Professional Documents
Culture Documents
•الأهـداف:
(� )1أن يعرف املتعلم ماهية علم النف�س.
(� )2أن يعرف مقومات العلم.
(� )3أن يعرف �أهداف علم النف�س.
(� )4أن يتذكر املتعلم معنى ال�سلوك.
(� )5أن يعرف املتعلم �أنواع ال�سلوك املختلفة.
(� )6أن يعدِّ د اجلوانب املختلفة لدرا�سة ال�سلوك.
(� )7أن يعرف مناهج البحث يف علم النف�س.
(� )8أن يقارن بني مناهج البحث املختلفة.
(� )9أن يقارن بني املناهج املختلفة لدرا�سة ال�سلوك.
(� )10أن يقدر عظمة اخلالق �سبحانه وتعاىل يف تعدد ال�سلوك.
علم النف�س :التعريف والأهمية
(*)
هل علم النف�س علم؟
ُي َع ّد علم النف�س من العلوم الحديثة ،حيث بد�أ عل ًما م�ستقلاً منذ �إن�شاء «فونت »Wundt
�أول مختب���ر نف�س���ي في مدينة ليبزج ف���ي �ألمانيا ،وذلك ع���ام (1879م) ومنذ ذلك التاريخ
نهجا علم ًيا في تناول الظاهرة ال�س���لوكية الت���ي يتعامل معها من حيث
وعل���م النف�س ينته���ج ً
المو�ضوعية والتجريب وا�ستخدام الأدوات العلمية المنا�سبة.
و�إن هن���اك �إرها�ص���ات قديمة ح���ول مفهوم النف�س ،وال�س���لوك وال���روح في مجاالت
متعددة ،مثل الفل�س���فة والف�س���يولوجيا والطب ،قد �أ�س���همت بدورها في بلورة ون�ش����أة علم
النف�س من خالل عدد من المدار�س واالتجاهات الفكرية التي تبنت كل منها تيا ًرا مختل ًفا،
وبت�ص���ارع تلك التيارات وتعر�ضها للنقد والتقويم ن�ش����أت مدار�س واتجاهات حديثة �أثرت
الفكر النف�سي ،وجعلت من علم النف�س عل ًما م�ستقلاً في منزلة العلوم الأخرى.
وفيما ي�أتي نعر�ض لل�س����ؤال الآتي :ه���ل ُي َع ّد «علم النف�س» عل ًما مث���ل علوم الكيمياء
والفل���ك والبيولوجي���ا ،وغيرها م���ن العلوم؟ وللإجابة عن هذا ال�س����ؤال دعنا نبحث عن
مقومات العلم ،فما هي تلك المقومات؟
مقومات العلم:
أول :وج���ود ظاهرة يبحثها العلم .فعلم الفلك على �س���بيل المث���ال يبحث في حركة� اً
الأجرام ال�س���ماوية والظواهر الطبيعية وخ�صائ�ص���ها وكيفية درا�س���تها ،وعلم البيولوجي
(*) ه���ذا العن���وان م�أخ���وذ بت�ص���رف م���ن الف�ص���ل الأول من كت���اب تاريخ عل���م النف����س الحدي���ث ،المدار����س واالتجاهات،
ت�أليف الدكتور �إ�سماعيل الفقي ،2009 ،القاهرة ،الأنجلو الم�صرية.
20
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
يبح����ث في خ�ص����ائ�ص الكائن����ات الحية ،وكيفية ت�ص����نيفها ...وغير ذلك ،وعل����م الكيمياء
يبحث في خ�ص����ائ�ص العنا�صر وطرق و�شروط التفاعل بين هذه العنا�صر....ولعلم النف�س
ظاهرة � ً
أي�ض����ا يدر�س����ها �أال وهي ال�س����لوك � Behaviourس����لوك الكائن الحي �سواء كان هذا
مح�سو�سا � Concreteأو �سلو ًكا مجردًا Abstractغير عياني مثل التعلم
ً ال�سلوك ظاه ًرا ماد ًيا
والدواف����ع واالتجاهات والقيم والعمليات العقلية كالتذكر والتفكير والتخيل( ...فال�س����لوك
هو ذلك الن�شاط الذي ي�صدر من الكائن الحي نتيجة لتفاعله مع ظروف بيئية معينة).
ثان ًي���ا :وثان���ي هذه المقومات ه���و توفر الأدوات التي ي�س���تخدمها العلم في درا�س���ة
الظاه���رة ،فعل���م الفيزياء مث�ًل�اً يمتل���ك �أدوات لتقدير درجات الحرارة ومقدار ال�ض���غط
الجوي والكثافة النوعية للعنا�صر ...وكذلك يمتلك علم الفلك ر�صد �أدوات ر�صد الظواهر
الكوني���ة ...ولك���ن ما �أدوات علم النف�س في درا�س���ة ال�س���لوك؟ يدر�س علم النف�س �س���لوك
الكائ���ن الح���ي عن طريق عدد من المقايي�س واالختبارات النف�س���ية التي تحدد �ش���روطها
وفق المعايير العلمية الدقيقة حتى يمكن �أن نتعامل مع نتائجها بدرجة عالية من الثقة.
كذلك ،ف����إن مختبرات ومعامل عل���م النف�س بها كثير من الأجه���زة و�أدوات القيا�س
التي تمكن الباحث في مجال علم النف�س من قيا�س كثير من مظاهر ال�سلوك المختلفة.
ثال ًث���ا :وبعد �أن عر�ض���نا الثنين م���ن مقومات العلم ،وهما «الظاهرة» التي يدر�س���ها
العل���م ،و«الأدوات» الت���ي ي�س���تخدمها العل���م في درا�س���ة الظاهرة ومدى تواف���ر ودقة هذه
الأدوات ،ن�أت���ي �إل���ى ثالث ه���ذه المقومات ،وهو الطريق���ة �أو الكيفية الت���ي يمكن للعلم �أن
يدر�س بها هذه الخا�صية ،وبمعنى �آخر المنهج الذي �سوف نتناول به الظاهرة ،والعلم هنا
ال بد �أن يكون منهجه علم ًّيا مو�ضوع ًّيا.
وق���د ا�س���تخدم علم النف����س المنهج التجريبي من���ذ عام (1879م) عل���ى يد العالم
الألماني «فونت ،»Wundtوهو منهج يت�س���م بالمو�ضوعية والتحكم الدقيق في المتغيرات،
�إ�ض���افة �إلى عدد من مناهج �أو طرق البحث -التي �س���وف نعر�ض لها فيما بعد -وبذلك،
ف�إن لعلم النف�س طرائقه ومناهجه المتعددة في تناول الظواهر ال�سلوكية المختلفة.
21
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
راب ًع���ا :وج���ود مجموعة من النظري���ات والمبادئ والقوانين التي ي�س���تخدمها علماء
النف�س في تف�سير الظاهرة ال�سلوكية.
تلك هي مقومات العلم الأربعة:
-1وجود ظاهرة ،وعلم النف�س يدر�س �سلوك الكائن احلي.
-2وجود �أدوات لدرا�سة تلك الظاهرة ،وميتلك علم النف�س املقايي�س واالختبارات و�أدوات
القيا�س املختربية لقيا�س مظاهر �أو خ�صائ�ص ال�سلوك املختلفة.
-3ثم الطريقة �أو املنهج يف تناول الظاهرة ،وعلم النف�س تتعدد طرقه ومناهجه
املو�ضوعية يف درا�سة ال�سلوك.
-4وجود نظريات ومبادئ وقوانني.
والآن ت�أتي الإجابة عن ال�س����ؤال الذي �س���بق �أن طرحناه ..هل علم النف�س ُي َع ّد عل ًما؟
فمن الم�ؤكد �أن تكون الإجابة :نعم ،فعلم النف�س ُي َع ّد عل ًما...ولماذا؟ لأنه يمتلك المقومات
التي �سبق �أن تناولناها من قبل .وهو بذلك � -أي علم النف�س -قد حدد مو�ضوعه ،و�أدواته،
ومناهجه ،وي�س���عى �إلى تحقيق �أهدافه مثل بقية العلوم المختلفة ،ولكن ما الأهداف التي
ي�سعى علم النف�س �إلى تحقيقها؟
هذا ،وتتحدد �أهداف علم النف�س كغيره من العلوم فيما ي�أتي :
� اً
أول :فهم الظاهرة وتف�سيرها:
ي�س���عى علم النف�س �إلى معرفة الظواهر ال�سلوكية و�إدراك العالقات بما ي�ساعد على
فهمها ومعرفة �أ�س���باب حدوثها ،ومن ثم الو�ص���ول �إلى تف�س���يرات علمية لحدوثها .وذلك
من خالل الإجابة عن عدد من الأ�سئلة ،مثل :متى يحدث هذا ال�سلوك؟ كيف يحدث...؟
ولماذا يحدث؟
22
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
واالخت�ل�اف بين الأف���راد فيما بينه���م ..ويهتم بنمو الفرد وتطور �س���لوكه م���ن خالل مظاهر
واحتياجات النمو في مدارج العمر المختلفة ،وهذا بع�ض واقعه و�شموليته ل�سلوك الإن�سان.
و�إن عل���م النف����س في ميادينه المتعددة التي ت�ش���عبت في عالمنا المعا�ص���ر ،وات�س���ع
نطاقها بت�ش���عب الحياة ،يهتم بدرا�سة ال�سلوك درا�سة مو�ضوعية� ،سواء كان ذلك ال�سلوك
الفردي �أو الجماعي داخل الأ�سرة �أو المدر�سة �أو المجتمع بم�ؤ�س�ساته ال�صناعية والتجارية
والإدارية ،في �س���احات الحرب وال�س���لم� ،أو داخل مالعب الريا�ضة� ،أو في مواقف الحياة
في الأفراح والأتراح� ،أو الدوائر الحكومية� ،أو الم�ؤ�س�س���ات الإنتاجية� ،أو في مدارج العمر
المختلفة� ،أو في الم�ؤ�س�س���ات االجتماعية� ...إلخ ،من مجاالت .ومن ثم ،ف�إن مدار البحث
والدرا�س���ة في علم النف�س قائم على درا�سة ال�سلوك الإن�ساني بهدف فهم طبيعة ال�سلوك،
وم���ا يمكن �أن ي�ؤول �إليه ،والعمل على تف�س���يره وتقويمه وتعديله ،وتوق���ع ما يمكن �أن يكون
عليه م�ستقبلاً � ،أي التنب ؤ� بال�سلوك في الم�ستقبل� ..إذن ما هو ال�سلوك؟ وما معناه؟
معنى ال�سلوك:
من حيث عرفنا �أن علم النف�س يهتم بدرا�س���ة �س���لوك الإن�سان ..ف�إن ال�سلوك ُيق�صد
ب���ه ..جمي���ع �أوجه الن�ش���اط التي يقوم بها الإن�س���ان ،وت�ص���در منه ،والتي ي�س���تطيع هو �أن
يالحظها �أو يالحظها �شخ�ص �أو �أ�شخا�ص �آخرون.
وقد يكون ال�سلوك ظاه ًرا ي�سهل علينا مالحظته ،وقد يكون غير ظاهر.
فالن�ش���اط الحركي الذي يقوم به الفرد كالم�ش���ي وتناول الطع���ام والأعمال اليدوية
وتعبيرات الوجه التي ت�صاحب االنفعاالت كالغ�ضب �أو ال�ضحك �أو البكاء ،والتعبير اللفظي
24
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
ال���ذي يق���وم به الف���رد ..كل هذا من �أمثلة و�أنواع ال�س���لوك الظاهر ،الذي ي�س���تطيع الفرد
ذاته� ،أو غيره مالحظتها..
وهناك �أن�ش���طة �أخرى خفية �أي غير ظاهرة ،فالأن�ش���طة العقلي���ة كالتفكير واالنتباه
والتذك���ر واال�س���ترجاع والإدراك والفه���م ..كل هذه عمليات عقلية ال ن�س���تطيع مالحظتها
ب�صورة مبا�شرة ،و�إنما ن�ستدل على حدوثها من مالحظة نتائجها .وقد يتبادر �إلى الذهن..
كيف يتم ذلك؟ الواقع �أنت ال ت�ستطيع �أن ت�ستدل على قيام الفرد بن�شاط عقلي من تفكير
�أو فهم و�إدراك وتذكر ،دون �أن يجيب عن �س����ؤال معين توجهه �إليه .مثلما يقوم به المعلم
داخل الف�صل عندما يقوم ب�شرح در�س معين ،وينتبه المتعلم ،و ُيركز ن�شاطه العقلي ليفهم
كل م���ا يقوله المعلم ،حتى �إذا ما قام المعلم ب�س����ؤاله ،ف�إنه يجيب عن ال�س����ؤال ،وفي هذا
الحال ي�ستطيع المعلم �أن يقول� :إن المتعلم� ،سلوكه العقلي يدل على قيامه ب�أن�شطة معينة،
من خاللها تمكن المتعلم من فهم الدر�س ،ومن ثم �أمكن اال�س���تدالل على الن�شاط العقلي
للمتعلم (�سلوك غير ظاهر) من مالحظة نتائجه.
و�إذا كان االهتمام في علم النف�س بدرا�س���ة �س���لوك الإن�سان ..فما هي الجوانب التي
من خاللها ندر�س ال�سلوك؟
وهل علم النف�س يدر�س �س���لوك الإن�س���ان فقط؟ �أم يدر�س �س���لوك كائنات �أخرى كي
ي�ستدل من خالل مالحظاته ل�سلوك هذه الكائنات عن فهم �أعمق عن �سلوك الإن�سان؟
علم النف�س
يهتم بدرا�سة ال�سلوك
جوانب الدرا�سة
-1فهم ال�سلوك:
�أي تحديد مكونات مو�ض���وع ال�س���لوك بطريقة �ش���املة بهدف و�ص���فه و�ص��� ًفا دقي ًقا،
ُيمك���ن من تف�س���ير مكوناته وم�ض���مونه ،والتعرف على الدوافع التي تحدد ال�س���لوك ،حيث
هن���اك �أ�س���باب ودوافع ترتبط بالهدف من ال�س���لوك .ف���كل فرد عندما ي�س���لك �إنما يكون
�س���لوكه محق ًقا وفق حاجات ومطالب الفرد التي يعم���ل من �أجلها ،هذا من جهة من يقوم
بال�س���لوك� .أما من جهة من يف�س���ر هذا ال�س���لوك ،ف�إن الأمر قد يواجه �ص���عوبات� ،إذ عليه
�أن يتع���رف على الدوافع الرئي�س���ة وراء ال�س���لوك ،حي���ث �إن الدوافع ي�س���هل التعرف عليها
�إذا كان���ت تتوافق وال�ش���رع �أو تتوافق والنظم االجتماعية� ،أم���ا �إذا كانت خالف ذلك ف�إن
الك�شف عن ال�سلوك والتعرف عليه يكاد يكون �صع ًبا ،وهذا ما ُيعوق كثي ًرا فهم ال�سلوك من
القائمين بالدرا�س���ات النف�سية ،وما يترتب عن ذلك من �صعوبة و�صفه بدقة والو�صول من
هذا الو�صف �إلى مرحلة التوقع �أي التنب�ؤ عن م�ستقبل هذا ال�سلوك.
-2تف�سير ال�سلوك:
قد نت�س���اءل :هل هناك ا�س���تمرارية في تف�سير ال�س���لوك على نمط واحد؟ الواقع �أن
ال�س���لوك الإن�ساني يتعدل من مدة لأخرى نتيجة ت�ش���ابك وتداخل العوامل والم�ؤثرات التي
ت�سهم في بناء وتكوين ال�شخ�صية ،والتغير الدائب والم�ستمر في المحيط البيئي بم�ؤثراته
الت���ي تعي�ش فيه ال�شخ�ص���ية ..هذا التغي���ر لي�س تغي ًرا كل ًّي���ا� ،إذ �إنه تغير ن�س���بي .حيث �إن
ال�س���لوك الإن�ساني ال يت�س���م بالثبات المطلق ،وال يت�صف بالتغير المطلق ،ولكنه و�سط بين
االثنين ،وهذا ما يمكننا من و�صفه ومحاولة التوقع �أو التنب ؤ� بما �سيكون عليه.
26
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
-3التنب�ؤ بال�سلوك:
�أي ما هو ال�س���لوك الذي يتوقع حدوثه �أو نتنب أ� بحدوثه؟ فالفهم ال�ص���حيح لل�س���لوك
غال ًبا ي�ؤدي �إلى التوقع والتنب ؤ� بما يمكن �أن يكون عليه م�ستقبلاً ..ف�إذا كان هناك المتعلم
عال ،ف�إننا نتوقع الذي يت�ص���ف بقدرة عالية من المثابرة على التح�ص���يل مقرونة ب���ذكاء ٍ
لهذا المتعلم بم�س���تقبل علمي متوا�صل وتفوق م�س���تمر .ومثل هذا التوقع يكون في االتجاه
تماما بال�ص���ورة التي تم توقعه���ا� ،إذ قد تحدث ال�ص���حيح عل���ى الرغم مما ق���د ال يتحقق ً
م�ؤث���رات �أو عوامل ت�ص���ادف مثل ه���ذا المتعلم ،ك�أن يعاني ظرو ًفا غير مالئمة �ص���حية �أو
اجتماعية �أو اقت�ص���ادية� ،أو ما �إلى ذلك من ظروف حياتية مختلفة ،حيث ال يعلم �أبعادها
ونتائجها �إال اهلل �سبحانه وتعالى ،ولهذا ف�إن �أمر التوقع المتكامل �أو التنب�ؤ الوافي ُيع ّد �أم ًرا
�ص���ع ًبا للغاية في مجال العلوم الإن�س���انية ،نتيجة العتبارات عدة منها �أن القيا�س والتوقع
ل�سلوك الإن�سان من الأمور النف�سية ال�صعبة مهما �أحكمها القيا�س �أو التنب�ؤ.
ولكن هل �س���لوك الإن�سان ب�سيط �أم معقد؟ ال�سلوك الإن�ساني لي�س ً
ب�سيطا ،بل معقدً ا
�إل���ى درجة ال ُتمكن من عزله ع���ن بقية الجوانب الأخرى من م�ؤثرات متعددة ،فال�س���لوك
الفردي ي�صدر عن فرد من بين خ�صائ�صه �أنه:
-1ذو تركيب ج�سمي (ع�ضوي) حباه اهلل �إياه يتمثل في �إمكانات ج�سمية وعقلية معينة.
-2ذو تكوين نف�سي له جوانب عاطفية وانفعالية محددة.
-3ذو عالق���ات اجتماعي���ة ،لها �س���مات وخ�ص���ائ�ص تت�س���ع وت�ض���يق ،وف ًقا لكف���اءة تلك
العالقات وا�ستمرارها.
وهذا البناء الم�شار �إليه من الخ�صائ�ص �آنفة الذكر ُيعرف في علم النف�س بال�شخ�صية.
وال�شخ�صية تتفاعل في بيئة ذات �إمكانات مادية وب�شرية ،وذات �أطر ثقافية ومعايير
اجتماعي���ة ،وق���د تتوافق ال�شخ�ص���ية في البيئ���ة ،وتلتزم في �س���لوكها بالقواعد ال�ش���رعية
27
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
وال�ض���وابط االجتماعية ،وقد ت�ص���بح �س���وية في �س���لوكها� ،أو ال تتوافق في البيئة والحياة
االجتماعية ،فيختل ال�س���لوك وي�ض���طرب ،ويو�صف عندئذ ب�أنه �س���لوك �شاذ �أو منحرف �أو
غير �س���وي .ولذلك ،ف�إن ال�شخ�صية تختلف وتتباين في خ�صائ�صها و�سماتها بين مختلف
الأفراد ،وهذا االختالف والتباين ُيف�سر في علم النف�س وفق ما ُيعرف بالفروق الفردية.
ه���ذا �إ�ض���افة �إل���ى �أن العوامل والخ�ص���ائ�ص الت���ي يت�أثر به���ا الفرد ،وت�ش���كل بنيته
ال�شخ�صية ،هذه العوامل والخ�صائ�ص تتفاعل فيما بينها في حركة دائمة م�ستمرة ،بحيث
ي�ص���عب عزل جانب منها عن جوانب �أخرى� ،أو موثرات متداخلة في ال�سلوك عن م�ؤثرات
�أخرى .وفي هذا ما ُي�ؤكد �أن ال�سلوك الإن�ساني ال يت�سم بالب�ساطة ،بل يت�سم بالتعقيد.
-4توجيه ال�سلوك:
عندما يتم لنا معرفة خ�صائ�ص و�سمات ال�سلوك ..هل يمكن توجيه ال�سلوك بو�سائل
علمية لخدمة الفرد؟
الواقع �أن فهم ال�س���لوك وو�صفه وتحليلهُ ،يمكن من التوقع والتنب�ؤ بما يمكن �أن يكون
عليه هذا ال�س���لوك ،ومثل هذا التوقع (وقد �س���بق �إي�ض���اح ذلك عندما �أو�ض���حنا ما ُيعرف
بتوقع ال�سلوك) فمثلاً درا�سة النمو الإن�ساني ،تحدد و ُتي�سر الأمر في توجيه ال�سلوك الذي
في���ه �إجماع على �أهميت���ه وتوافقه مع الحياة االجتماعية ،وما فيه النفع للفرد الذي نوجهه
�إلى م�ستقبل علمي �أو درا�سي �أو مهني معين.
و�إذا كان علم النف�س والدرا�س���ات النف�سية ،يهتم بدرا�سة كل ما ي�صدر عن الإن�سان
من �س���لوك من خالل تفاعله مع البيئة المحيطة به ،ف�إن هذا ال�س���لوك يت�س���م بالت�ش���عب
والتنوع والتعدد.
فمثلاً درا�س���ة النمو الإن�س���اني ُتحدد ال�س���لوك الإن�س���اني خالل م���دارج العمر ،التي
تبد�أ بال�ض���عف والوهن والعجز واالعتماد على الآخرين ،وتنتهي كذلك مع اختالف طبيعة
ال�ض���عف واالعتماد على الغير ،وبين البداية والنهاية مراحل ن�ض���ج بنائي ُمتعاقب يتم في
28
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
مراح���ل المهد والطفولة والمراهقة ،فالر�ش���د ،تحدث فيها تغي���رات و�إحداثات ومظاهر
نمائي���ة واحتياج���ات ومطالب تتباين بتعاقب مراحل النمو حتى ت�ص���ل �إلى فترات �ض���عف
ووه���ن متتاب���ع يتم في ال�ش���يخوخة والكهولة .وهذا م�ص���دا ًقا لقول الحق تب���ارك وتعالى:
ﱹ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ
ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﱸ (الروم.)٥٤ :
مو�ضوعا له �أهميته الق�ص���وى في الدرا�سات النف�سية ،توجه ً ودرا�س���ة التعلم بو�صفه
الإن�س���ان �إلى �أف�ض���ل و�س���ائل �إمكانياته العقلية والمعرفية ،بما ي�ض���من له اال�س���تفادة من
مواق���ف الحياة المختلفة� ،س���واء كانت في الأ�س���رة �أو المدر�س���ة �أو المجتم���ع العام �أو في
المج���االت المهنية ..والإنتاجية .وعلي جانب �آخر درا�س���ة التعلم تمكن الفرد من تحديد
�أن�شطته ..الإدراك والتذكر والتخيل والتفكير واالنفعال� ...إلخ.
مو�ضوعا �أ�سا�س��� ًّيا في الدرا�سات النف�سية ،تو�ضح
ً ودرا�س���ة بناء ال�شخ�صية بو�صفها
العنا�ص���ر المهمة التي ت�سهم في تكوين بنية ال�شخ�صية ،والأ�سباب التي ت�ؤدي �إلى �سوائها
وانحرافها ،وو�س���ائل عالجها ،والفروق الكمية والنوعية في النواحي الج�س���مية والع�ضوية
والعقلية والنف�س���ية واالجتماعية� ،إ�ض���افة �إلى توجيه ال�شخ�ص���ية ف���ي المجاالت التعليمية
والمهنية على اختالف �أنواعها وم�ستوياتها.
هذا كله يجعل علم النف�س ي�صل بدرا�ساته �إلى مختلف جوانب الحياة الإن�سانية من
�أجل معرفة دقيقة ل�س���لوك الإن�سان ،ومن �أجل حاجات وم�صلحة الإن�سان وتوافقه مع ذاته
وم���ع حياته العادية واالجتماعية .وف���ي مجاالت الحياة المتنوعة ،ف����إن علم النف�س ُيقدم
خدماته في �ص���ورة و�ص���فية �أو ت�شخي�ص���ية �أو في �ص���ورة تعليمية �أو مهنية �أو عالجية� ،أو
توجيه و�إر�شاد� ،إلى �آخر ما تعددت �إليه ميادين وحقول علم النف�س في درا�ساتها الم�شعبة.
�أنواع ال�سلوك:
في تعبير جامع ،يمكن القول� :إن الدرا�سات النف�سية تحاول و�صف وتف�سير ما ي�صدر
عن الإن�سان الفرد من �سلوك يتمثل في:
-1ال�سلوك الظاهر :كالأكل وال�شرب والم�شي والتعامل اليومي بجميع �أن�شطته� ...إلخ.
-2ال�س���لوك الباط���ن (الخف���ي) :كالعمليات العقلي���ة المختلف���ة �أو العملي���ات االنفعالية
كاالنفعاالت ،والعواطف ،والتفكير والتخيل والتذكر.
-3ال�س���لوك الفط���ري :الذي ُيزود به الإن�س���ان عند خروجه �إلى الحي���اة ،كتناول الطعام
وال�شراب والأمومة والعدوانية.
-4ال�س���لوك المكت�سب :الذي يكت�س���به الإن�س���ان ويتعلمه من واقعه االجتماعي ،الذي يتم
تن�ش���ئته عليه ،ويت���م من خالله اكت�س���اب المعرفة والتعلم وبناء الأ�س���رة والتعامل مع
الآخرين و�ضروب �أخرى عدة.
-5ال�س���لوك ال�س���وي :الذي يتفق والعادات والتقاليد ال�س���ائدة في المجتمع� ،س���واء كانت
هذه العادات تتفق مع ال�ش���ريعة الإ�سالمية داخل المجتمعات الإ�سالمية �أو مع عادات
المجتمع وتقاليده في المجتمعات المختلفة.
فيما يتعلق بال�س���لوك ال�س���وي �أو ال�ش���اذ ،ف�إن المعايير ال�س���وية واالنحرافية ،تختلف
باختالف العقائد وال�ش���رائع ،ويعنينا في المجتمعات الإ�س�ل�امية المعيار الإ�سالمي الذي
ُيحدد �س���وية ال�س���لوك بما يتفق مع ال�ش���ريعة الغراء و�أ�ص���ولها القائمة على ما �شرعه اهلل
تعالى ومع ال�سنة النبوية المطهرة.
وم����ن المع����روف �أن الدرا�س����ات ف����ي عل����م النف�����س� ،ش�����أنها �ش�����أن العل����وم الطبيعي����ة
واالجتماعية ،ت�س����عى جاهدة لو�ص����ف الظواهر الخا�صة بال�سلوك ،حيث تقوم بالتو�صل �إلى
المبادئ والقوانين العامة التي ُتف�س����ر �ضروب ال�سلوك الإن�ساني :ال�سلوك اللفظي وال�سلوك
المكت�س����ب والح�س����ي والحركي وال�س����وي والمنحرف� ...إلخ .مع تحديد ال�ش����روط والعوامل
30
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
التي يتم عن طريقها ال�س����لوك ،من حيث اال�س����تعدادات والدوافع والميول التي تحكم هذا
ال�سلوك� ،إ�ض����افة �إلى اهتمامات الدرا�سات النف�سية بالتعلم وكيف يتم؟ ولماذا نتعلم؟ وما
هي �ضوابط التعلم ،وما هو التفكير؟ وكيف نفكر؟ وهل يتوقف التفكير على مناطق خا�صة
ف����ي المخ؟ وما هو ت�أثير االنفعاالت على التفكير؟ وهل تق����وم الحيوانات بعملية التفكير؟..
وكيف يتم التذكر؟ وما الذي ُي�سهل عملية التذكر؟ ولماذا نن�سى بع�ض الأ�شياء دون غيرها؟
وه����ل يمكن تقوية الذاكرة؟ وكيف ن�س����مع ونح�س و ُندرك العالم الخارجي؟ وما المق�ص����ود
باالنتم����اء العاطفي؟ وم����اذا يحدث في �أثن����اء االنفعاالت؟ وما هي ال�ص����لة بين االنفعاالت
والأمرا�ض الج�سمية والعقلية؟ وكيف ُنف�سر ال�سلوك الإجرامي؟ �إلى غير ذلك من الأن�شطة
الإن�سانية في مختلف مواقف الحياة ،الظاهرة والباطنة ،واال�ستجابات الناجمة عنها.
لذل���ك يمك���ن � اً
إجمال �أن نق���ول� :إن الدرا�س���ات الخا�ص���ة بعلم النف����س� ،إنما هدفها
الأ�س���مى هو محاولة الك�ش���ف عن ال�س���لوك الإن�س���اني المتكامل ،وكيفية التوافق والتكيف
للإن�سان الفرد في حياته االجتماعية.
� اً
أول :الإح�سا�س بالم�شكلة:
مو�ض���وعا ً
غام�ض���ا �أو �ص���عوبة معينة ،فعليه �أن يقوم بتحديد ً حينما يواجه الإن�س���ان
الأ�س���باب التي �أدت �إلى وجود هذه الم�ش���كلة ،وذلك من خالل جمع المعلومات التي تتعلق
بالم�ش���كلة ،وم���ن ثم طرح �س����ؤال البحث الذي يعبر ع���ن هذه الم�ش���كلة ،ومن خالل فهم
و�إدراك العالقات بين المعلومات المختلفة تت�ض���ح م�ش���كلة البحث ،ي�ستطيع الباحث فهم
طبيعة هذه المعلومات ،وكيفية ارتباطها بالم�شكلة مو�ضع الدرا�سة.
وي�س���تخدم الباحث ف���ي علم النف�س عددًا م���ن المناهج العلمية المختلفة ،لدرا�س���ة
ال�س���لوك ،وذلك بح�سب طبيعة ونوع الدرا�س���ة التي يقوم بها .ومن المناهج التي ُت�ستخدم
في البحوث والدرا�سات النف�سية ما ي�أتي:
أول :منهج اال�ستبطان :Introspection Method � اً
يعتم���د هذا المنهج على مفه���وم «الت�أمل الداخلي» �أو الت�أم���ل الباطني �أو المالحظة
الداخلية الذاتية Subjective Observationالتي يقوم بها الفرد للتعبير عما يدور بداخله،
واال�س���تبطان لي����س مجرد ت�أمل ،ولكن���ه مالحظة ذاتية لوقائع نف�س���ية داخلية ،حيث يقوم
الفرد بو�ص���ف م�ش���اعره بنف�سه وم�شاهدة ما يدور بداخله ،و ُيع ّد منهج اال�ستبطان من �أول
المناهج التي ا�ستخدمها علماء النف�س.
مميزات منهج اال�ستبطان:
على الرغم من النقد الذي وجه لمنهج اال�س���تبطان ،و�أن الفرد ال ي�س���تطيع درا�س���ة
نف�سه بنف�سه� ،إال �أن لمنهج اال�ستبطان مميزات هي:
•كثير ما ي�س���تخدم منهج اال�ستبطان بو�صفه ً
منهجا �أ�سا�س ًّيا في درا�سة الظواهر
خ�صو�صا لل�سلوك غير الظاهر.
ً النف�سية
33
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
•اعتمدت البحوث والدرا�سات النف�سية منذ زمن بعيد على منهج اال�ستبطان.
• ُتع��� ّد طريقة اال�س���تبطان هي الأ�س���ا�س التي قام���ت عليه كثير م���ن االختبارات
والمقايي�س النف�سية ،وخا�صة التي ت�ستخدم لقيا�س ال�شخ�صية.
•كذلك ُتع ّد طريقة اال�ستبطان هي الأ�سا�س الذي تعتمد عليه المقابلة الكلينيكية.
وف���ي هذا يق���ول (عثمان« :)1987 ،تتجلى الذاتية فيما نق���وم به من تجريد الواقع،
�أو تحديد �أو تحييد �أو عزل جانب من الواقع �ص���ناع ًيا ،حتى يمكن �إخ�ض���اعه للقيا�س حتى
يالئ���م الأداة ،وم���ا وراءها من فك���رة �أو ر�أي �أو نظرية ،و�إن �أي تن���اول للواقع وفق �أداة من
�أدوات البح���ث المو�ض���وعية ال يخل���و من تدخ���ل ذاتي ،وتت�ض���ح الذاتية في بن���اء الأدوات
واختيارها ،فالأدوات المو�ض���وعية لي�س���ت خال�ص���ة المو�ض���وعية كما قد نح�سب ،ولي�ست
مبر�أة من الذاتية كما نحب �أن نعتقد ،ال في ت�صميمها ،وال في تطبيقها وال في التعامل مع
ما ت�ض���ع بين �أيدينا من معلومات....ويتطلب ذل���ك �أن يكون لدينا باحثون تتوازن عندهم
المو�ض���وعية والذاتية ،ال بالإقالل من �ش����أن المو�ض���وعية و�أدواتها ،و�إنها في ذاتها ك�سب
كبير للفكر والعلم وللتقدم الإن�ساني ،ولكن ب�إن�ضاج الذاتية.
فالذاتي���ة النا�ض���جة عن���د الباح���ث العلمي ه���ي الذاتية الت���ي تعرف لكل �ش���يء في
منهج العلم و�أ�س���لوبه ،قدره وقدرته ،مداه وحدوده ،نق�ص���ه وقوته� ،س���واء �أكان في جانب
المو�ضوعية �أم في جانب الذاتية».
وجدير بالذكر �أنه مع ظهور اتجاه �أو مدخل ما ي�سمى بتجهيز المعلومات Information
Processing Approachوهو اتجاه حديث في علم النف�س المعرفي ،Cognitive Psychology
ي�س���تخدم الباحثون ما ي�س���مى تحليل البروتوكوالت ،Protocols Analysisوالبروتوكول هو
طريقة ت�ش���به �إلى حد كبير ما يقوم به الفرد عند ا�ستخدام منهج اال�ستبطان ،حيث يقوم
الباحث بت�س���جيل طريقة المفحو�ص في الو�صول �إلى حل للم�شكلة التي يواجهها �سواء كان
ذل���ك في مج���ال التذكر �أو الإدراك �أو االنتباه� ...أو غير ذل���ك من العمليات المعرفية ،ثم
يق���وم الباحث بتحليل تلك البروتوكوالت للو�ص���ول �إلى الإ�س���تراتيجيات التي ا�س���تخدمها
المفحو�ص في الو�صول �إلى حل للم�شكلة.
-1الدرا�سات الم�سحية:
يتخذ هذا المنهج � اً
أ�شكال متعددة نعر�ض بع�ضها فيما ي�أتي:
قد ي�س���تخدم الباحث المنهج الو�صفي للإجابة عن �أ�سئلة الم�شكلة مو�ضع الدرا�سة،
مث���ل الوقوف عل���ى اتجاهات الطالب نحو ق�ض���ية معين���ة �أو طريقة تدري����س مقترحة� ،أو
ال�س���تطالع �آراء فئة معين���ة (عينة البحث) ف���ي طريقة �إجراء االنتخاب���ات في المجال�س
النيابية� ،أو جمع البيانات حول الإ�صابة بمر�ض معين ،في هذه الحالة ،ف�إن هذه الطريقة
ت�سمى الطريقة الم�سحية Survey Methodفالدرا�سات الم�سحية « Survey studiesعبارة
عن جمع بيانات ومعلومات و�أو�ص���اف مف�ص���لة عن ظواهر موجودة بالفعل ،وتجمع بق�صد
ا�ستخدامها� ،إما لتخطيط م�ستقبل �أف�ضل �أو لتح�سين الأو�ضاع االجتماعية� ،أو التربوية �أو
لمجرد تحديد الأو�ض���اع �أو الكفاءات عن طريق محكات عامة� ،أو عالمية ،ويتوقف مجال
الدرا�سات الم�سحية على طبيعة الم�شكلة محل البحث».
-2الدرا�سات االرتباطية:
قد ي�س���تخدم الباح���ث المنهج الو�ص���في بغر�ض الوق���وف على العالق���ات المتبادلة
بي���ن ع���دد م���ن المتغيرات الت���ي تت�ض���منها م�ش���كلة البحث ،وذل���ك بهدف الو�ص���ول �إلى
تف�س���ير �أعمق للظاهرة مو�ضع الدرا�س���ة ،فمثلاً قد يدر�س العالقة بين التدخين والإ�صابة
بمر����ض �س���رطان الرئ���ة� ،أو العالقة بين تعاط���ي المخ���درات ومعدل ارت���كاب الجريمة،
�أو العالقة بين التفكك الأ�سري والت�أخر الدرا�سي...،في هذه الحالة ت�سمى هذه الدرا�سات
36
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
الدرا�س���ات الطولية؛ لأنها غال ًبا ال تعطي �ص���ورة �صادقة للواقع؛ وذلك لأن العينة المنتقاة
للبحث لي�س���ت هي نف�س���ها ،فقد توجد ف���روق بين كل مجموعة م���ن المجموعات الأخرى،
مهما بلغت عملية االنتقاء من الدقة والمو�ضوعية.
في مقابل ذلك ،ف�إن الدرا�سات الطولية �أكثر دقة و�صد ًقا؛ لأنها تجرى على مجموعة
واح���دة فقط ،ويت���م متابعة هذه المجموعة عل���ى ِحقب زمنية� ،إال �أن الدرا�س���ات الطولية
ي�ؤخ���ذ عليه���ا �أنها تتطلب وقتًا وجهدً ا ،و�إن بع�ض �أفراد العينة قد يت�س���رب دون ا�س���تكمال
الدرا�س���ة ،ويتعر�ض �أف���راد عينة البحث �إلى بع�ض الأحداث خالل مدة الدرا�س���ة التي قد
ت�ؤثر في نموهم �س���ل ًبا �أو �إيجا ًبا ،كذلك ف�إن �أ�س���اليب الدرا�س���ة قد تتغير من مدة لأخرى،
حيث قد يكت�ش���ف الباحث �أ�س���اليب �أكثر دقة و�إتقا ًنا من الأ�سلوب الذي كان ي�ستخدمه ،ما
يفر�ض عليه �إدخال التعديالت على �أ�ساليب البحث وتطويرها.
و�أن�شطة وقت الفراغ ،والمخاوف والقلق ،ومواجهة الم�شكالت وال�ضغوط واتخاذ القرارات،
والجوانب المهنية ،وال�سلوك الديني ،والأن�شطة ال�صفية والال�صفية ،والأن�شطة الريا�ضية
واالجتماعية.
جـ -اهتم���ام بع�ض الباحثين ببع�ض الوقائع التي يعتقدون �أنها �أهم من غيرها ،و�أبعد �أث ًرا
إ�سهاما
في حل الم�ش���كلة ،فيعطونها قيمة كبيرة ،ويهملون وقائع �أخرى قد تكون �أكثر � ً
من غيرها في حل الم�شكلة.
د� -إن المعلوم���ات التي يقدمها الفرد مو�ض���وع الحالة عن نف�س���ه ،وع���ن خبراته الحالية
والما�ض���ية قد ال تكون دقيقة و�س���ليمة ،حيث ال يك�شف عنها عمدًا� ،أو ت�ضيع معه بع�ض
التفا�صيل ب�سبب عوامل الن�سيان.
ولما كانت الدرا�س���ة الكلينيكية تمتاز بهذا العمق وال�ش���مول ،ف�إنها تتطلب جهدًا ووق ًتا
كبيرين من جانب الباحث ،ومن ثم ف�إنه ي�ص���عب عليه درا�سة عينة ذات حجم كبير ...ولكن
العمق وال�شمول في الدرا�سة الكلينيكية ُيع ّد من ال�ضعف المتمثل في �صغر حجم العينة.
د -تعمي���م النتائج ،فمعظم البحوث الو�ص���فية محددة بمدة زمنية معين���ة؛ ف�إن نتائجها
قابلة للتطبيق فقط داخل حدود وقتية ق�ص���يرة ن�سب ًيا ،حيث �إن الظواهر االجتماعية
وال�سلوكية تتغير وف ًقا للزمان والمكان.
هـ -القوة التن ُّب ِئ ّية للبحوث الو�صفية ،معظم الدرا�سات الو�صفية محددة من حيث المكان،
حيث �إن الظاهرات االجتماعية والنف�سية ذات طبيعة مركبة ومعقدة ،وال يمكن التنب�ؤ
بحدوثها ،كما يحدث في العلوم الطبيعية.
الباح���ث ويغي���ره على نحو معين بق�ص���د تحديد وقيا����س ت�أثيره ف���ي المتغير �أو
المتغيرات التابعة.
•والبحث التجريبي يقوم � ً
أ�سا�س���ا على �أ�س���لوب التجربة العلمية التي تك�ش���ف عن
العالقات ال�سببية بين المتغيرات المختلفة في الموقف التجريبي.
والتجري���ب في الدرا�س���ات والبحوث النف�س���ية ل���ه قيمة بالغة ،حي���ث يمثل الطريقة
العلمي���ة الت���ي يمكن م���ن خاللها درا�س���ة العالقة بين متغيري���ن �أو عدد م���ن المتغيرات،
باعتبار �أن هناك متغيرات «م�س���تقلة» و�أخرى «تابعة» هذا ،وينق�س���م التجريب كما يحدث
في الدرا�سات والبحوث النف�سية �إلى ثالثة �أنواع؛ وهي:
في هذه الحالة ،ف�إن (�أ) ي�س���مى متغي ًرا م�ستقلاً � Independent Variableأو المتغير
التجريبي � ،Experimental Variableأو المثير � Stimulusأو �سب ًبا ،Causeبينما (ب) ي�سمى
متغي ًرا تاب ًعا �أو متغي ًرا الح ًقا � Consequentأو �أث ًرا Effectويتم �ض���بط جميع ال�ش���روط -
�سوف نتحدث عنها فيما بعد -فيما عدا المتغير الم�ستقل (�أ) الذي يتناوله بالتغيير ،ثم
نالحظ ما يحدث للمتغير التابع نتيجة لتعر�ضه للمتغير الم�ستقل.
(املنهج التجريبي)
من �أكرث املناهج علمية ودقة وقدرة على التحكم يف ال�سلوك.
متغرياته :املتغري امل�ستقل ،املتغري الو�سيط ،املتغري التابع.
وبعد �أن عر�ضنا للإجابة عن �س�ؤال هل علم النف�س ُيع ّد عل ًما؟ ،والأهداف التي ي�سعى
عل���م النف�س لتحقيقها ،وخطوات المنهج العلمي ،ومناهج البحث المختلفة في مجال علم
النف�س ،ن�س���تطيع القول� :إن علم النف�س يهتم بالدرا�س���ة العلمية لل�سلوك والعقل والتفكير
وخ�صو�صا
ً وال�شخ�ص���ية ،ويمكن تعريفه ب�أنه( :الدرا�س���ة العلمية ل�سلوك الكائنات الحية،
الإن�سان ،وذلك بهدف التو�صل �إلى فهم هذا ال�سلوك وتف�سيره والتنب ؤ� به والتحكم فيه).
46
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
تلخي�ص:
-يهتم علم النف�س بدرا�سة ال�سلوك عند الإن�سان الفرد والجماعة ،وفهم طبيعة ال�سلوك
وتف�سيره وتقويمه وتعديله ،وما يتوقع منه م�ستقبلاً .
-ال�س���لوك هو ما ُيمثل جميع الأن�ش���طة التي يقوم بها الإن�سان ،وت�صدر منه ،وي�ستطيع �أن
يالحظها الفرد �أو غيره.
-جوانب درا�س���ة ال�س���لوك تقوم على :فهم ال�سلوك -التوقع -التعقد (�أي �إنه لي�س �سلو ًكا
ً
ب�سيطا) -التف�سير -التكيف -التوجيه.
� -أنواع ال�سلوك :الظاهر -الباطن (الخفي) -الفطري -المكت�سب -ال�سوي والمنحرف.
-مناهج وطرائق ال�سلوك :المنهج التجريبي -اال�ستنباطي -الخبرة ال�شخ�صية.
�أ�سئلة وتمارين:
-1لماذا نهتم بدرا�سة علم النف�س؟
-2ما الذي نق�صده بال�سلوك؟
-3عدِّ د جوانب الدرا�سة في ال�سلوك -وب ِّين المق�صد من فهم ال�سلوك وتف�سيره وتوجيهه.
-4يتمثل ال�سلوك في �أنواع مختلفة -و�ضح.
-5في مناهج وطرائق درا�سة ال�سلوك :المنهج التجريبي -والمنهج الو�صفي -ا�شرح.
ال�سلوك الإن�ساين
ق�ضايا علم النف�س وميادينه
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف القارئ �إىل اجلانب النظري والعملي يف درا�سة ال�سلوك.
(� )2أن يربط بني ق�ضايا علم النف�س واملنهج الإ�سالمي.
(� )3أن يعدد جماالت درا�سة ال�سلوك يف علم النف�س.
(� )4أن يتعرف �إىل ميادين علم النف�س.
(� )5أن يقارن بني الفروع املختلفة لعلم النف�س النظري.
(� )6أن ي�صنف علم النف�س التطبيقي �إىل الفروع املختلفة.
(� )7أن يحدد العالقة بني علم النف�س والعلوم الأخرى.
(� )8أن يحدد العالقة بني علم النف�س والعلوم ال�سلوكية.
(� )9أن يعدد جماالت البحث يف علم النف�س.
(� )10أن يتعرف �إىل دور املنهج الإ�سالمي يف درا�سة ق�ضايا علم النف�س.
(� )11أن يقدر جهود العلماء يف درا�ستهم لل�سلوك بطرائق متعددة.
ال�سلوك الإن�ساين
ق�ضايا علم النف�س وميادينه
:
ُيحدد هذا الف�ص���ل ميادين علم النف�س ،التي محور الدرا�س���ة فيها «ال�سلوك» وفيما
ي�أتي ما يت�صل ب�أهداف الدرا�سات في علم النف�س القائمة على درا�سة ال�سلوك الإن�ساني،
وما تت�ش���عب �إليه الدرا�س���ات في علم النف����س من ميادين نظرية وتطبيقية ،ومو�ض���ع علم
النف�س التربوي في ميادين علم النف�س ،و�أهمية علم النف�س التربوي بالن�س���بة �إلى المعلم
والمتعلم الذي نحدد له الف�صل الثالث.
-2التنب�ؤ بال�سلوك :عن طريق فهم الظواهر وم�سبباتها وخ�صائ�صها ،حيث ُيعني
ذلك على التنب�ؤ بحدوثها و�ضبطها والتحكم فيها ..وهذا التنب ؤ� من الأهداف العملية
للدرا�سات النف�سية ،فتحديد اال�ستعدادات وقيا�س املهارات مثلاً ،ميكن عن طريقها
التنب ؤ� ب�صالحية الفرد لدرا�سة �أو عمل مهني معني .ودرا�سة الدافعية اخلا�صة ب�سلوك
ً
�ضغوطا معينة. معني ،ميكن �أن تعاون يف التنب ؤ� بكيفية توجيه ورعاية فرد يعي�ش
-3من الأهداف التطبيقية للدرا�سات النف�سية االلتزام والتحكم والتنب ؤ� بال�سلوك،
الذي ُيعاون يف الك�شف عن طبيعة ال�سلوك .و�إن كان ذلك �صع ًبا للغاية؛ لتعدد العوامل
وت�شابك الدوافع التي توجه ال�سلوك ،وحتدده.
هذا ،وتهدف الدرا�سات النف�سية في العالم المعا�صر بجميع مجاالتها وفروعها� ،إلى
تطبيق المنهج التجريبي ،للك�شف عن ال�سمات ال�سلوكية وخ�صائ�ص الأفراد والجماعات.
والمعارف النف�س���ية التي نحملها من فهم القر�آن وال�س���نة ،تبين لنا بلغة علم النف�س
الحديث م�س���الك �س���وية ال�سلوك وال�صحة النف�س���ية ،وكيفية التما�سها ،وطريق الوهن في
النفو�س وكيفية اجتنابه ،وتو�ضح لنا عالمات الوهن وكيفية عالجها.
القر�آن �أو في �أحاديث
وتقوم هذه المعرفة على الإيمان باهلل ور�سوله ،ف�إذا وجدنا في ٍ
الر�س���ول � ،أن هذا الأمر ُي�ص���لح النف�س ويزكيها ،وذاك ُيف�س���دها وي�ش���قيها ،ن�صدقه
ون�سلم به؛ لأنه الحق من عند خالق النف�س العليم ب�أ�سرارها ،الخبير بما ُي�سعدها وي�شقيها،
وعلينا �أن نلتزم ب�أمره في ال�ص�ل�اح ،وننتهي بنهيه �س���بحانه عن عوامل الف�س���اد وال�شقاء،
ويتوافر في المعرفة النف�سية الدينية �شروط المعرفة العلمية �أكثر مما تتوافر في المعرفة
النف�سية التي نح�صل عليها من علم النف�س الحديث ،فمن خ�صائ�ص هذه المعرفة الثبات
واالت�ساق والمو�ضوعية ،و�صالحيتها لتف�سير �سلوك النا�س ،والتنب ؤ� به ،والتحكم فيه في كل
زمان ومكان؛ لأنها من عند اهلل ،خالق النا�س ،الخبير ب�أمورهم ،العليم ب�أحوالهم .والأدلة
على ثبات هذه المعرفة وات�ساقها ومو�ضوعيتها كثيرة ،ن�سوق منها ما ي�أتي:
-1نظرة الإ�س�ل�ام �إلى طبيعة الإن�س���ان من حيث �إنه ُخلق في �أح�س���ن تقويم ،ولديه
اال�س���تطاعة لعم���ل الخير وعمل ال�ش���ر ،ول���ه �إرادة في اختي���ار �أفعاله ،وم�س����ؤول عن هذا
االختيار ،وهذه النظرة ثابتة منذ �أربعة ع�ش���ر قر ًنا ،ال تبديل وال تعديل فيها ،بينما عندما
نتابع نظرة علماء النف�س المحدثين �إلى طبيعة الإن�س���ان في المئة �س���نة الما�ض���ية -وهي
عمر علم النف�س الحديث -نجد نظرات متباينة ،تعك�س فل�سفات مختلفة.
فعلماء التحليل النف�سي اعتبروه �ش���ري ًرا بطبعه و�سلوكياته حتمية ،وعلماء ال�سلوكية
اعتبروه �صفحة بي�ضاء ت�شكله البيئة التي يعي�ش فيها ،وهو كالآلة ي�ستجيب للمثيرات بعادات
�سلوكية تعلمها من مجتمعه ،بينما قرب علماء المذهب الإن�ساني في علم النف�س من نظرة
الإ�س�ل�ام للإن�س���ان ،فاعتبروه خي ًرا بطبعه ،وم�س���� اًؤول عن �أفعاله؛ لأن���ه يختارها ب�إرادته.
وهذه النظرة الأخيرة �ص���ححت م�س���ار عل���م النف�س الحديث ،وجعلته ينظر �إلى الإن�س���ان
بو�صفه �إن�سا ًنا ،ولي�س بو�صفه �آلة �أو مجموعة من العقد النف�سية� ،أو حيوان تجارب.
52
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
-2ثبات وات�س���اق المعرفة النف�س���ية الإ�س�ل�امية ،حيث نجد �أن نظرة الإ�س�ل�ام �إلى
الإن�س���ان على �أنه ُكل متكامل من نف�س وج�س���م وروح ،ال يمكن الف�ص���ل بينها ،وفي منهجه
لتحقيق التوازن في �إ�شباع حاجات النف�س والج�سم والروح ،دون �إفراط وال تفريط في �أي
منه���ا .في حين اختلفت مدار�س علم النف�س الحديث حول هذه الق�ض���ية ،فعلماء التحليل
النف�س���ي وال�س���لوكية اعتبروا الإن�سان مكو ًنا من نف�س وج�س���م ،و�أهملوا حاجات الروح ،ثم
جاء علماء المذهب الإن�س���اني ،و�ص���ححوا هذه النظرة ب�إ�ض���افة البعد الروحي ،واعتبروا
الإن�سان كلاًّ متكاملاً من نف�س وج�سم وروح.
وهكذا نجد �أن علم النف�س كلما تقدم في درا�س���اته تبنى نظرة الإ�سالم �إلى الإن�سان
اقتناعا ب�أهمية المعرفة النف�س���ية من الناحية
ً كما جاءت في القر�آن وال�س���نة ،م���ا يزيدنا
الديني���ة ع���ن النف�س الإن�س���انية ،حتى نهتم بالنف�س الب�ش���رية وب�أ�س���اليب تركيبها ،وطرق
وقايتها وعالجها من االنحراف.
ومن حيث كان االهتمام بق�ض���ايا علم النف�س -بالدرجة الأولى �« -س���لوك الإن�سان»
ف�إنه من المعروف �أن العلوم التجريبية التي تعتمد على �إجراء التجارب تهدف �إلى الو�صول
�إل���ى القواني���ن العلمية التي تحكم الظواهر التي تدر�س���ها� ،أو التي تبحث في مو�ض���وعات
محددة ،وذلك يميزها عن باقي العلوم الأخرى ،والمنهج في العلوم التجريبية يعتمد على
فرو�ضا �أو م�سلمات تف�سر الظواهر ،وتحتاج �إلى التحقق من المنهج العلمي الذي يفتر�ض ً
الفرو����ض � -أي اختب���ار مدى �ص���دقها �أو زيفها ،حيث يتم ذلك عن طري���ق عمليات عدة،
كالمالحظة والتجربة والتعميم والمقارنة ،هذا وتختلف العلوم من حيث �أ�س���اليب تحقيق
هذه الفرو�ض .لذلك يمكن ت�صنيف العلوم �إلى ق�سمين �أ�سا�سيين:
-1العلوم التي يتم حتقيق ق�ضاياها عن طريق الك�شف عن الأ�صول والن�صو�ص ،مثل
العلوم ال�شرعية والتاريخية ،ومعيار ال�صواب واخلط�أ يف هذه العلوم �إما مقبو ًال
ً
مرفو�ضا ،مثلما نحكم على �أمر �أحله اهلل �أو حرمه� ،أو �أنه متفق �أو متعار�ض و�إما
مع ال�شريعة ،ح�سبما ورد يف كتاب اهلل الكرمي و�سنة نبيه عليه ال�صالة وال�سالم،
وح�سبما يرد من الأوامر والنواهي.
53
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
-2والعلوم التي يتم حتقيق ق�ضاياها عن طريق املالحظة للظواهر مو�ضع الدرا�سة،
و�إجراء جتارب يف ظروف �ضبط جتريبي حمدد ،ومقارنة النتائج والو�صول �إىل النتائج
والتعميمات ،ويف هذه العلوم يكون االتفاق واالختالف للق�ضايا املطروحة مع الواقع
القائم �أم ًرا واجب البحث ،فيما يتعلق بالدرا�سات التجريبية يف العلوم الإن�سانية،
وب�صفة عامة ف�إن البحوث الإ�سالمية ،تنادي بعدم تعار�ض نتائج هذه الدرا�سات
مع �شرائع الكتاب املنزل وال�سنة املطهرة ،حيث ال جدال فيما نزل به احلق تعاىل،
وما نادى به امل�صطفى عليه ال�صالة وال�سالم ،خا�صة فيما تتناوله نتائج الدرا�سات
التجريبية من �صدق نتائجها الذي يف �أعم الأحوال يكون �صد ًقا ن�سب ًّيا ،بينما ُحكم
اهلل �أ�صدق قيلاً و�سنة نبيه حجة على هذه النتائج ،وال جدال يف ذلك البتة.
وعلم النف�س المعا�صر ،يجمع بين كال النوعين من العلوم ،فالكتاب وال�سنة يك�شفان
لنا عن طبيعة الإن�س���ان وع���ن النف����س :ﱹﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﱸ
(ال�ش���م�س ،)٨ - ٧ :وعن دوافع ال�س���لوك ،وحاجات الإن�س���ان ،وكيف يتم �إ�شباعها من خالل
�ض���بط ال�س���لوك والتحكم فيه ،والتنب ؤ� بال�سلوك .لذلك هناك المجتهدون من علماء اليوم
الذين يحاولون الجمع بين درا�س���اتهم التجريبية للك�شف عن الظواهر ال�سلوكية ،والربط
بينهم���ا وبي���ن الهدي الإ�س�ل�امي فيما يعرف بـ «الت�أ�ص���يل الإ�س�ل�امي للعلوم والدرا�س���ات
النف�س���ية»� ،أو التوجيه الإ�س�ل�امي للدرا�س���ات النف�س���ية� ،أو �أ�س���لمة المعارف النف�سية� ،أو
التف�سير الإ�سالمي لل�سلوك الب�شري.
-2ما ي�صدر عن الإن�سان من �سلوك حركي �أو لفظي ،كامل�شي واجلري والأكل والكالم
واالعتداء والهرب والقفز وال�صعود والهبوط ،وقيادة ال�سيارات ،وغري ذلك من
الأداءات احلركية املتعددة.
-3الدوافع التي تحُ رك ال�سلوك� ،سواء كانت دوافع فطرية (�أولية) �أو مكت�سبة (ثانوية)
وت�ؤثر يف اجلانب االنفعايل يف �سلوك الإن�سان.
� -4أوجه التفاعل بني الإن�سان وبني بيئته االجتماعية ،ب�صفة عامة �أي درا�سة جميع �أن�شطة
الإن�سان و�سلوكه ،وما ي�صدر عنه من نتاج عقلي ومعريف واجتاهات وم�شاعر وميول
ورغبات و�سلوك حركي وح�سي و�أخالقي وديني واجتماعي.
-5ما ي�صدر عن الإن�سان من ن�شاط عقلي ي�سيطر عليه الذكاء ،بو�صفه قدرة عقلية عامة
بجانب العمليات والأن�شطة العقلية واملهارات كالإدراك والتذكر والتخيل والتفكري
والتعلم واالبتكار ،ومتايز القدرات واملهارات العقلية عند الإن�سان ،كالقدرة اللغوية
والكتابية واحل�سابية ،وغريها.
-6ما ي�شعر به الإن�سان من انتماءات وعواطف وانفعاالت كالغ�ضب ،والغرية واخلوف
وال�ضيق واحلب والبغ�ضاء ،وما يرتتب على ذلك من ال�صحة النف�سية �أو عدم توافرها.
-7درا�سة اجتاهات الأفراد نحو املجتمع (البيئة) وت�أثري هذه االجتاهات يف �إدراكهم
وتفكريهم ،و�سوية ال�سلوك �أو انحرافه والعوامل امل�سببة لذلك ،والأمرا�ض الأخرى.
وعل���م النف����س العام يق���وم بدرا�س���ة دوافع ال�س���لوك و�أنواعه���ا وتكوينه���ا ،والجانب
االنفعالي في ال�سلوك والجانب العقلي واالجتماعي.
لذلك ُيع ّد علم النف�س العام الم�ص���در الأ�سا�س���ي �أو ما يعرف بالم�ص���در الأم لفروع
علم النف�س.
-2علم النف�س الفارقي( :الفارق) �أو �سيكولوچية الفروق الفردية Differential Psychology
يهتم بدرا�س���ة الف���روق الفردية والجماعية ،في ال�س���مات النف�س���ية كال���ذكاء �أو في
ال�شخ�ص���ية واال�ستعدادات والقدرات الخا�ص���ة ،ويهتم بتف�سير �أ�سباب وعوامل �إيجاد هذه
الف���روق ،ا�س���تنادًا �إلى حقائ���ق علم النف�س الع���ام ،ونفهم من ذلك �أن عل���م النف�س العام
يك�ش���ف لنا عن �أوجه االتفاق بين الب�شر ،بينما يو�ضح علم النف�س الفارقي �أوجه الخالف
والأ�سباب وراء الفروق الفردية والجماعية الإن�سانية.
-3عل����م النف�����س االرتقائ����ي( :عل����م نف�����س النم����و �أو �سيكولوچي����ة النم����و) Developmental-
Psychology
�أو ما ُيعرف بعلم نف�س النمو ،ويهتم بدرا�س���ة مراحل النمو المختلفة ما قبل الميالد
وبعده ،التي يمر بها الفرد في حياته ،وخ�صائ�ص كل مرحلة ج�سم ًّيا وانفعال ًّيا ،ومن فروع
هذا العلم :علم نف�س الطفل والجوانب النف�سية للمراهقة وعلم نف�س ال�شباب ،و�سيكولوچية
ال�شيخوخة.
-4علم النف�س االجتماعي Social Psychology
يتداخل هذا الفرع كثي ًرا مع علم االجتماع وعلم الإن�سان االجتماعي (الأنثروبولوچيا
االجتماعي���ة) ،ويهت���م ه���ذا العلم بالخ�ص���ائ�ص النف�س���ية للجماع���ات و�أنم���اط التفاعل
االجتماع���ي والت�أثي���رات التبادلية بي���ن الأفراد ،مث���ل العالقة بين الآب���اء والأبناء ،داخل
الأ�سرة والتفاعل بين المتعلمين والمعلمين وبين العمال والأعمال .وقد ك�شف علم النف�س
57
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
االجتماع���ي ع���ن كثير م���ن الحقائق في مج���ال االتجاه���ات والقيم والتع�ص���ب والحروب
النف�سية والعواطف والدعاية والإعالن� ...إلخ.
-5علم نف�س غير العاديين Abnormal Psychology
يهتم بدرا�سة ال�سلوك ال�سوي� ،أو �إي�ضاح ال�سلوك المنحرف ،كالجريمة واالنحرافات
ال�سلوكية ال�شاذة وتف�سيرها وبيان �أف�ضل الأ�ساليب العالجية.
تتم فيه درا�سة مقارنة بين �سلوك الإن�سان و�سلوك الحيوان ،و�سلوك الطفل والرا�شد
وال�سلوك ال�سوي والمنحرف� ...إلخ.
ويدر�س علم النف�س ال�صناعي مو�ضوعات ،كالهند�سة الب�شرية والتعب ال�صناعي والتوجيه
المهني والأمن ال�صناعي وال�صراع ال�صناعي� ...إلخ.
يهتم بدرا�سة الأ�سباب النف�سية للجريمة والمجرمين ،حيث العوامل والنتائج وطرق
العالج ،ور�سم �سيا�سة للدفاع االجتماعي �ضد الجناح والجريمة ..ويرتبط هذا العلم بعلم
نف�س ال�شواذ.
يهتم بالحياة الع�س���كرية ،لتحديد ال�س���مات ال�شخ�صية للعدو ،وما يحبه وما يكرهه،
وعاداته���م وطبائعهم .ومن تطبيقاته االهتمام بتوزيع الجنود على مختلف التخ�ص�ص���ات
الحربية ،وف ًقا لميولهم وقدراتهم ،ويعمل على رفع الروح المعنوية للجنود و�س���بل وطرائق
مقاومة الحرب النف�سية� ...إلخ.
وهذه الفروع في كال الق�س���مين النظري والتطبيقي على �س���بيل المثال ،ولي�ست على
�سبيل الح�صر ،حيث �إن ما ُذكر يمثل الي�سير من االهتمامات والدرا�سات النف�سية.
الإدراك بالم���خ� ...إل���خ .ومن هنا تت�ض���ح ال�ص���لة الوثيقة بين علم النف����س وعلوم الأحياء
ووظائف الأع�ض���اء .ي�ض���اف �إلى هذا �أن علم النف�س يدر�س جوانب التكيف بين الإن�س���ان
وبيئته االجتماعية والطبيعية ،حيث �إن هناك الكثير من �آثار البيئة الطبيعية على الإن�سان
من حرارة وبرودة ورطوبة وانخفا�ض عن �س���طح البحر� ...إلخ .ومن هنا ت�أتي ال�ص���لة بين
علم النف�س والعلوم الطبيعية.
و�إن عل����م النف�����س يت�ص����ل بالعل����وم االجتماعي����ة ،فالإن�س����ان يعي�ش داخ����ل مجتمعات
وجماع����ات ،ويت�أثر ب�ش����كل وا�ض����ح بالبيئ����ة االجتماعية ،حيث يكت�س����ب منها لغت����ه وعاداته
وتقاليده ،هذا �إ�ض����افة �إلى �أن البيئة تدعم الميل الفطري الكت�ساب العقيدة� ،أو ت�شوهها �أو
تعمل على ال ُبعد عنها .وتمار�س الثقافة �أث ًرا عمي ًقا في �شخ�صية الإن�سان وتفكيره و�سلوكه،
فهي ذات �أثر وا�ضح على المعلومات التي يكت�سبها الإن�سان ومهاراته و�أذواقه وعواطفه.
و�إن الظروف االقت�صادية لها دورها المهم على �شخ�صية الإن�سان.
وم���ن هنا ت�أتي ال�ص���لة بين عل���م النف�س وجمي���ع العلوم االجتماعي���ة ،مثل االجتماع
واالقت�صاد والجغرافيا الب�شرية والعلوم الحيوية.
وا�ض���حا بالعلوم ال�ش���رعية ،فقد
ً ً
ارتباطا من الناحية ال�ش���رعية يرتبط علم النف�س
ق���دم لن���ا القر�آن الكريم وال�س���نة النبوي���ة المطهرة �إعج���ازات عن بع����ض جوانب النف�س
الإن�س���انية ،ومن هنا ي�س���تحق �أن نقرر �ص���لة العلوم النف�س���ية بالعلوم ال�شرعية ،و�أن نتبين
التف�س���ير الإ�س�ل�امي لل�س���لوك الب�ش���ري ،و�أن ت���زداد جهود علم���اء النف�س الم�س���لمين في
الت�أ�صيل الإ�سالمي للعلوم الإن�سانية.
نخرج من هذا ب�أن العالقة بين الدرا�س���ات النف�س���ية والعلوم الأخرى عالقة وثيقة،
فالإن�س���ان ،وما ي�صدر عنه من �سلوك ،ال ُيف�سر ب�ش���كل مو�ضعي �إال عند درا�سة الم�سببات
الع�ض���وية والثقافية واالجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية والدينية ،وتعاون هذه المناحي
جميعها مع العلوم البيلوچية والحيوية وغيرها ،لتحديد العوامل الع�ض���وية التي تقف وراء
61
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
ال�سلوك� ،إ�ضافة �إلى ما تقدمه العلوم االجتماعية وال�شرعية من معارف ومعلومات ،ت�سهل
التعرف �إلى الجوانب االجتماعية والدينية الم�ؤثرة في ال�سلوك الب�شري.
هذا ال�س���لوك في �ش���تى مظاهره في مختلف مواقف الحياة ،هو مو�ض���وع اهتمامات
علم النف�س ،حيث ُيع ّد علم النف�س من العلوم ال�سلوكية.
وقب���ل �أن نحدد مو�ض���ع العلوم ال�س���لوكية ،علينا �أن نو�ض���ح تق�س���يم ف���روع المعارف
الإن�سانية ،التي تق�سم �إلى ق�سمين �أ�سا�سيين:
-1العلوم الطبيعية :التي تقوم بدرا�سة الظواهر الطبيعية املادية وحتللها ،لت�صل �إىل
مفاهيم تف�سر من خاللها الظواهر ،وحتدد �أ�سباب التغريات والتطورات.
وت�ض���م ه���ذه املجموع���ة عل���وم الفيزي���اء والكيمي���اء والچيولوچيا والف�س���يولوچيا
والبيولوچيا اخلا�صة بالإن�سان ،مثل علوم الت�شريح ووظائف الأع�ضاء.
-2العلوم االجتماعية (الإن�سانية) :التي تقوم بدرا�سة الظواهر االجتماعية التي تن�ش�أ
بحكم حياة الإن�سان يف جماعات للتفاعل �سع ًيا وراء حتقيق �أهداف فردية وجماعية.
وت�ضم هذه املجموعة علوم الأنرثوبولوچيا (علم تطور الإن�سان) واالقت�صاد،
والتاريخ ،والعلوم ال�سيا�سية ،وعلم النف�س ،وعلم االجتماع ،والرتبية ،وتتداخل
املجموعتان فيما بينهما ملا تت�صف به كل من الطبيعة املادية والإن�سانية من تعقيد
وت�شابك .مثال ذلك علم النف�س ،وهو يتبع العلوم االجتماعية يتداخل مع بع�ض العلوم
الطبيعية ،عندما يدر�س تركيب اجلهاز الع�صبي عند الإن�سان ودوره يف بع�ض ظواهر
ال�سلوك الإن�ساين ،وحمدداته فيما ُيعرف بالرتكيب الف�سيولوچي للإن�سان ،و�إن درا�سة
مراحل منو الإن�سان من النواحي الع�ضوية والعقلية تندرج حتت علم النف�س التعليمي
(الرتبوي).
والواقع �إن مجال العلوم ال�سلوكية ي�ضم �أربعة فروع من المعارف الإن�سانية ،هي:
-2علم االجتماع.
-1علم النف�س.
-4التربية.
-3علم الأنثروبولوچيا.
وهذه العلوم تهتم بدرا�س���ة �سلوك الإن�س���ان الفرد والجماعة وت�صرفاته في مختلف
المواقف والظروف.
63
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
تلخي�ص:
-1من اجلوانب النظرية والعملية يف درا�سة ال�سلوك :درا�سة ال�سلوك وتف�سريه مو�ضوع ًّيا
-والتنب ؤ� بال�سلوك -والتحكم والتنب ؤ� بال�سلوك.
-2علم النف�س املعا�صر ،يجمع بني العلوم التي تتحقق ق�ضاياها عن الأ�صول والن�صو�ص،
وع���ن طري���ق املالحظ���ة للظواه���ر مو�ض���ع الدرا�س���ة ،و�إج���راء التج���ارب للو�ص���ول
�إىل احلقائق.
-3يف جماالت درا�س���ة ال�س���لوك يف علم النف�س يتم درا�سة :ا�ستعدادات وقدرات الإن�سان
-ال�سلوك احلركي �أو اللفظي -دوافع ال�سلوك -التفاعل بني الفرد وبيئته االجتماعية
-الن�شاط العقلي للإن�سان -العواطف واالنفعاالت -اجتاهات الفرد نحوها.
-4تنق�سم تفرعات علم النف�س �إىل :الق�سم النظري ،وي�شمل علم النف�س العام -الفارقي
-االرتقائي -االجتماعي -ال�شواذ -املقارن.
والق�س���م التطبيقي ،وي�ش���مل :الرتبوي -ال�صناعي -الإداري -اجلنائي -احلربي -
العيادي (الإكلينيكي).
وهذه التفرعات للق�سم النظري والتطبيقي على �سبيل املثال ،ولي�س على �سبيل احل�صر.
-5العالقة بني الدرا�س���ات النف�سية والعلوم الأخرى :حيث تعتمد الدرا�سة يف علم النف�س
على التكوين اجل�سمي ،واحليوي ،واجلهاز الع�صبي ،والغدد ال�صماء ،واحلوا�س ،وعلم
الأحياء ووظائف الأع�ض���اء ،والعلوم االجتماعية ،والثقافية ،والظروف االقت�ص���ادية،
والعلوم ال�شرعية.
-6تق�سم العلوم واملعارف �إىل طبيعية واجتماعية (�إن�سانية).
-7يندرج علم النف�س حتت املعارف الإن�سانية.
-8تتعدد جماالت البحث يف علم النف�س من �أجل فهم حقيقة وم�سببات ال�سلوك الإن�ساين.
66
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
�أ�سئلة ومتارين:
ُ -1ي�ستخدم املنهج العلمي والتجريبي يف الك�شف عن ق�ضايا ال�سلوك الإن�ساين -ا�شرح.
-2تختلف العلوم من حيث �أ�ساليب حتقيق ق�ضاياها -ا�شرح.
-3حدد ميادين علم النف�س النظرية والتطبيقية -وبني مو�ضع كل من علم النف�س العام
وعلم النف�س الرتبوي يف هذه امليادين.
-4علم النف�س لي�س من العلوم امل�ستقلة بذاتها -ا�شرح.
-5ما ال�شروط الواجب توافرها يف ت�سمية فرع من فروع العلوم االجتماعية ،العلم
ال�سلوكي.
-6حدد ما ال يقل عن ع�شرة من جماالت البحث يف علم النف�س.
علم النف�س الرتبوي
والأهميــة للمعلــم واملتعلــم
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل �أركان العملية التعليمية.
(� )2أن ي�ستنتج العالقة بني علم النف�س والرتبية.
(� )3أن ُي َق ِّيم �أهمية علم النف�س الرتبوي يف العملية التعليمية.
(� )4أن يعدد الأهداف الرتبوية والتعليمية لعلم النف�س الرتبوي.
(� )5أن يحدد امل�شكالت املرتبطة بالأهداف.
(� )6أن يدرك اهتمامات علم النف�س الرتبوي.
(� )7أن يقدر جهود العلماء يف النهو�ض بعلم النف�س الرتبوي.
علم النف�س الرتبوي
والأهميــة للمعلــم واملتعلــم
:
من حيث �أمكن التعريف بعلم النف�س و�أهميته في حياتنا العامة واليومية ،يعنينا بعد
ذلك �أن نعرف مو�ضع علم النف�س التربوي من حيث كونه يتبع الق�سم التطبيقي في العلوم
النف�س���ية ،و�أهمية علم النف�س التربوي للمعلم والمتعلم ،لذلك نعر�ض في الف�ص���ل الثالث
التعريف بعلم النف�س التربوي من جوانب متعددة.
لذل���ك ،ف�إن م���ن واجب المعلم ،االهتم���ام بالجوانب النف�س���ية للمتعلم؛ حتى يتمكن
من �إعداده للحياة ،حيث ُيع ّد المعلم في العملية التربوية �أ�س���ا�س الإ�صالح التربوي ،الذي
ُيخرج اً
رجال وقادة للمجتمع.
وعل���م النف�س عامة ،وعلم النف�س التربوي خا�ص���ة ،يمد المعلم بالجوانب النف�س���ية
للمتعلمين العاديين والمتفوقين وال�صغار والكبار ،في كل مراحل التعليم ،وتطبيقاتها في
ميادين عدة في نماء الإن�سان عامة ،وفي تنمية وارتقاء المتعلم.
ويهمنا �أن نذكر في هذا ال�ص���دد ما �س���اهم به قادة التربية من علماء الم�س���لمين،
�أمث���ال اب���ن تيمية وابن قي���م الجوزية والإم���ام الغزالي ،حيث كانت له���م اهتماماتهم في
التعريف بال�س���لوك الب�شري وم�س���بباته ،والقدرة على التحكم فيه وتوجيهه وجهة �سليمة.
و�إذا كان العائد من علم النف�س التربوي بالن�س���بة �إلى المعلم ،له �أهمية كبيرة في العملية
التعليمية ،ف�إننا نحتاج �إلى �أن نحدد هذه الأهمية من خالل �أركان العملية التعليمية.
70
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
العملية التعليمية:
تت�ش���كل �أركان العملية التعليمية من المتعلم والمعلم والمادة الدرا�سية ،وفي العملية
التعليمي���ة يواج���ه المعلم ف���ي �أعم الظروف �ص���عوبات تظهر من خالل ممار�س���اته لعملية
التعليم� ،أ َّيا كانت عدد �سنوات عمله التعليمي� ،أو نوع المادة الدرا�سية التي يقوم بتدري�سها
�أو المرحلة التعليمية التي تعلم فيها �أو بخبراته التربوية والتعليمية.
وتنطوي هذه ال�صعوبات على م�شكالت يواجهها المعلمون ،وت�أخذ � اً
أ�شكال معينة من
حيث الكم والكيف ،وترتبط بطبيعة عملية التعليم والتعلم.
واكت�س���اب المعل���م الخب���رات التربوي���ة والتعليمي���ة ،يمكن���ه من الق���درة على تحمل
الم�س����ؤولية ،ومواجهة الم�ش���كالت ومعالجتها ،وقد ال يعني ذلك نجاح عملية التعليم على
النحو الم�أمول.
فالتق���دم التقن���ي ال�س���ريع والم�س���تمر ،وما ق���د يطر�أ م���ن متغيرات وم�ش���كالت في
المجتمع� ،أو ما ُيطرح �أمام المعلم ،في حاجة م�س���تمرة �إلى فهم �أف�ض���ل الأ�س�س والمبادئ
نجاحا وفاعلية مع المتعلمين.
التي تقوم عليها عملية التعليم ،حتى يتمكن من جعلها �أكثر ً
وم���ن حيث كان���ت �أركان العملية التعليمية هي :المتعلم والمعلم والمادة الدرا�س���ية،
ف�إن الجوانب النف�سية المتعلقة بهذه الأركان الثالث تقوم على:
� -1ضرورة اهتمام املعلم ،مبعرفة قدرات وا�ستعدادات املتعلم.
� -2ضرورة قيام املعلم ،مبعرفة �أهداف تعلم املادة الدرا�سية ،و�إي�ضاح طبيعة املادة
الدرا�سية؛ حتى يتمكن املتعلم من فهمها.
-3كيفية قيام املعلم با�ستخدام الأ�سلوب املنا�سب يف التعليم ،واختيار طريقة التدري�س
املنا�سبة.
� -4أن يكون املعلم على دراية وفهم ،ب�أ�صول قواعد علم النف�س يف جماله التطبيقي� ،أي
علم النف�س الرتبوي.
71
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
لذلك ُيع ّد علم النف�س التربوي -من الناحية التطبيقية -من العلوم الأ�سا�سية التي
يجب �أن يتزود بمعارفها ومبادئها المعلم.
وقبل �إي�ض���اح �أهمية عل���م النف�س التربوي بالن�س���بة �إلى المعلم والمتعل���م ،علينا �أن
نو�ضح الأ�سا�س النف�سي للتربية� ،أو ما ُيعرف بالعالقة بين علم النف�س والتربية.
امل�شكالت التعليمية:
يق���وم عل���م النف�س الترب���وي بتزوي���د المعلمين بالمعارف والأ�س����س والمب���ادئ التي
ت�س���اعدهم على �أداء مهامهم التعليمية ب�ش���كل �أف�ض���ل ،وتمكنهم من مواجهة الم�شكالت
التعليمية والإعاقات وال�صعوبات الخا�صة بالتعليم.
وف���ي العادة ،يواجه المعلم عددًا من الم�ش���كالت وال�ص���عوبات الت���ي ت�ؤثر في �أدائه
المهن���ي على نحو معين ،بيد �أن اهتمام علماء النف�س التربويين ،يتجه في معظم الأحيان
نحو الم�ش���كالت التي تربط بطبيعة العملية التعليمية ،وما يت�صل منها بالتعلم ،وتنح�صر
هذه الم�شكالت في:
وحيث �إن �أنواع ال�س���لوك التي يمار�س���ها المتعلمون كثيرة ومتنوعة ،وتحكمها مبادئ
تعليمي���ة مختلف���ة ،ف�إن المعلم يواجه م�ش���كلة اختي���ار مبادئ التعلم الت���ي تتفق مع طبيعة
المواقف التعليمية� ،إ�ضافة �إلى تحديد �شروط الن�شاط التعليمي الذي يقوم به.
-4اكت�شاف طرق تنظيم املوارد التعليمية وكيفية توجيه املعلم وا�ست�شارته نحو �أهداف
معينة.
-5الذكاء والقدرات العقلية و�سمات ال�شخ�صية وقيا�سها.
-6التح�صيل و�أ�س�س التقومي القائم على االختبارات التح�صيلية و�شروط االختبارات
النف�سية والرتبوية.
-7التفاعل االجتماعي بني املتعلمني يف عالقاتهم ب�أنف�سهم وعالقاتهم باملتعلمني
واملعلمني.
-8ال�صحة النف�سية للفرد والتكيف االجتماعي واملدر�سي.
وهذه االهتمامات ت�ؤكد ما �سبق �إي�ضاحه من كل من �أهمية علم النف�س الرتبوي ،وما ي�ؤدي
العلم من فاعليات يف العملية التعليمية.
تلخي�ص:
-1علم النف�س عامة وعلم النف�س الرتبوي خا�صة مي ّد املعلم باجلوانب النف�سية للمتعلمني
العاديني واملتفوقني وال�صغار والكبار يف كل مراحل التعليم.
-2ت�شكل �أركان العملية التعليمية من املتعلم واملعلم واملادة الدرا�سية.
-3هناك اجلوانب النف�سية اخلا�صة ب�أركان العملية التعليمية.
-4علم النف�س الرتبوي من الناحية التطبيقية يجب �أن ُيزود املعلم مبعارفه ومبادئه.
-5العالقة بني علم النف�س والرتبية هو �أن علم النف�س امل�صدر �أو الو�سيلة الذي يزود
الرتبية باحلقائق واملبادئ والأ�س�س النف�سية ،واخلا�صة باملتعلم والأ�سلوب املنا�سب
لتعليمه.
-6علم النف�س الرتبوي ،له �أهدافه الرتبوية والتعليمية ،وهو تطبيقي ويعتمد على معارف
من علوم نف�سية �أخرى.
-7امل�شكالت التعليمية تنح�صر يف م�شكالت خا�صة :بالأهداف التعليمية -خ�صائ�ص
املتعلمني -التعلم -التعليم (التدري�س) -التقومي.
-8هناك اهتمامات تت�صل بعلم النف�س الرتبوي ت�ؤكد ما ي�ؤديه هذا العلم من فاعليات يف
العملية التعليمية.
�أ�سئلة ومتارين:
-1حدد اجلوانب النف�سية املتعلقة ب�أركان العملية التعليمية.
-2و�ضح العالقات املوجودة يف العملية التعليمية.
-3علم النف�س الرتبوي ُيعاون املعلم يف جماالت تعليمية خمتلفة .ا�شرح.
79
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
•الأهـداف:
(� )1أن يعرف املتعلم مو�ضع درا�سة ال�سلوك الإن�ساين يف الرتاث الإ�سالمي.
(� )2أن يذكر مكونات النف�س الب�شرية يف الذكر احلكيم.
(� )3أن يعدد الدالالت اللفظية ملكونات النف�س الإن�سانية يف الذكر احلكيم.
(� )4أن يحلل مفاهيم املكونات النف�سية الإن�سانية يف القر�آن الكرمي.
(� )5أن يقدر عظمة القر�آن الكرمي يف تعديل ال�سلوك الإن�ساين.
الهدي الإ�سالمي وال�سلوك الإن�ساين
:
بغية التعمق في معرفة ال�سلوك الإن�ساني ،نحتاج �إلى معرفة وفهم النف�س الإن�سانية من
خالل ما ورد في كتاب اهلل العزيز الذي هو د�ستور الحياة ومنهاج الطريق ،وما ورد في ال�سنة
النبوية المطهرة من �أقوال و�أفعال �س���يد الخلق �أجمعين الذي من اتبع خطاه و�س���لك منهجه
وعمل على طاعته ،فقد �أطاع اهلل تعالى :ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﱸ (الن�ساء.) ٨٠ :
لذلك نحتاج �إلى �إي�ضاح جوانب ومكونات النف�س الب�شرية في �ضوء الهدي الإ�سالمي.
�إلى ال�ض�ل�ال والف�س���اد ،بل يتحكم في �أهوائه ،وي�ستر�شد بما �أمر به اهلل تعالى وب�سنة نبيه
المطهرة.
