Professional Documents
Culture Documents
مصطفى صادق الرافعي - وحي القلم
مصطفى صادق الرافعي - وحي القلم
مى ن فصل ً جديدا ً ُيس َ ت أنت أيها البحُر للزم ِ ف ،جَعل َ م الصي ُ إذا احت َد َ َ
"الربيعَ المائي ".
ت ض الساعا ِ ن بع ُ ت في الزم ِ ح الحدائق ،فَتنب ُ ُ مك أروا ُ ل إلى أيا ِ ق ُوتنت ِ
ره.
ج على شج ِ حلوُ الناض ُ الشهيةِ كأنها الثمُر ال ُ
ن الربيِع الخضر، ن ُيوحيهِ لو ُ س ما كا َ ك الزرقُ إلى النفو ِ وُيوحي لون ُ َ
ِإل أَته أرق وألطف.
ض الربيع ،أنوثة ن في أر ِ ل ما يَرو َ ك مث َ ويرى الشعراُء في ساحل ِ َ
ي ل النبات. ظاهرة ،غيَر أنها تل ِد ُ المعان َ
ؤه...ن الهواَء يتأ َ ه في الربيع :أ ّ دك ما ُيحسون َ ُ س العشاقُ عن َ ح ّ وي ُ ِ
****
ذه الرض ،وعند َ "الربيِع ك في الدم ِ البشري سّر ه ِ حر ُ في الربيع ،يت ّ
ك في الدم ِ سُز هذهِ السحب. المائي " يتحز ُ
ن منهما سكر ن الخمرِ في هواِء الربيِع وهواِء البحر ،يكو ُ م َن ِ نوعا ِ
ن للعالم ِ ح بابا ِ ق ينفت ُ ن الخضرِ والزر ِ ن الطَرب .وبالربيَعي ِ م َ واحد ٌ ِ
ة
ح النساني ُ ه الرو ُ ي الذي تدخل ُ ُ ل الرض ّ السحري العجيب :عالم ِ الجما ِ
ب المحب في شعاِع ابتسامةٍ ومعناها. ل القل ُكما يدخ ُ
***
س في سحابةِ ل في س المرء ،وكأنه جال ٌ في "الربيع المائي" ،يجل ُ
الرض.
قماش ،ويجد ُ الهواَء قد ن ال ُ
م َ
لل ِ ن الظ ّ س ثيابا ً ِ
م َ ه لب ْويشعُر كأن ُ
ن هواَء التراب. تنزه َ عن أن يكو َ
ن
م َ
ت ِزع ْ
ض المعاني الرضيةِ انت ُ ِ ن بع َ سهِ الشياء ،كأ ّ ف على نف ِ خ ّوت َ ِ
المادة.
ه معاني الطبيعةِ في ن هو ِإل تنب ُ ك الحقيقة :أن السروَر إ ِ ْ وهنا ُيدر ُ
القلب.
س لها هناك في "دنيا الرزق ". س هنا معًنى جديد لي َ وللشم ِ
س هنا على الجسم ،أما هناك فكأنما تطل ُعُ وَتغُر ُ
ب رق الشم ُ ُتش ِ
م فيها.ل الجس ُ ل التي يعم ُ على العما ِ
ت التاجرِ لف ل الموظف ،وعلى حانو ِ ن الموظ ِ تطلعُ هناك على ديوا ِ
ذ ،ودارِ المرأة. ل ،ومدرسةِ التلمي ِ التاجر ،وعلى مصن َِع العام ِ
ن في س -وا أسفاه -يكونو َ ن النا َ
س هناك ِبالنور ،ولك ّ تطل ُعُ الشم ُ
م المظلمة... ساعاِته ُ
ن الجديد َ في الطبيعةِ هو الجديد ُ في تأ ّ س هنا جديدةُ ،تثب ِ ُ
الشم ُ
س به.كيفيةِ شعورِ النف ِ
***
ن البحر. م َ ج ِ
ل وخر َ ه اغتس َ ْ
حسن ،كان ُ ن ال ُ
م َ
والقمُر زاهٍ رفاف ِ
ه
ل الليل ،فحصَرت ْ ُ ه ليس قمرًا ،بل هو فجٌر طل َعَ في أوائ ِ أو كأت ُ
السماُء في مكاِنه ليستمَر الليل.
مها. ح لحل ِ ظ الروا َ مها ،ولكنه ُيوقِ ُ ن من أحل ِ فجٌر ل ُيوقِ ُ
ظ العيو َ
ة كأنها م َ
مسَتبهِ َ ه إ َِل ُ وُيلقي من سحرِهِ على النجوم ِ فل تظهُر حول َ ُ
أحلئم معلقة.
ه
س الشاعرة ،كطريقةِ الوج ِ ج النف ِ ة في إبها ِ للقمرِ هنا طريق ْ
ل مرة. ن تقبل ُ ُ
ه أو َ ق حي َ المعشو ِ
****
ه المتنقل: ش ُ و"للربيِع المائي" طيوُره ُ المغزدة ُ وَفرا ُ
ش فأطفال يتواثبون. فرا ُ ن ،وأما ال َحك َ
ضا َ
افا الطيوُر فنساغ ي َت َ َ
نوح ُج ت ََتشا َن الموا َ يأ ّ ل إل ّ خي َ
ن في البحرُ ، نساٌء إذا َانَغمس َ
تتخاصم على بعضهن...
واَء قب َ
ل ةح ّس َ جل ْ َ
ل ِ ست على الرم ِ ة قد جل َ ت منُهن زهراَء فاتن ً رأي ُ
ل معنى الغََرق إلى ل البحر :يا إلهي! قد ِ َانتق َ َاختراِع الثياب ،فقا َ
الشاطىء...
ل هذه... موجةِ الرم ِ من غ َرِقَ في َ ِإن الغريقَ َ
*****
َ والطفا ُ
م الحياةُ
ن كأّنما أتسَعت لهُ ُ
ضجو َن وي ِخو َ
ن ويصر ُ
ل يلعبو َ
والدنيا.
ح ُ
كم ح بهم :وَي ْ َ ن الذار ،فصا َ ل إليهم أئهم أقلقوا البحَر كما ُيقلقو َ خي َو ُ
ه! رجل ِ ِ ت طفل منهم قد جاَء فَوَك ََز البحَر ب ِ ك التراب !...ورأي ُ يا أسما َ
ك البحُر وقالَ :انظروا يا بني آدم!! ح َ فض ِ
ن أعبأ بهذا َ َ َ
على اللهِ أن َيغب َأ بالمغرورِ منكم إذا ك َ َ
يأ ْ فَر ِبه؟ أع َل ّ أ َ
ل
الطف ِ
ل ِإئه ركَلني برجِله...؟ كيل يقو َ
ل الرض. َ
ض له ِ الر َ غفرا تَ ِ بتث
ُ ل ِ هَأيها البحر ،قد ملتك قوة ُ الل ّ
ِ
ن ِ النسا لهذا سلطان ك ول حدود ،وليس عليك س فيك ممال ِ ُ لي َ
المغرور.
ل من هؤلِء وهؤلِء ك تحم ُ ن العظيمة ،كائ َ ف ِ
س وِبالس ُ ش ِبالنا ِوتجي ُ
ن فيك م ل ُيقني النسا َ ي مهما ع َظ ُ َ قشا تَرمي به .والختراع ُ النسان ُ
عن إيماِنه.
ة
عظم ِ مةِ والَهول ،ردا على َ ض بالعظ َ ة أرباِع الر ِ وأنت تمل ُ ثلث َ
ن وأصغََره! م النسا َ ن وهول ِهِ في الربِع الباقي ،ما أعظ َ النسا ِ
***
ف ظاهر عن ظاهر. س ماؤك فيتساَوون حتى ل يختل َ ينزل في النا ِ
ف
ض حتى ل يختل َ ضهم إلى بع ِ ن بع ُ ح ُن في ِ
ف ِ
ن ظهَرك في الس ُويركبو َ
ن الك َُرةِ الرضية باطن عن باطنُ .تشعُرهم جميعا ً انهم خرجوا ِ
م َ
طلة.
مها البا ِ من أحكا ِ و ِ
سها كانها
م نف َ م النجو َ وُتفقُرهم إلى الحب والصداقةِ فقرا َ ُيريه ُ
أصدقاء ،إذ عرفوها في الرض.
جةِ كما أنت أنت في جهنم. يا سحَر الخوف ،أنت أنت في الل ّ
***
ت عليه وُثر َ
ت دز َت من تحِته ،وهَ َ جق َ حد ُ أيها البحر ،فَر َ مل ِوإذا ركَبك ال ُ
هما على ن ستنطبقُ إحدا ُ سماءي ِ ه بينِبه ،وأْريَتة رأيَ العين كأن ُ
ك تهّزه ُ وتهز ُ
ن عليه -ترك َْته ي ََتطأط َأ وي ََتواضع ،كائ َ الخرى فَُتق َ
طرت كل ما في عقله فيلجأ ُ فل ِ
ِ ِ جها .وأ َ َ ه وُتدحُر ُ
ج ُ
دحرِ ُأفكاَره معَا ،وت ُ َ
طفل. ل ِ إلى اللهِ بعق ِ
ه
ل العقل ،ولكن ُ م َ سع َن اللهِ لي َ ن الحقيقة :أن نسيا َ ت له ع ِ وكشف َ
ل السلمة. ن وطو ِ ل الَغفلةِ والم ِ عم ُ
***
ج هذاة في أموا ِ ة ِبالسفين ِ ن في الحيا ِ ه النسا َ أل ما أشب َ َ
البحر!
س ذلكت ،فلي َ و َانخفضت ،أو مادَ ْ ة ،أ ِ
ت السفين ُ ع ِ ن أرتف َ إ ِ
َ
دها ،بل مما حولها. منها وح َ
ن ما حوَلها ك من قانو ِ ة أن تمل ِ َ ه السفين ُ ع هذ ِ
ولن تستطي َ
ن ،والهتداءُ إلى ت ،والتواز ُ و الثبا ُن قانوَنها ه َ شيئَا ،ولك ّ
دها ،ونجاُتها في قانوِنها. قص ِ
فل َْيجتهذ
مها ،ولكق َ ن على الدنيا وأحكا ِ ن النسا ُ فل َيعت ِب َ ّ
سه. م نف َ أن يحك َ
سن البحرِ والسماء ،يكاد ُ الجال ُ ض على حاشيةِ الزرَقي ِ ل الر َ ما أجم َ
سه مرسومأ في صورةٍ إلهية. ن نف َهنا يظ ّ
***
مِلىَء ل أن البحَر قد ُ ت إلى هذا البحرِ العظيم بعيَني طفل يتخي ّ ُ نظر ُ
َ
بالمس ،وأن السماَء كاَنتا إناًء له ،فاتكفأ الناُء فأندفَقَ البحر،
ن
م َل الطفلي الصغيرِ فكأنما نالني َرشاش ِ ت مع هذا الخيا ِ ح ُ وَتسَر ْ
الناِء....
ة
س قريب َت النف ُ ل في الطبيعةِ ِإل إذا كان َ ِ ة الجما ِ إننا لن ُندر َ
ك َروع َ
ذياِنها.ة ،وَلعِبها ،وهَ َح الطفول ِ َ
من طفولِتها ،ومَر ِ
ت تن ُ
ظر إليها مما هي ،كما لوكن ْ َ م ِتبدو لك السماُء على البحر ِأعظ َ
ن الرض. م َن سماٍء أخرى ل ِ م ْ ِ
***
***
ي
ن الطبيع ّم التي ينطلقُ فيها النسا ُ ف هي اليا ُ
صي ِ م الم ِأيا ُ
ت والبحاِر
س في النسان ،فيرتذ إلى دهرِهِ الول ،دهرِ الغابا ِ المحبو ُ
والجبال.
كن فيها معًنى. ل هذا المعنى ،لم ي ُف بمث ِ
م المصي ِ إن لم ت ُ
كن أيا ُ
***
ح
كد ِ ت َاللذة ُ في الراحةِ ول الفراغ ،ولكنها في التع ِ
ب وال َ لَيس ِ
ل أياما ً إلى راحةٍ وفراغ.
ن تتحو ُ
والمشقةِ حي َ
***
س من شعوٍر
ت النف ُ قل ِ م فائدة ُ َالنتقا ِ
ل من بلد ِ إلى بلد ِإل إذا انت َ ل تت ُ
ك الُهم فأنت مقيم لم ت ََبرح. إلى شعور ،فإذا سافََر مع َ
***
ف ُ
ل بها ث ل ُيح َ
ن حي ُ
ن انها إ ِّنما تكو ُ
ت للنسا ِ
ف ُتثب ِ ُ
الحياة ُ في المصي ِ
كثيرًا.
***
ح
ن وأعماِله ،فهو في ُرو ِ ن آثارِ النسا ِ
ه بي َ
ن أن ُ
مد ُ ِ
يشعُر المرُء في ال ُ
ل
ن الجما ِ
ه بي َ
حس أن ّ ُ
ح والنزاع ،أما في الطبيعةِ في ُ ِ الَعناِء وال َ
كذ ِ
ح اللذةِ والسرورِ والجلل. ب اللهية ،فهو هنا في ُرو ِ والعجائ ِ
***
***
***
ل في
شعُر الجما ِ
ن يفوُر ِ ت الجسد ِ الروحانيةِ حي َ ن لحظا ِ م َ
في لحظةٍ ِ
طرة ،متأنقة،
غصِنها زاهيةِ ع َ ِت النظَر إلى وردةٍ في ُ طف ُ الدم ،أ َ
ت يا فلنة....ت أي ُِتها المرأة ،أن ِ ت أقو ُ
ل لها :أن ِ متأتَثة ،ف ِ
كذ ُ
***
ة
ض المكنةِ كأنها أمكن ٌ ض بع َ
ن يرى في الر ِ س عجيبأ أن كل إنسا ِ
ألي َ
ل الجنةِ منذ ُ َاد َ
م للروح خاصة ،فهل يدل هذا على شيٍء ِإل أن خيا َ
س النسانية؟
ل يعمل في النف ِ وحواء ،ل يزا ُ
***
خَزف ،والحياة ُ فين ال َم َ
كوب ِشرب الماِء في ُ الحياة في المدينةِ ك ُ
ي
ع ،ذاك يحتو ً ن الَبلورِ الساط َم َ
ب ِ شرب الماِء في ُ
كو ٍ الطبيعةِ ك َ ُ
الماَء وهذا يحتويه ُويبدي جماَله ِللعين.
