Professional Documents
Culture Documents
كتابب مفيد في بابه ،يزهو بحق على أترابه؛ فهو ينشر فضل العلم ،ويكشف عن سمو محمملته ،ورفعة ناقليه ،ويذود عن
لحوم العلماء ،ويدافع عن هؤلء الصأفياء ورثة النبياء ،وينوه بفضائلهم ،ويشيد بشرفهم ،ويرغغب في النخراط في
سلكهم ،والتأدب في مجالسهم.
فالكتاب مليء بمناقب العلماء ،وفضائل حملة الشريعة الغراء؛ ففصأوله مزينة بنصأوص من الكتاب والسنة تبرهن على
رفعة العلماء ،وتؤكد على أهمية العلم الشرعي.
كما أضاف إلى ذلك ححكما بالغة من حكم القدمين ،وآثارا سنيية من أقوال السالفين ،وقصأصأا تحوي عبرا ،ومواقف
مثالية لئمة ظهرت في مواقفهم عزة العلم ،وجرأة المخلصأين ،ونصأائح المتقين.
كما تخللل تلك الفصأول مناظيم حكملية ،وأشعار هادفة ،تضم نصأائح ،وتهدي إلينا عصأارة فكر القدمين.
على العلماء بنفسه في اليات الزاهرة ورفع منازلهم وجعلها بينة ظاهرة وأعلى مراتبهم
في الدنيا و الخرة
وأوجب ال تعالى على جميع عباده وعلى الملوك الذين مكنهم ال في بلده طاعة العلماء
والنقياد لمرهم وجعلهم حجة على خلقه بأسرهم فهم النور الذي يستضيئون به في برهم
وبحرهم
وهم خلفاء ال وخلفاء رسله في أرضه وهم أمناؤه في تبيين شرعه وفرضه وهم حجته
على عباده اكتفى بهم عن بعث نبي وإرسال نذير كما قيل
حجج الله على الورى علماؤهم ...في كل عصأر بعد كل رسول
قال أبو السود الدؤلي الراوي عن علي رضي ال عنهما ليس شيء أعز من العلم
الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك ذكره الثعالبي في تفسيره سورة
النساء وذكره صأاحب كتاب زهرة العيون وغيرهما
فما زال العلماء حكاما على السلطين والسلطين سيفا ونصأرة للدين وما برح الملوك
بالعلماء يقتدون
وبقولهم يهتدون ل يضع الملوك سيفا ول يغمدونه إل بما قاله علماؤهم ل يعتدونه
قد عرفوا للعلماء حقوقهم وسلكوا بأفعالهم طريقم وأذلوا من رام عقوقهم
ونصأروا الشريعة بالسيف وردوا إليها من أظهر الحيف ولم يقولوا لم هذا ول كيف بل
مهدوا الرض للعلماء تمهيدا وتبعوا أحكامهم وقلدوهم تقليدا ونصأروا الشرع والعلماء
نصأرا حميدا
علموا أن العلماء هم الوسائط بن ال وبين خلقه وأنهم العارفون بما يجب من رعاية حقه
فقدروهم قدرهم وشدوا بهم أزرهم وجعلوا من طاعة ال نصأرهم
وتواضعوا للعلم والعلماء ولم يتكبروا وانقادوا تحت أمر علمائهم ولم يتجبروا
روي أن أمير المؤمنين هارون الرشيد لما قدم المدينة حاجا وجه البرمكي إلى المام
مالك بن أنس الفقيه رضي ال عنهما وقال له يقول لك أمير المؤمنين احمل إليه الكتاب
الذي صأنفته يعني الموطأ ليسمعه عليك فقال له مالك أقرئه السلم وقل له إن العلم يزار
ول يزور ويؤتى ول يأتي
فرجع البرمكي إلى هارون فأخبره ثم قال له البرمكي يا أمير المؤمنين يبلغ أهل العراق
أنك وجهت إلى مالك بأمر فخالفك اعزم عليه حتى يأتيك
فبينا هم كذلك إذ بمالك رحمه ال قد دخل وليس معه الكتاب جاء مسلما على الخليفة فسلم
وجلس فقال له هارون يبلغ أهل العراق أني سألتك أمرا من المور سهل فأبيت علي
فقال مالك يا أمير المؤمنين إن ال قد جعلك في هذا الموضع لعلمك فل تكن أول من
يضع العلم فيضعك ال ولقد رأيت من ليس هو في حسبك ونسبك يعز هذا العلم ويجله
فأنت أحرى أن تجله
ولم يزل يعدد عليه من ذلك أشياء حتى بكى هارون ثم قال مالك أخبرني الزهري عن
خارجة قال قال زيد بن ثابت كنت أكتب بين يدي رسول اللهالوحي في كتف ل يستوي
القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل ال وابن أم مكتوم عند النبيفقال يا رسول
ال أنا رجل ضرير البصأر فهل لي
وروى أبو نعيم في كتاب حلية الولياء أن عبد الرحمن بن خالد أرسل إلى أبي حازم
رحمه ال أن ائتنا حتى نسألك وتحدثنا فقال أبو حازم معاذ ال أدركت أهل العلم ل
يحملون الدين إلى أهل الدنيا فلن أكون أول من فعل ذلك فإن كان لك حاجة فأبلغنا
فتصأدى له أبو عبد الرحمن وقال ازددت بها علينا كرامة
وروينا في كتاب تقييد المهمل للحافظ الجباني رحمه ال بإسناده أن المير خالد بن أحمد
الذهلي والي بخارى بعث إلى المام البخاري رحمه ال أن احمل إلي كتاب الجامع
والتاريخ وغيرهما لسمع فقال البخاري لرسوله أنا ل أذل العلم ول أحمله إلى أبواب
الناس فإن كان لك إلى شيء منه حاجة فاحضرونى في مجلسي في داري فإن لم يعجبك
هذا فأنت سلطان فامنعني من المجلس ليكون عذرا لي عند ال يوم القيامة
ومن أمثال العرب المشهورة المتداولة بينهم في الجاهلية والسلم قولهم في بيته يؤتى
الحكم حتى إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ال عنه كان بينه وبين أبي رضي
ال عنه خصأومة في مواريث فأتيا
زيد بن ثابت رضي ال عنه في منزله ليحكم بينهما فقال يا أمير المؤمنين لو أمرتني
لجئتك قال عمر في بيته يؤتى الحكم
وقال بعض الحكماء من الشريعة أن يجل أهل الشريعة ويحكى أن أمير المؤمنين أبا
جعفر المنصأور خرج حاجا إلى بيت ال الحرام فلما قرب من المدينة تلقاه وجوه أهلها
من قريش والنصأار وغيرهم وكان فيمن تلقاه عبد ال بن الحسن بن الحسن بن علي بن
أبي طالب رضي ال عنهم في رجال من قريش ووجوه بني هاشم مشاة ولقيه محمد بن
عمران راكبا وكان قاضيه على المدينة وكان رجل بدينا فغاظ أبا جعفر المنصأور تلقيه
له راكبا وبلغ منه كل مبلغ وقال لوزيره الربيع يتلقاني سراة قريش والنصأار ورؤوس
العرب مشاة ويتلقاني عبد ال بن الحسن راجل في بني هاشم ويتلقاني ابن عمران راكبا
وال لعاقبنه ولنكلن به أو يخرج مما فعل
قال فلما استقر قراره وجه إليه فلما دخل عليه ومثل
بين يديه قال له يا ابن عمران بلغني أن فيك ثلث خصأال لتخرجن منها أو لجعلنك نكال
قال وما هن يا أمير المؤمنين قال بلغني أنك ل تصألي في مسجد رسول اللهوأنك ل
تخالط أشراف الناس ول سوقتهم تيها وكبرا وأنك بخيل بذات يدك
فقال يا أمير المؤمنين أما تركي للصألة في مسجد رسول اللهفإني ما تركت ذلك رغبة
عنه ول جهل بفضيلته ولكني رجل بدين ل ألحق المام في ركوعه وسجوده ول قيامه
وقعوده فلزمت الصألة في منزلي لؤدي فرضي كما وجب علي وأتم ركوعي وسجودي
ولول ذلك ما تلقيت أمير المؤمنين راكبا
وأما ما ذكره أمير المؤمنين من تركي مخالطة أشراف الناس وسوقتهم تيها وكبرا فإنما
تركت ذلك خوفا أن أخالط أشراف الناس فيجترئوا على ضعافئهم أو أخالط ضعفاءهم
فيجترئوا على أشرافهم وأنا عامل من عمال أمير المؤمنين ل يسعني فيما استرعاني فيه
إل العدل فيما بينهم فتركت هؤلء وهؤلء لذلك
وأما قول أمير المؤمنين أني بخيل بذات يدي فإني ما أحمد في حق ول أذم في باطل
وإنما هو رزق أمير المؤمنين ل أملك غيره فإن تفضل أمير المؤمنين بزيادة سمحت
وبسطت يدي ولكن يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تنظر في أمر بني مخزوم فإنهم ذكروا
أن عينا ونخل لهم في يدك وقد أكثروا في ذلك وذكروا أنها لهم وأن معهم بذلك بينة
عادلة تشهد لهم
فقال المنصأور يا ابن عمران تلك العين والنخل كانت للعباس بن عبد المطلب فقال يا
أمير المؤمنين اثبت على حجتك وتقيم وكيل وتشهد له شاهدين ممن حضر مجلسك
فيتكلم بحجتك وما قضي له أو عليه كان لك أو عليك
قال أبو جعفر قد أقمت وكيل وأشهدت له فلنا وفلنا فقال ابن عمران للشاهدين اشهدا
على أمير المؤمنين وما وجب له أو عليه فلمير المؤمنين أو عليه قال نعم قال ابن
عمران فإني أشهدكما ومن حضر أني قد حكمت بالعين والنخل التي في يده لبني مخزوم
بما صأح عندي لهم
قال فرأيت أبا جعفر وقد نزل به من الغيظ ما
لم يملك نفسه معه ثم قام فدخل وقام ابن عمران إلى مسجد رسول اللهفصألى ركعتين ثم
جلس يحكم بن الناس
قال فجاءه قوم من الجمالين فقالوا أصألح ال القاضي إن أمير المؤمنين المنصأور اكترى
منا جمالنا على أن لنقيم في المدينة إل ثلثة أيام وهذا اليوم الثالث فإما رحل بنا ووفى
لنا وإل علف لنا جمالنا فقال لكاتبه قم معهم إلى باب أمير المؤمنين فإما أنصأفهم وإما
حضر معهم مجلس الحكم وأعطاه خاتما بإحضاره
فقام الكاتب مع الجمالين إلى باب الملك فوافى الربيع فقال له أصألحك ال أنا رسول
القاضي ابن عمران مع هؤلء القوم إلى أمير المؤمنين بكذا وكذا ول أحسب القاضي إل
قد خولط في عقله ومعي خاتمه ودفعه إلى الربيع فدخل الربيع مغضبا فقال يا أمير
المؤمنين إنك بسطت لبن عمران حتى تناولك بمثل هذا قال وما هو قال إنه وجه كاتبه
مع الجمالين ومعه خاتمه بجلبك إلى مجلسه مع خصأمائك قال الربيع فنظرت إلى وجه
المنصأور وهو يتلون يحمر ويصأفر ثم قال لخادمه
يا مسرور ائتني بجبة أسماط بيضاء أضعها فوق ثيابي وقلنسوة طويلة وعكاز أتوكأ عليه
ونعلين عربيتين وناد في الناس برئت الذمة من رجل قام إلى أمير المؤمنين في هذا اليوم
إذا رآه فليس ذلك
ثم خرج من دار المارة حتى دخل مسجد رسول اللهفأتى سارية علي رضي ال عنه
فصألى عندها ركعتين وكان ابن عمران جالسا ينظر في أمور الناس ل يلتفت يمينا ول
شمال ول يحول وجهه إلى أمير المؤمنين ول يدعو به فلما فرغ المنصأور من ركعتيه
قال للربيع لئن زادني ابن عمران على حقي شيئا لجعلنه نكال في هذا اليوم
قال الربيع فقلت في نفسي لنت أهون عليه من ذلك فلما خف مجلسه دعا بالجمالين ثم
نادى مناديه أين عبد ال بن محمد بن علي فلم يقم المنصأور ثم قال المنادي أين عبد ال
بن محمد الهاشمي فقام المنصأور قائما فدخل فجلس بين يديه فقال ابن عمران تكلموا
فقالوا أصألح ال القاضي هذا أمير المؤمنين
اكترا منا جمالنا إلى مكة على أن ل نقيم بالمدينة إل ثلثا وهذا اليوم الثالث فإما وفى لنا
بشرطنا وإما علف لنا جمالنا
فقال القاضي لبي جعفر ما تقول أنت قال ما هكذا شارطناهم فقال للجمالين قد سمعتم
مقالته فهل عندكم بينة تشهد عليه قالوا لنا ولكن يحلف قال لبي جعفر قد سمعت ما قالوا
قال له ل أحلف لهم ولكن أعلف لهم جمالهم ما أقاموا بالمدينة ثم نهض المنصأور
فلما فرغ ابن عمران من نظره بين الناس قام من مسجد رسول اللهفدخل إلى منزله فبكى
بكاء شديدا ثم اغتسل وتطيب وركب إلى الخليفة فاستأذن عليه فدخل وسلم عليه بالخلفة
ووقف بين يديه يبكي فقال له المنصأور مالك يا ابن عمران قال يا أمير المؤمنين إنك قد
قلدتني الحكم وجعلتني حجة بين ال وبينك فلم يسعني في الحكم عليك وعلى رعيتك إل
العدل والنصأاف
قال له المنصأور وال يا ابن عمران ما أردت بذلك إل ال ومالك عندي إل المكافأة
بالحسان فجزاك ال
خيرا . . .وإني لعلم أنك صأادق أمين ارجع إلى حكمك بين الناس فقد أمرت لك
بعشرة آلف دينار فاصأرفها في حوائجك وزد في بسط يدك واحكم بين الناس بالسوية
ول تأخذك في ال لومة لئم فأخذها ابن عمران وانصأرف فهكذا كانوا في اتباع شريعة
رسول اللهوفي التواضع لها واحترامها واحترام أهلها
فصأل
ثم ظهر بعد ذلك ملوك جهلة ووزراء خونة وأجناد فسقة فظلموا وهضموا بأعذار
وضعوها ورسومات ابتدعوها وتمويهات صأنعوها
وما نقل عن أحد ممن ظلم وهضم من ملوك العرب والعجم ممن وحد ال وأسلم أنه
عكس قانون الشريعة ول رام خذلنها في الدنيا الوسيعة ول غير قانونها الرفيع ول رمى
أهلها بالثلب والتبديع بل أقاموا الدين على رؤوسهم وآثروا نصأر الشريعة على نفوسهم
وبذلوا الرواح والموال لنصأره وقدروا شرع ال سبحانه حق قدره وأوصأوا بتوقيره
أخدامهم وأجروا بذلك في كتبهم أقلمهم فكانوا إذا ولوا أميرا على ناحية أو بلدة قاصأية
فمن أول ما يعهدون إليه ويأخذون عليه القيام بإعزاز الشريعة والحكام اللذين بهما قوام
السلم
ومن أمثلة ما يكتبونه له ما حكاه الوزير ضياء الدين نصأر ال بن محمد المعروف بابن
الثير رحمه ال في كتاب المثل السائر عن الخليفة الطائع ل إذ قال فيما كتبه لبعض من
وله وأمره أن يوصأي عماله بالشد على أيدي الحكام وتنفيذ ما يصأدر عنهم من الحكام
وأن يحضروا مجلس القضاة حضور الموقرين لها الذابين عنها المقيمين لرسوم الهيبة
وحدود الطاعة فيها
ومن خرج عن ذلك من ذي عقل ضعيف وحكم سخيف نالوه بما يردعه وأحلوا به ما
يزعجه
اه
ومتى تقاعس متقاعس عن حضوره مع خصأم يستدعيه بأمر يوجبه ال فيه أو التوى ملتو
بحق مقضي عليه ودين مستقر لديه قادوه إلى الشريعة بأزمة الصأغار وجرائم
الضطرار وأن يحبسوا ويطلقوا بأقوال الحكام وقضاياهم ويثبتوا اليدي في الملك
وينزعوها بحكمهم وفتواهم فإنهم أمناء ال في فصأل ما يقضون وبث ما يبتون وعن
كتاب ال وسنة نبيه يوردون ويصأدرون في كلم كثير يدل على التبجيل والتوقير
