشأتا فيها تلك الظاهرة الكــبرى –التصــوف -الــتي غيــرتا مجــرى تاريــخ
33
السلم.
و التصوف من حيث هــو –ســواء أكــان إســلميا او غيــر إســلمي -اســتبطان منظــم للتجربــة
الدينية ،و لنتائج هذه التجربة في الرجل الذي يمارسها ،فهو ظاهرة إنسانية ذاتا طابع روحي
لا تحده حدود مادية زمانية أو مكانية .وليس وفقا على أمة بعينها ،و لا على لغة أو جنس مــن
الجناس البشرية.
وهكذا يجب أن نعترف بالمؤثراتا الخارجية في صأورها العامة لا في تفاصأيلها.
فمما لا شك فيه أن الفلسفة السلمية و التصوف السلمي قد تـأثر بعوامــل خارجيـة،
وتياراتا فكرية وصألت إلى بيئاتا المسلمين من ثقافاتا غير إسلمية متعــددة ،ولكــن تفاصأــيل
المذاهب الفلسفية السلميــة و النظرياتا الصوفية السلمية من عمل المسلميـــــــن أنفســهم،
و النتائج التي رتبوها على الذاهب التي استعاروها تختلف في جوهرها عن النتائج التي رتبها
34
عليها أصأحاب تلك المذاهب و النظرياتا أنفسهم.
32
أحمد الشرباصأي-الغزالي و التصوف السلمي-ص.150:
33
د .أبو العل عفيفي -التصوف الثورة الروحية في السلم-الطبعة . Iص .57 :
34
د.أبو العل عفيفي-نفس المصدر السابق-ص.57:
13
و الذي أريد أن أشير إليه هو أن تاريخ التصوف في السلم جزء لا يتجزأ من تاريخ السلم
نفسه ،وهو مظهر من مظاهر الحياة الدينية.
35
د .عبد الرحمن بدوي-تاريخ التصوف السلمي-ص.19:
14
بالمطلق أو على القل إيجاد صأــلة عشــق لــه تســمح إذا مــا تعــــــالت إلــى التحـــــــــاد مـــــع
الذاتا .و التطور في هذا السبيل واضح مســتقيم صأــعدا مــن فكــرة العشــق اللهــي عنــد رابعــة
العدوية.
و تحليل أحوالا النفس كان منذ البداية مطلبا أساسيا لهــذا التصــوف :نجــده عنــد رابعــة و عنــد
المحاسبــــــي و الكرخي و الجنيد و الحلج ،و يزداد عمقا وتدقيقــــا لدى المكـــي و الهروي
و الغزالي و ابن عربي ،...حتى أصأبح الشطر الكـبر فـي كتـب التصـوف مخصصـا لتحليـل
36
أحوالا النفس في ملبستها مع أمور الحياة.
الصوفية فــي أرقــى أشــكالها و بيــن " الفيــدانتا" :ولكنــه شــبه ظــاهري لا حقيقــي .لن الفنــاء
الصوفي السلمي –وهو أخص مظاهر التصوف -يختلف عن " النرفانا" الهندية.
و لا يوجــد مــن الناحيــة التاريخيــة مــا يؤيــد أي اتصــالا بيــن المســلمين و الهنــد قبــل ظهــور
التصوف .لكن هذا لا يعني أنه لم يكن لبعض الفكار الهندية أثر في متأخري الصوفية.
الصورة الفارسأية :و هي التي يدعي أصأحابها أن التصوف السلمي نتاج فارسي .2
في نشأته وتطوره ،ولكنها أيضا دعوى لا تقوم على أساس من التاريخ .ولقد كان عــدد كــبير
من أوائل الصوفية من أصأل فارسي ،ولكن أغلــب متــأخريهم كــانوا مــن أصأــل عربــي كــابن
عربي وابن الفارض.
36
نفس المصدر السابق-ص.20:
15
وسواء قيل إن أصأل التصوف السلمي هندي أو فارسي ،فإن السبب فيه راجع إلى تعصــب
فكرة الرية ضد السامية ،وادعاء من جهة المتعصبين بأن العقلية السامية ليست أهل للفلسفة
و لا للتصوف و لا للعلــوم و الفنــون ،و لــذلك تنكــر نظريــاتهم فــي التصــوف الســلمي كــل
أصأالة ،وتجعل منه نتاجا للتفاعل السللي و اللغوي و القـومي للشـعوب الريـة الـتي غزاهـا
السلم.
ثالثا:نظرية الفلطونية الحديثة :و هي نظرية قالهــا " مركــس" فــي كتــابه " التاريــخ
37
العام للتصوف ومعالمه".
ونجد أن " نيكولسون" قد اعتمد في دفاعه عن هــذه النظريــة علــى مــا انتهــى إليــه بحثــه فــي
تصوف ذي النون المصري الذي كان لا شك متأثرا بالفكار الفلطونية الحديثة الشائعة فــي
تراث عصره ،و إن كان لا يمثل التصوف السلمي برمته .و الظاهر أنه تحولا عن نظريتــه
بعد ذلك حيث قالا" :وجملة القولا أن التصوف في القرن الثالث –شأنه في ذلك شأن التصوف
في أي عصر من عصوره-قد ظهر نتيجة لعوامل مختلفة أحــدثت فيــه أثرهــا مجتمعــة :أعنــي
بهذه العوامل البحوث النظرية في معنى التوحيد السلمي ،و الزهد و التصـوف المسحــــيين
و مذهب الغنوصأية ،و الفلسفة اليونانية و الهندية و الفارسية".
ثم يبدو له خطأ إرجاع نشأة التصوف السلمي إلى أصأل واحد فيقولا " :وقد عولجت
مسألة نشأة التصوف في السلم إلى الن معالجة خاطئة ،فذهب كثير من أوائل الباحثين إلــى
القولا بأن هذه الحركة العظيمة التي استمدتا حياتها وقوتها من جميع الطبقــاتا و الشعــــوب
و التي تألفت منها المبراطورية السلمية يمكن تفسير نشأتها تفسيرا علميا دقيقا و إرجاعهــا
38
إلى أصأل واحد "كالفيدانتا" الهندية أو الفلطونية الحديثة".
لقد أخفقت هذه النظرياتا كلها في تفسير نشأة التصوف و تطوره في السلم ،لن كل
واحدة منها تحاولا أن ترد هذه الحركة الكبيرة المعقدة إلى أصأل واحد .ويبقى فــي كــل واحــدة
من هذه النظرياتا شيء من الحق .ولكن لا واحدة منها تعبر عن الحقيقة كاملة.
37
د.أبو العل عفيفي –التصوف :الثورة الروحية في السلم -ط iص60:و .61
38
نفس المصدر –ص62:و .63
16
المبحث الثالث :تجربة الغزالي
الصوفية.
لقد عزم الغزالي على السير في طريق مجاهدة النفس و تزكيتها و التحكم فيهــا ،وهــذا
يقتضي البحث عن الحقيقة و الوصأولا إليها ،وهذا ما سنراه من خللا دراستنا لكتاب " المنقــذ
من الضللا".
