Professional Documents
Culture Documents
ا سطورة المسخ والتحو PDF
ا سطورة المسخ والتحو PDF
الملخص
بما تمثله من داللة على انماط،تعتبر اسطورة المسخ والتحول من اهم المعتقدات التي حفلت بها مختلف الثقافات القديمة
: وسيقدم هذا البحث دراسة لتجلياتها في الثقافات اإلنسانية المختلفة،التصورات التي ميزت طريقة التفكير في الميثولوجيات القديمة
.الفلسفية اليونانية والعربية الدينية والشعبية الجزائرية
. الثقافة، صور المسوخ، التحول، المسخ، االسطورة:الكلمات المفاتيح
Résumé
Le mythe de la métamorphose et de la transformation est l'une des croyances les plus importants qui a été
entièrement traitées par diverses cultures anciennes, car il représente un signe des perceptions qui ont caractérisé
la façon de penser dans l'ancienne mythologie, cette étude présentera ses manifestations dans les différentes
Summary
The myth of metamorphosis and transformation is one of the most important beliefs that was fully dealt with by
various ancient cultures, as it represents a sign of the perceptions that have characterized the way of thinking in
the old mythology, this research study will present its manifestations in different human cultures: philosophical
قبل الولوج إلى اسطورة المسخ والتحول في الثقافات القديمة ،يكون لزاما عليتا الخوض في قراءات تحليلية لعقلية اإلنسان البدائي
ومدى ارتباطها بخلق االساطير؟ وبما عبرت عنه هذه االساطير وما مثلته من اهمية في حياته؟ ،بما انها كانت معتقدات وتصورات
لقوى غيبية اتخذها ذريعة لتعليل مخاوفه وتصوراته ،ومن هذا المنطلق يرى الدارسون والباحثون في مجال االسطورة انها اقدم ما
وصل إلينا من محاوالت تفسيرية لما غمض على اإلنسان من ظواهر عامة ،سواء اكانت نفسية او اجتماعية او دينية ،ومنه مثلت
االسطورة حدثا بارزا في تاريخ االولين ،فاهتموا بها ايما اهتمام ،وحاكوا حولها الكـثير من الوشائج والروابط في قصصهم وتواريخهم.
وبما انها كانت امتدادا لما نرمي إليه من دراسة ،وجب علينا تحديد ماهيتها ومعالمها كي يتسنى لنا فهم موقعها في الدراسات النقدية
الحديثة واثرها على الفن واإلبداع.
تعريف االسطورة
ا-لغة
جاء في تعريف االسطورة لغة انها" :من سطر يسطر إذا كـتب ،قال هللا تعالىَٓ " :ن َوَٱلۡقل َِم َوماَي ۡس ُط ُرون َ " ١القلم :االية .21 :اي وما
تكـتب المالئكة ،وفي التنزيل :وكل صغير كبير مستطر ،وسطر يسطر سطرا :كـتب ،واستطر مثله .قال ابو سعيد الضرير :سمعت
ُ
اعرابيا فصيحا يقول :اسطر فالن اسمي اي تجاوز السطر الذي فيه اسمي ،فإذا كـتبه قيل :سطره ،وقال الزجاج في قوله تعالى":وقال ٓواََ
ُ ۡ
كر ٗة َوأصِ ٗيًل َ "٥سورة الفرقان ،االية .22 :خبر البتداء محذوف المعنى ،وقالوا الذي جاء به ۡ ُ ۡ
َل َعليهَِب
ُ
َت ۡم َٰ ۡ
ٱۡل َّول ِ َ َٱكتتبها َف ِِه
ِۡي َ َ
سطأ َٰ
اساطير ،معناه سطره االولون وواحد االساطير اسطورة .واالساطير :االباطيل ،واالساطير :احاديث ال نظام لها .وقال ابو عبيدة :جمع
سطر على اسطر ثم جمع اسطر على اساطير .ويقال سطر فالن علينا يسطر إذا جاء باالحاديث تشبه الباطل ،يقال هو يسطر ماال
1
اصل له اي يؤلف .يقال :سطر فالن على فالن ،إذا زخرف له االقاويل ونمقها وتلك االقاويل االساطير والسطر"
ب-اصطلحا
يذهب الكـثير ممن درسوا االسطورة انها ال تستقر على تعريف محدد وشامل ،وإنما تعددت تعاريفها وفقا لتعددها واختالفها
واختالطها بغيرها من االجناس االخرى ،وبذلك ليس من السهولة ان نطا هويتها وحيثياتها؛ النها لم تنزع إلى مشرب واحد ،وإنما
اختلطت منذ البدء مع غيرها من المشارب والثقافات المتعددة ،مما حدا بها ان تتداخل مع كـثير من االجناس االخرى ،ومن ثم
صعب تحديد ماهيتها ،إال اننا سوف نورد بعضا من التعاريف لعلها تشفي غليل هذا التنوع ،فنجد خاصية جامعة لها من كل ذلك،
ويعضد هذا الطرح ما ذهب إليه مرسيا الياد في" :ان االسطورة هي رواية لتاريخ مقدس يخبر عن احداث وقعت في الزمان االول
قامت بها اال لهة والكائنات الخارقة العظيمة" ،0وفي هذا التعريف الذي اختاره مرسيا الياد دون غيره من التعاريف االخرى مثل نوعا
من اإللمام باالسطورة ،رغم ما عرف عليها من تعدد واختالط بغيرها من المعارف االخرى ،والقصد هنا ان االسطورة تختص بطابع
التقديس ،وهذا ما يؤكده فراس السواح بقوله" :هي حكاية مقدسة ذات مضمون عميق يشف عن معان ذات صلة بالكون والوجود
وحياة اإلنسان" ،3كما يرى عبد الحميد يونس " :بانها حكاية إله او شبه إله او كائن خارق تفسر بمنطق اإلنسان البدائي ظواهر
الحياة والطبيعة والكون والنظام االجتماعي واوليات المعرفة".4
وعليه فإن االسطورة هي دين وعقيدة وتاريخ وإبداع ،لذلك اختلف تفسيرها حسب كل مدرسة وما حملته من رؤية إيديولوجية
اتجاهها ،فارتباطها بالدين ناتج عن تصورات ومعتقدات الناس نحو الغيبيات والماورائيات ،التي لم يستطيعوا موضعتها في عقولهم،