ومن تقليد آخر يقول فيه الملك للمشد القائم على
النظر في المظالم وأمره بإقامة الحق ونصأرته وإبانته وأزرته وأن ل يرد لحاكم حكومة
ول يغل له قضية ول يتعقب ما ينفذه الحاكم ويمضيه ول يتتبع ما يحكم به ويقضيه في
كلم طويل جزل يأمر بتعظيم الشرع ويحث على العدل
ومن تقليد آخر يقول فيه بعض الخلفاء قد جيء بنا في زمن أصأبح الناس فيه سدى وعاد
السلم فيه غريبا كما بدا وهو الزمن الذي كثرت فيه أشراط اليوم الخير وغربلت فيه
المة حتى لم يبق إل حثالة كحثالة التمر والشعير
ومن أهم ما نقرر بناءه ونقدم عناءه ونصألح به الدين وأبناءه أن نمضي أحكام الشريعة
المطهرة على ما قررته في تعريف ما عرفته وتنكير ما نكرته ولم يأت بنا ال ول ولنا
ال إل لنعيد الدين قائما على أصأوله صأادعا بحكم ال فيه وحكم رسوله في كلم طويل
يدل على التبجيل والتجليل للشريعة والدين الحسن الجميل
وذكر المام الماوردي رحمه ال عن بعض البلغاء أنه قال العلم عصأمة الملوك لنه
يمنعهم من الظلم ويردهم إلى الحكمة ويصأدهم عن الذية ويعطفهم على
الرعية فمن حقهم أن يعرفوا فضله ويستبطنوا أهله أي يجعلوهم بطانتهم وخواصأهم
وقد روي أن زيادا قام في وقت إمارته خطيبا على منبر الكوفة فقال أيها الناس إني قد
رأيت خلل أقدم إليكم فيهن النصأيحة رأيت إعظام الشريف وإجلل ذوي العلم وتوقير
ذوي السنان
وإني أعاهد ال تعالى أني ل أوتى برجل رد على ذي شرف ليرد به شرفه ويضع منه
إل عاقبته
ول أوتى بجاهل رد على ذي علم ولحاه ليهجنه ويضع بذلك من علمه إل عاقبته
ول أوتى بشاب رد على ذي شيبة لم يعرف له سنه إل عاقبته
إنما الناس بأعلمهم وعلمائهم وذوي أسنانهم
انتهى كلمه رحمه ال في هذه الخطبة الشريفة
فلم يزل الملوك والمراء والعوان لهم والوزراء صأادعين بإقامة الشريعة ذابين عن
معالمها الرفيعة
قد جعلوا من استخف بها مرتدا عن السلم والدين وأجروا عليه أحكام المرتدين من قتله
وسلبه ودفنه بغير مقابر المسلمين
بهذا جرت الولة على إعزاز الشرائع
قال أقضى القضاة ابن الجنيد رحمه ال وقد رأينا هذا عيانا قريبا في عصأرنا يعني أن
من أقامها فهو منصأور ومن أهانها فهو مخذول ويشهد لذلك قوله تعالى يا أيها الذين
آمنوا إن تنصأروا ال ينصأركم أراد بنصأر ال سبحانه وتعالى نصأر دينه وشريعته ورد
الناس بالسيف إلى طاعته
وكتب هذا الملك أيضا خطبة بيده توقيعا على قضية وردت من بعض القضاة إليه ما
مثاله نحن خدام الشريعة وأعوانها نحن سيف الشريعة وسنانها أجر الشرع الشريف
مجراه ولو على أحد أولدنا ول تحتشم
اه هذا لفظه منقول من خطه
فذكر الملك المذكور هذا الكلم الذي هو أشرف من در النظام وهو متشرف بقوله هذا
بين النام
ويا له من شرف ما أسناه وبين الملوك ما أعله وما أحسنه وأوله
وما أشرفه من مقال وما أكرمه من فعال
فإن جميع العلماء والصأالحين والتقياء والعارفين والفقهاء والمحدثين والئمة
المتصأدرين والجبابرة المتكبرين والملوك الظلمة والولة الغشمة يتشرفون بالمتداح
بخدمة
الشريعة شرفها ال لن خادمها مطيع ل ناصأر لدين ال مقيم لسنة رسول اللهوشرف
وكرم
وناهيك بها فضيلة ورتبة جليلة يفاخر عليها ويدعى إليها وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
و لمثل هذا فليعمل العاملون
فصأل
وقد نجم في هذا الوقت ناجم وهجم على العلماء هاجم باللوم والعقوق وإهمال الشرائع
والحقوق ورام عكس المور الشرعية بإثارة المظالم البدعية
...فل الحق مسلوك ول الشرع قائم
لم يعرف للشرع الشريف حقه بل أهمله وجفاه وعقه
فلم ينصأر حاكما ول منع متعديا ظالما
قد أتعبه حسده وجهله حتى عزب عنه رشده وعقله
فجعل يتبع العلماء بذمه ويغتابهم بمقته ولومه
ويضحك الناس منهم ويعجب ويبحث عن زلتهم ويثرب
وليس بضارهم شيئا إن شاء ال
فإن سبحانه وتعالى قد أعز العلم والعلماء وشرفهم في الرض والسماء قال رسول ال
مثل العلماء في الناس كالنجوم
روي أن معاوية نزل بالبطح حاجا في خلفته معه زوجته فاخته بنت قرظة والناس
يصأدرون وإذا برجل قد حف به لفيف من الناس يسألونه عن أشياء أشكلت عليهم من أمر
دينهم وذلك الرجل يفتيهم
فالتفت معاوية إلى بنت قرظة وقال هذا وأبيك الشرف هذا وال شرف الدنيا وشرف
الخرة
ولقد صأدق معاوية في قوله فإن العالم قائم في المة مقام النبياء وهو سراج المة
وضياؤها بل مراء
يبين لهم الحكام ويفرق لهم الحلل من الحرام ويخرجهم بفتواه من الثام ويوضح لهم
شرائع السلم
قال المام أبو عمرو بن الصألح رحمه ل فيما يرويه عن سهل بن عبد ال التستري
رحمه ال وكان أحد الصأالحين المعروفين بالمعارف والكرامات أنه قال من أراد أن
ينظر إلى مجالس النبياء عليهم السلم فلينظر إلى مجالس العلماء يجيء الرجل فيقول يا
فلن أيش تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول طلقت امرأته
وهذا مقام النبياء فاعرفوا لهم ذلك
هذا آخر كلمه رحمه ال
فيا له من شرف ما أعله ومن عز ومنصأب ما أسماه وما أخطره على من لم يتحر في
فتواه ولم يراقب في علمه وعمله موله
قال أبو الليث السمرقندي رحمه ال في كتاب أدب التعليم وينبغي أن ينوي المتعلم بطلب
العلم رضى ال تعالى والدار الخرة وإزالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال وإحياء
الدين وإبقاء السلم فإن بقاء السلم بالعلم ول يصأح الزهد والتقوى مع الجهل
وقال في تنبيهه العلماء سرج الرض
وكل عالم مصأباح زمانه يستضيء به أهل زمانه وعصأره
وقيل العالم كالعين العذبة نفعها دائم
وقيل العالم كالغيث حيث وقع نفع
وقيل هو كالسراج من مر به اقتبس وقيل مثل العالم كمثل الحمة يأتيها البعداء ويتركها
القرباء فبينا هي كذلك إذ غار ماؤها وقد انتفع بها قوم وبقي قوم يتفكنون أي يتندمون
قال أهل اللغة الحمة بفتح الحاء عين ماء حار يستشفى بالغتسال فيها
وقال الحسن رحمه ال مثل العلماء كمثل النجوم إذا بدت اهتدوا بها
وموت العالم ثلمة في السلم ل يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار
وقال أبو جعفر لموت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا
ذكره عنه في كتاب الترغيب والترهيب وأنشد للشافعي رضي ال عنه
الرض تحيى إذا ما عاش عالمها ...متى يمت عالم منها يمت طرف
كالرض تحيى إذا ما الغيث حل بها ...وإن نأى عاد في أكنافها التلف
وروى الثعالبي عن عطاء في تفسير قوله تعالى أولم يروا أنا نأتي الرض ننقصأها من
أطرافها
قال موت علمائها وفقهائها
وعن سعيد بن جبير رضي ال عنه علمة هلك الناس هلك علمائهم
فإن بهم صألح الدين وقمع المعتدين ومعرفة رب العالمين
فصأل
وقد بين رسول اللهأن العلماء ثقات عدول وأوضح بقوله عليه السلم يحمل هذا العلم من
كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين
وهذا حديث حسن مشهور وهو في كتب الئمة مسند مذكور
فأخبرأن حملة العلم في كل أوان هم عدول أهل ذلك القرن والزمان
ول شرف أشرف من تعديل رسول اللهوشرف وكرم ومجد وعظم
قال المام النووي رحمه ال في أول كتاب التهذيب وهذا إخبار منهبصأيانة العلم وعدالة
ناقليه وأن ال تعالى يوفق في كل عصأر خلفاء
وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه ال الناس عند علمائهم كالصأبيان في حجور
أمهاتهم ما أمروهم به ائتمروا وما نهوهم عنه انتهوا
رواه عنه أبو نعيم في كتاب حلية الولياء
وروى الثعالبي رحمه ال بإسناده أن النبيقال اعملوا بالقرآن أحلوا حلله وحرموا حرامه
وآمنوا به وما اشتبه عليكم فردوه إلى ال وإلى أولي العلم من بعدي كيما يخبروكم به
وآمنوا بالتوراة والنجيل والزبور وما أنزل إليكم من ربكم وليسعكم القرآن وما فيه من
البيان فإنه شافع مشفع وما حل مصأدق وإنه بكل حرف نور يوم القيامة
ففي هذا الحديث دليل على أن المشتبه مردود إلى أهل العلم دون غيرهم وكفى به شرفا
وتنبيها على فضلهم وال الموفق سبحانه
والكابر من العلماء هم ركن الدين وأصأاغرهم غرس الدين
وروى الخطيب البغدادي رحمه ال في كتابه عن ابن المبارك رحمه ال أنه كان إذا رأى
صأبيان أهل الحديث في أيديهم المحابر يقربهم ويقول هؤلء غرس الدين أخبرنا أن
رسول اللهقال
ل يزال ال سبحانه يغرس في هذا الدين غرسا يشد بهم الدين هم اليوم أصأاغر ويوشك
أن يكونوا كبارا من بعدكم
وروي بإسناده أيضا عن عبد العزيز بن أبي راود رضي ال عنه أنه نظر إلى شاب وفي
يده محبرة فقال هذه قناديل اليمان وأعلم المتقين
يعني قارورة الحبر قال وأنشد بعضهم في المحبرة
قناديل دين ال يسعى بحملها ...رجال بهم يحيى حديث محمد
هم حملوا الثار عن كل عالم ...تقي صأدوق فاضل متعبد
محابرهم زهر تضيء كأنها ...قناديل حبر ناسك وسط مسجد
تساق إلى من كان في الفقه عالما ...ومن صأنف الحكام من كل مسند
فكل هذه نصأوص متظاهرة تدل على شرفهم في الدنيا والخرة فسيحرق ماقتهم بنارهم
فإنهم خدم شرعه وسنته وهم الموصألون لهما إلى أمته وقد قال المام أبو القاسم ابن
عساكر رحمه ال في بعض رسالته
ما هذه صأورته اعلم يا أخي وفقنا ال وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق
تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة ال في هتك أستار منتقصأهم معلومة
وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بله ال قبل موته بموت القلب فليحذر الذين
يخالفون عن أمره أن تصأيبهم فتنة أو يصأيبهم عذاب أليم
وكذا حكاه عنه المام النووي رحمهما ال في كتاب التبيان
وأي مصأيبة أعظم من موت القلب الذي هو دليل على غضب الرب سبحانه فإن الذي
مات قلبه ل يخشع ول فيه المواعظ قط تنجع وإذا تليت عليه آيات ربه أصأر مستكبرا
كأن لم يسمع
فبشره بعذاب أليم وخطب عظيم جسيم
حين قسا قلبه وران عليه ذنبه نسأل ال العافية لنا ولجميع المسلمين وأن يوفقنا لطاعته
أجمعين وأن يجعلنا من الخاشعين المتعظين
وأنشد بعضهم في معنى ما قاله ابن عساكر رحمه ال شعرا يقول فيه
وتجنب العلماء وإن هم خلطوا ...فالعلم يغفر زلة العلماء
قال تبرك بالعالم إن عمل وإن لم يعمل فتبرك به فللعالم حرمة العلم الشريف وإن لم
يعمل ويرجى له ببركة العلم صألحه في المستقبل ومن أحب عالما لجل العلم الذي في
قلبه ولم ينظر إلى ما يتخيل من زلته وذنبه فقد أدى ما يجب من حق العالم لجل ربه فقد
قال النبي من أحب العلم والعلماء لم تكتب عليه خطيئة أيام حياته ومن مات على محبة
العلم والعلماء فهو رفيقي في الجنة
وقال من أحب طالب العلم فقد أحب النبياء ومن أحب النبياء كان معهم ومن أبغض
طالب العلم فقد أبغض النبياء ومن أبغض النبياء فجزاؤه جهنم
وقال عليه السلم من حقر عالما فهو منافق ملعون في الدنيا والخرة
وقال علي رضي ال عنه سألت النبيعن صأاحب العلم فقال هو سراج أمتي في الدنيا
والخرة طوبى لمن عرفهم وأحبهم وويل لمن أنكر معرفتهم وأبغضهم ومن أحبهم شهدنا
له أنه في الجنة ومن أبغضهم أبغضناه وشهدنا أنه في النار
وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال قال رسول ال اكتبوا العلم فإن ل
سبحانه ملئكة في السماء السابعة يستغفرون للفقهاء والمتعلمين ويعطيهم ال تعالى بكل
حرف ثواب نبي من النبياء ويكتب لهم كل يوم ألف حسنة ذكر هذه الخمسة الحاديث
المام موسى بن أحمد الوصأابي في كتابه الحجة من تصأانيفه
وقال يوزن حبر العلماء ودم الشهداء فيرجح ثواب حبر العلماء على ثواب دم الشهداء
ويقال للعالم اشفع في تلمذتك ولو بلغ عددهم عدد نجوم السماء ومن تقلد مسألة واحدة
قلده ال يوم القيامة ألف قلدة من نور وغفر له ألف ذنب وبنى له مدينة من ذهب
وقال عليه السلم أفضل العبادة طلب العلم ذكرهما المام عمر بن عبد المجيد الميانشي
رحمه ال في إيضاحه
وقال من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به السلم فبينه وبين النبياء درجة واحدة
في الجنة رواه أبو محمد عبد ال بن عبد الرحمن
أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه فقال له كفى بترك العلم إضاعة
وقال رجل لبي ذر رضي ال عنه إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه ول أعمل
به فقال إنك إن توسد العلم خير من أن توسد الجهل
ويقال نفقة درهم في طلب العلم خير من عشرة آلف درهم ينفقها في سبيل ال
وقال المأمون لعمه إبراهيم بن المهدي لن تموت طالبا للعلم خير من أن تعيش قانعا
بالجهل
قال وإلى متى يحسن بي طلب العلم قال ما حسنت بك الحياة
وقال الشعبي رحمه ال لو أن رجل خرج من أقصأى المشرق إلى أقصأى المغرب فاستفاد
