You are on page 1of 543

‫التعريف بعلم النف�س‬

‫• الف�صل الأول‪ :‬علم النف�س ‪ -‬التعريف والأهمية‪.‬‬


‫• الف�صل الثاين‪ :‬ال�سلوك الإن�ساين ‪ -‬ق�ضايا وميادين علم النف�س‪.‬‬
‫• الف�صل الثالث‪ :‬علم النف�س الرتبوي ‪� -‬أهميته للمعلم واملتعلم‪.‬‬
‫• الف�صل الرابع‪ :‬الهدي الإ�سالمي وال�سلوك الإن�ساين‪.‬‬
‫علم النف�س‪ :‬التعريف والأهمية‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يعرف املتعلم ماهية علم النف�س‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يعرف مقومات العلم‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يعرف �أهداف علم النف�س‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يتذكر املتعلم معنى ال�سلوك‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يعرف املتعلم �أنواع ال�سلوك املختلفة‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يعدِّ د اجلوانب املختلفة لدرا�سة ال�سلوك‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن يعرف مناهج البحث يف علم النف�س‪.‬‬
‫(‪� )8‬أن يقارن بني مناهج البحث املختلفة‪.‬‬
‫(‪� )9‬أن يقارن بني املناهج املختلفة لدرا�سة ال�سلوك‪.‬‬
‫(‪� )10‬أن يقدر عظمة اخلالق �سبحانه وتعاىل يف تعدد ال�سلوك‪.‬‬
‫علم النف�س‪ :‬التعريف والأهمية‬
‫(*)‬
‫هل علم النف�س علم؟‬
‫ُي َع ّد علم النف�س من العلوم الحديثة‪ ،‬حيث بد�أ عل ًما م�ستقلاً منذ �إن�شاء «فونت ‪»Wundt‬‬
‫�أول مختب���ر نف�س���ي في مدينة ليبزج ف���ي �ألمانيا‪ ،‬وذلك ع���ام (‪1879‬م) ومنذ ذلك التاريخ‬
‫نهجا علم ًيا في تناول الظاهرة ال�س���لوكية الت���ي يتعامل معها من حيث‬
‫وعل���م النف�س ينته���ج ً‬
‫المو�ضوعية والتجريب وا�ستخدام الأدوات العلمية المنا�سبة‪.‬‬
‫و�إن هن���اك �إرها�ص���ات قديمة ح���ول مفهوم النف�س‪ ،‬وال�س���لوك وال���روح في مجاالت‬
‫متعددة‪ ،‬مثل الفل�س���فة والف�س���يولوجيا والطب‪ ،‬قد �أ�س���همت بدورها في بلورة ون�ش����أة علم‬
‫النف�س من خالل عدد من المدار�س واالتجاهات الفكرية التي تبنت كل منها تيا ًرا مختل ًفا‪،‬‬
‫وبت�ص���ارع تلك التيارات وتعر�ضها للنقد والتقويم ن�ش����أت مدار�س واتجاهات حديثة �أثرت‬
‫الفكر النف�سي‪ ،‬وجعلت من علم النف�س عل ًما م�ستقلاً في منزلة العلوم الأخرى‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي نعر�ض لل�س����ؤال الآتي‪ :‬ه���ل ُي َع ّد «علم النف�س» عل ًما مث���ل علوم الكيمياء‬
‫والفل���ك والبيولوجي���ا‪ ،‬وغيرها م���ن العلوم؟ وللإجابة عن هذا ال�س����ؤال دعنا نبحث عن‬
‫مقومات العلم‪ ،‬فما هي تلك المقومات؟‬

‫مقومات العلم‪:‬‬
‫أول‪ :‬وج���ود ظاهرة يبحثها العلم‪ .‬فعلم الفلك على �س���بيل المث���ال يبحث في حركة‬‫� اً‬
‫الأجرام ال�س���ماوية والظواهر الطبيعية وخ�صائ�ص���ها وكيفية درا�س���تها‪ ،‬وعلم البيولوجي‬
‫(*) ه���ذا العن���وان م�أخ���وذ بت�ص���رف م���ن الف�ص���ل الأول من كت���اب تاريخ عل���م النف����س الحدي���ث‪ ،‬المدار����س واالتجاهات‪،‬‬
‫ت�أليف الدكتور �إ�سماعيل الفقي‪ ،2009 ،‬القاهرة‪ ،‬الأنجلو الم�صرية‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫يبح����ث في خ�ص����ائ�ص الكائن����ات الحية‪ ،‬وكيفية ت�ص����نيفها‪ ...‬وغير ذلك‪ ،‬وعل����م الكيمياء‬
‫يبحث في خ�ص����ائ�ص العنا�صر وطرق و�شروط التفاعل بين هذه العنا�صر‪....‬ولعلم النف�س‬
‫ظاهرة � ً‬
‫أي�ض����ا يدر�س����ها �أال وهي ال�س����لوك ‪� Behaviour‬س����لوك الكائن الحي �سواء كان هذا‬
‫مح�سو�سا ‪� Concrete‬أو �سلو ًكا مجردًا ‪ Abstract‬غير عياني مثل التعلم‬
‫ً‬ ‫ال�سلوك ظاه ًرا ماد ًيا‬
‫والدواف����ع واالتجاهات والقيم والعمليات العقلية كالتذكر والتفكير والتخيل‪( ...‬فال�س����لوك‬
‫هو ذلك الن�شاط الذي ي�صدر من الكائن الحي نتيجة لتفاعله مع ظروف بيئية معينة)‪.‬‬
‫ثان ًي���ا‪ :‬وثان���ي هذه المقومات ه���و توفر الأدوات التي ي�س���تخدمها العلم في درا�س���ة‬
‫الظاه���رة‪ ،‬فعل���م الفيزياء مث�ًل�اً يمتل���ك �أدوات لتقدير درجات الحرارة ومقدار ال�ض���غط‬
‫الجوي والكثافة النوعية للعنا�صر‪ ...‬وكذلك يمتلك علم الفلك ر�صد �أدوات ر�صد الظواهر‬
‫الكوني���ة‪ ...‬ولك���ن ما �أدوات علم النف�س في درا�س���ة ال�س���لوك؟ يدر�س علم النف�س �س���لوك‬
‫الكائ���ن الح���ي عن طريق عدد من المقايي�س واالختبارات النف�س���ية التي تحدد �ش���روطها‬
‫وفق المعايير العلمية الدقيقة حتى يمكن �أن نتعامل مع نتائجها بدرجة عالية من الثقة‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬ف����إن مختبرات ومعامل عل���م النف�س بها كثير من الأجه���زة و�أدوات القيا�س‬
‫التي تمكن الباحث في مجال علم النف�س من قيا�س كثير من مظاهر ال�سلوك المختلفة‪.‬‬
‫ثال ًث���ا‪ :‬وبعد �أن عر�ض���نا الثنين م���ن مقومات العلم‪ ،‬وهما «الظاهرة» التي يدر�س���ها‬
‫العل���م‪ ،‬و«الأدوات» الت���ي ي�س���تخدمها العل���م في درا�س���ة الظاهرة ومدى تواف���ر ودقة هذه‬
‫الأدوات‪ ،‬ن�أت���ي �إل���ى ثالث ه���ذه المقومات‪ ،‬وهو الطريق���ة �أو الكيفية الت���ي يمكن للعلم �أن‬
‫يدر�س بها هذه الخا�صية‪ ،‬وبمعنى �آخر المنهج الذي �سوف نتناول به الظاهرة‪ ،‬والعلم هنا‬
‫ال بد �أن يكون منهجه علم ًّيا مو�ضوع ًّيا‪.‬‬
‫وق���د ا�س���تخدم علم النف����س المنهج التجريبي من���ذ عام (‪1879‬م) عل���ى يد العالم‬
‫الألماني «فونت ‪ ،»Wundt‬وهو منهج يت�س���م بالمو�ضوعية والتحكم الدقيق في المتغيرات‪،‬‬
‫�إ�ض���افة �إلى عدد من مناهج �أو طرق البحث ‪ -‬التي �س���وف نعر�ض لها فيما بعد ‪ -‬وبذلك‪،‬‬
‫ف�إن لعلم النف�س طرائقه ومناهجه المتعددة في تناول الظواهر ال�سلوكية المختلفة‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫راب ًع���ا‪ :‬وج���ود مجموعة من النظري���ات والمبادئ والقوانين التي ي�س���تخدمها علماء‬
‫النف�س في تف�سير الظاهرة ال�سلوكية‪.‬‬
‫تلك هي مقومات العلم الأربعة‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود ظاهرة‪ ،‬وعلم النف�س يدر�س �سلوك الكائن احلي‪.‬‬
‫‪ -2‬وجود �أدوات لدرا�سة تلك الظاهرة‪ ،‬وميتلك علم النف�س املقايي�س واالختبارات و�أدوات‬
‫القيا�س املختربية لقيا�س مظاهر �أو خ�صائ�ص ال�سلوك املختلفة‪.‬‬
‫‪ -3‬ثم الطريقة �أو املنهج يف تناول الظاهرة‪ ،‬وعلم النف�س تتعدد طرقه ومناهجه‬
‫املو�ضوعية يف درا�سة ال�سلوك‪.‬‬
‫‪ -4‬وجود نظريات ومبادئ وقوانني‪.‬‬
‫والآن ت�أتي الإجابة عن ال�س����ؤال الذي �س���بق �أن طرحناه‪ ..‬هل علم النف�س ُي َع ّد عل ًما؟‬
‫فمن الم�ؤكد �أن تكون الإجابة‪ :‬نعم‪ ،‬فعلم النف�س ُي َع ّد عل ًما‪...‬ولماذا؟ لأنه يمتلك المقومات‬
‫التي �سبق �أن تناولناها من قبل‪ .‬وهو بذلك ‪� -‬أي علم النف�س ‪ -‬قد حدد مو�ضوعه‪ ،‬و�أدواته‪،‬‬
‫ومناهجه‪ ،‬وي�س���عى �إلى تحقيق �أهدافه مثل بقية العلوم المختلفة‪ ،‬ولكن ما الأهداف التي‬
‫ي�سعى علم النف�س �إلى تحقيقها؟‬
‫هذا‪ ،‬وتتحدد �أهداف علم النف�س كغيره من العلوم فيما ي�أتي ‪:‬‬

‫�أهداف علم النف�س‪:‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬فهم الظاهرة وتف�سيرها‪:‬‬
‫ي�س���عى علم النف�س �إلى معرفة الظواهر ال�سلوكية و�إدراك العالقات بما ي�ساعد على‬
‫فهمها ومعرفة �أ�س���باب حدوثها‪ ،‬ومن ثم الو�ص���ول �إلى تف�س���يرات علمية لحدوثها‪ .‬وذلك‬
‫من خالل الإجابة عن عدد من الأ�سئلة‪ ،‬مثل ‪ :‬متى يحدث هذا ال�سلوك؟ كيف يحدث‪...‬؟‬
‫ولماذا يحدث؟‬
‫‪22‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ثان ًيا‪� :‬ضبط الظاهرة‪:‬‬


‫يقود فهمنا للظاهرة ومعرفة �أ�س���باب حدوثها �إلى و�ضع بع�ض ال�ضوابط التي تمكننا‬
‫من التحكم في هذه الظاهرة‪� ،‬أي ال�ض���بط والتحكم في بع�ض مظاهر ال�سلوك المختلفة‪،‬‬
‫وهناك في مجال علم النف�س ما ي�سمى تعديل ال�سلوك ‪.Behaviour Modification‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬التنب�ؤ بالظاهرة‪:‬‬


‫وي�أتي التنب�ؤ بال�س���لوك من خالل معرفة �أ�سبابه وفهمها وتف�سيرها ومعرفة الظروف‬
‫التي يمكن �أن ت�ؤدي �إلى �سلوك معين‪ ،‬ويعني التنب�ؤ توقع النتائج التي يمكن �أن تترتب على‬
‫ا�ستخدام �أو معرفة معلومات معينة في مواقف جديدة‪ ،‬فمثلاً يمكن لعالم النف�س التربوي‬
‫�أن يتنب أ� ب�أن الطالب من ذوي اال�ستعدادات الميكانيكية والميول المهنية يمكن �أن يحققوا‬
‫نجاحا في التعليم ال�صناعي والتقني‪.‬‬
‫ً‬

‫ماهية علم النف�س؟‬


‫لماذا نهتم بدرا�سة علم النف�س؟‬
‫الواقع �أن االهتمام بعلم النف�س ي�ؤكد االهتمام بدرا�سة �سلوك الإن�سان‪ .‬ولعل ما �سبق‬
‫ذكره من قبل ي�ؤكد ذلك‪.‬‬
‫وقد يت�ساءل البع�ض‪ :‬لماذا االهتمام بدرا�سات علم النف�س؟‪ ،‬وهذا ال�س�ؤال قد ُيراود‬
‫من لم تتح له فر�صة االطالع والتعمق في درا�سات علم النف�س‪ ،‬وماهيتها و�ضرورتها لحياة‬
‫الإن�س���ان‪ ،‬ولما يقوم به الإن�س���ان الفرد �أو الجماعة في الحياة اليومية من �ش���تى �ض���روب‬
‫و�أنماط ال�سلوك الب�شري‪.‬‬
‫�إن علم النف�س ‪ -‬في الواقع ‪ -‬يقوم على فهم �س���لوك الإن�س���ان الفرد و�س���لوك الجماعة‪،‬‬
‫ويح���اول معرف���ة ما يدف���ع النا�س �إلى ما يقومون به من ن�ش���اط‪ ..‬ويحاول �أن ُيف�س���ر الت�ش���ابه‬
‫‪23‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫واالخت�ل�اف بين الأف���راد فيما بينه���م‪ ..‬ويهتم بنمو الفرد وتطور �س���لوكه م���ن خالل مظاهر‬
‫واحتياجات النمو في مدارج العمر المختلفة‪ ،‬وهذا بع�ض واقعه و�شموليته ل�سلوك الإن�سان‪.‬‬
‫و�إن عل���م النف����س في ميادينه المتعددة التي ت�ش���عبت في عالمنا المعا�ص���ر‪ ،‬وات�س���ع‬
‫نطاقها بت�ش���عب الحياة‪ ،‬يهتم بدرا�سة ال�سلوك درا�سة مو�ضوعية‪� ،‬سواء كان ذلك ال�سلوك‬
‫الفردي �أو الجماعي داخل الأ�سرة �أو المدر�سة �أو المجتمع بم�ؤ�س�ساته ال�صناعية والتجارية‬
‫والإدارية‪ ،‬في �س���احات الحرب وال�س���لم‪� ،‬أو داخل مالعب الريا�ضة‪� ،‬أو في مواقف الحياة‬
‫في الأفراح والأتراح‪� ،‬أو الدوائر الحكومية‪� ،‬أو الم�ؤ�س�س���ات الإنتاجية‪� ،‬أو في مدارج العمر‬
‫المختلفة‪� ،‬أو في الم�ؤ�س�س���ات االجتماعية‪� ...‬إلخ‪ ،‬من مجاالت‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ف�إن مدار البحث‬
‫والدرا�س���ة في علم النف�س قائم على درا�سة ال�سلوك الإن�ساني بهدف فهم طبيعة ال�سلوك‪،‬‬
‫وم���ا يمكن �أن ي�ؤول �إليه‪ ،‬والعمل على تف�س���يره وتقويمه وتعديله‪ ،‬وتوق���ع ما يمكن �أن يكون‬
‫عليه م�ستقبلاً ‪� ،‬أي التنب ؤ� بال�سلوك في الم�ستقبل‪� ..‬إذن ما هو ال�سلوك؟ وما معناه؟‬

‫ •ملاذا ندر�س علم النف�س؟ (لأنه يهتم بدرا�سة �سلوك الإن�سان)‪.‬‬


‫ •علم النف�س (يقوم على فهم �سلوك الفرد واجلماعة)‪.‬‬

‫معنى ال�سلوك‪:‬‬
‫من حيث عرفنا �أن علم النف�س يهتم بدرا�س���ة �س���لوك الإن�سان‪ ..‬ف�إن ال�سلوك ُيق�صد‬
‫ب���ه‪ ..‬جمي���ع �أوجه الن�ش���اط التي يقوم بها الإن�س���ان‪ ،‬وت�ص���در منه‪ ،‬والتي ي�س���تطيع هو �أن‬
‫يالحظها �أو يالحظها �شخ�ص �أو �أ�شخا�ص �آخرون‪.‬‬
‫وقد يكون ال�سلوك ظاه ًرا ي�سهل علينا مالحظته‪ ،‬وقد يكون غير ظاهر‪.‬‬
‫فالن�ش���اط الحركي الذي يقوم به الفرد كالم�ش���ي وتناول الطع���ام والأعمال اليدوية‬
‫وتعبيرات الوجه التي ت�صاحب االنفعاالت كالغ�ضب �أو ال�ضحك �أو البكاء‪ ،‬والتعبير اللفظي‬
‫‪24‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ال���ذي يق���وم به الف���رد‪ ..‬كل هذا من �أمثلة و�أنواع ال�س���لوك الظاهر‪ ،‬الذي ي�س���تطيع الفرد‬
‫ذاته‪� ،‬أو غيره مالحظتها‪..‬‬
‫وهناك �أن�ش���طة �أخرى خفية �أي غير ظاهرة‪ ،‬فالأن�ش���طة العقلي���ة كالتفكير واالنتباه‬
‫والتذك���ر واال�س���ترجاع والإدراك والفه���م‪ ..‬كل هذه عمليات عقلية ال ن�س���تطيع مالحظتها‬
‫ب�صورة مبا�شرة‪ ،‬و�إنما ن�ستدل على حدوثها من مالحظة نتائجها‪ .‬وقد يتبادر �إلى الذهن‪..‬‬
‫كيف يتم ذلك؟ الواقع �أنت ال ت�ستطيع �أن ت�ستدل على قيام الفرد بن�شاط عقلي من تفكير‬
‫�أو فهم و�إدراك وتذكر‪ ،‬دون �أن يجيب عن �س����ؤال معين توجهه �إليه‪ .‬مثلما يقوم به المعلم‬
‫داخل الف�صل عندما يقوم ب�شرح در�س معين‪ ،‬وينتبه المتعلم‪ ،‬و ُيركز ن�شاطه العقلي ليفهم‬
‫كل م���ا يقوله المعلم‪ ،‬حتى �إذا ما قام المعلم ب�س����ؤاله‪ ،‬ف�إنه يجيب عن ال�س����ؤال‪ ،‬وفي هذا‬
‫الحال ي�ستطيع المعلم �أن يقول‪� :‬إن المتعلم‪� ،‬سلوكه العقلي يدل على قيامه ب�أن�شطة معينة‪،‬‬
‫من خاللها تمكن المتعلم من فهم الدر�س‪ ،‬ومن ثم �أمكن اال�س���تدالل على الن�شاط العقلي‬
‫للمتعلم (�سلوك غير ظاهر) من مالحظة نتائجه‪.‬‬
‫و�إذا كان االهتمام في علم النف�س بدرا�س���ة �س���لوك الإن�سان‪ ..‬فما هي الجوانب التي‬
‫من خاللها ندر�س ال�سلوك؟‬
‫وهل علم النف�س يدر�س �س���لوك الإن�س���ان فقط؟ �أم يدر�س �س���لوك كائنات �أخرى كي‬
‫ي�ستدل من خالل مالحظاته ل�سلوك هذه الكائنات عن فهم �أعمق عن �سلوك الإن�سان؟‬

‫جوانب درا�سة ال�سلوك‪:‬‬


‫يهتم علم النف�س بدرا�سة ال�سلوك درا�سة م�ستفي�ضة‪ ،‬من �أجل تحديد �أكثر مو�ضوعية‬
‫لفهم وتحديد ومعرفة �س���لوك الإن�سان‪ ،‬بل التنب�ؤ بال�س���لوك � ً‬
‫أي�ضا‪ .‬ويمكن �أن نمثل جوانب‬
‫درا�سة ال�سلوك الذي هو محور الدرا�سة في علم النف�س كالآتي‪:‬‬
‫‪25‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫علم النف�س‬
‫يهتم بدرا�سة ال�سلوك‬
‫جوانب الدرا�سة‬

‫توجيه ال�سلوك‬ ‫التنب�ؤ بال�سلوك‬ ‫تف�سري ال�سلوك‬ ‫فهم ال�سلوك‬

‫‪ -1‬فهم ال�سلوك‪:‬‬
‫�أي تحديد مكونات مو�ض���وع ال�س���لوك بطريقة �ش���املة بهدف و�ص���فه و�ص��� ًفا دقي ًقا‪،‬‬
‫ُيمك���ن من تف�س���ير مكوناته وم�ض���مونه‪ ،‬والتعرف على الدوافع التي تحدد ال�س���لوك‪ ،‬حيث‬
‫هن���اك �أ�س���باب ودوافع ترتبط بالهدف من ال�س���لوك‪ .‬ف���كل فرد عندما ي�س���لك �إنما يكون‬
‫�س���لوكه محق ًقا وفق حاجات ومطالب الفرد التي يعم���ل من �أجلها‪ ،‬هذا من جهة من يقوم‬
‫بال�س���لوك‪� .‬أما من جهة من يف�س���ر هذا ال�س���لوك‪ ،‬ف�إن الأمر قد يواجه �ص���عوبات‪� ،‬إذ عليه‬
‫�أن يتع���رف على الدوافع الرئي�س���ة وراء ال�س���لوك‪ ،‬حي���ث �إن الدوافع ي�س���هل التعرف عليها‬
‫�إذا كان���ت تتوافق وال�ش���رع �أو تتوافق والنظم االجتماعية‪� ،‬أم���ا �إذا كانت خالف ذلك ف�إن‬
‫الك�شف عن ال�سلوك والتعرف عليه يكاد يكون �صع ًبا‪ ،‬وهذا ما ُيعوق كثي ًرا فهم ال�سلوك من‬
‫القائمين بالدرا�س���ات النف�سية‪ ،‬وما يترتب عن ذلك من �صعوبة و�صفه بدقة والو�صول من‬
‫هذا الو�صف �إلى مرحلة التوقع �أي التنب�ؤ عن م�ستقبل هذا ال�سلوك‪.‬‬
‫‪ -2‬تف�سير ال�سلوك‪:‬‬
‫قد نت�س���اءل‪ :‬هل هناك ا�س���تمرارية في تف�سير ال�س���لوك على نمط واحد؟ الواقع �أن‬
‫ال�س���لوك الإن�ساني يتعدل من مدة لأخرى نتيجة ت�ش���ابك وتداخل العوامل والم�ؤثرات التي‬
‫ت�سهم في بناء وتكوين ال�شخ�صية‪ ،‬والتغير الدائب والم�ستمر في المحيط البيئي بم�ؤثراته‬
‫الت���ي تعي�ش فيه ال�شخ�ص���ية‪ ..‬هذا التغي���ر لي�س تغي ًرا كل ًّي���ا‪� ،‬إذ �إنه تغير ن�س���بي‪ .‬حيث �إن‬
‫ال�س���لوك الإن�ساني ال يت�س���م بالثبات المطلق‪ ،‬وال يت�صف بالتغير المطلق‪ ،‬ولكنه و�سط بين‬
‫االثنين‪ ،‬وهذا ما يمكننا من و�صفه ومحاولة التوقع �أو التنب ؤ� بما �سيكون عليه‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -3‬التنب�ؤ بال�سلوك‪:‬‬
‫�أي ما هو ال�س���لوك الذي يتوقع حدوثه �أو نتنب أ� بحدوثه؟ فالفهم ال�ص���حيح لل�س���لوك‬
‫غال ًبا ي�ؤدي �إلى التوقع والتنب ؤ� بما يمكن �أن يكون عليه م�ستقبلاً ‪ ..‬ف�إذا كان هناك المتعلم‬
‫عال‪ ،‬ف�إننا نتوقع‬ ‫الذي يت�ص���ف بقدرة عالية من المثابرة على التح�ص���يل مقرونة ب���ذكاء ٍ‬
‫لهذا المتعلم بم�س���تقبل علمي متوا�صل وتفوق م�س���تمر‪ .‬ومثل هذا التوقع يكون في االتجاه‬
‫تماما بال�ص���ورة التي تم توقعه���ا‪� ،‬إذ قد تحدث‬ ‫ال�ص���حيح عل���ى الرغم مما ق���د ال يتحقق ً‬
‫م�ؤث���رات �أو عوامل ت�ص���ادف مثل ه���ذا المتعلم‪ ،‬ك�أن يعاني ظرو ًفا غير مالئمة �ص���حية �أو‬
‫اجتماعية �أو اقت�ص���ادية‪� ،‬أو ما �إلى ذلك من ظروف حياتية مختلفة‪ ،‬حيث ال يعلم �أبعادها‬
‫ونتائجها �إال اهلل �سبحانه وتعالى‪ ،‬ولهذا ف�إن �أمر التوقع المتكامل �أو التنب�ؤ الوافي ُيع ّد �أم ًرا‬
‫�ص���ع ًبا للغاية في مجال العلوم الإن�س���انية‪ ،‬نتيجة العتبارات عدة منها �أن القيا�س والتوقع‬
‫ل�سلوك الإن�سان من الأمور النف�سية ال�صعبة مهما �أحكمها القيا�س �أو التنب�ؤ‪.‬‬
‫ولكن هل �س���لوك الإن�سان ب�سيط �أم معقد؟ ال�سلوك الإن�ساني لي�س ً‬
‫ب�سيطا‪ ،‬بل معقدً ا‬
‫�إل���ى درجة ال ُتمكن من عزله ع���ن بقية الجوانب الأخرى من م�ؤثرات متعددة‪ ،‬فال�س���لوك‬
‫الفردي ي�صدر عن فرد من بين خ�صائ�صه �أنه‪:‬‬
‫‪ -1‬ذو تركيب ج�سمي (ع�ضوي) حباه اهلل �إياه يتمثل في �إمكانات ج�سمية وعقلية معينة‪.‬‬
‫‪ -2‬ذو تكوين نف�سي له جوانب عاطفية وانفعالية محددة‪.‬‬
‫‪ -3‬ذو عالق���ات اجتماعي���ة‪ ،‬لها �س���مات وخ�ص���ائ�ص تت�س���ع وت�ض���يق‪ ،‬وف ًقا لكف���اءة تلك‬
‫العالقات وا�ستمرارها‪.‬‬
‫وهذا البناء الم�شار �إليه من الخ�صائ�ص �آنفة الذكر ُيعرف في علم النف�س بال�شخ�صية‪.‬‬
‫وال�شخ�صية تتفاعل في بيئة ذات �إمكانات مادية وب�شرية‪ ،‬وذات �أطر ثقافية ومعايير‬
‫اجتماعي���ة‪ ،‬وق���د تتوافق ال�شخ�ص���ية في البيئ���ة‪ ،‬وتلتزم في �س���لوكها بالقواعد ال�ش���رعية‬
‫‪27‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫وال�ض���وابط االجتماعية‪ ،‬وقد ت�ص���بح �س���وية في �س���لوكها‪� ،‬أو ال تتوافق في البيئة والحياة‬
‫االجتماعية‪ ،‬فيختل ال�س���لوك وي�ض���طرب‪ ،‬ويو�صف عندئذ ب�أنه �س���لوك �شاذ �أو منحرف �أو‬
‫غير �س���وي‪ .‬ولذلك‪ ،‬ف�إن ال�شخ�صية تختلف وتتباين في خ�صائ�صها و�سماتها بين مختلف‬
‫الأفراد‪ ،‬وهذا االختالف والتباين ُيف�سر في علم النف�س وفق ما ُيعرف بالفروق الفردية‪.‬‬
‫ه���ذا �إ�ض���افة �إل���ى �أن العوامل والخ�ص���ائ�ص الت���ي يت�أثر به���ا الفرد‪ ،‬وت�ش���كل بنيته‬
‫ال�شخ�صية‪ ،‬هذه العوامل والخ�صائ�ص تتفاعل فيما بينها في حركة دائمة م�ستمرة‪ ،‬بحيث‬
‫ي�ص���عب عزل جانب منها عن جوانب �أخرى‪� ،‬أو موثرات متداخلة في ال�سلوك عن م�ؤثرات‬
‫�أخرى‪ .‬وفي هذا ما ُي�ؤكد �أن ال�سلوك الإن�ساني ال يت�سم بالب�ساطة‪ ،‬بل يت�سم بالتعقيد‪.‬‬
‫‪ -4‬توجيه ال�سلوك‪:‬‬
‫عندما يتم لنا معرفة خ�صائ�ص و�سمات ال�سلوك‪ ..‬هل يمكن توجيه ال�سلوك بو�سائل‬
‫علمية لخدمة الفرد؟‬
‫الواقع �أن فهم ال�س���لوك وو�صفه وتحليله‪ُ ،‬يمكن من التوقع والتنب�ؤ بما يمكن �أن يكون‬
‫عليه هذا ال�س���لوك‪ ،‬ومثل هذا التوقع (وقد �س���بق �إي�ض���اح ذلك عندما �أو�ض���حنا ما ُيعرف‬
‫بتوقع ال�سلوك) فمثلاً درا�سة النمو الإن�ساني‪ ،‬تحدد و ُتي�سر الأمر في توجيه ال�سلوك الذي‬
‫في���ه �إجماع على �أهميت���ه وتوافقه مع الحياة االجتماعية‪ ،‬وما فيه النفع للفرد الذي نوجهه‬
‫�إلى م�ستقبل علمي �أو درا�سي �أو مهني معين‪.‬‬
‫و�إذا كان علم النف�س والدرا�س���ات النف�سية‪ ،‬يهتم بدرا�سة كل ما ي�صدر عن الإن�سان‬
‫من �س���لوك من خالل تفاعله مع البيئة المحيطة به‪ ،‬ف�إن هذا ال�س���لوك يت�س���م بالت�ش���عب‬
‫والتنوع والتعدد‪.‬‬
‫فمثلاً درا�س���ة النمو الإن�س���اني ُتحدد ال�س���لوك الإن�س���اني خالل م���دارج العمر‪ ،‬التي‬
‫تبد�أ بال�ض���عف والوهن والعجز واالعتماد على الآخرين‪ ،‬وتنتهي كذلك مع اختالف طبيعة‬
‫ال�ض���عف واالعتماد على الغير‪ ،‬وبين البداية والنهاية مراحل ن�ض���ج بنائي ُمتعاقب يتم في‬
‫‪28‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫مراح���ل المهد والطفولة والمراهقة‪ ،‬فالر�ش���د‪ ،‬تحدث فيها تغي���رات و�إحداثات ومظاهر‬
‫نمائي���ة واحتياج���ات ومطالب تتباين بتعاقب مراحل النمو حتى ت�ص���ل �إلى فترات �ض���عف‬
‫ووه���ن متتاب���ع يتم في ال�ش���يخوخة والكهولة‪ .‬وهذا م�ص���دا ًقا لقول الحق تب���ارك وتعالى‪:‬‬
‫ﱹ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﱸ (الروم‪.)٥٤ :‬‬
‫مو�ضوعا له �أهميته الق�ص���وى في الدرا�سات النف�سية‪ ،‬توجه‬ ‫ً‬ ‫ودرا�س���ة التعلم بو�صفه‬
‫الإن�س���ان �إلى �أف�ض���ل و�س���ائل �إمكانياته العقلية والمعرفية‪ ،‬بما ي�ض���من له اال�س���تفادة من‬
‫مواق���ف الحياة المختلفة‪� ،‬س���واء كانت في الأ�س���رة �أو المدر�س���ة �أو المجتم���ع العام �أو في‬
‫المج���االت المهنية‪ ..‬والإنتاجية‪ .‬وعلي جانب �آخر درا�س���ة التعلم تمكن الفرد من تحديد‬
‫�أن�شطته‪ ..‬الإدراك والتذكر والتخيل والتفكير واالنفعال‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫مو�ضوعا �أ�سا�س��� ًّيا في الدرا�سات النف�سية‪ ،‬تو�ضح‬
‫ً‬ ‫ودرا�س���ة بناء ال�شخ�صية بو�صفها‬
‫العنا�ص���ر المهمة التي ت�سهم في تكوين بنية ال�شخ�صية‪ ،‬والأ�سباب التي ت�ؤدي �إلى �سوائها‬
‫وانحرافها‪ ،‬وو�س���ائل عالجها‪ ،‬والفروق الكمية والنوعية في النواحي الج�س���مية والع�ضوية‬
‫والعقلية والنف�س���ية واالجتماعية‪� ،‬إ�ض���افة �إلى توجيه ال�شخ�ص���ية ف���ي المجاالت التعليمية‬
‫والمهنية على اختالف �أنواعها وم�ستوياتها‪.‬‬
‫هذا كله يجعل علم النف�س ي�صل بدرا�ساته �إلى مختلف جوانب الحياة الإن�سانية من‬
‫�أجل معرفة دقيقة ل�س���لوك الإن�سان‪ ،‬ومن �أجل حاجات وم�صلحة الإن�سان وتوافقه مع ذاته‬
‫وم���ع حياته العادية واالجتماعية‪ .‬وف���ي مجاالت الحياة المتنوعة‪ ،‬ف����إن علم النف�س ُيقدم‬
‫خدماته في �ص���ورة و�ص���فية �أو ت�شخي�ص���ية �أو في �ص���ورة تعليمية �أو مهنية �أو عالجية‪� ،‬أو‬
‫توجيه و�إر�شاد‪� ،‬إلى �آخر ما تعددت �إليه ميادين وحقول علم النف�س في درا�ساتها الم�شعبة‪.‬‬

‫الهدف من درا�سة ال�سلوك هو فهم ال�سلوك والتنب�ؤ به والتحكم فيه‪.‬‬


‫‪29‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫�أنواع ال�سلوك‪:‬‬
‫في تعبير جامع‪ ،‬يمكن القول‪� :‬إن الدرا�سات النف�سية تحاول و�صف وتف�سير ما ي�صدر‬
‫عن الإن�سان الفرد من �سلوك يتمثل في‪:‬‬
‫‪ -1‬ال�سلوك الظاهر‪ :‬كالأكل وال�شرب والم�شي والتعامل اليومي بجميع �أن�شطته‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -2‬ال�س���لوك الباط���ن (الخف���ي)‪ :‬كالعمليات العقلي���ة المختلف���ة �أو العملي���ات االنفعالية‬
‫كاالنفعاالت‪ ،‬والعواطف‪ ،‬والتفكير والتخيل والتذكر‪.‬‬
‫‪ -3‬ال�س���لوك الفط���ري‪ :‬الذي ُيزود به الإن�س���ان عند خروجه �إلى الحي���اة‪ ،‬كتناول الطعام‬
‫وال�شراب والأمومة والعدوانية‪.‬‬
‫‪ -4‬ال�س���لوك المكت�سب‪ :‬الذي يكت�س���به الإن�س���ان ويتعلمه من واقعه االجتماعي‪ ،‬الذي يتم‬
‫تن�ش���ئته عليه‪ ،‬ويت���م من خالله اكت�س���اب المعرفة والتعلم وبناء الأ�س���رة والتعامل مع‬
‫الآخرين و�ضروب �أخرى عدة‪.‬‬
‫‪ -5‬ال�س���لوك ال�س���وي‪ :‬الذي يتفق والعادات والتقاليد ال�س���ائدة في المجتمع‪� ،‬س���واء كانت‬
‫هذه العادات تتفق مع ال�ش���ريعة الإ�سالمية داخل المجتمعات الإ�سالمية �أو مع عادات‬
‫المجتمع وتقاليده في المجتمعات المختلفة‪.‬‬
‫فيما يتعلق بال�س���لوك ال�س���وي �أو ال�ش���اذ‪ ،‬ف�إن المعايير ال�س���وية واالنحرافية‪ ،‬تختلف‬
‫باختالف العقائد وال�ش���رائع‪ ،‬ويعنينا في المجتمعات الإ�س�ل�امية المعيار الإ�سالمي الذي‬
‫ُيحدد �س���وية ال�س���لوك بما يتفق مع ال�ش���ريعة الغراء و�أ�ص���ولها القائمة على ما �شرعه اهلل‬
‫تعالى ومع ال�سنة النبوية المطهرة‪.‬‬
‫وم����ن المع����روف �أن الدرا�س����ات ف����ي عل����م النف�����س‪� ،‬ش�����أنها �ش�����أن العل����وم الطبيعي����ة‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ت�س����عى جاهدة لو�ص����ف الظواهر الخا�صة بال�سلوك‪ ،‬حيث تقوم بالتو�صل �إلى‬
‫المبادئ والقوانين العامة التي ُتف�س����ر �ضروب ال�سلوك الإن�ساني‪ :‬ال�سلوك اللفظي وال�سلوك‬
‫المكت�س����ب والح�س����ي والحركي وال�س����وي والمنحرف‪� ...‬إلخ‪ .‬مع تحديد ال�ش����روط والعوامل‬
‫‪30‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫التي يتم عن طريقها ال�س����لوك‪ ،‬من حيث اال�س����تعدادات والدوافع والميول التي تحكم هذا‬
‫ال�سلوك‪� ،‬إ�ض����افة �إلى اهتمامات الدرا�سات النف�سية بالتعلم وكيف يتم؟ ولماذا نتعلم؟ وما‬
‫هي �ضوابط التعلم‪ ،‬وما هو التفكير؟ وكيف نفكر؟ وهل يتوقف التفكير على مناطق خا�صة‬
‫ف����ي المخ؟ وما هو ت�أثير االنفعاالت على التفكير؟ وهل تق����وم الحيوانات بعملية التفكير؟‪..‬‬
‫وكيف يتم التذكر؟ وما الذي ُي�سهل عملية التذكر؟ ولماذا نن�سى بع�ض الأ�شياء دون غيرها؟‬
‫وه����ل يمكن تقوية الذاكرة؟ وكيف ن�س����مع ونح�س و ُندرك العالم الخارجي؟ وما المق�ص����ود‬
‫باالنتم����اء العاطفي؟ وم����اذا يحدث في �أثن����اء االنفعاالت؟ وما هي ال�ص����لة بين االنفعاالت‬
‫والأمرا�ض الج�سمية والعقلية؟ وكيف ُنف�سر ال�سلوك الإجرامي؟ �إلى غير ذلك من الأن�شطة‬
‫الإن�سانية في مختلف مواقف الحياة‪ ،‬الظاهرة والباطنة‪ ،‬واال�ستجابات الناجمة عنها‪.‬‬
‫لذل���ك يمك���ن � اً‬
‫إجمال �أن نق���ول‪� :‬إن الدرا�س���ات الخا�ص���ة بعلم النف����س‪� ،‬إنما هدفها‬
‫الأ�س���مى هو محاولة الك�ش���ف عن ال�س���لوك الإن�س���اني المتكامل‪ ،‬وكيفية التوافق والتكيف‬
‫للإن�سان الفرد في حياته االجتماعية‪.‬‬

‫طرق (مناهج) البحث في علم النف�س‪:‬‬


‫لقد ا�ستحق علم النف�س �أن يكون عل ًما بقدر ما �أ�صبح يلتزم بالمنهج العلمي والطرق‬
‫العلمية في درا�سة وبحث الظاهرة النف�سية‪.‬‬
‫والمق�ص���ود هن���ا بالمنه���ج العلم���ي ‪ Scientific Method‬ه���و الخطوات الت���ي يتبعها‬
‫الباحث �أو العالم للو�صول �إلى الحقيقة المتعلقة بالظاهرة التي يبحثها‪.‬‬
‫(وه���و الطري���ق الم�ؤدي �إلى الك�ش���ف عن الحقيقة ف���ي العلوم‪ ،‬بوا�س���طة طائفة من‬
‫القواعد العامة تهيمن على �سير العقل وتحديد عملياته حتى ي�صل �إلى حقيقة معلومة)‪.‬‬
‫ولكن ما هي خطوات المنهج العلمي؟ تتمثل خطوات المنهج العلمي فيما ي�أتي‪:‬‬
‫‪31‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫خطوات المنهج العلمي‪:‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬الإح�سا�س بالم�شكلة‪:‬‬
‫مو�ض���وعا ً‬
‫غام�ض���ا �أو �ص���عوبة معينة‪ ،‬فعليه �أن يقوم بتحديد‬ ‫ً‬ ‫حينما يواجه الإن�س���ان‬
‫الأ�س���باب التي �أدت �إلى وجود هذه الم�ش���كلة‪ ،‬وذلك من خالل جمع المعلومات التي تتعلق‬
‫بالم�ش���كلة‪ ،‬وم���ن ثم طرح �س����ؤال البحث الذي يعبر ع���ن هذه الم�ش���كلة‪ ،‬ومن خالل فهم‬
‫و�إدراك العالقات بين المعلومات المختلفة تت�ض���ح م�ش���كلة البحث‪ ،‬ي�ستطيع الباحث فهم‬
‫طبيعة هذه المعلومات‪ ،‬وكيفية ارتباطها بالم�شكلة مو�ضع الدرا�سة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬فر�ض الفرو�ض‪:‬‬


‫بع���د ذلك يقوم الباحث بفر�ض عدد من الفرو�ض التي يرى �أنها قد تقدم �إجابة عن‬
‫�س����ؤال �أو �أ�س���ئلة البحث‪ ،‬والفر�ض هو «توقع» من الباحث‪� ،‬أو هو تخمين ذكي للإجابة عن‬
‫�أ�سئلة البحث‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬اختبار الفرو�ض‪:‬‬


‫ث���م بعد ذل���ك يقوم الباح���ث ب�إج���راءات عدة الختب���ار الفرو�ض‪ ،‬وذل���ك من خالل‬
‫ت�ص���ميم لتجربة محددة يتم من خاللها قبول الفر�ض الذي يقدم حلاً للم�ش���كلة �أو �إجابة‬
‫حلول لم�ش���كلة البحث‪،‬‬‫عن �أ�س���ئلتها‪ ،‬كذلك يتم رف�ض �أو عدم قبول الفرو�ض التي ال تقدم اً‬
‫ويتم ذلك من خالل تحديد لعينة البحث‪ ،‬وتحديد �أدوات البحث والمقايي�س الم�ستخدمة‬
‫فيه لجمع البيانات والمعلومات‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬معالجة البيانات‪:‬‬
‫وبع���د جم���ع المعلومات والبيان���ات من خالل التجرب���ة التي قام به���ا الباحث‪ ،‬يقوم‬
‫بت�صنيف هذه البيانات وتحليلها كم ًيا �أو كيف ًيا‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫خام�سا‪ :‬تف�سير النتائج وتعميمها‪:‬‬


‫ً‬
‫وفي هذه الخطوة يقوم الباحث بتف�س���ير النتائج التي تو�ص���ل �إليها‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫�إدراكه وفهمه العميق لأ�س���باب حدوث الم�ش���كلة كما تو�ص���ل �إليها في �إطاره النظري ومن‬
‫خالل قبوله لفر�ض معين �أو عدد من الفرو�ض يرى �أنها تقدم �إجابة وحلاً لم�شكلة البحث‪.‬‬

‫خطوات املنهج العلمي‪:‬‬


‫الإح�سا�س بامل�شكلة ‪ -‬فر�ض الفرو�ض ‪ -‬اختبار الفروق‬
‫معاجلة البيانات ‪ -‬تف�سري النتائج وتعميمها‪.‬‬

‫وي�س���تخدم الباحث ف���ي علم النف�س عددًا م���ن المناهج العلمية المختلفة‪ ،‬لدرا�س���ة‬
‫ال�س���لوك‪ ،‬وذلك بح�سب طبيعة ونوع الدرا�س���ة التي يقوم بها‪ .‬ومن المناهج التي ُت�ستخدم‬
‫في البحوث والدرا�سات النف�سية ما ي�أتي‪:‬‬
‫أول‪ :‬منهج اال�ستبطان ‪:Introspection Method‬‬ ‫� اً‬
‫يعتم���د هذا المنهج على مفه���وم «الت�أمل الداخلي» �أو الت�أم���ل الباطني �أو المالحظة‬
‫الداخلية الذاتية ‪ Subjective Observation‬التي يقوم بها الفرد للتعبير عما يدور بداخله‪،‬‬
‫واال�س���تبطان لي����س مجرد ت�أمل‪ ،‬ولكن���ه مالحظة ذاتية لوقائع نف�س���ية داخلية‪ ،‬حيث يقوم‬
‫الفرد بو�ص���ف م�ش���اعره بنف�سه وم�شاهدة ما يدور بداخله‪ ،‬و ُيع ّد منهج اال�ستبطان من �أول‬
‫المناهج التي ا�ستخدمها علماء النف�س‪.‬‬
‫مميزات منهج اال�ستبطان‪:‬‬
‫على الرغم من النقد الذي وجه لمنهج اال�س���تبطان‪ ،‬و�أن الفرد ال ي�س���تطيع درا�س���ة‬
‫نف�سه بنف�سه‪� ،‬إال �أن لمنهج اال�ستبطان مميزات هي‪:‬‬
‫ •كثير ما ي�س���تخدم منهج اال�ستبطان بو�صفه ً‬
‫منهجا �أ�سا�س ًّيا في درا�سة الظواهر‬
‫خ�صو�صا لل�سلوك غير الظاهر‪.‬‬
‫ً‬ ‫النف�سية‬
‫‪33‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫ •اعتمدت البحوث والدرا�سات النف�سية منذ زمن بعيد على منهج اال�ستبطان‪.‬‬
‫ • ُتع��� ّد طريقة اال�س���تبطان هي الأ�س���ا�س التي قام���ت عليه كثير م���ن االختبارات‬
‫والمقايي�س النف�سية‪ ،‬وخا�صة التي ت�ستخدم لقيا�س ال�شخ�صية‪.‬‬
‫ •كذلك ُتع ّد طريقة اال�ستبطان هي الأ�سا�س الذي تعتمد عليه المقابلة الكلينيكية‪.‬‬

‫نقد منهج اال�ستبطان‪:‬‬


‫�أه���م م���ا يوجه له���ذا المنهج من نقد �أن���ه منهج يعتمد عل���ى الذاتية �أي �إن���ه منهج ذاتي‬
‫أ�سا�س���ا على م�ش���اعر الفرد و�إح�سا�ساته الداخلية‪ ،‬وال يعتمد على‬
‫‪ .Subjective Method‬يعتمد � ً‬
‫المالحظة الخارجية �أو التجريب‪� ،‬أي ال يعتمد على الأ�ساليب المو�ضوعية ‪،Objective Method‬‬
‫ويمكن �أن نلخ�ص �أوجه النقد فيما ي�أتي‪:‬‬
‫ •يعتم���د عل���ى قدرة الفرد ع���ن التعبير عن م�ش���اعره با�س���تخدام اللغ���ة‪ ،‬واللغة التي‬
‫ي�ستخدمها الفرد قد ال تكون مرة �صادقة لو�صف ما يدور بداخله �أو و�صف م�شاعره‪.‬‬
‫ •ال ي�صلح هذا المنهج مع الأطفال �أو البالغين الذين يعانون �صعوبات لغوية‪.‬‬
‫حرجا في الإف�صاح عما يدور بداخله‪.‬‬ ‫ •قد يجد الفرد ً‬
‫ •ت�أثر الفرد بمعلوماته وخبراته ال�سابقة‪.‬‬
‫ •يعتمد هذا المنهج على الحاالت الفردية التي ال يمكن من خاللها الو�ص���ول �إلى‬
‫قوانين عامة تمكننا من تف�سير الحاالت المماثلة‪.‬‬
‫وبعد �أن عر�ض���نا للمالحظات التي توجه لمنهج اال�س���تبطان‪ ،‬ومميزات هذا المنهج‬
‫نطرح ال�س�ؤال الآتي‪ :‬هل ا�ستخدام الذاتية في البحث العلمي ُيع ّد عي ًبا �أو ً‬
‫نق�صا �أو نقدًا‬
‫للبحث العلمي؟‬
‫وللإجابة عن هذا الت�س���ا�ؤل‪ ،‬يذكر (من�ص���ور و�آخرون‪�« :)1989 ،‬أننا ال ن�ستطيع �أن‬
‫ن�ض���ع حدً ا فا�ص�ًل اً قاط ًعا بين ما هو ذاتي وما هو مو�ضوعي‪ ،‬فالذاتية تكاد تتداخل في كل‬
‫مراحل العمل العلمي»‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وف���ي هذا يق���ول (عثمان‪« :)1987 ،‬تتجلى الذاتية فيما نق���وم به من تجريد الواقع‪،‬‬
‫�أو تحديد �أو تحييد �أو عزل جانب من الواقع �ص���ناع ًيا‪ ،‬حتى يمكن �إخ�ض���اعه للقيا�س حتى‬
‫يالئ���م الأداة‪ ،‬وم���ا وراءها من فك���رة �أو ر�أي �أو نظرية‪ ،‬و�إن �أي تن���اول للواقع وفق �أداة من‬
‫�أدوات البح���ث المو�ض���وعية ال يخل���و من تدخ���ل ذاتي‪ ،‬وتت�ض���ح الذاتية في بن���اء الأدوات‬
‫واختيارها‪ ،‬فالأدوات المو�ض���وعية لي�س���ت خال�ص���ة المو�ض���وعية كما قد نح�سب‪ ،‬ولي�ست‬
‫مبر�أة من الذاتية كما نحب �أن نعتقد‪ ،‬ال في ت�صميمها‪ ،‬وال في تطبيقها وال في التعامل مع‬
‫ما ت�ض���ع بين �أيدينا من معلومات‪....‬ويتطلب ذل���ك �أن يكون لدينا باحثون تتوازن عندهم‬
‫المو�ض���وعية والذاتية‪ ،‬ال بالإقالل من �ش����أن المو�ض���وعية و�أدواتها‪ ،‬و�إنها في ذاتها ك�سب‬
‫كبير للفكر والعلم وللتقدم الإن�ساني‪ ،‬ولكن ب�إن�ضاج الذاتية‪.‬‬
‫فالذاتي���ة النا�ض���جة عن���د الباح���ث العلمي ه���ي الذاتية الت���ي تعرف لكل �ش���يء في‬
‫منهج العلم و�أ�س���لوبه‪ ،‬قدره وقدرته‪ ،‬مداه وحدوده‪ ،‬نق�ص���ه وقوته‪� ،‬س���واء �أكان في جانب‬
‫المو�ضوعية �أم في جانب الذاتية»‪.‬‬
‫وجدير بالذكر �أنه مع ظهور اتجاه �أو مدخل ما ي�سمى بتجهيز المعلومات ‪Information‬‬
‫‪ Processing Approach‬وهو اتجاه حديث في علم النف�س المعرفي ‪،Cognitive Psychology‬‬
‫ي�س���تخدم الباحثون ما ي�س���مى تحليل البروتوكوالت ‪ ،Protocols Analysis‬والبروتوكول هو‬
‫طريقة ت�ش���به �إلى حد كبير ما يقوم به الفرد عند ا�ستخدام منهج اال�ستبطان‪ ،‬حيث يقوم‬
‫الباحث بت�س���جيل طريقة المفحو�ص في الو�صول �إلى حل للم�شكلة التي يواجهها �سواء كان‬
‫ذل���ك في مج���ال التذكر �أو الإدراك �أو االنتباه‪� ...‬أو غير ذل���ك من العمليات المعرفية‪ ،‬ثم‬
‫يق���وم الباحث بتحليل تلك البروتوكوالت للو�ص���ول �إلى الإ�س���تراتيجيات التي ا�س���تخدمها‬
‫المفحو�ص في الو�صول �إلى حل للم�شكلة‪.‬‬

‫ •يعتمد منهج اال�ستبطان على الت�أمل الداخلي‪.‬‬


‫ •العالقة بني الذاتية واملو�ضوعية يف علم النف�س‪.‬‬
‫ •الذاتية وعلم النف�س املعريف‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫ثان ًيا‪ :‬المنهج (الطريقة) الو�صفية ‪:Descriptive Method‬‬


‫ي�س���تخدم الباحث المنهج الو�صفي في درا�سة الظاهرة ال�سلوكية �أو النف�سية‪ ،‬وذلك‬
‫عن طريق جمع المعلومات والبيانات حول هذه الظاهرة‪ ،‬وت�صنيف هذه البيانات بطريقة‬
‫تم ّك���ن الباح���ث م���ن تحليلها كم ًي���ا �أو كيف ًيا للو�ص���ول �إلى تف�س���ير علمي للظاهرة مو�ض���ع‬
‫الدرا�سة‪ ،‬وينق�سم المنهج الو�صفي �إلى عدد من الطرق الفرعية كما ي�أتي‪:‬‬

‫‪ -1‬الدرا�سات الم�سحية‪:‬‬
‫يتخذ هذا المنهج � اً‬
‫أ�شكال متعددة نعر�ض بع�ضها فيما ي�أتي‪:‬‬
‫قد ي�س���تخدم الباحث المنهج الو�صفي للإجابة عن �أ�سئلة الم�شكلة مو�ضع الدرا�سة‪،‬‬
‫مث���ل الوقوف عل���ى اتجاهات الطالب نحو ق�ض���ية معين���ة �أو طريقة تدري����س مقترحة‪� ،‬أو‬
‫ال�س���تطالع �آراء فئة معين���ة (عينة البحث) ف���ي طريقة �إجراء االنتخاب���ات في المجال�س‬
‫النيابية‪� ،‬أو جمع البيانات حول الإ�صابة بمر�ض معين‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬ف�إن هذه الطريقة‬
‫ت�سمى الطريقة الم�سحية ‪ Survey Method‬فالدرا�سات الم�سحية ‪« Survey studies‬عبارة‬
‫عن جمع بيانات ومعلومات و�أو�ص���اف مف�ص���لة عن ظواهر موجودة بالفعل‪ ،‬وتجمع بق�صد‬
‫ا�ستخدامها‪� ،‬إما لتخطيط م�ستقبل �أف�ضل �أو لتح�سين الأو�ضاع االجتماعية‪� ،‬أو التربوية �أو‬
‫لمجرد تحديد الأو�ض���اع �أو الكفاءات عن طريق محكات عامة‪� ،‬أو عالمية‪ ،‬ويتوقف مجال‬
‫الدرا�سات الم�سحية على طبيعة الم�شكلة محل البحث»‪.‬‬

‫‪ -2‬الدرا�سات االرتباطية‪:‬‬
‫قد ي�س���تخدم الباح���ث المنهج الو�ص���في بغر�ض الوق���وف على العالق���ات المتبادلة‬
‫بي���ن ع���دد م���ن المتغيرات الت���ي تت�ض���منها م�ش���كلة البحث‪ ،‬وذل���ك بهدف الو�ص���ول �إلى‬
‫تف�س���ير �أعمق للظاهرة مو�ضع الدرا�س���ة‪ ،‬فمثلاً قد يدر�س العالقة بين التدخين والإ�صابة‬
‫بمر����ض �س���رطان الرئ���ة‪� ،‬أو العالقة بين تعاط���ي المخ���درات ومعدل ارت���كاب الجريمة‪،‬‬
‫�أو العالقة بين التفكك الأ�سري والت�أخر الدرا�سي‪...،‬في هذه الحالة ت�سمى هذه الدرا�سات‬
‫‪36‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الدرا�س���ات االرتباطي���ة ‪ Correlation Studies‬فنتائ���ج هذه الدرا�س���ة ُتبي���ن للباحث مدى‬


‫ارتباط المتغيرات مو�ض���ع الدرا�س���ة بع�ض���ها ببع�ض وداللة هذه االرتباطات‪ ،‬فقد تك�شف‬
‫اال بالإ�صابة ب�سرطان الرئة‪ ،‬ولكن‬‫ارتباطا د ًّ‬
‫ً‬ ‫نتائج الدرا�س���ة مثلاً عن �أن التدخين يرتبط‬
‫ال تعني هذه النتيجة في مثل هذه البحوث �أن التدخين هو �سبب الإ�صابة ب�سرطان الرئة‪.‬‬

‫‪ -3‬الدرا�سات الطولية‪ ،‬والم�ستعر�ضة ‪:Longitudinal & Cross - Sectional Studies‬‬


‫كثي ًرا ما ي�سـتخدم الباحـث في مجـال درا�سـات النمـو ‪� Development Studies‬أ ًّيا من‬
‫الطريقة الطولية �أو الطريقة الم�ستعر�ضة‪ ،‬وذلك لتتبع تطور �أو نمو ظاهرة �سلوكية معينة‪،‬‬
‫�أو لدرا�س���ة الخ�ص���ائ�ص النمائية لمرحلة عمرية محددة‪ ،‬فمثلاً عند درا�سة الباحث لنمو‬
‫القدرة اللغوية لدى الأطفال في مرحلة من (‪� 6 -2‬س���نوات)‪ ،‬فعند درا�س���ة هذه الظاهرة‬
‫طول ًيا يعني قيام الباحث بجمع المعلومات حول القدرة اللغوية لدى عينة البحث على مدى‬
‫�أربع �س���نوات‪ ،‬حيث يقوم الباحث بقيا�سات �أو مالحظات مقننة حول القدرة اللغوية وتتبع‬
‫نموها لدى العينة نف�سها‪ ،‬على فترات زمنية مختلفة‪ ،‬ما ي�ستغرق وقتًا طويلاً ‪.‬‬
‫ويمك���ن درا�س���ة ه���ذه الظاهرة نمو الق���درة اللغوية ل���دى الأطفال من �س���ن (‪)6-2‬‬
‫�س���نوات بطريقة �أخرى‪ ،‬وهي الطريقة الم�ستعر�ض���ة‪ ،‬وتتلخ�ص ه���ذه الطريقة في اختيار‬
‫عينة البحث من �ش���رائح عمرية مختلفة‪ ،‬مجموعة في �س���ن �س���نتين‪ ،‬ومجموعة في �س���ن‬
‫أي�ضا مجموعة في �سن ‪� 5‬سنوات‪ ،‬ومجموعة‬ ‫‪� 3‬سنوات‪ ،‬ومجموعة �أخرى في �سن ‪� 4‬سنوات‪ ،‬و� ً‬
‫�أخيرة في �س���ن ‪� 6‬س���نوات‪ ،‬ثم يقوم الباحث بجمع البيانات ب�إجراء القيا�س���ات الخا�ص���ة‬
‫بالقدرة اللغوية لكل �شريحة عمرية ومالحظة نمو القدرة اللغوية لدى عينة البحث‪.‬‬
‫وبذل���ك‪ ،‬ف�إن���ه يمكن درا�س���ة ع���دد كبير م���ن الخ�ص���ائ�ص النف�س���ية النمائية لدى‬
‫مجموعات متعددة من المفحو�صين في وقت ق�صير‪ ،‬و�إن هذه الطريقة الم�ستعر�ضة توفر‬
‫الكثير من الوقت‪ ،‬كذلك توفر جهد الباحثين‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬ف�إن الدرا�س���ات الم�ستعر�ض���ة هي‬
‫���تخداما ف���ي مجال البحث في علم نف����س النمو‪ ،‬ومن عيوب ه���ذه الطريقة‪� ،‬أن‬ ‫ً‬ ‫الأكثر ا�س‬
‫القيا�س���ات ال تتم على مجموعة واحدة من المفحو�ص���ين ‪ -‬كما في الدرا�س���ات الطولية ‪-‬‬
‫وقد تت�أثر نتائج البحث بالفروق بين المجموعات المختلفة‪ ،‬ما يجعل النتائج �أقل دقة من‬
‫‪37‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫الدرا�س���ات الطولية؛ لأنها غال ًبا ال تعطي �ص���ورة �صادقة للواقع؛ وذلك لأن العينة المنتقاة‬
‫للبحث لي�س���ت هي نف�س���ها‪ ،‬فقد توجد ف���روق بين كل مجموعة م���ن المجموعات الأخرى‪،‬‬
‫مهما بلغت عملية االنتقاء من الدقة والمو�ضوعية‪.‬‬
‫في مقابل ذلك‪ ،‬ف�إن الدرا�سات الطولية �أكثر دقة و�صد ًقا؛ لأنها تجرى على مجموعة‬
‫واح���دة فقط‪ ،‬ويت���م متابعة هذه المجموعة عل���ى ِحقب زمنية‪� ،‬إال �أن الدرا�س���ات الطولية‬
‫ي�ؤخ���ذ عليه���ا �أنها تتطلب وقتًا وجهدً ا‪ ،‬و�إن بع�ض �أفراد العينة قد يت�س���رب دون ا�س���تكمال‬
‫الدرا�س���ة‪ ،‬ويتعر�ض �أف���راد عينة البحث �إلى بع�ض الأحداث خالل مدة الدرا�س���ة التي قد‬
‫ت�ؤثر في نموهم �س���ل ًبا �أو �إيجا ًبا‪ ،‬كذلك ف�إن �أ�س���اليب الدرا�س���ة قد تتغير من مدة لأخرى‪،‬‬
‫حيث قد يكت�ش���ف الباحث �أ�س���اليب �أكثر دقة و�إتقا ًنا من الأ�سلوب الذي كان ي�ستخدمه‪ ،‬ما‬
‫يفر�ض عليه �إدخال التعديالت على �أ�ساليب البحث وتطويرها‪.‬‬

‫جدول (‪ )1‬المقارنة بين الدرا�سات الطولية والدرا�سات الم�ستعر�ضة‬


‫الدرا�سة الطولية‬ ‫الدرا�سة الم�ستعر�ضة‬ ‫الخ�صائ�ص‬
‫قيا�سات متعددة ل�سمة �أو عدد‬ ‫قيا�س �سمة �أو عدد من‬
‫ال�سمات لمجموعات عمرية من ال�سمات لمجموعة واحدة‬
‫لفترات زمنية طويلة‬ ‫مختلفة في الوقت نف�سه‪ ،‬وفي‬ ‫�إجراءات البحث‬
‫مدة زمنية ق�صيرة‬
‫ت�ستغرق وقتًا طويلاً لجمع‬ ‫ت�ستغرق وقتًا ق�صي ًرا لجمع‬
‫الوقت‬
‫البيانات‬ ‫البيانات‬
‫عالية التكاليف‬ ‫قليلة التكاليف‬ ‫الكلفة‬
‫تتطلب عددًا كبي ًرا من‬ ‫يمكن جمع �أكبر كمية من‬
‫الجهد الب�شري‬
‫الباحثين �أو فري ًقا بحث ًّيا‬ ‫المعلومات في وقت ق�صير‬
‫تُم ّكن الباحث من درا�سة‬ ‫تتطلب عددًا قليلاً من‬
‫�أهم المميزات‬
‫التغيرات النمائية الفردية‬ ‫الباحثين‬
‫تهمل التغيرات النمائية داخل‬
‫ت�سرب بع�ض �أفراد العينة‬ ‫�أهم العيوب‬
‫الفرد نف�سه‬
‫‪38‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -4‬درا�سة الحالة ‪:Case Study‬‬


‫نوعا من البحث المتعمق لحالة ما‪ ،‬وقد تكون هذه الحالة فردًا �أو‬‫« ُتع ّد درا�سة الحالة ً‬
‫م�ؤ�س�سة �أو مجتم ًعا محل ًّيا‪ ،‬كالأ�سرة �أو المدر�سة‪ ،‬عن طريق جمع المعلومات والبيانات عن‬
‫الو�ضع الراهن للحالة‪ ،‬وخبراتها الما�ضية وعالقتها بالبيئة‪ ،‬ويتم ذلك با�ستخدام �أدوات‬
‫بحثية منا�سبة للوقوف على القوى الم�ؤثرة في الحالة و�إدراك العالقات بينها»‪.‬‬
‫ويمكن �أن ت�س���تخدم درا�س���ة الحالة بو�صفها و�س���يلة لجمع البيانات والمعلومات في‬
‫أي�ضا ا�ستخدامها في درا�سة الختبار فر�ض ب�شرط �أن تكون الحالة‬ ‫درا�سة و�صفية‪ ،‬ويمكن � ً‬
‫ممثل���ة للمجتمع الذي يراد تعميم الحكم عليه‪ ،‬بحيث ت�س���تخدم �أدوات قيا�س مو�ض���وعية‬
‫لجمع البيانات وتحليلها وتف�سيرها حتى يمكن تجنب الوقوع في الأحكام الذاتية‪.‬‬
‫نوعا من الفح����ص المكثف والعميق لحالة فردية‬‫وبذلك‪ ،‬ف�إن‪« :‬درا�س���ة الحالة ُتع ّد ً‬
‫كان���ت �أو لمجموع���ة من الأفراد‪ ،‬يتم التعرف من خاللها �إلى الخ�ص���ائ�ص المتفردة التي‬
‫ت�سهم ب�شكل فعال في فهم ال�سلوك الإن�ساني»‪.‬‬
‫و ُتع ّد درا�س���ة الحالة �إحدى و�س���ائل القيا�س النف�س���ي التي ُت�س���تخدم لجمع البيانات‬
‫والمعلوم���ات التي ت�س���اعد الباحثين على بناء �أح���كام تقويمية تفيد ف���ي اتخاذ القرارات‬
‫المنا�س���بة حول المفحو�ص مو�ض���ع االهتمام‪ ،‬وكلما كانت المعلومات حول الفرد متوافرة‬
‫ودقيق���ة كان القرار المتخذ حياله منا�س��� ًبا‪ ،‬فالقرار الجيد هو الذي ُيبنى على قاعدة من‬
‫المعلومات الكافية الخا�صة بالمفحو�ص‪.‬‬
‫ولدرا�س���ة حال���ة طالب يعاني الت�أخر الدرا�س���ي يحت���اج الباحث �إلى جم���ع البيانات‬
‫العامة التي ت�شمل ا�سم الم�ستر�شد (العميل)‪ ،‬وتاريخ ميالده‪ ،‬وتاريخ المقابلة‪ ،‬والمدر�سة‬
‫�أو الجامعة‪ ،‬والم�س���توى الدرا�س���ي وتاريخ ت�س���جيل الحالة‪ ،‬وم�ص���درها‪ ،‬ث���م جمع بيانات‬
‫عن الم�ش���كلة‪ ،‬وتت�ضمن و�ص ًفا للم�ش���كلة‪ ،‬التاريخ التعليمي‪ ،‬و�س���لوك الم�ستر�شد‪ ،‬والحالة‬
‫االجتماعية واالقت�صادية والحالة ال�صحية‪ ،‬والجوانب االنفعالية‪ ،‬والعالقات االجتماعية‪،‬‬
‫‪39‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫و�أن�شطة وقت الفراغ‪ ،‬والمخاوف والقلق‪ ،‬ومواجهة الم�شكالت وال�ضغوط واتخاذ القرارات‪،‬‬
‫والجوانب المهنية‪ ،‬وال�سلوك الديني‪ ،‬والأن�شطة ال�صفية والال�صفية‪ ،‬والأن�شطة الريا�ضية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬

‫مميزات درا�سة الحالة‪:‬‬


‫�أ‪ -‬تتيح درا�س���ة الحال���ة تقديم درا�س���ة متكاملة ومتعمق���ة ومركزة للحال���ة‪ ،‬حيث يركز‬
‫الباحث على مو�ض���وع واحد في درا�س���ة فرد �أو جماعة �أو م�ؤ�س�سة اجتماعية �أو مجتمع‬
‫محلي‪ ،‬بو�ص���فه وحدة واحدة‪ ،‬ومن ثم ال يت�ش���تت جهده في درا�سة مو�ضوعات متعددة‬
‫في �آن واح���د‪ ،‬وبذلك تتيح البيانات الوافية والحقائق ال�ش���املة التي يجمعها الباحث‬
‫عن حالة واحدة في الم�س���اعدة على بحث الم�ش���كلة بعمق ي�س���هم في معرفة الأ�سباب‬
‫الأ�سا�سية للحالة‪.‬‬
‫ب‪ -‬تعطي الطبيعة اال�ستك�شافية للحالة للباحث ب�صيرة ت�ؤدي به �إلى �صياغة الفرو�ض النافعة‪.‬‬
‫جـ‪ -‬يمكن �أن ت�ساعد المعلومات التي يجمعها الباحث في درا�سة الحالة‪ ،‬على فهم ودرا�سة‬
‫حاالت �أخرى لها الظروف نف�سها‪.‬‬

‫نقد درا�سة الحالة‪:‬‬


‫�أ‪ -‬ال يمكن ا�ش���تقاق تعميمات من حالة واح���دة وتطبيقها على كل الحاالت في المجتمع؛‬
‫لأن تعميم النتائج يتطلب عينات ممثلة لمجتمع الدرا�سة‪.‬‬
‫ب‪ -‬الذاتية‪ ،‬فقد تت�أثر نتائج الدرا�س���ة بذاتية الباحث من حيث �إ�صدار �أحكام عن �أخالق‬
‫ودواف���ع �أفراد الحالة‪ ،‬ما قد ي�ؤثر في النتائج بالمعايير ال�شخ�ص���ية والأحكام الذاتية‬
‫ما يتطلب ت�س���جيل المعلومات بدقة ومو�ض���وعية‪ ،‬وت�أجيل �إ�صدار الأحكام حتى تتجمع‬
‫لدى الباحث الأدلة الكافية لت�أييد النتائج‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫جـ‪ -‬اهتم���ام بع�ض الباحثين ببع�ض الوقائع التي يعتقدون �أنها �أهم من غيرها‪ ،‬و�أبعد �أث ًرا‬
‫إ�سهاما‬
‫في حل الم�ش���كلة‪ ،‬فيعطونها قيمة كبيرة‪ ،‬ويهملون وقائع �أخرى قد تكون �أكثر � ً‬
‫من غيرها في حل الم�شكلة‪.‬‬
‫د‪� -‬إن المعلوم���ات التي يقدمها الفرد مو�ض���وع الحالة عن نف�س���ه‪ ،‬وع���ن خبراته الحالية‬
‫والما�ض���ية قد ال تكون دقيقة و�س���ليمة‪ ،‬حيث ال يك�شف عنها عمدًا‪� ،‬أو ت�ضيع معه بع�ض‬
‫التفا�صيل ب�سبب عوامل الن�سيان‪.‬‬

‫‪ -5‬الدرا�سة الكلينيكية ‪:Clinical Studies‬‬


‫تجمع الدرا�س���ات الكلينيكية بين ا�س���تخدام االختبارات والمقايي�س وبين المالحظة‬
‫الطبيعية بهدف التو�صل �إلى نظام من المعلومات حول الفرد‪ ،‬والطريقة الكلينيكية قوامها‬
‫درا�سة الحالة‪ ،‬بغر�ض جمع المعلومات والبيانات حول المفحو�ص مو�ضع الدرا�سة‪.‬‬
‫فالطريقة الكلينيكية تعني التركيز على درا�سة الحاالت الفردية التي تمثل الظاهرة‬
‫المراد درا�س���تها‪ ،‬حيث يق���وم الباحث با�س���تخدام �أدوات البحث النف�س���ي المختلفة التي‬
‫تمكنه من درا�س���ة الحالة‪ ،‬درا�سة �شاملة ومتعمقة حتى ت�صل به �إلى فهم للعوامل العميقة‬
‫في �شخ�صية المفحو�ص التي ت�أثرت بالظاهرة مو�ضع الدرا�سة �أو �أثرت فيها‪ ،‬و�إلى المنطق‬
‫ال�س���يكولوجي والمب���رر العلم���ي لهذا الت�أثي���ر والت�أثر‪ ،‬وي�س���تخدم الباحث في الدرا�س���ات‬
‫الكلينيكي���ة االختبارات الإ�س���قاطية التي تقي�س �أعماق النف�س الإن�س���انية دون االكتفاء بما‬
‫يظهر على ال�سطح‪ ،‬بل تتخذ ما يظهر مدخلاً �إلى ما يتخفى في الأعماق و�إذا ما ا�ستخدم‬
‫اختب���ا ًرا م���ن طبيعة كمية‪ ،‬يقوم بتحليل ا�س���تجاباته ودرجاته تحليلاً كيف ًيا‪ ،‬للو�ص���ول �إلى‬
‫ا�ستخداما مو�س ًعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫�سيكولوجية الأعماق والتحليل النف�سي لديناميات ال�شخ�صية‬
‫وبذلك‪ ،‬ف�إن ا�س���تخدام الدرا�س���ة الكلينيكية في البحوث النف�س���ية يعطي الباحث �صورة‬
‫متكاملة عن �شخ�صية الفرد بكاملها‪� ،‬صورة عن خ�صائ�ص هذه ال�شخ�صية‪ ،‬وما يدور بداخلها‪،‬‬
‫وعنا�صر قوتها‪ ،‬ومواطن �ضعفها‪ ،‬واتزانها‪ ،‬وا�ضطرابها‪� ،‬صورة عن تكاملها �أو ت�صدعها‪...‬‬
‫‪41‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫ولما كانت الدرا�س���ة الكلينيكية تمتاز بهذا العمق وال�ش���مول‪ ،‬ف�إنها تتطلب جهدًا ووق ًتا‬
‫كبيرين من جانب الباحث‪ ،‬ومن ثم ف�إنه ي�ص���عب عليه درا�سة عينة ذات حجم كبير‪ ...‬ولكن‬
‫العمق وال�شمول في الدرا�سة الكلينيكية ُيع ّد من ال�ضعف المتمثل في �صغر حجم العينة‪.‬‬

‫مميزات الدرا�سة الكلينيكية‪:‬‬


‫ •القدرة على الو�ص���ول �إلى �أعماق النف�س الب�شرية و�إظهار خباياها وك�شف مكنوناتها‪،‬‬
‫وتلك �أمور ي�صعب على غيره من المناهج تحقيقها‪.‬‬
‫ •�إعطاء �صورة �شاملة ومتكاملة عن ال�شخ�صية‪.‬‬
‫ •يمكن ا�س���تخدام الدرا�س���ات الكلينيكية في تعميق نقطة من نقاط وبحث ُي�ستخدم له‬
‫�أي من المناهج الأخرى ب�صفة �أ�سا�سية‪ ،‬و ُتع ّد هنا الدرا�سة درا�سة م�ساعدة �أو معاونة‬
‫للك�شف �أو تف�سير نتيجة حالة فردية‪.‬‬

‫الم�آخذ التي توجه �إلى الدرا�سات الكلينيكية‪:‬‬


‫ •عدم وجود �ض���وابط محددة‪ ،‬ما ي�س���مح للذاتية �أن ت�ؤثر في النتائج‪ ،‬فتقل تب ًعا لذلك‬
‫المو�ضوعية‪ ،‬التى ُتع ّد �أهم ركائز البحث العلمي‪.‬‬
‫ •النتائج التي نتو�ص���ل �إليها من خالل الدرا�س���ات الكلينيكي���ة‪ ،‬ال يمكن تعميمها‪ ،‬حيث‬
‫�إنها تمثل درا�سة لحالة فردية‪ ،‬وفي �أح�سن تقدير درا�سة لعينة �صغيرة الحجم‪.‬‬
‫ه���ذا‪ ،‬ويحتاج ا�س���تخدام الدرا�س���ات الكلينيكية في البح���وث النف�س���ية‪� ،‬إلى ت�أهيل‬
‫الباحث ت�أهيلاً علم ًيا دقي ًقا‪ ،‬وخبرة وا�س���عة‪ ،‬وب�ص���يرة نافذة‪ ،‬و�شخ�ص���ية ناقدة‪ ...‬فهذا‬
‫من �ش�أنه التقليل من العوامل الذاتية‪ ،‬والأخذ بيد الدرا�سات الكلينيكية نحو المو�ضوعية‪.‬‬
‫وبعد �أن عر�ضنا للمنهج الو�صفي‪ ،‬والدرا�سات التي ت�صنف �ضمن هذا المنهج (الدرا�سات‬
‫الم�سحية‪ ،‬الدرا�سات االرتباطية‪ ،‬الدرا�سات الطولية والم�ستعر�ضة‪ ،‬درا�سة الحالة)‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ونتناول فيما ي�أتي تقوي ًما للبحوث الو�صفية‪:‬‬

‫مميزات البحوث الو�صفية‪:‬‬


‫‌�أ ـ تمدنا الدرا�س���ات الو�ص���فية بمعلومات عملية وحقائق يمكن �أن تبنى عليها م�س���تويات‬
‫�أعلى من الفهم العلمي‪.‬‬
‫‌ب ـ ُتع ّد البحوث الو�ص���فية خطوة �ضرورية‪ ،‬و ُتع ّد في بع�ض الأحيان هي الطريقة الوحيدة‬
‫في الدرا�سات االجتماعية ودرا�سات ال�سلوك الإن�ساني‪.‬‬
‫‌ج ـ ت�س���اعد على و�صف وتف�س���ير الم�ش���كالت التربوية التي تواجه المجتمع‪ ،‬وتك�شف عن‬
‫التطورات والظروف واالتجاهات الم�ستقبلية‪.‬‬
‫‌د ـ قد ت�س���اعد بع�ض الدرا�س���ات الو�ص���فية على التنب�ؤ بم�س���تقبل الظواهر المختلفة من‬
‫خالل تقديم �ص���ورة ع���ن معدل التغير ال�س���ابق في ظاهرة ما بما ي�س���مح بالتخطيط‬
‫للم�ستقبل‪.‬‬

‫عيوب البحوث الو�صفية‪:‬‬


‫�أ‪ -‬احتمالية عدم دقة النتائج‪ ،‬حيث ال يمكن �أن ت�ؤدي الدرا�سات الو�صفية �إلى نتائج ذات‬
‫�أهمية �إذا اعتمدت على بيانات خاطئة‪.‬‬
‫ب‪ -‬ت�أث���ر النتائج بذاتي���ة الباحث‪ ،‬فق���د يحدث �أحيا ًن���ا �أن يعك�س المالح���ظ ذاتيته على‬
‫الظاهرة مو�ضع الدرا�سة‪ ،‬ما قد ي�ؤدي �إلى اختالف النتائج من باحث لآخر‪.‬‬
‫جـ‪� -‬صعوبة اختبار الفرو�ض‪ ،‬حيث يتم ذلك في الدرا�سات الو�صفية عن طريق المالحظة‬
‫وجم���ع المعلومات‪ ،‬دون ا�س���تخدام التجربة العلمية الختب���ار الفرو�ض‪ ،‬وبالطبع‪ ،‬ف�إن‬
‫الباح���ث ال ي�س���تطيع مالحظ���ة كل العوامل �أو قد ُيغفل بع�ض���ها‪ ،‬وبذلك فال ي�س���تطيع‬
‫التو�ص���ل �إل���ى اختبار الفرو�ض لتقبل م���ا يقدم منها حلاً للم�ش���كلة �أو رف�ض الفرو�ض‬
‫التي ال تقدم اً‬
‫حلول �أو تف�سي ًرا لم�شكلة الدرا�سة‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫د‪ -‬تعمي���م النتائج‪ ،‬فمعظم البحوث الو�ص���فية محددة بمدة زمنية معين���ة؛ ف�إن نتائجها‬
‫قابلة للتطبيق فقط داخل حدود وقتية ق�ص���يرة ن�سب ًيا‪ ،‬حيث �إن الظواهر االجتماعية‬
‫وال�سلوكية تتغير وف ًقا للزمان والمكان‪.‬‬
‫هـ‪ -‬القوة التن ُّب ِئ ّية للبحوث الو�صفية‪ ،‬معظم الدرا�سات الو�صفية محددة من حيث المكان‪،‬‬
‫حيث �إن الظاهرات االجتماعية والنف�سية ذات طبيعة مركبة ومعقدة‪ ،‬وال يمكن التنب�ؤ‬
‫بحدوثها‪ ،‬كما يحدث في العلوم الطبيعية‪.‬‬

‫ت�شمل الدرا�سات الو�صفية‪:‬‬


‫الدرا�سات امل�سحية ‪ -‬الدرا�سات االرتباطية ‪ -‬الدرا�سات الطولية وامل�ستعر�ضة‬
‫درا�سة احلالة ‪ -‬الدرا�سة الكلينيكية‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬المنهج (الطريقة) التجريبية ‪:Experimental Method‬‬


‫ُيع ّد المنهج التجريبي من �أكثر المناهج علمية‪ ،‬من حيث المو�ضوعية والدقة وال�ضبط‬
‫الدقي���ق للمتغيرات‪ ،‬فالباحث با�س���تخدامه المنهج التجريبي‪ ،‬يقوم بمالحظات مو�ض���وعية‬
‫لجمع الحقائق والمعلومات عن طبيعة الم�ش���كلة و�أ�سبابها‪ ،‬ومن ثم ي�ستخل�ص الفرو�ض التي‬
‫ُتع ّد بمنزلة حلول م�ؤقتة �أو تخمين ذكي من الباحث لحل الم�شكلة‪ ،‬ثم يقوم بعد ذلك بت�صميم‬
‫التجرب���ة الت���ي من خاللها يمك���ن للباحث اختبار الفرو�ض والو�ص���ول �إلى حلول وتف�س���يرات‬
‫لم�ش���كلة بحثه‪ ،‬ومن خالل ذلك يتو�ص���ل الباحث �إلى عدد من النتائج والقوانين التي تمكنه‬
‫من تف�سير الظواهر‪ ،‬وتك�شف عن طبيعة العالقات التي تكون �سب ًبا للظاهرة‪.‬‬
‫«ويع���رف البحث التجريبي ب�أنه تغيير متعمق وم�ض���بوط لل�ش���روط المحددة لواقعة‬
‫معينة ومالحظة التغيرات الناتجة عن هذه الواقعة ذاتها وتف�سيرها»‪.‬‬
‫ •والبحث التجريبي يت�ض���من محاولة ل�ض���بط كل العوامل الأ�سا�س���ية الم�ؤثرة في‬
‫المتغي���ر �أو المتغي���رات التابعة ف���ي التجربة ماع���دا عاملاً واح���دً ا يتحكم فيه‬
‫‪44‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الباح���ث ويغي���ره على نحو معين بق�ص���د تحديد وقيا����س ت�أثيره ف���ي المتغير �أو‬
‫المتغيرات التابعة‪.‬‬
‫ •والبحث التجريبي يقوم � ً‬
‫أ�سا�س���ا على �أ�س���لوب التجربة العلمية التي تك�ش���ف عن‬
‫العالقات ال�سببية بين المتغيرات المختلفة في الموقف التجريبي‪.‬‬
‫والتجري���ب في الدرا�س���ات والبحوث النف�س���ية ل���ه قيمة بالغة‪ ،‬حي���ث يمثل الطريقة‬
‫العلمي���ة الت���ي يمكن م���ن خاللها درا�س���ة العالقة بين متغيري���ن �أو عدد م���ن المتغيرات‪،‬‬
‫باعتبار �أن هناك متغيرات «م�س���تقلة» و�أخرى «تابعة» هذا‪ ،‬وينق�س���م التجريب كما يحدث‬
‫في الدرا�سات والبحوث النف�سية �إلى ثالثة �أنواع؛ وهي‪:‬‬

‫�أ‪ -‬التجريب في الموقف الطبيعي‪:‬‬


‫حي���ث تتم التجربة ب�إدخال المتغيرات على الظاهرة مو�ض���ع الدرا�س���ة في المواقف‬
‫والظروف الطبيعية‪.‬‬

‫ب‪ -‬التجريب داخل المعمل‪:‬‬


‫ويت���م ذلك حينم���ا يتعذر القيام بالتجرب���ة في المواقف والظ���روف الطبيعية‪ ،‬حيث‬
‫تجرى التجربة في ظروف ا�صطناعية قريبة ال�شبه بالواقع‪.‬‬

‫ج‪ -‬التجريب على الحيوان‪:‬‬


‫يتم ذلك في الحاالت التي ي�صعب فيها �إجراء التجربة على الإن�سان‪� ،‬سواء كان ذلك‬
‫ف���ي المواق���ف الطبيعية‪� ،‬أو داخل المعم���ل‪ ،‬ويتم ذلك في التجارب الخا�ص���ة بعلم النف�س‬
‫الف�سيولوجي‪ ،‬وعلم النف�س الع�صبي‪ ،‬وعلم النف�س المقارن‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬و ُت�صمم التجربة الختبار فر�ض م�ؤداه �أن (�أ) ي�ؤدي �إلى حدوث تغير �أو �أثر في (ب)‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫في هذه الحالة‪ ،‬ف�إن (�أ) ي�س���مى متغي ًرا م�ستقلاً ‪� Independent Variable‬أو المتغير‬
‫التجريبي ‪� ،Experimental Variable‬أو المثير ‪� Stimulus‬أو �سب ًبا ‪ ،Cause‬بينما (ب) ي�سمى‬
‫متغي ًرا تاب ًعا �أو متغي ًرا الح ًقا ‪� Consequent‬أو �أث ًرا ‪ Effect‬ويتم �ض���بط جميع ال�ش���روط ‪-‬‬
‫�سوف نتحدث عنها فيما بعد ‪ -‬فيما عدا المتغير الم�ستقل (�أ) الذي يتناوله بالتغيير‪ ،‬ثم‬
‫نالحظ ما يحدث للمتغير التابع نتيجة لتعر�ضه للمتغير الم�ستقل‪.‬‬

‫وللمنهج التجريبي عدد من المتغيرات هي‪:‬‬


‫ •المتغير الم�ستقل‪ :‬وهو المتغير الذي يريد الباحث �أن يدر�س �أثره في المتغير التابع‪.‬‬
‫ •المتغي���ر التاب���ع‪ :‬وهو المتغي���ر �أو الظاهرة التي تت�أثر وف���ق التغيرات التي تحدث في‬
‫المتغير الم�ستقل‪.‬‬
‫ •المتغيرات الو�سيطة‪ :‬هي المتغيرات التي تقع بين المتغير الم�س���تقل والمتغير التابع‬
‫ويمكن �أن ت�ؤثر في نتائج التجربة‪ ،‬وعلى الباحث �ضبط هذه المتغيرات‪.‬‬

‫(املنهج التجريبي)‬
‫من �أكرث املناهج علمية ودقة وقدرة على التحكم يف ال�سلوك‪.‬‬
‫متغرياته‪ :‬املتغري امل�ستقل ‪ ،‬املتغري الو�سيط‪ ،‬املتغري التابع‪.‬‬

‫وبعد �أن عر�ضنا للإجابة عن �س�ؤال هل علم النف�س ُيع ّد عل ًما؟‪ ،‬والأهداف التي ي�سعى‬
‫عل���م النف�س لتحقيقها‪ ،‬وخطوات المنهج العلمي‪ ،‬ومناهج البحث المختلفة في مجال علم‬
‫النف�س‪ ،‬ن�س���تطيع القول‪� :‬إن علم النف�س يهتم بالدرا�س���ة العلمية لل�سلوك والعقل والتفكير‬
‫وخ�صو�صا‬
‫ً‬ ‫وال�شخ�ص���ية‪ ،‬ويمكن تعريفه ب�أنه‪( :‬الدرا�س���ة العلمية ل�سلوك الكائنات الحية‪،‬‬
‫الإن�سان‪ ،‬وذلك بهدف التو�صل �إلى فهم هذا ال�سلوك وتف�سيره والتنب ؤ� به والتحكم فيه)‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -‬يهتم علم النف�س بدرا�سة ال�سلوك عند الإن�سان الفرد والجماعة‪ ،‬وفهم طبيعة ال�سلوك‬
‫وتف�سيره وتقويمه وتعديله‪ ،‬وما يتوقع منه م�ستقبلاً ‪.‬‬
‫‪ -‬ال�س���لوك هو ما ُيمثل جميع الأن�ش���طة التي يقوم بها الإن�سان‪ ،‬وت�صدر منه‪ ،‬وي�ستطيع �أن‬
‫يالحظها الفرد �أو غيره‪.‬‬
‫‪ -‬جوانب درا�س���ة ال�س���لوك تقوم على‪ :‬فهم ال�سلوك ‪ -‬التوقع‪ -‬التعقد (�أي �إنه لي�س �سلو ًكا‬
‫ً‬
‫ب�سيطا) ‪ -‬التف�سير ‪-‬التكيف ‪ -‬التوجيه‪.‬‬
‫‪� -‬أنواع ال�سلوك‪ :‬الظاهر ‪ -‬الباطن (الخفي) ‪ -‬الفطري ‪ -‬المكت�سب ‪ -‬ال�سوي والمنحرف‪.‬‬
‫‪ -‬مناهج وطرائق ال�سلوك‪ :‬المنهج التجريبي ‪ -‬اال�ستنباطي ‪ -‬الخبرة ال�شخ�صية‪.‬‬

‫�أ�سئلة وتمارين‪:‬‬
‫‪ -1‬لماذا نهتم بدرا�سة علم النف�س؟‬
‫‪ -2‬ما الذي نق�صده بال�سلوك؟‬
‫‪ -3‬عدِّ د جوانب الدرا�سة في ال�سلوك ‪ -‬وب ِّين المق�صد من فهم ال�سلوك وتف�سيره وتوجيهه‪.‬‬
‫‪ -4‬يتمثل ال�سلوك في �أنواع مختلفة ‪ -‬و�ضح‪.‬‬
‫‪ -5‬في مناهج وطرائق درا�سة ال�سلوك‪ :‬المنهج التجريبي ‪ -‬والمنهج الو�صفي ‪ -‬ا�شرح‪.‬‬
‫ال�سلوك الإن�ساين‬
‫ق�ضايا علم النف�س وميادينه‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف القارئ �إىل اجلانب النظري والعملي يف درا�سة ال�سلوك‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يربط بني ق�ضايا علم النف�س واملنهج الإ�سالمي‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يعدد جماالت درا�سة ال�سلوك يف علم النف�س‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يتعرف �إىل ميادين علم النف�س‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يقارن بني الفروع املختلفة لعلم النف�س النظري‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن ي�صنف علم النف�س التطبيقي �إىل الفروع املختلفة‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن يحدد العالقة بني علم النف�س والعلوم الأخرى‪.‬‬
‫(‪� )8‬أن يحدد العالقة بني علم النف�س والعلوم ال�سلوكية‪.‬‬
‫(‪� )9‬أن يعدد جماالت البحث يف علم النف�س‪.‬‬
‫(‪� )10‬أن يتعرف �إىل دور املنهج الإ�سالمي يف درا�سة ق�ضايا علم النف�س‪.‬‬
‫(‪� )11‬أن يقدر جهود العلماء يف درا�ستهم لل�سلوك بطرائق متعددة‪.‬‬
‫ال�سلوك الإن�ساين‬
‫ق�ضايا علم النف�س وميادينه‬

‫‪:‬‬
‫ُيحدد هذا الف�ص���ل ميادين علم النف�س‪ ،‬التي محور الدرا�س���ة فيها «ال�سلوك» وفيما‬
‫ي�أتي ما يت�صل ب�أهداف الدرا�سات في علم النف�س القائمة على درا�سة ال�سلوك الإن�ساني‪،‬‬
‫وما تت�ش���عب �إليه الدرا�س���ات في علم النف����س من ميادين نظرية وتطبيقية‪ ،‬ومو�ض���ع علم‬
‫النف�س التربوي في ميادين علم النف�س‪ ،‬و�أهمية علم النف�س التربوي بالن�س���بة �إلى المعلم‬
‫والمتعلم الذي نحدد له الف�صل الثالث‪.‬‬

‫•الجانب النظري والعملي في درا�سة ال�سلوك‪:‬‬


‫ت�ستخدم الدرا�سات النف�سية ب�صفة عامة المنهج العلمي والتجريبي في الك�شف عن‬
‫ال�سلوك الإن�ساني‪ ،‬حيث تهدف هذه الدرا�سات �إلى‪:‬‬
‫ريا مو�ضوع ًّيا‪ ،‬ومتثل هذه الدرا�سة اجلانب النظري‬
‫‪ -1‬درا�سة ال�سلوك وتف�سريه تف�س ً‬
‫�أو العملي لعلم النف�س‪ .‬ويف هذا ما ُيعاون على فهم الذات‪ ،‬وفهم من نعا�شر ونتعامل‬
‫معه‪ ،‬ويتم ذلك من خالل الوقوف على الدوافع الفطرية‪ ،‬ومن ثم االهتمام ب�سمات‬
‫ال�شخ�صية وما يتوافر لها من �إمكانيات‪ ،‬وحتديد �أ�سباب ما يظهر من ال�سلوك ال�سوي‬
‫�أو االنحراف‪ ،‬هذا �إىل جانب الك�شف عن اجلوانب العقلية واملعرفية التي حتفز التعلم‬
‫�أو ت�شتت االنتباه‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬التنب�ؤ بال�سلوك‪ :‬عن طريق فهم الظواهر وم�سبباتها وخ�صائ�صها‪ ،‬حيث ُيعني‬
‫ذلك على التنب�ؤ بحدوثها و�ضبطها والتحكم فيها‪ ..‬وهذا التنب ؤ� من الأهداف العملية‬
‫للدرا�سات النف�سية‪ ،‬فتحديد اال�ستعدادات وقيا�س املهارات مثلاً ‪ ،‬ميكن عن طريقها‬
‫التنب ؤ� ب�صالحية الفرد لدرا�سة �أو عمل مهني معني‪ .‬ودرا�سة الدافعية اخلا�صة ب�سلوك‬
‫ً‬
‫�ضغوطا معينة‪.‬‬ ‫معني‪ ،‬ميكن �أن تعاون يف التنب ؤ� بكيفية توجيه ورعاية فرد يعي�ش‬
‫‪ -3‬من الأهداف التطبيقية للدرا�سات النف�سية االلتزام والتحكم والتنب ؤ� بال�سلوك‪،‬‬
‫الذي ُيعاون يف الك�شف عن طبيعة ال�سلوك‪ .‬و�إن كان ذلك �صع ًبا للغاية؛ لتعدد العوامل‬
‫وت�شابك الدوافع التي توجه ال�سلوك‪ ،‬وحتدده‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وتهدف الدرا�سات النف�سية في العالم المعا�صر بجميع مجاالتها وفروعها‪� ،‬إلى‬
‫تطبيق المنهج التجريبي‪ ،‬للك�شف عن ال�سمات ال�سلوكية وخ�صائ�ص الأفراد والجماعات‪.‬‬

‫حتقيق ق�ضايا علم النف�س واملنهج الإ�سالمي‪:‬‬


‫جدير بالذكر �أن المنهج الإ�س�ل�امي م�صدره القر�آن وال�سنة‪ ،‬فالقر�آن الكريم كتاب‬
‫اهلل العزي���ز ال���ذي ال ي�أتيه الباطل من بين يدي���ه وال من خلفه‪ ،‬وال�س���نة النبوية المطهرة‬
‫التي ترك ر�س���ول اهلل �أمة الإ�سالم من خالل التم�سك بها على المحجة البي�ضاء ليلها‬
‫كنهارها‪ ،‬هما من الم�ص���ادر الرئي�س���ة للمعارف النف�س���ية المحددة لل�س���لوك الإن�س���اني‪،‬‬
‫ففيهما بيان للحياة الفا�ضلة‪ ،‬و�إر�شاد �إلى طريقها‪ ،‬وفيهما تو�ضيح لأحوال النف�س وعوامل‬
‫تزكيته���ا‪ ،‬وفيهما تف�س���ير لأمرا����ض القلب‪ ،‬وانحراف���ات النف�س وطرق عالجه���ا والوقاية‬
‫منها‪ ،‬وفيهما تف�س���ير لحاجات النف�س والج�سم والروح‪ ،‬و�سبل �إر�ضائها بما يحقق التوازن‬
‫والتكام���ل بينه���ا‪ ،‬وفيهما هداي���ة �إلى العب���ادات والمعامالت التي تحقق تواف���ق الفرد مع‬
‫ربه ونف�سه والنا�س‪ ،‬تواف ًقا ُي�شعره بال�سعادة في الدنيا والآخرة‪ ،‬و ُي�صلح �أمره و�أمر النا�س‬
‫من حوله‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫والمعارف النف�س���ية التي نحملها من فهم القر�آن وال�س���نة‪ ،‬تبين لنا بلغة علم النف�س‬
‫الحديث م�س���الك �س���وية ال�سلوك وال�صحة النف�س���ية‪ ،‬وكيفية التما�سها‪ ،‬وطريق الوهن في‬
‫النفو�س وكيفية اجتنابه‪ ،‬وتو�ضح لنا عالمات الوهن وكيفية عالجها‪.‬‬
‫القر�آن �أو في �أحاديث‬
‫وتقوم هذه المعرفة على الإيمان باهلل ور�سوله‪ ،‬ف�إذا وجدنا في ٍ‬
‫الر�س���ول ‪� ،‬أن هذا الأمر ُي�ص���لح النف�س ويزكيها‪ ،‬وذاك ُيف�س���دها وي�ش���قيها‪ ،‬ن�صدقه‬
‫ون�سلم به؛ لأنه الحق من عند خالق النف�س العليم ب�أ�سرارها‪ ،‬الخبير بما ُي�سعدها وي�شقيها‪،‬‬
‫وعلينا �أن نلتزم ب�أمره في ال�ص�ل�اح‪ ،‬وننتهي بنهيه �س���بحانه عن عوامل الف�س���اد وال�شقاء‪،‬‬
‫ويتوافر في المعرفة النف�سية الدينية �شروط المعرفة العلمية �أكثر مما تتوافر في المعرفة‬
‫النف�سية التي نح�صل عليها من علم النف�س الحديث‪ ،‬فمن خ�صائ�ص هذه المعرفة الثبات‬
‫واالت�ساق والمو�ضوعية‪ ،‬و�صالحيتها لتف�سير �سلوك النا�س‪ ،‬والتنب ؤ� به‪ ،‬والتحكم فيه في كل‬
‫زمان ومكان؛ لأنها من عند اهلل‪ ،‬خالق النا�س‪ ،‬الخبير ب�أمورهم‪ ،‬العليم ب�أحوالهم‪ .‬والأدلة‬
‫على ثبات هذه المعرفة وات�ساقها ومو�ضوعيتها كثيرة‪ ،‬ن�سوق منها ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬نظرة الإ�س�ل�ام �إلى طبيعة الإن�س���ان من حيث �إنه ُخلق في �أح�س���ن تقويم‪ ،‬ولديه‬
‫اال�س���تطاعة لعم���ل الخير وعمل ال�ش���ر‪ ،‬ول���ه �إرادة في اختي���ار �أفعاله‪ ،‬وم�س����ؤول عن هذا‬
‫االختيار‪ ،‬وهذه النظرة ثابتة منذ �أربعة ع�ش���ر قر ًنا‪ ،‬ال تبديل وال تعديل فيها‪ ،‬بينما عندما‬
‫نتابع نظرة علماء النف�س المحدثين �إلى طبيعة الإن�س���ان في المئة �س���نة الما�ض���ية ‪ -‬وهي‬
‫عمر علم النف�س الحديث ‪ -‬نجد نظرات متباينة‪ ،‬تعك�س فل�سفات مختلفة‪.‬‬
‫فعلماء التحليل النف�سي اعتبروه �ش���ري ًرا بطبعه و�سلوكياته حتمية‪ ،‬وعلماء ال�سلوكية‬
‫اعتبروه �صفحة بي�ضاء ت�شكله البيئة التي يعي�ش فيها‪ ،‬وهو كالآلة ي�ستجيب للمثيرات بعادات‬
‫�سلوكية تعلمها من مجتمعه‪ ،‬بينما قرب علماء المذهب الإن�ساني في علم النف�س من نظرة‬
‫الإ�س�ل�ام للإن�س���ان‪ ،‬فاعتبروه خي ًرا بطبعه‪ ،‬وم�س���� اًؤول عن �أفعاله؛ لأن���ه يختارها ب�إرادته‪.‬‬
‫وهذه النظرة الأخيرة �ص���ححت م�س���ار عل���م النف�س الحديث‪ ،‬وجعلته ينظر �إلى الإن�س���ان‬
‫بو�صفه �إن�سا ًنا‪ ،‬ولي�س بو�صفه �آلة �أو مجموعة من العقد النف�سية‪� ،‬أو حيوان تجارب‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬ثبات وات�س���اق المعرفة النف�س���ية الإ�س�ل�امية‪ ،‬حيث نجد �أن نظرة الإ�س�ل�ام �إلى‬
‫الإن�س���ان على �أنه ُكل متكامل من نف�س وج�س���م وروح‪ ،‬ال يمكن الف�ص���ل بينها‪ ،‬وفي منهجه‬
‫لتحقيق التوازن في �إ�شباع حاجات النف�س والج�سم والروح‪ ،‬دون �إفراط وال تفريط في �أي‬
‫منه���ا‪ .‬في حين اختلفت مدار�س علم النف�س الحديث حول هذه الق�ض���ية‪ ،‬فعلماء التحليل‬
‫النف�س���ي وال�س���لوكية اعتبروا الإن�سان مكو ًنا من نف�س وج�س���م‪ ،‬و�أهملوا حاجات الروح‪ ،‬ثم‬
‫جاء علماء المذهب الإن�س���اني‪ ،‬و�ص���ححوا هذه النظرة ب�إ�ض���افة البعد الروحي‪ ،‬واعتبروا‬
‫الإن�سان كلاًّ متكاملاً من نف�س وج�سم وروح‪.‬‬
‫وهكذا نجد �أن علم النف�س كلما تقدم في درا�س���اته تبنى نظرة الإ�سالم �إلى الإن�سان‬
‫اقتناعا ب�أهمية المعرفة النف�س���ية من الناحية‬
‫ً‬ ‫كما جاءت في القر�آن وال�س���نة‪ ،‬م���ا يزيدنا‬
‫الديني���ة ع���ن النف�س الإن�س���انية‪ ،‬حتى نهتم بالنف�س الب�ش���رية وب�أ�س���اليب تركيبها‪ ،‬وطرق‬
‫وقايتها وعالجها من االنحراف‪.‬‬
‫ومن حيث كان االهتمام بق�ض���ايا علم النف�س ‪ -‬بالدرجة الأولى ‪�« -‬س���لوك الإن�سان»‬
‫ف�إنه من المعروف �أن العلوم التجريبية التي تعتمد على �إجراء التجارب تهدف �إلى الو�صول‬
‫�إل���ى القواني���ن العلمية التي تحكم الظواهر التي تدر�س���ها‪� ،‬أو التي تبحث في مو�ض���وعات‬
‫محددة‪ ،‬وذلك يميزها عن باقي العلوم الأخرى‪ ،‬والمنهج في العلوم التجريبية يعتمد على‬
‫فرو�ضا �أو م�سلمات تف�سر الظواهر‪ ،‬وتحتاج �إلى التحقق من‬ ‫المنهج العلمي الذي يفتر�ض ً‬
‫الفرو����ض ‪� -‬أي اختب���ار مدى �ص���دقها �أو زيفها‪ ،‬حيث يتم ذلك عن طري���ق عمليات عدة‪،‬‬
‫كالمالحظة والتجربة والتعميم والمقارنة‪ ،‬هذا وتختلف العلوم من حيث �أ�س���اليب تحقيق‬
‫هذه الفرو�ض‪ .‬لذلك يمكن ت�صنيف العلوم �إلى ق�سمين �أ�سا�سيين‪:‬‬
‫‪ -1‬العلوم التي يتم حتقيق ق�ضاياها عن طريق الك�شف عن الأ�صول والن�صو�ص‪ ،‬مثل‬
‫العلوم ال�شرعية والتاريخية‪ ،‬ومعيار ال�صواب واخلط�أ يف هذه العلوم �إما مقبو ًال‬
‫ً‬
‫مرفو�ضا‪ ،‬مثلما نحكم على �أمر �أحله اهلل �أو حرمه‪� ،‬أو �أنه متفق �أو متعار�ض‬ ‫و�إما‬
‫مع ال�شريعة‪ ،‬ح�سبما ورد يف كتاب اهلل الكرمي و�سنة نبيه عليه ال�صالة وال�سالم‪،‬‬
‫وح�سبما يرد من الأوامر والنواهي‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫‪ -2‬والعلوم التي يتم حتقيق ق�ضاياها عن طريق املالحظة للظواهر مو�ضع الدرا�سة‪،‬‬
‫و�إجراء جتارب يف ظروف �ضبط جتريبي حمدد‪ ،‬ومقارنة النتائج والو�صول �إىل النتائج‬
‫والتعميمات‪ ،‬ويف هذه العلوم يكون االتفاق واالختالف للق�ضايا املطروحة مع الواقع‬
‫القائم �أم ًرا واجب البحث‪ ،‬فيما يتعلق بالدرا�سات التجريبية يف العلوم الإن�سانية‪،‬‬
‫وب�صفة عامة ف�إن البحوث الإ�سالمية‪ ،‬تنادي بعدم تعار�ض نتائج هذه الدرا�سات‬
‫مع �شرائع الكتاب املنزل وال�سنة املطهرة‪ ،‬حيث ال جدال فيما نزل به احلق تعاىل‪،‬‬
‫وما نادى به امل�صطفى عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬خا�صة فيما تتناوله نتائج الدرا�سات‬
‫التجريبية من �صدق نتائجها الذي يف �أعم الأحوال يكون �صد ًقا ن�سب ًّيا‪ ،‬بينما ُحكم‬
‫اهلل �أ�صدق قيلاً و�سنة نبيه حجة على هذه النتائج‪ ،‬وال جدال يف ذلك البتة‪.‬‬
‫وعلم النف�س المعا�صر‪ ،‬يجمع بين كال النوعين من العلوم‪ ،‬فالكتاب وال�سنة يك�شفان‬
‫لنا عن طبيعة الإن�س���ان وع���ن النف����س‪ :‬ﱹﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﱸ‬
‫(ال�ش���م�س‪ ،)٨ - ٧ :‬وعن دوافع ال�س���لوك‪ ،‬وحاجات الإن�س���ان‪ ،‬وكيف يتم �إ�شباعها من خالل‬
‫�ض���بط ال�س���لوك والتحكم فيه‪ ،‬والتنب ؤ� بال�سلوك‪ .‬لذلك هناك المجتهدون من علماء اليوم‬
‫الذين يحاولون الجمع بين درا�س���اتهم التجريبية للك�شف عن الظواهر ال�سلوكية‪ ،‬والربط‬
‫بينهم���ا وبي���ن الهدي الإ�س�ل�امي فيما يعرف بـ «الت�أ�ص���يل الإ�س�ل�امي للعلوم والدرا�س���ات‬
‫النف�س���ية»‪� ،‬أو التوجيه الإ�س�ل�امي للدرا�س���ات النف�س���ية‪� ،‬أو �أ�س���لمة المعارف النف�سية‪� ،‬أو‬
‫التف�سير الإ�سالمي لل�سلوك الب�شري‪.‬‬

‫جماالت درا�سة ال�سلوك يف علم النف�س‪:‬‬


‫فيما �س���بق‪ ،‬يتبين �أن اهتمامات علم النف�س تقوم على درا�س���ة �س���لوك الإن�سان‪ ،‬عن‬
‫طريق درا�سة‪:‬‬
‫‪ -1‬اال�ستعدادات والقدرات اخلا�صة بالأفراد يف النواحي احلركية واحل�سية والنف�سية‬
‫والعقلية واالنفعالية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬ما ي�صدر عن الإن�سان من �سلوك حركي �أو لفظي‪ ،‬كامل�شي واجلري والأكل والكالم‬
‫واالعتداء والهرب والقفز وال�صعود والهبوط‪ ،‬وقيادة ال�سيارات‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫الأداءات احلركية املتعددة‪.‬‬
‫‪ -3‬الدوافع التي تحُ رك ال�سلوك‪� ،‬سواء كانت دوافع فطرية (�أولية) �أو مكت�سبة (ثانوية)‬
‫وت�ؤثر يف اجلانب االنفعايل يف �سلوك الإن�سان‪.‬‬
‫‪� -4‬أوجه التفاعل بني الإن�سان وبني بيئته االجتماعية‪ ،‬ب�صفة عامة �أي درا�سة جميع �أن�شطة‬
‫الإن�سان و�سلوكه‪ ،‬وما ي�صدر عنه من نتاج عقلي ومعريف واجتاهات وم�شاعر وميول‬
‫ورغبات و�سلوك حركي وح�سي و�أخالقي وديني واجتماعي‪.‬‬
‫‪ -5‬ما ي�صدر عن الإن�سان من ن�شاط عقلي ي�سيطر عليه الذكاء‪ ،‬بو�صفه قدرة عقلية عامة‬
‫بجانب العمليات والأن�شطة العقلية واملهارات كالإدراك والتذكر والتخيل والتفكري‬
‫والتعلم واالبتكار‪ ،‬ومتايز القدرات واملهارات العقلية عند الإن�سان‪ ،‬كالقدرة اللغوية‬
‫والكتابية واحل�سابية‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫‪ -6‬ما ي�شعر به الإن�سان من انتماءات وعواطف وانفعاالت كالغ�ضب‪ ،‬والغرية واخلوف‬
‫وال�ضيق واحلب والبغ�ضاء‪ ،‬وما يرتتب على ذلك من ال�صحة النف�سية �أو عدم توافرها‪.‬‬
‫‪ -7‬درا�سة اجتاهات الأفراد نحو املجتمع (البيئة) وت�أثري هذه االجتاهات يف �إدراكهم‬
‫وتفكريهم‪ ،‬و�سوية ال�سلوك �أو انحرافه والعوامل امل�سببة لذلك‪ ،‬والأمرا�ض الأخرى‪.‬‬

‫تت�ضمن درا�سة ال�سلوك الإن�ساين الآتي‪:‬‬


‫ •التعرف �إىل اجلانب النظري والعملي يف درا�سة ال�سلوك‪.‬‬
‫ •حتقيق ق�ضايا علم النف�س واملنهج الإ�سالمي‪.‬‬
‫ •جماالت درا�سة ال�سلوك يف علم النف�س‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫• ميادين علم النف�س‪:‬‬


‫عل���ى الرغم م���ن �أن علم النف����س علم حديث ن�س���ب ًّيا‪� ،‬إال �أنه امت���دت فروعه بدرجة‬
‫كبيرة‪ ،‬حيث �أ�صبح ي�شمل مجاالت عدة في الحياة‪.‬‬
‫لذلك تعددت فروع علم النف�س‪ ،‬وت�ش���عبت �أق�س���امه؛ بغية التحقق من فهم الظواهر‬
‫النف�س���ية في جميع الميادين التربوية وال�ص���ناعية واالقت�صادية والإر�شاد والعالج الطبي‬
‫والنف�سي والدعاية والحرب وال�سلم‪ .‬وللدرا�سات النف�سية ق�سمان رئي�سان‪ :‬الق�سم النظري‬
‫والق�س���م التطبيقي‪ ،‬والق�س���م الأول يهدف �إلى الفهم والتو�ص���ل �إل���ى القوانين التي تحكم‬
‫الظواهر‪ ،‬وينق�سم �إلى فروع عدة‪.‬‬

‫وينق�سم الق�سم التطبيقي �إلى فروع عدة � ً‬


‫أي�ضا‪.‬‬

‫(�أ) فروع الق�سم النظري ‪:Theoretical section‬‬

‫فيما ي�أتي �أهم فروع الق�سم النظري في الدرا�سات النف�سية‪:‬‬

‫‪ -1‬علم النف�س العام‪General Psychology :‬‬

‫يهت���م بدرا�س���ة الأن�ش���طة العامة الم�ص���احبة للعملي���ات النف�س���ية العام���ة الفردية‬


‫والجماعية‪ ،‬حيث يقوم بدرا�سة المبادئ والقوانين العامة ل�سلوك الإن�سان ال�سوي الرا�شد‪.‬‬
‫و ُيح���دد الأ�س����س النف�س���ية العامة ل�س���لوك الإن�س���ان وفق ما ي�ش���ترك بين جمي���ع الأفراد‪.‬‬
‫ومو�ض���وع علم النف�س العام‪ ،‬هو الإن�سان من حيث �أن�ش���طته العقلية والحركية واالنفعالية‬
‫واالجتماعي���ة‪ .‬لذلك‪ ،‬فهو يقوم بدرا�س���ة العوام���ل الوراثية والبيئية التي تكون �شخ�ص���ية‬
‫الفرد‪ ،‬وتحدد ال�سلوك‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وعل���م النف����س العام يق���وم بدرا�س���ة دوافع ال�س���لوك و�أنواعه���ا وتكوينه���ا‪ ،‬والجانب‬
‫االنفعالي في ال�سلوك والجانب العقلي واالجتماعي‪.‬‬
‫لذلك ُيع ّد علم النف�س العام الم�ص���در الأ�سا�س���ي �أو ما يعرف بالم�ص���در الأم لفروع‬
‫علم النف�س‪.‬‬

‫‪ -2‬علم النف�س الفارقي‪( :‬الفارق) �أو �سيكولوچية الفروق الفردية ‪Differential Psychology‬‬

‫يهتم بدرا�س���ة الف���روق الفردية والجماعية‪ ،‬في ال�س���مات النف�س���ية كال���ذكاء �أو في‬
‫ال�شخ�ص���ية واال�ستعدادات والقدرات الخا�ص���ة‪ ،‬ويهتم بتف�سير �أ�سباب وعوامل �إيجاد هذه‬
‫الف���روق‪ ،‬ا�س���تنادًا �إلى حقائ���ق علم النف�س الع���ام‪ ،‬ونفهم من ذلك �أن عل���م النف�س العام‬
‫يك�ش���ف لنا عن �أوجه االتفاق بين الب�شر‪ ،‬بينما يو�ضح علم النف�س الفارقي �أوجه الخالف‬
‫والأ�سباب وراء الفروق الفردية والجماعية الإن�سانية‪.‬‬

‫‪ -3‬عل����م النف�����س االرتقائ����ي‪( :‬عل����م نف�����س النم����و �أو �سيكولوچي����ة النم����و) ‪Developmental-‬‬
‫‪Psychology‬‬

‫�أو ما ُيعرف بعلم نف�س النمو‪ ،‬ويهتم بدرا�س���ة مراحل النمو المختلفة ما قبل الميالد‬
‫وبعده‪ ،‬التي يمر بها الفرد في حياته‪ ،‬وخ�صائ�ص كل مرحلة ج�سم ًّيا وانفعال ًّيا‪ ،‬ومن فروع‬
‫هذا العلم‪ :‬علم نف�س الطفل والجوانب النف�سية للمراهقة وعلم نف�س ال�شباب‪ ،‬و�سيكولوچية‬
‫ال�شيخوخة‪.‬‬
‫‪ -4‬علم النف�س االجتماعي ‪Social Psychology‬‬

‫يتداخل هذا الفرع كثي ًرا مع علم االجتماع وعلم الإن�سان االجتماعي (الأنثروبولوچيا‬
‫االجتماعي���ة)‪ ،‬ويهت���م ه���ذا العلم بالخ�ص���ائ�ص النف�س���ية للجماع���ات و�أنم���اط التفاعل‬
‫االجتماع���ي والت�أثي���رات التبادلية بي���ن الأفراد‪ ،‬مث���ل العالقة بين الآب���اء والأبناء‪ ،‬داخل‬
‫الأ�سرة والتفاعل بين المتعلمين والمعلمين وبين العمال والأعمال‪ .‬وقد ك�شف علم النف�س‬
‫‪57‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫االجتماع���ي ع���ن كثير م���ن الحقائق في مج���ال االتجاه���ات والقيم والتع�ص���ب والحروب‬
‫النف�سية والعواطف والدعاية والإعالن‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -5‬علم نف�س غير العاديين ‪Abnormal Psychology‬‬

‫يهتم بدرا�سة ال�سلوك ال�سوي‪� ،‬أو �إي�ضاح ال�سلوك المنحرف‪ ،‬كالجريمة واالنحرافات‬
‫ال�سلوكية ال�شاذة وتف�سيرها وبيان �أف�ضل الأ�ساليب العالجية‪.‬‬

‫‪ -6‬علم النف�س المقارن‪Compartive Psychology :‬‬

‫تتم فيه درا�سة مقارنة بين �سلوك الإن�سان و�سلوك الحيوان‪ ،‬و�سلوك الطفل والرا�شد‬
‫وال�سلوك ال�سوي والمنحرف‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫(ب) الق�سم التطبيقي‪Applied Section :‬‬


‫فيما ي�أتي �أهم فروع الق�س���م التطبيقي في الدرا�س���ات النف�س���ية‪ ،‬التي ت�س���تفيد من‬
‫المعلومات والحقائق التي يتو�ص���ل �إليها علم النف�س النظري‪ ،‬في مختلف مجاالت الحياة‬
‫االجتماعية‪ .‬و�أهم هذه الفروع‪:‬‬

‫‪ -1‬علم النف�س التربوي‪( :‬علم النف�س التعليمي) ‪Educational Psychology‬‬


‫حي���ث ُيوجه هذا العل���م المواقف التعليمي���ة والتربوية‪ ،‬لتحقيق الأه���داف التعليمية‬
‫ب�أكب���ر قدر من الكفاءة‪ ،‬م�س���تعي ًنا في ذل���ك بقوانين علم النف�س وحقائق���ه‪ .‬ويحاول هذا‬
‫العلم حل م�شكالت عملية‪ ،‬مثل عالج التخلف الدرا�سي و�أح�سن طرق التعليم‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -2‬علم النف�س ال�صناعي‪Industrial Psychology :‬‬


‫ت�ستخدم حقائق علم النف�س‪ ،‬لال�ستفادة منها داخل الوحدات ال�صناعية بهدف رفع‬
‫الكفاية الإنتاجية للعاملين‪ ،‬ورفع الروح المعنوية لديهم وتهيئة �أح�س���ن الظروف للإنتاج‪،‬‬
‫�سواء في مجال البيئة العادية �أو في مجال الإدارة والحفاظ على ال�صحة النف�سية للعاملين‪،‬‬
‫‪58‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ويدر�س علم النف�س ال�صناعي مو�ضوعات‪ ،‬كالهند�سة الب�شرية والتعب ال�صناعي والتوجيه‬
‫المهني والأمن ال�صناعي وال�صراع ال�صناعي‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -3‬علم النف�س الإداري‪Administrative Psychology :‬‬


‫ُيركز على الأ�ص���ول النف�س���ية ل�ل��إدارة الناتج���ة‪ ،‬وطبيعة التعامل م���ع الأفراد داخل‬
‫الم�ؤ�س�س���ات الإداري���ة‪ ،‬و ُي�س���هم في درا�س���ة حاجات الم�س���تهلكين والق���وى الم�ؤثرة فيها‪،‬‬
‫كالإعالنات والدعاية‪ ،‬وكيفية الإعالن وموا�صفات الإعالن الجيد‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -4‬علم النف�س الجنائي‪�( :‬سيكولوچية الجريمة) ‪Criminal Psychology‬‬

‫يهتم بدرا�سة الأ�سباب النف�سية للجريمة والمجرمين‪ ،‬حيث العوامل والنتائج وطرق‬
‫العالج‪ ،‬ور�سم �سيا�سة للدفاع االجتماعي �ضد الجناح والجريمة‪ ..‬ويرتبط هذا العلم بعلم‬
‫نف�س ال�شواذ‪.‬‬

‫‪ -5‬علم النف�س الحربي‪( :‬علم النف�س الع�سكري) ‪Military Psychology‬‬

‫يهتم بالحياة الع�س���كرية‪ ،‬لتحديد ال�س���مات ال�شخ�صية للعدو‪ ،‬وما يحبه وما يكرهه‪،‬‬
‫وعاداته���م وطبائعهم‪ .‬ومن تطبيقاته االهتمام بتوزيع الجنود على مختلف التخ�ص�ص���ات‬
‫الحربية‪ ،‬وف ًقا لميولهم وقدراتهم‪ ،‬ويعمل على رفع الروح المعنوية للجنود و�س���بل وطرائق‬
‫مقاومة الحرب النف�سية‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -6‬علم النف�س العيادي (الإكلينيكي)‪Clinical Psychology :‬‬

‫ي�س����تخدم في جوان����ب العالج النف�س����ي‪ ،‬من حيث محاولة ت�ش����خي�ص اال�ض����طرابات‬


‫والأمرا�ض الذهانية والع�صابية‪ ،‬وحاالت القلق‪ ،‬واالكتئاب‪ ،‬والمخاوف المر�ضية‪ ،‬وال�شعور‬
‫بالذنب‪ ،‬وال�ش����عور الم�ستمر بالنق�ص‪ ،‬و�أمرا�ض النطق‪ ..‬ومحاولة عالج هذه اال�ضطرابات‬
‫بتحديد م�سبباتها وا�ستخدام المقايي�س المقننة للك�شف عنها‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫وهذه الفروع في كال الق�س���مين النظري والتطبيقي على �س���بيل المثال‪ ،‬ولي�ست على‬
‫�سبيل الح�صر‪ ،‬حيث �إن ما ُذكر يمثل الي�سير من االهتمامات والدرا�سات النف�سية‪.‬‬

‫تت�ضمن ميادين علم النف�س‪:‬‬


‫( �أ ) فروع علم النف�س النظري‪ ،‬وت�شمل‪:‬‬
‫(‪ )2‬علم النف�س الفارقي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬علم النف�س العام‪ .‬‬
‫(‪ )4‬علم النف�س االجتماعي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬علم النف�س االرتقائي‪ .‬‬
‫(‪ )6‬علم النف�س املقارن‪.‬‬ ‫(‪ )5‬علم نف�س غري العاديني‪ .‬‬
‫( �أ ) فروع علم النف�س التطبيقي‪ ،‬وت�شمل‪:‬‬
‫(‪ )2‬علم النف�س ال�صناعي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬علم النف�س الرتبوي‪ .‬‬
‫(‪ )4‬علم النف�س اجلنائي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬علم النف�س الإداري‪ .‬‬
‫(‪ )6‬علم النف�س الإكلينيكي‪.‬‬ ‫(‪ )5‬علم النف�س الع�سكري‪ .‬‬

‫العالقة بين الدرا�سات النف�سية والعلوم الأخرى‪:‬‬


‫هل علم النف�س علم م�س���تقل بذاته؟ �أم �أنه يعتمد على علوم �أخرى لتحديد وتف�س���ير‬
‫�أكثر تكاملاً عند فهم ال�س���لوك الإن�ساني؟ الواقع‪� ،‬إن علم النف�س يرتبط بالعلوم الطبيعية‬
‫ً‬
‫ارتباطا وثي ًقا‪ ،‬فالحياة النف�س���ية للإن�س���ان ‪ -‬تفكيره و�إدراكه‬ ‫والبيولوچي���ة واالجتماعي���ة‬
‫ً‬
‫ارتباطا وثي ًق���ا بطبيعة التكوين الج�س���مي والق���وى الحيوية‬ ‫وخياالت���ه ودوافع���ه‪ ..‬ترتب���ط‬
‫التي �أودعها اهلل �س���بحانه وتعالى في الإن�س���ان‪ ،‬حيث �ص���ور �س���بحانه وتعالى الإن�سان في‬
‫�أح�س���ن ت�ص���وير‪ :‬ﱹ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﱸ (التين‪ .)٤ :‬والجوانب النف�سية يوثر‬
‫فيها �أعقد الأجهزة الج�س���مية‪ ،‬وهو الجهاز الع�ص���بي (المخ والمخيخ والنخاع الم�ستطيل‬
‫والنخاع ال�شوكي)‪ ،‬وت�ؤثر الغدد ال�صماء‪ ،‬وهي التي تفرز الهرمونات على الم�ستوى العقلي‬
‫وعل���ى مختل���ف العملي���ات الحيوية في الج�س���م‪ ،‬وت�ؤث���ر الحوا�س ف���ي الإدراك وفي مراكز‬
‫‪60‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الإدراك بالم���خ‪� ...‬إل���خ‪ .‬ومن هنا تت�ض���ح ال�ص���لة الوثيقة بين علم النف����س وعلوم الأحياء‬
‫ووظائف الأع�ض���اء‪ .‬ي�ض���اف �إلى هذا �أن علم النف�س يدر�س جوانب التكيف بين الإن�س���ان‬
‫وبيئته االجتماعية والطبيعية‪ ،‬حيث �إن هناك الكثير من �آثار البيئة الطبيعية على الإن�سان‬
‫من حرارة وبرودة ورطوبة وانخفا�ض عن �س���طح البحر‪� ...‬إلخ‪ .‬ومن هنا ت�أتي ال�ص���لة بين‬
‫علم النف�س والعلوم الطبيعية‪.‬‬
‫و�إن عل����م النف�����س يت�ص����ل بالعل����وم االجتماعي����ة‪ ،‬فالإن�س����ان يعي�ش داخ����ل مجتمعات‬
‫وجماع����ات‪ ،‬ويت�أثر ب�ش����كل وا�ض����ح بالبيئ����ة االجتماعية‪ ،‬حيث يكت�س����ب منها لغت����ه وعاداته‬
‫وتقاليده‪ ،‬هذا �إ�ض����افة �إلى �أن البيئة تدعم الميل الفطري الكت�ساب العقيدة‪� ،‬أو ت�شوهها �أو‬
‫تعمل على ال ُبعد عنها‪ .‬وتمار�س الثقافة �أث ًرا عمي ًقا في �شخ�صية الإن�سان وتفكيره و�سلوكه‪،‬‬
‫فهي ذات �أثر وا�ضح على المعلومات التي يكت�سبها الإن�سان ومهاراته و�أذواقه وعواطفه‪.‬‬
‫و�إن الظروف االقت�صادية لها دورها المهم على �شخ�صية الإن�سان‪.‬‬
‫وم���ن هنا ت�أتي ال�ص���لة بين عل���م النف�س وجمي���ع العلوم االجتماعي���ة‪ ،‬مثل االجتماع‬
‫واالقت�صاد والجغرافيا الب�شرية والعلوم الحيوية‪.‬‬
‫وا�ض���حا بالعلوم ال�ش���رعية‪ ،‬فقد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ارتباطا‬ ‫من الناحية ال�ش���رعية يرتبط علم النف�س‬
‫ق���دم لن���ا القر�آن الكريم وال�س���نة النبوي���ة المطهرة �إعج���ازات عن بع����ض جوانب النف�س‬
‫الإن�س���انية‪ ،‬ومن هنا ي�س���تحق �أن نقرر �ص���لة العلوم النف�س���ية بالعلوم ال�شرعية‪ ،‬و�أن نتبين‬
‫التف�س���ير الإ�س�ل�امي لل�س���لوك الب�ش���ري‪ ،‬و�أن ت���زداد جهود علم���اء النف�س الم�س���لمين في‬
‫الت�أ�صيل الإ�سالمي للعلوم الإن�سانية‪.‬‬
‫نخرج من هذا ب�أن العالقة بين الدرا�س���ات النف�س���ية والعلوم الأخرى عالقة وثيقة‪،‬‬
‫فالإن�س���ان‪ ،‬وما ي�صدر عنه من �سلوك‪ ،‬ال ُيف�سر ب�ش���كل مو�ضعي �إال عند درا�سة الم�سببات‬
‫الع�ض���وية والثقافية واالجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية والدينية‪ ،‬وتعاون هذه المناحي‬
‫جميعها مع العلوم البيلوچية والحيوية وغيرها‪ ،‬لتحديد العوامل الع�ض���وية التي تقف وراء‬
‫‪61‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫ال�سلوك‪� ،‬إ�ضافة �إلى ما تقدمه العلوم االجتماعية وال�شرعية من معارف ومعلومات‪ ،‬ت�سهل‬
‫التعرف �إلى الجوانب االجتماعية والدينية الم�ؤثرة في ال�سلوك الب�شري‪.‬‬
‫هذا ال�س���لوك في �ش���تى مظاهره في مختلف مواقف الحياة‪ ،‬هو مو�ض���وع اهتمامات‬
‫علم النف�س‪ ،‬حيث ُيع ّد علم النف�س من العلوم ال�سلوكية‪.‬‬

‫تت�ضمن العالقة بني الدرا�سات النف�سية والعلوم الأخرى الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬يرتبط علم النف�س بالعلوم الطبيعية والبيولوجية واالجتماعية‪.‬‬
‫ً‬
‫ارتباط���ا وثي ًق���ا بطبيع���ة التكوي���ن‬ ‫(‪ )2‬ترتب���ط الدرا�س���ات النف�س���ية‬
‫اجل�سمي والقوى احليوية التي �أودعها اخلالق �سبحانه وتعاىل يف‬
‫الإن�سان‪.‬‬
‫(‪ )3‬يت�صل علم النف�س بالعلوم الإجتماعية حيث يت�أثر الإن�سان بالبيئة‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫(‪ ) 4‬دور الظروف االقت�صادية يف �شخ�صية الإن�سان‪.‬‬
‫ً‬
‫ارتباطا وثي ًقا بالعلوم ال�شرعية‪.‬‬ ‫(‪ )5‬يرتبط علم النف�س‬

‫مو�ضع علم النف�س يف العلوم ال�سلوكية‪:‬‬


‫العلوم ال�س���لوكية‪ ..‬هي �إ�ض���افة معا�ص���رة لمجموعة من العلوم تن���درج تحت العلوم‬
‫الإن�سانية ‪Humanities Or Humanistic Sciences‬‬

‫والعل���وم ال�س���لوكية ‪ Behavioural Sciences‬ه���ي العل���وم التي تبحث ع���ن المبادئ‪،‬‬


‫والمفاهيم الإن�س���انية‪ ،‬التي تهدف �إلى تف�س���ير ال�س���لوك الإن�س���اني‪ ،‬وو�ض���ع �أ�س����س التنب�ؤ‬
‫وال�سيطرة عليه‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وقب���ل �أن نحدد مو�ض���ع العلوم ال�س���لوكية‪ ،‬علينا �أن نو�ض���ح تق�س���يم ف���روع المعارف‬
‫الإن�سانية‪ ،‬التي تق�سم �إلى ق�سمين �أ�سا�سيين‪:‬‬
‫‪ -1‬العلوم الطبيعية‪ :‬التي تقوم بدرا�سة الظواهر الطبيعية املادية وحتللها‪ ،‬لت�صل �إىل‬
‫مفاهيم تف�سر من خاللها الظواهر‪ ،‬وحتدد �أ�سباب التغريات والتطورات‪.‬‬
‫وت�ض���م ه���ذه املجموع���ة عل���وم الفيزي���اء والكيمي���اء والچيولوچيا والف�س���يولوچيا‬
‫والبيولوچيا اخلا�صة بالإن�سان‪ ،‬مثل علوم الت�شريح ووظائف الأع�ضاء‪.‬‬
‫‪ -2‬العلوم االجتماعية (الإن�سانية)‪ :‬التي تقوم بدرا�سة الظواهر االجتماعية التي تن�ش�أ‬
‫بحكم حياة الإن�سان يف جماعات للتفاعل �سع ًيا وراء حتقيق �أهداف فردية وجماعية‪.‬‬
‫وت�ضم هذه املجموعة علوم الأنرثوبولوچيا (علم تطور الإن�سان) واالقت�صاد‪،‬‬
‫والتاريخ‪ ،‬والعلوم ال�سيا�سية‪ ،‬وعلم النف�س‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬والرتبية‪ ،‬وتتداخل‬
‫املجموعتان فيما بينهما ملا تت�صف به كل من الطبيعة املادية والإن�سانية من تعقيد‬
‫وت�شابك‪ .‬مثال ذلك علم النف�س‪ ،‬وهو يتبع العلوم االجتماعية يتداخل مع بع�ض العلوم‬
‫الطبيعية‪ ،‬عندما يدر�س تركيب اجلهاز الع�صبي عند الإن�سان ودوره يف بع�ض ظواهر‬
‫ال�سلوك الإن�ساين‪ ،‬وحمدداته فيما ُيعرف بالرتكيب الف�سيولوچي للإن�سان‪ ،‬و�إن درا�سة‬
‫مراحل منو الإن�سان من النواحي الع�ضوية والعقلية تندرج حتت علم النف�س التعليمي‬
‫(الرتبوي)‪.‬‬
‫والواقع �إن مجال العلوم ال�سلوكية ي�ضم �أربعة فروع من المعارف الإن�سانية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ -2‬علم االجتماع‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -1‬علم النف�س‪.‬‬
‫‪ -4‬التربية‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -3‬علم الأنثروبولوچيا‪.‬‬
‫وهذه العلوم تهتم بدرا�س���ة �سلوك الإن�س���ان الفرد والجماعة وت�صرفاته في مختلف‬
‫المواقف والظروف‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫وال�س���بب في ت�سمية ال�س���لوكي ‪ Behavioural‬على �أي فرع من العلوم االجتماعية‪ ،‬هو‬


‫ما يجب �أن يتوافر في العلم من �شروط‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪� -1‬أن يكون جمال الدرا�سة هو ال�سلوك الإن�ساين‪ ،‬يف �أي مظهر من مظاهره‪ ،‬مبعنى �أن‬
‫رئي�سا بتف�سري مظاهر ال�سلوك الإن�ساين‪ ،‬والتنب�ؤ ب�أو�ضاعه‬
‫اهتماما ً‬
‫ً‬ ‫يكون العلم يهتم‬
‫يف امل�ستقبل‪� ،‬أي �أن يكون الهدف هو تف�سري للأ�سباب والعوامل املحددة لل�سلوك‬
‫الإن�ساين ب�شكل عام‪� ،‬أو لفئة من الأفراد‪� ،‬أو حتت ظروف بيئية واجتماعية معينة‪.‬‬
‫‪ -2‬ال�شرط الثاين هو �أن تتم درا�سة ال�سلوك الإن�ساين با�ستخدام الأ�سلوب العلمي‪ ،‬حيث‬
‫تت�ضح مظاهر ال�سلوك الإن�ساين با�ستخدام االجتاه العلمي يف خمتلف جماالت احلياة‬
‫املختلفة‪.‬‬
‫مم���ا تقدم نجد �أن تعبير العلوم ال�س���لوكية ‪ Behavioural Sciences‬يتمثل في العلوم‬
‫التي تهتم بدرا�سة ال�سلوك ‪ Behaviour‬الإن�ساني‪ ،‬حيث ُي�ستخدم لذلك‪ ،‬الأ�ساليب والطرق‬
‫العلمية التي تحدد �سلوك الأفراد والجماعات‪.‬‬

‫تت�ضمن جماالت العلوم ال�سلوكية الآتي‪:‬‬


‫(‪ )2‬علم االجتماع‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬علم النف�س‪.‬‬
‫(‪ )3‬علم الأنرثوبولوجيا‪ )4( .‬الرتبية‪.‬‬

‫�شروط العلوم ال�سلوكية‪:‬‬


‫(‪� )1‬أن يدر�س ال�سلوك الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن تتم درا�سة ال�سلوك ب�أ�سلوب علمي‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫مجاالت البحث في علم النف�س‪:‬‬


‫وفق ما �س���بق الإ�ش���ارة �إليه في الف�ص���ل الأول‪ ،‬من �أن علم النف�س‪ ،‬يتبع في ت�صنيفه‬
‫العلوم ال�س���لوكية‪ ،‬التي تهدف �إلى فهم حقيقة وم�س���ببات ال�سلوك الإن�ساني‪ ،‬ف�إن مجاالت‬
‫البحث ومو�ضوعات الدرا�سة في علم النف�س تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -1‬حتديد دور الوراثة والبيئة و�آثارهما يف ال�سلوك الإن�ساين‪.‬‬
‫‪ -2‬التن�شئة االجتماعية‪ ،‬وخا�صة يف مرحلتي الطفولة واملراهقة‪.‬‬
‫‪ -3‬مراحل النمو الإن�ساين‪ :‬املظاهر واملطالب واخل�صائ�ص‪.‬‬
‫‪ -4‬مراحل الن�ضج العقلي‪.‬‬
‫‪ -5‬التنظيم العقلي والعمليات العقلية العليا (الإدراك والفهم والتفكري‪� ...‬إلخ)‪.‬‬
‫‪ -6‬الدوافع التي حتفز ال�سلوك الإن�ساين‪.‬‬
‫‪ -7‬االنفعاالت والعواطف‪.‬‬
‫‪ -8‬الفروق الفردية بني الب�شر و�أهميتها بو�صفها حمددات لل�سلوك الإن�ساين‪.‬‬
‫‪ -9‬القدرات العامة وقيا�سها‪.‬‬
‫‪ -10‬القدرات اخلا�صة وقيا�سها‪.‬‬
‫‪ -11‬امليول واالجتاهات وقيا�سها‪.‬‬
‫‪ -12‬ال�شخ�صية ومكوناتها وقيا�سها‪.‬‬
‫‪ -13‬التعلم‪.‬‬
‫‪ -14‬تطبيقات علم النف�س يف املجاالت التعليمية واملهنية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪ -15‬الأمرا�ض النف�سية‪ ..‬الع�صابية والذهانية‪.‬‬
‫‪ -16‬التوجيه والإر�شاد التعليمي واملهني‪.‬‬
‫‪ -17‬ال�صحة النف�سية واال�ضطرابات ال�سلوكية‪.‬‬

‫تت�ضمن جماالت البحث يف علم النف�س جماالت متعددة‬


‫تهدف �إىل فهم حقيقة وم�سببات ال�سلوك الإن�ساين‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬من اجلوانب النظرية والعملية يف درا�سة ال�سلوك‪ :‬درا�سة ال�سلوك وتف�سريه مو�ضوع ًّيا‬
‫‪ -‬والتنب ؤ� بال�سلوك ‪ -‬والتحكم والتنب ؤ� بال�سلوك‪.‬‬
‫‪ -2‬علم النف�س املعا�صر‪ ،‬يجمع بني العلوم التي تتحقق ق�ضاياها عن الأ�صول والن�صو�ص‪،‬‬
‫وع���ن طري���ق املالحظ���ة للظواه���ر مو�ض���ع الدرا�س���ة‪ ،‬و�إج���راء التج���ارب للو�ص���ول‬
‫�إىل احلقائق‪.‬‬
‫‪ -3‬يف جماالت درا�س���ة ال�س���لوك يف علم النف�س يتم درا�سة‪ :‬ا�ستعدادات وقدرات الإن�سان‬
‫‪ -‬ال�سلوك احلركي �أو اللفظي ‪ -‬دوافع ال�سلوك ‪ -‬التفاعل بني الفرد وبيئته االجتماعية‬
‫‪ -‬الن�شاط العقلي للإن�سان ‪ -‬العواطف واالنفعاالت ‪ -‬اجتاهات الفرد نحوها‪.‬‬
‫‪ -4‬تنق�سم تفرعات علم النف�س �إىل‪ :‬الق�سم النظري‪ ،‬وي�شمل علم النف�س العام ‪ -‬الفارقي‬
‫‪ -‬االرتقائي ‪ -‬االجتماعي ‪ -‬ال�شواذ ‪ -‬املقارن‪.‬‬
‫والق�س���م التطبيقي‪ ،‬وي�ش���مل‪ :‬الرتبوي ‪ -‬ال�صناعي ‪ -‬الإداري ‪ -‬اجلنائي ‪ -‬احلربي ‪-‬‬ ‫ ‬
‫العيادي (الإكلينيكي)‪.‬‬
‫وهذه التفرعات للق�سم النظري والتطبيقي على �سبيل املثال‪ ،‬ولي�س على �سبيل احل�صر‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -5‬العالقة بني الدرا�س���ات النف�سية والعلوم الأخرى‪ :‬حيث تعتمد الدرا�سة يف علم النف�س‬
‫على التكوين اجل�سمي‪ ،‬واحليوي‪ ،‬واجلهاز الع�صبي‪ ،‬والغدد ال�صماء‪ ،‬واحلوا�س‪ ،‬وعلم‬
‫الأحياء ووظائف الأع�ض���اء‪ ،‬والعلوم االجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والظروف االقت�ص���ادية‪،‬‬
‫والعلوم ال�شرعية‪.‬‬
‫‪ -6‬تق�سم العلوم واملعارف �إىل طبيعية واجتماعية (�إن�سانية)‪.‬‬
‫‪ -7‬يندرج علم النف�س حتت املعارف الإن�سانية‪.‬‬
‫‪ -8‬تتعدد جماالت البحث يف علم النف�س من �أجل فهم حقيقة وم�سببات ال�سلوك الإن�ساين‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ُ -1‬ي�ستخدم املنهج العلمي والتجريبي يف الك�شف عن ق�ضايا ال�سلوك الإن�ساين ‪ -‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -2‬تختلف العلوم من حيث �أ�ساليب حتقيق ق�ضاياها ‪ -‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -3‬حدد ميادين علم النف�س النظرية والتطبيقية ‪ -‬وبني مو�ضع كل من علم النف�س العام‬
‫وعلم النف�س الرتبوي يف هذه امليادين‪.‬‬
‫‪ -4‬علم النف�س لي�س من العلوم امل�ستقلة بذاتها ‪ -‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -5‬ما ال�شروط الواجب توافرها يف ت�سمية فرع من فروع العلوم االجتماعية‪ ،‬العلم‬
‫ال�سلوكي‪.‬‬
‫‪ -6‬حدد ما ال يقل عن ع�شرة من جماالت البحث يف علم النف�س‪.‬‬
‫علم النف�س الرتبوي‬
‫والأهميــة للمعلــم واملتعلــم‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل �أركان العملية التعليمية‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن ي�ستنتج العالقة بني علم النف�س والرتبية‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن ُي َق ِّيم �أهمية علم النف�س الرتبوي يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يعدد الأهداف الرتبوية والتعليمية لعلم النف�س الرتبوي‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يحدد امل�شكالت املرتبطة بالأهداف‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يدرك اهتمامات علم النف�س الرتبوي‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن يقدر جهود العلماء يف النهو�ض بعلم النف�س الرتبوي‪.‬‬
‫علم النف�س الرتبوي‬
‫والأهميــة للمعلــم واملتعلــم‬

‫‪:‬‬
‫من حيث �أمكن التعريف بعلم النف�س و�أهميته في حياتنا العامة واليومية‪ ،‬يعنينا بعد‬
‫ذلك �أن نعرف مو�ضع علم النف�س التربوي من حيث كونه يتبع الق�سم التطبيقي في العلوم‬
‫النف�س���ية‪ ،‬و�أهمية علم النف�س التربوي للمعلم والمتعلم‪ ،‬لذلك نعر�ض في الف�ص���ل الثالث‬
‫التعريف بعلم النف�س التربوي من جوانب متعددة‪.‬‬
‫لذل���ك‪ ،‬ف�إن م���ن واجب المعلم‪ ،‬االهتم���ام بالجوانب النف�س���ية للمتعلم؛ حتى يتمكن‬
‫من �إعداده للحياة‪ ،‬حيث ُيع ّد المعلم في العملية التربوية �أ�س���ا�س الإ�صالح التربوي‪ ،‬الذي‬
‫ُيخرج اً‬
‫رجال وقادة للمجتمع‪.‬‬
‫وعل���م النف�س عامة‪ ،‬وعلم النف�س التربوي خا�ص���ة‪ ،‬يمد المعلم بالجوانب النف�س���ية‬
‫للمتعلمين العاديين والمتفوقين وال�صغار والكبار‪ ،‬في كل مراحل التعليم‪ ،‬وتطبيقاتها في‬
‫ميادين عدة في نماء الإن�سان عامة‪ ،‬وفي تنمية وارتقاء المتعلم‪.‬‬
‫ويهمنا �أن نذكر في هذا ال�ص���دد ما �س���اهم به قادة التربية من علماء الم�س���لمين‪،‬‬
‫�أمث���ال اب���ن تيمية وابن قي���م الجوزية والإم���ام الغزالي‪ ،‬حيث كانت له���م اهتماماتهم في‬
‫التعريف بال�س���لوك الب�شري وم�س���بباته‪ ،‬والقدرة على التحكم فيه وتوجيهه وجهة �سليمة‪.‬‬
‫و�إذا كان العائد من علم النف�س التربوي بالن�س���بة �إلى المعلم‪ ،‬له �أهمية كبيرة في العملية‬
‫التعليمية‪ ،‬ف�إننا نحتاج �إلى �أن نحدد هذه الأهمية من خالل �أركان العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫العملية التعليمية‪:‬‬
‫تت�ش���كل �أركان العملية التعليمية من المتعلم والمعلم والمادة الدرا�سية‪ ،‬وفي العملية‬
‫التعليمي���ة يواج���ه المعلم ف���ي �أعم الظروف �ص���عوبات تظهر من خالل ممار�س���اته لعملية‬
‫التعليم‪� ،‬أ َّيا كانت عدد �سنوات عمله التعليمي‪� ،‬أو نوع المادة الدرا�سية التي يقوم بتدري�سها‬
‫�أو المرحلة التعليمية التي تعلم فيها �أو بخبراته التربوية والتعليمية‪.‬‬
‫وتنطوي هذه ال�صعوبات على م�شكالت يواجهها المعلمون‪ ،‬وت�أخذ � اً‬
‫أ�شكال معينة من‬
‫حيث الكم والكيف‪ ،‬وترتبط بطبيعة عملية التعليم والتعلم‪.‬‬
‫واكت�س���اب المعل���م الخب���رات التربوي���ة والتعليمي���ة‪ ،‬يمكن���ه من الق���درة على تحمل‬
‫الم�س����ؤولية‪ ،‬ومواجهة الم�ش���كالت ومعالجتها‪ ،‬وقد ال يعني ذلك نجاح عملية التعليم على‬
‫النحو الم�أمول‪.‬‬
‫فالتق���دم التقن���ي ال�س���ريع والم�س���تمر‪ ،‬وما ق���د يطر�أ م���ن متغيرات وم�ش���كالت في‬
‫المجتمع‪� ،‬أو ما ُيطرح �أمام المعلم‪ ،‬في حاجة م�س���تمرة �إلى فهم �أف�ض���ل الأ�س�س والمبادئ‬
‫نجاحا وفاعلية مع المتعلمين‪.‬‬
‫التي تقوم عليها عملية التعليم‪ ،‬حتى يتمكن من جعلها �أكثر ً‬
‫وم���ن حيث كان���ت �أركان العملية التعليمية هي‪ :‬المتعلم والمعلم والمادة الدرا�س���ية‪،‬‬
‫ف�إن الجوانب النف�سية المتعلقة بهذه الأركان الثالث تقوم على‪:‬‬
‫‪� -1‬ضرورة اهتمام املعلم‪ ،‬مبعرفة قدرات وا�ستعدادات املتعلم‪.‬‬
‫‪� -2‬ضرورة قيام املعلم‪ ،‬مبعرفة �أهداف تعلم املادة الدرا�سية‪ ،‬و�إي�ضاح طبيعة املادة‬
‫الدرا�سية؛ حتى يتمكن املتعلم من فهمها‪.‬‬
‫‪ -3‬كيفية قيام املعلم با�ستخدام الأ�سلوب املنا�سب يف التعليم‪ ،‬واختيار طريقة التدري�س‬
‫املنا�سبة‪.‬‬
‫‪� -4‬أن يكون املعلم على دراية وفهم‪ ،‬ب�أ�صول قواعد علم النف�س يف جماله التطبيقي‪� ،‬أي‬
‫علم النف�س الرتبوي‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫�أما عن العالقات الموجودة في العملية التعليمية ف�إنها تتمثل في‪:‬‬


‫‪ -1‬عالقة املعلم باملتعلم وفهمه لقدراته وا�ستعداداته‪.‬‬
‫‪ -2‬عالقة املتعلم باملحيط املدر�سي واملجتمع اخلارجي وفهمه لهما‪.‬‬
‫‪ -3‬عالقة املتعلم باملادة الدرا�سية‪.‬‬
‫وم���ن هذا يتبي���ن �أهمية علم النف�س عامة‪ ،‬في معاونة المعل���م في العملية التعليمية‪،‬‬
‫و�أهمية علم النف�س التربوي خا�ص���ة‪ ،‬في معاونة المعلم في توجيه �س���لوك المتعلم التوجيه‬
‫ال�سليم‪.‬‬

‫نخل�ص من ذلك ب�أن علم النف�س التربوي ي�ساعد المعلم على‪:‬‬


‫‪ -1‬فهم ومعرفة مراحل النمو للمتعلمني الذين يقوم بالتدري�س لهم‪ ،‬حيث ميكنه متييز‬
‫التغريات اجل�سمية والنف�سية ملراحل النمو‪ ،‬ويف هذا ُي�ساعد املعلم على �أداء وظيفته‬
‫الرتبوية‪.‬‬
‫‪ -2‬فهم ومعرفة قدرات املتعلمني وانفعاالتهم‪ ،‬ويف هذا ما ُي�ساعد املعلم على فهم �شخ�صية‬
‫املتعلمني‪ ،‬وحتديد جوانب القوة وال�ضعف لديهم‪.‬‬
‫‪ -3‬معاونة املعلم يف اختيار �أ�سلوب التدري�س املنا�سب الذي يتفق‪ ،‬ومعاجلة م�شكالت‬
‫التعليم يف املرحلة التي يتوىل التدري�س فيها‪.‬‬
‫‪ُ -4‬تك�سب املعلم اخلربة يف قيا�س القدرات والتح�صيل الدرا�سي بو�سائل علمية‪ ،‬اً‬
‫بدل من‬
‫االعتماد على املالحظات التي قد ال ت�ؤدي �إىل نتائج �سليمة‪.‬‬
‫‪ -5‬تعاون املعلم يف زيادة التوافق بني املتعلمني مبا ي�ؤدي �إىل حتقيق عائد �أكرب يف العملية‬
‫التعليمية‪.‬‬
‫‪ -6‬متكن املعلم من ا�ستخدام الو�سائل العلمية‪ ،‬يف التدري�س بهدف الو�صول �إىل نتائج‬
‫�إيجابية يف التعليم‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫لذلك ُيع ّد علم النف�س التربوي ‪ -‬من الناحية التطبيقية ‪ -‬من العلوم الأ�سا�سية التي‬
‫يجب �أن يتزود بمعارفها ومبادئها المعلم‪.‬‬
‫وقبل �إي�ض���اح �أهمية عل���م النف�س التربوي بالن�س���بة �إلى المعلم والمتعل���م‪ ،‬علينا �أن‬
‫نو�ضح الأ�سا�س النف�سي للتربية‪� ،‬أو ما ُيعرف بالعالقة بين علم النف�س والتربية‪.‬‬

‫العالقة بني علم النف�س والرتبية‪:‬‬


‫قد نت�س���اءل‪ :‬هل هناك غايات ووظائف منف�ص���لة لكل من علم النف�س والتربية؟ �أم‬
‫�أن كليهما متم���م ومكمل للآخر؟ الواقع �أن ميدان التربية ُيع ّد المجال التطبيقي لمفاهيم‬
‫علم النف�س ونظرياته المختلفة‪ ،‬فعلم النف�س‪ ،‬هو الو�س���يلة �أو الم�صدر الذي ُيزود التربية‬
‫بالحقائق والمبادئ والأ�س����س النف�سية الخا�ص���ة بالمتعلم‪ ،‬واختيار الأ�سلوب المنا�سب في‬
‫عملي���ات التعليم بالن�س���بة �إلى مختل���ف الأفراد من المتعلمين‪ .‬كذلك م���ن الأهمية بمكان‬
‫التحديد الخا�ص بالأ�س���ا�س النف�س���ي للتربية‪ ،‬حيث �إن علم النف�س يقوم بدرا�س���ة ال�سلوك‬
‫به���دف فهمه وتف�س���يره والتحكم في���ه والتنب ؤ� به‪ ،‬وكذلك تقويم ال�س���لوك وتعديله‪ ،‬ومما ال‬
‫�ش���ك في���ه �أن كل هذه العمليات ال تتم بمعزل عن التربي���ة‪ ،‬فالتربية تهتم بالعقيدة والقيم‬
‫الدينية‪ ،‬وتهتم بالأهداف وال�ضوابط االجتماعية‪ ،‬ولهذا من وظيفة التربية تقويم ال�سلوك‬
‫�أو تعديله‪ ،‬وفق ما �سبق الإ�شارة �إليه‪.‬‬
‫والتربية وعلم النف�س متالزمان‪ ،‬فعلم النف�س ُيقدم الدرا�س���ات الخا�ص���ة بالجوانب‬
‫الفردي���ة النف�س���ية‪ ،‬والتربية تقوم عل���ى التطبيق العملي لهذه الدرا�س���ات‪ ،‬من �أجل �إعداد‬
‫الفرد ال�ص���الح للمجتمع عامة‪ ،‬وفي المجتمع الإ�سالمي خا�صة‪ ،‬عندما يكون �إعداد الفرد‬
‫على �أ�س���ا�س التم�س���ك وااللتزام بالعقيدة ال�ص���حيحة‪ .‬و�إن االختبارات العقلية الخا�ص���ة‬
‫أ�سا�س���ا ن�ش����أت عن طريق‬
‫بالفروق الفردية بين الأفراد الم�س���تخدمة في علم النف�س‪ ،‬هي � ً‬
‫التطبيق العملي للتربية‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫والدرا�س���ات النف�س���ية الخا�صة ب�شخ�ص���ية الفرد‪ ،‬ودرا�س���ة العقل الب�شري‪ ،‬و�أنماط‬


‫ال�سلوك الب�شري الناجمة من المواقف مختلفة للفرد في بيئته‪� ،‬ساعدت عن طريق التربية‬
‫على العناية بالفرد من الناحية النف�سية والوجدانية‪.‬‬
‫لذل���ك نج���د �أن عل���م النف�س التربوي عب���ارة عن التطبي���ق الخا����ص بالحقائق التي‬
‫يكت�شفها علم النف�س والخا�صة بالتفاعل الناجم بين الفرد وبيئته المادية واالجتماعية‪.‬‬

‫�أهمية علم النف�س الرتبوي يف العملية التعليمية‪:‬‬


‫علم النف�س التربوي من المواد الأ�سا�س���ية الالزمة في الدرا�س���ات النف�س���ية لتدريب‬
‫المعلمين وت�أهيلهم‪ ،‬حيث يزُودهم بالأ�س�س والمبادئ التي تتناول طبيعة التعليم المدر�سي‪،‬‬
‫ل ُي�صبحوا �أكثر فه ًما و�إدرا ًكا لطبيعة عملهم‪ ،‬و�أكثر مرونة في مواجهة الم�شكالت الناجمة‬
‫عن هذا العمل‪.‬‬
‫وعل���م النف�س التربوي له فاعليات و�إيجابيات في مج���ال تدريب المعلمين وت�أهيلهم‬
‫على النحو الذي يمكنهم من مواجهة ال�صعوبات والم�شكالت في العملية التعليمية‪ ،‬وكلما‬
‫ً‬
‫ارتباطا بطبيعة عملية‬ ‫كان���ت تلك الطرق التي ي�س���تخدمها المعلم في عملية التعلي���م �أكثر‬
‫التعليم المدر�سي‪ ،‬وبالعوامل المعرفية واالنفعالية واالجتماعية التي ت�ؤثر فيها‪ ،‬كانت �أكثر‬
‫�صد ًقا وفعالية‪ ،‬و�إيجابية مع المتعلمين‪.‬‬
‫وقد يعتمد المعلم على ا�س���تخدام الو�س���ائل التربوي���ة التقليدية‪� ،‬أو يلج أ���� �إلى تقليد‬
‫معلمي���ه القدام���ى وزمالئه ذوي الخب���رة‪� ،‬أو قد يقوم بعمليات المحاول���ة والخط أ� للوقوف‬
‫على المبادئ التي تحكم عملية التعليم المدر�سي‪ ،‬وكل هذا نتيجة غياب المبادئ النف�سية‬
‫ال�ص���حيحة للتعليم المدر�س���ي‪ ،‬التي ُتعد �أ�سا�س���ية لتزويد المعلم بها قب���ل �إعداده لتحمل‬
‫تبعات مهنة التدري�س والتعليم‪� ،‬أو في �أثناء قيامه بالخدمة‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الأهداف الرتبوية والتعليمية لعلم النف�س الرتبوي‪:‬‬


‫من �أهداف علم النف�س التربوي من الناحية التربوية والتعليمية تحقيق الأ�س�س الآتية‪:‬‬
‫‪ -1‬بن���اء املعارف اخلا�ص���ة بالتعل���م‪ ،‬وتنظيمه���ا يف �ص���ورة منهجية‪ ،‬تتمث���ل يف نظريات‬
‫ومبادئ‪ ،‬ومعلومات ذات �صلة بالتعليم والتعلم‪.‬‬
‫‪� -2‬صياغة هذه املعارف يف �أ�شكال متكن املعلمني والرتبويني من ا�ستخدامها وتطبيقها‪.‬‬
‫والهدف الأول من حيث كونه نظر ًّيا �إال �أنه في �أن علم النف�س التربوي علم �س���لوكي‪،‬‬
‫يتناول درا�سة �سلوك المتعلم في المواقف التعليمية المختلفة‪ ،‬حيث يبحث في‪:‬‬
‫( �أ ) طبيعة التعلم ونتائجه وقيا�سه‪.‬‬
‫(ب) خـ�ص ـ ــائ�ص المتعلم النف�س���ـ ـ ــية ‪ -‬الحركية واالنفعالية والعقلية ذات العالقة‬
‫بالعملية التعليمية‪.‬‬
‫(جـ) بحث ال�شروط التعليمية والبيئية التي ت�ؤثر في فعالية هذه العملية‪.‬‬
‫واله���دف الثاني لعلم النف�س التربوي‪ ،‬له خ�صائ�ص���ه التطبيقي���ة القائمة على توليد‬
‫المعارف وو�ض���ع النظريات والمبادئ ذات العالقة بالتعلم والمتعلم‪ ،‬من �أجل �ضمان ناتج‬
‫عملية التعليم‪ ،‬من حيث ال�ض���رورة من تنظيم المعارف والنظريات والمبادئ في �أ�شكال‪،‬‬
‫تمكن المعلمين من ا�س���تخدامها واختيارها وبيان مدى �صدقها وفعاليتها و�أثرها في هذه‬
‫العملية‪.‬‬
‫وم���ن خ�ل�ال هذين الهدفين لعلم النف����س التربوي يتبين �أنه لي�س عل ًم���ا نظر ًّيا بحتًا‬
‫���طا‪ ،‬ولي�س‬‫كعل���م النف����س العام‪ ،‬وال هو تطبيق مح�ض‪ ،‬كفن التدري�س‪ ،‬بل يحتل مركزً ا و�س ً‬
‫ذل���ك معناه �أنه ال ي�س���تفيد من فروع عل���م النف�س الأخرى‪ :‬علم نف����س النمو‪ ،‬وعلم النف�س‬
‫التجريب���ي‪ ،‬وعلم النف����س االجتماعي‪ ،‬وعلم النف����س الإكلينيكي (العالج���ي) وكلها علوم‬
‫أ�سا�س���ا في المنه���ج النظ���ري والتطبيقي لعلم‬ ‫م�س���اعدة لعل���م النف����س التربوي‪ ،‬ب���ل ُتع ّد � ً‬
‫النف�س التربوي‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫امل�شكالت التعليمية‪:‬‬
‫يق���وم عل���م النف�س الترب���وي بتزوي���د المعلمين بالمعارف والأ�س����س والمب���ادئ التي‬
‫ت�س���اعدهم على �أداء مهامهم التعليمية ب�ش���كل �أف�ض���ل‪ ،‬وتمكنهم من مواجهة الم�شكالت‬
‫التعليمية والإعاقات وال�صعوبات الخا�صة بالتعليم‪.‬‬
‫وف���ي العادة‪ ،‬يواجه المعلم عددًا من الم�ش���كالت وال�ص���عوبات الت���ي ت�ؤثر في �أدائه‬
‫المهن���ي على نحو معين‪ ،‬بيد �أن اهتمام علماء النف�س التربويين‪ ،‬يتجه في معظم الأحيان‬
‫نحو الم�ش���كالت التي تربط بطبيعة العملية التعليمية‪ ،‬وما يت�صل منها بالتعلم‪ ،‬وتنح�صر‬
‫هذه الم�شكالت في‪:‬‬

‫‪ -1‬الم�شكالت المتعلقة بالأهداف‪:‬‬


‫حيث يبد�أ المعلم ن�شاطه التعليمي بالوقوف على الأهداف‪ ،‬التي يتوقع من المتعلمين‬
‫�إنجازها‪ ،‬لذلك ُتعد الم�ش���كالت المتعلقة بالأهداف من حيث اختيارها و�صياغتها وطرق‬
‫تزويد المتعلمين بها من �أولى الم�شكالت التعليمية‪.‬‬

‫‪ -2‬الم�شكالت المتعلقة بخ�صائ�ص المتعلمين‪:‬‬


‫هناك الفروق والتباين بين المتعلمين‪ ،‬من حيث ال�سمات الج�سمية واالنفعالية والعقلية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وعلى المعلم مواجهة التباين والفروق بين المتعلمين؛ لنتعرف �إلى قدراتهم في‬
‫تباينها وم�س���توى نموهم‪ ،‬ونقاط ال�ضعف والقوة في �شخ�صياتهم ولتحديد مدى ا�ستعدادهم‬
‫وقدراتهم على �إنجاز الأهداف التعليمية‪ ،‬التي تتحدد قبل بدء العملية التعليمية‪.‬‬

‫‪ -3‬الم�شكالت المتعلقة بالتعلم‪:‬‬


‫يحتاج المعلم عند قيامه بوظائفه التعليمية‪� ،‬إلى معرفة المبادئ الخا�ص���ة باكت�ساب‬
‫المعلومات لدى المتعلمين لتحديد الكيفية التي ي�ؤثر فيهم من خاللها‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وحيث �إن �أنواع ال�س���لوك التي يمار�س���ها المتعلمون كثيرة ومتنوعة‪ ،‬وتحكمها مبادئ‬
‫تعليمي���ة مختلف���ة‪ ،‬ف�إن المعلم يواجه م�ش���كلة اختي���ار مبادئ التعلم الت���ي تتفق مع طبيعة‬
‫المواقف التعليمية‪� ،‬إ�ضافة �إلى تحديد �شروط الن�شاط التعليمي الذي يقوم به‪.‬‬

‫‪ -4‬الم�شكالت المتعلقة بالتعليم (التدري�س)‪:‬‬


‫يلج أ� المعلمون عادة �إلى ا�س���تخدام طريقة �أو �أكثر من طرق التدري�س‪ ،‬حيث تختلف‬
‫هذه الطرق باختالف المواد المدر�سية والمتعلمين وال�شروط الأخرى‪ .‬ويعد اتخاذ القرار‬
‫فيم���ا يتعلق باختيار الطرق والو�س���ائل الأكثر فاعلية من الم�ش���كالت الت���ي تواجه العملية‬
‫التعليمية‪.‬‬