فاتجهوا بها إلى التعدد والتنوع الذي توزعته وفقا للحقول المعرفية والثقافية والفلسفية ،لذلك يرى محمد عجينة ان" :االسطورة كما
عاشتها المجتمعات القديمة هي التاريخ والدين والمعرفة واالخالق ،فهي التاريخ النها تحكي قصة علوية هي محل تقديس واحترام،
النها اصل كل شيء .وهي الدين تبعا لذلك .كما انها المعرفة النها تخبر باصل الموجودات بدءا من الكون إلى المؤسسات اإلنسانية
وكيف ظهرت .وهي االخالق إذ تقدم من خالل التاريخ والدين والمعرفة نموذجا ومثال اعلى للتصرف والسلوك" .2وعلى هذا االساس
توزعت االسطورة على مختلف المعارف اإلنسانية التي تاسست من خالل القول الذي ابان لنا صعوبة تحديد المفاهيم والتعاريف
حول هذا المصطلح ،مما حدا بكل باحث في هذا المجال ان ينطلق في تحديد مفهومها من خالل تخصصه ،محاوال ان يجد لها
تفسيرا من هذا المنطلق .وال شك ان المعارف اإلنسانية قد حاولت ان تؤسس لالسطورة كظاهرة إنسانية مست جميع جوانب الفكر
والفنون واإلبداع ،وكل ما اتصل بالتفكير اإلنساني في بداية مراحله االولى .وقد اثر الكـثير من الباحثين في العصر الحديث ان يربطوا
االسطورة بمجاالت شتى من المعرفة ،وهو ما يراه رينيه ويلك من خالل قوله ان ":االسطورة هي االصطالح المفضل في النقد
الحديث ،وهي تشير إلى ،وتحوم على حقل هام من المعاني ،يشترك فيه الديانة والفولكلور وعلم اإلنسان وعلم االجتماع ،والتحليل
النفسي والفنون".6
و توكؤا على ما سبق ،يتضح لنا ان مفهوم االسطورة يتوزع على العديد من الحقول المعرفية التي انتجتها الثقافة اإلنسانية في جميع
مراحل تطورها ،ومن هذا المنطلق اهتمت الدراسات الحديثة بهذا النوع من الثقافة التي تمثل الفكر اإلنساني القديم ،فكان "اهتمام
العلماء والفالسفة واللغويين وعلماء االنثربولوجية بدراسة االسطورة ،وبعض كـتابات ذلك القرن تعتبر معالم اساسية على الطريق،
وإن كانت لم تبل بطبيعة الحال نوعا من الدقة والعمق ،ولكي نتعرف على االتجاهات والمسارات التي سلكـتها البحوث
الميثيولوجية ،يمكن الرجوع إلى الدراسات التي قدمت تفسيرات مختلفة لالسطورة".7
من هنا يمكن ان نستخلص من كـتابات بعض الفالسفة والمفكرين الذي اهتموا بشان االسطورة ،انها تمثل إيديولوجيا خاصة
بالشعوب في محاولة منها إلقناع ذاتها بالكـثير من التساؤالت التي اثارتها االسطورة ،ونعضد هذا الراي بهذا القول الذي يؤسس لهذا
المنحى في اعتبار االسطورة نوعا من اإليديولوجيا ":إن اإليديولوجيا او االسطورة هي االداة التعبيرية للشعوب والجماعات القادرة على
تحريك حشود البشر ودفعها لتاكيد طموحاتها واهدافها .بل إنها تمثل الرغبات واإلرادات اإلنسانية الخالقة التي تقود الناس إلى
3
االستعداد للمعركة من اجل تحطيم كل ما يوجد .ومن هنا عدها "سوريل" هي واالسطورة حقيقة واحدة".
االسطورة واالدب
بعدما تطرقنا إلى االسطورة من منظورها اللغوي واالصطالحي ،ننتقل إلى عالقتها باالدب ،حيث اندمجت االسطورة والبست ثوب
السرد ،ومنه دخلت عوالم النصوص ،فاصبحت ملهما إبداعيا للكـتاب واالدباء ،فانسلخت االسطورة من الطابع القدسي إلى عوالم
الفن ،محافظة على مكانتها داخل ثقافات الشعوب حتى هذا العصر" .فاالسطورة تجسد فكرة من االفكار او هما من الهموم لتصبح
موضوعا يقلق الفكر البشري في مراحله البدائية يجيب عن تساؤالته إجابة تقنعه ويقنع بها غيره ،فتصبح قناعة يقينية جماعية إلى
حد التقديس ،ومع مرور الزمن وتطور الفكر البشري تفقد القناعة قداستها ،إال انها تبقى متجذرة في عقل اإلنسان ووجدانه ،فينقلها
جملة وتفصيال إلى مجاالت إبداعه كاالدب بمختلف اشكاله واجناسه" ، 2وعلى هذا االساس نجد ان المبدع قد استمر في توظيف
االساطير داخل نصوصه اإلبداعية ،واعطاها من اإلسقاطات ما يتماشى مع سيرورة الحياة والثقافة في كل عصر ،وهذا ما يراه بعض
الباحثين في "ان االسطورة ليست مادة للتفسير ،وإنما هي موضوع لمعارف من حياة سابقة ،وهكذا يجب إعادة تقويم هذه المعارف
عند انحصارها ،ال إعادة تفسيرها ،لكي تدلنا على القوانين االطر والنماذج الناظمة لها ،مع إمكانية إعادة استخدامها انيا .ال تستطيع
االسطورة بالتاكيد تناسي اصولها الدينية بسهولة ،وال يمكن اخذ بعد ادبي إال إذا بقيت كالما حيا" ،12لذلك حاول اإلنسان منذ
القديم البحث في الظواهر واالشياء التي تشد انتباهه وتثير غموضه ،ليبحث لها عن تفسير وتعليل ،بما تيسر له من تفكير وتاويل
يتماشى وطبيعة تلك الظاهرة .ومن هذه الظواهر التي اصبحت فيما بعد معتقدا اسطوريا راسخا في الثقافات القديمة والحديثة:
َالم ُ
سخ والتحول.
وعليه فإنني في هذا المقام احاول تحديد المصطلح وتتبعه في المعاجم اللغوية ،واصوله في الديانات ،ثم اتطلع بعد ذلك إلى
الثقافات القديمة وكيف اسطرته في تصورها عبر القصص والحكايات المتوفرة في اثارها التاريخية او اإلبداعية.
تتفق المعاجم العربية والغربية ،في قضية المسخ وداللته في اللغة على انه االنتقال من صورة االنسان إلى هيئة الحيوان .وهو ما
نجده في لسان العرب البن منظور« :الذي يرى ان المسخ هو تحويل صورة إلى صورة اقبح منها ،او تحويل خلق إلى صورة اخرى...