حرفا ما ظننت أن عمره ذهب باطل
وقال أبو الدرداء رضي ال عنه لن أتعلم مسألة أحب إلي من قيام ليلة وقال يحيى بن
كثير رحمه ال تعلم الفقه صألة ودراسة القرآن صألة
رواه عنه الحافظ أبو نعيم في حليته
وعن إبراهيم النخعي رحمه ال ل يزال الفقيه في الصألة قيل له كيف ذاك قال لنك ل
تلقاه إل وذكر ال على لسانه يحل حلل ويحرم حراما
ذكره أبو الليث في تنبيهه
وقال ابن
والبحث عنه جهاد وتعليمه من ل يعلمه صأدقة وبذله لهله قربة أل إن العلم سبيل منازل
أهل الجنة وهو المؤنس في الوحشة والصأاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل
على السراء والمعين على الضر اء والزين عند ال خلء والسلح على العداء يرفع ال
به أقواما فيجعلهم في الخير قادة أئمة تقتفى آثارهم ويقتدى بأفعالهم وينتهى إلى رأيهم
وترغب الملئكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم ويصألي عليهم كل رطب ويابس وحيتان
البحر وهوام الرض وسباع البر والبحر والنعام لن العلم حياة القلوب من الجهل
ومصأباح البصأار من الظلمة وقوة البدان من الضعف و يبلغ بالعبد منازل الخيار
والبرار والدرجات العلى في الدنيا والخرة والتفكر فيه يعدل بالصأيام ومذاكرته تعدل
بالقيام وبه توصأل الرحام ويعرف الحلل من الحرام وهو إمام والعمل تابعه يلهمه
السعداء ويحرمه الشقياء . . .ذكره صأاحب تنبيه الغافلين وزهرة العيون وغيرهما
وقد روي بعضه مرفوعا ورواه الثعالبي بإسناده عن أنس بن مالك عن رسول ال
وعن يحيى بن كثير رحمه ال في قوله تعلى واصأبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشي
قال هي مجالس الفقه وذكر المام النووي في أذكاره عن عطاء رحمهما ال أنه قال
مجالس الذكر هي مجالس الحلل والحرام كيف تشتري وتبيع وتصألي وتصأوم وتنكح
وتطلق وتحج وأشباه ذلك وكذا رواه أبو نعيم الحافظ في كتاب حلية الولياء عنه بإسناده
إليه وزاد في أوله من جلس مجلس ذكر كفر ال عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من
مجالس الباطل فقيل له ما مجالس الذكر قال مجالس الحلل والحرام إلى آخر ما ذكره
النووي رحمهما ال
وروى أبو نعيم بإسناده عن عطاء بن رباح أنه قال النظر إلى العالم عبادة
وذكر المام أبو الليث في تنبيهه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه
قال إن ال لم يخلق على وجه الرض أكرم من مجالس العلماء
وروى الحافظ أبو نعيم رحمه ال بإسناده في كتابه رياضة المتعلمين أن رسول
قال أصأبحتم في زمان كثير فقهاؤه قليل خطباؤه قليل سؤاله كثير معطوه العمل فيه خير
من العلم وسيأتي زمان قليل فقهاؤه كثير خطباؤه كثير سؤاله قليل معطوه العلم فيه خير
من العمل
وفي تنبيه الغافلين عن ابن مسعود رضي ال عنه قال أنتم في زمان العمل فيه خير من
العلم وسيأتي زمان العلم فيه خير من العمل
وروى الخطيب البغدادي رحمه ال بإسناده عن ابن أبي شيبة أنه رأى بعض أصأحاب
الحديث يضطربون
فقال أما إن فاسقهم خير من عابد غيرهم
وروى أيضا بإسناده عن عمر بن حفص بن غياث رحمه ال وقد قيل له أما ترى
أصأحاب الحديث كيف تغيروا كيف فسدوا فقال هم على ما هم خيار القبائل
وكذا رواه صأاحب الفاصأل بين الراوي والواعي بإسناده رحمه ال
فصأل
فعرف بهذا وأمثاله أن حرمة العلم ل تسقط بالزلل ول يباح عرض العالم بترك العمل
فبركة العلم ترده إلى الصأواب ويرجى لحامله التوفيق للمتاب لطفا من ال الرحيم
الوهاب
وروى أنس رضي ال عنه عن النبيأنه قال من طلب العلم لغير ال لم يخرج من الدنيا
حتى يأبى عليه العلم فيكون ل ومن طلب العلم ل فهو كالصأائم نهاره القائم ليله وإن بابا
من العلم يتعلمه الرجل خير له من أن لو كان له أبو قبيس ذهبا فأنفقه في سبيل ال
رواه المام أبو الليث رحمه ال في تنبيهه
وقيل ليحيى بن يمان رحمه ال إنهم يطلبونه وليس لهم فيه نية فقال طلبهم إياه له نية
وقال مجاهد رحمه ال طلبنا هذا العلم وليس لنا فيه نية ثم
وقد أفصأح القرآن الكريم بأن حملته هم أهل الشرف العميم وأنهم الموصأوفون بالتعظيم
والصأطفاء والتكريم والنجاة من العذاب الليم فضل من ال الرحمن الرحيم
فقال سبحانه ثم أورثنا الكتاب أي أعطينا القرآن الذين اصأطفينا أي الذين اخترنا من
عبادنا
قال أكثر المفسرين هم أمة محمدثم قسمهم ثلث طبقات ورتبهم على ثلث درجات فقال
سبحانه فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصأد ومنهم سابق بالخيرات
وجعل كلهم في الجنة بحرمة القرآن وكلمة الخلص وقد اختلف المفسرون في معنى
الظالم والمقتصأد والسابق فقال أبو الدرداء رضي ال عنه سمعت رسول اللهقرأ هذه
الية ثم أورثنا الكتاب الذين اصأطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصأد ومنهم
سابق بالخيرات بإذن ال
فقال أما السابق فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصأد فيحاسب حسابا يسيرا وأما
الظالم لنفسه فيحبس في المحشر ثم الذين تلفاهم ال برحمته وهم الذين يقولون الحمد ل
الذي أذهب عنا الحزن
وقال عثمان رضي ال عنه سابقنا أهل جهادنا ومقتصأدنا أهل حضرنا وظالمنا أهل بدونا
وقالت عائشة رضي ال عنها السابق بالخيرات من مضى على عهد رسول اللهشهد له
بالجنة والمقتصأد من اتبع أثره من أصأحابه والظالم مثلي ومثلكم
وقال ابن عباس رضي ال عنهما السابق المخلص والمقتصأد المرائي والظالم الكافر
نعمة ال عليه غير الجاحد لها وقيل الظالم لنفسه الذي مات على كبيرة ولم يتب منها
والمقتصأد الذي لم يصأب كبيرة والسابق الذي لم يعص ال والتائب من الذنب كمن ل
ذنب له
وعن الحسن رحمه ال السابق من رجحت حسناته على سيئاته والمقتصأد من استوت
حسناته وسيئاته والظالم الذي ترجح سيئاته على حسناته
وقال سهل بن عبد ال السابق العالم والمقتصأد المتعلم والظالم الجاهل
وقيل الظالم طالب الدنيا والمقتصأد طالب
فصأل
وقد حكم رسول اللهبأن الفقهاء هم خيار الناس بقوله عليه السلم الناس معادن كمعادن
الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في السلم إذا فقهوا روياه إماما المحدثين
البخاري ومسلم رحمهما ال في صأحيحهما اللذين هما أصأح الكتب بعد القرآن
وقال من يرد ال به خيرا يفقهه في الدين
روياه في الصأحيحين أيضا زاد أبو نعيم في حليته يفقهه في الدين ويلهمه فيه رشده
هذا وفي كتاب ال تعالى هل يستوى الذين يعلمون والذين ل يعلمون إنما يتذكر أولوا
اللباب
فمنع ال سبحانه
الناس المؤمن العالم الذي إن احتيج إليه نفع وإن استغني عنه أغنى نفسه
وأنشد بعضهم
العالم العاقل ابن نفسه ...أغناه جنس علمه عن جنسه
كن ابن من شئت وكن مؤدبا ...فإنما المرء بفضل كيسه
وليس من تكرمه لغيره ...كمثل من تكرمه لنفسه
وذكر صأاحب زهرة العيون أنه عليه السلم قال العالم من ذهب والمتعلم من فضة
والثالث من نحاس
وذكر صأاحب تنبيه الغافلين عن أبي الدرداء رضي ال عنه كن عالما أو متعلما أو
مستمعا ول تكن الرابع فتهلك
قال مصأنفه رحمه ال يعني بالرابع من ل يعلم ول يتعلم ول يسمع
ورويناه عن صأاحب كتاب الترغيب والترهيب بإسناده إلى ابن درستويه
قال سمعت سهل بن عبد ال ونحن بين يديه إذ أقبل أصأحاب الحديث ومعهم المحابر
فقال سهل اجهدوا أن
ل تلقوا ال إل ومعكم المحابر فغمزت بعضهم وقلت له قل له يملي شيئا فقال أيها الشيخ
قد مدحتها فذكرنا بشيء
قال اكتبوا الدنيا كلها ل شيء إل ما كان منها علم والعلم كله حجة إل ما كان منه عمل
والعمل كله هباء إل ما كان منه إخلص وأهل الخلص على وجل ثم تل والذين يؤتون
ما آتوا وقلوبهم وجلة
انتهى كلمه رحمه ال وما أحسنه
وقال ابن شهاب الزهري رحمه ال العلم عند أهل الجهل قبيح كما أن الجهل عند أهل
العلم قبيح والعلم ذكر ل يحبه من الرجال إل مذكروهم ول يبغضه منهم إل مؤنثوهم
وأنشد أبو الفضل العباس بن محمد الخراساني في المعنى
ل يطلب العلم إل بازل ذكر ...وليس يبغضه إل المخانيث
وقال الشافعي رضي ال عنه من ل يحب العلم فل خير فيه فل تكن بينك وبينه معرفة
وصأداقة
كتاب أدب الدنيا والدين أن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما روى أن رسول اللهدخل
المسجد فإذا هو بمجلسين أحدهما يذكرون ال عز وجل والخر يتفقهون في الدين فقال
عليه السلم كل المجلسين على خير وأحدهما أحب إلي من صأاحبه أما هؤلء فيذكرون
ال عز وجل ويسألونه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأما الخر فيتعلمون الفقه
ويعلمون الجاهل وإنما بعثت معلما فجلس إلى أصأحاب الفقه
ورواه أبو نعيم الحافظ في كتاب رياضة المتعلمين بإسناده ورواه أبو الليث السمرقندي
في كتابه
وقال رسول ال خير الناس وخير من يمشي على جديد الرض المعلمون كلما خلق
الدين جددوه
رواه الثعالبي بإسناده وتبعه الطبري عليه رحمة ال
وأنشد بعضهم
رأيت العلم صأاحبه شريف ...وإن ربته آباء لئام
ففي العلم النجاة من المخازي ...وفي الجهل المذلة والغرام
فصأل
وقد أخبربأن هذه الطائفة ل يزال أمرها ناميا على السلمة وشرفها عاليا إلى يوم القيامة
فروى البخاري ومسلم رضي ال عنهما في صأحيحيهما أن رسول اللهقال ل يزال من
أمتي أمة قائمة بأمر ال ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم حتى يأتيهم أمر ال وهم
على ذلك
قال النواوي رحمه ال في كتابه تهذيب السماء واللغات حمل العلماء هذا على أنهم حملة
العلم
ورويناه بالسانيد الصأحيحة عن المام أبي عبد ال البخاري رضي ال عنه أنهم أهل
العلم
ذكره قرب آخر كتابه
وفي رواية أخرى في صأحيح مسلم أن رسول اللهقال ل تزال طائفة من أمتي يقاتلون
على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة
ففي هذا إشارة عظيمة لطائفة أهل العلم بأنها منصأورة ظاهرة مجبورة حتى تقوم الساعة
إن شاء ال وذلك بقول الصأادق المصأدوق الذي ل ينطق عن الهوى إن هو إل وحي
يوحى
ل على ما أرشد وعلم وعلى جميع ما أسدى وأنعم
وروى أبو نعيم الحافظ في كتابه بإسناده أن النبيقال تكون فتنة يصأبح الرجل فيها مؤمنا
ويمسي كافرا إل من أجاره ال بالعلم
وفي الشهاب أنهقال إن الفتنة تجيء فتنسف العباد نسفا ينجو منها العالم بعلمه
نسأل ال سبحانه توفيقه ورضاه والوصأول إلى ما نتمناه بمنه وكرمه
آمين
فصأل
واعلم أن الشريعة فضلها قد تقادم منذ بعث ال سبحانه وتعالى آدم وقد جعل ال تعالى
لكل قوم شريعة يحكم بها أنبياؤهم ويتلقاها بعدهم علماؤهم ثم أنزل ال تعالى التوراة على
موسى عليه السلم قال ال تعالى فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين
هادوا والربانيون والحبار
أي ويحكم بها الربانيون والحبار واحدهم ربي وحبر وهم العلماء وقال تعالى كونوا
ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب أي كونوا فقهاء علماء قاله علي وابن عباس والحسن
والضحاك رضي ال عنهم ذكره الثعالبي رحمه ال
وقال
قال المفسرون أي جعل ال لهل كل ملة شرعة ومنهاجا فلهل التوراة شريعة ولهل
النجيل شريعة ولهل القرآن شريعة يحلل ال فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء فالدين واحد
والله سبحانه واحد ولكل أمة رسول وشريعة شرعها ال تعالى لهم
ثم قال سبحانه لنبيهمؤكدا مكررا وأن احكم بينهم بما أنزل ال
فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما
قضيت ويسلموا تسليما
وقال تعالى ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون
وقال تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم
وقال وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
فلما لم يكن بعد محمدنبي ول رسول ول شريعة تنسخ ول تبدل ول تحول إذ هو خاتم
النبياء
جعل ال بعده العلماء فورثوا أحكامه وسننه وطلبوا من كل علم أحسنه وحفظوا لمن بعده
ما بينه وحكموا بالشرع واتبعوا سننه امتثال لقول ال عز وجل وإذا حكمتم بين الناس أن
تحكموا بالعدل
ثم وبخ ال تعالى من اتبع حكم الجاهلية وذم من لم يحكم بالشريعة المرضية
فقال سبحانه أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون
وحكم ال الذي أذن به هو الذي رقمه العلماء في الدفاتر ونقله الول منهم إلى الخر فمن
عدل عنه ومال فقد وقع في الضلل واستحق الذم والنكال
قال ال تعالى ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل ال
فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون
ثم ذم أقواما امتنعوا ولم يجيبوا لحكم ال ول اتبعوا فقال وإذا دعوا إلى ال ورسوله ليحكم