***
دها على ة الفهم ِ ِللحياةِ ُتفس ُوا أسفاه ،هذه هي الحقيقةِ :إن ِدق َ
حسبمهِ ل ِل ْ ُ
ل الصغيَر في فه ِ ب ،وِإن العق َ ح ّ
صاحِبها كدقةِ الفهم ِ لل ُ
ل في التذاذ ِ بهما .وا أسفاه ،هذه هي َ والحياة ،هو العقل الكام ُ
الحقيقة!
***
***
***
ه بما تَلذهُ
ف فقائم ّه الحياة ،أما دنيا المصي ِ
ج ُ
ق بما تحتا ُ
م دنيا الرز ِ
تقو ُ
ه هناك جو س ُ ة ويجع ُ
ل الجو نف َ الحياة ،وهذا هو الذي يغيُر الطبيع َ
ظرفاَء وظريفات.... مائدةِ ُ
***
ر ض ال ّ
شع ِ ف بعد َ انقضاِئها عمل ً كبيرًا ،هو إدخا ُ
ل بع ِ م المصي ِ تعم ُ
ل أيا ُ
ق الحياة.في حقائ ِ
س هذه السماُء فوَقنا في كل مكان ،غيَر أن العجي َ
ب أن أكثَر النا ِ
ف لَيزوا أشياَء منها السماء..
ن إلى المصاي ِ
يرحلو َ
***
***
ل ك َْيت،
ب إلى عملي ،وفي العاشرة أعم ُ في الساعةِ التاسعةِ أذه ُ
قد ُ
ف تف ِكيت ،وهنا في المصي ِ تو َ ل َ
كي َ ة عشرة َ أعم ُ وفي الحادي َ
م فيها، ة التي كانت تضُعها اليا ُ ة وأخواُتها معانَيها الزمين َ التاسع ُ
س الحرة .هذه هي ي التي تضُعها فيها النف ُ ل منها المعان َ وَتستبد ِ ُ
ة ل يقدُر عليها ة التي ُتصن َعُ بها السعادة ُ أحيانًا ،وهي طريق ٌ الطريق ُ
أحذ في الدنيا كصغارِ الطفال.
***
مهِ
وه ِن السرورِ وت َ َ ى مكان على حالةٍ متشابهة م َ سف ِ إذا تلَقى النا ُ
ن الحياةِ مَعدا بطبيعتهِ الجميلةِ ِلنسيا ِ
ن ُ ن هذا المكا ُ والفكرةِ فيه ،وكا َ
حها ،أما الموضوعُ مسَر ُ
ة وممثلوها و َ هها -فتلك هي الرواي ُ مكارِ ِ
و َ
ن المدنيةِ ومدنيةِ النسان. ة من إنسا ِ فالسخري ُ
***
ت مدة في ي في الرائي .مرض ُ ما أصد َقَ ما قالوه :إن المرئ ّ
ن كل يوم إلىس التي كاَنت تتزي ُ
ة الَعرو ُ المصيف ،فانقَلب ِ
ت الطبيع ُ
ب كل يوم إلى الطبيب طبيعةٍ عجوزِ تذه ُ
الطفولتـان ...
رف متَرف يكاد ُ ينعصُر ِلينًا ،وتراه ُ ي َ ِ ن فلن باشا طفل ُ
َ )عصمت( اب ُ
ل ظل ن الَرقةِ مث َ م َحه ِ ِ ل العز ،كأن لرو ِ َرفيفا َ مما نشأ في ظل ِ
ن
صبيا ِ ن ال ّ الشجرةِ حول الشجرة .وهو بين ِلداتهِ )أصدقائه( م َ
ملوِدها )غصنها( الريان )الطري( ،لها منظُر شوكةِ الخضراِء في أ ُ كال َ
س
ن َتيب َ ة إ َِل أ ْ ب أنها شوك ٌ مجسةِ لينة ناعمةٍ تك َذ ّ ُ ة ،على ِ الشوك ِ
وت َت َوَّقح.
ل عنه ابُنه قال :إنه مديُر سئ َوأبوه ُ "فلن " مديٌر لمديريةِ كذا ،إذا ُ
غرورِ النعمةِ يأبى ِإل المديرية .ل يكاد ُ يعدو هذا التركيب ،كأنه من ُ
ة وََقاحا ً ة بذيئ ً ن النعم ُ ل أباه مديرا ً مَرتين ...وكثيرا ً ما تكو ُ أن يجع َ
ة الدب في أولد ِ الغنياء ،وكثيرا ً ما يكون الِغنى في أهلهِ ِغنى سّيئ َ
ت ل غير! ن السيئا ِ م َ ِ
ر
ح النس ِ جنا ِ ه على َ وفي رأي )عصمت( أن أباه من ع ُُلو المنزلةِ كأن ُ
س فهم ن النا ِ م َ ل ِ حهِ إلى النجم ،أما آباُء الطفا ِ مسب َ ِ الطائرِ في َ
ب والَبعوض! ط المنزلةِ على أجنحةِ الذبا ِ سقو ِ عَنده ُ من ُ
ي
جْند ٌ ح منها إل وراَءه ُ ُ ن المديرِ إلى مدرست ِهِ ول َيتَروَ ُ ول يغدو اب ُ
نن المدير ،أي اب َ ن اب َ يمشي على أثرِهِ في الَغدوةِ والروحةِ إذ ْ كا َ
منَبهةِ له عند َ ن هذا الجنديُ وراَء الطفل كال َ القوّةِ الحاكمة ،فيكو ُ
جمَعاَء أن ت الساب ِل َةِ )المارة( َ ة بلغا ِ ه العسكري ُ ح شارت ُ ُ ص ُ الناسُ ،تف ِ
ي أو ي ،أو الطليان ُ ن المدير .فإذا رآه العربي أو اليونان ُ هذا هو اب ُ
ة
ل اللسنةِ المتناِفر ِ ن من أه ِ من كا َ ي ،أو النجليزي أو كائن َ الفرنس ُ
ن -فهموا جميعا ً من لغةِ هذه ن منها عن لسا ٍ م لسا ْ التي ل َيفهَ ُ
ة
ه كالماد ِ ن الجندي الذي َيتبعُ ُ هم َ ن المدير ،وان ُ الشارةِ أن هذا هو اب ُ
ح!... ن وراَءها الشر ِ ن القانو ِ م َ
م وُِلد لم ه يو َ ف الصبياني .لو أن ُ ن المديرِ هذا الشر ُ ب لب ِ ولقد كان يج ُ
ة
ن كامل ِ ن عشرِ سني َ ل الناس ،بل وُل ِد َ اب َ ن ساعِته كأطفا ِ يوْلد اب َ
معجزة! وإل صدعت )جائت( به ُ ة أنه كبير قد ِ آن َ لتشَهد له الطبيع ْ
ه وَينصاعُ م ُ فكيف يمشي الجنديُ من جنود ِ الدولةِ وراَء طفل ويخد ُ
ة
هزيمةِ قد فَر في معرك ِ طريد َ َ مره )يطيعه( ،وهذا الجنديُ لو كان َ ل ِ
دها عليه ده فى هزيمت ِهِ وتخلي ُ ن معارك الوطن ،وأريد َ تخلي ُ م َ
ل هذا صوَر إل جندي ّا ً في شارت ِهِ العسكريةِ منقادا ً لمث ِ بالتصوير -لما ُ
فاَية عسكرية!". ل الصغيرِ كالخادم ،في صورةٍ ُيكَتب تحتها" :ن ُ َ الطف ِ
***
ل واحد :هو أن ليس لهذا المنظرِ الكثيرِ حدوُثه في مصَر ِإل تأوي ٌ
من جًلت هذه ،و ِ صُغرت تلك و َ ن َ ت فوقَ المعانيِ ،وا ْ ن الشخصيا ِ مكا َ
ل كلها، صه فوقَ الفضائ ِ ل ذو المنصب ،فُيرَفع شخ ُ ب الرج ُ هنا يكذ ُ
ن ك َذ ُِبه هو الصدق ،فل ُينك َُر عليه ك َذ ُِبه أ ْ
ي ب فيكو َ فيكُبر عن أن يكذ َ
ب القوةِ صدق ن يتقَرر في المةِ أن ك َذ ِ َ ج من ذلك أ ْ صدُقه !...ويخر ُ ِ
بالقوة!
ل فيهِ الحق .ومتى س غيُرها من كل ما ُيخذ َ ُ وعلى هذ ِهِ القاعدةِ ُيقا ُ
ه
قت )بدأت( هذ ِ ِ ت فوقَ المعاني الساميةِ ط َفِ َ ت الشخصيا ُ كان ِ
هة على أن تنزل ،فل مكَر َ ة أن تعلوُ ، جها محاِول ً مو َ ج َ المعاني تمو ُ
ل بالشيِء على قب ِ ُ م على طريقة ،وت ُ ْ م على جهةٍ ول تنتظ ُ تستقي ُ
موضِعه ،ثم ت َك ُُر ك ََرها فُتدب ُِر ب ِهِ إلى غيرِ موضِعه ،فتضل كل طبق ِ
ة
ل طبقاِتها ة على هذه الحالةِ في ك ً ن الم ُ كبرائها ،ول تكو ُ ن المةِ ب ُ م َ
لمةِ للستعباد ِ متى أب َت ُل َِيت ةا ْ ِإل صغارا َ فوَقهم كباُرهم ،وتلك هي تهيئ ُ
ق ُ
ة النفا ِ بالذي هو أكبُر من كباِرها ،ومن تلك َتنشأ في المةِ طبيع ُ
ة
ن الذل ِ ة الحياةِ بي َ م به أْلف ُ يحتمي بهِ الصغَُر من الك َِبر ،وتنتظ ُ
والصولة )الغلبة و القهر(!
