You are on page 1of 164

‫اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العايل والبحث العلمي‬

‫كلية العلوم االقتصادية والتسيري والعلوم التجارية‬

‫مذكرة لنيل شهادة ماجستري يف العلوم االقتصادية‬

‫ختصص اقتصاد قياسي بنكي ومايل‬

‫بعنوان‬

‫السياسة النقدية و سياسة استهداف التضخم‬

‫دراسة قياسية لحالة الجزائر خالل الفترة ‪4102-0991‬‬


‫حت ت ششرا الدكتورة‪:‬‬ ‫من شعداد الطالبة‪:‬‬
‫‪ -‬بارودي نعيمة‬ ‫‪ -‬وجدي مجيلة‬

‫أعضاء جلنة املناقشة‪:‬‬


‫رئيسا‬ ‫جامعة تلمسان‬ ‫أستاذ التعليم العايل‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬حممد بن بوزيان‬
‫مشرفة‬ ‫جامعة تلمسان‬ ‫أستاذة حماضرة‬ ‫د‪ .‬نعيمة بارودي‬
‫ممتحنا‬ ‫جامعة تلمسان‬ ‫أستاذ حماضر‬ ‫د‪ .‬مناقر نور الدين‬
‫ممتحنا‬ ‫جامعة تلمسان‬ ‫أستاذة حماضرة‬ ‫د‪ .‬أوخبيت رشيدة‬

‫السنة اجلامعية‪5102-5102 :‬‬


‫كلمة شكر وعرفان‬

‫إهلي ال يطيب الليل إال بشكرك واليطيب النهار إىل بطاعتك ‪ ..‬والتطيب اللحظات إال بذكرك ‪ ..‬وال تطيب‬
‫اآلخرة إال بعفوك ‪ ..‬وال تطيب اجلنة إال برؤيتك‬
‫اهلل جل جالله‪.‬‬
‫إىل من بلغ الرسالة وأدى األمانة ‪ ..‬ونصح األمة ‪ ..‬إىل نيب الرمحة ونور العاملني‬
‫سيدنا حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫البد لنا وحنن خنطو خطواتنا األخرية يف احلياة اجلامعية من وقفة نعود إىل أعوام قضيناها يف رحاب‬
‫اجلامعة مع أساتذتنا الكرام الذين قدموا لنا الكثري باذلني بذلك جهودا كبرية يف بناء جيل الغد لتبعث األمة من‬
‫جديد وقبل أن منضي‪ ،‬نقدم أمسى آيات الشكر واالمتنان والتقدير واحملبة إىل الذين محلوا أقدس رسالة يف احلياة‬
‫إىل الذين مهدوا لنا طريق العلم واملعرفة إىل مجيع أساتذتنا األفاضل وأخص بالتقدير والشكر الدكتورة "بارودي‬
‫نعيمة" اليت تفضلت بإشراف على هذا البحث‪ ،‬فجزاها اهلل عين كل خري‪ ،‬وهلا مين كل التقدير و االحرتام‪.‬‬
‫إىل من زرعوا التفاؤل يف دربنا‪ ،‬و قدموا لنا التسهيالت و األفكار و املعلومات‪ ،‬رمبا دون أن يشعروا‬
‫بذلك‪ ،‬فلهم منا كل الشكر‪ ،‬و أخص بالذكر عمال مكتبة االقتصاد‪.‬‬
‫إهداء‬
‫إىل من نذرت عمرها يف أداء رسالة صنعتها من أوراق الصرب‪ ،‬وطرزهتا يف ظالم الدهر على سراج‬
‫األمل بال فتور أو كلل‪ ،‬رسالة تعلم العطاء كيف يكون العطاء‪ ،‬وتعلم الوفاء كيف يكون الوفاء‪ ،‬إىل الغالية اليت ال‬
‫نرى األمل إال من عينيها‪ ،‬أمي احلبيبة أهديك هذه الرسالة جزاك اهلل خرياً‪ ..‬وأمد يف عمرك بالصاحلات فأنت‬
‫زهرة احلياة ونورها ‪.‬‬
‫إىل اليد الطاهر اليت أزالت من أمامنا أشواك الطريق‪ ،‬ورمست املستقبل خبطوط من األمل و الثقة‪ ،‬إىل‬
‫الذي ال تفيه الكلمات و الشكر و العرفان‪ ،‬إىل مثلي األعلى وقدويت يف احلياة‪ ،‬أيب احلبيب أطال اهلل عمره‪،‬‬
‫وألبسه ثوب الصحة والعافية‪ ،‬ومتعين بربه ورد مجيله‪.‬‬
‫بكل حب‪ ..‬إىل رفيق دريب‪ ،‬إىل من سار معي حنو احللم خطوة خبطوة بذرناه معا وحصدناه معا‬
‫وسنبقى معاً بإذن اهلل‪ ،‬إىل من أخذ بيدي‪ ،‬ورسم أمل كل خطوة مشيتها‪ ،‬إىل من هو أقرب إيل من روحي‪ ،‬زوجي‬
‫احلبيب‪ ،‬جزاك اهلل خريا‪.‬‬
‫إىل القلوب الرقيقة الطاهرة‪ ،‬والنفوس الربيئة‪ ،‬إىل أخويت رياحني حيايت‪.‬‬
‫إىل حكميت و علمي‪ ،‬إىل أديب وحلمي‪ ،‬إىل طريقي املستقيم‪ ،‬إىل طريقي يف اهلداية‪ ،‬بابا عبد الرمحن‬
‫و ماما خليدة‪.‬‬
‫إىل من تذوقت معهم أمجل اللحظات‪ ،‬إىل من جعلهم اهلل أخويت باهلل‪ ،‬ومن أحببتهم باهلل‪ ،‬أخويت‬
‫شكيب‪ ،‬شكري‪ ،‬نسيمة‪ ،‬نوال‪ ،‬أمينة وأمال‪.‬‬
‫إىل كل أفراد عائليت‪ ،‬و إىل كل شخص يقرأ هذه الرسالة‪.‬‬
‫حمتويات فهرس الدراسة‬
‫كلمة شكر و عرفان‬
‫إهداء‬
‫فهرس اجلداول و األشكال‬
‫املقدمة العامة‪10......................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار النظري للسياسة النقدية‬
‫متهيد‪01............................................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفاهيم عامة حول السياسة النقدية‪00....................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف السياسة النقدية‪00...............................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أنواع السياسة النقدية‪01..................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬سياسة نقدية توسعية‪01...................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬سياسة نقدية انكماشية‪01.................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أدوات السياسة النقدية‪01.............................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األدوات الكمية (األدوات غري املباشرة)‪01................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬األدوات النوعية (األدوات املباشرة)‪01....................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬السياسة النقدية وعالج التضخم واالنكماش‪11.........................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السياسة النقدية وعالج التضخم‪11......................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬السياسة النقدية وعالج االنكماش‪10.....................................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬أهداف السياسة النقدية‪10.............................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األهداف األولية‪10......................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬األهداف الوسيطية‪11....................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬األهداف النهائية‪17.....................................................................‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬آلية عمل السياسة النقدية‪12...........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬السياسة النقدية يف الفكر االقتصادي‪10...................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املدرسة الكالسيكية‪10..................................................................‬‬
‫أ‬
‫الفرع األول‪ :‬نظرية كمية النقود‪11......................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬نظرية الدخل ومعادلة كامربيدج (صيغة األرصدة النقدية)‪11...................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬املدرسة الكينيزية‪13......................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬دافع املبادالت‪13........................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬دافع االحتياط‪17.........................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬دافع املضاربة‪11..........................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املدرسة النقدية‪31......................................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬اجلدل النقدوي الكينيزي‪33...............................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تأثري األفكار الكينيزية‪33...................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬إدارة توجيه األفكار‪ :‬من إدارة الطلب إىل إدارة ‪33............................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬فعالية السياسة النقدية وقنوات انتقاهلا‪31.................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬فعالية السياسة النقدية‪ ،‬شروطها وعوائقها يف الدول النامية‪31................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط جناعة السياسة النقدية‪31............................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬فعالية السياسة النقدية يف الدول الرأمسالية‪33..................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬عوائق فعالية السياسة النقدية يف الدول النامية‪33.............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬قنوات انتقال السياسة النقدية‪37..........................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬قناة سعر الفائدة‪31.......................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬قناة سعر األصول‪31......................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬قناة سعر الصرف‪32.....................................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬قناة القروض‪32...........................................................................‬‬
‫خامتة ‪30............................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ظاهرة التضخم وسياسات استهدافها‬
‫متهيد‪31............................................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفاهيم عامة عن التضخم‪33............................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف التضخم‪33.....................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أنواع التضخم‪33.......................................................................‬‬
‫ب‬
‫الفرع األول‪ :‬حتكم الدولة يف جهاز االئتمان‪33..........................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪:‬تعدد القطاعات االقتصادية‪33..............................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مدى حدة الضغط التضخمي‪33..........................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬الظواهر اجلغرافية والطبيعية‪37...............................................................‬‬
‫الفرع اخلامس‪ :‬اختالف النظم االقتصادية واالجتماعية‪37.................................................‬‬
‫الفرع السادس‪ :‬الضغط التضخمي‪31...................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أسباب التضخم والكساد‪32............................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬العوامل الدافعة بالطلب الكلي إىل االرتفاع‪32................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬العوامل الدافعة بالعرض الكلي حنو االخنفاض‪30..............................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬آثار التضخم وكيفية معاجلته‪31...........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬آثار التضخم‪31........................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلثار االقتصادية للتضخم‪31...............................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬اآلثار السياسية واالجتماعية للتضخم‪33.....................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬السياسات املعاجلة للتضخم‪33............................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السياسة النقدية يف ضبط التضخم‪33.......................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬السياسة املالية يف ضبط التضخم‪37.........................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الرقابة املباشرة وإجراءات أخرى‪31.........................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬النظريات املفسرة للتضخم‪71............................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬النظرية النقدية التقليدية لتفسري التضخم‪71................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬النظرية الكينيزية لتفسري التضخم‪71........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬النظرية املعاصرة لتفسري التضخم‪73.......................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬منحىن فيليبس بني التحليلني الكينيزي والنقدي‪73...........................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التحليل الكينيزي‪73.......................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬التحليل النقدي‪77........................................................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬النظريات األخرى املفسرة للتضخم‪71...................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نظرية حتويل الطلب‪71....................................................................‬‬
‫ت‬
‫الفرع الثاين‪ :‬النظرية اهليكلية‪72.......................................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬طرق ومعايري قياس التضخم‪11.........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬معايري قياس التضخم‪11................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬معدل حساب السعر العام‪11..............................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬القياس من املنبع‪11........................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬القياس من خالل السلوك العام للمجتمع‪10................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬قياس القوى التضخمية‪10................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬معيار االستقرار النقدي أو الضغط التضخمي‪11.............................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬معيار فائض الطلب‪11.....................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬معيار اإلفراط النقدي‪11.................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬مصادر التضخم‪13.....................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تضخم دفع التكاليف‪13...................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬تضخم جذب الطلب‪13...................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬صدمات العرض والتغذية النقدية‪17........................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬السياسات العالجية للتضخم‪12..........................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السياسات العالجية للتضخم الناشئ من جانب الطلب‪12....................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬السياسات العالجية للتضخم الناشئ من جانب العرض‪21....................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬السياسات العالجية للتضخم الناشئ عن التغذية النقدية‪20..................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬سياسة استهداف التضخم‪23..........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف سياسة استهداف التضخم‪23......................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬ظروف نشأة وتطور سياسة استهداف التضخم‪23..........................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬ظروف نشأة سياسة استهداف التضخم ‪23..................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬تطور سياسة استهداف التضخم‪23.........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الشروط العامة والشروط األولية الستهداف التضخم‪21.....................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الشروط العامة الستهداف التضخم‪22......................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬الشروط األولية الستهداف التضخم‪011....................................................‬‬
‫ث‬
‫خالصة‪011...........................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬
‫متهيد‪013............................................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تطور اجلهاز املصريف اجلزائري‪013..........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬نشأة وتطور اجلهاز املصريف اجلزائري‪013....................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نشأة البنك املركزي اجلزائري‪013.............................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬البنوك التجارية‪013.........................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مراحل تطور اجلهاز املصريف‪011............................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اصالحات السبعينات‪011..................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬اصالحات الثمانينات‪001...................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬هيكل النظام النقدي على ضوء قانون النقد‬
‫والقرض‪001.......................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬بنك اجلزائر‪003............................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬البنوك واملؤسسات املالية‪003................................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬دراسة مسار السياسة النقدية يف اجلزائر وتقييم فعاليتها‪003...................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تطور مسار السياسة النقدية يف اجلزائر‪001..................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬معامل السياسة النقدية ‪001.................................................0223-0221‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬توجهات السياسة النقدية خالل الفرتة ‪001..................................1113-0223‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تقييم فعالية السياسة النقدية‪011...........................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األهداف النهائية للسياسة النقدية يف اجلزائر‪011...............................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬أهداف السياسة النقدية يف اجلزائر‪011........................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬سياسة استهداف التضخم يف اجلزائر‪017..................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬متطلبات تطبيق سياسة استهداف التضخم يف اجلزائر‪017....................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬االنتقادات املوجهة لسياسة استهداف التضخم‪012..........................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬دراسة قياسية يف اجلزائر خالل الفرتة ‪011...................................1113-0221‬‬
‫املطلب األول‪ :‬استقرار السالسل الزمنية ‪011.............................................................‬‬
‫ج‬
‫الفرع األول‪ :‬منوذج الدراسة‪011.........................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬اختبارات النموذج‪011.....................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أشعة االحندار الذايت واختبار التكامل املشرتك‪011...........................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اختبار التكامل املتزامن‪011.................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬اختبار العالقة يف املدى القصري‪013..........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬النتائج العامة لسياسة استهداف التضخم‪013..............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬صعوبات التطبيق الفعال لسياسة استهداف التضخم يف املستقبل‪013............................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬معوقات استهداف التضخم يف اجلزائر‪017....................................................‬‬
‫خالصة ‪012..........................................................................................‬‬
‫اخلامتة العامة‪031......................................................................................‬‬
‫قائمة املراجع‬
‫امللخص‬

‫ح‬
‫فهرس األشكال و اجلداول‬

‫‪ -1‬فهرس األشكال‬

‫الصفحة‬ ‫عنوان الشكل‬ ‫الرقم‬

‫‪14‬‬ ‫تأثري سياسة إعادة اخلصم على تأثري االئتمان املصريف‬ ‫(‪)1-1‬‬

‫‪92‬‬ ‫آلية عمل السياسة النقدية‬ ‫(‪)9-1‬‬

‫‪35‬‬ ‫منحىن دافع الطلب لغايات املبادالت‬ ‫(‪)3-1‬‬

‫‪36‬‬ ‫منحىن دافع الطلب لغايات االحتياط‬ ‫(‪)4-1‬‬

‫‪37‬‬ ‫منحىن دافع الطلب لغايات االحتياط‬ ‫(‪)5-1‬‬

‫‪33‬‬ ‫منحىن الطلب للغايات الثالث‬ ‫(‪)6-1‬‬

‫‪32‬‬ ‫فخ السيولة‬ ‫(‪)7-1‬‬

‫‪71‬‬ ‫منحىن كمية النقود املعروضة بداللة املستوى العام لألسعار‬ ‫(‪)1-9‬‬

‫‪73‬‬ ‫منحىن كمية النقود املعروضة بداللة املستوى العام لألسعار‬ ‫(‪)9-9‬‬

‫‪75‬‬ ‫منحىن التضخم عند النقديني‬ ‫(‪)3-9‬‬

‫‪76‬‬ ‫سوق العمل‬ ‫(‪)4-9‬‬

‫‪76‬‬ ‫سوق السلع و اخلدمات‬ ‫(‪)5-9‬‬

‫‪77‬‬ ‫منحىن فيليبس يف املدى القصري عند النقديني‬ ‫(‪)6-9‬‬

‫‪73‬‬ ‫منحىن فيليبس يف املدى الطويل عند النقديني‬ ‫(‪)7-9‬‬


‫‪85‬‬ ‫منحىن تضخم دفع التكاليف‬ ‫(‪)3-9‬‬

‫‪86‬‬ ‫منحىن تضخم جذب الطلب‬ ‫(‪)2-9‬‬

‫‪33‬‬ ‫صدمات العرض و التغذية النقدية‬ ‫(‪)11-9‬‬

‫‪ -9‬فهرس اجلداول‬

‫الصفحة‬ ‫عنوان اجلدول‬ ‫الرقم‬

‫‪97‬‬ ‫مؤشرات عن الدول اليت استهدفت التضخم‬ ‫(‪)1-9‬‬

‫‪191‬‬ ‫املسح النقدي اجلزائري خالل الفرتة ‪1224-1221‬‬ ‫(‪)1-3‬‬

‫‪191‬‬ ‫ملسح النقدي اجلزائري خالل الفرتة ‪9111-1224‬‬ ‫(‪)9-3‬‬

‫‪199‬‬ ‫ملسح النقدي اجلزائري خالل الفرتة ‪9114-9111‬‬ ‫(‪)3-3‬‬

‫‪131‬‬ ‫اختبار ديكي‪-‬فولر املوسع جلذر الوحدة‬ ‫(‪)4-3‬‬

‫‪133‬‬ ‫اختبار فيليبس‪-‬بريون جلذر الوحدة‬ ‫(‪)5-3‬‬

‫‪134‬‬ ‫نتائج اختبار احلدود‬ ‫(‪)6-3‬‬

‫‪134‬‬ ‫اختبار التكامل املشرتك‬ ‫(‪)7-3‬‬

‫‪135‬‬ ‫العالقة يف املدى القصري‬ ‫(‪)3-3‬‬


‫المقدمة العامة‬

‫متثل السياسة النقدية مكان الصدارة يف هيكل السياسات االقتصادية الكلية منذ أمد بعيد‪ ،‬فقد‬
‫ع ّدها االقتصاديون الكالسيك احملور الرئيس يف السياسة االقتصادية الكلية‪ ،‬وبذلك كانت األداة الرئيسة اليت‬
‫متكـن الدولة من إدارة النشاط االقتصادي‪ ،‬ونتيجة لذلك جند أن السياسة النقدية لعبت دوراً بارزاً يف حتقيق‬
‫النهضة االقتصادية يف كثري من الدول املتقدمة‪ ،‬وهذا ما جعلها تتصدر السياسات االقتصادية الكلية لعدة‬
‫عقود‪ ،‬حىت ظهور النظرية الكينيزية يف االقتصاد عقب انفجار األزمة االقتصادية الكربى يف الثالثينيات من القرن‬
‫املاضي‪ ،‬واليت هيأت الظروف إلزاحة فكر املدرسة الكالسيكية عن صدارة الفكر االقتصادي يف املستويني‬
‫األكادميي والتطبيقي لتحتل مكان الصدارة النظرية االقتصادية الكينيزية‪ ،‬واليت تؤمن أن السياسة املالية تُعد أكثر‬
‫فاعلية إلدارة االقتصاد من السياسة النقدية‪ ،‬وبذلك تراجع االهتمام بالسياسة النقدية يف عقدي الثالثينيات‬
‫واألربعينيات وحىت مطلع اخلمسينيات من القرن العشرين‪ ،‬حني برز تفاقم العديد من املشاكل والصعوبات‬
‫النامجة عن تزايد تدخل الدولة يف احلياة االقتصادية‪.‬‬
‫يف ظل تعاظم دور القطاع اخلاص يف احلياة االقتصادية والتطور العلمي يف أساليب اإلنتاج‪ ،‬إىل‬
‫جانب إمهال دور السياسة النقدية يف تنظيم وإدارة االقتصاد‪ ،‬فأسهم كل ذلك يف هتيئـة الظروف لتوجيه النقد‬
‫للسياسات االقتصادية املنبثقـة من النظرية االقتصادية الكينيزية‪ ،‬والدعوة للتحول إىل فكر املدرسة النقدية‬
‫احلديثة‪ ،‬واليت تزعمها االقتصادي األمريكي (ميلتون فريدمان )‪ .‬وبذلك أخذت السياسة النقدية ومنذ منتصف‬
‫السبعينيات من القرن العشرين ‪-‬مرة أخرى‪ -‬مكان الصدارة بني السياسات االقتصادية الكلية‪.‬‬
‫ومنذ ذلك التاريخ وحىت يومنا هذا ما تزال السياسة النقدية متثل حمور السياسة االقتصادية الكلية‪،‬‬
‫مع ظهور وجهة النظر املطالبة بضرورة املزج بني السياستني النقدية واملالية‪ ،‬حىت يتسىن احلد من اآلثار االقتصادية‬
‫السالبة النامجة عن املبالغة يف تطبيق السياسة النقدية‪ ،‬وحتقيق قدر أكرب من الفاعلية يف التأثري على وضع واجتاه‬
‫النشاط االقتصادي‪ ،‬بل أن استناد البنك والصندوق الدوليني بدرجة أكرب على السياسة النقدية عند تصميمهما‬
‫برامج اإلصالح االقتصادي واملايل والنقـدي (برامج التثبيت والتكيف اهليكلي) يف معظم الدول النامية قد جعل‬
‫منها حمور السياسة االقتصادية الكلية‪ ،‬وباألخص يف معاجلة مشكليت عدم االستقرار االقتصادي والتضخم‪.‬‬
‫وعليه قد احتلت السياسة النقدية مكانة هامة بني السياسات االقتصادية الكلية يف نظام‬
‫االقتصاد احلر‪ ،‬وهو ما تسعى إليه خمتلف دول العامل وباألخص دول الكتلة الشرقية سابقاً والدول النامية‪.‬‬
‫وكون العديد من الدول النامية ما تزال حديثة العهد بعملية إدارة االقتصاد باالعتماد ‪ -‬بدرجة كبرية ‪ -‬على‬
‫السياسة النقدية فإن احلاجة تستدعي إيالء موضوع دراسة السياسة النقدية وفهمها أمهية كبرية‪ ،‬وإخضاع‬
‫تنفيذها للتقومي والتمحيص املستمر‪ ،‬حىت يتسىن للمختصني تطويعها وتكييفها مع الظروف االقتصادية‬
‫واالجتماعية السائدة فيها‪.‬‬
‫إن فعالية السياسة النقدية تبىن بصفة خاصة على مدى قدرة اجلهاز املصريف على تعبئة أكرب‬
‫معدل من املدخرات والودائع حبيث يصبح حجم النقود خارج الدورة املصرفية منخفضا إىل أدىن حد ممكن‬
‫‪1‬‬
‫المقدمة العامة‬

‫لتحقق بذلك النقود قيمة تنافسية باإلضافة إىل خلق مصداقية اجتاه السلطة النقدية‪ ،‬إال أن هذا يكتنفه جمموعة‬
‫من التحديات والعوائق من بينها‪:‬‬
‫‪ -‬شدة حساسية االقتصاد وسياسته النقدية للتغريات اليت حتدث على مستوى السوق خاصة النفطي‪ ،‬وكذا‬
‫االضطرابات اليت قد تعرفها عملة التسديد النفطية‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف الوساطة املالية املتعلقة بالقروض الطويلة األجل‪ ،‬واملتمثلة أساسا يف السوق املايل ذا النشأة احلديثة‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف التعامل مع البنوك مما يفسر قلة الثقة يف القطاع البنكي‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف التعامل بالنقد االلكرتوين‪ ،‬وهذا قد يعمل على ارتفاع التعامل بالورق النقدي مما سيكون له تأثري على‬
‫عدم سيطرة اجلهاز املصريف على الكتلة النقدية‪.‬‬
‫يلعب البنك املركزي دوراً مهماً يف متثيل الدولة وبسط سيادهتا على أنشطة احلياة اليومية (املالية‪-‬‬
‫االقتصادية ‪ -‬االستثمارية ‪ -‬التجارية‪ -‬االجتماعية) سواء للفرد أو اجملتمع ككل فالبنك املركزي يعكس دور‬
‫احلكومة يف النشاط املايل واالقتصادي وذلك من خالل التحكم باجتاهات التعامل النقدي يف السوق وضبط‬
‫السياسة النقدية وتوجيه املوارد وجماالت اإلنتاج حنو االستخدام األمثل والفعال وفق اإلمكانات املتاحة للدول‪،‬‬
‫إصدار األوراق النقدية‪ ،،‬احملافظة على مستويات الدخول واألسعار‪ ،‬ومراقبة أسعار الصرف‪ ،‬واختاذ التدابري‬
‫الالزمة الستقرار احلياة االقتصادية واملالية عموما مستعينا باألساليب والوسائل اليت متكنه من األداء الكفء‬
‫والفعال هلذه املهام‪ .‬باإلضافة إىل أنه يزاول جمموعة من الوظائف األخرى (مباشرة – غري مباشرة) من أمهها‬
‫متطلبات احلد األدىن لالحتياطي‪ ،‬وتطبيق آلية سعر اخلصم‪ ،‬ودور املقرض األخري‪ ،‬وعمليات السوق املفتوحة‪.‬‬
‫وبالرغم من أمهية األدوار الوظيفية اليت ينهض هبا املصرف املركزي عموما من خالل حتمله ألعباء املسؤولية‬
‫القانونية باعتباره بنك الدولة وبنك البنوك فمن خالل املهام والوظائف اليت يطلع هبا قانونا تتضح مدى قوة‬
‫النظام النقدي واملصريف الكلي ومن مث املايل واالقتصادي للبلد املعين فضال عن كونه املرجع املسئول عن مراقبة‬
‫تنفيذ السياسة ال نقدية للدولة وكذلك سياستها املصرفية من خالل أدواته ووسائله اليت قد ختتلف من نظام‬
‫اقتصادي آلخر حسب مدى قوة هذا الدور وحد تدخل الدولة يف النشاط املايل واالقتصادي‪.‬‬
‫و نظرا ألمهية السياسة النقدية و الدور الفعال الذي تلعبه يف عملية التنمية‪ ،‬هذا ما جعلها تتطور‬
‫ومتر بعدة مراحل و عقبات حىت أصبحت على وضعها احلايل‪ ،‬ويهمنا هنا التعرف على املراحل اليت مرت هبا‬
‫السياسة النقدية من خالل املدارس الفكرية املختلفة اليت اهتمت بالسياسة النقدية‪.‬‬
‫أصبح احلديث عن السياسة النقدية يف اجلزائر ممكنا مع صدور قانون النقد و القرض (‪،)09-09‬‬
‫املعدل و املتمم لألمر (‪ )00-90‬واللذين ظهر فيهما اعتماد السياسة النقدية كأسلوب لتنظيم عرض وتداول‬
‫النقود‪ ،‬والذي كرس مبدأ االهتمام و التوسع يف استخدام السياسة النقدية و حتديد أدواهتا واإلشراف عليها و‬
‫تقييمها ومنح استقاللية للبنك املركزي يف إدارهتا‪ ،‬وهو األمر الذي استدعى ضرورة إدراج ضبط العرض النقدي‬
‫‪2‬‬
‫المقدمة العامة‬

‫يف سلم أولويات السياسة النقدية‪ .‬ويف ظل اإلصالحات االقتصادية واملالية اليت شاهدهتا اجلزائر خاصة مع‬
‫مرحلة االنتقال من اقتصاد موجه إىل اقتصاد السوق‪ ،‬عرفت ارتفاع معدالت التضخم إىل أعلى املستويات مع‬
‫بداية التسعينات‪ ،‬خاصة بعد التحرير اجلزئي لألسعار سنة ‪ 0090‬و الذي تواصل حىت تطبيق قانون ‪ .09-09‬ويف‬
‫سنة ‪ 0999‬عرفت تراجعا قياسيا يف معدالت التضخم كنتيجة هلذه اإلصالحات وبعدها أصبح معدل التضخم‬
‫يف حالة تذبذب وذلك حسب احلالة االقتصادية القائمة‪ ،‬واإلصالحات السائدة‪.‬‬

‫الدراسات التجريبية السابقة‪:‬‬

‫‪"Some Tests on the Effects of Inflation‬‬ ‫‪-0‬دراسة ‪ 0099‬لـ ‪ Yuzo Honda‬بعنوان‬


‫‪in New Zeland, Canada, and the UK Targeting‬‬
‫تطرق من خالل هذه الدراسة إىل آثار استهداف التضخم على متغريات االقتصاد الكلي‬
‫باستعمال منوذج ‪ ،VAR‬باستخدام أربع متغريات هي معدل التضخم‪ ،‬معدل منو الناتج احمللي اإلمجايل احلقيقي‪،‬‬
‫معدل الفائدة االمسي قصري األجل ومعدل التغري يف سعر الصرف االمسي خالل الفرتة ‪ 0009-0099‬لكل من‬
‫نيوزلندا‪ ،‬كندا‪ ،‬واململكة املتحدة‪.‬‬
‫يف البداية قام بتقدير هذه املعادلة لكل متغري يف كل بلد‪ ،‬و حساب اجملموع الرتبيعي للبواقي‪ ،‬و‬
‫ذلك باستخدام البيانات يف ظل نظام السياسة السابقة أي قبل االستهداف (‪ 0099‬إىل ‪ 0090‬لنيوزلندا‪ ،‬من‬
‫‪ 0099‬إىل ‪ 0009‬لكندا‪ ،‬ومن ‪ 0099‬إىل ‪ 0000‬للمملكة املتحدة) وحساب معيار إحصاءات اختبار شو‬
‫‪ Chow‬وقد أظهرت النتائج أنه ال ميكن رفض فرضية العدم أي ال يوجد تغري هيكلي يف مجيع البلدان عند‬
‫مستوى الداللة ‪ ،%5‬و قام بتقدمي تفسريين للنتائج اليت حتصل عليها‪:‬‬
‫‪ -‬هو أن استهداف التضخم قد يكون له حقا تأثريات كبرية على متغريات االقتصاد الكلي‪.‬‬
‫‪ -‬قد يكون عدد املعلمات يف النموذج كبريا جدا بالنسبة إىل عدد من املالحظات التجريبية‪.‬‬
‫ويف األخري قال بأن فعالية استهداف التضخم هي على األقل مشكوك فيها حسب األدلة احلالية‪،‬‬
‫لذا جيب القيام مبزيد من التحقيقات حىت تصبح البيانات متاحة ويتم وضع مناذج بديلة‪.‬‬
‫‪-0‬دراسة ‪ 0999‬لـ ‪ Nicoletta Batini and Edward Nelson‬بعنوان‬
‫» ‪« Optimal Horizon for Inflation Targeting‬‬
‫حيث قام بدراسة األفق األمثل الستهداف التضخم يف اململكة املتحدة باستخدام منوذج ‪ VAR‬من‬
‫خالل أربع متغريات تتمثل يف‪ :‬املخرجات‪ ،‬احنراف التضخم السنوي ملعدل التضخم املستهدف‪ ،‬التغريات‬
‫املسجلة يف سعر الصرف االمسي و معدل الفائدة االمسي‪ .‬خالل الفرتة املمتدة من ‪ 0090‬إلى ‪( 0009‬أي‬
‫البيانات املستخدمة يف الدراسة هي بيانات فصلية)‪ .‬ومن خالل التحليل و البحث توصال إىل استهداف‬
‫التضخم يف املمارسة ينبغي أن تصمم حبيث يتم حتقيق اهلدف على املدى املتوسط‪ ،‬و بعبارة أخرى يتعني على‬
‫البنوك املركزية الراغبة يف العمل على حنو أمثل أال حتاول حتييد الصدمات التضخمية على الفور‪ ،‬بدال من ذلك‬
‫‪3‬‬
‫المقدمة العامة‬

‫ينبغي أن تستجيب تدرجييا لتلك الصدمات‪ ،‬هذا يصبح مهما خصوصا عندما يتم ضبط االقتصاد ملواجهة‬
‫الصدمات االقتصادية ببطء أو بشكل تدرجيي‪.‬‬
‫‪-0‬دراسة ‪ 0990‬ل ‪ Anders Verdin and Anders Warne، Per Jansson،Tor Jacobson‬بعنوان‪:‬‬
‫‪"Monetary Policy analysis and inflation Targeting in Small open Economy: A VAR‬‬
‫‪"Approach‬‬

‫حيث قاموا بدراسة جتريبية حول السياسة النقدية و استخدام التضخم يف السويد من خالل منوذج‬
‫‪ VAR‬ملا له من خصائص جيدة يف التنبؤ عندما يتعلق األمر بالتضخم (مقارنة مع غريه من النماذج التطبيقية‬
‫األكثر شيوعا)‪ ،‬عالوة على ذلك يسمح بالقيام بالعالقات الديناميكية املعقدة اليت تبدو مهمة جتريبيا‪ ،‬كما‬
‫يسمح باختبار القيود على املدى الطويل ومعرفة العالقة بينها خصوصا تلك اليت اقرتحتها النظرية االقتصادية‪،‬‬
‫بالتايل ميكن للنموذج أن يكون مبثابة أداة إحصائية‪ ،‬و يف الوقت نفسه يقدم التفسري االقتصادي‪ ،‬وأعطيت‬
‫جمموعة البيانات الفصلية املمتدة من ‪ 0090‬إىل ‪.0001‬‬
‫وقد أظهرت التحليالت التجريبية هلذه الدراسة بأن التضخم يرتبط بشكل كبري مع وجود فجوة‬
‫الناتج اليت ميكن حساهبا باستخدام هذا النموذج‪ ،‬كما ميكن حتديد سعر صرف التوازن احلقيقي الذي ميكن أن‬
‫يساعد يف التنبؤ بالتغريات املستقبلية يف سعر الصرف االمسي‪ ،‬كما تساعد التقلبات اليت حتدث يف سعر الصرف‬
‫االمسي على التنبؤ مبعدل التضخم يف املستقبل‪ ،‬كما أشار إىل تركيبات خطية من أسعار الصرف ومعدالت‬
‫الفائدة ليست جيدة عند إشراكها مع بعضها‪ ،‬كما توصلوا إىل عدة نتائج أخرى حيث أن حصة كبرية من عدم‬
‫اليقني يف التنبؤ بالتضخم السويدي ينبع من الصدمات اخلارجية‪.‬‬
‫‪-4‬دراسة ‪ 0990‬لـ ‪ Ander Minella‬بعنوان‪:‬‬
‫”‪“Monetary Policy and Inflation in Brazil (1975-2009( : A VAR estimation‬‬
‫الذي حاول البحث يف العالقة بني السياسة النقدية والعناصر األساسية لالقتصاد الكلي و اليت تنطوي‬
‫على العالقة بني كل من اإلنتاج‪ ،‬معدل التضخم‪ ،‬معدل الفائدة والنقود يف الربازيل باستخدام منوذج االحندار‬
‫الذايت للتقدير ‪ VAR‬يف الفرتة املمتدة من ‪ 0095‬إلى ‪.0999‬‬
‫ومن خالل هذه الدراسة متت مقارنة ثالثة فرتات خمتلفة لتغريات التضخم تتمثل يف زيادة معتدلة‬
‫للتضخم من خالل الفرتة املمتدة من ‪ 0095‬إىل ‪ ،0095‬ارتفاع معدالت التضخم من ‪ 0095‬إىل ‪،0004‬‬
‫واخنفاض معدالت التضخم من ‪ 0004‬إىل ‪ ،0999‬وكانت النتائج الرئيسية املتحصل عليها من خالل الدراسة‬
‫كمايلي‪:‬‬
‫‪ -‬صدمات السياسة النقدية هلا آثار كبرية على اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ -‬ال حتفز على اخنفاض معدل التضخم خالل أول فرتتني‪ ،‬ولكن هناك مؤشرات أخرى دلت على أهنا قد‬
‫اكتسبت قدرة للتأثري على األسعار بعد أن تبىن خطة حقيقية لالستهداف‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫المقدمة العامة‬

‫‪ -‬السياسة النقدية ال تستجيب عادة بسرعة أو بفعالية ملعدل التضخم والناتج يف الفرتة األخرية وهو ما وضحته‬
‫درجة استجابة معدل الفائدة لألزمات املالية‪ ،‬و يرافق صدمات أسعار الفائدة اإلجيابية تراجع نقدي خالل‬
‫الفرتات الثالثة‪ ،‬مع وجود استمرار للتضخم بدرجة أقل يف الفرتة الثالثة خصوصا بعد اعتماد استهداف التضخم‬
‫يف سنة ‪.0000‬‬
‫‪-5‬دراسة ‪ 0990‬لـ ‪ ،Eser Tutar‬بعنوان‪:‬‬
‫” ‪“Inflation Targeting in Developing Countries and Its Applicability to the Turkish Economy‬‬

‫حيث تناول من خالهلا تطبيق استهداف التضخم يف االقتصاد الرتكي و ذلك خالل الفرتة‬
‫(‪ ،)0990-0099‬باستخدام أربع مناذج ‪ VAR‬خمتلفة‪ ،‬بداية قام باستخدام منوذج يضم متغريين مها‪ :‬العرض‬
‫النقدي واألسعار‪ ،‬وبعد ذلك أضاف أدوات السياسة النقدية األخرى مثل أسعار الفائدة وأسعار الصرف االمسية‬
‫من أجل تقييم مسامهتها يف نظام ‪ VAR‬بالنسبة لرتكيا‪ ،‬ويف األخري أضاف سلسلة الناتج احمللي اإلمجايل‬
‫احلقيقي ملعرفة آثارها على مستوى األسعار‪ ،‬حيث تضم هذه السلسلة مناذج مومسية‪ ،‬وقد خلصت هذه الدراسة‬
‫إىل ضرورة توافر شرطني يف تركيا الستهداف التضخم ومها‪:‬‬
‫‪ -‬استقاللية البنك املركزي‪ ،‬إذا قامت تركيا بإدخال تعديالت على قانون البنك املركزي وحل مشاكله مع اخلزينة‬
‫العامة إلعطائه احلرية من اهليمنة املالية‪.‬‬
‫‪ -‬اهلدف الوحيد يف تركيا‪ ،‬هو استقرار األسعار ومت إعطاء هذا اهلدف األولوية باإلضافة إىل مرونة سعر‬
‫الصرف‪.‬‬
‫وبعد الدراسة القياسية حول العالقة بني أدوات السياسة النقدية‪ ،‬كانت النتائج املتحصل عليها‬
‫تكمن يف أن هناك عالقة مباشرة بني أدوات السياسة النقدية و لكنها ضعيفة‪ ،‬ويف نفس الوقت استنتج أن‬
‫التضخم ليس مستقرا وال ميكن التنبؤ به‪ .‬وبعبارة أخرى فإن أدوات السياسة النقدية من املعروض النقدي‪ ،‬أسعار‬
‫الفائدة وأسعار الصرف ال حتتوي على أي معلومات ميكن التنبؤ هبا بشأن التضخم‪ ،‬كما أهنا ال تظهر وجود‬
‫صلة مستقرة متكن من ذلك‪ ،‬باإلضافة إىل أن التوقعات التضخمية من بني األسباب الرئيسية الرتفاع معدالت‬
‫التضخم يف تركيا‪ ،‬لذا يتعني على السلطات النقدية السعي للتقليل من تأثري توقعات التضخم النتهاج سياسات‬
‫أكثر شفافية وهذا من خالل إعالم اجلمهور حول التغريات يف السياسة النقدية مع توضيح أسباب هذه التغريات‬
‫وكذا اهلدف من السياسة اجلديدة (أي سياسة استهداف التضخم)‪.‬‬
‫‪-1‬دراسة ‪ 0990‬لـ ‪ Anietie Vincent Essein‬بعنوان‪:‬‬
‫”‪“An econometric Analisis of Monetary Policy and Inflation: the Nigerian Case, 1970-2006‬‬
‫تبحث هذه الدراسة عن فعالية السياسة النقدية يف معاجلة مشكلة التضخم باالقتصاد النيجريي‬
‫لفشلها يف حتقيق األهداف االقتصادية الكلية األساسية باإلضافة إىل ما عانت منه البالد يف إطار اإلصالحات‬
‫خصوصا ارتفاع معدالت التضخم‪ ،‬و من أجل القيام بدراسة هذه اإلشكالية مت حتديد منوذج اقتصادي قياسي‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة العامة‬

‫للطلب على النقود و قد مت تقديره باستخدام طريقة املربعات الصغرى االعتيادية على بيانات سلسلة زمنية للفرتة‬
‫املمتدة من ‪ 0099‬إىل ‪ 0991‬لتحديد طبيعة واجتاه العالقة السببية بني الطلب على النقود و حمدداته‪ ،‬وقد اعتمد‬
‫على النقود مبعناها الواسع‪ ،‬نصيب الفرد احلقيقي من الناتج احمللي اإلمجايل‪ ،‬معدل الفائدة ومعدل التضخم‪،‬‬
‫إضافة إىل ذلك فقد مت اعتماد تقنيات ثابتة كاختبار التكامل املشرتك لفحص البيانات من أجل حتديد ما إذا‬
‫كانت هناك عالقة بني املتغريات على املدى الطويل‪ .‬وقد مت تقسيم فرتة العينة إىل فرتتني فرعيتني‪ ،‬األوىل من‬
‫‪ 0099‬إلى ‪ ،0000‬والثانية من ‪ 0000‬إلى ‪ 0991‬وذلك من أجل اختبار استقرار معامل االحندار من خالل اختبار‬
‫شو‪ ،‬وخلصت هذه الدراسة إىل أن االستهداف النقدي باعتباره إسرتاتيجية للسياسة النقدية ليس فعاال يف‬
‫السيطرة على التضخم يف نيجرييا ألن هناك عالقة غري متوقعة وغري مستقرة بني اهلدف النهائي ومتغريات وسيطة‬
‫حسب ما تبني من خالل اختبار شو‪ .‬وقد أشار الباحث من خالل ما توصل إليه من نتائج إىل ضرورة‬
‫استهداف التضخم كبديل لالستهداف النقدي من اجل السيطرة على التضخم يف نيجرييا وذلك لفشل‬
‫األهداف الوسيطية يف معاجلة مشكلة التضخم يف نيجرييا حسب ما تبني من خالل الدراسة القياسية‪.‬‬
‫‪ -9‬دراسة ‪ 0905‬لـ دبات أمينة بعنوان‪" :‬السياسة النقدية و استهداف التضخم باجلزائر"‬
‫حيث تناولت من خالل هذه الدراسة البحث عن العالقة بني منو الناتج الداخلي اخلام‪ ،‬معدل‬
‫إعادة اخلصم يف اجلزائر‪ ،‬مؤشر أسعار االستهالك باجلزائر‪ ،‬نطور الكتلة النقدية‪ ،‬سعر الصرف االمسي وهذا‬
‫باستخدام منوذج ‪ VAR‬وذلك خالل الفرتة ‪ .0900-0099‬وكانت النتائج أن هناك ضآلة استجابة مؤشر أسعار‬
‫االستهالك ألي صدمات مفاجئة يف معدل إعادة اخلصم و سعر الصرف‪ ،‬كما أن أي تغري مفاجئ يف سعر‬
‫الصرف يؤدي إىل تغري سليب يف مؤشر أسعار االستهالك‪ ،‬أما فيما خيص معدل إعادة اخلصم فهناك عالقة‬
‫متبادلة خالل الفرتات األوىل فقط‪ .‬ويف األخري الكتلة النقدية اليت كان تأثريها واضحا وهو يرتاوح ما بني‬
‫االرتفاع واالخنفاض‪ ،‬أي يف حالة تذبذب‪.‬‬

‫إشكالية البحث‪:‬‬
‫ومن هنا وبناءا على ما مت استعراضه‪ ،‬تكون إشكالية البحث اليت ميكن صياغتها يف التساؤل‬
‫التايل‪:‬‬
‫هل تعتبر السياسة النقدية أداة فعالة الستهداف التضخم في الجزائر؟‬
‫ولإلجابة على هذه اإلشكالية البد من تفريعها إىل أسئلة جزئية كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬ما هو مفهوم السياسة النقدية‪ ،‬أدواهتا‪ ،‬أهدافها وقنوات انتقاهلا؟‬
‫‪ -‬ما هو مفهوم التضخم؟ وما هي سياسات استهدافه؟‬
‫‪ -‬ما هي فعالية السياسة النقدية يف استهداف التضخم يف اجلزائر؟‬

‫‪6‬‬
‫المقدمة العامة‬

‫فرضيات البحث‪:‬‬

‫‪ -‬تعترب السياسة النقدية فعالة يف حتقيق أهدافها‪.‬‬


‫‪ -‬تتغري معدالت التضخم بتطبيق أدوات السياسة النقدية‪.‬‬
‫‪ -‬تعترب سياسة استهداف التضخم اهلدف األويل للسياسة النقدية من أجل حتقيق استقرار االسعار يف املدى‬
‫الطويل‪.‬‬

‫أهمية الدراسة‪:‬‬

‫نظرا للتطورات اليت شهدهتا اجلزائر منذ االستقالل وخمتلف اإلصالحات اليت قامت هبا للتحكم يف‬
‫معدل التضخم‪ ،‬تكمن أمهية البحث فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬دراسة و حتليل السياسة النقدية باعتبارها تعمل على حتقيق االستقرار يف األسعار‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة سياسة استهداف التضخم ملعرفة مدى حتقيقها لالستقرار االقتصادي يف املدى الطويل‪.‬‬

‫أهداف ودوافع الدراسة‪:‬‬

‫يكمن اهلدف من هذه الدراسة يف إبراز دور السياسة النقدية يف التأثري على الكتلة النقدية و‬
‫حتليل فعالية السياسة النقدية املطبقة يف اجلزائر يف مواجهة التضخم‪ ،‬كم هتدف إىل دراسة ظاهرة استهداف‬
‫التضخم باجلزائر والتعرف على أسبابه املنشئة إضافة إىل حماولة البحث عن الشروط الضرورية لتطبيق سياسة‬
‫استهداف التضخم يف اجلزائر‪.‬‬

‫حدود الدراسة‪:‬‬

‫يقتصر اإلطار املكاين على دراسة السياسة النقدية و استهداف التضخم يف اجلزائر‪ ،‬أما اإلطار‬
‫الزماين فيشمل الفرتة من ‪ 0009‬إلى ‪0904‬‬

‫محتويات الدراسة‪:‬‬

‫مت تقسيم هذه الدراسة إىل ثالثة فصول‪ ،‬حيث كان الفصل األول بعنوان " اإلطار النظري للسياسة‬
‫النقدية"‪ ،‬فقد خصص لدراسة اإلطار النظري والفكري للسياسة النقدية من خالل ثالثة مباحث‪ ،‬فاألول تناول‬
‫مفاهيم عامة حول السياسة النقدية‪ ،‬أما الثاين فقد تناول موضوع السياسة النقدية يف الفكر االقتصادي‪ ،‬و‬
‫الثالث تضمن جمل مفاهيم البنك املركزي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المقدمة العامة‬

‫والفصل الثاين كان بعنوان "ظاهرة التضخم وسياسات استهدافه"‪ ،‬وقد حاولنا من خالله تقدمي‬
‫املفاهيم العامة عن التضخم‪ ،‬وبعدها تطرقنا إىل آثاره وطرق معاجلته‪ ،‬مث نظرياته املفسرة‪ ،‬طرق معايريه وأخريا‬
‫سياسات استهدافه‪.‬‬
‫بعد أن مت التطرق إىل مفهوم السياسة النقدية والتضخم يتبقى حتديد طرق قياسهما ومن مث جاء‬
‫الفصل الثالث‪ .‬الذي كان بعنوان "استهداف التضخم يف اجلزائر خالل الفرتة "‪ ."0904-0009‬وقد مت من خالل‬
‫هذا الفصل التطرق إىل النظام املصريف اجلزائري مع التعرض ملختلف اإلصالحات اليت شهدها‪ ،‬يليه دراسة مسار‬
‫السياسة النقدية يف اجلزائر وتقييم فعاليتها‪ ،‬وأخريا الدراسة القياسية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫اإلطار النظري للسياسة النقدية‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫متهيد‪:‬‬
‫تعترب السياسة النقدية إحدى الوسائل اهلامة للسياسة االقتصادية اليت تعتمدها الدولة ويتم التخطيط‬
‫هلا من قبل البنك املركزي‪ ،‬و تتخذ السياسة النقدية من املعطيات النقدية موضوعا لتدخلها هبدف حتقيق أغراض‬
‫اقتصادية خمتلفة كتحقيق املعدل األمثل للنمو االقتصادي‪ ،‬والعمل على حتقيق االستقرار النقدي‪ ،‬وتعبئة املدخرات‬
‫واملوارد الالزمة لتمويل الربامج االستثمارية‪ ،‬والتوزيع العادل للثروة‪ ،‬ومعاجلة االختالالت واملشكالت االقتصادية‪،‬‬
‫كما أهنا تنظم كمية النقد املتداولة يف االقتصاد بغرض القضاء على البطالة‪ ،‬و حتقيق التوازن يف ميزان املدفوعات‪،‬‬
‫و احملافظة على استقرار املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫وتنقسم السياسة النقدية إىل سياسة توسعية وأخرى انكماشية‪ ،‬فاألوىل تسعى إىل الزيادة من كمية‬
‫النقود املعروضة لينخفض معدل الفائدة مما يسمح بزيادة اإلقراض‪ ،‬أي زيادة حجم النقود املتداولة يف السوق‪ ،‬مما‬
‫يعين ارتفاع الطلب على السلع واخلدمات يف السوق‪ .‬أما الثانية فتهدف إىل كبح النقود املتداولة واحلد من‬
‫القروض مما يؤدي إىل ارتفاع معدالت الفائدة فيتقلص حجم القروض اليت متنحها البنوك سواء تلك املوجهة‬
‫لالستهالك أو املوجهة لالستثمار‪.‬‬
‫وتتعدد أدوات السياسة النقدية ما بني كمية و كيفية‪ ،‬فالكمية تتضمن سعر إعادة اخلصم‪،‬‬
‫االحتياطي القانوين وعمليات السوق املفتوحة‪ .‬أما الكيفية فتتمثل يف أسلوب العالنية‪ ،‬أسلوب اإلقناع األديب‪،‬‬
‫أسلوب األوامر والتعليمات‪ ،‬تنظيم القروض االستهالكية‪ ،‬النسبة الدنيا للسيولة والسقوف التمويلية‪.‬‬
‫ويعترب الكالسيك السياسة النقدية بأهنا سياسة حمايدة وال تؤثر على مستوى التشغيل ‪ ،‬ويتمثل دورها‬
‫يف خلق النقود الالزمة إلجراء املعامالت‪ .‬أما كينز فريى بأهنا ليست حمايدة ألنه ال تأثري للنقود على املستوى‬
‫العام لألسعار ‪ ،‬أما فريدمان فيعتقد بأن للسياسة النقدية أثرا فعاال على خمتلف األنشطة االقتصادية مبينا أن‬
‫تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي يلعب دورا فعاال وهذا ما حيقق التوازن‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫املبحث األول‪ :‬مفاهيم عامة حول السياسة النقدية‬


‫تعترب السياسة النقدية أداة من أدوات السياسة االقتصادية الكلية‪ ،‬إذ ميكن من خالل أدوات السياسة‬
‫النقدية حتقيق األهداف االقتصادية ذات األولوية‪ .‬تتمثل هذه السياسة يف جمموع اإلجراءات اليت تتخذها‬
‫السلطات النقدية من أجل تسيري حجم الكتلة النقدية الضرورية لتحقيق األهداف االقتصادية‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف السياسة النقدية‬
‫السياسة النقدية هي إحدى مهام البنوك املركزية‪ ،‬فهي متثل جمموع اإلجراءات واملبادرات اليت‬
‫تتخذها السلطات النقدية إلدارة عرض النقود وسعر الفائدة وسعر الصرف والتأثري يف شروط االئتمان لتحقيق‬
‫أهداف اقتصادية معينة‪.‬‬
‫تعرف السياسة النقدية باملفهوم الضيق بأهنا‪":1‬اإلجراءات املنصبة على تنظيم عرض النقد وانسجاما‬
‫مع أغراض السياسة النقدية "‪.‬‬
‫كما يقصد بأهنا‪" :2‬التدخل املباشر املعتمد من طرف السلطة النقدية هبدف التأثري على الفعاليات‬
‫االقتصادية‪ ،‬عن طريق تغيري عرض النقود وتوجيه االئتمان واستخدام وسائل الرقابة على النشاط االئتماين للبنوك‬
‫التجارية"‪.‬‬
‫وتعرف بأهنا‪" :3‬جمموعة اإلجراءات واألدوات اليت تعتمدها الدولة من خالل السلطات النقدية‬
‫هبدف التحكم يف عرض النقد‪ ،‬مبا حيقق االستقرار النقدي لالقتصاد"‪.‬‬
‫كما تعرف أهنا‪ :4‬اإلجراءات اليت متكن السلطة النقدية‪ ،‬عادة البنك املركزي من أن يؤثر على‬
‫املعروض من املال من أجل حتقيق هدفها املتمثل يف استقرار الثالثي‪ ،‬وهو استقرار أسعار الفائدة ‪ ،‬استقرار أسعار‬
‫الصرف‪ ،‬واستقرار األسعار‪ ،‬وهي تسعى أيضا إىل حتقيق أهداف أخرى للسياسة االقتصادية"‪.‬‬
‫وميكن إعطاء تعريف ملخص للسياسة النقدية إذ تعرب عن‪" :‬اإلجراءات الالزمة اليت متكن السلطات‬
‫النقدية من ضبط عرض ال نقود أو التوسع النقدي ليتماشى وحاجة املتعاملني االقتصاديني وهي مهمة البنك‬
‫املركزي واملتمثلة يف ممارسة الرقابة على النقود بعدة وسائل"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حماضرة لبعض األفكار بشأن التقارب الدويل ألقيت يف يوم ‪ 03‬أكتوبر ‪ 8811‬مبناسبة انعقاد ندوة التكامل االقتصادي بني دول اجمللس التعاون‬
‫اخلليجي يف الرياض اململكة العربية السعودية‬
‫‪ 2‬أمحد فريد مصطفى‪ /‬سهري حممد السيد حسن "السياسات النقدية و البعد الدويل لليورو" مؤسسة شباب‪ ،‬اجلامعة اإلسكندرية‪ 0222، ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ 3‬رحيم حسن "النقد و السياسة النقدية يف إطار الفكريني اإلسالمي و الغريب" دار املناهج للنشر و التوزيع‪ ،0383 ،‬ص ‪.878‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Gabriel Gland et Alain Grandjean « la monnaie dévoilée, l’harmattan, 1996, p 180‬‬
‫‪11‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫املطلب الثاين‪ :‬أنواع السياسة النقدية‬


‫تنقسم السياسة النقدية وفقا للهدف منها‪ ،‬إىل نوعني أساسيني‪ :‬توسعية وأخرى انكماشية وميكن‬
‫إبرازها كما يلي‪:5‬‬
‫الفرع األول‪ :‬سياسة نقدية توسعية‬
‫وتستخدم يف حالة وجود ركود (كساد) حيث يعاين االقتصاد من االنكماش الذي يرفع من معدالت‬
‫البطالة‪ .‬وتتمثل هذه السياسة يف زيادة العرض النقدي من خالل قيام البنك املركزي إما بتخفيض سعر اخلصم أو‬
‫ختفيض نسبة االحتياطي القانوين أو الدخول مشرتيا يف سوق األوراق املالية‪ .‬هذه األدوات (األدوات الكمية‬
‫للسياسة النقدية) تزيد من قدرة البنوك على منح االئتمان وخلق الودائع وبالتايل تزيد من العرض النقدي داخل‬
‫االقتصاد‪ .‬ويرتتب على زيادة حجم االستثمار مما يؤدي إىل زيادة كل من مستوى الناتج والدخل والتوظف و‬
‫تنقل السياسة النقدية التوسعية يرتتب عنها زيادة مستوى الدخل واخنفاض سعر الفائدة‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬سياسة نقدية انكماشية‬
‫وتستخدم يف حالة وجود تضخم (ارتفاع مستمر يف املستوى العام لألسعار)‪ ،‬وتتمثل هذه السياسة‬
‫يف ختفيض العرض النقدي من خالل قيام البنك املركزي إما برفع سعر اخلصم أو رفع نسبة االحتياطي القانوين أو‬
‫الدخول بائعا يف سوق األوراق املالية‪ .‬هذه األدوات حتد من قدرة البنوك على منح االئتمان وخلق الودائع‪ .‬ولذا‬
‫ينخفض العرض النقدي داخل االقتصاد‪ .‬األمر الذي يرتتب عليه ارتفاع سعر الفائدة ومن مث اخنفاض حجم‬
‫االستثمار وبالتايل اخنفاض مستوى كل من الدخل و الطلب الكلي‪ ،‬مما يعين امتصاص القوة الشرائية للمجتمع‪،‬‬
‫وهو ما حيد يف النهاية من التضخم‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أدوات السياسة النقدية‬
‫تتمثل يف جمموعة األدوات املتاحة أمام السلطات النقدية‪ ،‬واليت يتم استخدامها من أجل حتقيق‬
‫األغراض النهائية‪ ،‬وقد ختتلف هذه األدوات من دولة إىل أخرى يف ضوء تفاوت النظم السياسية واهلياكل‬
‫االقتصادية والرتتيبات املؤسسية القانونية ودرجة تطور األسواق النقدية و املالية وغري ذلك من االعتبارات األخرى‪.‬‬
‫ويف معظم ال دول الرأمسالية املتقدمة فإن السلطات النقدية تستخدم أداء أو أكثر من األدوات الرئيسية التالية‪- :‬‬
‫التغريات يف نسبة االحتياطي القانوين‪ ،‬التغريات يف سعر اخلصم أو سعر البنك الرمسي وسعر الصرف‪ ،‬وعملية‬
‫السوق املفتوحة‪ .‬ويف حاالت كثرية يتم استخدام أدوات تكميلية وهي ما تعرف بأدوات الرقابة املباشرة‪.‬‬
‫إذن تعتمد السلطات النقدية يف إدارة شؤون النقد و االئتمان على نوعني من الوسائل ومها‪:6‬‬

‫‪ 5‬رمضان حممد مقلد‪ /‬أسامة امحد الفيل "النظرية االقتصادية الكلية" دار التعليم اجلامعي للطباعة و النشر و التوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،0200 ،‬ص ص‬
‫‪.077-072‬‬
‫‪6 Gabriel galand et Alain Grandjean op.cit, p 180.‬‬

‫‪12‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫األول‪ :‬األدوات الكمية أو العامة واليت تسعى للتأثري على حجم االئتمان وكلفته وبالتايل على الكميات النقدية‬
‫اإلمجالية املعروضة يف االقتصاد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬األدوات النوعية واليت هتدف التأثري على أنواع معينة من االئتمان بقصد توجيه بعض األنشطة االقتصادية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األدوات الكمية (األدوات غري املباشرة)‬
‫تتضمن السياسة النقدية جمموعة من األدوات غري املباشرة تتمثل فيما يلي‪:7‬‬
‫أوال‪ :‬سياسة سعر إعادة اخلصم أو سياسة سعر املصرف ‪Redisount Rate or Bank Rate‬‬

‫يقصد بسعر إعادة اخلصم –السعر أو الفائدة اليت يتقاضاها املصرف املركزي من املصارف التجارية‬
‫عندما تلجأ إىل إعادة خصم األوراق التجارية قصرية األجل اليت حبوزهتا‪ ،‬أو االقرتاض بضمان األوراق املالية‬
‫احلكومية من أجل حصوهلا على موارد نقدية جديدة أو إضافية لتدعيم احتياطاهتا النقدية وبالتايل زيادة مقدرهتا‬
‫على منح االئتمان وخلق ودائع جارية جديدة‪.‬‬
‫ويهدف املصرف املركزي من سياسة إعادة اخلصم التأثري أوال على كلفة حصول املصارف التجارية‬
‫على املوارد النقدية اإلضافية اليت يقدمها‪ ،‬وثانيا على كلفة االئتمان الذي تضعه املصارف حتت تصرف عمالئها‬
‫من الوحدات االقتصادية غري املصرفية‪.‬‬
‫ويعتمد سعر إعادة اخلصم على عرض وطلب السيولة داخل السوق النقدية أي على الظروف‬
‫االقتصادية وحاجة االقتصاد للسيولة من ناحية وعلى القدرة على اإليفاء هبذه السيولة من ناحية أخرى‪ ،‬وتؤثر‬
‫سياسة إعادة اخلصم على حجم االئتمان املصريف وبالتايل على عرض النقد وفق اآللية اآلتية‪:‬‬
‫إذا شعر املصرف املركزي أن عرض النقد يف االقتصاد قد ارتفع إىل مستوى غري مرغوب فيه مما قد‬
‫يهدد استقرار مستوى األسعار‪ ،‬فإنه يسارع إىل إتباع سياسة نقدية انكماشية (واليت تعرف باالخنفاض املتواصل يف‬
‫أسعار السلع واخلدمات يف كافة جوانب اقتصاد الدولة وهو أسوء من التضخم املايل من ناحية النتائج اآلثار‪ ،‬إال‬
‫أنه نادر احلدوث) لتقليص الكمية املعروضة من النقد يف السوق حيث يعمل على رفع سعر إعادة اخلصم مما يزيد‬
‫من كلفة االقرتاض و بالتايل سيؤدي ذلك إىل تقليل احتياطيات املصارف من السيولة النقدية مما يدفعها لرفع‬
‫أسعار الفائدة على القروض وهذا اإلجراء سيؤدي إىل قلة إقبال األفراد على االقرتاض ألن العائد املتوقع من‬
‫استثمار األموال املقرتضة سيكون أقل من السابق وهذا من شأنه أن يقلل اإلنفاق النقدي وخيفف من حدة‬
‫الضغوط التضخمية وأخريا يقلل عرض النقد‪.‬‬
‫و ميكن ترتيب ذلك حسب النموذج التايل‪:‬‬

‫الشكل رقم (‪ )1-1‬تأثري سياسة إعادة اخلصم على تأثري االئتمان املصريف‬

‫أكرم حداد "النقود و املصارف مدخل حتليلي و نشري" دار وائل للنشر و التوزيع –عمان‪ -‬الطبعة األوىل ‪ 0221‬ص ‪.032-081‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪13‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫ارتفاع سعر إعادة اخلصم‬


‫↓‬
‫زيادة تكلفة اقرتاض املصارف‬
‫التجارية من املصرف املركزي‬
‫↓‬
‫تقليل اقرتاض املصارف‬
‫التجارية من املصرف املركزي‬
‫↓‬
‫تقليص حجم احتياطاهتا‬
‫النقدية‬
‫↓‬
‫رفع تكلفة قروضها لألفراد‬
‫(عمالئها)‬
‫↓‬
‫إحجام عمالئها عن طلب‬
‫االئتمان و تقليص منح االئتمان‬
‫↓‬
‫اخنفاض‬
‫عرض النقد‬
‫املصدر‪:‬أكرم حداد مرجع سابق ص ‪181‬‬
‫وأما يف حالة رغبة املصرف املركزي يف إتباع سياسة نقدية توسعية لزيادة عرض النقد‪ ،‬فإن املصرف‬
‫املركزي يلجأ إىل خفض سعر إعادة اخلصم وهذا بدوره يشجع املصارف التجارية لطلب املزيد من السيولة وذلك‬
‫عن طريق حتويل جزء من أصوهلا املالية إىل نقود قانونية ما دامت تكلفة احلصول عليها منخفضة مما يعمل ذلك‬
‫على زيادة االحتياطات النقدية ومقدرة املصارف التجارية على خلق االئتمان ويدفعها إىل خفض سعر الفائدة‬
‫على القروض وبالتايل إىل زيادة يف عرض النقد‪ ،‬وهذا بدوره سيؤدي إىل زيادة اإلنفاق ومن مث اإلنتاج والدخل‬
‫واالستخدام مما يرفع من مستوى النشاط االقتصادي للدولة‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد ال تنجح هذه األداة يف التأثري على حجم االئتمان‪ ،‬فهناك عوامل عديدة ميكن أن‬
‫جتعل سعر إعادة اخلصم غري فعال وهذه العوامل هي‪:8‬‬