فمسخه هللا قردا ،تمسخه ومسيخ .وكذلك يشوه الخلق .وفي الحديث النبوي عن ابن عباس :الجان مسيخ الجن كما مسخت القردة
من بني إسرائيل».11
وجاء في ترجمة مسخ الكائنات الوفيد ناسو على لسان المترجم «ان كلمة (ميثاموفورز) التي عنون بها اوفيد كـتابه تعني :االنتقال من
10
حال إلى حال ،ال يشرط فيها حال دنيا وحال عليا ،غير ان الكـتاب كله تحول من مرتبة عليا إلى مرتبة دنيا».
نستنتج مما سبق ان المسخ هو النزول من المراتب العليا إلى الدنيا السباب دينية او عقوبات سلطت من اال لهة على اإلنسان ،وقد
نالحظ ان هناك فرقا بين المسخ والتحول ،ذلك ان التحول ليس بالضرورة االنتقال من اعلى إلى ادنى ،فقد يكون التحول تصاعديا
اي من مرتبة دنيا إلى عليا .فاساطير المسخ والتحول «تزود المعتقدين فيها سالح رهيب جدا ،إذ انها تبشر بقدرة الغيب على اإلرهاب
المباشر .فالمسخ مثال يرمز إلى القدرة اإللهية على تحويل اإلنسان من وضع اعلى إلى وضع ادنى (وضع حيواني) ،ويختلف التحول
عن المسخ بانه ال يتضمن االنتقال الحصري من مرتبة دنيا ،فهو قد يكون تحوال ارتقائيا او تحوال انحطاطيا او تحوال محايدا ،والتحول
يشمل االشياء والبشر على السواء ،فيما ينحصر المسخ في تحويل البشر إلى حيوانات او اشياء».13
لذلك تعتبر اسطورة المسخ والتحول من بين اهم االساطير لدى الشعوب على مختلف منطلقاتها الفكرية وااليديولوجية التي تدور
موضوعاتها حول تغير صور الكائنات إلى اشكال متنوعة وتلبس حقيقة غير حقيقتها.
ولم يقتصر المسخ على ثقافة دون اخرى ،وإنما مس تصورات جميع االمم في ثقافاتها االسطورية التي حاولت ان تحدد طبيعة المسخ
من منطلقات ايدولوجية سواء اكانت عقدية ام اجتماعية ام سياسية .ولم تكن الديانات بمعزل عن هذا التصور الذي نجده في التوراة
وقصتها حول المسخ الذي اثبته القران والسنة النبوية باعتبارهما ابرز مقومات الثقافة اإلسالمية المرجعية لدى المسلمين ،حينما
يعرض لقضية مسخ بعض بني إسرائيل في القران وتحويلهم إلى قردة وخنازير.
المسخ في الثقافات الدينية
صرح القران الكريم في عدد من االيات بان هللا عز وجل غضب على جماعة من بني إسرائيل فمسخهم إلى قردة وخنازير .وكان هذا
ع ُ ُ ُ ۡ ُ ۡ َّ
س َ"َ ٦٥ ٱلسبۡتَِ َفقلناَل ُه ۡم َكونوا َق ِردة َخ َٰ ِ َ
ِنك ۡم َِف َ َّ
ِ المسخ عقوبة لمعصيتهم.قال تعالى مخاطبا بني إسرائيل":ولق َۡد َعل ِۡمتُ ُم َٱَّلِينَ َٱعتد ۡواَ َم
واۡلنازيرَيهَماَمسخَ.فقالَرسولَاّللَصَلَاّللَعليهَوسلمََلَإنَاّللَلمََيعلَلمسخََلَنسًلَوَلَعقباَوأنَالقردةَواۡلنازيرَُننواَقبلَذلك».12
وال يقتصر الحديث عن المسخ على الثقافة اإلسالمية ،فالمتتبع لحقيقة المسخ والتحول يجد انه«كان جزءا من معتقد اإلنسان
القديم ،كما عرفته امم وشعوب عديدة في المجتمعات اال كـثر تقدما وتحضرا .لذا فالنصوص الدينية على اختالف مصادرها الوضعية
منها والسماوية اشارت إليه وربطته بالجانب العقدي لتمنحه مصداقية الكينونة والوجود».16
ومن الديانات القديمة التي تؤسس لهذا اللون من االساطير التي تتحدث عن المسخ والتحول الديانة الهندية ونجد ذلك في بعض
المقاطع من إنجيل بودا في مثل قصة اإلله إندرا الذي اتخذ صورة صياد يقول بوذا« :كان في قديم الزمان ملك ظالم ،فاتخذ اإلله
إندرا هيئة صياد ،ونزل إليه مع الشيطان متالي ،وهذا الشيطان اتخذ صورة كلب ذي قامة عجيبة ،دخل الصياد والكلب إلى القصر،
وبدا الكلب بالنباح بقوة وبحزن؟ مما جعل بناء القصر الملكي يهتز من شدة الصوت» ،17وفي مقطع اخر نجد في إنجيل بودا ان
احد الخياطين المخادعين كان يتخذ صورة طائر يسمى مالك الحزين «هذا الشخص عينه الذي ال يشبع عاش عدة حيوات قبل حياته
الحاضرة بصورة طائر يسمى مالك الحزين الذي اختار ماوى له قرب إحدى البحيرات».13
وغير بعيد عن المعتقدات الدينية التي بلورت مفهوم المسخ وفق عقائد االمم والشعوب ،انتقل بدوره إلى الفنون واالداب واصبح
يوظف في كـثير من الكـتابات اإلبداعية التي حاول من خاللها المبدعون ان يمارسوا نوعا من اإلسقاطات التي تمس الجوانب الهامة
في حياة اإلنسان وما يدور حوله.
وقد اثرت في هذا المقام ان اركز على قضية المسخ والتحول في نماذج بعض الثقافات القديمة التي حفلت بها المالحم والكـتب عند
بعض االمم ،التي اعتقدت في اسطورة المسخ والتحول اعتقادها الجازم ،فانتقل من اإليمان إلى الرواية عنه ونسج الكـثير من
القصص حوله في قالب تراجيدي يحدد معالمه القاص.