***
ن المدرسة ،فخرج م َ ح ِ ت يوم عن موعد ِ الروا ِ ف الجنديُ ذا َ وتخل َ َ
ده ،فبدا له أن يتسك ّعَْ )يتجول على غير هدى( في )عصمت( فلم يج ْ
ن المدير ،وحن حنيَنه م ل اب ُ ن آد َ ق المدينةِ ِلينطلقَ فيه اب ُ ض طر ِ بع ِ
ت الطرقُ في خيال ِهِ الصغيرِ زينَتها س ِ إلى المغامرةِ في الطبيعة ،ولب َ
وشون وَيتعاَبثون ويتشاحنون ن وَيته َ ل الزقةِ يلعبو َ ة بأطفا ِ الشعري َ
ن كل ت بكل م ْ ت واحد ِ مس ْ )يتشاجرون( ،وهم شَتى وكأنهم أبناُء بي ٍ
دها. ن في اللهو ِإل إلى الطفولةِ وح َ م ،إذ ل ينتسبو َ ح ٌ َر ِ
ة
ك الصور ِ ب على وجهِهِ من تل َ وانساقَ )عصمت( وراَء خياِله ،وهَر َ
ة
ل في الِزق ِ ن المدير ،وت َغَل ْغَ َ التي يمشي فيها الجندي وراَء اب ِ
ق ه منها وما ل يعرُفهِ ،إذ كان يسيُر في طر ٍ )توغل( ل ُيبالي ما يعرفُ ُ
ن النوم. م بها في مدينةٍ من مد ِ جديدةٍ على عينهِ كأَنما َيحل ُ ُ
ل قد ِ َاستجمعوا لشأِنه ُ
م ن الطفا ِ م َ كبك َب َةٍ )جماعة( ِ وأنتهى إلى َ
م، ن ُيقد ِ َ ف ُيصغي إليهم متهّيبا َ أ ْ ة ووق َ ي ،فان َْتبذ َ )انزوى( ناحي ً الصبيان ّ
م الخَر ث منهم يعل ُ معَ فِإذا خبي ٌ ل بسمِعه ونظرِهِ كالجبان ،وتس ّ فا َّتص َ
ب ْايَنما دى أو اعت ُد ِيَ عليه ،فيقول له :اضر ْ ب إذا اعت َ كيف يضر ُ
مَراق البطن ،قال حلقوم ،من َ ن ال ْ ُ سه ،من وجِهه ،م َ ضَربت ،من رأ ِ
ل إني أنا عّلمُتك!... ق ْ الخر :وإذا مات؟ فقال الخبيث :فإذا مات فل ت ُ
ه
ة من رؤيت َ ِ م السرق َ ت لك :إنه تعل ّ َ ما قل ُ وسمع طفل ً يقول لصاحبه :أ َ
ص
ه صاحُبه :وهل قال له أولئك اللصو ُ ص في السيمإ؟ فأجاب َ ُ اللصو َ
الذين في السّيما كن لصا واعمل مثَلنا؟
وقام منهم شيطان فقال :يا أولد َ البلد ،أنا المدير! تعاَلوا وقوُلوا
ب إلى المدارس، ن الذها َ لي" :يا سعادة َ الباشاِ ،إن أولدنا ُيريدو َ
ل الولد ُ في ن ندفعَ لهم المصروفات " ..فقا َ ولكنا ل نستطيعُ أ ْ
ب إلى ن الذها َ دنا ُيريدو َ صوب واحد" :يا سعادة َ الباشاِ ،إن أول َ
م المصروفات " فرد عليهم المدارس ،ولكنا ل نستطيعُ أن ندفَعَ له ُ
ش وثيابا َ نظيفة ،وأنا أدف ُ
ع ة وطرابي َ )سعادته( :اشتروا لولِدكم أحذي َ
م المصروفات. له ُ
فنظَر إليه خبيث منهم وقال :يا سعادة َ المدير ،وأنت فِلماذا لم
يشترِ لك أبوك حذاء؟
َ
ل صغير :أنا ابُنك يا سعادة َ المدير ،فأرسْلني إلى المدرسةِ وقال طف ْ
قط!... ت الظهر ف َ وق َ
***
سها ،كالورقةِ الخضراِء سه تعتز بإحسا ِ وكان )عصمت( يسمعُ ونف ُ
طل الندى ،وأخذ َ قلُبه يتفتح في شعاِع الكلم ِ كالزهرةِ في عليها َ
نة مكا َ م الطبيع ُ م له ُ ل حين ُتقد ُ سك َِر بما يسك َُر بهِ الطفا ُ الشمس ،و َ
ب السكرِ والّنشوة، س فيها إل أسبا ُ مَعدا مهّيا ،كالحانةِ لي َ اللهوِ ُ
مل..ْ. مه َ ل فيها ُ ن فيها منسي ،وأن العق َ م لذتها أن الزم َ وتما ُ
ل ة حين ينطلقُ فيها جماعة الطفا ِ ن هذه الطبيع َ ن المديرِ أ ّ وأحس اب ُ
ن لها ،وهي جدرا َ ة التي ل ُ سجّيتِهم وسجي ِّتها -إنما هي المدرس ُ على َ
ه من أدق أعصابهِ فت َُبدد ُ قواه ُ ثم ة تتناوَل ُ ُ ل تربي ً ة الوجود ِ للطف ِ تربي ُ
َ
م وأزيد ُ ه منها ثم تملؤ ُه ُ بما هو أت ّ فرِغ ُ ُ تجمُعها له أقوى ما كانت ،وت ُ ْ
ق هذا النشاط، ث لتحقي ِ ه كيف ينبعِ ُ م ُطه ،وُتعل ّ ُ ه نموَ نشا ِ سب ُ
ك تك ِ وبذل َ
خطاه ل ُ ن ُيبدع ُ له ،وتجع ُ م ْ سه ول ينتظَر َ فَتهديهِ إلى أن ُيبدع َ بنف ِ
دائما َ وراَء أشياَء جديدة ،فُتسدد ُه ُ من هذا كلهِ إلى سر البداع
ه
فس ِ ضرةِ ن ِ م نَ ْ عل َ م في هذه الحياةِ ، م العظ َ والبتكار ،وُتلقيه الِعل َ
ل المتفائل، ق المتهل ّ ِ َ
ج المتطل ِ حها ،وتطبُعه على المزا ِ وسروِرها ومَر ِ
ن في النهر ،تفوُر الحياة ُ فيهِ وتفوُر ضا ِ في َ َ دفقُ به على دنياه كال َ وَتت َ
ف للواحد ِ منهم شك َ
ل ن ،تعر ُ س الخامدي َ ل المدار ِ به ،ل كأطفا ِ
ن في الحياةِ ول ن المسكي ُ مه ،فيكو ُ س له وجود ُه ُ ول عال َ ُ الطفل ولي َ
َ
ل كامل! م رج ِ دها ،ثم تراه ُ طفل صغيرًا ،وقد جمعوا له همو َ يج ُ
حت إلى قلِبه بأسراِرها، ض دبيَبها في )عصمت( ،وأو َ ح الر ِ ودبت رو ُ
ن
م ْ ن هؤلِء الغماَر )الجاهلين الغرار( الغبياَء ِ ك من شعورهِ أ ّ فأدر َ
م السعداُء بطفولتِهم ،وأنه هو وأمثاُله أولد ِ الفقراِء والمساكين ،ه ُ
ن في الطفولة ،وأن ذلك الجندي الذي يمشي كي ُ م الفقراُء والمسا ِ ه ُ
ن العلوم ،إ ِذ ْ كانت ب خيٌر م َ مه إنما هو سجن ،وأن اللعا َ وراَءه لتعظي ِ
ملَزَقة به قب َ
ل ة ُ م فُرجول ٌ ل في وقِتها ،أما العلو ُ ة الطف ِ فِلي َ هي ط ِ ْ
سم أسا َ ة وتهد ُ ل فيهِ الطفول َ ه ،فتقت ُ ع ِ ه عن طبا ِ ُ
وقِتها ُتوقُره وتحوُل ُ
ل ُ
ن في الو ِ ن ذلك ل إلى هذه ول إلى هذه ،ويكو ُ الرجولة ،فينشأ بي َ
ل.لخرِ رجل ً طف َ ن في ا َ طفل َ رجل ،ثم يكو ُ
ن هي بيَته ب أن تكو َ ل يج ُ ة الطف ِ مع أن مدرس َ مما رأى وس َ وأحس ِ
ك خه الطبيعي ،ويتحر َ صرا َ خ فيه ُ ج أن يصر َ الواسعَ الذي ل يتحر ُ
صي ن فيه مدرسون ول ط ََلبة ،ول حاملو الع ِ حركَته الطبيعية ،ول يكو َ
ن فيه البوة ُ الواسعة، ن تكو َ ت الواسِع أ ْ ن الضباط ،بل حق البي ِ م َ
م في نشأت ِهِ من ل المتعل ُ ح ِللمئات ،فيمُر الطف ُ س ُ والخوة ُ التي َتنف ِ
ج في التوسِع شيئا َ فشيئأ ،م َ
ن ل إلى منزل ،على تدري ٍ ل إلى منز ِ منز ٍ
البيت ،إلى المدرسة ،إلى العالم.
***
شب ه تَ ِ م بهذه الحلم ِ الفلسفية ،وطفولت ُ ُ وكان )عصمت( يحل ُ
ل كأنها ت الطفا ِ ت حركا ُ ك ،وكان َ ْ جل ،وَرخاوُته تشتد وتتماس ُ وتستر ِ
ن يشهد ُ ل في السيما حي َ خِله ،فهو منهم كالطف ِ ه من دا ِ ُتحرك ُ ُ
لح ،ويتوُثب فيهِ الطف ُ المتلكمين والمتصارعينَ ،يستطيُره الفر ُ
ع
ده ،وتجتم ُ جل ُ ف ِ كش ُ ضلُته ،ويت َ صع َ فواِنه ،وتتقل ُ عن ُ حهِ و ُ ي بمَر ِ الطبيع ّ
كوُره م الخَر في ُ َ ن وَيلك ُ قوُته ،حتى كأنه سُيظاهُر أحد َ الخصمي ِ
ب الحديدي بضربِته اللينةِ الحريرية!.. ة الضر ِ ض معرك َ ف ُ عه ،وي ُ ويصر ُ
ن اقتحم، بأ ِ م أن تخشن ،وما كذ َ ث صاحُبنا الغريُر الناع ُ فما لب َ
هم وعبُثهم ،إقبا َ
ل ل ولهو ُ حه الشارع ُ والطفا ُ ل على رو ِ وكأنما أقب َ
ج عنه القفص، ق في مسمارٍ إذا انفر َ ّ
س المعل ِ الجوّ على الطيرِ الحبي ِ
ة الحياةِ فطاَر بها، ب وثب َ ص إذا وث َ قَني ِ ش ال َ ل الغابةِ على الوح ِ واقبا َ
ص )رفع رأسه و تحرك ل الفلةِ على الظِبي السيرِ إذا ناوَ َ وإقبا َ
حبلة. ن ال ِ م َ ت ِ للجري( فأفل َ َ
ن المدير. م )انضم( في الجماعةِ وقال لهم :أنا اب ُ وتقدم فادغ َ َ
فرت )بدت( س َ فنظروا إليه جميعًا ،ثم نظَر بعضُهم إلى بعض ،و َ
أفكاُرهم الصغيرة ُ َبين أعيِنهم ،وقال منهم قائل :إن حذاَءه وثياَبه
ن أباه ُ المدير. شه كلها تقول إ ِ ّ وطربو َ
ه امرأة ُ المدير.... م ُفقال آخر :ووجُهه يقول ِإن أ َ
جعُلص! ست كأمك يابعطيطي ول كأم ُ فقال الثالث :لي َ
ك أمك كماِته حينئذ ِ ل تتر ُ جعلص ،فإن ل َ َ قال الرابع :يا ويلك لو سمع ُ
ن القفا! م َ ف وجَهك ِ تعر ُ
عه، ُ
ت لرَِيكم كيف أصارِ ُ ص هذا؟ فليأ ِ جعل ُ قال الخامس :ومن ُ
ل ِرجَله برجلي ،فأدفُعه ،فيتخاذل، صُره بين يدي ،فأعتق ُ فأجتذُبه فأع ِ
ض بمسار! فأعُر ُ
خّر على وجِهه ،فاأسمره في الر ِ كه ،في ِ
ص لو جعل ُ ف ما يفعُله ُ ف بأدق الوص ِ فقال السادس :هاها! إنك تص ُ
ه!... تناوَلك في يد ِ
جعلص! جعلصُ ، جعلصُ ، ح السابع :ويَلكم! هاهو ذاُ . فصا َ
ه
ق الجاف تحت الشجرِ ضَربت ُ ور ِ شمال َ كال َ ن يمينا ً و ِ طاَير الباقو َ فت َ
ح العاصف. الري ُ
سهم وتراجعوا .وقال ه الصبي من وراِئهم ،فثابوا إلى أنف ِ وقهق َ
ص ورائي، ُ مسَتطي ُ
ت أريد ُ أن يعدوَ جعل ُ ل منهم :أما إني كن ُ ال ُ
ذه كما فعل مُعه في نفسي ،ثم أرتد ُ عليه فآخ ُ ُ
فأستطرِد ُ إليه قليل أط ِ
"ماشيست الجبار" في ذلك المنظرِ الذي شاهدناه.
ق
شا ِ ة الع َ ن جميعًا !...ثم أحاطوا )بعصمت( إحاط َ ه الصبيا ُ وقهق َ
ص ب المخصو َ ن المقر َ ل منهم أن يكو َ لك ّ بمعشوقة جميلة ،يحاو ُ
ن ب ،ولكن من أجل ان اب َ ن المدير فحس ُ ه اب ُ ل أن ُبالحظوة ،ل من أج ِ
ل لما ش معَ ابن زبا ِ ت القرو ُ ن معه القروش ...فلو وجد َ ِ المديرِ تكو ُ
شه فيعود َ فد َ قرو ُ منعه نسُبه أن يكون أميَر الساعةِ بينهم إلى أن تن َ
ابن زبال!...
ص به ،فلو جاَء المديُر وتنافسوا في )عصمت( وملعبِته والختصا ِ
ب مع آباِئهم ويركُبهم ويركبونه ،وهم بين نجارِ وحداد ،وبناءِ سه يلع ُ نف ُ
سب َةِ الضئيلة- مك ِ وحمال ،وحوذي وطباخ ،وأمثاِلهم من ذوي المهنةِ ال ُ
لباِء ل في ابن المديرْ ،اكبَر من مطامِع ا َ لكاَنت مطامعُ هؤلء الطفا ِ
في المدير.