وعالمنا المعا�ص���ر ..وقد بعدت فيه الثقة بي���ن الفرد و�أقرانه من جانب ،وبينه وبين
التم�س���ك بعقيدته وااللت���زام في حياته ،و�أ�ص���بح الطريق فيه المنعرجات وال�س���دود التي
تحفز �إلى البعد عن جادة ال�ص���واب ..فو�س���ائل الدعايات والإعالن���ات والمواد الإعالمية
الت���ي تطرح (بوج���ه عام) ،واتجاهات المناهج التعليمية في بع����ض المعاهد التعليمية قد
يكون فيها الرخي�ص والخبيث الذي تهواه النف�س التي قد ت�ض���ل عن �سواء ال�سبيل ،بل لقد
قلت الالفتات الخ�ض���راء ،التي تبين طريق الهداية وال�ص���واب والحق لأبناء هذا الع�صر،
وبهذا �أ�ص���بح �أبناء الم�س���لمين في حاجة ما�س���ة �إلى من يدعو ب�إخال�ص وبجهد م�س���تمر،
لتنقي���ة النفو����س و�إي�ض���اح جادة ال�ص���واب ما قد يعل���ق بالعقول ،وما يتناف���ى مع عقيدتنا
ال�س���محة وال�س���نة النبوية المباركة ،ويهدينا جمي ًعا �إلى ما فيه خير و�ص�ل�اح نفو�س���نا .بل
�إن الواقع ي�ش���ير �إلى �أنه قد زادت الحاجة �إلى �إي�ض���اح لجميع النا�س وخا�ص���تهم ،لمعرفة
ذواتهم وطاقاتهم ،حتى يعم الأمن والأمان نفو�س النا�س جمي ًعا.
�إن عالمنا المعا�صر �أ�صبحت م�سارات الحياة فيه �صعبة ،وال هداية فيها� ،إال للأمين
القوي على نف�سه ،ال ُمدرك لعيوب ذاته ،الذي يعمل على التخل�ص من م�ساوئ نف�سه و�شرور
�أهوائه .ولي�س لذلك ال�س���بيل �إال من ت�ضافر جهود الأ�س���رة والمدر�سة والمجتمع ،في بناء
وتنمية �أفراد المجتمع ،من �أجل حياة �آمنة مطمئنة.
ه���ذا الفرد هو ..الإن�س���ان ال���ذي يمثل مح���ور االهتمام في الدرا�س���ات الإن�س���انية،
وهو محط فكر قديم ،حيث كان االهتمام قبل ظهور الإ�س�ل�ام من الح�ض���ارات ال�س���ابقة
للإ�س�ل�ام ،في عهود الرومان والإغريق ،وحيث اهتم الفال�سفة �آنذاك بدرا�سات عدة عن
�أنماط الب�شر و�سلوكهم ،ويعقب ذلك درا�سات واهتمامات علماء الإ�سالم ،نذكر منهم من
ال�سلف ال�صالح ابن تيمية ،وابن القيم وغيرهما.
85
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
ف�إن في هذا ما ُيعد �أ�سمى غايات علم النف�س ،الو�صول �إلى القواعد ال�سلوكية للحياة
المثلى للإن�سان ،التي تتوافق والعقيدة ال�سمحة في الأوامر والنواهي.
وقد تكون المحاوالت ،التي بذلت في ذلك في علم النف�س المعا�صر لي�ست بال�صورة
التي ُيرجى من ورائها خير الب�ش���رية� ،إذ تميل بع�ض الدرا�س���ات النف�س���ية المعا�صرة �إلى
عر�ض �أفكار ومدار�س علمية قد تتنافى ،وما �أ�ش���ير �إليه �س���ل ًفا� ،إ�ضافة �إلى �أن علم النف�س
المعا�صر قد يهمل بع�ض الجوانب الأ�سا�سية في ال�سلوك الإن�ساني -لق�صوره على المباحث
الخا�صة بها -مثل الجانب الأخالقي والجانب الروحي في حياة الب�شر.
لذلك من الأهمية بمكان �أن نو�ضح كيف نفهم مكونات النف�س الإن�سانية ،في الهدي
الإ�سالمي؛ حتى نتبين م�سارات علم النف�س المعا�صر ومدى اقترابه من الهدي الإ�سالمي،
خا�ص���ة �أن علم النف�س ُيعد �ض���رورة من �ض���رورات الفهم الأمثل لل�س���لوك الإن�س���اني ،وله
�إيجابيات كثيرة للغاية ،في فهم ال�س���لوك الإن�س���اني في �س���ويته وفي اقت�ض���ائه ال�ص���راط
الم�ستقيم.
وعندما نظر علماء الم�سلمين �إلى «النف�س» لم ينظروا �إليها على �أنها «كيان م�ستقبل
�أو جوهر قائم بذاته» و�إنما كانت مباحثهم قائمة على �أنها« :مجموعة الظواهر والحاالت
النف�س���ية والخواط���ر التي في خب���رة الإن�س���ان» .هذا ،وق���د تعر�ض الإن�س���ان بالمالحظة
والدرا�سة من قديم الزمن ،بما كان ُيعرف بالنف�س الإن�سانية.
وفيم���ا ي�أت���ي ،نعر����ض دالالت الألفاظ الخا�ص���ة بالنف�س ح�س���بما وردت ف���ي الذكر
الحكيم ،التي ت�شكل من:
-4العقل. -3الروح. -2القلب. -1النف�س.
ونو�ض���ح مفاهيم هذه المكونات ،لنتبين مدى اقت���راب �أو ابتعاد هذه المفاهيم ،من
التفا�سير الخا�صة بالمفاهيم المقابلة في علم النف�س المعا�صر.
�أما العقل فقد �سبق الإ�شارة �إلى وروده ب�صورة «فعل العقل» ولي�س لفظة «العقل».
وفعل العقل في الذكر الحكيم يدل على الفهم والتفكير.
وفيما ي�أتي الدالالت اللفظية لمكونات النف�س الإن�سانية في الذكر الحكيم.
ومن الأمثلة على ا�س����تعمالها للداللة على الإن�س����ان قوله تعالى :ﱹ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﱸ (البقرة.)٤٨ :
والنف�س هنا بمعنى الذات الإن�سانية كلها.
وا�س���تعملت كلم���ة النف�س عند الداللة على الإن�س���ان ،لت�ش���ير �إلى �أ�ش���خا�ص بالذات
كالأنبي���اء ،مث���ل قول���ه تعال���ى :ﱹ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﱸ (الكهف.)٦ :
ﱹﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﱸ (يو�سف.)٢٦ :
وم���ن الأمثلة على ا�س���تعمالها للإ�ش���ارة �إلى �ض���مير الإن�س���ان وطويت���ه ،قوله تعالى:
ﯬﱸ ﱹ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
(الإ�سراء.)٢٥ :
ويراد بها �أحيا ًنا الداللة على �أ�ص���ل واحد للب�شرية ،كقوله تعالى :ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﱸ (الن�ساء. )١ :
خا�ص���ا في الإن�س���ان ،قد يكون جوه ًرا قائ ًما بذاته� ،أو
ووردت للداللة بو�ص���فها �أم ًرا ًّ
يك���ون مجرد تعبير مجازي عن حقيقة الإن�س���ان وماهيت���ه :ﱹﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﱸ (القيامة.)٢ - ١ :
ووردت بمعنى الروح التي تدخل �إلى ج�س���م الإن�س���ان ،وهو جنين ،وتخرج �إلى بارئها
عندم���ا ينته���ي الأج���ل كقول���ه تعال���ى :ﱹﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﱸ (الفجر.)٢٨ - ٢٧ :
ووردت اللفظ���ة بمعن���ى العقل والقلب والف����ؤاد ،بما يتوافق مع م�ص���طلح العرب عن
النف����س بمعنى العقل ،حيث و�ص���ف العرب ذم العقل بال�س���فه الذي هو م���ن الجهل ،حيث
90
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
ومما ي�ش���ار �إليه �أن القلب مو�ض���ع الفطرة ال�س���ليمة في الذكر الحكي���م قوله تعالى:
ﱹﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﱸ (ال�شعراء.)٨٩ :
ومن داللة اللفظ على �أن القلب هو المق�صود به االعتبار والفهم والهداية قوله تعالى:
ﱹ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱸ ( ق.)٣٧ :
ولي����س القلب دائ ًما محط الهداية والإيمان ،فقد ي���رد بالمعنى الذي يدل على الإثم
والمع�صية ،مثل قوله تعالى :ﱹ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱸ (الحجر.)١٢ :
�أما داللة لفظة القلب على �أنه محل العواطف النبيلة الطيبة �أو الم�ض���ادة المخالفة،
فمثل قوله تعالى :ﱹﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﱸ (الحديد.)٢٧ :
وقد ي�س���تعمل الف�ؤاد في القر�آن الكريم بمعنى القلب ،وا�س���تعماله قليل كما هو �ش�أن
العرب ،في ا�ستعمال الف�ؤاد على �أنه ُكنية عن القلب ،ومثل قوله تعالى :ﱹﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﱸ (�آل عمران.)١٥١ :
م���ن الآي���ات التي تدل عل���ى فعل العقل ف���ي الذكر الحكي���م �أنه عن�ص���ر التفكير في
الإن�س���ان قول���ه تعال���ى :ﱹ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵﱸ (البقرة.)٧٥ :
وق���د و�ص���ف القر�آن الكريم العقل ب�أو�ص���اف مختلفة منها« :الل���ب» مثل قوله تعالى:
ﱹﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﱸ (الرعد.)١٩ :
«ال ُّنه���ى» مث���ل قول���ه تعال���ى :ﱹ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﱸ
-1مفهوم النف�س:
ُتعد النف�س في القر�آن الكريم� ،أو�س���ع المكونات النف�س���ية الإن�س���انية ،وهي ح�س���بما
�أ�ش���رنا من قبل تدل على الكيان الإن�س���اني بو�ص���فه كائ ًنا ح ًّيا ،والنف�س الإن�سانية بو�صفها
كيا ًنا للإن�سان الفرد تمثل الكل المركب من الج�سد والروح ،وهي التي ُتطلق عليها في علم
النف�س «الذات» � Selfأو ما تعرف «بالأنا» .Ego
�أي �إن النف�س الواردة في الذكر الحكيم الق�صد بها مكونات و�سمات الج�سد والروح،
حيث �إن �س���مات الج�سم وخ�صائ�صه البنائية ت�شكل جان ًبا من الجوانب التي تحدد �سلوك
الإن�سان الفرد ،بل ت�شكل � ً
أي�ضا فعالية الإن�سان ون�شاطه و�سلوكه.
وحيث �إن الج�س���م والروح متالزمان ،فعلينا �أن نو�ض���ح �س���مات الروح في ات�ص���الها
بالج�س���م ،وال���روح في العلوم النف�س���ية قد ُيق�ص���د بها الروح المعنوي���ة Moralوهي القوة
المعنوي���ة �أو الحالة النف�س���ية الت���ي تدفع الفرد نح���و الإقدام �أو الإحج���ام Approach Or
وهكذا نجد �أن القر�آن الكريم ينظر �إلى النف�س نظرة متكاملة ،بينما ُيق�س���م الجهاز
النف�سي في علم النف�س عند بع�ض العلماء �إلى:
(�أ) الال�شعور :وهو اجلزء الذي ي�شكل الدوافع والرغبات اجلن�سية ،وهذا اجلزء
ي�شمل الهو IDوهو ميثل اجلانب الغريزي ال�شهوي املوروث واال�ستجابات
املكبوتة Repressed Responsesاخلا�صة ..باجلن�س والعدوان.
(ب) ال�شعور :وهو كل ما ميكن تذكره من �أفكار و�أحداث ووقائع ،وهو يمُ ثل الذات
املدركة � Egoأو ما تعرف «الأنا» �أي اجلانب الواقعي يف بناء ال�شخ�صية.
(جـ) الأنا العليا � Super- Egoأو ال�ضمري ،الذي يبد�أ ظهوره يف �أثناء مرحلة الطفولة،
ثم يتتابع منوه يف املراحل العمرية الالحقة ،وهو يمُ ثل اجلانب املثايل ،وهو
مكت�سب ،بل �إنه ميثل الرقيب الذي يوجه �سلوك الإن�سان.
وقد ورد و�صف النف�س في القر�آن الكريم بما ي�أتي:
-ال َّنفْ�س الأَ َّمار ُة ُّ
بال�سوء ،ال َّنف ُْ�س المط َمئ َّنة ،ال َّنف ُْ�س ال َّل َ
وامة.
ه���ذا ما ن�ؤكده من �أن القر�آن الكريم في و�ص���فه للنف�س الإن�س���انية ،يت�س���م بالنظرة
الفاح�صة الدقيقة التي تمتاز بالعمومية وال�شمولية.
ومن العمومية وال�ش���مولية ما نجده في القر�آن الكريم من �أن مركب الج�س���د والروح
ً
ن�ش���اطا وحيوية ،وهي التي تدفعه �إلى عمارة الأر�ض عندما عند الإن�س���انُ ،يك�س���ب حياته
ي�سعى في مناكبها ،ويقيم الوجود الإن�ساني ،حتى يرث اهلل الأر�ض ومن عليها.
والروح ال تفارق الج�س���د طالم���ا فيه حياة وحيوية ،وعندما يحكم الق�ض���اء ،وتنتهي
حياة الج�سد ،ف�إن الروح تعود ،وت�صعد �إلى بارئها.
والج�س���د هو البناء الذي ُيج�س���د Enbodyف���ي الفرد ،الجانب المادي المح�س���و�س
والملمو�س ،حيث �أبان القر�آن الكريم لفظة «الج�سد» �أو الج�سم ،بما يدل على �أن «الج�سد»
ال يتع���ادل في قيمته مع «النف�س» �أو «الروح» .ويتوافق هذا ب�أن الج�س���د رماد بعد فناء ،في
حين �أن الروح تخلد حتى يوم الح�ساب.
96
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
ومن ناحية اال�ضطرابات والأمرا�ض النف�سية ،تبين وجود تزاوج بين الج�سم والنف�س،
حيث ثبت في الدرا�س���ات الكلينيكية ()Clinicalالعالجية في علم النف�س المعا�صر ،حيث
�إن الأمرا�ض النف�سج�س���مية (ال�سيكو�سوماتية) التي يترتب عليها �أمرا�ض ع�ضوية ج�سمية
مثل :قرحة المعدة ،والذبحة ال�صدرية ،و�أمرا�ض الح�سا�سية ،تو�ضح �أن المتاعب النف�سية
ت�ؤثر بال�ض���رورة في الحالة ال�ص���حية والنف�س���ية للفرد ،وفي هذا كله ما ي�ؤكد مرة �أخرى
ال�صلة والرابطة بين الج�سم والنف�س.
-2مفهوم الروح:
في المعاني التي �س���بق الحديث عنها في الدالالت اللفظية للروح في القر�آن الكريم
ما يدل على �أن «الروح» ال تدل على التكوين الج�سمي �أي الج�سدي وحده ،وال على «الج�سد
والروح» بمعنى الإن�س���ان وفعاليته ون�شاطه ،كما هو الأمر بالن�سبة �إلى النف�س ،وفي هذا ما
يدل على تميز الروح عن النف�س في القر�آن الكريم.
لي�س هذا فح�سب ،بل �إن الذكر الحكيم يدعو �إلى االنتباه ،ب�أن �إدراكنا لطبيعة الروح
قا�صر ،فهي من �أمر اهلل.
ولكننا ن�ستطيع �أن ُندرك معنى ما يوحى به في الطبيعة الإن�سانية من دالالت روحية،
�إذ �إن المعن���ى ال���ذي ُيمث���ل جان ًبا مه ًّما ف���ي حياة الإن�س���ان ،هو الجان���ب المعنوي Moral
وخا�ص���ة الأخالق���ي ،ال���ذي يجعل الإن�س���ان وفق ما حب���اه اهلل من فطرة� ،أن ي�س���مو بذاته
وي�ض���بط �س���لوكه ،ويرتفع بقدر نف�س���ه ،ويعلو على الماديات الح�س���ية المتمثلة في م�ساوئ
ال�ش���هوات وما ُي�صاحبها من ماديات ،ويتطلع �إلى الجانب الم�ضيء في بنية ال�شخ�ص وهو
الجان���ب الروحي ،الذي �أ�ش���ارت �إليه الآيات القر�آنية الكريمة عندما �أو�ض���حت �سوا�س���ية
الخلق ،و�أنهم من نف�س واحدة ،و�أن الإن�سان الفرد له قيمته والجماعة الإن�سانية لها كيانها
أي�ض���ا ،فالإ�سالم ال ينادي بالفردية ،بل يدعو �إلى التما�سك والتعاون ،و�أن تكون ووجودها � ً
الم�س���افة االجتماعية بين الأف���راد في عالقاتهم متقاربة ولي�س���ت متباعدة ،و ُينادي بنبذ
97
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
الع�ص���بية ،في عالقاتهم ال فرق بين �أبي�ض �أو �أ�س���ود ،وال بين جماعة �أو جماعة �أخرى �إال
بالتقوى.
و�إنه وفق ما �س���بق الإ�شارة �إليه ،ف�إن العالقة بين الج�سم والروح عالقة دائبة طالما
�أن الج�س���م حي� ،إذ �إن هناك �أثر النواحي البيولوچية والف�س���يولوچية في الجانب الروحي
للإن�سان ،حيث ال�ضعف والوهن والإرهاق والتراخي في جهد الإن�سان وفي حالته المعنوية،
ما ي�ؤيد القول� :إن �أ�سا�س الذات الإن�سانية هو الروح.
هذا ،وقد �سبق الإ�شارة �إلى �أن القر�آن الكريم عالج الروح من حيث الدالالت اللفظية
م���ن جنبات متعددة ،ومن �أكثر من منظ���ور ،و�أكد القر�آن �أنها من عند اهلل تعالى ،وبذلك
فه���ي �أبدية حتى بعد زوال حياة الج�س���د ،وقد �أقر بذلك بع����ض علماء الغرب ،حيث نادى
بع�ضهم بوجود الروح و�أبديتها� ،أمثال :فيكتور هوجو ،وكميل فالماريون ،وجوته.
فقد �أ�شار «فالماريون» في درا�ساته التي توا�صلت ن�صف قرن من الزمان �إلى �أن:
الروح توجد في �ص���ورة حقيقية منف�صلة عن الج�سد ،و�أن لها خ�صائ�ص لم يك�شفها
العلم بعد ،و�أن الروح ت�ستمر بعد الج�سم المادي.
وه����ؤالء العلماء ال يدينون بدين الحق ،ولكن اهلل تعالى �أنطقهم بكلمة الحق� .إذن ما
هي �آراء علماء الم�سلمين عن الروح؟
فيم���ا ي�أتي �آراء علماء الم�س���لمين ع���ن الروح ،حيث نعر����ض �آراء كل من «ابن حزم»
«وابن القيم الجوزية».
-3مفهوم القلب:
م���ا ورد ف���ي الذكر الحكيم ع���ن مفهوم «القلب» ،م���ا يدل على �أن القلب له تفا�س���ير
متعددة في كتاب اهلل العزيز.
99
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
فقد ورد مفهوم القلب بمعنى العن�صر الواعي والعاطفي عند الإن�سان ،وهو ما يتمثل
في ال�ض���مير Consciousالذي يجعل الإن�س���ان هادئ النف�س مطمئ ًنا� ،أو فظ القلب يق�س���و
على ذاته والآخرين ،حيث يورد الإن�سان موارد الهداية �أو موارد ال�ضالل والغواية.
فالقلب هو الذي ُيحدث في �س���لوك الإن�س���ان ال�ض���بط والربط وااللتزام ،وهو الذي
يدفعه �إلى القيام بال�سلوك الم�ضطرب المنحرف.
وقد ُيفهم من القلب عند وروده في الذكر الحكيم ،ما يدل على معنى النف�س والعقل،
خا�ص���ة �أنه وردت �آيات بينات كثيرة ُيفاد من معناها ما�أ�ش���ير �إليه .ويدل القلب على تقلب
النف����س وع���دم اال�س���تقرار ( Unstabilityعدم االتزان واال�س���تمرار في ال�س���لوك المعتاد
للإن�سان) ،وفي دعاء الر�سول الكريم « :يا مقلب القلوب ،ثبت قلبي على دينك»(((.
ومفه���وم القلب � ً
أي�ض���ا في كت���اب اهلل العزيز يتواف���ق مع خ�ص���ائ�ص كل من النف�س
الأمارة بال�سوء والنف�س المطمئنة.
فمفهوم القلب بمعنى النف�س الأمارة بال�سوء ،ورد في و�صف قلوب المجرمين الذين
يت�س���م �سلوكهم بعدم تقبل الن�صح ،بل ا�ش���م�أزت قلوبهم عند ذكر اهلل� ،إذ �إنهم ال ي�ؤمنون
بالآخرة ،حيث يتمادون في البغي وال�ضالل والكبر وال�شر والجحود والعناد.
و�إن القلب الذي ي�أمر بالنف�س ال�سوء ،من �سماته الطبع والختم والقفل والعمى.
وعلى العك�س من ذلك و�صف القلوب في الذكر الحكيم بمفهوم النف�س المطمئنة:
ﱹ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﱸ (الرعد.)٢٨ :
ومن مفاهيم القلب ما يدل � ً
أي�ض���ا على �أنه مركز العواطف واالتجاهات والم�ش���اعر
والأحا�سي�س ،فمن �أو�صاف القلب:
م���ا ُيلق���ى فيه من رعب -م���ا تبلغه القلوب من الحناجر -ق�س���وة القلوب -ح�س���رة
القلوب -غيظ القلوب.
((( �أخرجه الرتمذي (رقم )3522وح�سنه ،بينما �صححه الألباين.
100
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
ويفهم من القلب في �آيات اهلل البينات �إلى العقل والتفقه والتعقل ،هذا �إ�ض���افة �إلى
الناحية االنفعالية عند الإن�س���ان ،حيث ُيو�ص���ف القلب ب�ش���دة االنفعال ،وما ي�صاحبه من
ا�ض���طرابات ع�ض���وية� ،أو جمود االنفعال وت�ص���لبه ،RIGIDNESSحيث و�صف القلب من
�شدة جمود انفعاله بالطبع والقفل والختم .Sealed Or Closed
-4مفهوم العقل:
المتتب���ع لم���ا ورد في الآي���ات القر�آني���ة الدالة على العق���ل ،يجد �أن الق���ر�آن الكريم
ُي�ص���نف العقل بو�ص���فه قوة ُمدركة في الإن�س���ان ،فهو من خلق اهلل �س���بحانه وتعالى ،وهو
منحة للإن�سان دون �سائر المخلوقات؛ ليمكنه من تحمل التبعات والم�س�ؤوليات والت�صرف
في الأعمال.
والعق���ل هو الذي يوجه ال�ض���مير ،وال�ض���مير هو الذي يحدث االلتزام عند الإن�س���ان
الفرد ليتبع ال�صراط الم�ستقيم ،والطريق ال�سوي الذي ال اعوجاج فيه.
وعلى طرف �آخر ُي�صبح موج ًها لالنحراف والجنوح الذي يباعد بين الإن�سان الفرد
واتباع ال�ص���راط الم�ستقيم ،ويجعله من خالل �س���لوكه غير ال�سوي (غير العاقل) ُي�صنف
في م�صاف المذنبين الخاطئين.
تعقيب:
الق���ر�آن الكري���م ال���ذي ال ي�أتيه الباطل من بي���ن يديه وال من خلفه ،وه���و قول الحق
تبارك وتعالى الهادي �إلى �سواء ال�سبيل ،يحوي تفا�صيل دقيقة وع ّدة للأ�صول النف�سية التي
101
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
ي�ص���در عنها �سلوك الإن�سان ،حيث يجد القارئ البحث عن النف�س� ..أ�صلها ..م�صيرها..
و�أحواله���ا الت���ي تدف���ع المرء �إلى المعي�ش���ة في هذه الحي���اة الدنيا ،مثل الداف���ع �إلى طلب
الطعام ،والولد والمال والزينة ،و�إنه يحوي �ص���و ًرا �ش���تى من خلج���ات النف�س واالنفعاالت
والعواطف ،كالغ�ض���ب والغيرة والح�سد والو�ساو�س ،هذا �إ�ض���افة �إلى �أنه د�ستور للأخالق
وتنظيم الحياة االجتماعية ،و�ض���بط العالقات وال�سمو بال�سلوك الإن�ساني ،فهو كتاب اهلل
الذي يهدي النا�س �إلى �سواء ال�سبيل.
وكتاب اهلل الذي نزل بالحق �أو�ضح النظرة ال�شاملة المتكاملة للنف�س الإن�سانية التي
تت�شكل من النف�س ..القلب ..الروح ..العقل.
وتف�س���ير علماء الم�سلمين للنف�س الإن�سانية قائم على �أ�س���ا�س بيان �أحوالها ونظمها
وم�ص���يرها من حيث مكوناتها من الظواهر والحاالت النف�س���ية والخواطر التي في خبرة
الإن�سان� ،أي �إنه ينظر �إلى الإن�سان بو�صفه كلاًّ ،فال انف�صال بين الج�سد والروح ،وال بين
القلب والعقل .وعلم النف�س في و�ض���عه الحا�ضر ،ال يدر�س «النف�س» كما يفهم من منطوق
«علم النف�س» ،و�إنما يهتم بالدرجة الأولى بالكيان الإن�س���اني المتمثل في البناء الإن�س���اني
ككل ،وبنائه ال�شخ�ص���ي المركب ،الذي يقوم ب�أداء �أن�ش���طة نف�س���ية معقدة ،تتداخل فيها
عمليات ووظائف وم�ؤثرات متعددة من �ش�أنها تحديد خ�صائ�ص ال�سلوك الإن�ساني ..وعلم
النف�س في و�ض���عه الحا�ض���ر ،يهتم بال�س���لوك الظاهر الذي يمكن مالحظته ،ويتمثل هذا
االهتم���ام بالدرجة الأولى في التفا�س���ير المختلفة التي قامت بتنظير ال�س���لوك الإن�س���اني
تحت ما ُيعرف بمدار�س علم النف�س.
والإن�س���ان في المنظور الإ�سالمي كيان متكامل يجب �أال ينظر �إليه من ناحية �سلوكه
الظاهر ،ونلغي ما في باطنه من م�شاعر وخواطر وخلجات ،بحيث يمكن �إذا �صور «�شعوره»
ف�إن���ه يحلل باطنه ،ويميز بي���ن دوافعه واتجاهاته وعواطفه .و�إن ف���ي هذا ما يدل على �أن
الإن�سان يح�س بذاته وكيانه وحريته واختيار ما يتوافق معه.
102
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
والمكونات النف�س���ية والإن�سانية في القر�آن الكريم ت�ؤكد الترابط الكلي المركب بين
الج�س���د والروح من جانب ،والعقل والقلب من جانب �آخر ،وما يميز الإن�س���ان عن �س���ائر
المخلوق���ات ،ه���و �أن الإن�س���ان في الق���ر�آن الكريم يتمي���ز بالروح دون �س���ائر المخلوقات،
ومن �ش����أن هذه الروح التي هي من وحي اهلل تعالى وقدراته� ،أن ت�ض���بط �س���لوك الإن�س���ان
وترتفع بقدر نف�س���ه ،وتجعله يعلو على الماديات الح�س���ية المتمثلة في م�س���اوئ ال�شهوات،
أي�ضا تقلل من الم�سافات االجتماعية بين الأفراد في وما ي�ص���احبها من ماديات ،بل �إنها � ً
المجتمع الواحد ،حيث ت�ش���عر الإن�سان الفرد بقيمته الفردية والجماعية الإن�سانية بكيانها
ووجودها.
والغري���ب �أن بع����ض علماء الغ���رب ،نادوا بوجود ال���روح و�أبديتها ،حيث �أ�ش���اروا �إلى
وجودها في �صورة حقيقية منف�صلة عن الج�سد ،و�أن لها خ�صائ�ص لم تكت�شف بعد ،و�أنها
ت�س���تمر في الحياة بعد فناء الج�س���م المادي ،وبذلك �أنطقهم اهلل تعالى بكلمة الحق ،و�إن
كانوا ال يدينون بدين الحق.
جانب �آخر يهتم به الإ�س�ل�ام في تو�ص���يف المكونات النف�س���ية الإن�سانية ،وهو جانب
القلب الذي ُيمثل �ص���مام الأمان ومفتاح رقابة ال�سلوك الإن�ساني في حال ال�ضبط والربط
وااللتزام ،و�إنه مركز العواطف واالتجاهات والم�شاعر والأحا�سي�س� ،إ�ضافة �إلى ما يو�صف
به من �سمات العقل والتفقه.
والعقل بو�صفه قوة مدركة في الإن�سانُ ،يع ّد � ً
أي�ضا من المكونات النف�سية والإن�سانية،
وهو منحة اهلل لبني الإن�س���ان الم�صطفين على �س���ائر المخلوقات ،الجديرين بالم�س�ؤولية
والخالفة ،وتحمل التبعات والم�س�ؤوليات والت�صرف في الأعمال.
بل �إن العقل ُيمثل الرقيب الذي ُيوجه ال�ض���مير ،الذي ُيحدث االلتزام في ال�س���لوك،
و�إن���ه عن���د عدم تفق���ه العقل -كما �أ�ش���ار الق���ر�آن -تح���دث اال�ض���طرابات واالختالالت
الخلقية ،التي من �ش����أنها تباعد بين الإن�سان الفرد واتباع ال�صراط الم�ستقيم ،حيث تج ّر ُ
103
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
عليه ال�ص���راعات والويالت التي ت�ضره وغيره من �أفراد المجتمع ،عندئذ ي�صبح الإن�سان
كالأنعام التي ال تفقه ،وال تعي.
ﱹ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﱸ (الفرقان.)٤٤ :
ﱹ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱﱸ (الأعراف.)١٧٩ :
ﱹ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﱸ (الحج.)٤٦ :
هذا� ،إ�ض���افة �إلى �أن النف�س الإن�سانية ُفطرت من �ض���عف ،لكن اهلل �سبحانه وتعالى
ز ّودها بمقومات التقوى التي ت�سمو بال�سلوك الإن�ساني ،وترتفع به �إلى درجات �أعلى.
ويتعار����ض هذا مع نظرية التحليل النف�س���ي لمبتدعها «فرويد» الذي ي�ؤكد �أن النف�س
فطرت على ال�ش���هوات ،المتمثلة في الجن�س والعدوان ،و�أن االرتفاع فوق الغرائز و�ض���بط
ال�شهوات والتدين والتم�سك بالقيم� ،أمور مكت�سبة �ضد الفطرة.
وف���ي مقابلة النف����س الواردة في الذك���ر الحكيم بالواق���ع الذي ُيف�س���ره علم النف�س
المعا�صر نجد �أن النف�س الأ َّمارة بال�سوء تمثل النف�س ال�شهوانية الأنانية العدوانية.
و�إن النف�س اللوامة هي التي تحا�سب �صاحبها ،وتراجعه ،وتحاول العودة به �إلى الحق
واال�س���تغفار و�إلى الطريق الم�س���تقيم .و�إن النف����س المطمئنة هي �أعل���ى مراتب النف�س �أو
ح�سبما �أ�شار الإمام الغزالي �إلى �أن �سلوكها يطلق عليه ال�سلوك المالئكي.
وه���ذا التنظيم في النف�س الإن�س���انية ف���ي الذكر الحكيم ُيخال���ف كلية نظرية فرويد
خا�ص���ة في «الأنا العليا» في جوانب ال�شخ�ص���ية ،التي ُتمثل �أ�س���مى جانب في ال�شخ�صية،
والتي ت�ش���مل القيم والمعتقدات الدينية وال ُمثل العليا ،حيث �أ�شار �إلى �أن هذه الم�شتمالت
ت�س ِّبب كثي ًرا من العقد النف�سية نتيجة �إعاقة الدوافع الفطرية و�إ�صابة الإن�سان بالإحباط،
104
الباب الأول :التعريف بعلم النف�س علم النف�س التربوي
وف���ي هذا ما ُيخالف النزعة الدينية الفطرية عند الإن�س���ان وعالقته بخالقه ،فاالنحراف
عن الدين والمثل والقيم هو انحراف -في الواقع -عن الفطرة ال�سليمة متمثلاً في الدين
الإ�سالمي الحنيف ،التي فطر اهلل �سبحانه وتعالى النا�س عليها.
تلخي�ص:
-1منذ �أمد بعيد اهتم الدار�سون واملهتمون بالدرا�سات الإ�سالمية والرتبوية ،ببناء
النف�س الب�شرية وتقوميها و�أ�صولها ،و�سوية وا�ضطراب �سلوكها.
� -2أ�سمى غايات علم النف�س الو�صول �إىل القواعد ال�سلوكية للحياة املثلى للإن�سان.
-3مكونات النف�س الب�شرية يف الذكر احلكيم :النف�س -القلب -الروح -العقل.
-4تتعدد الدالالت اللفظية ملعنى النف�س والقلب والروح والعقل يف الذكر احلكيم.
-5يف مفهوم كل من النف�س والقلب والروح والعقل ،تفا�سري وت�أويل تتقابل مع ما يف علم
النف�س املعا�صر من مفاهيم نف�سية.
105
علم النف�س التربوي الباب الأول :التعريف بعلم النف�س
-6بيئة ال�شخ�صية يف الإ�سالم ،ت�ؤكد الرتابط الكلي من اجل�سد والروح والعقل والقلب.
-7الروح التي هي من عند اهلل تعاىل ومن وحيه ،متيز الإن�سان على �سائر املخلوقات،
وهي ت�ضبط �سلوك الإن�سان ال�سوي ،وتبعد عنه ال�شهوات ،و ُت�شعر الفرد بقيمته الفردية
واجلماعية.
�أ�سئلة ومتارين:
-1حدِّ د مع اال�ست�شهاد ب�آيات من الذكر احلكيم الدالالت النف�سية ملعنى النف�س.
-2حدِّ د مع اال�ست�شهاد ب�آيات من الذكر احلكيم الدالالت النف�سية ملعنى القلب.
-3مفهوم النف�س ُيقابله تفا�سري وت�أويل يف علم النف�س املعا�صر .ا�شرح.
-4مفهوم الروح ُيقابله تفا�سري وت�أويل يف علم النف�س املعا�صر .ا�شرح.
الأهـــــــداف التـربــويــة
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل الأهداف الأ�سا�سية الرتبوية.
(� )2أن يعدِّ د وظائف امل�ؤ�س�سات التعليمية.
(� )3أن مي ِّيز بني الأهداف الرتبوية والتعليمية.
(� )4أن يحدِّ د مكونات الأهداف التعليمية ال�سلوكية.
(� )5أن ي�ص ِّنف الأهداف التعليمية يف املجال العقلي -املعريف.
(� )6أن ي�ص ِّنف الأهداف التعليمية يف املجال الوجداين.
(� )7أن ي�ص ِّنف الأهداف التعليمية يف املجال النف�سي -احلركي.
(� )8أن يقدِّ ر جهود العلماء يف ت�صنيف الأهداف.
الأهداف الرتبوية
وفاعليــة التعليـــم والتعلــم
:
ال تب���د�أ العملية التعليمية في الم�ؤ�س�س���ات التعليمية في مختل���ف مراحلها من فراغ،
بل هناك ال�سيا�س���ات التعليمية التي ت�ضعها الدول ،لت�سير وفق نهجها مختلف الم�ؤ�س�سات
التعليمي���ة .وله���ذه ال�سيا�س���ات التعليمي���ة �أهداف تربوية قائم���ة على �أ�س����س تعليمية ،لكل
مرحلة من مراحل التعليم ،حيث تعمل هذه الأهداف لتحقيق غايات ومقا�صد في العملية
التربوية ب�صفة عامة ،وفي العملية التعليمية التعلمية ب�صفة خا�صة.
وه���ذه الأه���داف التعليمية التعلميةُ ،تحددها ُخطط درا�س���ية ،ت�ش���تمل على �أهداف
تربوي���ة وتعليمية وتعلمي���ة وثقافية واجتماعية و�أن�ش���طة فردية وجماعي���ة ،حيث يكون من
مجمل ما تحققه هذه الأهداف ،ما يم ّكن القائمين من الم�س����ؤولين في العملية التعليمية،
من الوقوف على مدى ما �أ�س���همت به هذه الأهداف ،من نجاح وتقدم في تحقيق الغايات
التي ا�شتملت عليها الخطط التعليمية.
ف���ي العملي���ة التعليمية التعلمي���ة� ،أو العمل على �إح���داث �أنماط �س���لوكية يتعلمها المتعلم،
ويمكن �أدا�ؤها ب�صورة مقبولة من الناحية التربوية.
ومن ثم ،ف�إن الأهداف الأ�سا�سية التربوية -عندما يتم تحقيقها -ف�إن نتاجها يتمثل
في الفاعلية والنجاح التعليمي والتعلمي في �إحداث التغير التربوي المطلوب عند المتعلم.
له���ذا م���ن واجب المعلم والمتعلم الوق���وف على نوعية التغير في ال�س���لوك وماهيته.
وحتى يتم ذلك يحتاج المعلم �إلى و�ض���ع �أهداف بطريقة وا�ض���حة يتم من خاللها �إعالم
المتعلمي���ن ،حتى ي�ض���من توجيه المتعلمين وجهوده���م �إلى الغايات والأه���داف التعليمية
والمعرفية المطلوبة.
بينم���ا الأه���داف التعليمية تت�ض���من الغايات والأغرا�ض التي تتم م���ن خالل العملية
التعليمية -التعلمية ،التي تخت�ص وتقوم على اكت�س���اب المتعلم � ً
أنماطا �س���لوكية �أو �أداءات
معينة ،من خالل ما يتعلمه من المواد الدرا�سية وطرق التدري�س المتنوعة التي تتوافر في
الم�ؤ�س�سات التعليمية.
وعل���م النف�س التربوي من مهامه الرئي�س���ة ،تحويل الأه���داف التربوية �إلى �أهداف
تعليمي���ة ،حي���ث �إن الأه���داف التعليمية تمثل الح���دود ال�س���لوكية �أو الأداءات التي تخت�ص
بالأهداف التربوية.
ونعر�ض فيما ي�أتي الأهداف في العملية ...التعليمية -التعلمية من الجوانب الآتية:
-1جماالت الأهداف.
-2م�ستويات الأهداف.
- 3الأهداف ال�سلوكية.
� اً
أول :جماالت الأهداف التعليمية:
ُتع��� ّد الأه���داف التعليمية الخطوة الأ�سا�س���ية في �أي عملية تعليمية ،ب���ل ُتع ّد الموجه
الأ�سا�سي للمعلم والمتعلم على حد �سواء ،حيث يجب على كل منهما �أن يكون على بينة من
�أهداف التعليم ،بل �إن المعلم يجب �أن يعرف ماذا يريد تعليمه للمتعلمين؟ وكيف ي�س���لك
المتعلمون بعد التعليم؟ و�إن المتعلم يجب �أن يعرف الأداء performanceالذي يتحتم عليه
القيام به بعد التعلم.
وتظهر �أهمية الأهداف في العملية التعليمية في ثالثة مجاالت مهمة هي:
� -3إجراء التقويم. � -1إعداد المناهج -2 .تخطيط التعليم.
-1من حيث املناهج Curriculumتوفر الأهداف قد ًرا من الفهم ،ي�سمح للقائمني على
الأمور الرتبوية بو�ضع املناهج التي حتقق الغايات الرتبوية ،على النحو الأف�ضل ،بل
115
علم النف�س التربوي الباب الثاني :الأهداف التربوية
� ً
أي�ضا متكنهم من مراجعة املناهج القائمة ،عن طريق التعديل �أو تغيري �أو ا�ستحداث
ما يتوافق والتطورات التقنية املعا�صرة.
-2فيما يتعلق بالأهداف يف جمال التعليم Educationف�إنها ت�ساعد املعلم ،على اختيار
الوحدة �أو املادة الدرا�سية املنا�سبة وتخطيطها ،واختيار الو�سائل وطرق التدري�س
املنا�سبة والإجراءات املتعلقة بها ،ومتكنه من تنظيم جهوده ون�شاطه نحو �إجناز
املهام التعليمية على النحو الأف�ضل.
-3ومن حيث دور الأهداف يف جمال التقومي ،Evaluationف�إن الأهداف ت�ساعد على
حتديد القاعدة التي تنطلق منها العملية التقوميية ،فالأهداف التقوميية تو�ضح
للمعلمني ورجال الرتبية ،مدى فعالية التعليم وجناحه يف حتقيق التغيري املطلوب يف
�سلوك املتعلم.
تتحدد م�س���تويات الأهداف التعليمية ،على �أ�سا�س الأهداف التربوية التي ترمي �إلى
تحقي���ق الغاي���ات في العملي���ة التربوية ،بهدف الت�أثير في �شخ�ص���ية المتعلم؛ كي ي�ص���بح
مواط ًنا يت�س���م �س���لوكه باتجاهات وقيم معينة ،وذلك من خالل اكت�س���ابه � ً
أنماطا �س���لوكية
�أو �أدائي���ة معين���ة من خالل المواد الدرا�س���ية والطرق التعليمية المتنوع���ة والمتوافرة في
الأو�ضاع المدر�سية.
وهذه الأهداف التربوية ،تندرج تحت �أهداف تعليمية ،تتم من خالل المهام الرئي�سة
لعلم النف�س التربوي .فالأهداف التعليمية لي�ست �إال محددات �سلوكية� ،أو �أدائية للأهداف
التربوية ،و ُت�صنف هذه الأهداف �إلى ثالثة م�ستويات.
ح�صيلة النتائج في العملية التربوية ،حيث ترمي العملية التربوية �إلى الت�أثير في جماعات
عموما ،وتزويد الهيئات� ،أو ال�سلطات التربوية بموجهات عامة ُي�ستدل بها عندالمواطنين ً
تخطي���ط العمل التربوي .و ُيحدد هذه الأهداف الخا�ص���ة بالم�س���توى الع���ام هيئات وطنية
ت�ضم بع�ض علماء الدين ورجاالت العلم والفكر وال�سيا�سة وال�سلطة.
وقد نت�ساءل :ما مكانة علم النف�س التربوي بين هذه الم�ستويات؟
الواقع� ،إن علم النف�س التربوي يهتم على نحو خا�ص بالأهداف ال�سلوكية ،وذلك لأن
م�س�ؤولية و�ضعها �أو �صياغتها تقع بالدرجة الأولى على عاتق المعلم ،حيث يقوم علم النف�س
التربوي ،بتزوي���د المعلم بالمعلومات المفيدة التي تتعلق بخ�ص���ائ�ص ومكونات الأهداف
ال�س���لوكية ،وطرق �صياغتها ومبرراتها ،بحيث ي�سهل على المعلم القيام بمهامه التعليمية،
�إ�ضافة �إلى تمكينه من التغلب على بع�ض الم�شكالت التي تواجهه في هذا ال�صدد.
ومن الأهمية بمكان� ،صياغة الأهداف التربوية والتعليمية في عبارات �أو في �أهداف
�س���لوكية ،لو�ص���ف التغيير المطلوب �إحداثه في �س���لوك المتعلم ،تجن ًبا لما تت�صف به تلك
الأهداف من عمومية وغمو�ض ،وتفاد ًيا لما قد تثيره من تف�سيرات �أو ت�أويالت متباينة.
و ُيعرف «الهدف ال�سلوكي» ب�أنه ما ي�صف الأداء المتوقع قيام المتعلم به بعد االنتهاء
من تدري�س وحدة تعليمية معينة ،بمعنى �آخر �أنه ي�صف النتاج التعليمي �أو ال�سلوك النهائي
للمتعلم� ،أكثر مما ي�صف الو�سائل الم�ستخدمة في الو�صول �إلى هذا ال�سلوك.
والهدف ال�س���لوكي الجيد والفعال ُ Effectiveيعرف ب أ�ن���ه الهدف الذي ُيحقق الغاية
الت���ي و�ض���ع من �أجله���ا ،والذي ينجح في تو�ص���يل المق�ص���د التعليمي �إلى المتعلم� ،س���واء
كان ه���ذا ،ممن و�ض���ع الهدف ذاته� ،أم المتعلم� ،أم ف���رد خارجي �آخر .وكلما نجح الهدف
�أو العب���ارة ال�س���لوكية ،في تبيان �ص���ورة المتعلم الناجح و�إي�ص���الها �إل���ى الآخرين ،بحيث
ناجح���ا ومفيدً ا وقاد ًرا
تتماث���ل مع ال�ص���ورة التي ك َّونها وا�ض���ع الهدف ذات���ه ،كان الهدف ً
على توجيه العملية التعليمية �إلى التعلم المن�ش���ود .و�أف�ضل الأهداف ،و�أكثرها فعالية ،هي
الأه���داف التي تمكن المعلم �أو القائمين على الأمور التربوية ،من اتخاذ �أكبر عدد ممكن
من القرارات المتعلقة بقيا�س���ها وتح�ص���يلها وتقويمها ،التي تت�س���م ب�أكبر قدر ممكن من
التحديد والو�ضوح ،وت�ستعيد �أي �شكل من �أ�شكال �سوء الفهم �أو التف�سير.
118
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
وه���ذا الن���وع من اال�س���تنتاج ال يتحقق� ،إال �إذا قام على �أ�س���ا�س ما يقول���ه المتعلم �أو
يفعل���ه .وبتعبير �آخ���ر ،يجب �أن تقوم هذه اال�س���تنتاجات على �س���لوك المتعل���م اللفظي �أو
الحرك���ي .وي�س���تطيع المعلم غال ًبا الح�ص���ول عليها بالمالحظة المبا�ش���رة لنتائج التعليم
المرغوب فيها ،كاال�س���تماع �إلى �إجابة المتعلم �أو قراءتها� ،أو بمالحظته ،وهو يقوم ب�أداء
�سلوك معين كالكتابة �أو �أداء تجربة في المعمل.
� اً
أول :ت�صانيف الأهداف يف املجال العقلي -املعريف:
ُت�صنف الأهداف في الميدان العقلي -المعرفي �إلى �ستة م�ستويات ،وتتعلق بمختلف
العمليات المعرفية �أو ال�س���لوك العقلي ،كاال�س���تدعاء والتعرف واال�س���تيعاب واال�س���تدالل
والحكم� ...إلخ.
ُيمث���ل هذا الم�س���توى بع�ض �أكثر القدرات والمهارات العقلية ال�ش���ائعة في الأو�ض���اع
التعليمية ال�صفية.
و ُي�ش���ير اال�س���تيعاب �إلى قدرة المتعلم على ا�س���تقبال المعلومات المت�ضمنة في مادة
معين���ة وفهمها واال�س���تفادة منها ،دون �أن يكون قاد ًرا بال�ض���رورة عل���ى ربطها بغيرها من
المعلومات �أو المواد الأخرى.
ُي�ش���ير ه���ذا الم�س���توى �إل���ى القدرة عل���ى ا�س���تخدام الط���رق والمفاهي���م والمبادئ
والنظريات ،في مواقف واقعية �أو جديدة.
122
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
ولكي ُيحقق م�ستوى التطبيق الهدف المن�شود ،يجب �أن يتوافر في الموقف التعليمي
المرتبط به خا�صيتان �أ�سا�سيتان:
( �أ ) الطبيعة الإ�شكالية للموقف� ،أي يجب �أن يواجه املتعلم م�شكلة ت�ستلزم احلل.
(ب) اجلدة �أو الالم�ألوف� ،أي �إن ال�سياق الذي يجري فيه التطبيق ،يجب �أن يكون
خمتل ًفا عن ال�سياقات التي مت فيها تعلم املعلومات املرغوب يف ا�ستخدامها.
ه���و عملية تحليل الم���ادة المتعلمة �إلى عنا�ص���رها �أو �أجزائها الأولي���ة المكونة لها،
لبيان طبيعة هذه المادة و�أ�س�س تكوينها.
ُي�ش���ير هذا الم�س���توى �إلى القدرات الالزم توافرها للت�أليف بين الوحدات والعنا�صر
والأجزاء ،بحيث ُت�ش���كل بن�س���بة كلية جديدة ،وي�ؤكد م�س���توى التركيب ع���ادة على الإنتاج
االبتكاري للمتعلم.
ُيع ّد التقويم �أعلى و�أعقد الأن�ش���طة العقلية المعرفية� ،إذ �إنه ُيمثل قدرة المتعلم على
�إ�صدار الأحكام الكمية والنوعية على القيمة الخا�صة بالمواد العلمية وطرق التدري�س من
حيث تحقيقها �أهدا ًفا معينة.
وقد يقوم الحكم الذي يقدمه المتعلم ،بناء على �أدلة داخلية تتناول مدى دقة م�ضمون
المادة وات�ساقها الداخلي ،مثال ذلك اكت�شاف الأخطاء المنطقية في البراهين� .أو:
-1الو�صول �إىل نتائج ال ت�سوغها مقدمات �صادقة.
123
علم النف�س التربوي الباب الثاني :الأهداف التربوية
ُي�ش���ير هذاالم�ستوى �إلى الأو�ض���اع التعليمية التي ينتبه فيها المتعلم �إلى المثيرات �أو
الظواهر المحيطة به التي تنطوي عليها تلك الأو�ضاع.
وينق�سم هذا الم�ستوى �إلى ثالث مراحل هي:
(�أ) مرحلة الوعي :وهي �أدنى م�ستويات الت�صنيف يف امليدان العاطفي ،وت�شري �إىل
�أمناط وعي املتعلم بالظواهر �أو املثريات التي تثري انتباهه ،وت�ستثري �سلوكه
ال�شعوري.
(ب) مرحلة الرغبة يف اال�ستقبال :وهي املرحلة التي ت�شري �إىل مدى رغبة املتعلم
يف توجيه االنتباه �إىل مثريات معينة ،بحيث ترتواح هذه الرغبة بني الت�سامح
واالنتباه الن�شط والفعال ،كاالنتباه ال�شديد �إىل تعليمات املعلم �أو التغا�ضي
عن الفروق الفردية واجلامعية� ،أو احل�سا�سية الزائدة جتاه بع�ض امل�شكالت
املجتمعية �أو العاملية� ...إلخ.
(جـ) مرحلة �ض���بط االنتباه :وه���ي احلالة التي يتحكم فيها املتعل���م يف عملية توجيه
االنتباه نحو بع�ض املثريات املف�ض���لة لديه ،على الرغم من وجود مثريات �أخرى
ُمناف�س���ة ،كاالنتباه على نحو متييزي لدى قراءة �أو �س���ماع ق�ص���يدة معينة� ،إىل
مقا�ص���د ال�ش���اعر ،واملع���اين التي يرم���ي �إليه���ا ،والقيم االجتماعية يف ع�ص���ر
هذا ال�شاعر.
125
علم النف�س التربوي الباب الثاني :الأهداف التربوية
ال يقت�ص���ر المتعلم في هذا الم�س���توى على مجرد عملية اال�س���تقبال ،بل يقوم ببع�ض
الأن�ش���طة الإيجابية في �أثناء ا�س���تغراقه في االنتباه �إلى الظواهر والمثيرات .و ُي�ش���ير هذا
الم�س���توى �إلى رغبة المتعلم في اال�س���تجابة ،و�ش���عوره بالر�ض���ا �إزاء االنهم���اك في بع�ض
الأن�شطة التعليمية ،وينق�سم هذا الم�ستوى �إلى ثالث مراحل هي:
( �أ ) مرحلة الإذعان لال�ستجابةُ :ت�شري هذه املرحلة �إىل �أمناط القبول التي يبديها
املتعلم لدى قيامه باال�ستجابة.
(ب) مرحلة الرغبة يف اال�ستجابةُ :ت�شري هذه املرحلة �إىل ال�سلوك االختياري الذي
يبديه املتعلم يف الأو�ضاع التعليمية ،بدافع الرغبة ولي�س نتيجة للرهبة ،بحيث
ال يتوافر �أي نوع من �أنواع الإذعان �أو املقاومة يف ا�ستجابات هذه املرحلة.
(جـ) مرحلة الر�ضا باال�ستجابة :ال تقت�صر هذه املرحلة على رغبة املتعلم و�إراداته
يف اال�ستجابة ،بل تتعداها �إيل ال�شعور بالر�ضا واالرتياح عند القيام بها ،حيث
ي�شعر املتعلم باملتعة وال�سرور لدى قيامه ببع�ض الأن�شطة.
يتناول هذا الم�س���توى �سلوك المتعلم عندما ُيحدد قيمة معينة للمثيرات �أو الظواهر
�أو �أنم���اط ال�س���لوك �أو المادة التعليمية .وت�ش���ير عملي���ة التقييم عادة �إل���ى االعتقادات �أو
نوعا من االت�ساق �أو الثبات في مواقفه وا�ستجاباته االتجاهات التي يتبناها المتعلم ،وتبين ً
�إزاء بع����ض المو�ض���وعات ،بحيث يتمك���ن المالحظ من التعرف على القيمة التي ين�س���بها
�إلى هذه المو�ض���وعات ،وبحيث تنجم هذه المواقف عن االلتزام بهذه القيمة ،ولي�س عند
�إطاعتها �أو الإذعان لها ،وينق�سم هذا الم�ستوى �إلى ثالث مراحل هي:
( �أ ) مرحل���ة تقب���ل القيم���ة :وه���ي مرحلة �إظه���ار االعتق���ادات ببع����ض الأ�ش���ياء �أو
املو�ضوعات املختلفة ،كاالعتقاد ب�أهمية مادة الريا�ضيات يف احلياة العملية.
126
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
يدل هذا الم�س���توى على �أعلى الدرجات التي ينظرها المتعلم في �س���لوكه ،بحيث ال
يكتفي بتمثل الم�س���تويات ال�سابقة ،بل عليه �أن ي�س���تجيب ،وي�سلك وف ًقا للقيم التي يتبناها
ويعتقده���ا ،وبذلك ُيو�س���م المتعلم بقيم���ة تدل على طراز حياته �أو �أ�س���لوب �س���لوكه ،ك�أن
ُيو�ص���ف بالتعاون �أو ال�صدق� ،أو الت�أمل �أو الت�س���امح �أو االندفاع� ...إلخ ،نتيجة للتوافق بين
قيمه و�سلوكه .وينق�سم هذا الم�ستوى �إلى مرحلتين ،هما:
(�أ) مرحلة التهي�ؤ املعمم :وهي املرحلة التي يكت�سب فيها املتعلم جمموعة من
االجتاهات العقلية �أو امليول �أو النزعات �أو اال�ستعدادات التي متكنه من تعميم
�شخ�صا ،من
ً عملية التحكم يف �سلوكه ،بحيث ميكن و�صفه ومتييزه بو�صفه
خالل تلك االجتاهات �أو اال�ستعدادات.
(ب) مرحلة الو�سم :ومتثل هذه املرحلة قيمة عملية اكت�ساب الأهداف النهائية العامة
�شخ�صا
ً التي يكت�سبها املتعلم يف امليدان العاطفي -االنفعايل ،التي جتعل منه
فريدً ا ،بحيث تتكامل اعتقاداته واجتاهاته ونزعاته ،وا�ستعداداته وقيمه يف
منظومة كلية �شاملة ت�سم حياته وتطبعها بطابع مميز ،كالإن�سانية� ،أو اخلريية.
ومن المالحظ �أن المناهج و�أ�س���اليب التعليم المدر�سية� ،أكثر ت�أكيدً ا على الأهداف
العقلية -المعرفية من الأهداف العاطفية -االنفعالية ،وقد يعود ذلك �إلى �سرعة اكت�ساب
الأهداف المعرفية و�س���هولة قيا�س���ها ،وتوافرالأدوات الالزم���ة لتقويمها ،بالمقارنة مع ما
أي�ضا �إلى �أن �إجماع النا�س على تتطلبه الأهداف العاطفية في هذا المجال .وقد يعود ذلك � ً
الأه���داف المعرفية �أكثر من �إجماعه���م على الأهداف العاطفية ب�س���بب تنوع اتجاهاتهم
وقيمهم وعقائدهم .لذا ُتترك عملية تن�ش���ئة الجانب العاطفي االنفعالي للأ�سرة في كثير
م���ن الأحوال ،لما يت�س���م به ه���ذا الجانب من ح�سا�س���ية� ،إال �أن ذلك ال يعن���ي �إعمال هذا
الجانب في التعليم المدر�سي الر�سمي� ،إذ ال بد من االهتمام به ورعايته ،ليكت�سب المتعلم
المعايير والقيم ال�سائدة في مجتمعه ،التي يرغب معظم الآباء في غر�سها لدى �أبنائهم.
128
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
تلخي�ص:
-1عند حتقيق الأهداف الأ�سا�سية الرتبوية تتحقق الفاعلية والنجاح التعليمي والتعلمي
يف �إحداث التغري املطلوب عن املتعلم.
-2من وظائف امل�ؤ�س�سات التعليمية يف كل مراحل التعليم تن�شئة الأجيال املعا�صرة.
-3يف امل�ؤ�س�سات التعليمية يجب التفرقة بني الأهداف الرتبوية والأهداف التعليمية.
-4جماالت الأهداف التعليمية :املناهج -التعليم -التقومي.
-5م�ستويات الأهداف التعليمية :امل�ستوى العام للأهداف -امل�ستوى املتو�سط للأهداف
وامل�ستوى املحدد للأهداف.
-6الأهداف ال�سلوكية الفعالة هي التي حتقق الغايات التي و�ضعت من �أجلها.
-7مكونات الأهداف التعليمية ال�سلوكية :ال�سلوك والأداء الظاهري للمتعلم (ال�سلوك
املتوقع)� ،شروط الأداء� ،شروط ال�سلوك عند املتعلم ،م�ستوى الأداء املقبول لدى املتعلم.
130
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
-8ت�صنيف الأهداف التعليمية يف املجال العقلي -املعريف ت�شمل :فئة املعرفة اخلا�صة
با�ستدعاء املعلومات واملعارف يف الذاكرة ،وفئة املهارات والقدرات العقلية اخلا�صة
باال�ستيعاب -التطبيق -التحليل -الرتكيب -التقومي.
-9ت�صنيف الأهداف يف املجال العاطفي -االنفعايل ي�شمل م�ستويات :اال�ستقبال -
اال�ستجابة -التقييم -تنظيم القيم -الو�سم بالقيمة (المركب القيمي).
-10ت�صنيف الأهداف يف املجال النف�سي -احلركي ي�شمل :احلركات اجل�سمية الإجمالية
-احلركات املتنا�سقة الدقيقة -جمموعات التوا�صل غري اللفظية -ال�سلوك اللفظي.
�أ�سئلة ومتارين:
-1حدِّ د وظائف امل�ؤ�س�سات التعليمية.
ِّ -2
و�ضح التمييز بني الأهداف الرتبوية والأهداف التعليمية.
ِّ -3
و�ضح جماالت الأهداف يف العملية التعليمية.
� -4ص ِّنف امل�ستويات اخلا�صة بالأهداف التعليمية.
ِّ -5
و�ضح املكانات الأ�سا�سية للأهداف ال�سلوكية التعليمية.
-6ناق�ش م�ستويات الت�صنيف للأهداف التعليمية يف املجال العقلي -املعريف.
-7ناق�ش م�ستويات الت�صنيف للأهداف التعليمية يف املجال العاطفي -االنفعايل.
-8ناق�ش م�ستويات الت�صنيف للأهداف التعليمية يف املجال النف�سي -احلركي.
التفاعـل بني املعلـم واملتعلـم
داخل الفـ�صل الدرا�ســي
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل حمكات التعليم الفعال.
(� )2أن يعدِّ د املتعلم �أدوار املعلم الفعال.
(� )3أن يتعرف �إىل اجتاهات املعلم نحو املتعلم.
(� )4أن يعدِّ د �أدوار جماعات الأقران يف حياة املتعلم.
(� )5أن يقدِّ ر املتعلم جهود املعلم داخل الف�صل الدرا�سي.
التفاعـل بني املعلـم واملتعلـم
داخل الفـ�صل الدرا�ســي
:
من حيث عر�ضنا الأهداف التربوية والفاعلية التعليمية ،ف�إنه يتعين علينا �أن نو�ضح
فاعلية التعليم والتعلم والتفاعل الذي يتم داخل الف�صل الدرا�سي .فالمعلم هو محور رئي�س
من محاور العن�ص���ر الب�ش���ري الفعال في عملية التعليم .فهو ُيع ّد ركنا �أ�سا�س��� ًّيا من �أركان
العملي���ة التعليمي���ة .والتعلم هو �أحد الأركان الرئي�س���ة في العملية التعليمي���ة لبناء وتنمية
المتعلمي���ن .والخ�ص���ائ�ص المعرفية واالنفعالي���ة للمعلم لها فعالياتها ف���ي عملية التعليم
ونتاجه���ا الفعال عند المتعلم ،حيث �إن لهذه الخ�ص���ائ�ص �آثارها على الناتج التح�ص���يلي
للمتعل���م ،م���ن حي���ث �إ�ش���باع حاجات���ه النف�س���ية ،والحركي���ة ،واالنفعالي���ة( .العاطفية)،
والمعرفية واالجتماعية التي �سبق �إي�ضاحها في الف�صل الخام�س.
والمعل���م الق���ادر عل���ى �أداء دوره بفاعلية ،هو ال���ذي تتوافق جه���وده لإيجاد الفر�ص
والمواقف التعليمية الأف�ضل لطالبه ،حيث ي�ؤثر في م�ستويات تح�صيلهم و�أمنهم النف�سي.
�إن التعلم الفعال Effective learningمن خالل ممار�سة المعلم لمهنة التعليم يتطلب
توافر خ�ص���ائ�ص معرفية وانفعالية ومهارات وا�س���تعدادات معينة لدى المعلم ،حتى يكون
منتجا ومحق ًقا للأهداف التعليمية ،ويمك���ن للبرامج التدريبية عبر تطوير برامج
تعليم���ه ً
�إع���داد المعلمين -قب���ل تكليفهم بالعمل في مهنة التعليم� ،أو في �أثناء وجودهم على ر�أ�س
العم���ل التعليمي � -أن ترفع من كفاءة المعلمين ،وتعمل على نماء خبراتهم ومعارفهم ك ًّما
ونوعا.
ً
134
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
لذلك ،ف�إن فاعلية المعلم وتفاعله داخل الف�ص���ل ،ت�ؤكد �ض���رورة توافر الخ�صائ�ص
وال�س���مات التي �أ�ش���ير �إليها ،بل ت�ؤكد � ً
أي�ض���ا قدرة المعلم وا�س���تعداده على ا�ستخدام هذه
الخ�ص���ائ�ص وال�س���مات لإح���داث التعلي���م الفع���ال .و�إن تحدي���ث المعلوم���ات والمعارف
والمهارات للمعلمين في الع�ص���ر الحا�ضر ،بجانب البرامج التدريبيةُ ،تع ّد �ضرورة تربوية
لمواجهة ما قد يعتري النا�ش���ئة ،وخا�ص���ة في المجتمعات الإ�س�ل�امية من �أفكار ومذاهب
هدامة ،وما تحتاج �إليه المجتمعات المعا�ص���رة من معارف تت�ص���ل بالتقنيات المعا�ص���رة
واالبت���كارات العلمية والتغيرات الثقافية واالقت�ص���ادية واالجتماعي���ة ،التي يحتاج المعلم
�إلى �أن يتزود بمعارفها ومهاراتها ،حتى ُيمكن �إي�صالها بو�سائله المتخ�ص�صة وخ�صائ�صه
وكفاءته �إلى المتعلمين.
تتكامل بها �شخ�ص���يته .و�ص���عوبة التحقق من فعالية هذا المح���ك ،هي تعذر الوقوف على
بع����ض التغي���رات التي تطر�أ على �س���لوك المتعلم ،حيث ق���د ال تتواف���ر المقايي�س الدقيقة
لإخ�ضاع هذه التغيرات للقيا�س الدقيق.
هي التفاعل القائم بين �أنماط ال�س���لوك التعليمي للمعلم ،و�أنماط ال�س���لوك التعلمي
للمتعلم ،الذي يتم ممار�س���ته من كل منهما في العملية التعليمية و�إدارة الحوار والمناق�شة
خالل ال�ص���ف� .إ�ض���افة �إلى �أ�س���اليب المعلم في �إر�ش���اد المتعلمين ،وتزويدهم بالمعارف
والمهارات العقلية ،وتقويم تح�صيلهم ،ونتاجهم العلمي والمعرفي.
وتتمثل �أنماط �س���لوك المتعلم عند تعلمها واكت�س���ابها من خالل الأداءات والأفعال،
الت���ي تتمي���ز بها ا�س���تجابات المتعلم للنظ���ام وتركيزه االنتب���اه ،وبذل الجه���د والمثابرة،
وقيامه بالممار�سات العملية ،وم�شاركاته الفعالة في الحوار والمناق�شات داخل الف�صل.
ويت���م التحقق من هذا المحك ،من خالل ا�س���تخدام المالحظة المبا�ش���رة للوقوف
على الأنماط ال�س���لوكية للمعلم والمتعلم ،بحيث ُيمكن و�صف هذه المالحظات وت�سجيلها
للحكم على فعالية التعليم.
ه���ي العوامل التي ي�ست�ش���عر منها المعل���م فاعلية التعليم ،حيث تكون اال�س���تعدادات
والقدرات والمهارات والعوامل ال�شخ�ص���ية للمعلم ،هي التي تمكنه من اال�ست�شعار والتنب�ؤ
بفعالية التعليم الحالية والم�ستقبلية ،عندما تت�ضح له قدراته الفعلية و�سماته ال�شخ�صية،
وخبراته التعليمية ،و�سنوات تعليمه ،وم�ستواه العلمي وتفوقه في مهنة التعليم.
وللوقوف على هذه الخ�ص���ائ�صُ ،ت�ستخدم ال�س���جالت والتقارير والتوجيه المتتابع،
والمقايي�س التي ُتخ�ضع هذه الخ�صائ�ص عند التحقق من فعالية التعليم عند المعلم.
136
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
فاعلية املعلم:
المعلم الفعال ،له �أدوار مهمة في فعالية التعليم داخل الف�ص���ل ،والناتج الفعلي من
فاعلية المعلم في عملية التعلم .وفاعلية المعلم ُيمكن �إدراكها من المتعلمين �أنف�سهم ومن
المعلمين �أنف�سهم ،ومن المديرين ،والموجهين التربويين والآباء.
وتق�سيم فاعلية المعلم �إلى فئتين من الخ�صائ�ص:
-1الخ�صائ�ص المعرفية:
التي ت�ش���مل ح�صيلة المعلم المعرفية ،وقدراته العقلية ،و�أ�ساليب ن�شاطه في العملية
التعليمية .و�أهم العوامل الم�ؤثرة في هذه الخ�صائ�ص:
(�أ) الإعداد الأكادميي واملهني :حيث هناك ارتباط �إيجابي بني م�ستوى التح�صيل
الأكادميي للمعلمني وفعاليتهم التعليمية ،وفق ما ُيقدره مديرو املدار�س
واملوجهون والرتبويون يف �ضوء �إعداد اخلطط الدرا�سية والتعامل مع املتعلمني.
واملعلم املتفوق يف ميدان تخ�ص�صه وامل�ؤهل مهن ًّيا بكفاءة وقدر جيد ،يكون �أكرث
فعالية من املعلم الأقل تفو ًقا و�إعدادًا ،عندما ُتقا�س هذه الفعالية مب�ستوى
حت�صيل املتعلمني.
والإعداد املهني والأكادميي ،يرتبط مبجموعة من العوامل املعرفية،
كالقدرة العقلية العامة ،والقدرة على حل امل�شكالت ،وم�ستوى التح�صيل
الأكادميي ،واملهارات اخلا�صة ب�إعداد املادة الدرا�سية وتنفيذها ،واملعلومات
ذات العالقة بالنمو والتعلم.
(ب) ات�ساع املعرفة واالهتمامات :فتفوق املعلم يف ميدان تخ�ص�صه وامليادين ذات
العالقة ،يرتبط مبدى اهتمامات املعلم وتنوعها يف ميادين �أخرى اجتماعية
و�أدبية وفنية� ،إ�ضافة �إىل امتالك املعلم م�ستوى �أعلى من الذكاء اللفظي ،وامليل
�إىل اجلد واملثابرة وامليل �إىل القراءة و�سعة االطالع.
137
علم النف�س التربوي الباب الثاني :الأهداف التربوية
(جـ) املعلومات املتوافرة للمعلم عن املتعلمني :فاملعلم الكفء الذي يعرف الكثري عن
ميدان تخ�ص�صه ،يعرف الكثري عن املتعلمني � ً
أي�ضا.
فاملعل���م الذي يع���رف �أ�س���ماء املتعلم�ي�ن ،وقدراته���م العقلية ،وم�س���تويات
النمو ،والتح�ص���يل وحياتهم االجتماعية والثقافية واالقت�ص���ادية ،واجتاهاتهم
وميولهم ،ميكن له التوا�ص���ل والتعامل معهم .وت�س���اعد هذه املعلومات املتعلمني
على تكوين اجتاهات �إيجابية نحو العلم ،ونحو مادته الدرا�سية.
(د) ا�س���تخدام التنظيم���ات املتقدمة :حيث يك���ون املعلم الكفء الفع���ال� ،أكرث ميلاً
�إىل تزوي���د املتعلم�ي�ن باملراجعات والقراءات الق�ص�ي�رة ،الت���ي متكن املتعلمني
م���ن �أن يكون���وا �أكرث �ألفة للم���ادة التعليمي���ة ،حيث تعمل ه���ذه التنظيمات على
ربط املعلومات واملعارف ال�س���ابقة ،عند املتعلمني باملعلومات احلديثة ،ومن ثم
ي�س���هل متييز املادة اجلديدة وفهمها ،ودجمها يف البنية املعرفية ال�س���ابقة عند
املتعلمني.
-2خ�صائ�ص ال�شخ�صية:
هن���اك خ�ص���ائ�ص و�س���مات �شخ�ص���ية تتباين بي���ن كثير م���ن المعلمي���ن ،ومن هذه
الخ�صائ�ص االتجاهات والقيم و�سمات انفعالية �أخرى ،وفيما ي�أتي �أهم هذه الخ�صائ�ص
التي ت�ؤثر في بنية ال�شخ�صية عند المعلم الكفء:
(�أ) يت�أثر املتعلمون بقدر �أكرب عند ات�صاف ه�ؤالء املتعلمني بالأمن النف�سي� ،أكرث
من املتعلمني الذين يقوم بالتدري�س لهم معلمون يت�سمون بالتوتر والقلق وعدم
االتزان.
واملعلمون الأكرث فعالية ،يت�صف �سلوكهم بالت�سامح جتاه املتعلمني ،وتكون
م�شاعرهم ودية ،وين�صتون �إىل املتعلمني ،ويتقبلون �أفكارهم ،ومن ثم ف�إن
ه�ؤالء املعلمني يتميزون بالتعاطف والدفء واملودة.
138
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
-2املظهر اخلارجي للمتعلمُ :يع ّد املظهر اخلارجي للإن�سان� - .أ ًّيا كان -و�سيلة جذب
يف احلياة العامة عند الآخرين .وجاذبية املتعلم ترتبط �إيجاب ًّيا بتقدير املتعلمني له
واالهتمام الأ�سري به ،وميكن التنب ؤ� بالنجاح املدر�سي امل�ستقبلي ،ومبدى التقارب
االجتماعي (ال�شعبية) التي ميكن �أن يتمتع بها الطالب بني �أقرانه.
140
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
والق�ص���د بالجاذبية ُح�س���ن المظهر ،فمن الوا�ض���ح �أن المظه���ر الخارجي ي�ؤثر في
المتعلمين ،فالمظهر الخارجي الجذاب �أو الأقل ،يعاني فيه المتعلمون م�ش���كالت تعليمية
وانفعالية واجتماعية.
-3امل�ستوى االقت�صادي واالجتماعي للمتعلم :عادة تت�أثر �أحكام املعلمني وتقديراتهم
للمتعلمني ،وف ًقا للم�ستوى االقت�صادي واالجتماعي الذي ينحدر منه ه�ؤالء املتعلمون.
وعادة ما تكون اجتاهات املعلمني �إيجابية مع املتعلمني من ذوي امل�ستويات االقت�صادية
واالجتماعية العالية .ولي�س يف هذا مو�ضوعية علمية� ،إذ �إن امل�ستوى الذي يقدر عليه
املتعلم ،يجب �أن يخ�ضع ملعايري �أخرى تت�صل بالو�ضع العلمي للمتعلم ،وم�ستوى
حت�صيله ،والتزامه بالآداب والأخالق ،والنظام التعليمي.
-4توقعات املعلم من املتعلم :قد يتوقع املعلم �أن يكون املتعلم لديه قدرات وا�ستعدادات،
و�إمكانات معينة ،ومن ثم ُيعامله على هذا الأ�سا�س ،على الرغم مما قد يكون املتعلم
لي�س على امل�ستوى املتوقع من املعلم.
والواقع �أن هذه التوقعات قد ال تمُ ثل الواقع الفعلي مل�ستوى املتعلم ،لذلك ُيف�ضل
ا�ستخدام مقايي�س حتدد امل�ستوى الفعلي للمتعلم؛ حتى ال يكون هناك حماباة ملتعلم
على ح�ساب متعلم �آخر.
� -5أثر املتعلمني� :أثر املعلم يف �أداء املتعلم �أقوى من �أثر املتعلم يف �سلوك املعلم� ،إال �أن
هذا ال يعني �أن العالقة بني املعلم واملتعلم ذات اجتاه واحد ،وم�صدرها املعلم فقط،
فهناك للمتعلم توقعات جتاه املعلم ،حيث يت�أثر املتعلم مبا يتعلق ب�ضبط ال�صف،
وتقدمي املادة الدرا�سية ،والتعامل والتفاعل من قبل املعلم داخل الف�صل.
وق���د يكون هناك مجموعة من المتعلمين توجه �س���لوك المعل���م ،بحيث يتخذ المعلم
ه���ذه المجموعة مح ًّكا يعتمد علي���ه في طريقة تقديم المادة الدرا�س���ية ،وطريقة التعامل
م���ع باق���ي المتعلمي���ن .لذلك م���ن الأهمي���ة �أن ُي���درك المعلم ه���ذا الواقع ،ويبن���ي عملية
تفاعله داخل الف�ص���ل الدرا�س���ي ،مع غالبية المتعلمين المتوحدين في �سمات وخ�صائ�ص
141
علم النف�س التربوي الباب الثاني :الأهداف التربوية
معين���ة� ،إذ �إن ه���ذه الغالبية تمثل دو ًرا مه ًّما في ت�ش���كيل �أنماط التفاع���ل للمتعلمين داخل
ال�صف الدرا�سي.
ُ -3ت�شكل م�صد ًرا وف ًريا للمعلومات غري الر�سمية ،التي ال تتناولها املو�ضوعات املدر�سية
عادة ،كالألعاب ،والتقاليد ال�شعبية ،و�أ�ساليب الإ�شباع� ...إلخ.
-4تزويد املتعلم بفر�ض اكت�ساب ال�شجاعة والثقة بالنف�س ،نظ ًرا للت�أييد والدعم الذي
يلقاه من �أقرانه ،وذلك ي�ساعده على اال�ستقالل الذاتي وعدم االتكال على الآخرين.
وفي ال�س���نوات الدرا�س���ية المبك���رة ،ت�ؤدي جماع���ات الأقران دو ًرا بال���غ الأهمية في
التن�ش���ئة االجتماعي���ة للطفل ونم���وه االجتماع���ي ،بحيث يغدو الطف���ل �أقل انع اً
���زال و�أكثر
اجتماعي���ة ومي�ًل�اً لإن�ش���اء عالقات اجتماعية مت�س���اوية م���ع �أقرانه .وقد يواج���ه الأطفال
�ص���عوبات ال تمكنهم من �إن�ش���اء ال�ص���داقات �أو االحتفاظ بها داخل المدار�س .والعالقات
بين الأقران لي�ست بال�ضرورة تكون عالقات �إيجابية ،فقد تكون عالقات �سلبية تعمل على
ت�أخير النمو ،حيث ت�صيب بع�ض ال�صغار باالنعزال �أو المر�ض من المدر�سة .واالنحرافات
ال�سلوكية داخل المدر�سة وخارجها و�أكثر جوانب الحياة المدر�سية �سلبية وتعقيدً ا و� اً
إ�شكال،
هو الجانب المتمثل في ال�س���لوك العدواني الذي يمار�س���ه بع�ض ال�ص���غار نحو �أقرانهم في
المدر�سة.
وق���د تك���ون النزعة العدوانية مت�أ�ص���لة ل���دى المتعلمي���ن العدوانيين ،م���ا يجعل دور
البيئة المدر�س���ية �ضعيف الأثر من حيث تعديل هذا ال�سلوك .فالمتعلم الذي يت�سم �سلوكه
بالعدوانية قد يكون عاد ًّيا من حيث التح�ص���يل المدر�س���ي ،وقد ال يعاني � ً
إحباطا �أو ف�ش�ًل�اً
غير عادي في و�ضعه المدر�سي ،و�إنه غير قلق واثق بنف�سه وم�ؤكد لذاته.
ومن ثم ،فلي�س بال�ض���رورة �أن تكون المدر�سةُ ،ت�شكل دو ًرا ً
رئي�سا في تكوين النزعات
العدوانية عند المتعلم العدواني ،بل �إنه يحمل النزعات العدوانية معه �إلى المدر�سة.
والدور الذي ت�ؤديه المدر�سة �آنئذ محاولة كف هذا ال�سلوك ،بتعديله �إلى �سلوك �سوي.
143
علم النف�س التربوي الباب الثاني :الأهداف التربوية
تلخي�ص:
-1فاعلي���ة املعلم وتفاعل���ه داخل الف�ص���ل ،تتطلب توافر خ�ص���ائ�ص معرفي���ة وانفعالية
ومهارات وا�ستعدادات معينة لدى املعلم.
-2املحكات الأ�سا�سية لفاعلية التعليم ،والتفاعل داخل الف�صل الدرا�سي تتمثل يف :النتاج
التعليمي ،العملية التعليمية ،عوامل التنب ؤ� بفعالية التعليم والتعلم.
-3من خ�صائ�ص فاعلية املعلم:
(�أ) اخل�ص���ائ�ص املعرفية ،وت�ش���مل :الإع���داد الأكادميي واملهني -ات�س���اع املعرفة
واالهتمام���ات -املعلوم���ات املتواف���رة ع���ن املتعلم�ي�ن -ا�س���تخدام التنظيمات
املتقدمة.
(ب) خ�صائ�ص ال�شخ�صية ،وت�شمل :ا�ست�شعار املتعلمني الأمن النف�سي -احلما�س
يف فاعلية التعليم والإن�سانية.
-4اجتاهات املعلم نحو املتعلم تتمثل يف اجتاهات تخت�ص بـ:
(�أ) �إدراك العلم وتقييم املتعلم.
التعلق -االهتمام -عدم التحيز �أو الالمباالة -التميز.
144
الباب الثاني :الأهداف التربوية علم النف�س التربوي
�أ�سئلة ومتارين:
-1و�ضح املحكات الأ�سا�سية لفاعلية التعليم والتفاعل داخل الف�صل يف التعليم.
-2و�ضح اخل�صائ�ص املعرفية لفاعلية املعلم يف العملية التعليمية.
-3و�ضح اخل�صائ�ص ال�شخ�صية لفاعلية املعلم يف العملية التعليمية.
� -4إدراك املعلم وتقييم املتعلم ،من العوامل التي ت�ؤثر يف عملية تفاعل املعلم واملتعلم.
-5هناك خ�صائ�ص للمتعلم ت�ؤثر يف التفاعل بني املعلم واملتعلم -ا�شرح.
-6تفاعل املتعلم مع �أقرانة ي�ؤثر يف فاعلية العملية التعليمية -ا�شرح.
�سيكولوجـية النمــو
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل �أهداف درا�سة النمو الإن�ساين و�أهميتها.
(� )2أن يعدد و�سائل وطرائق النمو الإن�ساين.
(� )3أن يحدد العوامل امل�ؤثرة يف النمو الإن�ساين.
(� )4أن يذكر خ�صائ�ص النمو الإن�ساين.
اهتماما باالجتاهات اخلا�صة بالنمو الإن�ساين.
ً (� )5أن يبدي
الأ�س�س النف�سية للنمو الإن�ساين
:
نهت���م في عل���م النف�س التربوي بالمتعل���م ،من حيث مظاهر نم���وه واحتياجات النمو
ومطالب���ه ،والعمل على تهيئ���ة الإمكانات المتاحة الت���ي ُتحقق النمو ال�س���ليم ،ف�إنه ينبغي
علين���ا درا�س���ة النمو عند المتعلم .والنمو بو�ص���فه ظاهرة �أ�ص���بحت له درا�س���ات نف�س���ية
وطبية متخ�ص�ص���ة ،وهو في الدرا�س���ات النف�سية يدر�س تحت ما يعرف «بعلم نف�س النمو»
�أو «�س���يكولوچية النم���و» �أو «عل���م النف����س التكويني» �أو «عل���م النف�س االرتقائ���ي» .وهو في
اهتمامات���ه يقوم على درا�س���ة التغيرات ال�س���لوكية خالل حياة الفرد ف���ي تعاقبها ،منذ �أن
يك���ون نطفة في رحم الأم .لذلك فهو يهتم بدرا�س���ة مظاهر النم���و ومطالبه ،في النواحي
الج�س���مية والحركي���ة واللغوية واالنفعالي���ة والعقلية ،وما �إلى ذلك م���ن تغيرات تطر�أ على
الكائن الإن�ساني منذ ميالده وحتى وفاته مرو ًرا بالمراحل التي تتخلل هذه المدة كمرحلة
المه���د والطفولة ،والمراهقة وال�ش���باب والرجولة والكهولة وال�ش���يخوخة .وهذه المراحل
هي ما �أ�ش���ارت �إليه �آيات الحكيم القدير ف���ي قر�آنه العظيم ،حين قال} :ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{ (�سورة الحج.)5 :
150
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
وقبل �أن نو�ض���ح مراحل العمر في تعاقبها ،وخا�صة قبل دخول المدر�سة ،نحتاج �إلى
�إي�ضاح ما يتعلق بـ:
� -1أهداف درا�سة النمو الإن�ساين و�أهميتها ب�صفة عامة وعند املتعلم ب�صفة خا�صة.
-2طرق درا�سة النمو.
-3العوامل امل�ؤثرة يف النمو.
-4مراحل النمو.
� اً
أول� :أهداف درا�سة النمو الإن�ساين و�أهميتها:
مو�ضوع النمو ُيعد من �أهم مو�ضوعات وفروع علم النف�س العام ،حيث ُيع ّد اً
مجال مه ًّما
في �إعطاء تف�س���يرات ل�سلوك الإن�س���ان في مدارج العمر ،ف�ضلاً عن كونه ُيزودنا بح�صيلة
وافية عن الو�صف الدقيق لل�سلوك ،في كل مرحلة من مراحل العمر المتعاقبة ،ما ي�ساعدنا
على فهم ال�س���لوك ب�صفة عامة ،عند درا�سة مطالب النمو واحتياجاته ومظاهره .ودرا�سة
النمو الإن�س���اني تهيئ �أف�ض���ل و�سائط فح�ص �ص���حة المبادئ العامة التي تتعلق بالأن�شطة
العقلية والنف�سية واالجتماعية كالإدراك والتعلم والدوافع والعالقات االجتماعية ،وب�صفة
عامة تحدد الأهداف والأهمية العملية لدرا�سة النمو الإن�ساني فيما ي�أتي:
وهي المرحلة العمرية الم�س���ماة ما قبل المدر�س���ة االبتدائية ،وهي ال�ست �سنوات الأولى من
عمر الطفل مرحلة ال تمكن الطفل من تحمل تبعات العملية التعليمية التي تتطلب خ�صائ�ص
وموا�صفات خا�صة من الناحية الع�ضوية والعقلية واالجتماعية والنف�سية .في حين �أن الطفل
ُي�ص���بح قاد ًرا على تحملها عند بلوغه �ست �س���نوات ،ومرجع هذا �أن تكوينه الع�ضوي ُي�صبح
مهي�أ لتحمل الطاقات التعليمية في هذا العمر ،وتكوينه العقلي ُي�ص���بح قاد ًرا على ا�س���تيعاب
المعارف والخبرات التعليمية ،بما يتوافر له من ن�ضج وا�ستعدادات وقدرات.
