Professional Documents
Culture Documents
الفقاهة ـ بالقطيف
الوكيل احلرصي ملركز
مجيع احلقوق حمفوظة لدى
الفقاهة يف لبنان والعامل
مركز الفقاهة
العريب دار العلوم للطباعة
والتوزيع والنرش
اخراج فني:
عيل البحراين
معامالت
البنوك التجارية
ّ
العالمة الدكتور عبد اهلادي الفضلي
G
V
العالمة الفضلي الفقيه املثقف
واحلمد هلل رب العاملني ،وأفضل الصالة وأزكى السالم عىل حممد وآله الطيبني
الطاهرين ،وبعد،
وها هي حوزة قم العلمية تتواصل علم ًّيا معه ،إ ْذ إن مؤلفاته يف حقل املناهج
احلوزوية ما زالت ترفد املعاهد العلمية ،ومؤلفاته املختلفة حمل تقدير واهتامم
واسعني.
وأما شموخ الكتاب ،فهذا ما ستتلمسه بنفسك – قارئنا العزيز– وهذه ملحة
خاطفة عن أسلوبه العام ،ومن ثم أسلوبه يف الكتاب:
فقد (مت َّيز العالمة الشيخ عبد اهلادي الفضيل من بني أقرانه العلامء بأسلوب فريد
والقراء عىل حدٍّ سواء .وقد
َّ ورائع يف الكتابة .كان – وال يزال -مثار إعجاب الكتاب
سمعنا الكثري من تالمذته ورفقائه حيدِّ ثون هبذا)().
() فن الكتابة عند الدكتور الفضيل ،الشيخ عبد الغني العرفات ،جملة الكلمة ،العدد (.)55
العالمة الفضيل الفقيه املثقف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفضيل:
الثالثة :الرسالية.
.1وضوح العبارة.
كام أنه (حفظه اهلل) يضع القارئ أمام خطة بحثه دو ًما يف مقدمته أو توطئته،
ليكون عىل خطة واضحة تعينه يف ربط األفكار املتناولة يف الكتاب.
.5اخلربة التأليفية().
املنهج الفقهي:
أما منهجه الفقهي ،فهو غري بعيد عن املنهج العلمي عند الفقهاء واملحققني،
وإذا جاز لنا تقسيم املنهج الفقهي إىل :صناعي دقي وعريف ،فهو من القسم الثاين ،كام
يالحظه املراجع آلثاره الفقهية.
وندرج هنا بعض العنارص التي الحظناها يف أسلوبه يف الكتابة الفقهية ضمن
املنهج العريف يف قراءة النصوص الرشعية:
يقول يف مقدمة كتابه (دروس يف فقه اإلمامية)« :وألن هناك منهجني تناول
الفقهاء والباحثون قضايا الفقه ومسائله يف ضوئهام ،وعىل هدي من تعليامهتام ،ومها
نموذجا ،الشيخ
ً () انظر :قراءة يف حماوالت التجديد يف املناهج احلوزوية ،الصدر والفضيل
حممد عمري ،جملة الكلمة ،العدد (.)55
العالمة الفضيل الفقيه املثقف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سلكت يف دراستي هذه املنهج العلمي ،مبتعدً ا قدر
ُ املنهج الفلسفي واملنهج العلمي،
الطاقة عن املنهج الفلسفي ..حيث يتحرك األول يف عامل الفكر التكويني ،ويتحرك
الثاين يف عامل الفكر الترشيعي» .ويقول« :ومن الواضح أن الفقيه الذوقي هو األقرب
إىل طبيعة وواقع فهم النصوص الرشعية .وعىل أساس من هذا – ومن غري ريب يف
ذلك – يفضل مثل هذا الفقيه عىل الفقيه الصناعي .وينبغي أن حيتاط لذلك حتى يف
جمال التقليد وإناطة منصب اإلفتاء العام»() .
وهو يف هذا النص ُيبينِّ مالمح منهجه العلمي املختار يف قراءة النص.