‫‪ -5‬الم�شكالت المتعلقة بالتقويم‪:‬‬


‫الن�ش���اط التعليم���ي الذي يقوم ب���ه المعلم في نهاي���ة العملية التعليمية ه���و التقويم‪،‬‬
‫والتقويم يمكن المعلم من التعرف �إلى مدى التقدم في مجال تحقيق الأهداف التعليمية‪،‬‬
‫حي���ث ُيواج���ه المعل���م في ه���ذه المرحلة م���ن مهنت���ه التعليمية م�ش���كلة اختي���ار �أو تطوير‬
‫الإجراءات التي ت�ساعده على معرفة هذا التقدم والوقوف على مدى تقدم عملية التعليم‪،‬‬
‫ومدى تعلم المتعلمين‪.‬‬

‫اهتمامات علم النف�س الرتبوي‪:‬‬


‫من �أهم اهتمامات علم النف�س التربوي الدرا�سات المتعلقة‪:‬‬
‫‪ -1‬النمو اجل�سمي واالنفعايل واملعريف واالجتماعي واخللقي‪.‬‬
‫‪ -2‬التعلم ونظرياته (تف�سرياته) وطرق قيا�سه والعوامل امل�ؤثرة فيه وكيفية اكت�ساب‬
‫املعلومات واملعارف واالحتفاظ بها ملدى زمني طويل‪.‬‬
‫‪ -3‬انتقال �أثر التعلم واال�ستعدادات وطرق التدري�س وتنظيم املواقف التعليمية والقدرة‬
‫على حل امل�شكالت نتيجة التح�سني يف التعليم‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫‪ -4‬اكت�شاف طرق تنظيم املوارد التعليمية وكيفية توجيه املعلم وا�ست�شارته نحو �أهداف‬
‫معينة‪.‬‬
‫‪ -5‬الذكاء والقدرات العقلية و�سمات ال�شخ�صية وقيا�سها‪.‬‬
‫‪ -6‬التح�صيل و�أ�س�س التقومي القائم على االختبارات التح�صيلية و�شروط االختبارات‬
‫النف�سية والرتبوية‪.‬‬
‫‪ -7‬التفاعل االجتماعي بني املتعلمني يف عالقاتهم ب�أنف�سهم وعالقاتهم باملتعلمني‬
‫واملعلمني‪.‬‬
‫‪ -8‬ال�صحة النف�سية للفرد والتكيف االجتماعي واملدر�سي‪.‬‬
‫وهذه االهتمامات ت�ؤكد ما �سبق �إي�ضاحه من كل من �أهمية علم النف�س الرتبوي‪ ،‬وما ي�ؤدي‬
‫العلم من فاعليات يف العملية التعليمية‪.‬‬

‫علم النف�س الرتبوي‪ ،‬و�أهميته للمعلم واملتعلم‪:‬‬

‫(‪� )1‬أركان العملية التعليمية (املعلم‪ ،‬املتعلم‪ ،‬املادة الدرا�سية)‪.‬‬


‫(‪ )2‬العالقة بني علم النف�س والرتبية‪.‬‬
‫(‪� )3‬أهمية بني علم النف�س والرتبية‪.‬‬
‫(‪ )4‬الأهداف الرتبوية والتعليمية لعلم النف�س الرتبوي‪.‬‬
‫(‪ )5‬امل�شكالت التعليمية‪.‬‬
‫(‪ )6‬اهتمامات علم النف�س الرتبوي‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬علم النف�س عامة وعلم النف�س الرتبوي خا�صة مي ّد املعلم باجلوانب النف�سية للمتعلمني‬
‫العاديني واملتفوقني وال�صغار والكبار يف كل مراحل التعليم‪.‬‬
‫‪ -2‬ت�شكل �أركان العملية التعليمية من املتعلم واملعلم واملادة الدرا�سية‪.‬‬
‫‪ -3‬هناك اجلوانب النف�سية اخلا�صة ب�أركان العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪ -4‬علم النف�س الرتبوي من الناحية التطبيقية يجب �أن ُيزود املعلم مبعارفه ومبادئه‪.‬‬
‫‪ -5‬العالقة بني علم النف�س والرتبية هو �أن علم النف�س امل�صدر �أو الو�سيلة الذي يزود‬
‫الرتبية باحلقائق واملبادئ والأ�س�س النف�سية‪ ،‬واخلا�صة باملتعلم والأ�سلوب املنا�سب‬
‫لتعليمه‪.‬‬
‫‪ -6‬علم النف�س الرتبوي‪ ،‬له �أهدافه الرتبوية والتعليمية‪ ،‬وهو تطبيقي ويعتمد على معارف‬
‫من علوم نف�سية �أخرى‪.‬‬
‫‪ -7‬امل�شكالت التعليمية تنح�صر يف م�شكالت خا�صة‪ :‬بالأهداف التعليمية ‪-‬خ�صائ�ص‬
‫املتعلمني ‪ -‬التعلم ‪ -‬التعليم (التدري�س) ‪ -‬التقومي‪.‬‬
‫‪ -8‬هناك اهتمامات تت�صل بعلم النف�س الرتبوي ت�ؤكد ما ي�ؤديه هذا العلم من فاعليات يف‬
‫العملية التعليمية‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬حدد اجلوانب النف�سية املتعلقة ب�أركان العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح العالقات املوجودة يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪ -3‬علم النف�س الرتبوي ُيعاون املعلم يف جماالت تعليمية خمتلفة‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫‪ -4‬و�ضح العالقة بني علم النف�س والرتبية‪.‬‬


‫‪ -5‬حدد الأهداف الرتبوية والتعليمية لعلم النف�س الرتبوي‪.‬‬
‫‪ -6‬و�ضح امل�شكالت التي ترتبط بطبيعة العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪ -7‬و�ضح اهتمامات علم النف�س الرتبوي‪.‬‬
‫‪ -8‬علم النف�س الرتبوي يمُ ثل التطبيق اخلا�ص باحلقائق التي يكت�شفها علم النف�س‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -9‬علم النف�س الرتبوي له �أهداف تربوية وتعليمية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -10‬عدِّ د امل�شكالت التعليمية التي يهتم بدرا�ستها علماء النف�س الرتبويون‪.‬‬
‫الهدي الإ�سالمي وال�سلوك الإن�ساين‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يعرف املتعلم مو�ضع درا�سة ال�سلوك الإن�ساين يف الرتاث الإ�سالمي‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يذكر مكونات النف�س الب�شرية يف الذكر احلكيم‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يعدد الدالالت اللفظية ملكونات النف�س الإن�سانية يف الذكر احلكيم‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يحلل مفاهيم املكونات النف�سية الإن�سانية يف القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يقدر عظمة القر�آن الكرمي يف تعديل ال�سلوك الإن�ساين‪.‬‬
‫الهدي الإ�سالمي وال�سلوك الإن�ساين‬

‫‪:‬‬
‫بغية التعمق في معرفة ال�سلوك الإن�ساني‪ ،‬نحتاج �إلى معرفة وفهم النف�س الإن�سانية من‬
‫خالل ما ورد في كتاب اهلل العزيز الذي هو د�ستور الحياة ومنهاج الطريق‪ ،‬وما ورد في ال�سنة‬
‫النبوية المطهرة من �أقوال و�أفعال �س���يد الخلق �أجمعين الذي من اتبع خطاه و�س���لك منهجه‬
‫وعمل على طاعته‪ ،‬فقد �أطاع اهلل تعالى‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﱸ (الن�ساء‪.) ٨٠ :‬‬
‫لذلك نحتاج �إلى �إي�ضاح جوانب ومكونات النف�س الب�شرية في �ضوء الهدي الإ�سالمي‪.‬‬

‫الرتاث الإ�سالمي وال�سلوك الإن�ساين‪:‬‬


‫منذ �أمد بعيد اهتم الدار�س���ون والمهتمون بالدرا�س���ات الإ�س�ل�امية عامة‪ ،‬والتربوية‬
‫خا�ص���ة‪ ،‬بالنف�س الب�ش���رية ف���ي بنائها وتقويمها وفي مناحيها و�أ�ص���ولها و�س���وية �س���لوكها‬
‫وا�ض���طرابها‪ .‬والغاي���ة من وراء هذا الق�ص���د واالهتمام‪� ،‬إي�ض���اح و�س���ائل تهذيب النف�س‪،‬‬
‫وتعديل ال�سلوك غير ال�سوي وكبح الرغبات ال�شاذة‪ ،‬من �أجل مجتمع �إ�سالمي‪ ،‬يتوافق فيه‬
‫�سلوك الفرد مع �شريعة اهلل ال�سمحة‪ ،‬بما �أمر اهلل به في كتابه العزيز‪ ،‬وما �أر�شدنا به نبي‬
‫الهداية وخاتم الأنبياء من ُ�س���نة مباركة متكاملة‪ .‬والهدف التربوي من وراء ذلك هو‬
‫�إعداد �أجيال في �أمة الإ�س�ل�ام يت�سم �سلوك �أفرادها‪ ،‬بااللتزام وال�ضبط الديني وال�ضبط‬
‫االجتماعي‪ ،‬والم�س���توى الأخالقي الفا�ضل‪ ،‬الذي من خالله يمكنهم من معاي�شة غيرهم‪،‬‬
‫ممن هم في م�صاف الملتزمين �أخالق ًّيا‪ ،‬والموفقين في حياتهم االجتماعية‪ .‬وفي هذا ما‬
‫ُيحقق للفرد الم�س���لم جادة ال�صواب واال�س���تقامة والهداية واالعت�صام بحبل اهلل المتين‪،‬‬
‫واتباع ُ�س���بل الهداية واالبتعاد عن �س���بل الغواية‪ ،‬فال يتبع الفرد �أهواء نف�سه‪ ،‬وال ي�ستجيب‬
‫‪84‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�إلى ال�ض�ل�ال والف�س���اد‪ ،‬بل يتحكم في �أهوائه‪ ،‬وي�ستر�شد بما �أمر به اهلل تعالى وب�سنة نبيه‬
‫المطهرة‪.‬‬
‫وعالمنا المعا�ص���ر‪ ..‬وقد بعدت فيه الثقة بي���ن الفرد و�أقرانه من جانب‪ ،‬وبينه وبين‬
‫التم�س���ك بعقيدته وااللت���زام في حياته‪ ،‬و�أ�ص���بح الطريق فيه المنعرجات وال�س���دود التي‬
‫تحفز �إلى البعد عن جادة ال�ص���واب‪ ..‬فو�س���ائل الدعايات والإعالن���ات والمواد الإعالمية‬
‫الت���ي تطرح (بوج���ه عام)‪ ،‬واتجاهات المناهج التعليمية في بع����ض المعاهد التعليمية قد‬
‫يكون فيها الرخي�ص والخبيث الذي تهواه النف�س التي قد ت�ض���ل عن �سواء ال�سبيل‪ ،‬بل لقد‬
‫قلت الالفتات الخ�ض���راء‪ ،‬التي تبين طريق الهداية وال�ص���واب والحق لأبناء هذا الع�صر‪،‬‬
‫وبهذا �أ�ص���بح �أبناء الم�س���لمين في حاجة ما�س���ة �إلى من يدعو ب�إخال�ص وبجهد م�س���تمر‪،‬‬
‫لتنقي���ة النفو����س و�إي�ض���اح جادة ال�ص���واب ما قد يعل���ق بالعقول‪ ،‬وما يتناف���ى مع عقيدتنا‬
‫ال�س���محة وال�س���نة النبوية المباركة‪ ،‬ويهدينا جمي ًعا �إلى ما فيه خير و�ص�ل�اح نفو�س���نا‪ .‬بل‬
‫�إن الواقع ي�ش���ير �إلى �أنه قد زادت الحاجة �إلى �إي�ض���اح لجميع النا�س وخا�ص���تهم‪ ،‬لمعرفة‬
‫ذواتهم وطاقاتهم‪ ،‬حتى يعم الأمن والأمان نفو�س النا�س جمي ًعا‪.‬‬
‫�إن عالمنا المعا�صر �أ�صبحت م�سارات الحياة فيه �صعبة‪ ،‬وال هداية فيها‪� ،‬إال للأمين‬
‫القوي على نف�سه‪ ،‬ال ُمدرك لعيوب ذاته‪ ،‬الذي يعمل على التخل�ص من م�ساوئ نف�سه و�شرور‬
‫�أهوائه‪ .‬ولي�س لذلك ال�س���بيل �إال من ت�ضافر جهود الأ�س���رة والمدر�سة والمجتمع‪ ،‬في بناء‬
‫وتنمية �أفراد المجتمع‪ ،‬من �أجل حياة �آمنة مطمئنة‪.‬‬
‫ه���ذا الفرد هو‪ ..‬الإن�س���ان ال���ذي يمثل مح���ور االهتمام في الدرا�س���ات الإن�س���انية‪،‬‬
‫وهو محط فكر قديم‪ ،‬حيث كان االهتمام قبل ظهور الإ�س�ل�ام من الح�ض���ارات ال�س���ابقة‬
‫للإ�س�ل�ام‪ ،‬في عهود الرومان والإغريق‪ ،‬وحيث اهتم الفال�سفة �آنذاك بدرا�سات عدة عن‬
‫�أنماط الب�شر و�سلوكهم‪ ،‬ويعقب ذلك درا�سات واهتمامات علماء الإ�سالم‪ ،‬نذكر منهم من‬
‫ال�سلف ال�صالح ابن تيمية‪ ،‬وابن القيم وغيرهما‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫والواق���ع �أن الإن�س���ان في عالمنا المعا�ص���ر له مو�ض���ع اهتمام عميق في الدرا�س���ات‬


‫ال�ش���رعية والتربوية والنف�س���ية واالجتماعية وغيرها في علوم الع�ص���ر‪ .‬وم���ا �أحوجنا �إلى‬
‫المزيد من هذا االهتمام حتى ال ن�ضل ال�سبيل‪ .‬ومن ثم قد يكون من الأهمية بمكان تحديد‬
‫معنى النف�س الإن�سانية في الإ�سالم‪.‬‬

‫الت�أ�صيل الإ�سالمي ملباحث علم النف�س‪:‬‬


‫ح���ري بنا قبل �أن نو�ض���ح مكونات النف�س الإن�س���انية في الهدي الإ�س�ل�امي‪� ،‬أن ن�ؤكد‬
‫وفق ما �س���بق الإ�ش���ارة �إليه من قبل �أن علم النف�س يدر�س ال�سلوك عند الإن�سان من جميع‬
‫الجوان���ب والوجوه؛ كي يمكن توجيه الإن�س���ان و�إر�ش���اده �إلى ُح�س���ن التكي���ف والتوافق في‬
‫الحياة االجتماعية‪ ،‬وبلوغ الغايات ب�سلوك الفاعلية والإنتاجية‪ ،‬وتكوين االتجاهات البناءة‬
‫نحو الذات‪ ،‬ونحو الآخرين‪ ،‬وتنمية وغر�س القيم الدينية والأخالقية‪.‬‬
‫والمعرفة بال�سلوك الب�شري ‪ -‬التي هي االهتمام المتكامل لعلم النف�س ‪ُ -‬تعد �ضرورية‬
‫لكل الب�شر‪ ،‬حتى يدركوا ويفهموا دوافع �سلوكهم ومعامالتهم وتفاعلهم في حياتهم اليومية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬حيث �إن الإن�س���ان يعي�ش في �سل�س���لة مت�ص���لة من التفاعل الذاتي واالجتماعي‬
‫في مواقف حياته اليومية‪ ،‬والهدي الإ�سالمي من خالل ما ورد في كتاب اهلل العزيز الذي ال‬
‫ي�أتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه‪ ،‬وما ورد في ال�سنة النبوية المطهرة‪ ،‬التي تعمل على‬
‫توجيه النا�س كافة �إلى جادة العمل في الحياة الدنيا وال�سعي في مناكب الأر�ض‪ ،‬دون �إف�ساد‬
‫�أو خلل �أو انحراف في ال�سلوك واقت�ضاء ال�صراط الم�ستقيم‪ ،‬ومن �ش�أن هذا �سوية ال�سلوك‪.‬‬
‫وعل���م النف�س‪� ،‬إذ يهتم بدرا�س���ة �س���لوك الإن�س���ان‪ ،‬وتحليل هذا ال�س���لوك‪ ،‬وو�ص���فه‬
‫و�إب���راز العالقة بينه وبين دوافعه ومثيراته‪ ،‬مع محاولة التنب ؤ� بما يكون عليه ال�س���لوك في‬
‫الم�س���تقبل‪ ،‬وفق ما ي�ؤثر فيه من م�ؤثرات‪ ،‬بهدف توجيهه و�إر�ش���اده �إلى �س���وية ال�س���لوك‪،‬‬
‫والتزامه‪ ،‬و�ض���بطه والتحكم فيه‪ ،‬مع الأخذ في الح�س���بان العوامل الم�ؤثرة في ال�س���لوك‪،‬‬
‫�سواء �أكانت داخلية �أم خارجية‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ف�إن في هذا ما ُيعد �أ�سمى غايات علم النف�س‪ ،‬الو�صول �إلى القواعد ال�سلوكية للحياة‬
‫المثلى للإن�سان‪ ،‬التي تتوافق والعقيدة ال�سمحة في الأوامر والنواهي‪.‬‬
‫وقد تكون المحاوالت‪ ،‬التي بذلت في ذلك في علم النف�س المعا�صر لي�ست بال�صورة‬
‫التي ُيرجى من ورائها خير الب�ش���رية‪� ،‬إذ تميل بع�ض الدرا�س���ات النف�س���ية المعا�صرة �إلى‬
‫عر�ض �أفكار ومدار�س علمية قد تتنافى‪ ،‬وما �أ�ش���ير �إليه �س���ل ًفا‪� ،‬إ�ضافة �إلى �أن علم النف�س‬
‫المعا�صر قد يهمل بع�ض الجوانب الأ�سا�سية في ال�سلوك الإن�ساني ‪ -‬لق�صوره على المباحث‬
‫الخا�صة بها ‪ -‬مثل الجانب الأخالقي والجانب الروحي في حياة الب�شر‪.‬‬
‫لذلك من الأهمية بمكان �أن نو�ضح كيف نفهم مكونات النف�س الإن�سانية‪ ،‬في الهدي‬
‫الإ�سالمي؛ حتى نتبين م�سارات علم النف�س المعا�صر ومدى اقترابه من الهدي الإ�سالمي‪،‬‬
‫خا�ص���ة �أن علم النف�س ُيعد �ض���رورة من �ض���رورات الفهم الأمثل لل�س���لوك الإن�س���اني‪ ،‬وله‬
‫�إيجابيات كثيرة للغاية‪ ،‬في فهم ال�س���لوك الإن�س���اني في �س���ويته وفي اقت�ض���ائه ال�ص���راط‬
‫الم�ستقيم‪.‬‬

‫مكونات النف�س الب�شرية يف الذكر احلكيم‪:‬‬


‫في مكونات النف�س في الذكر الحكيم‪ ،‬وفي الآيات البينات التي وردت في كتاب اهلل‬
‫العزيز ما يدل على النظرة ال�ش���مولية المتكاملة للنف�س الب�شرية‪ ،‬وقد يختلط على القارئ‬
‫دالالت الألفاظ الخا�صة بالنف�س والروح والقلب والعقل‪ ،‬وذلك نحتاج معه �إلى �إي�ضاح هذه‬
‫المكونات‪ ،‬كما وردت في القر�آن الكريم‪.‬‬
‫وف���ي تف�س���ير مكونات الطبيعة الإن�س���انية‪ ،‬وردت في كتاب اهلل العزي���ز في �أكثر من‬
‫مو�ض���ع �آيات بينات تو�ض���ح مكونات النف�س الإن�سانية‪ ،‬وهذه الإي�ض���احات لها دالالتها في‬
‫القر�آن الكريم‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫وعندما نظر علماء الم�سلمين �إلى «النف�س» لم ينظروا �إليها على �أنها «كيان م�ستقبل‬
‫�أو جوهر قائم بذاته» و�إنما كانت مباحثهم قائمة على �أنها‪« :‬مجموعة الظواهر والحاالت‬
‫النف�س���ية والخواط���ر التي في خب���رة الإن�س���ان»‪ .‬هذا‪ ،‬وق���د تعر�ض الإن�س���ان بالمالحظة‬
‫والدرا�سة من قديم الزمن‪ ،‬بما كان ُيعرف بالنف�س الإن�سانية‪.‬‬
‫وفيم���ا ي�أت���ي‪ ،‬نعر����ض دالالت الألفاظ الخا�ص���ة بالنف�س ح�س���بما وردت ف���ي الذكر‬
‫الحكيم‪ ،‬التي ت�شكل من‪:‬‬
‫‪ -4‬العقل‪.‬‬ ‫‪ -3‬الروح‪.‬‬ ‫‪ -2‬القلب‪.‬‬ ‫‪ -1‬النف�س‪.‬‬
‫ونو�ض���ح مفاهيم هذه المكونات‪ ،‬لنتبين مدى اقت���راب �أو ابتعاد هذه المفاهيم‪ ،‬من‬
‫التفا�سير الخا�صة بالمفاهيم المقابلة في علم النف�س المعا�صر‪.‬‬

‫دالالت الألفاظ اخلا�صة بالنف�س الإن�سانية يف القر�آن الكرمي‪:‬‬


‫وردت الألفاظ الخا�ص���ة بالنف�س الإن�س���انية في الذكر الحكيم التي �س���بق الإ�ش���ارة‬
‫�إليها‪ ،‬ب�أ�سماء �أو �ضمائر �أو �أفعال‪ ،‬عدا لفظة «العقل» حيث وردت في �صورة «فعل العقل»‪.‬‬
‫و�سنرتب �إي�ضاح كل منها على �أ�سا�س مدى �شموله لمفهوم الإن�سان ب�صورة عامة‪� ،‬أو‬
‫تخ�ص�صه لجوانب معينة منه‪.‬‬
‫وعل���ى هذا الأ�س���ا�س يكون �إي�ض���اح «النف�س» في البداية؛ لأنها �أو�س���ع ا�س اً‬
‫���تعمال من‬
‫مختل���ف باقي الألفاظ‪� ،‬إذ غال ًبا ما تدل على كيان الإن�س���ان ب�ص���فته كائ ًنا ح ًّيا ا�ص���طفاه‬
‫اهلل �س���بحانه وتعالى على �سائر المخلوقات‪ ،‬ثم يرد لفظ «القلب» الذي يدل على العن�صر‬
‫الواعي والعاطفي في الإن�سان‪.‬‬
‫�أم���ا «الروح» فهي في الذكر الحكيم تمثل حقيقة مجردة ذات �أ�ص���ل �إلهي‪ ،‬وتت�ص���ل‬
‫بالإن�سان على نحو خا�ص‪ ،‬دون �سائر المخلوقات‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�أما العقل فقد �سبق الإ�شارة �إلى وروده ب�صورة «فعل العقل» ولي�س لفظة «العقل»‪.‬‬
‫وفعل العقل في الذكر الحكيم يدل على الفهم والتفكير‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي الدالالت اللفظية لمكونات النف�س الإن�سانية في الذكر الحكيم‪.‬‬

‫‪ -1‬الدالالت اللفظية لمعنى (النف�س)‪:‬‬


‫وردت لفظة «النف�س» على �صور متعددة في �صورة مفرد ومثنى وجمع‪ ،‬في كتاب اهلل‬
‫العزيز‪ ،‬حيث تكرر ورودها في ‪� 295‬آية من �آيات القر�آن الكريم‪ ،‬وورد ذكرها في ال�صورة‬
‫الآتية‪:‬‬
‫ف�س���ك ‪َ -‬نفْ�س ُه ‪َ -‬نف َْ�س َها ‪َ -‬نفْ�سي ‪ -‬ال ُّنفو�س ‪� -‬أن ُف�س ُكم ‪ -‬الأن ُف�س ‪-‬‬
‫َنف ُْ�س ‪َ -‬نف ًْ�س���ا ‪َ -‬ن ُ‬
‫�أن ُف�سنا ‪� -‬أن ُف�سهم ‪� -‬أن ُف�سهن‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي دالالت لفظة «النف�س» في القر�آن الكريم‪:‬‬
‫وردت لفظ���ة النف����س في الذكر الحكيم بمعنى �أن الإن�س���ان‪ ..‬كائن حي �أ�ص���له واحد‬
‫(�سوا�س���ية الخلق)‪ ..‬يت�أثر‪ ..‬ويك�س���ب‪ ..‬وي�شتهي‪ ..‬ويغ�ض���ب‪ ..‬ثم يجازى عن عمله �أخي ًرا‬
‫الجزاء الأوفى‪.‬‬
‫ووردت �أحيا ًنا للداللة على طوية الإن�سان وجوهره‪.‬‬
‫ووردت � ً‬
‫أي�ضا للداللة على �شيء معين‪.‬‬
‫ووردت بمعنى الذات الإلهية جل في عاله‪.‬‬
‫فف���ي الآيات الدالة على الذات الإلهية قول���ه‪ :‬ﱹ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬﱸ (�آل عمران‪.)٣٠ :‬‬
‫ﱹ ﮖ ﮗﱸ (طه‪.)٤١ :‬‬
‫‪89‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫ومن الأمثلة على ا�س����تعمالها للداللة على الإن�س����ان قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﱸ (البقرة‪.)٤٨ :‬‬
‫والنف�س هنا بمعنى الذات الإن�سانية كلها‪.‬‬
‫وا�س���تعملت كلم���ة النف�س عند الداللة على الإن�س���ان‪ ،‬لت�ش���ير �إلى �أ�ش���خا�ص بالذات‬
‫كالأنبي���اء‪ ،‬مث���ل قول���ه تعال���ى‪ :‬ﱹ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﱸ (الكهف‪.)٦ :‬‬
‫ﱹﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﱸ (يو�سف‪.)٢٦ :‬‬
‫وم���ن الأمثلة على ا�س���تعمالها للإ�ش���ارة �إلى �ض���مير الإن�س���ان وطويت���ه‪ ،‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ﯬﱸ‬ ‫ﱹ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫(الإ�سراء‪.)٢٥ :‬‬
‫ويراد بها �أحيا ًنا الداللة على �أ�ص���ل واحد للب�شرية‪ ،‬كقوله تعالى‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﱸ (الن�ساء‪. )١ :‬‬
‫خا�ص���ا في الإن�س���ان‪ ،‬قد يكون جوه ًرا قائ ًما بذاته‪� ،‬أو‬
‫ووردت للداللة بو�ص���فها �أم ًرا ًّ‬
‫يك���ون مجرد تعبير مجازي عن حقيقة الإن�س���ان وماهيت���ه‪ :‬ﱹﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﱸ (القيامة‪.)٢ - ١ :‬‬
‫ووردت بمعنى الروح التي تدخل �إلى ج�س���م الإن�س���ان‪ ،‬وهو جنين‪ ،‬وتخرج �إلى بارئها‬
‫عندم���ا ينته���ي الأج���ل كقول���ه تعال���ى‪ :‬ﱹﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﱸ (الفجر‪.)٢٨ - ٢٧ :‬‬
‫ووردت اللفظ���ة بمعن���ى العقل والقلب والف����ؤاد‪ ،‬بما يتوافق مع م�ص���طلح العرب عن‬
‫النف����س بمعنى العقل‪ ،‬حيث و�ص���ف العرب ذم العقل بال�س���فه الذي هو م���ن الجهل‪ ،‬حيث‬
‫‪90‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫يك���ون الجهل بخالف الحلم‪ ،‬وه���و العقل كقوله تعالى‪ :‬ﱹ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬


‫ﮌ ﮍ ﮎ ﱸ (البقرة‪. )١٣٠ :‬‬
‫ووردت اللفظ���ة بمعن���ى العقل �أو القلب‪ ،‬فالعلم �ض���د الجهل الذي ين�س���ب �إلى العقل‬
‫والقل���ب كقوله تعال���ى‪ :‬ﱹ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱸ‬
‫(المائدة‪.)١١٦ :‬‬
‫وفي معنى العقل والقلب � ً‬
‫أي�ضا‪ ،‬ما ورد بمعنى الذكر الخفي والت�ضرع والخوف‪ ،‬وهما‬
‫ين�سبان �إلى القلب كقوله تعالى‪ :‬ﱹﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﱸ(الأعراف‪.)٢٠٥ :‬‬
‫هذا وقد و�صفت «النف�س» ب�أحوال مختلفة �سنعر�ضها تحت ما ُيعرف «ب�أحوال النف�س»‬
‫وهي‪ :‬المطمئنة‪ ..‬الو�سوا�سة‪ ..‬اللوامة‪ ..‬الأمارة بال�سوء‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -2‬الدالالت اللفظية لمعنى القلب‪:‬‬


‫وردت لفظ���ة «القل���ب» في الق���ر�آن الكري���م �أقل من لفظ���ة النف�س‪ .‬ويظه���ر �أن �أكثر‬
‫معان���ي القلب تدور حول المعنى العاطفي الوجداني والعقلي في الإن�س���ان‪ ،‬ولذلك تف�س���ر‬
‫على �أ�س���ا�س الفطرة ال�س���ليمة التي فطر اهلل تعالى النا�س عليها‪ ،‬كما تف�س���ر على �أ�س���ا�س‬
‫العواط���ف المختلف���ة عند الإن�س���ان‪� ،‬س���واء منه���ا ما يقوم على عن�ص���ر الحب �أو عن�ص���ر‬
‫البغ�ض���اء والكراهي���ة (العواطف الإيجابية �أو ال�س���لبية)‪ ،‬وفق ما ي�ش���ار �إلى ذلك في علم‬
‫النف�س المعا�صر عن تق�سيم الجانب العاطفي والوجداني في بنية ال�شخ�صية‪.‬‬
‫و ُيف�س���ر «القلب» � ً‬
‫أي�ض���ا على �أنه مح���ل الهداية والإيمان والعل���وم والمعارف والإرادة‬
‫وال�ضبط‪.‬‬
‫ورود لفظ «القلب» في �آيات الذكر الحكيم كما ي�أتي‪:‬‬
‫قلبك‪ -‬قل ُب���ه ‪ -‬قلبها ‪َ -‬قلبي ‪َ -‬ق ْلبين ‪ُ -‬ق ُلوب ‪ُ -‬ق ُلوب ُكما ‪ُ -‬ق ُلوبكم ‪ُ -‬ق ُلوبنا ‪-‬‬
‫���ب ‪َ -‬‬ ‫َقل ِ‬
‫ُق ُلوبهم ‪ُ -‬قلوبهنَّ ‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫ومما ي�ش���ار �إليه �أن القلب مو�ض���ع الفطرة ال�س���ليمة في الذكر الحكي���م قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱹﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﱸ (ال�شعراء‪.)٨٩ :‬‬
‫ومن داللة اللفظ على �أن القلب هو المق�صود به االعتبار والفهم والهداية قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱹ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱸ ( ق‪.)٣٧ :‬‬
‫ولي����س القلب دائ ًما محط الهداية والإيمان‪ ،‬فقد ي���رد بالمعنى الذي يدل على الإثم‬
‫والمع�صية‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱸ (الحجر‪.)١٢ :‬‬
‫�أما داللة لفظة القلب على �أنه محل العواطف النبيلة الطيبة �أو الم�ض���ادة المخالفة‪،‬‬
‫فمثل قوله تعالى‪ :‬ﱹﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﱸ (الحديد‪.)٢٧ :‬‬
‫وقد ي�س���تعمل الف�ؤاد في القر�آن الكريم بمعنى القلب‪ ،‬وا�س���تعماله قليل كما هو �ش�أن‬
‫العرب‪ ،‬في ا�ستعمال الف�ؤاد على �أنه ُكنية عن القلب‪ ،‬ومثل قوله تعالى‪ :‬ﱹﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﱸ (�آل عمران‪.)١٥١ :‬‬

‫‪ -3‬الداللة اللفظية لمعنى (الروح)‪:‬‬


‫وردت لفظ���ة «الروح» ف���ي القر�آن الكريم في ‪� 22‬آية من �آيات الذكر الحكيم‪ ،‬ومع �أن‬
‫الق���ر�آن الكريم لم ُيكرر لفظة الروح �إال قليلاً ‪� ،‬إال �أن ا�س���تعماله كان �أكثر ً‬
‫تنوعا‪ ،‬ويت�ض���ح‬
‫ذلك من �ألفاظ �آيات الذكر الحكيم الآتية‪:‬‬
‫روحي‪.‬‬‫روحه ‪ِ -‬‬ ‫روحا ‪ -‬روح َنا ‪ُ -‬‬
‫روح ‪ -‬روح ‪ً -‬‬‫ُ‬
‫فقد وردت لفظة الروح بما يفيد �إفا�ضة الحياة من اهلل على الإن�سان‪ ،‬كما تتمثل في‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﱹﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﱸ (الحجر‪.)٢٩ :‬‬
‫وال���روح ف���ي الذك���ر الحكي���م م�ض���افة �إل���ى اهلل الواح���د القه���ار دائ ًم���ا‪ .‬مث���ل‬
‫قول���ه تعال���ى‪ :‬ﱹﯮﯯ ﯰ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﱸ (الإ�سراء‪.)٨٥ :‬‬
‫‪92‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وا�س���تعملت الروح في القر�آن � ً‬


‫أي�ض���ا للداللة على خلق الم�س���يح عي�سى عليه ال�سالم‪،‬‬
‫مث���ل قول���ه تعال���ى‪ :‬ﱹ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﱸ (مريم‪.)١٧ :‬‬
‫وا�ستعملت للداللة على القر�آن‪ ..‬كتاب اهلل العزيز‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﱸ (ال�شورى‪.)٥٢ :‬‬
‫ووردت كلم���ة ال���روح للدالل���ة عل���ى الوح���ي والملك الذي ين���زل به من قول���ه تعالى‪:‬‬
‫ﱹ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫﱸ (غافر‪.)١٥ :‬‬
‫ه���ذا‪ ،‬و�سنو�ض���ح فيما بعد‪ ،‬عندما نف�س���ر مفهوم الروح‪� ،‬ص���لة الروح بالج�س���د‪� ،‬أي‬
‫بالبناء الج�س���مي‪ ،‬معنى الروح في الطبيعة الإن�س���انية‪ ،‬وخا�صة الجانب المعنوي في حياة‬
‫الإن�سان‪� ،‬سواء في وجوده الفردي �أو في تفاعله االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -4‬الدالالت اللفظية لمعنى «العقل»‪:‬‬


‫وردت لفظة العقل في �صورة فعل العقل في القر�آن الكريم في ‪� 49‬آية من �آيات الذكر‬
‫الحكيم‪.‬‬
‫و�أما عن �صورة الألفاظ فهي كالآتي‪:‬‬
‫َعق ُلوه ‪ -‬تَعق ُلون ‪ -‬نعقل ‪ -‬يعق ُلها ‪ -‬يعق ُلون‪.‬‬
‫والعقل بو�ص���فه م�ص���د ًرا لم يرد في الق���ر�آن الكريم �إطال ًقا‪ ،‬و�إنم���ا ورد فعل العقل‬
‫بمختلف ا�ش���تقاقاته‪ .‬وكل الألفاظ الواردة تدل على عن�ص���ر التفكير عند الإن�سان‪� .‬أي �إن‬
‫القر�آن لم يذكر العقل با�س���مه العلم �أبدً ا‪ ،‬و�إن العرب �أنف�س���هم ال ي�س���تعملون اال�سم العلم‬
‫العقل �إال في القليل النادر‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫م���ن الآي���ات التي تدل عل���ى فعل العقل ف���ي الذكر الحكي���م �أنه عن�ص���ر التفكير في‬
‫الإن�س���ان قول���ه تعال���ى‪ :‬ﱹ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵﱸ (البقرة‪.)٧٥ :‬‬
‫وق���د و�ص���ف القر�آن الكريم العقل ب�أو�ص���اف مختلفة منها‪« :‬الل���ب» مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱹﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﱸ (الرعد‪.)١٩ :‬‬
‫«ال ُّنه���ى» مث���ل قول���ه تعال���ى‪ :‬ﱹ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﱸ‬

‫(طه‪. )٥٤ :‬‬


‫«الحلم» مثل قوله تعالى‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﱸ (الطور‪.)٣٢ :‬‬
‫«الحجر» مثل قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﱸ (الفجر‪.)٥ :‬‬
‫ومن الناحية اللفظية ا�ستعمل القلب مكان العقل‪ ،‬ب�أو�صاف مختلفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫«التدبر» وهو التفكير الواعي والفهم‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﱸ (محمد‪) ٢٤ :‬‬

‫«الفق���ه» بمعن���ى الفه���م‪ ،‬مث���ل قول���ه تعال���ى‪ :‬ﱹ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬


‫ﮪﱸ (التوبة‪.)١٢٧ :‬‬
‫مما �سبق يمثل الدالالت اللفظية لمعاني مكونات النف�س الإن�سانية في القر�آن الكريم‪،‬‬
‫ونعر�ض فيما ي�أتي مفاهيم مكونات النف�س الإن�س���انية بح�س���ب ورودها في القر�آن الكريم‪،‬‬
‫وما يقابلها من تنظيم في البناء النف�سي للإن�سان في علم النف�س المعا�صر‪.‬‬

‫الدالالت اللفظية ملعنى‪:‬‬


‫( النف�س ‪ -‬القلب ‪ -‬الروح ‪ -‬العقل )‬
‫يف القر�آن الكرمي‬
‫‪94‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫مفاهيم المكونات النف�سية الإن�سانية في القر�آن الكريم‪:‬‬


‫نورد فيما ي�أتي مفاهيم المكونات النف�س���ية الإن�سانية كما وردت في القر�آن الكريم‪،‬‬
‫ونعر�ض في ذات الوقت ما يقابلها من تفا�سير وت�أويل في علم النف�س المعا�صر‪.‬‬

‫‪ -1‬مفهوم النف�س‪:‬‬
‫ُتعد النف�س في القر�آن الكريم‪� ،‬أو�س���ع المكونات النف�س���ية الإن�س���انية‪ ،‬وهي ح�س���بما‬
‫�أ�ش���رنا من قبل تدل على الكيان الإن�س���اني بو�ص���فه كائ ًنا ح ًّيا‪ ،‬والنف�س الإن�سانية بو�صفها‬
‫كيا ًنا للإن�سان الفرد تمثل الكل المركب من الج�سد والروح‪ ،‬وهي التي ُتطلق عليها في علم‬
‫النف�س «الذات» ‪� Self‬أو ما تعرف «بالأنا» ‪.Ego‬‬
‫�أي �إن النف�س الواردة في الذكر الحكيم الق�صد بها مكونات و�سمات الج�سد والروح‪،‬‬
‫حيث �إن �س���مات الج�سم وخ�صائ�صه البنائية ت�شكل جان ًبا من الجوانب التي تحدد �سلوك‬
‫الإن�سان الفرد‪ ،‬بل ت�شكل � ً‬
‫أي�ضا فعالية الإن�سان ون�شاطه و�سلوكه‪.‬‬
‫وحيث �إن الج�س���م والروح متالزمان‪ ،‬فعلينا �أن نو�ض���ح �س���مات الروح في ات�ص���الها‬
‫بالج�س���م‪ ،‬وال���روح في العلوم النف�س���ية قد ُيق�ص���د بها الروح المعنوي���ة ‪ Moral‬وهي القوة‬
‫المعنوي���ة �أو الحالة النف�س���ية الت���ي تدفع الفرد نح���و الإقدام �أو الإحج���ام ‪Approach Or‬‬

‫‪ .Avoidance‬لتدفع فيه حب الحياة‪ ،‬وحب ال�س���عي في مناكب الحياة‪ ،‬والإقدام والمثابرة‬


‫والتحم����س‪� ،‬أو العك����س بق�ص���د �إنجاز هدف �أو �أكثر من هدف لي�ص���ل الإن�س���ان الفرد في‬
‫النهاي���ة �إل���ى غاياته‪ ،‬و�إل���ى حالة من حاالت الر�ض���ا الذات���ي ‪ .Self- Satisfaction‬ولكنها‬
‫تختلف عن الروح في المفهوم الإ�س�ل�امي‪ ،‬فالروح �س���ر من �أ�سرار الخالق البارئ �أودعها‬
‫مخلوقاته؛ لأنها �أ�سا�س الحياة والوجود‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فالنف�س في القر�آن الكريم تمثل مجموع �سمات الج�سد والروح‪ ،‬وتختلف كلية‬
‫عن الج�س���د وعن الروح؛ لأن �ص���فات الكل �ش���يء و�ص���فات الأجزاء المكون منه هذا الكل‬
‫�شيء �آخر‪ ،‬ف�ضلاً عن �أن الكل بو�صفه (وحدة) غير مجموع عنا�صره و�أجزائه‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫وهكذا نجد �أن القر�آن الكريم ينظر �إلى النف�س نظرة متكاملة‪ ،‬بينما ُيق�س���م الجهاز‬
‫النف�سي في علم النف�س عند بع�ض العلماء �إلى‪:‬‬
‫(�أ) الال�شعور‪ :‬وهو اجلزء الذي ي�شكل الدوافع والرغبات اجلن�سية‪ ،‬وهذا اجلزء‬
‫ي�شمل الهو ‪ ID‬وهو ميثل اجلانب الغريزي ال�شهوي املوروث واال�ستجابات‬
‫املكبوتة ‪ Repressed Responses‬اخلا�صة‪ ..‬باجلن�س والعدوان‪.‬‬
‫(ب) ال�شعور ‪ :‬وهو كل ما ميكن تذكره من �أفكار و�أحداث ووقائع‪ ،‬وهو يمُ ثل الذات‬
‫املدركة ‪� Ego‬أو ما تعرف «الأنا» �أي اجلانب الواقعي يف بناء ال�شخ�صية‪.‬‬
‫(جـ) الأنا العليا ‪� Super- Ego‬أو ال�ضمري‪ ،‬الذي يبد�أ ظهوره يف �أثناء مرحلة الطفولة‪،‬‬
‫ثم يتتابع منوه يف املراحل العمرية الالحقة‪ ،‬وهو يمُ ثل اجلانب املثايل‪ ،‬وهو‬
‫مكت�سب‪ ،‬بل �إنه ميثل الرقيب الذي يوجه �سلوك الإن�سان‪.‬‬
‫وقد ورد و�صف النف�س في القر�آن الكريم بما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -‬ال َّنفْ�س الأَ َّمار ُة ُّ‬
‫بال�سوء‪ ،‬ال َّنف ُْ�س المط َمئ َّنة‪ ،‬ال َّنف ُْ�س ال َّل َ‬
‫وامة‪.‬‬
‫ه���ذا ما ن�ؤكده من �أن القر�آن الكريم في و�ص���فه للنف�س الإن�س���انية‪ ،‬يت�س���م بالنظرة‬
‫الفاح�صة الدقيقة التي تمتاز بالعمومية وال�شمولية‪.‬‬
‫ومن العمومية وال�ش���مولية ما نجده في القر�آن الكريم من �أن مركب الج�س���د والروح‬
‫ً‬
‫ن�ش���اطا وحيوية‪ ،‬وهي التي تدفعه �إلى عمارة الأر�ض عندما‬ ‫عند الإن�س���ان‪ُ ،‬يك�س���ب حياته‬
‫ي�سعى في مناكبها‪ ،‬ويقيم الوجود الإن�ساني‪ ،‬حتى يرث اهلل الأر�ض ومن عليها‪.‬‬
‫والروح ال تفارق الج�س���د طالم���ا فيه حياة وحيوية‪ ،‬وعندما يحكم الق�ض���اء‪ ،‬وتنتهي‬
‫حياة الج�سد‪ ،‬ف�إن الروح تعود‪ ،‬وت�صعد �إلى بارئها‪.‬‬
‫والج�س���د هو البناء الذي ُيج�س���د ‪ Enbody‬ف���ي الفرد‪ ،‬الجانب المادي المح�س���و�س‬
‫والملمو�س‪ ،‬حيث �أبان القر�آن الكريم لفظة «الج�سد» �أو الج�سم‪ ،‬بما يدل على �أن «الج�سد»‬
‫ال يتع���ادل في قيمته مع «النف�س» �أو «الروح»‪ .‬ويتوافق هذا ب�أن الج�س���د رماد بعد فناء‪ ،‬في‬
‫حين �أن الروح تخلد حتى يوم الح�ساب‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ومن ناحية اال�ضطرابات والأمرا�ض النف�سية‪ ،‬تبين وجود تزاوج بين الج�سم والنف�س‪،‬‬
‫حيث ثبت في الدرا�س���ات الكلينيكية (‪)Clinical‬العالجية في علم النف�س المعا�صر‪ ،‬حيث‬
‫�إن الأمرا�ض النف�سج�س���مية (ال�سيكو�سوماتية) التي يترتب عليها �أمرا�ض ع�ضوية ج�سمية‬
‫مثل‪ :‬قرحة المعدة‪ ،‬والذبحة ال�صدرية‪ ،‬و�أمرا�ض الح�سا�سية‪ ،‬تو�ضح �أن المتاعب النف�سية‬
‫ت�ؤثر بال�ض���رورة في الحالة ال�ص���حية والنف�س���ية للفرد‪ ،‬وفي هذا كله ما ي�ؤكد مرة �أخرى‬
‫ال�صلة والرابطة بين الج�سم والنف�س‪.‬‬

‫‪ -2‬مفهوم الروح‪:‬‬
‫في المعاني التي �س���بق الحديث عنها في الدالالت اللفظية للروح في القر�آن الكريم‬
‫ما يدل على �أن «الروح» ال تدل على التكوين الج�سمي �أي الج�سدي وحده‪ ،‬وال على «الج�سد‬
‫والروح» بمعنى الإن�س���ان وفعاليته ون�شاطه‪ ،‬كما هو الأمر بالن�سبة �إلى النف�س‪ ،‬وفي هذا ما‬
‫يدل على تميز الروح عن النف�س في القر�آن الكريم‪.‬‬
‫لي�س هذا فح�سب‪ ،‬بل �إن الذكر الحكيم يدعو �إلى االنتباه‪ ،‬ب�أن �إدراكنا لطبيعة الروح‬
‫قا�صر‪ ،‬فهي من �أمر اهلل‪.‬‬
‫ولكننا ن�ستطيع �أن ُندرك معنى ما يوحى به في الطبيعة الإن�سانية من دالالت روحية‪،‬‬
‫�إذ �إن المعن���ى ال���ذي ُيمث���ل جان ًبا مه ًّما ف���ي حياة الإن�س���ان‪ ،‬هو الجان���ب المعنوي ‪Moral‬‬

‫وخا�ص���ة الأخالق���ي‪ ،‬ال���ذي يجعل الإن�س���ان وفق ما حب���اه اهلل من فطرة‪� ،‬أن ي�س���مو بذاته‬
‫وي�ض���بط �س���لوكه‪ ،‬ويرتفع بقدر نف�س���ه‪ ،‬ويعلو على الماديات الح�س���ية المتمثلة في م�ساوئ‬
‫ال�ش���هوات وما ُي�صاحبها من ماديات‪ ،‬ويتطلع �إلى الجانب الم�ضيء في بنية ال�شخ�ص وهو‬
‫الجان���ب الروحي‪ ،‬الذي �أ�ش���ارت �إليه الآيات القر�آنية الكريمة عندما �أو�ض���حت �سوا�س���ية‬
‫الخلق‪ ،‬و�أنهم من نف�س واحدة‪ ،‬و�أن الإن�سان الفرد له قيمته والجماعة الإن�سانية لها كيانها‬
‫أي�ض���ا‪ ،‬فالإ�سالم ال ينادي بالفردية‪ ،‬بل يدعو �إلى التما�سك والتعاون‪ ،‬و�أن تكون‬ ‫ووجودها � ً‬
‫الم�س���افة االجتماعية بين الأف���راد في عالقاتهم متقاربة ولي�س���ت متباعدة‪ ،‬و ُينادي بنبذ‬
‫‪97‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫الع�ص���بية‪ ،‬في عالقاتهم ال فرق بين �أبي�ض �أو �أ�س���ود‪ ،‬وال بين جماعة �أو جماعة �أخرى �إال‬
‫بالتقوى‪.‬‬
‫و�إنه وفق ما �س���بق الإ�شارة �إليه‪ ،‬ف�إن العالقة بين الج�سم والروح عالقة دائبة طالما‬
‫�أن الج�س���م حي‪� ،‬إذ �إن هناك �أثر النواحي البيولوچية والف�س���يولوچية في الجانب الروحي‬
‫للإن�سان‪ ،‬حيث ال�ضعف والوهن والإرهاق والتراخي في جهد الإن�سان وفي حالته المعنوية‪،‬‬
‫ما ي�ؤيد القول‪� :‬إن �أ�سا�س الذات الإن�سانية هو الروح‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد �سبق الإ�شارة �إلى �أن القر�آن الكريم عالج الروح من حيث الدالالت اللفظية‬
‫م���ن جنبات متعددة‪ ،‬ومن �أكثر من منظ���ور‪ ،‬و�أكد القر�آن �أنها من عند اهلل تعالى‪ ،‬وبذلك‬
‫فه���ي �أبدية حتى بعد زوال حياة الج�س���د‪ ،‬وقد �أقر بذلك بع����ض علماء الغرب‪ ،‬حيث نادى‬
‫بع�ضهم بوجود الروح و�أبديتها‪� ،‬أمثال‪ :‬فيكتور هوجو‪ ،‬وكميل فالماريون‪ ،‬وجوته‪.‬‬
‫فقد �أ�شار «فالماريون» في درا�ساته التي توا�صلت ن�صف قرن من الزمان �إلى �أن‪:‬‬
‫الروح توجد في �ص���ورة حقيقية منف�صلة عن الج�سد‪ ،‬و�أن لها خ�صائ�ص لم يك�شفها‬
‫العلم بعد‪ ،‬و�أن الروح ت�ستمر بعد الج�سم المادي‪.‬‬
‫وه����ؤالء العلماء ال يدينون بدين الحق‪ ،‬ولكن اهلل تعالى �أنطقهم بكلمة الحق‪� .‬إذن ما‬
‫هي �آراء علماء الم�سلمين عن الروح؟‬
‫فيم���ا ي�أتي �آراء علماء الم�س���لمين ع���ن الروح‪ ،‬حيث نعر����ض �آراء كل من «ابن حزم»‬
‫«وابن القيم الجوزية»‪.‬‬

‫‪� -1‬آراء ابن حزم عن الروح‪:‬‬


‫يقول ابن حزم في كتابه «الف�صل في الملل والنحل»‪.‬‬
‫«والنف�س والروح ا�سمان لم�سمى واحد ومعناهما واحد» ثم قال‪« :‬و�أما من ذهب �إلى‬
‫�أن النف�س لي�س���ت ج�س ًما فقول يبطل بالقر�آن وال�س���نة والإجماع» والإمام «ابن حزم» يتفق‬
‫في ر�أيه مع ابن قيم الجوزية في نظر كل منهما �إلى الروح والنف�س‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪� -2‬آراء ابن قيم الجوزية عن الروح‪:‬‬


‫يرى «ابن القيم» �أن «الروح» ج�سم نوراني متحرك من العالم العلوي مخالف بطبعه‬
‫لهذا الج�سم المح�سو�س (المادي)‪� ،‬سار فيه �سريان الماء في الورد والدهن في الزيتون‪،‬‬
‫ال يقب���ل التبدي���ل والتفريق والتمزيق‪ُ ،‬يفيد الج�س���م المح�س���و�س الحي���اة وتوابعها ما دام‬
‫�صالحا لقبول الفي�ض وعدم حدوث ما يمنع ال�سريان‪ ،‬و�إال حدث الموت‪ ،‬وانتهت الحياة‪.‬‬ ‫ً‬
‫وهنا ينظر «ابن قيم الجوزية» �إلى الروح نظرة �ش���فافة كالن�س���يم‪ ،‬فهي موجودة‪ ،‬بل‬
‫هي �أ�ص���ل وجود الكائن الحي بمعنى �أنها المحرك للج�س���م المح�سو�س‪ ،‬و�أن الروح لي�ست‬
‫كتل���ة هالمي���ة كالعه���ن المنفو�ش‪ ،‬وه���ذه النظرة نظرة مج���ردة بحتة بعي���دة عن النظرة‬
‫المادية التي ي�أخذ بها بع�ض الفال�سفة والمفكرين‪.‬‬
‫روحا لح�ص���ول‬
‫وي�ص���ف ابن القيم الروح ب�أنها النف�س‪ ،‬حيث يقول‪�« :‬س���ميت النف�س ً‬
‫نف�س���ا‪� ،‬إما من ال�شيء النفي�س ول�ش���رفها‪ ،‬و�إما من تنف�س ال�شيء �إذا‬
‫الحياة بها‪�ُ -‬س���ميت ً‬
‫نف�س���ا‪ ،‬ومنه النف����س بالتحريك‪ ،‬ف�إن‬
‫خ���رج‪ ,‬ولكثرة خروجها ودخولها في البدن �س���ميت ً‬
‫خروجا كل ًّيا‪،‬‬
‫العب���د كلما نام خرجت منه‪ ،‬ف�إذا ا�س���تيقظ رجعت �إليه‪ ،‬ف�إذا م���ات خرجت ً‬
‫ف�إذا دفن عادت �إليه‪ ،‬ف�إذا �سئل خرجت‪ ،‬و�إذا بعث رجعت �إليه»‪.‬‬
‫ه���ذا‪ ،‬ويرب���ط ابن قيم الجوزي���ة بين الروح وفك���رة الفي�ض‪ ،‬حيث يذك���ر �أن النف�س‬
‫الب�ش���رية �إذا فا�ض���ت �أي خرجت وفارقت الج�سم‪ ،‬ف�إن الج�سم يموت ويفنى‪� ،‬أي �إن خروج‬
‫الروح هو فراق الج�سد‪.‬‬
‫والفي�ض عنده بمعنى االندفاع وهلة واحدة (�أي دفعة واحدة)‪ ،‬ومنه الإفا�ض���ة وهي‬
‫االندفاع بكثرة وب�سرعة‪ .‬ويتقارب تف�سير ابن قيم الجوزية مع تف�سير ابن حزم عن الروح‪.‬‬

‫‪ -3‬مفهوم القلب‪:‬‬
‫م���ا ورد ف���ي الذكر الحكيم ع���ن مفهوم «القلب»‪ ،‬م���ا يدل على �أن القلب له تفا�س���ير‬
‫متعددة في كتاب اهلل العزيز‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫فقد ورد مفهوم القلب بمعنى العن�صر الواعي والعاطفي عند الإن�سان‪ ،‬وهو ما يتمثل‬
‫في ال�ض���مير ‪ Conscious‬الذي يجعل الإن�س���ان هادئ النف�س مطمئ ًنا‪� ،‬أو فظ القلب يق�س���و‬
‫على ذاته والآخرين‪ ،‬حيث يورد الإن�سان موارد الهداية �أو موارد ال�ضالل والغواية‪.‬‬
‫فالقلب هو الذي ُيحدث في �س���لوك الإن�س���ان ال�ض���بط والربط وااللتزام‪ ،‬وهو الذي‬
‫يدفعه �إلى القيام بال�سلوك الم�ضطرب المنحرف‪.‬‬
‫وقد ُيفهم من القلب عند وروده في الذكر الحكيم‪ ،‬ما يدل على معنى النف�س والعقل‪،‬‬
‫خا�ص���ة �أنه وردت �آيات بينات كثيرة ُيفاد من معناها ما�أ�ش���ير �إليه‪ .‬ويدل القلب على تقلب‬
‫النف����س وع���دم اال�س���تقرار ‪( Unstability‬عدم االتزان واال�س���تمرار في ال�س���لوك المعتاد‬
‫للإن�سان)‪ ،‬وفي دعاء الر�سول الكريم ‪« :‬يا مقلب القلوب‪ ،‬ثبت قلبي على دينك»(((‪.‬‬
‫ومفه���وم القلب � ً‬
‫أي�ض���ا في كت���اب اهلل العزيز يتواف���ق مع خ�ص���ائ�ص كل من النف�س‬
‫الأمارة بال�سوء والنف�س المطمئنة‪.‬‬
‫فمفهوم القلب بمعنى النف�س الأمارة بال�سوء‪ ،‬ورد في و�صف قلوب المجرمين الذين‬
‫يت�س���م �سلوكهم بعدم تقبل الن�صح‪ ،‬بل ا�ش���م�أزت قلوبهم عند ذكر اهلل‪� ،‬إذ �إنهم ال ي�ؤمنون‬
‫بالآخرة‪ ،‬حيث يتمادون في البغي وال�ضالل والكبر وال�شر والجحود والعناد‪.‬‬
‫و�إن القلب الذي ي�أمر بالنف�س ال�سوء‪ ،‬من �سماته الطبع والختم والقفل والعمى‪.‬‬
‫وعلى العك�س من ذلك و�صف القلوب في الذكر الحكيم بمفهوم النف�س المطمئنة‪:‬‬
‫ﱹ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﱸ (الرعد‪.)٢٨ :‬‬
‫ومن مفاهيم القلب ما يدل � ً‬
‫أي�ض���ا على �أنه مركز العواطف واالتجاهات والم�ش���اعر‬
‫والأحا�سي�س‪ ،‬فمن �أو�صاف القلب‪:‬‬
‫م���ا ُيلق���ى فيه من رعب ‪ -‬م���ا تبلغه القلوب من الحناجر ‪ -‬ق�س���وة القلوب ‪ -‬ح�س���رة‬
‫القلوب ‪ -‬غيظ القلوب‪.‬‬
‫(((‬ �أخرجه الرتمذي (رقم ‪ )3522‬وح�سنه‪ ،‬بينما �صححه الألباين‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ويفهم من القلب في �آيات اهلل البينات �إلى العقل والتفقه والتعقل‪ ،‬هذا �إ�ض���افة �إلى‬
‫الناحية االنفعالية عند الإن�س���ان‪ ،‬حيث ُيو�ص���ف القلب ب�ش���دة االنفعال‪ ،‬وما ي�صاحبه من‬
‫ا�ض���طرابات ع�ض���وية‪� ،‬أو جمود االنفعال وت�ص���لبه ‪ ،RIGIDNESS‬حيث و�صف القلب من‬
‫�شدة جمود انفعاله بالطبع والقفل والختم ‪.Sealed Or Closed‬‬

‫‪ -4‬مفهوم العقل‪:‬‬
‫المتتب���ع لم���ا ورد في الآي���ات القر�آني���ة الدالة على العق���ل‪ ،‬يجد �أن الق���ر�آن الكريم‬
‫ُي�ص���نف العقل بو�ص���فه قوة ُمدركة في الإن�س���ان‪ ،‬فهو من خلق اهلل �س���بحانه وتعالى‪ ،‬وهو‬
‫منحة للإن�سان دون �سائر المخلوقات؛ ليمكنه من تحمل التبعات والم�س�ؤوليات والت�صرف‬
‫في الأعمال‪.‬‬
‫والعق���ل هو الذي يوجه ال�ض���مير‪ ،‬وال�ض���مير هو الذي يحدث االلتزام عند الإن�س���ان‬
‫الفرد ليتبع ال�صراط الم�ستقيم‪ ،‬والطريق ال�سوي الذي ال اعوجاج فيه‪.‬‬
‫وعلى طرف �آخر ُي�صبح موج ًها لالنحراف والجنوح الذي يباعد بين الإن�سان الفرد‬
‫واتباع ال�ص���راط الم�ستقيم‪ ،‬ويجعله من خالل �س���لوكه غير ال�سوي (غير العاقل) ُي�صنف‬
‫في م�صاف المذنبين الخاطئين‪.‬‬

‫مفاهيم‪ ( :‬النف�س ‪ -‬القلب ‪ -‬الروح ‪ -‬العقل )‬


‫يف القر�آن الكرمي‬

‫تعقيب‪:‬‬
‫الق���ر�آن الكري���م ال���ذي ال ي�أتيه الباطل من بي���ن يديه وال من خلفه‪ ،‬وه���و قول الحق‬
‫تبارك وتعالى الهادي �إلى �سواء ال�سبيل‪ ،‬يحوي تفا�صيل دقيقة وع ّدة للأ�صول النف�سية التي‬
‫‪101‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫ي�ص���در عنها �سلوك الإن�سان‪ ،‬حيث يجد القارئ البحث عن النف�س‪� ..‬أ�صلها‪ ..‬م�صيرها‪..‬‬
‫و�أحواله���ا الت���ي تدف���ع المرء �إلى المعي�ش���ة في هذه الحي���اة الدنيا‪ ،‬مثل الداف���ع �إلى طلب‬
‫الطعام‪ ،‬والولد والمال والزينة‪ ،‬و�إنه يحوي �ص���و ًرا �ش���تى من خلج���ات النف�س واالنفعاالت‬
‫والعواطف‪ ،‬كالغ�ض���ب والغيرة والح�سد والو�ساو�س‪ ،‬هذا �إ�ض���افة �إلى �أنه د�ستور للأخالق‬
‫وتنظيم الحياة االجتماعية‪ ،‬و�ض���بط العالقات وال�سمو بال�سلوك الإن�ساني‪ ،‬فهو كتاب اهلل‬
‫الذي يهدي النا�س �إلى �سواء ال�سبيل‪.‬‬
‫وكتاب اهلل الذي نزل بالحق �أو�ضح النظرة ال�شاملة المتكاملة للنف�س الإن�سانية التي‬
‫تت�شكل من النف�س‪ ..‬القلب‪ ..‬الروح‪ ..‬العقل‪.‬‬
‫وتف�س���ير علماء الم�سلمين للنف�س الإن�سانية قائم على �أ�س���ا�س بيان �أحوالها ونظمها‬
‫وم�ص���يرها من حيث مكوناتها من الظواهر والحاالت النف�س���ية والخواطر التي في خبرة‬
‫الإن�سان‪� ،‬أي �إنه ينظر �إلى الإن�سان بو�صفه كلاًّ ‪ ،‬فال انف�صال بين الج�سد والروح‪ ،‬وال بين‬
‫القلب والعقل‪ .‬وعلم النف�س في و�ض���عه الحا�ضر‪ ،‬ال يدر�س «النف�س» كما يفهم من منطوق‬
‫«علم النف�س»‪ ،‬و�إنما يهتم بالدرجة الأولى بالكيان الإن�س���اني المتمثل في البناء الإن�س���اني‬
‫ككل‪ ،‬وبنائه ال�شخ�ص���ي المركب‪ ،‬الذي يقوم ب�أداء �أن�ش���طة نف�س���ية معقدة‪ ،‬تتداخل فيها‬
‫عمليات ووظائف وم�ؤثرات متعددة من �ش�أنها تحديد خ�صائ�ص ال�سلوك الإن�ساني‪ ..‬وعلم‬
‫النف�س في و�ض���عه الحا�ض���ر‪ ،‬يهتم بال�س���لوك الظاهر الذي يمكن مالحظته‪ ،‬ويتمثل هذا‬
‫االهتم���ام بالدرجة الأولى في التفا�س���ير المختلفة التي قامت بتنظير ال�س���لوك الإن�س���اني‬
‫تحت ما ُيعرف بمدار�س علم النف�س‪.‬‬
‫والإن�س���ان في المنظور الإ�سالمي كيان متكامل يجب �أال ينظر �إليه من ناحية �سلوكه‬
‫الظاهر‪ ،‬ونلغي ما في باطنه من م�شاعر وخواطر وخلجات‪ ،‬بحيث يمكن �إذا �صور «�شعوره»‬
‫ف�إن���ه يحلل باطنه‪ ،‬ويميز بي���ن دوافعه واتجاهاته وعواطفه‪ .‬و�إن ف���ي هذا ما يدل على �أن‬
‫الإن�سان يح�س بذاته وكيانه وحريته واختيار ما يتوافق معه‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫والمكونات النف�س���ية والإن�سانية في القر�آن الكريم ت�ؤكد الترابط الكلي المركب بين‬
‫الج�س���د والروح من جانب‪ ،‬والعقل والقلب من جانب �آخر‪ ،‬وما يميز الإن�س���ان عن �س���ائر‬
‫المخلوق���ات‪ ،‬ه���و �أن الإن�س���ان في الق���ر�آن الكريم يتمي���ز بالروح دون �س���ائر المخلوقات‪،‬‬
‫ومن �ش����أن هذه الروح التي هي من وحي اهلل تعالى وقدراته‪� ،‬أن ت�ض���بط �س���لوك الإن�س���ان‬
‫وترتفع بقدر نف�س���ه‪ ،‬وتجعله يعلو على الماديات الح�س���ية المتمثلة في م�س���اوئ ال�شهوات‪،‬‬
‫أي�ضا تقلل من الم�سافات االجتماعية بين الأفراد في‬ ‫وما ي�ص���احبها من ماديات‪ ،‬بل �إنها � ً‬
‫المجتمع الواحد‪ ،‬حيث ت�ش���عر الإن�سان الفرد بقيمته الفردية والجماعية الإن�سانية بكيانها‬
‫ووجودها‪.‬‬
‫والغري���ب �أن بع����ض علماء الغ���رب‪ ،‬نادوا بوجود ال���روح و�أبديتها‪ ،‬حيث �أ�ش���اروا �إلى‬
‫وجودها في �صورة حقيقية منف�صلة عن الج�سد‪ ،‬و�أن لها خ�صائ�ص لم تكت�شف بعد‪ ،‬و�أنها‬
‫ت�س���تمر في الحياة بعد فناء الج�س���م المادي‪ ،‬وبذلك �أنطقهم اهلل تعالى بكلمة الحق‪ ،‬و�إن‬
‫كانوا ال يدينون بدين الحق‪.‬‬
‫جانب �آخر يهتم به الإ�س�ل�ام في تو�ص���يف المكونات النف�س���ية الإن�سانية‪ ،‬وهو جانب‬
‫القلب الذي ُيمثل �ص���مام الأمان ومفتاح رقابة ال�سلوك الإن�ساني في حال ال�ضبط والربط‬
‫وااللتزام‪ ،‬و�إنه مركز العواطف واالتجاهات والم�شاعر والأحا�سي�س‪� ،‬إ�ضافة �إلى ما يو�صف‬
‫به من �سمات العقل والتفقه‪.‬‬
‫والعقل بو�صفه قوة مدركة في الإن�سان‪ُ ،‬يع ّد � ً‬
‫أي�ضا من المكونات النف�سية والإن�سانية‪،‬‬
‫وهو منحة اهلل لبني الإن�س���ان الم�صطفين على �س���ائر المخلوقات‪ ،‬الجديرين بالم�س�ؤولية‬
‫والخالفة‪ ،‬وتحمل التبعات والم�س�ؤوليات والت�صرف في الأعمال‪.‬‬
‫بل �إن العقل ُيمثل الرقيب الذي ُيوجه ال�ض���مير‪ ،‬الذي ُيحدث االلتزام في ال�س���لوك‪،‬‬
‫و�إن���ه عن���د عدم تفق���ه العقل ‪ -‬كما �أ�ش���ار الق���ر�آن ‪ -‬تح���دث اال�ض���طرابات واالختالالت‬
‫الخلقية‪ ،‬التي من �ش����أنها تباعد بين الإن�سان الفرد واتباع ال�صراط الم�ستقيم‪ ،‬حيث تج ّر‬ ‫ُ‬
‫‪103‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫عليه ال�ص���راعات والويالت التي ت�ضره وغيره من �أفراد المجتمع‪ ،‬عندئذ ي�صبح الإن�سان‬
‫كالأنعام التي ال تفقه‪ ،‬وال تعي‪.‬‬
‫ﱹ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﱸ (الفرقان‪.)٤٤ :‬‬
‫ﱹ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱﱸ (الأعراف‪.)١٧٩ :‬‬
‫ﱹ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﱸ (الحج‪.)٤٦ :‬‬
‫هذا‪� ،‬إ�ض���افة �إلى �أن النف�س الإن�سانية ُفطرت من �ض���عف‪ ،‬لكن اهلل �سبحانه وتعالى‬
‫ز ّودها بمقومات التقوى التي ت�سمو بال�سلوك الإن�ساني‪ ،‬وترتفع به �إلى درجات �أعلى‪.‬‬
‫ويتعار����ض هذا مع نظرية التحليل النف�س���ي لمبتدعها «فرويد» الذي ي�ؤكد �أن النف�س‬
‫فطرت على ال�ش���هوات‪ ،‬المتمثلة في الجن�س والعدوان‪ ،‬و�أن االرتفاع فوق الغرائز و�ض���بط‬
‫ال�شهوات والتدين والتم�سك بالقيم‪� ،‬أمور مكت�سبة �ضد الفطرة‪.‬‬
‫وف���ي مقابلة النف����س الواردة في الذك���ر الحكيم بالواق���ع الذي ُيف�س���ره علم النف�س‬
‫المعا�صر نجد �أن النف�س الأ َّمارة بال�سوء تمثل النف�س ال�شهوانية الأنانية العدوانية‪.‬‬
‫و�إن النف�س اللوامة هي التي تحا�سب �صاحبها‪ ،‬وتراجعه‪ ،‬وتحاول العودة به �إلى الحق‬
‫واال�س���تغفار و�إلى الطريق الم�س���تقيم‪ .‬و�إن النف����س المطمئنة هي �أعل���ى مراتب النف�س �أو‬
‫ح�سبما �أ�شار الإمام الغزالي �إلى �أن �سلوكها يطلق عليه ال�سلوك المالئكي‪.‬‬
‫وه���ذا التنظيم في النف�س الإن�س���انية ف���ي الذكر الحكيم ُيخال���ف كلية نظرية فرويد‬
‫خا�ص���ة في «الأنا العليا» في جوانب ال�شخ�ص���ية‪ ،‬التي ُتمثل �أ�س���مى جانب في ال�شخ�صية‪،‬‬
‫والتي ت�ش���مل القيم والمعتقدات الدينية وال ُمثل العليا‪ ،‬حيث �أ�شار �إلى �أن هذه الم�شتمالت‬
‫ت�س ِّبب كثي ًرا من العقد النف�سية نتيجة �إعاقة الدوافع الفطرية و�إ�صابة الإن�سان بالإحباط‪،‬‬
‫‪104‬‬
‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وف���ي هذا ما ُيخالف النزعة الدينية الفطرية عند الإن�س���ان وعالقته بخالقه‪ ،‬فاالنحراف‬
‫عن الدين والمثل والقيم هو انحراف ‪ -‬في الواقع ‪ -‬عن الفطرة ال�سليمة متمثلاً في الدين‬
‫الإ�سالمي الحنيف‪ ،‬التي فطر اهلل �سبحانه وتعالى النا�س عليها‪.‬‬

‫يت�ضمن الهدي الإ�سالمي وال�سلوك الإن�ساين الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬الرتاث الإ�سالمي وال�سلوك الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪ )2‬التـ�أ�صيل الإ�سالمي ملباحث علم النف�س‪.‬‬
‫(‪ )3‬مكونات النف�س الب�شرية يف الذكر احلكيم‪.‬‬
‫(‪ )4‬دالالت الألفاط اخلا�صة بالنف�س الإن�سانية يف القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫(‪ )5‬مفاهيم املكونات النف�سية الإن�سانية يف القر�آن الكرمي‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬منذ �أمد بعيد اهتم الدار�سون واملهتمون بالدرا�سات الإ�سالمية والرتبوية‪ ،‬ببناء‬
‫النف�س الب�شرية وتقوميها و�أ�صولها‪ ،‬و�سوية وا�ضطراب �سلوكها‪.‬‬
‫‪� -2‬أ�سمى غايات علم النف�س الو�صول �إىل القواعد ال�سلوكية للحياة املثلى للإن�سان‪.‬‬
‫‪ -3‬مكونات النف�س الب�شرية يف الذكر احلكيم‪ :‬النف�س ‪ -‬القلب ‪ -‬الروح ‪ -‬العقل‪.‬‬
‫‪ -4‬تتعدد الدالالت اللفظية ملعنى النف�س والقلب والروح والعقل يف الذكر احلكيم‪.‬‬
‫‪ -5‬يف مفهوم كل من النف�س والقلب والروح والعقل‪ ،‬تفا�سري وت�أويل تتقابل مع ما يف علم‬
‫النف�س املعا�صر من مفاهيم نف�سية‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الأول‪ :‬التعريف بعلم النف�س‬

‫‪ -6‬بيئة ال�شخ�صية يف الإ�سالم‪ ،‬ت�ؤكد الرتابط الكلي من اجل�سد والروح والعقل والقلب‪.‬‬
‫‪ -7‬الروح التي هي من عند اهلل تعاىل ومن وحيه‪ ،‬متيز الإن�سان على �سائر املخلوقات‪،‬‬
‫وهي ت�ضبط �سلوك الإن�سان ال�سوي‪ ،‬وتبعد عنه ال�شهوات‪ ،‬و ُت�شعر الفرد بقيمته الفردية‬
‫واجلماعية‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬حدِّ د مع اال�ست�شهاد ب�آيات من الذكر احلكيم الدالالت النف�سية ملعنى النف�س‪.‬‬
‫‪ -2‬حدِّ د مع اال�ست�شهاد ب�آيات من الذكر احلكيم الدالالت النف�سية ملعنى القلب‪.‬‬
‫‪ -3‬مفهوم النف�س ُيقابله تفا�سري وت�أويل يف علم النف�س املعا�صر‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -4‬مفهوم الروح ُيقابله تفا�سري وت�أويل يف علم النف�س املعا�صر‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫الأهـــــــداف التـربــويــة‬

‫الف�صل اخلام�س‪ :‬الأهداف الرتبوية ‪ -‬وفاعلية التعليم والتعلم‪.‬‬


‫الف�صل ال�ساد�س‪ :‬التفاعل بني املعلم واملتعلم داخل الف�صل الدرا�سي‪.‬‬
‫الأهداف الرتبوية‬
‫وفاعليــة التعليـــم والتعلــم‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل الأهداف الأ�سا�سية الرتبوية‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يعدِّ د وظائف امل�ؤ�س�سات التعليمية‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن مي ِّيز بني الأهداف الرتبوية والتعليمية‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يحدِّ د مكونات الأهداف التعليمية ال�سلوكية‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن ي�ص ِّنف الأهداف التعليمية يف املجال العقلي ‪ -‬املعريف‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن ي�ص ِّنف الأهداف التعليمية يف املجال الوجداين‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن ي�ص ِّنف الأهداف التعليمية يف املجال النف�سي ‪ -‬احلركي‪.‬‬
‫(‪� )8‬أن يقدِّ ر جهود العلماء يف ت�صنيف الأهداف‪.‬‬
‫الأهداف الرتبوية‬
‫وفاعليــة التعليـــم والتعلــم‬

‫‪:‬‬
‫ال تب���د�أ العملية التعليمية في الم�ؤ�س�س���ات التعليمية في مختل���ف مراحلها من فراغ‪،‬‬
‫بل هناك ال�سيا�س���ات التعليمية التي ت�ضعها الدول‪ ،‬لت�سير وفق نهجها مختلف الم�ؤ�س�سات‬
‫التعليمي���ة‪ .‬وله���ذه ال�سيا�س���ات التعليمي���ة �أهداف تربوية قائم���ة على �أ�س����س تعليمية‪ ،‬لكل‬
‫مرحلة من مراحل التعليم‪ ،‬حيث تعمل هذه الأهداف لتحقيق غايات ومقا�صد في العملية‬
‫التربوية ب�صفة عامة‪ ،‬وفي العملية التعليمية التعلمية ب�صفة خا�صة‪.‬‬
‫وه���ذه الأه���داف التعليمية التعلمية‪ُ ،‬تحددها ُخطط درا�س���ية‪ ،‬ت�ش���تمل على �أهداف‬
‫تربوي���ة وتعليمية وتعلمي���ة وثقافية واجتماعية و�أن�ش���طة فردية وجماعي���ة‪ ،‬حيث يكون من‬
‫مجمل ما تحققه هذه الأهداف‪ ،‬ما يم ّكن القائمين من الم�س����ؤولين في العملية التعليمية‪،‬‬
‫من الوقوف على مدى ما �أ�س���همت به هذه الأهداف‪ ،‬من نجاح وتقدم في تحقيق الغايات‬
‫التي ا�شتملت عليها الخطط التعليمية‪.‬‬

‫الأهداف الأ�سا�سية الرتبوية‪:‬‬


‫�إن الأه���داف الأ�سا�س���ية التربوية تتمث���ل في الغاي���ات التعليمية التعلمي���ة‪ ،‬التي من‬
‫خاللها يكت�سب المتعلم المعارف والمهارات‪ ،‬والتعلم الهادف الذي يعمل على تغيير �سلوك‬
‫المتعلم‪� ،‬أي تعديل �أنماط �س���لوكية معينة‪� ،‬س���بق للمتعلم اكت�سابها قبل التحاقه بالمرحلة‬
‫التعليمية التي يتعلم فيها‪ ،‬خا�ص���ة �إذا كانت � ً‬
‫أنماطا �س���لوكية ال تتوافق والأهداف التربوية‬
‫‪112‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ف���ي العملي���ة التعليمية التعلمي���ة‪� ،‬أو العمل على �إح���داث �أنماط �س���لوكية يتعلمها المتعلم‪،‬‬
‫ويمكن �أدا�ؤها ب�صورة مقبولة من الناحية التربوية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬ف�إن الأهداف الأ�سا�سية التربوية ‪ -‬عندما يتم تحقيقها ‪ -‬ف�إن نتاجها يتمثل‬
‫في الفاعلية والنجاح التعليمي والتعلمي في �إحداث التغير التربوي المطلوب عند المتعلم‪.‬‬
‫له���ذا م���ن واجب المعلم والمتعلم الوق���وف على نوعية التغير في ال�س���لوك وماهيته‪.‬‬
‫وحتى يتم ذلك يحتاج المعلم �إلى و�ض���ع �أهداف بطريقة وا�ض���حة يتم من خاللها �إعالم‬
‫المتعلمي���ن‪ ،‬حتى ي�ض���من توجيه المتعلمين وجهوده���م �إلى الغايات والأه���داف التعليمية‬
‫والمعرفية المطلوبة‪.‬‬

‫وظائف امل�ؤ�س�سات التعليمية‪:‬‬


‫من �أهم ما يتميز به الع�ص���ر الحا�ضر‪ ،‬االهتمام المبا�شر بم�شكالت تن�شئة الأجيال‬
‫المعا�ص���رة‪ .‬والقرن الحا�ض���ر يتميز بكم وكيف ال حدود لهما من حيث االهتمام بالتعليم‪،‬‬
‫وجعل���ه �إلزام ًّيا لكل فرد ف���ي مختلف الأوطان‪ .‬وقد يكون الإلزام ف���ي المراحل الأولى من‬
‫التعليم‪ ،‬وقد ي�ستمر حتي نهاية التعليم الجامعي‪ .‬ومرجع ذلك ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪� -1‬إدراك خمتلف املجتمعات قيمة الرثوة الب�شرية والكفاءات الوطنية واحلفاظ عليها‬
‫ومنحها فر�ص التعليم والرتبية؛ بغية اال�ستفادة منها يف الإنتاج احل�ضاري والتقدم‬
‫املرموق للمجتمع‪ ،‬عندما يتم تعليم �أبناء الوطن وتخرجهم للحياة العملية‪.‬‬
‫‪� -2‬إن تربية الأجيال املعا�صرة‪ ،‬تت�سم ب�إتاحة فر�ص متا�سك �أبناء املجتمع‪ ،‬من خالل‬
‫العملية التعليمية وعمليات الرتبية التي متار�سها امل�ؤ�س�سات التعليمية‪.‬‬
‫والواق���ع �أن المدر�س���ة تهتم بالدرج���ة الأولى في الوقت الحا�ض���ر‪ ،‬ب�إتاحة الق�س���ط‬
‫الوافر من التربية والتعليم لأبنائها المتعلمين‪ ،‬حتى يتي�سر لهم عند التخرج �إلى المجتمع‬
‫الكبي���ر القدر الكافي من الكفاءة والمهارات الالزمة للنجاح في الحياة العملية‪ ،‬والتعاون‬
‫ال�صادق مع �أبناء المجتمع‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫والمدر�سة هي النظام التعليمي‪ ،‬الم�س�ؤول عن توجيه �أبناء المجتمع لتعليم واكت�ساب‬


‫المع���ارف والمعلومات والعادات الفكرية والعاطفية واالجتماعية‪ ،‬التي ت�س���اعد المتعلمين‬
‫على التوافق في الحياة االجتماعية‪� .‬أو بمعني �آخر هي الم�ؤ�س�س���ة التعليمية والتربوية التي‬
‫تقوم بالتن�ش���ئة االجتماعية لأبنائها المتعلمين‪ .‬لذلك نجد �أن المدر�س���ة بو�صفها م�ؤ�س�سة‬
‫تعليمية ت�ؤثر في �سلوك المتعلمين ت�أثي ًرا منظ ًما‪ ،‬حيث ُيحدد ذلك ال�سيا�سة التعليمية‪ ،‬في‬
‫المجتمع والأهداف التربوية والتعليمية للمراحل التعليمية والمناهج الدرا�سية‪.‬‬
‫وحت���ى يتحقق للمدر�س���ة �أداء وظائفها التعليمي���ة والتربوية‪ ،‬ف�إنها ت�س���تعين بالعلوم‬
‫الإن�سانية عامة والعلوم ال�سلوكية خا�صة لتحقيق غاياتها‪.‬‬
‫ولذلك نجد �أن �ضمن العلوم ال�سلوكية التي تهتم بها المدار�س من فروع علم التف�س‪،‬‬
‫ما يت�ص���ل بعملية البناء التربوي للمتعلمين‪ ،‬من خالل ما يكت�سبه المعلم في �أثناء العملية‬
‫التعليمية‪ ،‬التي يمار�سها المعلم‪ ،‬عندما يدر�س �أ�صول وقواعد علم النف�س التربوي‪.‬‬

‫التمييز بين الأهداف التربوية والأهداف التعليمية‪:‬‬


‫في مختلف الم�ؤ�س�س���ات التعليمية‪ ،‬وفي المراح���ل التعليمية المختلفة‪ ،‬هناك نوعان‬
‫من الأهداف‪:‬‬
‫‪ -‬الأهداف التربوية‪.‬‬
‫‪ -‬والأهداف التعليمية‪.‬‬
‫وللتمييز بينهما‪ ،‬نجد �أن هناك الفروق الخا�صة بكل منها‪ ،‬التي ُنرجعها �إلى‪:‬‬
‫‪ - 1‬العمومية �أو اخل�صو�صية التي تت�صف بها كل من هذه الأهداف‪.‬‬
‫‪ - 2‬الأدوار التي ت�ؤديها كل من هذه الأهداف‪.‬‬
‫‪ -3‬خ�صائ�ص امل�س�ؤولني ممن يقومون ب�صياغة وو�ضع هذه الأهداف‪.‬‬
‫�أما الأهداف التربوية فتت�ضمن الغايات والمقا�صد الخا�صة‪ ،‬التي ت�سعى �إلى الت�أثير‬
‫في �شخ�صية المتعلم‪ ،‬لبناء وتنمية مواطن يت�سم باتجاهات وقيم معينة‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫بينم���ا الأه���داف التعليمية تت�ض���من الغايات والأغرا�ض التي تتم م���ن خالل العملية‬
‫التعليمية ‪ -‬التعلمية‪ ،‬التي تخت�ص وتقوم على اكت�س���اب المتعلم � ً‬
‫أنماطا �س���لوكية �أو �أداءات‬
‫معينة‪ ،‬من خالل ما يتعلمه من المواد الدرا�سية وطرق التدري�س المتنوعة التي تتوافر في‬
‫الم�ؤ�س�سات التعليمية‪.‬‬
‫وعل���م النف�س التربوي من مهامه الرئي�س���ة‪ ،‬تحويل الأه���داف التربوية �إلى �أهداف‬
‫تعليمي���ة‪ ،‬حي���ث �إن الأه���داف التعليمية تمثل الح���دود ال�س���لوكية �أو الأداءات التي تخت�ص‬
‫بالأهداف التربوية‪.‬‬
‫ونعر�ض فيما ي�أتي الأهداف في العملية‪ ...‬التعليمية ‪ -‬التعلمية من الجوانب الآتية‪:‬‬
‫‪ -1‬جماالت الأهداف‪.‬‬
‫‪ -2‬م�ستويات الأهداف‪.‬‬
‫‪ - 3‬الأهداف ال�سلوكية‪.‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬جماالت الأهداف التعليمية‪:‬‬
‫ُتع��� ّد الأه���داف التعليمية الخطوة الأ�سا�س���ية في �أي عملية تعليمية‪ ،‬ب���ل ُتع ّد الموجه‬
‫الأ�سا�سي للمعلم والمتعلم على حد �سواء‪ ،‬حيث يجب على كل منهما �أن يكون على بينة من‬
‫�أهداف التعليم‪ ،‬بل �إن المعلم يجب �أن يعرف ماذا يريد تعليمه للمتعلمين؟ وكيف ي�س���لك‬
‫المتعلمون بعد التعليم؟ و�إن المتعلم يجب �أن يعرف الأداء ‪ performance‬الذي يتحتم عليه‬
‫القيام به بعد التعلم‪.‬‬
‫وتظهر �أهمية الأهداف في العملية التعليمية في ثالثة مجاالت مهمة هي‪:‬‬
‫‪� -3‬إجراء التقويم‪.‬‬ ‫‪� -1‬إعداد المناهج‪ -2 .‬تخطيط التعليم‪.‬‬
‫‪ -1‬من حيث املناهج ‪ Curriculum‬توفر الأهداف قد ًرا من الفهم‪ ،‬ي�سمح للقائمني على‬
‫الأمور الرتبوية بو�ضع املناهج التي حتقق الغايات الرتبوية‪ ،‬على النحو الأف�ضل‪ ،‬بل‬
‫‪115‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫� ً‬
‫أي�ضا متكنهم من مراجعة املناهج القائمة‪ ،‬عن طريق التعديل �أو تغيري �أو ا�ستحداث‬
‫ما يتوافق والتطورات التقنية املعا�صرة‪.‬‬
‫‪ -2‬فيما يتعلق بالأهداف يف جمال التعليم ‪ Education‬ف�إنها ت�ساعد املعلم‪ ،‬على اختيار‬
‫الوحدة �أو املادة الدرا�سية املنا�سبة وتخطيطها‪ ،‬واختيار الو�سائل وطرق التدري�س‬
‫املنا�سبة والإجراءات املتعلقة بها‪ ،‬ومتكنه من تنظيم جهوده ون�شاطه نحو �إجناز‬
‫املهام التعليمية على النحو الأف�ضل‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن حيث دور الأهداف يف جمال التقومي ‪ ،Evaluation‬ف�إن الأهداف ت�ساعد على‬
‫حتديد القاعدة التي تنطلق منها العملية التقوميية‪ ،‬فالأهداف التقوميية تو�ضح‬
‫للمعلمني ورجال الرتبية‪ ،‬مدى فعالية التعليم وجناحه يف حتقيق التغيري املطلوب يف‬
‫�سلوك املتعلم‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬م�ستويات الأهداف التعليمية‪Levels Of Educational Objectives :‬‬

‫تتحدد م�س���تويات الأهداف التعليمية‪ ،‬على �أ�سا�س الأهداف التربوية التي ترمي �إلى‬
‫تحقي���ق الغاي���ات في العملي���ة التربوية‪ ،‬بهدف الت�أثير في �شخ�ص���ية المتعلم؛ كي ي�ص���بح‬
‫مواط ًنا يت�س���م �س���لوكه باتجاهات وقيم معينة‪ ،‬وذلك من خالل اكت�س���ابه � ً‬
‫أنماطا �س���لوكية‬
‫�أو �أدائي���ة معين���ة من خالل المواد الدرا�س���ية والطرق التعليمية المتنوع���ة والمتوافرة في‬
‫الأو�ضاع المدر�سية‪.‬‬
‫وهذه الأهداف التربوية‪ ،‬تندرج تحت �أهداف تعليمية‪ ،‬تتم من خالل المهام الرئي�سة‬
‫لعلم النف�س التربوي‪ .‬فالأهداف التعليمية لي�ست �إال محددات �سلوكية‪� ،‬أو �أدائية للأهداف‬
‫التربوية‪ ،‬و ُت�صنف هذه الأهداف �إلى ثالثة م�ستويات‪.‬‬

‫‪ -1‬الم�ستوى العام للأهداف‪:‬‬


‫وه���و الم�س���توى الذي يهتم بتنمية القي���م الدينية �أو الأخالقي���ة �أو الوطنية‪� ،‬أو تنمية‬
‫الق���درات العقلي���ة �أو تنمية المتعلم لي�ص���بح مواط ًنا اً‬
‫فعال‪ .‬و ُيو�ص���ف هذا الم�س���توى ب�أنه‬
‫‪116‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ح�صيلة النتائج في العملية التربوية‪ ،‬حيث ترمي العملية التربوية �إلى الت�أثير في جماعات‬
‫عموما‪ ،‬وتزويد الهيئات‪� ،‬أو ال�سلطات التربوية بموجهات عامة ُي�ستدل بها عند‬‫المواطنين ً‬
‫تخطي���ط العمل التربوي‪ .‬و ُيحدد هذه الأهداف الخا�ص���ة بالم�س���توى الع���ام هيئات وطنية‬
‫ت�ضم بع�ض علماء الدين ورجاالت العلم والفكر وال�سيا�سة وال�سلطة‪.‬‬

‫‪ -2‬الم�ستوى المتو�سط للأهداف‪:‬‬


‫هو الم�س���توى الذي ُيطل���ق عليه الأهداف التعليمية ال�ض���منية‪ ،‬والذي يهتم بو�ص���ف‬
‫�أنماط ال�س���لوك �أو الأداء النهائي المتوقع �صدوره عن المتعلم‪ ،‬بعد تح�صيله مادة درا�سية‬
‫معينة �أو منهاج درا�س ًّيا معي ًنا‪ ،‬كتنمية المهارات القرائية والكتابية والح�سابية لدىالمتعلم‪.‬‬
‫و ُتح���دد هذه الأه���داف بع�ض الهيئ���ات �أو ال�س���لطات التربوية المعينة‪ ،‬كال�س���لطات‬
‫الم�س�ؤولة عن و�ضع المناهج وتطويرها‪� ،‬أو الم�س�ؤولة عن ت�أليف الكتب المدر�سية‪ ،‬وتهدف‬
‫�إلى تزويد المعلمين بموجهات ت�ساعدهم على �أداء عملهم التعليمي‪.‬‬

‫‪ -3‬الم�ستوى المحدد للأهداف‪:‬‬


‫ُيطل���ق علي���ه عب���ارة «الأه���داف التعليمي���ة الظاهري���ة»‪� ،‬أو «الأه���داف ال�س���لوكية»‬
‫‪ Behavioural Objectives‬وتهتم هذه الأهداف بو�صف ال�سلوك �أو الأداء الذي يترتب على‬
‫المتعلم القيام به بعد االنتهاء من تدري�س وحدة درا�سية معينة‪ ،‬وذلك من خالل التحديد‬
‫الدقيق لهذا ال�س���لوك‪ ،‬بحيث ي�س���تطيع كل م���ن المعلم �أو المتعل���م‪ ،‬والمالحظ الخارجي‬
‫تمييزه والوقوف على مدى تحقيقه‪.‬‬
‫و ُيحدد المعلم عادة هذا النوع من الأهداف‪ ،‬وقد ُي�س���هم المدير �أو الموجه التربوي‬
‫في �ص���ياغتها‪ ،‬حيث الهدف المطلوب تزويد المتعلم بتف�ص���يالت ال�سلوك النهائي‪ ،‬الذي‬
‫يجب �أدا�ؤه بعد التعلم‪ ،‬وتزويد المعلم بالو�سائل التي تمكنه من القيام بعملية التقويم‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫وقد نت�ساءل‪ :‬ما مكانة علم النف�س التربوي بين هذه الم�ستويات؟‬
‫الواقع‪� ،‬إن علم النف�س التربوي يهتم على نحو خا�ص بالأهداف ال�سلوكية‪ ،‬وذلك لأن‬
‫م�س�ؤولية و�ضعها �أو �صياغتها تقع بالدرجة الأولى على عاتق المعلم‪ ،‬حيث يقوم علم النف�س‬
‫التربوي‪ ،‬بتزوي���د المعلم بالمعلومات المفيدة التي تتعلق بخ�ص���ائ�ص ومكونات الأهداف‬
‫ال�س���لوكية‪ ،‬وطرق �صياغتها ومبرراتها‪ ،‬بحيث ي�سهل على المعلم القيام بمهامه التعليمية‪،‬‬
‫�إ�ضافة �إلى تمكينه من التغلب على بع�ض الم�شكالت التي تواجهه في هذا ال�صدد‪.‬‬
‫ومن الأهمية بمكان‪� ،‬صياغة الأهداف التربوية والتعليمية في عبارات �أو في �أهداف‬
‫�س���لوكية‪ ،‬لو�ص���ف التغيير المطلوب �إحداثه في �س���لوك المتعلم‪ ،‬تجن ًبا لما تت�صف به تلك‬
‫الأهداف من عمومية وغمو�ض‪ ،‬وتفاد ًيا لما قد تثيره من تف�سيرات �أو ت�أويالت متباينة‪.‬‬
‫و ُيعرف «الهدف ال�سلوكي» ب�أنه ما ي�صف الأداء المتوقع قيام المتعلم به بعد االنتهاء‬
‫من تدري�س وحدة تعليمية معينة‪ ،‬بمعنى �آخر �أنه ي�صف النتاج التعليمي �أو ال�سلوك النهائي‬
‫للمتعلم‪� ،‬أكثر مما ي�صف الو�سائل الم�ستخدمة في الو�صول �إلى هذا ال�سلوك‪.‬‬
‫والهدف ال�س���لوكي الجيد والفعال ‪ُ Effective‬يعرف ب أ�ن���ه الهدف الذي ُيحقق الغاية‬
‫الت���ي و�ض���ع من �أجله���ا‪ ،‬والذي ينجح في تو�ص���يل المق�ص���د التعليمي �إلى المتعلم‪� ،‬س���واء‬
‫كان ه���ذا‪ ،‬ممن و�ض���ع الهدف ذاته‪� ،‬أم المتعلم‪� ،‬أم ف���رد خارجي �آخر‪ .‬وكلما نجح الهدف‬
‫�أو العب���ارة ال�س���لوكية‪ ،‬في تبيان �ص���ورة المتعلم الناجح و�إي�ص���الها �إل���ى الآخرين‪ ،‬بحيث‬
‫ناجح���ا ومفيدً ا وقاد ًرا‬
‫تتماث���ل مع ال�ص���ورة التي ك َّونها وا�ض���ع الهدف ذات���ه‪ ،‬كان الهدف ً‬
‫على توجيه العملية التعليمية �إلى التعلم المن�ش���ود‪ .‬و�أف�ضل الأهداف‪ ،‬و�أكثرها فعالية‪ ،‬هي‬
‫الأه���داف التي تمكن المعلم �أو القائمين على الأمور التربوية‪ ،‬من اتخاذ �أكبر عدد ممكن‬
‫من القرارات المتعلقة بقيا�س���ها وتح�ص���يلها وتقويمها‪ ،‬التي تت�س���م ب�أكبر قدر ممكن من‬
‫التحديد والو�ضوح‪ ،‬وت�ستعيد �أي �شكل من �أ�شكال �سوء الفهم �أو التف�سير‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫مكونات الأهداف التعليمية ال�سلوكية‪:‬‬


‫يتك���ون اله���دف ال�س���لوكي من بني���ة معينة‪ ،‬تت�ض���من الخ�ص���ائ�ص ال�س���ابقة‪ ،‬تمكن‬
‫المعلم من �ص���ياغة �أهدافه على نحو مالئم‪ ،‬وت�س���اعده على تو�صيل مق�صده التعليمي �إلى‬
‫المتعلمين‪.‬‬
‫والهدف ال�سلوكي الناجح ُيحدد ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬ما ال�سلوك �أو الأداء املتوقع قيام املتعلم به بعد عملية التعليم؟‬
‫‪ -2‬ما ال�شروط �أو الظروف التي يظهر هذا ال�سلوك من خاللها؟‬
‫‪ -3‬ما م�ستوى الأداء املقبول الذي ُيحدد مدى حتقق الهدف املرغوب فيه؟‬
‫و ُتعد هذه المكونات الأ�سا�سية للهدف ال�سلوكي‪ ،‬حيث تتمثل فيما ي�أتي‪:‬‬

‫‪ -1‬ال�سلوك والأداء الظاهري للمتعلم (ال�سلوك ال ُمتوقع)‪.‬‬


‫ي���دل هذا المك���ون على ال�س���لوك الدقيق المرغوب في���ه‪ ،‬الذي ُيح���دد التغيير الذي‬
‫�سيطر�أ على �سلوك المتعلم‪ ،‬بعد االنتهاء من تعليم وحدة درا�سية معينة‪ ،‬بحيث يكون هذا‬
‫و�صريحا ودقي ًقا‪ .‬و ُيركز ب�ش���كل رئي�س على ال�سلوك النهائي للمتعلم‪� ،‬أو‬
‫ً‬ ‫وا�ض���حا‬
‫ً‬ ‫التحديد‬
‫ما ي�سمى «المخرجات ال�سلوكية»‪.‬‬
‫وي�ش���ير الأداء ع���ادة �إلى �أي ن�ش���اط يقوم المتعلم ب���ه‪ ،‬وقد يكون ه���ذا الأداء ظاهر ًّيا‬
‫وقابلاً للمالحظة عن طريق الب�ص���ر‪ ،‬كالكتابة‪ ،‬والر�س���م والت�صحيح المكتوب �أو عن طريق‬
‫أي�ضا �ضعي ًفا غير قابل‬‫ال�سمع‪ ،‬كالقراءة ب�صوت مرتفع �أو الت�سميع‪ .‬وقد يكون هذا الن�شاط � ً‬
‫للمالحظة عن طريق ال�س���مع �أو الب�ص���ر‪ ،‬كالعمليات الح�س���ابية الذهنية �أو التذكر‪ .‬بيد �أن‬
‫العبارة ال�سلوكية الناجحة‪ ،‬هي القادرة على تحديد ما يجب على المتعلم �أدا�ؤه‪ ،‬عندما يبين‬
‫�أن���ه ق���د تمكن من الهدف‪ .‬ولما كان المعلم ال ي�س���تطيع معرفة ما يجري في «عقل» المتعلم‬
‫للوقوف على معرفته واتجاهاته‪ ،‬لذا عليه �أن يقوم «با�ستنتاج» هذه العمليات «الداخلية»‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫وه���ذا الن���وع من اال�س���تنتاج ال يتحقق‪� ،‬إال �إذا قام على �أ�س���ا�س ما يقول���ه المتعلم �أو‬
‫يفعل���ه‪ .‬وبتعبير �آخ���ر‪ ،‬يجب �أن تقوم هذه اال�س���تنتاجات على �س���لوك المتعل���م اللفظي �أو‬
‫الحرك���ي‪ .‬وي�س���تطيع المعلم غال ًبا الح�ص���ول عليها بالمالحظة المبا�ش���رة لنتائج التعليم‬
‫المرغوب فيها‪ ،‬كاال�س���تماع �إلى �إجابة المتعلم �أو قراءتها‪� ،‬أو بمالحظته‪ ،‬وهو يقوم ب�أداء‬
‫�سلوك معين كالكتابة �أو �أداء تجربة في المعمل‪.‬‬

‫‪� -2‬شروط الأداء‪�( :‬شروط ال�سلوك عند المتعلم)‪:‬‬


‫ُي�ش���ير هذا المكون �إلى ال�شروط �أو الظروف التي يظهر من خاللها ال�سلوك النهائي‬
‫للمتعل���م‪ ،‬والت���ي يج���ب �أن تتوافر عند قيام���ه بالأداء‪ .‬فق���د تكون عملية تحديد ال�س���لوك‬
‫النهائ���ي غي���ر كافية لمنع �س���وء الفه���م �أو تع���دد التغيي���رات وتنوعها‪ .‬لذا يتخ���ذ الهدف‬
‫ال�سلوكي �شكلاً �أو�ضح‪ ،‬عندما يقوم المعلم بو�ضع بع�ض ال�شروط التي تحدد ظروف الأداء‬
‫و�سياقه‪ ،‬كال�سماح �أو عدم ال�سماح با�ستخدام الخرائط �أو القوامي�س �أو الأطال�س �أو الكتب‬
‫المدر�سية �أو الآالت الحا�سبة �أو الجداول اللوغاريتمية‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -3‬م�ستوى الأداء المقبول‪( :‬م�ستوى ال�سلوك المقبول لدى المتعلم)‪:‬‬


‫ُي�شير هذا المكون �إلى نوعية الأداء المطلوب‪ ،‬الذي ُيبين ما �إذا كان المتعلم قد تمكن‬
‫من الهدف �أم ال‪ ،‬حيث يجب تحديد م�س���توى الأداء على نحو وا�ض���ح‪ ،‬ويمكن المعلم من‬
‫التعرف �إلى اال�ستجابة المقبولة‪ ،‬كتحديد ن�سبة مئوية معينة من العالمات �أو اال�ستجابات‬
‫ال�صحيحة‪.‬‬

‫تذكر �أنك تناولت درا�سة‪:‬‬


‫(‪ )1‬الأهداف الأ�سا�سية الرتبوية‪.‬‬
‫(‪ )2‬وظائف امل�ؤ�س�سات التعليمية‪.‬‬
‫(‪ )3‬التمييز بني الأهداف الرتبوية والتعليمية‪.‬‬
‫(‪ )4‬مكونات الأهداف التعليمية ال�سلوكية‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ت�صنيف الأهداف التعليمية ‪Classifications Of Educational Objectives‬‬

‫�إن ت�ص���نيف ‪ Classification‬الأه���داف التعليمي���ة‪ُ ،‬ي�س���اعد المعل���م عل���ى تحدي���د‬


‫�أف�ض���ل لل�ش���روط التعليمية ذات العالقة الوثيقة بالمهام التي يج���ب على المتعلم تعلمها‪.‬‬
‫فالأهداف التعليمية ترتبط ب�شروط معينة‪ ،‬من �أجل �أن تجعل العملية التعليمية‪ ،‬ثم التعلم‬
‫�أكث���ر فاعلية‪ .‬وقد ُبذلت جهود من علماء النف�س‪ ،‬لت�ص���نيف الأهداف التعليمية �إلى ثالثة‬
‫مجاالت على النحو الآتي‪:‬‬

‫‪ -1‬المج���ال العقل���ي ‪ -Mental‬المعرف���ي ال���ذي يهت���م بالأه���داف المتعلق���ة بالعملي���ات‬


‫المعرفية‪ ،‬كالتفكير والإدراك واال�ستدالل‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -2‬المج���ال الوجدان���ي ‪ -Affective‬االنفعالي الذي يهتم بالأه���داف المتعلقة بالعمليات‬


‫النف�سية‪ ،‬كال�شعور واالنفعاالت والعواطف واالتجاهات والقيم‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -3‬المجال النف�سحركي ‪ -Psychomotor‬الذي يهتم بالأهداف المتعلقة باكت�ساب بع�ض‬


‫المهارات النف�س���ية ‪ -‬الحركية‪ ،‬كالكتابة والر�س���م وال�ضرب على الآلة الكاتبة‪ ،‬والمهارات‬
‫اليدوية الأخرى‪.‬‬
‫وت�ص���نيف الأهداف �إلى ه���ذه الميادين الثالثة‪ ،‬ال يعني انعزال �أحد �أنواع ال�س���لوك‬
‫كل ًّيا عن الأنواع الأخرى‪ ،‬فالتفكير وهو ن�ش���اط عقلي يرافقه في معظم الأحيان انفعاالت‪،‬‬
‫أي�ضا تفكير وو�ضع ج�سمي معين‪.‬‬ ‫واال�ستغراق في ال�شعور يرافقه � ً‬
‫و�إن االنهماك في ن�ش���اط حركي‪ ،‬قد يقترن �أحيا ًنا بنوع من التفكير والعاطفة‪ ،‬وهذا‬
‫ُي�شير �إلى تداخل �أنواع ال�سلوك التي تنطوي تحت ميادين الأهداف الثالثة‪.‬‬
‫بيد �أن التركيز على ال�سلوك المرغوب في �إجراء تغيير فيه‪ ،‬في ميدان واحد من هذه‬
‫الميادين‪� ،‬إن�ش���اء و�ض���ع تعليمي معين‪ُ ،‬يوفر فائدة كبيرة في مجال ت�س���هيل عملية التعلم‪،‬‬
‫بالن�سبة �إلى كل من المعلم والمتع ِّلم على حد �سواء‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬ت�صانيف الأهداف يف املجال العقلي ‪ -‬املعريف‪:‬‬

‫ُت�صنف الأهداف في الميدان العقلي ‪ -‬المعرفي �إلى �ستة م�ستويات‪ ،‬وتتعلق بمختلف‬
‫العمليات المعرفية �أو ال�س���لوك العقلي‪ ،‬كاال�س���تدعاء والتعرف واال�س���تيعاب واال�س���تدالل‬
‫والحكم‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -1‬م�ستوى المعرفة (الذاكرة) ‪)Memory) Cognition‬‬


‫ي���دل هذا الم�س���توى عل���ى القدرة عل���ى تذكر المعلوم���ات والمع���ارف المخزونة في‬
‫الذاكرة نتيجة التعلم ال�س���ابق‪ ،‬ويتم ا�س���تدعاء الذاكرة عند المتعلم ببع�ض القرائن التي‬
‫ت�س���هل عملية التذكر‪ ،‬بحيث يغدو اال�س���تدعاء اً‬
‫فعال‪ .‬وي�ش���تمل هذا الم�ستوى على كل �شكل‬
‫تقري ًبا ابتداء من الحقائق النوعية المحددة وحتى النظريات العلمية الكاملة‪.‬‬

‫‪ -2‬م�ستوى اال�ستيعاب (الفهم) ‪Comprehension‬‬

‫ُيمث���ل هذا الم�س���توى بع�ض �أكثر القدرات والمهارات العقلية ال�ش���ائعة في الأو�ض���اع‬
‫التعليمية ال�صفية‪.‬‬
‫و ُي�ش���ير اال�س���تيعاب �إلى قدرة المتعلم على ا�س���تقبال المعلومات المت�ضمنة في مادة‬
‫معين���ة وفهمها واال�س���تفادة منها‪ ،‬دون �أن يكون قاد ًرا بال�ض���رورة عل���ى ربطها بغيرها من‬
‫المعلومات �أو المواد الأخرى‪.‬‬

‫‪ -3‬م�ستوى التطبيق ‪Application‬‬

‫ُي�ش���ير ه���ذا الم�س���توى �إل���ى القدرة عل���ى ا�س���تخدام الط���رق والمفاهي���م والمبادئ‬
‫والنظريات‪ ،‬في مواقف واقعية �أو جديدة‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ولكي ُيحقق م�ستوى التطبيق الهدف المن�شود‪ ،‬يجب �أن يتوافر في الموقف التعليمي‬
‫المرتبط به خا�صيتان �أ�سا�سيتان‪:‬‬
‫( �أ ) الطبيعة الإ�شكالية للموقف‪� ،‬أي يجب �أن يواجه املتعلم م�شكلة ت�ستلزم احلل‪.‬‬
‫(ب) اجلدة �أو الالم�ألوف‪� ،‬أي �إن ال�سياق الذي يجري فيه التطبيق‪ ،‬يجب �أن يكون‬
‫خمتل ًفا عن ال�سياقات التي مت فيها تعلم املعلومات املرغوب يف ا�ستخدامها‪.‬‬

‫‪ -4‬م�ستوى التحليل ‪Analysis‬‬

‫ه���و عملية تحليل الم���ادة المتعلمة �إلى عنا�ص���رها �أو �أجزائها الأولي���ة المكونة لها‪،‬‬
‫لبيان طبيعة هذه المادة و�أ�س�س تكوينها‪.‬‬

‫‪ -5‬م�ستوى التركيب ‪Synthesis‬‬

‫ُي�ش���ير هذا الم�س���توى �إلى القدرات الالزم توافرها للت�أليف بين الوحدات والعنا�صر‬
‫والأجزاء‪ ،‬بحيث ُت�ش���كل بن�س���بة كلية جديدة‪ ،‬وي�ؤكد م�س���توى التركيب ع���ادة على الإنتاج‬
‫االبتكاري للمتعلم‪.‬‬

‫‪ -6‬م�ستوى التقويم ‪Evaluation‬‬

‫ُيع ّد التقويم �أعلى و�أعقد الأن�ش���طة العقلية المعرفية‪� ،‬إذ �إنه ُيمثل قدرة المتعلم على‬
‫�إ�صدار الأحكام الكمية والنوعية على القيمة الخا�صة بالمواد العلمية وطرق التدري�س من‬
‫حيث تحقيقها �أهدا ًفا معينة‪.‬‬
‫وقد يقوم الحكم الذي يقدمه المتعلم‪ ،‬بناء على �أدلة داخلية تتناول مدى دقة م�ضمون‬
‫المادة وات�ساقها الداخلي‪ ،‬مثال ذلك اكت�شاف الأخطاء المنطقية في البراهين‪� .‬أو‪:‬‬
‫‪ -1‬الو�صول �إىل نتائج ال ت�سوغها مقدمات �صادقة‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫‪ -2‬ا�ستنتاج �أحكام دون مقدمات‪.‬‬


‫‪ -3‬ا�ستخدام �أكرث من معنى ملفهوم واحد يف مو�ضوع واحد‪.‬‬
‫‪ -4‬يكون الذي ي�صدره املتعلم قائ ًما على التحقق من احلكم على غايات املادة‪ ،‬وو�سائلها‬
‫و�إجراءاتها‪ ،‬وذلك با�ستخدام حمكات ومعايري خارجية حمددة ُم�سب ًقا‪ ،‬مثل احلكم‬
‫على �أهمية العقاب يف الرتبية املعا�صرة‪� ،‬أو مناق�شة م�شروع جمتمعي معني يف �ضوء‬
‫املعايري الأخالقية ال�سائدة يف املجتمع‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫ت�صنف الأهداف �إىل ثالثة جماالت‪:‬‬


‫(معرفية ‪ -‬وجدانية ‪ -‬ونف�سحركية)‪.‬‬

‫ت�صنف الأهداف املعرفية �إىل‪:‬‬


‫(معرفة ‪ -‬فهم ‪ -‬تطبيق ‪ -‬حتليل ‪ -‬تركيب ‪ -‬تقومي)‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬ت�صانيف الأهداف يف املجال الوجداين ‪:Affective‬‬


‫يهدف هذا الت�ص���نيف �إلى تحديد الم�س���تويات المتنوعة لعملية اكت�س���اب المهارات‬
‫المعني���ة بالمي���ول واالتجاه���ات والقيم‪ .‬وقد ُو�ض���ع لذلك ت�ص���نيف هرم���ي للأهداف في‬
‫الميدان العاطفي ‪ -‬االنفعالي‪ ،‬انطال ًقا من ُبعد داخلي يتمثل في ا�س���تيعاب �أو ا�س���تدخال‬
‫الف���رد للميول والقي���م واالتجاهات من خالل نوع من النمو الداخلي له‪ ،‬وفي هذا تت�ش���ابه‬
‫التن�ش���ئة االجتماعية التي تدل على الطبيعة التطورية لعملية تعلم الفرد ل�س���لوك و�أعراف‬
‫ومعايير وقيم و�أخالق المجتمع‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫والعملية الخا�ص���ة بالمجال العاطفي واالنفعالي عبر �سل�سلة من الأن�شطة ال�سلوكية‪،‬‬


‫تبي���ن م���دى �إدراك الفرد وا�س���تغراقه والتزامه وتبني���ه لالتجاهات والمب���ادئ والأعراف‬
‫والقيم التي توجه �س���لوكه وتدعم �أحكامه القيمية على نحو ثابت ومت�س���ق‪ ،‬و ُت�ص���نف هذه‬
‫العملية �إلى الم�ستويات الآتية‪:‬‬

‫‪ -1‬م�ستوى اال�ستقبال ‪Reciving‬‬

‫ُي�ش���ير هذاالم�ستوى �إلى الأو�ض���اع التعليمية التي ينتبه فيها المتعلم �إلى المثيرات �أو‬
‫الظواهر المحيطة به التي تنطوي عليها تلك الأو�ضاع‪.‬‬
‫وينق�سم هذا الم�ستوى �إلى ثالث مراحل هي‪:‬‬
‫(�أ) مرحلة الوعي‪ :‬وهي �أدنى م�ستويات الت�صنيف يف امليدان العاطفي‪ ،‬وت�شري �إىل‬
‫�أمناط وعي املتعلم بالظواهر �أو املثريات التي تثري انتباهه‪ ،‬وت�ستثري �سلوكه‬
‫ال�شعوري‪.‬‬
‫(ب) مرحلة الرغبة يف اال�ستقبال‪ :‬وهي املرحلة التي ت�شري �إىل مدى رغبة املتعلم‬
‫يف توجيه االنتباه �إىل مثريات معينة‪ ،‬بحيث ترتواح هذه الرغبة بني الت�سامح‬
‫واالنتباه الن�شط والفعال‪ ،‬كاالنتباه ال�شديد �إىل تعليمات املعلم �أو التغا�ضي‬
‫عن الفروق الفردية واجلامعية‪� ،‬أو احل�سا�سية الزائدة جتاه بع�ض امل�شكالت‬
‫املجتمعية �أو العاملية‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫(جـ) مرحلة �ض���بط االنتباه‪ :‬وه���ي احلالة التي يتحكم فيها املتعل���م يف عملية توجيه‬
‫االنتباه نحو بع�ض املثريات املف�ض���لة لديه‪ ،‬على الرغم من وجود مثريات �أخرى‬
‫ُمناف�س���ة‪ ،‬كاالنتباه على نحو متييزي لدى قراءة �أو �س���ماع ق�ص���يدة معينة‪� ،‬إىل‬
‫مقا�ص���د ال�ش���اعر‪ ،‬واملع���اين التي يرم���ي �إليه���ا‪ ،‬والقيم االجتماعية يف ع�ص���ر‬
‫هذا ال�شاعر‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫‪ -2‬م�ستوى اال�ستجابة ‪Response‬‬

‫ال يقت�ص���ر المتعلم في هذا الم�س���توى على مجرد عملية اال�س���تقبال‪ ،‬بل يقوم ببع�ض‬
‫الأن�ش���طة الإيجابية في �أثناء ا�س���تغراقه في االنتباه �إلى الظواهر والمثيرات‪ .‬و ُي�ش���ير هذا‬
‫الم�س���توى �إلى رغبة المتعلم في اال�س���تجابة‪ ،‬و�ش���عوره بالر�ض���ا �إزاء االنهم���اك في بع�ض‬
‫الأن�شطة التعليمية‪ ،‬وينق�سم هذا الم�ستوى �إلى ثالث مراحل هي‪:‬‬
‫( �أ ) مرحلة الإذعان لال�ستجابة‪ُ :‬ت�شري هذه املرحلة �إىل �أمناط القبول التي يبديها‬
‫املتعلم لدى قيامه باال�ستجابة‪.‬‬
‫(ب) مرحلة الرغبة يف اال�ستجابة‪ُ :‬ت�شري هذه املرحلة �إىل ال�سلوك االختياري الذي‬
‫يبديه املتعلم يف الأو�ضاع التعليمية‪ ،‬بدافع الرغبة ولي�س نتيجة للرهبة‪ ،‬بحيث‬
‫ال يتوافر �أي نوع من �أنواع الإذعان �أو املقاومة يف ا�ستجابات هذه املرحلة‪.‬‬
‫(جـ) مرحلة الر�ضا باال�ستجابة‪ :‬ال تقت�صر هذه املرحلة على رغبة املتعلم و�إراداته‬
‫يف اال�ستجابة‪ ،‬بل تتعداها �إيل ال�شعور بالر�ضا واالرتياح عند القيام بها‪ ،‬حيث‬
‫ي�شعر املتعلم باملتعة وال�سرور لدى قيامه ببع�ض الأن�شطة‪.‬‬

‫‪ -3‬م�ستوى التقييم ‪Evaluation‬‬

‫يتناول هذا الم�س���توى �سلوك المتعلم عندما ُيحدد قيمة معينة للمثيرات �أو الظواهر‬
‫�أو �أنم���اط ال�س���لوك �أو المادة التعليمية‪ .‬وت�ش���ير عملي���ة التقييم عادة �إل���ى االعتقادات �أو‬
‫نوعا من االت�ساق �أو الثبات في مواقفه وا�ستجاباته‬ ‫االتجاهات التي يتبناها المتعلم‪ ،‬وتبين ً‬
‫�إزاء بع����ض المو�ض���وعات‪ ،‬بحيث يتمك���ن المالحظ من التعرف على القيمة التي ين�س���بها‬
‫�إلى هذه المو�ض���وعات‪ ،‬وبحيث تنجم هذه المواقف عن االلتزام بهذه القيمة‪ ،‬ولي�س عند‬
‫�إطاعتها �أو الإذعان لها‪ ،‬وينق�سم هذا الم�ستوى �إلى ثالث مراحل هي‪:‬‬
‫( �أ ) مرحل���ة تقب���ل القيم���ة‪ :‬وه���ي مرحلة �إظه���ار االعتق���ادات ببع����ض الأ�ش���ياء �أو‬
‫املو�ضوعات املختلفة‪ ،‬كاالعتقاد ب�أهمية مادة الريا�ضيات يف احلياة العملية‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(ب) مرحلة تف�ضيل القيمة‪ :‬حتتل هذه املرحلة و�ض ًعا ً‬


‫و�سطا بني مرحلتي تقبل القيمة‬
‫وااللتزام بالقيمة‪ ،‬وي�سعى املتعلم فيها �إىل درجات �أعلى من اليقني واالعتقاد‬
‫بالقيمة وباملو�ضوعات املرتبطة بها‪.‬‬
‫(جـ) مرحلة االلتزام بالقيمة‪ :‬وهي �أعلى الدرجات‪ ،‬ويتجدد االلتزام يف والء املتعلم‬
‫ملبد�أ �أو جماعة‪� ،‬أو يف دفاعه عن اجتاه ثقايف معني �أو يف ثقته باملناهج العلمية‬
‫و�أ�صول التفكري املنطقي‪� ،‬أو يف احتجاجه على االنحراف ومظاهره‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -4‬م�ستوى تنظيم القيم ‪:Value Organizatio‬‬


‫ُيواجه المتعلم لدى تقدمه عند اكت�ساب القيم بع�ض الأو�ضاع �أو المواقف التي تنطوي‬
‫عل���ى �أكث���ر من قيمة واحدة‪ ،‬ما ي�ض���طره �إلى ت�ص���ور هذه القيم والوق���وف على العالقات‬
‫المتبادلة‪ ،‬و�إعادة تنظيمها في منظومة قيمية معينة‪ ،‬مبي ًنا ترتيبها ومدى �سيادة كل منها‬
‫و�سيطرتها على القيم الأخرى‪ .‬وينق�سم هذا الم�ستوى �إلى مرحلتين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫( �أ ) مرحلة تكوين مفهوم القيمة‪ :‬وهي املرحلة التي يقوم بها املتعلم بعملية الت�صور‬
‫العقلي للقيم التي يجب عليه اكت�سابها‪ ،‬وتتبدى هذه العملية عادة يف �صياغة‬
‫القيم على نحو لفظي‪� ،‬أو يف �إدراك العالقات التي تربطها بالقيم ال�سابقة‬
‫التي يتمثل بها‪ ،‬كمقارنة العقائد بال�سلوك‪� ،‬أو الوقوف على اجلوانب الأخالقية‬
‫لل�شخ�صية‪� ،‬أو التمييز بني النظرية والتطبيق‪.‬‬
‫(ب) مرحلة تنظيم املنظومة القيمية‪ :‬و ُت�شري �إىل �أمناط ال�سلوك التي يناظرها املتعلم‬
‫عندما تكون منظومته القيمية متوازية على نحو ج�سد‪� ،‬أي عندما تت�سم العالقات‬
‫املنظمة للقيم يف ات�ساق داخلي وت�آلف منطقي‪ ،‬ما ُي�شري �إىل نوع من التوازن الذي‬
‫تتفاعل فيه القيم‪ ،‬بحيث يتولد عن هذا التفاعل قيم جديدة �أو تركيبات قيمية‬
‫ذات م�ستوى جتريدي �أعلى‪ ،‬كتطوير بع�ض املحكات لتقييم بع�ض الأعمال‪� ،‬أو‬
‫�إيجاد بع�ض الت�سويفات لتربير قيمة دور الأخالق يف احلياة العامة‪�....‬إلخ‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫‪ -5‬م�ستوى الو�سم (التمايز �أو التخ�صي�ص) بالقيمة �أو المركب القيمي‪:‬‬


‫‪Characterization of value‬‬

‫يدل هذا الم�س���توى على �أعلى الدرجات التي ينظرها المتعلم في �س���لوكه‪ ،‬بحيث ال‬
‫يكتفي بتمثل الم�س���تويات ال�سابقة‪ ،‬بل عليه �أن ي�س���تجيب‪ ،‬وي�سلك وف ًقا للقيم التي يتبناها‬
‫ويعتقده���ا‪ ،‬وبذلك ُيو�س���م المتعلم بقيم���ة تدل على طراز حياته �أو �أ�س���لوب �س���لوكه‪ ،‬ك�أن‬
‫ُيو�ص���ف بالتعاون �أو ال�صدق‪� ،‬أو الت�أمل �أو الت�س���امح �أو االندفاع‪� ...‬إلخ‪ ،‬نتيجة للتوافق بين‬
‫قيمه و�سلوكه‪ .‬وينق�سم هذا الم�ستوى �إلى مرحلتين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫(�أ) مرحلة التهي�ؤ املعمم‪ :‬وهي املرحلة التي يكت�سب فيها املتعلم جمموعة من‬
‫االجتاهات العقلية �أو امليول �أو النزعات �أو اال�ستعدادات التي متكنه من تعميم‬
‫�شخ�صا‪ ،‬من‬
‫ً‬ ‫عملية التحكم يف �سلوكه‪ ،‬بحيث ميكن و�صفه ومتييزه بو�صفه‬
‫خالل تلك االجتاهات �أو اال�ستعدادات‪.‬‬
‫(ب) مرحلة الو�سم‪ :‬ومتثل هذه املرحلة قيمة عملية اكت�ساب الأهداف النهائية العامة‬
‫�شخ�صا‬
‫ً‬ ‫التي يكت�سبها املتعلم يف امليدان العاطفي ‪ -‬االنفعايل‪ ،‬التي جتعل منه‬
‫فريدً ا‪ ،‬بحيث تتكامل اعتقاداته واجتاهاته ونزعاته‪ ،‬وا�ستعداداته وقيمه يف‬
‫منظومة كلية �شاملة ت�سم حياته وتطبعها بطابع مميز‪ ،‬كالإن�سانية‪� ،‬أو اخلريية‪.‬‬
‫ومن المالحظ �أن المناهج و�أ�س���اليب التعليم المدر�سية‪� ،‬أكثر ت�أكيدً ا على الأهداف‬
‫العقلية ‪ -‬المعرفية من الأهداف العاطفية ‪ -‬االنفعالية‪ ،‬وقد يعود ذلك �إلى �سرعة اكت�ساب‬
‫الأهداف المعرفية و�س���هولة قيا�س���ها‪ ،‬وتوافرالأدوات الالزم���ة لتقويمها‪ ،‬بالمقارنة مع ما‬
‫أي�ضا �إلى �أن �إجماع النا�س على‬ ‫تتطلبه الأهداف العاطفية في هذا المجال‪ .‬وقد يعود ذلك � ً‬
‫الأه���داف المعرفية �أكثر من �إجماعه���م على الأهداف العاطفية ب�س���بب تنوع اتجاهاتهم‬
‫وقيمهم وعقائدهم‪ .‬لذا ُتترك عملية تن�ش���ئة الجانب العاطفي االنفعالي للأ�سرة في كثير‬
‫م���ن الأحوال‪ ،‬لما يت�س���م به ه���ذا الجانب من ح�سا�س���ية‪� ،‬إال �أن ذلك ال يعن���ي �إعمال هذا‬
‫الجانب في التعليم المدر�سي الر�سمي‪� ،‬إذ ال بد من االهتمام به ورعايته‪ ،‬ليكت�سب المتعلم‬
‫المعايير والقيم ال�سائدة في مجتمعه‪ ،‬التي يرغب معظم الآباء في غر�سها لدى �أبنائهم‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ت�صنف الأهداف يف املجال الوجداين �إىل م�ستويات عدة هي‪:‬‬


‫اال�ستقبال ‪ -‬اال�ستجابة ‪ -‬التقييم ‪ -‬تنظيم القيم ‪ -‬الو�سم (التمايز)‪.‬‬

‫‪Psychomotor‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬ت�صانيف الأهداف يف املجال النف�سي ‪ -‬احلركي‬


‫يعنى الميدان النف�سي ‪ -‬الحركي بالأهداف المرتبطة بالمعالجة اليدوية والمهارات‬
‫الحركي���ة‪ ،‬والت����آزر الح�س���ي ‪ -‬الحركي‪ ،‬كالكتاب���ة والكالم والر�س���م والأ�ش���غال اليدوية‪.‬‬
‫وت�صنف �أهداف هذه المرحلة �إلى‪:‬‬

‫‪ - 1‬الحركات الج�سمية الإجمالية‪:‬‬


‫ُترك���ز الأه���داف في هذه الفئة عل���ى الحركات الإجمالية للج�س���م‪ ،‬حيث ي�س���تخدم‬
‫المتعل���م ج�س���مه ككل ل���دى �أداء مه���ارة معين���ة‪ ،‬كالجري والقف���ز ورمي ال�س���هم �أو الكرة‬
‫وال�س���باحة‪ .‬و ُتقا�س قدرة المتعلم عادة بال�س���رعة التي ي�ؤدي بها هذه الحركات (�سباحة‪،‬‬
‫جري) �أو قوتها (ال�ضغط‪ ،‬رمي الرمح �أو الكرة‪ ،‬القفز‪� ...‬إلخ)‪.‬‬

‫‪ -2‬الحركات المتنا�سقة الدقيقة‪:‬‬


‫تتناول �أه���داف هذه الفئة الحركات الدقيقة التي يجب �أن يكت�س���بها المتعلم لي�ؤدي‬
‫مهارة معينة‪ ،‬كحركة اليد والأ�ص���ابع والعين التي تتطلب تدريبات معينة لإتقانها‪ ،‬وتتمثل‬
‫قدرة المتعلم في مجال هذه الحركات في الإم�س���اك بالقلم والكتابة على نحو وا�ض���ح‪� ،‬أو‬
‫في الت�آزر بين العين واليد‪ ،‬لدى الكتابة على الآلة الكاتبة‪� ،‬أو عند قيادة ال�س���يارة‪ .‬و ُتقا�س‬
‫هذه القدرة عادة بالإتقان الذي ُيحققه المتعلم في �أداء المهارة المطلوبة‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫‪ -3‬مجموعات التوا�صل غير اللفظية‪:‬‬


‫تنتمي �أهداف هذه الفئة �إلى �سلوك التوا�صل اللفظي‪ ،‬حيث ي�ستخدم المتعلم الكالم‬
‫للتوا�ص���ل مع الآخرين‪ ،‬وتت�ض���ح ق���درة المتعلم في هذا المجال ف���ي الأداء اللفظي ال ُمعبر‬
‫ع���ن المعنى‪ ،‬كالنطق الوا�ض���ح وتنغيم ال�ص���وت �أو ترتيله‪ ،‬ك�أداء النغمة اال�س���تفاهمية �أو‬
‫اال�س���تنكارية �أو العاطفي���ة �أو الخطابية‪� ...‬إل���خ‪ .‬وترتبط �أهداف هذه الفئ���ة عادة بالأداء‬
‫الخطابي �أو الم�سرحي‪� ،‬أو بتعلم اللغة الأجنبية‪� ،‬أو تعلم اللهجات المختلفة‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫و ُيالحظ �أن هذه الفئات ال تنطوي على الطبيعة الهرمية التي يت�ص���ف بها ت�ص���ني ًفا‬
‫الميدان���ان المعرفي والعاطفي‪ .‬ومع ذلك ُيمكن اال�س���تفادة منها بو�ص���فها موجهات عامة‬
‫لتحديد بع�ض الأهداف التي ت�س���تلزم ت�آز ًرا ح�س��� ًّيا حرك ًّي���ا‪ ،‬والمتوافرة على نحو كبير في‬
‫ميادين التربية الريا�ضية والمهنية والفنية‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬عند حتقيق الأهداف الأ�سا�سية الرتبوية تتحقق الفاعلية والنجاح التعليمي والتعلمي‬
‫يف �إحداث التغري املطلوب عن املتعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬من وظائف امل�ؤ�س�سات التعليمية يف كل مراحل التعليم تن�شئة الأجيال املعا�صرة‪.‬‬
‫‪ -3‬يف امل�ؤ�س�سات التعليمية يجب التفرقة بني الأهداف الرتبوية والأهداف التعليمية‪.‬‬
‫‪ -4‬جماالت الأهداف التعليمية‪ :‬املناهج ‪ -‬التعليم ‪ -‬التقومي‪.‬‬
‫‪ -5‬م�ستويات الأهداف التعليمية‪ :‬امل�ستوى العام للأهداف ‪ -‬امل�ستوى املتو�سط للأهداف‬
‫وامل�ستوى املحدد للأهداف‪.‬‬
‫‪ -6‬الأهداف ال�سلوكية الفعالة هي التي حتقق الغايات التي و�ضعت من �أجلها‪.‬‬
‫‪ -7‬مكونات الأهداف التعليمية ال�سلوكية‪ :‬ال�سلوك والأداء الظاهري للمتعلم (ال�سلوك‬
‫املتوقع)‪� ،‬شروط الأداء‪� ،‬شروط ال�سلوك عند املتعلم‪ ،‬م�ستوى الأداء املقبول لدى املتعلم‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -8‬ت�صنيف الأهداف التعليمية يف املجال العقلي ‪ -‬املعريف ت�شمل‪ :‬فئة املعرفة اخلا�صة‬
‫با�ستدعاء املعلومات واملعارف يف الذاكرة‪ ،‬وفئة املهارات والقدرات العقلية اخلا�صة‬
‫باال�ستيعاب ‪ -‬التطبيق ‪ -‬التحليل ‪ -‬الرتكيب ‪ -‬التقومي‪.‬‬
‫‪ -9‬ت�صنيف الأهداف يف املجال العاطفي ‪ -‬االنفعايل ي�شمل م�ستويات‪ :‬اال�ستقبال ‪-‬‬
‫اال�ستجابة ‪ -‬التقييم ‪ -‬تنظيم القيم ‪ -‬الو�سم بالقيمة (المركب القيمي)‪.‬‬
‫‪ -10‬ت�صنيف الأهداف يف املجال النف�سي ‪ -‬احلركي ي�شمل‪ :‬احلركات اجل�سمية الإجمالية‬
‫‪ -‬احلركات املتنا�سقة الدقيقة ‪ -‬جمموعات التوا�صل غري اللفظية ‪ -‬ال�سلوك اللفظي‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬حدِّ د وظائف امل�ؤ�س�سات التعليمية‪.‬‬
‫‪ِّ -2‬‬
‫و�ضح التمييز بني الأهداف الرتبوية والأهداف التعليمية‪.‬‬
‫‪ِّ -3‬‬
‫و�ضح جماالت الأهداف يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪� -4‬ص ِّنف امل�ستويات اخلا�صة بالأهداف التعليمية‪.‬‬
‫‪ِّ -5‬‬
‫و�ضح املكانات الأ�سا�سية للأهداف ال�سلوكية التعليمية‪.‬‬
‫‪ -6‬ناق�ش م�ستويات الت�صنيف للأهداف التعليمية يف املجال العقلي ‪ -‬املعريف‪.‬‬
‫‪ -7‬ناق�ش م�ستويات الت�صنيف للأهداف التعليمية يف املجال العاطفي ‪ -‬االنفعايل‪.‬‬
‫‪ -8‬ناق�ش م�ستويات الت�صنيف للأهداف التعليمية يف املجال النف�سي ‪ -‬احلركي‪.‬‬
‫التفاعـل بني املعلـم واملتعلـم‬
‫داخل الفـ�صل الدرا�ســي‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل حمكات التعليم الفعال‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يعدِّ د املتعلم �أدوار املعلم الفعال‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يتعرف �إىل اجتاهات املعلم نحو املتعلم‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يعدِّ د �أدوار جماعات الأقران يف حياة املتعلم‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يقدِّ ر املتعلم جهود املعلم داخل الف�صل الدرا�سي‪.‬‬
‫التفاعـل بني املعلـم واملتعلـم‬
‫داخل الفـ�صل الدرا�ســي‬

‫‪:‬‬
‫من حيث عر�ضنا الأهداف التربوية والفاعلية التعليمية‪ ،‬ف�إنه يتعين علينا �أن نو�ضح‬
‫فاعلية التعليم والتعلم والتفاعل الذي يتم داخل الف�صل الدرا�سي‪ .‬فالمعلم هو محور رئي�س‬
‫من محاور العن�ص���ر الب�ش���ري الفعال في عملية التعليم‪ .‬فهو ُيع ّد ركنا �أ�سا�س��� ًّيا من �أركان‬
‫العملي���ة التعليمي���ة‪ .‬والتعلم هو �أحد الأركان الرئي�س���ة في العملية التعليمي���ة لبناء وتنمية‬
‫المتعلمي���ن‪ .‬والخ�ص���ائ�ص المعرفية واالنفعالي���ة للمعلم لها فعالياتها ف���ي عملية التعليم‬
‫ونتاجه���ا الفعال عند المتعلم‪ ،‬حيث �إن لهذه الخ�ص���ائ�ص �آثارها على الناتج التح�ص���يلي‬
‫للمتعل���م‪ ،‬م���ن حي���ث �إ�ش���باع حاجات���ه النف�س���ية‪ ،‬والحركي���ة‪ ،‬واالنفعالي���ة‪( .‬العاطفية)‪،‬‬
‫والمعرفية واالجتماعية التي �سبق �إي�ضاحها في الف�صل الخام�س‪.‬‬
‫والمعل���م الق���ادر عل���ى �أداء دوره بفاعلية‪ ،‬هو ال���ذي تتوافق جه���وده لإيجاد الفر�ص‬
‫والمواقف التعليمية الأف�ضل لطالبه‪ ،‬حيث ي�ؤثر في م�ستويات تح�صيلهم و�أمنهم النف�سي‪.‬‬
‫�إن التعلم الفعال ‪ Effective learning‬من خالل ممار�سة المعلم لمهنة التعليم يتطلب‬
‫توافر خ�ص���ائ�ص معرفية وانفعالية ومهارات وا�س���تعدادات معينة لدى المعلم‪ ،‬حتى يكون‬
‫منتجا ومحق ًقا للأهداف التعليمية‪ ،‬ويمك���ن للبرامج التدريبية عبر تطوير برامج‬
‫تعليم���ه ً‬
‫�إع���داد المعلمين ‪ -‬قب���ل تكليفهم بالعمل في مهنة التعليم‪� ،‬أو في �أثناء وجودهم على ر�أ�س‬
‫العم���ل التعليمي ‪� -‬أن ترفع من كفاءة المعلمين‪ ،‬وتعمل على نماء خبراتهم ومعارفهم ك ًّما‬
‫ونوعا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪134‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫لذلك‪ ،‬ف�إن فاعلية المعلم وتفاعله داخل الف�ص���ل‪ ،‬ت�ؤكد �ض���رورة توافر الخ�صائ�ص‬
‫وال�س���مات التي �أ�ش���ير �إليها‪ ،‬بل ت�ؤكد � ً‬
‫أي�ض���ا قدرة المعلم وا�س���تعداده على ا�ستخدام هذه‬
‫الخ�ص���ائ�ص وال�س���مات لإح���داث التعلي���م الفع���ال‪ .‬و�إن تحدي���ث المعلوم���ات والمعارف‬
‫والمهارات للمعلمين في الع�ص���ر الحا�ضر‪ ،‬بجانب البرامج التدريبية‪ُ ،‬تع ّد �ضرورة تربوية‬
‫لمواجهة ما قد يعتري النا�ش���ئة‪ ،‬وخا�ص���ة في المجتمعات الإ�س�ل�امية من �أفكار ومذاهب‬
‫هدامة‪ ،‬وما تحتاج �إليه المجتمعات المعا�ص���رة من معارف تت�ص���ل بالتقنيات المعا�ص���رة‬
‫واالبت���كارات العلمية والتغيرات الثقافية واالقت�ص���ادية واالجتماعي���ة‪ ،‬التي يحتاج المعلم‬
‫�إلى �أن يتزود بمعارفها ومهاراتها‪ ،‬حتى ُيمكن �إي�صالها بو�سائله المتخ�ص�صة وخ�صائ�صه‬
‫وكفاءته �إلى المتعلمين‪.‬‬

‫حمكات التعلم الفعال‪:‬‬


‫ُيع ّد التعليم عملية معقدة‪ ...‬متعددة الجوانب والأبعاد‪ .‬لذلك ي�ؤثر في نجاح العملية‬
‫التعليمية ‪ -‬التعلمية‪ ..‬متغيرات كثيرة متداخلة‪.‬‬
‫وهن���اك المتغيرات الخا�ص���ة بالمتعلم والمعل���م والمادة الدرا�س���ية وطرق التدري�س‬
‫وو�سائله‪.‬‬
‫�أي �إن هن���اك ثالث���ة محكات �أ�سا�س���ية لفاعلي���ة التعليم والتفاعل داخل الف�ص���ل في‬
‫التعلم‪ .‬وهذه المحكات‪:‬‬

‫‪ -1‬النتاج التعليمي‪Educational Output :‬‬

‫والق�ص���د به ه���و نتاج ما يتعلم���ه المتعلم‪ ،‬ويكت�س���به من خبرات ومعارف الأن�ش���طة‬


‫التعليمي���ة المدر�س���ية‪ .‬ويمكن تقييم النت���اج التعليمي من خالل مقارن���ة �أداء المتعلم قبل‬
‫التعليم ب�أدائه بعد التعليم‪� ،‬أي بالتغيرات التي تطر�أ على �سلوكه‪ ،‬بحيث تظهر هذه التغيرات‬
‫في اكت�س���اب المتعلم المعارف والميول واالتجاهات والقيم الأخالقية وال�شخ�ص���ية‪ ،‬التي‬
‫‪135‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫تتكامل بها �شخ�ص���يته‪ .‬و�ص���عوبة التحقق من فعالية هذا المح���ك‪ ،‬هي تعذر الوقوف على‬
‫بع����ض التغي���رات التي تطر�أ على �س���لوك المتعلم‪ ،‬حيث ق���د ال تتواف���ر المقايي�س الدقيقة‬
‫لإخ�ضاع هذه التغيرات للقيا�س الدقيق‪.‬‬

‫‪ -2‬العملية التعليمية‪Educational Process :‬‬

‫هي التفاعل القائم بين �أنماط ال�س���لوك التعليمي للمعلم‪ ،‬و�أنماط ال�س���لوك التعلمي‬
‫للمتعلم‪ ،‬الذي يتم ممار�س���ته من كل منهما في العملية التعليمية و�إدارة الحوار والمناق�شة‬
‫خالل ال�ص���ف‪� .‬إ�ض���افة �إلى �أ�س���اليب المعلم في �إر�ش���اد المتعلمين‪ ،‬وتزويدهم بالمعارف‬
‫والمهارات العقلية‪ ،‬وتقويم تح�صيلهم‪ ،‬ونتاجهم العلمي والمعرفي‪.‬‬
‫وتتمثل �أنماط �س���لوك المتعلم عند تعلمها واكت�س���ابها من خالل الأداءات والأفعال‪،‬‬
‫الت���ي تتمي���ز بها ا�س���تجابات المتعلم للنظ���ام وتركيزه االنتب���اه‪ ،‬وبذل الجه���د والمثابرة‪،‬‬
‫وقيامه بالممار�سات العملية‪ ،‬وم�شاركاته الفعالة في الحوار والمناق�شات داخل الف�صل‪.‬‬
‫ويت���م التحقق من هذا المحك‪ ،‬من خالل ا�س���تخدام المالحظة المبا�ش���رة للوقوف‬
‫على الأنماط ال�س���لوكية للمعلم والمتعلم‪ ،‬بحيث ُيمكن و�صف هذه المالحظات وت�سجيلها‬
‫للحكم على فعالية التعليم‪.‬‬

‫‪ -3‬عوامل التنب�ؤ بفعالية التعليم ‪Prediction of Educational Effectiveness‬‬

‫ه���ي العوامل التي ي�ست�ش���عر منها المعل���م فاعلية التعليم‪ ،‬حيث تكون اال�س���تعدادات‬
‫والقدرات والمهارات والعوامل ال�شخ�ص���ية للمعلم‪ ،‬هي التي تمكنه من اال�ست�شعار والتنب�ؤ‬
‫بفعالية التعليم الحالية والم�ستقبلية‪ ،‬عندما تت�ضح له قدراته الفعلية و�سماته ال�شخ�صية‪،‬‬
‫وخبراته التعليمية‪ ،‬و�سنوات تعليمه‪ ،‬وم�ستواه العلمي وتفوقه في مهنة التعليم‪.‬‬
‫وللوقوف على هذه الخ�ص���ائ�ص‪ُ ،‬ت�ستخدم ال�س���جالت والتقارير والتوجيه المتتابع‪،‬‬
‫والمقايي�س التي ُتخ�ضع هذه الخ�صائ�ص عند التحقق من فعالية التعليم عند المعلم‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫فاعلية املعلم‪:‬‬
‫المعلم الفعال‪ ،‬له �أدوار مهمة في فعالية التعليم داخل الف�ص���ل‪ ،‬والناتج الفعلي من‬
‫فاعلية المعلم في عملية التعلم‪ .‬وفاعلية المعلم ُيمكن �إدراكها من المتعلمين �أنف�سهم ومن‬
‫المعلمين �أنف�سهم‪ ،‬ومن المديرين‪ ،‬والموجهين التربويين والآباء‪.‬‬
‫وتق�سيم فاعلية المعلم �إلى فئتين من الخ�صائ�ص‪:‬‬

‫‪ -1‬الخ�صائ�ص المعرفية‪:‬‬
‫التي ت�ش���مل ح�صيلة المعلم المعرفية‪ ،‬وقدراته العقلية‪ ،‬و�أ�ساليب ن�شاطه في العملية‬
‫التعليمية‪ .‬و�أهم العوامل الم�ؤثرة في هذه الخ�صائ�ص‪:‬‬
‫(�أ) الإعداد الأكادميي واملهني‪ :‬حيث هناك ارتباط �إيجابي بني م�ستوى التح�صيل‬
‫الأكادميي للمعلمني وفعاليتهم التعليمية‪ ،‬وفق ما ُيقدره مديرو املدار�س‬
‫واملوجهون والرتبويون يف �ضوء �إعداد اخلطط الدرا�سية والتعامل مع املتعلمني‪.‬‬
‫واملعلم املتفوق يف ميدان تخ�ص�صه وامل�ؤهل مهن ًّيا بكفاءة وقدر جيد‪ ،‬يكون �أكرث‬
‫فعالية من املعلم الأقل تفو ًقا و�إعدادًا‪ ،‬عندما ُتقا�س هذه الفعالية مب�ستوى‬
‫حت�صيل املتعلمني‪.‬‬
‫والإعداد املهني والأكادميي‪ ،‬يرتبط مبجموعة من العوامل املعرفية‪،‬‬
‫كالقدرة العقلية العامة‪ ،‬والقدرة على حل امل�شكالت‪ ،‬وم�ستوى التح�صيل‬
‫الأكادميي‪ ،‬واملهارات اخلا�صة ب�إعداد املادة الدرا�سية وتنفيذها‪ ،‬واملعلومات‬
‫ذات العالقة بالنمو والتعلم‪.‬‬
‫(ب) ات�ساع املعرفة واالهتمامات‪ :‬فتفوق املعلم يف ميدان تخ�ص�صه وامليادين ذات‬
‫العالقة‪ ،‬يرتبط مبدى اهتمامات املعلم وتنوعها يف ميادين �أخرى اجتماعية‬
‫و�أدبية وفنية‪� ،‬إ�ضافة �إىل امتالك املعلم م�ستوى �أعلى من الذكاء اللفظي‪ ،‬وامليل‬
‫�إىل اجلد واملثابرة وامليل �إىل القراءة و�سعة االطالع‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫(جـ) املعلومات املتوافرة للمعلم عن املتعلمني‪ :‬فاملعلم الكفء الذي يعرف الكثري عن‬
‫ميدان تخ�ص�صه‪ ،‬يعرف الكثري عن املتعلمني � ً‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫فاملعل���م الذي يع���رف �أ�س���ماء املتعلم�ي�ن‪ ،‬وقدراته���م العقلية‪ ،‬وم�س���تويات‬
‫النمو‪ ،‬والتح�ص���يل وحياتهم االجتماعية والثقافية واالقت�ص���ادية‪ ،‬واجتاهاتهم‬
‫وميولهم‪ ،‬ميكن له التوا�ص���ل والتعامل معهم‪ .‬وت�س���اعد هذه املعلومات املتعلمني‬
‫على تكوين اجتاهات �إيجابية نحو العلم‪ ،‬ونحو مادته الدرا�سية‪.‬‬
‫(د) ا�س���تخدام التنظيم���ات املتقدمة‪ :‬حيث يك���ون املعلم الكفء الفع���ال‪� ،‬أكرث ميلاً‬
‫�إىل تزوي���د املتعلم�ي�ن باملراجعات والقراءات الق�ص�ي�رة‪ ،‬الت���ي متكن املتعلمني‬
‫م���ن �أن يكون���وا �أكرث �ألفة للم���ادة التعليمي���ة‪ ،‬حيث تعمل ه���ذه التنظيمات على‬
‫ربط املعلومات واملعارف ال�س���ابقة‪ ،‬عند املتعلمني باملعلومات احلديثة‪ ،‬ومن ثم‬
‫ي�س���هل متييز املادة اجلديدة وفهمها‪ ،‬ودجمها يف البنية املعرفية ال�س���ابقة عند‬
‫املتعلمني‪.‬‬

‫‪ -2‬خ�صائ�ص ال�شخ�صية‪:‬‬
‫هن���اك خ�ص���ائ�ص و�س���مات �شخ�ص���ية تتباين بي���ن كثير م���ن المعلمي���ن‪ ،‬ومن هذه‬
‫الخ�صائ�ص االتجاهات والقيم و�سمات انفعالية �أخرى‪ ،‬وفيما ي�أتي �أهم هذه الخ�صائ�ص‬
‫التي ت�ؤثر في بنية ال�شخ�صية عند المعلم الكفء‪:‬‬
‫(�أ) يت�أثر املتعلمون بقدر �أكرب عند ات�صاف ه�ؤالء املتعلمني بالأمن النف�سي‪� ،‬أكرث‬
‫من املتعلمني الذين يقوم بالتدري�س لهم معلمون يت�سمون بالتوتر والقلق وعدم‬
‫االتزان‪.‬‬
‫واملعلمون الأكرث فعالية‪ ،‬يت�صف �سلوكهم بالت�سامح جتاه املتعلمني‪ ،‬وتكون‬
‫م�شاعرهم ودية‪ ،‬وين�صتون �إىل املتعلمني‪ ،‬ويتقبلون �أفكارهم‪ ،‬ومن ثم ف�إن‬
‫ه�ؤالء املعلمني يتميزون بالتعاطف والدفء واملودة‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫واملعلم الودود واملتعاطف يزيد من اكت�ساب الثقة عند املتعلمني باملدر�سة‬


‫التي يتعلمون فيها‪ ،‬بينما املعلم العقابي يعوق عملية اكت�ساب الثقة بني املتعلمني‬
‫ومعهدهم العلمي‪.‬‬
‫و ُتع ّد �سمات التعاون والتعاطف‪ ،‬من �أهم ال�سمات التي يجب �أن يت�صف بها‬
‫املعلم الفعال‪� ،‬سواء كان املعلم يقوم بالتدري�س يف �صفوف املدار�س االبتدائية‬
‫�أو اجلامعية‪ ،‬حيث ُيف�ضل �أبناء اجلامعات املعلمني‪ ،‬الذين يوجهون انتباههم‬
‫�إليه‪ ،‬ويهتمون مب�شكالتهم ال�شخ�صية والأكادميية‪.‬‬
‫(ب) احلما�س‪ :‬من ال�صفات ال�شخ�صية للمعلم الفعال‪ ،‬احلما�س الذي ي�ؤثر يف‬
‫فاعلية التعليم‪ ،‬وي�سهم يف تباين الطالب من حيث م�ستوى التح�صيل‪ ،‬من حيث‬
‫اجتاهاتهم نحو املادة الدرا�سية‪ ،‬واملعلم الذي يقوم بتدري�سها‪.‬‬
‫(جـ) الإن�سانية‪ :‬املعلم الفعال هو املعلم القادر على التوا�صل مع املتعلمني ومع زمالئه‪،‬‬
‫واملتعاطف والودود وال�صادق واملتحم�س لعمله واملتفتح مع غريه‪ ،‬الذي يتقبل‬
‫النقد بروح عالية‪.‬‬

‫تفاعل املعلم واملتعلم‪:‬‬


‫تتباي���ن فعالي���ات المعلمي���ن‪ ،‬من حي���ث قدرتهم عل���ى التعامل م���ع المتعلمين داخل‬
‫الف�ص���ل‪ ،‬ونتيجة لذلك يتباين المتعلمون في التح�صيل‪ ،‬وفي �سلوكهم عند تخرجهم وفي‬
‫�أو�ضاعهم االجتماعية والم�ستقبلية‪.‬‬
‫ومن العوامل التي ت�ؤثر في عملية تفاعل المعلم والمتعلم ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪� -1‬إدراك املعلم وتقييم املتعلم‪� :‬أحكام املعلم عند تقييم املتعلم �أو زمالئه‪ ،‬و�أحكام املتعلم‬
‫على املعلم �أو على زمالئه‪ ،‬تت�أثر هذه الأحكام كلها ب�إدراك املعلم واملتعلم‪ ،‬حيث �إن‬
‫املعتقدات واالجتاهات والقيم اخلا�صة بكل منهما ت�ؤثر يف ذلك‪ .‬وال �شك يف �أن �إدراك‬
‫املعلم �أكرث وع ًيا و�أكرث فاعلية يف احلكم على املتعلم‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن الن�ضج العقلي‬
‫‪139‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫للمعلم‪ ،‬ميكنه من معاونة املتعلم يف اال�ستفادة من اجتاهاته والقيم واملعتقدات �إىل‬


‫�سلوك علمي داخل الف�صل الدرا�سي‪.‬‬
‫واتجاهات المعلم نحو المتعلم ت�أخذ االتجاهات الآتية‪:‬‬
‫(�أ) اجتاه التعلق‪ :‬حيث يكون �سلوك املعلم‪ ،‬مييل �إىل االحتفاظ باملتعلم عند انتقاله‬
‫من �صف لآخر‪ ،‬نتيجة ما ي�شعر به من ارتياح عند التفاعل معه‪ ،‬حيث يكون‬
‫املتعلم متواف ًقا يف العملية التعليمية‪ ،‬فهو ناجح يف التح�صيل الدرا�سي‪،‬‬
‫وي�ستجيب للنظم املدر�سية‪ ،‬ويعزز �سلوك املعلم يف ال�صف الدرا�سي‪.‬‬
‫(ب) اجتاه االهتمام‪ :‬حيث يكون اجتاه املعلم بتوجيه معظم �أو كل انتباهه �إىل‬
‫املتعلم الذي يهمه �إىل حد كبري‪ ،‬حيث يكون املتعلم يواجه بع�ض ال�صعوبات‬
‫يف التح�صيل‪ ،‬وي�ستجيب للنظم املدر�سية‪ ،‬و ُيعزز �سلوك املعلم‪ ،‬ومن ثم فاملعلم‬
‫يوجه �إليه االهتمام‪ ،‬و ُيقدم له الن�صح والتوجيه والإر�شاد‪.‬‬
‫ينم عن عدم اهتمام‬‫(جـ) اجتاه عدم التحيز �أو الالمباالة‪ :‬حيث يكون اجتاه املعلم ّ‬
‫�أو ال مباالة املتعلم‪ ،‬وحيث يكون املتعلم اجتاهاته �سلبية نحو املعلم‪ ،‬وال ي�ستجيب‬
‫كلية للنظم املدر�سية‪ ،‬بل �إنه ُيخالف �سلوك املعلم يف ال�صف‪.‬‬
‫متاما يف ا�ستمرار‬
‫(د) اجتاه النبذ‪ :‬حيث يكون اجتاه املعلم قائ ًما على عدم الرغبة ً‬
‫املتعلم يف الف�صل الدرا�سي الذي يقوم املعلم بالتدري�س فيه‪ ،‬وحيث يكون‬
‫املتعلم‪ ،‬يف�شل يف التوافق مع املعلم‪ ،‬بل ال يتعاون مع املعلم يف العملية التعليمية‪،‬‬
‫ويكون �سب ًبا يف �إثارة و�إحداث م�شكالت داخل الف�صل الدرا�سي‪.‬‬

‫‪ -2‬املظهر اخلارجي للمتعلم‪ُ :‬يع ّد املظهر اخلارجي للإن�سان‪� - .‬أ ًّيا كان ‪ -‬و�سيلة جذب‬
‫يف احلياة العامة عند الآخرين‪ .‬وجاذبية املتعلم ترتبط �إيجاب ًّيا بتقدير املتعلمني له‬
‫واالهتمام الأ�سري به‪ ،‬وميكن التنب ؤ� بالنجاح املدر�سي امل�ستقبلي‪ ،‬ومبدى التقارب‬
‫االجتماعي (ال�شعبية) التي ميكن �أن يتمتع بها الطالب بني �أقرانه‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫والق�ص���د بالجاذبية ُح�س���ن المظهر‪ ،‬فمن الوا�ض���ح �أن المظه���ر الخارجي ي�ؤثر في‬
‫المتعلمين‪ ،‬فالمظهر الخارجي الجذاب �أو الأقل‪ ،‬يعاني فيه المتعلمون م�ش���كالت تعليمية‬
‫وانفعالية واجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3‬امل�ستوى االقت�صادي واالجتماعي للمتعلم‪ :‬عادة تت�أثر �أحكام املعلمني وتقديراتهم‬
‫للمتعلمني‪ ،‬وف ًقا للم�ستوى االقت�صادي واالجتماعي الذي ينحدر منه ه�ؤالء املتعلمون‪.‬‬
‫وعادة ما تكون اجتاهات املعلمني �إيجابية مع املتعلمني من ذوي امل�ستويات االقت�صادية‬
‫واالجتماعية العالية‪ .‬ولي�س يف هذا مو�ضوعية علمية‪� ،‬إذ �إن امل�ستوى الذي يقدر عليه‬
‫املتعلم‪ ،‬يجب �أن يخ�ضع ملعايري �أخرى تت�صل بالو�ضع العلمي للمتعلم‪ ،‬وم�ستوى‬
‫حت�صيله‪ ،‬والتزامه بالآداب والأخالق‪ ،‬والنظام التعليمي‪.‬‬
‫‪ -4‬توقعات املعلم من املتعلم‪ :‬قد يتوقع املعلم �أن يكون املتعلم لديه قدرات وا�ستعدادات‪،‬‬
‫و�إمكانات معينة‪ ،‬ومن ثم ُيعامله على هذا الأ�سا�س‪ ،‬على الرغم مما قد يكون املتعلم‬
‫لي�س على امل�ستوى املتوقع من املعلم‪.‬‬
‫والواقع �أن هذه التوقعات قد ال تمُ ثل الواقع الفعلي مل�ستوى املتعلم‪ ،‬لذلك ُيف�ضل‬
‫ا�ستخدام مقايي�س حتدد امل�ستوى الفعلي للمتعلم؛ حتى ال يكون هناك حماباة ملتعلم‬
‫على ح�ساب متعلم �آخر‪.‬‬
‫‪� -5‬أثر املتعلمني‪� :‬أثر املعلم يف �أداء املتعلم �أقوى من �أثر املتعلم يف �سلوك املعلم‪� ،‬إال �أن‬
‫هذا ال يعني �أن العالقة بني املعلم واملتعلم ذات اجتاه واحد‪ ،‬وم�صدرها املعلم فقط‪،‬‬
‫فهناك للمتعلم توقعات جتاه املعلم‪ ،‬حيث يت�أثر املتعلم مبا يتعلق ب�ضبط ال�صف‪،‬‬
‫وتقدمي املادة الدرا�سية‪ ،‬والتعامل والتفاعل من قبل املعلم داخل الف�صل‪.‬‬
‫وق���د يكون هناك مجموعة من المتعلمين توجه �س���لوك المعل���م‪ ،‬بحيث يتخذ المعلم‬
‫ه���ذه المجموعة مح ًّكا يعتمد علي���ه في طريقة تقديم المادة الدرا�س���ية‪ ،‬وطريقة التعامل‬
‫م���ع باق���ي المتعلمي���ن‪ .‬لذلك م���ن الأهمي���ة �أن ُي���درك المعلم ه���ذا الواقع‪ ،‬ويبن���ي عملية‬
‫تفاعله داخل الف�ص���ل الدرا�س���ي‪ ،‬مع غالبية المتعلمين المتوحدين في �سمات وخ�صائ�ص‬
‫‪141‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫معين���ة‪� ،‬إذ �إن ه���ذه الغالبية تمثل دو ًرا مه ًّما في ت�ش���كيل �أنماط التفاع���ل للمتعلمين داخل‬
‫ال�صف الدرا�سي‪.‬‬

‫حمطات التعلم الفعال‪:‬‬


‫(النتاج التعليمي ‪ -‬العملية التعليمية ‪ -‬عوامل التنب�ؤ بفاعلية التعلم)‪.‬‬

‫فاعلية املعلم ترجع �إىل‪:‬‬


‫(اخل�صائ�ص املعرفية ‪ -‬ال�شخ�صية)‪.‬‬

‫تفاعل املتعلم مع �أقرانه‪:‬‬


‫�إن التفاعل داخل ال�ص���ف الدرا�س���ي ال يقت�ص���ر على تفاعل المعلم مع المتعلم فقط‪،‬‬
‫ب���ل هناك تفاعل بين المتعلمين �أنف�س���هم‪� ،‬أو ما ُيعرف بـ «تفاع���ل المتعلم والمتعلم»‪� ،‬أي مع‬
‫�أقرانه داخل ال�صف الدرا�سي‪ .‬فالتفاعل بين المتعلم و�أقرانه ي�ؤثر في العالقات االجتماعية‬
‫وال�صداقات والنمو االجتماعي‪ ،‬ويكون لهذا كله �أثره على م�ستوى التح�صيل العلمي للمتعلم‪،‬‬
‫�إ�ض���افة �إل���ى تحديد �س���لوكه العام داخل المدر�س���ة‪ ،‬بل خارج المدر�س���ة حي���ث يكون الوالء‬
‫واالنتماء للأفراد والأ�صدقاء المتقاربين في �أفكارهم وفي بنائهم االجتماعي والثقافي‪.‬‬
‫وت�ؤدي جماعات الأقران دو ًرا مه ًّما في حياة المتعلم‪ ،‬حيث‪:‬‬
‫‪ -1‬يتبع للمتعلم ممار�سة عالقات يكون فيها على قدم امل�ساواة مع الآخرين يف مثل �سنه‪،‬‬
‫يف حني يكون مركزًا ثانو ًّيا يف عالقاته مع الرا�شدين‪.‬‬
‫‪ُ -2‬توفر للمتعلم فر�صة اكت�ساب مكانة خا�صة به‪ ،‬وحتقيق هوية (ذاتية) متميزة‪ ،‬متكنه‬
‫من جعل �أن�شطته حمور اهتمام �أقرانه‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ُ -3‬ت�شكل م�صد ًرا وف ًريا للمعلومات غري الر�سمية‪ ،‬التي ال تتناولها املو�ضوعات املدر�سية‬
‫عادة‪ ،‬كالألعاب‪ ،‬والتقاليد ال�شعبية‪ ،‬و�أ�ساليب الإ�شباع‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -4‬تزويد املتعلم بفر�ض اكت�ساب ال�شجاعة والثقة بالنف�س‪ ،‬نظ ًرا للت�أييد والدعم الذي‬
‫يلقاه من �أقرانه‪ ،‬وذلك ي�ساعده على اال�ستقالل الذاتي وعدم االتكال على الآخرين‪.‬‬
‫وفي ال�س���نوات الدرا�س���ية المبك���رة‪ ،‬ت�ؤدي جماع���ات الأقران دو ًرا بال���غ الأهمية في‬
‫التن�ش���ئة االجتماعي���ة للطفل ونم���وه االجتماع���ي‪ ،‬بحيث يغدو الطف���ل �أقل انع اً‬
‫���زال و�أكثر‬
‫اجتماعي���ة ومي�ًل�اً لإن�ش���اء عالقات اجتماعية مت�س���اوية م���ع �أقرانه‪ .‬وقد يواج���ه الأطفال‬
‫�ص���عوبات ال تمكنهم من �إن�ش���اء ال�ص���داقات �أو االحتفاظ بها داخل المدار�س‪ .‬والعالقات‬
‫بين الأقران لي�ست بال�ضرورة تكون عالقات �إيجابية‪ ،‬فقد تكون عالقات �سلبية تعمل على‬
‫ت�أخير النمو‪ ،‬حيث ت�صيب بع�ض ال�صغار باالنعزال �أو المر�ض من المدر�سة‪ .‬واالنحرافات‬
‫ال�سلوكية داخل المدر�سة وخارجها و�أكثر جوانب الحياة المدر�سية �سلبية وتعقيدً ا و� اً‬
‫إ�شكال‪،‬‬
‫هو الجانب المتمثل في ال�س���لوك العدواني الذي يمار�س���ه بع�ض ال�ص���غار نحو �أقرانهم في‬
‫المدر�سة‪.‬‬
‫وق���د تك���ون النزعة العدوانية مت�أ�ص���لة ل���دى المتعلمي���ن العدوانيين‪ ،‬م���ا يجعل دور‬
‫البيئة المدر�س���ية �ضعيف الأثر من حيث تعديل هذا ال�سلوك‪ .‬فالمتعلم الذي يت�سم �سلوكه‬
‫بالعدوانية قد يكون عاد ًّيا من حيث التح�ص���يل المدر�س���ي‪ ،‬وقد ال يعاني � ً‬
‫إحباطا �أو ف�ش�ًل�اً‬
‫غير عادي في و�ضعه المدر�سي‪ ،‬و�إنه غير قلق واثق بنف�سه وم�ؤكد لذاته‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فلي�س بال�ض���رورة �أن تكون المدر�سة‪ُ ،‬ت�شكل دو ًرا ً‬
‫رئي�سا في تكوين النزعات‬
‫العدوانية عند المتعلم العدواني‪ ،‬بل �إنه يحمل النزعات العدوانية معه �إلى المدر�سة‪.‬‬
‫والدور الذي ت�ؤديه المدر�سة �آنئذ محاولة كف هذا ال�سلوك‪ ،‬بتعديله �إلى �سلوك �سوي‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬

‫يت�ضمن التفاعل بني املعلم واملتعلم داخل الف�صل الدرا�سي الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬التعرف �إىل التعلم الفعال‪.‬‬
‫(‪ )2‬حمكات التعلم الفعال‪.‬‬
‫(‪ )3‬فئات فاعلية املعلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفاعل املعلم واملتعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفاعل املعلم مع �أقرانه‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬فاعلي���ة املعلم وتفاعل���ه داخل الف�ص���ل‪ ،‬تتطلب توافر خ�ص���ائ�ص معرفي���ة وانفعالية‬
‫ومهارات وا�ستعدادات معينة لدى املعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬املحكات الأ�سا�سية لفاعلية التعليم‪ ،‬والتفاعل داخل الف�صل الدرا�سي تتمثل يف‪ :‬النتاج‬
‫التعليمي‪ ،‬العملية التعليمية‪ ،‬عوامل التنب ؤ� بفعالية التعليم والتعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬من خ�صائ�ص فاعلية املعلم‪:‬‬
‫(�أ) اخل�ص���ائ�ص املعرفية‪ ،‬وت�ش���مل‪ :‬الإع���داد الأكادميي واملهني ‪ -‬ات�س���اع املعرفة‬
‫واالهتمام���ات ‪ -‬املعلوم���ات املتواف���رة ع���ن املتعلم�ي�ن ‪ -‬ا�س���تخدام التنظيمات‬
‫املتقدمة‪.‬‬
‫(ب) خ�صائ�ص ال�شخ�صية‪ ،‬وت�شمل‪ :‬ا�ست�شعار املتعلمني الأمن النف�سي ‪ -‬احلما�س‬
‫يف فاعلية التعليم والإن�سانية‪.‬‬
‫‪ -4‬اجتاهات املعلم نحو املتعلم تتمثل يف اجتاهات تخت�ص بـ‪:‬‬
‫(�أ) �إدراك العلم وتقييم املتعلم‪.‬‬
‫ التعلق ‪ -‬االهتمام ‪ -‬عدم التحيز �أو الالمباالة ‪ -‬التميز‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬الأهداف التربوية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(ب) املظهر اخلارجي للمتعلم‪.‬‬


‫(جـ) امل�ستوى االقت�صادي واالجتماعي للمتعلم‪.‬‬
‫(د) توقعات املعلم من املتعلم‪.‬‬
‫(هـ) �أثر املتعلمني‪.‬‬
‫‪ -5‬جماعات الأقران تحُ دث تفاعلاً بني املتعلم و�أقرانه‪ ،‬بحيث ت�ؤثر يف م�ستوى التح�صيل‬
‫العلمي للمتعلم‪ ،‬وحتدد �سلوكه العام يف املدر�سة وخارجها‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح املحكات الأ�سا�سية لفاعلية التعليم والتفاعل داخل الف�صل يف التعليم‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح اخل�صائ�ص املعرفية لفاعلية املعلم يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪ -3‬و�ضح اخل�صائ�ص ال�شخ�صية لفاعلية املعلم يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪� -4‬إدراك املعلم وتقييم املتعلم‪ ،‬من العوامل التي ت�ؤثر يف عملية تفاعل املعلم واملتعلم‪.‬‬
‫‪ -5‬هناك خ�صائ�ص للمتعلم ت�ؤثر يف التفاعل بني املعلم واملتعلم ‪ -‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -6‬تفاعل املتعلم مع �أقرانة ي�ؤثر يف فاعلية العملية التعليمية ‪-‬ا�شرح‪.‬‬
‫�سيكولوجـية النمــو‬

‫الف�صل ال�سابع‪ :‬الأ�س�س النف�سية للنمو الإن�ساين‪.‬‬


‫الف�صل الثامن‪ :‬مراحل النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫الف�صل التا�سع‪ :‬مطالب النمو يف مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫(طفل ما قبل املدر�سة االبتدائية)‪.‬‬
‫الف�صل العا�شر‪ :‬خ�صائ�ص ومطالب النمو يف مراحل التعليم العام‪:‬‬
‫ابتدائي ‪ -‬متو�سط ‪ -‬ثانوي‬
‫الأ�س�س النف�سية للنمو الإن�ساين‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل �أهداف درا�سة النمو الإن�ساين و�أهميتها‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يعدد و�سائل وطرائق النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يحدد العوامل امل�ؤثرة يف النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يذكر خ�صائ�ص النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫اهتماما باالجتاهات اخلا�صة بالنمو الإن�ساين‪.‬‬
‫ً‬ ‫(‪� )5‬أن يبدي‬
‫الأ�س�س النف�سية للنمو الإن�ساين‬

‫‪:‬‬
‫نهت���م في عل���م النف�س التربوي بالمتعل���م‪ ،‬من حيث مظاهر نم���وه واحتياجات النمو‬
‫ومطالب���ه‪ ،‬والعمل على تهيئ���ة الإمكانات المتاحة الت���ي ُتحقق النمو ال�س���ليم‪ ،‬ف�إنه ينبغي‬
‫علين���ا درا�س���ة النمو عند المتعلم‪ .‬والنمو بو�ص���فه ظاهرة �أ�ص���بحت له درا�س���ات نف�س���ية‬
‫وطبية متخ�ص�ص���ة‪ ،‬وهو في الدرا�س���ات النف�سية يدر�س تحت ما يعرف «بعلم نف�س النمو»‬
‫�أو «�س���يكولوچية النم���و» �أو «عل���م النف����س التكويني» �أو «عل���م النف�س االرتقائ���ي»‪ .‬وهو في‬
‫اهتمامات���ه يقوم على درا�س���ة التغيرات ال�س���لوكية خالل حياة الفرد ف���ي تعاقبها‪ ،‬منذ �أن‬
‫يك���ون نطفة في رحم الأم‪ .‬لذلك فهو يهتم بدرا�س���ة مظاهر النم���و ومطالبه‪ ،‬في النواحي‬
‫الج�س���مية والحركي���ة واللغوية واالنفعالي���ة والعقلية‪ ،‬وما �إلى ذلك م���ن تغيرات تطر�أ على‬
‫الكائن الإن�ساني منذ ميالده وحتى وفاته مرو ًرا بالمراحل التي تتخلل هذه المدة كمرحلة‬
‫المه���د والطفولة‪ ،‬والمراهقة وال�ش���باب والرجولة والكهولة وال�ش���يخوخة‪ .‬وهذه المراحل‬
‫هي ما �أ�ش���ارت �إليه �آيات الحكيم القدير ف���ي قر�آنه العظيم‪ ،‬حين قال‪} :‬ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{ (�سورة الحج‪.)5 :‬‬
‫‪150‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وقبل �أن نو�ض���ح مراحل العمر في تعاقبها‪ ،‬وخا�صة قبل دخول المدر�سة‪ ،‬نحتاج �إلى‬
‫�إي�ضاح ما يتعلق بـ‪:‬‬
‫‪� -1‬أهداف درا�سة النمو الإن�ساين و�أهميتها ب�صفة عامة وعند املتعلم ب�صفة خا�صة‪.‬‬
‫‪ -2‬طرق درا�سة النمو‪.‬‬
‫‪ -3‬العوامل امل�ؤثرة يف النمو‪.‬‬
‫‪ -4‬مراحل النمو‪.‬‬
‫� اً‬
‫أول‪� :‬أهداف درا�سة النمو الإن�ساين و�أهميتها‪:‬‬
‫مو�ضوع النمو ُيعد من �أهم مو�ضوعات وفروع علم النف�س العام‪ ،‬حيث ُيع ّد اً‬
‫مجال مه ًّما‬
‫في �إعطاء تف�س���يرات ل�سلوك الإن�س���ان في مدارج العمر‪ ،‬ف�ضلاً عن كونه ُيزودنا بح�صيلة‬
‫وافية عن الو�صف الدقيق لل�سلوك‪ ،‬في كل مرحلة من مراحل العمر المتعاقبة‪ ،‬ما ي�ساعدنا‬
‫على فهم ال�س���لوك ب�صفة عامة‪ ،‬عند درا�سة مطالب النمو واحتياجاته ومظاهره‪ .‬ودرا�سة‬
‫النمو الإن�س���اني تهيئ �أف�ض���ل و�سائط فح�ص �ص���حة المبادئ العامة التي تتعلق بالأن�شطة‬
‫العقلية والنف�سية واالجتماعية كالإدراك والتعلم والدوافع والعالقات االجتماعية‪ ،‬وب�صفة‬
‫عامة تحدد الأهداف والأهمية العملية لدرا�سة النمو الإن�ساني فيما ي�أتي‪:‬‬

‫‪ -1‬النمو الإن�ساني وت�شخي�ص ال�سلوك‪:‬‬


‫تعمل درا�سة النمو الإن�ساني على و�صف ال�سلوك وتحديده‪ ،‬و�ص ًفا دقي ًقا وت�شخي�صه‪،‬‬
‫لتحدي���د درجات ال�س���لوك ال�س���وي في كل مدارج العم���ر التي يمر بها‪ .‬وه���ذا ما يزيد من‬
‫القدرة على ت�شخي�ص ال�سلوك خالل �سن معينة وتحديد نوعية ال�سلوك‪ ،‬وعما �إذا كان فوق‬
‫الم�س���توى العام لعمر معين‪� ،‬أي متفوق �أو متو�س���ط �أو �أقل من ذلك‪ ،‬مثل ذلك عند تحديد‬
‫م�س���توى النمو اللغوي عند طفل عند دخوله المدر�س���ة مثلاً ‪ ،‬ف�إنه ُيقارن ما و�صل �إليه هذا‬
‫الطفل من نمو لغوي بما و�ص���ل �إليه �أقرانه في العمر الزمني نف�س���ه‪ ،‬ومن ثم ُيمكن الحكم‬
‫ً‬
‫متو�سطا �أو مت�أخ ًرا في نموه اللغوي‪.‬‬ ‫متقدما �أو‬
‫ً‬ ‫على هذا الطفل بما �إذا كان‬
‫‪151‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫‪ -2‬النمو الإن�ساني وتف�سير ال�سلوك‪:‬‬


‫فح�سن‬
‫تعمل درا�سة النمو الإن�ساني على الك�شف عن محددات كثيرة في حياة الفرد‪ُ ،‬‬
‫التوافق ال�شخ�صي واالجتماعي �أو �سو�ؤه‪ ،‬له معاييره وم�ستوياته في مجتمع من المجتمعات‪.‬‬
‫ولذلك‪ ،‬ف�إن الدرا�سة العملية لمراحل النمو عند �أفراد معينين يمكن �أن تك�شف عن �سوية‬
‫�أو ال �س���وية �سلوكهم �أو ح�سن توافقهم‪ ،‬وهذا ُيمكن من تحديد الأ�سباب والمتغيرات‪ ،‬ومن‬
‫ثم ُيمكن من القدرة على تعديل ال�سلوك‪ ،‬والعمل على عالج �سوء التوافق‪ ،‬بما ُيحقق ح�سن‬
‫التكيف في الم�ستقبل‪.‬‬

‫‪ -3‬النمو الإن�ساني وتحديد المناهج الدرا�سية‪:‬‬


‫تعم���ل درا�س���ة النم���و الإن�س���اني على تحدي���د الخ�ص���ائ�ص والمظاه���ر والمتطلبات‬
‫واالحتياجات الخا�صة بكل مرحلة تكوينية من مراحل العمر‪� ،‬سواء كانت هذه الخ�صائ�ص‬
‫�أو المظاه���ر ج�س���مية �أو عقلي���ة �أو نف�س���ية �أو اجتماعية‪ .‬والعائد من ذل���ك هو تحديد كم‬
‫ونوع المناهج الدرا�س���ية التي ُتقرر على كل مرحلة نمو‪� ،‬أي م�س���تويات التعليم وال�ص���فوف‬
‫الدرا�س���ية‪� ،‬إ�ضافة �إلى الموا�صفات التي يجب �أن يتميز بها المنهج الدرا�سي الذي يتوافق‬
‫والمرحل���ة العمرية وال�ص���فية التعليمية‪ ،‬من حيث م�س���توى ال�ص���عوبة وعر�ض المعلومات‬
‫والر�سوم والأ�شكال البيانية والو�سائل التعليمية‪ .‬ومن البدهي �أن نوعية المناهج الدرا�سية‬
‫في المدر�س���ة االبتدائية تختلف من حيث الكم والكيف من م�س���توى درا�سي �إلى �آخر‪ ،‬و�إن‬
‫مناهج المدر�سة االبتدائية تختلف عن مناهج المدر�سة المتو�سطة فالثانوية‪ .‬ومرجع هذا‬
‫‪-‬بطبيع���ة الحال ‪ -‬الخ�ص���ائ�ص والمتطلبات التي يتميز بها النم���و في كل مرحلة عمرية‪،‬‬
‫وما ُيقابلها من م�ستوى تعليمي‪.‬‬

‫‪ -4‬النمو الإن�ساني والمراحل الدرا�سية‪:‬‬


‫تعمل درا�س���ة الخ�ص���ائ�ص العامة للنمو في مدارج العمر على تجميع مراحل عمرية‬
‫ذات متطلبات وخ�ص���ائ�ص م�ش���تركة فيما بينها‪ ،‬تت�ش���ابه �إلى حد كبير‪ ،‬بحيث ت�ؤلف تلك‬
‫المراحل وحدات عمرية ذات خ�ص���ائ�ص عامة بدرجة تقريبية‪ .‬فمرحلة الطفولة المبكرة‪،‬‬
‫‪152‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وهي المرحلة العمرية الم�س���ماة ما قبل المدر�س���ة االبتدائية‪ ،‬وهي ال�ست �سنوات الأولى من‬
‫عمر الطفل مرحلة ال تمكن الطفل من تحمل تبعات العملية التعليمية التي تتطلب خ�صائ�ص‬
‫وموا�صفات خا�صة من الناحية الع�ضوية والعقلية واالجتماعية والنف�سية‪ .‬في حين �أن الطفل‬
‫ُي�ص���بح قاد ًرا على تحملها عند بلوغه �ست �س���نوات‪ ،‬ومرجع هذا �أن تكوينه الع�ضوي ُي�صبح‬
‫مهي�أ لتحمل الطاقات التعليمية في هذا العمر‪ ،‬وتكوينه العقلي ُي�ص���بح قاد ًرا على ا�س���تيعاب‬
‫المعارف والخبرات التعليمية‪ ،‬بما يتوافر له من ن�ضج وا�ستعدادات وقدرات‪.‬‬
‫و�إن تكوين���ه االجتماع���ي يكون �أكثر قدرة على الت�آلف في البيئة المدر�س���ية الجديدة‬
‫الت���ي تتعام���ل فيها مع الآخرين‪� ،‬س���واء كان���وا تالميذ �أو مدر�س���ين‪ ،‬و�إن تكوينه النف�س���ي‬
‫ي�ستطيع تحمل البعد عمن تعود العي�ش معهم مدة �أربع �أو خم�س �ساعات يوم ًّيا‪ .‬والمعروف‬
‫�أن المدر�س���ة االبتدائي���ة تمتد حتى �س���ن الثانية ع�ش���رة‪ ،‬وتب���د�أ بعدها مرحلة المدر�س���ة‬
‫المتو�س���طة‪ ،‬وهي مرحلة عمرية ذات خ�ص���ائ�ص مختلفة عن المرحلة ال�سابقة‪ ،‬حيث يتم‬
‫االنتق���ال من مرحل���ة الطفولة �إلى مرحلة البلوغ التي تميز من الناحية الع�ض���وية والعقلية‬
‫والنف�س���ية بخ�ص���ائ�ص متميزة عن المرحلة ال�سابقة‪ ،‬وتمتد حتى �س���ن الخام�سة ع�شرة‪.‬‬
‫هذه المرحلة التعليمية هي التي خ�ص�ص���ت لها الم�ؤ�س�س���ات التعليمية الدرا�سة المتو�سطة‬
‫التي تمتد الدرا�سة فيها ثالث �سنوات‪.‬‬
‫�أما المرحلة الثانوية‪ ،‬ففيها يكون البالغ قد انتقل �إلى مرحلة تكوينية جديدة ت�س���مى‬
‫المراهقة‪ ،‬وهي مرحلة لها من الخ�صائ�ص العامة المت�شابهة ما يجعلها تكون مرحلة ذات‬
‫ثالث �سنوات‪ ،‬ومن خاللها تتم الدرا�سة الثانوية وف ًقا ال�ستعدادات المتعلم وقدراته‪.‬‬
‫وف���ي نهاية مرحل���ة المراهقة‪ ،‬يلتحق المتعلم بالدرا�س���ة الجامعية‪ ،‬وهي مرحلة لها‬
‫� ً‬
‫أي�ض���ا خ�صائ�صها ومتطلباتها بو�ص���فها مرحلة عمرية تقابلها مرحلة تعليمية‪ ،‬يكتمل في‬
‫نهايتها الن�ضج العقلي والنف�سي واالجتماعي للمتعلم‪.‬‬
‫من هذا يتبين �أن تقرير ال�سنوات الدرا�سية‪ ،‬يتم وفق مراحل النمو بما تتميز به من‬
‫الخ�صائ�ص‪ ،‬التي تتوافر لدى الأفراد المتو�سطين‪� ،‬أما من ي�صنفون على �أنهم ممتازون �أو‬
‫�ضعاف في خ�صائ�ص نموهم‪ ،‬ف�إن الم�ؤ�س�سات التعليمية تخ�ص�ص لهم برامج الموهوبين‬
‫�أو المتخلفين‪ ،‬وه�ؤالء يمثلون ن�سبة �ضئيلة في كل مجتمع‪ .‬والتو�سط هو ال�سمة الغالبة على‬
‫‪153‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫خ�ص���ائ�ص الب�شر‪ .‬واهلل تعالى ي�ص���ف �أمة الإ�سالم ب�أنها �أمة و�س���ط‪ ،‬لتكون �شاهدة على‬
‫النا�س‪ ،‬لذلك اقت�ضت حكمة اهلل �سبحانه وتعالى �أن يكون التو�سط في ال�صفات الإن�سانية‬
‫ممثلاً لأكبر ن�سبة عددية في �أي مجتمع‪ ،‬وهذا ما هو م�ألوف ومعروف بين النا�س جمي ًعا‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬و�سائل درا�سة النمو الإن�ساني وطرائقه‪:‬‬


‫ُي�ستخدم في درا�سة النمو الإن�ساني المنهج العلمي‪ ،‬الذي يتبع قواعد البحث العلمي‪،‬‬
‫الذي يتحدد من المالحظات العابرة التي تتحكم فيها الذاتية‪� ،‬إلى الدرا�س���ة المو�ضوعية‬
‫الخا�ص���ة ب�أحكام البح���ث العلمي وخطواته‪ ،‬التي تعتمد على الأح���كام الكمية الدقيقة في‬
‫الك�شف عن مظاهر النمو‪ ،‬وفيما ي�أتي و�سائل درا�سة النمو الإن�ساني وطرائقه‪:‬‬

‫‪ -1‬الطريقة الطولية‪:‬‬
‫ت�ستخدم هذه الطريقة لدرا�سة مظاهر النمو بين عدد من الأطفال ت�شملهم الدرا�سة‬
‫م���دة من الزمن تطول �أو تق�ص���ر‪ ،‬وف ًقا لنوع الدرا�س���ة وهدفها‪ ،‬ويمك���ن �أن يتم ذلك عند‬
‫درا�س���ة الم�س���توى التح�ص���يلي للمتعلمين في المرحلة االبتدائية لمنهج درا�سي جديد في‬
‫الريا�ض���يات الحديثة‪ .‬عندئذ تقوم الدرا�سة الطولية على اختيار عدد من تالميذ ال�صف‬
‫الأول االبتدائ���ي‪ ،‬وتظل الدرا�س���ة حتى ال�ص���ف ال�س���اد�س االبتدائي‪ ،‬ومثل هذه الدرا�س���ة‬
‫ت�ستمر في طولها مدة �ست �سنوات‪ ،‬حيث ت�شمل الدرا�سة مجموعة الأطفال �أنف�سهم الذين‬
‫تم اختيارهم ابتدا ًء من ال�صف الأول االبتدائي‪.‬‬

‫‪ -2‬الطريقة الم�ستعر�ضة‪:‬‬
‫ُيمكن �أن تتبع الدرا�س���ة ال�س���ابقة بالطريقة الم�ستعر�ضة‪ ،‬حيث يتم اختيار عدد من‬
‫الأطف���ال من كل فرقة درا�س���ية ليكون ف���ي مجموعهم عينة الأطف���ال الذين تجرى عليهم‬
‫الدرا�س���ة الم�ستعر�ض���ة‪ ،‬حيث يتم اختيار عدد من تالميذ ال�ص���ف الأول االبتدائي وعدد‬
‫�آخ���ر من ال�ص���ف الثاني وعدد �آخر من ال�ص���ف الثالث‪ ،‬وعدد مماثل من كل من ال�ص���ف‬
‫الراب���ع والخام�س وال�س���اد�س‪ ،‬وهذه الأعداد تك���ون مجموعة �أطفال الدرا�س���ة‪ .‬والطريقة‬
‫‪154‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الم�ستعر�ض���ة بهذا الأ�س���لوب توفر الوقت‪ ،‬وتي�سر الح�ص���ول على النتائج ب�سرعة �أكبر‪� ،‬إال‬
‫خ�صو�ص���ا �إذا كان انتقال الأطفال ال يخ�ض���ع‬
‫ً‬ ‫�أنها عر�ض���ة للنق���د في كثير من الأحي���ان‪،‬‬
‫للقواعد العلمية ال�صحيحة في اختيار العينات‪.‬‬
‫عل���ى �أنه يمكن ا�س���تخدام الطريقتين الطولية والم�ستعر�ض���ة في �آن واحد لدرا�س���ة‬
‫معينة‪ ،‬فيتحقق للباحث من ذلك �س���رعة الح�ص���ول على النتائج من ناحية‪ ،‬والو�صول �إلى‬
‫نتائج �أكثر ً‬
‫�ضبطا من جهة �أخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬مناهج �أخرى لدرا�سة النمو الإن�ساني ومنها‪:‬‬
‫(�أ) المالحظة‪:‬‬
‫تقوم المالحظة على متابعة �سلوك الفرد خالل مرحلة نمو معينة‪ ،‬وت�سجيله على �أ�سا�س‬
‫جم���ع كل المعلومات التي تتواف���ر عن الفرد في مختلف المواقف‪ ،‬ثم بت�ص���نيف المعلومات‬
‫والبيانات التي جمعت ال�س���تخال�ص نتائجها‪ .‬وقد تكون المالحظة �آثارها �س���طحية لموقف‬
‫�سلوكي معين‪ ،‬وقد تكون مقننة تخ�ضع لتخطيط وتدبير م�سبق وذات �أهداف محددة‪.‬‬
‫(ب) القيا�س‪:‬‬
‫يعتم���د �أ�س���لوب القيا�س على ا�س���تخدام االختبارات �أ ًّي���ا كان نوعه���ا‪ ،‬وذلك لقيا�س‬
‫�س���مات الفرد الج�سمية والنف�سية واالجتماعية‪ ،‬وتحديد ال�سمات كم ًّيا لم�ساهمة فعالة في‬
‫الموقف الكمي الدقيق‪ ،‬و�إن القيا�س ي�س���اعد في التف�سير‪ ،‬ويعاون في التوقع لل�سلوك الذي‬
‫يتم قيا�سه بدرجة �أتقن‪.‬‬

‫�أهداف درا�سة النمو الإن�ساين‪:‬‬


‫(ت�شخي�ص ال�سلوك ‪ -‬تف�سري ال�سلوك ‪ -‬حتديد املناهج الدرا�سية)‪.‬‬
‫مناهج البحث يف النمو الإن�ساين‪:‬‬
‫(الطريقة الطولية ‪ -‬الطريقة امل�ستعر�ضة ‪ -‬املالحظة ‪ -‬القيا�س)‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫ثال ًثا‪ :‬العوامل امل�ؤثرة يف النمو الإن�ساين‪:‬‬


‫ي�ؤثر في النمو الإن�س���اني عوامل متعددة ي�صعب ح�ص���رها؛ نظ ًرا لتعددها وت�شابكها‬
‫وتفاعلها فيما بينها‪ ،‬بحيث ي�صعب ف�صل �أي منها عن بقية العوامل الأخرى‪.‬‬
‫وهن���اك ما ُيعرف بالعوامل الأ�سا�س���ية الم�ؤثرة في النمو‪ ،‬والعوام���ل الثانوية‪ ،‬وفيما‬
‫ي�أتي بيان العوامل الأ�سا�سية الم�ؤثرة في النمو‪:‬‬

‫‪ -1‬الوراثة‪:‬‬
‫تب���د�أ الحياة‪ ...‬بقدرة اهلل �س���بحانه وتعالى‪ ..‬عندما تتح���د الخلية الذكرية بالخلية‬
‫الأنثوية‪ ،‬حيث يخترق الحيوان المنوي الذكري الغالف الخارجي للبي�ضة الأنثوية‪ ،‬وي�ستمر‬
‫في �سيره حتى تلت�صق نواته بنواة البي�ضة‪ ،‬وبهذا تن� أش� البوي�ضة المخ�صبة‪� ،‬أو الالقحة �أو‬
‫البذرة‪ ،‬التي بها ومنها تبد�أ حياة الجنين‪� ،‬أي �إن الجنين عند بدء تخليقه ينتج عن اتحاد‬
‫الأم�شاج الذكرية والأنثوية‪.‬‬
‫وهن���اك المورثات التي توج���د في نواة الحي���وان المنوي الذكري‪ ،‬وعددها بح�س���ب‬
‫االتجاه���ات الحديث���ة ‪ً 23‬‬
‫خيطا على هيئة حبات �ص���غيرة ت�س���مى المورث���ات �أو الجينات‪،‬‬
‫و ُت�س���مى هذه الخيوط ال�صبغيات �أو الكرومو�س���ومات‪ .‬و�إن نواة البوي�ضة تحمل � ً‬
‫أي�ضا ذات‬
‫العدد من ال�صبغيات التي تحمل �صفات الأم‪ ،‬وبهذا ف�إن نواة البوي�ضة المخ�صبة تحمل ‪46‬‬
‫�ص���بغ ًّيا ن�صفها من الأب ون�ص���فها من الأم‪ .‬وتختلف ال�صفات الوراثية باختالف الجنين‬
‫ذك ًرا �أم �أنثى‪ ،‬وهذه ال�صفات �إما �أن تكون مت�صلة بالجنين �أو مت�أثرة به �أو مق�صورة عليه‪.‬‬
‫فمثلاً عمى الألوان �ص���فة تت�ص���ل بالذكور‪ ،‬ويقل ظهورها في الإناث‪ .‬وهذه ال�ص���فة‬
‫تظه���ر في الأحفاد‪ ،‬وال تظهر في الأبناء �إال ن���اد ًرا جدًّا‪ ،‬وينتقل عمى الألوان من الأب �إلى‬
‫ابنت���ه‪ ،‬وال ت�ص���اب به االبنة‪ ،‬بل يظل كام ًنا لديها ‪ -‬وت�س���مى حامل���ة للمر�ض ‪ -‬حتى تنقله‬
‫بدورها �إلى الجنين لديها‪� ،‬أي �إن هذه ال�صفة تظهر في الحفيد‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وال�صلع الوراثي مثلاً �صفة تظهر في الذكور‪ ،‬وتتنحى‪ ،‬بحيث ال تظهر في الإناث‪� ،‬أي‬
‫�إن ال�صلع �صفة تت�أثر بنوع الجن�س‪.‬‬
‫والبيئة لها �أثر كبير في العوامل الوراثية‪ ،‬ف�إن لتفاعل العوامل الوراثية المختلفة مع‬
‫البيئة الع�ضوية �أو الغذاية والنف�سية العقلية �أو االجتماعية‪ ،‬وت�ؤثر من ثم في تحديد �صفات‬
‫الفرد‪ ،‬وفي تباين نموه وم�سالك حياته وم�ستويات ن�ضجه ومدى تكيفه و�شذوذه‪.‬‬
‫ويجب �أن نفرق بين نوعين من ال�صفات و�أثر البيئة فيها‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫(�أ) ال�صفات الوراثية الأ�صلية‪ ،‬وهي �صفات ِخلقية مثل �شكل اجل�سم ولون العينني‪ ،‬ولون‬
‫ال�شعر ونوعه‪ ،‬ونوع الدم‪ ،‬وهيئة الوجه‪ .‬وهي �صفات ثابتة ال تتغري مب�ؤثرات البيئة‪.‬‬
‫(ب) �صفات مكت�سبة‪ :‬وهي �صفات ال تت�أثر باملورثات‪ ،‬ومن �أهمها ا ُ‬
‫خللق واملعايري‬
‫االجتماعية والقيم املرعية‪ ،‬وتنمية بع�ض ال�صفات املوروثة � ً‬
‫أي�ضا‪ ،‬كالذكاء‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬و�إن حياة الإن�س���ان في تفاعل دائم م�س���تمر بين الوراثة والبيئة‪ .‬وتعمل الوراثة‬
‫عل���ى المحافظة على النوع‪ ،‬فهي تعمل على تحديد الخوا�ص وال�ص���فات التي تميز كل نوع‬
‫م���ن الكائنات الحية‪ .‬وتهدف � ً‬
‫أي�ض���ا �إلى الحياة الو�س���طى ب�ألوانها و�أ�ش���كالها المختلفة ‪،‬‬
‫فمثلاً ن�سبة ال�ضعف العقلي ون�سبة العبقرية ن�سبة �صغيرة جدًّا في المجموع العام لمجتمع‬
‫من المجتمعات‪ ،‬والن�سبة الغالبة هي ن�سبة المتو�سطين في جميع ال�صفات‪.‬‬
‫والوراثة ال ت�ص���ل في مداها ال�صحيح �إال في البيئة المنا�سبة لها‪ .‬فمن المعروف �أن‬
‫�سرعة النمو تختلف باختالف ن�سب الذكاء‪ ،‬فالأذكياء نموهم �أ�سرع من الأغبياء‪ ،‬وتختلف‬
‫�س���رعة النمو باختالف الجن�س‪ ،‬فالإناث يختلفن في �س���رعة نموهن عن الذكور‪ .‬وكما هو‬
‫معروف �أن الذكاء والجن�س �صفات وراثية‪ .‬ومن هذا يتبين لنا �أثر الوراثة في النمو بطريق‬
‫غير مبا�شر خالل هاتين ال�صفتين‪.‬‬
‫لهذا من حيث �إن الوراثة تت�أثر بالبيئة المنا�سبة‪ ،‬ف�إن واجب المربين تهيئة الظروف‬
‫المنا�سبة للطفل‪ ،‬والعمل على �إنماء خوا�صه الوراثية �إلى المدى المنا�سب لتنميتها‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫‪ -2‬التكوين الع�ضوي‪:‬‬
‫في التكوين الع�ض���وي تعم���ل الهرمون���ات دو ًرا مه ًّما في تنظي���م الوظائف المختلفة‬
‫للج�س���م‪ .‬والهرمونات هي �إفرازات الغدد ال�ص���ماء‪ ،‬والغدد �أع�ض���اء داخلية في الج�س���م‪،‬‬
‫منها غدد قنوية كالغدد الدمعية التي تفرز الدموع‪ ،‬وال ُغدد ال�ص���ماء التي تعمل على جمع‬
‫المواد الأولية من الدم مبا�شرة‪ ،‬ثم تحولها �إلى مواد كيميائية ت�سمى الهرمونات‪ ،‬وت�صبها‬
‫مبا�ش���رة في الدم دون اال�س���تعانة بقنوات خا�ص���ة ت�س���ير فيها هذه الهرمونات‪ .‬ولهذا ُتع ّد‬
‫الغدد مثل المعمل الكيميائي في ج�سم الإن�سان‪� ،‬إذ �إن هذه الهرمونات لها دور كبير للغاية‬
‫بالن�سبة �إلى النمو‪.‬‬
‫ومن الغدد الموجودة في الج�س���م‪ :‬الغدد ال�صنوبرية ب�أعلى المخ والنخامية‪ ،‬وتوجد‬
‫ف���ي منت�ص���ف الر�أ����س‪ .‬والدرقية وهي �أمام الق�ص���بة الهوائي���ة‪ ،‬وج���ارات الدرقية �أربعة‬
‫ف�صو�ص حول الدرقية‪ ،‬واليتمو�سية في تجويف ال�صدر‪ ،‬والكظرية فوق الكلية‪ ،‬والتنا�سلية‪،‬‬
‫الخ�صيتان في الرجل والمبي�ضان في الأنثى‪.‬‬
‫وم���ن المعروف �أن هذه الهرمونات لها ت�أثيرها في نم���و الطفل واالختالل في �إفراز‬
‫نواح‬
‫الهرمون���ات ُيحول النمو عن مجراه الطبيعي‪ ،‬فيقف ف���ي بع�ض النواحي �أو يزداد في ٍ‬
‫�أخرى قد تعر�ض حياة الفرد للمر�ض �أو الفناء‪.‬‬
‫و ُلنعط���ي مثلاً عن �أهمية الهرمونات‪ ،‬فهرمون النمو الذي يتكون من الف�ص الأمامي‬
‫م���ن الغ���دة النخامي���ة التي تقع ف���ي منت�ص���ف الر�أ�س في جيب �ص���غير في �إح���دى عظام‬
‫الجمجمة‪ ،‬هذا الهرمون يبد�أ عمله منذ ال�شهور الأولى من حياة الجنين‪ ،‬ويت�أثر النمو ب�أي‬
‫نق�ص ي�ص���يب ن�س���بة هذا الهرمون في الدم‪ .‬ويختلف الأثر باختالف المرحلة التي يوجد‬
‫عليها نق�ص الهرمون‪ ،‬فحدوث النق�ص قبل البلوغ ي�سبب وقف نمو عظام الطفل‪ ،‬ف ُي�صبح‬
‫قزما طوال حياته‪ ،‬ويت�أثر � ً‬
‫أي�ضا من ناحية قواه العقلية والتنا�سلية‪ ،‬ف ُي�ضعفها‪.‬‬ ‫الطفل ً‬
‫أي�ض���ا‪� ،‬إلى ال�سمنة المفرطة‪ ،‬وي�ؤدي � ً‬
‫أي�ضا �إلى‬ ‫وقد ي�ؤدي حدوث النق�ص قبل البلوغ � ً‬
‫انعدام القوى التنا�سلية‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وت�ؤثر الهرمونات في تنظيم الوظائف المختلفة للج�سم‪ ،‬حيث ت�ؤدي �إلى اتزان وتنا�سق‬
‫وظائف الج�س����م وتكييف الفرد من النواحي الج�س����مية والنف�سية واالجتماعية بالن�سبة �إلى‬
‫المواقف المختلفة التي تحيط به‪ ،‬والبيئة التي ت�ؤثر فيه‪ ،‬وال ي�ؤثر هو بدوره فيها‪.‬‬
‫و�إن انع���دام ات���زان �إف���راز الغ���دد‪ ،‬ي����ؤدي �إل���ى اختالل التنا�س���ل وا�ض���طراب النمو‬
‫وا�ض���طراب �شخ�ص���ية الف���رد‪ .‬لذلك عل���ى المعلم �أن يتدارك �أن من �أ�س���باب ا�ض���طراب‬
‫النمو‪ ،‬عدم اتزان وتنا�سق الإفراز الغددي في ج�سم المتعلم‪ ،‬وما يتبع ذلك من ا�ضطراب‬
‫�شخ�صيته‪.‬‬

‫‪ -3‬الغذاء‪:‬‬
‫يحتاج ج�س���م الإن�سان �إلى الغذاء؛ لتزويده بالطاقة التي يحتاج �إليها للقيام بن�شاطه‬
‫ولإ�ص�ل�اح الخاليا التالفة و�إعادة بنائها وتكوين خاليا جديدة وزيادة مناعة الج�سم �ضد‬
‫بع�ض الأمرا�ض ووقايته منها‪.‬‬
‫والأم هي الم�ص���در الأول‪ ،‬الذي يمت�ص منه الطفل الغذاء‪ ،‬وهذه العالقة تتطور بعد‬
‫ذلك �إلى عالقات نف�سية واجتماعية‪.‬‬
‫وي�ؤثر الغذاء في الطفل‪ ،‬تب ًعا لنوع الغذاء وكميته‪ ،‬ويعتمد الج�سم على المواد الدهنية‬
‫وال�سكرية والن�شوية في تزويده بالطاقة وفي ت�أدية وظائفه المختلفة‪.‬‬
‫وم���ن ال�ض���روري �أن يعتمد الفرد ف���ي غذائه على �أنواع مختلفة م���ن المواد الغذائية‬
‫المنوع���ة‪ ،‬و ُيع���رف ذلك ‪ -‬من الناحي���ة الحيوية‪ -‬باالت���زان الغذائي‪ .‬فم���ن المعروف �أن‬
‫الإف���راط في االعتماد على ن���وع خا�ص من المواد الغذائية ي�ؤدي �إل���ى اختالل في التوازن‬
‫الغذائ���ي‪ ،‬فمث�ًل�اً الإكثار من الم���واد الدهنية ُيعطل عملية امت�ص���ا�ص الق���در الكافي من‬
‫الكال�س���يوم الالزم لبناء الج�سم‪ .‬و�إن االمتناع عن �ألوان معينة من الطعام وال�شهية لأنواع‬
‫�أخرى ي�ؤدي �إلى اختالل التوازن الغذائي‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫واختالل التوازن الغذائي (عدم التوازن الغذائي)‪ ،‬ي�ؤدي �إلى �ضعف البنية �أو زيادة‬
‫ال�سمنة �أو �ضعف الج�سم ب�صفة عامة ما ُيعوق الطفل في نموه‪.‬‬

‫‪ -4‬البيئة االجتماعية الثقافية‪:‬‬


‫كلما تنوعت خبرات الطفل‪ ،‬وتعددت �ألوان حياته‪ ،‬ازدادت �س���رعة نموه تب ًعا لذلك‪.‬‬
‫والطفل في طفولته النامية المتطورة �أ�ش���د ما يكون حاجة �إلى �أن يت�ص���ل بنف�سه ب�ضروب‬
‫مختلفة من البيئات االجتماعية المحيطة به‪ ،‬ولهذه البيئات �أثرها القوي في النمو‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويمكن �أن ن�شير �إلى �أثر الأ�سرة ب�صفة عامة‪ ،‬والإخوة خا�صة‪ ،‬والثقافة القائمة‬
‫في �سرعة النمو عند الطفل‪.‬‬
‫(�أ) بالن�سبة �إىل �أثر الأ�سرة‪ :‬ف�إن الطفل يت�أثر ب�أمه و�أبيه و�إخوته وذويه‪ .‬والأ�سرة‬
‫هي الوحدة االجتماعية الأوىل‪ ،‬والبيئة الأ�سا�سية التي ترعى الفرد‪ ،‬ولهذا‬
‫ف�إنها ت�شمل �أقوى امل�ؤثرات التي توجه منو طفولته‪.‬‬
‫(ب) بالن�سبة �إىل الإخوة‪ :‬ف�إن عالقة الطفل ب�إخوته‪ ،‬تتحدد عن طريق الرتتيب‬
‫امليالدي للطفل‪ ،‬حيث �إن ذلك ي�ؤثر يف �سرعة النمو‪ ،‬فالطفل الثاين ُيقلد �أخاه‬
‫الأكرب‪ ،‬والثالث ُيقلد الثاين والأول‪.‬‬
‫والنمو اللغوي ‪ -‬مثلاً ‪ -‬يت�أثر برتتيب ميالد الطفل‪ ،‬وتت�أثر الرعاية‬
‫االجتماعية للطفل من ناحية وجود الطفل مبفرده بني �إخوة �إناث‪� ،‬أو البنت بني‬
‫�إخوة ذكور‪� ،‬أو من ناحية كونه وحيدً ا‪.‬‬
‫(جـ) بالن�سبة �إىل الأقارب‪ :‬ف�إن وجود الأقارب يقوي �شعور الطفل بالأمن‪ ،‬فوجود‬
‫�أحد الأعمام والأخوال و�أبنا�ؤهم يك ِّون ج ًّوا اجتماع ًّيا �أو�سع من الأ�سرة‪ ،‬ويهيئ‬
‫بدوره �إىل االندماج يف املجتمع الكبري‪.‬‬
‫(د) بالن�سبة �إىل الثقافة‪ :‬ف�إنه من املعروف �أن الثقافة تهيمن على حياة الأ�سرة‬
‫واملجتمع اخلارجي الكبري‪ ،‬فيت�أثر بهما‪ ،‬وي�ؤثر فيهما‪ ،‬وميت�ص منها التقاليد‬
‫‪160‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وال ُعرف ومعايري اخللق‪ ،‬ولهذا لها دورها املهم يف تعلم الأ�ساليب العامة للحياة‪.‬‬
‫وميكن �أن نالحظ �أثر الثقافة يف الأطفال املتمتعني مب�ؤثرات ثقافية متقدمة‬
‫ك�أطفال املدن‪ ،‬و�أثر ذلك يف �سلوكهم ون�شاطهم‪ ،‬وغريهم من املحرومني من‬
‫الثقافة ك�أطفال القرى والبادية‪.‬‬

‫‪ -5‬العوامل الأخرى الثانوية التي ت�ؤثر في النمو‪:‬‬


‫لي����س معن���ى �أنه���ا ثانوية �أن ت�أثيره���ا �أقل من الأ�سا�س���ية‪ ،‬بل �إن هذه العوام���ل قد ت�ؤثر‬
‫بدرجة �أكبر في �سوية النمو �أو �إعاقته عن الأ�سا�سية‪ .‬هناك عوامل �أخرى يجب �أن ن�ضعها في‬
‫الح�سبان ت�ؤثر في نمو الأطفال‪ ،‬ومن هذه العوامل على �سبيل المثال‪ ،‬ولي�س الح�صر ما ي�أتي‪:‬‬
‫(�أ) �أعم���ار الوالدي���ن‪ :‬ت�ؤث���ر �أعم���ار الوالدي���ن يف منو الأطف���ال‪ .‬فن�س���بة الأطفال‬
‫املتخلف�ي�ن عقل ًّي���ا تزيد تب ًع���ا لزيادة �أعم���ار الوالدي���ن‪ ،‬وتزداد ن�س���بة الأطفال‬
‫امل�ش���وهني خلق ًّيا تب ًع���ا لزيادة �أعمار الوالدي���ن‪ .‬و�إن الأطفال الذين يولدون من‬
‫زوجني يف ريعان ال�ش���باب‪ ،‬يتمتعون برعاية �أف�ض���ل من الذي���ن يولدون من �آباء‬
‫متقدمني يف �أعمارهم‪.‬‬
‫(ب) املر�ض واحلوادث‪� :‬أمرا�ض الطفولة قد ُت�ض���عف البنية‪ ،‬وت�ؤثر يف �أجزاء معينة‬
‫من اجل�س���م‪ ،‬وقد تعيق النمو‪ ،‬و�إن �إ�ص���ابة الأم يف �أثناء احلمل ب�أمرا�ض معينة‬
‫ت�ؤثر يف اجلنني‪ .‬فمثلاً �إ�صابة الأم باملالريا وا�ستخدام الكينني يف عالجها ي�ؤثر‬
‫يف الأذن الداخلية للجنني‪ .‬والوالدة الع�سرة مثلاً قد ت�ؤدي �إىل ت�شوه اجلمجمة‪،‬‬
‫في�ؤخر الت�شوه الذي يحدث يف جمجمة الوليد منوه العقلي �أو يعوقه فيما بعد‪.‬‬
‫(جـ) االنفعاالت احلادة‪ :‬التي تتعر�ض لها الأم يف �أثناء احلمل ت�ؤثر يف اجلنني داخل‬
‫الرحم وبعد والدته � ً‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫(د) الوالدة املبت�سرة‪ :‬فالأطفال الذين يولدون قبل اكتمال النمو (اكتمال مدة‬
‫احلمل) تت�أثر حياتهم و�صحتهم و�سرعة منوهم‪ ،‬وتزيد الوفيات بينهم‪ ،‬وتت�أثر‬
‫بع�ض احلوا�س بالوالدة املبت�سرة‪ ،‬وخا�صة حا�سة الب�صر‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫(هـ) ال�ساللة‪ :‬تختلف �سرعة النمو تب ًعا الختالف نوع �ساللة الطفل‪ ،‬فالطفل ال�سعودي‬
‫�أو امل�صري يختلف يف منوه عن الطفل ال�صيني �أو الأوروبي‪.‬‬
‫(و) الظروف اجلوية‪ :‬يت�أثر النمو بدرجة نقاوة الهواء‪ ،‬ف�أطفال ال�سواحل منوهم‬
‫�أ�سرع من �أطفال املدن‪ ،‬و�أ�شعة ال�شم�س ت�ؤثر � ً‬
‫أي�ضا يف �سرعة النمو‪.‬‬
‫نخل�ص من ذلك �إلى �أنه يجب �أن ن�ض���ع في ح�س���باننا العوامل المختلفة التي �س���بق‬
‫الإ�شارة �إليها‪ ،‬عندما ننظر �إلى طفل غير عادي في نموه‪� ،‬أو عندما نقارنه بطفل �آخر في‬
‫مثل �س���نه‪� ،‬س���واء قبل دخوله المدر�سة �أو عند التحاقه بالمدر�س���ة االبتدائية �أو حتى عند‬
‫مقارنة نمو الطفل داخل �أفراد الأ�سرة الواحدة‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬خ�صائ�ص النمو الإن�ساني‪:‬‬


‫تتميز عملية النمو الإن�ساني بوجود خ�صائ�ص عامة ُتع ّد بمنزلة قوانين تحكم م�سيرة‬
‫النمو الإن�س���اني‪ ،‬و ُت�ش���كل مبادئ من خاللها يمكن التوقع بما �سيكون عليه النمو الإن�ساني‬
‫لف���رد معي���ن‪ ،‬و ُتع ّد معيا ًرا للحكم من خالله على �س���وية النمو واختالله‪ ،‬ومن خ�ص���ائ�ص‬
‫النمو الإن�ساني ما ي�أتي‪:‬‬

‫(�أ) النمو عملية م�ستمرة متتابعة‪:‬‬


‫ي�ستمر النمو الإن�ساني في مراحل متتابعة‪ ،‬لي�س لأي منها �أن ي�سبق المراحل القادمة‪،‬‬
‫وال يمكن �أن يتوقف نمو جانب من الجوانب �إال �إذا كانت هناك عوامل عار�ضة �أعاقت نموه‬
‫كالمر����ض والح���وادث‪ ،‬و�إنه ال يمكن لأي �ص���فة �أو عقلية �أن تظهر في نموه���ا فج�أة �إال �إذا‬
‫كانت هناك مقدمات نهائية مهدت لظهورها‪.‬‬
‫ومبد�أ التتابع هو �أ�س���ا�س ا�س���تمرارية النمو‪ ،‬حيث ال يمكن لمرحلة ما �أن ت�س���بق في‬
‫نموه���ا مرحل���ة الحق���ة له���ا‪ ،‬وال يمكن لفرد مهم���ا كان �أن ينم���و دون �أن يمر نم���وه بجميع‬
‫المراحل بال ا�س���تثناء‪ ،‬ولكن هذه اال�ستمرارية قد تكون �سريعة في بع�ض المراحل وبطيئة‬
‫في بع�ضها الآخر‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(ب) النمو الإن�ساني عملية تراكمية‪:‬‬


‫�إذا كان النمو �سل�سلة مت�صلة الحلقات‪ ،‬تمر كل حلقة منها من مرحلة من المراحل‪،‬‬
‫ف����إن كل مرحل���ة تهي���ئ اال�س���تعدادات ال�س���تقبال المرحل���ة الالحق���ة‪� ،‬س���واء كان���ت تلك‬
‫اال�س���تعدادات كمي���ة �أو نوعية‪ ،‬وهذا ما جعل النمو يت�س���م ب�أنه ظاه���رة تراكمية‪ ،‬فالطفل‬
‫بكل ما يحمله من ن�ض���ج ج�سمي واكت�ساب معرفي ونمو حركي وانفعالي‪ ،‬ينتقل بكليته �إلى‬
‫مرحلة المراهقة‪ .‬وهو نف�سه يعبر مرحلة ال�شباب �إلى المراحل الالحقة‪.‬‬

‫(جـ) النمو الإن�ساني متغير ال�سرعات‪:‬‬


‫ال تتبع عمليات النمو ن�س ًقا واحدً ا من ال�سرعة‪� ،‬سواء كان ذلك على م�ستوى المرحلة‬
‫�أو على م�س���توى ال�س���مة‪ ،‬فمراحل النمو ذات �س���رعة مختلفة‪ ،‬فبينما نجد �أن الجنين ينمو‬
‫ب�سرعة كبيرة تبطئ قليلاً بعد الميالد‪ ،‬ويزيد معدلها ثانية في مرحلة المراهقة‪ ،‬نجد �أن‬
‫ال�سمات العقلية واالنفعالية تنمو ب�سرعات متفاوتة قبل المراهقة وبعدها‪.‬‬

‫(د) النمو الإن�ساني ذو اتجاهات خا�صة‪:‬‬


‫يتجه النمو في مختلف عملياته اتجاهات خا�صة‪ ،‬ومن �أهم هذه االتجاهات‪:‬‬
‫االتجاه الر�أ�سي‪:‬‬
‫�إذ يتقدم النمو ب�س���رعة كبيرة بالن�س���بة �إلى الأجزاء العليا من الج�س���م عن الأجزاء‬
‫ال�س���فلى من���ه‪ ،‬فنج���د �أن الر�أ�س يكون �أكبر �أجزاء الج�س���م نم ًّوا‪ ،‬ف�ض�ًلعاً عن �س���رعة نمو‬
‫الوظائ���ف‪� ،‬إذ ي�س���تطيع الطف���ل �أن يتحكم في حركات ر�أ�س���ه قبل �أن يتحك���م في حركات‬
‫ذراعيه �أو رجليه‪.‬‬
‫االتجاه الأفقي‪:‬‬
‫تنم���و الأج���زاء المحورية من الج�س���م قبل الأط���راف المحورية‪ ،‬في�س���تطيع الطفل‬
‫التحكم في رقبته‪ ،‬قبل التحكم في ذراعه �أو �أ�صابعه‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫(هـ) النمو عملية كلية تكاملية‪:‬‬


‫فالنم���و الخا����ص ب����أي ع�ض���و �أو وظيف���ة �أو �ص���فة من ال�ص���فات‪ ،‬ال يت���م بمعزل عن‬
‫بقية �أع�ض���اء الج�س���م لوظائفه الحيوية �أو �س���ماته المميزة‪ ،‬فالفرد وحدة ج�سمية نف�سية‬
‫اجتماعية ي�ؤثر كل جانب منها في الجوانب الأخرى‪ ،‬ويت�أثر به‪.‬‬

‫العوامل امل�ؤثرة يف النمو الإن�ساين‪:‬‬


‫(الدرا�سة يف التكوين الع�ضوي ‪ -‬الغذاء ‪ -‬البيئة ‪ -‬عوامل ثانوية)‪.‬‬
‫خ�صائ�ص النمو‪:‬‬
‫(عملية م�ستمرة ‪ -‬متتابعة ‪ -‬تراكمية ‪ -‬متغرية ال�سرعات ‪ -‬ذو اجتاهات خا�صة)‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬من �أهداف درا�سة النمو الإن�ساين‪ :‬ت�شخي�ص ال�سلوك ‪ -‬تف�سري ال�سلوك ‪ -‬حتديد‬
‫املناهج الدرا�سية ‪ -‬النمو الإن�ساين واملراحل الدرا�سية‪.‬‬
‫‪ -2‬من و�سائل درا�سة النمو الإن�ساين وطرائقه‪ :‬الطريقة الطولية ‪ -‬الطريقة امل�ستعر�ضة‪-‬‬
‫املالحظة ‪ -‬القيا�س‪.‬‬
‫‪ -3‬العوامل الأ�سا�سية امل�ؤثرة يف النمو الإن�ساين‪ :‬الوراثة ‪ -‬التكوين الع�ضوي ‪ -‬التغذية ‪-‬‬
‫البيئة االجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫‪ -4‬العوامل الثانوية امل�ؤثرة يف النمو الإن�ساين‪� :‬أعمار الوالدين ‪ -‬املر�ض واحلوادث‪-‬‬
‫االنفعاالت احلادة ‪ -‬الوالدة املبت�سرة ‪ -‬ال�ساللة ‪ -‬الظروف اجلوية‪.‬‬
‫‪ -5‬من خ�صائ�ص النمو الإن�ساين‪� :‬إن النمو عملية م�ستمرة متتابعة ‪ -‬عملية تراكمية‪-‬‬
‫متغري ال�سرعات ‪ -‬ذو اجتاهات خا�صة‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬حدد جماالت �أهداف درا�سة النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح �إجراءات الطريقة الطولية والطريقة امل�ستعر�ضة يف درا�سة النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫‪ -3‬ا�شرح كلاًّ من عامل الوراثة والتكوين الع�ضوي بو�صفها عوامل �أ�سا�سية م�ؤثرة يف النمو‪.‬‬
‫‪ -4‬ا�شرح كلاًّ من عامل التغذية والبيئة االجتماعية والثقافية بو�صفها عوامل �أ�سا�سية‬
‫ت�ؤثر يف النمو‪.‬‬
‫‪ -5‬ا�شرح �أربعة عوامل ثانوية ت�ؤثر يف النمو‪.‬‬
‫‪ -6‬و�ضح خ�صائ�ص النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫مراحل النمو الإن�ساين‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتع���رف املتعل���م �إىل الأ�س���ا�س التكويني الع�ض���وي يف تق�س���يم مراحل‬
‫النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتعرف �إىل الأ�سا�س الرتبوي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يقارن بني الأ�سا�س التكويني والأ�سا�س الرتبوي يف تق�سيم مراحل النمو‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يذكر دور الأ�سا�س االجتماعي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن ي�ستنتج �أ�سا�س تطور االهتمامات‪.‬‬
‫مراحل النمو الإن�ساين‬

‫‪:‬‬
‫تبي���ن �أن النمو الإن�س���اني ‪ -‬وهذا م���ا يعنينا في هذا الم�ؤلف ‪ -‬عملية تغير م�س���تمرة‬
‫طبيعية ت�س���ير وفق نظام مت�سل�س���ل‪ ،‬وتح���دث خاللها تغيرات ت�ؤدي �إلى الن�ض���ج‪ .‬فالطفل‬
‫ال�صغير يكبر حتى ي�صل �إلى ال�صورة الكاملة التي ي�صل �إليها تحت �شروط وظروف مهيئة‬
‫للنم���و‪ .‬و ُيق�ص���د بالنمو جمي���ع مظاهر التغير التي يمر بها الإن�س���ان من مظاهر ج�س���مية‬
‫وعقلي���ة وانفعالي���ة واجتماعية‪� ،‬س���واء كان التغير ظاه ًرا يمكن مالحظت���ه �أو غير ظاهر‪.‬‬
‫ويخ�ض���ع النمو لعوامل كثيرة تتفاعل مع بع�ضها با�س���تمرار‪ ،‬ويختلف التفاعل من فرد �إلى‬
‫�آخر‪ .‬وكما �سبق �إي�ضاحه من قبل‪� ،‬أن هناك قواعد عامة للنمو ت�ؤثر في النمو الإن�ساني‪.‬‬
‫يتميز النمو الإن�س���اني ب�أنه ذو خ�صائ�ص متميزة في تتابعها‪ ،‬فهو ي�سير وفق �أ�سلوب‬
‫متدرجا‬
‫ً‬ ‫محكم‪� ،‬س���واء في النمو الكمي �أو الكيفي‪ ،‬والنمو الإن�س���اني عملية م�س���تمرة يظل‬
‫متراك ًما متمايزًا �إلى �أن تبد�أ مراحل ال�ش���يخوخة فالكهولة‪ ،‬حيث ي�أخذ النمو في التدهور‬
‫التدريج���ي‪ ،‬و�إن ا�س���تمرارية النمو تعن���ي تتابع المراحل‪ ،‬فال ينتقل الولي���د من المهد �إلى‬
‫المراهق���ة‪ ،‬قبل �أن يمر بمراح���ل الطفولة المبكرة‪ ،‬فالمتو�س���طة‪ ،‬فالمت�أخرة‪ ،‬و�إن تدهور‬
‫النمو ال يتم فجائ ًّيا‪ ،‬و�إنما يخ�ضع � ً‬
‫أي�ضا لقانون التتابع التدريجي‪.‬‬
‫والنمو الإن�س���اني ي�س���ير في خط���ى محددة الخط���وات‪ ،‬وتتداخل مراحل���ه‪ ،‬وتتباين‬
‫�س���رعاته من فرد �إلى فرد‪� ،‬إبقاء على الفروق الفردية الت���ي كفلها الخالق الأعظم‪ ،‬حيث‬
‫اخت�ص كل فرد ب�إمكانات وا�س���تعدادات وقدرات خا�صة به وحده‪ .‬فال تتكرر تلك القدرات‬
‫واال�س���تعدادات والإمكانات لفرد �آخر على الرغم من الكثرة العددية للجن�س الب�شري‪� ،‬أي‬
‫�إن التميز والتفرد �سمة �أ�سا�سية للإن�سان والفرد‪.‬‬
‫‪168‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وهناك الأ�س�س التي تق�سم �إليها مراحل النمو الإن�ساني‪ ،‬وهي كالآتي‪:‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬الأ�سا�س التكويني الع�ضوي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين‪:‬‬
‫هذا الأ�سا�س يق�سم مراحل النمو الإن�ساني على �أ�س�س متنوعة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ي�أخذ في ح�س���بانه مراحل النمو الج�س���مي من الناحية التكوينية الج�س���مية‪ ،‬في‬
‫مراح���ل العمر الأولى �أو �أوا�س���ط العمر �أو في نهايته‪ .‬و ُيعبر عن الأ�س���ا�س الع�ض���وي عامة‬
‫بالمراحل الأ�سا�س���ية التي يمر بها الإن�س���ان ‪ -‬عادة ‪� -‬إذا ما ا�س���تمرت م�س���يرة حياته من‬
‫الطفول���ة �إل���ى المراهق���ة‪ ،‬ومنها �إلى الر�ش���د فال�ش���يخوخة‪ ،‬وتنق�س���م كل مرحلة من هذه‬
‫المراحل وفق هذا الأ�س���ا�س �إلى تق�س���يمات فرعية لمرحلة الطفولة‪ ،‬يمكن �أن تكون مبكرة‬
‫مت�أخرة‪ ،‬وهذه المراحل وفق الأ�سا�س الع�ضوي تنق�سم �إلى مراحل تكوينية‪ ،‬وهذا التق�سيم‬
‫لي�س جامدً ا‪� ،‬إذ ال يقوم على �إيجاد فوا�صل حادة بين كل مرحلة و�أخرى‪ ،‬ولكنه في الواقع‬
‫يقوم على تداخل م�س���تمر بين كل مرحلة و�أخرى‪� ،‬إ�ض���افة �إلى �أن كل فرد يختلف نموه عن‬
‫الآخر وف ًقا للم�ؤثرات والعوامل التي ي�سبق تحديدها من قبل‪.‬‬

‫(�أ) مرحلة ما قبل الميالد‪:‬‬


‫يوما‪ ،‬وهي تبد�أ ببداية التقاء الحيوان المنوي للذكر‬
‫ت�ستغرق هذه المرحلة نحو ‪ً 280‬‬
‫ببوي�ض���ة الأنثى‪ ،‬وتنتهي هذه المرحلة بالوالدة‪ .‬وت�ش���تمل مراحل النم���و قبل الميالد على‬
‫ثالث مراحل �أ�سا�سية هي‪:‬‬

‫مرحلة النطفة‪ :‬وهي المرحلة التي يتم فيها الإخ�صاب‪� ،‬أي عندما تتحد خلية جن�سية‬
‫من الأب من خالل الحيوان المنوي بخلية جن�سية �صادرة من الأم من خالل البوي�ضة‪.‬‬
‫وللحيوان المنوي والبوي�ضة لكل منهما نواة داخلية تحتوي على �أج�سام دقيقة جدًّا في‬
‫هيئة خيوط م�ستقيمة �أو ملتوية‪ ،‬وتعرف عادة بال�صبغيات �أو الكروموزومات‪ .‬وتنت�شر على‬
‫هذه ال�صبغيات ج�سيمات �أكثر دقة تعرف بالجينات �أو ناقالت الوراثة‪ ،‬وهذه الجينات‬
‫‪169‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫ُتع ّد الم�س�ؤولة عن نقل ال�صفات الوراثية من ال�سلف �إلى الخلف‪ ،‬وهي ت�ؤدي عملها‪ ،‬وتزاول‬
‫ن�شاطها وف ًقا لن�شاط كيميائي يتم داخل الخاليا الجن�سية الم�شار �إليها‪.‬‬
‫وتحدي���د جن����س الجنين يعتمد على نوع ال�ص���بغيات المتحدة مع بع�ض���ها‪� ،‬إذ �إن كل‬
‫البوي�ض���ات التي تفرزها الأنثى ال�س���وية تحتوى على اثنين من �ص���بغيات (�س �أو ‪ )X‬على‬
‫حين �أن ن�صف الخاليا المنوية عند الذكر ال�سوي تحتوي على �صبغية واحدة من نوع (�س‬
‫�أو ‪ .)X‬ون�ص���فها الآخر يحتوي على �ص���بغية من نوع (�ص �أو ‪ ،)y‬ف�إذا اتحدت بوي�ضة �أنثى‬
‫بما فيها من �صبغية (�س �أو ‪ )X‬بحيوان منوي به �صبغية من النوع (�س �أو ‪ )X‬نتج عن ذلك‬
‫مولود �أنثى‪� ،‬أما �إذا اتحدت بوي�ض���ة بحيوان منوي يحمل �صبغية من النوع (�ص �أو ‪� )y‬أدى‬
‫ذلك �إلى ن�ش�أة مولود ذكر‪.‬‬

‫مرحلة الم�ضغة‪ :‬مرحلة الم�ضغة في العادة تمتد مدة �أ�سبوعين‪ ،‬ومرحلة الم�ضغة ُتع ّد‬
‫مرحلة التكوين الجنيني‪ ،‬وتمتد مدة ت�صل �إلى �أربعة �أ�سابيع الحقة يتم خاللها مزيد من‬
‫انق�سام الخاليا في اتجاه النمو المحدد للمالمح الأ�سا�سية للتكوين الج�سمي للوليد‪.‬‬

‫مرحلة الخلق‪ :‬هي مرحلة اكتمال الجنين‪ ،‬بحيث ي�صبح م�صو ًرا م�ستبين الخلق‪ ،‬وهذه‬
‫يوما تقري ًبا ُيولد بعدها الوليد‪ .‬وقد تكون‬
‫المرحلة في الغالب ت�ستغرق مئتين وثمانين ً‬
‫يوما‪ .‬وب�صفة عامة‪ ،‬ف�إن تمام تخليق‬‫يوما‪� ،‬إذ ت�صل �أحيا ًنا �إلى ‪ً 220‬‬
‫المدة �أقل من ‪ً 280‬‬
‫الجنين في رحم الأم ي�صل �إلى ت�سعة �شهور ميالدية �أو ما ُيقارب ع�شرة �شهور قمرية‪.‬‬

‫(ب) مرحلة الر�ضاعة �أو المهد‪:‬‬


‫تب���د�أ م���ن الميالد حت���ى نهاي���ة ال�س���نة الثانية م���ن الحي���اة‪ ،‬تطبي ًقا لقول���ه تعالى‪:‬‬
‫}ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ{ (البقرة‪.)233 :‬‬
‫‪170‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وفي هذه المرحلة يجد الوليد (الأ�سبوعين الأولين من الميالد) نف�سه متنقلاً فج�أة‬
‫من بيئة الرحم الذي توافرت له فيها جميع �إمكانات الحياة كالتغذية والدفء والتنف�س‪...‬‬
‫�إلخ‪� ،‬إلى بيئة خارجية يجد نف�س���ه فيها مطال ًبا ب�أن ي�س���تجيب لمثيرات متعددة من حوله‪،‬‬
‫ويجد نف�سه م�ضط ًّرا لأن يعتمد على نف�سه بع�ض ال�شيء‪ ،‬ك�أن يقوم بالقب�ض على ثديي �أمه‬
‫والر�ضاعة منهما‪ ،‬وال�صراخ �إن كان في حاجة �إلى التنظيف‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫مدة الر�ضاعة‪ ،‬تنتهي خالل عامين من بدء الوالدة �أو بنهاية العامين من بدء الميالد‬
‫لمن �أراد �أن يتم الر�ضاعة‪ ،‬و�إذا كانت مرحلة ما قبل الميالد مرحلة نمو ف�سيولوجي يتكون‬
‫من خاللها التركيب الف�س���يولوجي للوليد‪ ،‬ف�إن مرحلة الر�ض���اعة تتميز �إ�ضافة �إلى ذلك‪،‬‬
‫ب�أنه���ا مرحلة تكي���ف الوليد مع العالم الخارجي وتوافقه مع المحيطين به‪ ،‬وخا�ص���ة الأم‪،‬‬
‫دون �سائر �أفراد الأ�سرة‪.‬‬

‫(جـ) مرحلة الح�ضانة‪:‬‬


‫ُتع ّد مرحلة الح�ضانة مرحلة مهمة في حياة الر�ضيع‪ ،‬فعن طريقها يتم نقله من �إن�سان‬
‫يعتمد على �أمه �إلى �إن�سان يعتمد على نف�سه تدريج ًّيا في ت�صريف بع�ض �ش�ؤونه‪ ،‬ففي خالل‬
‫ه���ذه المرحلة م���ن العمر يتعلم الوليد كيف يحافظ على حياته‪ ،‬ب�أن ي�أكل وي�ش���رب ويلب�س‬
‫ويجتهد في تنطيف نف�س���ه‪ ،‬ويتعلم كيف يت�ص���ل بالآخرين عن طريق تعلم الكالم والم�شي‬
‫واللع���ب‪ ،‬وم���ا �إلى ذلك من �أم���ور‪ ،‬ويتعلم كذلك الفرق بينه وبي���ن الآخرين ممن هم �أكبر‬
‫منه �س��� ًنا �أو �أ�صغر‪ ،‬وي�س���تطيع �أن يك ّون لنف�س���ه في هذ المرحلة بع�ض المفاهيم الب�سيطة‬
‫والمعارف المتوا�ضعة عن الحياة المادية واالجتماعية من حوله‪ ،‬ولهذا كان على الأم دور‬
‫رئي�س في تزويد الطفل بما يم ّكنه من التعرف ال�ص���حيح على العالم الجديد الذي �أ�ص���بح‬
‫ع�ض��� ًوا فيه‪ ،‬وعليها �أن تهيئ له من الألعاب والأن�ش���طة ما يعينه على فهم الأمور المحيطة‬
‫ب���ه‪ ،‬وم���ا يجعله قاد ًرا على ممار�س���ة حرية الحركة؛ ك���ي يعبر عن ن�ش���اطه الحر التلقائي‬
‫المبا�شر ب�أي�سر الطرق و�أ�سهلها‪ ،‬على �أن ترعى الأم حركات الطفل‪ ،‬وتر�شده‪ ،‬وت�أخذ بيده‬
‫‪171‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫في كل عمل يقوم به �أو ي�ش���رع في تنفيذه‪ ،‬فعن طريق هذا الإر�شاد يكت�سب الوليد الأنماط‬
‫ال�سلوكية النافعة ال�صحيحة‪.‬‬
‫وللوالدين �أهمية خا�ص���ة في تكوين �شخ�ص���ية الطفل‪ ،‬فعليهم���ا �أال يعاماله على �أنه‬
‫مجرد �ص���غير ال ي�ص���لح �إال للعب واللهو‪ ،‬كما عليهما �أال يحماله من الأعمال ما ال طاقة له‬
‫بها‪ ،‬في�شعر ب�ضعفه وعجزه‪.‬‬

‫(د) مرحلة الطفولة المبكرة‪:‬‬


‫هي المرحلة التي تبد�أ بانتهاء الر�ض���اعة (�أي عامين بعد الوالدة) وحتى ي�صل عمر‬
‫الطفل �إلى �س���ت �س���نوات‪ ،‬حيث يكون بعدها لديه القدرة واال�س���تعداد على االعتماد على‬
‫نف�س���ه �إلى حد ما‪ ،‬وي�س���هم بدور ما في بيئته االجتماعية‪� ،‬إذ �إن نموه الج�س���مي �أ�صبح في‬
‫�ص���ورة تمكنه من الم�ش���ي والحركة‪ ،‬و�إمكاناته العقلية تي�س���ر له الكالم والإدراك‪ ،‬ف�ضلاً‬
‫على �أنه يكت�س���ب في هذه المرحلة من القيم واالتجاهات االجتماعية والأ�س����س والقواعد‬
‫الأخالقية‪ ،‬ويكون قاد ًرا على التمييز بين ال�صواب والخط�أ‪.‬‬
‫والطفل في هذه المرحلة‪ ،‬تكثر لديه �أحالم اليقظة والتخيل‪ ،‬وعن طريقهما ين�س���ج‬
‫ق�ص�صا غير واقعية‪ ،‬وحكايات ُخرافية تحقق له �إ�شباعات معينة‪.‬‬
‫ً‬ ‫�أحيا ًنا‬
‫ومن الناحية االنفعالية تت�صف انفعاالت الطفل بالتقلب وال�شدة‪ ،‬ف�سرعان ما ي�ضحك‪،‬‬
‫ثم ينقلب �ضحكه بكاء‪ ،‬كثي ًرا ما يغ�ضب‪ ،‬ثم يعود فيقنع وير�ضى‪ .‬ومن الناحية االجتماعية‬
‫يبد�أ الطفل في هذه المرحلة بانتقاء �أ�صدقائه‪ ،‬ومن ثم تت�سع دائرة عالقاته االجتماعية‪،‬‬
‫وي�س���اعده على ذلك زيادة مح�ص���وله اللغوي الذي ينمو بتن���وع العالقات االجتماعية التي‬
‫ين�شئها مع الآخرين وبالخبرات االجتماعية التي يكت�سبها‪ .‬وينمو المح�صول اللغوي للطفل‬
‫عن طريق حب اال�ستطالع والرغبة في اكت�ساب معلومات ومعارف جديدة‪ .‬ومن المعروف‬
‫�أن النمو اللغوي يت�أثر بعوامل عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪172‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -1‬الظروف االجتماعية غري املالئمة‪ ،‬كعدم اختالط الطفل بالآخرين �أو قلة �أ�صدقائه‪.‬‬
‫‪ -2‬ومنها النواحي ال�صحية ال�سيئة‪ ،‬كاعتالل ال�صحة وا�ضطرابات الكالم‪ ،‬وخا�صة عند‬
‫النمو اللغوي‪.‬‬
‫‪ -3‬احلوا�س وعدم �سالمة �أجهزة الكالم‪ ،‬ومنها اال�ضطرابات االنفعالية التي يتعر�ض لها‬
‫الطفل �أو عدم �إقباله على قراءة الكتب الدينية وق�ص�ص الأنبياء والر�سل وجمالت‬
‫الأطفال واال�ستمتاع بالربامج الثقافية والدينية عرب و�سائل الإعالم‪.‬‬

‫(هـ) مرحلة الطفولة المت�أخرة‪:‬‬


‫تمتد هذه المرحلة من �سن ال�ساد�سة �إلى نحو �سن الثانية ع�شرة‪ ،‬حيث تبد�أ عالمات‬
‫البل���وغ في الظهور ل���دى الذكور‪ ،‬وقبل ذلك بعامين تقري ًبا تك���ون قد بد�أت هذه العالمات‬
‫عند الإناث‪.‬‬
‫وفي هذه المرحلة تقل �سرعة النمو ب�صفة عامة‪ ،‬حيث‪:‬‬
‫‪ -1‬يزداد منو الع�ضالت‪ ،‬وت�صري العظام �أقوى مما كانت عليه يف املرحلة ال�سابقة‪.‬‬
‫‪ -2‬تت�ساقط الأ�سنان اللبنية ليحل حملها �أ�سنان دائمة‪.‬‬
‫‪ -3‬يت�سع النمو احلركي‪ ،‬فيزيد ن�شاط الطفل‪ ،‬ويبد�أ ممار�سة كثري من الألعاب الريا�ضية‪،‬‬
‫وخ�صو�صا درجة اعتماده على‬
‫ً‬ ‫وهذا ما ميكنه من اال�ستقالل جزئ ًّيا عن الكبار‪،‬‬
‫�أ�سرته‪� ،‬إذ يكون قاد ًرا على القيام بنف�سه بكثري من حاجاته ومتطلباته‪.‬‬
‫والطفل في هذه المرحلة ي�س���تطيع التحكم في ع�ض�ل�اته‪ ،‬و�ضبط حركات العين بما‬
‫يجعل���ه ق���اد ًرا‪ ،‬على ت�أدية الأعمال التي تحتاج �إلى ت�آزر عقلي ب�ص���ري‪ ،‬كالكتابة والر�س���م‬
‫والأعمال اليدوية الأخرى‪.‬‬
‫من الناحية الح�س���ية‪ ،‬ينمو لدى الطفل الإدراك الح�سي‪ ،‬وتزداد دقة ال�سمع‪ ،‬ويطول‬
‫النظر‪ ،‬ويقوى ال�ش���م والتذوق واللم�س‪ ،‬وبا�س���تخدام الحوا�س الم�ش���ار �إليها يتقدم الطفل‬
‫‪173‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫ف���ي التعلم‪ ،‬فيتق���ن الكتابة‪ ،‬وتزداد ح�ص���يلته اللغوي���ة والعددية‪ ،‬ويكون ق���اد ًرا على تعلم‬
‫العمليات الح�سابية بما يزيد من قدرته على التح�صيل الدرا�سي‪ ،‬وكتابة المهارات العقلية‬
‫والخبرات المعرفية‪.‬‬
‫م���ن الناحي���ة االجتماعية تتميز هذه المرحلة بن�ش���اط اجتماعي زائ���د عند الطفل‪،‬‬
‫���اعا‪ ،‬عما كان في مرحلة‬
‫حيث تتكون لديه اتجاهات انفعالية وعاطفية �أكثر عمومية وات�س ً‬
‫الطفول���ة المبك���رة‪� ،‬إذ تت�س���ع عالقاته من النطاق الأ�س���ري ال�ض���يق المكون م���ن الأبوين‬
‫والإخ���وة‪ ،‬وتزداد العالقات االجتماعية في مداها خارج الأ�س���رة �إلى المدر�س���ة‪ ،‬فيتعامل‬
‫الطفل مع زمالئه والمدر�سين والإداريين وزمالء الف�صل ورفاق اللعب‪ ،‬ويتعامل في بيئته‬
‫مع بع�ض القائمين بالخدمات العامة ممن ي�ش���تري منهم حاجاته وحاجات الأ�سرة‪ ،‬ولهذا‬
‫أي�ض���ا من الناحي���ة العقلية يزداد لدي���ه الفهم والإدراك‪ ،‬وتنمو ق���درات الطفل على‬ ‫ف�إنه � ً‬
‫التذكر‪ ،‬وتنمو قدرته على التفكير المجرد واال�ستدالل‪ ،‬وي�ساعده ذلك على الن�ضج‪.‬‬

‫(و) مرحلة البلوغ «�أو مرحلة المراهقة المبكرة»‪:‬‬


‫ت�ص���ل هذه المرحلة بالفرد �إلى �س���ن الخام�س���ة ع�شرة‪ ،‬وهي ال�س���ن التي تكون فيها‬
‫عملي���ة البلوغ قد ت�ش���كل نموها الع�ض���وي والوظيفي‪ ،‬وف���ي هذه المرحلة الت���ي ينتقل فيها‬
‫الفرد من مرحلة الطفولة �إلى بداية مرحلة الر�ش���د والن�ض���ج العقل���ي‪ .‬وفي هذه المرحلة‬
‫تح���دث تغيرات عدة ف���ي حياة البالغ‪ ،‬تغيرات في النواحي الج�س���مية والعقلية واالنفعالية‬
‫واالجتماعي���ة‪ ،‬وين�ش����أ ع���ن ذلك اخت�ل�االت انفعالية الختالف ال�س���رعات الن�س���بية للنمو‬
‫الع�ض���وي والنف�س���ي للفرد‪ ،‬بحيث ي�ش���عر بالحيرة واالرتباك‪ ،‬ومن ثم يميل �سلوكه �أحيا ًنا‬
‫�إل���ى عدم االعتراف بالواقع‪� ،‬إذ �إنه يقف حائ ًرا بي���ن مرحلتين‪ :‬مرحلة الطفولة التي كان‬
‫يعتم���د فيه���ا جزئ ًّيا على الآخرين‪ ،‬ومرحلة البلوغ الم�س����ؤولة عن نقله �إلى مرحلة الر�ش���د‬
‫ش���� لديه ميل مبكر �إلى اال�س���تقالل‬
‫الت���ي يكون فيها معتمدً ا على نف�س���ه كل ًّيا‪ ،‬لهذا فقد ين� أ‬
‫عن الأ�س���رة وتكوين حياة م�س���تقلة بذاته‪ ،‬وال يمنعه من القيام بهذا اال�س���تقالل �إال عجزه‬
‫‪174‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ً‬
‫وتعوي�ض���ا عن ذلك يلج�أ البال���غ �إلى زيادة‬ ‫االقت�ص���ادي والمعايي���ر االجتماعية ال�س���ائدة‪.‬‬
‫االهتمام بالآخرين‪ ،‬فيم�ضي معظم وقته مع �أ�صدقائه ويزداد تقديره واحترامه لهم‪ ،‬وقد‬
‫يندمج في جماعات مارقة �أو �سوية‪.‬‬
‫وتظه���ر ل���دى البال���غ �إمكان���ات النقد والتحلي���ل‪ ،‬التي تكون م�ؤ�س�س���ة عل���ى قليل من‬
‫الخب���رة والمعلوم���ات‪ ،‬ويمي���ل البالغ نحو البحث ع���ن المثل العليا في حي���اة البارزين من‬
‫العلماء والعاملين في الخدمات االجتماعية‪ ،‬وتزداد لديه الح�سا�س���ية االجتماعية‪ ،‬خالل‬
‫تفاعل���ه اليومي م���ع الفئات االجتماعية المختلفة‪ ،‬لكنه مع ذل���ك يحاول جاهدً ا �أن يتكيف‬
‫معها‪ ،‬وين�سجم مع معاييرها ومتطلباتها‪ ،‬وهو في �سعيه نحو هذا التكيف يكت�سب مهارات‬
‫اجتماعية �أف�ضل تمكنه من ا�ستمرارية االندماج مع الجماعات التي يتكيف معها‪.‬‬

‫(ز) مرحلة المراهقة المتو�سطة والمت�أخرة‪:‬‬


‫من خالل هذه المرحلة ي�ص���ل الفرد �إلى ن�ض���ج �أكمل و�أ�ش���مل‪ ،‬حيث يكون �سنه بين‬
‫عاما‪ ،‬ولما كانت مرحلة البلوغ مرحلة ق�صيرة‪� ،‬إذ �إنها البدايات الأولية‬ ‫‪ً 21-18 ،18 -15‬‬
‫للمراهقة‪ ،‬ف�إن الخ�ص���ائ�ص المميزة لكل من البلوغ والمراهقة‪ُ ،‬تع ّد مظاهر متداخلة �إلى‬
‫حد كبير‪ ،‬وتبدو مظاهر النمو الج�س���مي في النمو الغددي الوظيفي ونمو الجهاز العظمي‪،‬‬
‫والقدرة الع�ض���لية ونمو الأع�صاب الداخلية ووظائفها المختلفة‪ .‬ولهذا‪ ،‬ف�إن لرعاية النمو‬
‫الج�سمي في هذه المرحلة �أهمية بالغة‪� ،‬إذ على الأ�سرة �أن تهيئ المناخ الأ�سري المنا�سب‬
‫للمراهق؛ حتى يجتاز هذه المرحلة اجتيا ًزا �س���هلاً ي�س���ي ًرا‪ ،‬ولقد نب���ه القر�آن الكريم �إلى‬
‫ه���ذه الحقيقة في قوله تعال���ى‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ { (النور‪.)59 :‬‬
‫ويجب �أن يقوم الدعاة‪ ،‬من خالل الم�ساجد‪ ،‬بالتوجيه والإر�شاد الديني‪ ،‬الذي يمكن‬
‫المراهقي���ن‪ ،‬في هذه المرحلة الحرجة من �أعمارهم‪ ،‬من اجتيازها دون �إثارة م�ش���كالت‬
‫مع �أنف�سهم وذويهم ومدر�سيهم وغيرهم‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫ويج���ب على المدر�س���ة �أن توج���ه المراهق‪� ،‬إلى العادات ال�ص���حية المنا�س���بة‪ ،‬التي‬
‫يج���ب علي���ه �أن يمار�س���ها في غذائ���ه‪ ،‬حتى ال يعوق ذل���ك نموه‪ ،‬وعل���ى المدر�س���ة �أن ُتع ّد‬
‫برامجه���ا الال�ص���فية‪ ،‬بحي���ث تمكن المراهق من ممار�س���ة ما يف�ض���له من هواي���ات‪ ،‬و�أن‬
‫تم��� ّده بالمعلومات والمعارف الت���ي تجعله يتقبل التغيرات ال�س���ريعة التي حدثت له‪ ،‬وعلى‬
‫الم�ؤ�س�س���ات االجتماعي���ة المختلف���ة‪ ،‬كالأندية ودور ال�ش���باب‪� ،‬أن تعقد الن���دوات وحلقات‬
‫الدر�س التي تو�ضح للمراهق �أ�س�س الرعاية ال�صحية والتربوية المنا�سبة له‪.‬‬
‫م���ن الناحية العقلي���ة والمعرفي���ة‪ ،‬ف�إنه في مرحل���ة المراهقة تبد�أ مي���ول الفرد في‬
‫التركي���ز والتبل���ور‪ ،‬فيتجه �إل���ى اختيار مج���االت معرفية معين���ة يهتم بقراءتها‪ ،‬و ُيف�ض���ل‬
‫�س���ماع بع�ض البرامج الإذاعية وم�ش���اهدة بع�ض العرو�ض التليفزيونية‪ ،‬ويعاونه في الفهم‬
‫واال�س���تيعاب‪ ،‬ما و�صل �إليه من ن�ض���ج عقلي وانتباه قوي و�إدراك مت�سع المدى وتذكر مداه‬
‫مت�سع‪ ،‬ي�ساعده على عمليات اال�ستدعاء والتعرف‪ ،‬التي تغذي الحافظة الذاكرة‪ ،‬بما يجعل‬
‫انتظاما وتنا�س ًقا و�أكثر معنو ًّيا وتجريدً ا‪.‬‬
‫ً‬ ‫العمليات الفكرية للمراهق �أكثر‬
‫وخ�ل�ال مرحل���ة المراهقة تتط���ور الميول المهني���ة للفرد‪ ،‬وهي تخ�ض���ع في تطورها‬
‫العتب���ارات عدة‪ ،‬منها درج���ة ذكاء المراهق‪ ،‬وقدرت���ه المعرفية والتح�ص���يلية‪ ،‬وخبراته‬
‫المكت�س���بة والم�ستوى االجتماعي واالقت�صادي لأ�سرته وبيئته‪ .‬ولهذا كان للتوجيه التعليمي‬
‫ف���ي هذه المرحلة المهمة من حي���اة الفرد �أهمية بالغة‪� ،‬إذ يج���ب �أن يعتمد هذا التوجيه‪،‬‬
‫وي�س���تند على القيا�س الدقيق‪ ،‬لعدد من �س���مات الفرد العقلية والع�ض���لية والنف�س���ية‪ ،‬وما‬
‫يتميز به من ا�س���تعدادات وقدرات وميول واتجاهات‪ ،‬حتى يت�س���نى توجيهه توجي ًها تعليم ًّيا‬
‫يتفق مع ما يتمتع به من خ�صائ�ص و�صفات‪.‬‬
‫من الناحية االنفعالية‪ ،‬يجب �أن تتجه الرعاية �إلى تر�شيد النمو االنفعالي للمراهق؛‬
‫كي يكت�س���ب الثقة بالنف�س عن طريق تدريبه على القيام بت�ص���ريف �أموره ال�شخ�صية‪ ،‬مع‬
‫م�ساعدته على تخطيط م�ستقبله واتخاذ قراراته بنف�سه‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ومن الناحية االجتماعية‪ ،‬يجب �أن تمتد الرعاية �إلى النمو االجتماعي للمراهق‪ ،‬نحو‬
‫التكيف االجتماعي عن طريق تهيئة الجو المالئم له لممار�س���ة الأن�ش���طة االجتماعية على‬
‫اختالفها‪ ،‬ممار�س���ة تخ�ض���ع لما يلتزمه بال�ض���بط االجتماعي‪ ،‬والتوافق لمعايير المجتمع‬
‫و�أهدافه المتمثلة في قيام الفرد بواجباته الدينية والأ�س���رية واحترام التزاماته وحقوقه‪،‬‬
‫والوفاء بما يتعهد به من �أعمال و�أداءات‪ ،‬والعمل على تكوين ال�صداقات والحفاظ عليها‪،‬‬
‫و�أن يقب���ل نق���د الآخرين نقدً ا مو�ض���وع ًّيا بنا ًء‪ ،‬ويتقب���ل نقدهم بروح عالي���ة‪ ،‬فيعرف من‬
‫خالل���ه نواحي قوته وجوانب عجزه و�ض���عفه‪ ،‬فيزيد من الأول���ى‪ ،‬ويعمل على تالفي الثانية‬
‫�أو م�سامحتها‪.‬‬

‫(ح) مرحلة الر�شد وال�شباب‪:‬‬


‫ت�س���مى مرحلة الكبار‪ ،‬وتت�ض���من ه���ذه المرحلة عددًا من المراح���ل النمائية للفرد‪،‬‬
‫فمرحلة الر�شد تحتل العمر الزمني من ‪ ،40 - 21‬ومرحلة �أوا�سط العمر ت�صل بالفرد �إلى‬
‫�سن ‪� 60‬سنة‪ ،‬وت�أتي مرحلة ال�شيخوخة‪ ،‬وهي تبد�أ بعد ‪� 60‬سنة‪ ،‬ثم ت�ستمر حتى نهاية عمر‬
‫الفرد‪ .‬وفيما ي�أتي الخ�صائ�ص العامة للمراحل العمرية الم�شار �إليها‪:‬‬
‫‪ -1‬مرحلة الر�شد‪ :‬حيث يقوى البناء اجل�سمي‪ ،‬وي�صل �إىل متام ن�ضجه‪ ،‬وي�صل الفرد‬
‫�إىل الذروة الإنتاجية يف الن�شاط الذي يقوم به‪� ،‬سواء كان تعليم ًّيا �أو مهن ًّيا‪ ،‬ولهذا‬
‫ف�إن مكانة الفرد االجتماعية تتحدد حقيقة يف هذه املرحلة‪ ،‬وت�ستقر حياته العائلية‪.‬‬
‫‪ -2‬ال�شباب‪ :‬وهي مرحلة �أوا�سط العمر‪ ،‬حيث يجني الفرد ثمار بذله وعطائه‪ ،‬في�شعر ب�أنه‬
‫قد حقق بع�ض �أمانيه و�أهدافه‪� ،‬سواء كان ذلك التحقيق جزئ ًّيا �أو كل ًّيا‪ ،‬ويبد�أ بالر�ضا‬
‫عن حياته‪ ،‬حتى لو كان قد �أخفق يف بع�ض جوانبها‪ ،‬ويجد الفرد يف هذه املرحلة ‪-‬‬
‫فر�صا متعددة للتعبري عن ذاته‪ ،‬يبد�أ يف التخفيف من �أعبائه االجتماعية‬ ‫عادة ‪ً -‬‬
‫والوظيفية‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫(ط) مرحلة ال�شيخوخة‪:‬‬


‫حيث ُي�صبح الفرد �أكثر تمرك ًزا حول ذاته‪ ،‬فيهتم بنف�سه و�أحواله ال�صحية؛ ل�شعوره ب�أن‬
‫نهاي���ة العمر قد قربت‪ ،‬ولهذا يلج�أ غال ًبا �إلى االهتمام بالأمور الدينية ا�س���تيعا ًبا وممار�س���ة‪،‬‬
‫ويجد ال�ش���يخ �ص���عوبة ف���ي المحافظة على مكانت���ه المهني���ة واالجتماعية؛ نظ��� ًرا للتطورات‬
‫المتالحقة واال�ستحداثات التقنية التي ت�سابق الزمن الذي عا�شه‪ ،‬حيث ي�شعر بال�ضيق؛ لعدم‬
‫قدرته ج�سم ًّيا وعقل ًّيا على مالحقتها‪ ،‬ولهذا من الواجب الإن�ساني رعاية كبار ال�سن؛ حتى ال‬
‫ي�ش���عروا بالملل والعزلة‪ ،‬وحتى ي�س���تفيد المجتمع من ن�شاطهم وجهدهم‪ .‬ويمكن تدريب هذا‬
‫القطاع على بع�ض الأعمال والأداءات المنا�س���بة لخ�ص���ائ�ص المرحلة التي يمرون بها ك�س ًبا‬
‫لوقتهم ومل ًءا لفراغهم وتحقي ًقا لأهداف المجتمع والأفراد على حد �سواء‪.‬‬
‫فيما يتعلق بتدريب الكبار‪ ،‬ف�إنه يتم على �أ�س���ا�س القيام ببع�ض الأعمال لدى الكبار‪،‬‬
‫من حيث تميز �س���لوكهم ب�ص���فة عامة بالثبات واال�س���تقرار وال�ص���بر والمثابرة واالنتظام‬
‫فر�ص���ا للتعر�ض لحوادث العمل‪ ،‬و�أ�صلح من ال�صغار‬ ‫وال�ض���بط‪� ،‬إ�ضافة �إلى �أن الكبار �أقل ً‬
‫للقيام بمهام القيادة والإ�شراف‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الأ�سا�س الرتبوي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين‪:‬‬


‫بجانب الأ�سا�س الع�ضوي في تق�سيم مراحل النمو الإن�ساني‪ ،‬هناك الأ�سا�س التربوي‪،‬‬
‫القائم على اكت�ساب المعارف والتح�صيل العلمي في جميع مراحله‪ ،‬حيث ُتق�سم المراحل‬
‫العمرية عند الإن�سان في بنائها ونمائها المعرفي والعملي �إلى‪:‬‬

‫(�أ) مرحلة ما قبل التعليم االبتدائي‪:‬‬


‫ت�س���تمر ه���ذه المرحلة من الميالد حت���ى نهاية مرحلة الطفولة المبكرة التي ي�ص���ل‬
‫الطفل في نهايتها �إلى �س���ن ال�ساد�سة من عمره‪ ،‬وهي ال�س���ن التي تتوافق والنمو الج�سمي‬
‫والعقلي للطفل لبدء الدخول �إلى المدر�سة االبتدائية (التعليم الأ�سا�سي)‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(ب) مرحلة التعليم االبتدائي‪:‬‬


‫تقاب���ل هذه المرحل���ة المرحلة التكوينية‪ ،‬التي يكون الطفل خاللها في �س���ن ال�س���ت‬
‫�سنوات �إلى االثنتي ع�شرة �سنة‪ ،‬حيث ُينهي في هذه ال�سن تقري ًبا الدرا�سة االبتدائية‪.‬‬
‫(جـ) مرحلة التعليم المتو�سط (الإعدادي)‪:‬‬
‫ومع بداية هذه المرحلة‪ ،‬يكون الطفل قد و�صل �إلى �سن البلوغ‪ ،‬الذي ينقله من مجرد‬
‫طفل‪� ،‬إلى اكت�س���اب خ�صائ�ص ج�سمية وجن�سية ت�س���هم في تكوين رجولته‪ ،‬وهذه المرحلة‬
‫العمري���ة م���ن الناحية الع�ض���وية‪ُ ،‬يطلق عليها مرحل���ة المراهقة المبك���رة‪ ،‬وهي من عمر‬
‫‪� 15 - 12‬سنة‪.‬‬
‫(د) مرحلة التعليم الثانوي‪:‬‬
‫تت�س���م هذه المرحلة‪ ،‬بظهور تغيرات‪ ،‬ت�ش���مل مظاهر عدة عند البال���غ‪ ،‬تعبر به �إلى‬
‫مرحلتي المراهقة المتو�سطة والمت�أخرة‪ .‬والعمر الزمني لهذه المرحلة من ‪� 18 -15‬سنة‪.‬‬
‫(هـ) مرحلة التعليم العالي‪:‬‬
‫خالل ه���ذه المرحلة‪ ،‬يكون المراهق قد اجتاز مرحلة المراهقة‪ ،‬وي�ص���ل �إلى بداية‬
‫مرحلة الر�شد‪ ،‬والعمر الزمني لهذه المرحلة من ‪� 22 - 18‬سنة‪.‬‬
‫وفي نهاية هذه المرحلة يكون الرا�شد قد اكتمل بنا�ؤه ون�ضجه التكويني‪ ،‬بحيث يكون‬
‫قاد ًرا على تكوين �أ�س���رة م�ستقلة من الناحية االقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬حيث ي�صل العمر‬
‫الزمني للفرد في هذه المرحلة �إلى ما يزيد على ‪� 22‬سنة‪ ،‬ف�صاعدً ا‪.‬‬

‫الأ�سا�س التكويني الع�ضوي يف تق�سيم مراحل النمو‪:‬‬


‫ما قبل امليالد ‪ -‬الر�ضاعة (املهد)‪ -‬احل�ضانة ‪ -‬الطفولة املبكرة ‪ -‬الطفولة‬
‫املت�أخرة ‪ -‬املراهقة (املبكرة‪ ،‬املتو�سطة‪ ،‬املت�أخرة‪ ،‬الر�شد‪ ،‬ال�شيخوخة)‪.‬‬
‫الأ�سا�س الرتبوي‪:‬‬
‫(ما قبل التعليم ‪ -‬االبتدائي ‪ -‬املتو�سط ‪ -‬الثانوي ‪ -‬العايل)‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫ثال ًثا‪ :‬الأ�سا�س االجتماعي في تق�سيم مراحل النمو الإن�ساني‪:‬‬


‫حيث يهتم المربون والآباء بتطور عالقات الطفل بالبيئة المحيطة به‪ ،‬ومدى ات�ساع‬
‫دائرة العالقات بما يتنا�س���ب م���ع عمره‪ ،‬و�أهم مظاهر الأ�س���ا�س االجتماعي لنمو الطفل‪،‬‬
‫يتمثل في اللعب الذي يمر بمراحل مختلفة‪ ،‬منها اللعب االنعزالي واالنفرادي والجماعي‪،‬‬
‫واللعب في حد ذاته مظهر لنمو ع�ضوي تكويني وظيفي نف�سي اجتماعي‪.‬‬

‫راب ًعا‪� :‬أ�سا�س تطور االهتمامات‪:‬‬


‫في حياة ال�صغار هناك �أربعة اهتمامات‪ ،‬قد تنق�سم �إليها مراحل العمر‪:‬‬
‫‪ -‬االهتمام الأول‪ :‬م�ستوى اللذة والألم‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام الثاني‪ :‬م�ستوى الثواب والعقاب‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام الثالث‪ :‬م�ستوى المدح والذم‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام الرابع‪ :‬م�ستوى االهتمام بالقيم للقيم ذاتها‪.‬‬
‫ووف���ق ما يرى بع�ض المهتمين بهذا الأ�س���ا�س‪ ،‬ف�إن ال�س���لوك من ناحي���ة القيم يكون‬
‫الرغبة في ذات الف�ضيلة‪ ،‬ومن ثم االلتزام بالف�ضائل واالبتعاد عن الرذائل‪.‬‬

‫خام�سا‪� :‬أ�سا�س تطور القوى‪:‬‬


‫ً‬
‫مثل �ش���هوة الطعام و�شهوة الجاه والريا�سة و�شهوة المعرفة‪ ،‬ومن الناحية الإ�سالمية‬
‫يمكن �إلزام ال�صغار بالآداب والأخالقيات الخا�صة بهذه ال�شهوات عند ظهورها‪.‬‬
‫يحتاج الفرد �إلى التعرف �إلى ما ُيعرف بمتطلبات النمو الإن�س���اني‪ ،‬في مدارج العمر‬
‫ومراحله التكوينية‪ ،‬حيث ُي�صاحب التكوين الع�ضوي في نمائه متطلبات وحاجات ُي�صاحبها‬
‫مظاه���ر في النم���و‪ .‬لذلك ال بد من معرفة ما �إذا كانت طبيعي���ة �أو متقدمة �أو مت�أخرة في‬
‫‪180‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ظهورها عن المعدل المتوقع لظهورها‪ ،‬ومتطلبات النمو قد ترجع لعوامل تكوينية ع�ضوية‪،‬‬
‫كالمظاهر الحركية والح�سية‪ ،‬وبع�ضها يعود لعوامل اجتماعية ثقافية‪ ،‬كتعلم �آداب الطعام‬
‫وكيفي���ة معاملة الكبار �أو ممار�س���ة �ألعاب القوى‪� ،‬أو الفرو�س���ية �أو ال�س���باحة �أو غيرها‪� ،‬أو‬
‫القي���م الديني���ة �أو االجتماعية وف ًقا لما يدين به النا�س من العقيدة ال�ص���حيحة والروابط‬
‫االجتماعية ال�سائدة‪.‬‬

‫تت�ضمن مراحل النمو الإن�ساين الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬الأ�سا�س التكويني الع�ضوي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪ )2‬الأ�سا�س الرتبوي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪ )3‬الأ�سا�س االجتماعي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين‪.‬‬
‫(‪� )4‬أ�سا�س تطور االهتمامات‪.‬‬
‫(‪� )5‬أ�سا�س تطور القوى‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬تق�سم مراحل النمو الإن�ساين على �أ�سا�س‪:‬‬
‫‪ -‬الأ�سا�س التكويني الع�ضوي‪.‬‬
‫‪ -‬الأ�سا�س الرتبوي‪.‬‬
‫‪ -‬الأ�سا�س االجتماعي‪.‬‬
‫‪� -‬أ�سا�س تطور االهتمامات‪.‬‬
‫‪� -‬أ�سا�س تطور القوى‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫‪ -2‬الأ�سا�س التكويني الع�ضوي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين ي�شمل‪:‬‬


‫مرحلة ما قبل امليالد ‪ -‬مرحلة امل�ضغة ‪ -‬مرحلة اخللق ‪ -‬مرحلة الر�ضاعة‬
‫�أو املهد‪ -‬مرحلة احل�ضانة ‪ -‬مرحلة الطفولة املبكرة ‪ -‬مرحلة الطفولة املت�أخرة ‪-‬‬
‫مرحلة البلوغ (املراهقة املبكرة) ‪ -‬املراهقة املتو�سطة واملت�أخرة ‪ -‬مرحلة الر�شد‬
‫وال�شباب والرجولة وال�شيخوخة‪.‬‬
‫‪ - 3‬الأ�سا�س الرتبوي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�ساين ي�شمل‪:‬‬
‫مرحلة ما قبل التعليم االبتدائي ‪ -‬مرحلة التعليم االبتدائي ‪ -‬مرحلة التعليم‬
‫املتو�سط‪ -‬مرحلة التعليم الثانوي ‪ -‬مرحلة التعليم اجلامعي ‪ -‬مرحلة التعليم العايل‪.‬‬
‫‪ -4‬الأ�سا�س االجتماعي يف تق�سيم مراحل النمو الإن�سان‪ ،‬ميثل اللعب االنعزايل واالنفرادي‬
‫واجلماعي‪.‬‬
‫‪� - 5‬أ�سا�س تطور االهتمامات يق�سم مراحل العمر على �أ�سا�س‪:‬‬
‫م�ستوى اللذة والأمل ‪ -‬الثواب والعقاب ‪ -‬املدح والذم ‪ -‬االهتمام بالقيم‪.‬‬
‫‪� - 6‬أ�سا�س تطور القوى مثل ال�شهوات التي يجب من الناحية الإ�سالمية االلتزام بها‬
‫وب�آدابها و�أخالقياتها‪.‬‬

‫�أ�سئلة وتمارين‪:‬‬
‫‪ - 1‬حدد مراحل النمو الإن�ساين يف مرحلة الر�ضاعة واملهد واحل�ضانة‪.‬‬
‫‪ - 2‬حدد مراحل النمو الإن�ساين يف مرحلة البلوغ واملراهقة املتو�سطة واملت�أخرة‪.‬‬
‫‪ - 3‬و�ضح مراحل الأ�سا�س الرتبوي ملا قبل التعليم االبتدائي ومرحلة التعليم االبتدائي‪.‬‬
‫أ�سا�سا من �أ�س�س النمو الإن�ساين‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ُ - 4‬يع ّد اللعب ب�أنواعه املختلفة � ً‬
‫مطالب النمو يف مرحلة الطفولة‬
‫(طفل ما قبل التعليم الأ�سا�سي)‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل مطالب النمو يف مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن مييز املطالب واملظاهر العقلية يف مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يعدد مفاهيم الذكاء‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يحدد العوامل امل�ؤثرة يف الذكاء‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يف�سر كيفية تعلم املهارات العقلية‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يعدد مظاهر ومطالب اجلوانب االنفعالية‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن يتعرف �إىل �أنواع االنفعاالت يف مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫(‪� )8‬أن يذكر دور النمو اخللقي والديني يف مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫(‪� )9‬أن يقدر دور الإ�سالم يف تف�سري مراحل النمو الإن�ساين يف مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫مطالب النمو يف مرحلة الطفولة‬
‫(طفل ما قبل التعليم الأ�سا�سي)‬

‫‪:‬‬
‫تب���د�أ مطالب النمو الإن�س���اني لمقابلة احتياجات الطفل من���ذ ميالده‪ ،‬حتى التحاقه‬
‫بالتعلي���م الأ�سا�س���ي‪� ،‬أي التعليم االبتدائ���ي‪ ،‬ليبد�أ مرحلة عمرية لها خ�ص���ائ�ص ومطالب‬
‫تختلف عن مرحلة ما قبل التعليم الأ�سا�سي‪ ،‬التي ُتعرف بمرحلة الطفولة‪ ،‬التي تق�سم �إلى‪:‬‬
‫مرحلة المهد ‪ -‬الر�ضاعة ‪ -‬الفطام ‪ -‬الطفولة المبكرة‪.‬‬

‫وهناك مطالب متعددة تتمثل في الآتي‪:‬‬

‫(�أ) المطالب التكوينية الع�ضوية‪:‬‬

‫ومن هذه المطالب تعلم الم�شي والأكل والكالم والمهارات الحركية‪.‬‬

‫(ب) المطالب الثقافية واالجتماعية‪:‬‬

‫مثل اكت�ساب المهارات الخا�صة بالعالقات االجتماعية‪ ،‬وتعلم المهارات العقلية التي‬
‫تمكن الفرد من تحمل الم�س����ؤولية االجتماعية‪� ،‬إ�ضافة �إلى اكت�ساب القيم الذاتية كتكوين‬
‫ال�ض���مير والقيم الخلقية والمعايير ال�سلوكية‪ ،‬التي تمكن الفرد من اكت�ساب ما يمكنه من‬
‫اجتياز دروب الحياة‪ ،‬ب�صورة م�ستقرة �آمنة‪ ،‬عند الأ�سوياء من الأفراد‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(جـ) مطالب الجوانب المعرفية والعقلية في مرحلة الطفولة‪:‬‬


‫تبد�أ بالمطالب المعرفية والعقلية‪ ،‬حيث ت�شتمل الجوانب المعرفية على مجموعة من‬
‫المظاهر والمطالب النف�سية الأ�سا�سية‪ ،‬كالتعلم والتذكر والتفكير‪ ،‬وهذه المظاهر تت�شابه‬
‫فيما بينها في المراحل المعرفية المتعاقبة عند �سوية النمو‪ ،‬نظ ًرا لت�شابه القدرات العقلية‬
‫المت�ضمنة في كل منها‪ ،‬وتختلف فيما بينها نظ ًرا الختالف طبيعة المعلومات الخا�صة بكل‬
‫منها و�أ�سلوب عر�ضها‪.‬‬
‫فالتعلي���م يتم عن طريق عر����ض مادة تعليمية عددًا من الم���رات على المتعلم‪ ،‬ليتم‬
‫اكت�سابه للمعلومات والمعارف المت�ضمنة في المادة التعليمية‪.‬‬
‫�أم���ا التذكر فيتم عن طريق ا�س���تيعاب المعلومات وتخزينها ومحاولة ا�س���ترجاعها‪،‬‬
‫عندما تتطلب المواقف الحياتية ذلك الأمر‪ ،‬لكن هذا اال�س���تيعاب والتخزين واال�سترجاع‬
‫ال يت���م �إال بع���د اكت�س���اب المادة الم���راد تخزينه���ا‪� ،‬أي �إنه يح���دث بعد عملي���ة التعلم‪� ،‬أو‬
‫حينم���ا تكون المعلومات جديدة لم ي�س���بق معرفته���ا من قب���ل‪� ،‬إذ �إن المعلومات هذه‪� ،‬أي‬
‫الجديدة‪ ،‬تتطلب ن�ش���اط التفكير الذي يي�سر عملية ا�س���تيعاب المعلومات‪ ،‬ومن ثم �إمكان‬
‫تخزينها وا�ستيعابها (ا�سترجاعها) عندما تتطلب المواقف العلمية والمعرفية �أو الحياتية‬
‫ا�ستدعاء هذه المعلومات‪ ،‬ولهذا ف�إن الجوانب المعرفية ال تقت�صر على التعلم وحده‪ ،‬و�إنما‬
‫أي�ض���ا التذكر والتفكير بو�صفهما عمليتين الزمتين لعملية التعلم‪ ،‬و�ضروريتين لها‬ ‫ت�شتمل � ً‬
‫�إذا �أردنا �أن يكون تعلمنا على م�ستوى جيد‪.‬‬
‫وتت�ضمن متطلبات الجوانب المعرفية والعقلية في النمو عند الطفل‪ ،‬ما ي�أتي‪:‬‬

‫متطلبات النمو العقلي ومظاهره في مرحلة الطفولة‪:‬‬


‫تعلم المهارات ال�ش���فوية التي تبد�أ بمهارة اال�ستماع‪ ،‬حيث يمكن للطفل في المراحل‬
‫الأولى فهم معنى الحوار والكالم مما يكون في عقله من مفاهيم‪ ،‬ولهذا ف�إن الطفل يمكن‬
‫‪187‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫�أن يفهم عددًا كبي ًرا من الألفاظ والتعبيرات‪ ،‬لكنه ال يقدر �إال على ا�ستخدام القليل منها‪،‬‬
‫�إذا م���ا �أراد �أن ُيعب���ر عنها بلغته‪� ،‬إذ �إن طاقاته العقلية قبل دخوله المدر�س���ة االبتدائية ال‬
‫تمكنه من التعبير الكالمي ب�سهولة‪.‬‬
‫ويب���د�أ �إدراك الطف���ل للفروق القائمة بين الأ�ش���كال المختلف���ة وتعبيرها في مرحلة‬
‫مبك���رة‪ ،‬بينم���ا ال يبد�أ ف���ي �إدراك التباين والتناظر بين الأ�ش���كال �إال فيما بين الخام�س���ة‬
‫وال�ساد�سة من عمره‪ ،‬ففي هذه ال�سن ي�سهل عليه �إدراك الحروف المت�شابهة كالألف والميم‪،‬‬
‫وي�صعب عليه �إدراك الحروف المتقاربة كالباء والتاء والثاء‪ .‬وي�ستطيع طفل الرابعة تمييز‬
‫الألوان‪ ،‬لكنه يع�ص���ب عليه تمييز درجات اللون الواحد نظ ًرا لتقاربها‪ ،‬ويمكن لطفل هذا‬
‫العم���ر المقارنة بي���ن الحجوم المختلفة الكبيرة وال�ص���غيرة في البداي���ة‪ ،‬ثم الفروق بين‬
‫الكبيرة والمتو�س���طة وال�ص���غيرة‪� .‬إ�ضافة �إلى تدرج اكت�ساب ال�ص���غار للمهارات المعرفية‬
‫والعقلية في اكت�ساب مهارات القراءة والكتابة‪.‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فالطفل ما بين الخام�سة والثامنة ي�ستطيع �أن يتعلم � ً‬
‫أي�ضا المهارات اللغوية‪،‬‬
‫حيث يمكن القيام بالعمليات الح�سابية الأ�سا�سية كالجمع والطرح‪ ،‬ثم ال�ضرب والق�سمة‪،‬‬
‫وفي هذا العمر ي�ستطيع الطفل �أن ُيدرك الزمن الحا�ضر والم�ستقبل ثم الما�ضي‪ ،‬و ُيدرك‬
‫الأيام وعالقتها بالأ�س���بوع‪ ،‬ثم ف�صول ال�سنة‪ ،‬ثم �شهور ال�سنة‪ ،‬وال يت�سنى للطفل �أن ُيدرك‬
‫ما يعنيه المدى الزمني للدقيقة �أو ال�س���اعة �إال عند �س���ن ال�س���ابعة من عمره‪ ،‬ف ُيميز الليل‬
‫من النهار والعك�س‪ ،‬ثم ال�صباح والظهر والم�ساء والليل‪ ،‬ثم بين ال�ساعات‪ ،‬ثم ُيميز �أخي ًرا‬
‫بين �أجزاء ال�ساعة زمن ًّيا‪.‬‬
‫وبنم���و المفاهيم العقلية‪ ،‬ي�س���تطيع الطفل �أن يتعامل مع بيئت���ه بدرجة من الكفاية‪،‬‬
‫يح���دد كمها ونوعها درجة ن�ض���جه العقلي وذكائه العام‪ ،‬وخا�ص���ة عندما تقوم المدر�س���ة‬
‫والأ�سرة متعاونة في نماء الطفل المعرفي والعقلي‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(‪ )1‬الذكاء‪:‬‬
‫ُيع��� ّرف الذكاء ب�أنه قدرة الف���رد عل التكيف بنجاح‪ ،‬عندما تقاب���ل الفرد في الحياة‬
‫عالق���ات تحت���اج �إلى ت�ص���رف معين‪ .‬وهذا التعري���ف ُيركز على تكيف الف���رد وتوافقه مع‬
‫البيئ���ة الت���ي يعي�ش فيها‪ .‬وقد ُيعرف ال���ذكاء ب�أنه القدرة على التعل���م‪� ،‬أو التفكير المجرد‬
‫�أو الت�ص���رف الهادف والتفكير المنطقي‪ .‬وهي تعريفات تهتم بقدرة الفرد على اكت�س���اب‬
‫المعارف والخبرات والإفادة منها وا�ستخدامها في الحياة‪.‬‬
‫ووف ًقا لهذا التعريف‪ ،‬ف�إن ال�ش���خ�ص الذكي هو الأ�س���رع فه ًما‪ ،‬والأقدر على �س���رعة‬
‫نجاحا وتوفي ًقا في الدرا�سة �أو العمل بوجه عام‪.‬‬
‫التعلم واالبتكار وح�سن الت�صرف‪ ،‬والأكثر ً‬
‫والذكاء بو�صفه قدرة عقلية‪ ،‬ي�ستمر في النماء حتى �سن الع�شرين �أو بعد هذا بقليل‪،‬‬
‫حيث يقل نمو الذكاء تدريج ًّيا بعد ذلك‪ ،‬ويت�أثر الذكاء بمجموعة من العوامل‪� ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬العوامل الوراثية والبيئية‪.‬‬
‫‪ -‬العوامل االنفعالية‪.‬‬
‫‪ -‬القدرات المكت�سبة‪.‬‬
‫وكل ه���ذه العوام���ل ُت�س���هم بدرج���ة �أو ب�أخرى في نمو ال���ذكاء‪ ،‬فالفرد ال���ذي تتوافر‬
‫حظا في �إمكاني���ة نمو ذكائه عن‬‫ل���ه رعاية �ص���حية وثقافية واجتماعية طيبة‪ ،‬يك���ون �أكثر ًّ‬
‫الآخرين الذين ال تتوافر لهم مثل هذه الرعاية‪ ،‬و�إن الم�س���توى االقت�ص���ادي للأ�س���رة من‬
‫العوام���ل المهيئة لنم���و ذكاء الأبناء نم ًّوا طبيع ًّيا‪ ،‬حيث توفر هذه الظروف البيئية لهم من‬
‫الإمكانات والأجهزة والأدوات ما ُيك�س���بهم خبرات وممار�س���ات علمي���ة ومعرفية وعقلية‪،‬‬
‫تزيد من مهاراتهم التعليمية في هذا المجال‪.‬‬

‫(‪ )2‬تعلم المهارات العقلية‪:‬‬


‫ال يق�صد بتوقف نمو الذكاء العام �أن يتوقف التعلم‪ ،‬ومن ثم يتوقف اكت�ساب المهارات‬
‫على اختالف �أنواعها وم�س���توياتها‪� ،‬إذ �إن الإن�سان الفرد لديه ا�ستعداد �أن يتعلم‪ ،‬ويكت�سب‬
‫‪189‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫مع���ارف ومهارات �أخرى طالما لديه القدرة على ذل���ك‪ ،‬والرغبة والميل �إلى تحقيق تقدم‬
‫نحو التعلم �أو اكت�س���اب المهارات التي ال يعرفها من قبل‪ ،‬كتعلم قيادة ال�سيارات �أو القيام‬
‫بعملي���ات ميكانيكي���ة‪� ،‬أو ت�ش���غيل �أجهزة �إليكتروني���ة حديثة‪ ،‬يمكن �أن تت���م بعد توقف نمو‬
‫ال���ذكاء‪ .‬وبالمثل يمكن �أن ينمي الفرد مهاراته في مج���االت متعددة‪ ،‬كالمجاالت المهنية‬
‫�أو االجتماعية �أو التقنية �أو الريا�ض���ية �أو العلمي���ة‪ ،‬كلما �أراد ذلك‪ ،‬وكانت لديه الإمكانات‬
‫الالزمة لإتقان هذه المهارات‪.‬‬
‫واكت�س���اب مهارات جديدة يتطلب توافر ا�س���تعدادات وم�ؤثرات لدى الفرد‪ ،‬تتنا�سب‬
‫م���ع متطلبات المهارة المراد اكت�س���ابها‪� ،‬إذ م���ن المعلوم �أن لكل مهارة متطلبات خا�ص���ة‬
‫بها‪ ،‬وتتطلب من الفرد دائ ًما الإثارة والحافزية با�ستمرار �إلى بذل الجهد والمثابرة لتعلم‬
‫المهارة المطلوبة‪.‬‬

‫متطلبات ومظاهر النمو االنفعالي في مرحلة الطفولة‪:‬‬


‫ُتعرف االنفعاالت ب�أنها مجموعة من التغيرات المفاجئة التي ت�ؤثر في الإن�سان نف�س ًّيا‬
‫وج�سم ًّيا وقت حدوثها‪ ،‬حيث يعقبها مظاهر �سلوكية خارجية وداخلية‪.‬‬
‫م���ن المظاهر الخارجية م���ا يظهرمن تعبيرات على الوجه م���ن عالمات في حاالت‬
‫الحزن �أو المرح �أو الرجاء والأمل �أو الأ�سى‪ ،‬والخوف �أو الرجاء‪ ،‬وما ُي�صاحب بقية �أع�ضاء‬
‫الج�س���م من حركات �أو �إيماءات غير طبيعية �أو اهتزازات �أو ارتعا�ش���ات‪ ،‬و ُي�ص���احب ذلك‬
‫من تغيرات داخلية ما يحدث من تغيرات ف�س���يولوجية ك�سرعة �ضربات القلب وا�ضطراب‬
‫النف�س وزيادة ن�شاط الغدد وا�صفرار الوجه �أو �شحوبه‪ ،‬وما �إلى ذلك من تغيرات‪.‬‬
‫وتظهر االنفعاالت عند‪:‬‬
‫ــ وجود مثري �أو حافز ُي�سبب االنفعال‪ .‬وهذا املثري قد يكون خارج ًّيا ي�أتي عن طريق حوا�س‬
‫الفرد‪ ،‬كر�ؤية حادثة �أو منظر �شاذ‪� ،‬أو �شم رائحة طيبة �أو كريهة‪ ،‬وقد يكون داخل ًّيا ي�أتي‬
‫عن طريق ا�ستعادة ذكرى م�ؤملة �أو �شعور بالأمل وا�ضطرابات ج�سمية‪ ،‬وتختلف حدة‬
‫‪190‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫املثري من حيث القوة �أو ال�ضعف‪ ،‬ويت�أثر الفرد من الإثارة واحلافزية بدرجات تتفاوت‬
‫وفق عمره الزمني‪.‬‬
‫ـ ـ وجود ا�ستجابة انفعالية‪ ،‬ومثل هذه اال�ستجابة تبدو على ال�شخ�ص املنفعل يف �صورة‬
‫�ألفاظ ينطق بها �أو حركات ي�ؤديها �أو �إمياءات ت�صدر عنه �أو تغريات ف�سيولوجية‬
‫حتدث له‪ ،‬وتتوقف �صورة التعبري عن االنفعال ومداها على طبيعة الفرد ووعيه و�إدراكه‬
‫ومدى مت�سكه بعقيدته ال�صحيحة وم�ستواه العلمي وال�صحي واالجتماعي واالقت�صادي‬
‫والوجداين‪ ،‬فكلما كان الفرد على �صلة قوية بربه متعل ًما متمت ًعا ب�صحة جيدة‪ ،‬كان‬
‫ت�أثره باالنفعال وتعبريه عنه بدرجة معقولة ومقبولة مالئمة لنوع املثري واملوقف الذي‬
‫حدث فيه‪ ،‬بحيث متر به الأحداث دون �آثار انفعالية �ضارة‪ ،‬فاالنفعال الزائد ي�ضر‬
‫باحلالة اجل�سمية والنف�سية والعقلية‪ ،‬ولنتذكر �أن كرثة ال�ضحك متيت القلب‪.‬‬

‫‪ - 1‬تطور النمو االنفعالي في مرحلة الطفولة‪:‬‬


‫تماما عبر مراح���ل‪ ،‬مثل تمايز النمو الج�س���مي والعقلي‬
‫واالنفع���االت تنمو وتتماي���ز ً‬
‫واالجتماعي‪ ،‬هناك بع�ض االنفعاالت الأولية التي تبد�أ في الظهور لدى الطفل في المرحلة‬
‫الأولى‪ ،‬ومن هذه االنفعاالت ما ي�أتي‪:‬‬
‫(�أ) اخلوف‪ ،‬وهو يبد�أ يف الظهور لدى الوليد عندما ي�سمع �أ�صواتًا عالية‪� ،‬أو عندما‬
‫ي�شعر بفقدانه لأمه‪� ،‬أو ابتعاده عنها (الوليد هو الطفل حديث الوالدة الذي ال‬
‫يتجاوز عمره �أ�سبوعني من بدء ميالده)‪.‬‬
‫(ب) احلب‪ ،‬ويتولد لدى الطفل عندما ي�ست�شعر الدفء‪ ،‬وعندما ت�ضمه �أمه �إىل‬
‫�صدرها‪ ،‬وحتنو عليه برفق‪ ،‬ومت�سح بخفة على ر�أ�سه و�أجزاء ج�سمه‪ ،‬وت�صبح‬
‫مو�ضوعا للحب وم�صد ًرا لل�شعور بالأمن وحتقيق احلاجات والرغبات‪.‬‬
‫ً‬ ‫الأم �آنئذ‬
‫(جـ) الغ�ضب‪ ،‬وين� أش� عند الطفل عندما ُيح�س �أو ي�شعر ببع�ض الإعاقات �أو امل�شكالت‬
‫التي تعوق ن�شاطه‪� ،‬أو متنع حتقيق مطالبه وحاجاته‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫(د) املرح‪ ،‬ويكت�سبه الطفل عندما تقوم �أمه مبالطفته وتدليله ومالعبته ب�ألعاب‬
‫م�سلية‪� ،‬أو عندما تق�ص عليه بع�ض الفكاهات املرحة‪ .‬وينمو بعد ذلك كلما‬
‫زادت عالقاته االجتماعية ب�أفراد الأ�سرة‪ ،‬ومل يجد منهم �سوى املالطفة‬
‫والتدليل‪.‬‬
‫(هـ) الأ�سى‪ ،‬وهو انفعال يوجد لدى ال�صغري‪ ،‬عندما ُيح�س ب�أمل �أو ي�شعر بتعب �أو‬
‫يت�ضايق من �شيء حدث على غري هواه‪ ،‬كابتعاد بع�ض املقربني منه‪� ،‬أو فراقهم‪،‬‬
‫�أو عندما يفتقد بع�ض حاجاته الوثيقة ال�صلة به‪ ،‬كاللعب �أو النقود �أو غري ذلك‪.‬‬

‫‪� - 2‬أنواع االنفعاالت وتمايزها في الطفولة‪:‬‬


‫تبد�أ االنفعاالت لدى الوليد با�ستجابات عامة غير مميزة تظهر في �صورة تهيج ينتج‬
‫عادة عن عدم �إ�ش���باع حاجاته الج�س���مية‪ ،‬من �أكل و�ش���رب وراحة ونوم‪ ،‬و�إن ح�صل الوليد‬
‫على ما ُي�شبع حاجته الج�سمية �شعر بالراحة‪ ،‬ومن هنا يبد�أ من حالة التهيج العام‪ ،‬تمايز‬
‫انفعاالته �إلى ابتهاج و�ض���يق‪ ،‬وت�ستمر عمليات التمايز هذه �إلى �أن تتحدد انفعاالت الطفل‬
‫في مظاهر وا�ض���حة محددة يمكن التعرف �إليها‪ ،‬وخا�صة عندما ي�صل �إلى عمر العامين‬
‫بع���د الميالد‪ ،‬حيث تتمايز انفعاالت المرح واالبتهاج والتهيج وال�ض���يق والغ�ض���ب والتقزز‬
‫والخ���وف في عالقات ال�ص���غير مع م���ن هم في مثل �س���نه ومع الكبار‪ .‬ثم تب���د�أ بعد ذلك‬
‫مراحل �أخرى من �أنواع االنفعاالت وتمايزها‪.‬‬

‫�ضبط االنفعاالت واالتزان االنفعالي‪:‬‬


‫�ض���بط االنفعاالت في ال�س���لوك الإن�س���اني �ض���رورة من �ضرورات ا�س���تقرار الحياة‪،‬‬
‫واالنتماء �إلى الآخرين‪ ،‬وعدم نفرة النا�س من الفرد‪ .‬والحق تبارك وتعالى ي�ص���ف ر�س���ول‬
‫الهدى ‪ } :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ { (�آل عمران‪ .)١٥٩ :‬وقول ر�سول‬
‫اهلل ‪« :‬لي�س ال�شديد بال�صرعة‪� ،‬إنما ال�شديد الذي يملك نف�سه عند الغ�ضب»(((‪ .‬وفي‬
‫(((‬ �أخرجه البخاري (رقم ‪ ،)6114‬وم�سلم (رقم‪.)2609‬‬
‫‪192‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫زمننا المعا�ص���ر ازدادت ال�ص���راعات وال�ص���عوبات‪ ،‬ومن ثم ف�إن عملية �ضبط االنفعاالت‬
‫تهيئ للفرد الظروف المالئمة لتخطي ال�صعوباب‪ ،‬و�أف�ضل الحاالت التي تمكن الفرد من‬
‫ال�سيطرة على االنفعاالت عند �شدتها ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪� -‬أن يزود الفرد مبعلومات وافية عن �أنواع االنفعاالت و�أ�سباب حدوثها والآثار‬
‫املرتتبة عليها والنتائج التي تنتهى بها‪� ،‬إذ �إن هذه املعرفة متكن من �ضبط‬
‫انفعاالته‪.‬‬
‫‪� -‬أن ي�شغل الفرد نف�سه بعمل �آخر �أو مو�ضوع مغاير للمو�ضوع الذي يثري انفعاالته‪،‬‬
‫�إذ �إن �صرف النظر عن مو�ضوع االنفعال ُي�ساعد على الهدوء والرتوي‪ ،‬وي�ستهلك‬
‫الطاقة االنفعالية التي ُت�سبب االنفعال‪ ،‬ومن ثم ي�ستطيع الفرد �أن ُيعالج مو�ضوع‬
‫االنفعال مبا يحقق له اال�ستقرار والهدوء‪.‬‬
‫‪� -‬أن ي�ستغل �أوقات فراغه بتعلم بع�ض املهارات واالهتمامات التي ت�شغل وقته فيما‬
‫يفيد‪ ،‬كتعلم املهارات الريا�ضية‪� ،‬أو الإ�سعافات الأولية‪� ،‬أو الألعاب الرتويحية‪،‬‬
‫�أو الأ�شغال اليدوية الب�سيطة‪ ،‬كالنجارة �أو الكهرباء‪ ،‬و�أن يعمل على تنميتها‬
‫كلما �سمحت له الظروف املنا�سبة‪.‬‬
‫‪� -‬أن يتعلم كيف يتجنب املواقف احلرجة �أو الأ�شخا�ص املثريين لالنفعال‪ ،‬ويبتعد‬
‫عن اخلو�ض يف امل�سائل احل�سا�سة‪� ،‬أو �إ�صدار الأحكام املت�سرعة‪ .‬ففي الت�أين‬
‫ال�سالمة ويف العجلة الندامة‪.‬‬

‫متطلبات النمو االجتماعي ومظاهره في مرحلة الطفولة‪:‬‬


‫�أولى العالقات االجتماعية في حياة ال�صغار‪ ،‬هي العالقة بالأم‪ ،‬فهي م�صدر الإ�شباع‬
‫للحاجات الج�س���مية والنف�س���ية لل�ص���غير‪ .‬ولذلك ُتع ّد العالقة بالأم من الناحية النف�س���ية‬
‫واالجتماعي���ة ما يعرف بالعالقة الوثقى‪ ،‬حيث تبد�أ حياة الطفل االجتماعية بعالقته ب�أمه‬
‫التي ت�ستمر طوال مرحلة المهد‪ .‬وهي عالقة من طرف واحد في بدايتها‪ ،‬حيث ُتقدم الأم‬
‫‪193‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫لوليده���ا م���ن الرعاية والحنان والتغذي���ة‪� ،‬إال �أنه خالل هذه العالقة يتعلم ال�ص���غير كيف‬
‫ُيعبر عن ر�ضاه وا�ستيائه �أو حاجته للأكل وال�شرب �أو النظافة‪ ،‬ثم تتطور هذه العالقة �إلى‬
‫تكوين عالقات اجتماعية ب�أفراد �أ�س���رته‪ ،‬و�إخوته و�إخوانه‪ ،‬ووالده و�أقاربه‪ ،‬ثم تت�س���ع هذه‬
‫العالقات لت�شمل الجيران و�أهل الحي من رفاق لعب وزمالء درا�سة ممن هم في مثل عمره‬
‫�أو �أقل �أو �أكبر قليلاً ‪ ،‬وتزداد عالقات الطفل االجتماعية ات�س ً‬
‫���اعا‪ ،‬فين�ش���ئ عالقات داخل‬
‫المدر�سة وفي المجتمع المحلي �أو العام كلما تقدم في النمو‪ ،‬حيث يت�أثر‪ ،‬وت�ؤثر من خالل‬
‫الأفراد الذين يتعامل‪ ،‬ويتفاعل معهم‪.‬‬
‫وم���ن خالل الإطار الثقافي ال���ذي يتفاعل في محيطه‪ ،‬وتبدو �آث���ار هذا التفاعل في‬
‫طريقة �س���لوكه وكيفية ا�ستجاباته‪ ،‬بل تمتد هذه الآثار لت�شمل جوانب عدة من �شخ�صيته‪،‬‬
‫�سواء كانت معرفية �أو انفعالية‪.‬‬
‫ه���ذا‪ ،‬ويرتب���ط بمظاه���ر ومتطلب���ات الجوان���ب االجتماعي���ة‪ ،‬م���ا ُيعرف بالتن�ش���ئة‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫ •متطلبات النمو العقلي ومظاهره (الذكاء ‪ -‬املهارات العقلية)‪.‬‬


‫ •متطلبات النمو االنفعايل ومظاهره (الذكاء ‪ -‬املهارات العقلية)‪.‬‬
‫ •متطلبات النمو االجتماعي ومظاهره‪.‬‬

‫التن�شئة االجتماعية‪:‬‬
‫تتمث���ل في الأ�س���اليب والطرائق التي يتم م���ن خاللها نماء الفرد �إل���ى كائن اجتماعي‬
‫يتعاي�ش مع مجموعة من الب�شر‪ُ ،‬ي�شاركهم �آمالهم و�آالمهم ون�شاطهم‪ ،‬و ُيمار�س حقوقه‪ ،‬وي�ؤدي‬
‫واجباته في ظل النظم االجتماعية ال�سائدة وبالطرق والو�سائل التي حددتها الجماعة‪.‬‬
‫‪194‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫والتن�ش���ئة االجتماعية تتمثل في الو�س���ائط والطرائق التربوية التي يكت�س���بها الفرد‬


‫م���ن مهارات التعامل مع الرا�ش���دين‪� ،‬أ ًّيا كانت �ص�ل�اته بهم من ق���رب �أو بعد‪ ،‬وتنمو لديه‬
‫إ�سهاما اً‬
‫فعال ُي�ش���عره بالطم�أنينة والقيمة الذاتية‪،‬‬ ‫�إمكانات الإ�س���هام في �أن�شطة المجتمع � ً‬
‫ويو�ض���ح له حدود الخير وال�ش���ر‪ ،‬الحرية �أو الفو�ض���ى‪ ،‬العدل �أو الظلم‪ ،‬وما �إلى ذلك من‬
‫قيم تر�ش���ده‪ ،‬وتوجهه �إلى ال�سلوك والت�صرف في كل موقف ومنا�سبة وفي كل مكان وزمان‬
‫ت�صر ًفا اً‬
‫مقبول‪.‬‬
‫والتن�شئة االجتماعية ال�ص���حيحة تعتمد على التوازن في ا�ستخدام �أ�ساليب التربية‪،‬‬
‫فالثواب الموجه لل�صغير يجب �أن يكون منا�س ًبا في كمه وكيفه لطبيعة الموقف‪ ،‬و�إن العقاب‬
‫ال�ل�ازم له يجب �أن يكون ح���ال وقوع الخط أ� وعلى قدر ما اقترف من �أخطاء‪� ،‬ش���ريطة �أن‬
‫يكون قد �سبق تحذيره من تلك الأخطاء‪.‬‬
‫وال�ص���رامة والته���اون‪ ،‬والمدي���ح والت�أني���ب‪ ،‬والق�س���وة واللي���ن‪ ،‬كلها من الأ�س���اليب‬
‫ال�ض���رورية للتن�ش���ئة االجتماعية‪ ،‬تحت���اج عند ا�س���تخدامها �إلى مهارة الآب���اء والمعلمين‬
‫والمربي���ن م���ن حيث معرف���ة الآث���ار المترتبة عل���ى ا�س���تخدامها‪ ،‬والنتائ���ج المتوقعة من‬
‫ا�س���تخدام درج���ات منها‪ ،‬لذل���ك يمكن للآباء والمعلمين والمربين ا�س���تخدام الأ�س���اليب‬
‫التربوي���ة‪ ،‬التي تمك���ن الطفل من النمو الطبيعي‪ ،‬وبما ي�س���مح له من تعل���م االعتماد على‬
‫النف�س وت�أكيد ذاته‪ ،‬وبما ُي�شعره بالطم�أنينة والمكانة االجتماعية‪.‬‬

‫‪ - 1‬النمو الخلقي في الطفولة‪:‬‬


‫الخلق‪ ،‬ويكت�س���به من المجتمع‪ ،‬وتعتمد التربي���ة ُ‬
‫الخلقية على عمليتين‬ ‫يتمث���ل الفرد ُ‬
‫رئي�ستين‪:‬‬
‫الأول���ى‪ :‬هي عملية �إك�س���اب الأفراد المعلوم���ات وتنمية القدرات الالزمة لإ�ص���دار‬
‫القرارات ُ‬
‫الخلقية ال�سوية‪.‬‬
‫‪195‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫والثاني���ة‪ :‬ه���ي عملي���ة تحوي���ل هذه الق���رارات �إل���ى فعل‪ ،‬وذل���ك عن طري���ق �إثارة‬
‫الحافز المنا�سب‪.‬‬
‫بع�ضا‪ ،‬ومن هذه المراحل‪:‬‬ ‫الخلقي يمر بم�ستويات ومراحل يتلو بع�ضها ً‬ ‫وال�سلوك ُ‬
‫خللقي‪ ،‬وت�شمل مرحلتني‪:‬‬ ‫(�أ) م�ستوى ما قبل ال�سلوك ا ُ‬
‫‪ -‬مرحلة العقاب والطاعة نتيجة العقاب واخل�ضوع للأوامر‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة جتنب العقاب‪ ،‬حيث يخ�ضع الطفل للأوامر‪ ،‬ويثاب على �أفعاله‪.‬‬
‫خللقي لإر�ضاء الآخرين‪ ،‬وي�شمل مرحلتني‪:‬‬ ‫(ب) م�ستوى ال�سلوك ا ُ‬
‫خللقي الطيب‪ ،‬الذي ي����ؤدي �إىل عالق���ات اجتماعية قوية‪،‬‬ ‫‪ -‬مرحل���ة ال�س���لوك ا ُ‬
‫منبوذا من اجلماعة‪.‬‬ ‫حيث ُي�ساير الطفل الأو�ضاع القائمة؛ حتى ال ي�صبح ً‬
‫خللقي الذي ُي�ساير ال�سلطة القائمة؛ كي يتجنب الطفل رقابة‬ ‫‪ -‬مرحلة ال�سلوك ا ُ‬
‫ال�سلطة القائمة‪ ،‬وحتى ال يقع يف اخلط�أ‪.‬‬
‫خللقي الذي يعتمد على التقبل الذاتي للمبادئ والقيم اخللقية‪.‬‬ ‫(جـ) م�ستوى ال�سلوك ا ُ‬
‫خللقي القائ���م على العالقات االجتماعي���ة التي تحُ ّدد‬ ‫وفيه���ا مرحلة ال�س���لوك ا ُ‬
‫للف���رد ما يجب عليه‪ ،‬وهذا ي�ؤدي به �إىل �أن ي�س���لك م�س���ل ًكا يتجنب به االعتداء‬
‫على حقوق الآخرين‪.‬‬
‫الخلقي الذي ينبع من القيم العليا التي ُيحددها ال�ض���مير للفرد‪،‬‬ ‫ومرحلة ال�س���لوك ُ‬
‫وبذلك يتجنب الفرد �س���لو ًكا معي ًنا؛ حتى ال يكون �س ً‬
‫���اخطا على نف�س���ه‪ ،‬ولن ي�ص���ل الطفل‬
‫�إلى �أي م�ستوى من هذه الم�س���تويات‪ ،‬دون المرور بالم�ستويات والمراحل الأخرى‪ ،‬وبذلك‬
‫ي�س���تطيع المعلم �أن يهدي الطفل في نموه ُ‬
‫الخلقي‪ ،‬وي�س���ير به من م�س���توى �أو مرحلة �إلى‬
‫الم�ستوى الذي يليه‪.‬‬
‫أي�ضا �أن يكت�ش���ف ما ُي�س ِّرع بالطفل للو�ص���ول �إلى الم�ستوى ُ‬
‫الخلقي‬ ‫ي�س���تطيع المعلم � ً‬
‫�صحيحا‪ ،‬ما‬
‫ً‬ ‫عالجا‬
‫المنا�س���ب‪ ،‬وما يعوقه عن الو�صول �إلى هذا الم�س���توى ل ُيعالج الموقف ً‬
‫الخلقي دون �أي عوائق‪.‬‬ ‫ُي�ساعد على �سرعة النمو ُ‬
‫‪196‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ - 2‬النمو الديني في الطفولة‪:‬‬


‫في عالم الطفولة تتطور المفاهيم الدينية عند الطفل في �صورة‪:‬‬
‫(�أ) املفاهيم الدينية‪ :‬حيث ال ُيدرك الطفل يف الطفولة املبكرة املعتقدات الدينية‪� ،‬إال �أنه‬
‫ي�ستطيع �أن يحفظ بع�ض التعبريات الدينية‪ .‬ويف مرحلة الطفولة املت�أخرة ُيناق�ش‬
‫الطفل‪ ،‬ويجادل �أ�ساتذته ووالديه يف النواحي التي تتفق ومنطقه‪ ،‬وبهذا تبدو‬
‫املظاهر الأوىل للنقد الديني‪ ،‬وي�صل هذا النقد �إىل ذروته يف املراهقة‪.‬‬
‫(ب) الأ�سئلة الدينية‪ :‬تثري امل�سائل الدينية اهتمام الطفل‪ ،‬ومتيل معظم الأ�سئلة يف‬
‫مرحلة الطفولة املبكرة �إىل النواحي الغام�ضة يف العقيدة الدينية‪ ،‬كاملوت والبعث‬
‫والوالدة‪ ،‬وقد يقتنع بالإجابات العابرة‪� ،‬إال �أنه يف الطفولة املت�أخرة غال ًبا ما ُيناق�ش‬
‫مثل هذه الإجابات‪.‬‬
‫(جـ) الغيبيات‪ :‬مرحلة الطفولة املبكرة والو�سطى‪ُ ،‬تع ّد مرحلة الق�ص�ص الدينية‪ ،‬وهي‬
‫تنمي االجتاه الديني عند الطفل‪ ،‬وفكرة الطفل عن بارئه تت�صل مبا ُيحقق له رغباته‬
‫و�ضوحا ومتاي ًزا عن فكرته يف طفولته‬
‫ً‬ ‫و�أمانيه‪ ،‬وهي يف الطفولة املت�أخرة ُت�صبح �أكرث‬
‫املبكرة‪.‬‬
‫(د) العبادات‪ :‬الدعاء وال�صالة و�سيلة الطفل للح�صول على رغباته‪ .‬ويف مرحلة الطفولة‬
‫املت�أخرة تتحول ال�صالة �إىل عادة يمُ ار�سها الطفل بحكم التقليد‪ ،‬ثم ُيدرك الطفل‬
‫العالقة بني الدعاء والعمل‪ ،‬و�أن الدعاء هو الو�سيلة �إىل تغيري ال�سلوك‪ ،‬حتى ُي�صبح‬
‫اً‬
‫مقبول جما ًبا‪ ،‬وبهذا تبد�أ البذور الأوىل لل�شعور الديني ال�صحيح‪.‬‬

‫التن�شئة االجتماعية‬
‫(النمو اخللقي ‪ -‬النمو الديني)‬
‫‪197‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫الإ�سالم وتق�سيم مراحل النمو الإن�ساني في مراحل الطفولة‪:‬‬


‫يعنينا في ختام درا�س���ة النمو الإن�س���اني ونمو المتعلم �أن نو�ضح وجهة نظر الإ�سالم‬
‫خ�صو�ص���ا �أن هذه المرحلة م���ن الأهمية بمكان‬
‫ً‬ ‫ف���ي مراحل النمو الإن�س���اني في الطفولة‪،‬‬
‫لإي�ضاح خ�صائ�ص النمو فيها من الناحية الإ�سالمية‪.‬‬
‫والواق���ع �إن وجهة نظر الإ�س�ل�ام في تق�س���يم مراحل النمو الإن�س���اني تت�س���م بالعمق‬
‫وال�شمول‪� ،‬إذ يمكن تمييزها في �أمرين مهمين‪:‬‬
‫‪ -1‬تق�سيم تلك املراحل بح�سب النمو العام للطفل‪.‬‬
‫‪ -2‬الأخذ يف احل�سبان اهتمامات الطفل‪ ،‬وظهور كل قوة من قواه عند تهذيبها يف كل‬
‫مرحلة تربوية‪ .‬لذلك ميكن تق�سيم مراحل النماء الإن�ساين يف �ضوء وجهة نظر‬
‫الإ�سالم على املراحل الآتية‪:‬‬

‫‪ -1‬مرحلة ما قبل الوالدة‪:‬‬


‫تب���د�أ من ح���دوث الحم���ل‪ ،‬وتنتهي بال���والدة‪ .‬وقول الح���ق تبارك وتعال���ى في ذلك‪:‬‬
‫}ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ{ (الم�ؤمنون‪.)14-12 :‬‬
‫وهذه المرحلة هي الأ�س���ا�س الذي �إن لم يكن �سلي ًما‪ ،‬ف�إن ما ُيبنى عليه من بعد ذلك‬
‫ال يمكن �أن يكون �سلي ًما � ً‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫و�أ�سا�س���يات المرحلة الأولى �أن يكون الأب���وان خاليين من العيوب العقلية والأمرا�ض‬
‫الوراثية‪ ،‬و�أن يكونا من ذوي الأخالق الحميدة؛ لأن الطفل كما يرث من الأبوين الخ�صائ�ص‬
‫البيولوجية والنف�س���ية‪ ،‬ف�إنه كذلك يرث الخ�ص���ائ�ص الأخالقية (من الناحية االجتماعية‬
‫وتعلم العالقات االجتماعية وامت�صا�ص���ها)‪ .‬ذل���ك �أن الطفل كالنبتة‪ ،‬ف�إذا �أردنا �أن ننبت‬
‫نباتًا ح�س��� ًنا ال بد من معرفة اختيار بذرة �صالحة‪ ،‬وال بد مع ذلك من معرفة اختيار �أر�ض‬
‫�صالحة لهذه البذرة وزرعها‪.‬‬
‫‪198‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ولهذا �أمر الإ�سالم باختيار ال�شريك ال�صالح لإنتاج الذرية ال�صالحة‪ ،‬فقال الر�سول ‪:‬‬
‫أي�ضا‪« :‬تزوجوا في الحُ ج ِز ال�صالح ف�إن العرق د�سا�س»(((‪.‬‬
‫«تخيروا لنطفكم»(((‪ ،‬وقال � ً‬
‫وبذلك ين�ص���ح الإ�سالم بالزواج بذوات الدين؛ لأنهن ال يرتكبن الرذائل الأخالقية‪،‬‬
‫و�أمر الإ�س�ل�ام باختيار الأزواج ال�ص���الحين للبنات‪ .‬فقال الر�س���ول ‪�« :‬إذا خطب �إليكم‬
‫من تر�ضون دينه وخلقه فزوجوه‪� ،‬إال تفعلوا تكن فتنة في الأر�ض وف�ساد عري�ض»(((‪.‬‬
‫وقد �أ�ش���ارت �آيات كثيرة �إلى �أن يكون �أ�س���ا�س االختيار ال�صالح ال المال والجاه‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ{ (النور‪.)32:‬‬
‫أ�سا�س����ا تبد�أ في ه����ذه المرحلة منذ التلقيح الأولي الذي ي�����أذن به اهلل‪ ،‬لذلك ال‬
‫فالتربي����ة � ً‬
‫ب����د �أن تكون الحالة النف�س����ية للوالدين والنية لديهما �ص����ادقة و�س����ليمة عند التلقي����ح‪ ،‬و�أن يكونا‬
‫متفائلين‪ ،‬و�أال يختلج في نفو�سهما �شيء من الغ�ضب و�سوء الظن وال�شر‪.‬‬
‫والمتفائ���ل ينجب �أوالدًا متجردين من الخوف والهواج�س والعادات ال�س���يئة‪ .‬ويجب‬
‫ف�س���كر الزوج �أو الزوجة ف���ي لحظة التلقيح جريم���ة حقيقية‪� ،‬إذ �إن‬‫�أال يكون���ا مخموري���ن‪ُ ،‬‬
‫المورث���ات يختل اتزانها وتركيبها في كل من الحيوان المنوي �أو البوي�ض���ة ما ُيحدث خللاً‬
‫ف���ي تركيب النطفة وباق���ي مراحل النمو قبل الميالد وبع���ده‪ ،‬والأطفال الذين يولدون من‬
‫مثل هذا التلقيح كثي ًرا ما يعانون � ً‬
‫أمرا�ضا ع�صبية وعقلية ال يرجى لها �شفاء‪.‬‬
‫وبعد الإخ�ص���اب تبد�أ مرحلة التربية الأ�سا�س���ية الأولية للجني���ن في مرحلة الحمل‪،‬‬
‫أ�سا�س���ا‪ ،‬حيث �إن حالة المر�أة الج�س���مية والنف�س���ية ت�ؤثر في الحمل‪،‬‬
‫وهي م�س����ؤولية الأم � ً‬
‫وقرر علماء النف�س‪� ،‬أن القلق النف�س���ي وعدم التمتع بال�ص���حة النف�س���ية والمعاناة البدنية‬
‫والنف�سية للأم في �أثناء الحمل ي�ؤثر في الجنين‪.‬‬

‫(((‬ �أخرجه ابن ماجه (رقم ‪ )1968‬وح�سنه الألباين‪.‬‬


‫(((‬ �أخرج���ه الديلم���ي يف الفردو�س (‪ 51/2‬رق���م ‪ )2291‬وقال الألباين يف �ض���عيف اجلامع (رقم ‪ )2428‬مو�ض���وع‪.‬‬
‫حلجز) ب�ضم احلاء وك�سرها و�آخره زاي‪ .‬جاء يف املعجم الو�سيط‬ ‫جر) بالراء وال�صواب‪( :‬ا ُِ‬
‫(احل ِ‬
‫وت�صحف فيه ِ‬
‫(�ص‪ :)164‬ا ُ‬
‫حل ْجزُ‪ :‬الناحية‪ ،‬والع�شرية يحتجز بها‪� ،‬أي ميتنع‪.‬‬
‫(((‬ �أخرجه الرتمذي (رقم ‪ )1084‬وح�سنه الألباين‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫ولقد �أمر الإ�س�ل�ام الزوج بح�س���ن معاملة زوجته؛ لكيال ت�ص���اب الزوجة وهي حامل‬
‫مثلاً با�ضطرابات نف�سية �أو �صدمات انفعالية وع�صبية‪ ،‬فيت�أثر بها الجنين من جراء �سوء‬
‫معامل���ة الزوج لزوجت���ه‪ ،‬قال تعال���ى‪} :‬ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ{ (الن�ساء‪.)19:‬‬
‫خ�صو�ص���ا �أيام الحمل‪ ،‬فقد �ض���من الإ�س�ل�ام رزق‬
‫ً‬ ‫وحت���ى ال تجه���د المر�أة نف�س���ها‪،‬‬
‫المول���ود‪ ،‬وجعل���ه علىال���زوج‪ ،‬فق���ال تعال���ى‪} :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{ (البقرة‪.)233:‬‬
‫ودعا الإ�س�ل�ام �إلى �أن يكون كل م�س���لم وم�سلمة‪ ،‬ح�س���ن النية با�ستمرار بالن�سبة �إلى‬
‫النا�س وبالن�س���بة �إلى اهلل‪ ،‬و�أن يكون متفائلاً ال مت�ش���ائ ًما وال ً‬
‫يائ�س���ا من رحمة اهلل‪ ،‬ليكون‬
‫ُح�سن النية خي ًرا لحياتهم وحياة ذرياتهم‪.‬‬
‫و�إن الإ�س�ل�ام حرم تناول الأطعمة والأ�ش���ربة ال�ضارة بال�ص���حة؛ لأنها ت�ضر ب�صحة‬
‫خ�صو�ص���ا الجنين؛ لأنه يتغذى بغذاء الأم‪.‬‬
‫ً‬ ‫الوالدين‪ ،‬ف�إنها � ً‬
‫أي�ض���ا ت�ض���ر ب�ص���حة الذرية‪،‬‬
‫ولهذا قال تعال���ى‪ } :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ{ (المائدة‪ ،)4:‬وبذلك‬
‫نجد �أنه قد �أحل الإ�سالم كل الأطعمة والأ�شربة الطيبة النافعة‪.‬‬

‫‪ -2‬مرحلة الر�ضاعة‪:‬‬
‫الر�ض���اعة من �أهم العوام���ل الم�ؤثرة على �أخالقيات الطفل وعقليته ونف�س���يته‪ ،‬ف�إن‬
‫الطف���ل يت�أثر بلبن المر�ض���عة وب�أخالقها‪ .‬ولذلك يجب �أن تكون المر�ض���ع جيدة ال�ص���حة‬
‫ح�س���نة الم���زاج هادئة‪ ،‬والأم���ر ال يتوقف عند االهتمام بالج�س���م‪ ،‬فقد يك���ون اللبن جيدً ا‬
‫كح�سن التكوين‪.‬‬
‫فح�سن الطبع �ضروري ُ‬ ‫والمر�ضع �سيئة‪ُ ،‬‬
‫وكذل���ك ُيرك���ز �أئم���ة الإ�س�ل�ام على �أهمي���ة �أخالقي���ات المر�ض���ع‪ ،‬و�أث���ر لبنها على‬
‫�أخالقي���ات الطفل‪ ،‬وقد ب ّين الر�س���ول �أهمية الر�ض���اعة في تربي���ة الطفل‪ ،‬و�أن الطفل‬
‫‪200‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫يرث عن طريق اللبن �صفات �أو خ�صائ�ص المر�ضع العقلية‪ ،‬فقد قال ‪« :‬ال ت�ستر�ضعوا‬
‫الحمقاء‪ ،‬ف�إن اللبن يورث»‪.‬‬
‫�أما من ناحية الر�ضاعة ال�صناعية‪ ،‬فقد ثبت � ً‬
‫أي�ضا �أنها من العوامل المعوقة للتربية‬
‫الأخالقية‪.‬‬
‫وفي مرحلة الر�ضاعة يتعلم الأطفال النظام‪ ،‬وذلك ب�إر�ضاع الطفل في �أوقات معينة‪،‬‬
‫وتنظي���م نومه ويقظته في �أوقات معينة‪ .‬وبتعويد الطفل على النظام يمكن تعليمه العادات‬
‫الح�سنة و�إبعاده عن العادات ال�سيئة‪ ،‬وفق ما ت�شير �إليه الدرا�سات النف�سية المعا�صرة‪� ،‬إذ‬
‫ال خالف بين ما ينادي به الإ�سالم في ذلك‪ ،‬وما ت�ؤكده الدرا�سات النف�سية المعا�صرة‪.‬‬
‫وت�ؤدي الر�ض���اعة ب�ش���كل منظم �إلى تقوية �إرادة الطفل بطريق غير مبا�ش���ر‪ ،‬وبذلك‬
‫يتعل���م ال�ص���بر � ً‬
‫أي�ض���ا؛ لأنه يتعل���م من ذلك كل���ه �أنه لي�س كل م���ا يرغب فيه ف���ي �أي وقت‬
‫ُي�س���تجاب ل���ه ولرغبته‪ ،‬ومن ثم ال ينتظر ذلك من المجتم���ع‪ ،‬عندما يخرج �إليه فيما بعد‪.‬‬
‫ومدة مرحلة الر�ضاعة في الإ�سالم �سنتان وفق ما جاء في كتاب اهلل العزيز‪} :‬ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ{ (البقرة‪.)233:‬‬

‫‪ -3‬مرحلة الح�ضانة‪:‬‬
‫تبد�أ من نهاية ال�س���نة الثانية‪ ،‬وت�ستمر �إلى ال�سنة ال�سابعة‪ ،‬ويجب �أن يكون من يتولى‬
‫رعاية الطفل من ذوي الأخالق الحميدة‪.‬‬
‫وق���د قرر الإ�س�ل�ام �أن تكون الح�ض���انة في ي���د الأم؛ لأنها �أكثر رف ًق���ا وعط ًفا ورحمة‬
‫بالطفل‪ ،‬وذلك لين�ش�أ الطفل عطو ًفا رفي ًقا رحي ًما بالنا�س‪.‬‬
‫وت�شير الدرا�سات النف�سية المعا�صرة �إلى �أنه لكي يكون النمو �سلي ًما‪ ،‬يجب �أن يعي�ش‬
‫الطف���ل في الح�ض���انة الطبيعية بي���ن الأم ورعايتها‪ ،‬وبي���ن �أ�ش���قاءالوالد الرحيم ورعايته‬
‫‪201‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫وتربيت���ه‪ .‬وله���ذا‪ ،‬فمن الخط أ� في التن�ش���ئة االجتماعية لل�ص���غار �أن يق�ض���ي الآباء معظم‬
‫�أوقاتهم لأمور لي�ست �ضرورية خارج البيت بعيدً ا عن �أبنائهم‪.‬‬
‫و�إن ان�ش���غال الن�س���اء المتزوجات والأمه���ات بالأعمال المختلفة خ���ارج البيت عددًا‬
‫وفادح���ا لواجب الأم نحو‬ ‫كبي��� ًرا من ال�س���اعات من الناحي���ة االجتماعية ُيع ّد � اً‬
‫إهمال كبي ًرا ً‬
‫الطفل الذي يواجه �آثا ًرا �سيئة في عملية النمو الطبيعي‪.‬‬
‫وخ�صو�صا‬
‫ً‬ ‫وقد �أدركت معظم الدول‪ ،‬بعد تجربة‪� ،‬ضرورة تفرغ الأم لتربية �أطفالها‪،‬‬
‫في مرحلة الح�ض���انة‪ ،‬مع �ضرورة تعليم المر�أة من �أجل نف�سها ومن �أجل زوجها ومن �أجل‬
‫�أطفالها على ال�سواء‪.‬‬
‫وله���ذا كله �ش���جع الإ�س�ل�ام عل���ى تعليم البن���ات وتربيته���ن‪ ،‬و�ش���جع على تربي���ة الأوالد‬
‫وتعليمهم‪ ،‬وجعل المر�أة الم�س����ؤولة عن تربية �أبنائها بعد �أن جعل مقرها البيت‪ ،‬فقال الر�سول‬
‫‪« :‬كلك���م را ٍع‪ ،‬وكلك���م م�س�ؤول عن رعيت���ه‪ :‬الإمام را ٍع وم�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل را ٍع في‬
‫�أهله وم�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬والمر�أة راعية على بيت زوجها وم�س�ؤولة عن رعيتها‪ ،‬والخادم را ٍع‬
‫في مال �سيده وم�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬وكلكم را ٍع وم�س�ؤول عن رعيته»(((‪.‬‬
‫وفي مرحلة الح�ضانة قد تكون هناك التربية ال�سلبية والتربية الإيجابية‪� ،‬أما الجانب‬
‫ال�س���لبي من التربية والتن�ش���ئة االجتماعية في مرحلة الح�ض���انة‪ ،‬ف�إنه يتمثل في التقارب‬
‫الذي قد يحدث بين الطفل وقرناء ال�س���وء والبيئة الفا�س���دة بوجه عام‪ ،‬حيث قد تت�س���رب‬
‫�إليه الرذائل والأمرا�ض منذ نعومة �أظفاره‪ ،‬ومن ثم قد يكون من ال�ص���عب معالجته منها‬
‫فيما بعد‪� ،‬إذا ر�سخت في نف�سه تلك الأمرا�ض‪ ،‬وخا�صة الأمرا�ض االجتماعية‪.‬‬
‫والأ�س���ا�س ف���ي هذا كله‪� ،‬أن الطفل في ه���ذه المرحلة له طبيعة مرنة تقبل الت�ش���كيل‬
‫وامت�ص���ا�ص العادات والقيم االجتماعية‪ ،‬ومن ثم �س���رعة ت�أثره بالو�سط االجتماعي الذي‬

‫(((‬ �أخرجه البخاري (رقم ‪ )893‬وم�سلم (رقم ‪.)1829‬‬


‫‪202‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫يعي�ش فيه‪ ،‬ولهذا �إذا و�ضع الطفل في بيئة �صالحة يتطبع بال�صالح ب�سرعة‪ ،‬وعلى العك�س‬
‫�إذا وقع في بيئة فا�سدة موبوءة يتطبع بالف�ساد‪ ،‬وي�صاب ب�أمرا�ض اجتماعية مختلفة‪.‬‬
‫ولهذا كله �أمر الإ�سالم باالبتعاد عن البيئة الفا�سدة وعن قرناء ال�سوء‪ ،‬لقول عمر ‪« :‬ال‬
‫ت�ص���حب الفاجر فيعلمك من فجوره»(((‪ .‬وقال بزرجمهر‪�« :‬إياك وقرناء ال�سوء»‪ .‬وكان �أبلغ تعبير‬
‫وت�ص���وير لأثر البيئة في تربية الطفل قول اهلل ‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{ (الأعراف‪.)58:‬‬
‫�أما الجانب الإيجابي من التوجيه والرعاية الوالدية للأبناء ال�صغار‪ ،‬من وجهة نظر‬
‫الإ�سالم‪ ،‬فهو حثهم على االنتماء �إلى الرفقة والبيئة ال�صالحة الطيبة‪.‬‬
‫ونظ��� ًرا لمرونة طب���ع الطفل ولوجود قوة المح���اكاة عنده‪ ،‬يتطبع ب�س���رعة بالأخالق‬
‫الح�س���نة‪ .‬و ُيقرر المربون �أن الطفل في هذه المرحلة المبكرة يقبل كل ما يلقن له‪ ،‬ولهذا‬
‫تكون التربية في هذه المرحلة مي�س���ورة بالتلقين والإيحاء والقدوة ممن حوله‪ ،‬ولهذا نجد‬
‫في الإ�سالم مبد�أ القدوة الح�سنة و�آثار ذلك على تطبيع الطفل على محا�سن الأخالق‪.‬‬
‫هذا‪� ،‬إال �أن التربية الإيجابية في هذه المرحلة تقت�ض���ي تدريب الطفل على ال�س���لوك‬
‫العلمي وال�س���لوك الم�ؤدب الذي ي�ستطيعه‪ ،‬الذي يتعلق ب�أكثر الحاجات ظهو ًرا عنده‪� ،‬سواء‬
‫�أكانت هذه الحاجة ج�سمية �أم نف�سية‪ ،‬و�أن ُيلقن الآداب المتعلقة بتلك الحاجات‪.‬‬
‫ومن الحاجات الج�س���مية الوا�ض���حة‪ ،‬الحاجة �إلى الأكل وال�شرب؛ لذا يجب �أن ُيلقن‬
‫الطفل في هذه المرحلة �آداب الأكل وال�شراب‪ ،‬وهذا ما كان يفعله الر�سول مع الأطفال‪،‬‬
‫غالما في حجر ر�س���ول اهلل ‪ ،‬وكانت‬ ‫فق���د روي عن عمر بن �أبي �س���لمة �أنه قال‪« :‬كنت ً‬
‫يدي تطي�ش في ال�صحفة‪ ،‬فقال لي ر�سول اهلل ‪« :‬يا غالم‪� ،‬س ِّم اهلل‪ ،‬و ُك ْل بيمينك‪ ،‬و ُك ْل‬
‫مما يليك»‪ ،‬فما زالت تلك طعمتي بعد(((‪.‬‬
‫(((‬ �أخرجه ابن �أبي �شيبة يف م�صنفه (‪ 384/8‬رقم ‪ )26041‬والبيهقي يف �شعب الإميان (‪ 257/4‬رقم ‪.)4995‬‬
‫(((‬ �أخرجه البخاري (رقم ‪ )5376‬وم�سلم (رقم ‪.)2022‬‬
‫‪203‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫ومن �ض���من الحاجات الج�سمية � ً‬