‫‪ 8‬أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.811‬‬


‫‪14‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫‪ -1‬وفرة االحتياطات لدى املصارف التجارية و هذا ما يقلل من اعتماد البنوك التجارية على البنك املركزي و‬
‫اللجوء إىل إعادة خصم األوراق التجارية‪.‬‬
‫‪ -2‬وجود مصادر أخرى للسيولة مما يؤدي إىل تقليل أمهية حاجة البنوك التجارية للقروض اليت يقدمها البنك‬
‫املركزي وحيصل ذلك عندما يكون هناك بنوك عاملة يف الدولة فروعا ملصارف أجنبية‪.‬‬
‫‪ -3‬التوقعات ففي حالة ارتفاع سعر إعادة اخلصم وكانت توقعات رجال األعمال متفائلة وخاصة بالنسبة للطلب‬
‫و ارتفاع األرباح فقد ال يبايل رجال األعمال من ارتفاعه لتوقعهم بتعويض ارتفاع تكلفة االئتمان من األرباح‬
‫املتوقعة من اإلنتاج وهذا بدوره سيكون أعلى بكثري من تكلفة االقرتاض من املصرف‪ ،‬أما يف حالة أن كون‬
‫التوقعات متشائمة ويف نفس الوقت كان سعر إعادة اخلصم منخفض فقد ال حيفز ذلك رجال األعمال على‬
‫اإلقبال على االئتمان لكي يزيد من اإلنتاج وخاصة يف حالة الركود االقتصادي‪.‬‬
‫وتتوقف فعالية هذه السياسة على حتقيق عدة شروط أمهها‪:‬‬
‫* أن تقوم البنوك التجارية بتغيري أسعار فائدهتا مع تغيري سعر إعادة اخلصم يف نفس االجتاه‪ .‬وهذا الشرط ال‬
‫يتحقق يف كل األحوال‪ ،‬والواقع أن فعالية هذه السياسة تستدعي أال تكون هناك مصادر أخرى للسيولة أو‬
‫االئتمان سواء يف السوق النقدية ذاهتا أو يف األسواق اجلانبية‪ ،‬حيث ال ميكن هلا أن تقلل من القروض إذا كان‬
‫للمشروعات املختلفة االحتياطات السائلة املخصصة للتمويل الذايت‪ ،‬أو وردت لالقتصاد القومي رؤوس أموال‬
‫أجنبية بغرض التوظيف‪ ،‬فإن سعر اخلصم ال يؤثر‪.‬‬
‫* أن يكون الطلب على القروض حساس للتغيري يف سعر الفائدة مبعىن أنه يزيد إذا اخنفض وينقص إذا ارتفع‪،‬‬
‫لكن هذه احلساسية ليست كبرية يف مجيع األوقات‪ ،‬فمجرد رفع سعر اخلصم من طرف البنك املركزي ليس كافيا‬
‫جلعل البنوك التجارية متتنع عن تقدمي االئتمان ومع ذلك فإن لسياسة سعر إعادة اخلصم تأثريا نفسيا‪ ،‬إذ ترى‬
‫البنوك التجارية يف تغيريه هتديدا من طرف البنك املركزي باختاذ إجراءات فعالة أخرى إذ مل تفلح هذه السياسة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬نسبة االحتياطي القانوين‬
‫هي تلك النسبة أو الرصيد من النقود اليت يلزم البنك املركزي البنوك التجارية االحتفاظ هبا لديه يف‬
‫شكل نقود سائلة‪ ،‬أو ودائع جارية أو آجلة‪.9‬‬

‫ويكون اهلدف املباشر من االحتفاظ هبذه الودائع لدى املصرف املركزي هو ضمان سالمة أموال‬
‫املودعني‪ ،‬حيث تستخدم هذه األموال إلقراض املصارف اليت تتعرض ألزمات مالية أو لنقص السيولة هبدف بقاء‬
‫مراكزها املالية سليمة و بالتايل اطمئنان املودعني على أمواهلم على أن اهلدف اآلخر هلذه الودائع املقتطعة‬
‫كاحتياطي قانوين هو التأثري على عرض النقد لدى املصارف التجارية‪ .‬ففي حالة االنكماش االقتصادي يسعى‬

‫‪ 8‬حممد ضيف اهلل القطابري "دور السياسة النقدية يف االستقرار و التنمية االقتصادية (نظرية‪ -‬حتليلية‪-‬قياسية)" دار غيداء للنشر و التوزيع‪،0383 ،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪15‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫البنك املركزي لتقليل نسبة االحتياطي القانوين حبيث تتوفر لدى املصارف كمية أكرب من الودائع اليت تستخدمها‬
‫يف منح االئتمنات وبالتايل التوسع يف عرض النقد للخروج من حالة الكساد االقتصادي‪ .‬وزيادة عرض النقد‬
‫ستقلل بالضرورة من تكلفة األموال على املقرتضني من ناحيتني‪ ،‬إحدامها بسبب املنافسة اليت ستحدث نتيجة‬
‫زيادة أموال املصارف مما يدفع باجتاه تقليل سعر الفائدة جلذب مزيد من املقرتضني‪ ،‬والثانية اخنفاض تكلفة األموال‬
‫على املصارف التجارية‪ ،‬على أن الستخدام هذه السياسة الكثري من احملاذير‪ ،‬ففي حاالت التضخم تكون هذه‬
‫السياسة فاعلة بشكل أكرب عنها يف حاالت الكساد االقتصادي وذلك الخنفاض الطلب على القروض يف حالة‬
‫الكساد‪.10‬‬
‫وتعترب سياسة االحتياطي القانوين ذات أفضلية على سياسة السوق املفتوحة من حيث الرقابة على‬
‫االئتمان لعدة اعتبارات أمهها‪:11‬‬
‫‪ -1‬تعترب وسيلة مباشرة وحتقق نتائج فورية مبجرد إصدار التوجيهات من البنك املركزي‪ ،‬وبذلك فهي تقلل من‬
‫الوقت الالزم لظهور أثرها على البنوك التجارية‪.‬‬
‫‪ -2‬أهنا ال حتتاج إىل سوق واسعة ومتقدمة للتعامل و لذلك فهي مناسبة لالستخدام يف البلدان النامية‪.‬‬
‫إال أن هناك بعض املوانع اليت جتعل فعالية هذه السياسة حمدودة وخاصة يف البلدان النامية ومن أبرز‬
‫تلك املوانع مايلي‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود فائض احتياطي لدى بعض البنوك التجارية و بالتايل فإن تغيري نسبة االحتياطي لن يؤثر على النشاط‬
‫االئتماين للبنوك التجارية‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا مل يتغري طلب االئتمان يف نفس االجتاه الذي يريده البنك املركزي فإن ختفيض نسبة االحتياطي قد ال‬
‫تكون ذات أثر فعال على االئتمان وخاصة أثناء فرتات الكساد‪.‬‬
‫‪ -3‬رغم أن هذه السياسة سريعة وفعالة يف تأثريها على تغيري مقدار االحتياطي النقدي لدى البنوك التجارية إال‬
‫أن هذه السياسة ال ميكن استخدامها بشكل متكرر يف تغيري كمية العرض النقدي‪.‬‬
‫‪ -4‬إن هذه السياسة هي سياسة انتقائية يف أثرها حيث يقتصر أثرها على البنوك التجارية أما املؤسسات املالية‬
‫غري املصرفية فال تأثري هلذه السياسة عليها وبذلك فإن هذه السياسة غري عادلة‪.‬‬
‫ورغم كل ما سبق فإن هذه السياسة تظل من أفضل األدوات اليت ميتلكها البنك املركزي و خاصة يف ظل‬
‫عدم فعالية سياسة السوق املفتوحة بسبب عدم توفر الشروط الالزمة لنجاحها وخاصة يف البلدان النامية‪ ،‬إال أهنا‬
‫ليست بديال عنها‪ ،‬وأفضل طريقة لنجاح البنك املركزي تكمن يف املزج املناسب لكل الوسائل الكمية من أجل‬
‫التوجيه والرقابة على االئتمان خصوصا يف البلدان النامية اليت تفتقر لألسواق املالية والنقدية املتطورة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬عمليات السوق املفتوحة ‪Open Market Operations‬‬

‫‪ 10‬أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.811‬‬


‫‪ 11‬حممد ضيف اهلل القطابري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.03-08‬‬
‫‪16‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫يقصد بسياسة أو عمليات السوق املفتوحة قيام البنك املركزي بشراء أو بيع األوراق املالية احلكومية‬
‫للتحكم يف القاعدة النقدية‪ ،‬وهي إحدى األدوات التقليدية التارخيية اليت اتبعتها البنوك املركزية يف عرض النقود‪.‬‬
‫فإذا كان اهلدف هو زيادة عرض النقود‪ ،‬فإن البنك املركزي يقوم بشراء األوراق املالية احلكومية من البنوك التجارية‬
‫ويدفع مقابل هذه األوراق شيكات مسحوبة على البنك املركزي وهذه الشيكات تودع يف البنوك التجارية وبالتايل‬
‫يكون يف إمكان البنوك التجارية أن تتوسع يف حجم االئتمان وخلق النقود من الودائع‪ ،‬ومن مث يزداد املعروض‬
‫النقدي‪ .‬أما إذا كان اهلدف هو إنقاص عرض النقود‪ ،‬فإن البنك املركزي يقوم ببيع األوراق املالية احلكومية‪ ،‬ومن‬
‫املفرتض أن يدفع املشرتون مقابل هذه األوراق املالية شيكات مسحوبة على البنوك التجارية ولصاحل البنك‬
‫املركزي‪ ،‬وبالتايل تزداد مديونية البنوك التجارية لدى البنك املركزي وتقل احتياطاهتا من النقود السائلة‪ ،‬وبالتايل تقل‬
‫مقدرة البنوك التجارية على خلق االئتمان‪ ،‬وخلق النقود‪ ،‬ويقل املعروض النقدي أو عرض النقود‪.‬مع مالحظة أن‬
‫دخول البنك املركزي بائعا فإنه خيفض من سعر األوراق املالية يف السوق‪ ،‬وبالتايل ترتفع أسعار الفائدة‪ ،‬وتقل رغبة‬
‫رجال األعمال يف االقرتاض من البنوك والعكس صحيح يف حالة دخول مشرتين‪.12‬‬
‫ويتوقف جناح عمليات السوق املفتوحة على العوامل اآلتية‪:13‬‬
‫أ‪ -‬مدى حجم و طبيعة السوق النقدية حبيث تكون معربة بشكل كبري عن إمكانيات النقود واالئتمان القتصاد‬
‫ما‪.‬‬
‫ب‪ -‬مدى توفر الصكوك املتمثلة يف أذونات اخلزانة واألوراق املالية األخرى اليت ميكن تداوهلا يف السوق النقدية‪.‬‬
‫ج‪ -‬مدى تالقي مصاحل البنوك التجارية مع توجه البنك املركزي حيث تزداد فعاليات عمليات السوق املفتوحة‬
‫بتالقي تلك املصاحل وتقل بتصادمها‪.‬‬
‫د‪ -‬درجة تقدم الوعي االئتماين واملصريف يعترب حمددا هاما لزيادة فعالية سياسة السوق املفتوحة‪.‬‬
‫ولذلك نرى أن هذه السياسة فاعلة يف الدول املتقدمة أكثر منها يف الدول النامية لتوفر الشروط‬
‫السابقة وتتمتع هذه السياسة باملزايا التالية‪:14‬‬
‫‪ -1‬مرونتها بشكل كبري من ناحيتني؛ األوىل يستطيع البنك املركزي إحداث األثر املطلوب بدقة‪ ،‬فإذا أراد‬
‫املصرف املركزي مثال تقليل عرض النقد عشرة ماليني دينار فإنه سيقوم ببيع سندات حكومية بنفس املقدار و‬
‫الثانية عكس هذه السياسة فإذا قام بعملية شراء ووجد أهنا غري مناسبة‪ ،‬فإنه يستطيع ودون تردد عكس العملية‬
‫أي القيام بعملية بيع مقابلها والعكس صحيح أيضا‪.‬‬
‫‪ -2‬تتميز بإحداث األثر املطلوب وعلى املدى القصري‪.‬‬
‫‪ -3‬أن املبادرة تكون بيد املصرف املركزي بصورة كاملة‪.‬‬

‫‪ 12‬عبد املطلب عبد احلميد "السياسة النقدية واستقاللية البنك املركزي" الدار اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،0338 ،‬ص ص ‪.02-02‬‬
‫‪ 13‬حممد ضيف اهلل القطابري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪ 14‬أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.883‬‬
‫‪17‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫على أن هذه السياسة يعاب عليه أهنا‪:15‬‬


‫‪ -1‬تكون فاعلة من الدول اليت تتمتع بأسواق مالية ونقدية نشطة وكفءة فقط‪.‬‬
‫‪ -2‬أهنا ال تكون فاعلة يف حال توفر احتياطات فائضة لدى املصارف التجارية‪.‬‬
‫‪ -3‬قد تؤدي إىل تقلبات واسعة يف أسعار السندات احلكومية وبالتايل يف أسعار الفائدة وبشكل يعاكس األثر‬
‫املرغوب‪.‬‬
‫‪ -4‬أهنا قد هتدد رحبية املصارف اليت تقوم بشراء هذه األوراق مما يدفع املصارف إىل عدم االستجابة إىل بيع‬
‫وشراء هذه األوراق‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬األدوات النوعية للسياسة النقدية ( األدوات املباشرة )‬
‫يقصد باألدوات النوعية؛ األدوات واألساليب املباشرة واليت يستخدمها املصرف املركزي هبدف التأثري‬
‫على نوعية االئتمان وتوجيهه لتحقيق أغراض اقتصادية معينة‪ .‬فمثال إذا كانت رغبة احلكومة والسلطة النقدية‬
‫تشجيع القطاع الزراعي‪ ،‬فإهنا تستطيع أن تدفع املصارف لتقليل تكلفة التمويل الزراعي‪ .‬وعادة ما تستخدم‬
‫األدوات النوعية يف الدول النامية وبشكل أكرب من الدول املتقدمة لغياب فاعلية آلية السوق يف تلك الدول ولعجز‬
‫بعض القطاعات االقتصادية فيها بشكل كامل‪ .‬فاألدوات املباشرة تؤثر مباشرة على حجم التمويل الكلي‬
‫وتوظيف األموال واستثمارها‪ ،‬فهي أدوات تتصف بالشمولية إذ تتدخل السلطة النقدية يف القطاعات ككل‪.16‬‬
‫وتتخذ األدوات النوعية أشكاال عدة تتمثل فيما يلي‪:17‬‬
‫أوال‪ -‬أسلوب العالنية‬
‫وفيه يقوم البنك املركزي بنشر بيانات صحيحة عن حالة االقتصاد القومي وما يناسبه من سياسة‬
‫معينة لالئتمان املصريف ووضعها أمام اجلمهور‪ ،‬وذلك هبدف كسب ثقة الرأي العام والبنوك التجارية من أجل‬
‫إقناعهم يف مساندة ودعم السياسة النقدية اليت يقرها البنك املركزي يف التوجيه والرقابة على االئتمان ويرتبط جناح‬
‫هذا األسلوب بدرجة التقدم االقتصادي والوعي املصريف حيث يعترب أكثر جناحا يف الدول املتقدمة عنه يف الدول‬
‫النامية‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬أسلوب اإلقناع األديب‬
‫ويتمثل يف التوجيهات والتصرحيات والنصائح اليت يوجهها البنك املركزي للبنوك التجارية من خالل‬
‫عقد اللقاءات مع مسؤويل هذه البنوك لتوضيح هدف البنك املركزي الذي يرمي حتقيقه يف شؤون النقد واالئتمان‬
‫ويتوقف جناح هذا األسلوب على مدى تفهم البنوك التجارية لسياسة البنك املركزي طوعيا‪ ،‬ويف حال عدم جناح‬
‫هذا األسلوب‪ ،‬فإن البنك يضطر إىل استخدام أسلوب األوامر والتعليمات امللزمة‪.‬‬

‫‪ 15‬املرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬


‫‪ 16‬بلعزوز بن علي‪" ،‬حماضرات يف النظريات و السياسات النقدية"‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،0332 ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص ‪.808‬‬
‫‪ 17‬حممد ضيف اهلل القطابري مرجع سابق ص ‪ 02‬ص ‪.02‬‬
‫‪18‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫ثالثا‪ -‬أسلوب األوامر و التعليمات‬


‫وفيه يصدر البنك املركزي األوامر و التعليمات املباشرة للبنوك التجارية واليت تصبح ملزمة بتنفيذها و‬
‫إال تعرضت للعقوبات من قبل البنك املركزي‪ ،‬وحيقق هذا األسلوب جناحا يف الرقابة على االئتمان وخاصة يف‬
‫البلدان املتخلفة اليت ال تنجح أساليب الرقابة الكمية والنوعية يف حتقيقها‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬تنظيم القروض االستهالكية‬
‫القرض االستهالكي هو القرض الذي مل يسدد بعد‪ ،‬أو باملعىن األوسع هو قرض بغرض شراء السلع‬
‫االستهالكية مثل شراء ثالجة أو سيارة جديدة‪ ،‬وليس قرض بغرض االستثمار‪ .‬وقد تقوم الدولة بتشجيع القروض‬
‫االستهالكية بغرض حتفيز اإلنتاج احمللي وزيادة العمالة‪ ،‬فتعمل احلكومة على تشجيع املصارف وعلى تقدمي‬
‫القروض للجمهور بأسعار فائدة منخفضة‪ ،‬بذلك يستطيع املقرتض شراء ما حيتاجه من األجهزة‪ .‬وتعترب هذه‬
‫الوسيلة من أهم األدوات النوعية لسياسة الرقابة على القروض االستهالكية‪ ،‬كان يقوم البنك املركزي بفرض حد‬
‫أقصى لألموال اليت تستخدمها البنوك يف متويل القرض االستهالكية‪ ،‬حيث تعترب هذه الوسيلة من أهم األدوات‬
‫النوعية لسياسة الرقابة على القروض االستهالكية‪.18‬‬
‫كما أن ما يسمى بالفجوات الزمنية (‪ )Time-Lags‬حيد من فعالية السياسة النقدية‪ ،‬وتعرف‬
‫الفجوة الزمنية بأهنا الوقت الذي يفصل بني حدوث املشكلة االقتصادية و بني األثر الفعلي للسياسة‪ ،‬وتنقسم‬
‫الفجوات الزمنية إىل ثالث جمموعات هي‪:19‬‬
‫‪ -1‬فجوة اإلدراك‪ :‬وهي الفرتة بني الوقت الذي يظهر عنده احلاجة إىل العمل والوقت الذي تدرك عنده احلاجة‬
‫للعمل‪ ،‬وذلك بسبب الوقت الالزم جلمع البيانات و حتليلها‪.‬‬
‫‪ -2‬فجوة االجناز‪ :‬و هي الفرتة اليت تدرك عندها احلاجة للعمل ووقت التغيري الفعلي يف السياسة‪.‬‬
‫‪ -3‬فجوة االستجابة‪ :‬و هي الفرتة بني التغري الفعلي للسياسة و الوقت الذي تؤثر عنده السياسة اجلديدة على‬
‫االقتصاد تأثريا فعليا‪.‬‬
‫و عادة ما يكون تأثري هذه الفجوات على السياسة املالية أكثر منها على السياسة النقدية‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬السياسة النقدية و عالج التضخم و االنكماش‬
‫يشري أنصار السياسة النقدية إىل أن اهلدف الرئيسي ألي سياسة نقدية مطبقة يف أي دولة يف العامل‪،‬‬
‫هو عالج التضخم (باعتبار أن التضخم من وجهة نظر النقديني هو ظاهرة نقدية) اليت قد يعاين منها االقتصاد‬
‫القومي أو حالة االنكماش وهو عكس احلالة األوىل‪ ،‬وأن فعالية السياسة النقدية تكمن يف مدى قدرة تلك‬
‫السياسة على عالج التضخم وهي احلالة األكثر حدوثا‪:20‬‬

‫‪ 18‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.808‬‬


‫‪ 19‬حممد ضيف اهلل القطابري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 02‬ص ‪.02‬‬
‫‪ 20‬عبد املطلب عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00-03‬‬
‫‪19‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫الفرع األول‪ :‬السياسة النقدية و عالج التضخم‬


‫حيث تقوم البنوك املركزية ببيع األوراق املالية احلكومية للبنوك واألفراد‪ ،‬وبذلك تزداد ديون البنوك‬
‫التجارية قبل البنك املركزي ويقل رصيدها لدى هذا األخري على خلق االئتمان‪ ،‬ويقل خلق النقود فينخفض‬
‫عرضها وبالتايل مييل مستوى األسعار أو معدل التضخم إىل االخنفاض‪ ،‬أما إذا استخدمت نسبة االحتياطي‬
‫القانوين‪ ،‬فإن البنك املركزي يف هذه احلالة يرفع من نسبة االحتياطي القانوين‪ ،‬وإذا استخدمت نسبة االحتياطي‬
‫القانوين‪ ،‬فإن البنك املركزي يف هذه احلالة يرفع سعر اخلصم‪ ،‬ويرتتب على كل ذلك اخنفاض كمية النقود وبالتايل‬
‫اخنفاض عرض النقود (املعروض النقدي) مما يؤدي إىل هبوط املستوى العام لألسعار أو معدل التضخم‪ ،‬ومن مث‬
‫ميكن احملافظة على استقرار املستوى العام لألسعار مبا يتناسب مع حتقيق استقرار معدل زيادة عرض النقود أو كما‬
‫يطلق عليه املعروض النقدي‪ ،‬وبالتايل فإن هذه السياسة النقدية جتاه التضخم هو احلد من خلق أدوات نقدية أي‬
‫احلد من خلق النقود وختفيض املعروض النقدي‪ ،‬وبالتايل يتم احلد من إنفاق األفراد واهليئات على شراء السلع‬
‫واخلدمات‪ ،‬ويالحظ أنه يف نفس الوقت الذي يتم فيه ختفيض عرض النقود‪ ،‬بتقليل كمية النقود من خالل تقييد‬
‫االئتمان‪ ،‬يتم أيضا رفع سعر الفائدة وهو ما يؤدي إىل خفض معدل التضخم النقدي يف الغالب‪.‬‬
‫ويرى البعض أن أي سياسة نقدية ناجحة هي اليت ال تندفع حنو إحداث التضخم يف مرحلة ما مث‬
‫عالجه‪ ،‬بل السياسة النقدية املتوازنة هي اليت تعمل على احلفاظ أو احملافظة على معدل تزايد ثابت لنمو املعروض‬
‫النقدي‪ ،‬ألن ذلك هو الذي حيقق استقرار مستوى األسعار‪ ،‬باعتبار أن املعروض النقدي هو احملدد الرئيسي لكل‬
‫من املستوى العام لألسعار‪ ،‬ومستوى الناتج القومي والتوظف والعمالة‪.‬‬
‫ويعتقد النقديون أيضا أن االخنفاض املنتظم يف معدل منو عرض النقود سوف خيفض معدل‬
‫التضخم‪ ،‬وحيقق احلد األدىن للتكاليف املرتبطة بتخفيض معدل التضخم‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬السياسة النقدية و عالج االنكماش‬
‫وهنا تقوم البنوك املركزية بشراء األوراق املالية احلكومية من البنوك واألفراد‪ ،‬وبذلك تقل ديون البنوك‬
‫التجارية جتاه البنك املركزي ويزداد رصيدها لديه‪ ،‬ونتيجة لذلك فإن مقدرة البنوك التجارية على خلق االئتمان‬
‫وخلق النقود تزداد فيزداد عرض النقود‪ ،‬وبالتايل تنتهي حالة االنكماش‪ ،‬ويزداد مستوى التشغيل داخل االقتصاد‬
‫القومي‪.‬‬
‫وإذا استخدمت نسبة االحتياطي القانوين‪ ،‬فإن البنك املركزي يف هذه احلالة خيفض من نسبة‬
‫االحتياطي القانوين‪ ،‬وإذا استخدم سعر اخلصم فإن البنك املركزي يف هذه احلالة خيفض من سعر اخلصم‪ ،‬ويرتتب‬
‫على ذلك زيادة كمية النقود‪ ،‬وتزول بالتايل حالة االنكماش‪ .‬وبالتايل فإن هدف السياسة النقدية يف حالة‬
‫االنكماش هو زيادة االجتاه حنو خلق النقود‪ ،‬وزيادة املعروض النقدي وبالتايل زيادة الطلب على السلع واخلدمات‬
‫ألن زيادة كمية النقود يؤدي إىل خفض القوى االنكماشية يف االقتصاد القومي‪ ،‬وميكن أن يؤدي ذلك إىل‬
‫احملافظة على استمرار ارتفاع مستوى الناتج القومي وعدم حدوث تقلبات سعرية عنيفة‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬أهداف السياسة النقدية‬


‫لتحقيق أهداف السياسة النقدية البد من إسرتاتيجية يتبعها البنك املركزي‪ ،‬و لقد اتبع البنك املركزي‬
‫عدة اسرتاتيجيات قدمية كنظرية القرض التجاري‪ ،‬مبدأ االحتياطات احلرة‪ ،‬أسعار الفائدة‪ ،‬مث ظهرت بعد ذلك‬
‫اسرتاتيجيات حديثة للسياسة النقدية "االسرتاتيجيات احلديثة الكاملة" واليت تعتمد على استخدام جماميع‬
‫االحتياطي‪.21‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األهداف األولية‬
‫متثل األهداف األولية حلقة البداية إلسرتاتيجية السياسة النقدية وهي متغريات حياول البنك املركزي أن‬
‫يتحكم فيها بالتأثري على األهداف الوسيطية وهلذا فاألهداف األولية ما هي إال صلة تربط بني أدوات السياسة‬
‫النقدية واألهداف الوسيطية‪ ،‬وتتكون األهداف األولية من جمموعتني من املتغريات‪ ،‬اجملموعة األوىل (جممعات‬
‫االحتياطات النقدية) واجملموعة الثانية (ظروف سوق النقد)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬جممعات االحتياطات النقدية‬
‫حىت تتمكن الدول من ممارسة السياسة النقدية على أكمل وجه‪ ،‬وذلك من خالل التحكم يف منو‬
‫الكتلة النقدية فإهنا حباجة إىل حتديد كمية النقود املتداولة يف احمليط االقتصادي‪ ،‬وبالتايل وجب حصر خمتلف‬
‫أشكال الكتلة النقدية وفق مؤشرات و هو ما يسمى باجملاميع النقدية‪ ،‬وبغية الوصول إىل حتديد مكونات الكتلة‬
‫النقدية يف جماميع متجانسة فإننا نعتمد على مبدأ السيولة‪.‬‬
‫‪ -1‬جممع االحتياط النقدي ‪M1‬‬

‫ويعرب عن الكتلة النقدية باملفهوم الضيق ويستمد مكوناته من قيام النقود بوظيفة الوسيط يف التبادل‬
‫كما يتمتع بسيولة مطلقة مما يوفر إمكانية استعماله كوسيلة دفع آنية يف أسواق السلع واخلدمات‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريق التعامل اليدوي أو بالتسديد الكتايب‪ ،‬وتشمل املتاحات النقدية كل من‪:‬‬
‫أ – األوراق النقدية و النقود المعدنية المساعدة‪ :‬وهي اليت تصدر من طرف البنك املركزي وتتداول خارج‬
‫اجلهاز املصريف‪ ،‬أي تكون يف حوزة األعوان غري املاليني‪.‬‬
‫ب – مختلف الودائع تحت الطلب‪ :‬وهي الودائع املفتوحة لدى كل من البنوك التجارية واخلزينة العامة‬
‫واملؤسسات الربيدية لفائدة األعوان غري املاليني‪.‬‬
‫‪ -2‬جممع االحتياطي النقدي ‪M2‬‬
‫يشمل هذا اجملمع كل من جممع املتاحات النقدية وكذا الودائع ألجل‪ ،‬وهو ما يسمح لنا بإدخال‬
‫أشباه النقود ضمن مكونات هذا اجملموع‪ ،‬وبالتايل فهو ميزج بني رغبة الوحدات االقتصادية يف حتقيق األرباح‬
‫والفوائد‪ ،‬وبني احلصول على سيولة نقدية‪ ،‬ويضم هذا اجملمع كل من‪:‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪Philipe jaffré « monnaie et politique monétaire », 4 édition, Economica 1996, p 98 .‬‬
‫‪21‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫أ‪ -‬مجمع المتاحات النقدية ‪ :M1‬و هو الذي مت حتديد مكوناته سابقا‪.‬‬


‫ب‪ -‬أشباه النقود ‪:‬و هي ممثلة يف جمموع الودائع التالية‪:‬‬
‫الودائع ذات أجل استحقاق محدد‪ :‬وهذا األجل يكون حمدد مسبقا بني البنك والزبون ‪.‬‬
‫الودائع بإشعار أو بإخطار‪ :‬وهي اليت تستوجب تقدمي طلب بالسحب وذلك قبل فرتة زمنية من تاريخ عملية‬
‫السحب‪.‬‬
‫الودائع المخصصة ‪ :‬تقدم للبنك من أجل استعماهلا يف عملية معينة‪ ،‬مثل ما تودعه شركة ما من أجل دفع أرباح‬
‫مسامهيها‪ ،‬أو دفع أجور عماهلا‪....‬اخل‪.‬‬
‫سندات الصندوق‪ :‬اليت تصدرها البنوك وتستحق بعد أجل حمدد‪ ،‬مقابل هذه السندات يقوم املكتب بإيداع مبلغ‬
‫نقدي ميكن السحب منه يف هذا األجل‪.‬‬
‫الودائع الدفترية ‪ :‬أو ما يسمى بودائع االدخار املوجودة لدى البنوك‪ ،‬عليها فوائد و ميكن سحبها عند الطلب‬
‫ولكن بدون استعمال شيك‪ ،‬أي ال يستعملها للدفع مباشرة مثل الودائع حتت الطلب‪ ،‬إذ البد من قيام صاحبها‬
‫بعملية السحب مث استعمال املبلغ املسحوب‪ ،‬وتضاف إىل هذه الودائع (الدفرتية) الودائع قصرية األجل املوجودة‬
‫لدى اخلزينة العمومية‪.‬‬
‫وهكذا نالحظ أن كل هذه الودائع تستعمل كوسائل دفع ولكن ليس عند الطلب يف نفس الوقت‬
‫ماعدا الودائع الدفرتية‪ ،‬أي أن سيولتها أقل من سيولة الودائع حتت الطلب ومن مث أقل سيولة من جممع املتاحات‬
‫النقدية‪.‬‬
‫‪ -3‬جممع االحتياطي النقدي ‪M3‬‬

‫ويعترب من أكرب اجملمعات النقدية توسعا حيث يضم إىل جانب اجملمع النقدي‪ ،‬الوظيفات القصرية‬
‫األجل لدى املؤسسات املالية غري املصرفية وتكون ممثلة يف جمموع الودائع املوجودة لدى صناديق التوفري واالحتياط و‬
‫كذا سندات اخلزينة العمومية املكتتبة من طرف اخلواص واملؤسسات غري املالية‪ ،‬باإلضافة إىل اجملمع النقدي ‪ M1‬و‬
‫‪.M2‬‬
‫ثانيا‪ -‬ظروف سوق النقد‬
‫وهي اجملموعة الثانية من األهداف األولية اليت تسمى ضبط سوق النقد وحتتوي على االحتياطات‬
‫احلرة‪ ،‬ومعدل األرصدة البنكية وأسعار الفائدة األخرى يف سوق النقد وإال ميارس البنك املركزي عليها رقابة قوية‪،‬‬
‫ويعين بشكل عام‪ ،‬قدرة املقرتضني ومواقفهم السريعة أو البطيئة يف معدل منو االئتمان ومدى ارتفاع أو اخنفاض‬
‫أسعار الفائدة وشروط اإلقراض األخرى‪ ،‬وسعر فائدة األرصدة البنكية هو سعر الفائدة على األرصدة املقرتضة ملدة‬
‫قصرية (يوم أو اثنني) بني البنوك‪.22‬‬

‫‪ 22‬عبد املطلب عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.78‬‬


‫‪22‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫االحتياطات الحرة‪ :‬متثل االحتياطات الفائضة للبنوك لدى البنك املركزي مطروحا منها االحتياطات اليت اقرتضتها‬
‫هذه البنوك من البنك املركزي وتسمى صايف االقرتاض‪ ،‬وتكون االحتياطات احلرة موجبة إذا كانت االحتياطات‬
‫الفائضة أكبر من االحتياطات املقرتضة‪ ،‬وتكون سالبة إذا كانت االحتياطات الفائضة أقل من االحتياطات‬
‫املقرتضة‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬األهداف الوسيطية‬
‫األهداف الوسيطية هي املتغريات النقدية القابلة للمراقبة بواسطة السلطات واملرتبطة بشكل ثابت‬
‫ومقدر باألهداف النهائية مثل‪ :‬مقدار النمو السنوي للكتلة النقدية‪.23‬‬
‫وتستخدم السياسة النقدية األهداف الوسيطية نظرا لفوائدها و هي‪:‬‬
‫‪ -1‬ميكن للمصارف املركزية أن تؤثر على هذه املتغريات و بإمكان السياسة النقدية أن تؤثر على تقلباهتا‪.‬‬
‫‪ -2‬تعترب األهداف الوسيطية مبثابة إعالن عن إسرتاتيجية السياسة النقدية‪ ،‬فعندما يعلن البنك املركزي عن أهدافه‬
‫الوسيطية فإنه يريد‪:‬‬
‫‪ -3‬إعطاء األعوان االقتصاديني إطارا مرجعيا لرتكيز و توجيه توقعاهتم‪.‬‬
‫‪ -4‬االلتزام بالتح رك يف حالة عدم بلوغ هذه األهداف الوسيطية‪ ،‬فهي متثل استقاللية لعمل السياسة النقدية‪ ،‬كما‬
‫تشرط أن يكون اهلدف الوسيط يعكس اهلدف النهائي املنشود‪ ،‬وتكون األهداف واضحة و سهلة االستيعاب بني‬
‫املتعاملني‪.‬‬
‫هناك ثالث مناذج أساسية ممكنة من األهداف الوسيطية و هي‪ :‬مستوى املعدالت األساسية‬
‫للفائدة‪ ،‬سوق الصرف‪ ،‬اجملمعات النقدية الوسيطية‪.‬‬
‫أوال‪ -‬معدل الفائدة كهدف وسيط‬
‫من املعروف أن الكينزيني يتمنون أن يتم تثبيت معدل الفائدة إل أدىن حد ممكن‪ ،‬بينما ال يهتم‬
‫النقديون هبا كثريا ألن كمية النقود هي املهمة بالنسبة هلم‪ ،‬ويضيفون بأنه عندما هنتم مبعدالت الفائدة ينبغي‬
‫ارتباطها مبستواها احلقيقي‪ ،‬إال أن املستثمرين والعائالت على حد سواء هم شديدي احلساسية ملعدالت الفائدة‬
‫من ناحية تكلفة قروضهم‪ ،‬ومن ناحية تلقي التعويضات عن توظيف مدخراهتم‪ ،‬ولذلك جيب على السلطات‬
‫العامة أن هتتم بتقلبات معدالت الفائدة‪ ،‬ولكن املشكل يكمن يف حتديد املستوى األفضل هلذه املعدالت‪ ،‬وعلى‬
‫السلطات يف هذه احلالة أن حتافظ على أن تكون تغريات مستوى معدالت الفائدة ضمن هوامش أو جماالت‬
‫واسعة وحول مستوى وسطي مقابل التوازن يف األسواق ألن اجملال الواسع لتقلبات معدالت الفائدة ميكن أن‬
‫حيدث تذبذبا يف االستقرار االقتصادي إضافة إىل أن عمليات متتالية من عدم التوازن يتولد عنها حاالت أيضا‬
‫متتالية من التضخم والركود‪ ،‬و هلذا السبب تكون السلطات مضطرة أن ترتك هامش خللق كمية من النقود أكرب أو‬

‫‪ 23‬عبد املطلب عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.88-13‬‬


‫‪23‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫أقل من تلك اليت كان من املفروض تقييدها باهلدف الكمي بالنسبة للمجمعات النقدية‪ ،‬إال أن معدالت الفائدة‬
‫مهمة سواء على مستوى الصعيد الداخلي أو اخلارجي‪:‬‬
‫←فعلى مستوى الصعيد الداخلي‪ :‬تؤثر على مستوى استثمارات املؤسسات مثل االستثمار يف السكن‪ ،‬وعلى‬
‫االختيارات بني السندات والنقد‪.‬‬
‫←وعلى مستوى الصعيد اخلارجي‪ :‬تؤثر بشدة على حتركات رؤوس األموال يف األجل القصري ويف اجملموع جيب‬
‫أن تكون معدالت الفائدة إجيابية (ال هي مرتفعة و ال هي منخفضة) ومستقرة قدر اإلمكان يف الزمن‪ ،‬فبعض‬
‫االقتصاديني يعتربون أن إحدى التفسريات لألداءات األملانية ل ‪ 01‬سنة تكمن يف استقرار املعدالت احلقيقية‬
‫للفائدة يف األجل القصري حوايل ‪ ،%9‬وهذه املعدالت املستقرة اإلجيابية هي اليت شجعت أفضل اختيارات‬
‫االستثمار و النمو املنتظم‪ ،‬ويوجد العديد من معدالت الفائدة يف االقتصاديات املتطورة و أبرزها هي‪:‬‬
‫●املعدالت الرئيسية‪ :‬وهي معدالت النقد املركزي أي املعدالت اليت يقرض هبا البنك املركزي البنوك التجارية‪ ،‬كما‬
‫يستند إليها يف حتديد معدالت اإلقراض بني البنوك‪.‬‬
‫●معدالت السوق النقدية‪ :‬وهي املعدالت اليت يتم على أساسها تداول األوراق املالية القصرية األجل القابلة‬
‫للتداول (أذونات خزينة‪ ،‬شهادات خزينة قابلة للتداول‪ ،‬شهادات إيداع‪...‬اخل)‪.‬‬
‫● معدالت السوق املالية أو املعدالت طويلة األجل‪ :‬و هي اليت على أساسها تصدر السندات‪.‬‬
‫●معدالت التوظيف يف األجل القصرية‪ :‬حسابات على الدفاتر‪ ،‬ادخار سكين ‪...‬اخل‪.‬‬
‫●املعدالت املدينة‪ :‬و هي املطبقة على القروض املمنوحة‪.‬‬
‫وتتأثر هذه املعدالت كلها مبعدل الفائدة الذي يفرضه البنك املركزي على قروضه‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬معدل صرف النقد مقابل العمالت األخرى‬
‫إن معدل صرف النقد هو دليل هام على األوضاع االقتصادية لدولة ما‪ ،‬وذلك باحملافظة على هذا‬
‫املعدل حىت يكون قريبا من مستواه لتعادل القدرات الشرائية‪ ،‬وميكن أن تكون السياسة النقدية مسامهة يف التوازن‬
‫االقتصادي عرب تدخلها من أجل رفع معدل صرف النقد جتاه العمالت األخرى‪ ،‬وقد يكون حماربا للتضخم وهو‬
‫ما حيقق اهلدف النهائي للسياسة النقدية‪ ،‬وعندما يتخذ معدل الصرف كهدف وسيط فإنه يظهر العديد من‬
‫العيوب‪ ،‬ألن أسواق الصرف ليست منتظمة فهي تتعرض لتقلبات‪ ،‬ومعدل الصرف يلعب دورا مهما يف معرفة‬
‫اإلسرتاتيجية االقتصادية واملالية حلكومة ما‪ ،‬ولذلك فإن اختيار املدرك لعدم تقدمي سعر صرف مالئم‪ ،‬له نتائج‬
‫ثقيلة منها‪:‬‬
‫‪ -‬احملافظة على مستوى منخفض أكثر للعملة يشجع الضغوط التضخمية ويؤدي إىل إتباع سياسة سهلة يف‬
‫األجل القصري تدفع باملقابل يف األجل الطويل إىل إضعاف القدرة الصناعية للدولة واالخنفاض النسيب ملستوى‬
‫معيشة األفراد‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫‪ -‬إن البحث عن احلفاظ على مستوى مرتفع أكثر ‪ ،‬يفرض على األعوان االقتصاديني ضغطا انكماشيا‪ ،‬وهو ما‬
‫يبطئ النمو و يف األخري يؤدي إىل سياسة متشددة ميكن أن تؤدي إىل الفشل ولذلك فإن االقتصاديات الواسعة‬
‫واملتنوعة واليت تتميز بانفتاح قليل على اخلارج واليت ترتبط بشريك اقتصادي أساسي‪ ،‬ال ميكن هلا أن تركز مجيع‬
‫األهداف الوسيطية للسياسة النقدية على معدل الصرف‪ ،‬ولذلك فإن اهلدف الوسيط الداخلي يبدو ضروريا يف‬
‫هذه احلالة‪ ،‬ألنه يف حالة املضاربة على نقد معني إذا مل يكن ألسباب اقتصادية موضوعية ميكن للبنك املركزي أن‬
‫يستنفد احتياطاته من العملة الصعبة مقابل اخللق املفرط للنقد الوطين حىت ميكن تداوله حمليا‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬اجملمعات النقدية‬
‫إن تثبيت معدل منو الكتلة النقدية يف مستوى قريب من معدل منو االقتصاد احلقيقي ميثل بالنسبة‬
‫للنقديني اهلدف املركزي للسلطات النقدية‪ ،‬وهلذا السبب فإن السلطات النقدية يف كل الدول املتقدمة حددت‬
‫أهدافا يف هذه اجملمعات بالتدريج‪ ،‬بداية بشكل غري معلن مث معلن مثل النظام الفدرايل االحتياطي األمريكي‬
‫ابتداء من ‪ ،0370‬بنك أملانيا الفدرايل انطالقا من ‪ ،0371‬بنك اجنلرتا وبنك فرنسا انطالقا من ‪ ،0372‬وتنص‬
‫نظرية النقديني على احلفاظ و لعدة سنوات على معدل منو ثابت (من ‪ %9‬إلى ‪ )%1‬للنقد‪ ،‬و يعتقد النقديون بأن‬
‫كمية النقد هي الوسيط املفضل للتوازن االقتصادي‪ ،‬و يبني فريدمان ثالث مزايا ملنهج التثبيت هي‪:24‬‬
‫‪ -1‬حيول دون أن يصبح عرض النقود مصدر لعدم االستقرار‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الزيادة يف عرض النقود مبعدل ثابت ميكن السياسة النقدية من أن جتعل آثار االضطرابات النامجة عن‬
‫مصادر أخرى عند حدها األدىن‪.‬‬
‫‪ -3‬تطبيق معدل ثابت لزيادة عرض النقود جيعل مستوى األسعار يف األجل الطويل ثابتا أو مقرتبا من ذلك و‬
‫ترتكز هذه النظرة الستعمال اجملمعات النقدية على املربرات التالية‪:‬‬
‫● إن اجملمعات النقدية تستقطب اهتمام البنوك املركزية‪ ،‬فهي اليت تقوم بتحديدها و حساهبا و نشرها‪.‬‬
‫●ميكن التعرف على هذه اجملمعات النقدية من قبل اجلمهور و لذلك فإن الكتلة النقدية متثل النقود املتداولة اليت‬
‫يستطيع اجلميع التعرف عليها و تقديرها و لكن يف السنوات األخرية برز مشكل رئيسي يتمثل يف‪ :‬إن حتديد‬
‫اجملمع النقدي أو كمية النقد مل تعد سهلة كما كانت يف املاضي نظرا لتغيري سرعة تداول النقد و نتيجة‬
‫االبتكارات املالية احلديثة و هلذا فإن اإلشكال يبقى مطروحا‪ ،‬ما هي اجملمعات النقدية اليت ميكن ضبطها بسهولة‬
‫وبدون غموض أو تعقيد؟ و هل يلجأ إىل اجملمع النقدي الضيق ‪ M1‬عند وجود ابتكارات مالية مستمرة أو اجملمع‬
‫النقدي األوسع ‪M2‬أو ‪M3‬؟‬

‫‪ 24‬عبد املطلب عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.12 12‬‬


‫‪25‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫وهناك مربرات الستخدام اجملمع الواسع واجملمع الضيق‪ ،‬فاجملمع الضيق للنقود يسمح بالرتكيز على‬
‫وظيفة النقد‪ ،‬وبينت التجارب االقتصادية أن اجملمع النقدي الضيق مل يكن بعيدا عن االبتكارات أو توظيفات‬
‫املشتقات املالية احلديثة ألن اجملمع النقدي ‪ M2‬الذي يضم ‪ M1‬يف حسابات على الدفاتر‪.‬‬
‫يتأثر بشدة باجتذاب أجهزة التوظيفات اجلماعية بالقيم املنقولة للمدخرين الذين كانوا يقومون بعملية‬
‫اإليداع يف حسابات على الدفاتر لدى البنوك‪ .‬كما أن اجملمع النقدي ‪ M1‬هو اآلخر يتأثر باالبتكارات‬
‫املالية عندما يكون حيتوي على مبالغ كبرية من األموال غري املستثمرة‪ ،‬فيستطيع أصحاهبا حتويلها‬
‫لكونه يدير مردودية أفضل‪ ،‬أما اجملمع ‪ M3‬املوسع فإنه يسمح باالقرتاب من حتديد كل التوظيفات املالية‪ ،‬لكنه قد‬
‫ال يصبح دقيقا وال ميكن ضبطه بسبب إعادة تركيب جديد حملفظات األوراق املالية مثل انتقال أصحاب‬
‫االستثمار من السندات إىل شهادات اإليداع نتيجة التنبؤات حول معدل الفائدة‪.‬‬
‫إن استخدام األهداف الوسيطية خيتلف غالبا من بلد آلخر‪ ،‬فالسلطات النقدية ملختلف البلدان‬
‫تستعمل معطيات وجماميع معينة كأهداف وسيطية لسياستها النقدية‪ ،‬فمثال جند القاعدة النقدية مع االرتباط‬
‫مبعدل الفائدة تستعمل يف الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬بينما تستعمل القاعدة النقدية وحدها يف أملانيا‪ ،‬معدل‬
‫الفائدة وجمموع قروض االقتصاد يف بلجيكا‪ ،‬والكتلة النقدية يف فرنسا‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬األهداف النهائية‬
‫تبدأ إسرتاتيجية السياسة النقدية بتحديد األدوات النقدية الستخدامها للتأثري على األهداف األولية‬
‫اليت اختارهتا السلطات النقدية‪ ،‬مث التأثري على األهداف الوسيطية وذلك من أجل الوصول إىل األهداف النهائية‬
‫اليت ترمسها يف ضوء السياسة االقتصادية العامة‪ ،‬و عموما هناك اتفاق واسع على أن األهداف الرئيسية والنهائية‬
‫للسياسة النقدية تندرج يف أهداف السياسة االقتصادية واليت تتمثل يف‪:‬‬
‫‪ -1‬استقرار األسعار (اخنفاض معدل التضخم)‪.‬‬
‫‪ -2‬العمالة الكاملة (حتقيق مستوى عال من االستخدام و بطالة منخفضة)‪.‬‬
‫‪ -3‬منو اقتصادي قوي (معدل منو إمجايل للناتج احمللي)‪.‬‬
‫‪ -4‬التوازن يف التجارة اخلارجية (ميزان املدفوعات)‪.‬‬
‫تعترب أهداف السياسة النقدية جزء من أهداف السياسة االقتصادية‪ ،‬فال يوجد إمجاع حول جمموعة‬
‫من األهداف احملددة‪ ،‬إال أن هذه األهداف يف البلدان العربية هتتم بتحقيق االستقرار النقدي واحلفاظ على العملة‬
‫يف اخلارج لتشجيع النمو وحتقيق التوازن الداخلي و اخلارجي‪ ،‬أما يف البلدان الصناعية املتطورة فاهلدف مرتكز على‬
‫استقرار األسعار أي استهداف التضخم‪ .‬وتتمثل األهداف النهائية للسياسة النقدية يف‪:25‬‬
‫أوال‪ -‬استقرار األسعار‬

‫‪ 25‬عبد املطلب عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.00-03‬‬


‫‪26‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫تعترب احملافظة على استقرار األسعار من أهم العوامل اليت تؤثر على النشاط االقتصادي واملؤشرات‬
‫االقتصادية الرئيسية و تنحصر هذه الغاية يف العمل على حماربة التغريات املستمرة والعنيفة يف مستوى األسعار‪،‬‬
‫نظرا ألن أي تغريات كبرية يف مستويات األسعار تعترب من العوامل اليت تؤثر سلبا على قيمة النقود‪ ،‬وبالتايل حتدث‬
‫آثار ضارة على مستوى الدخول والثروات وختصيص املوارد االقتصادية بني الفروع اإلنتاجية وبالتايل على األداء‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬العمالة الكاملة (حتقيق مستوى عال من االستخدام)‬
‫هناك إمجاع بني االقتصاديني على أن يكون ضمان التوظيف كامال أو مستوى مرتفع من التشغيل من‬
‫بني األهداف اليت تسعى إليها السياسة النقدية‪ ،‬واملراد من ذلك هو أن حترص السلطات النقدية على تثبيت‬
‫النشاط االقتصادي عند أعلى مستوى ممكن من التوظيف للموارد الطبيعية والبشرية‪ ،‬وعلى السلطات النقدية اختاذ‬
‫مجيع اإلجراءات الكفيلة بتجنيب االقتصاد البطالة وما يرافقها من عوامل انكماشية يف اإلنتاج والدخل‪،‬‬
‫واالضطرابات يف العالقات االجتماعية‪ ،‬و من هذه اإلجراءات رفع حجم الطلب الكلي إىل املستوى الالزم‬
‫لتشغيل املوارد اإلنتاجية غري املستغلة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬منو اقتصادي قوي‬
‫كانت النظرية الكالسيكية تنظر إىل أن حتقيق هدف النمو االقتصادي هو متضمنا يف حتقيق هذه‬
‫العمالة الكاملة‪ ،‬وهو األمر الذي دفعهم لعدم وضع سياسات اقتصادية (مالية كانت أم نقدية) للوصول إىل‬
‫ذلك‪ .‬إال أنه بعد احلرب العاملية بدأ النمو االقتصادي يشغل بال املفكرين و يسيطر على اهتمامهم‪ ،‬ومن مث بدأ‬
‫االهتمام بدور السياسات االقتصادية ومنها دور السياسة النقدية يف النمو االقتصادي‪ .‬ويف اخلمسينات أصبح‬
‫النمو االقتصادي من أهداف السياسة االقتصادية بصفة عامة و السياسة النقدية بصفة خاصة‪.‬‬
‫إن حتقيق هدف العمالة الكاملة بصفة مستمرة يستلزم منوا مستمرا يف االقتصاد الوطين حبيث يكون‬
‫كافيا لتشغيل اإلضافات السنوية يف األيدي العاملة اجلديدة و العاطلة سابقا‪ ،‬بينما يرى فريدمان أن وضع معدل‬
‫عال للنمو االقتصادي كهدف حمدد أو مرغوب فيه ليس أمرا حمققا‪ ،‬وذلك يف قوله‪" :‬ليست هناك طريقة يف‬
‫اجملتمعات احلرة للقول مقدما أن هناك معدال حمددا للنمو ترغبه أو حتتاج إليه‪ ،‬أو القول أن هناك معدل عال‬
‫وآخر منخفض‪ ،‬ولكن معدل النمو هو الناتج الكلي لكل جمهودات األفراد الذين جنحوا يف حتقيق طموحاهتم‬
‫باملعدل السليم"‪.‬‬
‫ولكن إذا نظرنا إىل دور السياسة النقدية يف حتقيق معدل عال لنمو االقتصاد الوطين‪ ،‬جند أهنا‬
‫باستطاعتها أن تعمل على حتقيق ذلك‪ ،‬كما أهنا تساعد يف احملافظة على النمو‪ ،‬ولكن هناك عوامل أخرى غري‬
‫نقدية جيب توافرها لتحقيق هذا املعدل العايل‪ ،‬كتوافر املوارد الطبيعية والقوى العاملة الكفءة وتوافر عوامل‬
‫وظروف سياسية واجتماعية مالئمة‪ ،‬ولذلك فإن دور السياسة النقدية جيب أن يعمل بالتنسيق مع هذه العوامل‪،‬‬
‫وكذلك مع سياسة مالية مالئمة غري متناقضة لدور السياسة النقدية‪ .‬وعند احلديث عن النمو االقتصادي كهدف‬
‫‪27‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫للسياسة النقدية جيب التفرقة بني النمو والتنمية‪ ،‬فالتنمية واليت تعين تغري يف السنوات األخرية حتقق ثالث أهداف‬
‫أساسية وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬القضاء على الفقر و عالج أسبابه‪.‬‬
‫‪ -2‬حتسني نوعية احلياة‪.‬‬
‫‪ -3‬دعم القدرة على النمو‪.‬‬
‫وأما النمو فيعين معدل تغري الناتج الكلي احلقيقي‪ ،‬إذن فكالمها مرتبط بدرجة التطور االقتصادي‪،‬‬
‫فالنمو االقتصادي مركز على التغري يف الناتج الكلي احلقيقي‪ ،‬أما التنمية تشمل التغري اهليكلي يف الناتج‪ ،‬وتوزيع‬
‫مثار النمو االقتصادي لتحسني معيشة األفراد ككل‪.‬‬
‫وهكذا قرر االقتصاديون استعمال كلمة النمو للتعبري عن التطور االقتصادي يف البلدان املتقدمة أما‬
‫مصطل ح التنمية فيستعمل عند احلديث عن التطورات يف الدول املتخلفة أو ما يسمى بالدول الصناعية للتقدم‪.‬‬
‫ومشكلة الدول املتخلفة عندما تريد حتقيق التنمية االقتصادية تتمثل يف قصور مواردها الداخلية‬
‫وخاصة املالية لتوفري التمويالت الالزمة لالستثمارات املخططة يف التنمية‪ ،‬وضعف القدرة على تنمية رأس املال‬
‫املادي والبشري‪ ،‬وهذا يتطلب حتقيق معدل مرتفع لالدخار‪ ،‬وبالتايل فإن دور السياسة النقدية هو حتقيق معدل‬
‫مرتفع لالدخار والتأثري على معدل االستثمار يف السلع الرأمسالية من خالل زيادة الفرص االئتمانية‪ ،‬وجيب أن ال‬
‫تقع هذه السياسات يف تفضيل التضخم باعتباره يساعد على ختفيض البطالة‪ ،‬وزيادة معدالت التشغيل حىت‬
‫ميكنها الوصول إىل مرحلة االنطالق اليت تضع اقتصادياهتا على طريق النمو الذايت السريع‪ ،‬وأما يف االقتصاد‬
‫اجلزائري فكانت التنمية االقتصادية هدفا لكل السياسات االقتصادية بصفة عامة‪ ،‬أما بالنسبة للسياسة النقدية‬
‫فلم يكن هلا هدفا للنمو واضحا ولكنه ميارس ضمنيا من خالل دور السلطات النقدية اليت تقوم بالتوسع االئتماين‬
‫لتوفري التمويل الالزم لألفراد واملؤسسات‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬توازن ميزان املدفوعات‬
‫جيسد ميزان املدفوعات لبلد ما عالقاته النقدية واملالية والتجارية مع بقية العالقات األخرى يف العامل‪.‬‬
‫ويكون هذا امليزان يف صاحل البلد عندما تكون استسالماته من العامل بالعملة الصعبة أكرب من مدفوعاته للخارج‬
‫والعكس صحيح‪ .‬وتسعى مجيع البلدان مهما اختلفت درجة تطورها االقتصادي إىل جعل هذا امليزان مييل يف‬
‫صاحلها من أجل احملافظة على ما لديها من خمزون ذهيب واحتياطات من العملة الصعبة‪ .‬فالعجز يف ميزان‬
‫املدفوعات يعين أن البلد يدفع أكثر مما يستلم بصورة جارية بالعملة األجنبية وال ميكن تغطية هذا العجز إال‬
‫بالسحب ع لى احتياطاته النقدية األجنبية أو بيع بعض موجوداته عن طريق االقرتاض أو احلصول على بعض املنح‬
‫و اإلعانات‪ ،‬مع ما يرتتب على ذلك من آثار سلبية على القيمة اخلارجية للعملة الوطنية‪ .‬و دور السلطات‬
‫النقدية هنا التدخل للحد من التوسع يف حجم اإلنفاق املمنوح للوحدات االقتصادية غري املصرفية يف حماولة‬
‫لتقليص استرياداهتا‪ .‬أما إذا كان سبب العجز يف ميزان املدفوعات كثرة التوظيفات القصرية والطويلة األجل يف‬
‫‪28‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫اخلارج‪ ،‬فإن تقليص حجم االئتمان املصريف يقود إىل تقليص سيولة هذه الوحدات االقتصادية‪ ،‬مما يرغمها على‬
‫استعادة رؤوس أمواهلا املوظفة يف اخلارج‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬آلية عمل السياسة النقدية‬
‫تعترب أهداف السياسة النقدية‪ ،‬أهدافا بعيدة املدى تؤثر على املستوى االقتصادي بشكل عام‪ ،‬وهذا‬
‫يعين أن تأثري استخدام أدوات السياسة النقدية على هذه األهداف قد ال يظهر بصورة سريعة أو مباشرة‪ ،‬وبالتايل‬
‫يصبح احلكم على كفاءة السياسة النقدية حكما غري صحيح‪ .‬ولذلك تسعى السلطات النقدية التأثري على‬
‫أهداف وسيطية تتميز باستجابتها السريعة ألدوات السياسة النقدية‪ ،‬وباملقابل ميكن اختبار تأثريها على األهداف‬
‫النهائية هلذه السياسة‪.26‬‬
‫ويعترب عرض النقد (‪ )Money Supply‬و أسعار الفائدة طويلة األجل (‪)Interest Rat Long Term‬‬
‫أهم هذه األهداف‪ ،‬و للتأثري عليها جيب التأثري مسبقا على أداء القاعدة النقدية (‪ )MB‬و احتياطات املصارف‬
‫الكلية (‪ )R‬أو ما يسمى بأهداف األداء‪ .‬و يوضح النموذج التايل تسلسل عمل أدوات السياسة النقدية‪:27‬‬
‫الشكل رقم (‪ ) 2-1‬آلية عمل السياسة النقدية‬
‫أدوات السياسة النقدية أهداف األداء األهداف الوسيطية األهداف النهائية‬
‫األدوات‬
‫أهداف‬ ‫‪Money‬‬
‫‪MB‬‬
‫‪Supply‬‬
‫الكمية‬
‫السياسة النقدية‬ ‫‪Interest‬‬ ‫‪R‬‬
‫‪Rate‬‬ ‫و النوعية‬
‫املصدر‪ :‬أكرم حداد مرجع سابق ص ‪181‬‬

‫‪ 26‬أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.812‬‬


‫‪ 27‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.812‬‬
‫‪29‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫املبحث الثاين‪ :‬السياسة النقدية يف الفكر االقتصادي‬

‫نظرا ألمهية السياسة النقدية والدور الفعال الذي تلعبه يف عملية التنمية‪ ،‬هذا ما جعلها تتطور ومتر بعدة‬
‫مراحل وعقبات حىت أصبحت على وضعها احلايل‪ ،‬ويهمنا هنا التعرف على املراحل اليت مرت هبا السياسة النقدية‬
‫من خالل املدارس الفكرية املختلفة اليت اهتمت بالسياسة النقدية على النحو التايل‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املدرسة الكالسيكية‬
‫لقد اعترب االقتصاديون الكالسيك أن النمو يتم تلقائيا دون احلاجة إىل تدخل الدولة يف احلياة‬
‫االقتصادية‪ ،‬وقد اعتقدوا أن التوازن االقتصادي يتحقق دائما عند مستوى التشغيل الكامل‪ ،‬مع افرتاض حيادية‬
‫النقود‪ ،‬حبيث يقتصر أثر التغريات يف كمية النقود على إحداث تغريات مقابلة يف قيمتها دون املساس بالنشاط‬
‫االقتصادي‪.28‬‬
‫وتعرب نظرية كمية النقود ( النظرية النقدية الكالسيكية ) عن وجه نظر الكالسيك يف هذا الشأن‪،‬‬
‫حيث تشري هذه النظرية إىل وجود عالقة بني كمية النقود يرتتب عليها زيادة ( بنفس القدر و يف نفس االجتاه )‬
‫يف املستوى العام لألسعار‪ ،‬فأي تغري حيدث يف األول ( النقود املعروضة ) ينعكس بنفس القدر على الثاين (‬
‫املستوى العام لألسعار ) دون أدىن تأثري على اجلانب احلقيقي لالقتصاد الوطين‪ ،‬وهذا مع افرتاض أيضا أن النقود‬
‫تؤدي وظيفة واحدة و هي "وسيط للتبادل" مما يعين أهنا تكون حيادية‪.‬‬
‫هلذا اعترب الكالسيك أن السياسة النقدية سياسة حمايدة وال تؤثر بأي صورة من الصور على مستوى‬
‫التشغيل أو اإلنتاج أو حىت األجور احلقيقية و أسعار الفائدة‪ ،‬ويقتصر دورها يف خلق النقود الالزمة إلجراء‬
‫املعامالت‪ .‬ويتضح من كل هذا أن الفكر الكالسيكي يعكس املرحلة األوىل من املراحل األساسية للنظرية النقدية‪،‬‬
‫أين اهتم االقتصاديون فقط بدراسة وحتليل العوامل اليت تؤثر على املستوى العام لألسعار بذلك تصبح السلطات‬
‫النقدية قادرة على التحكم يف املستوى العام لألسعار من خالل سيطرهتا على كمية النقود املعروضة‪.‬‬
‫ويستند النموذج الكالسيكي على االفرتاضات التالية‪:29‬‬
‫‪ -‬إن كل األسواق ( أسواق السلع و العمل ) تسودها املنافسة الكاملة واالقتصاد يف حالة تشغيل كامل‪.‬‬
‫‪ -‬ال خيضع أصحاب األعمال وال العمال للخداع النقدي مبعىن أهنم يبنون قراراهتم‪ ،‬ليس على أساس املستوى‬
‫املطلق لألسعار أو على أساس معدل األجر النقدي لكن تبىن قراراهتم على أساس األسعار النسبية للسلع وعوامل‬
‫اإلنتاج و عندما يقرر العمال كمية العمل اليت يعرضوهنا إمنا يتأسس هذا القرار على األجر احلقيقي وليس على‬
‫املستوى املطلق لألجر النقدي‪.‬‬
‫‪ -‬املرونة الكاملة لألجور النقدية و أسعار السلع‪.‬‬

‫‪ 28‬حممد زكي الشافعي "مقدمة يف النقود والبنوك" دار النهضة العربية القاهرة‪ ،8883 ،‬ص ص ‪.203-201‬‬
‫‪ 29‬عبد املطلب عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.27-23‬‬
‫‪30‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫‪ -‬قانون ساي لألسواق مضمون ( العرض خيلق الطلب )‪.‬‬


‫‪ -‬يتم النمو تلقائيا دون تدخل الدولة يف احلياة االقتصادية ( حيادية الدولة )‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نظرية كمية النقود ( نظرية فيشر لألرصدة )‬
‫‪The purchasing power of‬‬ ‫إن أوضح عرض لصيغة املبادالت قد ظهر يف كتاب‪money‬‬

‫لالقتصادي األمريكي‪ Irving Fisher‬عام ‪ ،0307‬و قد استند فيشر يف عرضه لنظريته على صيغة التبادل املشهور‬
‫‪The equation of exchange‬واليت كانت هتدف إىل دراسة العالقة بني كمية النقود (عرض النقد) واإلنفاق على‬
‫السلع و اخلدمات (‪)p×y‬أو ما يسمى بالدخل االمسي‪ ،‬لقد افرتض فيشر أن النقود ال تطلب لذاهتا فإهنا حتما‬
‫ستنفق عاجال أو آجال و مبا أن االقتصاد يف حالة التشغيل الكامل و أن قيمة اإلنتاج يف اقتصاد ما يساوي‬
‫جمموع ما ينفق على السلع و اخلدمات املنتجة‪ ،‬فإن‪:30‬‬
‫قيمة ما يباع يف جمتمع ما = قيمة ما يشرتى يف ذلك اجملتمع‬
‫احلجم املادي للسلع×أسعارها = عدد النقود اململوكة×عدد مرات الشراء‬
‫اإلنتاج و اخلدمات×مستويات األسعار = كمية النقود×سرعة تداوهلا‬
‫و تنطوي النظرية على بعض الفروض‪ ،‬من أمهها‪:31‬‬
‫* إن الطلب على النقود هو طلب مشتق من الطلب على السلع واخلدمات ووظيفة النقود كوسيط يف التبادل‪.‬‬
‫* ثبات احلجم احلقيقي عند مستوى التشغيل الكامل‪.‬‬
‫* إن سرعة تداول النقود ثابتة ومستقلة من كمية النقود املتداولة‪ ،‬وكذلك احلجم احلقيقي للمبادالت وتعترب‬
‫كعوامل مستقلة بطيئة التغيري‪.‬‬
‫* النظر إىل املستوى العام لألسعار كمتغري تابع وهو كنتيجة و ليس سببا للتغري يف العوامل األخرى‪ ،‬وهناك عالقة‬
‫طردية بني اإلصدار النقدي ومستوى األسعار‪ ،‬وهبذا يفسر الكالسيك االرتفاع يف املستوى العام لألسعار‬
‫(التضخم)‪.‬‬
‫مضمون النظرية‪:‬‬
‫تقوم نظرية كمية النقود على أساس جمموعة من االفرتاضات املتعلقة بأمهية تغريات كمية النقود‬
‫بالنسبة إىل غريها من العوامل يف التأثري على مستوى االئتمان‪ ،‬فريى أنصار هذه النظرية يف كمية النقود العامل‬
‫الفعال واملؤثر يف حتديد املستوى العام لألسعار والتناسب بينهما تناسبا عكسيا‪ ،‬ويتخذ أنصار هذه النظرية معادلة‬
‫التبادل أداة حتليلية لبيان وجهات نظرهم كمايلي‪:‬‬
‫‪MV = PT‬‬
‫‪ :M‬كمية النقود املتداولة و تشمل النقود الورقية و النقود املساعدة و الودائع اجلارية‪.‬‬