39
د .جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،المصدر السابق ،ص.393:
17
غمرته خوض الجسور ،لا خوض الجبان الحذور ،و اتوغل فــي كــل مظلمــة ،و اتهجــم علــى
كل مشكلة ،و أقتحم كل ورطة ،وأتفحص عن عقيدة كل فرقة ،و أستكشف أسرار مـذهب كـل
طائفة ،لميز بين محق ومبطل ،ومتسنن ومبتدع ،لا أغـادر باطنيـا إلا وأحـب ان أطلـع علـى
باطنيته ،و لا ظاهريا إلا و أريد ان أعلـم حاصأــل ظـاهريته ،ولا فلسـفيا إلا و أقصــد الوقــوف
على كنه فلسفته ،و لا متكلما إلا واجتهد في الطلع على غاية كلمه ومجادلته ،و لا صأــوفيا
إلى و أحرص على العثور على سر صأوفيته ،و لا متعبدا إلا و أترصأد ما يرجع إليه حاصأــل
40
عبادته ،و لا زنديقا معطل إلا و أتجسس وراءه للتنبه لسباب جرأته في تعطيله وزندقته".
ولقد تعطش الغزالي إلى إدراك الحقائق الكونية وهو لازالا في ميعة الشباب لم يبلغ العشــرين
من عمره ،وبقي هذا التعطش ملزما له طوالا ثلثين سنة ،يدرس ويتدارس ،يناقش ويجادلا،
يهجم علــى الفكــار و النظريـاتا المختلفــة فيقتلهـا بحثــا محـاولا استكشـاف حقائقهـا ،ويقصــد
41
مختلف المدراس الفسفية و الكلمية و الصوفية و الباطنية ليتعرف إلى الحقيقة عن طريقها.
انتقاد الفرق: .2
انحصرتا الفـرق عنـد الغزالـي فـي أربـع :فرقـة المتكلميـن ،وفرقـة الباطنيـة ،وفرقـة
الفلسفة ،وفرقة الصوفية.
.1فرقة المتكلمين :نـرى أن علـم الكلم غيـر واف بمقصـوده ،لان علمـاء الكلم يسـتندون فـي
الرد على اهل البدع و إلى مقدماتا يتسلمونها من خصومهم ،وهذا قليل النفع في حــق مــن لا
يسلم سوى الضرورياتا.
.2أمــا فرقة الفلسفة فتنقسم في نظر الغزالــــي إلى ثلثــة أقســــــام :و هم الدهريــــــون ،و
الطبيعيون،و اللهيون.
أما الدهريون ،فهم طائفة من القدمين جحدوا الصانع المدبر ،وزعمــوا أن العــالم لــم يــزلا
موجودا كذلك بنفسه بل صأانع ،ويكون هؤلاء هم الزنادقة.
و أما الطبيعيون ،فهم قوم أكثروا البحث في عالم الطبيعة ،فأروا فيه من عجائب صأنع اــ
وبدائع حكمته ما اضطروا معـه إلـى العـتراف بفـاطر حكيـم مطلـع علـى غايـاتا المـور
ومقاصأدها ،إلا أن كثرة بحثهم في الطبيعة و اعتدالا المزاج و تأثيره ،ظنوا أن القوة العاقلة
مـن النس ان تابعـة لمزاجـه ،وذهبـوا إلـى ان النفـس تمـوتا بمـوتا البـدن ،وهكـذا جحـدوا
40
المنقذ من الضللا ،ص.63-62:
41
ندواتا أكاديمية المملكة المغربية،المرجع السابق،ص.137:
18
الخرة ،و أنكروا الجنة و النار ،و القيامة و الحساب ،فلم يبق عنــدهم للطاعــة ثــواب ،و لا
للمعصية عقاب،وهؤلاء ،أيضا زنادقة.
وأمــا اللهيــون ،فــإنهم بجملتهــم ردوا علــى الــدهريين و الطــبيعيين ،ثــم رد أرســطو علــى
أفلطون وسقراط ومن كان قبله ،إلا أنه استبقى من رذائل كفرهم أشــياء لــم يوفــق للنــزوع
عنها ،فوجب تكفيرهم وتكفير شيعتهم من المتفلسفة السلميين كالفـــــارابي وابــن سينــــــا
و أترابهم ،ولكن هذا التفكير لا يشمل كل ما نقل عن أرسطو ،فإن مــا نقلــه هــذان الــرجلن
ينحصر في ثلثة أقسام :قسم يجب التفكير به ،وقسم يجب التبديع به ،وقسم لا يجب إنكــاره
أصأل.
.3و أما أصأحاب التعليم ،فقد قرر الغزالي شبهتهم ،و أظهر فسادها في عدة كتب ،منها كتــاب
المستظهري وكتاب القســطاس المســتقيم ،...حــتى لامــه بعضــهم علــى تقريــر حجـــتهــــــم و
إسهامه في نشرها ،فأجاب عن ذلك بقوله أن هذا الكلم حق ولكن فيه شبهة لم تنتشر ،أما إذا
انتشرتا فالجواب عنها واجب ،ولم يعمد الغزالــي إلــى تقريــر حجتــه التعليميــة لن أصأــحاب
التعليم يتهمون كل من يرد عليهم بالجهل ،فأراد الغزالي أن يثبت لهــم أنــه يســتطيع أن يقــرر
شبهتهم إلى أقصى حدود المكان ،و أن يظهر فسادها بغاية البرهان.
.4و أما الصوفية ،فهــم فــي نظــر الغزالــي خــواص الحضــرة ،و أهــل المشــاهدة ،و المكاشــفة
وطريقتهم مؤلفة من علم وعمل ،وهم أرباب أحوالا لا أصأــحاب أقــوالا ،مــن جالســهم اســتفاد
منهم باليمان ،فهم قـوة لا يشــقى جليسـهم ،وقــالا الغـازالي ":ولـو جمـع عقــل العقلء وحكــم
الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ،ليغيروا شــيئا مــن ســيرهم و اخلقهــم
42
ويبدلوه بما هو خير منه ،ولم يجدوا إليه سبيل".
النبوة و الصلحا الديني: .3
نجد في كتاب المنقذ من الضللا فصل عنوانه"حقيقة النبوة واضطرار الخلــق إليهــا"،
يشير فيه الغزالي إلى أن درجاتا الدراك متفاوتة .فجــوهر النســان فــي الصأــل خلــق خاليــا
ساذجا جاهل بمـا يحيــط بـه مـن الموجــوداتا ،إلا أنـه يطلـع بعــد ذلــك علـى العـوالم بواســطة
الدراك .وقــد تنــوعت الدراكــاتا بتنــوع أجنــاس الموجــوداتا ،فقــوة الحــس تــدرك عــالم
المحسوساتا ،وقــوة التمييــز تـدرك أورا زائــدة علــى عــالم المحسوسـاتا ،وقــوة العقــل تــدرك
الواجباتا و الجائزاتا و المستحيلتا و أمور أخرى لا توجد في الطــوار الــتي قبلهــا .ووراء
42
المنقذ من الضللا ،ص.106:
19
طور العقل قوة أخــرى تــدرك الغيــب و أمــورا أخــرى لا يــدركها العقــل ،فللدراك إذن أربــع
مراتب أدناها مدركاتا الحس و أعلها مدركاتا النبوة.