‫أي�ض���ا النظافة والطهارة‪ ،‬التي يجب تدريب الطفل‬
‫عليها؛ لأنها من المبادئ الإ�س�ل�امية المهمة في نظر الإ�س�ل�ام‪ ،‬ذلك لأن لها قيمة عظيمة‬
‫من الناحية الإن�سانية والطبية واالجتماعية والجمالية‪.‬‬
‫وم���ن الحاجات النف�س���ية المهم���ة التي تظهر بو�ض���وح في هذه المرحل���ة الحاجة �إلى‬
‫العطف والمحبة والرحمة‪ .‬ف�إذا ُحرم من هذه الحاجات وعومل بالق�س���وة في ال�صغر‪ ،‬يكون‬
‫في الم�س���تقبل �إن�س���ا ًنا قا�س��� ًيا في معاملته للنا�س‪ ،‬وكان الر�س���ول رحي ًم���ا بالأطفال في‬
‫معاملته لهم وعطو ًفا عليه‪ ،‬وكان يقبلهم ويحت�ضنهم‪ ،‬وقال ‪« :‬من ال َيرحم ال ُيرحم»(((‪.‬‬
‫وبمثل هذا الأ�سلوب نكون قد قمنا ب�أمرين م ًعا‪:‬‬
‫‪� -1‬إ�شباع حاجات الأطفال من العطف والتقدير‪.‬‬
‫‪ -2‬تربية الأبناء بمبد�أ الرحمة والعطف بطريق غير مبا�شر‪.‬‬
‫‪ -4‬مرحلة التمييز �أو الطفولة المت�أخرة‪:‬‬
‫وهي تبد�أ من ال�سنة ال�سابعة‪ ،‬وتنتهي بالبلوغ‪ .‬وتمتاز هذه المرحلة ب�أن الطفل يزداد‬
‫فيها نم ًّوا من الناحية الج�سمية والنف�سية والعقلية‪ ،‬وي�ستطيع �أن يتعلم �أ�شياء كثيرة‪ ،‬ولذلك‬
‫يجب في هذه المرحلة البدء في تعليم الطفل بالقدر المنا�سب لقدراته‪ ،‬مع التدريب على‬
‫القيام ببع�ض الواجبات‪.‬‬
‫ويمت���از الأطفال في هذه المرحل���ة ب�أنهم يعتادون الخروج من المجتمع‪ ،‬ويت�ص���لون‬
‫بالزمالء‪ ،‬وتتكون عندهم ال�ص���داقات‪ ،‬ومن ثم ال يقبلون كل ما يقال لهم بو�ص���فه ق�ضية‬
‫تماما‪ ،‬كما كانوا من قبل‪.‬‬
‫م�سلمة ً‬
‫ويهتم���ون في ه���ذه المرحلة بال�ص���فات البطولي���ة‪ ،‬ويفهمون التناق�ض بي���ن الأقوال‬
‫والأفع���ال‪ ،‬ولهذا ينبغ���ي �أن يكون المربي خير قدوة لهم؛ ليحاك���وه في �أفعاله‪ ،‬ويجب على‬
‫المربي �أن يتجنب التناق�ض بين ال�سلوك والقول‪.‬‬
‫(((‬ �أخرجه البخاري (رقم ‪ )5997‬وم�سلم (رقم ‪.)2318‬‬
‫‪204‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ويجب في هذه المرحلة دفعهم �إلى الف�ض���ائل وتحذيرهم من الرذائل والتفريق بين‬
‫وا�ضحا في �أذهانهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫مفهوما‬
‫ً‬ ‫ما هو حالل وحرام‪ ،‬و�أن يكون كل ذلك‬
‫وله���ذا كل���ه نجد الر�س���ول ي�أم���ر بتدري���ب الأطف���ال وتعليمهم بع����ض الواجبات‬
‫والم�س�ؤوليات الم�ستطاعة ابتداء من ال�سنة ال�سابعة‪ ،‬فقد روي �أنه قال‪« :‬مروا �أوالدكم‬
‫بال�صالة وهم �أبناء �سبع �سنين‪ ،‬وا�ضربوهم عليها وهم �أبناء ع�شر �سنين‪ ،‬وفرقوا بينهم‬
‫في الم�ضاجع»(((‪.‬‬
‫وهن���ا نج���د الف���رق بين التكليف في ال�س���ن ال�س���ابعة ثم في العا�ش���رة‪ ،‬ث���م نجد �أنه‬
‫�أم���ر بالتفريق في الم�ض���اجع‪ ،‬حيث يكون الطفل في �أواخر هذه المرحلة عنده �ش���يء من‬
‫أي�ضا ب�ضرورة اال�ستئذان قبل الدخول على الكبار‪،‬‬ ‫الإدراك للأمور الجن�س���ية‪ ،‬ولذلك �أمر � ً‬
‫وخ�صو�صا في الأوقات التي ُيحتمل �أن تقع عيونهم على العورات‪.‬‬ ‫ً‬

‫تت�ضمن مطالب النمو يف مرحلة ما قبل التعليم الأ�سا�سي الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬مطالب النمو يف مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫(‪ )2‬املطالب واملظاهر العقلية يف مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫(‪ )3‬التعرف �إىل مفهوم الذكاء والعوامل امل�ؤثرة فيه‪.‬‬
‫(‪ )4‬كيفية تعلم املهارات العقلية‪.‬‬
‫(‪ )5‬مظاهر اجلوانب االنفعالية ومطالبها‪.‬‬
‫(‪ )6‬دور النمو اخللقي والديني يف مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫(‪ )7‬الإ�سالم وتق�سيم مراحل النمو الإن�ساين يف مرحلة الطفولة‪.‬‬

‫(((‬ �أخرجه �أبو داود (رقم ‪ )495‬وقال الألباين‪ :‬ح�سن �صحيح‪.‬‬


‫‪205‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬مطالب النمو في مرحلة الطفولة لطفل ما قبل التعليم الأ�سا�س���ي تتمثل في المطالب‬
‫التكوينية الع�ضوية والثقافية واالجتماعية والمعرفية والعقلية‪.‬‬
‫‪ -2‬المطالب التكوينية الع�ضوية تتمثل في تعلم الم�شي والكالم والأكل والمهارات الحركية‪.‬‬
‫‪ -3‬المطالب الثقافية واالجتماعية تتمثل في تعلم المهارات العقلية التي ُتمكن من تحمل‬
‫الم�س�ؤولية االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -4‬مطال���ب الجوان���ب المعرفية والعقلي���ة تتمثل في مطالب �أ�سا�س���ية ‪ -‬التعل���م والتذكر‬
‫والتفكير واكت�ساب المعلومات والمعارف‪.‬‬
‫‪ -5‬يت�أثر الذكاء عند الأطفال ‪-‬حيث ي�س���تمر حتى �س���ن الع�ش���رين �أو ما بعد هذه ال�سن‪-‬‬
‫بالعوامل الوراثية والبيئية واالنفعالية والقدرات المكت�سبة‪.‬‬
‫‪ -6‬تعل���م المه���ارات العقلية يتوقف على نمو الذكاء وعلى اكت�س���اب المع���ارف والمهارات‬
‫وعلى توافر اال�ستعدادات والقو ى العقلية‪.‬‬
‫‪ -7‬مطال���ب الجوان���ب االنفعالية تتمث���ل في تطوير النم���و االنفعالي ف���ي مظاهر الخوف‬
‫والحب والغ�ض���ب والمرح والأ�سى‪ .‬وتتمايز االنفعاالت‪ ،‬وت�ض���بط االنفعاالت واالتزان‬
‫االنفعالي كلما تقدم الطفل في العمر‪.‬‬
‫‪ -8‬يت أ�ث���ر النم���و االجتماع���ي من خ�ل�ال البيئ���ة االجتماعي���ة والثقافية‪ ،‬وت�ؤدي التن�ش���ئة‬
‫الخلقي والديني‪.‬‬ ‫االجتماعية دو ًرا �أ�سا�س ًّيا في النمو ُ‬
‫‪ -9‬في تق�سيم مراحل النمو الإن�ساني في الإ�سالم تق�سم مراحل النمو �إلى مرحلة ما قبل‬
‫الوالدة ‪ -‬مرحلة الر�ضاعة ‪ -‬مرحلة الح�ضانة ‪ -‬مرحلة التمييز �أو الطفولة المت�أخرة‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�أ�سئلة وتمارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ض���ح كي���ف تكون المطالب والمظاه���ر العقلية في النمو عند طفل ما قبل المدر�س���ة‬
‫االبتدائية‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح تطور النمو االنفعالي عند طفل ما قبل المدر�سة االبتدائية‪.‬‬
‫‪ -3‬حدد مظاهر التن�شئة االجتماعية عند طفل ما قبل المدر�سة االبتدائية‪.‬‬
‫‪ -4‬كيف يتم النمو الخلقي عند طفل ما قبل المدر�سة االبتدائية‪.‬‬
‫‪ -5‬كيف يتم النمو الديني عند طفل ما قبل المدر�سة االبتدائية‪.‬‬
‫‪ -6‬يهتم الإ�سالم في مراحل النمو الإن�ساني بمرحلة ما قبل الميالد‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -7‬يهتم الإ�سالم في مراحل النمو الإن�ساني بمرحلة الح�ضانة‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -8‬من مراحل النمو الإن�ساني في الإ�سالم مرحلة التمييز‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫خ�صائ�ص النمو ومطالبه‬
‫يف مراحل التعليم العام‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يح���دد املتعل���م خ�ص���ائ�ص النم���و ومظاه���ره يف املرحل���ة االبتدائي���ة‬
‫(‪� )12-6‬سنة‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتعرف �إىل خ�صائ�ص النمو يف املرحلة املتو�سطة (‪� )15-12‬سنة‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يتعرف �إىل خ�صائ�ص النمو يف املرحلة الثانوية (‪� )18-15‬سنة‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يبدي املتعلم ر�أيه يف التعامل الأبوي يف مرحلة املراهقة‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يقدر املتعلم دور املدر�سة يف حتقيق مطالب النمو‪.‬‬
‫خ�صائ�ص النمو ومطالبه‬
‫يف مراحل التعليم العام‬

‫‪:‬‬
‫م���ن الأم���ور المهم���ة �أن يع���رف المعلم‪ ،‬خ�ص���ائ�ص النم���و ومظاهره ف���ي المراحل‬
‫التعليمية االبتدائية والمتو�سطة والثانوية‪ ،‬حتى يوجه المتعلمين توجي ًها تربو ًّيا �سلي ًما‪.‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬خ�صائ�ص النمو ومظاهره يف املرحلة االبتدائية (‪� 12 - 6‬سنة)‪.‬‬
‫يبد�أ الطفل في ال�ساد�س���ة من عمره‪ ،‬االلتحاق بالمرحلة الدرا�س���ية الأولى‪ ،‬التي ُتع ّد‬
‫الركي���زة التعليمي���ة المهمة التي تقوم عليها الركائز التعليمي���ة الالحقة في مراحل العمر‬
‫المقبلة‪ .‬حيث تت�ش���كل فيها ا�س���تعداداته‪ ،‬وتتبلور قدراته‪ ،‬وتتكون مفاهيمه ومدركاته عن‬
‫الأ�شياء الح�سية الملمو�سة والمعنوية والمو�ضوعات والأ�شخا�ص‪.‬‬
‫وخ�ص���ائ�ص النمو الج�س���مي لطف���ل المرحلة االبتدائي���ة تتمثل في الن�ش���اط الزائد‬
‫والحيوية والفاعلية‪ ،‬حيث ي�ستخدم القوى الع�ضلية والقوى الج�سمية في ن�شاطه الحركي‪.‬‬
‫ً‬
‫ون�شاطا‪ ،‬بل يت�سم‬ ‫ويتميز الذكور بالقوة الع�ض���لية �أكثر من الإناث‪ ،‬ما يجعلهم �أكثر حركة‬
‫أنواعا مختلفة من الألع���اب غير التي‬
‫�س���لوكهم الحرك���ي بال ُعنف‪ ،‬لذل���ك يمار�س الذك���ور � ً‬
‫يمار�س���ها الإناث‪ .‬ف�أن�ش���طة الذكور تتميز بالعنف وال�ش���دة والقوة وا�س���تخدام الع�ضالت‪،‬‬
‫بينما �أن�شطة الإناث تتميز بالهدوء والتروي والت�أمل والتفكير الهادئ غير العنيف‪.‬‬
‫‪ -1‬وف���ي المرحل���ة االبتدائي���ة ي�ؤدي النم���و الحركي �إلى زي���ادة الأن�شطة الحركية‬
‫العنيف���ة الت���ي يمار�سه���ا الطف���ل الذك���ر ب�صفة خا�ص���ة‪ ،‬وكثرة الحرك���ة واالنتقال واللعب‬
‫‪210‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫والجري ولعب الكرة‪ ،‬وركوب الدراجات‪ ،‬وت�سلق الأ�شجار‪ ،‬وال�صيد‪ ،‬والمخاطرة في بع�ض‬
‫الأحيان؛ للتغلب على عقبة معينة ال�ستك�شاف ما هو مجهول في بيئته المادية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2‬النمو االنفعالي‪ :‬يظهرالنمو االنفعالي للطفل فيما يظهر من انفعاالته المختلفة‬
‫���تخدما اللغة‪ ،‬بالن�سبة �إلى ما يريده ويرغبه‪ ،‬وما ال يريده وينبذه‪ ،‬ويكرهه‪ ،‬يبدو ذلك‬
‫ً‬ ‫م�س‬
‫ظاه ًرا في ا�س���تخدام الألفاظ بطالقة و ُي�س���ر بعد �أن كان ‪ -‬فيما قبل ‪ -‬ي�س���تخدم الإ�شارة‬
‫والحرك���ة للدالل���ة والتعبير عن انفعاالته‪� ،‬أي كان ي�س���تخدم ما ُيع���رف باللغة الرمزية في‬
‫مرحلة ما قبل التعليم االبتدائي‪.‬‬
‫وبعد �أن كان �س���لوك البكاء وال�ص���راخ و�س���ائل تعبيرية ‪ -‬فيما قبل ‪ -‬للح�ص���ول على‬
‫رغبته‪ ،‬تقل بل ت�ض���عف تلك الو�س���ائل‪ ،‬ويحل محلها المرح وال�ض���حك‪ ،‬وم�شاركة الآخرين‬
‫وجذب انتباههم‪ ،‬بل �أحيا ًنا القيام ببع�ض الحركات الم�ضحكة وتقليد مواقف معينة تتمثل‬
‫في �سلوك الآباء �أو الإخوة الكبار �أو المعلمين �أو رفاقه في الدرا�سة �أو اللعب‪.‬‬
‫ويظهر بو�ضوح هذا النمو االنفعالي ‪ً �-‬‬
‫أي�ضا ‪ -‬في ميل الطفل �إلى جمع �أ�شياء معينة‪،‬‬
‫مث���ل طوابع البريد‪ ،‬والأحجار المختلفة‪ ،‬وق�صا�ص���ات من المجالت وال�ص���حف‪ ،‬و�ص���ور‬
‫الأبطال‪� ،‬إلى غير ذلك‪.‬‬

‫‪ -3‬النمو االجتماعي‪ :‬في المرحلة االبتدائية يك ّون طفل المدر�سة االبتدائية‬


‫�صداقات مع �أطفال المدر�سة‪ ،‬والنادي‪ ،‬والحديقة‪ ،‬والجوار‪ ،‬ويظهر ذلك في ميل الطفل‬
‫�إلى تكوين عالقات داخل جماعات �صغيرة ي�شترك معها في �ألعاب متنوعة‪ ،‬تحتاج �إلى‬
‫تفكير عقلي جماعي يتعاون فيه �أفراد المجموعة كلها‪ ،‬حيث ُيمثل اللعب الجماعي نم ًّوا‬
‫�أ�سا�س ًّيا في هذه المرحلة التعليمية‪ ،‬وتظهر �صفات اجتماعية لها دالالتها بالن�سبة �إلى‬
‫بع�ض الأطفال ك�صفة الزعامة والقيادة‪ ،‬و�صفة التعاون والم�شاركة الإيجابية‪ ،‬و�صفة‬
‫الت�آلف والتواد‪ ،‬و�صفة المناف�سة والأثرة‪ ،‬و�صفة االن�صياع واالنقياد‪ ،‬و�صفة االنطواء �أو‬
‫االنب�ساط‪ ،‬و�صفة العناد والتمرد‪ ،‬و�صفة الم�شاركة االجتماعية والالمباالة‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫لذلك تهتم المدار�س االبتدائية بتكوين الجماعات المدر�س���ية المختلفة‪ ،‬التي تتوافق‬
‫أنواعا متباينة من الن�ش���اط كالألعاب الريا�ضية‪،‬‬
‫والميول االجتماعية المختلفة التي تمار�س � ً‬
‫والرحالت والتمثيل‪ ،‬والر�س���م‪ ،‬والنحت‪ ،‬والت�صوير‪ ،‬والك�ش���افة التي تمار�س �أ�ساليب معينة‬
‫من العمل‪� ،‬سواء في البيئة المحيطة‪� ،‬أم في الأماكن الخلوية النائية‪ ،‬حيث يمار�س التالميذ‬
‫حياة المع�سكرات‪ ،‬وما تتطلبه من تق�شف وتعاون وجر�أة وب�سالة و�إنكار الذات وحب الغير‪.‬‬
‫وعن طريق الممار�س���ات االجتماعية والم�ش���اركات الإيجابي���ة التي يتم توجيهها من‬
‫قب���ل المعلمين‪ ،‬يكت�س���ب الطفل مفاهي���م اجتماعية مختلف���ة‪ ،‬كالأمانة وال�ص���دق والحق‬
‫والواجب وال�شرف والتعاون‪ ،‬ويكت�سب القيم الدينية والأخالقية ال�سليمة‪.‬‬

‫‪ -4‬النمو اللغوي‪ :‬وطفل هذه المرحلة تزداد ح�صيلته اللغوية ب�صورة وا�ضحة وب�شكل‬
‫ملح���وظ‪ ،‬ويظهر النمو اللغوي بو�ض���وح عند ا�س���تخدام اللغة والمفاهيم والم�ص���طلحات‬
‫اللغوية ال�صحيحة‪ .‬وتنمو اللغة من خالل االحتكاك بالآخرين ومن خالل التعامل اليومي‪،‬‬
‫فيكت�س���ب الطفل طرق تعبير متباينة عن المو�ض���وعات والأ�شخا�ص‪ ،‬ومن ثم يمكنه و�صف‬
‫ما ي�شاهده في عبارات لفظية‪ ،‬مع ما قد ي�صاحب ذلك من قواعد اللغة ونظامها النحوي‪،‬‬
‫�أو اال�ستخدام ‪ -‬غير ال�سليم لحد ما ‪ -‬للغة في قواعدها و�أ�صولها النحوية‪.‬‬
‫‪ -5‬النم���و العقل���ي والمعرفي‪ :‬في هذه المرحلة يظهر في طريقة تفكير الطفل وقوة‬
‫مالحظته بالن�س���بة �إلى ما يدور حوله من مو�ض���وعات و�أحداث وت�س���ا�ؤالت‪ .‬وا�ستف�سارات‬
‫الطف���ل ع���ن كل ما يقع‪ ،‬وما ال يقع تحت ح�س���ه و�إدراكه‪ُ ،‬يع ّد من و�س���ائل الن�ش���اط العقلي‬
‫والمعرفي للو�ص���ول �إلى معرفة الواقع‪ ،‬من خالل التجريب والخط�أ وال�ص���واب والمحاولة‬
‫في كثير من المو�ضوعات‪.‬‬
‫فيما يتعلق بالمدركات والمفاهيم عن الأ�ش���ياء والأ�شخا�ص والزمن واالجتماعيات‪،‬‬
‫نجد طفل المرحلة االبتدائية يتعلم مدركات العدد‪ ،‬ويمكنه التعامل مع غيره في العمليات‬
‫الح�سابية اليومية كالبيع وال�شراء‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ويتعل���م في المرحل���ة االبتدائية م���دركات الزمن‪ ،‬حي���ث ُيدرك ويفه���م معنى اليوم‬
‫والأم�س والغد‪ ،‬ومعنى الحا�ض���ر والما�ض���ي والم�س���تقبل‪ ،‬ومعنى بعد برهة وبعد فترة من‬
‫الزمن‪� .‬إلى غير ذلك من ال ُمدركات الكلية التي تعبر عن زمن معين‪.‬‬
‫ويتعل���م و ُيدرك ويمار�س المفاهيم االجتماعية والأخالقية‪ ،‬التي ت�ص���بح ذات معنى‬
‫بالن�س���بة �إلي���ه‪ ،‬فيفهم معنى الخي���ر والحق والواج���ب والتعاون والنظام والع���دل والأمانة‬
‫خ�صو�ص���ا �إذا كانت الممار�سات الأخالقية واالجتماعية في‬
‫ً‬ ‫وال�صدق وتحمل الم�س�ؤولية‪،‬‬
‫بيئته االجتماعية تقوم على توجيهه و�إر�شاده وتعلية هذه المفاهيم االجتماعية والأخالقية‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬خ�صائ�ص النمو يف املرحلة املتو�سطة (‪:)15 - 12‬‬


‫ُتع��� ّد المرحلة المتو�س���طة التعليمية‪ ،‬مرحل���ة انتقال بين الطفول���ة والمراهقة‪ ،‬وهي‬
‫مرحلة البلوغ بالن�سبة �إلى الذكور والإناث‪ ،‬وتتميز بما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬النمو الج�سمي‪ :‬الذي يتمثل في ازدياد الطول‪ ،‬حيث يبلغ ال�صبي �أق�صى �سرعة‬
‫في النمو في المتو�س���ط عند �س���ن ‪�14 21‬سنة‪ ،‬بينما المتو�س���ط لدى ال�صبية ‪� 12 21‬سنة‪.‬‬
‫وعند وجود فروق فردية من حيث تقدم البلوغ �أو ت�أخره عن هذه ال�سن في كال الجن�سين‪.‬‬
‫و ُي�ص���احب البلوغ تغييرات ج�س���مية تظهر في جميع �أجزاء الج�س���م‪ ،‬ويحدث �أحيا ًنا‬
‫ع���دم ات���زان بين �إفرازات الغدد ال�ص���ماء‪ ،‬ما يترت���ب عليه عدم التواف���ق الحركي وعدم‬
‫االن�س���جام في نمو �أجزاءالج�س���م المختلفة‪� ،‬س���واء عند الأوالد �أو الفتيات‪ ،‬ويكون مردود‬
‫ذلك ظهور حركات م�ضطربة غير متوافقة لدى ال�شخ�ص متمثلة في طريقة الم�شي‪.‬‬
‫و ُيع ّد النمو الج�س���مي‪ ،‬وما ي�ص���احبه من التغيرات الف�س���يولوجية الت���ي تطر�أ فج�أة‬
‫على المتعلم في هذه المرحلة‪ ،‬م�ص���د ًرا للتكيف ب�سلوكه مع التغيرات‪ ،‬حيث يحاول تقليد‬
‫ت�صرفات الكبار ومجاراتهم‪ ،‬ويت�شبه بهم‪� ،‬إ�ضافة �إلى محاوالت اال�ستقالل في ت�صرفاته‬
‫‪213‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫و�أفعاله و�أقواله‪ ،‬ما قد يجعله غير متقبل لتوجيه �أو تعديل �س���لوكه‪ ،‬عندما ير�ش���ده الآباء‬
‫�أو المعلمون‪.‬‬
‫هذا‪� ،‬إ�ض���افة �إلى التغيرات الف�س���يولوجية المفاجئة التي تطر�أ على ج�سم المراهق‬
‫والتي ت�ؤدي بالمتعلم في هذه المرحلة �إلى ال�شعور باالرتباك والح�سا�سية الزائدة بالن�سبة‬
‫�إلى هذه التغيرات الجديدة‪ ،‬وما قد ي�صاحب ذلك من الحيرة بالن�سبة �إلى و�ضعه ومكانته‪،‬‬
‫حيث تنتابه م�شاعر تجعله في حيرة‪ ،‬هل هو في عالم ال�صغار �أم في عالم الكبار‪.‬‬
‫‪ -2‬النمو المعرفي والعقلي‪ :‬في المرحلة المتو�س���طة تزداد �أحالم اليقظة في هذه‬
‫المرحلة والتفكير الخيالي وال�ص���راع النف�سي‪ ..‬حيث ُيحاول الفتى �أو الفتاة �أن يعرف �أين‬
‫مكانه وو�ض���عه؟ هل هو بين الكبار وت�ص���رفاتهم و�أفعالهم الحكيمة المحددة القائمة على‬
‫المنطق والتفكير؟ �أم بين ال�صغار وت�صرفاتهم و�أفعالهم الع�شوائية غير المحددة؟‬
‫و ُتع��� ّد ه���ذه المرحل���ة م���ن الناحي���ة العقلي���ة مرحل���ة تماي���ز الق���درات والمه���ارات‬
‫واال�س���تعدادات‪ .‬لذلك من واجب المدر�سة االهتمام بالتربية الج�سمية والعقلية بما ي�شبع‬
‫رغب���ة المتعل���م �أو المتعلمة من حيث التع���رف �إلى تلك التغيرات الف�س���يولوجية من خالل‬
‫درا�سة الأحياء والدرو�س الدينية‪.‬‬
‫‪ -3‬التربي���ة ال�صحي���ة والريا�ضي���ة‪ :‬يج���ب �أن تهتم المدر�س���ة المتو�س���طة بالتربية‬
‫ال�ص���حية والتربية الريا�ض���ية‪ ،‬بما ُي�س���اعد عل���ى توجيه طاق���ات المتعلم م���ن �أبناء هذه‬
‫المرحلة في النواحي الج�س���مية توجي ًها �سلي ًما‪ ،‬واجتياز هذه المرحلة الحرجة با�ستخدام‬
‫الطرق العلمية ال�س���ليمة‪ ،‬حيث يكون المعلم بالن�س���بة �إل���ى المتعلمين موج ًها ومرب ًيا يعمل‬
‫على حل م�شكالتهم‪.‬‬
‫و ُتع ّد المرحلة المتو�س���طة مرحلة التوجيه التعليمي‪ ،‬لذا يجب معرفة ميول التالميذ‬
‫وا�س���تعداداتهم لتوجيههم نحو نوع التعليم المنا�س���ب‪� ،‬س���واء كان لموا�ص���لة التعليم العام‬
‫(الثانوي) �أو المهني والفني‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ثال ًثا‪ :‬خ�صائ�ص النمو في المرحلة الثانوية (‪� 18 -15‬سنة)‪:‬‬


‫يتم اكتمال الن�ضج في هذه المرحلة لدى المراهق‪ ،‬وتت�شكل وتنمو خالل هذه المرحلة‬
‫العمرية �شخ�ص���يته‪ ،‬وف ًقا لنوع المعامالت والعالقات التي ين�ش����أ م���ن خاللها في المنزل‬
‫والمدر�سة والحياة االجتماعية بوجه عام‪ ،‬ممثلة في الجوار والأقارب والبيئة االجتماعية‪،‬‬
‫وه���ذه المرحل���ة العمري���ة ُتع ّد تط���و ًرا تدريج ًّي���ا ونم ًّوا �ش���املاً لجميع جوانب ال�شخ�ص���ية‬
‫الج�س���مية والعقلية واالجتماعية واالنفعالية لحد ما‪ ،‬حيث تتميز �سمات المراهق في هذه‬
‫المدة من مراحل حياته‪ ،‬وتتحدد �س���لوكياته وت�ص���رفاته و�أفعاله بالن�س���بة �إلى الأ�شخا�ص‬
‫والمو�ض���وعات‪ ،‬والأ�شياء‪ ،‬وذلك ُيمكن من التنب ؤ� ب�س���لوكه عامة في مواقف الحياة ب�صفة‬
‫عامة‪ ،‬ومواقف التعلم داخل المدر�سة ب�صفة خا�صة‪.‬‬
‫‪ -1‬التغي���رات االنفعالي���ة والمزاجي���ة‪ :‬من ال ُمالحظ �أن �أه���م التغيرات التي تعتري‬
‫المراه���ق‪ ،‬ه���ي تلك التغي���ر ات االنفعالي���ة والمزاجية‪ ،‬حيث تت�ص���ف انفعاالت���ه بالتقلب‬
‫ال�س���ريع من موقف لآخر‪� ،‬إذ يبد�أ اال�س���تقرار �أحيا ًنا والهدوء �أحيا ًنا �أخرى وبال مقدمات‪،‬‬
‫ويعقب ذلك عدم اال�س���تقرار والثورة‪ ،‬ثم االرتياح والر�ضا وال�سرور‪ ،‬ثم ينقلب على عقبيه‬
‫�إلى ال�سخط وعدم الر�ضا واالكتئاب‪.‬‬
‫‪ -2‬العالق���ات االجتماعي���ة‪ :‬حي���ث يجتمع المراه���ق بالآخرين‪ ،‬ويندمج في و�س���ط‬
‫الجماعة‪ ،‬و ُي�شارك بفاعلية داخل �إطار الجماعة‪ ،‬وفج�أة يتحول �إلى ُعزلة وانطواء وابتعاد‬
‫عن الو�سط الجماعي وعدم الم�شاركة الإيجابية‪.‬‬
‫من هذا كله نجد �أن �س���مات �شخ�ص���ية المراهق االنفعالية‪ ،‬متغيرة متبدلة من حال‬
‫�إلى حال‪ ،‬ولهذا ُيو�ص���ف ب�أنه �شخ�ص متقلب المزاج تختلف حالته االنفعالية من حال �إلى‬
‫حال تب ًعا لما يدور في ذهنه من ت�صورات وم�شكالت‪.‬‬
‫‪ -3‬التغيرات الج�سمية‪ :‬يمر المراهق بتغيرات ج�س���مانية كثيرة تطر�أ على �أع�ض���اء‬
‫ج�سمه‪ ،‬فتكتمل الأع�ضاء الج�سمية‪ ،‬ويبدو في مظهر كالرجال‪ ،‬لذلك تظهر �أنماط �سلوكية‬
‫‪215‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫مختلفة عما قبل ذلك‪ ،‬تتمثل في الميل �إلى اال�س���تقالل والتحرر من ال�سلطة‪� ،‬سواء �أكانت‬
‫�سلطة الوالدين‪� ،‬أم �سلطة الآخرين عامة‪.‬‬
‫‪ -4‬اال�ستقاللية‪ :‬وتظهر في التم�س���ك بر�أي المراهق تم�س��� ًكا �ش���ديدً ا ي�صعب عليه‬
‫الحي���اد عن���ه مهما �أقنعه الآباء �أو المعلمون بفكرة �أو بر�أي �آخر بديل‪ ،‬وتمثل هذه المرحلة‬
‫العمرية ما ُتعرف بمرحلة الفطام النف�س���ي واالجتماع���ي‪ ،‬والتحرر واالعتماد على النف�س‬
‫اعتمادًا كل ًّيا‪.‬‬
‫هذه الخ�ص���ائ�ص تعمل على �إثبات الذات وت�أكيد المراهق لنف�س���ه‪ ،‬ب�أنه �أ�ص���بح في‬
‫عالم الرجال‪ ،‬وتقبله داخل جماعة الكبار بر�أيه ال�شخ�صي وتفكيره الذاتي‪.‬‬
‫‪ -5‬اال�ضطرابات االجتماعية‪ :‬كثي ًرا ما ين�ش�أ التعار�ض ال�شديد بين الأبوين والمحيطين‬
‫بالمراهق‪ ،‬من حيث تقبلهم الر�أي واالن�صياع له ب�صورة �أو ب�أخرى‪ ،‬ومن هنا يحدث ال�صراع‬
‫النف�س���ي لدى المراهق‪ ،‬وتظهر �آثاره في �أنماط �سلوكه �إزاء الوالدين والآخرين‪ ،‬متمثلاً في‬
‫كثرة الم�شاحنات واالختالفات والمناق�شات الكثيرة التي تت�صف بالعناد والإ�صرار ال�شديد‪،‬‬
‫وما قد يقابل ذلك من ا�ض���طهاد �أو عنف من الوالدين �أو الأقربين‪ ،‬ما يزيد من عدم توافق‬
‫المراه���ق في حيات���ه االجتماعية‪ .‬وكثي ًرا ما يثور على الأو�ض���اع التقليدية‪ ،‬بهدف تجديدها‬
‫وتطويرها‪ ،‬لكنه في �أعم الأحوال ُي�صدم بال�صد والمنع وعدم التقبل من الأبوين والآخرين‪،‬‬
‫فيتجه �إلى تكوين جماعات متطورة من نف�س عمره �أو تختلف قليلاً ‪ ،‬حيث يتخذها �س���ندًا له‬
‫للتكتل �ضد الكبار و�ضد �أفكارهم و�آرائهم‪ ،‬وكثي ًرا ما تكون ال ُع�صبة �أو الع�صابة ال�سبيل �إلى‬
‫تحقيق الم�آرب والغايات للمراهقين في هذه المرحلة العمرية‪.‬‬
‫‪ -6‬الخ�صائ�ص الدينية‪ :‬مما ُيالحظ في هذه المرحلة العمرية الح�سا�س���ة من عمر‬
‫المراهق‪ ،‬ظهور االتجاه الديني والتفكير في �أمور الدين ب�ص���فة م�ستمرة‪ ،‬ومناق�شة الآراء‬
‫الدينية‪ ،‬لدرجة الت�ش���كك ال�ش���ديد الوا�ض���ح فيه���ا‪� ،‬أو االلتزام التام والتم�س���ك بالعقيدة‬
‫بالتزام كامل‪.‬‬
‫‪216‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وتظهر المناق�شات الجدلية حول المو�ضوعات الدينية‪ ،‬حيث تكون �آرا�ؤه و�أفكاره في‬
‫مثل هذه الأمور‪ ،‬بما يتوافق‪ ،‬و ُي�شبع رغبته ال�شديدة في �إظهار ر�أيه و�سط الآخرين‪.‬‬
‫وغال ًب���ا م���ا نجد المراه���ق يتذبذب بين ال�ش���ك واليقين والإيمان ف���ي �أوقات كثيرة‪،‬‬
‫مح اً‬
‫���اول التف�س���ير حتى ي�ص���ل �إلى ن���وع من اال�س���تقرار النف�س���ي يتمثل في �أح���د موقفين‬
‫مت�ض���ادين‪ ،‬ف�إم���ا يتجه نحو التدين واالت���زان‪ ،‬و�إما يتجه نحو الت�ش���كك والحيرة‪ .‬فهو �إما‬
‫يتج���ه نحو الطرف الموجب‪ ،‬و�إما يتجه نحو الطرف ال�س���الب‪ ..‬وفي كلتا الحالتين ت�ش���تد‬
‫انفعاالته‪ ،‬وتتميز �آرا�ؤه و�أفكاره بالتع�صب والتم�سك ال�شديد‪.‬‬
‫‪ -7‬الخ�صائ����ص المعرفي���ة العقلية‪ :‬م���ن الناحية المعرفية العقلي���ة‪ ،‬تتميز مرحلة‬
‫المراهق���ة لتالميذ المرحلة الثانوي���ة بتمايز القدرات العقلية التي ت����ؤدي بالمراهق‪� ،‬إلى‬
‫تنوع ال�س���لوك وتباين���ه وتمايزه‪ ،‬ف ُيحاول اال�س���تزادة العلمية الثقافية من قراءة وا�س���تماع‬
‫وم�ش���اهدة ودرا�سة وبحث وا�ستق�صاء واكت�ش���اف‪� ...‬إلى غير ذلك من ا�ستعدادات وميول‬
‫تظهر وا�ض���حة ف���ي �أنماط ال�س���لوك‪ ،‬وما يعق���ب ذلك م���ن اهتمامات علمي���ة توجهه �إلى‬
‫الدرا�سة الجامعية �أو غيرها من الدرا�سات ما بعد الثانوية‪.‬‬
‫ومما يالحظ‪� ،‬أنه في ه���ذه المرحلة تظهر القيادات والريادات والزعامات‪ ،‬فيظهر‬
‫الريا�ضيون والخطباء والر�سامون‪ ،‬وال�شعراء‪ ،‬والرواد واالجتماعيون‪.‬‬

‫التعامل الأبوي‪:‬‬
‫يج���ب على الوالدين مراعاة المراهق في هذه المرحلة العمرية الحرجة من حياته‪،‬‬
‫بالتوجيه والإر�ش���اد بطريقة �سليمة ال ق�ص���ر وال �إجبار فيها‪ ،‬من حيث تزويده بالمعلومات‬
‫الثقافية والدينية و�إ�ش���باع دوافعه الملحة بالن�س���بة �إلى هذه الأمور المهمة لديه‪ ،‬من حيث‬
‫اال�ستزادة العلمية الوا�ضحة‪ ،‬فيما يخ�ص العقائد الدينية على وجه العموم‪.‬‬
‫والمناق�ش���ة من الوالدين‪ ،‬والإقناع العلمي‪ ،‬والتزويد بالمعلومات والأفكار ال�س���ليمة‬
‫وعدم �صد المراهق فيما ي�س�أل وفيما يناق�ش وفيما ي�ؤكد‪ ،‬يترجم ما في ذهنه من ت�صورات‬
‫‪217‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬

‫و�آمال‪ ..‬كل ذلك في الواقع ي�ؤدي �إلى التهيئة النف�س���ية ال�سليمة للمراهق‪ ،‬لتقبل ما ي�سمع‪،‬‬
‫وفهم ما يقال‪ ،‬وتمثل وه�ضم الآراء والمناق�شات ب�صورة علمية ال لب�س فيها وال غمو�ض‪.‬‬

‫م�س�ؤوليات المدر�سة الثانوية‪:‬‬


‫يج���ب على المدر�س���ة الثانوي���ة‪ ،‬وهي الم�ؤ�س�س���ة العلمية‪ ،‬التي ترع���ى المتعلمين في‬
‫المرحل���ة العمرية للمراهقين في تلك المرحلة الحا�س���مة من مراح���ل حياتهم‪ ،‬االهتمام‬
‫ب���كل م���ا يتعلق به من �أم���ور ومو�ض���وعات واتجاهات‪ ،‬ومن ث���م تقوم بت�ش���كيل التنظيمات‬
‫الطالبية والجماعات المدر�س���ية والفرق الريا�ض���ية‪ ،‬والف���رق التمثيلية‪ ،‬وتهيئ الرحالت‬
‫و�إقامة المع�س���كرات‪ ،‬والأندية الريا�ضية‪ ،‬والندوات والمناق�شات‪ .‬وفي هذا ما ُيحقق �أكبر‬
‫قدر �أمام المتعلمين بالمرحلة الثانوية و�إتاحة الفر�ص المنا�سبة لديهم لممار�سة الأعمال‬
‫الت���ي تتوافق وميولهم و�إتاحة فر�ص التعبير عما يجول ف���ي �أذهانهم وخواطرهم من �آراء‬
‫واتجاه���ات ومناق�ش���ات‪ ،‬حتى تتح���رر طاقاتهم االنفعالي���ة الكامنة لديهم ب�ش���كل مقبول‬
‫اجتماع ًّيا ي�ؤدي �إلى المحافظة على �صحتهم النف�سية ب�شكل عام‪ ،‬وا�ستمرارية نتاج تعلمهم‬
‫المثمر داخل المدر�سة الثانوية‪ ،‬وما يتبعها من مراحل تعليمية‪.‬‬

‫تت�ضمن خ�صائ�ص النمو ومطالبه يف مراحل التعليم العام الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬خ�صائ�ص النمو ومظاهره يف املرحلة االبتدائية‪.‬‬
‫(‪ )2‬خ�صائ�ص النمو يف املرحلة املتو�سطة‪.‬‬
‫(‪ )3‬خ�صائ�ص النمو يف املرحلة الثانوية‪.‬‬
‫(‪ )4‬التعامل الأبوي‪.‬‬
‫(‪ )5‬م�س�ؤوليات املدر�سة الثانوية‪.‬‬
‫‪218‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬سيكولوجـية النمــو‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫خ�صائ�ص النمو ومظاهره في مراحل التعليم ت�شمل ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬يف املرحلة االبتدائية‪ :‬النمو اجل�س���مي ‪ -‬النمو االنفعايل ‪ -‬النمو االجتماعي ‪ -‬النمو‬
‫اللغوي ‪ -‬النمو العقلي واملعريف‪.‬‬
‫‪ -2‬يف املرحل���ة املتو�سط���ة‪ :‬النم���و اجل�س���مي‪ ،‬النمو املع���ريف والعقلي ‪ -‬الرتبية ال�ص���حية‬
‫والريا�ضية‪.‬‬
‫‪ -3‬يف املرحل���ة الثانوي���ة‪ :‬التغريات االنفعالية واملزاجية ‪ -‬العالقات االجتماعية ‪ -‬التغريات‬
‫اجل�سمية ‪ -‬اال�ستقاللية واال�ضطرابات االجتماعية ‪ -‬اخل�صائ�ص الدينية ‪ -‬اخل�صائ�ص‬
‫املعرفية والعقلية ‪ -‬م�س�ؤوليات املدر�سة الثانوية‪.‬‬

‫�أ�سئلة وتمارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح خ�صائ�ص النمو ومظاهره يف املرحلة االبتدائية‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح خ�صائ�ص النمو ومظاهره يف املرحلة املتو�سطة‪.‬‬
‫‪ -3‬و�ضح التغيريات االنفعالية واملزاجية واالجتماعية يف املرحلة الثانوية‪.‬‬
‫‪ -4‬حدد خ�صائ�ص الرتبية ال�صحية والريا�ضية يف املرحلة املتو�سطة‪.‬‬
‫‪ -5‬و�ضح م�س�ؤوليات املدر�سة الثانوية جتاه تالميذ املدر�سة الثانوية‪.‬‬
‫دافعية ال�سلــوك لدى المتعلـم‬

‫الف�صل الحادي ع�شر‪ :‬الدافعية وال�سلوك الإن�ساني‪.‬‬


‫الف�صل الثاني ع�شر‪ :‬الدافعية والتح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫الف�صل الثالث ع�شر‪ :‬الدافعية والتعلم‪.‬‬
‫الدافعية وال�سلوك الإن�ساين‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل الفروق الفردية يف الدافعية بني املتعلمني‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يذكر املتعلم مفهوم الدوافع‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يحدد دور الدافعية يف حتقيق الأهداف التعليمية‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يعدد املتعلم خ�صائ�ص الدافعية لل�سلوك‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يف�سر مفهوم تنميط الدوافع‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يذكر �أ�س�س تف�سري الدافعية‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن يف�سر �آليات ال�سلوك‪.‬‬
‫(‪� )8‬أن يعدد العوامل التي ت�ؤثر يف ال�سلوك الهادف‪.‬‬
‫(‪� )9‬أن يو�ضح املتعلم العالقة بني الدافعية والتعلم‪.‬‬
‫(‪� )10‬أن يتعرف �إىل مثريات وموجهات ال�سلوك املرتبطة بالدافعية‪.‬‬
‫(‪� )11‬أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف �إزالة �إعاقات حتقيق الأهداف والدافعية‪.‬‬
‫الدافعية وال�سلوك الإن�ساين‬

‫‪:‬‬
‫من المعروف �أنه يتم التحكم في ال�س���لوك الإن�س���اني وتوجيه���ه‪ ،‬عند فهم الحاجات‬
‫والدواف���ع والمي���ول‪ ،‬لذل���ك ف����إن الجهد الأكبر م���ن عمل المعلم‪ُ ،‬ي�ؤ�س����س ح���ول الدافعية‬
‫لل�سلوك‪ .‬وعندما يخفق المعلم في العملية التعليمية‪ ،‬ف�إن مرجع ذلك يعود �إلى عدم قدرته‬
‫على فهم الدور الذي ت�ؤديه الدوافع في ن�ش���اط المتعلمين واهتمامهم بالمادة الدرا�س���ية‪.‬‬
‫وكثي ًرا ما ي�س�أل المعلم �أ�سئلة تدور حول كيفية ربط الدر�س بحاجات المتعلمين وميولهم‪،‬‬
‫وكي���ف ُيمكن تقويم ط���رق التدري�س من حيث �أثره���ا في الميول والدافعي���ة‪ ،‬وكيف ُيمكن‬
‫ت�شخي�ص الميول والدوافع‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬ف�إن �أهمية وفهم الدور الذي يت�صل بالدافعية في ال�سلوك‪ ،‬وكيفية اال�ستفادة‬
‫من ه���ذا الدور‪ ،‬ي�ؤدي �إلى اهتمام المتعلمين بالمادة الدرا�س���ية و�إقبالهم عليها‪ ،‬و ُي�ش���عر‬
‫المتعلمين بمدى �أهمية التح�ص���يل الدرا�س���ي‪ .‬وعلى طرف �آخر‪ ،‬ف�إن فهم �أهمية الدوافع‬
‫في توجيه �سلوك المتعلم قد ي�ؤدي �إلى حدوث م�شكلة تتعلق بالنظام في الف�صل‪ ،‬وقد ي�ؤدي‬
‫�إلى �ش���عور المتعلمي���ن بالتعب والملل‪ ،‬و�إل���ى تعلم غير هادف‪ ،‬و�إلى �إح�س���ا�س ب�أن العملية‬
‫التعليمية‪ ،‬وما يرتبط بها من تح�صيل درا�سي لي�س لها �أهمية‪.‬‬

‫الفروق الفردية يف الدافعية بني املتعلمني‪:‬‬


‫يختلف المتعلمون في طرائق و�أ�س���اليب اال�ستجابة للأن�ش���طة التعليمية والمدر�سية‪.‬‬
‫فبع����ض المتعلمين ُيقبل على الدرا�س���ة ب�ش���غف وارتياح وقابلية عالية للتح�ص���يل العلمي‪،‬‬
‫وبع����ض �آخر ُيقبل على الدرا�س���ة بتحفظ وتردد‪ .‬وبع�ض يرف�ض �أن يتعلم �أي �ش���يء ُيقدمه‬
‫‪224‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫المعلم‪ ،‬وال ي�س���تجيب لن�ص���حه �أو ن�ص���ح ذوي���ه و�أهله‪ .‬وق���د يقبل بع����ض المتعلمين ب�أداء‬
‫واجباتهم بجدية تامة لإر�ضاء المعلمين‪ ،‬ومنهم من يقوم ب�أداء واجباته الدرا�سية لمجرد‬
‫�أداء الواج���ب المطلوب من���ه‪ ،‬ويحاول بع�ض المتعلمين التفوق ف���ي كل عمل ي�ؤدونه في �أي‬
‫بع�ضا �آخر يقوم فقط بما يطلب منهم‪ ،‬دون تحم�س �أو جدية‪.‬‬ ‫مقرر درا�سي‪ ،‬في حين �أن ً‬
‫و ُي�س���تخدم مفهوم الدافعية لتف�سير االختالف في ال�سلوك بين مختلف الأفراد‪ ،‬من‬
‫حيث التح�صيل الدرا�سي �أو من عمل لآخر‪� ،‬أو الختالف فردين في عمل من الأعمال على‬
‫الرغم من ت�شابه ظروفهما �أو ت�ساوي قدراتهما وا�ستعداداتهما‪.‬‬

‫مفهوم الدوافع‪:‬‬
‫الداف���ع ‪ motive‬عب���ارة عن عملية داخلية توجه ن�ش���اط الفرد نح���و هدف في بيئته‪.‬‬
‫ولي�س من الثابت �أن نجد كل المتعلمين مدفوعين بدرجة عالية �أو مت�ساوية‪ ،‬ولكن المعلمين‬
‫يرغب���ون دائ ًما �أن يجدوا المتعلمين يميلون للدر�س‪ ،‬ويع ّدونه �ش���ي ًئا مه ًّما بالن�س���بة �إليهم‪.‬‬
‫و�إنهم يريدون تجنب الإفراط في ال�س���لبية والالمباالة‪ ،‬حيث ي�ش���عر المتعلم بالإحباط �أو‬
‫عدم الر�ضا عن المدر�سة‪ ،‬لدرجة �أنه يريد �أن يتركها نهائ ًّيا‪ ،‬وال ي�ستكمل تعليمه‪ ،‬وفي هذا‬
‫�إهدار كبير للقوى الب�شرية‪.‬‬
‫والدافع مهم للمتعلم؛ لأن الدافعية يمكن �أن تخدم غر�ضين في الوقت نف�سه‪:‬‬
‫‪� -1‬أن تكون هد ًفا في حد ذاتها‪.‬‬
‫‪� -2‬أن تكون و�سيلة لتحقيق الأهداف التربوية‪.‬‬
‫فم���ن حي���ث هي هدف في ح���د ذاتها‪ُ ،‬ت�ص���بح الدافعية �أحد �أغرا����ض التدري�س‪� ،‬إذ‬
‫يهدف المعلم �إلى ا�س���تثارة اهتمام المتعلمين بمختلف الأن�شطة العقلية والفنية‪ ،‬و�أن يظل‬
‫هذا االهتمام قائ ًما بعد انتهاء المتعلم من الدرا�سة وتخرجه �إلى الحياة العامة‪ .‬فالمعلم‬
‫يه���دف �إلى �أن يكون المواطن مهت ًّما بالعلوم والتقدم التقني‪ ،‬والعلوم ال�ش���رعية ومقومات‬
‫‪225‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫الحي���اة االجتماعي���ة ف���ي المجتمع‪ .‬لذلك‪ ،‬ف����إن الدافعية م���ن بين الأهداف التي ت�س���عى‬
‫المدر�س���ة �إلى تحقيقها لي�س هذا فح�س���ب‪ ،‬بل �إن الميول والقيم ُتع ّد بع�ض نتائج الأهداف‬
‫التربوية والتعليمية‪ ،‬وخا�صة في �إنماء الجوانب االنفعالية والوجدانية عند المتعلمين‪.‬‬

‫الدافعية وتحقيق الأهداف التعليمية‪:‬‬


‫�إذا كان���ت الدافعية و�س���يلة لتحقيق الأهداف التعليمية‪ ،‬ف�إنه���ا ُتع ّد من �أهم العوامل‬
‫التي ُت�س���اعد على تح�ص���يل المعرفة والفهم والمهارات وغيرها من الأهداف التي ن�س���عى‬
‫�إلى تحقيقها‪� ،‬ش����أنها في ذلك �ش����أن الذكاء والخبرة ال�سابقة‪ ،‬فالمتعلمون الذين يتمتعون‬
‫بدافعية عالية يتم تح�ص���يلهم الدرا�س���ي بفعالية �أكبر‪ ،‬في حين �أن المتعلمين الذين لي�س‬
‫لديهم دافعية عالية قد ُي�صبحون مثار �شغب في الف�صل‪.‬‬
‫ويجب �أن نعرف دائ ًما �أن المعلمين ال يقومون بدفع المتعلم‪ ،‬وهم ي�ستطيعون ت�شجيع‬
‫حاج���ات معين���ة‪ ،‬فلي�س المعلم �س���وى مظهر من مظاه���ر البيئة االجتماعي���ة‪ ،‬ولكن نظ ًرا‬
‫لموقع���ه المه���م في العملية التعليمية‪ ،‬ف�إنه يقوم بدور الو�س���يط في عملية �إ�ش���باع الدوافع‬
‫وتحريك البواعث‪ ،‬ولذلك ف�إن المعلم قد ُيعلم الأطفال في المدار�س حاجات ال يمكن لهم‬
‫تعلمها من دونه‪.‬‬
‫والدوافع �أ�سا�س���ها الحاجات الأ�سا�سية عند الإن�س���ان‪ ،‬وهي ُتمثل الطاقة التي توجه‬
‫ال�س���لوك نحو غر����ض معين‪ .‬وال�س���لوك المعقد ال ينبعث ع���ادة من حاجة واح���دة‪� ،‬أي �إن‬
‫�أ�سا�س���ه ال يكون حاجة واحدة‪ ،‬فمثلاً الطفل الذي يقوم بتحرير مجلة المدر�سة قد يق�ضي‬
‫وقتًا طويلاً في مطالعة ال�ص���حف وفي كتابة المقاالت‪ ،‬ويم�ض���ي في ذلك �س���اعات طويلة‬
‫ً‬
‫مرتبطا بحاجات عدة‪ ،‬مث���ل الحاجة �إلى النجاح‬ ‫بعد المدر�س���ة‪ .‬وهذا الن�ش���اط قد يكون‬
‫والتقدير‪ ،‬والحاجة �إلى ال�شعور ب�أهميته والحاجة �إلى اال�ستقالل والحاجة �إلى الإنجاز‪.‬‬
‫وكثي ًرا ما تكون الدوافع م�س���تترة‪ ،‬وذلك يترتب عليه تف�سير ال�سلوك تف�سي ًرا خاط ًئا‪،‬‬
‫ما لم يكن لدى المعلم معرفة بالحاجات التي تثير الدوافع عند المتعلم‪.‬‬
‫‪226‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫خ�صائ�ص الدافعية وال�سلوك‪:‬‬


‫يزداد ن�ش���اط الإن�س���ان كلما زادت قوة الدافع لديه‪ ،‬ويظل �س���لوكه م�ستم ًّرا حتى يتم‬
‫�إ�ش���باع الدافع‪ ،‬و�إذا تعب الإن�س���ان في �أثناء ذلك‪ ،‬ف�إنه قد ي�ستريح مدة‪ ،‬ثم ُيكرر ن�شاطه‪.‬‬
‫و�إذا كان���ت هن���اك �ص���عوبات �أو معوف���ات تحول دون �إ�ش���باعه لدوافعه‪ ،‬ف�إنه ق���د ُيغير من‬
‫�أ�س���اليب �س���لوكه حتى ُيكيف نف�س���ه مع المواقف التي تعوقه‪ ،‬والتي تحول دون �إ�ش���باع هذه‬
‫الدوافع لديه‪.‬‬
‫ومن خ�صائ�ص الدافعية لل�سلوك ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الغر�ضية ‪� :Purposive‬إذ �إن الدافع يف �أ�سا�سه‪ُ ،‬يوجه ال�سلوك نحو غر�ض معني ينهي‬
‫حالة التوتر النا�شئة عن عدم �إ�شباعه‪.‬‬
‫ً‬
‫ن�ش���اطا ذات ًّيا تلقائ ًّيا ل ُي�ش���بع الدافع‪ ،‬ويزداد هذا‬ ‫‪ -2‬الن�شاط ‪� :Action‬إذ يبذل الإن�س���ان‬
‫الن�ش���اط كلما زادت قوة الدافع‪ ،‬فالإن�سان الذي يبقى من دون طعام مدة يومني يكون‬
‫ن�شاطا يف بحثه عن الطعام‪ ،‬من الذي يحرم مدة يوم واحد‪.‬‬ ‫�أكرث ً‬
‫‪ -3‬اال�ستمرار ‪ :Continuity‬ي�س���تمر ن�ش���اط الإن�س���ان بوجه عام‪ ،‬حتى ُينهي حالة التوتر‬
‫التي �أوجدها الدافع‪ ،‬ويعود �إىل حالة االتزان‪.‬‬
‫‪ -4‬التنوع ‪ :Variation‬ي�أخذ الإن�س���ان يف تنويع �س���لوكه وتغيري �أ�س���اليب ن�شاطه عندما ال‬
‫ي�ستطيع �إ�شباع الدافع بطريق مبا�شر‪.‬‬
‫‪ -5‬التح�سن ‪ :Improvement‬يتح�س���ن �سلوك الإن�سان يف �أثناء املحاوالت لإ�شباع الدافع‪،‬‬
‫ما ينتج عنه �سهولة يف حتقيق �أغرا�ضه عند تكرار املحاوالت الالحقة‪.‬‬
‫‪ -6‬التكي���ف الكل���ي ‪ :Whole Adjustment‬يتطلب �إ�ش���باع الدافع من الإن�س���ان تكي ًفا كل ًّيا‬
‫عا ًّما‪ ،‬ولي����س يف �ص���ورة حتري���ك جزء �ص���غري م���ن ج�س���مه‪ .‬ويختلف مق���دار التكيف‬
‫الكل���ي باخت�ل�اف �أهمية الدافع وحيويت���ه‪ ،‬زادت قوة الدافع‪ ،‬كلم���ا زادت احلاجة �إىل‬
‫التكيف ال ُكلي‪.‬‬
‫‪227‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫‪ -7‬حتقيق الغر�ض ‪ :Purpose Verification‬يتم ذلك عندما يتوقف ال�سلوك عندما يتم‬
‫حتقيق الغر�ض‪� ،‬أي الهدف الذي كان الإن�سان يرمي �إىل حتقيقه‪ ،‬حيث يتم �إ�شباع‬
‫الدافع وعندئذ يتوقف ال�سلوك‪.‬‬

‫ت�صنيف الدوافع‪:‬‬
‫يمكن تق�سيم الدوافع �إلى �أنماط كالآتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الدوافع النا�شئة عن حاجات اجل�سم اخلا�صة بوظائفه الع�ضوية والف�سيولوجية‪،‬‬
‫كاحلاجة �إىل الطعام واملاء واجلن�س‪ ،‬وهذا النوع من الدوافع ال يتعلمه الفرد �أو‬
‫يكت�سبه‪ ،‬ولكنه موجود لديه بالفطرة‪.‬‬
‫‪ -2‬الدوافع التي يكت�سبها الفرد نتيجة لنموه وات�صاالته بغريه وبالظروف االجتماعية‬
‫املحيطة به‪ .‬و ُيطلق على النوع الأول ا�سم الدوافع الأولية �أو الفطرية �أو الأ�سا�سية‬
‫�أو الوراثية �أو الوالدية‪ ،‬و ُيطلق على النوع الثاين ا�سم الدوافع الثانوية �أو املكت�سبة �أو‬
‫االجتماعية �أو املتعلمة‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي و�صف لهذه الدوافع‪:‬‬

‫‪ -1‬الدوافع الأولية ‪:Primary motives‬‬

‫ُيطل���ق عليه���ا الفطرية �أو الوراثي���ة‪� ..‬أو الأ�سا�س���ية‪� ...‬أو الوالدية‪ .‬و�أ�س���ا�س الدوافع‬
‫ات�صال مبا�ش ًرا بحياة الإن�سان وحاجاته الف�سيولوجية‬ ‫اً‬ ‫الأولية يرجع �إلى الوراثة التي تت�صل‬
‫الأ�سا�سية‪ .‬وقد يعتقد �أن الدوافع الأولية �أقل ت�أثي ًرا في حياة الإن�سان من الدوافع الثانوية‪،‬‬
‫والواق���ع في ذلك يتوقف �إلى حد كبير على درجة �إ�ش���باع هذه الدوافع‪ ،‬فدافع الجوع مثلاً‬
‫ال يظه���ر له �أثر كبير في حياة الإن�س���ان‪ ،‬حيث يتم �إ�ش���باعه با�س���تمرار‪� .‬أم���ا في الحاالت‬
‫التي ي�ص���عب فيه���ا العثور على العام‪ ،‬فتبدو الأهمية الكبرى له���ذا الدافع و�أثره في توجيه‬
‫�سلوك الإن�سان‪.‬‬
‫‪228‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬الدوافع الثانوية ‪:Secondary Motives‬‬

‫ش���� نتيج���ة تفاعل الفرد مع‬


‫ُيطل���ق عليه���ا المكت�س���بة �أو االجتماعية �أو المتعلمة‪ .‬وتن� أ‬
‫البيئة والظروف االجتماعية المختلفة التي يعي�ش فيها‪ .‬ويمكن تتبع طريقة تكوين الدوافع‬
‫الثانوية �إذا الحظنا الطفل ال�صغير‪� ،‬إذ يتحدد �سلوك الطفل في �سنوات حياته الأولى تب ًعا‬
‫للدوافع الأولية‪ ،‬ولكن �إ�ش���باع هذه الدوافع ال يتم �إال عن طريق الكبار‪ ،‬وبذلك يجد الطفل‬
‫نف�س���ه م�ضط ًّرا �إلى اتباع �أ�س���اليب الكبار وحياتهم‪ ،‬وتن� أش� دوافع جديدة نتيجة لما يتعلمه‬
‫من الأ�سرة التي ين� أش� فيها‪.‬‬

‫الدافعية وال�سلوك‪ ،‬الفروق الفردية يف الدافعية‪،‬‬


‫مفهوم الدوافع‪ ،‬دور الدافعية يف حتقيق الأهداف‪.‬‬
‫خ�صائ�ص الدافعية‪( :‬الغر�ضية ‪ -‬الن�شاط ‪ -‬اال�ستمرار ‪ -‬التنوع ‪ -‬التح�سني ‪ -‬التكيف الكلي)‬
‫ت�صنيف الدوافع‪�( :‬أولية ‪ -‬ثانوية)‬

‫تف�سير الدافعية‪:‬‬
‫يتوقف تف�سير الدافعية وال�سلوك على �أ�سا�س‪:‬‬
‫‪ -1‬التعرف �إىل م�صادر ن�شاط الإن�سان‪،‬‬
‫‪� -2‬أن الدافعية ت�ؤدي بالإن�سان �إىل اختيار بع�ض �أنواع من الن�شاط‪ ،‬ورف�ض �أنواع �أخرى‪،‬‬
‫�أي �إنها تتميز �أحيا ًنا باجلانب االختياري والإرادي عند القيام بن�شاط‪.‬‬
‫ولقد ظهرت تف�س���يرات عدة‪� ،‬أي نظريات‪ ،‬تحاول تف�سير الدافعية و�أ�سباب ال�سلوك‪.‬‬
‫وفيم���ا ي أ�ت���ي بع�ض هذه التف�س���يرات التي نحاول في النهاية و�ض���ع تف�س���ير ع���ام للدافعية‬
‫لأ�سباب ال�سلوك على اختالف �أنواعه‪.‬‬
‫‪229‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫(‪ )1‬تف�سير الدافعية على �أ�سا�س الغرائز ‪:Instincts‬‬


‫فقد ظهر منذ �سنوات م�ضت لم�شلكة الدافعية‪ ،‬تف�سر �أ�سباب ال�سلوك �إلى قوة محركة‬
‫�أُطلق عليها الغرائز‪ .‬فالطفل الذي يت�سم �سلوكه بالعدوانية والق�سوة‪ُ ،‬يقاتل ويعتدى ب�سبب‬
‫إ�شباعا لغريزة العمل‪ .‬وتجمع النا�س لف�ض عراك‬ ‫غريزة المقاتلة‪ ،‬والرجل المكافح يعمل � ً‬
‫بي���ن �أفراد ف���ي مجتمع يرجع �إل���ى الغريزة االجتماعية‪ .‬وهذا لتف�س���ير ال ُيع��� ّد في الوقت‬
‫الحا�ض���ر تف�س���ي ًرا �سلي ًما لأ�سباب الن�ش���اط‪ ،‬وال يزيد على كونه و�ص��� ًفا لل�سلوك‪ ،‬وال يرجع‬
‫ال�س���لوك لأ�س���بابه‪ ،‬ف�إذا بحثنا عن‪ :‬لماذا يقات���ل النا�س؟ فطب ًقا لمفه���وم الغريزة‪ُ ،‬يقاتل‬
‫النا����س لأن عنده���م نزعة للقتال‪� ،‬أي �إن مفهوم الغريزة في هذا ال�س���لوك يترك ال�س����ؤال‬
‫دون جواب‪ .‬وقد يظن �أن بع�ض النا�س ُيف�سرون الغرائز على �أنها تعني وجود قوى داخلية‪،‬‬
‫ُتجب���ر الفرد عل���ى القيام بالأفعال المختلفة‪ .‬ومثل هذا التف�س���ير للغرائز يعني وجود قوى‬
‫داخلي���ة تجبر الفرد على القيام بالأفعال المختلفة‪� ،‬أي تدفع الفرد وتحثه على الن�ش���اط‪.‬‬
‫وهذا تف�سير بدائي لل�س���لوك‪ .‬في وقتنا الحا�ضر‪ ،‬لي�س لتف�سير الدافعية لل�سلوك من موقع‬
‫الغرائز �أي مكانة الآن في علم النف�س‪.‬‬

‫(‪ )2‬تف�سير الدافعية على �أ�سا�س الطاقة ‪:Energy‬‬


‫ف�س���ر بع�ض العلم���اء الدافعية على �أنها نوع م���ن الطاقة الحيوي���ة (�أي الزمة للحياة �أو‬
‫نوعا ما‬
‫�ض���رورية للحي���اة)‪ ،‬التي تدف���ع الكائن الحي �إل���ى الن�ش���اط‪ ،‬ويرتبط هذا الغر����ض ً‬
‫بنظريات الغرائز‪ .‬ويفتر�ض �أن هذه القوة عبارة عن طاقة نف�س���ية لي�س���ت مرادفة لأي طاقة‬
‫فيزيائي���ة طبيعي���ة �أو كيماوية‪ .‬و ُتع ّد الطاقة النف�س���ية ‪ Psychic Energy‬في مفاهيم التحليل‬
‫النف�سي التقليدية م�صد ًرا لكل الن�شاط الإن�ساني‪ ،‬ومن �أمثلة ذلك غريزة الحياة العامة ‪Eros‬‬
‫التي افتر�ض���ها علماء ال�سلوكية وعلى ر�أ�س���ها فرويد ‪ Freud‬والطاقة الحيوية العامة الليبيدو‬
‫‪ Libido‬التي افتر�ض وجودها يونج ‪ Young‬و�أنها تمد ال�سلوك بالطاقة الالزمة‪� ،‬أي �إن الطاقة‬
‫الحيوي���ة العامة هي الطاقة النف�س���ية التي تمد غريزة الحياة بالطاق���ة الالزمة لها‪ .‬وهناك‬
‫ع���دد من االعترا�ض���ات على نظرية الطاقة النف�س���ية‪ .‬فافترا�ض وجود غري���زة للحياة تدفع‬
‫‪230‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�صحيحا‪ ،‬و�إن من الخط�أ‬‫ً‬ ‫الإن�سان �إلى الحياة‪ ،‬لي�س له قيمة لتف�سير ال�سلوك الإن�ساني تف�سي ًرا‬
‫افترا�ض نوع من الطاقة‪ ،‬يختلف عن �أنواع الطاقات المعروفة في علوم البيولوجي والكيمياء‬
‫والفيزي���اء؛ لأن مث���ل ه���ذا االفترا�ض يجب �أال ُيف�س���ر على �أ�سا�س���ه دافعية ال�س���لوك‪� ،‬إال بعد‬
‫ا�ستنفاد كل المحاوالت لتف�سير الدافعية على �أ�سا�س العمليات البيولوجية (�أي الحيوية)‪.‬‬
‫والواقع �إن ن�شاط الإن�سان ب�صفة خا�صة ون�شاط الحيوان ب�صفة عامة‪ ،‬يلزمه الطاقة‪،‬‬
‫ولكنه���ا الطاقة البيوكيميائي���ة ‪ Biochemical‬العادية التي ت�أتي م���ن الطعام الذي يتناوله‬
‫ومن الهواء الذي يتنف�س���ه‪ .‬ف�إذا تغذى الكائن الحي ف�س���وف يبقى ً‬
‫ن�ش���طا‪ ،‬و�إذا ُحرم من‬
‫الطعام �أو ف�شل في ه�ضم الطعام وامت�صا�صه‪ ،‬ف�إن ن�شاطه �سوف يتناق�ص‪ .‬وحتى مفهوم‬
‫الطاق���ة الغذائية ال ُيلقي الكثير من ال�ض���وء على الم�ش���كالت العملية للدوافع الإن�س���انية‪،‬‬
‫وخ�صو�ص���ا على م�ستوى ال�س���لوك االجتماعي المعقد‪ .‬فال�شخ�ص الذي ال يعاني �أي نق�ص‬ ‫ً‬
‫في غذائه‪ ،‬قد يكون فاتر القوى والن�ش���اط‪ ،‬وال �أهداف له‪ ،‬بينما الإن�سان النحيف الجائع‪،‬‬
‫قد يكون ملي ًئا بالطموح والطاقة والن�شاط‪ .‬فعلى الرغم من �أن الغذاء هو م�صدر الطاقة‪،‬‬
‫�إال �أن الفروق العادية في التغذية لي�ست مرتبطة بالفروق في الدوافع لل�سلوك االجتماعي‪.‬‬

‫(‪ )3‬تف�سير الدافعية على �أ�سا�س الحاجات والحوافز ‪:Needs and Drives‬‬

‫نتيجة للنقد واالعترا�ضات ال�سابقة في تف�سير الدافعية على �أ�سا�س الغرائز ونظرية‬
‫الطاقة‪ ،‬ظهر تف�سير للدافعية على �أ�سا�س الحافز ‪ Drive‬والحافز هو نمط من المتغيرات‬
‫الملحة تنتج عن حاجة في الج�س���م �أو في الأن�س���جة‪ .‬وهذه الحالة تدفع الكائن الحي �إلى‬
‫الن�ش���اط الم�ستمر لإ�ش���باع الحاجة‪ .‬مثال ذلك‪ :‬نق�ص الطعام ي�ؤدي �إلى تغيرات كيميائية‬
‫معينة في الدم‪ ،‬تدل على الحاجة �إلى الطعام لإ�شباع دافع الجوع‪ ،‬وهذه بدورها ت�ؤدي �إلى‬
‫حالة ا�س���تثارة �أو توتر ب�سبب ن�شوء الحافز‪ .‬ويقوم الكائن الحي بن�شاط معين لخف�ض هذا‬
‫الحافز (وهو في هذه الحالة البحث عن الطعام) لإ�شباع الحاجة �إلى تناول الطعام‪.‬‬
‫ش���� م���ن ظروف ج�س���مية‪ ،‬وبع����ض الحواف���ز ترجع �إل���ى الحاجات‬
‫وكل الحواف���ز تن� أ‬
‫البيولوجية (الحيوية) ‪ Biological Needs‬مثل الجوع والعط�ش‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪231‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫وكثير من الحوافز تثير الن�شاط العام‪ ،‬فالر�ضيع ي�صيح‪ ،‬ويتحرك‪� ،‬سواء �أكان جائ ًعا‬
‫�أم كان يت�ألم من �ش���يء‪� ،‬أم ال ي�ش���عر بالراحة ل�س���بب ما‪ .‬وال ت�س���تطيع عين الأم �أن تعرف‬
‫�س���بب بكائه‪ ،‬ولكنها تعلم فق���ط �أن هناك حافزًا قو ًّيا يدفعه للب���كاء‪ ،‬وتقوم الأم بمحاولة‬
‫�إ�س���كاته عن طريق تجربة �أ�ش���ياء مختلفة‪ ،‬حتى يمكن تحديد الحاف���ز‪� ،‬أي �إن الحافز في‬
‫و�ضعه الأ�صلي عبارة عن مثير للم�ستوى العام لن�شاط الإن�سان‪ .‬وال�شكل الآتي يو�ضح ذلك‪:‬‬

‫ن�شاط ‪Action‬‬ ‫‪ drive‬حافز ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬


‫‪( General Response‬ا�ستجابة عامة)‬ ‫‪( Forcing Stimulus‬مثير ُملزم لإحداث الن�شاط)‬
‫اال�ستجابة الرئي�سة للحافز‬
‫‪Major Response for Drive‬‬

‫ويرتب���ط بمفهوم الحاف���ز مبد�أ االتزان الحي���وي ‪�( Homestasis‬أي ثب���ات العمليات‬
‫الكيميائي���ة والحيوي���ة وتوازنه���ا) ‪ Biochemical‬ال���ذي ُيع��� ّد بمنزل���ة مي���ل الكائ���ن الحي‬
‫�إل���ى االحتف���اظ بحالة داخلية ثابتة‪ .‬فالفرد ال�س���ليم يحتفظ بدرجة حرارة ثابتة ن�س���ب ًّيا‪.‬‬
‫واالختالفات الب�س���يطة عن الحرارة الطبيعية ت�ؤدي �إلى ا�س���تثارة ا�ستجابات ُتعيد الحالة‬
‫�إلى طبيعتها‪ .‬ففي ف�ص���ل ال�ش���تاء عن���د مقاومة البرد يحدث تقل�ص ف���ي الأوعية الدموية‬
‫على �س���طح الج�س���م‪ ،‬حتى يحتفظ الدم بدفئه‪ .‬و�إن الج�س���م يرتع�ش لإنتاج الحرارة‪ .‬وفي‬
‫الطقل�س الدافئ‪ ،‬تت�س���ع الأوعية الدموية الخارجية لت�س���مح للحرارة بالت�س���رب من الدم‪،‬‬
‫و ُيف���رز الج�س���م العرق‪ ،‬وهذا ل���ه ت�أثير مب���رد‪ .‬وهذه كلها ا�س���تجابات �آلي���ة الغر�ض منها‬
‫االحتفاظ بحرارة الج�سم على �أ�سا�س المدى الطبيعي‪.‬‬
‫والواقع الحيوي لالحتفاظ بكثير من الحاالت الف�س���يولوجية لحفظ حياة الإن�س���ان‪،‬‬
‫ً‬
‫محتفظا بتوازنه‪ ،‬مثال ذلك درجة تركيز ال�سكر‬ ‫نجد �أن هناك حدودًا �ضيقة ليظل الج�سم‬
‫في الدم‪ ،‬وم�س���توى الأك�سجين وثاني �أك�س���يد الكربون في الدم‪ ،‬وتوازن الماء في الخاليا‪،‬‬
‫وغير ذلك كثير من العمليات الكيميائية والحيوية‪ ،‬حيث تعمل اال�س���تجابات المتعددة في‬
‫الج�سم لالحتفاظ بثبات هذه الحاالت ال�ستمرار مبد�أ التوازن الحيوي في ج�سم الإن�سان‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫مثال لال�س���تجابات الناجم���ة عن اختالل التوازن‪،‬‬ ‫والجوع والعط�ش يمكن و�ص���فهما اً‬
‫حي���ث �إن الجوع والعط�ش كليهما يثير �س���لو ًكا يهدف �إلى القيام بن�ش���اط ال�س���تعادة توازن‬
‫م���واد معينة في الدم‪ .‬وفي �إطار مفه���وم االتزان الحيوي يمكن اعتبار الحاجة �أي اختالل‬
‫الت���وازن الف�س���يولوجي �أو حيد عن الحالة المثل���ى الالزمة لبقاء الكائ���ن الحي‪ ،‬والمقابل‬
‫ال�سيكولوجي (النف�سي) للحاجة هو الحافز‪ ،‬فعندما ي�ستعيد الج�سم توازنه الف�سيولوجي‪،‬‬
‫ينخف�ض الحافز‪ ،‬ويتوقف الن�شاط المدفوع‪.‬‬
‫حاجة ‪Need‬‬

‫توتر (اختالل في التوازن الحيوي) ‪Tension‬‬

‫حافز ‪Drive‬‬

‫ن�شاط ‪Action‬‬

‫هدف ‪Purpose‬‬

‫خف�ض الحافز (�إزالة المثير)‬

‫ا�ستعادة التوازن الحيوي ‪Homeostasis‬‬

‫وقد قام علماء النف�س بدرا�س���ات متعمقة على �أ�س���ا�س مبد�أ االتزان الحيوي‪ ،‬لي�شمل‬
‫�أكثر من مجرد حاجات الأن�س���جة �أو التوازن الف�س���يولوجي‪ ،‬و�أ�ص���بح هذا المفهوم بمعناه‬
‫الوا�س���ع يعني �أي اختالل في التوازن الف�س���يولوجي �أو النف�س���ي‪ ،‬ي�ؤدي �إلى ا�س���تثارة حافز‬
‫للن�ش���اط ي�س���تعيد التوازن‪ .‬فال�ش���خ�ص الجائع �أو القلق �أو المتعب �أو الخائف‪� ،‬سوف يكون‬
‫مدفوعا في �سلوكه لفعل �أي �شيء ي�ستعيد التوازن‪ ،‬ويخف�ض التوتر عنده‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪233‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫�آليات ال�سلوك (ميكانزمات ال�سلوك)‪:‬‬


‫عندم���ا ينمو الإن�س���ان‪ ،‬وي�ؤثر في �س���لوكه الن�ض���ج والتعلم‪ ،‬وما يكت�س���به من خبرات‬
‫يكت�ش���ف ا�س���تجابات جديدة لخف����ض الحوافز المثيرة لل�س���لوك‪ .‬ومثل هذه اال�س���تجابات‬
‫ُيطلق عليها الميكانزمات ‪ Mechanisms‬التي ُتك�س���ب خالل التعلم‪ ،‬وذلك با�ستثناء بع�ض‬
‫اال�ستجابات االنعكا�سية �أو الفطرية ‪ Primitive Responses‬التي ت�ؤدي �إلى ا�ستعادة التوازن‬
‫في الج�س���م‪ ،‬ومن �أمثلة الميكانزمات الفطرية التنف�س واالبتالع‪ .‬وبذلك‪ ،‬ف�إن الميكانزم‬
‫ُتف�س���ر على �أنها ا�ستجابة �أو تتابع في ال�سلوك‪ ،‬ي�ؤدي �إلى خف�ض الحافز وا�ستعادة التوازن‬
‫في الج�سم‪ ،‬مثال ذلك الميكانزم المنا�سب للجوع هو تناول الطعام‪.‬‬
‫ويو�ض���ح التخطيط الآتي تتابع �سلوك ال�ش���خ�ص‪ ،‬عندما يتعلم كيف يخف�ض الحافز‬
‫بنوع معين من اال�ستجابة‪ .‬ويتوقف ن�شاط ال�شخ�ص عندما يتم خف�ض الحافز‪.‬‬
‫حاجة‬

‫توتر (اختالل االتزان)‬

‫حافز (مثير ملزم «ملح» لإحداث الن�شاط)‬

‫ن�شاط‬

‫ميكانزم ال�سلوك (ا�ستجابة متعلقة)‬

‫هدف ‪Purpose‬‬

‫خف�ض الحافز (�إزالة المثير)‬

‫ا�ستعادة االتزان‬
‫‪234‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫و�أ�س���ا�س �آلية ال�س���لوك �أو ما يعرف بميكانزم ال�سلوك �أو اال�س���تجابة المتعلقة يف�سر‬
‫الدافعية وراء ال�سلوك المتمثل في الآتي‪:‬‬
‫‪ -1‬التباين يف التعبري عن الدوافع من ثقافة لأخرى ومن �شخ�ص لآخر داخل الثقافة‬
‫الواحدة‪ ،‬ويرجع هذا �إىل �أن التباين واختالف �آليات ال�سلوك �أي امليكانزمات تكت�سب‬
‫ويتم تعلمها نتيجة خلربات خا�صة‪ ،‬فهي عبارة عن �سلوك متعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬قد تتماثل الدوافع‪ ،‬و�إن كان التعبري عنها يختلف من فرد لآخر‪ ،‬ففي حالة الغ�ضب‬
‫قد يقوم فرد معني بالهجوم على من يثري غ�ضبه �أو عن طريق االن�سحاب من �أمامه‬
‫وكظم غيظه‪.‬‬
‫‪ -3‬قد تختلف الدوافع‪ ،‬وقد تت�شابه اال�ستجابات اخلا�صة بهذه الدوافع‪ ،‬مثال ذلك قد‬
‫جند من املتعلمني من يتعلم ف ًّنا من الفنون‪� ،‬أحدهما لتحقيق رغبة معلمه وملر�ضاته‪،‬‬
‫والثاين لي�ضايق معلمه‪.‬‬
‫‪ -4‬قد تظهر الدوافع يف �إطار م�ستمر‪ ،‬فقد ينحرف احلدث ب�سبب ال�صراعات الأ�سرية‪،‬‬
‫وهنا جند احلافز لالنحراف هو واقع �أمره حافز م�سترت‪� ،‬أي غري ظاهر وخفي‪.‬‬
‫‪ -5‬قد ُيعرب �سلوك واحد عن حوافز عدة‪ ،‬فالعب الكرة قد يكون ن�شاطه يف لعبة كرة‬
‫القدم �أ�سا�سه احلافز لل�شهرة‪ ،‬واحلافز للح�صول على �أموال كثرية ومكانة اجتماعية‬
‫عالية‪ً � .‬إذا ما الق�صد من وراء ذلك فيما يت�صل بالدافعية وال�سلوك؟‬
‫الواقع �أننا ال ن�س���تطيع �أن ن�ص���ل �إلى قائمة بالدوافع بمجرد تعدد الأن�شطة المختلفة‬
‫للإن�سان‪ .‬بل على العك�س من ذلك‪� ،‬إذ �إننا ن�ستنتج الدافع من الأن�شطة التي تحركها‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من معرفة الكثير عن الدوافع الإن�سانية وعلى الرغم من الو�صول �إلى ا�ستنتاجات‪،‬‬
‫ق���د تكون دقيقة‪� ،‬إال �أنه ي�ص���عب تحديد ع���دد الدوافع‪ .‬مثال ذلك الدافعية للو�ص���ول �إلى‬
‫المكانة االجتماعية يمكن اعتباره داف ًعا واحدً ا‪ ،‬في حين قد ينظر �إليه �آخرون على �أنه من‬
‫عدد من الدوافع مثل ال�سيطرة والمركز‪ ،‬وال�سلطة والأمن‪ ،‬ولذلك كثي ًرا ما تختلف قائمة‬
‫الدوافع من باحث �إلى باحث �آخر‪ ،‬ولي�س معنى ذلك بال�ضرورة وجود تناق�ض فيما بينهما‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫وعن���د توجيه �س���لوك الطفل‪ ،‬يجب �أن يع���رف المعلم �أن الدافع نف�س���ه قد ي�ؤدي �إلى‬
‫نوعي���ن من ال�س���لوك بي���ن اثنين م���ن المتعلمي���ن‪ ،‬و�أن دافعي���ن مختلفين ق���د ي�ؤديان �إلى‬
‫ال�سلوك نف�س���ه‪ .‬ويجب �أن يدرك المعلم �أن وظيفته بو�صفه معل ًما لي�ست �إ�شباع الحاجات‪،‬‬
‫ولكن مهمته الأ�سا�س���ية هي معالجة البيئة االجتماعية للمتعلم ب�ش���كل ُي�ساعده على خف�ض‬
‫الحاف���ز‪ ،‬وبذلك يتعلم المتعلم مهارات جديدة و�أ�س���اليب حل الم�ش���كالت التي ت�ؤدي �إلى‬
‫خف�ض التوتر لديه‪.‬‬

‫(‪ )4‬البواعث وال�سلوك الهادف ‪Purposive Behaviour‬‬

‫�س���بق تعريف الدافع ب�أنه حالة داخلية‪� ،‬أي م�ؤثر داخلي‪ ،‬ي�ؤدي �إلى ا�س���تثارة الن�شاط‬
‫وتوجيهه والعمل على ا�ستمراره حتى ي�صل الإن�سان �إلى تحقيق الهدف الذي ُي�شبع دافعه‪.‬‬
‫�أي �إن ال�س���لوك المدفوع �س���لوك موجه نحو هدف‪ ،‬وهذا ال�س���لوك الهادف يت�أثر بعدد من‬
‫العوامل‪ ،‬منها‪:‬‬
‫(�أ) الفرد نف�سه‪.‬‬
‫(ب) املوقف اخلارجي‪.‬‬
‫(جـ) طبيعة الدافع‪.‬‬
‫(د) قوة الدافع‪.‬‬
‫وهذه العوامل يتوقف على توافرها‪ ،‬درجة الإ�شباع الناتجة عن الن�شاط الموجه نحو‬
‫الهدف‪ .‬وت�ؤ�س�س الدوافع في البداية على ال�صفات الفطرية‪� ،‬إال �أنها تعدل بالتعلم‪.‬‬
‫وعند �إ�ش���باع الحاجات تكت�س���ب الدوافع التوجيه واالرتباط ب�أهداف محددة‪ ،‬وعند‬
‫ارتباط الدوافع ب�أهداف‪ ،‬ت�ص���بح هذه الأهداف نف�س���ها بواع���ث للدافع‪ .‬و ُتعرف البواعث‬
‫ب�أنها المو�ضوعات �أو المواقف �أو الأحداث المجزية التي تعلم الفرد �أنه ت�شبع من دوافعه‪.‬‬
‫وهكذا نجد �أن الدوافع ُتحرك ال�س���لوك نحو هدف‪ ،‬والأهداف المكت�ش���فة توجه ال�سلوك‪،‬‬
‫و ُت�صبح بدورها بواعث‪ ،‬من �ش�أنها �أنه ُت�شبع الدوافع ما يجعلها تعزز ال�سلوك‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وعادة ما يوفر المعلمون البواعث التي ت�ستثير دوافع المتعلمين‪ ،‬التي يمكن الح�صول‬
‫عليها نتيجة للجهود التي يبذلها المعلمون نحو المتعلم‪ .‬ولقد �أظهرت الخبرة في التدري�س‬
‫والتجارب التي �أجريت في هذا المجال‪� ،‬أن ال�س���لوك ال�س���لبي غي���ر المكترث ال ي�ؤدي �إلى‬
‫التح�س���ن‪ ،‬و�أن التعلم الفعال يتطلب جهدً ا �إيجاب ًّيا عال ًيا وم�س���تم ًّرا‪ .‬وال �ش���ك �أن ا�س���تثارة‬
‫المعل���م لدواف���ع المتعلمين عملية �ص���عبة‪ ،‬وتتطلب جهدً ا م�س���تم ًّرا من جانب���ه‪ ،‬لكنها في‬
‫النهاية ت�ؤتي نتائج مثمرة وم�شجعة للمعلم وم�شبعة له وللمتعلمين داخل الف�صل الدرا�سي‪.‬‬

‫الدافعية والتعلم‪:‬‬
‫مما �س���بق نجد �أن التعلم عملية �إيجابية‪ ،‬ولي�س���ت عملية �سلبية‪ .‬ولقد ثبت بالتجربة‬
‫ً‬
‫ارتباطا كبي ًرا بدرجة انتباه المتعلم للمو�ض���وع الذي يتعلمه‪.‬‬ ‫�أن ك���م التعلم وكيفه يرتب���ط‬
‫والبواعث والدوافع �ضرورية للمحافظة على درجة عالية من االنتباه للمو�ضوع المتعلم‪.‬‬
‫وهناك اتفاق كبير بين علماء النف�س على �أن العالقة بين الأهداف والدوافع عالقات‬
‫متعلم���ة‪� .‬إذ يب���دو مثلاً �أن معظم �أنواع الثواب والعقاب في الحياة ال تكون بالفطرة‪ ،‬بل �إن‬
‫ال�ش���يء يكت�س���ب �ص���فته بو�ص���فه ثوا ًبا �أو عقا ًبا نتيجة للخبرة‪ ،‬ولذلك ف�إن دوافع المتعلم‬
‫تتغير كلما تعلم �أ�شياء جديدة‪.‬‬
‫ومعظم �أنواع ال�س���لوك لي�س���ت موجهة ف���ي الواقع نحو هدف واح���د‪ ،‬بل نحو �أهداف‬
‫متع���ددة‪ .‬فالطف���ل في ال�ص���ف الراب���ع االبتدائ���ي عندما يقوم ب����أداء واجب���ات يومية في‬
‫الح�س���اب ال يه���دف فقط �إلى االنتهاء من الواجبات‪ ،‬بل يهدف � ً‬
‫أي�ض���ا �إلى �إر�ض���اء معلمه‬
‫و�إر�ض���اء والديه‪ ،‬و�إلى التناف�س بنجاح مع زمالئه في الف�ص���ل‪ ،‬وق���د تكون هناك �أهداف‬
‫�أخرى � ً‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫من هذا يتبين �أن البواعث تمثل ما ُيدركه الفرد بو�ص���فه �شي ًئا له القدرة على �إ�شباع‬
‫الدافع‪ ،‬فالمتعلم الذي يدفعه ف�ض���وله تكون بواعثه الفهم والمعرفة‪ ،‬و�إذا كان التح�ص���يل‬
‫داف ًع���ا كان النجاح �أو الدرج���ات العالية هي الباعث‪ ،‬والمال واالنتم���اء العاطفي والحرية‬
‫‪237‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫كلها ُتع ّد بواعث قوية عند الإن�سان‪ ،‬ومن �أهم البواعث التي كثي ًرا ما يلج أ� �إليها المعلم في‬
‫العملية التعليمية الثواب والعقاب‪.‬‬
‫والثواب ‪� Reward‬أو المكاف�أة �أو الجزاء هو كل ما يمكن �أن يعمل على �إيجاد ال�ش���عور‬
‫بالر�ض���ا واالرتياح عند المتعلم‪� ،‬س���واء كان ذلك بالت�ش���جيع العاطفي �أو الت�شجيع اللفظي‬
‫�أو الت�ش���جيع المادي‪ ،‬ك�إعطاءالمتعلم جوائز �أو نقودًا‪� ،‬أو و�ض���ع ا�سمه في لوحة ال�شرف �أو‬
‫�شهادة تقدير‪.‬‬
‫والعقاب ‪ Punishment‬هو كل ما ي�ؤدي �إلى ال�ش���عور بعدم الر�ضا وعدم االرتياح‪ ،‬ك�أن‬
‫يق���وم المعلم بالت�أنيب والزجر والق�س���وة‪� ،‬أو العذاب �أو الحرم���ان الذي ُيع ّد من �أهم �أنواع‬
‫العقاب‪ ،‬الذي يعرف � ً‬
‫أي�ضا ب�أنه الت�أديب‪.‬‬
‫وهذه البواعث ال يتم اتخاذها داخل المدر�س���ة فقط‪ ،‬بل تتم � ً‬
‫أي�ض���ا داخل الأ�س���رة‪.‬‬
‫والطفل بطبيعته �أميل �إلى التعلم ال�س���ريع �إذا �أحيط بجو من الت�ش���جيع والتقدير‪ ،‬فالثواب‬
‫والمكاف����أة لهما �أثر كبير في �س���رعة التعلم‪� ،‬أما العقاب بمختلف �أنواع���ه‪ ،‬ف�إنه ي�ؤدي �إلى‬
‫نتائج عك�س ذلك‪� ،‬أي تقليل القابلية للتعليم والبطء في اكت�ساب الخبرات الجديدة‪.‬‬
‫وما يجعل للثواب �أهمية في التعلم‪� ،‬أنه ي�شبع الحاجة للتقدير‪� ،‬أو ما يعرف باالعتراف‬
‫‪ ،Need for Recognition‬وهي من الحاجات الأ�سا�سية لدى الإن�سان‪.‬‬
‫ولقد �أجريت تجارب كثيرة لإظهار �أثر الثواب والعقاب‪.‬‬
‫والواق���ع �أن المدح والثواب له �أثر �إيجابي على التعل���م و�إتقان المادة المراد تعلمها‪،‬‬
‫و�إن الذم �أو العقاب �أو الت�أديب �أو التوبيخ يفيد فائدة م�ؤقتة في �أول الأمر‪ ،‬ولكنه �إذا زاد �أو‬
‫ا�س���تمر �أثره على التعلم‪ ،‬ف�إنه ي�سبب ال�شعور بالكراهية عند المتعلم للمادة والمعلم‪ ،‬وبذا‬
‫يق���ل �إنتاجه فيها‪ ،‬وتقل �س���رعة تعلمه‪ ،‬ويت�أخر عن غيره ممن حظ���ي بالمدح والثناء‪ .‬و�إن‬
‫ترك المتعلم و�ش�أنه من غير تنبيه له �أو لغيره ينمي ال�شعور بعدم الرقابة وعدم الربط بين‬
‫العمل والنتيجة‪ ،‬في�س���ير في عمله متراخ ًيا‪� .‬أما مجرد �إ�شعار المتعلم ب�أن هناك جزاء مع‬
‫النتيجة‪ ،‬فذلك خير من تركه كلية من غير عقاب �أو ثواب‪.‬‬
‫‪238‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ه���ذا‪ ،‬ويجب الحذر من المديح ب�ص���فة م�س���تمرة‪� ،‬إذ �إن لكل �ش���يء ح���دودًا معينة‪،‬‬
‫فالمدي���ح الزائد عن الحد بمنا�س���بة وغير منا�س���بة‪ ،‬يوجد عند المتعلم ال�ش���عور بالغرور‬
‫والمبالغة في تقدير قيمة نف�سه‪ .‬و�إنه يبعث �إلى عدم بذل الجهد �إال في حالة وجود المدح‬
‫والثواب‪ ،‬فلي�س من الحكمة � ًإذا �أن ُيطبق قاعدة الثواب تطبي ًقا دائ ًما مطردًا‪ ،‬ولكن ينبغي‬
‫مراعاة عوامل �أخرى في تكوين �شخ�صية المتعلم‪.‬‬
‫و�إنه في حالة الذم والت�أنيب‪ ،‬قد يحتاج المتعلم �أحيا ًنا �إلى �أن ينبه �إلى �أخطائه‪ ،‬و�أن‬
‫ي�شعر بالتق�صير حتى يحاول �أن يبذل الجهد‪ ،‬ولكن التمادي في العقاب من �ش�أنه �أن ُيوهن‬
‫العزيمة‪ ،‬و ُي�شعر المتعلم بالذلة واال�ستكانة‪ ،‬ما ي�ؤدي �إلى فقدان الرغبة في بذل الجهد‪.‬‬

‫مثيرات وموجهات ال�سلوك المرتبطة بالدافعية‪:‬‬


‫هناك مثيرت لل�سلوك وموجهات لل�سلوك ذات �صلة‪� ،‬أي مرتبطة بالدوافع والأهداف‬
‫التي ي�سعى الإن�سان لتحقيقها‪.‬‬
‫ومن �أمثلة هذه المثيرات ما �س���بق �إي�ض���احه‪ ،‬عندما عر�ضنا مفهوم كل من الحاجة‬
‫والباعث‪ .‬وهناك م�س���ببات �أخرى تثير �س���لوك الإن�س���ان‪ ،‬مثل الميول واالتجاهات والقيم‬
‫والطم���وح‪ ،‬وكلها لها ارتباطه���ا الوثيق بالدوافع‪ ،‬ونعر�ض في هذا الف�ص���ل هذه المثيرات‬
‫والموجهات لل�سلوك الإن�ساني وعالقتها بالدافعية‪.‬‬

‫‪ -1‬الحاجة ‪:Need‬‬
‫يرتك���ز االهتمام الأ�سا�س���ي للدافعية على الحاجات‪ ،‬وبخا�ص���ة تل���ك الحاجات غير‬
‫الم�ش���بعة‪ ،‬وت����ؤدي الحاجات االجتماعي���ة دو ًرا كبي ًرا ف���ي العملية التعليمي���ة‪ .‬و�إن المنهج‬
‫الدرا�س���ي يهدف �إلى تحقيق حاجات المتعلمين بما ي�س���اعد على نموهم نم ًّوا متكاملاً في‬
‫�شتى خ�صائ�صهم الج�سمية واالنفعالية والعقلية واالجتماعية‪.‬‬
‫والحاجة من الناحية النف�س���ية عبارة عن رغبة فطرية من خاللها ي�س���عى الإن�س���ان‬
‫‪239‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫�إلى تحقيق االتزان النف�سي واالنتظام في الحياة‪ .‬وتظهر �أهمية الحاجة في حياة الإن�سان‬
‫عندما توجد �صعوبات �أو ظروف تحول دون �إ�شباع هذه الحاجة‪� ،‬إذ يظهر عليه اال�ضطراب‬
‫والقلق وعدم ال�شعور بال�سعادة في الحياة‪.‬‬
‫والمتعلم الذي ي�ش���عر بحاجة معينة ي�ش���عر بنق�ص يمكن �أن ي�س���ده ن�ش���اط معين �أو‬
‫نتيجة معينة‪ .‬وبذلك ف�إن «الحاجة �إلى الإنجاز» ‪ Need of Achievement‬يمكن �إ�ش���باعها‬
‫بدرج���ة عالية من الإنجاز‪� ،‬إذا نجح المتعلم في تحقيق هدف يتطلب جهدً ا ما‪« .‬والحاجة‬
‫�إلى االنتماء» ‪ Need of Be loningness‬يمكن �إ�ش���باعها عن طريق تكوين عالقات �ص���داقة‬
‫مع الآخرين‪« .‬والحاجة �إلى ال�سيطرة» يمكن �إ�شباعها بالح�صول على القيادة ‪Leadership‬‬
‫�أو ال�سيطرة على مجموعة من النا�س‪.‬‬

‫‪ -2‬الميل ‪:Interest‬‬
‫الميل مفهوم ي�ش���ير �إلى الأ�ش���ياء التي نحبها �أو نكرهها‪ ،‬و�إلى الأ�ش���ياء التي نف�ضلها‬
‫�أو ننفر منها‪ .‬وينمي الفرد في مواجهة متطلبات الحياة ح ًّبا �أو كراهية لأ�ش���ياء تدخل في‬
‫خبراته‪ ،‬وهذه الأ�ش���ياء التي يحبها �أو يكرهها لها �أثر وا�ض���ح على �س���لوكه‪ .‬فهو يتجنب ما‬
‫يكره‪ ،‬وي�سعى �إلى ما ُيحب‪ .‬ولذلك كان لما ُيحبه الإن�سان �أو يكرهه �أهمية بالغة في تحديد‬
‫�سلوكه‪ .‬فالمتعلم الذي ُيحب مادة ما يهتم بمعرفة المزيد منها‪ ،‬بينما المتعلم الذي يكره‬
‫مادة ما �سوف يميل �إلى تجنبها‪.‬‬
‫والمعلم الذي يميل �إلى مادة درا�سية معينة ينزع �إلى االنتباه في �أثناء �شرحها‪ ،‬حيث‬
‫يحاول �أن يلم بجميع جوانب المو�ض���وع‪ ،‬وي�ش���عر برغبة في معالجته‪ ،‬ولذلك يكون م�ستوى‬
‫االنتباه عال ًيا‪ ،‬ويظل ن�ش���اط المتعلم م�س���تم ًّرا‪ ،‬و�إن درجة الإ�ش���باع بالرغبة في تح�ص���يل‬
‫المادة يظل عال ًيا‪.‬‬
‫ويعمل الميل على االهتمام بالمثيرات التي ترتبط بالمو�ض���وع �أو الأحداث �أو الأفكار‬
‫ذات ال�صلة بهذا الميل‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وبذلك ُتع ّد الميول مهمة للمتعلم‪� ،‬إذ �إنها تحدد في كثير من الأحيان اتجاه الن�شاط‬
‫الذي يهدف �إليه الفرد‪ .‬وعلى هذا الأ�سا�س يمكن اعتبار الميول من دوافع التعلم‪ .‬ولما كان‬
‫من ال�صعب على المعلم االلتجاء �إلى الدوافع التي ترتبط بالحاجات الأولية للمتعلم‪ ،‬ف�إنه‬
‫كثي ًرا ما يعتمد على الدوافع المكت�س���بة‪� ،‬أي المتعلم���ة مثل الميول‪ .‬فالمتعلمون بالمدار�س‬
‫المتو�س���طة والثانوية‪ ،‬تتكون لديهم عادة ميول �إلى مو�ض���وعات معينة �أو هوايات خا�ص���ة‪.‬‬
‫مثال ذلك جمع �ص���ور الطيور والحيوانات وطوابع البريد �أو الر�س���م‪ .‬وي�س���تطيع المعلم �أن‬
‫يرب���ط بين ميول المتعلمين ونواحي الدرا�س���ة المختلفة‪ ،‬فاالهتم���ام بالطيور والحيوانات‬
‫والأ�سماك مثلاً ‪ ،‬يمكن ربطه بدرو�س الأحياء‪ .‬واالهتمام بجمع ال�صخور والحفريات يمكن‬
‫اال�ستفادة منه في علوم الجيولوجيا‪.‬‬
‫وا�س���تغالل مي���ول المتعلمين في توجيه المادة الدرا�س���ية ي����ؤدي دو ًرا مه ًّما‪ ،‬فهو من‬
‫ناحي���ة ُي�ش���بع هذا الميل لدى المتعل���م‪ ،‬ويحقق الأهداف التعليمية م���ن ناحية �أخرى‪ ،‬و�إن‬
‫االهتمام بالميول و�إ�شباعها ُي�ساعد على الك�شف عن الميول الكامنة لدى المتعلم و�إثارتها‪.‬‬
‫على �أنه عند اال�ستفادة من الميول بو�صفها دوافع للتعلم‪ ،‬يجب الحر�ص من المغاالة‬
‫في ا�س���تخدامها‪� .‬إذ �إن زيادة الإ�ش���باع قد ت�ؤدي �إلى نفور المتعلم واالبتعاد عن الن�ش���اط‬
‫المت�ص���ل بالمي���ل‪ ،‬ومن هنا كانت �أهمية البدء بالميل الظاهر ل���دى المتعلم‪ ،‬ف�إذا ظهرت‬
‫ميول �أخرى كانت كامنة ا�ستطاع المعلم االلتجاء �إلى ا�ستخدامها‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ -3‬القيم ‪:Values‬‬
‫القيم���ة من الناحية النف�س���ية عبارة عن توجي���ه لفئة كاملة من الأه���داف التي ُتع ّد‬
‫مهمة في حياة الفرد‪ .‬و ُيطلق على القيمة ا�سم هذه الفئة من الأهداف‪.‬‬
‫وت�صنف القيم �إلى‪:‬‬
‫(�أ) القيم النظرية ‪ :Theorietical Values‬و ُيق�صد بها البحث عن احلقيقة يف حد‬
‫ذاتها‪ ،‬ويت�صف بهذه القيمة العلماء عادة‪.‬‬
‫‪241‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫(ب) القيم االقت�صادية ‪ :Econnomic Values‬و ُيق�صد بها البحث عن الرثوة‪.‬‬


‫(جـ) القيم اجلمالية ‪ :Esthetic Values‬و ُيق�صد بها البحث عن اجلمال يف حد‬
‫ذاته‪ ،‬كما هو احلال لدى ال ُكتاب والفنانني‪.‬‬
‫(د) القيم ال�سيا�سية ‪ :Political Values‬و ُيق�صد بها القوة من �أجل القوة‪ ،‬ويت�صف‬
‫بها الزعماء عادة‪.‬‬
‫(هـ) القيم االجتماعية ‪ :Social Values‬و ُيق�صد بها رفاهية الآخرين‪ ،‬كما ي�سعى‬
‫�إليها امل�صلحون االجتماعيون‪.‬‬
‫(و) القيم الدينية ‪ :Religious Values‬و ُيق�صد بها االهتمام بالدين وبتعاليمة‬
‫وبعالقة الإن�سان بخالقه‪.‬‬
‫و ُتع ّد القيم من �أهم �أهداف التربية‪ ،‬ذلك �أن التربية تبنى �أهدافها على �أ�س���ا�س من‬
‫قيم المجتمع‪.‬‬

‫‪ -4‬االتجاهات ‪:Attitudes‬‬
‫االتجاه يمثل ا�ستجابة قبول �أو رف�ض نحو مو�ضوع ما‪ ،‬وتت�ضمن االتجاهات الجوانب‬
‫الأ�سا�سية الآتية‪:‬‬
‫(�أ) الهدف ‪ :Aim‬وهو مو�ضوع االجتاه‪ ،‬الذي يرتبط بعوامل معرفية‪ ،‬متثل ما يفهمه‬
‫الفرد �أو يعرفه عن املو�ضوع‪.‬‬
‫(ب) احلالة االنفعالية الوجدانية ‪ :Emotional Status‬هي ال�شعور نحو املو�ضوع‬
‫ب�شعور معني‪� ،‬سواء كان هذا ال�شعور �إيجاب ًّيا �أو �سلب ًّيا‪.‬‬
‫(جـ) توجيه ال�سلوك ‪ :Guidance‬ف�إنه بناء على احلالة االنفعالية لدى ال�شخ�ص نحو‬
‫ً‬
‫معار�ضا له‪.‬‬ ‫مو�ضوع االجتاه‪ ،‬ف�إنه ينزع �إىل القيام ي�سلوك معني‪� ،‬إما م�ؤيدً ا �أو‬
‫واالجتاهات مثل الدوافع تثري الن�شاط‪ ،‬وتوجهه نحو هدف معني‪.‬‬
‫‪242‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ه���ذا‪ ،‬وت�ؤدي االتجاهات دو ًرا بو�ص���فها مثيرات لدافعية ال�س���لوك عن���د المتعلم في‬
‫الري���ادة المدر�س���ية‪ ،‬وما تق���وم به من اتباع القدوة الح�س���نة في العملي���ة التعليمية‪ ،‬حيث‬
‫عر�ضا واف ًيا عن ذلك فيما بعد‪.‬‬‫�سنفرد لذلك ً‬

‫‪ -5‬الطموح ‪:Ambition‬‬
‫طم���وح المتعل���م هو ما ي�أم���ل �إلى تحقيقه‪ ،‬وم�س���توى الطموح ي�ؤثر في درجة ن�ش���اط‬
‫المتعل���م‪ ،‬فالمتعل���م الذي يطمح �إلى االلتحاق بالجامعة يجاهد في تح�ص���يله الدرا�س���ي؛‬
‫ليح�صل على المجموع الذي يم ّكنه من ذلك‪.‬‬
‫وت����ؤدي العالقات الأ�س���رية دو ًرا مه ًّما ف���ي الطموح وتحفيز االنتب���اه �إلى المزيد من‬
‫التح�صيل العلمي والتفوق‪.‬‬
‫ومن العوامل ذات الأثر في الطموح ما ي�أتي‪:‬‬
‫عال مب�ستوى الطموح‪ ،‬يف حني �أن توقع الف�شل ي�ؤثر بدرجة‬ ‫‪ -1‬توقع النجاح له ارتباط ٍ‬
‫�سلبية يف الطموح‪ ،‬لذلك جند �أن النجاح امل�ستمر �أو الف�شل املعوق لهما �أثرهما يف‬
‫حتديد م�ستوى الطموح عقب النجاح �أو الف�شل‪.‬‬
‫‪� -2‬إذا كان م�س���توى الطم���وح �أعل���ى من قدرة الفرد وا�س���تعداده‪ ،‬فقد يك���ون العمل الذي‬
‫يواجهه املتعلم معقدً ا جدًّا و�ص���ع ًبا‪ ،‬بحيث ال ي�س���تطيع حتقيق الهدف الذي حدده من‬
‫خالل م�س���توى طموحه‪ .‬و�إن م�س���توى الطموح �إذا كان �أقل من ق���درة املتعلم‪ ،‬ف�إنه قد‬
‫يجد العمل �سهلاً للغاية‪ ،‬بحيث ال يتحدى املتعلم‪ ،‬وال ي�ستثريه‪.‬‬
‫‪ -3‬كث ًريا ما ي�ضع الأفراد غري الآمنني لأنف�سهم �أهدا ًفا عالية بعيدة لي�شعروا بالنجاح‪،‬‬
‫حتى لو �أدركوا �أنهم عاجزون عن حتقيقها‪.‬‬
‫منخف�ضا‪ ،‬ليحمي نف�سه من الف�شل‪� ،‬إذ‬‫ً‬ ‫‪ -4‬قد ُيحدد املتعلم لنف�سه م�ستوى من الطموح‬
‫�إنه بتحديده لهدف يعرف �أنه ي�ستطيع حتقيقه‪ ،‬ال يجازف بتعري�ض نف�سه للف�شل‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫‪ -5‬ت�ؤثر الأ�سرة واملعلم وغريهما من الرا�شدين يف م�ستوى الطموح �أحيا ًنا‪ ،‬ولذلك يجب‬
‫على املعلم �أن ي�ساعد املتعلمني على و�ضع �أهداف واقعية قابلة للتحقيق ومتنا�سبة مع‬
‫قدراتهم وا�ستعداداتهم‪.‬‬

‫تف�سر الدافعية على �أ�سا�س‪:‬‬


‫(الغرائز ‪ -‬الطاقة ‪ -‬احلاجات واحلوافز ‪ -‬البواعث ‪ -‬الدافعية والتعلم)‬
‫موجهات ال�سلوك املرتبطة بالدافعية‪:‬‬
‫(احلاجة ‪ -‬امليل ‪ -‬القيم ‪ -‬االجتاهات ‪ -‬الطموح)‬

‫�إعاقات تحقيق الأهداف والدافعية‪:‬‬


‫كثي ًرا ما ي�صل الفرد �إلى تحقيق �أهدافه دون �صعوبة كبيرة‪ ،‬وبذلك ي�ستعيد توازنه‪.‬‬
‫ويحول دون تحقيقه‬ ‫وقد يحدث في بع�ض الأحيان �أن وجود عائق ُي�ضعف من ن�شاط الفرد‪ُ ،‬‬
‫للهدف‪ .‬ويترتب على وجود العائق زيادة التوتر‪ ،‬ما ُيحفز الفرد من ثم �إلى زيادة ن�ش���اطه‬
‫وتنوع �سلوكه حتى يتغلب على العائق‪ ،‬وبذلك يتعلم �أ�ساليب جديدة لتحقيق الأهداف‪ .‬وقد‬
‫يح���دث �أن يكون العائق �أكبر من �أن ي�س���تطيع الفرد تخطي���ه �أو التغلب عليه‪ .‬ويحدث هذا‬
‫في كثير من مواقف الحياة بما فيها الف�صل الدرا�سي‪� ،‬إذ قد يواجه المتعلم بعوائق تجعل‬
‫تحقيق الأهداف �ص���عبة للغاية �أو م�س���تحيلة‪ .‬وت�ؤدي هذه الإعاقات �إلى �إحباط ال�شخ�ص‪،‬‬
‫والإحباط المتزايد يجعله يتخذ واحدً ا من �سبيلين‪:‬‬
‫‪ -1‬قد يرتاجع الفرد �أو يرتدد بع�ض الوقت‪ ،‬ثم يحاول اخرتاق احلاجز واقتحام الإعاقة �أو‬
‫العقبة التي تعرت�ضه‪ ،‬ل ُيحقق الهدف‪ ،‬وذلك بعد �أن يتجدد ن�شاطه‪� ،‬أو بعد �أن يحاول‬
‫ا�ستخدام و�سائل وطرائق �أكرث فاعلية يف الو�صول �إىل الهدف‪.‬‬
‫‪ -2‬عندما يتكرر الف�شل با�ستخدام الو�سائل والطرائق اجلديدة‪ ،‬ف�إنه من املحتمل �أن يقوم‬
‫بعمليات توافق بديلة‪� ،‬أي �إنه يحاول خف�ض التوتر لديه بو�سائل �أخرى‪ ،‬وهذه الو�سائل‬
‫‪244‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫اخلا�صة بخف�ض التوتر تتم عن طريق االن�سحاب �أو عن طريق العدوان‪ ،‬ومن �أمثلة‬
‫االن�سحاب ما يقوم به الفرد من حيل ال �شعورية ك�أحالم اليقظة والنكو�ص والكبت‬
‫وغريها‪ .‬ومن �أمثلة حيل العدوان التي قد يقوم بها الفرد‪ :‬التربير‪� ...‬أو االعتداء‪...‬‬
‫�أو الإ�سقاط‪ ،‬وغري ذلك من احليل العدوانية‪.‬‬
‫والواقع �أن الإعاقات قد تكون نابعة من ظروف البيئة نف�سها‪ :‬ك�أن تكون �أ�شياء عادية‬
‫�أو �أفرادًا قريبين من ال�شخ�ص‪� ،‬أو تكون الإعاقات من الفرد ذاته‪� ،‬أو تكون قدرات الفرد‬
‫وا�س���تعداداته �أق���ل م���ن �أن تمكنه من تحقيق ه���دف معين‪ .‬ومن هنا كان���ت �أهمية تحديد‬
‫وخ�صو�صا في العملية التعليمية‪ .‬ويجب‬
‫ً‬ ‫�أهداف منا�سبة لم�س���توى قدرة الفرد �أو المتعلم‪،‬‬
‫�أن نعلم �أن الإعاقات لي�س الق�صد منها تعجيز المتعلم عن تحقيق الأهداف التعليمية التي‬
‫أ�سا�س���ا لتنمي���ة التفكير عند المتعلم‪ ،‬وتنمية االبتكار لديه‬
‫ينبغي للمعلم تحقيقها‪ ،‬بل هي � ً‬
‫وتكري�س عادات فكرية لمواجهة م�شكالت الحياة الواقعية فيما بعد‪.‬‬

‫تت�ضمن مثريات وموجهات ال�سلوك املرتبطة بالدافعية الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬احلاجة‪ )2( .‬امليل‪ )3( .‬القيم‪ )4( .‬االجتاهات‪ )5( .‬الطموح‪.‬‬
‫�إعاقات حتقيق الأهداف والدافعية‪:‬‬
‫(‪ )1‬تراجع الفرد �أو تردده بع�ض الوقت‪.‬‬
‫(‪ )2‬عندما يتكرر الف�شل با�ستخدام الو�سائل والطرق اجلديدة‪.‬‬
‫‪245‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬يختلف املتعلمون يف طرائق اال�ستجابة للأن�شطة التعليمية و�أ�ساليبها وف ًقا للفروق‬
‫الفردية يف الدافعية‪.‬‬
‫‪ -2‬يمُ ثل الدافع عملية داخلية توجه ن�شاط الفرد نحو هدف يف بيئته‪.‬‬
‫‪ -3‬تعمل الدافعية على حتقيق الأهداف التعليمية من حيث حت�صيل املعرفة والفهم واملهارات‪.‬‬
‫‪ -4‬من خ�صائ�ص الدافعية لل�سلوك‪ :‬الغر�ضية بالن�شاط ‪ -‬اال�ستمرار ‪ -‬التنوع ‪ -‬التح�سن ‪-‬‬
‫التكيف الكلي ‪ -‬حتقيق الغر�ض‪.‬‬
‫‪ -5‬ت�صنف الدوافع �إىل‪ :‬الأولية ‪ -‬الثانوية‪.‬‬
‫‪ُ -6‬تف�سر الدوافع على �أ�سا�س‪ :‬الغرائز ‪ -‬الطاقة ‪ -‬احلاجات واحلوافز‪.‬‬
‫‪ -7‬تمُ ثل ميكانيزمات ال�سلوك ما ُيعرف ب�آليات ال�سلوك‪ ،‬وهي من �آثار الن�ضج والتعلم‬
‫واكت�ساب ا�ستجابات جديدة خلف�ض احلوافز املثرية لل�سلوك عند الفرد‪.‬‬
‫‪ -8‬يت�أثر ال�سلوك الهادف بعوامل عدة منها‪ :‬الفرد ‪ -‬املوقف اخلارجي ‪ -‬طبيعة الدافع ‪-‬‬
‫قوة الدافع‪.‬‬
‫‪ -9‬كم التعلم وكيفه يرتبط بـ‪ :‬درجة انتباه املتعلم للمو�ضوع ‪ -‬والتعلم والبواعث ‪-‬‬
‫والدوافع �ضرورية لالنتباه‪.‬‬
‫‪ -10‬الثواب والعقاب داخل الأ�سرة �أو داخل املدر�سة ي�ؤثر يف دافعية التعلم‪.‬‬
‫‪ -11‬تمُ ثل البواعث ما ُيدركه الفرد بو�صفه �شي ًئا له القدرة على �إ�شباع الدافع‪.‬‬
‫‪ -12‬م���ن مث�ي�رات ال�س���لوك املرتبطة بالدافعي���ة وموجهات���ه‪ :‬احلاجة ‪ -‬املي���ل ‪ -‬القيم ‪-‬‬
‫االجتاهات ‪ -‬الطموح‪.‬‬
‫‪ -13‬احلاجة من الناحية النف�سية تحُ قق االتزان النف�سي واالنتظام يف احلياة‪.‬‬
‫‪ُ -14‬تع ّد امليول ذات �أهمية للتعلم‪ ،‬فهي حتدد اجتاه الن�شاط الذي يهدف �إليه الفرد‪.‬‬
‫‪ -15‬القيم تقوم بتوجيه الأهداف املهمة يف حياة الفرد‪ ،‬وهي ت�شمل القيم‪ :‬النظرية‪-‬‬
‫االقت�صادية ‪ -‬اجلمالية ‪ -‬ال�سيا�سية ‪ -‬االجتماعية والدينية‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -16‬االجتاه���ات عبارة عن االعتقاد �أو عدم االعتقاد يف �ش���يء معني‪ ،‬وتت�أثر بـ‪ :‬الهدف‪-‬‬
‫احلالة االنفعالية الوجدانية ‪ -‬توجيه ال�سلوك‪.‬‬
‫‪ -17‬الطم���وح ه���و ما ي�أمل الف���رد �إىل حتقيقه‪ .‬وت����ؤدي العالقات الأ�س���رية دو ًرا مه ًّما يف‬
‫الطموح وحتفيز االنتباه من �أجل التح�صيل العلمي والتفوق‪.‬‬
‫‪ -18‬الإعاق���ات نحو حتقيق الأهداف والدافعية تعم���ل على الإحباط‪ ،‬وهي قد تكون نابعة‬
‫من البيئة �أو من �أ�ش���ياء عادية �أو من �أفراد قريبني من ال�ش���خ�ص‪ .‬وحتفز الإعاقات‬
‫عل���ى تنمي���ة التفك�ي�ر عند املتعل���م وتنمي���ة االبتكار وتكوي���ن عادات فكري���ة ملواجهة‬
‫م�شكالت احلياة الواقعية‪.‬‬
‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬حدد معنى الدافع‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح خ�صائ�ص الدافعية لل�سلوك‪.‬‬
‫‪ -3‬يف تنميط الدوافع ُتق�سم �إىل دوافع �أولية و�أخرى ثانوية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -4‬كيف ُتف�سر الدافعية على �أ�سا�س الغرائز‪.‬‬
‫‪ -5‬كيف ُتف�سر الدافعية على �أ�سا�س الطاقة‪.‬‬
‫‪ -6‬كيف ُتف�سر الدافعية على �أ�سا�س احلاجات واحلوافز‪.‬‬
‫‪ -7‬كيف ُتف�سر الدافعية من خالل �آلية ال�سلوك‪.‬‬
‫‪ -8‬يت�أثر ال�سلوك الهادف بعدد من العوامل‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -9‬و�ضح دور الدافعية يف التعلم‪.‬‬
‫‪ -10‬من مثريات ال�سلوك املرتبطة بالدافعية وموجهاته ‪ -‬احلاجة وامليل‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -11‬و�ضح دور القيم بو�صفها موجهات لل�سلوك‪.‬‬
‫‪ -12‬و�ضح دور االجتاهات بو�صفها موجهات لل�سلوك‪.‬‬
‫‪ -13‬حدد العوامل ذات الأثر يف الطموح بو�صفها موج ًها لل�سلوك‪.‬‬
‫‪ -14‬ما دور الإعاقات يف حتقيق الأهداف والدافعية‪.‬‬
‫الدافعية والتح�صيل الدرا�سي‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتع���رف املتعل���م �إىل العالق���ة ب�ي�ن الدافعي���ة والف���روق الفردي���ة يف‬
‫التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتفهم املتعلم معوقات التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يحدد املتعلم العالقة بني الدافعية للإجناز والأداء ال�سلوكي‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يحدد العالقة بني الدافع للنجاح والدافع لتجنب الف�شل‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف اكت�ش���اف �أثر خربات النجاح والف�شل يف‬
‫العملية التعليمية‪.‬‬
‫الدافعية والتح�صيل الدرا�سي‬

‫‪:‬‬
‫يت�ض���ح مما �س���بق �أث���ر الدافعية في ال�س���لوك الإن�س���اني‪ ،‬ب�ص���فةعامة‪ ،‬وفي تحقيق‬
‫الأهداف التعليمية عند المتعلم ب�ص���فة خا�ص���ة‪ ،‬وما و�ض���ح لنا من خ�ص���ائ�ص الدافعية‬
‫وال�س���لوك‪ ،‬وتف�سير الدافعية ومثيرات وموجهات ال�سلوك ذات العالقة بالدافعية لل�سلوك‪،‬‬
‫ف�إن االهتمام في هذا الف�ص���ل بالدافعية والتح�ص���يل الدرا�سي‪� ،‬إذ يعنينا �إي�ضاحات �أكثر‬
‫عن الدافعية ودورها الفعال في العملية التعليمية‪.‬‬

‫• الدافعية والفروق الفردية في التح�صيل الدرا�سي‪:‬‬


‫�س���بق �إي�ض���اح مفهوم الدافعية فيما يتعلق بالفروق الفردية في التح�ص���يل الدرا�سي‬
‫بين المتعلمين‪ ،‬وخا�ص���ة عندما تك���ون الفروق الفردية راجعة لعوام���ل �أخرى غير الذكاء‬
‫واال�ستعداد للتح�صيل الدرا�سي‪ .‬وتظهر �أهمية مفهوم الدافعية عندما نعرف �أن االرتباط‬
‫بي���ن الذكاء والتح�ص���يل الدرا�س���ي‪ ،‬ال يزيد على ‪� %50‬إل���ى ‪� ،%60‬أي �إنها معدالت �أقل من‬
‫الن�شاط الإح�ص���ائي ذات الداللة العالية‪ ،‬لذلك كثي ًرا ما نجد بع�ض المتعلمين منخف�ضي‬
‫عال‪ ،‬ومتعلمين �آخرين من ذوي‬ ‫القدرات‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك يتميزون بتح�صيل درا�سي ٍ‬
‫الذكاء المرتفع‪ ،‬ولكن تح�ص���يلهم الدرا�سي منخف�ض‪� .‬أي �إن توقعات التح�صيل الدرا�سي‬
‫تختلف �س���ل ًبا �أو �إيجا ًبا عما ُيق���رره الواقع‪ ،‬وغال ًبا ما يكون العامل الم�س����ؤول في مثل هذه‬
‫الحاالت هو ارتفاع �أو انخفا�ض الدافعية للتح�ص���يل‪ .‬فالمتعلم الذي يح�ص���ل في م�س���توى‬
‫�أق���ل من المتوقع منه هو متعلم لي�س لديه الدافعية العالية للتح�ص���يل الدرا�س���ي بالدرجة‬
‫التي تمكنه من تحقيق الم�ستوى المنا�سب ال�ستعداداته‪ ،‬في حين �أن المتعلم الذي يح�صل‬
‫‪250‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫على م�س���توى �أعلى من المتوقع يبذل جهدً ا كبي ًرا في الدرا�س���ة نتيجة الرتفاع الدافع لديه‬
‫للتح�ص���يل‪ .‬ولذل���ك ف����إن‪ ،‬هناك عالقة عالي���ة وقوية بين م���ا ُيعرف بالداف���ع للإنجاز �أو‬
‫الدافع للتح�صيل والأداء ‪ .Accomplishment or Achievement Motivation‬وقبل �إي�ضاح‬
‫ذلك نود �أن نو�ض���ح الإعاقات التي �س���بق ذكرها في الف�ص���ل ال�س���ابق‪ ،‬والتي وردت فيما‬
‫يت�صل ب�إعاقات تحقيق الأهداف والدافعية لل�سلوك‪ ،‬حيث يعنينا في هذا المو�ضع �إي�ضاح‬
‫الإعاقات التي تحدث في العملية التعليمية‪ ،‬و�أهمية ذلك في التعلم‪.‬‬

‫• معوقات تحقيق الأهداف و�أهميتها في التح�صيل الدرا�سي‪:‬‬


‫�إن التعليم الهادف ي�س���عى لتحقيق التعلم المن�ش���ود و�إك�س���ابه للمتعلمين‪ ،‬من خالل‬
‫جه���ود المعل���م وكفاءته في العملية التعليمية‪ .‬و�س���بق �إي�ض���اح �أن الف���رد �إذا واجهه عائق‬
‫يحول بينه وبين الو�ص���ول �إلى الهدف الذي ي�س���عى لتحقيقه‪ ،‬ف�إنه يزيد من ن�شاطه‪ ،‬و ُينوع‬
‫ا�س���تجاباته حتى يتغل���ب على العائق‪ ،‬بينما عندما ما ال يواجه الفرد عائق ف�إنه ي�س���تخدم‬
‫في الو�ص���ول �إلى الهدف ما �س���بق �أن اكت�سبه في �آليات ال�س���لوك (الميكانزمات)‪ .‬وكثي ًرا‬
‫ما ُي�ص���ادف المتعلم عائق يمنعه من تحقيق الهدف الذي ي�س���عى �إليه‪ ،‬ما يدفعه �إلى تعلم‬
‫�أنماط جديدة من ال�سلوك ت�ساعده على التغلب على العائق ‪ ..Obstacles or Blocks‬لذلك‬
‫كانت العوائق ذات �أهمية خا�ص���ة في التعلم والتح�ص���يل الدرا�سي‪ ،‬فتغير «الموقف» الذي‬
‫�س���بق للمتعلم �أن واجهه في تمرين هند�س���ي �أو م�شكلة ريا�ض���ية‪ ،‬يجعله ي�شعر ب�أنه يواجه‬
‫موق ًفا جديدً ا عليه لم ي�س���بق �أن مر بخبرته‪ ،‬وهذا الموقف الجديد يدفعه �إلى التفكير في‬
‫حل الم�ش���كلة التي يواجهها‪ .‬وبمعنى �آخر يحاول تنويع �سلوكه ليواجه العائق الذي �أمامه‪.‬‬
‫وواج���ب المعل���م ‪� -‬آنئذ ‪ -‬هو معاون���ة المتعلم على التدريب لمواجهة مث���ل هذه العوائق �أو‬
‫المواق���ف الجديدة‪ ،‬و ُي�ش���جع المتعلم و ُيحفزه عل���ى حلها والتغلب عليه���ا‪ ،‬ويوجهه عندما‬
‫يتطلب الموقف التعليمي ما يحتاج �إليه الأمر من توجيه‪.‬‬
‫عل���ى �أنه يجب �أن يراعي المعلم �أمو ًرا عدة بالن�س���بة �إلى العوائق التي ي�ض���عها �أمام‬
‫المتعلمين‪ ،‬و�أهم هذه الأمور ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪251‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫‪� -1‬أن تكون الإعاقات التي ي�ضعها املعلم �أمام املتعلمني منا�سبة لقدرات املتعلمني‬
‫وا�ستعداداتهم؛ حتى يمُ كن للمتعلم التغلب عليها بقدر معقول من اجلهد‪.‬‬
‫‪� -2‬أن يوجه املتعلمني وي�ساعدهم على التو�صل �إىل اال�ستجابات التي تكفل لهم حتقيق‬
‫الأهداف التعليمية‪.‬‬
‫حري�صا‬
‫ً‬ ‫‪� -3‬أن ُيحدد املعلم بعناية الإعاقات التي يحتوى عليها املوقف اجلديد‪ ،‬و�أن يكون‬
‫على �أال يحاول املتعلم الهرب من املوقف كلية‪ ،‬و�أن يعاونه وير�شده ليتخطى العائق‬
‫الذي �أمامه‪ ،‬ومن ثم ُيقلل من احتمال تعلم واكت�ساب ال�سلوك االن�سحابي لدى املتعلم‬
‫عندما يواجه عائ ًقا يحتاج �إىل بع�ض اجلهد للتغلب عليه‪.‬‬

‫• الدافعية �إلى الإنجاز والأداء ال�سلوكي‪:‬‬


‫الدافعي���ة للإنج���از ُتع ّد من الدوافع التي اهتم بها علم���اء النف�س‪ .‬ومن ه�ؤالء هنري‬
‫موراي ‪ 1983 H.Moray‬و�س���يرز ‪ 1942 Sears‬وماكيالن���د ‪ ،1949 McClleland‬وتبع ذلك‬
‫كثير من الدرا�سات‪ ،‬حيث اعتبر الدافعية �إلى الإنجاز من �أبرز اهتمامات درا�سة الدافعية‪.‬‬
‫والدافعي���ة للإنجاز تمثل ال�س���عي �إلى م�س���توى من االمتي���از والتفوق‪ .‬و ُتع��� ّد العملية‬
‫الأ�سا�س���ية في دافعية الإنجاز من �أعلى مراتب الدوافع النف�س���ية‪ .‬و�أجريت درا�سات حول‬
‫العالقة بين الدافع �إلى الإنجاز والأداء ال�س���لوكي‪ ،‬وتبين وجود ارتباط قوي بينهما‪ ،‬وفيما‬
‫ي�أتي بع�ض النتائج الدالة على ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬فاملتعلم الذي يتميز بارتفاع دافع الإجناز‪ ،‬عندما ُيعطى فر�صة الختيار زمالء‬
‫ي�شرتكون معه يف م�شروع معني‪ ،‬ف�إنه ُيف�ضل اختيار زمالئه من املتعلمني املعروفني‬
‫ب�أدائهم اجليد‪ ،‬وال ُيف�ضل املتعلمني الذين يتميزون ب�أنهم اجتماعيون حمبوبون من‬
‫زمالئهم‪ .‬يف حني �أن املتعملني ذوي دافع االنتماء العايل وذوى دافع الإجناز املنخف�ض‬
‫مييلون الختيار النوع االجتماعي املقرب �إليهم‪.‬‬
‫‪252‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬فيما يتعلق بامل�شكالت ال�صعبة التي ُيراد حلها‪ ،‬تبني �أن الأفراد ذوي دافع الإجناز‬
‫العايل‪ ،‬يتميزون باملثابرة على العمل‪ ،‬و�إن احتمال و�صولهم �إىل حل للم�شكالت �أكرب‪.‬‬
‫‪ -3‬يف مقارنة بني �أداء جمموعتني بني �أفراد من املعلمني‪� :‬إحداهما تتميز بارتفاع دافع‬
‫الإجناز‪ ،‬والأخرى تت�صف بانخفا�ض هذا الدافع‪ ،‬وكانت املقارنة يف �أداء كل من‬
‫املجموعتني يف بع�ض م�سائل اجلمع الب�سيطة‪ ،‬وبع�ض امل�شكالت يف ترتيب الكلمات‪.‬‬
‫وقد الحظ �أن املتعلمني ذوي دافع الإجناز املرتفع يقومون بحل عدد �أكرب من امل�سائل‬
‫وامل�شكالت من املتعلمني ذوي دافع الإجناز املنخف�ض‪.‬‬
‫‪ -4‬تبني �أن العالقة املوجبة بني احلاجة �إىل الإجناز واملثابرة يف العمل‪ُ ،‬تف�سر النجاح‬
‫الأكرب الذي جنده بني املتعلمني من ذوي دافع الإجناز املرتفع‪ ،‬عندما ينهمكون يف‬
‫التعلم عن طريق االكت�شاف‪.‬‬

‫• تنمية الدافع للإنجاز‪:‬‬


‫كيف ُيمكن تنمية دافع الإنجاز العالي من خالل التن�شئة االجتماعية؟‬
‫الواقع �أنه يمكن تنمية ذلك من خالل ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ُ -1‬وجد �أن التن�شئة يف الطفولة املرتبطة بدافع الإجناز تت�ضمن ت�شجيع الطفل على‬
‫الإجناز الفعلي‪ ،‬وعلى التدريب على االعتماد على النف�س واال�ستقالل‪ .‬و�إن ارتفاع‬
‫م�ستوى طموح الوالدين وانتقال �أثر ذلك عند تربية الطفل له �أثره � ً‬
‫أي�ضا يف ارتفاع‬
‫دافع الإجناز‪ ،‬وترتبط هذه العوامل بدورها بال�صفات التي تتميز بها خلفية الأ�سرة‪،‬‬
‫مثل م�ستواها الثقايف واالجتماعي وترتيب الطفل يف الأ�سرة‪ ،‬وبعدد الأفراد يف‬
‫الأ�سرة‪ ،‬وبعمر الأم‪.‬‬
‫‪ُ -2‬ت�شري نتائج بع�ض الدرا�سات �إىل �أن الأمهات يف الأ�سرة املتو�سطة الدخل ذات العائالت‬
‫ال�صغرية‪ ،‬ي�شجعن �أوالدهن على الإجناز العايل‪ ،‬كذلك الأطفال الأوائل يف امليالد‬
‫مييلون �إىل �أن يكونوا ذوي دافع مرتفع للإجناز‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫‪ -3‬لوحظ �أن �أمهات الأوالد ذوي دافع الإجناز العايل‪ ،‬يدفعن �أبناءهن لال�ستقالل‬
‫ب�أنف�سهم‪ ،‬وحماولة �إتقان العمل‪ ،‬وذلك يف وقت مبكر من حياتهم‪� ،‬إذا قورن ب�أمهات‬
‫الأوالد ذوي دفاع الإجناز املنخف�ض‪ .‬ولوحظ �أن دافع الإجناز العايل هو نتيجة ملحاولة‬
‫الأم �أن جتعل طفلها يهتم بقدراته بالإتقان والتفوق على �أقرانه‪ ،‬واعتماد طفلها على‬
‫نف�سه واال�ستقالل عنها‪.‬‬

‫• الدافع للنجاح والدافع لتجنب الف�شل‪:‬‬


‫مدفوعا فقط بالأمل في النج���اح‪� ،‬إذ �أحيا ًَنا ما يكون �أدا�ؤنا‬
‫ً‬ ‫لي����س كل متعل���م �أو معلم‬
‫في بع�ض الأعمال نتيجة للخوف من الف�شل‪ .‬ومثل هذا الخوف من الف�شل ‪Fear of Failure‬‬
‫(ممث�ًل�اً في ال�ش���عور بالعار �أو تحقير الزمالء �أو عق���اب الوالدين) قد يكون له قوى دافعة‬
‫�أقوى من الرغبة في النجاح في العمل‪ .‬وقد يمنع هذا الخوف بع�ض المتعلمين من القيام‬
‫ب�أن�شطة معينة‪� ،‬أو قد يدفع بع�ضهم �إلى محاولة القيام ب�أعمال غاية في ال�صعوبة‪.‬‬
‫و ُت�ش���ير الدرا�سات التي تمت في هذا ال�ص���دد �إلى �أنه يمكن تق�سيم الأفراد بالن�سبة‬
‫�إل���ى هذي���ن الدافعين‪ :‬دافع النجاح ودافع تجنب الف�ش���ل �إلى نوعي���ن‪ ،‬عل ًما ب�أن جان ًبا من‬
‫الدافعين موجود في كل الأفراد‪ .‬وهذان النوعان هما‪:‬‬
‫(�أ) بع�ض الأفراد يكون الدافع لتجنب الف�شل �أقوى من الدافع للنجاح‪.‬‬
‫(ب) بع�ض الأفراد يكون الدافع للنجاح �أقوى من الدافع لتجنب الف�شل‪.‬‬
‫و ُيالح���ظ �أن �أفراد النوع الثاني يتجهون �إلى اختيار الأعمال المتو�س���طة ال�ص���عوبة‪،‬‬
‫ولذل���ك ُيع ّد هذا الن���وع من الأعمال من العوامل الدافعة لهم‪� ،‬أما �أفراد النوع الأول ف�إنهم‬
‫مدفوعون �أكثر بالأعمال ال�س���هلة جدًّا �أو الأعمال ال�ص���عبة ج���دًّا‪ .‬ولذلك‪ ،‬فبينما نجد �أن‬
‫معظ���م �أفراد الن���وع الثاني �أكثر دافعية‪ ،‬عندم���ا يختارون الأعمال المنا�س���بة لهم‪ ،‬ونجد‬
‫�أن الن�س���بة الكب���رى من النوع الأول غي���ر واقعيين‪ ،‬فهم باختيارهم الأعمال ال�س���هلة جدًّا‬
‫ي�ضمنون النجاح‪ ،‬وفي حالة اختيارهم الأعمال ال�صعبة‪ ،‬ف�إنهم �إذا ف�شلوا يمكن �أن يبرروا‬
‫ف�شلهم ب�صعوبة العمل الذي يمار�سونه‪.‬‬
‫‪254‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫• �أثر خبرات النجاح والف�شل في العملية التعليمية‪:‬‬


‫في درا�سة قام بها وينر ‪ Weiner‬عام ‪ ،1972‬وجد �أن النجاح والف�شل في الأعمال لهما‬
‫�أثرهما المختلف في قوة الدافع‪ ،‬وذلك تب ًعا لدرجة الدافع للنجاح �أو الدافع لتجنب الف�شل‪،‬‬
‫فالأفراد الذين يو�ص���فون بارتفاع دافع النجاح لديهم‪ ،‬في حين �أن النجاح الم�س���تمر ي�ؤدي‬
‫�إلى انخفا�ض هذا الدافع‪� ،‬إال �أنه وجد �أنه عندما يزداد الف�شل زيادة كبيرة‪ ،‬ف�إن ذلك يهبط‬
‫من الدوافع‪� .‬أما الأفراد الذين يو�ص���فون بارتفاع الدافع لتجنب الف�ش���ل‪ ،‬ف�إن النجاح ي�ؤدي‬
‫�إلى زيادة دافع العمل لديهم في حين �أن الف�شل ي�ؤدي �إلى انخفا�ض هذا الدافع‪.‬‬
‫فيما يخ����ص العملية التعليمية‪ ،‬ف�إن المعلم يج���ب �أن يحر�ص على تحديد الواجبات‬
‫والتعيين���ات الت���ي ُيحددها للمتعلمين‪� ،‬إذ يجب �أن يراعي �أن ت�ش���تمل تل���ك الواجبات على‬
‫م�س���تويات مختلفة من ال�ص���عوبة‪ ،‬تنا�س���ب الفروق الفردية بين المتعلمين‪ ،‬و�إنه يجب �أن‬
‫أي�ضا في تحديد م�ستوى �صعوبة الأ�سئلة في االمتحانات‪.‬‬ ‫يراعي ذلك � ً‬

‫تت�ضمن الدافعية والتح�صيل الدرا�سي الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬الدافعية والفروق الفردية يف التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫(‪ )2‬الإعاقات وحتقيق الأهداف و�أهميتها يف التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدافعية �إىل الإجناز والأداء ال�سلوكي‪.‬‬
‫(‪ )4‬تنمية الدافع للإجناز‪.‬‬
‫(‪ )5‬الدافع للنجاح والدافع لتجنب الف�شل‪.‬‬
‫(‪� )6‬أثر خربات النجاح والف�شل يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫• تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬هناك عالقة قوية وعالية بني الدافع للإجناز �أو الدافع للتح�صيل والأداء‪.‬‬
‫‪ُ -2‬تع ّد العوائق ذات �أهمية خا�صة يف التعلم والتح�صيل الدرا�سي‪ ،‬حيث ت�ستخدم �آليات‬
‫ال�سلوك �أو �أمناط جديدة من ال�سلوك والتح�صيل الدرا�سي‪ ،‬حيث ت�ستخدم �آليات‬
‫ال�سلوك �أو �أمناط جديدة من ال�سلوك للمتعلمني للتغلب على العائق‪.‬‬
‫‪ -3‬يقوم املعلم ب�أمور عدة بالن�سبة �إىل العوائق‪.‬‬
‫‪ -4‬الدافعية �إىل الإجناز ُتع ّد �أعلى مراتب الدوافع النف�سية‪.‬‬
‫‪ -5‬تتم تنمية الدافعية للإجناز من خالل التن�شئة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -6‬الدافع للنجاح قد يكون �أقوى من الدافع لتجنب الف�شل‪ .‬و�إن الدافع لتجنب الف�شل قد‬
‫يكون �أقوى من الدافع للنجاح‪.‬‬
‫‪ -7‬النجاح والف�شل يف الأعمال لهما �أثرهما املختلف يف قوة الدافع‪.‬‬

‫• �أ�سئلة وتمارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح دور الإعاقات وحتقيق الأهداف و�أهميتها يف التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح دور الدافعية للإجناز فيما يتعلق بالأداء ال�سلوكي‪.‬‬
‫‪ -3‬و�ضح الفروق بني الدافع للنجاح والدافع لتجنب الف�شل‪.‬‬
‫‪ -4‬و�ضح �أثر خربات النجاح والف�شل يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫الدافعية والتعلم‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يحدد املتعلم دور الدافعية يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يربط املتعلم بني الدافعية وزيادة الكفاءة عند املتعلم‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يتعرف �إىل �أثر القلق يف ال�سلوك‪.‬‬
‫اهتماما بامليول و�آثارها الإيجابية يف ال�سلوك‪.‬‬
‫ً‬ ‫(‪� )4‬أن يبدي املتعلم‬
‫(‪� )5‬أن يح���دد املتعل���م العالقة ب�ي�ن الدافعية والتح�ص���يل الدرا�س���ي والفروق‬
‫الفردية بني املتعلمني‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يتعرف املتعلم �إىل دور احلوافز يف تعزيز التعلم وتثبيته‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن يعدد املتعلم �أدوار املعلم يف الدوافع يف مواقف التعلم املختلفة‪.‬‬
‫(‪� )8‬أن يقدر جهود العلماء يف الربط بني الدافعية والتعلم‪.‬‬
‫الدافعية والتعلم‬

‫‪:‬‬
‫يتعلم الإن�س���ان من مواقف الحياة الم�س���تمرة‪ ،‬وبقدر تعدد المواقف والمو�ض���وعات‬
‫الت���ي تقابل���ه في البيئة‪ ،‬بق���در ما يبذل من جهد ف���ي حل المواقف الم�ش���كلة‪ ،‬حيث يتعلم‬
‫ويفه���م مكوناتها‪ ،‬ويتمثلها بغية تحقيق �أهداف في حياته‪ ،‬م���ا ُيحقق له االرتياح والتوازن‬
‫النف�سي وتوافقه في حياته البيئية‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬ف�إن ما ُيحرك �س���لوك الفرد ما ُيف�س���ر على �أ�س���ا�س ق���وى داخلية عند الفرد‬
‫مدفوعا من �شعور داخلي لي�سلك‬
‫ً‬ ‫وقوى خارجية‪ .‬حيث نجد ‪�-‬أحيا ًنا‪ -‬الفرد يقوم ويتحرك‬
‫مدفوعا بظروف خارجية عنه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫�سلو ًكا معي ًنا‪ ،‬و�أحيا ًنا �أخرى يقوم ب�سلوك �آخر‬
‫والواقع‪� ،‬أن ما يقوم به الفرد من �أ�ساليب ال�سلوك المختلفة‪ ،‬ما هو �إال نتيجة تفاعل‬
‫وتداخل م�س���تمر بين قوى داخلية وخارجية‪ .‬حيث تمثل القوى الداخلية الحاجات والميول‬
‫واالتجاه���ات‪ ،‬وتمث���ل القوى الخارجية مثيرات الموقف الخارج���ي الذي يوجد فيه الفرد‪،‬‬
‫غام�ضا‪� ،‬سهلاً �أو �صع ًبا‪ ،‬خط ًرا‬
‫وا�ض���حا �أو ً‬
‫ً‬ ‫مريحا �أو مقل ًقا‪،‬‬
‫حيث يكون الموقف الخارجي ً‬
‫�أو �آم ًنا‪� ...‬إلى غير ذلك من الأمور‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وي�ص���عب الج���زم ب�أن هناك تحديدات وا�ض���حة بي���ن تلك العوام���ل الداخلية‬
‫والخارجية ب�صورة دقيقة‪ .‬حيث ال توجد بينهما فروق وا�ضحة بينة‪.‬‬
‫والواقع‪� ،‬أن الدوافع ‪ُ Motives‬تع ّد من �أهم الم�شكالت التي تواجه المعلم ب�صفة عامة‬
‫في المدر�س���ة‪ ،‬وب�صفة خا�ص���ة في الف�صل‪ ،‬عندما يتعامل مع تالميذه‪ ،‬ومرجع ذلك �أدا�ؤه‬
‫ووظيفت���ه ومهنته التعليمية التي تتطل���ب �إثارة دافعية التعلم عند المتعلمين وا�س���تمرارية‬
‫‪260‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ه���ذه الإث���ارة‪ ،‬مع الت�أكد �أن عملية التعلم ال تتم ً‬


‫عر�ض���ا‪ ،‬بل تتم من خالل فرد هو المتعلم‬
‫نف�سه القائم بالتعلم‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬ف�إن االهتمام قائم وم�س���تمر بالمتعلم‪ ،‬و�س���لوكه داخل الف�صل ب�صفة خا�صة‬
‫وتوافقه في الحياة المدر�سية ب�صفة عامة‪.‬‬
‫والمعلم الناجح الكفء‪ ،‬هو الذي يبذل جهده في فهم دوافع المتعلمين‪ ،‬حتى يتمكن‬
‫من تحقيق �أكبر قدر من التعلم‪ ،‬الهادف بين المتعلمين‪.‬‬
‫ومن المقرر وجود م�شكالت عدة داخل الف�صل‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫(�أ) م�شكلة �إهمال املتعلمني و�إعرا�ضهم عن التح�صيل وعدم االهتمام بت�أدية �أعمالهم‪.‬‬
‫(ب) م�شكلة �سوء النظام داخل الف�صل وعدم االنتباه يف �أثناء �شرح الدر�س‪.‬‬
‫(جـ) م�شكلة الهروب من الدر�س و�إيجاد مربرات غري هادفة �أحيا ًنا لالعتذار عن‬
‫عدم التح�صيل‪.‬‬
‫ومثل هذه الم�شكالت وغيرها من وظيفة المعلم الرئي�سة‪� ،‬أن يفهم �أ�سبابها والعوامل‬
‫ذات ال�صلة بها التي تدفع المتعلمين �إليها‪ ،‬حتى يقوم بحلها؛ للو�صول �إلى تعلم �أكثر كفاءة‬
‫في العملية التعليمية‪.‬‬

‫• الدافعية في العملية التعليمية‪:‬‬


‫�إن المعلم الكفء هو من يالحظ �سلوك المتعلمين والدافعية وراء �سلوكهم‪ ،‬حتى يعمل‬
‫عل���ى خف�ض التوتر الذي ي�ش���عر به المتعل���م الفرد‪ ،‬ومن ثم يمكن للمعلم م�س���اعدة المتعلم‬
‫وتوجيهه نحو ممار�س���ة �أنماط �س���لوكية متباينة يحقق من خاللها �إ�شباع دوافعه‪ .‬مثال ذلك‬
‫ق���د يجد المتعلم �إ�ش���باع حاجت���ه �إلى التقدير بي���ن �أقرانه‪ ،‬من خالل �أعم���ال معينة يهدف‬
‫�إل���ى تعلمه���ا و�إجادة هذا التعلم ما �أمكنه ذلك‪ ،‬كحل م�س���ائل ح�س���ابية وتمارين هند�س���ية‪،‬‬
‫‪261‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫وا�ستخدام اللغة والتعبير اللفظي‪ ،‬وتحليل �شخ�صيات تاريخية معينة‪� ،‬أو القيام بالريادة في‬
‫الف�صل‪� ،‬أو تنظيم لقاءات بينه وبين زمالئه‪� ،‬أو القيام ب�أن�شطة غير مدر�سية‪ ،‬كالرحالت‪.‬‬
‫و�إنه قد يجد � ً‬
‫أي�ض���ا �إ�شباع حاجته �إلى االنتماء داخل جماعة المدر�سة ب�صفة عامة‪،‬‬
‫وجماعة الف�ص���ل ب�صفة خا�صة‪ ،‬ومن هنا يحاول تعلم وممار�سة �أنماط معينة من ال�سلوك‬
‫لدرجة الإتقان التي ت�ؤهله �إلى �إ�شباع هذه الحاجة‪.‬‬
‫لذل���ك‪ ،‬فحيثم���ا توجد حاجة معينة لدى المتعلم ب�ص���فة خا�ص���ة يوجد الدافع الذي‬
‫يعمل على تن�ش���يط �س���لوكه لل�سعي نحو �إ�ش���باع تلك الحاجة �أو الحاجات‪ ،‬مثل الحاجة �إلى‬
‫الطع���ام‪ ،‬والحاجة �إلى النوم‪ ،‬و� ً‬
‫أي�ض���ا الحاجات االجتماعية المكت�س���بة‪ ،‬مثل الحاجة �إلى‬
‫تقدير الذات واحترام الآخرين‪.‬‬
‫ومن حيث اهتمامنا بالمتعلم‪ ،‬ف�إن الواقع ُي�ش���ير �إلى �أن المتعلم ي�س���تجيب للمواقف‬
‫المت�ش���ابهة ا�س���تجابات مختلفة‪ :‬ما يدل عل���ى �أن هذا االختالف في �س���لوكه لي�س مرجعه‬
‫‪-‬فقط‪� -‬إلى العادات المكت�س���بة‪ ،‬و�إنما مرجعه ‪ً � -‬‬
‫أي�ض���ا‪� -‬إلى هذا التغير الذي يحدث في‬
‫ش���� منها تلك االختالفات بين���ه وبين المتعلمين‬
‫حالت���ه الداخلية النف�س���ية التي من ثم تن� أ‬
‫الآخرين داخل الف�صل �أو المدر�سة في ال�سلوك �إزاء المواقف التعليمية المختلفة‪.‬‬
‫ومن العوامل التي تحدث االختالف والتباين بين المتعلمين عند التعلم‪ ،‬ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الدافعية وزيادة كفاءة املتعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬القلق و�آثاره يف ال�سلوك‪.‬‬
‫‪ -3‬امليول و�آثارها يف �إيجابيات ال�سلوك‪.‬‬

‫• الدافعية وزيادة الكفاءة عند المتعلم‪:‬‬


‫م���ن المالحظ �أن المتعلم عندما ي�س���لك �س���لو ًكا معي ًنا في موق���ف معين‪ ،‬ف�إن درجة‬
‫الكفاءة بالن�س���بة �إلى هذا العمل تتميز بدرجة �أعلى عنها في موقف �آخر م�شابه‪ ،‬حيث في‬
‫‪262‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الموقف الثاني تقل هذه الكفاءة بدرجة ملحوظة عن الموقف الأول‪ ،‬وفي هذا ما يدل على‬
‫التغي���رات الداخلية لدى الفرد باخت�ل�اف الظروف والأحوال‪ .‬فمثلاً ‪� :‬س���لوك المتعلم في‬
‫الف�ص���ل الدرا�س���ي في در�س الجغرافيا‪� ،‬أو في عمل درا�س���ي معين‪� ،‬أو الن�شاط المدر�سي‪،‬‬
‫يتباين �سلوك التعلم من حيث درجة الكفاءة في �أي من هذه الأعمال دون غيرها‪.‬‬
‫وم���ن ثم قد يتف���وق المتعلم عل���ى �أقرانه‪ ،‬وي�أخ���ذ مكانة مرموقة بي���ن زمالئه‪ ،‬وقد‬
‫ت�س���تمر تلك المكان���ة من الكفاءة قد ًرا معي ًن���ا من الزمن‪ .‬وقد تتغير درج���ة الكفاءة فيما‬
‫بعد‪ ،‬وال ي�ستمر هذا المتعلم في مزاولة هذا العمل‪ ،‬كما كان يزاوله من قبل‪.‬‬
‫والواق���ع‪� ،‬أن ق���درة ه���ذا المتعلم على مزاولة ه���ذا العمل لم تتغير‪ ،‬ولم ي�ص���بها �أي‬
‫�ض���عف �أو وهن‪ ،‬بينما ما يتغير هو الدافعية نحو هذا العمل‪ ،‬نتيجة لما ي�ص���يبه من حالة‬
‫نف�س���ية داخلية ت�ؤدي �إلى قلة كفاءته و�إتقانه لهذا العمل‪ ،‬فقد يكون عدم مواالة ت�ش���جيعه‬
‫م���ن معلم���ه �أو زمالئه ما يجعل���ه يعر�ض عن �إتيان���ه العمل الذي يتفوق في���ه‪ ،‬ومن ثم تقل‬
‫كفاءته في هذا العمل عما قبل‪.‬‬
‫والواقع‪� ،‬أن ال�س���لوك ال���ذي يهدف �إلى البحث والتمحي�ص واال�ستك�ش���اف‪ ،‬والتفكير‬
‫أ�سا�س���ا لتحقي���ق الكفاءة ‪� Competence‬أو ما‬
‫واالنتب���اه‪ ،‬والإدراك‪ُ :‬يع ّد من ناحية المتعلم � ً‬
‫أي�ضا بالجدارة �أو الأهلية لدى المتعلم‪ ،‬التي تدفعه �إلى الفاعلية والكفاءة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تعرف � ً‬
‫يتمكن من التال�ؤم (�أي التكيف �أو التوافق)‪.‬‬

‫• القلق و�آثاره في ال�سلوك‪:‬‬


‫قد ي�س���لك الفرد �سلو ًكا معي ًنا في موقف تعلمي معين‪ ،‬وهذا ال�سلوك يختلف اختال ًفا‬
‫بي ًنا عما ي�س���لكه غيره في الموقف نف�س���ه على الرغم من ت�ش���ابه الف���رد الأول والثاني في‬
‫اال�ستعدادات العقلية والج�سمية المزاجية‪.‬‬
‫وق���د ُيالح���ظ �أن �أحدهما تزي���د كفاءته‪ ،‬وتقل �أخط���ا�ؤه �إزاء العم���ل �أو الأداء‪ ،‬بينما‬
‫الآخر تقل كفاءته‪ ،‬وتزيد �أخطا�ؤه في الأداء‪.‬‬
‫‪263‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫والواقع‪ ،‬عندما نحاول �إرجاع هذه االختالفات‪ ،‬ف�إنه يتعين �أال نرجعها �إلى المثيرات‬
‫البيئية فقط‪ ،‬و�إنما نرجعها ‪ً �-‬‬
‫أي�ضا‪� -‬إلى الحالة الداخلية التي يكون عليها الفرد في �أثناء‬
‫ت�أديته العمل؛ لذا‪ ،‬توجد عالقة وثيقة بين الأداء والحالة الداخلية للفرد‪.‬‬
‫فكثي ًرا ما ي�ش���عر الفرد بنوع من اال�ضطراب االنفعالي‪ ،‬كالخوف والغ�ضب والقلق �أو‬
‫العاطفي كالحب والكراهية‪� ،‬أو توجد معوقات لإ�ش���باع حاجات الفرد الأولية (الأ�سا�سي)‪،‬‬
‫فينتابه �شعور بالخوف والقلق والغ�ضب‪� ،‬أو تكون المعوقات تحول بينه وبين �إ�شباع حاجاته‬
‫االجتماعية‪ ،‬كالمكانة االجتماعية‪ ،‬واالنتماء‪ ،‬والأمن‪.‬‬
‫عندئذ ي�ست�شعر الفرد القلق ال�شديد الذي بدوره ي�ؤثر ت�أثي ًرا اً‬
‫فعال في �أدائه و�أعماله‬
‫المختلفة والذي بدوره يعمل على خف�ض الكفاية وقلة الإنتاج‪.‬‬
‫وعل���ى الرغم من ه���ذا‪ ،‬ف�إن �أثر القلق في الأداء والعمل قد يك���ون �أث ًرا موج ًبا اً‬
‫فعال‪،‬‬
‫حتى على الرغم مما يتميز به الفرد من ا�ستعداد عقلي معرفي منا�سب‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر �أن قد ًرا منا�س��� ًبا من القلق يلزم الفرد في �س���لوكه وا�س���تجاباته‬
‫نوعا من المثير ال�س���الب للقلق ي�ؤثر بطريقة‬ ‫�إزاء المواق���ف المتباينة‪ ،‬حيث يمكن اعتباره ً‬
‫�س���لبية في الأداء‪ ،‬وي�ؤدي �إلى ت�ش���تت التفكير واالنتباه‪ ،‬و�إلى �أنماط من ال�س���لوك ال�س���لبي‬
‫وغير الفعال‪.‬‬

‫• الميول و�آثارها في ال�سلوك‪:‬‬


‫ُتعد الميول لها �أهميتها في �إثارة الن�ش���اط �أو العمل بطريقة �إيجابية على �أداء الفرد‬
‫ونتاج���ه وعلى ا�س���تمرار ن�ش���اطه نحو ه���ذا العمل‪ ،‬بينما ع���دم وجود المي���ل يجعل الفرد‬
‫ين�صرف عن العمل ان�صرا ًفا كل ًّيا‪ ،‬حيث �إنه عند توافر الميل تت�صف اال�ستجابات بالكفاية‬
‫والإتقان لما ي�صحب الن�شاط من رغبة قوية لتحقيق هدف معين‪.‬‬
‫‪264‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫و�إن ا�س���تجابة الفرد تختلف من وقت لآخر بالن�سبة �إلى ذات الموقف‪ ،‬ويتوقف ذلك‬
‫على مدى الحالة البيولوجية عند الفرد بالن�سبة �إلى المثير‪ .‬فعند ال�شعور بالجوع ي�ستجيب‬
‫الفرد لنوع من الطعام ب�شغف واهتمام �شديد‪ ،‬بينما وهو �شبع ال يميل وال يهتم بنوع الطعام‬
‫ال�س���ابق نف�س���ه‪ ،‬فقد يعزف عنه‪ .‬وفي هذا ما ي�ؤكد في الواقع حال���ة بيولوجية تختلف عن‬
‫الحالة ال�سابقة‪.‬‬
‫مما �سبق يتبين وجود عالقة ما بين حالة الفرد الداخلية وم�ستوى �إنتاجه ون�شاطه‪.‬‬
‫فالدافعي���ة ‪ Motivation‬تمثل تكوينات فر�ض���ية و�س���يطية‪ ،‬حي���ث ُيفتر�ض وجودها‪،‬‬
‫وحيث تقوم بدور و�سط فيما بين المثير واال�ستجابة‪.‬‬
‫بل �إن الدافعية �أ�سا�س العالقات الديناميكية بين الفرد والو�سط البيئي‪ ،‬وهي الزمة‬
‫�ضرورية لتف�سير �أ�سباب ال�سلوك‪ ،‬و�إن لها قيمة وظيفية عامة في حياة الإن�سان‪.‬‬

‫• الدافعية والتح�صيل الدرا�سي والفروق الفردية بين المتعلمين‪:‬‬


‫ت�ؤثر دوافع المتعلمين نحو مو�ضوعات التعلم في التح�صيل الدرا�سي‪ .‬و�سبق �إي�ضاح ذلك‬
‫في الف�ص���ل الثاني ع�شر‪ ،‬وذلك ي�ؤكد �أهمية الدافعية في تف�سير الفروق الفردية ‪Individual‬‬

‫‪ Differences‬في التح�صيل الدرا�سي بين المتعلمين‪ ،‬عندما ال ُندخل معدالت الذكاء بالن�سبة‬
‫�إلى التح�ص���يل‪ ،‬بمعنى �أن الفروق الفردية ترجع �إلى عوامل �أخرى غير الذكاء‪ ،‬مع ما ن�أخذه‬
‫في ح�سباننا ب�أن االرتباط بين الذكاء والتح�صيل ال يزيد على ‪� %50‬إلى ‪.%60‬‬
‫عال‪ ،‬على الرغم من �أن قدراتهم‬
‫هذا‪ ،‬وقد يتميز بع�ض المتعلمين بتح�صيل درا�سي ٍ‬
‫العقلية قد تكون منخف�ض���ة‪ ،‬وعلى العك�س من ذلك نجد بع�ض المتعلمين من ذوي الذكاء‬
‫ً‬
‫منخف�ضا‪.‬‬ ‫المرتفع‪ ،‬على الرغم من �أن تح�صيلهم الدرا�سي قد يكون‬
‫لذلك نجد �أن التح�ص���يل الدرا�س���ي‪ ،‬يرجع �إلى عوامل ارتفاع �أو انخفا�ض الدافعية‬
‫نحو التح�صيل‪ ،‬حيث يوجد ارتباط وعالقة قوية بين الدافع للتح�صيل �أو الإنجاز والأداء‪.‬‬
‫‪265‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫ونتيج���ة لذل���ك‪ ،‬ف�إنه يتعين عل���ى الآب���اء والمربين االهتم���ام بت�ش���جيع الأبناء على‬
‫الإنجاز ‪ Accom plishment‬في مواقف �ش���تى‪ ،‬وعلى التدريب والممار�س���ة على اال�ستقالل‬
‫‪( Independence‬عدم التبعية) واالعتماد على الذات‪.‬‬
‫مع مالحظة �أنه كلما ارتفع م�س���توى الطم���وح بين الآباء تجاه تحقيق �أهداف معينة‪،‬‬
‫انتقل �أثر ذلك �إلى الأبناء‪ ،‬وكان من �أهم ارتفاع �أ�سباب دافع الإنجاز بين الأبناء‪.‬‬
‫لذل���ك يتبي���ن �أهمية الدوافع في حي���اة المتعلم �أو الفرد في �س���لوكه بوجه عام‪ ،‬وفي‬
‫مواقفه في التعلم المدر�سي بوجه خا�ص‪.‬‬

‫• الحوافز وتثبيت التعلم وتعزيزه‪:‬‬


‫ُتع��� ّد الحواف���ز ‪ Drives‬لها �أهمية في تثبيت التعلم وتعزيزه ونمائه‪ .‬وهي �إما �أن تكون‬
‫حوافز مادي���ة كالجوائز والمكاف�آت الت�ش���جيعية‪� ،‬أو تكون معنوية �أدبي���ة كالتقدير والثناء‬
‫والمدح‪ ،‬وهكذا ت�ستخدم الحوافز بمنزلة من�شطات لل�سلوك لتحقيق �أهداف معينة و�إ�شباع‬
‫دوافع الفرد وحاجاته‪.‬‬
‫لذل���ك ُيع ّد الحافز بمنزلة تعزيز ‪ Reinforcement‬لنمط ال�س���لوك المراد تعلمه لدى‬
‫الفرد‪ .‬فالطفل الذي يظهر ميلاً نحو الر�س���م وا�س���تعدادًا يتمثل في ا�ستخدام جميع مواد‬
‫الر�س���م والتلوين‪ ،‬ف�إن هذا الميل واال�س���تعداد يمكن �أن يوجهه التوجيه المنا�س���ب ال�سليم‬
‫من���ذ ال�ص���غر‪ ،‬وينمى بطريق���ة علمية من حيث اهتم���ام المعلم بالطفل ف���ي هذه الناحية‬
‫وت�ش���جيعه على اال�س���تمرار في مثل هذا الفن والأداء وترغيبه في اال�ستمرار في الأن�شطة‬
‫الفني���ة و�أداء عمل معين منا�س���ب في تزيين ف�ص���له �أو في الحفالت المدر�س���ية في نهاية‬
‫العام‪� ،‬إ�ضافة �إلى ت�شجيعه بجائزة معينة �إذا �أتقن فنون الر�سم بمهارة ودقة تامة‪.‬‬
‫لذلك ُيع ّد الحافز �إذا كان في �صورة مادية كالجائزة والمكاف�أة المالية‪� ،‬أو في �صورة‬
‫معنوية كالتقدير واال�ستح�سان والمدح‪ :‬معز ًزا ومدع ًما لنمط ال�سلوك المراد تعلمه وتثبيته‬
‫لدى المتعلم‪.‬‬
‫‪266‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وم���ن الجدير بالمالحظ���ة‪� ،‬أن يعتني المعلم بتع���دد الحوافز وتنوعها بالن�س���بة �إلى‬
‫مختلف المتعلمين‪ ،‬ذلك لأن الحافز الذي ُيمكن �أن ُين�ش���ط �أو يعزز �أنماط ال�س���لوك لدى‬
‫متعلم معين لتحقيق هدف معين‪ ،‬لي�س بال�ضرورة �أن ُين�شط الأنماط ال�سلوكية نف�سها لدى‬
‫متعلمين �آخرين‪ .‬ومرجع ذلك �أن الدافعية لدى الأفراد تختلف م�س���توياتها‪ ،‬ومن ثم وجب‬
‫تنوع الحوافز التي يمكن �أن ت�شبع تلك الدوافع‪.‬‬