‫‪ 30‬أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.832-832‬‬


‫‪ 31‬عبد املطلب عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.20-20‬‬
‫‪31‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫‪ :V‬سرعة تداوهلا (و هي متوسط عدد املرات اليت تنتقل فيها وحدة النقد من يد ألخرى)‪.‬‬
‫‪ :P‬املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫‪ :T‬حجم املبادالت‪.‬‬
‫وبالتايل فاملعادلة حتدد مجيع العوامل اليت تتفاعل بطريقة مباشرة يف حتديد مستوى األسعار وقد‬
‫ظهرت معادلة أخرى تسمى مبعادلة التبادل االقتصادي لفيشر أيضا‪ ،‬حيث أدخل النقود املصرفية يف التبادل‪،‬‬
‫فأصبحت املعادلة‪:‬‬
‫‪MV + M′V′ = PT‬‬
‫‪:M‬النقود القانونية‪.‬‬
‫‪ :V‬سرعة تداوهلا‪.‬‬
‫‪ :'M‬النقود املصرفية‪.‬‬
‫‪ :'V‬سرعة تداوهلا‪.‬‬
‫واهلدف من الفصل بني ‪ ' M‬و‪ M‬حىت يتبني أمهية كل واحدة يف حتقيق مستوى معني من املبادالت‬
‫وكل عنصر من العناصر النقدية له تأثري فقط على األسعار وبالتايل فإن النقود حمايدة وهذا ما جيعل السياسة‬
‫النقدية عند الكالسيك سياسة حمايدة يتمثل دورها يف خلق النقود لتسهيل املبادالت أي أن حجم املعامالت هو‬
‫الذي حيدد كمية النقود الواجب توافرها‪.‬‬
‫وقد واجهت هذه النظرية انتقادات أمهها‪:‬‬
‫‪ -‬جتاهل أثر أسعار الفائدة على املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫‪ -‬مل تبني النظرية أسباب التغريات اليت تطرأ على قيمة النقود‪.‬‬
‫‪ -‬افرتاض أن األسعار تتغري تبعا لتغري كمية النقود املعروضة و ال ميكن أن تتغري نتيجة عوامل أخرى وهذا غري‬
‫صحيح فقد تتغري األسعار نتيجة أسباب أخرى غري نقدية كفشل موسم زراعي مثال‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام بوظيفة "وسيط يف املبادالت" وإمهال الوظائف األخرى‪.‬‬
‫رغم هذه االنتقادات فإن هذه النظرية إمنا تعترب خطوة قيمة‪ ،‬فقد أفلحت يف تركيز االنتباه حول‬
‫بعض الكميات الكلية اهلامة اليت تعكس النشاط االقتصادي‪ ،‬مثل كمية املبادالت وكمية النقود‪ ،‬كما أهنا مهدت‬
‫لدراسة اجلوانب األخرى من االقتصاد اليت تتحكم يف مسلك النقود وسرعة تداوهلا‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬نظرية الدخل و معادلة كامربيدج (صيغة األرصدة النقدية)‬
‫قام بصياغة هذه النظرية االقتصادي االجنليزي ألفرد مارشال ‪ A. Marshal‬هو أحد املفكرين‬
‫الكالسيك والذي كانت نظريته استكماال لنظرية املبادالت لفيشر‪ ،‬حيث تنظر النظرية إىل النقود على أهنا جزء‬
‫من ثروة األفراد وأهنم سيحتفظون ببعضها لغايات االحتياط‪ ،‬وألن النقود ختتزن قوة شرائية فال خوف من أن تكتنز‬
‫لفرتة طويلة أو قصرية‪ .‬وبالتايل حبثت هذه الصيغة وألول مرة الدوافع السلوكية (االحتياط) للطلب على النقود‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫واشتق مارشال و زمالؤه نظريتهم من صيغة املبادالت لفيشر و اليت افرتض فيها أن‪:32‬‬
‫‪M×V = P×Y‬‬
‫فإذا قسمنا طريف املعادلة ب (‪ )V‬فإن املعادلة تصبح‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫= ‪M‬‬ ‫)‪× (PY‬‬
‫‪V‬‬
‫وعندما يكون سوق النقد يف حالة توازن فإن الكمية املعروضة من النقد تساوي تلك املطلوبة نستطيع‬
‫استبدال ‪ M‬بـ ‪ Md‬وباستبدال مقلوب السرعة (‪ )1/V‬بالرمز ‪ k‬وبالتايل تصبح املعادلة‪:‬‬
‫‪Md = k × PY‬‬
‫‪ :Md‬الطلب على النقود‪.‬‬
‫‪:k‬السيولة احملتفظ هبا‪.‬‬
‫‪:Y‬الدخل النقدي‪.‬‬
‫‪:P‬املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫ومبا أن ‪ k‬ساكنة ( ألهنا مقلوب السرعة و السرعة ساكنة حسب التحليل الكالسيكي ) فإن مستوى‬
‫املبادالت املتولدة كنسبة ثابتة من الدخل االمسي تتحدد بكمية النقود اليت يطلبها األفراد لالحتفاظ هبا‪ ،‬ولكن ما‬
‫الذي حيدد مقدار هذا اجلزء من الدخل الذي سيحتفظ به؟‬
‫إن النسبة ‪ k‬واليت سيحتفظ هبا على شكل نقود و لغايات االحتياط تتوقف على العوامل التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬كلما كانت توقعات األفراد متفائلة كلما كان احتفاظهم بـ ‪ k‬أقل‪.‬‬
‫ب‪ -‬كلما زادت ثروة األفراد‪ ،‬قلت ‪.k‬‬
‫ج‪ -‬مستويات األسعار‪ ،‬فكلما اخنفضت القيمة احلقيقية لألرصدة النقدية كلما كان علينا أن نزيد من ‪ k‬وذلك‬
‫ألن القوة الشرائية ليست ثابتة‪ ،‬وبالتايل سريغب األفراد يف زيادة األرصدة النقدية لديهم لكي يعيدوا التوازن مع‬
‫ارتفاع األسعار‪.‬‬
‫ونالحظ أن ‪ k‬معكوس ‪.V‬‬
‫‪M‬‬ ‫)‪(PY‬‬
‫= ‪k‬‬ ‫= ‪V‬‬
‫‪PY‬‬ ‫‪M‬‬
‫وهذا يعين أنه كلما زادت األرصدة النقدية اليت يرغب األفراد االحتفاظ هبا كلما قلت سرعة تداول‬
‫النقود والعكس صحيح‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬املدرسة الكينيزية‬
‫لقد ظل الفكر الكالسيكي سائدا ومقبوال من جانب االقتصاديني حىت بداية الثالثينات من القرض‬
‫املاضي‪ ،‬مث جاءت أزمة الكساد الدويل الكبري ‪ 0390 -0303‬وما نتج عنها من آثار سلبية أين عجزت نظرية كمية‬
‫النقود ( النظرية النقدية الكالسيكية ) على معاجلة األزمة بشكل فعال‪.‬‬

‫‪ 32‬أكرم حداد مرجع سابق ص ص ‪.832-832‬‬


‫‪33‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫وهنا ظهرت النظرية الكينيزية اليت قدمت حلوال مقرتحة حلل مشكل األزمة‪ ،‬ولقد وجه كينز اهتمامه‬
‫إىل دراسة الطلب على النقود لذاهتا ودرس عالقته مبستوى اإلنفاق الوطين ونادى بأن حيادية الدولة يف هذه‬
‫الظروف مل يعد مقبوال ومن مث فالبد من تدخلها إلنعاش الطلب الكلي للقضاء على خملفات األزمة‪ ،‬حيث‬
‫ربطت النظرية الكينيزية بني الدخل واإلنفاق من خالل تعادل كمية النقود وبني الطلب على النقود باإلضافة إىل‬
‫أن التوازن بني االستثمار واالدخار ( توازن سوق السلع و اخلدمات ) مع التوازن يف السوق النقدي حيقق توازن‬
‫االقتصاد العام‪.33‬‬
‫لقد اقرتح كينز بعض السياسات املالية ( زيادة كمية النقود ) اليت تسمى سياسة النقود الرخيصة "أي‬
‫الزيادة يف عرض النقود مما يؤدي إىل تنشيط الطلب والذي يؤدي بدوره إىل حتسني املستوى العام لألسعار"‬
‫والتمويل عن طريق التضخم‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح أن السياسة النقدية عند كينز ليست باحملايدة بل إجيابية إذن لن يقتصر تأثري النقود‬
‫على املستوى العام لألسعار يف كافة األحوال‪ ،‬بل ميتد إىل مستويات الدخل و التشغيل و ذلك انطالقا من فرضية‬
‫أن حالة التوظيف الكامل حالة ضمن حاالت عديدة ميكن أن يتوازن عندها االقتصاد الوطين‪ ،‬وهكذا قد‬
‫عكست النظرية الكينيزية املرحلة الثانية من تطور النظرية النقدية‪ ،‬ولكن مت مبوجبها إدماج النظرية النقدية يف‬
‫النظرية االقتصادية الكلية و بدأ االهتمام يتحول من جمرد البحث عن أسباب تغري املستوى العام لألسعار إىل‬
‫دراسة معامل سلوك النقود وأثره على مستوى النشاط االقتصادي‪ ،‬كما أوضح كينز إمكانية جناح السياسة النقدية‬
‫يف عالج مشكالت التضخم والكساد وقد فسر عمل هذه السياسة من خالل اعتماد السلطات النقدية لسياسة‬
‫السوق املفتوحة وبالتايل التأثري على كمية النقود املعروضة سواء بالزيادة أو بالنقصان و هذا وفقا للظروف الزائدة و‬
‫األهداف املرغوب فيها‪ ،‬األمر الذي ينعكس على سعر الفائدة باعتبارها ظاهرة نقدية تتحدد بتالقي قوى العرض‬
‫والطلب على النقود‪ ،‬ومن مث التأثري على اإلنفاق االستثماري والذي بدوره يؤثر على الدخل الوطين‪ ،‬ومن مث‬
‫التأثري على مستوى النشاط االقتصادي ككل‪.34‬‬
‫ولقد طور كينز نظريته الشهرية بالطلب على النقود و اليت تتأثر بسعر الفائدة و اليت تدعى "نظرية‬
‫تفضيل السيولة ‪ " The General Theory of Employment Interest and Money‬واليت نشرها يف كتابه عام‬
‫‪ ،0392‬حيث تساءل كينز كغريه من املفكرين عن دوافع الطلب على النقود‪ ،‬ووجد أن هذه الدوافع هي املبادالت‬
‫واالحتياط و املضاربة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬دافع املبادالت ‪Transaction Motive‬‬

‫اعرتف كينز بدافع املبادالت كما جاء به الكالسيك ( فيشر ) أي استخدام النقود كوسيط‬
‫للمبادالت اليومية و أن هذا الدافع يتأثر حبجم املبادالت بني األفراد و أن هذه املبادالت أصال تتأثر مبستوى‬

‫‪ 33‬مجيل زيدان "السياسات يف اجلهاز املايل" دار وائل للنشر‪ ،‬عمان‪ ،8888 ،‬ص ص ‪.18-11‬‬
‫‪ 34‬مسري حممد معتوق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.818-820‬‬
‫‪34‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫الدخل وتشكل جزءا منه‪ ،‬أي أن حمدد الطلب على النقود يف دافع املبادالت هو )‪ Md1 = f(y‬وأن هذا الطلب‬
‫ال يتأثر بسعر الفائدة‪.‬‬
‫ويوضح الشكل رقم (‪ )9-0‬منحىن الطلب على النقود و لغاية املبادالت حيث يتضح من املنحىن أن‬
‫الطلب لغاية املبادالت عدمي املرونة ألنه ال يتأثر بسعر الفائدة‪.‬‬
‫الشكل رقم (‪ )3-1‬منحىن دافع الطلب لغايات املبادالت‬
‫‪i‬‬

‫‪Md1‬‬

‫‪y‬‬
‫ص‪.027‬‬ ‫املصدر أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬

‫‪Precautionary Motive‬‬ ‫الفرع الثاين‪ :‬دافع االحتياط‬


‫اعرتف أيضا كينز بدافع االحتياط كما جاء به الكالسيك ( كامربيدج ) أي أن األفراد حيتفظون‬
‫بالنقود كاحتياط للحاجات غري املتوقعة‪ ،‬وأن حجم كمية النقود احملتفظ هبا كاحتياطي تتأثر حبجم املبادالت‬
‫املتوقع أن جيريها األفراد باملستقبل‪ ،‬وأن هذه املبادالت تتأثر أصال بالدخل و أيضا ال يتأثر هذا الطلب بسعر‬
‫الفائدة‪ ،‬وبالتايل تصبح دالة الطلب على النقود لغاية االحتياط هو الدخل )‪Md2 = f(y‬‬

‫كما يتضح يف الشكل رقم (‪.)4-1‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫الشكل رقم (‪ )4-1‬منحىن دافع الطلب لغايات االحتياط‬


‫‪i‬‬

‫‪Md2‬‬

‫‪y‬‬
‫املصدر أكرم حداد مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.028‬‬
‫‪Speculative Motive‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬دافع املضاربة‬
‫لقد آمن كينز بوظيفة النقود كمستودع للقيمة‪ ،‬وأن األفراد حيتفظون بالنقود لذاهتا ( لتحقيق ثروة‬
‫منها )‪ ،‬وأن ذلك يتأثر أساسا حبجم الدخل‪.‬‬
‫ولكن ملاذا احتفظ بالنقود و مل حيتفظ بأصول أخرى تدر عائد؟‬
‫لقد قسم كينز املوجودات إىل نقود وسندات فقط والسؤال الذي يطرح هنا جيب أن يكون كالتايل‪:‬‬
‫ما الذي حيدد احتفاظي بالنقود أو حيدد احتفاظي بالسندات لتحقيق عوائد منهما؟‬
‫اجلواب هو سعر الفائدة فهناك ثالث أسعار للفائدة و هي‪:‬‬
‫‪ -1‬سعر الفائدة على السند و هو ثابت ( ال يتغري حاليا أو مستقبليا )‪.‬‬
‫‪ -2‬سعر الفائدة السوقي السائد حاليا ( سعر الفائدة البنكية )‪.‬‬
‫‪ -3‬سعر الفائدة التوازين ( هو املتوقع يف املستقبل )‪.‬‬
‫وسعر الفائدة املتوقع هو املعيار يف حتديد الطلب‪ ،‬حيث نقارن بني األسعار الثالث‪:‬‬
‫●فإذا كان سعر الفائدة املتوقع سريتفع فمعىن ذلك أن سعر الفائدة احلايل منخفض وأن أسعار السندات مرتفعة‪،‬‬
‫لذلك احتفظ بالنقد‪.‬‬
‫●أما إذا كان املتوقع سينخفض‪ ،‬فمعىن ذلك أن احلايل مرتفع وأن أسعار السندات منخفضة لذلك احتفظ‬
‫بالسندات ( فالسند ألنه موجود (أصل) يشرتى عندما ينخفض سعره يف السوق وذلك عندما يكون سعر الفائدة‬
‫مرتفع واملتوقع منخفض )‪.‬‬
‫● أما إذا كان سعر الفائدة املتوقع هو األعلى‪ ،‬أي أن سعر الفائدة السائد و سعر الفائدة على السلع منخفض‪،‬‬
‫معىن ذلك أن سعر السند احلايل مرتفع وبالتايل احتفظ بالنقد‪ .‬أي أن دالة الطلب يف دافع املضاربة هي سعر‬
‫الفائدة والدخل‪.‬‬
‫ويوضح الشكل رقم (‪ )1-1‬دافع الطلب لغاية املضاربة وهو منحىن مرن‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫الشكل رقم (‪ )1-1‬منحىن دافع الطلب لغايات االحتياط‬


‫‪i‬‬

‫‪Md3‬‬

‫)‪Md3=f (y, i‬‬

‫‪y‬‬
‫أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪101‬‬
‫و تصبح دالة الطلب على النقود بالدوافع الثالث كالتايل‪:‬‬
‫)‪ Md1 = f (y‬لغايات املبادالت‬
‫)‪ Md2 = f (y‬لغايات االحتياط‬
‫)‪ Md3 = f (y, i‬لغايات املضاربة‬
‫و بتجميع هذه الدوافع يف دالة واحدة تصبح املعادلة كالتايل‪:‬‬
‫= ‪ Md‬كما يوضحها الشكل رقم ( ‪:)1-1‬‬ ‫)‪f (i, y‬‬

‫‪37‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫الشكل رقم (‪ )1-1‬منحىن الطلب للغايات الثالث‬


‫‪i‬‬
‫‪Md1+Md2‬‬

‫‪Md3‬‬

‫‪y‬‬
‫املصدر أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫ولكن كينز ميز بني الكمية االمسية و الكمية احلقيقية من النقود و أن الطلب على النقود ألغراض‬
‫املضاربة هو طلب حقيقي أي على قوهتا الشرائية وليس على عددها (طلب امسي) وبالتايل كتب معادلته كالتايل‪:‬‬
‫𝑑𝑀‬
‫𝑝‬
‫)𝑦 ‪𝑓(𝑖,‬‬
‫‪− +‬‬
‫واإلشارة السالبة يف دالة كينز تشري إىل أن الطلب على النقود كأرصدة حقيقية وليست كميات امسية‬
‫تتأثر سلبا بسعر الفائدة وإجيابا بالدخل‪ ،‬وأن هذا الطلب ليس ثابتا فهو يتأثر بسرعة دوران النقد اليت ليست ثابتة‬
‫بالضرورة ألهنا أيضا بسعر الفائدة فإذا افرتضنا ومن املعدالت السابقة أن‬
‫𝑌𝑃‬
‫=𝑉‬
‫𝑀‬
‫هنا تعرب عن الطلب على النقود‪ ،‬وباستبدال قيمة (‪ )V‬يف معادلة كينز لدوافع الطلب على‬ ‫‪M‬‬ ‫وأن‬
‫النقود فإن‪:‬‬
‫𝑃‬ ‫‪1‬‬
‫=‬
‫)𝑦 ‪𝑀𝑑 𝑓(𝑖,‬‬
‫و إذا ضربنا طريف املعادلة بـ (‪ )Y‬فإن‪:‬‬
‫𝑌𝑃‬ ‫𝑌‬
‫=𝑉‬ ‫=‬
‫𝑀‬ ‫)𝑦 ‪𝑓 (𝑖,‬‬
‫ومنها تثبت أن العالقة بني الطلب على النقود و سعر الفائدة هي عالقة سلبية فإذا ارتفعت ‪ i‬فإن‬
‫)‪ f (i, y‬تقل و بالتايل فإن سرعة تداول النقد ‪ V‬ترتفع و العكس صحيح‪.‬‬
‫ومبعىن آخر فإن ارتفاع سعر الفائدة يشجع األفراد على تقليل حجم النقود اليت ميسكوهنا كجزء من‬
‫دخلهم و بالتايل يقل احتفاظهم بالنقد و تزيد عندها سرعة تداول النقد (‪ )V‬إذا‪:‬‬
‫‪Δv ← Md Δ ← iΔ‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫وأن ‪ v‬و‪ i‬تسريان بنفس االجتاه وباجتاه الدورة االقتصادية حسب التحليل الكينيزي‪ ،‬ففي حالة االنتعاش‬
‫تزداد ‪ i‬و‪ v‬والعكس صحيح يف حالة الكساد‪ .‬ولكن إن وصلت ‪ i‬إىل مستوى منخفض جدا ماذا حيدث‪35‬؟‬
‫لقد ناقش كينز هذا الفرض واعترب أن اخنفاض معدل الفائدة إىل مستوى معني سيجعل من الطلب‬
‫على النقد مطلق ( ال هنائي املرونة فال شيء أفضل من االحتفاظ بالنقد ولن يكون هناك طلب على السندات )‬
‫ويكون االقت صاد قد وصل إىل مرحلة االهنيار (الكساد)‪ ،‬وذلك ألن معدل الفائدة منخفض وبالتايل لن يشجع‬
‫األفراد على التخلي عن النقود ألنه لن يغطي االستثمار وخماطره‪ .‬وهنا لن يكون ألي تغري يف ‪ Ms‬أي تأثري على‬
‫سعر الفائدة ولن يتغري االستثمار وبالتايل لن يعمل املضاعف وسيصل االقتصاد إىل ما يسمى بفخ السيولة‪.‬‬
‫فخ السيولة ‪:Liqudity Trap‬‬
‫هو اخنفاض سعر الفائدة لدرجة يصبح عندها الطلب على النقد مطلق‪ ،‬وحلل مشكلة فخ السيولة‬
‫يقرتح كينز بإتباع سياسات مالية وليست سياسات نقدية‪ ،‬ألن هناك حالة تشاؤم بني القطاع اخلاص ولن تتخلص‬
‫منها إال بتخفيض الضرائب وزيادة اإلنفاق احلكومي وتشجيع االستثمار وينتقد كينز بذلك أصحاب املدرسة‬
‫الكالسيكية اليت يفرضون فيها أن تغري عرض النقد سيؤدي إىل معاجلة حالة الكساد واليت مل تنجح نظريتهم إبان‬
‫الكساد الكبري عام ‪ 0303‬يف الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وهذا كما هو موضح يف الشكل رقم (‪:)7-1‬‬

‫الشكل رقم (‪ :)7-1‬فخ السيولة‬


‫‪i‬‬
‫‪Ms1‬‬

‫‪Ms2‬‬
‫‪Ms9‬‬
‫‪--------------------------------‬‬

‫‪y‬‬
‫املصدر بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪11‬‬
‫يتضح من الشكل أعاله أن الطلب على النقود و عند اخنفاض ‪ i‬إىل مستوى متدين (فخ السيولة)‬
‫يصبح تام املرونة أي أنه ال يتأثر هنائيا بسعر الفائدة‪ ،‬وأن انتقال منحىن عرض النقد من ‪ Ms1‬إىل ‪ Ms2‬سيؤدي‬

‫‪ 35‬أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.880-888‬‬


‫‪39‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫إىل معاجلة الوضع جزئيا ولكن انتقال منحىن عرض النقد بعد ذلك إىل اليمني (زيادة كمية النقود يف االقتصاد) لن‬
‫تؤدي إىل دفع األفراد للتخلي عن النقود ولن خنرج من حالة الكساد‪.‬‬
‫انتقادات النظرية الكينيزية‪:‬‬
‫وجهت للنظرية الكينيزية جمموعة من االنتقادات أمهها‪:36‬‬
‫‪ -1‬افرتض كينز وصول االقتصاد إىل حالة فخ السيولة وهي حالة نظرية وخاصة وقد ال يصل االقتصاد إليها هنائيا‬
‫كما أنه مل حيدد سعر الفائدة الذي يكون فيه الطلب على النقد مطلق يف هذه احلالة‪.‬‬
‫‪ -2‬بىن كينز حتليله على حالة الكساد االقتصادي ولكنه يف نفس الوقت مل يستطيع تفسري حالة الكساد‬
‫التضخمي* أو باألحرى مل يؤمن بوجود تلك احلالة واليت يصل إليها االقتصاد فقط يف حال عدم تأثري زيادة عرض‬
‫النقد على سعر الفائدة وبالتايل لن يتغري االستثمار ولن يعمل املضاعف‪.‬‬
‫‪ -3‬إن سعر الفائدة عند كينز يغطي فقط التفضيل الزمين ( الطلب بدافع تفضيل السيولة ) والذي يتحدد بعوامل‬
‫نقدية ومل يغطي العوامل األخرى كاملخاطر أو مستويات الدخل واليت تؤثر أيضا يف حتديد سعر الفائدة‪.‬‬
‫‪ -4‬اقتصر كينز حت ليله على أن املوجودات هي نقد وسندات وأمهل املوجودات األخرى وتأثريها وافرتض أن األفراد‬
‫سيحتفظون بأحدمها وليس مبزيج من االثنني معا‪.‬‬
‫‪ -1‬كانت نظرة كينز لالقتصاد نظرة ساكنة وعلى املدى القصري ومل يأخذ بعني االعتبار تغري األمناط االستهالكية‬
‫لألفراد وتأثره على العوامل احملددة لسعر الفائدة على املدى الطويل‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املدرسة النقدية‬
‫لقد جاءت مدرسة شيكاغو بزعامة ميلتون فريدمان لتعيد احلياة من جديد للنظرية الكمية التقليدية‬
‫ولكن يف صورة جديدة‪ ،‬حيث تعكس املرحلة الثالثة من مراحل تطور النظرية النقدية واليت يطلق عليها النظرية‬
‫املعاصرة لكمية النقود أو النظرية الكمية اجلديدة واليت مبوجبها حتويل النظرية الكمية من جمرد نظرية للطلب على‬
‫النقود إىل نظرية يف الدخل النقدي مما أعاد التأكيد على الدور الرئيسي للنقود يف النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫وأصبح أنصار تلك النظرية يدعون بالنقديني ( أصحاب املذهب النقدي ) ويشكلون قوة ذات نفوذ‬
‫متزايد ليس يف جمال الفكر و التحليل النقدي وإمنا أيضا يف جمال حتديد السياسات االقتصادية عموما‪.‬‬
‫ويعتقد أصحاب املدرسة النقدية بأن للسياسة النقدية أثرا فعاال على خمتلف األنشطة االقتصادية‪،‬‬
‫بصرف النظر عما إذا كانت هذه السياسة انكماشية أو تضخمية‪ ،‬وحسب اعتقادهم دائما أن تدخل الدولة يف‬
‫النشاط االقتصادي عن طريق السياسة املالية لتحقيق االستخدام الكامل لعناصر اإلنتاج ومن مث حتقيق التوازن‬

‫‪ 02‬أكرم حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.887-882‬‬


‫* الكساد التضخمي هو حالة منو اقتصادي ضعيف وبطالة عالية‪ ،‬أي ركود اقتصادي يرافقه تضخم‪ .‬حتدث هذه احلالة عندما ال يكون هناك منو يف‬
‫االقتصاد و لكن ي هناك ارتفاع لألسعار‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫االقتصادي فإن هذا اهلدف لن يتحقق وإمنا على العكس فإن هذا التدخل قد يؤدي إىل تعميق الالتوازن‪ ،‬وهلذا‬
‫حتتل السياسة النقدية املرتبة األوىل يف السياسة االقتصادية‪ ،‬على اعتبار أن التغريات اليت تصيب األنشطة‬
‫االقتصادية تبعا للتغريات اليت حتدث يف كمية النقود أكثر تأثريا وأكثر فعالية من التأثريات النامجة عن السياسة‬
‫املالية ( سياسة اإلنفاق العام )‪.‬‬
‫لقد أوضح النقديون أن التغري يف املعروض النقدي له آثار واسعة النطاق على الطلب الكلي ومن مث‬
‫الناتج الوطين واألسعار‪ ،‬وهذه األسعار ختتلف يف املدى القصري عنه يف املدى الطويل حيث ميارس عرض النقود‬
‫يف املدى الطويل أثره بصفة خاصة على املستوى العام لألسعار فقط كما يف احلالة الكالسيكية‪ ،‬غري أنه يف املدى‬
‫ال قصري متارس النقود أثرا مباشرا وهاما على اإلنفاق الكلي ومن مث على الدخل الوطين وذلك على النحو التايل‪:37‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬إن زيادة املعروض النقدي من جانب السلطات النقدية يؤدي إىل زيادة األرصدة النقدية لدى‬
‫األفراد واملشروعات فوق املستوى املرغوب فيه مما يؤدي إىل ارتفاع اإلنفاق عند هؤالء األفراد‪ ،‬وبالتايل تكون هناك‬
‫زيادة يف الطلب الكلي ينجز عنه زيادة يف اإلنتاج و التشغيل‪ ،‬هذا إذا كان االقتصاد دون التشغيل الكامل مما‬
‫يؤدي إىل حدوث زيادة يف األرصدة املرغوبة‪ ،‬أما إذا كان االقتصاد يف حالة التشغيل الكامل فإن األثر ينعكس‬
‫على األسعار اليت ترتفع‪ ،‬أي أن عملية التعديل بني األرصدة املرغوبة‪ ،‬واحلقيقة تتم يف هذه احلالة عن طريق‬
‫األسعار ( ارتفاع املستوى العام لألسعار )‪.‬‬
‫أما الحالة الثانية‪ :‬عند ختفيض املعروض النقدي من طرف البنك املركزي من خالل قيامه ببيع األوراق احلكومية‬
‫يف السوق املفتوحة هذا يؤدي إىل تقليص كمية النقود عند اجلمهور ومن مث ينخفض اإلنفاق على السلع‬
‫واخلدمات‪ ،‬مما يدفع الدخل الوطين إىل مستوى أدىن‪ ،‬مبعىن أن اجلمهور عندما يواجه نقصا يف السيولة فإنه خيفض‬
‫من إنفاقه إىل أن ينخفض الدخل الوطين النقطة حيث تسرتد النسبة األصلية بينه وبني املعروض النقدي مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫كما افرتض فريدمان أن األفراد يرغبون بكمية حقيقية من األرصدة و ليست كمية امسية‪ ،‬وقد عرب‬
‫عن ذلك كله ب الصيغة التالية‪:38‬‬
‫)𝑈 ‪𝑀 ⁄𝑃 = 𝑓(𝑅𝑏, 𝑅𝑒, 1⁄𝑃 . 𝑑𝑝⁄𝑑𝑡 , 𝑊,‬‬
‫)𝑃‪(𝑀 ⁄‬‬ ‫يطلق على هذه املعادلة دالة الطلب على األرصدة النقدية احلقيقية‬
‫ويرى فريدمان خبصوص هذه الدالة مايلي‪:39‬‬
‫● أهنا صورة معدلة ملعادلة كامربيدج‪.‬‬
‫●أهنا دالة مستقرة‪ ،‬وإن كان استقرارها ال يتطلب ثباهتا‪ ،‬هذا االستقرار يتطلب نظرة خاصة إىل طبيعة هذه الدالة‪.‬‬

‫‪ 37‬مسري حممد معتوق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.818‬‬


‫‪ 38‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ 39‬عبد املطلب عبد احلميد مرجع سابق ص‪.28‬‬
‫‪41‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫كما افرتض فريدمان أيضا أن ثروة األفراد تأخذ أشكال متعددة باإلضافة إىل النقود وقسمها إىل‬
‫ثالث تصنيفات رئيسية هي األسهم والسندات والسلع‪ ،‬وإن احلافز وراء امتالك هذه األموال هو العائد املتوقع‬
‫منها مقارنة مع العائد املتوقع من النقود نفسها‪ ،‬وكلما زاد هذا العائد كلما قل الطلب على النقود (عالقة سلبية)‪.‬‬
‫ويتأثر الطلب على النقود أساسا بعاملني هو‪ :‬اخلدمات املقدمة من املصارف ملودعيها‪ ،‬وسعر الفائدة‬
‫على هذه الودائع‪ ،‬فكلما زادت هذه العوامل كلما زاد الطلب على النقود وقل على األصول األخرى‪.‬‬
‫وقد مت التعبري عن قيمة السلع مبعدل التضخم و هو العائد املتوقع من بيع هذه األصول باملستقبل‬
‫وحتقيق أرباح رأمسالية وهذه األرباح تساوي معدل التضخم املتوقع‪.‬‬
‫أما (‪ )h‬الثروة البشرية (و هي ال تلعب دورا أساسيا يف حتديد نظرية الطلب على النقود عند‬
‫فريدمان)‪ ،‬فهي تعين أن الدخل القادم إذا كان يف معظمه من اخلربات البشرية فإن األفراد سريغبون باالحتفاظ‬
‫بالنقود بشكل سائل أكثر وذلك ألن هذا الدخل بطبيعته غري سائل وهنا تصبح العالقة سلبية بني الدخل البشري‬
‫والنقود‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬اجلدل النقدوي‪-‬الكينيزي‬
‫لقد مسح النقاش بني النقديني والكينزيني اجلدد بتوضيح بعض األطروحات النيوكينيزية‪:40‬‬
‫‪ -‬بدأ الكتاب الكينيزيون اجلدد من بناء النماذج القياسية بإعطاء أمهية كربى للنقد‪.‬‬
‫‪ -‬لقد محل النقديون املنظرون و بناة النماذج ( من الكينزيني ) على األخذ يف احلسبان مشكل متويل النفقات‬
‫العمومية‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص إضفاء النقدية على حتليل املضاعف‪.‬‬
‫‪ -‬أصبح االعتماد على معدالت الفائدة السائدة يف السوق أقل من االعتماد على الكتلة النقدية يف اختاذ‬
‫القرارات يف جمال السياسة النقدية‪.‬‬
‫وهكذا إذا فقد بدأ اجلدل منذ مطلع السبعينيات‪ ،‬وامتد إىل وقتنا احلاضر‪ ،‬بني النقديني والكينزيني‬
‫فيما يتعلق بفعالية السياسة النقدية‪ .‬ولعل ما زاد من حدة النقاش‪ ،‬طغيان التحليل االقتصادي الكلي والسياسات‬
‫االقتصادية الكلية على حساب التحليل االقتصادي اجلزئي‪ ،‬وسبب ذلك تنامي االهتمام باالجتاه الكلي يف‬
‫االقتصاد ميدانيا منذ احلرب العاملية الثانية‪ ،‬مث دعم ذلك بظهور أفكار وأراء كثرية من اقتصاديني وخرباء‪ ،‬يف‬
‫منظمات اقتصادية ومالية ذات طابع إقليمي أو دويل‪ ،‬حول السياسة االقتصادية الفعالة‪.‬‬
‫ويف إطار هذا اجلدل كتب جيمس توبن ‪( James Tobin‬وهو من الكينزيني اجلدد) يف مقال له نشر‬
‫يف اجمللة االقتصادية األمريكية (جوان ‪" :41)0321‬إن الشعار الذي رفعه النقديني‪ ،‬والذي ينص على أن للنقد‬
‫أمهية يف احلياة االقتصادية حتول عندهم يف النهاية ألن يكون النقد هو العامل الوحيد فقط الذي له أمهية يف احلياة‬
‫االقتصادية‪ .‬إن جذور االضطرابات االقتصادية يف النظام الرأمسايل جيب البحث عنها إذن يف اجملال النقدي"‪.‬‬

‫‪ 40‬رحيم حسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.803‬‬


‫‪ 41‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.808‬‬
‫‪42‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫الفرع األول‪ :‬تأثري األفكار الكينيزية‬


‫لقد ظل الفكر الكينيزي مهيمنا منذ احلرب العاملية حىت بداية السبعينيات‪ ،‬سواء على مستوى‬
‫التحاليل النظرية أو على مستوى السياسات االقتصادية‪.‬‬
‫* فعلى املستوى النظري‪ ،‬كانت مبادئ االقتصاد الكلي الكينيزي مع ما عرفته من إضافات و تفصيالت مبثابة‬
‫مسلمات‪ .‬ومن هذ ه املبادئ‪ :‬سيادة الطلب؛ صالبة األسعار أمام تأثريات الطلب؛ ثبات العرض النقدي؛ قدرة‬
‫القطاع العمومي ( أي تدخل الدولة ) على التأثري يف األوضاع االقتصادية؛ اعتبار معدل الفائدة احملدد لتفضيل‬
‫السيولة لدى كافة األعوان االقتصاديني ( كلما ارتفع معدل الفائدة أصبحت التوظيفات أفضل من حيازة النقد‪،‬‬
‫والعكس صحيح ) واعتباره أيضا كمحدد للطلب على االستثمار للمؤسسات ( عالقة عكسية بني حجم‬
‫االستثمار ومعدل الفائدة )؛‪ ...‬وقد وضعت مناذج اقتصادية كلية على أساس تلك املبادئ‪ ،‬وهي اليت تعرف‬
‫بنماذج النمو‪ ،‬لكنها تعرضت لفقدان قيمتها العلمية والعملية بعدما أصبحت تلك املبادئ اليت قامت عليها‬
‫نفسها حمل انتقاد ومعارضة‪ ،‬كما قامت أحباث يف جمال االقتصاد الكلي على أساس التصور الكينيزي نتجت عنها‬
‫ما عرف باسم نظرية الالتوازن‪ ،‬غري أن نطاقها ظل حمصورا يف فرنسا‪ ،‬أين ولدت و م تلقى صدى كبريا خارج‬
‫فرنسا‪ ،‬وقد كان هدف أصحاب هذه النظرية اجلمع بني النظرية الكينيزية والنظرية الكالسيكية من خالل البحث‬
‫عن توازن األسواق يف ظل األسعار الثابتة‪ ،‬ولذا يطلق على هذه النظرية نظرية التوازن باألسعار املثبتة‪.‬‬
‫* أما على املستوى التطبيقي‪ ،‬فقد مت االعتماد على أسلوب سياسة املوازنة إلدارة الطلب الكلي والتحكم فيه‪ ،‬غري‬
‫أن الزمن كشف عن قصور يف تلك السياسة االقتصادية‪ ،‬املستوحاة من التصور الكينيزي‪ ،‬عن إجياد حلول‬
‫لألزمات االقتصادية اليت عرفتها العشريا ت األخرية‪ ،‬و أن تلك السياسة قد تصلح فقط يف ظروف خاصة‪ ،‬و ابرز‬
‫صورة لذلك القصور عجزها عن تفسري ومواجهة حاالت الكساد التضخمي‪ ،‬أي تزامن وجود ظاهريت البطالة‬
‫(واليت تفسر يف التحليل الكينيزي بضعف الطلب) و التضخم (والذي يفسر بنمو الطلب)‪ .‬ومن املنطقي أن ال‬
‫حتدث زيادة واخنفاض يف الطلب يف نفس الوقت‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬إعادة توجيه األفكار‪ :‬من إدارة الطلب إىل إدارة العرض‬
‫إن التيار النقدوي والذي يرتبط باسم االقتصادي األمريكي فريدمان‪ ،‬يقوم على أساس النظرية‬
‫الكمية‪ ،‬أو باألحرى النظرية الكمية اجلديدة‪ .‬ويتمثل حمتوى هذا األساس يف أن إدارة الكتلة النقدية هي السبيل‬
‫ملكافحة التضخم‪ ،‬وهو اهلدف الرئيسي هلا‪ ،‬ويتسم الطلب على النقد باالستقرار يف األمد املتوسط و الطويل‪.‬‬
‫ذلك أن هذا األخري يسمح لألعوان االقتصاديني بإجراء التعديالت وبصفة مستمرة يف تفضيالهتم اخلاصة حبيازة‬
‫النقد‪ ،‬أو حيازة غريه من األصول األخرى املكونة للدخل الدائم* وهذه التعديالت حتدث تلقائيا دون احلاجة إىل‬

‫‪43‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫تدخل السلطات النقدية‪.42‬‬


‫وهكذا فاخلالف حول املنطلق واضح بني الكينزيني و النقديني‪ ،‬فالنقديون أصبحوا يف قناعة تامة بأن‬
‫املنطلق الكينيزي (دعم الطلب) منطلق خاطئ‪ ،‬حيث أن النجاح الذي يتحقق يف الوهلة األوىل (األجل القصري)‬
‫ما يلبث أن يندثر ويتحول إىل ارتفاع مستوى األسعار يف املدى املتوسط‪ ،‬حيث ينظر أصحاب املداخيل إىل القوة‬
‫الشرائية لدخوهلم‪ ،‬ذلك أن الطلب اإلضايف لن يؤدي يف النهاية حسب فريدمان إال إىل ارتفاع يف مستوى‬
‫األسعار‪ .‬وحينها يلجأ املنتجون إىل زيادة إنتاجهم دون مربر‪ ،‬واألجراء زيادة يف قوة عملهم‪ ،‬بعدما يدركون أنه‬
‫ليس هناك مثة زيادة يف األسعار احلقيقية‪ ،‬فالتضخم يف اعتقاد النقديني ظاهرة نقدية حبتة‪ ،‬وليس ظاهرة حقيقية‬
‫كما يعتقد الكينيزيون (أي مرتبطة بسوق السلع و اخلدمات)‪.‬‬
‫ويعلق فريدمان عن الوضع السابق‪ ،‬أي التمويل التضخمي بالقول‪" :‬إن التضخم يشبه متاما اإلدمان‬
‫على الكحول‪ ،‬فعندما يتجرع صاحبها زجاجة يعطي له اإلحساس بالراحة يف تلك الليلة؛ ولكن ما إن يصبح حىت‬
‫يشعر باألمل"‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يأخذ النقديون عن الكينيزيون عدم تصورهم لوضعية الكساد التضخمي‪ ،‬ويعتربون‬
‫ذلك دليال عن خطأ يف التصور الكينيزي‪ ،‬والذي يرى أن البطالة والتضخم ظاهرتني تسريان يف اجتاهني‬
‫متعاكسني‪ .‬ويرى النقديون أن السياسة الكينيزية هي اليت ستؤدي إىل مثل هذا الوضع وبذلك انتقدوا منحىن‬
‫فيليبس الذي يستند إىل مثل هذا التحليل ‪ .‬فإذا كان باإلمكان إجراء حتكيم بني التضخم والبطالة يف املدى‬
‫القصري‪ ،‬فإنه يف املدى الطويل يأخذ منحىن فيليبس شكل خط ميثل املعدل الطبيعي للبطالة‪ ،‬واملعدل الطبيعي‬
‫للبطالة ال ميكن خفضه من خالل سياسة نقدية نشيطة‪.‬‬

‫* الدخل الدائم هو ذلك اجلزء من الدخل احلايل الذي يتصف باالستمرارية واالستقرار وأقصى قدر ميكن للمستهلك استهالكه بينما حيتفظ بثروته ثابتة‬
‫ال تتغري أي أنه العائد من الثروة‪.‬‬
‫‪ 42‬رحيم حسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.802-800‬‬
‫‪44‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫املبحث الثالث‪ :‬فعالية السياسة النقدية وقنوات انتقاهلا‬


‫املطلب األول‪ :‬فعالية السياسة النقدية‪ ،‬شروطها‪ ،‬و عوائقها يف الدول النامية‬
‫أثار موضوع فعالية السياسة النقدية جدال كبريا ال يزال متواصال‪ ،‬فمن وجهة نظر الكالسيك تعترب‬
‫السياسة النقدية األداة الوحيدة املعرتف هبا كمحور أساسي للسياسة االقتصادية العامة‪ ،‬على اعتبار غياب‬
‫السياسة املالية (عدم تدخل احلكومات يف احلياة االقتصادية)‪ ،‬وامتد هذا الفكر حىت بروز اختناقات شديدة نتج‬
‫عنها أزمة كساد حادة يف سنوات ‪ 0399-0303‬وهنا أعلن عجز هذا املسلك عن الوقوف يف وجه هذا اخللل‪،‬‬
‫حيث أدى هذا املوقف إىل إدخال سياسة أخرى إلدارة الطلب أطلق عليها اسم "سياسة امليزانية"‪ ،‬على أثر أفكار‬
‫"جون مينار كينز" و ميكن للدولة التدخل من أجل التأثري على التوازن العام عن طريق السلع واخلدمات من خالل‬
‫السياسة املالية‪.43‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط جناعة السياسة النقدية‬
‫إن جناح السياسة النقدية يف أي دولة و يف أي نظام اقتصادي‪ ،‬إمنا يتوقف على جمموعة من العوامل‬
‫والشروط أمهها‪:44‬‬
‫‪ -‬حتديد أهداف السياسة النقدية بدقة نظرا لتعارض الكثري من األهداف املسطرة‪ ،‬فكلما كان اهلدف واضحا‬
‫وحمددا كلما زاد ذلك من فعالية السياسة النقدية‪.‬‬
‫‪ -‬هيكل النشاط االقتصادي‪ ،‬مكانة القطاع العام واخلاص‪ ،‬سياسة احلكومة‪ ،‬اجتاه املؤسسات اإلنتاجية‪ ،‬حجم‬
‫التجارة اخلارجية يف السوق العاملية‪ ،‬وبالتايل حرية التجارة اخلارجية ومرونة األسعار‪.‬‬
‫‪ -‬مرونة اجلهاز اإلنتاجي للتغريات اليت حتدث على املتغريات االقتصادية السيما النقدية منها‪.‬‬
‫‪ -‬نظام سعر الصرف‪ ،‬إذ حتقق السياسة النقدية فعاليتها يف اقتصاد ذو سعر صرف مرن أكثر من اقتصاد ذو سعر‬
‫صرف ثابت‪.‬‬
‫‪ -‬درجة الوعي االدخاري واملصريف ملختلف األعوان االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬سياسة االستثمار‪ ،‬مناخ االستثمار‪ ،‬تدفق رؤوس األموال‪ ،‬التسهيالت املمنوحة للمستثمرين احملليني واألجانب‪،‬‬
‫مدى حساسية االستثمار لسعر الفائدة‪.‬‬
‫‪ -‬توافر أسواق مالية ونقدية متطورة‪.‬‬
‫‪ -‬مدى استقاللية البنك املركزي عن احلكومة حيث كلما حتقق ذلك للسلطة النقدية كلما أمكن للسياسة النقدية‬
‫العمل باستقاللية‪ ،‬مما ميكنها من حتقيق جناعتها وفعاليتها‪.‬‬

‫‪ 43‬عبد املطلب عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.088‬‬


‫‪ 44‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.008‬‬
‫‪45‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫‪ -‬توافر نظام معلومايت فعال؛ إذ تؤثر السياسة النقدية يف مجيع األسواق من خالل تأثريها على كمية النقود‪ .‬ومن‬
‫هذا املنطلق فيجب على مصممي السياسة النقدية امتالك معرفة شاملة وتفصيلية عن وضع االقتصاد يف خمتلف‬
‫أسواقه وطبيعة اختالالته وإمكانياته‪.‬‬
‫‪ -‬حالة نشاط السوق املوازي‪ ،‬إذ كلما قل نشاط هذا السوق كلما أمكن التحكم يف االقتصاد وبالتايل تفعيل‬
‫السياسة النقدية‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬فعالية السياسة النقدية يف الدول الرأمسالية املتقدمة‬
‫تتبلور السياسة النقدية يف االقتصاديات الرأمسالية يف استخدام األدوات الكمية و اخلاصة للتأثري على‬
‫عرض النقود‪ ،‬وبالتايل على االئتمان‪ ،‬و يعتمد جناحها على التعاون التام والثقة املتبادلة بني البنوك املركزية والبنوك‬
‫التجارية (وغريها من املؤسسات املالية) من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى يعتمد على وجود أسواق نقدية و مالية‬
‫منتظمة ومتقدمة‪ .‬وبالتايل يؤدي جتاوب البنوك التجارية واملؤسسات املالية مع البنك املركزي‪ ،‬إىل حتقيق األهداف‬
‫املرسومة للسياسة النقدية‪ ،‬و بالتايل تزيد فعالية السياسة النقدية يف التأثري على النشاط االقتصادي‪ .‬ويؤدي وجود‬
‫سوق نقدية كاملة و منتظمة تتعامل يف قبول وخصم األوراق التجارية قصرية األجل إىل زيادة فعالية سعر اخلصم‬
‫يف التأثري على االئتمان عن طريق ما حيدثه من أثر على تكلفة خصم األوراق التجارية الذي ميثل ائتمان قصري‬
‫األجل‪ .‬كذلك يؤدي وجود سوق مالية كبرية مرنة تتعامل مع األوراق املالية إىل زيادة فعالية عمليات السوق‬
‫املفتوحة يف التأثري على االئتمان‪ ،‬ومن مث على عرض النقود‪ ،‬عن طريق البنك املركزي عندما يدخل مشرتيا أو بائعا‬
‫هلذه األوراق يف هذا السوق‪.‬‬
‫وإذا أضفنا إىل ذلك أن النقود املصرفية متثل اجلزء األكرب واهلام من كمية النقود املتداولة وبالتايل من‬
‫عرض النقود يف هذه الدول لتبني لنا أن تغيري نسبة االحتياطي والسيولة يكون هلا دور فعال يف التأثري على عرض‬
‫النقود‪.‬‬
‫ومعىن ذلك‪ ،‬أن األدوات الكمية للسياسة النقدية إذا دعمت باألسلحة األخرى للسياسة النقدية أي‬
‫األدوات اخلاصة‪ ،‬لتبني لنا الدور الفعال الذي ميكن أن تقوم به السياسة النقدية يف التأثري على عرض النقود ومن‬
‫مث على النشاط االقتصادي يف االقتصاديات الرأمسالية‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪:‬عوائق فعالية السياسة النقدية يف الدول النامية‬
‫ميكن تلخيص أسباب ضعف السياسة النقدية يف الدول النامية يف النقاط التالية‪:45‬‬
‫‪ -‬عدم وجود أسواق نقدية و مالية منظمة‪ ،‬ويف حالة وجودها فهي تتميز بضيق يف نطاقها وهذا ما يؤدي إىل‬
‫ضعف فعالية سياسة معدل إعادة اخلصم واستحالة تطبيق سياسة السوق املفتوحة‪.‬‬

‫‪ 45‬عبد املطلب عبد احلميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.02-00‬‬


‫‪46‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫‪ -‬ضعف الدور الذي يقوم به البنك املركزي يف التأثري على البنوك التجارية من شأنه أن حيول دون قيام البنوك‬
‫التجارية بأي دور فعال يف التأثري على النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫‪ -‬تتجه البنوك التجارية يف الدول النامية إىل تقدمي القروض لتمويل قطاع التجارة ( متويل قصري األجل) مقارنة‬
‫بالتمويل املقدم لتمويل القطاع اإلنتاجي ( متويل طويل األجل) الذي يعترب أحد دعامات التنمية االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف الوعي النقدي واملصريف‪ ،‬حيث يتجه األفراد يف الدول النامية إىل االحتفاظ بأمواهلم يف شكل سيولة‬
‫وليست ودائع أو أوراق مالية‪ ،‬األمر الذي يقلل من دور البنوك التجارية هلذه الدول مقارنة بالدول املتقدمة‪.‬‬
‫‪ -‬ضآلة مرونة االستثمارات للتغريات اليت حتدث ألسعار الفائدة بسبب ارتفاع درجة املخاطر واخنفاض الكفاية‬
‫احلدية لرأس املال‪ ،‬ولذلك فإن أي حماولة لزيادة االستثمار يستلزم ختفيض كبري لسعر الفائدة‪.‬‬
‫‪ -‬عدم وجود استقرار يف املناخ السياسي‪ ،‬وتقلب يف موازين مدفوعات تلك الدول واألنظمة الضريبية مما ال‬
‫يشجع على االستثمار األجنيب وبالتايل عدم حتقيق أهداف التنمية االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬يتم التداول النقدي يف الدول النامية على أساس النقود املادية خاصة الورقية‪ ،‬أما النقود املصرفية فمازال دورها‬
‫حمدودا كأداة لتسوية املدفوعات باستثناء تلك املعامالت اليت تتم بني املؤسسات‪.‬‬
‫‪ -‬اخنفاض مستوى الدخل وانتشار عادة االكتناز و عدم انتشار البنوك واملؤسسات املالية يف خمتلف أرجاء الوطن‪.‬‬
‫كما أن هناك العديد من األسباب اليت قد حتد من سلطة البنك املركزي وجهازه املصريف للقيام بالدور‬
‫املطلوب‪ ،‬األمر الذي حيد من فاعلية السياسة النقدية يف االقتصاديات النامية‪ ،‬إال أنه بالرغم من ذلك لتلك‬
‫االقتصاديات االستغناء عن السياسة النقدية‪ ،‬بل إن برامج اإلصالح االقتصادي اليت تتبناها الكثري من‬
‫االقتصاديات باالتفاق مع صندوق النقد الدويل تشري إىل أن السياسة النقدية إحدى احملاور الرئيسية لتلك‬
‫الربامج‪ ،‬بل إن اإلصالحات االقتصادية تتجه إىل سوق النقد واملال وحتقيق قابلية التحويل للعملة الوطنية وغريها‬
‫من اإلصالحات اليت ستزيد من فاعلية السياسة النقدية يف تلك الدول مستقبال‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬قنوات انتقال السياسة النقدية‬
‫ميكن أن ينتقل أثر السياسة النقدية إىل النشاط االقتصادي من خالل ما يعرف بقنوات السياسة‬
‫النقدية اليت يبلغ هبا أثر أدوات السياسة النقدية إىل اهلدف النهائي تبعا الختيار اهلدف الوسيط‪ ،‬فالفكرة‬
‫األساسية يف هذا املوضوع هو أن تنتقل قرارات السياسة النقدية إىل االقتصاد من خالل طرق تنتهي بالتأثري على‬
‫األسعار و اإلنتاج‪ ،‬حيث أنه إذا اخنفض سعر الفائدة الرئيسي فإن ذلك سيؤثر على كل من أسعار الفائدة يف‬
‫املدى الطويل‪ ،‬حجم القروض املمنوحة من طرف البنوك التجارية و سعر الصرف‪ ،‬وتتأثر آلية انتقال أثر السياسة‬
‫النقدية بشكل قوي بـ‪ :‬مرونة املتغريات االقتصادية‪ ،‬هيكل النظام املايل للدولة‪ ،‬هيكل االقتصاد الكلي واألوضاع‬

‫‪47‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫االقتصادية بشكل عام‪ .‬يوجد على العموم أربعة قنوات رئيسية تقليدية وهي كالتايل‪ :‬معدل الفائدة‪ ،‬سعر‬
‫األصول‪ ،‬سعر الصرف اخلارجي‪ ،‬وقناة القروض‪.46‬‬
‫الفرع األول‪ :‬قناة سعر الفائدة‬
‫ال تشري هذه القناة إىل تأثري سعر الفائدة على تكلفة القروض فحسب بل أيضا إىل تغري التدفقات‬
‫النقدية للمدينني والدائنني‪ .‬بالنسبة للمدينني فإن سعر الفائدة يؤثر على التكلفة احلدية واملردودية احلدية لرأس‬
‫املال‪ ،‬مما يؤثر على التكلفة احلدية لالقرتاض‪ .‬أما بالنسبة للدائنني فإن التغريات يف سعر الفائدة يؤثر على متوسط‬
‫سعر الفائدة للديون غري املسددة‪.‬‬
‫وحسب ((‪ )Gali et Getmer, Farmer)0220‬فإنه نتيجة ألمهية هذه التأثريات على اإلقراض‬
‫واالقرتاض فإن إجراء تغريات على سعر الفائدة يؤدي إىل تغري التكلفة احلدية لالقرتاض و هو ما يؤدي بدوره إىل‬
‫إحداث تغريات يف االستثمار واالدخار وبالتايل يف الطلب الكلي‪ .‬إن استجابة أسعار الفائدة اجلزئية للبنوك‬
‫التجارية يف السوق لتغريات سياسة أسعار الفائدة اجلزئية للبنوك التجارية يف السوق لتغريات سياسة أسعار البنك‬
‫املركزي هو السمة األساسية هلذه القناة‪.47‬‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬قناة سعر األصول‬
‫تعرف أيضا هذه القناة بتأثري الثروة على تغريات سعر الفائدة‪ ،‬وتعمل هذه القناة من خالل منهجني‬
‫أساسيني‪ ،‬أحدمها يركز على املؤسسات واآلخر على سلوك العائالت وهو منهج املدرسة النقدية‪ ،‬كما تركز على‬
‫تأثريات الثروة النامجة عن جمموعة واسعة من األصول "السندات واألوراق املالية والعقارات السكنية" نتيجة‬
‫التغريات يف أسعار الفائدة و عادة ما تقاس هذه األصول بأسعار األسهم وهذا حسب ‪ 0331 Mishkin‬فنظرية‬
‫‪ Q.Tobin‬تشرح إحدى اآلليات الرئيسية اليت تؤدي بتغريات أسعار الفائدة إىل تغريات‬
‫يف أسعار األصول اليت بدورها تغذي يف هناية املطاف الطلب الكلي يف هذه اآللية يعرف على أنه القيمة السوقية‬
‫للمؤسسات مقسومة على تكلفة استبدال رأس املال‪.‬‬
‫وبصفة عامة‪ ،‬فإن التغريات يف سعر األصول ميكن أن يؤثر على السلوك االنفاقي للمؤسسات‬
‫والعائالت على حد سواء‪ ،‬مما قد يؤدي باملؤسسات و العائالت إىل عدم الوفاء بالتزاماهتم وعلى سبيل املثال فإن‬
‫االخنفاض الكبري يف سعر األسهم ميكن أن خيفض من قيمة املوجودات السائلة لتسديد القروض ونتيجة لذلك قد‬
‫تضطر العائالت واملؤسسات لتخفيض اإلنفاق واالقرتاض من أجل تدعيم ميزانياهتم‪.48‬‬

‫‪ 22‬أمحد شعبان حممد علي "انعكاسات املتغريات املعاصرة على القطاع املصريف‪ ،‬و دور البنوك املركزية‪ ،‬دراسة حتليلية‪ ،‬تطبيقية‪ ،‬حلاالت خمتارة من البلدان‬
‫العربية" مجهورية مصر العربية‪ ،‬الدار اجلامعية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،0332 ،‬ص ‪.803‬‬
‫‪47‬‬ ‫‪Frederik Mishkin et Christian bordes « monnaie, banque et marchés financières » 8e édition,‬‬
‫‪nouveau horizons , 2008, p 803.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪Frederik Mishkin et Christian bordes, op.cit, p 805.‬‬
‫‪48‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫الفرع الثالث‪ :‬قناة سعر الصرف‬


‫تعد قناة سعر الصرف من أهم قنوات انتقال السياسة النقدية يف االقتصاديات الصغرية املفتوحة أين‬
‫تكون األسواق املالية يف املراحل البدائية وخاصة عندما يكون هناك سعر صرف عائم‪ ،‬يف هذه احلالة تكون هذه‬
‫القناة يف الطريق األسرع واألهم اليت بفضلها تستطيع السياسة النقدية التأثري على أسعار األصول‪ .‬فعندما ترتفع‬
‫أسعار الفائدة يزداد الطلب األجنيب على األصول احمللية فريتفع بذلك سعر الصرف االمسي من ناحية الطلب‪ ،‬فإن‬
‫االنكماش النقدي الذي يعطي التقدير احلقيقي للعملة احمللية يؤدي إىل اخنفاض صايف الصادرات ويضعف الطلب‬
‫الكلي‪ .‬أما من ناحية العرض‪ ،‬فإن مثل هذا التقدير قد يتسبب يف اخنفاض تكاليف االسترياد بالعملة احمللية وهو‬
‫ما قد يؤدي باملؤسسات إىل خفض األسعار حىت ولو مل يتغري الطلب اإلمجايل‪ .‬يف هذه االقتصاديات ميكن‬
‫للتغريات يف األسعار النامجة عن سعر الصرف أن تعمل طريقها إىل هيكل التكاليف عن طريق تغيري األجور‬
‫واألسعار‪.‬‬
‫إذا كانت قناة سعر الصرف ذات أمهية وفعالة يف نظام سعر الصرف العائم‪ ،‬فإنه يف نظام سعر‬
‫الصرف الثابت تكون فعالية هذه القناة مرتبطة بدرجة إحالل األصول احمللية واألجنبية غري تامة فمن املمكن أن‬
‫تنحرف معدالت الفائدة احمللية واألجنبية عن املستوى العام‪ ،‬وبالتايل تستطيع السياسة النقدية التأثري على سعر‬
‫الصرف احلقيقي من خالل العمل على مستوى األسعار‪ ،‬ومع ذلك استطاعت السياسة النقدية التأثري على صايف‬
‫الصادرات يف نظام سعر الصرف الثابت فإن ذلك يكون بصفة بطيئة و فرتات تأخر طويلة‪ ،‬إال أنه ميكن أن‬
‫تكون هذه القناة فعالة عندما تكون درجة إحالل األصول غري تامة كنتيجة ملراقبة رؤوس األموال مثال‪.49‬‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬قناة القروض‬
‫حسب ‪ 0311 Bernanke et Getler‬فإن قناة القروض ليست طريقة بديلة ختتلف عن ميكانيزم‬
‫انتقال النقود الكالسيكي بل وعوضا عن ذلك هي جمموعة من العوامل اليت توسع وتضخم آثار معدل الفائدة‪.‬‬
‫إن التغريات احمللية املتعلقة بالفرق يف التكلفة بني التمويالت اخلارجية عن طريق األسهم أو االستدانة واألموال‬
‫املتحصل عليها داخليا بفضل األرباح غري املوزعة من شأهنا أن تضخم من اآلثار املباشرة للسياسة النقدية املتعلقة‬
‫مبعدل الفائدة‪.‬‬
‫إن قناة القروض تعمل وفق ميكانيزمني أساسني و هذا نتيجة للعوائق واملشاكل النابعة من أسواق‬
‫القروض‪ ،‬وهو ميكانيزم احملاسبية و القروض البنكية‪.50‬‬
‫أ‪ -‬ميكانيزم امليزانية احملاسبية‬
‫إن ميكانيزم امليزانية احملاسبية يعتمد على قيمة األصول اخلاصة باملؤسسات و كذا إنفاقات األسر‪.‬‬
‫ففي هذه احلالة فإن االختيار العكسي واخلطر املعنوي يلعبان دورا مهما يف حتديد الطريقة اليت يعمل من خالهلا‬

‫‪ 49‬قدي عبد اجمليد " مدخل إىل السياسات االقتصادية الكلية" ديوان املطبوعات اجلزائرية‪ ،‬اجلزائر‪ ،0330،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ 50‬أمحد شعبان حممد علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.800‬‬
‫‪49‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫هذا امليكانيزم‪ .‬فمن جهة‪ ،‬االنكماش النقدي و الذي من شأنه ختفيض أسعار أصول املؤسسات وكذا ختفيض‬
‫صايف ثرواهتا ميكن أن يؤدي إىل اخنفاض القروض لتمويل اإلنفاق االستهالكي ( مشكلة االختيار العكسي )‪،‬‬
‫ومن جهة ثانية فإن اخنفاض ثروة املؤسسات ( اخنفاض األصول ) يؤدي إىل ختفيض حصص الشركاء وهو ما‬
‫يعطيهم أكثر حتفيز للجوء االستثمارات اخلطرية ( اخلطر املعنوي ) وهذا ما قد يؤدي إىل ختفيض قروض االستثمار‬
‫من طرف املؤسسات املالية فيقل بذلك اإلنفاق االستهالكي‪.‬‬
‫يف هذا اجلانب وكنتيجة هنائية‪ ،‬فإن اخنفاض القروض هو عبارة عن استجابة لدالة العرض نتيجة‬
‫مشكالت االختيار العكسي واخلطر املعنوي‪.‬‬
‫ب‪ -‬ميكانيزم القرض البنكي‬
‫إن قناة القرض البنكي تعمل على أساس األدوار اخلاصة اليت تلعبها البنوك كوسيط مايل‪ ،‬فهي األكثر‬
‫مالئمة للتعامل بني املاحنني واملقرتضني خاصة املؤسسات الصغرية أين ميكن مالحظة وجود مشكالت عدم تناظر‬
‫املعلومات وبالرغم من أن زيادة اإلبداع املايل قد أدى إىل انتقاد هذه القناة إال أن هناك شبه تأكد من أن هذه‬
‫القناة تكتسي أمهية كبرية خاصة يف الدول النامية ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الفصل األول اإلطار النظري للسياسة النقدية‬

‫خالصة‪:‬‬
‫إن للسياسة النقدية دور هام يف حتقيق النمو االقتصادي وتفادي العجز احلاصل يف اقتصادياهتا‪،‬‬
‫إضافة إىل اسرتاتيجياهتا واليت منها ما يعرف بالقدمية واليت تسمى اسرتاتيجيات غري كاملة مثل نظرية القرض‬
‫التجاري‪ ،‬ومبدأ االحتياطات احلرة وأسعار الفائدة‪ ،‬وهناك اسرتاتيجيات حديثة واليت تتمثل يف اختيار هدف‬
‫وسيط هو معدل النمو النقدي خالل سنة معينة‪ ،‬كما أن خمطط اإلسرتاتيجية يبدأ من اختيار األهداف األولية مث‬
‫الوسيطية لتحقيق األهداف النهائية‪.‬‬
‫إن اختيار األهداف يعترب مهما جدا و ال ميكن استخدام هدفني وسيطني لتحقيق هدف هنائي‬
‫واحد لذلك يتعني على البنك املركزي اختيار هدف وسيط واحد‪ ،‬وإن استخدام العرض النقدي كوسيط سيجعل‬
‫سعر الفائدة متقلبا‪ ،‬وإذا كان اهلدف الوسيط هو سعر الفائدة فإنه سيجعل العرض النقدي متذبذبا‪.‬‬
‫وتعترب السياسة النقدية أداة للمراقبة‪ ،‬فلقد اختلف هذا املفهوم بني املدارس االقتصادية‪ ،‬فالكالسيك‬
‫اعتربوا أن النمو يتم تلقائيا دون تدخل الدولة واعتقدوا أن التوازن االقتصادي يتحقق دائما عند مستوى التشغيل‬
‫الكامل مع افرتاض حياد النقود‪ ،‬أما الكينيزيون فانفوا النظرية الكالسيكية و بأن النقود حمايدة بل واعرتفوا بأهنا‬
‫إجيابية إذ يلعب معدل الفائدة دور هام يف انتقال أثر السياسة النقدية إىل املتغريات احلقيقية‪ .‬وأما فيما خيص‬
‫النقديون فاعتقدوا أن للسياسة النقدية أثرا فعاال على خمتلف األنشطة االقتصادية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ظاهرة التضخم وسياسة استهدافها‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫متهيد‪:‬‬
‫يعترب التضخم ظاهرة ومشكلة اقتصادية يف آن واحد قد تصيب اقتصاديات البلدان النامية واملتقدمة‬
‫على حد سواء‪ ،‬وتكاد تكون هذه الظاهرة متصفة باالنتظام والتكرار يف حدوثها‪ .‬فلقد ارتبطت أسباهبا بعوامل‬
‫عديدة وخمتلفة وهو ما يؤدي يف هناية املطاف إىل تغري قيمة العملة و ارتفاع أسعار خمتلف السلع و اخلدمات و‬
‫هذا ما يصاحبه آثار مجة على املستوى االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬
‫لقد كان االعتقاد أن التأثري الفعال على التضخم يكون عن طريق السياسة النقدية اليت تؤثر يف‬
‫األسعار بشكل غري مباشر معتمدة على االستهدافات الوسيطية مثل الكتلة النقدية وسعر الصرف وسعر الفائدة‬
‫إال أنه ومع بداية التسعينات تراجعت الكثري من الدول املتقدمة والنامية عن هذا االعتقاد حيث انتقلت من الرتكيز‬
‫على تلك االستهدافات إىل الرتكيز على معدالت التضخم يف حد ذاهتا كاستهدافات وسيطية وهو ما يعرف‬
‫بسياسة استهداف التضخم اليت جتعل استقرار األسعار يف املدى الطويل هو اهلدف النهائي الذي جيب العمل‬
‫على حتقيقه‪.‬‬
‫وسنتطرق يف هذا الفصل إىل‪:‬‬
‫‪ -1‬مفاهيم عامة حول التضخم‪.‬‬
‫‪-2‬آثار التضخم وكيفية معاجلته‪.‬‬
‫‪ -3‬النظريات املفسرة للتضخم‪.‬‬
‫‪ -4‬طرق معايري قياس التضخم‪.‬‬
‫‪-5‬سياسة استهداف التضخم‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫املبحث األول‪ :‬مفاهيم عامة حول التضخم‬