و البرهان على وجود مدركاتا النبوة وجود معارف لا يتصور أن تنــالا بالعقــل كحقــائق علــم
الطب والنجوم ،فإن من يبحث عنها يعلم بالضرورة أنها لا تدرك إلا بإلهام إلهــي .و البرهــان
على وجود النبوة أيضا أن في النسان نموذجا من مدركاتها ،وهو النوم ،لن النائم قــد يــدرك
ما سيكون في الغيب ،ويرى ويسمع ،ويبصره ويسمعه في حالا غفلة ،فالرؤيــا تــدلا إذن علــى
أن في النسان نموذجا من خواص النبوة وهي تقرب مدركاتها من العقل،ومــا عــادا ذلــك مــن
خواص النبوة فهو يدرك بالذوق من سلوك طريق التصوف .
فالغزالي يقــرر إذن أن النبــوة مســلم بهــا نقل ومقبولــة عقل ،ويكفــي للتســليم بهــا مــن الناحيــة
العقلية أن نلحظ أنها تشبه ظاهرة نفسية نعترف بها جميعا ،وهي الحلم و الرؤى ،و الدليل
على ذلك قولا الغزالي":أن ا قد قرب ذلــك علــى خلقــه ،بــأن أعطــاهم نموذجــا مــن خاصأــية
النبوة وهو النوم ،إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب إما صأريحا و إما في كسوة مثالا يكشف
43
عنه التعبير".
و بالتالي هذا ما اشتمل عليه كتاب المنقذ من الضللا من شك ،ويقين ،ونقــد وتحقيــق،
فهو قصة حيــاة فكريــة مضــطربة وصأــورة نفــس متعطشــة إلــى اليمــان طامحــة فــي إرجـاع
العتقاد الديني إلى أيام عزه ،لا بل هو قصة نزاع عميـق ،بيـن العقـل و القلـب ،بيـن مطـالب
الدنيا ودواعي الخرة ،كتبه الغزالي بأسلوب سهل يغلب عليه طــابع الصــدق و المـــــــــانة
و البســـاطة و الصفاء.
43
المنقذ من الضللا ،ص.111:
20
المطلــب الثــاني :مقومــات التصــوف عنــد
الغزالي:
تصوف الغزالي تصوف قريب مــن العتــدالا ،آمــن بــال ،و بــالنبوة ،و بــاليوم الخــر
وكف نفسه عن الهوى ،و أعرض عن الجاه والمالا ،وهرب من الشــواغل و العلئــق ،وأقبــل
بهمته على ا تعالى ،لذلك كان التصوف عنده مبنيا على علم وعمل ،أما العلم فقد حصله من
44
مطالعة كتب المتصوفين ،و اما العمل فقد حصله بالذوق و الحالا وتبدلا الصفاتا.
وربما كان تصوف الغزالي أقل حــرارة مــن تصــوف كبــار المتصــوفين الــذين فـارقوا
الخلق الطبيعية ،و أخمدوا الصفاتا البشرية ،بل ربما كان تحليله لحــوالا المتصــوفين أقــل
تعمقا من تحليل ابن سينا لمقاماتا العــارفين ،ولكــن مــا نجــده فــي كتــاب الحيــاء مــن وصأــف
لحالاتا التوبة و الورع و الزهد و الفقر و الصبر و التوكل و الرضـا و المحبـة يـدلا علـى أن
الغزالي ذاق حقيقة التصوف ،وتميز على غيــره بــالجمع بيــن علــم المعاملــة وعلــم المكاشــفة،
45
لذلك نجده ينتقد الجهالا الذين تناسوا العقيدة الدينية ،واغتروا بالشطح و الطاماتا.
ومن هنا سنقصر كلمنا في هذا المطلب على اللمام ببعض مقوماتا التصــوف عنــد الغزالــي
وهي :اللهام ،و الزهد ،ومحبة ا.
.1اللهام:
يرى المام الغزالي أن العلوم إنما تثبت في القلب بطريقيــن :أحدهمــــا طريق الســتدلالا
و التعلم ،و الخر طريق الوحي و اللهام ،فإذا سلك المرء الطريق الولا احتاج إلــى الحيلــة،
و الجتهاد ،و العتبار ،و الستبصار ،و إذا سلك الطريق الثاني احتــاج إلــى الســتغراق فــي
التأمل الباطني .وفوق هذا التأمل الباطني درجة من المعرفة يدرك معها المرء كيف حصل له
ذلك اللهام ،ومن أين حصل ،وتسمى هذه المعرفة وحيـا ،وهــي مـا يختـص بــه النبيــاء ،أمـا
اللهام فيختص به الولياء ،و أما العلم الحاصأل بطريق العتبــار و الستبصــار و الســتدلالا
46
فيختص به العلماء.
كما أن الغزالي يفضل العلم الذي يحصل في القلب بطريق اللهام على العلم الذي يحصــل
فيه بطريق الستدلالا و التعلم .ومن أجمل ما في كتـاب الحيـاء مـن التشـبيهاتا تشـبيه القلـب
44
المنقذ من الضللا ،ص.100.101:
45
د .جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،دار الكتاب اللبناني ،بيروتا ،ط ،I ،1970:ط ،II، 1973:ص.380:
46
د.جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،نفس المصدر ،ص.381:
21
بحوض محفور أسفل الحوض ،ويرفع منه التراب ،إلى أن يقرب من مســتقر المــاء الصــافي،
47
فيتفجر من أسفل الحوض.
وهكذا قد عنى الغزالي في كتاب عجائب القلب وكتاب السماع و الوجد مــن "إحيــاء علـوم
الدين" بوصأف العلم الحاصأل في القلب بطريق الكشف و اللهام ،فقالا الغزالــي" :فــإذا تــولى
ا أمر القلب فاضت عليه الرحمة ،و أشرق النور في القلب ،وانشرحا الصــدر ،وانكشــف لــه
سر الملكوتا ،وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة ...،وفاض علــى صأــدورهم
النور ،لا بالتعلم و الدراسة و الكتابــة للكتــب ،بــل بالزهــد فــي الــدنيا ،و التــبرؤ مــن علئقهــا،
48
وتفريغ القلب من شواغلها و القبالا بكنه الهمة على ا تعالى".
ومعنى هذا كله أن العلم المبني على اللهـــــام إنمــــا يحصل في النفس بطــــريق الزهد،
و تطهير القلب و التجــافي عــن دار الغــرور .لن المعرفــة قســمان :معرفــة حســية ،و معرفــة
صأــوفية ،الولــى تحصــل بطريــق الحســاس و الدراك ،و الثانيــة تحصــل بطريــق التأمــل
الباطني .و للقلـب كمـا يقـولا الغزالـي بابـان :بـاب مفتـوحا علـى عـالم الملكـوتا ،وهـو اللـوحا
المحفوظ وعالم الملئكة ،وباب مفتوحا على الحواس الخمس المتمسكة بعالم الملك و الشهادة،
و يكفي لدراك عالم الملكوتا أن يطهر النسان نفسه من العلئــق الحســية ،و أن يتحــرر مــن
49
الشواغل الجسمانية ،وأن يفتح صأدره للنور ،و يتعرض للنفحاتا اللهية.