إن املوقف الفقهي من السلوك إىل معرفة معنى النص الرشعي يتمثل يف التايل:
.2أن استعامل العرف هو بمثابة القرينة ،و القرينة يف حالة تعارضها مع صاحبها
() النص الرشعي :مفهومه وفهمه ،الدكتور الفضيل ،جملة الكلمة ،العدد (.)55
معامالت البنوك التجارية 10
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املفس ،وهذا من القضايا الواضحة.
واملفس يقدَّ م عىل رَّ
رِّ مفسة،
تقدَّ م عليه ألهنا رِّ
والذي يتحكم يف هذا الفهم العريف هو ما يمتلكه الفقيه من ذوق أديب يوقفه عىل
نِكات التعبري ودقائق الرتكيب اللفظي .كام أن الذي حيكّم فيه هو ما حيمله الفقيه من
حس اجتامعي يدرك به عرفيات النص التي يضيفها االستعامل االجتامعي عىل مغزاه
ّ
ومؤ َّداه ،التي هي فوق القواعد والتي هي من نتائج الطريقة االجتامعية (العرفية) يف
التعامل مع الصياغات الكالمية ودالالهتا .ومن هنا نعت هذا الفقيه بالفقيه الذوقي.
وأيضا وعىل أساس منه ندرك أمهية ورضورة ا ّطالع الفقيه عىل حضارة عصور
ً
الترشيع اإلسالمي ،وبخاصة ما يرتبط منها بفهم دالالت النصوص الرشعية.
كام ال ُبدَّ يف دراسة النص الرشعي من أن نتحرك داخل إطار املبدأ العام للترشيع
املرشع اإلسالمي أن يلتقي دائماً وأبدً ا مع طبيعة اإلنسان اإلسالمي الذي راعى فيه ِّ
عب عنها تعاىل يف تكوينه اجلسدي والروحي والنفيس والعقيل ،تلك الطبيعة التي رَّ
ِ ِ
وتقدَّ س ﴿ف ْط َر َة اللهَِّ ا َّلتي َف َط َر الن َ
َّاس َع َل ْي َها﴾() ،وداخل دائرة عالقاته االجتامعية فر ًدا
وأرسة وجمتم ًعا ودولة ،وهبا حيافظ عىل مقاصد الرشيعة ،وهي :حفظ الدين وحفظ
النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ املال().
مرت هبا
وتنشأ أمهية هذا املنهج من أمهية التعرف إىل املراحل التعليمية التي َّ
املسألة املبحوثة ،والتعرف إىل آراء األعالم وظروف تطورها وتغيرُّ ها ،مما يؤثر عىل
فهم املسألة ومصاديقها.
وهذا يرجع إىل الطريقة العلمية التي اختارها يف تعامله مع النصوص الرشعية
والتي ذكرناها يف النقطة األوىل ،كام يتجىل هذا البعد يف نوعية البحوث التي اختارها
للبحث ،كالغناء ،واالجتهاد ،والتقليد ،وحلق اللحية ،واملوقف يف ظل الدولة
اإلسالمية ،ودراسة داللية لكلمة (إرهاب) ،والرأي الفقهي يف الصلح مع إرسائيل،
التأويل ،وغريها من البحوث ذات الصلة باحلراك االجتامعي والثقايف املعارص.
كتاب (معامالت البنوك التجارية):
وهو بني يديك ،وقد ذكر سامحته يف املقدمة خصائص هذا الكتاب ،حيث
وأنموذجا ملا ُيعرف بـ
ً أعدَّ ه ليكون اجلزء الرابع من سلسلة (دروس يف فقه اإلمامية)،
(املسائل املستحدثة).
وجتلىَّ يف هذا الكتاب األسلوب اخلاص واملتميز املذكور آن ًفا ،باإلضافة إىل
املميزات التالية:
.1اختيار بحث (البنوك) ملا له من أمهية يف البحث الفقهي املعارص.
.2حتديد املنهج العام للكتاب بني يدي القارئ قبل الرشوع فيه.
.3التوطئة للبحث برسد كعجم خمترص للمصطلحات االقتصادية ذات الصلة،
وهو ما سيمثل املبادئ التصورية للبحث.