فمن النماذج :االوديسة التي تتحدث عن عودة اودوسيوس إلى بلده لما انتصر في حرب طروادة ،فلما لم يقدم اودوسيوس القرابين
إلى الهة االولمب ،عاقبته بالتيه في عرض البحار ،وبدال من ان يقصد مملكـته رست سفينته على جزيرة ملكة السحر سيرس التي
حولت اصحابه الى خنازير بفعل شراب سحري قدمته لهم".و اقبلت سيرس فهشت لهم وبشت ،واذنت لهم ان يدخلوا ...فدخلوا ,
واسفاه إال يوريالخوس فخشي ان تكون مكيدة او احبولة ,قادتهم الى بهو كبير ،صفت فيه عروش ضخمة من ذهب ،ما كادوا
يستقرون عليها حتى اقبل الساقي بخمر وعسل ،ثم جيء بجبن وطعام اخر ،مخلوط بعقاقير سحرية تذهب وعي اكليها ،وتنسيهم ما
سلف من امورهم ،واستاقتهم إلى حظائرها حيث مسخوا ،فكانوا خنازير وإن ابقى السحر على البابهم ".12
وغير بعيد عن هذه االسطورة في ملحمة االوديسة يطالعنا اوفيد بكـتاب ضخم حول اساطير المسخ في الثقافة القديمة ،ويتعرض لها
بالتفصيل في حديثه عن تغيراتها وصورها واشكالها ،فمثال «جوبتر رب االرباب يهبط من عليائه إلى االرض ،ويتحول في صورة ادمي.
وشخصية (إليكاوون) حينما مسخته اال لهة ذئبا وحشيا وكذلك شخصية دافني التي طلب من اال لهة ان تمسخها بسبب جمالها الذي
اثار اإلعجاب في قلوب الرجال ،وقد مسخت شجرة».02
ومن اساطير المسخ والتحول في الثقافة اليونانية اسطورة راس ميدوسا «التي حولت اال لهة شعرها إلى ثعابين ووجهها إلى وحش
فكان من ينظر إليها يتحول إلى حجر .وقد كانت من الجميالت».01
ومثل تلك االساطيرالتي عجت بها الثقافات القديمة« :اسطورة نرسيس عند اليونان ،وهو الفتى الجميل الذي ابتلته اال لهة (إفروديت)
بحبه نفسه وولوعه بالنظر إلى صورته في الماء ،وفي سبيل حصوله على هذه الصورة مات غرقا في الماء ،وتحول الى زهرة هي زهرة
النرجس .ولذلك تحب هذه الزهرة الماء وتنمو على الشطان» ،00وهي من االساطير التي لها اتصال وثيق بالمسخ عند اكـثر الشعوب.
وال تختلف الثقافة اإلفريقية عن باقي الثقافات االخرى في تصورها العام للمسخ وصوره؛ الننا نعثر حين قراءتنا لبعض المدونات التي
نجدها تتطرق لمثل هذا النوع من االساطير ،والتي «تدور حول اشخاص تغادر ارواحهم جسدهم ،وتتقمص كائنات اخرى خالل
الليل ،هناك اعتقاد سائد بان مثل اولئك االشخاص يمكن مشاهدتهم محلقين على عصا غليظة ،او يتحول إلى بومة ويتجه إلى قمم
االشجار ،حيث تقام الوالئم لنهش اللحم نيي .ففي ساحل العاج تدور إحدى اساطيرهم حول امراة غادرت روحها جسدها وتقمصت
بومة .وظل جسدها راقدا في الفراش ،وحلقت البومة ولكن صيادا شجاعا تمكن من إصابتها ،وفي تلك اللحظة ماتت الساحرة في
الفراش» .03وقد كـثر هذا النوع من االساطير خاصة في قبائل إفريقيا ،وتناقلها ابناؤها ،واعتقدوا بصحتها ،ومما «تناقلتها قبائل
جيكويا GIKUYAIالتي تقطن كينيا ،والتي تدور حول إحدى المخلوقات الممسوخة ،التي كان نصفها بشر من لحم ،والنصف
االخر من حجر .او نصفها بشر من لحم والنصف االخر من شمع ،اما في ماالوي فيتحدثون عن تلك المخلوقات الممسوخة التي تتخذ
الغابات ماوى لها ،متحدية الكائنات البشرية في صراعاتها ،والتغلب عليها».04
وقد اعتبرت الف ليلة وليلة في قضية تناولهااالسطورة المسخ إنجازا عربيا وابتكارا ادبيا جديدا .وقد وجدت في الليالي حكايات حول
المسخ مثل حكايات التاجر والعفريت والحمال وثالث بنات ،33وغيرها من الحكايات االخرى التي تناولت هذه االسطورة بطريقة
عجائبية.
ويكـتسي «موضوع التحوالت ومسخ الكائنات بطبيعته ابعادا وإيحاءات خاصة ويناقشه الدارسون باعتباره موتيفا ادبيا يشير إلى
االنفصال بين الجسد والوعي ،او العقل بين الشكل والجوهر وذلك عندما يحدث االنقالب من خلقة إلى اخرى ...فالمسخ والتحول
يختلف في دراسته بين مجموعة من العلوم مثل االنتربولوجيا والفلسفة وعلم النفس وعلم الجمال ودراسة االديان ،اما التحول في
االدب فله عالقة بالبحث عن الهوية ،فاالنفصال والخروج إلى االخر ليتعرف االنسان على هويته االصلية من جديد».34
وهذا ما نجده في رواية الحمار الذهبي البوليوس في مسخ االنسان إلى حيوان(الحمار) ثم عودته إلى حالته االولى ،وهي تعتمد على
طابع المسخ وتحويل الكائن البشري إلى حيوانات او اشياء على غرار اإلبداعات اليونانية.