-2الزهد:
لقد أشرنا إلى أن العلم المبني على اللهــــام لا يحصـــل في النفــس إلا بتطهيــر القلــب
و تصفيته بالعزلة و الزهد ،وهو العلــم الحقيقــي الــذي يزيــد صأــاحبه خشــية ،وخوفــا ،وتوبــة،
وصأبرا ،ورجاء.زز
ولكن ما هو الزهد؟ الزهد في اللغة هو العراض عن الشيء ،وعند المتصوفين تــرك
ما يشغل عن ا ،أو ترك حظوظ النفس من جميع ما في الدنيا ،بحيث لا يفرحا الزاهــد بشــيء
منهــا ،و لا يحــزن علــى فقــده ،و لا يأخــذ منهــا إلا مــا يعنيــه علــى طاعــة ربــه .و أن بعــض
المتصوفين يعرف التصوف :إنه بذلا المجهود في طلب المقصود ،و النس بــالمعبود ،وتــرك
الشتغالا بالمفقود.
47
إحياء علوم الدين ،ج .3ص.19:
48
إحياء علوم الدين ،نفس المصدر ،ص.18:
49
د.جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،نفس المصدر ،ص.382:
22
ويعتبر الزهد من أهم أركان التصوف ،وقد عرف الغزالي الزهــد فــي الحيــاء بقــوله:
"إنه انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه ،فكل من باع الدنيا بــالخرة فهــو زاهــد
في الدنيا وقوام هذا الزهد التقوى ،و كف النفس عن الهــوى ،وقطــع علقــة القلــب عــن الــدنيا
50
بالتجافي عن دار الغرور و النابة إلى دار الخلود".
و للزهد في نظر الغزالي ثلث درجاتا :الولــى أن يزهــد المــرء فــي الــدنيا وهــو لهــا
مشته وقلبه إليها مائل ،ونفسه إليها ملتفتة ،ولكنه يجاهــدها و يكفهــا .و الثانيــة أن يــترك الــدنيا
طوعا لاستحقاره إياها بالضافة إلى ما طمع فيه ،كالذي يترك درهما لجل درهمين ،فــإنه لا
يشق عليه ذلك ،و إن كان يحتاج إلى انتظار ،و الثالثة وهــي العليــا ،أن يزهــد طوعــا و يزهــد
في زهده ،فل يرى زهده ،ولا يرى أنه ترك شيئا لن الدنيا في نظره لا شــيء .و لكــل درجــة
من هذه الدرجاتا الثلث درجاتا فرعية ،لن الزهد يتفاوتا في كل منها باختلف قدر المشقة
في الصبر.
و قد بين الغزالي أن للتصوف مقاماتا تسمى أحوالا وهي التوبة ،و الصبر ،والشــكر،
و الخوف ،و الرجاء ،و الفقر ،و الزهد ،و التوحيـــــــد ،و التـــــوكل ،و المحبــة ،و الشــــوق،
و يضبطها كلها قانون عام ،و هو القولا أنها مؤلفة من علم وعمل .فالعلم هو المبدأ الذي يولــد
الحالا ،وثمرة الحالا هو العمل .مثالا ذلك أن العلم في مقام الشكر هو معرفة النعمة و المنعــم،
أما الحالا فهو الفرحا الحاصأل بإنعامه ،و أما العمل فهو القيام بمـــــا هو مقصــود أي المنـــــعم
51
و محبوبه.
و بالتالي يمكن أن نقولا في مقام الزهد قولا واحدا ،وهو أنه مقــام شــريف مبنــي علــى
علم وحالا وعمل .وقد قلنا أنه انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه .فحــالا المــرء
بالضافة إلى الشيء المعدولا عنه يسمى زهدا ،و بالضافة إلــى المعــدولا إليــه يســمى رغبــة
وحبا .و الفرق بين الزهد و التوبــة ،أن التوبــة تــرك المحظــوراتا ،فــي حيــن أن الزهــد تــرك
52
المباحاتا .و لذلك كان الزهد الحقيقي ترك جميع حظوظ الدنيا ،و العدولا عنها.
-3محبة ا:
إن محبة ا غاية الزهد ،فما بعد مقام المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها ،ولا قبلهــا
مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها .وقد قيل من عرف ربه أحبه ،ومن عرف الدنيا زهد فيهــــا.
50
إحياء علوم الدين ،ج ،4ص.211،220:
51
إحياء علوم الدين ،نفس المصدر ،ص.79:
52
د.جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،نفس المصدر السابق ،ص.387:
23
و إذا أحـب النســان ربـه شـغل بــذكره دون غيـره ،فكـأن ذكـر اـ مفتــاحا السـماواتا ،وكـأن
النفحاتا اللهية لا تهب على النسان إلا بالتعرض لها.
وقد وصأف الغزالي هذه المحبة في كتاب الحياء وبين أسبابها و أقســامها ،وقــدم للبحــث فيهــا
عدة مقــدماتا :منهــا أنــه لا يتصــور محبــة إلا بعــد معرفــة و إدراك ،ومنهــا أن المحبــة تنقســم
بحسب أنواع المدركاتا ،فلكل حاسة إدراك يخصها ،و لكل إدراك لذة تخصه ،و الطبع السليم
53
يميل إلى ذلك الدراك بسبب تلك اللذة.
ونرى أن محبة ا في الدنيا تكتسب بقطع العلئق ،و بتطهير القلب من كل مــا يشــغله
عن ا ،لن قلب النسان أشبه بإناء ينقص الخمر المصبوب فيه بقدر ما يبقى فيه مــن المــاء،
فمعنى قولنا :لا إلاه إلا ا ،أنه تعــالى محبــوب ومعبــود ،وانــه لا محبــوب ولا معبــود ســواه،
ومعنى الخلص ،إخلص القلب ل بحيث يكون ا محبـــوب القلــــــب ،ومعـــــــبود القلــب
و مقصوده ،ومن كانت هذه حاله كانت الدنيا سجنه ،لنها تمنعه من مشــاهدة محبــوبه ،وكــان
54
موته خلصأا من السجن ،وقدوما على المحبوب.
و بالتالي إذا تحقق حب العارف لربه ورآه بقلبه أورثه حالة تسمى بالوجد ،وهــو رفــع
الحجاب وحضور الفهم ،ومحادثة السر ،و إيناس المفقود ،لا بل هو فناء العارف عن ذاته في
المحبوب اللهي ،ومعنى هذا الفناء تلشي الجسام و العراض .وزوالها بحيث لا يبقــى فــي
القلب التفاتا إلى غير ا ،حتى لقد عبر الغزالي عن هذه الحالة بقــوله :أنـــها البقــاء مــع اــ
بال .و أن العبودية الكاملة ل تسمو على الخوف من العقاب أو رجاء الثواب ،وتتجاوزها إلى
مقام تحب النفس فيه خالقا حبا خالصا تشعر معه بفنائها فيه ،و النسان الصالح الذي لــم يبلــغ
درجة الكمالا مطالب بالصبر و الشكر ،أما الكامل فهو في مقام فــوق الصــبر و الشــكر ،وهــو
55
يحب ا لذاته ،ويشكره على ألطافه بنفس مطمئنة راضية مرضية.