.4بحث موضوع (الربا) يف املعجم االقتصادي املعارص ،وكان دافعه إىل
ذلك «ما سنراه من اختالف يف فهم الفقهاء ملعطيات النصوص الرشعية ،وفهمهم
معامالت البنوك التجارية 12
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمؤثرات العرفية اجلاهلية ،وكذلك ما نراه من خالف يف النتائج التي انتهى إليها
الفقهاء».
.5تقديم خالصة لكل مادة مبحوثة ،ليسهل عىل القارئ استيعاب البحث
كامالً.
.6استعراض رأي بعض الفقهاء من العامة ،وهذا جيعل من البحث بح ًثا فقه ًّيا
مقارنًا.
-1البنك
-2املقدمات
حقيقة الربا ،مسائل هلا مدخلية مبارشة ،احلكومات والرأي الفقهي يف
مرشوعية التعامل معها ،متلك الشخصية املعنوية ،إنشاء العقد بالكتابة ،الربا يف
النقود الورقية.
البنوك
التسمية
التعريف
النشأة
التطور
التنويع
األعامل املرصفية
اخلالصة
التسمية
يطلق يف لغتنا العربية املعارصة عىل املنشأة املالية التي نحن يف معرض تعريفها
وتعرف أحكامها الرشعية عنوانان أو اسامن ،مها:
وقد نص غري واحد من املعجميني العرب املعارصين عىل تعريب هذا االسم،
كام يف معجم (حميط املحيط) ـ مادة بنك ـ ،وجاء يف معجم (الروس) العريب ـ مادة
بنك ـ« ،البنك (معرب) :املرصف».
وألن كلمة (بنك) مل تستعمل يف هذا املعنى احلديث عند العرب إالّ بعد معرفتهم
هبا عن طريق اللغات األوروبية ،مل تدخل املعاجم العربية إالّ حديث ًا ،وربام كان أقدم
من ذكرها هبذا املعنى اجلديد املعلم بطرس البستاين (ت 1300هـ ـ 1883م) يف
معامالت البنوك التجارية 18
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(حميط املحيط) ،فقد جاء فيه« :البنك :املصطبة ،وكل ما كان مرتفع ًا عام حوله ،وما
تُرفع عليه جرة املاء ،ورأس مال يوضع يف حمل خمصوص ألجل أعامل خمصوصة
وحتت إدارة ورشائع معينة.
ويطلق أيض ًا عىل املحل الذي يوضع فيه ذلك ،وعىل أصحاب املال أنفسهم،
وعىل مديري العمل .معرب ج بنوك وبنوكة».
وممن أشار إىل ذلك األب اليسوعي يف معجمه (املنجد) ـ مادة بنك ـ قال:
«البنك ج بنوك (ت) =( :اصطالح جتاري) :املحل الذي توضع فيه األموال ألعامل
خمصوصة حتت إدارة خمصوصة ،وعربيها (املرصف) ،»...ويف (املعجم الوسيط) ـ
مادة رصف ـ« :املرصف :مكان الرصف ،وبه سمي البنك مرصف ًا» ،ويف (املعجم
العريب األسايس) ـ مادة بنك ـ« :البنك :املرصف».
ويطلق ـ أيض ًا ـ عىل املحل الذي يوضع فيه ذلك ،وعىل أصحاب املال أنفسهم،
وعىل مديري العمل».
وقد يرجع هذا الفارق إىل استعامل كلمة (بنك) يف املحيط كان قبل أن تستقر ـ
معامالت البنوك التجارية 20
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كمصطلح جتاري ـ وتنحرص داللتها يف املؤسسة.
وتعريف املجمع نفسه نجده يف (املعجم الكبري) ،فقد جاء فيه« :البنك :Bank
مؤسسة تقوم بعمليات االئتامن باإلقراض واالقرتاض».
وقد يعود هذا إىل أن أعامل البنك ال تقترص عىل اإلقراض واالقرتاض.
ويف معجم (اهلادي إىل لغة العرب) حلسن سعيد الكرمي« :والبنك :مؤسسة
يوضع فيها املال للتعامل التجاري».
ويف معجم (الكايف) ملحمد الباشا« :البنك :املرصف ،وهو مؤسسة تعنى
باألعامل املرصفية».