بينهم إذا فريق منهم معرضون
ومدح أقواما أجابوا إلى الحكم
فقال إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا
وأطعنا وأولئك هم المفلحون
وقد سبق أن العلماء هم القائمون في المة مقام الرسول وهم الموضحون والحافظون لما
جاء من المنقول وهم الداعون إلى ملته الذابون عن شرعه وسنته فسنته ول الحمد باقية
وشريعته ول المنة غالبة عالية قد أكد ال على الخلق طاعتها وأوجب على الكل رعايتها
وفرض عليهم حمايتها وجعل من مال عنها أو تكره أمرها ظالما ومن أهملها وضيعها
فاسقا آثما لن بتضييع الشريعة هدم السلم وتغيير جملة الحكام والوقوع ف ي الشبه
والثام والتسبب إلى إهدار دماء النام
قال كعب الحبار لبن عباس رضي ال عنهم
إذا رأيتم السيوف قد أعريت والدماء قد أهرقت فاعلموا أن حكم ال سبحانه قد ضيع
فانتقم ال لبعضهم من بعض
وقيل في معنى قوله تعالى وما كان ال ليعذبهم وأنت فيهم
يعني وشريعتك فيهم
ذكره أبو جعفر في كتاب عجائب الملكوت وغيره
ومقتضى هذا أنهم إذا ضيعوا الشريعة حل بهم العذاب وتقطعت بهم السباب وقد ورد
في الحديث ل قدست أمة ل يؤخذ لضعيفها حقه من قويها
رواه صأاحب الترغيب والترهيب
وفي الصأحيحين أنهقال إنما هلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه
وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه
فأخبرأن تضييع الشرع سبب الهلك
ومن تضييع حكم ال تعالى أن يقول الرجل لصأاحبه بيني وبينك ما قال ال أو ما قال
رسول اللهأو ما قال حاكم المسلمين فيقول له خصأمه ل أقبل هذا ول أجيبك إلى ذا وقائل
هذا فاسق بالجماع معدود من الفجرة بل كافر إن قصأد به الستخفاف بالشريعة المطهرة
إذ قد سبق وتقرر بجميع ما تقدم وتكرر أن الفقهاء والحكام هم القائمون مقام الرسولومن
عصأاهم فقد عصأى ال ومن أطاعهم فقد أطاع ال إذ هم وراث رسل ال فمخالفهم مارق
عن الدين وخاذلهم فاسق بيقين
وقد عرض رجل بذم المفتي في زمن عمر بن الخطاب رضي ال عنه ضربا فأدبه عمر
رضي ال عنه ضربا بالدرة وقال له تغمص الفتيا أي تحتقرها وتطعن فيها
هكذا كانت شدتهم في دين ال وتعصأبهم لشريعة رسول اللهلن بإضاعة حكم ال
التعرض لسخط ال والتسبب إلى مقت ال
وفي الحديث عن النبي إن من علمات الساعة بيع الحكم
ومن بيعه أن يبذل مال على تغيير الحكم أو على عزل الحاكم من غير جرم أو على أن
ل يحضر من ادعي عليه ظلم
فمن فعل هذه السباب فقد بعد عن الرشد والصأواب ويخشى عليه تعجيل العذاب وال
الهادي بلطفه إلى المتاب
ولقد أرشد من أنشد في الحث على التقوى والصأبر عند تغير الولة في الدهر شعرا
إذا كان والي الناس ل يدفع الظلما ...ول يقمع الجاني ول ينصأر الحكما
ول يسمع المظلوم إن جاء شاكيا ...ول يتبع النصأاف والعدل والعلما
ول ينصأر الشرع الشريف بنفسه ...فأخسس به قد خس قدرا وهان آسما
وإن قيل هذا الشرع شرع محمد ...وسنته البيضاء وبرهانه السمى
تولى ولم ينصأف وأدبر معرضا ...وأتبع أهل العلم والفقها ذما
وصأار طلب العلم والدين عنده ...هباء وذو التقوى ينيلونه شتما
إذا كان هذا فاترك القوم جانبا ...وعذ بإله العرش ذي العزة العظمى
إذا استهزؤا بالدين والشرع والتقى ...فما فيهم خير يرجى ول سيما
ويا حسن من يفني بها العمر كله ...ويجعلها أنسا ويضني بها الجسما
فلزم عليها ل يهولك قولهم ...تعزز بتقوى ال سر نحوها قدما
وتابع طريق الحق ل تتركنها ...وإن صأرت تؤذى في زمانك أو ترمى
فذو الحق والتقوى غريب بوقتنا ...تغرب بتقوى ال واتبع السلما
غريبا بدين ال منفردا به ...بعيدا عن السوا ممتلئا حزما
فطرق الهدى في آخر الدهر صأعبة ...ولكن عقباها المسرة والنعما
ول تتبع أهواء قوم تعاونوا ...على الثم والعدوان واستحسنوا الظلما
فعاقبة العاصأي وبال وذلة ...ونار وتنكيل يزيدهم غما
فقد غيروا الحكام واستبدلوا بها ...مظالم عمت ل نحيط بها علما
أحبو حطام المال عن نصأر شرعكم ...وصأارت أمور الظلم عندهم جما
إذا قال ذو حق أقيموا شريعتي ...وقوموا بحقى واصأرفوا عني الخصأما
يقول له الوالي أردت دراهما ...إذا شئت تلقى بالشريعة أو تحمى
وإن ذو فساد يرضهم بعطية ...أقروه يسعى آمنا لم يخف ثلما
وإن طلبوا رفقا تكاثر عنفهم ...وإن وعظوا يوما فكالصأخرة الصأما
فذو الدين فيهم خامل الحال بائر ...ولول ستور ال هموا به رجما
فما عرفوا للشرع حقا ول حمى ...ول تركوا للدين عزا ول رسما
إذا خوفوا بالموت والحشر والجزا ...يعدوه هزل بل يظنونه وهما
فصأل
وقد نقم الناقد المذكور أول على العلماء بكسب المال الحلل وعابهم إذ رأى عليهم أثرا
من الجمال وقال هذا من حب الدنيا وحبها مذموم بكل حال ويحتج بقولهحيث قال حب
الدنيا رأس كل خطيئة
فجعل هذا الحديث سلما إلى نيلهم بالذية ولم يفهم المسكين معاني الحاديث المروية
فإن المذموم من ذلك هو حب الدنيا للدنيا وللبقاء فيها مغالبة ومفاخرة ومناوأة ومكاثرة
كما فعل فرعون وهامان ونمرود وخاقان وقارون وطرخان فإنهم أحبوا الدنيا للتنعم في
الدنيا ونيل مشتهاها حين ظنوا أن ل دار سواها فنسوا الخرة ونسوا حظهم منها نسوا ال
فنسيهم وأنكروا البعث والجزاء والحشر واللقاء وقالوا ل عيش إل في الدنيا نموت ونحيا
وما نحن بمبعوثين وكذلك أتباعهم من الجبابرة والعمالقة والقياصأرة وفجرة الكاسرة
الذين أحبوا الدنيا ليتنعموا فيها ويتغالبوا عليها ويتفاخروا بجمعها وبقتل بعضهم بعضا إن
الذين ل يرجون لقاءنا والذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا
غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون
فمن أحب الدنيا هكذا فحبه رأس كل خطيئة كما قالهلنه انهمك في المعاصأي والثام
وتابع الهوى والجرام ولم يبال بما جمع من الحرام
إن تهدد بالعذاب لم يرهب وإن رد إلى الخير لم يرغب حمله حب الدنيا على هذا فهو في
سكرته يتمادى
وأما العالم بال والمحمود عند ال فإنه لم يحب الدنيا ليلهو بها ويفاخر ول ليقاتل أهلها
ويكابر وإنما أحبها لنها معينة له على الخرة موصألة له إلى الفضائل الظاهرة من
الفراغ للعلم والستفادة والستعانة على التعليم والفادة ولهذا قال الشافعي رحمه ال
يحتاج طالب
بذلك قلبه لما يقصأده من الخير فإن حبه لذلك يكون ل ولوجه ال وليس من الحب
المذموم والحمد ل
وقد سئل المام أحمد بن حنبل رضي ال عنه عن هذا الحديث فقال حبها أن تكون في
قلبك تؤثرها على كل شيء
هذا كلمه رحمه ال
وقد بعث رسول اللهإلى أصأناف الخلق ومنهم التجار وأهل الصأناعات والمحترفون
وأرباب الضيعات ومنهم كسرى وقيصأر وملوك مدحج وأقيال حمير فلم يأمرالتاجر
بترك تجارته ول المحترف بترك حرفته ول أمر التارك لذلك بالشتغال به ول أمر
الغني بترك غناه ول بإهمال ضيعته وما حواه ول أمر الملك منهم بترك ما جمعت يداه
بل دعا الكل إلى ال وأرشدهم إلى معرفة ال وأعلمهم أن نجاتهم بطاعة ال وحضهم
على تقوى ال وأمرهم بالزكاة تطهيرا للمال ونهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة
السؤال
وقد كان في صأحابته وآله رضي ال عنهم بل العشرة البررة من جمع القناطير المقنطرة
كعثمان بن
عفان وطلحة وعبد الرحمن رضي ال عنهم فلم ينكر النبيأفعالهم ول أمرهم أن يضيعوا
أموالهم بل قال ليست الزهادة في الدنيا بتحريم الحلل ول بإضاعة المال ولكن الزهادة
في الدنيا أن تكون بما في يد ال أوثق منك بما في يدك
وأن تكون بثواب المصأيبة إذا أنت أصأبت بها أرغب منك فيها لو لم تصأبك
رواه الحافظ الترمذي رحمه ال في جامعه
وقيل لربيعة بن أبي عبد الرحمن رضي ال عنه وكان من الولياء ما رأس الزهادة قال
جمع الشياء من حلها ووضعها في حقها
حكاه عنه أبو نعيم في حليته
وقال رجل لبي حازم رحمه ال وكان من الولياء أشكو إليك حب الدنيا وليست لي بدار
فقال له انظر ما آتاك ال فل تأخذه إل بحله ول تضعه إل في حقه ول يضرك حب الدنيا
ونحوه
أسند أبو نعيم في حليته عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال قلت لبي حازم إني لجد
شيئا يحزنني
قال وما هو قلت حبي للدنيا قال لي اعلم أن هذا لشيء ما أعاتب نفسي على شيء
حببه ال إلي لن ال تعالى حبب هذه الدنيا إلينا ولكن لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا أن
ل يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئا يكرهه ال
ول نمنع شيئا من شيء أحبه ال فإذا فعلنا ذلك لم يضرنا حبنا إياها
هذا وقد أحبأشياء من الدنيا فقال حبب إلي من دنياكم ثلث النساء والطيب وجعلت قرة
عيني في الصألة
وكانيحب الحلوى والعسل وقال عليه السلم لما خرج من مكة شرفها ال ما أطيبك من
بلدة وأحبك إلي ولول أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك وقال اللهم حبب إلينا
المدينة كحبنا مكة أو أكثر
وذكرأنه يحب عائشة والحسن والحسين رضي ال عنهم
وكل هذا من الدنيا
ودعالخادمه أنس رضي ال عنه أن يكثر ال ماله وولده فاستجيب له في ذلك
وذلك كله دنيا ولو كان حب الدنيا على الطلق خطيئة لما سأله لنس ول دعا به ول
أحبه له وهو من خير أصأحابه
وقال اللهم إني أسألك من صأالح ما تؤتي الناس من المال والولد غير الضال والمضل
فطلبربه المال والولد وهما دنيا واحترز بقوله الضال والمضل عما ل بركة فيه منهما
فإنه يصأد عن ال ويدعو إلى معصأية ال
فما كان بهذه الصأفة فهو المذموم
وقال إن ال يعطي الدنيا من يحب ومن ل يحب ول يعطي الخرة إل من أحب
رواه الترمذي والنسائي رحمهما ال ورواه مالك رحمه ال في الموطأ ورواه الواحدي
في وسيطه وزاد فمن أعطاه الدين فقد أحبه يعني سواء كان غنيا أو فقيرا خامل كان أو
مشهورا وقد أحب ال تعالى قوما فجمع لهم بين النبوة والملك العظيم كيوسف وداود
وسليمان عليهم السلم
فما يضر الغنى مع حسن اليمان ول ينفع الفقر مع معصأية الرحمن ومن أطاع واتقى لم
يشنه فقر ول غنى
قال ليس خيركم من ترك الدنيا للخرة ول الخرة للدنيا ولكن خيركم من أخذ من هذه
وهذه
ذكر الماوردي في كتابه
وكان رسول ال
ويقول اللهم أصألح لنا ديننا الذي هو عصأمة أمرنا وأصألح لنا دنيانا التي فيها معاشنا
وأصألح لنا آخرتنا التي إليها معادنا
رواه مسلم في صأحيحه فطلبصألح الدنيا وصألح الدنيا دنيا لكن صألحها يعين على
التقوى والتقوى هي النافعة في العقبى الدافعة لكل بلوى وفي حديث آخر اللهم إني أسألك
الهدى والتقى والعفاف والغنى
وكانكثيرا ما يتعوذ من الفقر والقلة والذلة
وفي الحديث المشهور في الصأحيحين أنهنهى من أراد أن يوصأي بأكثر من ثلث ماله
وقال له إنك إن تذر ورثتك أغيناء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس
وفي حلية الولياء لبي نعيم عن محمد بن المنكدر رحمه ال أنه كان يقول العون على
تقوى ال الغنى
وفي كتاب الحياء للمام الغزالي رضوان ال عليه أنهقال نعم العون على تقوى ال
المال
فمن أحب الدنيا للدنيا تنعما وتفكها وتكاثرا فهو المذموم وهو المال المضل المشؤوم ومن
أحبها ليستعين بها على الطاعة ويتفرغ بها للعلم والعبادة أو ليكف بها
نفسه عن سؤال الناس فهو المحمود والمشكور وهو على ذلك إن شاء ال تعالى مأجور
وقد فرق رسول ال بين المرين فقال عليه السلم من طلب الدنيا حلل استعفافا عن
المسألة وسعيا على عياله وتعطفا على جاره جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر
ومن طلب الدنيا حلل مكاثرا مرائيا لقي ال وهو عليه غضبان
رواه الئمة الحفاظ أبو بكر البيهقي في سننه وأبو نعيم في حليته وأبو الليث في تنبيهه
وغيرهم رضي ال عنهم
فذممن طلب الدنيا للمفاخرة والمكاثرة وإن كانت حلل فما الظن بمن أخذ الحرام وعده
مال وظلم الرامل وهضم اليتام وغير السنن وعكس الحكام ونصأب نفسه لعداوة أهل
السلم
فل يجري بباله سوى الدنيا وما ناله فيها ول يحب ول يبغض إل لسبب يحصأل له من
بنيها فمن رشاه أو أرضاه بعطاء عده محبا وإن كان سفيها ومن عمل بالحق ولم يداره
أبغضه وإن كان نبيها وسبه وجهله وإن كان رشيدا فقيها
فأي خصأال المرء ترضي وتحمد ...إذا كان في بحر المظالم يجهد
ينظر القذى في عين أخيه ول بصأر الجذع في عينه يشتغل في غيب سواه ول ينظر في
عيبه ينقد على أهل الدين والعلم وينكر على أهل الفضل والحلم
يمن على غيره بالسلمة من شره وإن لم يظلم شخصأا عد ذلك عليه من بره وهيهات
ليس ترك الظلم إحسانا
ول الكف عن القبيح يعد امتنانا وإنما الحسان هو البر والنصأاف والكرام والتحاف
والتواضع واللطاف والعمل بالكتاب والسنة رجاء الجر والفوز بالجنة وال يهدي من