‫• المعلم والدافعية للتعلم‪:‬‬


‫ما دور المعلم في الدوافع في مواقف التعلم المختلفة؟‬
‫الواقع �أن كفاءة المعلم ونجاحه في العملية التعليمية ُيعطي قد ًرا معي ًنا من االهتمام‬
‫بدواف���ع المتعلمي���ن وميولهم واتجاهاتهم‪ .‬فالدوافع تن�ش���ط ال�س���لوك نح���و تحقيق هدف‬
‫معين‪ .‬لذلك يمكن للمعلم توجيه هذا الن�شاط نحو �أداءات �أف�ضل‪ ،‬والعمل على ا�ستمرارية‬
‫هذا الن�ش���اط وتنوعه في مواقف التعلم المختلفة‪ .‬لذلك‪ ،‬ف�إن اختيار المواقف التعليمية‪،‬‬
‫ُيع ّد من الأمور المهمة وال�ضرورية‪ ،‬من حيث ما ُيمكن للمتعلمين ممار�سة �أعمالهم وتوجيه‬
‫ن�شاطهم‪.‬‬
‫و ُتع ّد �إثارة ميول المتعلمين نحو ن�شاط معين‪ ،‬وا�ستخدام المناف�سة ‪ -‬بقدر منا�سب‪-‬‬
‫بينهم من الأمور المهمة التي ت�س���تخدم لتحقيق الأه���داف التربوية والتعليمية‪ ،‬مع الأخذ‬
‫في الح�س���بان ا�س���تعدادات المتعلمين‪ ،‬حيث �إن كل متعلم‪ ،‬يمكن �أن ي�صل �إلى معدل معين‬
‫من التقدم ال يزيد ب�صورة ملحوظة مهما زادت مواقف التعلم والممار�سة‪.‬‬
‫لذل���ك يمك���ن للمعل���م �أن يعم���ل على رفع م�س���توى طم���وح المتعلمين بدرج���ة تعادل‬
‫‪-‬بق���در الإمكان‪ -‬درجة ا�س���تعداداتهم وميولهم نحو الأن�ش���طة والأداءات المختلفة‪ ،‬حتى‬
‫يت�س���نى للمتعلمين النجاح واال�س���تمرارية في الأداء‪ ،‬وعدم التعر�ض للإحباط والإعرا�ض‬
‫عن اال�س���تمرارية في الأداء‪ ،‬عندما يرتفع م�س���توى الطموح �إلى درج���ة عالية للغاية تفوق‬
‫اال�ستعدادات العقلية للمتعلمين‪ ،‬وال تمكنهم من تحقيق تلك الم�ستويات‪.‬‬
‫‪267‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫فيم���ا يتعلق بالخبرة المراد اكت�س���ابها وتعلمها في موقف التعل���م‪ ،‬يجب على المعلم‬
‫تحدي���د الخبرة؛ حتى ي�س���تطيع المتعلمون فهم الموقف الخا����ص بالخبرة و�إدراك معالمه‬
‫ومحدداته‪ .‬وفي هذه الحالة ُتع ّد �إثارة دوافع المتعلمين بالن�سبة �إلى المو�ضوعات المختلفة‪،‬‬
‫ذات فاعلية نحو تحقيق �أهداف ذات محددات ومعالم وا�ضحة‪ ،‬ومن ثم االبتعاد عن �إثارة‬
‫الدوافع التي ت�ؤدي �إلى �أن�شطة ع�شوائية غير موجهة‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بفعالية الدوافع نحو تحقيق �أن�ش���طة و�أهداف معينة‪ ،‬ف�إنها يجب �أن تتوافق‬
‫وم�ستوى اال�ستعداد العقلي لدى المتعلمين‪ .‬حيث �إنه حال زيادة معداالت الأهداف عن معدالت‬
‫اال�ستعدادات‪ ،‬ف�إن هذا ي�ؤدي بال�ضرورة �إلى ابتعاد المتعلمين وتنحيهم عن مواقف التعلم‪.‬‬
‫وم���ن الجدير بالذكر‪� ،‬أن ا�س���تخدام الثواب‪� ،‬س���واء �أكان معنو ًّيا بعبارات الت�ش���جيع‬
‫والثناء‪� ،‬أم ماد ًّيا بالجوائز والمكاف�آت الالحقة مبا�ش���رة بالن�ش���اط المطلوب تعلمه‪ُ ،‬يفيد‬
‫بدرج���ة عالية ف���ي تدعيم التعل���م وتثبيته‪ .‬بينما عند ع���دم تدعيم الن�ش���اط بالإثابة عند‬
‫المتعلم‪ ،‬ف�إن هذا ي�ؤدي �إلى فقدان قيمة الإثابة ومعناها‪.‬‬
‫و�إن ا�س���تخدام الحوافز والمكاف�آت يعمل على �إثارة دوافع المتعلمين نحو الأن�ش���طة‬
‫المختلف���ة‪ ،‬م���ع مراع���اة �أن ترتب���ط نوعية ه���ذه الحوافز بالدواف���ع‪� ،‬أي ترتب���ط الحوافز‬
‫بعالقات وا�ضحة المعالم بالدوافع‪ ،‬وترتبط بنوع الن�شاط المراد تعلمه ‪ -‬ما �أمكن ‪ -‬حتى‬
‫ً‬
‫ارتباطا وثي ًقا بها‪.‬‬ ‫يكون للدوافع قيمة معينة‪ ،‬يتم �إ�شباعها بو�ساطة حوافز ترتبط‬
‫وبقدر تنوع الدوافع لدى المتعلم‪ ،‬يمكن من ثم �أن تتنوع الحوافز‪ ،‬و�سبق �إي�ضاح ذلك‬
‫من قبل‪.‬‬
‫نخل�ص من ذلك �إلى �أن �إثارة دوافع المتعلمين وميولهم وا�س���تعداداتهم نحو �أنماط‬
‫متنوعة من ال�س���لوك‪ُ ،‬تع ّد من الأمور المهمة التي يجب على المعلم توجيه عنايته نحوها‪،‬‬
‫بهدف �ض���مان ا�ستمرارية الن�شاط وتجديده وتوجيهه الوجهة ال�سليمة‪ ،‬وعلى �أ�س�س علمية‬
‫مو�ضوعية في مواقف التعلم المتباينة‪.‬‬
‫‪268‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تت�ضمن الدافعية والتعلم الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬الدافعية يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدافعية وزيادة الكفاءة عند املتعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬القلق و�آثاره يف ال�سلوك‪.‬‬
‫(‪ )4‬امليول و�آثارها يف �إيجابيات ال�سلوك‪.‬‬
‫(‪ )5‬الدافعية والتح�صيل الدرا�سي والفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪ )6‬احلوافز وتثبيت التعلم وتعزيزه‪.‬‬
‫(‪ )7‬املعلم والدافعية للتعلم‪.‬‬

‫• تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬املعل���م الك���فء ه���و ال���ذي يب���ذل جه���ده‪ ،‬يف فه���م دواف���ع املتعلم�ي�ن ع���ن طري���ق‬
‫مالحظة �سلوكهم‪.‬‬
‫‪ -2‬حتقيق الكفاءة عند املتعلم‪ ،‬يكون بتعرف اجلدارة �أو الأهلية لدى املتعلم‪ ،‬ومن خالل‬
‫ذلك يتمكن املتعلم من التال�ؤم (التكيف والتوافق)‪.‬‬
‫‪ -3‬القدر املنا�سب من القلق يلزم الفرد يف �سلوكه وا�ستجاباته �إزاء املواقف املتباينة‪.‬‬
‫والقلق الزائد ي�ؤثر بطريقة �سلبية يف الأداء‪ ،‬حيث ي�شتت التفكري واالنتباه‪.‬‬
‫‪ -4‬الدافعية ُتع ّد �أ�سا�س العالقات امل�ستمرة بني الفرد والو�سط البيئي‪.‬‬
‫‪ -5‬يتع�ي�ن على الآب���اء واملربني االهتمام بت�ش���جيع الأبن���اء على الإجناز‪ ،‬وعل���ى التدريب‬
‫واملمار�سة على اال�ستقالية واالعتماد على الذات‪.‬‬
‫‪269‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الرابع‪ :‬دافعية ال�سلوك لدى المتعلـم‬

‫‪ -6‬احلافز املادي �أو املعنوي ُيعزز‪ ،‬و ُيدعم منط ال�سلوك املراد تعلمه وتثبيته عند املتعلم‪.‬‬
‫‪� -7‬إث���ارة دواف���ع املتعلمني وميوله���م وا�س���تعداداتهم نحو �أمن���اط متنوعة من ال�س���لوك‪،‬‬
‫تهدف �إىل ا�س���تمرارية الن�ش���اط وحتديده وتوجيهه على �أ�س����س علمية مو�ض���وعية يف‬
‫مواقف التعلم‪.‬‬

‫• �أ�سئلة وتمارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح دور الدافعية يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪ -2‬كيف تزداد الكفاءة عند املتعلم من خالل الدافعية‪.‬‬
‫‪ -3‬ي�ؤثر القلق يف ال�سلوك‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -5‬و�ضح دور احلوافز يف تثبيت التعلم وتعزيزه‪.‬‬
‫‪ -6‬كفاءة املعلم يف العملية التعليمية ترتبط بالدافعية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫�سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫الف�صل الرابع ع�شر‪ :‬الفروق الفردية‪ ..‬مدخل عام‪.‬‬


‫الف�صل الخام�س ع�شر‪ :‬مظاهر الفروق الفردية بين المتعلمين‪.‬‬
‫الف�صل ال�ساد�س ع�شر‪ :‬الفروق الفردية في �ضوء الهدي الإ�سالمي‪.‬‬
‫الفــروق الفرديـــــة‬
‫مدخل عـــام‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل ماهية الفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يعرف املتعلم تاريخ درا�سة الفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يف�سر املتعلم كيفية اكت�شاف الفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يعرف القارئ العوامل امل�ؤثرة يف الفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف اكت�شاف ال�صفات املت�شابهة التي تو�ضح‬
‫الفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يتعرف املتعلم �إىل �أهمية درا�سة الفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن يتعرف املتعلم �إىل �أنواع الفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪� )8‬أن يتعرف املتعلم �إىل مظاهر الفروق الفردية‪.‬‬
‫الفــروق الفرديـــــة‬
‫مدخل عـــام‬

‫‪:‬‬
‫م���ن المتفق علي���ه �أن المتعلمين يختلفون فيم���ا بينهم اختالفات وا�ض���حة وبينة في‬
‫النواحي الج�سمية والعقلية والمعرفية واالنفعالية‪ ،‬وغيرها من خ�صائ�ص الإن�سان‪.‬‬
‫لذلك من الأهمية بمكان �إي�ض���اح هذا المو�ض���وع‪ ،‬الذي يمثل جان ًبا مه ًّما في العملية‬
‫التعليمية‪.‬‬
‫والف���روق الفردي���ة تمث���ل االخت�ل�اف بين الأف���راد‪ ،‬وه���ي ظاهرة عامة ف���ي مختلف‬
‫الكائنات‪ ،‬وظاهرة االختالف والتباين بين الب�شر على جانب كبير من الأهمية‪ .‬وقد اهتم‬
‫الإن�سان في مراحل تاريخه الب�شري بمالحظة الفروق بين الأفراد‪.‬‬
‫وظاهرة الفروق الفردية ‪ Individual Differences‬تمثل تف ُّرد الإن�سان‪ ،‬و ُتع ّد من �أهم‬
‫حقائق الوجود‪.‬‬
‫وكثي ًرا ما نجد ال�ص���غار داخل الأ�سرة الواحدة‪ ،‬الذين هم من الذكور والإناث‪ ،‬ومن‬
‫الأ�ش���قاء وال�ش���قيقات‪ ،‬يختلفون بع�ض���هم عن بع�ض في جوانب متعددة‪ ،‬وتتمايز قدراتهم‬
‫وا�ستعداداتهم و�أنماط �سلوكهم في مواقف الحياة المتعددة اليومية وعلى مدار �أعمارهم‪.‬‬
‫‪276‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تعريف الفروق الفردية‪:‬‬


‫تع���رف الفروق الفردية ب�أنها (مقيا�س علمي لمدى االختالف القائم بين النا�س في‬
‫�ص���فة م�شتركة‪ ،‬عقلية �أو نف�س���ية‪� ،‬أو ج�س���مية)‪ .‬وهي تمثل‪( :‬انحراف الفرد عن متو�سط‬
‫الجماعة في �س���مة معينة)‪ ،‬وتعرف � ً‬
‫أي�ض���ا ب�أنها‪( :‬مقيا�س علمي لمدى االختالف القائم‬
‫بين النا�س في �صفة م�شتركة‪ ،‬كانت عقلية �أو نف�سية �أو ج�سمية)‪.‬‬

‫نظرة تاريخية‪:‬‬
‫بعد درا�س���ة �أحد العلماء ل�سالالت ب�ش���رية عدة وخ�صائ�صها النف�سية واالجتماعية‪،‬‬
‫تو�ص���ل �إلى عبارة �ش���هيرة هي‪�( :‬إن الإن�س���ان على نحو ما ُي�شبه كل النا�س‪ ،‬وعلى نحو �آخر‬
‫ُي�شبه بع�ض النا�س‪ ،‬وعلى نحو ثالث ال ُي�شبه �أحدً ا من النا�س)‪.‬‬
‫هذه العبارة تو�ضح معنى الفروق الفردية‪ ،‬فت�شابه الإن�سان مع غيره �أمر طبيعي‪ ،‬ولكن‬
‫ه���ذا الت�ش���ابه ال يعني التطابق‪� .‬أي �إن الإن�س���ان على الرغم من ت�ش���ابهه م���ع كل النا�س‪� ،‬إال‬
‫�أن���ه يوج���د بينه وبين غيره فروق فردية‪ .‬تلك الفروق ال تقت�ص���ر على الأفراد‪ ،‬بل توجد بين‬
‫الجماعات كذلك‪ ،‬كالفروق بين ال�سالالت والطبقات االجتماعية‪� .‬أي �إنه �إ�ضافة �إلى الفروق‬
‫بي���ن الأف���راد‪ ،‬توجد فروق �أخرى بي���ن الجماعات‪ .‬ومع هذا‪ ،‬فكل �إن�س���ان يمثل حالة فريدة‬
‫متميزة عن غيرها لوجود تفاوت وفروق لدى الفرد الواحد في درجات �سماته وخ�صائ�صه‪.‬‬
‫�إن هذا يو�ضح وجود فروق بين الأفراد‪ ،‬وبين الجماعات‪ ،‬وداخل الفرد الواحد‪.‬‬
‫لقد �أدرك الفال�سفة منذ القدم وجود الفروق الفردية بين النا�س‪ ،‬فق�سم هيبوقراط‬
‫و�أفالطون النا�س �إلى فئات عدة‪ .‬ق�س���مهم الأول �إل���ى �أربعة �أنماط‪ ،‬و�أطلق عليها الأمزجة‬
‫الأربعة‪ .‬فقد يكون الفرد �ص���احب مزاج دموي �أو بلغمي �أو �ص���فراوي �أو �س���وداوي‪ ،‬وذلك‬
‫بنا ًء على الن�س���ب بين ال�س���وائل الموجودة داخل الج�سم‪ .‬ف�إذا زادت ن�سبة الدم كان الفرد‬
‫�ص���احب مزاج دموي‪ ،‬و�إذا غلب البلغم �أ�صبح الفرد �صاحب مزاج بلغمي‪ ،‬وهكذا بالن�سبة‬
‫�إلى ال�صفراء وال�سوداء‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫وب َّي���ن هيبوقراط �أن لكل نمط �س���ماته الخا�ص���ة‪ ،‬ف�ص���احب الم���زاج الدموي يتميز‬
‫بال�سرعة والمرح واالنفعال ال�شديد‪ ،‬ويتميز �صاحب المزاج ال�صفراوي ب�سهولة اال�ستثارة‬
‫واالنفعالي���ة‪ ،‬وبغلب���ة االنفعاالت الحزين���ة عليه‪� .‬أما �ص���احب المزاج ال�س���وداوي‪ ،‬فيتميز‬
‫ب�س���رعة التعر����ض لالكتئاب واله���دوء االنفعالي‪ .‬و�أخي ًرا يتميز �ص���احب الم���زاج البلغمي‬
‫بالبطء والبالدة‪.‬‬
‫وق�س���م �أفالطون النا�س �إلى ثالث طبقات بنا ًء على درجة تميز و�سيطرة �إحدى قوى‬
‫النف����س الثالث‪( :‬العقل �أو الغ�ض���ب �أو ال�ش���هوة)‪ ،‬على باقي القوى‪ .‬ف�إذا �س���يطرت القوة‬
‫العاقلة‪� ،‬أ�صبح الفرد من طبقة الحكماء والفال�سفة والعلماء‪ .‬و�إذا �سيطرت القوة الغا�ضبة‬
‫وتفوقت على بقية القوى‪� ،‬أ�ص���بح الفرد من طبقة الجند والحرا�س‪� .‬أما �إذا �س���يطرت قوة‬
‫ال�شهوة وتفوقت على بقية القوى‪� ،‬أ�صبح الفرد من طبقة العوام‪.‬‬
‫وذك���ر �أفالط���ون �أنه ل���م يولد اثنان مت�ش���ابهان‪ ،‬ب���ل يختلف كل فرد ع���ن الآخر في‬
‫المواهب الطبيعية‪ ،‬في�صلح �أحدهما لعمل بينما ي�صلح الثاني لعمل �آخر‪.‬‬
‫ومع تطور علم النف�س وا�س���تقالله عن الفل�س���فة‪� ،‬أخذت درا�سة الفروق منحى �آخر‪.‬‬
‫ومن الغريب �أن الدرا�س���ة المنظم���ة للفروق الفردية لم تبد�أ بعل���م النف�س‪ ،‬بل بد�أت بعلم‬
‫الفلك‪ .‬ومما ُيذكر في هذا ال�ش����أن �أنه حدث �س���نة ‪� 1796‬أن ف�صل مدير مر�صد جرينت�ش‬
‫م�ساعده؛ لأنه الحظ الأزمنة في �أثناء ر�صده لم�سار الكواكب مت�أخ ًرا ثانية واحدة‪ ،‬وكانت‬
‫طريقته في عملية الر�ص���د معتمدة على المالحظة العادية با�س���تخدام العين والأذن‪ ،‬ثم‬
‫ا�س���تخدم ال�س���اعة في مالحظة الوقت بالثانية‪ ،‬وكان يع ّد الثواني بدقات ال�س���اعة‪ ،‬فكان‬
‫يالحظ النجم في �أثناء عبوره مجال التلي�س���كوب‪ ،‬ويركز انتباهه في مو�ض���ع النجم عند‬
‫الدقة الأخيرة لل�س���اعة التي �سبقت مبا�شرة و�ص���وله �إلى الخط الحرج ‪ Critical‬للمجال‪،‬‬
‫ث���م ف���ي مو�ض���عه عند الدقة الأولى لل�س���اعة الت���ي تلي مبا�ش���رة عبوره له���ذا الخط‪ .‬ومن‬
‫هاتي���ن المالحظتين كان يت�س���نى له تحديد الوقت الذي عب���ر عنده النجم الخط الحرج‪.‬‬
‫وم���ن الطبيع���ي �أن يكون في كل خطوة من ه���ذه الخطوات مجال لظه���ور الفروق الفردية‬
‫‪278‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫واالختالف من �شخ�ص �إلى �آخر في القدرة على التركيز والمالحظة ال�سريعة‪.‬‬


‫و�س���نة ‪ ،1816‬قر�أ بيزيل ‪ ،Besel‬وهو فلكي في كنزبرج ‪ Konigsberg‬تاريخ مر�صد‬
‫جرينت����ش‪ ،‬واهت���م بقيا����س م���ا ُعرف بع���د ذلك با�س���م المعادل���ة ال�شخ�ص���ية ‪Personal‬‬
‫‪ Equation‬للمالحظي���ن المختلفين‪ ،‬وفي هذا اعتراف ب�أن الذي كان ُيع ّد خط�أ في حادثة‬
‫كنبروك�س‪� ،‬إنما هو في الحقيقة مظهر من مظاهر الفروق ال�شخ�صية‪.‬‬
‫ولق���د جم���ع بيزي���ل معلومات ع���ن كثير م���ن المالحظي���ن المدربين ون�ش���رها‪ ،‬ولم‬
‫ي�ش���ر فقط �إلى وجود مث���ل هذه المعادلة ال�شخ�ص���ية �أو الخط�أ عن���د مقارنة المالحظين‬
‫المختلفين‪ ،‬بل �أ�شار كذلك �إلى تغير هذه المعادلة من وقت �إلى �آخر‪ .‬ومعنى هذا �أنه فطن‬
‫�إلى مدى التغير داخل الفرد الواحد‪� ،‬أي �إلى الفروق بين الفرد ونف�سه في مراحل مختلفة‪.‬‬

‫كيفية اكت�شاف الفروق الفردية‪:‬‬


‫نحت���اج �إلى معرفة كيفية اكت�ش���اف الفروق الفردية‪ ،‬حيث �إنه م���ن المعروف �أنه تم‬
‫اكت�ش���اف ظاهرة الفروق الفردية ‪� -‬أول الأمر ‪ -‬في عالم الفلك‪ .‬قبل �أن تكت�شف بو�صفها‬
‫ظاهرة لها �أهميتها في علم النف�س‪ ،‬وهناك حادثة م�ش���هورة ت�ش���ير �إلى �أن �أحد العاملين‬
‫في ر�ص���د الأر�صاد الفلكية‪ ،‬لتحديد التنب�ؤات الجوية‪� ،‬ض���من العاملين بالأر�صاد الجوية‪،‬‬
‫ف�صل من عمله؛ لأنه كان يت�أخر في ر�صد حركة النجوم‪ ،‬وذلك ت�سبب عنه خط�أ في تقدير‬
‫ثوان‪ .‬ون�س���ب �إلى هذا العامل الإهمال في‬ ‫التنب�ؤات الجوية في زمن لم يكن يتجاوز ب�ض���ع ٍ‬
‫عمله ما ت�س���بب في ف�ص���له‪ ،‬ثم ات�ضح فيما بعد �أن هذا الت�أخر لي�س راج ًعا للإهمال‪ ،‬و�إنما‬
‫هو راجع �إلى الفروق الفردية في عملية الإدراك ‪ ،Perception‬وهي عملية عقلية تحتاج �إلى‬
‫�سرعة �إدراك المرئيات �أو الأ�شكال �أو الأفكار‪ ،‬وما يتبعها من �سرعة اال�ستجابة ‪Speed Of‬‬

‫‪ Response‬و�أُطل���ق على ذلك في علم النف�س (زمن الرجع ‪ )Reaction Time‬وزمن الرجع‬
‫هو الزمن الذي يم�ضي بين ظهور المثير ‪ Stimulus‬وحدوث رد الفعل ‪ Reaction‬واال�ستجابة‬
‫على هذا المثير‪ .‬وزمن الرجع هذا يختلف من فرد �إلى �آخر بوجه عام‪ ،‬فال�ش���خ�ص الذي‬
‫‪279‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫يتميز بزمن رجع ق�صير‪ ،‬هو الذي ُيعطي ا�ستجابات �سريعة بمجرد ظهور المثير والمنبه‪،‬‬
‫وهذه الميزة تحتاج �إليها مثلاً في عمل قائد ال�سيارة؛ لأن قائد ال�سيارة م�ضطر دائ ًما �إلى‬
‫اال�س���تجابات الحركية ال�س���ريعة عند مجرد ظهور المثير المفاجئ �أمامه‪ ،‬وخا�صة عندما‬
‫تزداد حركة المرور في الطرقات وال�شوارع التي تكثر فيها حركة ال�سيارات �أو الم�شاة‪.‬‬
‫ولنع���د �إلى حادثة ر�ص���د الكواك���ب‪ ،‬عندما اكت�ش���ف �أن النا�س يختلفون في �س���رعة‬
‫ا�س���تجاباتهم ف���ي ر�ص���د الكواك���ب‪ ،‬فق���د و�ض���ع الفلكي���ون ‪� -‬آنئذ ‪ -‬م���ا ي�س���مى المعادلة‬
‫ال�شخ�صية ‪ ،Personal Equation‬وهي معادلة ح�سابية لت�صحيح تقديرات المالحظين من‬
‫عملية الر�ص���د‪ ،‬حتى تكون النتائج �ص���حيحة ودقيقة‪ .‬ومن الطبيعي �أن يكون لكل �ش���خ�ص‬
‫من المالحظين معادلته ال�شخ�ص���ية الخا�صة به‪ ،‬وبذلك تغلب الفلكيون على مبد�أ الفروق‬
‫الفردي���ة ف���ي المالحظة‪ ،‬وكان هذا �أول اعت���راف ُعرف في التاريخ بالف���روق الفردية في‬
‫المالحظة واال�س���تجابة‪ .‬ويعود االعتراف بالفروق الفردية في علم النف�س �إلى «�أر�س���طو»‬
‫و«�أفالطون» ففي جمهورية �أفالطون‪ ،‬نجد �أنه حدد الأعمال المختلفة في هذه الجمهورية‪،‬‬
‫حيث قام بو�ص���ف متطلبات كل عمل والقدرات الالزمة للنجاح فيه‪ ،‬وهذا ي�ؤكد من جديد‬
‫اختالف الأفراد في قدراتهم واختالف الأعمال في القدرات الالزمة لها‪.‬‬
‫وهكذا كان اكت�ش���اف الفروق الفردية‪ ،‬في دقة مالحظة ر�ص���د النجوم في المرا�صد‬
‫الفلكية‪ ،‬وكان من �آثار ذلك بدء تحديد ودرا�سة الفروق الفردية بين الب�شر‪ ،‬وهو �أمر على‬
‫جان���ب كبير من الأهمية‪ ،‬في تحدي���د الفروق الفردية بين الأف���راد عامة وبين المتعلمين‬
‫‪ -‬في العملية التعليمية ‪ -‬ب�صفة خا�صة‪.‬‬

‫العوامل امل�ؤثرة يف الفروق الفردية‪:‬‬


‫من ناحية طبيعة الفروق الفردية و�أ�س���بابها‪ ،‬وجد �أن هناك اتجاهين يمثالن الفكر‬
‫الإن�ساني ‪ -‬منذ القدم ‪ -‬في تف�سير طبيعة الفروق الفردية‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪� -1‬أن البيئة واملجتمع فيهما من �إمكانيات وت�أثريات متعددة‪ ،‬هما ال�سبب وراء ظهور‬
‫‪280‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الفروق الفردية‪ .‬حيث ُيفهم من هذا االجتاه �أن الب�شر مت�ساوون فيما لديهم من‬
‫�إمكانيات وا�ستعدادات وقدرات‪ ،‬و�أن الفروق التي تبدو بني الأفراد ‪ -‬بالن�سبة �إىل‬
‫هذا االجتاه ‪ -‬مرجعها �أن فر�ص تنمية هذه الإمكانيات واال�ستعدادات‪ ،‬والقدرات‬
‫لي�ست واحدة �أي لي�ست متكافئة‪ .‬ولذلك يهتم امل�ؤيدون لهذا االجتاه ب�ضرورة تهيئة‬
‫الفر�ص املتكافئة �أمام اجلميع‪� ،‬أي �إتاحة كل الفر�ص �أمام جميع �أفراد املجتمع‪.‬‬
‫‪ -2‬وي�ؤكد االجتاه الثاين �إرجاع الفروق بني الأفراد �إىل خ�صائ�ص بيولوچية (وراثية يف‬
‫الأعم) نتيجة ال�ستعدادات وراثية �أو چينات حتملها الكرومو�سومات للوالدين‪ ،‬ويرثها‬
‫الأبناء من الأبوين‪ ،‬ولذلك ُينادي �أ�صحاب هذا االجتاه ب�أنه على اجلميع �أن ي�ستفيد‬
‫مبا يظهر فيه من مواهب وعبقريات وابتكار بني املجتمع املتفوق ومن غريهم‪.‬‬
‫ويلج أ� كثير من الدار�سين في مجال علم النف�س والعلوم ال�سلوكية �إلى تف�سير نتائجهم‬
‫في �ضوء �أحد االتجاهين دون الآخر‪ .‬ومما ُيعاب على االتجاه الأول الذي ينادي بالم�ساواة‬
‫بين المتعلمين‪ ،‬وخا�ص���ة في المي���دان التعليمي‪� ،‬أن الواقع الفعل���ي ال ي�ؤكد ذلك‪ ،‬حيث �إن‬
‫التربية والتعليم تعمالن على تحقيق النمو في �شخ�صية المتعلمين‪ ،‬وحيث �إن ال�شخ�صيات‬
‫المختلفة بين المتعلمين لي�س���ت مت�س���اوية في �صفاتها المتعددة‪� ،‬سواء كانت من ال�صفات‬
‫الج�سمية �أو الحركية �أو الح�سية والعقلية المعرفية �أو االنفعالية �أو االجتماعية‪.‬‬
‫و ُيعاب على االتجاه الثاني‪ ،‬الذي ي�ؤكد �أن الفروق الفردية تبد�أ ببدء تكوين الفرد في‬
‫�أثناء الحمل وهي بذلك وراثية‪ ،‬ما قد يجعل من هذه الفروق بالن�سبة �إلى مختلف الأفراد‬
‫امتي���ازات طبقية‪ ،‬وتفوق �أجنا�س �أخرى �أو �س�ل�الة على �س�ل�الة �أخرى وف ًق���ا لتميز وتفوق‬
‫�أفراد على غيرهم‪ ،‬ومن ثم يكون هذا التفريق مدعاة للتمييز بين �أقوام �أو طبقات و�إتاحة‬
‫الفر�ص �أمام المتفوقين دون غيرهم من الأفراد العاديين �أو غير العاديين‪.‬‬
‫ونخل����ص �إل���ى �أن الفروق الفردية هي نتاج التفاعل بي���ن عوامل الوراثة والبيئة‪ ،‬كما‬
‫�أثبتت نتائج كثير من الدرا�سات‪.‬‬
‫‪281‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫نتيج���ة لذل���ك علينا �أن ن ؤ�ك���د �أن الأفراد في الواقع غير مت�س���اوين في الخ�ص���ائ�ص‬
‫البيولوچية والنف�س���ية والعقلية وفي بنية وتركيب �شخ�ص���ياتهم ب�صفة عامة‪ ،‬وذلك نحتاج‬
‫معه �إلى توجيه العناية لكل فرد ح�سب كفاءته من حيث هذه الخ�صائ�ص‪ ،‬ويجب في ذات‬
‫الوقت �أن نع ّد الأفراد مت�س���اوين من حيث انتما�ؤهم �إلى المجتمع الإن�س���اني‪ ،‬وبذلك يجب‬
‫�أن نوفر لهم �أكبر قدر من الفر�ص المتكافئة‪.‬‬

‫ماهية الفروق الفردية‪:‬‬


‫ُيق�ص���د بالفروق الفردية اختالف كل فرد عن الآخر في الخ�ص���ائ�ص �أي ال�س���مات‬
‫والممي���زات النف�س���ية والج�س���مية والحركي���ة والح�س���ية والعقلي���ة المعرفي���ة واالنفعالي���ة‬
‫واالجتماعية‪.‬‬
‫وعل���ى الرغم من كثرة تعداد الب�ش���ر في الب�ل�اد المختلفة‪ ،‬ف�إننا ال نجد �شخ�ص���ين‬
‫تماما‪ ،‬وكل فرد ُيع ّد حالة فريدة ال مثيل لها تتفرد بالتركيب الج�س���مي والنف�سي‬ ‫متماثلين ً‬
‫والعقل���ي‪ ،‬وغي���ر ذل���ك من خ�ص���ائ�ص بنية ال�شخ�ص���ية‪ .‬و ُيع��� ّد ذلك من �أه���م المميزات‬
‫الخا�ص���ة بالب�ش���ر‪ ،‬والتفاوت الكبير في �شخ�ص���يات الأفراد من حيث م�ستوى الذكاء ومن‬
‫حيث القدرات الج�س���مية والنف�سية‪ .‬الج�س���مية كقوة البناء الج�سدي وقوة الذراعين وقوة‬
‫ال�س���اقين وقوة الظهر وال�ص���حة بوجه عام‪ ،‬والعقلية مثل الذكاء واال�ستعدادات المختلفة‬
‫والق���درات والمي���ول العقلي���ة واالنفعالية‪ ،‬مث���ل الجوان���ب العاطفية والوجداني���ة والميول‬
‫الخلقي���ة والديني���ة واالجتماعية‪ .‬كل هذه‬ ‫واالتجاه���ات االجتماعي���ة التي ت�ض���م الجوانب ُ‬
‫االختالف���ات تقابلها اختالفات معادل���ة لها من الأعمال التي تتطلبه���ا الحياة بوجه عام‪،‬‬
‫وهناك من الأعمال ما يت�صف باالبتكارية والتجديد ‪ Creativity‬وهذه ي�صلح لها �أ�صحاب‬
‫عال من‬
‫ال���ذكاء المرتفع‪ ،‬بينما هناك �أعمال نمطية ‪ Stylic‬رتيبة للغاية ال تحتاج �إلى قدر ٍ‬
‫الذكاء‪ ،‬بل �إلى قدر �أقل من الذكاء المتو�س���ط ك�أعم���ال النظافة مثلاً ‪ ،‬وهذه ال تحتاج �إلى‬
‫�أفراد م�س���توى ذكائهم مرتفع‪ .‬ذلك لأن مثل هذا العمل �إذا و�ض���ع فيه �ش���خ�ص ذكي �شعر‬
‫بتفاهة العمل و�ض����آلته بالن�س���بة �إلى قدراته‪ ،‬و�س���بب له هذا العمل متاعب نف�س���ية كثيرة‬
‫وا�ضطرابات في جو العمل‪.‬‬
‫‪282‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ً‬
‫متو�سطا من الذكاء‪ ،‬مثل الأعمال الم�صلحية‬ ‫و�إن هناك من الأعمال ما يتطلب قد ًرا‬
‫العادية التي يقوم بها الموظف العادي‪ ،‬ف�إذا لم يكن االختيار بهذه الأعمال �سلي ًما‪ ،‬وقمنا‬
‫باختيار �شخ�ص غير منا�سب ك�أن يكون مختل ًفا من الناحية العقلية ارتبك في عمله‪ ،‬ووقع‬
‫في �أخطاء كثيرة‪ ،‬و�أ�ص���يب بالإحباط والي�أ�س‪ ،‬وقد ي�ؤثر ذلك في حياته خارج العمل‪ ،‬و�إن‬
‫مثل هذه الأعمال ال ُينا�سبها ال�شخ�ص الذكي؛ لأنها ت�سبب له الملل وال�ضيق‪.‬‬
‫ومعن���ى هذا �أن االختيار ال�س���ليم للأعمال‪ ،‬يتطلب و�ض���ع ال�ش���خ�ص المنا�س���ب في‬
‫المكان المنا�سب‪.‬‬

‫الفروق الفردية في ال�سمات المختلفة‪:‬‬


‫عند تحديد ال�صفة �أو ال�سمة التي نريد �إي�ضاح الفروق الفردية فيها بين الأفراد‪� ،‬سواء‬
‫كانت هذه ال�ص����فات عقلية �أم ج�س����مية �أم غير ذلك من ال�صفات والخ�صائ�ص الإن�سانية‪،‬‬
‫نقي�����س مدى تفوق �أو �ض����عف الفرد في هذه ال�ص����فة‪ ،‬وعندما ُنحدد م�س����تويات الأفراد في‬
‫�ص����فة معينة‪ ،‬ف�إننا نكون بذلك قد قمنا بتحديد الفروق الفردية القائمة بالن�س����بة �إلى تلك‬
‫ال�ص����فة‪ .‬وعند ح�ساب عدد الأفراد المتفوقين في �صفة معينة‪ ،‬وعدد الأفراد المتو�سطين‪،‬‬
‫وعدد الأفراد ال�ضعاف‪ ،‬ف�إنه يمكن الك�شف عن �أهم خا�صية من خوا�ص الفروق‪ ،‬حيث نجد‬
‫�أن الم�ستوى المتو�سط هو �أكثر هذه الم�ستويات من ناحية عدد الأفراد‪.‬‬
‫و�إن م�ستوى عدد الأفراد المتفوقين هو �أقلها في الأفراد‪ ،‬و� ً‬
‫أي�ضا م�ستوى عدد الأفراد‬
‫ال�ضعاف‪.‬‬
‫ولذل���ك ُتع ّد الفروق الفردية في علم النف�س‪ ،‬الدرا�س���ة العلمية لمدى االختالف بين‬
‫النا�س في ال�صفات المت�شابهة‪.‬‬
‫ش���� فونت �أول معمل لعلم النف�س‪ ،‬م�س���تفيدًا بدرا�س���ات و�أبحاث و�أدوات‬ ‫وعام ‪� ،1879‬أن� أ‬
‫اً‬
‫محاول درا�س���ة بنية العقل الب�ش���ري‪� .‬إال �أنه لم يهتم اهتما ًما مبا�ش��� ًرا‬ ‫علماء الف�س���يولوجيا‪،‬‬
‫نوعا من الخط�أ يرجع �إلى الم�صادفة‪� .‬أي �إن فونت اهتم‬ ‫بدرا�س���ة الفروق الفردية‪ ،‬واعتبرها ً‬
‫بدرا�سة �أوجه الت�شابه بين الأفراد �أكثر من اهتمامه بدرا�سة الفروق الفردية بينهم‪.‬‬
‫‪283‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫���تخدما بع�ض‬
‫ً‬ ‫كان كاتل من تالميذ فونت‪� ،‬إال �أنه اهتم بدرا�س���ة الفروق الفردية م�س‬
‫الأ�س���اليب التجريبية‪ ،‬وكانت ر�س���الته للدكتوراه عن الفروق الفردية في زمن الرجع‪ .‬ونما‬
‫اهتمام���ه بدرا�س���ة الفروق الفردية بات�ص���اله بالعالم فرن�س���ي�س جالتون الذي ا�س���تخدم‪،‬‬
‫وللم���رة الأول���ى‪ ،‬كثي ًرا من الأ�س���اليب الإح�ص���ائية لدرا�س���ة الفروق الفردية‪ .‬وا�س���تخدم‬
‫�أ�ساليب مختلفة في درا�سة الفروق بين الأفراد في ال�سمات الج�سمية الفيزيقية‪ .‬وكان �أول‬
‫من ا�س���تخدم م�صطلح (االختبارات العقلية)‪ ،‬وا�س���تخدمها في درا�سته للفروق الفردية‪.‬‬
‫�أعقب ذلك ظهور كثير من الأدوات واالختبارات‪ ،‬ونمو الأ�ساليب الإح�صائية الم�ستخدمة‬
‫في درا�سة الفروق الفردية‪ ،‬ما جعل درا�سة الفروق الفردية �أكثر علمية ودقة‪.‬‬

‫الفروق الفردية‪:‬‬
‫ـ ـ اكت�شافها‬ ‫ ‬
‫ـ ـ نظرة تاريخية‬ ‫ـ ـ التعريف ‬
‫ـ ـ ماهيتها‬ ‫ـ ـ العوامل امل�ؤثرة فيها ‬
‫ـ ـ الفروق الفردية يف ال�سمات املختلفة‪.‬‬

‫�أهمية درا�سة الفروق الفردية‪:‬‬


‫لدرا�سة الفروق الفردية �أهمية كبيرة في مجاالت متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ -1‬التعلم والتعليم‪:‬‬
‫�إن التالميذ يختلفون في قدراتهم وا�س���تعداداتهم وميولهم‪ ،‬وهذه االختالفات ت�ؤثر‬
‫ف���ي �ص�ل�احية كل منهم لنوع الدرا�س���ة‪ .‬فلي�س كل تلميذ بقادر على درا�س���ة م���واد التعليم‬
‫ال�صناعي �أو التجاري بالدرجة عينها من المهارة والكفاية؛ لأن كل نوع من �أنواع الدرا�سة‬
‫والتعلم يحتاج �إلى قدرات وميول معينة‪.‬‬
‫‪284‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫كذل���ك‪ ،‬ف����إن اختالف ق���درات التالمي���ذ وا�س���تعداداتهم وميولهم‪ ،‬ي ؤ�ث���ر في مدى‬
‫ا�ستفادة كل منهم مما ُيقدم له من مادة تعليمية‪ ،‬وفي مدى حاجته �إلى الرعاية‪ .‬فالتلميذ‬
‫المتخلف عقل ًّيا يحتاج �إلى مواد درا�س���ية تختلف في نوعها وكمها عما يحتاج �إليه التلميذ‬
‫متو�سط الذكاء �أو مرتفع الذكاء‪ .‬و�إن الطريقة المالئمة لتعليم المتخلف عقل ًّيا تختلف عن‬
‫الطريقة المالئمة لتعليم التلميذ متو�س���ط الذكاء �أو مرتف���ع الذكاء‪ ،‬وهذا بدوره ي�ؤثر في‬
‫درجة ا�ستفادة كل منهم مما ُيقدم له‪.‬‬

‫‪ -2‬االقت�صاد‪:‬‬
‫كما تختلف الدرا�س���ات فيما تحتاج �إليه من قدرات وميول لكي ينجح الدار�س فيها‪،‬‬
‫تختلف المهن فيما تحتاج �إليه من قدرات وميول ومهارات وا�ستعدادات‪ .‬ونظ ًرا �إلى وجود‬
‫فروق فردية في جوانب ال�شخ�ص���ية‪ ،‬ف�إنه يمكن توجيه الفرد �إلى المهنة �أو الدرا�س���ة التي‬
‫تالئم���ه‪ ،‬ف�إذا ما التح���ق بهذه المهنة �أو الدرا�س���ة‪ ،‬حقق اال�س���تفادة الكاملة منها‪ ،‬ونجح‬
‫فيها‪ ،‬ونق�ص���ت مدة تدريب���ه‪ ،‬وقل احتمال ترك���ه للعمل‪ ،‬ولهذا مردوده االقت�ص���ادي على‬
‫الفرد والمجتمع‪.‬‬

‫‪ -3‬ال�صحة النف�سية‪:‬‬
‫�إن توجيه الفرد �إلى الدرا�سة �أو المهنة التي تالئمه‪ ،‬و�إعداده لاللتحاق بها‪ ،‬وتدريبه‬
‫عليها‪ ،‬وتحقيقه للنجاح فيها‪ ،‬ي�ساعده على �أن يحقق ذاته فيها‪ ،‬ويتوافق معها ومع زمالئه‬
‫و�أ�ص���دقائه و�أ�سرته‪ ،‬ما يحقق له ال�صحة النف�سية وال�سعادة والر�ضا‪ .‬كذلك‪ ،‬ف�إن مراعاة‬
‫ما يحتاج �إليه التلميذ المتخلف عقل ًّيا من حيث كم ونوع وطريقة تقديم المادة الدرا�سية‪،‬‬
‫ي�شعره بالنجاح‪ ،‬ويحقق له ال�صحة النف�سية‪.‬‬

‫‪ -4‬درا�سة التغيرات النمائية‪:‬‬


‫يمك���ن �أن ُت�س���تخدم الفروق الفردية في تع ُّرف التغي���رات الحادثة لدى مجموعة من‬
‫الأفراد‪ ،‬فلو قي�س���ت �أطوال تالميذ ال�صف الأول االبتدائي‪ ،‬ثم قي�ست �أطوالهم في ال�صف‬
‫‪285‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫ال�س���اد�س‪ ،‬لوجدنا اختال ًفا في متو�س���ط وت�ش���تت الأطوال في ال�ص���ف ال�ساد�س عما كانت‬
‫عليه في ال�صف الأول‪ ،‬ما يكون �إ�شارة �إلى التغيرات النمائية التي حدثت لديهم‪.‬‬

‫�أنواع الفروق‪:‬‬
‫يميل النا�س �إلى ت�صنيف الظواهر المختلفة‪ ،‬بحيث يكونون فئات مختلفة من الأ�شياء‬
‫والأفعال‪ .‬وال يقت�صر �أمر الت�صنيف عند هذا الحد‪ ،‬بل ُي�صنفون بع�ضهم ً‬
‫بع�ضا با�ستخدام‬
‫ال�س���مات المختلفة‪ .‬فهذا طويل وذلك ق�صير‪ ،‬وهذا ذكي وذلك غبي‪ ،‬وهذا مجتهد وذلك‬
‫متخلف‪ .‬وهذه الطريقة في الت�صنيف �إنما توحي ب�أن الفروق تكون في النوع‪ ،‬ولكن الواقع‬
‫�أن الفروق نوعان‪:‬‬

‫‪ -1‬فروق في النوع‪:‬‬
‫وهي الفروق التي ال يوجد بينها وحدة قيا�س م�ش���تركة‪ .‬فالذكاء يختلف عن الطول‪،‬‬
‫والط���ول يختل���ف عن ال���وزن‪ ،‬والوزن يختلف ع���ن التح�ص���يل‪ ،‬لأنه ال توجد وح���دة قيا�س‬
‫م�ش���تركة‪ .‬ف�إذا كان الطول ُيقا�س بال�س���نتيمترات‪ ،‬ف�إن الوزن ُيقا�س بالجرامات‪ ،‬وينطبق‬
‫المعنى نف�سه على بقية الأنواع ال�سابقة‪.‬‬
‫والف���روق ف���ي النوع ال تقت�ص���ر على ال�س���مات الج�س���مية فقط‪ ،‬بل ت�ش���مل ال�س���مات‬
‫النف�س���ية‪ ،‬فالذكاء يختلف عن الميل في النوع‪ ،‬وا�س���تطرادًا ال يمكن مقارنة ذكاء �شخ�ص‬
‫بميل �آخر؛ لأنه ال توجد وحدة قيا�س م�شتركة‪.‬‬

‫‪ -2‬فروق في الدرجة‪:‬‬
‫وه���ي الفروق التي يوجد بينها وحدة قيا�س م�ش���تركة‪ ،‬فالفرق بين الطول وال ِق�ص���ر‬
‫فرق في الدرجة؛ لأن وحدة قيا�سهما هي ال�سنتيمترات‪ ،‬والفرق بين الثقيل والخفيف فرق‬
‫ف���ي الدرجة؛ لأن وحدة قيا�س���هما هي الجرامات‪ ،‬والفرق بي���ن الحرارة والبرودة فرق في‬
‫الدرجة؛ لأن وحدة قيا�س���هما هي مقدار ارتفاع عمود الزئب���ق‪ .‬وينطبق المعنى عينه على‬
‫‪286‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ال���ذكاء والميول والقدرات واال�س���تعدادات واالتجاهات‪� ،‬إذ �إن الف���روق بين الأفراد تكون‬
‫فرو ًقا في الدرجة‪.‬‬
‫تظهر الفروق في الدرجة على بعد واحد مت�صل (�أو خط م�ستقيم) ال يمكن تجزئته‬
‫�إلى �أجزاء منف�ص���لة بينها فجوات �أو ثغرات‪ .‬فالذكاء ُبعد مت�ص���ل يمتد من �أقل درجة �إلى‬
‫�أق�صى درجة داخل عينة معينة‪ .‬وكذلك الميل ُبعد مت�صل يمتد من �أقل درجة �إلى �أق�صى‬
‫درج���ة داخ���ل عينة معينة‪ .‬وعلى هذا ال ُبعد يتوزع جميع �أف���راد العينة‪ ،‬بحيث تكون الأقلية‬
‫درجة ذكائها دون المتو�س���ط‪ ،‬و�أقلية �أخرى درجة ذكائها مرتفعة على المتو�سط‪ ،‬وغالبية‬
‫درجة ذكائها متو�س���طة‪� .‬أي تتوزع العينة اعتدال ًّيا على هذا ال ُبعد المت�ص���ل توزي ًعا كم ًّيا ال‬
‫كيف ًّيا‪.‬‬

‫مظاهر الفروق الفردية‪:‬‬


‫‪ -1‬الفروق بين الأفراد‪:‬‬
‫يختلف الأفراد في مقدار ن�ص���يب كل منهم من ال�س���مة �أو ال�صفة المقي�سة‪ ،‬فداخل‬
‫الف�ص���ل الواحد يوج���د �أطفال �أذكي���اء‪ ،‬و�آخرون متو�س���طو الذكاء‪ ،‬ومجموع���ة ثالثة دون‬
‫المتو�س���ط‪ .‬وداخل الف�صل نف�س���ه يوجد �أطفال م�س���يطرون‪ ،‬و�أطفال متو�سطو ال�سيطرة‪،‬‬
‫و�أطف���ال يميلون �إلى الخ�ض���وع بدرج���ة كبيرة‪ .‬وداخل الف�ص���ل عينه يوج���د �أطفال طوال‬
‫القامة‪ ،‬و�آخرون ق�صار القامة‪ ،‬ومجموعة ثالثة متو�سطو الطول‪.‬‬
‫ويختلف الأفراد في درجة �أدائهم للأعمال المختلفة‪ .‬فداخل الف�صل الواحد يتفاوت‬
‫الأطفال في درجة قدرتهم على المناق�ش���ة �أو حل الم�س���ائل الح�س���ابية �أو الأ�سئلة اللغوية‪،‬‬
‫�أو نطقه���م لح���روف اللغ���ة الأجنبية‪� ،‬أو ر�س���مهم للمناظر الطبيعية‪ .‬ويختلف المدر�س���ون‬
‫في درجة تو�ض���يح �أفكارهم للتالميذ و�س���رعتهم في الكالم‪ ،‬ودقة ت�ص���حيحهم للأعمال‬
‫التحريرية‪.‬‬
‫وثم���ة مجال �آخر للفروق بين الأفراد‪ ،‬هو الف���روق في تجهيز المعلومات‪ .‬فلقد تبين‬
‫وج���ود ف���روق بين الأف���راد في حاجتهم �إل���ى كميات متفاوتة م���ن المعلوم���ات‪ ،‬و�إلى �أنواع‬
‫‪287‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫مختلف���ة منها‪ ،‬و�إلى م�س���تويات متفاوت���ة التعقيد من تل���ك المعلومات‪ ،‬وتف���اوت قدرة كل‬
‫منهم على ترميز المعلومات‪� ،‬أي تحويلها �إلى رموز‪ ،‬وعلى �س���رعة �أداء العمليات المعرفية‬
‫الم�ستخدمة في معالجة المعلومات‪.‬‬

‫‪ -2‬الفروق داخل الفرد الواحد‪:‬‬


‫(�أ) �إن م�س���تويات الق���درات �أو درج���ات ال�س���مات ل���دى الفرد الواحد لي�س���ت‬
‫مت�ساوية‪ ،‬فقدرة الفرد اللغوية لي�ست كقدرته املو�سيقية �أو كدرجة انطوائه‬
‫�أو درج���ة اتزان���ه االنفعالية‪� .‬أي �إنه ال توجد عالقة �إيجابية بني ال�س���مات‬
‫داخل الفرد الواحد‪ ،‬مبعن���ى �أنه ال ترتفع قدرته اللغوية‪ ،‬وبالدرجة عينها‬
‫قدرته املو�سيقية‪ ،‬وباملعدل نف�سه درجة انطوائه �أو �سيطرته‪.‬‬
‫(ب) يف �أثن���اء النمو يتعر�ض الفرد لتغريات ج�س���مية وعقلية ووجدانية‪ ،‬بحيث‬
‫يزداد طوله ووزنه وذكا�ؤه وميوله‪� ،‬أي �إنه توجد فروق بني الفرد ونف�سه يف‬
‫مراحل منوه املختلفة‪.‬‬
‫للفروق داخل الفرد الواحد �أهمية كبيرة‪� ،‬إذ تجعل له �أ�س���لوبه المتميز المختلف عن‬
‫غيره من الأفراد‪ ،‬و ُتبين �أ�س���باب تفوق الفرد في بع�ض الدرا�س���ات �أو المهن دون غيرها‪،‬‬
‫وذل���ك تب ًعا لدرجة ما لديه من ق���درات الزمة لهذه الدرا�س���ات �أو المهن‪ .‬فمرتفع القدرة‬
‫مدر�س���ا للغات �أو خطي ًب���ا �أو مذي ًعا‪ .‬و�إذا‬
‫اللغوية يتفوق في درا�س���ة اللغات وي�ص���لح للعمل ً‬
‫كانت قدرته الريا�ض���ية منخف�ض���ة‪ ،‬ف�إنه لن يتفوق في درا�س���ة الريا�ضيات‪ ،‬ولن ينجح في‬
‫المهن التي تحتاج �إلى ا�ستخدام الأعداد والأ�شكال الهند�سية بكثرة‪.‬‬

‫‪ -3‬الفروق بين الجماعات‪:‬‬


‫من �أهم الفروق بين الجماعات‪:‬‬
‫(�أ) الفروق بني اجلن�س�ي�ن يف بع�ض اخل�صائ�ص اجل�سمية‪ ،‬مثل حجم اجل�سم‬
‫والقوة البدنية‪ ،‬واخل�ص���ائ�ص العقلية‪ ،‬كالذكاء العام والقدرات العقلية‪،‬‬
‫واخل�صائ�ص الوجدانية‪ ،‬كالعدوانية وال�سيطرة والثقة بالنف�س‪.‬‬
‫‪288‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(ب) الفروق بني الأعمار‪ ،‬كما تظهر يف تغري اخل�صائ�ص النمائية عرب الأعمار‬
‫خللقي‪.‬‬‫املختلفة‪ ،‬كالنمو اجل�سمي والعقلي والوجداين واالجتماعي وا ُ‬
‫(ج) الفروق بني الأجنا�س وال�سالالت يف بع�ض اخل�صائ�ص اجل�سمية‪ ،‬مثل لون‬
‫اجللد والتحمل‪ ،‬واخل�صائ�ص املعرفية‪ ،‬كالذكاء العام‪.‬‬
‫(د) الف���روق ب�ي�ن امل�س���تويات االقت�ص���ادية واالجتماعي���ة وانعكا�س���اتها عل���ى‬
‫خ�صائ�ص الأفراد و�أ�ساليب تن�شئتهم‪.‬‬
‫نتاجا لعوامل الوراثة والبيئة وتفاعلهما‪ ،‬ف�إن تلك الفروق‬
‫ولما كانت الفروق الفردية ً‬
‫لي�س���ت مطلقة �أو ثابتة ثباتًا مطل ًقا‪ ،‬والدليل على ذلك تح�س���ن بع�ض ال�س���مات عند انتقال‬
‫الأفراد من بيئة �إلى �أخرى‪.‬‬

‫�أهمية درا�سة الفروق الفردية‪:‬‬


‫التعلم والتعليم ‪ -‬االقت�صاد ‪ -‬ال�صحة النف�سية ‪ -‬التغريات النمائية‬
‫�أنواع الفروق الفردية‪:‬‬
‫فروق يف النوع ‪ -‬فروق يف الدرجة‬
‫مظاهر الفروق الفردية‪:‬‬
‫بني الأفراد ‪ -‬داخل الفرد ‪ -‬بني اجلماعات‪.‬‬
‫‪289‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬مظاهر االختالف والتباين بني الب�شر على جانب كبري من الأهمية من حيث تفرد‬
‫الإن�سان واختالفه عن الآخرين يف جوانب متعددة‪.‬‬
‫‪ -2‬هناك اجتاهان يف طبيعة الفروق الفردية‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪� -‬إن البيئة والمجتمع بما فيهما من �إمكانيات هما �سبب ظهور الفروق الفردية‪.‬‬
‫‪� -‬إن الفروق بين الأفراد مرجعها خ�صائ�ص بيولوچية (وراثية)‪.‬‬
‫‪ُ -3‬يق�صد بالفروق الفردية اختالف كل فرد عن الآخرين يف خ�صائ�ص ج�سمية ونف�سية‪.‬‬
‫‪ -4‬تمُ ثل الفروق الفردية يف علم النف�س الدرا�سة العلمية لدى االختالف بني النا�س يف‬
‫ال�صفات املت�شابهة‪.‬‬
‫‪ -5‬اكت�شاف الفروق الفردية مت عند دقة مالحظة ر�صد النجوم يف املرا�صد الفلكية‪ ،‬حيث‬
‫تبني وجود ما يعرف باملعادلة ال�شخ�صية بني املالحظني يف املرا�صد الفلكية‪.‬‬

‫�أ�سئلة وتمارين‪:‬‬
‫‪ -1‬هناك اتجاهات نحو طبيعة الفروق الفردية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح الق�صد بالفروق الفردية‪.‬‬
‫‪ -3‬كيف تم اكت�شاف الفروق الفردية‪.‬‬
‫الفروق الفردية بني املتعلمني‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل الفروق الفردية بني املتعلمني‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يعدد املتعلم ال�سمات املختلفة للفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يف�سر املتعلم التوزيع االعتدايل للفروق الفردية‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف اكت�شاف الفروق بني املتعلمني من خالل‬
‫التوزيع االعتدايل‪.‬‬
‫الفروق الفردية بني املتعلمني‬

‫‪:‬‬
‫في الك�ش���ف ع���ن الفروق الفردي���ة القائمة بين الأف���راد‪ ،‬يمكن الو�ص���ول �إلى تباين‬
‫ال�ص���فات �أي الفروق بين مختلف الأفراد‪ ،‬من الخ�ص���ائ�ص الج�س���مية والعقلية والنف�سية‬
‫�إلى غير ذلك من ال�سمات التي يتميز بها الب�شر‪.‬‬
‫وعند تحديد ال�صفات يمكن قيا�س مدى تفوق �أو �ضعف الفرد في هذه ال�صفة‪ ،‬ومن‬
‫ثم عند مقارنته بغيره‪ ،‬يمكن �أن نحدد الفروق الفردية القائمة بالن�س���بة �إلى �صفة معينة‪.‬‬
‫وعند ح�س���اب عدد المتفوقين بين الأفراد عامة والمتعلمين خا�صة في �صفة من ال�صفات‬
‫الب�ش���رية‪ ،‬وعدد المتو�س���طين‪ ،‬وعدد ال�صفات‪ ،‬ف�إنه يمكن الك�ش���ف عن �أهم خا�صية من‬
‫خوا�ص الفروق الفردية‪ ،‬عندما يتبين �أن عدد المتو�س���طين هم �أكثر عدد الم�س���تويات من‬
‫الأفراد‪ ،‬و�أن م�ستوى التفوق هم �أقل عددًا من الأفراد‪ ،‬و�إن م�ستوى ال�ضعاف هم �أقل عددًا‬
‫من الم�س���توى المتو�سط‪ ،‬وهذا ما �سيتم �إي�ض���احه في التوزيع االعتدالي للفروق الفردية‪،‬‬
‫وف���ي ه���ذا ما ي�ؤكد �أن الفروق الفردية هي انحرافات الأفراد‪ ،‬عند ُبعدهم عن المتو�س���ط‬
‫لأفراد الجماعة في ال�صفات المختلفة‪.‬‬

‫مظاهر الفروق الفردية بين المتعلمين‪:‬‬


‫يعنينا ف���ي العملية التعليمية‪ ،‬بي���ان الفروق الفردية بي���ن المتعلمين‪ ،‬وتهتم مباحث‬
‫ومجاالت علم النف�س‪ ،‬وفق ما �س���بق الإ�ش���ارة �إليه ببنية ال�شخ�ص���ية عن���د الأفراد عامة‪،‬‬
‫وعند المتعلمين خا�ص���ة‪ .‬وال�شخ�ص���ية هي نقطة البدء في الدرا�س���ات النف�سية‪ ،‬وهي في‬
‫ذات الوقت تمثل الهدف الذي ينبغي للدار�سين في علم النف�س الو�صول �إليه‪.‬‬
‫‪294‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وبدء درا�س���ة ال�شخ�ص���ية يعتمد على الن�ش���اط الذي يتمثل فيما يق���وم به الفرد من‬
‫�أعمال‪ ،‬وما ي�صدر عنه من ا�ستجابات لغوية �أو حركية‪.‬‬
‫ولذلك تعددت مجاالت الدرا�س���ة في فروع علم النف����س‪ ،‬حيث تتفرع‪ ،‬وتتعدد نتيجة‬
‫لتنوع وتعدد المجاالت التي تزاول فيها ال�شخ�صية ن�شاطها‪ ،‬وتمتد الفروق الفردية لت�شمل‬
‫جميع جوانب الن�ش���اط الذي ي�صدر عن ال�شخ�صية ب�صفة عامة وفي جوانب الن�شاط عند‬
‫المتعلمين ب�صفة خا�صة‪.‬‬
‫و ُتعرف ال�شخ�ص���ية ب�أنها النظام المتكامل من ال�س���مات الج�سمية والنف�سية الثابتة‬
‫ن�سب ًّيا‪ ،‬التي ُتميز الفرد من غيره والتي ُتحدد �أ�ساليب ن�شاطه وتفاعله مع البيئة الخارجية‪،‬‬
‫المادية واالجتماعية‪� .‬أو تعرف ب�أنها النمط الذي يميز ال�شخ�ص عن غيره‪.‬‬
‫ودرا�س���ة ال�شخ�ص���ية يمك���ن تناولها من زواي���ا وجوان���ب مختلفة‪ ،‬يت���م تحليلها �إلى‬
‫مجموعة من ال�ص���فات �أو ال�س���مات‪ .‬وهذه ال�س���مات هي تجريدات �أو �أو�ص���اف ن�صف بها‬
‫�س���لوك الفرد‪ ،‬فال�س���مة ‪ Trait‬كما تعرف في علم النف�س هي طريقة في ال�س���لوك متميزة‬
‫وثابتة ن�سب ًّيا يختلف فيها ال�شخ�ص عن الآخرين‪.‬‬
‫نواح كثيرة ومتعددة‪ ،‬حيث ال يمكن ح�ص���ر االختالف والتباين‬
‫ويختل���ف النا�س ف���ي ٍ‬
‫�إال �أنه بالبحث الإح�صائي المو�ضوعي‪ ،‬تبين �أن الفروق بين الأفراد تميل لأن ترتبط فيما‬
‫بينها‪ ،‬ب�شكل يجعل من الممكن تحديد �أبعاد �أو �سمات �أكثر عمومية‪ .‬ويمكن ت�صنيف هذه‬
‫ال�سمات �إلى المجموعتين الآتيتين‪:‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬مجموعة ال�صفات الج�سمية‪:‬‬
‫هي التي تتعلق بالنمو الج�سمي العام وال�صحة العامة‪ ،‬والتي ُيميز فيها بين ال�سمات‬
‫العامة مثل ال�ص���حة العامة‪ ،‬وال�ص���فات الخا�ص���ة مثل الطول وال���وزن‪� ،‬أو بع�ض الإعاقات‬
‫الج�سمية‪ ،‬وبع�ض الخ�صائ�ص الح�سية والحركية‪.‬‬
‫‪295‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫ثان ًيا‪ :‬مجموعة �صفات التنظيم النف�سي في ال�شخ�صية‪:‬‬


‫هي التي تهتم بدرا�سة الفروق الفردية‪ .‬والتنظيم النف�سي يمثل النظام المتكامل من‬
‫ال�سمات النف�سية التي تعمل على‪:‬‬
‫(�أ) تفرد الفرد في تفاعله مع مواقف الحياة التي تحدد �أهدافه‪.‬‬
‫(ب) ُتميز �سلوكه في تكيفه وتوافقه مع الظروف المادية واالجتماعية‪.‬‬
‫(جـ) ُيحدد �أ�ساليب تعامله مع النا�س المحيطين به‪� ،‬أو �أ�سلوب حياته‪.‬‬
‫وينق�سم التنظيم النف�سي بدوره �إلى بعدين �أو تنظيمين �أ�سا�سيين‪:‬‬

‫(�أ) التنظيم العقلي المعرفي‪:‬‬


‫الذي يت�ض���من القدرة العقلية العامة �أي الذكاء‪ ،‬والقدرات واال�س���تعدادات الخا�صة‬
‫بالتح�صيل‪ ،‬والمهارات العقلية‪.‬‬

‫(ب) التنظيم االنفعالي‪:‬‬


‫�أي المزاج���ي والعاطف���ي‪ ،‬الذي ي�ش���تمل على االنفعاالت والقي���م والعواطف والميول‬
‫واالتجاهات‪.‬‬
‫والفروق الفردية بين الأفراد‪ ،‬يمكن تمييزها في الجوانب الآتية التي �سبق تحديدها‪:‬‬
‫‪ -1‬اخل�صائ�ص اجل�سمية التي ميكن حتديد الفروق بني الأفراد فيها من حيث‪:‬‬
‫(�أ) ال�صحة العامة‪.‬‬
‫(ب) املظه���ر و�أبعاد اجل�س���م (الط���ول‪ ،‬الق�ص���ر‪ ،‬النحاف���ة‪ ،‬البدانة‪ ،‬لون الب�ش���رة‪،‬‬
‫مالمح الوجه)‪.‬‬
‫(جـ) نواحي القوة والعاهات ونواحي النق�ص والعجز‪.‬‬
‫(د) �إفرازات الغدد ال�صماء وغري ال�صماء ووظائف الأع�ضاء‪.‬‬
‫(هـ) الن�شاط احل�سي واحلركي‪.‬‬
‫‪296‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬اخل�صائ�ص النف�سية‪ :‬التي ميكن متييزها وحتديد الفروق الفردية بني الأفراد‪ ،‬من‬
‫حيث‪:‬‬
‫(�أ) التنظيم العقلي املعريف‪:‬‬
‫�أي اال�ستعدادات والقدرات العقلية‪ ،‬التي ت�شتمل على‪:‬‬
‫‪ -‬القدرة العقلية العامة (الذكاء العام)‪.‬‬
‫‪ -‬القدرة العقلية اخلا�صة‪ ،‬كالقدرة الريا�ضية والعددية وامليكانيكية واللغوية‪،‬‬
‫والفنية واالبتكارية‪.‬‬
‫‪ -‬العمليات والأن�شطة العقلية‪ :‬كالتفكري والإدراك والفهم واحلفظ‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫(ب) امل�ستوى التح�صيلي‪ ،‬وي�شتمل على‪:‬‬
‫‪ -‬امل�ستوى التح�صيلي الدرا�سي‪.‬‬
‫‪ -‬م�ستوى املعلومات العامة‪.‬‬
‫‪ -‬عمق اخلربات ال�سابقة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬ال�سمات ال�شخ�صية (التنظيم االنفعالي المزاجي)‪:‬‬


‫(�أ) االنفعالية العامة والثبات االنفعايل‪.‬‬
‫(ب) ال�سمات اخلا�صة‪ ،‬كاالنطواء واالنب�ساط واخل�ضوع وال�سيطرة والعدوان وامل�ساملة‪.‬‬
‫(جـ) االجتاهات وامليول والعواطف واالنفعاالت والقيم‪.‬‬

‫طبيعة الفروق الفردية‪:‬‬


‫لكي نو�ضح طبيعة الفروق الفردية‪ ،‬علينا �أن نجيب عن ال�س�ؤال الآتي‪:‬‬

‫هل الفروق الفردية فروق كمية �أم فروق فرعية؟‬

‫(�أ) ف�إذا افرت�ضنا �أن الفروق الفردية كمية‪ ،‬كان معنى ذلك �أننا منتلك جمي ًعا‪ ،‬جميع‬
‫‪297‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫ال�صفات وال�سمات النف�سية واجل�سمية‪ ،‬وتخت�ص �إحدى هذه ال�سمات عند فرد‬
‫من الأفراد‪ ،‬و ُي�صبح الفرق بني فرد و�آخر‪ ،‬هو يف درجة امتالكه لكل �سمة من‬
‫هذه ال�سمات‪.‬‬
‫(ب) �أما �إذا افرت�ضنا �أن طبيعة الفروق الفردية هي طبيعة نوعية‪ ،‬كان معنى هذا �أن‬
‫كل فرد منا ميتلك �سمات ال ميتلكها غريه‪ ،‬و�أن كل حالة من حاالت الفرد‪ُ ،‬تع ّد‬
‫حالة فريدة من نوع ال�سمات التي متتلكها‪.‬‬
‫ولكي نختار بين هذين االحتمالين نبحث الو�ض���ع في �سمات نف�سية عدة‪ .‬فمن حيث‬
‫الذكاء العام مثلاً ‪ ،‬يختلف الأفراد بع�ضهم عن بع�ض في درجة امتالكهم للذكاء العام‪ ،‬وال‬
‫تماما‪ ،‬فحتى �أدنى مراتب ال�ض���عف العقلي نجد �أن الفرد‬ ‫نجد مطل ًقا فردًا منعدم الذكاء ً‬
‫قادر على القيام ببع�ض الأعمال الب�س���يطة‪ ،‬فهو ي�س���تطيع �أن يفتح �ش���باك حجرته‪ ،‬ويغلق‬
‫بابه���ا وي�أكل‪ ،‬وهذه الأعمال مهما بلغت درجة �س���هولتها‪ ،‬ف�إنها ما زالت تحتاج �إلى ن�س���بة‬
‫مثال �آخر عن قدرة خا�ص���ة‪ ،‬كالقدرة الح�س���ابية‪ ،‬حيث نجد‬ ‫ب�س���يطة من الذكاء‪ .‬ولن�أخذ اً‬
‫�أن الأف���راد يختلف���ون في درجة كفاءتهم للقيام ببع�ض الأعمال الح�س���ابية‪ ،‬وحتى الأفراد‬
‫عال من حيث امتالكهم لهذه القدرة‪ ،‬نجد �أنهم‬ ‫الذين ن�ص���فهم ب�أنهم لي�سوا على م�ستوى ٍ‬
‫ي�س���تطيعون القي���ام ببع����ض الأعمال‪ ،‬فهم ي�س���تطيعون جمع بع�ض الأعداد وطرح بع�ض���ها‬
‫الآخر‪ ،‬والقيام ببع�ض العمليات الح�س���ابية الب�س���يطة‪ .‬ومعنى ذلك �أن لديهم قد ًرا ً‬
‫ب�سيطا‬
‫من هذه القدرة الح�سابية‪.‬‬
‫�أما من حيث ال�س���مات االنفعالية‪ ،‬ف�إننا نجد �أن لكل �سمة طرفين متقابلين‪ ،‬وت�سمى‬
‫ال�س���مة تب ًعا لهذين الطرفين‪ ،‬فاالنطواء واالنب�س���اط يكونان �سمة واحدة‪ ،‬والميل للعدوان‬
‫والميل للم�سالمة كذلك يكونان �سمة واحدة‪.‬‬
‫فلو ت�ص���ورنا طرفي ال�س���مة على �أنهم���ا نقطتان متباعدتان‪ ،‬وبي���ن هذين النقطتين‬
‫مقيا�سا مت�صلاً ‪ ،‬و ُيمثل كل فرد منا نقطة من هذه النقط‬
‫ً‬ ‫عدد ال نهائي من النقط يكونان‬
‫‪298‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الالنهائية العدد‪ ،‬ف�إذا ت�صورنا �سمة االنطواء واالنب�ساط على النحو الآتي‪:‬‬

‫�أ‬ ‫ب‬ ‫جـ‬ ‫د‬ ‫هـ‬


‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫�أكرب قدر‬ ‫�أكرب قدر‬
‫من االنطواء‬ ‫من االنب�ساط‬
‫�أ‬ ‫ب‬ ‫جـ‬ ‫د‬ ‫هـ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫�أكرب قدر‬ ‫�أكرب قدر‬
‫من امل�ساملة‬ ‫من العدوان‬

‫فنقول من هذا الر�س���م‪� :‬إن ال�ش���خ�ص (�أ) يغلب عليه االنطواء �أكثر من االنب�س���اط‬
‫وال�ش���خ�ص (ب) متعادل من حيث الطرفان‪� ،‬أما ال�ش���خ�ص (جـ)‪( ،‬د) فهما قريبان من‬
‫االنب�ساط‪� ،‬أما ال�شخ�ص (هـ) فهو يغلب عليه االنب�ساط‪.‬‬
‫وف���ي الو�ص���ف التقريب���ي نق���ول‪� :‬إن (�أ) منط ٍو وك ًّال م���ن (جـ‪ ،‬د) منب�س���طان‪ ،‬و�أما‬
‫ال�شخ�ص (ب) فهو عادي‪ ،‬ولكن هذا الو�صف غير علمي‪ .‬وفي المثال الثاني نقول‪� :‬إن (�أ)‬
‫يتمتع ب�أكبر قدر ممكن من الم�سالمة وعدم االعتداء على الآخرين‪ ،‬بينما الفرد (هـ) في‬
‫عال‪.‬‬
‫�سلوكه عدوانية بقدر ٍ‬
‫والثاب���ت علم ًّي���ا �أن كل فرد يقترب‪ ،‬بمقدار ما يملك من خالله �أحد طرفي ال�س���مة‪،‬‬
‫و�أن���ه يمتل���ك الطرفين بدرج���ات متفاوتة‪ .‬حتى ال�س���مات االنفعالية وال�س���مات الع�ض���وية‬
‫للذك���ورة والأنوث���ة‪ ،‬موجودة في كل فرد ذك ًرا كان �أم �أنث���ى بدرجات مختلفة‪ ،‬ولي�س هناك‬
‫�شخ�ص يمتلك �أحد الطرفين في �أي �سمة امتال ًكا نق ًّيا ‪.٪100‬‬
‫نخ���رج من هذا كله ب����أن الفروق الفردية �إنم���ا هي فروق كمية ‪ Quantitive‬ولي�س���ت‬
‫نوعي���ة ‪ Qualative‬وال ينطب���ق ه���ذا فقط على ال�ص���فات النف�س���ية‪ ،‬بل ينطبق � ً‬
‫أي�ض���ا على‬
‫ال�صفات (ال�سمات) الج�سمية وغيرها من ال�صفات الب�شرية‪.‬‬
‫‪299‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫التوزيع االعتدالي للفروق الفردية ‪Normal Distribution‬‬

‫ذكرنا �أن الفروق الفردية كمية‪ ،‬ولي�س���ت نوعية‪ .‬ومعنى هذا �أن الأفراد يختلفون في‬
‫درجة امتالكهم لكل �سمة من ال�سمات من ناحية الكم‪ ،‬ولي�س من ناحية النوع‪ .‬واالختالف‬
‫في الكم ي�س���ير بنموذج واحد تقري ًبا في جميع ال�س���مات الج�س���مية والنف�س���ية عند الب�شر‬
‫و�أغلب الأفراد يمتلكون ال�س���مة بدرجة متو�سطة و�أقل الأفراد يمتلكون ال�سمة بدرجة قليلة‬
‫�أو كثيرة‪ ،‬وبذلك نح�ص���ل على توزيع له �ش���كل ثابت ُي�ش���به الجر�س �أو الناقو�س‪ ،‬وي�س���مى‬
‫ذل���ك من الناحية الإح�ص���ائية «التوزيع االعتدالي»‪ .‬ففي الر�س���م الآت���ي‪ ،‬وهو يمثل توزيع‬
‫ال���ذكاء في مجموعة كبي���رة ممثلة من الأفراد‪ ،‬نجد �أن الأ�ش���خا�ص الذين يتمتعون بذكاء‬
‫عادي يبلغون الغالبية العظمى‪ ،‬وكلما قل ذكاء الأفراد قل عددهم � ً‬
‫أي�ضا‪ ،‬حتى نجد �أن فئة‬
‫�ضعاف العقول ُيمثلون مجموعة نادرة في المجتمع‪.‬‬

‫عدد الأ�شخا�ص‬

‫ذكاء �ضعاف‬ ‫عادي‬ ‫�أذكياء‬ ‫العباقرة‬


‫�أقل من العقول‬ ‫الذكاء‬
‫املتو�سط‬

‫وبالمثل نجد �أنه كلما ارتفع الذكاء عن المتو�س���ط‪ ،‬ق���ل عدد الأفراد تدريج ًّيا‪ ،‬حتى‬
‫ن�صل �إلى فئة العباقرة‪ ،‬حيث نجد �أنهم يمثلون فئة نادرة في المجتمع‪.‬‬
‫‪300‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تمام���ا‪ ،‬بحيث نجد �أن الن�ص���ف الأيمن يكاد‬


‫ونالح���ظ في هذا التوزي���ع �أنه متماثل ً‬
‫تماما‪.‬‬
‫يتماثل في العدد مع الن�صف الأي�سر ً‬
‫و�إذا بحثنا في ال�سمات الع�ضوية‪ ،‬ف�إننا نجد �أنها موزعة � ً‬
‫أي�ضا على هذا النحو‪ ،‬ففي‬
‫حال���ة طول القامة مثلاً نج���د �أن العاديين من طوال القامة هم �أكثر الأفراد في المجتمع‪،‬‬
‫بينما نجد �أن الأقزام وطوال القامة ب�شكل غير عادي‪ ،‬عددهم نادر في المجتمع‪.‬‬
‫بالن�س���بة �إل���ى االختبارات النف�س���ية ن�س���تطيع تطبي���ق التوزيع االعتدال���ي في عملية‬
‫التقنين‪ ،‬ف�إذا كان لدينا �أحد االختبارات النف�سية‪ ،‬وطبقناه على مجموعة من الأفراد في‬
‫�أثناء عملية التقنين‪ ،‬بحيث تكون العينة تمثل المجتمع الذي نعده من �أجله‪ ،‬وح�صلنا على‬
‫توزيع قريب من هذا التوزيع االعتدالي‪ ،‬دل ذلك على �أن هذا االختبار منا�سب للمجموعة‬
‫التي �أُعد من �أجلها‪.‬‬
‫من هذا كله يجب �أن يكون المعلم على معرفة تامة بـ‪:‬‬
‫‪ -1‬مظاهر الفروق الفردية بني املتعلمني‪.‬‬
‫‪ -2‬الفروق الفردية بني املتعلمني‪.‬‬
‫‪ -3‬طبيعة الفروق الفردية من حيث كونها كمية‪ ،‬ولي�ست نوعية‪.‬‬
‫‪� -4‬أن التوزيع الذي تكون عليه الفروق الفردية هو التوزيع االعتدايل‪ ،‬مبعنى �أن �أكرب قدر‬
‫ممكن من املتعلمني يكون كم ال�سمات هو ما يقرتب من الو�سط‪ ،‬و�أن الأطراف يف هذه‬
‫عال �أو �أقل من املتو�سط) لفئات �أقل عددًا من‬
‫ال�سمات (مبعنى امتالك ال�سمة بكم ٍ‬
‫الفئات التي تقع يف منطقة الو�سط‪.‬‬

‫تت�ضمن مظاهر الفروق الفردية بني املتعلمني الآتي‪:‬‬


‫(‪� )2‬سمات الفروق الفردية بني املتعلمني‪.‬‬ ‫(‪ )1‬مظاهر الفروق الفردية‪ .‬‬
‫(‪ )4‬التوزيع االعتدايل للفروق الفردية‪.‬‬ ‫(‪ ) 3‬طبيعة الفروق الفردية‪.‬‬
‫‪301‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬تظهر الفروق الفردية يف ثالثة مظاهر‪ :‬تتمثل يف‪:‬‬
‫‪ -‬مدارج العمر المتعاقبة‪.‬‬
‫‪ -‬الفروق الفردية في الأداء‪.‬‬
‫‪ -‬فروق بين الجماعات‪.‬‬
‫نظاما متكاملاً يف‬
‫‪ -2‬الفروق الفردية تظهر يف الفروق بني ال�شخ�صية من حيث اعتبارها ً‬
‫ال�سمات اجل�سمية والنف�سية الثابتة ن�سب ًّيا التي متيز فردًا عن غريه‪.‬‬
‫‪ -3‬ال�سمات التي تتباين فيها ال�شخ�صيات متثل‪� :‬صفات ج�سمية ‪� -‬صفات التنظيم النف�سي‬
‫(عقلي معريف ‪ -‬انفعايل)‪.‬‬
‫‪ -4‬طبيعة الفروق الفردية‪ ،‬فروق كمية ولي�ست نوعية‪ ،‬وينطبق ذلك على ال�صفات النف�سية‬
‫واجل�سمية والب�شرية جميعها‪.‬‬
‫‪ -5‬يتم توزيع الفروق الفردية مبا ُيعرف بالتوزيع االعتدايل للفروق الفردية والتمثيل‬
‫البياين لهذا التوزيع ُي�شبه اجلر�س �أو الناقو�س‪.‬‬

‫�أ�سئلة وتمارين‪:‬‬
‫‪ -1‬حدد وو�ضح املظاهر اخلا�صة بالفروق الفردية‪.‬‬
‫‪ -2‬يختلف النا�س يف �سمات متعددة‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -3‬الفروق الفردية كمية‪ ،‬ولي�ست نوعية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -4‬ا�شرح التوزيع االعتدايل للفروق الفردية‪.‬‬
‫الفروق الفردية يف �ضوء الهدي الإ�سالمي‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتع���رف الق���ارئ �إىل الف���روق الفردي���ة يف ه���دي كت���اب اهلل (القر�آن‬
‫الكرمي)‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتعرف القارئ �إىل الفروق الفردية يف الهدي النبوي ال�شريف‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يقدر القارئ عظمة اخلالق يف خلقه للفروق الفردية‪.‬‬
‫يف تقدي���ره للف���روق الفردي���ة ب�ي�ن‬ ‫(‪� )4‬أن يق���در عظم���ة النب���ي الأعظ���م‬
‫ال�صحابة‪.‬‬
‫الفروق الفردية يف �ضوء الهدي الإ�سالمي‬

‫‪:‬‬
‫�أ�شار القر�آن الكريم وال�سنة النبوية �إلى مفهوم الفروق الفردية في كثير من الموا�ضع‬
‫على النحو الآتي‪:‬‬
‫‪ -1‬فروق في النوع‪:‬‬
‫فخ�ص���ائ�ص الذك���ور تختل���ف ع���ن خ�ص���ائ�ص الإناث‪ ،‬ق���ال تعال���ى‪ :‬ﱹﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﱸ (�آل عمران ‪.)36 :‬‬
‫‪ -2‬فروق ج�سمية‪:‬‬
‫كاختالف اللون والج�سد‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱹﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﱸ (فاطر‪.)28 :‬‬
‫وق���ال تعال���ى‪ :‬ﱹﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ‬
‫هلل‬
‫���ول ا ِ‬ ‫ر�س ُ‬ ‫���ال ُ‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛﱸ (البق���رة‪ ،)247 :‬و َق َ‬
‫ال�س ِقي��� َم َوا ْل َك ِبي َر‪َ ،‬و ِإ� َذا‬ ‫���ف‪َ ،‬ف ِإ� َّن فيهُ��� ُم َّ‬
‫ال�ضع َ‬
‫ِيف َو َّ‬ ‫‪ِ « :‬إ� َذا َ�ص َّل���ى �أَ َح ُد ُك��� ْم ِبال َّن ِ‬
‫ا����س َف ْل ُي َخ ِّف ْ‬
‫َ�ص َّلى أَ� َح ُد ُك ْم ِل َن ْف�سِ ِه َف ْل ُي َط ِّو ْل َما َ�شاءَ»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬فروق عقلية‪:‬‬
‫ق���ال تعال���ى‪ :‬ﱹﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﱸ (البقرة‪.)269:‬‬

‫(((‬ �أخرجه البخاري (رقم ‪ )703‬وم�سلم (رقم ‪.)467‬‬


‫‪306‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(ما �أَ ْن َت ِب ُم َح���دِّ ٍث َق ْو ًما َح ِدي ًثا ال َت ْب ُل ُغ��� ُه ُع ُقو ُل ُه ْم �إِال َكانَ‬
‫وع���نْ ابنَ َم ْ�س��� ُع ٍود َق َال‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ِل َب ْع ِ�ض ِه ْم ِف ْت َن ًة)(((‪ .‬فالر�سول ينهى عن مخاطبة النا�س بما ال تحتمله عقولهم‪.‬‬
‫�أن ننزل النا�س منازلهم»(((‪.‬‬ ‫�أنها قالت‪�« :‬أمرنا ر�سول اهلل‬ ‫وقد ذكر عن عائ�شة‬
‫وع ِن الأَ ْ�س َو ِد َق َال َق َال ِلي ا ْبنُ ال ُّز َب ْي ِر ‪َ :‬كا َن ْت َعا ِئ َ�ش ُة ُت ِ�س ُّر ِ�إ َل ْي َك َك ِثي ًرا‪َ ،‬ف َما‬ ‫َ‬
‫َح َّد َثت َْك ِفي ا ْل َك ْع َب ِة؟ ُق ْلتُ ‪َ :‬قا َل ْت ِلي‪َ :‬ق َال ال َّن ِب ُّي ‪َ (:‬يا َعا ِئ َ�ش��� ُة َل ْوال َق ْو ُم ِك َح ِديثٌ َع ْهدُهُ ْم‬
‫اب‬ ‫اب َي ْد ُخ ُ‬
‫���ل ال َّن ُ‬
‫ا�س َو َب ٌ‬ ‫���ال ا ْبنُ ال ُّز َب ْير‪ِ :ِ -‬ب ُكف ٍْر‪َ ،‬ل َن َق ْ�ض���تُ ا ْل َك ْع َب��� َة‪َ ،‬ف َج َع ْلتُ َل َها َبا َب ْي ِن‪َ :‬ب ٌ‬
‫‪َ -‬ق َ‬
‫َي ْخ ُر ُجونَ َف َف َع َل ُه ا ْبنُ ال ُّز َب ْير)(((‪.‬‬
‫وقد ترك الر�س���ول �أم ًرا عظي ًما كهذا خ�ش���ية �أن تق�ص���ر �أفهامهم ع���ن �إدراك الأمر على‬
‫ا�س ِب َما َي ْع ِر ُف َون‪� ،‬أَ ُت ِح ُّب َون �أَنْ ُي َك َّذ َب اهلل َو َر ُ�س���و ُل ُه‪ .‬قال البخاري رحمه‬
‫وجه���ه‪َ ( .‬و َق َال عَ ِل ٌّي‪َ :‬ح ِّد ُثوا ال َّن َ‬
‫وف ْب ِن َخ َّرب ٍُوذ عَ نْ �أَ ِبي ُّ‬
‫الط َف ْي ِل عَ نْ عَ ِل ٍّي ِب َذ ِل َك)(((‪.‬‬ ‫و�سى عَ نْ َم ْع ُر ِ‬ ‫هلل ْب ُن ُم َ‬‫اهلل‪َ :‬ح َّد َث َنا عُ َب ْي ُد ا ِ‬
‫‪ -4‬فروق لغوية‪:‬‬
‫وق���ال تعال���ى‪ :‬ﱹﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﱸ‪( .‬الروم‪.)22:‬‬
‫‪ -5‬فروق اجتماعية‪:‬‬
‫ق���ال تعال���ى‪ :‬ﱹﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﱸ‪( .‬الزخرف‪.)32:‬‬
‫‪ -6‬فروق �أخالقية‪:‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱹﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓﱸ‪�( .‬آل عمران‪.)75:‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم يف مقدمة �صحيحه يف �آخر باب النهي عن احلديث بكل ما �سمع (�ص‪ )23‬طبعة بيت الأفكار الدولية‪.‬‬
‫(((‬ �أخرجه م�سلم يف مقدمة �صحيحه (�ص‪.)20‬‬
‫(((‬ �أخرجه البخاري (رقم ‪ )126‬وم�سلم (رقم ‪.)1333‬‬
‫(((‬ �أخرجه البخاري (رقم ‪.)127‬‬
‫‪307‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫‪ -7‬فروق في الأهداف والغايات‪:‬‬


‫وقال تعالى‪ :‬ﱹﮣ ﮤ ﮥﱸ‪(.‬الليل‪.)4:‬‬
‫ولذلك فوجود الفروق الفردية بين النا�س �أمر طبيعي‪ ,‬وهي ت�شمل نواحي ال�شخ�صية‬
‫المختلفة‪ :‬الج�س���مية والعقلية والمزاجية واالجتماعية‪ ،‬فكما ال ت�ستغرب اختالف الأفراد‬
‫فيم���ا بينهم م���ن ناحية الطول �أو الوزن‪ ,‬يجب �أال ت�س���تغرب كذلك وج���ود فروق بينهم في‬
‫الذكاء �أو الميول �أو في �سمات ال�شخ�صية كاالنطواء �أو االنب�ساط‪�....‬إلخ‪.‬‬

‫وفيما ي�أتي مفهوم الفروق الفردية يف هدي كتاب اهلل القر�آن الكرمي‪:‬‬
‫�أ�شار القر�آن الكريم �إلى الفروق بين النا�س في كثير من الموا�ضع‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﱹﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﰔ ﰕﱸ‪�(.‬سورة الأنعام‪ :‬الآية ‪.)165‬‬
‫ﱹﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﱸ‪�( .‬سورة‬

‫الزخرف‪ :‬الآية ‪.)32‬‬


‫ﱹﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥﮦﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬﱸ‪�(.‬سورة الروم‪ :‬الآية ‪.)22‬‬
‫ﱹﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﱸ‪�( .‬سورة الإ�سراء‪ :‬الآية ‪.)21‬‬
‫ﱹﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﱸ‪�(.‬سورة فاطر‪ :‬الآية ‪.)28‬‬
‫في هذه الآيات �إ�ش���ارة وا�ض���حة �إلى وجود الفروق الفردية بين النا�س‪ ،‬و�إن هذه الآيات‬
‫تت�ض���من �أن هذه الفروق ترجع �إلى كل من العوامل الوراثية والبيئية‪ ،‬فقوله تعالى‪ :‬ﱹ ﯦ‬
‫‪308‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﱸ �إنما ي�ش���مل كل �أنواع الفروق بين النا�س‪� ،‬سواء كانت وراثية �أم‬
‫مكت�سبة‪ ،‬و�سواء كانت بدنية �أم نف�سية �أم عقلية‪ ،‬وفي الثروة والممتلكات �أو النفوذ‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﱹ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﱸ �إنما يُ�شير �إلى اختالف النا�س في الغنى‪ ،‬وفي‬
‫العل���م والمهنة‪ ،‬بحيث يعمل الفقير للغني بالأجر‪ ،‬ويعمل بع�ض �أ�ص���حاب المهن والحرف في خدمة‬
‫النا����س الآخري���ن بالأجر‪ ،‬وبذلك يتم التعاون وتوزيع العمل بين �أفراد المجتمع‪ ،‬ما يكفل �س���د جميع‬
‫حاجاتهم‪ ،‬ويهيئ لهم جميع الخدمات الالزمة لهم في معي�شتهم‪.‬‬
‫وقول���ه تعال���ى‪ :‬ﱹﮤ ﮥﮦﱸ �إنما ي�ش���ير �إلى �أث���ر كل من‬
‫العوامل الوراثية والبيئية في الفروق الفردية‪ .‬فمن الوا�ضح �أن اختالف الألوان �إنما يرجع‬
‫�إلى العوامل الوراثية‪ ،‬و�أن اختالف الأل�س���نة واللغات واللهجات بين النا�س �إنما يرجع �إلى‬
‫العوامل البيئية واالجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫وتوج���د فروق بين النا�س في العلم والحكمة‪ ،‬ويت�ض���من ذل���ك وجود فروق بينهم في‬
‫الق���درات العقلي���ة والذكاء‪ُ .‬يفهم ذلك من م�ض���مون الآيات التي ذكرناها �س���اب ًقا‪ ،‬و ُيفهم‬
‫ذلك �صراحة من قوله تعالى‪ :‬ﱹﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﱸ‪.‬‬
‫(�سورة يو�سف‪ :‬الآية ‪.)76‬‬
‫قال ابن كثير في تف�س���ير ذلك‪ :‬قال الح�س���ن الب�ص���ري‪ :‬لي�س عالم �إال فوقه عالم حتى ينتهي‬
‫�إلى اهلل عز وجل(((‪( .‬عن �سعيد بن جبير قال‪ :‬كنا عند ابن عبا�س‪ ،‬فحدث بحديث عجيب‪ ،‬فتعجب‬
‫رجل‪ ،‬فقال‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬فوق كل ذي علم عليم‪ ،‬فقال ابن عبا�س‪ :‬بئ�س ما قلت‪ ،‬واهلل العليم فوق كل‬
‫عالم‪ ،‬يكون هذا �أعلم من هذا‪ ،‬وهذا �أعلم من هذا‪ ،‬واهلل فوق كل عالم)(((‪.‬‬
‫ولأن النا����س مختلف���ون ف���ي ا�س���تعداداتهم وقدراته���م‪ ،‬وف���ي ظروفه���م االجتماعية‬
‫والثقافية وخبراتهم ال�شخ�صية‪ ،‬ف�إننا‪ ،‬ال�شك‪ ،‬نتوقع وجود اختالفات كثيرة في �سلوكهم‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱹﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﱸ‪�( .‬سورة الإ�سراء‪ :‬الآية ‪.)84‬‬
‫(((‬ تف�سري الثعلبي (‪.)242/5‬‬
‫(((‬ تف�سري ابن كثري (‪ )402/4‬طبعة دار طيبة بالريا�ض‪ ،‬وتف�سري الطربي (‪.)192/16‬‬
‫‪309‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫واختالف النا�س في اال�س ��تعدادات والقدرات البدنية والعقلية‪ ،‬ي�ؤدي بطبيعة الحال‬
‫�إلى اختالف قدراتهم على العمل والك�سب‪ ،‬وتح�صيل العلم‪ ،‬وتحري الحق والعدل‪ ،‬وتختلف‬
‫تب ًعا لذلك واجباتهم وم�س�ؤولياتهم‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱹﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﱸ‪.‬‬
‫(�سورة البقرة‪ :‬الآية ‪.)286‬‬
‫ﱹﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱﱸ‪�( .‬سورة الم�ؤمنون‪ :‬الآية ‪.)62‬‬
‫ﱹﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﱸ‪�( .‬سورة الطالق‪ :‬الآية ‪.)7‬‬
‫ومن الوا�ضح �أن �إ�شارة القر�آن �إلى وجود الفروق الفردية‪ ،‬و�إلى �أن الفرد ال ُيكلف �إال‬
‫ما في و�س ��عه وطاقته‪� ،‬إنما هو الفكرة الأ�سا�س ��ية فيما و�ص ��ل �إليه علم النف�س الحديث من‬
‫االهتمام بقيا�س الفروق بين الأفراد في اال�س ��تعدادات والقدرات‪ ،‬لتنظيم عملية التعليم‪،‬‬
‫بحيث يوجه كل فرد �إلى نوع التعليم المالئم ال�س ��تعداداته وقدراته‪ .‬وهذا هو الهدف من‬
‫عملي ��ة التوجيه الترب ��وي في التربية الحديثة‪ .‬وي�س ��تعين علماء النف� ��س المحدثون كذلك‬
‫بقيا� ��س الفروق الفردية على تح�س ��ين عملي ��ة التوجيه المهني واالختي ��ار المهني‪ ،‬بحيث‬
‫يمكن و�ضع كل فرد في العمل المالئم ال�ستعداداته وقدراته‪.‬‬

‫الفروق الفردية يف الهدي النبوي ال�شريف‪:‬‬


‫�أ�ش ��ار الحديث �إلى الفروق الفردية بين النا�س‪ .‬فعن �أبي مو�س ��ى �أن ر�سول اهلل قال‪�( :‬إن‬
‫اهلل تعال ��ى خل ��ق �آدم م ��ن قب�ضة قب�ضها من جمي ��ع الأر�ض‪ ،‬فجاء بن ��و �آدم على قدر الأر�ض‪،‬‬
‫فجاء منهم الأحمر والأبي�ض والأ�سود‪ ،‬وبين ذلك‪ ،‬وال�سهل والحَ ْزن‪ ،‬والخبيث والطيب)(((‪.‬‬
‫ُي�شير هذا الحديث �إلى اختالف النا�س في �ألوانهم‪ ،‬وطباعهم و�أخالقهم‪ .‬وكما توجد‬
‫في الأر�ض مناطق مختلفة الألوان‪ ،‬ومناطق �سهلة م�ستوية‪ ،‬ومناطق وعرة �صعبة االجتياز‪،‬‬
‫فكذلك توجد بين النا�س فروق في اللون‪ ،‬فمنهم الأحمر والأبي�ض والأ�سود‪ ،‬وما بين ذلك‬
‫(((‬ �أخرجه الرتمذي (رقم ‪ )2955‬وقال‪ :‬حديث ح�سن �صحيح‪.‬‬
‫‪310‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫م���ن درجات هذه الألوان؛ وكذلك توجد بينهم فروق في الطباع والأخالق واال�س���تعدادات‬
‫والخ ُلق‪ ،‬لين العريكة‪� ،‬س���هل المعاملة؛ ومنهم‬
‫المزاجية واالنفعالية‪ ،‬فمنهم ح�س���ن الطبع ُ‬
‫والخ ُلق‪ ،‬فظ خ�شن في تعامله مع النا�س‪ .‬و ُي�شير الحديث �إلى �أن الفروق‬
‫من هو �سيئ الطبع ُ‬
‫بي���ن النا�س في الألوان‪ ،‬وفي الطبع واال�س���تعدادات المزاجية واالنفعالية فروق ِجب ِّلية‪� ،‬أي‬
‫�إنها ترجع �إلى فروق في التكوين البدني‪.‬‬
‫وعن �أبي مو�سى‪� ،‬أن ر�سول اهلل قال‪( :‬مثل ما بعثني اهلل به من الهُدى والعلم‬
‫أر�ضا؛ فكانت منه���ا طائفة طيبة قبلت الماء‪ ،‬ف�أنبتت الكلأ‬ ‫كمث���ل الغي���ث الكثير‪� ،‬أ�صاب � ً‬
‫والع�ش���ب الكثي���ر‪ .‬وكان منها �أجادب‪� ،‬أم�سكت الماء؛ فنفع اهلل بها النا�س‪ ،‬ف�شربوا منها‪،‬‬
‫و�سق���وا‪ ،‬وزرع���وا‪ .‬و أ��ص���اب طائفة منها �أخرى‪� ،‬إنم���ا هي قيعان ال تم�سك م���ا ًء‪ ،‬وال ُتنبت‬
‫كلأ‪ .‬فذل���ك مث���ل م���ن فقه في دين اهلل‪ ،‬ونفعه ما بعثني اهلل ب���ه ف َعلِم‪ ،‬وع ّلَم‪ .‬ومثل من‬
‫لم يرفع بذلك ر� ًأ�سا‪ ،‬ولم يقبل هدى اهلل‪ ،‬الذي �أُر�سلت به)(((‪.‬‬
‫لقد و�ص���ف الر�س���ول في هذا الحديث الفروق بين النا�س في القدرة على التعلم‬
‫والفهم والتذكر‪ .‬وهي قدرات تدخل في مفهوم الذكاء‪ ،‬و�صنف النا�س بالن�سبة �إلى الذكاء‬
‫ثالثة �أ�صناف‪ ،‬فمنهم من هو مثل الأر�ض الطيبة قادر على تح�صيل العلم وحفظه والعمل‬
‫به وتعليمه للغير‪ ،‬فينفع به نف�سه وينفع به غيره‪ .‬ومنهم من هو مثل الأر�ض الجدباء (وهي‬
‫الأر�ض ال�صلبة التي ال ت�شرب الماء)‪ ،‬قادر على حفظ العلم ونقله �إلى غيره‪ ،‬فينفعه دون‬
‫�أن ينفع به نف�سه‪ .‬ومنهم مثل القيعان (وهي الأر�ض الم�ستوية المل�ساء التي ال نبات فيها)‪،‬‬
‫وهم من ال ينتفعون بالعلم وال يحفظونه لينقلوه �إلى الغير‪.‬‬
‫و�أ�ش���ار الر�س���ول �إلى الفروق بين النا�س في الذكاء‪ ،‬فقد �ص���ح عن عائ�ش���ة‬
‫�أَمرنا ر�س���ول اهلل ‪�« :‬أن نن���زل النا�س منازلهم»(((‪ .‬وروي عن���ه �أنه قال‪�« :‬أُمرنا �أن‬
‫نكلم النا�س على قدر عقولهم»(((‪.‬‬

‫(((‬ �أخرجه البخاري (رقم ‪ )79‬وم�سلم (رقم ‪.)2282‬‬


‫(((‬ �أخرجه م�سلم يف مقدمة �صحيحه (�ص ‪.)20‬‬
‫(((‬ �أخرجه الديلمي يف الفردو�س (‪ 398/1‬رقم ‪ )1611‬و�ضعفه العجلوين يف ك�شف اخلفاء (‪ 177/1‬رقم ‪.)592‬‬
‫‪311‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬

‫في هذا الحديث �إ�ش���ارة وا�ض���حة �إلى الف���روق بين النا�س في قدراته���م العقلية‪ ،‬ما‬
‫يوجب على من يقوم بتوجيههم وتعليمهم‪� ،‬سواء كانوا �أنبياء �أو معلمين ومر ِّبين‪� ،‬أن يراعوا‬
‫ه���ذه الف���روق‪ ،‬فيكلمون كل فرد �أو يعلمونه‪ ،‬على قدر م�س���توى قدراته العقلية‪ .‬وقد و�ض���ع‬
‫الر�س���ول بهذا الحدي���ث قاعدة تربوية مهمة �أخذ بها المر ُّبون الم�س���لمون‪ ،‬وي�أخذ بها‬
‫كذلك المر ُّبون في الع�صر الحديث‪.‬‬
‫ع���ن �أبي �س���عيد الخدري ‪� ،‬أن ر�س���ول اهلل ق���ال‪�( :‬أال و�إن منه���م (بني �آدم)‬
‫البط���يء الغ�ض���ب �سري���ع الف���يء‪ ،‬ومنهم �سريع الغ�ض���ب �سريع الفيء؛ فتل���ك بتلك‪� .‬أال‬
‫و�إن منه���م �سري���ع الغ�ض���ب بطيء الف���يء‪� .‬أال وخيرهم بطيء الغ�ض���ب �سريع الفيء‪� ،‬أال‬
‫و�شرهم �سريع الغ�ضب بطيء الفيء)(((‪.‬‬
‫و�أ�ش���ار الحديث �إلى الفروق بين النا�س في ا�س���تثارة انفعال الغ�ضب‪ ،‬و�ص َّنف النا�س‬
‫بالن�س���بة �إلى ذلك ثالثة �أ�ص���ناف‪ ،‬فمنهم من هو بطيء الغ�ضب‪ ،‬ال يغ�ضب �إال ناد ًرا‪ ،‬و�إذا‬
‫غ�ض���ب ف�إنه يرجع عن غ�ض���به‪ ،‬ويعود �إلى هدوئه �س���ري ًعا‪ ،‬وهذا هو �أف�ضل النا�س‪ .‬ومنهم‬
‫من يكون �سريع الغ�ضب‪ ،‬يغ�ضب لأتفه الأ�سباب‪ ،‬ويكون �سريع الرجوع عن الغ�ضب‪ ،‬و�سريع‬
‫العودة �إلى هدوئه‪ .‬ومنهم من يكون �س���ريع الغ�ض���ب‪ ،‬و�إذا غ�ض���ب ي�س���تمر في غ�ضبه‪ ،‬وال‬
‫يرجع عنه ب�سهولة‪ ،‬وال يعود �إلى هدوئه �إال بعد مدة طويلة‪ ،‬وهذا هو �أ�سو�أ النا�س و�شرهم‪.‬‬
‫وي�ش���ير كل من (نعيم �أ�س���عد ال�ص���فدي‪ ،‬وعبداللطيف م�ص���طفى الأ�سطل‪)2009 ،‬‬
‫(*) (((‬
‫�إلى الأ�ساليب التي ا�ستخدمها النبي لمراعاة الفروق الفردية ‪:‬‬
‫�أن النبي وهو المعلم الأول للب�ش���رية قد ا�س���تخدم كثي ًرا من الأ�س���اليب النف�سية‬
‫والتربوية التي تراعي الفروق الفردية بين النا�س‪ ،‬كما ي�أتي‪:‬‬
‫ •�إثارة دافعية المتعلمين لعملية التعلم؛ ليكت�شف قدراتهم ومواهبهم‪.‬‬
‫ •تنوع �أ�ساليب التعزيز‪.‬‬
‫(((‬ �أخرجه �أبو يعلى (‪ 352/2‬رقم ‪ )1101‬و�أحمد (‪ 228-227/17‬رقم ‪ )11143‬وذكره ابن الأثري يف جامع الأ�صول‬
‫يف �أحاديث الر�سول (‪ 747/11‬رقم ‪.)9444‬‬
‫(((‬ ملزي���د م���ن التفا�ص���يل حول هذا املو�ض���وع ارجع �إىل‪ :‬نعيم �أ�س���عد ال�ص���فدي‪ ،‬عبداللطيف م�ص���طفى الأ�س���طل‬
‫(‪ ،)2010‬الفروق الفردية يف �ضوء الرتبية النبوية‪ ،‬جملة جامعة الأزهر بغزة‪ ،‬املجلد ‪ ،12‬العدد الأول‪.‬‬
‫‪312‬‬
‫الباب الخام�س‪� :‬سيكولوجية الفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ •تكرار الكالم ورفع ال�صوت وتغيير الجل�سة‪.‬‬


‫ •ا�ستخدام الو�سائل التو�ضيحية المعينة مراعاة للفروق الفردية‪.‬‬
‫ •ا�ستخدام التعلم الجمعي والتعلم الفردي‪.‬‬
‫ •التمييز بين الأذكياء والعاديين و�ضعاف العقول‪.‬‬
‫ •ا�س���تخدام �أ�سلوب التدرج في الدعوة ً‬
‫مقدما الأهم على المهم ومراعاة الفروق‬
‫الزمنية في ذلك‪.‬‬

‫الفروق الفردية عند النا�س‪:‬‬ ‫مراعاة النبي‬


‫وفيما ي�أتي نعر�ض كيفية مراعاة النبي للفروق الفردية بين النا�س‪:‬‬
‫ •تخ�صي�ص بع�ض ال�صحابة ببع�ض الأخبار‪.‬‬
‫ •االمتناع عن ذكر بع�ض الأمور خو ًفا من الت�أويل‪.‬‬
‫ •اختالف الإجابات عن ال�س�ؤال الواحد مراعاة للفروق بين ال�سائلين‪.‬‬
‫ •اختالف الو�صايا باختالف �أحوال الطالبين منه‪.‬‬
‫ •اختالف �أحاديث النبي حول �أف�ضل الأعمال الختالف الفروق الفردية‪.‬‬
‫ •مراعاة قوة الإيمان و�ضعفه‪.‬‬
‫ •تعدد م�ستويات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تب ًعا للفروق الفردية‪.‬‬

‫الفروق الفردية يف القر�آن الكرمي‪:‬‬


‫(النوع ‪ -‬ج�سمية ‪ -‬عقلية ‪ -‬لغوية ‪ -‬اجتماعية ‪� -‬أو خالقية)‬
‫الفروق الفردية يف الهدي النبوي‪:‬‬
‫(اللون ‪ -‬الطباع ‪ -‬الذكاء ‪ -‬القدرات ‪ -‬الأخالق ‪ -‬التعلم ‪ -‬الفهم والتذكر)‬
‫الذكاء والعمليات العقلية‬

‫الف�صل ال�سابع ع�شر‪ :‬الذكاء والفروق الفردية‪.‬‬


‫الف�صل الثامن ع�شر‪ :‬ال�سلوك اللغوي‪.‬‬
‫الف�صل التا�سع ع�شر‪ :‬العمليات العقلية الم�سهمة في التعلم‪.‬‬
‫الذكـــاء والفروق الفرديــة‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل مفهوم الذكاء‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن مييز املتعلم بني اجلوانب النف�سية للذكاء‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يتعرف املتعلم �إىل كيفية قيا�س الذكاء‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يف�سر املتعلم النمو العقلي للمتعلم‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يف�سر املتعلم طبيعة الذكاء‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف التطبيق الرتبوي لدرا�سة الذكاء‪.‬‬
‫الذكـــاء والفروق الفرديــة‬

‫‪:‬‬
‫ُيطل���ق الذكاء بو�ص���فه تعبي��� ًرا عا ًّما على ما ل���دى المتعلم من قدرات وا�س���تعدادات‬
‫تمكنه من ا�ستيعاب المعلومات والمعارف‪ ،‬التي تدل على ما ي�ستطيع �أن يقطعه من مراحل‬
‫درا�سية‪ .‬وقد كان الذكاء مو�ضع اهتمام الباحثين‪ ،‬وما زال حتى الآن‪ ،‬فقد و�صفه الأقدمون‬
‫ب�أنه عمل العقل‪« ،‬ف�أر�س���طو« و�ص���ف العقل ب�أن وظيفته للمعقوالت (ال ُمدركة عقل ًّيا) كعمل‬
‫النور بالن�س���بة �إلى المرئيات‪ ،‬و«الغزالي«‪ ،‬و«الفارابي«‪ ،‬و«الكندي«‪ ،‬و«ابن �س���ينا«‪ ،‬اهتموا‬
‫بدرا�سته‪ ،‬والعقل عند علماء الم�سلمين يمثل �أحد جانبي النف�س الناطقة التي لها وجهان‪:‬‬
‫‪ -1‬وجه اجل�سم‪ :‬وهو العقل العملي ووظيفته تدبري البدن و�صلته باملعرفة‪ ،‬ومياثل ذلك‬
‫التق�سيم احلديث للذكاء الذي ُيطلق عليه الذكاء العملي‪.‬‬
‫‪ -2‬والوجه الثاين‪ :‬العقل الذي ي�ؤدي وظائف‪:‬‬
‫(�أ) �إدراك املعقوالت‪.‬‬
‫(ب) تف�سري املح�سو�سات التي تدركها احلوا�س‪.‬‬
‫(جـ) املعقوالت املجردة التي لي�ست يف �إدراك احلوا�س‪ ،‬وهي �أعلى درجات الإدراك‪.‬‬
‫وق���د ُو ِ�ص َ‬
‫���ف العقل عند علماء الم�س���لمين � ً‬
‫أي�ض���ا ب�أن م���ن وظائفه القي���ام بالقيا�س‬
‫وباال�ستقراء والحكم على المماثلة والمطابقة‪ ،‬والحد�س‪ ،‬وهو ال�سبيل �إلى حدوث الإدراك‪.‬‬
‫و�إنه���م بحثوا الجانبين الفطري والغريزي في العقل‪ ،‬وو�ص���فوا العقل � ً‬
‫أي�ض���ا باال�س���تدالل‬
‫والتب�ص���ر‪ .‬ويتف���ق هذا مع تف�س���ير علماء النف�س المعا�ص���رين‪ ،‬الذين يف�س���رون ال�س���لوك‬
‫الإن�ساني بطريقة كلية (الجا�شتلت)‪.‬‬
‫‪318‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫التعريف بالذكاء‪:‬‬
‫لل���ذكاء تعريفات كثيرة‪ :‬العملية المعرفية‪� ،‬أو العقلية‪ ،‬القدرة على التفكير المجرد‪،‬‬
‫القدرة على �إدراك العالقات واال�ستدالل‪� ،‬أو هو القدرة على التكيف االجتماعي �أو الفطنة‬
‫والنباهة‪.‬‬
‫ويجدر التمييز بين الجوانب النف�سية للذكاء التي تتمثل في‪:‬‬
‫(�أ) التكوين المعرفي‪ :‬فهناك فروق فردية في الذكاء وفي القدرات الخا�صة‪.‬‬
‫(ب) الوظيفة العقلية المعرفية‪� :‬أي طبيعة الذكاء من حيث التمييز بين العمليات‬
‫العقلية التي تحتاج �إلى ذكاء مرتفع‪ ،‬وتلك التي تحتاج �إلى ذكاء �أقل‪.‬‬
‫وق���د دُر�س الذكاء من علماء كثيرين �أمثال جولتن‪ ،‬و�سبن�س���ر‪ ،‬وبينيه‪ ،‬و�س���بيرمان‪،‬‬
‫وا ُتفق على �أن �أ�س�س الذكاء ترجع �إلى‪:‬‬
‫(�أ) عوامل بيولوجية ‪ :Biological‬فالعلميات الم�ؤثرة في ال�سلوك في الم�ستويات‬
‫العالية ترجع �إلى الجهاز الع�صبي‪ ،‬بفعل مثير وا�ستجابة ي�ؤديان �إلى ما ُي�سمى‬
‫التفكير‪.‬‬
‫(ب) العوامل النف�سية ‪ :Psychological‬ويدخل في ذلك تعريفات مختلفة «تيرمان«‬
‫القابلية على التفكير المجرد‪� ،‬أو تعريفه ب�أنه البناء القائم على العالقات‬
‫وتكوينها‪.‬‬
‫(جـ) العوامل الإجرائية ‪ :Operational‬التي تخ�ضع للإجراء �أو القيا�س‪ ،‬و�أهم‬
‫تعريف في ذلك تعريف «بيرت« ب�أنه القدرة العقلية العامة‪.‬‬
‫والواقع �أن هناك تعريفات كثيرة للذكاء ت�ؤكد كلها ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬التكيف والتوافق الذي يقوم به الفرد بف�ضل ما لديه من قدرات عقلية‪.‬‬
‫‪� -2‬أهمية الذكاء بالن�سبة �إىل املتعلم‪ ،‬فهو عامل �أ�سا�سي يف الو�صول �إىل قدر منا�سب من‬
‫التعلم‪.‬‬
‫‪319‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫و�إن من �أهم التعريفات تعريف «وك�س ��لر« ب�أن الذكاء هو القدرة العامة ال�شاملة التي‬
‫تمكن الفرد من �أن يت�ص ��رف ت�صر ًفا غر�ض� � ًّيا‪ ،‬و�أن ُيفكر تفكي ًرا متز ًنا‪ ،‬و�أن يتكيف لبيئته‬
‫بكفاءة وجدارة‪.‬‬

‫قيا�س الذكاء‪:‬‬
‫ُيقا�س الذكاء باختبارات مقننة‪� ،‬أهمها اختبار �ستانفورد ‪ -‬بينيه‪:‬‬

‫العمر العقلي‬
‫الزمني * ‪100‬‬ ‫ون�سبة الذكاء = العمر‬

‫وعن درجات معامل الذكاء‪:‬‬


‫درجة مذهلة من العبقرية ال تكاد تكون موجودة‪.‬‬ ‫ ‬
‫(�أ) ‪ 200‬فما فوق‬
‫عبقري بدرجة عالية جدً ا ونادرة جدً ا‪.‬‬ ‫ ‬
‫(ب) ‪200 - 185‬‬
‫عبقري بدرجة عالية‪.‬‬ ‫ ‬
‫(ج) ‪185-165‬‬
‫عبقري‪.‬‬ ‫ ‬
‫(د) ‪165-145‬‬
‫ذكي جدً ا (موهوب)‪.‬‬ ‫ ‬
‫(هـ) ‪145-130‬‬
‫ذكي‪.‬‬ ‫ ‬
‫(و) ‪130 - 115‬‬
‫فوق المتو�سط‪.‬‬ ‫ ‬
‫(ز) ‪115 -100‬‬
‫طبيعي (متو�سط)‪.‬‬ ‫ ‬
‫(ح) ‪100 - 85‬‬
‫فئة حدية (بطيء التعلم)‪.‬‬ ‫ ‬
‫(ط) ‪84 - 70‬‬
‫متخلف عقل ًّيا‪.‬‬ ‫ ‬
‫(ي) ‪ 70‬فما دون‬
‫‪320‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(منحنى توزيع الذكاء والإعاقة العقلية)‬

‫‪%34.13‬‬ ‫‪%34.13‬‬

‫‪%13.59‬‬ ‫‪%13.59‬‬
‫‪%2.14‬‬ ‫‪%2.14‬‬
‫‪%0.13‬‬ ‫‪%0.13‬‬

‫‪3-‬‬ ‫‪2-‬‬ ‫‪1-‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1+‬‬ ‫‪2+‬‬ ‫‪3+‬‬


‫ن�سب الذكاء‬ ‫‪55‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪130‬‬ ‫‪145‬‬

‫المعاقون عقل ًّيا‬ ‫تحت المتو�سط‬ ‫متو�سطي الذكاء‬ ‫فوق المتو�سط‬ ‫المتفوقون عقل ًّيا‬

‫الموهوبون‪:‬‬
‫ •معامل الذكاء �أكثر من ‪.130‬‬
‫ •ن�سبة االنت�شار‪ :‬وهم ندرة‪ ،‬ن�سبتهم ‪.%2.27‬‬

‫الأذكياء‪:‬‬
‫ •معامل الذكاء من ‪.130-115‬‬
‫ •ن�سبة االنت�شار‪ :‬وهم قلة‪ ،‬ن�سبتهم ‪.%13.59‬‬

‫العاديون‪:‬‬
‫ •معامل الذكاء من ‪.115-85‬‬
‫ •ن�سبة االنت�شار‪ :‬وهم الأغلبية‪ ،‬ن�سبتهم ‪.%68.26‬‬
‫‪321‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫تحت الطبيعي ‪ -‬بطيئو التعلم‪:‬‬


‫ •معامل الذكاء من ‪.84-70‬‬
‫ •ن�سبة االنت�شار‪ :‬وهم قلة‪ ،‬ن�سبتهم ‪.%13.59‬‬

‫الإعاقة الذهنية الب�سيطة ‪:Mild Mental Retardation‬‬


‫ •معامل الذكاء من ‪.69-55‬‬
‫ •معدل الذكاء �أقل من المتو�سط ‪ 3-2‬انحراف معياري‪.‬‬
‫ •ن�سبة االنت�شار‪ :‬وهم ندرة‪ ،‬ن�سبتهم ‪.%2.14‬‬
‫ •الذكاء العمري‪� 10 -6 :‬سنوات‪.‬‬
‫ •م�س���توى التعل���م‪ :‬القابلون للتعلم ‪ -‬يمكن تدريبهم وتعليمه���م لكي يعملوا � اً‬
‫أعمال‬
‫و�صناعات ب�سيطة وغير معقدة‪ ،‬وقد ي�ؤدون بمهارة عملاً واحدً ا ومتكر ًرا‪ ،‬يمكن‬
‫تعليمهم القراءة والكتابة والح�ساب‪.‬‬
‫ •مقدار االحتياج �إلى الدعم‪ :‬ب�سيط ومتقطع ‪ -‬ي�ستطيعون االعتماد على �أنف�سهم‬
‫في ق�ضاء حاجاتهم اليومية واالهتمام ب�أنف�سهم‪.‬‬

‫الإعاقة الذهنية المتو�سطة ‪:Moderate Mental Retardation‬‬


‫ •معامل الذكاء من ‪.54-40‬‬
‫ •معدل الذكاء �أقل من المتو�سط ‪ 4-3‬انحراف معياري‪.‬‬
‫ •ن�سبة االنت�شار في المجتمع ‪.%0.13‬‬
‫ •الذكاء العمري‪� 6-2 :‬سنوات‪.‬‬
‫‪322‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ •م�س���توى التعلم‪ :‬القابل���ون للتدريب ‪ -‬يمك���ن تدريبهم على �أداء بع�ض الأ�ش���ياء‬
‫الب�سيطة‪.‬‬
‫ •مق���دار االحتي���اج للدع���م‪ :‬كبي���ر ‪ -‬ه�ؤالء مح���دودو التفكي���ر‪ ،‬يمك���ن �أن يجدوا‬
‫طريقه���م داخل المنزل �أو المدر�س���ة ولكن لي�س في ال�ش���ارع‪ ،‬ال ي�س���تطيعون �أن‬
‫يديروا �ش�ؤونهم الخا�صة وال بد من مراقبتهم في ق�ضاء الحاجات اليومية‪.‬‬

‫الإعاقة الذهنية ال�شديدة ‪:Severe Mental Retardation‬‬


‫ •معامل الذكاء من ‪.39-25‬‬
‫ •معدل الذكاء �أقل من المتو�سط ‪ 5-4‬انحراف معياري‪,‬‬
‫ •ن�سبة االنت�شار في المجتمع ‪.%0.05‬‬
‫ •الذكاء العمري‪� :‬أقل من �سنتين‪.‬‬
‫ •م�س���توى التعلم‪ :‬غير قابل للتعلم �أو التدريب ‪ -‬ال ي�ستطيعون �أن يتعلموا �أي �شيء‬
‫حتى �ش�ؤونهم الخا�صة‪.‬‬
‫ •مقدار االحتياج للدعم‪� :‬شديد‪.‬‬

‫الإعاقة الذهنية ال�شديدة جدًّ ا ‪:Profound Mental Retardation‬‬


‫ •معامل الذكاء �أقل من ‪.25‬‬
‫ •معدل الذكاء �أقل من المتو�سط ‪ 6-5‬انحراف معياري‪.‬‬
‫ •ن�سبة االنت�شار في المجتمع ‪.%0.05‬‬
‫ •الذكاء العمري‪ :‬كطفل �أقل من �سنتين‪.‬‬
‫ •م�س���توى التعلم‪ :‬غير قابل للتعلم �أو التدريب ‪ -‬ال ي�ستطيعون �أن يتعلموا �أي �شيء‬
‫حتى �ش�ؤونهم الخا�صة‪.‬‬
‫‪323‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫ •مق���دار االحتي���اج للدعم‪� :‬ش���ديد ودائ���م ‪ -‬ال ي�س���تطيعون حماية �أنف�س���هم من‬
‫الأخطار العادية كالنار وال�سيارات‪ ،‬وال ي�ستطيعون الكالم جيدً ا؛ لذا يجب علينا‬
‫االهتمام الكامل بهم وحمياتهم‪ ،‬كطفل عمره �أقل من �سنتين‪.‬‬

‫منو العمر العقلي‪:‬‬


‫تنمو القدرة العقلية ب�س���رعة خالل �سنوات الطفولة المبكرة‪ ،‬وتقل هذه ال�سرعة في‬
‫مرحلة المراهقة‪ .‬ومن الثابت �أن العمر العقلي ينمو تب ًعا للعمر الزمني‪ ،‬وت�س���تمر الن�س���بة‬
‫بينهما ثابتة لحد كبير خالل عمر الفرد‪ ،‬وت�شير بع�ض الدرا�سات �إلى �أن نمو العمر العقلي‬
‫يتوقف عند �س���ن معينة في حياة الإن�س���ان‪� 16 :‬سنة في العادين‪� 18 ،‬سنة في الأذكياء‪14 ،‬‬
‫�س���نة في المتخلفين عقل ًّيا ‪ -‬وي�ص���بح ما ُيح�ص���له الإن�س���ان من نجاح في �أعمال الحياة‪،‬‬
‫راج ًعا �إلى زيادة خبرته بالحياة‪� ،‬أكثر مما هو راجع �إلى ارتفاع العمر العقلي‪.‬‬

‫طبيعة الذكاء‪:‬‬
‫من المعروف عن طبيعة الذكاء ما ي�أتي‪:‬‬
‫(�أ) ت�ؤثر الوراثة والبيئة يف الذكاء والقدرات اخلا�صة‪ ،‬ويرى �أغلب علماء النف�س‬
‫�أن الوراثة تقدم لل�شخ�ص الإمكانيات الذهنية‪ ،‬والبيئة هي التي ت�ستغل هذه‬
‫الإمكانيات‪ ،‬ويرى بع�ضهم �أن البيئة لها �أثر كبري يف حتديد ما يح�صله الفرد‪.‬‬
‫(ب) كبار ال�سن تنخف�ض قدراتهم بوجه عام بع�ض ال�شيء كلما ازدادوا ك ًربا‪ ،‬ويظهر‬
‫ذلك يف بع�ض القدرات اخلا�صة‪ ،‬كالذكاء والذاكرة والتفكري‪.‬‬
‫(جـ) بالن�س���بة �إىل الفروق اجلن�س���ية ب�ي�ن الذكور والإناث يف ال���ذكاء العام‪ ،‬جند �أن‬
‫االت�س���اع بني م�س���تويات الذكاء يف الذك���ور �أكرب منها يف الإناث‪ ،‬فهناك ن�س���بة‬
‫�أكرب يف الذكور من �ضعاف العقول والعباقرة عنها يف الإناث؛ لأن �أغلب الإناث‬
‫يقرتبن من املتو�سط فيما يتعلق مب�ستوى الذكاء‪.‬‬
‫‪324‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(د) هناك فروق يف اال�ستعدادات اخلا�صة بني الإناث والذكور‪ ،‬فالذكور يتفوقون‬
‫يف التفكري احل�سابي واال�ستعداد امليكانيكي‪ ،‬بينما الإناث يتفوقن يف املهارات‬
‫اليدوية والأعمال الكتابية املت�ضمنة ال�سرعة والدقة‪.‬‬

‫التطبيق الرتبوي من درا�سة الذكاء‪:‬‬


‫با�ستطاعة المعلم عند درا�سته للذكاء �أن ي�ستفيد من الحقائق الآتية‪:‬‬
‫‪� -1‬إن هناك م�ستويات خمتلفة من الذكاء بني املتعلمني داخل الف�صل الدرا�سي‪.‬‬
‫‪� -2‬إن هناك فرو ًقا فردية بني املتعلمني يف ا�ستعداداتهم اخلا�صة‪ ،‬فقد يكون املتعلم متفو ًقا‬
‫يف جميع الدرو�س‪ ،‬ومرجع هذا ارتفاع م�ستوى الذكاء الذي ينتظم جميع املواد‪� ،‬أو‬
‫يكون املتعلم متفو ًقا يف اللغة والريا�ضيات و�أقل قدرة يف العلوم واملواد الأدبية‪ ،‬ومرجع‬
‫هذا اال�ستعدادات اخلا�صة‪.‬‬
‫‪ -3‬يف الأعمار ال�صغرية يكون التح�صيل راج ًعا �إىل الذكاء العام‪ ،‬ويف الأعمار املتقدمة‬
‫يكون ما ينجزه الفرد راج ًعا �إىل اخلربة والقدرة اخلا�صة‪� ،‬أي اال�ستعداد املرتبط‬
‫بالعمل الذي يقوم به‪.‬‬
‫‪� -4‬إن هناك عوامل �أخرى ت�ؤثر يف العمليات التعليمية‪ ،‬فبجانب الذكاء هناك العوامل‬
‫االنفعالية يف ال�شخ�صية‪ ،‬كامليول واالجتاهات‪.‬‬
‫‪ -5‬تخطيط الربامج الدرا�سية يجب �أن يتم على �أ�سا�س تنا�سب هذه الربامج مع‪:‬‬
‫(�أ) مراحل النمو الزمني بالن�سبة �إىل املتعلمني‪.‬‬
‫(ب) مراحل التطور العقلي وتوافر القدرات واال�ستعدادات العقلية‪.‬‬
‫(جـ) الفروق الفردية بني خمتلف املتعلمني‪.‬‬
‫‪ -6‬ينبغي �أن يكون التوجيه التعليمي لللمتعلمني قائ ًما على �أ�سا�س م�ستويات الذكاء‬
‫وا�ستعداداتهم اخلا�صة‪.‬‬
‫‪325‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫لهذا نجد �أن درا�س���ة العالقة بين التح�ص���يل الدرا�سي والذكاء العام واال�ستعدادات‬
‫(القدرات) الخا�ص���ة لها �أهميتها في �إعطاء �ص���ورة �صادقة عن المتعلم‪ ،‬وهي التي تحدد‬
‫بدقة جوانب ال�ضعف والقوة في م�ستوى المتعلمين‪.‬‬

‫يت�ضمن الذكاء والفروق الفردية الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬التعريف بالذكاء والتمييز بني اجلوانب النف�سية للذكاء‪.‬‬
‫(‪ )2‬قيا�س الذكاء‪.‬‬
‫(‪ )3‬منو العمر العقلي‪.‬‬
‫(‪ )4‬طبيعة الذكاء‪.‬‬
‫(‪ )5‬التطبيق الرتبوي لدرا�سة الذكاء‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬الذكاء هو ما يدل على قدرات املتعلم وا�ستعداداته التي متكنه من ا�ستيعاب املعلومات‬
‫واملعارف‪ ،‬ومدى ما يقطعه من مراحل درا�سية‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح علماء امل�سلمني العقل ب�أنه �أحد جانبي النف�س الناطقة‪.‬‬
‫‪ -3‬للذكاء تعريفات كثرية منها العملية املعرفية �أو العقلية ‪ -‬القدرة على التفكري املجرد ‪-‬‬
‫القدرة على �إدراك العالقات ‪ -‬القدرة على التكيف االجتماعي‪.‬‬
‫‪� -4‬أ�س�س الذكاء‪ :‬بيولوچية ‪ -‬نف�سية ‪� -‬إجرائية‪.‬‬
‫‪ -5‬قيا�س الذكاء يتم با�ستخراج ن�سبة الذكاء‪.‬‬
‫‪326‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -6‬العمر العقلي ينمو تب ًعا لنمو العمر الزمني‪.‬‬


‫‪ -7‬يت�أثر الذكاء بالوراثة والبيئة‪ .‬وتنخف�ض القدرات العقلية عند الكبار بتقدم ال�سن‪ ،‬و�إن‬
‫االت�ساع بني م�ستويات الذكاء يف الذكور �أكرب منها يف الإناث‪.‬‬
‫‪ -8‬ميكن للمعلم اال�ستفادة من درا�سته للذكاء‪ ،‬وخا�صة التح�صيل الدرا�سي واال�ستعدادات‬
‫اخلا�صة‪ ،‬بهدف حتديد جوانب ال�ضعف والقوة يف م�ستوى املتعلمني‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬حدد �أ�س�س الذكاء‪ ،‬وبينِّ ما ت�ؤكده التعريفات اخلا�صة بالذكاء‪.‬‬
‫و�ضح طبيعة الذكاء‪.‬‬‫‪ِّ -2‬‬
‫‪ -3‬كيف ي�ستفيد املعلم من التطبيق الرتبوي لدرا�سة الذكاء؟‬
‫ال�سلوك اللغوي‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يحدد املتعلم ال�شكل اللغوي لو�صف امل�شكلة‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتعرف املتعلم �إىل اال�ستجابة اللغوية حلل امل�شكلة‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يعدِّ د املتعلم العادات اللغوية ودورها يف حل امل�شكلة‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يقدِّ ر املتعلم جهود العلماء يف و�ضع نظرية حلل امل�شكالت‪.‬‬
‫ال�سلوك اللغوي‬

‫‪:‬‬
‫كيف يتعلم المتعلم حل الم�شكالت العلمية والتعليمية والعملية التي تواجهه في حياته‬
‫الدرا�س���ية ب�صفة خا�صة‪ ،‬والتي تمكنه عند تخرجه �إلى الحياة العملية �أن يكون قاد ًرا على‬
‫مواجهة الم�شكالت الواقعية والعملية في خ�ضم الحياة‪.‬‬
‫الواقع �أن اللغة‪� ،‬س���واء كانت لفظية �أو كتابية‪ُ ،‬تع ّد و�سيلة المتعلم في حل الم�شكالت‬
‫‪ Problem Solving‬وقدرة الإن�سان في �إيجاد العالقات المت�شابهة في المواقف التي تظهر‬
‫فيها الم�ش���كالت‪ ،‬تمكنه من تجريد هذه المو�ضوعات‪ ،‬ومن ثم تمكنه من حل الم�شكالت‪،‬‬
‫التي في ذات الوقت ال ت�ستطيع حلها الكائنات غير الناطقة‪.‬‬
‫ف���اهلل تعالى بما حبا به الإن�س���ان من العقل الراجح والل�س���ان الناطق‪ ،‬يمكنه حل ما‬
‫يواجهه من مواقف تمثل م�شكالت في حياته‪ .‬وت�ؤدي اللغة دو ًرا مه ًّما في ذلك‪� ،‬سواء كانت‬
‫لفظية �أو كتابية‪ .‬ومن حيث كانت اللغة وال�سلوك اللغوي لها �آثارها في حل الم�شكالت‪ ،‬ف�إن‬
‫العوامل ذات ال�صلة بذلك تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -1‬ال�شكل اللغوي الذي تو�صف به الم�شكلة‪.‬‬
‫‪ -2‬اللغة التي تمثل ا�ستجابة للم�شكلة‪.‬‬
‫‪ -3‬العادات اللغوية في حل الم�شكلة‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي العوامل الم�شار �إليها‪:‬‬
‫‪330‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -1‬ال�شكل اللغوي الذي تو�صف به الم�شكلة ‪:Verbal Form‬‬


‫(�أ) ت�ؤثرال�صياغة اللغوية للم�شكلة يف طريقة حلها‪.‬‬
‫(ب) �سهولة و�صول الفرد �إىل حل امل�شكلة يعتمد على ال�صياغة اللغوية التي ت�صاغ بها‬
‫امل�شكلة‪ ،‬وال�صياغة اللغوية للم�شكلة حتتم �إىل حد كبري كيفية �إدراكها‪ ،‬وهناك‬
‫مالمح جتذب انتباه الفرد ومالمح �أخرى ال جتذبه‪ ،‬وكلما كرثت املالمح التي‬
‫ت�شجع ال�سلوك غري ال�صحيح‪ ،‬ف�إن معنى ذلك �أن الو�صف اللغوي �سيعوق حل‬
‫امل�شكلة‪.‬‬

‫‪ -2‬اال�ستجابة اللغوية لحل الم�شكلة ‪:Verbal Response‬‬


‫ت�ؤثر اال�ستجابة اللغوية عند حل الم�شكلة بطريقتين‪:‬‬
‫(�أ) حتتم �سرعة حل امل�شكلة‪.‬‬
‫(ب) ت�ؤثر كمية التعميم من هذه امل�شكلة يف بقية امل�شكالت الأخرى التي يواجهها‬
‫الفرد م�ستقبلاً ‪.‬‬
‫وفي درا�س���ة على مجموعة من الطالب‪ ،‬ات�ض���ح �أن المفحو�صين عندما ي�ستخدمون‬
‫الكلمات في و�صف مالمح �أ�شكال ملونة‪ُ ،‬ي�صبح من ال�سهل عليهم تكوين مفاهيم‪� .‬أما في‬
‫حالة عدم ا�ستخدام هذه العناوين اللفظية‪ ،‬ف�إن العمل ُي�صبح �صع ًبا �إلى حد كبير‪.‬‬
‫وتختلف �أ�س���اليب الأفراد في حل الم�شكالت‪ ،‬والدور الذي ت�ؤديه اال�ستجابة اللفظية‬
‫ف���ي حل الم�ش���كلة ل���ه �أهميته الق�ص���وى في مي���دان التعلم‪ .‬فطريق���ة الو�ص���ول �إلى الحل‬
‫ال�ص���حيح للم�ش���كلة‪ ،‬قد يكون �أكثر �أهمية من الحل نف�س���ه‪ ،‬وعلى المعل���م �أن ُيعلم طالبه‬
‫دائ ًما اال�ستجابة اللفظية التي ت�ساعدهم على تعميم معلوماتهم على الم�شكالت الأخرى‪،‬‬
‫�أما تذكر القواعد فح�سب‪ ،‬فلن ي�ؤدي غال ًبا �إال �إلى بع�ض المعلومات المبعثرة التي ال تمكن‬
‫الفرد من تعميمها على المواقف الأخرى‪.‬‬
‫‪331‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫‪ -3‬العادات اللغوية في حل الم�شكالت ‪:Verbal Habits‬‬


‫م���ن الخ�ص���ائ�ص المهم���ة في اللغ���ة �أن هن���اك كلمات ت�س���تخدم �أكثر م���ن غيرها‪،‬‬
‫والم�شكلة التي تحتاج �إلى ا�ستخدام كلمات �شائعة اال�ستعمال �سوف تحل ب�سرعة �أكبر من‬
‫التي تحتاج �إلى كلمات نادرة اال�ستعمال‪.‬‬

‫نظرية حل امل�شكالت‪:‬‬
‫ما الأ�سلوب العلمي لحل الم�شكالت؟‬
‫هذا ما تف�سره ما ُتعرف بنظرية حل الم�شكالت ‪ Problem Solving Theory‬والواقع‬
‫�أن حل الم�ش���كالت‪ ،‬يعتمد على عوامل نف�س���ية ع���دة‪ ،‬كالتعل���م والإدراك والدوافع‪ ،‬ولهذا‬
‫تماما لحل الم�ش���كالت‪ ،‬بل من المهم فهم ال�سلوك الخا�ص‬ ‫لي�س���ت هناك نظرية م�س���تقلة ً‬
‫بحل الم�شكلة الذي يتلخ�ص في �أربع مراحل‪:‬‬
‫‪ -4‬التحقيق‪.‬‬ ‫‪ -3‬ال�سطوع‪.‬‬ ‫‪ -2‬التفريخ‪.‬‬ ‫‪ -1‬الإعداد‪.‬‬
‫وي�ؤك���د علم���اء النف�س �ض���رورة ابتعاد الفرد عن الم�ش���كلة مدة‪� ،‬إذا كانت الم�ش���كلة‬
‫ت�ستع�صي على الحل‪ .‬ومرحلة التفريخ تكون مفيدة عندما ت�سبقها مرحلة الإعداد‪.‬‬
‫ويرى بع�ض علماء النف�س �أن حل الم�شكالت امتداد للتعلم‪ ،‬حيث �إن العمليات الخا�صة‬
‫بالتعلم تعمل � ً‬
‫أي�ض���ا في حل الم�شكالت‪ .‬والواقع �أن الإدراك يعمل في حل الم�شكالت بدور‬
‫كبير‪ .‬ولذلك من واجب المعلم تعويد المتعلمين على �أ�ساليب حل الم�شكالت‪.‬‬

‫يت�ضمن ال�سلوك اللغوي الآتي‪:‬‬


‫(‪ )2‬اال�ستجابة اللغوية حلل امل�شكلة‪.‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )1‬ال�شكل اللغوي الذي تو�صف به امل�شكلة‪.‬‬
‫نظرية حل امل�شكالت‪.‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )3‬العادات اللغوية يف حل امل�شكالت‪.‬‬
‫‪332‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬اللغة اللفظية �أو الكتابية‪ُ ،‬تع ّد و�سيلة املتعلم يف حل امل�شكالت‪.‬‬
‫‪ -2‬العوامل اخلا�صة بحل امل�شكالت تتمثل يف ال�شكل اللغوي للم�شكلة‪ ،‬واللغة التي ت�ستخدم‬
‫يف احلل‪ ،‬والعادات اللغوية يف حل امل�شكالت‪.‬‬
‫‪-3‬ال�شكل اللغوي الذي تو�صف به امل�شكلة يت�أثر بال�صياغة اللغوية التي ت�ساعد على كيفية‬
‫�إدراك امل�شكلة‪.‬‬
‫‪ -4‬اال�ستجابة اللغوية حلل امل�شكلة ت�ؤثر يف �سرعة احلل‪ ،‬ويف التعميم اخلا�ص باحلل الذي‬
‫يطرح على باقي امل�شكالت‪.‬‬
‫‪ -5‬العادات اللغوية يف حل امل�شكالت‪ ،‬تقوم على �أ�سا�س توافر كلمات ت�ستخدم �أكرث من‬
‫غريها يف حل امل�شكالت‪.‬‬
‫‪ -6‬تقوم نظرية حل امل�شكالت على �أ�سا�س �أربع مراحل‪ :‬الإعداد ‪ -‬التفريخ ‪ -‬ال�سطوع ‪-‬‬
‫التحقيق‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح كيفية ال�شكل اللغوي الذي تو�صف به الم�شكلة‪.‬‬
‫‪ -2‬ت�ؤثر اال�ستجابة اللغوية في حل الم�شكلة‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -3‬ما الأ�سلوب العلمي لحل الم�شكالت؟‬
‫العمليات العقلية امل�سهمة يف التعلم‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل العوامل العقلية التي ت�سهم يف التعلم‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يحدد املتعلم العوامل التي ت�ساعد على احلفظ والتذكر‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يعدد املتعلم العوامل التي ت�ؤدي �إىل الن�سيان‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يتعرف املتعلم �إىل كيفية تنمية التفكري‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يقدر املتعلم �أهمية التخيل يف حل امل�شكالت‪.‬‬
‫العمليات العقلية امل�سهمة يف التعلم‬

‫‪:‬‬
‫أ�سا�س���ا من خالل الأن�ش���طة العقلية‬
‫العوامل العقلية التي ت�س���هم في التعلم‪ ،‬تتحدد � ً‬
‫ذات ال�ص���لة بالتعلم‪ ،‬فالتعلم ال يحدث عفو ًّيا‪ ،‬بل توجد عوامل عقلية �أ�سا�س���ية ت�س���هم في‬
‫حدوثه‪ ،‬وهذه العوامل هي‪ :‬الإدراك ‪ -‬التذكر ‪ -‬التفكير ‪ -‬التخيل‪.‬‬
‫ً‬
‫ارتباطا عال ًيا بالذكاء‪ .‬وفيما ي�أتي عر�ض �س���ريع لكل‬ ‫وهذه العمليات العقلية ترتبط‬
‫من هذه العوامل العقلية التي ت�سهم في «التعلم»‪.‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬الإدراك ‪:Percebtion‬‬
‫ُتع ّد الحوا�س المنافذ التي عن طريقها تت�ص���ل الكائن���ات الحية بالعوامل الخارجية‬
‫الت���ي تحدث عن طريقها الإح�سا�س���ات المختلفة‪ ،‬كالألم والل���ذة والدفء والبرودة‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من الم�ؤثرات التي يت�أثر بها الكائن الحي‪.‬‬
‫وعلى الرغم مما هو معروف ب�أن هناك الحوا�س الخم�س‪� ،‬إال �أن الإن�سان ي�ستطيع �أن‬
‫يميز في نف�سه بين نوعين من الإح�سا�سات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪� -1‬إح�سا�سات ب�أمور كائنة يف اخلارج‪ ،‬يندرج حتتها ما ي�صدر من احلوا�س اخلم�س‬
‫املعروفة‪.‬‬
‫‪� -2‬إح�سا�س ب�أمور كائنة داخل ج�سم الكائن‪ ،‬كاجلوع �أو العط�ش‪ ،‬وهذه الإح�سا�سات‬
‫الداخلية تختلف عن احلوا�س اخلم�س‪.‬‬
‫‪336‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫بالن�س���بة �إلى الإح�سا�س���ات الخارجية‪ ،‬ف����إن الحوا�س الخم�س‪ُ ،‬تع ّد �أع�ض���اء متميزة‬
‫تتخذ لنف�س���ها مرك ًزا بار ًزا في الج�سم‪ ،‬وت�ستجيب كل حا�سة من هذه الحوا�س لنوع خا�ص‬
‫من الم�ؤثرات‪ ،‬فالعين تت�أثر بالأ�شعة ال�ضوئية‪ ،‬والأذن باالهتزازات ال�صوتية‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫خا�صا وال مو�ض ًعا معي ًنا‪ ،‬بل ينت�شر‬
‫وقد ال يكون م�ص���در الإح�سا�س الخارجي مرك ًزا ًّ‬
‫في الجلد‪ ،‬حيث يوجد عدد ال نهائي من الألياف الع�صبية‪ ،‬عن طريقها ن�ست�شعر الحرارة‬
‫والبرودة والنعومة والخ�شونة‪ ،‬فن�شعر باللذة والألم‪.‬‬
‫وهناك نوع ثالث من الإح�سا�سات الخارجية‪ ،‬ال يت�صل بالجلد‪ ،‬وال يمت له ب�صلة ما‪،‬‬
‫كالإح�س���ا�س بال�ضغط‪ .‬وم�صدر الإح�سا�س بال�ض���غط هو الألياف الع�صبية التي توجد في‬
‫الع�ضالت‪ ،‬حيث تت�أثر ب�ضغط الجلد عليها‪ ،‬فينجم عن ذلك �إح�سا�س بالألم‪.‬‬
‫بالن�س���بة �إلى الإح�سا�س���ات الداخلية‪ ،-‬ف�إن هناك �أليا ًفا ع�ص���بية‪ ،‬وظيفتها �إعطاء‬
‫معلوم���ات ع���ن الحالة الداخلية في الج�س���م‪ُ ،‬يطلق عليه���ا �ألياف ع�ص���بية داخلية‪ ،‬وهذه‬
‫الأع�صاب تعمل في حاالت ال�شعور بالجوع �أو بع�سر اله�ضم‪� ،‬أو غير ذلك من الإح�سا�سات‬
‫الداخلية التي ي�شعر بها الكائن الحي‪.‬‬
‫من ذلك يت�ض���ح �أن وظيفة الجه���از الح�س���ي ‪ Sensory apparatus‬هي تزويد الكائن‬
‫الحي بالإح�سا�سات التي تت�صل بالعالم الخارجي‪.‬‬
‫والإدراك ‪ Perception‬ال يتم بمجرد ا�س���تجابة الحوا����س للم�ؤثرات الخارجية‪ ،‬ولكن‬
‫يتم عند انتقال هذه الآثار وتلك الإح�سا�س���ات �إلى العقل‪ ،‬التي يبد�أ في فح�ص���ها م�ستعي ًنا‬
‫بخبراته ال�سابقة‪.‬‬
‫وه���ذا الفح�ص العقلي �أو ما ُيطلق عليه «التمثيل العقلي«‪ ،‬الذي يتم ا�س���تجابة لإثارة‬
‫الإح�سا�سات الخارجية‪ ،‬هو ما ُيطلق عليه «عملية الإدراك»‪.‬‬
‫ف���الإدراك ال يقت�ص���ر على مجرد الإح�سا�س���ات‪ ،‬و�إنما يدخل فيه معلومات الإن�س���ان‬
‫ووخبراته ال�س���ابقة التي تحدث وتعطي معنى للإح�سا�س���ات التي ُتع ّد في حد ذاتها جوهر‬
‫الإدراك‪� ،‬أو بمعنى �آخر المواد الأولية التي ال يتم الإدراك دونها‪.‬‬
‫‪337‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫ف���الإدراك �إذن لي����س مجرد انطباع الأ�ش���ياء في الذهن‪ ،‬ولكنه عبارة عن ا�س���تجابة‬
‫معينة‪ ،‬فالإح�سا�س���ات الراهنة ت�ستخدم فيها الخبرات ال�س���ابقة‪ ،‬وتت�أثر باتجاهات الفرد‬
‫و�أ�سلوبه في الحياة‪.‬‬
‫ولذلك‪ ،‬ف�إن عملية الإدراك‪ ،‬تتم بوجود ال�شروط الآتية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود مو�ضوعات طبيعية ذات خ�صائ�ص متميزة‪ُ ،‬تع ّد منبهات خارجية‪.‬‬
‫‪ -2‬ناحي���ة ف�س���يولوجية تت�ص���ل باحلوا�س و�أط���راف الأع�ص���اب التي تنقل الإح�سا�س���ات‬
‫�إىل املخ‪.‬‬
‫‪ -3‬ناحية نف�سية تت�صل بتغيري الإح�سا�سات و�إعطائها املعاين الالزمة التي تتالءم مع‬
‫ال�شيء املدرك يف جمال �إدراكي معني ‪ .Perceptual field‬وي�ؤثر يف الناحية النف�سية‬
‫عوامل عدة حتدد معاين الإح�سا�سات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -2‬حاجاته ودوافعه‪ -3 .‬الخبرة ال�سابقة لدى الفرد‪.‬‬ ‫‪ -1‬اتجاهات الفرد‪.‬‬
‫ويجب �أن نعرف �أن الإدراك بو�ص���فه عملية عقلية‪ ،‬يح���دث دفعة واحدة‪ ،‬فهو عملية‬
‫ُكلية ينتج عنها كما �س���بق القول ا�س���تجابة معينة للإح�سا�سات الراهنة التي تواجه الكائن‬
‫الحي في موقف معين‪.‬‬

‫ثان ًيا ‪ -‬التذكر‪:‬‬


‫ي�ش���مل التذك���ر بمعناه الع���ام‪ ،‬الحفظ ‪ Retention‬والن�س���يان ‪ Forgetting‬وي�س���تطيع‬
‫ال�ش���خ�ص �أن يحفظ المعلومات التي ُتعر�ض عليه‪� ،‬إال �أنه في الوقت نف�س���ه قد يتعذر عليه‬
‫االحتف���اظ به���ذه المعلومات �أطول مدة ممكنة‪ .‬لذلك ُيعبر الحف���ظ عن الجانب الإيجابي‬
‫للتذك���ر‪ ،‬بينما ُيعبر الن�س���يان ع���ن الجانب ال�س���لبي‪ .‬وي�ؤثر في الحفظ والن�س���يان خوا�ص‬
‫مختلفة‪� ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪338‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -1‬المعنى والفهم‪:‬‬
‫يحفظ الإن�سان المعلومات التي يفهمها ب�سرعة‪ ،‬والتي تكون غال ًبا من الأمور الآتية‪:‬‬
‫(�أ) �أن تكون من املعلومات التي �سبق �أن مرت بخربته‪.‬‬
‫(ب) �أن تكون ح�سنة العر�ض والرتتيب‪.‬‬
‫(جـ) �أن تكون وا�ضحة العالقة بني العنا�صر والنتيجة‪.‬‬
‫ويتوقف فهم ما تتعلمه على ما ي�أتي‪:‬‬
‫(�أ) ارتباط املادة املتعلمة مبا لدينا من خربات �سابقة عن هذه املادة �أو �إىل غريها‬
‫مما يتعلق بها‪.‬‬
‫(ب) العالقة بني اخلربة اجلديدة واخلربة القدمية‪ ،‬ويجب ربط اخلربة اجلديدة‬
‫بغريها مما منار�سه يف حياتنا العامة‪ ،‬ويجب ربطها مبيولنا ونواحي اهتمامنا‪.‬‬
‫(جـ) تنظيم املعلومات اجلديدة على �أ�سا�س منطقي‪.‬‬
‫‪ -2‬الحفظ المتوا�صل والحفظ الموزع‪:‬‬
‫الحفظ المتوا�ص���ل هو الذي يت���م دون �أن تتخلله فترات راحة بين الحفظ‪ .‬وي�س���مى‬
‫التمرين المت�صل ‪.Massed Practice‬‬
‫والحفظ الموزع هو الذي يتم على �أوقات مختلفة‪ ،‬بحيث يتخلل هذه الفترات �أوقات‬
‫راح���ة‪ ،‬وهو ما ي�س���مى التمرين المت���وزع ‪ Distributed Practice‬والنوع الآخر �أف�ض���ل من‬
‫نتيجة الحفظ المتوا�صل؛ لأنه �أ�سرع و�أثبت في الذاكرة‪ ،‬مع مراعاة �أال تكون هناك �أوقات‬
‫راحة طويلة؛ لأن ذلك يهيئ فر�صة الن�سيان‪.‬‬
‫‪ -3‬الحالة االنفعالية‪:‬‬
‫ت�ؤث���ر الحالة االنفعالية في االحتف���اظ بالخبرات‪ ،‬فكلما كانت الخبرات �س���ارة �أدى‬
‫ذلك �إلى �س���رعة تذكرها وا�س���تدعائها �إلى الذه���ن‪ ،‬وكلما كانت م�ؤلم���ة ف�إنها تمحى من‬
‫الذاكرة‪ ،‬وي�صعب على المرء ا�سترجاعها �أو تذكرها‪.‬‬
‫‪339‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫‪ -4‬نوع المادة‪:‬‬
‫الكلمات عديمة المعنى هي �أ�ص���عب المواد ً‬
‫حفظا‪ ،‬و�أ�س���رعها تال�ش��� ًيا من الذاكرة؛‬
‫لأنها ال تعتمد على �ش���يء من الفهم‪ ،‬وال ت�س���تند �إلى معرفة المعنى‪ ،‬في حين �أن الكلمات‬
‫ذات المعنى تكون �أ�سهل في الحفظ‪ ،‬و�أ�سرع في اال�ستيعاب‪ ،‬و�أدوم بقا ًء في الذاكرة‪.‬‬

‫‪ -5‬تثبيت الحفظ‪:‬‬
‫ي���زداد الحفظ ثبوتًا كلما زادت محاوالت ال�ش���خ�ص لحفظ مو�ض���وع معين‪ ،‬وتزداد‬
‫قدرة الفرد على اال�ستيعاب كلما زادت مرات تكرار الحفظ‪.‬‬
‫‪ -6‬الكف الرجعي‪:‬‬
‫مو�ضوعا من مادة معينة بعد انتهائه مبا�شرة من حفظ مو�ضوع �آخر‬
‫ً‬ ‫�إذا حفظ الفرد‬
‫من المادة نف�س���ها‪ ،‬ف�إن هذا ي�ؤدي �إلى نق�ص���ان في درجة الحفظ الأولى‪ ،‬ويعبر عن ذلك‬
‫بالكف الرجعي ‪ ،Retroactive Inhibition‬وين� أش� ذلك من حدوث تداخل بين المو�ضوعين‪.‬‬
‫ولعالج ذلك ي�ستح�سن �أن تتبع �أوقات الحفظ بوقت راحة؛ تالف ًيا للتداخل بين المعلومات‪.‬‬
‫وقد يرد �إلى القارئ �س�ؤال‪ ..‬هل هناك فروق فردية في الحفظ؟‬
‫الواق���ع �أن هن���اك عالقة بين الذكاء والقدرة على ا�س���تيعاب عدد من العنا�ص���ر‪� ،‬أو‬
‫االحتفاظ بالمعلومات �أطول مدة ممكنة‪.‬‬
‫وق���د يك���ون هناك �أفراد من متو�س���طي ال���ذكاء �إال �أنه���م يظهرون ق���درة كبيرة من‬
‫حف���ظ �أن���واع معينة من المعلومات‪ ،‬ويرجع ذلك �إلى �أث���ر التمرين والتكرار في حفظ هذه‬
‫المعلومات‪.‬‬
‫و�إن عام���ل العم���ر مه���م للغاية في القدرة عل���ى حفظ المعلومات‪ ،‬حي���ث ُيالحظ �أن‬
‫القدرة على الحفظ ت�أخذ في االزدياد التدريجي مع ال�سن‪� ،‬إذ تبلغ ذروتها فيما بين العمر‬
‫الزمني ‪� 20‬إلى ‪� 30‬سنة‪ ،‬ثم تبد�أ بعد ذلك في النق�صان‪.‬‬
‫‪340‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫العوامل التي ت�ساعد على احلفظ والتذكر‪:‬‬


‫هل هناك عوامل ت�ساعد على الحفظ؟‬
‫الواقع �أن الكثير من النا�س ي�ش���كون �ض���عف الذاكرة والتذكر‪ ،‬وقد ثبت بالتجربة �أن‬
‫الحفظ الذي يقوم على �أ�س�س تعليمية �صحيحة يكون ثابتًا لحد كبير‪.‬‬
‫والواقع �أن العوامل التي ت�ساعد على الحفظ هي‪:‬‬

‫‪ -1‬وجود الرغبة �أو النية ‪:Intention‬‬


‫�إذا كان الإن�سان يهتم ب�شيء معين‪ ،‬ف�إن �أثر الرغبة �أو النية �أو الق�صد واالهتمام بهذا‬
‫وحفظا‪ ،‬ويمكن تذكره ب�سرعة عن غيره من الأمور التي ال يرغب فيها‪.‬‬ ‫ال�شيء �أكثر ثبا ًتا ً‬

‫‪ -2‬ا�ستخدام ال�صور الذهنية ‪:Imagery‬‬


‫يتذك���ر الإن�س���ان المو�ض���وعات المرتبط���ة ب�ص���ورة ذهني���ة‪ ،‬فا�س���تخدام الراديو �أو‬
‫التليفزي���ون �أو ال�س���ينما ي�ؤث���ر بدرجة كبيرة ف���ي الحفظ‪ ،‬ومن هنا تظهر �أهمية الو�س���ائل‬
‫ال�سمعية والب�صرية في �سرعةالحفظ‪.‬‬

‫‪ -3‬الربط ‪:Association‬‬
‫المبتدئ في القراءة والكتابة ي�س���هل عليه تعلم الحروف‪ ،‬كلما �أمكن ربطها ب�أ�ش���ياء‬
‫معروفة لديه‪ ،‬ف�صورة الأرنب مع حرف (�أ) ت�ساعده على تذكر حفظ الحرف (�أ) ب�سرعة‬
‫ً‬
‫مرتبطا ب�صورة‪.‬‬ ‫عما �إذا لم يكن‬
‫أي�ضا يمكنهم �سرعة الحفظ �إذا ا�ستخدموا �أمو ًرا �أو حرو ًفا معينة عند‬
‫بل �إن الكبار � ً‬
‫حفظ معلومات معينة‪.‬‬
‫‪341‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫‪ -4‬الوزن والإيقاع ‪:Rhythm‬‬


‫ي�ؤثر الوزن في �س���هولة عملي���ة التذكر‪ .‬وقد اتبع ذلك في العلوم اللغوية وال�ش���رعية‪،‬‬
‫كالنحو وال�صرف‪.‬‬

‫‪ -5‬تق�سيم المعلومات �إلى وحدات‪:‬‬


‫تق�سيم المعلومات �إلى وحدات‪ ،‬ي�ساعد على �سهولة الحفظ و�سهولة التذكر‪ ،‬في حين‬
‫�أن الحفظ بالطريقة الكلية ‪� ،Whole Method‬أي حفظ المو�ض���وع دفعة واحدة ُيبطئ من‬
‫الحفظ‪ ،‬وي�صعب التذكر‪.‬‬

‫القدرة على التذكر والتعلم‪:‬‬


‫معرفة القدرة على التعلم والتذكر مهمة‪ ،‬عندما نريد تطور خبراتنا في العلم‪ ،‬ومن‬
‫ثم في التعلم‪ .‬ومعظم الدرا�س���ات التجريبية ت�ؤكد ع���دم وجود عامل عام للتعلم والتذكر؛‬
‫لأنه �إذا كان هذا العامل العام موجودًا‪ ،‬ف�إننا نتوقع وجود معامالت ارتباط داخلية مرتفعة‬
‫بين درجات الأداء في مختلف �ضروب التعلم‪.‬‬
‫وقد ثبت من �إحدى الدرا�سات وجود بع�ض الدليل على وجود قدرة عامة على التعلم‪،‬‬
‫ولكنه مازال الأمر يحتاج �إلى مزيد من التحقيق التجريبي للت�أكد من �صحة هذه النتائج‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد ثبت خط�أ القول ال�شائع من يتعلم ببطء يتذكر �أح�سن‪.‬‬

‫تغري القدرة على التعلم بتقدم ال�سن‪:‬‬


‫ت�شير معظم الدرا�سات التجريبية في مختلف �أنواع التعلم‪� ،‬إلى �أن نوعية �أداء الفرد‬
‫تزداد خالل الطفولة والبلوغ‪ ،‬ويتدهور بعدها التعلم في ال�س���رعة والدقة‪ ،‬وذلك الختالل‬
‫الدقة الب�صرية والت�آزر الحركي‪.‬‬
‫‪342‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ويعتمد ا�ض���محالل التعلم وارتفاعه على طبيعة الم���ادة المتعلمة‪ .‬وقد تبين �أن كبار‬
‫ال�سن‪ ،‬تقل قدراتهم بكثير عن ال�صغار عند تعلم مهارات معينة‪.‬‬
‫وبح���ث علم���اء النف�س عوام���ل �أخرى متعددة م���ن التدهور العقلي عند كبار ال�س���ن‪،‬‬
‫فبع�ض الدرا�س���ات �أ�شارت �إلى �أن كبار ال�س���ن‪ ،‬لم يكن هناك تدهور ملحوظ في تذكرهم‬
‫ً‬
‫ملحوظا للغاية ف���ي اختبار �إعادة‬ ‫للأرق���ام ف���ي اختبار معين‪ ،‬في حي���ن �أن تدهورهم كان‬
‫الأرقام بالعك�س‪.‬‬
‫ومن المعروف �أن القدرة على التعلم والتذكر جزء من الذكاء العام‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬الن�سيان‪:‬‬
‫التذكر ُيمثل الجانب الإيجابي في التعلم‪ ،‬بينما الن�س���يان يمثل الجانب ال�س���لبي في‬
‫التعلم‪ .‬ويتعر�ض الفر�ض للإحباط عندما ين�س���ى كثي ًرا‪ .‬وقد اهتم علماء النف�س بدرا�س���ة‬
‫العوامل التي ت�ؤثر في الذاكرة‪ ،‬وت�ؤدي �إلى الن�سيان‪.‬‬
‫وقد تبين �أن الن�س���يان عبارة عن تدهور �س���لبي يحدث ف���ي الذاكرة على مدى طويل‬
‫من الوقت‪ ،‬طالما �أنه ال تمار�س المادة المتعلمة‪ .‬ويرجع الن�سيان �إلى عوامل عدة‪� ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم كفاية التعلم‪:‬‬
‫المادة المتعلمة ب�ص���ورة مبتورة �أو ب�صورة غام�ضة ال يمكن تذكرها‪ .‬وتنظيم المادة‬
‫واف يحتوي على النقاط الرئي�سة للمو�ضوع يجعل التذكر �أكثر �سهولة وي�س ًرا‪.‬‬
‫في ملخ�ص ٍ‬
‫‪ -2‬تدخل الن�شاط الالحق‪:‬‬
‫الن�ش���اط ال�س���ابق للفرد قد يعوق التعلم الجديد‪ ،‬وقد ي�س���هله‪ ،‬ويدفع���ه �إلى الأمام‪،‬‬
‫الن�شاط الالحق الذي يتلو عملية التعلم‪ ،‬قد يعوق تذكر المادة ال�سابقة وقد ُي�سهله‪ ،‬وي�سمى‬
‫ه���ذا الت�أثي���ر‪ ،‬الك���ف الرجع���ي ‪ ،Retroactive Inhibition‬هذا و�إذا كان���ت المدة الالحقة‬
‫للعملية التعليمية مليئة ب�أوجه الن�شاط المختلفة‪ ،‬كان ذلك م�ساعدً ا على الن�سيان‪� .‬أما �إذا‬
‫‪343‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫ق�ضى الفرد هذه المدة في النوم �أو عدم الإجهاد الذهني في �أي �أن�شطة �أخرى‪ ،‬ف�إن ذلك‬
‫ُي�ساعد على تثبيت المادة‪ ،‬ومن ثم تذكرها‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد تبين �أن الن�س���يان ال يحدث بمرور الوقت فح�س���ب‪ ،‬بل � ً‬
‫أي�ضا بوجود عوامل‬
‫�أخرى ت�ؤدي �إلى �ضياع ما تعلمناه‪.‬‬