‫ال يعترب التضخم ظاهرة حديثة النشأة‪ ،‬وإمنا ظاهرة متتد إىل العصور القدمية حيث عرفت البشرية‬
‫ظاهرة ارتفاع األسعار منذ القدمي‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل اخنفاض قيمة النقود عند اكتشاف مناطق جديدة غنية‬
‫بالذهب والفضة‪ .‬ورغم أخطار هذه الظاهرة فإن املشكلة ليست يف التضخم ذاته وإمنا يف كيفية استخدامه‬
‫والتحكم فيه‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف التضخم‬
‫يعرف التضخم بأنه‪" :1‬حركة صعودية لألسعار تتصف باالستمرار الذايت تنتج عن فائض الطلب‬
‫الزائد عن قدرة العرض"‪ .‬كما أن الزيادة يف كمية النقود‪ ،‬و الزيادة يف تيار اإلنفاق النقدي‪ ،‬يؤدي بالنظام‬
‫االقتصادي إىل حالة التضخم‪ ،‬وهذا ما يعوض اخنفاض سرعة تداول النقود عن الزيادة يف كمية النقود‪ ،‬حبيث‬
‫يبقى احلجم الكلي لتيار اإلنفاق النقدي على حاله‪ ،‬إال أنه قد تصاحب الزيادة يف اإلنفاق النقدي زيادة متناسبة‬
‫يف عرض السلع واخلدمات حبيث ال تؤدي هذه الزيادة إىل التضخم‪ ،‬وإمنا تتوفر للتضخم النقدي أسباب الوجود‬
‫إذا مل تصادف الزيادة يف تيار اإلنفاق النقدي زيادة مقابلة يف العرض الكلي للسلع واخلدمات‪.‬‬
‫ويعرف التضخم أنه‪" :2‬ارتفاع غري متوقع يف األسعار‪ ،‬كما يتولد عن زيادة حجم تيار اإلنفاق‬
‫النقدي‪ ،‬بنسبة أكرب من الزيادة يف عرض السلع واخلدمات"‪.‬‬
‫ويعرف أيضا بأنه‪" :3‬إصدار النقود االعتبارية بصفة مطلقة دون النظر إىل عوامل أخرى‪ ،‬كوجود‬
‫تغطية هلذه النقود الصادرة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أنواع التضخم‬
‫إن تعدد املفاهيم اخلاصة لكلمة التضخم أدى إىل وجود أنواع متعددة هلا‪ .‬على أن ذلك ال يعين أنه‬
‫ال توجد عالقات‪ ،‬أو روابط بني هذه األنواع‪ ،‬فقد تشرتك هذه األنواع مبظاهر ومسات خاصة جتعلها شديدة الصلة‬
‫ببعضها‪ :‬كتفسري ظاهرة التضخم بأنه عجز النقود املتداولة عن القيام بواجبها‪ ،‬ووظائفها بصفة كاملة‪ ،‬ومرضية‪.‬‬
‫كما أن سرد األنواع املختلفة للتضخم يقتضي أن يكون بناء ا على معايري خمتلفة هي (‪:)4‬‬
‫‪ -‬حتكم الدولة يف جهاز االئتمان‪.‬‬
‫‪ -‬تعدد القطاعات االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬مدى حدة الضغط التضخمي‪.‬‬
‫‪ -‬الظواهر اجلغرافية و الطبيعية‪.‬‬

‫‪ 1‬حسني بن سامل جابر الزبيدي "التضخم و الكساد" مؤسسة الوراق للنشر و التوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2111 ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ 2‬حممد زكي الشافعي "مقدمة يف النقود والبنوك" دار النهضة العربية للنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1111 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 3‬غازي حسني عناية "التضخم املايل" مؤسسة شباب اجلامعة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2112 ،‬ص‪.1‬‬
‫‪ 4‬غازي حسني عناية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.01-52‬‬
‫‪54‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫‪ -‬اختالف النظم االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬


‫‪ -‬مصدر الضغط التضخمي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬حتكم الدولة يف جهاز االئتمان‬
‫تتحدد بعض أنواع االجتاهات التضخمية مبدى حتكم الدولة يف جهاز االئتمان‪ ،‬ومراقبتها لتحركات‬
‫املستويات العامة لألسعار والتأثري فيها‪ ،‬حيث ينطوي حتت ظل هذا املعيار ثالثة أنواع من االجتاهات التضخمية‪:‬‬
‫التضخم الطليق (املكشوف) الظاهر‪ ،‬التضخم املقيد (املكبوت)‪ ،‬التضخم الكامن (اخلفي)‪.‬‬
‫أ‪ -‬التضخم الطليق (املكشوف) الظاهر‪ :‬يتسم هذا النوع من التضخم بارتفاع ظاهر يف األسعار واألجور‪،‬‬
‫والنفقات األخرى اليت تتصف حركتها باملرونة وتتجلى يف ارتفاع عام يف الدخول النقدية‪ ،‬وذلك دون أي تدخل‬
‫من قبل السلطات احلكومية للحد من هذه االرتفاعات‪ ،‬أو التأثري فيها‪ ،‬حيث تتجلى مواقف هذه السلطات‬
‫السلبية مما يؤدي إىل تفشي هذه الظواهر التضخمية‪ ،‬والتسارع فيها‪ ،‬وتراكمها‪ ،‬فرتتفع املستويات العامة لألسعار‬
‫بنسبة أكرب من ازدياد التداول النقدي للكميات النقدية املتداولة‪.5‬‬
‫ب‪ -‬التضخم املكبوت (املقيد)‪ :‬وهي حالة يتم خالهلا منع األسعار من االرتفاع من خالل سياسات تتمثل يف‬
‫وضع ضوابط وقيود حتول دون اتفاق كلي ومن هذه اإلجراءات‪ :‬جتميد األسعار ومنعها من االرتفاع‪ ،‬الرقابة على‬
‫الصرف‪ ،‬حتقيق وفري يف امليزانية‪ ،‬والتقنني كالبيع بالبطاقات ‪.6‬‬
‫ج‪ -‬التضخم الكامن (اخلفي)‪ :‬يتمثل هذا النوع من التضخم بارتفاع ملحوظ يف الدخول النقدية دون أن جتد هلا‬
‫منفذا لإلنفاق‪ ،‬بفضل تدخل الدولة حيث حالت بإجراءاهتا املختلفة دون إنفاق هذه الدخول املتزايدة فيبقى‬
‫التضخم كامنا‪ ،‬وخفيا ال يسمح له بالظهور ويف شكل انكماش يف اإلنفاق على السلع االستهالكية‪ ،‬الغذائية‪،‬‬
‫واالستثمارية‪ ،‬وغالبا ما تتدخل العوامل والظروف االقتصادية إلجبار الدولة على احلد من ظهور الظواهر‬
‫التضخمية باحلد من اإلنفاق يف احلروب مثال‪ ،‬حيث يتمثل اإلنتاج املدين بالتخفيض لصاحل اإلنتاج احلر؛ي فأمام‬
‫هذا الوضع وقلة املعروض من السلع الغذائية واالستهالكية اليت يشتد الطلب عليها أثناء احلروب بفضل ارتفاع‬
‫الدخول النقدية‪ ،‬وتزايدها تلجأ الدولة إىل إغالق أوجه اإلنفاق أمامها‪ ،‬وتعمد إىل التقنني بتطبيق نظام احلصص‬
‫حبيث ال جيوز احليازة ألكثر من احلصة املقدرة لألفراد‪ ،‬وخري خرب شاهد على هذا النوع من التضخم‪ ،‬التجربة‬
‫الربيطانية يف مكافحة وحماربة هذا األخري هبذه اإلجراءات‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬تعدد القطاعات االقتصادية‬
‫تتنوع االجتاهات التضخمية بتنوع القطاعات االقتصادية املوجودة‪ ،‬فالتضخم الذي يتعامل به يف‬
‫سوق السلع خيتلف عن التضخم الذي يتعامل به يف سوق عوامل اإلنتاج‪ ،‬كذلك التضخم املتعامل به يف قطاع‬

‫‪ 5‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬


‫‪ 6‬حسني بن سامل جابر الزبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫الصناعات االستهالكية خيتلف عنه يف القطاعات االستثمارية‪ ،‬وحيلل االقتصادي كينز أنواع التضخم املتعامل هبا‬
‫يف أسواق السلع إىل‪:7‬‬
‫أ‪-‬التضخم السلعي‪ :‬وهو التضخم الذي حيصل يف قطاع صناعات االستهالك حيث يعرب عن زيادة نفقة إنتاج‬
‫سلع االستثمار على االدخار‪.‬‬
‫ب‪-‬التضخم الرأمسايل‪ :‬وهو التضخم الذي حيصل يف قطاع صناعات االستثمار‪ ،‬حيث يعرب عن زيادة قيمة سلع‬
‫االستثمار على نفقة إنتاجها‪ .‬وكنتيجة لتفشي هذه االجتاهات التضخمية فإن أرباحا كبرية تتحقق يف كل من‬
‫قطاعي االستهالك‪ ،‬واالستثمار‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لالجتاهات التضخمية املتفشية يف أسواق عوامل اإلنتاج وأثارها على الدخول النقدية‬
‫لألفراد فإن كينز يفرق بني نوعني آخرين من التضخم‪:8‬‬
‫أ‪-‬التضخم الرحبي‪ :‬وهو ما يعرب عن زيادة االستثمار على االدخار بصفة عامة‪ ،‬حبيث حتقق أرباحا كبرية يف‬
‫قطاعي صناعات سلع االستهالك واالستثمار‪.‬‬
‫ب‪ -‬التضخم الدخلي‪ :‬وحيصل نتيجة ارتفاع و تزايد نفقات اإلنتاج‪ ،‬ومنها أجور العمال‪ ،‬وقد ورد هذا التقسيم‬
‫يف حتليل كينز للتغريات احلاصلة يف مستويات األسعار يف معادلتيه االثنتني‪ ،‬فهو يقسم األسواق إىل أسواق سلع‬
‫االستهالك‪ ،‬وأسواق سلع االستثمار‪ ،‬فعندما تتعادل نفقة سلع االستثمار مع االدخار فإن حالة من التوازن‬
‫حتصل‪ ،‬وهي اليت تتصف باستقرار يف األسعار‪ .‬ويف هذه احلالة قد ينشأ النوع األول من التضخم‪ ،‬وعندما تتعادل‬
‫نفقة إنتاج سلع االستثمار مع قيمة هذه السلع فإن النوع الثاين من التضخم قد ينشأ‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مدى حدة الضغط التضخمي‬
‫ميكن تقسيم التضخم من حيث حدته‪ ،‬ودرجة قوته إىل‪ :‬تضخم جامح‪ ،‬وتضخم غري جامح‬
‫(متوسط)‪.9‬‬
‫أ‪ -‬التضخم اجلامح‪ :‬و هو أشد أنواع التضخم آثارا و ضررا على االقتصاد الكلي‪ ،‬حيث تتواىل االرتفاعات‬
‫الشديدة لألسعار دون توقف‪ ،‬حبيث ترتك آثارا ضارة‪ ،‬و كبرية يصعب على السلطات احلكومية احلد منها‪ ،‬أو‬
‫معاجلتها‪ ،‬فتفقد النقود قوهتا الشرائية و قيمتها كوسيط للتبادل‪ ،‬وخمزن للقيم‪ ،‬مما يدفع األفراد إىل التخلص منها‪،‬‬
‫واستثمارها يف قطاعات غري إنتاجية مبددة للثورة مما جيعل السلطات احلكومية تلجأ إىل التخلص من هذه النقود‬
‫وذلك باستبداهلا بعملة جديدة‪ ،‬كما حصل يف كثري من البلدان اليت عانت من تفشي هذه األنواع من االجتاهات‬
‫التضخمية خاصة يف فرتات احلروب‪.‬‬

‫‪ 7‬غازي حسني عناية‪ ،‬مرجع سابق ص ص ‪.21-21‬‬


‫‪ 8‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 9‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪56‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫ب‪-‬التضخم غري اجلامح (املتوسط)‪ :‬وهو تضخم ترتفع فيه معدالت األسعار‪ ،‬ولكن مبستوى أقل من ارتفاعها‬
‫بالنسبة للتضخم اجلامح‪ .‬حبيث تكون آثاره أقل خطورة على االقتصاد القومي وحبيث يسهل على السلطات‬
‫احلكومية عالجه‪ ،‬ومكافحته‪ ،‬واحلد من آثاره حبيث ال يصل األمر إىل فقدان الثقة متاما بالنقد املتداول‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬الظواهر اجلغرافية والطبيعية‬
‫تتحدد بعض أنواع االجتاهات التضخمية حبدوث ظواهر جغرافية‪ ،‬وطبيعية وقد ال يكون هلا صفة‬
‫الدوام‪ ،‬أو قد تكون بصورة طارئة وغري اعتيادية مثل‪ :‬التضخم الطبيعي (االستثنائي)‪ ،‬والتضخم الدوري (احلركي)‪.‬‬
‫أ‪ -‬التضخم الطبيعي (االستثنائي)‪ :‬وهو تضخم غري اعتيادي ينشأ نتيجة لظروف طبيعية حاصلة‪ :‬كالتضخم‬
‫احلاصل نتيجة الزالزل و الرباكني‪ ،‬أو انتشار األوبئة واألمراض‪ ،‬أو انفجار ثورة من الثروات كحافز سياسي خللق‬
‫بوادر تضخمية‪ ،‬أو بسبب احلروب‪ .‬فهذه الظروف الطبيعية وغريها قد تكون حافزا لبدء ظهور االجتاهات‬
‫التضخمية‪ ،‬واستفحاهلا بفضل العوامل األخرى‪ ،‬فأثناء احلروب مير االقتصاد بثالث مراحل هي‪:‬فرتة االستعداد‬
‫احلر؛ي‪ ،‬فرتة احلرب نفسها‪ ،‬وفرتة ما بعد احلرب‪.‬‬
‫أوال‪ -‬فرتة احلرب نفسها‪ :‬حيث تتميز هذه الفرتة بتزايد اإلنفاق العام لتهيئة البالد للحرب والقيام باملشاريع احلربية‬
‫على حساب املشاريع املدنية‪ ،‬مما يؤدي إىل اخنفاض الناتج من السلع املدنية كالسلع االستهالكية والغذائية‪ ،‬مما‬
‫يرتتب عنه ارتفاع يف األسعار‪ .‬وتتميز هذه الفرتة كذلك باخنفاض االسترياد لعدم توفر العملة األجنبية‪ ،‬وضعف‬
‫االدخار‪ ،‬وفرض احلماية اجلمركية ‪...‬اخل‪ ،‬كما حصل يف أملانيا يف بداية احلرب العاملية الثانية‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬فرتة احلرب نفسها‪ :‬حيث تتميز هذه الفرتة بقلة األيدي العاملة‪ ،‬ضعف اإلنتاج‪ ،‬وظهور البوادر التضامنية‬
‫بني أفراد اجملتمع‪ ،‬حيث تنتشر األفكار االجتماعية‪ ،‬التضامنية‪ ،‬الوطنية‪ ،‬وغريها من اآلثار االجتماعية واالقتصادية‬
‫احلاصلة بسبب احلرب‪ ،‬حيث يقال أن عدم شدة ارتفاع األسعار يف بريطانيا أثناء احلرب العاملية الثانية كان‬
‫بسبب النظام‪ ،‬وتضامن الطبقة العاملة مع اإلجراءات احلكومية املتخذة‪ ،‬ومنها جتميد األجور‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬فرتة ما بعد احلرب‪ :‬تعترب امتدادا لفرتة احلرب نفسها‪ ،‬حيث يصعب مكافحة التضخم وارتفاعات األسعار‬
‫يف بداية هذه الفرتة‪.‬‬
‫ب‪-‬التضخم احلركي (الدوري)‪ :‬و هذا التضخم يعترب مسة من مسات النظام الرأمسايل‪ ،‬حيث يعرب عن حركات‬
‫الظواهر الرأمسالية املتجددة‪ ،‬كاألزمات االقتصادية املتجددة‪ ،‬ومنها الظواهر التضخمية الدورية اليت تتصف باحلركة‬
‫الدورية‪.‬‬
‫الفرع اخلام‪ ::‬اختالف النظم االقتصادية واالجتماعية‬
‫فطبيعة القوى التضخمية تتمثل خباصية واحدة ومتشاهبة مهما تعددت النظم االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فاختالل التناسب والتوازن ما بني العرض والطلب هو سبب ظهور هذه االجتاهات التضخمية‬
‫كمؤشر من مؤشرات شدة الضغط التضخمي املتفشي‪ .‬على أن ذلك ال يعين أن االجتاهات التضخمية واحدة‬
‫وذات خصائص متشاهبة‪ ،‬فاالجتاهات التضخمية يف األنظمة الرأمسالية إمنا تتجلى بارتفاع مستمر يف املستويات‬
‫‪57‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫العامة لألسعار بينما تتجلى هذه االجتاهات التضخمية يف األنظمة االشرتاكية بتناقص مستمر يف املخزون‬
‫السلعي‪.‬‬
‫الفرع السادس‪ :‬الضغط التضخمي‬
‫ميكن أن يقسم التضخم بالنسبة هلذا املعيار إىل‪:10‬‬
‫أ‪ -‬تضخم الطلب أو التضخم الناشئ عن جذب الطلب‪ :‬وهو‪" 11‬زيادة الطلب الكلي على السلع و املنتجات‬
‫عن نسبة املعروض منها حمددة بثمن معني ثابت"‪ ،‬حبيث ينتج عن هذا اخللل يف التوازن ما بني العرض والطلب‬
‫ارتفاع عام يف املستوى العام لألسعار‪ ،‬فهو يعرب عن اشتداد طلب األفراد على شراء السلع‪ ،‬واملنتجات‪ ،‬أو‬
‫احلصول عليها بنسبة تفوق املعروض من هذه السلع‪ ،‬واملنتجات املتوفرة يف األسواق‪ ،‬حبيث ال ميكن زيادة هذا‬
‫املعروض لتلبية الطلب الكلي‪ ،‬لبلوغ اجلهاز اإلنتاجي القومي طاقته القصوى لتشغيل عناصر اإلنتاج اجلاهزة بصورة‬
‫تنم عن وصول االقتصاد القومي ملرحلة التشغيل الكامل مما يؤدي إىل ارتفاع يف املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫ب‪ -‬تضخم التكاليف‪ :‬وهو ما يعرب عنه بالتضخم الناشئ عن ارتفاع التكاليف أو تضخم النفقات‪ .‬ينشأ هذا‬
‫النوع من الت ضخم نتيجة ارتفاع تكاليف اإلنتاج بنسبة تفوق عن معدل الزيادة اإلنتاجية ارتفاعا يؤدي إىل الزيادة‬
‫يف املستوى العام لألسعار السائدة‪ ،‬حيث حيدث خلل يف التوازن بني املنتجات واخلدمات وبني التكاليف‬
‫والنفقات‪ ،‬فالعوامل املنشئة هلذا النوع من التضخم ال ترجع إىل التغريات اخلاصة بعامل فائض الطلب بل هي‬
‫مستقلة عنه وتنسب إىل التغريات االقتصادية واالجتماعية احلاصلة يف اجملتمع واليت بدورها تسبب تغريات يف‬
‫حركات عوامل اإلنتاج حنو االرتفاع والزيادة فتدفع األسعار حنو االرتفاع‪.‬‬
‫ج‪ -‬التضخم الذايت‪ :‬يرجع إىل ارتفاع معدالت األجور‪ ،‬ولي‪ :‬لعوامل فائض الطلب‪ ،‬حبيث ترتفع معدالت‬
‫األجور بنسبة تزيد عن ارتفاع معدالت الكفاءة اإلنتاجية‪ ،‬فتكون هناك فوارق كبرية بني ارتفاعات األجور وبني‬
‫الكفاءات اإلنتاجية‪ ،‬مما يرتتب عليه ارتفاع كبري ومستمر ملعدالت األسعار واألجور‪ .‬فهذا النوع من التضخم ال‬
‫يستلزم بالضرورة وجود فائض يف الطلب حبيث يزيد عن العرض‪ ،‬وإمنا ينشأ نتيجة االرتفاعات املستمرة يف‬
‫معدالت األجور واألسعار‪ .‬كما حصل يف الواليات املتحدة األمريكية يف الفرتة مابني ‪ ،7591-7591‬حيث‬
‫سادت الظواهر التضخمية الناجتة عن االرتفاعات املتوالية ملعدالت األسعار واألجور دون أن يكون هناك فائض‬
‫الطلب يف األسواق‪ .‬وكذلك فإن هذا النوع من التضخم التلقائي ال يوجد يف اجملتمعات االشرتاكية وإمنا هو خاص‬
‫باجملتمعات الرأمسالية‪ ،‬حيث تسمح الظروف فيها لتسابق معدالت األسعار و ألجور حنو الزيادة واالرتفاع‪ :‬كوجود‬
‫املنظمات النقابية القوية وانتشار العوامل اليت تساعد يف التحكم حبركات األسعار‪ ،‬وحتديد الربح و السيطرة على‬
‫األسواق و االحتكار فيها‪ .‬فالتضخم الذايت إذن يكون نتيجة الزيادات املتتالية لألجور يف البلدان الرأمسالية‪.‬‬

‫‪ 10‬حسني غازي عناية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.51-22‬‬


‫‪ 11‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪58‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫املطلب الثالث‪ :‬أسباب التضخم‬


‫مبقتضى التحليل الكينيزي فإن الطلب الكلي الفعلي يعترب عامال رئيسيا وفعاال يف حتديد مستويات‬
‫التوظيف‪ ،‬الدخل واإلنتاج‪ ،‬فالعالقة وطيدة ما بني نظرية الطلب الكلي الفعلي وبني نظريات التوظيف‪ ،‬الدخل و‬
‫اإلنتاج‪ ،‬فالتغريات يف مستويات الدخل‪ ،‬اإلنتاج‪ ،‬االستهالك‪ ،‬االستثمار واالدخار تعتمد بصفة رئيسية على‬
‫التغريات يف مستويات الطلب الكلي الفعال‪.‬‬
‫وتتحدد مستويات التوازن واالستقرار االقتصادي يف حجم معني من الطلب الكلي الفعلي عند‬
‫مستوى معني من االستخدام الكامل‪.12‬‬
‫مبقتضى التحليل الكينيزي فإن الطلب الكلي الفعال يعترب عامال رئيسيا يف حتديد مستويات العمالة‪،‬‬
‫الدخل‪ ،‬واإلنتاج‪ ،‬فالتغريات يف مستويات اإلنتاج‪ ،‬االستهالك‪ ،‬االستثمار واالدخار تعتمد بصفة رئيسية على‬
‫التغريات يف مستويات الطلب الكلي الفعال‪ .‬ويف حالة التضخم يعرب عن اخللل يف التوازن بارتفاع الطلب الكلي‬
‫عن العرض الكلي أو باخنفاض العرض الكلي عن مستوى التشغيل الكامل‪ ،‬وميكن البحث يف هذه احلالة يف‬
‫جمموع العوامل الدافعة للطلب الكلي الفعال حنو االرتفاع‪ ،‬وكذلك يف جمموع العوامل الدافعة للعرض الكلي حنو‬
‫االخنفاض‪.13‬‬
‫الفرع األول‪ :‬العوامل الدافعة بالطلب الكلي إىل االرتفاع‬
‫ميكن إرجاع تلك الدوافع إىل مايلي‪:14‬‬
‫*زيادة اإلنفاق االستهالكي و االستثماري‪ :‬إن النظريات اخلاصة بالتوازن‪ ،‬واخلاصة بالعرض و الطلب الكلي و‬
‫جهاز األمثان تفرتض اقرتان اخللل يف التوازن بالزيادة يف اإلنفاق الكلي عن مستوى التشغيل الكامل‪ ،‬ويتمثل يف‬
‫زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي‪ ،‬و عند هذا املستوى حيدث التضخم‪ ،‬واملتمثل يف الزيادة يف اإلنفاق الكلي‬
‫الذي ال تقابلها زيادة مماثلة يف املنتجات والسلع املعروضة على فرض الوصول إىل حجم التشغيل الكامل‪ ،‬وبالتايل‬
‫فإن حجم اإلنفاق الكلي هو احلاسم كسبب من أسباب التضخم‪.‬‬
‫*التوسع يف فتح االعتمادات من قبل املصارف‪ :‬إن توسع البنوك التجارية يف منح االئتمان و االعتمادات‪ ،‬يعترب‬
‫عامال مهما يف تزويد األسواق مببالغ نقدية كبرية‪ ،‬فقد ترغب الدولة يف تنشيط األعمال العامة وزيادة اإلنتاج‪،‬‬
‫فتشجع املصارف على فتح عمليات االئتمان بوسائلها املعروفة كتخفيض سعر الفائدة‪ ،‬فيزيد إقبال رجال األعمال‬
‫على االستثمار وهذا بدوره يؤدي إىل ارتفاع األسعار منبئا عن ظاهرة تضخمية كان سببها األول االعتمادات اليت‬
‫فتحتها املصارف للمنتجني‪.‬‬

‫‪ 12‬غازي حسني عناية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ 13‬بلعزوز بن علي "حماضرات يف النظريات و السياسات النقدية"‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2114 ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪ 14‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪59‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫*العجز يف امليزانية‪ :‬تعترب هذه أسهل طريقة تلجأ إليها احلكومات والدول من أجل متويل مشروعاهتا اإلنتاجية‬
‫وتشغيل العناصر اإلنتاجية املعطلة يف اجملتمع‪ .‬والعجز يف امليزانية ال حيدث صدفة بقدر ما تتعمد الدول إحداثه‪،‬‬
‫لتمويل خطط متويلية تنوي احلكومة القيام هبا‪ ،‬فتلجأ إىل توفري النفقات الضرورية الالزمة هلا بوسائل كثرية‪.‬‬
‫ويقصد بإحداث عجز يف امليزانية هو الزيادة يف النفقات العامة عن اإليرادات العامة بالقدر الذي‬
‫تقرتضه احلكومة من البنك املركزي‪ .‬وإن عجز امليزانية هو وسيلة معتمدة تلجأ إليها احلكومة وهي على علم‬
‫بآثارها السيئة‪ ،‬ومن قبيل االفرتاض أن ذلك يف سبيل إنعاش احلركة االقتصادية‪ ،‬وتوفري رواج األشغال وتنفيذ‬
‫براجمها املدنية والعسكرية هذا يف حالة ما قبل مستوى التشغيل الكامل‪ .‬أما إذا كانت مجيع العناصر اإلنتاجية‬
‫مشتغلة‪ ،‬فإن النفقات العامة يف هذه احلالة ال جتد هلا منفذا سليما وتكون يف هذه احلالة سببا يف ارتفاع األسعار‪،‬‬
‫واليت كانت كنتيجة لعدم التوازن ما بني فائض النقد املتداول املتمثل بازدياد اإلنفاق العام واملعروض السلعي‪.‬‬
‫*متويل العمليات احلربية‪ :‬تعترب احلروب من األسباب املنشأة للتضخم ملا يتخللها من نفقات عامة كبرية‪ ،‬ففي هذه‬
‫احلالة إذا ما رأت الدولة أن قدرهتا املالية قد ضعفت‪ ،‬تلجا إىل أقرب املوارد وهي آلة اإلصدار لتمدها باملال‬
‫الالزم‪ ،‬واحلقيقة أن احلاجة إىل املال تبدأ قبل اندالع احلرب الستعدادها هلا‪ ،‬و أثناء احلرب لتسيري أمور البالد‪،‬‬
‫وكذلك ما بعد احلرب ملعاجلة ما خلفته احلرب من ويالت تنصب معظمها على االقتصاد‪.‬‬
‫*االرتفاع يف معدالت األجور‪ :‬السبب املباشر والفعال يف ارتفاع معدالت األجور‪ ،‬ونفقات املعيشة يكمن يف‬
‫صلب األنظمة االقتصادية الرأمسالية ذاهتا اليت تسمح حبرية النقابة العمالية وإعطائها حق اإلضراب تربيرا لتحقيق‬
‫مطالبهم يف رفع األجور‪ ،‬فزيادة األجور ترفع من حدة التكاليف اإلنتاجية مما خيفض من معدالت األرباح عند‬
‫مستوى التشغيل الكامل و ميكن جتاوز هذه املشكلة باقرتاح احلكومة للحلول التالية‪:15‬‬
‫‪ -‬االتفاق مع االحتادات العمالية على عدم املطالبة بزيادة األجور لفرتة زمنية حمددة‪.‬‬
‫‪ -‬االتفاق مع االحتادات العمالية على املطالبة بزيادات يف األجور بنسبة تتعادل مع نسبة الزيادة يف إنتاجياهتم‬
‫حمافظة على استقرار و لو نسيب لألسعار‪.‬‬
‫*التوقعات و األوضاع النفسية‪ :‬قد يرجع االرتفاع يف الطلب الكلي الفعال إىل عوامل نفسية وتقديرية أكثر من‬
‫عوامل اقتصادية‪ ،‬فكثريا ما يكون للحاالت النفسية لألفراد األثر الكبري يف نشوء بعض الظواهر التضخمية ولعل‬
‫أفضل احلاالت اليت يكون فيها للظروف النفسية آثارها الفعالة هي فرتات احلروب حيث تكون الظروف مهيأة‬
‫لتقبل األقاويل والتنبؤات بارتفاع األسعار مستقبال الذي يزيد من حركة النشاط واالنتعاش‪ ،‬ويف قطاع االستثمار‬
‫يرتتب على التنبؤ بارتفاع األسعار‪ ،‬إقدام املنتجني على جتنيد أصوهلم احلالية للحصول على معدالت اكرب من‬
‫األرباح‪ ،‬فرتتفع الكفاية احلدية لرأس املال املستثمر‪ ،‬مما يزيد من حدة ارتفاع الطلب الكلي الفعال و العك‪ :‬عند‬
‫التنبؤ باخنفاض األسعار‪.‬‬

‫‪ 15‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬


‫‪60‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫الفرع الثاين‪ :‬العوامل الدافعة بالعرض الكلي حنو االخنفاض‬


‫مبا أن التضخم يعود إىل اختالل العالقة بني الطلب الكلي الفعال‪ ،‬و ما يقابله من معروض السلع و‬
‫املنتجات عن مستوى التشغيل الكامل‪ ،‬فإن عدم مرونة اجلهاز اإلنتاجي يف كفاية الطلب الكلي الفعال يعود‬
‫ألمور كثرية منها‪:16‬‬
‫أ‪ -‬حتقيق مرحلة االستخدام التام‪ :‬قد يصل االقتصاد الوطين ملرحلة من االستخدام والتشغيل الكامل و التام جلميع‬
‫العناصر اإلنتاجية حبيث يعجز اجلهاز اإلنتاجي يف كفاية الطلب الكلي املرتفع عن ذلك املستوى حبيث يبقى‬
‫اجلهاز اإلنتاجي عاجزا‪ ،‬عن دون املستوى املرتفع للطلب الكلي‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدم كفاية اجلهاز اإلنتاجي‪ :‬قد يتصف اجلهاز اإلنتاجي بعدم املرونة والكفاية يف تزويد السوق باملنتجات‬
‫والسلع الضرورية ذات الطلب املرتفع‪ ،‬وقد يعود عدم املرونة إىل نقص الفن اإلنتاجي املستخدم يف العمليات‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬و قد تكون األساليب املتبعة قدمية‪ ،‬وال تفي مبتطلبات األسواق احلديثة‪ .‬وقد يكون النقص يف العناصر‬
‫اإلنتاجية كالعمال‪ ،‬واملوظفني املختصني واملواد األولية‪.‬‬
‫ج‪ -‬النقص يف راس املال العيين‪ :‬قد يعود عدم املرونة للجهاز اإلنتاجي إىل نقص يف رأس املال العيين املستخدم‬
‫عند مستوى التشغيل الكامل‪ ،‬مما يباعد ما بني النقد املتداول‪ ،‬وبني املعروض من السلع واملنتجات والثروات‬
‫املتمثلة يف العرض الكلي املتناقص‪ ،‬وبالتايل ظهور التضخم كمؤشر على وجود خلل توازين يف األسواق احمللية‬
‫الذي يعرب عن النقص يف العرض اإلنتاجي‪.‬‬
‫فالتضخم إذن يتمثل يف اخنفاض املردود اإلنتاجي املعروض عن الطلب الكلي الفعال املقابل له‪ ،‬كما‬
‫يتمثل يف ارتفاع الطلب الكلي الفعال عن املردود اإلنتاجي املعروض املقابل له‪ ،‬أي إىل عوامل اخنفاض العرض‬
‫الكلي وعوامل ارتفاع الطلب الكلي الفعال‪.‬‬

‫‪ 16‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.152-151‬‬


‫‪61‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫املبحث الثاين‪ :‬آثار التضخم وسبل معاجلتها‬


‫املطلب األول‪ :‬آثار التضخم‬
‫إن التضخم كظاهرة نقدية له من اآلثار االقتصادية واالجتماعية ما يتجاوز خاصيته النقدية وكون‬
‫هذه الظاهرة تعيق مسار التنمية يف اقتصاديات دول العامل فإنه من الصعب حصر آثارها‪ ،‬وفيما يلي حناول إبراز‬
‫أهم هذه اآلثار‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلثار االقتصادية للتضخم‬
‫ينتج عن التضخم آثار بالغة األمهية على مستوى التشغيل واإلنتاج يف االقتصاد باإلضافة إىل ذلك‬
‫إنه يؤدي إىل إعادة توزيع الدخل احلقيقي والثروة بني أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫أ‪-‬إعادة توزيع الدخل الوطين‬
‫الدخل الوطين النقدي هو جمموع عوائد عناصر اإلنتاج اليت حيصل عليها املشاركون يف العملية‬
‫اإلنتاجية خالل فرتة زمنية واحدة تقدر بسنة‪ ،‬أما الدخل الوطين احلقيقي فهو يتألف من جمموع السلع واخلدمات‬
‫اليت ميكن فعال احلصول عليها هبذه الدخول النقدية‪.‬‬
‫خالل فرتة التضخم يتواىل ارتفاع الدخل النقدي بشكل مستمر و مبعدالت تفوق ارتفاع الدخل‬
‫احلقيقي‪ ،‬وكلما قارب مستوى توظيف عناصر اإلنتاج مستوى التوظيف الكامل‪ ،‬كلما تضائل معدل منو الدخل‬
‫احلقيقي إىل أقصى مستوى ممكن له‪ ،‬وال ميكن زيادته إال يف األجل الطويل‪.‬‬
‫وأثناء فرتة التضخم ميكن متييز احلاالت التالية‪:17‬‬
‫‪ -‬بقاء الدخل النقدي ثابتا مع استمرار ارتفاع األسعار‪ ،‬يف هذه احلالة يتناقص الدخل احلقيقي باستمرار‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع الدخل النقدي ولكن مبعدل أقل من معدل ارتفاع األسعار‪ ،‬هنا يتعرض الدخل احلقيقي للتناقص أيضا‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع الدخل النقدي مبعدل أكرب من معدل ارتفاع األسعار‪ ،‬هنا يزداد الدخل احلقيقي مبعدل يتحدد مبدى‬
‫ارتفاع الدخل النقدي من جهة ومستوى األسعار من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع الدخل النقدي مبعدل مساوي ملعدل ارتفاع األسعار‪ ،‬ويف هذه احلالة يبقى الدخل احلقيقي ثابتا‪.‬‬
‫وميكن توضيح آثار التضخم على أصحاب الدخول بالشكل التايل‪:18‬‬
‫أوال‪ -‬أصحاب الدخول الثابتة‪ :‬تشمل هذه الفئة األفراد الذين يتحصلون على دخوهلم من ملكية األراضي و‬
‫العقارات السكنية و املعاشات و اإلعانات االجتماعية‪ ،‬و نظرا للثبات النسيب الذي تتمتع به هذه الدخول فإن‬
‫ارتفاع األسعار يؤدي إىل تناقص الدخول احلقيقية هلذه الفئة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬أصحاب املرتبات و األجور‪ :‬تشكل هده الفئة معظم العمال وتتميز األجور بقابلية أكرب للتغري بنف‪ :‬اجتاه‬
‫تغري األسعار نظرا لوجود االحتادات العمالية اليت تطالب برفع األجور النقدية لكن عادة ما يكون معدل ارتفاع‬

‫‪ 17‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.153‬‬


‫‪ 18‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.154-153‬‬
‫‪62‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫األجور النقدية أقل من معدل ارتفاع األسعار وباملقارنة مع أصحاب دخول الفئة السابقة‪ ،‬فأصحاب األجور اقل‬
‫تعرضا الخنفاض القوة الشرائية لدخوهلم عن أصحاب الدخول الثابتة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬أصحاب املشروعات‪ :‬أصحاب هذه الفئة غالبا ما حيققون زيادات كبرية يف دخوهلم احلقيقية خالل فرتة‬
‫التضخم فارتفاع األسعار يؤدي إىل زيادة اإليرادات النقدية اإلمجالية‪ ،‬وألن النفقات اإلمجالية النقدية ال ترتفع‬
‫مباشرة بعد ارتفاع األسعار لذلك فإن األرباح اليت حيصل عليها أصحاب املشروعات سوف تزداد بنسبة أكرب‬
‫وبشكل أسرع من زيادة النفقات‪.‬‬
‫وهكذا فإن التضخم يتسبب يف إعادة توزيع الدخل احلقيقي نظرا الختالف معدالت الزيادة يف‬
‫الدخول النقدية‪ ،‬فبعض الفئات تزداد دخوهلا على حساب فئات أخرى نتيجة عملية إعادة توزيع الدخل‪.‬‬
‫ب‪-‬إعادة توزيع الثروة‬
‫إن التغري يف ملكية الثروة يرتبط ارتباطا وثيقا بالتغريات يف الدخول احلقيقية‪ .‬فمالك الثروات إذا ما‬
‫اخنفضت دخوهلم احلقيقية خالل عملية التضخم سيلجئون إىل التصرف يف ثروهتم بالبيع و ذلك بغية احملافظة على‬
‫مستوى معني من استهالك تعودوا عليه‪ .‬فأصحاب األراضي والعقارات ما يشجعهم على البيع هو ارتفاع القيمة‬
‫النقدية هلذه األصول مبعدالت تفوق معدالت االرتفاع العام يف األسعار‪ ،‬وهذا ما يعرف بإعادة توزيع الثروات‬
‫على اجملتمع‪ .‬وحىت عمليات القروض تتأثر بالتضخم‪ ،‬فإذا ما اقرتض شخص "أ" مبلغ "س‪ "1‬من شخص " ب"‬
‫على أن يسدده بعد مخ‪ :‬سنوات و حدث و أن ارتفعت األسعار‪ ،‬فالشخص املدين مطالب برد املبلغ النقدي‬
‫"س‪ " 1‬رغم أن القوة الشرائية للمبلغ املقرتض قد اخنفضت إىل النصف مثال‪ ،‬فهو سيسدد نصف القوة الشرائية‬
‫فقط حني حلول اجل الوفاء‪.‬‬
‫وبذلك فإن ارتفاع األسعار باستمرار ينتج عنه اخنفاض القوة الشرائية للنقود يتسبب يف إحلاق األضرار‬
‫املالية بالدائنني و استفادة املدينني خاصة عندما تكون آجال الديون طويلة‪ ،‬و خشية لذلك يطالب املدينني‬
‫باحتساب أسعار فائدة عالية قد تعوض الدائنني عما قد يلحق هبم من أخطار مالية‪ ،‬فهذا يوطد العالقة الطردية‬
‫بني أسعار الفائدة و معدالت التضخم‪ ،‬غري أن االرتفاع احلاد يف أسعار الفائدة له أضرار بالغة على االقتصاد قد‬
‫جتره إىل االنكماش و الركود‪.‬‬
‫ج‪ -‬آثار التضخم على النشاط االقتصادي‪:‬‬
‫تؤدي إعادة توزيع الدخل احلقيقي و الثروة إىل زيادهتما لفئة واخنفاضهما لفئة أخرى وما ينجم عنه‬
‫من آثار بعيدة املدى على النشاط االقتصادي باإلضافة إىل اآلثار املباشرة اليت حيدثها على االقتصاد‪.‬‬
‫إذا كان االقتصاد يف مرحلة قريبة من مستوى التشغيل الكامل فإن زيادة الطلب الكلي وارتفاع‬
‫األسعار ميكن أن يؤدي إىل زيادة اإلنتاج لكن مبعدالت منخفضة‪ ،‬وكلما اقرتب االقتصاد من مستوى التشغيل‬
‫الكامل كلما اقرتبت مرونة اإلنتاج من الصفر‪ ،‬مما يزيد يف حدة ارتفاع األسعار‪ ،‬وما ينجر عنها من انتشار‬
‫املضاربة وقيام رجال األعمال بتخزين السلع بغية بيعها يف وقت الحق لتزداد األرباح‪ ،‬وهذا ما يؤدي إىل املزيد من‬
‫‪63‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫ارتفاع األسعار‪ .‬ويف هذه احلالة ينصرف األفراد عن االستثمار يف اجملاالت ذات العائد على املدى الطويل اليت‬
‫تعود بنفع كبري على االقتصاد‪ ،‬وبالتايل يوظفون أمواهلم يف إنتاج السلع االستهالكية الكمالية اليت تستهلكها فئات‬
‫معينة زادت دخوهلا زيادات كبرية خالل فرتة التضخم‪ .‬وكلما اقرتب االقتصاد من مرحلة التشغيل الكامل تنتشر‬
‫فكرة ختفيض رجال األعمال الستثماراهتم و زيادة عرض السلع نتيجة طرح الكميات املخزنة‪ ،‬األمر الذي يؤدي‬
‫باالقتصاد إىل الوقوع يف أزمة انكماش تبدأ من قطاعات معينة وتنتشر حىت تشمل االقتصاد مبجموعه‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬اآلثار السياسية واالجتماعية للتضخم‬
‫يؤدي التضخم إىل مشكلة عدم العدالة يف توزيع الدخول والثروة‪ ،‬وهو بذلك يسبب عدم عدالة‬
‫اجتماعية و يزيد الفجوة بعدم عدالة توزيع الدخل التساع الفجوة بني األفراد ذاوي املداخيل املرتفعة وبني األفراد‬
‫ذوي املداخيل املنخفضة و حىت املتوسطة‪ ،‬مما قد يولد و خيلق أمراضا اجتماعية خطرية‪ ،‬يضاف إىل ذلك أن‬
‫التضخم يصب يف مصلحة األغنياء وأصحاب السوق السوداء‪ ،‬لذا تنتفي هنا املعايري األخالقية يف النشاط‬
‫االقتصادي يف أوقات التضخم‪ ،‬ويرتتب على التضخم أيضا ظهور أسواق البائعني اليت يستطيع البائعون أن ينتجوا‬
‫ويبيعوا فيها ما يش اءون من سلع و خدمات بغض النظر عن جودهتا‪ ،‬و هذا يؤدي إىل تدهور نوعية ما ينتج‪ ،‬مما‬
‫يثري عدم رضا املواطنني و اجلماعات اليت تفقد ثقتها يف احلكومة‪ ،‬و بالتايل يؤدي التضخم إىل ضعف يف التنظيم‬
‫األساسي يف الدولة‪ ،‬و يتولد نتيجة لذلك أحيانا ثورة ضد احلكومة‪ ،‬و قد يؤدي إىل حدوث تغيريات سياسية‬
‫إضافة إىل تدهور األوضاع االقتصادية واالجتماعية‪.‬ومثال ذلك‪ ،‬التضخم الذي أصاب أملانيا يف العشرينيات من‬
‫القرن العشرين‪.‬‬
‫ويؤدي التضخم أيضا إىل إعاقة التكوين الرأمسايل‪ ،‬نتيجة تغيري اجتاهات األفراد بشكل إجباري بعيدا‬
‫عن االدخار وحنو االستهالك‪ ،‬إضافة إىل أنه يشمل نشاط املضاربات بدال من األنشطة املنتجة‪ ،‬كما أنه يعيق‬
‫تدفق االستثمارات األجنبية يف البلد واليت تعترب أساسية بالنسبة للدول النامية‪.19‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬السياسات املعاجلة للتضخم‬
‫إن اإلجراءات الالزمة والكفيلة مبعاجلة التضخم ميكن تقسيمها إىل ثالث أقسام مهمة واملتمثلة يف‪:‬‬
‫السياسة النقدية‪ ،‬السياسة املالية والرقابة املباشرة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السياسة النقدية يف ضبط التضخم‬
‫تتضمن وسائل السياسة النقدية السيطرة على عرض النقود بواسطة البنك املركزي‪ ،‬ويهدف‬
‫باستخدامه هلذه الوسائل إىل تقليل عرض النقود لغرض املضاربة‪ ،‬وبالتايل رفع تكاليف القروض املمنوحة من قبل‬
‫اجلهاز املصريف‪ ،‬هذا ما جيعل األفراد يقللون من رغبتهم يف االقرتاض من أجل شراء وختزين السلع الضرورية اليت‬

‫‪ 19‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪" ،‬النقود و البنوك و املصارف املركزية"‪ ،‬دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ ،2111‬ص ‪.221‬‬
‫‪64‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫تعاين من قلة العرض‪ .‬ويعتمد البنك املركزي على جمموعة من األدوات الكمية والنوعية واألدوات املساعدة‪ ،‬خاصة‬
‫سياسة السوق املفتوحة‪ ،‬وسعر إعادة اخلصم ونسبة االحتياطي القانوين‪ ،‬وغريهم من أدوات السياسة النقدية‪.20‬‬
‫وميكن إلقاء الضوء على بعض السياسات النقدية يف ضبط التضخم واليت جند منها‪:21‬‬
‫أ‪ -‬أدوات الرقابة الفنية غري املباشرة‬
‫و يقسم سامسولون ‪ Samsulon‬أدوات الرقابة الفنية اليت ميارسها يف التأثري على حجم النقد‬
‫واالئتمان إىل أربعة أقسام و هي‪ :‬سعر اخلصم‪ ،‬عمليات السوق املفتوحة‪ ،‬نسب االحتياطي القانوين‪ ،‬الودائع‬
‫اخلاصة و احلد األقصى لسعر الفائدة‪.‬‬
‫ومتثل هذه األدوات وسائل تقليدية يتبعها البنك املركزي يف مراقبة كمية النقد واالئتمان والتأثري يف‬
‫السياسات االئتمانية جلميع املصارف التجارية بصفة موضوعية‪ ،‬وعلى سوق األوراق املالية يف حالة سياسة السوق‬
‫املفتوحة‪ .‬فمثال الرفع من سعر اخلصم يؤدي إىل الزيادة من حجم اإلنفاق الكلي يف حالة تقييد االئتمان و بالتايل‬
‫مكافحة التضخم‪ ،‬وما ينطبق على سعر اخلصم ينطبق على سعر الفائدة‪ ،‬بينما جند أن زيادة نسبة االحتياطي‬
‫اإلجباري سوف تقلل من املضاعف النقدي وبالتايل قدرة البنوك التجارية يف التوسع يف اإلقراض‪ ،‬مما يقلل النقود‬
‫املعروضة يف السوق وهبذا ينخفض معدل التضخم و تتدخل الدولة يف عمليات السوق املفتوحة للتأثري على كمية‬
‫النقود املعروضة وبالتايل التحكم يف التضخم وذلك من خالل شراء و بيع السندات املختلفة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أدوات الرقابة الفنية املباشرة‬
‫وحتقق الرقابة النقدية الفنية املباشرة أهدافها يف احلد من ظاهرة التضخم من خالل مايلي‪:22‬‬
‫‪ -‬العمل على توفري وسائل ائتمان واقية مبا يف ذلك التمويل عن طريق العجز يف امليزانية احلكومية‪.‬‬
‫‪ -‬تعمل على ختفيض كلفة التمويل النقدي عموما تشجيعا لالستثمار بشرط أن تتكيف أسعار الفائدة بشكل‬
‫يتالءم مع الظروف اخلاصة بالقطاعات املراد متويلها‪.‬‬
‫‪ -‬تؤدي للحد من امليل حنو التوسع يف اإلنفاق االستهالكي لتصحيح مسار التمويل وصرفه عن االجتاه حنو بعض‬
‫األنواع من االستثمارات اليت تالقي معاملة تفضيلية كالصناعات االستهالكية مثال‪.‬‬
‫‪ -‬فرض أسعار خصم انتقائية حيث يستطيع البنك املركزي فرض أسعار إعادة خصم مناسبة منخفضة على أنواع‬
‫معينة من األوراق املالية‪.‬‬
‫‪ -‬إعطاء البنوك التجارية اخليار يف استبدال نسب معينة من متطلبات االحتياطي النقدي القانوين بأنواع معينة من‬
‫القروض واالستثمارات‪.‬‬
‫‪ -‬وضع حدود عليا انتقائية لالستثمار النقدي إلجبار البنوك التجارية على توسيع االئتمان لقطاعات معينة‪.‬‬

‫‪ 20‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.150-155‬‬


‫‪ 21‬سعيد سامي احلالق‪ /‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.225-225‬‬
‫‪ 22‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.225-222‬‬
‫‪65‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫‪ -‬وضع أسعار فائدة قصوى على بعض أنواع القروض تشجيعا لنوع منها دون غريه‪.‬‬
‫‪ -‬املوافقة املسبقة على بعض أنواع و مقادير القروض و خاصة طويلة األجل‪.‬‬
‫‪ -‬فرض إعفاءات انتقائية من التقييدات الشديدة للرقابة االئتمانية العامة‪.‬‬
‫وميكن مكافحة ظاهرة التضخم من خالل تبين احلكومة ألدوات تكميلية للسياسة النقدية كهوامش‬
‫الضمان املطلوبة‪ ،‬ومراقبة االئتمان االستهالكي (أي البيع بالتقسيط)‪ ،‬والرقابة على االئتمان العقاري‪ ،‬وسياسة‬
‫املقاصة من البنوك‪ ،‬وهناك أدوات بديلة للسياسة النقدية قد تساهم يف احلد من التضخم كالرقابة املادية على‬
‫االئتمان‪ ،‬والتحكم يف التسعرية اإلجبارية‪ ،‬واستخدام البطاقات‪ ،‬واستخدام الرخص الالزمة للحصول على املوارد‬
‫األولية‪ ،‬وحتديد حصص الواردات وتنويعها والرقابة على الصرف‪.‬‬
‫وتكمن صعوبة استخدام أدوات السياسة النقدية في مواجهة ظاهرة التضخم في المسائل التالية‪:23‬‬
‫‪ -‬إذا قامت احلكومة بتقليص حجم الكتلة النقدية قبل الوصول إىل حالة التشغيل التام يؤدي إىل ارتفاع سعر‬
‫الفائدة والتقليص من حجم االستثمارات‪ ،‬واخنفاض مستوى الدخل‪ ،‬ويرتتب عن اخنفاض اإلنتاج ارتفاع األسعار‪.‬‬
‫‪ -‬إن ارتفاع سعر الفائدة سيؤدي إىل ارتفاع قيمة القروض اليت ميكن أن حيصل عليها اجلمهور مما يطرح‬
‫مشكالت جديدة أمام احلكومة‪.‬‬
‫‪ -‬إن اخنفاض أسعار األوراق املالية (السندات) نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة سيعرض أصحاهبا إىل اخلسارة مما‬
‫سيثري سخطهم على السياسة النقدية‪.‬‬
‫‪ -‬قد تسمح السلطات النقدية باستمرار ارتفاع األسعار حىت بلوغ االقتصاد التشغيل الكامل‪ ،‬حيث تتدخل‬
‫احلكومة للحد من ارتفاع األسعار‪ ،‬إال أنه يف هذه احلالة ستواجه السياسة النقدية مشكلة حتديد أو معرفة مستوى‬
‫التشغيل الكامل‪.‬‬
‫بواسطة هذه الوسائل الكمية‪ ،‬فإن البنك املركزي يستطيع حتديد احلجم األمثل لالئتمان والقروض‬
‫املمنوحة من قبل البنوك التجارية خالل فرتة معينة‪ ،‬أي العمل على تنظيم عرض االئتمان مبا خيدم السياسة‬
‫االقتصادية االنكماشية اليت تتبعها الدولة يف فرتات التضخم‪ ،‬بينما األدوات النوعية تنظم الطلب على االئتمان‬
‫أي تدخل البنك يف تبيان شروط وكيفية استخدام االئتمان و تبيان الكيفية اليت جيب على البنوك التجارية منح‬
‫االئتمان مبوجبها وهي تتمثل خاصة فيما يلي‪:24‬‬
‫‪ -‬سياسة سعر الفائدة‪ :‬يف حالة التضخم يتدخل البنك املركزي ليحدث التوازن عن طريق سعر الفائدة‪ ،‬حيث‬
‫يقوم برفع هذه األخرية على القروض االستهالكية للحد منها‪.‬‬
‫‪ -‬سياسة البيع بالتقسيط‪ :‬تعتمد هذه السياسة على ثالثة عناصر‪ ،‬احلصة األوىل‪ ،‬احلصص املتبقية وسعر الفائدة‪.‬‬

‫‪ 23‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.151-150‬‬


‫‪ 24‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪66‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫‪ -‬اإلقناع األد؛ي‪ :‬يقوم البنك املركزي بتوجيه االقرتاحات واإلجراءات املتعلقة بكيفية تصرف البنوك التجارية‬
‫باحتياطاهتا وودائعها‪ ،‬والبد على البنوك التجارية اإللزام هبا‪ ،‬ففي حالة التضخم ترفع أسعار الفائدة على القروض‬
‫املمنوحة لغرض ختفيض مستويات األسعار والطلب الكلي إىل املستوى الالزم و املعقول‪.‬‬
‫‪ -‬سياسة اإلجازات و العقوبات‪ :‬مينح البنك املركزي امتيازات وإجازات لبعض البنوك‪ ،‬كما قد تكون له عقوبات‬
‫صارمة يفرضها على البنوك اليت ال تلتزم بسياسته‪ ،‬فقد تصل إىل إقصاء البنوك اليت ال تلتزم بقراراته‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬السياسة املالية يف ضبط التضخم‬
‫عندما ال تنجح احلكومات املعاصرة يف مواجهة الضغوطات التضخمية عن طريق إجراءات السياسة‬
‫النقدية فإهنا تكون ملزمة باستخدام جمموعة من وسائل وأدوات السياسة املالية‪ ،‬ومن أهم تلك األدوات مايلي‪:25‬‬
‫أ‪-‬الرقابة الضريبية‬
‫تعترب فكرة الرقابة الضريبية جزء من السياسات املالية العامة يف التحكم يف عوامل اإلنفاق العام‪،‬‬
‫وإحدى املتغريات اليت تستخدمها سياسة امليزانية يف الرقابة على التضخم والكساد حبيث تشكل دعامة كربى من‬
‫دعائم سياسة امليزانية يف مواجهة التقلبات االقتصادية‪.‬‬
‫يف حالة قصور اإلنفاق اخلاص تقتضي سياسة الرقابة الضريبية زيادة اإلنفاق خبفض معدالت الضريبة‬
‫سواء على األرباح لرفع معدالت اإلنفاق االستثماري‪ ،‬أو على االستهالك لرفع معدالت اإلنفاق االستهالكي‬
‫وترك جزء أكرب من الدخول النقدية بني األفراد الستخدامها يف حفز عناصر الطلب الفعلي من استهالك و‬
‫استثمار‪ .‬أما يف حالة مجوح اإلنفاق اخلاص يقتضي رفع معدالت الضريبة التصاعدية على الدخول وذلك لسحب‬
‫جزء من القوة الشرائية فيقع األفراد يف ظل معدالت أعلى من الضريبة‪ ،‬فيحجمون عن اإلنفاق إىل االدخار‬
‫الخنفاض مستويات دخوهلم مما خيفض من حدة الطلب‪ ،‬ويف نف‪ :‬الوقت يزيد من حمصالت الضريبة‪ ،‬وهذا ما‬
‫حيدث يف فرتات التضخم‪ ،‬غري أن سياسة الرقابة الضريبية غري مرنة لعدم قدرهتا على التكيف والتالؤم مع تعدد‬
‫امليزانيات وتغرياهتا ألكثر من مرة يف العام‪.‬‬
‫إن ارتفاع التكلفة الضريبية قد يضعف من حوافز اإلنتاج االستهالكي واالستثماري ما دام الناتج من‬
‫األرباح سيقتطع يف شكل ضرائب‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرقابة على الدين العام‬
‫تساهم رقابة الدين العام يف إدارة التحويالت املالية وتوجيه اإلنفاق اإلنتاجي بتجميد القوة الشرائية‬
‫الزائدة يف األسواق واستخدامها يف متويل امليزانية‪ .‬فالسياسة املالية يف رقابتها على الدين العام تعمل على سد‬
‫العجز يف منابع التمويل‪.‬‬

‫‪ 25‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.122-151‬‬


‫‪67‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫غالبا ما تلجأ السلطات احلكومية إىل عقد القروض وطرح األسهم و السندات لالكتتاب فيها من‬
‫قبل اجلمهور‪.‬‬
‫ميكن استخدام سياسة متويل العجز املنظم بالقروض يف البلدان النامية نظرا لضعف معدالت اإلنتاج‬
‫فيها أو عدم التوظيف الكامل للعناصر اإلنتاجية إال أنه قد يرتتب عنها ارتفاع األسعار خاصة إذا كان التمويل‬
‫باإلصدار النقدي‪ .‬إن ما حيد من سياسة القروض يف الدول النامية‪ ،‬ضيق األسواق املالية وما جيري فيها من‬
‫معدالت ومبادالت للسندات احلكومية بيعا و شراءا و بالقدر الكايف مما يتطلب زيادة يف تعبئة االدخار‬
‫االختياري غري املتوفر وانصراف القادرين على توظيف أمواهلم يف توسيع مشاريعهم أو مشاريع جديدة أكثر رحبا‬
‫من توظيفها يف القروض احلكومية‪.‬‬
‫ج‪ -‬الرقابة على اإلنفاق العام‬
‫تباشر سياسة امليزانية تأثريها يف الرقابة على التضخم واالنكماش من خالل اإلنفاق احلكومي سواء‬
‫االستهالكي أو االستثماري برفع معدالته أو ختفيضها حسب األحوال االقتصادية السائدة‪ ،‬ويقصد باإلنفاق‬
‫احلكومي اإلنفاق املباشر الذي متارسه السلطات احلكومية عن طريق الضريبة‪.‬‬
‫تكرس سياسة اإلنفاق احلكومي يف إحداث العجز أو فائض يف امليزانية للتحكم يف الضغوط‬
‫التضخمية أو االنكماشية على أن يؤخذ بعني االعتبار ظروف النشاط االقتصادي يف البلدان النامية من حيث‬
‫ممارسة احلكومة سياستها االنفاقية‪ ،‬يف حالة التضخم تقوم بإنقاص اإلنفاق احلكومي باستحداث فائض يف امليزانية‬
‫يؤثر به على أوجه اإلنفاق األخرى‪ ،‬لذا جبب التفريق بني نوعي اإلنفاق العام حيث تكون الرقابة بالتقليل من‬
‫حجم االستهالك أقوى أثر و أكثر مفعوال من التأثري يف حجم االستثمار‪ .‬ميكن القول أن سياسة تقييد اإلنفاق‬
‫احلكومي يف معاجلة التضخم تتعارض مع السياسة التنموية و ضرورة التنمية يف البلدان النامية‪.‬‬
‫ورغم االنتقادات اليت تعرضت هلا السياسة املالية إال أهنا أثبتت فعاليتها كوسيلة عالجية لألزمات‬
‫االقتصادية املختلفة خاصة يف حالة الكساد لتمتع أدواهتا بتأثري فعال يف التحكم بالظواهر التضخمية‪ ،‬إال أن‬
‫تكاثف السياسات االقتصادية املالية و النقدية كفيلتان مبعاجلة األزمات‪ ،‬فيمكن معاجلة ارتفاعات األسعار‬
‫بتخفيض حجم الطلب الفعلي بزيادة اإليرادات عن طريق االكتتاب بالقروض العامة المتصاص فائض القوة‬
‫الشرائية‪ ،‬ويف نف‪ :‬الوقت ميكن استخدام السياسة النقدية بتقليل حجم االئتمان و بتقييد شروط منحه و رفع‬
‫تكلفة منحه‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الرقابة املباشرة و إجراءات أخرى‬
‫يقصد بالرقابة املباشرة تلك اإلجراءات التنظيمية اليت تتخذ هبدف حتويل التضخم املفتوح إىل‬
‫مراقب‪ ،‬و تتضمن إجراءاهتا التنظيمية املباشرة على األسعار النادرة باستخدام نظام البطاقات‪ ،‬و يهدف نظام‬
‫الرقابة هذا إىل حتديد حد أقصى ألسعار بعض السلع ال ميكن جتاوزه‪ ،‬وعند حتديد هذا احلد فذلك يعين أن‬
‫األسعار لن يسمح هلا باالرتفاع أكثر وبالتايل ضغط التضخم‪ ،‬ونتيجة لذلك فإنه ويف حالة وجود فائض طلب‬
‫‪68‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫على السلع واخلدمات فال يستطيع املنتجون رفع أسعارهم حتت أي ظرف كان‪ ،‬األمر الذي عارضه "كينز" الذي‬
‫يرى يف سياسة حتديد األسعار عدم القدرة على حتقيق التوازن بني القوة الشرائية والسلع املتوافرة يف السوق‪ ،‬و هي‬
‫يف رأيه بديل للتضخم القدمي‪ ،‬ويقرر أن الرقابة على األسعار لن تكون فعالة إال إذا صاحبتها قيود على مقدار‬
‫القوة الشرائية‪ ،‬و يرى )‪ (Kurihara‬أن سياسة الرقابة على األسعار تصبح جمدية إذا ما أخذ بعني االعتبار‬
‫الصعوبات اإلدارية يف تطبيق األسعار اإلجبارية و القيود القانونية ضد السوق السوداء‪ .‬ويؤكد "كينز" أن نظام‬
‫البطاقات يسئ إىل مبدأ سيادة املستهلك‪ ،‬حيث يؤدي إىل ضياع الكثري من املوارد‪ ،‬ويقرتح )‪ (Kurihara‬تطبيق‬
‫برنامج للبطاقات يهدف إىل حتويل االستهالك الكلي عن بعض األصناف اليت يكون‬
‫عرضها أقل من العادي بدال من مراقبة االستهالك‪ ،‬واقرتح أيضا إنتاج السلع الضرورية بدال من السلع الكمالية‬
‫كإجراء مضاد للتضخم لتبقى األسعار بعيدة عن االرتفاع بسرعة‪.‬‬
‫والرقابة على األجور أمر ضروري إليقاف ارتفاع األسعار واألجور وحتديد حد أقصى لألجور و‬
‫األرباح‪ ،‬مما يؤدي إىل ختفيض الدخل املتاح‪ ،‬و بالتايل ختفيض الطلب الكلي الفعال للسلع واخلدمات‪ ،‬ويف بعض‬
‫احلاالت فإن ختفيض القيود على املستوردات قد يؤدي إىل زيادة عرض السلع األساسية وختفيض الضغوط‬
‫التضخمية‪ ،‬ويعتمد ذلك على حالة ميزان املدفوعات‪ ،‬وقد ختفض الصادرات هبدف زيادة العرض احمللي من أجل‬
‫ختفيض الضغوط التضخمية‪ ،‬حيث أن البلد الذي يعاين من عجز يف امليزان التجاري أو ميزان املدفوعات سوف‬
‫لن جيرأ على ختفيض الصادرات و زيادة املستوردات ألن العالج يف هذه احلالة يكون أسوء من املرض نفسه‪ .‬والبد‬
‫من التأكيد هنا أنه ويف حالة الكساد و البطالة البد أن تتضمن الرقابة على األجور حتقيق نوع من العمالة يتالءم‬
‫مع حجم الطلب الفعال الكايف لتحقيق ذلك النوع من العمالة‪ ،‬حيث يرتتب على زيادة األجور زيادة يف الدخول‬
‫النقدية اليت تؤدي إىل زيادة اإلنفاق الكلي (الطلب الفعلي)‪ ،‬وهذا بدوره ينعش احلركة يف االقتصاد الوطين ويرفع‬
‫من مستوى العمالة الكاملة‪.26‬‬

‫‪ 26‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.231-231‬‬


‫‪69‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫املبحث الثالث‪ :‬النظريات املفسرة للتضخم‬