ملحاة )جدال(، ة بيَنهم مجراها ،فَانقلبت إلى ُ ت المنافس ُ وجر ِ
دفًا .للجميِع ن المدير هَ َ جعت هذه الملحاة ُ إلى مشاحنة ،وعاد اب ُ ور َ
ن عليه ،إذ ل يقصد ُ أحد منهم أحدا ً بالغي ِ
ظ ن عنه وكأنما يعتدو َ ُيدافعو َ
ن أنكأ له وأشد عليه! َ إل َتعمد َ غي َ
ظ حبيِبه ،ليكو َ
دهم هذا م الطوائل ،وأفس َ ضهم على بعض ،ونشأت بينه ُ وتظاهَروا بع ُ
مها! فقدِ ك الطفولةِ وإلها َ ب إدرا َ ل بينهم .وياما أعج َ ي المتمث ُ الغن ُ
فوسهم على رأي واحد ،فتحولوا جميعا ً إلى سفاهةٍ واحد ِ
ة اجتمَعت ن ُ
ب َفقمَره )خسره في دهم في اللع ِ خاطره أح ُ ن المدير ،ف َ َ
أحاطت ِباب ِ
ن المدير المقامرة( ،فأبى ِإل أن يعلوَ ظهَره ويركَبه ،وأبى عليه اب ُ
سطوةِ أبيه ،فلم يكذ يعتل وداَفعه ،يرى ذلك َثلما ً في شرفِهِ ونسِبه و َ
ؤهم، بهذه العلةِ ويذك ُُر أباه ليعرَفهم آباَءهم ...هاجت حَتى كبريا ُ
حقد َ ي ِ ضع الغب ّ سهم ،وبذلك و َ ن رؤو ِ صت شياطي ُ وثاَرت دفائُنهم ،ورق َ
ل الكبرى في ة المسائ ِ سخريةِ الِغنى ،فألقى بينهم مسأل َ الفقرِ بإزاِء ُ
حها للحل!.... هذا العالم ،وطَر َ
دهم ،ثم هزأ خَر منه أح ُ شوا )تهيئوا للمبارزة( للصولةِ عليه ،فس ِ وَتنف ُ
ش عليه مه الرابعُ بمنكِبه ،وأفح َ ث لساَنه ،وصد َ ج الثال ُ بهِ الخر ،وأخر َ
كزه ُ السادس ،وحثا السابعُ في وجِهه التراب! الخامس ،ول َ
ن
جدرا ٍ ن أن يفر من بيِنهم فكأنما أحاطوه بسبعةِ ُ وجهِد َ المسكي ُ
خذُته ب الّله ...ثم أ َ ف بيَنهم ما كت َ مه ،ووق َ مه وإحجا ُ ل إقدا ُ فبط َ َ
ض ،فتجاذُبوه ُيمرغوَنه في التراب! دل على الر ِ أيديهم فانج َ
ح ُ َ
وهم كذلك إذ ِ انقلب كبيُرهم على وجِههَ ،وأنكفأ الذي يليه ،وأزي َ
جعُلص ،جعلص! ! ع ،فنظروا فصاحوا جميعَاُ " : م الراب ُ الثالث ،ول ُط ِ َ
ب من ثياِبه وهو ل الترا ُ خ ُ هربًا .وقام )عصمت( َينت َ ِ وتواثبوا يشتدون َ
فهم ف ينظُر هذا الذي كش َ يبكي بدمِعه ،وثياُبه تبكي بتراِبها !...ووق َ
ن الغضب ،وقد م َن ِ فا ْج َ ص وعليه َر َ جعل ُ صولُته ،فإذا ُ دتهم َ عنه وشر َ
ه
معارك ِ ِ ن "ماشيست" في َ ض وجُهه ،كما يكو ُ قل َ مت شفُته ،وت َ َ َتبرط َ
ن الضعفاء. دفعُ ع ِ حين ي َ
ك في محَتن ٌ وهو طفل في العاشرةِ من لدات )عصمت( ،غير أنه ُ
ضه على بعض ب بع ُ جبلةِ متراك ِ ْ ل شديد ُ ال ِ عب ٌ
ظ َ سن رجل صغير ،غلي ْ
لصر َيهم أن يطو َ متقا ِ ي ُ جن ّ )مفتول العضلت مكتنز اللحم( ،كأّنه ِ
ل يشكو له ه ،وأقب َ س به )عصمت( ،واطمأن إلى قوت ِ منه المارد ،فأن ِ َ
ويبكي!
مك؟ قال جعلص :ما اس ُ
قال :أنا ابن المدير!...
جْلدا ً )قويا صبورا(، ن المدير .تعلم أن تكون َ ك يا أب َ قال جعلص :ل تب ِ
ذل ول عار ،ولكن الدموع َ هي تجعُله ذل وعارًا، ب ليس ب ُ فِإن الضر َ
ل حياِتنا ش طو َ ن المديرِ نعي ُ ل أنثى .نحن يا اب َ ل الرج َ ِإن الدموع َ َلتجع ُ
س ،هذا من هذا ،ولكنك غني يا ب النا ِ ب الفقرِ أو ضر ِ إما في ضر ِ
ه ينكسُر خ ،ولكن ُ منتف ٌ م ُ فينو( ضخ ٌ ف )ال ِ ت كالرغي ِ ن المدير ،فأن َ اب َ
ل القطن! حشوُه ُ مث ُ بلمسة ،و َ
ة أن ن المديرِ إذا لم تعلمك المدرس ُ م في المدرسةِ يا اب َ ماذا تتعل ُ
ف كيف ف إذا لم تكن تعر ُ من يريد ُ أكَله ،وماذا تعر ُ ل َ ن رجل ً يأك ُ تكو َ
ن م الخير ،فتكو َ م الشر ،وكيف تصبُر للخيرِ يو َ تصبُر على الشر يو َ
ن في خير؟ ً
دائما على الحالتي ِ
قال عصمت :آهِ لو كان معي العسكري!
ك؟ لو ضربوا عنزا ً لما قالت :آه لو كان معي قال :جعلص :ويح َ
العسكري!
قال عصمت :فمن أين لك هذه القوة؟
ل بيدي )أخدم نفسي بنفسي( فْانا أشتد ّ م ُقال جعلص :من أني أعت ِ
ت طعامي ،أما ت أكل ُ وإذا جع ُ
مك ،ثم من أني ليس لي ت أكلك طعا ُ َ أنت فتسترخي ،فإذا جع َ
عسكري!..
ت مثَلنا في المدرسة؟ من أنك لس َ قال عصمت :بل القوة ُ َ
ق
ن المدرسةِ كأنك طفل من وََر ٍ قال جعلص :نعم ،فأنت يا اب َ
ن
طباشير! أنت يا اب َ مك من َ ت ل من لحم ،وكأن عظا َ وكراسا ٍ
ه
م ِإل الل ُ ة ،ول يعل ُ ن سن ً ن بعد َ عشري َ ت الذي سيكو ُ المدرسةِ هو أن َ
ن "أنا" ن الن ،وعلي أن أكو َ ن الحياة ،فأنا م َ كيف يكون ،وأما أنا اب ُ
من الن!
ت...أن َ
***
ن يطيُر وهنا أدركهما العسكريُ المسخُر لبن المدير ،وكان كالمجنو ِ
حبا فيه ،ولكن خوفا ً ث عن )عصمت( ،ل ُ ق يبح ُ على وجهِهِ في الطر ِ
فَر على أثواب ِهِ حتى رنت صفعُته على من أبيه ،فما كاد يرى هذا العَ َ
جعلص. ن ُ وجهِ المسكي ِ
ره ،وانطلق فصّعر هذا خد َه ُ )مال بخده تكبرا( ،ورشقَ عصمت بنظ ِ
ظليم )ذكر النعام(! عدوَ ال ّ يعدو َ
ن الفقير ،وكان الباكي منها ة على وجهِ اب ِ ت الصفع ُ يا للعدالة! كان ِ
ن الغني!.. اب َ
***
ب في ل الحر ِ م البطولة ،فليس ِغنى ب َط َ ِ وأنتم أئها الفقراء ،حسُبك ُ
خه.مه وتاري ِ ت في جس ِ ح والمشقا ِ ل والنعيم ،ولكن بالجرا ِ الما ِ
اليمامتان ..
مصر، قبط في ِ س( عظيم ال ِ قوْقِ َم َ
جاء في تاريخ الواقدي "أن )ال ُ
زّوج بنَته )أرمانوسة( من )قسطنطين بن ه َِرْقل( وجهزها بأموالها
سارَِية بفلسطين; ي عليها في مدينة قَي ْ َ شما لتسيَر إليه ،حتى ي َْبن َ ح ََ
ت بها ...وجاء س )مدينة بمحافظة الشرقية( وأقام ْ ْ
فخرجت إلى ب ُلب َي ْ َ
من بها، ل َصارا ً شديدًا ،وقات َ ح َ مرو بن العاص إلى بلبيس فحاصرها ِ عَ ْ
من بقي إلى المقوقس، ف فارس ،وانهزم َ وقتل منهم ُزهاء أل ِ
ل ما للقبط في بلبيس. خذ َ ك ُ ُ
ة وجميع ماَلها ،وأ ِ وأخذت أرمانوس ُ
ة المقوقس ،فسير إليه ابنَته مكَزمة في جميع عمْرو ملطف َ ب َ فأح ّ
َ
سّر بقدومها... ن أبي العاص السْهمي(; ف ُ مالها) ،مع قَْيس ب ِ
***
مغزى َ
معِنيا إل بأخبار ال َ هذا ما أثبَته الواقدي في روايته ،ولم يكن َ
صه ق ُ فتوح ،فكان يقتصر عليها في الرواية; أما ما أغفله فهو ما ن َ ُ وال ُ
نحن:
ت جمال يوناني مى )مارَية( ،ذا ُ س َموَّلدة ت ُ َ ة وصيفة ُ كانت لرمانوس َ
حْته بسحرها ،فزاد جماُلها على أن يكون مصريًا، س َ م َمته مصُر و َ أت َ
ل منهما ،ولمصَر طبيعة كوَنه; فهو أجم ُ ل اليوناني أن ي ُ ص الجما ُ ق َ ون َ َ
شعث مل شيئا ً في جمال نسائها أو ت ُ َ خاصة في الحسن; فهي قد ُته ِ
جهد َ محاسنها الرائعة; ولكن متى نشا ً فيها جمال منه ،وقد ل توفيه ُ
يْنزع ُ إلى أصل أجنبي أفرغت فيه سحَرها إفراغَا ،وأبت إل أن تكون
ه آيَتها في المقابلةِ بينه في طاب َِعه المصري، ة عليه ،وجعلت ُ الغالب َ
وبين أصله في طبيعة أرضه كائنة ما كانت; تغاُر على سحرها أن
يكون إل العلى.
س
ة الدين والعقل ،اتخذها المقوق ُ ة قوي َ ة هذه مسيحي ً وكانت ماري ُ
ة لبنته ،وهو كان واليا ً وب َط ْرِي َْركا ً على مصر من قِب َ ِ
ل كنيسة حي َ
ي جاء في ح السلم ّ صْنع الّله أن الفت َ ه َِرْقل; وكان من عجائب ُ
فل القبطي ،فلم تكن ق ْح ال ُ مفتا َ
ب هذا الرجل ِ ه قل َ عهده ،فجعل الل ُ
عُ ،تقاتل شيئا ً من قتال غيرِ كبير ،أما مقدار ما ُتدف َ أبواُبهم ُتدافِعُ إل ب ِ
ن إل للتحطيم، ة ل ت ُذ ْ ِ
ع ُ ة حصين ً ت مسَتغِلق ً ة فبقي ْ ب الرومي ُ البوا ُ
ة التي ف رومي يقاتلون المعجزة َ السلمي َ ووراءها نحوُ مائة أل ِ
ل ما جاءت في أربعة آلف رجل ،ثم لم جاءتهم من بلد العرب أوّ َ
خَر ما زادوا على اثني عشر ألفًا .كان الروم مائة ألف يزيدوا آ ِ
مقاتل بأسلحتهم -ولم تكن المدافع معروفة -ولكن ُروح السلم ُ
دفع بقنابلها ،ل يقاِتلون م ْف ِ ي كأنه اثنا عشر أل َ جعلت الجيش العرب ّ
م مادة وة الروح الدينية التي جعلها السل ُ وة النسان ،بل بق ّ بق ّ
ميت! ف الدينا ِ ت قبل أن ُيعر َ مي َ شبه الدينا ِ منفجرة َ ت ُ ْ
ت مارية جَزعا َ شديدًا; إذ زع ْ ج ِ شه على ُبلبيس َ ولما نزل عمرو بجي ِ
ب ب قوم جياع ي َْنفضُهم الجد ْ ُ ولء العر َ كان الروم قد أرجفوا أن ه ّ
جراد ل على العين في الريح العاصف; وأنهم َ ض الرما ِ على البلد َنف َ
ُ
إنساني ل يغزو إل ل ِب َطِنه; وأنهم ِغلظ الكباد كالبل التي يمتطونها; ْ
سف; وأنهم ل عهد َ لهم خ ْ طن على َ وأن النساء عندهم كالدواب ي ُْرت َب َ ْ
مَرو بن دهم ع َ ْ خفت أمانُتهم; وأن قائ َ قلت مطامُعهم و َ ول وفاء ،ث َ ُ
ح الجزار ول طبيعُته; عه رو ُ العاص كان جزارا ً في الجاهلية ،فما ت َد َ ُ
ة
شذاِذهم ،ل أربع ِ سو ُ بأربعة آلف سالخ من أخلط النا ِ وقد جاء
م الجيش! َ
ألف مقاتل من جيش له نظا ُ
ة
ت شاعرة َ قد درست هي وأرمانوس ُ مها ،وكان ْ ة أوها َ ت ماري ُ هم ْ وتو ّ
لشعُِرها ك ّ ب متوقد ي ُ ْ ن وفلسفَتهم ،وكان لها خيال مشبو ٌ ب يونا َ أد َ
عاطفة أكبَر مما هي ،ويضاعف الشياء في نفسها ،وينزع ُ إلى
ن خاصة ،ويجعل من بعض وئثة ،فيبالغُ في تهويل الحز ِ طبيعته الم ّ
اللفاظ وَُقودا َ على الدم...