ويف معجم (األلفبائي) للجيالين بن احلاج حييى وزميليه بلحسن الب ّليش وعيل
بن هادية« :البنك :هو مرصف توضع فيه األموال ،وتقع بواسطته مبادلة العملة حتت
إدارة خاصة».
وعلينا اآلن االنتقال إىل حماولة الوقوف عىل التعريفات العلمية احلديثة
للبنك.
21 التعريف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاء يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل) ـ ص 44ـ:
«مرصف ،بنك :Bankمؤسسة مالية تقوم بأعامل اإلقراض واالقرتاض ،وبإصدار
الكمبياالت ،وباالئتامن عىل األموال والودائع واملمتلكات الثمينة ،وبتمويل اإلعالم
واملشاريع وما شابه ذلك».
إن الذي يلحظ يف هذا التعريف أنه يقوم عىل بيان الوظائف أو األعامل التي
يقوم هبا البنك.
وألن وظائف أو أعامل البنوك ختتلف باختالف أوضاع البنوك من حيث املكان
والزمان ،قلة وكثرة ،وسعة وضيق ًا ،ومجود ًا وتطور ًا ،صعب عىل املختصني الوصول
إىل بيان حقيقة البنك بتعريف واحد أو موحد ،يشمل البنوك يف خمتلف األمكنة
واألزمنة.
لنقرأ النص التايل من كتاب (عمليات البنوك) لعيل مجال الدين عوض ـ ص
4ـ« :تعريف البنك أو املرصف :من الواضح أن فكرة العمل املرصيف ـ عىل األقل
يف أصلها ـ تستند إىل فكرة املرصف ذاته ،فام هو املرصف؟ ليس هناك ترشيع وضع
تعريف ًا منضبط ًا للبنك أو املرصف ،حتى يف البالد العريقة مرصفي ًا ،فالرشاح اإلنجليز
إذ يقرون عدم وجود تعريف يف أي ترشيع ،يفضلون عدم وضع تعريف جامع،
لصعوبة ذلك ،ويقنعون بذكر معيار ،هو احلد األدنى ،يف خصائص املؤسسة كي تعترب
مرصف ًا ،فيقولون إنه يلزم أن يكون يف اختصاصها:
1ـ قبول النقود من العمالء وديعة ،وحتصيل الشيكات التي تكون مستحقة
هلم ،وإيداع حصيلتها يف حاسباهتم.
معامالت البنوك التجارية 22
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2ـ وفاء الشيكات واألوامر الصادرة من العمالء عىل حساباهتم.
وقد يضاف إىل هذه الوظائف أعامل أخرى ،وإنام هذه هي احلد األدنى الالزم،
وإالّ فال تعترب املنشأة بنك ًا».
هيون األمر يف شأن تعريف البنك يف وقتنا هذا هو انتشار البنوك هذا
والذي ّ
االنتشار الواسع وتعامل كل الناس معها حتى أصبحت رضورة من رضورات احلياة
املالية عند البرش.
ثم ويف سنة 1170م أنشئ بنك آخر يف مدينة جنوة Genoaبإيطاليا أيض ًا.
وبعد ذلك ،ويف مدينة البندقية بإيطاليا أنشئ بنك ريالتو Rancada Pizadi
Riaalroسنة 1587م.
ومن هنا عُدّ الربع األخري من القرن السادس عرش امليالدي البداية الفعلية
والصحيحة لنشأة املصارف احلديثة ().
«أما تاريخ دخول املصارف املنظمة يف العرص احلديث إىل دول العامل اإلسالمية
فريجع إىل عام 1898م عندما أنشئ البنك األهيل املرصي»().
والذي هيمنا الرتكيز عليه من هذه األدوار األربعة الدور الثالث ألنه اخلصيصة
التي متيز البنك عام سواه من املؤسسات املالية.
يقول األستاذ اهلمرشي ـ يف املصدر السابق 39ـ 40ـ« :الدور الثالث :احتكار
مجيع النقود واستغالهلا يف التعامل الربوي.
وتز ّعم هذا الدور فريق املربني ،وساعدهم النشاط التجاري وحركة التصنيع.