و�إن تكوين���ه االجتماع���ي يكون �أكثر قدرة على الت�آلف في البيئة المدر�س���ية الجديدة
الت���ي تتعام���ل فيها مع الآخرين� ،س���واء كان���وا تالميذ �أو مدر�س���ين ،و�إن تكوينه النف�س���ي
ي�ستطيع تحمل البعد عمن تعود العي�ش معهم مدة �أربع �أو خم�س �ساعات يوم ًّيا .والمعروف
�أن المدر�س���ة االبتدائي���ة تمتد حتى �س���ن الثانية ع�ش���رة ،وتب���د�أ بعدها مرحلة المدر�س���ة
المتو�س���طة ،وهي مرحلة عمرية ذات خ�ص���ائ�ص مختلفة عن المرحلة ال�سابقة ،حيث يتم
االنتق���ال من مرحل���ة الطفولة �إلى مرحلة البلوغ التي تميز من الناحية الع�ض���وية والعقلية
والنف�س���ية بخ�ص���ائ�ص متميزة عن المرحلة ال�سابقة ،وتمتد حتى �س���ن الخام�سة ع�شرة.
هذه المرحلة التعليمية هي التي خ�ص�ص���ت لها الم�ؤ�س�س���ات التعليمية الدرا�سة المتو�سطة
التي تمتد الدرا�سة فيها ثالث �سنوات.
�أما المرحلة الثانوية ،ففيها يكون البالغ قد انتقل �إلى مرحلة تكوينية جديدة ت�س���مى
المراهقة ،وهي مرحلة لها من الخ�صائ�ص العامة المت�شابهة ما يجعلها تكون مرحلة ذات
ثالث �سنوات ،ومن خاللها تتم الدرا�سة الثانوية وف ًقا ال�ستعدادات المتعلم وقدراته.
وف���ي نهاية مرحل���ة المراهقة ،يلتحق المتعلم بالدرا�س���ة الجامعية ،وهي مرحلة لها
� ً
أي�ض���ا خ�صائ�صها ومتطلباتها بو�ص���فها مرحلة عمرية تقابلها مرحلة تعليمية ،يكتمل في
نهايتها الن�ضج العقلي والنف�سي واالجتماعي للمتعلم.
من هذا يتبين �أن تقرير ال�سنوات الدرا�سية ،يتم وفق مراحل النمو بما تتميز به من
الخ�صائ�ص ،التي تتوافر لدى الأفراد المتو�سطين� ،أما من ي�صنفون على �أنهم ممتازون �أو
�ضعاف في خ�صائ�ص نموهم ،ف�إن الم�ؤ�س�سات التعليمية تخ�ص�ص لهم برامج الموهوبين
�أو المتخلفين ،وه�ؤالء يمثلون ن�سبة �ضئيلة في كل مجتمع .والتو�سط هو ال�سمة الغالبة على
153
علم النف�س التربوي الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو
خ�ص���ائ�ص الب�شر .واهلل تعالى ي�ص���ف �أمة الإ�سالم ب�أنها �أمة و�س���ط ،لتكون �شاهدة على
النا�س ،لذلك اقت�ضت حكمة اهلل �سبحانه وتعالى �أن يكون التو�سط في ال�صفات الإن�سانية
ممثلاً لأكبر ن�سبة عددية في �أي مجتمع ،وهذا ما هو م�ألوف ومعروف بين النا�س جمي ًعا.
-1الطريقة الطولية:
ت�ستخدم هذه الطريقة لدرا�سة مظاهر النمو بين عدد من الأطفال ت�شملهم الدرا�سة
م���دة من الزمن تطول �أو تق�ص���ر ،وف ًقا لنوع الدرا�س���ة وهدفها ،ويمك���ن �أن يتم ذلك عند
درا�س���ة الم�س���توى التح�ص���يلي للمتعلمين في المرحلة االبتدائية لمنهج درا�سي جديد في
الريا�ض���يات الحديثة .عندئذ تقوم الدرا�سة الطولية على اختيار عدد من تالميذ ال�صف
الأول االبتدائ���ي ،وتظل الدرا�س���ة حتى ال�ص���ف ال�س���اد�س االبتدائي ،ومثل هذه الدرا�س���ة
ت�ستمر في طولها مدة �ست �سنوات ،حيث ت�شمل الدرا�سة مجموعة الأطفال �أنف�سهم الذين
تم اختيارهم ابتدا ًء من ال�صف الأول االبتدائي.
-2الطريقة الم�ستعر�ضة:
ُيمكن �أن تتبع الدرا�س���ة ال�س���ابقة بالطريقة الم�ستعر�ضة ،حيث يتم اختيار عدد من
الأطف���ال من كل فرقة درا�س���ية ليكون ف���ي مجموعهم عينة الأطف���ال الذين تجرى عليهم
الدرا�س���ة الم�ستعر�ض���ة ،حيث يتم اختيار عدد من تالميذ ال�ص���ف الأول االبتدائي وعدد
�آخ���ر من ال�ص���ف الثاني وعدد �آخر من ال�ص���ف الثالث ،وعدد مماثل من كل من ال�ص���ف
الراب���ع والخام�س وال�س���اد�س ،وهذه الأعداد تك���ون مجموعة �أطفال الدرا�س���ة .والطريقة
154
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
الم�ستعر�ض���ة بهذا الأ�س���لوب توفر الوقت ،وتي�سر الح�ص���ول على النتائج ب�سرعة �أكبر� ،إال
خ�صو�ص���ا �إذا كان انتقال الأطفال ال يخ�ض���ع
ً �أنها عر�ض���ة للنق���د في كثير من الأحي���ان،
للقواعد العلمية ال�صحيحة في اختيار العينات.
عل���ى �أنه يمكن ا�س���تخدام الطريقتين الطولية والم�ستعر�ض���ة في �آن واحد لدرا�س���ة
معينة ،فيتحقق للباحث من ذلك �س���رعة الح�ص���ول على النتائج من ناحية ،والو�صول �إلى
نتائج �أكثر ً
�ضبطا من جهة �أخرى.
-3مناهج �أخرى لدرا�سة النمو الإن�ساني ومنها:
(�أ) المالحظة:
تقوم المالحظة على متابعة �سلوك الفرد خالل مرحلة نمو معينة ،وت�سجيله على �أ�سا�س
جم���ع كل المعلومات التي تتواف���ر عن الفرد في مختلف المواقف ،ثم بت�ص���نيف المعلومات
والبيانات التي جمعت ال�س���تخال�ص نتائجها .وقد تكون المالحظة �آثارها �س���طحية لموقف
�سلوكي معين ،وقد تكون مقننة تخ�ضع لتخطيط وتدبير م�سبق وذات �أهداف محددة.
(ب) القيا�س:
يعتم���د �أ�س���لوب القيا�س على ا�س���تخدام االختبارات �أ ًّي���ا كان نوعه���ا ،وذلك لقيا�س
�س���مات الفرد الج�سمية والنف�سية واالجتماعية ،وتحديد ال�سمات كم ًّيا لم�ساهمة فعالة في
الموقف الكمي الدقيق ،و�إن القيا�س ي�س���اعد في التف�سير ،ويعاون في التوقع لل�سلوك الذي
يتم قيا�سه بدرجة �أتقن.
-1الوراثة:
تب���د�أ الحياة ...بقدرة اهلل �س���بحانه وتعالى ..عندما تتح���د الخلية الذكرية بالخلية
الأنثوية ،حيث يخترق الحيوان المنوي الذكري الغالف الخارجي للبي�ضة الأنثوية ،وي�ستمر
في �سيره حتى تلت�صق نواته بنواة البي�ضة ،وبهذا تن� أش� البوي�ضة المخ�صبة� ،أو الالقحة �أو
البذرة ،التي بها ومنها تبد�أ حياة الجنين� ،أي �إن الجنين عند بدء تخليقه ينتج عن اتحاد
الأم�شاج الذكرية والأنثوية.
وهن���اك المورثات التي توج���د في نواة الحي���وان المنوي الذكري ،وعددها بح�س���ب
االتجاه���ات الحديث���ة ً 23
خيطا على هيئة حبات �ص���غيرة ت�س���مى المورث���ات �أو الجينات،
و ُت�س���مى هذه الخيوط ال�صبغيات �أو الكرومو�س���ومات .و�إن نواة البوي�ضة تحمل � ً
أي�ضا ذات
العدد من ال�صبغيات التي تحمل �صفات الأم ،وبهذا ف�إن نواة البوي�ضة المخ�صبة تحمل 46
�ص���بغ ًّيا ن�صفها من الأب ون�ص���فها من الأم .وتختلف ال�صفات الوراثية باختالف الجنين
ذك ًرا �أم �أنثى ،وهذه ال�صفات �إما �أن تكون مت�صلة بالجنين �أو مت�أثرة به �أو مق�صورة عليه.
فمثلاً عمى الألوان �ص���فة تت�ص���ل بالذكور ،ويقل ظهورها في الإناث .وهذه ال�ص���فة
تظه���ر في الأحفاد ،وال تظهر في الأبناء �إال ن���اد ًرا جدًّا ،وينتقل عمى الألوان من الأب �إلى
ابنت���ه ،وال ت�ص���اب به االبنة ،بل يظل كام ًنا لديها -وت�س���مى حامل���ة للمر�ض -حتى تنقله
بدورها �إلى الجنين لديها� ،أي �إن هذه ال�صفة تظهر في الحفيد.
156
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
وال�صلع الوراثي مثلاً �صفة تظهر في الذكور ،وتتنحى ،بحيث ال تظهر في الإناث� ،أي
�إن ال�صلع �صفة تت�أثر بنوع الجن�س.
والبيئة لها �أثر كبير في العوامل الوراثية ،ف�إن لتفاعل العوامل الوراثية المختلفة مع
البيئة الع�ضوية �أو الغذاية والنف�سية العقلية �أو االجتماعية ،وت�ؤثر من ثم في تحديد �صفات
الفرد ،وفي تباين نموه وم�سالك حياته وم�ستويات ن�ضجه ومدى تكيفه و�شذوذه.
ويجب �أن نفرق بين نوعين من ال�صفات و�أثر البيئة فيها ،وهما:
(�أ) ال�صفات الوراثية الأ�صلية ،وهي �صفات ِخلقية مثل �شكل اجل�سم ولون العينني ،ولون
ال�شعر ونوعه ،ونوع الدم ،وهيئة الوجه .وهي �صفات ثابتة ال تتغري مب�ؤثرات البيئة.
(ب) �صفات مكت�سبة :وهي �صفات ال تت�أثر باملورثات ،ومن �أهمها ا ُ
خللق واملعايري
االجتماعية والقيم املرعية ،وتنمية بع�ض ال�صفات املوروثة � ً
أي�ضا ،كالذكاء.
هذا ،و�إن حياة الإن�س���ان في تفاعل دائم م�س���تمر بين الوراثة والبيئة .وتعمل الوراثة
عل���ى المحافظة على النوع ،فهي تعمل على تحديد الخوا�ص وال�ص���فات التي تميز كل نوع
م���ن الكائنات الحية .وتهدف � ً
أي�ض���ا �إلى الحياة الو�س���طى ب�ألوانها و�أ�ش���كالها المختلفة ،
فمثلاً ن�سبة ال�ضعف العقلي ون�سبة العبقرية ن�سبة �صغيرة جدًّا في المجموع العام لمجتمع
من المجتمعات ،والن�سبة الغالبة هي ن�سبة المتو�سطين في جميع ال�صفات.
والوراثة ال ت�ص���ل في مداها ال�صحيح �إال في البيئة المنا�سبة لها .فمن المعروف �أن
�سرعة النمو تختلف باختالف ن�سب الذكاء ،فالأذكياء نموهم �أ�سرع من الأغبياء ،وتختلف
�س���رعة النمو باختالف الجن�س ،فالإناث يختلفن في �س���رعة نموهن عن الذكور .وكما هو
معروف �أن الذكاء والجن�س �صفات وراثية .ومن هذا يتبين لنا �أثر الوراثة في النمو بطريق
غير مبا�شر خالل هاتين ال�صفتين.
لهذا من حيث �إن الوراثة تت�أثر بالبيئة المنا�سبة ،ف�إن واجب المربين تهيئة الظروف
المنا�سبة للطفل ،والعمل على �إنماء خوا�صه الوراثية �إلى المدى المنا�سب لتنميتها.
157
علم النف�س التربوي الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو
-2التكوين الع�ضوي:
في التكوين الع�ض���وي تعم���ل الهرمون���ات دو ًرا مه ًّما في تنظي���م الوظائف المختلفة
للج�س���م .والهرمونات هي �إفرازات الغدد ال�ص���ماء ،والغدد �أع�ض���اء داخلية في الج�س���م،
منها غدد قنوية كالغدد الدمعية التي تفرز الدموع ،وال ُغدد ال�ص���ماء التي تعمل على جمع
المواد الأولية من الدم مبا�شرة ،ثم تحولها �إلى مواد كيميائية ت�سمى الهرمونات ،وت�صبها
مبا�ش���رة في الدم دون اال�س���تعانة بقنوات خا�ص���ة ت�س���ير فيها هذه الهرمونات .ولهذا ُتع ّد
الغدد مثل المعمل الكيميائي في ج�سم الإن�سان� ،إذ �إن هذه الهرمونات لها دور كبير للغاية
بالن�سبة �إلى النمو.
ومن الغدد الموجودة في الج�س���م :الغدد ال�صنوبرية ب�أعلى المخ والنخامية ،وتوجد
ف���ي منت�ص���ف الر�أ����س .والدرقية وهي �أمام الق�ص���بة الهوائي���ة ،وج���ارات الدرقية �أربعة
ف�صو�ص حول الدرقية ،واليتمو�سية في تجويف ال�صدر ،والكظرية فوق الكلية ،والتنا�سلية،
الخ�صيتان في الرجل والمبي�ضان في الأنثى.
وم���ن المعروف �أن هذه الهرمونات لها ت�أثيرها في نم���و الطفل واالختالل في �إفراز
نواح
الهرمون���ات ُيحول النمو عن مجراه الطبيعي ،فيقف ف���ي بع�ض النواحي �أو يزداد في ٍ
�أخرى قد تعر�ض حياة الفرد للمر�ض �أو الفناء.
و ُلنعط���ي مثلاً عن �أهمية الهرمونات ،فهرمون النمو الذي يتكون من الف�ص الأمامي
م���ن الغ���دة النخامي���ة التي تقع ف���ي منت�ص���ف الر�أ�س في جيب �ص���غير في �إح���دى عظام
الجمجمة ،هذا الهرمون يبد�أ عمله منذ ال�شهور الأولى من حياة الجنين ،ويت�أثر النمو ب�أي
نق�ص ي�ص���يب ن�س���بة هذا الهرمون في الدم .ويختلف الأثر باختالف المرحلة التي يوجد
عليها نق�ص الهرمون ،فحدوث النق�ص قبل البلوغ ي�سبب وقف نمو عظام الطفل ،ف ُي�صبح
قزما طوال حياته ،ويت�أثر � ً
أي�ضا من ناحية قواه العقلية والتنا�سلية ،ف ُي�ضعفها. الطفل ً
أي�ض���ا� ،إلى ال�سمنة المفرطة ،وي�ؤدي � ً
أي�ضا �إلى وقد ي�ؤدي حدوث النق�ص قبل البلوغ � ً
انعدام القوى التنا�سلية.
158
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
وت�ؤثر الهرمونات في تنظيم الوظائف المختلفة للج�سم ،حيث ت�ؤدي �إلى اتزان وتنا�سق
وظائف الج�س����م وتكييف الفرد من النواحي الج�س����مية والنف�سية واالجتماعية بالن�سبة �إلى
المواقف المختلفة التي تحيط به ،والبيئة التي ت�ؤثر فيه ،وال ي�ؤثر هو بدوره فيها.
و�إن انع���دام ات���زان �إف���راز الغ���دد ،ي����ؤدي �إل���ى اختالل التنا�س���ل وا�ض���طراب النمو
وا�ض���طراب �شخ�ص���ية الف���رد .لذلك عل���ى المعلم �أن يتدارك �أن من �أ�س���باب ا�ض���طراب
النمو ،عدم اتزان وتنا�سق الإفراز الغددي في ج�سم المتعلم ،وما يتبع ذلك من ا�ضطراب
�شخ�صيته.
-3الغذاء:
يحتاج ج�س���م الإن�سان �إلى الغذاء؛ لتزويده بالطاقة التي يحتاج �إليها للقيام بن�شاطه
ولإ�ص�ل�اح الخاليا التالفة و�إعادة بنائها وتكوين خاليا جديدة وزيادة مناعة الج�سم �ضد
بع�ض الأمرا�ض ووقايته منها.
والأم هي الم�ص���در الأول ،الذي يمت�ص منه الطفل الغذاء ،وهذه العالقة تتطور بعد
ذلك �إلى عالقات نف�سية واجتماعية.
وي�ؤثر الغذاء في الطفل ،تب ًعا لنوع الغذاء وكميته ،ويعتمد الج�سم على المواد الدهنية
وال�سكرية والن�شوية في تزويده بالطاقة وفي ت�أدية وظائفه المختلفة.
وم���ن ال�ض���روري �أن يعتمد الفرد ف���ي غذائه على �أنواع مختلفة م���ن المواد الغذائية
المنوع���ة ،و ُيع���رف ذلك -من الناحي���ة الحيوية -باالت���زان الغذائي .فم���ن المعروف �أن
الإف���راط في االعتماد على ن���وع خا�ص من المواد الغذائية ي�ؤدي �إل���ى اختالل في التوازن
الغذائ���ي ،فمث�ًل�اً الإكثار من الم���واد الدهنية ُيعطل عملية امت�ص���ا�ص الق���در الكافي من
الكال�س���يوم الالزم لبناء الج�سم .و�إن االمتناع عن �ألوان معينة من الطعام وال�شهية لأنواع
�أخرى ي�ؤدي �إلى اختالل التوازن الغذائي.
159
علم النف�س التربوي الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو
واختالل التوازن الغذائي (عدم التوازن الغذائي) ،ي�ؤدي �إلى �ضعف البنية �أو زيادة
ال�سمنة �أو �ضعف الج�سم ب�صفة عامة ما ُيعوق الطفل في نموه.
وال ُعرف ومعايري اخللق ،ولهذا لها دورها املهم يف تعلم الأ�ساليب العامة للحياة.
وميكن �أن نالحظ �أثر الثقافة يف الأطفال املتمتعني مب�ؤثرات ثقافية متقدمة
ك�أطفال املدن ،و�أثر ذلك يف �سلوكهم ون�شاطهم ،وغريهم من املحرومني من
الثقافة ك�أطفال القرى والبادية.
(هـ) ال�ساللة :تختلف �سرعة النمو تب ًعا الختالف نوع �ساللة الطفل ،فالطفل ال�سعودي
�أو امل�صري يختلف يف منوه عن الطفل ال�صيني �أو الأوروبي.
(و) الظروف اجلوية :يت�أثر النمو بدرجة نقاوة الهواء ،ف�أطفال ال�سواحل منوهم
�أ�سرع من �أطفال املدن ،و�أ�شعة ال�شم�س ت�ؤثر � ً
أي�ضا يف �سرعة النمو.
نخل�ص من ذلك �إلى �أنه يجب �أن ن�ض���ع في ح�س���باننا العوامل المختلفة التي �س���بق
الإ�شارة �إليها ،عندما ننظر �إلى طفل غير عادي في نموه� ،أو عندما نقارنه بطفل �آخر في
مثل �س���نه� ،س���واء قبل دخوله المدر�سة �أو عند التحاقه بالمدر�س���ة االبتدائية �أو حتى عند
مقارنة نمو الطفل داخل �أفراد الأ�سرة الواحدة.
تلخي�ص:
-1من �أهداف درا�سة النمو الإن�ساين :ت�شخي�ص ال�سلوك -تف�سري ال�سلوك -حتديد
املناهج الدرا�سية -النمو الإن�ساين واملراحل الدرا�سية.
-2من و�سائل درا�سة النمو الإن�ساين وطرائقه :الطريقة الطولية -الطريقة امل�ستعر�ضة-
املالحظة -القيا�س.
-3العوامل الأ�سا�سية امل�ؤثرة يف النمو الإن�ساين :الوراثة -التكوين الع�ضوي -التغذية -
البيئة االجتماعية والثقافية.
-4العوامل الثانوية امل�ؤثرة يف النمو الإن�ساين� :أعمار الوالدين -املر�ض واحلوادث-
االنفعاالت احلادة -الوالدة املبت�سرة -ال�ساللة -الظروف اجلوية.
-5من خ�صائ�ص النمو الإن�ساين� :إن النمو عملية م�ستمرة متتابعة -عملية تراكمية-
متغري ال�سرعات -ذو اجتاهات خا�صة.
164
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
�أ�سئلة ومتارين:
-1حدد جماالت �أهداف درا�سة النمو الإن�ساين.
-2و�ضح �إجراءات الطريقة الطولية والطريقة امل�ستعر�ضة يف درا�سة النمو الإن�ساين.
-3ا�شرح كلاًّ من عامل الوراثة والتكوين الع�ضوي بو�صفها عوامل �أ�سا�سية م�ؤثرة يف النمو.
-4ا�شرح كلاًّ من عامل التغذية والبيئة االجتماعية والثقافية بو�صفها عوامل �أ�سا�سية
ت�ؤثر يف النمو.
-5ا�شرح �أربعة عوامل ثانوية ت�ؤثر يف النمو.
-6و�ضح خ�صائ�ص النمو الإن�ساين.
مراحل النمو الإن�ساين
•الأهـداف:
(� )1أن يتع���رف املتعل���م �إىل الأ�س���ا�س التكويني الع�ض���وي يف تق�س���يم مراحل
النمو الإن�ساين.
(� )2أن يتعرف �إىل الأ�سا�س الرتبوي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين.
(� )3أن يقارن بني الأ�سا�س التكويني والأ�سا�س الرتبوي يف تق�سيم مراحل النمو.
(� )4أن يذكر دور الأ�سا�س االجتماعي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين.
(� )5أن ي�ستنتج �أ�سا�س تطور االهتمامات.
مراحل النمو الإن�ساين
:
تبي���ن �أن النمو الإن�س���اني -وهذا م���ا يعنينا في هذا الم�ؤلف -عملية تغير م�س���تمرة
طبيعية ت�س���ير وفق نظام مت�سل�س���ل ،وتح���دث خاللها تغيرات ت�ؤدي �إلى الن�ض���ج .فالطفل
ال�صغير يكبر حتى ي�صل �إلى ال�صورة الكاملة التي ي�صل �إليها تحت �شروط وظروف مهيئة
للنم���و .و ُيق�ص���د بالنمو جمي���ع مظاهر التغير التي يمر بها الإن�س���ان من مظاهر ج�س���مية
وعقلي���ة وانفعالي���ة واجتماعية� ،س���واء كان التغير ظاه ًرا يمكن مالحظت���ه �أو غير ظاهر.
ويخ�ض���ع النمو لعوامل كثيرة تتفاعل مع بع�ضها با�س���تمرار ،ويختلف التفاعل من فرد �إلى
�آخر .وكما �سبق �إي�ضاحه من قبل� ،أن هناك قواعد عامة للنمو ت�ؤثر في النمو الإن�ساني.
يتميز النمو الإن�س���اني ب�أنه ذو خ�صائ�ص متميزة في تتابعها ،فهو ي�سير وفق �أ�سلوب
متدرجا
ً محكم� ،س���واء في النمو الكمي �أو الكيفي ،والنمو الإن�س���اني عملية م�س���تمرة يظل
متراك ًما متمايزًا �إلى �أن تبد�أ مراحل ال�ش���يخوخة فالكهولة ،حيث ي�أخذ النمو في التدهور
التدريج���ي ،و�إن ا�س���تمرارية النمو تعن���ي تتابع المراحل ،فال ينتقل الولي���د من المهد �إلى
المراهق���ة ،قبل �أن يمر بمراح���ل الطفولة المبكرة ،فالمتو�س���طة ،فالمت�أخرة ،و�إن تدهور
النمو ال يتم فجائ ًّيا ،و�إنما يخ�ضع � ً
أي�ضا لقانون التتابع التدريجي.
والنمو الإن�س���اني ي�س���ير في خط���ى محددة الخط���وات ،وتتداخل مراحل���ه ،وتتباين
�س���رعاته من فرد �إلى فرد� ،إبقاء على الفروق الفردية الت���ي كفلها الخالق الأعظم ،حيث
اخت�ص كل فرد ب�إمكانات وا�س���تعدادات وقدرات خا�صة به وحده .فال تتكرر تلك القدرات
واال�س���تعدادات والإمكانات لفرد �آخر على الرغم من الكثرة العددية للجن�س الب�شري� ،أي
�إن التميز والتفرد �سمة �أ�سا�سية للإن�سان والفرد.
168
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
وهناك الأ�س�س التي تق�سم �إليها مراحل النمو الإن�ساني ،وهي كالآتي:
� اً
أول :الأ�سا�س التكويني الع�ضوي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين:
هذا الأ�سا�س يق�سم مراحل النمو الإن�ساني على �أ�س�س متنوعة ،منها:
-1ي�أخذ في ح�س���بانه مراحل النمو الج�س���مي من الناحية التكوينية الج�س���مية ،في
مراح���ل العمر الأولى �أو �أوا�س���ط العمر �أو في نهايته .و ُيعبر عن الأ�س���ا�س الع�ض���وي عامة
بالمراحل الأ�سا�س���ية التي يمر بها الإن�س���ان -عادة � -إذا ما ا�س���تمرت م�س���يرة حياته من
الطفول���ة �إل���ى المراهق���ة ،ومنها �إلى الر�ش���د فال�ش���يخوخة ،وتنق�س���م كل مرحلة من هذه
المراحل وفق هذا الأ�س���ا�س �إلى تق�س���يمات فرعية لمرحلة الطفولة ،يمكن �أن تكون مبكرة
مت�أخرة ،وهذه المراحل وفق الأ�سا�س الع�ضوي تنق�سم �إلى مراحل تكوينية ،وهذا التق�سيم
لي�س جامدً ا� ،إذ ال يقوم على �إيجاد فوا�صل حادة بين كل مرحلة و�أخرى ،ولكنه في الواقع
يقوم على تداخل م�س���تمر بين كل مرحلة و�أخرى� ،إ�ض���افة �إلى �أن كل فرد يختلف نموه عن
الآخر وف ًقا للم�ؤثرات والعوامل التي ي�سبق تحديدها من قبل.
مرحلة النطفة :وهي المرحلة التي يتم فيها الإخ�صاب� ،أي عندما تتحد خلية جن�سية
من الأب من خالل الحيوان المنوي بخلية جن�سية �صادرة من الأم من خالل البوي�ضة.
وللحيوان المنوي والبوي�ضة لكل منهما نواة داخلية تحتوي على �أج�سام دقيقة جدًّا في
هيئة خيوط م�ستقيمة �أو ملتوية ،وتعرف عادة بال�صبغيات �أو الكروموزومات .وتنت�شر على
هذه ال�صبغيات ج�سيمات �أكثر دقة تعرف بالجينات �أو ناقالت الوراثة ،وهذه الجينات
169
علم النف�س التربوي الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو
ُتع ّد الم�س�ؤولة عن نقل ال�صفات الوراثية من ال�سلف �إلى الخلف ،وهي ت�ؤدي عملها ،وتزاول
ن�شاطها وف ًقا لن�شاط كيميائي يتم داخل الخاليا الجن�سية الم�شار �إليها.
وتحدي���د جن����س الجنين يعتمد على نوع ال�ص���بغيات المتحدة مع بع�ض���ها� ،إذ �إن كل
البوي�ض���ات التي تفرزها الأنثى ال�س���وية تحتوى على اثنين من �ص���بغيات (�س �أو )Xعلى
حين �أن ن�صف الخاليا المنوية عند الذكر ال�سوي تحتوي على �صبغية واحدة من نوع (�س
�أو .)Xون�ص���فها الآخر يحتوي على �ص���بغية من نوع (�ص �أو ،)yف�إذا اتحدت بوي�ضة �أنثى
بما فيها من �صبغية (�س �أو )Xبحيوان منوي به �صبغية من النوع (�س �أو )Xنتج عن ذلك
مولود �أنثى� ،أما �إذا اتحدت بوي�ض���ة بحيوان منوي يحمل �صبغية من النوع (�ص �أو � )yأدى
ذلك �إلى ن�ش�أة مولود ذكر.
مرحلة الم�ضغة :مرحلة الم�ضغة في العادة تمتد مدة �أ�سبوعين ،ومرحلة الم�ضغة ُتع ّد
مرحلة التكوين الجنيني ،وتمتد مدة ت�صل �إلى �أربعة �أ�سابيع الحقة يتم خاللها مزيد من
انق�سام الخاليا في اتجاه النمو المحدد للمالمح الأ�سا�سية للتكوين الج�سمي للوليد.
مرحلة الخلق :هي مرحلة اكتمال الجنين ،بحيث ي�صبح م�صو ًرا م�ستبين الخلق ،وهذه
يوما تقري ًبا ُيولد بعدها الوليد .وقد تكون
المرحلة في الغالب ت�ستغرق مئتين وثمانين ً
يوما .وب�صفة عامة ،ف�إن تمام تخليقيوما� ،إذ ت�صل �أحيا ًنا �إلى ً 220
المدة �أقل من ً 280
الجنين في رحم الأم ي�صل �إلى ت�سعة �شهور ميالدية �أو ما ُيقارب ع�شرة �شهور قمرية.
وفي هذه المرحلة يجد الوليد (الأ�سبوعين الأولين من الميالد) نف�سه متنقلاً فج�أة
من بيئة الرحم الذي توافرت له فيها جميع �إمكانات الحياة كالتغذية والدفء والتنف�س...
�إلخ� ،إلى بيئة خارجية يجد نف�س���ه فيها مطال ًبا ب�أن ي�س���تجيب لمثيرات متعددة من حوله،
ويجد نف�سه م�ضط ًّرا لأن يعتمد على نف�سه بع�ض ال�شيء ،ك�أن يقوم بالقب�ض على ثديي �أمه
والر�ضاعة منهما ،وال�صراخ �إن كان في حاجة �إلى التنظيف� ...إلخ.
مدة الر�ضاعة ،تنتهي خالل عامين من بدء الوالدة �أو بنهاية العامين من بدء الميالد
لمن �أراد �أن يتم الر�ضاعة ،و�إذا كانت مرحلة ما قبل الميالد مرحلة نمو ف�سيولوجي يتكون
من خاللها التركيب الف�س���يولوجي للوليد ،ف�إن مرحلة الر�ض���اعة تتميز �إ�ضافة �إلى ذلك،
ب�أنه���ا مرحلة تكي���ف الوليد مع العالم الخارجي وتوافقه مع المحيطين به ،وخا�ص���ة الأم،
دون �سائر �أفراد الأ�سرة.
في كل عمل يقوم به �أو ي�ش���رع في تنفيذه ،فعن طريق هذا الإر�شاد يكت�سب الوليد الأنماط
ال�سلوكية النافعة ال�صحيحة.
وللوالدين �أهمية خا�ص���ة في تكوين �شخ�ص���ية الطفل ،فعليهم���ا �أال يعاماله على �أنه
مجرد �ص���غير ال ي�ص���لح �إال للعب واللهو ،كما عليهما �أال يحماله من الأعمال ما ال طاقة له
بها ،في�شعر ب�ضعفه وعجزه.
-1الظروف االجتماعية غري املالئمة ،كعدم اختالط الطفل بالآخرين �أو قلة �أ�صدقائه.
-2ومنها النواحي ال�صحية ال�سيئة ،كاعتالل ال�صحة وا�ضطرابات الكالم ،وخا�صة عند
النمو اللغوي.
-3احلوا�س وعدم �سالمة �أجهزة الكالم ،ومنها اال�ضطرابات االنفعالية التي يتعر�ض لها
الطفل �أو عدم �إقباله على قراءة الكتب الدينية وق�ص�ص الأنبياء والر�سل وجمالت
الأطفال واال�ستمتاع بالربامج الثقافية والدينية عرب و�سائل الإعالم.
ف���ي التعلم ،فيتق���ن الكتابة ،وتزداد ح�ص���يلته اللغوي���ة والعددية ،ويكون ق���اد ًرا على تعلم
العمليات الح�سابية بما يزيد من قدرته على التح�صيل الدرا�سي ،وكتابة المهارات العقلية
والخبرات المعرفية.
م���ن الناحي���ة االجتماعية تتميز هذه المرحلة بن�ش���اط اجتماعي زائ���د عند الطفل،
���اعا ،عما كان في مرحلة
حيث تتكون لديه اتجاهات انفعالية وعاطفية �أكثر عمومية وات�س ً
الطفول���ة المبك���رة� ،إذ تت�س���ع عالقاته من النطاق الأ�س���ري ال�ض���يق المكون م���ن الأبوين
والإخ���وة ،وتزداد العالقات االجتماعية في مداها خارج الأ�س���رة �إلى المدر�س���ة ،فيتعامل
الطفل مع زمالئه والمدر�سين والإداريين وزمالء الف�صل ورفاق اللعب ،ويتعامل في بيئته
مع بع�ض القائمين بالخدمات العامة ممن ي�ش���تري منهم حاجاته وحاجات الأ�سرة ،ولهذا
أي�ض���ا من الناحي���ة العقلية يزداد لدي���ه الفهم والإدراك ،وتنمو ق���درات الطفل على ف�إنه � ً
التذكر ،وتنمو قدرته على التفكير المجرد واال�ستدالل ،وي�ساعده ذلك على الن�ضج.
ً
وتعوي�ض���ا عن ذلك يلج�أ البال���غ �إلى زيادة االقت�ص���ادي والمعايي���ر االجتماعية ال�س���ائدة.
االهتمام بالآخرين ،فيم�ضي معظم وقته مع �أ�صدقائه ويزداد تقديره واحترامه لهم ،وقد
يندمج في جماعات مارقة �أو �سوية.
وتظه���ر ل���دى البال���غ �إمكان���ات النقد والتحلي���ل ،التي تكون م�ؤ�س�س���ة عل���ى قليل من
الخب���رة والمعلوم���ات ،ويمي���ل البالغ نحو البحث ع���ن المثل العليا في حي���اة البارزين من
العلماء والعاملين في الخدمات االجتماعية ،وتزداد لديه الح�سا�س���ية االجتماعية ،خالل
تفاعل���ه اليومي م���ع الفئات االجتماعية المختلفة ،لكنه مع ذل���ك يحاول جاهدً ا �أن يتكيف
معها ،وين�سجم مع معاييرها ومتطلباتها ،وهو في �سعيه نحو هذا التكيف يكت�سب مهارات
اجتماعية �أف�ضل تمكنه من ا�ستمرارية االندماج مع الجماعات التي يتكيف معها.
ويج���ب على المدر�س���ة �أن توج���ه المراهق� ،إلى العادات ال�ص���حية المنا�س���بة ،التي
يج���ب علي���ه �أن يمار�س���ها في غذائ���ه ،حتى ال يعوق ذل���ك نموه ،وعل���ى المدر�س���ة �أن ُتع ّد
برامجه���ا الال�ص���فية ،بحي���ث تمكن المراهق من ممار�س���ة ما يف�ض���له من هواي���ات ،و�أن
تم��� ّده بالمعلومات والمعارف الت���ي تجعله يتقبل التغيرات ال�س���ريعة التي حدثت له ،وعلى
الم�ؤ�س�س���ات االجتماعي���ة المختلف���ة ،كالأندية ودور ال�ش���باب� ،أن تعقد الن���دوات وحلقات
الدر�س التي تو�ضح للمراهق �أ�س�س الرعاية ال�صحية والتربوية المنا�سبة له.
م���ن الناحية العقلي���ة والمعرفي���ة ،ف�إنه في مرحل���ة المراهقة تبد�أ مي���ول الفرد في
التركي���ز والتبل���ور ،فيتجه �إل���ى اختيار مج���االت معرفية معين���ة يهتم بقراءتها ،و ُيف�ض���ل
�س���ماع بع�ض البرامج الإذاعية وم�ش���اهدة بع�ض العرو�ض التليفزيونية ،ويعاونه في الفهم
واال�س���تيعاب ،ما و�صل �إليه من ن�ض���ج عقلي وانتباه قوي و�إدراك مت�سع المدى وتذكر مداه
مت�سع ،ي�ساعده على عمليات اال�ستدعاء والتعرف ،التي تغذي الحافظة الذاكرة ،بما يجعل
انتظاما وتنا�س ًقا و�أكثر معنو ًّيا وتجريدً ا.
ً العمليات الفكرية للمراهق �أكثر
وخ�ل�ال مرحل���ة المراهقة تتط���ور الميول المهني���ة للفرد ،وهي تخ�ض���ع في تطورها
العتب���ارات عدة ،منها درج���ة ذكاء المراهق ،وقدرت���ه المعرفية والتح�ص���يلية ،وخبراته
المكت�س���بة والم�ستوى االجتماعي واالقت�صادي لأ�سرته وبيئته .ولهذا كان للتوجيه التعليمي
ف���ي هذه المرحلة المهمة من حي���اة الفرد �أهمية بالغة� ،إذ يج���ب �أن يعتمد هذا التوجيه،
وي�س���تند على القيا�س الدقيق ،لعدد من �س���مات الفرد العقلية والع�ض���لية والنف�س���ية ،وما
يتميز به من ا�س���تعدادات وقدرات وميول واتجاهات ،حتى يت�س���نى توجيهه توجي ًها تعليم ًّيا
يتفق مع ما يتمتع به من خ�صائ�ص و�صفات.
من الناحية االنفعالية ،يجب �أن تتجه الرعاية �إلى تر�شيد النمو االنفعالي للمراهق؛
كي يكت�س���ب الثقة بالنف�س عن طريق تدريبه على القيام بت�ص���ريف �أموره ال�شخ�صية ،مع
م�ساعدته على تخطيط م�ستقبله واتخاذ قراراته بنف�سه.
176
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
ومن الناحية االجتماعية ،يجب �أن تمتد الرعاية �إلى النمو االجتماعي للمراهق ،نحو
التكيف االجتماعي عن طريق تهيئة الجو المالئم له لممار�س���ة الأن�ش���طة االجتماعية على
اختالفها ،ممار�س���ة تخ�ض���ع لما يلتزمه بال�ض���بط االجتماعي ،والتوافق لمعايير المجتمع
و�أهدافه المتمثلة في قيام الفرد بواجباته الدينية والأ�س���رية واحترام التزاماته وحقوقه،
والوفاء بما يتعهد به من �أعمال و�أداءات ،والعمل على تكوين ال�صداقات والحفاظ عليها،
و�أن يقب���ل نق���د الآخرين نقدً ا مو�ض���وع ًّيا بنا ًء ،ويتقب���ل نقدهم بروح عالي���ة ،فيعرف من
خالل���ه نواحي قوته وجوانب عجزه و�ض���عفه ،فيزيد من الأول���ى ،ويعمل على تالفي الثانية
�أو م�سامحتها.
ظهورها عن المعدل المتوقع لظهورها ،ومتطلبات النمو قد ترجع لعوامل تكوينية ع�ضوية،
كالمظاهر الحركية والح�سية ،وبع�ضها يعود لعوامل اجتماعية ثقافية ،كتعلم �آداب الطعام
وكيفي���ة معاملة الكبار �أو ممار�س���ة �ألعاب القوى� ،أو الفرو�س���ية �أو ال�س���باحة �أو غيرها� ،أو
القي���م الديني���ة �أو االجتماعية وف ًقا لما يدين به النا�س من العقيدة ال�ص���حيحة والروابط
االجتماعية ال�سائدة.
تلخي�ص:
-1تق�سم مراحل النمو الإن�ساين على �أ�سا�س:
-الأ�سا�س التكويني الع�ضوي.
-الأ�سا�س الرتبوي.
-الأ�سا�س االجتماعي.
� -أ�سا�س تطور االهتمامات.
� -أ�سا�س تطور القوى.
181
علم النف�س التربوي الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو
�أ�سئلة وتمارين:
- 1حدد مراحل النمو الإن�ساين يف مرحلة الر�ضاعة واملهد واحل�ضانة.
- 2حدد مراحل النمو الإن�ساين يف مرحلة البلوغ واملراهقة املتو�سطة واملت�أخرة.
- 3و�ضح مراحل الأ�سا�س الرتبوي ملا قبل التعليم االبتدائي ومرحلة التعليم االبتدائي.
أ�سا�سا من �أ�س�س النمو الإن�ساين .ا�شرح.
ُ - 4يع ّد اللعب ب�أنواعه املختلفة � ً
مطالب النمو يف مرحلة الطفولة
(طفل ما قبل التعليم الأ�سا�سي)
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل مطالب النمو يف مرحلة الطفولة.
(� )2أن مييز املطالب واملظاهر العقلية يف مرحلة الطفولة.
(� )3أن يعدد مفاهيم الذكاء.
(� )4أن يحدد العوامل امل�ؤثرة يف الذكاء.
(� )5أن يف�سر كيفية تعلم املهارات العقلية.
(� )6أن يعدد مظاهر ومطالب اجلوانب االنفعالية.
(� )7أن يتعرف �إىل �أنواع االنفعاالت يف مرحلة الطفولة.
(� )8أن يذكر دور النمو اخللقي والديني يف مرحلة الطفولة.
(� )9أن يقدر دور الإ�سالم يف تف�سري مراحل النمو الإن�ساين يف مرحلة الطفولة.
مطالب النمو يف مرحلة الطفولة
(طفل ما قبل التعليم الأ�سا�سي)
:
تب���د�أ مطالب النمو الإن�س���اني لمقابلة احتياجات الطفل من���ذ ميالده ،حتى التحاقه
بالتعلي���م الأ�سا�س���ي� ،أي التعليم االبتدائ���ي ،ليبد�أ مرحلة عمرية لها خ�ص���ائ�ص ومطالب
تختلف عن مرحلة ما قبل التعليم الأ�سا�سي ،التي ُتعرف بمرحلة الطفولة ،التي تق�سم �إلى:
مرحلة المهد -الر�ضاعة -الفطام -الطفولة المبكرة.
مثل اكت�ساب المهارات الخا�صة بالعالقات االجتماعية ،وتعلم المهارات العقلية التي
تمكن الفرد من تحمل الم�س����ؤولية االجتماعية� ،إ�ضافة �إلى اكت�ساب القيم الذاتية كتكوين
ال�ض���مير والقيم الخلقية والمعايير ال�سلوكية ،التي تمكن الفرد من اكت�ساب ما يمكنه من
اجتياز دروب الحياة ،ب�صورة م�ستقرة �آمنة ،عند الأ�سوياء من الأفراد.
186
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
�أن يفهم عددًا كبي ًرا من الألفاظ والتعبيرات ،لكنه ال يقدر �إال على ا�ستخدام القليل منها،
�إذا م���ا �أراد �أن ُيعب���ر عنها بلغته� ،إذ �إن طاقاته العقلية قبل دخوله المدر�س���ة االبتدائية ال
تمكنه من التعبير الكالمي ب�سهولة.
ويب���د�أ �إدراك الطف���ل للفروق القائمة بين الأ�ش���كال المختلف���ة وتعبيرها في مرحلة
مبك���رة ،بينم���ا ال يبد�أ ف���ي �إدراك التباين والتناظر بين الأ�ش���كال �إال فيما بين الخام�س���ة
وال�ساد�سة من عمره ،ففي هذه ال�سن ي�سهل عليه �إدراك الحروف المت�شابهة كالألف والميم،
وي�صعب عليه �إدراك الحروف المتقاربة كالباء والتاء والثاء .وي�ستطيع طفل الرابعة تمييز
الألوان ،لكنه يع�ص���ب عليه تمييز درجات اللون الواحد نظ ًرا لتقاربها ،ويمكن لطفل هذا
العم���ر المقارنة بي���ن الحجوم المختلفة الكبيرة وال�ص���غيرة في البداي���ة ،ثم الفروق بين
الكبيرة والمتو�س���طة وال�ص���غيرة� .إ�ضافة �إلى تدرج اكت�ساب ال�ص���غار للمهارات المعرفية
والعقلية في اكت�ساب مهارات القراءة والكتابة.
ولهذا ،فالطفل ما بين الخام�سة والثامنة ي�ستطيع �أن يتعلم � ً
أي�ضا المهارات اللغوية،
حيث يمكن القيام بالعمليات الح�سابية الأ�سا�سية كالجمع والطرح ،ثم ال�ضرب والق�سمة،
وفي هذا العمر ي�ستطيع الطفل �أن ُيدرك الزمن الحا�ضر والم�ستقبل ثم الما�ضي ،و ُيدرك
الأيام وعالقتها بالأ�س���بوع ،ثم ف�صول ال�سنة ،ثم �شهور ال�سنة ،وال يت�سنى للطفل �أن ُيدرك
ما يعنيه المدى الزمني للدقيقة �أو ال�س���اعة �إال عند �س���ن ال�س���ابعة من عمره ،ف ُيميز الليل
من النهار والعك�س ،ثم ال�صباح والظهر والم�ساء والليل ،ثم بين ال�ساعات ،ثم ُيميز �أخي ًرا
بين �أجزاء ال�ساعة زمن ًّيا.
وبنم���و المفاهيم العقلية ،ي�س���تطيع الطفل �أن يتعامل مع بيئت���ه بدرجة من الكفاية،
يح���دد كمها ونوعها درجة ن�ض���جه العقلي وذكائه العام ،وخا�ص���ة عندما تقوم المدر�س���ة
والأ�سرة متعاونة في نماء الطفل المعرفي والعقلي.
188
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
( )1الذكاء:
ُيع��� ّرف الذكاء ب�أنه قدرة الف���رد عل التكيف بنجاح ،عندما تقاب���ل الفرد في الحياة
عالق���ات تحت���اج �إلى ت�ص���رف معين .وهذا التعري���ف ُيركز على تكيف الف���رد وتوافقه مع
البيئ���ة الت���ي يعي�ش فيها .وقد ُيعرف ال���ذكاء ب�أنه القدرة على التعل���م� ،أو التفكير المجرد
�أو الت�ص���رف الهادف والتفكير المنطقي .وهي تعريفات تهتم بقدرة الفرد على اكت�س���اب
المعارف والخبرات والإفادة منها وا�ستخدامها في الحياة.
ووف ًقا لهذا التعريف ،ف�إن ال�ش���خ�ص الذكي هو الأ�س���رع فه ًما ،والأقدر على �س���رعة
نجاحا وتوفي ًقا في الدرا�سة �أو العمل بوجه عام.
التعلم واالبتكار وح�سن الت�صرف ،والأكثر ً
والذكاء بو�صفه قدرة عقلية ،ي�ستمر في النماء حتى �سن الع�شرين �أو بعد هذا بقليل،
حيث يقل نمو الذكاء تدريج ًّيا بعد ذلك ،ويت�أثر الذكاء بمجموعة من العوامل� ،أهمها:
-العوامل الوراثية والبيئية.
-العوامل االنفعالية.
-القدرات المكت�سبة.
وكل ه���ذه العوام���ل ُت�س���هم بدرج���ة �أو ب�أخرى في نمو ال���ذكاء ،فالفرد ال���ذي تتوافر
حظا في �إمكاني���ة نمو ذكائه عنل���ه رعاية �ص���حية وثقافية واجتماعية طيبة ،يك���ون �أكثر ًّ
الآخرين الذين ال تتوافر لهم مثل هذه الرعاية ،و�إن الم�س���توى االقت�ص���ادي للأ�س���رة من
العوام���ل المهيئة لنم���و ذكاء الأبناء نم ًّوا طبيع ًّيا ،حيث توفر هذه الظروف البيئية لهم من
الإمكانات والأجهزة والأدوات ما ُيك�س���بهم خبرات وممار�س���ات علمي���ة ومعرفية وعقلية،
تزيد من مهاراتهم التعليمية في هذا المجال.
مع���ارف ومهارات �أخرى طالما لديه القدرة على ذل���ك ،والرغبة والميل �إلى تحقيق تقدم
نحو التعلم �أو اكت�س���اب المهارات التي ال يعرفها من قبل ،كتعلم قيادة ال�سيارات �أو القيام
بعملي���ات ميكانيكي���ة� ،أو ت�ش���غيل �أجهزة �إليكتروني���ة حديثة ،يمكن �أن تت���م بعد توقف نمو
ال���ذكاء .وبالمثل يمكن �أن ينمي الفرد مهاراته في مج���االت متعددة ،كالمجاالت المهنية
�أو االجتماعية �أو التقنية �أو الريا�ض���ية �أو العلمي���ة ،كلما �أراد ذلك ،وكانت لديه الإمكانات
الالزمة لإتقان هذه المهارات.
واكت�س���اب مهارات جديدة يتطلب توافر ا�س���تعدادات وم�ؤثرات لدى الفرد ،تتنا�سب
م���ع متطلبات المهارة المراد اكت�س���ابها� ،إذ م���ن المعلوم �أن لكل مهارة متطلبات خا�ص���ة
بها ،وتتطلب من الفرد دائ ًما الإثارة والحافزية با�ستمرار �إلى بذل الجهد والمثابرة لتعلم
المهارة المطلوبة.
املثري من حيث القوة �أو ال�ضعف ،ويت�أثر الفرد من الإثارة واحلافزية بدرجات تتفاوت
وفق عمره الزمني.
ـ ـ وجود ا�ستجابة انفعالية ،ومثل هذه اال�ستجابة تبدو على ال�شخ�ص املنفعل يف �صورة
�ألفاظ ينطق بها �أو حركات ي�ؤديها �أو �إمياءات ت�صدر عنه �أو تغريات ف�سيولوجية
حتدث له ،وتتوقف �صورة التعبري عن االنفعال ومداها على طبيعة الفرد ووعيه و�إدراكه
ومدى مت�سكه بعقيدته ال�صحيحة وم�ستواه العلمي وال�صحي واالجتماعي واالقت�صادي
والوجداين ،فكلما كان الفرد على �صلة قوية بربه متعل ًما متمت ًعا ب�صحة جيدة ،كان
ت�أثره باالنفعال وتعبريه عنه بدرجة معقولة ومقبولة مالئمة لنوع املثري واملوقف الذي
حدث فيه ،بحيث متر به الأحداث دون �آثار انفعالية �ضارة ،فاالنفعال الزائد ي�ضر
باحلالة اجل�سمية والنف�سية والعقلية ،ولنتذكر �أن كرثة ال�ضحك متيت القلب.
(د) املرح ،ويكت�سبه الطفل عندما تقوم �أمه مبالطفته وتدليله ومالعبته ب�ألعاب
م�سلية� ،أو عندما تق�ص عليه بع�ض الفكاهات املرحة .وينمو بعد ذلك كلما
زادت عالقاته االجتماعية ب�أفراد الأ�سرة ،ومل يجد منهم �سوى املالطفة
والتدليل.
(هـ) الأ�سى ،وهو انفعال يوجد لدى ال�صغري ،عندما ُيح�س ب�أمل �أو ي�شعر بتعب �أو
يت�ضايق من �شيء حدث على غري هواه ،كابتعاد بع�ض املقربني منه� ،أو فراقهم،
�أو عندما يفتقد بع�ض حاجاته الوثيقة ال�صلة به ،كاللعب �أو النقود �أو غري ذلك.
زمننا المعا�ص���ر ازدادت ال�ص���راعات وال�ص���عوبات ،ومن ثم ف�إن عملية �ضبط االنفعاالت
تهيئ للفرد الظروف المالئمة لتخطي ال�صعوباب ،و�أف�ضل الحاالت التي تمكن الفرد من
ال�سيطرة على االنفعاالت عند �شدتها ما ي�أتي:
� -أن يزود الفرد مبعلومات وافية عن �أنواع االنفعاالت و�أ�سباب حدوثها والآثار
املرتتبة عليها والنتائج التي تنتهى بها� ،إذ �إن هذه املعرفة متكن من �ضبط
انفعاالته.
� -أن ي�شغل الفرد نف�سه بعمل �آخر �أو مو�ضوع مغاير للمو�ضوع الذي يثري انفعاالته،
�إذ �إن �صرف النظر عن مو�ضوع االنفعال ُي�ساعد على الهدوء والرتوي ،وي�ستهلك
الطاقة االنفعالية التي ُت�سبب االنفعال ،ومن ثم ي�ستطيع الفرد �أن ُيعالج مو�ضوع
االنفعال مبا يحقق له اال�ستقرار والهدوء.
� -أن ي�ستغل �أوقات فراغه بتعلم بع�ض املهارات واالهتمامات التي ت�شغل وقته فيما
يفيد ،كتعلم املهارات الريا�ضية� ،أو الإ�سعافات الأولية� ،أو الألعاب الرتويحية،
�أو الأ�شغال اليدوية الب�سيطة ،كالنجارة �أو الكهرباء ،و�أن يعمل على تنميتها
كلما �سمحت له الظروف املنا�سبة.
� -أن يتعلم كيف يتجنب املواقف احلرجة �أو الأ�شخا�ص املثريين لالنفعال ،ويبتعد
عن اخلو�ض يف امل�سائل احل�سا�سة� ،أو �إ�صدار الأحكام املت�سرعة .ففي الت�أين
ال�سالمة ويف العجلة الندامة.
لوليده���ا م���ن الرعاية والحنان والتغذي���ة� ،إال �أنه خالل هذه العالقة يتعلم ال�ص���غير كيف
ُيعبر عن ر�ضاه وا�ستيائه �أو حاجته للأكل وال�شرب �أو النظافة ،ثم تتطور هذه العالقة �إلى
تكوين عالقات اجتماعية ب�أفراد �أ�س���رته ،و�إخوته و�إخوانه ،ووالده و�أقاربه ،ثم تت�س���ع هذه
العالقات لت�شمل الجيران و�أهل الحي من رفاق لعب وزمالء درا�سة ممن هم في مثل عمره
�أو �أقل �أو �أكبر قليلاً ،وتزداد عالقات الطفل االجتماعية ات�س ً
���اعا ،فين�ش���ئ عالقات داخل
المدر�سة وفي المجتمع المحلي �أو العام كلما تقدم في النمو ،حيث يت�أثر ،وت�ؤثر من خالل
الأفراد الذين يتعامل ،ويتفاعل معهم.
وم���ن خالل الإطار الثقافي ال���ذي يتفاعل في محيطه ،وتبدو �آث���ار هذا التفاعل في
طريقة �س���لوكه وكيفية ا�ستجاباته ،بل تمتد هذه الآثار لت�شمل جوانب عدة من �شخ�صيته،
�سواء كانت معرفية �أو انفعالية.
ه���ذا ،ويرتب���ط بمظاه���ر ومتطلب���ات الجوان���ب االجتماعي���ة ،م���ا ُيعرف بالتن�ش���ئة
االجتماعية.
التن�شئة االجتماعية:
تتمث���ل في الأ�س���اليب والطرائق التي يتم م���ن خاللها نماء الفرد �إل���ى كائن اجتماعي
يتعاي�ش مع مجموعة من الب�شرُ ،ي�شاركهم �آمالهم و�آالمهم ون�شاطهم ،و ُيمار�س حقوقه ،وي�ؤدي
واجباته في ظل النظم االجتماعية ال�سائدة وبالطرق والو�سائل التي حددتها الجماعة.
194
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
والثاني���ة :ه���ي عملي���ة تحوي���ل هذه الق���رارات �إل���ى فعل ،وذل���ك عن طري���ق �إثارة
الحافز المنا�سب.
بع�ضا ،ومن هذه المراحل: الخلقي يمر بم�ستويات ومراحل يتلو بع�ضها ً وال�سلوك ُ
خللقي ،وت�شمل مرحلتني: (�أ) م�ستوى ما قبل ال�سلوك ا ُ
-مرحلة العقاب والطاعة نتيجة العقاب واخل�ضوع للأوامر.
-مرحلة جتنب العقاب ،حيث يخ�ضع الطفل للأوامر ،ويثاب على �أفعاله.
خللقي لإر�ضاء الآخرين ،وي�شمل مرحلتني: (ب) م�ستوى ال�سلوك ا ُ
خللقي الطيب ،الذي ي����ؤدي �إىل عالق���ات اجتماعية قوية، -مرحل���ة ال�س���لوك ا ُ
منبوذا من اجلماعة. حيث ُي�ساير الطفل الأو�ضاع القائمة؛ حتى ال ي�صبح ً
خللقي الذي ُي�ساير ال�سلطة القائمة؛ كي يتجنب الطفل رقابة -مرحلة ال�سلوك ا ُ
ال�سلطة القائمة ،وحتى ال يقع يف اخلط�أ.
خللقي الذي يعتمد على التقبل الذاتي للمبادئ والقيم اخللقية. (جـ) م�ستوى ال�سلوك ا ُ
خللقي القائ���م على العالقات االجتماعي���ة التي تحُ ّدد وفيه���ا مرحلة ال�س���لوك ا ُ
للف���رد ما يجب عليه ،وهذا ي�ؤدي به �إىل �أن ي�س���لك م�س���ل ًكا يتجنب به االعتداء
على حقوق الآخرين.
الخلقي الذي ينبع من القيم العليا التي ُيحددها ال�ض���مير للفرد، ومرحلة ال�س���لوك ُ
وبذلك يتجنب الفرد �س���لو ًكا معي ًنا؛ حتى ال يكون �س ً
���اخطا على نف�س���ه ،ولن ي�ص���ل الطفل
�إلى �أي م�ستوى من هذه الم�س���تويات ،دون المرور بالم�ستويات والمراحل الأخرى ،وبذلك
ي�س���تطيع المعلم �أن يهدي الطفل في نموه ُ
الخلقي ،وي�س���ير به من م�س���توى �أو مرحلة �إلى
الم�ستوى الذي يليه.
أي�ضا �أن يكت�ش���ف ما ُي�س ِّرع بالطفل للو�ص���ول �إلى الم�ستوى ُ
الخلقي ي�س���تطيع المعلم � ً
�صحيحا ،ما
ً عالجا
المنا�س���ب ،وما يعوقه عن الو�صول �إلى هذا الم�س���توى ل ُيعالج الموقف ً
الخلقي دون �أي عوائق. ُي�ساعد على �سرعة النمو ُ
196
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
التن�شئة االجتماعية
(النمو اخللقي -النمو الديني)
197
علم النف�س التربوي الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو
ولهذا �أمر الإ�سالم باختيار ال�شريك ال�صالح لإنتاج الذرية ال�صالحة ،فقال الر�سول :
أي�ضا« :تزوجوا في الحُ ج ِز ال�صالح ف�إن العرق د�سا�س»(((.
«تخيروا لنطفكم»((( ،وقال � ً
وبذلك ين�ص���ح الإ�سالم بالزواج بذوات الدين؛ لأنهن ال يرتكبن الرذائل الأخالقية،
و�أمر الإ�س�ل�ام باختيار الأزواج ال�ص���الحين للبنات .فقال الر�س���ول �« :إذا خطب �إليكم
من تر�ضون دينه وخلقه فزوجوه� ،إال تفعلوا تكن فتنة في الأر�ض وف�ساد عري�ض»(((.
وقد �أ�ش���ارت �آيات كثيرة �إلى �أن يكون �أ�س���ا�س االختيار ال�صالح ال المال والجاه ،قال
تعالى} :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﭞ ﭟ{ (النور.)32:
أ�سا�س����ا تبد�أ في ه����ذه المرحلة منذ التلقيح الأولي الذي ي�����أذن به اهلل ،لذلك ال
فالتربي����ة � ً
ب����د �أن تكون الحالة النف�س����ية للوالدين والنية لديهما �ص����ادقة و�س����ليمة عند التلقي����ح ،و�أن يكونا
متفائلين ،و�أال يختلج في نفو�سهما �شيء من الغ�ضب و�سوء الظن وال�شر.
والمتفائ���ل ينجب �أوالدًا متجردين من الخوف والهواج�س والعادات ال�س���يئة .ويجب
ف�س���كر الزوج �أو الزوجة ف���ي لحظة التلقيح جريم���ة حقيقية� ،إذ �إن�أال يكون���ا مخموري���نُ ،
المورث���ات يختل اتزانها وتركيبها في كل من الحيوان المنوي �أو البوي�ض���ة ما ُيحدث خللاً
ف���ي تركيب النطفة وباق���ي مراحل النمو قبل الميالد وبع���ده ،والأطفال الذين يولدون من
مثل هذا التلقيح كثي ًرا ما يعانون � ً
أمرا�ضا ع�صبية وعقلية ال يرجى لها �شفاء.
وبعد الإخ�ص���اب تبد�أ مرحلة التربية الأ�سا�س���ية الأولية للجني���ن في مرحلة الحمل،
أ�سا�س���ا ،حيث �إن حالة المر�أة الج�س���مية والنف�س���ية ت�ؤثر في الحمل،
وهي م�س����ؤولية الأم � ً
وقرر علماء النف�س� ،أن القلق النف�س���ي وعدم التمتع بال�ص���حة النف�س���ية والمعاناة البدنية
والنف�سية للأم في �أثناء الحمل ي�ؤثر في الجنين.
ولقد �أمر الإ�س�ل�ام الزوج بح�س���ن معاملة زوجته؛ لكيال ت�ص���اب الزوجة وهي حامل
مثلاً با�ضطرابات نف�سية �أو �صدمات انفعالية وع�صبية ،فيت�أثر بها الجنين من جراء �سوء
معامل���ة الزوج لزوجت���ه ،قال تعال���ى} :ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ{ (الن�ساء.)19:
خ�صو�ص���ا �أيام الحمل ،فقد �ض���من الإ�س�ل�ام رزق
ً وحت���ى ال تجه���د المر�أة نف�س���ها،
المول���ود ،وجعل���ه علىال���زوج ،فق���ال تعال���ى} :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{ (البقرة.)233:
ودعا الإ�س�ل�ام �إلى �أن يكون كل م�س���لم وم�سلمة ،ح�س���ن النية با�ستمرار بالن�سبة �إلى
النا�س وبالن�س���بة �إلى اهلل ،و�أن يكون متفائلاً ال مت�ش���ائ ًما وال ً
يائ�س���ا من رحمة اهلل ،ليكون
ُح�سن النية خي ًرا لحياتهم وحياة ذرياتهم.
و�إن الإ�س�ل�ام حرم تناول الأطعمة والأ�ش���ربة ال�ضارة بال�ص���حة؛ لأنها ت�ضر ب�صحة
خ�صو�ص���ا الجنين؛ لأنه يتغذى بغذاء الأم.
ً الوالدين ،ف�إنها � ً
أي�ض���ا ت�ض���ر ب�ص���حة الذرية،
ولهذا قال تعال���ى } :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ{ (المائدة ،)4:وبذلك
نجد �أنه قد �أحل الإ�سالم كل الأطعمة والأ�شربة الطيبة النافعة.
-2مرحلة الر�ضاعة:
الر�ض���اعة من �أهم العوام���ل الم�ؤثرة على �أخالقيات الطفل وعقليته ونف�س���يته ،ف�إن
الطف���ل يت�أثر بلبن المر�ض���عة وب�أخالقها .ولذلك يجب �أن تكون المر�ض���ع جيدة ال�ص���حة
ح�س���نة الم���زاج هادئة ،والأم���ر ال يتوقف عند االهتمام بالج�س���م ،فقد يك���ون اللبن جيدً ا
كح�سن التكوين.
فح�سن الطبع �ضروري ُ والمر�ضع �سيئةُ ،
وكذل���ك ُيرك���ز �أئم���ة الإ�س�ل�ام على �أهمي���ة �أخالقي���ات المر�ض���ع ،و�أث���ر لبنها على
�أخالقي���ات الطفل ،وقد ب ّين الر�س���ول �أهمية الر�ض���اعة في تربي���ة الطفل ،و�أن الطفل
200
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
يرث عن طريق اللبن �صفات �أو خ�صائ�ص المر�ضع العقلية ،فقد قال « :ال ت�ستر�ضعوا
الحمقاء ،ف�إن اللبن يورث».
�أما من ناحية الر�ضاعة ال�صناعية ،فقد ثبت � ً
أي�ضا �أنها من العوامل المعوقة للتربية
الأخالقية.
وفي مرحلة الر�ضاعة يتعلم الأطفال النظام ،وذلك ب�إر�ضاع الطفل في �أوقات معينة،
وتنظي���م نومه ويقظته في �أوقات معينة .وبتعويد الطفل على النظام يمكن تعليمه العادات
الح�سنة و�إبعاده عن العادات ال�سيئة ،وفق ما ت�شير �إليه الدرا�سات النف�سية المعا�صرة� ،إذ
ال خالف بين ما ينادي به الإ�سالم في ذلك ،وما ت�ؤكده الدرا�سات النف�سية المعا�صرة.
وت�ؤدي الر�ض���اعة ب�ش���كل منظم �إلى تقوية �إرادة الطفل بطريق غير مبا�ش���ر ،وبذلك
يتعل���م ال�ص���بر � ً
أي�ض���ا؛ لأنه يتعل���م من ذلك كل���ه �أنه لي�س كل م���ا يرغب فيه ف���ي �أي وقت
ُي�س���تجاب ل���ه ولرغبته ،ومن ثم ال ينتظر ذلك من المجتم���ع ،عندما يخرج �إليه فيما بعد.
ومدة مرحلة الر�ضاعة في الإ�سالم �سنتان وفق ما جاء في كتاب اهلل العزيز} :ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ{ (البقرة.)233:
-3مرحلة الح�ضانة:
تبد�أ من نهاية ال�س���نة الثانية ،وت�ستمر �إلى ال�سنة ال�سابعة ،ويجب �أن يكون من يتولى
رعاية الطفل من ذوي الأخالق الحميدة.
وق���د قرر الإ�س�ل�ام �أن تكون الح�ض���انة في ي���د الأم؛ لأنها �أكثر رف ًق���ا وعط ًفا ورحمة
بالطفل ،وذلك لين�ش�أ الطفل عطو ًفا رفي ًقا رحي ًما بالنا�س.
وت�شير الدرا�سات النف�سية المعا�صرة �إلى �أنه لكي يكون النمو �سلي ًما ،يجب �أن يعي�ش
الطف���ل في الح�ض���انة الطبيعية بي���ن الأم ورعايتها ،وبي���ن �أ�ش���قاءالوالد الرحيم ورعايته
201
علم النف�س التربوي الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو
وتربيت���ه .وله���ذا ،فمن الخط أ� في التن�ش���ئة االجتماعية لل�ص���غار �أن يق�ض���ي الآباء معظم
�أوقاتهم لأمور لي�ست �ضرورية خارج البيت بعيدً ا عن �أبنائهم.
و�إن ان�ش���غال الن�س���اء المتزوجات والأمه���ات بالأعمال المختلفة خ���ارج البيت عددًا
وفادح���ا لواجب الأم نحو كبي��� ًرا من ال�س���اعات من الناحي���ة االجتماعية ُيع ّد � اً
إهمال كبي ًرا ً
الطفل الذي يواجه �آثا ًرا �سيئة في عملية النمو الطبيعي.
وخ�صو�صا
ً وقد �أدركت معظم الدول ،بعد تجربة� ،ضرورة تفرغ الأم لتربية �أطفالها،
في مرحلة الح�ض���انة ،مع �ضرورة تعليم المر�أة من �أجل نف�سها ومن �أجل زوجها ومن �أجل
�أطفالها على ال�سواء.
وله���ذا كله �ش���جع الإ�س�ل�ام عل���ى تعليم البن���ات وتربيته���ن ،و�ش���جع على تربي���ة الأوالد
وتعليمهم ،وجعل المر�أة الم�س����ؤولة عن تربية �أبنائها بعد �أن جعل مقرها البيت ،فقال الر�سول
« :كلك���م را ٍع ،وكلك���م م�س�ؤول عن رعيت���ه :الإمام را ٍع وم�س�ؤول عن رعيته ،والرجل را ٍع في
�أهله وم�س�ؤول عن رعيته ،والمر�أة راعية على بيت زوجها وم�س�ؤولة عن رعيتها ،والخادم را ٍع
في مال �سيده وم�س�ؤول عن رعيته ،وكلكم را ٍع وم�س�ؤول عن رعيته»(((.
وفي مرحلة الح�ضانة قد تكون هناك التربية ال�سلبية والتربية الإيجابية� ،أما الجانب
ال�س���لبي من التربية والتن�ش���ئة االجتماعية في مرحلة الح�ض���انة ،ف�إنه يتمثل في التقارب
الذي قد يحدث بين الطفل وقرناء ال�س���وء والبيئة الفا�س���دة بوجه عام ،حيث قد تت�س���رب
�إليه الرذائل والأمرا�ض منذ نعومة �أظفاره ،ومن ثم قد يكون من ال�ص���عب معالجته منها
فيما بعد� ،إذا ر�سخت في نف�سه تلك الأمرا�ض ،وخا�صة الأمرا�ض االجتماعية.
والأ�س���ا�س ف���ي هذا كله� ،أن الطفل في ه���ذه المرحلة له طبيعة مرنة تقبل الت�ش���كيل
وامت�ص���ا�ص العادات والقيم االجتماعية ،ومن ثم �س���رعة ت�أثره بالو�سط االجتماعي الذي
يعي�ش فيه ،ولهذا �إذا و�ضع الطفل في بيئة �صالحة يتطبع بال�صالح ب�سرعة ،وعلى العك�س
�إذا وقع في بيئة فا�سدة موبوءة يتطبع بالف�ساد ،وي�صاب ب�أمرا�ض اجتماعية مختلفة.
ولهذا كله �أمر الإ�سالم باالبتعاد عن البيئة الفا�سدة وعن قرناء ال�سوء ،لقول عمر « :ال
ت�ص���حب الفاجر فيعلمك من فجوره»((( .وقال بزرجمهر�« :إياك وقرناء ال�سوء» .وكان �أبلغ تعبير
وت�ص���وير لأثر البيئة في تربية الطفل قول اهلل } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{ (الأعراف.)58:
�أما الجانب الإيجابي من التوجيه والرعاية الوالدية للأبناء ال�صغار ،من وجهة نظر
الإ�سالم ،فهو حثهم على االنتماء �إلى الرفقة والبيئة ال�صالحة الطيبة.
ونظ��� ًرا لمرونة طب���ع الطفل ولوجود قوة المح���اكاة عنده ،يتطبع ب�س���رعة بالأخالق
الح�س���نة .و ُيقرر المربون �أن الطفل في هذه المرحلة المبكرة يقبل كل ما يلقن له ،ولهذا
تكون التربية في هذه المرحلة مي�س���ورة بالتلقين والإيحاء والقدوة ممن حوله ،ولهذا نجد
في الإ�سالم مبد�أ القدوة الح�سنة و�آثار ذلك على تطبيع الطفل على محا�سن الأخالق.
هذا� ،إال �أن التربية الإيجابية في هذه المرحلة تقت�ض���ي تدريب الطفل على ال�س���لوك
العلمي وال�س���لوك الم�ؤدب الذي ي�ستطيعه ،الذي يتعلق ب�أكثر الحاجات ظهو ًرا عنده� ،سواء
�أكانت هذه الحاجة ج�سمية �أم نف�سية ،و�أن ُيلقن الآداب المتعلقة بتلك الحاجات.
ومن الحاجات الج�س���مية الوا�ض���حة ،الحاجة �إلى الأكل وال�شرب؛ لذا يجب �أن ُيلقن
الطفل في هذه المرحلة �آداب الأكل وال�شراب ،وهذا ما كان يفعله الر�سول مع الأطفال،
غالما في حجر ر�س���ول اهلل ،وكانت فق���د روي عن عمر بن �أبي �س���لمة �أنه قال« :كنت ً
يدي تطي�ش في ال�صحفة ،فقال لي ر�سول اهلل « :يا غالم� ،س ِّم اهلل ،و ُك ْل بيمينك ،و ُك ْل
مما يليك» ،فما زالت تلك طعمتي بعد(((.
((( �أخرجه ابن �أبي �شيبة يف م�صنفه ( 384/8رقم )26041والبيهقي يف �شعب الإميان ( 257/4رقم .)4995
((( �أخرجه البخاري (رقم )5376وم�سلم (رقم .)2022
203
علم النف�س التربوي الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو
ويجب في هذه المرحلة دفعهم �إلى الف�ض���ائل وتحذيرهم من الرذائل والتفريق بين
وا�ضحا في �أذهانهم.
ً مفهوما
ً ما هو حالل وحرام ،و�أن يكون كل ذلك
وله���ذا كل���ه نجد الر�س���ول ي�أم���ر بتدري���ب الأطف���ال وتعليمهم بع����ض الواجبات
والم�س�ؤوليات الم�ستطاعة ابتداء من ال�سنة ال�سابعة ،فقد روي �أنه قال« :مروا �أوالدكم
بال�صالة وهم �أبناء �سبع �سنين ،وا�ضربوهم عليها وهم �أبناء ع�شر �سنين ،وفرقوا بينهم
في الم�ضاجع»(((.
وهن���ا نج���د الف���رق بين التكليف في ال�س���ن ال�س���ابعة ثم في العا�ش���رة ،ث���م نجد �أنه
�أم���ر بالتفريق في الم�ض���اجع ،حيث يكون الطفل في �أواخر هذه المرحلة عنده �ش���يء من
أي�ضا ب�ضرورة اال�ستئذان قبل الدخول على الكبار، الإدراك للأمور الجن�س���ية ،ولذلك �أمر � ً
وخ�صو�صا في الأوقات التي ُيحتمل �أن تقع عيونهم على العورات. ً
تلخي�ص:
-1مطالب النمو في مرحلة الطفولة لطفل ما قبل التعليم الأ�سا�س���ي تتمثل في المطالب
التكوينية الع�ضوية والثقافية واالجتماعية والمعرفية والعقلية.
-2المطالب التكوينية الع�ضوية تتمثل في تعلم الم�شي والكالم والأكل والمهارات الحركية.
-3المطالب الثقافية واالجتماعية تتمثل في تعلم المهارات العقلية التي ُتمكن من تحمل
الم�س�ؤولية االجتماعية.
-4مطال���ب الجوان���ب المعرفية والعقلي���ة تتمثل في مطالب �أ�سا�س���ية -التعل���م والتذكر
والتفكير واكت�ساب المعلومات والمعارف.
-5يت�أثر الذكاء عند الأطفال -حيث ي�س���تمر حتى �س���ن الع�ش���رين �أو ما بعد هذه ال�سن-
بالعوامل الوراثية والبيئية واالنفعالية والقدرات المكت�سبة.
-6تعل���م المه���ارات العقلية يتوقف على نمو الذكاء وعلى اكت�س���اب المع���ارف والمهارات
وعلى توافر اال�ستعدادات والقو ى العقلية.
-7مطال���ب الجوان���ب االنفعالية تتمث���ل في تطوير النم���و االنفعالي ف���ي مظاهر الخوف
والحب والغ�ض���ب والمرح والأ�سى .وتتمايز االنفعاالت ،وت�ض���بط االنفعاالت واالتزان
االنفعالي كلما تقدم الطفل في العمر.
-8يت أ�ث���ر النم���و االجتماع���ي من خ�ل�ال البيئ���ة االجتماعي���ة والثقافية ،وت�ؤدي التن�ش���ئة
الخلقي والديني. االجتماعية دو ًرا �أ�سا�س ًّيا في النمو ُ
-9في تق�سيم مراحل النمو الإن�ساني في الإ�سالم تق�سم مراحل النمو �إلى مرحلة ما قبل
الوالدة -مرحلة الر�ضاعة -مرحلة الح�ضانة -مرحلة التمييز �أو الطفولة المت�أخرة.
206
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
�أ�سئلة وتمارين:
-1و�ض���ح كي���ف تكون المطالب والمظاه���ر العقلية في النمو عند طفل ما قبل المدر�س���ة
االبتدائية.
-2و�ضح تطور النمو االنفعالي عند طفل ما قبل المدر�سة االبتدائية.
-3حدد مظاهر التن�شئة االجتماعية عند طفل ما قبل المدر�سة االبتدائية.
-4كيف يتم النمو الخلقي عند طفل ما قبل المدر�سة االبتدائية.
-5كيف يتم النمو الديني عند طفل ما قبل المدر�سة االبتدائية.
-6يهتم الإ�سالم في مراحل النمو الإن�ساني بمرحلة ما قبل الميالد .ا�شرح.
-7يهتم الإ�سالم في مراحل النمو الإن�ساني بمرحلة الح�ضانة .ا�شرح.
-8من مراحل النمو الإن�ساني في الإ�سالم مرحلة التمييز .ا�شرح.
خ�صائ�ص النمو ومطالبه
يف مراحل التعليم العام
•الأهـداف:
(� )1أن يح���دد املتعل���م خ�ص���ائ�ص النم���و ومظاه���ره يف املرحل���ة االبتدائي���ة
(� )12-6سنة.
(� )2أن يتعرف �إىل خ�صائ�ص النمو يف املرحلة املتو�سطة (� )15-12سنة.
(� )3أن يتعرف �إىل خ�صائ�ص النمو يف املرحلة الثانوية (� )18-15سنة.
(� )4أن يبدي املتعلم ر�أيه يف التعامل الأبوي يف مرحلة املراهقة.
(� )5أن يقدر املتعلم دور املدر�سة يف حتقيق مطالب النمو.
خ�صائ�ص النمو ومطالبه
يف مراحل التعليم العام
:
م���ن الأم���ور المهم���ة �أن يع���رف المعلم ،خ�ص���ائ�ص النم���و ومظاهره ف���ي المراحل
التعليمية االبتدائية والمتو�سطة والثانوية ،حتى يوجه المتعلمين توجي ًها تربو ًّيا �سلي ًما.
� اً
أول :خ�صائ�ص النمو ومظاهره يف املرحلة االبتدائية (� 12 - 6سنة).
يبد�أ الطفل في ال�ساد�س���ة من عمره ،االلتحاق بالمرحلة الدرا�س���ية الأولى ،التي ُتع ّد
الركي���زة التعليمي���ة المهمة التي تقوم عليها الركائز التعليمي���ة الالحقة في مراحل العمر
المقبلة .حيث تت�ش���كل فيها ا�س���تعداداته ،وتتبلور قدراته ،وتتكون مفاهيمه ومدركاته عن
الأ�شياء الح�سية الملمو�سة والمعنوية والمو�ضوعات والأ�شخا�ص.
وخ�ص���ائ�ص النمو الج�س���مي لطف���ل المرحلة االبتدائي���ة تتمثل في الن�ش���اط الزائد
والحيوية والفاعلية ،حيث ي�ستخدم القوى الع�ضلية والقوى الج�سمية في ن�شاطه الحركي.
ً
ون�شاطا ،بل يت�سم ويتميز الذكور بالقوة الع�ض���لية �أكثر من الإناث ،ما يجعلهم �أكثر حركة
أنواعا مختلفة من الألع���اب غير التي
�س���لوكهم الحرك���ي بال ُعنف ،لذل���ك يمار�س الذك���ور � ً
يمار�س���ها الإناث .ف�أن�ش���طة الذكور تتميز بالعنف وال�ش���دة والقوة وا�س���تخدام الع�ضالت،
بينما �أن�شطة الإناث تتميز بالهدوء والتروي والت�أمل والتفكير الهادئ غير العنيف.
-1وف���ي المرحل���ة االبتدائي���ة ي�ؤدي النم���و الحركي �إلى زي���ادة الأن�شطة الحركية
العنيف���ة الت���ي يمار�سه���ا الطف���ل الذك���ر ب�صفة خا�ص���ة ،وكثرة الحرك���ة واالنتقال واللعب
210
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
والجري ولعب الكرة ،وركوب الدراجات ،وت�سلق الأ�شجار ،وال�صيد ،والمخاطرة في بع�ض
الأحيان؛ للتغلب على عقبة معينة ال�ستك�شاف ما هو مجهول في بيئته المادية واالجتماعية.
-2النمو االنفعالي :يظهرالنمو االنفعالي للطفل فيما يظهر من انفعاالته المختلفة
���تخدما اللغة ،بالن�سبة �إلى ما يريده ويرغبه ،وما ال يريده وينبذه ،ويكرهه ،يبدو ذلك
ً م�س
ظاه ًرا في ا�س���تخدام الألفاظ بطالقة و ُي�س���ر بعد �أن كان -فيما قبل -ي�س���تخدم الإ�شارة
والحرك���ة للدالل���ة والتعبير عن انفعاالته� ،أي كان ي�س���تخدم ما ُيع���رف باللغة الرمزية في
مرحلة ما قبل التعليم االبتدائي.
وبعد �أن كان �س���لوك البكاء وال�ص���راخ و�س���ائل تعبيرية -فيما قبل -للح�ص���ول على
رغبته ،تقل بل ت�ض���عف تلك الو�س���ائل ،ويحل محلها المرح وال�ض���حك ،وم�شاركة الآخرين
وجذب انتباههم ،بل �أحيا ًنا القيام ببع�ض الحركات الم�ضحكة وتقليد مواقف معينة تتمثل
في �سلوك الآباء �أو الإخوة الكبار �أو المعلمين �أو رفاقه في الدرا�سة �أو اللعب.
ويظهر بو�ضوح هذا النمو االنفعالي ً �-
أي�ضا -في ميل الطفل �إلى جمع �أ�شياء معينة،
مث���ل طوابع البريد ،والأحجار المختلفة ،وق�صا�ص���ات من المجالت وال�ص���حف ،و�ص���ور
الأبطال� ،إلى غير ذلك.
لذلك تهتم المدار�س االبتدائية بتكوين الجماعات المدر�س���ية المختلفة ،التي تتوافق
أنواعا متباينة من الن�ش���اط كالألعاب الريا�ضية،
والميول االجتماعية المختلفة التي تمار�س � ً
والرحالت والتمثيل ،والر�س���م ،والنحت ،والت�صوير ،والك�ش���افة التي تمار�س �أ�ساليب معينة
من العمل� ،سواء في البيئة المحيطة� ،أم في الأماكن الخلوية النائية ،حيث يمار�س التالميذ
حياة المع�سكرات ،وما تتطلبه من تق�شف وتعاون وجر�أة وب�سالة و�إنكار الذات وحب الغير.
وعن طريق الممار�س���ات االجتماعية والم�ش���اركات الإيجابي���ة التي يتم توجيهها من
قب���ل المعلمين ،يكت�س���ب الطفل مفاهي���م اجتماعية مختلف���ة ،كالأمانة وال�ص���دق والحق
والواجب وال�شرف والتعاون ،ويكت�سب القيم الدينية والأخالقية ال�سليمة.
-4النمو اللغوي :وطفل هذه المرحلة تزداد ح�صيلته اللغوية ب�صورة وا�ضحة وب�شكل
ملح���وظ ،ويظهر النمو اللغوي بو�ض���وح عند ا�س���تخدام اللغة والمفاهيم والم�ص���طلحات
اللغوية ال�صحيحة .وتنمو اللغة من خالل االحتكاك بالآخرين ومن خالل التعامل اليومي،
فيكت�س���ب الطفل طرق تعبير متباينة عن المو�ض���وعات والأ�شخا�ص ،ومن ثم يمكنه و�صف
ما ي�شاهده في عبارات لفظية ،مع ما قد ي�صاحب ذلك من قواعد اللغة ونظامها النحوي،
�أو اال�ستخدام -غير ال�سليم لحد ما -للغة في قواعدها و�أ�صولها النحوية.