بب مارية وأفزعتها الوساس ،فجعلت ت َن ْد ُ ُ طيَر قل ُ ست ُ ِ ومن ذلك ا ْ
سها ،وصنعت في ذلك شعرا َ هذه ترجمُته: نف َ
مسكينة! ف جزار أيُتها الشاة ُ ال ِ ة آل ِ جاءك أربع ُ
م الذبح قبل أن ُتذَبحي! ك أل َ ل شعرة من ِ ستذوق ك ّ
ة آلف خاطف أيتها العذراء المسكينة! جاءك أربع ُ
ميتة قبل الموت! ستموتين أربعة َالف ِ
سكينا َ يرد ّ عني الجزارين! مد َ في صدري ِ وني يا إلهي ،لغ ِ قَ ّ
جها العربي!.. ت قبل أن يتزو َ يا إلهي ،قَوّ هذه العذراَء ،لتتزّوج المو َ
***
جع; ة في صوت حزين يتو ّ شعَرها على أرمانوس َ وذهبت تتلو ِ
دى ت أن أبي قد أه َ ت واهمة يا مارية; أنسي ِ ت هذه وقالت :أن ِ فضحك ْ
صنا( –مارية القبطية و كانت من "أنصنا" بالوجه ت )أن ْ ِ إلى نبيهم بن َ
ضها القلب; لقد القبلي ،-فكانت عنده في مملكة بعضها السماء وبع ُ
ة
ف له عن حقيقة هذا الدين وحقيق ِ ث بها لتكش َ أخبرني أبي أنه ب َعَ َ
ولء المسلمين هم ه أن ه ّ سيسا َ ي ُعِْلم ُ ت إليه د َ ِ هذا النبي; وأنها أنفذ ْ
ل الجديد الذي سيضع في العالم تمييَزه بين الحق والباطل، العق ُ
وأن نبيهم أطهُر من السحابة في سمائها ،وأنهم جميعا َ ينبعثون من
سُلوا حدود دينهم وفضائِله ،ل من حدود أنفسهم ِ وشهواِتها; وإذا َ ُ
سلوه بقانون ،وإذا أغمدوه أغمدوه بقانون .وقالت عن ّ ف َ السي َ
ف ب من أن تخا َ فتها من أبيها أقر ُ ف المرأة ُ على ع ّ النساء :لن تخا َ
ً
عليها من أصحاب هذا النبي; فإنهم جميعا في واجبات القلب
ي في الرجل منهم -يكون وواجبات العقل ،ويكاد الضميُر السلم ُ
ب صاحَبه إذا ً هم بمخالفته. حامل ً سلحا ً َيضرِ ُ
مْلك; ب ال ُوقال أبي :إنهم ل ُيغي ُِرون على المم ،ول يحاربونها حر َ
ةدم في الدنيا حامل ً ة الحركة للشريعة الجديدة ،تتق َ وإنما تلك طبيع ُ
ة في ظاهرها وباطنها ،فمن وراء أسلحِتهم ح والخلق ،قوي ً السل َ
ت أخلق! سها ذا َ أخلُقهم; وبذلك تكون أسلحتهم نف ُ
ن سيندفعُ بأخلِقه في العال َم ِ اندفاع َ الُعصارة وقال أبي :إن هذا الدي َ
ل في طبيعة; فليس َيمضي الحيةِ في الشجرةِ الجرداء; طبيعة تعم ُ
ظللها; وهو بذلك فوق ي ِ ضر الدنيا وترم َ غيُر بعيد حتى َتخ َ
ق ما ي ُعَد ّ كطلء شبه في عملها الظاهر ال ُ َ السياسات التي ت ُ ْ
ملف ِ
ن بين عمل وعمل ،وإن شَتا َ الشجرة الميتةِ الجرداء بلون أخضرَ ...
كان لون يشبه لونَا...
ضي َْرة واطمأنت باطمئنان أرمانوسة ،وقالت :فل َ ت ماري ُ ح ْ
فاستْروَ َ
ضُر به؟ ست َ ِعلينا إذا فتحوا البلد ،ول يكون ما ن َ ْ
حب لنفسنا; قالت أرمانوسة :ل ضيَر يا مارية ،ول يكون إل ما ن ُ ِ
ولء الُعلوج من الروم ،يفهمون متاع َ الدنيا فالمسلمون ليسوا كه ّ
قساةُ حرص عليه ،والحاجة إلى حلله وحرامه ،فهم ال ُ بفكرة ال ِ
مستكِلبون كالبهائم; ولكنهم يفهمون متاع َ الدنيا بفكرة ظ ال ُالِغل ُ
الستغناء عنه والتمييز بين حلله وحرامه ،فهم النسانيون الّرحماء
المتعففون.
ة ،إن هذا لعجيب! فقد مات سقراط قالت مارية :وأبيك يا أرمانوس ُ
سطو وغيُرهم من الفلسفة والحكماء ،وما استطاعوا ن وأرِ ْ وأفلطو ُ
رجوا ب التي كتبوها !...فلم يخ ِ ؤدبوا بحكمتهم وفلسفتهم إل الكت َ أن ي ّ
ت من أمر ت أن ِف ِ ة النسانية ،فضل عن أمة كما وص ْ ة تام َ للدنيا جماع َ
ة وهم يقولون ج هذه الم َ المسلمين; فكيف استطاع نبّيهم أن ُيخرِ َ
ة من كبار الفلسفةِ والحكماء وأهل خُر الحقيق ُ س َ إنه كان أمّيا; أفت ْ
عهم يعملون ع ََبثا َ أو كالعبث ،ثم تستسلم السياسة والتدبير; فتد ُ
للرجل المي الذي لم يكُتب ولم يقرا ً ولم يدُرس ولم يتعلم؟
مها وحساب أفلكها، قالت أرمانوسة :إن العلماء بهيئةِ السماء وأجرا ِ
شقون الفجر وُيطلعون الشمس; وأنا أرى أنه ل ليسوا هم الذين ي َ ُ
ن عمُلها في الحياة إيجاد َ الفكار طرتها يكو ُ بد من أمة طبيعية بف َ
ح وعمَله ت المسي َ العمليةِ الصحيحةِ التي يسير بها العالم ،وقد درس ُ
جد هذه المة ،غير ّانه أوجدها ة عمره يحاول أن يو ِ طيل َ
وزمَنه ،فكان ِ
ُ
مصغرة في نفسه وحوارييه ،وكان عمله كالبدء في تحقيق الشيء ُ
ت معنى المكان فيه. سُبه أن ُيثب ِ َ ح ْ العسير; َ
ه الحقيقة إلى نفسها; وظهوُر الحقيقة من هذا الرجل المي هو تنبي ُ
ب يا مارية، وبرهانها القاطعُ أنها بذلك في مظهرها اللهي .والعجي ُ
مه وناكروه وأجمعوا على خلِفه ،فكان في أن هذا النبي قد خذله قو ُ
ح انتهى عند ذلك; أما هذا فقد ثبت ذلك كالمسيح ،غير أن المسي َ
ت الواقع حين يقع; ل يرتد ّ ول يتغير; وهاجَر من بلده ،فكان ذلك ثبا َ
تطا الحقيقةِ التي أعلنت أنها سَتمشي في الدنيا ،وقد أخذ ْ خ َ ْاول ُ
ة المسيح قد جاءت للدنيا كّلها لها مئذ تمشي .ولو كانت حقيق ُ من يو ِ
ث أن المسيح لم ت به كذلك ،فهذا فرق آخر بينهما .والفرقُ الثال ُ جر ْ
ت من ن فعلم ُ يأت إل بعبادة واحدة هي عبادة ُ القلب ،أما هذا الدي ُ
شد ُ بعضها بعضًا :إحداها للعضاء ،والثاني ُ
ة ث عبادات ي ُ أبي أنه ثل ُ
دها الضبط; ة للنفس; فعبادة ُ العضاء طهارُتها واعتيا ُ للقلب ،والثالث ُ
س طهارُتها وبذُلها ب طهارُته وحّبه الخير; وعبادة ُ النف ِ وعبادة ُ القل ِ
في سبيل النسانية .وعند أبي أنهم بهذه الخيرة سيملكون الدنيا;
دهما. ت أوسعُ الجانبين وأسع ُ فلن ُتقهَر أمة عقيدُتها أن المو َ
سر إِلهي يدل على نفسه; فمن طبيعة قالت مارية :إن هذا والله ل ِ
ت إل في أحوال سه غيَر مباليةٍ الحياة َ والمو َ ث نف ُ النسان أل تنبع َ
قليلة ،تكون طبيعة النسان فيها عمياء :كالغضب العمى ،والحب
ت ة كما قل ِ ة السلمي ُ العمى ،والتكب ّرِ العمى; فإذا كانت هذه الف ُ
منبعثة هذا النبعاث ،ليس فيها إل الشعوُر بذاتيتها العالية -فما بعد
ن هو شعوُر النسان بسموّ ذاتيِته ،وهذه هي ذلك دليل على أن الدي َ
ت في الفلسفة والحكمة. ة النهايا ِ نهاي ُ
ك تتهيئين أن تكوني ل على أن ِ قالت أرمانوسة :وما بعد ذلك دلي ْ
مسلمة يا مارية!
سِبه، ح َك فيه ب َ ت كلما َ جاريت ُ ِ حك ََتا معا َ وقالت مارية :إنما ألقي ِ فاسَتض َ
فأنا وأنت فكرتان ل مسلمتان.
***
دوا إلى المقوقس في م عن ُبلبيس ،وارت ّ قال الراوي :وانهزم الرو ُ
حصار -وهي نحو ة مدة َ ال ِ ة في ماري َ ي أرمانوس َ متف( ،وكان وح ُ ) َ
م بما في ن فكرا َ وتمدد فيه; فقد مر ذلك الكل ُ الشهر -كأنه فكر سك َ َ
ع
عقلها من حقائق النظر في الدب والفلسفة ،فصنع ما يصن ُ
ة ُتجادلها وتدفعها إلى التسليم خي ِل َ ً
ف بكتاب ينقحه ،وأنشا ً لها أ ْ ول ُ الم ّ
كد.وكد لنه موّ ّ بالصحيح لنه صحيح ،والم ّ
ومن طبيعة الكلم إذا أثر في النفس ،أن ينتظم في مثل الحقائق
م أرمانوسة في عقل مارية قى للحفظ; فكان كل ُ الصغيرة التي ُتل َ
ة
ملة ،ما من ذلك بد .ل تكون خدم ُ ح بدء وللبدء َتك ِ هكذا" :المسي ُ
ة التي تبذل كل وها .الم ُ النسانية إل بذات عالية ل تبالي غيَر سم ّ
جْبنا ً وحرصا ً ل تأخذ شيًا ،والتي تبذل ك بالحياة ُ شيء وتستمس ُ
حها فقط تأخذ كل شيء". أروا َ
ل اليوناني; ة وأمثالها ُتعزب هذا العق َ ُ ت هذه الحقائقُ السلمي ُ وجعل ْ
ة إلى أبيها ،وانتهى ذلك ه أرمانوس َ فلما أراد عمرو بن العاص توجي َ
ك في شرفها وعقلها أن ل بمن كانت مثل َ ِ م ُة قالت لها :ل َيج ُ إلى ماري َ
ه حيث ُيساُر بها; والرأي أن تبدئي هذا القائد َ ج ُ
خيذة ،ت َت َوَ ً تكون كال ِ
ك; فأرسلي إليه فأعلميه أنك راجعة إلى أبيك ،واسأليه قبل أن يبدأ ِ
ض رجاله; فتكوني المرة َ حتى في السر ،وتصنعي حَبك بع َ ص ِ أن ي ُ ْ
ت الملوك!. صن ْعَ بنا ِ ُ
دهائك; كو َ ك في لسان ِ ً
قالت أرمانوسة :فل أجد لذلك خيرا من ِ
خذي معك طا( ،و ُ ب )ش َ فاذهبي إليه من قَِبلي ،وسَيصحُبك الراه ُ
كوكبة من فرساننا.
***
ك فقال: ت إليه رسال َت َ ِ ص على سيدتها :لقد أدي ُ ة وهي تق ُ قالت ماري ُ
كيف ظنها بنا؟
مه ،وديُنه .فقال: ل رجل كريم يأمره اثنان :كر ُ قلت :ظّنها بفع ِ
ط خيرا َ فإن لهم فيكم صوا بالقب ِ ست َوْ ُ أبلغيها أن نبينا "ص" قال" :ا ْ
صْهرا َ وِذمة" .وأعلميها أننا لسنا على غارة ُنغي ُِرها ،بل على نفوس ِ
صفيهِ لي يا مارية. ُنغي ُّرها .قالت :فَ ِ
قالت :كان آتيا ً في جماعة من فرساِنه على خيولهم الِعراب ،كأنها
ن من جنس آخر; فلما صار بحيث أتبي ُّنه أّوما ً ن تحمل شياطي َ شياطي ُ
ت ،فإذ هو على فَرس ن( موله -فنظر ُ ن -وهو )َوردا ُ ما ُ
ج َ إليه التر ُ
سوَد ِ ول للحمر، م )أحمر ضارب للسواد( لم يخُلص لل ْ ح ّ مْيت أ َ كُ َ
رف له ذ ُّوابة أعلى ناصيته كط ُّرةِ المرأة ،ذّيال ش ِ م ْ ل العنق ُ طوي ِ
مطّهم... م كأنه يريد أن يتكلمُ ، ح ُم ِح ْ يتبختر بفارسه وي ُ َ
ه...
ة جواد ِ ك صف َ فقطت أرمانوسة عليها وقالت :ما سْالت ِ
حه... قالت مارية :أما سل ُ
صفيه كيف رأيتهِ )هو(! سلحهِ ، قالت :ول ِ
ةة قوة وصلبة ،وافَر الهامةِ علم َ قالت :رأيُته قصيَر القامةِ علم َ
ج العينين... عقل وإرادة ،أدع َ
ت أرمانوسة وقالت :علمة ماذا؟... فضحك ْ
تشرِقُ وجُهه كأن فيه للء الذهب على الضوء ،أّيدا ً اجتمع ْ ج يُ ْ ...أبل َ
ب
ة كت ِ َ فيه القوّة ُ حتى لتكاد عيناه تأمران بنظرهما أمرأ ...داهي ً
ى يأخذ من يراه; وكلما دهاّوه على جبهته العريضة يجعل فيها معن ً َ
سُره إل تكرُر النظر ت وجَهه ل ُيف ّ س في وجِهه رأي ُ ت أن أتفَر َ حاول ُ
إليه..
ي أرمانوسة.! . َ
ت وجنتاها ،فكان ذلك حديثا بينها وبين عين َ ْ وتضَرج ْ
وقالت هذه :كذلك كل لذة ل يفسرها للنفس إل تكراُرها...