ومن بلغ هذه الدرجة من الفنـاء فـي اـ ،فليـس لـه إلا أن يقـولا :مـن ذاق عـرف ،لن
العارف يعتريه في حالا الوجد و الكشف فرحا غير متكلف يطير به ،وهذا ممـــــا لا يــدرك إلا
بالـــذوق و الحالا وتبدلا الصفاتا ،قالا الغزالي ":إذا حصلت المشـــــاهدة الصوفيــة انمحقــت
الهــــموم و الشهواتا كلها ،وصأار القلب مستغرقا في النعيم ،فلو ألقي في النار لم يحــس بهــا،
53
د.جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،نفس المصدر السابق ،ص.388:
54
د.جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،نفس المصدر السابق ،ص.390:
55
د.جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،نفس المصدر السابق ،ص.391:
24
ولو عرض عليه نعيــم الجنــة لــم يلتفــت إليــه لكمــالا نعيمــه ،وبلــوغه الغايــة الــتي ليــس فوقهــا
56
غاية".
وقالا كذلك ":وعلى الجملة ينتهي المر إلــى قــرب يكــاد يتخيــل منــه طائفــة الحلــولا ،وطائفــة
التحاد ،وطائفة الوصأولا ،وكل ذلك خطأ ،بل الذي لابسته هذه الحالة ،لا ينبغي أن يزيد على
أن يقولا:
وكان ما كان مما لست أذكره
57
فظن خيرا و ل تسأل عن الخير.
56
د.جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،نفس المصدر السابق ،ص.392:
57
المنقذ من الضللا ،ص108.107 :
25
المطلب الثالث :أهم المراحــل الــتي عرفهــا
الغزالي
.1الغزالي مفكرا:
يبدو أن فكر الغزالي مزيج من علوم شتى صأقلها التفكيــر و أصأــفتها تجــاربه العلميــة.
فقد كان الغزالي رجل متعطشا إلى معرفة كل شيء ،فكان دائرة معارف عصره ،ونــالا لقــب
حجة السلم ومجدد المئة الخامسة.
لكن أهمية الغزالي ليست في معرفته الموسوعية ،فكم من موســوعيين فــي التاريــخ لــم
58
يتبؤوا مكانة الغزالي في عقولا المسلمين ومشاعرهم ،ولم يفوزوا بلقب حجة السلم.
و الغزالي-كما يبدو لدارسه بشكل عام -واحد مـن أكـبر مفكـري السـلم ،ولعلــه أقربهــم إلــى
البتكار .فآراءه في التربية و التعليم وحـدها يمكـن أن تعتـبر تجديـدا مهمـا فـي وضـع قواعـد
سلوكية للمريدين وطلبة العلم فهو من القائلين بأن التربيــة يجــب أن تتنــاولا العناصأــر الثلث:
الروحا و العقل و الجسم في عملها و أن إهمالا واحد مــن هــذا العناصأــر ينتــج عنــه نقصــا فــي
التربية ،وقد ينتقل أثره إلى العنصرين الخرين.
ويرى "كولد تسيهر" أن الغزالــي قــد اســتطاع بقــدرة المفكــر أن يشــيع الفكــرة الدينيــة
العامة التي رفع بها معه شأن آراء الصوفية وجعلها من العوامل الفعالة في الحياة الدينيــة فــي
السلم.
ومهما تكن الراء التي قيلت عن الغزالي مختلفة فإن الجميع متفقون علــى مكــانته فــي
شؤون المعرفة ورسوخ قدمه فيها.
و من الملمح الفكرية عن الغزالي أن الشك عـرض لـه فـي وقـت مبكـر ،وكـان شـكه
صأاحب فضل عليه ،لانه هو الذي دفعه إلى البحث وطلب الحقيقة وتلمس اليمان ،فدرس كل
59
العلوم الدينية و المذهبية الموجودة في عصره.
ونستطيع أن نستعرض المراحل الفكرية التي مــر بهــا الغزالــي فــي حيــاته ،فنجــد أولا
المرحلة التي سبقت شكه ،وفيها كان يطلب العلم ،ويكون شخصيته الفكرية ثــم المرحلــة الــتي
ظهر فيها الشــك ،وقــد جـاءه الشــك خفيفـا ،ثــم اشــتد وقــوي بعــد ذلــك ،وتلــك المرحلــة طـالت
وامتدتا ،ثم المرحلة التي أعقبت الشـك ،وهـي مرحلـة الهـدوء و الطمئنـان و الوقـوف علـى
58
أحمد الشرباصأي -المصدر السابق ،ص.98:
59
أحمد الشرباصأي -المصدر السابق ،ص.73:
26
الحقيقة عن طريق التصوف ،ثم مرحلة التأمل و التدبر على انفــراد فــي أثنـاء عزلتــه بدمشـق
وبطوس ،ثم مرحلة العودة إلى عرض ما يعلم ويرى عن طريق التدريس و التــوجيه الــديني،
60
ثم مرحلة الممارسة للتصوف ،و الزهد في أواخر أيامه بطوس.
.2الغزالي فيلسوففا:
إن الغزالي يهدمه الفلسفة قد غدا فيلسوفا ،ولكن بمعيار آخر ومن منطلق آخر .لــم يعــد
تابعا ،بل أصأيل مستقل ،وأنه فيلسوف و إن لم يرد أن يكون فيلسوفا.ولعله لو سئل –كما قــالا
الستاذ العقاد -أأنت فيلسوف؟ لنكر ذلك.
وهـــذا أمـــر اعـــترف بـــه كـــثيرون فـــي الشـــرق و الغـــرب ،حـــتى قـــالا الفيلســـوف
الشــهير"رينــان"":لــم تنتــج الفلســفة العربيــة فكــرا مبتكــرا كــالغزالي" ،و يــبين أن الفلســفة
السلميين قبله وبعده كانوا أتباعا للفلسفة الرســطية أو الفلطونيــة الحديثــة ،و ان الغزالــي
وحده هو الذي ثار عليها واتخذ له نهجا خاصأا.
وقد رأى كثير من علماء المسلمين قديما أن الغزالي رغم حربه للفلسفة لم يزلا متــأترا
بها ،وحسبنا أن أحد دعائم الفلسفة وهو المنطق ،قد تبناه الغزالي ودافع عنــه ،و أضــفى عليــه
مــن ثقــافته الســلمية ،وكتــب فيــه عــدة كتــب )معيــار العلــم( و )محــك النظــر( و)القســطاس
المستقيم( ،وقد أعلن أن تعلمه فرض كفاية ،كما جعله مقياسا لصحة العلوم كلهــا ،حــتى علــوم
الدين نفسها ،وذهب إلى أن من فقد هذا المعيار لا ثقة بعلمه ،حتى جلب عليه ســخط كــثر مــن
علماء المسلمين فــي مختلــف المــدارس و العقليــاتا ،مــن ابــن الصــلحا إلــى ابــن تيميــة الناقــد
المنهجي الموضوعي للمنطق الرسطي.