‫‪ -3‬معنى المادة المتعلمة‪:‬‬


‫تدل ال�شواهد على �أن التنظيم والمعنى للمادة المتعلمة‪ ،‬يقلل �إلى حد كبير من كمية‬
‫الن�سيان‪ ،‬ب�صرف النظر عن نوع الن�شاط الالحق لعملية التعليم‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬التفكري ‪:Thinking‬‬


‫هل كل ال�سلوك الذي يقوم به الفرد‪ ،‬يتم ا�ستجابة مبا�شرة للم�ؤثرات الخارجية؟‬
‫الواقع �أن هناك بع�ض �أنواع من ال�سلوك‪� ،‬أي بع�ض ا�ستجابات ال تكون نتيجة مبا�شرة‬
‫للم�ؤثرات الخارجية‪ ،‬بل نتيجة ن�شاط داخلي‪ ،‬مثال ذلك عندما ينبه المعلم على المتعلمين‬
‫بدرا�س���ة مو�ض���وع معين لأداء امتحان فيه‪ ،‬ف�إن كل طالب يعود �إلى منزله‪ ،‬وي�س���تذكر هذا‬
‫المو�ض���وع‪ ،‬وما يت�ص���ل به من مو�ض���وعات �أخرى تخت�ص به‪ ،‬ثم يذهب �إلى الكلية في يوم‬
‫االمتح���ان‪ ،‬ويح���اول قبل دخول قاع���ة الدر�س �أن ي�س���تعيد في ذهنه الأف���كار والمعلومات‬
‫والمعاني المت�ص���لة بالمو�ض���وع الذي �س���ي�ؤدي فيه االمتحان‪ ،‬وعندما يدخل �إلى االمتحان‬
‫يك���ون ف���ي حاجة �إلى و�س���يلة ليعبر بها عما حفظ���ه من معلومات‪ ،‬هذه الو�س���يلة هي اللغة‬
‫والكتابة التي �سي�س���تخدمها في التعبير عما حفظه من معلومات‪ ،‬والتي تت�ض���من ال�س���لوك‬
‫القائم على نوع من الن�شاط العقلي ُيطلق عليه التفكير ‪.Thinking‬‬

‫والتفكير عبارة عن توجيه ن�شاط الذهن ‪ Brain Activity‬نحو م�شكلة من الم�شكالت‬


‫التي ي�ص���ادفها الإن�س���ان‪� ،‬أي �إنه عبارة عم���ا يقوم به العقل عند �ش���عوره بمواجهة موقف‬
‫‪344‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫معقد يتطلب منه ت�ص���ر ًفا ًّ‬


‫خا�ص���ا في حدود الظروف المحيطة ب���ه‪ ،‬وفي حدود العالقات‬
‫الموجودة بين �أجزاء هذا الموقف‪.‬‬
‫وحتى نفهم الفرق بين التفكير‪ ،‬والإدراك والتذكر واالنتباه‪ ،‬ف�إنه يجب �أن نعرف �أن‬
‫الإدراك عبارة عن عمليات عقلية ت�ؤدي �إلى العلم ب�شيء خارجي �أو ال�شعور ب�شيء خارجي‬
‫ً‬
‫�صراخا و�أنا داخل منزلي‪ ،‬ف�إني عادة �أذهب �إلى‬ ‫‪ Awarness Consciousness‬ف�إذا �سمعت‬
‫النافذة‪ ،‬و�أطل منها �إلى ال�شارع لأتبين م�صدر ال�صراخ‪.‬‬
‫وهذا المثال يدل على ان�شغال الذهن مدة معينة من الزمن‪ ،‬ولكنها ال تتعدى مرحلة‬
‫المالحظة العابرة‪� ،‬إلى مرحلة الدرا�س���ة و�إعمال الفكر‪ ،‬و�إدراك العالقات الموجودة بين‬
‫�أجزاء الم�شكلة التي تكون في العادة معقدة‪ ،‬وتحتاج �إلى تفكير‪.‬‬
‫والف���رق بين التفكير والتذكر‪ ،‬ينح�ص���ر في �أن التذكر ال يخ���رج عن تذكر الخبرات‬
‫ال�س���ابقة الت���ي مرت على الفرد‪ ،‬بينما الأحكام التي ت�ص���در عن التفكي���ر تكون في العادة‬
‫قائمة على �أ�سا�س فهم‪ ،‬وعادة ما تعتمد في طريقة تكوينها على بع�ض الخبرات ال�سابقة‪.‬‬

‫منو التفكري‪:‬‬
‫التفكير ن�شاط عقلي له جانب مهم في التعلم‪ .‬لذلك كيف ننمي التفكير؟‬
‫الواقع �أن قدرة الإن�سان على التفكير‪ُ ،‬تع ّد من �أهم المهارات الخا�صة بتكيف الإن�سان‬
‫في بيئته المحيطة‪ .‬ويهمنا درا�سة نمو التفكير في مراحل العمر المختلفة‪.‬‬
‫وكما �س���بق �إي�ض���احه‪ ،‬ف�إن التفكير عبارة عن توجيه ن�ش���اط الذهن نحو م�شكلة من‬
‫الم�ش���كالت التي ي�ص���ادفها الإن�سان‪ ،‬وهو عبارة عما يقوم به العقل من ن�شاط عند �شعوره‬
‫بمواجهة موقف معقد يتطلب منه ت�ص���ر ًفا ًّ‬
‫خا�ص���ا في حدود الظ���روف المحيطة به‪ ،‬وفي‬
‫حدود العالقات الموجودة بين �أجزاء هذا الموقف‪.‬‬
‫‪345‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫ويختل���ف التفكير ع���ن الإدراك‪ ،‬فالإدراك عبارة عن ن�ش���اط عقلي ي����ؤدي �إلى العلم‬
‫ب�ش���يء خارجي �أو ال�ش���عور ب�شيء خارجي وان�شغال الذهن مدة معينة من الزمن‪ ،‬في حين‬
‫�أن التفكير يتعدى ذلك �إلى الدرا�سة والفكر و�إدراك العالقات في ال�شيء الذي ُيدرك‪.‬‬
‫و ُيع��� ّد «بياجيه» �أن التفكير ينمو في �أربع مراحل �أ�سا�س���ية‪ ،‬يتميز كل منها بم�س���توى‬
‫معين من الوظيفة العقلية‪.‬‬
‫‪ -1‬المرحلة الح�سية الحركية‪ :‬من الميالد حتى �سنتين‪ ،‬وهذه المرحلة تتمثل في‬
‫انعكا�سات ب�سيطة تنتهي با�ستجابات ح�سية حركية‪ ،‬وتتطور اال�ستجابات �إلى �سل�سلة‬
‫من اال�ستجابات الخا�صة كالنظر والم�شي والو�صول �إلى المو�ضوع (هدف ي�سعى �إليه‬
‫الطفل) وفي هذه المرحلة يمكن �أن يتعلم الطفل تميز نف�سه عن البيئة‪ ،‬وي�ساعده ذلك‬
‫على تكوين مفهوم الذات‪ .‬وفي هذه المرحلة ال ي�ستطيع الطفل �أن ُيدرك المفاهيم‬
‫المجردة‪.‬‬
‫‪ -2‬المرحلة قبل الإجرائية‪( :‬من �سنتين �إلى �سبع) يبد�أ الطفل في القيام با�ستجابات‬
‫رمزية (مثلاً يلعب وك�أن لعبته تتحرك مثله)‪ ،‬وتنمو المهارات اللغوية‪ ،‬هذا على‬
‫الرغم من �أن ت�صور الطفل للعالم حوله ال يزال غير مالئم منطق ًّيا‪ ،‬ودليل ذلك‬
‫وقوعه في �أخطاء م�ستمرة‪ ،‬وذلك يجره �إلى م�شكالت كثيرة‪ .‬وفي نهاية هذه المرحلة‬
‫يكون الطفل في مرحلة عدم اتزان لما يدور حوله‪.‬‬
‫‪ -3‬المرحلة العيانية‪( :‬من �سن ‪� 7‬إلى ‪� 11‬سنة)‪ ،‬ينتظم التفكير عند الطفل في �شكل‬
‫متما�سك يمكنه من اال�ستجابة ال�صحيحة‪ ،‬و ُي�صبح �أكثر قدرة على اكت�ساب المفاهيم‬
‫الأكثر �صعوبة‪ ،‬مثل ثبات الوزن والحجم‪ ،‬ويمكنه �إدراك مفاهيم الزمن والمكان‬
‫والعدد‪� ،‬إال �أن ت�صوراته تكون محدودة بالمواقف العيانية (المح�سو�سة)‪.‬‬
‫‪ -4‬المرحلة الإجرائية‪( :‬من �سن ‪� 11‬إلى ‪� 15‬سنة) في نهاية هذه المرحلة الخا�صة‪،‬‬
‫بالنمو العقلي‪ ،‬ي�صبح البالغ قاد ًرا على معالجة الواقع بكفاءة‪ ،‬فيمكنه التفكير ب�صورة‬
‫تجريدية‪ ،‬و�أن ي�ضع الفرو�ض ويختبرها‪.‬‬
‫‪346‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ والطفل عند انتقاله من مرحلة �إلى �أخرى‪ ،‬ال بد �أن يجتاز المرحلة ال�سابقة‪ ،‬وال�سن‬
‫التي ي�صل عندها الطفل لمرحلة ما تختلف باختالف الأفراد والبيئات‪ ،‬و ُتع ّد نظرية‬
‫«بياجيه» من النظريات التي ُتحدد الخ�صائ�ص الأ�سا�سية للنمو العقلي‪.‬‬

‫خام�سا‪ :‬التخيل ‪:Imagination‬‬


‫ً‬
‫هو عبارة عن القدرة على تف�سير الحقائق بطريقة تدعو �إلى تح�سن الحياة الحا�ضرة‬
‫والم�ستقبلة‪ ،‬وهو في الواقع عبارة عن نوع من التفكير ت�ستعمل فيه الحقائق لحل م�شكالت‬
‫الم�ستقبل والحا�ضر‪ ،‬ومن �أمثلة ذلك تخيل المخترعين والكتاب الروائيين‪.‬‬
‫والتخي���ل بح�س���ب ذل���ك التف�س���ير مع���روف با�س���م التخي���ل التكوين���ي �أو الإن�ش���ائي‬
‫‪ ،Constructive‬وه���ذا النوع من التخيل يعمل على البناء‪ ،‬وهناك نوع �آخر من التخيل غير‬
‫بن���اء �أو ما ُي�س���مى التخيل الهدام‪ ،‬وهو من النوع الذي ُي�س���اعد الفرد على حل م�ش���كالته‬
‫الحا�ض���رة �أو الم�ستقبلة‪ ،‬ب�شكل يلحق ال�ض���رر بالفرد �أو المجتمع‪ .‬وهذا النوع من التخيل‬
‫ُيبعد الإن�س���ان عن العالم الذي يعي�ش فيه �إلى عالم الأوهام والخرافات‪ ،‬بحيث ي�ؤثر ذلك‬
‫في حياته‪ .‬ومن �أمثلة ذلك تخيله للأ�ش���باح والعفاريت‪ ،‬وغير ذلك من الأ�شياء التي تبعده‬
‫عن العالم الحقيقي الذي يعي�ش فيه‪.‬‬
‫ه���ذه هي العوامل التي ُت�س���هم في التعلم‪ ،‬وه���ي العوامل العقلية الخا�ص���ة بالإدراك‬
‫والتذكر والتفكير‪ ،‬والتخيل‪ .‬ومن الثابت �أن هذه العمليات تتم في �صور مختلفة‪ ،‬فالأطفال‬
‫في مراحل �أعمارهم الأولى �إدراكهم �أو تذكرهم �أو تفكيرهم �أو تخيلهم‪ ،‬يختلف عنه وهم‬
‫في �سن الدرا�سة �أو في �سن المراهقة �أو في عمر ال�شباب �أو الرجولة‪.‬‬
‫ولي����س هناك من �ض���رورة لتتبع ه���ذه العمليات العقلية في مراح���ل النمو المختلفة‪.‬‬
‫و�إذا كنا قد عرفنا العوامل التي ت�س���هم في التعلم‪ ،‬ف�إن ذلك يدعونا �إلى معرفة الو�س���ائل‬
‫المختلف���ة �أو الط���رق التي يتم عن طريقه���ا التعلم‪ ،‬وذلك عن طريق درا�س���ة طرق التعلم‬
‫‪347‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬

‫المختلفة والقوانين التي تحكم التعلم‪ ،‬والتي عن طريقها �أمكن الو�ص���ول �إلى تطوير حياة‬
‫الإن�س���ان وفهمها على �أ�س����س علمية �س���ليمة قائمة على �أ�س���ا�س تجريبي‪ .‬وقد �سبق �إي�ضاح‬
‫ذلك في حديثنا عن التعلم‪.‬‬

‫تت�ضمن العمليات والأن�شطة العقلية امل�ساهمة يف التعلم الآتي‪:‬‬


‫ •العوامل العقلية التي ت�سهم يف التعلم‪:‬‬
‫(‪ )4‬التخيل‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الإدراك‪ )2( .‬التذكر‪ )3( .‬التفكري‪ .‬‬
‫ •العوامل التي ت�ساعد على احلفظ والتذكر‪:‬‬
‫(‪ )2‬ا�ستخدام ال�صور الذهنية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬وجود الرغبة �أو النية‪ .‬‬
‫(‪ )4‬الوزن والإيقاع‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬الربط‪.‬‬
‫(‪ )5‬تق�سيم املعلومات �إىل وحدات‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬ت�ؤثر الإح�سا�سات اخلارجية والداخلية يف الإدراك‪.‬‬
‫‪ -2‬الإدراك ال يتم مبجرد ا�ستجابة احلوا�س للم�ؤثرات اخلارجية‪ ،‬بل عند انتقال �آثار‬
‫الإح�سا�سات �إىل العقل‪.‬‬
‫‪ -3‬عملية الإدراك تتم بوجود �شروط معينة‪.‬‬
‫‪ -4‬التذكر مبعناه العام ي�شمل احلفظ والن�سيان‪.‬‬
‫‪ -5‬ي�ؤثر يف احلفظ والن�سيان خوا�ص خمتلفة‪ ،‬منها‪ :‬املعنى والفهم‪ ،‬واحلفظ املتوا�صل‬
‫واحلفظ املوزع ‪ -‬احلالة االنفعالية ‪ -‬نوع املادة ‪ -‬تثبيت احلفظ ‪ -‬الكف الرجعي‪.‬‬
‫‪ -6‬العوامل التي ت�ساعد على احلفظ والتذكر‪ :‬وجود الرغبة �أو النية ‪ -‬ا�ستخدام ال�صور‬
‫الذهنية ‪ -‬الربط ‪ -‬الوزن والإيقاع ‪ -‬تق�سيم املعلومات �إىل وحدات‪.‬‬
‫‪348‬‬
‫الباب ال�ساد�س‪ :‬الذكاء والعمليات العقلية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -7‬تتغري قدرة الإن�سان على التعلم بتقدم ال�سن‪.‬‬


‫‪ -8‬العوامل التي ت�ؤثر يف الن�سيان‪ :‬عدم كفاية التعلم ‪ -‬تدخل الن�شاط الالحق ‪ -‬معنى‬
‫املادة املتعلمة‪.‬‬
‫‪ -9‬التفكري هو توجيه ن�شاط الذهن نحو م�شكلة معينة‪.‬‬
‫‪ -10‬ينم���و التفك�ي�ر م���ن خ�ل�ال عملي���ات يف مراح���ل‪ :‬ح�س���ية حركي���ة ‪ -‬قب���ل �إجرائية ‪-‬‬
‫عيانية ‪� -‬إجرائية‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬ال يتم الإدراك مبجرد ا�ستجابة احلوا�س للم�ؤثرات اخلارجية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -2‬يت�أثر احلفظ والن�سيان بعوامل خمتلفة‪ .‬ا�شرح ثالثة من هذه العوامل‪.‬‬
‫‪ -3‬هناك عوامل ت�ساعد على احلفظ والتذكر‪ .‬ا�شرح ثالثة من هذه العوامل‪.‬‬
‫‪ -4‬حدد العوامل ذات الأثر يف الن�سيان‪.‬‬
‫‪ -5‬كيف ينمو التفكري‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -6‬التخيل عبارة عن نوع من التفكري‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫الف�صل الع�شرون‪ :‬الإعاقة العقلية والت�أخر الدرا�سي‪.‬‬


‫الف�صل الحادي والع�شرون‪ :‬الموهبة‪.‬‬
‫الإعاقة العقلية والت�أخر الدرا�سي‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف القارئ �إىل مفهوم الإعاقة العقلية‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتعرف �إىل �صفات ال�شخ�ص املعاق عقل ًّيا‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يتعرف �إىل ن�سبة انت�شار الإعاقة العقلية يف املجتمع‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن ي�صنف الإعاقة العقلية بح�سب ن�سبة الذكاء‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يحدد �أ�سباب الإعاقة العقلية‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن مييز خ�صائ�ص املعاقني عقل ًّيا‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن يتعرف �إىل �آليات قيا�س الإعاقة العقلية وت�شخي�صها‪.‬‬
‫(‪� )8‬أن يتعرف �إىل مفهوم الت�أخر الدرا�سي و�أ�سبابه‪.‬‬
‫(‪� )9‬أن يحدد �أعرا�ض الت�أخر الدرا�سي‪.‬‬
‫(‪� )10‬أن ي�شخ�ص الت�أخر الدرا�سي لدى املتعلمني‪.‬‬
‫(‪� )11‬أن يحدد كيفية عالج الت�أخر الدرا�سي‪.‬‬
‫الإعاقة العقلية والت�أخر الدرا�سي‬

‫‪:‬‬
‫القت فئات المتخلفين عقل ًّيا منذ القدم معامالت مختلفة‪ ،‬وذلك باختالف فل�سفات‬
‫المجتمع���ات ونظمه���ا االجتماعي���ة‪ ,‬وتباينت المعامل���ة مع هذه الفئة من مج���رد االزدراء‬
‫والرثاء �إلى النفي والإبعاد‪.‬‬
‫وفي المجتمعات ال�ش���رقية‪ ،‬فقد امتزجت فيها ال�ش���فقة والتقدي�س‪ ،‬ف�أ�شفقوا عليهم‬
‫لعجزه���م �أو قد�س���وهم العتقاده���م ب�أن لهم �ص���لة بالق���وى الإلهية‪ ،‬وتغي���رت النظرة في‬
‫المجتمع���ات الغربية الحديثة �إلى المتخلفين عقل ًّيا من �س���يطرة فكر الت�ص���فية �أو الأبعاد‬
‫لغير القادرين على الإنتاج �إلى فكر الدافع لعمل الخير للإن�سان المتخلف عقل ًّيا من خالل‬
‫�إن�ش���اء مدار����س لهم ولغيرهم من المعاقي���ن تحقي ًقا لمبد�أ الديمقراطي���ة وتكاف�ؤ الفر�ص‬
‫التعليمية بين الأ�سوياء وغير الأ�سوياء‪.‬‬
‫وا�س���تجابة لم���ا ت�ض���منته مواثي���ق الأمم المتح���دة و�إع�ل�ان حقوق الإن�س���ان وميثاق‬
‫الثمانينيات كان االهتمام بتوفير العالج والرعاية الكاملة للطفل المعوق م�ؤ�ش��� ًرا من بين‬
‫الم�ؤ�شرات التي يقا�س بها مدى تقدم ال�شعوب والمجتمعات‪.‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬الإعاقة العقلية‪:‬‬
‫نظرة تاريخية‪:‬‬
‫وج���د الأطفال غير العاديين في كل الع�ص���ور ومنذ �أقدمها‪ ،‬ولكن نظرة المجتمعات‬
‫�إلى الأفراد غير العاديين قد اختلفت من ع�صر �إلى �آخر‪.‬‬
‫‪354‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫لقد بد�أ االهتمام بتربية المعوقين في القرن التا�س���ع ع�ش���ر في فرن�سا‪ ،‬وكانت فئات‬
‫الإعاقة الب�ص���رية وال�سمعية هي �أول الفئات التي حظيت بالرعاية واالهتمام‪ ،‬ثم �أعقبتها‬
‫فئات الإعاقة الحركية والعقلية‪ ،‬وقد كان �ش���كل خدمات التربية الخا�ص���ة في ذلك الوقت‬
‫ً‬
‫متمث�ل�ا في الحماية والإيواء ف���ي المالجئ؛ وذلك لحمايتهم �أو حماية المجتمع منهم‪ ،‬ثم‬
‫تط���ورت تلك الخدمات‪ ،‬و�أ�ص���بحت ت�أخذ �ش���كل تعليم الأطفال المعوقي���ن مهارات الحياة‬
‫اليومية في مدار�س �أو مراكز خا�صة بهم‪.‬‬
‫وفي القرن الع�ش���رين نما ميدان التربية الخا�ص���ة في �ش���تى �إنحاء العالم‪ .‬وما يدلل‬
‫عل���ى نمو ميدان التربية الخا�ص���ة اهتمام الدول النامية بالأف���راد غير العاديين في ظهور‬
‫كثير من الجمعيات والمنظمات والهيئات والم�ؤ�س�سات التي تعنى بالأفراد غير العاديين‪.‬‬

‫مفهوم الإعاقة العقلية‪:‬‬


‫ُيع��� ّد مفهوم الإعاقة العقلية �أو الفكرية ‪ ،intellectual disability‬وهو ما كان يعرف‬
‫من قبل بالتخلف العقلي ‪� mental retardation‬إلى �أن تم تعديله‪ ،‬وهو ما تم تطبيقه بداية‬
‫م���ن يناير ‪ 2007‬عندما تم تعديل ا�س���م الجمعي���ة الأمريكية للتخل���ف العقلي ‪American‬‬
‫‪ Associaation on Mental Retardatin AAMR‬لي�صير ا�سمها في ثوبه الجديد الجمعية‬
‫الأمريكي���ة للإعاق���ة الفكري���ة واال�ض���طرابات النمائي���ة ‪American Associaation on‬‬
‫‪.Intellectual Disability and Developmental Disorders AAID-DD‬‬

‫التعريف الطبي‪:‬‬
‫ُيع��� ّد من �أقدم تعريفات الإعاقة العقلية‪� ،‬إذ ُيع ّد الأطباء من �أوائل المهتمين بتعريف‬
‫وت�شخي�ص الإعاقة العقلية‪.‬‬
‫وق���د ركز التعريف الطبي على �أ�س���باب الإعاقة العقلية‪ ،‬وعل���ى ذلك يتمثل التعريف‬
‫الطبي للإعاقة العقلية في و�ص���ف الحالة و�أعرا�ضها و�أ�سبابها‪ ،‬وقد وجهت انتقادات لهذا‬
‫التعريف تتمثل في و�صف الإعاقة العقلية بطريقة رقمية تعبر عن م�ستوى ذكاء الفرد‪.‬‬
‫‪355‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫التعريف ال�سيكو مرتي‪:‬‬


‫ظه���ر التعريف ال�س���يكو متري للإعاق���ة العقلية نتيجة لالنتقادات الت���ي وجهت للتعريف‬
‫الطبي‪ ،‬واعتمد على ن�سبة الذكاء بو�صفه مح ًّكا في تعريف الإعاقة العقلية‪ ،‬وقد اعتبر الأفراد‬
‫الذين تقل ن�سبة ذكائهم عن ‪ 75‬معاقين عقل ًّيا على منحى التوزيع الطبيعي للقدرة العقلية‪.‬‬

‫التعريف االجتماعي‪:‬‬
‫ظه���ر التعريف االجتماعي للإعاق���ة العقلية لالنتقادات الموجه���ة لمقايي�س القدرة‬
‫العقلي���ة في قدرته���ا على قيا�س القدرة العقلي���ة للفرد‪ ،‬وركز على م���دى تفاعل الفرد مع‬
‫مجتمعه وا�ستجابته للمتطلبات االجتماعية المتوقعة منه مقارنة مع نظرائه من المجموعة‬
‫العمرية نف�س���ها‪ ،‬وعلى ذلك ُيع ّد الفرد معو ًقا �إذا ف�شل في القيام بالمتطلبات االجتماعية‬
‫المتوقعة منه‪.‬‬

‫تعريف اجلمعية الأمريكية للتخلف العقلي‪:‬‬


‫ظهر نتيجة لالنتقادات التي وجهت �إلى التعريف ال�سيكومتري والتعريف االجتماعي‪،‬‬
‫فقد جمع بين المعيار ال�سيكو متري واالجتماعي‪.‬‬

‫وظهر تعريف هيرب‪ ،‬وي�شري �إىل‪:‬‬


‫(تمثل الإعاقة العقلية م�س���توى الأداء الوظيفي العقلي الذي يقل عن متو�سط الذكاء‬
‫بانحراف معياري واحد‪ ،‬وي�ص���احبه خلل في ال�س���لوك التكيفي‪ ،‬ويظهر في مراحل العمر‬
‫النمائية منذ الميالد وحتى �سن ‪� 16‬سنة)‪.‬‬

‫تعريف بيجو‪:‬‬
‫الذي يعاني محدودية في الخبرة ال�س���لوكية التي ت�شكلت نتيجة للأحداث التي ت�ؤلف‬
‫تاريخه‪( .‬اهتم بال�سلوك)‪.‬‬
‫‪356‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تعريف مري�سر‪:‬‬
‫�إن الإطار االجتماعي للفرد هو الذي يحدد فيما �إذا كان متخل ًفا عقل ًّيا �أم ال‪( .‬اهتمت‬
‫العالمة مير�سر بالإطار االجتماعي؛ لأنها عالمة اجتماع)‪.‬‬

‫تعريف الرتبويني‪:‬‬
‫ينتج التخلف العقلي عن عدم مالءمة البيئة التعليمية‪ ،‬وعدم قدرتها على اال�ستجابة‬
‫لالحتياجات التعليمية‪.‬‬

‫تعريف جريفي�س‪:‬‬
‫�إن ه���ذه الحالة تعبر عن حالة توقف �أو عدم اكتمال نمو الدماغ الناتج عن مر�ض �أو‬
‫�إ�صابة قبل المراهقة �أو ب�سبب عوامل جينية‪( .‬اهتم جيرفي�س بوجهة نظر طبية عن عدم‬
‫اكتمال نمو الجهاز العقلي)‪.‬‬
‫ • كل ما �س���بق من التعاريف ناق�صة‪ ،‬وال تعطي تعري ًفا حقيق ًّيا وكام ًال لل�شخ�ص‬
‫المعاق‪� ,‬أما التعريف الكامل لل�شخ�ص المعاق فهو ما ي�أتي‪:‬‬

‫تعريف جرو�سمان‪:‬‬
‫الذي ين�ص على‪�( :‬إن الإعاقة العقلية تمثل م�ستوى الأداء الوظيفي العقلي الذي يقل‬
‫عن المتو�س���ط بانحرافين معياريين‪ ،‬وي�ص���احب ذلك خلل وا�ض���ح في ال�س���لوك التكيفي‪،‬‬
‫ويظهر ذلك في مراحل العمر النمائية منذ الميالد وحتى �سن ‪� 18‬سنة)‪.‬‬

‫التعريف احلديث‪:‬‬
‫الإعاقة العقلية هي حالة ت�شير �إلى جوانب ق�صور ملمو�سة في الأداء الوظيفي الحالي‬
‫للفرد‪ ،‬كق�ص���ور في التوا�ص���ل والعناية الذاتي���ة والحياة المنزلية والمه���ارات االجتماعية‬
‫والمهارات الأكاديمية‪ ،‬وتظهر الإعاقة العقلية قبل �سن الثامنة ع�شرة‪.‬‬
‫‪357‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫�صفات املعاق عقل ًّيا‪:‬‬


‫ •تدني القدرة العقلية‪.‬‬
‫ •�سبب التخلف يعود �إلى عوامل تكوينية‪.‬‬
‫ •يظهر التخلف خالل النمو‪ ،‬وي�ستمر �إلى الن�ضج‪.‬‬
‫ •عدم الكفاية االجتماعية‪.‬‬

‫ن�سبة الإعاقة العقلية‪:‬‬


‫تختل���ف م���ن مجتمع �إلى �آخر تب ًعا لع���دد من المتغيرات‪ ،‬مثل درج���ة الإعاقة العقلية‬
‫والبرامج الوقائية‪ ،‬وتتراوح ن�س���بة الإعاقة العقلية من الناحية النظرية ما ن�س���بته ‪ %3‬من‬
‫�سكان المجتمع‪.‬‬
‫ت�ضمن تقرير اليون�سكو (‪ )1981‬عدد المعوقين في الدول العربية هو (‪ )5878‬فردًا‬
‫يمثلون ن�س���بة تقدر بنحو ‪ ،%5‬وفي الواليات المتحدة الأمريكية قدرت عدد حاالت الإعاقة‬
‫العقلية عام (‪ )1970‬ب�ستة ماليين معاق عقل ًّيا‪.‬‬

‫ت�صنيف الإعاقة العقلية‪:‬‬


‫ت�صنف الإعاقة العقلية بح�سب متغير ن�سبة الذكاء �إلى‪:‬‬
‫(�أ ) الإعاقة العقلية الب�سيطة‪ :‬ت�شكل ن�سبة ‪ %10‬من الأطفال املعاقني عقل ًّيا‪ ،‬وترتاوح ن�سبة‬
‫الذكاء لهذه الفئة ‪.70 -55‬‬
‫(ب) الإعاقة العقلية المتو�سطة‪ :‬ت�شكل هذه الفئة ‪ %10‬من الأطفال المعاقين‪ ،‬وتتراوح‬
‫ن�سبة ذكائهم ‪.55 -40‬‬
‫(ج) الإعاقة العقلية ال�شديدة‪ :‬ت�شكل ما ن�سبته ‪ %5‬من الأطفال المعاقين عقل ًّيا‪ ،‬ون�سبة‬
‫ذكائهم ‪ 40‬فما دون‪.‬‬
‫‪358‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ت�صنيف حاالت الإعاقة العقلية بح�سب متغري البعد الرتبوي‪:‬‬


‫( �أ ) ح����االت القابلني للتعلم‪ :‬يت����م الرتكيز لهذه الفئة على الربام����ج الرتبوية الفردية واخلطة‬
‫التعليمية الفردية‪.‬‬
‫(ب) ح����االت القابل��ي�ن للتدري����ب‪ :‬يت����م الرتكي����ز عل����ى الربام����ج املهني����ة والتهيئ����ة املهني����ة‬
‫والت�أهيل املهني‪.‬‬
‫(ج) حاالت االعتماديني‪ :‬يتم الرتكيز لهذه الفئة على برامج مهارات احلياة اليومية‪.‬‬

‫ت�صنيف اجلمعية الأمريكية للتخلف العقلي‪:‬‬


‫(�أ) الإعاقة العقلية الب�سيطة‪.‬‬
‫(ب) الإعاقة العقلية املتو�سطة‪.‬‬
‫(ج) الإعاقة العقلية ال�شديدة‪.‬‬
‫(د) الإعاقة العقلية ال�شديدة جدًّا‪.‬‬

‫�أ�سباب الإعاقة العقلية‪:‬‬

‫�أ�سباب ما قبل الوالدة‪:‬‬


‫(�أ) العوامل الجينية‪:‬‬
‫وهي العوامل الوراثية التي ت�أخذ ثالثة �أ�شكال‪:‬‬
‫‪ -1‬اجلينات ال�سائدة‪ .‬وتعرف ال�صفات الوراثية ب�أنها قوية ومرغوب فيها‪ ،‬ويكفي جني‬
‫واحد لظهورها �أحيا ًنا‪.‬‬
‫‪ -2‬اجلينات الناقلة‪ .‬وتعرف ال�صفات الوراثية الناقلة ب�أنها �صفات غري مرغوب فيها‪،‬‬
‫ولكنها ال تظهر على الفرد‪.‬‬
‫‪ -3‬اجلينات املتنحية‪ .‬وتعرف ال�صفات الوراثية املتنحية ب�أنها �صفات وراثية مر�ضية‬
‫وغري مرغوب فيها‪ ،‬وال بد من توافر جينني متنحيني لظهورها‪.‬‬
‫‪359‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫الإعاق���ة العقلي���ة الناتجة ب�س���بب اختالف العامل الرايز�س���ي‪� :‬إن اخت�ل�اف العامل‬
‫الرايز�سي بين الأم والجنين ي�ؤدي �إلى تكوين �أج�سام م�ضادة من قبل ج�سم الأم‪ ،‬فتهاجم‬
‫الكريات الحمراء لدى الجنين والتالي �إما وفاته �أو حدوث التخلف العقلي لديه‪.‬‬
‫(ب) العوامل غير الجينية‪:‬‬
‫ •الأمرا�ض التي ت�صيب الأم‪ .‬مثل مر�ض الح�صبة الألمانية والزهري وال�سكري‪.‬‬
‫ •�س���وء التغذية للأم الحام���ل‪ .‬نق�ص المواد الغذائية ي����ؤدي �إلى تلف في الجهاز‬
‫الع�صبي‪.‬‬
‫ •الأ�شعة ال�س���ينية‪ .‬ت�ؤدي الأ�شعة �إلى الإعاقة ب�أنواعها و�إلى اللوكيميا والت�شوهات‬
‫الخلقية للجنين والإجها�ض‪.‬‬
‫ •العقاقير والأدوية‪ .‬ت�ؤدي �إلى الإعاقات ب�أنواعها والت�ش���وهات الج�س���مية للجنين‬
‫وتدني القدرة العقلية وتزايد معدل الوفيات لدى الأطفال‪.‬‬
‫ •تلوث الماء والهواء‪ .‬ي�ؤدي ذلك �إلى م�شكالت في الجهاز التنف�سي للأم الحامل‬
‫ونق�ص ن�سبة الأك�سجين التي ت�صل �إلى الجنين‪.‬‬

‫�أ�سباب في �أثناء الوالدة‪:‬‬


‫ •نق�ص الأك�س���جين ف���ي �أثناء الوالدة‪ .‬ي����ؤدي ذلك �إلى �إحداث تل���ف في الخاليا‬
‫الدماغية‪ ،‬ومن �أ�س���باب نق�ص الأك�سجين ت�س���مم الجنين وانف�صال الم�شيمة �أو‬
‫طول عملية الوالدة �أو ع�سرها‪ ،‬وغير ذلك من الأ�سباب‪.‬‬
‫ •ال�ص���دمات الج�س���دية‪ :‬مثل �سحب ر�أ�س الجنين �أو ا�س���تخدام الأدوات الخا�صة‬
‫بعملية الوالدة القي�صرية‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫ •االلتهابات‪ :‬مثل التهاب ال�سحايا والتهاب الدماغ والتهابات �أخرى‪.‬‬
‫‪360‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�أ�سباب ما بعد الوالدة‪:‬‬


‫ •�س���وء التغذية‪ :‬من ال�ضروري �أن يت�ض���من غذاء الطفل بعد عملية الوالدة المواد‬
‫الرئي�س���ية الالزمة لنمو الج�س���م‪ ،‬كالمواد البروتينية والكربوهيدرات والأمالح‬
‫والفيتامينات‪.‬‬
‫ •الحوادث وال�صدمات‪ :‬ت�صاحب الحوادث وال�صدمات عادة نق�ص الأك�سجين �أو‬
‫نزيف في الدماغ �أو ك�سور في الجمجمة �أو المخ‪.‬‬
‫ •الأمرا�ض وااللتهابات‪ :‬مثل مر�ض النكاف والح�صبة والجدري‪.‬‬
‫ •العقاقي���ر والأدوية‪ :‬مثل المنومات والمهدئات والأفيون والم�ش���روبات الكحولية‬
‫والتدخين‪.‬‬

‫خ�صائ�ص المعاقين عقل ًّيا على �أ�سا�س جوانب النمو‪:‬‬


‫ •الخ�صائ�ص الج�سمية‪.‬‬
‫ •الخ�صائ�ص الحركية‪.‬‬
‫ •الخ�صائ�ص المعرفية‪.‬‬
‫ •الخ�صائ�ص اللغوية‪.‬‬
‫ •الخ�صائ�ص ال�شخ�صية‪.‬‬
‫ •الخ�صائ�ص االجتماعية‪.‬‬

‫الخ�صائ�ص الج�سمية‪:‬‬
‫‪ -1‬مييل معدل النمو اجل�سمي للمعاق عقل ًّيا �إىل االنخفا�ض ب�شكل عام تب ًعا لدرجة الإعاقة‪.‬‬
‫‪ -2‬الحالة ال�صحية العامة تت�سم بال�ضعف العام ما يجعلهم ي�شعرون ب�سرعة الإجهاد‬
‫والتعب‪.‬‬
‫‪361‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫الخ�صائ�ص الحركية‪:‬‬
‫ •الجوانب الحركية تعاني � ً‬
‫أي�ضا بط ًئا في النمو تب ًعا لدرجة الإعاقة‪ ،‬فنجد �أنهم‪:‬‬
‫‪ -1‬يت�أخرون يف �إتقان مهارة امل�شي‪.‬‬
‫‪ -2‬يواجهون �صعوبات يف االتزان احلركي والتحكم يف اجلهاز الع�ضلي‪ ،‬خا�صة يف‬
‫املهارات احلركية الدقيقة‪.‬‬
‫ •المه���ارات الحركية الدقيقة‪ :‬هي المهارات التي تتطلب ا�س���تخدام الع�ض�ل�ات‬
‫ال�صغيرة‪ ،‬كع�ضالت اليد والأ�صابع‪.‬‬

‫الخ�صائ�ص المعرفية‪:‬‬
‫ــ التذكر (‪)Memory‬‬ ‫ ‬
‫ــ االنتباه(‪)Attention‬‬
‫ــ التخيل (‪)Imagination‬‬ ‫ــ التمييز (‪)Discrimination‬‬
‫ ‬
‫ــ االنتباه(‪)Attention‬‬ ‫ــ التفكير (‪)Thinking‬‬
‫ ‬
‫ • يعاني المعاق عقل ًّيا �ضعف القدرة على االنتباه والقابلية العالية للت�شتت‪:‬‬
‫ــ عدم مثابرتهم �أو موا�صلتهم الأداء يف املوقف التعليمي �إذا ا�ستغرق املوقف فرتة‬
‫زمنية متو�سطة �أو منا�سبة للعاديني‪.‬‬
‫ــ من الأ�سباب الرئي�سة ل�ضعف التعلم العار�ض عند املعاق عقل ًّيا‪.‬‬
‫ • التعلم العار�ض‪ :‬التعلم من الخبرة وب�شكل غير مق�صود‪.‬‬

‫التذكر (‪: )Memory‬‬


‫ •يواج���ه المعوق عقل ًّيا �ص���عوبات ف���ي التذكر مقارن���ة ب�أقرانهم غي���ر المعوقين‪،‬‬
‫خا�صة الذاكرة القريبة المدى‪.‬‬
‫‪362‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ •الذاك���رة ق�ص���يرة المدى‪� :‬أي تذكر الأحداث والمثي���رات التي تعر�ض لها الفرد‬
‫قبل فترة زمنية وجيزة‪.‬‬
‫ــ العوامل التي ت�سهم يف �ضعف الذاكرة‪:‬‬
‫‪� -1‬ضعف االنتباه‪.‬‬
‫‪� -2‬ضعف القدرة على القيام بعمليات ال�ضبط املتتابعة التي ُتع ّد �ضرورية لإعادة‬
‫تكرار ال�شيء يف ذهن ال�شخ�ص حتى ي�ستطيع �أن يحفظه‪.‬‬

‫التخيل (‪:)Imagination‬‬
‫ •المعاق عقل ًّيا ب�شكل عام ذو خيال محدود‪.‬‬
‫ •فالتخيل يتطلب درجة عالية من القدرة على ا�ستدعاء ال�صورة الذهنية وترتيبها‬
‫في �سياق منطقي ذي معنى‪.‬‬

‫التمييز (‪:)Discrimination‬‬
‫ •عملية التمييز عند المعاق دون الم�ستوى مقارنة بالعاديين‪.‬‬

‫التفكير‪:‬‬
‫ •التفكير من �أرقى العمليات العقلية و�أكثرها تعقيدً ا‪ ،‬فهو يتطلب درجة عالية من‬
‫القدرة على التخيل والتذكر والتعليل‪ ،‬وغير ذلك من العمليات العقلية‪.‬‬
‫ •القدرة على التفكير المجرد‪ ،‬التي تعك�س ب�شكل كبير القدرة العقلية المنخف�ضة‬
‫ب�شكل عام لدى المعاق عقل ًّيا‪.‬‬

‫الخ�صائ�ص ال�شخ�صية‪:‬‬
‫‪ -1‬الإح�سا�س بالدونية!‬
‫‪363‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫ •انخفا�ض م�ستوى قدرته العقلية وق�صور �سلوكه التكيفي ي�ضعه في موقف �ضعيف‬
‫بالن�سبة �إلى �أقرانه‪.‬‬
‫ •انخفا����ض التوقع���ات االجتماعية من���ه‪ ،‬حيث يعامل���ه الآخرون على �أنه �إن�س���ان‬
‫مختلف‪ ،‬وال يتوقعون منه الكثير‪.‬‬
‫‪ -2‬توقع الف�شل في �أداء المهمات المطلوب �أدا�ؤها دون �أن يجرب �أو يحاول �أداءها‪.‬‬
‫‪ -3‬اال�ست�سالم �أمام ال�صعوبات الأولى التي تواجهه‪ ،‬وال يحاول تجريب طرق �أخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬انخفا�ض م�ستوى الدافعية‪ :‬حالة ا�ستثارة داخلية تحرك المتعلم ال�ستغالل �أق�صى‬
‫طاقاته في �أي موقف تعليمي ي�شترك فيه‪ ،‬ويهدف �إلى �إ�شباع دوافعه للمعرفة‬
‫وموا�صلة تحقيق الذات‪.‬‬

‫الخ�صائ�ص اللغوية‪:‬‬
‫ •يعاني المتخلفون عقل ًّيا بطء النمو ب�شكل عام‪ ،‬ويمكن مالحظة ذلك في مراحل‬
‫الطفولة المبكرة‪.‬‬
‫ •فالمعاق بدرجة �شديدة‪ :‬يكون عاج ًزا عن النطق‪ ،‬حيث نموهم ال يتعدى مرحلة‬
‫�إ�صدار �أ�صوات ال تكون مفهومه في الغالب‪.‬‬
‫ •والمع���اق بدرجة متو�س���طة‪ :‬يواجه �ص���عوبات مختلفة في الكالم وتت�ص���ف لغته‬
‫بالنمطية‪.‬‬
‫ •والمعاق بدرجة ب�سيطة‪ :‬يت�أخر في النطق‪ ،‬ولكنه يطور قدرة على الكالم‪.‬‬

‫الخ�صائ�ص االجتماعية‪:‬‬
‫ •الميل �إلى اللعب والم�شاركة في المجموعات العمرية التي ت�صغرهم �س ًّنا! نظ ًرا‬
‫ل�شعورهم بعدم قدرتهم على التناف�س مع �أقرانهم العاديين‪.‬‬
‫‪364‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫قيا�س الإعاقة العقلية وت�شخي�صها‪:‬‬


‫يجب قيا�س كل من القدرة العقلية وال�سلوك التكيفي لدى الفرد من خالل ا�ستخدام‬
‫كل من اختبارات الذكاء وال�سلوك التكيفي‪.‬‬

‫اختبارات الذكاء‪:‬‬
‫و�شيوعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُيع ّد مقيا�س بينيه ومقيا�س وك�سلر للذكاء من �أكثر المقايي�س �شهرة‬
‫تتف���ق معظم الم�ص���ادر على �أن ال�ش���خ�ص ُيع ّد معو ًقا عقل ًّيا عندم���ا ينخف�ض معامل‬
‫ذكائ���ه بمقدار انحرافين معياريين عن المتو�س���ط ‪ .‬ويعني هذا ح�ص���ول المفحو�ص على‬
‫معام���ل ذكاء (‪� )70‬أو �أقل على مقيا�س وك�س���لر �أو معام���ل ذكاء (‪� )68‬أو �أقل على مقيا�س‬
‫بيني���ه ‪ .‬حيث �إن االنح���راف المعياري لمقيا����س بينية (‪ .)16‬بينما االنح���راف المعياري‬
‫لمقيا�س وك�سلر (‪.)15‬‬
‫الجدي���ر بالذك���ر �أن جميع االختبارات العقلية �ص���ممت �إح�ص���ائ ًّيا‪ ،‬بحيث يح�ص���ل‬
‫المفحو�ص متو�سط الذكاء على (‪.)100‬‬

‫مقيا�س ال�سلوك التكيفي‪:‬‬


‫�إن مقايي�س ال�س���لوك التكيفي تقي�س درجة ان�س���جام �س���لوك الطفل مع مجموعة من‬
‫التوقعات االجتماعية لمن هم في مثل �سنه‪.‬‬
‫وتت�ض���من هذه المقايي�س فقرات تقي�س اال�س���تقاللية الذاتية في �أداء مهمات الحياة‬
‫اليومية والمهارات الحركية واللغوية والعالقة مع الأقران والقدرة على تحمل الم�س�ؤولية‪.‬‬
‫ُيع ّد مقيا�س ال�س����لوك التكيفي الذي ن�ش����رته الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي من‬
‫ش����يوعا وقبو ًال في �أو�س����اط العاملين ف����ي مجال الإعاقة‬
‫�أكثر مقايي�س ال�س����لوك التكيفي � ً‬
‫العقلية‪.‬‬
‫‪365‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫وجدي���ر بالذكر �أن االعتماد عل���ى اختبارات الذكاء وغيرها م���ن المقايي�س المقننة‬
‫بمفرده���ا كثي��� ًرا ما يقود �إلى الوقوع في �أخطاء ت�شخي�ص���ية �س���لبية على الفرد والأ�س���رة‪.‬‬
‫ويلزم �أن ت�ش���تمل عملية الت�ش���خي�ص على مزيد من المعلومات والبيانات التي ت�ساعد على‬
‫تكوين �صورة �أف�ضل عن المفحو�ص‪.‬‬

‫ـ ـ الإعاقة العقلية‪ :‬تاريخها ‪ -‬مفهومها‪.‬‬


‫ـ ـ ن�سبة انت�شار الإعاقة العقلية‪.‬‬ ‫ـ ـ �صفات املعاق عقل ًّيا‪ .‬‬
‫ـ ـ �أ�سباب الإعاقة العقلية‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ـ ـ ت�صنيف الإعاقة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الت�أخر الدرا�سي‪:‬‬


‫الت�أخر الدرا�س���ي‪ ،‬هو ما ُيمثل انخفا�ض ن�س���بة التح�ص���يل الدرا�س���ي دون الم�ستوى‬
‫العادي المتو�سط‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬
‫‪ -1‬ت�أخر درا�سي عام‪� ،‬أ�سا�سه انخفا�ض ن�سبة الذكاء‪ ،‬حيث ترتاوح بني ‪.85 -70‬‬
‫‪ -2‬ت�أخر درا�سي خا�ص‪ ،‬يف مادة بعينها‪ ،‬كاحل�ساب مثلاً و�أ�سا�سه نق�ص القدرة اخلا�صة‬
‫بتح�صيل املادة‪.‬‬

‫�أ�سباب الت�أخر الدرا�سي‪:‬‬


‫من �أهم �أ�سباب الت�أخر الدرا�سي ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪� -1‬أ�سباب ع�ضوية مثل التلف املخي‪ ،‬و�ضعف احلوا�س‪ ،‬مثل ال�سمع والب�صر‪ ،‬وال�ضعف‬
‫ال�صحي العام وا�ضطراب الكالم‪.‬‬
‫‪ -2‬ال�ضعف العقلي والغباء ونق�ص القدرات العقلية‪.‬‬
‫‪� -3‬ضعف الذاكرة والن�سيان‪.‬‬
‫‪366‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -4‬ا�ض���طراب احلي���اة النف�س���ية عن���د املتعلم و�ص���حته النف�س���ية واجلو النف�س���ي و�س���وء‬
‫التوافق العام‪.‬‬
‫‪� -5‬س���وء التوافق الأ�س���ري‪ ،‬والعالقات الأ�س���رية امل�ض���طربة‪ ،‬و�أ�س���لوب الرتبية اخلاطئ‪،‬‬
‫وا�ض���طراب الظروف االقت�ص���ادية‪ ،‬والقلق على التح�ص���يل‪ ،‬وارتفاع م�ستوى الطموح‬
‫مبا ال يتنا�سب مع قدرات التلميذ‪.‬‬
‫‪� - 6‬سوء التوافق املدر�سي‪ ،‬و ُبعد املواد الدرا�سية عن الواقع‪ ،‬وعدم منا�سبة املناهج وطرق‬
‫التدري�س‪ ،‬وعدم منا�س���بة اجلو املدر�سي العام‪ ،‬وعدم مالءمة نظم االمتحانات‪ ،‬وقلة‬
‫االهتمام بالدرا�سة‪ ،‬وكرثة الغياب والهروب‪ ،‬ونق�ص �أو انعدام التوجيه الرتبوي‪.‬‬
‫‪� -7‬سوء التوافق االجتماعي‪ ،‬والعالقات االجتماعية امل�ضطربة‪.‬‬
‫‪ -8‬امل�ش���كالت االنفعالي���ة والإحب���اط‪ ،‬وعدم االت���زان االنفع���ايل‪ ،‬والقلق‪ ،‬واال�ض���طراب‬
‫الع�صبي مبا ي�ؤثر يف اال�ستذكار وتركيز االنتباه‪.‬‬
‫‪� -9‬ضعف الدافعية‪ ،‬ونق�ص املثابرة‪ ،‬وعدم بذل اجلهد الكايف يف التح�صيل‪.‬‬
‫‪ -10‬االعتم���اد الزائ���د عل���ى الآخري���ن‪ ،‬كما يتب���ع يف الدرو�س اخل�صو�ص���ية التي انت�ش���ر‬
‫ا�ستخدامها ب�صورة فائقة‪ ،‬حيث �أ�صبحت املنازل‪ ،‬كما لو كانت مدار�س للأبناء‪.‬‬
‫‪ -11‬احلرمان الثقايف العام وت�أثريه ال�سلبي يف التفكري والتح�صيل‪.‬‬

‫�أعرا�ض الت�أخر الدرا�سي‪:‬‬


‫ُي�ستدل على الت�أخر الدرا�سي من الأعرا�ض الآتية‪:‬‬
‫‪� -1‬أن الذكاء (�أقل من املتو�سط) �أو ال�ضعف العقلي هو ال�سمة الظاهرة عند الت�أخر الدرا�سي‪.‬‬
‫‪ -2‬الأعرا�ض العقلية (ت�شتت االنتباه‪ ،‬وعدم القدرة على الرتكيز‪ ،‬و�ضعف الذاكرة‪،‬‬
‫وهروب الأفكار‪ ،‬وا�ضطراب الفكر)‪.‬‬
‫‪ -3‬التح�صيل (ب�صفة عامة دون املتو�سط‪ ،‬ويف مواد خا�صة �ضعيف)‪.‬‬
‫‪ -4‬الأعرا�ض الع�ضوية (الإجهاد‪ ،‬والتوتر‪ ،‬واحلركات الع�صبية واللزمات)‪.‬‬
‫‪367‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫‪ -5‬الأعرا�ض االنفعالية (العاطفة امل�ضطربة‪ ،‬والقلق‪ ،‬واخلمول والبالدة)‪.‬‬


‫‪ -6‬االكتئاب العابر وعدم الثبات االنفعايل‪ ،‬وال�شعور بالذنب‪ ،‬وال�شعور بالنق�ص‪ ،‬والغرية‪،‬‬
‫واحلقد‪ ،‬واخلجل‪ ،‬واال�ستغراق يف �أحالم اليقظة‪ ،‬و�شرود الذهن‪.‬‬
‫‪� -7‬أعرا�ض �أخرى (قلة االهتمام بالدرا�سة‪ ،‬والغياب املتكرر من املدر�سة‪ ،‬والهروب‪،‬‬
‫و�أحيا ًنا اجلناح)‪.‬‬
‫ت�شخي�ص الت�أخر الدرا�سي‪:‬‬
‫كيف للمعلم �أن ُي�شخ�ص الت�أخر الدرا�سي؟‬
‫الواقع �أن �أهم خطوات ت�شخي�ص الت�أخر الدرا�سي تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -1‬ي�ستطيع االخت�صا�صي النف�سي واملعلم واالخت�صا�صي االجتماعي مبعاونة الوالدين‬
‫درا�سة املوقف الكلي للمتعلم املت�أخر درا�س ًّيا‪.‬‬
‫‪ -2‬درا�سة امل�شكلة وتطور تاريخها والعالقات ال�شخ�صية واال�ضطرابات الع�ضوية للمتعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬درا�سة الذكاء والقدرات العقلية املختلفة با�ستخدام االختبارات النف�سية املقننة‪.‬‬
‫‪ -4‬درا�سة امل�ستوى التح�صيلي واال�ستعدادات وامليول با�ستخدام االختبارات املقننة‪.‬‬
‫‪ -5‬درا�سة اجتاهات املتعلم نحو املعلمني ونحو املواد الدرا�سية‪.‬‬
‫‪ -6‬درا�سة �شخ�صية املتعلم والعوامل املختلفة امل�ؤثرة‪ ،‬مثل �ضعف الثقة بالنف�س واخلمول‬
‫وكراهية املادة الدرا�سية‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -7‬درا�سة ال�صحة العامة للمتعلم وحوا�سه‪ ،‬مثل ال�سمع والب�صر والأمرا�ض‪ ،‬مثل الأنيميا‬
‫والأمرا�ض الأخرى‪.‬‬
‫‪ -8‬درا�سة العوامل البيئية‪ ،‬مثل تنقل املتعلم من مدر�سة لأخرى‪ ،‬وكرثة الغياب والهروب من‬
‫املدر�سة‪ ،‬و�شعور املتعلم بقيمة الدرا�سة‪ ،‬ومالءمة املواد الدرا�سية‪ ،‬وطرق التدري�س‪،‬‬
‫واجلو املدر�سي العام‪ ،‬وعالقة التلميذ بوالديه‪ ،‬واجلو الأ�سري العام‪.‬‬
‫‪368‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الوقاية من الت�أخر الدرا�سي‪:‬‬


‫للوقاية من الت�أخر الدرا�سي يجب مراعاة ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬تاليف حدوث �أ�سبابه‪� ،‬أي العوامل امل�ؤدية �إىل حدوثه‪.‬‬
‫‪ -2‬التوجيه الرتبوي املتوا�صل والتوجيه النف�سي يف املدار�س‪.‬‬
‫‪ -3‬العناية بالنواحي ال�صحية واالجتماعية للمتعلمني‪.‬‬

‫عالج الت�أخر الدرا�سي‪:‬‬


‫من �أهم مالمح عالج الت�أخر الدرا�سي التي ي�ستخدمها المعلم �أو غيره ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬القيام بالعالج عن طريق االخت�صا�صي النف�سي واملر�شد النف�سي واملعلم االخت�صا�صي‬
‫االجتماعي والوالدين والطبيب‪.‬‬
‫‪ -2‬املحافظة على م�ستوى التح�صيل ومنائه واحلماية من زيادة الت�أخر‪ ،‬وحمو الأعرا�ض‪.‬‬
‫‪ -3‬التعرف �إىل م�ش���كلة الت�أخر الدرا�س���ي بطريقة مو�ضوعية‪ ،‬و�إقامة عالقة عالجية بني‬
‫املتعلم واالخت�صا�ص���ي يف جو عالجي �س���ليم‪ ،‬وتنمية ب�ص�ي�رة املتعل���م وتنمية الدافع‬
‫للتح�ص���يل الدرا�سي‪ ،‬وت�ش���جيعه على التعديل الذاتي لل�سلوك‪ ،‬وتوجيه ن�شاطه توجي ًها‬
‫عالج ًّيا �سلي ًما‪ ،‬وحت�سني م�ستوى توافقه الأ�سري واملدر�سي واالجتماعي‪.‬‬
‫‪ -4‬من و�سائل العالج اجل�س���مي العام‪ ،‬والعالج النف�سي العام‪ ،‬والتوجيه النف�سي والرتبوي‬
‫واملهني‪ ،‬والتعليم العالجي‪ ،‬حيث توجه العناية الفردية الالزمة للمتعلم املت�أخر درا�س ًّيا‪،‬‬
‫و ُيعط���ى م���ن التمرينات العالجية ‪ -‬يف ف�ص���ول عالجية خا�ص���ة �أحيا ًن���ا‪ -‬مع االهتمام‬
‫بالقدرات واملهارات الأ�سا�سية‪ ،‬مبا ميكنه من اللحاق بزمالئه يف امل�ستوى الدرا�سي‪.‬‬
‫‪ -5‬االهتمام باملتابعة والتقومي‪.‬‬

‫الت�أخر الدرا�سي‪( :‬املفهوم ‪ -‬الأ�سباب ‪ -‬الت�شخي�ص ‪ -‬كيفية العالج)‪.‬‬


‫‪369‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬عرف الإعاقة العقلية ون�سبة انت�شارها يف املجتمع‪.‬‬
‫‪ -2‬ا�شرح كيف ت�صف الإعاقة العقلية‪.‬‬
‫‪ -3‬ما �أ�سباب الإعاقة العقلية؟‬
‫‪ -4‬اذكر �صفات املعاق عقل ًّيا‪.‬‬
‫‪ -5‬عرف مفهوم الت�أخر الدرا�سي وكيفية ت�شخي�صه‪.‬‬
‫‪ -6‬حدد �آليات عالج الت�أخر الدرا�سي‪.‬‬
‫املوهــبة‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف القارئ �إىل تاريخ االهتمام باملوهبة‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتعرف القارئ �إىل مفهوم املوهبة‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يحدد القارئ خ�صائ�ص املتفوقني عقل ًّيا‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن مييز القارئ �إ�سرتاتيجية تعليم املوهوبني‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يتعرف �إىل م�س�ؤوليات املعلم جتاه املوهوبني‪.‬‬
‫املوهــبة‬
‫‪:‬‬

‫نظرة تاريخية‪:‬‬
‫�إن االهتم���ام بالتف���وق والموهب���ة قد ظهر في وق���ت مبكر‪ ,‬ولكن لم يك���ن قائ ًما على‬
‫الأ�س�س العلمية �أو المنهجية لدرا�سة طبيعة الظاهرة‪.‬‬
‫ففي المجتمع اليوناني القديم كان التركيز على المواهب التي تحمل الطابع الع�سكري‬
‫والقوى الج�سدية‪ ،‬حيث كانوا يدربون الأطفال على االهتمام المبكر بتنمية القوى الع�ضلية‬
‫والبنية الج�سدية وكان االهتمام من�ص ًّبا على المواهب الذكورية وا�ستبعاد الإناث‪.‬‬
‫�أما في العهد الروماني فتطورت درا�س���ة التفوق والموهبة‪ ،‬وازدهرت درا�سة مختلف‬
‫�أن���واع العلوم الهند�س���ية من معمارية ومدنية ودرا�س���ة القانون وعلوم الإدارة وال�ص���ناعة‬
‫�س���واء للذكور �أو الإناث مع اقت�صار بع�ض الدرا�س���ات والوظائف على الذكور دون الإناث‪,‬‬
‫وا�ضحا في هذه الحقبة بالمتفوقين والموهوبين‪.‬‬
‫ً‬ ‫وظهر االهتمام‬
‫و�أ�س���همت الح�ضارة ال�شرقية القديمة في ال�ص���ين واليابان في تطور مفهوم التفوق‬
‫والموهبة‪ ,‬فقد اهتم ال�ص���ينيون واليابانيون بدرا�سة المواهب وتنميتها لدى الأفراد ذوي‬
‫المواهب في الأدب والعلوم والفن و�أ�صحاب االختراعات‪ ،‬فقد كانوا يحظون بتميز وا�ضح‬
‫في المجتمع ال�ص���يني والياباني‪ ،‬ويظهر من خالل االهتمام بالتعليم والمناهج والبرامج‬
‫وط���رق التدري�س المالئمة لتنمية ق���درات ومواهب الطلبة المتميزي���ن في مجاالت القيم‬
‫الأخالقية والأدب والفن والتاريخ والعلوم الطبيعية والمعرفة بالبحث العلمي ومراحله‪.‬‬
‫ولم تقم درا�س����ة منهجية لدرا�س����ة الموهبة �إال على يد العالم البريطاني فران�س����ي�س‬
‫جالتون (‪ )1911 -1822 Francis Galeton‬حيث و�ضع درا�سة منهجية لدرا�سة الموهوبين‬
‫‪374‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫من خالل بحثه في ال�سير الذاتية والنماذج التاريخية لتلك ال�سالالت من قادة وعظماء‪ ،‬و�أكد‬
‫م���ن خاللها �أن معظم المتفوقين ينحدرون من ال�س�ل�االت المتعاقبة لعائالت عريقة حققت‬
‫�إنج���ازات متعددة في �س���نوات حياتهم الما�ض���ية وع���زا وجود القدرات العقلي���ة �إلى العوامل‬
‫الوراثي���ة كما ذكر في كتابه (عبقري بالوراثة) وا�س���تخدم مجموعة من الطرق للتعرف �إلى‬
‫تاريخ الأ�س���رة وقيا�س خ�صائ�صها وتطورها‪ ،‬وكانت معظم المقايي�س التي ا�ستخدمها تقي�س‬
‫الجوانب الح�سية‪ ،‬وتعتمد على حدة الإب�صار وال�سمع والقوة الحركية والع�ضلية وقيا�س زمن‬
‫الرجع‪ ,‬وهو �أول من ا�ستخدم مقايي�س التقدير و�أ�سلوب التداعي الحر‪ ،‬وقام بدرا�سة الخوا�ص‬
‫الإح�صائية للفروق الفردية‪ ،‬و�أو�ضح �أن الذكاء ال يتم �إال بالمقارنة بمتو�سط ذكاء الآخرين‪،‬‬
‫واهم فكرة تو�ص���ل �إليها جالتون هي �إيجاد التوزيع االعتدالي للقدرات العقلية‪ ،‬حيث �أو�ض���ح‬
‫�أن الم�ستويات العليا والدنيا في درجات الذكاء هي الأقل انت�شا ًرا بينما الم�ستويات المتو�سطة‬
‫في ذكاء الدرجات هي الأكثر انت�شا ًرا‪ ،‬على المنحنى‪.‬‬
‫و ُيع��� ّد كاتل �أحد الرواد الم�س���اهمين في هذا المجال‪ ،‬فهو �أول من ا�س���تخدم م�ص���طلح‬
‫(اختب���ار عقلي) قد كان يعتقد �أنه يمكن التو�ص���ل �إلى الق���درات العقلية عن طريق الوظائف‬
‫الب�س���يطة التي تعتمد على النواحي الح�س���ية وعلى الرغم من ا�س���تخدامه للأ�سلوب المنهجي‬
‫والمقايي�س �إال �أن المقايي�س التي ا�ستخدمها لم تكن مو�ضوعية منه من حيث قيا�سها للقدرات‪،‬‬
‫حيث �إن االرتباط بين كل من نتائج االختبارات الح�سية وبين الأداء الأكاديمي �ضعيف‪.‬‬
‫وفي هذه الحقبة ظهر العالم الفرن�س���ي (الفرد بينيه‪ )A,Binet ,‬الذي اهتم بدر�س‬
‫الط���ب‪ ،‬واهت���م بالعمليات العقلي���ة‪ ،‬وانتق���د االختبارات الح�س���ية التي ترك���ز على قيا�س‬
‫الق���درات العقلية الب�س���يطة‪ ،‬وال ت�ص���ل �إلى م�س���توى الوظائف العقلي���ة (كالتذكر والفهم‬
‫والتقييم واال�س���تنتاج) ومن خالل عمله بو�ص���فه باح ًثا وم�ست�شا ًرا في المدار�س الفرن�سية‬
‫الح���ظ �أن هن���اك فرو ًقا فردية في ق���درة ه�ؤالء الطلبة عل���ى التعلم‪ ،‬وانتق���د طرق تقييم‬
‫المعلمي���ن له�ؤالء الطلبة‪ ،‬حي���ث تتميز بالتحيز في التقييم البعيد ع���ن النواحي الذهنية‪,‬‬
‫وتم تكليفه وزميله �سيمون عام (‪1904‬م) من قبل وزارة التربية الفرن�سية ب�إيجاد مقايي�س‬
‫‪375‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫للتعرف �إلى قدرات ه�ؤالء الطلبة وو�ض���عهم في �ص���فوف منا�سبة‪ ،‬و�صدر �أول مقيا�س عام‬
‫‪1905‬م و�سمي مقيا�س بينيه ‪� -‬سيمون للذكاء‪.‬‬
‫ولأهميت���ه ترجم �إلى لغات عدة‪ ،‬ونقل �إل���ى الواليات المتحدة على يد لوي�س تيرمان‪،‬‬
‫وقام ب�إجراء تعديل عليه وتقنينه‪ ،‬و�أطلق عليه ا�س���م (�س���تانفورد ‪ -‬بينيه) و�س���اعده على‬
‫القيام بدرا�س���ة طولية ا�س���تمرت نحو ‪� 35‬سنة للتعرف �إلى الخ�ص���ائ�ص وال�سمات العقلية‬
‫واالنفعالية والج�سدية واالجتماعية لهم ومقارنتها بالطلبة العاديين‪.‬‬
‫وف���ي نيويورك ظهرت العالمة النف�س���ية ليت���ا هولنجورث التي اهتم���ت بالمتفوقين‪،‬‬
‫عاما‪ ،‬ووجدت �أن لديهم ح�سا�س���ية مفرطة وقابلون‬ ‫وقامت بدرا�س���ة طولية ا�س���تمرت ‪ً 23‬‬
‫للت�أثر االنفعالي‪ ،‬وتظهر لديهم وبو�ضوح الم�شكالت االنفعالية واالجتماعية‪ ،‬نتيجة للبيئة‬
‫المحيطة بهم غير الواعية لما يتعر�ض���ون له من �ضغوط و�سوء فهم وتجاهل الحتياجاتهم‬
‫الفكرية والنف�س���ية واالجتماعية ما ي�ؤدي بهم �إلى �سلوكيات �سلبية �أدت درا�ستها �إلى تطور‬
‫مجال التفوق والموهبة‪.‬‬
‫وف���ي الن�ص���ف الثاني م���ن القرن الما�ض���ي ظهر االهتم���ام بالتف���وق والموهبة على‬
‫خ�صو�ص���ا بعد الحرب العالمية الثاني���ة‪ ،‬وظهر توجه جماعي‬
‫ً‬ ‫م�س���توى الحكومات والدول‬
‫لالهتمام بالو�س���ائل التربوية والتعليمية الم�س���تخدمة وطرق التدري�س والمناهج المقررة‬
‫ف���ي المدار�س والجامعات‪ ،‬وكذلك االهتمام بمختلف العلوم التكنولوجية والعلمية والفنية‬
‫للرقي بهذه الفئة‪.‬‬
‫وف���ي الق���رن الواحد والع�ش���رين �أخذ تعلي���م المتفوقين في الدول الغربي���ة والعربية‬
‫منحنى �أكثر عم ًقا‪ ،‬حيث خ�ص�ص���ت مبالغ طائلة لتطوير مجال درا�س���ة التفوق والموهبة‬
‫وت�أ�سي�س البرامج و�إيجاد التخ�ص�صات المختلفة و�إ�صدار القوانين والت�شريعات والتعليمات‬
‫الم�س���اندة لتعليم المتفوقين والإ�صرار على التغلب على جميع ال�صعاب‪ ،‬وبرزت الخدمات‬
‫التربوية والإر�ش���ادية المتطورة‪ ،‬وا�ستمر االهتمام بو�س���ائل القيا�س والت�شخي�ص والتقييم‬
‫المنا�س���بة لنوعي���ة التف���وق والموهبة‪ ،‬ون�ش���طت حركة التقني���ن للمقايي����س واالختبارات‬
‫‪376‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫المختلف���ة للق���درات العقلية وازدهار ح���ركات الترجمة للدرا�س���ات والأبحاث وانت�ش���رت‬


‫وخ�صو�ص���ا في �أوروبا‬
‫ً‬ ‫العيادات الإر�ش���ادية واالجتماعية للعناية بالمتفوقين والموهوبين‪،‬‬
‫و�أمري���كا عل���ى �أ�س���ا�س �أنها م���ن ال�ض���روريات المرافقة لتطوي���ر الموهب���ة وتنميتها ومن‬
‫المتطلبات الرئي�سة لتعليم المتفوقين‪.‬‬

‫مفهوم املوهبة ‪:Giftednees‬‬


‫نقا�ش���ا وتداو ًال‪ ،‬حيث ال يوجد تعريف وا�ض���ح‬
‫�إن تعريف الموهبة من �أكثر الق�ض���ايا ً‬
‫ومقبول لهذا الم�صطلح‪ ،‬وتعددت الدرا�سات والأبحاث في مجال درا�سة القدرات العقلية‬
‫التي من خاللها ا�ستخدمت م�صطلح الموهبة (‪ )Giftednees‬وم�صطلح (‪ )Talent‬على‬
‫�أ�س���ا�س �أنهما مفهومان مترادفان‪ ،‬وبع�ض الدرا�سات فرقت بين هذين الم�صطلحين‪ ،‬وتم‬
‫التمييز بين الم�صطلحين على النحو الآتي‪:‬‬
‫فم�ص���طلح الموهبة كان �ش���ائ ًعا في حقبة الأربعينيات والخم�سينيات الميالدية من‬
‫القرن الما�ضي‪ ،‬ويق�صد بها‪:‬‬
‫ •الفرد الذي لديه قدرة عالية �أو �أكثر من القدرات الخا�صة‪.‬‬
‫ •هو من يتمتع بذكاء رفيع ي�ض���عه في الطبقة العليا التي تمثل �أذكى ‪ %2‬ممن هم‬
‫في �سنه‪.‬‬
‫ •هو الذي يت�سم بموهبة بارزة في �أي ناحية‪.‬‬
‫و�أجم���ع الباحث���ون والعلماء على �أن الموه���وب هو الذي يمتاز بالق���درة العقلية التي‬
‫يمكن قيا�سها بنوع من اختبارات الذكاء التي تحاول �أن تقي�س‪:‬‬
‫‪ -1‬القدرة على التفكري واال�ستدالل‪.‬‬
‫‪ -2‬القدرة على حتديد املفاهيم اللفظية‪.‬‬
‫‪ -3‬القدرة على �إدراك �أوجه ال�شبه بني الأ�شياء والأفكار املماثلة‪.‬‬
‫‪377‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫‪ -4‬القدرة على الربط بني التجارب ال�سابقة املواقف الراهنة‪.‬‬


‫�أما م�ص���طلح ‪ Talent‬ف ُيع ّد حديثا ن�س���ب ًّيا‪ ،‬حيث ظهر في الن�صف الثاني من القرن‬
‫الما�ض���ي‪ ،‬وحظي بقبول كثير من العلماء‪ ،‬وقد �ش���مل �أوجه الن�ش���اط العقلي‪ ،‬ولم يقت�صر‬
‫على قدرات خا�صة ومحددة‪.‬‬
‫ •ه���و الأداء العال���ي على �أحد المقايي�س واالختبارات الم�س���تخدمة‪� ،‬س���واء كانت‬
‫اختبارات ذكاء �أو اختبارات تح�صيلية �أو اختبارات للقدرات الخا�صة‪.‬‬
‫ •هو من و�ص���ل �أدا�ؤه �إلى م�س���توى يفوق م�س���توى زمالئه العاديين في المجاالت‬
‫العقلية الوظيفية وفق معايير تحددها الجماعة‪ ،‬ويكون مو�ضع تقديرها‪.‬‬

‫خ�صائ�ص املتفوقني‪:‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬الخ�صائ�ص الج�سمية‪:‬‬
‫تعددت الدرا�س���ة والأبحاث حول خ�ص���ائ�ص المتفوقين والموهوبين الج�س���مية منذ‬
‫وق���ت مبكر‪ .‬وقد �أكد جالتون (‪ )1869‬ت�أثي���ر العوامل الوراثية على مختلف جوانب النمو‪،‬‬
‫حيث قام ب�إجراء درا�س���ة تتبعية لعينة مكونة من �ألف �ش���خ�ص تنتمي �إلى (‪� )300‬أ�س���رة‪،‬‬
‫ً‬
‫ملحوظا له�ؤالء الأفراد في النواحي الج�سمية والعقلية‬ ‫و�أظهرت النتائج �أن هناك ت�ش���اب ًها‬
‫للعائالت والأ�سر التي ينتمون �إليها من خالل الأجيال المتعاقبة‪.‬‬
‫و�أ�ش���ارت الدرا�س���ات �إلى �أن التكوين الج�سماني وال�ص���حي للمتفوقين عقل ًّيا �أف�ضل‬
‫من التكوين الج�س���ماني وال�ص���حي للعاديين من حيث الطول والوزن والخلو من الأمرا�ض‬
‫والإعاقات والق�ص���ور الح�س���ي‪ ,‬وال يعني �أن الأطفال �أو الأ�ش���خا�ص م���ن ذوي الإعاقات ال‬
‫يمي���زون بال���ذكاء والموهبة‪ ,‬ف�إن �أ�ص���حاب الإعاقات الح�س���ية والحركي���ة لديهم مواهب‬
‫أي�ضا‪ ،‬فعلى �سبيل المثال المفكرة‪.‬‬‫� ً‬
‫‪378‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ثان ًيا‪ :‬الخ�صائ�ص العقلية‪:‬‬


‫‪ -1‬النمو العقلي‪:‬‬
‫�إن النمو العقلي للمتفوقين والموهوبين ال�صفة المهمة ال�سائدة و الأ�سا�سية التي من‬
‫خاللها يتم التعرف �إليهم‪ ,‬والذكاء هو نتيجة للتفاعل بين العوامل الوراثية والبيئة‪.‬‬
‫‪ -2‬القدرة على فهم اللغة واكت�سابها‪:‬‬
‫�إن الطفل المتفوق والموهوب يتميز بتعلم اللغة وفهمها‪ ،‬حيث ُتع ّد من الخ�ص���ائ�ص‬
‫الدالة على التفوق والموهبة في وقت مبكر من عمر الطفل ومن الخ�ص���ائ�ص الأولوية في‬
‫الظهور التي تت�ض���ح في النمو ال�س���ريع في اكت�س���اب اللغة‪ ،‬فيظهر لديهم التعبير اللفظي‬
‫لتف�سير ما يدور حولهم‪ ،‬فت�صبح لديهم من الكلمات والمفردات ما ي�ساعدهم على �إجراء‬
‫العملي���ات الذهنية المج���ردة وتكوين مفاهيم �أخرى معقدة‪ ،‬ومعالجة المو�ض���وعات وحل‬
‫الم�ش���كالت وتكوين بناء معرفي ي�س���اعدهم عل���ى فهم العالقات والترابط للمو�ض���وعات‬
‫المتعددة‪.‬‬
‫‪ -3‬القدرة على التركيز‪:‬‬
‫�إن الأطفال المتفوقين الموهوبين يتميزون بذاكرة قوية وخيال خ�صب ما يوفر لهم‪،‬‬
‫وي�ساعدهم على �إنجاز مختلف العمليات العقلية ال�صعبة‪ ،‬فالذاكرة القوية لدى الموهوب‬
‫ت�س���اعده على طرح الأ�س���ئلة وفهم العالقات المتعددة‪ ،‬ما ي�سهم في م�ساعدته على التعلم‬
‫ال�سريع واال�ستخال�ص واال�ستدالل والتو�صل �إلى النتائج بطريقة �سريعة ومتقنة‪.‬‬

‫‪ -4‬القدرة على التفكير اال�ستنتاجي‪:‬‬


‫�أظهرت الدرا�سات �أن للطفل المتفوق والموهوب قدرة على التحليل المنطقي ال�سريع‬
‫وقدرة على التقاط الإ�ش���ارات غير اللفظية والتو�ص���ل من خاللها �إلى ا�ستنتاجات للمعاني‬
‫والمو�ضوعات التي يتم فهمها من خالل تحليلها‪.‬‬
‫‪379‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫‪ -5‬القدرة على التفكير اال�ستداللي‪:‬‬


‫يتمي���ز المتف���وق والموهوب بقدرة على اال�س���تدالل وفهم العالق���ات و�إدراكها‪ ،‬حيث‬
‫ي�ضع القوانين والقواعد التي تتطلب تفكي ًرا ا�ستدالل ًّيا‪.‬‬

‫‪ -6‬القدرة الح�سابية والعددية‪:‬‬


‫يظهر لدى الطفل المتفوق الموهوب وفي �سن مبكرة القدرة على التعامل مع الأرقام‪،‬‬
‫فيظهر لديه الميل �إلى الأ�شياء التي ي�ستخدم فيها الأرقام والعد‪ ،‬وربط الأرقام مع بع�ضها‬
‫وا�ستخدام اال�ستدالل الح�سابي‪.‬‬

‫‪ -7‬القدرة على التفكير الإبداعي‪:‬‬


‫يتمي���ز ه����ؤالء المتفوق���ون والموهوبون بالتفكي���ر المب���دع و�إيج���اد االرتباطات بين‬
‫الأفكار والأ�ش���ياء والمواقف بطريقة جديدة‪ ،‬فهم يتميزون بطالقة الأفكار وتعددها وحل‬
‫الم�شكالت بطريقة غير م�ألوفة‪.‬‬
‫وتظه���ر عليهم القدرة على تقييم ونقد تلك الأفكار و�إيجاد �أوجه الق�ص���ور والنق�ص‬
‫من خالل النقد البناء المو�ضوعي القائم على التحليل لمواجهة المواقف المختلفة‪.‬‬

‫�سمات ال�شخ�صية‪:‬‬
‫يتمتع الموهوبون بعدد من ال�سمات ال�شخ�صية نتعر�ض لها فيما ي�أتي‪:‬‬

‫‪ -1‬الثقة بالنف�س‪:‬‬
‫عال من االعت���زاز بالنف�س والثقة‬
‫�إن ه����ؤالء المتفوقي���ن والموهوبين يتمي���زون بقدر ٍ‬
‫بالأعمال التي يقومون بها ما يدفعهم �إلى اال�ستقالل ب�أفكارهم‪.‬‬
‫‪380‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬ال�شعور بالم�س�ؤولية‪:‬‬
‫عال من االن�ض���باط والإح�س���ا�س بالم�س�ؤولية‪ ،‬ما‬
‫يتميز المتفوقون والموهوبون بقدر ٍ‬
‫ينعك�س على ت�صرفاتهم والقيام بالأعمال المنوطة بهم دون متابعة �أو مراقبة‪.‬‬
‫‪ -3‬القيادة‪:‬‬
‫يتمت���ع الموهوبون بامتالك القدرة عل���ى الت�أثير في الآخرين‪ ،‬والقدرة على �إقناعهم‬
‫وتوجيههم وقيادتهم‪.‬‬

‫‪ -4‬الدافعية‪:‬‬
‫ُتع ّد �سمة الدافعية من �أهم الخ�صائ�ص المرافقة للتفوق والموهبة‪ ،‬فالدافعية تت�ضح‬
‫في الإ�صرار والمثابرة والرغبة في العمل لتحقيق الإنجاز والتفوق في �أحد المجاالت التي‬
‫تثير اهتمام المتفوق �أو الموهوب‪.‬‬

‫‪ -5‬ال�صحة النف�سية‪:‬‬
‫�أثبتت الدرا�س���ات �أن المتفوقين والموهوبين يت�ص���فون بالن�ض���ج االنفعالي و�ض���بط‬
‫النف����س ولديهم �ص���حة نف�س���ية تف���وق �أقرانه���م العاديين‪ ،‬وهم ين�س���جمون م���ع التغيرات‬
‫المحيطة بهم ب�سرعة ولديهم اتزان انفعالي وهدوء نف�سي يدفعهم �إلى معالجة الم�شكالت‬
‫ب�شكل �أف�ضل دون ال�شعور باال�ضطراب �أو االرتباك‪.‬‬

‫‪ -6‬التكيف االجتماعي‪:‬‬
‫���ال من التواف���ق والتكي���ف االجتماعي‪،‬‬
‫�إن المتفوقي���ن والموهوبي���ن لديه���م ق���در ع ٍ‬
‫وانفتاحا وتقبلاً للآخرين‪ ،‬ومن جهة �أخرى قد نجد بع�ض‬‫ً‬ ‫ويتمتعون ب�شعبية بين �أقرانهم‪،‬‬
‫المتفوقي���ن والموهوبين يظهر عليهم �ض���عف في التكيف االجتماع���ي‪ ،‬ونجدهم يقاومون‬
‫ال�ض���غوط االجتماعية والقيم والمعايير‪ ،‬وال يرغبون في القيود التي قد تح ّد من حريتهم‪،‬‬
‫وتقيد �أفكارهم و�آراءهم‪.‬‬
‫‪381‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫تعليم الموهوبين‪:‬‬
‫عدد ه�ؤالء الأطفال قليل ن�سب ًّيا‪ ،‬وال بد �أن تكون المدر�سة كبيرة؛ حتى يمكن تخ�صي�ص‬
‫ف�صل خا�ص به�ؤالء المتعلمين؛ ذلك لأنه عادة ما نجد ما بين ع�شرة وخم�سين موهو ًبا في‬
‫كل �ألف من التالميذ‪ ،‬ومثل هذا العدد قد ال يتوافر في مدار�س المدن ال�ص���غيرة‪ .‬ومعنى‬
‫هذا �أن �أغلبية المعلمين �سيجدون في ف�صولهم العادية متعل ًما موهو ًبا‪ ،‬وعليهم �أن يعرفوا‬
‫الطريق للتعامل معه‪.‬‬
‫و�سواء وجد الطفل الموهوب في ف�صل خا�ص بالموهوبين �أو في الف�صل العادي‪ ،‬ف�إن‬
‫على المعلم �أن ي�سلك طري ًقا من طريقين للتعامل معه وتعليمه‪:‬‬
‫‪� -1‬إن املتعلم املوهوب متى ما انتهى من القيام بالعمل العادي اخلا�ص ب�سن معينة �أو‬
‫م�ستوى �صفي معني‪ ،‬عليه �أن ُيو�سع ما در�س‪ ،‬و�أن يف�صل فيه‪ ،‬و�أن يجد تطبيقات‬
‫جديدة ملا تعلم‪ .‬ويبدو �أن لهذا املنهج بع�ض املزايا من الناحية النظرية‪ ،‬غري �أنه‬
‫متاما ب�أعبائه وم�س�ؤولياته‪ ،‬بحيث ال يجد‬
‫ً‬ ‫يف جمال التطبيق �سنجد املعلم من�شغلاً‬
‫وقتًا كاف ًيا لتحديد وتنظيم اخلربات التعليمية التي حتقق اخل�صوبة والإثراء للمنهج‬
‫العادي الذي يدر�سه املتعلم‪ ،‬ولهذا ي�سلك املعلم طري ًقا من طريقني‪:‬‬
‫‪ -2‬اختيار مو�ضوعات �سوف يدر�سها املتعلم املتفوق يف �صف درا�سي �أعلى‪ ،‬ويدر�سها مرة �أخرى‪.‬‬
‫‪� -3‬أو �أن يختار تطبيقات �صعبة للمهارات يدر�سها يف املنهج العادي‪ ،‬ك�أن يطلب من‬
‫التلميذ املوهوب �أن ي�ضرب ‪ ،223465 *12387654‬وعلى هذا النحو ُيدرك املتعلم �أن‬
‫التقدم يف التعليم عن �أقرانه ال ُيثمر‪.‬‬

‫التعجيل الدرا�سي‪Acceleration :‬‬

‫والتعجي���ل ه���و ال�س���ماح للمتعلم ب�أن يدر�س المادة الدرا�س���ية المخ�ص�ص���ة ل�ص���ف‬
‫معين في مدة زمنية �أقل من المعتاد‪ ،‬ويمكن �أن يتخذ التعجيل �ص���و ًرا كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬قبول‬
‫المتعلمين في �سن مبكرة بالمدر�سة االبتدائية �أو الجامعة‪ ،‬ومنها النقل �إلى �صفوف �أعلى‬
‫‪382‬‬
‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫في زمن �أقل‪ ،‬ومنها تركيز التعليم‪ ،‬بحيث ُيكمل المتعلم الموهوب عمل �ص���فين درا�س���يين‬
‫في �سنة درا�سية واحدة‪.‬‬
‫ويجب �أن يتخذ قرار النقل �إلى �ص���فوف �أعلى على �أ�سا�س فردي؛ لأن بع�ض الأطفال‬
‫الأذكياء لي�س���وا نا�ض���جين ج�س���م ًّيا �أو اجتماع ًّيا‪ ،‬ونقل مثل ه����ؤالء المتعلمين مع من �أكبر‬
‫منه���م‪ ،‬يزي���د من م�ش���كالتهم م���ع �أترابهم‪ ،‬بينم���ا نقل بع�ض���هم الآخر ق���د يجعلهم �أكثر‬
‫تواف ًق���ا مع من ينقلون معهم �أو قد يتفوقون عليهم‪ .‬ومن المبالغة في نقل المتعلم المتفوق‬
‫�إلى �ص���فوف عليا توجد �ص���عوبات؛ لأنه يجابه مطالب نمائية‪ ،‬قبل �أن ي�ص���ل �إلى م�س���توى‬
‫اال�ستعداد المالئم لها‪.‬‬

‫م�س�ؤوليات المعلم تجاه الموهوبين عقل ًّيا‪:‬‬


‫‪ -1‬يحت���اج املعلم �إىل فه���م املتعلم�ي�ن املوهوبني وتقدي���ر �إمكانياتهم‪ ،‬ومعرف���ة ما يالئم‬
‫منوهم من خربات؛ حتى ي�س���تطيع توجيه ه�ؤالء املتعلمني وا�ستثارتهم بطريقة �أف�ضل؛‬
‫لي�س���اعدهم على منو �إمكانياتهم العقلية‪ ،‬وال �شك �أن قدرة املعلم على �صياغة الأ�سئلة‬
‫املث�ي�رة للمتعلم�ي�ن واقرتاح���ه م�ص���ادر املعرفة‪ ،‬وتوجيهه���م نحو االبتكار على �أ�س����س‬
‫�سليمة‪ ،‬ونحو التفكري الناقد‪ ،‬له قيمة �أكرب من جمرد تزويدهم ب�إجابات جاهزة‪.‬‬
‫منتج���ا بالن�س���بة �إىل املوهوبني �إىل �أن يع���رف معرفة دقيقة‬
‫‪ -2‬يحت���اج املعل���م لكي يكون ً‬
‫الأعم���ال املنا�س���بة للأعمار املختلفة‪ ،‬وفهم املعلم لنمو الطفل بو�ض���وح ُي�س���اعده على‬
‫التعرف على قدراته املمتازة يف جماالت خا�صة‪ ،‬ك�أن يعرف خ�صائ�ص ر�سوم الأطفال‬
‫يف كل مرحلة من مراحل النمو‪.‬‬
‫وبن���اء عل���ى ذلك يكون املعلم �أقدر على حتديد املوهبة البارزة يف ر�س���وم طفل يف‬
‫الثامن���ة م���ن عمره مثلاً ‪ ،‬ومن ال�ض���روري للمعل���م �أن يكون م���در ًكا للعوائق التي متنع‬
‫�إ�شباع حاجات املتعلم �أو تثري �صراعات يف داخله‪ ،‬و�أن يجد اً‬
‫جمال لكي ينف�س املتعلمون‬
‫عن التوترات التي يعانونها‪.‬‬
‫‪383‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب ال�سابع‪ :‬تطبيقات على درا�سة الذكاء والفروق الفردية‬

‫‪ -3‬يجب �أن يقدر املعلم على �إعطاء توجيهاته بطرق منوعة عندما تظهر احلاجة �إىل‬
‫ذلك؛ حتى ال يقيد االبتكار والأ�صالة يف التعبري ويف �أوجه الن�شاط عند املتعلمني‪،‬‬
‫فجمع املعلومات من البيئة وت�سجيلها‪ ،‬بحيث ي�سهل الرجوع �إليها وا�ستخدامها ي�شبع‬
‫املتعلم املوهوب بدرجة �أكرب من جمرد احلفظ‪.‬‬
‫‪� -4‬أن ي�ستطيع املعلم �أن ُيرثي خربات املنهج‪ ،‬مبا يتفق مع ميول املتعلمني وا�ستعداداتهم‬
‫العقلية‪ ،‬ويتطلب هذا اكت�ساب املهارة يف ا�ستخدام الإمكانيات املنا�سبة يف البيئة‬
‫املحلية‪ ،‬بحيث ُيوفر للمتعلم املتفوق حرية النمو والتطور‪ ،‬ويتيح له ا�ستغالل قدراته‬
‫على االبتكار بطريقة �إن�شائية‪.‬‬

‫املوهبة‪:‬‬
‫تاريخها ‪ -‬مفهومها ‪ -‬خ�صائ�ص املتفوقني عقل ًّيا‬
‫�إ�سرتاتيجية تعليم املوهوبني ‪ -‬م�س�ؤوليات املعلم جتاه املوهوبني عقل ًّيا‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬تكلم عن التطور التاريخي لالهتمام باملوهوبني عقل ًّيا‪.‬‬
‫‪ -2‬عرف مفهوم املوهبة‪.‬‬
‫‪ -3‬ما خ�صائ�ص املتفوقني عقل ًّيا؟‬
‫‪ -4‬ما م�س�ؤوليات املعلم جتاه املوهوبني عقل ًّيا‪ ،‬وما الإ�سرتاتيجية املنا�سبة لتعليمهم؟‬
‫�سيكولوجية التعلم‬

‫الف�صل الثاني والع�شرون‪ :‬التعريف بالتعلم ‪ -‬الأ�س�س والأهمية‪.‬‬


‫الف�صل الثالث والع�شرون‪ :‬خ�صائ�ص التعلم وم�ؤثراته‪.‬‬
‫الف�صل الرابع والع�شرون‪ :‬تف�سيرات التعلم وطرائقه‪.‬‬
‫الف�صل الخام�س والع�شرون‪ :‬علم النف�س المعرفي وتف�سير التعلم‪.‬‬
‫الف�صل ال�ساد�س والع�شرون‪ :‬عوامل التعلم و�شروطه‪.‬‬
‫الف�صل ال�سابع والع�شرون‪ :‬انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫الف�صل الثامن والع�شرون‪ :‬توجيه التعلم‪.‬‬
‫الف�صل التا�سع والع�شرون‪ :‬م�ساهمات علماء الم�سلمين في تف�سير التعلم‪.‬‬
‫التعريف بالتعلـم‬
‫الأ�س�س والأهميــــــة‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل مفهوم التعلم‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يف�سر كيف ت�سري عملية التعلم‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن مييز املتعلم بني منحنيات التعلم‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يربط بني التعلم وعالقته بال�سلوك‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يعدد املتعلم م�صادر التعلم‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يقدر املعلم دور التعلم يف تعديل ال�سلوك‪.‬‬
‫التعريف بالتعلـم‬
‫الأ�س�س والأهميــــــة‬

‫‪:‬‬
‫عالج علماء النف�س التعلم ‪ Learning‬بو�ص���فه من �أهم العمليات النف�سية‪ ،‬التي يجب‬
‫�أن نعرفها عن المتعلم ب�صفة خا�صة وعن النا�س جمي ًعا ب�صفة عامة‪ ،‬ولذلك �أقاموا كثي ًرا‬
‫من الدرا�س���ات التجريبية لمحاولة فهم التغيرات‪ ،‬التي ت�ؤدي �إلى تعلم الكائن الحي عامة‬
‫والإن�سان ب�صفة خا�صة‪.‬‬
‫والتعلم لي�س معناه دائ ًما �أن يحدث تح�سن في �أداء الفرد و�سلوكه‪ ،‬فالتعلم في الواقع‬
‫ي�ؤدي �إلى التح�سن‪ ،‬ولكن في بع�ض الأحيان قد ي�ؤدي �إلى نتائج غير مرغوب فيها‪ ،‬فالطفل‬
‫ال���ذي يعاني �إهمال والديه‪ ،‬قد يتعلم جذب االنتباه بال�ص���راخ الدائم‪ ،‬ولذلك ف�إن تعريف‬
‫التعلم يجب �أن يت�سع لي�شمل �أي ا�ستجابات جديدة‪� ،‬سواء كانت مقبولة �أو مرفو�ضة‪.‬‬
‫ونتناول في هذا كل ما يت�صل بمو�ضوع التعلم‪ ،‬بو�صفه من �أهم المو�ضوعات الخا�صة‬
‫بعلم النف�س التربوي‪.‬‬

‫مفهوم التعلم‪:‬‬

‫‪ -1‬المفهوم اللغوي للتعلم‪:‬‬


‫التعلم من الناحية اللغوية ي�شتق من العلم‪ ،‬والعلم من �صفات اهلل العليم العالم‬
‫العلاَّ م‪ .‬قال اهلل ‪ :‬ﱹ ﯦ ﯧ ﯨﱸ‪ .‬وقال‪ :‬ﱹ ﭪ ﭫ ﭬﱸ‪.‬‬
‫‪390‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وقال‪ :‬ﱹ ﮪ ﮫﱸ‪ .‬فهو اهلل العالم بما كان‪ ،‬وما يكون قبل كونه‪ ،‬وبما يكون و ِل َم يكون‬
‫قبل �أن يكون‪ .‬لم يزل عال ًما‪ ،‬وال يزال عال ًما بما كان‪ ،‬وما يكون‪.‬‬
‫وال يخفى عليه خافية في الأر�ض وال في ال�سماء �سبحانه وتعالى‪� ،‬أحاط علمه بجميع‬
‫الأ�شياء باطنها وظاهرها‪ ،‬دقيقها وجليلها‪ ،‬على �أتم الإمكان‪ .‬والعلم‪ :‬نقي�ض الجهل‪ ،‬علم‬
‫عل ًما وعلم هو نف�سه‪ ،‬ورجل عالم وعليم‪.‬‬
‫وعلمت ال�شيء �أعلمه عل ًما‪� ،‬أي عرفته‪.‬‬
‫و ُيقال‪ :‬تع َّلم في مو�ضع اعلم‪.‬‬
‫وعلمت ال�شيء بمعنى عرفته وخبرته‪.‬‬
‫وذكر ابن الأعرابي �أنه قال‪ :‬تع َّلم بمعنى اعلم‪ .‬قال‪ :‬ومنه قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﱸ‪.‬‬

‫‪ -2‬المفهوم اال�صطالحي للتعلم‪:‬‬


‫التعلي���م‪ :‬م���ن الناحية اال�ص���طالحية ُيعرف ب�أن���ه عملية تكييف لنماذج ا�س���تجابات‬
‫�س���ابقة مع تغيرات بيئية جديدة‪ ،‬حيث ينطوي على تعديل �س���لوك الفرد و�إعادة تنظيمه‪،‬‬
‫بما في ذلك تعديل الجوانب العقلية والنف�س���ية‪ .‬وينطوي � ً‬
‫أي�ض���ا على تغيرات دائمة ن�س���ب ًّيا‬
‫تطر�أ على ال�سلوك‪ ،‬وتكون النتيجة التكرار والممار�سة والتدريب‪.‬‬
‫لذل���ك‪ ،‬ف����إن الداللة اال�ص���طالحية للتعل���م تفيد �أنه تغي���ر ف���ي الأداء �أو التعديل في‬
‫ال�س���لوك‪ ،‬يت���م عن طريق الخب���رة والمران‪ .‬وه���ذا التعديل من �ش����أنه �أن يتم عند حدوث‬
‫�إ�شباع الفرد لدوافعه وتحقيق غاياته‪ ،‬وفق ما �أ�شير من قبل‪ ،‬وخا�صة عندما تقف الخبرات‬
‫القديمة والأ�س���اليب المعتادة في مواجهة ال�صعوبات �أو مواجهة المواقف الجديدة �أو غير‬
‫الم�ألوفة‪ ،‬حيث يقوم المتعلم بعملية تكيف بين الفرد والمواقف الجديدة‪ .‬والق�صد بتعديل‬
‫‪391‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫ال�س���لوك �أو تغيير الأداء‪ ،‬ال يقت�صر على ال�سلوك الظاهر �أو الحركات الظاهرة الخارجية‬
‫أي�ضا على العمليات العقلية كالتفكير‪ .‬والق�صد بالخبرة والمران‪،‬‬ ‫التي يقوم بها الفرد‪ ،‬بل � ً‬
‫ه���و م���ا يتم من خالل الأن�ش���طة التي تقوم بها الم�ؤ�س�س���ات التعليمية كالآب���اء والمعلمين‪،‬‬
‫من خالل الأ�س���رة والمدر�سة وغيرها‪ ،‬حيث يتم التعلم المق�صود المرغوب فيه واكت�ساب‬
‫المتعلم الخبرات والمهارات والمعارف الخا�صة بعملية التعلم‪.‬‬
‫مما �سبق يمكن �إيجاز تعريف التعلم من الناحية النف�سية ب�أنه‪ :‬تغير في الأداء نتيجة‬
‫الخبرة والممار�سة وح�صيلة المهارات والمعارف والخبرات التي يكت�سبها المتعلم؛ لتمكنه‬
‫من مواجهة مواقف الحياة‪.‬‬
‫وف���ي الع���ادة عن���د قيا�س الزم���ن الذي يح���دث فيه التعل���م‪ ،‬كلما نق����ص الزمن في‬
‫المحاوالت �أو الممار�س���ات �أو التدريب‪� ،‬أمكن الجزم بح���دوث التغير في �أداء الفرد‪ ،‬وفي‬
‫هذا ما معناه �أنه «تع َّلم» �أي حدث اكت�ساب للمعرفة �أو الخبرة �أو المهارة �أو ال�سلوك المراد‬
‫تعلمه‪.‬‬

‫كيف ت�سير عملية التعلم‪:‬‬


‫يمكن �أن ن�س���تدل على �سير عملية التعلم بر�ص���د الأداء ومتابعته ‪ -‬لفرد �أو مجموعة‬
‫من الأفراد ‪ -‬في مواقف تعلم مختلفة‪ ،‬ابتدا ًء من المحاوالت الأولى حتى ي�صل الأداء �إلى‬
‫م�س���توى منا�سب من الدقة والي�سر وال�سهولة‪ ،‬فنجد �أن معدل التغير في الأداء يختلف من‬
‫موق���ف لآخ���ر‪ ،‬ففي المواقف التي يتعلم فيها الفرد معلوم���ات جديدة كالطفل الذي يتعلم‬
‫رك���وب الدراجة ‪ -‬مثلاً ‪ -‬قد تزي���د الأخطاء في المحاوالت الأولى‪ ،‬م���ا ي�ؤدي �إلى تذبذب‬
‫الأداء �أو ثبوته‪ ،‬وهنا ت�س���ير عملية التعلم ببطء‪ ،‬وبتوالي المحاوالت بعد ذلك قد يتح�س���ن‬
‫الأداء‪ ،‬وت�س���ير عملية التعلم ب�س���رعة �أف�ض���ل من المحاوالت الأولى‪ ،‬حتى ي�صل الأداء �إلى‬
‫الم�ستوى المطلوب‪ ،‬وعندئذ يقال‪� :‬إن الفرد قد تعلم في هذا الموقف‪.‬‬
‫‪392‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وف���ي المواقف التي تتطلب تذكر معلومات‪ ،‬ثم حفظها قد يكون معدل التح�س���ن في‬
‫الأداء ف���ي المحاوالت الأولى �س���ري ًعا ن�س���ب ًّيا‪ ،‬حيث ي�س���هل على المتعلم تذك���ر المعلومات‬
‫الب�س���يطة ب�سرعة‪ ،‬وبتوالي المحاوالت قد يقل معدل التح�سن عن المحاوالت الأولى‪ ،‬حتى‬
‫ي�صل �إلى الم�ستوى المطلوب‪.‬‬
‫وفي المواقف التي تتطلب تعلم مهارات معقدة قد يثبت الأداء عند م�س���توى معين ال‬
‫يتح�سن بعده‪ ،‬ما يجعل المحاوالت في هذه الحالة عديمة الجدوى‪ ،‬وي�سمى هذا الم�ستوى‬
‫ب�أق�صى �أداء للمتعلم في هذا الموقف‪.‬‬
‫وق���د يتح�س���ن الأداء بعد مدة م���ن الثبوت �أو التذبذب في المحاوالت الو�س���طى عند‬
‫بع�ض الأفراد‪ ،‬وعند بع�ض���هم الآخر قد ي�أخذ في النق�صان التدريجي دون �أن ي�صل الأداء‬
‫�إلى الم�ستوى المطلوب‪.‬‬
‫وقد يرجع تذبذب الأداء �أو ثبوته وعدم تح�س���نه �إلى �ص���عوبات في مو�ض���ع التعلم �أو‬
‫�ض���عف في قدرات الف���رد العقلية‪� ،‬أو تداخل مو�ض���وعات التعلم وت�ش���عبها‪� ،‬أو �ض���عف في‬
‫الدافعية وفقدان الميل للعمل وظهور م�شتتات لالنتباه في موقف التعلم‪.‬‬

‫منحنى التعلم‪Learning curve :‬‬

‫يمثل منحنى التعلم العالقة بين المحاوالت (الممار�س���ات) التي يقوم بها الفرد في‬
‫موقف تعليمي ما والأداء في كل محاولة‪ ،‬حيث تمثل المحاوالت على المحور الأفقي والأداء‬
‫على المحور الر�أ�س���ي‪ ،‬ويختلف �شكل منحنى التعلم باختالف نوع الأداء الذي ُي�سجل على‬
‫المتعل���م في كل محاولة‪ ،‬فف���ي بع�ض المواقف قد يكون الأداء هو الزمن الم�س���تغرق‪ ،‬وقد‬
‫يك���ون عدد الأخطاء �أو معدل الحفظ‪ ،‬وقد يكون معدل الأداء ال�ص���واب‪� ،‬أو معدل التذكر‪،‬‬
‫وعلى ذلك يمكن تق�سيم منحنيات التعلم �إلى نوعين‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬منحنيات ت�صاعدية (�صاعدة)‪ :‬وهي املنحنيات التي يزداد فيها الأداء ‪ -‬من‬
‫الناحية الكمية‪ -‬مع زيادة املحاوالت‪ ،‬كما هو احلال عندما يكون الأداء هو‬
‫‪393‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫معدل التذكر �أو معدل الأداء ال�صواب‪ ،‬حيث يكون الأداء يف البداية �ضعي ًفا‪ ،‬ثم‬
‫يزداد مع توايل املحاوالت‪.‬‬
‫ب ‪ -‬منحنيات تنازلية (هابطة)‪ :‬وهي املنحنيات التي يقل فيها الأداء من الناحية‬
‫الكمية‪ ،‬مع زيادة املحاوالت وتواليها‪ ،‬كما هو احلال عندما يكون الأداء هو‬
‫عدد الأخطاء �أو الزمن امل�ستغرق‪ ،‬حيث يكون الأداء يف البداية كب ًريا ‪ -‬كم ًّيا �أو‬
‫رقم ًّيا ‪ -‬ثم يقل مع توايل املحاوالت‪.‬‬

‫ويمكن تق�سيم منحنى التعلم في �أي موقف ولأي فرد �إلى ثالثة �أجزاء‪ ،‬هي‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬بداية املنحنى‪ :‬ويق�صد بها جزء املنحنى الذي ميثل املحاوالت الأوىل ‪-‬على الأقل‬
‫�أول ثالث حماوالت ‪ -‬و�إذا كان الأداء فيها يتح�سن با�ستمرار ي�سمى املنحنى‬
‫املنحنى ذا البداية ال�سريعة‪� ،‬أما �إذا كان الأداء يف املحاوالت الأوىل ثاب ًتا �أو‬
‫متذبذ ًبا ال يتح�سن فيه الأداء‪ ،‬ف�إن املنحنى ي�سمى املنحنى ذا البداية البطيئة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬و�سط املنحنى‪ :‬ويق�صد بهذا اجلزء‪ ،‬جزء املنحنى الذي ميثل املحاوالت‬
‫الو�سطى التي يختلف عددها باختالف العدد الكلي للمحاوالت التي مر بها‬
‫الفرد‪ ،‬وباختالف نوع الأداء‪ ،‬وقد يكون الأداء يف هذا اجلزء من املنحنى‬
‫يف حت�سن م�ستمر‪ ،‬وقد يثبت الأداء فيه �أو يتذبذب‪ ،‬وي�سمى هذا اجلزء يف‬
‫تلك احلالة ه�ضبة التعلم‪ ،‬وقد ترجع اله�ضبة‪� -‬أي تذبذب الأداء �أو ثبوته يف‬
‫املحاوالت الو�سطى من منحنى التعلم ‪� -‬إىل عوامل داخلية خا�صة باملتعلم‬
‫كحالة امللل �أو ن�سيان مفاجئ �أو �ضعف قدراته‪� ،‬أو �إىل عوامل خارجية �أدت �إىل‬
‫ت�شتيت اجلهد يف التعلم يف تلك املرحلة‪.‬‬
‫جـ‪ -‬نهاية املنحنى‪ :‬ويق�صد بها جزء املنحنى الذي ميثل املحاوالت الثالثة الأخرية‬
‫التي تت�صف بالثبوت الن�سبي بو�صفها دليلاً على حدوث التعلم‪ ،‬ويحدث يف‬
‫بع�ض احلاالت عدم ثبوت الأداء يف املحاوالت الأخرية‪ ،‬وقد ال ي�صل املتعلم �إىل‬
‫م�ستوى الأداء املطلوب‪.‬‬
‫‪394‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫والأ�شكال الآتية تمثل نماذج من منحنيات التعلم‪:‬‬

‫ا�ستقرار‬
‫‪10‬‬
‫معدل التذكر‬

‫‪9‬‬
‫‪8‬‬ ‫م��ن��ح��ن��ى ���ص��اع��د ذو‬
‫‪7‬‬
‫‪6‬‬ ‫ه�ضبة تعلم‬ ‫بداية �سريعة‪ ،‬ويحتوي على‬
‫‪5‬‬ ‫ه�ضبة تعلم‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫بداية �سريعة‬
‫‪3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6 7 8 9‬‬
‫عدد املحاوالت (املمار�سات)‬

‫‪10‬‬ ‫بداية بطيئة‬


‫الزمن �أو عدد الأخطاء‬

‫‪9‬‬
‫‪8‬‬
‫‪7‬‬ ‫م��ن��ح��ن��ى ه���اب���ط ذو‬
‫‪6‬‬ ‫ب��داي��ة بطيئة‪ ،‬وال يحتوي‬
‫‪5‬‬ ‫حت�سن تدريجي‬ ‫على ه�ضبة تعلم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪3‬‬
‫‪2‬‬ ‫ا�ستقرار‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6 7 8 9‬‬
‫عدد املحاوالت (املمار�سات)‬
‫‪395‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫ا�ستقرار‬
‫‪10‬‬
‫م�ستوى الأداء ال�صواب (تعلم مو�ضوعات جديدة)‬

‫‪9‬‬
‫‪8‬‬ ‫م��ن��ح��ن��ى ���ص��اع��د ذو‬
‫‪7‬‬
‫‪6‬‬
‫حت�سن تدريجي‬ ‫ب��داي��ة بطيئة‪ ،‬وال يحتوى‬
‫‪5‬‬ ‫على ه�ضبة تعلم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪3‬‬ ‫بداية بطيئة‬
‫‪2‬‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6 7 8 9‬‬
‫عدد املحاوالت (املمار�سات)‬

‫‪10‬‬
‫الزمن �أو عدد الأخطاء‬

‫بداية �سريعة‬
‫‪9‬‬
‫‪8‬‬
‫‪7‬‬ ‫م��ن��ح��ن��ى ه���اب���ط ذو‬
‫‪6‬‬ ‫ب��داي��ة �سريعة‪ ،‬وال يحتوى‬
‫‪5‬‬
‫‪4‬‬
‫حت�سن تدريجي‬ ‫على ه�ضبة تعلم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪2‬‬ ‫ا�ستقرار‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6 7 8 9‬‬
‫عدد املحاوالت (املمار�سات)‬
‫‪396‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وقد وجد هاو�س وزيمان ‪� House & Zeaman‬أن ميل المنحنى و�سرعة التعلم يت�أثران‬
‫بعوامل عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬القدرة العقلية للمتعلم التي ت�ؤثر يف قدرته على االنتباه و�إدراك العالقات يف املوقف‬
‫التعليمي‪.‬‬
‫‪� -2‬ص���عوبة املوق���ف التعليمي وتعقي���ده‪ ،‬ومدى معرفة الف���رد املتعلم مبثل هذه العنا�ص���ر‬
‫الداخلة يف املوقف التعليمي‪.‬‬

‫التعلم‪ :‬مو�ضوعه ‪ -‬كيف ت�سري عملية التعلم‪.‬‬


‫منحنى التعلم‪� :‬صاعد ‪ -‬هابط‪.‬‬

‫وهناك �أنواع للتعلم‪ ،‬منها‪:‬‬


‫‪ -1‬التعلم عن طريق �إدراك العالقات والفهم وف ًقا لنظرية اجل�شتالت‪ :‬ويف هذه احلالة‬
‫يكون منحنى التعلم يتقدم تدريج ًّيا‪ ،‬ولكن بطريقة مطردة حتى ي�صل �إىل نهاية التعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬التعلم الذي يتم عن طريق املحاولة واخلط أ� وف ًقا لنظرية ثورنديك‪ :‬ويف هذه‬
‫احلالة‪ ،‬ف�إن منحنى التعلم قد يرتفع فج�أة يف �إحدى املحاوالت‪ ،‬ويتذبذب مدة طويلة‬
‫قبل ثبات الأداء يف نهاية التعلم‪ ،‬وقد يت�أثر �أدا�ؤه بظروف امل�صادفة‪ ،‬حتى بعد نهاية‬
‫التعلم‪.‬‬
‫والواقع �أن التعلم يحدث بعد مدة من المحاولة والخط�أ‪ ،‬وهذه المدة تطول �أو تق�صر‬
‫تب ًع���ا لعوامل عدة‪ ،‬منها‪ :‬قدرة المتعلم‪ ،‬ودوافعه للتعلم‪ ،‬وم�س���توى �ص���عوبة الم�ش���كلة التي‬
‫يتعلمها‪ ،‬ومدى و�ض���وح مكوناتها‪ ،‬ثم ي�أتي بعد ذلك التعلم باال�ستب�ص���ار ‪� Insight‬أو �إدراك‬
‫العالقات بين �أجزاء الم�شكلة‪ ،‬فيقل عدد المحاوالت الخط�أ‪ ،‬وت�سرع عملية التعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬التعلم املعريف‪ :‬يتم وف ًقا للنظريات املعرفية ومنحنى جتهيز املعلومات‪.‬‬
‫‪397‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫القدرة على التعلم‪:‬‬


‫القدرة على التعلم هي من �أهم خ�صائ�ص الكائن الحي‪� ،‬سواء كان �إن�سا ًنا �أو حيوا ًنا‪.‬‬
‫وال�سلوك هو الن�شاط الذي ي�صدر عن الكائن من �أجل التكيف مع البيئة‪ ،‬ولهذا كان للتعلم‬
‫�أهمية بالن�سبة �إلى حياة الكائن الحي نف�سه‪.‬‬
‫والبيئة دائمة التغير‪ ،‬ولهذا يتغير �س���لوك الإن�س���ان للتكيف مع هذه البيئة‪ ،‬والإن�سان‬
‫وه���و �أرق���ى مخلوقات اهلل‪ ،‬حي���ث حباه اهلل العقل ومنحه الل�س���ان الناط���ق‪ ،‬وعلمه بالقلم‬
‫و�أن���اط به م�س����ؤولية الخالف���ة في الأر�ض‪ ،‬هذا الإن�س���ان وهو يعي�ش ف���ي بيئته االجتماعية‬
‫المعقدة‪ ،‬يتغير �سلوكه تغي ًرا كبي ًرا‪ ،‬نتيجة لقدرته على التعلم‪.‬‬
‫والتعلم لي�س الق�صد به تح�صيل الدرو�س �أو اال�ستذكار �أي التعليم‪ ،‬بل هو تغيير ال�سلوك‪،‬‬
‫عندما يت�أثر الكائن بالظروف البيئية‪ ،‬وما ينتج عن اكت�ساب الفرد عادة �أو مهارة‪.‬‬
‫والتعلم يختلف عن الأفعال المنعك�س���ة‪ ،‬وه���ي الأفعال الفطرية الموروثة التي ي�ؤديها‬
‫الكائ���ن نتيجة المنبهات في البيئة الداخلية والخارجية الخا�ص���ة بها‪ ،‬كتناول الطفل ثدي‬
‫�أمه بعد والدته‪� ،‬أو جذب اليد عند مالم�ستها لج�سم حار‪.‬‬
‫ويختلف التعلم عن ال�س���لوك الم���وروث الأكثر تعقدً ا‪ ،‬ك�س���لوك الحيوانات الموروث‪،‬‬
‫مثل هجرة الطيور وتحرك الأ�سماك في البحار‪.‬‬
‫ويختلف � ً‬
‫أي�ض���ا عن عوامل الن�ض���ج‪ ،‬التي ت�ؤثر في �س���لوك الإن�س���ان والحيوان نتيجة‬
‫التطور الج�سمي والنف�سي‪.‬‬
‫والتعلم بو�ص���فه تغي ًرا �شبه دائم في ال�س���لوك ينتج عن الممار�سة والخبرة والمران‪،‬‬
‫يختلف عن التغير الم�ؤقت في ال�س���لوك الذي ينتج عن تناول بع�ض العقاقير �أو وقوع الفرد‬
‫تحت ت�أثير مخدر‪ ،‬في �أثناء �إجراء العمليات الجراحية‪.‬‬
‫والتعلم ي�ؤدي �إلى تطوير الكائن الحي‪ ،‬عن طريق تزويده بال�س���لوك المكت�س���ب‪ ،‬كما‬
‫يمكن للكائن الحي من التعلم في �سلوكه‪.‬‬
‫‪398‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ما الأن�شطة التي يت�ضمنها التعلم بالن�سبة �إلى الإن�سان؟‪:‬‬


‫بالن�سبة �إلى الإن�سان يت�ضمن التعلم �أن�شطة كثيرة منها ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬اخلربات التي تت�صل بج�سم الإن�سان و�أع�ضائه املختلفة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ -‬المهارات اليدوية‪ ،‬كالكتابة وا�ستخدام الآالت‪.‬‬
‫‪ -‬المهارات الحركية‪ ،‬كالم�شي وركوب الدراجات‪.‬‬
‫‪ -2‬مظاهر املعرفة املختلفة التي حتتاج �إىل قدرات عقلية خا�صة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ -‬تعلم اللغة‪.‬‬
‫‪ -‬تعلم القراءة‪.‬‬
‫‪� -3‬أن�شطة �أخرى‪ ،‬مثل اكت�ساب امليول واالجتاهات واملُثل العليا‪ ،‬وهي الأن�شطة التي تتم‬
‫عن طريق املنزل واملدر�سة واملجتمع اخلارجي‪.‬‬

‫التعلم وعالقته بال�سلوك‪:‬‬


‫علينا � اًأول �أن نو�ض���ح كيف يتعلم الإن�س���ان ال�س���لوك‪� .‬أي كيف يمكن للفرد �أن يكت�سب‬
‫الأن���واع المختلف���ة من ال�س���لوك؟ �س���واء كان ما يتعلمه عب���ارة عن مهارة حركي���ة �أو عادة‬
‫�أخالقية �أو عاطفية �أو ميل اجتماعي �أو ُخلق معين؟‬
‫والتعلم الذي عن طريقه نكت�س����ب ال�س����لوك‪ ،‬لي�س قا�ص���� ًرا على الإن�سان وحده‪ ،‬بل �إنه‬
‫من المعروف �أن التعلم يمكن �أن يكون عند الإن�سان وعند الحيوان‪ ،‬وكلنا ي�شاهد كثي ًرا من‬
‫الحيوانات المدربة التي تعمل في ال�سيرك‪ ،‬والتي تتقن �أداء كثير من الحركات التي يعجز‬
‫الإن�سان ذاته عن �أدائها‪ .‬لذلك ُيع ّد التعلم من المو�ضوعات ذات الأهمية البالغة في العلوم‬
‫ال�سلوكية‪ ،‬ولي�س الق�صد به ‪ -‬وفق ما �سبق ‪ -‬من الناحية اال�صطالحية تح�صيل الدرو�س �أو‬
‫اال�ستذكار‪ ،‬بل �إنه يتعدى هذه المفاهيم �إلى ما هو �أعمق من ذلك‪ ،‬فهو عبارة عن‪:‬‬
‫‪� -1‬سلوك مكت�سب‪ ،‬ينتج عن تفاعل الكائن احلي مع البيئة التي يعي�ش فيها‪.‬‬
‫‪399‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫‪ -2‬يحدث نتيجة املمار�سة والتكرار‪ ،‬وهما من �شروط التعلم اجليد‪.‬‬


‫‪ -3‬ي�ؤدي �إىل تعديل يف �سلوك الكائن يف طريقة �أدائه لأفعال معينة‪.‬‬
‫‪ -4‬يعمل على تكوين عادات ومهارات‪ ،‬تفيد الكائن احلي يف املواقف التي يواجهها بعد‬
‫ذلك يف حياته‪.‬‬
‫�إذن ما �أهمية التعلم في ال�سلوك؟‬

‫�أهمية التعلم في ال�سلوك‬


‫ُيولد الكائن مزودًا ب�أ�س���اليب ال�سلوك الفطري‪� ،‬أي �إنه ُيزود ببع�ض الدوافع الفطرية‬
‫الت���ي تعم���ل على حفظ حيات���ه‪ .‬مثال ذلك الر�ض���اعة التي ال يتعلمها من �أح���د‪ .‬بل ي�ؤديها‬
‫بنف�سه‪ ،‬والبكاء عندما ي�شعر بالجوع �أو التعب‪ ،‬والإخراج للف�ضالت‪ ،‬وقيامه ببع�ض الأفعال‬
‫الال�إرادية‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال ال يكفي ال�س���لوك الفطري وحده في تن�ش���ئة الطفل‪ ،‬بل ح�سبما �سبق‬
‫أنواعا �أخرى من ال�س���لوك‪ ،‬م�ص���درها البيئة التي‬
‫الإ�ش���ارة �إليه من قبل‪ ،‬يكت�س���ب الفرد � ً‬
‫يعي�ش فيها الفرد منذ مولده‪.‬‬
‫واكت�س���اب ال�س���لوك يتم عن طري���ق «التعل���م» �إذ �إن الكائن يتعلم عندم���ا يواجه مواقف‬
‫معينة‪� ،‬أو عندما ي�ص���طدم بالقيم والتقاليد وال ُعرف المتفق عليه في المجتمع‪ ،‬وكل هذا يمثل‬
‫أنواعا مختلفة من ال�سلوك التي ت�ضاف �إلى �سلوكه الفطري‪ ،‬حتى ي�ستطيع �أن ينمو‪ ،‬ويتطور‪.‬‬ ‫� ً‬
‫ً‬
‫�ش���رطا جوهر ًّيا في تطور الكائن‬ ‫�أي �إن «التعلم» ي�ؤدي للكائن وظيفة مهمة‪� ..‬إذ ُيع ّد‬
‫وارتقائه واندماجه في المجتمع الذي يعي�ش فيه‪.‬‬
‫واكت�س���اب الكائن لأنواع من ال�س���لوك‪� ..‬أي تعلم الكائن لأنماط من ال�سلوك يقت�ضي‬
‫وجود الكائن الحي في بيئة‪ ،‬مهما اختلف نوعها (مادية‪ /‬طبيعية‪� /‬إن�س���انية‪ /‬اجتماعية)‬
‫‪400‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫أنواعا من‬
‫ف إ�ن���ه يت�أث���ر بهذه البيئة‪ ،‬ويح���دث نوع من التفاعل‪ ،‬ي�ؤدي �إلى اكت�س���اب الف���رد � ً‬
‫ال�سلوك تجعله يتطور وف ًقا لمقت�ضيات البيئة التي يعي�ش فيها‪.‬‬
‫وال�س����لوك المكت�س����ب متع����دد بالمواق����ف الت����ي يواجهه����ا الكائ����ن ‪ ،‬فهو �إم����ا مهارات‬
‫حركي����ة‪� ،‬أو ع����ادات �أخالقية‪� ،‬أو عواطف‪� ،‬أو ميو ًال اجتماعية‪ .‬وقد يكون ال�س����لوك من النوع‬
‫غي����ر المرغوب فيه‪ ،‬كالعادات غير المرغوب فيه����ا‪� ،‬أو الرذائل‪ ،‬ذلك لأن المجتمع والبيئة‬
‫مزودان بالف�ض����ائل والرذائل‪ ،‬وق����د ي�ؤثر المجتمع في الفرد ت�أثي���� ًرا �إيجاب ًّيا ي�ؤدي �إلى رقي‬
‫الفرد وتقدمه‪ ،‬وقد يت�أثر الفرد بالمجتمع ت�أث ًرا �سلب ًّيا بما ي�ؤدي �إلى ت�أخر الفرد وانحطاطه‪.‬‬
‫ولهذا كان للتوجيه والإر�شاد دور كبير لأفراد المجتمع في �سلوكهم المرغوب فيه‪.‬‬
‫وم���ن الوا�ض���ح �أن الكائ���ن الحي دائ ًما في عملية تعلم واكت�س���اب �س���لوك جديد منذ‬
‫مي�ل�اده‪ ،‬م���ن كل الم�ؤثرات المحيط���ة به في المنزل �أو ال�ش���ارع �أو المدر�س���ة‪ ،‬من الإخوة‬
‫والأ�صدقاء‪� ،‬أو ممن يحيطون به‪.‬‬
‫والتعلم قد يحدث �إراد ًّيا برغبة الفرد‪ ،‬و�أحيا ًنا على غير �إرادته‪ ،‬فكثير من ال�س���لوك‬
‫ال���ذي يتعلمه الطفل في �أثناء مرحلة الطفولة يكون عل���ى غير �إرادته‪ ،‬في حين �أنه عندما‬
‫يكب���ر‪ ،‬ف�إنه يتعلم خب���رات جديدة قائم���ة على �إرادته ورغبته‪ ،‬وتت�ص���ل بحياته الأ�س���رية‬
‫واالجتماعية والأخالقية‪.‬‬
‫وم���ن هذا يتبين �أن للتعل���م �أهمية كبيرة في تطور الكائن الح���ي‪ ،‬عن طريق تزويده‬
‫بال�س���لوك المكت�سب �إلى جانب ال�سلوك الفطري‪� ،‬إذ ُيع ّد التعلم الو�سيلة الأ�سا�سية لتهذيب‬
‫الإن�سان والتحكم في �سلوكه‪� .‬إذن كيف يمكن تعديل ال�سلوك من خالل التعلم؟‬

‫التعلم وتعديل ال�سلوك‬


‫�س���بق �إي�ض���اح �أن التعلم يعرف ب�أنه ما ي�ؤدي �إلى تغير في �أداء الفرد وتعديل ال�سلوك‬
‫عند مواجهة مثيرات البيئة‪ ،‬ونتيجة الخبرة والتدريب‪.‬‬
‫‪401‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫لذلك نو�ضح فيما ي�أتي خ�صائ�ص تعديل ال�سلوك‪ ،‬وتغير الأداء عندما يحدث التعلم‪:‬‬
‫‪ -1‬من حيث يت�ضمن التعلم تعديل ال�سلوك وتغري الأداء‪ ،‬لذلك ميكن قيا�س حدوث التعلم‪،‬‬
‫عندما نقارن �سلوك الكائن احلي يف مدة زمنية معينة‪ ،‬ب�سلوكه يف مدة زمنية �أخرى‬
‫وحتت ظروف مت�شابهة‪ ،‬ف�إذا كان ال�سلوك خمتل ًفا يف املرة الثانية‪ ،‬ف�إننا ن�ستنتج‬
‫حدوث التعلم‪ .‬ومعنى هذا �أن التعلم ال يخ�ضع للمالحظة املبا�شرة‪� ،‬إذ �إنها عملية تتم‬
‫داخل الكائن احلي‪ ،‬ولكننا ن�ستدل عليها مبالحظة �آثارها‪ ،‬ولذلك وجب التفريق بني‬
‫عملية التعلم ونتائج التعلم‪ ،‬فالأوىل ال نالحظها‪� ،‬أما الثانية �أي نتائج التعلم فهي التي‬
‫تخ�ضع للمالحظة املبا�شرة‪ ،‬وميكن قيا�سها ودرا�ستها‪.‬‬
‫‪ُ -2‬يالحظ �أن تعديل ال�سلوك والتغري يف الأداء يحدث يف �أثناء عملية التعلم‪ ،‬فالتغريات‬
‫احلادثة يف اخل�صائ�ص اجل�سمية‪ ،‬كالطول والوزن والتغري يف القوة اجل�سمية نتيجة‬
‫لزيادة حجم الع�ضالت ال ميكن اعتبارها تعل ًما‪.‬‬
‫‪ -3‬ي�شمل التغري يف ال�سلوك كل �أنواع ال�سلوك‪� ،‬سواء كان ظاه ًرا �أم غري ظاهر‪ ،‬فهو ي�شمل‬
‫احلركات الظاهرة‪ ،‬وي�شمل العمليات العقلية كالتفكري والتخيل‪ .‬ومن �أمثلة التعلم‬
‫ازدياد مهارة الفرد عند �أداء عمل ما‪ .‬والتعلم هنا يتخذ �صورة ازدياد يف املهارة‪،‬‬
‫أي�ضا عندما تت�ضح تفا�صيل املوقف الذي مل يفهمه الفرد قبلاً �إال‬ ‫ويحدث التعلم � ً‬
‫ب�شكل عام‪ ،‬وت�شمل �أنواع التعلم الأخرى عمليات خمتلفة مثل املالحظة امل�ستمرة‪،‬‬
‫واحلفظ وفهم الأفكار‪ ،‬و�إدراك العالقات‪ ،‬وحل امل�شكالت‪ ،‬واكت�ساب �صور منا�سبة‬
‫من التعبري‪ ،‬وال�ضبط االنفعايل‪ ،‬وتنمية امليول واالجتاهات واملثل العليا‪ .‬و ُيع ّد ال�سلوك‬
‫اللفظي واحدً ا من العوامل املهمة التي جتذب االنتباه يف درا�سة التعلم؛ لأننا ن�ستطيع‬
‫�أن نحدد حدوث التعلم من التغريات التي حتدث يف ال�سلوك اللفظي‪.‬‬
‫‪ -4‬يتم التعلم عن طريق اخلربة والتدريب‪ .‬وتختلف اخلربة عن التدريب يف �أن اخلربة‬
‫ذات معنى عام‪ ،‬يف حني �أن التدريب يدل على �أوجه الن�شاط الأكرث تنظي ًما‪ ،‬التي تقوم‬
‫‪402‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫بها املدر�سة �أو امل�ؤ�س�سات التعليمية الأخرى‪ ،‬والتعلم يف �أ�شكاله املعقدة هو حم�صلة‬
‫التدريب‪ ،‬وحتدد لنا اخلربة (�أو التدريب) �أنواع التغريات يف ال�سلوك التي ميكن �أن‬
‫نع ّدها تعل ًما‪.‬‬
‫وهنا التحديد مهم للغاية‪� ،‬إذ �إن هناك بع�ض �أنواع ال�سلوك ال ميكن �إرجاعها �إىل‬
‫اخلربة‪ ،‬ومن ثم ال ميكن اعتباره تعل ًما‪ .‬فالتدريب على حمل �أثقال معينة ومواالة ذلك‬
‫مدة يعقبها عدم القدرة على حمل الأثقال ال ُيع ّد تعل ًما‪.‬‬
‫‪ -5‬قد يحدث تغري يف ال�سلوك نتيجة عملية الن�ضج‪ ،‬مثال ذلك النمو يف امل�شي والكالم‪،‬‬
‫وهو منو يرجع �إىل الن�ضج‪ ،‬ولي�س للتعلم‪ .‬وهناك م�ستوى معني من الن�ضج الزم لتعلم‬
‫الكالم‪ ،‬حيث �إن اخلربة يف الكالم مع الكبار �ضرورية لإبراز اال�ستعداد الذي �أوجده‬
‫الن�ضج‪.‬‬
‫أي�ضا عن اخلربة‪ ،‬نتيجة لتفاعل الفرد مع البيئة‪ ،‬ويرتتب على هذا‬‫‪ -6‬يحدث التعلم � ً‬
‫التفاعل ن�شوء عالقات بني املثريات واال�ستجابة‪.‬‬

‫م�صادر التعلم‪:‬‬
‫يت���م التعل���م عن طريق كثي���ر من الم�ص���ادر التي يكت�س���ب منها الإن�س���ان المهارات‬
‫والمعارف والخبرات‪ ،‬ومن هذه الم�صادر‪:‬‬
‫‪ -1‬التعليم النظامي‪ ،‬وهو الذي يتم داخل امل�ؤ�س�سات التعليمية على اختالف م�ستوياتها‬
‫و�أنواعها‪ ،‬حيث يكت�سب الفرد � ً‬
‫أمناطا عدة من التعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬التعلم الذي يكت�سب من خالل امل�ؤ�س�سات االجتماعية خالل التن�شئة االجتماعية‪،‬‬
‫حيث تعمل الأ�سرة وامل�سجد واجلوار والثقافة والإعالم وغريها على تن�شئة الفرد‬
‫وتعليمه وتثقيفه‪.‬‬
‫‪403‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫‪ -3‬التعلم الذي يكت�سب من خالل العالقات االجتماعية بالأفراد �أو الهيئات‪ ،‬مثل النوادي‬
‫والرحالت والأن�شطة االجتماعية‪� ،‬أي العالقات العار�ضة �أو الدائمة‪.‬‬
‫‪ -4‬التعلم الذي يكت�سب عن طريق الطلب وال�سعي �إليه حلاجة من احلاجات ال�ضرورية‬
‫للفرد‪� ،‬أو يتم عن غري ق�صد‪ ،‬ك�أن ي�سمعه الفرد �أو ي�شاهده يف �أثناء ممار�سته متطلبات‬
‫احلياة اليومية‪.‬‬

‫�أنواع التعلم ‪ -‬القدرة على التعلم ‪� -‬أن�شطة التعلم‬


‫التعلم وال�سلوك ‪ -‬تعديل ال�سلوك ‪� -‬أهمية التعلم يف ال�سلوك ‪ -‬م�صادر التعلم‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬التعلم من الناحية اللغوية ي�شتق من العلم‪.‬‬
‫‪ -2‬التعلم من املفهوم اال�صطالحي ُيعرف ب�أنه عملية تكيف لنماذج ا�ستجابة �سابقة مع‬
‫تغريات بيئية جديدة‪ ،‬وي�شتمل على تعديل و�إعادة تنظيم �سلوك الفرد‪ ،‬حيث يتم ذلك‬
‫من خالل اخلربة واملران‪.‬‬
‫‪ -3‬التعلم يتم من خالل حماوالت اخلط أ� وال�صواب يف املوقف التعليمي‪ ،‬حيث يقل معدل‬
‫الأخطاء بتوايل مرور الزمن‪ ،‬وعندئذ يحدث التعلم‪.‬‬
‫‪� -4‬سرعة التعلم تت�أثر بالقدرة العقلية للمتعلم‪ ،‬وب�صعوبة املوقف التعليمي وتعقيده‪.‬‬
‫‪ -5‬التعلم يتم عن طريق �إدراك العالقات والفهم وعن طريق املحاولة واخلط�أ‪.‬‬
‫‪ -6‬القدرة على التعلم من خ�صائ�ص الكائن احلي‪ ،‬وال�سلوك املتعلم ي�صدر من الكائن‬
‫للتكيف مع البيئة‪.‬‬
‫‪404‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -7‬لي�س الق�صد بالتعلم حت�صيل الدرو�س‪ ،‬بل تغيري الدرو�س‪.‬‬


‫‪ -8‬يختلف التعلم عن الأفعال املنعك�سة وعن ال�سلوك املوروث وعن عوامل الن�ضج‪.‬‬
‫‪ -9‬الأن�شطة التي يت�ضمنها التعلم تت�ضمن اخلربات املت�صلة بج�سم الإن�سان ومظاهر‬
‫املعرفة و�أن�شطة �أخرى‪ ،‬مثل اكت�ساب امليول واالجتاهات‪.‬‬
‫‪ -10‬التعلم من و�سائل اكت�ساب ال�سلوك‪ ،‬وهو �سلوك مكت�سب من خالل التفاعل مع البيئة‬
‫�أو نتيجة املمار�سة والتكرار‪� ،‬أو عند تعديل ال�سلوك �أو عند تكوين عادات ومهارات‪.‬‬
‫‪ -11‬التعلم له �أهمية كبرية يف تطور الكائن احلي من حيث تهذيب الإن�سان والتحكم يف‬
‫�سلوكه وتعديله‪.‬‬
‫‪ -12‬التعلم ي�ؤدي �إىل تغيري يف �أداء الفرد‪ ،‬وتعديل ال�سلوك عند مواجهة مثريات البيئة‬
‫ونتيجة اخلربة والتدريب‪.‬‬
‫‪ -13‬من م�صادر التعلم‪ :‬التعليم النظامي ‪ -‬التعلم من خالل امل�ؤ�س�سات االجتماعية ‪-‬‬
‫التعلم من خالل العالقات االجتماعية ‪ -‬التعلم الذي يتم باملجهود ال�شخ�صي عند‬
‫طلبه وال�سعي �إليه‪.‬‬

‫�أ�سئلة وتمارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح املفهوم اال�صطالحي للتعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬القدرة على التعلم هي من �أهم خ�صائ�ص الكائن احلي‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -3‬ا�شرح �أهمية التعلم يف ال�سلوك‪.‬‬
‫‪ -4‬كيف يقوم التعلم بتعديل ال�سلوك‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -5‬حدد م�صادر التعلم‪.‬‬
‫خ�صائ�ص التعلم وم�ؤثراته‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يف�سر املتعلم دور التعلم يف تعدد �أ�ساليب ال�سلوك يف احلياة‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يربط املعلم بني التعلم والإتقان‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يربط بني مفهومي التعليم والتعلم‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يقدر جهود املعلم يف التعلم‪.‬‬
‫خ�صائ�ص التعلم وم�ؤثراته‬

‫‪:‬‬
‫ُيع ّد التعلم �ضرورة من �ضرورات ا�ستمرار الحياة عند الإن�سان‪ ،‬وهو و�سيلة الإن�سان‬
‫الكت�ساب �أنماط ال�سلوك المختلفة في الحياة‪ ،‬لذلك نود �إي�ضاح خ�صائ�ص التعلم و�سماته‪.‬‬

‫التعلم و�أ�ساليب ال�سلوك في الحياة‪:‬‬


‫ماذا نتعلم؟ �أي ما �أ�ساليب ال�سلوك التي يتعلمها الإن�سان في الحياة؟‬
‫الواقع �أن التعلم هو �س���بيل الإن�س���ان �إلى الإدراك لكل ما يت�ص���ل بالبيئة التي يعي�ش‬
‫فيه���ا‪ .‬وهو لي�س �إدرا ًكا مكان ًّي���ا فقط‪ ،‬بل �إدراك لكل المظاهر المت�ص���لة بالحياة‪ .‬ولذلك‬
‫نجد �أن «التعلم» الذي يكت�س���به الفرد يظهر في �أ�ساليب التفكير‪ ،‬وفي االتجاهات الخا�صة‬
‫بالتقبل والنفور‪ ،‬وفي الجوانب االنفعالية والوجدانية واالجتماعية‪ ،‬وفي جميع اال�ستجابات‬
‫الناجمة عنها التي تت�أثر بعاملي الخبرة والمران‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬ف�إن التعلم يت�ض���من نواحي كثيرة من ن�ش���اط الف���رد‪ ،‬كالمهارات اليدوية‪،‬‬
‫والكتابة‪ ،‬وا�س���تخدام الآالت‪ ،‬والمهارات الحركية‪ ،‬كالم�ش���ي ورك���وب الدراجات‪� ،‬إلى غير‬
‫ذلك من الأمور التي تحتاج �إلى خبرات تت�ص���ل بج�س���م الإن�س���ان و�أع�ض���ائه المختلفة من‬
‫النواحي الحركية والح�سية‪.‬‬
‫�إل���ى جانب ذلك يت�ض���من التعل���م‪ ،‬مظاهر المعرفة ل���دى الفرد‪ ،‬كتعل���م اللغة وتعلم‬
‫القراءة‪ ،‬ويحتاج هذا النوع من التعلم �إلى قدرات عقلية خا�صة‪ ،‬حيث يحدث التعلم كل ما‬
‫يكت�سبه الإن�سان من المعارف والمهارات العلمية والعملية‪.‬‬
‫‪408‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ُي�ض���اف �إلى ذلك �أنواع من الأن�شطة الأخرى التي تدخل �ضمن التعلم‪ ،‬وهي اكت�ساب‬
‫الميول واالتجاهات وال ُمثل العليا‪ ،‬التي يتم تعلمها عن طريق المنزل والمدر�سة والمجتمع‬
‫الخارجي‪.‬‬

‫م�ؤثرات التعلم‪:‬‬
‫ما الم�ؤثرات التي من خاللها يحدث التعلم؟‬
‫ُتع���د الحاجات الأ�سا�س���ية والثانوية‪ ،‬وم���ا يرتبط بها من دوافع لإ�ش���باعها‪ ،‬من �أهم‬
‫الأ�س�س ذات الأثر في التعلم‪ ،‬فالدوافع التي تحفز ال�سلوك‪ ،‬وتوجهه‪ ،‬وتت�أثر بالتعلم‪ .‬وكلما‬
‫تقدم النمو الإن�ساني ت�أثرت الدوافع‪ ،‬وازداد التعلم عند الفرد‪.‬‬
‫ويت�أثر التعلم بالتكوين الوراثي عند الإن�س���ان‪ ،‬حيث �إنه �ش���رط �أ�سا�س���ي للتعلم‪ ،‬فهو‬
‫ي�ضع الحدود والأطر التي يكون للممار�سة �أثرها ودورها في داخله‪ ،‬ذلك لأن اال�ستجابات‬
‫الب�س���يطة الفطرية (التي �أ�سا�س���ها وراثي) بجانب الدوافع الأولي���ة (وهي وراثية وفطرية‬
‫أي�ض���ا) كالهما يمثالن نقط البداية للتعلم‪ .‬فالوراثة ت�س���هم في تحقيق التعلم‪ ،‬حيث �إنها‬ ‫� ً‬
‫تزود الفرد بالمثيرات الح�س���ية التي �أ�سا�س���ها الم�س���تقبالت الع�ص���بية والقوى الح�س���ية‪،‬‬
‫والغدد الهرمونية (التي تفرز الهرمونات‪ ،‬وت�ؤثر في �أن�شطة الج�سم) التي عن طريقها يبد�أ‬
‫ال�س���لوك‪ ،‬وهذه الم�ستقبالت الوراثية والقوى الح�س���ية والغدد وغيرها هي �أ�سا�س حدوث‬
‫التعلم‪� ،‬أي �إن التكوين الوراثي‪ ،‬وما يرتبط به من التكوين الع�ضوي والقوى الج�سمية ت�ؤثر‬
‫في �إحداث التعلم‪.‬‬

‫الفروق الفردية في التعلم‬


‫هل يت�ساوى الأفراد في التعلم؟‬
‫الواق���ع توج���د ف���روق فردية‪ ،‬وخا�ص���ة بين من ُيو�ص���ف ب�أن���ه متعلم �أو غي���ر متعلم‪،‬‬
‫فالفي�ص���ل بينهما ال يقوم على محك عدد �س���نوات الدرا�س���ة‪ ،‬التي قام بدرا�ستها المتعلم‬
‫‪409‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫�أو غير المتعلم‪ ،‬بل �إن الفي�ص���ل هو مدى ما اكت�س���به كل منهما من نماء �شخ�ص���ي ونف�سي‬
‫وعقلي واجتماعي‪ ،‬وكيف لأي منهما �أن ي�س���تمر في هذا النماء دون ا�ض���طراب �أو خلل في‬
‫حيات���ه القائمة‪ ،‬وفي مواقف الحياة المختلفة‪ .‬وكيف لمن ا�س���تفاد مما تعلم وما اكت�س���ب‬
‫من علم‪� ،‬أن يتوافق مع حياته االجتماعية‪ ،‬حيث يكون عطا�ؤه وت�ضحيته في �سبيل التزامه‬
‫بعقيدته وانتمائه لوطنه و�إخال�صه وتفانيه ما يحقق له الأمن والأمان الذاتي والبيئي‪.‬‬
‫ولي�س���ت غايات المدار�س في مختلف مراحلها‪� ،‬أن تنمي المهارات الأ�سا�سية اللغوية‬
‫والريا�ض���ية وغيرها من المعارف الإن�سانية‪ ،‬بل �إن الهدف الأ�سمى هو تزويد النا�شئة من‬
‫المتعلمين بالخبرات المتعددة التي تمكنهم من ا�س���تمرارية التعلم على امتداد �أعمارهم‪،‬‬
‫وفيما يعود عليهم وعلى �أوطانهم بالتقدم والرقي‪ ،‬وال تكون الأهداف الم�أمولة من التعليم‬
‫ذات كفاءات وفاعلية‪� ،‬إال �إذا كانت �أهدافها ُتحقق هذه الأهداف بجانب التح�صيل العلمي‬
‫والمعرفي‪.‬‬
‫التدرج والتقدم في التعلم‪ :‬هل يتم التعلم بالتدرج �أم يتم دفعة واحدة؟‬
‫الواقع �أن التعلم يتم بالتدرج‪.‬‬
‫ففي المراحل الأولى من التعلم‪ ،‬تكثر الحركات والأداءات واال�ستجابات التي ال تكون‬
‫�أ�سا�س���ية في التعلم‪ .‬ولكن الممار�س���ة والتدريب المتوا�ص���ل ي�ؤدي �إلى �إبقاء اال�س���تجابات‬
‫الأ�سا�سية المرغوبة في التعلم‪ ،‬وت�ستبعد الحركات واال�ستنتاجات غير الأ�سا�سية‪ ،‬ما ي�ؤدي‬
‫�إلى تح�س���ين الأداء‪ ،‬ومن ثم الو�صول �إلى التعلم المن�شود‪� ،‬أي التعلم الهادف الذي يرغب‬
‫الو�صول �إليه‪.‬‬
‫�أم���ا عن التقدم ال���ذي يتم �إحرازه في التعل���م‪ ،‬ف�إنه من المع���روف �أنه في المراحل‬
‫الأولى للتعلم تكون ا�س���تجابات الفرد م�شتتة وغير منتظمة‪ ،‬وينق�صها التنا�سق واالنتظام‪.‬‬
‫وم���ن خالل التدريب تتناق�ص اال�س���تجابات غير ال�ض���رورية وغي���ر المنتظمة‪ ،‬حتى يقوم‬
‫الفرد باكت�س���اب المهارة المق�ص���ود تعلمها‪ ،‬وعندئذ يقوم ب�أدائها في ي�س���ر و�س���هولة عند‬
‫و�صوله �إلى اال�ستجابات المرغوبة‪.‬‬
‫‪410‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وينج���م ع���ن التعلم‪ ،‬التع���رف الخا�ص بمكون���ات الموقف الذي يعاي�ش���ه الفرد‪ ،‬وهو‬
‫التعلم الهادف (الذي يكت�س���ب من���ه الفرد الخبرات والمهارات والمع���ارف) �إذ قد يتعلم‬
‫الفرد �أ�ش���ياء لم يكن يق�ص���د تعلمها‪ ،‬مثال ذلك عندما يتعلم الفرد عادات �س���يئة �أو تثبت‬
‫في �سلوكه �أخطاء واتجاهات غير مرغوب فيها‪ ،‬لذلك لي�س بال�ضرورة �أن ي�ؤدي التعلم �إلى‬
‫تح�س���ن في ال�س���لوك �أو تغيير مرغوب فيه‪� ،‬إذ قد يكون نتاج التعلم �أ�س���اليب �س���لوكية غير‬
‫مرغوب فيها‪.‬‬

‫التعلم والإتقان‪:‬‬
‫يرتبط الإتقان بالأداء نتيجة التعلم‪ ،‬وي�ؤثر الجهد الذي يبذله الإن�سان في الأداء في‬
‫التعلم‪ ،‬حيث نجد �أن التعب والإنهاك ي�ؤثران على الجودة والإتقان في الأداء‪.‬‬
‫بينم���ا نج���د �أن زيادة الإتقان معناه���ا حدوث التعلم المرغوب في���ه‪ ،‬وعادة ما تكون‬
‫الراح���ة ذات المدى الطوي���ل‪ ،‬ت�ؤثر في درجة الإتقان بطريقة �س���لبية‪ ،‬حي���ث يقل الإتقان‬
‫في التعلم نتيجة الن�س���يان‪ ،‬الذي ُيع ّد ال�ص���ورة ال�س���لبية للتذكر‪ ،‬حيث يمثل التذكر جان ًبا‬
‫�أ�سا�س ًّيا في التعلم‪.‬‬

‫التعلم والتربية‪:‬‬
‫الق�ص���د بالتربية ما ت�ش���تمل عليه البرامج الموجهة التعليمية �أو الأ�س���رية �أو غيرها‬
‫والقائم���ة على تنمية المع���ارف والمهارات واالتجاهات والأخالق وال�ض���وابط االجتماعية‬
‫والأنماط ال�سلوكية المرغوبة للأفراد في جماعة اجتماعية معينة‪.‬‬
‫والتربية �أ�سا�س���ية داخل الأ�س���رة باعتبار الأ�س���رة �أهم الجماع���ات االجتماعية التي‬
‫توج���ه �أبناءها‪ .‬و�إن المدر�س���ة والم�س���جد والم�ؤ�س�س���ات االجتماعية الأخ���رى‪ ،‬التي تقوم‬
‫بم���ا ُيع���رف بالتربية المنظمة الهادف���ة‪ ،‬كلها تعمل من �أجل بناء �أجي���ال ملتزمة بالعقيدة‬
‫وال�ضوابط الفكرية واالجتماعية في المجتمع‪.‬‬
‫‪411‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫ويت�ض���من التعلم‪ ،‬التغيرات ال�س���لوكية التي تتم عبر عمليات التربية‪ ،‬والتغيرات �إما‬
‫�أن تك���ون �س���لوكيات مرغو ًبا فيه���ا �أو مرغو ًبا عنها‪ ،‬يكت�س���بها الأفراد م���ن الخبرات التي‬
‫تواجهه���م ف���ي مواق���ف الحياة داخل الأ�س���رة والمدر�س���ة وخارجه���ا‪ ،‬والتي تت���م بطريقة‬
‫مق�صودة �أو تتم ً‬
‫عر�ضا‪.‬‬
‫لذل���ك م���ن الأهمية بم���كان �أن تكون هناك �أه���داف تربوية عن طريقه���ا يتم التعلم‬
‫الهادف الذي ينمي البناء الفردي عند اكت�سابه الأنماط ال�سلوكية المرغوب فيها‪.‬‬

‫العالقة بين مفهومي التعليم والتعلم‪:‬‬


‫التعلي���م والتعلم �ص���نوان في العملية التربوية‪ ،‬والتعليم الك���فء‪ ،‬وما يتبعه من تربية‬
‫للمتعل���م ي�ؤديان �إلى اكت�س���اب المتعل���م الخبرات التعليمي���ة والتربوية المطلوب���ة‪� ،‬أي تتم‬
‫عملية التعلم‪.‬‬
‫وم���ن المع���روف �أن اله���دف الأ�سا�س���ي «للتعل���م» عبر م�ؤ�س�س���ات التربي���ة والتعليم‬
‫باختالف م�س���توياتها وم�س����ؤولياتها‪ ..‬يقوم على �إع���داد الفرد «للتعل���م» لمواجهة مواقف‬
‫الحياة‪ .‬و«التعلم» يتم من خالل عمليات م�س���تمرة ومتوا�صلة في العملية التعليمية‪ ،‬التي ال‬
‫تتوقف في حياة الفرد‪ ،‬فالتعليم ال يمثل غايات قا�صرة على اكت�ساب المعارف والمعلومات‪،‬‬
‫بل �إنه في مفهومه ال�ص���حيح‪ ،‬يمتد �إلى �أكثر من هذا‪ ،‬حيث من خالله ومن خالل و�سائله‬
‫وطرائق���ه يتم نماء المه���ارات الحركية والعقلي���ة والمعرفية و�أ�س���اليب التفكير والعادات‬
‫والأخالق والعبادات وغيرها‪ ،‬مما يكت�س���به الفرد من خالل عمليات التعلم الم�س���تمرة في‬
‫مواقف الحياة المتباينة‪.‬‬

‫دور المعلم والتعلم‪:‬‬


‫المعل���م له دوره الفعال في العملية التعليمية‪ ،‬حي���ث �إنه يحتاج �إلى �أن يعرف و ُيدرك‬
‫كيف يتعلم المتعلم‪ ،‬بمعنى �أن النجاح المهني للمعلم في العملية التربوية يتوقف على مدى‬
‫‪412‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�إدراكه لكيفية‪:‬‬
‫‪ -1‬اكت�ساب املتعلم‪ ،‬تعلم املعارف واملهارات العلمية والعملية‪.‬‬
‫‪ -2‬اكت�ساب املتعلم‪ ،‬ال�سلوك الذي ميكنه من مواجهة مواقف احلياة‪.‬‬
‫‪ -3‬اكت�ساب املتعلم‪ ،‬القيم واالجتاهات التي متكنه من التوافق مع البيئة‪ ،‬وتقوده �إىل‬
‫احلياة الطبيعية والإعداد لها‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬ف�إن دور المعلم فيما يتعلمه المتعلم دور مهم للغاية في العملية التعليمية‪.‬‬

‫تت�ضمن خ�صائ�ص التعلم وم�ؤثراته الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬التعلم و�أ�ساليب ال�سلوك يف احلياة‪.‬‬
‫(‪ )2‬م�ؤثرات التعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفروق الفردية يف التعلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬التدرج والتقدم يف التعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬التعلم والإتقان‪ ،‬والتعلم والرتبية‪.‬‬
‫(‪ )6‬الرابط بني مفهومي التعليم والتعلم‪.‬‬
‫(‪ )7‬دور املعلم والتعلم‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬التعلم هو و�سيلة الإن�سان و�سبيله �إىل الإدراك لكل ما يت�صل بالبيئة التي يعي�ش فيها‪،‬‬
‫وهو يت�ضمن �أن�شطة كثرية‪ ،‬كاملهارات اليدوية واحلركية ومظاهر املعرفة واكت�ساب‬
‫امليول واالجتاهات واملثل العليا‪.‬‬
‫‪413‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫‪ -2‬احلاجات الأ�سا�سية والثانوية‪ ،‬وما يرتبط بها من دوافع لإ�شباعها‪� ،‬إ�ضافة �إىل التكوين‬
‫الوراثي وامل�س���تقبالت الع�ص���بية والقوى احل�س���ية والغ���دد الهرمونية‪ ،‬كله���ا ذات �أثر‬
‫لإحداث التعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬هناك الفروق الفردية بني الأفراد يف التعلم‪.‬‬
‫‪ -4‬يت���درج التعل���م ويتق���دم‪ ،‬م���ن خ�ل�ال املمار�س���ة والتدريب‪ ،‬حي���ث يتخل����ص الفرد من‬
‫اال�ستجابات امل�شتتة غري املنتظمة‪ ،‬و ُيبقي على اال�ستجابات املرغوبة‪.‬‬
‫‪ -5‬يزداد الإتقان يف ال�سلوك عند حدوث التعلم املرغوب فيه‪ ،‬وي�ؤثر التعب والإجهاد يف‬
‫اجلودة والإتقان يف الأداء‪.‬‬
‫‪ -6‬الرتبية متثل الربامج التعليمية �أو الأ�سرية �أو عرب امل�ؤ�س�سات االجتماعية‪ ،‬حيث يت�ضمن‬
‫التعليم التغريات ال�سلوكية التي تتم من خالل عمليات الرتبية‪.‬‬
‫‪ -7‬الهدف الأ�سا�سي للتعليم عرب م�ؤ�س�سات الرتبية والتعليم يقوم على �إعداد الفرد للتعليم‬
‫ملواجهة مواقف احلياة‪.‬‬
‫‪ -8‬دور املعلم يف عملية التعليم للمتعلم ُيع ّد مه ًّما للغاية يف العملية التعليمية‪.‬‬

‫تمارين و�أ�سئلة‪:‬‬
‫‪ -1‬الفروق الفردية يف التعلم ت�شري �إىل عدم ت�ساوي الأفراد يف التعلم‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -2‬يتم التعلم بالتدريج‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -3‬و�ضح الرابطة بني التعلم والرتبية والتعليم والتعلم‪.‬‬
‫تف�سري التعلم‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل التعلم االرتباطي ال�شرطي‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن ينقد املتعلم التعلم باملحاولة واخلط�أ‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يف�سر املتعلم التعلم باال�ستب�صار‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يقدر املتعلم جهود العلماء يف التعلم‪.‬‬
‫تف�سري التعلم‬

‫‪:‬‬
‫كل الكائن���ات الت���ي خلقها اهلل تعالى تتعلم‪ .‬والتعلم الناج���ح يتم في حدود الطاقات‬
‫واال�س���تعدادات الخا�ص���ة بهذه الكائن���ات‪ ،‬ووفق ما يتوافر لها من �إمكان���ات في البيئة‪� ،‬أي‬
‫الو�سط الذي تعي�ش فيه‪.‬‬
‫والإن�س���ان عبر مراحل العمر‪ ..‬منذ الطفولة وفي مدارج العمر المتعاقبة‪ ،‬يتعلم من‬
‫خالل طرائق معينة‪.‬‬
‫وهذه الطرائق قام العلماء بتف�س���يرها على �أنها نظريات التعلم‪ ،‬وتعددت النظريات‬
‫الت���ي و�ض���عت لتف�س���ير ظواهر التعلم عن���د الحيوانات‪ ،‬الت���ي من خالل م�ؤ�ش���راتها �أمكن‬
‫معرفة التعلم عند الإن�س���ان‪ ،‬ويمك���ن عن طريقها تحديد طرق وو�س���ائل التعلم والقوانين‬
‫التي ت�ضبط ظواهر التعلم‪.‬‬
‫ويعنينا �أن نو�ضح �أهم النظريات التي و�ضعت لتف�سير طرق التعلم‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬التعلم االرتباطي ال�شرطي‪.‬‬
‫‪ -2‬التعلم بالمحاولة والخط�أ‪.‬‬
‫‪ -3‬التعلم باال�ستب�صار (التب�صر)‪.‬‬
‫ولي�س���ت هذه التف�س���يرات هي التي و�ضعت بو�ص���فها نظريات للتعلم فقط‪ ،‬بل هناك‬
‫نظريات �أخرى‪ ،‬نكتفي بذكر عر�ض �سريع لها‪.‬‬
‫‪418‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬ال�سلوكية وتف�سير التعلم‪:‬‬
‫(‪ )1‬التعلم االرتباطي ال�شرطي‪:‬‬

‫يعود الجهد �إلى «بافلوف» العالم الرو�سي‪ ،‬الذي كان يهتم بالدرا�سات الف�سيولوچية في‬
‫اكت�شاف هذه النظرية‪ ،‬حيث كان يدر�س الجهاز اله�ضمي لدى الكالب‪ ،‬والحظ في �أثناء عمله‬
‫وجود ظواهر عدة غير عادية بينها ارتباط دائم‪ ،‬ك�أن ي�س���يل لعاب الكلب عندما يرى الطعام‬
‫�أو ي�شم رائحته‪ .‬وقد الحظ �أن اللعاب ي�سيل بعد ذلك بمجرد �أن ي�سمع الكلب �صوت ال�شخ�ص‪،‬‬
‫الذي تعود �أن يقدم له الطعام‪� ،‬أو �أن يراه‪ ،‬حتى لو كان خالي اليدين من الطعام‪.‬‬
‫وق���د �أث���ارت هذه الظاهرة تعج���ب «بافلوف» فب اً‬
‫���دل من �أن يكون الطع���ام هو المثير‬
‫ل�سيالن اللعاب‪� ،‬أ�صبح ال�شخ�ص نف�سه من دون طعام يقوم بهذا الدور‪ ،‬ولهذا بد�أ «بافلوف»‬
‫ف���ي تركيز جهوده‪ ،‬للإجابة عن ه���ذه الظاهرة متب ًعا الطريقة التجريبية ال�س���ليمة‪ ،‬حتى‬
‫و�ص���ل �إلى و�ض���ع القانون العام‪ ،‬الذي يحكم تلك الظاهرة الغريبة‪� .‬أح�ضر «بافلوف» كل ًبا‬
‫و�ض���عه في جه���از ال يمكنه من الحرك���ة‪ ،‬ثم �أجرى له عملية ت�ش���ريحية �أو�ص���ل فيها غدد‬
‫الكلب اللعابية ببع�ض �أنابيب االختبار في جهاز �أمامه‪ ،‬بحيث يكون في الإمكان �أن ي�شاهد‬
‫«بافلوف» �سيالن اللعاب وقيا�سه ب�سهولة‪.‬‬
‫ب���د�أ تجربت���ه ب�أن ق���دم الطعام للكلب في الوقت نف�س���ه الذي كان ينطلق فيه �ص���وت‬
‫عال في الحجرة‪ ،‬وطبيعي �أن اللعاب كان ي�س���يل دائ ًما ب�سبب وجود الطعام بو�صفه‬ ‫جر�س ٍ‬
‫المثير الحقيقي‪ ،‬و�أن �إطالق �صوت الجر�س منفردًا قبل �إجراء التجربة لم يكن ي�ؤدي �إلى‬
‫�سيالن اللعاب‪ ،‬لكن بعد �إجراء �أكثر من ع�شرين تجربة ارتبط فيها تقديم الطعام ب�صوت‬
‫الجر����س‪ ،‬امتنع «بافلوف» عن تقديم الطعام للكلب‪ ،‬واقت�ص���ر على �إطالق الجر�س فقط‪،‬‬
‫فوج���د �أن لعاب الكلب كما لو كان ُيقدم �إليه الطعام الحقيقي‪ ،‬وهكذا الحظ �أن في �إمكان‬
‫الجر�س بو�ص���فه منب ًها �ص���ناع ًّيا‪� ،‬أن يقوم مقام الطعام‪ ،‬وهو المنب���ه الحقيقي‪ ،‬في �إثارة‬
‫اللعاب‪ ،‬وذلك ب�سبب ارتباطه الدائم به من قبل‪.‬‬
‫‪419‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫وقد تولى «بافلوف» تف�س���ير هذه الظاهرة بعد ذلك على �أ�سا�س «االرتباط ال�شرطي»‬
‫الذي اقترن با�سمه‪ ،‬ف�إن �صوت الجر�س قبل التجربة ال �صلة له �أبدً ا باللعاب‪ ،‬لذلك ي�سمى‬
‫منب ًها غير �ش���رطي‪ ،‬و�س���يالن اللعاب قبل التجربة � ً‬
‫أي�ض���ا هو فع���ل ال �إرادي منعك�س‪ .‬لكن‬
‫يتغير الو�ضع بعد �إجراء التجربة‪ ،‬وي�صبح الجر�س منب ًها �شرط ًّيا نتيجة ارتباطه بالطعام‪،‬‬
‫و ُي�سمى �سيالن اللعاب‪( ،‬الفعل المنعك�س ال�شرطي) ويكون الو�ضع كما ي�أتي‪:‬‬

‫قبل التجربة‬

‫اللعاب‬ ‫اجلر�س‬
‫فعل منعك�س غري �شرطي‬ ‫منبه غري �شرطي‬
‫بعد التجربة‬

‫اللعاب‬ ‫اجلر�س‬
‫منبه غري �شرطي‬ ‫منبه �شرطي‬

‫وم���ن المالح���ظ �أن االرتباط القائم بين الجر�س و�إفراز اللعاب هو ما ُيعرف با�س���م‬
‫«االرتباط ال�شرطي» الذي يمكن تعريفه علم ًّيا كالآتي‪:‬‬
‫«حي���ن يتكرر ا�ش���تراك منبهين ف���ي الت�أثير في الكائن الحي ف���ي وقت واحد (طعام‬
‫وجر����س) يح���دث بينهم���ا ارتب���اط‪ ،‬بحيث �إن �أح���د المنبهي���ن (الجر�س) يمك���ن �أن ُيثير‬
‫ا�ستجابة المنبه الآخر (الطعام)»‪.‬‬
‫ومن الوجهة الت�ش���ريحية تعتمد هذه النظرية على االرتباط الموجود بين الأع�صاب‬
‫ف���ي الجهاز الع�ص���بي للكائ���ن الحي‪ ،‬الذي يحدث �آل ًّي���ا دون تدخل �إرادت���ه‪ ،‬ونتيجة لذلك‬
‫اعتق���د «بافل���وف» �أن ال�س���لوك عام���ة ال يمك���ن فهم���ه وتف�س���يره �إال من خالل الم�س���توى‬
‫الف�سيولوچي الع�صبي‪.‬‬
‫‪420‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫قوانين التعلم ال�شرطي‬