ت
فت ،وإني ما مل ُ ص ْ طرِفها وقالت :هو والّله ما وَ َ ة من َ فغضت ماري ُ
ت أنكر أنه إنسان لما اعتراني من هيبته... عيني منه ،وقد كد ُ
عينيه الدعجاوين...؟ هيبته أم َ قالت أرمانوسة :من َ
***
ت المقوقس إلى أبيها في صحبة )َقيس( ،فلما كانوا في ت بن ُ ورجع ْ
صلي بمن معه والفتاتان ظهر ،فنزل قيس ي ُ َ جَبت ال ّ الطريق وَ َ
ب مارية ،وسألت تنظران; فلما صاحوا" :الله أكبر " !...ارتعش قل ُ
ب )شطا( :ماذا يقولون; قال :إن هذه كلمة يدخلون بها الراه َ
ة في وقت ليس منه ن أنهم الساع َ طبون بها الزم َ صلَتهم ،كأنما يخا ِ
ول من دنياهم ،وكأنهم يعلنون أنهم بين يدي من هو أكبر من
ت شَهوا ِ الوجود; فإذ أعلنوا انصراَفهم عن الوقت ونزاع الوقت و َ
حون الدنيا من م ُ الوقت ،فذلك هو دخوُلهم في الصلة; كأنهم ي َ ْ
عهم وها من أنفسهم هو أرتفا ُ ح ُ م ْض ساعة; و َ ة أو بع َ النفس ساع ً
حرا َ س ْحَرتهم ِ س َ
ن هذه الكلمة قد َ بأنفسهم عليها; انظري ،أل ت ََري ْ َ
فهم ل يلتفتون في صلتهم إلى شيء; وقد شملتهم السكينة،
شعوا خشوع أعظم الفلسفةِ في من كانوا ،وخ َ غير َ جعوا َ وَر َ
مِلهم؟. تأ ُ
ب ل هذه الفطرة َ الفلسفية! لقد ت َعَِبت الكت ُ قالت مارية :ما أجم َ
ة في سكينةِ الّله عليهم فما ل الدنيا يستقّرون ساع َ ل أه َ لتجع َ
ور مصلين بالزخارف والبخ َ ولت على ال ُ ت ،وجاءت الكنيسة فهَ ّ أفلح ْ
ي إلى نفوسهم ضربا َ من الشعور بسكينة ح َوالتماثيل واللوان ،لُتو ِ
ديني ،وهي بذلك تحتال في نقلهم من س المعنى ال ّ الجمال وتقدي ِ
جَز وها; فكانت كساقي الخمر; إن لم ُيعطك الخمَر ع َ َ وهم إلى ج ّ ج ّ
ل معه كنيسة شوة .ومن ذا الذي يستطيع أن يحم َ عن إعطائك الن ْ
على جواد أو حمار؟
ة كالحديقة; هي حديقة في مكانها، قالت أرمانوسة :نعم إن الكنيس َ
ن الربعة، ة هي الجدرا ُ وقلما ُتوحي شيا َ إل في موضعها; فالكنيس ُ
ولء فمعبدهم بين جهات الرض الربع. أما ه ّ
ت عليهم الدنيا ح ْ ولء المسلمين متى فُت ِ َ قال الراهب شطا :ولكن ه ّ
وافتتنوا بها وانغمسوا فيها -فستكون هذه الصلة ُ بعينها ليس فيها
صلة يومئذ.
واد كثيرون قالت مارية :وهل ُتفَتح عليهم الدنيا ،وهل لهم قُ ّ
مرو..؟ كعَ ْ
قال :كيف ل ُتفتح الدنيا على قوم ل ُيحاربون المم بل يحاربون ما
فيها من الظلم والكفر والرذيلة ،وهم خارجون من الصحراء بطبيعة
فس داخلها إل أن ُ وج في المد المرتفع; ليس في َ قوية كطبيعة الم ْ
ة إلى الخارج عنها; ثم يقاتلون بهذه الطبيعة أمما َ ليس في مندفع ٌ
ب إلى الداخل!... س المستعد ّة ُ أن تهر َ الداخل منها إل النفو ُ
عمرو.... قالت مارية :والّله لكأننا ثلث ََتنا على ِدين َ
ة كان عندها ذى ماري َ حل ،فلما حا َ وانفتل قيس من الصلة ،وأقبل يتر َ
حلم كأنما سافر ورجع; وكانت ما تزال في أحلم قلبها; وكانت من ال ُ
عمرو وما يتصل بعمرو .وفي هذه خذ َ يتلشى إل من َ في عاَلم أ َ
ب عن ن بحقائقه :فيغي ُ الحياةِ أحوال! "ثلث " يغيب فيها الكو ُ
ة رابعة يتلشى فيها الكون السكران ،والمخبول ،والنائم; وفيها حال ٌ
إل من حقيقة واحدة تتمثل في إنسان محبوب.
ه :ما أَرُبهم من هذه الحرب ،وهل سل ْ ُوقالت مارية للراهب شطاَ :
ن القائد ُ الذي يفتح بلدا ً حاكما َ على هذا في سياستهم أن يكو َ
البلد...؟
ك أن تعلمي أن انرجل المسلم ليس إل رجل ً عامل ً سب ُ ِ ح ْقال قيسَ :
في تحقيهت كلمةِ الّله،أما حظ نفسهِ فهو في غير هذه الدنيا.
ح فهو في الكثر الحاكم مه هكذا :أما الفات ُ ب كل َ م الراه ُ ج َ
وتر َ
بة تريد أن َتضر َ ح ُمصل ِ َب فهي عندنا الفكرة ُ وأما ال ُ المقيم ،الحر ُ
ظ النفس شيا ً يكون من الدنيا; وبهذا في الرض وتعمل ،وليس ح ّ
س أكبر من غرائزها ،وتنقلب معها الدنيا بُرعونتها تكون النف ُ
طهشَهواتها كالطفل بين يديْ رجل ،فيهما قوة ُ ضب ِ وحماقاتها و َ
ب أعمالنا في الدنيا ،لنعكس فه .ولو كان في عقيدتنا أن ثوا َ وتصري ِ
المر.
م
قلة التي معة والرو ُ ه :كيف يصنعُ )عمرو( بهذه ال ِ سل ْ ُ
قالت مارية :ف َ
من عسى أن يستبدلوه منه; دهم; فإذا أخفقَ )عمرو( ف َ صى ع َد َ ُل ُيح َ
واِدهم ،أو فيهم أكبُر منه؟ وهل هو أكبُر قُ ّ
ق الخيل على حا ِ طر وأسرع في ل ِ َ م َ س قيس ت َ قال الراوي :ولكن فََر َ
سنا في هذا... ذمة كأنه يقول :ل َ ْ المق َ
***
صِعدين إلى م ْ م ُ قبط ،وولى الرو ُ صْلحا ً بين عمرو وال ِ ت مصُر ُ وُفتح ْ
ف
ة في ذلك تستقرىء أخباَر الفاتح تطو ُ السكندرية ،وكانت ماري ُ
منها على أطلل من شخص بعيد; وكان عمرو من نفسها كالمملكة
بح َ ش َذها; وجعلت تذوي و َ ه أن يأخ َ حب ُ
ك إل ُ الحصينة من فاتح ل يمل ُ
مأى; لوُنها وبدأت تنظر النظرة َ التائهة :وبان عليها أثر الروح الظ ْ
ة المعاني; إذ دت مجروح َ وه الذي ُيحرق الدم; وَب َ َ س بج ّ وحاطها اليأ ُ
ل في نفسها الشعوران العَد ُّوان :شعوُر أنها عاشقة، كان يتقات ُ
وشعوُر أنها يائسة!
سهَِرتا ت لها أرمانوسة ،وكانت هي أيضا َ تتعلق فًتى روماني َّا ،ف َ ورقّ ْ
ة من قبلها إلى عمرو كي ة ُتديران الرأي في رسالة تحملها ماري ُ ليل َ
ة نفسها ...واستقّر المُر ت بّلغت بعينيها رسال َ ل إليه ،فإذا وصل ْ تص َ
ة القبطية وخبرها ونسلها وما يتعل َقُ بها ة عن ماري َ أن تكون المسأل ُ
ل من امرأة عن امرأة .فلما وا ُ مما يطول الخباُر به إذا كان الس ّ
حتا وقعَ إليها أن عمرا ً قد سار إلى السكندرية لقتال الروم، أصب َ َ
ة قد ض أصابوا يمام ً قو ّ َسطاطه أن ي ُ َ ف ْوشاع الخبر أنه لما أمر ب ُ
ت في جوارنا ،أِقروا ً م ْحّر َ باضت في أعله ،فأخبروه فتال" :قد ت َ َ
خها" .فأقَّروه! ط حتى تطيَر فَِرا ُ الفسطا َ
***
فظت عنها ح ِة نحبها ،و َ ض غيُر طويل حتى قضت ماري ُ ولم يم ِ
ة هذا الشعر الذي أسمته :نشيد اليمامة. أرمانوس ُ
ضها.
حضن ب َي ْ َ ط المير يمامة جاثمة ت َ ْ على ُفسطا ِ
تركها الميُر َتصنعُ الحياة ،وذهب هو َيصنعُ الموت!
مها. س أحل َ هي كأسعد امرأة; ت ََرى وتلم ُ
ض حقائق صغيرة كهذا البيض. خُرها بع ُإن سعادة َ المرأة أوُلها وآ ِ
ضها.ة تحضن بي َ ة جاثم ٌعلى فسطاط المير يمام ْ
كنزي. ت عن هذا البيض لقالت :هذا َ سئ ِل َ ْ
لو ُ
قر.ملكها من الحياةِ ولم تفت ِ كت ِمل َ َ
هي كأهنأ امرأةَ ،
جل ً واحدا ً أحبه! ُ
هر ُهل أكلف الوجود َ شيا ً كثيرا َ إذا كلفت ُ ُ
***
ضها.على فسطاط المير يمامة جاثمة تحضن بي َ
ض. ُ
س والقمُر والنجوم ،كلها أصغُر في عينها من هذا البي ِ الشم ُ
ة مرتين :في الحب ،والولدة. هي كأرق امرأة; عرفت الرقّ َ
ُ
ت أن أكون كهذه اليمامة! هل أكلف الوجود شيا ً كثيرا ً إذا أرد ُ
***
ضها. على فسطاط المير يمامة جاثمة تحضن بي َ
تقول اليمامة :إن الوجود َ يحب أن ُيرى بلونين في عين النثى;
جلها ،ومرة حبيبا ً صغيرا َ في أولدها. مرة ً حبيبا ً كبيرا ً في َر ُ
ل شيء خاضغ لقانونه; والنثى ل تريد أن تخضع إل لقانونها. ك ّ
***
َ
ك فسطاطه! كل ِ أيُتها اليمامة ،لم تعرفي الميَر وتر َ
ف في ناحية ،وظلم مضاعف في ناحية هكذا الحظ :عدل مضاع ٌ
أخرى.
ن ليس عندكم لغات وأديان ،عندكم ه أيُتها اليمامة ،أ ْ احمدي الل َ
ة و الحياة فقط :الحب والطبيع ُ
أحلم في الشـارع
م البارد،ن الرخا َ ه يفترشا ِ م وأخت ُ ُم الغل ُ ك( نا َ
على عتب َةِ )البن ِ
وا رخامّيا في برِده وصلبت ِهِ على جسميِهما. نج ّ ويلتحفا ِ
ؤه )ركب ت أعضا ُ كب في َثوب ِهِ كأنه جسم قُط ّعَ وُرك ِ
م ْ مت َك َب ْ ِ
ل ُ الطف ُ
س
ي الرأ ُ ت بثوب ،وُرم َ سجي َ ْضها على بعض ،و ُ بعضها فوق بعض( بع ُ
ده.ل على خ ّ من فوِقها فما َ
طط لمرأة ،بدأها المصوُر ثم خ َ م َ
م ُن الُهزال َرس ٌ م َوالفتاة ُ كأنها ِ
ل على ب الذبو ُ ن ما يكت ُ ب الفقُر عليها للعي ِ أغفَلها إذ ْ لم ُتعجبه .كت َ َ
شا ...نائمة في صورةِ ميتة ،أو كميتةِ في الزهرة :أنها صارت قَ ً
ه أخيها
ب ضوُء القمرِ على وجِهها ،وبقي وج ُ صورة نائمة ،وقد ِ انسك َ
َ
ف
دهاِ ،إذ عر َح إليها وح َ جه المصبا َ في الظل ،كأن في السماِء مَلكا ً و ّ
ل همهان في وجِهها هي ك ّ م ،وأ ّةه ّ ل ليس ِفي وجهه علم ُ أن الطف َ
م أخيها. وه ّ
م
ل الهمو َ ب يحم ُ خل ِقَ لها قل ْدُ - قت لت َل ِ َ
خل َ
ل أنها أنثى قد ُ من أج ِ
دها ويربيها. ويل ُ
م دائما ً ِفي الحياةِ آلما ً فيها معنى ُ
دت للمومة ،تتأل ُ ل أنها أع ّ من أج ِ
انفجارِ الدم.
د ،يزيد ُ هذا الوجود ُ دائما ً في ل أنها هي التي َتزيد ُ الوجو َ من أج ِ
أحزانها.
حها ،فكيف بها َ
وإذا كانت بطبيعِتها ُتقاسي اللم ل ُيطاقُ حين تلد ُ فََر َ
في الحزن!...