ويتمكن الغزالي من دخـولا عـالم الفلسـفة لنـه يملـك ملكـة التجريـد .ويـرى العقـاد أن
تصوف الغزالي قد منحه قدرة على التفكير الفلســفي الحــر ،و التأمــل العقلــي العميــق الــذي لا
يتاحا مثله لمن يفكر وهو رهن محابس المادياتا و الشهواتا.
.3الغزالي فقيها:
لقد تعلم الغزالي طرفا من الفقه في صأباه بطوس على يد المام أحمــد الراذاكــاني كمــا
عرفنا .وازداد اشتغاله بالفقه في شبابه قبل أن يتصوف ،ولم يترك البحث فيه بعد تصوفه،بــل
لقد مزج الفقه بالتصوف مزجا عجيبا ،فبث في الحكام الفقهية حياة التصــوف وروحـــــانيته،
60
أحمد الشرباصأي -المصدر السابق ،ص.75:
27
و أيد التصوف بأحكام الفقه وتشريعاته ،فخدم الشريعة بالحقيقــة ،كمــا أيــد الحقيقــة بالشــريعة،
فكان متصوفا فقيها ،وفقيها متصوفا.
و ألف الغزالي في الفقه كتبا كثيرة ما بين مســهب ومتوســط ومختصــر ،و كــأنه أراد أن يــدلا
على تفننه في التــأليف و تنــوع طريقتــه بيــن و التطويــل و العتــدالا و الختصــار و الــتركيز
فألف في الفقه كتبا أربعة تتدرج تدرجا تنازليا من فسحة السهاب إلى ضيق اليجاز ،وسماها
61
بأسماء تدلا على ذلك .وهذه الكتب الربعة هي :البسيط و الوسيط و الوجيز و الخلصأة.
ولم يكتف بهذه الكتب ،بل ألف أيضا :المأخذ فــي الخلفيــاتا ،وشــفاء العليــل فــي بيــان
مسائل التعليل ،وبيان القولين للشافعي ،وغير ذلك...
ومن جهود الغزالي في الفقه فتاويه المشهورة ،و في هذه الفتاوى كان يصولا ويجولا،
و يحلل و يفصل ويلمح صأورا كثيرة محتملة في موضوع الستفتاء فيوردها و يذكر حكمهــا،
62
مما يدلا على عقل واسع وذكاء عجيب وملكة فقهية نادرة.
وكذلك كانت جهود الغزالي الفقهية تدور حولا ثلثة مواضيع :أصأــولا الفقــه ،وفــروع
الفقهية ،وحكمة التشريع .و إذا كان الشافعي قد سبق فوضع علم الصأولا وحدد فيه المنــــاهج
و الموازين و الضوابط ،فقد جاء الغزالــي بعــده بنحــو ثلثــة قــرون ،فســار علــى طريقــه فــي
63
الصأولا ،ولكن مع البسط و الشرحا و التحليل والتدليل.
.4الغزالي متصوففا:
عاش الغزالي في بيئة كثر فيها المتصــوفة و هــو يســمعهم و يتصــل بهــم،وكــان لــذكر
البالغ في نفسه دون شك ،كما أنه درس ما كان في عصره من علوم وثقافاتا ،يكون منها علــم
التصوف ومبادئه.
و الجو الذي أحاط بالغزالي منذ صأــباه كــان مفعمــا بعــبير التصــوف ،فــأبوه و أخـــــوه
وعمــــه و الوصأي عليه و أستاذه الفارمدي و الجويني كلهم متصوفة ،و الوزير نظــام الملــك
محب للصوفية ثم هناك التدين الدافع إلى التصوف ،وهنــاك عاطفــة الغزالــي المتدفقــة ونفســه
المشرقة.
ولعل شواغل من الهوى او الشــهرة او الطمــوحا شــغلت الغزالــي عــن العنايــة البــارزة
بالجانب الصوفي في صأدر حياته ،ولكنــه حيــن حاســب نفســه وراجعهــا غلبــت عليــه الــدوافع
61
أحمد الشرباصأي -المصدر السابق ،ص.56:
62
أحمد الشرباصأي -المصدر السابق ،ص.57:
63
أحمد الشرباصأي -المصدر السابق ،ص.61:
28
القديمة فساقته بكليته إلى رحاب التصوف .تصوف الغزالــي بعــد فــترة الشــك فأصأــابه تحــولا
عنيف مجرى حياته ،فإذا به يزهد بالحياة كلها وينغمس فــي حــالاتا مــن الســمو الروحــي فــي
استقصاء نهاياتا الفكار على الطريقة الصوفية.
و إعلن الغزالي-حقيقة -عن تصوفه لم يكن عندما ترك بغداد ""488هـ بل على إثــر عــودته
منها حوالي " "498هـ حيث قطع كل صألته مع العــالم الخــارجي الــذي غلبــت عليــه النفعيــة
التي تبعده عن الخرة بشكل حقيقي فقد وعظ بمــادة "إحيــاء علــوم الــدين" فــي نظاميــة بغــداد
الذي ألفه خللا رحلته و في دمشق بالذاتا.
يرى" كولد تسيهر" أن أصأل تصوف الغزالي كان زهدا بل إنه قوة نظر فــي حمــــاسة
و إعجاب إلى الحياة القلبية الصادقة المفعمة باليمان التي كان يحياها المسلمون فــي عصــور
64
السلم الولى ،غير أن هذا التطلع لم يصرفه عن العقل ومكانته في العلوم.
ومما لا ريب فيه أن أبرز ما أخذ على الغزالي ،اندماجه في طريــق الصــوفية انــدماجا
يكاد يكون كامل ،و إذعائه لما عند القوم من معارف و أحوالا و أعمالا ،دون أن يحكمها إلــى
منطق الفقه و أصأوله .وسر هذا أنه تعامل مع التصوف بقلبه دون عقله وبذوقه قل فقهه.
من أجل هـذا أنكـر عليـه ابـن الجـوزي وغيـره مـن الناقـدين ،قبـوله لكـثير مـن أفكـار
الصوفية و أعمالهم و أحوالهم ،و هي مخالفة لقانون الشرع منحرفة عن الكتاب و السنة.
ومع هذا لا ينكر منصف ودارس للغزالــي و لحيــائه خاصأــة ،أنــه لــم يقبــل التصــوف
بعجزه ،بل رفض في حزم تصوف أهل الحلولا و التحــاد كــالحلج و أشــباهه ،ولــم يقبــل إلا
التصوف المعتدلا القريب من الكتاب و السنة ،واجتهد أن يرد كل فكرة أو سلوك مما يقولا به
المتصوفة إلى أصأولا إسلمية ،و أن يستدلا عليها بالقرآن و الحديث و الثر.