‫وقد انتهى «بافلوف» في تجاربه هذه �إلى قوانين عدة خا�ص���ة بنظريته عن االرتباط‬
‫ال�شرطي تتلخ�ص في‪:‬‬
‫( أ� ) االنطفاء التجريبي‪:‬‬
‫فاالرتباط ال�ش���رطي ي�ض���عف بم�ض���ي الزمن وبكثرة تكرار التجربة‪ .‬فمثلاً �إذا كان‬
‫�ص���وت الجر�س منفردًا بعد التجربة ي�ؤدي �إلى �س���يالن اللعاب في الحاالت الأولى بمقدار‬
‫ع�ش���ر نقط‪ ،‬ف�إن هذه الكمية تظل تتناق�ص حتى ي�أتي وقت ال ي�ؤثر فيه �ص���وت الجر�س على‬
‫الغدد اللعابية لدى الكلب‪ .‬ومرجع ذلك �أن االرتباط قد �ض���عف ب�س���بب كثرة غياب المن ِّبه‬
‫الحقيقي‪ ،‬وهو الطعام‪ .‬و ُت�س َّمى هذه الظاهرة االنطفاء التجريبي‪.‬‬
‫(ب) العودة التلقائية‬
‫ف���ي حالة �إجراء التجربة م���رة �أخرى بعد حدوث االنطفاء التجريبي ال�س���ابق‪ ،‬نجد‬
‫لع���اب الكلب ي�س���يل ثاني���ة بمجرد �س���ماعه الجر�س فقط‪ ،‬وه���ذا هو ما ُيعرف ب���ـ «العودة‬
‫التلقائية لالرتباط ال�شخ�ص���ي» لكن �سيالن اللعاب في التجربة الثانية غال ًبا ما يكون �أقل‬
‫بكثير من التجربة الأولى‪.‬‬
‫(جـ) التعميم ثم التمييز‬
‫ُيق�ص���د به تعميم المنبه ال�صناعي على كل ما هو قريب ال�شبه منه‪ ،‬فمثلاً �إذا اعتاد‬
‫الكلب في التجربة ال�س���ابقة على �س���ماع �ص���وت جر�س معين ي�ص���احب الطعام‪ ،‬ثم �أطلق‬
‫جر�س���ا �آخر منفردًا له �ص���وت مختلف‪ ،‬ف����إن اللعاب ال بد �أن ي�س���يل؛ لأن الكلب‬
‫بع���د ذلك ً‬
‫عمم ال�ص���وت‪ ،‬لكن بكثرة تكرار التجربة يبد�أ الكلب مع مالحظة �أن �صوتًا معي ًنا للجر�س‬
‫هو الذي يرتبط دائ ًما بتقديم الطعام‪ .‬ومن ثم ال ي�س���يل لعابه بعد ذلك �إال عندما ي�س���مع‬
‫ه���ذا ال�ص���وت المعين بال���ذات‪ ،‬فيكون قد انتقل م���ن مرحلة التعميم �إل���ى مرحلة التمييز‬
‫والتخ�صي�ص‪.‬‬
‫‪421‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫(‪ )2‬التعلم بالمحاولة والخط�أ‪:‬‬

‫ف���ي مقدمة من ف�س���ر التعلم بالمحاول���ة والخط�أ «دا�ش���يل» و«ثورنديك»‪ ،‬وقد �أجرى‬
‫الأول تجارب���ه عل���ى الفئ���ران البي�ض���اء‪ ،‬وذلك ب�أن منع ع���ن واحد منها الطع���ام مدة من‬
‫الزمن‪ ،‬ثم و�ض���عه عند فتحة متاهة مليئة بالطرق الكثي���رة المتعرجة التي تعتر�ض كثي ًرا‬
‫طعاما للف�أر‪ ،‬ف�س���ارع الف�أر باالتجاه نحو الطعام‪،‬‬
‫منها ال�س���دود وو�ض���ع في نهاية المتاهة ً‬
‫وب���د�أ يقوم بمحاوالت عدة مختلفة لل�س���ير في الطريق ال�ص���حيح‪ ،‬حت���ى تمكن في النهاية‬
‫من الو�صول �إلى الطعام والتهامه‪ ،‬وبعد مدة من الزمن كرر «دا�شيل» �إجراء التجربة على‬
‫الف�أر نف�س���ه‪ ،‬وفي المتاهة نف�س���ها‪ ،‬فالحظ �أن عدد المحاوالت الخاطئة قد قل كثي ًرا عما‬
‫قبل‪ ،‬وو�ص���ل الف�أر �إلى الطعام بعد زمن �أقل‪ ،‬وفي النهاية تعلم الف�أر كيف ي�س���ير مبا�ش���رة‬
‫في الطريق ال�سليم دون �أن يقوم ب�أي محاوالت خاطئة‪.‬‬
‫و ُيع ّد «ثورنديك» من �أهم العلماء الذين قاموا بدرا�سات عن التعلم بالمحاولة والخط�أ‪،‬‬
‫عل���ى عدد من القطط التي ُحرم���ت من الطعام مدة طويلة‪ ،‬فحب����س واحدًا منها في قف�ص‬
‫مغلق له ت�صميم خا�ص‪ ،‬بحيث ي�سهل على القط �أن يفتحه من الداخل‪ ،‬وو�ضع له في الخارج‬
‫طعا ًم���ا له رائحة نفاذة‪ ،‬وبد�أ يالحظ �س���لوك القط الذي ظ���ل يقفز داخل القف�ص بحركات‬
‫محاول الخروج‪ ،‬وهو بين كل حين و�آخر يمد يديه للطعام من خالل القف�ص‪ّ ،‬‬
‫ويع�ض‬ ‫اً‬ ‫ع�صبية‬
‫الق�ض���بان ب�أ�سنانه دون فائدة‪ ،‬و�أخي ًرا ا�ستطاع في �أثناء محاوالته الع�شوائية �أن يفتح الباب‬
‫فج�أة وبالم�ص���ادفة‪ ،‬ثم يخرج ليلتهم الطعام‪ .‬وعندما �أعاد «ثورنديك» التجربة مرة ثانية‪،‬‬
‫وجد �أن محاوالت القط الخاطئة نق�صت كثي ًرا‪ ،‬وفتح الباب بعد زمن �أقل‪ ،‬وبعد تجارب عدة‬
‫تعلم القط كيف يفتح الباب دون �أن ُيخطئ �أو ي�ستغرق زم ًنا طويلاً ‪.‬‬
‫قوانين التعلم بالمحاولة الخط�أ‪:‬‬
‫وقد حاول «ثورنديك» وغيره من العلماء �أن يف�س���روا هذا النوع من التعلم‪ ،‬ف�أ�ش���اروا‬
‫�إلى قانونين رئي�سين بينهما ارتباط كبير عن التعلم بالمحاولة والخط�أ‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪422‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫( أ� ) قانون التردد والتكرار‪:‬‬


‫�أ�شار «واط�سون» العالم الأمريكي‪� ،‬إلى �أن القط �إذا بد�أ محاولة فا�شلة فال بد �أن يتبعها‬
‫بمحاول���ة �أخ���رى ناجح���ة‪ ،‬فيكون قد ح�ص���ل على الطعام‪ ،‬و�أ�ش���بع رغبته‪ ،‬ومن ث���م لن يقوم‬
‫بمحاولة �أخرى فا�شلة‪ ،‬وحين يجوع يبد�أ محاوالته من جديد بالف�شل ثم النجاح‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وانتهى «واط�س���ون» �إل���ى �أن المحاوالت الناجحة‪ ،‬قد تك���رر وقوعها في كل التجارب‬
‫كاف للقيام بعملية التثبيت هذه‪ ،‬بل ال بد‬
‫�ض���عف المحاوالت الفا�شلة‪ ،‬و�أن هذا وحده غير ٍ‬
‫من وجود عامل �آخر ي�ش���ترك معه‪ ،‬وهو الأثر الح�س���ن الذي تترك���ه المحاوالت في الكائن‬
‫والذي يدفعه لتكرارها فيما بعد‪.‬‬

‫(ب) قانون الأثر �أو ما ي�سمى «الأثر الح�سن»‪:‬‬


‫ف�س���ر «ثورندي���ك» �ص���احب التجارب ال�س���ابقة قانون التك���رار على �أ�س���ا�س �أنه لي�س‬
‫م���ن المحتم �أن تتبع المحاولة الفا�ش���لة محاول���ة �أخرى ناجحة‪ ،‬ومن ثم قد ت�ص���بح عدد‬
‫المحاوالت الفا�ش���لة �أكثر من حيث تكرار الوقوع من الناجحة‪ ،‬ولهذا حاول �أن يبحث عن‬
‫كيفية تثبيت ال�سلوك الناجح لدى الحيوان‪.‬‬
‫وقد وج���د «ثورنديك» �أن المح���اوالت الناجحة‪ ،‬ت�ؤدي �إلى �ش���عور الحيوان باالرتياح‬
‫وال�سرور؛ لأنها ت�شبع حالة الجوع عنده‪ ،‬ومن ثم يميل �إلى تكرارها بكثرة‪ ،‬عك�س المحاوالت‬
‫الفا�ش���لة الت���ي ت�ؤلم الحيوان‪ ،‬وتزيد من توتر �س���لوكه‪ ،‬ومن ثم يح���اول �أن يبتعد عنها قدر‬
‫الإمكان‪ ،‬وتظل تقل بالتدريج حتى تنعدم في النهاية‪ ،‬وال يبقى �سوى ال�سلوك الناجح‪.‬‬
‫وهكذا تم تف�سير طريقة التعلم بالمحاولة والخط�أ‪ ،‬بوا�سطة قانون الأثر الذي يعتمد‬
‫في �أ�سا�سه على �إ�شباع حاجة الحيوان‪ ،‬في�شعر بالراحة‪ .‬لكن قانون الأثر بمفرده ال يكفي‪،‬‬
‫بل يجب �أن ي�ش���ترك معه قانون التكرار لتثبيت ال�س���لوك الجديد‪ ،‬ف����إن هذا التكرار ي�ؤدي‬
‫�إلى وجود روابط ع�صبية بين الموقف الخارجي وا�ستجابة الكائن الحي الداخلية دون �أن‬
‫يتدخل الحيوان فيها �أو �أن يترك من �أمرها �شي ًئا؛ لأنها تحدث �آل ًّيا‪.‬‬
‫‪423‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫(‪« )3‬هل» ‪ Hull‬ومبادئ ال�سلوك‪:‬‬

‫�أقام «هل» بنا ًء نظر ًّيا لتف�سير التعلم‪ ،‬وو�ضع لذلك نظرية «مبادئ ال�سلوك»‪ ،‬وعدلت‬
‫النظرية‪ ،‬و�أ�ضيفت �إليها تف�سيرات عدة‪ ،‬وتناولت النظرية النقاط الآتية‪:‬‬
‫(�أ) ال�سلوك املتعلم هو عالقة بني مثري وا�ستجابة‪ ،‬و ُي�سمى هذا ال�سلوك قوة العادة‪،‬‬
‫ويعرب عنه بالرمز ‪ Shr‬حيث ‪ H‬ترمز للعادة‪ ،‬واحلرفان ‪ R‬و ‪ S‬يرمزان �إىل املثري‬
‫واال�ستجابة ‪.Stimulus & Response‬‬

‫(ب) التدعيم �شرط �ضروري يف التعلم‪.‬‬


‫(ج) افرتا����ض �أن ال�س���لوك ي���زداد يف ات�س���اعه تدريج ًّيا وبا�س���تمرار نتيج���ة للتدعيم‬
‫امل�ستمر‪ ،‬ويتغري دائ ًما‪.‬‬
‫(د) ُيقا�س الأداء لأي ا�ستجابة متعلمة من خالل �سرعتها وتكرار حدوثها ومقاومتها‬
‫لالنطفاء‪ .‬وقد �أكمل عمل «هل» «كنث �سبن�س وزمال�ؤه»‪.‬‬
‫(‪�« )4‬سكنر» ‪ Skinner‬وتدعيم ال�سلوك‪:‬‬

‫يتعار�ض «�س���كنر» مع ما �أ�ش���ار �إليه «هل»‪ .‬فيرى «�س���كنر» �أن تحديد ال�سلوك والواقع‬
‫بين مثير وا�س���تجابة ومحاولة قيا�س���ه عملية غير �ض���رورية‪� ،‬إذ �إنه يهتم بالمدعمات التي‬
‫تدعم اال�ستجابة‪ ،‬وال يهتم بمحاولة اكت�شاف المثير الذي ا�ستثارها‪.‬‬
‫وفي ر�أي «�س���كنر»‪ ،‬المدعم هو �أي مثير تعقبه ا�س���تجابة‪ ،‬ويزيد من احتمال حدوثها‬
‫في المرة الالحقة‪.‬‬
‫(‪« )5‬واط�سون» وال�سلوكية ‪:Behaviourism & Waston‬‬

‫اهتم «واط�سون» بدرا�سة ال�شعور‪� ،‬إذ �إنه اعترب من �سبقوه �أنهم كانوا يدر�سون ظواهر غري‬
‫ذاتية‪ .‬و ُيع ّد «واط�سون» رائد املنهج ال�سلوكي‪ ،‬وال�سلوكية تعتمد على الأ�شراط‪ ،‬وكانت ت�ؤكد‬
‫دور البيئة يف التعلم وتعديل ال�سلوك‪ ،‬وبذلك �أدت ال�سلوكية �إىل الإغفال الكامل لنظرية‬
‫‪424‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الغرائز ‪ -‬ملكدوجل ‪ Mcdogal‬التي كان لها ت�أثري كبري يف تفكري علماء النف�س يف مطلع‬
‫القرن احلايل‪.‬‬
‫ً‬
‫�ش����رطا‬ ‫ول����م تكن هناك �إ�ش����ارة ف����ي نظرية «واط�س����ون» للتدعيم و�أثره بو�ص����فه‬
‫�أ�سا�س ًّيا للتعلم‪.‬‬
‫ويرى «واط�س���ون» �أن اال�س���تجابة التي تحدث للكائن نتيجة مثير معين‪ ،‬تميل �إلى �أن‬
‫التكرار‪ ،‬طالما ُوجد هذا المثير‪.‬‬
‫(‪« )6‬جاثري» ‪ Guthrie‬ونظرية االقتران‪:‬‬
‫ي�ؤكد «جاثري» دور االقتران بين المثير واال�ستجابة التي تحدث‪ ،‬وهو يرى �أن التعلم‬
‫يحدث ب�صرف النظر عن وجود التدعيم‪ ،‬كا�ستثارة المثير ال�شرطي لال�ستجابة ال�شرطية‪.‬‬
‫(‪« )7‬ثورنديك» ونظرية التدعيم‪:‬‬
‫يتف���ق «ثورنديك» مع «واط�س���ون» في �أن التعلم عبارة عن نم���و تدريجي الرتباط بين‬
‫مثير وا�ستجابة‪ ،‬واالرتباط طبيعة ع�صبية‪ ،‬و ُي�سمى كل االرتباط الو�صلة الع�صبية‪ ،‬و�أ�شار‬
‫�إل���ى وج���ود قانون التدريب ‪ Law of Exercise‬وقانون الأثر ‪ Low of Effect‬لتف�س���ير �ش���دة‬
‫االرتباط‪.‬‬
‫وق���د اهتم «ثورنديك» في البداية بقانون التدريب‪� ،‬إال �أنه �أكد بعد ذلك عدم جدوى‬
‫هذا القانون‪ .‬ففي نظره �أن النتائج ال�سارة الم�شبعة تقوي االرتباط بين المثير واال�ستجابة‪،‬‬
‫والنتائج غير ال�سارة الم�ؤلمة ت�ضعف االرتباط‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬اجل�شتاليت وتف�سري التعلم‪:‬‬


‫قد اعتر�ض بع�ض علماء النف�س مثل «كوفكا» على هذا التف�سير الآلي الع�صبي للتعلم‪،‬‬
‫حي���ث �أ�ش���ار �إلى �أن هناك عمليات عقلية ب�س���يطة يق���وم بها القط‪ ،‬و ُي���درك فيها العالقة‬
‫‪425‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫بي���ن الطعام الموجود خارج القف�ص وبين فتح الباب‪ ،‬وكانت تلك هي مقدمات اكت�ش���اف‬
‫الطريقة الثالثة للتعلم المعروف با�سم «اال�ستب�صار»‪.‬‬
‫التعلم باال�ستب�صار‪:‬‬
‫ظه���رت مدر�س���ة �أخ���رى لعلم النف����س في �ألماني���ا �أُطلق عليها ا�س���م «الج�ش���تاليت»‬
‫�أي «ال���كل» ف���ي اللغ���ة الألمانية‪ ،‬وكان م���ن �أبرز رجال هذه المدر�س���ة «كوف���كا» و«كهلر»‪،‬‬
‫«فرتهيم���ر»‪ ،‬وغيره���م‪ ،‬ولم يوافق �أ�ص���حاب هذه المدر�س���ة على النظريات ال�س���ابقة في‬
‫تف�س���ير �س���لوك الكائن الحي‪ .‬لذلك �شرع �أكبر رواد هذه المدر�س���ة وهو «كهلر» في �إجراء‬
‫تج���ارب جديدة عل���ى حيوانات تفوق ال���كالب والقطط في الذكاء‪ ،‬واخت���ار لذلك القردة‬
‫وال�ش���مبانزي‪ ،‬ولكونها �أعلى في م�س���تواها العقلي �أدى �إلى �أن تختلف طريقة التعلم بينها‬
‫عن مثيلتها لدى الكالب والقطط‪.‬‬
‫وق���د ب���د�أ «كهلر» تجاربه ب�أن و�ض���ع ق���ردًا جائ ًعا في قف�ص كبير‪ ،‬وعل���ق له موزة في‬
‫�أعلى القف�ص‪ ،‬وو�ض���ع داخله ع�ص���ا كبيرة في مجال ب�ص���ري واحد مع الموزة‪ ،‬بحيث �إذا‬
‫ا�ص���طدمت به���ا �أوقعتها‪ ،‬وب���د�أ القرد ُيفكر في طريقة للح�ص���ول على الم���وزة‪ ،‬وفي �أثناء‬
‫تفكيره وقع ب�ص���ره على الع�صا‪ ،‬و�أدرك في الحال �أنه يمكنه ا�ستخدامها لإ�سقاط الموزة‪،‬‬
‫وبالفعل �أمكنه �أن ي�سقطها‪.‬‬
‫وفي تجربة ثانية ا�ستبدل «كهلر» بالع�صا �صندوقين �صغيرين �إذا و�ضع �أحدهما فوق‬
‫الآخر‪ ،‬ووقف عليهما القرد‪� ،‬أمكنه �أن يم�سك بالموزة‪ ،‬وبعد مدة من التفكير والمحاوالت‬
‫الخاطئة‪ ،‬ك�أن يقف القرد على �ص���ندوق واحد‪ ،‬ويلوح بيديه‪ ،‬ويقفز �إلى �أعلى دون فائدة‪،‬‬
‫�أدرك �أن هناك عالقة قائمة بين و�ض���ع ال�ص���ندوقين �أحدهما فوق الآخر ووقوفه عليهما‪،‬‬
‫وبين ح�صوله على الموزة وفعلاً �أمكنه بهذه الطريقة �أن يحقق غر�ضه‪.‬‬
‫وف���ي تجربة ثالث���ة �أكثر تعق���دً ا من تل���ك �أعطى «كهلر» القرد ع�ص���وين �ص���غيرتين‬
‫منف�ص���لتين‪� :‬إحداهما ذات تجويف ي�س���هل و�ض���ع الأخرى فيها‪ ،‬فت�ص���بحان ع�صا واحدة‬
‫‪426‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫طويل���ة‪ ،‬يمكنه���ا �أن ت�س���قط الموزة‪ .‬بد�أ القرد محاوالته ب�س���لوك ع�ش���وائي يطوح فيها كل‬
‫ع�ص���ا على حدة تجاه الموزة دون �أن ي�ص���ل �إليها‪ ،‬وبعد مدة طويلة �أب�صر القرد م�صادفة‬
‫التجوي���ف الموجود في الع�ص���ا الأول���ى‪ ،‬ف�أدرك في الح���ال �إمكان �إدخ���ال الأخرى فيها‪،‬‬
‫لت�ص���بحا ع�صا واحدة طويلة‪ ،‬ومن ثم ي�ستطيع �إ�سقاط الموزة وفعلاً قام بهذه المحاولة‪،‬‬
‫ونجح فيها خير نجاح‪.‬‬
‫وبذلك انتهى «كهلر» من تجاربه ال�س���ابقة �إلى �أن التعلم لدى الكائن الحي ال يحدث‬
‫عن طريق االرتباط ال�ش���رطي ح�س���بما ي�ش���ير «بافلوف»‪ ،‬وال عن طريق المحاولة والخط�أ‪،‬‬
‫ح�س���بما ي�ش���ير «ثورنديك» بل �إنه يقوم على �أ�س���ا�س فهم الكائن الح���ي و�إدراكه المفاجئ‬
‫للعالق���ات القائمة بين الأ�ش���ياء والمواقف الت���ي يعي�ش فيها الكائن‪ ،‬بال�ض���بط كما �أدرك‬
‫القرد العالقة الموجودة بين الع�ص���وين والتجويف الذي في �إحداهما وبين الح�صول على‬
‫الموزة المعلقة‪ ،‬وهذا هو ما ُيعرف با�س���م «اال�ستب�ص���ار» وهو الذي نتعلم بوا�سطته الكثير‬
‫من �سلوكنا في الحياة‪.‬‬

‫‪ -1‬قوانين التعلم باال�ستب�صار‪:‬‬


‫من نتائج تجارب «كهلر» �أمكن الو�ص���ول �إلى قوانين عدة جديدة تتحكم في �س���لوك‬
‫الكائن الحي في �أثناء تعلمه‪ ،‬وهذه القوانين هي‪:‬‬

‫(�أ) الإدراك الفجائي للعالقة‪:‬‬


‫يتمي���ز الكائ���ن الحي‪ ،‬وب�ص���فة خا�ص���ة الإن�س���ان‪ ،‬ب�أنه ال يقت�ص���ر �إدراكه للأ�ش���ياء‬
‫الخارجية في �أي �ص���ورة لها‪ ،‬بل يتعداها �إلى �إدراك العالقات القائمة بين هذه الأ�ش���ياء‪،‬‬
‫ويرج���ع ذل���ك �إلى ن�ض���ج قدراته العقلية‪ ،‬وه���ذا الإدراك يح���دق فج�أة في �أثناء ال�س���لوك‬
‫الع�شوائي للكائن‪ ،‬مثلما حدث في �سلوك القرد من التجارب ال�سابقة‪ ،‬وكلما ارتفع م�ستوى‬
‫ذكاء الكائن كان �إدراكه للعالقات �أ�سرع‪ ،‬والعك�س �صحيح‪.‬‬
‫‪427‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫(ب) �أولوية �إدراك الكليات ثم الجزئيات‪:‬‬


‫عندما يوجه الإن�س���ان نظره نحو �شيء ما‪ ،‬ف�إنه ُيدرك منه �أول وهلة معالمه الرئي�سة‬
‫فق���ط‪� ،‬أي �إن���ه ي���راه ككل واحد‪ ،‬ثم بع���د ذلك كلما دق���ق النظر فيه �أكثر �أدرك تفا�ص���يله‬
‫الجزئية ب�صورة �أو�ضح‪.‬‬
‫والواق���ع �أن نظ���رة الكائ���ن للمجال الإدراك���ي نظرة كلية‪ ،‬ت�ش���مل �ض���من ًّيا‪ ،‬مختلف‬
‫تفا�صيله الجزيية في وحدة واحدة‪ ،‬وهذه النظرة الكلية هي التي ت�سهل على الكائن عملية‬
‫�إدراك العالقات بين الأ�شياء‪.‬‬
‫(جـ) الن�ضج والخبرة‪:‬‬
‫الكائ���ن القادر عل���ى التعلم يتمتع بقدر معين من الن�ض���ج العقل���ي‪ ،‬حتى يتمكن من‬
‫�إدراك العالقات بين الأ�ش���ياء المعنوية‪ .‬ولي�س من ال�ضروري �أن يكون الكائن على م�ستوى‬
‫���ال م���ن الذكاء‪ ،‬بل يكفي �أن يكون عنده بع�ض الذكاء والن�ض���ج العقل���ي بمعنى �أنه ما لم‬
‫ع ٍ‬
‫يتوافر الإدراك فال يحدث التعلم‪.‬‬
‫وبجانب الن�ض���ج العقلي‪ ،‬توجد الخبرة ال�سابقة للكائن الحي التي ت�ساعد كثي ًرا على‬
‫نج���اح عملية التعلم‪ .‬فالموقف الجديد المراد تعلمه �إذا كان قد مر بالخبرة ال�س���ابقة من‬
‫خالل موقف �آخر �ش���بيه به‪ ،‬ف�إن عملية التعلم تكون ب�س���يطة جدًّا والمجهود العقلي قليل؛‬
‫لأن الكائن ي�ستطيع اال�ستعانة بخبراته ال�سابقة‪.‬‬

‫‪ -2‬و�سائل التعلم في ال�سلوك الب�شري‪:‬‬


‫عند ا�ستعرا�ض طرق التعلم ال�سابقة وتحديد الم�ستويات في كل منها نجد الآتي‪:‬‬
‫‪ -1‬التعلم باالرتباط ال�شرطي‪ ،‬يحدث على �أ�سا�س االرتباط الع�صبي داخل ج�سم الكائن‬
‫احلي‪ ،‬وبذلك ف�إن �أ�سا�سه ف�سيولوچي‪ ،‬وي�ضاف �إليه الطابع الآيل‪ .‬وعادة ما يكون‬
‫�سلوك الكائنات احلية الب�سيطة يتم عن طريق التعلم باالرتباط ال�شرطي‪.‬‬
‫‪428‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬التعل���م باملحاول���ة واخلط أ���� يحت���اج �إىل نوع م���ن التفكري �أعل���ى من التعل���م باالرتباط‬
‫ال�ش���رطي‪ ،‬ونظري ه���ذا النوع من التعلم من �س���لوك احليوانات الأرق���ى من الكائنات‬
‫احلية الب�سيطة‪.‬‬
‫‪ -3‬التعلم باال�ستب�صار يحتاج �إىل ن�ضج عقلي عن طريقه ي�ستطيع الكائن �إدراك‬
‫العالقات القائمة بني الأ�شياء‪ ،‬التي ميكن مالحظتها وت�سجيلها‪ ،‬ويتم هذا التعلم يف‬
‫�سلوك الكائنات الأرقى ويف مقدمة هذه الكائنات الإن�سان‪.‬‬
‫وقد يتبادر �إلى الذهن �س�ؤال عن كيفية تعلم الإن�سان �سلوكه؟ وهل يقت�صر التعلم في‬
‫ال�س���لوك الب�شري على التعلم باال�ستب�صار وحده؟ ومتى يمكن للإن�سان �أن يكت�سب خبراته‬
‫عند التعلم؟‬
‫الواقع �أن الإن�سان ي�ستخدم الطرق الثالثة في مختلف �أطوار حياته‪:‬‬
‫‪ -1‬ففي مرحلة الطفولة‪ ،‬حيث يحكم اجلهاز الع�صبي �سلوك الكائن‪ ،‬وحيث تكون الأفعال‬
‫التي يقوم بها الطفل يف هذه املرحلة عبارة عن �أفعال ال �إرادية‪ ،‬ف�إن ال�سلوك الذي‬
‫يكت�سبه الطفل يف مرحلة الطفولة‪ ،‬يتم عن طريق التعلم باالرتباط ال�شرطي‪.‬‬
‫‪ -2‬يف املرحلة املتقدمة من العمر‪ ،‬عندما يبد�أ الطفل ُيفكر فيما حوله‪ ،‬وي�ستخدم عقله‪،‬‬
‫ويبد�أ يف تلقي معلوماته‪ ،‬ف�إن �سلوكه يتم عن طريق املحاولة واخلط�أ بجانب الطريقة‬
‫ال�سابقة � ً‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫‪ -3‬عندما يتم الن�ضج العقلي‪ ،‬وي�ستطيع الإن�سان �أن ي�ستخدم عقله وذكاءه‪ ،‬وميكنه �أن‬
‫يكت�سب خربات جديدة‪ ،‬وميكنه �إدراك العالقات‪ ،‬ف�إنه يكون قاد ًرا على اكت�ساب‬
‫�سلوكه باال�ستب�صار‪.‬‬
‫والواقع �أن الإن�س���ان النا�ض���ج تالزمه طرق التعلم الثالث طوال حياته وعن طريقها‬
‫يكت�س���ب �أنماط ال�س���لوك المختلفة‪ ،‬ولي�س معنى هذا �أن هناك حدودًا فا�ص���لة بين و�س���يلة‬
‫و�أخرى من و�سائل التعلم‪ ،‬بل يوجد بينهما تداخل كبير ال ن�ستطيع �أن ن�ضع حدودًا بينهما‪.‬‬
‫‪429‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫ومعنى ذلك �أن هناك تكاملاً بين و�سائل التعلم وطرقه وم�ستوياته المختلفة‪ ،‬يتوافق‬
‫و�سلوك الإن�سان‪.‬‬
‫ً‬
‫مرتبطا باال�ستب�ص���ار‪ ،‬فما �أثر الن�ض���ج �أو بمعنى �آخر �أثر‬ ‫و�إذا كان الن�ض���ج العقلي‬
‫الن�ض���ج والتمرين في عالقتهما بالتعلم وب�صفة خا�صة التعلم عن طريق اال�ستب�صار؟ وما‬
‫المبادئ الأ�سا�سية التي يتم من خاللها التعلم؟‬

‫‪ -3‬الن�ضج والتمرين وعالقتهما بالتعلم‬


‫ُيع��� ّد «هويل���ر ‪ »Wheeler‬م���ن ال���رواد الذين ف�س���روا التعل���م عن طريق اال�ستب�ص���ار‬
‫التلقائي‪ ،‬وو�ضع لذلك نظرية على �أ�سا�سين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪� -1‬إن الكائن احلي ينمو‪ ،‬ويتطور عن طريق حماولة حل امل�شكالت‪ ،‬وهذه املحاوالت‬
‫تك�سب الكائن احلي خربة ومرا ًنا ي�ساعدان الكائن على ا�ستب�صار امل�شكالت املقبلة‪.‬‬
‫‪� -2‬إن عملية اال�ستب�صار ال تكون جمز�أة‪ ،‬بل تكون �شاملة جلميع العالقات التي يت�ضمنها‬
‫املو�ضوع املراد تعلمه‪ .‬ومعنى ذلك �أن الإدراك يعتمد على النظر �إىل املجال الإدراكي‪،‬‬
‫وما يت�ضمنه من عنا�صر كوحدة‪.‬‬
‫ومن الناحية البيولوچية والنف�سية‪ ،‬ف�إنه ينظر للكائن الحي على �أ�سا�س‪:‬‬
‫‪� -1‬إن اجلهاز الع�صبي عند اجلنني يكون يف �أول الأمر وحدة غري حمددة الأجزاء‪ ،‬ثم‬
‫تتمايز �أجزا�ؤها بالتدريج‪.‬‬
‫‪� -2‬إن احلركات يطرد تنا�سقها ومتيزها عند احليوان باطراد ن�ضج اجلهاز الع�صبي‪،‬‬
‫وكلما تقدم الكائن احلي يف النمو‪ ،‬كان قاد ًرا على القيام بحركات �أعقد و�أكرث دقة‪.‬‬
‫‪ -3‬من الناحية الإدراكية‪ ،‬ينمو الإدراك كلما تقدم الكائن احلي يف النمو‪ ،‬ففي مراحل‬
‫العمر الأوىل يكون الإدراك كل ًّيا ال يمُ يز فيه بني الأجزاء‪ ،‬يف حني �أنه كلما تقدم يف‬
‫العمر يكون الإدراك قائ ًما على �إدراك التفا�صيل املكونة للكل‪.‬‬
‫‪430‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ولي����س الن�ض���ج وحده في نظر «هويلر» يحدث التعل���م‪� ،‬إذ �إنه في نظره ال بد �أن يكون‬
‫لظاهرة التعلم عند الإن�سان �سببان �آخران هما‪:‬‬
‫‪ -1‬الن�ضج الذي يحدث بفعل عوامل النمو الداخلي‪ ،‬كالتقدم في العمر‪.‬‬
‫‪ -2‬عملية نمو �أخرى ت�سببها الظروف المثيرة‪ ،‬التي تظهر عن طريق اال�ستثارة بالتمرين‬
‫والتكرار‪ ،‬وال بد �أن تتخلل هذه اال�ستثارة �أوقات راحة ي�سترد المتعلم فيها جهده ون�شاطه‪.‬‬
‫�أي �إن التعل���م ال���ذي يتم عن طريق التمرين الموزع‪� ،‬أف�ض���ل من التمرين المت�ص���ل‪،‬‬
‫حيث �إنه يعطي الفرد فر�صة للنمو والن�ضج‪.‬‬
‫وي�ساعد الن�ضج على �إدراك المواقف الح�سية �أو العقلية المركبة المتعددة الأجزاء‪،‬‬
‫الت���ي تمثل مركبات م���ن وحدات عدة‪� ،‬إدراكها بو�ص���فها وحدة كلية‪ ،‬ث���م ُيدرك بعد ذلك‬
‫الأجزاء تدريج ًّيا‪.‬‬
‫وهذه الكليات المختلفة تت�ضمن كل منها عالقات‪ ،‬و�إذا لم تكن العالقات في م�ستوى‬
‫يتنا�س���ب مع ن�ضج الفرد‪ ،‬ف�إن التعلم ال يمكن �أن يبد�أ‪ ،‬والتعلم عن هذا الطريق عبارة عن‬
‫نماء اال�ستب�صار وزيادته‪.‬‬

‫تف�سري التعلم‪:‬‬
‫� اًأول‪ :‬املدر�سة ال�سلوكية‪( :‬بافلوف ‪ -‬ثورنديك ‪ -‬هل ‪� -‬سكرن‪ -‬واط�سون ‪ -‬جاثري)‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬مدر�سة اجل�شتالت‪( :‬اال�ستب�صار ‪ -‬و�سائل التعلم الب�شري)‪.‬‬
‫‪431‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬يتم التعلم لدى الإن�سان يف مدارج العمر املتعاقبة من خالل طرائق معينة‪.‬‬
‫‪� -2‬أهم نظريات التعلم‪ :‬التعلم االرتباطي ال�شرطي ‪ -‬التعلم باملحاولة واخلط أ� ‪( -‬التعلم‬
‫باال�ستب�صار والتب�صر)‪.‬‬
‫‪ -3‬التعلم االرتباطي ال�شرطي يعود �إىل جهد «بافلوف» العامل الرو�سي‪ ،‬وتف�سريه للتعلم قائم‬
‫على �أنه يف حالة تكرار ا�شرتاك منبهني يف الت�أثري يف الكائن احلي يف وقت واحد يحدث‬
‫بينهما ارتباط‪ ،‬بحيث �إن �أحد املنبهني ميكنه �أن يثري ا�ستجابة املنبه الآخر‪.‬‬
‫‪ -4‬من قوانني التعلم ال�شرطي‪ :‬االنطفاء التجريبي ‪ -‬العودة التلقائية ‪ -‬التعميم ثم التمييز‪.‬‬
‫‪ -5‬التعلم باملحاولة واخلط أ� من تف�سري «دا�شيل» و«ثورنديك»‪.‬‬
‫‪ -6‬قوانني التعلم باملحاولة واخلط�أ‪ :‬قانون الرتدد والتكرار ‪ -‬وقانون الأثر �أو ما ي�سمى‬
‫الأثر احل�سن‪.‬‬
‫‪ -7‬التعلم باال�ستب�صار (اجل�شتاليت) �أي «الكل» يف اللغة الأملانية‪ ،‬ومت تف�سريه من‬
‫«كوفكا» و«كهلر» على �أ�سا�س فهم الكائن احلي و�إدراكه املفاجئ للعالقات القائمة بني‬
‫الأ�شياء واملواقف التي يعي�ش فيها الكائن‪.‬‬
‫‪ -8‬قوانني التعلم باال�ستب�صار‪ :‬الإدراك الفجائي للعالقات ‪� -‬أولوية �إدراك الكليات ثم‬
‫اجلزئيات ‪ -‬الن�ضج واخلربة‪.‬‬
‫‪ -9‬ي�ستخدم الإن�سان و�سائل التعلم ال�سابقة‪ ،‬ففي الطفولة ي�ستخدم التعلم ال�شرطي‪،‬‬
‫ويف مرحلة متقدمة من العمر ي�ستخدم طريقة املحاولة واخلط�أ‪ ،‬وعندما يتم الن�ضج‬
‫العقلي ميكنه اال�ستب�صار‪.‬‬
‫‪ُ -10‬يع��� ّد «هويلر» ممن ف�س���روا التعلم عن طريق اال�ستب�ص���ار التلقائي‪ ،‬حيث ي�ؤدي الن�ض���ج دورًا‬
‫�أ�سا�س ًّيا يف التعلم‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن التمرين املوزع �أقل من التمرين املت�صل‪ ،‬حيث يعطي فر�صة‬
‫للنمو والن�ضج‪ .‬و�إن الن�ضج ي�ساعد على �إدراك املواقف احل�سية �أو العقلية‪.‬‬
‫‪432‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -11‬قدم «هل» نظرية مبادئ ال�سلوك‪.‬‬


‫‪ -12‬قدم «�سكرن» نظرية تدعيم ال�سلوك‪.‬‬
‫‪ -13‬قدم «واط�سون» نظرية ال�سلوكية‪.‬‬
‫‪ -14‬قدم «جاثري» نظرية االقرتان‪.‬‬
‫‪ -15‬قدم «ثورنديك» نظرية التدعيم القائمة على قانون التدريب وقانون الأثر‪.‬‬
‫‪ُ -16‬يع ّد «طوملان» من ال�سلوكيني الذين ركزوا على ال�سلوك يف كليته‪ ،‬ولي�س يف جزئياته‪.‬‬
‫والنظريات المعرفية للتعلم تقوم على تعلم المعلومات والتعميمات واال�ستجابات‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح قوانني التعلم ال�شرطي‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح قوانني التعلم باملحاولة واخلط�أ‪.‬‬
‫‪ -3‬و�ضح قوانني التعلم باال�ستب�صار‪.‬‬
‫‪ -4‬كيف يتم التعلم يف ال�سلوك الب�شري‪.‬‬
‫‪ -5‬و�ضح دور الن�ضج والتمرين وعالقتهما بالتعلم‪.‬‬
‫‪ -6‬اهتم «هل» و«�سكرن» بال�سلوك وتدعيمه يف التعلم‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -7‬اهتم���ت النظري���ات املعرفي���ة يف التعل���م ب�أهمي���ة الكل وتعل���م املعلوم���ات والتعميمات‬
‫واال�ستجابات‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫علم النف�س املعريف وتف�سري التعلم‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف القارئ �إىل ن�ش�أة علم النف�س املعريف‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتعرف �إىل مفهوم علم النف�س املعريف‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يحدد القارئ العمليات املعرفية العقلية‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن مييز العوامل التي ت�ؤثر يف االنتباه‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يتعرف �إىل مفهومي الإدراك والإح�سا�س‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن مييز خ�صائ�ص الإدراك‪.‬‬
‫(‪� )7‬أن يتعرف �إىل مفهوم الذاكرة و�أنواعها‪.‬‬
‫(‪� )8‬أن يحدد �أ�سباب الن�سيان يف الذاكرة ق�صرية املدى‪.‬‬
‫(‪� )9‬أن يتعرف �إىل مفهوم التفكري ومعوقاته‪.‬‬
‫علم النف�س املعريف وتف�سري التعلم‬

‫‪:‬‬
‫ُيع��� ّد علم النف����س المعرفي ‪ Cognitive Psychology‬من الف���روع الحديثة في ميدان‬
‫علم النف�س‪ ،‬وقد ظهر هذا الفرع الجديد بعد ثورة االت�صاالت والمعلومات والتقدم المذهل‬
‫ف���ي مج���ال الحا�س���بات الإلكترونية‪ ،‬وفيه ي�ش���به العقل الب�ش���ري بالحا�س���ب الآلي من حيث‬
‫وج���ود المدخالت (البيانات) التي ُيغذى بها الكمبيوتر‪ ،‬ومن ثم يتم ت�ش���غيل �أو تجهيز هذه‬
‫المدخالت �أو البيانات داخل الكمبيوتر‪ ،‬ثم تخرج في �صورة جديدة على �شكل المخرجات‪.‬‬
‫ويهت���م عل���م النف�س المعرفي بم���ا بحدث داخل العقل الب�ش���ري م���ن عمليات عقلية‬
‫معرفية يتم فيها التعامل مع المعلومات (المدخالت) التي ي�س���تقبلها الإن�س���ان من البيئة‬
‫الت���ي يعي�ش فيها ويتفاعل معها‪� .‬أي �إن علم النف�س المعرفي يركز اهتمامه على ما يحدث‬
‫داخل العقل الب�ش���ري الذي كان ي�سمى (ال�صندوق الأ�سود) وذلك لعدم معرفتنا بما يدور‬
‫بداخله وف ًقا للنظريات ال�س���ابقة المف�س���رة ل�س���لوك الإن�سان (ال�س���لوكية) التي ركزت كل‬
‫�س)‪.‬‬ ‫اهتمامها على مفاهيم المثير واال�ستجابة (م‬
‫ويعرف علم النف�س المعرفي ‪ Cognitive Psychology‬ب�أنه ي�ش���مل جميع العمليات‬
‫التي يتم من خاللها نقل المدخالت الح�س���ية وتحويلها واخت�صارها وتو�ضيحها وتخزينها‬
‫وا�ستعادتها وا�ستعمالها‪.)1967,Neisseer( .‬‬
‫ي�ش���ير هذا التعريف �إلى �أن علم النف�س المعرفي ُيعنى بجميع العمليات العقلية التي‬
‫يمار�س���ها الفرد عندما ي�س���تقبل المعلومات و ُيعالجها‪ ،‬ويرمزها‪ ،‬و ُيحزنها ثم ي�س���ترجعها‬
‫عن���د الحاج���ة‪ .‬لذا‪ ،‬ف�إن عل���م النف�س المعرف���ي يتعامل م���ع عمليات ح�ص���ول الفرد على‬
‫المعلومات وكيفية تمثيلها وتحويلها �إلى معرفة وكيفية تخزينها‪ ,‬وطريقة ا�س���تخدامها في‬
‫‪436‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫توجيه الن�شاط الإن�ساني‪ .‬وهكذا نجد �أنه يت�ضمن مدى وا�س ًعا من العمليات العقلية ابتدا ًء‬
‫من الإح�سا�س والإدراك وعلم الأع�صاب والتعرف �إلى النمط‪ ,‬واالنتباه‪ ,‬والتعلم والذاكرة‬
‫وتكوين المفاهي���م والتخيل‪ ،‬واللغة‪ ,‬والذكاء‪ ،‬والعواطف‪ ،‬وعمليات النمو المعرفي‪( .‬رافع‬
‫الن�صير‪ ,‬عماد الزغول‪.)2003 ,‬‬

‫ومن املفاهيم املرتبطة مبيدان علم النف�س املعريف‪:‬‬


‫ي���رى علماء عل���م النف�س التربوي �أن نم���اذج التعلم العقلية له���ا دور فعال في عملية‬
‫تعل���م الطالب‪ ،‬حيث �إنها كل متراب���ط لإدراكهم �أو عدم �إدراكهم لعمليات التعلم و�أهدافه‬
‫ومهامه و�أبعاده المختلفة‪ ,‬وقد اهتم الباحثون بتحديد توجه الهدف ونمطه بين الطالب‪.‬‬
‫(حب�شي‪.)2005 ,‬‬
‫و ُيع���رف بايفي���و (‪ )1978,Paivio‬تجهي���ز المعلوم���ات ب�أنه النظام ال���ذي يقوم بترميز‪,‬‬
‫وتنظيم‪ ,‬وتحويل‪ ,‬وتخزين‪ ,‬وا�سترجاع المعلومات‪�( .‬إ�سماعيل الفقي‪ ,‬و�آخرون‪.)2011,‬‬

‫وي�شمل مفهوم تجهيز المعلومات الم�صطلحات الآتية‪:‬‬


‫(‪ )1‬المدخالت ‪:inputs‬‬
‫وهي المعلومات التي ي�ستقبلها الإن�سان عبر الحوا�س المختلفة‪.‬‬
‫(‪ )2‬التجهيز ‪:processing‬‬
‫وهي العمليات التي تحدث داخل العقل الب�شري من ترميز وتنظيم وتحويل وتخزين‬
‫وا�سترجاع للمعلومات التي ي�ستقبلها الإن�سان‪.‬‬
‫(‪ )3‬المخرجات ‪:outputs‬‬
‫وهي العملية الأخيرة في نظام تجهيز المعلومات‪ ،‬وهي ما يمكن مالحظته وقيا�س���ه‬
‫في �صورة �سلوك �أو ا�ستجابة للفرد بعد ا�ستقبال المعلومات وتجهيزها‪.‬‬
‫‪437‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫ويمكن التعبير عن نظام تجهيز المعلومات بال�شكل الآتي‪:‬‬

‫مخرجات‬ ‫تجهيز المعلومات‬ ‫مدخالت‬

‫�شكل يبين نظام تجهيز المعلومات‪.‬‬

‫ومن العمليات المعرفية العقلية في علم النف�س المعرفي ما ي�أتي‪:‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬االنتباه ‪:Attention‬‬
‫عرف���ه وليم جيم����س عالم النف����س الأمريك���ي (‪ )1910 :1842‬ب أ�ن���ه (عملية تركيز‬
‫الوعي �أو ال�شعور على الإح�سا�سات الناتجة بفعل المثيرات الخارجية �أو تلك ال�صادرة من‬
‫داخل الفرد‪.‬‬
‫ •وي�ؤك���د جيم�س �أن االنتباه عملية وظيفية تتمث���ل في التركيز في مثير معين دون غيره‬
‫م���ن المثي���رات‪ ،‬بحيث يتم اختياره على نحو �ش���عوري �أو غير �ش���عوري‪ ,‬وقد ميز بين‬
‫نوعين من االنتباه هما‪:‬‬
‫‪ -1‬االنتباه المرتبط بالمثيرات الح�سية الذي يتمثل في تركيز ع�ضو الح�س على‬
‫االنطباعات الح�سية‪.‬‬
‫‪ -2‬االنتباه المرتبط بالعمليات العقلية المتمثلة في تركيز التفكير �أو العقل فيما نحن‬
‫ب�صدد التفكير فيه‪.‬‬
‫( ‪.)1999, Schmidt & Lee‬‬
‫تعري���ف برودبنت ‪ Broadbent‬لالنتب���اه ‪ -‬عالم النف�س البريطان���ي الذي �ألف كتا ًبا‬
‫بعن���وان (الإدراك واالت�ص���ال) ‪ :-‬االنتباه هو بمثابة مح�ص���لة الطاق���ة المحدودة لنظام‬
‫معالجة المعلومات‪.‬‬
‫‪438‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ •وافتر�ض في نظريته حول االنتباه �أن العالم المحيط بنا يت�ألف من �آالف الأحا�س���ي�س‬
‫الت���ي ال يمكن معالجتها م ًعا في منظومة الإدراك المعرفية‪ ،‬وذلك يدفعنا �إلى توجيه‬
‫االنتباه �إلى بع�ضها و�إهمال بع�ضها الآخر‪.‬‬
‫ •لذااقترحبرودبنت ‪Broadbent‬فكرة وجودالمر�شح‪Filter‬الذي يعمل بو�صفهحاجزً ا في‬
‫�أثن���اء مراح���ل معالجة المعلومات‪ ،‬حيث ي�س���مح باالنتباه لبع����ض المعلومات و�إهمال‬
‫بع�ضها الآخر‪.‬‬

‫طبيعة عملية االنتباه وخ�صائ�صها‪:‬‬


‫� اً‬
‫أول‪ُ :‬ينظ���ر �إلى االنتب���اه على �أنه عملية اختيار تنفيذية لحدث �أو مثير والتركيز فيه‬
‫ولي�س بو�ص���فه �أح���د مكونات الذاكرة الهيكلية‪ ,‬فهو ُيمثل العملي���ة التي يتم خاللها اختيار‬
‫بع�ض الخبرات الح�س���ية الخارجية �أو الداخلية والتركيز فيها من �أجل معالجتها في نظام‬
‫معالجة المعلومات‪.)1989:1998,Ashcraft(.‬‬
‫ثان ًيا‪ُ :‬ينظر �إلى االنتباه على �أنه عملية �شعورية في الأ�صل تتمثل في الوعي �أو ال�شعور‬
‫ف���ي مثير معي���ن دون غيره من المثي���رات الأخ���رى �أو االنتباه �إليه على نح���و تلقائي ريثما‬
‫تت���م معالجته‪ .‬ويمكن لعملية االنتباه �أن ُت�ص���بح عملية ال�ش���عورية (�أوتوماتيكية)في حالة‬
‫الممار�س���ة المكثف���ة لبع�ض المثي���رات والعواطف‪� ,‬أو في حالة المثي���رات والمواقف �أو في‬
‫حالة المثيرات �أو العمليات الم�ألوفة‪.)1996,Cohen&Schoolder( .‬‬
‫ثال ًث���ا‪ :‬هن���اك من ينظ���ر �إلى االنتب���اه على �أنه مجه���ود (‪� )Effort‬أو حالة ا�س���تثارة‬
‫(‪ )Arousal‬وتحدث عندما ت�صل االنطباعات الح�سية‪ .‬وي�ستند ه�ؤالء �إلى فكرة �أن الفرد‬
‫عندما يقوم ببع�ض الأن�ش���طة التي تتطلب تركيز االنتباه مثل العمليات الح�س���ابية �أو قيادة‬
‫ال�س���يارة �أو المناق�ش���ة �أو ال�س���باحة وغيرها من الأن�ش���طة غال ًبا ما يبذلون مجهودًا عقل ًّيا‬
‫يترافق بتغيرات ف�سيولوجية‪ ,‬وذلك كما تقي�سه المقايي�س الخا�صة بذلك‪.‬‬
‫‪439‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫راب ًع���ا‪ُ :‬ينظر �إلى االنتباه على �أنه طاقة محددة ‪� Limited Energy‬أو م�ص���در محدد‬
‫ال�س���عة ‪ Limited Capacity or Resource‬ال يمكن ت�ش���تيتها لتنفيذ �أكثر من مهمة الوقت‬
‫نف�سه‪.)1990,Anderson( .‬‬
‫فبح�س���ب وجهة النظر هذه‪ ،‬ف�إن من ال�ص���عوبة االنتباه �إلى �أكثر من خبرة ح�سية �أو‬
‫تنفيذ عمليتين عقليتين في الوقت نف�سه‪ .‬فمثلاً ال ي�ستطيع الفرد �إجراء محادثتين في � ٍآن‬
‫واحد‪� .‬أو حل م�س�ألة ريا�ضية والقيام بمهارة ريا�ضية م ًعا‪.‬‬
‫وت�س���تند �إل���ى حقيق���ة مفاده���ا �أن المعلوم���ات التي تدخ���ل الذاكرة الح�س���ية يجب‬
‫االحتفاظ بها فترة وجيزة ريثما يت�سنى لنظام معالجة المعلومات معالجتها‪.‬‬

‫العوامل التي ت�ؤثر يف االنتباه‪:‬‬


‫أول‪ :‬مجموعة العوامل المرتبطة بالفرد‪ ،‬وت�شمل‪:‬‬ ‫� اً‬
‫‪ -1‬الحالة االنفعالية والمزاجية التي يمر بها الفرد‪ :‬مثل التوتر والقلق‪.‬‬
‫‪ -2‬الحاجات والدوافع ال�شخ�صية مثل الجوع‪.‬‬
‫‪ -3‬التوقع‪ ,‬مثل توقع حدوث �شيء ما‪.‬‬
‫‪ -4‬القدرات العقلية وال �سيما الذكاء‪ :‬مثل ارتفاع ن�سبة الذكاء‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬مجموعة العوامل المرتبطة بالمثير �أو الموقف‪ ،‬وت�شمل‪:‬‬
‫‪ -1‬الخ�صائ�ص الفيزيائية للمثير �أو الموقف كاللون وال�شكل والحجم وال�شدة واملوقع‬
‫بالن�سبة �إىل اخللفية التي يقع عليها املثري‪.‬‬
‫‪ -2‬التباين �أو التغاير في �شدة المثير مثلاً ‪ :‬ال تنتبه �إلى �صوت محرك ال�سيارة عندما‬
‫يكون منتظ ًما‪ ،‬ولكن �سرعان ما يجذب االنتباه في �أثناء القيادة عندما يتغير‪.‬‬
‫‪ -3‬الجدة والحداثة والغرابة في المثيرات‪ :‬مثل المثيرات غير الم�ألوفة‪.‬‬
‫‪ -4‬الممار�سة والتدريب‪ :‬حيث ُيمكن تنفيذه على نحو �أتوماتيكي وب�أقل قدر من االنتباه‪.‬‬
‫(�إ�سماعيل الفقي‪ ,‬و�آخرون‪ )2011,‬و (رافع وعماد الزغول‪.)2003 ,‬‬
‫‪440‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ثان ًيا‪ :‬الإدراك ‪:Perception‬‬


‫تعريف الإدراك‪ :‬هو عملية تحويل االنطباعات الح�سية �إلى تمثيالت عقلية معينة من‬
‫خالل تف�سيرها و�إعطائها المعاني الخا�صة بها‪.‬‬
‫�أو هو عملية التو�ص���ل �إلى المعاني من خالل تحويل االنطباعات الح�س���ية التي ت�أتي‬
‫به���ا الحوا�س عن الأ�ش���ياء الخارجية �إل���ى تمثيالت عقلية معينة‪ ،‬وهي عملية ال �ش���عورية‪،‬‬
‫ولكن نتائجها �شعورية‪.)1998,Guenther( .‬‬

‫الإح�سا�س والإدراك‪:‬‬
‫الإح�سا����س ‪ :Sensation‬هو عملية فيزيولوجية تتمثل في ا�س���تقبال الإثارة الح�س���ية‬
‫من العالم الخارجي وتحويلها �إلى نب�ضات كهر وع�صبية في النظام الع�صبي‪.‬‬
‫الإدراك ‪ :Perception‬هو عملية تف�سير لهذه النب�ضات و�إعطا�ؤها المعاني الخا�صة‬
‫بها (‪.)1998 ,Ashcraft‬‬
‫فالإدراك عملية نف�سية لها بعدان‪:‬‬
‫( �أ ) بعد ح�سي يرتبط بالإح�سا�س من جهة‪.‬‬
‫(ب) بعد معرفي يرتبط بالتفكير والتفكر من جهة �أخرى‪.‬‬

‫خ�صائ�ص الإدراك‪:‬‬
‫‪ -1‬يعتمد الإدراك على المعرفة والخبرات ال�سابقة ‪.Knowledge Based‬‬
‫‪ -2‬الإدراك هو بمثابة عملية ا�ستدالل ‪.Inferential Process‬‬
‫‪ -3‬الإدراك عملية ت�صنيفية ‪.Categorical‬‬
‫‪ -4‬الإدراك عملية عالئقية (ارتباطية) ‪.Relational‬‬
‫‪ -5‬الإدراك عملية تكيفية ‪.Adative‬‬
‫‪ -6‬الإدراك عملية �أوتوماتيكية ‪.Automatic‬‬
‫‪441‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫�أبعاد عملية الإدراك‪:‬‬


‫‪ -1‬العملية احل�سية‪ :‬اال�ستثارة للخاليا احل�سية التي ت�ستقبل املنبهات اخلارجية‬
‫(‪.)1995,Anderson‬‬
‫‪ -2‬العمليات الرمزية‪ :‬تتمثل يف املعاين وال�صور الذهنية التي يتم ت�شكيلها للمنبهات‬
‫اخلارجية يف �ضوء العمليات احل�سية فينا‪.)2003,Heijden( .‬‬
‫‪ -3‬العملي���ات االنفعالية ‪ :‬يترافق الإح�س���ا�س عادة بحالة انفعالي���ة تتمثل في طبيعة‬
‫ال�شعور نحو الأ�شياء اعتمادًا على الخبرات ال�سابقة‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الذاكرة ق�صرية املدى ‪:Short Term Memory‬‬


‫ُيطلق على المكون الذي يحتفظ بالمعلومات فترة ق�ص���يرة جدًّا (الذاكرة ق�ص���يرة‬
‫الم���دى)‪ ,‬وق���د �أُطلق عليها �أ�س���ماء عدة‪ ،‬مث���ل الذاكرة الأ�سا�س���ية‪ ,‬والذاك���رة االبتدائية‬
‫والذاكرة الفورية والمخزن ق�صير المدى‪ ,‬والذاكرة العاملة‪.‬‬
‫وذه���ب جيم����س (‪� )James‬إل���ى اعتب���ار �أن هذا المك���ون الذاكري �ش���عوري‪ ,‬وبع�ض‬
‫العمليات التي تتم في الذاكرة الق�صيرة المدى �آلية‪ ،‬ولي�ست �شعورية‪ .‬ويتم في هذا النوع‬
‫من الذاكرة تذكر رقم هاتف ريثما يتم ا�ستعماله‪ ،‬ويتم ا�ستيعاب فكرة م�سموعة �أو مكتوبة‬
‫�أو متابع���ة حادث���ة �أو �إجراء عملية التفكير مثل حل م�ش���كلة �أو اتخاذ ق���رار �أو غيرها‪ ,‬وقد‬
‫�أظه���رت الورقة التي قدمه���ا جورج ميل���ر (‪ )1956 ,George Miller‬االهتم���ام المتزايد‬
‫بالذاك���رة ق�ص���يرة الم���دى (‪ )1994,Ashcraft‬وقد لفت النظر خالله���ا �إلى تذكر الفرد‬
‫الرقم �أو مجموعة �صغيرة من الأرقام يتم تقديمها ب�شكل �سريع‪ ,‬وذلك فترة ق�صيرة‪.‬‬
‫وتقع الذاكرة الق�صيرة المدى بين المخازن الح�سية والذاكرة طويلة المدى‪.‬‬
‫ •يعتر�ض بع�ض علماء النف�س المعرفي على وجود الذاكرة ق�صيرة المدى وي�شيرون �إلى‬
‫مخزن ذاكري واحد ي�ؤدي م�ستويات معالجة متعددة‪.)1995 :1990,Anderson( .‬‬
‫‪442‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ •وقد �أورد �سولو (‪)1991 ,Solo‬الأدلة الآتية على وجود الذاكرة ق�صيرة المدى‪:‬‬
‫‪� -1‬أن الت�أمل العر�ضي في عمليات التذكر ي�شير �إلى �أن بع�ض الأ�شياء نتذكرها فترة‬
‫ق�صيرة و�أخرى فترة وجيزة‪.‬‬
‫‪� -2‬أ�شارت الدرا�سات الفيزيولوجية �إلى �أن الوظائف الدائمة ي�صعب ت�شتيتها‪.‬‬
‫‪� -3‬أ�ش���ارت الدرا�س���ات النف�س���ية �إلى �أن ا�س���تدعاء بع����ض المعلوم���ات يعك�س وجود‬
‫الذاكرة ق�صيرة المدى‪.)1971,Runds( .‬‬

‫�سعة الذاكرة ق�صيرة المدى‪:‬‬


‫تت�صف ب�أنها ذات �سعة محدودة ُتقدر بالمعدل ب�سبع مفردات‪� ،‬سواء كانت � ً‬
‫أرقاما �أو‬
‫حرو ًفا �أو كلمات‪ ،‬و ُتع ّد مالحظة الفيل�س���وف وليام هاميلتون في القرن التا�س���ع ع�شر �أقدم‬
‫دليل م�س���جل على محدودية الذاكرة الق�ص���يرة‪ )1998 ,Solo( .‬وقد �أ�ش���ار �إلى �أنك �إذا‬
‫رميت حفنة من الخرز على الأر�ض �سيكون من ال�صعوبة بمكان �أن ترى منها �ست خرزات‬
‫�أو �سبع في الوقت نف�سه ب�شكل وا�ضح‪.‬‬

‫�أ�سباب الن�سيان في الذاكرة ق�صيرة المدى‪:‬‬


‫‪ -1‬اال�ضمحالل من الذاكرة ق�صرية املدى‪ :‬هو �ضياع املعلومات من الذاكرة ق�صرية‬
‫املدى‪ ,‬وعدم القدرة على ا�ستدعائها عند احلاجة‪ .‬و�سبب هذا اال�ضمحالل‪ -‬كما بينت‬
‫درا�سات براون (‪( ,)1958,Brawn‬وبرتي�سون وبرت�سون ‪,Peterson & Petroson‬‬
‫‪ -)1959‬هو مرور الزمن‪.‬‬
‫‪ -2‬تداخل املعلومات يف الذاكرة ق�صرية املدى‪ :‬ذهب (ووف ونورمان & ‪Waugh‬‬
‫‪� )1965,Norman‬إىل �أن العد العك�سي الثالثي قد يكون م�صد ًرا جيدً ا للتداخل‪,‬‬
‫و�أ�شارا �إىل �أن الأرقام امللفوظة يف عملية العد العك�سي‪ ,‬ولفرتات متفاوتة الطول‬
‫تتيح املجال للتداخل‪ ,‬وخا�صة عندما تطول فرتة العد ولفظ الأرقام‪.‬‬
‫‪443‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫راب ًعا‪:‬الذاكرة طويلة املدى ‪:Long Term Memory‬‬


‫ه���ي �أكثر كفاءة وتعقيدً ا من الذاكرة ق�ص���يرة المدى م���ن حيث قدرتها على تخزين‬
‫كمي���ة هائلة من المعلوم���ات والخبرات المتنوع���ة واالحتفاظ بمثل ه���ذه المعلومات فترة‬
‫زمني���ة غير محدودة‪ ،‬وهي منظمة على نحو جي���د‪ ,‬و ُينفذ فيها كثي ًرا من عمليات التحويل‬
‫والتف�ص���يل والتنظي���م على المعلومات ليت���م تمثيلها على نحو فعال ي�س���اعد على تخزينها‬
‫وا�ستدعائها الح ًقا ‪.)1979 ,Ellise,Daniel &Rickert( .‬‬

‫طبيعة الذاكرة طويلة المدى‪:‬‬


‫هن���اك ج���دل حول الذاكرة طويل���ة المدى فيما �إذا كانت ُتمثل ً‬
‫نظاما م�س���تق ًّرا �أم‬
‫ديناميك ًّي���ا‪ ،‬حي���ث ت�ؤكد وجهات النظر المختلفة حول الن�س���يان �أن ج���ز ًءا قليلاً فقط من‬
‫المعلوم���ات تزول �آثارها ف���ي الذاكرة‪ .‬فالمعلومات حال ترميزها ف���ي هذه الذاكرة تبقى‬
‫ب�صورة دائمة‪ ,‬وتتوقف عملية ا�ستدعائها على توفر الظروف وال�شروط المنا�سبة‪.‬‬
‫وهذا يدلل على خا�صية ال�سكون واال�ستقرار(‪ )Static‬لمخزن الذاكرة طويلة المدى‪,‬‬
‫�إذ �إن الف�ش���ل في ا�س���ترجاع المعلومات هو م�س����ألة �س���وء ترميز �أو تخزين المعلومات في‬
‫الذاكرة �أو ب�س���بب عملية التداخل‪ ،‬ولي�س ب�س���بب زوال �آثارها‪ .‬وفي المقابل هناك ما ي�ؤكد‬
‫الطبيع���ة الديناميكي���ة للذاكرة طويلة الم���دى‪ ,‬حيث يجري فيها عملي���ات مكثفة التحويل‬
‫والتف�صيل و�إعادة التنظيم للمعلومات‪.)1975,Coffer ,Chmielewski & Brockway(.‬‬

‫�أنواع المعلومات في الذاكرة طويلة المدى‪:‬‬


‫لقد ميز تولفن���ج (‪ )1983,Tulving‬بين نوعين مختلفين من �أنظمة الذاكرة طويلة‬
‫المدى اعتمادًا على طبيعة المعلومات المخزنة فيها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬ذاكرة الأحداث ‪ Episodic Memory‬هي مبثابة مفكرة �شخ�صية ‪Autobiographical‬‬
‫‪ .Memory‬بالدرجة الأولى تعني بالخبرات والذاكرة ال�شخ�صية‪.‬‬
‫‪444‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬ذاكرة الدالالت واملعاين ‪ :Semantic Memory‬ت�شمل كل املعرفة العامة حول‬


‫هذا العامل �إ�ضافة �إىل املعرفة املتعلقة باملفردات واملفاهيم والأفكار والقواعد‬
‫اللغوية‪ ,‬ومثل هاتني الذاكرتني م�ستقلتان على الرغم من وجود نوع من التفاعل‬
‫بينهما‪.)1989,Ashcrat( .‬‬
‫الفرق بين ذاكرة الأحداث والذاكرة الداللية‪ :‬من حيث‪:‬‬
‫طبيعة المعلومات ونوعيتها‪:‬‬
‫‪ -1‬ت�شتمل ذاكرة الأحداث على املعلومات ذات الطابع ال�شخ�صي التي مر بها الفرد‬
‫باملا�ضي‪ ,‬وت�شمل الأحداث اخلا�صة‪( :‬امل�ؤملة‪ ،‬واملفرحة‪ ،‬واالنطباعات ال�شخ�صية‪،‬‬
‫والهوايات‪ ،‬وامليول‪ ،‬والتف�ضيالت)‪ ,‬يف حني ت�شتمل الذاكرة الداللية على املعلومات‬
‫غري املرتبطة بزمن حمدد‪ ،‬وت�شمل‪( :‬احلقائق‪ ،‬والأفكار‪ ،‬واملفاهيم‪ ،‬واالفرتا�ضات‪،‬‬
‫والقواعد‪ ،‬واملخططات‪ ،‬واملفردات‪ ،‬واملعرفة العامة حول هذا العامل)‪.‬‬
‫‪ -2‬يتم تخزين املعلومات يف ذاكرة الأحداث وفق ت�سل�سل زمني بح�سب تتابع حدوث‬
‫الأحداث‪ ،‬بينما يف الذاكرة الداللية‪ ,‬ف�إن املعلومات تخزن وفق تنظيم مفاهيمي ال‬
‫يرتبط بالزمن‪.‬‬
‫‪ُ -3‬ت�شكل الإثارة احل�سية املبا�شرة امل�صدر الرئي�س للمعلومات يف ذاكرة الأحداث‪ ,‬يف حني‬
‫يتمثل م�صدر معلومات الذاكرة الداللية يف عمليات الإدراك والفهم التي جتري على‬
‫املعلومات‪.‬‬
‫طبيعة العمليات‪:‬‬
‫تختلف العمليات المت�ض���منة في تخزين وا�سترجاع المعلومات في كل نظام من هذه‬
‫الأنظمة‪ .‬يرى تولفنج ‪� Tulving‬أن ذاكرة الأحداث ت�سجل االنطباعات والخبرات الح�سية‬
‫على نحو مبا�ش���ر بح�س���ب ت�سل�س���ل حدوثها‪ ,‬لذا ف�إن الذاكرة الداللية تعمل على ت�س���جيل‬
‫المعلومات وفق �آليات ُلغوية ‪ .‬ويرى �أن الم�ش���كالت المتعلقة بت�سل�سل الأحداث في الذاكرة‬
‫الحديثة ُيمكن حلها فقط من خالل الذاكرة الداللية‪.‬‬
‫(�إ�سماعيل الفقي‪ ,‬و�آخرون‪ )2011,‬و (رافع وعماد الزغول‪.)2003 ,‬‬
‫‪445‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫خام�سا‪ :‬التفكري ‪:Thinking‬‬


‫ً‬
‫هو عملية م�ستمرة طالما الإن�سان على قيد الحياة‪ ،‬حتى �إن بدا �أنه ال يقوم ب�شيء �إال‬
‫�أن دماغه في حالة ن�شاط وعمل دائم‪.‬‬

‫تعريف التفكير بو�صفه �سلو ًكا موجهًا‪:‬‬


‫هو �سلوك منظم م�ضبوط موجه‪ ,‬له و�سائله الخا�صة في الم�ستوى الرمزي وطرائقه‬
‫في تق�صي الحلول والحقائق في حالة عدم وجود حل جاهز لها‪.‬‬

‫والتفكير بوج ٍه عام هو‪:‬‬


‫منظومة متكاملة من عمليات عقلية داخلية مركبة ومتفاعلة عقل ًّيا وانفعال ًّيا وج�سم ًّيا‬
‫وموجهه نحو �أهداف محددة تت�ضمن‪ :‬التفكير الناقد‪ ,‬والتفكير االبتكاري‪ ,‬وحل الم�شكلة‪,‬‬
‫واتخاذ القرارات‪ ,‬والتفكير في التفكير التي ي�ش���تمل كل منها على مجموعة من المهارات‬
‫المتمايزة التي يمكن مالحظتها وقيا�سها وتنميتها‪.‬‬

‫معوقات التفكير‪:‬‬
‫‪ -2‬معوقات �أُ�سرية‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -1‬معوقات �شخ�صية‪.‬‬
‫‪ -4‬معوقات جمتمعية‪.‬‬ ‫ ‬‫‪ -3‬معوقات مدر�سية‪.‬‬

‫علم النف�س املعريف‪ :‬املفهوم ‪ -‬الن�ش�أة‪.‬‬


‫العمليات العقلية‪ :‬االنتباه ‪ -‬الإدراك ‪ -‬الإح�سا�س ‪ -‬الذاكرة (ق�صرية‪ ،‬طويلة)‪.‬‬
‫‪446‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬ا�شرح ن�ش�أة علم النف�س املعريف‪.‬‬
‫‪ -2‬عرف مفهوم االنتباه والعوامل التي ت�ؤثر فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬عرف مفهوم الإدراك والإح�سا�س‪.‬‬
‫‪ -4‬اذكر طبيعة عملية االنتباه وخ�صائ�صها‪.‬‬
‫‪ -5‬اذكر �أنواع الذاكرة والعوامل امل�ؤثرة يف الن�سيان‪.‬‬
‫عوامل التعلم و�شروطه‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يعدد املتعلم العوامل وال�شروط التي ت�ؤدي �إىل التعلم‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتعرف �إىل اعرتا�ض العاملني بالعلوم ال�سلوكية يف عملية التعلم‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يقدر جهود العلماء يف الربط بني احلوافز والدوافع‪.‬‬
‫عوامل التعلم و�شروطه‬

‫‪:‬‬
‫ما العوامل وال�شروط التي ت�ؤثر في �إحداث التعلم؟‬
‫�أي ما ال�شروط التي عند توافرها يحدث التعلم؟‬
‫الواقع �أن هذه العوامل وال�شروط‪ ،‬تتم وفق ما يحدثه التعلم في �سلوك الإن�سان‪ .‬وهي‬
‫كالآتي‪:‬‬

‫العوامل وال�شروط التي ت�ؤدي �إىل التعلم‪:‬‬


‫حي���ث �إن التعل���م عب���ارة ع���ن تعديل ال�س���لوك الإن�س���اني‪ ،‬ويت���م عن طري���ق الخبرة‬
‫والممار�سة‪ ،‬ف�إن التعلم عند الإن�سان ي�ؤثر فيه عامالن �أ�سا�سيان‪:‬‬
‫‪ -1‬بنية ال�شخ�صية‪� :‬أي التكوين الخا�ص للفرد‪ ،‬حيث يتباين الأفراد في تعلمهم‪� ،‬أي �إن‬
‫هناك الفروق الفردية في التعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬الظروف البيئية‪� :‬أي الأحوال والمقت�ضيات البيئية‪ ،‬التي يعي�ش فيها الفرد‪ ،‬ويت�أثر‪،‬‬
‫وي�ؤثر فيها‪.‬‬
‫وعل���ى الرغ���م من �أن الإن�س���ان الفرد يدخ���ل في بنيته ال�شخ�ص���ية المورث���ات التي منها‬
‫ال�س���مات والخ�ص���ائ�ص الذاتية الخا�ص���ة به‪� ،‬إال �أن هذه ال�س���مات والخ�ص���ائ�ص ‪ -‬عن طريق‬
‫التربية وعبر مراحل النمو المتعاقبة ‪ -‬يدخلها تعديل وتغيير نتيجة العوامل والظروف البيئية‪.‬‬
‫نفهم من ذلك �أن التعلم يحدث وفق عوامل و�شروط معينة‪ ،‬وهذه العوامل وال�شروط‬
‫�أ�سا�سية في الو�صول �إلى التعلم المن�شود‪.‬‬
‫‪450‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫والواق���ع �أن �أه���م العوامل وال�ش���روط الم�ؤثرة في �إحداث التعل���م‪� ،‬أي التي ت�ؤدي �إلى‬
‫التعلم هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الن�ضج‪ -2 .‬اال�ستعداد‪ -3 .‬العزم‪ -4 .‬الدوافع (الحوافز)‪ -5 .‬الجزاء‪.‬‬

‫‪ -1‬الن�ضج والتعلم‪:‬‬
‫اً‬
‫ات�ص���ال وثي ًقا‪ ،‬وكالهما �أ�سا�سي في النمو الع�ضوي والنف�سي‬ ‫يت�ص���ل الن�ضج بالتعلم‬
‫واالجتماعي عند الفرد‪ .‬والن�ضج يحدث طبيع ًّيا عند الإن�سان‪ ،‬كلما تقدم في العمر نتيجة‬
‫النمو في مظاهره المختلفة ومتطلبات الحياة‪ ،‬ويتم ذلك دون ا�ستثارة‪ ،‬بل �إنه يتم تلقائ ًّيا‪.‬‬
‫بينم���ا التعلم يح���دث نتيجة التدريب والتمري���ن‪ ،‬حيث ي�ؤدي التعلم �إلى تغير في ال�س���لوك‬
‫الإن�ساني‪ ،‬نتيجة للمثيرات الخا�صة التي يوجهها الفرد في مواقف الحياة المختلفة‪.‬‬
‫والن�ضج والتدريب كالهما ي�ؤثران في التعلم‪.‬‬
‫والأعم���ال الب�س���يطة ال تحت���اج �إلى تدري���ب طويل‪ .‬بينم���ا الأعمال المعق���دة تحتاج‬
‫أي�ض���ا �إلى ن�ض���ج بو�صفها عاملاً �أ�سا�س��� ًّيا‪ ،‬يعمل على اكت�ساب‬
‫�إلى تدريب طويل‪ ،‬وتحتاج � ً‬
‫المهارات ونماء القدرات التي تمت عن طريق الن�ضج‪.‬‬
‫وفي الأعمار المبكرة نجد �أن ال�صغار يحتاجون �إلى تدريب �أكثر على مختلف الأعمال‪،‬‬
‫خا�ص����ة �إذا كان الن�ض����ج لم ي�صل �إلى م�ستواه المنا�س����ب‪ ،‬ومرجع هذا عدم توافر القدرات‬
‫واال�ستعدادات المنا�سبة للتعلم‪� ،‬إذ �إن هذه القدرات واال�ستعدادات تظهر في مرحلة بداية‬
‫المراهقة المبكرة ‪� 17 -14‬سنة‪ ،‬وحتى الو�صول �إلى �سن الر�شد ‪� 21‬سنة‪ .‬والتدريب الفعلي‬
‫إنتاجا‪ ،‬يتم عندما ي�ؤقت توقيتًا يتنا�س����ب مع الن�ضج‪� ،‬أي مع القدرات‬
‫�أي التدريب الأح�س����ن � ً‬
‫المنا�سبة لمو�ضوع التعلم‪ ،‬ونمو القدرات التي من خاللها ُيكت�سب التعلم المن�شود‪.‬‬

‫‪ -2‬اال�ستعداد والتعلم‪:‬‬
‫ا�س���تعداد الطف���ل للتعلم‪ ،‬يرتبط بالنمو الع�ض���وي (الج�س���مي) والعقل���ي والعاطفي‬
‫واالجتماعي‪ .‬نعطي اً‬
‫مثال عن كيفية تعلم القراءة‪ ،‬فتعلم القراءة مثلاً ال يعتمد على النمو‬
‫‪451‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫العقلي للطفل فقط‪ ،‬بل يعتمد على الن�ض���ج الذي يتم في الأجهزة ال�ص���وتية والع�ض���وية‪،‬‬
‫ويدخل في التعلم عوامل �أخرى منها الخبرة ال�س���ابقة والقدرة على تذكر الأفكار‪ ،‬و�ش���كل‬
‫الكلمات وعدد المفردات التي يعرفها‪ ،‬والتمكن من تمييز �ش���كل الكلمات و�أ�ص���ولها‪ ،‬حيث‬
‫ُتع ّد هذه العوامل كلها مهمة في تعلم القراءة‪.‬‬
‫والثابت �أن التقدم في القراءة يتوقف على الخبرة والتدريب ال�سابقين‪ ،‬واال�ستعداد‬
‫للتعلم يت�أثر بالظروف المحيطة بالفرد الذي يتعلم‪ ،‬فالطفل الذي ينتقل من بيئته‪ ،‬وتتعدد‬
‫زياراته‪ ،‬وي�س���افر‪ ،‬ويغدو‪ ،‬ويروح‪ ،‬ويقابل الكثير من النا�س‪ ،‬نجد �أن لديه ميلاً نحو الأمور‬
‫الأدبية و�أقدر على التعلم‪ ،‬واال�س���تفادة من ه���ذه المجاالت اللغوية‪ ،‬عندما نقارنه بالطفل‬
‫محدود الخبرة‪.‬‬
‫والواق���ع �أن انت�ش���ار الو�س���ائل ال�س���معية والب�ص���رية والكمبيوتر (الحا�س���ب الآلي)‬
‫والألعاب التربوية وغيرها‪ُ ،‬تك�س���ب ال�ص���غار � ً‬
‫أنواعا من المه���ارات التي تمكنهم من تنبيه‬
‫ا�ستعداداتهم نحو التعلم المن�شود‪.‬‬
‫لهذا نجد �أن الن�ض���ج والخبرة وطبيعة العمل المراد تعلمه‪ُ ،‬تع ُّد عوامل �أ�سا�س���ية في‬
‫اال�ستعداد للتعلم‪.‬‬

‫‪ -3‬العزم على التعلم‪:‬‬


‫العزم (�أي النية والق�صد) من جانب الفرد على التعلم‪� ،‬إ�ضافة �إلى الحفظ والتذكر‬
‫لما يكت�سبه من مهارات ومعارف عند التعلم‪ ،‬ت�ؤكد الو�صول �إلى نتائج �إيجابية في التعلم‪.‬‬
‫والحف���ظ والتذك���ر يرتبط���ان باالنتباه من���ذ البداي���ة للحقائق المهم���ة والمعلومات‬
‫الأ�سا�سية والمبادئ بعزم وت�صميم‪.‬‬
‫وهناك نوعان من التعلم‪ :‬تعلم عار�ض‪ ..‬وتعلم و�س���يلي (غائي) والتعلُّم العار�ض هو‬
‫الذي يتم م�صادفة‪ ،‬وقد ال ي�ستمر طويلاً ‪ ،‬حيث �إنه يحقق �أهدا ًفا �أو غايات معينة‪.‬‬
‫‪452‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫والتعل���م الو�س���يلي (غائي) ه���و الذي ُيمك���ن الفرد من تعل���م مهارات مق�ص���ودة �أو‬
‫اكت�س���اب مع���ارف وخبرات معين���ة عن طريق التب�ص���ر والإدراك‪ ،‬حيث يعم���ل الفرد على‬
‫االنتب���اه والتركي���ز في �أثناء التعلم‪ ،‬مع الحفظ والتذكر لما يتعل���م‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬ف�إن التعلم ‪-‬‬
‫عار�ضا‪ ،‬بل و�سيلي ( ُيحقق �أهدا ًفا وغايات معينة)‪.‬‬
‫�آنئذ ‪ -‬ال يكون ً‬

‫‪ -4‬الحوافز والدوافع‪:‬‬
‫ال يتم التعلم �إال عند وجود الدافع وراء التعلم‪ ،‬والدوافع والحوافز �أ�سا�سية في التعلم؛‬
‫لذلك على المعلم �أن يعرف الدافعية للتعلم عند طالبه‪ ،‬حيث �إن الدوافع تعمل على‪:‬‬
‫(�أ) ا�ستمرارية العمل وال�سلوك الدائب الم�ستمر‪.‬‬
‫(ب) انتقاء اال�ستجابات التي تو�صل �إلى التعلم‪.‬‬
‫(جـ) توجيه ال�سلوك �إلى ما ي�ؤدي �إلى العمل المرغوب فيه‪.‬‬
‫لذل���ك من واج���ب المعلم معاونة المتعلم في تعيين وتحدي���د �أهدافه وغاياته‪ ،‬ولي�س‬
‫ه���ذا فح�س���ب‪ ،‬بل انتقاء وتعيين الو�س���ائل والطرق التي تحقق الأه���داف‪ ،‬وتتوافق ودوافع‬
‫وحوافز واهتمامات المتعلم‪ ،‬وبما يمكنه من الو�ص���ول �إلى حلول الم�ش���كالت التي تواجهه‬
‫في مواقف الحياة‪.‬‬
‫ه���ذا‪ ،‬و ُيع��� ّد الج���زاء ذا �أثر في التعلم‪ ،‬من حي���ث �إنه ُيحفز الدوافع الت���ي ت�ؤدي �إلى‬
‫ال�سلوك الذي يتبعه التعلم‪.‬‬

‫‪ -5‬الجزاء و�أثره في التعلم‪:‬‬


‫يعمل الجزاء على �إنقا�ص التوتر الذي ُي�صاحب وجود الدافع الذي يحفز الفرد على‬
‫ال�سلوك‪ ،‬والجزاء يعمل على �إنقا�ص درجة التوتر التي ت�صاحب وجود الدافع ووجود التوتر‪،‬‬
‫ي�سبب عدم اال�ستقرار الداخلي‪ ،‬ومن هنا تحدث الرغبة في التنفي�س‪ ،‬وهذه الرغبة تدفع‬
‫الكائن الحي �إلى الحركة والن�ش���اط‪ ،‬لتغطية النق�ص الذي �س���ببه التوتر‪ ،‬ثم يعود الج�سم‬
‫�إلى اال�ستقرار والتوازن بعدم ح�صوله على الجزاء‪.‬‬
‫‪453‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫و ُيعار����ض بع����ض العاملي���ن بالعل���وم ال�س���لوكية �أهمي���ة الج���زاء ف���ي عملي���ة التعلم‬
‫للم�سوغات الآتية‪:‬‬
‫‪ -1‬يف �أي موقف تعليمي‪ ،‬يجب �أن يتحدد التعلم على �أ�سا�س الغر�ض الذي يرمي �إليه‬
‫املتعلم‪ ،‬واخلربات ال�سارة �أو املزعجة يجب �أن ينظر �إليها على كونها‪ ،‬من نتائج عملية‬
‫التعلم‪ ،‬ولي�ست من م�سبباتها‪.‬‬
‫‪� -2‬إن الهدف الأول للإن�سان يف التعلم لي�س ال�سرور �أو الأمل‪ ،‬بل اكت�شاف ال�سرور �أو الأمل‬
‫يتم يف �أثناء قيامه ب�أعماله‪ ،‬ومعنى ذلك �أنه يجب النظر �إىل الأهداف على �أنها‬
‫مواقف و�أ�شياء‪ ،‬ولي�ست م�شاعر‪.‬‬
‫فكل ما يريده الإن�سان �أن ُيعطى الفر�صة‪ ،‬التي تهيئ له النمو املطرد لإظهار مواهبه‬ ‫ ‬
‫املختلفة يف �أثناء ت�أدية الأعمال املطلوبة منه‪.‬‬
‫‪ -3‬ال ميكن جعل الثواب والعقاب نهايات لأوجه الن�شاط التي يقوم بها الفرد‪� ،‬إذ �إن ذلك‬
‫يخالف قوانني تف�سري ال�سلوك‪.‬‬
‫فالعمل الذي ي�ؤديه الإن�سان له نهاية واحدة‪ ،‬يجب �أن تكون الجزاء على ت�أدية العمل‪،‬‬
‫�أما االعتماد على الو�س���ائل المختلفة للثواب بو�ص���فها �أهدا ًفا‪ ،‬ف�إنها و�س���ائل ت�ض���عف من‬
‫�أهمي���ة الهدف الذي ي�س���عى �إليه م���ن عملية التعلم خالل �أوجه الن�ش���اط المختلفة‪ ،‬بل قد‬
‫يكون من نتاج التعلم‪ ،‬القيم غير مرغوب فيها‪ ،‬وتبعده عن الميل �أو الرغبة في الح�ص���ول‬
‫على المعرفة في حد ذاتها‪.‬‬

‫تت�ضمن عوامل و�شروط التعلم الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬العوامل وال�شروط التي ت�ؤدي �إىل التعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬الن�ضج والتعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬اجلزاء و�أثره يف التعلم‪.‬‬
‫‪454‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬ي�ؤثر يف التعلم عامالن هما‪ :‬بنية ال�شخ�صية‪ ،‬والظروف البيئية‪.‬‬
‫‪� -2‬أهم العوامل وال�شروط امل�ؤثرة يف �إحداث التعلم‪:‬‬
‫(جـ) العزم‪.‬‬ ‫(ب) اال�ستعداد‪.‬‬ ‫(�أ) الن�ضج‪.‬‬
‫(هـ) اجلزاء‪.‬‬ ‫(د) الدوافع‪.‬‬
‫‪ -3‬الن�ض���ج يت�ص���ل بالتعلم‪ ،‬وكالهما �أ�سا�س���ي يف النمو الع�ضوي والنف�س���ي واالجتماعي‬
‫عند الفرد‪.‬‬
‫‪ -4‬الن�ضج والتدريب ي�ؤثران يف التعلم‪ .‬ويف الأعمار املبكرة يحتاج ال�صغار �إىل تدريب‬
‫�أكرث على خمتلف الأعمار‪.‬‬
‫‪ -5‬اال�ستعداد للتعلم يرتبط بالنمو الع�ضوي والعقلي والعاطفي واالجتماعي‪.‬‬
‫‪ -6‬الن�ضج واخلربة وطبيعة العمل املراد تعلمه‪ُ ،‬تع ّد عوامل �أ�سا�سية يف اال�ستعداد للتعلم‪.‬‬
‫‪ -7‬من �أنواع التعلم‪ :‬تعلم عار�ض يتم م�صادفة‪ ،‬وال ي�ستمر طويلاً ‪ ،‬وال ُيحقق غاياته‪،‬‬
‫وتعلم غائي �أي و�سيلي‪ ،‬وهو تعلم مهارات واكت�ساب معارف وخربات‪.‬‬
‫‪ -8‬الدافعية للتعلم تتحقق من خالل ا�ستمرارية العمل وانتقاء اال�ستجابات التي تو�صل‬
‫�إىل التعلم وتوجيه ال�سلوك �إىل العمل املرغوب فيه‪.‬‬
‫‪ -9‬العمل الذي ي�ؤديه الإن�سان له غاية واحدة‪ ،‬يجب �أن يكون اجلزاء على ت�أدية العمل‪،‬‬
‫واالعتماد على الو�سائل املختلفة للثواب بو�صفها �أهدا ًفا ُت�ضعف من �أهمية الهدف‪،‬‬
‫وتبعد عن امليل �أو الرغبة يف احل�صول على املعرفة‪.‬‬
‫‪455‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح العالقة بني الن�ضج والتعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح العالقة بني اال�ستعداد والتعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬من �أنواع التعلم‪ :‬عار�ضي وو�سيلي ‪ -‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -4‬و�ضح دور اجلزاء و�أثره يف التعلم‪.‬‬
‫انتقال �أثر التعلم‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل معنى انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يذكر �أهمية تطبيق انتقال �أثر التعلم يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يعدد املتعلم طرائق انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن ي�سمي املتعلم �شروط وحمددات انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يعدد املتعلم �أدوار وم�س�ؤوليات املعلم يف انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يقدر املتعلم جهود املعلم يف انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫انتقال �أثر التعلم‬

‫‪:‬‬
‫ف���ي مختل���ف مواقف الحياة اليومي���ة‪ ،‬نجد �أن ظاهرة انتقال �أثر التعلم تتخذ �ص���فة‬
‫العمومية وال�شيوع‪ .‬فعند تدريب �شخ�ص معين على عمل معين في موقف معين‪� ،‬أو تدريبه‬
‫على �أ�سلوب من �أ�ساليب الن�شاط في موقف جديد �أو في عمل يختلف عما قام به من �أعمال‬
‫�س���ابقة‪ ،‬ف�إننا نج���د �أن تدريبه في الموقف الأول �أو في الن�ش���اط ال�س���ابق ي�ؤثر في طريقة‬
‫مواجهت���ه للموقف الجديد �أو الن�ش���اط الحدي���ث‪ ،‬حيث �إنه يتعلم من المواقف والأن�ش���طة‬
‫ال�سابقة‪ ،‬وحيث ُي�سمى ذلك انتقال �أثر التعلم ‪.Transfer of Learning‬‬
‫وم���ن ه���ذا المنطلق‪ ،‬ف�إن انتقال �أثر التعلم‪ُ ،‬يع ّد من �ض���رورات ما يتعلمه ال�ش���باب‪.‬‬
‫ويت���م ذلك فيما هم في حاجة �إليه من اال�س���تجابات الخا�ص���ة للمه���ارات والمفاهيم التي‬
‫يحتاجون �إلى تعلمها‪ .‬ولي�س هذا بالأمر ال�سهل في التعلم‪.‬‬
‫والواقع �أن �إمكانية تطبيق المبادئ والمعلومات والتعميمات في المواقف والم�شكالت‬
‫الجديدة‪ ،‬يمكن �أن تتم عند ا�س���تخدام ذلك في مهام جديدة‪ ،‬وخا�صة عندما يتم الإتقان‬
‫في التعلم والخبرة ال�س���ابقة‪ ،‬وعندئذ ال يحتاج الأمر في المواقف والم�ش���كالت الجديدة‬
‫�إلى تدريب خا�ص عليها‪.‬‬
‫من هذا يتبين �أن االنتقال لأثر التعلم ‪� .Transfer of Learning‬أو التدريب ‪Training‬‬

‫يتم في مواقف مختلفة‪ .‬ويتبين �أننا نتعلم في حياتنا الكثير من الأ�شياء التي تفيدنا عندما‬
‫نكت�سب الخبرات التي تمكننا من تعلم الم�شكالت وحلها في المواقف والأحداث الالحقة‪.‬‬
‫وبقدر ما يتم النقل من المواقف ال�سابقة �إلى المواقف الالحقة‪ ،‬بقدر ما تكون الفائدة‪.‬‬
‫‪460‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫أنواعا مختلف���ة من المواد والمهارات والأ�ش���ياء التي‬


‫والمتعل���م في المدر�س���ة يتعلم � ً‬
‫تفيده في مواقف حياته الم�ستقبلة‪ .‬فتعلم القراءة والكتابة والمهارات المعرفية والمهارات‬
‫الحركية‪ ،‬كلها تفيد في مواقف الحياة الم�ستقلة‪� .‬إ�ضافة �إلى اكت�ساب المتعلم مهارات في‬
‫التفكير تعاونه في حل الم�ش���كالت المختلفة التي تواجهه في حياته داخل المدر�سة وعند‬
‫تخرجه �إلى الحياة العملية‪.‬‬

‫معنى انتقال �أثر التعلم‪:‬‬


‫م���ا الذي نق�ص���ده باالنتق���ال ‪ Transference‬وخا�ص���ة عندما يتم التعل���م؟ الواقع �أن‬
‫التدريب في موقف معين ي�ؤثر ‪ -‬بدوره ‪ -‬في مواقف و�أن�شطة �أخرى يقوم بها الفرد‪� ،‬أي �إن‬
‫التدريب ‪ Training‬في موقف �سابق ُيفيد في موقف الحق‪.‬‬
‫وم���ن المع���روف �أن �أه���داف التربية تعمل م���ن �أجل انتق���ال �أثر التعلم ف���ي العملية‬
‫التعليمي���ة �إل���ى مواقف التعل���م الأخرى داخل المدر�س���ة و�إلى مواقف الحياة ب�ش���كل عام‪.‬‬
‫والو�س���ائل �إلى ذل���ك تتم عن طريق تطبيق التعميم التي تم ا�س���تيعابها وا�س���تخدامها في‬
‫عمل ا�ستنتاجات وا�ستقراءات في المواقف الجديدة‪ ،‬وهذا هو الأمر ال�سائد لكل تعلم في‬
‫المدر�س���ة‪ ،‬مثال ذلك �أنه عندما تزداد ح�ص���يلة المتعلم من المفردات‪ ،‬ف�إن قدرته تزداد‬
‫على ا�س���تنتاج معاني الكلمات التي لم يعرفها من قبل‪ ،‬وخا�ص���ة ما يتعلق بالم�ضمون الذي‬
‫تظه���ر فيه‪ ،‬وتزداد قدرة المتعلم على تحليل الكلمات �إلى الحروف التي تتكون منها‪ ،‬كلما‬
‫ازدادت ح�صيلته من المفردات‪.‬‬
‫و�إنه عندما تتقن المفاهيم والمهارات الريا�ضية نتيجة لعمليات التعميم التي تحدث‬
‫في �أثناء درا�س���ة وحل الكثير من الم�س���ائل الريا�ض���ية‪ ،‬ف�إنه يمك���ن تطبيقها في كثير من‬
‫الم�سائل الأخرى الكمية في المواقف العلمية واالجتماعية وال�شخ�صية‪.‬‬
‫وتتع���دد العوام���ل التي ت�ؤث���ر في انتق���ال �أثر التعلم ف���ي مواقف تعليمي���ة كثيرة‪ .‬من‬
‫هذا‪ ،‬ف�إن ت�ش���ابه م�ش���كلتين وتماث���ل مدتين من التدريب ت�ش���اب ًها فيه تماثل ت���ام‪� ،‬أمر قد‬
‫ي�صعب تحققه‪ ،‬ولذلك ف�إن التقدم في �أي منهج درا�سي يتوقف على االنتقال الم�ستمر من‬
‫‪461‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫الأن�ش���طة التعليمية الالحقة‪ ،‬وتتوقف فاعلية التعلم‪ ،‬على كيفية �إتقان المتعلمين للمبادئ‬
‫العامة التي يمكن تطبيقها في مواقف �إتقان تعليمية �أخرى‪ .‬ولذلك‪ ،‬ف�إن انتقال �أثر التعلم‬
‫يح���دث بكثرة بين �أجزاء المادة الدرا�س���ية (مثل درا�س���ة النحو‪ ،‬والتعبير اللغوي �ش���فو ًّيا‬
‫�أو تحرير ًّيا)‪ ،‬وبين المواد الدرا�س���ية المختلفة (مثل الريا�ض���يات والعلوم �أو الريا�ض���يات‬
‫واالجتماعيات)‪ ،‬وبين الأن�شطة التعليمية داخل المدر�سة والأن�شطة خارج المدر�سة‪.‬‬

‫�أهمية تطبيق انتقال �أثر التعلم يف العملية التعليمية‪:‬‬


‫ق���د ال يح���دث انتقال �أث���ر التعلم ب�ص���فة دائم���ة‪ ،‬عندم���ا يتوقع حدوث���ه‪ ،‬ومن هذا‬
‫المنطل���ق‪ ،‬فقد اختلف���ت نظرة التعلم �إلى نظريات انتقال �أثر التعلم من مدة لأخرى‪ ،‬ففي‬
‫القرن الما�ض���ي كان المربون يعتمدون على مواد قليلة �ص���عبة لتدريب العقل عند النا�س‪،‬‬
‫به���دف تقوية قدراتهم عل���ى التفكير‪ ،‬ومن ثم معالج���ة كل �أنواع الأن�ش���طة بفاعلية‪ ،‬ومن‬
‫مطلع القرن الع�ش���رين �أ�ش���ار «ثورندي���ك» و«دورث» �إلى نتائج من البح���وث التي �أجرياها‬
‫على �آثار انتقال التعلم‪ ،‬حيث �أو�ض���حا �أن الآثار محدودة و�ضئيلة‪ ،‬واقترحا �أن العقل يقوم‬
‫با�ص���دار ا�س���تجابات معينة لمواقف معينة‪ ،‬ونتيجة لذلك �أثر هذا الفكر في عدم ت�ش���جيع‬
‫االعتماد على انتقال �أثر التعلم‪ ،‬حيث ُنظر �إلى كل حقيقة �أو مهارة �أو فكرة �أو مثال يحتاج‬
‫خا�صا بين مثير وا�ستجابة‪.‬‬ ‫ً‬
‫ارتباطا ًّ‬ ‫�إليها الأفراد في مواقف معينة‪ ،‬يجب تعلمها بو�صفها‬
‫وا�س���تمرت الدرا�سات والبحوث بعد ذلك على هذا المفهوم المهم‪ ،‬وب�شكل مخالف‪ ،‬حيث‬
‫ظه���رت النتائج بما ُيخالف ذلك مخالفة تامة‪ ،‬وتبين �ص���دق و�ص���حة انتق���ال �أثر التعلم‪،‬‬
‫و�أمكن تحديد ال�شروط التي ت�ؤدي �إلى انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫فقد تبين من التجارب والدرا�س���ات الكثيرة التي �أجريت على انتقال �أثر التعلم‪� ،‬أن‬
‫احتمال انتقال �أثر التعلم‪ ،‬يزداد بزيادة العمر الزمني والو�ص���ول �إلى الن�ض���ج المنا�س���ب‬
‫وارتف���اع معدل ال���ذكاء‪ ،‬وحداث���ة وثبات الأنم���اط المتعلمة الت���ي يجب انتقاله���ا‪ ،‬ووجود‬
‫االتجاهات الإيجابية نحو التعل���م وتطبيقاته‪ ،‬والتعميم للمفاهيم والمهارات المتعلمة من‬
‫خالل انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫‪462‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫طرائق انتقال �أثر التعلم‪:‬‬


‫ُيع ّد االنتقال الإيجاب���ي ‪ Positive Transfer‬من الأهمية بمكان في العملية التعليمية‪.‬‬
‫ومن الأهمية �أن نعرف كيف يمكن التحكم في عوامل االنتقال الخا�صة ب�أثر التعلم‪ .‬لذلك‬
‫نعر�ض فيما ي�أتي‪:‬‬
‫االنتقال الإيجابي ‪ -‬االنتقال ال�سلبي ‪ -‬االنتقال ال�صفري‪.‬‬

‫االنتقال الإيجابي‪:‬‬
‫االنتقال الإيجابي هو الذي يتح�س���ن في���ه الأداء ‪ Performance‬عند التعلم‪ ،‬ويحدث‬
‫االنتقال الإيجابي حينما ُيح�س���ن التدريب على وظيف���ة معينة‪ ،‬التدريب الالحق الذي يتم‬
‫من خالل عمل �أو وظيفة �أخرى‪� ،‬أو حين ُي�س���اعد تعلم مادة درا�سية‪ ،‬تعلم مادة �أخرى كما‬
‫هو الحال في الريا�ضيات والطبيعة‪.‬‬
‫‪Generalizotion Of‬‬ ‫و�أب�س���ط �أنواع االنتق���ال الإيجابي يتم عن طريق تعميم المثي���ر‬
‫‪� ،Stimulus‬إذ بعد �أن يتعلم ال�شخ�ص اال�ستجابة ب�شكل معين لمثير معين‪ ،‬قد تقوم مثيرات‬
‫�أخرى م�شابهة با�ستدعاء الإجابة نف�سها‪ .‬فيتعلم ال�صغار في المدر�سة قراءة الكتب‪ ،‬ومن‬
‫ثم ي�س���تطيعون قراءة ال�ص���حف والمجالت في المنزل‪� ،‬أو عندما ي�شاهدون ما يظهر على‬
‫�شا�ش���ة التليفزيون من عبارات‪ ،‬وهذه كلها مثيرات مختلفة انتقلت �آثارها من التعلم عبر‬
‫المثيرات‪ ،‬التي تم انتقال �أثر التعلم من خاللها بالمدر�سة‪.‬‬
‫وفي مادة الريا�ض���يات مثلاً ُيفيد التدريب‪ ،‬ما يي�سر التدريب في مادة الفيزياء‪ ،‬ذلك‬
‫لأن المتعلم ‪� -‬آنئذ ‪ -‬يكت�سب مهارة عقلية معرفية من الريا�ضيات تنتقل �آثارها �إلى الفيزياء‪.‬‬
‫وهكذا ت�ستخدم نتائج التعلم ال�سابق‪ ،‬لتفيد في التعلم الالحق‪.‬‬

‫االنتقال ال�سلبي‪:‬‬
‫االنتقال ال�سلبي ‪ Negative Transfer‬هو الذي يحدث فيه تدهور ‪ Deterioration‬في‬
‫الأداء‪ .‬ويت���م حدوثه عندما يعوق التدريب عل���ى وظيفة معينة‪ ،‬التدريب الالحق على عمل‬
‫‪463‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫�أو وظيفة �أخرى‪� .‬أي �إن تداخل الأداء والأن�ش���طة ي�ؤدي �إلى االنتقال ال�س���لبي‪ ،‬بينما ُيحدث‬
‫التعزيز ‪ Reinforcement‬الذي يعقب الأداءات والأن�شطة اً‬
‫انتقال �إيجاب ًّيا‪.‬‬
‫مث���ال ذلك عندم���ا يتعلم الفرد لغتين م���ن اللغات الأجنبية ف���ي �آن واحد‪ ،‬ف�إن تعلم‬
‫�إحدى اللغتين ُتعطل تعلم اللغة الأخرى‪� ،‬أو تعوقها‪ ،‬كتعلم اللغة الإنجليزية واللغة الفرن�سية‬
‫في �آن واحد‪ .‬ف�إنه قد يجد المتعلم �صعوبة في نطق �أ�صوات كل منهما‪.‬‬
‫واالنتقال ال�سلبي واالنتقال الإيجابي مت�شابهان‪� .‬إذ يت�ضمن كالهما تطبيق تعميمات‬
‫تم التو�ص���ل �إليها من قبل‪ ،‬على تعلم م�ش���كالت جديدة‪� ،‬إال �أنهم���ا يختلفان من حيث دقة‬
‫المب���د�أ والتعميم والنتيج���ة‪� ،‬إذ �إن التعميمات الخاطئة ت�ؤدي �إل���ى نتائج خاطئة‪ ،‬وهذا ما‬
‫يحدث في االنتقال ال�سلبي‪.‬‬

‫االنتقال ال�صفري‪:‬‬
‫وهو لي�س �إيجاب ًّيا �أو �سلب ًّيا‪ ،‬بل في حكم المعدوم‪� ،‬أي ال يتم انتقال �أثر التعلم؛ لذلك‬
‫ُيق�صد به عدم االنتقال‪ ،‬ويحدث في الحاالت التي ال يفيد تعلم �شيء معين‪ ،‬في تعلم �شيء‬
‫�آخر وال يعوقه‪� ،‬أي �إن الت�أثير هنا معدوم �أو محدود للغاية‪.‬‬

‫تف�سريات انتقال �أثر التعلم‪:‬‬


‫فيما ي�أتي مختلف التف�سيرات الخا�صة بانتقال �أثر التعلم‪:‬‬
‫‪ -1‬التدريب ال�شكلي‪Formal Discipjue :‬‬

‫من���ذ �أجيال طويلة كم���ا كان االعتقاد ال�س���ائد‪� ،‬أن الأهداف الوا�س���عة للتربية يمكن‬
‫تحقيقه���ا بطريقة �آلية من خالل تلقين المواد الدرا�س���ية التقليدي���ة‪ ،‬فمثلاً كان االعتقاد‬
‫�أن الفهم في الح�س����اب �أو الهند�س����ة‪ُ ،‬يم ّكن المتعلم من فهم مواقف الحياة الواقعية‪ ،‬وكان‬
‫من الم�س����لم به �أن �إتقان المواد ال�ص����عبة يقوي «�إرادة» التلميذ وقدرته على تحمل المتاعب‬
‫المبا�ش����رة في �س����بيل تحقيق �أهداف بعيدة‪ .‬وكان ُيطلق على هذا التف�سير نظرية التدريب‬
‫‪464‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ال�شكلي‪ .‬واعتبر هذا التف�سير �أن العقل يتكون من ملكات عدة‪ ،‬مثل الذاكرة والفهم واالنتباه‬
‫والإرادة والتخيل‪ ،‬و�أنه بالإمكان تقوية هذه الملكات عن طريق التدريب‪ ،‬كالتدريب البدني‬
‫ال����ذي يعمل على تقوية الع�ض��ل�ات‪ .‬ونادى هذا التف�س����ير ب�����أن التدري����ب المنظم في بع�ض‬
‫مجاالت العلوم يمكن �أن ي�ؤدي الأثر نف�سه الذي يحدثه التدريب البدني في الج�سم‪.‬‬
‫ولكن التجارب التي جرت مع بداية القرن الع�ش���رين‪� ،‬أثارت �س���لبيات هذا التف�سير‪،‬‬
‫حي���ث �أمكن �إثبات �أن التدريب على الحفظ ال يزيد القدرة على التذكر‪ ،‬و�أن التدريب على‬
‫الفهم الح�س���ابي‪ ،‬لي�س له ت�أثير ُيذكر في حل الم�ش���كالت غير الح�سابية‪ ،‬وال توجد عالقة‬
‫بين �صعوبة المادة الدرا�سية والعائد العقلي العام الناجم عن ذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬العنا�صر المتماثلة (المتطابقة)‪Identical Elements :‬‬

‫ُيق�ص���د بالعنا�صر المتماثلة �أي المتطابقة‪ ،‬هو ت�شابه المكانات الداخلية في كل من‬
‫العمليات التي تعلمها الفرد‪ ،‬والعملية التي هو ب�صدد تعلمها‪ .‬و ُيع ّد «ثورنديك ‪»Thorndike‬‬
‫ممن ف�س���روا انتقال �أثر التعلم‪ ،‬على �أ�سا�س �أن التح�س���ن في وظيفة عقلية معينة‪ ،‬ال ي�ؤدي‬
‫�إلى تح�سن وظيفة �أخرى �إال �إذا كانت هناك عنا�صر متماثلة بين الوظيفتين‪.‬‬
‫وكلم���ا زاد مقدار العنا�ص���ر المتماثلة‪ ،‬زاد انتقال �أثر التعلم‪ .‬والعك�س �ص���حيح كلما‬
‫قلت العنا�صر المتماثلة‪ ،‬قل االنتقال‪ .‬فالتدريب على عملية الجمع مثلاً يفيد في التدريب‬
‫على عملية ال�ضرب؛ لأن التلميذ في تعلمه عملية ال�ضرب ي�ستعمل الكثير من قواعد الجمع‪،‬‬
‫و�أن �آثار تعلم الريا�ضيات تنتقل �إلى تعلم الطبيعة‪.‬‬
‫ويعتر����ض بع�ض���هم على هذا التف�س���ير؛ لأنه يعني ُح���دوث االنتقال ب�ش���كله التام �إذا‬
‫تك���ررت العملية نف�س���ها‪� ،‬أما �إذا كانت العملية جديدة‪ ،‬ف�إنها تفتر�ض �أن االنتقال �س���يكون‬
‫بق���در ما بين العمليتين من عنا�ص���ر متماثل���ة‪ ،‬وقد �أوردت بع�ض الدرا�س���ات �أدلة على �أن‬
‫معام���ل االرتباط بين �أوجه الت�ش���ابه بين عمليتين تعليميتي���ن ال ُيعطي �أي فكرة عن مقدار‬
‫االنتقال الحادث‪.‬‬
‫‪465‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫‪ -3‬الأنماط المتماثلة‪Identical Types :‬‬

‫�أ�ش���ار علم���اء النف����س ف���ي �ألماني���ا المعروفون بم���ا �أطلقوا علي���ه «التعل���م الكلي» �أو‬
‫«الج�ش���تاليت ‪� »Gestalt‬أن انتق���ال �أث���ر التعلم‪ ،‬يحدث عندما يت�ش���ابه نمطان �أو �ص���يغتان‬
‫بطريق���ة كلي���ة‪ ،‬بغ�ض النظر عن عدم ت�ش���ابه المكون���ات في موقفي التعل���م‪ .‬ولذلك‪ ،‬ف�إن‬
‫أي�ض���ا بالتطابق ‪ Identity‬يتم في نظر تف�س���ير‬ ‫الت�ش���ابه �أو التماثل ‪� Similarity‬أو ما يعرف � ً‬
‫الج�ش���تاليت ‪ -‬النمط العام للمواقف وال�س���لوك‪ ،‬ولي�س في العنا�ص���ر وتماثلها‪ .‬مثال ذلك‬
‫العب الكرة عندما يتناف�س مع غيره من الالعبين في �أثناء المباريات الريا�ضية‪ ،‬التي تتم‬
‫بين النوادي الريا�ضية‪ ،‬ويزداد فيها التناف�س بين فريقي المباراة‪ ،‬نجد �أن الالعب يتميز‬
‫بنمط �سلوكي معين يتمثل في الهجوم ومراوغة الخ�صوم و�صدهم عن مرمى فريقه‪.‬‬
‫و�إن الجندي ال ُمقاتل في جبهة القتال‪ ،‬يتميز �سلوكه بنمط معين يقوم على مهاجمة‬
‫العدو ومراوغته و�صده بكل الو�سائل الدفاعية‪.‬‬
‫وهذان الموقفان يحدثان انتقال �أثر التعلم (�أثر التدريب) تب ًعا للأنماط والعالقات‬
‫المتماثلة‪ ،‬من حيث ما يتطلبه الموقفان من تفكير وقدرة و�أداء على الت�صرف ال�سريع‪.‬‬
‫وهذا الأداء والن�شاط يتوافق مع ن�سق معين‪ ،‬من حيث تنفيذ خطط وتعليمات معينة‬
‫داخل �إطار جماعي منظم‪.‬‬
‫وفي هذا التف�سير يحدث االنتقال عندما ُيدرك المتعلم‪ ،‬ويكت�شف ً‬
‫نمطا من العالقات‬
‫المتماثلة في موقف معين من خالله يت�س���نى له ا�ستخدامه وتطبيقه ونقله �إلى موقف �آخر‬
‫جديد‪ ،‬قائم ي�ش���ترك مع الموقف ال�س���ابق لهذا النمط من العالق���ات العامة �أو المكونات‬
‫العامة‪ ،‬ولي�س قائ ًما على �أجزاء �أو عنا�صر متماثلة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فانتقال �أثر التعلم ‪ -‬في هذا التف�سير ‪ -‬يقوم على �أنماط كلية متماثلة‪ ،‬ولي�س‬
‫على �أجزاء �أو عنا�صر متماثلة بين المواقف ال�سابقة والمواقف الالحقة‪.‬‬
‫‪466‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -4‬التعميم‪Generalization :‬‬

‫«جد»‬ ‫�أو ما ُيعرف � ً‬


‫أي�ض���ا بالتطبيق (�أو اال�س���تعمال) ‪ Application‬حيث ف�سر العالم ُ‬
‫‪� Judd‬أن انتق���ال �أث���ر التعلم يحدث عندما يتمكن الفرد من تطبي���ق فكرة �أو خبرة تعلمها‬
‫واكت�سبها من موقف معين‪ ،‬على موقف �آخر جديد‪.‬‬
‫فالف���رد قد يتعل���م مفاهيم معينة من موقف تعليمي �س���ابق‪ ،‬ويمكنه ا�س���تخدام هذه‬
‫المفاهيم وتطبيقها على مواقف تعليمية �أخرى جديدة‪.‬‬
‫ووجود العنا�ص���ر الم�ش���تركة بين الموقفين ُيع ّد ‪ -‬في الواقع ‪ -‬عاملاً عا ًّما وم�ساعدً ا‬
‫على انتقال العنا�صر من الموقف التعلمي ال�سابق �إلى الموقف التعلمي الجديد‪.‬‬

‫�شروط وحمددات انتقال �أثر التعلم‪:‬‬


‫وانتقال �أثر التعلم مهما كان �سببه لي�س نتيجة �آلية للتعلم‪ ،‬بل ال بد من توافر �شروط‬
‫ثالثة‪ ،‬حتى يتم االنتقال ب�شكل فعال‪� .‬أي ما �شروط االنتقال ومحدداته؟‬

‫(�أ) العنا�صر الم�شتركة ودرجة الت�شابه‪:‬‬


‫فالتعمي���م هو العملية التي يتم به���ا �إدراك القواعد العامة‪� ،‬أو المبادئ �أو العنا�ص���ر‬
‫الم�ش���تركة‪� ،‬أي �إن التعمي���م ه���و ح���دوث ا�س���تجابة معينة ف���ي مواقف خارجي���ة متعددة‪.‬‬
‫والتعميم هو االنتقال‪� ،‬إذ عن طريقه ي�ستطيع الفرد �أن يطبق المفاهيم والمبادئ العامة‪،‬‬
‫في مواقف متعددة دون الحاجة �إلى تعلم ا�ستجابة جديدة في كل موقف‪.‬‬

‫(ب) تنوع التطبيق‪Variety of Application :‬‬

‫للو�صول �إلى القواعد العامة‪ ،‬وحتى يمكن تعميم المبادئ ال بد من تطبيقها في �أكثر‬
‫من موقف‪ .‬وعند تنوع الخبرات يمكن ا�ش���تقاق المبد�أ الذي ُيعمم على المواقف الأخرى‪،‬‬
‫�أو ما ُيعرف باالتجاه العقلي نحو ا�ستجابة معينة‪.‬‬
‫‪467‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫(جـ) التهي�ؤ العقلي‪� :‬أو ما يعرف بالت�أهب العقلي ‪ Mental Set‬نحو ا�ستجابة معينة‪.‬‬
‫فعند تطبيق هذه المبادئ‪ ،‬خا�ص���ة عندما يواجه الفرد موق ًفا‪ ،‬يتم ظهور ا�س���تعداد‬
‫عقل���ي نحو تطبيق هذه المبادئ‪ ،‬خا�ص���ة عندم���ا يواجه الفرد موق ًفا ي�س���تدعى تطبيقها‪،‬‬
‫وهن���ا يالح���ظ �أن بع�ض الأطفال لديهم ا�س���تعداد �أكبر نحو تطبي���ق المفاهيم والمهارات‬
‫الجديدة التي تعلموها في مواقف جديدة‪ .‬بل كثي ًرا ما ي�س���عون �إلى تطبيقها‪� .‬إال �أن ً‬
‫بع�ض���ا‬
‫�آخ���ر م���ن الأطفال ال ي�س���تطيع تطبيق ما تعلمه م���ن مواقف �أخرى‪ .‬لذل���ك كان من واجب‬
‫المعلم ُم�س���اندة المتعلمين‪ ،‬على محاولة اال�ستفادة مما لديهم من معلومات ومهارات في‬
‫المواقف الجديدة التي تمر بهم‪.‬‬

‫دور املعلم وم�س�ؤوليته يف انتقال �أثر التعلم‪:‬‬


‫نتيج���ة للمكان���ة ذات الأهمي���ة النتقال �أثر التعل���م في المواق���ف التعليمية‪ ،‬كان على‬
‫المعلم �أن يعمل ب�ش���تى الو�سائل ل ُي�س���اعد المتعلمين على اال�ستفادة من الخبرات التي يتم‬
‫اكت�سابها‪ .‬ودرجة انتقال �أثر التعلم من مادة درا�سية �إلى مادة درا�سية �أخرى‪� ،‬أو �إلى موقف‬
‫�آخ���ر يتوقف على طريقة التدري���ب‪ ،‬وعلى ما يبذله المعلم من جهد في المواقف التعليمية‬
‫الت���ي يتم من خالله���ا انتقال �أثر التعلم‪ ،‬فيمكن للمعلم عندما يق���وم بتدري�س التاريخ‪� ،‬أن‬
‫يم ِّكن المتعلمين من فهم الم�ش���كالت ال�سيا�سية واالقت�صادية المعا�صرة‪ ،‬ويمكن �أن يكون‬
‫تدري�س الح�س���اب و�سيلة لالنتقال الإيجابي لدرا�س���ة الجبر‪ .‬وهناك التوجيهات التي تفيد‬
‫في هذا ال�ش�أن والتي من خاللها يمكن للمعلم قيامه بدور فعال في انتقال �أثر التعلم‪:‬‬
‫‪ -1‬يتوقف االنتقال على ا�ستنتاج املبادئ العامة‪ ،‬وميكن م�ساعدة املتعلمني على الو�صول‬
‫�إىل املبادئ العامة‪ ،‬وذلك بت�أكيد املعنى‪ ،‬ودرا�سة اخلربات املتعلمة درا�سة منظمة‬
‫بق�صد الو�صول �إىل القواعد الأ�سا�سية ومعاونة املتعلمني على �إيجاد العالقات التي‬
‫تربط بني الأفكار وو�سائل تطبيقها‪.‬‬
‫‪ -2‬تكت�شف املبادئ‪ ،‬ويت�سع تطبيقها‪ ،‬وذلك عند تنوع املواقف التي يتدرب فيها املتعلمون‬
‫على مهارة من املهارات‪ ،‬وال ي�ستطيع املتعلمون فهم املكونات العامة ملبد�أ معني �إال‬
‫‪468‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫بتطبيقها على �أنواع خمتلفة من املواقف‪ ،‬وبذلك يتعلم املتعلمون �أن تطبيق املفهوم �أو‬
‫تنوعا كاف ًيا ظهور‬
‫املهارة لي�س قا�ص ًرا على موقف واحد‪ .‬ويرتتب على تنوع التطبيق ً‬
‫التهي�ؤ العقلي نحو ا�ستخدام هذه املفاهيم يف املواقف الأخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬يجب على املعلم �أن ي�ساعد املتعلمني على تكوين عادة البحث العلمي نحو تطبيق ما‬
‫يتعلمونه من مبادئ ومفاهيم‪ ،‬وذلك عن طريق �إعطاء الفر�ص ال�ستخدام ما يتعلمونه‬
‫من مواقف متعددة‪ ،‬ويجب على املعلم �أن ُي�شجع ن�شاط املتعلم الإيجابي الذي يهدف‬
‫�إىل اكت�شاف تطبيقات جديدة ملا يتعلمه‪.‬‬
‫‪ -4‬يتوقف االنتقال على طريقة التعلم‪ ،‬ولذلك ف�إن جمرد تكرار عمل ما‪ ،‬ال ي�ساعد على‬
‫االنتقال‪ ،‬ومن ثم يجب توجيه انتباه املتعلمني �إىل كيفية التعلم‪ ،‬و�إىل خري الو�سائل يف‬
‫حل امل�شكالت و�إىل اكت�ساب و�سائل فعالة للح�صول على تعلم �أكرث فاعلية‪ ،‬ما ُي�ساعد‬
‫على االنتقال يف املواقف الأخرى املرتبطة بالن�شاط الذي يتم تعلمه‪.‬‬
‫‪ُ -5‬ي�ساعد الإتقان ‪ Perfection‬على االنتقال‪ ،‬ولذلك لن ي�سهل انتقال املفاهيم �أو املهارات‬
‫التي مل يتم اكتمال تعلمها‪ ،‬وال �شك �أن الفرد �أكرث قدرة على ا�ستدعاء املبادئ التي‬
‫يتقنها‪ ،‬ما يزيد من احتمال تطبيقها يف املواقف التي تدعو �إىل ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬للفروق الفردية ‪� Individual Difference‬أثرها يف عملية االنتقال‪ ،‬و ُيع ّد ذلك �أم ًرا‬
‫طبيع ًّيا؛ نظ ًرا الختالف املتعلمني يف ن�سبة الذكاء ويف ميولهم ويف قدراتهم اخلا�صة‪،‬‬
‫ويف مدى ا�ستعدادهم لتعلم �أمر معني‪ .‬ولذلك يجب على املعلم �أن ي�أخذ يف ح�سبانه‬
‫عال‪ ،‬لي�ست‬‫هذه الفروق‪ ،‬فمن املعروف مثلاً �أن املتعلمني الذين ال يتمتعون بذكاء ٍ‬
‫لديهم القدرة على الو�صول �إىل م�ستويات عالية من التجريد‪ ،‬فبع�ض املبادئ العامة‬
‫قد تكون �أعلى من م�ستواهم العقلي‪ ،‬ولذلك فهم يحتاجون �إىل الكثري من جهد املعلم‬
‫يف التوجيه‪ ،‬و�إىل تنوع �أكرب يف املواقف املهمة امللمو�سة و�إىل توجيه انتباههم �إىل‬
‫املواقف التي ميكن لهم فيها تطبيق ما يتم تعلمه من مفاهيم ومهارات‪.‬‬
‫‪469‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫تت�ضمن انتقال �أثر التعلم الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬معنى انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫(‪� )2‬أهمية تطبيق انتقال �أثر التعلم يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫(‪ )3‬طرائق انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬تف�سريات انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫(‪� )5‬شروط وحمددات انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫(‪ )6‬دور وم�س�ؤولية املعلم يف انتقال �أثر التعلم‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬انتقال �أثر التعلم يتم من خالل التدريب ملوقف معني ي�ؤثر يف تعليم موقف �آخر‪.‬‬
‫‪ -2‬انتقال �أثر التعلم‪ ،‬يمُ كن من تعلم وحل امل�شكالت يف املواقف والأحداث الالحقة‪.‬‬
‫‪ -3‬التدريب يف موقف �سابق ُيفيد يف موقف الحق‪.‬‬
‫‪ -4‬قد ال يحدث انتقال �أثر التعلم عندما يتوقع حدوثه‪.‬‬
‫‪ -5‬من طرائق انتقال التعلم االنتقال‪ :‬الإيجابي ‪ -‬ال�سلبي ‪ -‬ال�صفري‪.‬‬
‫‪� -6‬أب�سط �أنواع االنتقال الإيجابي‪ ،‬يتم عن طريق تعميم املثري‪.‬‬
‫‪ -7‬االنتقال ال�سلبي ُيحدث تدهو ًرا يف الأداء‪.‬‬
‫‪ -8‬االنتقال ال�صفري �أثره معدوم �أو حمدود للغاية‪.‬‬
‫‪ -9‬تف�سريات انتقال �أثر التعلم عبارة عن‪ :‬التدريب ال�شكلي ‪ -‬العنا�صر املتماثلة «املتطابقة» ‪-‬‬
‫الأمناط املتماثلة ‪ -‬التعميم‪.‬‬
‫‪470‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪� -10‬شروط وحمددات انتقال �أثر التعلم عبارة عن‪ :‬العنا�صر امل�شرتكة ودرجة الت�شابه ‪-‬‬
‫تنوع التطبيق ‪ -‬التهي�ؤ العقلي‪.‬‬
‫‪ -11‬دور املعلم وم�س�ؤوليته يف انتقال �أثر التعلم يقوم على �أ�سا�س‪ :‬ا�ستنتاج مبادئ عامة ‪-‬‬
‫اكت�شاف املبادئ وات�ساع تطبيقها ‪ -‬م�ساعدة املتعلمني على تكوين عادة البحث‬
‫العلمي ‪ -‬طريقة التعلم ‪ -‬الإتقان على االنتقال يت�أثر بالفروق الفردية‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح معنى انتقال �أثر التعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬حدد �أهمية تطبيق انتقال �أثر التعلم يف العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪ -3‬و�ضح كيف يتم االنتقال الإيجابي واالنتقال ال�سلبي لأثر التعلم‪.‬‬
‫‪ -4‬هناك تف�سريات خا�صة بانتقال �أثر التعلم‪ ،‬ا�شرح تف�سريات من هذه التفا�سري‪.‬‬
‫‪ -5‬و�ضح �شروط انتقال �أثر التعلم وحمدداته‪.‬‬
‫‪ -6‬للمعلم دور فعال يف انتقال �أثر التعلم‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫توجيه التعلم‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل جماالت توجيه التعلم‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يعدِّ د املتعلم طرائق توجيه املهارات اليدوية‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يعدِّ د املتعلم طرائق التعلم يف املعارف العلمية‪.‬‬
‫توجيه التعلم‬

‫‪:‬‬
‫توجيه التعلم‪ ..‬الق�ص���د منه بيان �أف�ض���ل الطرق التي تتبع في توجيه تعلم المتعلم‪،‬‬
‫والت���ي توفر للمتعل���م وقتًا وجهدً ا‪ ،‬وتمنحه مردودًا خ�ص��� ًبا يحتفظ به مدة �أطول وب�ش���كل‬
‫�أف�ضل‪.‬‬
‫ف���ي حين عندما يترك المتعلم لنف�س���ه‪ ،‬ف�إن���ه قد يتبنى �أول طريق���ة يقع عليها عند‬
‫تعلمه‪ ،‬وغال ًبا ما تكون غير �ص���حيحة‪ ،‬وقد يحر�ص المتعلم عليها؛ ل�سهولتها �أو لرغبته في‬
‫التقدم ال�سريع‪ ،‬والأمثلة كثيرة على الأخطاء التي ترتكب في التعلم غير الموجه‪.‬‬

‫جماالت توجيه التعلم‪:‬‬


‫مجاالت توجيه التعلم تتم من خالل‪:‬‬
‫� اًأول ‪ -‬توجيه التعلم في المهارات اليدوية‪.‬‬
‫ثان ًيا ‪ -‬توجيه التعلم في القدرات النظرية (المعارف العلمية)‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي ما يت�صل بكل من توجيه التعلم في هذين الجانبين‪:‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬توجيه التعلم في المهارات اليدوية‪:‬‬
‫يت���م توجي���ه التعلم في المهارات اليدوي���ة‪ ،‬من خالل المبادئ الأ�سا�س���ية في توجيه‬
‫التعلم التي تتمثل في‪:‬‬
‫‪474‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫(�أ) �أن يعرف املعلم �صفات العمل ال�صحيح؛ لأنها الأ�سا�س يف قدرته على توجيه‬
‫عملية التعلم والتعليم‪.‬‬
‫وتعيني مثل هذه ال�صفات يختلف من مهارة �إىل �أخرى‪ ،‬و�إن تعيني مثل هذه‬
‫ال�صفات لي�س بالأمر ال�سهل‪ ،‬وال بد لتعيني ال�شكل الأمثل ملهارة ما بوا�سطة‬
‫منهج البحث العلمي‪ ،‬ومعرفة حيثياتها ودقائقها ال�شاملة‪.‬‬
‫(ب) �أن يتعلم املتعلم العمل بطريقة كلية؛ لأن الفكرة التي كانت �سائدة بالقول‬
‫بتجزئة العمل �أو حتليله �إىل عنا�صره‪ ،‬ثم تعلم كل جزء على حدة‪ ،‬ثم جتمع‬
‫الأجزاء ُي�سهل تعلم الكل‪� .‬إن هذا االعتقاد خاطئ؛ لأن تعلم الأجزاء يختلف كل‬
‫االختالف عن تعلم الكل‪ ،‬و�إن هذه الطريقة جتعل �أمر تعلم الكل �أ�صعب مما‬
‫ميكن �أن يكون‪ ،‬لو �أننا تعلمناه دفعة واحدة منذ البداية‪.‬‬
‫(جـ) �أن يكون العمل مر ًنا‪ ،‬واملهارة يف العمل تعني مرونته‪ .‬وجناح العمل يقت�ضي‬
‫تعلمه و�إدراكه يف خمتلف الظروف والأو�ضاع دون ثبات على و�ضع معني‪.‬‬
‫(د) متكني املتعلم من احلكم على ا�ستجاباته التعليمية ومدى مالءمتها‪ .‬لذا‪ ،‬فمن‬
‫واجب املعلم متكني املتعلم من تبني �أخطائه ومعاجلتها بنف�سه‪ .‬و�إنه من املهم‬
‫�أن يعرف املتعلم ا�ستجاباته ال�صحيحة؛ ليكون على اطالع مبا يحرزوه من‬
‫تقدم وجناح‪ .‬ف�أعظم حافز للنجاح على الإطالق هو معرفة املتعلم �أنه يتقدم‬
‫تقدما ُمر�ض ًيا‪.‬‬
‫ً‬
‫والح�صول على المهارة في العمل يت�صف بالخ�صائ�ص الآتية‪:‬‬
‫(�أ) �سرعة القيام بالعمل ب�شكل �أو�ضح مما كان يقوم به قبل التعلم والتدريب‪ ،‬حيث‬
‫نق�صا تدريج ًّيا يف الوقت الذي ُي�صرف للقيام بالعمل‪.‬‬
‫نالحظ ً‬
‫(ب) النق�صان املتدرج يف عدد الأخطاء التي ترتكب‪.‬‬
‫(جـ) هبوط يف التوتر الع�ضلي الذي كان يرافق املحاوالت الأوىل‪.‬‬
‫(د) اال�ستغناء عن احلركات الزائدة ال�ستمرار التدريب‪.‬‬
‫‪475‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫(هـ) ازدياد االهتمام بالعمل وال�سعي نحو املزيد من التقدم والنجاح‪� ،‬إذا �أح�س‬
‫املتعلم بنجاحه‪ ،‬ومن ثم �سوف ي�ؤدي النجاح �إىل زيادة اجلهد والإقبال على‬
‫العمل وزيادة الثقة بالنف�س والتب�صر يف العمل‪.‬‬
‫وا�ضحا لدى املتعلم‪ ،‬وي�صبح �أكرث دقة‬
‫ً‬ ‫(و) يف نهاية التدريب والتعلم ُي�صبح العمل‬
‫ً‬
‫و�ضبطا‪ ،‬وذلك عن طريق االنتباه �إىل �أهم التفا�صيل وبخا�صة �أنه مييل �إىل‬
‫ال�ضبط �أكرث من ال�سرعة‪.‬‬

‫طرائق توجيه املهارات اليدوية‪:‬‬

‫(�أ) طريقة المالحظة‪:‬‬


‫من �أف�ض���ل الطرائق الم�س���اعدة على توجي���ه التعلم تمكين المتعل���م من المالحظة‬
‫الجيدة لطبيعة العمل الم���راد تعلمه‪� ،‬أو مالحظة �أنموذج عنه‪ .‬والتعلم بمجرد المالحظة‬
‫�أمر �ش���اق وع�س���ير‪ ،‬ف����إذا كان المتعلم ال يعرف ما يج���ب �أن ُيالحظ‪ ،‬و�أي���ن وكيف‪ ،‬ومتى‬
‫يالحظ‪ ،‬ف�إنه ي�ص���عب عليه اال�س���تفادة من المالحظة‪ .‬فالطفل مثلاً قد يجد �ص���عوبة في‬
‫مالحظ���ة كيفي���ة كتابة المعلم �أو ر�س���مه؛ لذا ف�إن مه���ارة المعلم تظهر ف���ي قيامه و�أدائه‬
‫حركة معينة‪ ،‬حتى يمكن للطفل مالحظتها‪ ،‬ومن ثم تعلمها‪ .‬ومن هنا تبرز �أهمية الو�سائل‬
‫التعليمية والنماذج التي ت�ساعد على �إي�ضاح تفا�صيل العمل بدقة‪.‬‬

‫(ب) التوجيه اليدوي‪:‬‬


‫على الرغم من االنتقادات التي توجه �إلى طريقة التوجيه اليدوي‪� ،‬إال �أنها مفيدة في‬
‫تدري���ب المتعلم على بع�ض الأعمال‪ .‬ففي الكتابة مث�ًل اً ي�أخذ المعلم بيد الطفل‪ ،‬ويقومان‬
‫م ًع���ا بكتابة الحروف �أو الكلمة‪� ،‬أو ُيعطي الطفل حر ًفا خ�ش���ب ًّيا يطلب منه �أن ير�س���م حوله‬
‫بالقلم‪� ،‬أو يطالبه ب�إمرار �أ�ص���ابعه فوق حرف �أو كلمة بارزة‪� ،‬أو ي�ض���ع له ور ًقا �ش���فا ًفا على‬
‫الكلمة‪ ،‬ويطلب �إليه �أن ينقلها‪.‬‬
‫‪476‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وف���ي مثل ه���ذه الحاالت تكون طريق���ة التوجيه اليدوي مفيدة‪ ،‬خا�ص���ة عندما يكون‬
‫المقيا����س للتعل���م‪ ،‬هو عدد المحاوالت الالزمة للتعلم‪ ،‬وع���دد الأخطاء المرتكبة في �أثناء‬
‫عملية التعلم‪.‬‬
‫ولقد برهنت بع�ض الدرا�سات على �أن التوجيه اليدوي يكون �أ�شد ت�أثي ًرا‪ ،‬حين ي�ساعد‬
‫المتعل���م على ر�ؤية العمل ب�ش���كله الكلي والواقع���ي‪ ،‬وهذه الر�ؤية هي �أ�س���ا�س تنظيم العمل‬
‫الذي ينتج عنه تح�س���ين الحركات و�ض���بطها‪ .‬وفائدة هذا التوجيه ف���ي المراحل المبكرة‬
‫�أكبر من فائدتها في المراحل الالحقة؛ لأنها ت�ساعد على تكوين ا�ستجابات متنا�سقة منذ‬
‫البدء بالعمل‪.‬‬

‫(جـ) التوجيه الكالمي (اللفظي)‪:‬‬


‫يق�ص����د بالتوجيه الكالم����ي �إعطاء التعليمات عن طري����ق الأداء‪� ،‬أو توجيه االنتباه‬
‫�إل����ى بع�����ض الأمور‪� ،‬أو �إي�ض����اح المبادئ التي يق����وم عليها العمل‪� ،‬أو دالل����ة المتعلم على‬
‫�أخطائه‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي �أهم الحقائق ذات ال�صلة ب�أهمية التوجيه الكالمي‪:‬‬
‫‪ -1‬تزداد �أهمية التوجيه خالل مدة ق�صرية من عملية التعلم‪ ،‬وهي املراحل املبكرة عند‬
‫بدء التعلم‪ ،‬ثم تقل عندما ي�صل املتعلم �إىل حدود الكمية النافعة من التوجيه‪ ،‬حتى‬
‫ي�صبح التوجيه الإ�ضايف بعد ذلك م�ض ًّرا لكل من التعلم والتثبيت‪.‬‬
‫‪ -2‬هذا النوع من التوجيه ال ن�ستطيع تعميمه‪ ،‬ففي الأعمال ال�صعبة �أو املعقدة قد يحتاج‬
‫املتعلم �إىل التوجيه يف املراحل الالحقة‪� ،‬أكرث من املراحل املبكرة؛ نظ ًرا ملا ي�صادف‬
‫املتعلم من �صعوبات �أو عقبات‪.‬‬
‫‪ -3‬التوجيه املبكر مفيد ونافع‪ ،‬وال �سيما �إذا كان قبل البدء بالعمل‪� ،‬أو قبل بداية املرحلة‬
‫اجلديدة منه‪.‬‬
‫‪477‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫‪ -4‬التوجيه الإيجابي خري من التوجيه ال�سلبي (التنبيه �إىل الأخطاء)‪ ،‬و�إن جتنب حدوث‬
‫الأخطاء �أف�ضل من حماولة الق�ضاء عليها‪ ،‬بعد �أن تكون قد حدثت من قبل املتعلم‪.‬‬
‫‪ -5‬التوجيه الزائد‪� ،‬إذ �إنه يق�ضي على روح املبادرة واالبتكار عند املتعلم‪ ،‬ويقلل من ثقته‬
‫بنف�سه‪.‬‬
‫‪ -6‬التوجيه الكالمي يكون مفيدً ا يف التعلم احلركي‪ ،‬حني ي�ساعد املتعلم على التب�صر‬
‫يف طبيعة العمل ب�شكله الكلي‪ .‬بينما يكون �صع ًبا‪ ،‬وقد ت�صعب قيمة التعبري الكالمي‪،‬‬
‫عندما ُيراد و�صف عمل حركي معقد‪ ،‬حيث يف هذه احلالة تكون ر�ؤية العمل �أف�ضل‬
‫بكثري من الكلمات املوجهة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬توجيه التعلم يف املعارف العلمية (القدرات النظرية)‪:‬‬


‫فيما ي�أتي طرائق التعلم في المعارف العلمية‪:‬‬

‫‪ -1‬طريقة التعلم بالكل‪:‬‬


‫مو�ض���وعا نظر ًّيا‪� ،‬أو ق�ص���يدة‪ ،‬فقد يتم حفظ المو�ض���وع ككل‬
‫ً‬ ‫عندما يحفظ المتعلم‬
‫دفعة واحدة‪� ،‬أو يق�س���م �إلى �أجزاء �أو �أبيات يدر�س���ها المتعلم‪ ،‬الجزء تلو الآخر‪ ،‬ثم يوحد‬
‫بين هذه الأجزاء‪ .‬وعادة ما يتم تق�س���يم المو�ضوعات الطويلة �إلى �أجزاء منطقية وا�ضحة‬
‫العالقة‪ ،‬ثم ُيدر�س كل جزء وحده‪ ،‬فهل التعلم بالكل �أجدى �أو التعلم بالأجزاء؟‬
‫دلت الدرا�سات التجريبية‪ ،‬على �أنه ال توجد قاعدة قاطعة مانعة ُت ِّ‬
‫رجح التعلم بالكل‬
‫�أو الج���زء؛ وذلك لأن المو�ض���وعات الكلية تختلف في محتواها وم�ض���مونها وتراكيبها من‬
‫حيث الوحدة والترابط والتنظيم والمعنى‪.‬‬
‫ولق���د ثبت فعلاً �أن طريقة الحف���ظ بالأجزاء‪� ،‬أجدى فائدة ف���ي حفظ ‪ 32‬مقط ًعا ال‬
‫معن���ى له���ا من الحفظ بطريق���ة الكل‪ ،‬فحينم���ا ال تتوافر كلية منطقية ف���ي المادة المراد‬
‫تعلمها �أو المو�ض���وع المراد حفظه بطريقة ال���كل‪ ،‬يكون التعلم بالكل �أجدى فائدة‪ ،‬عندما‬
‫‪478‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تك���ون المادة المراد تعلمه���ا مبنية على عالق���ات داخلية من الوح���دة والتنظيم والمعنى‬
‫والترابط‪ ،‬وفيها من العوامل العقلية التي تت�سم بالوحدة والتنا�سق‪.‬‬
‫وف���ي هذا داللة على �أن ال ُكلية �ص���فة كيفية (تتعلق بالمعنى والم�ض���مون والترابط)‬
‫ولي�ست �صفة كمية‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وتجدر الإ�ش���ارة �إلى �أن نجاح الطريقة الكلية‪ ،‬ال يتوقف فقط على كون المواد‬
‫المو�ض���وعات ذات بناء متنا�س���ق موحد فح�س���ب‪ ،‬بل يتوقف �إلى جانب ذل���ك على �إدراك‬
‫منتجا‪ .‬وفيما ي�أتي بع�ض المالحظات‪:‬‬ ‫المتعلم هذا الو�ضع �إدرا ًكا ً‬
‫(�أ) الأطفال املتفوقون عقل ًّيا �أقدر على اال�ستفادة من طريقة الكل؛ لأن ه�ؤالء �أقدر‬
‫على فهم معنى املواد ككل‪ ،‬و�أقدر على اكت�شاف العالقات والروابط ذات املعنى‬
‫بني الأفكار‪.‬‬
‫(ب) املو�ضوعات الطويلة واملعقدة وال�صعبة ال جتدي فيها طريقة التعلم بالكل؛ لأنها‬
‫تتطلب من املتعلم تق�سيم املو�ضوعات �إىل �أق�سام‪� ،‬أو جتزئة املو�ضوع املعقد �إىل‬
‫�أجزاء‪ ،‬بغية االقت�صاد يف الوقت واجلهد‪ .‬ثم بعد هذه التجزئة‪ ،‬ال بد من عملية‬
‫ربط جديدة لكل جزء بغريه‪ .‬لذا‪ ،‬ف�إن املو�ضوعات املرتابطة والأفكار املحكمة‪،‬‬
‫�شرط النجاح يف تعلمها طريقة الكل‪ ،‬وهذه الطريقة ال تنجح يف الأجزاء التي‬
‫ال معنى لها وال رابط‪.‬‬
‫(جـ) الوق���ت الق�ص�ي�ر ال�ل�ازم للتعلم‪ ،‬يتنا�س���ب مع طريق���ة الأجزاء‪ ،‬بينم���ا الوقت‬
‫الطويل‪ ،‬ينا�سب طريقة الكل‪.‬‬
‫ملمو�سا بالتعلم‬
‫ً‬ ‫تقدما‬
‫(د) اعتياد املتعلم على عادة التعلم بطريقة الأجزاء‪ ،‬ال يحرز ً‬
‫بطريقة الكل‪.‬‬
‫وب�صفة عامة‪ ،‬ف�إن طريقة التعلم ال ُمثلى تتوقف على‪:‬‬
‫(�أ) درجة التنظيم القائمة بني �أجزاء املادة‪ ،‬ودرجة �صعوبتها ومقدار طولها‪.‬‬
‫(ب) درجة ذكاء املتعلم وعمره الزمني و�سابق خرباته وطريقته يف الدرا�سة‪� ،‬أي‬
‫تقدمه العلمي‪.‬‬
‫‪479‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫ف�إذا كانت المادة طويلة �أو كان المو�ض���وع �ص���ع ًبا‪ ،‬فمن الع�سير تعلمه بطريقة الكل‪،‬‬
‫ومن ال ُمنا�سب تق�سيمه �إلى �أق�سام ي�سهل تعلمها‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويجب �أن يكون التق�س���يم منطق ًّيا‪ ،‬وذا معنى ال ب�صورة اعتباطية‪ ،‬ويتحتم على‬
‫المتعلم حين التق�س���يم‪� ،‬أن ُيحيط بمخطط المو�ض���وع؛ لكي ي�س���تطيع تبين عالقة الجزء‬
‫الذي يتعلمه بالمادة ككل وبالأجزاء الأخرى‪.‬‬

‫‪� -2‬أهمية ال�شكل والتنظيم في التعلم‪:‬‬


‫تعل���م الم���ادة المنتظم���ة في �ش���كل �أو مخطط وا�ض���ح �أ�س���هل بكثير‪ ،‬من تعل���م المادة‬
‫المتفرق���ة الت���ي ال يربط بين �أجزائها ناظم �أو رابط‪ .‬وقد �أثبت���ت التجارب التي �أجريت عند‬
‫حفظ مجموعتين من الأرقام الأولى ال ينظم �أرقامها �أي نظام‪ ،‬بينما رتبت �أرقام المجموعة‬
‫الثانية وفق مخطط وا�ضح‪ ،‬فكان تعلم المجموعة الأولى �أ�صعب بكثير من تعلم الثانية‪.‬‬
‫و�أو�ض���حت درا�س���ات �أخرى‪� ،‬أن بع�ض �أنواع التنظيم �أح�سن �أث ًرا في التعلم من بع�ض‬
‫الأنواع الأخرى‪ .‬وخير �أنواع التنظيم ما كان مبن ًّيا على عالقات حقيقية جوهرية‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي �أهم القواعد ذات ال�صلة بالتنظيم في التعلم‪:‬‬
‫(�أ) �إن االرتباط بني �أع�ضاء الفرقة الواحدة �أقوى منه بني �أع�ضاء الفرق املختلفة‪.‬‬
‫(ب) مييل الع�ضو يف فرقة ما‪� ،‬إىل التذكري بالفرقة كلها‪.‬‬
‫(جـ) للفرق ارتباطاتها اخلا�صة‪.‬‬
‫(د) التنظيم يف الفرق ُي�سهل التعلم‪.‬‬
‫(هـ) املواد ذات املعنى �أ�سهل للحفظ و�أبقى يف الذاكرة من املواد التي ال معنى لها‪.‬‬
‫‪ -3‬القراءة والت�سميع في التعلم‪:‬‬
‫دل���ت التجارب التي �أجريت في هذا ال�ش����أن‪ ،‬على �أن مزج القراءة بالت�س���ميع �أجدى‬
‫م���ن القراءة فقط‪ ،‬وكانت طريقة الت�س���ميع الت���ي �أعقبت القراءة فيها �إعادة وا�س���ترجاع‬
‫للم���واد المق���روءة مع عدم النظر �إل���ى المادة المتعلم���ة �إال في حالة العج���ز عن التذكر‪،‬‬
‫‪480‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫حيث ي�س���مح المتعلم لنف�س���ه ب�إلقاء نظرة خاطفة على الكتاب ت�ساعده على اال�ستمرار في‬
‫التذكر والت�سميع‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد تو�صلت نتائج التجريب �إلى ما ي�أتي‪:‬‬
‫(�أ) �إنه كلما كانت القراءة جيدة‪ ،‬وكان وقت الت�سميع كاف ًيا كانت ن�سبة التذكر �أكرب‬
‫لهذه املادة املتعلمة‪.‬‬
‫(ب) �إن تكرار القراءة �أجنح يف حفظ املواد ذات املعنى‪.‬‬
‫(جـ) ينتج عن الت�سميع تعلم �أنواع خمتلفة من اال�ستجابات التي ميكن �أن ُتع ّد �أبقى‬
‫يف الذاكرة‪.‬‬
‫وتتميز القراءة والت�سميع في توجيه التعلم في القدرات النظرية بما ي�أتي‪:‬‬
‫(�أ) التعلم بطريقة القراءة والت�سميع يفوق التعلم بطريقة القراءة املح�ضة‪ ،‬مهما كان‬
‫الوقت املخ�ص�ص للت�سميع قليلاً ‪.‬‬
‫(ب) التعلم بطريقة القراءة والت�سميع مفيد‪ ،‬وله جدواه بالن�سبة �إىل جميع املواد ذات‬
‫املعنى‪ ،‬والتي ال معنى لها‪.‬‬
‫(جـ) تزداد �أهمية القراءة والت�سميع‪ ،‬بالن�سبة �إىل التذكر املت�أخر وعلى املدى الأبعد‪.‬‬
‫(د) يختلف مقدار الوقت املخ�ص�ص للقراءة �أو الت�سميع بح�سب طبيعة املادة املتعلمة‪،‬‬
‫وتبدو هنا �أهمية القراءة الأوىل الوا�ضحة الواعية التي متكن املتعلم من ر�ؤية الو�ضع‬
‫الكلي ب�شكل عام ومف�صل؛ لأن الت�سرع يف الت�سميع قد ينتج عنه بع�ض الأخطاء‪.‬‬
‫(هـ) �إن التخطيط والتلخي�ص‪ ،‬ي�ساعدان م�ساعدة كربى يف املواد النظرية الطويلة‪.‬‬

‫‪ -4‬التدريب المتالحق والتدريب الموزع‪:‬‬


‫�أكدت الدرا�سات الخا�ص���ة بتوجيه التعلم في القدرات النظرية‪� ،‬أن التدريب الموزع‬
‫�أف�ض���ل في نتائجه من التدريب المتالحق‪ ،‬و�أن من الأن�س���ب تق�س���يم الوقت المخ�ص����ص‬
‫للتعلم �إلى �أوقات‪.‬‬
‫‪481‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫وهن���اك م���ن ي�ؤكد �أن التدري���ب المتالحق �أكثر فائ���دة في الأعمال ال�س���هلة‪� ،‬أما في‬
‫الأعمال ال�صعبة فالتدريب الموزع خير و�أبقى‪.‬‬
‫و�إن التدري���ب الم���وزع �أجدى في المراحل المبكرة‪ ،‬والواقع �أن الطول الأن�س���ب لمدة‬
‫التمري���ن والتدريب‪ ،‬والم�س���افات الزمنية الفا�ص���لة بين فترات التدري���ب‪ ،‬تتوقف �إلى حد‬
‫بعيد على طبيعة المادة �أو العمل المتعلم‪ .‬وتتوقف على الفروق الفردية بين المتعلمين‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي �أهم فوائد التدريب الموزع‪:‬‬
‫(�أ) تالحق التدريب يف املراحلة املبكرة قد ينتج عنه تثبيت الأخطاء التي حتدث يف‬
‫التعلم املبكر‪.‬‬
‫(ب) توزيع التدريب مي ّكن املتعلم من احل�صول على ا�ستجابات يتبعها فيما بعد‪.‬‬
‫(جـ) ي�ساعد التوزيع على االحتفاظ باالهتمام واالنتباه وجتنب التعب وامللل وال�شرود‪.‬‬
‫(د) ي�ساعد التوزيع على التب�صر يف العمل من جديد‪ ،‬ويحفزه على ُح�سن القيام‬
‫باملحاولة الالحقة بعد �أوقات الراحة‪.‬‬

‫‪ -5‬ت�أثير النجاح والف�شل‪:‬‬


‫�إخفاق الرا�ش���د في عمل ما‪ ،‬يدفعه لأن يبذل جهودًا خارقة وغير عادية لال�س���تمرار‬
‫في العمل بغية تحقيق النجاح‪� ،‬إال �أن الف�شل المتكرر قد ي�ؤثر ت�أثي ًرا �سي ًئا‪.‬‬
‫ه���ذا‪ ،‬و�إن الأطفال في �أم����س الحاجة �إلى النجاح الذي هو �أه���م المثيرات من �أجل‬
‫اال�س���تمرار في العمل‪ ،‬الذي ت�ؤكد عليه تف�س���يرات التعلم لأهمية مب���د�أ التعزيز‪ .‬فالنجاح‬
‫يقوي التعلم‪ ،‬ويحفزه على العمل‪ ،‬ويطلق حيويته ون�شاطه‪ ،‬ويحبب �إليه التعلم‪.‬‬
‫�أما الف�شل المتكرر‪ ،‬ف�إنه يعرقل عملية التعلم‪ ،‬و�إنه ال ي�شجع على اال�ستمرار في بذل‬
‫الجهد واالهتمام‪ ،‬بل �س���يكون �س���ب ًبا في عدم المباالة واالن�ص���راف عن التعلم‪� ،‬أو تكوين‬
‫عقدة النق�ص عند الطالب‪.‬‬
‫‪482‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫فالطف���ل الذي يف�ش���ل في القراءة مثلاً قد ي�س���بب ل���ه ا�ض���طرابات انفعالية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الع�ص���بية وحدة المزاج‪� ،‬أو الت�أت�أة والف�أف�أة في النطق‪ ،‬وخا�ص���ة �أمام الآخرين‪� ،‬أو ق�ض���م‬
‫الأظافر‪ ،‬والقلق‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫�أو ق���د ت�س���بب له بع����ض اال�س���تجابات ال�س���لبية‪ :‬ك�إحداث ال�ض���جيج‪� ،‬أو اال�س���تهتار‬
‫والت�ساخف‪� ،‬أو قد ت�سبب له بع�ض الت�صرفات ال�سلوكية غير ال�سوية‪ ،‬كال�شرا�سة �أو التخريب‬
‫�أو ال�شرود �أو الأنانية �أو ال�سلوك الهروبي �أو التجنبي لكثير من المواقف االجتماعية‪.‬‬
‫وفي الحقيقة �إن الف�شل الذي ي�صيب الإن�سان هو نتيجة لما يعانيه من متاعب نف�سية‬
‫أي�ضا �سبب الم�شكالت التي تحدث لل�شخ�صية‪.‬‬‫�أو عاطفية‪� ،‬إال �أنه � ً‬
‫ه���ذا‪ ،‬وم���ن العوامل الم�س���اعدة عل���ى نجاح المتعل���م‪ :‬اللج���وء �إلى بع����ض المثيرات‪،‬‬
‫كالمدي���ح والثناء والت�ش���جيع �أكثر م���ن التوجيه ال�س���لبي القائم على النه���ي والزجر‪ ،‬وتتبع‬
‫ال�س���قطات والزالت والتنبيه �إليها‪ ،‬الذي قد ي�ؤدي �إلى الف�ش���ل‪ ،‬ونحن مع من قال‪ :‬ال �ش���يء‬
‫ينجح كالنجاح‪.‬‬
‫أي�ضا مت�صل بم�ستوى الطموح‪ ،‬وهو الم�ستوى الذي يطمح الفرد في الو�صول‬ ‫والنجاح � ً‬
‫�إليه في الم�س���تقبل بالن�سبة �إلى �أمر ما‪ ،‬فتف�سير النجاح بهذا المعنى الو�صول �إلى تحقيق‬
‫هذا الم�ستوى‪ ،‬بينما يكون الف�شل ق�صور الفرد عن هذا الم�ستوى‪.‬‬
‫ولم�ستوى الطموح غايات مهمة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫�إن الطموح بالن�سبة �إلى الفرد‪ ،‬وك�أنه واقع �أو رغبة عميقة ي�سعى وراء تحقيقها‪ ،‬ومن‬
‫هنا يكون م�ستوى الطموح باع ًثا وراء الجهد وال�صبر والمتابعة؛ بغية تحقيق الأهداف‪.‬‬
‫ف�إذا كانت قدراته �أقل من م�س���توى طموحه‪ ،‬ف�إنه ي�ص���ل �إلى النجاح ب�س���هولة وي�سر‪،‬‬
‫ومن ثم تتكون عنده طموحات جديدة‪ ،‬بينما �إذا كان م�س���توى طموحه عال ًيا لدرجة تعجز‬
‫قدراته عن تحقيقها‪ ،‬فقد ي�شعر بخيبة الأمل والف�شل‪� .‬إذن‪ ،‬فالنجاح والف�شل متوقفان على‬
‫‪483‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫طموح���ات الفرد و�أهدافه �أكثر من توقفهما على العمل ف���ي حد ذاته‪ ،‬ولذلك من الأهمية‬
‫بمكان �أن يعين الإن�سان لنف�سه �أهدا ًفا يمكن له الو�صول �إليها بجهد معقول ودون �أن تكون‬
‫مفرطة ال�س���هولة �أو ال�صعوبة‪ .‬ومن الخير للإن�س���ان �أن يبقي �آماله وطموحاته في م�ستوى‬
‫يتنا�سب مع قدراته و�إمكاناته لكي ال يحزن على ق�صوره عن �أمر يعلم �أنه فوق طاقته‪.‬‬
‫و�إن الث���واب والعق���اب له �أهمية نح���و نجاح التعل���م وفاعليته‪ .‬والعقاب ل���ه �آثاره في‬
‫التعلم‪ ،‬حيث‪:‬‬
‫(�أ) ُي�ساعد العقاب على �إي�ضاح بع�ض الأمور‪ ،‬وخا�صة نتائج اال�ستجابات التي قد‬
‫متر ب�صورة غري ملحوظة‪.‬‬
‫(ب) قد يكون العقاب داف ًعا مث ًريا‪ ،‬فيحاول املتعلم جتنبه �أو ُي�سارع �إىل �إيجاد‬
‫اال�ستجابة ال�صحيحة‪.‬‬
‫(جـ) قد يدفع العقاب املتعلم �إىل التفريق بني املهم وغري املهم يف حل م�شكلة ما‪.‬‬
‫(د) العقاب ال�شديد قد يكون له ت�أثري �سيئ على املتعلم‪ ،‬فينفر من العمل‪.‬‬
‫(هـ) �إذا كان العمل �سهلاً �أو قليل ال�صعوبة‪ ،‬ف�إن العقاب قد ُي�سرع التعلم‪ ،‬ويقلل‬
‫الأخطاء‪� .‬أما �إذا كان العمل �صع ًبا بالن�سبة �إىل املتعلم‪ ،‬ف�إن زيادة العقاب قد‬
‫ُت�سبب �إعاقة التعلم اً‬
‫بدل من �أن ت�سهله‪.‬‬

‫‪ -6‬االحتفاظ بعد التعلم اللفظي‪:‬‬


‫ُيع ّد الن�سيان عاملاً �سلب ًّيا في التذكر‪ ،‬وهو �سمة ظاهرة في ال�سلوك الب�شري‪ ،‬نحتاج‬
‫�إلى تقليل �آثاره على التعلم‪.‬‬
‫ففي درا�س���ة قام بها العلماء �أ�ش���ارت �إلى �أن مدى حدوث الن�س���يان يتوقف بالدرجة‬
‫الأول���ى والأهم على مقدار قوة اال�س���تجابة‪� ،‬أي مقدار المبالغة في تعلمها‪ ،‬فاال�س���تجابات‬
‫التي يبالغ في تعلمها كالأ�س���ماء‪ ،‬والكلمات العادية الأ�سا�س���ية‪ ،‬والأعمال الحركية �ستبقى‬
‫عاما �أو �أكثر من عدم اال�س���تعمال‪ ،‬وعلى الرغم من �إ�ض���اعتها قليلاً �أو‬
‫ثالثي���ن �أو �أربعين ً‬
‫‪484‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫كثي ًرا عن دقتها الأ�ص���لية و�س���هولتها‪� ،‬أما الأ�س���ماء التي لم يبالغ فيها‪ ،‬ف�إنها �س���تبقى فوق‬
‫عتبة اال�ستجابة مدة �أعوام عدة‪.‬‬
‫ومن الحقائق التي تو�ص���لوا �إليها‪� :‬إن ن�س���بة الخ�س���ارة النا�ش���ئة عن عدم اال�ستعمال‬
‫تتوقف على درجة التعلم‪ ،‬و�إن هذه الخ�سارة ت�ستمر فوق عتبة اال�ستجابة وتحتها‪.‬‬
‫ودل���ت كثير م���ن الدرا�س���ات الت���ي �أجريت عل���ى م�ش���كلة االحتفاظ بالمو�ض���وعات‬
‫الدرا�س���ية على حدوث فقدان كبير في االحتفاظ بالمو�ضوعات الدرا�سية‪ ،‬نتيجة الن�سيان‬
‫وع���دم التكرار والممار�س���ة في حفظ المعلومات‪ ،‬وخا�ص���ة خالل العطلة ال�ص���يفية‪ .‬لذا‪،‬‬
‫ف�إن المعلمين يخ�ص�ص���ون الأ�س���ابيع الأولى من كل عام مدر�س���ي لمراجعة درو�س ال�س���نة‬
‫الما�ضية‪.‬‬
‫ومن المعلوم �أن يكون تذكر الأفكار العامة والمبادئ �أ�سهل من تذكر الن�ص الحرفي‪،‬‬
‫وهنا تبدو �أهمية التربية التي تعنى بالأفكار العامة والمبادئ �أكثر من عنايتها بالتفا�صيل‪،‬‬
‫ولكن الح�صول على الفكرة العامة‪ ،‬ال بد له من التفا�صيل اللفظية‪ ،‬حين الح�صول عليها‪.‬‬
‫والواقع �أنه عند تنظيم الحقائق في عالقات ذات معنى و�صياغتها ب�صورة عامة في‬
‫مبادئ‪ ،‬يكون ذلك �أدعى ل�سرعة تذكر التفا�صيل‪ ،‬بخالف ما لو كانت هذه التفا�صيل تقوم‬
‫ب�شكل منف�صل‪ ،‬وهنا تظهر �أهمية عامل التنظيم في االحتفاظ‪.‬‬
‫ولقد علل علماء النف�س قدي ًما الن�س���يان ب�أنه يرجع �إلى عدم الممار�س���ة واال�ستعمال‬
‫وزوال االنطباعات‪ ،‬ولكن الر�أي المعا�ص���ر في الن�س���يان �أنه يحدث نتيجة عملية تدخل �أو‬
‫تفاعل بين التعلم الجديد والقديم‪.‬‬
‫فالطف���ل الذي يتعلم حقيقة ح�س���ابية يوم الإثنين مث�ًل�ااً ‪ ،‬ال يتذكر ذلك يوم الجمعة‪،‬‬
‫ناتجا عن قلة التمرين‪ ،‬بقدر ما هو ناتج عن تعلمه حقائق ح�س���ابية‬ ‫فن�س���يانه هذا ال يكون ً‬
‫�أخرى في �أثناء تلك المدة الفا�ص���لة‪ ،‬ما عرقل التعلم الأول‪ ،‬واختلط به‪ ،‬ولقد �س���مي هذا‬
‫التدخل (الكف الرجعي)‪.‬‬
‫‪485‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫يت�ضمن توجيه التعلم الآتي‪:‬‬


‫ •جماالت توجيه التعلم‪:‬‬
‫( �أ ) توجيه التعلم يف املهارات اليدوية‪.‬‬
‫(ب) توجيه التعلم يف املعارف العلمية‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬الق�صد بتوجيه التعلم هو بيان �أف�ضل الطرق التي تتبع لتوجيه التعلم عند املتعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬يتم توجيه التعلم يف كل املهارات اليدوية‪ ،‬ويف القدرات النظرية (املعارف العلمية)‪.‬‬
‫‪ -3‬يتم توجيه التعلم يف كل املهارات اليدوية من خالل معرفة املعلم �صفات العمل‬
‫ال�صحيح‪ ،‬و�أن يتعلم املتعلم العمل بطريقة كلية‪ ،‬و�أن يكون العمل مر ًنا‪ ،‬و�أن يتمكن‬
‫املتعلم من احلكم على ا�ستجاباته التي تعلمها‪.‬‬
‫‪ -4‬يتم توجيه تعلم املهارات اليدوية با�ستخدام طرائق فيها املالحظة ‪ -‬التوجيه اليدوي ‪-‬‬
‫التوجيه الكالمي (اللفظي)‪.‬‬
‫‪ -5‬التوجيه الكالمي يف تعلم املهارات اليدوية له �شروط معينة‪.‬‬
‫‪ -6‬توجيه التعلم يف املعارف العلمية‪ ،‬له طرائق معينة‪ ،‬منها طريقة التعلم بالكل ‪ -‬قيمة‬
‫ال�شكل والتنظيم يف التعلم ‪ -‬القراءة والت�سميع يف التعلم ‪ -‬التدريب املتالحق والتدريب‬
‫املوزع ‪ -‬ت�أثري النجاح والف�شل ‪ -‬االحتفاظ بعد التعلم اللفظي‪.‬‬
‫‪486‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬يتم توجيه التعلم يف املهارات اليدوية من خالل مبادئ �أ�سا�سية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -2‬احل�صول على املهارات اليدوية يت�صف بخ�صائ�ص معينة‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -3‬التوجيه الكالمي‪ُ ،‬يع ّد من طرائق توجيه املهارات اليدوية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -4‬طريقة التعلم بالكل‪ُ ،‬تع ّد من طرائق توجيه املتعلم يف املعارف العلمية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -5‬النجاح والف�شل لهما �أثر يف توجيه التعلم يف املعارف العلمية‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -6‬كيف يتم االحتفاظ بعد التعلم النظري؟‬
‫م�ساهمات علماء امل�سلمني يف تف�سري التعلم‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل م�ساهمات الإمام الغزايل يف التعلم‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يعدِّ د املتعلم م�ساهمات ابن جماعة يف التعلم‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يقدر جهود برهان الإ�سالم الزرنوجي يف التعلم‪.‬‬
‫م�ساهمات علماء امل�سلمني يف تف�سري التعلم‬