تتحدث الرواية قبل تحول لوكيوس إلى حمار ,عن دور السحر وقدرته على تحويل الناس واالشياء إلى حيوانات وطيور ،كما فعلت
الساحرة بامفي لة التي تحولت بفضل خلطتها السحرية إلى بومة ،حنيما كان لوكيوس يشاهد ذلك خفية بغية التعلم " ،لقد تعرت
بامفيلة اوال ,ثم فتحت صندوقا صغيرا واخرجت منه علبا كـثيرة ،رفعت غطاء إحدى العلب ،واخرجت منها مرهما دعكـته طويال بين
يديها ,ثم دهنت به جسدها كله من قمة راسها الى اخمص قدميها ،واخذت بعد ان اجرت احاديث سرية مع مصباحها تهز اعضاءها
وتحركها كلها ... ،فتحولت بامفيلة إلى بومة ! وارسلت انة صارخة .ووثبت عن االرض قليال على سبيل التجربة ثم ارتفعت منشورة
الجناحين وانطلقت الى الفضاء ".32
و قد استعرض لوكيوس في هذه الرواية تجربته الخاصة بعدما اخطا في الوصفة السحرية التي تحول من خاللها إلى صورة حمار،
حيث حاول ان يتبع طريقة بامفيلة السحرية لكن دربته في السحر وتجربته قليلة ،مما جعله يرتبك وال يحسن ذلك " ،غرفت كمية
صغيرة من المرهم ,ودهنت بها جسمي واخذت احرك ذراعي صعودا وهبوطا واتمرن على طائر معين ،لم ينم لي زغب قط ،وال
ظهرت لي ريشة واحدة ! ،لكن شعري نما بشكل واضح واصبح خشنا ،وصارت بشرتي الناعمة طبقة سميكة من الشحم ،وتجمعت
اصابع يدي وقدمي ،ليتحول كل منها ببساطة إلى حوافر ،وانبثق في اسفل ظهري ذيل عظيم" ،36وبذلك تحول لوكيوس إلى حمار
لكنه بقي محتفظا بعقله وشعوره اإلنساني.
المسخ في الثقافة الشعبية الجزائرية
لما كانت اسطورة المسخ والتحول قديمة قدم تصورات االنسان لوجوده وكينونته وتعليالته للظواهر القديمة ،واعتقد االنسان فيها
الحقيقة واسست لفلسفته في الحياة والوجود .من خالل ما وجد في المالحم القديمة من اساطير تتحدث عن التحول اإلنساني إلى
شكل حيواني مثل قرد او نحلة او حشرة او حجرة.
ويشير المسخ إلى طقوس وعقائد شعبية ،وبذلك لم تخل امة من االمم عن هذا االعتقاد السائد في ثقافة الشعوب ،وعليه فإن الثقافة
الشعبية الجزائرية لديها تصور عن مثل هذه االساطير التي تراكمت في ذاكرتها من خالل تلك القصص التي كانت تروى في الجلسات
واالسمار.
وقد اهتمت الثقافة الشعبية الجزائرية بموضوع التحول والمسخ ،لتعكس قدرة الراوي الشعبي في تصوره لهذه المعتقدات واالساطير
التي تتحدث عن الجسد وتحوالته ،من خالل المعتقدات الدينية اوعوالم القوى الخارجية الغيبية التي امن بها االنسان منذ القديم،
كالسحر او العقاب الذي يصدر من اال لهة او غيرها من القوى التي لها القدرة على ذلك السالح الرهيب ،الذي يحول االنسان إلى شكل
جديد وصورة لم يعهدها تختلف عما كان عليه ،ولكن روحه وعقله يبقى كما كان« .فاإلنسان الممسوخ ملغى من مؤسسة المجتمع
اإلنساني كـفرد فعال ،ليضاف قصريا إل ى مؤسسة المجتمع الحيواني وهو بذلك ذو طبقة مزدوجة .حيوانية في بنيته الخارجية
وإنسانية في بنيته الداخلية ،لذلك كانت جل الصور المسوخية ال تحيد عن صور الحيوان ،وقلما كان نباتا او جمادا».37
وقد الحظت من خالل قراءتي للقصص الشعبي الجزائري ان التحول والمسخ الموجود فيها ال يخرج عن اإلطار المفاهيمي الذي رسم
في غيرها من الثقافات التي ذكرت نماذجها سابقا ،إذ إن هذه القصص تنتمي إلى ما يعانيه الشخص الممسوخ في كل مرة بعد تعرضه
لتجارب قاسية تتمثل في المسخ والتعذيب والتشويه .على ان يكون ذلك الشخص الذي مر بهذه التجربة المسوخية هو المنتصر في
االخير وذلك بتدخل اشخاص اخرين او إحدى القوى الخيرية ،لتخلصه مما كان فيه وتعاقب المتسبب او الفاعل عقابا سرمديا ،ومن
امثلة هذه القصص :قصة لونجة ،بقرة اليتامى ،طرنجة ،الحسناء اشرقت ،سميع بلحنش .33وغيرها كـثير مما تعج به الثقافة الشعبية
الجزائرية.
ومن خالل قراءتنا لمجموعة من القصص الشعبي الجزائري استخلصنا انه يتحدد من خالل العوالم والخوارق والعجائبية التي تدخل
ضمن موضوع التحول او المسخ ،على اننا نجد في هذه القصص نوعين من التحول او المسوخ ،كما نجده في غيرها من الثقافات
االخرى ،وقد تكون هذه الكائنات المتحولة ذات قوى غيبية كالجن والعفاريت والغيالن ،فيكون ذلك بإرادتها للتقمص اوالتخفي ،إذ
يتحول ذلك الكائن او يمسخ نفسه بكل سهولة ،في هييت متعددة وصور متنوعة ومن امثلة ذلك ما جاء في قصة "ولد المحقورة"
الذي جاءه عفريت على هيئة إنسان « هو يدور ويحوس اخرجلو عفريت في صورة إنسان ..قاله :شوف ...هام كاينين اخرين حكماء
يحوسوا علي وراهم يتالقاو بيك يسقسوك علي قلهم ماشفتش! ...عاهدني بللي تقولهم ماشفتوش ،راه يطول الزمان ويقصر ونتالقاو.
عاهدني وال نقتلك .اعطاه العاهد بللي إذا نالقى معهم ما يقلهمش راني شفته .دخل العفريت ادرق في وحد المغارة ،امال هذاك
امشي تالقى مع الحكماء هاذوك».32
بينما نجد نمطا اخر من التحول او المسخ الخارج عن إرادة اإلنسان بفعل االنتقام او الغيرة او الحسد ،فيمسخ الشخص بفعل اتحاد
بين القوى الغيبية والبشر ،ويكون الشخص الممسوخ ضحية لذلك ،ودون إرادته كما ورد في قصة الطفلة المسحورة« :ماحاجاتك يا
ماجاتك ...على وحد الطفلة في هاك البالد ،اللي يحل عليها العزيمة يقول لها :راكي باش تاخذي غول! ،...وهي كان هي عند باباها
وامها ،واحد النهار قالت المها :نخرج من هذه البالد يزيني منها .قالت لها امها :يابنتي يهديك ...مانروحيش .ما حبتش تاخذ رايها،
امالة قالت لها :روحي .تمشي تمشي تمشي حتى ان لقت عشه في الجبل دخلت لها .وهاك العشة فيها زوز من الناس ،دخلت وقالت
لهم :السالم عليكم .وقالولها :انت جنس وال ونس .قالت لهم :ونس كان لقيت من يوانسني .وقعدت معاهمنهارات وبعد تجوزت
بالكبير فيهم ...وهي كانت حامل حتى كيف ضرب عليها الليل طلعت فوق شجرة ،وهاك الشجرة يبات تحتها الهوش الكل ،حتى
جاء هاك الهوش وشمو ريحتها وجاو طالعين باش يهبطوها ياكلوها ،وما نجم حتى واحد يطلع لها غير النمالة .طلعت هبطتها وكيف
هبطوها تنافقوها كل واحد اخذا لقشة .اما االرنب قالتلهم :اعطوني الجني اللي في كرشها ...واالرنب خذت هاك الجني الي في كرشها.