ومما يسجل له انه نبه على ضرورة العلم الشرعي لســالك طريــق الخــرة ،خلفــا لمــا
كان شائعا بين كثير من الصــوفية أن العلــم حجــاب .وقــد جعــل أولا كتــاب مــن كتــب الحيــاء
الربعين "كتاب العلـم" ،و أولا عقبـة يجـب أن يجتازهـا العابـد هـي العلـم ،كمـا فـي "منهـاج
العابدين" ،و أكد في مواضع لا تحصر ان السعادة لا تنالا إلا بالعلم و العمل.
و من أهـــم ما أبرزه الغزالي في التصـــــوف :أنه نقله من مجرد الــذوق و التحليـــــل
و الشطح و التهويل ،إلى علم اخلقي عملي يعالج أمراض القلوب و آفــاتا النفــوس و يزكيهــا
بمكارم الخلق.
64
تسيمر أجناس كلود ،العقيدة و الشريعة في السلم ترجمة يوسف مرسي محمد وجماعته ط ،2القاهرة
29
ومن عرف كيف كان التصوف قبل الغزالي ،ثم كيف صأار بعده ،عرف فضل الغزالــي علــى
التصوف و أهله ،وما ترك فيه من أثر واضح يشهد به المتخصصون في علم هذا الجانب من
جوانب الثقافة و الحياة السلمية.
65
المام أبي حامد الغزالي-ميزان العمل -ط مكتبة الجندي بالحسين ،القاهرة،دون تاريخ،ص.159:
30
العلم اليقيني هو الذي ينكشف منه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب و لا يقارنه إمكان الغلــط
66
و الوهم".
وقد قاده ،هذا التطلع إلى ان يتعامل مع الحس ،انطلقا من التجربة و المشــاهدة،و فــي
ذلك يقولا ":فأقبلت بجد بليغ أتأمل في المحسوســاتا و الضــرورياتا ،وانظــر هــل يمكننــي أن
أشــكك نفســي فيهــا ،فــانتهى بــي طــولا التشــكيك إلــى أن لــم تســمح نفســي بتســليم الامــان فــي
المحسوساتا أيضا ،وأخذ يتسع هذا الشك فيها و يقولا :من أيــن الثقــة بالمحسوســاتا و أقواهــا
حاسة البصر ...،وتنظر إلى الكوكب فتراه صأغيرا في مقدار الدينار ،ثم الدلــة الهندســية تــدلا
67
على انه أكبر من الرض في المقدار".
و أســلم الغزالــي رفــض المحسوســاتا إلــى العقــل الــذي احتــل عنــده مكانــة شــريفة
مرموقة"،إذ رآه منبع العلم ومطلعه و أساسه ،و العلم يجري منه مجرى الثمرة مــن الشــجرة،
و النور من الشمس ،و الرؤية من العين ،فكيف لا يشرف ما هو وسيلة السعـــــادة فــي الــدنيا
68
و الخرة".
و لعلنا لا نستغرب إذا وجدنا الغزالي يحاولا تطويع منهجه –وخاصأة في ما كتب عــن
المنطق و أدواته -للدراساتا الفقهية ،بل إنـا نجـده يسـتمد امثلتـه مـن الفقـه فـي كتـاب )معيـار
العلم( .و فيه يرى ان المنهج صأالح للمسائل الفقهية مثلما هو صأالح للمور العقلية ،و إن كان
يميز بين الستدلالاتا ذاتا طابع الظني و الستدلالاتا ذاتا الطابع اليقيني .بــل هــو كــثيرا مــا
يلجــأ فــي مناقشــته لراء الفلســفة إلــى الطعــن فــي أدلتهــم العقليــة ،علــى حــد قــوله فــي إحــدى
القضايا":و اما ما ذكرتموه مــن الــدليل العقلــي اولا فمبنــي علــى مقــدماتا كــثيرة لســنا نطــولا
بإبطالها ولكنا ننازع في ثلث مقدماتا منها".
ويبدو أن رفضه المحسوساتا لم يلبث أن أفضى بــه إلــى الظــن فــي العقليــاتا الــتي شــك فيهــا
بدورها ،لما قد تتعرض له من تفنيـد إذ قـالا ":لعـل وراء إدراك العقــل حاكمـا آخــر إذا تجلــى
69
كذب العقل في حكمه ،كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه".
و إذا كان الشك عند الغزالي سبيل للوصأولا إلى حقيقة المور ،فقد كان طبيعيا –وهــو
يشك في العقل كما يشك في الحس -ألا يجد يقينه فيه ،أي فــي العقــل و لكنــه وجــده فــي شــيء
آخر أتاحت له أن يخرج من معاناة الشك و الضطراب ،حيث عبر عن ذلك بقوله ":ولم يكن
66
المام أبي حامد الغزالي-المنقذ من الضللا-المصدر السابق،ص.6-5:
67
المام أبي حامد الغزالي-المنقذ من الضللا-المصدر السابق،ص.9-8-7:
68
الغمام أبي حامد الغزالي-إحجياء علوم الدين-ج ،1نشر مكتبة عيسى البابي الحلبي ،مصر ،ص.73:
69
المنقذ من الضللا-نفس المصدر،ص.9:
31
ذلك بنظم دليل و ترتيب كلم بل بنور قذفه ا تعالى في الصدر ،وذلك النور هو مفتاحا أكــثر
المعارف 70،وهو الذي جعله يضع العقل في مكانه الح ق ،ف إذا ك ان حك م العق ل صأ حيحا ف ي
العلوم المنطقية و الرياضية و فــي كــل مجــالاتا المعرفــة الــتي تعتمــد التجربــة ،فـإنه بالنســبة
لللهياتا لا يكون فيها إلا على مقدور المكان.
وقد دلت هذه المعاناة على ان الشك الذي اجتازه الغزالــي فــي مراحــل مختلفــة منــه ومتعــددة،
كان شكا منهجيا توسل به للوصأولا إلى اليقين.
و إنتهى به المطــاف إلــى تجربــة التصــوف الــتي عاشــها وعــان فيهــا ،حيــث قــالا "أن
الصوفية هم السابقون لطريق ا تعالى ،خاصأة و أن سيرتهم أحسن السير و طريقهم أصأوب
الطرق و أخلقهم أزكى الخلق ،بل لو جمــع عقــل العقلء وحكمــة الحكمــاء وعلــم الــواقفين
على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئا من سيرهم و اخلقهم و يبدولوه بما هو خير منــه
لم يجدوا إليه سبيل ،فإن جميع حركــاتهم وســكناتهم فــي ظــاهرهم وبــاطنهم مقتبســة مــن نــور
71
مشكاة النبوة و ليس وراء النبوة على وجه الرض نور يستضاء به".
70
الغزالي –المنقد من الضللا-نفس المصدر السابق ،ص.11:
71
نفس المصدر،ص.50:
32
يمكن أن نستنتج من مجموع ما أسلفناه ان حيــاة الغزالي ابتدأتا بروحانية التصـــوف
و "الزهد" ،إذا أردنا التعبير الصحيح عن حقيقة الحالة التي قدرتا له ،في هــذا الحيــن أخــذتا
تتسرب –روحانية التصوف -إلى نفسه منذ نشأته الولى في جو أسرته.