-5النم���و العقل���ي والمعرفي :في هذه المرحلة يظهر في طريقة تفكير الطفل وقوة
مالحظته بالن�س���بة �إلى ما يدور حوله من مو�ض���وعات و�أحداث وت�س���ا�ؤالت .وا�ستف�سارات
الطف���ل ع���ن كل ما يقع ،وما ال يقع تحت ح�س���ه و�إدراكهُ ،يع ّد من و�س���ائل الن�ش���اط العقلي
والمعرفي للو�ص���ول �إلى معرفة الواقع ،من خالل التجريب والخط�أ وال�ص���واب والمحاولة
في كثير من المو�ضوعات.
فيما يتعلق بالمدركات والمفاهيم عن الأ�ش���ياء والأ�شخا�ص والزمن واالجتماعيات،
نجد طفل المرحلة االبتدائية يتعلم مدركات العدد ،ويمكنه التعامل مع غيره في العمليات
الح�سابية اليومية كالبيع وال�شراء.
212
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
ويتعل���م في المرحل���ة االبتدائية م���دركات الزمن ،حي���ث ُيدرك ويفه���م معنى اليوم
والأم�س والغد ،ومعنى الحا�ض���ر والما�ض���ي والم�س���تقبل ،ومعنى بعد برهة وبعد فترة من
الزمن� .إلى غير ذلك من ال ُمدركات الكلية التي تعبر عن زمن معين.
ويتعل���م و ُيدرك ويمار�س المفاهيم االجتماعية والأخالقية ،التي ت�ص���بح ذات معنى
بالن�س���بة �إلي���ه ،فيفهم معنى الخي���ر والحق والواج���ب والتعاون والنظام والع���دل والأمانة
خ�صو�ص���ا �إذا كانت الممار�سات الأخالقية واالجتماعية في
ً وال�صدق وتحمل الم�س�ؤولية،
بيئته االجتماعية تقوم على توجيهه و�إر�شاده وتعلية هذه المفاهيم االجتماعية والأخالقية.
و�أفعاله و�أقواله ،ما قد يجعله غير متقبل لتوجيه �أو تعديل �س���لوكه ،عندما ير�ش���ده الآباء
�أو المعلمون.
هذا� ،إ�ض���افة �إلى التغيرات الف�س���يولوجية المفاجئة التي تطر�أ على ج�سم المراهق
والتي ت�ؤدي بالمتعلم في هذه المرحلة �إلى ال�شعور باالرتباك والح�سا�سية الزائدة بالن�سبة
�إلى هذه التغيرات الجديدة ،وما قد ي�صاحب ذلك من الحيرة بالن�سبة �إلى و�ضعه ومكانته،
حيث تنتابه م�شاعر تجعله في حيرة ،هل هو في عالم ال�صغار �أم في عالم الكبار.
-2النمو المعرفي والعقلي :في المرحلة المتو�س���طة تزداد �أحالم اليقظة في هذه
المرحلة والتفكير الخيالي وال�ص���راع النف�سي ..حيث ُيحاول الفتى �أو الفتاة �أن يعرف �أين
مكانه وو�ض���عه؟ هل هو بين الكبار وت�ص���رفاتهم و�أفعالهم الحكيمة المحددة القائمة على
المنطق والتفكير؟ �أم بين ال�صغار وت�صرفاتهم و�أفعالهم الع�شوائية غير المحددة؟
و ُتع��� ّد ه���ذه المرحل���ة م���ن الناحي���ة العقلي���ة مرحل���ة تماي���ز الق���درات والمه���ارات
واال�س���تعدادات .لذلك من واجب المدر�سة االهتمام بالتربية الج�سمية والعقلية بما ي�شبع
رغب���ة المتعل���م �أو المتعلمة من حيث التع���رف �إلى تلك التغيرات الف�س���يولوجية من خالل
درا�سة الأحياء والدرو�س الدينية.
-3التربي���ة ال�صحي���ة والريا�ضي���ة :يج���ب �أن تهتم المدر�س���ة المتو�س���طة بالتربية
ال�ص���حية والتربية الريا�ض���ية ،بما ُي�س���اعد عل���ى توجيه طاق���ات المتعلم م���ن �أبناء هذه
المرحلة في النواحي الج�س���مية توجي ًها �سلي ًما ،واجتياز هذه المرحلة الحرجة با�ستخدام
الطرق العلمية ال�س���ليمة ،حيث يكون المعلم بالن�س���بة �إل���ى المتعلمين موج ًها ومرب ًيا يعمل
على حل م�شكالتهم.
و ُتع ّد المرحلة المتو�س���طة مرحلة التوجيه التعليمي ،لذا يجب معرفة ميول التالميذ
وا�س���تعداداتهم لتوجيههم نحو نوع التعليم المنا�س���ب� ،س���واء كان لموا�ص���لة التعليم العام
(الثانوي) �أو المهني والفني.
214
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
مختلفة عما قبل ذلك ،تتمثل في الميل �إلى اال�س���تقالل والتحرر من ال�سلطة� ،سواء �أكانت
�سلطة الوالدين� ،أم �سلطة الآخرين عامة.
-4اال�ستقاللية :وتظهر في التم�س���ك بر�أي المراهق تم�س��� ًكا �ش���ديدً ا ي�صعب عليه
الحي���اد عن���ه مهما �أقنعه الآباء �أو المعلمون بفكرة �أو بر�أي �آخر بديل ،وتمثل هذه المرحلة
العمرية ما ُتعرف بمرحلة الفطام النف�س���ي واالجتماع���ي ،والتحرر واالعتماد على النف�س
اعتمادًا كل ًّيا.
هذه الخ�ص���ائ�ص تعمل على �إثبات الذات وت�أكيد المراهق لنف�س���ه ،ب�أنه �أ�ص���بح في
عالم الرجال ،وتقبله داخل جماعة الكبار بر�أيه ال�شخ�صي وتفكيره الذاتي.
-5اال�ضطرابات االجتماعية :كثي ًرا ما ين�ش�أ التعار�ض ال�شديد بين الأبوين والمحيطين
بالمراهق ،من حيث تقبلهم الر�أي واالن�صياع له ب�صورة �أو ب�أخرى ،ومن هنا يحدث ال�صراع
النف�س���ي لدى المراهق ،وتظهر �آثاره في �أنماط �سلوكه �إزاء الوالدين والآخرين ،متمثلاً في
كثرة الم�شاحنات واالختالفات والمناق�شات الكثيرة التي تت�صف بالعناد والإ�صرار ال�شديد،
وما قد يقابل ذلك من ا�ض���طهاد �أو عنف من الوالدين �أو الأقربين ،ما يزيد من عدم توافق
المراه���ق في حيات���ه االجتماعية .وكثي ًرا ما يثور على الأو�ض���اع التقليدية ،بهدف تجديدها
وتطويرها ،لكنه في �أعم الأحوال ُي�صدم بال�صد والمنع وعدم التقبل من الأبوين والآخرين،
فيتجه �إلى تكوين جماعات متطورة من نف�س عمره �أو تختلف قليلاً ،حيث يتخذها �س���ندًا له
للتكتل �ضد الكبار و�ضد �أفكارهم و�آرائهم ،وكثي ًرا ما تكون ال ُع�صبة �أو الع�صابة ال�سبيل �إلى
تحقيق الم�آرب والغايات للمراهقين في هذه المرحلة العمرية.
-6الخ�صائ�ص الدينية :مما ُيالحظ في هذه المرحلة العمرية الح�سا�س���ة من عمر
المراهق ،ظهور االتجاه الديني والتفكير في �أمور الدين ب�ص���فة م�ستمرة ،ومناق�شة الآراء
الدينية ،لدرجة الت�ش���كك ال�ش���ديد الوا�ض���ح فيه���ا� ،أو االلتزام التام والتم�س���ك بالعقيدة
بالتزام كامل.
216
الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو علم النف�س التربوي
وتظهر المناق�شات الجدلية حول المو�ضوعات الدينية ،حيث تكون �آرا�ؤه و�أفكاره في
مثل هذه الأمور ،بما يتوافق ،و ُي�شبع رغبته ال�شديدة في �إظهار ر�أيه و�سط الآخرين.
وغال ًب���ا م���ا نجد المراه���ق يتذبذب بين ال�ش���ك واليقين والإيمان ف���ي �أوقات كثيرة،
مح اً
���اول التف�س���ير حتى ي�ص���ل �إلى ن���وع من اال�س���تقرار النف�س���ي يتمثل في �أح���د موقفين
مت�ض���ادين ،ف�إم���ا يتجه نحو التدين واالت���زان ،و�إما يتجه نحو الت�ش���كك والحيرة .فهو �إما
يتج���ه نحو الطرف الموجب ،و�إما يتجه نحو الطرف ال�س���الب ..وفي كلتا الحالتين ت�ش���تد
انفعاالته ،وتتميز �آرا�ؤه و�أفكاره بالتع�صب والتم�سك ال�شديد.
-7الخ�صائ����ص المعرفي���ة العقلية :م���ن الناحية المعرفية العقلي���ة ،تتميز مرحلة
المراهق���ة لتالميذ المرحلة الثانوي���ة بتمايز القدرات العقلية التي ت����ؤدي بالمراهق� ،إلى
تنوع ال�س���لوك وتباين���ه وتمايزه ،ف ُيحاول اال�س���تزادة العلمية الثقافية من قراءة وا�س���تماع
وم�ش���اهدة ودرا�سة وبحث وا�ستق�صاء واكت�ش���اف� ...إلى غير ذلك من ا�ستعدادات وميول
تظهر وا�ض���حة ف���ي �أنماط ال�س���لوك ،وما يعق���ب ذلك م���ن اهتمامات علمي���ة توجهه �إلى
الدرا�سة الجامعية �أو غيرها من الدرا�سات ما بعد الثانوية.
ومما يالحظ� ،أنه في ه���ذه المرحلة تظهر القيادات والريادات والزعامات ،فيظهر
الريا�ضيون والخطباء والر�سامون ،وال�شعراء ،والرواد واالجتماعيون.
التعامل الأبوي:
يج���ب على الوالدين مراعاة المراهق في هذه المرحلة العمرية الحرجة من حياته،
بالتوجيه والإر�ش���اد بطريقة �سليمة ال ق�ص���ر وال �إجبار فيها ،من حيث تزويده بالمعلومات
الثقافية والدينية و�إ�ش���باع دوافعه الملحة بالن�س���بة �إلى هذه الأمور المهمة لديه ،من حيث
اال�ستزادة العلمية الوا�ضحة ،فيما يخ�ص العقائد الدينية على وجه العموم.
والمناق�ش���ة من الوالدين ،والإقناع العلمي ،والتزويد بالمعلومات والأفكار ال�س���ليمة
وعدم �صد المراهق فيما ي�س�أل وفيما يناق�ش وفيما ي�ؤكد ،يترجم ما في ذهنه من ت�صورات
217
علم النف�س التربوي الباب الثالث� :سيكولوجـية النمــو
و�آمال ..كل ذلك في الواقع ي�ؤدي �إلى التهيئة النف�س���ية ال�سليمة للمراهق ،لتقبل ما ي�سمع،
وفهم ما يقال ،وتمثل وه�ضم الآراء والمناق�شات ب�صورة علمية ال لب�س فيها وال غمو�ض.
تلخي�ص:
خ�صائ�ص النمو ومظاهره في مراحل التعليم ت�شمل ما ي�أتي:
-1يف املرحلة االبتدائية :النمو اجل�س���مي -النمو االنفعايل -النمو االجتماعي -النمو
اللغوي -النمو العقلي واملعريف.
-2يف املرحل���ة املتو�سط���ة :النم���و اجل�س���مي ،النمو املع���ريف والعقلي -الرتبية ال�ص���حية
والريا�ضية.
-3يف املرحل���ة الثانوي���ة :التغريات االنفعالية واملزاجية -العالقات االجتماعية -التغريات
اجل�سمية -اال�ستقاللية واال�ضطرابات االجتماعية -اخل�صائ�ص الدينية -اخل�صائ�ص
املعرفية والعقلية -م�س�ؤوليات املدر�سة الثانوية.
�أ�سئلة وتمارين:
-1و�ضح خ�صائ�ص النمو ومظاهره يف املرحلة االبتدائية.
-2و�ضح خ�صائ�ص النمو ومظاهره يف املرحلة املتو�سطة.
-3و�ضح التغيريات االنفعالية واملزاجية واالجتماعية يف املرحلة الثانوية.
-4حدد خ�صائ�ص الرتبية ال�صحية والريا�ضية يف املرحلة املتو�سطة.
-5و�ضح م�س�ؤوليات املدر�سة الثانوية جتاه تالميذ املدر�سة الثانوية.
دافعية ال�سلــوك لدى المتعلـم
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل الفروق الفردية يف الدافعية بني املتعلمني.
(� )2أن يذكر املتعلم مفهوم الدوافع.
(� )3أن يحدد دور الدافعية يف حتقيق الأهداف التعليمية.
(� )4أن يعدد املتعلم خ�صائ�ص الدافعية لل�سلوك.
(� )5أن يف�سر مفهوم تنميط الدوافع.
(� )6أن يذكر �أ�س�س تف�سري الدافعية.
(� )7أن يف�سر �آليات ال�سلوك.
(� )8أن يعدد العوامل التي ت�ؤثر يف ال�سلوك الهادف.
(� )9أن يو�ضح املتعلم العالقة بني الدافعية والتعلم.
(� )10أن يتعرف �إىل مثريات وموجهات ال�سلوك املرتبطة بالدافعية.
(� )11أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف �إزالة �إعاقات حتقيق الأهداف والدافعية.
الدافعية وال�سلوك الإن�ساين
:
من المعروف �أنه يتم التحكم في ال�س���لوك الإن�س���اني وتوجيه���ه ،عند فهم الحاجات
والدواف���ع والمي���ول ،لذل���ك ف����إن الجهد الأكبر م���ن عمل المعلمُ ،ي�ؤ�س����س ح���ول الدافعية
لل�سلوك .وعندما يخفق المعلم في العملية التعليمية ،ف�إن مرجع ذلك يعود �إلى عدم قدرته
على فهم الدور الذي ت�ؤديه الدوافع في ن�ش���اط المتعلمين واهتمامهم بالمادة الدرا�س���ية.
وكثي ًرا ما ي�س�أل المعلم �أ�سئلة تدور حول كيفية ربط الدر�س بحاجات المتعلمين وميولهم،
وكي���ف ُيمكن تقويم ط���رق التدري�س من حيث �أثره���ا في الميول والدافعي���ة ،وكيف ُيمكن
ت�شخي�ص الميول والدوافع.
لذلك ،ف�إن �أهمية وفهم الدور الذي يت�صل بالدافعية في ال�سلوك ،وكيفية اال�ستفادة
من ه���ذا الدور ،ي�ؤدي �إلى اهتمام المتعلمين بالمادة الدرا�س���ية و�إقبالهم عليها ،و ُي�ش���عر
المتعلمين بمدى �أهمية التح�ص���يل الدرا�س���ي .وعلى طرف �آخر ،ف�إن فهم �أهمية الدوافع
في توجيه �سلوك المتعلم قد ي�ؤدي �إلى حدوث م�شكلة تتعلق بالنظام في الف�صل ،وقد ي�ؤدي
�إلى �ش���عور المتعلمي���ن بالتعب والملل ،و�إل���ى تعلم غير هادف ،و�إلى �إح�س���ا�س ب�أن العملية
التعليمية ،وما يرتبط بها من تح�صيل درا�سي لي�س لها �أهمية.
المعلم ،وال ي�س���تجيب لن�ص���حه �أو ن�ص���ح ذوي���ه و�أهله .وق���د يقبل بع����ض المتعلمين ب�أداء
واجباتهم بجدية تامة لإر�ضاء المعلمين ،ومنهم من يقوم ب�أداء واجباته الدرا�سية لمجرد
�أداء الواج���ب المطلوب من���ه ،ويحاول بع�ض المتعلمين التفوق ف���ي كل عمل ي�ؤدونه في �أي
بع�ضا �آخر يقوم فقط بما يطلب منهم ،دون تحم�س �أو جدية. مقرر درا�سي ،في حين �أن ً
و ُي�س���تخدم مفهوم الدافعية لتف�سير االختالف في ال�سلوك بين مختلف الأفراد ،من
حيث التح�صيل الدرا�سي �أو من عمل لآخر� ،أو الختالف فردين في عمل من الأعمال على
الرغم من ت�شابه ظروفهما �أو ت�ساوي قدراتهما وا�ستعداداتهما.
مفهوم الدوافع:
الداف���ع motiveعب���ارة عن عملية داخلية توجه ن�ش���اط الفرد نح���و هدف في بيئته.
ولي�س من الثابت �أن نجد كل المتعلمين مدفوعين بدرجة عالية �أو مت�ساوية ،ولكن المعلمين
يرغب���ون دائ ًما �أن يجدوا المتعلمين يميلون للدر�س ،ويع ّدونه �ش���ي ًئا مه ًّما بالن�س���بة �إليهم.
و�إنهم يريدون تجنب الإفراط في ال�س���لبية والالمباالة ،حيث ي�ش���عر المتعلم بالإحباط �أو
عدم الر�ضا عن المدر�سة ،لدرجة �أنه يريد �أن يتركها نهائ ًّيا ،وال ي�ستكمل تعليمه ،وفي هذا
�إهدار كبير للقوى الب�شرية.
والدافع مهم للمتعلم؛ لأن الدافعية يمكن �أن تخدم غر�ضين في الوقت نف�سه:
� -1أن تكون هد ًفا في حد ذاتها.
� -2أن تكون و�سيلة لتحقيق الأهداف التربوية.
فم���ن حي���ث هي هدف في ح���د ذاتهاُ ،ت�ص���بح الدافعية �أحد �أغرا����ض التدري�س� ،إذ
يهدف المعلم �إلى ا�س���تثارة اهتمام المتعلمين بمختلف الأن�شطة العقلية والفنية ،و�أن يظل
هذا االهتمام قائ ًما بعد انتهاء المتعلم من الدرا�سة وتخرجه �إلى الحياة العامة .فالمعلم
يه���دف �إلى �أن يكون المواطن مهت ًّما بالعلوم والتقدم التقني ،والعلوم ال�ش���رعية ومقومات
225
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
الحي���اة االجتماعي���ة ف���ي المجتمع .لذلك ،ف����إن الدافعية م���ن بين الأهداف التي ت�س���عى
المدر�س���ة �إلى تحقيقها لي�س هذا فح�س���ب ،بل �إن الميول والقيم ُتع ّد بع�ض نتائج الأهداف
التربوية والتعليمية ،وخا�صة في �إنماء الجوانب االنفعالية والوجدانية عند المتعلمين.
-7حتقيق الغر�ض :Purpose Verificationيتم ذلك عندما يتوقف ال�سلوك عندما يتم
حتقيق الغر�ض� ،أي الهدف الذي كان الإن�سان يرمي �إىل حتقيقه ،حيث يتم �إ�شباع
الدافع وعندئذ يتوقف ال�سلوك.
ت�صنيف الدوافع:
يمكن تق�سيم الدوافع �إلى �أنماط كالآتي:
-1الدوافع النا�شئة عن حاجات اجل�سم اخلا�صة بوظائفه الع�ضوية والف�سيولوجية،
كاحلاجة �إىل الطعام واملاء واجلن�س ،وهذا النوع من الدوافع ال يتعلمه الفرد �أو
يكت�سبه ،ولكنه موجود لديه بالفطرة.
-2الدوافع التي يكت�سبها الفرد نتيجة لنموه وات�صاالته بغريه وبالظروف االجتماعية
املحيطة به .و ُيطلق على النوع الأول ا�سم الدوافع الأولية �أو الفطرية �أو الأ�سا�سية
�أو الوراثية �أو الوالدية ،و ُيطلق على النوع الثاين ا�سم الدوافع الثانوية �أو املكت�سبة �أو
االجتماعية �أو املتعلمة.
وفيما ي�أتي و�صف لهذه الدوافع:
ُيطل���ق عليه���ا الفطرية �أو الوراثي���ة� ..أو الأ�سا�س���ية� ...أو الوالدية .و�أ�س���ا�س الدوافع
ات�صال مبا�ش ًرا بحياة الإن�سان وحاجاته الف�سيولوجية اً الأولية يرجع �إلى الوراثة التي تت�صل
الأ�سا�سية .وقد يعتقد �أن الدوافع الأولية �أقل ت�أثي ًرا في حياة الإن�سان من الدوافع الثانوية،
والواق���ع في ذلك يتوقف �إلى حد كبير على درجة �إ�ش���باع هذه الدوافع ،فدافع الجوع مثلاً
ال يظه���ر له �أثر كبير في حياة الإن�س���ان ،حيث يتم �إ�ش���باعه با�س���تمرار� .أم���ا في الحاالت
التي ي�ص���عب فيه���ا العثور على العام ،فتبدو الأهمية الكبرى له���ذا الدافع و�أثره في توجيه
�سلوك الإن�سان.
228
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
تف�سير الدافعية:
يتوقف تف�سير الدافعية وال�سلوك على �أ�سا�س:
-1التعرف �إىل م�صادر ن�شاط الإن�سان،
� -2أن الدافعية ت�ؤدي بالإن�سان �إىل اختيار بع�ض �أنواع من الن�شاط ،ورف�ض �أنواع �أخرى،
�أي �إنها تتميز �أحيا ًنا باجلانب االختياري والإرادي عند القيام بن�شاط.
ولقد ظهرت تف�س���يرات عدة� ،أي نظريات ،تحاول تف�سير الدافعية و�أ�سباب ال�سلوك.
وفيم���ا ي أ�ت���ي بع�ض هذه التف�س���يرات التي نحاول في النهاية و�ض���ع تف�س���ير ع���ام للدافعية
لأ�سباب ال�سلوك على اختالف �أنواعه.
229
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
�صحيحا ،و�إن من الخط�أً الإن�سان �إلى الحياة ،لي�س له قيمة لتف�سير ال�سلوك الإن�ساني تف�سي ًرا
افترا�ض نوع من الطاقة ،يختلف عن �أنواع الطاقات المعروفة في علوم البيولوجي والكيمياء
والفيزي���اء؛ لأن مث���ل ه���ذا االفترا�ض يجب �أال ُيف�س���ر على �أ�سا�س���ه دافعية ال�س���لوك� ،إال بعد
ا�ستنفاد كل المحاوالت لتف�سير الدافعية على �أ�سا�س العمليات البيولوجية (�أي الحيوية).
والواقع �إن ن�شاط الإن�سان ب�صفة خا�صة ون�شاط الحيوان ب�صفة عامة ،يلزمه الطاقة،
ولكنه���ا الطاقة البيوكيميائي���ة Biochemicalالعادية التي ت�أتي م���ن الطعام الذي يتناوله
ومن الهواء الذي يتنف�س���ه .ف�إذا تغذى الكائن الحي ف�س���وف يبقى ً
ن�ش���طا ،و�إذا ُحرم من
الطعام �أو ف�شل في ه�ضم الطعام وامت�صا�صه ،ف�إن ن�شاطه �سوف يتناق�ص .وحتى مفهوم
الطاق���ة الغذائية ال ُيلقي الكثير من ال�ض���وء على الم�ش���كالت العملية للدوافع الإن�س���انية،
وخ�صو�ص���ا على م�ستوى ال�س���لوك االجتماعي المعقد .فال�شخ�ص الذي ال يعاني �أي نق�ص ً
في غذائه ،قد يكون فاتر القوى والن�ش���اط ،وال �أهداف له ،بينما الإن�سان النحيف الجائع،
قد يكون ملي ًئا بالطموح والطاقة والن�شاط .فعلى الرغم من �أن الغذاء هو م�صدر الطاقة،
�إال �أن الفروق العادية في التغذية لي�ست مرتبطة بالفروق في الدوافع لل�سلوك االجتماعي.
( )3تف�سير الدافعية على �أ�سا�س الحاجات والحوافز :Needs and Drives
نتيجة للنقد واالعترا�ضات ال�سابقة في تف�سير الدافعية على �أ�سا�س الغرائز ونظرية
الطاقة ،ظهر تف�سير للدافعية على �أ�سا�س الحافز Driveوالحافز هو نمط من المتغيرات
الملحة تنتج عن حاجة في الج�س���م �أو في الأن�س���جة .وهذه الحالة تدفع الكائن الحي �إلى
الن�ش���اط الم�ستمر لإ�ش���باع الحاجة .مثال ذلك :نق�ص الطعام ي�ؤدي �إلى تغيرات كيميائية
معينة في الدم ،تدل على الحاجة �إلى الطعام لإ�شباع دافع الجوع ،وهذه بدورها ت�ؤدي �إلى
حالة ا�س���تثارة �أو توتر ب�سبب ن�شوء الحافز .ويقوم الكائن الحي بن�شاط معين لخف�ض هذا
الحافز (وهو في هذه الحالة البحث عن الطعام) لإ�شباع الحاجة �إلى تناول الطعام.
ش���� م���ن ظروف ج�س���مية ،وبع����ض الحواف���ز ترجع �إل���ى الحاجات
وكل الحواف���ز تن� أ
البيولوجية (الحيوية) Biological Needsمثل الجوع والعط�ش ،وغيرها.
231
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
وكثير من الحوافز تثير الن�شاط العام ،فالر�ضيع ي�صيح ،ويتحرك� ،سواء �أكان جائ ًعا
�أم كان يت�ألم من �ش���يء� ،أم ال ي�ش���عر بالراحة ل�س���بب ما .وال ت�س���تطيع عين الأم �أن تعرف
�س���بب بكائه ،ولكنها تعلم فق���ط �أن هناك حافزًا قو ًّيا يدفعه للب���كاء ،وتقوم الأم بمحاولة
�إ�س���كاته عن طريق تجربة �أ�ش���ياء مختلفة ،حتى يمكن تحديد الحاف���ز� ،أي �إن الحافز في
و�ضعه الأ�صلي عبارة عن مثير للم�ستوى العام لن�شاط الإن�سان .وال�شكل الآتي يو�ضح ذلك:
ويرتب���ط بمفهوم الحاف���ز مبد�أ االتزان الحي���وي �( Homestasisأي ثب���ات العمليات
الكيميائي���ة والحيوي���ة وتوازنه���ا) Biochemicalال���ذي ُيع��� ّد بمنزل���ة مي���ل الكائ���ن الحي
�إل���ى االحتف���اظ بحالة داخلية ثابتة .فالفرد ال�س���ليم يحتفظ بدرجة حرارة ثابتة ن�س���ب ًّيا.
واالختالفات الب�س���يطة عن الحرارة الطبيعية ت�ؤدي �إلى ا�س���تثارة ا�ستجابات ُتعيد الحالة
�إلى طبيعتها .ففي ف�ص���ل ال�ش���تاء عن���د مقاومة البرد يحدث تقل�ص ف���ي الأوعية الدموية
على �س���طح الج�س���م ،حتى يحتفظ الدم بدفئه .و�إن الج�س���م يرتع�ش لإنتاج الحرارة .وفي
الطقل�س الدافئ ،تت�س���ع الأوعية الدموية الخارجية لت�س���مح للحرارة بالت�س���رب من الدم،
و ُيف���رز الج�س���م العرق ،وهذا ل���ه ت�أثير مب���رد .وهذه كلها ا�س���تجابات �آلي���ة الغر�ض منها
االحتفاظ بحرارة الج�سم على �أ�سا�س المدى الطبيعي.
والواقع الحيوي لالحتفاظ بكثير من الحاالت الف�س���يولوجية لحفظ حياة الإن�س���ان،
ً
محتفظا بتوازنه ،مثال ذلك درجة تركيز ال�سكر نجد �أن هناك حدودًا �ضيقة ليظل الج�سم
في الدم ،وم�س���توى الأك�سجين وثاني �أك�س���يد الكربون في الدم ،وتوازن الماء في الخاليا،
وغير ذلك كثير من العمليات الكيميائية والحيوية ،حيث تعمل اال�س���تجابات المتعددة في
الج�سم لالحتفاظ بثبات هذه الحاالت ال�ستمرار مبد�أ التوازن الحيوي في ج�سم الإن�سان.
232
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
مثال لال�س���تجابات الناجم���ة عن اختالل التوازن، والجوع والعط�ش يمكن و�ص���فهما اً
حي���ث �إن الجوع والعط�ش كليهما يثير �س���لو ًكا يهدف �إلى القيام بن�ش���اط ال�س���تعادة توازن
م���واد معينة في الدم .وفي �إطار مفه���وم االتزان الحيوي يمكن اعتبار الحاجة �أي اختالل
الت���وازن الف�س���يولوجي �أو حيد عن الحالة المثل���ى الالزمة لبقاء الكائ���ن الحي ،والمقابل
ال�سيكولوجي (النف�سي) للحاجة هو الحافز ،فعندما ي�ستعيد الج�سم توازنه الف�سيولوجي،
ينخف�ض الحافز ،ويتوقف الن�شاط المدفوع.
حاجة Need
حافز Drive
ن�شاط Action
هدف Purpose
وقد قام علماء النف�س بدرا�س���ات متعمقة على �أ�س���ا�س مبد�أ االتزان الحيوي ،لي�شمل
�أكثر من مجرد حاجات الأن�س���جة �أو التوازن الف�س���يولوجي ،و�أ�ص���بح هذا المفهوم بمعناه
الوا�س���ع يعني �أي اختالل في التوازن الف�س���يولوجي �أو النف�س���ي ،ي�ؤدي �إلى ا�س���تثارة حافز
للن�ش���اط ي�س���تعيد التوازن .فال�ش���خ�ص الجائع �أو القلق �أو المتعب �أو الخائف� ،سوف يكون
مدفوعا في �سلوكه لفعل �أي �شيء ي�ستعيد التوازن ،ويخف�ض التوتر عنده. ً
233
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
ن�شاط
هدف Purpose
ا�ستعادة االتزان
234
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
و�أ�س���ا�س �آلية ال�س���لوك �أو ما يعرف بميكانزم ال�سلوك �أو اال�س���تجابة المتعلقة يف�سر
الدافعية وراء ال�سلوك المتمثل في الآتي:
-1التباين يف التعبري عن الدوافع من ثقافة لأخرى ومن �شخ�ص لآخر داخل الثقافة
الواحدة ،ويرجع هذا �إىل �أن التباين واختالف �آليات ال�سلوك �أي امليكانزمات تكت�سب
ويتم تعلمها نتيجة خلربات خا�صة ،فهي عبارة عن �سلوك متعلم.
-2قد تتماثل الدوافع ،و�إن كان التعبري عنها يختلف من فرد لآخر ،ففي حالة الغ�ضب
قد يقوم فرد معني بالهجوم على من يثري غ�ضبه �أو عن طريق االن�سحاب من �أمامه
وكظم غيظه.
-3قد تختلف الدوافع ،وقد تت�شابه اال�ستجابات اخلا�صة بهذه الدوافع ،مثال ذلك قد
جند من املتعلمني من يتعلم ف ًّنا من الفنون� ،أحدهما لتحقيق رغبة معلمه وملر�ضاته،
والثاين لي�ضايق معلمه.
-4قد تظهر الدوافع يف �إطار م�ستمر ،فقد ينحرف احلدث ب�سبب ال�صراعات الأ�سرية،
وهنا جند احلافز لالنحراف هو واقع �أمره حافز م�سترت� ،أي غري ظاهر وخفي.
-5قد ُيعرب �سلوك واحد عن حوافز عدة ،فالعب الكرة قد يكون ن�شاطه يف لعبة كرة
القدم �أ�سا�سه احلافز لل�شهرة ،واحلافز للح�صول على �أموال كثرية ومكانة اجتماعية
عاليةً � .إذا ما الق�صد من وراء ذلك فيما يت�صل بالدافعية وال�سلوك؟
الواقع �أننا ال ن�س���تطيع �أن ن�ص���ل �إلى قائمة بالدوافع بمجرد تعدد الأن�شطة المختلفة
للإن�سان .بل على العك�س من ذلك� ،إذ �إننا ن�ستنتج الدافع من الأن�شطة التي تحركها .وعلى
الرغم من معرفة الكثير عن الدوافع الإن�سانية وعلى الرغم من الو�صول �إلى ا�ستنتاجات،
ق���د تكون دقيقة� ،إال �أنه ي�ص���عب تحديد ع���دد الدوافع .مثال ذلك الدافعية للو�ص���ول �إلى
المكانة االجتماعية يمكن اعتباره داف ًعا واحدً ا ،في حين قد ينظر �إليه �آخرون على �أنه من
عدد من الدوافع مثل ال�سيطرة والمركز ،وال�سلطة والأمن ،ولذلك كثي ًرا ما تختلف قائمة
الدوافع من باحث �إلى باحث �آخر ،ولي�س معنى ذلك بال�ضرورة وجود تناق�ض فيما بينهما.
235
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
وعن���د توجيه �س���لوك الطفل ،يجب �أن يع���رف المعلم �أن الدافع نف�س���ه قد ي�ؤدي �إلى
نوعي���ن من ال�س���لوك بي���ن اثنين م���ن المتعلمي���ن ،و�أن دافعي���ن مختلفين ق���د ي�ؤديان �إلى
ال�سلوك نف�س���ه .ويجب �أن يدرك المعلم �أن وظيفته بو�صفه معل ًما لي�ست �إ�شباع الحاجات،
ولكن مهمته الأ�سا�س���ية هي معالجة البيئة االجتماعية للمتعلم ب�ش���كل ُي�ساعده على خف�ض
الحاف���ز ،وبذلك يتعلم المتعلم مهارات جديدة و�أ�س���اليب حل الم�ش���كالت التي ت�ؤدي �إلى
خف�ض التوتر لديه.
�س���بق تعريف الدافع ب�أنه حالة داخلية� ،أي م�ؤثر داخلي ،ي�ؤدي �إلى ا�س���تثارة الن�شاط
وتوجيهه والعمل على ا�ستمراره حتى ي�صل الإن�سان �إلى تحقيق الهدف الذي ُي�شبع دافعه.
�أي �إن ال�س���لوك المدفوع �س���لوك موجه نحو هدف ،وهذا ال�س���لوك الهادف يت�أثر بعدد من
العوامل ،منها:
(�أ) الفرد نف�سه.
(ب) املوقف اخلارجي.
(جـ) طبيعة الدافع.
(د) قوة الدافع.
وهذه العوامل يتوقف على توافرها ،درجة الإ�شباع الناتجة عن الن�شاط الموجه نحو
الهدف .وت�ؤ�س�س الدوافع في البداية على ال�صفات الفطرية� ،إال �أنها تعدل بالتعلم.
وعند �إ�ش���باع الحاجات تكت�س���ب الدوافع التوجيه واالرتباط ب�أهداف محددة ،وعند
ارتباط الدوافع ب�أهداف ،ت�ص���بح هذه الأهداف نف�س���ها بواع���ث للدافع .و ُتعرف البواعث
ب�أنها المو�ضوعات �أو المواقف �أو الأحداث المجزية التي تعلم الفرد �أنه ت�شبع من دوافعه.
وهكذا نجد �أن الدوافع ُتحرك ال�س���لوك نحو هدف ،والأهداف المكت�ش���فة توجه ال�سلوك،
و ُت�صبح بدورها بواعث ،من �ش�أنها �أنه ُت�شبع الدوافع ما يجعلها تعزز ال�سلوك.
236
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
وعادة ما يوفر المعلمون البواعث التي ت�ستثير دوافع المتعلمين ،التي يمكن الح�صول
عليها نتيجة للجهود التي يبذلها المعلمون نحو المتعلم .ولقد �أظهرت الخبرة في التدري�س
والتجارب التي �أجريت في هذا المجال� ،أن ال�س���لوك ال�س���لبي غي���ر المكترث ال ي�ؤدي �إلى
التح�س���ن ،و�أن التعلم الفعال يتطلب جهدً ا �إيجاب ًّيا عال ًيا وم�س���تم ًّرا .وال �ش���ك �أن ا�س���تثارة
المعل���م لدواف���ع المتعلمين عملية �ص���عبة ،وتتطلب جهدً ا م�س���تم ًّرا من جانب���ه ،لكنها في
النهاية ت�ؤتي نتائج مثمرة وم�شجعة للمعلم وم�شبعة له وللمتعلمين داخل الف�صل الدرا�سي.
الدافعية والتعلم:
مما �س���بق نجد �أن التعلم عملية �إيجابية ،ولي�س���ت عملية �سلبية .ولقد ثبت بالتجربة
ً
ارتباطا كبي ًرا بدرجة انتباه المتعلم للمو�ض���وع الذي يتعلمه. �أن ك���م التعلم وكيفه يرتب���ط
والبواعث والدوافع �ضرورية للمحافظة على درجة عالية من االنتباه للمو�ضوع المتعلم.
وهناك اتفاق كبير بين علماء النف�س على �أن العالقة بين الأهداف والدوافع عالقات
متعلم���ة� .إذ يب���دو مثلاً �أن معظم �أنواع الثواب والعقاب في الحياة ال تكون بالفطرة ،بل �إن
ال�ش���يء يكت�س���ب �ص���فته بو�ص���فه ثوا ًبا �أو عقا ًبا نتيجة للخبرة ،ولذلك ف�إن دوافع المتعلم
تتغير كلما تعلم �أ�شياء جديدة.
ومعظم �أنواع ال�س���لوك لي�س���ت موجهة ف���ي الواقع نحو هدف واح���د ،بل نحو �أهداف
متع���ددة .فالطف���ل في ال�ص���ف الراب���ع االبتدائ���ي عندما يقوم ب����أداء واجب���ات يومية في
الح�س���اب ال يه���دف فقط �إلى االنتهاء من الواجبات ،بل يهدف � ً
أي�ض���ا �إلى �إر�ض���اء معلمه
و�إر�ض���اء والديه ،و�إلى التناف�س بنجاح مع زمالئه في الف�ص���ل ،وق���د تكون هناك �أهداف
�أخرى � ً
أي�ضا.
من هذا يتبين �أن البواعث تمثل ما ُيدركه الفرد بو�ص���فه �شي ًئا له القدرة على �إ�شباع
الدافع ،فالمتعلم الذي يدفعه ف�ض���وله تكون بواعثه الفهم والمعرفة ،و�إذا كان التح�ص���يل
داف ًع���ا كان النجاح �أو الدرج���ات العالية هي الباعث ،والمال واالنتم���اء العاطفي والحرية
237
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
كلها ُتع ّد بواعث قوية عند الإن�سان ،ومن �أهم البواعث التي كثي ًرا ما يلج أ� �إليها المعلم في
العملية التعليمية الثواب والعقاب.
والثواب � Rewardأو المكاف�أة �أو الجزاء هو كل ما يمكن �أن يعمل على �إيجاد ال�ش���عور
بالر�ض���ا واالرتياح عند المتعلم� ،س���واء كان ذلك بالت�ش���جيع العاطفي �أو الت�شجيع اللفظي
�أو الت�ش���جيع المادي ،ك�إعطاءالمتعلم جوائز �أو نقودًا� ،أو و�ض���ع ا�سمه في لوحة ال�شرف �أو
�شهادة تقدير.
والعقاب Punishmentهو كل ما ي�ؤدي �إلى ال�ش���عور بعدم الر�ضا وعدم االرتياح ،ك�أن
يق���وم المعلم بالت�أنيب والزجر والق�س���وة� ،أو العذاب �أو الحرم���ان الذي ُيع ّد من �أهم �أنواع
العقاب ،الذي يعرف � ً
أي�ضا ب�أنه الت�أديب.
وهذه البواعث ال يتم اتخاذها داخل المدر�س���ة فقط ،بل تتم � ً
أي�ض���ا داخل الأ�س���رة.
والطفل بطبيعته �أميل �إلى التعلم ال�س���ريع �إذا �أحيط بجو من الت�ش���جيع والتقدير ،فالثواب
والمكاف����أة لهما �أثر كبير في �س���رعة التعلم� ،أما العقاب بمختلف �أنواع���ه ،ف�إنه ي�ؤدي �إلى
نتائج عك�س ذلك� ،أي تقليل القابلية للتعليم والبطء في اكت�ساب الخبرات الجديدة.
وما يجعل للثواب �أهمية في التعلم� ،أنه ي�شبع الحاجة للتقدير� ،أو ما يعرف باالعتراف
،Need for Recognitionوهي من الحاجات الأ�سا�سية لدى الإن�سان.
ولقد �أجريت تجارب كثيرة لإظهار �أثر الثواب والعقاب.
والواق���ع �أن المدح والثواب له �أثر �إيجابي على التعل���م و�إتقان المادة المراد تعلمها،
و�إن الذم �أو العقاب �أو الت�أديب �أو التوبيخ يفيد فائدة م�ؤقتة في �أول الأمر ،ولكنه �إذا زاد �أو
ا�س���تمر �أثره على التعلم ،ف�إنه ي�سبب ال�شعور بالكراهية عند المتعلم للمادة والمعلم ،وبذا
يق���ل �إنتاجه فيها ،وتقل �س���رعة تعلمه ،ويت�أخر عن غيره ممن حظ���ي بالمدح والثناء .و�إن
ترك المتعلم و�ش�أنه من غير تنبيه له �أو لغيره ينمي ال�شعور بعدم الرقابة وعدم الربط بين
العمل والنتيجة ،في�س���ير في عمله متراخ ًيا� .أما مجرد �إ�شعار المتعلم ب�أن هناك جزاء مع
النتيجة ،فذلك خير من تركه كلية من غير عقاب �أو ثواب.
238
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
ه���ذا ،ويجب الحذر من المديح ب�ص���فة م�س���تمرة� ،إذ �إن لكل �ش���يء ح���دودًا معينة،
فالمدي���ح الزائد عن الحد بمنا�س���بة وغير منا�س���بة ،يوجد عند المتعلم ال�ش���عور بالغرور
والمبالغة في تقدير قيمة نف�سه .و�إنه يبعث �إلى عدم بذل الجهد �إال في حالة وجود المدح
والثواب ،فلي�س من الحكمة � ًإذا �أن ُيطبق قاعدة الثواب تطبي ًقا دائ ًما مطردًا ،ولكن ينبغي
مراعاة عوامل �أخرى في تكوين �شخ�صية المتعلم.
و�إنه في حالة الذم والت�أنيب ،قد يحتاج المتعلم �أحيا ًنا �إلى �أن ينبه �إلى �أخطائه ،و�أن
ي�شعر بالتق�صير حتى يحاول �أن يبذل الجهد ،ولكن التمادي في العقاب من �ش�أنه �أن ُيوهن
العزيمة ،و ُي�شعر المتعلم بالذلة واال�ستكانة ،ما ي�ؤدي �إلى فقدان الرغبة في بذل الجهد.
-1الحاجة :Need
يرتك���ز االهتمام الأ�سا�س���ي للدافعية على الحاجات ،وبخا�ص���ة تل���ك الحاجات غير
الم�ش���بعة ،وت����ؤدي الحاجات االجتماعي���ة دو ًرا كبي ًرا ف���ي العملية التعليمي���ة .و�إن المنهج
الدرا�س���ي يهدف �إلى تحقيق حاجات المتعلمين بما ي�س���اعد على نموهم نم ًّوا متكاملاً في
�شتى خ�صائ�صهم الج�سمية واالنفعالية والعقلية واالجتماعية.
والحاجة من الناحية النف�س���ية عبارة عن رغبة فطرية من خاللها ي�س���عى الإن�س���ان
239
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
�إلى تحقيق االتزان النف�سي واالنتظام في الحياة .وتظهر �أهمية الحاجة في حياة الإن�سان
عندما توجد �صعوبات �أو ظروف تحول دون �إ�شباع هذه الحاجة� ،إذ يظهر عليه اال�ضطراب
والقلق وعدم ال�شعور بال�سعادة في الحياة.
والمتعلم الذي ي�ش���عر بحاجة معينة ي�ش���عر بنق�ص يمكن �أن ي�س���ده ن�ش���اط معين �أو
نتيجة معينة .وبذلك ف�إن «الحاجة �إلى الإنجاز» Need of Achievementيمكن �إ�ش���باعها
بدرج���ة عالية من الإنجاز� ،إذا نجح المتعلم في تحقيق هدف يتطلب جهدً ا ما« .والحاجة
�إلى االنتماء» Need of Be loningnessيمكن �إ�ش���باعها عن طريق تكوين عالقات �ص���داقة
مع الآخرين« .والحاجة �إلى ال�سيطرة» يمكن �إ�شباعها بالح�صول على القيادة Leadership
�أو ال�سيطرة على مجموعة من النا�س.
-2الميل :Interest
الميل مفهوم ي�ش���ير �إلى الأ�ش���ياء التي نحبها �أو نكرهها ،و�إلى الأ�ش���ياء التي نف�ضلها
�أو ننفر منها .وينمي الفرد في مواجهة متطلبات الحياة ح ًّبا �أو كراهية لأ�ش���ياء تدخل في
خبراته ،وهذه الأ�ش���ياء التي يحبها �أو يكرهها لها �أثر وا�ض���ح على �س���لوكه .فهو يتجنب ما
يكره ،وي�سعى �إلى ما ُيحب .ولذلك كان لما ُيحبه الإن�سان �أو يكرهه �أهمية بالغة في تحديد
�سلوكه .فالمتعلم الذي ُيحب مادة ما يهتم بمعرفة المزيد منها ،بينما المتعلم الذي يكره
مادة ما �سوف يميل �إلى تجنبها.
والمعلم الذي يميل �إلى مادة درا�سية معينة ينزع �إلى االنتباه في �أثناء �شرحها ،حيث
يحاول �أن يلم بجميع جوانب المو�ض���وع ،وي�ش���عر برغبة في معالجته ،ولذلك يكون م�ستوى
االنتباه عال ًيا ،ويظل ن�ش���اط المتعلم م�س���تم ًّرا ،و�إن درجة الإ�ش���باع بالرغبة في تح�ص���يل
المادة يظل عال ًيا.
ويعمل الميل على االهتمام بالمثيرات التي ترتبط بالمو�ض���وع �أو الأحداث �أو الأفكار
ذات ال�صلة بهذا الميل.
240
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
وبذلك ُتع ّد الميول مهمة للمتعلم� ،إذ �إنها تحدد في كثير من الأحيان اتجاه الن�شاط
الذي يهدف �إليه الفرد .وعلى هذا الأ�سا�س يمكن اعتبار الميول من دوافع التعلم .ولما كان
من ال�صعب على المعلم االلتجاء �إلى الدوافع التي ترتبط بالحاجات الأولية للمتعلم ،ف�إنه
كثي ًرا ما يعتمد على الدوافع المكت�س���بة� ،أي المتعلم���ة مثل الميول .فالمتعلمون بالمدار�س
المتو�س���طة والثانوية ،تتكون لديهم عادة ميول �إلى مو�ض���وعات معينة �أو هوايات خا�ص���ة.
مثال ذلك جمع �ص���ور الطيور والحيوانات وطوابع البريد �أو الر�س���م .وي�س���تطيع المعلم �أن
يرب���ط بين ميول المتعلمين ونواحي الدرا�س���ة المختلفة ،فاالهتم���ام بالطيور والحيوانات
والأ�سماك مثلاً ،يمكن ربطه بدرو�س الأحياء .واالهتمام بجمع ال�صخور والحفريات يمكن
اال�ستفادة منه في علوم الجيولوجيا.
وا�س���تغالل مي���ول المتعلمين في توجيه المادة الدرا�س���ية ي����ؤدي دو ًرا مه ًّما ،فهو من
ناحي���ة ُي�ش���بع هذا الميل لدى المتعل���م ،ويحقق الأهداف التعليمية م���ن ناحية �أخرى ،و�إن
االهتمام بالميول و�إ�شباعها ُي�ساعد على الك�شف عن الميول الكامنة لدى المتعلم و�إثارتها.
على �أنه عند اال�ستفادة من الميول بو�صفها دوافع للتعلم ،يجب الحر�ص من المغاالة
في ا�س���تخدامها� .إذ �إن زيادة الإ�ش���باع قد ت�ؤدي �إلى نفور المتعلم واالبتعاد عن الن�ش���اط
المت�ص���ل بالمي���ل ،ومن هنا كانت �أهمية البدء بالميل الظاهر ل���دى المتعلم ،ف�إذا ظهرت
ميول �أخرى كانت كامنة ا�ستطاع المعلم االلتجاء �إلى ا�ستخدامها ،وهكذا.
-3القيم :Values
القيم���ة من الناحية النف�س���ية عبارة عن توجي���ه لفئة كاملة من الأه���داف التي ُتع ّد
مهمة في حياة الفرد .و ُيطلق على القيمة ا�سم هذه الفئة من الأهداف.
وت�صنف القيم �إلى:
(�أ) القيم النظرية :Theorietical Valuesو ُيق�صد بها البحث عن احلقيقة يف حد
ذاتها ،ويت�صف بهذه القيمة العلماء عادة.
241
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
-4االتجاهات :Attitudes
االتجاه يمثل ا�ستجابة قبول �أو رف�ض نحو مو�ضوع ما ،وتت�ضمن االتجاهات الجوانب
الأ�سا�سية الآتية:
(�أ) الهدف :Aimوهو مو�ضوع االجتاه ،الذي يرتبط بعوامل معرفية ،متثل ما يفهمه
الفرد �أو يعرفه عن املو�ضوع.
(ب) احلالة االنفعالية الوجدانية :Emotional Statusهي ال�شعور نحو املو�ضوع
ب�شعور معني� ،سواء كان هذا ال�شعور �إيجاب ًّيا �أو �سلب ًّيا.
(جـ) توجيه ال�سلوك :Guidanceف�إنه بناء على احلالة االنفعالية لدى ال�شخ�ص نحو
ً
معار�ضا له. مو�ضوع االجتاه ،ف�إنه ينزع �إىل القيام ي�سلوك معني� ،إما م�ؤيدً ا �أو
واالجتاهات مثل الدوافع تثري الن�شاط ،وتوجهه نحو هدف معني.
242
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
ه���ذا ،وت�ؤدي االتجاهات دو ًرا بو�ص���فها مثيرات لدافعية ال�س���لوك عن���د المتعلم في
الري���ادة المدر�س���ية ،وما تق���وم به من اتباع القدوة الح�س���نة في العملي���ة التعليمية ،حيث
عر�ضا واف ًيا عن ذلك فيما بعد.�سنفرد لذلك ً
-5الطموح :Ambition
طم���وح المتعل���م هو ما ي�أم���ل �إلى تحقيقه ،وم�س���توى الطموح ي�ؤثر في درجة ن�ش���اط
المتعل���م ،فالمتعل���م الذي يطمح �إلى االلتحاق بالجامعة يجاهد في تح�ص���يله الدرا�س���ي؛
ليح�صل على المجموع الذي يم ّكنه من ذلك.
وت����ؤدي العالقات الأ�س���رية دو ًرا مه ًّما ف���ي الطموح وتحفيز االنتب���اه �إلى المزيد من
التح�صيل العلمي والتفوق.
ومن العوامل ذات الأثر في الطموح ما ي�أتي:
عال مب�ستوى الطموح ،يف حني �أن توقع الف�شل ي�ؤثر بدرجة -1توقع النجاح له ارتباط ٍ
�سلبية يف الطموح ،لذلك جند �أن النجاح امل�ستمر �أو الف�شل املعوق لهما �أثرهما يف
حتديد م�ستوى الطموح عقب النجاح �أو الف�شل.
� -2إذا كان م�س���توى الطم���وح �أعل���ى من قدرة الفرد وا�س���تعداده ،فقد يك���ون العمل الذي
يواجهه املتعلم معقدً ا جدًّا و�ص���ع ًبا ،بحيث ال ي�س���تطيع حتقيق الهدف الذي حدده من
خالل م�س���توى طموحه .و�إن م�س���توى الطموح �إذا كان �أقل من ق���درة املتعلم ،ف�إنه قد
يجد العمل �سهلاً للغاية ،بحيث ال يتحدى املتعلم ،وال ي�ستثريه.
-3كث ًريا ما ي�ضع الأفراد غري الآمنني لأنف�سهم �أهدا ًفا عالية بعيدة لي�شعروا بالنجاح،
حتى لو �أدركوا �أنهم عاجزون عن حتقيقها.
منخف�ضا ،ليحمي نف�سه من الف�شل� ،إذً -4قد ُيحدد املتعلم لنف�سه م�ستوى من الطموح
�إنه بتحديده لهدف يعرف �أنه ي�ستطيع حتقيقه ،ال يجازف بتعري�ض نف�سه للف�شل.
243
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
-5ت�ؤثر الأ�سرة واملعلم وغريهما من الرا�شدين يف م�ستوى الطموح �أحيا ًنا ،ولذلك يجب
على املعلم �أن ي�ساعد املتعلمني على و�ضع �أهداف واقعية قابلة للتحقيق ومتنا�سبة مع
قدراتهم وا�ستعداداتهم.
اخلا�صة بخف�ض التوتر تتم عن طريق االن�سحاب �أو عن طريق العدوان ،ومن �أمثلة
االن�سحاب ما يقوم به الفرد من حيل ال �شعورية ك�أحالم اليقظة والنكو�ص والكبت
وغريها .ومن �أمثلة حيل العدوان التي قد يقوم بها الفرد :التربير� ...أو االعتداء...
�أو الإ�سقاط ،وغري ذلك من احليل العدوانية.
والواقع �أن الإعاقات قد تكون نابعة من ظروف البيئة نف�سها :ك�أن تكون �أ�شياء عادية
�أو �أفرادًا قريبين من ال�شخ�ص� ،أو تكون الإعاقات من الفرد ذاته� ،أو تكون قدرات الفرد
وا�س���تعداداته �أق���ل م���ن �أن تمكنه من تحقيق ه���دف معين .ومن هنا كان���ت �أهمية تحديد
وخ�صو�صا في العملية التعليمية .ويجب
ً �أهداف منا�سبة لم�س���توى قدرة الفرد �أو المتعلم،
�أن نعلم �أن الإعاقات لي�س الق�صد منها تعجيز المتعلم عن تحقيق الأهداف التعليمية التي
أ�سا�س���ا لتنمي���ة التفكير عند المتعلم ،وتنمية االبتكار لديه
ينبغي للمعلم تحقيقها ،بل هي � ً
وتكري�س عادات فكرية لمواجهة م�شكالت الحياة الواقعية فيما بعد.
تلخي�ص:
-1يختلف املتعلمون يف طرائق اال�ستجابة للأن�شطة التعليمية و�أ�ساليبها وف ًقا للفروق
الفردية يف الدافعية.
-2يمُ ثل الدافع عملية داخلية توجه ن�شاط الفرد نحو هدف يف بيئته.
-3تعمل الدافعية على حتقيق الأهداف التعليمية من حيث حت�صيل املعرفة والفهم واملهارات.
-4من خ�صائ�ص الدافعية لل�سلوك :الغر�ضية بالن�شاط -اال�ستمرار -التنوع -التح�سن -
التكيف الكلي -حتقيق الغر�ض.
-5ت�صنف الدوافع �إىل :الأولية -الثانوية.
ُ -6تف�سر الدوافع على �أ�سا�س :الغرائز -الطاقة -احلاجات واحلوافز.
-7تمُ ثل ميكانيزمات ال�سلوك ما ُيعرف ب�آليات ال�سلوك ،وهي من �آثار الن�ضج والتعلم
واكت�ساب ا�ستجابات جديدة خلف�ض احلوافز املثرية لل�سلوك عند الفرد.
-8يت�أثر ال�سلوك الهادف بعوامل عدة منها :الفرد -املوقف اخلارجي -طبيعة الدافع -
قوة الدافع.
-9كم التعلم وكيفه يرتبط بـ :درجة انتباه املتعلم للمو�ضوع -والتعلم والبواعث -
والدوافع �ضرورية لالنتباه.
-10الثواب والعقاب داخل الأ�سرة �أو داخل املدر�سة ي�ؤثر يف دافعية التعلم.
-11تمُ ثل البواعث ما ُيدركه الفرد بو�صفه �شي ًئا له القدرة على �إ�شباع الدافع.
-12م���ن مث�ي�رات ال�س���لوك املرتبطة بالدافعي���ة وموجهات���ه :احلاجة -املي���ل -القيم -
االجتاهات -الطموح.
-13احلاجة من الناحية النف�سية تحُ قق االتزان النف�سي واالنتظام يف احلياة.
ُ -14تع ّد امليول ذات �أهمية للتعلم ،فهي حتدد اجتاه الن�شاط الذي يهدف �إليه الفرد.
-15القيم تقوم بتوجيه الأهداف املهمة يف حياة الفرد ،وهي ت�شمل القيم :النظرية-
االقت�صادية -اجلمالية -ال�سيا�سية -االجتماعية والدينية.
246
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
-16االجتاه���ات عبارة عن االعتقاد �أو عدم االعتقاد يف �ش���يء معني ،وتت�أثر بـ :الهدف-
احلالة االنفعالية الوجدانية -توجيه ال�سلوك.
-17الطم���وح ه���و ما ي�أمل الف���رد �إىل حتقيقه .وت����ؤدي العالقات الأ�س���رية دو ًرا مه ًّما يف
الطموح وحتفيز االنتباه من �أجل التح�صيل العلمي والتفوق.
-18الإعاق���ات نحو حتقيق الأهداف والدافعية تعم���ل على الإحباط ،وهي قد تكون نابعة
من البيئة �أو من �أ�ش���ياء عادية �أو من �أفراد قريبني من ال�ش���خ�ص .وحتفز الإعاقات
عل���ى تنمي���ة التفك�ي�ر عند املتعل���م وتنمي���ة االبتكار وتكوي���ن عادات فكري���ة ملواجهة
م�شكالت احلياة الواقعية.
�أ�سئلة ومتارين:
-1حدد معنى الدافع.
-2و�ضح خ�صائ�ص الدافعية لل�سلوك.
-3يف تنميط الدوافع ُتق�سم �إىل دوافع �أولية و�أخرى ثانوية .ا�شرح.
-4كيف ُتف�سر الدافعية على �أ�سا�س الغرائز.
-5كيف ُتف�سر الدافعية على �أ�سا�س الطاقة.
-6كيف ُتف�سر الدافعية على �أ�سا�س احلاجات واحلوافز.
-7كيف ُتف�سر الدافعية من خالل �آلية ال�سلوك.
-8يت�أثر ال�سلوك الهادف بعدد من العوامل .ا�شرح.
-9و�ضح دور الدافعية يف التعلم.
-10من مثريات ال�سلوك املرتبطة بالدافعية وموجهاته -احلاجة وامليل .ا�شرح.
-11و�ضح دور القيم بو�صفها موجهات لل�سلوك.
-12و�ضح دور االجتاهات بو�صفها موجهات لل�سلوك.
-13حدد العوامل ذات الأثر يف الطموح بو�صفها موج ًها لل�سلوك.
-14ما دور الإعاقات يف حتقيق الأهداف والدافعية.
الدافعية والتح�صيل الدرا�سي
•الأهـداف:
(� )1أن يتع���رف املتعل���م �إىل العالق���ة ب�ي�ن الدافعي���ة والف���روق الفردي���ة يف
التح�صيل الدرا�سي.
(� )2أن يتفهم املتعلم معوقات التح�صيل الدرا�سي.
(� )3أن يحدد املتعلم العالقة بني الدافعية للإجناز والأداء ال�سلوكي.
(� )4أن يحدد العالقة بني الدافع للنجاح والدافع لتجنب الف�شل.
(� )5أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف اكت�ش���اف �أثر خربات النجاح والف�شل يف
العملية التعليمية.
الدافعية والتح�صيل الدرا�سي
:
يت�ض���ح مما �س���بق �أث���ر الدافعية في ال�س���لوك الإن�س���اني ،ب�ص���فةعامة ،وفي تحقيق
الأهداف التعليمية عند المتعلم ب�ص���فة خا�ص���ة ،وما و�ض���ح لنا من خ�ص���ائ�ص الدافعية
وال�س���لوك ،وتف�سير الدافعية ومثيرات وموجهات ال�سلوك ذات العالقة بالدافعية لل�سلوك،
ف�إن االهتمام في هذا الف�ص���ل بالدافعية والتح�ص���يل الدرا�سي� ،إذ يعنينا �إي�ضاحات �أكثر
عن الدافعية ودورها الفعال في العملية التعليمية.
على م�س���توى �أعلى من المتوقع يبذل جهدً ا كبي ًرا في الدرا�س���ة نتيجة الرتفاع الدافع لديه
للتح�ص���يل .ولذل���ك ف����إن ،هناك عالقة عالي���ة وقوية بين م���ا ُيعرف بالداف���ع للإنجاز �أو
الدافع للتح�صيل والأداء .Accomplishment or Achievement Motivationوقبل �إي�ضاح
ذلك نود �أن نو�ض���ح الإعاقات التي �س���بق ذكرها في الف�ص���ل ال�س���ابق ،والتي وردت فيما
يت�صل ب�إعاقات تحقيق الأهداف والدافعية لل�سلوك ،حيث يعنينا في هذا المو�ضع �إي�ضاح
الإعاقات التي تحدث في العملية التعليمية ،و�أهمية ذلك في التعلم.
� -1أن تكون الإعاقات التي ي�ضعها املعلم �أمام املتعلمني منا�سبة لقدرات املتعلمني
وا�ستعداداتهم؛ حتى يمُ كن للمتعلم التغلب عليها بقدر معقول من اجلهد.
� -2أن يوجه املتعلمني وي�ساعدهم على التو�صل �إىل اال�ستجابات التي تكفل لهم حتقيق
الأهداف التعليمية.
حري�صا
ً � -3أن ُيحدد املعلم بعناية الإعاقات التي يحتوى عليها املوقف اجلديد ،و�أن يكون
على �أال يحاول املتعلم الهرب من املوقف كلية ،و�أن يعاونه وير�شده ليتخطى العائق
الذي �أمامه ،ومن ثم ُيقلل من احتمال تعلم واكت�ساب ال�سلوك االن�سحابي لدى املتعلم
عندما يواجه عائ ًقا يحتاج �إىل بع�ض اجلهد للتغلب عليه.
-2فيما يتعلق بامل�شكالت ال�صعبة التي ُيراد حلها ،تبني �أن الأفراد ذوي دافع الإجناز
العايل ،يتميزون باملثابرة على العمل ،و�إن احتمال و�صولهم �إىل حل للم�شكالت �أكرب.
-3يف مقارنة بني �أداء جمموعتني بني �أفراد من املعلمني� :إحداهما تتميز بارتفاع دافع
الإجناز ،والأخرى تت�صف بانخفا�ض هذا الدافع ،وكانت املقارنة يف �أداء كل من
املجموعتني يف بع�ض م�سائل اجلمع الب�سيطة ،وبع�ض امل�شكالت يف ترتيب الكلمات.
وقد الحظ �أن املتعلمني ذوي دافع الإجناز املرتفع يقومون بحل عدد �أكرب من امل�سائل
وامل�شكالت من املتعلمني ذوي دافع الإجناز املنخف�ض.
-4تبني �أن العالقة املوجبة بني احلاجة �إىل الإجناز واملثابرة يف العملُ ،تف�سر النجاح
الأكرب الذي جنده بني املتعلمني من ذوي دافع الإجناز املرتفع ،عندما ينهمكون يف
التعلم عن طريق االكت�شاف.
-3لوحظ �أن �أمهات الأوالد ذوي دافع الإجناز العايل ،يدفعن �أبناءهن لال�ستقالل
ب�أنف�سهم ،وحماولة �إتقان العمل ،وذلك يف وقت مبكر من حياتهم� ،إذا قورن ب�أمهات
الأوالد ذوي دفاع الإجناز املنخف�ض .ولوحظ �أن دافع الإجناز العايل هو نتيجة ملحاولة
الأم �أن جتعل طفلها يهتم بقدراته بالإتقان والتفوق على �أقرانه ،واعتماد طفلها على
نف�سه واال�ستقالل عنها.
• تلخي�ص:
-1هناك عالقة قوية وعالية بني الدافع للإجناز �أو الدافع للتح�صيل والأداء.
ُ -2تع ّد العوائق ذات �أهمية خا�صة يف التعلم والتح�صيل الدرا�سي ،حيث ت�ستخدم �آليات
ال�سلوك �أو �أمناط جديدة من ال�سلوك والتح�صيل الدرا�سي ،حيث ت�ستخدم �آليات
ال�سلوك �أو �أمناط جديدة من ال�سلوك للمتعلمني للتغلب على العائق.
-3يقوم املعلم ب�أمور عدة بالن�سبة �إىل العوائق.
-4الدافعية �إىل الإجناز ُتع ّد �أعلى مراتب الدوافع النف�سية.
-5تتم تنمية الدافعية للإجناز من خالل التن�شئة االجتماعية.
-6الدافع للنجاح قد يكون �أقوى من الدافع لتجنب الف�شل .و�إن الدافع لتجنب الف�شل قد
يكون �أقوى من الدافع للنجاح.
-7النجاح والف�شل يف الأعمال لهما �أثرهما املختلف يف قوة الدافع.
• �أ�سئلة وتمارين:
-1و�ضح دور الإعاقات وحتقيق الأهداف و�أهميتها يف التح�صيل الدرا�سي.
-2و�ضح دور الدافعية للإجناز فيما يتعلق بالأداء ال�سلوكي.
-3و�ضح الفروق بني الدافع للنجاح والدافع لتجنب الف�شل.
-4و�ضح �أثر خربات النجاح والف�شل يف العملية التعليمية.
الدافعية والتعلم
•الأهـداف:
(� )1أن يحدد املتعلم دور الدافعية يف العملية التعليمية.
(� )2أن يربط املتعلم بني الدافعية وزيادة الكفاءة عند املتعلم.
(� )3أن يتعرف �إىل �أثر القلق يف ال�سلوك.
اهتماما بامليول و�آثارها الإيجابية يف ال�سلوك.
ً (� )4أن يبدي املتعلم
(� )5أن يح���دد املتعل���م العالقة ب�ي�ن الدافعية والتح�ص���يل الدرا�س���ي والفروق
الفردية بني املتعلمني.
(� )6أن يتعرف املتعلم �إىل دور احلوافز يف تعزيز التعلم وتثبيته.
(� )7أن يعدد املتعلم �أدوار املعلم يف الدوافع يف مواقف التعلم املختلفة.
(� )8أن يقدر جهود العلماء يف الربط بني الدافعية والتعلم.
الدافعية والتعلم
:
يتعلم الإن�س���ان من مواقف الحياة الم�س���تمرة ،وبقدر تعدد المواقف والمو�ض���وعات
الت���ي تقابل���ه في البيئة ،بق���در ما يبذل من جهد ف���ي حل المواقف الم�ش���كلة ،حيث يتعلم
ويفه���م مكوناتها ،ويتمثلها بغية تحقيق �أهداف في حياته ،م���ا ُيحقق له االرتياح والتوازن
النف�سي وتوافقه في حياته البيئية.
لذلك ،ف�إن ما ُيحرك �س���لوك الفرد ما ُيف�س���ر على �أ�س���ا�س ق���وى داخلية عند الفرد
مدفوعا من �شعور داخلي لي�سلك
ً وقوى خارجية .حيث نجد �-أحيا ًنا -الفرد يقوم ويتحرك
مدفوعا بظروف خارجية عنه. ً �سلو ًكا معي ًنا ،و�أحيا ًنا �أخرى يقوم ب�سلوك �آخر
والواقع� ،أن ما يقوم به الفرد من �أ�ساليب ال�سلوك المختلفة ،ما هو �إال نتيجة تفاعل
وتداخل م�س���تمر بين قوى داخلية وخارجية .حيث تمثل القوى الداخلية الحاجات والميول
واالتجاه���ات ،وتمث���ل القوى الخارجية مثيرات الموقف الخارج���ي الذي يوجد فيه الفرد،
غام�ضا� ،سهلاً �أو �صع ًبا ،خط ًرا
وا�ض���حا �أو ً
ً مريحا �أو مقل ًقا،
حيث يكون الموقف الخارجي ً
�أو �آم ًنا� ...إلى غير ذلك من الأمور.
هذا ،وي�ص���عب الج���زم ب�أن هناك تحديدات وا�ض���حة بي���ن تلك العوام���ل الداخلية
والخارجية ب�صورة دقيقة .حيث ال توجد بينهما فروق وا�ضحة بينة.
والواقع� ،أن الدوافع ُ Motivesتع ّد من �أهم الم�شكالت التي تواجه المعلم ب�صفة عامة
في المدر�س���ة ،وب�صفة خا�ص���ة في الف�صل ،عندما يتعامل مع تالميذه ،ومرجع ذلك �أدا�ؤه
ووظيفت���ه ومهنته التعليمية التي تتطل���ب �إثارة دافعية التعلم عند المتعلمين وا�س���تمرارية
260
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
وا�ستخدام اللغة والتعبير اللفظي ،وتحليل �شخ�صيات تاريخية معينة� ،أو القيام بالريادة في
الف�صل� ،أو تنظيم لقاءات بينه وبين زمالئه� ،أو القيام ب�أن�شطة غير مدر�سية ،كالرحالت.
و�إنه قد يجد � ً
أي�ض���ا �إ�شباع حاجته �إلى االنتماء داخل جماعة المدر�سة ب�صفة عامة،
وجماعة الف�ص���ل ب�صفة خا�صة ،ومن هنا يحاول تعلم وممار�سة �أنماط معينة من ال�سلوك
لدرجة الإتقان التي ت�ؤهله �إلى �إ�شباع هذه الحاجة.
لذل���ك ،فحيثم���ا توجد حاجة معينة لدى المتعلم ب�ص���فة خا�ص���ة يوجد الدافع الذي
يعمل على تن�ش���يط �س���لوكه لل�سعي نحو �إ�ش���باع تلك الحاجة �أو الحاجات ،مثل الحاجة �إلى
الطع���ام ،والحاجة �إلى النوم ،و� ً
أي�ض���ا الحاجات االجتماعية المكت�س���بة ،مثل الحاجة �إلى
تقدير الذات واحترام الآخرين.
ومن حيث اهتمامنا بالمتعلم ،ف�إن الواقع ُي�ش���ير �إلى �أن المتعلم ي�س���تجيب للمواقف
المت�ش���ابهة ا�س���تجابات مختلفة :ما يدل عل���ى �أن هذا االختالف في �س���لوكه لي�س مرجعه
-فقط� -إلى العادات المكت�س���بة ،و�إنما مرجعه ً � -
أي�ض���ا� -إلى هذا التغير الذي يحدث في
ش���� منها تلك االختالفات بين���ه وبين المتعلمين
حالت���ه الداخلية النف�س���ية التي من ثم تن� أ
الآخرين داخل الف�صل �أو المدر�سة في ال�سلوك �إزاء المواقف التعليمية المختلفة.
ومن العوامل التي تحدث االختالف والتباين بين المتعلمين عند التعلم ،ما ي�أتي:
-1الدافعية وزيادة كفاءة املتعلم.
-2القلق و�آثاره يف ال�سلوك.
-3امليول و�آثارها يف �إيجابيات ال�سلوك.
الموقف الثاني تقل هذه الكفاءة بدرجة ملحوظة عن الموقف الأول ،وفي هذا ما يدل على
التغي���رات الداخلية لدى الفرد باخت�ل�اف الظروف والأحوال .فمثلاً � :س���لوك المتعلم في
الف�ص���ل الدرا�س���ي في در�س الجغرافيا� ،أو في عمل درا�س���ي معين� ،أو الن�شاط المدر�سي،
يتباين �سلوك التعلم من حيث درجة الكفاءة في �أي من هذه الأعمال دون غيرها.
وم���ن ثم قد يتف���وق المتعلم عل���ى �أقرانه ،وي�أخ���ذ مكانة مرموقة بي���ن زمالئه ،وقد
ت�س���تمر تلك المكان���ة من الكفاءة قد ًرا معي ًن���ا من الزمن .وقد تتغير درج���ة الكفاءة فيما
بعد ،وال ي�ستمر هذا المتعلم في مزاولة هذا العمل ،كما كان يزاوله من قبل.
والواق���ع� ،أن ق���درة ه���ذا المتعلم على مزاولة ه���ذا العمل لم تتغير ،ولم ي�ص���بها �أي
�ض���عف �أو وهن ،بينما ما يتغير هو الدافعية نحو هذا العمل ،نتيجة لما ي�ص���يبه من حالة
نف�س���ية داخلية ت�ؤدي �إلى قلة كفاءته و�إتقانه لهذا العمل ،فقد يكون عدم مواالة ت�ش���جيعه
م���ن معلم���ه �أو زمالئه ما يجعل���ه يعر�ض عن �إتيان���ه العمل الذي يتفوق في���ه ،ومن ثم تقل
كفاءته في هذا العمل عما قبل.
والواقع� ،أن ال�س���لوك ال���ذي يهدف �إلى البحث والتمحي�ص واال�ستك�ش���اف ،والتفكير
أ�سا�س���ا لتحقي���ق الكفاءة � Competenceأو ما
واالنتب���اه ،والإدراكُ :يع ّد من ناحية المتعلم � ً
أي�ضا بالجدارة �أو الأهلية لدى المتعلم ،التي تدفعه �إلى الفاعلية والكفاءة ،ومن ثم تعرف � ً
يتمكن من التال�ؤم (�أي التكيف �أو التوافق).
والواقع ،عندما نحاول �إرجاع هذه االختالفات ،ف�إنه يتعين �أال نرجعها �إلى المثيرات
البيئية فقط ،و�إنما نرجعها ً �-
أي�ضا� -إلى الحالة الداخلية التي يكون عليها الفرد في �أثناء
ت�أديته العمل؛ لذا ،توجد عالقة وثيقة بين الأداء والحالة الداخلية للفرد.
فكثي ًرا ما ي�ش���عر الفرد بنوع من اال�ضطراب االنفعالي ،كالخوف والغ�ضب والقلق �أو
العاطفي كالحب والكراهية� ،أو توجد معوقات لإ�ش���باع حاجات الفرد الأولية (الأ�سا�سي)،
فينتابه �شعور بالخوف والقلق والغ�ضب� ،أو تكون المعوقات تحول بينه وبين �إ�شباع حاجاته
االجتماعية ،كالمكانة االجتماعية ،واالنتماء ،والأمن.
عندئذ ي�ست�شعر الفرد القلق ال�شديد الذي بدوره ي�ؤثر ت�أثي ًرا اً
فعال في �أدائه و�أعماله
المختلفة والذي بدوره يعمل على خف�ض الكفاية وقلة الإنتاج.
وعل���ى الرغم من ه���ذا ،ف�إن �أثر القلق في الأداء والعمل قد يك���ون �أث ًرا موج ًبا اً
فعال،
حتى على الرغم مما يتميز به الفرد من ا�ستعداد عقلي معرفي منا�سب.
ومن الجدير بالذكر �أن قد ًرا منا�س��� ًبا من القلق يلزم الفرد في �س���لوكه وا�س���تجاباته
نوعا من المثير ال�س���الب للقلق ي�ؤثر بطريقة �إزاء المواق���ف المتباينة ،حيث يمكن اعتباره ً
�س���لبية في الأداء ،وي�ؤدي �إلى ت�ش���تت التفكير واالنتباه ،و�إلى �أنماط من ال�س���لوك ال�س���لبي
وغير الفعال.
و�إن ا�س���تجابة الفرد تختلف من وقت لآخر بالن�سبة �إلى ذات الموقف ،ويتوقف ذلك
على مدى الحالة البيولوجية عند الفرد بالن�سبة �إلى المثير .فعند ال�شعور بالجوع ي�ستجيب
الفرد لنوع من الطعام ب�شغف واهتمام �شديد ،بينما وهو �شبع ال يميل وال يهتم بنوع الطعام
ال�س���ابق نف�س���ه ،فقد يعزف عنه .وفي هذا ما ي�ؤكد في الواقع حال���ة بيولوجية تختلف عن
الحالة ال�سابقة.
مما �سبق يتبين وجود عالقة ما بين حالة الفرد الداخلية وم�ستوى �إنتاجه ون�شاطه.
فالدافعي���ة Motivationتمثل تكوينات فر�ض���ية و�س���يطية ،حي���ث ُيفتر�ض وجودها،
وحيث تقوم بدور و�سط فيما بين المثير واال�ستجابة.
بل �إن الدافعية �أ�سا�س العالقات الديناميكية بين الفرد والو�سط البيئي ،وهي الزمة
�ضرورية لتف�سير �أ�سباب ال�سلوك ،و�إن لها قيمة وظيفية عامة في حياة الإن�سان.
Differencesفي التح�صيل الدرا�سي بين المتعلمين ،عندما ال ُندخل معدالت الذكاء بالن�سبة
�إلى التح�ص���يل ،بمعنى �أن الفروق الفردية ترجع �إلى عوامل �أخرى غير الذكاء ،مع ما ن�أخذه
في ح�سباننا ب�أن االرتباط بين الذكاء والتح�صيل ال يزيد على � %50إلى .%60
عال ،على الرغم من �أن قدراتهم
هذا ،وقد يتميز بع�ض المتعلمين بتح�صيل درا�سي ٍ
العقلية قد تكون منخف�ض���ة ،وعلى العك�س من ذلك نجد بع�ض المتعلمين من ذوي الذكاء
ً
منخف�ضا. المرتفع ،على الرغم من �أن تح�صيلهم الدرا�سي قد يكون
لذلك نجد �أن التح�ص���يل الدرا�س���ي ،يرجع �إلى عوامل ارتفاع �أو انخفا�ض الدافعية
نحو التح�صيل ،حيث يوجد ارتباط وعالقة قوية بين الدافع للتح�صيل �أو الإنجاز والأداء.
265
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
ونتيج���ة لذل���ك ،ف�إنه يتعين عل���ى الآب���اء والمربين االهتم���ام بت�ش���جيع الأبناء على
الإنجاز Accom plishmentفي مواقف �ش���تى ،وعلى التدريب والممار�س���ة على اال�ستقالل
( Independenceعدم التبعية) واالعتماد على الذات.
مع مالحظة �أنه كلما ارتفع م�س���توى الطم���وح بين الآباء تجاه تحقيق �أهداف معينة،
انتقل �أثر ذلك �إلى الأبناء ،وكان من �أهم ارتفاع �أ�سباب دافع الإنجاز بين الأبناء.
لذل���ك يتبي���ن �أهمية الدوافع في حي���اة المتعلم �أو الفرد في �س���لوكه بوجه عام ،وفي
مواقفه في التعلم المدر�سي بوجه خا�ص.
وم���ن الجدير بالمالحظ���ة� ،أن يعتني المعلم بتع���دد الحوافز وتنوعها بالن�س���بة �إلى
مختلف المتعلمين ،ذلك لأن الحافز الذي ُيمكن �أن ُين�ش���ط �أو يعزز �أنماط ال�س���لوك لدى
متعلم معين لتحقيق هدف معين ،لي�س بال�ضرورة �أن ُين�شط الأنماط ال�سلوكية نف�سها لدى
متعلمين �آخرين .ومرجع ذلك �أن الدافعية لدى الأفراد تختلف م�س���توياتها ،ومن ثم وجب
تنوع الحوافز التي يمكن �أن ت�شبع تلك الدوافع.
فيم���ا يتعلق بالخبرة المراد اكت�س���ابها وتعلمها في موقف التعل���م ،يجب على المعلم
تحدي���د الخبرة؛ حتى ي�س���تطيع المتعلمون فهم الموقف الخا����ص بالخبرة و�إدراك معالمه
ومحدداته .وفي هذه الحالة ُتع ّد �إثارة دوافع المتعلمين بالن�سبة �إلى المو�ضوعات المختلفة،
ذات فاعلية نحو تحقيق �أهداف ذات محددات ومعالم وا�ضحة ،ومن ثم االبتعاد عن �إثارة
الدوافع التي ت�ؤدي �إلى �أن�شطة ع�شوائية غير موجهة.
وفيما يتعلق بفعالية الدوافع نحو تحقيق �أن�ش���طة و�أهداف معينة ،ف�إنها يجب �أن تتوافق
وم�ستوى اال�ستعداد العقلي لدى المتعلمين .حيث �إنه حال زيادة معداالت الأهداف عن معدالت
اال�ستعدادات ،ف�إن هذا ي�ؤدي بال�ضرورة �إلى ابتعاد المتعلمين وتنحيهم عن مواقف التعلم.
وم���ن الجدير بالذكر� ،أن ا�س���تخدام الثواب� ،س���واء �أكان معنو ًّيا بعبارات الت�ش���جيع
والثناء� ،أم ماد ًّيا بالجوائز والمكاف�آت الالحقة مبا�ش���رة بالن�ش���اط المطلوب تعلمهُ ،يفيد
بدرج���ة عالية ف���ي تدعيم التعل���م وتثبيته .بينما عند ع���دم تدعيم الن�ش���اط بالإثابة عند
المتعلم ،ف�إن هذا ي�ؤدي �إلى فقدان قيمة الإثابة ومعناها.
و�إن ا�س���تخدام الحوافز والمكاف�آت يعمل على �إثارة دوافع المتعلمين نحو الأن�ش���طة
المختلف���ة ،م���ع مراع���اة �أن ترتب���ط نوعية ه���ذه الحوافز بالدواف���ع� ،أي ترتب���ط الحوافز
بعالقات وا�ضحة المعالم بالدوافع ،وترتبط بنوع الن�شاط المراد تعلمه -ما �أمكن -حتى
ً
ارتباطا وثي ًقا بها. يكون للدوافع قيمة معينة ،يتم �إ�شباعها بو�ساطة حوافز ترتبط
وبقدر تنوع الدوافع لدى المتعلم ،يمكن من ثم �أن تتنوع الحوافز ،و�سبق �إي�ضاح ذلك
من قبل.
نخل�ص من ذلك �إلى �أن �إثارة دوافع المتعلمين وميولهم وا�س���تعداداتهم نحو �أنماط
متنوعة من ال�س���لوكُ ،تع ّد من الأمور المهمة التي يجب على المعلم توجيه عنايته نحوها،
بهدف �ض���مان ا�ستمرارية الن�شاط وتجديده وتوجيهه الوجهة ال�سليمة ،وعلى �أ�س�س علمية
مو�ضوعية في مواقف التعلم المتباينة.
268
الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم علم النف�س التربوي
• تلخي�ص:
-1املعل���م الك���فء ه���و ال���ذي يب���ذل جه���ده ،يف فه���م دواف���ع املتعلم�ي�ن ع���ن طري���ق
مالحظة �سلوكهم.
-2حتقيق الكفاءة عند املتعلم ،يكون بتعرف اجلدارة �أو الأهلية لدى املتعلم ،ومن خالل
ذلك يتمكن املتعلم من التال�ؤم (التكيف والتوافق).
-3القدر املنا�سب من القلق يلزم الفرد يف �سلوكه وا�ستجاباته �إزاء املواقف املتباينة.
والقلق الزائد ي�ؤثر بطريقة �سلبية يف الأداء ،حيث ي�شتت التفكري واالنتباه.
-4الدافعية ُتع ّد �أ�سا�س العالقات امل�ستمرة بني الفرد والو�سط البيئي.
-5يتع�ي�ن على الآب���اء واملربني االهتمام بت�ش���جيع الأبن���اء على الإجناز ،وعل���ى التدريب
واملمار�سة على اال�ستقالية واالعتماد على الذات.
269
علم النف�س التربوي الباب الرابع :دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم
-6احلافز املادي �أو املعنوي ُيعزز ،و ُيدعم منط ال�سلوك املراد تعلمه وتثبيته عند املتعلم.
� -7إث���ارة دواف���ع املتعلمني وميوله���م وا�س���تعداداتهم نحو �أمن���اط متنوعة من ال�س���لوك،
تهدف �إىل ا�س���تمرارية الن�ش���اط وحتديده وتوجيهه على �أ�س����س علمية مو�ض���وعية يف
مواقف التعلم.