‫ختتلف النظريات النقدية يف تفسريها ملصدر القوى التضخمية الدافعة الرتفاع األسعار املتواصل‪،‬‬
‫وللتعرف على املصادر املختلفة للقوى التضخمية‪ ،‬نتعرض ملختلف النظريات النقدية اليت حاولت إعطاء تفسري‬
‫مقنع عن التضخم‪.27‬‬
‫املطلب األول‪ :‬النظرية النقدية التقليدية لتفسري التضخم‬
‫يرى أنصار النظرية الكمية أن الزيادة يف كمية النقد املتداول يف السوق هي سبب ظهور البوادر‬
‫التضخمية‪ .‬مبعىن آخر‪ ،‬كلما طرحت يف السوق كميات من النقود املتداولة كلما ارتفعت األسعار اليت تنم عن‬
‫حصول ظاهرة تضخمية يف اجملتمع و تفسري ذلك من خالل معادلة "فيشر" ومعادلة "كامربيدج"‪ .‬ورغم أمهية‬
‫تطوير معادلة التبادل ل "فيشر" كمعرب عن النظرية الكمية إال أن مدرسة "كامربيدج" مل ختتلف على املدى‬
‫القصري عن النظرية الكمية الكالسيكية يف إطار معادلة للتبادل اليت تربط بعالقة طردية بني املستوى العام لألسعار‬
‫وكمية النقود‪ .‬فعلى املدى القصري يرتتب عن زيادة عرض النقود على الطلب عليها ارتفاع متناسب يف املستوى‬
‫العام لألسعار‪ .‬غري أن العالقة بني كمية النقود و املستوى العام لألسعار اليت تضمنها هذه النظرية ليست‬
‫بالبساطة اليت تصورهتا‪ ،‬فقد ترتفع األسعار ألسباب ال عالقة لزيادة كمية النقود فيها‪ ،‬ذلك أن أزمة الكساد‬
‫(‪ )7511-7595‬أثبتت عدم صحة هذا التحليل للتضخم‪ ،‬إذ مل تؤدي زيادة كمية النقد الذي أصدرته احلكومة إىل‬
‫ارتفاع األسعار‪ ،‬بسبب ازدياد التفضيل النقدي لألفراد الذين كانوا يتوقعون اخنفاضا أكثر لألسعار‪ ،‬وهذا ما‬
‫يوضح أن النقود تطلب لذاهتا زيادة على كوهنا وسيلة للتبادل‪.‬‬
‫ورغم هذه االنتقادات فإن هذه النظرية استطاعت أن تفسر االرتفاع التضخمي يف األسعار حتت‬
‫ظروف معينة يتحقق فيها قدر كبري من افرتاضاهتا‪ ،‬و خاصة يف البلدان النامية حيث مجود جهازها اإلنتاجي يقرهبا‬
‫من ثبات الناتج الوطين‪.‬‬
‫وقد حاولت املدرسة الكالسيكية من خالل نظريتها الكمية أن تفسر ظاهرة التضخم عن طريق حتديد‬
‫الكيفية اليت مبوجبها حيدد تقرير املستوى العام لألسعار و التقلبات اليت تطرأ وفقا الفرتاضات النظرية فإن ثبات‬
‫سرعة تداول النقود و حجم التداول سيؤدي إىل تغري املستوى العام لألسعار بنف‪ :‬نسبة كمية النقود املعروضة يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬و بالتايل فإن املستوى العام لألسعار سوف يرتفع تبعا الرتفاع كمية النقود املتداولة املعروضة و على‬
‫عك‪ :‬ذلك فإن اخنفاض مستوى األسعار يكون بسبب اخنفاض كمية النقود املتداولة‪ ،‬و يتضح ذلك رياضيا من‬
‫خالل معادلة فيشر املشهورة‪:‬‬
‫𝑇𝑃 = 𝑉 ‪𝑀.‬‬
‫حيث أن‪:‬‬
‫‪ :M‬كمية النقود املتداولة‪.‬‬

‫‪ 27‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.145-141‬‬


‫‪70‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫‪ :V‬سرعة دوران النقود‪.‬‬


‫‪ :P‬املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫‪ :T‬حجم املبادالت أو املعامالت‪.‬‬
‫أي أن مستوى األسعار العام ميكن صياغته رياضيا على النحو التايل‪:‬‬
‫𝑉𝑀‬
‫=𝑃‬
‫𝑇‬
‫‪ V‬و‪ T‬فإن‪:‬‬ ‫ومبا أن النظرية تفرتض ثبات كل من‬
‫𝑉‬
‫=𝑃‬
‫𝑇‬
‫𝑉‬
‫𝑀𝛥 = 𝑃𝛥‬
‫𝑇‬
‫وميكن توضيح ذلك بالرسم من خالل تبيان العالقة بني كمية النقود املعروضة واملستوى العام لألسعار‬
‫على النحو التايل‪:28‬‬
‫الشكل رقم (‪ :)7-9‬منحىن كمية النقود املعروضة بداللة املستوى العام لألسعار‬

‫‪P‬‬
‫‪P3‬‬

‫‪P2‬‬

‫‪P1‬‬

‫‪M1‬‬ ‫‪M2‬‬ ‫‪M3‬‬ ‫‪M‬‬

‫املصدر‪ :‬سعيد سامي احلالق‪ ،‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫يتبني من الشكل (‪ )1-2‬أنه عندما كان املعروض من النقود يساوي ‪ ،M1‬كان مستوى األسعار هو ‪،P1‬‬
‫وعندما ارتفع املعروض النقدي إىل ‪ M2‬ازدادت مستويات األسعار إىل ‪ ،P2‬وإن نسبة التغري يف النقود املعروضة‬
‫هي مساوية لنسبة التغري يف مستوى األسعار و بنف‪ :‬االجتاه‪ ،‬أي أن تغري الطلب على النقود وبافرتاض ثبات‬
‫كمية النقود و حجم الناتج القومي سوف يرفع مستوى األسعار من ‪ P1‬إىل ‪ P2‬مثال‪.‬‬
‫وترى النظرية الكالسيكية أن التوسع النقدي هو تضخمي بطبيعته فهو يفرض ضريبة على كل ما‬
‫حيتفظ بأرصدته النقدية عند ارتفاع األسعار الناشئ عن التضخم‪ ،‬حيث أن زيادة العرض النقدي سوف يؤدي إىل‬
‫زيادة الطلب الكلي على االرتفاع‪ ،‬أما العرض الكلي للسلع واخلدمات فهو ثابت‪ ،‬لذا ترتفع أسعاره وتنخفض‬

‫‪ 28‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.211-110‬‬


‫‪71‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫قيمة النقود ويسرع األفراد للتخلص منها بشراء السلع حىت ال يدفعوا ضريبة التضخم عن االحتفاظ بالنقد مما‬
‫يرتتب عليه إعادة توزيع األرصدة النقدية بني األفراد والسلطات احلكومية‪ .‬ويشرتط الكالسيكيون أن االدخار هو‬
‫شرط مسبق لالستثمار‪ ،‬وتؤكد هذه النظرية على الدور السليب للتضخم يف عملية رفع معدالت االدخار‬
‫والرتاكمات الرأمسالية وحصرها يف حركات سعر الفائدة وخفض االستهالك‪ ،‬أما دور االستهالك يف متويل النفقات‬
‫العامة عن طريق اإلصدار اجلديد فريى الكالسيكيون على سلبية التضخم يف حتفيز االستثمارات ومضاعفة حجم‬
‫االستثمار و اإلنتاج املولدة للدخول‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬النظرية الكينيزية لتفسري التضخم‬
‫ميكن أن نسمي نظرية التضخم الكينيزية بـ "نظرية فائض القيمة"‪ ،‬حيث أثار "كينز" يف نظريته‬
‫العامة أن النظرية التقليدية للنقود فشلت يف تشخيص أسباب الكساد العظيم‪ ،‬كما رفض األفكار األساسية‬
‫للتحليل الكالسيكي‪ ،‬فعند "كينز" يتحدد املستوى التوازين عند تقاطع منحىن الطلب الكلي مع منحىن العرض‬
‫الكلي‪ .‬ويتميز التحليل الكينيزي يف تفسريه للتضخم مبرحلتني أساسيتني‪:29‬‬
‫*املرحلة األوىل‪ :‬ال تكون فيها كال املواد اإلنتاجية لالقتصاد الرأمسايل الصناعي مستغلة‪ ،‬يف هذه احلالة عند زيادة‬
‫اإلنفاق الوطين بزيادة إنفاق احلكومة مثال‪ ،‬فإن ذلك سيؤدي إىل زيادة املداخيل‪ ،‬وبالتايل يزيد اإلنفاق على‬
‫االستهالك أي يزيد الطلب الكلي‪ ،‬فينعك‪ :‬ذلك على زيادة اإلنتاج‪ ،‬مما يسبب ارتفاعا بسيطا يف األسعار ألن‬
‫فائض الطلب ميتصه التوظيف واإلنتاج‪ .‬غري أنه مع زيادة اإلنفاق يتجه االقتصاد الوطين من التشغيل التام حيث‬
‫ال يقابل فائض الطلب زيادة يف اإلنتاج‪ ،‬حيث تبدأ االجتاهات التضخمية يف الظهور‪ ،‬وهذا التضخم هو‬
‫"التضخم اجلزئي" يظهر قبل الوصول إىل مستوى التشغيل التام‪ ،‬وسببه هو عجز بعض عناصر اإلنتاج عن مواجهة‬
‫الطلب املتزايد عليها و ضغوط نقابات العمال على أصحاب األعمال لرفع األجور‪ ،‬و كذا املمارسات االحتكارية‬
‫لبعض املنتجني‪ ،‬وهذا التضخم ال يثري املخاوف ألنه حيفز على زيادة اإلنتاج بسبب ارتفاع األرباح‪.‬‬
‫*املرحلة الثانية‪ :‬وهي مرحلة التشغيل التام حيث تكون الطاقات اإلنتاجية قد وصلت إىل أقصى حد من تشغيلها‪،‬‬
‫فإذا افرتضنا أي زيادة يف الطلب الكلي ال تنجح يف إحداث أي زيادة يف اإلنتاج أو العرض الكلي للسلع و‬
‫اخلدمات‪ ،‬حيث تكون مرونة العرض الكلي قد بلغت الصفر‪ .‬ويسمى الفرق بني الطلب الكلي والناتج الوطين‬
‫"فائض الطلب" والذي ينعك‪ :‬على ارتفاع األسعار‪ .‬ومن املالحظ أن االرتفاع يف األسعار يستمر باستمرار‬
‫وجود فائض الطلب "القوة التضخمية" ويسمي "كينز" هذا التضخم "التضخم البحت"‪ .‬ويف تقييم للتحليل‬
‫الكينيزي للتضخم‪ ،‬فإنه يعرب أكثر عن الدول الرأمسالية الصناعية اليت تتميز بقطاع صناعي ضخم وأسواق عالية‬
‫الكفاءة‪ ،‬و هذا ما خيلق فائضا إنتاجيا‪ ،‬وال يعرب عن البلدان املتخلفة اليت تتميز بقصور حجم طاقتها اإلنتاجية‪،‬‬
‫وناتج وطين قريب من الثبات‪ ،‬مما جيعل النظرية الكمية أكثر تعبريا عنها‪.‬‬

‫‪ 29‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.144-143‬‬


‫‪72‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫ورغم ذلك فإن هذه النظرية تلقي الضوء على االختالل بني قوى الطلب الكلي وقوى العرض‬
‫الكلي‪ ،‬وهو أمر مهم للبلدان النامية واملتقدمة‪.‬‬

‫وميكن توضيح ذلك من خالل الشكل التايل‪:30‬‬


‫الشكل (‪ :)9-9‬التضخم عند كينز‬
‫سعر الفائدة‬ ‫)‪LM(P2‬‬

‫‪IS1‬‬ ‫‪IS2‬‬ ‫)‪LM(P1‬‬

‫‪r2‬‬

‫‪r1‬‬

‫‪Q1‬‬ ‫‪Q2‬‬ ‫الدخل احلقيقي‬

‫املصدر‪ :‬ضياء اجمليد املوسوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬


‫يفرتض الشكل أعاله حتقيق التوظيف التام لعوامل اإلنتاج عند مستوى إنتاج ‪ ، Q1‬و يتحقق التوازن العام‬
‫عند توازن سوق السلع و سوق النقد يف نقطة تقاطع )‪ LM(P1‬مع ‪ IS1‬حيث يكون عندها الناتج ‪ Q1‬بسعر‬
‫الفائدة ‪ r1‬ومستوى األسعار ‪ ،P1‬بافرتاض زيادة الطلب الكلي ممثال يف انتقال املنحىن ‪ IS1‬إىل ‪ IS2‬ومن مث‬
‫حصول فائض يف الطلب قدره )‪ ،(Q2-Q1‬يؤدي إىل ارتفاع املستوى العام لألسعار و متسببا يف االخنفاض احلقيقي‬
‫للنقود‪ ،‬و بالتايل انتقال منحىن )‪ LM(P1‬إىل )‪ ،LM(P2‬حيث يتحقق التوازن العام مرة أخرى‪ ،‬ولكن عند مستوى‬
‫سعر فائدة أعلى ومستوى عال من األسعار‪ ،‬مع ثبات حجم الناتج عند مستواه السابق‪.‬‬
‫إن التحليل الكينيزي يقرر أن التضخم هو مؤشر على ضعف الطاقة اإلنتاجية عن استيعاب فوائض‬
‫الطلب الكلية‪ ،‬وهو بذلك يتحدد بعوامل ثالث‪:31‬‬
‫‪ -1‬فوائض الطلب الكلية االجيابية‪ :‬تعرب عن الفرق يف زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي‪.‬‬
‫‪-2‬فوائض العرض الكلي السلبية‪ :‬وهي تعرب عن عدم مرونة العرض الكلي يف مواجهة الطلب الكلي املرتفع (أي‬
‫عدم املرونة بني السلع املستهلكة وبني اإلنفاق الكلي املتزايد)‪.‬‬

‫‪ 30‬ضياء اجمليد املوسوي‪" ،‬اقتصاديات النقود و البنوك"‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬مصر ‪ ،2112‬ص ص ‪.222-221‬‬
‫‪ 31‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪73‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫‪ -3‬مستويات العمالة و التشغيل املتحققة‪ :‬وهي تعرب عن مستويات التضخم املرتفعة كلما كان التشغيل يف‬
‫ظروف اقرب إىل االكتمال‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬النظرية املعاصرة لتفسري التضخم‬
‫أعادت مدرسة شيكاغو بزعامة " ميلتون فريدمان" النظرية الكمية إىل احلياة يف صورة جديدة‪،‬‬
‫وانتشار هذه النظرية يف الواقع ال يرجع فقط إىل مسامهات "فريدمان" يف هذه الصياغة اجلديدة‪ ،‬بل أيضا إىل‬
‫املناخ االقتصادي الذي ساد اقتصاديات الدول الرأمسالية يف السبعينيات‪ ،‬وخاصة انتشار ظاهرة التضخم الركودي‬
‫حيث صاحب االرتفاع املتواصل لألسعار تزايد معدالت البطالة‪ ،‬وهو ما يناقض منحىن "فيليب‪ .":‬وكذلك عجز‬
‫سياسات مكافحة التضخم اليت تنصح هبا النظرية الكينيزية‪ ،‬وهي الظروف اليت نشأت فيها النظرية‪ ،‬هذه النظرية‬
‫اليت تنظر إىل التضخم على أنه ظاهرة نقدية حبتة‪ ،‬وأن مصدره هو منو كمية النقود بسرعة اكرب من منو اإلنتاج‪،‬‬
‫حيث تقوم نظرية "فريدمان" على مبدأين مها‪:‬‬
‫‪ -‬املؤثر يف املستوى العام لألسعار هو تطور التغري يف النسبة بني كمية النقود وبني الناتج‪ ،‬أي نصيب الوحدة من‬
‫الناتج الوطين من كمية النقود‪ ،‬ولي‪ :‬جمرد تطور كمية النقود‪.‬‬
‫‪ -‬التغري الذي يطرأ على سرعة دوران النقود أو التفضيل النقدي كمعرب عن األرصدة النقدية اليت يرغب األفراد‬
‫باالحتفاظ هبا من دخوهلم النقدية‪.‬‬
‫يتصور "فريدمان" أن التغري يف كمية النقود يدعمه تغري يف سرعة دوراهنا يف نف‪ :‬االجتاه‪ ،‬وينعك‪:‬‬
‫إمجايل أثر التغري يف كمية النقود وسرعة دوراهنا يف إحداث تغري يف كل من الناتج الوطين واألسعار بنسب متفاوتة‪.‬‬
‫ونلخص من هذا أن مصدر االرتفاع التضخمي يف النظرية املعاصرة لكمية النقود‪ ،‬يرجع إىل زيادة‬
‫الرصيد النقدي يف اجملتمع عن "احلجم األمثل" الذي حيقق االستقرار يف املستوى العام لألسعار‪.32‬‬
‫وترى هذه املدرسة أن سبب االختالالت يرجع إىل مكونات دالة الطلب على النقود و لي‪ :‬عرض‬
‫النقد الذي تتحكم فيه السلطات النقدية‪ ،‬أما الطلب على النقود فهو يصعب التحكم فيه حيث تشمل متغريات‬
‫عديدة كما يقول "فريدمان"‪ ،‬كسعر الفائدة احلايل واملتوقع‪ ،‬ومعدل التضخم‪ ،‬ومستوى الدخل القومي‪ ،‬ومستوى‬
‫الثروة املادية على صيغة أصول ثابتة أو نقدية‪ ،‬وميكن تلخيص دالة الطلب على النقود رياضيا (كما يراها‬
‫فريدمان) على النحو التايل‪:33‬‬
‫)𝑢 ‪𝑀 = 𝑓(𝑃, 𝑅𝑏, 𝑅𝑒, 1⁄𝑝 , 𝑑𝑝⁄𝑑𝑡 , 𝑊,‬‬
‫ويوضح ذلك بيانيا من خالل الشكل التايل‪:34‬‬

‫‪ 32‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.145-142‬‬


‫‪ 33‬نف‪ :‬املرجع‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ 34‬سعيد سامي احلالق‪ /‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع السابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪74‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫الشكل (‪ :)1-9‬منحىن التضخم عند النقديني‬

‫‪1‬‬
‫𝑃‬
‫‪Ms1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪(𝑃)1‬‬ ‫‪Ms2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪(𝑃)2‬‬ ‫‪Md‬‬

‫‪0‬‬
‫‪M1‬‬ ‫‪M2‬‬ ‫‪M‬‬
‫املصدر‪ :‬سعيد سامي احلالق‪ ،‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪1‬‬
‫يتضح من الرسم أعاله أن احملدد الرئيسي ملستوى األسعار ) ( هو كمية النقود‪ ،‬أي أن زيادة عرض‬
‫𝑃‬
‫(الكمية) النقود من ‪ MS1‬إىل ‪ MS2‬سوف يزيد مستوى األسعار من (‪ )P1‬إىل (‪ )P2‬فيسارع كنتيجة لذلك األفراد‬
‫الستبدال أرصدهتم النقدية بأصول حقيقية‪ ،‬لذا يقرر "فريدمان" أن التضخم املتوقع يتحدد بزيادة كمية النقود‬
‫باعتبار أن مستويات األسعار تتغري بصورة متناسبة مع التغري يف عرض النقد‪ ،‬وأن معكوس املستوى العام لألسعار‬
‫) ‪ (𝑃1‬ميثل قيمة النقود‪ ،‬أي أن قيمة النقود أو املستوى العام لألسعار يتحدد بكمية النقود املعروضة‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬منحىن فيليب‪ :‬بني التحليلني الكينيزي و النقدي‬
‫مسي املنحىن هبذا االسم نسبة إىل العامل )‪ (A.W.Philips‬الذي كان أول من درس العالقة بني معدل‬
‫الزيادة يف األجور ومعدل البطالة يف االقتصاد الوطين‪ ،‬وذلك يف سنة ‪ ،7591‬ومنحىن فيليب‪ :‬يوضح العالقة بني‬
‫نسبة الزيادة يف األجور ونسبة الزيادة يف البطالة‪ .‬و يقرتح املنحىن أن نسبة مرتفعة كافية من البطالة تكون مطلوبة‪،‬‬
‫وذلك لتحقيق استقرار غري تضخمي يف املستوى العام لألسعار‪ ،‬أي أن تضخم دفع األجور ميكن القضاء عليه لو‬
‫أن اجملتمع كان على استعداد لقبول نسبة مرتفعة من البطالة‪ ،‬وإن ارتفاع األجور ال يعد دائما تضخما إال إذا مل‬
‫يصاحبه زيادة يف اإلنتاجية‪.35‬‬

‫‪ 35‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.210-215‬‬


‫‪75‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫فميل املنحىن سالب نظرا لالرتباط العكسي بني التضخم والبطالة‪ .‬فمثال تستطيع احلكومة احملافظة‬
‫على املعدالت املنخفضة للبطالة و لكن هذا يعين بأن تقبل هذا االختيار والذي يتمثل يف تعرض االقتصاد‬
‫ملعدالت مرتفعة للتضخم‪.36‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التحليل الكينيزي‬
‫يرى الكينيزيون أن زيادة الطلب الكلي يف املدى القصري نتيجة زيادة احد مكوناته ( كاالستثمار أو‬
‫االستهالك أو اإلنفاق احلكومي أو صايف التجارة اخلارجية) يؤدي إىل ارتفاع مستوى األسعار وزيادة اإلنتاج‬
‫والتوظيف يف االقتصاد الوطين‪ ،‬أي أن معدل البطالة يقل وبالتايل فإن هناك عالقة عكسية بني معدل البطالة‬
‫ومعدل التضخم يف املدى القصري‪ .‬ويف املدى الطويل فإن زيادة األجور النقدية سوف تنقل منحىن عرض العمل‬
‫يسارا وبالتايل التأثري سلبا على منحىن العرض الكلي الذي ينتقل هو اآلخر لليسار حىت يعود معدال التضخم و‬
‫البطالة إىل وضعهما األصلي‪ ،‬و ميكن بيان ذلك بواسطة الرسم البياين التايل‪:37‬‬

‫الشكل (‪ :)9-9‬سوق السلع و اخلدمات‬ ‫الشكل (‪ : )4-9‬سوق العمل‬

‫‪P‬‬ ‫‪AS2‬‬ ‫‪W‬‬ ‫‪NS2‬‬

‫‪AS1‬‬ ‫‪NS1‬‬
‫‪P2‬‬ ‫‪AS0‬‬ ‫‪W2‬‬ ‫‪NS0‬‬

‫‪P1‬‬ ‫‪W1‬‬

‫‪P0‬‬ ‫‪AD2‬‬ ‫‪W0‬‬ ‫‪ND2‬‬

‫‪AD0 AD1‬‬ ‫‪ND0‬‬ ‫‪ND1‬‬

‫‪Y0‬‬ ‫‪Y‬‬ ‫‪N0‬‬ ‫‪N‬‬

‫املصدر‪ :‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.210‬‬

‫يتضح من الشكل أعاله أنه يف املدى الطويل إذا زاد الطلب الكلي من ‪ AD1‬إلى ‪ AD0‬فإن مستوى‬
‫‪P2‬‬ ‫األسعار ارتفع من ‪ P1‬إلى ‪ ، P0‬و عندما ارتفع الطلب الكلي إىل ‪ AD2‬رافقه ارتفاع يف مستوى األسعار إىل‬
‫وللحفاظ على مستوى اإلنتاج و العمالة عند مستواها األصلي فالبد من اخنفاض حيدث يف العرض الكلي‬
‫بالتدريج من ‪ AS0‬إىل ‪ AS1‬مث إىل ‪ AS2‬وقد جاء ذلك نتيجة الخنفاض عرض القوى العاملة من ‪ NS0‬إىل ‪NS1‬‬

‫‪ 36‬امحد رمضان نعمة اهلل‪/‬إميان عطية ناصف‪/‬حممد سيد عابد "النظرية االقتصادية الكلية" الدار اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2113 ،‬ص ‪.332‬‬
‫‪ 37‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.211-210‬‬
‫‪76‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫مث إىل ‪ ND2‬و نتيجة ذلك‬ ‫مث إىل ‪ NS2‬ملواكبة الزيادة احلاصلة يف الطلب على القوى العاملة من ‪ ND0‬إىل‬
‫‪ND1‬‬
‫فقد ظل مستوى العمالة عند ‪ ،N0‬و بقي مستوى اإلنتاج عند ‪.Y0‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التحليل النقدي‬


‫يعتقد النقديون أنه ويف املدى القصري إذا ما زاد عرض النقد فذلك سوف يؤدي إىل حالة غري‬
‫مستقرة على منحىن فيليب‪ :‬األصلي‪ ،‬كالنقطة )‪ (B‬مثال‪ ،‬حيث يتم االنتقال من النقطة )‪ (A‬إىل )‪ (B‬على نف‪:‬‬
‫منحىن فيليب‪ :‬كما يف الرسم التايل‪:‬‬
‫الشكل (‪ :)9-9‬منحىن فيليب‪ :‬يف املدى القصري عند النقديني‬
‫‪ P‬مستوى األسعار‬

‫‪B‬‬

‫‪O‬‬ ‫‪A‬‬ ‫البطالة ‪U‬‬

‫‪SP‬‬
‫املصدر‪ :‬سامي سعيد احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫ويف املدى الطويل فإن موردي القوى العاملة يتوقعون املزيد من التضخم و ارتفاع األسعار‪ ،‬وهذا‬
‫احلد الذي يقود فيه البطالة إىل معدهلا األصلي عند‬ ‫)‪(SP1‬‬ ‫سوف ينقل منحىن فيليب‪ :‬إىل اليمني من )‪ (SP‬إىل‬
‫النقطة )‪ (A‬على النحو التايل‪:38‬‬

‫‪ 38‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬


‫‪77‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫الشكل (‪ :)1-9‬منحىن فيليب‪ :‬يف املدى الطويل عند النقديني‬


‫‪P‬‬
‫‪LR-SP‬‬

‫‪B‬‬ ‫‪C‬‬
‫‪SP1‬‬

‫‪O‬‬ ‫‪A‬‬ ‫‪SP‬‬ ‫‪U‬‬

‫املصدر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬


‫وعليه فإن منحىن فيليب‪ :‬يف املدى الطويل والذي يربط عالقة معدل التضخم مبعدل البطالة سوف‬
‫)‪.(LR-SP‬‬ ‫يصبح عموديا‬
‫وبالتايل فإن منحىن فيليب‪ :‬يف املدى الطويل ال يقضي بوجود عالقة سلبية بني معديل التضخم‬
‫والبطالة وال يدل على وجود أي عالقة بني املتغريين‪ ،‬ويذكر أن منحىن فيليب‪ :‬يف املدى الطويل هو عمودي يف‬
‫كال التحليلني الكينيزي والنقدي ولكن بتفسريين خمتلفني متاما‪.‬‬
‫املطلب اخلام‪ ::‬النظريات األخرى املفسرة للتضخم‬
‫فيما سبق مت عرض النظريات املفسرة لظاهرة التضخم‪ ،‬وقد تعرضنا بشكل خاص يف هذا الفصل‬
‫إىل نظرية تضخم دفع التكاليف‪ ،‬تضخم جذب الطلب وصدمات العرض والتغذية النقدية وسنناقش هنا إضافة‬
‫ملا سبق النظريتني التاليتني‪:39‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نظرية حتويل الطلب‬
‫تفسر هذه النظرية التضخم على أساس التغريات احلاصلة يف مكونات الطلب ولي‪ :‬يف الزيادة‬
‫احلاصلة يف إمجايل الطلب الكلي كما هو احلال يف نظرية جذب البطالة‪ ،‬والتضخم حبسب نظرية تغيري الطلب‬
‫ينجم عن التغريات الداخلية يف تركيب الطلب حىت لو مل يكن إمجايل الطلب مفرطا يف الزيادة‪ ،‬ولو مل يكن هناك‬
‫جتمع احتكاري يف تركيز السلطة االقتصادية‪ ،‬ولكن افرتاض مرونة األسعار يف بعض أجزاء من االقتصاد الوطين‬
‫فتكون مستجيبة بذلك للزيادات يف الطلب وغري مرنة يف اخنفاضه‪ ،‬أي أن التغريات احلاصلة يف املستوى العام‬
‫لألسعار تعود إىل التغريات احلاصلة يف تركيب أو مكونات الطلب الكلي بقدر أكرب من مكونات العرض الكلي‪،‬‬
‫وهذا النوع من التضخم لي‪ :‬حادا وعادة ما يكون يف فرتات ما بعد احلروب‪ ،‬حيث يتم تغيري جماالت اإلنفاق من‬

‫‪ 39‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.214-211‬‬


‫‪78‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫اجملاالت العسكرية إىل السلمية‪ ،‬فيزيد بذلك اإلنفاق االستهالكي وتزيد أسعار السلع االستهالكية فيندفع‬
‫املنتجون إلنتاج هذه السلع ومن مث زيادة حجم املعروض منها لضمان مقابلة الطلب املتنامي عليها‪ ،‬وتغيري‬
‫مكونات الطلب الكلي عادة ما يرافقه تغيري يف عملية توزيع وختصيص املوارد االقتصادية بني القطاعات املختلفة‬
‫مما يبقي على ارتفاع األسعار يف قطاع معني يف ظل ثبات أو اخنفاض الطلب الكلي‪ .‬إذن زيادة الطلب يف قطاع‬
‫معني سينعك‪ :‬على بقية القطاعات فرتتفع األسعار فيها ويسود التضخم يف كافة القطاعات االقتصادية‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬النظرية اهليكلية‬
‫لقد تزعم هذه املدرسة االقتصادي (راؤول بريبش ‪ ) Raoul Prebisch‬من أمريكا الالتينية‪ ،‬وحاولت‬
‫هذه النظرية تفسري التضخم يف البلدان النامية من خالل حتليل اخللل يف مكونات الطلب الكلي والعرض الكلي‬
‫وعالقة ذلك باجتاهات التنمية االقتصادية واالجتماعية يف تلك البلدان اليت تتعرض للتضخم االقتصادي بسبب‬
‫االختالل اهليكلي يف بنائها االقتصادي‪ ،‬والبد من معاجلة تلك االختالالت ألن التضخم حيدث يف هذه البلدان‬
‫حىت يف ظل عدم تزايد حجم الطلب الكلي ألن األسباب الرئيسية للتضخم ‪-‬كما تراها النظرية اهليكلية‪ -‬ترجع‬
‫إىل إختالالت فعلية وحقيقية يف هيكل االقتصاد الوطين وبكيفية توزيع املوارد االقتصادية واستغالهلا و مظاهر‬
‫االختالل االقتصادي تنحصر فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الطبيعة اهليكلية يف اإلنتاج املتخصص للمواد األولية‪ ،‬حيث أن زيادة أسعار الصادرات مثال تؤدي إىل آثار‬
‫تضخمية‪ ،‬حيث أن الصادرات تعترب موردا مهما يف تكوين الناتج القومي اإلمجايل وهيكل صادراهتا للعامل‬
‫اخلارجي‪.‬‬
‫‪ -‬اجلمود النسيب يف اجلهاز املايل للبلدان النامية‪ ،‬مما يعين ضعف اجلهاز الضرييب و اخنفاض كفاءته‪ ،‬و جيب‬
‫االجتاه حنو متويل اإلنفاق العام بواسطة أسلوب عجز امليزانية و أسلوب اإلصدار النقدي اجلديد‪ ،‬مما يساهم‬
‫بشكل كبري جدا يف زيادة املستوى العام لألسعار بسبب زيادة كمية النقود املعروضة بالنسبة حلجم اإلنتاج الثابت‪.‬‬
‫‪ -‬ضآلة مرونة عرض املنتجات الغذائية يف ظل الزيادة السكانية وتواضع القدرة التصديرية للمنتجات الوطنية من‬
‫هذه السلع وغريها من السلع األخرى اليت ميكن أن توفر حصيلة مناسبة من النقد األجنيب‪.‬‬
‫‪ -‬طبيعة اجتاهات التنمية االقتصادية واالجتماعية وما يرافقها من إختالالت يف مراحلها األوىل وخاصة تلك‬
‫االختالالت فيما بني تيارات اإلنفاق النقدي وتيارات املعروض من السلع واخلدمات‪.‬‬
‫وبذلك تكون النظرية اهليكلية قد ركزت على نوعني من العوامل اليت تؤثر يف زيادة معدالت‬
‫التضخم‪.‬‬
‫األول‪ :‬عوامل نقدية‪ ،‬وهو ما جاءت به النظريات السابقة الذكر‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عوامل مادية حبتة كاإلنتاج والضرائب واالجتاهات العامة لألفراد واملؤسسات الوطنية‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫املبحث الرابع‪ :‬طرق ومعايري قياس التضخم‬


‫يعترب "فريدمان" أن املعدل األمثل للتغري يف كمية النقود هو ذلك املعدل الذي يقابل التغري يف كل‬
‫من الناتج الوطين والتغري يف سرعة دوران النقود‪ .‬و نظرا لتعدد املعايري احملددة للتضخم أدى إىل االعتماد على‬
‫السياسات العالجية فقد تعتمد هذه األخرية بصفة أولية ملعرفة سبب املشكلة احلقيقي‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬معايري قياس التضخم‬
‫مبا أن التضخم باملعىن االقتصادي هو ضعف القوة الشرائية للعملة‪ ،‬والتضخم أمر البد منه‪،‬‬
‫فاألشياء ترتفع أسعارها‪ ،‬فبذلك تقل قيمة النقود أمام السلع‪ ،‬فما كان اإلنسان يشرتيه منذ ثالث سنوات مببلغ‬
‫‪ 91‬دوالرا مثال‪ ،‬فإنه اآلن غالبا ما يكون خبمسة وعشرين دوالرا وهذا هو التضخم‪ .‬لذا فإن املستثمر الذي ربط‬
‫أمواله لفرتة طويلة بعائد مقبول لديه وقت بداية االستثمار‪ ،‬أصبح خاسرا‪ ،‬لي‪ :‬بسبب سوء اختياره لقناة‬
‫االستثمار‪ ،‬بل ألن عامال آخر وهو التضخم قد قضى على قدر كبري من قيمة استثماره‪.‬‬
‫فما الوسائل اليت يستخدمها رجال االقتصاد ملعرفة قدر التضخم؟ وكيف يقيسون نسبة التضخم‬
‫هذا العام مقارنة بالعام املاضي‪ ،‬أو بعشر سنوات مضت؟ وذلك إمنا هم ينظرون إىل أسعار عدد كبري جدا من‬
‫السلع واخلدمات هذا العام‪ ،‬وأسعارها من قبل‪ ،‬وأمهية كل سلعة أو خدمة تقدم‪ ،‬وهو ما يعرفونه باسم الوزن‪.‬‬
‫يقاس التضخم بثالث وسائل‪ :40‬معدل حساب السعر العام‪ ،‬القياس من املنبع‪ ،‬ومن خالل‬
‫السلوك العام للمجتمع‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬معدل حساب السعر العام‬
‫تؤخذ أسعار جمموعة من البضائع املنوعة‪ ،‬منها على سبيل املثال يف جمال الصناعة أو التجارة أو‬
‫الزراعة أو اخلدمات‪ ،‬من اهلاتف أو الكهرباء وغريها من العروض التجارية‪ ...‬وذلك حبساب قيمة شراء هذه‬
‫البضائع يف كل شهر ويف أماكن عرضها وبيعها للجمهور‪ ،‬ومن قيمة الشراء للفرتات املختلفة واليت عادة تكون‬
‫شهرا‪ ،‬أو فصال (ثالث أشهر )‪ ،‬فإن كان هناك انزياح لألسعار حنو الزيادة مبقدار نصف يف املائة‪ ،‬فإن ذلك يعين‬
‫أن هناك تضخما هبذا املقدار‪ ...‬لكن هذه الطريقة ال تفي بالغرض‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬القياس من املنبع‬
‫وهو أخذ عينات من أسعار البضائع وتسعريها من املنتج األول‪ ،‬أي مقدار السعر الذي حيدده‬
‫املنتج لبضاعته‪ ،‬ومن هذه األسعار اإلمجالية ميكن معرفة اجتاه خط األسعار بالصعود أو باهلبوط‪ ...‬وحيدث أن‬
‫تنخفض قيمة بعض السلع‪ ،‬فال يعين ذلك اخنفاض يف التضخم‪ ،‬ألنه يف الوقت نفسه ترتفع أسعار بعض البضائع‬
‫األخرى‪ ،‬لذا فإن معدل سلعة واحدة ال يؤخذ باحلسبان‪ ،‬ولكن يكون عامال مهما ملعرفة سبب التضخم أو‬
‫الغالء‪.‬‬

‫‪ 40‬حسني بن سامل جابر الزبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.45-30‬‬


‫‪80‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫كما أن االقتصاديني اليوم يرون أن استعمال األرقام القياسية لنفقات املعيشة هي أنسب وسيلة‬
‫لقياس تقلبات القوة الشرائية للنقود‪ ،‬ومع ذلك يذكرون عدم دقتها حيث يقولون‪:‬‬
‫أوال‪ :‬األرقام القياسية لألسعار ليست سوى متوسط إحصائي جملموعة خمتارة من املفردات‪ ،‬ولذلك يرد عليها ما‬
‫يرد على تركيب املتوسطات أو استعماهلا‪ .‬ومن املعلوم أن متوسط أية جمموعة إحصائية لي‪ :‬سوى منوذج‬
‫للمجموعة حمل االعتبار‪ ،‬يتاح لنا باستعماله أن نستدل برقم واحد على االجتاه العام ملفردات اجملموعة اليت‬
‫استخرج منها‪ ،‬ومن مث ال داللة لألرقام القياسية لألسعار على السلوك الفردي لسعر أية سلعة بالذات‪ .‬كما ال‬
‫يعين ثبات األرقام القياسية لألسعار ثبات خمتلف األسعار الفردية اليت تشتق منها‪ ...‬فقد يعوض االرتفاع النسيب‬
‫أسعار بعض السلع عن االخنفاض النسيب يف أسعار البعض اآلخر حبيث يظل الرقم القياسي ثابتا يف النهاية بالرغم‬
‫من وقوع هذه التغريات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ال تدل األرقام القياسية لألسعار أيا كانت طريقة تركيبها‪ ،‬إال عن نتائج تقريبية على التغري النسيب يف مستوى‬
‫األسعار حمل القياس‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إن األرقام القياسية لنفقات املعيشة أدق ما تكون يف التعبري عن تقلبات نفقات املعيشة بالنسبة جلمهور‬
‫طبقة معينة من طبقات املستهلكني‪ ،‬إذ يقوم اختيار أصناف السلع واخلدمات اليت تشق هذه األرقام من أسعارها‪،‬‬
‫كما ينبغي ترجيح هذه األصناف طبقا ألمهيتها النسبية يف اإلنفاق على أساس ميزانية األسرة‪ ،‬النموذجية‪ ،‬أو‬
‫األسرة العادية يف هذه الطبقة املعينة من طبقات املستهلكني‪.‬‬
‫وبناءا على هذا‪ ،‬ال تتعدى داللة األرقام القياسية لنفقات املعيشة جمرد اإلشارة إىل التغيري النسيب يف‬
‫نفقات املعيشة‪ ،‬لو أن األسرة النموذجية من هذه الطبقة املعينة قد استمرت على شراء الكميات النسبية نفسها‬
‫من السلع و اخلدمات اليت افرتضنا شراءها هلا يف سنة األساس‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬القياس من خالل السلوك العام للمجتمع‬
‫وذلك من موضوع التنمية مبختلف مفاهيمها البارزة على الصعيد الدويل‪ ،‬واحمللي‪ ،‬ففي اآلونة‬
‫األخرية لوحظ اهتماما دوليا متزايدا موجها حنو احلاجة إىل التنمية املستدامة للوصول إىل مستقبل مستدام وذلك‬
‫بعد أن كان العامل يتجه حنو جمموعة من الكوارث البشرية والبيئية احملتملة‪ .‬فاالقتصاديون والسياسيون وخمططو‬
‫التنمية يعرفون التنمية االقتصادية بقدرة االقتصاد القومي على توليد واستدامة الزيادة السنوية يف الناتج القومي‬
‫اإلمجايل بنسبة ترتاوح بني ‪ %9‬و ‪ %1‬أو أكثر‪ ،‬ويأخذونه مبعدل منو نصيب الفرد من الدخل أو الناتج احمللي‬
‫اإلمجايل‪ ،‬إضافة إىل قدرة الدولة على توسيع إنتاجها مبعدالت أسرع من معدل النمو السكاين كمؤشر على‬
‫التنمية‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬قياس القوى التضخمية‬
‫إن املظهر العام للتضخم هو االرتفاع املستمر يف املستوى العام لألسعار وميكن مالحظة هذه‬
‫الظاهرة باالرتفاع املتتايل لألرقام القياسية الذي يعترب مؤشر للضغوط التضخمية خاصة يف حاالت االختالالت‬
‫‪81‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫االقتصادية اليت اختلفت النظريات االقتصادية يف تفسري أسباب و نتائجها‪ .‬واستنادا إىل هذه النظريات فقد اشتق‬
‫االقتصاديون معايري حمددة لقياس القوى التضخمية وهي‪:41‬‬
‫الفرع األول‪ :‬معيار االستقرار النقدي أو الضغط التضخمي‬
‫ويستند هذا املعيار إىل منطق النظرية الكمية النيوكالسيكية اليت تدخل يف اعتبارها إمكانية تغري كل‬
‫من الدخل أو الناتج القومي‪ ،‬و أيضا إمكانية تغري الطلب على النقود أو سرعة دوراهنا‪ ،‬وتبعا هلذه النظرية فإن‬
‫𝑀𝐷( مع التغري يف إمجايل الناتج القومي‬
‫𝑀‬
‫االستقرار النقدي يتحقق إذا ما تعادل معدل التغري يف كمية النقود )‬

‫و هنا يصبح الفرق بني املعدلني يساوي صفرا‪ ،‬أما إذا كان معدل التغري النقدي أكرب من معدل التغري يف‬
‫الناتج القومي )𝑌𝐷 (‪ ،‬فيكون معامل االستقرار موجبا و هو يكشف عن وجود فائض يف القوة الشرائية يفوق املتاح‬
‫من السلع واخلدمات املنتجة و املتاحة‪ ،‬وإذا ما استمر هذا الفرق يف االرتفاع فإن القوى التضخمية سوف تنمو‬
‫كما يعرب عنها معامل االستقرار النقدي مع األخذ بعني االعتبار ما ميارسه التغري يف الطلب على النقود أو سرعة‬
‫دوراهنا تكون وراء االرتفاع يف األسعار و اجتاهها املستمر حنو االرتفاع‪ ،‬و ميكن بيان ذلك رياضيا على النحو‬
‫التايل‪:42‬‬
‫تشري النظرية الكمية احلديثة للنقود بأن‪:‬‬
‫𝑄 ‪𝑀. 𝑉 = 𝑃.‬‬
‫حيث أن)‪ (P. Q‬هي مقدار الدخل أو الناتج القومي )‪ (y‬وبالتايل فإن‪:‬‬
‫𝑦 = 𝑉 ‪𝑀.‬‬
‫وحيث أن ‪ V‬هي ثابتة القيمة لذا‪:‬‬
‫𝑌𝛥 = 𝑀𝛥‬
‫الفرع الثاين‪ :‬معيار فائض الطلب‬
‫ويستند هذا املعيار إىل النظرية الكينيزية يف الطلب الفعال وإذا مل يرتتب على الزيادة يف حجم‬
‫الطلب الفعال زيادة مناظرة يف حجم اإلنتاج فسينشأ فائض طلب سوف ينعك‪ :‬بارتفاع يف املستوى العام‬
‫لألسعار حيث سيواجه االقتصاد حالة تضخم حبت‪ ،‬و بالتايل فإن فائض الطلب أو الفجوة التضخمية املتوقعة يف‬
‫املستقبل هي مقدار الطلب الفعال واملتوقع واملقاس باألسعار اجلارية مطروحا منه القيمة الكلية املتوقعة للسلع و‬
‫اخلدمات املتاحة للفرتة املقبلة مقاسة بأسعار فرتة األساس وأن هذا الفائض االنفاقي املتوقع سوف جيذب األسعار‬
‫إىل االرتفاع‪ ،‬وميكن قياس إمجايل الطلب الفائض أو الفجوة التضخمية خالل فرتة سابقة واليت انعكست كليا أو‬
‫جزئيا يف االرتفاع املتواصل لألسعار باستخدام الصيغة التالية‪:43‬‬
‫𝑡𝑌 ‪𝐷 = (𝐶𝑝 + 𝐶𝑔 + 𝐼) −‬‬

‫‪ 41‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.115-111‬‬


‫‪ 42‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ 43‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪82‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫حيث‪:‬‬
‫‪ :D‬إمجايل فائض الطلب‪.‬‬
‫‪ :Cp‬االستهالك اخلاص باألسعار اجلارية‪.‬‬
‫‪ :Cg‬االستهالك احلكومي باألسعار اجلارية‪.‬‬
‫‪ :I‬االستثمار باألسعار اجلارية‪.‬‬
‫‪ :Yt‬إمجايل الناتج احمللي احلقيقي‪.‬‬
‫ويتضح هنا أن زيادة الطلب الفعال باألسعار اجلارية )‪ (Cp + Cg + I‬على إمجايل الناتج احمللي‬
‫احلقيقي )‪ (Yt‬فذلك سوف يؤدي إىل نشوء فائض طلب أو فجوة تضخمية جتذب األسعار إىل األعلى‪ ،‬والصيغة‬
‫السابقة هتمل دور التجارة اخلارجية املتمثلة بفرق الصادرات و الواردات‪ ،‬والذي يعترب أحد مكونات الطلب الفعال‬
‫إذا كان صايف التجارة اخلارجية موجبا‪ ،‬وعموما فإن حدوث عجز يف ميزان املدفوعات اجلارية ميارس أثرا‬
‫انكماشيا‪ ،‬أي أنه يلغي جزء من مفعول القوى التضخمية احمللية ألنه يضيف إىل املتاح من السلع واخلدمات‬
‫مبقدار أكرب مما يضيف إىل الطلب الكلي الفعال‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬معيار اإلفراط النقدي‬
‫ويستند هذا املعيار إىل نظرية كمية النقود املعاصرة واليت ترى أن تغري نصيب الوحدة املنتجة من كمية‬
‫النقود هو املتغري الرئيسي الذي يسبب التغري يف مستوى األسعار‪ ،‬ويرى فريدمان أن االستقرار يف مستوى األسعار‬
‫يف املدى الطويل ال يتحقق إال بنجاح السلطات النقدية يف حتديد احلجم األمثل لكمية النقود وهو احلجم الذي‬
‫البد أن يسود كي حيافظ على مستوى األسعار السائد يف بداية الفرتة الزمنية موضع االعتبار‪ ،‬واحلجم األمثل‬
‫لكمية النقود هو ذلك احلجم الذي يتعني أن يلغي معدل تغريه يف كل فرتة زمنية األثر الذي ميارسه معدل تغري‬
‫الناتج القومي ومعدل تغري الطلب على النقود أو سرعة دوراهنا حمافظا على مستوى األسعار السائد يف فرتة‬
‫األساس‪ .‬وبذلك فإنه إذا افرتضنا ثبات الطلب على النقود أو سرعة دوراهنا يتعني أن يظل نصيب الوحدة املنتجة‬
‫من كمية النقود (حاصل قسمة كمية النقود على الناتج القومي) ثابتا إذا أردنا أن حنافظ على املستوى العام‬
‫لألسعار السائد يف فرتة األساس‪ ،‬أما إذا زاد الطلب على النقود أو اخنفضت سرعة دوراهنا فيتبني أن يزيد نصيب‬
‫الوحدة ا ملنتجة من كمية القوة بالقدر الذي يلغي أثر اخنفاض سرعة دوران النقود على مستويات األسعار‪ ،‬و ميكن‬
‫صياغة حجم اإلفراط النقدي استنادا لنظرية كمية النقود املعاصرة على النحو التايل‪:44‬‬
‫𝑡𝑀 ‪𝑀𝑒𝑥𝑡 = 𝑄𝑜 𝑌𝑡 −‬‬
‫حيث‪:‬‬
‫‪ :Mext‬حجم اإلفراط النقدي‪.‬‬
‫‪ :Qo‬متوسط نصيب الوحدة من ال ناتج احمللي احلقيقي من كمية النقود املتداولة السائدة يف سنة األساس عند‬

‫‪ 44‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫‪83‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫مستوى معني من األسعار‪.‬‬


‫‪ :Yt‬حجم الناتج احمللي احلقيقي باألسعار الثابتة يف السنة‪.‬‬
‫‪ :Mt‬كمية النقود املتداولة بالفعل يف السنة‪.‬‬
‫وبافرتاض ثبات الطلب على االحتفاظ بالنقود‪ ،‬مع توقع تغري الطلب على النقود أو سرعة دوراهنا و‬
‫الذي‬ ‫خاصة يف أوقات التضخم و االنكماش و إذا ما أجرينا تعديال بسيطا على املعادلة بإدخال املتغري )‪(K‬‬
‫يعرب عن طلب األفراد لالحتفاظ بالنقود‪ ،‬و يتحقق هذا التعديل بأن نضرب احلجم األمثل لكمية النقود باملتغري‬
‫𝑘‬
‫) 𝑡𝐾( كمعرب عن تغري نسبة ما يرغب األفراد االحتفاظ به من أرصدة يف سنة ما باملقارنة مع هذه النسبة يف سنة‬
‫‪0‬‬
‫األساس من أجل حتقيق االستقرار يف مستوى األسعار‪ ،‬وبالتايل فإن صيغة معامل اإلفراط النقدي تصبح‬
‫كاآليت‪:45‬‬
‫𝑡𝐾‬
‫( 𝑡𝑌 ‪𝑀𝑒𝑥𝑡 = 𝑄0‬‬ ‫𝑡𝑀 ‪) −‬‬
‫‪𝐾0‬‬
‫وهنا فإن فائض كمية النقود عن حجمها األمثل )‪ (Mext‬ميثل إفراطا نقديا يكون وراء ارتفاع األسعار‬
‫واستمرار هذا الفائض و تصاعده يكون وراء تصاعد االرتفاع يف األسعار‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬مصادر التضخم‬
‫حيدث التضخم مبفهوم "فريدمان" عندما تسعى السلطات إىل حتقيق معدالت عالية من التشغيل‪،‬‬
‫ومييز عادة بني نوعني من التضخم ميكن أن حيصال نتيجة ذلك‪:46‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تضخم دفع التكاليف‬
‫حيدث هذا النوع من التضخم عندما ترتفع تكاليف اإلنتاج و اليت من أمهها األجور‪ .‬نفرتض يف‬
‫الشكل (‪ )1-9‬أن االقتصاد يف حالة توازن عند النقطة (‪ ،)7‬إذا ارتفعت تكاليف اإلنتاج بسبب زيادة األجور‬
‫مثال‪ ،‬فإن منحىن العرض الكلي سينتقل إىل )‪ (AS2‬فيصبح بذلك التوازن عند النقطة ('‪ )9‬فينخفض كل من‬
‫اإلنتاج الكلي و مستوى التشغيل إىل مستوى )’‪ .(Y‬ومبا أن السلطات ملتزمة مبحاربة البطالة‪ ،‬فإهنا ستقوم‬
‫بالسياسات التوسعية لنقل منحىن الطلب الكلي إىل اليمني إىل )‪ (AD2‬فيعود بذلك االقتصاد إىل توازنه الطبيعي‬
‫أي إىل النقطة (‪ )9‬لكن مبستوى عام لألسعار )‪ .(P2‬إذا ارتفعت التكاليف مرة أخرى‪ ،‬فإن منحىن العرض الكلي‬
‫سينتقل إىل )‪ (AS3‬ومنحىن الطلب الكلي إىل )‪ (AD3‬فيحصل توازن جديد عند النقطة (‪ )1‬حيث يتساوى‬
‫مستوى اإلنتاج ومستوى اإلنتاج الطبيعي لكن مبستوى عام لألسعار أعلى )‪ .(P3‬إذا استمرت التكاليف يف‬

‫‪ 45‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫‪46‬أمحد رمضان نعمة اهلل‪/‬حممد سيد عابد‪/‬إميان عطية ناصف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.221-221‬‬

‫‪84‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫االرتفاع وقامت الدولة بإتباع سياسات توسعية هبدف احملافظة على مستوى التشغيل فإن االقتصاد سوف‬
‫ينتقل إىل نقاط أعلى وحيصل التضخم مبفهوم "فريدمان"‪.‬‬
‫يؤكد النقديون بأن صدمات العرض ال ميكن أن ختلق التضخم إال إذا اتبعت الدولة سياسات مالئمة‬
‫حيث أنه يف حالة عدم املالئمة يعود منحىن العرض الكلي إىل اليسار‪ ،‬و بالتايل يعود االقتصاد إىل توازنه الطبيعي‬
‫دون زيادة يف املستوى العام لألسعار‪ ،‬كذلك يؤكدون على أنه ال ميكن للسلطات أن تقوم بزيادة الطلب الكلي‬
‫باستمرار اعتمادا على السياسة املالية‪ ،‬فالضرائب ال ميكن ختفيضها دون الصفر‪ ،‬كما أن اإلنفاق احلكومي ال‬
‫ميكن أن يكون اكرب من الناتج الداخلي اإلمجايل‪ ،‬وبالتايل لن يبقى للسلطات غري خلق النقود كوسيلة لنقل‬
‫منحىن الطلب الكلي إىل اليمني وبالتايل احملافظة على مستوى التشغيل‪.‬‬
‫الشكل (‪ :)0-2‬منحىن تضخم دفع التكاليف‬

‫املصدر‪ :‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل "النظرية االقتصادية الكلية" دار التعليم اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2112 ،‬ص ‪.179‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬تضخم جذب الطلب‬
‫يرى كينز أن زيادة الطلب الكلي الفعال جتذب األسعار معها إىل األعلى (عند وضع التوظيف‬
‫الكامل)‪ ،47‬حيث أن األسعار ترتفع كنتيجة لفائض يف الطلب على العرض الكلي السائد من السلع واخلدمات‪،‬‬
‫وحيدث هذا التضخم بداية من زيادة عرض النقود اليت يتولد معها زيادة طلب على السلع واخلدمات‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إىل ارتفاع أسعارها السيما يف احلاالت اليت يصل فيها االقتصاد إىل التوظيف الكامل لعوامل اإلنتاج وتتولد‬
‫الضغوط التضخمية‪ ،‬و قد حيدث هذا النوع عندما تزداد الكفاية احلدية لراس املال أو عندما يزداد امليل احلدي‬
‫لالستهالك حبيث أن زيادة اإلنفاق االستثماري تؤدي إىل زيادة الطلب الكلي الذي يضغط حنو ارتفاع األسعار‬
‫بعد مستوى التوظيف الكامل الذي وصل إليه االقتصاد الوطين‪ .‬ويرى أنصار نظرية تضخم جذب الطلب أنه‬
‫خالل خطوات تضخم الطلب فإن ارتفاع األجور سيتبع ارتفاع األسعار كنتيجة طبيعية‪ ،‬ويزداد هنا معدل الربح‬

‫‪ 47‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.315‬‬


‫‪85‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫ويزداد معه معدل توظيف املنتجني لعوامل اإلنتاج واستثمارهم‪ .‬وميكن جتنب التضخم بسبب جذب من خالل‬
‫اإلجراءات االنكماشية اليت تتخذ بواسطة السلطات النقدية واملالية‪.48‬‬
‫ويعرب الشكل (‪ )5-9‬عن وجهة نظر كينز يف حدوث التضخم‪:49‬‬
‫الشكل (‪ :)5-9‬منحىن تضخم جذب الطلب‬
‫املستوى العام لألسعار‬ ‫‪AS‬‬
‫)‪(P‬‬ ‫‪AD4‬‬
‫‪P3‬‬ ‫‪AD3‬‬

‫‪P2‬‬ ‫‪AD1‬‬ ‫‪AD2‬‬

‫‪P1‬‬

‫الناتج القومي احلقيقي (‪)Y‬‬

‫‪Y1‬‬ ‫‪Y2‬‬ ‫’‪Y‬‬

‫املصدر‪ :‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.171‬‬

‫فرق كينز بني مرحلتني على حسب ظروف التوظيف يف االقتصاد‪ ،50‬ففي املرحلة األوىل يرى كينز أن‬
‫منحىن العرض الكلي )‪ (AS‬يف األجل القصري ميكن أن يكون ال هنائي املرونة (خطا مستقيما موازيا للمحور‬
‫األفقي) داللة على إمكانية زيادة الناتج دون رفع األسعار طاملا توجد طاقات عاطلة يف االقتصاد‪ .‬ذلك أن‬
‫املشروعات حتدد أسعار منتجاهتا مبا حيقق تعظيم أرباحها عند مستوى الناتج احلقيقي للتوظيف الكامل وال تغري‬
‫هذه األسعار طاملا كان مستوى الناتج يقل عن مستوى التوظيف الكامل‪ ،‬ويف هذه احلالة‪ ،‬فإن أي زيادة يف‬
‫الطلب الكلي (من ‪ AD2‬إىل ‪ )AD1‬ستؤدي إىل زيادة الناتج احلقيقي فقط (من ‪ Y2‬إىل ‪ )Y1‬دون تغري املستوى‬
‫العام لألسعار (‪.)P1‬‬
‫أما يف املرحلة الثانية (مرحلة التوظيف الكامل) عند وصول املشروعات إىل االستخدام الكامل‬
‫للطاقات اإلنتاجية‪ ،‬ستؤدي أية زيادة يف الطلب الكلي (من ‪ AD3‬إىل ‪ )AD4‬إىل زيادة املستوى العام لألسعار‬
‫بنف‪ :‬النسبة إىل ( من ‪ P2‬إىل ‪ ) P3‬دون تغيري يف الناتج القومي احلقيقي (’‪.)Y‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى عدة مالحظات مهمة‪:51‬‬

‫‪ 48‬سعيد سامي احلالق‪ ،‬حممد حممود العجلوين‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.111-101‬‬
‫‪ 49‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.310‬‬
‫‪ 50‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.321-311‬‬
‫‪ 51‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.321-311‬‬
‫‪86‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫‪ -‬أن جوهر التحليل الكينيزي يتمثل يف أن مستوى الناتج القومي احلقيقي يتحدد دائما مبستوى الطلب الكلي‪،‬‬
‫ولذا لن يظهر التضخم إال عندما ال تكون هناك إمكانية لزيادة هذا املستوى من الناتج (وهو ما يتحقق عند‬
‫التوظيف الكامل)‪.‬‬
‫‪ -‬تنتقد النظرية الكينيزية على اعتبار أن التضخم قد حيدث قبل الوصول إىل التوظيف الكامل‪ ،‬فإذا كان اجلهاز‬
‫اإلنتاجي غري مرن بدرجة كافية‪ ،‬فإن زيادة الطلب الكلي ستنعك‪ :‬يف كل من ارتفاع املستوى العام لألسعار‬
‫وزيادة الناتج القومي احلقيقي‪ ،‬و يالحظ أن ارتفاع املستوى العام لألسعار ال حيدث فجأة عند التوظيف الكامل‬
‫بل حيدث قبل الوصول إىل التوظيف الكامل بفرتة‪ .‬فمع كل زيادة يف الناتج واخنفاض يف مستوى البطالة يكون‬
‫االرتفاع يف األسعار أسرع‪ .‬حيث ال تنمو كل قطاعات اجملتمع بنف‪ :‬املعدل ولذا تصل بعضها إىل التوظيف‬
‫الكامل قبل غريها (نظرا لزيادة الطلب على منتجاهتا قبل غريها) مما يؤدي إىل ارتفاع األسعار هبا‪ ،‬مث بعد فرتة‬
‫ترتفع األسعار تدرجييا يف قطاعات أخرى وهكذا‪.‬‬
‫‪ -‬تتفق النظرية الكينيزية مع النظرية الكالسيكية يف أن سبب التضخم يرجع إىل حدوث زيادة يف الطلب الكلي‪،‬‬
‫غري أهنما خيتلفان يف سبب حدوث هذه الزيادة يف الطلب الكلي‪ ،‬فالكالسيك يرون أهنا ترجع إىل زيادة كمية‬
‫النقود‪ ،‬بينما يرى كينز أهنا ترجع إىل زيادة أحد مكونات الطلب الكلي (االستهالك‪ ،‬االستثمار‪ ،‬اإلنفاق‬
‫احلكومي وصايف الصادرات)‪ .‬وهذا لي‪ :‬اختالفا جوهريا (أو حقيقيا) ألن أحد أسباب زيادة مكونات الطلب‬
‫الكلي هو زيادة كمية النقود‪ ،‬ولذا فإن النظرية الكالسيكية للتضخم حالة خاصة من النظرية الكينيزية‪.‬‬
‫‪ -‬ومرة أخرى يتفق التحليل الكينيزي مع حتليل الكالسيك لظاهرة التضخم يف مرحلة التوظيف الكامل‪ ،‬حيث‬
‫تنعك‪ :‬كل زيادات الطلب الكلي يف ارتفاع املستوى العام لألسعار وبنف‪ :‬النسبة‪ .‬األمر الذي يؤكد أن النظرية‬
‫الكالسيكية للتضخم حالة خاصة من النظرية الكينيزية‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬صدمات العرض والتغذية النقدية‬
‫يبني الشكل (‪ )71-9‬أن التوازن املبدئي يتحقق عند أقصى ناتج حقيقي (’‪ )Y‬ويف ظل مستوى عام‬
‫لألسعار (‪ )P1‬وذلك بتقاطع منحىن الطلب الكلي (‪ )AD1‬مع منحىن العرض الكلي (‪ )AS1‬يف النقطة (‪ .)7‬فإذا‬
‫حدثت صدمة عرض ترتب عليها انتقال منحىن العرض الكلي إىل (‪( )AS2‬ظاهرة الركود التضخمي) فيتحقق‬
‫التوازن اجلديد عند النقطة (‪ ،)9‬حيث يرتفع املستوى العام لألسعار إىل (‪ )P2‬وينخفض الناتج القومي احلقيقي إىل‬
‫(‪ .)Y1‬غري أن الناتج احلقيقي الفعلي (‪ )Y1‬أصبح اقل من الناتج احلقيقي احملتمل (’‪ ،)Y‬األمر الذي يؤدي إىل‬
‫وجود فجوة انكماشية*‪ .‬ويرتتب عن ذلك معدل زيادة معدل البطالة مما يدفع األجور وتكاليف اإلنتاج األخرى‬
‫إىل االخنفاض وينتقل منحىن العرض الكلي تدرجييا إىل وضعه األصلي (‪.52 )AS1‬‬

‫* فجوة الدخل االنكماشية هي الفرق بني (’‪ Y‬و ‪.)Y1‬‬


‫‪ 52‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.341-330‬‬
‫‪87‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫الشكل رقم (‪ :)71-9‬صدمات العرض والتغذية النقدية‬


‫املستوى العام‬

‫لألسعار (‪)P‬‬ ‫‪AD3‬‬ ‫‪AS3‬‬

‫‪AD1‬‬ ‫‪AD2‬‬ ‫‪AS2‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪AS1‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫الناتج القومي‬
‫احلقيقي (‪)Y‬‬

‫‪.115‬‬ ‫املصدر‪ :‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬

‫ولكن ما املدى الزمين الالزم الستعادة التوازن تلقائيا وفقا لآللية السابقة؟‬
‫إن هذا يتوقف بصفة أساسية على عاملني‪:53‬‬
‫‪ -‬استجابة العمال إىل عملية ختفيض األجور (بسبب ظروف البطالة غري العادية)‪ .‬وعمليا ال حيدث ذلك‬
‫للمشتغلني الذين ال يقبلون إطالقا خفض أجورهم‪ ،‬وإمنا ينطبق فقط على العاطلني الذين يقبلون العمل مبعدل‬
‫أجور منخفض نسبيا‪ ،‬ولذا فإن ختفيض األجور ال يتم إال بشكل جزئي حمدود للغاية‪.‬‬
‫‪ -‬قوى التوقعات اليت قد تلعب دورا معاكسا‪ ،‬حيث يطالب العمال الذين يتوقعون استمرار التضخم‬
‫بزيادة معدالت أجورهم وهو ما يقاومه رجال األعمال بسبب وجود الركود ولذا غالبا ما تتعرقل عملية ختفيض‬
‫األجور واستعادة التوازن تلقائيا‪.‬‬
‫ومع حدوث تغذية نقدية (متمثلة يف قيام البنك املركزي بزيادة عرض النقود من أجل التخلص من‬
‫الفجوة االنكماشية) ينتقل منحىن الطلب الكلي إىل اليمني (‪ )AD4‬حيث يتحدد التوازن عند النقطة (‪ )1‬وبذلك‬
‫ختتفي الفجوة االنكماشية عند حتقيق الناتج القومي احلقيقي احملتمل )’‪ (Y‬ولكن عند مستوى أعلى لألسعار‬
‫)‪ .(P3‬وبتكرار صدمات العرض املصحوبة بالتغذية النقدية ينتقل كل من منحىن العرض الكلي ومنحىن الطلب‬
‫الكلي إىل اليسار و إىل اليمني على الرتتيب مما يؤدي إىل استمرار التضخم‪.‬‬

‫‪ 53‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.331‬‬


‫‪88‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫املطلب الرابع‪ :‬السياسات العالجية للتضخم‬