يشاء إلى صأراط مستقيم
فصأل
ومن كسب المال الحلل ليكفل به الهل والعيال وتعفف به عن السؤال فقد أحسن بهذا
الفعال ونال الجر بهذه الخصأال لن النبيقال لن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب
على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من يسأل الناس أعطوه أو منعوه
رواه البخاري ومسلم في صأحيحيهما
وقال طلب الحلل فريضة على كل مسلم
وقال نعم المال الصأالح للرجل الصأالح
وذكره صأاحب الشهاب
وقال أبو الليث السمرقندي رحمه ال في كتاب أدب التعليم وكانوا في الزمن الول
يتعلمون الحرفة ثم يتعلمون العلم حتى ل يطمعوا في أموال الناس
فإن الطمع فقر حاضر
وقال أفضل العمال على وجه الرض طلب العلم والجهاد والكسب
ذكره أبو الليث في تنبيهه
قال وقال بعض أهل العلم ل يقوم الدين والدنيا إل بأربعة العلماء والمراء والغزاة وأهل
الكسب
انتهى كلمه
وفي بعض الحاديث الغريبة أنهقال الفقر لصأحابي سعادة والغنى للمؤمن في آخر
الزمان سعادة قيل يا رسول ال كيف يكون ذلك قال لنه يصأير المال إلى بخلئهم
ويسودهم أشرارهم ومن سعادة المرء أن ل يحتاج في ذلك الزمان فإن استطعتم أن
تكونوا أغنياءهم فافعلوا
وقال بعض الحكماء حفظك ما في يدك أولى لك من طلب ما في يد غيرك
وقال الغزالي رحمه ال في كتاب النكاح من كتاب الحياء
النظر للعواقب وحفظ المال وادخاره مع كونه مناقضا للتوكل ل نقول أنه منهي عنه
وقال إمام الحفاظ ورأس الوعاظ ابن الجوزي رحمه ال في وصأيته لبنه ودبر أمرك في
إنفاقك من غير تبذير لئل تحتاج إلى الناس فإن حفظ المال من الدين ولن تخلفه لورثتك
خير من أن تحتاج إلى الناس
وقال ابن الجوزي أيضا رحمه ال في كتاب الطب الروحاني ول ينكر على من جمع ما
ل غنى للنفس عنه فاستغنى به عن الناس وأغنى أولده وبذل بعضه للمحتاجين إل أنه ل
ينبغي بعد حصأول المقدار المتوسط أن يضيع الزمن الشريف ويخاطر بالروح في
السفار
قال واعلم أن مجرد إمساك المال ل يسمى بخل لن النسان قد يمسك لحاجته ولحوادث
دهره ولجل عائلته ولقرابته قال وهذا كله من باب الحزم فل يذم
وإنما يقع البخل على مانع الحق الواجب والتبذير فيما يأمر به الهوى وينهى عنه العقل
قال واعلم أن النسان قد يعطى رزق شهر في يوم واحد فإذا بذر فيه بقي شهره يعاني
البلء وإذا دبر فيه عاش شهره طيب العيش
قال وينبغي للعاقل أن يكتسب أكثر مما يحتاج إليه ويقتني مما يعلم أنه لو حدث به حادث
كان في المقتنى عوض عما ذهب
ولو جاءه أولد أو احتاج إلى فضل زوجة أو خادم أو احتاج ولده إلى مثل ذلك كان في
كسبه ما يكفيه
وفي الجملة ينبغي أن تكون النفقة أقل من الكسب
فلن أزال على الزوراء أعمرها ...إن الكريم على الخوان ذو المال
ويروى عن الشافعي رضي ال عنه أنه أنشد
رب إن لم تبق لي جدتي ...كف عني فضلة العمر
لست أرضى العيش في زمن ...أنا محتاج إلى البشر
وروي أن إبراهيم بن أدهم رحمه ال كان مع قوم في السفينة فهاجت ريح عاصأفة
فقالوا أما ترى هذه الشدة فقال ليس هذه شدة إنما الشدة الحاجة إلى الناس
حكاه الغزالي عنه في الحياء
وقد نهى النبيعن سؤال الناس في غير حديث منها قوله من فتح على نفسه باب مسألة فتح
ال عليه باب فقر
وفي رواية سبعين بابا من الفقر ذكره في الحياء
ولما حضرت قيس بن عاصأم الوفاة دعا بنيه وقال لهم احفظوا عني فل أحد أنصأح لكم
مني إذا مت فسودوا كباركم أي اجعلوهم سادتكم ول تسودوا صأغاركم فيسفه
يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إل كانت له صأدقة
وفي صأحيح مسلم أيضا وما سرق منه فهو له صأدقة
وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وهذا في من لم يجمعه سمعة ول رياء ول كسبه بشره ول
ضرر ول أذى نسأل ال أن يحفظ علينا ديننا ويصألح ظننا ويقيننا حتى يتوفانا مسلمين
ويلحقنا بالصأالحين بمنه وكرمه آمين
وينشد في الماقتين والحاسدين حتى يصأيروا في حسرة كامدين
كسبنا المال من أصأل حلل ...بمن ال ذي النعم الطوال
كسبناه لنكفل من لدينا ...من الهلين أو ضعف العيال
ونفرغ للعلوم ونجتليها ...ونخلص من مشقات السؤال
ولم نكسبه من ثمن حرام ...ول شبه ول منن ثقال
ولم نرب ولم نرش لحكم ...بحمد ال ربي ذي الجلل
فصأل
قد صأار هذا الناقد المذكور والجاهل المغرور في أودية ضلل يدور وفي بحار هلك
تمور قد غلب عليه الحسد فأورثه الهم والكمد وال سبحانه قد أبغض الحسدة وأعد لهم
ناره الموقدة ول يضر الحاسد إل نفسه ول يكسب إل نحسه
وقد حسد النبياء فما ضرهم بل ضاعف ال تعالى أجرهم وأبدى عزهم ونصأرهم وأخبر
سبحانه أنهم حسدوا بل كذبوا وأوذوا وجحدوا فأمروا بالصأبر حتى أتاهم النصأر قال ال
سبحانه وتعالى ولقد كذبت رسل من قبلك فصأبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم
نصأرنا ول مبدل لكلمات ال ولقد جاءك من نبأى المرسلين وقال
تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة
وآتيناهم ملكا عظيما
فلو كان الملك العظيم خطيئة لما من ال به ول أنزل مدحه في كتبه ول استجاب لسليمان
صألى ال على نبينا وعليه وسلم حين طلب الملك الكبير ول فتح لذي القرنين ومكنه حيث
يسير ول حكى عن يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم أنه قال اجعلني على
خزائن الرض إني حفيظ عليم
بل قال سبحانه وكذلك مكنا ليوسف في الرض يتبوأ منها حيث يشاء نصأيب برحمتنا من
نشاء ول نضيع أجر المحسنين
فذكر سبحانه أن الذي حصأل ليوسف من التمكين رحمة من رب السموات والرضين
وقال بعض علماء السلف إذا أراد ال بالناس خيرا جعل العلم في ملوكهم والملك في
علمائهم
ذكره أبو الحسن المارودي في كتابه
وقال سبحانه وتعالى في داود صألى ال على نبينا وعليه وسلم وآتاه ال الملك
الخطير لقد سعدت في الدنيا والخرة ونلت الشرف الكبير وسيلحق حاسدك الندم
والتدمير ول ينبيك مثل خبير فناد بصأوتك الجهير ول تبال بوزير ول أمير
وقل للحاسدين أل أفيقوا ...وإن أعطى الله فل تضيقوا
فذلك زينكم بين البرايا ...ومن يحسد سيلقاه المضيق
فإن ال عدل ذو اقتدار ...ومكر ال ليس له مطيق
فموعدنا من الرحمن نصأر ...وقاصأد ضرنا عرق سحيق
خدمنا شرعه نرجو رضاه ...وأحمد ذخرنا نعم الشفيق
عواقب من أطاع ال فوز ...وعقبى من بغى هول عميق
وعار ثم خزي ثم ذل ...وفي الخرى له فيها حريق
وخدام الرسول لهم فتوح ...ونصأر ال ركنهم الوثيق
فصأل
و اعلم أنه لطاعة إل ل سبحانه ولرسوله
فيجب على كل أحد وضع الشياء على مواضعها التى وضعها ال سبحانه وتعالى وأمر
بها رسوله إعزاز من أعزه ال وإهانة من أهانه ال
ومن خالف ذلك فقد أساء وظلم وتعدى حدود ال وهتك والحرم ومن يتعد حدود ال
فأولئك هم الظالمون
وقد أعز ال سبحانه العلم وأهله وشرف حامله وأبان فضله
فليس يوجد في الدنيا أشرف منه خلة ول أكرم منه نحلة ولم يزل صأاحبه معظما في كل
ملة وفي زمن الجاهلية والزمان قبله
قال الشافعي رحمه ال سمعت
سفيان بن عيينة رضي ال عنه يقول لم يعط أحد في الدنيا شيئا أعظم من النبوة ولم يعط
بعد النبوة أفضل من العلم والفقه
فينبغي للعالم أن ل يضع نفسه في موضع هوان ول يذلها لهل الجهل والعدوان
بل ينزه نفسه أول عما ينقص المروءة ويذهب الفتوة
ثم يصأونها ثانيا عن الدناس ومخالطة الفسقة والنجاس
ثم يحملها ثالثا على الهيئة العلية والفعال المرضية
ويجملها رابعا بالسكينة والوقار في الحضرة والسفار وإطراق الرأس وضبط الحواس
وتحسين الزي واللباس والهيبة الحسنة عند الناس
فقد كان أوائل هذه المة ليس لهم في طلب الزي همة إذ كانوا قد رسخ السلم في قلوبهم
فكان العلم والدين غاية مطلوبهم فزهدوا في الدنيا بالكثير واكتفوا من حطامها باليسير لما
وقع في قلوبهم من الجد والتشمير
ثم لما حدثت الفترة بعده في الطالبين ندب الشرع إلى إقامة صأورة الئمة المتصأدرين
والعلماء والمدرسين والقضاة والمفتين
على خلف ما كان عليه رسول اللهوأصأحابه رضي ال عنهم أجمعين
وسبب ذلك أن المقاصأد والمصأالح الشرعية وقمع
المفاسد والشبه البدعية ل تحصأل إل بعظمة القائم بذلك في نفوس الناس وكانوا في زمن
الصأحابة رضي ال عنهم معظم تعظيمهم إنما هو الدين وسابق الهجرة
فلما ذهب ذلك القرن الذي صأحبوا الرسول وشاهدوا هيبة الوحي والتنزيل حدث من
مداخلة فارس والروم ونحوهم من الغشام الذين داخلوا أهل السلم ما تغير بسببه شيء
من حسن النظام إذ صأاروا ل يعظمون إل بالصأور فتعين تعظيم الصأور وتحسين الزي
على الوجه الشرعي
حتى قال المام الرافعي رحمه ال تعالى في كتاب الفتح العزيز في شرح الوجيز ل يجب
على الئمة الكتفاء بما اكتفى به رسول ال
والخلفاء الراشدون من بعده رضي ال عنهم
قال لن الناس قد تغيروا بعدوا عن العهد بزمان النبوة الذي كانت النصأرة فيه بإلقاء
الرعب والهيبة في القلوب
قال ولو اقتصأر المام على مثل ذلك اليوم لم يطع
وتعطلت المور فيأخذ لنفسه ما يليق به من الخيل والغلمان والدار الواسعة
انتهى كلمه رحمه ال
فكذلك العالم والمفتي والقاضي ينبغي أن يتخذ كل واحد منهم ما يليق بحاله وحال أمثاله
فيوسعوا القميص
والكمام ويعظموا العمائم والطيلسان ويحسنوا المركوب ويكثروا الخدام بحسب الحال
الذي ينبغي من إشادة العلم وتجليله وتوقيره وتعظيمه وتبجيله كما روي عن المام أبي
حنيفة رضي ال عنه أنه قال عظموا عمائمكم ووسعوا أكمامكم
قال أبو الليث رحمه ال وإنما قال ذلك لئل يستخف بالعلم وأهله
وروي عن المام مالك رضي ال عنه أنه كان إذا أراد أن يحدث بحديث رسول
اللهتطيب وتلبس ثيابا جدادا ويلبس تاجه ويتعمم ويضع رداءه على رأسه وتلقى له منصأة
فيخرج ويجلس عليها
ول يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديثه إعزازا لحديث رسول ال
وكان الشافعي رضي ال عنه يأمر غلمه أن يأتي السارية التي كان يقعد عندها الشافعي
لتعليم الفقه فيلطخها بالغالية كل يوم إكراما للعلم وحاضريه ففي تعظيم العلم يقع تعظيم
ال وفي إعزازه طاعة ال
ولهذا قالوا إن على كل أحد أن يخفض صأوته في مجالس أهل العلم وأن ينزهها
فيجب تفخيمها وتبجيلها حتى ل تختل المصأالح الموصألة إلى خير الدنيا والخرة
قال المام الغزالي رحمه ال في أوائل كتاب الحياء عن أم المؤمنين عائشة رضي ال
عنها أن النبي أراد الخروج إلى الجماعة فجعل يسوي من رأسه ولحيته فقلت أو تفعل
ذلك يا رسول ال قال نعم يا عائشة إن ال يحب من عبده أن يتجمل لخوانه إذا خرج
إليهم
قال الغزالي رحمه ال وكان من وظائفهأن يسعى في تعظيم أمر نفسه في قلوب الناس
كي ل تزدريه نفوسهم وفي تحسين صأورته في أعينهم كي ل تستصأغره أعينهم فينفرهم
ذلك عنه وهو مأمور بدعوتهم
قال الغزالي رحمه ال وهذا القصأد واجب على كل عالم يتصأدى لدعوة الخلق إلى ال
تعال وهو أن يراعي من ظاهره ما ل يوجب نفرة الناس عنه
انتهى كلمه رحمه ال
وكان عمر بن الخطاب رضي ال عنه يقول أحب أن يكون القارئ أبيض الثياب يعني
ليعظم في نفوس الناس فيعظم ما لديه من الحق وقد أمر القارئ أيضا
والمؤذن بتحسين الصأوت في القرآن والذان ليؤثر في قلوب السامعين وأمر الكاتب
بتحسين الخط
وقال رسول ال الخط الحسن يزيد الحق وضوحا
رواه الثعالبي بإسناده في تفسير سورة الملئكة فثبت أن لكل شيء من هذه الشياء وقعا
في القلوب
وكان عمر رضي ال عنه يأكل خبز الشعير والملح ويفرض لعامله في كل يوم نصأف
شاة وذلك لعلمه رضي ال عنه بأن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس
الناس ولم يحترموه ولتجاسروا عليه بالمخالفة ولم يعظموه فاحتاج رضي ال عنه إلى أن
يضع غيره في صأورة أخرى لحفظ النظام وإقامة شريعة السلم
ولهذا لما قدم رضي ال عنه الشام وجد معاوية بن أبي سفيان قد اتخذ الحجاب والمراكب
النفيسة والثياب والهائلة الرفيعة وسلك ما سلكه الملوك فسأله عمر رضي ال عنه عن
ذلك فقال له معاوية إنا بأرض نحن محتاجون لهذا
فقال عمر رضي ال عنه ل آمرك ول أنهاك
قال المام شهاب الدين القرافي رحمه ال معناه أنت أعلم بحالك هل أنت محتاج إلى هذا
فيكون حسنا
أو أنت غير محتاج إليه قال فدل هذا من عمر رضي ال عنه وغيره على أن أحوال
الئمة وولة المور والقضاة تختلف باختلف المصأار والعصأار والقرون والحوال
وكذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما وربما وجبت في بعض
الحوال
انتهى كلمه رحمه ال
وروى أبو نعيم الحافظ في حليته عن سفيان الثوري رحمه ال قال دخلت على جعفر بن