• �أ�سئلة وتمارين:
-1و�ضح دور الدافعية يف العملية التعليمية.
-2كيف تزداد الكفاءة عند املتعلم من خالل الدافعية.
-3ي�ؤثر القلق يف ال�سلوك .ا�شرح.
-5و�ضح دور احلوافز يف تثبيت التعلم وتعزيزه.
-6كفاءة املعلم يف العملية التعليمية ترتبط بالدافعية .ا�شرح.
�سيكولوجية الفروق الفردية
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل ماهية الفروق الفردية.
(� )2أن يعرف املتعلم تاريخ درا�سة الفروق الفردية.
(� )3أن يف�سر املتعلم كيفية اكت�شاف الفروق الفردية.
(� )4أن يعرف القارئ العوامل امل�ؤثرة يف الفروق الفردية.
(� )5أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف اكت�شاف ال�صفات املت�شابهة التي تو�ضح
الفروق الفردية.
(� )6أن يتعرف املتعلم �إىل �أهمية درا�سة الفروق الفردية.
(� )7أن يتعرف املتعلم �إىل �أنواع الفروق الفردية.
(� )8أن يتعرف املتعلم �إىل مظاهر الفروق الفردية.
الفــروق الفرديـــــة
مدخل عـــام
:
م���ن المتفق علي���ه �أن المتعلمين يختلفون فيم���ا بينهم اختالفات وا�ض���حة وبينة في
النواحي الج�سمية والعقلية والمعرفية واالنفعالية ،وغيرها من خ�صائ�ص الإن�سان.
لذلك من الأهمية بمكان �إي�ض���اح هذا المو�ض���وع ،الذي يمثل جان ًبا مه ًّما في العملية
التعليمية.
والف���روق الفردي���ة تمث���ل االخت�ل�اف بين الأف���راد ،وه���ي ظاهرة عامة ف���ي مختلف
الكائنات ،وظاهرة االختالف والتباين بين الب�شر على جانب كبير من الأهمية .وقد اهتم
الإن�سان في مراحل تاريخه الب�شري بمالحظة الفروق بين الأفراد.
وظاهرة الفروق الفردية Individual Differencesتمثل تف ُّرد الإن�سان ،و ُتع ّد من �أهم
حقائق الوجود.
وكثي ًرا ما نجد ال�ص���غار داخل الأ�سرة الواحدة ،الذين هم من الذكور والإناث ،ومن
الأ�ش���قاء وال�ش���قيقات ،يختلفون بع�ض���هم عن بع�ض في جوانب متعددة ،وتتمايز قدراتهم
وا�ستعداداتهم و�أنماط �سلوكهم في مواقف الحياة المتعددة اليومية وعلى مدار �أعمارهم.
276
الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية علم النف�س التربوي
نظرة تاريخية:
بعد درا�س���ة �أحد العلماء ل�سالالت ب�ش���رية عدة وخ�صائ�صها النف�سية واالجتماعية،
تو�ص���ل �إلى عبارة �ش���هيرة هي�( :إن الإن�س���ان على نحو ما ُي�شبه كل النا�س ،وعلى نحو �آخر
ُي�شبه بع�ض النا�س ،وعلى نحو ثالث ال ُي�شبه �أحدً ا من النا�س).
هذه العبارة تو�ضح معنى الفروق الفردية ،فت�شابه الإن�سان مع غيره �أمر طبيعي ،ولكن
ه���ذا الت�ش���ابه ال يعني التطابق� .أي �إن الإن�س���ان على الرغم من ت�ش���ابهه م���ع كل النا�س� ،إال
�أن���ه يوج���د بينه وبين غيره فروق فردية .تلك الفروق ال تقت�ص���ر على الأفراد ،بل توجد بين
الجماعات كذلك ،كالفروق بين ال�سالالت والطبقات االجتماعية� .أي �إنه �إ�ضافة �إلى الفروق
بي���ن الأف���راد ،توجد فروق �أخرى بي���ن الجماعات .ومع هذا ،فكل �إن�س���ان يمثل حالة فريدة
متميزة عن غيرها لوجود تفاوت وفروق لدى الفرد الواحد في درجات �سماته وخ�صائ�صه.
�إن هذا يو�ضح وجود فروق بين الأفراد ،وبين الجماعات ،وداخل الفرد الواحد.
لقد �أدرك الفال�سفة منذ القدم وجود الفروق الفردية بين النا�س ،فق�سم هيبوقراط
و�أفالطون النا�س �إلى فئات عدة .ق�س���مهم الأول �إل���ى �أربعة �أنماط ،و�أطلق عليها الأمزجة
الأربعة .فقد يكون الفرد �ص���احب مزاج دموي �أو بلغمي �أو �ص���فراوي �أو �س���وداوي ،وذلك
بنا ًء على الن�س���ب بين ال�س���وائل الموجودة داخل الج�سم .ف�إذا زادت ن�سبة الدم كان الفرد
�ص���احب مزاج دموي ،و�إذا غلب البلغم �أ�صبح الفرد �صاحب مزاج بلغمي ،وهكذا بالن�سبة
�إلى ال�صفراء وال�سوداء.
277
علم النف�س التربوي الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية
وب َّي���ن هيبوقراط �أن لكل نمط �س���ماته الخا�ص���ة ،ف�ص���احب الم���زاج الدموي يتميز
بال�سرعة والمرح واالنفعال ال�شديد ،ويتميز �صاحب المزاج ال�صفراوي ب�سهولة اال�ستثارة
واالنفعالي���ة ،وبغلب���ة االنفعاالت الحزين���ة عليه� .أما �ص���احب المزاج ال�س���وداوي ،فيتميز
ب�س���رعة التعر����ض لالكتئاب واله���دوء االنفعالي .و�أخي ًرا يتميز �ص���احب الم���زاج البلغمي
بالبطء والبالدة.
وق�س���م �أفالطون النا�س �إلى ثالث طبقات بنا ًء على درجة تميز و�سيطرة �إحدى قوى
النف����س الثالث( :العقل �أو الغ�ض���ب �أو ال�ش���هوة) ،على باقي القوى .ف�إذا �س���يطرت القوة
العاقلة� ،أ�صبح الفرد من طبقة الحكماء والفال�سفة والعلماء .و�إذا �سيطرت القوة الغا�ضبة
وتفوقت على بقية القوى� ،أ�ص���بح الفرد من طبقة الجند والحرا�س� .أما �إذا �س���يطرت قوة
ال�شهوة وتفوقت على بقية القوى� ،أ�صبح الفرد من طبقة العوام.
وذك���ر �أفالط���ون �أنه ل���م يولد اثنان مت�ش���ابهان ،ب���ل يختلف كل فرد ع���ن الآخر في
المواهب الطبيعية ،في�صلح �أحدهما لعمل بينما ي�صلح الثاني لعمل �آخر.
ومع تطور علم النف�س وا�س���تقالله عن الفل�س���فة� ،أخذت درا�سة الفروق منحى �آخر.
ومن الغريب �أن الدرا�س���ة المنظم���ة للفروق الفردية لم تبد�أ بعل���م النف�س ،بل بد�أت بعلم
الفلك .ومما ُيذكر في هذا ال�ش����أن �أنه حدث �س���نة � 1796أن ف�صل مدير مر�صد جرينت�ش
م�ساعده؛ لأنه الحظ الأزمنة في �أثناء ر�صده لم�سار الكواكب مت�أخ ًرا ثانية واحدة ،وكانت
طريقته في عملية الر�ص���د معتمدة على المالحظة العادية با�س���تخدام العين والأذن ،ثم
ا�س���تخدم ال�س���اعة في مالحظة الوقت بالثانية ،وكان يع ّد الثواني بدقات ال�س���اعة ،فكان
يالحظ النجم في �أثناء عبوره مجال التلي�س���كوب ،ويركز انتباهه في مو�ض���ع النجم عند
الدقة الأخيرة لل�س���اعة التي �سبقت مبا�شرة و�ص���وله �إلى الخط الحرج Criticalللمجال،
ث���م ف���ي مو�ض���عه عند الدقة الأولى لل�س���اعة الت���ي تلي مبا�ش���رة عبوره له���ذا الخط .ومن
هاتي���ن المالحظتين كان يت�س���نى له تحديد الوقت الذي عب���ر عنده النجم الخط الحرج.
وم���ن الطبيع���ي �أن يكون في كل خطوة من ه���ذه الخطوات مجال لظه���ور الفروق الفردية
278
الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية علم النف�س التربوي
Responseو�أُطل���ق على ذلك في علم النف�س (زمن الرجع )Reaction Timeوزمن الرجع
هو الزمن الذي يم�ضي بين ظهور المثير Stimulusوحدوث رد الفعل Reactionواال�ستجابة
على هذا المثير .وزمن الرجع هذا يختلف من فرد �إلى �آخر بوجه عام ،فال�ش���خ�ص الذي
279
علم النف�س التربوي الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية
يتميز بزمن رجع ق�صير ،هو الذي ُيعطي ا�ستجابات �سريعة بمجرد ظهور المثير والمنبه،
وهذه الميزة تحتاج �إليها مثلاً في عمل قائد ال�سيارة؛ لأن قائد ال�سيارة م�ضطر دائ ًما �إلى
اال�س���تجابات الحركية ال�س���ريعة عند مجرد ظهور المثير المفاجئ �أمامه ،وخا�صة عندما
تزداد حركة المرور في الطرقات وال�شوارع التي تكثر فيها حركة ال�سيارات �أو الم�شاة.
ولنع���د �إلى حادثة ر�ص���د الكواك���ب ،عندما اكت�ش���ف �أن النا�س يختلفون في �س���رعة
ا�س���تجاباتهم ف���ي ر�ص���د الكواك���ب ،فق���د و�ض���ع الفلكي���ون � -آنئذ -م���ا ي�س���مى المعادلة
ال�شخ�صية ،Personal Equationوهي معادلة ح�سابية لت�صحيح تقديرات المالحظين من
عملية الر�ص���د ،حتى تكون النتائج �ص���حيحة ودقيقة .ومن الطبيعي �أن يكون لكل �ش���خ�ص
من المالحظين معادلته ال�شخ�ص���ية الخا�صة به ،وبذلك تغلب الفلكيون على مبد�أ الفروق
الفردي���ة ف���ي المالحظة ،وكان هذا �أول اعت���راف ُعرف في التاريخ بالف���روق الفردية في
المالحظة واال�س���تجابة .ويعود االعتراف بالفروق الفردية في علم النف�س �إلى «�أر�س���طو»
و«�أفالطون» ففي جمهورية �أفالطون ،نجد �أنه حدد الأعمال المختلفة في هذه الجمهورية،
حيث قام بو�ص���ف متطلبات كل عمل والقدرات الالزمة للنجاح فيه ،وهذا ي�ؤكد من جديد
اختالف الأفراد في قدراتهم واختالف الأعمال في القدرات الالزمة لها.
وهكذا كان اكت�ش���اف الفروق الفردية ،في دقة مالحظة ر�ص���د النجوم في المرا�صد
الفلكية ،وكان من �آثار ذلك بدء تحديد ودرا�سة الفروق الفردية بين الب�شر ،وهو �أمر على
جان���ب كبير من الأهمية ،في تحدي���د الفروق الفردية بين الأف���راد عامة وبين المتعلمين
-في العملية التعليمية -ب�صفة خا�صة.
الفروق الفردية .حيث ُيفهم من هذا االجتاه �أن الب�شر مت�ساوون فيما لديهم من
�إمكانيات وا�ستعدادات وقدرات ،و�أن الفروق التي تبدو بني الأفراد -بالن�سبة �إىل
هذا االجتاه -مرجعها �أن فر�ص تنمية هذه الإمكانيات واال�ستعدادات ،والقدرات
لي�ست واحدة �أي لي�ست متكافئة .ولذلك يهتم امل�ؤيدون لهذا االجتاه ب�ضرورة تهيئة
الفر�ص املتكافئة �أمام اجلميع� ،أي �إتاحة كل الفر�ص �أمام جميع �أفراد املجتمع.
-2وي�ؤكد االجتاه الثاين �إرجاع الفروق بني الأفراد �إىل خ�صائ�ص بيولوچية (وراثية يف
الأعم) نتيجة ال�ستعدادات وراثية �أو چينات حتملها الكرومو�سومات للوالدين ،ويرثها
الأبناء من الأبوين ،ولذلك ُينادي �أ�صحاب هذا االجتاه ب�أنه على اجلميع �أن ي�ستفيد
مبا يظهر فيه من مواهب وعبقريات وابتكار بني املجتمع املتفوق ومن غريهم.
ويلج أ� كثير من الدار�سين في مجال علم النف�س والعلوم ال�سلوكية �إلى تف�سير نتائجهم
في �ضوء �أحد االتجاهين دون الآخر .ومما ُيعاب على االتجاه الأول الذي ينادي بالم�ساواة
بين المتعلمين ،وخا�ص���ة في المي���دان التعليمي� ،أن الواقع الفعل���ي ال ي�ؤكد ذلك ،حيث �إن
التربية والتعليم تعمالن على تحقيق النمو في �شخ�صية المتعلمين ،وحيث �إن ال�شخ�صيات
المختلفة بين المتعلمين لي�س���ت مت�س���اوية في �صفاتها المتعددة� ،سواء كانت من ال�صفات
الج�سمية �أو الحركية �أو الح�سية والعقلية المعرفية �أو االنفعالية �أو االجتماعية.
و ُيعاب على االتجاه الثاني ،الذي ي�ؤكد �أن الفروق الفردية تبد�أ ببدء تكوين الفرد في
�أثناء الحمل وهي بذلك وراثية ،ما قد يجعل من هذه الفروق بالن�سبة �إلى مختلف الأفراد
امتي���ازات طبقية ،وتفوق �أجنا�س �أخرى �أو �س�ل�الة على �س�ل�الة �أخرى وف ًق���ا لتميز وتفوق
�أفراد على غيرهم ،ومن ثم يكون هذا التفريق مدعاة للتمييز بين �أقوام �أو طبقات و�إتاحة
الفر�ص �أمام المتفوقين دون غيرهم من الأفراد العاديين �أو غير العاديين.
ونخل����ص �إل���ى �أن الفروق الفردية هي نتاج التفاعل بي���ن عوامل الوراثة والبيئة ،كما
�أثبتت نتائج كثير من الدرا�سات.
281
علم النف�س التربوي الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية
نتيج���ة لذل���ك علينا �أن ن ؤ�ك���د �أن الأفراد في الواقع غير مت�س���اوين في الخ�ص���ائ�ص
البيولوچية والنف�س���ية والعقلية وفي بنية وتركيب �شخ�ص���ياتهم ب�صفة عامة ،وذلك نحتاج
معه �إلى توجيه العناية لكل فرد ح�سب كفاءته من حيث هذه الخ�صائ�ص ،ويجب في ذات
الوقت �أن نع ّد الأفراد مت�س���اوين من حيث انتما�ؤهم �إلى المجتمع الإن�س���اني ،وبذلك يجب
�أن نوفر لهم �أكبر قدر من الفر�ص المتكافئة.
ً
متو�سطا من الذكاء ،مثل الأعمال الم�صلحية و�إن هناك من الأعمال ما يتطلب قد ًرا
العادية التي يقوم بها الموظف العادي ،ف�إذا لم يكن االختيار بهذه الأعمال �سلي ًما ،وقمنا
باختيار �شخ�ص غير منا�سب ك�أن يكون مختل ًفا من الناحية العقلية ارتبك في عمله ،ووقع
في �أخطاء كثيرة ،و�أ�ص���يب بالإحباط والي�أ�س ،وقد ي�ؤثر ذلك في حياته خارج العمل ،و�إن
مثل هذه الأعمال ال ُينا�سبها ال�شخ�ص الذكي؛ لأنها ت�سبب له الملل وال�ضيق.
ومعن���ى هذا �أن االختيار ال�س���ليم للأعمال ،يتطلب و�ض���ع ال�ش���خ�ص المنا�س���ب في
المكان المنا�سب.
���تخدما بع�ض
ً كان كاتل من تالميذ فونت� ،إال �أنه اهتم بدرا�س���ة الفروق الفردية م�س
الأ�س���اليب التجريبية ،وكانت ر�س���الته للدكتوراه عن الفروق الفردية في زمن الرجع .ونما
اهتمام���ه بدرا�س���ة الفروق الفردية بات�ص���اله بالعالم فرن�س���ي�س جالتون الذي ا�س���تخدم،
وللم���رة الأول���ى ،كثي ًرا من الأ�س���اليب الإح�ص���ائية لدرا�س���ة الفروق الفردية .وا�س���تخدم
�أ�ساليب مختلفة في درا�سة الفروق بين الأفراد في ال�سمات الج�سمية الفيزيقية .وكان �أول
من ا�س���تخدم م�صطلح (االختبارات العقلية) ،وا�س���تخدمها في درا�سته للفروق الفردية.
�أعقب ذلك ظهور كثير من الأدوات واالختبارات ،ونمو الأ�ساليب الإح�صائية الم�ستخدمة
في درا�سة الفروق الفردية ،ما جعل درا�سة الفروق الفردية �أكثر علمية ودقة.
الفروق الفردية:
ـ ـ اكت�شافها
ـ ـ نظرة تاريخية ـ ـ التعريف
ـ ـ ماهيتها ـ ـ العوامل امل�ؤثرة فيها
ـ ـ الفروق الفردية يف ال�سمات املختلفة.
-1التعلم والتعليم:
�إن التالميذ يختلفون في قدراتهم وا�س���تعداداتهم وميولهم ،وهذه االختالفات ت�ؤثر
ف���ي �ص�ل�احية كل منهم لنوع الدرا�س���ة .فلي�س كل تلميذ بقادر على درا�س���ة م���واد التعليم
ال�صناعي �أو التجاري بالدرجة عينها من المهارة والكفاية؛ لأن كل نوع من �أنواع الدرا�سة
والتعلم يحتاج �إلى قدرات وميول معينة.
284
الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية علم النف�س التربوي
كذل���ك ،ف����إن اختالف ق���درات التالمي���ذ وا�س���تعداداتهم وميولهم ،ي ؤ�ث���ر في مدى
ا�ستفادة كل منهم مما ُيقدم له من مادة تعليمية ،وفي مدى حاجته �إلى الرعاية .فالتلميذ
المتخلف عقل ًّيا يحتاج �إلى مواد درا�س���ية تختلف في نوعها وكمها عما يحتاج �إليه التلميذ
متو�سط الذكاء �أو مرتفع الذكاء .و�إن الطريقة المالئمة لتعليم المتخلف عقل ًّيا تختلف عن
الطريقة المالئمة لتعليم التلميذ متو�س���ط الذكاء �أو مرتف���ع الذكاء ،وهذا بدوره ي�ؤثر في
درجة ا�ستفادة كل منهم مما ُيقدم له.
-2االقت�صاد:
كما تختلف الدرا�س���ات فيما تحتاج �إليه من قدرات وميول لكي ينجح الدار�س فيها،
تختلف المهن فيما تحتاج �إليه من قدرات وميول ومهارات وا�ستعدادات .ونظ ًرا �إلى وجود
فروق فردية في جوانب ال�شخ�ص���ية ،ف�إنه يمكن توجيه الفرد �إلى المهنة �أو الدرا�س���ة التي
تالئم���ه ،ف�إذا ما التح���ق بهذه المهنة �أو الدرا�س���ة ،حقق اال�س���تفادة الكاملة منها ،ونجح
فيها ،ونق�ص���ت مدة تدريب���ه ،وقل احتمال ترك���ه للعمل ،ولهذا مردوده االقت�ص���ادي على
الفرد والمجتمع.
-3ال�صحة النف�سية:
�إن توجيه الفرد �إلى الدرا�سة �أو المهنة التي تالئمه ،و�إعداده لاللتحاق بها ،وتدريبه
عليها ،وتحقيقه للنجاح فيها ،ي�ساعده على �أن يحقق ذاته فيها ،ويتوافق معها ومع زمالئه
و�أ�ص���دقائه و�أ�سرته ،ما يحقق له ال�صحة النف�سية وال�سعادة والر�ضا .كذلك ،ف�إن مراعاة
ما يحتاج �إليه التلميذ المتخلف عقل ًّيا من حيث كم ونوع وطريقة تقديم المادة الدرا�سية،
ي�شعره بالنجاح ،ويحقق له ال�صحة النف�سية.
ال�س���اد�س ،لوجدنا اختال ًفا في متو�س���ط وت�ش���تت الأطوال في ال�ص���ف ال�ساد�س عما كانت
عليه في ال�صف الأول ،ما يكون �إ�شارة �إلى التغيرات النمائية التي حدثت لديهم.
�أنواع الفروق:
يميل النا�س �إلى ت�صنيف الظواهر المختلفة ،بحيث يكونون فئات مختلفة من الأ�شياء
والأفعال .وال يقت�صر �أمر الت�صنيف عند هذا الحد ،بل ُي�صنفون بع�ضهم ً
بع�ضا با�ستخدام
ال�س���مات المختلفة .فهذا طويل وذلك ق�صير ،وهذا ذكي وذلك غبي ،وهذا مجتهد وذلك
متخلف .وهذه الطريقة في الت�صنيف �إنما توحي ب�أن الفروق تكون في النوع ،ولكن الواقع
�أن الفروق نوعان:
-1فروق في النوع:
وهي الفروق التي ال يوجد بينها وحدة قيا�س م�ش���تركة .فالذكاء يختلف عن الطول،
والط���ول يختل���ف عن ال���وزن ،والوزن يختلف ع���ن التح�ص���يل ،لأنه ال توجد وح���دة قيا�س
م�ش���تركة .ف�إذا كان الطول ُيقا�س بال�س���نتيمترات ،ف�إن الوزن ُيقا�س بالجرامات ،وينطبق
المعنى نف�سه على بقية الأنواع ال�سابقة.
والف���روق ف���ي النوع ال تقت�ص���ر على ال�س���مات الج�س���مية فقط ،بل ت�ش���مل ال�س���مات
النف�س���ية ،فالذكاء يختلف عن الميل في النوع ،وا�س���تطرادًا ال يمكن مقارنة ذكاء �شخ�ص
بميل �آخر؛ لأنه ال توجد وحدة قيا�س م�شتركة.
-2فروق في الدرجة:
وه���ي الفروق التي يوجد بينها وحدة قيا�س م�ش���تركة ،فالفرق بين الطول وال ِق�ص���ر
فرق في الدرجة؛ لأن وحدة قيا�سهما هي ال�سنتيمترات ،والفرق بين الثقيل والخفيف فرق
ف���ي الدرجة؛ لأن وحدة قيا�س���هما هي الجرامات ،والفرق بي���ن الحرارة والبرودة فرق في
الدرجة؛ لأن وحدة قيا�س���هما هي مقدار ارتفاع عمود الزئب���ق .وينطبق المعنى عينه على
286
الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية علم النف�س التربوي
ال���ذكاء والميول والقدرات واال�س���تعدادات واالتجاهات� ،إذ �إن الف���روق بين الأفراد تكون
فرو ًقا في الدرجة.
تظهر الفروق في الدرجة على بعد واحد مت�صل (�أو خط م�ستقيم) ال يمكن تجزئته
�إلى �أجزاء منف�ص���لة بينها فجوات �أو ثغرات .فالذكاء ُبعد مت�ص���ل يمتد من �أقل درجة �إلى
�أق�صى درجة داخل عينة معينة .وكذلك الميل ُبعد مت�صل يمتد من �أقل درجة �إلى �أق�صى
درج���ة داخ���ل عينة معينة .وعلى هذا ال ُبعد يتوزع جميع �أف���راد العينة ،بحيث تكون الأقلية
درجة ذكائها دون المتو�س���ط ،و�أقلية �أخرى درجة ذكائها مرتفعة على المتو�سط ،وغالبية
درجة ذكائها متو�س���طة� .أي تتوزع العينة اعتدال ًّيا على هذا ال ُبعد المت�ص���ل توزي ًعا كم ًّيا ال
كيف ًّيا.
مختلف���ة منها ،و�إلى م�س���تويات متفاوت���ة التعقيد من تل���ك المعلومات ،وتف���اوت قدرة كل
منهم على ترميز المعلومات� ،أي تحويلها �إلى رموز ،وعلى �س���رعة �أداء العمليات المعرفية
الم�ستخدمة في معالجة المعلومات.
(ب) الفروق بني الأعمار ،كما تظهر يف تغري اخل�صائ�ص النمائية عرب الأعمار
خللقي.املختلفة ،كالنمو اجل�سمي والعقلي والوجداين واالجتماعي وا ُ
(ج) الفروق بني الأجنا�س وال�سالالت يف بع�ض اخل�صائ�ص اجل�سمية ،مثل لون
اجللد والتحمل ،واخل�صائ�ص املعرفية ،كالذكاء العام.
(د) الف���روق ب�ي�ن امل�س���تويات االقت�ص���ادية واالجتماعي���ة وانعكا�س���اتها عل���ى
خ�صائ�ص الأفراد و�أ�ساليب تن�شئتهم.
نتاجا لعوامل الوراثة والبيئة وتفاعلهما ،ف�إن تلك الفروق
ولما كانت الفروق الفردية ً
لي�س���ت مطلقة �أو ثابتة ثباتًا مطل ًقا ،والدليل على ذلك تح�س���ن بع�ض ال�س���مات عند انتقال
الأفراد من بيئة �إلى �أخرى.
تلخي�ص:
-1مظاهر االختالف والتباين بني الب�شر على جانب كبري من الأهمية من حيث تفرد
الإن�سان واختالفه عن الآخرين يف جوانب متعددة.
-2هناك اجتاهان يف طبيعة الفروق الفردية ،وهما:
� -إن البيئة والمجتمع بما فيهما من �إمكانيات هما �سبب ظهور الفروق الفردية.
� -إن الفروق بين الأفراد مرجعها خ�صائ�ص بيولوچية (وراثية).
ُ -3يق�صد بالفروق الفردية اختالف كل فرد عن الآخرين يف خ�صائ�ص ج�سمية ونف�سية.
-4تمُ ثل الفروق الفردية يف علم النف�س الدرا�سة العلمية لدى االختالف بني النا�س يف
ال�صفات املت�شابهة.
-5اكت�شاف الفروق الفردية مت عند دقة مالحظة ر�صد النجوم يف املرا�صد الفلكية ،حيث
تبني وجود ما يعرف باملعادلة ال�شخ�صية بني املالحظني يف املرا�صد الفلكية.
�أ�سئلة وتمارين:
-1هناك اتجاهات نحو طبيعة الفروق الفردية .ا�شرح.
-2و�ضح الق�صد بالفروق الفردية.
-3كيف تم اكت�شاف الفروق الفردية.
الفروق الفردية بني املتعلمني
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل الفروق الفردية بني املتعلمني.
(� )2أن يعدد املتعلم ال�سمات املختلفة للفروق الفردية.
(� )3أن يف�سر املتعلم التوزيع االعتدايل للفروق الفردية.
(� )4أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف اكت�شاف الفروق بني املتعلمني من خالل
التوزيع االعتدايل.
الفروق الفردية بني املتعلمني
:
في الك�ش���ف ع���ن الفروق الفردي���ة القائمة بين الأف���راد ،يمكن الو�ص���ول �إلى تباين
ال�ص���فات �أي الفروق بين مختلف الأفراد ،من الخ�ص���ائ�ص الج�س���مية والعقلية والنف�سية
�إلى غير ذلك من ال�سمات التي يتميز بها الب�شر.
وعند تحديد ال�صفات يمكن قيا�س مدى تفوق �أو �ضعف الفرد في هذه ال�صفة ،ومن
ثم عند مقارنته بغيره ،يمكن �أن نحدد الفروق الفردية القائمة بالن�س���بة �إلى �صفة معينة.
وعند ح�س���اب عدد المتفوقين بين الأفراد عامة والمتعلمين خا�صة في �صفة من ال�صفات
الب�ش���رية ،وعدد المتو�س���طين ،وعدد ال�صفات ،ف�إنه يمكن الك�ش���ف عن �أهم خا�صية من
خوا�ص الفروق الفردية ،عندما يتبين �أن عدد المتو�س���طين هم �أكثر عدد الم�س���تويات من
الأفراد ،و�أن م�ستوى التفوق هم �أقل عددًا من الأفراد ،و�إن م�ستوى ال�ضعاف هم �أقل عددًا
من الم�س���توى المتو�سط ،وهذا ما �سيتم �إي�ض���احه في التوزيع االعتدالي للفروق الفردية،
وف���ي ه���ذا ما ي�ؤكد �أن الفروق الفردية هي انحرافات الأفراد ،عند ُبعدهم عن المتو�س���ط
لأفراد الجماعة في ال�صفات المختلفة.
وبدء درا�س���ة ال�شخ�ص���ية يعتمد على الن�ش���اط الذي يتمثل فيما يق���وم به الفرد من
�أعمال ،وما ي�صدر عنه من ا�ستجابات لغوية �أو حركية.
ولذلك تعددت مجاالت الدرا�س���ة في فروع علم النف����س ،حيث تتفرع ،وتتعدد نتيجة
لتنوع وتعدد المجاالت التي تزاول فيها ال�شخ�صية ن�شاطها ،وتمتد الفروق الفردية لت�شمل
جميع جوانب الن�ش���اط الذي ي�صدر عن ال�شخ�صية ب�صفة عامة وفي جوانب الن�شاط عند
المتعلمين ب�صفة خا�صة.
و ُتعرف ال�شخ�ص���ية ب�أنها النظام المتكامل من ال�س���مات الج�سمية والنف�سية الثابتة
ن�سب ًّيا ،التي ُتميز الفرد من غيره والتي ُتحدد �أ�ساليب ن�شاطه وتفاعله مع البيئة الخارجية،
المادية واالجتماعية� .أو تعرف ب�أنها النمط الذي يميز ال�شخ�ص عن غيره.
ودرا�س���ة ال�شخ�ص���ية يمك���ن تناولها من زواي���ا وجوان���ب مختلفة ،يت���م تحليلها �إلى
مجموعة من ال�ص���فات �أو ال�س���مات .وهذه ال�س���مات هي تجريدات �أو �أو�ص���اف ن�صف بها
�س���لوك الفرد ،فال�س���مة Traitكما تعرف في علم النف�س هي طريقة في ال�س���لوك متميزة
وثابتة ن�سب ًّيا يختلف فيها ال�شخ�ص عن الآخرين.
نواح كثيرة ومتعددة ،حيث ال يمكن ح�ص���ر االختالف والتباين
ويختل���ف النا�س ف���ي ٍ
�إال �أنه بالبحث الإح�صائي المو�ضوعي ،تبين �أن الفروق بين الأفراد تميل لأن ترتبط فيما
بينها ،ب�شكل يجعل من الممكن تحديد �أبعاد �أو �سمات �أكثر عمومية .ويمكن ت�صنيف هذه
ال�سمات �إلى المجموعتين الآتيتين:
� اً
أول :مجموعة ال�صفات الج�سمية:
هي التي تتعلق بالنمو الج�سمي العام وال�صحة العامة ،والتي ُيميز فيها بين ال�سمات
العامة مثل ال�ص���حة العامة ،وال�ص���فات الخا�ص���ة مثل الطول وال���وزن� ،أو بع�ض الإعاقات
الج�سمية ،وبع�ض الخ�صائ�ص الح�سية والحركية.
295
علم النف�س التربوي الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية
-2اخل�صائ�ص النف�سية :التي ميكن متييزها وحتديد الفروق الفردية بني الأفراد ،من
حيث:
(�أ) التنظيم العقلي املعريف:
�أي اال�ستعدادات والقدرات العقلية ،التي ت�شتمل على:
-القدرة العقلية العامة (الذكاء العام).
-القدرة العقلية اخلا�صة ،كالقدرة الريا�ضية والعددية وامليكانيكية واللغوية،
والفنية واالبتكارية.
-العمليات والأن�شطة العقلية :كالتفكري والإدراك والفهم واحلفظ� ...إلخ.
(ب) امل�ستوى التح�صيلي ،وي�شتمل على:
-امل�ستوى التح�صيلي الدرا�سي.
-م�ستوى املعلومات العامة.
-عمق اخلربات ال�سابقة.
(�أ) ف�إذا افرت�ضنا �أن الفروق الفردية كمية ،كان معنى ذلك �أننا منتلك جمي ًعا ،جميع
297
علم النف�س التربوي الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية
ال�صفات وال�سمات النف�سية واجل�سمية ،وتخت�ص �إحدى هذه ال�سمات عند فرد
من الأفراد ،و ُي�صبح الفرق بني فرد و�آخر ،هو يف درجة امتالكه لكل �سمة من
هذه ال�سمات.
(ب) �أما �إذا افرت�ضنا �أن طبيعة الفروق الفردية هي طبيعة نوعية ،كان معنى هذا �أن
كل فرد منا ميتلك �سمات ال ميتلكها غريه ،و�أن كل حالة من حاالت الفردُ ،تع ّد
حالة فريدة من نوع ال�سمات التي متتلكها.
ولكي نختار بين هذين االحتمالين نبحث الو�ض���ع في �سمات نف�سية عدة .فمن حيث
الذكاء العام مثلاً ،يختلف الأفراد بع�ضهم عن بع�ض في درجة امتالكهم للذكاء العام ،وال
تماما ،فحتى �أدنى مراتب ال�ض���عف العقلي نجد �أن الفرد نجد مطل ًقا فردًا منعدم الذكاء ً
قادر على القيام ببع�ض الأعمال الب�س���يطة ،فهو ي�س���تطيع �أن يفتح �ش���باك حجرته ،ويغلق
بابه���ا وي�أكل ،وهذه الأعمال مهما بلغت درجة �س���هولتها ،ف�إنها ما زالت تحتاج �إلى ن�س���بة
مثال �آخر عن قدرة خا�ص���ة ،كالقدرة الح�س���ابية ،حيث نجد ب�س���يطة من الذكاء .ولن�أخذ اً
�أن الأف���راد يختلف���ون في درجة كفاءتهم للقيام ببع�ض الأعمال الح�س���ابية ،وحتى الأفراد
عال من حيث امتالكهم لهذه القدرة ،نجد �أنهم الذين ن�ص���فهم ب�أنهم لي�سوا على م�ستوى ٍ
ي�س���تطيعون القي���ام ببع����ض الأعمال ،فهم ي�س���تطيعون جمع بع�ض الأعداد وطرح بع�ض���ها
الآخر ،والقيام ببع�ض العمليات الح�س���ابية الب�س���يطة .ومعنى ذلك �أن لديهم قد ًرا ً
ب�سيطا
من هذه القدرة الح�سابية.
�أما من حيث ال�س���مات االنفعالية ،ف�إننا نجد �أن لكل �سمة طرفين متقابلين ،وت�سمى
ال�س���مة تب ًعا لهذين الطرفين ،فاالنطواء واالنب�س���اط يكونان �سمة واحدة ،والميل للعدوان
والميل للم�سالمة كذلك يكونان �سمة واحدة.
فلو ت�ص���ورنا طرفي ال�س���مة على �أنهم���ا نقطتان متباعدتان ،وبي���ن هذين النقطتين
مقيا�سا مت�صلاً ،و ُيمثل كل فرد منا نقطة من هذه النقط
ً عدد ال نهائي من النقط يكونان
298
الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية علم النف�س التربوي
الالنهائية العدد ،ف�إذا ت�صورنا �سمة االنطواء واالنب�ساط على النحو الآتي:
فنقول من هذا الر�س���م� :إن ال�ش���خ�ص (�أ) يغلب عليه االنطواء �أكثر من االنب�س���اط
وال�ش���خ�ص (ب) متعادل من حيث الطرفان� ،أما ال�ش���خ�ص (جـ)( ،د) فهما قريبان من
االنب�ساط� ،أما ال�شخ�ص (هـ) فهو يغلب عليه االنب�ساط.
وف���ي الو�ص���ف التقريب���ي نق���ول� :إن (�أ) منط ٍو وك ًّال م���ن (جـ ،د) منب�س���طان ،و�أما
ال�شخ�ص (ب) فهو عادي ،ولكن هذا الو�صف غير علمي .وفي المثال الثاني نقول� :إن (�أ)
يتمتع ب�أكبر قدر ممكن من الم�سالمة وعدم االعتداء على الآخرين ،بينما الفرد (هـ) في
عال.
�سلوكه عدوانية بقدر ٍ
والثاب���ت علم ًّي���ا �أن كل فرد يقترب ،بمقدار ما يملك من خالله �أحد طرفي ال�س���مة،
و�أن���ه يمتل���ك الطرفين بدرج���ات متفاوتة .حتى ال�س���مات االنفعالية وال�س���مات الع�ض���وية
للذك���ورة والأنوث���ة ،موجودة في كل فرد ذك ًرا كان �أم �أنث���ى بدرجات مختلفة ،ولي�س هناك
�شخ�ص يمتلك �أحد الطرفين في �أي �سمة امتال ًكا نق ًّيا .٪100
نخ���رج من هذا كله ب����أن الفروق الفردية �إنم���ا هي فروق كمية Quantitiveولي�س���ت
نوعي���ة Qualativeوال ينطب���ق ه���ذا فقط على ال�ص���فات النف�س���ية ،بل ينطبق � ً
أي�ض���ا على
ال�صفات (ال�سمات) الج�سمية وغيرها من ال�صفات الب�شرية.
299
علم النف�س التربوي الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية
ذكرنا �أن الفروق الفردية كمية ،ولي�س���ت نوعية .ومعنى هذا �أن الأفراد يختلفون في
درجة امتالكهم لكل �سمة من ال�سمات من ناحية الكم ،ولي�س من ناحية النوع .واالختالف
في الكم ي�س���ير بنموذج واحد تقري ًبا في جميع ال�س���مات الج�س���مية والنف�س���ية عند الب�شر
و�أغلب الأفراد يمتلكون ال�س���مة بدرجة متو�سطة و�أقل الأفراد يمتلكون ال�سمة بدرجة قليلة
�أو كثيرة ،وبذلك نح�ص���ل على توزيع له �ش���كل ثابت ُي�ش���به الجر�س �أو الناقو�س ،وي�س���مى
ذل���ك من الناحية الإح�ص���ائية «التوزيع االعتدالي» .ففي الر�س���م الآت���ي ،وهو يمثل توزيع
ال���ذكاء في مجموعة كبي���رة ممثلة من الأفراد ،نجد �أن الأ�ش���خا�ص الذين يتمتعون بذكاء
عادي يبلغون الغالبية العظمى ،وكلما قل ذكاء الأفراد قل عددهم � ً
أي�ضا ،حتى نجد �أن فئة
�ضعاف العقول ُيمثلون مجموعة نادرة في المجتمع.
عدد الأ�شخا�ص
وبالمثل نجد �أنه كلما ارتفع الذكاء عن المتو�س���ط ،ق���ل عدد الأفراد تدريج ًّيا ،حتى
ن�صل �إلى فئة العباقرة ،حيث نجد �أنهم يمثلون فئة نادرة في المجتمع.
300
الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية علم النف�س التربوي
تلخي�ص:
-1تظهر الفروق الفردية يف ثالثة مظاهر :تتمثل يف:
-مدارج العمر المتعاقبة.
-الفروق الفردية في الأداء.
-فروق بين الجماعات.
نظاما متكاملاً يف
-2الفروق الفردية تظهر يف الفروق بني ال�شخ�صية من حيث اعتبارها ً
ال�سمات اجل�سمية والنف�سية الثابتة ن�سب ًّيا التي متيز فردًا عن غريه.
-3ال�سمات التي تتباين فيها ال�شخ�صيات متثل� :صفات ج�سمية � -صفات التنظيم النف�سي
(عقلي معريف -انفعايل).
-4طبيعة الفروق الفردية ،فروق كمية ولي�ست نوعية ،وينطبق ذلك على ال�صفات النف�سية
واجل�سمية والب�شرية جميعها.
-5يتم توزيع الفروق الفردية مبا ُيعرف بالتوزيع االعتدايل للفروق الفردية والتمثيل
البياين لهذا التوزيع ُي�شبه اجلر�س �أو الناقو�س.
�أ�سئلة وتمارين:
-1حدد وو�ضح املظاهر اخلا�صة بالفروق الفردية.
-2يختلف النا�س يف �سمات متعددة .ا�شرح.
-3الفروق الفردية كمية ،ولي�ست نوعية .ا�شرح.
-4ا�شرح التوزيع االعتدايل للفروق الفردية.
الفروق الفردية يف �ضوء الهدي الإ�سالمي
•الأهـداف:
(� )1أن يتع���رف الق���ارئ �إىل الف���روق الفردي���ة يف ه���دي كت���اب اهلل (القر�آن
الكرمي).
(� )2أن يتعرف القارئ �إىل الفروق الفردية يف الهدي النبوي ال�شريف.
(� )3أن يقدر القارئ عظمة اخلالق يف خلقه للفروق الفردية.
يف تقدي���ره للف���روق الفردي���ة ب�ي�ن (� )4أن يق���در عظم���ة النب���ي الأعظ���م
ال�صحابة.
الفروق الفردية يف �ضوء الهدي الإ�سالمي
:
�أ�شار القر�آن الكريم وال�سنة النبوية �إلى مفهوم الفروق الفردية في كثير من الموا�ضع
على النحو الآتي:
-1فروق في النوع:
فخ�ص���ائ�ص الذك���ور تختل���ف ع���ن خ�ص���ائ�ص الإناث ،ق���ال تعال���ى :ﱹﯡ ﯢ
ﯣﯤﱸ (�آل عمران .)36 :
-2فروق ج�سمية:
كاختالف اللون والج�سد ،قال تعالى :ﱹﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛﱸ (فاطر.)28 :
وق���ال تعال���ى :ﱹﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ
هلل
���ول ا ِ ر�س ُ ���ال ُ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛﱸ (البق���رة ،)247 :و َق َ
ال�س ِقي��� َم َوا ْل َك ِبي َرَ ،و ِإ� َذا ���فَ ،ف ِإ� َّن فيهُ��� ُم َّ
ال�ضع َ
ِيف َو َّ ِ « :إ� َذا َ�ص َّل���ى �أَ َح ُد ُك��� ْم ِبال َّن ِ
ا����س َف ْل ُي َخ ِّف ْ
َ�ص َّلى أَ� َح ُد ُك ْم ِل َن ْف�سِ ِه َف ْل ُي َط ِّو ْل َما َ�شاءَ»(((.
-3فروق عقلية:
ق���ال تعال���ى :ﱹﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﱸ (البقرة.)269:
(ما �أَ ْن َت ِب ُم َح���دِّ ٍث َق ْو ًما َح ِدي ًثا ال َت ْب ُل ُغ��� ُه ُع ُقو ُل ُه ْم �إِال َكانَ
وع���نْ ابنَ َم ْ�س��� ُع ٍود َق َالَ :
َ
ِل َب ْع ِ�ض ِه ْم ِف ْت َن ًة)((( .فالر�سول ينهى عن مخاطبة النا�س بما ال تحتمله عقولهم.
�أن ننزل النا�س منازلهم»(((. �أنها قالت�« :أمرنا ر�سول اهلل وقد ذكر عن عائ�شة
وع ِن الأَ ْ�س َو ِد َق َال َق َال ِلي ا ْبنُ ال ُّز َب ْي ِر َ :كا َن ْت َعا ِئ َ�ش ُة ُت ِ�س ُّر ِ�إ َل ْي َك َك ِثي ًراَ ،ف َما َ
َح َّد َثت َْك ِفي ا ْل َك ْع َب ِة؟ ُق ْلتُ َ :قا َل ْت ِليَ :ق َال ال َّن ِب ُّي َ (:يا َعا ِئ َ�ش��� ُة َل ْوال َق ْو ُم ِك َح ِديثٌ َع ْهدُهُ ْم
اب اب َي ْد ُخ ُ
���ل ال َّن ُ
ا�س َو َب ٌ ���ال ا ْبنُ ال ُّز َب ْيرِ :ِ -ب ُكف ٍْرَ ،ل َن َق ْ�ض���تُ ا ْل َك ْع َب��� َةَ ،ف َج َع ْلتُ َل َها َبا َب ْي ِنَ :ب ٌ
َ -ق َ
َي ْخ ُر ُجونَ َف َف َع َل ُه ا ْبنُ ال ُّز َب ْير)(((.
وقد ترك الر�س���ول �أم ًرا عظي ًما كهذا خ�ش���ية �أن تق�ص���ر �أفهامهم ع���ن �إدراك الأمر على
ا�س ِب َما َي ْع ِر ُف َون� ،أَ ُت ِح ُّب َون �أَنْ ُي َك َّذ َب اهلل َو َر ُ�س���و ُل ُه .قال البخاري رحمه
وجه���هَ ( .و َق َال عَ ِل ٌّيَ :ح ِّد ُثوا ال َّن َ
وف ْب ِن َخ َّرب ٍُوذ عَ نْ �أَ ِبي ُّ
الط َف ْي ِل عَ نْ عَ ِل ٍّي ِب َذ ِل َك)(((. و�سى عَ نْ َم ْع ُر ِ هلل ْب ُن ُم َاهللَ :ح َّد َث َنا عُ َب ْي ُد ا ِ
-4فروق لغوية:
وق���ال تعال���ى :ﱹﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﱸ( .الروم.)22:
-5فروق اجتماعية:
ق���ال تعال���ى :ﱹﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﱸ( .الزخرف.)32:
-6فروق �أخالقية:
قال تعالى :ﱹﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓﱸ�( .آل عمران.)75:
((( �أخرجه م�سلم يف مقدمة �صحيحه يف �آخر باب النهي عن احلديث بكل ما �سمع (�ص )23طبعة بيت الأفكار الدولية.
((( �أخرجه م�سلم يف مقدمة �صحيحه (�ص.)20
((( �أخرجه البخاري (رقم )126وم�سلم (رقم .)1333
((( �أخرجه البخاري (رقم .)127
307
علم النف�س التربوي الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية
وفيما ي�أتي مفهوم الفروق الفردية يف هدي كتاب اهلل القر�آن الكرمي:
�أ�شار القر�آن الكريم �إلى الفروق بين النا�س في كثير من الموا�ضع ،قال تعالى:
ﱹﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ
ﰔ ﰕﱸ�(.سورة الأنعام :الآية .)165
ﱹﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ
ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﱸ�( .سورة
ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﱸ �إنما ي�ش���مل كل �أنواع الفروق بين النا�س� ،سواء كانت وراثية �أم
مكت�سبة ،و�سواء كانت بدنية �أم نف�سية �أم عقلية ،وفي الثروة والممتلكات �أو النفوذ.
وقوله تعالى :ﱹ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﱸ �إنما يُ�شير �إلى اختالف النا�س في الغنى ،وفي
العل���م والمهنة ،بحيث يعمل الفقير للغني بالأجر ،ويعمل بع�ض �أ�ص���حاب المهن والحرف في خدمة
النا����س الآخري���ن بالأجر ،وبذلك يتم التعاون وتوزيع العمل بين �أفراد المجتمع ،ما يكفل �س���د جميع
حاجاتهم ،ويهيئ لهم جميع الخدمات الالزمة لهم في معي�شتهم.
وقول���ه تعال���ى :ﱹﮤ ﮥﮦﱸ �إنما ي�ش���ير �إلى �أث���ر كل من
العوامل الوراثية والبيئية في الفروق الفردية .فمن الوا�ضح �أن اختالف الألوان �إنما يرجع
�إلى العوامل الوراثية ،و�أن اختالف الأل�س���نة واللغات واللهجات بين النا�س �إنما يرجع �إلى
العوامل البيئية واالجتماعية والثقافية.
وتوج���د فروق بين النا�س في العلم والحكمة ،ويت�ض���من ذل���ك وجود فروق بينهم في
الق���درات العقلي���ة والذكاءُ .يفهم ذلك من م�ض���مون الآيات التي ذكرناها �س���اب ًقا ،و ُيفهم
ذلك �صراحة من قوله تعالى :ﱹﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﱸ.
(�سورة يو�سف :الآية .)76
قال ابن كثير في تف�س���ير ذلك :قال الح�س���ن الب�ص���ري :لي�س عالم �إال فوقه عالم حتى ينتهي
�إلى اهلل عز وجل(((( .عن �سعيد بن جبير قال :كنا عند ابن عبا�س ،فحدث بحديث عجيب ،فتعجب
رجل ،فقال :الحمد هلل ،فوق كل ذي علم عليم ،فقال ابن عبا�س :بئ�س ما قلت ،واهلل العليم فوق كل
عالم ،يكون هذا �أعلم من هذا ،وهذا �أعلم من هذا ،واهلل فوق كل عالم)(((.
ولأن النا����س مختلف���ون ف���ي ا�س���تعداداتهم وقدراته���م ،وف���ي ظروفه���م االجتماعية
والثقافية وخبراتهم ال�شخ�صية ،ف�إننا ،ال�شك ،نتوقع وجود اختالفات كثيرة في �سلوكهم.
قال تعالى :ﱹﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﱸ�( .سورة الإ�سراء :الآية .)84
((( تف�سري الثعلبي (.)242/5
((( تف�سري ابن كثري ( )402/4طبعة دار طيبة بالريا�ض ،وتف�سري الطربي (.)192/16
309
علم النف�س التربوي الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية
واختالف النا�س في اال�س ��تعدادات والقدرات البدنية والعقلية ،ي�ؤدي بطبيعة الحال
�إلى اختالف قدراتهم على العمل والك�سب ،وتح�صيل العلم ،وتحري الحق والعدل ،وتختلف
تب ًعا لذلك واجباتهم وم�س�ؤولياتهم.
قال تعالى :ﱹﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﱸ.
(�سورة البقرة :الآية .)286
ﱹﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱﱸ�( .سورة الم�ؤمنون :الآية .)62
ﱹﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﱸ�( .سورة الطالق :الآية .)7
ومن الوا�ضح �أن �إ�شارة القر�آن �إلى وجود الفروق الفردية ،و�إلى �أن الفرد ال ُيكلف �إال
ما في و�س ��عه وطاقته� ،إنما هو الفكرة الأ�سا�س ��ية فيما و�ص ��ل �إليه علم النف�س الحديث من
االهتمام بقيا�س الفروق بين الأفراد في اال�س ��تعدادات والقدرات ،لتنظيم عملية التعليم،
بحيث يوجه كل فرد �إلى نوع التعليم المالئم ال�س ��تعداداته وقدراته .وهذا هو الهدف من
عملي ��ة التوجيه الترب ��وي في التربية الحديثة .وي�س ��تعين علماء النف� ��س المحدثون كذلك
بقيا� ��س الفروق الفردية على تح�س ��ين عملي ��ة التوجيه المهني واالختي ��ار المهني ،بحيث
يمكن و�ضع كل فرد في العمل المالئم ال�ستعداداته وقدراته.
م���ن درجات هذه الألوان؛ وكذلك توجد بينهم فروق في الطباع والأخالق واال�س���تعدادات
والخ ُلق ،لين العريكة� ،س���هل المعاملة؛ ومنهم
المزاجية واالنفعالية ،فمنهم ح�س���ن الطبع ُ
والخ ُلق ،فظ خ�شن في تعامله مع النا�س .و ُي�شير الحديث �إلى �أن الفروق
من هو �سيئ الطبع ُ
بي���ن النا�س في الألوان ،وفي الطبع واال�س���تعدادات المزاجية واالنفعالية فروق ِجب ِّلية� ،أي
�إنها ترجع �إلى فروق في التكوين البدني.
وعن �أبي مو�سى� ،أن ر�سول اهلل قال( :مثل ما بعثني اهلل به من الهُدى والعلم
أر�ضا؛ فكانت منه���ا طائفة طيبة قبلت الماء ،ف�أنبتت الكلأ كمث���ل الغي���ث الكثير� ،أ�صاب � ً
والع�ش���ب الكثي���ر .وكان منها �أجادب� ،أم�سكت الماء؛ فنفع اهلل بها النا�س ،ف�شربوا منها،
و�سق���وا ،وزرع���وا .و أ��ص���اب طائفة منها �أخرى� ،إنم���ا هي قيعان ال تم�سك م���ا ًء ،وال ُتنبت
كلأ .فذل���ك مث���ل م���ن فقه في دين اهلل ،ونفعه ما بعثني اهلل ب���ه ف َعلِم ،وع ّلَم .ومثل من
لم يرفع بذلك ر� ًأ�سا ،ولم يقبل هدى اهلل ،الذي �أُر�سلت به)(((.
لقد و�ص���ف الر�س���ول في هذا الحديث الفروق بين النا�س في القدرة على التعلم
والفهم والتذكر .وهي قدرات تدخل في مفهوم الذكاء ،و�صنف النا�س بالن�سبة �إلى الذكاء
ثالثة �أ�صناف ،فمنهم من هو مثل الأر�ض الطيبة قادر على تح�صيل العلم وحفظه والعمل
به وتعليمه للغير ،فينفع به نف�سه وينفع به غيره .ومنهم من هو مثل الأر�ض الجدباء (وهي
الأر�ض ال�صلبة التي ال ت�شرب الماء) ،قادر على حفظ العلم ونقله �إلى غيره ،فينفعه دون
�أن ينفع به نف�سه .ومنهم مثل القيعان (وهي الأر�ض الم�ستوية المل�ساء التي ال نبات فيها)،
وهم من ال ينتفعون بالعلم وال يحفظونه لينقلوه �إلى الغير.
و�أ�ش���ار الر�س���ول �إلى الفروق بين النا�س في الذكاء ،فقد �ص���ح عن عائ�ش���ة
�أَمرنا ر�س���ول اهلل �« :أن نن���زل النا�س منازلهم»((( .وروي عن���ه �أنه قال�« :أُمرنا �أن
نكلم النا�س على قدر عقولهم»(((.
في هذا الحديث �إ�ش���ارة وا�ض���حة �إلى الف���روق بين النا�س في قدراته���م العقلية ،ما
يوجب على من يقوم بتوجيههم وتعليمهم� ،سواء كانوا �أنبياء �أو معلمين ومر ِّبين� ،أن يراعوا
ه���ذه الف���روق ،فيكلمون كل فرد �أو يعلمونه ،على قدر م�س���توى قدراته العقلية .وقد و�ض���ع
الر�س���ول بهذا الحدي���ث قاعدة تربوية مهمة �أخذ بها المر ُّبون الم�س���لمون ،وي�أخذ بها
كذلك المر ُّبون في الع�صر الحديث.
ع���ن �أبي �س���عيد الخدري � ،أن ر�س���ول اهلل ق���ال�( :أال و�إن منه���م (بني �آدم)
البط���يء الغ�ض���ب �سري���ع الف���يء ،ومنهم �سريع الغ�ض���ب �سريع الفيء؛ فتل���ك بتلك� .أال
و�إن منه���م �سري���ع الغ�ض���ب بطيء الف���يء� .أال وخيرهم بطيء الغ�ض���ب �سريع الفيء� ،أال
و�شرهم �سريع الغ�ضب بطيء الفيء)(((.
و�أ�ش���ار الحديث �إلى الفروق بين النا�س في ا�س���تثارة انفعال الغ�ضب ،و�ص َّنف النا�س
بالن�س���بة �إلى ذلك ثالثة �أ�ص���ناف ،فمنهم من هو بطيء الغ�ضب ،ال يغ�ضب �إال ناد ًرا ،و�إذا
غ�ض���ب ف�إنه يرجع عن غ�ض���به ،ويعود �إلى هدوئه �س���ري ًعا ،وهذا هو �أف�ضل النا�س .ومنهم
من يكون �سريع الغ�ضب ،يغ�ضب لأتفه الأ�سباب ،ويكون �سريع الرجوع عن الغ�ضب ،و�سريع
العودة �إلى هدوئه .ومنهم من يكون �س���ريع الغ�ض���ب ،و�إذا غ�ض���ب ي�س���تمر في غ�ضبه ،وال
يرجع عنه ب�سهولة ،وال يعود �إلى هدوئه �إال بعد مدة طويلة ،وهذا هو �أ�سو�أ النا�س و�شرهم.
وي�ش���ير كل من (نعيم �أ�س���عد ال�ص���فدي ،وعبداللطيف م�ص���طفى الأ�سطل)2009 ،
(*) (((
�إلى الأ�ساليب التي ا�ستخدمها النبي لمراعاة الفروق الفردية :
�أن النبي وهو المعلم الأول للب�ش���رية قد ا�س���تخدم كثي ًرا من الأ�س���اليب النف�سية
والتربوية التي تراعي الفروق الفردية بين النا�س ،كما ي�أتي:
•�إثارة دافعية المتعلمين لعملية التعلم؛ ليكت�شف قدراتهم ومواهبهم.
•تنوع �أ�ساليب التعزيز.
((( �أخرجه �أبو يعلى ( 352/2رقم )1101و�أحمد ( 228-227/17رقم )11143وذكره ابن الأثري يف جامع الأ�صول
يف �أحاديث الر�سول ( 747/11رقم .)9444
((( ملزي���د م���ن التفا�ص���يل حول هذا املو�ض���وع ارجع �إىل :نعيم �أ�س���عد ال�ص���فدي ،عبداللطيف م�ص���طفى الأ�س���طل
( ،)2010الفروق الفردية يف �ضوء الرتبية النبوية ،جملة جامعة الأزهر بغزة ،املجلد ،12العدد الأول.
312
الباب الخام�س� :سيكولوجية الفروق الفردية علم النف�س التربوي
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل مفهوم الذكاء.
(� )2أن مييز املتعلم بني اجلوانب النف�سية للذكاء.
(� )3أن يتعرف املتعلم �إىل كيفية قيا�س الذكاء.
(� )4أن يف�سر املتعلم النمو العقلي للمتعلم.
(� )5أن يف�سر املتعلم طبيعة الذكاء.
(� )6أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف التطبيق الرتبوي لدرا�سة الذكاء.
الذكـــاء والفروق الفرديــة
:
ُيطل���ق الذكاء بو�ص���فه تعبي��� ًرا عا ًّما على ما ل���دى المتعلم من قدرات وا�س���تعدادات
تمكنه من ا�ستيعاب المعلومات والمعارف ،التي تدل على ما ي�ستطيع �أن يقطعه من مراحل
درا�سية .وقد كان الذكاء مو�ضع اهتمام الباحثين ،وما زال حتى الآن ،فقد و�صفه الأقدمون
ب�أنه عمل العقل« ،ف�أر�س���طو« و�ص���ف العقل ب�أن وظيفته للمعقوالت (ال ُمدركة عقل ًّيا) كعمل
النور بالن�س���بة �إلى المرئيات ،و«الغزالي« ،و«الفارابي« ،و«الكندي« ،و«ابن �س���ينا« ،اهتموا
بدرا�سته ،والعقل عند علماء الم�سلمين يمثل �أحد جانبي النف�س الناطقة التي لها وجهان:
-1وجه اجل�سم :وهو العقل العملي ووظيفته تدبري البدن و�صلته باملعرفة ،ومياثل ذلك
التق�سيم احلديث للذكاء الذي ُيطلق عليه الذكاء العملي.
-2والوجه الثاين :العقل الذي ي�ؤدي وظائف:
(�أ) �إدراك املعقوالت.
(ب) تف�سري املح�سو�سات التي تدركها احلوا�س.
(جـ) املعقوالت املجردة التي لي�ست يف �إدراك احلوا�س ،وهي �أعلى درجات الإدراك.
وق���د ُو ِ�ص َ
���ف العقل عند علماء الم�س���لمين � ً
أي�ض���ا ب�أن م���ن وظائفه القي���ام بالقيا�س
وباال�ستقراء والحكم على المماثلة والمطابقة ،والحد�س ،وهو ال�سبيل �إلى حدوث الإدراك.
و�إنه���م بحثوا الجانبين الفطري والغريزي في العقل ،وو�ص���فوا العقل � ً
أي�ض���ا باال�س���تدالل
والتب�ص���ر .ويتف���ق هذا مع تف�س���ير علماء النف�س المعا�ص���رين ،الذين يف�س���رون ال�س���لوك
الإن�ساني بطريقة كلية (الجا�شتلت).
318
الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية علم النف�س التربوي
التعريف بالذكاء:
لل���ذكاء تعريفات كثيرة :العملية المعرفية� ،أو العقلية ،القدرة على التفكير المجرد،
القدرة على �إدراك العالقات واال�ستدالل� ،أو هو القدرة على التكيف االجتماعي �أو الفطنة
والنباهة.
ويجدر التمييز بين الجوانب النف�سية للذكاء التي تتمثل في:
(�أ) التكوين المعرفي :فهناك فروق فردية في الذكاء وفي القدرات الخا�صة.
(ب) الوظيفة العقلية المعرفية� :أي طبيعة الذكاء من حيث التمييز بين العمليات
العقلية التي تحتاج �إلى ذكاء مرتفع ،وتلك التي تحتاج �إلى ذكاء �أقل.
وق���د دُر�س الذكاء من علماء كثيرين �أمثال جولتن ،و�سبن�س���ر ،وبينيه ،و�س���بيرمان،
وا ُتفق على �أن �أ�س�س الذكاء ترجع �إلى:
(�أ) عوامل بيولوجية :Biologicalفالعلميات الم�ؤثرة في ال�سلوك في الم�ستويات
العالية ترجع �إلى الجهاز الع�صبي ،بفعل مثير وا�ستجابة ي�ؤديان �إلى ما ُي�سمى
التفكير.
(ب) العوامل النف�سية :Psychologicalويدخل في ذلك تعريفات مختلفة «تيرمان«
القابلية على التفكير المجرد� ،أو تعريفه ب�أنه البناء القائم على العالقات
وتكوينها.
(جـ) العوامل الإجرائية :Operationalالتي تخ�ضع للإجراء �أو القيا�س ،و�أهم
تعريف في ذلك تعريف «بيرت« ب�أنه القدرة العقلية العامة.
والواقع �أن هناك تعريفات كثيرة للذكاء ت�ؤكد كلها ما ي�أتي:
-1التكيف والتوافق الذي يقوم به الفرد بف�ضل ما لديه من قدرات عقلية.
� -2أهمية الذكاء بالن�سبة �إىل املتعلم ،فهو عامل �أ�سا�سي يف الو�صول �إىل قدر منا�سب من
التعلم.
319
علم النف�س التربوي الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية
و�إن من �أهم التعريفات تعريف «وك�س ��لر« ب�أن الذكاء هو القدرة العامة ال�شاملة التي
تمكن الفرد من �أن يت�ص ��رف ت�صر ًفا غر�ض� � ًّيا ،و�أن ُيفكر تفكي ًرا متز ًنا ،و�أن يتكيف لبيئته
بكفاءة وجدارة.
قيا�س الذكاء:
ُيقا�س الذكاء باختبارات مقننة� ،أهمها اختبار �ستانفورد -بينيه:
العمر العقلي
الزمني * 100 ون�سبة الذكاء = العمر
%34.13 %34.13
%13.59 %13.59
%2.14 %2.14
%0.13 %0.13
المعاقون عقل ًّيا تحت المتو�سط متو�سطي الذكاء فوق المتو�سط المتفوقون عقل ًّيا
الموهوبون:
•معامل الذكاء �أكثر من .130
•ن�سبة االنت�شار :وهم ندرة ،ن�سبتهم .%2.27
الأذكياء:
•معامل الذكاء من .130-115
•ن�سبة االنت�شار :وهم قلة ،ن�سبتهم .%13.59
العاديون:
•معامل الذكاء من .115-85
•ن�سبة االنت�شار :وهم الأغلبية ،ن�سبتهم .%68.26
321
علم النف�س التربوي الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية
•م�س���توى التعلم :القابل���ون للتدريب -يمك���ن تدريبهم على �أداء بع�ض الأ�ش���ياء
الب�سيطة.
•مق���دار االحتي���اج للدع���م :كبي���ر -ه�ؤالء مح���دودو التفكي���ر ،يمك���ن �أن يجدوا
طريقه���م داخل المنزل �أو المدر�س���ة ولكن لي�س في ال�ش���ارع ،ال ي�س���تطيعون �أن
يديروا �ش�ؤونهم الخا�صة وال بد من مراقبتهم في ق�ضاء الحاجات اليومية.
•مق���دار االحتي���اج للدعم� :ش���ديد ودائ���م -ال ي�س���تطيعون حماية �أنف�س���هم من
الأخطار العادية كالنار وال�سيارات ،وال ي�ستطيعون الكالم جيدً ا؛ لذا يجب علينا
االهتمام الكامل بهم وحمياتهم ،كطفل عمره �أقل من �سنتين.
طبيعة الذكاء:
من المعروف عن طبيعة الذكاء ما ي�أتي:
(�أ) ت�ؤثر الوراثة والبيئة يف الذكاء والقدرات اخلا�صة ،ويرى �أغلب علماء النف�س
�أن الوراثة تقدم لل�شخ�ص الإمكانيات الذهنية ،والبيئة هي التي ت�ستغل هذه
الإمكانيات ،ويرى بع�ضهم �أن البيئة لها �أثر كبري يف حتديد ما يح�صله الفرد.
(ب) كبار ال�سن تنخف�ض قدراتهم بوجه عام بع�ض ال�شيء كلما ازدادوا ك ًربا ،ويظهر
ذلك يف بع�ض القدرات اخلا�صة ،كالذكاء والذاكرة والتفكري.
(جـ) بالن�س���بة �إىل الفروق اجلن�س���ية ب�ي�ن الذكور والإناث يف ال���ذكاء العام ،جند �أن
االت�س���اع بني م�س���تويات الذكاء يف الذك���ور �أكرب منها يف الإناث ،فهناك ن�س���بة
�أكرب يف الذكور من �ضعاف العقول والعباقرة عنها يف الإناث؛ لأن �أغلب الإناث
يقرتبن من املتو�سط فيما يتعلق مب�ستوى الذكاء.
324
الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية علم النف�س التربوي
(د) هناك فروق يف اال�ستعدادات اخلا�صة بني الإناث والذكور ،فالذكور يتفوقون
يف التفكري احل�سابي واال�ستعداد امليكانيكي ،بينما الإناث يتفوقن يف املهارات
اليدوية والأعمال الكتابية املت�ضمنة ال�سرعة والدقة.
لهذا نجد �أن درا�س���ة العالقة بين التح�ص���يل الدرا�سي والذكاء العام واال�ستعدادات
(القدرات) الخا�ص���ة لها �أهميتها في �إعطاء �ص���ورة �صادقة عن المتعلم ،وهي التي تحدد
بدقة جوانب ال�ضعف والقوة في م�ستوى المتعلمين.
تلخي�ص:
-1الذكاء هو ما يدل على قدرات املتعلم وا�ستعداداته التي متكنه من ا�ستيعاب املعلومات
واملعارف ،ومدى ما يقطعه من مراحل درا�سية.
-2و�ضح علماء امل�سلمني العقل ب�أنه �أحد جانبي النف�س الناطقة.
-3للذكاء تعريفات كثرية منها العملية املعرفية �أو العقلية -القدرة على التفكري املجرد -
القدرة على �إدراك العالقات -القدرة على التكيف االجتماعي.
� -4أ�س�س الذكاء :بيولوچية -نف�سية � -إجرائية.
-5قيا�س الذكاء يتم با�ستخراج ن�سبة الذكاء.
326
الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية علم النف�س التربوي
�أ�سئلة ومتارين:
-1حدد �أ�س�س الذكاء ،وبينِّ ما ت�ؤكده التعريفات اخلا�صة بالذكاء.
و�ضح طبيعة الذكاء.ِّ -2
-3كيف ي�ستفيد املعلم من التطبيق الرتبوي لدرا�سة الذكاء؟
ال�سلوك اللغوي
•الأهـداف:
(� )1أن يحدد املتعلم ال�شكل اللغوي لو�صف امل�شكلة.
(� )2أن يتعرف املتعلم �إىل اال�ستجابة اللغوية حلل امل�شكلة.
(� )3أن يعدِّ د املتعلم العادات اللغوية ودورها يف حل امل�شكلة.
(� )4أن يقدِّ ر املتعلم جهود العلماء يف و�ضع نظرية حلل امل�شكالت.
ال�سلوك اللغوي
:
كيف يتعلم المتعلم حل الم�شكالت العلمية والتعليمية والعملية التي تواجهه في حياته
الدرا�س���ية ب�صفة خا�صة ،والتي تمكنه عند تخرجه �إلى الحياة العملية �أن يكون قاد ًرا على
مواجهة الم�شكالت الواقعية والعملية في خ�ضم الحياة.
الواقع �أن اللغة� ،س���واء كانت لفظية �أو كتابيةُ ،تع ّد و�سيلة المتعلم في حل الم�شكالت
Problem Solvingوقدرة الإن�سان في �إيجاد العالقات المت�شابهة في المواقف التي تظهر
فيها الم�ش���كالت ،تمكنه من تجريد هذه المو�ضوعات ،ومن ثم تمكنه من حل الم�شكالت،
التي في ذات الوقت ال ت�ستطيع حلها الكائنات غير الناطقة.
ف���اهلل تعالى بما حبا به الإن�س���ان من العقل الراجح والل�س���ان الناطق ،يمكنه حل ما
يواجهه من مواقف تمثل م�شكالت في حياته .وت�ؤدي اللغة دو ًرا مه ًّما في ذلك� ،سواء كانت
لفظية �أو كتابية .ومن حيث كانت اللغة وال�سلوك اللغوي لها �آثارها في حل الم�شكالت ،ف�إن
العوامل ذات ال�صلة بذلك تتمثل في:
-1ال�شكل اللغوي الذي تو�صف به الم�شكلة.
-2اللغة التي تمثل ا�ستجابة للم�شكلة.
-3العادات اللغوية في حل الم�شكلة.
وفيما ي�أتي العوامل الم�شار �إليها:
330
الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية علم النف�س التربوي
نظرية حل امل�شكالت:
ما الأ�سلوب العلمي لحل الم�شكالت؟
هذا ما تف�سره ما ُتعرف بنظرية حل الم�شكالت Problem Solving Theoryوالواقع
�أن حل الم�ش���كالت ،يعتمد على عوامل نف�س���ية ع���دة ،كالتعل���م والإدراك والدوافع ،ولهذا
تماما لحل الم�ش���كالت ،بل من المهم فهم ال�سلوك الخا�ص لي�س���ت هناك نظرية م�س���تقلة ً
بحل الم�شكلة الذي يتلخ�ص في �أربع مراحل:
-4التحقيق. -3ال�سطوع. -2التفريخ. -1الإعداد.
وي�ؤك���د علم���اء النف�س �ض���رورة ابتعاد الفرد عن الم�ش���كلة مدة� ،إذا كانت الم�ش���كلة
ت�ستع�صي على الحل .ومرحلة التفريخ تكون مفيدة عندما ت�سبقها مرحلة الإعداد.
ويرى بع�ض علماء النف�س �أن حل الم�شكالت امتداد للتعلم ،حيث �إن العمليات الخا�صة
بالتعلم تعمل � ً
أي�ض���ا في حل الم�شكالت .والواقع �أن الإدراك يعمل في حل الم�شكالت بدور
كبير .ولذلك من واجب المعلم تعويد المتعلمين على �أ�ساليب حل الم�شكالت.
تلخي�ص:
-1اللغة اللفظية �أو الكتابيةُ ،تع ّد و�سيلة املتعلم يف حل امل�شكالت.
-2العوامل اخلا�صة بحل امل�شكالت تتمثل يف ال�شكل اللغوي للم�شكلة ،واللغة التي ت�ستخدم
يف احلل ،والعادات اللغوية يف حل امل�شكالت.
-3ال�شكل اللغوي الذي تو�صف به امل�شكلة يت�أثر بال�صياغة اللغوية التي ت�ساعد على كيفية
�إدراك امل�شكلة.
-4اال�ستجابة اللغوية حلل امل�شكلة ت�ؤثر يف �سرعة احلل ،ويف التعميم اخلا�ص باحلل الذي
يطرح على باقي امل�شكالت.
-5العادات اللغوية يف حل امل�شكالت ،تقوم على �أ�سا�س توافر كلمات ت�ستخدم �أكرث من
غريها يف حل امل�شكالت.
-6تقوم نظرية حل امل�شكالت على �أ�سا�س �أربع مراحل :الإعداد -التفريخ -ال�سطوع -
التحقيق.
�أ�سئلة ومتارين:
-1و�ضح كيفية ال�شكل اللغوي الذي تو�صف به الم�شكلة.
-2ت�ؤثر اال�ستجابة اللغوية في حل الم�شكلة .ا�شرح.
-3ما الأ�سلوب العلمي لحل الم�شكالت؟
العمليات العقلية امل�سهمة يف التعلم
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل العوامل العقلية التي ت�سهم يف التعلم.
(� )2أن يحدد املتعلم العوامل التي ت�ساعد على احلفظ والتذكر.
(� )3أن يعدد املتعلم العوامل التي ت�ؤدي �إىل الن�سيان.
(� )4أن يتعرف املتعلم �إىل كيفية تنمية التفكري.
(� )5أن يقدر املتعلم �أهمية التخيل يف حل امل�شكالت.
العمليات العقلية امل�سهمة يف التعلم
:
أ�سا�س���ا من خالل الأن�ش���طة العقلية
العوامل العقلية التي ت�س���هم في التعلم ،تتحدد � ً
ذات ال�ص���لة بالتعلم ،فالتعلم ال يحدث عفو ًّيا ،بل توجد عوامل عقلية �أ�سا�س���ية ت�س���هم في
حدوثه ،وهذه العوامل هي :الإدراك -التذكر -التفكير -التخيل.
ً
ارتباطا عال ًيا بالذكاء .وفيما ي�أتي عر�ض �س���ريع لكل وهذه العمليات العقلية ترتبط
من هذه العوامل العقلية التي ت�سهم في «التعلم».
� اً
أول :الإدراك :Percebtion
ُتع ّد الحوا�س المنافذ التي عن طريقها تت�ص���ل الكائن���ات الحية بالعوامل الخارجية
الت���ي تحدث عن طريقها الإح�سا�س���ات المختلفة ،كالألم والل���ذة والدفء والبرودة ،وغير
ذلك من الم�ؤثرات التي يت�أثر بها الكائن الحي.
وعلى الرغم مما هو معروف ب�أن هناك الحوا�س الخم�س� ،إال �أن الإن�سان ي�ستطيع �أن
يميز في نف�سه بين نوعين من الإح�سا�سات ،وهي:
� -1إح�سا�سات ب�أمور كائنة يف اخلارج ،يندرج حتتها ما ي�صدر من احلوا�س اخلم�س
املعروفة.
� -2إح�سا�س ب�أمور كائنة داخل ج�سم الكائن ،كاجلوع �أو العط�ش ،وهذه الإح�سا�سات
الداخلية تختلف عن احلوا�س اخلم�س.
336
الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية علم النف�س التربوي
بالن�س���بة �إلى الإح�سا�س���ات الخارجية ،ف����إن الحوا�س الخم�سُ ،تع ّد �أع�ض���اء متميزة
تتخذ لنف�س���ها مرك ًزا بار ًزا في الج�سم ،وت�ستجيب كل حا�سة من هذه الحوا�س لنوع خا�ص
من الم�ؤثرات ،فالعين تت�أثر بالأ�شعة ال�ضوئية ،والأذن باالهتزازات ال�صوتية ...وهكذا.
خا�صا وال مو�ض ًعا معي ًنا ،بل ينت�شر
وقد ال يكون م�ص���در الإح�سا�س الخارجي مرك ًزا ًّ
في الجلد ،حيث يوجد عدد ال نهائي من الألياف الع�صبية ،عن طريقها ن�ست�شعر الحرارة
والبرودة والنعومة والخ�شونة ،فن�شعر باللذة والألم.
وهناك نوع ثالث من الإح�سا�سات الخارجية ،ال يت�صل بالجلد ،وال يمت له ب�صلة ما،
كالإح�س���ا�س بال�ضغط .وم�صدر الإح�سا�س بال�ض���غط هو الألياف الع�صبية التي توجد في
الع�ضالت ،حيث تت�أثر ب�ضغط الجلد عليها ،فينجم عن ذلك �إح�سا�س بالألم.
بالن�س���بة �إلى الإح�سا�س���ات الداخلية ،-ف�إن هناك �أليا ًفا ع�ص���بية ،وظيفتها �إعطاء
معلوم���ات ع���ن الحالة الداخلية في الج�س���مُ ،يطلق عليه���ا �ألياف ع�ص���بية داخلية ،وهذه
الأع�صاب تعمل في حاالت ال�شعور بالجوع �أو بع�سر اله�ضم� ،أو غير ذلك من الإح�سا�سات
الداخلية التي ي�شعر بها الكائن الحي.
من ذلك يت�ض���ح �أن وظيفة الجه���از الح�س���ي Sensory apparatusهي تزويد الكائن
الحي بالإح�سا�سات التي تت�صل بالعالم الخارجي.
والإدراك Perceptionال يتم بمجرد ا�س���تجابة الحوا����س للم�ؤثرات الخارجية ،ولكن
يتم عند انتقال هذه الآثار وتلك الإح�سا�س���ات �إلى العقل ،التي يبد�أ في فح�ص���ها م�ستعي ًنا
بخبراته ال�سابقة.
وه���ذا الفح�ص العقلي �أو ما ُيطلق عليه «التمثيل العقلي« ،الذي يتم ا�س���تجابة لإثارة
الإح�سا�سات الخارجية ،هو ما ُيطلق عليه «عملية الإدراك».
ف���الإدراك ال يقت�ص���ر على مجرد الإح�سا�س���ات ،و�إنما يدخل فيه معلومات الإن�س���ان
ووخبراته ال�س���ابقة التي تحدث وتعطي معنى للإح�سا�س���ات التي ُتع ّد في حد ذاتها جوهر
الإدراك� ،أو بمعنى �آخر المواد الأولية التي ال يتم الإدراك دونها.
337
علم النف�س التربوي الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية
ف���الإدراك �إذن لي����س مجرد انطباع الأ�ش���ياء في الذهن ،ولكنه عبارة عن ا�س���تجابة
معينة ،فالإح�سا�س���ات الراهنة ت�ستخدم فيها الخبرات ال�س���ابقة ،وتت�أثر باتجاهات الفرد
و�أ�سلوبه في الحياة.
ولذلك ،ف�إن عملية الإدراك ،تتم بوجود ال�شروط الآتية:
-1وجود مو�ضوعات طبيعية ذات خ�صائ�ص متميزةُ ،تع ّد منبهات خارجية.
-2ناحي���ة ف�س���يولوجية تت�ص���ل باحلوا�س و�أط���راف الأع�ص���اب التي تنقل الإح�سا�س���ات
�إىل املخ.
-3ناحية نف�سية تت�صل بتغيري الإح�سا�سات و�إعطائها املعاين الالزمة التي تتالءم مع
ال�شيء املدرك يف جمال �إدراكي معني .Perceptual fieldوي�ؤثر يف الناحية النف�سية
عوامل عدة حتدد معاين الإح�سا�سات ،وهي:
-2حاجاته ودوافعه -3 .الخبرة ال�سابقة لدى الفرد. -1اتجاهات الفرد.
ويجب �أن نعرف �أن الإدراك بو�ص���فه عملية عقلية ،يح���دث دفعة واحدة ،فهو عملية
ُكلية ينتج عنها كما �س���بق القول ا�س���تجابة معينة للإح�سا�سات الراهنة التي تواجه الكائن
الحي في موقف معين.
-1المعنى والفهم:
يحفظ الإن�سان المعلومات التي يفهمها ب�سرعة ،والتي تكون غال ًبا من الأمور الآتية:
(�أ) �أن تكون من املعلومات التي �سبق �أن مرت بخربته.
(ب) �أن تكون ح�سنة العر�ض والرتتيب.
(جـ) �أن تكون وا�ضحة العالقة بني العنا�صر والنتيجة.
ويتوقف فهم ما تتعلمه على ما ي�أتي:
(�أ) ارتباط املادة املتعلمة مبا لدينا من خربات �سابقة عن هذه املادة �أو �إىل غريها
مما يتعلق بها.
(ب) العالقة بني اخلربة اجلديدة واخلربة القدمية ،ويجب ربط اخلربة اجلديدة
بغريها مما منار�سه يف حياتنا العامة ،ويجب ربطها مبيولنا ونواحي اهتمامنا.
(جـ) تنظيم املعلومات اجلديدة على �أ�سا�س منطقي.
-2الحفظ المتوا�صل والحفظ الموزع:
الحفظ المتوا�ص���ل هو الذي يت���م دون �أن تتخلله فترات راحة بين الحفظ .وي�س���مى
التمرين المت�صل .Massed Practice
والحفظ الموزع هو الذي يتم على �أوقات مختلفة ،بحيث يتخلل هذه الفترات �أوقات
راح���ة ،وهو ما ي�س���مى التمرين المت���وزع Distributed Practiceوالنوع الآخر �أف�ض���ل من
نتيجة الحفظ المتوا�صل؛ لأنه �أ�سرع و�أثبت في الذاكرة ،مع مراعاة �أال تكون هناك �أوقات
راحة طويلة؛ لأن ذلك يهيئ فر�صة الن�سيان.
-3الحالة االنفعالية:
ت�ؤث���ر الحالة االنفعالية في االحتف���اظ بالخبرات ،فكلما كانت الخبرات �س���ارة �أدى
ذلك �إلى �س���رعة تذكرها وا�س���تدعائها �إلى الذه���ن ،وكلما كانت م�ؤلم���ة ف�إنها تمحى من
الذاكرة ،وي�صعب على المرء ا�سترجاعها �أو تذكرها.
339
علم النف�س التربوي الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية
-4نوع المادة:
الكلمات عديمة المعنى هي �أ�ص���عب المواد ً
حفظا ،و�أ�س���رعها تال�ش��� ًيا من الذاكرة؛
لأنها ال تعتمد على �ش���يء من الفهم ،وال ت�س���تند �إلى معرفة المعنى ،في حين �أن الكلمات
ذات المعنى تكون �أ�سهل في الحفظ ،و�أ�سرع في اال�ستيعاب ،و�أدوم بقا ًء في الذاكرة.
-5تثبيت الحفظ:
ي���زداد الحفظ ثبوتًا كلما زادت محاوالت ال�ش���خ�ص لحفظ مو�ض���وع معين ،وتزداد
قدرة الفرد على اال�ستيعاب كلما زادت مرات تكرار الحفظ.
-6الكف الرجعي:
مو�ضوعا من مادة معينة بعد انتهائه مبا�شرة من حفظ مو�ضوع �آخر
ً �إذا حفظ الفرد
من المادة نف�س���ها ،ف�إن هذا ي�ؤدي �إلى نق�ص���ان في درجة الحفظ الأولى ،ويعبر عن ذلك
بالكف الرجعي ،Retroactive Inhibitionوين� أش� ذلك من حدوث تداخل بين المو�ضوعين.
ولعالج ذلك ي�ستح�سن �أن تتبع �أوقات الحفظ بوقت راحة؛ تالف ًيا للتداخل بين المعلومات.
وقد يرد �إلى القارئ �س�ؤال ..هل هناك فروق فردية في الحفظ؟
الواق���ع �أن هن���اك عالقة بين الذكاء والقدرة على ا�س���تيعاب عدد من العنا�ص���ر� ،أو
االحتفاظ بالمعلومات �أطول مدة ممكنة.
وق���د يك���ون هناك �أفراد من متو�س���طي ال���ذكاء �إال �أنه���م يظهرون ق���درة كبيرة من
حف���ظ �أن���واع معينة من المعلومات ،ويرجع ذلك �إلى �أث���ر التمرين والتكرار في حفظ هذه
المعلومات.