‫تعتمد السياسة العالجية ألي مشكلة اقتصادية بصفة أساسية على املعرفة احلقيقية لسبب املشكلة‬
‫بشكل علمي دقيق‪ ،‬ويف ظل تعدد األسباب املؤدية لوجود مشكلة معينة فالبد من تعدد السياسات العالجية‪.‬‬
‫وألن مشكلة التضخم ذات أسباب متعددة وقد حتدث يف بعض األحيان ألحد هذه األسباب دون اآلخر أو‬
‫ألكثر من سبب يف آن واحد‪ ،‬وحيث أن التضخم قد ينشأ من جانب الطلب و‪/‬أو من جانب العرض و‪/‬أو زيادة‬
‫العرض النقدي‪ ،‬لذا فإن عرض السياسات العالجية للتضخم يستلزم أن يكون على النحو التايل‪:54‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السياسات العالجية للتضخم الناشئ من جانب الطلب‬
‫وهتدف هذه السياسات إىل احلد من الزيادة يف الطلب الكلي على السلع واخلدمات سواء باستخدام‬
‫أدوات السياسة النقدية و‪/‬أو السياسة املالية‪.‬‬
‫غري أن هذا النوع من التضخم ميكن عالجه أوال وقائيا قبل حدوثه مبحاولة تفادي العوامل املتسببة‬
‫فيه‪ ،‬فعند االقرتاب من التوظيف الكامل جيب احلد من الزيادة يف الطلب الكلي عن ترشيد االستهالك (أو احلد‬
‫من زيادته) وكذلك احلد من زيادة االستثمار يف ظل حتقيق التوازن يف كل من املوازنة العامة للدولة وميزان‬
‫املدفوعات‪ ،‬مع اختاذ سياسات نقدية و ائتمانية متشددة من قبل البنك املركزي‪.‬‬
‫ويرى النقديون أنه يف ظل حدوث التضخم جيب إتباع سياسة نقدية انكماشية تضمن ختفيض‬
‫حجم االئتمان و من أهم أدوات هذه السياسة مايلي‪:55‬‬
‫● قيام البنك املركزي برفع سعر اخلصم و‪/‬أو رفع نسبة االحتياطي القانوين و‪/‬أو الدخول كبائع يف سوق األوراق‬
‫املالية‪ .‬هذه األدوات الكمية للسياسة النقدية حتد من قدرة البنوك على منح االئتمان ومن مث الزيادة يف عرض‬
‫النقود مما حيد من الزيادة يف الطلب الكلي‪.‬‬
‫● رفع أسعار الفائدة على الودائع‪ ،‬مما يشجع على زيادة االدخار وحيد من االستهالك‪ ،‬ومن مث يعوق زيادة‬
‫الطلب الكلي‪.‬‬
‫● تغطية عجز املوازنة العامة للدولة من خالل موارد حقيقية ولي‪ :‬من خالل اإلصدار النقدي‪.‬‬
‫● ربط معدل الزيادة يف العرض النقدي مبا يتناسب مع النمو يف الناتج احمللي احلقيقي‪.‬‬
‫بينما يرى الكينيزيون اجلدد ضرورة إتباع سياسة مالية انكماشية حتد من زيادة الطلب الكلي ومن‬
‫أهم أدوات هذه السياسة ما يلي‪:56‬‬
‫● ترشيد اإلنفاق العام‪.‬‬
‫● رفع معدالت الضرائب احلالية واستحداث ضرائب جديدة حتد من القوة الشرائية املتزايدة لدى األفراد‪.‬‬

‫‪ 54‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.342-341 ،‬‬
‫‪ 55‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.341‬‬
‫‪ 56‬نف‪ :‬املرجع‪ ،‬ص ‪.341‬‬
‫‪89‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫● استخدام أسلوب الضرائب التصاعدية اليت تعمل على امتصاص القوة الشرائية من الشرائح ذات الدخول‬
‫املرتفعة‪.‬‬
‫ولكن الوضع بالنسبة للدول النامية يتطلب كثريا من احلكمة وال ميكن أن تطبق هذه السياسات‬
‫بالشكل املناظر ملا ميكن أن حيدث يف الدول الغربية املتقدمة‪ .‬فالكثري من الدول النامية تعاين من مجود اهليكل‬
‫اإلنتاجي بسبب العوامل اهليكلية‪ ،‬ولذا فإن إتباع سياسة مالية و نقدية انكماشية سيؤدي إىل املزيد من الركود‪،‬‬
‫وبالتايل جيب إتباع سياسات مالية و نقدية حكيمة يف األجل القصري تعاجل بعض العوامل اهليكلية وتسمح بنمو‬
‫الناتج احلقيقي يف كل من األجل القصري و الطويل ويتم ذلك يف ظل معدالت مقبولة ومتوقعة للتضخم‪ .‬ولذا‬
‫جيب التفرقة بني زيادة الطلب الكلي اليت تعود إىل عوامل نقدية حبتة واملرتبطة بعوامل حقيقية‪ .‬ففي احلالة األوىل‬
‫ميكن استخدام سياسات مالية ونقدية انكماشية متشددة‪ .‬بينما استخدام مثل هذه السياسات يف احلالة الثانية‬
‫سيؤدي إىل ركود اقتصادي يغلق الباب أمام إمكانية زيادة الناتج القومي احلقيقي‪ .‬ولذا يفضل يف هذه احلالة‬
‫األخرية استخدام سياسات ائتمانية ومالية تسمح بعالج العوامل اهليكلية املعرقلة لنمو الناتج احلقيقي (مثل إعطاء‬
‫أولوية للمشروعات االستثمارية اليت يتوقع منها مسامهة كبرية يف تنمية الناتج الكلي احلقيقي على مدى األجل‬
‫الطويل)‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬السياسات العالجية للتضخم الناشئ من جانب العرض‬
‫هتدف هذه السياسات إىل زيادة العرض الكلي من السلع واخلدمات سواء باستخدام أدوات‬
‫السياسة النقدية و‪/‬أو أدوات السياسة املالية التوسعية‪.‬‬
‫بالنسبة للدول املتقدمة يرى البعض أنه ال ضرورة للتدخل لعالج الركود التضخمي‪ ،‬حيث قد يستعيد‬
‫التوازن تلقائيا عند مستوى التوظيف الكامل‪ ،‬ألن زيادة معدل البطالة عن املعدل التضخمي ستؤدي إىل اخنفاض‬
‫معدالت األجور ومن مث تكاليف اإلنتاج‪ ،‬وبالتايل ينتقل منحىن العرض الكلي مرة أخرى إىل جهة اليمني و نعود‬
‫إىل مستوى دخل التوظيف الكامل واملستوى العام لألسعار السابق على حدوث التضخم‪.‬‬
‫بينما يرى البعض اآلخر أن عملية استعادة التوازن تلقائيا تتطلب فرتات زمنية (عامني أو ثالثة أو‬
‫أكثر) نظرا لوجود عوامل معرقلة هلذه العملية مثل التوقعات املعاكسة وعدم استجابة العمال لتخفيض األجور‪ .‬لذا‬
‫جيب إتباع سياسة نقدية توسعية تزيد من الطلب الكلي من أجل التخلص من الركود يف األجل القصري‪ ،‬غري أن‬
‫هذه السياسة سيرتتب عليها زيادة عرض النقود املصحوبة باخنفاض أسعار الفائدة مما يؤدي إىل ارتفاع املستوى‬
‫العام لألسعار‪ ،‬وميكن معاجلة هذا االرتفاع يف األسعار يف األجل الطويل‪.‬‬
‫أما بالنسبة إىل الدول النامية‪ ،‬فإن الوضع خيتلف كثريا ذلك أن التصفية الذاتية للركود التضخمي‬
‫غري متوافرة يف هذه الدول على األقل للسببني التاليني‪:57‬‬

‫‪ 57‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.343‬‬


‫‪90‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫أ‪-‬ال يعمل النشاط اإلنتاجي عند مستوى التوظيف الكامل أو حىت قريبا منه‪.‬‬
‫ب‪-‬ال تعمل آليات السوق والتوازن يف البلدان النامية بنف‪ :‬الطريقة اليت تعمل هبا يف الدول املتقدمة‪ ،‬ولذا فإن‬
‫استعادة التوازن التلقائي سيتطلب فرتة زمنية طويلة للغاية‪.‬‬
‫أما استخدام السياسة النقدية التوسعية فيرتتب عليه عدة خماطر أمهها اآليت‪:58‬‬
‫أ‪ -‬ستؤدي زيادة العرض النقدي (يف ظل مجود اجلهاز اإلنتاجي) إىل ارتفاع املستوى العام لألسعار دون زيادة‬
‫الناتج القومي احلقيقي‪.‬‬
‫ب‪ -‬إساءة استخدام الزيادة النقدية مما يزيد الوضع سوءا مقارنة بالدول املتقدمة‪.‬‬
‫ولذا يتطلب عالج صدمات العرض التضخمية بالدول النامية كاآليت‪:59‬‬
‫أ‪ -‬سياسات أجرية تربط بني الزيادة يف األجور والزيادة يف اإلنتاجية وتعاجل االختالل بينهما‪.‬‬
‫ب‪-‬التخلص من البطالة املقنعة يف عدد من القطاعات مثل القطاع العام‪.‬‬
‫ج‪-‬استغالل الطاقات العاطلة يف املشروعات‪ ،‬ألن هذا يساهم بصورة كبرية يف الزيادة الناتج والعرض الكلي وال‬
‫يرتتب عليه زيادة كبرية يف اإلنفاق أو الطلب الكلي‪.‬‬
‫ح‪-‬االهتمام مبشروعات القطاعات السلعية اليت تسهم مباشرة يف زيادة العرض من السلع‪ ،‬وخاصة يف األنشطة‬
‫اليت تنتج سلعا ضرورية يزداد الطلب عليها مبعدالت كبرية مثل املنتجات الزراعية‪.‬‬
‫د‪-‬سياسات طويلة األجل تعمل على إحالل املواد األولية والوسطية احمللية الرخيصة بدال من تلك املستوردة الغالية‬
‫الثمن‪ ،‬وتطبيق تقنيات جديدة ختفض من نسبة مسامهة هذه املواد املستوردة يف املنتجات النهائية‪.‬‬
‫ر‪-‬تشجيع االستثمارات اخلاصة واألجنبية وهتيئة املناخ املالئم هلا حيث يرتتب على ذلك زيادة الناتج والعرض‬
‫الكلي من سلع وخدمات السوق احمللي‪.‬‬
‫ه‪ -‬سياسات هيكلية تعاجل العجز يف ميزان املدفوعات حبيث تشجع الصادرات وحتد من الواردات من جهة‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى تعمل هذه السياسات على تنويع هيكل اإلنتاج و الصادرات‪ ،‬األمر الذي يرتتب عليه تقليل التقلبات‬
‫يف االقتصاد و زيادة قدرته على التكيف مع التقلبات العاملية‪ ،‬وبالتايل التخفيف من حدة التضخم املستورد‪.‬‬
‫و‪-‬ميكن أن تلعب السياسات النقدية التوسعية دورا ثانويا مساعدا ولي‪ :‬دورا رئيسيا‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬السياسات العالجية للتضخم الناشئ عن التغذية النقدية‬
‫هناك شبه اتفاق على أن مواجهة هذا التضخم يتطلب إتباع سياسة نقدية انكماشية من أجل‬
‫ختفيض أو إبطاء معدل الزيادة يف الطلب الكلي‪ ،‬و من مث خفض معدل االرتفاع يف املستوى العام لألسعار‪،‬‬

‫‪ 58‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.343‬‬


‫‪ 59‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق ص ص ‪.344-343‬‬
‫‪91‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫ولكن الواقع العملي لي‪ :‬هبذه السهولة‪ ،‬حيث تلعب قوى التوقعات و غريها دورا معاكسا‪ .‬وسوف يصاحب هذا‬
‫العالج النقدي تلقائيا‪ ،‬ارتفاع سعر الفائدة الذي حيدث اآلثار التالية‪:60‬‬
‫أ‪ -‬خيفض من حجم االستثمار مما يؤدي إىل اخنفاض الطلب الكلي ومن مث اخنفاض املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫ب‪ -‬يزيد من تكاليف التمويل و اإلنتاج مما يؤدي إىل نقص العرض الكلي وارتفاع املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫وتتوقف احملصلة النهائية لكل من األمرين السابقني على مرونة الطلب على القروض‪ .‬فإذا كانت هذه‬
‫املرونة منخفضة ستضطر املشروعات الصغرية واملتوسطة إىل االقرتاض مهما ارتفع سعر الفائدة‪ ،‬وبالتايل لن‬
‫ينخفض االستثمار (ومن مث الطلب الكلي)‪ ،‬بل سرتتفع تكاليف اإلنتاج بدرجة كبرية تؤدي إىل ارتفاع املستوى‬
‫العام لألسعار‪ ،‬والعك‪ :‬صحيح‪ ،‬خاصة وأن ارتفاع سعر الفائدة قد ال يؤثر على استثمارات املشروعات الكبرية‬
‫اليت غالبا ما متول نفسها ذاتيا‪ ،‬و بالتايل لن ينخفض كل من الطلب الكلي واملستوى العام لألسعار‪ .‬غري أن‬
‫النقديني يرون أن األثر التضخمي لسعر الفائدة غالبا ما حيدث ملرة واحدة‪ ،‬ولكن اخنفاض العرض النقدي‬
‫سيخفض من حجم الناتج والزيادة يف معدالت األجور النقدية مما يعين السيطرة على أهم العوامل املغذية‬
‫للتضخم‪.‬‬
‫أما بالنسبة للدول النامية فقد طبقت يف العقدين األخريين من القرن املاضي بعض برامج اإلصالح‬
‫االقتصادي مقرتحة من قبل صندوق النقد الدويل‪ ،‬وكانت هذه الربامج حتتوي على العناصر األساسية للسياسة‬
‫النقدية االنكماشية (تقييد التوسع النقدي ورفع أسعار الفائدة)‪ .‬وقد لوحظ على هذه السياسة اآليت‪:61‬‬
‫أ‪-‬كان االخنفاض يف الطلب الكلي ضئيال مقارنة بالدول املتقدمة نظرا ألن حجم التمويل املصريف كان متواضعا‬
‫من األصل‪.‬‬
‫ب‪ -‬أدت أسعار الفائدة املرتفعة إىل زيادة تكاليف اإلنتاج ومن مث اخنفاض حجم النشاط اإلنتاجي‪ ،‬خاصة وأن‬
‫معظم املشروعات هبذه الدول صغرية أو متوسطة تتأثر بشدة من ارتفاع أسعار الفائدة‪ ،‬وقد ترتب على ذلك‬
‫ارتفاع املستوى العام لألسعار بدرجة كبرية‪.‬‬
‫إن تطبيق هذه السياسات يف معاجلة التضخم يف كثري من الدول النامية (مثل مصر مثال) قد فشل‬
‫وأدى إىل املزيد من الركود و التضخم يف آن واحد‪.‬‬
‫وعند تصميم سياسات ملعاجلة التضخم يف الدول النامية جيب مالحظة اآليت‪:62‬‬
‫أ‪-‬جلوء كثري من احلكومات إىل اإلصدار النقدي من أجل تغطية عجز املوازنة العامة‪ ،‬وهلذا من الصعب تقييد مثل‬
‫هذا اإلصدار إال إذا استطاعت هذه احلكومات معاجلة العجز‪.‬‬

‫‪ 60‬رمضان حممد مقلد‪/‬أسامة امحد الفيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.345‬‬


‫‪ 61‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.342-345‬‬
‫‪ 62‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.342‬‬
‫‪92‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫ب‪ -‬قد تنجح السياسات النقدية االنكماشية يف احلد من التضخم يف األجل القصري ألهنا تؤدي إىل آثار‬
‫انكماشية فورية احلدوث‪ .‬ولكن سيرتتب عليها يف األجل الطويل آثار سلبية بالنسبة للتنمية االقتصادية‪ ،‬حيث‬
‫تنخفض معدالت االستثمار ‪ ،‬وهذا يعين أن تضحي الدول النامية باعتبارات النمو والعدالة حلساب اعتبارات‬
‫االستقرار‪.‬‬
‫ج‪-‬حتتاج الدول النامية إىل العالج اهليكلي الذي ينمي النشاط احلقيقي يف األجل الطويل‪ .‬أما العالج النقدي‬
‫فهو نوع من املسكنات املؤقتة ال جيب التمادي يف استخدامه لفرتات طويلة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫املبحث اخلام‪ ::‬سياسة استهداف التضخم‬


‫يشكل التضخم خطرا حقيقيا على النشاط االقتصادي ككل‪ ،‬فقد ظهرت اقتناعات لدى واضعي‬
‫السياسة النقدية بأن استقرار األسعار جيب أن يكون هو اهلدف األويل للسياسة النقدية‪ .‬كما تبني أيضا منذ هناية‬
‫الثمانينات أن التأثري يف التضخم غري مباشر (عن طريق التحكم يف املتغريات الوسيطية كمعدالت الفائدة‪ ،‬سعر‬
‫الصرف و اجملمعات النقدية) مل يكن فعال يف حتقيق ذلك اهلدف‪ ،‬األمر الذي دفع إىل تبين أسلوب حديث‬
‫إلدارة السياسة النقدية مبين على مقاربة مباشرة للحد من التضخم سواء من قبل بعض الدول املتقدمة أو النامية‪،‬‬
‫وعرف هذا األسلوب بسياسة استهداف التضخم ‪.Inflation Targeting Policy‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف سياسة استهداف التضخم‬
‫يعرف )‪ Eser Tutar (2002‬استهداف التضخم بأنه‪" :63‬نظام للسياسة النقدية يتميز باإلعالن العام‬
‫عن اهلدف الرمسي جملاالت أو هدف كمي (رقمي) ملعدل التضخم لفرتة زمنية واحدة أو أكثر مع االعرتاف‬
‫الظاهر بأن ختفيض واستقرار التضخم هو اهلدف األويل للسياسة النقدية"‪.‬‬
‫يلخص )‪ Kenneth N.Kuttner (2004‬إىل وجود طريقتني للتفكري يف تعريف استهداف التضخم‪:64‬‬
‫‪ -‬تتعلق الطريقة األوىل باخلصائص املالحظة أو الظاهرة إلطار سياسة االستهداف‪.‬‬
‫‪ -‬أما الطريقة الثانية تتعلق مبدى أمثلية هذه السياسة كقاعدة إلدارة السياسة النقدية‪.‬‬
‫يرتتب على الطريقة األوىل يف التفكري إىل أن الطريق األسهل لتميز استهداف التضخم يكون بالطبع‬
‫باإلعالن الذايت‪ ،‬فإذا أعلن البنك املركزي عن أهداف التضخم نقول بأنه يطبق سياسة استهداف التضخم‪،‬‬
‫ويسمى هذا‪" :‬التعريف العملي الستهداف التضخم ‪ "Definition of Inflation Targeting‬قد يكون اإلعالن‬
‫نقطة جيدة لالستهداف لكن دون اجلزم بذلك‪ ،‬لذا ينقذ التعريف من وجهتني‪:‬‬
‫‪ -1‬إن التعريف هبذه الطريقة من خالل اإلعالن عن أهداف التضخم ال يعترب شرطا كافيا وضروريا لكي يؤهل‬
‫البنك على تطبيق هذه السياسة‪ ،‬بعض البنوك املركزية هلا أهداف للتضخم مثل (البنك املركزي األورو؛ي) وتفتقر‬
‫إىل املميزات األخرى لذا ال نقول أهنا تطبق سياسة استهداف التضخم‪.‬‬
‫‪ -2‬تصر بعض البنوك (مثل االحتياطي الفيدرايل األمريكي) على أهنا ليست نظام استهداف التضخم بالرغم من‬
‫امتالكها ألغلب ويف بعض األحيان لكل املميزات األخرى مثل البنوك اليت أعلنت ذاتيا عن استهداف التضخم‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪Eser Tutar, « Inflation Targeting in developing Countries and its Applicability to the‬‬
‫‪Turkish Economy », July 18, 2002, p 01 http:// scholar.lib.vt.edu/theses/available/etd-‬‬
‫‪08012002-110233/unrestricted/thesis.pdf.12/04/2016.‬‬
‫‪64‬‬
‫‪Kenneth N.Kuttner, "A Snapshot of Inflation Targeting in its Adolescence".2004, p 07‬‬
‫‪www.rba.gov.au/PublicationsAndResearch/Conferences/2004/Kuttner.pdf.13/04/2016.‬‬
‫‪94‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫إذا كان التعريف العملي يأخذ منوذجه من وجهة نظر واضعيه أمثال )‪ Bernanke and Al (1999‬بأنه‬
‫أفضل وصف كإطار للسياسة النقدية بدال كقاعدة عريضة واليت تتميز بأربع خصائص‪:65‬‬
‫‪ -‬االلتزام املعلن على استقرار األسعار كهدف أساسي للسياسة النقدية‪ ،‬ومع ذلك ال ينبغي أن يكون استقرار‬
‫األسعار اهلدف الوحيد لتحقيق االستقرار يف اإلنتاج وأغراض أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬هناك هدف رقمي مفسر للتضخم‪ .‬ويف كثري من األحيان ولكن لي‪ :‬دائما ستكون هناك فرتة زمنية حمددة‬
‫للعودة إىل اهلدف بعد أي ثغرات‪.‬‬
‫‪ -‬وجود درجة عالية من الشفافية فيما يتعلق بالسياسة النقدية تقوم بانتظام بنشر تقارير مفصلة عن األوضاع‬
‫االقتصادية وتوقعات التضخم‪ .‬ويف كثري من األحيان تشمل تقارير البنك املركزي للتضخم‪ ،‬منو الناتج احمللي‬
‫اإلمجايل ومتغريات االقتصاد الكلي األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬آلية املساءلة يف الغالب تكون اهلدف املوجه للتضخم‪ ،‬وهذا ما يتطلب من البنك املركزي اختاذ تدابري حمددة‬
‫مثل نشر تفسري أو إرسال بريد الكرتوين إىل احلكومة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬ظروف نشأة وتطور سياسة استهداف التضخم‬
‫إن اإلملام بظروف نشأة وتطور سياسة استهداف التضخم ميثل إسرتاتيجية جديدة إلدارة السياسة‬
‫النقدية من قبل البنوك املركزية من خالل حتديد معدالت كمية لتحقيق االستقرار يف املدى الطويل‪ ،‬على الرغم من‬
‫قصر جتربتها إال أن هناك بلدان عديدة متقدمة و نامية تبنت هذا اإلطار للسياسة النقدية‪.66‬‬
‫الفرع األول‪ :‬ظروف نشأة سياسة استهداف التضخم‬
‫بدأت أول جتارب استهداف التضخم كنظام إلدارة السياسة النقدية يف عدد متزايد من الدول‬
‫املتقدمة‪ ،‬بدأ يف نيوزلندا يف ديسمرب ‪ ،7515‬مث يف كندا يف فيفري ‪ ،7557‬مث يف اململكة املتحدة يف ‪ ،7559‬مث تلتها‬
‫باقي الدول الصناعية األخرى كأسرتاليا والسويد يف ‪.7551‬‬
‫إن حت قيق هذه الدول ملعدالت منخفضة و مستقرة للتضخم شجع عددا من الدول النامية على تبين‬
‫هذه السياسة مثل الشيلي وبولندا يف ‪ ،7555‬كولومبيا‪ ،‬كوريا وجنوب إفريقيا يف ‪ ،9111‬هنغاريا‪ ،‬إسلندا واملكسيك‬
‫يف ‪ ،9119‬وأخريا الفيليبني والبريو يف ‪ 2112‬أيضا‪.‬‬
‫دول قدمية و‪ 74‬دولة الباقية‪،‬‬ ‫‪11‬‬ ‫دولة تستهدف معدالت التضخم‪ ،‬منها‬ ‫‪97‬‬ ‫أن هناك‬ ‫‪Kuttner‬‬ ‫يرى‬
‫حديثة العهد‪.67‬‬

‫‪65‬‬
‫‪Kenneth N.Kuttner, op-cit, p 08.‬‬
‫‪ 22‬طيبة عبد العزيز "سياسة استهداف التضخم كأسلوب حديث للسياسة النقدية (دراسة حالة اجلزائر للفرتة ‪ ،")2113-1114‬رسالة ماجستري‪،‬‬
‫حتت إشراف بلعزوز بن علي‪ ،‬جامعة الشلف‪ ،2115 ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪67 Kenneth N.Kuttner, op-cit, p13.‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫الفرع الثاين‪ :‬تطور سياسة استهداف التضخم‬


‫إن حتقيق أهداف السياسة النقدية يرتبط مبدى العالقة اليت تربط اهلدف النهائي باالستهدافات‬
‫الوسيطة يف املرحلة اليت سبقت فرتة هناية الثمانينات‪ ،‬حيث كان االعتقاد السائد بصحة الفرضية القائمة على قدرة‬
‫البنوك املركزية على التحكم يف االستهدافات الوسيطة و أن هناك عالقة وثيقة بينها وبني األهداف النهائية‪.68‬‬
‫إن اهنيار نظام برينت وودز يف أوائل السبعينات‪ ،‬جعل أسعار الصرف غري فعالة كاستهدافات‬
‫وسيطة‪ ،‬فظهرت اجملمعات النقدية كاستهدافات وسيطة جديدة ميكن التحكم فيها وتعك‪ :‬بصفة جيدة اهلدف‬
‫النهائي خاصة مع االجتاه املتصاعد ألفكار النقدويني يف تلك الفرتات‪ .‬واجلدول التايل يبني مؤشرات الدول اليت‬
‫استهدفت التضخم‪:‬‬

‫‪ 68‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪96‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫اجلدول رقم (‪ :)1-2‬مؤشرات عن الدول اليت استهدفت التضخم‬


‫معدل‬ ‫معدل‬ ‫معدل‬ ‫السنة اليت‬ ‫البلد‬
‫التضخم يف ‪9117‬‬ ‫التضخم خالل التضخم املستهدف‬ ‫اعتمد فيها‬
‫(‪)%‬‬ ‫استهداف التضخم اعتبارا من ‪9117‬‬ ‫استهداف التضخم‬
‫(‪)%‬‬
‫‪9.9‬‬ ‫‪1-1‬‬ ‫‪1.9‬‬ ‫‪7515‬‬ ‫نيوزلندا‬
‫‪9.9‬‬ ‫‪1-7‬‬ ‫‪1.9‬‬ ‫‪7557‬‬ ‫كندا‬
‫‪7.1‬‬ ‫‪9.9‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪7559‬‬ ‫اململكة‬
‫املتحدة‬
‫‪4.4‬‬ ‫‪1-9‬‬ ‫‪7.1‬‬ ‫‪7551‬‬ ‫اسرتاليا‬
‫‪9.4‬‬ ‫‪1-7‬‬ ‫‪4.9‬‬ ‫‪7551‬‬ ‫السويد‬
‫‪4.1‬‬ ‫‪4-9‬‬ ‫‪1.9‬‬ ‫‪7551‬‬ ‫مجهورية‬
‫التشيك‬
‫‪9.1‬‬ ‫‪ 1-7‬من‬ ‫‪5.1‬‬ ‫‪7551‬‬ ‫إسرائيل‬
‫‪ 9117‬فصاعدا‬
‫‪9.5‬‬ ‫‪9-9‬‬ ‫‪4.5‬‬ ‫‪7555‬‬ ‫الربازيل‬
‫‪1.9‬‬ ‫‪4-9‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪7555‬‬ ‫التشيلي‬
‫‪9.9‬‬ ‫‪9.1-9.4‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪7555‬‬ ‫بولندا‬
‫‪/‬‬ ‫‪ 1‬من عام‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪9111‬‬ ‫كولومبيا‬
‫‪9117‬‬
‫‪ 9‬من عام‬
‫‪9119‬‬
‫‪4.7‬‬ ‫‪9.9‬‬ ‫‪4.7‬‬ ‫‪9111‬‬ ‫كوريا‬
‫‪4.1‬‬ ‫‪4-1‬‬ ‫‪9.7‬‬ ‫‪9111‬‬ ‫جنوب‬
‫إفريقيا‬
‫‪7.1‬‬ ‫‪1.9-1‬‬ ‫‪7.9‬‬ ‫‪9111‬‬ ‫تايلندا‬
‫‪5.7‬‬ ‫‪1-1‬‬ ‫‪5.7‬‬ ‫‪9117‬‬ ‫هنغاريا‬
‫‪9.4‬‬ ‫‪+( 9.9‬أو‪-‬‬ ‫‪9.4‬‬ ‫‪9117‬‬ ‫إسلندا‬
‫‪)7.9‬‬
‫‪ 9.9‬من‬ ‫‪9.4‬‬ ‫‪9117‬‬ ‫املكسيك‬
‫‪/‬‬ ‫نهاية عام ‪9117‬‬
‫‪ 4.9‬من‬
‫نهاية عام ‪9119‬‬
‫‪3.5‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪3.1‬‬ ‫‪2111‬‬ ‫النرويج‬
‫املصدر‪ :‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.719‬‬

‫‪97‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫وقد واجهت البنوك املركزية يف الدول الصناعية منذ منتصف الثمانينات مشكلة تعثر سياسة‬
‫استخدام املتغريات الوسيطة كالقاعدة النقدية وسعر الصرف‪.‬‬
‫أوال‪ -‬استهداف سعر الصرف‬
‫مع أن معظم الدول انتهجت منذ اهنيار نظام برينت وودز‪ ،‬ويف منتصف السبعينات‪ ،‬سياسة سعر‬
‫الصرف املرن فقد ظلت بعض دول األسواق الناشئة واملتحولة تعتمد سياسة سعر الصرف الثابت كمتغري وسيط‬
‫للتحكم مبعدالت التضخم‪ ،‬ومن هذه الدول على سبيل املثال األرجنتني سنة ‪ ،7557‬والربازيل من سنة ‪ 7554‬إىل‬
‫‪ ،7551‬حيث متكنت هذه األخرية من خالل استخدام سعر الصرف الثابت من التحكم يف معدالت التضخم‬
‫العالية يف فرتة وجيزة‪ .‬لكن يف ظل االندماج املايل العاملي وحترير التجارة وسهولة تدفق األموال عرب القارات و‬
‫األزمات املالية‪ ،‬أصبحت تلك الدول (اليت مازلت تصر على انتهاج سياسة سعر الصرف الثابت) حتت ضغوط‬
‫متزايدة للتحرك حنو سعر صرف أكثر مرونة لتجنب مواجهة أوضاع خطرة‪.69‬‬
‫ثانيا‪ -‬استهداف التحكم بنمو القاعدة النقدية‬
‫يف ظل سياسة حترير أسعار الصرف‪ ،‬يصبح التحكم بالقاعدة النقدية هو اهلدف أو املتغري الوسيط‪،‬‬
‫ولي‪ :‬ثبات سعر الصرف‪ .‬وقد أطلق على هذه املقاربة "سياسة االستهداف النقدي"‪ ،‬حيث يقوم البنك املركزي‬
‫بتحريك أدواته كسعر الفائدة مثال‪ ،‬من أجل التحكم يف منو القاعدة النقدية أو اجملاميع النقدية ذات العالقة واليت‬
‫تعترب حمددا قويا ملعدالت التضخم على املدى الطويل‪.‬‬
‫وتفرتض هذه السياسة أن التحكم أو القدرة على التحكم يف القاعدة النقدية‪ ،‬تؤدي إىل حتكم‬
‫مماثل يف معدالت التضخم‪ .‬وتصبح إمكانية منو القاعدة النقدية أو اجملاميع النقدية املختارة كأهداف وسيطة هي‬
‫العنصر الفعال يف حتقيق هدف استقرار األسعار‪ .‬وتصبح قدرة البنك املركزي مرهونة مبدى معرفته التجريبية بفعالية‬
‫أدوات السياسة النقدية يف التأثري على تلك اجملاميع‪ ،‬وهذا هو العنصر احلاسم‪ .‬وينبع ذلك كله من التجارب‬
‫املرتاكمة لدى البنك املركزي اليت كوهنا عن طبيعة ومناخ القطاع النقدي واملصريف وعن االقتصاد عموما‪.70‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬شروط استهداف التضخم‬
‫إذا كانت فعالية السياسة النقدية يف احلد من التضخم تنصرف إىل الكيفية اليت تستطيع السلطة‬
‫النقدية التأثري يف مستوى النشاط االقتصادي لتحقيق هدف استقرار األسعار‪ ،‬فإن فعالية سياسة استهداف‬
‫التضخم تتعلق مبدى إمكانية السلطة النقدية التحكم يف املعدل أو املدى املستهدف كهدف أساسي للسياسة‬

‫‪ 21‬ناجي التوين‪" ،‬استهداف التضخم والسياسة النقدية"‪ ،‬سلسلة جسر التنمية‪ ،‬معهد التخطيط العر؛ي‪ ،‬الكويت‪ ،‬ص ‪ .13‬ميكن اإلطالع عليه يف‬
‫املوقع االلكرتوين‪www.arab-api.org/develop_bridge6.pdf.13/04/2016.:‬‬
‫‪ 70‬نف‪ :‬املرجع‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪98‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫النقدية يف املدى الطويل‪ ،‬ولضمان فعالية هذه السياسة جيب توفري نوعني من الشروط‪ :‬الشروط العامة والشروط‬
‫األولية (األساسية)‪.71‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الشروط العامة الستهداف التضخم‬
‫نعين بالشروط العامة تلك املعايري أو اخلصائص اليت جيب أن تتميز هبا الدولة املعنية حىت ميكن‬
‫القول أهنا تستهدف التضخم‪ ،‬فإذا نقص شرط من هذه الشروط يف أي بلد‪ ،‬ال نستطيع احلكم على أنه‬
‫يستهدف التضخم‪.‬‬
‫هناك مخسة شروط عامة وضرورية لقيم سياسة استهداف التضخم وهي‪:72‬‬
‫‪ -‬اإلعالن العام عن أهداف رقمية ملعدل التضخم يف األجل املتوسط‪.‬‬
‫‪ -‬التزام مؤسسايت بأن استقرار األسعار هو اهلدف األويل للسياسة النقدي يف املدى الطويل مع االلتزام أو التعهد‬
‫بتحقيق اهلدف‪.‬‬
‫‪ -‬إسرتاتيجية املعلومات الشاملة اليت حتتوي على العديد من املتغريات (تتعلق هذه املتغريات بالفرتة املستقبلية‬
‫للتحكم يف التضخم‪ ،‬لي‪ :‬فقط اجملمعات النقدية‪ ،‬واستعماهلا يف اختاذ قرار السياسة النقدية‪ ،‬جيب أن تتوفر لدى‬
‫البنك املركزي آليات فنية متقدمة للتنبؤ بالتضخم احمللي)‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة الشفافية حول إسرتاتيجية السياسة النقدية لالتصال باجلمهور واألسواق حول خطط وأهداف صانعي‬
‫السياسة النقدية‪.‬‬
‫‪ -‬إخضاع البنك املركزي للمساءلة أكثر يف اجناز هدف التضخم كهدف أساسي للسياسة النقدية يف املدى‬
‫الطويل‪.‬‬
‫تعترب الواليات املتحدة األمريكية من الدول اليت ال تستهدف التضخم على الرغم من التزام بنوكها‬
‫املركزية الفيدرالية من حتقيق مستوى منخفض من التضخم‪ ،‬فهي ال تعلن أهداف رقمية صرحية للجمهور إىل‬
‫جانب التزامها بتحقيق أهداف أخرى كتحقيق العمالة الكاملة أو حتقيق أسعار فائدة مقبولة يف املدى الطويل‪ ،‬أما‬
‫أملانيا تعد من البلدان اليت يتمتع بنكها املركزي باستقاللية كبرية و حيقق مستويات منخفضة من التضخم‪ ،‬إال أنه‬
‫ال تعلن بشكل رمسي و صريح عن أهداف رقمية ملعدالت التضخم‪ ،‬لذا فهي ال تطبق سياسة استهداف‬
‫ويسمح بتحقيق‬ ‫‪%9‬‬ ‫التضخم‪ .‬كما أن البنك املركزي األورو؛ي يضع أهداف رقمية معلنة للتضخم ال تتعدى‬

‫‪51‬بلعزوز بن علي‪/‬طيبة عبد العزيز‪" ،‬تقييم أداء بنك اجلزائر للسياسة النقدية حالل الفرتة ‪ 2114-1114‬مع الرتكيز على سياسة استهداف‬
‫التضخم"‪ ،‬جملة كلية التجارة للبحوث العلمية‪ ،‬جامعة الشلف‪ ،2115،‬ص ص ‪ .12-11‬ميكن اإلطالع عليه يف املوقع االلكرتوين التايل‪:‬‬
‫رسائل ‪www.elbassaire.net/centre de téléchargement/maktaba/‬‬
‫‪/séminaire/bechar/56.pdf.13/04/2016.‬ماجستري‬
‫‪ 72‬نف‪ :‬املرجع‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪99‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫أهداف أخرى غري أهداف استقرار األسعار يف املدى الطويل‪ ،‬لذا ال ميكن القول أنه يطبق هذا اإلطار إلدارة‬
‫السياسة النقدية‪ ،‬جيب أن تتوفر هذه الشروط كلية حىت ميكن ألي بلد من تطبيق هذه السياسة‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬الشروط األولية الستهداف التضخم‬
‫تتمثل الشروط األولية يف تلك املعايري املبدئية اليت جيب أن تتوفر يف دولة ما حىت تكون لسياسة‬
‫استهداف التضخم فعالية أكرب يف تطبيقه‪ ،‬على عك‪ :‬الشروط العامة فإن استهداف التضخم ميكن أن يكون‬
‫فعاال حىت يف حالة عدم توفر بعض الشروط الالزمة يف تطبيقه‪.‬‬
‫وتوجد ثالثة شروط أولية لفعالية سياسة استهداف التضخم هي‪:73‬‬
‫‪ -1‬استقاللية البنك املركزي‬
‫يعترب من املتطلبات األساسية الستهداف التضخم من خالل إعطاء استقاللية كاملة للبنك املركزي‬
‫للتعديل احلر ألدواته النقدية للوصول إىل هذا التضخم املنخفض‪ ،‬وتعين االستقاللية الكاملة إعطاء قدر كبري‬
‫للسياسة النقدية بتوجيه األدوات بشكل فعال لبلوغ أهدافها‪ .‬وتشري ضمنيا إىل عدم متويل البنك املركزي لعجز‬
‫امليزانية احلكومية من خالل التوسع النقدي ويف نف‪ :‬الوقت عدم التقييد بالتمويل الالزم للقطاع العام بأسعار‬
‫فائدة منخفضة أو اإلبقاء على سعر صرف امسي معني‪ ،‬كما جيب أن ال يكون هناك ضغط سياسي على البنك‬
‫املركزي لرفع معدالت النمو االقتصادي بطريقة تتعارض مع حتقيق استقرار األسعار يف األجل الطويل‪.‬‬
‫ال جيب أن يكون هناك متويل مباشر للقطاع العام من البنك املركزي‪ ،‬كم ال جيب إعطاء ثقل كبري‬
‫للقطاع العام يف التمويل من اجلهاز املصريف بل جيب أن تكون اإليرادات احلكومية كافية لتغطية النفقات‬
‫احلكومية‪ ،‬أن انعدام هذا الشرط يضعف فعالية السياسة النقدية يف بلوغ االستهدافات املوضوع مع إجبار البنك‬
‫املركزي التكيف مع سياسته النقدية حسب الظروف السائدة‪.‬‬
‫يرى )‪ Eser Tutar (2002‬أنه لي‪ :‬هناك تعريف حتليلي لعتبة التضخم واليت عندها تفقد السياسة‬
‫النقدية فعاليتها‪ ،‬وتصبح عندها متكيفة تقريبا مع األوضاع السائدة‪ ،‬فهو يرى أن الدولة اليت ترتاوح معدالت‬
‫تضخماهتا بني ‪ %99-79‬ملدة ثالثة أو مخسة سنوات ال ميكنها االعتماد على سياسة نقدية تستهدف معدل‬
‫تضخم منخفض و دائم‪.‬‬
‫‪ -2‬امتالك استهداف وحيد‬
‫يتمثل الشرط الثاين لتبين استهداف التضخم يف انعدام استهدافات امسية أخرى مثل األجور أو‬
‫مستوى التشغيل أو سعر الصرف االمسي تتعارض وحتقيق استقرار األسعار يف املدى الطويل‪ ،‬فعندما ختتار الدولة‬
‫نظام لسعر الصرف الثابت تكون غري قادرة على بلوغ املعدل املستهدف وسعر الصرف الثابت يف نف‪ :‬الوقت‪،‬‬
‫إذا كان اقتصاد البلد يعرف حركة كبرية النتقال رؤوس األموال‪ ،‬فتحقيق هدف استقرار سعر الصرف يكون على‬

‫‪ 73‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.12-11‬‬


‫‪100‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫حساب حتقيق معدل تضخم منخفض‪ ،‬مما يؤثر على مصداقية السياسة النقدية‪ ،‬فعندما يتم حتديد معدل تضخم‬
‫سعر صرف العملة احمللية مقابل عملة الربط يف دولة أخرى يرتتب عليه قبول صانعي السياسة االقتصادية داخل‬
‫الدولة مبعدل التضخم يف الدولة األخرى كمعدل مستهدف للتضخم‪ ،‬وعندما حيدث اخنفاض يف سعر صرف‬
‫عملة بنك دولة نتيجة الرتفاع أسعار الواردات من اخلارج مثال يؤدي ذلك إىل ارتفاع معدل التضخم حمليا وهو ما‬
‫يتعارض مع استهداف التضخم‪.‬‬
‫فإذا حدث تضارب بني األهداف يصعب على صانعي السياسة النقدية إعطاء األولوية هلذين‬
‫اهلدفني وتوضيحها للجمهور بطريقة موثوقة‪ ،‬ولتفادي هذا التضارب يتطلب تبين نظام سعر صرف مرن إىل احلد‬
‫الذي يكون فيه التضخم له األولوية يف حالة حدوث أي تعارض لذا يكون الطريق األكثر أمانا لتفادي تلك‬
‫املشاكل أن ال تكون أي متغريات امسية مستهدفة مع النظر إىل هدف التضخم املنخفض يف املدى الطويل هو‬
‫اهلدف الوحيد واألساسي للسياسة النقدية‪.‬‬
‫‪-1‬وجود عالقة مستقرة بني أدوات السياسة النقدية ومعدل التضخم‬
‫جيب أن تكون هناك عالقة مستقرة و ميكن التنبؤ هبا بني أدوات السياسة النقدية ومعدالت‬
‫التضخم‪ ،‬حيث جيب أن تكون السلطة النقدية قادرة على تشكيل منوذج ديناميكي للتضخم وتقديره عند مستوى‬
‫ميكن حتقيقه والتحكم فيه وفقا للمعلومات املستقبلية املتاحة‪ ،‬لذا جيب على السلطة النقدية أن تكون هلا القدرة‬
‫على التأثري بأدواهتا املتاحة بفعالية يف حالة احنراف املعدل عن قيمته يف املستقبل‪ .‬والبد أيضا أن تكون هناك‬
‫أسواق مالية (لرأس املال) متطورة لالستخدام األمثل لتلك األدوات لينتقل أثرها على النشاط االقتصادي إذا‬
‫حدثت احنرافات عن التضخم املستهدف ميكن تصحيحها يف الوقت املناسب‪.‬‬
‫وقد تبنت بعض الدول سياسة استهداف التضخم لكنها مل تستويف أحد الشروط السابقة لفعالية‬
‫هذا اإلطار إلدارة السياسة النقدية يف حتقيق تضخم منخفض يف بداية التطبيق‪.‬‬
‫إذا استوفت أي دولة للشروط العامة بصفة كاملة‪ ،‬وللشروط األولية بصفة جزئية أو كاملة ميكنها‬
‫تطبيق سياسة استهداف التضخم‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫الفصل الثاني ظاهرة التضخم و سياسات استهدافها‬

‫خالصة‪:‬‬
‫من أهم املشكالت االقتصادية اليت ثار حوهلا النقاش واآلراء والنظريات اليت عانت منها اجملتمعات‬
‫على اختالف أنظمتها االقتصادية والسياسية‪ ،‬واختالف درجة تطورها االقتصادي واالجتماعي مشكلة التضخم‬
‫اليت تعددت تعاريفها ولعل أهم تعريف متداول هو االرتفاع العام واملستمر يف مستوى األسعار‪ ،‬وميكن قياسه بعدة‬
‫طرق‪ ،‬وكلما كان التشخيص صحيحا ودقيقا كلما سهلت مهمة القضاء عليه‪ ،‬وللتضخم عدة أنواع ميكن‬
‫تقسيمها حسب القطاع الذي حدث فيه وحسب درجة التشغيل‪ ،‬حسب درجة إشراف الدولة على األسعار‪،‬‬
‫حسب املصدر وحسب احلدة‪ ،‬ولكل هذه األنواع أسباب حلدوثها قد تكون ناجتة عن الطلب أو عن التكاليف‬
‫أو من خالل اهلياكل االقتصادية واالجتماعية أو من خالل العامل النقدي أو نتيجة الربح‪.‬‬
‫ونتيجة ملا سبق تعددت النظريات املفسرة هلذه الظاهرة فمنها النظرية النقدية التقليدية اليت ترجع‬
‫سبب التضخم إىل التغريات بني ك مية النقود املعروضة وحجم الناتج املتاح من السلع واخلدمات‪ ،‬والنظرية الكينيزية‬
‫اليت فسرت التضخم على أنه نتيجة عدم التوازن بني التشغيل والدخل الوطين بالطلب الكلي الفعال‪ ،‬ونظرية‬
‫التضخم الناتج عن رفع النفقة اليت تفسر التضخم بأنه يرجع إىل ارتفاع تكاليف اإلنتاج عامة‪ ،‬واألجور خاصة‪،‬‬
‫باإلضافة إىل النظرية املعاصرة اليت تقوم على تطور التغري يف كمية النقود بني الناتج الوطين أو الدخل الوطين‬
‫احلقيقي‪ ،‬ومن جهة أخرى على التغري الذي يطرأ على سرعة دوران النقود‪ ،‬وملعاجلة مشكلة التضخم استخدمت‬
‫الدول عدة سياسات أوهلا السياسة النقدية وهذا برفع سعر اخلصم‪ ،‬ونسبة االحتياطي اإلجباري باإلضافة‬
‫استخدام عمليات السوق املفتوحة والسياسة املالية املتمثلة يف الرقابة الضريبية‪ ،‬والرقابة على الدين العام واإلنفاق‬
‫العام‪ ،‬وسياسة الرقابة على األسعار‪ ،‬وسياسة الرقابة على األجور‪.‬‬
‫كما أن معظم الدول حاربت الظاهرة ووجهتها من ظهورها ومازلت إىل اآلن حتاول التخفيف من‬
‫حدة أثارها السلبية والقضاء عليها وهذا على اعتبار أن التضخم ظاهرة تأثر عكسياً على اقتصاديات الدول فهل‬
‫ميكن فعال ختلص منه بشكل هنائي والقضاء على كل آثاره السلبية متاشيا مع استقرار النظم االقتصادية‪ ،‬ويف حالة‬
‫عدم القضاء عليه فهل كان البد من التعايش أوال والبحث ما إذا كان فعال ظاهرة ميكن الرتكيز عليها والبحث‬
‫فيها إن وجدت من أجل الوصول إىل حلول ملشاكل اقتصادية أخرى ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫"‪"4102-0991‬‬ ‫استهداف التضخم يف اجلزائر خالل الفرتة‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫متهيد‪:‬‬
‫ورثت اجلزائر عند استقالهلا نظاما مصرفيا واسعا لكنه تابع أجنيب وقائم على أساس االقتصاد احلر‬
‫الليربايل‪ ،‬وقد نتج عن استقالهلا مجلة من التغريات يف النظام املصريف الذي وجدته فيها ومن أهم هذه التغريات‬
‫إنشاء البنك املركزي اجلزائري سنة ‪ 3691‬والدينار اجلزائري سنة ‪ 3691‬وكان هذا بعد كل اجلهود اليت بذلتها من‬
‫أجل اسرتجاع حقوق سيادهتا مبا يف للك حقها يف إددار النقد وإنشاء عملة وطنية‪.‬‬
‫وتعترب السياسة النقدية من إحدى السياسات اليت تساهم يف احلد من ظاهرة التضخم‪ ،‬إل تعترب‬
‫اجلزائر من بني الدول اليت تعاين من هذه الظاهرة خادة مع بداية التسعينات واليت عرفت فيها مرحلة االنتقال من‬
‫االقتصاد املوجه إىل اقتصاد السوق حيث سجلت اجلزائر أعلى مستويات هلا يف التضخم وللك بعد التحرير‬
‫اجلزئي لألسعار سنة ‪ ،3696‬إىل أن عرفت تراجعا بلغ ‪ %3.1‬سنة ‪.0333‬‬
‫وملعرفة العالقة بني السياسة النقدية وسياسة استهداف التضخم ال بد من القيام بدراسة قياسية بني‬
‫املتغريات اليت اخرتنا دراستها تشمل خمتلف املراحل اليت سنتعرض هلا واليت تتعلق باالستقرارية مع لكر خمتلف‬
‫االختبارات‪ ،‬عالقة التكامل املشرتك وأخريا دراسة العالقة يف املدى القصري والطويل‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫املبحث األول‪ :‬تطور اجلهاز املصريف اجلزائري‬


‫يشمل النظام املصريف كامل النشاطات اليت تقوم هبا العمليات البنكية‪ ،‬وخادة تلك املتعلقة بتمويل‬
‫املؤسسات‪ ،‬فهو يعترب املرأة العاكسة للنظام االقتصادي حبيث ميثل جمموع املصاريف العامة للبالد ويعمل على‬
‫متويل التنمية االقتصادية و تسهيل العمليات املصرفية‪.‬‬
‫وقد عرف النظام املصريف اجلزائري عدة ادالحات منذ االستقالل وقد مر بعدة تطورات بدءا من‬
‫تكوينه منذ االستقالل متبوعا بإدالحات السبعينات والثمانينات إىل آخر تعديالت واليت جاءت مع قانون النقد‬
‫والقرض ‪.33-63‬‬
‫املطلب األول‪ :‬نشأة وتطور اجلهاز املصريف اجلزائري‬
‫بذلت السلطات اجلزائرية بعد االستقالل مباشرة كل ما يف وسعها السرتجاع كامل حقوق سيادهتا‬
‫مبا يف للك حقها يف إددار النقد وإنشاء عملة وطنية‪ ،‬فباشرت بإنشاء البنك املركزي اجلزائري سنة ‪3691‬‬
‫والدينار اجلزائري سنة ‪ ،3691‬وهلذا من املالئم التطرق إىل حملة تارخيية عن نشأة بنك اجلزائر منذ االستقالل إىل‬
‫يومنا هذا‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نشأة البنك املركزي اجلزائري‬
‫تقرر إنشاء مؤسسة إددار جزائرية لتحل حمل بنك اجلزائر يف‪ 33‬جانفي‪ ،3691‬وبذلك أنشئ البنك‬
‫املركزي اجلزائري على شكل مؤسسة عمومية وطنية تتمتع بالشخصية املعنوية واالستقالل املايل وللك مبوجب‬
‫القانون رقم ‪ 133-90‬املصادق عليه من قبل اجمللس التأسيسي يف ‪ 31‬ديسمرب‪.3690‬‬
‫وقد مت تربير هذا االختيار بالرغبة يف تلبية غرض مزدوج ضروري من منظور املهمة املسندة هلذه‬
‫اهليأة واملتمثل يف‪:1‬‬
‫* يتمثل الغرض األول يف وجوب تنظيم العمليات املسموحة للبنك املركزي و إعطاء احلكومة إمكانية املراقبة‬
‫الالزمة‪.‬‬
‫* بينما يتمثل الغرض الثاين يف وجوب متتع إدارة البنك باالستقرار واالستقاللية الالزمني ملمارسة دالحياهتا‪.‬‬
‫و مبوجب املهام املسندة للبنك املركزي اجلزائري يف إطار القانون ‪ ،113– 90‬جند أن هذا البنك قد‬
‫مت تنصيبه كبنك للبنوك‪ ،‬وبالتايل مت منعه من القيام بأية عملية مع اخلواص إال يف حالة االستثناء اليت تقتضيها‬
‫املصلحة الوطنية‪.‬‬
‫إال أن الفرتة السابقة لعام ‪ 3699‬قد أظهرت خلال على مستوى تنظيم وأداء النظام البنكي‬
‫اجلزائري‪ ،‬ويتمثل أدل هذا اخللل يف التعارض القائم بني اعتبارات متويل التنمية وأولويتها وللك وفقا آلليات‬

‫‪ 1‬حممود محيدات "مدخل التحليل النقدي" ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،3669 ،‬ص ‪.331‬‬
‫‪105‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫والشروط تتحدد أدال بآليات وأهداف التنمية لاهتا‪ ،‬وبني اعتبارات البنك كمؤسسة جتارية يلزمها ما يلزم املؤسسة‬
‫للعمل من أجل تطويرها‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬البنوك التجارية‬
‫يقصد بالبنك التجاري املؤسسة اليت متارس عملية االئتمان(لإلقراض و االقرتاض)‪ ،‬إل حيصل البنك‬
‫التجاري على أموال العمالء فيفتح هلم ودائعهم ويتعهد بتسديد مبالغها عند الطلب أو عند استحقاق األجل‪،‬‬
‫كما يقدم هلم القروض‪ ،‬و تعترب عملية خلق الودائع أهم وظيفة تقوم هبا البنوك التجارية يف الوقت احلاضر‪.‬‬
‫تؤدي البنوك التجارية ثالث مهام ‪:‬‬
‫‪ ‬مهمة البنوك التجارية العمومية‪.‬‬
‫‪ ‬مهمة مراقبة التبادالت‪.‬‬
‫‪ ‬مهمة أساسية تتمثل يف عملية االئتمان‪.‬‬
‫وقد أسست اجلزائر بعد االستقالل مخسة بنوك جتارية وهي‪:2‬‬
‫‪ ‬البنك الوطين اجلزائري ‪.BNA‬‬
‫‪ ‬القرض الشعيب اجلزائري ‪.CPA‬‬
‫‪ ‬البنك اخلارجي اجلزائري ‪.BEA‬‬
‫‪ ‬بنك الفالحة و التنمية الريفية ‪.BADR‬‬
‫‪ ‬بنك التنمية احمللية ‪.BDL‬‬
‫جوان ‪ ،3699‬وهو يعترب أول‬ ‫‪31‬‬ ‫أوال‪ -‬نشأة و مهام البنك الوطين اجلزائري‪ :‬أنشئ البنك الوطين اجلزائري يف‬
‫البنوك التجارية اليت مت تأسيسها يف اجلزائر املستقلة‪.‬‬
‫وميكن حصر أهم وظائفه فيما يلي‪:3‬‬
‫●تنفيذ خطة الدولة فيما خيص القرض القصري واملتوسط األجل وضمان القروض كتسهيالت الصندوق والسحب‬
‫على املكشوف و التسليف على البضائع و االعتمادات املستندية‪.‬‬
‫●منح القروض الزراعية للقطاع الفالحي املسري لاتيا‪ ،‬مع املسامهة يف الرقابة على وحدات‬
‫اإلنتاج الزراعي حىت عام ‪ ،3690‬حيث أسس البنك الفالحي للتنمية‪.‬‬
‫● يقوم بتمويل التجارة اخلارجية باإلضافة إىل مسامهته يف رأس مال عدد من البنوك التجارية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬نشأة و مهام القرض الشعبي الجزائري‪ :‬مت تأسيس القرض الشعيب اجلزائري يف ‪ 31‬ماي ‪ ،3699‬وهو ثاين‬
‫بنك جتاري يتم تأسيسه يف اجلزائر‪ .‬ويقوم بالوظائف التالية‪:4‬‬

‫‪ 2‬الطاهر لطرش "تقنيات البنوك" ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،0332 ،‬ص ص ‪.363-399‬‬
‫‪ 3‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.396‬‬
‫‪ 4‬الطاهر لطرش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.396‬‬
‫‪106‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫‪ ‬تقدمي القروض للحرفني والفنادق‪ ،‬وقطاع السياحة والصيد والتعاونيات واملؤسسات الصغرية واملتوسطة‪ ،‬وكذلك‬
‫تقدمي القروض ألدحاب املهن احلرة وقطاع الري واملياه‪.‬‬
‫‪ ‬يقدم قروضا وسلفيات لقاء سندات عامة إىل اإلدارات احمللية‪ ،‬ومتويل مشرتيات الدولة والوالية والبلدية‬
‫والشركات الوطنية‪.‬‬
‫●يقوم بعملية البناء والتسيري من خالل قروض متوسطة وطويلة األجل‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬نشأة و مهام البنك اخلارجي اجلزائري‪ :‬أنشئ مبوجب املرسوم رقم ‪ 031 – 96‬بتاريخ ‪ 33‬أكتوبر ‪ 3696‬على‬
‫شكل مؤسسة وطنية حيث أنه يعمل وفقا للقانون التجاري‪ ،‬ففي اإلطار الداخلي يقوم مبا يلي‪:5‬‬
‫‪ ‬متويل املؤسسات خادة الشركات الكربى يف ميدان احملروقات‪.‬‬
‫‪ ‬متويل املؤسسات بالقروض الالزمة للتجهيز سواء كانت مباشرة مثل السحب على املكشوف والتسبيقات‬
‫املباشرة أو غري املباشرة و تشمل القروض بالتوقيع و االعتمادات املستندية و الكفاالت‪.‬‬
‫‪ ‬مينع القروض االستثمارية متوسطة األجل‪.‬‬
‫أما يف اإلطار اخلارجي فيقوم مبا يلي ‪:‬‬
‫● ترقية عالقات اجلزائر اخلارجية من خالل االسترياد والتصدير‬
‫● متويل التجارة اخلارجية وتوفري كل املعلومات املتعلقة باملؤسسة اخلارجية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬بنك الفالحة و التنمية الريفية‪ :‬تأسس بنك الفالحة والتنمية الريفية يف ‪ 31‬مارس ‪ 3690‬مبقتضى املرسوم‬
‫رقم ‪ ،039-90‬وبصفة عامة يقدم البنك القروض على الشكل التايل‪:6‬‬
‫‪ ‬قروض العمل و اخلادة باليد العاملة ‪.‬‬
‫‪ ‬قروض التمويل اليت تتخصص لتغطية التموين الفالحي وتطوير اإلنتاج الغذائي واحليواين والزراعي على املستوى‬
‫الوطين وعلى مستوى الريف‪.‬‬
‫‪ ‬قروض خادة بالضمان االجتماعي و الضرائب‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬بنك التنمية احمللية‪ :‬تأسس مبوجب املرسوم رقم ‪ 92/92‬يف ‪ 13‬أفريل ‪ 3692‬وآخر بنك جتاري يتم تأسيسه‬
‫يف اجلزائر قبل الدخول يف مرحلة اإلدالحات‪ ،‬وللك تبعا إلعادة هيكلة القرض الشعيب اجلزائري‪ .‬وهو يقوم‬
‫بالوظائف التالية‪:7‬‬
‫‪ ‬خدمة اهليئات احمللية على مستوى البلديات والواليات‪.‬‬
‫‪ ‬منح القروض القصرية واملتوسطة األجل لتمويل عمليات االسترياد والتصدير‪.‬‬

‫‪ 5‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.363‬‬


‫‪ 6‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.363‬‬
‫‪ 7‬الطاهر لطرش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.363‬‬
‫‪107‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫● منح القروض املتوسطة والقصرية األجل إىل القطاع اخلاص‪.‬‬


‫املطلب الثاين‪ :‬اإلدالحات اليت مست اجلهاز املصريف اجلزائري‬
‫لقد شهد النظام املصريف اجلزائري عدة إدالحات عقب االستقالل‪ ،‬بداية بإدالحات السبعينات‬
‫وكذا إدالحات الثمانينات إىل إدالحات التسعينات‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬إدالحات السبعينات‬
‫لقد جاء اإلدالح املايل لعام ‪ 3663‬ليكرس منطق ختطيط عمليات التمويل ومركزيتها‪ .‬ويف احلقيقة‪،‬‬
‫فإن هذه املركزية تستجيب لثالثة اعتبارات أساسية‪:8‬‬
‫‪ -‬ضرورة التوافق واالنسجام مع الفلسفة العامة للتنظيم االقتصادي‪ ،‬باعتباره جمرد أداة لتنفيذ التنمية اليت ترتجم‬
‫يف شكل خمططات‪.‬‬
‫‪ -‬تعاظم مركزية قرارات االستثمار مباشرة مع بداية املخطط الرباعي األول (‪ ،)3661-3663‬وجيب أن يتبع نظام‬
‫التمويل هذا االجتاه ضمانا ملبدأ االنسجام‪ ،‬حيث أن التحكم يف التدفقات احلقيقية جيب أن يرافقه حتكم يف‬
‫التدفقات النقدية‪.‬‬
‫‪ -‬تعاظم أهداف االستثمار و هذا استوجب تكييف نظام متويل يناسب حتقيق هذه األهداف باالعتماد على‬
‫مركزية التمويل ومراقبة التدفقات النقدية‪.‬‬
‫يتم التمويل البنكي للمؤسسات العمومية بقيام هذه األخرية بتوطني كل عملياهتا املالية يف بنك‬
‫واحد من بني البنوك التجارية الثالثة حىت ميكنها متابعة ومراقبة التدفقات النقدية هلذه املؤسسات‪ .‬وتقوم كل‬
‫مؤسسة بفتح حسابني هلا يف البنك الذي وطنت فيه عملياهتا املالية‪ :‬احلساب األول يستعمل لتمويل نشاطات‬
‫االستثمار والثاين لتمويل نشطات االستغالل‪.‬‬
‫بالنسبة لقروض االستثمار‪ ،‬تقوم البنوك مبنح هذه القروض للمؤسسات العمومية اليت حتصلت على‬
‫تسجيل املشروع يف اخلطة‪ ،‬وبعدم تقدمي خطة التمويل اليت حيضرها البنك اجلزائري للتنمية‪ .‬وهذه القروض مضمونة‬
‫حبسن نية الدولة‪ ،‬تلتزم مبوجبها اخلزينة بكفالة هذه املؤسسات بالنسبة هلذا النوع من القروض‪ ،‬وتقوم مبدئيا‬
‫بالتسديد يف حالة عدم وفاء هذه املؤسسات بالتزاماهتا‪ .‬أما بالنسبة لقروض االستثمار‪ ،‬تقوم البنوك مبنح هذه‬
‫القروض للمؤسسات العمومية اليت حتصلت على تسجيل املشروع يف اخلطة‪ ،‬وبعد تقدمي خطة التمويل اليت‬
‫حيضرها البنك اجلزائري للتنمية‪ .‬وهذه القروض مضمونة حبسن النية الدولة‪ ،‬تلتزم مبوجبها اخلزينة بكفالة هذه‬
‫املؤسسات بالنسبة هلذا النوع من القروض‪ ،‬وتقوم مبدئيا بالتسديد يف حالة عدم وفاء هذه املؤسسات بالتزاماهتا‪.‬‬
‫أما بالنسبة لقروض االستغالل‪ ،‬تقوم البنوك التجارية لاهتا هبذا النوع من القروض بعد أن تقدم هلا‬
‫املؤسسات املعنية خمططا سنويا تقديريا للتمويل‪ .‬ويكون للبنك احلق يف إدخال تعديالت على هذا املخطط كما له‬

‫‪ 8‬المرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.369-366‬‬


‫‪108‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫احلق يف املصادقة على بداية تنفيذه‪ .‬واجلدير بالذكر أن هذا النوع من القروض غري قابل للتعبئة لدى معهد‬
‫اإلددار‪.‬‬
‫ومتاشيا مع هذه اإلدالحات‪ ،‬أسست الدولة اجلزائرية هيئتني مصرفيتني تتكفالن بتسيري البنوك‬
‫ومراقبة وإدارة القروض وتعمالن حتت ودية وزارة املالية مباشرة وهي‪ :‬جملس القرض واللجنة التقنية للمنشآت‬
‫املصرفية‪.9‬‬
‫أوال‪-‬جملس القرض‬
‫أسندت له مهام عديدة من أمهها‪:10‬‬
‫‪ -‬إبداء اآلراء واملالحظات املتعلقة بالنقد والقرض يف إطار املخططات التنموية‪.‬‬
‫‪ -‬رفع تقارير دورية إىل وزير امللية‪ ،‬تتضمن حالة النقد واالئتمان واآلثار املتوقعة على االقتصاد الوطين‪.‬‬
‫‪ -‬اقرتاح التدابري لتسيري هذه احلاالت‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬اللجنة التقنية للمنشآت املصرفية‬
‫أسندت هلا هي أيضا مهام عديدة منها‪:11‬‬
‫‪ -‬رفع التقارير إىل وزير املالية تتضمن كل املالحظات واآلراء والتوديات لات الطبيعة املصرفية‪ ،‬وكل املهن اليت‬
‫ترتبط هبا‪.‬‬
‫‪ -‬اقرتاح طرق تنفيذ الربامج االستثمارية بسرعة وبفعالية‪ ،‬كما يبحث أيضا يف طرق خلق االنسجام بني املؤسسات‬
‫املالية واملصرفية وتنسيق النشاطات فيما بينها‪.‬‬
‫‪ -‬توحيد طرق العمل احملاسبية واإلدارية وكيفية مجع املعطيات أو حىت يف دراسة ومنح القروض‪.‬‬
‫ولكن ابتداءا من عام ‪ ،3669‬مت الرتاجع عن هذه املبادئ اليت جاء هبا إدالح ‪ ،3663‬فقد مت إلغاء‬
‫متويل املؤسسات بواسطة القروض البنكية متوسطة األجل‪ ،‬وحلت اخلزينة حمل النظام البنكي يف متويل االستثمارات‬
‫العمومية املخططة بواسطة قروض طويلة األجل‪ .‬وقد أدت هذه السياسة غالبا إىل اعتزال وظيفة البنوك ودورها يف‬
‫إطار حماسيب على الرغم من أهنا جاءت لتخفف من الضغوط املوجودة على خزينتها‪ ،‬وأدبحت نشاطاهتا تتميز‬
‫بالسلبية يف توزيع القرض مع تعاظم دور اخلزينة يف هذا اجملال‪ ،‬وقد أدى للك إىل إضعاف إرادهتا يف تعبئة‬
‫االدخار‪.‬‬