‫‪:‬‬
‫ق���دم علماء الم�س���لمين �إ�س���هامات بالغة الأهمي���ة في مختلف مناح���ي الحياة‪ ،‬ومن‬
‫�أ�ص���حاب الإ�س���هامات البارزة عدد من العلماء‪ ،‬مثل الغزالي‪ ،‬واب���ن جماعة‪ ،‬والمواردي‪،‬‬
‫وابن الجوزي‪ ،‬وبرهان الإ�سالم الزرنوجي الذين قدموا � اً‬
‫أعمال متميزة في مجاالت متعددة‬
‫نذكر منها في هذا المقام �إ�سهاماتهم في مجال التربية والتعلم‪.‬‬

‫الإمام الغزايل‪:‬‬
‫ُيع��� ّد الغزال���ي من �أوائل م���ن قدموا نظرية «�س���بق الوه���م �إلى العك�س» الإ�ش���راطية‬
‫االقترانية‪ ،‬وبذلك فقد �س���بق «بافلوف» بقرون طويلة‪ .‬و�إن اقت�ص���رت نظريته على الأمثلة‬
‫الح�س���ية فق���ط‪ ،‬وافتقرت �إل���ى التجريب‪ ،‬ف�إن ه���ذا يعود �إلى اختالف منه���ج البحث لدى‬
‫العلماء من ال�سلف‪.‬‬
‫والف���رق بين الغزالي وغيره من علماء التعلم ال�ش���رطي‪ ،‬وخا�ص���ة «بافلوف» وفق ما‬
‫ي�شير �إليه «دكتور فائز الحاج»‪� ،‬أن‪:‬‬
‫‪« -1‬الغزايل» ي�سمي هذا القانون ‪� -‬سبق الوهم �إىل العك�س ‪ -‬ولهذه الت�سمية مربراتها‬
‫و�سببها‪� .‬أما «بافلوف» ف ُيف�ضل �أن يختار له ا�س ًما �آخر‪ ،‬هو «رد الفعل ال�شرطي» �أو‬
‫«الفعل املنعك�س ال�شرطي»‪.‬‬
‫‪ -2‬يعزو «الغزايل» هذا القانون �إىل قوة يف النف�س هي القوة الوهمية‪ ،‬وال�سبب الكامن‬
‫وراء هذا القانون هو الوهم‪ .‬بينما يعزو «بافلوف» وعلماء النف�س هذا القانون �إىل‬
‫عملية الإ�شراط‪.‬‬
‫‪490‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪« -3‬الغزايل» يعطي الدماغ دوره الكبري يف هذا القانون الوهمي‪ ،‬و�أن «بافلوف» يعطي‬
‫الدور الف�سيولوچي للق�شرة الدماغية يف عملية الإ�شراط‪.‬‬
‫‪« -4‬الغزايل» �أعطى �أهمية كربى للثواب والعقاب ودورهما يف هذا القانون‪ ،‬وكذلك‬
‫«بافلوف» �أكد � ً‬
‫أي�ضا �ضرورة التعزيز الإيجابي (للثواب) والتعزيز ال�سلبي (للعقاب)‬
‫يف عملية الإ�شراط‪.‬‬
‫‪« -5‬الغزايل» ا�ستنتج هذا القانون من القواعد املنطقية الفكرية املجردة دون �أن ي�ستخدم‬
‫احليوان (الكالب) يف نظريته‪ ،‬واكتفى بالأمثلة احل�سية الواقعية لتو�ضيح قانونه‪ .‬بينما‬
‫«بافلوف» تو�صل �إىل ا�ستنباط هذا القانون بعد �إجراء كثري من التجارب والتطبيقات‬
‫املادية‪ ،‬وكان عمله بهذا ُيع ّد اً‬
‫مثال جديدً ا على الأمثلة التي �أوردها «الغزايل»‪.‬‬
‫والواقع �أن نظرية «الغزالي» ت�ؤكد على «الوهم النف�سي» �أي �إن النف�س تتوهم‪ ،‬وتتبنى‬
‫ما يتكرر �أمامها‪ ،‬ثم ينطبع فيها ذلك «الوهم» الذي يظهر في �س���لوك الإن�س���ان على �شكل‬
‫«رد فعل» نابع من النف�س ذاتها‪ .‬وفي هذا يقول «الغزالي»‪:‬‬
‫«�إن النف�س‪ ...‬متى توهمت �ش���ي ًئا‪ ،‬خدمتها الأع�ض���اء والقوى التي فيها تحركت �إلى‬
‫الجه���ة المطلوب���ة‪ ...‬حتى �إذا توهمت �ش���ي ًئا طيب المذاق تحلبت �أ�ش���داقه‪ ،‬وانتهت القوة‬
‫الملعبة فيا�ض���ة باللعاب‪ ...‬وذلك لأن الأج�سام والقوى الج�سمانية‪ ،‬خلقت خادمة م�سخرة‬
‫للنفو�س‪ ،‬ويختلف ذلك باختالف �ص���فاء النفو�س وقوتها‪ ،‬فال يبعد �أن تبلغ قوة النف�س �إلى‬
‫حد تخدمها القوة الطبيعية في غير بدنه؛ لأن نف�س���ه لي�س���ت منطبعة في بدنه‪� ،‬إال �أن لها‬
‫نزوعا و�شو ًقا �إلى تدبيره»‪.‬‬
‫ً‬

‫ابن جماعة‪:‬‬
‫ه���ذا‪ ،‬ولي�س الإمام الغزالي وحده الذي �س���اهم بجهوده‪ ،‬فقد �أورد «ابن جماعة» في‬
‫كتاب���ه (تذكرة ال�س���امع والمتكلم في �آداب العالم والمتعل���م ‪ )1980 -‬كثي ًرا من نظريات‬
‫‪491‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫التعلم التي اكت�س���بها من تجارب العلماء الم�سلمين الذين �سبقوه‪ ،‬فقد طبق «ابن جماعة»‬
‫بع�ض نظريات التعلم تطبي ًقا عمل ًّيا �أوردها في كتابه بقوله (عن دور المعلم)‪:‬‬
‫«وينبغ���ي �أن يعتني بم�ص���الح المتعلم‪ ،‬ويعامله بما يعامل به �أعز �أوالده من ال�ش���فقة‬
‫عليه والإح�س���ان �إليه وال�ص���بر على جفائه‪� ،‬إذ ربما وقع منه نق�ص ال يكاد يخلو الإن�س���ان‬
‫منه‪ ،‬و�سوء �أدب في بع�ض الأحيان‪ ،‬ويب�سط عذره بح�سب الإمكان‪ ،‬ويوقفه مع ذلك على ما‬
‫�ص���در منه بن�صح وتلطف‪ ،‬ال بتعنيف وتع�سف‪ ،‬قا�صدً ا بذلك ح�سن تربيته وتح�سين ُخلقه‪،‬‬
‫و�إ�ص�ل�اح �ش����أنه‪ .‬ف�إن عرف ذلك لذكائه بالإ�ش���ارة‪ ،‬ف�ل�ا حاجة �إلى �ص���ريح العبارة‪ ،‬و�إن‬
‫لم يفهم ذلك ب�ص���ريحها �أتى بها‪ ،‬وراعى التدريج في التلطف‪ ،‬وي�ؤدبه بالآداب ال�س���نية‪،‬‬
‫ويحر�ضه على الأخالق ال ُمر�ضية‪ ،‬ويو�صيه بالأمور العرفية الموافقة للأو�ضاع ال�شرعية‪.‬‬
‫ف�إذا تمعنا في هذه الو�صية العلمية‪ ،‬تبين لنا �أن «ابن جماعة» كان متفه ًما لنظريات‬
‫التعلم المعروفة �آنذاك‪ ،‬منذ �س���بع مئة �س���نة‪ ،‬مثل النظرية التجريبية‪ ،‬حيث �أ�ش���اد «ابن‬
‫جماعة» ب�أن المتعلم �إذا عرف ذلك لذكائه بالإ�ش���ارة‪ ،‬فال حاجة �إلى �صريح العبارة‪ ،‬و�إن‬
‫لم يفهم ذلك �إال ب�صريحها �أتى بها‪ ،‬وراعى التدريج‪.‬‬
‫ومن هذا يتبين �أن النظريات الخا�صة بالتعلم‪ ،‬كانت �شائعة عند �أ�سالفنا من علماء‬
‫الم�س���لمين‪ ،‬وقد طبقه���ا معظمهم في تعليم تالميذه وتن�ش���ئتهم‪ ،‬والحظ مردودها‪ ،‬وكتب‬
‫عنها‪ ،‬و�أجاد في و�صفها‪ ،‬وو�صف طالب العلم الذي كان يالزمه من حيث ت�صرفه ومقدار‬
‫حفظه‪ ،‬و�أمانته‪ ،‬و�سلوكه‪ ،‬و�أخالقه‪ ،‬وجودة كتابته‪ ،‬و�سرعة بديهته‪ ،‬و�سداد جوابه‪.‬‬

‫املاوردي‪:‬‬
‫هو �أبو الح�س���ين علي بن محمد بن حبيب الب�ص���ري المعروف بالماوردي (ن�س���بة �إلى‬
‫ماء الورد)‪ ،‬ولد في الب�ص���رة �س���نة ‪364‬هـ‪ ،‬تلقى تعليمه فيها على �أبي القا�س���م ال�ص���يمري‬
‫وغي���ره من الفقه���اء والمحدثين‪ ،‬ث���م رحل �إلى بغ���داد‪ ،‬وتتلمذ فيها على ال�ش���يخ �أبي حامد‬
‫الإ�سفراييني‪.‬‬
‫‪492‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وم���ن �أهم كتبه التي لها عالق���ة بعلم النف�س فهو كت���اب �أدب الدنيا والدين‪ ،‬ويتكون‬
‫من خم�س���ة �أبواب‪ :‬الأول عن العقل وف�ض���له‪ ،‬والثاني عن العلم والتعلم‪� ,‬أدب طالب العلم‪،‬‬
‫والثالث عن �أدب الدين‪ ،‬والرابع عن �أدب الدنيا‪ ،‬والخام�س عن �أدب النف�س‪.‬‬

‫وللماوردي �إ�سهامات يف علم النف�س الرتبوي ن�شري �إليها فيما ي�أتي‪:‬‬


‫� اً‬
‫أول‪ :‬دواعي التق�صير في طلب العلم‪:‬‬
‫تح���دث الماوردي عن طلب العلم وتح�ص���يله وعن دواعي التق�ص���ير في طلبه وعدم‬
‫�إجادة ما ت�صدى ال�شخ�ص لتح�صيله‪ ،‬فذكر منها عددًا من الدواعي‪:‬‬
‫‪ -1‬يتعلق بطبيعة العمل الذي يزاوله ال�ش���خ�ص‪ ،‬حيث يدفعه عمله �إلى طلب نوع معين من‬
‫العلم والإعرا�ض عن مقدماته كرجل ي�ؤثر الق�ضاء ويت�صدى للحكم‪ ،‬فيق�صد من علم‬
‫الفقه �أدب القا�ضي‪ ،‬وما يتعلق به من الدعوى والبيانات‪ ،‬ويعر�ض عما �سواه‪.‬‬
‫‪ -2‬حب اال�شتهار بالعلم �إما لتك�سب �أو لتجمل‪.‬‬
‫‪ -3‬الغفلة عن التعليم في ال�صغر‪.‬‬
‫‪ -4‬اال�ستحياء‪.‬‬
‫‪ -5‬وفور �شهواته وتق�سم �أفكاره‪.‬‬
‫‪ -6‬الطوارق المزعجة والهموم المذهلة‪.‬‬
‫‪ -7‬كثرة ا�شتغاله وترادف حاالته‪.‬‬
‫ثان ًياً‪ :‬موانع الفهم‪:‬‬
‫ذكر الماوردي �أن الفهم قد يمتنع على ال�شخ�ص ب�سبب واحد من ثالثة �أمور‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬يمتنع الفهم �أحيا ًنا ب�س���بب الألفاظ المعبر بها عن المعنى ك�أن تكون غام�ض���ة ع�سيرة‬
‫التركيب‪.‬‬
‫‪ -2‬وق���د يمتنع الفهم على ال�ش���خ�ص ب�س���بب المعاني الم�س���تودعة في الألف���اظ ك�أن تكون‬
‫جديدة ال خبرة للدار�س بها من قبل‪.‬‬
‫‪493‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫‪ -3‬وقد يمتنع الفهم على ال�شخ�ص ب�سبب يتعلق بال�شخ�ص نف�سه‪ ،‬ك�أن يكون بليدً ا �أو �سريع‬
‫الن�سيان‪.‬‬
‫ثال ًثا‪� :‬شروط التح�صيل‪:‬‬
‫ف�أما ال�شروط التي يتوفر بها علم الطالب‪ ،‬وينتهي معها كمال الراغب‪ ،‬مع ما يالحظ‬
‫به من التوفيق‪ ،‬ويمد به المعونة فت�سعة �شروط هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬العقل الذي يدرك به حقائق الأمور‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفطنة التي يت�صور بها غوام�ض العلوم‪.‬‬
‫(‪ )3‬الذكاء الذي ي�ستقر به حفظ ما ت�صوره وفهم ما عمله‪.‬‬
‫(‪ )4‬ال�شهوة التي يدوم بها الطلب‪ ،‬وال ي�سرع �إليه الملل‪.‬‬
‫(‪ )5‬االكتفاء بمادة تغنيه عن طلب الطلب‪.‬‬
‫(‪ )6‬الفراغ الذي معه يكون التوفر‪ ،‬ويح�صل به اال�ستكثار‪.‬‬
‫(‪ )7‬عدم القواطع المذهلة من هموم و�أ�شغال و�أمرا�ض‪.‬‬
‫(‪ )8‬طول العمر وات�ساع المدة‪ ،‬لينتهي باال�ستكثار �إلى مراتب الكمال‪.‬‬
‫(‪ )9‬الظفر بعالم �سمح بعلمه‪ ،‬مت� ٍأن في تعليمه‪.‬‬

‫ابن اجلوزي‪:‬‬
‫ه���و جمال الدين �أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد بن علي القر�ش���ي التيمي‬
‫البغدادي‪ ،‬ال يعرف بالتحديد متى ولد‪ ،‬ولكن من الم�ؤكد �أنه ولد في �أول القرن ال�س���اد�س‬
‫وبع�ضهم يرجح ميالده في ‪ 510‬و�آخرون يرون �أنه في ‪ ،509‬وتوفي عام ‪597‬هـ‪.‬‬
‫�أل���ف اب���ن الجوزي عددًا كبي ًرا من الكتب‪ ،‬ويذكر ابن تيمية �أنه �أح�ص���ى له �أكثر من‬
‫�ألف م�صنف‪.‬‬
‫‪494‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫و�أ�شار ابن الجوزي �إلى بع�ض العوامل المرتبطة بالتعلم‪ ،‬مثل الن�سيان وكيفية عالجه‬
‫حيث ف�سر انق�ضاء �أثر الدر�س �أو الموعظة ‪ -‬زوال �أثر الوعظ �سري ًعا ‪ -‬تف�سي ًرا نف�س ًّيا على‬
‫النحو الآتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحال���ة االنفعالية‪ :‬حيث يرى �أنها �س���ريعة االنطفاء‪ ،‬فطبيعة الموعظة �أنها تثير‬
‫العاطف���ة وتخاطب في العادة الجانب االنفعالي عند ال�س���امع‪ ،‬فيح���دث له �أثر وتفاعل مع‬
‫م���ا ي�س���مع‪ ،‬ولكن ه���ذا التفاعل ال ي�س���تمر‪ ،‬بل يزول �س���ري ًعا؛ لأن الموعظ���ة اعتمدت على‬
‫الخطاب العاطفي‪ ،‬وخاطبت الجانب االنفعالي من تكوين الإن�سان فقط‪ ،‬والعاطفة �سريعة‬
‫التغيير �سريعة البرود ما �إن يتفاعل الإن�سان‪ ،‬وتتحرك عواطفه �إال وتنخف�ض �سري ًعا ب�سبب‬
‫غياب الم�ؤثر‪ ،‬وهو الموعظة‪.‬‬
‫‪ -2‬اليقظ���ة واالنتب���اه �أو ح���ال ال�ش���خ�ص حال �س���ماعه الموعظة‪ :‬ف����إذا كان منتب ًها‬
‫حا�ضر الذهن مجتمع النف�س �سال ًما من الم�ؤثرات ال�صارفة‪ ،‬ف�إنه يكون �أكثر تفاع ًال و�أكثر‬
‫ا�ستجابة لما ي�سمع‪ ،‬ف�إذا ان�صرف من مجل�س الوعظ‪ ،‬وت�شتت نف�سه‪ ،‬وان�صرف ذهنه �إلى‬
‫ق�ض���ايا �أخرى ف�إن �أثر الموعظة يزول‪ ،‬وما ينطبق على الموعظة الدينية يمكن �أن ينطبق‬
‫أي�ضا على تح�صيل الدرو�س الأكاديمية في الم�ؤ�س�سات التربوية في الوقت الحالي‪.‬‬ ‫� ً‬

‫وحدد العوامل الم�ؤثرة في الحفظ واال�سترجاع فيما ي�أتي‪:‬‬


‫‪� -1‬أول م���ا �أو�ص���ى به المتعلم �أال يحف���ظ كثي ًرا دفعة واحدة‪ ،‬بل علي���ه �أن يجزئ ما‬
‫يري���د حفظ���ه؛ لأن القلب جارحة تتعب‪ ،‬وال يقيه���ا من التعب والفت���ور �إال تقليل المحفوظ‬
‫والتكرار �أو الإعادة‪ ،‬ون�ص���ح ابن الجوزي من يريد �أن يحفظ ب�أن يرفه نف�س���ه (�أي يرتاح)‬
‫يوما في الأ�سبوع‪.‬‬ ‫من الإعادة ً‬
‫‪ -2‬ث���م تحدث عن الف���روق الفردية بين المتعلمين‪ ،‬و�ش���به قوة العق���ل بقوة البدن‪،‬‬
‫فكما �أن من النا�س من يحمل مئة الرطل ومنهم من يعجز عن حمل ع�شرين رطلاً ‪ ،‬كذلك‬
‫القل���وب‪ ،‬يقول اب���ن الجوزي‪( :‬فلي�أخذ الإن�س���ان على قدر قوته ودونها)‪� ،‬أما �إذا ا�س���تنفد‬
‫الإن�سان قوته كلها في وقت واحد ف�سوف ت�ضيع منه �أوقات‪.‬‬
‫‪495‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫‪ -3‬وكذل���ك لف���ت انتباه من يري���د �أن يحفظ �إلى �أن للحفظ فت���رات من العمر يكون‬
‫الحفظ فيها �أجدر و�أر�سخ‪ ،‬و�أف�ضل هذه الأوقات في ال�صغر‪.‬‬
‫‪ -4‬وذك���ر ابن الج���وزي �أن في الزمان �أوقاتً���ا تكون �أولى من غيره���ا للحفظ‪ ،‬ف�أول‬
‫النهار و�أوقات ال�س���حر والغدوات حيث الن�شاط وزوال الأ�ش���غال وقلة الملهيات �أف�ضل من‬
‫�سواها‪.‬‬
‫‪� -5‬أم���ا فيما يتعلق ب�أح���وال من يريد �أن يحفظ فنبه ابن الجوزي �إلى �أن لل�ش���خ�ص‬
‫أحوال يح�س���ن فيها الحفظ‪ ،‬وهي خير من غيرها‪ ،‬فحال قلة الطعام معين �أكثر من حال‬ ‫� اً‬
‫ً‬
‫ن�ش���اطا للحفظ �أن يتركه �إلى �أن يعود �إليه ن�شاطه‪ ،‬وال‬ ‫امتالء المعدة‪ ،‬ون�ص���ح من لم يجد‬
‫يكابر نف�سه‪.‬‬
‫‪ -6‬وم���ن العوام���ل المعينة على الحف���ظ التي نبه �إليه���ا ابن الجوزي عام���ل البيئة؛‬
‫�ص���الحا للحفظ‪ ،‬ولهذا ين�صح من‬
‫ً‬ ‫فالبيئة التي فيها ملهيات ت�ش���غل الإن�س���ان لي�ست مكا ًنا‬
‫يريد �أن يحفظ بالخلوة‪ ،‬ويع ّدها �أ�ص ًال في ذلك‪.‬‬

‫التعلم عند برهان الإ�سالم الزرنوجي‪:‬‬


‫من نتاج ال�س���لف في الثقافة الإ�س�ل�امية‪ ،‬م�ؤلف برهان الإ�سالم الزرنوجي (برهان‬
‫الدي���ن الزرنوج���ي) المتوفى �س���نة ‪ 591‬هجري���ة (‪ 1195‬ميالدية) كت���اب «تعليم المتعلم‬
‫طري���ق التعليم» حيث �أ�س���هم نتاجه في تيار الفكر الإ�س�ل�امي‪ ،‬فيما يت�ص���ل بعلم النف�س‪،‬‬
‫وبعلم التعلم خا�صة‪.‬‬
‫وم���ن المالمح العامة للتعلم عند الزرنوجي في كتاب «تعليم المتعلم طريق التعليم»‬
‫كما ذكرها «�سيد �أحمد عثمان»‪.‬‬
‫‪� -1‬إفراد درا�سة خا�صة عن التعليم والتعلم وطرائقه و�شرائطه‪ ،‬حيث �أ�شار يف كتابه �إىل‬
‫العلم وف�ضله‪ ،‬وبيان معنى الأخالق الذميمة‪.‬‬
‫‪496‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬تعليم التعلم‪ :‬حيث �أو�ضح عنا�صر التعلم واملالمح العامة للتعلم‪ ،‬و�أبان �أن املتعلم ذاته‪،‬‬
‫هو الذي ُيحدد متكنه من التعليم‪ ،‬و ُيق ّوم تعلمه ويوجه طريقه‪ ،‬و�أن املتعلم هو الذي‬
‫ي�ضع املعيار‪ ،‬بل املتعلم هو املعيار‪.‬‬
‫‪ -3‬ال�صبغة العملية للتعلم (الطابع التطبيقي)‪ ،‬حيث �أو�ضح �أ�ساليب التعلم من تكرار‬
‫وحفظ وجتويد الكتابة واخلط وو�صايا �أخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬املتعلم كله‪ :‬حيث �أ�شار �إىل االهتمام بجوانب �شخ�صية املتعلم االنفعالية والعقلية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬
‫‪� -5‬شمول التناول لكثري من جوانب التعلم‪.‬‬
‫والتعلم الذي �أ�شار �إليه الزرنوجي ي�شمل الجوانب‪:‬‬
‫المعرفية ‪ -‬الدينية ‪ -‬النظرية‪.‬‬
‫والتعلم‪ :‬انفعال ًّيا ‪� -‬أخالق ًّيا ‪ -‬تطبيق ًّيا‪.‬‬
‫وامت���از التعل���م في ع�ص���ر الزرنوجي بتفه���م الدين والتفق���ه في علوم���ه‪ ،‬وااللتزام‬
‫بالفرائ����ض وال�ش���عائر‪ ،‬واجتن���اب النواه���ي‪ ،‬واال�ستم�س���اك بالقيم الأخالقي���ة والقواعد‬
‫ال�س���لوكية في التعامل مع الآخرين‪ .‬ونادى بالتعلم الم�ؤدي �إلى نوع من التهذيب والتنظيم‬
‫ً‬
‫�ش���رطا من �ش���روط‬ ‫الداخلي‪ ،‬الذي ُيحقق التوازن االنفعالي المطلوب عند التعلم‪ ،‬بل ُيع ّد‬
‫نجاح التعلم‪.‬‬
‫و�أ�شار الزرنوجي في م�ؤلفه �إلى اكت�ساب المهارات الحركية (التعلم الحركي) وهذا‬
‫الجانب ا�ستحدث فقط في التعلم في وقتنا المعا�صر‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بعنا�صر ن�سق الزرنوجي في التعلم‪ ،‬ف�إنها تتلخ�ص في‪:‬‬
‫الت�أهب ‪� -‬أدب النف�س ‪ -‬الدافعية ‪ -‬االختيار ‪ -‬الأن�شطة ‪ -‬الحفظ والن�سيان ‪� -‬صحة‬
‫البدن والتعلم ‪ -‬اجتماعية التعلم‪.‬‬
‫‪497‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫وهذا الم�ؤلف الذي م�ض���ى عليه قرابة �ألف عام ي�ش���تمل عل���ى جوانب عدة مما يتفق‬
‫م���ع �ش���مولية الجوانب المختلفة ف���ي التعلم والتعليم م���ن النواحي النف�س���ية واالجتماعية‬
‫والعقلية وغير ذلك‪ ،‬ومما تنادي به التف�سيرات الحديثة في علم النف�س المعا�صر بالن�سبة‬
‫�إلى التعلم‪.‬‬

‫تت�ضمن م�ساهمات علماء امل�سلمني حول التعلم الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬م�ساهمات الإمام الغزايل يف التعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬م�ساهمات ابن جماعة يف التعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬م�ساهمات املاوردي يف التعلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬م�ساهمات ابن اجلوزي يف التعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬م�ساهمات برهان الإ�سالم الزرنوجي يف التعلم‪.‬‬

‫تعقيب‪:‬‬
‫• يتم فهم ال�سلوك الإن�ساني عن طريق فهم التعلم‪ ،‬على �أنه من ال�ضروري �أن نفرق بين‬
‫�آثار التعلم والن�ضج في تغيير ال�سلوك‪.‬‬
‫ وفي ر�أي الغزالي �أن ال�سلوك هو نتاج المعرفة والإدراك‪� ،‬أي نتاج التعلم في مواقف‬
‫الحياة والعمل والمعامالت مع النا�س‪ .‬و�أو�ضح ذلك ب�أن هذا ال�سلوك (المتعلم) لي�س‬
‫نتاج الم�ؤثر الذي �أثار حدوثه �أو وقت حدوثه‪.‬‬
‫• و�إن كانت نظرية التعلم ال�ش���رطي التي ك�ش���ف عنها العالم الرو�س���ي «بافلوف» ُتع ّد من‬
‫النظري���ات الحديث���ة‪ ،‬التي ُيف�س���ر به���ا التعلم في علم النف�س المعا�ص���ر‪ ،‬ف����إن «الإمام‬
‫الغزالي» كان �أ�س���بق �إلى و�ض���ع نظرية �أ�س���ماها نظرية «�س���بق الوهم �إلى العك�س» وهي‬
‫‪498‬‬
‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫نظري ��ة تخت�ص باالقتران اال�ش ��تراطي‪ ،‬حيث ف�س ��ر ال�س ��لوك واال�س ��تجابات المقترنة‬
‫وتعليله ��ا بالوهم‪ ،‬وه ��و ما يقابل معنى اال�ش ��تراط اليوم‪ .‬وهذه النظرية ت�س ��بق نظرية‬
‫«بافلوف» بقرون طويلة‪.‬‬
‫• �أ�ضاف «الغزالي» �إلى نظريته‪ ،‬ما يتوافق مع الجانب الف�سيولوچي الذي �أ�شار �إليه‬
‫«بافلوف» في نظريته‪ ،‬حيث �إن «الغزالي» ذكر دور الدماغ في القانون الم�شار �إليه‪،‬‬
‫و�أ�شار �إلى قانون �آخر عن الثواب والعقاب ودورهما في التعلم‪ .‬وهذه القوانين لها ما‬
‫ي�شابهها � ً‬
‫أي�ضا في نظرية «بافلوف»‪ ،‬وهي ما �أ�شار �إليه «بافلوف» بالتعزيز الإيجابي‬
‫(الثواب) والتعزيز ال�سلبي (العقاب) في عملية الإ�شراط‪.‬‬
‫• وقد تو�صل «بافلوف» �إلى قوانين التعلم ال�شرطي من خالل تجاربه الكثيرة على الكالب‪،‬‬
‫�إال �أن الغزالي منذ �أمد بعيد ا�ستنبط قوانينه من القواعد المنطقية الفكرية المجردة‬
‫في نظريته‪ ،‬واكتفى ب�أمثلة ح�سية واقعية لتو�ضيح قانونه‪.‬‬
‫• تتوافق �آراء «ابن جماعة» في تف�سيره للتعلم فيما ُيعرف بالنظرية التجريبية للتعلم‪.‬‬
‫• �إ�ضافة �إلى ما �أ�شار �إليه الزرنوجي من �شروط التعليم والتعلم‪ ،‬ف�إنه �أو�ضح �أن التعلم‬
‫له جوانب �شاملة متعددة‪ ،‬وهو ُيع ّد �أ�سبق عالم �إ�سالمي في التنبيه �إلى قيمة التعلم‬
‫الحركي واكت�ساب المهارات الحركية‪ ،‬حيث كان لذلك مردوده في معرفة قيمة هذا‬
‫النوع من التعلم واكت�ساب المهارات الحركية في علم النف�س المعا�صر فيما بعد‪.‬‬
‫• من هذا يتبين �أن م�ساهمات علماء الم�سلمين في تف�سير التعلم واكت�ساب ال�سلوك كانت‬
‫قائمة منذ قرون عدة م�ضت‪ ،‬ما �أ�ضاف �إلى جهودهم في التف�سير الإ�سالمي لل�سلوك‬
‫الإن�ساني بعدًا �آخر من �أبعاد االهتمام بتف�سير كيفية تعلم �أنماط ال�سلوك الإن�ساني‪ .‬ولأهمية‬
‫العلم والتعلم في الإ�سالم يكفينا �أن نذكر قول ر�سول اهلل في هذا المقام‪�« :‬إن اهلل لم‬
‫مي�س ًرا»(((‪.‬‬
‫يبعثني معن ًتا وال متعن ًتا‪ ،‬ولكن بعثني مع ِّل ًما ِّ‬

‫(((‬ �أخرجه م�سلم (رقم ‪.)1478‬‬


‫‪499‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب الثامن‪� :‬سيكولوجية التعلم‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح م�ساهمات الإمام الغزايل فيما قدمه من تف�سري عن التعلم ال�شرطي الذي �أطلق‬
‫عليه «�سبق الوهم �إىل العك�س»‪.‬‬
‫‪ -2‬كيف وجه «ابن جماعة» العناية مب�صالح املتعلم؟ ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -3‬ما املالمح العامة للتعلم عند الزرنوجي؟‬
‫التقومي الرتبوي ‪ -‬التعريف والأهداف‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن ُيعرف املتعلم التقومي‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن مييز املتعلم بني نوعي التقومي‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يذكر املتعلم مفهوم القيا�س و�أنواعه‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يتعرف املتعلم �إىل �أهداف التقومي يف العملية الرتبوية‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يف�سر املتعلم �أهداف تقومي املتعلمني وو�سائله‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يق���در جه���ود العلم���اء يف ا�س���تخدام الأه���داف الرتبوي���ة لتق���ومي‬
‫التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫التقومي الرتبوي ‪ -‬التعريف والأهداف‬

‫‪:‬‬
‫كيف يتم تقويم المتعلم والتعلم؟‬
‫الواق���ع �أنه في وقتنا الحا�ض���ر تهتم وتعتني المدار�س الحديث���ة بالتقويم للمتعلمين‪،‬‬
‫خا�صة تقويم ما يتعلمونه بالمدار�س‪ ،‬حيث ُيعرف ذلك بالتقويم التربوي‪.‬‬
‫والتقويم من �أهم �أ�س�س العملية التعليمية‪ .‬فنتائج التقويم هي التي توجه المعلم نحو‬
‫اختي���ار �أهداف معينة‪ ،‬والعمل على تحقيقها على م�س���تويات معين���ة‪ .‬لذلك‪ ،‬ف�إن التقويم‬
‫التربوي ُيع ّد عملية �أ�سا�سية‪ .‬والتقويم �ضرورة للمتعلم؛ لأنه عند تقويم �أدائه‪ ،‬ي�ستطيع �أن‬
‫يتبين م�س���توى الأداء ويقارن بين م�ستوى تح�صيله العلمي‪ ،‬وما بذل من مجهود‪ ،‬وفي هذا‬
‫ما يحفزه �إلى مزيد من التح�صيل الذي يتفق وم�ستوى طموحه‪ ،‬وما لديه من دوافع‪.‬‬
‫و�إن التقويم �ضروري للمعلم‪ ،‬حتى ي�ستطيع �أن ُيق ّوم تح�صيل المتعلمين وم�ستوياتهم‬
‫العقلية والمعرفية وخ�صائ�ص���هم النف�س���ية‪ ،‬وي�ساعدهم على اكت�ش���اف ا�ستعداداتهم من‬
‫جهة‪ ،‬وعلى تحقيق الأهداف التربوية لنمائهم من جهة �أخرى‪.‬‬
‫والتقويم التربوي عملية �ض���رورية للقائمين على �أمور التربية؛ لأنه ي�ؤدي �إلى معرفة‬
‫م���دى ما تحقق من الأهداف التربوي���ة القائمة‪ ،‬و�إلى �أي مدى تتفق النتائج مع ما بذل من‬
‫جهد‪ ،‬وما توافر من �إمكانيات‪.‬‬
‫والتقويم التربوي والقيا�س النف�سي‪ ،‬لهما مكان بارز في المدار�س النف�سية الحديثة‪ ،‬و ُيع ّد‬
‫كل منهم���ا من �أهم فروع علم النف�س التربوي‪ ،‬ولهذا يعن���ى القائمون ب�إعداد المعلمين بالعمل‬
‫‪506‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫عل���ى تدريب المتعلمين ف���ي الكليات الجامعية ومعاه���د �إعداد المعلمين على و�س���ائل التقويم‬
‫التربوي والقيا�س النف�س���ي‪ ،‬وعلى فهم �أ�س����س وقواعد التقويم التربوي والقيا�س النف�سي‪ ،‬حتى‬
‫�إذا تخرج المعلمون �إلى الحياة كانوا قادرين على تقويم تالميذهم تقوي ًما �سلي ًما‪.‬‬

‫التعريف بالتقومي‪:‬‬
‫من الناحية اللغوية قوم ال�شيء بمعنى‪ ،‬قدر قيمته وقوم ال�شيء وزنه‪ ،‬وفي التربية قوم‬
‫المعلم �أداء المتعلمين‪� ،‬أي �أعطاه قيمة ووز ًنا بق�صد معرفة �إلى �أي مدى ا�ستطاع المتعلمون‬
‫الإفادة من العملية التعليمية‪ ،‬و�إلى �أي مدى �أدت هذه الإفادة �إلى �إحداث تغيير في �س����لوك‬
‫المتعلمين‪ ،‬وما تم اكت�سابه لديهم من مهارات لمواجهة م�شكالت الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫م���ن ناحية الم�ض���مون‪ ،‬ف�إن التقويم يت�ض���من الحكم على ال�ش���يء المق���وم‪ ،‬ولذلك‬
‫فهو يختلف في مفهومه عن القيا�س‪ .‬فعندما ي�ش���تري فرد �س���لعة‪ ،‬ف�إنه ي�س����أل عن ثمنها‪،‬‬
‫ومن ثم يحكم عليها ما �إذا كانت رخي�ص���ة �أم غالية‪ ،‬وي�س���تعين في الحكم على رخ�ص �أو‬
‫زيادة �س���عر ال�س���لعة تب ًعا لعالقات عدة‪ ،‬منها مقدار ما لديه من نقود‪ ،‬ومدى حاجته �إليها‬
‫وثمنها بالن�س���بة �إلى �س���لع �أخرى في ال�س���وق‪ .‬وبالمث���ل �إذا حاول معلم تقوي���م المتعلمين‪،‬‬
‫ف�إنه ي�س���تخدم اختبارات معينة‪ ،‬ويقوم بت�س���جيل نتائج تطبيقها‪ ،‬ثم يدر�س هذه النتائج‪،‬‬
‫ويرجعه���ا �إلى �إطار تح�ص���يلي عام‪ ،‬وبذلك يمكنه الحكم على نتائج التح�ص���يل بالن�س���بة‬
‫�إلى المتعلمين‪ .‬والتقويم يت�ض���من عمليتين �أ�سا�س���يتين هما‪ :‬عملية الت�شخي�ص‪ ،‬حيث يتم‬
‫تحديد مواطن القوة وال�ضعف في ال�سلوك‪ .‬ومن ثم يتبعها عملية العالج‪� ،‬أي عالج مواطن‬
‫ال�ضعف بغر�ض تعديل ال�سلوك‪.‬‬

‫�أنواع التقومي‪:‬‬
‫هناك نوعان رئي�سان في التقويم‪:‬‬
‫‪ -1‬تقومي ذاتي ‪ Subjective Evaluation‬حيث يلج�أ الفرد �إىل املقايي�س الذاتية يف عملية‬
‫التقومي‪.‬‬
‫‪507‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫‪ -2‬تقومي مو�ضوعي ‪ objective Evaluation‬وذلك با�ستخدام و�سائل القيا�س ال�سليمة التي‬


‫تقوم على املالحظات الكمية عن مو�ضوع التقومي‪.‬‬
‫ه���ذا‪� ،‬إ�ض���افة �إل���ى �أن هناك م�س���تويات مختلفة للتقوي���م تتفق واله���دف من عملية‬
‫التقوي���م‪ .‬ف�إذا كان الهدف �إ�ص���دار حكم �س���ريع ومبدئي على م�س���تويات التح�ص���يل عند‬
‫المتعلمين‪ ،‬ا�ستخدم لذلك و�سائل مبدئية في القيا�س‪� .‬أما �إذا كان الغر�ض الح�صول على‬
‫معلومات دقيقة‪ ،‬ف�إن عملية التقويم تكون با�ستخدام و�سائل علمية دقيقة‪.‬‬

‫تعريف القيا�س‪:‬‬
‫القيا�س في معناه �أ�ضيق من التقويم‪ .‬فهو يعني جمع معلومات ومالحظات كمية عن‬
‫المو�ض���وع الذي يراد قيا�سه‪ .‬والقيا�س من الناحية الإح�ص���ائية عبارة عن تقدير الأ�شياء‬
‫والم�س���تويات تقدي��� ًرا كم ًّيا با�س���تخدام مقايي����س متدرجة‪ .‬وتتوقف دق���ة النتائج على دقة‬
‫المقيا�س الم�ستعمل في عملية القيا�س‪.‬‬
‫ويت�ضمن القيا�س عالوة على التقدير الكمي للظواهر المختلفة‪ ،‬عملية مقارنة نتائج‬
‫القيا�س بغيرها‪ .‬ف�إذا كنا مثلاً ب�ص���دد قيا�س اال�س���تعداد العقلي لمجموعة من المتعلمين‬
‫في �س���ن ال�س���ابعة‪ ،‬ف�إننا نختار مقيا�س ذكاء معي ًنا؛ حتى ي�س���اعدنا على تحديد كمي لهذا‬
‫اال�ستعداد عند كل متعلم‪ ،‬ثم نقارنه بالم�ستوى العام لمن هم في مثل هذا العمر الزمني‪،‬‬
‫�أي نقارن م�ستوى ذكاء هذا المتعلم بالن�سبة �إلى مجتمع من هم في �سن ال�سابعة‪.‬‬

‫�أنواع القيا�س‪:‬‬
‫هناك نوعان رئي�سان في القيا�س‪:‬‬
‫‪ -1‬قيا�س مبا�شر ‪ Direct Measurement‬مثلما نقي�س طول قطعة من القما�ش‪ ،‬وطول عمود‬
‫من ال�صلب‪ ،‬وطول قاعدة درا�سية مثلاً ‪.‬‬
‫‪508‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -2‬قيا�س غري مبا�شر ‪ Indirect Measurement‬كما يحدث عندما نقي�س درجة احلرارة‬
‫بارتفاع الزئبق يف الرتمومرت‪� ،‬أو حيث نقي�س حت�صيل املتعلمني يف مادة درا�سية‬
‫معينة‪ ،‬با�ستخدام جمموعة من الأ�سئلة‪.‬‬
‫ويت�أثر القيا�س بعوامل مختلفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ال�شيء املراد قيا�سه �أو ال�سمة املراد قيا�سها‪.‬‬
‫‪� -2‬أهداف القيا�س‪.‬‬
‫‪ -3‬نوع املقيا�س الذي ُي�ستخدم يف عملية القيا�س‪ ،‬ووحدة القيا�س امل�ستخدمة‪.‬‬
‫‪ -4‬طريقة القيا�س ومدى تدريب ال�شخ�ص الذي يقوم بالقيا�س وجمع املالحظات‪.‬‬
‫ه���ذا‪ ،‬و ُيع ّد القيا�س �إحدى و�س���ائل التقوي���م المهمة‪ ،‬وال يمك���ن �أن يوجد تقويم دون‬
‫قيا�س في �أي �صورة من ال�صور‪ ،‬ولهذا ُيع ّد التقويم عملية �أعم و�أ�شمل‪ ،‬فالتقويم ي�ستخدم‬
‫في تقدير �أهداف وا�س���عة ن�سب ًّيا قد تت�سع لت�ش���مل تقويم نظام تعليمي معين‪� ،‬أو تقويم نوع‬
‫معين من التربية‪� ،‬أو تقويم �شخ�صية معينة‪ ،‬مثل �شخ�صية المعلم �أو المتعلم‪.‬‬

‫مو�ضوع التقومي والقيا�س‪:‬‬


‫من الناحية التربوية هناك نوعان من التقويم والقيا�س لهما �أهمية‪:‬‬
‫‪ -1‬تقومي التح�صيل الدرا�سي وقيا�سه‪.‬‬
‫‪ -2‬القيا�س العقلي‪.‬‬
‫ونهت���م في تقويم المتعلم بتقويم التح�ص���يل الدرا�س���ي وقيا�س���ه؛ ذلك لأن مو�ض���وع‬
‫القيا����س العقلي له مجال خا�ص في قيا�س الذكاء والقدرات العقلية‪ ،‬وله مقررات خا�ص���ة‬
‫في علم النف�س‪.‬‬
‫‪509‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫التقومي والأهداف الرتبوية‪:‬‬


‫�سبق الإ�شارة �إلى �أن التقويم في اللغة‪ ،‬هو �إعطاء �شيء معين قيمة معينة‪� ،‬أي تقديره‬
‫بنا ًء على �أ�س�س محددة والحكم عليه بنا ًء على هذه الأ�س�س‪.‬‬
‫وعملي���ة التقويم عملية �أ�سا�س���ية ف���ي كل نواحي حياتنا‪ ،‬وعلى الأخ�ص فيما يت�ص���ل‬
‫بالتعليم في المدار�س والجامعات والمعاهد العلمية المختلفة‪.‬‬
‫وهناك �أمور قد يكون تقويمنا لها لي�س بدرجة كاملة‪ ،‬مثال ذلك عندما ننظر خالل‬
‫النافذة �إلى ال�سماء‪ ،‬ونقوم حالة الجو بناء على �أ�س�س معينة في عقلنا وعلى هذا الأ�سا�س‬
‫ن�ستطيع �أن نحكم ما �إذا كان الجو �سيكون باردًا �أو حا ًّرا �أو ممط ًرا ح�سبما نراه‪ ،‬وقد يكون‬
‫الواقع غير ذلك‪ .‬و�إننا قد نتح�س�س القما�ش قبل �شرائه‪ ،‬ويمكننا �أن نحدد قيمته‪ ،‬ون�صدر‬
‫حكمنا عليه بال�شراء �أو عدمه‪.‬‬
‫بالن�سبة �إلى الأهداف التربوية والتعليمية ُتع ّد عملية التقويم جان ًبا �أ�سا�س ًّيا وجز ًءا ال‬
‫يتجز�أ من العملية التربوية‪ .‬ونحن نقوم بعملية التقويم لي�س فقط من �أجل التقويم بو�صفه‬
‫هد ًفا‪ ،‬بل من �أجل تحقيق غايات و�أغرا�ض متعددة الرتباطها الوثيق بالعملية التربوية‪.‬‬
‫فالتقويم في العملية التربوية يتم من �أجل الأهداف الآتية‪:‬‬
‫‪ -1‬تقوي���م المتعلمي���ن‪ :‬به���دف الحك���م عل���ى قدراتهم وا�س���تعداداتهم التح�ص���يلية في‬
‫المق���ررات المختلف���ة التي يدر�س���ونها‪ ،‬حتى يمكن اتخ���اذ الق���رارات المختلفة التي‬
‫ُتعينهم على التح�ص���يل الدرا�س���ي الجيد‪ ،‬من حيث التقديرات التي يح�صلون عليها‪،‬‬
‫وم���ن حي���ث االنتقال �إل���ى المراحل الأعلى‪ ،‬وكذل���ك توجيههم �إلى مجاالت الدرا�س���ة‬
‫المنا�سبة‪� ،‬أو مجاالت الن�شاط �أو الهوايات المنا�سبة لهم‪.‬‬
‫‪ -2‬تقويم �أداء المعلمين‪ :‬حيث ي�ستطيع المعلم من خالل تقويمه للمتعلمين‪� ،‬أن يتعرف‬
‫�إلى مدى كفاءته في �شرح المادة �أو المقرر الذي يدر�سه‪ ،‬وقدرته على تو�صيل‬
‫المعلومات �إليهم وتغيير طريقة التدري�س �أو ا�ستخدام الو�سائل التعليمية المنا�سبة �أو‬
‫بذل جهد �أكبر مع المتعلمين للو�صول �إلى الم�ستوى المنا�سب من التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫‪510‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -3‬تقويم المنهج الدرا�سي‪ :‬حيث ُيمكن المعلم من خالل تدري�س المنهج للمتعلمين‪ ،‬ثم‬
‫تقويمهم في نهاية الف�صل الدرا�سي �أو العام‪� ،‬أن يتعرف �إلى مدى منا�سبة المنهج في‬
‫التح�صيل الدرا�سي‪ ،‬ومدى تحقيق المنهج الدرا�سي للأهداف التي ُو�ضع من �أجلها‪.‬‬
‫أي�ضا ي�ستطيع المعلم من خالل ا�ستخدام كتب درا�سية‬ ‫‪ -4‬تقويم الكتب الدرا�سية‪ :‬وهنا � ً‬
‫معينة بو�صفها مراجع للمتعلمين‪ ،‬ثم تقويم تح�صيلهم الدرا�سي من هذه الكتب‪� ،‬أو يقوم‬
‫بتقويم المادة العلمية والمعلومات ومدى ب�ساطتها �أو �صعوبتها ومنا�سبتها للمتعلمين‪.‬‬
‫‪ -5‬تقويم طرق التدري�س‪ :‬حيث ي�ستطيع المعلم تدري�س المو�ضوع نف�سه للمتعلمين بطرق‬
‫مختلفة (مثل الطريقة التلقائية �أو طريقة المناق�شة �أو طريقة الم�شروع) ثم تقويم‬
‫تح�صيل المتعلمين بعد التدري�س‪ ،‬ومقارنة تح�صيل المتعلمين بالطرق المختلفة‪.‬‬
‫‪ -6‬تقويم �أداء المدر�سة‪ :‬حيث يتم ذلك بطريقة جمعية‪ ،‬عن طريق تحليل نتائج االختبارات‬
‫واالمتحانات المختلفة في هذه المدر�سة‪ ،‬ومن ثم ت�ستطيع �إدارة المدر�سة مقارنة هذه‬
‫النتائج بنتائج االختبارات في مدار�س �أخرى‪� ،‬أو في المنطقة التعليمية ككل‪� ،‬أو في‬
‫المدر�سة عمو ًما‪ ،‬ومن ثم تقويم الإدارة المدر�سية والنظام الدرا�سي ب�صفة عامة‪.‬‬
‫أي�ضا في الدرا�سات‬‫‪ -7‬تقويم الدرا�سات والبحوث التربوية‪ :‬حيث ي�ستخدم التقويم � ً‬
‫والبحوث العلمية المختلفة في العملية التربوية‪ .‬وفي هذه الحالة يتم اختبار‬
‫المتعلمين وتقويمهم‪ ،‬و ُتحلل النتائج التي يح�صل عليها المعلمون‪ ،‬من �أجل تحقيق‬
‫فروق علمية معينة‪ ،‬يفر�ضها الباحث في بداية تجربته �أو درا�سته‪ ،‬من �أجل االرتقاء‬
‫بالعملية التعليمية وتحقيق الأهداف التربوية‪.‬‬
‫تل���ك هي الأهداف العام���ة للتقويم في العملية التربوية‪ .‬ولم���ا كان تقويم المتعلمين‬
‫يمثل جان ًبا مه ًّما في عملية التقويم‪ ،‬فعلينا �أن نو�ضح ما ي�أتي‪:‬‬
‫تقومي املتعلمني‪ :‬الأهداف والو�سائل‪:‬‬
‫يقوم المعل���م بتقويم المتعلمين‪ ،‬للح�ص���ول على معلوم���ات ومالحظات متعددة من‬
‫حيث الم�س���توى التح�صيلي والعقلي‪ ،‬ويمكنه ا�ستخدام نتائج ما يح�صل عليه من معلومات‬
‫ومالحظات في التوجيه التعليمي ال�سليم‪.‬‬
‫‪511‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫وتتلخ�ص الأهداف التي يحاول المعلم تحقيقها من تقويم المتعلمين في النواحي الآتية‪:‬‬
‫‪ -1‬تقومي التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫‪ -2‬التو�صل �إىل معرفة اال�ستعدادات العقلية واملزاجية املختلفة‪.‬‬
‫‪ -3‬تتبع النمو وتقوميه عند املتعلمني‪.‬‬
‫‪ -4‬درا�سة �شخ�صية املتعلمني‪ ،‬بحيث ميكن التنب ؤ� ب�سلوكهم يف خمتلف املواقف امل�ستقبلية‪.‬‬
‫‪ -5‬توجيه املتعلمني درا�س ًّيا ومهن ًّيا‪.‬‬
‫ويتف���ق المربون والمعلمون على �أن تقويم المعل���م للمتعلمين‪ ،‬يرمي �إلى تقدير الأثر‬
‫الذي تحدثه عملية التربية في المتعلمين‪ ،‬من حيث نماء �س���لوكهم �أو تعديله‪ .‬وقدي ًما كان‬
‫التقويم يقت�ص���ر على قيام المعلم بقيا�س التح�صيل وحده‪ ،‬بينما في الوقت الحا�ضر يمتد‬
‫التقويم �إلى قيا�س جوانب مختلفة من �شخ�ص���ية المتعلمين‪� ،‬س���واء كانت معرفية �أو عقلية‬
‫�أو اجتماعية �أو انفعالية �أو �صحية‪.‬‬
‫والواق���ع �أن التقوي���م ي�ؤدي دو ًرا مه ًّما‪ ،‬ف���ي تهيئة الطرق التربوي���ة للعملية التعليمية‬
‫والتعلمية وحل م�شكالتها‪.‬‬
‫تقومي التح�صيل الدرا�سي‪:‬‬
‫ي�س���تخدم المعلم لتقويم التح�ص���يل الدرا�سي في الوقت الحا�ض���ر و�سائل متقدمة‪،‬‬
‫منها االختبارات المدر�س���ية العادية‪ ،‬ومنها االختبارات التح�صيلية‪ ،‬ومنها تقويم التقدم‬
‫في الأعمال المدر�سية اليومية‪.‬‬
‫ونتائج تقويم التح�صيل المدر�سي‪ ،‬تمكن المعلم مما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬احل�صول على معلومات و�صفية‪ ،‬تبني مدى ما ح�صله املتعلم من خربة معينة بطريقة‬
‫مبا�شرة �أو بعبارة �أخرى معلومات عن مقدار ما ح�صله من حمتويات مادة معينة‪.‬‬
‫‪ -2‬احل�صول على معلومات عن ترتيب املتعلم يف التح�صيل الدرا�سي‪ ،‬يف خربة معينة‬
‫بالن�سبة �إىل جمموع املتعلمني يف ال�صف الدرا�سي‪.‬‬
‫‪512‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -3‬معرفة امل�ستوى التعليمي للمتعلم‪ ،‬وذلك مبقارنة نتائجه بالن�سبة �إىل املتعلمني يف‬
‫فرقته �أو يف مثل �سنه‪.‬‬
‫‪ -4‬احل�صول على معلومات على منو املتعلم من الناحية التح�صيلية يف مدة معينة‪ ،‬حتى‬
‫ي�ستطيع املعلم �أن يتابع هذا النمو ليعرف عما �إذا كان هذا النمو طبيع ًّيا م�ستم ًّرا‪� ،‬أم‬
‫من ًّوا وقت ًّيا متقط ًعا‪.‬‬
‫‪ -5‬التو�صل �إىل معلومات ت�ساعد املعلم‪ ،‬على عمل �صورة نف�سية لقدرات املتعلم العقلية واملعرفية‪.‬‬

‫الأهداف الرتبوية لتقومي التح�صيل الدرا�سي‪:‬‬


‫‪ -1‬يعمل على حتفيز املتعلمني على اال�ستذكار والتح�صيل‪.‬‬
‫‪� -2‬إنه و�سيلة فعالة لكي يتعرف املتعلمون �إىل مدى تقدمهم يف التح�صيل الدرا�سي‪ ،‬وعند‬
‫وقوف املتعلمني على درجة تقدمهم‪ ،‬ف�إن ذلك ُيحفزهم �إىل طلب املزيد من التقدم‪.‬‬
‫‪ -3‬تقومي التح�صيل الدرا�سي‪ ،‬ي�ساعد املعلم على معرفة مدى ا�ستجابة املتعلمني‪ ،‬لعملية‬
‫التعليم‪ ،‬ومن ثم مدى �إفادتهم من طريقته يف التدري�س‪ .‬ولذلك يـُع ّد التقومي و�سيلة‬
‫جيدة توجه املعلم الكفء �إىل مراجعته يف التدري�س‪ ،‬والوقوف على نواحي ال�ضعف‬
‫التي يعانيها املتعلمون‪.‬‬
‫‪� -4‬إن تقومي العمل التعليمي اخلا�ص باملعلم‪ ،‬ي�ساعد على تتبع منو املتعلمني يف اخلربة‬
‫املتعلمة‪ ،‬ويكون ذلك عن طريق تكرار االختبارات التح�صيلية على فرتات منتظمة‬
‫على مدار ال�سنة الدرا�سية‪.‬‬
‫‪� -5‬إن االختبارات التح�صيلية‪ ،‬ت�ساعد على معرفة مقدار ما ح�صله املتعلمون من مادة‬
‫درا�سية معينة‪.‬‬
‫‪ُ -6‬ي�ساعد تقومي التح�صيل على معرفة‪ ،‬ما �إذا كان املتعلمون قد و�صلوا �إىل امل�ستوى‬
‫املطلوب يف التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫‪ -7‬من املمكن ا�ستخدام نتائج التح�صيل الدرا�سي لتقومي طرق التدري�س التي ي�ستخدمها‬
‫املعلمون‪ ،‬فطرق التدري�س اجليدة ت�ؤدي �إىل حت�صيل درا�سي متفوق‪.‬‬
‫‪513‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫يت�ضمن التقومي الرتبوي الآتي‪:‬‬


‫(‪ )1‬التعريف بالتقومي و�أنوعه (تقومي ذاتي ‪ -‬تقومي مو�ضوعي)‪.‬‬
‫(‪ )2‬تعريف القيا�س و�أنواعه (قيا�س مبا�شر ‪ -‬غري مبا�شر)‪.‬‬
‫(‪ )3‬مو�ضوع التقومي والقيا�س‪.‬‬
‫( �أ ) تقومي وقيا�س التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬ ‫ ‬
‫(ب) القيا�س العقلي‪.‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )4‬التقومي يف العملية الرتبوية يتم من �أجل الأهداف الآتية‪:‬‬
‫( تقومي املتعلمني ‪ -‬تقومي �أداء املعلمني ‪ -‬تقومي املنهج الدرا�سي‪-‬‬ ‫ ‬
‫تقومي الكتب الدرا�سية ‪ -‬تقومي طرق التدري�س‪�...‬إلخ)‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬التقومي الرتبوي عملية �ضرورية للمعلم واملتعلم‪ ،‬فنتائج التقومي توجه املعلم نحو‬
‫حتقيق �أهداف معينة‪ .‬و�ضرورته للمتعلم لتحديد م�ستوى حت�صيله العلمي‪.‬‬
‫‪ -2‬يت�ضمن التقومي احلكم على ال�شيء املقوم‪ ،‬وهو يختلف عن القيا�س‪.‬‬
‫‪ -3‬التقومي �إما ذاتي و�إما مو�ضوعي‪ ،‬والأخري يعتمد على و�سائل القيا�س العلمية‪.‬‬
‫‪ -4‬القيا�س يت�ضمن معلومات ومالحظات كمية عن املو�ضوع املراد قيا�سه‪.‬‬
‫‪ -5‬القيا�س �إما مبا�شر �أو غري مبا�شر‪ ،‬وي�ؤثر يف القيا�س عوامل خمتلفة‪.‬‬
‫‪� -6‬أهم جماالت التقومي والقيا�س‪ :‬تقومي التح�صيل الدرا�سي وقيا�سه ‪ -‬القيا�س العقلي‪.‬‬
‫‪ -7‬التقومي يف العملية الرتبوية يت�ضمن جماالت تقومي‪ :‬املتعلمون ‪� -‬أداء املعلمني ‪ -‬املنهاج‬
‫الدرا�سي ‪ -‬الكتب الدرا�سية ‪ -‬طرق التدري�س ‪� -‬أداء املدر�سة‪.‬‬
‫‪ -8‬يحاول املعلم حتقيق �أهداف معينة عند تقومي املتعلمني‪.‬‬
‫‪ -9‬تقومي التح�صيل الدرا�سي‪ُ ،‬يحقق نتائج تربوية وتعليمية معينة‪.‬‬
‫‪514‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬حدد مفهوم التقومي ومفهوم القيا�س‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح �أنواع التقومي و�أنواع القيا�س‪.‬‬
‫‪ُ -3‬يع ّد التقومي الرتبوي له �أهمية يف العملية التعليمية‪ .‬ا�شرح �أهدافه‪.‬‬
‫‪ -4‬و�ضح �أهداف تقومي التح�صيل الدرا�سي‪.‬‬
‫�أ�ساليب التقومي وو�سائله‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يتعرف املتعلم �إىل �أ�ساليب التقومي‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يعدِّ د املتعلم ال�شروط الالزمة للتقومي‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن يحدِّ د املتعلم خ�صائ�ص التقومي العلمي‪.‬‬
‫يف�سر العالقة بني ال�صدق والثبات‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن ِّ‬
‫(‪� )5‬أن يقدِّ ر املتعلم جهود العلماء يف حتديد ثبات و�صدق �أدوات التقومي‪.‬‬
‫�أ�ساليب التقومي وو�سائله‬

‫‪:‬‬
‫تختلف �أ�س���اليب التقويم وو�س���ائله‪ ،‬عندما يتم تقويم المتعل���م‪ ،‬ويحتاج المتعلم �إلى‬
‫معرفة كيف يقوم بتقويم المتعلمين‪ ،‬وكيف يتم له تقويم التعلم‪ ،‬الذي يكت�س���به المتعلمون‬
‫خالل العملية التعليمية‪ .‬ونتناول في هذا الف�صل �أ�ساليب التقويم وو�سائله‪.‬‬

‫�أ�ساليب التقومي‪:‬‬
‫هناك �أ�ساليب مختلفة للتقويم منها ما ي�أتي‪:‬‬

‫‪ -1‬الت�صنيف ‪:Classification‬‬
‫ُيق�ص���د بالت�صنيف و�ض���ع الأفراد في مجموعات منف�ص���لة‪ُ ،‬يطلق على كل مجموعة‬
‫ا�س���م �ص���نف معين‪ ،‬ك�أن ُيق�س���م الأفراد �إلى �أذكياء و�أغبياء‪� ،‬أو منطوين ومنب�س���طين‪� ،‬أو‬
‫ميالين للعزلة وميالين لالجتماع‪.‬‬
‫وعملية الت�صنيف هذه يوجه �إليها النقد الآتي‪:‬‬
‫‪� -1‬إننا ن�ضع حتت ت�صنيف واحد �أفرادًا خمتلفني يف ال�صفة التي نق ِّومها‪ ،‬مثال ذلك عند‬
‫تق�سيم جمموعة من الأفراد من حيث طول القامة �إىل طوال وق�صار‪ ،‬ف�إن جمموعة‬
‫الطوال ال بد �أن تت�ضمن �أفرادًا خمتلفني يف الطول‪ ،‬و�إن جمموعة الق�صار تت�ضمن‬
‫�أفرادًا خمتلفني يف الق�صر‪ ،‬ومع ذلك ن�ضع ه�ؤالء الأفراد املختلفني يف ت�صنيف واحد‪.‬‬
‫وهذا خط أ� علمي من ناحية املنهج �أو الأ�سلوب امل�ستخدم يف التقومي‪.‬‬
‫‪518‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ً‬
‫افرتا�ضا �آخر‪ ،‬وهذا هو النقد الثاين الذي‬ ‫‪� -2‬إن عملية الت�صنيف بهذه الكيفية تفرت�ض‬
‫يوجه �إليها‪ .‬فهي تفرت�ض وجود حدود فا�صلة بني الفئات املختلفة‪ ،‬فهي تفرت�ض �أن‬
‫خطا حادًّا يف�صل جماعة طوال القامة وجماعة ق�صار القامة الذي ذكر يف‬ ‫هناك ًّ‬
‫املثال ال�سابق‪ .‬و�إذا رجعنا �إىل الأمور الطبيعية يتبني لنا خط أ� هذا االفرتا�ض‪ .‬ذلك‬
‫لأن اهلل �سبحانه وتعاىل يف خلقه تعاىل للإن�سان‪ ،‬جعل هناك تداخلاً بني خ�صائ�صه‬
‫يف كل �صفة من �صفاته بالن�سبة �إىل الآخرين‪ ،‬فهناك تداخل بني فئة طوال القامة‬
‫�أو ق�صار القامة وبني �أفراد �آخرين مقارنة بغريهم‪ ،‬يف �صفات عقلية �أو نف�سية �أو‬
‫ع�ضوية‪ ،‬وميكن متثيل ذلك بال�شكل التو�ضيحي الآتي‪:‬‬

‫فئة‬ ‫التداخل‬ ‫فئة‬


‫بني فئة‬
‫ق�صار‬ ‫طوال‬ ‫طوال‬
‫القامة‬ ‫وق�صار‬ ‫القامة‬
‫القامة‬

‫ال��ت�����ص��ن��ي��ف ب��و���ص��ف��ه �أ���س��ل��و ًب��ا م���ن �أ���س��ال��ي��ب‬


‫ال��ت��ق��ومي‪ ،‬ح��ي��ث ت��ت��داخ��ل ف��ئ��ات الت�صنيف‪،‬‬
‫وحيث ي�صعب ف�صل الفئات بحدود فا�صلة‬

‫وف���ي الح���االت الطبيعي���ة نجد �أن الفئ���ة المتداخلة �أكب���ر حج ًما مما تب���دو عليه في‬
‫ال�ش���كل؛ ذلك لأن الغالبية العظمى في المجتمع الإن�ساني تكون عادية ومتو�سطة في درجة‬
‫امتالكها لأي طرف من طرفي ال�ص���فة‪ .‬فهنا �ص���فة طوال القامة و�ص���فة ق�ص���ار القامة‪،‬‬
‫ويك���ون طرفاها هما الطول والق�ص���ر‪ ،‬ووف ًقا لما هو معروف في طبيع���ة الفروق الفردية‪،‬‬
‫أي�ضا يت�صف ب�صفة‬ ‫ف�إن عددًا قليلاً من الب�شر يت�صف ب�صفة الطول الفارع‪ ،‬وعددًا قليلاً � ً‬
‫الق�ص���ر المتناهي‪ ،‬والعدد الأكبر من الب�ش���ر هو الذي يتعادل فيه الطرفان‪ ،‬وال يمكن �أن‬
‫يو�صف ب�أنه طويل القامة فقط �أو ق�صير القامة فقط‪.‬‬
‫‪519‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫ولهذا ن�س���تطيع �أن نقول‪� :‬إنه بالن�س���بة �إلى �أي �صفة من �صفات ال�شخ�صية‪ ،‬ف�إن عدد‬
‫العاديين �أكثر من عدد المتطرفين‪.‬‬

‫‪ -2‬الترتيب ‪:Rating‬‬
‫وهو �أ�سلوب �آخر من �أ�ساليب التقويم‪ ،‬و ُيق�صد بالترتيب و�ضع رتب مت�شابهة للأ�شياء‬
‫الت���ي نق���وم بتقويمه���ا‪ .‬والترتيب يختلف تب ًع���ا للأداة التي ن�س���تخدمها في ه���ذه العملية‪.‬‬
‫ف����إذا قمنا بترتيب �أطوال متقاربة كعدد من الم�س���تقيمات‪ ،‬وا�س���تخدمنا النظر في عملية‬
‫الترتيب‪ ،‬ف�إننا قد نق ِّوم طولين متقاربين‪ ،‬على �أنهما متعادالن في الطول نف�سه‪ ،‬ولكننا �إذا‬
‫مقيا�سا دقي ًقا‪ ،‬ف�إن هذين الطولين المتعادلين يت�ضح فيما بعد �أنهما مختلفان‬ ‫ً‬ ‫ا�ستخدمنا‬
‫في الطول‪.‬‬
‫له���ذا‪ ،‬ف����إن ما يوجه م���ن نقد �إلى هذا الأ�س���لوب‪ ،‬يق���وم على �أ�س���ا�س �أن دقة عملية‬
‫الترتيب تتوقف على دقة الأداة الم�ستخدمة‪ ،‬و�إنه يالحظ �أنه في عملية الترتيب ال ُيفتر�ض‬
‫ت�ساوي الفروق بين الوحدات المتتابعة‪ ،‬فالفرق بين الرتبة الأولى والرتبة الثانية قد يكون‬
‫�أكبر من الفرق بين الرتبة الثانية والثالثة �أو بين الثالثة �أو الرابعة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ف�إن وجود الأفراد وفق �أ�سلوب الترتيب‪ ،‬ي�ضع ه�ؤالء الأفراد في رتبة واحدة‪.‬‬
‫وعلى ذلك يمكن القول‪� :‬إن �أ�س���لوب الترتيب ال ُيع ّد �أ�س���لو ًبا دقي ًقا‪ ،‬حيث تنق�صه �صفة من‬
‫�أهم �ص���فات التقويم العلمي‪� ،‬إذ تت�ساوى فيه الوحدات التي نقيمها‪ ،‬على الرغم من وجود‬
‫فروق بين خ�صائ�ص���ها‪ ،‬و�إن نتائج �أ�سلوب الترتيب تختلف باختالف دقة المقيا�س المتبع‬
‫�أو الم�ستخدم‪.‬‬
‫وعلى ذلك يمكننا �أن نلخ�ص نقد طريقة الترتيب في الآتي‪:‬‬
‫‪ -1‬تختلف نتائجه باختالف دقة المقيا�س‪.‬‬
‫‪ -2‬الرتب المتتابعة لي�ست مت�ساوية البعد‪ ،‬لأي في الفروق بين بع�ضها ً‬
‫بع�ضا‪.‬‬
‫‪520‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫‪ -3‬التدريج ‪:Grading‬‬
‫هو �أ�سلوب من �أ�ساليب التقويم‪ ،‬ويق�صد بالتدريج �إعطاء درجة محددة لكل فرد من‬
‫�أفراد المجموعة‪ ،‬فنحن ال ن�ص���ف ال�ش���خ�ص في هذه الطريقة ب�أنه ذكي �أو متخلف عقل ًّيا‬
‫�أو طويل �أو ق�ص���ير �أو منط ٍو �أو منب�س���ط‪ ،‬و�أن طوله با�ستخدام مقيا�س دقيق هو ‪� 165‬سم‪.‬‬
‫بدل منها القيم العددية‪ ،‬فال‬ ‫ومعنى هذا �أننا نبتعد عن الأو�ص���اف اللفظية‪ ،‬بل ن�س���تخدم اً‬
‫ن�صف ال�شخ�ص ب�أنه ذكي �أو غبي �أو طويل �أو ق�صير‪ ،‬بل ن�ستخدم اختبا ًرا لقيا�س الذكاء‪،‬‬
‫ومقيا�سا نف�س��� ًّيا لقيا�س االنب�ساط واالنطواء‪ ،‬ثم نقارن درجات‬
‫ً‬ ‫ومقيا�س���ا لقيا�س الأطوال‬
‫ً‬
‫هذا ال�ش���خ�ص بغيره من الأفراد‪ ،‬ونقارنه � ً‬
‫أي�ض���ا بما ي�س���مى الدرجة المعيارية ‪Standard‬‬

‫‪ Norm‬الخا�صة بهذا االختبار‪ .‬ومعنى هذا �أن لكل اختبار من االختبارات النف�سية معايير‬
‫ُي���زود بها االختب���ار‪ ،‬وال يمكن ا�س���تخدام االختبار �إال بم�س���اعدة هذه المعايير‪ .‬وتف�س���ير‬
‫الدرجة ُي�ستخدم له جدول خا�ص‪ ،‬يو�ضح معايير االختبار التي تن�سب كل درجة �إليه‪.‬‬
‫ال�سبب في ذلك �أنه لي�س لدينا في االختبارات النف�سية �صف ًرا مطلق ‪،Abslout Zero‬‬
‫فلكل اختبار �صفره الذي يبد�أ منه‪ ،‬وال�شخ�ص الذي ي�أخذ �صف ًرا في اختبار ما‪ ،‬ف�إن معنى‬
‫ذلك �أن قدرته في هذه الناحية لم ت�صل �إلى �أر�ضية االختبار‪.‬‬
‫أي�ضا في قيا�س‬ ‫و ُيع ّد التدريج �أدق �أ�س���اليب التقويم‪ .‬وهو الأ�س���لوب الذي ن�ستخدمه � ً‬
‫التح�ص���يل الدرا�سي عند المتعلمين با�ستخدام اختبارات التح�صيل التي عند ت�صحيحها‬
‫يح�ص���ل كل متعلم على درجة معينة‪ ،‬ومن ثم يمكن تدريج المتعلمين‪ ،‬ك ّل وفق ما يح�ص���ل‬
‫علي���ه م���ن درجة تمثل الم�س���توى الفعلي لتح�ص���يله‪ ،‬خا�ص���ة �إذا كان المعلم يتبع �أ�س���لو ًبا‬
‫مو�ضوع ًّيا في ت�صحيح االختبارات‪.‬‬

‫ال�شروط الالزمة يف �أداة التقومي‪:‬‬


‫ما ال�ش���روط ال�ل�ازم توافرها في �أداة التقويم؟ قبل �أن نع���رف ذلك علينا �أن نعرف‬
‫معنى التقويم العلمي‪.‬‬
‫‪521‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫التقومي العلمي ‪:Scientific Evaluation‬‬


‫هو ذلك التقويم الذي ُيبنى على نتائج ُيثق في دقتها و�صحتها عند ا�ستخدام �أدوات‬
‫علمية م�ض���بوطة ف���ي القيا�س‪ ،‬وال يكون هذا التقويم مبن ًّيا عل���ى مالحظات فردية جزئية‬
‫�أو انطباع���ات‪ .‬ذل���ك لأن المالحظ���ات الجزئية تختلف من ف���رد �إلى �آخر؛ لأنها �أ�س���لوب‬
‫ذاتي يتوقف على ال�ش���خ�ص الذي يقوم بعملية التقويم‪ ،‬ويت�أثر بنتائج انطباعه عنه‪ .‬ومن‬
‫المفرو����ض في الحقيق���ة العلمية‪� ،‬أنها ال تختلف من فرد �إلى �آخر‪ .‬مثال ذلك �إذا قلنا‪� :‬إنه‬
‫يبدو من ت�ص���رفات ال�ش���خ�ص �أنه �ش���خ�ص ذكي‪ ،‬فقد يقول �آخر‪� :‬إن خبرتي ال ت�ؤيد هذه‬
‫الحقيقة‪ ،‬فقد ت�صرف معي ت�صر ًفا ال يدل على الذكاء‪ .‬هنا نجد �أن االختالف وا�ضح بين‬
‫نتيجتي التقويم ل�ش���خ�ص واحد‪ .‬وال�س���بب في ذلك �أننا لم نعتمد على �أ�سلوب مو�ضوعي ال‬
‫يت�أثر باختالف الأ�شخا�ص‪ .‬بينما �إذا �أردنا ا�ستخدام �أ�سلوب علمي في ذلك نقوم بتطبيق‬
‫اختبار للذكاء على هذا ال�ش���خ�ص‪ ،‬ونقوم ا�ستجاباته في هذا االختبار تقوي ًما �إح�صائ ًّيا ال‬
‫يختلف باختالف الأف���راد الذين يقومون بتطبيق هذا االختبار‪ .‬وفي هذه الحالة نكون قد‬
‫ا�ستخدمنا �أ�سلو ًبا علم ًّيا‪ ،‬ويكون تقويمنا تقوي ًما علم ًّيا‪.‬‬

‫خ�صائ�ص التقومي العلمي‪:‬‬


‫لكي يكون التقويم علم ًّيا‪ ،‬ينبغي �أن تتوافر فيه �صفات عدة‪� ،‬أهمها ما ي�أتي‪:‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬املو�ضوعية ‪Objectivity‬‬

‫وعك�سها الذاتية ‪Subjectivity‬‬

‫وهي �ص���فة في �أ�س���لوب التقويم ت�ؤدي به �إلى نتائج ثابتة ودقيقة‪ ،‬ال تختلف باختالف‬
‫الأ�شخا�ص الذين يقومون بعملية التقويم‪ .‬فالم�سطرة �أداة قيا�س مو�ضوعية لأنها ال تختلف‬
‫عند ا�ستخدامها في قيا�س الأطوال باختالف الأ�شخا�ص الذين يقومون با�ستخدامها‪.‬‬
‫‪522‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫والترمومتر �أداة قيا�س مو�ض���وعية لقيا�س درجة الحرارة‪ ،‬والميزان �أداة مو�ض���وعية‬
‫لتقويم الوزن‪ .‬وكل هذه الأدوات العلمية ال تختلف عند ا�ستخدامها في القيا�س في نتائجها‬
‫باختالف الأ�ش���خا�ص‪� ،‬أما �إذا ا�س���تخدمنا المالحظة ال�شخ�صية والتقدير الذاتي المبني‬
‫على الخبرة الذاتية في الو�ص���ول �إلى الأطوال �أو درجات الحرارة �أو الأوزان‪ ،‬ف�إنه ال �ش���ك‬
‫�أن كل �شخ�ص يختلف عن الآخر في تقديره‪ ،‬وقد يكون االختالف �شا�س ًعا‪.‬‬
‫والأ�سلوب الوحيد للو�صول �إلى المو�ضوعية في التقويم ينح�صر في اعتماد ال�شخ�ص‬
‫ال���ذي يقوم بعملية التقويم على ا�س���تخدام الأدوات العلمية المقنن���ة‪ ،‬كاختبارات الذكاء‪،‬‬
‫واختب���ارات اال�س���تعدادات الخا�ص���ة في عل���م النف�س‪ ،‬وا�س���تخدام المي���زان والترمومتر‬
‫والم�سطرة في العلوم الأخرى‪.‬‬
‫والمثال الآتي يو�ضح اختالف الأفراد في تقدير طول م�ستقيم معين‪:‬‬
‫في تجربة �أجريت في الف�ص���ل‪ُ ،‬قدم للمتعلمين في �أحد الف�ص���ول الدرا�س���ية خطان‬
‫م�س���تقيمان‪� :‬أحدهما طوله ‪� 20‬سم‪ ،‬والآخر طوله مجهول‪ ،‬وطلب من جميع المتعلمين في‬
‫الف�صل �إعطاء تقدير ذاتي لطول الم�ستقيم المجهول‪ ،‬فكانت نتائج التقدير كما ي�أتي‪:‬‬

‫الطول املقدر من كل متعلم‬ ‫عدد املتعلمني‬


‫‪� 30‬سم‬ ‫‪2‬‬
‫‪� 31‬سم‬ ‫‪1‬‬
‫‪� 33‬سم‬ ‫‪1‬‬
‫‪� 35‬سم‬ ‫‪10‬‬
‫‪� 36‬سم‬ ‫‪2‬‬
‫‪� 37‬سم‬ ‫‪3‬‬
‫‪� 38‬سم‬ ‫‪1‬‬
‫‪� 40‬سم‬ ‫‪4‬‬
‫‪� 42‬سم‬ ‫‪1‬‬
‫‪523‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫من هذا نجد �أن التقديرات الذاتية تراوحت بين ‪� 30‬س���م و‪� 42‬س���م لطول الم�ستقيم‬
‫المجه���ول‪ .‬وهذا تف���اوت كبير يرجع �إلى تفاوت قدرة الأ�ش���خا�ص على التقدير‪ ،‬وال�س���بب‬
‫في ذلك �أننا اعتدنا في التقدير على �أ�س���لوب ذاتي‪ ،‬وهو المالحظة الخا�ص���ة المبنية على‬
‫الخبرة‪ ،‬والقدرة الذاتية على التقدير‪ ،‬فعند ا�س���تخدام �أداة علمية‪ ،‬وهي الم�سطرة ن�صل‬
‫�إل���ى نتيجة واحدة‪ ،‬دون �أن يحدث �أي اخت�ل�اف‪ .‬وكل هذه الأطوال المقدرة ال تنطبق على‬
‫الطول الحقيقي للم�ستقيم المجهول الذي كان طوله الفعلي هو ‪� 39‬سم‪.‬‬

‫مو�ضوعية القيا�س‪:‬‬
‫من ال�سهل الو�صول �إلى المو�ضوعية التامة في العلوم الطبيعية‪ ،‬فنحن نقي�س حجم مادة‬
‫من المواد بطرق مو�ض���وعية؛ ذلك لأن المادة التي نقي�س���ها �ش���يء ملمو�س نح�سه بحوا�سنا‪،‬‬
‫ون�ستطيع �أن نطبق عليه المقيا�س تطبي ًقا مبا�ش ًرا‪ ،‬فن�صل �إلى نتائج مو�ضوعية م�ضبوطة‪.‬‬
‫ولكننا في القيا�س الر�س���مي نتناول ظواهر معينة في الإن�سان غير ملمو�سة‪ ،‬ك�سمات‬
‫ال�شخ�صية االنفعالية واالجتماعية والعقلية‪ ،‬وهذه الجوانب لي�س لها وجود حقيقي مادي‪،‬‬
‫و�إنم���ا هي نتائج الجهاز الغدي والجهاز الع�ص���بي والحوا�س‪ ،‬ولذلك ال ن�س���تطيع �أن نطبق‬
‫تمام���ا‪ .‬ونتيجة لهذا العجز‬
‫عليها �أداة مو�ض���وعية لن�ص���ل من ذلك �إلى نتائج مو�ض���وعية ً‬
‫ن�ض���طر �إلى قيا����س مظاهرها ونتائجها وهو ال�س���لوك‪ ،‬ونح���اول بقدر الإم���كان �أن نقي�س‬
‫المظاهر ال�س���لوكية ب�أ�س���اليب مو�ض���وعية‪ .‬ف�إذا �أردنا �أن نقي�س الذكاء عر�ضنا ال�شخ�ص‬
‫�إلى مواقف مختلفة على هيئة �أ�س���ئلة‪ ،‬وقمنا بقيا�س ا�س���تجاباته بطريقة مو�ض���وعية بقدر‬
‫الإمكان‪ ،‬و�أخذنا نتائج ا�ستجاباته على �أنها دليل على ذكائه‪.‬‬
‫فالقيا����س المو�ض���وعي لل���ذكاء في هذه الحالة‪ ،‬ه���و عدد الإجابات ال�ص���حيحة عن‬
‫�أ�س���ئلة اختبار الذكاء‪ ،‬ولذلك يحتاج وا�ض���ع ه���ذا االختبار �إلى تج���ارب كثيرة وتعديالت‬
‫متعددة‪ ،‬حتى ي�صل في النهاية �إلى �أ�سئلة مو�ضوعية‪ ،‬يمكن ت�صحيحها بطريقة مو�ضوعية‬
‫والو�صول �إلى نتائج عند ا�ستخدامها‪ ،‬ال تختلف باختالف من يقوم بتطبيق اختبار الذكاء‪.‬‬
‫‪524‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫�شخ�صا معي ًنا عددًا من الكلمات �أو الأرقام‪،‬‬


‫ً‬ ‫ولقيا�س مدى الذاكرة‪ ،‬يمكن �أن نعطي‬
‫ثم نجعله يحفظها‪ ،‬ثم ي�س���معها �أو يقوم بكتابتها‪ ،‬ويكون المقيا�س المو�ضوعي للذاكرة هو‬
‫عدد مرات التكرار في �أثناء الحفظ �أو عدد الكلمات المحفوظة �أو الأرقام‪.‬‬
‫ن�س���تنتج من ذلك �أن الو�صول �إلى المو�ضوعية التامة في القيا�س النف�سي يكاد يكون‬
‫م�ستحيلاً ؛ لأن القيا�س النف�سي غير مبا�شر‪ ،‬ولأن المادة التي نقي�سها‪ ،‬وهي �سلوك الإن�سان‬
‫معنوية غير ملمو�سة ومتغيرة بتغير الإن�سان وبال�شخ�ص الذي يقي�س هذه المظاهر ل�سلوك‬
‫الإن�سان‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬التمييز ‪:Discrimination‬‬


‫�إذا قمنا ب�س�ؤال طلبة ف�صل درا�سي ال�س�ؤال الآتي‪:‬‬
‫هل ال�صدق ف�ضيلة؟‬
‫ال‬ ‫نعم‬
‫نتيج���ة هذا ال�س����ؤال �أن جميع طلبة الف�ص���ل وعددهم ‪ 28‬تكون الإجاب���ة نعم‪ ،‬بينما‬
‫ال يجيب �أي �ش���خ�ص بال‪ .‬والمفرو�ض في ال�س����ؤال الممي���ز �أن تختلف الإجابات باختالف‬
‫الأف���راد‪ .‬وهذا ينطب���ق على �أداة التقويم‪ .‬ف�إذا كان���ت �أداة التقويم تعطي نتيجة واحدة �أو‬
‫متقاربة لجميع الأفراد‪ ،‬ف�إن هذا يدل على �أن هذه الأداة وا�ض���حة و�س���هلة‪ .‬ف�إذا و�ض���عنا‬
‫�أوزا ًن���ا مختلفة في مي���زان واحد‪ ،‬و�أعطانا نتائج مت�س���اوية دل هذا عل���ى �أن هذا الميزان‬
‫مختل‪ ،‬ويحتاج �إلى �إ�صالح‪.‬‬
‫و�إذا قمنا ب�س�ؤال الطالب في ف�صل درا�سي �س� اًؤال �آخر‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ -‬كم في المئة من مواقف الحياة ُيع ّد ال�صدق �ضرور ًّيا؟‬
‫‪525‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫كانت �إجابات طلبة الف�صل كالآتي‪:‬‬


‫عدد الأ�شخا�ص‬ ‫الن�سبة‬ ‫عدد الأ�شخا�ص‬ ‫الن�سبة‬
‫‪3‬‬ ‫‪٪90‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪٪50‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪٪95‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪٪60‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪٪98‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪٪70‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪٪99‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪٪80‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪٪100‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪٪85‬‬
‫‪1‬‬ ‫غري مو�ضح‬ ‫‪1‬‬ ‫‪٪88‬‬
‫يت�ضح من هذا المثال �أن الإجابة عن هذا ال�س�ؤال اختلفت باختالف الأ�شخا�ص‪ ،‬وتراوحت‬
‫بي���ن ‪ ٪50‬و‪ .٪100‬وه���ذا يدل على �أن هذه الإجابات �إنما تعك����س الفروق الفردية بين الأفراد‪،‬‬
‫وهذا �شرط �أ�سا�سي في �أ�سئلة �أي مقيا�س‪ ،‬ف�إذا ات�ضح �أن �أحد �أ�سئلة القيا�س غير مميز كما هو‬
‫الحال في ال�س����ؤال الأول‪ ،‬ف�إن من واجب وا�ض���ع المقيا�س‪ ،‬حذف هذا ال�س�ؤال؛ لأنه ال يمكن �أن‬
‫نتبين منه فائدة‪ .‬وهذا ي�ض���طر وا�ض���ع ال�س����ؤال دائ ًما �إلى تجربته مرات عدة قبل الو�صول �إلى‬
‫�صورته النهائية‪ ،‬على �أن يتم تعديل القيا�س بعد كل تجربة‪ ،‬وذلك بحذف الأ�سئلة غير المميزة‬
‫بين المتعلمين‪ .‬والتجريب مرات عدة ُي�س���مى التقنين‪ .‬والهدف من التقنين الو�صول �إلى �صور‬
‫نهائية للقيا�س‪ ،‬يتوافر فيه المو�ض���وعية والتمييز‪ ،‬وي�ص���ل فيه وا�ضع القيا�س �إلى معايير ثابتة‬
‫ُتميز فعلاً بين الأفراد‪ .‬و�إذا و�صلت الإجابات في �س�ؤال القيا�س �إلى �إجماع بمعدل ‪ ٪50‬على كل‬
‫من الر�أيين و�ص���ل التمييز‪� ،‬إلى حالته الق�صوى‪ ،‬وكلما زاد االتفاق عن ‪ ٪50‬قلت ن�سبة التمييز‬
‫حتى �إذا و�صل االتفاق �إلى ‪ ٪100‬انعدم التمييز تما ًما‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الثبات ‪:Reliability‬‬


‫�أُجريت التجربة الآتية داخل الف�صل‪:‬‬
‫ُعر�ض���ت على المتعلمين داخل ف�صل درا�سي ع�شرة خطوط مختلفة‪ ،‬ولكنها متقاربة‬
‫لحد ما‪ ،‬ومعها خط ثابت طوله ‪� 30‬س���م‪ ،‬فكانت �أطوال الم�ستقيمات كما ي�أتي‪ ،‬بعد تكرار‬
‫التقدير مرتين متتاليتين مبا�شرة ال يف�صل بينهما �سوى دقائق قليلة‪.‬‬
‫‪526‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الفرق‬ ‫رقم امل�ستقيم التقدير الأول التقدير الثاين‬


‫ثابت‬ ‫‪-‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪30‬‬ ‫�أ‬
‫غري ثابت‬ ‫‪1‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪32‬‬ ‫ب‬
‫غري ثابت‬ ‫‪1‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫جـ‬
‫غري ثابت‬ ‫‪5‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪35‬‬ ‫د‬
‫ثابت‬ ‫‪-‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪29‬‬ ‫هـ‬
‫غري ثابت‬ ‫‪2‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪40‬‬ ‫و‬
‫غري ثابت‬ ‫‪1-‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪29‬‬ ‫ز‬
‫ثابت‬ ‫‪1-‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪43‬‬ ‫ح‬
‫ثابت‬ ‫‪-‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪26‬‬ ‫ط‬
‫غري ثابت‬ ‫‪1-‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪42‬‬ ‫ى‬
‫‪ -‬عدد الخطوط الثابثة ‪.4‬‬
‫‪ -‬عدد الخطوط غير الثابتة ‪.6‬‬
‫‪ -‬ن�سبة الثبات ‪.٪40‬‬
‫ومن �شروط الثبات ا�ستخراج ما ُيعرف بمعامل الثبات ‪Reliability Factor‬‬

‫ومعام���ل الثبات‪ :‬معناه م���دى االتفاق الحادث بين تقديرين مختلفين في فر�ص���تين‬
‫متباعدتين لنف�س الأ�ش���ياء �أو الأ�ش���خا�ص‪ .‬ففي التجربة الم�شار �إليها‪ ،‬على الرغم من �أن‬
‫الوق���ت الذي مر بين التقديرين للخطوط نف�س���ها لم يتجاوز دقائق معدودة‪� ،‬إال �أن معامل‬
‫الثب���ات ف���ي هذه التجربة تراوح بين ‪ ٪70‬و‪ ٪20‬ولم نجد حالة واحدة و�ص���لت فيها ن�س���بة‬
‫االتف���اق �إلى �أكثر م���ن ‪ ٪70‬ما يدل عل���ى �أن التقديرات الذاتية‪ ،‬لي�س���ت تقديرات علمية؛‬
‫لأن���ه ينق�ص���ها عن�ص���ر الثب���ات‪ .‬ونالحظ �أن ه���ذا ينطبق � ً‬
‫أي�ض���ا على �أ�س���ئلة االختبارات‬
‫المدر�س���ية التي تكون على هيئة مقال‪ ،‬فنجد �أن التقديرات لها تختلف اختال ًفا كبي ًرا من‬
‫أي�ضا بالن�سبة �إلى الم�صحح الواحد في فر�صتين‬ ‫م�صحح لآخر‪ ،‬بل تختلف اختال ًفا كبي ًرا � ً‬
‫‪527‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫مختلفتي���ن‪ ،‬وله���ذا نقول‪� :‬إن �أ�س���ئلة المقال في االختبارات المدر�س���ية ينق�ص���ها الثبات‪.‬‬
‫بينما الأ�سئلة المو�ضوعية التي على �صورة (نعم وال) �أو (�صحيح وخط�أ) �أو �أ�سئلة التكملة‬
‫بلفظ واحد معين هي �أ�س���ئلة ثابتة تت�صف ب�صفة الثبات‪ ،‬التي تتوافر في الأ�سلوب العلمي‬
‫للتقويم‪ .‬ونحن نالحظ �أننا ال ن�س���تطيع �أن نح�ص���ل على ثبات ‪ ٪100‬في جميع االختبارات‬
‫النف�س���ية؛ لأنه���ا تتدخل فيه���ا عوامل كثيرة تغير م���ن نتائج التقدير ف���ي المرتين‪ ،‬ويمكن‬
‫تق�سيم هذه العوامل �إلى ثالثة �أنواع‪:‬‬
‫(�أ) عوامل تخت�ص بال ُمختبر (ال�شخ�ص الذي يقوم اختباره �أو ما ُيعرف بال ُمق َّوم)‬
‫كالعوامل الج�سمية مثل المر�ض والم�شاعر الخا�صة وعوامل نف�سية مثل ال�ضيق‬
‫واالبتهاج والملل‪.‬‬
‫(ب) عوامل تتعلق بالقائم بتطبيق االختبار �أي ال ُمخت ِبر (ال�شخ�ص الذي يقوم‬
‫بتطبيق االختبار �أو ما ُيعرف بال ُمق ِّوم) وهي العوامل ال�سابقة نف�سها من حيث‬
‫�إنها ج�سمية ونف�سية‪.‬‬
‫(جـ) عوامل خارجية‪ :‬تتعلق بالمحيط الذي يتم فيه االختبار‪ ،‬كالمكان والزمان و�أداة‬
‫االختبار‪ .‬وال�سبب في ذلك �أن عملية التقويم في القيا�س النف�سي هي تفاعل‬
‫بين العوامل الثالثة‪ :‬ال ُمخت َبر‪ ،‬والمخت ِبر‪ ،‬والعوامل الخارجية‪.‬‬
‫ولكي نتغلب على �ص���عوبة الثابت في االختبارات النف�سية‪ ،‬ن�ستخدم في العادة �أ�سئلة‬
‫م���ن نوع خا����ص ُيطلق عليها الأ�س���ئلة المو�ض���وعية ‪ Objective Questions‬التي �س���نعر�ض‬
‫أنواعا منها فيما بعد‪.‬‬
‫� ً‬
‫وهناك ثالث طرق رئي�سة لح�ساب معامل الثبات‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬طريقة �إعادة االختبار ‪:Re-test Method‬‬


‫في هذه الطريقة ن�ستخدم االختبار �أو مقيا�س �أو و�سيلة التقويم مرتين متباعدتين‪،‬‬
‫ونقارن بين نتائج التطبيقين‪ .‬ففي تجربة الف�ص���ل التي قمنا بتقدير �أطوال الم�ستقيمات‪،‬‬
‫‪528‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫فعندم���ا قمن���ا ب�إعادة تقدي���ر الأطوال مرة �أخ���رى‪ ،‬وقارنا بين النتيجتي���ن �أمكننا تحديد‬
‫الثبات‪ .‬والم�ش���كلة في هذه الطريقة تتعلق بتقدي���ر الوقت الذي يمر بين التطبيقين‪ ،‬ف�إذا‬
‫كانت المدة بين التطبيقين ق�صيرة‪ ،‬ف ُيحتمل �أن يدخل عامل الذاكرة‪ ،‬بحيث يكون الفرد‬
‫ال���ذي يتذكر جيدً ا تك���ون �إجاباته �أكثر تطاب ًقا من ال�ش���خ�ص الذي لديه ذاكرة �ض���عيفة‪،‬‬
‫وي�ص���بح تطابق الإجابتي���ن �أو التقديرين دليلاً على قوة الذاك���رة‪ ،‬ولي�س دليلاً على ثبات‬
‫االختب���ار و�أ�س���لوب التقويم‪� .‬أما �إذا كانت الم���دة طويلة‪ ،‬ف�إنها ت�س���مح بعوامل التغيير في‬
‫الإن�س���ان للتدخ���ل في تغيير نتائج التطبيق الثاني‪ ،‬ف�إذا كان���ت عينة التطبيق الأولى تتكون‬
‫من �أطفال �ص���غار‪ ،‬وف�ص���لنا بين التطبيقين بمدة تزيد على �ش���هر مثلاً ‪ ،‬ف�إن عامل النمو‬
‫يحتمل �أن يتدخل في تغيير اال�ستجابات الثانية من الأولى‪ ،‬و ُي�صبح اختالف اال�ستجابتين‬
‫مقيا�سا لعدم ثبات االختبار‪.‬‬
‫ً‬ ‫بدل من �أن يكون‬ ‫مقيا�سا لهذا التغير‪ ،‬اً‬
‫ً‬
‫والمهم �أن تكون المدة الفا�صلة منا�سبة‪ ،‬وهذا يتوقف على �أمرين‪:‬‬
‫(�أ) نوعية العينة امل�ستخدمة يف عملية التقومي‪ :‬ف�إذا كانوا � اً‬
‫أطفال �صغا ًرا ُي�ستح�سن‬
‫تق�صري املدة‪ ،‬و�إن كانوا كبا ًرا‪ ،‬فال مانع من �إطالة املدة‪.‬‬
‫(ب) نوع ال�صفة التي نقومها‪ :‬ف�إذا كانت �سريعة التغري‪ ،‬كما يحدث �أحيا ًنا عند‬
‫ا�ستطالع ال�شخ�ص واجتاهه نحو مو�ضوع معني كان تق�صري املدة م�ستح�س ًنا‪،‬‬
‫نوعا والثابت �إىل حد كبري‪ ،‬ف�إنه ال مانع من‬
‫�أما �إذا كانت من النوع غري املتغري ً‬
‫�إطالتها‪.‬‬

‫‪ -2‬طريقة ال�صور المتكافئة ‪:Equivlent Forms‬‬


‫تت�ض���من هذه الطريقة �إعداد �ص���ورتين متكافئتين الختبار‪� ،‬أو �أ�سلوب التقويم‪ ،‬على‬
‫�أن تطب���ق �إحدى ال�ص���ورتين في المرة الأولى وال�ص���ورة المتكافئة في الم���رة الثانية‪ ،‬وال‬
‫يهمنا في هذه الحالة المدة الزمنية التي تمر بها بين التطبيقين‪ ،‬ف�سواء كانت ق�صيرة �أو‬
‫طويلة‪ ،‬ف�إن ال�ش���خ�ص �سيواجه ب�أ�سئلة مختلفة في المرة الثانية عن المرة الأولى‪ ،‬وبذلك‬
‫‪529‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫تختفي ال�ص���عوبة الموجودة في طريقة �إعادة االختبار‪ ،‬ولكن تن�ش����أ �صعوبة جديدة‪ ،‬وهي‬
‫تماما من حيث ما تت�ض���نه كل �ص���ورة منهما من خبرات‪ ،‬ومن‬
‫تكوين مقيا�س���ين متعادلين ً‬
‫حيث درجة ال�سهولة وال�صعوبة‪ .‬و�ضبط هذا الت�ساوي يتطلب من الباحث �إجراء محاوالت‬
‫متعددة لتعديل االختبارات بعد كل محاولة‪ ,‬حتى ينتهي �أخي ًرا �إلى التطابق المن�شود‪.‬‬

‫‪ -3‬التجزئة الن�صفية ‪:Split- Half Method‬‬


‫تت�ضمن هذه الطريقة تق�سيم االختبار �إلى ن�صفين‪ ،‬حيث ُيع ّد كل ن�صف منهما �صورة‬
‫متدرجا من حيث ال�س���هولة وال�ص���عوبة‪,‬‬
‫ً‬ ‫قائم���ة بذاتها‪ .‬وفي هذه الحالة �إذا كان االختبار‬
‫ف�إن تق�س���يمه �إلى ن�صفين علوي و�س���فلي‪ ،‬ينتج عنه الح�صول على �صورتين مختلفتين من‬
‫حيث الم�س���توى‪ ،‬وال يمك���ن المقارنة بينهما‪ ،‬ولذلك ي�ستح�س���ن �أن يتم التق�س���يم بطريقة‬
‫الفردي والزوجي‪ ،‬فتُع ّد الأ�س���ئلة الفردية �ص���ورة‪ ،‬والزوجية �صورة �أخرى‪ ،‬وبذلك ن�ضمن‬
‫بقدر الإمكان تعادل الم�ستوى في ال�صورتين‪.‬‬
‫وهذه الطريقة تتغلب على �صعوبات الطريقتين الأخريين‪ ،‬فيمكن تطبيق ال�صورتين‬
‫دون اهتم���ام بالمدةالزمني���ة الت���ي تف�ص���ل بينهما‪ ،‬و�إنن���ا ال نحتاج �إلى مح���اوالت لتعادل‬
‫���تخداما عا ًّما وا�سع‬
‫ً‬ ‫ال�ص���ورتين من حيث الم�س���توى‪ ،‬ولذلك ت�ستخدم الطريقة الثالثة ا�س‬
‫االنت�شار في البحوث النف�سية‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬ال�صدق ‪:Validity‬‬


‫ُيق�ص���د بالأ�سلوب ال�صادق‪ ،‬ذلك الأ�س���لوب الذي يقي�س فعلاً ال�سمة �أو ال�صفة التي‬
‫ُيراد قيا�س���ها‪ .‬ف�إذا �أعددنا اختبا ًرا للذكاء‪ ،‬وكان �أغلب �أ�سئلته عمليات ح�سابية �أو م�سائل‬
‫ريا�ضية‪ ,‬ف�إنه ال يكون �صاد ًقا لقيا�س الذكاء بقدر ما هو �صادق لقيا�س القدرة الح�سابية �أو‬
‫الريا�ضية‪ .‬فلي�س كل اختبار �صاد ًقا في قيا�س المحتوى الذي و�ضع من �أجله‪ .‬ولكننا نحتاج‬
‫�إل���ى عملية تحليلية لنعرف نوع الأ�س���ئلة التي يت�ض���منها االختبار‪ ،‬وما يقي�س���ه كل �س����ؤال‪،‬‬
‫‪530‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وما تتجه �إليه �أغلب الأ�س���ئلة‪ ،‬وبعد ذلك نحكم على �ص���دق االختبار‪ .‬والو�صول �إلى �صدق‬
‫االختبار �ضروري للغاية في المقايي�س النف�سية بوجه خا�ص‪ ،‬وذلك لعاملين �أ�سا�سيين‪:‬‬
‫‪� -1‬إن ال�سمات النف�سية واال�ستعدادات والقدرات مت�شابك بع�ضها مع بع�ض‪ ،‬ومتداخل‬
‫بع�ضها مع بع�ض‪ ،‬بحيث �إننا ال ن�ستطيع مطل ًقا �أن نف�صل �أحد العوامل‪ ،‬ونقي�سه‬
‫منفردًا عن باقي العوامل‪.‬‬
‫‪ -2‬يف القيا�س النف�سي ال نقي�س �إال بطريقة غري مبا�شرة‪ ،‬فنحن نقي�س الذاكرة مثلاً‬
‫بقيا�س ال�سلوك الناجت عنها‪ ،‬ونقي�س الذكاء بالإجابة عن بع�ض الأ�سئلة يف االختبارات‬
‫اخلا�صة بقيا�س الذكاء‪ .‬وقد نكون حمقني يف ذلك �أو خمطئني‪ ،‬ولهذا ال نتطلب‬
‫معاملاً مرتف ًعا لل�صدق يف اختباراتنا؛ لأن ارتفاع عامل ال�صدق يتوقف على مدى‬
‫تداخل العوامل الأخرى يف النتائج مع العامل الذي نقي�سه‪.‬‬
‫�ص���الحا لقيا�س ما و�ضع من‬
‫ً‬ ‫ون�س���تطيع �أن ن�س���تنتج من ذلك‪� ،‬أنه مهما كان االختبار‬
‫�أجله‪ ،‬ف�إننا ال ن�ستطيع �أن ن�صل �إلى اختبار �صادق ‪.٪100‬‬
‫ولتو�ضيح ذلك نفتر�ض �أننا ب�صدد تكوين اختيار للذكاء يتكون من عدد من الأ�سئلة‬
‫مكتوب���ة عل���ى ورق عادي‪ ،‬وتقدم للمختبر يجيب عنها‪ .‬فنحن نالحظ �أن درجة ال�ش���خ�ص‬
‫تتوقف على عدد الإجابات ال�صحيحة التي يجيب عنها‪ ،‬ونحن نفتر�ض �أن هذا العدد دليل‬
‫�ص���الح لدرجة الذكاء‪ ،‬بينما عندم���ا نت�أمل هذه الدرجة نجد �أنه���ا تت�أثر بعوامل مختلفة‪،‬‬
‫مثل‪:‬‬
‫‪� -1‬سرعة القراءة‪ :‬فكلما كان ال�شخ�ص �سري ًعا يف قراءته‪ ،‬زاد عدد الأ�سئلة التي ي�ستطيع‬
‫الإجابة عنها‪.‬‬
‫‪� -2‬سرعة الكتابة‪ :‬فكلما كان �سريع الكتابة ا�ستطاع �أن يكتب عددًا �أكرب من الإجابات‪.‬‬
‫‪ -3‬الذاك���رة عن���د ال�شخ�ص‪ :‬وذلك لأن بع�ض الأ�س���ئلة حتت���اج يف الإجابة عنها �إىل تذكر‬
‫خربات �سابقة‪.‬‬
‫‪531‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫‪ -4‬المح�صول اللغوي‪ :‬قدرة ال�شخ�ص على ا�ستخدام عدد �أكرب من الألفاظ‪.‬‬


‫‪ -5‬الفهم اللغوي‪ :‬ف�إذا كان بالأ�سئلة بع�ض الألفاظ التي ال يفهمها ال�شخ�ص‪ ،‬ف�إنه لن‬
‫ي�ستطيع الإجابة عن ال�س�ؤال‪.‬‬
‫وهكذا ت�ص���بح درجة اختبار الذكاء لي�ست مق�ص���ورة لقيا�س الذكاء‪ ،‬بل يدخل فيها‬
‫كل هذه العوامل‪ ،‬ونكتفي بعد ذلك ب�أن يكون معامل ال�ص���دق لالختبار ‪� 0.50‬أو ‪� 0.60‬أو‬
‫م���ا يقترب من ذلك‪ .‬ويو�ص���ف هذا العامل ب�أنه معامل جيد‪ ،‬بينم���ا في معامل الثبات‪ ،‬قد‬
‫نقنع بعامل ‪� 0.90‬أو ما يقرب من ذلك‪ .‬ولح�ساب معامل ال�صدق طرق عدة نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -1‬ال�صدق المنطقي ‪:Rational or Logical Validity‬‬


‫وي�س���مى �أحيا ًن���ا ال�ص���دق التركيبي‪ ،‬ويت�ض���من تحليل كل �أ�س���ئلة المقيا����س لمعرفة‬
‫القدرات التي تتدخل في كل �س����ؤال‪ ،‬وا�س���تنتاج مقدار تغلب ال�سمة التي نريد قيا�سها على‬
‫�أ�سئلة االختبار �أو المقيا�س‪.‬‬

‫‪ -2‬ال�صدق الواقعي ‪:Factual Validity‬‬


‫وتت�ض���من قدرة المقيا�س على تقرير وقائع خارجية‪ ،‬ف�إذا كنا ب�ص���دد �إعداد اختبار‬
‫للق���درة الميكانيكية مثلاً ‪ ،‬ف�إننا نطبقه على عمال ناجحين في الأعمال الميكانيكية وعلى‬
‫�أف���راد عاديين ال يقومون بهذه الأعمال‪ ،‬ف�إذا ا�س���تطاع االختب���ار التمييز بين الفئتين كان‬
‫الحكم على االختبار ب�أنه �صادق‪.‬‬

‫‪ -3‬ال�صدق التن ُّبئِي ‪:Predicitive Validity‬‬


‫�ص���حيحا‪ ،‬ف����إذا كان‬
‫ً‬ ‫و ُيق�ص���د ب���ه �أن االختب���ار �أو المقيا����س ي�س���تطيع التنب����ؤ تن ُّب�ؤًا‬
‫االختبار لقيا�س اال�س���تعداد الميكانيكي‪ ،‬وتقدم عدد من الأ�شخا�ص للتدريب على الأعمال‬
‫الميكانيكي���ة‪ .‬وقمن���ا بتميي���ز المجموعتي���ن المتقدمتي���ن‪ ،‬فوجد �أن �إح���دى المجموعتين‬
‫‪532‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫درجاتهم���ا مرتفع���ة‪ ،‬بينم���ا المجموعة الأخ���رى درجاتها منخف�ض���ة‪ ،‬ثم قمن���ا بعد ذلك‬
‫بتدريب المجموعتين على الأعمال الميكانيكية‪ ،‬ف�إذا تفوق الفريق ذو الدرجات المرتفعة‬
‫بع���د التدري���ب عل���ى الفري���ق ذي الدرج���ات المنخف�ض���ة با�س���تخدام مقيا����س �أو اختبار‬
‫لال�ستعداد الميكانيكي‪ ،‬ا�ستطعنا �أن نقول‪� :‬إن معامل ال�صدق التن ُّب ِئي لهذا االختبار معامل‬
‫جيد مقبول‪.‬‬

‫العالقة بني الثبات وال�صدق‪:‬‬


‫حتى نتبين العالقة بين الثبات وال�صدق علينا �أن نجيب عن ال�س�ؤال الآتي‪:‬‬
‫هل االختبار الثابت يكون �صاد ًقا دائ ًما؟ ثم هل االختبار ال�صادق يكون ثابتًا دائ ًما؟‬
‫كما �سبق �أن ذكرنا ُيع ّد المقيا�س الثابت في �أ�سلوب التقويم (االختبار) هو ما ُيعطي‬
‫النتائج نف�س���ها للأفراد �أنف�س���هم في فر�صتين مختلفتين‪ ،‬و ُيق�ص���د بالقيا�س ال�صادق �أنه‬
‫يقي�س ال�ش���يء نف�سه الذي و�ض���ع من �أجله‪ ،‬ف�إذا كان االختبار ثابتًا‪ ،‬ف�إن هذا ال ي�ضمن لنا‬
‫�صدق االختبار‪ ،‬ولنو�ضح ذلك‪.‬‬
‫نفتر����ض �أننا طلبنا من �ش���خ�ص قيا�س طول مجموعة م���ن الأوالد‪ ،‬ف�أخط�أ في ذلك‪،‬‬
‫بدل م���ن �أطوالهم‪ ،‬و�أردنا �أن نتحقق من ثب���ات القيا�س‪ ،‬فطالبناه ب�إعادة‬ ‫وقا����س �أوزانهم اً‬
‫قيا����س الط���ول‪ ،‬ف�أخط�أ في المرة الثانية الخط�أ نف�س���ه الذي حدث من���ه في المرة الأولى‪،‬‬
‫وقا����س �أوزانه���م‪ .‬ففي ه���ذه الحالة يكون معام���ل الثبات عال ًي���ا؛ لأن القيم الت���ي �أُعطيت‬
‫تماما في المرتين‪ ،‬و ُيو�صف القيا�س ب�أنه ثابت‪.‬‬ ‫للأفراد جمي ًعا تتكرر ً‬
‫ولكنن���ا ل���و بحثنا �ص���دق المقيا�س‪ ،‬فنجد �أن القيم ال تعطي �ص���ورة حقيقية لل�ش���يء‬
‫منعدما‪.‬‬
‫ً‬ ‫المطلوب قيا�سه‪ ،‬فمعامل ال�صدق في هذه الحالة يكاد يكون‬
‫معنى هذا �أنه �إذا توافر الثبات ف�إنه ال ي�ض���من بال�ضرورة �أن يكون المقيا�س �صاد ًقا‪،‬‬
‫مثال‪ ،‬وهو المثال الأول نف�سه بعد تعديله‪.‬‬ ‫ولنعط لذلك اً‬
‫ِ‬
‫‪533‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫لنفتر����ض �أن ال�ش���خ�ص قا����س فعلاً ما طلب من���ه‪ ،‬وهو �أط���وال الأوالد‪ ،‬ثم كرر هذه‬
‫العملية مرة ثانية‪ ،‬فهل نتوقع تغير القيا�س في المرتين‪ .‬من الطبيعي �أن هذا القيا�س يكون‬
‫موحدً ا في قيمته في المرتين‪ .‬ومعنى هذا �أننا �إذا �ض���منا �ص���دق المقيا�س‪ ،‬ف�إن االحتمال‬
‫الكبير �أن ي�صبح المقيا�س ثابتًا � ً‬
‫أي�ضا‪� ،‬إال �إذا تغيرت ال�سمة نف�سها التي تقا�س‪ ،‬بمعنى �أن‬
‫الأط���وال ق���د تتغير مع الزمن‪ ،‬ف�إذا ف�ص���ل بين المرتين في القيا����س بوقت طويل‪ ،‬فهناك‬
‫احتمال �أن الثبات قد ي�ضعف‪.‬‬
‫من هذا يتبين �أن معامل الثبات ذو القيمة المرتفعة ال ي�ض���من �إطال ًقا معامل �صدق‬
‫ذا قيمة مرتفعة‪ ،‬ولكن معامل ال�ص���دق ذو القيمة العالية ي�ض���من في �أغلب الأحيان ثباتًا‬
‫ذا قيمة مرتفعة‪� ،‬إال �إذا كان هناك فا�ص���ل زمني طويل لقيا�س ال�س���مة نف�س���ها التي �س���بق‬
‫قيا�سها‪.‬‬

‫تت�ضمن �أ�ساليب التقومي وو�سائله الآتي‪:‬‬


‫(‪� )1‬أ�ساليب التقومي (الت�صنيف ‪ -‬الرتتيب ‪ -‬التدرج)‪.‬‬
‫(‪ )2‬خ�صائ�ص التقومي العلمي (املو�ضوعية ‪ -‬التمييز ‪ -‬الثبات ‪ -‬ال�صدق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ح�س���اب الثبات (طريق���ة �إع���ادة االختبار‪-‬طريقة ال�ص���ور املتكافئة‪-‬‬
‫طريقة التق�سيم الن�صفي)‪.‬‬
‫(‪ )4‬هناك �صدق (منطقي ‪ -‬واقعي ‪ -‬تَن ُّب ِئي)‪.‬‬
‫(‪ )5‬العالقة بني ال�صدق والثبات‪.‬‬
‫‪534‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬تت�ضمن �أ�ساليب التقويم وو�سائله ما ي�أتي‪ :‬الت�صنيف ‪ -‬الترتيب ‪ -‬التدريج‪.‬‬
‫‪ُ -2‬يق�صد بالت�صنيف و�ضع الأفراد في مجموعات منف�صلة يطلق على كل مجموعة �صنف‬
‫معين‪ ،‬وهذا الأ�سلوب من التقويم له م�آخذ‪ ،‬حيث ال ُيتبع فيه دقة القيا�س‪.‬‬
‫‪ -3‬الترتيب يقوم على و�ض���ع رتب متتابعة للأ�شياء التي تقوم‪ ،‬وهو �أ�سلوب ال يتبع فيه دقة‬
‫القيا�س‪.‬‬
‫‪ -4‬التدريج يعتمد على �إعطاء درجة محددة لكل فرد من �أفراد المجموعة‪.‬‬
‫‪ -5‬التقويم العلمي هو الذي يبنى على نتائج يوثق في دقتها و�صحتها‪.‬‬
‫‪ -6‬من خ�صاذ�ص التقويم العلمي‪ :‬المو�ضوعية ‪ -‬التمييز ‪ -‬الثبات ‪ -‬ال�صدق‪.‬‬
‫‪ -7‬يت�أثر الثبات بعوامل تخت�ص بـ‪ :‬المختبر ‪ -‬القائم باالختبار ‪ -‬عوامل خارجية‪.‬‬
‫‪ُ -8‬يح�س���ب معام���ل الثبات عن طري���ق‪� :‬إعادة االختبار ‪ -‬ال�ص���ور المتكافئة ‪ -‬التق�س���يم‬
‫الن�صفي‪.‬‬
‫‪ -9‬يت�أثر ال�صدق بعوامل عدة‪.‬‬
‫‪ُ -10‬يح�س���ب معامل ال�صدق عن طريق‪ :‬ال�ص���دق المنطقي ‪ -‬ال�صدق الواقعي ‪ -‬ال�صدق‬
‫التن ُّب ِئي‪.‬‬
‫‪ -11‬ف���ي العالقة بين الثبات وال�ص���دق نجد �أنه عند توافر الثبات ال ي�ض���من بال�ض���رورة‬
‫توافر ال�صدق‪ ،‬والعك�س �صحيح‪.‬‬

‫�أ�سئلة ومتارين‪:‬‬
‫‪ -1‬و�ضح �أ�سلوب الت�صنيف‪ ،‬عندما ي�ستخدم للتقومي‪.‬‬
‫‪ -2‬و�ضح �أ�سلوب الرتتيب‪ ،‬عندما ي�ستخدم للتقومي‪.‬‬
‫‪535‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫‪ُ -3‬يع ّد �أ�سلوب التدريج �أف�ضل �أ�ساليب التقومي‪ .‬ا�شرح‪.‬‬


‫‪ -4‬و�ضح املو�ضوعية يف القيا�س النف�سي‪.‬‬
‫‪ -5‬ما الق�صد بالتمييز بو�صفه ً‬
‫�شرطا للقيا�س العلمي‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -6‬ما ال�شروط الواجب توافرها يف القيا�س؟‬
‫‪ -7‬ا�شرح طريقتني ال�ستخراج معامل الثبات‪.‬‬
‫‪ -8‬يت�أثر ال�صدق بعوامل عدة‪ .‬ا�شرح‪.‬‬
‫‪ -9‬و�ضح العالقة بني الثبات وال�صدق‪.‬‬
‫تقومي التح�صيل الدرا�سي‬

‫ •الأهـداف‪:‬‬
‫(‪� )1‬أن يمُ يز املتعلم بني �أنواع االختبارات املختلفة‪.‬‬
‫(‪� )2‬أن يتع���رف املتعل���م �إىل اخلط���وات الت���ي يج���ب اتباعه���ا عن���د �إع���داد‬
‫االختبارات اجليدة‪.‬‬
‫(‪� )3‬أن ي�صنف املتعلم الأهداف الرتبوية ال�سلوكية‪.‬‬
‫(‪� )4‬أن يحدد املتعلم موا�صفات االختيار اجليد‪.‬‬
‫(‪� )5‬أن يتع���رف املتعل���م �إىل الأ�س���اليب الإح�ص���ائية املختلف���ة للمقارن���ة ب�ي�ن‬
‫جمموعتني‪.‬‬
‫(‪� )6‬أن يقرر جهود العلماء يف ت�صنيف الأهداف الرتبوية ال�سلوكية‪.‬‬
‫تقومي التح�صيل الدرا�سي‬

‫‪:‬‬
‫كيف يقوم المعلم با�ستخدام االختبارات في قيا�س التح�صيل الدرا�سي لبيان م�ستوى‬
‫التح�صيل عند المتعلم؟‬
‫�إن ا�ستخدام االختبارات وكيفية �صياغة الأ�سئلة الجيدة التي تحدد م�ستوى التح�صيل‬
‫الدرا�س���ي عن���د المتعلم‪ُ ،‬تع ّد من �أهم جوانب العملي���ة التعليمية‪ ،‬حيث يحر�ص المعلم من‬
‫جان���ب‪ ،‬والمتعلم من جانب �آخر‪ ،‬على معرفة الم�س���توى المعرفي الذي تم تح�ص���يله عند‬
‫المتعلم‪.‬‬
‫ولي�س الأمر قا�ص��� ًرا عند هذا الحد‪ ،‬بل �إن تقويم التح�ص���يل الدرا�س���ي له �أهمية في‬
‫ترفيع المتعلم من �ص���ف درا�س���ي �إل���ى ما يليه‪ ،‬ومن مرحل���ة تعليمية �إلى �أعل���ى منها‪ ،‬وله‬
‫�أهميته بين الم�س����ؤولين التربويين والآباء والمديرين وكل من له �ص���لة بالعملية التعليمية‪،‬‬
‫ونتناول في هذا الف�ص���ل كل ما يت�ص���ل باالختبارات بو�ص���فها و�س���ائل لتقويم التح�ص���يل‬
‫الدرا�سي عند المتعلم‪.‬‬

‫االختبارات ‪:Tests‬‬
‫انت�ش���ر تطبيق االختبارات في �أغلب ميادين علم النف�س‪ ،‬وامتد انت�شارها حتى �شمل‬
‫�أغلب العلوم ال�س���لوكية الأخرى‪ ،‬وبذلك �أ�ص���بحت االختبارات و�سيلة من الو�سائل التربوية‬
‫اهتماما كبي ًرا من العاملين في حقول التربية‪.‬‬
‫ً‬ ‫التي تجد‬
‫وقد �س���اعد على تطوير الناحية المو�ض���وعية في القيا�س النف�سي والتربوي‪ ،‬التقدم‬
‫الكبير الذي حدث في بناء االختبارات التي �شملت جوانب عدة من ال�سلوك الب�شري‪.‬‬
‫‪540‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫وقد �أمكن با�ستخدام كثير من االختبارات المتطورة في ميادين التربية في التعرف‬


‫�إل���ى الخ�ص���ائ�ص الفعلية وال�شخ�ص���ية للمتعلمين‪ ،‬و�أمكن با�س���تخدام االختبارات تطوير‬
‫�أ�س���اليب التدري�س وتعديل النماذج وتوجيه المتعلمين في مختلف المراحل التعليمية‪ ،‬وفق‬
‫ما يتنا�سب وطاقاتهم العقلية وميولهم الدرا�سية‪.‬‬

‫�أنواع االختبارات‪:‬‬
‫ُتق�سم االختبارات من حيث و�سائل قيا�سها �إلى‪:‬‬

‫‪ -1‬اختبارات معرفية وعقلية‪:‬‬


‫لقيا�س الجوانب المعرفية والعقلية عند الطالب‪ ،‬ومن �أهمها‪:‬‬
‫(�أ) اختبارات التح�صيل الدرا�سي‪:‬‬
‫وتقوم بقيا�س الكم والكيف في المعارف والخبرات التي �أمكن للطالب تح�صيلها‪.‬‬
‫(ب) اختبارات القدرات العقلية‪:‬‬
‫وتقوم بقيا�س الن�شاط العقلي للطالب عند اختباره‪.‬‬
‫(جـ) اختبارات اال�ستعدادات‪:‬‬
‫وت�س���تخدم للك�شف وقيا�س ما ي�س���تطيع الطالب القيام به من عمل �أو درا�سة �أو مهنة‬
‫معينة‪.‬‬
‫‪ -2‬مقايي����س اجلوان���ب ال�شخ�ص���ية والنواح���ي املزاجية‪ :‬للك�ش���ف عن اجلوانب اخلا�ص���ة‬
‫ببنية ال�شخ�ص���ية والنواحي املزاجية‪ ،‬ومن �أهمها‪ :‬اال�ستفتاءات واختبارات املقابالت‬
‫ال�شخ�صية‪ ،‬ومقايي�س ال�شخ�صية‪.‬‬
‫‪ -3‬تق�سيم االختبارات بالن�سبة �إىل املُختبرِ ‪:‬‬
‫‪541‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫ويق�سم �إلى‪:‬‬
‫(�أ) اختبارات فردية‪ :‬وت�ستخدم يف الغالب لقيا�س الذكاء لدى فرد معني‪.‬‬
‫(ب) اختبارات جماعية‪ :‬وتهدف �إىل قيا�س جوانب معينة عند جمموعة من الأفراد‬
‫يف وقت واحد‪ .‬وتتميز بال�سرعة يف التطبيق‪ ،‬وقد تكون نتائجها غري دقيقة‪.‬‬
‫‪ -4‬تق�سيم االختبارات بالن�سبة �إىل طريقة الأداء‪ ،‬وتق�سم �إىل‪:‬‬
‫(�أ) كتابية (حتريرية) ‪ :Written‬وهي �إما لفظية �أو عددية �أو مكانية (�أ�شكال‬
‫ور�سوم هند�سية)‪.‬‬
‫(ب) عملية ‪ :Practical‬يف املجاالت العملية كالأعمال امليكانيكية والهند�سية والطبية‪.‬‬
‫‪ -5‬تق�سيم االختبارات بالن�سبة �إىل الزمن تق�سم �إىل‪:‬‬
‫(�أ) اختبارات موقوتة ‪ :Timed‬وت�سمى اختبارات ال�سرعة‪ ،‬و ُيحدد لها زمن معني‪.‬‬
‫(ب) اختبارات غري موقوتة‪ :‬وت�سمى (اختبارات القوة ‪� )Power Tests‬أو اختبارات‬
‫القدرة‪.‬‬
‫ُيع ّد التقويم من العمليات الأ�سا�س���ية والمهمة الموجهة لم�سار العملية التعليمية التي‬
‫ت�شمل �أهداف التعليم‪ ،‬ومحتواه‪ ،‬و�أ�ساليب التدري�س والتعلم ونظم التقويم ‪ ،‬هذا �إن جاءت‬
‫عملي���ة التقويم الأخيرة من حيث الترتي���ب‪ ،‬ولكنها يجب �أال تكون كذلك من حيث التنفيذ‬
‫والتكامل والتفاعل مع غيرها من العمليات التعليمية‪.‬‬
‫فالتقويم يجب �أن يكون عملية م�ستمرة ومكملة لعملية التدري�س‪ ،‬وهو �أكثر من مجرد‬
‫تقوي���م اختبارات في نهاية الدر�س �أو الوحدة ‪ ،‬حيث �إن تقديمه خالل الدرو�س والوحدات‬
‫يحقق وظيفته الت�شخي�صية التي لها �أثرها في تح�سين عملية التعليم‪.‬‬
‫وبذلك يمكن �أن يفيد التقويم المدر�سي في‪:‬‬
‫ •�إثارة اهتمام التالميذ بتحقيق الأهداف التعليمية على نحو �أ�س���رع و�أف�ض���ل في‬
‫�أثناء عملية التدري�س‪.‬‬
‫‪542‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ •التعرف �إلى نقاط ال�ض���عف وال�ص���عوبة في فهم محتويات المقررات الدرا�سية‬


‫و�إعادة تدري�سها‪.‬‬
‫وت�ص���بح عملية التقويم ذات مغزى عندما يحدد المدر�س الأهداف التعليمية‪ ،‬حتى‬
‫يمكنه توجيه جهوده نحو تحقيق هذه الأهداف‪ ،‬فلي�س في ا�س���تطاعة المدر�س �أن يخطط‬
‫لعمله بفاعلية في غياب الأهداف التعليمية‪ ،‬فهو في غياب الأهداف �أ�ش���به بمن ي�س���ير في‬
‫طريق لم يعرف معالمه‪ ،‬فتحديد الأهداف التعليمية يعني معرفتها � اًأول‪ ،‬ثم تحديد م�سار‬
‫التقدم والتح�س���ن في �س���بيل اكت�س���ابها‪ ،‬فالأهداف تمد المدر�س بمحله لتقويم مخرجات‬
‫أ�سا�س���ا �سلي ًما لتحليل وت�شخي�ص جوانب القوة وال�ضعف لدى‬
‫التعلم لدى التالميذ‪ ،‬وتوفر � ً‬
‫كل تلميذ‪.‬‬
‫�إن االمتحان���ات المدر�س���ية الحالية �أ�ص���بحت غاية ف���ي ذاتها‪ ،‬حي���ث التركيز على‬
‫المعلوم���ات والحقائ���ق م���ا جعل التلمي���ذ يركز على ما تقي�س���ه ه���ذه االمتحان���ات‪ ،‬فكان‬
‫االهتمام بالم�س���تويات الدنيا من المعرفة‪ ،‬و�إذا كانت طريقة تكدي�س المعلومات والحفظ‬
‫لها �أخطارها على الفرد والمجتمع حتى في الع�صور التي كانت فيها هي الطريقة الوحيدة‬
‫المتاحة‪ ،‬ف�إنها في الع�ص���ر الذي نعي�ش فيه �أ�ش���د خط ًرا و�أبعد خد ًرا ي�صل �إلى حد تهديد‬
‫م�ستقبل الأمة ذاتها‪.‬‬

‫تعريف االختبار التح�صي�أتي‪:‬‬


‫ه���و الأداة التي ت�س���تخدم في قيا�س المعرف���ة والفهم والمهارة في مادة درا�س���ية �أو‬
‫تدريبية معينة‪� ،‬أو مجموعة من المواد‪.‬‬
‫�ش���يوعا ف���ي التقويم الترب���وى‪ ،‬وتكاد تكون هي‬
‫ً‬ ‫وه���ذه االختبارات هي �أكثر الأدوات‬
‫الو�س���يلة الوحيدة في كثير من البلدان في انتقاء التالمي���ذ وتوجيههم‪ .‬لذلك‪ ،‬فهي تحتل‬
‫منزلة خا�صة بين �أدوات التقويم النف�سي‪ ،‬حيث يخ�ص�ص لها مراجعها الم�ستقلة بها‪.‬‬
‫‪543‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫خطوات �إعداد االختبار التح�صيلي المو�ضوعي‪:‬‬


‫ •تحديد الأهداف التربوية والتعليمية‪.‬‬
‫ •تحليل المحتوى‪.‬‬
‫ •�إعداد جداول الموا�صفات وتحديد الأوزان الن�سبية‪.‬‬
‫ •تحديد الخطوط العري�ضة لالختبار‪ ،‬وتت�ضمن‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد عدد الأ�سئلة التي �سي�شملها االختبار‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -‬تحديد نوع الأ�سئلة التي �سي�شملها االختبار‪.‬‬ ‫ ‬
‫ •كتابة المفردات (العبارات)‪.‬‬
‫ •�إعداد خطة لطريقة ت�سجيل الإجابات‪ ،‬و�إعداد مفتاح الت�صحيح‪.‬‬
‫ •تقدير �صدق االختبار‪.‬‬
‫ •تقدير ثبات االختبار‪.‬‬
‫ •تقدير زمن االختبار‪.‬‬
‫وفيما يل���ي نتناول �أهم الخطوات التي يجب مراعاتها عند التخطيط لإعداد اختبار‬
‫تح�صيلي‪:‬‬

‫� اً‬
‫أول‪ :‬تحديد الأهداف التربوية والتعليمية‪:‬‬
‫يق�ص���د بالأهداف التربوية تلك الأهداف التي ت�ص���اغ في عبارات �ش���املة تدل على‬
‫الأغرا�ض العامة والقيم والفل�سفات الخا�صة بكل مجتمع‪.‬‬
‫و�ض���وحا‪ ،‬وعادة ما ت�صاغ في �صورة �سلوك يمكن‬
‫ً‬ ‫�أما الأهداف التعليمية فتكون �أكثر‬
‫مالحظته‪� ،‬أو �س���لوك �إجرائي‪ ،‬وهي ترتبط عادة بمقرر تخ�ص�ص���ي معين‪ ،‬وتتحدد �أهمية‬
‫‪544‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫الأهداف التعليمية فيما ي�أتي‪:‬‬


‫ •توجية عملية التعلم ‪ Learning‬والتعليم ‪.Instruction‬‬
‫ •تقويم الأداء النهائي للتلميذ‪.‬‬
‫ •توجيه جهود التالميذ نحو ما يتنا�سب مع قدراتهم‪.‬‬

‫ت�صنيف بلوم للأهداف ‪:Bloom Taxonomy‬‬


‫�صنفت الأهداف في ثالثة �أبعاد‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ •البعد المعرفي ‪.Cognitive Domain‬‬
‫ويت�ضمن (الذكاء ـ اال�ستعدادات ـ التح�صيل ـ القدرات العقلية)‪.‬‬
‫ •البعد الوجداني ‪.Affective Domain‬‬
‫ويت�ضمن (االتجاهات ـ القيم ـ الميول ـ االنفعاالت ـ العواطف)‪.‬‬
‫ •البعد المهاري ‪.Psychomotor Domain‬‬
‫ويت�ض���من (ن�ش���اط معالجة الأ�ش���ياء وتناولها ـ المهارات الحركية والع�ضلية ـ الت�آزر‬
‫الع�ضلي والع�صبي)‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي نتناول تف�صيل ًّيا ت�صنيف بلوم للأهداف التعليمية في المجال المعرفي‪:‬‬
‫ويق�ص���د بالمجال المعرفي العمليات التي تركز على تخزين المعلومات وتجهيزها‪،‬‬
‫ويمت���د ف���ي مدى وا�س���ع بداية م���ن التذكر الب�س���يط للمعلوم���ات �إلى التفكير اال�س���تداللي‬
‫واالبتكاري الذي ي�ستلزم تركيب الأفكار والربط بينها‪ ،‬وقد �صنف بلوم الأهداف التعليمية‬
‫في �صورة تنظيم هرمي للأهداف يمتد من الب�سيط �إلى المركب‪ ،‬وي�شمل الت�صنيف فئتين‬
‫كما ي�أتي‪:‬‬
‫‪545‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫ت�صنيف بلوم للأهداف المعرفية‪:‬‬


‫وقد �صنف بلوم الأهداف المعرفية في فئتين هما‪ :‬المعرفة‪ ،‬المهارات العقلية‪.‬‬
‫� اً‬
‫أول‪ :‬المعرفة �أو الذاكرة‪ :‬وتت�ضمن ما ي�أتي‪:‬‬
‫‪ -1‬ذاكرة التفا�صيل النوعية‪:‬‬
‫‪ -‬ذاكرة الحقائق النوعية‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -‬ذاكرة الرموز‪.‬‬

‫‪ -2‬ذاكرة الطرق والو�سائل‪:‬‬


‫‪ -‬ذاكرة التقاليد ال�شائعة في درا�سة المادة‪.‬‬
‫‪ -‬ذاكرة فئات الت�صنيف‪.‬‬ ‫‪ -‬ذاكرة العالقات والعمليات‪ .‬‬
‫‪ -‬ذاكرة محكات الحكم على �صحة الآراء‪.‬‬
‫‪ -‬ذاكرة مناهج البحث‪.‬‬

‫‪ -3‬ذاكرة العموميات والتجديدات‪:‬‬


‫‪ -‬ذاكرة المبادئ والتعليمات والقوانين‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬المهارات العقلية‪ :‬وتت�ضمن ما ي�أتي‪.‬‬


‫(‪ )1‬الفهم‪ :‬ويعني القدرة على �إدراك العالقات‪.‬‬
‫(‪ )2‬التطبيق‪ :‬وهو قيام المتعلم بتطبيق المبادئ والقوانين في مواقف جديدة‪.‬‬
‫(‪ )3‬التحليل‪ :‬ويعني قدرة المتعلم على تحليل موقف التعلم �إلى عنا�صره المكونة له‪.‬‬
‫(‪ )4‬التركي���ب‪ :‬وه���و قدرة المتعلم عل���ى �إدراك العالقات بين الأج���زاء لتكوين (كل) له‬
‫معنى جديد‪.‬‬
‫(‪ )5‬التقويم‪ :‬ويعني القدرة على �إ�صدار حكم‪.‬‬
‫‪546‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ثان ًيا‪ :‬تحليل المحتوى تحليلاً لفظ ًّيا في �ضوء الأهداف ال�سابق تحديدها‪.‬‬
‫ثال ًثا‪� :‬إعداد جدول الموا�صفات‪:‬‬
‫وهو جدول ثنائي البعد يت�ض���من البعد الأفقي (الأهداف) ويت�ض���من البعد الر�أ�سي‬
‫(مو�ضوعات المحتوى)‪.‬‬
‫ثم تحديد الأوزان الن�سبية (الأهمية الن�سبية) لبعدي الجدول‪:‬‬
‫ •تحديد الوزن الن�سبي للأهداف‪ ،‬ويتم في �ضوء محك �آراء الخبراء ‪.‬‬
‫ •تحديد الوزن الن�سبي للمو�ضوعات (المحتوى) ويتم في �ضوء المحكات الآتية‪:‬‬
‫ ‪ -‬عدد ال�صفحات‪.‬‬
‫ ‪ -‬ر�أي الخبراء‪.‬‬
‫ ‪ -‬عدد الح�ص�ص‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬تحديد الخطوط العري�ضة لالختبار‪ ،‬وي�شمل ذلك‪:‬‬


‫ •تحديد عدد الأ�س���ئلة التي يت�ض���منها االختبار‪ ،‬وتلك يحددها المختبر بح�س���ب‬
‫غر�ض االختبار‪.‬‬
‫ •تحديد نوع الأ�سئلة‪ ،‬وذلك من بين �أنواع الأ�سئلة المو�ضوعية التي �سوف نتناولها‬
‫فيما بعد‪.‬‬

‫خام�سا‪ :‬كتابة المفردات (الأ�سئلة)‪:‬‬


‫ً‬
‫بع���د �أن يح���دد المختبر عدد ونوع الأ�س���ئلة المت�ض���منة في االختبار يقوم ب�ص���ياغة‬
‫الأ�سئلة (المفردات) التي تنا�سب الأهداف مو�ضع القيا�س‪.‬‬
‫‪547‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫�ساد�سا‪ُ :‬يع ّد الباحث ورقة �إجابة لالختبار‪:‬‬


‫ً‬
‫�إذا كان االختب���ار من االختبارات المقننة ‪ Standardization‬يجب ح�س���اب �ص���دق‬
‫‪ Validity‬وثبات ‪ Reliability‬االختبار بح�سب القواعد المعمول بها في القيا�س والتقويم‪.‬‬
‫و�أم���ا �إذا كان م���ن نوع االختب���ارات التي يع ّده���ا المدر����س ‪Teachers Made Test‬‬
‫للأغرا�ض التعليمية‪ ،‬فال يتم ح�ساب ال�صدق والثبات‪.‬‬

‫تقومي التح�صيل الدرا�سي‪:‬‬


‫ـ ـ االختبار التح�صيلي‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ـ ـ االختبارات و�أنواعها‪.‬‬
‫ـ ـ الأهداف التعليمية‪.‬‬ ‫ـ ـ خطوات �إعداد االختبار التح�صيلي‪ .‬‬
‫ـ ـ ت�صنيف بلوم‪.‬‬

‫االختبارات المو�ضوعية ‪:Objective Tests‬‬


‫االختبارات المو�ض���وعية عبارة عن نوع من الأ�س���ئلة يجيب عنها المفحو�ص باختيار‬
‫�ش���يء �أو �أكث���ر من �إجاب���ات متعددة �أو كتاب���ة �أو ملء ف���راغ بكلمة �أو عب���ارة �أو �أي طريقة‬
‫�أخ���رى ال تتطل���ب �إجابة تحريرية مطولة‪ ،‬وتهدف الأ�س���ئلة المو�ض���وعية �إلى تجاوز عيوب‬
‫�أ�سئلة المقال من حيث تنوع الأ�سئلة‪ ،‬لتقي�س الأهداف المختلفة‪ ،‬لتغطي الجزء الذي يقوم‬
‫المعلم بتقويمه و�سهولة الت�صحيح‪.‬‬
‫مزايا االختبارات المو�ضوعية‪:‬‬
‫ •ت�س���تغرق االختبارات المو�ض���وعية ق���د ًرا �أكبر من المقرر‪ ،‬حي���ث تكون الإجابة‬
‫�س���ريعة تتي���ح للمفحو����ص �إجابة �أ�س���ئلة �أكثر ف���ي نف�س الزمن المح���دد لها في‬
‫اختبار المقال‪.‬‬
‫‪548‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ •ثبات التقدير‪ :‬حيث �إن لها �إجابة موحدة مقبولة‪ ،‬ال يختلف عليها م�صححان‪.‬‬
‫ •�س���هولة التقدير‪ :‬ي�س���تغرق تقدير االختبارات المو�ض���وعية وقتًا ق�صي ًرا مقارنة‬
‫باختبارات المقال‪.‬‬
‫ •فوائد تعليمية‪ :‬ت�ستخدم في تحديد مواطن ال�ضعف في �أداء التالميذ‪ ،‬وتحليلها‬
‫لتحديد كيفية عالجها‪.‬‬

‫نواحي الق�صور في الأ�سئلة المو�ضوعية‪:‬‬


‫ •التخمين ‪.Guessing‬‬
‫ •�صعوبة و�ضع االختبار‪ :‬حيث يتطلب �إعدادها وقتًا طويلاً ‪.‬‬
‫ •كلفة التنفيذ‪ :‬كثرة عدد الأ�سئلة يتطلب عددًا كبي ًرا من الأوراق‪.‬‬
‫ •اختبار العمليات المركبة‪ :‬مثل مهارة حل الم�شكالت وعمليات التفكير‪.‬‬

‫�أنواع االختبارات (نوع الأ�سئلة)‪:‬‬


‫من �أ�ش���هر �أنواع الأ�س���ئلة التي ت�س���تخدم في مجال االختبارات التح�ص���يلية (�أ�سئلة‬
‫المقال ـ الأ�سئلة المو�ضوعية ـ �أ�سئلة حل الم�شكالت ‪-‬الأ�سئلة التف�سيرية)‪.‬‬
‫وفيما ي�أتي نتناول بع�ض هذه الأنواع‪:‬‬
‫‪� -1‬أ�سئلة البديلين‪:‬‬
‫يتطلب �س����ؤال ال�صواب والخط أ� من التلميذ �أن يبدي ر�أيه في عبارة معينة بالإ�شارة‬
‫( √) �أو خط أ� ( × ) �أو نعم وال �أو تو�ض���ع العالمتان �أو الكلمتان ويطلب من التلميذ و�ض���ع‬
‫دائرة حول العالمتين �أو الكلمتين ‪.‬‬
‫نواتج التعلم التي يقي�س���ها ‪ :‬نقي�س نواتج التعلم التميزى الب�س���يط كالفهم وعالقات‬
‫ال�سبب والأثر والحقائق والأفكار الب�سيطة‪.‬‬
‫‪549‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫االحتياطات التي يجب �أن تراعى عند �إعدادها‪:‬‬


‫ • تجن���ب التعميم���ات؛ لأنها تنتهي ب�ألفاظ محددة تقترن عادة بفكرة ال�ص���واب‬
‫والخط����أ‪ ،‬مث���ل ( كل ‪ -‬فق���ط ‪ -‬ال ‪� -‬أب���دًا ‪ -‬ع���ادة ) ق���د توح���ي بالخط أ���� ‪ ،‬وكلم���ات مثل‬
‫(عادة ‪ -‬معظم ‪� -‬أبدً ا ) قد توحي بال�صواب‪.‬‬
‫ • تجنب الأ�سهاب في التفا�صيل التافهة‪.‬‬
‫ • تجنب العبارات المزدوجة التي تت�ضمن فكرتين‪.‬‬
‫ • يجب �أال يكون ترتيب العبارات ال�صواب والخط أ� ترتي ًبا ثان ًيا‪.‬‬

‫‪� -2‬أ�سئلة االختيار من متعدد‪:‬‬


‫يتطل���ب هذا النوع من التلمي���ذ �أن يختار �أ ًّيا من الإجاب���ات الكثيرة المقترحة �أكثر‬
‫�ص���وا ًبا من بي���ن البدائل المقدمة‪ ،‬وبذلك فهو ي�ش���ترط وجود �إجابة واحدة �ص���حيحة مع‬
‫وجود احتماالت م�شو�شة‪.‬‬

‫م َّم يتكون �س�ؤال االختيار من متعدد؟‬


‫يتكون ال�س�ؤال من جز�أين‪:‬‬
‫الأول‪ :‬ي�سمى الجذر ‪: Stem‬‬
‫وهو �إما �أن يكون في �صورة عبارة ناق�صة المعنى‪� ،‬أو في �صورة �س�ؤال مبا�شر‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬هو البدائل المقترحة ‪� Alternatives‬أو المحوالت‪.‬‬

‫ماذا تقي�س �أ�سئلة االختيار من متعدد؟‬


‫�أي نواتج التعلم التي ت�ستخدم �أ�سئلة االختيار من متعدد في قيا�سها؟‬
‫ •المعرفة‪ :‬معرفة الحقائق النوعية ـ الم�صطلحات ـ المبادئ والقوانين‪.‬‬
‫‪550‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫ •الفهم‪ :‬من حيث هو قدرة على �إدراك العالقات‪.‬‬


‫ •التطبيق‪ :‬حيث يقوم المفحو�ص با�س���تخدام المعارف (المعرفة) ال�س���ابقة في‬
‫موقف جديد‪.‬‬
‫و ُتع ّد الأ�س���ئلة من هذا النوع (االختيار من متعدد) �أقل �أنواع الأ�س���ئلة المو�ض���وعية‬
‫ت�أث ًرا بالتخمين (العالقة بين التخمين وعدد البدائل)‪.‬‬
‫االحتياطات الواجب مراعاتها عند بناء �أ�سئلة االختيار من متعدد‪:‬‬
‫‪ -1‬يجب �أن يتناول �أ�صل ال�س�ؤال الفكرة الرئي�سة المراد اختبارها‪.‬‬
‫‪ -2‬يجب �أن تكون البدائل مركزة كلما �أمكن‪.‬‬
‫‪ -3‬يجب �أن تتفق البدائل مع الأ�صل لغو ًّيا‪.‬‬
‫العيوب‪:‬‬
‫‪ -1‬اقت�صارها على الم�ستوى اللفظى فقط‪.‬‬
‫‪ -2‬ال ت�صلح لقيا�س بع�ض المهارات‪ ،‬مثل حل الم�شكلة‪ ،‬والقدرة على تنظيم الأفكار‪.‬‬
‫‪ -3‬تت�أثر بالتخمين و�إن كانت درجة ت�أثرها �أقل من �أ�سئلة ال�صواب والخط�أ‪.‬‬

‫�أ�سئلة التكملة‪:‬‬
‫يتطلب �س�ؤال التكملة من المحو�ص �أن يكمل الفكرة فى الجملة بو�ضع كلمة �أو كلمات‬
‫تملأ الأماكن الخالية‪� ،‬أى �إن المفحو�ص ينتج ا�ستجابته‪ ،‬ولي�س مجرد التعرف عليها‪.‬‬
‫وي�س���تلزم هذا النوع وقتًا فى �إجرائه‪ ،‬وهو �أقل الأ�س���ئلة المو�ضوعية من حيث تقدير‬
‫الإجابات‪ ،‬ولذا يجب �أن ي�شمل مفتاح الإجابة عددًا من الإجابات المحتملة‪.‬‬

‫نواتج التعلم التي تقي�سها‪:‬‬


‫ت�س���خدم ف���ى قيا����س نوات���ج التعل���م الب�س���يط م���ن حقائ���ق‪ ،‬وتف�س���يرات‪ ،‬ومعرف���ة‬
‫الم�ص���طلحات‪ ،‬والمبادئ‪ ،‬والحقائ���ق النوعية‪،‬والم�ش���كالت التى تتطلب تفكي ًرا ب�س ً‬
‫���يطا‬
‫وتنظي ًما من جانب المفحو�ص‪.‬‬
‫‪551‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫ويتميز هذا النوع ب�سهولة الإعداد و�سهولة الإجابة عنه‪.‬‬

‫االحتياطات التى يجب مراعاتها عند �إعداد �أ�سئلة التكملة‪:‬‬


‫‪ -1‬يجب �أن يملأ الفراغ ب�إجابة ب�سيطة‪ ،‬و�أال يكون هناك غمو�ض فى ال�س�ؤال‪.‬‬
‫‪ -2‬ال ينبغ���ى نق���ل العب���ارات م���ن الكتاب مبا�ش���رة‪ ،‬حيث ي����ؤدي ذلك �إل���ى الحفظ‬
‫واال�ستظهار‪ ،‬وت�ضمن �إ�شارات للإجابة‪.‬‬
‫يف�ضل ا�ستخدام الأ�سئلة المبا�شرة عن الجمل الناق�صة فى ال�صفوف الأولى‪.‬‬

‫الأ�سئلة التف�سيرية‪:‬‬
‫م َّم يتكون ال�س�ؤال التف�سيري؟‬
‫يتك���ون ال�س����ؤال التف�س���يري من �سل�س���لة من الأ�س���ئلة المو�ض���وعية الت���ي تعتمد على‬
‫مجموعة م�شتركة من البيانات الأولية‪ .‬فال�س�ؤال التف�سيري يتكون من جز�أين‪.‬‬
‫‪ -1‬المعطيات (البيانات الأولية)‪ :‬وتكون فى �صورة‪:‬‬
‫جداول‪.‬‬ ‫ •مواد مكتوبة‪.‬‬
‫ ‬
‫�صور‪.‬‬ ‫ •خرائط‪ .‬‬
‫ •ر�سوم و�أ�شكال‪.‬‬

‫‪� -2‬سل�سلة من الأ�سئلة المو�ضوعيةمن نوع االختيار من متعدد‪.‬‬

‫نواتج التعلم التي يقي�سها‪:‬‬


‫ت�س���تخدم ف���ي قيا�س نوات���ج التعل���م المرتبط���ة بالعملي���ات العقلية العلي���ا‪ ،‬كالفهم‬
‫والمهارات الخا�صة بالتفكير‪ ،‬وقدرات حل الم�شكالت والتف�سير وتطبيق المبادئ‪.‬‬
‫‪552‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫االختبارات املقننة‪:‬‬
‫ُيع��� ّد التقني���ن ‪� Standardization‬أح���د ال�ش���روط الأ�سا�س���ية التي يج���ب توافرها في‬
‫االختبارات التي ت�ستعمل في �أكثر من مكان وفي �أكثر من وقت ‪ .‬والق�صد بالتقنين تحديد‬
‫جميع الظروف التجريبية التي �أجريت على �ضوئها عملية ح�ساب المعايير ‪.Norms‬‬
‫فاالختبار يطبق على مجموعة كبيرة من الأفراد ُيراعى فيها �ش���روط اختيار العينة‪،‬‬
‫وتقن���ن �إجراءات تطبيق االختبار حتى يلتزم كل من ي�س���تخدم االختب���ار باتباع الخطوات‬
‫نف�س���ها‪ .‬ومن ا�ستجابات المجموعة التجريبية التي يجري عليها االختبار ُتح�سب المعايير‬
‫التي توزن بالن�سبة �إليها نتائج الطالب الذين ُيطبق عليهم االختبار فيما بعد‪.‬‬

‫كيفية اال�ستفادة من نتائج تقومي التح�صيل الدرا�سي‪:‬‬


‫الواقع �أن التقويم التربوي‪ ،‬ال تكون وراءه دالالت تقويمية‪� ،‬إال �إذا تم اال�س���تفادة من‬
‫النتائ���ج التي يح�ص���ل عليها المتعلمون عن���د تطبيق اختبارات تح�ص���يلية‪ ،‬لبيان تقدمهم‬
‫الدرا�سي‪ .‬لذلك يحتاج المعلم �إلى ا�ستخدام بع�ض الو�سائل الإح�صائية لتلخي�ص البيانات‬
‫الت���ي يح�ص���ل عليها‪ ،‬عندما يق���وم بتطبيق اختبارات تح�ص���يلية �أو مقايي����س تربوية على‬
‫المتعلمين‪ ،‬ومن البيانات الإح�ص���ائية التي ي�ستخدمها‪ ،‬يمكن �أن تكون �أحكامه مو�ضوعية‬
‫على البيانات والدرجات التي يح�صل عليها عند تطبيق االختبارات �أو المقايي�س التربوية‪.‬‬

‫بع�ض املفاهيم الإح�صائية‪:‬‬


‫فيما ي�أتي بع�ض المعامالت الإح�ص���ائية التي يمكن ا�س���تخدامها في عملية التقويم‬
‫دون الدخ���ول �إلى و�س���ائل �إح�ص���ائية متقدم���ة‪� ،‬إذ يكتفى ف���ي هذا الف�ص���ل بذكر مبادئ‬
‫�إح�صائية ت�ساعد على تقويم المتعلم‪.‬‬
‫التوزيع التكراري‪:‬‬
‫ي�ستخدم لت�صنيف البيانات الرقمية في �صورة وح�ساب مدى التكرار في هذه الفئات‪.‬‬
‫ف�إذا كان لدينا ف�صل درا�سي‪ ،‬وقمنا بتطبيق اختبار في الثقافة الإ�سالمية‪ ،‬وكانت الدرجة‬
‫‪553‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫النهائية لالختبار ‪ 50‬درجة‪ ،‬وكانت الدرجات التي ح�صل عليها المتعلمون كالآتي‪:‬‬
‫‪ 31‬و‪ 35‬و‪ 30‬و‪ 27‬و‪ 37‬و‪ 34‬و‪ 25‬و‪ 26‬و‪ 35‬و‪ 37‬و‪ 36‬و‪ 32‬و‪ 41‬و‪ 38‬و‪ 39‬و‪ 45‬و‪ 38‬و‪36‬‬
‫و‪ 19‬و‪ 24‬و‪ 30‬و‪ 39‬و‪ 32‬و‪ 33‬و‪ 35‬و‪ 47‬و‪ 28‬و‪ 27‬و‪ 23‬و‪.22‬‬
‫ف�إنه عند ا�س���تخراج التوزيع التكراري‪ ،‬تحتاج �إلى تحدي���د مدى للفئة التي نريدها‪،‬‬
‫وه���ذا الم���دى �إما �أن يكون ‪ 2‬و‪ 3‬و‪ 4‬و‪� ...5‬إلخ‪ ،‬ف����إذا كان المدى في هذه المجموعة ‪ 3‬ف�إن‬
‫ت�سل�سل الفئات في هذا التوزيع يمكن �أن يكون تكرارها كالآتي‪:‬‬

‫عدد الأفراد‬
‫التكرار‬ ‫الفئات‬
‫(الذين ح�صلوا على درجات تقع �ضمن الفئات)‬
‫‪1‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪20 -18‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪//‬‬ ‫‪32-21‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪///‬‬ ‫‪26 -24‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪///‬‬ ‫‪29 -27‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪////‬‬ ‫‪32 -30‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪////‬‬ ‫‪35 -33‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪/ ////‬‬ ‫‪38 -36‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪///‬‬ ‫‪41 -39‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪44 -42‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪//‬‬ ‫‪47 -45‬‬
‫المجموع ‪30‬‬
‫‪554‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫املتو�سط احل�سابي‪:‬‬
‫يحت���اج المعل���م �إل���ى �أ�س���لوب �إح�ص���ائي‪ ،‬ي�س���تخدمه للمقارنة بي���ن مجموعتين من‬
‫المتعلمين �أو عندما يقارن ف�صلين من ف�صول الدرا�سة‪.‬‬
‫والمتو�سط الح�سابي هو ذلك الأ�سلوب الإح�صائي الذي ي�ستخدم للمقارنة‪ ،‬وهو في‬
‫�ص���ورته الب�سيطة عبارة عن خارج ق�سمة مجموع الدرجات على عدد هذه الدرجات‪ ،‬ف�إذا‬
‫كان لدينا ‪ 7‬متعلمين ترتيب درجاتهم كالآتي‪:‬‬
‫‪ ،38 ،36 ،35 ،31 ،30 ،26 ،21‬ومجم���وع ه���ذه الدرجات يكون ‪ 217‬درجة‪ .‬ولما كان‬
‫‪31= 217‬‬‫عدد الأفراد �سبعة‪ ،‬ف�إن متو�سط درجات ه�ؤالء المتعلمين ال�سبعة هو ‪7‬‬
‫و�إذا �أردنا �أن ن�س���تخرج المتو�س���ط الح�سابي للقيم الم�ص���نفة في الجدول التكراري‬
‫ال�س���ابق‪ ،‬ف�إننا نختار فئة يك���ون مقابلها �أكبر تكرار‪ ،‬و ُتع ّد نقطة ال�ص���فر في الجدول‪ ،‬ثم‬
‫نقوم بح�ساب انحراف مراكز الفئات المختلفة عن هذه القيمة االعتبارية التي اخترناها‪،‬‬
‫ويمكن ا�ستكمال �إجراءات الو�سيلة الإح�صائية كالآتي‪:‬‬
‫التكرار * االنحراف‬
‫(ت *ح)‬ ‫الفئات (ف) التكرار (ت) االنحراف الفر�ضي (ح)‬
‫‪6- = 6- * 1‬‬ ‫‪6-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪20 -18‬‬
‫‪10- = 5- * 2‬‬ ‫‪5-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪23 -21‬‬
‫‪12- = 4- * 3‬‬ ‫‪4-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪26 -24‬‬
‫‪9- = 3- * 3‬‬ ‫‪3-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪29 -27‬‬
‫‪10- = 2- * 5‬‬ ‫‪2-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪32 -30‬‬
‫‪5- = 1- * 5‬‬ ‫‪1-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪35 -33‬‬
‫�صفر‬ ‫�صفر‬ ‫‪6‬‬ ‫‪38 -36‬‬
‫‪3=1*3‬‬ ‫‪+1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪41 -39‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪+2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪44 -42‬‬
‫‪6=3*2‬‬ ‫‪+3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪47 -45‬‬
‫‪43 -‬‬ ‫‪30‬‬
‫‪555‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫وال�ستخراج المتو�سط الح�سابي ن�ستخدم المعادلة‪:‬‬


‫جمموع ت * ح‬ ‫المتو�سط (م)= املتو�سط الفر�ضي‬
‫* ف (الفئة)‬ ‫جمموع ت‬ ‫ال�صفرية) ‪+‬‬ ‫(مركز الفئة‬
‫م = م ف ‪ +‬تتح * ف‬
‫‪3 * 43-‬‬
‫د = ‪30 + 37‬‬
‫د = ‪33.7 = 4.3 - 37‬‬

‫االنحراف املعياري‪:‬‬
‫المتو�س���ط الح�س���ابي ي�س���تخدم عند و�ص���ف مجموعة من المتعلمي���ن بقيمة عددية‬
‫واحدة‪ ،‬ومثل هذه القيمة ت�س���تخدم عند مقارنة مجموعات من المتعلمين �أو الف�ص���ول �أو‬
‫في مقارنات �أخرى‬
‫ان�سجاما وتقار ًبا‬
‫ً‬ ‫وفي بع�ض الأحيان يحدث �أن تكون القيم الرقمية مجموعة ما �أكثر‬
‫من قيم مجموعة �أخرى‪ ،‬حيث تبدو هذه المجموعة الأخيرة �أكثر تباي ًنا وت�شتتًا‪.‬‬
‫مث���ال ذلك عندما نق���ارن مجموعتين من المتعلمين كل مجموعة من خم�س���ة �أفراد‬
‫توزيع درجاتهم كالآتي‪:‬‬
‫‪ -‬درجات المجموعة الأولى‪.37 ،30 ،31 ،33 ،32 :‬‬
‫ف�إن المتو�سط لهذه المجموعة يكون ‪.32 ،6‬‬
‫‪ -‬درجات المجموعة الثانية‪.29 ،47 ،22 ،30 ،25 :‬‬
‫ف�إن المتو�سط لهذه المجموعة يكون ‪.32 ،6‬‬
‫ولما كان متو�سط المجموعتين ال يك�شف عن فروق‪� ،‬أي ال يك�شف عن تباين �أو ت�شتت‪،‬‬
‫و�إن كان من الوا�ض���ح �أن �أفراد المجموعة الأولى المتو�س���ط لمجموع درجاتهم يقترب من‬
‫تباين بين الأفراد في اقترابهم من المتو�سط‪.‬‬
‫‪556‬‬
‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬ ‫علم النف�س التربوي‬

‫لزاما علينا �أن نعرف مدى الت�ش���تت في �أي مجموعة من المتعلمين‪ ،‬حتى‬
‫لذلك كان ً‬
‫يمكن �أن نراعي ذلك في تعاملنا مع هذه المجموعة‪.‬‬

‫وعندما يتحدد �أمام المعلم مدى تباين درجات اختبار معين‪ ،‬ف�إنه ي�ستطيع �أن ي�ضع‬
‫الخطط التربوية التي تمكنه من التعامل مع الم�ستويات المختلفة داخل الف�صل الدرا�سي‪،‬‬
‫�أي يمكنه �أن يتعرف �إلى الم�ستويات ال�ضعيفة والقوية داخل الف�صل الدرا�سي‪.‬‬

‫ويمكن �أن نح�صل على التباين عن طريق ما ُيعرف �إح�صائ ًّيا باالنحراف المعياري‪،‬‬
‫م�ستخدمين في ذلك ح�ساب خطوات المتو�سط الح�سابي‪ ،‬على �أن ي�ضاف �إلى ذلك ح�ساب‬
‫مربع التكرار م�ضرو ًبا في االنحراف‪ ،‬كما هو مو�ضح كالآتي‪:‬‬
‫(التكرار *‬ ‫مربع‬ ‫التكرار *‬ ‫االنحراف‬
‫التكرار‬ ‫الفئات‬
‫االنحراف االنحراف)‪2‬‬ ‫االنحراف‬ ‫الفر�ضي‬
‫(ت)‬ ‫(ف)‬
‫(ت * ح)‪2‬‬ ‫ح‪2‬‬ ‫(ت * ح)‬ ‫(ح)‬
‫‪36‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪6-‬‬ ‫‪6-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪20 -18‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪10-‬‬ ‫‪5-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪23 -21‬‬
‫‪48‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪12-‬‬ ‫‪4-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪26 -24‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪9-‬‬ ‫‪3-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪29 -27‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪10-‬‬ ‫‪2-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪32-30‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪5-‬‬ ‫‪1-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪35 -33‬‬
‫�صفر‬ ‫�صفر‬ ‫�صفر‬ ‫�صفر‬ ‫‪6‬‬ ‫‪38 -36‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪41 -39‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪44 -42‬‬
‫‪18‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪47 -45‬‬
‫‪207‬‬ ‫‪43-‬‬ ‫‪30‬‬
‫وت�ستخدم المعادلة الآتية ال�ستخراج االنحراف المعياري‪:‬‬
‫‪557‬‬
‫علم النف�س التربوي‬ ‫الباب التا�سع‪ :‬التقويم التربوي‬

‫‪43-‬‬
‫متو�سط االنحرافات = ‪14.33- = 30‬‬
‫‪6.9 = 207‬‬
‫متو�سط مربعات االنحرافات = ‪30‬‬
‫االنحرافالمعياري=مدىالفئة متو�سط مربعات االنحرافات ‪ -‬مربع متو�سط االنحرافات‬

‫‪2‬‬
‫= ‪)14.33-( - 6.9 3‬‬

‫= ‪)20.5( - 6.9 3‬‬

‫= ‪13.6 3‬‬

‫= ‪� 11.04 = 3.68 * 3‬أي نحو ‪.11‬‬

‫االختبارات املو�ضوعية‪ :‬مزاياها‪ ،‬عيوبها‪� ،‬أعدادها‪� ،‬أ�سئلة ال�صواب‬


‫واخلط�أ‪ ،‬االختيار من متعدد‪ ،‬التكملة‪ ،‬الأ�سئلة التف�سريية‪ ،‬االختبارات‬
‫املقننة‪ ،‬اال�ستفادة من نتائج تقومي التح�صيل‪.‬‬
‫املفاهيم الإح�صائية‪ :‬التوزيع التكراري‪ ،‬املتو�سط‪ ،‬االنحراف املعياري‪.‬‬

‫تلخي�ص‪:‬‬
‫‪ -1‬ت�ستخدم االختبارات بو�صفها و�سائل للتقومي يف كثري من امليادين الرتبوية‪.‬‬
‫‪ -2‬تق�سم االختبارات من حيث و�سائل القيا�س �إىل عقلية معرفية و�أخرى لقيا�س اجلوانب‬
‫ال�شخ�صية واملزاجية ‪ -‬وبالن�سبة �إىل املخترب وبالن�سبة �إىل طريقة الأداء ‪ -‬وبالن�سبة‬
‫�إىل الزمن‪.‬‬
‫‪ -3‬تتبع خطوات معينة عند �إعداد االختبارات بو�صفها �أدوات للتقومي‪.‬‬

You might also like