و�إن عام���ل العم���ر مه���م للغاية في القدرة عل���ى حفظ المعلومات ،حي���ث ُيالحظ �أن
القدرة على الحفظ ت�أخذ في االزدياد التدريجي مع ال�سن� ،إذ تبلغ ذروتها فيما بين العمر
الزمني � 20إلى � 30سنة ،ثم تبد�أ بعد ذلك في النق�صان.
340
الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية علم النف�س التربوي
-3الربط :Association
المبتدئ في القراءة والكتابة ي�س���هل عليه تعلم الحروف ،كلما �أمكن ربطها ب�أ�ش���ياء
معروفة لديه ،ف�صورة الأرنب مع حرف (�أ) ت�ساعده على تذكر حفظ الحرف (�أ) ب�سرعة
ً
مرتبطا ب�صورة. عما �إذا لم يكن
أي�ضا يمكنهم �سرعة الحفظ �إذا ا�ستخدموا �أمو ًرا �أو حرو ًفا معينة عند
بل �إن الكبار � ً
حفظ معلومات معينة.
341
علم النف�س التربوي الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية
ويعتمد ا�ض���محالل التعلم وارتفاعه على طبيعة الم���ادة المتعلمة .وقد تبين �أن كبار
ال�سن ،تقل قدراتهم بكثير عن ال�صغار عند تعلم مهارات معينة.
وبح���ث علم���اء النف�س عوام���ل �أخرى متعددة م���ن التدهور العقلي عند كبار ال�س���ن،
فبع�ض الدرا�س���ات �أ�شارت �إلى �أن كبار ال�س���ن ،لم يكن هناك تدهور ملحوظ في تذكرهم
ً
ملحوظا للغاية ف���ي اختبار �إعادة للأرق���ام ف���ي اختبار معين ،في حي���ن �أن تدهورهم كان
الأرقام بالعك�س.
ومن المعروف �أن القدرة على التعلم والتذكر جزء من الذكاء العام.
ثال ًثا :الن�سيان:
التذكر ُيمثل الجانب الإيجابي في التعلم ،بينما الن�س���يان يمثل الجانب ال�س���لبي في
التعلم .ويتعر�ض الفر�ض للإحباط عندما ين�س���ى كثي ًرا .وقد اهتم علماء النف�س بدرا�س���ة
العوامل التي ت�ؤثر في الذاكرة ،وت�ؤدي �إلى الن�سيان.
وقد تبين �أن الن�س���يان عبارة عن تدهور �س���لبي يحدث ف���ي الذاكرة على مدى طويل
من الوقت ،طالما �أنه ال تمار�س المادة المتعلمة .ويرجع الن�سيان �إلى عوامل عدة� ،أهمها:
-1عدم كفاية التعلم:
المادة المتعلمة ب�ص���ورة مبتورة �أو ب�صورة غام�ضة ال يمكن تذكرها .وتنظيم المادة
واف يحتوي على النقاط الرئي�سة للمو�ضوع يجعل التذكر �أكثر �سهولة وي�س ًرا.
في ملخ�ص ٍ
-2تدخل الن�شاط الالحق:
الن�ش���اط ال�س���ابق للفرد قد يعوق التعلم الجديد ،وقد ي�س���هله ،ويدفع���ه �إلى الأمام،
الن�شاط الالحق الذي يتلو عملية التعلم ،قد يعوق تذكر المادة ال�سابقة وقد ُي�سهله ،وي�سمى
ه���ذا الت�أثي���ر ،الك���ف الرجع���ي ،Retroactive Inhibitionهذا و�إذا كان���ت المدة الالحقة
للعملية التعليمية مليئة ب�أوجه الن�شاط المختلفة ،كان ذلك م�ساعدً ا على الن�سيان� .أما �إذا
343
علم النف�س التربوي الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية
ق�ضى الفرد هذه المدة في النوم �أو عدم الإجهاد الذهني في �أي �أن�شطة �أخرى ،ف�إن ذلك
ُي�ساعد على تثبيت المادة ،ومن ثم تذكرها.
هذا ،وقد تبين �أن الن�س���يان ال يحدث بمرور الوقت فح�س���ب ،بل � ً
أي�ضا بوجود عوامل
�أخرى ت�ؤدي �إلى �ضياع ما تعلمناه.
منو التفكري:
التفكير ن�شاط عقلي له جانب مهم في التعلم .لذلك كيف ننمي التفكير؟
الواقع �أن قدرة الإن�سان على التفكيرُ ،تع ّد من �أهم المهارات الخا�صة بتكيف الإن�سان
في بيئته المحيطة .ويهمنا درا�سة نمو التفكير في مراحل العمر المختلفة.
وكما �س���بق �إي�ض���احه ،ف�إن التفكير عبارة عن توجيه ن�ش���اط الذهن نحو م�شكلة من
الم�ش���كالت التي ي�ص���ادفها الإن�سان ،وهو عبارة عما يقوم به العقل من ن�شاط عند �شعوره
بمواجهة موقف معقد يتطلب منه ت�ص���ر ًفا ًّ
خا�ص���ا في حدود الظ���روف المحيطة به ،وفي
حدود العالقات الموجودة بين �أجزاء هذا الموقف.
345
علم النف�س التربوي الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية
ويختل���ف التفكير ع���ن الإدراك ،فالإدراك عبارة عن ن�ش���اط عقلي ي����ؤدي �إلى العلم
ب�ش���يء خارجي �أو ال�ش���عور ب�شيء خارجي وان�شغال الذهن مدة معينة من الزمن ،في حين
�أن التفكير يتعدى ذلك �إلى الدرا�سة والفكر و�إدراك العالقات في ال�شيء الذي ُيدرك.
و ُيع��� ّد «بياجيه» �أن التفكير ينمو في �أربع مراحل �أ�سا�س���ية ،يتميز كل منها بم�س���توى
معين من الوظيفة العقلية.
-1المرحلة الح�سية الحركية :من الميالد حتى �سنتين ،وهذه المرحلة تتمثل في
انعكا�سات ب�سيطة تنتهي با�ستجابات ح�سية حركية ،وتتطور اال�ستجابات �إلى �سل�سلة
من اال�ستجابات الخا�صة كالنظر والم�شي والو�صول �إلى المو�ضوع (هدف ي�سعى �إليه
الطفل) وفي هذه المرحلة يمكن �أن يتعلم الطفل تميز نف�سه عن البيئة ،وي�ساعده ذلك
على تكوين مفهوم الذات .وفي هذه المرحلة ال ي�ستطيع الطفل �أن ُيدرك المفاهيم
المجردة.
-2المرحلة قبل الإجرائية( :من �سنتين �إلى �سبع) يبد�أ الطفل في القيام با�ستجابات
رمزية (مثلاً يلعب وك�أن لعبته تتحرك مثله) ،وتنمو المهارات اللغوية ،هذا على
الرغم من �أن ت�صور الطفل للعالم حوله ال يزال غير مالئم منطق ًّيا ،ودليل ذلك
وقوعه في �أخطاء م�ستمرة ،وذلك يجره �إلى م�شكالت كثيرة .وفي نهاية هذه المرحلة
يكون الطفل في مرحلة عدم اتزان لما يدور حوله.
-3المرحلة العيانية( :من �سن � 7إلى � 11سنة) ،ينتظم التفكير عند الطفل في �شكل
متما�سك يمكنه من اال�ستجابة ال�صحيحة ،و ُي�صبح �أكثر قدرة على اكت�ساب المفاهيم
الأكثر �صعوبة ،مثل ثبات الوزن والحجم ،ويمكنه �إدراك مفاهيم الزمن والمكان
والعدد� ،إال �أن ت�صوراته تكون محدودة بالمواقف العيانية (المح�سو�سة).
-4المرحلة الإجرائية( :من �سن � 11إلى � 15سنة) في نهاية هذه المرحلة الخا�صة،
بالنمو العقلي ،ي�صبح البالغ قاد ًرا على معالجة الواقع بكفاءة ،فيمكنه التفكير ب�صورة
تجريدية ،و�أن ي�ضع الفرو�ض ويختبرها.
346
الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية علم النف�س التربوي
والطفل عند انتقاله من مرحلة �إلى �أخرى ،ال بد �أن يجتاز المرحلة ال�سابقة ،وال�سن
التي ي�صل عندها الطفل لمرحلة ما تختلف باختالف الأفراد والبيئات ،و ُتع ّد نظرية
«بياجيه» من النظريات التي ُتحدد الخ�صائ�ص الأ�سا�سية للنمو العقلي.
المختلفة والقوانين التي تحكم التعلم ،والتي عن طريقها �أمكن الو�ص���ول �إلى تطوير حياة
الإن�س���ان وفهمها على �أ�س����س علمية �س���ليمة قائمة على �أ�س���ا�س تجريبي .وقد �سبق �إي�ضاح
ذلك في حديثنا عن التعلم.
تلخي�ص:
-1ت�ؤثر الإح�سا�سات اخلارجية والداخلية يف الإدراك.
-2الإدراك ال يتم مبجرد ا�ستجابة احلوا�س للم�ؤثرات اخلارجية ،بل عند انتقال �آثار
الإح�سا�سات �إىل العقل.
-3عملية الإدراك تتم بوجود �شروط معينة.
-4التذكر مبعناه العام ي�شمل احلفظ والن�سيان.
-5ي�ؤثر يف احلفظ والن�سيان خوا�ص خمتلفة ،منها :املعنى والفهم ،واحلفظ املتوا�صل
واحلفظ املوزع -احلالة االنفعالية -نوع املادة -تثبيت احلفظ -الكف الرجعي.
-6العوامل التي ت�ساعد على احلفظ والتذكر :وجود الرغبة �أو النية -ا�ستخدام ال�صور
الذهنية -الربط -الوزن والإيقاع -تق�سيم املعلومات �إىل وحدات.
348
الباب ال�ساد�س :الذكاء والعمليات العقلية علم النف�س التربوي
�أ�سئلة ومتارين:
-1ال يتم الإدراك مبجرد ا�ستجابة احلوا�س للم�ؤثرات اخلارجية .ا�شرح.
-2يت�أثر احلفظ والن�سيان بعوامل خمتلفة .ا�شرح ثالثة من هذه العوامل.
-3هناك عوامل ت�ساعد على احلفظ والتذكر .ا�شرح ثالثة من هذه العوامل.
-4حدد العوامل ذات الأثر يف الن�سيان.
-5كيف ينمو التفكري .ا�شرح.
-6التخيل عبارة عن نوع من التفكري .ا�شرح.
تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف القارئ �إىل مفهوم الإعاقة العقلية.
(� )2أن يتعرف �إىل �صفات ال�شخ�ص املعاق عقل ًّيا.
(� )3أن يتعرف �إىل ن�سبة انت�شار الإعاقة العقلية يف املجتمع.
(� )4أن ي�صنف الإعاقة العقلية بح�سب ن�سبة الذكاء.
(� )5أن يحدد �أ�سباب الإعاقة العقلية.
(� )6أن مييز خ�صائ�ص املعاقني عقل ًّيا.
(� )7أن يتعرف �إىل �آليات قيا�س الإعاقة العقلية وت�شخي�صها.
(� )8أن يتعرف �إىل مفهوم الت�أخر الدرا�سي و�أ�سبابه.
(� )9أن يحدد �أعرا�ض الت�أخر الدرا�سي.
(� )10أن ي�شخ�ص الت�أخر الدرا�سي لدى املتعلمني.
(� )11أن يحدد كيفية عالج الت�أخر الدرا�سي.
الإعاقة العقلية والت�أخر الدرا�سي
:
القت فئات المتخلفين عقل ًّيا منذ القدم معامالت مختلفة ،وذلك باختالف فل�سفات
المجتمع���ات ونظمه���ا االجتماعي���ة ,وتباينت المعامل���ة مع هذه الفئة من مج���رد االزدراء
والرثاء �إلى النفي والإبعاد.
وفي المجتمعات ال�ش���رقية ،فقد امتزجت فيها ال�ش���فقة والتقدي�س ،ف�أ�شفقوا عليهم
لعجزه���م �أو قد�س���وهم العتقاده���م ب�أن لهم �ص���لة بالق���وى الإلهية ،وتغي���رت النظرة في
المجتمع���ات الغربية الحديثة �إلى المتخلفين عقل ًّيا من �س���يطرة فكر الت�ص���فية �أو الأبعاد
لغير القادرين على الإنتاج �إلى فكر الدافع لعمل الخير للإن�سان المتخلف عقل ًّيا من خالل
�إن�ش���اء مدار����س لهم ولغيرهم من المعاقي���ن تحقي ًقا لمبد�أ الديمقراطي���ة وتكاف�ؤ الفر�ص
التعليمية بين الأ�سوياء وغير الأ�سوياء.
وا�س���تجابة لم���ا ت�ض���منته مواثي���ق الأمم المتح���دة و�إع�ل�ان حقوق الإن�س���ان وميثاق
الثمانينيات كان االهتمام بتوفير العالج والرعاية الكاملة للطفل المعوق م�ؤ�ش��� ًرا من بين
الم�ؤ�شرات التي يقا�س بها مدى تقدم ال�شعوب والمجتمعات.
� اً
أول :الإعاقة العقلية:
نظرة تاريخية:
وج���د الأطفال غير العاديين في كل الع�ص���ور ومنذ �أقدمها ،ولكن نظرة المجتمعات
�إلى الأفراد غير العاديين قد اختلفت من ع�صر �إلى �آخر.
354
الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية علم النف�س التربوي
لقد بد�أ االهتمام بتربية المعوقين في القرن التا�س���ع ع�ش���ر في فرن�سا ،وكانت فئات
الإعاقة الب�ص���رية وال�سمعية هي �أول الفئات التي حظيت بالرعاية واالهتمام ،ثم �أعقبتها
فئات الإعاقة الحركية والعقلية ،وقد كان �ش���كل خدمات التربية الخا�ص���ة في ذلك الوقت
ً
متمث�ل�ا في الحماية والإيواء ف���ي المالجئ؛ وذلك لحمايتهم �أو حماية المجتمع منهم ،ثم
تط���ورت تلك الخدمات ،و�أ�ص���بحت ت�أخذ �ش���كل تعليم الأطفال المعوقي���ن مهارات الحياة
اليومية في مدار�س �أو مراكز خا�صة بهم.
وفي القرن الع�ش���رين نما ميدان التربية الخا�ص���ة في �ش���تى �إنحاء العالم .وما يدلل
عل���ى نمو ميدان التربية الخا�ص���ة اهتمام الدول النامية بالأف���راد غير العاديين في ظهور
كثير من الجمعيات والمنظمات والهيئات والم�ؤ�س�سات التي تعنى بالأفراد غير العاديين.
التعريف الطبي:
ُيع��� ّد من �أقدم تعريفات الإعاقة العقلية� ،إذ ُيع ّد الأطباء من �أوائل المهتمين بتعريف
وت�شخي�ص الإعاقة العقلية.
وق���د ركز التعريف الطبي على �أ�س���باب الإعاقة العقلية ،وعل���ى ذلك يتمثل التعريف
الطبي للإعاقة العقلية في و�ص���ف الحالة و�أعرا�ضها و�أ�سبابها ،وقد وجهت انتقادات لهذا
التعريف تتمثل في و�صف الإعاقة العقلية بطريقة رقمية تعبر عن م�ستوى ذكاء الفرد.
355
علم النف�س التربوي الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية
التعريف االجتماعي:
ظه���ر التعريف االجتماعي للإعاق���ة العقلية لالنتقادات الموجه���ة لمقايي�س القدرة
العقلي���ة في قدرته���ا على قيا�س القدرة العقلي���ة للفرد ،وركز على م���دى تفاعل الفرد مع
مجتمعه وا�ستجابته للمتطلبات االجتماعية المتوقعة منه مقارنة مع نظرائه من المجموعة
العمرية نف�س���ها ،وعلى ذلك ُيع ّد الفرد معو ًقا �إذا ف�شل في القيام بالمتطلبات االجتماعية
المتوقعة منه.
تعريف بيجو:
الذي يعاني محدودية في الخبرة ال�س���لوكية التي ت�شكلت نتيجة للأحداث التي ت�ؤلف
تاريخه( .اهتم بال�سلوك).
356
الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية علم النف�س التربوي
تعريف مري�سر:
�إن الإطار االجتماعي للفرد هو الذي يحدد فيما �إذا كان متخل ًفا عقل ًّيا �أم ال( .اهتمت
العالمة مير�سر بالإطار االجتماعي؛ لأنها عالمة اجتماع).
تعريف الرتبويني:
ينتج التخلف العقلي عن عدم مالءمة البيئة التعليمية ،وعدم قدرتها على اال�ستجابة
لالحتياجات التعليمية.
تعريف جريفي�س:
�إن ه���ذه الحالة تعبر عن حالة توقف �أو عدم اكتمال نمو الدماغ الناتج عن مر�ض �أو
�إ�صابة قبل المراهقة �أو ب�سبب عوامل جينية( .اهتم جيرفي�س بوجهة نظر طبية عن عدم
اكتمال نمو الجهاز العقلي).
• كل ما �س���بق من التعاريف ناق�صة ،وال تعطي تعري ًفا حقيق ًّيا وكام ًال لل�شخ�ص
المعاق� ,أما التعريف الكامل لل�شخ�ص المعاق فهو ما ي�أتي:
تعريف جرو�سمان:
الذي ين�ص على�( :إن الإعاقة العقلية تمثل م�ستوى الأداء الوظيفي العقلي الذي يقل
عن المتو�س���ط بانحرافين معياريين ،وي�ص���احب ذلك خلل وا�ض���ح في ال�س���لوك التكيفي،
ويظهر ذلك في مراحل العمر النمائية منذ الميالد وحتى �سن � 18سنة).
التعريف احلديث:
الإعاقة العقلية هي حالة ت�شير �إلى جوانب ق�صور ملمو�سة في الأداء الوظيفي الحالي
للفرد ،كق�ص���ور في التوا�ص���ل والعناية الذاتي���ة والحياة المنزلية والمه���ارات االجتماعية
والمهارات الأكاديمية ،وتظهر الإعاقة العقلية قبل �سن الثامنة ع�شرة.
357
علم النف�س التربوي الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية
الإعاق���ة العقلي���ة الناتجة ب�س���بب اختالف العامل الرايز�س���ي� :إن اخت�ل�اف العامل
الرايز�سي بين الأم والجنين ي�ؤدي �إلى تكوين �أج�سام م�ضادة من قبل ج�سم الأم ،فتهاجم
الكريات الحمراء لدى الجنين والتالي �إما وفاته �أو حدوث التخلف العقلي لديه.
(ب) العوامل غير الجينية:
•الأمرا�ض التي ت�صيب الأم .مثل مر�ض الح�صبة الألمانية والزهري وال�سكري.
•�س���وء التغذية للأم الحام���ل .نق�ص المواد الغذائية ي����ؤدي �إلى تلف في الجهاز
الع�صبي.
•الأ�شعة ال�س���ينية .ت�ؤدي الأ�شعة �إلى الإعاقة ب�أنواعها و�إلى اللوكيميا والت�شوهات
الخلقية للجنين والإجها�ض.
•العقاقير والأدوية .ت�ؤدي �إلى الإعاقات ب�أنواعها والت�ش���وهات الج�س���مية للجنين
وتدني القدرة العقلية وتزايد معدل الوفيات لدى الأطفال.
•تلوث الماء والهواء .ي�ؤدي ذلك �إلى م�شكالت في الجهاز التنف�سي للأم الحامل
ونق�ص ن�سبة الأك�سجين التي ت�صل �إلى الجنين.
الخ�صائ�ص الج�سمية:
-1مييل معدل النمو اجل�سمي للمعاق عقل ًّيا �إىل االنخفا�ض ب�شكل عام تب ًعا لدرجة الإعاقة.
-2الحالة ال�صحية العامة تت�سم بال�ضعف العام ما يجعلهم ي�شعرون ب�سرعة الإجهاد
والتعب.
361
علم النف�س التربوي الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية
الخ�صائ�ص الحركية:
•الجوانب الحركية تعاني � ً
أي�ضا بط ًئا في النمو تب ًعا لدرجة الإعاقة ،فنجد �أنهم:
-1يت�أخرون يف �إتقان مهارة امل�شي.
-2يواجهون �صعوبات يف االتزان احلركي والتحكم يف اجلهاز الع�ضلي ،خا�صة يف
املهارات احلركية الدقيقة.
•المه���ارات الحركية الدقيقة :هي المهارات التي تتطلب ا�س���تخدام الع�ض�ل�ات
ال�صغيرة ،كع�ضالت اليد والأ�صابع.
الخ�صائ�ص المعرفية:
ــ التذكر ()Memory
ــ االنتباه()Attention
ــ التخيل ()Imagination ــ التمييز ()Discrimination
ــ االنتباه()Attention ــ التفكير ()Thinking
• يعاني المعاق عقل ًّيا �ضعف القدرة على االنتباه والقابلية العالية للت�شتت:
ــ عدم مثابرتهم �أو موا�صلتهم الأداء يف املوقف التعليمي �إذا ا�ستغرق املوقف فرتة
زمنية متو�سطة �أو منا�سبة للعاديني.
ــ من الأ�سباب الرئي�سة ل�ضعف التعلم العار�ض عند املعاق عقل ًّيا.
• التعلم العار�ض :التعلم من الخبرة وب�شكل غير مق�صود.
•الذاك���رة ق�ص���يرة المدى� :أي تذكر الأحداث والمثي���رات التي تعر�ض لها الفرد
قبل فترة زمنية وجيزة.
ــ العوامل التي ت�سهم يف �ضعف الذاكرة:
� -1ضعف االنتباه.
� -2ضعف القدرة على القيام بعمليات ال�ضبط املتتابعة التي ُتع ّد �ضرورية لإعادة
تكرار ال�شيء يف ذهن ال�شخ�ص حتى ي�ستطيع �أن يحفظه.
التخيل (:)Imagination
•المعاق عقل ًّيا ب�شكل عام ذو خيال محدود.
•فالتخيل يتطلب درجة عالية من القدرة على ا�ستدعاء ال�صورة الذهنية وترتيبها
في �سياق منطقي ذي معنى.
التمييز (:)Discrimination
•عملية التمييز عند المعاق دون الم�ستوى مقارنة بالعاديين.
التفكير:
•التفكير من �أرقى العمليات العقلية و�أكثرها تعقيدً ا ،فهو يتطلب درجة عالية من
القدرة على التخيل والتذكر والتعليل ،وغير ذلك من العمليات العقلية.
•القدرة على التفكير المجرد ،التي تعك�س ب�شكل كبير القدرة العقلية المنخف�ضة
ب�شكل عام لدى المعاق عقل ًّيا.
الخ�صائ�ص ال�شخ�صية:
-1الإح�سا�س بالدونية!
363
علم النف�س التربوي الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية
•انخفا�ض م�ستوى قدرته العقلية وق�صور �سلوكه التكيفي ي�ضعه في موقف �ضعيف
بالن�سبة �إلى �أقرانه.
•انخفا����ض التوقع���ات االجتماعية من���ه ،حيث يعامل���ه الآخرون على �أنه �إن�س���ان
مختلف ،وال يتوقعون منه الكثير.
-2توقع الف�شل في �أداء المهمات المطلوب �أدا�ؤها دون �أن يجرب �أو يحاول �أداءها.
-3اال�ست�سالم �أمام ال�صعوبات الأولى التي تواجهه ،وال يحاول تجريب طرق �أخرى.
-4انخفا�ض م�ستوى الدافعية :حالة ا�ستثارة داخلية تحرك المتعلم ال�ستغالل �أق�صى
طاقاته في �أي موقف تعليمي ي�شترك فيه ،ويهدف �إلى �إ�شباع دوافعه للمعرفة
وموا�صلة تحقيق الذات.
الخ�صائ�ص اللغوية:
•يعاني المتخلفون عقل ًّيا بطء النمو ب�شكل عام ،ويمكن مالحظة ذلك في مراحل
الطفولة المبكرة.
•فالمعاق بدرجة �شديدة :يكون عاج ًزا عن النطق ،حيث نموهم ال يتعدى مرحلة
�إ�صدار �أ�صوات ال تكون مفهومه في الغالب.
•والمع���اق بدرجة متو�س���طة :يواجه �ص���عوبات مختلفة في الكالم وتت�ص���ف لغته
بالنمطية.
•والمعاق بدرجة ب�سيطة :يت�أخر في النطق ،ولكنه يطور قدرة على الكالم.
الخ�صائ�ص االجتماعية:
•الميل �إلى اللعب والم�شاركة في المجموعات العمرية التي ت�صغرهم �س ًّنا! نظ ًرا
ل�شعورهم بعدم قدرتهم على التناف�س مع �أقرانهم العاديين.
364
الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية علم النف�س التربوي
اختبارات الذكاء:
و�شيوعا.
ً ُيع ّد مقيا�س بينيه ومقيا�س وك�سلر للذكاء من �أكثر المقايي�س �شهرة
تتف���ق معظم الم�ص���ادر على �أن ال�ش���خ�ص ُيع ّد معو ًقا عقل ًّيا عندم���ا ينخف�ض معامل
ذكائ���ه بمقدار انحرافين معياريين عن المتو�س���ط .ويعني هذا ح�ص���ول المفحو�ص على
معام���ل ذكاء (� )70أو �أقل على مقيا�س وك�س���لر �أو معام���ل ذكاء (� )68أو �أقل على مقيا�س
بيني���ه .حيث �إن االنح���راف المعياري لمقيا����س بينية ( .)16بينما االنح���راف المعياري
لمقيا�س وك�سلر (.)15
الجدي���ر بالذك���ر �أن جميع االختبارات العقلية �ص���ممت �إح�ص���ائ ًّيا ،بحيث يح�ص���ل
المفحو�ص متو�سط الذكاء على (.)100
وجدي���ر بالذكر �أن االعتماد عل���ى اختبارات الذكاء وغيرها م���ن المقايي�س المقننة
بمفرده���ا كثي��� ًرا ما يقود �إلى الوقوع في �أخطاء ت�شخي�ص���ية �س���لبية على الفرد والأ�س���رة.
ويلزم �أن ت�ش���تمل عملية الت�ش���خي�ص على مزيد من المعلومات والبيانات التي ت�ساعد على
تكوين �صورة �أف�ضل عن المفحو�ص.
-4ا�ض���طراب احلي���اة النف�س���ية عن���د املتعلم و�ص���حته النف�س���ية واجلو النف�س���ي و�س���وء
التوافق العام.
� -5س���وء التوافق الأ�س���ري ،والعالقات الأ�س���رية امل�ض���طربة ،و�أ�س���لوب الرتبية اخلاطئ،
وا�ض���طراب الظروف االقت�ص���ادية ،والقلق على التح�ص���يل ،وارتفاع م�ستوى الطموح
مبا ال يتنا�سب مع قدرات التلميذ.
� - 6سوء التوافق املدر�سي ،و ُبعد املواد الدرا�سية عن الواقع ،وعدم منا�سبة املناهج وطرق
التدري�س ،وعدم منا�س���بة اجلو املدر�سي العام ،وعدم مالءمة نظم االمتحانات ،وقلة
االهتمام بالدرا�سة ،وكرثة الغياب والهروب ،ونق�ص �أو انعدام التوجيه الرتبوي.
� -7سوء التوافق االجتماعي ،والعالقات االجتماعية امل�ضطربة.
-8امل�ش���كالت االنفعالي���ة والإحب���اط ،وعدم االت���زان االنفع���ايل ،والقلق ،واال�ض���طراب
الع�صبي مبا ي�ؤثر يف اال�ستذكار وتركيز االنتباه.
� -9ضعف الدافعية ،ونق�ص املثابرة ،وعدم بذل اجلهد الكايف يف التح�صيل.
-10االعتم���اد الزائ���د عل���ى الآخري���ن ،كما يتب���ع يف الدرو�س اخل�صو�ص���ية التي انت�ش���ر
ا�ستخدامها ب�صورة فائقة ،حيث �أ�صبحت املنازل ،كما لو كانت مدار�س للأبناء.
-11احلرمان الثقايف العام وت�أثريه ال�سلبي يف التفكري والتح�صيل.
�أ�سئلة ومتارين:
-1عرف الإعاقة العقلية ون�سبة انت�شارها يف املجتمع.
-2ا�شرح كيف ت�صف الإعاقة العقلية.
-3ما �أ�سباب الإعاقة العقلية؟
-4اذكر �صفات املعاق عقل ًّيا.
-5عرف مفهوم الت�أخر الدرا�سي وكيفية ت�شخي�صه.
-6حدد �آليات عالج الت�أخر الدرا�سي.
املوهــبة
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف القارئ �إىل تاريخ االهتمام باملوهبة.
(� )2أن يتعرف القارئ �إىل مفهوم املوهبة.
(� )3أن يحدد القارئ خ�صائ�ص املتفوقني عقل ًّيا.
(� )4أن مييز القارئ �إ�سرتاتيجية تعليم املوهوبني.
(� )5أن يتعرف �إىل م�س�ؤوليات املعلم جتاه املوهوبني.
املوهــبة
:
نظرة تاريخية:
�إن االهتم���ام بالتف���وق والموهب���ة قد ظهر في وق���ت مبكر ,ولكن لم يك���ن قائ ًما على
الأ�س�س العلمية �أو المنهجية لدرا�سة طبيعة الظاهرة.
ففي المجتمع اليوناني القديم كان التركيز على المواهب التي تحمل الطابع الع�سكري
والقوى الج�سدية ،حيث كانوا يدربون الأطفال على االهتمام المبكر بتنمية القوى الع�ضلية
والبنية الج�سدية وكان االهتمام من�ص ًّبا على المواهب الذكورية وا�ستبعاد الإناث.
�أما في العهد الروماني فتطورت درا�س���ة التفوق والموهبة ،وازدهرت درا�سة مختلف
�أن���واع العلوم الهند�س���ية من معمارية ومدنية ودرا�س���ة القانون وعلوم الإدارة وال�ص���ناعة
�س���واء للذكور �أو الإناث مع اقت�صار بع�ض الدرا�س���ات والوظائف على الذكور دون الإناث,
وا�ضحا في هذه الحقبة بالمتفوقين والموهوبين.
ً وظهر االهتمام
و�أ�س���همت الح�ضارة ال�شرقية القديمة في ال�ص���ين واليابان في تطور مفهوم التفوق
والموهبة ,فقد اهتم ال�ص���ينيون واليابانيون بدرا�سة المواهب وتنميتها لدى الأفراد ذوي
المواهب في الأدب والعلوم والفن و�أ�صحاب االختراعات ،فقد كانوا يحظون بتميز وا�ضح
في المجتمع ال�ص���يني والياباني ،ويظهر من خالل االهتمام بالتعليم والمناهج والبرامج
وط���رق التدري�س المالئمة لتنمية ق���درات ومواهب الطلبة المتميزي���ن في مجاالت القيم
الأخالقية والأدب والفن والتاريخ والعلوم الطبيعية والمعرفة بالبحث العلمي ومراحله.
ولم تقم درا�س����ة منهجية لدرا�س����ة الموهبة �إال على يد العالم البريطاني فران�س����ي�س
جالتون ( )1911 -1822 Francis Galetonحيث و�ضع درا�سة منهجية لدرا�سة الموهوبين
374
الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية علم النف�س التربوي
من خالل بحثه في ال�سير الذاتية والنماذج التاريخية لتلك ال�سالالت من قادة وعظماء ،و�أكد
م���ن خاللها �أن معظم المتفوقين ينحدرون من ال�س�ل�االت المتعاقبة لعائالت عريقة حققت
�إنج���ازات متعددة في �س���نوات حياتهم الما�ض���ية وع���زا وجود القدرات العقلي���ة �إلى العوامل
الوراثي���ة كما ذكر في كتابه (عبقري بالوراثة) وا�س���تخدم مجموعة من الطرق للتعرف �إلى
تاريخ الأ�س���رة وقيا�س خ�صائ�صها وتطورها ،وكانت معظم المقايي�س التي ا�ستخدمها تقي�س
الجوانب الح�سية ،وتعتمد على حدة الإب�صار وال�سمع والقوة الحركية والع�ضلية وقيا�س زمن
الرجع ,وهو �أول من ا�ستخدم مقايي�س التقدير و�أ�سلوب التداعي الحر ،وقام بدرا�سة الخوا�ص
الإح�صائية للفروق الفردية ،و�أو�ضح �أن الذكاء ال يتم �إال بالمقارنة بمتو�سط ذكاء الآخرين،
واهم فكرة تو�ص���ل �إليها جالتون هي �إيجاد التوزيع االعتدالي للقدرات العقلية ،حيث �أو�ض���ح
�أن الم�ستويات العليا والدنيا في درجات الذكاء هي الأقل انت�شا ًرا بينما الم�ستويات المتو�سطة
في ذكاء الدرجات هي الأكثر انت�شا ًرا ،على المنحنى.
و ُيع��� ّد كاتل �أحد الرواد الم�س���اهمين في هذا المجال ،فهو �أول من ا�س���تخدم م�ص���طلح
(اختب���ار عقلي) قد كان يعتقد �أنه يمكن التو�ص���ل �إلى الق���درات العقلية عن طريق الوظائف
الب�س���يطة التي تعتمد على النواحي الح�س���ية وعلى الرغم من ا�س���تخدامه للأ�سلوب المنهجي
والمقايي�س �إال �أن المقايي�س التي ا�ستخدمها لم تكن مو�ضوعية منه من حيث قيا�سها للقدرات،
حيث �إن االرتباط بين كل من نتائج االختبارات الح�سية وبين الأداء الأكاديمي �ضعيف.
وفي هذه الحقبة ظهر العالم الفرن�س���ي (الفرد بينيه )A,Binet ,الذي اهتم بدر�س
الط���ب ،واهت���م بالعمليات العقلي���ة ،وانتق���د االختبارات الح�س���ية التي ترك���ز على قيا�س
الق���درات العقلية الب�س���يطة ،وال ت�ص���ل �إلى م�س���توى الوظائف العقلي���ة (كالتذكر والفهم
والتقييم واال�س���تنتاج) ومن خالل عمله بو�ص���فه باح ًثا وم�ست�شا ًرا في المدار�س الفرن�سية
الح���ظ �أن هن���اك فرو ًقا فردية في ق���درة ه�ؤالء الطلبة عل���ى التعلم ،وانتق���د طرق تقييم
المعلمي���ن له�ؤالء الطلبة ،حي���ث تتميز بالتحيز في التقييم البعيد ع���ن النواحي الذهنية,
وتم تكليفه وزميله �سيمون عام (1904م) من قبل وزارة التربية الفرن�سية ب�إيجاد مقايي�س
375
علم النف�س التربوي الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية
للتعرف �إلى قدرات ه�ؤالء الطلبة وو�ض���عهم في �ص���فوف منا�سبة ،و�صدر �أول مقيا�س عام
1905م و�سمي مقيا�س بينيه � -سيمون للذكاء.
ولأهميت���ه ترجم �إلى لغات عدة ،ونقل �إل���ى الواليات المتحدة على يد لوي�س تيرمان،
وقام ب�إجراء تعديل عليه وتقنينه ،و�أطلق عليه ا�س���م (�س���تانفورد -بينيه) و�س���اعده على
القيام بدرا�س���ة طولية ا�س���تمرت نحو � 35سنة للتعرف �إلى الخ�ص���ائ�ص وال�سمات العقلية
واالنفعالية والج�سدية واالجتماعية لهم ومقارنتها بالطلبة العاديين.
وف���ي نيويورك ظهرت العالمة النف�س���ية ليت���ا هولنجورث التي اهتم���ت بالمتفوقين،
عاما ،ووجدت �أن لديهم ح�سا�س���ية مفرطة وقابلون وقامت بدرا�س���ة طولية ا�س���تمرت ً 23
للت�أثر االنفعالي ،وتظهر لديهم وبو�ضوح الم�شكالت االنفعالية واالجتماعية ،نتيجة للبيئة
المحيطة بهم غير الواعية لما يتعر�ض���ون له من �ضغوط و�سوء فهم وتجاهل الحتياجاتهم
الفكرية والنف�س���ية واالجتماعية ما ي�ؤدي بهم �إلى �سلوكيات �سلبية �أدت درا�ستها �إلى تطور
مجال التفوق والموهبة.
وف���ي الن�ص���ف الثاني م���ن القرن الما�ض���ي ظهر االهتم���ام بالتف���وق والموهبة على
خ�صو�ص���ا بعد الحرب العالمية الثاني���ة ،وظهر توجه جماعي
ً م�س���توى الحكومات والدول
لالهتمام بالو�س���ائل التربوية والتعليمية الم�س���تخدمة وطرق التدري�س والمناهج المقررة
ف���ي المدار�س والجامعات ،وكذلك االهتمام بمختلف العلوم التكنولوجية والعلمية والفنية
للرقي بهذه الفئة.
وف���ي الق���رن الواحد والع�ش���رين �أخذ تعلي���م المتفوقين في الدول الغربي���ة والعربية
منحنى �أكثر عم ًقا ،حيث خ�ص�ص���ت مبالغ طائلة لتطوير مجال درا�س���ة التفوق والموهبة
وت�أ�سي�س البرامج و�إيجاد التخ�ص�صات المختلفة و�إ�صدار القوانين والت�شريعات والتعليمات
الم�س���اندة لتعليم المتفوقين والإ�صرار على التغلب على جميع ال�صعاب ،وبرزت الخدمات
التربوية والإر�ش���ادية المتطورة ،وا�ستمر االهتمام بو�س���ائل القيا�س والت�شخي�ص والتقييم
المنا�س���بة لنوعي���ة التف���وق والموهبة ،ون�ش���طت حركة التقني���ن للمقايي����س واالختبارات
376
الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية علم النف�س التربوي
خ�صائ�ص املتفوقني:
� اً
أول :الخ�صائ�ص الج�سمية:
تعددت الدرا�س���ة والأبحاث حول خ�ص���ائ�ص المتفوقين والموهوبين الج�س���مية منذ
وق���ت مبكر .وقد �أكد جالتون ( )1869ت�أثي���ر العوامل الوراثية على مختلف جوانب النمو،
حيث قام ب�إجراء درا�س���ة تتبعية لعينة مكونة من �ألف �ش���خ�ص تنتمي �إلى (� )300أ�س���رة،
ً
ملحوظا له�ؤالء الأفراد في النواحي الج�سمية والعقلية و�أظهرت النتائج �أن هناك ت�ش���اب ًها
للعائالت والأ�سر التي ينتمون �إليها من خالل الأجيال المتعاقبة.
و�أ�ش���ارت الدرا�س���ات �إلى �أن التكوين الج�سماني وال�ص���حي للمتفوقين عقل ًّيا �أف�ضل
من التكوين الج�س���ماني وال�ص���حي للعاديين من حيث الطول والوزن والخلو من الأمرا�ض
والإعاقات والق�ص���ور الح�س���ي ,وال يعني �أن الأطفال �أو الأ�ش���خا�ص م���ن ذوي الإعاقات ال
يمي���زون بال���ذكاء والموهبة ,ف�إن �أ�ص���حاب الإعاقات الح�س���ية والحركي���ة لديهم مواهب
أي�ضا ،فعلى �سبيل المثال المفكرة.� ً
378
الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية علم النف�س التربوي
�سمات ال�شخ�صية:
يتمتع الموهوبون بعدد من ال�سمات ال�شخ�صية نتعر�ض لها فيما ي�أتي:
-1الثقة بالنف�س:
عال من االعت���زاز بالنف�س والثقة
�إن ه����ؤالء المتفوقي���ن والموهوبين يتمي���زون بقدر ٍ
بالأعمال التي يقومون بها ما يدفعهم �إلى اال�ستقالل ب�أفكارهم.
380
الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية علم النف�س التربوي
-2ال�شعور بالم�س�ؤولية:
عال من االن�ض���باط والإح�س���ا�س بالم�س�ؤولية ،ما
يتميز المتفوقون والموهوبون بقدر ٍ
ينعك�س على ت�صرفاتهم والقيام بالأعمال المنوطة بهم دون متابعة �أو مراقبة.
-3القيادة:
يتمت���ع الموهوبون بامتالك القدرة عل���ى الت�أثير في الآخرين ،والقدرة على �إقناعهم
وتوجيههم وقيادتهم.
-4الدافعية:
ُتع ّد �سمة الدافعية من �أهم الخ�صائ�ص المرافقة للتفوق والموهبة ،فالدافعية تت�ضح
في الإ�صرار والمثابرة والرغبة في العمل لتحقيق الإنجاز والتفوق في �أحد المجاالت التي
تثير اهتمام المتفوق �أو الموهوب.
-5ال�صحة النف�سية:
�أثبتت الدرا�س���ات �أن المتفوقين والموهوبين يت�ص���فون بالن�ض���ج االنفعالي و�ض���بط
النف����س ولديهم �ص���حة نف�س���ية تف���وق �أقرانه���م العاديين ،وهم ين�س���جمون م���ع التغيرات
المحيطة بهم ب�سرعة ولديهم اتزان انفعالي وهدوء نف�سي يدفعهم �إلى معالجة الم�شكالت
ب�شكل �أف�ضل دون ال�شعور باال�ضطراب �أو االرتباك.
-6التكيف االجتماعي:
���ال من التواف���ق والتكي���ف االجتماعي،
�إن المتفوقي���ن والموهوبي���ن لديه���م ق���در ع ٍ
وانفتاحا وتقبلاً للآخرين ،ومن جهة �أخرى قد نجد بع�ضً ويتمتعون ب�شعبية بين �أقرانهم،
المتفوقي���ن والموهوبين يظهر عليهم �ض���عف في التكيف االجتماع���ي ،ونجدهم يقاومون
ال�ض���غوط االجتماعية والقيم والمعايير ،وال يرغبون في القيود التي قد تح ّد من حريتهم،
وتقيد �أفكارهم و�آراءهم.
381
علم النف�س التربوي الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية
تعليم الموهوبين:
عدد ه�ؤالء الأطفال قليل ن�سب ًّيا ،وال بد �أن تكون المدر�سة كبيرة؛ حتى يمكن تخ�صي�ص
ف�صل خا�ص به�ؤالء المتعلمين؛ ذلك لأنه عادة ما نجد ما بين ع�شرة وخم�سين موهو ًبا في
كل �ألف من التالميذ ،ومثل هذا العدد قد ال يتوافر في مدار�س المدن ال�ص���غيرة .ومعنى
هذا �أن �أغلبية المعلمين �سيجدون في ف�صولهم العادية متعل ًما موهو ًبا ،وعليهم �أن يعرفوا
الطريق للتعامل معه.
و�سواء وجد الطفل الموهوب في ف�صل خا�ص بالموهوبين �أو في الف�صل العادي ،ف�إن
على المعلم �أن ي�سلك طري ًقا من طريقين للتعامل معه وتعليمه:
� -1إن املتعلم املوهوب متى ما انتهى من القيام بالعمل العادي اخلا�ص ب�سن معينة �أو
م�ستوى �صفي معني ،عليه �أن ُيو�سع ما در�س ،و�أن يف�صل فيه ،و�أن يجد تطبيقات
جديدة ملا تعلم .ويبدو �أن لهذا املنهج بع�ض املزايا من الناحية النظرية ،غري �أنه
متاما ب�أعبائه وم�س�ؤولياته ،بحيث ال يجد
ً يف جمال التطبيق �سنجد املعلم من�شغلاً
وقتًا كاف ًيا لتحديد وتنظيم اخلربات التعليمية التي حتقق اخل�صوبة والإثراء للمنهج
العادي الذي يدر�سه املتعلم ،ولهذا ي�سلك املعلم طري ًقا من طريقني:
-2اختيار مو�ضوعات �سوف يدر�سها املتعلم املتفوق يف �صف درا�سي �أعلى ،ويدر�سها مرة �أخرى.
� -3أو �أن يختار تطبيقات �صعبة للمهارات يدر�سها يف املنهج العادي ،ك�أن يطلب من
التلميذ املوهوب �أن ي�ضرب ،223465 *12387654وعلى هذا النحو ُيدرك املتعلم �أن
التقدم يف التعليم عن �أقرانه ال ُيثمر.
والتعجي���ل ه���و ال�س���ماح للمتعلم ب�أن يدر�س المادة الدرا�س���ية المخ�ص�ص���ة ل�ص���ف
معين في مدة زمنية �أقل من المعتاد ،ويمكن �أن يتخذ التعجيل �ص���و ًرا كثيرة ،منها :قبول
المتعلمين في �سن مبكرة بالمدر�سة االبتدائية �أو الجامعة ،ومنها النقل �إلى �صفوف �أعلى
382
الباب ال�سابع :تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية علم النف�س التربوي
في زمن �أقل ،ومنها تركيز التعليم ،بحيث ُيكمل المتعلم الموهوب عمل �ص���فين درا�س���يين
في �سنة درا�سية واحدة.
ويجب �أن يتخذ قرار النقل �إلى �ص���فوف �أعلى على �أ�سا�س فردي؛ لأن بع�ض الأطفال
الأذكياء لي�س���وا نا�ض���جين ج�س���م ًّيا �أو اجتماع ًّيا ،ونقل مثل ه����ؤالء المتعلمين مع من �أكبر
منه���م ،يزي���د من م�ش���كالتهم م���ع �أترابهم ،بينم���ا نقل بع�ض���هم الآخر ق���د يجعلهم �أكثر
تواف ًق���ا مع من ينقلون معهم �أو قد يتفوقون عليهم .ومن المبالغة في نقل المتعلم المتفوق
�إلى �ص���فوف عليا توجد �ص���عوبات؛ لأنه يجابه مطالب نمائية ،قبل �أن ي�ص���ل �إلى م�س���توى
اال�ستعداد المالئم لها.
-3يجب �أن يقدر املعلم على �إعطاء توجيهاته بطرق منوعة عندما تظهر احلاجة �إىل
ذلك؛ حتى ال يقيد االبتكار والأ�صالة يف التعبري ويف �أوجه الن�شاط عند املتعلمني،
فجمع املعلومات من البيئة وت�سجيلها ،بحيث ي�سهل الرجوع �إليها وا�ستخدامها ي�شبع
املتعلم املوهوب بدرجة �أكرب من جمرد احلفظ.
� -4أن ي�ستطيع املعلم �أن ُيرثي خربات املنهج ،مبا يتفق مع ميول املتعلمني وا�ستعداداتهم
العقلية ،ويتطلب هذا اكت�ساب املهارة يف ا�ستخدام الإمكانيات املنا�سبة يف البيئة
املحلية ،بحيث ُيوفر للمتعلم املتفوق حرية النمو والتطور ،ويتيح له ا�ستغالل قدراته
على االبتكار بطريقة �إن�شائية.
املوهبة:
تاريخها -مفهومها -خ�صائ�ص املتفوقني عقل ًّيا
�إ�سرتاتيجية تعليم املوهوبني -م�س�ؤوليات املعلم جتاه املوهوبني عقل ًّيا
�أ�سئلة ومتارين:
-1تكلم عن التطور التاريخي لالهتمام باملوهوبني عقل ًّيا.
-2عرف مفهوم املوهبة.
-3ما خ�صائ�ص املتفوقني عقل ًّيا؟
-4ما م�س�ؤوليات املعلم جتاه املوهوبني عقل ًّيا ،وما الإ�سرتاتيجية املنا�سبة لتعليمهم؟
�سيكولوجية التعلم
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل مفهوم التعلم.
(� )2أن يف�سر كيف ت�سري عملية التعلم.
(� )3أن مييز املتعلم بني منحنيات التعلم.
(� )4أن يربط بني التعلم وعالقته بال�سلوك.
(� )5أن يعدد املتعلم م�صادر التعلم.
(� )6أن يقدر املعلم دور التعلم يف تعديل ال�سلوك.
التعريف بالتعلـم
الأ�س�س والأهميــــــة
:
عالج علماء النف�س التعلم Learningبو�ص���فه من �أهم العمليات النف�سية ،التي يجب
�أن نعرفها عن المتعلم ب�صفة خا�صة وعن النا�س جمي ًعا ب�صفة عامة ،ولذلك �أقاموا كثي ًرا
من الدرا�س���ات التجريبية لمحاولة فهم التغيرات ،التي ت�ؤدي �إلى تعلم الكائن الحي عامة
والإن�سان ب�صفة خا�صة.
والتعلم لي�س معناه دائ ًما �أن يحدث تح�سن في �أداء الفرد و�سلوكه ،فالتعلم في الواقع
ي�ؤدي �إلى التح�سن ،ولكن في بع�ض الأحيان قد ي�ؤدي �إلى نتائج غير مرغوب فيها ،فالطفل
ال���ذي يعاني �إهمال والديه ،قد يتعلم جذب االنتباه بال�ص���راخ الدائم ،ولذلك ف�إن تعريف
التعلم يجب �أن يت�سع لي�شمل �أي ا�ستجابات جديدة� ،سواء كانت مقبولة �أو مرفو�ضة.
ونتناول في هذا كل ما يت�صل بمو�ضوع التعلم ،بو�صفه من �أهم المو�ضوعات الخا�صة
بعلم النف�س التربوي.
مفهوم التعلم:
وقال :ﱹ ﮪ ﮫﱸ .فهو اهلل العالم بما كان ،وما يكون قبل كونه ،وبما يكون و ِل َم يكون
قبل �أن يكون .لم يزل عال ًما ،وال يزال عال ًما بما كان ،وما يكون.
وال يخفى عليه خافية في الأر�ض وال في ال�سماء �سبحانه وتعالى� ،أحاط علمه بجميع
الأ�شياء باطنها وظاهرها ،دقيقها وجليلها ،على �أتم الإمكان .والعلم :نقي�ض الجهل ،علم
عل ًما وعلم هو نف�سه ،ورجل عالم وعليم.
وعلمت ال�شيء �أعلمه عل ًما� ،أي عرفته.
و ُيقال :تع َّلم في مو�ضع اعلم.
وعلمت ال�شيء بمعنى عرفته وخبرته.
وذكر ابن الأعرابي �أنه قال :تع َّلم بمعنى اعلم .قال :ومنه قوله تعالى :ﱹ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭ ﱸ.
ال�س���لوك �أو تغيير الأداء ،ال يقت�صر على ال�سلوك الظاهر �أو الحركات الظاهرة الخارجية
أي�ضا على العمليات العقلية كالتفكير .والق�صد بالخبرة والمران، التي يقوم بها الفرد ،بل � ً
ه���و م���ا يتم من خالل الأن�ش���طة التي تقوم بها الم�ؤ�س�س���ات التعليمية كالآب���اء والمعلمين،
من خالل الأ�س���رة والمدر�سة وغيرها ،حيث يتم التعلم المق�صود المرغوب فيه واكت�ساب
المتعلم الخبرات والمهارات والمعارف الخا�صة بعملية التعلم.
مما �سبق يمكن �إيجاز تعريف التعلم من الناحية النف�سية ب�أنه :تغير في الأداء نتيجة
الخبرة والممار�سة وح�صيلة المهارات والمعارف والخبرات التي يكت�سبها المتعلم؛ لتمكنه
من مواجهة مواقف الحياة.
وف���ي الع���ادة عن���د قيا�س الزم���ن الذي يح���دث فيه التعل���م ،كلما نق����ص الزمن في
المحاوالت �أو الممار�س���ات �أو التدريب� ،أمكن الجزم بح���دوث التغير في �أداء الفرد ،وفي
هذا ما معناه �أنه «تع َّلم» �أي حدث اكت�ساب للمعرفة �أو الخبرة �أو المهارة �أو ال�سلوك المراد
تعلمه.
وف���ي المواقف التي تتطلب تذكر معلومات ،ثم حفظها قد يكون معدل التح�س���ن في
الأداء ف���ي المحاوالت الأولى �س���ري ًعا ن�س���ب ًّيا ،حيث ي�س���هل على المتعلم تذك���ر المعلومات
الب�س���يطة ب�سرعة ،وبتوالي المحاوالت قد يقل معدل التح�سن عن المحاوالت الأولى ،حتى
ي�صل �إلى الم�ستوى المطلوب.
وفي المواقف التي تتطلب تعلم مهارات معقدة قد يثبت الأداء عند م�س���توى معين ال
يتح�سن بعده ،ما يجعل المحاوالت في هذه الحالة عديمة الجدوى ،وي�سمى هذا الم�ستوى
ب�أق�صى �أداء للمتعلم في هذا الموقف.
وق���د يتح�س���ن الأداء بعد مدة م���ن الثبوت �أو التذبذب في المحاوالت الو�س���طى عند
بع�ض الأفراد ،وعند بع�ض���هم الآخر قد ي�أخذ في النق�صان التدريجي دون �أن ي�صل الأداء
�إلى الم�ستوى المطلوب.
وقد يرجع تذبذب الأداء �أو ثبوته وعدم تح�س���نه �إلى �ص���عوبات في مو�ض���ع التعلم �أو
�ض���عف في قدرات الف���رد العقلية� ،أو تداخل مو�ض���وعات التعلم وت�ش���عبها� ،أو �ض���عف في
الدافعية وفقدان الميل للعمل وظهور م�شتتات لالنتباه في موقف التعلم.
يمثل منحنى التعلم العالقة بين المحاوالت (الممار�س���ات) التي يقوم بها الفرد في
موقف تعليمي ما والأداء في كل محاولة ،حيث تمثل المحاوالت على المحور الأفقي والأداء
على المحور الر�أ�س���ي ،ويختلف �شكل منحنى التعلم باختالف نوع الأداء الذي ُي�سجل على
المتعل���م في كل محاولة ،فف���ي بع�ض المواقف قد يكون الأداء هو الزمن الم�س���تغرق ،وقد
يك���ون عدد الأخطاء �أو معدل الحفظ ،وقد يكون معدل الأداء ال�ص���واب� ،أو معدل التذكر،
وعلى ذلك يمكن تق�سيم منحنيات التعلم �إلى نوعين:
�أ -منحنيات ت�صاعدية (�صاعدة) :وهي املنحنيات التي يزداد فيها الأداء -من
الناحية الكمية -مع زيادة املحاوالت ،كما هو احلال عندما يكون الأداء هو
393
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
معدل التذكر �أو معدل الأداء ال�صواب ،حيث يكون الأداء يف البداية �ضعي ًفا ،ثم
يزداد مع توايل املحاوالت.
ب -منحنيات تنازلية (هابطة) :وهي املنحنيات التي يقل فيها الأداء من الناحية
الكمية ،مع زيادة املحاوالت وتواليها ،كما هو احلال عندما يكون الأداء هو
عدد الأخطاء �أو الزمن امل�ستغرق ،حيث يكون الأداء يف البداية كب ًريا -كم ًّيا �أو
رقم ًّيا -ثم يقل مع توايل املحاوالت.
ويمكن تق�سيم منحنى التعلم في �أي موقف ولأي فرد �إلى ثالثة �أجزاء ،هي:
�أ -بداية املنحنى :ويق�صد بها جزء املنحنى الذي ميثل املحاوالت الأوىل -على الأقل
�أول ثالث حماوالت -و�إذا كان الأداء فيها يتح�سن با�ستمرار ي�سمى املنحنى
املنحنى ذا البداية ال�سريعة� ،أما �إذا كان الأداء يف املحاوالت الأوىل ثاب ًتا �أو
متذبذ ًبا ال يتح�سن فيه الأداء ،ف�إن املنحنى ي�سمى املنحنى ذا البداية البطيئة.
ب -و�سط املنحنى :ويق�صد بهذا اجلزء ،جزء املنحنى الذي ميثل املحاوالت
الو�سطى التي يختلف عددها باختالف العدد الكلي للمحاوالت التي مر بها
الفرد ،وباختالف نوع الأداء ،وقد يكون الأداء يف هذا اجلزء من املنحنى
يف حت�سن م�ستمر ،وقد يثبت الأداء فيه �أو يتذبذب ،وي�سمى هذا اجلزء يف
تلك احلالة ه�ضبة التعلم ،وقد ترجع اله�ضبة� -أي تذبذب الأداء �أو ثبوته يف
املحاوالت الو�سطى من منحنى التعلم � -إىل عوامل داخلية خا�صة باملتعلم
كحالة امللل �أو ن�سيان مفاجئ �أو �ضعف قدراته� ،أو �إىل عوامل خارجية �أدت �إىل
ت�شتيت اجلهد يف التعلم يف تلك املرحلة.
جـ -نهاية املنحنى :ويق�صد بها جزء املنحنى الذي ميثل املحاوالت الثالثة الأخرية
التي تت�صف بالثبوت الن�سبي بو�صفها دليلاً على حدوث التعلم ،ويحدث يف
بع�ض احلاالت عدم ثبوت الأداء يف املحاوالت الأخرية ،وقد ال ي�صل املتعلم �إىل
م�ستوى الأداء املطلوب.
394
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
ا�ستقرار
10
معدل التذكر
9
8 م��ن��ح��ن��ى ���ص��اع��د ذو
7
6 ه�ضبة تعلم بداية �سريعة ،ويحتوي على
5 ه�ضبة تعلم.
4 بداية �سريعة
3
2
1
1 2 3 4 5 6 7 8 9
عدد املحاوالت (املمار�سات)
9
8
7 م��ن��ح��ن��ى ه���اب���ط ذو
6 ب��داي��ة بطيئة ،وال يحتوي
5 حت�سن تدريجي على ه�ضبة تعلم.
4
3
2 ا�ستقرار
1
1 2 3 4 5 6 7 8 9
عدد املحاوالت (املمار�سات)
395
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
ا�ستقرار
10
م�ستوى الأداء ال�صواب (تعلم مو�ضوعات جديدة)
9
8 م��ن��ح��ن��ى ���ص��اع��د ذو
7
6
حت�سن تدريجي ب��داي��ة بطيئة ،وال يحتوى
5 على ه�ضبة تعلم.
4
3 بداية بطيئة
2
1
1 2 3 4 5 6 7 8 9
عدد املحاوالت (املمار�سات)
10
الزمن �أو عدد الأخطاء
بداية �سريعة
9
8
7 م��ن��ح��ن��ى ه���اب���ط ذو
6 ب��داي��ة �سريعة ،وال يحتوى
5
4
حت�سن تدريجي على ه�ضبة تعلم.
3
2 ا�ستقرار
1
1 2 3 4 5 6 7 8 9
عدد املحاوالت (املمار�سات)
396
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
وقد وجد هاو�س وزيمان � House & Zeamanأن ميل المنحنى و�سرعة التعلم يت�أثران
بعوامل عدة ،منها:
-1القدرة العقلية للمتعلم التي ت�ؤثر يف قدرته على االنتباه و�إدراك العالقات يف املوقف
التعليمي.
� -2ص���عوبة املوق���ف التعليمي وتعقي���ده ،ومدى معرفة الف���رد املتعلم مبثل هذه العنا�ص���ر
الداخلة يف املوقف التعليمي.
أنواعا من
ف إ�ن���ه يت�أث���ر بهذه البيئة ،ويح���دث نوع من التفاعل ،ي�ؤدي �إلى اكت�س���اب الف���رد � ً
ال�سلوك تجعله يتطور وف ًقا لمقت�ضيات البيئة التي يعي�ش فيها.
وال�س����لوك المكت�س����ب متع����دد بالمواق����ف الت����ي يواجهه����ا الكائ����ن ،فهو �إم����ا مهارات
حركي����ة� ،أو ع����ادات �أخالقية� ،أو عواطف� ،أو ميو ًال اجتماعية .وقد يكون ال�س����لوك من النوع
غي����ر المرغوب فيه ،كالعادات غير المرغوب فيه����ا� ،أو الرذائل ،ذلك لأن المجتمع والبيئة
مزودان بالف�ض����ائل والرذائل ،وق����د ي�ؤثر المجتمع في الفرد ت�أثي���� ًرا �إيجاب ًّيا ي�ؤدي �إلى رقي
الفرد وتقدمه ،وقد يت�أثر الفرد بالمجتمع ت�أث ًرا �سلب ًّيا بما ي�ؤدي �إلى ت�أخر الفرد وانحطاطه.
ولهذا كان للتوجيه والإر�شاد دور كبير لأفراد المجتمع في �سلوكهم المرغوب فيه.
وم���ن الوا�ض���ح �أن الكائ���ن الحي دائ ًما في عملية تعلم واكت�س���اب �س���لوك جديد منذ
مي�ل�اده ،م���ن كل الم�ؤثرات المحيط���ة به في المنزل �أو ال�ش���ارع �أو المدر�س���ة ،من الإخوة
والأ�صدقاء� ،أو ممن يحيطون به.
والتعلم قد يحدث �إراد ًّيا برغبة الفرد ،و�أحيا ًنا على غير �إرادته ،فكثير من ال�س���لوك
ال���ذي يتعلمه الطفل في �أثناء مرحلة الطفولة يكون عل���ى غير �إرادته ،في حين �أنه عندما
يكب���ر ،ف�إنه يتعلم خب���رات جديدة قائم���ة على �إرادته ورغبته ،وتت�ص���ل بحياته الأ�س���رية
واالجتماعية والأخالقية.
وم���ن هذا يتبين �أن للتعل���م �أهمية كبيرة في تطور الكائن الح���ي ،عن طريق تزويده
بال�س���لوك المكت�سب �إلى جانب ال�سلوك الفطري� ،إذ ُيع ّد التعلم الو�سيلة الأ�سا�سية لتهذيب
الإن�سان والتحكم في �سلوكه� .إذن كيف يمكن تعديل ال�سلوك من خالل التعلم؟
لذلك نو�ضح فيما ي�أتي خ�صائ�ص تعديل ال�سلوك ،وتغير الأداء عندما يحدث التعلم:
-1من حيث يت�ضمن التعلم تعديل ال�سلوك وتغري الأداء ،لذلك ميكن قيا�س حدوث التعلم،
عندما نقارن �سلوك الكائن احلي يف مدة زمنية معينة ،ب�سلوكه يف مدة زمنية �أخرى
وحتت ظروف مت�شابهة ،ف�إذا كان ال�سلوك خمتل ًفا يف املرة الثانية ،ف�إننا ن�ستنتج
حدوث التعلم .ومعنى هذا �أن التعلم ال يخ�ضع للمالحظة املبا�شرة� ،إذ �إنها عملية تتم
داخل الكائن احلي ،ولكننا ن�ستدل عليها مبالحظة �آثارها ،ولذلك وجب التفريق بني
عملية التعلم ونتائج التعلم ،فالأوىل ال نالحظها� ،أما الثانية �أي نتائج التعلم فهي التي
تخ�ضع للمالحظة املبا�شرة ،وميكن قيا�سها ودرا�ستها.
ُ -2يالحظ �أن تعديل ال�سلوك والتغري يف الأداء يحدث يف �أثناء عملية التعلم ،فالتغريات
احلادثة يف اخل�صائ�ص اجل�سمية ،كالطول والوزن والتغري يف القوة اجل�سمية نتيجة
لزيادة حجم الع�ضالت ال ميكن اعتبارها تعل ًما.
-3ي�شمل التغري يف ال�سلوك كل �أنواع ال�سلوك� ،سواء كان ظاه ًرا �أم غري ظاهر ،فهو ي�شمل
احلركات الظاهرة ،وي�شمل العمليات العقلية كالتفكري والتخيل .ومن �أمثلة التعلم
ازدياد مهارة الفرد عند �أداء عمل ما .والتعلم هنا يتخذ �صورة ازدياد يف املهارة،
أي�ضا عندما تت�ضح تفا�صيل املوقف الذي مل يفهمه الفرد قبلاً �إال ويحدث التعلم � ً
ب�شكل عام ،وت�شمل �أنواع التعلم الأخرى عمليات خمتلفة مثل املالحظة امل�ستمرة،
واحلفظ وفهم الأفكار ،و�إدراك العالقات ،وحل امل�شكالت ،واكت�ساب �صور منا�سبة
من التعبري ،وال�ضبط االنفعايل ،وتنمية امليول واالجتاهات واملثل العليا .و ُيع ّد ال�سلوك
اللفظي واحدً ا من العوامل املهمة التي جتذب االنتباه يف درا�سة التعلم؛ لأننا ن�ستطيع
�أن نحدد حدوث التعلم من التغريات التي حتدث يف ال�سلوك اللفظي.
-4يتم التعلم عن طريق اخلربة والتدريب .وتختلف اخلربة عن التدريب يف �أن اخلربة
ذات معنى عام ،يف حني �أن التدريب يدل على �أوجه الن�شاط الأكرث تنظي ًما ،التي تقوم
402
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
بها املدر�سة �أو امل�ؤ�س�سات التعليمية الأخرى ،والتعلم يف �أ�شكاله املعقدة هو حم�صلة
التدريب ،وحتدد لنا اخلربة (�أو التدريب) �أنواع التغريات يف ال�سلوك التي ميكن �أن
نع ّدها تعل ًما.
وهنا التحديد مهم للغاية� ،إذ �إن هناك بع�ض �أنواع ال�سلوك ال ميكن �إرجاعها �إىل
اخلربة ،ومن ثم ال ميكن اعتباره تعل ًما .فالتدريب على حمل �أثقال معينة ومواالة ذلك
مدة يعقبها عدم القدرة على حمل الأثقال ال ُيع ّد تعل ًما.
-5قد يحدث تغري يف ال�سلوك نتيجة عملية الن�ضج ،مثال ذلك النمو يف امل�شي والكالم،
وهو منو يرجع �إىل الن�ضج ،ولي�س للتعلم .وهناك م�ستوى معني من الن�ضج الزم لتعلم
الكالم ،حيث �إن اخلربة يف الكالم مع الكبار �ضرورية لإبراز اال�ستعداد الذي �أوجده
الن�ضج.
أي�ضا عن اخلربة ،نتيجة لتفاعل الفرد مع البيئة ،ويرتتب على هذا -6يحدث التعلم � ً
التفاعل ن�شوء عالقات بني املثريات واال�ستجابة.
م�صادر التعلم:
يت���م التعل���م عن طريق كثي���ر من الم�ص���ادر التي يكت�س���ب منها الإن�س���ان المهارات
والمعارف والخبرات ،ومن هذه الم�صادر:
-1التعليم النظامي ،وهو الذي يتم داخل امل�ؤ�س�سات التعليمية على اختالف م�ستوياتها
و�أنواعها ،حيث يكت�سب الفرد � ً
أمناطا عدة من التعلم.
-2التعلم الذي يكت�سب من خالل امل�ؤ�س�سات االجتماعية خالل التن�شئة االجتماعية،
حيث تعمل الأ�سرة وامل�سجد واجلوار والثقافة والإعالم وغريها على تن�شئة الفرد
وتعليمه وتثقيفه.
403
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
-3التعلم الذي يكت�سب من خالل العالقات االجتماعية بالأفراد �أو الهيئات ،مثل النوادي
والرحالت والأن�شطة االجتماعية� ،أي العالقات العار�ضة �أو الدائمة.
-4التعلم الذي يكت�سب عن طريق الطلب وال�سعي �إليه حلاجة من احلاجات ال�ضرورية
للفرد� ،أو يتم عن غري ق�صد ،ك�أن ي�سمعه الفرد �أو ي�شاهده يف �أثناء ممار�سته متطلبات
احلياة اليومية.
تلخي�ص:
-1التعلم من الناحية اللغوية ي�شتق من العلم.
-2التعلم من املفهوم اال�صطالحي ُيعرف ب�أنه عملية تكيف لنماذج ا�ستجابة �سابقة مع
تغريات بيئية جديدة ،وي�شتمل على تعديل و�إعادة تنظيم �سلوك الفرد ،حيث يتم ذلك
من خالل اخلربة واملران.
-3التعلم يتم من خالل حماوالت اخلط أ� وال�صواب يف املوقف التعليمي ،حيث يقل معدل
الأخطاء بتوايل مرور الزمن ،وعندئذ يحدث التعلم.
� -4سرعة التعلم تت�أثر بالقدرة العقلية للمتعلم ،وب�صعوبة املوقف التعليمي وتعقيده.
-5التعلم يتم عن طريق �إدراك العالقات والفهم وعن طريق املحاولة واخلط�أ.
-6القدرة على التعلم من خ�صائ�ص الكائن احلي ،وال�سلوك املتعلم ي�صدر من الكائن
للتكيف مع البيئة.
404
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
�أ�سئلة وتمارين:
-1و�ضح املفهوم اال�صطالحي للتعلم.
-2القدرة على التعلم هي من �أهم خ�صائ�ص الكائن احلي .ا�شرح.
-3ا�شرح �أهمية التعلم يف ال�سلوك.
-4كيف يقوم التعلم بتعديل ال�سلوك .ا�شرح.
-5حدد م�صادر التعلم.
خ�صائ�ص التعلم وم�ؤثراته
•الأهـداف:
(� )1أن يف�سر املتعلم دور التعلم يف تعدد �أ�ساليب ال�سلوك يف احلياة.
(� )2أن يربط املعلم بني التعلم والإتقان.
(� )3أن يربط بني مفهومي التعليم والتعلم.
(� )4أن يقدر جهود املعلم يف التعلم.
خ�صائ�ص التعلم وم�ؤثراته
:
ُيع ّد التعلم �ضرورة من �ضرورات ا�ستمرار الحياة عند الإن�سان ،وهو و�سيلة الإن�سان
الكت�ساب �أنماط ال�سلوك المختلفة في الحياة ،لذلك نود �إي�ضاح خ�صائ�ص التعلم و�سماته.
ُي�ض���اف �إلى ذلك �أنواع من الأن�شطة الأخرى التي تدخل �ضمن التعلم ،وهي اكت�ساب
الميول واالتجاهات وال ُمثل العليا ،التي يتم تعلمها عن طريق المنزل والمدر�سة والمجتمع
الخارجي.
م�ؤثرات التعلم:
ما الم�ؤثرات التي من خاللها يحدث التعلم؟
ُتع���د الحاجات الأ�سا�س���ية والثانوية ،وم���ا يرتبط بها من دوافع لإ�ش���باعها ،من �أهم
الأ�س�س ذات الأثر في التعلم ،فالدوافع التي تحفز ال�سلوك ،وتوجهه ،وتت�أثر بالتعلم .وكلما
تقدم النمو الإن�ساني ت�أثرت الدوافع ،وازداد التعلم عند الفرد.
ويت�أثر التعلم بالتكوين الوراثي عند الإن�س���ان ،حيث �إنه �ش���رط �أ�سا�س���ي للتعلم ،فهو
ي�ضع الحدود والأطر التي يكون للممار�سة �أثرها ودورها في داخله ،ذلك لأن اال�ستجابات
الب�س���يطة الفطرية (التي �أ�سا�س���ها وراثي) بجانب الدوافع الأولي���ة (وهي وراثية وفطرية
أي�ض���ا) كالهما يمثالن نقط البداية للتعلم .فالوراثة ت�س���هم في تحقيق التعلم ،حيث �إنها � ً
تزود الفرد بالمثيرات الح�س���ية التي �أ�سا�س���ها الم�س���تقبالت الع�ص���بية والقوى الح�س���ية،
والغدد الهرمونية (التي تفرز الهرمونات ،وت�ؤثر في �أن�شطة الج�سم) التي عن طريقها يبد�أ
ال�س���لوك ،وهذه الم�ستقبالت الوراثية والقوى الح�س���ية والغدد وغيرها هي �أ�سا�س حدوث
التعلم� ،أي �إن التكوين الوراثي ،وما يرتبط به من التكوين الع�ضوي والقوى الج�سمية ت�ؤثر
في �إحداث التعلم.
�أو غير المتعلم ،بل �إن الفي�ص���ل هو مدى ما اكت�س���به كل منهما من نماء �شخ�ص���ي ونف�سي
وعقلي واجتماعي ،وكيف لأي منهما �أن ي�س���تمر في هذا النماء دون ا�ض���طراب �أو خلل في
حيات���ه القائمة ،وفي مواقف الحياة المختلفة .وكيف لمن ا�س���تفاد مما تعلم وما اكت�س���ب
من علم� ،أن يتوافق مع حياته االجتماعية ،حيث يكون عطا�ؤه وت�ضحيته في �سبيل التزامه
بعقيدته وانتمائه لوطنه و�إخال�صه وتفانيه ما يحقق له الأمن والأمان الذاتي والبيئي.
ولي�س���ت غايات المدار�س في مختلف مراحلها� ،أن تنمي المهارات الأ�سا�سية اللغوية
والريا�ض���ية وغيرها من المعارف الإن�سانية ،بل �إن الهدف الأ�سمى هو تزويد النا�شئة من
المتعلمين بالخبرات المتعددة التي تمكنهم من ا�س���تمرارية التعلم على امتداد �أعمارهم،
وفيما يعود عليهم وعلى �أوطانهم بالتقدم والرقي ،وال تكون الأهداف الم�أمولة من التعليم
ذات كفاءات وفاعلية� ،إال �إذا كانت �أهدافها ُتحقق هذه الأهداف بجانب التح�صيل العلمي
والمعرفي.
التدرج والتقدم في التعلم :هل يتم التعلم بالتدرج �أم يتم دفعة واحدة؟
الواقع �أن التعلم يتم بالتدرج.
ففي المراحل الأولى من التعلم ،تكثر الحركات والأداءات واال�ستجابات التي ال تكون
�أ�سا�س���ية في التعلم .ولكن الممار�س���ة والتدريب المتوا�ص���ل ي�ؤدي �إلى �إبقاء اال�س���تجابات
الأ�سا�سية المرغوبة في التعلم ،وت�ستبعد الحركات واال�ستنتاجات غير الأ�سا�سية ،ما ي�ؤدي
�إلى تح�س���ين الأداء ،ومن ثم الو�صول �إلى التعلم المن�شود� ،أي التعلم الهادف الذي يرغب
الو�صول �إليه.
�أم���ا عن التقدم ال���ذي يتم �إحرازه في التعل���م ،ف�إنه من المع���روف �أنه في المراحل
الأولى للتعلم تكون ا�س���تجابات الفرد م�شتتة وغير منتظمة ،وينق�صها التنا�سق واالنتظام.
وم���ن خالل التدريب تتناق�ص اال�س���تجابات غير ال�ض���رورية وغي���ر المنتظمة ،حتى يقوم
الفرد باكت�س���اب المهارة المق�ص���ود تعلمها ،وعندئذ يقوم ب�أدائها في ي�س���ر و�س���هولة عند
و�صوله �إلى اال�ستجابات المرغوبة.
410
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
وينج���م ع���ن التعلم ،التع���رف الخا�ص بمكون���ات الموقف الذي يعاي�ش���ه الفرد ،وهو
التعلم الهادف (الذي يكت�س���ب من���ه الفرد الخبرات والمهارات والمع���ارف) �إذ قد يتعلم
الفرد �أ�ش���ياء لم يكن يق�ص���د تعلمها ،مثال ذلك عندما يتعلم الفرد عادات �س���يئة �أو تثبت
في �سلوكه �أخطاء واتجاهات غير مرغوب فيها ،لذلك لي�س بال�ضرورة �أن ي�ؤدي التعلم �إلى
تح�س���ن في ال�س���لوك �أو تغيير مرغوب فيه� ،إذ قد يكون نتاج التعلم �أ�س���اليب �س���لوكية غير
مرغوب فيها.
التعلم والإتقان:
يرتبط الإتقان بالأداء نتيجة التعلم ،وي�ؤثر الجهد الذي يبذله الإن�سان في الأداء في
التعلم ،حيث نجد �أن التعب والإنهاك ي�ؤثران على الجودة والإتقان في الأداء.
بينم���ا نج���د �أن زيادة الإتقان معناه���ا حدوث التعلم المرغوب في���ه ،وعادة ما تكون
الراح���ة ذات المدى الطوي���ل ،ت�ؤثر في درجة الإتقان بطريقة �س���لبية ،حي���ث يقل الإتقان
في التعلم نتيجة الن�س���يان ،الذي ُيع ّد ال�ص���ورة ال�س���لبية للتذكر ،حيث يمثل التذكر جان ًبا
�أ�سا�س ًّيا في التعلم.
التعلم والتربية:
الق�ص���د بالتربية ما ت�ش���تمل عليه البرامج الموجهة التعليمية �أو الأ�س���رية �أو غيرها
والقائم���ة على تنمية المع���ارف والمهارات واالتجاهات والأخالق وال�ض���وابط االجتماعية
والأنماط ال�سلوكية المرغوبة للأفراد في جماعة اجتماعية معينة.
والتربية �أ�سا�س���ية داخل الأ�س���رة باعتبار الأ�س���رة �أهم الجماع���ات االجتماعية التي
توج���ه �أبناءها .و�إن المدر�س���ة والم�س���جد والم�ؤ�س�س���ات االجتماعية الأخ���رى ،التي تقوم
بم���ا ُيع���رف بالتربية المنظمة الهادف���ة ،كلها تعمل من �أجل بناء �أجي���ال ملتزمة بالعقيدة
وال�ضوابط الفكرية واالجتماعية في المجتمع.
411
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
ويت�ض���من التعلم ،التغيرات ال�س���لوكية التي تتم عبر عمليات التربية ،والتغيرات �إما
�أن تك���ون �س���لوكيات مرغو ًبا فيه���ا �أو مرغو ًبا عنها ،يكت�س���بها الأفراد م���ن الخبرات التي
تواجهه���م ف���ي مواق���ف الحياة داخل الأ�س���رة والمدر�س���ة وخارجه���ا ،والتي تت���م بطريقة
مق�صودة �أو تتم ً
عر�ضا.
لذل���ك م���ن الأهمية بم���كان �أن تكون هناك �أه���داف تربوية عن طريقه���ا يتم التعلم
الهادف الذي ينمي البناء الفردي عند اكت�سابه الأنماط ال�سلوكية المرغوب فيها.
�إدراكه لكيفية:
-1اكت�ساب املتعلم ،تعلم املعارف واملهارات العلمية والعملية.
-2اكت�ساب املتعلم ،ال�سلوك الذي ميكنه من مواجهة مواقف احلياة.
-3اكت�ساب املتعلم ،القيم واالجتاهات التي متكنه من التوافق مع البيئة ،وتقوده �إىل
احلياة الطبيعية والإعداد لها.
ومن ثم ،ف�إن دور المعلم فيما يتعلمه المتعلم دور مهم للغاية في العملية التعليمية.
تلخي�ص:
-1التعلم هو و�سيلة الإن�سان و�سبيله �إىل الإدراك لكل ما يت�صل بالبيئة التي يعي�ش فيها،
وهو يت�ضمن �أن�شطة كثرية ،كاملهارات اليدوية واحلركية ومظاهر املعرفة واكت�ساب
امليول واالجتاهات واملثل العليا.
413
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
-2احلاجات الأ�سا�سية والثانوية ،وما يرتبط بها من دوافع لإ�شباعها� ،إ�ضافة �إىل التكوين
الوراثي وامل�س���تقبالت الع�ص���بية والقوى احل�س���ية والغ���دد الهرمونية ،كله���ا ذات �أثر
لإحداث التعلم.
-3هناك الفروق الفردية بني الأفراد يف التعلم.
-4يت���درج التعل���م ويتق���دم ،م���ن خ�ل�ال املمار�س���ة والتدريب ،حي���ث يتخل����ص الفرد من
اال�ستجابات امل�شتتة غري املنتظمة ،و ُيبقي على اال�ستجابات املرغوبة.
-5يزداد الإتقان يف ال�سلوك عند حدوث التعلم املرغوب فيه ،وي�ؤثر التعب والإجهاد يف
اجلودة والإتقان يف الأداء.
-6الرتبية متثل الربامج التعليمية �أو الأ�سرية �أو عرب امل�ؤ�س�سات االجتماعية ،حيث يت�ضمن
التعليم التغريات ال�سلوكية التي تتم من خالل عمليات الرتبية.
-7الهدف الأ�سا�سي للتعليم عرب م�ؤ�س�سات الرتبية والتعليم يقوم على �إعداد الفرد للتعليم
ملواجهة مواقف احلياة.
-8دور املعلم يف عملية التعليم للمتعلم ُيع ّد مه ًّما للغاية يف العملية التعليمية.
تمارين و�أ�سئلة:
-1الفروق الفردية يف التعلم ت�شري �إىل عدم ت�ساوي الأفراد يف التعلم .ا�شرح.
-2يتم التعلم بالتدريج .ا�شرح.
-3و�ضح الرابطة بني التعلم والرتبية والتعليم والتعلم.
تف�سري التعلم
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل التعلم االرتباطي ال�شرطي.
(� )2أن ينقد املتعلم التعلم باملحاولة واخلط�أ.
(� )3أن يف�سر املتعلم التعلم باال�ستب�صار.
(� )4أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف التعلم.
تف�سري التعلم
:
كل الكائن���ات الت���ي خلقها اهلل تعالى تتعلم .والتعلم الناج���ح يتم في حدود الطاقات
واال�س���تعدادات الخا�ص���ة بهذه الكائن���ات ،ووفق ما يتوافر لها من �إمكان���ات في البيئة� ،أي
الو�سط الذي تعي�ش فيه.
والإن�س���ان عبر مراحل العمر ..منذ الطفولة وفي مدارج العمر المتعاقبة ،يتعلم من
خالل طرائق معينة.
وهذه الطرائق قام العلماء بتف�س���يرها على �أنها نظريات التعلم ،وتعددت النظريات
الت���ي و�ض���عت لتف�س���ير ظواهر التعلم عن���د الحيوانات ،الت���ي من خالل م�ؤ�ش���راتها �أمكن
معرفة التعلم عند الإن�س���ان ،ويمك���ن عن طريقها تحديد طرق وو�س���ائل التعلم والقوانين
التي ت�ضبط ظواهر التعلم.
ويعنينا �أن نو�ضح �أهم النظريات التي و�ضعت لتف�سير طرق التعلم ،وهي:
-1التعلم االرتباطي ال�شرطي.
-2التعلم بالمحاولة والخط�أ.
-3التعلم باال�ستب�صار (التب�صر).
ولي�س���ت هذه التف�س���يرات هي التي و�ضعت بو�ص���فها نظريات للتعلم فقط ،بل هناك
نظريات �أخرى ،نكتفي بذكر عر�ض �سريع لها.
418
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
� اً
أول :ال�سلوكية وتف�سير التعلم:
( )1التعلم االرتباطي ال�شرطي:
يعود الجهد �إلى «بافلوف» العالم الرو�سي ،الذي كان يهتم بالدرا�سات الف�سيولوچية في
اكت�شاف هذه النظرية ،حيث كان يدر�س الجهاز اله�ضمي لدى الكالب ،والحظ في �أثناء عمله
وجود ظواهر عدة غير عادية بينها ارتباط دائم ،ك�أن ي�س���يل لعاب الكلب عندما يرى الطعام
�أو ي�شم رائحته .وقد الحظ �أن اللعاب ي�سيل بعد ذلك بمجرد �أن ي�سمع الكلب �صوت ال�شخ�ص،
الذي تعود �أن يقدم له الطعام� ،أو �أن يراه ،حتى لو كان خالي اليدين من الطعام.
وق���د �أث���ارت هذه الظاهرة تعج���ب «بافلوف» فب اً
���دل من �أن يكون الطع���ام هو المثير
ل�سيالن اللعاب� ،أ�صبح ال�شخ�ص نف�سه من دون طعام يقوم بهذا الدور ،ولهذا بد�أ «بافلوف»
ف���ي تركيز جهوده ،للإجابة عن ه���ذه الظاهرة متب ًعا الطريقة التجريبية ال�س���ليمة ،حتى
و�ص���ل �إلى و�ض���ع القانون العام ،الذي يحكم تلك الظاهرة الغريبة� .أح�ضر «بافلوف» كل ًبا
و�ض���عه في جه���از ال يمكنه من الحرك���ة ،ثم �أجرى له عملية ت�ش���ريحية �أو�ص���ل فيها غدد
الكلب اللعابية ببع�ض �أنابيب االختبار في جهاز �أمامه ،بحيث يكون في الإمكان �أن ي�شاهد
«بافلوف» �سيالن اللعاب وقيا�سه ب�سهولة.