‫‪ 9‬إكن لونيس "السياسة النقدية و دورها يف ضبط العرض النقدي يف اجلزائر خالل الفرتة (‪ ،")0336-0333‬رسالة ماجستري‪ ،‬حتت إشراف الدكتورة‬
‫دديقي مليكة‪ ،‬جامعة اجلزائر ‪ ،0333-0333 ،31‬ص ص ‪.319-316‬‬
‫‪ 10‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.316‬‬
‫‪ 11‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.319-316‬‬
‫‪109‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫الفرع الثاين‪ :‬ادالحات الثمانينات‬


‫أوال‪ -‬اإلدالح النقدي لعام ‪3692-3690‬‬
‫منذ سنة ‪ 3693‬أعادت الدولة إحياء دور البنوك التجارية باعتماد عدة إجراءات بغرض إرجاع‬
‫البنوك إىل وظيفتها األساسية وختفيف األعباء عن اخلزينة العمومية اليت حتملتها خالل اإلدالح املايل لعام ‪،3663‬‬
‫فقد متت إعادة هيكلة كل من البنك الوطين اجلزائري والقرض الشعيب اجلزائري من اجل إضفاء املزيد من‬
‫التخصص يف جمال نشاطهما‪ ،‬حيث انبثق عنهما بنكني مها بنك الفالحة والتنمية الريفية وبنك التنمية احمللية‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬اإلدالح النقدي لعام ‪3699‬‬

‫أظهرت التغريات اليت أدخلت على النظام املايل اجلزائري خالل السبعينات وبداية الثمانينات‬
‫حمدوديتها‪ ،‬وعليه أدبح إدالح هذا النظام حتميا سواء من حيث منهج تسيريه أو من حيث املهام املنوطة به‪.‬‬
‫حيث سجلت سنة‪ 3699‬الشروع يف بلورة النظام املصريف اجلزائري بتودية البنوك بأخذ التدابري‬
‫الالزمة ملتابعة القروض املمنوحة‪ ،‬وبالتايل وجوب ضمان النظام املصريف ملتابعة استخدام القروض اليت مينحها إىل‬
‫جانب متابعة الوضعية املالية للمؤسسات‪ ،‬واختاله مجيع التدابري الضرورية للتقليل من خطر عدم اسرتجاع‬
‫القرض‪.12‬‬
‫استعاد البنك املركزي يف نفس الوقت دالحياته فيما خيص على األقل تطبيق السياسة النقدية‪ ،‬حيث‬
‫كلف البنك املركزي اجلزائري يف هذا اإلطار بإعداد وتسيري أدوات السياسة النقدية مبا يف للك حتديد سقوف‬
‫إعادة اخلصم املفتوحة ملؤسسات القرض‪.‬‬
‫باإلضافة إىل للك‪ ،‬أعيد النظر يف العالقات اليت تربط مؤسسة اإلددار باخلزينة إل أدبحت‬
‫القروض املمنوحة للخزينة تنحصر يف حدود يقرها مسبقا املخطط الوطين للقرض‪.‬‬
‫وجاء يف قانون ‪ 33– 99‬ليؤكد بشكل خاص على الطابع التجاري للمؤسسة العمومية االقتصادية‬
‫على أهنا شخصية معنوية تسريها قواعد القانون التجاري‪ ،‬كما مت متييزها عن اهليئات العمومية بصفتها شخصية‬
‫معنوية خاضعة للقانون العام ومكلفة بتسيري اخلدمات العمومية ‪.‬‬
‫على هذا األساس تضع نصوص اإلدالح هنائيا نشاط املؤسسة العمومية االقتصادية يف دائرة‬
‫املتاجرة بطرح املبدأ التايل‪ :‬هل هي مطالبة بالتزاماهتا على ممتلكاهتا؟‬
‫تشكل املصادقة على القانونني ‪ 33– 99‬و‪ 31– 99‬بالنسبة للبنوك اجلزائرية مرحلة أساسية‪ ،‬نظرا‬
‫لكوهنا تابعة يف جمملها يف الفرتة احلالية على األقل للقطاع العمومي‪.‬‬
‫وعليه أدبح القانون املصريف لسنة ‪ 3699‬مندرج يف إطار االقتصاد املخطط غري مالئم‪ ،‬و جاء‬
‫قانون ‪ 39 – 99‬املؤرخ يف ‪ 3699/ 33/ 30‬ليدعم دالحيات البنك املركزي فيما خيص السياسة النقدية فبإمكانه‬

‫‪ 12‬حممود محيدات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.339-332‬‬


‫‪110‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫إددار القوانني و التنظيمات كمؤسسة مستقلة مهمتها الرئيسية مراقبة مسريي التدفقات املالية من وإىل اخلارج‬
‫باإلضافة إىل مهامه التقليدية‪.‬‬
‫وميكن إجياز أهم املبادئ و القواعد اليت تضمنها القانون يف إطار إدالح املنظومة املصرفية‬
‫كمايلي‪:13‬‬
‫‪ -‬مبوجب هذا القانون‪ ،‬استعاد البنك املركزي دوره كبنك للبنوك‪ ،‬وأدبح يتكفل باملهام التقليدية للبنوك املركزية‬
‫وإن كانت هذه املهام تبدو يف أحيان كثرية مقيدة‪.‬‬
‫‪ -‬وضع نظام بنكي على مستويني‪ ،‬ومبوجب للك مت الفصل بني البنك املركزي كملجأ أخري لإلقراض وبني‬
‫نشاطات البنوك التجارية‪.‬‬
‫‪ -‬استعادة مؤسسات التمويل دورها داخل نظام التمويل من خالل تعبئة االدخار وتوزيع القروض يف إطار‬
‫املخطط الوطين للقرض‪.‬‬
‫‪ -‬تقليل دور اخلزينة يف نظام التمويل‪.‬‬
‫‪ -‬إنشاء هيئات رقابة على النظام البنكي وهيئات استشارية أخرى‪.‬‬
‫وهبدف إعطاء دور هام لضبط و توجيه النظام املصريف فقد أنشأت مبوجب هذا القانون هيئات‬
‫اإلشراف و الرقابة تتمثل فيما يلي‪:14‬‬
‫* اجمللس الوطين للقرض‪ :‬يستشار اجمللس الوطين للقرض يف حتديد سياسته العامة باألخذ بعني االعتبار احتياجات‬
‫االقتصاد الوطين‪ ،‬وخصودا ما تعلق مبخططات وبرامج التنمية االقتصادية والوضعية النقدية للبلد‪ ،15‬ويقوم هذا‬
‫اجمللس بإعداد الدراسات املرتبطة بسياسة القرض والنقد وكل األمور املرتبطة بطبيعة وحجم تكلفة القرض يف إطار‬
‫خمططات وبرامج التنمية االقتصادية الوطنية‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل أن اجمللس عمل حتت وداية وزارة املالية‪.‬‬
‫* اجمللس الوطين للقرض‪ :‬يستشار اجمللس الوطين للقرض يف حتديد سياسته العامة باألخذ بعني االعتبار احتياجات‬
‫االقتصاد الوطين‪ ،‬وخصودا ما تعلق مبخططات وبرامج التنمية االقتصادية والوضعية النقدية للبلد‪ ،16‬ويقوم هذا‬
‫اجمللس بإعداد الدراسات املرتبطة بسياسة القرض والنقد وكل األمور املرتبطة بطبيعة و حجم تكلفة القرض يف‬
‫إطار خمططات و برامج التنمية االقتصادية الوطنية‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل أن اجمللس عمل حتت وداية وزارة املالية‪.‬‬

‫‪ 13‬الطاهر لطرش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.362-361‬‬


‫‪ 14‬الطاهر لطرش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.362‬‬
‫‪15‬‬
‫‪Abdelkrim Naas, « Le système bancaire algérien : de la décolonisation à l'économie de marché », Paris :‬‬
‫‪Maison neuve et Larose, 2004, p 42.‬‬
‫‪ 16‬املادة ‪ 09‬من القانون ‪ 30-99‬املؤرخ يف ‪ 36‬أوت ‪.3699‬‬
‫‪111‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫* اللجنة التقنية للبنك‪ :‬يرأس اللجنة التقنية للبنك حمافظ البنك املركزي‪ ،‬واللجنة مكلفة مبتابعة مجيع املقاييس لات‬
‫العالقة بتنظيم الوظيفة البنكية‪ ،‬كما تسهر على ضمان تطبيق التنظيمات والتشريعات القانونية والبنكية تبعا‬
‫لسلطات املراقبة املخولة هلا‪ ،‬وهتدف هذه الصالحيات إىل تشجيع االدخار ومراقبة وتوزيع القروض‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬اإلدالح النقدي لعام‬
‫‪3699‬‬
‫جاء ددور قانون ‪ 3699‬قبل ددور قوانني ‪ ،3699‬و عليه فإن بعض األحكام اليت جاء هبا مل تعد‬
‫تتماشى وهذه القوانني‪ ،‬كما أنه مل يأخذ باالعتبار املستجدات اليت طرأت على مستوى التنظيم اجلديد لالقتصاد‪.‬‬
‫وكان من الالزم أن يكيف القانون النقدي مع هذه القوانني بالشكل الذي يسمح بانسجام البنوك كمؤسسات مع‬
‫القانون رقم ‪ 33-99‬الصادر يف ‪ 30‬جانفي ‪ 3699‬واملتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية االقتصادية‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار بالذات جاء القانون ‪ 39-99‬الصادر يف ‪ 30‬جانفي ‪ 3699‬املعدل واملتمم للقانون ‪.30-99‬‬
‫ومضمون قانون ‪ 3699‬هو إعطاء االستقاللية للبنوك يف إطار التنظيم اجلديد لالقتصاد واملؤسسات‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار‪ ،‬ميكن أن نستنتج العنادر الرئيسية اليت جاء هبا هذا القانون وعرضها فيما يلي‪:17‬‬
‫‪ -‬مبوجب هذا القانون يعترب البنك شخصية معنوية جتارية ختضع ملبدأ االستقاللية املالية والتوازن احملاسيب‪ ،‬وهذا‬
‫يعين أن نشاط البنك خيضع ابتداءا من هذا التاريخ إىل قواعد التجارة وجيب أن يأخذ أثناء نشاطه مببدأ الرحبية‬
‫واملردودية‪ .‬ولكي حيقق للك‪ ،‬جيب أن يكيف نشاطاته يف هذا االجتاه‪.‬‬
‫‪ -‬ميكن للمؤسسات املالية غري البنكية أن تقوم بعمليات التوظيف املايل كاحلصول على أسهم أو سندات دادرة‬
‫عن مؤسسات تعمل داخل الرتاب الوطين أو خارجه‪ .‬ميكن أيضا ملؤسسات القرض أن تلجأ إىل اجلمهور من‬
‫أجل االقرتاض على املدى الطويل‪ ،‬كما ميكنها أن تلجأ إىل طلب ديون خارجية‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬اإلدالح النقدي لعام‬
‫‪3663‬‬
‫يعترب القانون رقم ‪ 33-63‬الصادر يف ‪ 31‬أفريل ‪ 3663‬واملتعلق بالنقد والقرض نصا تشريعيا يعكس‬
‫أمهية املكانة اليت جيب أن يكون عليها النظام البنكي‪ .‬ويعترب من القوانني التشريعية األساسية لإلدالحات‪.‬‬
‫وباإلضافة إىل أنه اخذ بأهم األفكار اليت جاء هبا قانونا ‪ 3699‬و‪ ،3699‬فقد محل أفكارا جديدة فيما يتعلق‬
‫بتنظيم النظام البنكي وأدائه‪ .‬كما أن املبادئ اليت يقوم عليها و ميكانيزمات العمل اليت يعتمدها ترتجم إىل حد‬
‫كبري الصورة اليت سوف يكون عليها هذا النظام يف املستقبل‪.‬‬
‫ميكن تلخيص اجلوانب الرئيسية إلدالحات ‪ 3663‬من خالل النقاط التالية‪:18‬‬
‫‪ -‬توقف إدارة التدخل يف النظام املايل‪ ،‬وإنشاء جملس النقد والتسليف (استبدال اجمللس الوطين لالئتمان) حيث‬
‫يقوم بدور جملس إدارة البنك املركزي وميثل السلطة النقدية وحدها (املادتان ‪ 11‬و‪ 11‬من مركز إدارة السيولة املالية‬
‫‪.)3663/31/31‬‬

‫‪ 17‬الطاهر لطرش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.362‬‬


‫‪18‬‬
‫‪Amour Benhalima «Monnaie et régulation monétaire » Dahlab, Alger, pp 77-86.‬‬
‫‪112‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫‪ -‬أرادت السلطات النقدية احلد من منو املعروض النقدي يف مستوى مناسب وجها لوجه مع الناتج احمللي‬
‫اإلمجايل‪ ،‬غري أن تقنية "استهداف النقد" مل تتمكن من حتقيق هدفها‪ ،‬ويرجع للك يف املقام األول إىل‬
‫االختالفات بني بنك اجلزائر و البنوك التجارية من جهة‪ ،‬و بني البنوك التجارية و الشركات من جهة أخرى‪ .‬ويف‬
‫السياق الذي عاشت فيه اجلزائر يف للك الوقت كان من املستحيل تقريبا احلد من التوسع يف العرض النقدي دون‬
‫أن تنعكس يف النشاط االقتصادي وخادة فيما يتعلق بالتعهدات العامة غري املنتجة‪.‬‬
‫‪ -‬ينص القانون على حتسني إدارة العملة الوطنية من أجل ضمان التوازن املايل اخلارجي وقد توجت املساعدات‬
‫املمنوحة للدولة حبد أقصى قدره ‪ %33‬من اإليرادات العادية يف العام املاضي وجيب سدادها قبل هناية العام (املادة‬
‫‪ 69‬من مركز إدارة السيولة املالية ‪.)3663/31/31‬‬
‫‪ -‬لقد وضعت السلطات النقدية نوعني من أجهزة التحكم يف املصارف‪ ،‬أوال نظام املتطلبات االحتياطي (املادة‬
‫‪ 69‬من مركز إدارة السيولة املالية ‪ )3663/31/31‬وهو جتميد جزء من الودائع اليت مت مجعها من قبل البنوك التجارية‬
‫يف حساب مل يدفع من طرف البنك املركزي (‪ %09‬من املبالغ املستخدمة يف أساس احلساب) ويهدف هذا‬
‫اإلجراء إىل احلد من التسهيالت االئتمانية هلذه البنوك‪ ،‬ثانيا نظام النسب االحرتازية‪ ،‬حيث يطلب من املصارف‬
‫تلبية معايري إدارة معني لضمان سيولتها ومالءهتا فيما يتعلق باملودعني (املواد ‪ 311‬و ‪ 326‬من مركز إدارة السيولة‬
‫املالية ‪.)3663/31/31‬‬
‫‪ -‬لتعظيم دور البنوك يف مجع األموال حيث ينص القانون على مبدأ التخصيص املصريف ويشجعهم على تطوير‬
‫شبكاهتا‪ .‬نفس التقرير اختذ بشأن شركات التأمني إىل أن انتشر بني القطاعات األخرى (املواد ‪ 339-333‬من مركز‬
‫إدارة السيولة املالية ‪.)3663/31/31‬‬
‫‪ -‬يشجع هذا القانون الشركات بني شركات وطنية وأجنبية‪ ،‬ويشجع االستثمارات املفيدة مثل مشاريع خلق فرص‬
‫العمل أو تلك النامجة عن نقل التكنولوجيا‪ .‬ويتم وضع قيود للعودة إىل رأس املال األجنيب والدخل‪ ،‬ونقل الفوائد‬
‫واملعاشات (املواد ‪ 391 ،391‬و‪ 392‬من مركز إدارة السيولة املالية ‪.)3663/31/31‬‬
‫‪ -‬إن اإلدالح اجلديد فتح أبواب التمويل لرأس املال اخلاص واألجنيب‪ ،‬كانت النتيجة األوىل‪ ،‬إنشاء بنك الربكة‬
‫يف ‪ 3663/39/30‬مبشاركة الربكة الدولية السعودية حبصة ‪ %16‬واجلزائر املمثلة ببنك الفالحة والتنمية الريفية حبصة‬
‫‪ %23‬من رأس ماهلا‪.‬‬
‫‪ -‬السماح للشركات العامة باستئناف النشاط العادي حيث ينص القانون على اخلالص من ديوهنا للخزينة العامة‪.‬‬
‫خالفا ملا حصل يف املاضي فإن وزارة املالية ال تغطي هذه العمليات من خالل األموال اليت مت احلصول عليها من‬
‫البنك املركزي و لكن عن طريق إددار السندات يف سوق رأس املال الذي يرتاوح بني ثالثة وثالثني عاما (املادة‬
‫‪ 033‬من مركز إدارة السيولة املالية ‪ ،3663/31/31‬التعميم رقم ‪ 36‬ل ‪.)3663/36/09‬‬

‫‪113‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫‪ -‬إن اإلطار التنظيمي اجلديد يف السوق النقدية قام بتحديد أوضاع املعامالت يف سوق املال ومتطلبات الودول‬
‫إىل األسواق (إلن مسبق من جملس النقد و االئتمان) وتقنيات وإجراءات تدخالت بنك اجلزائر يف هذا السوق‪.‬‬
‫وكان من النتائج املباشرة لتحرير سوق املال من خالل توسيعه لغريهم من أدحاب املصلحة مبا يف للك‬
‫‪-63‬‬ ‫املؤسسات االستثمارية واملؤسسات املالية غري املصرفية حيث زاد عددهم من ‪ 2‬إىل ‪ 19‬متحدث (القانون رقم‬
‫‪ 39‬من ‪ ،3663/39/31‬األمر ‪.)11-63‬‬
‫‪ -‬إعداد نتائج معدالت فائدة منخفضة بشكل مصطنع يف أسعار الفائدة احلقيقية السلبية‪ ،‬واليت تعترب غري مواتية‬
‫لتعبئة موارد االدخار‪ .‬و قد دممت هذه اإلدالحات من أجل عدم السماح ألسعار الفائدة أن تتحدد يف‬
‫السوق (حفظ بعد القيود للمحاربة ضد خماطر التقلب السريع)‪ .‬ويتحقق االلتزام بقرار من البنك املركزي إلزالة‬
‫‪.)3662/30/02‬‬ ‫اإلشراف على هامش املصرفية (األمر رقم ‪ 62-66‬من‬
‫املطلب الثالث‪ :‬هيكل النظام النقدي على ضوء قانون النقد والقرض‬
‫لقد أدخل قانون النقد والقرض تعديالت مهمة يف هيكل النظام البنكي اجلزائري سواء تعلق األمر‬
‫هبيكل البنوك‪.‬‬
‫وألول مرة منذ قرارات التأميم‪ ،‬مت السماح للبنوك األجنبية بأن تقيم أعماال هلا يف اجلزائر‪ ،‬كما مت‬
‫أيضا ومبوجب نفس األحكام السماح بإنشاء بنوك خادة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬بنك اجلزائر‬
‫يعرف قانون النقد والقرض بنك اجلزائر يف مادته ‪ 33‬بأنه‪" :19‬مؤسسة وطنية تتمتع بالشخصية‬
‫املعنوية واالستقالل املايل"‪ .‬ومنذ ددور هذا القانون‪ ،‬أدبح البنك املركزي يسمى يف تعامله مع الغري "بنك‬
‫اجلزائر"‪.‬‬
‫وخيضع بنك اجلزائر إىل قواعد احملاسبة التجارية باعتباره تاجرا‪ .‬و تعود ملكية رأس ماله بالكامل إىل‬
‫الدولة‪ .‬و بالرغم من للك فهو ال خيضع للتسجيل يف السجل التجاري‪ ،‬و ال خيضع أيضا ألحكام القانون ‪-99‬‬
‫‪ 33‬املؤرخ يف ‪ 33‬جانفي ‪ 3699‬واملتعلق بالقانون التوجيهي للمؤسسات العمومية االقتصادية‪ ،‬ويستطيع أن يفتح‬
‫فروعا له أو خيتار مراسلني أو ممثلني له يف أي نقطة من الرتاب الوطين كلما رأى للك ضروريا‪ .‬و يسري بنك اجلزائر‬
‫جهازين مها‪ :‬احملافظ و جملس النقد والقرض‪.20‬‬

‫‪ 91‬الطاهر لطرش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.109-911‬‬


‫‪ 10‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.109-100‬‬
‫‪114‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫أ‪ -‬احملافظ و نوابه‬


‫يعني احملافظ ونوابه مبراسيم رئاسية ملدة ستة سنوات ومخسة سنوات على الرتتيب قابلة للتجديد مرة‬
‫واحدة‪ .‬كما مت إهناء مهامهم مبراسيم رئاسية أيضا‪ ،‬ويكون للك يف حالتني فقط‪ :‬العجز الصحي الذي جيب أن‬
‫يثبت بواسطة القانون‪ ،‬واخلطأ الفادح‪.‬‬
‫وحيدد مرسوم تعيني نواب احملافظ رتبة كل واحد منهم‪ ،‬ويتم تغيري هذه الرتبة تلقائيا كل سنة حسب‬
‫ترتيب معاكس للرتتيب الوارد يف املرسوم‪ .‬ويستطيع احملافظ حتديد مهام ودالحيات كل واحد من هؤالء النواب‪،‬‬
‫كما يستطيع االستعانة مبستشارين ال ينتمون إداريا للبنك‪ .‬وتتمثل املهام األساسية للمحافظ يف إدارة أعمال‬
‫البنك املركزي (اختال خمتلف اإلجراءات التنفيذية‪ ،‬بيع وشراء األمالك املنقولة وغري املنقولة‪ ،‬تعيني ممثلي البنك يف‬
‫جمالس املؤسسات األخرى ‪...‬اخل)‪ .‬كما يقوم بتمثيله لدى السلطات العمومية والبنوك املركزية التابعة لدول أخرى‬
‫واهليئات املالية الدولية‪ .‬كما ميكن أن تستشريه احلكومة يف سائر املسائل املتعلقة بالنقد والقرض أو تلك اليت‬
‫تنعكس على الوضع النقدي دون أن تكون لات طبيعة نقدية يف أساسها‪.‬‬
‫ب‪-‬جملس النقد والقرض‬
‫يعترب إنشاء جملس النقد والقرض من العنادر األساسية اليت جاء هبا قانون النقد والقرض بالنظر إىل‬
‫املهام اليت أوكلت إليه والسلطات الواسعة اليت منحت له‪ .‬و يؤدي جملس النقد وظيفتني مها‪ :‬وظيفة جملس إدارة‬
‫بنك اجلزائر ووظيفة السلطة النقدية يف البالد‪ .‬و يتشكل جملس النقد والقرض من‪:‬‬
‫‪ -‬احملافظ رئيسا‪.‬‬
‫‪ -‬نواب احملافظ كأعضاء‪.‬‬
‫‪ -‬ثالث موظفني ساميني يعينون مبوجب مرسوم يصدره رئيس احلكومة‪ ،‬كما يعني ثالثة مستخلفني ليعوضوا‬
‫األعضاء الثالثة إلا اقتضت الضرورة‪.‬‬
‫وميكن جمللس النقد و القرض أن يشكل من بني أعضائه جلانا استشارية‪ ،‬وحيق له استشارة أية‬
‫مؤسسة أو أي شخص إلا رأى للك ضروريا‪ .‬ودالحيات اجمللس واسعة جدا يف جمال النقد والقرض‪ ،‬ومن أهم‬
‫هذه الصالحيات ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬باعتباره جملس إدارة البنك‪ ،‬يقوم بإجراء مداوالت حول تنظيم البنك املركزي واالتفاقيات وللك بطلب من‬
‫احملافظ‪ .‬كما يتمتع بصالحيات شراء األموال املنقولة والثابتة وبيعها‪ .‬كما يقوم بتحديد ميزانية البنك‪ ،‬وإجراء كل‬
‫ما حييط به من تعديالت‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫‪ -‬باعتباره سلطة نقدية‪ ،‬يقوم بتنظيم إددار النقود‪ ،‬حيدد شروط تنفيذ عمليات البنك يف عالقته مع البنوك و‬
‫املؤسسات املالية (إعادة التمويل و شروطها)‪ ،‬يسري السياسة النقدية‪ ،‬يضع شروط فتح الفروع و املكاتب التمثيلية‬
‫للبنوك و املؤسسات املالية األجنبية ويرخص هلا للك‪ ،‬كما حيدد قواعد احلذر يف تسيري البنوك واملؤسسات املالية‬

‫‪115‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫و‪ 12‬من قانون‬ ‫‪11‬‬ ‫مع الزبائن‪ ،‬وتنظيم سوق الصرف‪ ،‬باإلضافة إىل مهام أخرى حددت خادة مبوجب املادتني‬
‫النقد والقرض‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬البنوك واملؤسسات املالية‬
‫لقد أتاح قانون النقد والقرض إمكانية إنشاء عدة أنواع من مؤسسات القرض‪ ،‬يستجيب كل نوع‬
‫إىل املقاييس و الشروط اليت تتحدد خادة بطبيعة النشاط واألهداف احملددة هلا‪.‬‬
‫أ‪-‬البنوك التجارية‬
‫يعرف قانون النقد والقرض يف مادته ‪ 331‬البنوك التجارية على أهنا‪" :21‬أشخاص معنوية مهمتها‬
‫العادية والرئيسية إجراء العمليات املذكورة يف املواد من ‪ 333‬إىل ‪ 331‬من هذا القانون‪ ،‬وبالرجوع إىل هذه املواد جند‬
‫أن البنوك التجارية هي تلك املؤسسات اليت تقوم جبمع الودائع من اجلمهور‪ ،‬منح القروض وتوفري وسائل الدفع‬
‫الالزمة ووضعها حتت تصرف الزبائن والسهر على إدارهتا"‪.‬‬
‫ب‪ -‬املؤسسات املالية‬
‫تعرف املادة ‪ 332‬من قانون النقد والقرض املؤسسات املالية بأهنا‪" :22‬أشخاص معنوية مهمتها‬
‫العادية و الرئيسية القيام باألعمال البنكية ما عدا تلقي األموال من اجلمهور"‪.‬‬
‫ويعين هذا األمر أن املؤسسات املالية تقوم بالقرض على غرار البنوك التجارية‪ ،‬ولكن دون أن‬
‫تستعمل أموال الغري (مبعىن أموال اجلمهور يف شكل ودائع)‪ ،‬و ميكن القول أن املصدر األساسي لألموال‬
‫املستعملة يتمثل يف رأس مال املؤسسة املالية و قروض املسامهة و االدخارات طويلة األجل‪...‬‬
‫ج‪ -‬البنوك و املؤسسات املالية األجنبية‬
‫ابتداءا من تاريخ ددور قانون النقد و القرض‪ ،‬أدبح بإمكان البنوك و املؤسسات املالية األجنبية أن‬
‫تفتح فروعا هلا يف اجلزائر ختضع لقواعد القانون اجلزائري‪ .‬وككل مؤسسة بنكية أو مالية‪ ،‬جيب أن خيضع فتح هذه‬
‫الفروع إىل ترخيص مينحه جملس النقد القرض و يتجسد يف قرار دادر عن حمافظ بنك اجلزائر‪ ،‬وجيب أن تستعمل‬
‫هذه البنوك و املؤسسات املالية رأس ماال يوازي على األقل رأس املال األدىن املطلوب تأمينه من طرف البنوك و‬
‫املؤسسات املالية اجلزائرية كما هو حمدد بواسطة النظام رقم ‪ 33-63‬املؤرخ يف ‪ 1‬جويلية ‪ 3663‬املتعلق برأس املال‬
‫األدىن للبنوك واملؤسسات املالية العاملة يف اجلزائر‪ .‬و قد حدد النظام رقم ‪ 33-61‬املؤرخ يف ‪ 1‬جانفي ‪ 3661‬شروط‬
‫تأسيس أي بنك أو مؤسسة مالية و شروط إقامة فروع لبنوك و مؤسسات مالية أجنبية‪ .‬و من بني الشروط‬
‫املطلوبة نذكر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬حتديد برنامج النشاط‪.‬‬

‫‪ 19‬الطاهر لطرش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.101‬‬


‫‪ 11‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪116‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫‪ -‬الوسائل املالية و التقنيات املرتقبة‪.‬‬


‫‪ -‬القانون األساسي للبنك أو املؤسسة املالية‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫املبحث الثاين‪ :‬دراسة مسار السياسة النقدية يف اجلزائر وتقييم فعاليتها‬


‫إلا كان الرأي الغالب قد انتهى إال أن احملافظة على استقرار األسعار أدبح هو اهلدف الرئيسي‬
‫والنهائي للسياسة النقدية‪ ،‬فإن فعاليتها ترتبط مبدى حتقيقها هلذا اهلدف‪ ،‬وقبل تناول فعالية السياسة النقدية يف‬
‫الفرتة ‪ 0331-3661‬نتطرق إىل التوجهات اليت عرفتها السياسة النقدية يف اجلزائر‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تطور مسار السياسة النقدية يف اجلزائر‬
‫تعترب السياسة النقدية من مكونات السياسة االقتصادية العامة للدولة‪ ،‬لذا عمدت السلطات‬
‫اجلزائرية إىل االهتمام هبا كإحدى السياسات الفعالة يف احلد من التضخم باعتبار أن العامل النقدي من أهم‬
‫األسباب املؤدية إىل التضخم نتيجة لإلفراط النقدي وسوء استغالل املوارد املالية يف االقتصاد‪.23‬‬
‫الفرع األول‪ :‬معامل السياسة النقدية خالل الفرتة‬
‫‪3661-3663‬‬
‫تعترب سنة ‪ 3663‬نقطة حتول جذرية يف النظام النقدي واملايل اجلزائري‪ ،‬حيث أعاد القانون ‪33-63‬‬
‫املتعلق بالنقد والقرض االعتبار للبنك املركزي مع إعطاء جملس النقد والقرض مهمة جملس إدارة البنك املركزي‬
‫وكسلطة نقدية‪ ،‬كما أعاد املهام التقليدية للبنك املركزي يف تسيري النقد واالئتمان وإدارة السياسة النقدية و‬
‫االنتقال الستخدام األدوات غري املباشرة يف التأثري على الكتلة النقدية‪.‬‬
‫ميثل جملس النقد و القرض السلطة النقدية حسب ما نصت عليه املادة ‪ 11‬من القانون ‪،33-63‬‬
‫وخيول له القيام بعدة مهام حسب ما نصت عليه املادة ‪ 90‬من األمر ‪ 33-31‬املتعلق بالنقد والقرض اليت بينت أن‬
‫حتديد السياسة النقدية واإلشراف عليها ومتابعتها وتقييمها تعترب من مهام اجمللس‪ ،‬كما حتدد هذه السلطة‬
‫األهداف النقدية املتصلة باجملاميع النقدية وجماميع القروض‪ ،‬عمل القانون ‪ 33-63‬على رد االعتبار للسياسة‬
‫النقدية إل أرجع القرارات النقدية من الدائرة احلقيقية إىل الدائرة النقدية كما أعطى استقاللية للبنك املركزي عن‬
‫اخلزينة مع إجبارها على إعادة اسرتجاع الديون اليت عليها للبنك املركزي‪.‬‬
‫مسح رد االعتبار لدور البنك املركزي يف تسيري النقد والقرض إىل حتديد أفضل معامل السياسة النقدية‬
‫سواء من حيث األهداف أو األهداف الوسيطية أو أدوات تدخل البنك املركزي مثل ما نصت عليه املادة ‪ 22‬من‬
‫من نفس القانون فيما يتعلق باألهداف‬ ‫‪11‬‬ ‫مبا يتعلق باألهداف النهائية للسياسة النقدية واملادة‬ ‫‪33-63‬‬ ‫القانون‬
‫الوسيطية واملواد من ‪ 96‬إىل ‪ 61‬فيما يتعلق بأدوات السياسة النقدية خادة منها األدوات غري املباشرة القائمة على‬
‫اعتبارات السوق‪.‬‬
‫حصلت عدة تطورات نقدية منذ سنة ‪ 3663‬تعكس مباشرة توجه السياسة النقدية‪ ،‬فيمكن التفريق‬
‫بني ثالثة توجهات خمتلفة‪ ،‬تتمثل الفرتة األوىل يف السنوات اليت سبقت تطبيق برامج اإلدالح االقتصادي أين كان‬

‫‪ 01‬بلعزوز بن علي‪ ،‬طيبة عبد العزيز "تقييم أداء بنك اجلزائر للسياسة النقدية حالل الفرتة ‪ 0331-3661‬مع الرتكيز على سياسة استهداف التضخم"‬
‫جملة كلية التجارة للبحوث العلمية‪ ،‬جامعة الشلف‪ ،0332،‬ص ص ‪ .9-0‬ميكن اإلطالع عليه يف املوقع االلكرتوين التايل‪:‬‬
‫‪.vue le 13/04/2016www.elbassaire.net/centre de téléchargement/maktaba/séminaire/bechar/56.pdf‬‬
‫‪118‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫توجه السياسة النقدية حنو التوسع و هتدف بصفة أساسية إىل متويل عجز امليزانية الضخمة واحتياجات االئتمان‬
‫لدى املؤسسات العامة‪ ،‬إل أن الرتاجع عن سياسة التشدد املايل اليت انتهجتها احلكومة يف السابق باعتماد برنامج‬
‫االستعداد االئتماين من خالل االتفاقيتني املنعقدتني يف ‪ 3696‬و‪ 3663‬مع مؤسسات النقد الدولية اليت كانت‬
‫هتد ف إىل مراقبة توسع الكتلة النقدية باحلد من التدفق النقدي‪ ،‬أثرت على التطورات النقدية بسبب إددار النقد‬
‫لتغطية العجز املوازين ومتويل دندوق إعادة التقييم الذي أنشئ خصيصا لتمويل إعادة هيكلة املؤسسات العامة‪،‬‬
‫ويظهر املسح النقدي للفرتة ‪ 3661-3663‬التوجه حنو تطبيق سياسة نقدية توسعية مما نتج عنه ارتفاع يف املستوى‬
‫العام لألسعار خالل هذه الفرتة‪.24‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬توجهات السياسة النقدية خالل الفرتة ‪0331-3661‬‬

‫على عكس الفرتة السابقة مت تغيري توجه السياسة النقدية خالل فرتة تطبيق برنامج اإلدالح‬
‫االقتصادي حيث مت إتباع سياسة نقدية انكماشية دارمة ابتداءا من ‪ 3661‬هبدف ختفيض معدل التضخم الذي‬
‫بلغ مستويات أعلى خالل الفرتة السابقة نتيجة التوسع النقدي املفرط‪ ،‬تزامن تقييد السياسة النقدية مع تطبيق‬
‫برامج التثبيت االقتصادي املمتد من ‪ 00‬ماي ‪ 3661‬إىل غاية ‪ 03‬ماي ‪ 3662‬والذي نص على حتقيق عدة‬
‫أهداف من بينها احلد من توسع الكتلة النقدية ‪ M2‬بتخفيضها من ‪ %03.2‬سنة ‪ 3661‬إىل ‪ %31‬سنة ‪،3661‬‬
‫حيث متتد املرحلة الثانية لتوجه السياسة النقدية إىل غاية سنة ‪ 0333‬أين بلغ معدل منو ‪ M2‬نسبة ‪.25%31‬‬

‫نالحظ من خالل اجلدول (‪ )0-1‬تباطؤ منو العرض النقدي ‪M2‬يف الفرتة ‪ 0333-3661‬ما عاد سنة‬
‫‪ 3669‬أين بلغ منو ‪ M2‬نسبة ‪ %16.0‬حيث ودل منو ‪ M2‬سنة ‪ 3662‬أدىن مستوى ‪ %33.2‬مقابل معدالت منو‬
‫منخفضة سنيت ‪ 3666‬و‪ 033‬بـ ‪ %30.3‬و‪ %31.0‬على الرتتيب‪ ،‬تؤكد هذه النتائج فعليا التوجه اجلديد للسياسة‬
‫النقدية ملا حققته من ختفيض معدالت التضخم إىل ‪ %2‬سنة ‪ 3669‬ليبلغ لروته الدنيا ب ‪ %3.1‬سنة ‪.0333‬‬
‫تدعم نسب سيولة االقتصاد هذا التوجه أكثر حيث اخنفضت ب ‪ 6‬نقاط سنة ‪ 3669‬مقارنة بسنة ‪.3661‬‬

‫‪ 24‬بلعزوز بن علي‪ ،‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.0‬‬


‫‪ 25‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.1-0‬‬
‫‪119‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫‪3661-3663‬‬ ‫اجلدول (‪ :)3-1‬املسح النقدي اجلزائري خالل الفرتة‬


‫‪3661‬‬ ‫‪3661‬‬ ‫‪3660‬‬ ‫‪3663‬‬ ‫‪3663‬‬ ‫السنوات‬
‫بنود املسح‬
‫النقدي‬
‫‪93.1‬‬ ‫‪36.9‬‬ ‫‪00.9‬‬ ‫‪01.1‬‬ ‫‪9.2‬‬ ‫دايف األموال األجنبية‬
‫‪991.1‬‬ ‫‪936.1‬‬ ‫‪161.1‬‬ ‫‪16396 119.2‬‬ ‫دايف األموال احمللية‬
‫‪661.1‬‬ ‫‪616.9‬‬ ‫‪902.3‬‬ ‫‪192.6 131.3‬‬ ‫االئتمان احمللي‬
‫‪199.9‬‬ ‫‪206.1‬‬ ‫‪326.3‬‬ ‫‪326.6 396.3‬‬ ‫دايف االئتمان للحكومة‬
‫‪132.9‬‬ ‫‪003.0‬‬ ‫‪192.0‬‬ ‫‪102.9 061.3‬‬ ‫االئتمان لالقتصاد‬
‫‪-333.3‬‬ ‫‪-313.0‬‬ ‫‪-313.9‬‬ ‫‪-61.9‬‬ ‫‪-66.2‬‬ ‫بنود أخرى (دايف)‬
‫‪601.6‬‬ ‫‪906.3‬‬ ‫‪232.6‬‬ ‫‪139.0 111.3‬‬ ‫النقود و شبه النقود‪M2‬‬
‫‪169.3‬‬ ‫‪119.2‬‬ ‫‪196.6‬‬ ‫‪102.6 063.3‬‬ ‫النقود‪M1‬‬
‫‪016.6‬‬ ‫‪393.2‬‬ ‫‪319.0‬‬ ‫‪63.1‬‬ ‫‪60.6‬‬ ‫أشباه النقود‬
‫‪313.6‬‬ ‫‪31093‬‬ ‫‪339.0‬‬ ‫‪69.0‬‬ ‫‪92.2‬‬ ‫‪CNEP‬‬ ‫ودائع‬
‫‪992.9‬‬ ‫‪626.3‬‬ ‫‪911‬‬ ‫‪231.1 109.2‬‬ ‫‪M3‬‬ ‫االلتزامات السائلة‬
‫املرجع‪ :‬بلعزوز بن علي‪/‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪120‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫‪0333-3661‬‬ ‫اجلدول (‪ :)0-1‬املسح النقدي يف اجلزائر خالل الفرتة‬


‫‪0333‬‬ ‫‪3666‬‬ ‫‪3669‬‬ ‫‪3666‬‬ ‫‪3669‬‬ ‫‪3662‬‬ ‫بنود‪3661‬‬ ‫السنوات‬
‫املسح النقدي‬
‫‪661.6‬‬ ‫‪396.9‬‬ ‫‪093.6‬‬ ‫‪123.9‬‬ ‫‪311.3‬‬ ‫‪09.1‬‬ ‫‪93.1‬‬ ‫دايف األموال األجنبية‬
‫‪3016.1‬‬ ‫‪3936.6‬‬ ‫‪3132.1‬‬ ‫‪611.2‬‬ ‫‪693.3‬‬ ‫‪661.1‬‬ ‫‪991.1‬‬ ‫دايف األموال احمللية‬
‫‪3963.3‬‬ ‫‪3669.9‬‬ ‫‪3906.1‬‬ ‫‪3366.6‬‬ ‫‪326.1‬‬ ‫‪696.0‬‬ ‫‪661.1‬‬ ‫االئتمان احمللي‬
‫‪966.1‬‬ ‫‪916.6‬‬ ‫‪601.0‬‬ ‫‪102.6‬‬ ‫‪093.2‬‬ ‫‪133.9‬‬ ‫‪199.9‬‬ ‫دايف االئتمان للحكومة‬
‫‪661.6‬‬ ‫‪3323.6‬‬ ‫‪639.0‬‬ ‫‪621.9‬‬ ‫‪669.9‬‬ ‫‪292.9‬‬ ‫‪132.9‬‬ ‫االئتمان لالقتصاد‬
‫‪-160.3‬‬ ‫‪-101.6‬‬ ‫‪-026.9‬‬ ‫‪-133.2‬‬ ‫‪-069.1‬‬ ‫‪-361.3‬‬ ‫‪-333.3‬‬ ‫بنود أخرى (دايف)‬
‫‪0302.0‬‬ ‫‪3696.1‬‬ ‫‪3269.3‬‬ ‫‪3391.0‬‬ ‫‪632.3‬‬ ‫‪666.9‬‬ ‫‪601.6‬‬ ‫النقود و شبه النقود ‪M2‬‬
‫‪3319.3‬‬ ‫‪632.0‬‬ ‫‪909.1‬‬ ‫‪960.9‬‬ ‫‪296.3‬‬ ‫‪236.3‬‬ ‫‪169.3‬‬ ‫النقود ‪M1‬‬
‫‪666.3‬‬ ‫‪991.0‬‬ ‫‪696.6‬‬ ‫‪133.1‬‬ ‫‪109.3‬‬ ‫‪093.2‬‬ ‫‪016.6‬‬ ‫أشباه النقود‬
‫‪/‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪366.6‬‬ ‫‪392.1‬‬ ‫‪319.6‬‬ ‫‪313.6‬‬ ‫‪CNEP‬‬ ‫ودائع‬
‫‪/‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪3090.3‬‬ ‫‪393.1‬‬ ‫‪619.2‬‬ ‫‪992.9‬‬ ‫‪M3‬‬ ‫االلتزامات السائلة‬
‫املصدر‪ :‬بلعزوز بن علي‪/‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.4-3‬‬
‫متثل الفرتة ‪ 0331-0333‬مرحلة معاكسة يف توجه السياسة النقدية باعتماد السلطة النقدية لسياسة‬
‫نقدية توسعية تزامنت مع تطبيق برنامج دعم اإلنعاش االقتصادي الذي امتد من أفريل ‪ 0333‬إىل أفريل ‪0331‬‬

‫حيث تعززت مؤشرات االقتصاد الكلي بصفة كبرية خالل هذه الفرتة‪.‬‬
‫وقد ساعدت عدة عوامل على تطور الوضعية النقدية حنو التوسع من بينها حتسن أسعار البرتول اليت‬
‫ودلت إىل ‪ 09.6‬و‪ 19.2‬دوالر للربميل سنيت ‪ 0331‬و‪ 0331‬على الرتتيب بينما قدرت سنيت ‪ 0333‬و‪0330‬‬

‫مبتوسط سعر ‪ 01.6‬و‪ 02.0‬دوالر للربميل على الرتتيب‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫‪0331-0333‬‬ ‫اجلدول (‪ :)1-1‬املسح النقدي يف اجلزائر الفرتة‬


‫‪0331‬‬ ‫‪0331‬‬ ‫‪0330‬‬ ‫‪0333‬‬ ‫بنود‬
‫املسح النقدي‬ ‫السنوات‬

‫‪1336.0‬‬ ‫‪0110.6‬‬ ‫‪3622.6‬‬ ‫‪3133.9‬‬ ‫دايف األموال األجنبية‬


‫‪939.6‬‬ ‫‪3332.0‬‬ ‫‪3323.3‬‬ ‫‪3391.2‬‬ ‫دايف األدول احمللية‬
‫‪3231.1‬‬ ‫‪3931.9‬‬ ‫‪3912.2‬‬ ‫‪3916.9‬‬ ‫االئتمان احمللي‬
‫‪-03.9‬‬ ‫‪101.1‬‬ ‫‪269.6‬‬ ‫‪296.6‬‬ ‫دايف االئتمان للحكومة‬
‫‪3212‬‬ ‫‪3193.0‬‬ ‫‪3099.9‬‬ ‫‪3969.3‬‬ ‫االئتمان لالقتصاد‬
‫‪-962.6‬‬ ‫‪-999.9‬‬ ‫‪-900.9‬‬ ‫‪-119.3‬‬ ‫بنود أخرى دافية‬
‫‪1616.6‬‬ ‫‪1126.6‬‬ ‫‪0632.9‬‬ ‫‪0162.0‬‬ ‫‪M2‬‬ ‫النقود و شبه النقود‬
‫‪0393.2‬‬ ‫‪3913.1‬‬ ‫‪3139.1‬‬ ‫‪3019.2‬‬ ‫‪M1‬‬ ‫النقود‬
‫‪3266.1‬‬ ‫‪3606.2‬‬ ‫‪3196.2‬‬ ‫‪3019.6‬‬ ‫أشباه النقود‬
‫املصدر‪ :‬بلعزوز بن علي‪/‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫عرف اجملمع النقدي ‪ M2‬تراجعا يف منوه بنسبة ‪ %32.9‬سنة ‪ 0331‬و‪ %33.10‬سنة ‪ 0331‬مقارنة‬
‫بنموه سنة ‪ 0330‬مبعدل منو ‪ %36.1‬بعدما كان ‪ %00.0‬سنة ‪ ،0333‬يعود هذا الرتاجع إىل حماولة السلطة‬
‫النقدية إتباع بديل نقدي يتمثل يف سياسة التكيف والتوسع حبيث هتدف إىل بلوغ مستوى مقبول من النمو‬
‫االقتصادي والتشغيل وفق معدل تضخم متوقع الذي يسمح بإحداث توسع نقدي لبلوغ هذا املستوى من‬
‫التضخم يف الفرتة القادمة‪.‬‬
‫لقد تبنت السلطة النقدية سياسة نقدية انكماشية دارمة خالل الفرتة ‪ 0333-3661‬خادة يف فرتة‬
‫اعتماد برنامج لإلدالح االقتصادي ‪-‬الذي يهدف إىل تقليص منو الكتلة النقدية يف حدود ‪ %31‬خالل فرتة‬
‫الربنامج‪ -‬مث اتبعت سياسة نقدية معاكسة للسياسة األوىل اليت متثلت يف التوجه حنو تنفيذ سياسة نقدية توسعية‬
‫تزامنت مع بداية تطبيق برنامج دعم اإلنعاش االقتصادي ابتداءا من ‪ 0333‬إىل جانب حتقيق استقرار يف التوازنات‬
‫االقتصادية الكلية ابتداءا من ‪ 3666‬وحتسن مستوى ميزان املدفوعات وإعادة تكوين احتياطي الصرف لتفادي‬
‫الصدمات اخلارجية‪ ،‬وكذا حتسن السيولة املصرفية وتراكم خمزون االدخار من طرف اخلزينة العمومية‪ ،‬هتدف هذه‬
‫السياسة لتحقيق معدالت منو اقتصادي معتربة يف حدود مقبولة من التضخم‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫املطلب الثاين‪ :‬تقييم فعالية السياسة النقدية‬


‫يتطلب يف البداية‬ ‫‪0331-3661‬‬ ‫إن دراسة مدى فعالية السياسة النقدية يف اجلزائر خالل الفرتة‬
‫حتديد األهداف النهائية مث حتليل مدى حتقيقها من قبل السلطات النقدية‪.26‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األهداف النهائية للسياسة النقدية يف اجلزائر‬
‫حددت املادة ‪ 22‬من القانون ‪ 33-63‬املتعلق بالنقد و القرض األهداف للسياسة النقدية‪ ،‬حيث‬
‫تتعدد هذه األهداف حسب نفس املادة لتشمل هدف يتمثل يف حتقيق معدل منو اقتصادي منتظم يف املقام األول‬
‫إىل جانب حتقيق التشغيل الكامل‪ ،‬أما هدف استقرار األسعار واحلفاظ على استقرار العملة خارجيا جعال يف‬
‫املقام الثاين‪.‬‬
‫تتميز أهداف السياسة النقدية حسب هذه املادة من القانون ‪ 33-63‬باخلصائص التالية‪:27‬‬
‫‪ -‬تعدد يف األهداف النهائية للسياسة النقدية‪.‬‬
‫‪ -‬تضار هبذه األهداف كهدف النمو االقتصادي و التشغيل مع استقرار األسعار‪.‬‬
‫‪ -‬عدم إعطاء األولوية هلدف استقرار األسعار كهدف أساسي للسياسة النقدية‪.‬‬
‫عرفت الفرتة ‪ 3666-3696‬حترير واسع لألسعار مما أدى إىل ارتفاع مؤشر أسعار االستهالك إىل‬
‫‪ %13.66‬سنة ‪ 3661‬معلنا بذلك عن وجود نسبة تضخم عالية بلغت ‪%06.31‬يف نفس السنة اليت فرض فيها‬
‫دندوق النقد الدويل على اجلزائر رفع الدعم على األسعار بصفة تدرجيية‪ .‬لذا كان من املفروض أن يكون حتقيق‬
‫االستقرار يف األسعار هو اهلدف األساسي للسياسة النقدية ابتداءا من سنة ‪ ،3663‬كما أن تبين سياسة نقدية‬
‫انكماشية دارمة دليل على أن هدف استقرار األسعار هو اهلاجس الذي يشغل بال السلطة النقدية أكثر من‬
‫‪-0333‬‬ ‫هدف النمو االقتصادي الذي ترتاجع معدالته يف حالة تطبيق سياسة نقدية انكماشية‪ ،‬كما أن الفرتة‬
‫‪ 0331‬اليت طبقت فيها السلطة النقدية سياسة نقدية توسعية ال تستوجب أن يبقى اهلدف األساسي للسياسة‬
‫النقدية هو النمو االقتصادي وإمنا يف ظل انعدام االستقرار يف األسعار ال ميكن احلديث عن منو االقتصاد بصفة‬
‫مستقرة ومستمرة‪ ،‬جند أن األمرين الرئاسيني املعدلني للقانون ‪ 33-63‬أبقيا على نفس مهمة البنك املركزي من‬
‫من األمر ‪ 33-31‬اليت أكدت ثانية أن هدف النمو االقتصادي هو اهلدف األساسي للسياسة‬ ‫‪12‬‬ ‫خالل املادة‬
‫النقدية‪.28‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬أهداف السياسة النقدية يف اجلزائر‬
‫تتمثل أهداف السياسة النقدية يف اجلزائر فيما يلي‪:29‬‬

‫‪ 26‬بلعزوز بن علي‪ ،‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.8-5‬‬


‫‪ 27‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ 28‬املرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪ 29‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.9-2‬‬
‫‪123‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫أ‪ -‬هدف النمو االقتصادي‬


‫باعتبار أن معدل النمو االقتصادي هو اهلدف األساسي للسياسة النقدية فقد حدث تذبذب يف‬
‫تلك املعدالت خالل هذه الفرتة‪ ،‬فبالرغم من أن منو حجم القروض املقدمة للمؤسسات اإلنتاجية زاد بنسبة‬
‫‪ %19.9‬سنة ‪ 3661‬إال أنه مت تسجيل معدل منو سالب خالل هذه السنة‪ ،‬مما يعين أن حجم القروض اليت‬
‫سامهت يف زيادة التوسع النقدي ال يقابلها زيادة يف حجم السلع واخلدمات نظرا لعجز جهازها اإلنتاجي من‬
‫حتسني إنتاجيته‪.‬‬
‫وعرفت الفرتة ‪ 0331-0333‬منو منتظم لالقتصاد الذي ارتفع بأكثر من أربعة نقاط‪ ،‬لكن هذه‬
‫النتائج ال تربر أن هدف النمو االقتصادي هو اهلدف األساسي للسياسة النقدية‪ ،‬فإلا مت البحث عن مصدر هذا‬
‫النمو من املمكن إجياده حمصورا يف قطاع احملروقات الذي بلغ معدل منوه ‪ %9.9‬سنة ‪ 0331‬مقابل ‪ %1.6‬سنة‬
‫‪ ،0330‬وقطاع الفالحة أيضا حقق معدل منو سالب قدر بـ ‪ %3.1-‬سنة ‪ 0330‬مقابل معدل منو قدر بـ ‪%31.0‬‬
‫و‪ %36.3‬سنيت ‪ 0333‬و‪ 0331‬على الرتتيب‪.‬‬
‫ب‪ -‬هدف التشغيل‬
‫يرتبط هدف التشغيل الذي ميثل اهلدف الثاين للسياسة النقدية هبدف حتقيق منو اقتصادي‪ ،‬لذا فإن‬
‫عدم حتقيق اهلدف األخري ينعكس سلبا على هدف التشغيل مما حيمل السياسة النقدية انتكاسا آخرا يظهر من‬
‫خالل تزايد معدالت البطالة اليت ودلت إىل ‪ %01.9‬سنة ‪ 3661‬لرتتفع إىل ‪ %09‬سنة ‪ 3662‬لتبلغ لروهتا سنة‬
‫‪ 0333‬مبعدل ‪ ،%06.2‬يعد ارتفاع هذه املعدالت شيء منطقي إل تربره السياسة االنكماشية املطبقة إىل غاية سنة‬
‫‪ 0333‬مما ينعكس سلبا على الطلب الكلي واالستثمار والعمالة إىل جانب وجود تفاوت بني معدل النمو‬
‫السكاين و معدل النمو االقتصادي املتذبذب‪.‬‬
‫لقد بدأت معدالت البطالة يف الرتاجع ابتداءا من سنة ‪ 0333‬واليت تزامنت مع بدء تطبيق برنامج‬
‫دعم اإلنعاش االقتصادي حيث متثل النظرية الكينيزية املرجع الفكري يف حل مشكلة البطالة عن طريق تنشيط‬
‫الطلب الكلي الفعال و يتطلب للك تنشيط االستثمار عن طريق ختفيض معدالت الفائدة لالقرتاب من حالة‬
‫العمالة الكاملة‪.‬‬
‫تبقى معدالت البطالة مرتفعة رغم اخنفاضها يف الفرتة ‪ 0331-0333‬مما يعين أن السياسة النقدية مل‬
‫تستطيع حتقيق هدف التشغيل لألسباب عديدة منها نقص االستثمارات وطول املرحلة االنتقالية خلودصة‬
‫املؤسسات العمومية و عدم توفري املناخ املناسب الستقطاب االستثمار األجنيب املباشر وعدم تشجيع االستثمار‬
‫اخلاص‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫ج‪ -‬هدف التوازن اخلارجي‬


‫يعد حتقيق هدف التوازن اخلارجي من األهداف اليت نص عليها قانون ‪ ،33-63‬إل ميكن أن حنكم‬
‫على فعالية السياسة النقدية يف بلوغ هذا اهلدف من خالل حتسني وضعية ميزان املدفوعات من جهة ومن خالل‬
‫استقرار أسعار الصرف من جهة أخرى‪.‬‬
‫وضع برنامج التعديل اهليكلي هدف استعادة قوة ميزان املدفوعات مع حتقيق مستويات مالئمة من‬
‫احتياطات النقد األجنيب‪ ،‬حيث قامت اجلزائر بإعادة جدولة ‪ 36‬مليار دوالر من ديوهنا اخلارجية على مدى‬
‫السنوات األربعة لربنامج اإلدالح االقتصادي‪ ،‬هذا لتخفيض الضغوط اخلارجية نتيجة ارتفاع أعباء خدمة الدين‬
‫إىل ‪ %90.0‬سنة ‪ ،3661‬إل مسح هذا الوضع بارتفاع التدفقات الرأمسالية الداخلة سنة ‪ 3661‬إىل جانب الدعم‬
‫االستثنائي املقدم مليزان املدفوعات من قبل دندوق النقد الدويل‪ ،‬مما نتج عنه اخنفاض خدمات الدين إىل‬
‫‪ %16.0‬يف هذه السنة‪ ،‬كان من املفروض أن يعرف احلساب اجلاري حتسن ملحوظ خالل السنوات األوىل لتطبيق‬
‫برنامج اإلدالح إال أنه العكس قد حدث‪ ،‬حيث حقق هذا احلساب عجزا ب ‪ %2‬من إمجايل الناتج احمللي لسنة‬
‫‪ 3662‬بعدما كان قد حقق فائضا يف ‪ 3661‬بنسبة ‪%3.6‬من إمجايل الناتج احمللي‪ ،‬يرجع هذا العجز إىل اخنفاض‬
‫أسعار البرتول خالل هذه السنوات و ارتفاع تكاليف االسترياد بعد تطبيق التدابري اخلادة بتحرير الواردات سنة‬
‫‪.3662‬‬
‫عرف ميزان املدفوعات فائضا سنة ‪ 3666‬قدره ‪ 3.1‬مليار دوالر ليشهد عجزا سنيت ‪3666-3669‬‬

‫بسبب تدهور أسعار البرتول يف األسواق الدولية‪ ،‬فائضا سنة ‪ 0333‬فقد سجل ‪ 6.9‬مليار دوالر ليستقر عند نفس‬
‫مستواه سنة ‪ 0331‬ويعود سبب هذا التحسن يف ميزان املدفوعات إىل ارتفاع أسعار البرتول سنة ‪ 0331‬إىل ‪09.2‬‬

‫دوالر أمريكي للربميل‪ .‬نالحظ أن وضع ميزان املدفوعات مل يستقر وبقي متذبذب نتيجة للصدمات اخلارجية اليت‬
‫يتعرض هلا االقتصاد الوطين جراء ارتفاع واخنفاض أسعار البرتول يف السوق الدولية وتقلبات أسعار الصرف‪ ،‬لذا‬
‫فالسياسة النقدية غري قادرة على احملافظة على استقرار وضع ميزان املدفوعات الذي خيضع باألساس إىل تغريات‬
‫الوضع الدويل‪.‬‬
‫وعرف سعر الصرف تدهورا مستمرا خادة مع التخفيض الكبري للدينار اجلزائري حبوايل ‪ %23‬يف‬
‫مارس وأفريل ‪ 3661‬ليصل ‪ 19‬دينار لكل دوالر أمريكي مث يرتفع يف هناية السنة إىل ‪ 10.6‬دينار لكل دوالر‪.‬‬
‫استقر سعر الصرف ابتداءا من سنة ‪ 0333‬ليعرف حتسن سنة ‪ ،0331‬نستنتج أن السياسة النقدية مل تتمكن من‬
‫حتقيق هدف استقرار العملة خارجيا‪.‬‬
‫د‪ -‬استقرار األسعار كهدف للسياسة النقدية‬
‫يعترب هدف استقرار األسعار إحدى أهداف السياسة النقدية يف اجلزائر‪ ،‬فقد تطلبت مرحلة االنتقال‬
‫إىل اقتصاد السوق حترير األسعار الذي كان سنة ‪ 3696‬ليعرف حتريرا واسعا خالل الفرتة ‪ ،3669-3661‬لذا جند‬

‫‪125‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫أن معدل التضخم ارتفع من ‪%6.1‬سنة ‪ 3696‬إىل ‪%06.69‬سنة ‪ ،3662‬كما ركز برنامج التثبيت االقتصادي على‬
‫حتقيق استقرار مايل بتخفيض معدل التضخم إىل أقل من ‪.%33‬‬
‫على الرغم من تعدد أسباب التضخم يف اجلزائر ( أسباب مؤسساتية‪ ،‬هيكلية و نقدية)‪ ،‬لكن‬
‫باستطاعة السياسية النقدية معاجلة األسباب األخرية مباشرة و األسباب األخرى بطريقة غري مباشرة من خالل‬
‫التأثري على حجم القروض يف االقتصاد‪ ،‬إل نالحظ اخنفاض معدالت التضخم خالل فرتة تطبيق برنامج اإلدالح‬
‫االقتصادي مع مؤسسات النقد الدولية نتيجة لإلجراءات املتخذة يف هذا الربنامج كتحرير األسعار‪ ،‬رفع أسعار‬
‫الفائدة‪ ،‬تقليص منو الكتلة النقدية‪ ،‬و التخلي عن اإلددار النقدي يف متويل العجز املوازين‪ ،‬متت هذه اإلجراءات‬
‫يف إطار سياسة نقدية انكماشية للتحكم يف حجم الطلب الكلي‪ ،‬وبالتايل احلد من الطلب على النقد من قبل‬
‫األعوان االقتصاديني‪.‬‬
‫حقق هذا الربنامج نتائج إجيابية حيث قلص معدل التضخم إىل ‪ %2‬سنة ‪ 3669‬ليستمر اخنفاضه‬
‫إىل ‪ %3.1‬سنة ‪ ،0333‬كما أدى اخنفاض معدل التضخم خالل سنة ‪ 3666‬إىل حتقيق معدالت فائدة حقيقية‬
‫موجبة مما يسمح بتعبئة املدخرات املالية لتمويل االستثمار و بالتايل حتقيق معدالت منو مقبولة‪ ،‬و ال يعد التحكم‬
‫يف األسباب النقدية املنشأة للتضخم كافيا لتحقيق استقرار دائم يف األسعار على مستوى االقتصاد الكلي ما مل‬
‫يتم القضاء على األسباب األخرى اليت تبقى متثل هتديدا على االستقرار‪ ،‬لذا يتطلب إحداث إدالحات هيكلية‬
‫يف مستوى العرض الكلي مما يسمح بتربير أي توسع نقدي مادام أنه يؤدي إىل خلق سلع وخدمات‪.‬‬
‫ما ميكن استنتاجه من هذا التحليل أن السياسة النقدية تعترب فعالة يف حتقيق استقرار األسعار للفرتة‬
‫‪ ، 0331-3661‬لذا يعد هدف استقرار األسعار اهلدف الوحيد الذي حققته السياسة النقدية على عكس األهداف‬
‫األخرى‪ ،‬أما إمجاال فال ميكن أن نقول أن السياسة النقدية كانت فعالة يف حتقيق كل أهدافها‪ ،‬فإن متكني السياسة‬
‫النقدية من حتقيق هدف واحد من شأنه أن يزيد يف فعاليتها و هو هدف استقرار األسعار‪ ،‬وبالتايل نستنتج أن‬
‫فعالية السياسة النقدية تتقلص كلما تعدت إىل حتقيق أهداف أخرى غري هدف التحكم يف التضخم خادة إلا‬
‫كانت متر مبرحلة انتقالية‪.‬‬
‫إن التحديد الدقيق للهدف النهائي للسياسة النقدية املتمثل يف احلد من التضخم‪ ،‬يعطي فعالية‬
‫أكرب هلذه السياسة وهو ما مل يدرج يف قانون النقد والقرض ‪ 33-63‬األمرين املعدلني له ‪ 33-33‬و ‪ 33-31‬حىت‬
‫نضمن فعالية أكرب للسياسة النقدية‪ ،‬كما جيب أن يكون هناك تنسيق بني هدفها النهائي و األهداف األخرى‬
‫للسياسة النقدية‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫املبحث الثالث‪ :‬سياسة استهداف التضخم يف اجلزائر‬


‫تبنت عدة دول متقدمة ونامية سياسة استهداف التضخم‪ ،‬حيث جعلت معدالت رقمية أو مدى‬
‫حمدد من التضخم هو االستهداف الوسيط للسياسة النقدية‪ ،‬أما اهلدف النهائي هلا يتمثل يف حتقيق االستقرار‬
‫االقتصادي على املدى الطويل‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬متطلبات تطبيق سياسة استهداف التضخم يف اجلزائر‬
‫جنحت الكثري من الدول يف تطبيق هذه السياسة كنيوزلندا‪ ،‬كندا‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬كوريا اجلنوبية‪ ،‬املكسيك‬
‫واألرجنتني حيث متكنت من حتقيق املعدالت أو املدى املستهدف خالل فرتة زمنية وجيزة‪ .‬إن أول ما قامت به‬
‫هذه الدول يف االعتماد على سياسة استهداف التضخم هو ختفيض معدل التضخم إىل أدىن مستوياته‪ ،‬لذا‬
‫نتساءل عن مدى إمكانية تطبيق سياسة استهداف التضخم يف اجلزائر بعد ما مت ختفيض معدل التضخم ابتداء‬
‫من ‪ 3669‬إلى ‪0331‬؟‬
‫إن احلكم على مدى فعالية سياسة استهداف التضخم مرتبطة أوال مبدى توفر شروط تطبيق هذه‬
‫السياسة‪ ،‬مث تتعلق مبدى إمكانية حتكم السلطة النقدية يف املعدل أو املدى املستهدف‪ ،‬ويوجد نوعني من الشروط‬
‫اليت جيب على السلطة النقدية توفريها لتبين هذه السياسة‪ ،‬منها الشروط العامة والشروط األولية حيث أن الشروط‬
‫العامة حتدد إمكانية تطبيق سياسة استهداف التضخم من عدمه كما حتدد الشروط األولية مدى فعالية سياسة‬
‫استهداف التضخم‪.30‬‬