اماال راحت خباته وظهرت بنت .اماله ربتها هاك االرنب ورضعتها حتى كبرت هاك البنت .حتى واحد النهار خرجت الرنب خالت
دارها محلوله حتى خرجت هاك الطفلة وقعدت في الشمس ،وتمشط في راسها ،حتى عقب عنها نسر وهزها وطار بيها وحطها فوق
شجرة حتى هاو عقب ولد السلطان ححتى هزها وداها وكان عندو سبع نساء وزاد تزوج بيها هي حتى صبحت حامل وجابت له ولد
وحيد وكيف عاد هاك الولد عمره عامين راح بوه للحج ووصاهم قالهم :هنوني ،حتى واحد النهار شدوها النسا ينسلولها في شعرها
وكل شعرة يحطوا في بالصتها ابرة ،حتى طارت ذاك الطفلة وصارت عصفورة ...وعاودو هاك النسا الكل اشدارولها .ينحو ابره ويديرو
شعره حتى رجعت امره كيما كانت بكري».42
ولما كان البحث يحفر في داخل اسطورة المسخ والتحول في الثقافات االنسانية ،وكيف تشكل وعيها بهذه االسطورة داخل النسق
الثقافي العام لجميع الثقافات المتعاقبة ،يجد الفاحص لهذه العقيدة االسطورية انها اثرت في العقل البشري ككل ،فكانت ثقافة
الشعوب على مر اجيالها وحقبها الزمنية تؤثر في بعضها البعض في تصورها لموضوع المسخ والتحول ،وإن اختلفت في القصص
واالبطال فإنها تتشابه في ادق التفاصيل التي من شانها ان تجعل المسخ معتقدا راسخا في ثقافة اإلنسان حتى اليوم.
و إن كنت في هذا الصدد قد اعطيت بعضا من النماذج حول اسطورة المسخ في معظم الثقافات االنسانية ،فإني احاول استجالء
االثر البعيد في القريب ،او بتعبير اخر؛ اثر بعض الثقافات القديمة في الثقافة الشعبية الجزائرية من خالل تحليل نماذج من
االساطير القديمة ومقارنتها ببعض االساطير المسوخية في الثقافة الشعبية الجزائرية فمن خالل قراءتي للمصطلح وجهازه المفاهيمي،
وتلقيه داخل سياق الشعوب ،فإن المسخ كما ذكرت سابقا يرتبط باال لهة ،وهو عقوبة ابدية تسلط على البشر الذين ارتكبوا المحرم
ويكون ابديا ،وسناتي على ذكر النماذج ومقارنتها ثم مالحظة االثر االعتقادي في ذلك .
لقد استلهم الراوي الشعبي قصصه من خالل التراكمات الثقافية التي وصلت اليه ،وتخمرت في ذهنه حتى ترسخت إيمانا وعقيدة في
ذاته ،ونبعت في قصصه .فالمسخ في وعيه هو السخط اإللهي على البشر جراء انتهاك المحرمات ومخالفة االوامر ،والذي تكون فيه
العقوبة ابدية ،فنموذج "إساف ونائلة" في انتهاك المقدس ومسخهما إلى حجر ،هو نفسه نموذج الثقافة الشعبية الجزائرية حول
قصة "حمام المسخوطين" الذي انتهك بطله حرمة القداسة اإل لهية بزواجه من اخته فمسخ الى حجارة هو ومن معه ،فتسمية الحمام
ترجع إلى اسطورة مسوخية تصور فيها الحكاية الشعبية في المنطقة اشخاصا نزل بهم العقاب اإللهي ،نتيجة النتهاك حرمة المقدس،
وتتحدث القصة بإيجاز عن بطل عرف منذ صغره بشجاعته وقوته ومكانته داخل قبيلته ،فداخله التجبر والطغيان ،والتمرد على
االعراف والتقاليد ،من خالل رغبته في الزواج من اخته ،رغم انه القى معارضة شديدة من شيوخ قبيلته ،إال انه صمم واستمر في
اإلعداد لحفل زفافه ،وحضر الحفل بعض االفراد من بينهم القاضي لترسيم الزواج ،مع معارضة ومقاطعة معظم اهل القبيلة
استنكارا لهذا الفعل ،حتى انهم غادروا القبيلة وخرجوا منها ،لكن عند عودتهم إلى المكان بعد مدة من الزمن صدموا بمنظر الناس
41
الذين حضروا الزفاف وقد صاروا حجارة.
اما نموذج "إساف ونائلة" فهو يحكي قصة "إساف" الذي احب "نائلة" و"تعشقها في الكعبة ،فعد ذلك فجورا ،فمسخا اصناما ،وكان
الخطيئة تم التكـفير عنها بالمسخ في صورة لهذين الصنمين ،وكان المسخ عقاب وتحريم لالتصال الجنسي بين الحجاج ،وفي الوقت
نفسه ،هو تحريم لتعاطيه في الكعبة او في حماها .إنه تلبس المقدس بالدنيوي ،او العقاب من اجل الغريزي فينا ،وقد يكون إقصاء
40
المادي والطبيعي ،او هو امتزاج االسطوري بالحقيقي .إنه درس ترهيبي لكل من تسول له نفسه ان يتجاوز المقدس".