م مطمئنا ً إلى هذا الوجودِ ل إلى صدرِ أخِته ،وقد نا َ س الطف ِ وكان رأ ُ
ج من ل إذا خر َم الطف ُ ل مثِله ،ما دا َ النسوي ،الذي ل ب ُد َ منه لكل طف ِ
ج إلى الدنيا وإلى صدِرها معاً. ن أمهِ خر َ بط ِ
سَلة على أخيها كي َد ِ الم على طفِلها .يا ِإلهي! مر َ دها ُ مت هي وي ُ ونا َ
دها مستيقظة! ت وي ُ م ْ نا َ
ت ِبالسعداِء قي ْ
ش ِ ن؟ أم كلهما تمثال للنسانيةِ التي َ أهما طفل ِ
فت سعادُتها به؟ ه من رحمِته أل تجد َ شقيا مثَلها أل تضاع َ ضها الل َ ُ فعو َ
ن في الجسم ِ الخر، ب أحد ِ الحبيبي ِ ن كيف َيسري قل ُ ن يصورا ِ تمثال ِ
رها وغناها ،ول ل الدنيا إليه بفق ِ ل له وجودا ً فوقَ الدنيا ،ل تص ُ فيجع ُ
ي
سعادِتها وشقاِئها ،لنه وجود ُ الحب ل وجود ُ العمر ،وجود سحر ّ
ر
ل والتراب ،والمي ِ ن الما ِ ليس فيه معًنى للكلمات ،فل فرقَ بي َ
س الدم ،وإذ ِ المعنى ليس في أشياءِ ة هناك إحسا ُ صعلوك ،إذ ِ اللغ ُ وال ُ
المادةِ ولكن في أشياِء الرادة.
ل معَنى وللتراب ن بعده للما ِ ظ معَ الموت ،فيكو َ وهل تحيا اللفا ُ
معَنى...؟
ه
ت في نقل ِ ه المو ُ ل شبيها َ بما يفعل ُ ُ هي كذلك في الحب الذي يفع ُ
ن وراَء الدنيا ،والخَر وراء َ
خر ،ب َي ْد َ أن أحد َ العالمي ِ حياة َ إلى عالم آ َ ال َ
النفس.
م الطف ُ
ل المسكين ،ومن شعورِهِ ِبهذه ت الممدودةِ ينا ُ
ت يد ِ الخ ِ
تح َ
ل الدنيا على قلِبه. اليد ،خف ثق ُ
م يجد ُ في أخِته عاَلم َقلِبه الصغي ِ
ر م كّله ،ما دا َ ذه العال َ ُ ل أن ن َب َ َ لم يبا ِ
ض
مه الغَ َ معَ لح َج َ
عشهِ المعلق ،وقد َ ه فرخ من ِفراخ الطيرِ في ُ وكأن ُ
فسه َ
ن ضي ّقَ في ن ِ ح أمه ،فأحس أهنأ السعادةِ حي َ جنا ِ
ت َ الحمَر تح َ
من ن الريش .وكذلك َيسعد ُ كل َ م َن العظيم ،وجعَله ُوجودا ً ِ الكو َ
ة في نشأة ل الطفول ُ ق وتبديِلها ،وفي هذا تفع ُ ك قوة َ تغييرِ الحقائ ِ يمل ُ
ت الفلسفةِ الُعليا في جملةِ أعماِر ضه معجزا ُ ل بع َ رها ما ل تفع ُ عم ِ
الفلسفة.
جّنوا ِبالذهب ،ول الذين فُِتنوا بالسلطة ،ول الذين وما صنعَ الذين ُ
هََلكوا بالحب ،ول الذين تحطموا ِبالشهواتِ -إل أنهم حاولوا عبثا أن
َ
تب والشهوا ِ ة اللهِ لُتعطيهم في الذهب والسلطةِ والح ً شوا رحم َ َير ُ
ت ذراِع ب َتح َ م في أشعةِ الكواك ِ ن النائ َ ل المسكي َ ما َناوََلته هذا الطف َ
حه الرضي. ب ُرو ِ كوك ِ
ة
ل ملك ِهِ أن يشتريَ الطريق َ ك لن يستطيعَ بك ً م الملو ِ أل ِإن أعظ َ
ة قلب هذا الطفل. ض بها الساع َ ة التي َينب ُ الهنيئ َ
ن وأنا مستيقن أن حول َِهما ملئكة تصعد ُ وملئكة ت أشهد ُ الطفلي ِ وقف ُ
ة
كسَر ِ ه معَ المن َ ت هذا موضع من مواضِع الرحمة ،فِإن الل َ َ تنزل ،وقل ْ ُ
مَلكا َ كريما َ فحاِتها ،ولعل َ ض لَنفحةٍ من ن َ ن أتعر َ قلوُبهم ،ولعلي أ ْ
وج نفسي إليها، ة ما أح َ حه َرف َ يقول :وهذا بائس آخر ،فَُيرفني بجَنا ِ
س
ة من ذلك النورِ المتللىِء فوقَ الشم ِ تجد ُ بها في الرض لمس ً
والقمر.
ن -أسود َ ل من مرأى الغلمي ِ وظهَر لي بناُء )البنك( في ظلمةِ اللي ِ
ح له ه إلى الصبح ،ثم ُيفت َ ُ ن ُيمسك ُ ُ ل على شيطا ِ ن أقف َ ه سج ٌ كالحًا ،كأئ ُ
فر ِبالل َهِ وبالنساني ِ
ة م جبار ك َ مَعفرًا ،أيْ مخربَا ....أو هم جس ُ لينطلقَ ُ
ه من ه بناء ،وأحاط َ ُ ه الل َ ُ سخ ُ سه فم َ ظ نف ِ فسه وحظو ِ ن إل بن ِ ولم يؤم ْ
ره..، مهِ وكف ِ هذا الظلم ِ السودِ بمعاني آثا ِ
وى )الجوع( ن على الط َ َ ن في أطمارِ باليةٍ يبيتا ِ ن جائعا ِ يا عجبًا! بطنا ِ
من الذي ل ََعن ة البنك! ت َُرى َ عتب َ
هما ِإل َ ن ِوساد ُ ُ والهم ،ثم ل يكو ُ
ن
ن الفارغي ِ ن القلبي ِ )البنك( بهذهِ اللعنةِ الحية؟ ومن الذي وضعَ هذي ِ
ؤها ة يمل ُ ن حديدي ً ن ليس البنك خزائ َ ت للناس أ ْ موضَعهما ذلك ل ُِيثب َ
ؤها الحب...؟ ن قلبية يمل ُ الذهب ،ولكّنه خزائ ُ
شعرٍ معًا ،فإذا الفكُر والشعُر ة فكرٍ ورؤَية ِ ن رؤي َ ت أرى الطفلي ِ ف ُ وق ْ
م واشتد َ ضهما اله ُ ت في نفسين م ّ مِهما ،ودخل ُ ن أحل ِ ن بيني وبي َ دا ِ يمت َ
هما )أتعبهما( عليهما الفقر ،وما من شيٍء في الحياةِ ِإل كد ّ ُ
ت نومتي الشعرية... هما ،ونم ُ سَر ُ وعا َ
ف على باب )السيما( لخِته :هلمي فلنذهب من هنا فنق َ ل ْ قال الطف ُ
ن لهم أب وأم. ما بنا ،فَنرى أولد َ الغنياِء الذي َ جم ّ نتفر ُ
ح النعمة، ف فيهم ُرو ُ انظري ها هم أولِء ي َُرى عليهم أثُر الِغنى ،وُتعَر ُ
س
عظامهم ،أما نحن فنلب ُ ن لحما ً على ِ شِبعوا ...إنهم يلبسو َ وقد َ
منا جلدا َ كجلد ِ الحذاءِ ،إنهم أولد ُ أهليهم ،أما نحن فأولد ُ على عظا ِ
ة
ي ياِبس ،يعيشون في الحيا ِ طب إنسان ّ ح َالرض ،هم أطفال ،ونحن َ
ت ،لهم ن نمو َ ت الموت ،إلى أ ْ كرا ُ شنا هو س َ ثم يموتون ،أما نحن فعي ُ
عيش وموت ،ولنا الموت مكررًا.
ن الَبزةِ )الزي(، س ِ ح َ ل البيض السمين ،ال َ َويلي على ذلك الطف ِ
ل لص قد سرق طعاما ً ق الشاردة ،ذاك الذي يأكل الحلوى أك َ الني ِ
ذه َ
فأشرع َ َيحد ُِر في جوفه ما سرق ،هو الغَِنى الذي جعله يبتلعُ به ِ
ب ما يأكل ،أو له حلقٌ غيُر الشراهة )شدة الكل( ،كأنما يشَر ُ
م معه ،وإذا ارتفعنا عن حلوق ،ونحن -إذا أكلنا -ن ََغص بالخِبز ل أد َ ال ُ
فنا َ أو فاسدا َ ل ن الطعام ،وأصبناه ع َ ِ م َذه الحالةِ لم نجذ ِإل الَبشيعَ ِ ه ِ
م من ُقشوِر م ُق َ س ِإل ما َنت َ فضَنا فلي َ حلق ،فإذا انخ َ سوغ ُ في ال َ يَ ُ
ت الخبز )ٌفتاته( كالدواب والكلبِ ،وإن لم نجد حَتا ِ ض ومن ُ الر ِ
م قوم في دار أو ن ُُزل ،فنراهم يأكلون َ
ن طعا َ م وقفَنا ن ََتحي ُ ومسنا الُعد ُ
ضربا ً مهم وإل أطعمونا َ ن نستطع َ ل معهم بأعيِننا ،ول نطمعُ أ ْ فنأك ُ
ب ما كان ن قد جئناهم بألم واحد ِ فرُدونا بألمين ،ونفقد ُ بالضر ِ فنكو ُ
ل والصبر. ن الحتما ِ قنا م َ م َ ك َر َ س ُ ُيم ِ
ورون شهوة ً كلما أكلوا ،ليعودوا فيأكلوا ،ونحن هؤلِء الطفال يتض َ
نتضوُر جوعا ً ول نأكلِ ،لنعود َ فنجوع َ ول نأكل ،وهم بين سمِع أهليهم
دت ج َ رهم ،ما من أن ّةٍ إل وقَعت في قلب ،وما من كلمةٍ إل و َ ص ِ وب َ
ن ضائعٌ ،ودموع ٌ غيُر رها ،أني ْ إجابة ،ونحن بين سمِع الشوارِع وبص ِ
مرحومة!
ت رجل ً عريضَا ،أتدرين ماذا أصنع؟ صر ُ تف ِ كبر ُ آه لو َ
-ماذا تصنعُ يا أحمد؟
-إنني أخنقُ بيدي كل هؤلِء الطفال!