ونقصد باملربني ـ هنا ـ رجال التجارة والصاغة والصيارفة ،فهؤالء بعد طول
التجربة واهتدائهم إىل الودائع املرصفية ،وخلق الثقة ـ أو ما يسمى باالئتامن ـ أرادوا
أن تزداد الثروة يف أيدهيم وأن حيتكروها لالستغالل فأخذوا (حيركون املال الراكد
لدى األفراد فيقرتضونه منهم بفائدة قليلة ليقرضوه بفائدة أكرب أو يستثمروا بعضه
ويقرضوا بعضه ،وهدفهم يف كل ذلك اإلنامء ،وقد صادف عملهم هذا قبوالً وإقباالً
من الناس ملا يعتقدونه فيهم من خربة ومران وحسن تدبري).»..
التنويع
يقول الدكتور عبودة« :اختلفت تصنيفات البنوك باختالف الفقهاء
والترشيعات ،فجاء تقسيمها:
ـ إىل بنوك القطاع العام وبنوك القطاع اخلاص.
ـ وإىل بنوك ودائع وبنوك أعامل وبنوك قروض طويلة ومتوسطة األجل.
ـ وإىل بنوك إسالمية وبنوك غري إسالمية»().
فاملصارف ـ كام ترى ـ تتنوع بتنوع اخلدمات التي تقدمها ،كام أهنا تتنوع بتنوع
املالكني هلا.
وكل من هذين األساسني يف تنويعها وتقسيمها يتدخل بشكل مبارش يف حتديد
املوقف الرشعي منها ـ كام سيأيت ـ.
والتصنيف األساس هلا هو أهنا تنقسم إىل التايل:
«وفض ً
ال عن الوظائف السابقة ،فإن املصارف التجارية يف عامل اليوم تقوم
بجانب هذه الوظائف ،والتي تعد تقليدية بالنسبة هلا ببعض الوظائف احلديثة ،مثل:
ـ أعامل السمرسة.
() انظر :املصارف اإلسالمية بني النظرية والتطبيق ،د .اهليتي .53
() الربا بني االقتصاد والدين ،عز العرب فؤاد .163
() م .ن
() املصارف اإلسالمية بني النظرية والتطبيق .53
معامالت البنوك التجارية 30
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال عن كتاب (البنوك اإلسالمية :املنهج والتطبيق ص 37ـ)« :وهي املصارف 54نق ً
التي تقوم بالعمليات املرصفية التي ختدم نوع ًا حمدد ًا من النشاط االقتصادي ،وف ًقا
للقرارات الصادرة بتأسيسها ومزاولة نشاطها ،والتي ال يكون قبول الودائع حتت
الطلب كأحد أنشطتها األساسية» ..وهذه أمثال التالية:
ـ البنوك العقارية
ـ املصارف الصناعية
ـ املصارف الزراعية
ـ بنوك االستثامر
() د .اهليتي 54ـ 55عن د .هناد السباعي و د .رزق اهلل األنطاكي يف (موسوعة احلقوق
التجارية .)163/3
31 التنويع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتأسيس الرشكات والرتويج هلا واملسامهة يف رؤوس أمواهلا»().
ـ مصارف األعامل
ـ مصارف الرهون
«وهي املصارف التي متكن األفراد من احلصول عىل القوة الرشائية الرضورية،
لسد حاجاهتم الشخصية اجلارية أو الطارئة ،وغالب ًا ما تكون مقاصد قروضها
استهالكية ،ومن النادر أن تستخدم يف اإلنتاج»().
جاء يف كتاب (البنوك اإلسالمية :التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق) لعائشة
عرفتها اتفاقية إنشاء
الرشقاوي املالقي ـ ص 26ـ ما ييل« :أما البنوك اإلسالمية فقد ّ
(االحتاد الدويل للبنوك اإلسالمية) يف الفقرة األوىل من املادة اخلامسة ـ عند احلديث
عن رشوط العضوية يف االحتاد ـ كالتايل( :يقصد بالبنوك اإلسالمية يف هذا النظام:
تلك البنوك أو املؤسسات التي ينص قانون إنشائها ونظامها األسايس رصاحة عىل
االلتزام بمبادئ الرشيعة ،وعىل عدم التعامل بالفائدة ً
أخذا وعطا ًء).)(»...