ومن هنا كانت تجربة الغزالي الصوفية ،تتسلل في نسق مــن تقليديــة بيئيــة أســرية إلــى عقليــة
فلسفية فكرية ومن عقلية فلسفية فكرية إلى أذواق ومكاشفاتا وصألحا...
وهكذا وجد الغزالي في السلم منهج البحث المؤدي للحقيقة ،وهذا مــا ســاعده علــى صأــياغة
نظريــاته .وهــو بــذلك يبحــث عــن الحقيقــة بيــن المناهــج الفلســفية و الــذوق البــاطني و النهــج
الســلمي القرآنــي ،و عــانى الغزالــي فــي حقبــة مــن حيــاته اضــطرابا فــي معرفــة الحقيقــة
وسلمتها ،وقد أدان التقليد ثم أنهى به الشك و الحس و العقل في المعارف التي حصل عليها،
لينتهي إلى الكشف الذي قاده إلى مرفــأ اليقيــن .ولــم يكــن شــكه شــكا نقــديا اســتمراريا لثبــاتا
الوجــود وصأــدق المعرفــة ،و إنمــا كــان شــكه مؤقتــا فاصأــل بيــن عهــدين ،عهــد ســابق للشــك
اضطربت فيه نفسه وقلقت روحه وهو يدرس الحكمة و الفلسفة ،وعهد لاحق بشكه وهو يجــد
الطمئنان و المعرفة في الدين السلمي.
نعم ،أعطى الغزالي لكل علم مكانته ،فهو بذلك كان متوازنا بيــن مختلــف الراء و المــذاهب،
وجنب نفسه الحيرة و الضللا وفكر فكــرة الفيلسـوف المتواضــع ،وتصــوف بتصـوف صأـفاء
الروحا.
وكان طبيعيا أن ينسجم منهج الغزالي مع الفكر السلمي الشمولي انسجاما كامل ،مــادام هــذا
المفكر الكبير يركز تركيزا أساسيا في كل آرائه وجــدله علــى النطلق مــن المنطــق القرآنــي
أولا وقبل كل شيء ،مؤكدا أن ":أولا ما يستضــاء به من البـــواب،ويسلك من طريق النظر
و العتبار ما أرشد إليه القرآن فليس بعد بيان ا بيان".
لعل أحسن ما نختتم به هذا البحث قولنا إن الغزالي كان مفكــرا متنــوع الجــوانب شــمل
نشاطه حقولا مختلفة من منطق وجدلا وفقه وكلم و فلسفة وتصوف ،ومع أنه لم يكن فيلسوفا
كالفــارابي وابــن ســينا و لا متكلمــا كالشــعري ولا فقيهــا كالشــافعي و لا متصــوفا كالحــارث
المحاسبي و أبي طالب المكي إلا أنه إقتبس من هؤلاء جميعا كثيرا من العناصأــر ،وحــاولا أن
يعطي كل شيء حقه.
33
وهكذا أكون قد أنهيت هذا البحث المتواضع بالدعاء الذي ختم به الغزالــي كتــابه" المنتقــذ مــن
الضللا" بقوله":ونسألا ا العظيم أن يجعلنا ممن آثره واجتباه و أرشده للحق وهداه و ألهمــه
ذكره حتى لا ينساه وعصمه عن شر نفسه حتى لم يؤثر عليه سواه و استخلصه لنفسه حتى لا
يبعد إلا إياه".
و أرجو من ا تعالى أن أكون قد وفقت في إنجاز بحثي هذا ،الذي تم فيــه إبــراز تجربــة أبــي
حامد الغزالي الصوفية من خللا كتابه المنقذ من الضللا.
34
.1د.أبو العل عفيفي ،التصوف :الثورة الروحية في السلم ،ط 1سنة.1963 :
.2د .عاطف تامر ،الغزالي بين الفلسفة و الدين ،رياض ريس للكتب ،بيروتا ،لبنان.
.3د .عبد الحليم محمود ،المجموعــة الكاملــة لمؤلفــاتا –المنقــذ مــن الضــللا -دار الكتــاب
اللبناني ،بيروتا ،ط ،2:سنة .1985
.4د .زكي مبارك ،التصوف السلمي في الدب و الخلق ،ج .1
.5د .الزبيدي ،محمد بن محمد الحسيني ،اتحاف السادة المتقين شرحا إحيــاء علــوم الــدين،
دار إحياء التراث العربي ،بيروتا ،لبنان ،بدون تاريخ.
.6السبكي .تاج الدين أبو بكر نصر عبد الوهاب بن علي بن عبــد الكــافي ،تحقيــق محمــود
محمد الطناحي ،عين الباب الحلبي ،ط،1:ج – 6الطبقاتا الشافعية الكبرى.
.7بنيعيش محمد ،الموضوعية و الذاتية بين الغزالي وابــن تيميــة ،الخليــج العربــي ،ط،1:
سنة 1421هـ 2000/م.
.8ندواتا أكاديمية المملكة المغربية ،حلقة وصأل بين الشرق و الغرب :أبو حامــد الغزالــي
وموسى بن ميمون –أكادير ،1986:السفر الثاني عشر ،من مطبوعاتا الكاديمية.
.9د .جميل صأليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،دار الكتاب اللبناني ،بيروتا ،ط I ،1970:وط:
.II ،1973
.10تسيهر أجناس كلود ،العقيدة و الشريعة فــي الســلم ،ترجمــة يوســف مرســي محمــد،
وجماعته،ط ،2القاهرة مصر ،بدون تاريخ.
.11د.أحمد الشرباصأي ،الغزالي و التصوف السلمي ،طبع بمطابع مؤسسة دار الهللا.
.12المام أبو حامد الغزالي المنقذ من الضللا ،ومعه كمياء السعادة و القواعــد العشـــــرة
و الدب في الدين ،تعليق وتصحيح ،محمد محمد جابر.
.13المام أبو حامد الغزالي ،المقصــد الســى ،شــرحا أســماء اــ الحســنى ،القــاهرة ط،2:
بدون تاريخ ،مطبعة السعادة.
.14المام أبو حامد الغزالي ،إحياء علوم الــدين ،دار الكتــب العلميــة ،بيــروتا ،لبنــان،ط:
، 1ج .1
35
.15المام أبو حامد الغزالي ،ميزان العمل ،دار الكتب العلمية ،بيروتا ،لبنــان،ط ،1ســنة
1409هـ 1989/م .
.16المام أبو حامد الغزالي،فضائح الباطنية ،تحقيق محمد على قطب المكتبــة العصــرية،
بيروتا ،لبنان ،ط،1:سنة 1421هـ2000/م.
.17د .عبـد الرحمـن بـدوي ،تاريـخ التصـوف السـلمي ،مـن البدايـة ح تى نهايـة القـرن
الثاني،ط ،1سنة 1975
.18د .عاطف الزين ،الصوفية في نظر السلم ،بدون تاريخ.
36