فنموذج القصة العربية حول قصة مسخ "إساف ونائلة" اثر في الذاكرة الثقافية للشعوب التي تؤمن بمثل هذه العقوبات اإل لهية
النتهاك المحرم او المقدس ،ومن ثم غضب اال لهة وسخطها فيكون المسخ والعقوبة اإل لهية التي تسلط على المذنب ،فإذا قارنا في
ناحية الشخصيات وجدناها تتمثل في شخصيتين (إساف ونائلة ) ( ,الفارس واخته ) اما من حيث الرغبة فكالهما اقتنع بالفعل
(الزنا) و(الزواج) ،اما من حيث انتهاك الحرمة فالزنا محرم وفي مكان مقدس والزواج من االخت محرم وهو انتهاك للمقدس ،وبذلك
كان المسخ إلى حجارة في كلتا القصتين ،ويبدو االثر واضحا من خالل هذه المقارنة لالحداث والشخصيات ،وإنما التغير في انتهاك
المقدس اما العقوبة فكانت المسخ واالعتقاد بابديته.
اما النموذج الثاني فيرجع إلى تاثير الثقافة االسالمية في الشعوب التي دخلت االسالم وخاصة شعوب شمال افريقيا ،ففي الثقافة
االسالمية يظهر جليا فيما سبق ذكره من قصة المسخ ,ان هللا مسخ بعض بني اسرائيل قردة وخنازير ،وهي االيات الصريحة الواضحة
على ذلك ،وقد وجد تصور واحد عن المسخ في صريح القران ان هللا مسخ االنسان العاصي والمنتهك للحرمات الى قرد او خنزير ،
وال شك ان هذا النموذج الثقافي قد اثر في ذاكرة الشعوب وتعاقبت في وعيها ومن ثم دمجها الراوي في قصصه للعبرة والرمزية،
وعليه فإن نموذج مسخ العروس إلى قرد 43ما هو إال تصوير لثقافة شعبية متاثرة بالثقافة االسالمية ؛ في االيمان واالعتقاد لمثل هذه
العقوبة الصادرة في حق هذه العروس التي اهانت النعمة التي اعطاها هللا لها ( النعمة بالعامية "اال كل") والتي نظفت بها جسم
الطفل ،فمسخها هللا قردا كمثل نعمة اصحاب السبت الذين تحايلوا على هللا فمسخهم هللا الى قردة وخنازير .هذه النماذج فيما
يخص اسطورة المسخ التي ترجع إلى اعتقاد بشري لدى جميع الثقافات والشعوب ،وبذلك فإن الفكرة االولى حول هذه االسطورة
بقيت مسيطرة على ذاكرة الشعوب وفي جميع الثقافات ،وبقيت بنفس التصور والرؤية واالعتقاد رغم اختالف القصة او الشخصية او
حرمة المقدس.
اكـثر القصص الشعبي تناول قضايا اجتماعية كانت النوازع النفسية فيها هي الحافز في عملية المسخ ،وذلك جراء الصراع
الحاصل بين افراد االسر إذ ال يعدو الفعل بسبب الغيرة او الحسد او االنتقام ،ممثال في االخت او امراة االب ،ويكون ذلك باستعمال
السحر بالتعاقد مع قوى غيبية ،كالجن والعفاريت.
وفي االخير ،ال بد من التنويه بان اسطورة المسخ والتحول وظفت في االدب والفنون ،واصبحت تمثل ملهما فنيا وادبيا لكـثير من
االدباء والرسامين ،الذين اعادوا صياغة هذه االساطير المسوخية على شكل روايات ادبية او افالم سينمائية ،او لوحات فنية تعج
بالموتيفات والتاويالت لمثل هذه التصورات البدائية التي ركنت في ذاكرتها الثقافية مثل هذا النوع من الشخصيات المسوخية ،ذات
التركيبة المرعبة ،وبخاصة المسوخ الشيطانية التي هي «تجليات من االساطير القديمة في الشرق والغرب ،وقد حفل بها االدب
والشعر والفن منذ العصور الكالسيكية وما قبلها ،وهي شخوص وحيوانات سلطت عليها لعنة إلهية الرتكاب معاص ،او لعدم
امتثالها للقوى السماوية الكبرى .ففتحت امام الفنانين مضمارا واسعا إلعمال الخيال الميتافيزيقي .وتواصل هذا النوع من الخيال
اإلبداعي في عصر الديانات السماوية كنوع من العبر الدينية ،فصورها فنانو الزجاج المعتق والملون في كنائس وكاتيدرائيات اوربا
فيما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر ،والتي يسميها إيميل مال Emile Maleإنجيل الفقراء الحقيقي».46
لقد انتقلت هذه االساطير المسوخية من االعتقاد إلى التوظيف اإلبداعي الذي شمل كل الفنون ،حتى الرسم والنحت والسينما،
وبذلك مثلت هذه المسوخ تراكمات اعتقادية الزال اإلنسان يعتقد بها ويجسدها في إبداعه بحسب رؤيته وإيديولوجيته التي انطلق
منها .فاإلنسان البدائي جسدها على شكل قصص وروايات تاريخية املتها عليه خياالته ،فانعتقت هذه االساطير التي تتحدث عن
المسخ والنحول من التهييت والخيال إلى التجسيد الفني واإلبداعي في العصر الحديث ،التي انتشرت من الرسومات والنحوت
لفنانين معاصرين ،للتعبير عن قضايا العصر الرامزة للتحول والوحشية والتدمير والترهيب الذاتي الذي يعيشه اإلنسان في معترك
حضارة العولمة « ،وربما تكون المسوخ الشيطانية التي تطل من فوق اسوار كاتيدرائية "نوتردام" بمدينة باريس اكـثر تلك االشكال
الرمزية انتشارا ،ومعها المسوخ الكابوسية التي صورها الفنان هيرو نيميوس بوش Heron Ymus Bosch 1422 – 1216كمفردات
للتعبير عن هول الجحيم وعذاب الخطائين ...بينما صور ونحت ماكس ارنست Max Ernst 1276-1321مسوخا شيطانية بشعة
الهيئة .كما ظهرت تلك االشكال بقوة في اعماله التلصيقية واشكال "الفروماج" ،وقد كانت حياة هذا الفنان مشحونة بمواقف قاسية
،ما اسلمه إلى الالشيئية والتشاؤم ،واصبحت حياته سحرية ،مما انعكس على اعماله الفريدة من نوعها» ،47كما ابدع بيكاسو في
فن الرسم الكـثير من رسوم المسوخ استنادا إلى الحكايات الموجودة في كـتاب المسخ الوفيد ،وكذلك انتقلت اسطورة المسخ
والتحول إلى االدب والسينما ،كعبثية الحياة في رواية المسخ لكافكا،التي تحول فيها البطل غريغور إلى حشرة ،وفي السينما
انتجت الكـثير من االفالم التي تدور حول المتحولين والمسوخ كافالم :فرانكشاين ،المستئذب ،الزومبي ،دراكوال.