ال عن (البنوك اإلسالمية :املنهج والتطبيق .)39 – 38 () د .اهليتي 55ـ 56نق ً
() م .ن عن( :االقتصاد والنقد املرصيف للدكتور مصطفى شيحة .)396
() م .ن عن (النقود والبنوك للدكتور حممد عزيز .)356
() ويف هامشه« :انظر :اتفاقية إنشاء االحتاد الدويل للبنوك اإلسالمية ،مطابع االحتاد الدويل
للبنوك اإلسالمية ـ مرص اجلديدة ،القاهرة 1397هـ ـ 1977م ص .»10
معامالت البنوك التجارية 32
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهناك تقسيم آخر للبنوك يقوم عىل أساس هوية املالك للبنك ،وهو التقسيم
الفقهي اإلمامي ،ونجده يف الكتب الفقهية اإلمامية احلديثة ،ويف الباب املعنون عند
أصحابنا فقهاء اإلمامية بِـ (املسائل املستحدثة) ،ومنه:
1ـ حكومية :ويكون رأس ماهلا مكونًا من أموال الدولة ،وال َح َّق لشخص
معني فيه ،بل هو مصلحة حكومية.
2ـ أهلية :ويتكون رأس مال البنك األهيل من اشرتاك عدد من ذوي املال،
وتكون األرباح مقسمة عىل نسبة احلصص التي يملكها كل مشرتك منهم.
3ـ مشرتكة بني احلكومة واألهايل :وتكون جمموع احلصص مشرتكة بينهم عىل
نسبة معينة بني الطرفني».
وقد تبنى هذا التقسيم الفقهي الثالثي ممن كتب يف (املسائل املستحدثة) ـ يف
حدود اطالعي ـ كل من:
1ـ أهيل :وهو ما يتكون رأس ماله من شخص واحد أو أشخاص مشرتكني.
1ـ بنوك أهلية :وهي التي تقوم بإنشائها مجاعة من أهل البالد املسلمني،
فيشرتك كل واحد منهم بدفع سهم واحد أو أكثر من املال الذي أرادوا مجعه لتمويل
البنك حتى جيتمع من جمموع هذه السهام رأس املال املحدد أو املفتوح لكل من يريد
االشرتاك ،ويؤسس منه البنك ليقوم بأعامله وحركته االقتصادية كسائر البنوك.
وقد يشرتك معهم غري املسلم يف املسامهة ،وهذا ال يعني أن البنك أصبح لغري
املسلمني بعد أن كان األكثر منهم ،فال خيتلف احلكم بذلك ،وتقسم األرباح بني
املشرتكني عىل نسبة ما يملكه املشرتك من السهام يف رأس املال.
وقد يتفق أن يكون البنك األهيل كله لشخص واحد فيضع هو رأس ماله ويقوم
بتأسيسه ومتويله وتكون له أرباحه».
2ـ بنوك حكومية« :وهي التي تؤسسها احلكومات املسلمة يف البالد ،فهي التي
تضع رأس املال وتنشئ املؤسسة وتعينّ موظفيها وعامهلا وترشف عىل حركتها وتقوم
باللوازم التي حتتاج إليها املؤسسة يف نشاطها وبقائها».
3ـ بنوك مشرتكة بني األهلني واحلكومة« :فيسهم كل منهام بمقدار من رأس
املال ،وعىل ذلك يتم اإلنشاء وتسري األعامل وتقسم األرباح».
ويف كتاب (بحوث فقهية هامة) ص 340يقسم الشيخ الشريازي البنوك إىل
نوعني ،مها:
1ـ البنك احلكومي« :وهو إما أن يكون يف خدمة حكومة إسالمية أو حكومة
وضعية ،تستفيد منه يف منافعها اخلاصة».
معامالت البنوك التجارية 34
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2ـ البنك اخلاص :كالبنوك التابعة للرشكات اخلاصة ،وهو الذي يداول أموال
الناس يف سبيل كسب منافعه اخلاصة ،وحتصيل األرباح ألصحاب االشرتاك ،مع
إجيابه حتصيل األرباح لسائر الناس أيض ًا».