ب���د�أ تجربت���ه ب�أن ق���دم الطعام للكلب في الوقت نف�س���ه الذي كان ينطلق فيه �ص���وت
عال في الحجرة ،وطبيعي �أن اللعاب كان ي�س���يل دائ ًما ب�سبب وجود الطعام بو�صفه جر�س ٍ
المثير الحقيقي ،و�أن �إطالق �صوت الجر�س منفردًا قبل �إجراء التجربة لم يكن ي�ؤدي �إلى
�سيالن اللعاب ،لكن بعد �إجراء �أكثر من ع�شرين تجربة ارتبط فيها تقديم الطعام ب�صوت
الجر����س ،امتنع «بافلوف» عن تقديم الطعام للكلب ،واقت�ص���ر على �إطالق الجر�س فقط،
فوج���د �أن لعاب الكلب كما لو كان ُيقدم �إليه الطعام الحقيقي ،وهكذا الحظ �أن في �إمكان
الجر�س بو�ص���فه منب ًها �ص���ناع ًّيا� ،أن يقوم مقام الطعام ،وهو المنب���ه الحقيقي ،في �إثارة
اللعاب ،وذلك ب�سبب ارتباطه الدائم به من قبل.
419
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
وقد تولى «بافلوف» تف�س���ير هذه الظاهرة بعد ذلك على �أ�سا�س «االرتباط ال�شرطي»
الذي اقترن با�سمه ،ف�إن �صوت الجر�س قبل التجربة ال �صلة له �أبدً ا باللعاب ،لذلك ي�سمى
منب ًها غير �ش���رطي ،و�س���يالن اللعاب قبل التجربة � ً
أي�ض���ا هو فع���ل ال �إرادي منعك�س .لكن
يتغير الو�ضع بعد �إجراء التجربة ،وي�صبح الجر�س منب ًها �شرط ًّيا نتيجة ارتباطه بالطعام،
و ُي�سمى �سيالن اللعاب( ،الفعل المنعك�س ال�شرطي) ويكون الو�ضع كما ي�أتي:
قبل التجربة
اللعاب اجلر�س
فعل منعك�س غري �شرطي منبه غري �شرطي
بعد التجربة
اللعاب اجلر�س
منبه غري �شرطي منبه �شرطي
وم���ن المالح���ظ �أن االرتباط القائم بين الجر�س و�إفراز اللعاب هو ما ُيعرف با�س���م
«االرتباط ال�شرطي» الذي يمكن تعريفه علم ًّيا كالآتي:
«حي���ن يتكرر ا�ش���تراك منبهين ف���ي الت�أثير في الكائن الحي ف���ي وقت واحد (طعام
وجر����س) يح���دث بينهم���ا ارتب���اط ،بحيث �إن �أح���د المنبهي���ن (الجر�س) يمك���ن �أن ُيثير
ا�ستجابة المنبه الآخر (الطعام)».
ومن الوجهة الت�ش���ريحية تعتمد هذه النظرية على االرتباط الموجود بين الأع�صاب
ف���ي الجهاز الع�ص���بي للكائ���ن الحي ،الذي يحدث �آل ًّي���ا دون تدخل �إرادت���ه ،ونتيجة لذلك
اعتق���د «بافل���وف» �أن ال�س���لوك عام���ة ال يمك���ن فهم���ه وتف�س���يره �إال من خالل الم�س���توى
الف�سيولوچي الع�صبي.
420
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
ف���ي مقدمة من ف�س���ر التعلم بالمحاول���ة والخط�أ «دا�ش���يل» و«ثورنديك» ،وقد �أجرى
الأول تجارب���ه عل���ى الفئ���ران البي�ض���اء ،وذلك ب�أن منع ع���ن واحد منها الطع���ام مدة من
الزمن ،ثم و�ض���عه عند فتحة متاهة مليئة بالطرق الكثي���رة المتعرجة التي تعتر�ض كثي ًرا
طعاما للف�أر ،ف�س���ارع الف�أر باالتجاه نحو الطعام،
منها ال�س���دود وو�ض���ع في نهاية المتاهة ً
وب���د�أ يقوم بمحاوالت عدة مختلفة لل�س���ير في الطريق ال�ص���حيح ،حت���ى تمكن في النهاية
من الو�صول �إلى الطعام والتهامه ،وبعد مدة من الزمن كرر «دا�شيل» �إجراء التجربة على
الف�أر نف�س���ه ،وفي المتاهة نف�س���ها ،فالحظ �أن عدد المحاوالت الخاطئة قد قل كثي ًرا عما
قبل ،وو�ص���ل الف�أر �إلى الطعام بعد زمن �أقل ،وفي النهاية تعلم الف�أر كيف ي�س���ير مبا�ش���رة
في الطريق ال�سليم دون �أن يقوم ب�أي محاوالت خاطئة.
و ُيع ّد «ثورنديك» من �أهم العلماء الذين قاموا بدرا�سات عن التعلم بالمحاولة والخط�أ،
عل���ى عدد من القطط التي ُحرم���ت من الطعام مدة طويلة ،فحب����س واحدًا منها في قف�ص
مغلق له ت�صميم خا�ص ،بحيث ي�سهل على القط �أن يفتحه من الداخل ،وو�ضع له في الخارج
طعا ًم���ا له رائحة نفاذة ،وبد�أ يالحظ �س���لوك القط الذي ظ���ل يقفز داخل القف�ص بحركات
محاول الخروج ،وهو بين كل حين و�آخر يمد يديه للطعام من خالل القف�صّ ،
ويع�ض اً ع�صبية
الق�ض���بان ب�أ�سنانه دون فائدة ،و�أخي ًرا ا�ستطاع في �أثناء محاوالته الع�شوائية �أن يفتح الباب
فج�أة وبالم�ص���ادفة ،ثم يخرج ليلتهم الطعام .وعندما �أعاد «ثورنديك» التجربة مرة ثانية،
وجد �أن محاوالت القط الخاطئة نق�صت كثي ًرا ،وفتح الباب بعد زمن �أقل ،وبعد تجارب عدة
تعلم القط كيف يفتح الباب دون �أن ُيخطئ �أو ي�ستغرق زم ًنا طويلاً .
قوانين التعلم بالمحاولة الخط�أ:
وقد حاول «ثورنديك» وغيره من العلماء �أن يف�س���روا هذا النوع من التعلم ،ف�أ�ش���اروا
�إلى قانونين رئي�سين بينهما ارتباط كبير عن التعلم بالمحاولة والخط�أ ،وهما:
422
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
�أقام «هل» بنا ًء نظر ًّيا لتف�سير التعلم ،وو�ضع لذلك نظرية «مبادئ ال�سلوك» ،وعدلت
النظرية ،و�أ�ضيفت �إليها تف�سيرات عدة ،وتناولت النظرية النقاط الآتية:
(�أ) ال�سلوك املتعلم هو عالقة بني مثري وا�ستجابة ،و ُي�سمى هذا ال�سلوك قوة العادة،
ويعرب عنه بالرمز Shrحيث Hترمز للعادة ،واحلرفان Rو Sيرمزان �إىل املثري
واال�ستجابة .Stimulus & Response
يتعار�ض «�س���كنر» مع ما �أ�ش���ار �إليه «هل» .فيرى «�س���كنر» �أن تحديد ال�سلوك والواقع
بين مثير وا�س���تجابة ومحاولة قيا�س���ه عملية غير �ض���رورية� ،إذ �إنه يهتم بالمدعمات التي
تدعم اال�ستجابة ،وال يهتم بمحاولة اكت�شاف المثير الذي ا�ستثارها.
وفي ر�أي «�س���كنر» ،المدعم هو �أي مثير تعقبه ا�س���تجابة ،ويزيد من احتمال حدوثها
في المرة الالحقة.
(« )5واط�سون» وال�سلوكية :Behaviourism & Waston
اهتم «واط�سون» بدرا�سة ال�شعور� ،إذ �إنه اعترب من �سبقوه �أنهم كانوا يدر�سون ظواهر غري
ذاتية .و ُيع ّد «واط�سون» رائد املنهج ال�سلوكي ،وال�سلوكية تعتمد على الأ�شراط ،وكانت ت�ؤكد
دور البيئة يف التعلم وتعديل ال�سلوك ،وبذلك �أدت ال�سلوكية �إىل الإغفال الكامل لنظرية
424
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
الغرائز -ملكدوجل Mcdogalالتي كان لها ت�أثري كبري يف تفكري علماء النف�س يف مطلع
القرن احلايل.
ً
�ش����رطا ول����م تكن هناك �إ�ش����ارة ف����ي نظرية «واط�س����ون» للتدعيم و�أثره بو�ص����فه
�أ�سا�س ًّيا للتعلم.
ويرى «واط�س���ون» �أن اال�س���تجابة التي تحدث للكائن نتيجة مثير معين ،تميل �إلى �أن
التكرار ،طالما ُوجد هذا المثير.
(« )6جاثري» Guthrieونظرية االقتران:
ي�ؤكد «جاثري» دور االقتران بين المثير واال�ستجابة التي تحدث ،وهو يرى �أن التعلم
يحدث ب�صرف النظر عن وجود التدعيم ،كا�ستثارة المثير ال�شرطي لال�ستجابة ال�شرطية.
(« )7ثورنديك» ونظرية التدعيم:
يتف���ق «ثورنديك» مع «واط�س���ون» في �أن التعلم عبارة عن نم���و تدريجي الرتباط بين
مثير وا�ستجابة ،واالرتباط طبيعة ع�صبية ،و ُي�سمى كل االرتباط الو�صلة الع�صبية ،و�أ�شار
�إل���ى وج���ود قانون التدريب Law of Exerciseوقانون الأثر Low of Effectلتف�س���ير �ش���دة
االرتباط.
وق���د اهتم «ثورنديك» في البداية بقانون التدريب� ،إال �أنه �أكد بعد ذلك عدم جدوى
هذا القانون .ففي نظره �أن النتائج ال�سارة الم�شبعة تقوي االرتباط بين المثير واال�ستجابة،
والنتائج غير ال�سارة الم�ؤلمة ت�ضعف االرتباط.
بي���ن الطعام الموجود خارج القف�ص وبين فتح الباب ،وكانت تلك هي مقدمات اكت�ش���اف
الطريقة الثالثة للتعلم المعروف با�سم «اال�ستب�صار».
التعلم باال�ستب�صار:
ظه���رت مدر�س���ة �أخ���رى لعلم النف����س في �ألماني���ا �أُطلق عليها ا�س���م «الج�ش���تاليت»
�أي «ال���كل» ف���ي اللغ���ة الألمانية ،وكان م���ن �أبرز رجال هذه المدر�س���ة «كوف���كا» و«كهلر»،
«فرتهيم���ر» ،وغيره���م ،ولم يوافق �أ�ص���حاب هذه المدر�س���ة على النظريات ال�س���ابقة في
تف�س���ير �س���لوك الكائن الحي .لذلك �شرع �أكبر رواد هذه المدر�س���ة وهو «كهلر» في �إجراء
تج���ارب جديدة عل���ى حيوانات تفوق ال���كالب والقطط في الذكاء ،واخت���ار لذلك القردة
وال�ش���مبانزي ،ولكونها �أعلى في م�س���تواها العقلي �أدى �إلى �أن تختلف طريقة التعلم بينها
عن مثيلتها لدى الكالب والقطط.
وق���د ب���د�أ «كهلر» تجاربه ب�أن و�ض���ع ق���ردًا جائ ًعا في قف�ص كبير ،وعل���ق له موزة في
�أعلى القف�ص ،وو�ض���ع داخله ع�ص���ا كبيرة في مجال ب�ص���ري واحد مع الموزة ،بحيث �إذا
ا�ص���طدمت به���ا �أوقعتها ،وب���د�أ القرد ُيفكر في طريقة للح�ص���ول على الم���وزة ،وفي �أثناء
تفكيره وقع ب�ص���ره على الع�صا ،و�أدرك في الحال �أنه يمكنه ا�ستخدامها لإ�سقاط الموزة،
وبالفعل �أمكنه �أن ي�سقطها.
وفي تجربة ثانية ا�ستبدل «كهلر» بالع�صا �صندوقين �صغيرين �إذا و�ضع �أحدهما فوق
الآخر ،ووقف عليهما القرد� ،أمكنه �أن يم�سك بالموزة ،وبعد مدة من التفكير والمحاوالت
الخاطئة ،ك�أن يقف القرد على �ص���ندوق واحد ،ويلوح بيديه ،ويقفز �إلى �أعلى دون فائدة،
�أدرك �أن هناك عالقة قائمة بين و�ض���ع ال�ص���ندوقين �أحدهما فوق الآخر ووقوفه عليهما،
وبين ح�صوله على الموزة وفعلاً �أمكنه بهذه الطريقة �أن يحقق غر�ضه.
وف���ي تجربة ثالث���ة �أكثر تعق���دً ا من تل���ك �أعطى «كهلر» القرد ع�ص���وين �ص���غيرتين
منف�ص���لتين� :إحداهما ذات تجويف ي�س���هل و�ض���ع الأخرى فيها ،فت�ص���بحان ع�صا واحدة
426
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
طويل���ة ،يمكنه���ا �أن ت�س���قط الموزة .بد�أ القرد محاوالته ب�س���لوك ع�ش���وائي يطوح فيها كل
ع�ص���ا على حدة تجاه الموزة دون �أن ي�ص���ل �إليها ،وبعد مدة طويلة �أب�صر القرد م�صادفة
التجوي���ف الموجود في الع�ص���ا الأول���ى ،ف�أدرك في الح���ال �إمكان �إدخ���ال الأخرى فيها،
لت�ص���بحا ع�صا واحدة طويلة ،ومن ثم ي�ستطيع �إ�سقاط الموزة وفعلاً قام بهذه المحاولة،
ونجح فيها خير نجاح.
وبذلك انتهى «كهلر» من تجاربه ال�س���ابقة �إلى �أن التعلم لدى الكائن الحي ال يحدث
عن طريق االرتباط ال�ش���رطي ح�س���بما ي�ش���ير «بافلوف» ،وال عن طريق المحاولة والخط�أ،
ح�س���بما ي�ش���ير «ثورنديك» بل �إنه يقوم على �أ�س���ا�س فهم الكائن الح���ي و�إدراكه المفاجئ
للعالق���ات القائمة بين الأ�ش���ياء والمواقف الت���ي يعي�ش فيها الكائن ،بال�ض���بط كما �أدرك
القرد العالقة الموجودة بين الع�ص���وين والتجويف الذي في �إحداهما وبين الح�صول على
الموزة المعلقة ،وهذا هو ما ُيعرف با�س���م «اال�ستب�ص���ار» وهو الذي نتعلم بوا�سطته الكثير
من �سلوكنا في الحياة.
-2التعل���م باملحاول���ة واخلط أ���� يحت���اج �إىل نوع م���ن التفكري �أعل���ى من التعل���م باالرتباط
ال�ش���رطي ،ونظري ه���ذا النوع من التعلم من �س���لوك احليوانات الأرق���ى من الكائنات
احلية الب�سيطة.
-3التعلم باال�ستب�صار يحتاج �إىل ن�ضج عقلي عن طريقه ي�ستطيع الكائن �إدراك
العالقات القائمة بني الأ�شياء ،التي ميكن مالحظتها وت�سجيلها ،ويتم هذا التعلم يف
�سلوك الكائنات الأرقى ويف مقدمة هذه الكائنات الإن�سان.
وقد يتبادر �إلى الذهن �س�ؤال عن كيفية تعلم الإن�سان �سلوكه؟ وهل يقت�صر التعلم في
ال�س���لوك الب�شري على التعلم باال�ستب�صار وحده؟ ومتى يمكن للإن�سان �أن يكت�سب خبراته
عند التعلم؟
الواقع �أن الإن�سان ي�ستخدم الطرق الثالثة في مختلف �أطوار حياته:
-1ففي مرحلة الطفولة ،حيث يحكم اجلهاز الع�صبي �سلوك الكائن ،وحيث تكون الأفعال
التي يقوم بها الطفل يف هذه املرحلة عبارة عن �أفعال ال �إرادية ،ف�إن ال�سلوك الذي
يكت�سبه الطفل يف مرحلة الطفولة ،يتم عن طريق التعلم باالرتباط ال�شرطي.
-2يف املرحلة املتقدمة من العمر ،عندما يبد�أ الطفل ُيفكر فيما حوله ،وي�ستخدم عقله،
ويبد�أ يف تلقي معلوماته ،ف�إن �سلوكه يتم عن طريق املحاولة واخلط�أ بجانب الطريقة
ال�سابقة � ً
أي�ضا.
-3عندما يتم الن�ضج العقلي ،وي�ستطيع الإن�سان �أن ي�ستخدم عقله وذكاءه ،وميكنه �أن
يكت�سب خربات جديدة ،وميكنه �إدراك العالقات ،ف�إنه يكون قاد ًرا على اكت�ساب
�سلوكه باال�ستب�صار.
والواقع �أن الإن�س���ان النا�ض���ج تالزمه طرق التعلم الثالث طوال حياته وعن طريقها
يكت�س���ب �أنماط ال�س���لوك المختلفة ،ولي�س معنى هذا �أن هناك حدودًا فا�ص���لة بين و�س���يلة
و�أخرى من و�سائل التعلم ،بل يوجد بينهما تداخل كبير ال ن�ستطيع �أن ن�ضع حدودًا بينهما.
429
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
ومعنى ذلك �أن هناك تكاملاً بين و�سائل التعلم وطرقه وم�ستوياته المختلفة ،يتوافق
و�سلوك الإن�سان.
ً
مرتبطا باال�ستب�ص���ار ،فما �أثر الن�ض���ج �أو بمعنى �آخر �أثر و�إذا كان الن�ض���ج العقلي
الن�ض���ج والتمرين في عالقتهما بالتعلم وب�صفة خا�صة التعلم عن طريق اال�ستب�صار؟ وما
المبادئ الأ�سا�سية التي يتم من خاللها التعلم؟
ولي����س الن�ض���ج وحده في نظر «هويلر» يحدث التعل���م� ،إذ �إنه في نظره ال بد �أن يكون
لظاهرة التعلم عند الإن�سان �سببان �آخران هما:
-1الن�ضج الذي يحدث بفعل عوامل النمو الداخلي ،كالتقدم في العمر.
-2عملية نمو �أخرى ت�سببها الظروف المثيرة ،التي تظهر عن طريق اال�ستثارة بالتمرين
والتكرار ،وال بد �أن تتخلل هذه اال�ستثارة �أوقات راحة ي�سترد المتعلم فيها جهده ون�شاطه.
�أي �إن التعل���م ال���ذي يتم عن طريق التمرين الموزع� ،أف�ض���ل من التمرين المت�ص���ل،
حيث �إنه يعطي الفرد فر�صة للنمو والن�ضج.
وي�ساعد الن�ضج على �إدراك المواقف الح�سية �أو العقلية المركبة المتعددة الأجزاء،
الت���ي تمثل مركبات م���ن وحدات عدة� ،إدراكها بو�ص���فها وحدة كلية ،ث���م ُيدرك بعد ذلك
الأجزاء تدريج ًّيا.
وهذه الكليات المختلفة تت�ضمن كل منها عالقات ،و�إذا لم تكن العالقات في م�ستوى
يتنا�س���ب مع ن�ضج الفرد ،ف�إن التعلم ال يمكن �أن يبد�أ ،والتعلم عن هذا الطريق عبارة عن
نماء اال�ستب�صار وزيادته.
تف�سري التعلم:
� اًأول :املدر�سة ال�سلوكية( :بافلوف -ثورنديك -هل � -سكرن -واط�سون -جاثري).
ثان ًيا :مدر�سة اجل�شتالت( :اال�ستب�صار -و�سائل التعلم الب�شري).
431
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
تلخي�ص:
-1يتم التعلم لدى الإن�سان يف مدارج العمر املتعاقبة من خالل طرائق معينة.
� -2أهم نظريات التعلم :التعلم االرتباطي ال�شرطي -التعلم باملحاولة واخلط أ� ( -التعلم
باال�ستب�صار والتب�صر).
-3التعلم االرتباطي ال�شرطي يعود �إىل جهد «بافلوف» العامل الرو�سي ،وتف�سريه للتعلم قائم
على �أنه يف حالة تكرار ا�شرتاك منبهني يف الت�أثري يف الكائن احلي يف وقت واحد يحدث
بينهما ارتباط ،بحيث �إن �أحد املنبهني ميكنه �أن يثري ا�ستجابة املنبه الآخر.
-4من قوانني التعلم ال�شرطي :االنطفاء التجريبي -العودة التلقائية -التعميم ثم التمييز.
-5التعلم باملحاولة واخلط أ� من تف�سري «دا�شيل» و«ثورنديك».
-6قوانني التعلم باملحاولة واخلط�أ :قانون الرتدد والتكرار -وقانون الأثر �أو ما ي�سمى
الأثر احل�سن.
-7التعلم باال�ستب�صار (اجل�شتاليت) �أي «الكل» يف اللغة الأملانية ،ومت تف�سريه من
«كوفكا» و«كهلر» على �أ�سا�س فهم الكائن احلي و�إدراكه املفاجئ للعالقات القائمة بني
الأ�شياء واملواقف التي يعي�ش فيها الكائن.
-8قوانني التعلم باال�ستب�صار :الإدراك الفجائي للعالقات � -أولوية �إدراك الكليات ثم
اجلزئيات -الن�ضج واخلربة.
-9ي�ستخدم الإن�سان و�سائل التعلم ال�سابقة ،ففي الطفولة ي�ستخدم التعلم ال�شرطي،
ويف مرحلة متقدمة من العمر ي�ستخدم طريقة املحاولة واخلط�أ ،وعندما يتم الن�ضج
العقلي ميكنه اال�ستب�صار.
ُ -10يع��� ّد «هويلر» ممن ف�س���روا التعلم عن طريق اال�ستب�ص���ار التلقائي ،حيث ي�ؤدي الن�ض���ج دورًا
�أ�سا�س ًّيا يف التعلم� ،إ�ضافة �إىل �أن التمرين املوزع �أقل من التمرين املت�صل ،حيث يعطي فر�صة
للنمو والن�ضج .و�إن الن�ضج ي�ساعد على �إدراك املواقف احل�سية �أو العقلية.
432
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
�أ�سئلة ومتارين:
-1و�ضح قوانني التعلم ال�شرطي.
-2و�ضح قوانني التعلم باملحاولة واخلط�أ.
-3و�ضح قوانني التعلم باال�ستب�صار.
-4كيف يتم التعلم يف ال�سلوك الب�شري.
-5و�ضح دور الن�ضج والتمرين وعالقتهما بالتعلم.
-6اهتم «هل» و«�سكرن» بال�سلوك وتدعيمه يف التعلم .ا�شرح.
-7اهتم���ت النظري���ات املعرفي���ة يف التعل���م ب�أهمي���ة الكل وتعل���م املعلوم���ات والتعميمات
واال�ستجابات .ا�شرح.
علم النف�س املعريف وتف�سري التعلم
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف القارئ �إىل ن�ش�أة علم النف�س املعريف.
(� )2أن يتعرف �إىل مفهوم علم النف�س املعريف.
(� )3أن يحدد القارئ العمليات املعرفية العقلية.
(� )4أن مييز العوامل التي ت�ؤثر يف االنتباه.
(� )5أن يتعرف �إىل مفهومي الإدراك والإح�سا�س.
(� )6أن مييز خ�صائ�ص الإدراك.
(� )7أن يتعرف �إىل مفهوم الذاكرة و�أنواعها.
(� )8أن يحدد �أ�سباب الن�سيان يف الذاكرة ق�صرية املدى.
(� )9أن يتعرف �إىل مفهوم التفكري ومعوقاته.
علم النف�س املعريف وتف�سري التعلم
:
ُيع��� ّد علم النف����س المعرفي Cognitive Psychologyمن الف���روع الحديثة في ميدان
علم النف�س ،وقد ظهر هذا الفرع الجديد بعد ثورة االت�صاالت والمعلومات والتقدم المذهل
ف���ي مج���ال الحا�س���بات الإلكترونية ،وفيه ي�ش���به العقل الب�ش���ري بالحا�س���ب الآلي من حيث
وج���ود المدخالت (البيانات) التي ُيغذى بها الكمبيوتر ،ومن ثم يتم ت�ش���غيل �أو تجهيز هذه
المدخالت �أو البيانات داخل الكمبيوتر ،ثم تخرج في �صورة جديدة على �شكل المخرجات.
ويهت���م عل���م النف�س المعرفي بم���ا بحدث داخل العقل الب�ش���ري م���ن عمليات عقلية
معرفية يتم فيها التعامل مع المعلومات (المدخالت) التي ي�س���تقبلها الإن�س���ان من البيئة
الت���ي يعي�ش فيها ويتفاعل معها� .أي �إن علم النف�س المعرفي يركز اهتمامه على ما يحدث
داخل العقل الب�ش���ري الذي كان ي�سمى (ال�صندوق الأ�سود) وذلك لعدم معرفتنا بما يدور
بداخله وف ًقا للنظريات ال�س���ابقة المف�س���رة ل�س���لوك الإن�سان (ال�س���لوكية) التي ركزت كل
�س). اهتمامها على مفاهيم المثير واال�ستجابة (م
ويعرف علم النف�س المعرفي Cognitive Psychologyب�أنه ي�ش���مل جميع العمليات
التي يتم من خاللها نقل المدخالت الح�س���ية وتحويلها واخت�صارها وتو�ضيحها وتخزينها
وا�ستعادتها وا�ستعمالها.)1967,Neisseer( .
ي�ش���ير هذا التعريف �إلى �أن علم النف�س المعرفي ُيعنى بجميع العمليات العقلية التي
يمار�س���ها الفرد عندما ي�س���تقبل المعلومات و ُيعالجها ،ويرمزها ،و ُيحزنها ثم ي�س���ترجعها
عن���د الحاج���ة .لذا ،ف�إن عل���م النف�س المعرف���ي يتعامل م���ع عمليات ح�ص���ول الفرد على
المعلومات وكيفية تمثيلها وتحويلها �إلى معرفة وكيفية تخزينها ,وطريقة ا�س���تخدامها في
436
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
توجيه الن�شاط الإن�ساني .وهكذا نجد �أنه يت�ضمن مدى وا�س ًعا من العمليات العقلية ابتدا ًء
من الإح�سا�س والإدراك وعلم الأع�صاب والتعرف �إلى النمط ,واالنتباه ,والتعلم والذاكرة
وتكوين المفاهي���م والتخيل ،واللغة ,والذكاء ،والعواطف ،وعمليات النمو المعرفي( .رافع
الن�صير ,عماد الزغول.)2003 ,
� اً
أول :االنتباه :Attention
عرف���ه وليم جيم����س عالم النف����س الأمريك���ي ( )1910 :1842ب أ�ن���ه (عملية تركيز
الوعي �أو ال�شعور على الإح�سا�سات الناتجة بفعل المثيرات الخارجية �أو تلك ال�صادرة من
داخل الفرد.
•وي�ؤك���د جيم�س �أن االنتباه عملية وظيفية تتمث���ل في التركيز في مثير معين دون غيره
م���ن المثي���رات ،بحيث يتم اختياره على نحو �ش���عوري �أو غير �ش���عوري ,وقد ميز بين
نوعين من االنتباه هما:
-1االنتباه المرتبط بالمثيرات الح�سية الذي يتمثل في تركيز ع�ضو الح�س على
االنطباعات الح�سية.
-2االنتباه المرتبط بالعمليات العقلية المتمثلة في تركيز التفكير �أو العقل فيما نحن
ب�صدد التفكير فيه.
( .)1999, Schmidt & Lee
تعري���ف برودبنت Broadbentلالنتب���اه -عالم النف�س البريطان���ي الذي �ألف كتا ًبا
بعن���وان (الإدراك واالت�ص���ال) :-االنتباه هو بمثابة مح�ص���لة الطاق���ة المحدودة لنظام
معالجة المعلومات.
438
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
•وافتر�ض في نظريته حول االنتباه �أن العالم المحيط بنا يت�ألف من �آالف الأحا�س���ي�س
الت���ي ال يمكن معالجتها م ًعا في منظومة الإدراك المعرفية ،وذلك يدفعنا �إلى توجيه
االنتباه �إلى بع�ضها و�إهمال بع�ضها الآخر.
•لذااقترحبرودبنت Broadbentفكرة وجودالمر�شحFilterالذي يعمل بو�صفهحاجزً ا في
�أثن���اء مراح���ل معالجة المعلومات ،حيث ي�س���مح باالنتباه لبع����ض المعلومات و�إهمال
بع�ضها الآخر.
راب ًع���اُ :ينظر �إلى االنتباه على �أنه طاقة محددة � Limited Energyأو م�ص���در محدد
ال�س���عة Limited Capacity or Resourceال يمكن ت�ش���تيتها لتنفيذ �أكثر من مهمة الوقت
نف�سه.)1990,Anderson( .
فبح�س���ب وجهة النظر هذه ،ف�إن من ال�ص���عوبة االنتباه �إلى �أكثر من خبرة ح�سية �أو
تنفيذ عمليتين عقليتين في الوقت نف�سه .فمثلاً ال ي�ستطيع الفرد �إجراء محادثتين في � ٍآن
واحد� .أو حل م�س�ألة ريا�ضية والقيام بمهارة ريا�ضية م ًعا.
وت�س���تند �إل���ى حقيق���ة مفاده���ا �أن المعلوم���ات التي تدخ���ل الذاكرة الح�س���ية يجب
االحتفاظ بها فترة وجيزة ريثما يت�سنى لنظام معالجة المعلومات معالجتها.
الإح�سا�س والإدراك:
الإح�سا����س :Sensationهو عملية فيزيولوجية تتمثل في ا�س���تقبال الإثارة الح�س���ية
من العالم الخارجي وتحويلها �إلى نب�ضات كهر وع�صبية في النظام الع�صبي.
الإدراك :Perceptionهو عملية تف�سير لهذه النب�ضات و�إعطا�ؤها المعاني الخا�صة
بها (.)1998 ,Ashcraft
فالإدراك عملية نف�سية لها بعدان:
( �أ ) بعد ح�سي يرتبط بالإح�سا�س من جهة.
(ب) بعد معرفي يرتبط بالتفكير والتفكر من جهة �أخرى.
خ�صائ�ص الإدراك:
-1يعتمد الإدراك على المعرفة والخبرات ال�سابقة .Knowledge Based
-2الإدراك هو بمثابة عملية ا�ستدالل .Inferential Process
-3الإدراك عملية ت�صنيفية .Categorical
-4الإدراك عملية عالئقية (ارتباطية) .Relational
-5الإدراك عملية تكيفية .Adative
-6الإدراك عملية �أوتوماتيكية .Automatic
441
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
•وقد �أورد �سولو ()1991 ,Soloالأدلة الآتية على وجود الذاكرة ق�صيرة المدى:
� -1أن الت�أمل العر�ضي في عمليات التذكر ي�شير �إلى �أن بع�ض الأ�شياء نتذكرها فترة
ق�صيرة و�أخرى فترة وجيزة.
� -2أ�شارت الدرا�سات الفيزيولوجية �إلى �أن الوظائف الدائمة ي�صعب ت�شتيتها.
� -3أ�ش���ارت الدرا�س���ات النف�س���ية �إلى �أن ا�س���تدعاء بع����ض المعلوم���ات يعك�س وجود
الذاكرة ق�صيرة المدى.)1971,Runds( .
معوقات التفكير:
-2معوقات �أُ�سرية.
-1معوقات �شخ�صية.
-4معوقات جمتمعية. -3معوقات مدر�سية.
�أ�سئلة ومتارين:
-1ا�شرح ن�ش�أة علم النف�س املعريف.
-2عرف مفهوم االنتباه والعوامل التي ت�ؤثر فيه.
-3عرف مفهوم الإدراك والإح�سا�س.
-4اذكر طبيعة عملية االنتباه وخ�صائ�صها.
-5اذكر �أنواع الذاكرة والعوامل امل�ؤثرة يف الن�سيان.
عوامل التعلم و�شروطه
•الأهـداف:
(� )1أن يعدد املتعلم العوامل وال�شروط التي ت�ؤدي �إىل التعلم.
(� )2أن يتعرف �إىل اعرتا�ض العاملني بالعلوم ال�سلوكية يف عملية التعلم.
(� )3أن يقدر جهود العلماء يف الربط بني احلوافز والدوافع.
عوامل التعلم و�شروطه
:
ما العوامل وال�شروط التي ت�ؤثر في �إحداث التعلم؟
�أي ما ال�شروط التي عند توافرها يحدث التعلم؟
الواقع �أن هذه العوامل وال�شروط ،تتم وفق ما يحدثه التعلم في �سلوك الإن�سان .وهي
كالآتي:
والواق���ع �أن �أه���م العوامل وال�ش���روط الم�ؤثرة في �إحداث التعل���م� ،أي التي ت�ؤدي �إلى
التعلم هي:
-1الن�ضج -2 .اال�ستعداد -3 .العزم -4 .الدوافع (الحوافز) -5 .الجزاء.
-1الن�ضج والتعلم:
اً
ات�ص���ال وثي ًقا ،وكالهما �أ�سا�سي في النمو الع�ضوي والنف�سي يت�ص���ل الن�ضج بالتعلم
واالجتماعي عند الفرد .والن�ضج يحدث طبيع ًّيا عند الإن�سان ،كلما تقدم في العمر نتيجة
النمو في مظاهره المختلفة ومتطلبات الحياة ،ويتم ذلك دون ا�ستثارة ،بل �إنه يتم تلقائ ًّيا.
بينم���ا التعلم يح���دث نتيجة التدريب والتمري���ن ،حيث ي�ؤدي التعلم �إلى تغير في ال�س���لوك
الإن�ساني ،نتيجة للمثيرات الخا�صة التي يوجهها الفرد في مواقف الحياة المختلفة.
والن�ضج والتدريب كالهما ي�ؤثران في التعلم.
والأعم���ال الب�س���يطة ال تحت���اج �إلى تدري���ب طويل .بينم���ا الأعمال المعق���دة تحتاج
أي�ض���ا �إلى ن�ض���ج بو�صفها عاملاً �أ�سا�س��� ًّيا ،يعمل على اكت�ساب
�إلى تدريب طويل ،وتحتاج � ً
المهارات ونماء القدرات التي تمت عن طريق الن�ضج.
وفي الأعمار المبكرة نجد �أن ال�صغار يحتاجون �إلى تدريب �أكثر على مختلف الأعمال،
خا�ص����ة �إذا كان الن�ض����ج لم ي�صل �إلى م�ستواه المنا�س����ب ،ومرجع هذا عدم توافر القدرات
واال�ستعدادات المنا�سبة للتعلم� ،إذ �إن هذه القدرات واال�ستعدادات تظهر في مرحلة بداية
المراهقة المبكرة � 17 -14سنة ،وحتى الو�صول �إلى �سن الر�شد � 21سنة .والتدريب الفعلي
إنتاجا ،يتم عندما ي�ؤقت توقيتًا يتنا�س����ب مع الن�ضج� ،أي مع القدرات
�أي التدريب الأح�س����ن � ً
المنا�سبة لمو�ضوع التعلم ،ونمو القدرات التي من خاللها ُيكت�سب التعلم المن�شود.
-2اال�ستعداد والتعلم:
ا�س���تعداد الطف���ل للتعلم ،يرتبط بالنمو الع�ض���وي (الج�س���مي) والعقل���ي والعاطفي
واالجتماعي .نعطي اً
مثال عن كيفية تعلم القراءة ،فتعلم القراءة مثلاً ال يعتمد على النمو
451
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
العقلي للطفل فقط ،بل يعتمد على الن�ض���ج الذي يتم في الأجهزة ال�ص���وتية والع�ض���وية،
ويدخل في التعلم عوامل �أخرى منها الخبرة ال�س���ابقة والقدرة على تذكر الأفكار ،و�ش���كل
الكلمات وعدد المفردات التي يعرفها ،والتمكن من تمييز �ش���كل الكلمات و�أ�ص���ولها ،حيث
ُتع ّد هذه العوامل كلها مهمة في تعلم القراءة.
والثابت �أن التقدم في القراءة يتوقف على الخبرة والتدريب ال�سابقين ،واال�ستعداد
للتعلم يت�أثر بالظروف المحيطة بالفرد الذي يتعلم ،فالطفل الذي ينتقل من بيئته ،وتتعدد
زياراته ،وي�س���افر ،ويغدو ،ويروح ،ويقابل الكثير من النا�س ،نجد �أن لديه ميلاً نحو الأمور
الأدبية و�أقدر على التعلم ،واال�س���تفادة من ه���ذه المجاالت اللغوية ،عندما نقارنه بالطفل
محدود الخبرة.
والواق���ع �أن انت�ش���ار الو�س���ائل ال�س���معية والب�ص���رية والكمبيوتر (الحا�س���ب الآلي)
والألعاب التربوية وغيرهاُ ،تك�س���ب ال�ص���غار � ً
أنواعا من المه���ارات التي تمكنهم من تنبيه
ا�ستعداداتهم نحو التعلم المن�شود.
لهذا نجد �أن الن�ض���ج والخبرة وطبيعة العمل المراد تعلمهُ ،تع ُّد عوامل �أ�سا�س���ية في
اال�ستعداد للتعلم.
والتعل���م الو�س���يلي (غائي) ه���و الذي ُيمك���ن الفرد من تعل���م مهارات مق�ص���ودة �أو
اكت�س���اب مع���ارف وخبرات معين���ة عن طريق التب�ص���ر والإدراك ،حيث يعم���ل الفرد على
االنتب���اه والتركي���ز في �أثناء التعلم ،مع الحفظ والتذكر لما يتعل���م ،ومن ثم ،ف�إن التعلم -
عار�ضا ،بل و�سيلي ( ُيحقق �أهدا ًفا وغايات معينة).
�آنئذ -ال يكون ً
-4الحوافز والدوافع:
ال يتم التعلم �إال عند وجود الدافع وراء التعلم ،والدوافع والحوافز �أ�سا�سية في التعلم؛
لذلك على المعلم �أن يعرف الدافعية للتعلم عند طالبه ،حيث �إن الدوافع تعمل على:
(�أ) ا�ستمرارية العمل وال�سلوك الدائب الم�ستمر.
(ب) انتقاء اال�ستجابات التي تو�صل �إلى التعلم.
(جـ) توجيه ال�سلوك �إلى ما ي�ؤدي �إلى العمل المرغوب فيه.
لذل���ك من واج���ب المعلم معاونة المتعلم في تعيين وتحدي���د �أهدافه وغاياته ،ولي�س
ه���ذا فح�س���ب ،بل انتقاء وتعيين الو�س���ائل والطرق التي تحقق الأه���داف ،وتتوافق ودوافع
وحوافز واهتمامات المتعلم ،وبما يمكنه من الو�ص���ول �إلى حلول الم�ش���كالت التي تواجهه
في مواقف الحياة.
ه���ذا ،و ُيع��� ّد الج���زاء ذا �أثر في التعلم ،من حي���ث �إنه ُيحفز الدوافع الت���ي ت�ؤدي �إلى
ال�سلوك الذي يتبعه التعلم.
و ُيعار����ض بع����ض العاملي���ن بالعل���وم ال�س���لوكية �أهمي���ة الج���زاء ف���ي عملي���ة التعلم
للم�سوغات الآتية:
-1يف �أي موقف تعليمي ،يجب �أن يتحدد التعلم على �أ�سا�س الغر�ض الذي يرمي �إليه
املتعلم ،واخلربات ال�سارة �أو املزعجة يجب �أن ينظر �إليها على كونها ،من نتائج عملية
التعلم ،ولي�ست من م�سبباتها.
� -2إن الهدف الأول للإن�سان يف التعلم لي�س ال�سرور �أو الأمل ،بل اكت�شاف ال�سرور �أو الأمل
يتم يف �أثناء قيامه ب�أعماله ،ومعنى ذلك �أنه يجب النظر �إىل الأهداف على �أنها
مواقف و�أ�شياء ،ولي�ست م�شاعر.
فكل ما يريده الإن�سان �أن ُيعطى الفر�صة ،التي تهيئ له النمو املطرد لإظهار مواهبه
املختلفة يف �أثناء ت�أدية الأعمال املطلوبة منه.
-3ال ميكن جعل الثواب والعقاب نهايات لأوجه الن�شاط التي يقوم بها الفرد� ،إذ �إن ذلك
يخالف قوانني تف�سري ال�سلوك.
فالعمل الذي ي�ؤديه الإن�سان له نهاية واحدة ،يجب �أن تكون الجزاء على ت�أدية العمل،
�أما االعتماد على الو�س���ائل المختلفة للثواب بو�ص���فها �أهدا ًفا ،ف�إنها و�س���ائل ت�ض���عف من
�أهمي���ة الهدف الذي ي�س���عى �إليه م���ن عملية التعلم خالل �أوجه الن�ش���اط المختلفة ،بل قد
يكون من نتاج التعلم ،القيم غير مرغوب فيها ،وتبعده عن الميل �أو الرغبة في الح�ص���ول
على المعرفة في حد ذاتها.
تلخي�ص:
-1ي�ؤثر يف التعلم عامالن هما :بنية ال�شخ�صية ،والظروف البيئية.
� -2أهم العوامل وال�شروط امل�ؤثرة يف �إحداث التعلم:
(جـ) العزم. (ب) اال�ستعداد. (�أ) الن�ضج.
(هـ) اجلزاء. (د) الدوافع.
-3الن�ض���ج يت�ص���ل بالتعلم ،وكالهما �أ�سا�س���ي يف النمو الع�ضوي والنف�س���ي واالجتماعي
عند الفرد.
-4الن�ضج والتدريب ي�ؤثران يف التعلم .ويف الأعمار املبكرة يحتاج ال�صغار �إىل تدريب
�أكرث على خمتلف الأعمار.
-5اال�ستعداد للتعلم يرتبط بالنمو الع�ضوي والعقلي والعاطفي واالجتماعي.
-6الن�ضج واخلربة وطبيعة العمل املراد تعلمهُ ،تع ّد عوامل �أ�سا�سية يف اال�ستعداد للتعلم.
-7من �أنواع التعلم :تعلم عار�ض يتم م�صادفة ،وال ي�ستمر طويلاً ،وال ُيحقق غاياته،
وتعلم غائي �أي و�سيلي ،وهو تعلم مهارات واكت�ساب معارف وخربات.
-8الدافعية للتعلم تتحقق من خالل ا�ستمرارية العمل وانتقاء اال�ستجابات التي تو�صل
�إىل التعلم وتوجيه ال�سلوك �إىل العمل املرغوب فيه.
-9العمل الذي ي�ؤديه الإن�سان له غاية واحدة ،يجب �أن يكون اجلزاء على ت�أدية العمل،
واالعتماد على الو�سائل املختلفة للثواب بو�صفها �أهدا ًفا ُت�ضعف من �أهمية الهدف،
وتبعد عن امليل �أو الرغبة يف احل�صول على املعرفة.
455
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
�أ�سئلة ومتارين:
-1و�ضح العالقة بني الن�ضج والتعلم.
-2و�ضح العالقة بني اال�ستعداد والتعلم.
-3من �أنواع التعلم :عار�ضي وو�سيلي -ا�شرح.
-4و�ضح دور اجلزاء و�أثره يف التعلم.
انتقال �أثر التعلم
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل معنى انتقال �أثر التعلم.
(� )2أن يذكر �أهمية تطبيق انتقال �أثر التعلم يف العملية التعليمية.
(� )3أن يعدد املتعلم طرائق انتقال �أثر التعلم.
(� )4أن ي�سمي املتعلم �شروط وحمددات انتقال �أثر التعلم.
(� )5أن يعدد املتعلم �أدوار وم�س�ؤوليات املعلم يف انتقال �أثر التعلم.
(� )6أن يقدر املتعلم جهود املعلم يف انتقال �أثر التعلم.
انتقال �أثر التعلم
:
ف���ي مختل���ف مواقف الحياة اليومي���ة ،نجد �أن ظاهرة انتقال �أثر التعلم تتخذ �ص���فة
العمومية وال�شيوع .فعند تدريب �شخ�ص معين على عمل معين في موقف معين� ،أو تدريبه
على �أ�سلوب من �أ�ساليب الن�شاط في موقف جديد �أو في عمل يختلف عما قام به من �أعمال
�س���ابقة ،ف�إننا نج���د �أن تدريبه في الموقف الأول �أو في الن�ش���اط ال�س���ابق ي�ؤثر في طريقة
مواجهت���ه للموقف الجديد �أو الن�ش���اط الحدي���ث ،حيث �إنه يتعلم من المواقف والأن�ش���طة
ال�سابقة ،وحيث ُي�سمى ذلك انتقال �أثر التعلم .Transfer of Learning
وم���ن ه���ذا المنطلق ،ف�إن انتقال �أثر التعلمُ ،يع ّد من �ض���رورات ما يتعلمه ال�ش���باب.
ويت���م ذلك فيما هم في حاجة �إليه من اال�س���تجابات الخا�ص���ة للمه���ارات والمفاهيم التي
يحتاجون �إلى تعلمها .ولي�س هذا بالأمر ال�سهل في التعلم.
والواقع �أن �إمكانية تطبيق المبادئ والمعلومات والتعميمات في المواقف والم�شكالت
الجديدة ،يمكن �أن تتم عند ا�س���تخدام ذلك في مهام جديدة ،وخا�صة عندما يتم الإتقان
في التعلم والخبرة ال�س���ابقة ،وعندئذ ال يحتاج الأمر في المواقف والم�ش���كالت الجديدة
�إلى تدريب خا�ص عليها.
من هذا يتبين �أن االنتقال لأثر التعلم � .Transfer of Learningأو التدريب Training
يتم في مواقف مختلفة .ويتبين �أننا نتعلم في حياتنا الكثير من الأ�شياء التي تفيدنا عندما
نكت�سب الخبرات التي تمكننا من تعلم الم�شكالت وحلها في المواقف والأحداث الالحقة.
وبقدر ما يتم النقل من المواقف ال�سابقة �إلى المواقف الالحقة ،بقدر ما تكون الفائدة.
460
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
الأن�ش���طة التعليمية الالحقة ،وتتوقف فاعلية التعلم ،على كيفية �إتقان المتعلمين للمبادئ
العامة التي يمكن تطبيقها في مواقف �إتقان تعليمية �أخرى .ولذلك ،ف�إن انتقال �أثر التعلم
يح���دث بكثرة بين �أجزاء المادة الدرا�س���ية (مثل درا�س���ة النحو ،والتعبير اللغوي �ش���فو ًّيا
�أو تحرير ًّيا) ،وبين المواد الدرا�س���ية المختلفة (مثل الريا�ض���يات والعلوم �أو الريا�ض���يات
واالجتماعيات) ،وبين الأن�شطة التعليمية داخل المدر�سة والأن�شطة خارج المدر�سة.
االنتقال الإيجابي:
االنتقال الإيجابي هو الذي يتح�س���ن في���ه الأداء Performanceعند التعلم ،ويحدث
االنتقال الإيجابي حينما ُيح�س���ن التدريب على وظيف���ة معينة ،التدريب الالحق الذي يتم
من خالل عمل �أو وظيفة �أخرى� ،أو حين ُي�س���اعد تعلم مادة درا�سية ،تعلم مادة �أخرى كما
هو الحال في الريا�ضيات والطبيعة.
Generalizotion Of و�أب�س���ط �أنواع االنتق���ال الإيجابي يتم عن طريق تعميم المثي���ر
� ،Stimulusإذ بعد �أن يتعلم ال�شخ�ص اال�ستجابة ب�شكل معين لمثير معين ،قد تقوم مثيرات
�أخرى م�شابهة با�ستدعاء الإجابة نف�سها .فيتعلم ال�صغار في المدر�سة قراءة الكتب ،ومن
ثم ي�س���تطيعون قراءة ال�ص���حف والمجالت في المنزل� ،أو عندما ي�شاهدون ما يظهر على
�شا�ش���ة التليفزيون من عبارات ،وهذه كلها مثيرات مختلفة انتقلت �آثارها من التعلم عبر
المثيرات ،التي تم انتقال �أثر التعلم من خاللها بالمدر�سة.
وفي مادة الريا�ض���يات مثلاً ُيفيد التدريب ،ما يي�سر التدريب في مادة الفيزياء ،ذلك
لأن المتعلم � -آنئذ -يكت�سب مهارة عقلية معرفية من الريا�ضيات تنتقل �آثارها �إلى الفيزياء.
وهكذا ت�ستخدم نتائج التعلم ال�سابق ،لتفيد في التعلم الالحق.
االنتقال ال�سلبي:
االنتقال ال�سلبي Negative Transferهو الذي يحدث فيه تدهور Deteriorationفي
الأداء .ويت���م حدوثه عندما يعوق التدريب عل���ى وظيفة معينة ،التدريب الالحق على عمل
463
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
�أو وظيفة �أخرى� .أي �إن تداخل الأداء والأن�ش���طة ي�ؤدي �إلى االنتقال ال�س���لبي ،بينما ُيحدث
التعزيز Reinforcementالذي يعقب الأداءات والأن�شطة اً
انتقال �إيجاب ًّيا.
مث���ال ذلك عندم���ا يتعلم الفرد لغتين م���ن اللغات الأجنبية ف���ي �آن واحد ،ف�إن تعلم
�إحدى اللغتين ُتعطل تعلم اللغة الأخرى� ،أو تعوقها ،كتعلم اللغة الإنجليزية واللغة الفرن�سية
في �آن واحد .ف�إنه قد يجد المتعلم �صعوبة في نطق �أ�صوات كل منهما.
واالنتقال ال�سلبي واالنتقال الإيجابي مت�شابهان� .إذ يت�ضمن كالهما تطبيق تعميمات
تم التو�ص���ل �إليها من قبل ،على تعلم م�ش���كالت جديدة� ،إال �أنهم���ا يختلفان من حيث دقة
المب���د�أ والتعميم والنتيج���ة� ،إذ �إن التعميمات الخاطئة ت�ؤدي �إل���ى نتائج خاطئة ،وهذا ما
يحدث في االنتقال ال�سلبي.
االنتقال ال�صفري:
وهو لي�س �إيجاب ًّيا �أو �سلب ًّيا ،بل في حكم المعدوم� ،أي ال يتم انتقال �أثر التعلم؛ لذلك
ُيق�صد به عدم االنتقال ،ويحدث في الحاالت التي ال يفيد تعلم �شيء معين ،في تعلم �شيء
�آخر وال يعوقه� ،أي �إن الت�أثير هنا معدوم �أو محدود للغاية.
من���ذ �أجيال طويلة كم���ا كان االعتقاد ال�س���ائد� ،أن الأهداف الوا�س���عة للتربية يمكن
تحقيقه���ا بطريقة �آلية من خالل تلقين المواد الدرا�س���ية التقليدي���ة ،فمثلاً كان االعتقاد
�أن الفهم في الح�س����اب �أو الهند�س����ةُ ،يم ّكن المتعلم من فهم مواقف الحياة الواقعية ،وكان
من الم�س����لم به �أن �إتقان المواد ال�ص����عبة يقوي «�إرادة» التلميذ وقدرته على تحمل المتاعب
المبا�ش����رة في �س����بيل تحقيق �أهداف بعيدة .وكان ُيطلق على هذا التف�سير نظرية التدريب
464
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
ال�شكلي .واعتبر هذا التف�سير �أن العقل يتكون من ملكات عدة ،مثل الذاكرة والفهم واالنتباه
والإرادة والتخيل ،و�أنه بالإمكان تقوية هذه الملكات عن طريق التدريب ،كالتدريب البدني
ال����ذي يعمل على تقوية الع�ض��ل�ات .ونادى هذا التف�س����ير ب�����أن التدري����ب المنظم في بع�ض
مجاالت العلوم يمكن �أن ي�ؤدي الأثر نف�سه الذي يحدثه التدريب البدني في الج�سم.
ولكن التجارب التي جرت مع بداية القرن الع�ش���رين� ،أثارت �س���لبيات هذا التف�سير،
حي���ث �أمكن �إثبات �أن التدريب على الحفظ ال يزيد القدرة على التذكر ،و�أن التدريب على
الفهم الح�س���ابي ،لي�س له ت�أثير ُيذكر في حل الم�ش���كالت غير الح�سابية ،وال توجد عالقة
بين �صعوبة المادة الدرا�سية والعائد العقلي العام الناجم عن ذلك.
ُيق�ص���د بالعنا�صر المتماثلة �أي المتطابقة ،هو ت�شابه المكانات الداخلية في كل من
العمليات التي تعلمها الفرد ،والعملية التي هو ب�صدد تعلمها .و ُيع ّد «ثورنديك »Thorndike
ممن ف�س���روا انتقال �أثر التعلم ،على �أ�سا�س �أن التح�س���ن في وظيفة عقلية معينة ،ال ي�ؤدي
�إلى تح�سن وظيفة �أخرى �إال �إذا كانت هناك عنا�صر متماثلة بين الوظيفتين.
وكلم���ا زاد مقدار العنا�ص���ر المتماثلة ،زاد انتقال �أثر التعلم .والعك�س �ص���حيح كلما
قلت العنا�صر المتماثلة ،قل االنتقال .فالتدريب على عملية الجمع مثلاً يفيد في التدريب
على عملية ال�ضرب؛ لأن التلميذ في تعلمه عملية ال�ضرب ي�ستعمل الكثير من قواعد الجمع،
و�أن �آثار تعلم الريا�ضيات تنتقل �إلى تعلم الطبيعة.
ويعتر����ض بع�ض���هم على هذا التف�س���ير؛ لأنه يعني ُح���دوث االنتقال ب�ش���كله التام �إذا
تك���ررت العملية نف�س���ها� ،أما �إذا كانت العملية جديدة ،ف�إنها تفتر�ض �أن االنتقال �س���يكون
بق���در ما بين العمليتين من عنا�ص���ر متماثل���ة ،وقد �أوردت بع�ض الدرا�س���ات �أدلة على �أن
معام���ل االرتباط بين �أوجه الت�ش���ابه بين عمليتين تعليميتي���ن ال ُيعطي �أي فكرة عن مقدار
االنتقال الحادث.
465
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
�أ�ش���ار علم���اء النف����س ف���ي �ألماني���ا المعروفون بم���ا �أطلقوا علي���ه «التعل���م الكلي» �أو
«الج�ش���تاليت � »Gestaltأن انتق���ال �أث���ر التعلم ،يحدث عندما يت�ش���ابه نمطان �أو �ص���يغتان
بطريق���ة كلي���ة ،بغ�ض النظر عن عدم ت�ش���ابه المكون���ات في موقفي التعل���م .ولذلك ،ف�إن
أي�ض���ا بالتطابق Identityيتم في نظر تف�س���ير الت�ش���ابه �أو التماثل � Similarityأو ما يعرف � ً
الج�ش���تاليت -النمط العام للمواقف وال�س���لوك ،ولي�س في العنا�ص���ر وتماثلها .مثال ذلك
العب الكرة عندما يتناف�س مع غيره من الالعبين في �أثناء المباريات الريا�ضية ،التي تتم
بين النوادي الريا�ضية ،ويزداد فيها التناف�س بين فريقي المباراة ،نجد �أن الالعب يتميز
بنمط �سلوكي معين يتمثل في الهجوم ومراوغة الخ�صوم و�صدهم عن مرمى فريقه.
و�إن الجندي ال ُمقاتل في جبهة القتال ،يتميز �سلوكه بنمط معين يقوم على مهاجمة
العدو ومراوغته و�صده بكل الو�سائل الدفاعية.
وهذان الموقفان يحدثان انتقال �أثر التعلم (�أثر التدريب) تب ًعا للأنماط والعالقات
المتماثلة ،من حيث ما يتطلبه الموقفان من تفكير وقدرة و�أداء على الت�صرف ال�سريع.
وهذا الأداء والن�شاط يتوافق مع ن�سق معين ،من حيث تنفيذ خطط وتعليمات معينة
داخل �إطار جماعي منظم.
وفي هذا التف�سير يحدث االنتقال عندما ُيدرك المتعلم ،ويكت�شف ً
نمطا من العالقات
المتماثلة في موقف معين من خالله يت�س���نى له ا�ستخدامه وتطبيقه ونقله �إلى موقف �آخر
جديد ،قائم ي�ش���ترك مع الموقف ال�س���ابق لهذا النمط من العالق���ات العامة �أو المكونات
العامة ،ولي�س قائ ًما على �أجزاء �أو عنا�صر متماثلة.
لذلك ،فانتقال �أثر التعلم -في هذا التف�سير -يقوم على �أنماط كلية متماثلة ،ولي�س
على �أجزاء �أو عنا�صر متماثلة بين المواقف ال�سابقة والمواقف الالحقة.
466
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
-4التعميمGeneralization :
للو�صول �إلى القواعد العامة ،وحتى يمكن تعميم المبادئ ال بد من تطبيقها في �أكثر
من موقف .وعند تنوع الخبرات يمكن ا�ش���تقاق المبد�أ الذي ُيعمم على المواقف الأخرى،
�أو ما ُيعرف باالتجاه العقلي نحو ا�ستجابة معينة.
467
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
(جـ) التهي�ؤ العقلي� :أو ما يعرف بالت�أهب العقلي Mental Setنحو ا�ستجابة معينة.
فعند تطبيق هذه المبادئ ،خا�ص���ة عندما يواجه الفرد موق ًفا ،يتم ظهور ا�س���تعداد
عقل���ي نحو تطبيق هذه المبادئ ،خا�ص���ة عندم���ا يواجه الفرد موق ًفا ي�س���تدعى تطبيقها،
وهن���ا يالح���ظ �أن بع�ض الأطفال لديهم ا�س���تعداد �أكبر نحو تطبي���ق المفاهيم والمهارات
الجديدة التي تعلموها في مواقف جديدة .بل كثي ًرا ما ي�س���عون �إلى تطبيقها� .إال �أن ً
بع�ض���ا
�آخ���ر م���ن الأطفال ال ي�س���تطيع تطبيق ما تعلمه م���ن مواقف �أخرى .لذل���ك كان من واجب
المعلم ُم�س���اندة المتعلمين ،على محاولة اال�ستفادة مما لديهم من معلومات ومهارات في
المواقف الجديدة التي تمر بهم.
بتطبيقها على �أنواع خمتلفة من املواقف ،وبذلك يتعلم املتعلمون �أن تطبيق املفهوم �أو
تنوعا كاف ًيا ظهور
املهارة لي�س قا�ص ًرا على موقف واحد .ويرتتب على تنوع التطبيق ً
التهي�ؤ العقلي نحو ا�ستخدام هذه املفاهيم يف املواقف الأخرى.
-3يجب على املعلم �أن ي�ساعد املتعلمني على تكوين عادة البحث العلمي نحو تطبيق ما
يتعلمونه من مبادئ ومفاهيم ،وذلك عن طريق �إعطاء الفر�ص ال�ستخدام ما يتعلمونه
من مواقف متعددة ،ويجب على املعلم �أن ُي�شجع ن�شاط املتعلم الإيجابي الذي يهدف
�إىل اكت�شاف تطبيقات جديدة ملا يتعلمه.
-4يتوقف االنتقال على طريقة التعلم ،ولذلك ف�إن جمرد تكرار عمل ما ،ال ي�ساعد على
االنتقال ،ومن ثم يجب توجيه انتباه املتعلمني �إىل كيفية التعلم ،و�إىل خري الو�سائل يف
حل امل�شكالت و�إىل اكت�ساب و�سائل فعالة للح�صول على تعلم �أكرث فاعلية ،ما ُي�ساعد
على االنتقال يف املواقف الأخرى املرتبطة بالن�شاط الذي يتم تعلمه.
ُ -5ي�ساعد الإتقان Perfectionعلى االنتقال ،ولذلك لن ي�سهل انتقال املفاهيم �أو املهارات
التي مل يتم اكتمال تعلمها ،وال �شك �أن الفرد �أكرث قدرة على ا�ستدعاء املبادئ التي
يتقنها ،ما يزيد من احتمال تطبيقها يف املواقف التي تدعو �إىل ذلك.
-6للفروق الفردية � Individual Differenceأثرها يف عملية االنتقال ،و ُيع ّد ذلك �أم ًرا
طبيع ًّيا؛ نظ ًرا الختالف املتعلمني يف ن�سبة الذكاء ويف ميولهم ويف قدراتهم اخلا�صة،
ويف مدى ا�ستعدادهم لتعلم �أمر معني .ولذلك يجب على املعلم �أن ي�أخذ يف ح�سبانه
عال ،لي�ستهذه الفروق ،فمن املعروف مثلاً �أن املتعلمني الذين ال يتمتعون بذكاء ٍ
لديهم القدرة على الو�صول �إىل م�ستويات عالية من التجريد ،فبع�ض املبادئ العامة
قد تكون �أعلى من م�ستواهم العقلي ،ولذلك فهم يحتاجون �إىل الكثري من جهد املعلم
يف التوجيه ،و�إىل تنوع �أكرب يف املواقف املهمة امللمو�سة و�إىل توجيه انتباههم �إىل
املواقف التي ميكن لهم فيها تطبيق ما يتم تعلمه من مفاهيم ومهارات.
469
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
تلخي�ص:
-1انتقال �أثر التعلم يتم من خالل التدريب ملوقف معني ي�ؤثر يف تعليم موقف �آخر.
-2انتقال �أثر التعلم ،يمُ كن من تعلم وحل امل�شكالت يف املواقف والأحداث الالحقة.
-3التدريب يف موقف �سابق ُيفيد يف موقف الحق.
-4قد ال يحدث انتقال �أثر التعلم عندما يتوقع حدوثه.
-5من طرائق انتقال التعلم االنتقال :الإيجابي -ال�سلبي -ال�صفري.
� -6أب�سط �أنواع االنتقال الإيجابي ،يتم عن طريق تعميم املثري.
-7االنتقال ال�سلبي ُيحدث تدهو ًرا يف الأداء.
-8االنتقال ال�صفري �أثره معدوم �أو حمدود للغاية.
-9تف�سريات انتقال �أثر التعلم عبارة عن :التدريب ال�شكلي -العنا�صر املتماثلة «املتطابقة» -
الأمناط املتماثلة -التعميم.
470
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
� -10شروط وحمددات انتقال �أثر التعلم عبارة عن :العنا�صر امل�شرتكة ودرجة الت�شابه -
تنوع التطبيق -التهي�ؤ العقلي.
-11دور املعلم وم�س�ؤوليته يف انتقال �أثر التعلم يقوم على �أ�سا�س :ا�ستنتاج مبادئ عامة -
اكت�شاف املبادئ وات�ساع تطبيقها -م�ساعدة املتعلمني على تكوين عادة البحث
العلمي -طريقة التعلم -الإتقان على االنتقال يت�أثر بالفروق الفردية.
�أ�سئلة ومتارين:
-1و�ضح معنى انتقال �أثر التعلم.
-2حدد �أهمية تطبيق انتقال �أثر التعلم يف العملية التعليمية.
-3و�ضح كيف يتم االنتقال الإيجابي واالنتقال ال�سلبي لأثر التعلم.
-4هناك تف�سريات خا�صة بانتقال �أثر التعلم ،ا�شرح تف�سريات من هذه التفا�سري.
-5و�ضح �شروط انتقال �أثر التعلم وحمدداته.
-6للمعلم دور فعال يف انتقال �أثر التعلم .ا�شرح.
توجيه التعلم
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل جماالت توجيه التعلم.
(� )2أن يعدِّ د املتعلم طرائق توجيه املهارات اليدوية.
(� )3أن يعدِّ د املتعلم طرائق التعلم يف املعارف العلمية.
توجيه التعلم
:
توجيه التعلم ..الق�ص���د منه بيان �أف�ض���ل الطرق التي تتبع في توجيه تعلم المتعلم،
والت���ي توفر للمتعل���م وقتًا وجهدً ا ،وتمنحه مردودًا خ�ص��� ًبا يحتفظ به مدة �أطول وب�ش���كل
�أف�ضل.
ف���ي حين عندما يترك المتعلم لنف�س���ه ،ف�إن���ه قد يتبنى �أول طريق���ة يقع عليها عند
تعلمه ،وغال ًبا ما تكون غير �ص���حيحة ،وقد يحر�ص المتعلم عليها؛ ل�سهولتها �أو لرغبته في
التقدم ال�سريع ،والأمثلة كثيرة على الأخطاء التي ترتكب في التعلم غير الموجه.
� اً
أول :توجيه التعلم في المهارات اليدوية:
يت���م توجي���ه التعلم في المهارات اليدوي���ة ،من خالل المبادئ الأ�سا�س���ية في توجيه
التعلم التي تتمثل في:
474
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
(�أ) �أن يعرف املعلم �صفات العمل ال�صحيح؛ لأنها الأ�سا�س يف قدرته على توجيه
عملية التعلم والتعليم.
وتعيني مثل هذه ال�صفات يختلف من مهارة �إىل �أخرى ،و�إن تعيني مثل هذه
ال�صفات لي�س بالأمر ال�سهل ،وال بد لتعيني ال�شكل الأمثل ملهارة ما بوا�سطة
منهج البحث العلمي ،ومعرفة حيثياتها ودقائقها ال�شاملة.
(ب) �أن يتعلم املتعلم العمل بطريقة كلية؛ لأن الفكرة التي كانت �سائدة بالقول
بتجزئة العمل �أو حتليله �إىل عنا�صره ،ثم تعلم كل جزء على حدة ،ثم جتمع
الأجزاء ُي�سهل تعلم الكل� .إن هذا االعتقاد خاطئ؛ لأن تعلم الأجزاء يختلف كل
االختالف عن تعلم الكل ،و�إن هذه الطريقة جتعل �أمر تعلم الكل �أ�صعب مما
ميكن �أن يكون ،لو �أننا تعلمناه دفعة واحدة منذ البداية.
(جـ) �أن يكون العمل مر ًنا ،واملهارة يف العمل تعني مرونته .وجناح العمل يقت�ضي
تعلمه و�إدراكه يف خمتلف الظروف والأو�ضاع دون ثبات على و�ضع معني.
(د) متكني املتعلم من احلكم على ا�ستجاباته التعليمية ومدى مالءمتها .لذا ،فمن
واجب املعلم متكني املتعلم من تبني �أخطائه ومعاجلتها بنف�سه .و�إنه من املهم
�أن يعرف املتعلم ا�ستجاباته ال�صحيحة؛ ليكون على اطالع مبا يحرزوه من
تقدم وجناح .ف�أعظم حافز للنجاح على الإطالق هو معرفة املتعلم �أنه يتقدم
تقدما ُمر�ض ًيا.
ً
والح�صول على المهارة في العمل يت�صف بالخ�صائ�ص الآتية:
(�أ) �سرعة القيام بالعمل ب�شكل �أو�ضح مما كان يقوم به قبل التعلم والتدريب ،حيث
نق�صا تدريج ًّيا يف الوقت الذي ُي�صرف للقيام بالعمل.
نالحظ ً
(ب) النق�صان املتدرج يف عدد الأخطاء التي ترتكب.
(جـ) هبوط يف التوتر الع�ضلي الذي كان يرافق املحاوالت الأوىل.
(د) اال�ستغناء عن احلركات الزائدة ال�ستمرار التدريب.
475
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
(هـ) ازدياد االهتمام بالعمل وال�سعي نحو املزيد من التقدم والنجاح� ،إذا �أح�س
املتعلم بنجاحه ،ومن ثم �سوف ي�ؤدي النجاح �إىل زيادة اجلهد والإقبال على
العمل وزيادة الثقة بالنف�س والتب�صر يف العمل.
وا�ضحا لدى املتعلم ،وي�صبح �أكرث دقة
ً (و) يف نهاية التدريب والتعلم ُي�صبح العمل
ً
و�ضبطا ،وذلك عن طريق االنتباه �إىل �أهم التفا�صيل وبخا�صة �أنه مييل �إىل
ال�ضبط �أكرث من ال�سرعة.
وف���ي مثل ه���ذه الحاالت تكون طريق���ة التوجيه اليدوي مفيدة ،خا�ص���ة عندما يكون
المقيا����س للتعل���م ،هو عدد المحاوالت الالزمة للتعلم ،وع���دد الأخطاء المرتكبة في �أثناء
عملية التعلم.
ولقد برهنت بع�ض الدرا�سات على �أن التوجيه اليدوي يكون �أ�شد ت�أثي ًرا ،حين ي�ساعد
المتعل���م على ر�ؤية العمل ب�ش���كله الكلي والواقع���ي ،وهذه الر�ؤية هي �أ�س���ا�س تنظيم العمل
الذي ينتج عنه تح�س���ين الحركات و�ض���بطها .وفائدة هذا التوجيه ف���ي المراحل المبكرة
�أكبر من فائدتها في المراحل الالحقة؛ لأنها ت�ساعد على تكوين ا�ستجابات متنا�سقة منذ
البدء بالعمل.
-4التوجيه الإيجابي خري من التوجيه ال�سلبي (التنبيه �إىل الأخطاء) ،و�إن جتنب حدوث
الأخطاء �أف�ضل من حماولة الق�ضاء عليها ،بعد �أن تكون قد حدثت من قبل املتعلم.
-5التوجيه الزائد� ،إذ �إنه يق�ضي على روح املبادرة واالبتكار عند املتعلم ،ويقلل من ثقته
بنف�سه.
-6التوجيه الكالمي يكون مفيدً ا يف التعلم احلركي ،حني ي�ساعد املتعلم على التب�صر
يف طبيعة العمل ب�شكله الكلي .بينما يكون �صع ًبا ،وقد ت�صعب قيمة التعبري الكالمي،
عندما ُيراد و�صف عمل حركي معقد ،حيث يف هذه احلالة تكون ر�ؤية العمل �أف�ضل
بكثري من الكلمات املوجهة.
تك���ون المادة المراد تعلمه���ا مبنية على عالق���ات داخلية من الوح���دة والتنظيم والمعنى
والترابط ،وفيها من العوامل العقلية التي تت�سم بالوحدة والتنا�سق.
وف���ي هذا داللة على �أن ال ُكلية �ص���فة كيفية (تتعلق بالمعنى والم�ض���مون والترابط)
ولي�ست �صفة كمية.
هذا ،وتجدر الإ�ش���ارة �إلى �أن نجاح الطريقة الكلية ،ال يتوقف فقط على كون المواد
المو�ض���وعات ذات بناء متنا�س���ق موحد فح�س���ب ،بل يتوقف �إلى جانب ذل���ك على �إدراك
منتجا .وفيما ي�أتي بع�ض المالحظات: المتعلم هذا الو�ضع �إدرا ًكا ً
(�أ) الأطفال املتفوقون عقل ًّيا �أقدر على اال�ستفادة من طريقة الكل؛ لأن ه�ؤالء �أقدر
على فهم معنى املواد ككل ،و�أقدر على اكت�شاف العالقات والروابط ذات املعنى
بني الأفكار.
(ب) املو�ضوعات الطويلة واملعقدة وال�صعبة ال جتدي فيها طريقة التعلم بالكل؛ لأنها
تتطلب من املتعلم تق�سيم املو�ضوعات �إىل �أق�سام� ،أو جتزئة املو�ضوع املعقد �إىل
�أجزاء ،بغية االقت�صاد يف الوقت واجلهد .ثم بعد هذه التجزئة ،ال بد من عملية
ربط جديدة لكل جزء بغريه .لذا ،ف�إن املو�ضوعات املرتابطة والأفكار املحكمة،
�شرط النجاح يف تعلمها طريقة الكل ،وهذه الطريقة ال تنجح يف الأجزاء التي
ال معنى لها وال رابط.
(جـ) الوق���ت الق�ص�ي�ر ال�ل�ازم للتعلم ،يتنا�س���ب مع طريق���ة الأجزاء ،بينم���ا الوقت
الطويل ،ينا�سب طريقة الكل.
ملمو�سا بالتعلم
ً تقدما
(د) اعتياد املتعلم على عادة التعلم بطريقة الأجزاء ،ال يحرز ً
بطريقة الكل.
وب�صفة عامة ،ف�إن طريقة التعلم ال ُمثلى تتوقف على:
(�أ) درجة التنظيم القائمة بني �أجزاء املادة ،ودرجة �صعوبتها ومقدار طولها.
(ب) درجة ذكاء املتعلم وعمره الزمني و�سابق خرباته وطريقته يف الدرا�سة� ،أي
تقدمه العلمي.
479
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
ف�إذا كانت المادة طويلة �أو كان المو�ض���وع �ص���ع ًبا ،فمن الع�سير تعلمه بطريقة الكل،
ومن ال ُمنا�سب تق�سيمه �إلى �أق�سام ي�سهل تعلمها.
هذا ،ويجب �أن يكون التق�س���يم منطق ًّيا ،وذا معنى ال ب�صورة اعتباطية ،ويتحتم على
المتعلم حين التق�س���يم� ،أن ُيحيط بمخطط المو�ض���وع؛ لكي ي�س���تطيع تبين عالقة الجزء
الذي يتعلمه بالمادة ككل وبالأجزاء الأخرى.
حيث ي�س���مح المتعلم لنف�س���ه ب�إلقاء نظرة خاطفة على الكتاب ت�ساعده على اال�ستمرار في
التذكر والت�سميع.
هذا ،وقد تو�صلت نتائج التجريب �إلى ما ي�أتي:
(�أ) �إنه كلما كانت القراءة جيدة ،وكان وقت الت�سميع كاف ًيا كانت ن�سبة التذكر �أكرب
لهذه املادة املتعلمة.
(ب) �إن تكرار القراءة �أجنح يف حفظ املواد ذات املعنى.
(جـ) ينتج عن الت�سميع تعلم �أنواع خمتلفة من اال�ستجابات التي ميكن �أن ُتع ّد �أبقى
يف الذاكرة.
وتتميز القراءة والت�سميع في توجيه التعلم في القدرات النظرية بما ي�أتي:
(�أ) التعلم بطريقة القراءة والت�سميع يفوق التعلم بطريقة القراءة املح�ضة ،مهما كان
الوقت املخ�ص�ص للت�سميع قليلاً .
(ب) التعلم بطريقة القراءة والت�سميع مفيد ،وله جدواه بالن�سبة �إىل جميع املواد ذات
املعنى ،والتي ال معنى لها.
(جـ) تزداد �أهمية القراءة والت�سميع ،بالن�سبة �إىل التذكر املت�أخر وعلى املدى الأبعد.
(د) يختلف مقدار الوقت املخ�ص�ص للقراءة �أو الت�سميع بح�سب طبيعة املادة املتعلمة،
وتبدو هنا �أهمية القراءة الأوىل الوا�ضحة الواعية التي متكن املتعلم من ر�ؤية الو�ضع
الكلي ب�شكل عام ومف�صل؛ لأن الت�سرع يف الت�سميع قد ينتج عنه بع�ض الأخطاء.
(هـ) �إن التخطيط والتلخي�ص ،ي�ساعدان م�ساعدة كربى يف املواد النظرية الطويلة.
وهن���اك م���ن ي�ؤكد �أن التدري���ب المتالحق �أكثر فائ���دة في الأعمال ال�س���هلة� ،أما في
الأعمال ال�صعبة فالتدريب الموزع خير و�أبقى.
و�إن التدري���ب الم���وزع �أجدى في المراحل المبكرة ،والواقع �أن الطول الأن�س���ب لمدة
التمري���ن والتدريب ،والم�س���افات الزمنية الفا�ص���لة بين فترات التدري���ب ،تتوقف �إلى حد
بعيد على طبيعة المادة �أو العمل المتعلم .وتتوقف على الفروق الفردية بين المتعلمين.
وفيما ي�أتي �أهم فوائد التدريب الموزع:
(�أ) تالحق التدريب يف املراحلة املبكرة قد ينتج عنه تثبيت الأخطاء التي حتدث يف
التعلم املبكر.
(ب) توزيع التدريب مي ّكن املتعلم من احل�صول على ا�ستجابات يتبعها فيما بعد.
(جـ) ي�ساعد التوزيع على االحتفاظ باالهتمام واالنتباه وجتنب التعب وامللل وال�شرود.
(د) ي�ساعد التوزيع على التب�صر يف العمل من جديد ،ويحفزه على ُح�سن القيام
باملحاولة الالحقة بعد �أوقات الراحة.
فالطف���ل الذي يف�ش���ل في القراءة مثلاً قد ي�س���بب ل���ه ا�ض���طرابات انفعالية ،منها:
الع�ص���بية وحدة المزاج� ،أو الت�أت�أة والف�أف�أة في النطق ،وخا�ص���ة �أمام الآخرين� ،أو ق�ض���م
الأظافر ،والقلق� ...إلخ.
�أو ق���د ت�س���بب له بع����ض اال�س���تجابات ال�س���لبية :ك�إحداث ال�ض���جيج� ،أو اال�س���تهتار
والت�ساخف� ،أو قد ت�سبب له بع�ض الت�صرفات ال�سلوكية غير ال�سوية ،كال�شرا�سة �أو التخريب
�أو ال�شرود �أو الأنانية �أو ال�سلوك الهروبي �أو التجنبي لكثير من المواقف االجتماعية.
وفي الحقيقة �إن الف�شل الذي ي�صيب الإن�سان هو نتيجة لما يعانيه من متاعب نف�سية
أي�ضا �سبب الم�شكالت التي تحدث لل�شخ�صية.�أو عاطفية� ،إال �أنه � ً
ه���ذا ،وم���ن العوامل الم�س���اعدة عل���ى نجاح المتعل���م :اللج���وء �إلى بع����ض المثيرات،
كالمدي���ح والثناء والت�ش���جيع �أكثر م���ن التوجيه ال�س���لبي القائم على النه���ي والزجر ،وتتبع
ال�س���قطات والزالت والتنبيه �إليها ،الذي قد ي�ؤدي �إلى الف�ش���ل ،ونحن مع من قال :ال �ش���يء
ينجح كالنجاح.
أي�ضا مت�صل بم�ستوى الطموح ،وهو الم�ستوى الذي يطمح الفرد في الو�صول والنجاح � ً
�إليه في الم�س���تقبل بالن�سبة �إلى �أمر ما ،فتف�سير النجاح بهذا المعنى الو�صول �إلى تحقيق
هذا الم�ستوى ،بينما يكون الف�شل ق�صور الفرد عن هذا الم�ستوى.
ولم�ستوى الطموح غايات مهمة ،منها:
�إن الطموح بالن�سبة �إلى الفرد ،وك�أنه واقع �أو رغبة عميقة ي�سعى وراء تحقيقها ،ومن
هنا يكون م�ستوى الطموح باع ًثا وراء الجهد وال�صبر والمتابعة؛ بغية تحقيق الأهداف.
ف�إذا كانت قدراته �أقل من م�س���توى طموحه ،ف�إنه ي�ص���ل �إلى النجاح ب�س���هولة وي�سر،
ومن ثم تتكون عنده طموحات جديدة ،بينما �إذا كان م�س���توى طموحه عال ًيا لدرجة تعجز
قدراته عن تحقيقها ،فقد ي�شعر بخيبة الأمل والف�شل� .إذن ،فالنجاح والف�شل متوقفان على
483
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
طموح���ات الفرد و�أهدافه �أكثر من توقفهما على العمل ف���ي حد ذاته ،ولذلك من الأهمية
بمكان �أن يعين الإن�سان لنف�سه �أهدا ًفا يمكن له الو�صول �إليها بجهد معقول ودون �أن تكون
مفرطة ال�س���هولة �أو ال�صعوبة .ومن الخير للإن�س���ان �أن يبقي �آماله وطموحاته في م�ستوى
يتنا�سب مع قدراته و�إمكاناته لكي ال يحزن على ق�صوره عن �أمر يعلم �أنه فوق طاقته.
و�إن الث���واب والعق���اب له �أهمية نح���و نجاح التعل���م وفاعليته .والعقاب ل���ه �آثاره في
التعلم ،حيث:
(�أ) ُي�ساعد العقاب على �إي�ضاح بع�ض الأمور ،وخا�صة نتائج اال�ستجابات التي قد
متر ب�صورة غري ملحوظة.
(ب) قد يكون العقاب داف ًعا مث ًريا ،فيحاول املتعلم جتنبه �أو ُي�سارع �إىل �إيجاد
اال�ستجابة ال�صحيحة.
(جـ) قد يدفع العقاب املتعلم �إىل التفريق بني املهم وغري املهم يف حل م�شكلة ما.
(د) العقاب ال�شديد قد يكون له ت�أثري �سيئ على املتعلم ،فينفر من العمل.
(هـ) �إذا كان العمل �سهلاً �أو قليل ال�صعوبة ،ف�إن العقاب قد ُي�سرع التعلم ،ويقلل
الأخطاء� .أما �إذا كان العمل �صع ًبا بالن�سبة �إىل املتعلم ،ف�إن زيادة العقاب قد
ُت�سبب �إعاقة التعلم اً
بدل من �أن ت�سهله.
كثي ًرا عن دقتها الأ�ص���لية و�س���هولتها� ،أما الأ�س���ماء التي لم يبالغ فيها ،ف�إنها �س���تبقى فوق
عتبة اال�ستجابة مدة �أعوام عدة.
ومن الحقائق التي تو�ص���لوا �إليها� :إن ن�س���بة الخ�س���ارة النا�ش���ئة عن عدم اال�ستعمال
تتوقف على درجة التعلم ،و�إن هذه الخ�سارة ت�ستمر فوق عتبة اال�ستجابة وتحتها.
ودل���ت كثير م���ن الدرا�س���ات الت���ي �أجريت عل���ى م�ش���كلة االحتفاظ بالمو�ض���وعات
الدرا�س���ية على حدوث فقدان كبير في االحتفاظ بالمو�ضوعات الدرا�سية ،نتيجة الن�سيان
وع���دم التكرار والممار�س���ة في حفظ المعلومات ،وخا�ص���ة خالل العطلة ال�ص���يفية .لذا،
ف�إن المعلمين يخ�ص�ص���ون الأ�س���ابيع الأولى من كل عام مدر�س���ي لمراجعة درو�س ال�س���نة
الما�ضية.
ومن المعلوم �أن يكون تذكر الأفكار العامة والمبادئ �أ�سهل من تذكر الن�ص الحرفي،
وهنا تبدو �أهمية التربية التي تعنى بالأفكار العامة والمبادئ �أكثر من عنايتها بالتفا�صيل،
ولكن الح�صول على الفكرة العامة ،ال بد له من التفا�صيل اللفظية ،حين الح�صول عليها.
والواقع �أنه عند تنظيم الحقائق في عالقات ذات معنى و�صياغتها ب�صورة عامة في
مبادئ ،يكون ذلك �أدعى ل�سرعة تذكر التفا�صيل ،بخالف ما لو كانت هذه التفا�صيل تقوم
ب�شكل منف�صل ،وهنا تظهر �أهمية عامل التنظيم في االحتفاظ.
ولقد علل علماء النف�س قدي ًما الن�س���يان ب�أنه يرجع �إلى عدم الممار�س���ة واال�ستعمال
وزوال االنطباعات ،ولكن الر�أي المعا�ص���ر في الن�س���يان �أنه يحدث نتيجة عملية تدخل �أو
تفاعل بين التعلم الجديد والقديم.
فالطف���ل الذي يتعلم حقيقة ح�س���ابية يوم الإثنين مث�ًل�ااً ،ال يتذكر ذلك يوم الجمعة،
ناتجا عن قلة التمرين ،بقدر ما هو ناتج عن تعلمه حقائق ح�س���ابية فن�س���يانه هذا ال يكون ً
�أخرى في �أثناء تلك المدة الفا�ص���لة ،ما عرقل التعلم الأول ،واختلط به ،ولقد �س���مي هذا
التدخل (الكف الرجعي).