ل امنا التي ماتت، م مث ُ سؤأة ٌ لك يا أحمد ،كل طفل من هؤلِء له أ ٌ َ -
كلُتك )فقدتك بموتك( إذا ل بي لو ث َ ِ وله أخت مثلي ،فما عسى ينز ُ
ل طويل عريض؟ قك رج ٌ خن َ
ُ
قهم ،بل سأرضيهم من نفسي ،أنا أريد ُ أن أصيَر رجل ً مثل ُ -ل ،ل أخن ُ
نن السطوةِ ُتعل ُ م َ م على حال ِ )المدير( الذي رأيناه ُ في سيارت ِهِ اليو َ
ن ماذا أصنع؟ ه المدير ...أتدري َ أن ُ
-ماذا تصنعُ يا أحمد؟
ت نعشا ً ت عند َ الظهرِ فانقلب َ ْ ف التي جاَء ْ ة السعا ِ ت عرب َ -أرأي ِ
ُ
ى عليه في الطريق؟ ل الهرِم ِ المحط َم ِ الذي أغم ِ )تابوتًا( للرج ِ
سمعُتهم يقولونِ :إن المديَر هو الذي أمَر باتخاذ ِ هذهِ العربة ،ولكنه
ب الدنيا، ه تجار ُ كم ُ ن الحياة مثَلنا ،ولم ُتح ِ ل لم يتعلم م َ غف ٌ رجل ُ
رها ل ُيحييهِ المديُر ول غيُر المدير، فجاءة َ أو غي ِ ت بال ُ فالذي يمو ُ
ن الناس من يبتدرونه لَنجدِته وإسعاِفه ق يجد ُ م َ والذي يقعُ في الطري ِ
ة على أنها ق عربةٍ ينتظُر المصيب َ ب سوا ِ ب إنسانية رحيمة ،ل بقل ِ بقلو ٍ
عيش. رزقٌ و َ
ب أن تحم َ
ل ن فيها أكل ...ويج ُ ب أن يكو َ ف هذه يج ُ ت السعا ِ عربا ِ ِإن َ
ت والمدارسِ ،وإن لم يكن ق والشوارِع إلى البيو ِ ن الطر ِ م َ أمثاَلنا ِ
مه وُتؤيه فلُتصَنع له أم. م ُتطع ُ لأ ٌ للطف ِ
كل شيٍء أراه ل أراه ِإل على الغَلط ،كأن الدنيا منقلبة أو مدب َِرةٌ
مجاِريها ،فهؤلِء ت الموَر في بلِدنا جارية على َ إدباَرها ،وما قط رأي ُ
موا م ل ينبغي أن يكونوا ِإل من أولد ِ صالحي الفقراء ،ليحك ُ الحكا ُ
حموا الموَر ن الِغنى والقسوة ،وليتق ّ ن الفقرِ والرحمة ،ل بقانو ِ بقانو ِ
ة
صلب ٍ ة بنفوس عظيمةٍ صريحةِ قد نبتت على ِ ة المشتبه َ العظيم َ
ث ِإل م في معركةِ الحواد ِ ن ورحمة ،فإنه ل ينهز ُ وبأس ،و ُ ُ
ق ودي ٍ خل ٍ
ل اللين ،وبهؤلِء لم ن في أه ِ ل النعمة ،وأخلقُ اللي ِ ح النعمةِ في أه ِ رو ُ
ل حادثةِ سياسية. ح الشرقُ من هزيمةٍ سياسية في ك ّ يبر ِ
شنا َ فيه خ ِ ن صلبا َ َ ه فِإن كا َ م ُ م الحاكم ِ ود ُ إن للحكم ِ لحما ً ودما ً هم لح ُ
م
ف الحك َ ن والَتر ُ ح السماِء فذاك ،وِإل قََتل اللي ُ ض وُرو ُ ح الر ِ ُرو ُ
ن لهم هم ِإل م من أولد ِ الغنياِء ل يكو ُ م جميعَا .وهؤلِء الحكا ُ والحاك َ
ة درجة فوقَ الِغنى ،ومن سهم ،إ ِذ ِ السلط ُ ن أنف ِ ن يرفعوا من شأ ِ أ ْ
م الذي خل ُقُ الظال ُ ف لتلك ،فإذا جمعوهما كان منهما ال ُ نال هذهِ است ََر َ
دموا الخل ُ َ
ق ث عَ ِ وا ،من حي ُ م العتداَء قوة ً وسطوة ً وعل ً يصوُر له ُ
دهم ِإذا جبنا ً ونذالةِ .إن أح َ ذه القوة َ ضعفا ً و ُ م الذي يصوُر لهم ه ِ الرحي َ
ه الولى ِإل في المبدأ ط أراد َ أن يضرب ،ثم لم تكن ضربت ُ ُ حكم وتسل َ
ن على ما ل الدبي للنسانية .يحرصو َ الجتماعي للمة ،أو في الص ِ
مهم ،أي على السلطة ،أي على الحكم ،فيحمُلهم ذلك على ب ِهِ تما ُ
نم َ سهم أسباَبه؟ ِ ص أخلَقه ،وْان يجمعوا في أنف ِ أن يتكفلوا للحر ِ
ن
ك بعيد ،فينشرو َ المداراةِ والمصاَنعةِ والمهاَونة ،نازل ً فنازل ً إلى د ََر ِ
م القوة. ق بقوةِ القانون ما داموا هُ ُ أسوأ الخل ِ
-وماذا تريد ُ أن يصَنع أولد ُ الغنياِء يا أحمد؟
ة ،ليجدوا عمل َ ة والتجار َ ب أن يباشروا الصناع َ -أما أولد ُ الغنياِء فيج ُ
ه واللهِ لول َ ن منه رزَقهم بايديهم ل بأيدي آباِئهم ،فإن ّ ُ ْ شريفا ً ُيصيبو َ
ن أميرِ متبطل )عاطل عن ما كان فرقَ بين اب ِ يل َ العمى الجتماع ّ
ل في ن فقيرِ متبط ٍ ن القصورِ والضياع ،واب ِ م َ ك أبيه ِ العمل( في أمل ِ
ن الزقةِ والشوارع. م َ س البلدي ِ ك المجل ِ أمل ِ
ه
ح السوقَ والشارع َ بأخلقِ ِ وابن الميرِ إذا كان نجارا َ أو حدادا ً أصل َ
ة
س منه المان َ م سواد ُ النا ِ مه ،فيتعل ُ فه وكر ِ الطيبةِ اللينة ،وتعف ِ
م فوقَ الضطرار ،ول كذلك ب ول يسرقُ ما دا َ والصدق ،إذ هو ل يكذ ُ
ن ن تاجرا ً أو صانعًا ،فتكو َ ن يكو َ شأ ْ ن الفقيرِ الذي َيضطره ُ العي ُ اب ُ
ن في ة وهي الِغش ،ويكو ُ حرفُته التجارة َ وهي السرقة ،أو الصناع َ
ب وإثم ٍ ولصوصيةٍ . دة ك َذ ِ ٍ عمرِهِ ما َ س أكثَر ُ النا ِ
ن ماذا أصنع؟ ت مديرًا! أتدري َ صز ُ آهِ لو ِ
-ماذا تصنعُ يا أحمد؟
دهم ِبالقوةِ إلى النسانية ،وأحملهم عليها -أعمد ُ إلى الغنياِء فأر ُ
ن والنعمة ،ثم حم َ ُ
ف واللي ُ دها التَر ُ ح فيهم صفاِتها التي أفس َ ل ،أصل ِ ُ
ت النسانيةِ بالفقراء ،وأحمُلهم على ُ
ح ما أخل به الفقُر من صفا ِ أصل ِ ُ
ن
ن على أصل في الدم ِ إ ِ ْ وي هؤلِء وهؤلء ،ويتقاربو َ ل ،فيست ِ ذلك حم ً
ت إل من ط أمِتنا هذه لم يأ ِ لم يلده ُ آباؤهم ولد َه ُ القانون .أل ِإن سقو َ
قطعَ ما بينهم ،فهم أعداء ت النسانيةِ في أفراِدها ،فت َ تعادي الصفا ِ
ل وطنهم. مهم أه َ في وطِنهم ،وإن كان اس ُ
ة في المةِ كلها ودانى بعضًا -صار ت النساني ُ ُ
مت الصفا ُ ومتى أحك ِ َ
لن ة واحدة ً كما هو الن .القانون ا َ ن كل فرد ِ كلمتين ،ل كلم ً قانو ُ
ك الفقراَء حقي وواجبي( وما أهل َ َ ن) َ ن يكو َ حقي( ونحن ُنريد ُ أ ْ ) َ
ن
كامِ -إل قانو ُ ن بالح ّ بالغنياء ،ول الغنياَء ِبالفقراِء ول المحكومي َ
الكلمةِ الواحدة.
ما.
ة أزهارٍ ُتسمى أيا ً
كان عمُرها طاق َ
ة الناعمة
ت الورق ُ
م بعد َ اليوم ،كما ت َن ْب ُ ُ
سق فيه اليو ُ ة أزهارٍ ي َن ْت َ ِ
كان عمُرها طاق َ
مثِلها.
في الزهرة إلى ورقة ناعمة ِ
تلك اليام التي تعمل فيها الطبيعة لشباب الجسم بقوى مختلفة :منها
الشمس والهواء والحركة ،ومنها الفرح والنسيان والحلم!
وماتت عذراء بعد ثلث سنينُ ،أنزلت إلى قبرها في اليوم الثالث من شهر
مارس في الساعة الخامسة بعد الظهر!
يا عجائب القدر! أذاك لحن موسيقي لنين استمر ثلث سنوات ،فجاء آخره
موزوًنا بأوله في ضبط ودقة؟
واليوم الواحد على الدنيا هو أيام مختلفة بعدد أهل الدنيا جميًعا ،وبهذا يعود
لكل مخلوق سر يومه ،كما أن لكل مخلوق سر روحه ،وليس إليه ل هذا ول
هذا.
وفي اليوم الزمني الواحد أربعمائة مليون يوم إنساني على الرض! ومع ذلك
ل النسان أربًعا وعشرين ساعة؛ يا ل َْلغباوة!..
صيه عق ُ
ح ِ
يُ ْ
س ،وفي الحياة أشياءُ وفي الحياة أشياء مكذوبة ت ُك َّبر الدنيا وت ُ َ
صّغر النف َ
مد َْقع حين تكون
ب الرض كله فقر ُ ظم بالنفس وتصغر بالدنيا؛ وذ َهَ ُ حقيقية ت ُعَ ّ
المعاملة مع القلب.
ماذا يكون أيها المجرم بعدما تقترف الجناية ،ويقوم عليك الدليل ،وترى
حولك الجند والقضاة ،وتقف أمامك الشريعة والعدل؟
أعمالنا في الحياة هي وحدها الحياة ،ل أعمارنا ،ول حظوظنا .ول قيمة للمال،
من فيسلب صاحبها المن والقرار! وال ِ أو الجاه ،أو العافية ،أو هي مًعا – إذا ُ
ة ل تزال تجري وراَءه .والسعيد ُ في الخرة منمن لم تكن وراَءه جريم ٌ الدنيا َ
ة تطارده وهو في السماوات. لم تكن له جريم ٌ
داد( :ما تتحرك من حركة إل كيف يمكن أن تخدع اللة صاحَبها وفيها )العَ ّ
ن رّبه وفيه القلب :ما يعمل من
دها؟ وكيف يمكن أن يكذب النسا ُ أشعرته فَعَ ّ
ده؟عمل إل أشعره فع ّ
***
ك له الحسرة والذكرى الليمة؟ ت أنت الِغنى عندما ُيدبر عن إنسان ليتر َ أفرأي َ
بأرأيت الحقائق الجميلة تذهب عن أهلها فل تترك لهم إل الحلم بها؟ ما أتع َ
ن حين تتحول الحياة عن جسمه إلى القامة في فكره! النسا َ
ت العروس قبل موتها بأيام ،فََيال َل ّهِ من أسرار الموت ورهبته! فرغ جسمها
رأي ُ
كما فرغت عندها الشياء من معانيها! وتخلى هذا الجسم عن مكانه للروح
تظهر لهلها وتقف بينهم وِقفة الوداع!
وتحول الزمن إلى فكر المريضة؛ فلم تعد تعيش في نهار وليل ،بل في فكر
مضيء أو فكر مظلم!
يا إلهي! ما هذا الجسم المتهدم المقبل على الخرة؛ أهو تمثال بطل تعبيره
أم تمثال بدأ تعبيره؟
لقد وثقت أنه الموت ،فكان فكرها اللهي هو الذي يتكلم؛ وكان وجهها كوجه
العابد :عليه طيف الصلة ونورها .والروح النسانية متى عبرت ل تعبر إل
بالوجه.
ولها ابتسامة غريبة الجمال؛ إذ هي ابتسامة آلم أيقنت أنها موشكة أن تنتهي!
فا في يده الساعةجانه واق ً
س ّ
ابتسامة روح لها مثل فرح السجين قد رأى َ
يرقب الدقيقة والثانية ليقول له :انطلق!
***
تلك حالة ل تنفع فيها الشمس ول الهواء ول الطبيعة الجميلة ،ويقوم مقام
جميعها للمريض أهلها وأحباؤه!
وكان ذووها من رهبة القدر الداني كأنهم أسرى حرب ُأجلسوا تحت جدار
ضا مثل ضربات المعاول.
يريد أن ينقض! وكانت قلوبهم من فزعها تنبض نب ً
***
ثم ذكرت الله وذكرتهم به ،وقالت" :أشهد أن ل إله إل الله" وكررتها عشًرا!
وتملت روحها بالكلمة التي فيها نور السماوات والرض ،ونطقت من حقيقة
قلبها بالسم العظم الذي يجعل النفس منيرة تتلل حتى وهي في أحزانها.
ثم استقبلت خالق الرحمة في الباء والمهات! وفي مثل إشارة وداع من
مسافر انبعث به القطار ،ألقت إليهم تحية من ابتسامتها وأسلمت الروح!
ياَلعجائب القدر! َ
مشيًنا في جنازة العروس التي ُتزف إلى قبرها طاهرة
كالطفلة ولم يبارك لها أحد! فما جاوزنا الدار إل قليل ً حتى أبصرت على حائط
ما عن
ما بالخط الكبير الذي يصيح للعين؛ إعلًنا قدي ً
في الطريق إعلًنا قدي ً
)رواية( هذا هو اسمها" :مبروك…!".
واخترقنا المدينة وأنا أنظر وأتقصى ،فلم أَر هذا العلن مرة أخرى! واخترقنا
المدينة كلها ،فلما انقطع العمران وأشرفنا على المقبرة ،إذا آخر حائط عليه
العلن" :مبروك…!".
ييييي يييييي
يي ييييي ييي
ييي يييييي ييييي يييييي ييي ييييي ييي ييي)يي ييي ييييي
ييييييي(
يييييي ييييي يييييي ,ييييي يي يييييي ييييييي ,يييييي
يييييي ييييييي_يي يي ييي ييي ييييييييي يييي يي ييييي
يي
يي ييي ي
ييييي يييييي يي يييي ييي ييييي يييي ييي يييي ي
ييي يي يييي يييي ييييي ييي يييي ييييي,ييييييي يييي ,ي ي
ييييي ييييييي,يي يي يييي يييييي ييي ييي يييي ييييييي,
ييي يييييي يييييييييي ييييي يييي ييييي يي يييييي
ييييييي يييي ييي يييييي يييييي ييي ييييي يييييي.........
ييييي ييييييي
يييي ييييي
يييي
ييي يي ييييييي يي ييي ييي يييي يييييي ييي يييييييي ي
يييييي ييييييي,يييي ييييي يي ييييي )يييييي(ييييي
ييييييي,يييي ييي يييي يييي يييي يييييي يييييييي يي ييي
ييييييي ,ييي ييييي ييي ييي ييييي يي ييي يي ييي ييييييي
يييي يييييي ييييييي يي ييي ييييي.
يييي يييييي يييييييي ييي يييي ييي ييييي ييي يييييي
ييييي,ييييي ييييي يييييي ييييي يييييي يييي ,ييييي ييي
ييي ييي يييييي ييييي يييييي ييي
يييييي ييييي يييييي ,ي ي
يييييي ييييييي ييييي يييييي يي يييي ييييي,ييييي يييي
ييييي ييييييي يييي ,ييييي ييييييي ييييييي ييي ييييي
يي,ييييي يي ييي ييييييي يي يييي يييي ييييي ,يييييي يي
يييييي يييييي يييييي ييييي ييييي ييييييي,يي ييييي يي
ييييي
ييي ييي ييييي يييييي ييييي ييييييي,يييييي ييي يييي
يييييي ييييي ييييي ييييييي,ييييييي يي ييييي ييييي يييي
ييييييي ييييييي,يييييي ييي ييي ييي ييييي يييي يييييي
يييييي.....
ييييي يييييي يي ييي ييييييي يييي يييي يييييي ييييييييي
يي ييييي يييييي يي يييي يييييي يي يييييي ييييي يي يييييي ,ي
ييي يي ييييي يي يي ييييي..............