محمد يعني الصأادق رضي ال عنهما وعليه جبة خز وكساء خز قال فجعلت أنظر إليه
متعجبا فقال لي يا ثوري ما لك تنظر إلي لعلك تعجب مما ترى قلت يا ابن رسول ال
ليس هذا من لباسك ول لباس آبائك
فقال يا ثوري كان ذلك زمانا مقترا وكانوا يعملون على قدر إقفاره وإقتاره
وهذا زمان قد أسبل كل شيء عز إليه ثم حسر عن ردن جبته فإذا تحتها جبة صأوف
بيضاء ثم قال يا ثوري هذا ل وهذا لكم فما كان ل أخفيناه وما كان لكم أبديناه
انتهى كلمه رحمه ال
فعرف بهذا أن لكل مقام مقال ولكل مباح ومستحب ومكروه حال فحال يختلف ذلك
باختلف الحوال
واليام كما قال المام ابن عبد السلم رحمه ال تعالى إن ل سبحانه أحكاما تحدث
بحدوث أسباب لم تكن في العصأر الول
فينبغي لكل عاقل أن يعرف الحال الموجبة للتحليل والتحريم والكراهة والستحباب حتى
يعمل بموجب ما يحدث من السباب على ما جرت به القواعد وتمشت به الشواهد
وهذه الشياء ل يعقلها إل العالمون ول ينكرها إل الجهلة الغافلون وال الموفق بمنه
وكرمه
فصأل
فعليك بالتمسك بالكتاب والسنة فل تفارقهما وإن طعنت بالسنة وكن صأابرا ل على
البلوى والمحنة
فقد قال رسول ال السلم بدأ غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء
روي في الصأحيحين
وقال إن وراءكم أياما الصأبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين
رجل يعملون مثل عملكم
رواه الترمذي في جامعه
وقال المام أبو الحسن الماوردي رحمه ال في كتابه العلماء غرباء لكثرة الجهال
وقال رسول ال المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد
ذكره أبو الليث في كتابه وصأاحب المصأابيح وغيرهما
وقال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ
أراد إلزموها وتمسكوا بها ول تهملوها كما يعض الرجل بنواجذه وهي أضراسه على
الشيء خشية أن يفلت منه
فالزم طريق الحق وإن صأعب وشق وغمض ودق
وامتثل ما أرشد إليه السيد الجليل أبو علي الفضيل بن عياض رحمه ال حيث قال وعليك
بطريق الهدى ول يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلل ول تغتر بكثرة الهالكين
انتهى كلمه رحمه ال تعالى
فل تفزع من قول ظالم ول فعله ول تجبن من جهله فإنه مبني على شفا جرف هار
وعاقبته إلى الدمار والبوار
وقد رأيت وفي اليام تجربة ...للصأبر عاقبة محمودة الثر
وكل من جد في أمر يحاوله ...واستشعر الصأبر إل فاز بالظفر
كم من وال تجبر وظلم وتعدى طوره ولم يرع الحرم دارت عليه دوائر النقم وصأار
عبرة لسائر المم
الثر تائبا عما بطن وظهر متضرعا في الظلم والسحر فإن ال تعالى ناصأره وراحمه
وسيهلك عن قريب ظالمه وشاتمه
قال رسول ال إياك ونار المؤمن ل تحرقك وإن عثر في كل يوم سبع مرات فإن يمينه
بيد ال إذا شاء أن ينعشه أنعشه
رواه الحكيم الترمذي رحمه ال في كتابه بستان العارفين ومعنى قوله ينعشه أي يرفعه
ويقبله وقال الحسن وقتادة رضي ال عنهما إياكم وأذى المؤمن فإنه أحب ل فأحبه
وغضب لربه فغضب ال له وإن ال يحوطه ويؤذي من آذاه . .ذكره الثعالبي في
تفسيره ول سبحانه عباد يغضب لهم كما يغضب الليث الحرب
كذا ورد في الحديث
وحزب ال هم الغالبون وجند ال هم المنصأورون فاصأبر وما صأبرك إل بال ول تحزن
عليهم ول تك في ضيق مما يمكرون إن ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
ومن كان ال معه لم يخف واليا وإن جرت عليه محنة كان بها راضيا لنه عرف أن ل
سبحانه وتعالى حكما
يقضيها ومقادير في خلقه يمضيها يبتلي من يشاء بما يشاء فليس إل التسليم والرضا
فعليك بالعمل بالطاعة تربح الفوز بأحسن البضاعة وتسهل عليك الهوال عند قيام
الساعة
واحذر أن تسلم له خفاره أو تكون صأاحبه وجاره ولو رماك بالسهم والحجارة
فصأاحب القرآن والعلم ل يحمل المذلة والهوان ول الدخول في الرق والصأغار بل ل
يبالي بمن عدل أو جار
فقد قال ال تعالى في كتابه المبين ول العزة ولرسوله وللمؤمنين
وقال رسول ال ل ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه رواه الترمذي وغيره وذكره صأاحب
الشهاب أيضا
وذكر ابن أبي شامة في كتاب المرشد قال أبو عبيد جلست إلى معتمر بن سليمان رحمه
ال وكان من خير من رأيت وكانت له حاجة إلى بعض الملوك فقيل له لو أتيته فكلمته
فقال قد أردت إتيانه ثم ذكرت القرآن والعلم فأكرمتهما عن ذلك
وأنشد القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني رحمه ال شعرا يقول فيه
فالصأبر عى المحن والبليات مذهب الذين آمنوا وعملوا الصأالحات وهو من الفضائل
المشهورات والمناقب المأثورات
وقد قيل خزائن المنن على قناطر المحن
وأنشد الشافعي رضي ال عنه
عزة النفس والسلمة في الدين ...اصأطبار الفتى لدهر عبوس
وقال المام جعفر بن محمد الصأادق رضي ال تعالى عنهما الكامل من الرجال من هو
فقيه في دينه صأابر على ما به فينبغي الصأبر الجميل لنتظار الجر الجزيل فانتظار
الفرج من ال بالصأبر عبادة
كذا قاله الرسولذكره في كتاب الشهاب وغيره
وينبغي أن ل يرجى إل ال ول يخاف إل ال فمن خاف غير ال فما عرف ال ول راقب
ال إذ السموات والرض ومن فيهما ملك ل سبحانه
فثق بالله الفرد ل تخش غيره ...فربك قيوم عظيم وذو رحم
ول لطف ل يحد ورحمة ...وتقليب أحوال ونقض لذي العزم
فصأل
ومن تمسك بسنة رسول اللهوبالعلم الشريف وأحب العلم والعلماء وأهل الدين الحنيف
وصأبر على ما يلقاه من الجاهل السخيف فقد نال الحظ الكامل والشرف المنيف ل يضره
كيد كايد ول يشينه حسد حاسد إن شاء ال وله المنة وسيعود كيد كائده عليه ويرجع وبال
ظالمه إليه ول يحيق المكر السيئ إل بأهله
وسيحيق بالظالم سوء فعله
وقد وعد ال الصأابرين على الفتنة العاكفين على السنة والمحبة بالنصأر الحسن ونيل
المراد
فقال سبحانه وهو الكريم الجواد الصأادق العلي الذي ل يخلف الميعاد إنا لننصأر رسلنا
والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم
الشهاد
فكن من المنتظرين لوعده الواقفين عند أمره وحده فقد وعد سبحانه المؤمنين بالنصأر في
دنياهم وبالجر في أخراهم والحمد ل الذي لم يجعل لجبار سبيل إلى نزع ما أعطى من
العلم وجعل العلم شرفا لهله في الحرب والسلم وأعزه ال في كل ملة على كل حال
وفضل حامليه على سائر الرجال فقال سبحانه في اليات المحكمات يرفع ال الذي آمنوا
منكم والذين أوتوا العلم درجات
قال ابن عباس رضي ال عنهما للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين
كل درجتين مسيرة خمسمائة عام
ذكره الغزالي رحمه ال في الحياء وغيره
فينبغي لمن لم يكن عالما ول عامل أن فليحب العلماء العاملين ومن لم يكن صأالحا فلحب
الصأالحين فمن أحب قوما فهو منهم ومن تشبه بقوم فهو منهم
قال رسول ال المرء مع من أحب
وروي من أحب العلم والعلماء لم تكتب عليه
خطيئة أيام حياته رواه المقرئ أبو بكر النقاش في تفسيره شفاء الصأدور
وقال رسول ال عليكم بحب علمائكم ول تبغضوهم ول تحسدوهم ول تطعنوا فيهم أل
من أحبهم فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب ال ومن أبغضهم فقد أبغضني ومن أبغضني
فقد أبغض ال اللهم هل بلغت
رواه أبو الليث السمرقندي رحمه ال بإسناده قال ولو لم يكن في حضور مجلس العلم
منفعة سوى النظر إلى وجه العالم لكان الواجب على العاقل أن يرغب فيه
قال وقد أقام النبيالعلماء مقام نفسه
فقال من زار عالما فكأنما زارني ومن صأافح عالما فكأنما صأافحني ومن جالس عالما
فكأنما جالسني ومن جالسني في الدنيا أجلسه ال تعالى معي يوم القيامة في الجنة
انتهى كلمه
وقال العلم خزائن ومفتاحها السؤال فاسألوا يرحمكم ال فإنه يؤجر فيه أربعة السائل
والمعلم والمستمع والمحب لهم
ذكره في كتاب الفقيه
رسول ال يجاء بالعالم والعابد فيقال للعابد ادخل الجنة ويقال للعالم قف حتى تشفع للناس
رويناه في كتاب الترغيب والترهيب لبي القاسم الصأبهاني وفي كتاب ابن عبد المجيد
الميانشي رحمه ال عن ابن عباس رضي ال عنهما قال قال رسول ال إذا اجتمع العالم
والعابد على الصأراط قيل للعابد أدخل الجنة وتنعم بعبادتك وقيل للعالم قف اشفع لمن
أحببت
وقال المام الحافظ ابن الجوزي رحمه ال اصأحب الصأالحين وإن لم تكن منهم فإن ال
سبحانه لما أحيا عزيرا أحيا حماره ولما بعث أهل الكهف بعث كلبهم
وقال قتادة رحمه ال في كتابه إن عليا كرم ال وجهه قال كن عالما أو متعلما أو مستمعا
أو محبا ول تكن الخامس فتهلك
وإن رسول اللهقال كونوا علماء صأالحين فإن لم تكونوا علماء صأالحين فجالسوا العلماء
فاستمعوا علما يدلكم على الهدى أو يردعكم عن الردى
وذكر المام الغزالي في الحياء أن رجل قال
لعمر بن عبد العزيز رحمه ال إنه كان يقال إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما وإن
لم تستطع أن تكون عالما فكن متعلما فإن لم تستطع أن تكون متعلما فأحبهم فإن لم
تستطع أن تحبهم فل تبغضهم فقال سبحان ال لقد جعل ال مخرجا
وقيل للفضيل رحمه ال إن سفيان بن عيينة قبل جائزة السلطان فقال الفضيل ما أخذ منهم
إل دون حقه ثم خل به وعاتبه برفق فقال يا أبا علي إن لم نكن من الصأالحين فإنا نحب
الصأالحين
ويقال كفى بالمرء إثما أن ل يكون صأالحا ويقع في الصأالحين ومعنى يقع فيهم أي
يغتابهم ليظهر للناس معايبهم وقيل
وما عبر النسان عن نقص نفسه ...بمثل اعتقاد النقص في كل فاضل
نسأل ال الكريم أن ينفعنا بهم وأن يحشرنا على حبهم ويجعلنا في زمرتهم بمنه وكرمه
ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم
فصأل
وإذا اختبرك مختبر بأذيته وعاندك مدل بدولته وتهددك ببأسه وسطوته فعليك بطريق
الصأبر والحتساب والتأمل لما ورد في السنة والكتاب من جزيل الجر للصأابرين
وانتظار الفرج من رب العالمين فقد قال سبحانه لنبيه محمدحين كاده من كاد وأبغضه
العداء والحساد وإن تصأبروا وتتقوا ل يضركم كيدهم شيئا إن ال بما يعملون محيط
فذكر ال سبحانه أنه من صأبر واتقى ل يضره كيد ول يخشى من عمرو ول زيد وإذا
مكر بك ماكر أو سخر منك ساخر فاذكر قول رب العالمين ومكروا ومكر ال وال خير
الماكرين فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا
دمرناهم وقومهم أجمعين وإن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون
من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم
وإن تهددك بالسطوة عليك والعدوان فقل له إن ال عز وجل كل يوم هو في شأن يرفع
ويضع ويعز ويهين فبه نعوذ ونستجير وإياه نستعين وهو سبحانه هو الذي يفعل ما يريد
وهو الذي بقبضته كل العبيد وليس لعبد أن يبلغ مراده ول يقدر أن ينفع نفسه ول أن
يضر أضداده إل بشيء قد قدره ال سبحانه وأراده
وإذا خفت من الهوال والخطب الجسيم وأعياك المخرج وتحير في أمرك الحليم ولم
ينفعك الصأديق ول أعانك الحميم فأكثر قول بسم ال الرحمن الرحيم ول حول ول قوة إل
بال العلي العظيم فإن ال سبحانه يدفع بها سبعين بابا من الضر أدناها الهم كذا قاله
رسول ال
ومهما ظهرت الفتن وانضربت فيها القاويل وخيف من شرها التعريض والتطويل
والتهويل فافرع إلى التوقي بما يقي من أمرها الوبيل بترداد قول حسبنا ال ونعم الوكيل
فإنها الكلمة التي ألهمها إبراهيم الخليل عليه أفضل الصألة والتسليم فقالها لما رموه
وألقوه في الجحيم فقال ال تعالى يا نار كوني بردا وسلما على إبراهيم وأرادوا به كيدا
فجعلناهم الخسرين
وإن افتخر عليك مفتخر بسلحه وزيه وعظم سطوته وكثرة ليه فقل إنما الفخر لمن خدم
شرع ال وسنة نبيه وليس الفخر بحسن الزي واللباس ول بارتفاع الحصأون وقهر الناس
ول بظلم الخلق وشدة الباس ول بحمل السلح والحلل الملح لكن الفخر بالتقى والصأبر
والرضى وخدمة شريعة المصأطفىوشرف وكرم
ونحن بحمد ال خدام شرعه ...وخادم شرع ال ل يخش من غلب
فصأل
فمهما أبقى ال سبحانه علينا نعمة السلم وما أنعم به علينا من معرفة الشرائع والحكام
وجنبنا جميع الفواحش والثام فقد خصأنا منه بأفضل إكرام وتفضل علينا سبحانه بكل
إنعام ول نبالي بعد ذلك بما تغير وتكدر من أسباب الدنيا ول بما تعسر وتعذر من بقية
الشياء لن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر نسأل ال أن يديم علينا نعمه وأن
يصأرف عنا بلطفه نقمه فالدين والعلم هو الذي عليه المعول وهو العز الذي ل يضيع ول
يتحول وإنه لهو الخر وهو الول وإن شرع ال لمحمود صأاحبه وهو الذي ل يفلح لئمه
وجاذبه وهو الذي عز في الورى جانبه والغالب بالباطل مغلوب تحقيقا وقل جاء الحق
وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا
وأنشد شيخنا
هو الذي يضر وينفع وهو الذي يهين ويعين ويرفع وهو الذي له الخلق والمر وهو الذي
يعلم السر والجهر ويعلم وسوسة الصأدر
فلزم طريق شريعته ول تدعها واعمل بسنة نبيه واتبعها وإن بقيت بها غريبا فريدا
وصأرت بطريقها مفارقا وحيدا فقد قال رسول ال السلم بدأ غريبا وسيعود غريبا كما
بدأ فطوبى للغرباء الذي يصألحون ما أفسد الناس من سنتي
رواه البخاري رحمه ال
فاتق ال ول تبالي بمن سلك سبيل الضلل واعتصأم بالكبير المتعال فإن ال تعالى ل
يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد ال بقوم سوءا فل مرد له وما لهم من
دونه من وال
ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل
فصأل
وبعد فإني أوصأي ولدي وأحبائي ومن تبعهم من بني أبي وأصأحابي بفن العلم وحرفته
وأن يكونوا من محبيه وحملته فإنه فن التقياء وسلح الولياء ووراثة النبياء وهو الكنز
الذي ل يضيع ول يفوت وهو الرفيق الذي ل يفارقك حين تموت وهو الذي ينفع صأاحبه
في الدنيا وهو الذي يشفع لمن عمل به في العقبى
قال علي كرم ال وجهه لكميل بن زياد رضي ال عنه العلم خير من المال العلم يحرسك
وأنت تحرس المال المال تنقصأه النفقة والعلم يزكو على النفاق والعلم حاكم والمال
محكوم عليه محبة العلم دين يدان ال به العلم يكسب العالم الطاعة في حياته وجميل
الحدوثة بعد وفاته
مات خزان الموال وهم أحياء
يقولون ذكر المرء يبقى بنسله ...وليس له ذكر إذا لم يكن نسل
فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي ...فمن سره نسل فإنا بذا نسلوا
وكان يحيى بن كثير رحمه ال يقول ميراث العلم خير من الذهب
وفي تفسير الثعالبي رحمه ال إن مصأعب بن الزبير رحمه ال قال لبنه يا بني تعلم العلم
فإن كان لك مال كان لك جمال وإن لم يكن لك مال كان لك مال
وينشد قيل إنه لبي السود الدؤلي رضي ال عنه
يا طالب العلم نعم الشيء تطلبه ...ل تعدلن به درا ول ذهبا
العلم زين وتشريف لصأاحبه ...فاطلب هديت فنون العلم والدبا
العلم كنز وذخر ل نفاد له ...نعم الوزير إذا ما عاقل صأحبا
فجامع العلم مغبوط به أبدا ...وليس يحذر منه الفوت والسلبا
والناس أرض وأهل العلم فوقهم ...سماء نور فما في النور ظلماء
ل تركنن إلى الجهال إنهم ...وحق ربي لهل العلم أعداء
فالعلم ولية ل يخشى عليها العزل ول ينعزل صأاحبها بموت ول قتل بل طاعة العالم بعد
موته قائمة والعمال بحكمه وفتاويه من بعده لزمة وآثاره ومعالمه شاهدة عليه دائمة
كما قيل
لعمري لئن أضحت رميما عظامهم ...لقد آذنت آثارهم بحياتها
وسلفنا ومشايخنا الماضون كأنهم لما لدينا من علمهم موجودن كما قيل
يموت قوم ويحيي العلم ذكرهم ...والجهل يلحق أمواتا بأموات
وأنشد البطليوسي النحوي المشهور رحمه ال تعالى
أخو العلم حي خالد بعد موته ...وأوصأاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ...يظن من الحياء وهو عديم
ولم يمت من خلف علما نافعا ول كان سعيه بذلك ضائعا بل حسناته متزايدة وإن كان
رميما وأجره مضاعف وإن كان شخصأه معدوما
قال رسول ال إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث صأدقة جارية أو علم ينتفع به أو
ولد صأالح يدعو له
روي في الصأحيحين
وقال رسول ال سبع يجري للعبد أجرهن من بعد موته وهو في قبره من علم علما أو
أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخل أو بنى مسجدا أو ورث مصأحفا أو ترك ولدا
يستغفر له بعد موته
ذكره في كتاب الكوكب عن مسند البزار ونحوه في منتخب ابن الجوزي رحمه ال فيا
حسنها من كرامة يتضاعف أجرها إلى يوم القيامة ويا لها من ولية ليس لها نهاية
وأنشد أبو بكر بن علي الحسن الكاتب القستهاني رحمه ال فيما حكاه السلفي عنه وما
أحسن ما قال
مجالس قومه حتى يأتيه فيجلس عنده فقيل له يغفر ال لك أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب
إلى هذا العبد فتجلس معه فقال إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيث ما كان
رواه الحافظ أبو نعيم في حليته بإسناده ونحوه ذكر المام النواوي رحمه ال في تهذيبه
حكاية عن تاريخ البخاري رحمه ال وفيه فقيل له تتخطى مجالس قومك إلى عبد عمر
بن الخطاب فقال إنما يجلس المرء إلى من ينفعه في دينه
وكان الحسن مولى وكذلك ابن سرين ومكحول رضي ال عنهم وخلق كثير فشرفوا
بالعلم والتقوى وبقي ذكرهم وشرفهم إلى آخر الدنيا وقال الخطيب البغدادي في كتابه كان
محمد بن عبد الرحمن الوقص عنقه داخل في بدنه وكان منكباه خارجين كأنهما زجان
فقالت له أمه يا بني إنك خلقت خلقة ل تكون في قوم إل كنت المضحوك منه المسخور به
فعليك بطلب العلم فيرفعك فطلب العلم ثم ولي قضاء مكة عشرين سنة
وكان الخصأم إذا قعد بين يديه يرعد من هيبته لجل علمه
وحكى أبو الليث رحمه ال في تنبيهه عن
سالم بن أبي الجعد رحمه ال أنه قال اشتراني مولي بثلث مئة وأعتقني فقلت في أي
الحرف احترف فاخترت العلم على كل حرفة فلم تمض لي مدة حتى أتاني الخليفة زائرا
فلم آذن له قال ودخل صأالح المري رحمه ال على الملك فأجلسه على وسادته فجلس
فقال صأالح قال الحسن وصأدق الحسن قال له أمير المؤمنين وأيش قال الحسن قال قال
الحسن إن العلم يزيد الشريف شرفا ويبلغ بالعبد منازل الحرار وإل فمن صأالح المري
حتى يجلس على وسادة أمير المؤمنين لول العلم وأنشد بعضهم
العلم ينهض بالخسيس إلى العل ...والجهل يقعد بالفتى المنسوب
وقد قيل ضمن العلم لكل من خدمه أن يجعل الناس كلهم خدمه وأنشد بعضهم
إذا أحببت أن تحيى سعيدا ...وتلقى ال بالعمل الكريم
فل تصأحب سوى الخيار واقطع ...زمانك في مدارسة العلوم
وإن كبير القوم ل علم عنده ...صأغير إذا التفت عليه المحافل
وإن صأغير القوم إن كان عالما ...فأكثرهم يرضون ما هو قائل
وللفقيه إبراهيم بن مسعود اللبيري رحمه ال تعالى قصأيدة طويلة مشهروة يحض ولده
أبا بكر على طلب العلم ويعظه فأحببت أن آخذ منها ما يليق بهذا المصأنف وهو قوله عفا
ال عنه وجزاه خيرا آمين آمين آمين
أبا بكر دعوتك لو أجبتا ...إلى ما فيه حظك إن عقلتا
إلى علم تكون به إماما ...مطاعا إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بعينك من عشاها ...ويهديك السبيل إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجا ...ويكسوك الجمال إذا اغتربتا
ينالك نفعه ما دمت حيا ...ويبقى ذخره لك إن ذهبتا
به تكسب العلياء والعون والهدى ...به المرء في الدارين يعلو ويسبق
فإن قارن العلم اهتمام وفطنة ...وبحث وفكر فهو يعلي ويشرق
وقال بعض البلغاء تعلم العلم فإنه يقومك ويسددك صأغيرا ويقدمك ويسودك كبيرا
ويصألح زيغك وفاسدك ويرغم عدوك وحاسدك ويقيم عوجك وميلك ويصأحح همتك
وأملك
وقال آخر من تفرد بالعلم لم توحشه الخلوة ومن تسلى بالكتب لم تفته سلوة ومن آنسته
قراءة القرآن لم توحشه مفارقة الخوان
وقال عبد الملك بن مروان لبنيه يا بني تعلموا العلم فإن كنتم سادة فقتم وإن كنتم وسطا
سدتم وإن كنتم سوقة عشتم وأنشد بعضهم
العلم زين ما تعلمه الفتى ...فانهض إليه ول تكن كسلنا
إن شئت للدنيا علوت به العل ...أو شئت للخرى ظفرت جنانا
وقال آخر
تعلم فإن العلم زين لهله ...ولن تستطيع العلم حتى تعلما
ول خير فيمن عاش ليس بعالم ...بصأير بما يأتي ول متعلما
وقال آخر
العلم زين ومنجاة لصأاحبه ...ومن المهالك والفات والعطب
وما تلحف إنسان بملحفة ...أبهى وأجمل من علم ومن أدب
وقال الغزالي رحمه ال في أول المستصأفى العلم أربح المكاسب والمتاجر وأشرف
المعالي والمفاخر وأكرم المحامد والمآثر وأحمد الموارد والمصأادر فشرفت بإثباته
القلم والمحابر وتزينت بأسماعه المحاريب والمنابر وتحلت برقومه الوراق والدفاتر
وتقدم بشرفه الصأاغر على الكابر واستضاءت ببهائه السرار والضمائر وتنورت
بأنواره القلوب والبصأائر واستحقر في ضيائه ضياء الشمس الباهر على الفلك الدائر
وأنشد بعضهم
العلم يجلو العمى عن قلب صأاحبه ...كما يجلي سواد الظلمة القمر
والعلم يحيي قلوب الحاملين له ...كالرض تحيى إذا ما مسها المطر
وقال آخر
مع العلم فاسلك حيث ما سلك العلم ...وعنه فسائل كل من عنده فهم
ففيه جلء القلب من شدة العمى ...وعون على الدين الذي أمره حتم
فإني رأيت الجهل يزري بأهله ...وذو العلم في القوام يرفعه العلم
يعد كبير القوم وهو صأغيرهم ...وينفذ منه فيهم القول والحكم
فخالط رواة العلم واصأحب خيارهم ...فصأحبتهم زين وخلطتهم غنم
ول تعدون عيناك عنهم فإنهم ...نجوم إذا ما غاب نجم بدا نجم
وقال آخر
فصأل
فعليك يا ولدي بالعلم فإنه الموصأل إلى كل خير وهو الدافع لكل ضير وهو الذي شرفه
ال في الجملة وفضله وشرف أهله في كل ملة
واعلم أنه خلق نفيس ل ينال بالهوينا والدعة وإنما ينال بجد واجتهاد ومكابدة جوع وسهاد
فإن نيل العظيم ل يدرك إل بأمر عظيم وعلى قدر الراحة يكون التعب وأعز العلم ما
كان عن ذل الطلب وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى
فاشدد يديك بحبل الدرس مجتهدا ...وإن أمضك طول الجوع والسهر
إن التجار إذا راحوا وقد ربحوا ...أنساهم الربح ما عناهم السفر
وفي صأحيح مسلم وحلية الولياء لبي نعيم عن يحيى بن أبي كثير رحمهم ال تعالى ل
يستطاع العلم براحة الجسم
وروى الحسن بن خلد رحمه ال في كتابه الفاضل بإسناده عن إمامنا الشافعي رضي ال
عنه إنه قال ل يطلب هذا العلم من يطلبه بالملك وغنى النفس فيفلح ولكن من طلبه بذلة
النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح
وقال أيضا رضي ال عنه ل يدرك العلم إل بالصأبر على الذل وقال أيضا رضي ال عنه
حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الستكثار من علمه والصأبر على كل عارض
يعرض دون طلبه وإخلص النية ل تعالى في إدراك علمه نصأا واستنباطا والرغبة إلى
ال تعالى في العون عليه
وقال المام أبو حنيفة رضي ال عنه يستعان على الفقه بجمع الهمة ويستعان على حذف
العلئق بأخذ اليسير عند الحاجة وأنشد بعض المتقدمين
تمنيت أن تمسي فقيها مناظرا ...بغير عناء فالجنون فنون
المسألة أمامه وأغلق دكانه وأحرق قلبه الجوع وتعلق في شعره القمل ولم يقل واغربتاه
وأنشد بعضهم
بقدر الكد تكتسب المعالي ...ومن طلب العل سهر الليالي
تروم العلم ثم تنام ليل ...يغوص البحر من طلب اللي
فاصأبر يا بني على تحصأيله لتنال العز عند حصأوله فقد قال أبو الليث رحمه ال من
صأبر على نصأب العلم في البتداء وجد عواقبه لذة تفوق سائر لذات الدنيا وإياك أن تهتم
للرزق فإنه مكتوب مقدر وكل له قسم منه ميسر أو معسر على ما سبق به قضاء ال
الكبر
ل الحرص زاد ول الهمال ينقصأه ...ثم القضاء فلم ينقص ولم يزد
وقد قال بعض الحكماء لبنيه يا بني تعلموا العلم وإن لم تنالوا به من الدنيا حظا فلن يذم
الزمان لكم أحب إلي أن يذم الزمان بكم
كيف وقد قال رسول ال من طلب العلم تكفل ال برزقه
رواه أبو نعيم الحافظ في كتابه بإسناده
ل إله إل هو والملئكة وأولو العلم إنما يخشى ال من عباده العلماء رب زدني علما إن
في ذلك ليات للعالمين على قراءة من كسر اللم وقال الذين أوتوا العلم واليمان وقال
الذين أوتوا العلم قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون وما يعقلها إل العالمون
بل هو آيات بينات في صأدور الذين أوتوا العلم يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين أوتوا
العلم درجات
واعلم أن العلوم كلها فاضلة وكلها أبازير للفقه قال
الغزالي رحمه ال ولجل شرف علم الفقه وفر ال دواعي الخلق على طلبه وكان العالم
به أرفع العلماء مكانا وأجلهم شأنا وأكثرهم اتباعا وأعوانا قال فقيه واحد أشد على
الشيطان من ألف عابد
رواه أبو عيسى الترمذي رحمه ال وروى المام الثعالبي المفسر رحمه ال بإسناده عن
عبد ال بن المبارك رحمه ال قال دخلت على سفيان الثوري رحمه ال بمكة فوجدته
مريضا شارب دواء
وبه غم شديد فسلمت عليه فقلت ما لك يا أبا عبد ال فقال أنا شارب دواء وبي غم شديد
فقلت أعندك بصألة قال نعم قلت فائتني بها فكسرتها ثم قلت له شمها فشمها فعطس عند
ذلك فقال الحمد ل رب العالمين فسكن ما به فقال لي يا ابن المبارك فقيه وطبيب أو قال
عالم وطبيب فقلت له مجربا يا أبا عبد ال قال فلما رأيته سكن ما به وطابت نفسه قلت
إني أريد أن أسألك حديثا قال سل ما شئت فقلت أخبرني من الناس قال الفقهاء قلت فمن