الهوامش
.1ابن منظور ،1788 ،لسان العرب( ،مادة سطر) ،دار الجيل ،د.ط ،بيروت ،لبنان ،ص.143 .
.2مرسيا إلياد ،االساطير واالحالم واالسرار ،ترجمة حبيب كاسوحة ،دط ،وزارة الثقافة ،دمشق ،ص.9 .
.3فراس السواح ،1779 ،االسطورة والمعنى ،ط ،8دار عالء الدين للنشر ،دمشق ،سوريا ،ص.14
.4يوسف حالوي ن ،1772االسطورة في الشعر العربي ،ط ،1دار الحداثة ،بيروت ،لبنان ،ص .34
.5محمد عجينة ،1774 ،موسوعة اساطير العرب عن الجاهلية وداللتها ،ط ،1دار الفرابي ،بيروت ،لبنان ،ص.35 .
.6رينيه ويلك واوستن وارين ،نظرية االدب ،ترجمة محي الدين صبحي وحسام الدين الخطيب ،المؤسسة العربية
للدراسات والنشر ،بيروت ،1789 ،ص.178.
.9امل مبروك ،2011،االسطورة واإليديولوجيا ،دار التنوير للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،ص.26.
.8امل مبروك ،االسطورة واإليديولوجيا ،ص.138-139.
.7عبد المجيد حنون ،2009،االسطورة واالدب .ملتقى االدب واالسطورة ،عن االدب العام والمقارن ،جامعة باجي مختار،
عنابة ،ص.6
.10هنري باجو دنييل ،1779 ،االدب العام والمقارن ،ترجمة غسان السيد ،منشورات اتحاد الكـتاب العرب ،ص.153.
.11ابن منظور( ،1774،مادة مسخ) ،لسان العرب ،ج ،3ط ،3دار صادر ،بيروت ،لبنان ،ص55.
.12اوفيد ناسو ،1772،مسخ الكائنات ،ترجمة ثروت عكاشة ،ط ،3الهيئة المصرية العامة للكـتاب ،ص.29
.13خليل احمد خليل ،1786،مضمون االسطورة في الفكر العربي ،ط ،3دار الطليعة ،بيروت ،ص74.
.14ابن كـثير ،2006 ،تفسير القران العظيم ،تحقيق انس الشامي ،محمد سعيد محمد ،ج ،1دار الوعي ،الجزائر ،ص137.
.15موسى بن الحجاج مسلم ،صحيح مسلم ،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،ج ،4دار إحياء التراث ،بيروت ،ص2050.
.16ماجدة بن عميرة ،2009،التمظهرات الموضوعاتية السطورة التحول في كـتاب الليالي ،ملتقى االدب واالسطورة ،جامعة
عنابة ،ص36.
.19إنجيل بوذا ،1771 ،تعريب الفقير سامي سليمان شياد ،ط ،1دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع ،ص.192 .
.18إنجيل بوذا ،تعريب الفقير سامي سليمان شياد ،ص.167.
.17هوميروس ،1786 ،االوديسة ،تر :عنبره سالم الخالدي ،دار العلم للماليين ،بيروت ،ص.144 :
.20اوفيد ناسو ،مسخ الكائنات ،ص.36
.21نبيل سالمة ،2014 ،الشيفرة اإللهية ،المعاني الخفية لالساطير اليونانية ،ط ،1دار نينوى ،سوريا ،ص36.
.22غنيمي هالل ،2004 ،االدب المقارن ،دار نهضة ،مصر ،ص148.
.23جيوفري باريندر ،2009 ،االساطير اإلفريقية ،ترجمة هيثم الطريحي ،مراجعة النص العربي محمد سعيد الطريحي ،دار
نينوى ،دمشق ،سوريا ،ص.130 .
.24جيوفري باريندر ،االساطير اإلفريقية ،ص.131 .
.25الساسي بن محمد الضيفاوي ،2014 ،ميثولوجيا الهة العرب قبل اإلسالم ،ط ،1المركز الثقافي ،الدار البيضاء ،المغرب،
ص27.
.26الجاحظ ،2015 ،الحيوان ،تحقيق عبد السالم هارون ،المكـتبة العصرية ،مج ،6ط ،1بيروت ،لبنان ،ص.100.
.29الجاحظ ،الحيوان ،ص48.
.28الجاحظ ،الحيوان ،ص47.
.27الجاحظ ،الحيوان ،ص126.
.30الجاحظ ،الحيوان ،ص140 .
.31الجاحظ ،الحيوان ،ص140.
.32اميمة ابو بكر ،1774 ،المسخ في حكايات الف ليلة وليلة ،مجلة فصول ،ع ،4مجلة ،13الهيئة العامة للكـتاب ،مصر،
ص240.
.33الف ليلة وليلة ،2005،دار الكـتب العلمية ،ج ،1ط ،3بيروت ،لبنان ،ص.33-10
.34اميمة ابوبكر ،المسخ في حكايات الف ليلة وليلة ،ص240.
.35ابوليوسلوكيوس ،2001 ،الحمار الذهبي ،تر :ابو العيد دودو ،منشورات االختالف ،الجزائر ،ص87.
.36ابوليوسلوكيوس ،الحمار الذهبي ،ص.70.
.39ماجدة بن عميرة ،التمظهرات الموضوعاتية السطورة التحول في كـتاب الليالي ،ص39.
.38بورايو عبد الحميد ،1778 ،البطل الملحمي والبطلة الضحية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ص161.
.37بورايو عبد الحميد ،البطل الملحمي والبطلة الضحية ،ص161.
.40بورايو عبد الحميد ،البطل الملحمي والبطلة الضحية ،ص.177-178.
.41اسطورة حمام المسخوطين بمدينة قالمة كما تداولتها اغلب الروايات الشعبية.
.42الساسي بن محمد الضيفاوي ،2014 ،ميثولوجيا الهة العرب قبل اإلسالم ،ص.30 :
.43تتداول قصة العروس القرد في الثقافة الشعبية وتروى بصي مختلفة حسب المنطقة.
.44ماجدة بن عميرة ،التمظهرات الموضوعاتية السطورة التحول في كـتاب الليالي ،ص40.
.45جيوفري باريندر ،االساطير اإلفريقية ،ص.127.
.46مصطفى الرزاز ،افريل ،2012االسطورة في الفن الحديث ،مجلة عالم الفكر ،مج ،40ع ،4الكويت ،ص.161.
.49مصطفى الرزاز ،االسطورة في الفن الحديث ،ص.162.