‫تظهر بعض الشروط العامة من تعريف سياسة االستهداف اليت تركز بوضوح على معدل أو مدى‬
‫مستهدف من التضخم من خالل إعالن السلطة النقدية أو احلكومة أو االثنني مع‪/‬أو هيئة أخرى عن هدف‬
‫رقمي أو مدى حمدد ملعدل التضخم يف فرتة زمنية معينة يف املستقبل‪ ،‬جند أن اإلعالن عن األهداف الرقمية هو‬
‫الشرط األول إلمكانية تطبيق هذه السياسة‪ ،‬فال جند هذا الشرط متوفر ومل تلتزم به السلطة النقدية يف اجلزائر‪ ،‬إل‬
‫مل ينص القانون ‪ 33-63‬و ال األمرين املعدلني هلذا القانون أو أي تعليمة دادرة عن بنك اجلزائر على حتديد معدل‬
‫التضخم أو مدى مستهدف خالل إطار زمين معني‪ ،‬إل يعد هذه الشرط كافيا للحكم على أن السلطة النقدية‬
‫يف اجلزائر ال تستهدف التضخم كأسلوب إلدارة السياسة النقدية يف حتقيق استقرار األسعار يف املدى الطويل‪.‬‬
‫أما الشرط الثاين فيتمثل يف االلتزام املؤسسايت بأن استقرار األسعار هو اهلدف األساسي للسياسة‬
‫النقدية يف املدى الطويل‪ ،‬حيث حصر قانون النقد و القرض عدة أهداف للسياسة النقدية من بينها هدف‬
‫استقرار األسعار‪ ،‬أي أنه مل جيعل التحكم يف التضخم هو اهلدف األول واألساسي له رغم تعهد السلطة النقدية‬

‫‪ 13‬طيبة عبد العزيز‪" ،‬سياسة استهداف التضخم كأسلوب حديث للسياسة النقدية دراسة حالة اجلزائر للفرتة ‪ "1003-9111‬رسالة ماجستري‪ ،‬حتت‬
‫إ شراف الدكتور بلعزوز بن علي‪ ،‬جامعة حسيبة بوعلي‪ ،‬الشلف‪ ،1005 ،‬ص ص ‪.985-983‬‬
‫‪127‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫بتحقيقه‪ ،‬ويعد هذا الشرط غري قائم يف االقتصاد اجلزائري حىت تتمكن السلطة النقدية من تطبيق سياسة‬
‫استهداف التضخم‪.‬‬
‫تتطلب سياسة استهداف التضخم أن يكون للبنك املركزي آليات فنية متقدمة للتنبؤ مبعدل التضخم‬
‫لذا يستدعي منه تشكيل بنك معلومات حيتوي على معطيات عن املتغريات متكنه ن ردد معدل التضخم على‬
‫املدى البعيد‪ ،‬كما جيب على البنك املركزي أن ميلك هذه املعلومات عن املتغريات إلا أراد أن يتبع سياسة‬
‫استهداف التضخم يف املستقبل‪ ،‬كما يتعني عليه إددار تقارير ومطبوعات رمسية ودوريات وبيانات عن الوضعية‬
‫املستقبلية للمتغريات االقتصادية والنقدية اليت هلا تأثري على التضخم‪.‬‬
‫تعد زيادة الشفافية و إخضاع البنك املركزي للمساءلة واعتماد النظرة املستقبلية يف تقدير معدل‬
‫التضخم من الشروط األساسية لقيام سياسة استهداف التضخم‪ ،‬ويتعني على البنك املركزي تعزيز هذه الشفافية‬
‫بتكثيف االتصال باجلمهور واألسواق لشرح أهدافه‪ ،‬وإمكانية حتقيق للك حىت يأخذ األعوان االقتصاديني قراراهتم‬
‫يف جو من الشفافية و اليقني بشأن الظروف يف املستقبل‪ ،‬ال تكفي الشفافية وحدها إلا مل توجد هيئة مساءلة‬
‫خيضع إليها البنك املركزي‪ ،‬فال توجد هذه اهليئة يف اجلزائر اليت تسأل البنك املركزي عن مدى حتقيقه لألهداف‪،‬‬
‫لذا يتعني حتديد هيئة معينة تكلف هبذه املهمة سواء متثلت يف الربملان أو احلكومة أو هيئة مستقلة يعينها رئيس‬
‫اجلمهورية‪ ،‬و ال جتدي املعطيات املستقبلية عن معدل التضخم املستهدف إلا مل توجد عالقة تأثري واضحة بني‬
‫أدوات السياسة النقدية و معدل التضخم حىت يتمكن من حتقيق معدالت أو املدى املستهدف عن التضخم‪ ،‬لذا‬
‫يتطلب إحداث إدالحات على أدوات السياسة النقدية و العمل على إجياد منالج إحصائية قياسية تربط اجتاهات‬
‫التضخم بسلوكات السلطة النقدية من خالل تغيري أدواهتا النقدية‪.‬‬
‫تعترب أغلب الشروط العامة الستهداف التضخم غري حمققة مما جيعلنا نستنتج أنه ال ميكن أن تعتمد‬
‫السلطة النقدية على سياسة استهداف التضخم يف املدى القريب رغم أن معدالت التضخم احملققة يف اجلزائر‬
‫ترتاوح بني ‪ ،%2-3‬تعترب هذه احلدود مناسبة جدا لتطبيق هذا اإلطار إلدارة السياسة النقدية إلا اقرتنت بإدارة قوية‬
‫من قبل السلطة النقدية يف تبين سياسة استهداف التضخم يف املستقبل‪ ،‬فربنامج اإلدالح النقدي ‪3669-3661‬‬

‫الذي طبقته اجلزائر قد أشار إىل االستهداف إل ملح إىل اعتماد معدالت تضخم تقارب املعدالت السائدة يف‬
‫الدول الصناعية املتقدمة واليت هلا عالقات جتارية مع اجلزائر‪.‬‬
‫ال تكفي هذه اإلدارة وحدها وال حىت الشروط العامة إلا توفرت –ميكن عن طريق إددار‬
‫التشريعات القانونية من حتقيق كل الشروط العامة مما جيعل إمكانية تطبيق سياسة االستهداف قائمة‪ -‬من جناح‬
‫سياسة استهداف التضخم نظرا للصعوبات اليت حتول دون التطبيق الفعال هلذه السياسة‪.31‬‬

‫‪ 31‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.392‬‬


‫‪128‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫املطلب الثاين‪ :‬االنتقادات املوجهة لسياسة استهداف التضخم‬


‫ميكن حصر االنتقادات املوجهة لسياسة استهداف التضخم فيما يلي‪:32‬‬
‫‪ -‬تتطلب طبيعة النظرة املستقبلية الستهداف التضخم من البنك املركزي أن يأخذ بعني االعتبار إمكانية التأخر‬
‫احلادلة بني تغريات السياسة النقدية وتأثرياهتا على التضخم‪ ،‬لذا جيب أن تكون السلطة النقدية قادرة على الرد‬
‫على االحنرافات احلادلة يف آفاق زمنية حمددة عن طريق إجياد عالقة مستقرة بني أدوات السياسة النقدية ومنولج‬
‫فعال لتوقعات التضخم املستهدف‪.‬‬
‫‪ -‬ال ميكن أن يكون استهداف التضخم اإلطار الوحيد الذي حيسن أداء البنوك املركزية ألهدافها‪ ،‬توجد عدة دول‬
‫ال تطبق هذه السياسة وقد متكنت من ختفيض معدالت التضخم وحافظت على استقرار األسعار يف املدى‬
‫الطويل كأملانيا واالحتاد األورويب‪.‬‬
‫‪ -‬تواجه الدول النامية مشكل اتساع االحنرافات عن املعدل املستهدف نتيجة لتكرير أخطاء كبرية يف التوقعات‬
‫التضخمية‪ ،‬ستكون النتيجة احلتمية لذلك وجود دعوبات لدى البنك املركزي يف توضيح أسباب االحنرافات عن‬
‫هدف مما يقلل من حصوله على املصداقية الالزمة‪ ،‬عالوة على للك تكون السياسة املتبعة يف هذه احلالة‬
‫انكماشية لتخفيض معدل التضخم مما يؤثر سلبا على النمو االقتصادي يف املدى القصري ويفقد األعوان‬
‫االقتصاديني الثقة يف استهداف التضخم‪.‬‬
‫‪ -‬ميكن أن ترتجم تغريات يف املعدل املستهدف إىل ضعف هذا اإلطار إلدارة السياسة النقدية‪ ،‬إلا ارتفع التضخم‬
‫إىل احلد الذي ال تستطيع أسعار الفائدة أن تتجاوز أقصى مستوياهتا يستدعي للك زيادة اتساع املدى‬
‫املستهدف‪ ،‬مما يفقد هذا اإلطار املصداقية يف حتقيق املعدل املستهدف‪.‬‬
‫‪ -‬يؤدي الرتكيز على معدل رقمي معني إىل تقليل قدرة ومرونة البنك املركزي على تنفيذ سياسته النقدية يف‬
‫التعامل مع الصدمات الداخلية و اخلارجية‪.‬‬

‫‪ 32‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.301-303‬‬


‫‪129‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫‪0331-3663‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬دراسة قياسية يف اجلزائر خالل الفرتة‬
‫إن الدراسة القياسية متر مبراحل متعددة انطالقا من االستقرارية ودوال إىل دراسة العالقة يف املدى‬
‫القصري و الطويل‪ ،‬لذا حاولنا يف هذا املبحث إعطاء فكرة على كل مرحلة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬استقرار السالسل الزمنية‬
‫إن من بني الشروط الالزمة لتطبيق سياسة استهداف التضخم‪ ،‬دراسة االستقرارية بني املتغريات‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬منولج الدراسة‬
‫إن اهلدف من دراستنا هو دراسة العالقة بني السياسة النقدية وسياسة استهداف التضخم‪ ،‬لذا قمنا‬
‫باختيار جمموعة من املتغريات تتمثل يف‪:‬‬
‫‪.PIB‬‬ ‫‪ -‬نسبة نمو الناتج الداخلي الخام‬
‫النقدية‪.M2‬‬ ‫‪ -‬تطور الكتلة‬
‫‪.INF‬‬ ‫‪ -‬معدل التضخم‬
‫‪ -‬معدل الصرف ‪ :EXCH‬وهو يرمز إىل قيمة العملة بالدوالر األمريكي‪.‬‬
‫وقد اعتمدنا يف دراستنا على الفرتة ‪ ،0331-3663‬أي ما يغطي ‪ 02‬مشاهدة وقد مت احلصول عليها‬
‫من املوقع االلكرتوين للبنك العاملي )‪(www.données.banquemandiales.org‬‬
‫كما مت االعتماد على برنامج ‪ Eviews 8‬للحصول على النتائج‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬اختبارات النمولج‬
‫يف هذه االختبارات منر باملراحل التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسة استقرار السالسل الزمنية باعتماد على اختبار ديكي‪-‬فولر »‪:Dickey-Fuller «DF‬‬

‫يعترب اختبار ديكي‪-‬فولر الذي قدم من طرف ‪ D.Dickey et W.Fuller‬سنة ‪ 3666‬من أهم‬
‫االختبارات للكشف عن جذر الوحدة يف السلسلة الزمنية‪ ،‬و نوضح للك من خالل املعادلة التالية‪:33‬‬
‫)‪𝑌𝑡 = 𝜌𝑌𝑡−1 + 𝑒𝑡 … . . (1‬‬ ‫‪−1 ≤ 𝜌 ≤ 1‬‬
‫حيث ميثل 𝑡𝑒 اخلطأ العشوائي‪ .‬و خيترب وجود الفرضية العدمية اليت تنص على جذر الوحدة و بالتايل عدم‬
‫سكون السلسلة الزمنية عن طريق اختبار)‪ .(t‬و ميكن دياغة الفرضية العدمية )‪ (H0‬اليت يتم اختبارها والفرضية‬
‫البديلة )‪ (H1‬كمايلي‪:‬‬

‫‪H : ρ = 1 ou δ = 0‬‬
‫‪{ 0‬‬
‫‪H1 : ρ < 1 ou δ < 0‬‬

‫‪28‬‬
‫‪Dickey D.A. & Fuller W.A “Distribution of the Estimators for Autoregressive Time Series with a Unit Root” Journal of‬‬
‫‪the American Statistical Association, June 1979, volume 74, number 366, pp 427-428.‬‬
‫‪130‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫حيث تعترب املعادلة (‪ )1‬إحدى احلاالت الثالثة اليت خيترب عندها سكون السلسلة الزمنية‪ ،‬وفيما يلي ديغ‬
‫احلاالت الثالثة‪:‬‬
‫القاطع واالجتاه……………𝑡𝑒 ‪𝑌𝑡 = 𝛼 + 𝛿𝑌𝑡−1 + 𝛽𝑡 +‬‬

‫القاطع ……………𝑡𝑒 ‪𝑌𝑡 = 𝛼 + 𝛿𝑌𝑡−1 +‬‬


‫واجتاه……………𝑡𝑒 ‪𝑌𝑡 = 𝛿𝑌𝑡−1 +‬‬ ‫بدون قاطع‬
‫‪H0‬‬ ‫إلا كانت القيمة احملسوبة ‪ tcal‬أدغر من القيمة اجلدولية ‪ (𝑡𝑐𝑎𝑙 < 𝑡𝑡𝑎𝑏) ttab‬نرفض الفرضية العدمية‬
‫عند درجة املعنوية املختارة ‪ α‬و نقول أن املتغري ‪ Yt‬مستقر‪ ،‬والعكس دحيح‪.‬‬
‫‪ -0‬دراسة استقرار السالسل الزمنية باعتماد على اختبار ديكي‪-‬فولر املوسع‪Augmanted Dickey Fuller :‬‬
‫‪:ADF‬‬
‫إلا كانت السلسلة الزمنية مرتبطة لاتيا إىل درجة عالية من التباطؤ الزمين فإن اختبار ديكي فولر ال‬
‫يعود جمديا‪ ،‬هذا ما دفع بديكي و فولر يف سنة ‪ 3693‬إىل حتسني النمولج السابق مع االحتفاظ بنفس الفرضيات‬
‫السابقة (العدمية والبديلة)‪ ،‬وهو ما يسمى باختبار ديكي‪-‬فولر املوسع ‪ ،ADF‬وبافرتاض أن السلسلة الزمنية‬
‫ختضع لنمولج االحندار الذايت فإن احلاالت اليت يتم اختبارها هي كمايلي‪:34‬‬
‫قاطع……………‪Δxi = ρxt−1 − ∑𝑗=2 ϕj Δxt−j+1 + εt‬‬ ‫بدون‬
‫‪p‬‬

‫قاطع‪Δxi = ρxt−1 − ∑𝑗=2 ϕj Δxt−j+1 + c + εt…………..‬‬


‫‪p‬‬

‫قاطع و اجتاه………………‪Δxi = ρxt−1 − ∑j=2 ϕj Δxt−j+1 + c + bt + εt‬‬


‫‪p‬‬

‫سنقوم بتطبيق اختبار جذر الوحدة ديكي‪-‬فولر املوسع على كل متغري عند املستوى‪ ،‬يف حالة وجود‬
‫جذر الوحدة نقوم بإعادة تطبيق االختبار عند الفرق األول‪ .‬والنتائج مبينة من خالل اجلدول املوايل‪:‬‬
‫اجلدول رقم (‪ :)1-3‬اختبار ديكي‪-‬فولر املوسع جلذر الوحدة‬
‫الفرق األول‬ ‫املستوى‬ ‫املتغريات‬
‫و‬ ‫قاطع‬ ‫قاطع‬ ‫قاطع و اجتاه بدون قاطع‬ ‫قاطع‬ ‫بدون قاطع‬
‫اجتاه‬
‫‪3.3333‬‬ ‫***‪3.3333 3.3333‬‬ ‫‪3.3696‬‬ ‫‪3.3199‬‬ ‫‪3.1339‬‬ ‫‪pib‬‬
‫‪3.3310‬‬ ‫***‪3.3339 3.3333‬‬ ‫‪3.9139‬‬ ‫‪3.2663‬‬ ‫‪3.3991‬‬ ‫‪inf‬‬
‫‪3.3391‬‬ ‫***‪3.3332 3.3333‬‬ ‫‪3.1336‬‬ ‫‪3.9993‬‬ ‫‪3.9693‬‬ ‫‪m2‬‬
‫‪3.3913‬‬ ‫‪3.3122‬‬ ‫*‪3.3399‬‬ ‫‪3.9969‬‬ ‫‪3.3039‬‬ ‫‪3.9210‬‬ ‫‪exch‬‬
‫املصدر‪ :‬من إعداد الطالبة بناءا على معطيات مستخرجة من برنامج‬
‫‪.Eviews8‬‬
‫***‪ :*/**/‬رفض فرضية العدم (وجود جذر الوحدة) عند معنوية ‪ %33 ،%2 ،%3‬على التسلسل‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪Dickey D.A. & Fuller W.A “Likelihood Ratio Statistics for Autoregressive Time Series with a Unit Root” Econometrica, vol.‬‬
‫‪49, n° 4, July 1981, p 1057.‬‬
‫‪131‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫كما أشرنا يف السابق أن هذه االختبارات تتم من خالل مقارنة القيمة اجلدولية والقيمة احملسوبة فإلا‬
‫كانت القيمة اجلدولية أكرب من القيمة احملسوبة تكون السلسلة غري مستقرة‪ ،‬والعكس دحيح‪ .‬كما قمنا بإدخال‬
‫الفرق األول يف هذه احلالة‪ .‬وعليه من خالل نتائج اجلدول أعاله رقم (‪ )1-1‬تعترب مجيع املتغريات غري مستقرة عند‬
‫املستوى‪ .‬أما يف حالة الفرق األول فجميع املتغريات مستقرة مبعىن متكامل من الدرجة األوىل (بدرجات معنوية‬
‫متفاوتة)‪ ،‬إلن لدينا احتمال وجود تكامل متزامن‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسة استقرار السالسل الزمنية باعتماد على اختبار فيليبس بريون ‪:3699 "PP" Phillips et Perron‬‬
‫يتم استخدام هذا االختبار يف حالة وجود ارتباط بني األخطاء العشوائية‪ ،‬أو عدم جتانس تباينات‬
‫األخطاء يف منولج ديكي‪-‬فولر حيث مير االختبار خبمسة مراحل‪:35‬‬
‫أ‪ -‬تقدير منولج اختبار ديكي‪-‬فولر العادي بطريقة املربعات الصغرى املعممة‪.‬‬
‫ب‪-‬تقدير التباين يف املدى القصري‪.‬‬
‫‪n‬‬
‫‪1‬‬
‫‪̂ = ∑ et 2‬‬
‫‪σ‬‬‫‪2‬‬
‫𝑛‬
‫‪t=1‬‬
‫ج‪-‬تقدير التباين يف املدى الطويل‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪i‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪𝑆t 2 = n ∑nt=1 et 2 + 2 ∑li=1(1 − l+1) n ∑nt=i+1 et et−1 Avec le nombre de retards 𝑙 défini‬‬
‫𝑛‬ ‫‪2⁄‬‬
‫)‪selon la méthode de Newey-West (𝑙≈4(100‬‬ ‫‪9‬‬ ‫)‬

‫د‪ -‬حساب إحصائية فيليبس‪-‬بريون‪.‬‬


‫‪̂ −1‬‬
‫𝛿‬ ‫𝜎)‪𝑛(𝑘−1‬‬
‫̂𝛿 ̂‬ ‫‪̂2‬‬
‫𝜎‬
‫( ‪𝑡𝛿̂ ∗ = √𝑘 ( 𝜎̂ ) +‬‬ ‫‪) Avec 𝑘 = 𝑆 2‬‬
‫̂‬
‫𝛿‬ ‫𝑘√‬ ‫𝑡‬

‫ه‪ -‬مقارنة اإلحصائية احملسوبة مع اجلدولية‪.‬‬


‫حيتفظ فيليبس‪-‬بريون بنفس فرضيات ديكي فولر‬
‫‪H0 : δ = 0‬‬
‫{‬
‫‪H1 : δ < 0‬‬
‫كما أن املقارنة تكون نفسها اليت قمنا هبا يف اختبار ديكي‪-‬فولر وديكي‪-‬فولر موسع‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪Perron P. & Phillips P.C.B “Testing for a Unit Root in Time Series Regression” Biometrika, vol. 75, n° 2, June 1988, pp 335-‬‬
‫‪346.‬‬
‫‪132‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫اجلدول رقم (‪ :)5-3‬اختبار فيليبس‪-‬بريون جلذر الوحدة‬


‫الفرق األول‬ ‫املستوى‬ ‫املتغريات‬
‫قاطع و اجتاه‬ ‫قاطع‬ ‫بدون قاطع‬ ‫قاطع و اجتاه‬ ‫قاطع‬ ‫بدون قاطع‬
‫‪3.3333‬‬ ‫****‪3.3333 3.3333‬‬ ‫‪3.3396‬‬ ‫‪3.3936‬‬ ‫‪3.0161‬‬ ‫‪pib‬‬
‫‪3.3339‬‬ ‫****‪3.3331 3.3333‬‬ ‫‪3.9139‬‬ ‫‪3.9303‬‬ ‫‪3.3633‬‬ ‫‪inf‬‬
‫‪3.3329‬‬ ‫****‪3.3332 3.3333‬‬ ‫‪3.3163‬‬ ‫‪3.9993‬‬ ‫‪3.9639‬‬ ‫‪m2‬‬
‫‪3.3616‬‬ ‫‪3.3193‬‬ ‫*‪3.3362‬‬ ‫‪3.9602‬‬ ‫‪3.3132‬‬ ‫‪3.6133‬‬ ‫‪exch‬‬
‫‪Eviews8.‬املصدر‪ :‬من إعداد الطالبة اعتمادا على برنامج‬
‫***‪ :*/**/‬رفض فرضية العدم (وجود جذر الوحدة) عند معنوية ‪ %33 ،%2 ،%3‬على التسلسل‪.‬‬
‫إلن كما نالحظ أنه حىت من خالل اختبار فيليبس‪-‬بريون لدينا نفس القراءة مبعىن أن املتغريات‬
‫مستقرة عند الفرق األول أي متكامل من الدرجة األوىل (بدرجات معنوية متفاوتة)‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أشعة االحندار الذايت واختبار التكامل املشرتك‬
‫سنقوم يف هذا املطلب بالقيام أوال باختبار التكامل املتزامن مث نقوم باختبار العالقة يف املدى القصري‬
‫والطويل‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اختبار التكامل املشرتك‬
‫ّأول مرحلة يف هذه الطريقة تتمثل يف اختبار التكامل املتزامن بني خخمتلف املتغريات‪ .‬سنقوم إلاً‬
‫الصغرى االعتيادية (‪ )OLS‬مث خنترب معامالت العالقة الطويلة لنرى‬ ‫بتقدير املعادلة املذكورة ساب ًقا بطريقة املربعات ّ‬
‫فسرة إحصائياً بصفة متزامنة (‪ .)Joint Significance‬يخعرف هذا االختبار باسم اختبار احلدود‬ ‫ما إلا كانت خم ِّ‬
‫(‪ ،)Bounds Test‬ميكن دياغته رياضياً كالتايل ‪:‬‬
‫‪𝐻 : β = β2 = β3 = β4 = 0‬‬
‫‪{ 0 1‬‬
‫‪𝐻1 : 𝛽1 ≠ 𝛽2 ≠ 𝛽3 ≠ 𝛽4 ≠ 0‬‬
‫حيث تخشري الفرضية العدمية (‪ )𝐻0‬إىل نفي وجود عالقة تكامل متزامن بني املتغريات‪ .‬إلجراء‬
‫االختبار‪ ،‬نقوم باللجوء إىل اختبار والد (‪ )WALD Test‬حيث نقوم مبقارنة قيمة اإلحصائية احملسوبة (‪)F-Stat‬‬
‫مع قيم جدول ‪ Pesaran‬و آخرون (‪ ،)0333‬فإن كانت أكرب من قيمة احل ّد األعلى (‪)I(1) - Upper Bound‬‬
‫فنقوم برفض الفرضية العدمية ؛ إن كانت أدغر من احل ّد األدىن (‪ )I(0) - Lower Bound‬فال نستطيع رفض‬
‫الفرضية العدمية ؛ أما إلا كانت هذه القيمة حمصورة بني احل ّدين فال ميكننا اعتماد نتائج االختبار‪.‬‬
‫مبني يف اجلدول التايل‪:‬‬
‫جاءت نتائج االختبار كما هو ّ‬

‫‪133‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫اجلدول رقم (‪ :)6-3‬نتائج اختبار احلدود‬


‫‪HQ‬‬ ‫‪SC‬‬ ‫‪AIC‬‬ ‫‪FPE‬‬ ‫‪LR‬‬ ‫‪Log L‬‬ ‫التباطؤات‬
‫‪9.669962‬‬ ‫‪6.313219‬‬ ‫‪9.610391‬‬ ‫‪3.330312‬‬ ‫_‬ ‫‪-60.02193‬‬ ‫‪0‬‬
‫*‪1.393939‬‬ ‫*‪1.613303‬‬ ‫*‪0.619391‬‬ ‫*‪3.333013‬‬ ‫*‪60.12206‬‬ ‫‪-30.10693‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪1.660919‬‬ ‫‪2.116139‬‬ ‫‪1.220361‬‬ ‫‪3.333230‬‬ ‫‪33.32906‬‬ ‫‪-1.360936‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪1.926113‬‬ ‫‪2.909662‬‬ ‫‪1.316616‬‬ ‫‪3.333230‬‬ ‫‪36.93331‬‬ ‫‪39.12329‬‬ ‫‪3‬‬
‫املصدر‪ :‬من إعداد الطالبة بناءا على منولج ‪.Eviews8‬‬
‫‪* indicates lag order selected by the criterion‬‬
‫‪LR: sequential modified LR test statistic (each test at 5%‬‬
‫)‪level‬‬
‫‪FPE: Final prediction Error‬‬
‫‪AIC: Akaike information criterion‬‬
‫‪SC: Schwarz information criterion‬‬
‫‪HQ: Hannan-Quinn information criterion‬‬

‫إن غياب درجة االستقرارية يف السلسلة الزمنية املستخدمة يف النمولج تؤكد غياب العالقة طويلة‬
‫األجل بني املتغريات املستقرة من نفس الدرجة‪ ،‬يقوم هذا االختبار على وجود عالقة طويلة األجل بني املتغريات‪،‬‬
‫و لتحقيق للك البد من توفر الشرطني التاليني‪:‬‬
‫‪ -‬كل املتغريات مستقرة عند نفس املستوى‪.‬‬
‫‪ -‬هذا املستوى يكون أكرب من )‪.I(0‬‬
‫لذا سنقوم باختبار التكامل املشرتك للمتغريات من نفس الدرجة‪.‬‬

‫اجلدول رقم (‪ :)7-3‬اختبار التكامل املشرتك‬


‫‪Hypothèse nulle‬‬ ‫‪Valeur propre Statistique de Statistique‬‬ ‫‪de la‬‬ ‫**‪Prob‬‬
‫‪la trace valeur‬‬ ‫‪propre‬‬
‫‪maximal‬‬
‫*‪None‬‬ ‫‪3.919966‬‬ ‫‪23.09196‬‬ ‫‪16.92931‬‬ ‫‪3.063‬‬
‫‪Au maximum 1‬‬ ‫‪3.200311‬‬ ‫‪09.03163‬‬ ‫‪06.66636‬‬ ‫‪3.3001‬‬
‫‪Au maximum 2‬‬ ‫‪3.013103‬‬ ‫‪6.013366‬‬ ‫‪32.16163‬‬ ‫‪3.1111‬‬
‫‪Au maximum 3‬‬ ‫‪3.336993‬‬ ‫‪0.966300‬‬ ‫‪1.913199‬‬ ‫‪3.3966‬‬
‫‪Eviews8‬املصدر‪ :‬من إعداد الطالبة بناءا على منولج‬
‫‪* indique‬‬‫‪que l’hypothèse nulle est rejetée à un niveau de confiance de 95%‬‬
‫‪**Les valeurs entre parenthèses représentent la probabilité de rejet selon MacKinnon-‬‬
‫)‪Haug-Michelis (1999‬‬

‫املعنوية ‪%2‬‬
‫من اجلدول أعاله يتضح أن القيمة احملسوبة ‪ λtrace‬أدغر من القيمة احلرجة عند مستوى‬
‫و بالتايل نقبل الفرضية العدمية ‪ H0‬مما يعين عدم وجود تكامل مشرتك بني املتغريات‪ ،‬و بالتايل ال توجد عالقة‬
‫طويلة األجل بني املتغريات و هذا ما سنتأكد منه من خالل الدراسة على املدى القصري‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬اختبار العالقة على املدى القصري‬

‫‪134‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫الختبار العالقة على املدى القصري البد لنا من القيام بنمولج تصحيح اخلطأ‪ ،‬حيث يسمح هذا‬
‫األخري بقياس العالقة القصرية والطويلة األجل بني املتغريات و تظهر معادلة الدراسة و املستخرجة من برنامج‬
‫‪ Eviews 8‬كما يلي‪:‬‬
‫– )‪D(PIB) = C(1)*( PIB(-1) + 1.0145368734*EXCH(-1) + 248.422018862*INF(-1) – 58.6140376324*M2(-1‬‬
‫)‪59.1141509199 ) + C(2)*D(PIB(-1)) + C(3)*D(EXCH(-1)) + C(4)*D(INF(-1)) + C(5)*D(M2(-1)) + C(6‬‬

‫اجلدول رقم (‪ :)8-3‬العالقة يف املدى القصري‬


‫‪coefficient‬‬ ‫‪Std. Error‬‬ ‫‪t. Statistic‬‬ ‫‪Prob‬‬
‫)‪C(1‬‬ ‫‪-0.000441‬‬ ‫‪0.044946‬‬ ‫‪-0.009810‬‬ ‫‪0.9923‬‬
‫)‪C(2‬‬ ‫‪-0.676605‬‬ ‫‪0.235978‬‬ ‫‪-2.867234‬‬ ‫‪0.0107‬‬
‫)‪C(3‬‬ ‫‪0.235054‬‬ ‫‪0.107446‬‬ ‫‪2.187660‬‬ ‫‪0.0430‬‬
‫)‪C(4‬‬ ‫‪8.69922‬‬ ‫‪7.933976‬‬ ‫‪1.117967‬‬ ‫‪0.2791‬‬
‫)‪C(5‬‬ ‫‪9.363600‬‬ ‫‪7.617425‬‬ ‫‪1.229234‬‬ ‫‪0.2357‬‬
‫)‪C(6‬‬ ‫‪-0.382439‬‬ ‫‪0.532600‬‬ ‫‪-0.718061‬‬ ‫‪0.4825‬‬
‫املصدر‪ :‬من إعداد الطالبة اعتمادا على برنامج‬
‫‪.Eviews8‬‬
‫إلن يعترب )‪ C(1‬معامل تصحيح اخلطأ وهو سالب لكن غري معنوي هذا ما يفسر غياب العالقة‬
‫قصرية املدى بني املتغريات وبالتايل لن تكون هناك عالقة يف املدى الطويل‪.‬‬
‫ما عاد معدل‬ ‫‪PIB‬‬ ‫التفسير االقتصادي‪ :‬تعترب غياب العالقة بني املتغريات ألن معظم املتغريات ال تؤثر يف‬
‫الصرف و هذا نظرا العتماده على احملروقات و مبا أهنا تسعر بالدوالر و بالتايل يكون هناك تأثري‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬النتائج العامة لسياسة استهداف التضخم‬
‫ميكن تلخيص أهم النتائج لسياسة استهداف التضخم يف النقطتني التاليتني‬

‫الفرع األول‪ :‬دعوبات التطبيق الفعال لسياسة استهداف التضخم يف املستقبل‬


‫توجد عدة أسباب متنع السلطة النقدية إلا استهدفت التضخم من حتقيقه بفعالية أكرب‪ ،‬تتمثل هذه‬
‫األسباب يف عدم توفر الشروط األولية لالستهداف إىل جانب وجود دعوبات أخرى تتعلق بطبيعة االقتصاد‬
‫الوطين‪.36‬‬
‫تعترب استقاللية أكرب للسلطة النقدية إلا مل ينعكس للك على الواقع العملي هلا‪ ،‬جند أن جتربة‬
‫اجلزائر حديثة نسبيا يف املمارسة امليدانية لالستقاللية مقارنة بالعقود الثالثة املاضية اليت ورثتها اجلزائر من تطبيق‬
‫اال قتصاد املوجه مما تركت سلوكات يصعب حموها بسرعة سواء يف عالقة السلطة النقدية بالسلطة التنفيذية‪ ،‬أو يف‬
‫أداء النظام املصريف أو اجلهاز اإلنتاجي‪.‬‬
‫وتوجد عدة أمثلة نوضح هبا ثقل جتربة العقود املاضية و تأثريها على استقاللية السلطة النقدية‬
‫ميدانيا رغم أن قانون ‪ 33-63‬أعطى استقاللية جيدة من الناحية القانونية للسلطة النقدية‪ ،‬يتعلق املثال األول بعدم‬

‫‪ 36‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.396- 392‬‬


‫‪135‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫تطبيق املادة ‪ 69‬من القانون ‪ 33-36‬اليت تنص على عدم إمكانية منح البنك املركزي للخزينة تسبيقات سنوية ال‬
‫تتعدى يف حدها األقصى ‪ %33‬من اإليرادات العادية للدولة املثبتة خالل السنة املالية السابقة‪ ،‬إل أن تسبيقات‬
‫اخلزينة بلغت ‪%311.9‬سنة ‪ 3660‬مقارنة بسنة ‪ 3663‬و‪ %011.2‬لسنة ‪ 3661‬مقارنة بالسنة السابقة‪ ،‬مث بدأت‬
‫يف التناقص املستمر من سنة إىل أخرى حبيث بلغت يف عام ‪ 3666‬نسبة ‪ %23.6‬مقارنة باإليرادات العادية لسنة‬
‫‪ ، 3669‬و يعد تدخل السلطة التنفيذية يف إعطاء توجيهات إىل البنوك العمومية مثال عن تدخلها يف املهام اليت‬
‫ميارسها البنك املركزي و الدليل على للك‪ ،‬التصريح احلكومي الذي ينص على أن تضع املؤسسات العمومية‬
‫أمواهلا يف البنوك الع مومية‪.‬‬
‫إلا أرادت السلطة النقدية يف املستقبل تطبيق سياسة استهداف التضخم عليها أن ترسخ بصفة‬
‫أكرب االستقاللية القانونية واملمارسة امليدانية عما هي عليه اآلن خادة إلا علمنا أن هذه االستقاللية اهتز وزهنا‬
‫بعد ددور األمر ‪. 33-31‬‬
‫يعد استخدام استهداف وسيط وحيد متمثل يف معدل رقمي أو مدى مستهدف الشرط الثاين من‬
‫الشروط األولية املسبقة لنجاح سياسة استهداف التضخم‪ ،‬فال ميكن أن تستهدف السلطة النقدية استهدافات‬
‫امسية أخرى غري هذا االستهداف حىت ال حيدث تعارض بني االستهدافات مما يؤدي إىل عدم حتقيق استقرار‬
‫األسعار يف املدى الطويل‪ ،‬لذا يتعني على السلطة النقدية يف اجلزائر عدم استهداف سعر الصرف إلا أرادت أن‬
‫تطبق بفعالية سياسة استهداف التضخم‪ ،‬أي أهنا تعمل على حترير سعر الصرف وتقوميه‪.‬‬
‫جيب على السلطة النقدية أن تكون قادرة على التنبؤ مبعدل التضخم يف املستقبل من خالل تشكيل‬
‫منولج قياسي يربط أدواهتا مبعدل التضخم‪ ،‬مما يعطي هلا القدرة على التأثري يف املعدل املستهدف عند احنرافه‬
‫بواسطة أدواهتا النقدية ألهنا مسؤولة على حتقيق هذه املعدالت يف الفرتة اليت اختارهتا‪ ،‬وجيب على بنك اجلزائر أن‬
‫يسد الثغرة فيما يتعلق بتشكيل منالج اقتصادية معقدة جتمع عدة متغريات اقتصادية حيث يعد إنشاء بنك‬
‫املعلومات ضرورة حتمية تساعد يف حتديد املعدل املستهدف‪.‬‬
‫تعد مشكلة التأخريات الزمنية الطويلة لتأثري أدوات السياسة النقدية على معدل التضخم من‬
‫التحديات اليت تواجه بنك اجلزائر خادة يف املرحلة االنتقالية اليت ميوهلا االقتصاد الوطين مما جيعل تأثري هذه‬
‫األدوات غري فعال على معدل التضخم إلا حدثت احنرافات كبرية له مما يفقد مصداقية السلطة النقدية يف حتقيق‬
‫أهدافها‪.‬‬
‫إضافة إىل للك فإن االقتصاد اجلزائري يعتمد على إنتاج الثروات الباطنية اليت تشكل معظم دادراته‬
‫مما جيعل الناتج اإلمجايل احمللي خيضع ألسعار احملروقات يف األسواق العاملية‪ ،‬حيث أن جهاز اإلنتاج خارج قطاع‬
‫احملروقات غري مرن مما ال يستطيع استيعاب الصدمات اخلارجية وهو ما يؤثر على معدل التضخم يف املستقبل‪ .‬إن‬
‫عدم تطور األسواق املالية و النقدية و عدم كفاءة النظام املصريف له تأثري سليب على معدل التضخم املستهدف‬

‫‪136‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫باعتبار أن النظام املصريف هو الذي يقوم خبلق االئتمان داخل االقتصاد ويقوم بتخصيص املواد املالية يف القطاعات‬
‫لا ت املردودية كما أنه اإلطار الذي يعبئ املدخرات املالية لتمويل االستثمارات‪ ،‬فيرتتب عن عدم أداء هذه املهام‬
‫بصفة جيدة زيادة مفرطة للتوسع النقدي غري املرغوب فيه املنشأة للفجوات التضخمية‪ ،‬كما أن النظام املصريف هو‬
‫الوسيط املايل الذي ينقل تأثري أدوات السياسة النقدية من الدائرة املالية إىل الدائرة احلقيقية ومنه إىل التضخم‪. 37‬‬
‫إن جناح سياسة استهداف التضخم مرتبطة بتقليل هذه الصعوبات وللك بإعطاء استقاللية كبرية‬
‫للسلطة النقدية يف حتقيق هدف استقرار األسعار باعتباره اهلدف الوحيد و األساسي للسياسة النقدية يف املدى‬
‫الطويل من خالل إددار التشريعات اليت تعزز االستقاللية من الناحية القانونية ومن ناحية املمارسة امليدانية‪ ،‬كما‬
‫يعد بناء منالج تنبئية مبعدل هذا األخري و عالقته بأدوات السياسة النقدية أهم خطوة لنجاح هذا اإلطار إلدارة‬
‫السياسة النقدية‪ .‬إن إحداث إدالحات يف املنظومة املصرفية كفيل بإحداث السلطة النقدية عن طريق أدواهتا أثر‬
‫على النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬معوقات استهداف التضخم يف اجلزائر‬
‫من خالل ما مت دراسته نستخلص أن معوقات التضخم يف اجلزائر تعود لألسباب املختلفة التالية‪:38‬‬
‫‪ -‬عودة ارتفاع التضخم بسبب السياسة التوسعية املنتهجة مما يقلل من مصداقيتها‪.‬‬
‫‪ -‬عدم توفر الشروط األولية لالستهداف‪ ،‬حيث يعد تدخل السلطة التنفيذية يف إعطاء توجيهات للبنوك العمومية‬
‫أكرب مثال عن عدم استقاللية البنك املركزي لتدخلها يف املهام اليت ميارسها‪.‬‬
‫‪ -‬قلة البيانات وعدم دقتها يف تقدير مؤشرات التضخم‪ ،‬وعدم تعميمها على كافة الرتاب الوطين‪ ،‬كما جيب أن‬
‫توكل إىل هيئة واحدة كالديوان الوطين لإلحصاء الذي جيب أن تكون له فروع على مستوى الرتاب الوطين‬
‫بدوريات إحصائية جد حديثة ومستمرة‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف املؤسسات القائمة مما يضعف من قدرة احلكومة يف تنفيذ اإلدالحات اهليكلية الالزمة‪.‬‬
‫‪ -‬عدم استق رار املتغريات خصودا خالل الفرتة االنتقالية مما حيد من قدرة االعتماد على التنبؤات‪.‬‬
‫‪ -‬يفضل عدم استهداف التضخم املقاس بالرقم القياسي لألسعار يف حالة الدول اليت تقدم الدعم للسلع و‬
‫اخلدمات وهذا حلساسية املوضوع‪ ،‬حيث أن التغيري يف للك يؤدي إىل هدم العملية بكاملها‪ ،‬واجلزائر من بني‬
‫الدول اليت تقدم الدعم لبعض السلع كالطاقة و الغذاء لذا جيب استبدال التضخم احلايل بالتضخم األساسي‪،‬‬
‫الذي يتم من خالله استبعاد كافة السلع املدعومة من الدولة‪ ،‬السلع املومسية و السلع املستوردة املكونة ملؤشر‬
‫أسعار املستهلك هبدف الودول إىل معدل التضخم احلقيقي‪.‬‬

‫‪ 37‬طيبة عبد العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.399‬‬


‫‪ 38‬دبات أمينة‪" ،‬السياسة النقدية و استهداف التضخم باجلزائر"‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة تلمسان‪ ،‬حتت إشراف األستال بزاوية حممد‪ ،1095 ،‬ص‬
‫‪.191‬‬
‫‪137‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫‪ -‬عدم مرونة جهاز اإلنتاج خارج قطاع احملروقات العتماد اجلزائر على الثروات الباطنية‪ ،‬األمر الذي جيعل الناتج‬
‫الداخلي اخلام خيضع ألسعار احملروقات يف األسواق العاملية‪ ،‬ما يؤثر على معدالت التضخم يف املستقبل‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫الفصل الثالث فعالية السياسة النقدية في استهداف التضخم‬

‫خالدة‪:‬‬
‫قامت اجلزائر بعد االستقالل مباشرة بإنشاء البنك املركزي اجلزائري كمرحلة متهيدية يف تكوين النظام‬
‫املصريف اجلزائري ونظرا للتوجيهات االقتصادية لالنتقال حنو اقتصاد السوق‪ ،‬بدأت يف طور اإلدالحات املصرفية‬
‫انطالقا من إدالح ‪ ،3699‬مث إدالح ‪ 3699‬ليليه اإلدالح الكبري يف ‪ 31‬أفريل ‪ 3663‬واملتعلق بقانون النقد‬
‫والقرض والذي كان مبثابة تغيري جذري يف اجلهاز املصريف اجلزائري وللك من خالل إددار جمموعة من األوامر‬
‫واملتمثلة يف األمر ‪ 33-33‬مث األمر ‪ 33-31‬وأخريا األمر ‪.33-63‬‬
‫أما من حيث فعالية السياسة النقدية يف تطبيق سياسة استهداف التضخم فقد مت استخالص يف هذا‬
‫الفصل بأن أسباب التضخم يف اجلزائر هي أسباب هيكلية‪ ،‬إضافة إىل أن معظم شروط استهداف التضخم غري حمققة يف‬
‫اجلزائر لكن باإلمكان االعتماد على هذا األسلوب وللك من خالل تبين السلطة النقدية هلدف استقرار األسعار يف‬
‫املدى الطويل كهدف أساسي للسياسة النقدية وإعطاء استقاللية أكرب لبنك اجلزائر‪.‬‬
‫ويف األخري قمنا بتطبيق الدراسة القياسية واليت عرضنا فيها خمتلف املتغريات واملتمثلة يف معدل منو‬
‫الناتج الداخلي اخلام‪ ،‬معدل التضخم‪ ،‬الكتلة النقدية وسعر الصرف مع اإلشارة ملختلف االختبارات اليت تبني إن‬
‫كان هناك حتقيق الستقرار األسعار يف املدى الطويل‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫الخاتمة العامة‬
‫يعترب التضخم واحد من أهم املشكالت االقتصادية اليت تعاين منها معظم الدول‪ ،‬إذ يعرب عن‬
‫االرتفاع املستمر لألسعار‪ ،‬وميثل عنصر من عناصر الدخل النقدي كاألرباح أو األجور‪ ،‬زيادة على ذلك اإلفراط‬
‫يف خلق األرصدة النقدية وارتفاع التكاليف‪.‬‬
‫وتعترب السياسة النقدية جمموعة من اإلجراءات اليت تستهدف التأثري على حجم الكتلة النقدية من‬
‫أجل حتقيق أهداف السياسة االقتصادية وذلك باستخدام جمموعة من األدوات‪ ،‬سواء كانت كمية أو كيفية‪،‬‬
‫واملالحظ أن السياسة النقدية تعترب أكثر فعالية يف الدول املتقدمة منها يف الدول النامية وهذا لعدة اعتبارات منها‬
‫غياب قنوات إبالغ السياسة النقدية‪ ،‬ومن هنا كان على تلك الدول العمل على تفعيل السياسة النقدية يف‬
‫اقتصادياهتا إال أن هدفها النهائي يبقى حتقيق استقرار األسعار هذا ما أدى بالبنوك املركزية إىل تبين تقنية جديدة‬
‫أال وهي سياسة استهداف التضخم و ذلك من أجل التحكم يف املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫فالسياسة النقدية هي جمموعة من األعمال والتدابري اليت يقوم هبا املصرف املركزي من خالل الرقابة‬
‫على النقد لتحقيق أهداف السياسة االقتصادية‪.‬‬
‫ميكن اإلشارة إىل السياسة النقدية بأهنا عملية توسعية أو انكماشية‪ ،‬حيث أن التوسعية تزيد من‬
‫السياسة اإلمجالية املعروضة من النقود بسرعة أكرب من املعتاد‪ ،‬بينما االنكماشية تقوم بتوسيع املعروض من النقود‬
‫ببطء أكثر من املعتاد‪ ،‬و كل هذا باستخدام جمموعة من األدوات واليت تنقسم إىل أدوات كمية (غري مباشرة) و‬
‫أدوات نوعية (مباشرة)‪ ،‬فاألوىل تنحصر يف معدل إعادة اخلصم‪ ،‬عمليات السوق املفتوحة‪ ،‬و سياسة االحتياطي‬
‫اإلجباري‪ ،‬أما الثانية فتتمثل يف أسلوب العالنية‪ ،‬اإلقناع األديب‪ ،‬األوامر و التعليمات‪ ،‬و كذا تنظيم القروض‬
‫االستهالكية‪ .‬كما توجد جمموعة من القنوات النتقال هذه السياسة واليت تتمثل يف‪ ،‬قناة سعر الفائدة‪ ،‬قناة سعر‬
‫األصول‪ ،‬قناة سعر الصرف‪ ،‬وقناة القروض‪.‬‬
‫وللسياسة النقدية مجلة من األهداف تسعى إىل حتقيقها‪ ،‬سواء كانت أهداف أولية‪ ،‬وسيطية أو‬
‫هنائية‪.‬وباعتبارها مبثابة حجر الزاوية يف بناء السياسة االقتصادية الكلية شأهنا يف ذلك شأن السياسة املالية‪ ،‬فهي‬
‫أحد العناصر األساسية املكونة هلا إذ أن هلا تأثري على حالة االقتصاد الوطين على املستوى الكلي‪.‬‬
‫ولقد اختلفت نظرة الفكر االقتصادي إىل السياسة النقدية عرب مراحل تطوره املختلفة‪ ،‬حيث جند‬
‫أن السياسة النقدية مرت بأربعة مراحل من حيث درجة تأثريها على النشاط االقتصادي وفعالية هذا التأثري‪ ،‬حيث‬
‫جندها ما قبل كينز يف القرن التاسع عشر تنظر إىل أن النقود هي عنصر حمايد‪ ،‬وبالتايل ال يؤثر على حركة النشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬وإذا زادت كمية النقود املتداولة مع ثبات اإلنتاج فإن ذلك يؤدي إىل ارتفاع املستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫مث جاءت املرحلة الثانية بظهور الفكر الكينيزي إثر أزمة ‪ 9191‬ومع ظهور األفكار الكينيزية بدأ االهتمام أكرب‬
‫بالسياسة املالية ليؤكد أن السياسة املالية هي األكثر فعالية من خالل التمويل بعجز امليزانية ويف املرحلة الثالثة‬
‫خالل مطلع اخلمسينيات (‪ )9199‬أخذت السياسة النقدية مكاهنا يف الطليعة بني السياسات االقتصادية الكلية‬

‫‪140‬‬
‫الخاتمة العامة‬
‫على يد " ميلتون فريدمان " زعيم املدرسة النقدية احلديثة الذي صعد من اخلالف بني أنصار السياسة النقدية‬
‫وأنصار السياسة املالية‪ ،‬الذي نادى بعدم التعصب لسياسة معينة‪ ،‬بل طالب بضرورة عمل مزج لكل من أدوات‬
‫السياسة النقدية وأدوات السياسة املالية حىت يتسىن التأثري على النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫إال أن سياسات التثبيت اهليكلي جتعل من السياسة النقدية أكثر إيقاعا يف خدمة السياسات اليت‬
‫يضمها برنامج اإلصالح االقتصادي الذي يطرحه صندوق النقد الدويل وخاصة تلك السياسات اهلادفة إىل عالج‬
‫التضخم وحتقيق االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫وللحديث عن سياسة استهداف التضخم حيث كان البد من احلديث عن ظاهرة التضخم إذ يعترب‬
‫واحداً من أهم مؤشرات الوضع االقتصادي واملؤثرات به‪ .‬وهو مثله مثل أي حالة أو ظاهرة اقتصادية‪ ،‬إذ ال يعترب‬
‫بالضرورة حالة طارئة إال بعد أن يتجاوز حدوده‪ ،‬وبالعكس أيضاً ال يعترب اخنفاض معدالت التضخم وثباته على‬
‫معدالت متدنية حالة جيدة بالضرورة‪ .‬إن قراءة واقع التضخم الستيضاح ما يشري إليه رهن الظروف املرافقة له‪ ،‬و‬
‫من املعروف أنه عرض وليس مرض‪ ،‬فهو مؤشر تكمن خلفه حقائق قد تكون اجيابية وقد تكون سلبية وبالتايل‬
‫فإن السيطرة على التضخم قبل أن يصل مستوى اخلطورة رهن بأسبابه هذا ما جعلنا نذكر يف هذا الفصل‬
‫مفهومه‪ ،‬أسبابه‪ ،‬آثاره‪ ،‬نظرياته املفسرة‪ ،‬طرق ومعايري قياسه‪ ،‬وأخريا السياسات العالجية له‪ .‬مث بعدها توجها‬
‫ملفهوم استهداف التضخم‪ ،‬ظروف نشأته ومدى توفر شروطه يف اجلزائر لكن النتيجة كانت أن معظم هذه‬
‫الشروط غري حمققة يف اجلزائر‪.‬‬
‫واجلزائر بدورها مرت فيها السياسة النقدية بعدة مراحل انطالقا من سياسة نقدية يف ظل اقتصاد‬
‫خمطط إىل اقتصاد السوق‪ .‬فقد عرف اجلهاز املصريف تطورا كبريا متبوعا مبجموعة من اإلصالحات اليت قامت هبا‬
‫اجلزائر منذ االستقالل إىل يومنا هذا‪ ،‬إضافة إىل حماولة التعرف إىل فعالية السياسة النقدية يف احلد من التضخم‪.‬‬
‫ولقد كان للدراسة القياسية نصيب من هذا البحث إذ حاولنا القيام بدراسة قياسية حلالة اجلزائر‬
‫خالل الفرتة ‪ 9192-9111‬و اليت كانت متغريات دراستها‪ ،‬الناتج الدخلي اخلام‪ ،‬الكتلة النقدية‪ ،‬معدل التضخم‪،‬‬
‫ومعدل الصرف حيث حاولنا دراسة االستقرارية فيما بينها‪ ،‬يليها دراسة التكامل املشرتك‪ ،‬ويف األخري قمنا‬
‫بدراسة العالقة يف املدى القصري‪.‬‬
‫يف البداية و بعد دراسة االستقرارية وجدنا أن كل املتغريات غري مستقرة عند املستوى لكنها متيزت‬
‫باالستقرارية عند الفرق األول و متكامل من الدرجة األوىل بدرجات معنوية متفاوتة‪ ،‬وبالرغم من هذا فلم نتوصل‬
‫إىل وجود تكامل مشرتك مما دفع بنا إىل دراسة العالقة على املدى القصري قبل الطويل‪ ،‬وذلك عن طريق إتباع‬
‫منوذج تصحيح األخطاء وبرنامج ‪ ،Eviews8‬فلم جند عالقة بني هذه املتغريات يف املدى القصري وبالتايل لن‬
‫تكون هناك عالقة يف املدى الطويل‪ ،‬هذا ما جعلنا نستنتج أن هناك قدرة ضئيلة للسياسة النقدية يف التحكم يف‬

‫‪141‬‬
‫الخاتمة العامة‬
‫معدالت التضخم يف اجلزائر وذلك ألن أسباب هذا األخري ليست نقدية فقط و إمنا هي هيكلية و املتمثلة يف‬
‫العوامل اخلارجية كالتضخم املستورد‪.‬‬
‫ويف األخري ميكننا القول بأن تبين سياسة استهداف التضخم يتطلب توفر أدىن شروط تطبيق هذه‬
‫السياسة منها العامة و األولية‪ ،‬وجند اجلزائر اعتمدت هذه السياسة إال أهنا مل تنجح إىل حد بعيد‪ ،‬لذا يستوجب‬
‫توفري بيئة مواتية هلا‪ ،‬كإعطاء استقاللية أكرب لبنك اجلزائر عن طريق التشريعات القانونية‪ ،‬أو من ناحية املمارسة‬
‫امليدانية لتوفري كل الشروط العامة‪.‬‬
‫كما تتطلب سياسة استهداف التضخم أن يكون للبنك املركزي آليات فنية متقدمة للتنبؤ مبعدل‬
‫ال تضخم‪ ،‬لذا فإن ذلك يستدعي منه إنشاء بنك معلومات حيتوي على معطيات املتغريات اليت متكنه من رصد‬
‫معدل التضخم على املدى البعيد‪ .‬وحيب عليه أيضا أن ميلك معلومات هذه املتغريات إذا أراد أن يتبع سياسة‬
‫استهداف التضخم يف املستقبل‪ ،‬كما ينبغي عليه أن يصدر تقارير دورية وبيانات عن املتغريات االقتصادية والنقدية‬
‫اليت هلا تأثري على معدل التضخم‪.‬‬
‫فضال عن ذلك ينبغي على البنك املركزي تعزيز الشفافية بتكثيف االتصال باجلمهور واألسواق لشرح‬
‫أهدافه وإمكانية حتقيق ذلك حىت ينبغي على الوحدات االقتصادية اختاذ قراراهتم جبو من الشفافية واليقني‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫قائمة املراجع‬
‫‪ -1‬املراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الكتب‪:‬‬
‫‪-1‬أمحد رمضان نعمة اهلل‪/‬إميان عطية ناصف‪/‬حممد سيد عابد "النظرية االقتصادية الكلية" الدار اجلامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.3002 ،‬‬
‫‪-3‬أمحد شعبان حممد علي "انعكاسات املتغريات املعاصرة على القطاع املصريف‪ ،‬ودور البنوك املركزية‪ ،‬دراسة‬
‫حتليلية‪ ،‬تطبيقية‪ ،‬حلاالت خمتارة من البلدان العربية" مجهورية مصر العربية‪ ،‬الدار اجلامعية‪ ،‬الطبعة األوىل‪.3002 ،‬‬
‫‪ -2‬أمحد فريد مصطفى و سهري حممد السيد حسن"السياسات النقدية و البعد الدويل لليورو" مؤسسة شباب‬
‫اجلامعة اإلسكندرية‪.3000‬‬
‫‪-4‬أكرم حداد "النقود واملصارف مدخل حتليلي ونشري" دار وائل للنشر والتوزيع –عمان‪-‬الطبعة األوىل‬
‫‪.3002‬‬

‫‪-2‬أكرم حداد "النقود واملصارف مدخل حتليلي ونشري" دار وائل للنشر والتوزيع –عمان‪-‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪.3002‬‬
‫‪ -2‬بن علي بلعزوز "حماضرات يف النظريات و السياسات النقدية"‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪.3002 ،‬‬
‫‪ -7‬بن علي بلعزوز "حماضرات يف النظريات و السياسات النقدية"‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.3004 ،‬‬
‫‪ -8‬مجيل زيدان "السياسات يف اجلهاز املايل" دار وائل للنشر عمان ‪.1111‬‬
‫‪-1‬حسني بن سامل جابر الزبيدي "التضخم والكساد" مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪.3011‬‬
‫‪-10‬رحيم حسن "النقد والسياسة النقدية يف إطار الفكريني اإلسالمي والغريب"‪ ،‬دار املناهج للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪.3010‬‬

‫‪-11‬رمضان حممد مقلد‪ ،‬أسامة امحد الفيل "النظرية االقتصادية الكلية" دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر‬
‫‪.3013‬‬ ‫والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ -13‬زكريا الدوري و يسري السامراين "البنوك املركزية و السياسات النقدية" دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬طبعة ‪.3002‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -12‬سعيد سامي احلالق‪/‬حممد حممود العجلوين‪" ،‬النقود و البنوك و املصارف املركزية"‪ ،‬دار اليازوري العلمية‬
‫للنشر و التوزيع‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن‪.3010 ،‬‬
‫‪-14‬مسري حممد معتوق " النظريات والسياسات النقدية" دار النهضة العربية القاهرة ‪.3000‬‬
‫‪ -12‬ضياء اجمليد املوسوي‪" ،‬اقتصاديات النقود و البنوك"‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬مصر ‪.3003‬‬

‫‪-12‬الطاهر لطرش "تقنيات البنوك" ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة الرابعة‪.3002 ،‬‬
‫‪-17‬عبد احلميد عبد املطلب " السياسة النقدية واستقاللية البنك املركزي" الدار اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.3001 ،‬‬
‫‪-18‬عبد اجمليد قدي "مدخل إىل السياسات االقتصادية الكلية" ديوان املطبوعات اجلزائرية‪ ،‬اجلزائر‪.3002،‬‬
‫‪-11‬غازي حسني عناية "التضخم املايل" مؤسسة شباب اجلامعة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.3002 ،‬‬
‫‪.1110‬‬ ‫‪-30‬حممد زكي الشافعي "مقدمة يف النقود والبنوك" دار النهضة العربية القاهرة‪،‬‬
‫‪ -31‬حممد ضيف اهلل القطابري "دور السياسة النقدية يف االستقرار و التنمية االقتصادية (نظرية‪ -‬حتليلية‪-‬‬
‫قياسية) دار غيداء للنشر و التوزيع الطبعة األوىل ‪.3010‬‬
‫‪.1112‬‬ ‫‪-33‬حممود محيدات "مدخل التحليل النقدي" ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬‬

‫ب‪-‬املذكرات‪:‬‬
‫‪ -32‬إكن لونيس "السياسة النقدية و دورها يف ضبط العرض النقدي يف اجلزائر خالل الفرتة (‪-3000‬‬
‫‪.)3001‬‬
‫‪ -34‬دبات أمينة "السياسة النقدية واستهداف التضخم باجلزائر" رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة تلمسان‪.3012 ،‬‬
‫‪ -32‬طيبة عبد العزيز "سياسة استهداف التضخم كأسلوب حديث الستهداف السياسة النقدية دراسة حالة‬
‫اجلزائر للفرتة ‪ "3002-1114‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة حسيبة بوعلي‪ ،‬الشلف‪.3002 ،‬‬

‫ج‪ -‬املقاالت‪:‬‬
‫‪ -32‬بن علي بلعزوز ‪ /‬عبد العزيز طيبة ‪" ،‬تقييم أداء بنك اجلزائر للسياسة النقدية حالل الفرتة ‪-1114‬‬
‫‪ 3004‬مع الرتكيز على سياسة استهداف التضخم"‪.‬‬
‫‪-37‬ناجي التوين‪" ،‬استهداف التضخم والسياسة النقدية"‪.‬‬

‫‪-3‬املراجع باللغة الفرنسية‪:‬‬


‫‪Ouvrage :‬‬

‫‪28- Abdelkrim Nass «Le Système bancaire algérien : de la décolonisation à l’économie de‬‬
‫‪marché » Paris, maison neuve et la rose, 2004.‬‬
‫‪29- Amour Benhalima «Monnaie et régulation monétaire » Dahlab, Alger.‬‬
‫قائمة المراجع‬

30- Fredirik Mishkin et Christian Bordes «Monnaie, Banque et marchés financière » 8


édition, nouveau horizon, 2008
31- Gabriel Gland et Alain Grandjean « la monnaie dévoilée, l’harmattan, 1996.
32- Philipe Jaffré «Monnaie et politique monétaire » 4 édition, 1996.

:‫ املراجع باللغة االجنليزية‬-3


A- Articles:

33-Dickey D.A. & Fuller W.A “Distribution of the Estimators for Autoregressive Time Series
with a Unit Root” Journal of the American Statistical Association, vol. 74, n° 366, 06.1979.
34- Dickey D.A. & Fuller W.A “Likelihood Ratio Statistics for Autoregressive Time Series
with a Unit Root” Econometrica, vol. 49, n° 4, 07.1981.
35- Kenneth N Kuttner « A Snapshot of Inflation Targeting in its Adolescence».
36- Perron P. & Phillips P.C.B “Testing for a Unit Root in Time Series Regression”
Biometrika, vol. 75, n° 2, 06.1988.
B- Memoires:
37- Eser Tutar "Inflation Targeting in Developing Countries and Its Applicability to the
Turkish Economy" Thesis submitted to the faculty of the Virginia Polytechnic Institute and
State University in partial fulfillment of the requirements for the degree of Master of Arts in
Economics, July 18, 2002 Blacksburg, Virginia.
C- Site Internet :
www.données.banquemondiales.org
www.researchgate.net
http://ideas.respec.org
http://onlineliberary.wiley.com
www.scielo.br
http://scholar.lib.vt.edu
http://ssrn.com
:‫ملخص‬
‫تعترب السياسة النقدية أحد أشكال سياسات االستقرار اليت تنتهجها الدولة من أجل مكافحة االختالالت االقتصادية ادلختلفة اليت‬
،‫ إال أن التضخم يظل انعكاسا و نتيجة للسياسات االقتصادية ادلتبعة‬،‫ و كوهنا متثل اجلانب النقدي للسياسة االقتصادية‬.‫صاحبت التطور االقتصادي‬
‫ وهتدف ىذه الدراسة إىل معرفة مدى إمكانية السياسة النقدية يف‬.‫ويف حتقيق أحد أىم أىدافها أال و ىو ىدف احلفاظ على االستقرار العام لألسعار‬
‫ حيث مت القيام بدراسة قياسية باالعتماد على أربعة متغريات وىي‬.‫ وبالتايل تطبيق سياسة استهداف التضخم‬،‫التحكم يف معدالت التضخم يف اجلزائر‬
‫ وقد مت التوصل إىل أنو ال ميكن تطبيق‬، 2014-1990 ‫ تطور الكتلة النقدية ومعدل الصرف وىذا خالل الفرتة‬،‫ معدل التضخم‬،‫الناتج الدخلي اخلام‬
.‫ وىذا ألن التضخم يف اجلزائر يرجع ألسباب ىيكلية‬،‫سياسة استهداف التضخم يف اجلزائر لعدم توفر شروطو األولية وأمهها استقاللية البنك ادلركزي‬
.‫ التكامل ادلشرتك‬،‫ سياسة استهداف التضخم‬،‫ التضخم‬،‫ السياسة النقدية‬:‫الكلمات المفتاحية‬

Résumé :
La politique monétaire est considérée comme une forme de politiques de stabilité
menées par l'Etat afin de lutter contre les divers déséquilibres économiques qui ont
accompagné le développement économique. Et ils représentent un aspect essentiel de la
politique économique, mais que l'inflation demeure un reflet et le résultat des politiques
économiques suivies et dans la réalisation d'un des objectifs les plus importants et il est pas le
but de maintenir la stabilité globale des prix. Cette étude vise à déterminer la possibilité de la
politique monétaire pour contrôler les taux d'inflation en Algérie, et donc l'application de
l'inflation politique de ciblage. Là où il a été fait une étude standard basée sur quatre variables
sont le produit intérieur brut, taux d'inflation, l'évolution de la masse monétaire et le taux de
change, et ce durant la période de 1990 à 2014, et a été atteint qu'il ne peut pas être appliqué à
cibler l'inflation en Algérie à l'absence de politique des conditions initiales et le plus important
de l'indépendance de la banque centrale, et cela est parce que l'inflation en Algérie est due à
des raisons structurelles.
mots clés : Politique monétaire, inflation, l'application de l'inflation politique de ciblage,
cointégration.

Abstract:
Monetary policy is considered a form of stability policies pursued by the state in
order to combat the various economic imbalances that have accompanied economic
development. And they represent a critical aspect of economic policy, but that inflation
remains a reflection and result of the economic policies followed, and in the achievement of
one of the most important objectives and it is not the goal of maintaining the overall stability
of prices. This study aims to determine the possibility of monetary policy to control inflation
rates in Algeria, and therefore the application of inflation targeting policy. Where he was
doing a standard study based on four variables are total output of crude, inflation rate, the
evolution of the money supply and the exchange rate, and this during the period 1990-2014,
and has been reached that it can not be applied to target inflation in Algeria to the lack of
initial conditions Policy and most important of the independence of the central bank, and this
is because inflation in Algeria is due to structural reasons.
Keywords: Monetary policy, the inflation, the application of inflation targeting policy,
cointégration.

You might also like