الملوك قال الزهاد قلت فمن الشراف قال التقياء
قلت فمن الغوغاء قال الذين يكتبون الحديث يستأكلون به الناس
قلت أخبرني رحمك ال من
فصأل
وقد ذكر إمامنا وشيخنا وسيدنا رضي ال عنه في كتاب الرشاد للملوك والرعايا والعباد
نكتا موضحة للشأن فانتخبت منها ما يليق بهذا المكان
وإن كانت معاينها مكررة زيادة للبيان ول بأس بالتكرار فقد ورد به القرآن فمن جملة ما
قاله شيخنا رضي ال عنه في ذلك الكتاب قوله وقد هداه ال للصأواب والن فقد انتهى
المر كله إلى العلماء الثبات والئمة الثقات والمفتين والقضاة الذين نقلوا أحكام
الرسالت فهم الرؤساء في كل الحالت ولهم في الدنيا شرف الوليات
وهم أهل الحل والعقد والرئاسات وإليهم تنتهي الشارات وبهم تفهم العبارات وعنهم
تحفظ الحكايات وتصأح الروايات وتحصأل الفادات
فهم في الدنيا رؤوس الرؤساء وبعد أنبياء ال هم الخلفاء وفي يوم القيامة هم الشفعاء وفي
الجنة يحتاج الناس إليهم ويعول عند طلب المنية عليهم
كما ورد في الثر عن معاذ رضي ال عنه قال إن العلماء ليحتاج إليهم في الجنة إذ يقال
لهل الجنة تمنوا فل يدرون كيف يتمنون حتى يتعلموا من العلماء كذا ذكره المام
الغزالي في كتاب الدعوات من كتابه ورفعه صأاحب كتاب الفردوس عن جابر رضي ال
عنه عن النبيأنه قال إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء في الجنة
ثم قال شيخنا وإمامنا في الباب بعده فعلى الكل يعني من الراعي والرعية أن يحسنوا
الظن بحملة القرآن وبالقائمين بالعلم والتقوى والبرهان وأن يعزوهم ويجلوهم على مر
الزمان وأن يرفعوا قدرهم على كل الخوان بل يقدموهم على الوالدين والولدان
فوجدوهم زيادة في اليمان وسعادة في البلدان وعمارة للوطان وصألح للرعية
والسلطان وإرغام لنف الشيطان فينبغي إعانتهم على ما هم فيه من الشأن ونصأرهم عند
النوائب
والحدثان وتعظيمهم بقدر المكان فإنهم عند ال سبحانه بمكان وهم أشرف من يكون
ومن كان
ثم قال رحمه ال فيهم فهم الذين اصأطفى ال من العباد وأورثهم كتابه العزيز المستفاد
واختارهم للمعاش والمعاد وأنهم لهم قدوة المهتدين وقادة المتقين وأئمة المسلمين ورغم
العصأاة والمفسدين وهم حفاظ الشريعة والدين وسرج أهل اليقين وكواكب الرضين
وهداة العالمين ومصأابيح المتعلمين وأعداء الشياطين وبركة السلطين وأحباب الملئكة
المقربين والداعون إلى الحق المبين
ثم قال عفا ال عنه وجزاه خيرا فعلى الكل أن يعينوا العلماء للتفرغ للعلوم ويمنعوا عنهم
من يشغلهم عن ذلك المعلوم ويتفقدوهم لئل ترد عليهم الغموم وينصأروهم عند أن يظهر
لهم الخصأوم وأن يرفهوهم لقتباس العلم وإظهاره ونشره وبسطه واختصأاره
فإن العلماء هم عماد السلم وهم المعروفون بجميع الحكام وهم الفارقون بين الحلل
والحرام وهم المرشدون إلى دار المقام وهم المجددون لما درس من
فصأل
ويجب على العوام أن ل يعترضوا على علمائهم بل يقلدونهم في أديانهم فيهتدون بهداهم
ويعلمون بفتواهم
ول ينكرون على العلماء ما يفعلونه ول يتعقبون عليهم ما يأتونه مما ظاهره مستنكر
فإن العلماء بالحق أعرف وهم به أخبر وهم بمداخله ومخارجه أبصأر
والعالم الورع بما قد أصألح ال من قلبه لينبغي لحد أن يدخل بينه وبين ربه فقد يفعل
العالم ما ظاهره الفساد وباطنه صأواب عند رب العباد بما اطلع عليه العالم من الفساد
والسداد
واعتبر بقصأة الخضر عليه السلم لما خرق سفينة المساكين وقتل بيده الغلم أنكر عليه
موسى صألى ال على نبينا وعليه وسلم ذلك ولمه على ما جرى هنالك
فلما عرفه الخضر بتأويله أقر موسى له بتفضيله وقد شرح ال
فصأل
وقال شيخنا شرف الدين الذوالي رحمه ال في كتابه معارج التصأنيف إن من أعظم
الخيرات التوفيق لطلب العلم والعكوف على طلب العلم النافع ودفاتر الحكمة وذكر فيه
أيضا إن ال سبحانه أثنى بنفسه على العلم وشرف أهله
ثم أثنى سيد المرسلينعلى العلماء وأطنب في مدحهم وأمر بالجلوس إليهم والخذ منهم
وقال إنما بعثت معلما
ثم أثنى على العلم بعده عيه السلم صأحابته رضي ال عنهم والذين اتبعوهم بإحسان
ودعوا خلق ال إليه وحضوهم عليه حتى ضرب الناس أكباد البل في طلبه وقطعوا
المسافات الشاسعة في اكتسابه ثم أثنى على العلم
بعدهم عقلء الناس وخيار عباد ال المنقطعين إلى خدمته سبحانه وتبعهم على ذلك
دهماء الناس مع اختلف طبقاتهم
قال رحمه ال وشذ مراد من الناس خذلهم ال فاسترذلوا العلم واستحمقوا أهله
قال ولسنا بصأدد الرد على هؤلء ول بنا حاجة إلى ذلك إذ قد تولى ذلك عنا إلهنا سبحانه
ورسله وأنبياؤه وخيار عباده الذين اصأطفاهم ال لخلفه نبيه
انتهى كلمه رحمه ال
فصأل
وكل هذا في عالم تقي ورع نقي يعمل بعلمه ول يقنع منه باسمه بل يكذب نفسه فيه
ويحبه ويقتفيه فمن لم يجد من نفسه محبة العلم وأسبابه ول يجد للعلم ومطالعة كتابه لذة
تغلب لذة نومه وطعامه وشرابه فإنه ليس بفقيه وإن تسمى به ول ينجب فيه ول يعد من
أصأحابه
وأنشد إمامنا الشافعي رضي ال تعالى عنه ونفع به وبعلومه آمين
إذا رأيت شباب الحي قد نشأوا ...ل يحملون قلل الحبر والورقا
ول تراهم لدى الشياخ في حلق ...يعون من طيب الخبار ما اتسقا
فعد عنهم واعلم أنهم همج ...قد بدلوا بعلو الهمة الحمقا
وإنما يعد من أهل العلم من جد فيه ومهر وترك سائر لذاته له وهجر واستلذ الجوع لجله
والسهر لنه كلما دخل روضا منه تبدى له ما هو أحسن وأبرع فهو في رياضه وفنونه
وبساتينه يرتع ل يمل منه ول يقنع ول يروى ول يشبع فهو كما قيل
يا نسيم الريح قل لي للرشا ...لم يزدني الري إل عطشا
وقد قال رسول ال منهومان ل يشبعان طالب علم وطالب دنيا ول يستويان
أما طالب العلم فيزداد رضى الرحمن وأما طالب الدنيا فيزداد في الطغيان
رواه المام الواحدي رحمه ال في وسيطه وأبو الليث رحمه ال في تنبيهه
وقد ورد ل يشبع عالم من علم حتى يكون منتهاه الجنة ولفظ الترمذي رحمه ال فيه لن
يشبع المؤمن من خير سمعه حتى يكون منتهاه الجنة
وقال سفيان بن عيينة رضي ال عنه يوما لصأحابه من أحوج الناس إلى طلب العلم قالوا
قل يا أبا محمد قال ليس أحد أحوج إلى طلب العلم من العالم لنه ليس الجهل بأحد أقبح
به من العالم
وقال
أبو العباس أحمد بن يحيى وابن المبارك رحمهم ا ل ل يزال الرجل عالما ما طلب العلم
فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل
وقال سعيد بن جبير رحمه ال ل يزال الرجل عالما ما تعلم فإذا ترك التعلم وظن أنه قد
استغنى واكتفى بما عنده كان أجهل ما يكون وقيل لبعضهم من متى التعلم وإلى متى قال
من المهد إلى اللحد
وقال كل صأاحب علم غرثان إلى علم
رواه الحافظ أبو نعيم رضي ال عنه
وأن العلماء كلهم والحكماء من المتأخرين ومن سبقهم من القدماء هم الذين يجدون للعلم
لذة تفوق سائر اللذات ويحقرون عندها لذة الملوك وسائر الطيبات فيعكفون على إدمان
النظر فيه والمطالعات ويأنسون بالمذاكرة فيه وكثرة المراجعات ويرون أنسهم بذلك
خيرا من أنس النديم وألذ من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك ومزاجه من تسنيم وفي
ذلك أنشد إمامنا الشافعي رضي ال عنه أمين
أخ بر وصأول
وأنشد ابن العرابي رحمه ال في الكتب
لنا جلساء ل يمل حديثهم ...ألباء مأمونون غيبا ومشهدا
فل فتنة نخشى ول سوء عشرة ...ول نتقي منهم لسانا ول يدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ...وعقل وتأديبا ورأيا مسددا
فإن قلت أموات فلست بكاذب ...وإن قلت أحياء فلست مفندا
وكتب بعض العاجم على خزانة كتبه ما هذه صأورته
إذا ما خل الناس في دورهم ...بخمر سلف وخود كعاب
وآنسهم حسنات الليال ...بعز الندامى وزهر الصأحاب
خلوت وصأحبي كتب العلوم ...وبيت عروسي بيت الكتاب
فصأل
ثم وصأيتي لنفسي ولسائر المسلمين بتقوى ال رب العالمين فإنها وصأية ال سبحانه التي
أوصأى بها الولين والخرين
وبقوله سبحانه وهو أصأدق القائلين ولقد وصأينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن
اتقوا ال
وهي وصأية جميع رسل ال لخلق ال وهي التي وصأى بها إبراهيم بنيه ويعقوب
فتقوى ال سبحانه هي النافعة في الدارين وهي الرافعة في الدارين وهي الموصألة إلى
خير الدارين وهي الدافعة لشر الدارين وهي ثمرة العلم المطلوبة منه إذ ثمرة العلم هي
تقوى ال سبحانه
وحقيقة التقوى امتثال أمر ال سبحانه بفعل جميع ما أمر به وبترك ما نهى عنه على ما
ورد في القرآن الكريم
يجعلنا من المتمسكين بطرق الحق وإن ضاقت مواردها المستوحشين من طرق الضللة
وإن طالت مسالكها وال المستعان على نوب الزمان وهو الدافع للشجان والحزان
نسأل ال سبحانه العافية والمان لنا ولوالدينا وللولدان ولجميع المسلمين وسائر الخوان
وأن يحفظ علينا بكرمه اليمان حتى يوصألنا به إلى الجنان فإنه سبحانه كريم رحيم منان
ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم
وحسبنا ال ونعم الوكيل
عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصأير والسلم على من اتبع الهدى والصألة على محمد
المجتبى والحمد ل وسلم على عباده الذين اصأطفى
وقد رأيت أن أختم هذا الجزء بقصأيدتين إحداهما في تعديد بعض النعم والرضى
بالمقدور والقسم وحسن الصأحبة للصأديق والمتهم وهي هذه
سبحان ربي لقد سواك معتدل ...خلقا جميل تعالى ربنا وعل
سبحان من أنشأ النسان من علق ...واختاره وحباه العقل والخول
من نطفة رده حيا وأكرمه ...أعاده ال خلقا كامل رجل
سبحان من رتب العضاء وصأورها ...والرض أحكم منها السهل والجبل
والفلك تمخر وسط البحر جارية ...والخيل سخرها والفيل والجمل
والشمس أنشأها للخلق منفعة ...والبدر والنجم يهدينا به السبل
سبحان من أبدع الشياء كيف يشأ ...من أبصأر الخلق لم ينظر به خلل
الملك والخلق والدنيا بقبضته ...كل لهيبته صأاروا له ذلل
والريح سخرها والسحب أنشأها ...والغيث أنزله يروي به العلل
وانظر إلى الرض يسقيها إذا عطشت ...غيثا مغيثا مريعا مغدقا هطل
سحا هنيا مريا طيبا غدقا ...عذبا فراتا فيروى القاع والقلل
فيظهر النبت من آثار رحمته ...للشم هذا وذا حلو لمن أكل
وتطلع النخل أكماما مرتبة ...طلعا نضيدا فكم من حملها حمل
ويظهر الزرع مخضرا يلقحه ...مر الريح فيبدي الحب والسبل
كل لرزاقنا أبداه خالقنا ...تبارك ال كم أعطى وكم نحل
هذاك قوت وذا حلو وفاكهة ...وأنشأ القطن والزيتون والعسل
والخز والقز والديباج أكسية ...والصأوف والشعر للغاني ومن رحل
والمسك والعود والحجار فهي لنا ...هذا حديد وذا كحل لمن كحل
وذا عقيق وياقوت وذا ذهب ...وفضة وجميع البر قد حصأل
وألهم الدين أهل الرشد فارتفعوا ...والشر للجاهل العاصأي الذي خذل
أو أنزل الشر لم تردده مقدرة ...ول حبيب ولو أبدى لك الحيل
إن قدر ال أمرا فيك تحذره ...فأمره واقع ل شك فيه ول
إن شئت تطمع في شيء يعوقه ...قدرت تفتح أبوابا إذا قفل
أو شئت تحزم من شيء يسلطه ...فالحزم يلقيك في مقدروه عجل
كم من سقيم شفاه ال من دنف ...وكم طبيب لمن داواه قد قتل
هذا أراد له الرحمن عافية ...وذا أراد له التلف فاتصأل
فسلم المر واستسلم لحكمته ...وارض القضاء وكن بالخير مشتغل
واتبع من المر أوله وأسهله ...طوبى لعبد قنوع نال ما سهل
كن للمعاصأي تروكا معرضا بقلى ...وفي المعالي عليا عاليا بطل
واجرع له المر واصأبر يا بني ترى ...عقباك عزا وعقبى المفسد الفشل
واجعل بصأدرك للسرار منزلة ...واجعل لمن رامها من دونها شغل
ول تنلها أخا تندم وسوف ترى ...ممن تحب وإن صأافيته دخل
هذاك نصأحي وتذكيري وموعظتي ...فافهم مرادي وناد ال مبتهل
أن يكفي الكل منا ما نخاف وأن ...يهدي ويصألح منا القول والعمل
ويجمع الشمل في جناته كرما ...بالكل منا ومن أحبابنا كمل
بعد الصألة على المختار من مضر ...محمد المصأطفى خير النام مل
والقصأيدة الثانية في ذكر الكبر وتغير الصأور والمصأير في الحفر وهي هذه
من ذاك موئله حقا ومرجعه ...ماذا عليه إذا ما اسود أو سقما
ما ينفع الحسن والتغيير يلحقه ...وكل عظم يرى في قبره رمما
ولو ترى أحسن القوام منجدل ...في القبر بعد ثلث عاليا ورما
نفرت عنه ول تسطيع تنظره ...أين النعيم وأين الحسن قد هدما
سال الصأديد على الكفان فاندرست ...والبطن شق ودود القبر فيه نما
ولو ترى المقلة الحسنا وقد نزلت ...في الخد سائلة أدبرت منهزما
ل تستطيع مقاما من فجيعته ...وإن يكن أقرب الحباب أو رحما
فحالنا كلنا حقا كحالته ...حق البكاء لنا والحزن وانحتما
من ذاك يسلم من هذا المصأير فل ...وال ما أحد من ذلكم سلما