485
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
تلخي�ص:
-1الق�صد بتوجيه التعلم هو بيان �أف�ضل الطرق التي تتبع لتوجيه التعلم عند املتعلم.
-2يتم توجيه التعلم يف كل املهارات اليدوية ،ويف القدرات النظرية (املعارف العلمية).
-3يتم توجيه التعلم يف كل املهارات اليدوية من خالل معرفة املعلم �صفات العمل
ال�صحيح ،و�أن يتعلم املتعلم العمل بطريقة كلية ،و�أن يكون العمل مر ًنا ،و�أن يتمكن
املتعلم من احلكم على ا�ستجاباته التي تعلمها.
-4يتم توجيه تعلم املهارات اليدوية با�ستخدام طرائق فيها املالحظة -التوجيه اليدوي -
التوجيه الكالمي (اللفظي).
-5التوجيه الكالمي يف تعلم املهارات اليدوية له �شروط معينة.
-6توجيه التعلم يف املعارف العلمية ،له طرائق معينة ،منها طريقة التعلم بالكل -قيمة
ال�شكل والتنظيم يف التعلم -القراءة والت�سميع يف التعلم -التدريب املتالحق والتدريب
املوزع -ت�أثري النجاح والف�شل -االحتفاظ بعد التعلم اللفظي.
486
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
�أ�سئلة ومتارين:
-1يتم توجيه التعلم يف املهارات اليدوية من خالل مبادئ �أ�سا�سية .ا�شرح.
-2احل�صول على املهارات اليدوية يت�صف بخ�صائ�ص معينة .ا�شرح.
-3التوجيه الكالميُ ،يع ّد من طرائق توجيه املهارات اليدوية .ا�شرح.
-4طريقة التعلم بالكلُ ،تع ّد من طرائق توجيه املتعلم يف املعارف العلمية .ا�شرح.
-5النجاح والف�شل لهما �أثر يف توجيه التعلم يف املعارف العلمية .ا�شرح.
-6كيف يتم االحتفاظ بعد التعلم النظري؟
م�ساهمات علماء امل�سلمني يف تف�سري التعلم
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل م�ساهمات الإمام الغزايل يف التعلم.
(� )2أن يعدِّ د املتعلم م�ساهمات ابن جماعة يف التعلم.
(� )3أن يقدر جهود برهان الإ�سالم الزرنوجي يف التعلم.
م�ساهمات علماء امل�سلمني يف تف�سري التعلم
:
ق���دم علماء الم�س���لمين �إ�س���هامات بالغة الأهمي���ة في مختلف مناح���ي الحياة ،ومن
�أ�ص���حاب الإ�س���هامات البارزة عدد من العلماء ،مثل الغزالي ،واب���ن جماعة ،والمواردي،
وابن الجوزي ،وبرهان الإ�سالم الزرنوجي الذين قدموا � اً
أعمال متميزة في مجاالت متعددة
نذكر منها في هذا المقام �إ�سهاماتهم في مجال التربية والتعلم.
الإمام الغزايل:
ُيع��� ّد الغزال���ي من �أوائل م���ن قدموا نظرية «�س���بق الوه���م �إلى العك�س» الإ�ش���راطية
االقترانية ،وبذلك فقد �س���بق «بافلوف» بقرون طويلة .و�إن اقت�ص���رت نظريته على الأمثلة
الح�س���ية فق���ط ،وافتقرت �إل���ى التجريب ،ف�إن ه���ذا يعود �إلى اختالف منه���ج البحث لدى
العلماء من ال�سلف.
والف���رق بين الغزالي وغيره من علماء التعلم ال�ش���رطي ،وخا�ص���ة «بافلوف» وفق ما
ي�شير �إليه «دكتور فائز الحاج»� ،أن:
« -1الغزايل» ي�سمي هذا القانون � -سبق الوهم �إىل العك�س -ولهذه الت�سمية مربراتها
و�سببها� .أما «بافلوف» ف ُيف�ضل �أن يختار له ا�س ًما �آخر ،هو «رد الفعل ال�شرطي» �أو
«الفعل املنعك�س ال�شرطي».
-2يعزو «الغزايل» هذا القانون �إىل قوة يف النف�س هي القوة الوهمية ،وال�سبب الكامن
وراء هذا القانون هو الوهم .بينما يعزو «بافلوف» وعلماء النف�س هذا القانون �إىل
عملية الإ�شراط.
490
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
« -3الغزايل» يعطي الدماغ دوره الكبري يف هذا القانون الوهمي ،و�أن «بافلوف» يعطي
الدور الف�سيولوچي للق�شرة الدماغية يف عملية الإ�شراط.
« -4الغزايل» �أعطى �أهمية كربى للثواب والعقاب ودورهما يف هذا القانون ،وكذلك
«بافلوف» �أكد � ً
أي�ضا �ضرورة التعزيز الإيجابي (للثواب) والتعزيز ال�سلبي (للعقاب)
يف عملية الإ�شراط.
« -5الغزايل» ا�ستنتج هذا القانون من القواعد املنطقية الفكرية املجردة دون �أن ي�ستخدم
احليوان (الكالب) يف نظريته ،واكتفى بالأمثلة احل�سية الواقعية لتو�ضيح قانونه .بينما
«بافلوف» تو�صل �إىل ا�ستنباط هذا القانون بعد �إجراء كثري من التجارب والتطبيقات
املادية ،وكان عمله بهذا ُيع ّد اً
مثال جديدً ا على الأمثلة التي �أوردها «الغزايل».
والواقع �أن نظرية «الغزالي» ت�ؤكد على «الوهم النف�سي» �أي �إن النف�س تتوهم ،وتتبنى
ما يتكرر �أمامها ،ثم ينطبع فيها ذلك «الوهم» الذي يظهر في �س���لوك الإن�س���ان على �شكل
«رد فعل» نابع من النف�س ذاتها .وفي هذا يقول «الغزالي»:
«�إن النف�س ...متى توهمت �ش���ي ًئا ،خدمتها الأع�ض���اء والقوى التي فيها تحركت �إلى
الجه���ة المطلوب���ة ...حتى �إذا توهمت �ش���ي ًئا طيب المذاق تحلبت �أ�ش���داقه ،وانتهت القوة
الملعبة فيا�ض���ة باللعاب ...وذلك لأن الأج�سام والقوى الج�سمانية ،خلقت خادمة م�سخرة
للنفو�س ،ويختلف ذلك باختالف �ص���فاء النفو�س وقوتها ،فال يبعد �أن تبلغ قوة النف�س �إلى
حد تخدمها القوة الطبيعية في غير بدنه؛ لأن نف�س���ه لي�س���ت منطبعة في بدنه� ،إال �أن لها
نزوعا و�شو ًقا �إلى تدبيره».
ً
ابن جماعة:
ه���ذا ،ولي�س الإمام الغزالي وحده الذي �س���اهم بجهوده ،فقد �أورد «ابن جماعة» في
كتاب���ه (تذكرة ال�س���امع والمتكلم في �آداب العالم والمتعل���م )1980 -كثي ًرا من نظريات
491
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
التعلم التي اكت�س���بها من تجارب العلماء الم�سلمين الذين �سبقوه ،فقد طبق «ابن جماعة»
بع�ض نظريات التعلم تطبي ًقا عمل ًّيا �أوردها في كتابه بقوله (عن دور المعلم):
«وينبغ���ي �أن يعتني بم�ص���الح المتعلم ،ويعامله بما يعامل به �أعز �أوالده من ال�ش���فقة
عليه والإح�س���ان �إليه وال�ص���بر على جفائه� ،إذ ربما وقع منه نق�ص ال يكاد يخلو الإن�س���ان
منه ،و�سوء �أدب في بع�ض الأحيان ،ويب�سط عذره بح�سب الإمكان ،ويوقفه مع ذلك على ما
�ص���در منه بن�صح وتلطف ،ال بتعنيف وتع�سف ،قا�صدً ا بذلك ح�سن تربيته وتح�سين ُخلقه،
و�إ�ص�ل�اح �ش����أنه .ف�إن عرف ذلك لذكائه بالإ�ش���ارة ،ف�ل�ا حاجة �إلى �ص���ريح العبارة ،و�إن
لم يفهم ذلك ب�ص���ريحها �أتى بها ،وراعى التدريج في التلطف ،وي�ؤدبه بالآداب ال�س���نية،
ويحر�ضه على الأخالق ال ُمر�ضية ،ويو�صيه بالأمور العرفية الموافقة للأو�ضاع ال�شرعية.
ف�إذا تمعنا في هذه الو�صية العلمية ،تبين لنا �أن «ابن جماعة» كان متفه ًما لنظريات
التعلم المعروفة �آنذاك ،منذ �س���بع مئة �س���نة ،مثل النظرية التجريبية ،حيث �أ�ش���اد «ابن
جماعة» ب�أن المتعلم �إذا عرف ذلك لذكائه بالإ�ش���ارة ،فال حاجة �إلى �صريح العبارة ،و�إن
لم يفهم ذلك �إال ب�صريحها �أتى بها ،وراعى التدريج.
ومن هذا يتبين �أن النظريات الخا�صة بالتعلم ،كانت �شائعة عند �أ�سالفنا من علماء
الم�س���لمين ،وقد طبقه���ا معظمهم في تعليم تالميذه وتن�ش���ئتهم ،والحظ مردودها ،وكتب
عنها ،و�أجاد في و�صفها ،وو�صف طالب العلم الذي كان يالزمه من حيث ت�صرفه ومقدار
حفظه ،و�أمانته ،و�سلوكه ،و�أخالقه ،وجودة كتابته ،و�سرعة بديهته ،و�سداد جوابه.
املاوردي:
هو �أبو الح�س���ين علي بن محمد بن حبيب الب�ص���ري المعروف بالماوردي (ن�س���بة �إلى
ماء الورد) ،ولد في الب�ص���رة �س���نة 364هـ ،تلقى تعليمه فيها على �أبي القا�س���م ال�ص���يمري
وغي���ره من الفقه���اء والمحدثين ،ث���م رحل �إلى بغ���داد ،وتتلمذ فيها على ال�ش���يخ �أبي حامد
الإ�سفراييني.
492
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
وم���ن �أهم كتبه التي لها عالق���ة بعلم النف�س فهو كت���اب �أدب الدنيا والدين ،ويتكون
من خم�س���ة �أبواب :الأول عن العقل وف�ض���له ،والثاني عن العلم والتعلم� ,أدب طالب العلم،
والثالث عن �أدب الدين ،والرابع عن �أدب الدنيا ،والخام�س عن �أدب النف�س.
-3وقد يمتنع الفهم على ال�شخ�ص ب�سبب يتعلق بال�شخ�ص نف�سه ،ك�أن يكون بليدً ا �أو �سريع
الن�سيان.
ثال ًثا� :شروط التح�صيل:
ف�أما ال�شروط التي يتوفر بها علم الطالب ،وينتهي معها كمال الراغب ،مع ما يالحظ
به من التوفيق ،ويمد به المعونة فت�سعة �شروط هي:
( )1العقل الذي يدرك به حقائق الأمور.
( )2الفطنة التي يت�صور بها غوام�ض العلوم.
( )3الذكاء الذي ي�ستقر به حفظ ما ت�صوره وفهم ما عمله.
( )4ال�شهوة التي يدوم بها الطلب ،وال ي�سرع �إليه الملل.
( )5االكتفاء بمادة تغنيه عن طلب الطلب.
( )6الفراغ الذي معه يكون التوفر ،ويح�صل به اال�ستكثار.
( )7عدم القواطع المذهلة من هموم و�أ�شغال و�أمرا�ض.
( )8طول العمر وات�ساع المدة ،لينتهي باال�ستكثار �إلى مراتب الكمال.
( )9الظفر بعالم �سمح بعلمه ،مت� ٍأن في تعليمه.
ابن اجلوزي:
ه���و جمال الدين �أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد بن علي القر�ش���ي التيمي
البغدادي ،ال يعرف بالتحديد متى ولد ،ولكن من الم�ؤكد �أنه ولد في �أول القرن ال�س���اد�س
وبع�ضهم يرجح ميالده في 510و�آخرون يرون �أنه في ،509وتوفي عام 597هـ.
�أل���ف اب���ن الجوزي عددًا كبي ًرا من الكتب ،ويذكر ابن تيمية �أنه �أح�ص���ى له �أكثر من
�ألف م�صنف.
494
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
و�أ�شار ابن الجوزي �إلى بع�ض العوامل المرتبطة بالتعلم ،مثل الن�سيان وكيفية عالجه
حيث ف�سر انق�ضاء �أثر الدر�س �أو الموعظة -زوال �أثر الوعظ �سري ًعا -تف�سي ًرا نف�س ًّيا على
النحو الآتي:
-1الحال���ة االنفعالية :حيث يرى �أنها �س���ريعة االنطفاء ،فطبيعة الموعظة �أنها تثير
العاطف���ة وتخاطب في العادة الجانب االنفعالي عند ال�س���امع ،فيح���دث له �أثر وتفاعل مع
م���ا ي�س���مع ،ولكن ه���ذا التفاعل ال ي�س���تمر ،بل يزول �س���ري ًعا؛ لأن الموعظ���ة اعتمدت على
الخطاب العاطفي ،وخاطبت الجانب االنفعالي من تكوين الإن�سان فقط ،والعاطفة �سريعة
التغيير �سريعة البرود ما �إن يتفاعل الإن�سان ،وتتحرك عواطفه �إال وتنخف�ض �سري ًعا ب�سبب
غياب الم�ؤثر ،وهو الموعظة.
-2اليقظ���ة واالنتب���اه �أو ح���ال ال�ش���خ�ص حال �س���ماعه الموعظة :ف����إذا كان منتب ًها
حا�ضر الذهن مجتمع النف�س �سال ًما من الم�ؤثرات ال�صارفة ،ف�إنه يكون �أكثر تفاع ًال و�أكثر
ا�ستجابة لما ي�سمع ،ف�إذا ان�صرف من مجل�س الوعظ ،وت�شتت نف�سه ،وان�صرف ذهنه �إلى
ق�ض���ايا �أخرى ف�إن �أثر الموعظة يزول ،وما ينطبق على الموعظة الدينية يمكن �أن ينطبق
أي�ضا على تح�صيل الدرو�س الأكاديمية في الم�ؤ�س�سات التربوية في الوقت الحالي. � ً
-3وكذل���ك لف���ت انتباه من يري���د �أن يحفظ �إلى �أن للحفظ فت���رات من العمر يكون
الحفظ فيها �أجدر و�أر�سخ ،و�أف�ضل هذه الأوقات في ال�صغر.
-4وذك���ر ابن الج���وزي �أن في الزمان �أوقاتً���ا تكون �أولى من غيره���ا للحفظ ،ف�أول
النهار و�أوقات ال�س���حر والغدوات حيث الن�شاط وزوال الأ�ش���غال وقلة الملهيات �أف�ضل من
�سواها.
� -5أم���ا فيما يتعلق ب�أح���وال من يريد �أن يحفظ فنبه ابن الجوزي �إلى �أن لل�ش���خ�ص
أحوال يح�س���ن فيها الحفظ ،وهي خير من غيرها ،فحال قلة الطعام معين �أكثر من حال � اً
ً
ن�ش���اطا للحفظ �أن يتركه �إلى �أن يعود �إليه ن�شاطه ،وال امتالء المعدة ،ون�ص���ح من لم يجد
يكابر نف�سه.
-6وم���ن العوام���ل المعينة على الحف���ظ التي نبه �إليه���ا ابن الجوزي عام���ل البيئة؛
�ص���الحا للحفظ ،ولهذا ين�صح من
ً فالبيئة التي فيها ملهيات ت�ش���غل الإن�س���ان لي�ست مكا ًنا
يريد �أن يحفظ بالخلوة ،ويع ّدها �أ�ص ًال في ذلك.
-2تعليم التعلم :حيث �أو�ضح عنا�صر التعلم واملالمح العامة للتعلم ،و�أبان �أن املتعلم ذاته،
هو الذي ُيحدد متكنه من التعليم ،و ُيق ّوم تعلمه ويوجه طريقه ،و�أن املتعلم هو الذي
ي�ضع املعيار ،بل املتعلم هو املعيار.
-3ال�صبغة العملية للتعلم (الطابع التطبيقي) ،حيث �أو�ضح �أ�ساليب التعلم من تكرار
وحفظ وجتويد الكتابة واخلط وو�صايا �أخرى.
-4املتعلم كله :حيث �أ�شار �إىل االهتمام بجوانب �شخ�صية املتعلم االنفعالية والعقلية
واالجتماعية.
� -5شمول التناول لكثري من جوانب التعلم.
والتعلم الذي �أ�شار �إليه الزرنوجي ي�شمل الجوانب:
المعرفية -الدينية -النظرية.
والتعلم :انفعال ًّيا � -أخالق ًّيا -تطبيق ًّيا.
وامت���از التعل���م في ع�ص���ر الزرنوجي بتفه���م الدين والتفق���ه في علوم���ه ،وااللتزام
بالفرائ����ض وال�ش���عائر ،واجتن���اب النواه���ي ،واال�ستم�س���اك بالقيم الأخالقي���ة والقواعد
ال�س���لوكية في التعامل مع الآخرين .ونادى بالتعلم الم�ؤدي �إلى نوع من التهذيب والتنظيم
ً
�ش���رطا من �ش���روط الداخلي ،الذي ُيحقق التوازن االنفعالي المطلوب عند التعلم ،بل ُيع ّد
نجاح التعلم.
و�أ�شار الزرنوجي في م�ؤلفه �إلى اكت�ساب المهارات الحركية (التعلم الحركي) وهذا
الجانب ا�ستحدث فقط في التعلم في وقتنا المعا�صر.
وفيما يتعلق بعنا�صر ن�سق الزرنوجي في التعلم ،ف�إنها تتلخ�ص في:
الت�أهب � -أدب النف�س -الدافعية -االختيار -الأن�شطة -الحفظ والن�سيان � -صحة
البدن والتعلم -اجتماعية التعلم.
497
علم النف�س التربوي الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم
وهذا الم�ؤلف الذي م�ض���ى عليه قرابة �ألف عام ي�ش���تمل عل���ى جوانب عدة مما يتفق
م���ع �ش���مولية الجوانب المختلفة ف���ي التعلم والتعليم م���ن النواحي النف�س���ية واالجتماعية
والعقلية وغير ذلك ،ومما تنادي به التف�سيرات الحديثة في علم النف�س المعا�صر بالن�سبة
�إلى التعلم.
تعقيب:
• يتم فهم ال�سلوك الإن�ساني عن طريق فهم التعلم ،على �أنه من ال�ضروري �أن نفرق بين
�آثار التعلم والن�ضج في تغيير ال�سلوك.
وفي ر�أي الغزالي �أن ال�سلوك هو نتاج المعرفة والإدراك� ،أي نتاج التعلم في مواقف
الحياة والعمل والمعامالت مع النا�س .و�أو�ضح ذلك ب�أن هذا ال�سلوك (المتعلم) لي�س
نتاج الم�ؤثر الذي �أثار حدوثه �أو وقت حدوثه.
• و�إن كانت نظرية التعلم ال�ش���رطي التي ك�ش���ف عنها العالم الرو�س���ي «بافلوف» ُتع ّد من
النظري���ات الحديث���ة ،التي ُيف�س���ر به���ا التعلم في علم النف�س المعا�ص���ر ،ف����إن «الإمام
الغزالي» كان �أ�س���بق �إلى و�ض���ع نظرية �أ�س���ماها نظرية «�س���بق الوهم �إلى العك�س» وهي
498
الباب الثامن� :سيكولوجية التعلم علم النف�س التربوي
نظري ��ة تخت�ص باالقتران اال�ش ��تراطي ،حيث ف�س ��ر ال�س ��لوك واال�س ��تجابات المقترنة
وتعليله ��ا بالوهم ،وه ��و ما يقابل معنى اال�ش ��تراط اليوم .وهذه النظرية ت�س ��بق نظرية
«بافلوف» بقرون طويلة.
• �أ�ضاف «الغزالي» �إلى نظريته ،ما يتوافق مع الجانب الف�سيولوچي الذي �أ�شار �إليه
«بافلوف» في نظريته ،حيث �إن «الغزالي» ذكر دور الدماغ في القانون الم�شار �إليه،
و�أ�شار �إلى قانون �آخر عن الثواب والعقاب ودورهما في التعلم .وهذه القوانين لها ما
ي�شابهها � ً
أي�ضا في نظرية «بافلوف» ،وهي ما �أ�شار �إليه «بافلوف» بالتعزيز الإيجابي
(الثواب) والتعزيز ال�سلبي (العقاب) في عملية الإ�شراط.
• وقد تو�صل «بافلوف» �إلى قوانين التعلم ال�شرطي من خالل تجاربه الكثيرة على الكالب،
�إال �أن الغزالي منذ �أمد بعيد ا�ستنبط قوانينه من القواعد المنطقية الفكرية المجردة
في نظريته ،واكتفى ب�أمثلة ح�سية واقعية لتو�ضيح قانونه.
• تتوافق �آراء «ابن جماعة» في تف�سيره للتعلم فيما ُيعرف بالنظرية التجريبية للتعلم.
• �إ�ضافة �إلى ما �أ�شار �إليه الزرنوجي من �شروط التعليم والتعلم ،ف�إنه �أو�ضح �أن التعلم
له جوانب �شاملة متعددة ،وهو ُيع ّد �أ�سبق عالم �إ�سالمي في التنبيه �إلى قيمة التعلم
الحركي واكت�ساب المهارات الحركية ،حيث كان لذلك مردوده في معرفة قيمة هذا
النوع من التعلم واكت�ساب المهارات الحركية في علم النف�س المعا�صر فيما بعد.
• من هذا يتبين �أن م�ساهمات علماء الم�سلمين في تف�سير التعلم واكت�ساب ال�سلوك كانت
قائمة منذ قرون عدة م�ضت ،ما �أ�ضاف �إلى جهودهم في التف�سير الإ�سالمي لل�سلوك
الإن�ساني بعدًا �آخر من �أبعاد االهتمام بتف�سير كيفية تعلم �أنماط ال�سلوك الإن�ساني .ولأهمية
العلم والتعلم في الإ�سالم يكفينا �أن نذكر قول ر�سول اهلل في هذا المقام�« :إن اهلل لم
مي�س ًرا»(((.
يبعثني معن ًتا وال متعن ًتا ،ولكن بعثني مع ِّل ًما ِّ
�أ�سئلة ومتارين:
-1و�ضح م�ساهمات الإمام الغزايل فيما قدمه من تف�سري عن التعلم ال�شرطي الذي �أطلق
عليه «�سبق الوهم �إىل العك�س».
-2كيف وجه «ابن جماعة» العناية مب�صالح املتعلم؟ ا�شرح.
-3ما املالمح العامة للتعلم عند الزرنوجي؟
التقومي الرتبوي -التعريف والأهداف
•الأهـداف:
(� )1أن ُيعرف املتعلم التقومي.
(� )2أن مييز املتعلم بني نوعي التقومي.
(� )3أن يذكر املتعلم مفهوم القيا�س و�أنواعه.
(� )4أن يتعرف املتعلم �إىل �أهداف التقومي يف العملية الرتبوية.
(� )5أن يف�سر املتعلم �أهداف تقومي املتعلمني وو�سائله.
(� )6أن يق���در جه���ود العلم���اء يف ا�س���تخدام الأه���داف الرتبوي���ة لتق���ومي
التح�صيل الدرا�سي.
التقومي الرتبوي -التعريف والأهداف
:
كيف يتم تقويم المتعلم والتعلم؟
الواق���ع �أنه في وقتنا الحا�ض���ر تهتم وتعتني المدار�س الحديث���ة بالتقويم للمتعلمين،
خا�صة تقويم ما يتعلمونه بالمدار�س ،حيث ُيعرف ذلك بالتقويم التربوي.
والتقويم من �أهم �أ�س�س العملية التعليمية .فنتائج التقويم هي التي توجه المعلم نحو
اختي���ار �أهداف معينة ،والعمل على تحقيقها على م�س���تويات معين���ة .لذلك ،ف�إن التقويم
التربوي ُيع ّد عملية �أ�سا�سية .والتقويم �ضرورة للمتعلم؛ لأنه عند تقويم �أدائه ،ي�ستطيع �أن
يتبين م�س���توى الأداء ويقارن بين م�ستوى تح�صيله العلمي ،وما بذل من مجهود ،وفي هذا
ما يحفزه �إلى مزيد من التح�صيل الذي يتفق وم�ستوى طموحه ،وما لديه من دوافع.
و�إن التقويم �ضروري للمعلم ،حتى ي�ستطيع �أن ُيق ّوم تح�صيل المتعلمين وم�ستوياتهم
العقلية والمعرفية وخ�صائ�ص���هم النف�س���ية ،وي�ساعدهم على اكت�ش���اف ا�ستعداداتهم من
جهة ،وعلى تحقيق الأهداف التربوية لنمائهم من جهة �أخرى.
والتقويم التربوي عملية �ض���رورية للقائمين على �أمور التربية؛ لأنه ي�ؤدي �إلى معرفة
م���دى ما تحقق من الأهداف التربوي���ة القائمة ،و�إلى �أي مدى تتفق النتائج مع ما بذل من
جهد ،وما توافر من �إمكانيات.
والتقويم التربوي والقيا�س النف�سي ،لهما مكان بارز في المدار�س النف�سية الحديثة ،و ُيع ّد
كل منهم���ا من �أهم فروع علم النف�س التربوي ،ولهذا يعن���ى القائمون ب�إعداد المعلمين بالعمل
506
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
عل���ى تدريب المتعلمين ف���ي الكليات الجامعية ومعاه���د �إعداد المعلمين على و�س���ائل التقويم
التربوي والقيا�س النف�س���ي ،وعلى فهم �أ�س����س وقواعد التقويم التربوي والقيا�س النف�سي ،حتى
�إذا تخرج المعلمون �إلى الحياة كانوا قادرين على تقويم تالميذهم تقوي ًما �سلي ًما.
التعريف بالتقومي:
من الناحية اللغوية قوم ال�شيء بمعنى ،قدر قيمته وقوم ال�شيء وزنه ،وفي التربية قوم
المعلم �أداء المتعلمين� ،أي �أعطاه قيمة ووز ًنا بق�صد معرفة �إلى �أي مدى ا�ستطاع المتعلمون
الإفادة من العملية التعليمية ،و�إلى �أي مدى �أدت هذه الإفادة �إلى �إحداث تغيير في �س����لوك
المتعلمين ،وما تم اكت�سابه لديهم من مهارات لمواجهة م�شكالت الحياة االجتماعية.
م���ن ناحية الم�ض���مون ،ف�إن التقويم يت�ض���من الحكم على ال�ش���يء المق���وم ،ولذلك
فهو يختلف في مفهومه عن القيا�س .فعندما ي�ش���تري فرد �س���لعة ،ف�إنه ي�س����أل عن ثمنها،
ومن ثم يحكم عليها ما �إذا كانت رخي�ص���ة �أم غالية ،وي�س���تعين في الحكم على رخ�ص �أو
زيادة �س���عر ال�س���لعة تب ًعا لعالقات عدة ،منها مقدار ما لديه من نقود ،ومدى حاجته �إليها
وثمنها بالن�س���بة �إلى �س���لع �أخرى في ال�س���وق .وبالمث���ل �إذا حاول معلم تقوي���م المتعلمين،
ف�إنه ي�س���تخدم اختبارات معينة ،ويقوم بت�س���جيل نتائج تطبيقها ،ثم يدر�س هذه النتائج،
ويرجعه���ا �إلى �إطار تح�ص���يلي عام ،وبذلك يمكنه الحكم على نتائج التح�ص���يل بالن�س���بة
�إلى المتعلمين .والتقويم يت�ض���من عمليتين �أ�سا�س���يتين هما :عملية الت�شخي�ص ،حيث يتم
تحديد مواطن القوة وال�ضعف في ال�سلوك .ومن ثم يتبعها عملية العالج� ،أي عالج مواطن
ال�ضعف بغر�ض تعديل ال�سلوك.
�أنواع التقومي:
هناك نوعان رئي�سان في التقويم:
-1تقومي ذاتي Subjective Evaluationحيث يلج�أ الفرد �إىل املقايي�س الذاتية يف عملية
التقومي.
507
علم النف�س التربوي الباب التا�سع :التقويم التربوي
تعريف القيا�س:
القيا�س في معناه �أ�ضيق من التقويم .فهو يعني جمع معلومات ومالحظات كمية عن
المو�ض���وع الذي يراد قيا�سه .والقيا�س من الناحية الإح�ص���ائية عبارة عن تقدير الأ�شياء
والم�س���تويات تقدي��� ًرا كم ًّيا با�س���تخدام مقايي����س متدرجة .وتتوقف دق���ة النتائج على دقة
المقيا�س الم�ستعمل في عملية القيا�س.
ويت�ضمن القيا�س عالوة على التقدير الكمي للظواهر المختلفة ،عملية مقارنة نتائج
القيا�س بغيرها .ف�إذا كنا مثلاً ب�ص���دد قيا�س اال�س���تعداد العقلي لمجموعة من المتعلمين
في �س���ن ال�س���ابعة ،ف�إننا نختار مقيا�س ذكاء معي ًنا؛ حتى ي�س���اعدنا على تحديد كمي لهذا
اال�ستعداد عند كل متعلم ،ثم نقارنه بالم�ستوى العام لمن هم في مثل هذا العمر الزمني،
�أي نقارن م�ستوى ذكاء هذا المتعلم بالن�سبة �إلى مجتمع من هم في �سن ال�سابعة.
�أنواع القيا�س:
هناك نوعان رئي�سان في القيا�س:
-1قيا�س مبا�شر Direct Measurementمثلما نقي�س طول قطعة من القما�ش ،وطول عمود
من ال�صلب ،وطول قاعدة درا�سية مثلاً .
508
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
-2قيا�س غري مبا�شر Indirect Measurementكما يحدث عندما نقي�س درجة احلرارة
بارتفاع الزئبق يف الرتمومرت� ،أو حيث نقي�س حت�صيل املتعلمني يف مادة درا�سية
معينة ،با�ستخدام جمموعة من الأ�سئلة.
ويت�أثر القيا�س بعوامل مختلفة ،منها:
-1ال�شيء املراد قيا�سه �أو ال�سمة املراد قيا�سها.
� -2أهداف القيا�س.
-3نوع املقيا�س الذي ُي�ستخدم يف عملية القيا�س ،ووحدة القيا�س امل�ستخدمة.
-4طريقة القيا�س ومدى تدريب ال�شخ�ص الذي يقوم بالقيا�س وجمع املالحظات.
ه���ذا ،و ُيع ّد القيا�س �إحدى و�س���ائل التقوي���م المهمة ،وال يمك���ن �أن يوجد تقويم دون
قيا�س في �أي �صورة من ال�صور ،ولهذا ُيع ّد التقويم عملية �أعم و�أ�شمل ،فالتقويم ي�ستخدم
في تقدير �أهداف وا�س���عة ن�سب ًّيا قد تت�سع لت�ش���مل تقويم نظام تعليمي معين� ،أو تقويم نوع
معين من التربية� ،أو تقويم �شخ�صية معينة ،مثل �شخ�صية المعلم �أو المتعلم.
-3تقويم المنهج الدرا�سي :حيث ُيمكن المعلم من خالل تدري�س المنهج للمتعلمين ،ثم
تقويمهم في نهاية الف�صل الدرا�سي �أو العام� ،أن يتعرف �إلى مدى منا�سبة المنهج في
التح�صيل الدرا�سي ،ومدى تحقيق المنهج الدرا�سي للأهداف التي ُو�ضع من �أجلها.
أي�ضا ي�ستطيع المعلم من خالل ا�ستخدام كتب درا�سية -4تقويم الكتب الدرا�سية :وهنا � ً
معينة بو�صفها مراجع للمتعلمين ،ثم تقويم تح�صيلهم الدرا�سي من هذه الكتب� ،أو يقوم
بتقويم المادة العلمية والمعلومات ومدى ب�ساطتها �أو �صعوبتها ومنا�سبتها للمتعلمين.
-5تقويم طرق التدري�س :حيث ي�ستطيع المعلم تدري�س المو�ضوع نف�سه للمتعلمين بطرق
مختلفة (مثل الطريقة التلقائية �أو طريقة المناق�شة �أو طريقة الم�شروع) ثم تقويم
تح�صيل المتعلمين بعد التدري�س ،ومقارنة تح�صيل المتعلمين بالطرق المختلفة.
-6تقويم �أداء المدر�سة :حيث يتم ذلك بطريقة جمعية ،عن طريق تحليل نتائج االختبارات
واالمتحانات المختلفة في هذه المدر�سة ،ومن ثم ت�ستطيع �إدارة المدر�سة مقارنة هذه
النتائج بنتائج االختبارات في مدار�س �أخرى� ،أو في المنطقة التعليمية ككل� ،أو في
المدر�سة عمو ًما ،ومن ثم تقويم الإدارة المدر�سية والنظام الدرا�سي ب�صفة عامة.
أي�ضا في الدرا�سات -7تقويم الدرا�سات والبحوث التربوية :حيث ي�ستخدم التقويم � ً
والبحوث العلمية المختلفة في العملية التربوية .وفي هذه الحالة يتم اختبار
المتعلمين وتقويمهم ،و ُتحلل النتائج التي يح�صل عليها المعلمون ،من �أجل تحقيق
فروق علمية معينة ،يفر�ضها الباحث في بداية تجربته �أو درا�سته ،من �أجل االرتقاء
بالعملية التعليمية وتحقيق الأهداف التربوية.
تل���ك هي الأهداف العام���ة للتقويم في العملية التربوية .ولم���ا كان تقويم المتعلمين
يمثل جان ًبا مه ًّما في عملية التقويم ،فعلينا �أن نو�ضح ما ي�أتي:
تقومي املتعلمني :الأهداف والو�سائل:
يقوم المعل���م بتقويم المتعلمين ،للح�ص���ول على معلوم���ات ومالحظات متعددة من
حيث الم�س���توى التح�صيلي والعقلي ،ويمكنه ا�ستخدام نتائج ما يح�صل عليه من معلومات
ومالحظات في التوجيه التعليمي ال�سليم.
511
علم النف�س التربوي الباب التا�سع :التقويم التربوي
وتتلخ�ص الأهداف التي يحاول المعلم تحقيقها من تقويم المتعلمين في النواحي الآتية:
-1تقومي التح�صيل الدرا�سي.
-2التو�صل �إىل معرفة اال�ستعدادات العقلية واملزاجية املختلفة.
-3تتبع النمو وتقوميه عند املتعلمني.
-4درا�سة �شخ�صية املتعلمني ،بحيث ميكن التنب ؤ� ب�سلوكهم يف خمتلف املواقف امل�ستقبلية.
-5توجيه املتعلمني درا�س ًّيا ومهن ًّيا.
ويتف���ق المربون والمعلمون على �أن تقويم المعل���م للمتعلمين ،يرمي �إلى تقدير الأثر
الذي تحدثه عملية التربية في المتعلمين ،من حيث نماء �س���لوكهم �أو تعديله .وقدي ًما كان
التقويم يقت�ص���ر على قيام المعلم بقيا�س التح�صيل وحده ،بينما في الوقت الحا�ضر يمتد
التقويم �إلى قيا�س جوانب مختلفة من �شخ�ص���ية المتعلمين� ،س���واء كانت معرفية �أو عقلية
�أو اجتماعية �أو انفعالية �أو �صحية.
والواق���ع �أن التقوي���م ي�ؤدي دو ًرا مه ًّما ،ف���ي تهيئة الطرق التربوي���ة للعملية التعليمية
والتعلمية وحل م�شكالتها.
تقومي التح�صيل الدرا�سي:
ي�س���تخدم المعلم لتقويم التح�ص���يل الدرا�سي في الوقت الحا�ض���ر و�سائل متقدمة،
منها االختبارات المدر�س���ية العادية ،ومنها االختبارات التح�صيلية ،ومنها تقويم التقدم
في الأعمال المدر�سية اليومية.
ونتائج تقويم التح�صيل المدر�سي ،تمكن المعلم مما ي�أتي:
-1احل�صول على معلومات و�صفية ،تبني مدى ما ح�صله املتعلم من خربة معينة بطريقة
مبا�شرة �أو بعبارة �أخرى معلومات عن مقدار ما ح�صله من حمتويات مادة معينة.
-2احل�صول على معلومات عن ترتيب املتعلم يف التح�صيل الدرا�سي ،يف خربة معينة
بالن�سبة �إىل جمموع املتعلمني يف ال�صف الدرا�سي.
512
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
-3معرفة امل�ستوى التعليمي للمتعلم ،وذلك مبقارنة نتائجه بالن�سبة �إىل املتعلمني يف
فرقته �أو يف مثل �سنه.
-4احل�صول على معلومات على منو املتعلم من الناحية التح�صيلية يف مدة معينة ،حتى
ي�ستطيع املعلم �أن يتابع هذا النمو ليعرف عما �إذا كان هذا النمو طبيع ًّيا م�ستم ًّرا� ،أم
من ًّوا وقت ًّيا متقط ًعا.
-5التو�صل �إىل معلومات ت�ساعد املعلم ،على عمل �صورة نف�سية لقدرات املتعلم العقلية واملعرفية.
تلخي�ص:
-1التقومي الرتبوي عملية �ضرورية للمعلم واملتعلم ،فنتائج التقومي توجه املعلم نحو
حتقيق �أهداف معينة .و�ضرورته للمتعلم لتحديد م�ستوى حت�صيله العلمي.
-2يت�ضمن التقومي احلكم على ال�شيء املقوم ،وهو يختلف عن القيا�س.
-3التقومي �إما ذاتي و�إما مو�ضوعي ،والأخري يعتمد على و�سائل القيا�س العلمية.
-4القيا�س يت�ضمن معلومات ومالحظات كمية عن املو�ضوع املراد قيا�سه.
-5القيا�س �إما مبا�شر �أو غري مبا�شر ،وي�ؤثر يف القيا�س عوامل خمتلفة.
� -6أهم جماالت التقومي والقيا�س :تقومي التح�صيل الدرا�سي وقيا�سه -القيا�س العقلي.
-7التقومي يف العملية الرتبوية يت�ضمن جماالت تقومي :املتعلمون � -أداء املعلمني -املنهاج
الدرا�سي -الكتب الدرا�سية -طرق التدري�س � -أداء املدر�سة.
-8يحاول املعلم حتقيق �أهداف معينة عند تقومي املتعلمني.
-9تقومي التح�صيل الدرا�سيُ ،يحقق نتائج تربوية وتعليمية معينة.
514
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
�أ�سئلة ومتارين:
-1حدد مفهوم التقومي ومفهوم القيا�س.
-2و�ضح �أنواع التقومي و�أنواع القيا�س.
ُ -3يع ّد التقومي الرتبوي له �أهمية يف العملية التعليمية .ا�شرح �أهدافه.
-4و�ضح �أهداف تقومي التح�صيل الدرا�سي.
�أ�ساليب التقومي وو�سائله
•الأهـداف:
(� )1أن يتعرف املتعلم �إىل �أ�ساليب التقومي.
(� )2أن يعدِّ د املتعلم ال�شروط الالزمة للتقومي.
(� )3أن يحدِّ د املتعلم خ�صائ�ص التقومي العلمي.
يف�سر العالقة بني ال�صدق والثبات.
(� )4أن ِّ
(� )5أن يقدِّ ر املتعلم جهود العلماء يف حتديد ثبات و�صدق �أدوات التقومي.
�أ�ساليب التقومي وو�سائله
:
تختلف �أ�س���اليب التقويم وو�س���ائله ،عندما يتم تقويم المتعل���م ،ويحتاج المتعلم �إلى
معرفة كيف يقوم بتقويم المتعلمين ،وكيف يتم له تقويم التعلم ،الذي يكت�س���به المتعلمون
خالل العملية التعليمية .ونتناول في هذا الف�صل �أ�ساليب التقويم وو�سائله.
�أ�ساليب التقومي:
هناك �أ�ساليب مختلفة للتقويم منها ما ي�أتي:
-1الت�صنيف :Classification
ُيق�ص���د بالت�صنيف و�ض���ع الأفراد في مجموعات منف�ص���لةُ ،يطلق على كل مجموعة
ا�س���م �ص���نف معين ،ك�أن ُيق�س���م الأفراد �إلى �أذكياء و�أغبياء� ،أو منطوين ومنب�س���طين� ،أو
ميالين للعزلة وميالين لالجتماع.
وعملية الت�صنيف هذه يوجه �إليها النقد الآتي:
� -1إننا ن�ضع حتت ت�صنيف واحد �أفرادًا خمتلفني يف ال�صفة التي نق ِّومها ،مثال ذلك عند
تق�سيم جمموعة من الأفراد من حيث طول القامة �إىل طوال وق�صار ،ف�إن جمموعة
الطوال ال بد �أن تت�ضمن �أفرادًا خمتلفني يف الطول ،و�إن جمموعة الق�صار تت�ضمن
�أفرادًا خمتلفني يف الق�صر ،ومع ذلك ن�ضع ه�ؤالء الأفراد املختلفني يف ت�صنيف واحد.
وهذا خط أ� علمي من ناحية املنهج �أو الأ�سلوب امل�ستخدم يف التقومي.
518
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
ً
افرتا�ضا �آخر ،وهذا هو النقد الثاين الذي � -2إن عملية الت�صنيف بهذه الكيفية تفرت�ض
يوجه �إليها .فهي تفرت�ض وجود حدود فا�صلة بني الفئات املختلفة ،فهي تفرت�ض �أن
خطا حادًّا يف�صل جماعة طوال القامة وجماعة ق�صار القامة الذي ذكر يف هناك ًّ
املثال ال�سابق .و�إذا رجعنا �إىل الأمور الطبيعية يتبني لنا خط أ� هذا االفرتا�ض .ذلك
لأن اهلل �سبحانه وتعاىل يف خلقه تعاىل للإن�سان ،جعل هناك تداخلاً بني خ�صائ�صه
يف كل �صفة من �صفاته بالن�سبة �إىل الآخرين ،فهناك تداخل بني فئة طوال القامة
�أو ق�صار القامة وبني �أفراد �آخرين مقارنة بغريهم ،يف �صفات عقلية �أو نف�سية �أو
ع�ضوية ،وميكن متثيل ذلك بال�شكل التو�ضيحي الآتي:
وف���ي الح���االت الطبيعي���ة نجد �أن الفئ���ة المتداخلة �أكب���ر حج ًما مما تب���دو عليه في
ال�ش���كل؛ ذلك لأن الغالبية العظمى في المجتمع الإن�ساني تكون عادية ومتو�سطة في درجة
امتالكها لأي طرف من طرفي ال�ص���فة .فهنا �ص���فة طوال القامة و�ص���فة ق�ص���ار القامة،
ويك���ون طرفاها هما الطول والق�ص���ر ،ووف ًقا لما هو معروف في طبيع���ة الفروق الفردية،
أي�ضا يت�صف ب�صفة ف�إن عددًا قليلاً من الب�شر يت�صف ب�صفة الطول الفارع ،وعددًا قليلاً � ً
الق�ص���ر المتناهي ،والعدد الأكبر من الب�ش���ر هو الذي يتعادل فيه الطرفان ،وال يمكن �أن
يو�صف ب�أنه طويل القامة فقط �أو ق�صير القامة فقط.
519
علم النف�س التربوي الباب التا�سع :التقويم التربوي
ولهذا ن�س���تطيع �أن نقول� :إنه بالن�س���بة �إلى �أي �صفة من �صفات ال�شخ�صية ،ف�إن عدد
العاديين �أكثر من عدد المتطرفين.
-2الترتيب :Rating
وهو �أ�سلوب �آخر من �أ�ساليب التقويم ،و ُيق�صد بالترتيب و�ضع رتب مت�شابهة للأ�شياء
الت���ي نق���وم بتقويمه���ا .والترتيب يختلف تب ًع���ا للأداة التي ن�س���تخدمها في ه���ذه العملية.
ف����إذا قمنا بترتيب �أطوال متقاربة كعدد من الم�س���تقيمات ،وا�س���تخدمنا النظر في عملية
الترتيب ،ف�إننا قد نق ِّوم طولين متقاربين ،على �أنهما متعادالن في الطول نف�سه ،ولكننا �إذا
مقيا�سا دقي ًقا ،ف�إن هذين الطولين المتعادلين يت�ضح فيما بعد �أنهما مختلفان ً ا�ستخدمنا
في الطول.
له���ذا ،ف����إن ما يوجه م���ن نقد �إلى هذا الأ�س���لوب ،يق���وم على �أ�س���ا�س �أن دقة عملية
الترتيب تتوقف على دقة الأداة الم�ستخدمة ،و�إنه يالحظ �أنه في عملية الترتيب ال ُيفتر�ض
ت�ساوي الفروق بين الوحدات المتتابعة ،فالفرق بين الرتبة الأولى والرتبة الثانية قد يكون
�أكبر من الفرق بين الرتبة الثانية والثالثة �أو بين الثالثة �أو الرابعة.
وهكذا ،ف�إن وجود الأفراد وفق �أ�سلوب الترتيب ،ي�ضع ه�ؤالء الأفراد في رتبة واحدة.
وعلى ذلك يمكن القول� :إن �أ�س���لوب الترتيب ال ُيع ّد �أ�س���لو ًبا دقي ًقا ،حيث تنق�صه �صفة من
�أهم �ص���فات التقويم العلمي� ،إذ تت�ساوى فيه الوحدات التي نقيمها ،على الرغم من وجود
فروق بين خ�صائ�ص���ها ،و�إن نتائج �أ�سلوب الترتيب تختلف باختالف دقة المقيا�س المتبع
�أو الم�ستخدم.
وعلى ذلك يمكننا �أن نلخ�ص نقد طريقة الترتيب في الآتي:
-1تختلف نتائجه باختالف دقة المقيا�س.
-2الرتب المتتابعة لي�ست مت�ساوية البعد ،لأي في الفروق بين بع�ضها ً
بع�ضا.
520
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
-3التدريج :Grading
هو �أ�سلوب من �أ�ساليب التقويم ،ويق�صد بالتدريج �إعطاء درجة محددة لكل فرد من
�أفراد المجموعة ،فنحن ال ن�ص���ف ال�ش���خ�ص في هذه الطريقة ب�أنه ذكي �أو متخلف عقل ًّيا
�أو طويل �أو ق�ص���ير �أو منط ٍو �أو منب�س���ط ،و�أن طوله با�ستخدام مقيا�س دقيق هو � 165سم.
بدل منها القيم العددية ،فال ومعنى هذا �أننا نبتعد عن الأو�ص���اف اللفظية ،بل ن�س���تخدم اً
ن�صف ال�شخ�ص ب�أنه ذكي �أو غبي �أو طويل �أو ق�صير ،بل ن�ستخدم اختبا ًرا لقيا�س الذكاء،
ومقيا�سا نف�س��� ًّيا لقيا�س االنب�ساط واالنطواء ،ثم نقارن درجات
ً ومقيا�س���ا لقيا�س الأطوال
ً
هذا ال�ش���خ�ص بغيره من الأفراد ،ونقارنه � ً
أي�ض���ا بما ي�س���مى الدرجة المعيارية Standard
Normالخا�صة بهذا االختبار .ومعنى هذا �أن لكل اختبار من االختبارات النف�سية معايير
ُي���زود بها االختب���ار ،وال يمكن ا�س���تخدام االختبار �إال بم�س���اعدة هذه المعايير .وتف�س���ير
الدرجة ُي�ستخدم له جدول خا�ص ،يو�ضح معايير االختبار التي تن�سب كل درجة �إليه.
ال�سبب في ذلك �أنه لي�س لدينا في االختبارات النف�سية �صف ًرا مطلق ،Abslout Zero
فلكل اختبار �صفره الذي يبد�أ منه ،وال�شخ�ص الذي ي�أخذ �صف ًرا في اختبار ما ،ف�إن معنى
ذلك �أن قدرته في هذه الناحية لم ت�صل �إلى �أر�ضية االختبار.
أي�ضا في قيا�س و ُيع ّد التدريج �أدق �أ�س���اليب التقويم .وهو الأ�س���لوب الذي ن�ستخدمه � ً
التح�ص���يل الدرا�سي عند المتعلمين با�ستخدام اختبارات التح�صيل التي عند ت�صحيحها
يح�ص���ل كل متعلم على درجة معينة ،ومن ثم يمكن تدريج المتعلمين ،ك ّل وفق ما يح�ص���ل
علي���ه م���ن درجة تمثل الم�س���توى الفعلي لتح�ص���يله ،خا�ص���ة �إذا كان المعلم يتبع �أ�س���لو ًبا
مو�ضوع ًّيا في ت�صحيح االختبارات.
� اً
أول :املو�ضوعية Objectivity
وهي �ص���فة في �أ�س���لوب التقويم ت�ؤدي به �إلى نتائج ثابتة ودقيقة ،ال تختلف باختالف
الأ�شخا�ص الذين يقومون بعملية التقويم .فالم�سطرة �أداة قيا�س مو�ضوعية لأنها ال تختلف
عند ا�ستخدامها في قيا�س الأطوال باختالف الأ�شخا�ص الذين يقومون با�ستخدامها.
522
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
والترمومتر �أداة قيا�س مو�ض���وعية لقيا�س درجة الحرارة ،والميزان �أداة مو�ض���وعية
لتقويم الوزن .وكل هذه الأدوات العلمية ال تختلف عند ا�ستخدامها في القيا�س في نتائجها
باختالف الأ�ش���خا�ص� ،أما �إذا ا�س���تخدمنا المالحظة ال�شخ�صية والتقدير الذاتي المبني
على الخبرة الذاتية في الو�ص���ول �إلى الأطوال �أو درجات الحرارة �أو الأوزان ،ف�إنه ال �ش���ك
�أن كل �شخ�ص يختلف عن الآخر في تقديره ،وقد يكون االختالف �شا�س ًعا.
والأ�سلوب الوحيد للو�صول �إلى المو�ضوعية في التقويم ينح�صر في اعتماد ال�شخ�ص
ال���ذي يقوم بعملية التقويم على ا�س���تخدام الأدوات العلمية المقنن���ة ،كاختبارات الذكاء،
واختب���ارات اال�س���تعدادات الخا�ص���ة في عل���م النف�س ،وا�س���تخدام المي���زان والترمومتر
والم�سطرة في العلوم الأخرى.
والمثال الآتي يو�ضح اختالف الأفراد في تقدير طول م�ستقيم معين:
في تجربة �أجريت في الف�ص���لُ ،قدم للمتعلمين في �أحد الف�ص���ول الدرا�س���ية خطان
م�س���تقيمان� :أحدهما طوله � 20سم ،والآخر طوله مجهول ،وطلب من جميع المتعلمين في
الف�صل �إعطاء تقدير ذاتي لطول الم�ستقيم المجهول ،فكانت نتائج التقدير كما ي�أتي:
من هذا نجد �أن التقديرات الذاتية تراوحت بين � 30س���م و� 42س���م لطول الم�ستقيم
المجه���ول .وهذا تف���اوت كبير يرجع �إلى تفاوت قدرة الأ�ش���خا�ص على التقدير ،وال�س���بب
في ذلك �أننا اعتدنا في التقدير على �أ�س���لوب ذاتي ،وهو المالحظة الخا�ص���ة المبنية على
الخبرة ،والقدرة الذاتية على التقدير ،فعند ا�س���تخدام �أداة علمية ،وهي الم�سطرة ن�صل
�إل���ى نتيجة واحدة ،دون �أن يحدث �أي اخت�ل�اف .وكل هذه الأطوال المقدرة ال تنطبق على
الطول الحقيقي للم�ستقيم المجهول الذي كان طوله الفعلي هو � 39سم.
مو�ضوعية القيا�س:
من ال�سهل الو�صول �إلى المو�ضوعية التامة في العلوم الطبيعية ،فنحن نقي�س حجم مادة
من المواد بطرق مو�ض���وعية؛ ذلك لأن المادة التي نقي�س���ها �ش���يء ملمو�س نح�سه بحوا�سنا،
ون�ستطيع �أن نطبق عليه المقيا�س تطبي ًقا مبا�ش ًرا ،فن�صل �إلى نتائج مو�ضوعية م�ضبوطة.
ولكننا في القيا�س الر�س���مي نتناول ظواهر معينة في الإن�سان غير ملمو�سة ،ك�سمات
ال�شخ�صية االنفعالية واالجتماعية والعقلية ،وهذه الجوانب لي�س لها وجود حقيقي مادي،
و�إنم���ا هي نتائج الجهاز الغدي والجهاز الع�ص���بي والحوا�س ،ولذلك ال ن�س���تطيع �أن نطبق
تمام���ا .ونتيجة لهذا العجز
عليها �أداة مو�ض���وعية لن�ص���ل من ذلك �إلى نتائج مو�ض���وعية ً
ن�ض���طر �إلى قيا����س مظاهرها ونتائجها وهو ال�س���لوك ،ونح���اول بقدر الإم���كان �أن نقي�س
المظاهر ال�س���لوكية ب�أ�س���اليب مو�ض���وعية .ف�إذا �أردنا �أن نقي�س الذكاء عر�ضنا ال�شخ�ص
�إلى مواقف مختلفة على هيئة �أ�س���ئلة ،وقمنا بقيا�س ا�س���تجاباته بطريقة مو�ض���وعية بقدر
الإمكان ،و�أخذنا نتائج ا�ستجاباته على �أنها دليل على ذكائه.
فالقيا����س المو�ض���وعي لل���ذكاء في هذه الحالة ،ه���و عدد الإجابات ال�ص���حيحة عن
�أ�س���ئلة اختبار الذكاء ،ولذلك يحتاج وا�ض���ع ه���ذا االختبار �إلى تج���ارب كثيرة وتعديالت
متعددة ،حتى ي�صل في النهاية �إلى �أ�سئلة مو�ضوعية ،يمكن ت�صحيحها بطريقة مو�ضوعية
والو�صول �إلى نتائج عند ا�ستخدامها ،ال تختلف باختالف من يقوم بتطبيق اختبار الذكاء.
524
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
ومعام���ل الثبات :معناه م���دى االتفاق الحادث بين تقديرين مختلفين في فر�ص���تين
متباعدتين لنف�س الأ�ش���ياء �أو الأ�ش���خا�ص .ففي التجربة الم�شار �إليها ،على الرغم من �أن
الوق���ت الذي مر بين التقديرين للخطوط نف�س���ها لم يتجاوز دقائق معدودة� ،إال �أن معامل
الثب���ات ف���ي هذه التجربة تراوح بين ٪70و ٪20ولم نجد حالة واحدة و�ص���لت فيها ن�س���بة
االتف���اق �إلى �أكثر م���ن ٪70ما يدل عل���ى �أن التقديرات الذاتية ،لي�س���ت تقديرات علمية؛
لأن���ه ينق�ص���ها عن�ص���ر الثب���ات .ونالحظ �أن ه���ذا ينطبق � ً
أي�ض���ا على �أ�س���ئلة االختبارات
المدر�س���ية التي تكون على هيئة مقال ،فنجد �أن التقديرات لها تختلف اختال ًفا كبي ًرا من
أي�ضا بالن�سبة �إلى الم�صحح الواحد في فر�صتين م�صحح لآخر ،بل تختلف اختال ًفا كبي ًرا � ً
527
علم النف�س التربوي الباب التا�سع :التقويم التربوي
مختلفتي���ن ،وله���ذا نقول� :إن �أ�س���ئلة المقال في االختبارات المدر�س���ية ينق�ص���ها الثبات.
بينما الأ�سئلة المو�ضوعية التي على �صورة (نعم وال) �أو (�صحيح وخط�أ) �أو �أ�سئلة التكملة
بلفظ واحد معين هي �أ�س���ئلة ثابتة تت�صف ب�صفة الثبات ،التي تتوافر في الأ�سلوب العلمي
للتقويم .ونحن نالحظ �أننا ال ن�س���تطيع �أن نح�ص���ل على ثبات ٪100في جميع االختبارات
النف�س���ية؛ لأنه���ا تتدخل فيه���ا عوامل كثيرة تغير م���ن نتائج التقدير ف���ي المرتين ،ويمكن
تق�سيم هذه العوامل �إلى ثالثة �أنواع:
(�أ) عوامل تخت�ص بال ُمختبر (ال�شخ�ص الذي يقوم اختباره �أو ما ُيعرف بال ُمق َّوم)
كالعوامل الج�سمية مثل المر�ض والم�شاعر الخا�صة وعوامل نف�سية مثل ال�ضيق
واالبتهاج والملل.
(ب) عوامل تتعلق بالقائم بتطبيق االختبار �أي ال ُمخت ِبر (ال�شخ�ص الذي يقوم
بتطبيق االختبار �أو ما ُيعرف بال ُمق ِّوم) وهي العوامل ال�سابقة نف�سها من حيث
�إنها ج�سمية ونف�سية.
(جـ) عوامل خارجية :تتعلق بالمحيط الذي يتم فيه االختبار ،كالمكان والزمان و�أداة
االختبار .وال�سبب في ذلك �أن عملية التقويم في القيا�س النف�سي هي تفاعل
بين العوامل الثالثة :ال ُمخت َبر ،والمخت ِبر ،والعوامل الخارجية.
ولكي نتغلب على �ص���عوبة الثابت في االختبارات النف�سية ،ن�ستخدم في العادة �أ�سئلة
م���ن نوع خا����ص ُيطلق عليها الأ�س���ئلة المو�ض���وعية Objective Questionsالتي �س���نعر�ض
أنواعا منها فيما بعد.
� ً
وهناك ثالث طرق رئي�سة لح�ساب معامل الثبات ،وهي:
فعندم���ا قمن���ا ب�إعادة تقدي���ر الأطوال مرة �أخ���رى ،وقارنا بين النتيجتي���ن �أمكننا تحديد
الثبات .والم�ش���كلة في هذه الطريقة تتعلق بتقدي���ر الوقت الذي يمر بين التطبيقين ،ف�إذا
كانت المدة بين التطبيقين ق�صيرة ،ف ُيحتمل �أن يدخل عامل الذاكرة ،بحيث يكون الفرد
ال���ذي يتذكر جيدً ا تك���ون �إجاباته �أكثر تطاب ًقا من ال�ش���خ�ص الذي لديه ذاكرة �ض���عيفة،
وي�ص���بح تطابق الإجابتي���ن �أو التقديرين دليلاً على قوة الذاك���رة ،ولي�س دليلاً على ثبات
االختب���ار و�أ�س���لوب التقويم� .أما �إذا كانت الم���دة طويلة ،ف�إنها ت�س���مح بعوامل التغيير في
الإن�س���ان للتدخ���ل في تغيير نتائج التطبيق الثاني ،ف�إذا كان���ت عينة التطبيق الأولى تتكون
من �أطفال �ص���غار ،وف�ص���لنا بين التطبيقين بمدة تزيد على �ش���هر مثلاً ،ف�إن عامل النمو
يحتمل �أن يتدخل في تغيير اال�ستجابات الثانية من الأولى ،و ُي�صبح اختالف اال�ستجابتين
مقيا�سا لعدم ثبات االختبار.
ً بدل من �أن يكون مقيا�سا لهذا التغير ،اً
ً
والمهم �أن تكون المدة الفا�صلة منا�سبة ،وهذا يتوقف على �أمرين:
(�أ) نوعية العينة امل�ستخدمة يف عملية التقومي :ف�إذا كانوا � اً
أطفال �صغا ًرا ُي�ستح�سن
تق�صري املدة ،و�إن كانوا كبا ًرا ،فال مانع من �إطالة املدة.
(ب) نوع ال�صفة التي نقومها :ف�إذا كانت �سريعة التغري ،كما يحدث �أحيا ًنا عند
ا�ستطالع ال�شخ�ص واجتاهه نحو مو�ضوع معني كان تق�صري املدة م�ستح�س ًنا،
نوعا والثابت �إىل حد كبري ،ف�إنه ال مانع من
�أما �إذا كانت من النوع غري املتغري ً
�إطالتها.
تختفي ال�ص���عوبة الموجودة في طريقة �إعادة االختبار ،ولكن تن�ش����أ �صعوبة جديدة ،وهي
تماما من حيث ما تت�ض���نه كل �ص���ورة منهما من خبرات ،ومن
تكوين مقيا�س���ين متعادلين ً
حيث درجة ال�سهولة وال�صعوبة .و�ضبط هذا الت�ساوي يتطلب من الباحث �إجراء محاوالت
متعددة لتعديل االختبارات بعد كل محاولة ,حتى ينتهي �أخي ًرا �إلى التطابق المن�شود.
وما تتجه �إليه �أغلب الأ�س���ئلة ،وبعد ذلك نحكم على �ص���دق االختبار .والو�صول �إلى �صدق
االختبار �ضروري للغاية في المقايي�س النف�سية بوجه خا�ص ،وذلك لعاملين �أ�سا�سيين:
� -1إن ال�سمات النف�سية واال�ستعدادات والقدرات مت�شابك بع�ضها مع بع�ض ،ومتداخل
بع�ضها مع بع�ض ،بحيث �إننا ال ن�ستطيع مطل ًقا �أن نف�صل �أحد العوامل ،ونقي�سه
منفردًا عن باقي العوامل.
-2يف القيا�س النف�سي ال نقي�س �إال بطريقة غري مبا�شرة ،فنحن نقي�س الذاكرة مثلاً
بقيا�س ال�سلوك الناجت عنها ،ونقي�س الذكاء بالإجابة عن بع�ض الأ�سئلة يف االختبارات
اخلا�صة بقيا�س الذكاء .وقد نكون حمقني يف ذلك �أو خمطئني ،ولهذا ال نتطلب
معاملاً مرتف ًعا لل�صدق يف اختباراتنا؛ لأن ارتفاع عامل ال�صدق يتوقف على مدى
تداخل العوامل الأخرى يف النتائج مع العامل الذي نقي�سه.
�ص���الحا لقيا�س ما و�ضع من
ً ون�س���تطيع �أن ن�س���تنتج من ذلك� ،أنه مهما كان االختبار
�أجله ،ف�إننا ال ن�ستطيع �أن ن�صل �إلى اختبار �صادق .٪100
ولتو�ضيح ذلك نفتر�ض �أننا ب�صدد تكوين اختيار للذكاء يتكون من عدد من الأ�سئلة
مكتوب���ة عل���ى ورق عادي ،وتقدم للمختبر يجيب عنها .فنحن نالحظ �أن درجة ال�ش���خ�ص
تتوقف على عدد الإجابات ال�صحيحة التي يجيب عنها ،ونحن نفتر�ض �أن هذا العدد دليل
�ص���الح لدرجة الذكاء ،بينما عندم���ا نت�أمل هذه الدرجة نجد �أنه���ا تت�أثر بعوامل مختلفة،
مثل:
� -1سرعة القراءة :فكلما كان ال�شخ�ص �سري ًعا يف قراءته ،زاد عدد الأ�سئلة التي ي�ستطيع
الإجابة عنها.
� -2سرعة الكتابة :فكلما كان �سريع الكتابة ا�ستطاع �أن يكتب عددًا �أكرب من الإجابات.
-3الذاك���رة عن���د ال�شخ�ص :وذلك لأن بع�ض الأ�س���ئلة حتت���اج يف الإجابة عنها �إىل تذكر
خربات �سابقة.
531
علم النف�س التربوي الباب التا�سع :التقويم التربوي
درجاتهم���ا مرتفع���ة ،بينم���ا المجموعة الأخ���رى درجاتها منخف�ض���ة ،ثم قمن���ا بعد ذلك
بتدريب المجموعتين على الأعمال الميكانيكية ،ف�إذا تفوق الفريق ذو الدرجات المرتفعة
بع���د التدري���ب عل���ى الفري���ق ذي الدرج���ات المنخف�ض���ة با�س���تخدام مقيا����س �أو اختبار
لال�ستعداد الميكانيكي ،ا�ستطعنا �أن نقول� :إن معامل ال�صدق التن ُّب ِئي لهذا االختبار معامل
جيد مقبول.
لنفتر����ض �أن ال�ش���خ�ص قا����س فعلاً ما طلب من���ه ،وهو �أط���وال الأوالد ،ثم كرر هذه
العملية مرة ثانية ،فهل نتوقع تغير القيا�س في المرتين .من الطبيعي �أن هذا القيا�س يكون
موحدً ا في قيمته في المرتين .ومعنى هذا �أننا �إذا �ض���منا �ص���دق المقيا�س ،ف�إن االحتمال
الكبير �أن ي�صبح المقيا�س ثابتًا � ً
أي�ضا� ،إال �إذا تغيرت ال�سمة نف�سها التي تقا�س ،بمعنى �أن
الأط���وال ق���د تتغير مع الزمن ،ف�إذا ف�ص���ل بين المرتين في القيا����س بوقت طويل ،فهناك
احتمال �أن الثبات قد ي�ضعف.
من هذا يتبين �أن معامل الثبات ذو القيمة المرتفعة ال ي�ض���من �إطال ًقا معامل �صدق
ذا قيمة مرتفعة ،ولكن معامل ال�ص���دق ذو القيمة العالية ي�ض���من في �أغلب الأحيان ثباتًا
ذا قيمة مرتفعة� ،إال �إذا كان هناك فا�ص���ل زمني طويل لقيا�س ال�س���مة نف�س���ها التي �س���بق
قيا�سها.
تلخي�ص:
-1تت�ضمن �أ�ساليب التقويم وو�سائله ما ي�أتي :الت�صنيف -الترتيب -التدريج.
ُ -2يق�صد بالت�صنيف و�ضع الأفراد في مجموعات منف�صلة يطلق على كل مجموعة �صنف
معين ،وهذا الأ�سلوب من التقويم له م�آخذ ،حيث ال ُيتبع فيه دقة القيا�س.
-3الترتيب يقوم على و�ض���ع رتب متتابعة للأ�شياء التي تقوم ،وهو �أ�سلوب ال يتبع فيه دقة
القيا�س.
-4التدريج يعتمد على �إعطاء درجة محددة لكل فرد من �أفراد المجموعة.
-5التقويم العلمي هو الذي يبنى على نتائج يوثق في دقتها و�صحتها.
-6من خ�صاذ�ص التقويم العلمي :المو�ضوعية -التمييز -الثبات -ال�صدق.
-7يت�أثر الثبات بعوامل تخت�ص بـ :المختبر -القائم باالختبار -عوامل خارجية.
ُ -8يح�س���ب معام���ل الثبات عن طري���ق� :إعادة االختبار -ال�ص���ور المتكافئة -التق�س���يم
الن�صفي.
-9يت�أثر ال�صدق بعوامل عدة.
ُ -10يح�س���ب معامل ال�صدق عن طريق :ال�ص���دق المنطقي -ال�صدق الواقعي -ال�صدق
التن ُّب ِئي.
-11ف���ي العالقة بين الثبات وال�ص���دق نجد �أنه عند توافر الثبات ال ي�ض���من بال�ض���رورة
توافر ال�صدق ،والعك�س �صحيح.
�أ�سئلة ومتارين:
-1و�ضح �أ�سلوب الت�صنيف ،عندما ي�ستخدم للتقومي.
-2و�ضح �أ�سلوب الرتتيب ،عندما ي�ستخدم للتقومي.
535
علم النف�س التربوي الباب التا�سع :التقويم التربوي
•الأهـداف:
(� )1أن يمُ يز املتعلم بني �أنواع االختبارات املختلفة.
(� )2أن يتع���رف املتعل���م �إىل اخلط���وات الت���ي يج���ب اتباعه���ا عن���د �إع���داد
االختبارات اجليدة.
(� )3أن ي�صنف املتعلم الأهداف الرتبوية ال�سلوكية.
(� )4أن يحدد املتعلم موا�صفات االختيار اجليد.
(� )5أن يتع���رف املتعل���م �إىل الأ�س���اليب الإح�ص���ائية املختلف���ة للمقارن���ة ب�ي�ن
جمموعتني.
(� )6أن يقرر جهود العلماء يف ت�صنيف الأهداف الرتبوية ال�سلوكية.
تقومي التح�صيل الدرا�سي
:
كيف يقوم المعلم با�ستخدام االختبارات في قيا�س التح�صيل الدرا�سي لبيان م�ستوى
التح�صيل عند المتعلم؟
�إن ا�ستخدام االختبارات وكيفية �صياغة الأ�سئلة الجيدة التي تحدد م�ستوى التح�صيل
الدرا�س���ي عن���د المتعلمُ ،تع ّد من �أهم جوانب العملي���ة التعليمية ،حيث يحر�ص المعلم من
جان���ب ،والمتعلم من جانب �آخر ،على معرفة الم�س���توى المعرفي الذي تم تح�ص���يله عند
المتعلم.
ولي�س الأمر قا�ص��� ًرا عند هذا الحد ،بل �إن تقويم التح�ص���يل الدرا�س���ي له �أهمية في
ترفيع المتعلم من �ص���ف درا�س���ي �إل���ى ما يليه ،ومن مرحل���ة تعليمية �إلى �أعل���ى منها ،وله
�أهميته بين الم�س����ؤولين التربويين والآباء والمديرين وكل من له �ص���لة بالعملية التعليمية،
ونتناول في هذا الف�ص���ل كل ما يت�ص���ل باالختبارات بو�ص���فها و�س���ائل لتقويم التح�ص���يل
الدرا�سي عند المتعلم.
االختبارات :Tests
انت�ش���ر تطبيق االختبارات في �أغلب ميادين علم النف�س ،وامتد انت�شارها حتى �شمل
�أغلب العلوم ال�س���لوكية الأخرى ،وبذلك �أ�ص���بحت االختبارات و�سيلة من الو�سائل التربوية
اهتماما كبي ًرا من العاملين في حقول التربية.
ً التي تجد
وقد �س���اعد على تطوير الناحية المو�ض���وعية في القيا�س النف�سي والتربوي ،التقدم
الكبير الذي حدث في بناء االختبارات التي �شملت جوانب عدة من ال�سلوك الب�شري.
540
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
�أنواع االختبارات:
ُتق�سم االختبارات من حيث و�سائل قيا�سها �إلى:
ويق�سم �إلى:
(�أ) اختبارات فردية :وت�ستخدم يف الغالب لقيا�س الذكاء لدى فرد معني.
(ب) اختبارات جماعية :وتهدف �إىل قيا�س جوانب معينة عند جمموعة من الأفراد
يف وقت واحد .وتتميز بال�سرعة يف التطبيق ،وقد تكون نتائجها غري دقيقة.
-4تق�سيم االختبارات بالن�سبة �إىل طريقة الأداء ،وتق�سم �إىل:
(�أ) كتابية (حتريرية) :Writtenوهي �إما لفظية �أو عددية �أو مكانية (�أ�شكال
ور�سوم هند�سية).
(ب) عملية :Practicalيف املجاالت العملية كالأعمال امليكانيكية والهند�سية والطبية.
-5تق�سيم االختبارات بالن�سبة �إىل الزمن تق�سم �إىل:
(�أ) اختبارات موقوتة :Timedوت�سمى اختبارات ال�سرعة ،و ُيحدد لها زمن معني.
(ب) اختبارات غري موقوتة :وت�سمى (اختبارات القوة � )Power Testsأو اختبارات
القدرة.
ُيع ّد التقويم من العمليات الأ�سا�س���ية والمهمة الموجهة لم�سار العملية التعليمية التي
ت�شمل �أهداف التعليم ،ومحتواه ،و�أ�ساليب التدري�س والتعلم ونظم التقويم ،هذا �إن جاءت
عملي���ة التقويم الأخيرة من حيث الترتي���ب ،ولكنها يجب �أال تكون كذلك من حيث التنفيذ
والتكامل والتفاعل مع غيرها من العمليات التعليمية.
فالتقويم يجب �أن يكون عملية م�ستمرة ومكملة لعملية التدري�س ،وهو �أكثر من مجرد
تقوي���م اختبارات في نهاية الدر�س �أو الوحدة ،حيث �إن تقديمه خالل الدرو�س والوحدات
يحقق وظيفته الت�شخي�صية التي لها �أثرها في تح�سين عملية التعليم.
وبذلك يمكن �أن يفيد التقويم المدر�سي في:
•�إثارة اهتمام التالميذ بتحقيق الأهداف التعليمية على نحو �أ�س���رع و�أف�ض���ل في
�أثناء عملية التدري�س.
542
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
� اً
أول :تحديد الأهداف التربوية والتعليمية:
يق�ص���د بالأهداف التربوية تلك الأهداف التي ت�ص���اغ في عبارات �ش���املة تدل على
الأغرا�ض العامة والقيم والفل�سفات الخا�صة بكل مجتمع.
و�ض���وحا ،وعادة ما ت�صاغ في �صورة �سلوك يمكن
ً �أما الأهداف التعليمية فتكون �أكثر
مالحظته� ،أو �س���لوك �إجرائي ،وهي ترتبط عادة بمقرر تخ�ص�ص���ي معين ،وتتحدد �أهمية
544
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
ثان ًيا :تحليل المحتوى تحليلاً لفظ ًّيا في �ضوء الأهداف ال�سابق تحديدها.
ثال ًثا� :إعداد جدول الموا�صفات:
وهو جدول ثنائي البعد يت�ض���من البعد الأفقي (الأهداف) ويت�ض���من البعد الر�أ�سي
(مو�ضوعات المحتوى).
ثم تحديد الأوزان الن�سبية (الأهمية الن�سبية) لبعدي الجدول:
•تحديد الوزن الن�سبي للأهداف ،ويتم في �ضوء محك �آراء الخبراء .
•تحديد الوزن الن�سبي للمو�ضوعات (المحتوى) ويتم في �ضوء المحكات الآتية:
-عدد ال�صفحات.
-ر�أي الخبراء.
-عدد الح�ص�ص.
•ثبات التقدير :حيث �إن لها �إجابة موحدة مقبولة ،ال يختلف عليها م�صححان.
•�س���هولة التقدير :ي�س���تغرق تقدير االختبارات المو�ض���وعية وقتًا ق�صي ًرا مقارنة
باختبارات المقال.
•فوائد تعليمية :ت�ستخدم في تحديد مواطن ال�ضعف في �أداء التالميذ ،وتحليلها
لتحديد كيفية عالجها.
�أ�سئلة التكملة:
يتطلب �س�ؤال التكملة من المحو�ص �أن يكمل الفكرة فى الجملة بو�ضع كلمة �أو كلمات
تملأ الأماكن الخالية� ،أى �إن المفحو�ص ينتج ا�ستجابته ،ولي�س مجرد التعرف عليها.
وي�س���تلزم هذا النوع وقتًا فى �إجرائه ،وهو �أقل الأ�س���ئلة المو�ضوعية من حيث تقدير
الإجابات ،ولذا يجب �أن ي�شمل مفتاح الإجابة عددًا من الإجابات المحتملة.
الأ�سئلة التف�سيرية:
م َّم يتكون ال�س�ؤال التف�سيري؟
يتك���ون ال�س����ؤال التف�س���يري من �سل�س���لة من الأ�س���ئلة المو�ض���وعية الت���ي تعتمد على
مجموعة م�شتركة من البيانات الأولية .فال�س�ؤال التف�سيري يتكون من جز�أين.
-1المعطيات (البيانات الأولية) :وتكون فى �صورة:
جداول. •مواد مكتوبة.
�صور. •خرائط .
•ر�سوم و�أ�شكال.
االختبارات املقننة:
ُيع��� ّد التقني���ن � Standardizationأح���د ال�ش���روط الأ�سا�س���ية التي يج���ب توافرها في
االختبارات التي ت�ستعمل في �أكثر من مكان وفي �أكثر من وقت .والق�صد بالتقنين تحديد
جميع الظروف التجريبية التي �أجريت على �ضوئها عملية ح�ساب المعايير .Norms
فاالختبار يطبق على مجموعة كبيرة من الأفراد ُيراعى فيها �ش���روط اختيار العينة،
وتقن���ن �إجراءات تطبيق االختبار حتى يلتزم كل من ي�س���تخدم االختب���ار باتباع الخطوات
نف�س���ها .ومن ا�ستجابات المجموعة التجريبية التي يجري عليها االختبار ُتح�سب المعايير
التي توزن بالن�سبة �إليها نتائج الطالب الذين ُيطبق عليهم االختبار فيما بعد.
النهائية لالختبار 50درجة ،وكانت الدرجات التي ح�صل عليها المتعلمون كالآتي:
31و 35و 30و 27و 37و 34و 25و 26و 35و 37و 36و 32و 41و 38و 39و 45و 38و36
و 19و 24و 30و 39و 32و 33و 35و 47و 28و 27و 23و.22
ف�إنه عند ا�س���تخراج التوزيع التكراري ،تحتاج �إلى تحدي���د مدى للفئة التي نريدها،
وه���ذا الم���دى �إما �أن يكون 2و 3و 4و� ...5إلخ ،ف����إذا كان المدى في هذه المجموعة 3ف�إن
ت�سل�سل الفئات في هذا التوزيع يمكن �أن يكون تكرارها كالآتي:
عدد الأفراد
التكرار الفئات
(الذين ح�صلوا على درجات تقع �ضمن الفئات)
1 / 20 -18
2 // 32-21
3 /// 26 -24
3 /// 29 -27
5 //// 32 -30
5 //// 35 -33
6 / //// 38 -36
3 /// 41 -39
- - 44 -42
2 // 47 -45
المجموع 30
554
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
املتو�سط احل�سابي:
يحت���اج المعل���م �إل���ى �أ�س���لوب �إح�ص���ائي ،ي�س���تخدمه للمقارنة بي���ن مجموعتين من
المتعلمين �أو عندما يقارن ف�صلين من ف�صول الدرا�سة.
والمتو�سط الح�سابي هو ذلك الأ�سلوب الإح�صائي الذي ي�ستخدم للمقارنة ،وهو في
�ص���ورته الب�سيطة عبارة عن خارج ق�سمة مجموع الدرجات على عدد هذه الدرجات ،ف�إذا
كان لدينا 7متعلمين ترتيب درجاتهم كالآتي:
،38 ،36 ،35 ،31 ،30 ،26 ،21ومجم���وع ه���ذه الدرجات يكون 217درجة .ولما كان
31= 217عدد الأفراد �سبعة ،ف�إن متو�سط درجات ه�ؤالء المتعلمين ال�سبعة هو 7
و�إذا �أردنا �أن ن�س���تخرج المتو�س���ط الح�سابي للقيم الم�ص���نفة في الجدول التكراري
ال�س���ابق ،ف�إننا نختار فئة يك���ون مقابلها �أكبر تكرار ،و ُتع ّد نقطة ال�ص���فر في الجدول ،ثم
نقوم بح�ساب انحراف مراكز الفئات المختلفة عن هذه القيمة االعتبارية التي اخترناها،
ويمكن ا�ستكمال �إجراءات الو�سيلة الإح�صائية كالآتي:
التكرار * االنحراف
(ت *ح) الفئات (ف) التكرار (ت) االنحراف الفر�ضي (ح)
6- = 6- * 1 6- 1 20 -18
10- = 5- * 2 5- 2 23 -21
12- = 4- * 3 4- 3 26 -24
9- = 3- * 3 3- 3 29 -27
10- = 2- * 5 2- 5 32 -30
5- = 1- * 5 1- 5 35 -33
�صفر �صفر 6 38 -36
3=1*3 +1 3 41 -39
- +2 - 44 -42
6=3*2 +3 2 47 -45
43 - 30
555
علم النف�س التربوي الباب التا�سع :التقويم التربوي
االنحراف املعياري:
المتو�س���ط الح�س���ابي ي�س���تخدم عند و�ص���ف مجموعة من المتعلمي���ن بقيمة عددية
واحدة ،ومثل هذه القيمة ت�س���تخدم عند مقارنة مجموعات من المتعلمين �أو الف�ص���ول �أو
في مقارنات �أخرى
ان�سجاما وتقار ًبا
ً وفي بع�ض الأحيان يحدث �أن تكون القيم الرقمية مجموعة ما �أكثر
من قيم مجموعة �أخرى ،حيث تبدو هذه المجموعة الأخيرة �أكثر تباي ًنا وت�شتتًا.
مث���ال ذلك عندما نق���ارن مجموعتين من المتعلمين كل مجموعة من خم�س���ة �أفراد
توزيع درجاتهم كالآتي:
-درجات المجموعة الأولى.37 ،30 ،31 ،33 ،32 :
ف�إن المتو�سط لهذه المجموعة يكون .32 ،6
-درجات المجموعة الثانية.29 ،47 ،22 ،30 ،25 :
ف�إن المتو�سط لهذه المجموعة يكون .32 ،6
ولما كان متو�سط المجموعتين ال يك�شف عن فروق� ،أي ال يك�شف عن تباين �أو ت�شتت،
و�إن كان من الوا�ض���ح �أن �أفراد المجموعة الأولى المتو�س���ط لمجموع درجاتهم يقترب من
تباين بين الأفراد في اقترابهم من المتو�سط.
556
الباب التا�سع :التقويم التربوي علم النف�س التربوي
لزاما علينا �أن نعرف مدى الت�ش���تت في �أي مجموعة من المتعلمين ،حتى
لذلك كان ً
يمكن �أن نراعي ذلك في تعاملنا مع هذه المجموعة.
وعندما يتحدد �أمام المعلم مدى تباين درجات اختبار معين ،ف�إنه ي�ستطيع �أن ي�ضع
الخطط التربوية التي تمكنه من التعامل مع الم�ستويات المختلفة داخل الف�صل الدرا�سي،
�أي يمكنه �أن يتعرف �إلى الم�ستويات ال�ضعيفة والقوية داخل الف�صل الدرا�سي.
ويمكن �أن نح�صل على التباين عن طريق ما ُيعرف �إح�صائ ًّيا باالنحراف المعياري،
م�ستخدمين في ذلك ح�ساب خطوات المتو�سط الح�سابي ،على �أن ي�ضاف �إلى ذلك ح�ساب
مربع التكرار م�ضرو ًبا في االنحراف ،كما هو مو�ضح كالآتي:
(التكرار * مربع التكرار * االنحراف
التكرار الفئات
االنحراف االنحراف)2 االنحراف الفر�ضي
(ت) (ف)
(ت * ح)2 ح2 (ت * ح) (ح)
36 36 6- 6- 1 20 -18
50 25 10- 5- 2 23 -21
48 16 12- 4- 3 26 -24
27 9 9- 3- 3 29 -27
20 4 10- 2- 5 32-30
5 1 5- 1- 5 35 -33
�صفر �صفر �صفر �صفر 6 38 -36
3 1 3 1 3 41 -39
- 4 - 2 - 44 -42
18 9 6 3 2 47 -45
207 43- 30
وت�ستخدم المعادلة الآتية ال�ستخراج االنحراف المعياري:
557
علم النف�س التربوي الباب التا�سع :التقويم التربوي
43-
متو�سط االنحرافات = 14.33- = 30
6.9 = 207
متو�سط مربعات االنحرافات = 30
االنحرافالمعياري=مدىالفئة متو�سط مربعات االنحرافات -مربع متو�سط االنحرافات
2
= )14.33-( - 6.9 3
= 13.6 3
تلخي�ص:
-1ت�ستخدم االختبارات بو�صفها و�سائل للتقومي يف كثري من امليادين الرتبوية.
-2تق�سم االختبارات من حيث و�سائل القيا�س �إىل عقلية معرفية و�أخرى لقيا�س اجلوانب
ال�شخ�صية واملزاجية -وبالن�سبة �إىل املخترب وبالن�سبة �إىل طريقة الأداء -وبالن�سبة
�إىل الزمن.
-3تتبع خطوات معينة عند �إعداد االختبارات بو�صفها �أدوات للتقومي.