1ـ أن املقسم ـ هنا ـ هو البنك التجاري ،إالّ أنه مل ُيشرَ إىل ذلك.
2ـ أن جعل البنك احلكومي الغري امللتزم يف معامالته بالفقه اإلسالمي قسي ًام
للبنك األهيل يرتبط باخلالف الفقهي يف ملكية اجلهة (الشخصية االعتبارية) ،وجمهولية
أموال احلكومة (غري حكومة املعصوم أو نائبه) ..فعىل أحد الرأيني يف املسألة وهو
القول بعدم ملكية الدولة وجمهولية ملكية أمواهلا يصح التقسيم ثالثي ًا ،وعىل الرأي
اآلخر ال يصح ،لعدم الفرق يف ترتيب األحكام بني البنك األهيل والبنك احلكومي.
البنوك احلكومية
وطبيعي أن إفراد البحث والكالم فيها كقسم مستقل إنام هو بناء عىل أن الدولة
ال متلك ما حتت يدها من األموال فيكون ذلك املال من أفراد املال املجهول مالكه،
وأما من يرى من الفقهاء بأن الدولة ـ وإن كانت جائرة ـ مالكة ـ فحينئذ ـ ال يفرق
35 التنويع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احلال من الوجهة العلمية بني بنوك الدولة أو األهيل ،وال يكون أثر هلذا التقسيم».
مهشه السيد بحر العلوم بقوله« :ال يسع املقام البحث عن مالكية الدولة
و َّ
أو عدم املالكية ..فقد اختلفت كلمة الفقهاء يف ذلك ،واملهم يف البني هو أن شيخنا
األستاذ ـ دام ظله ـ ال يرى مالكية الدولة ،وللبحث أدلته وال جمال للتطرق إليها»
وسنعود للمسألة بمزيد توضيح وتفصيل.
األعمال املصرفية
األعامل املرصفية التي يقوم هبا البنك التجاري ،ويطلق عليها عنوان (األعامل
املرصفية) هي :التي تقدم ذكرها ،وقد تسمى بـِ (الوظائف البنكية) و(العمليات
املرصفية) ،ويلخصها الدكتور عبد املجيد حممد عبودة يف كتابه (النظام البنكي يف
اململكة العربية السعودية) ـ 23ـ ،فيقول« :يقصد باصطالح األعامل املرصفية:
ـ وفتح االعتامدات.
اخلالصة
1ـ تسمى املؤسسة املالية ـ موضوع بحثنا ـ يف لغتنا العربية باسمني ،مها:
ـ (ا َمل رْ ِ
صف) :وهو االسم العريب األصيل.
2ـ وأقرب تعريف اقتصادي للبنك هو :املؤسسة املالية التجارية التي تقوم بام
يعرف باألعامل املرصفية.
3ـ أول ما انوجد البنك انوجد يف إيطاليا ويف القرن الثاين عرش امليالدي.
ـ البنوك املركزية.
ـ البنوك التجارية.
37 التنويع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ البنوك املتخصصة.
ـ البنوك احلكومية.
ـ البنوك األهلية.
ـ قبول الودائع.
ـ فتح االعتامدات.
الـمـقـدمـات
موضوع البحث
منهج البحث
ويرجع هذا إىل أن البنك التجاري أصبح رضورة من رضورات احلياة املالية
جلميع الناس ،فليس هناك ممن يتعامل مع املال وبه من يستطيع أن يستغني عن التعامل
مع البنك التجاري ،فاملؤسسات عىل اختالف أنامطها وخمتلف شؤوهنا ،وكذلك
األفراد بتنوع أعامهلم ونشاطاهتم ،اجلميع بحاجة إىل التعامل مع البنك التجاري ،وال
أقل من إيداع املال فيه حلفظه واملحافظة عليه.
وكذلك ألن البنك التجاري دخل بالدنا اإلسالمية ويف حياتنا املالية بحلته
معامالت البنوك التجارية 42
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأساملية دون أن جيري املسلمون عليه التعديالت الرضورية التي جتعله يتمشى
وأحكام الفقه اإلسالمي.
هلذا وذاك كان ال بد من البحث فيه فقه ًّيا ملعرفة اجلوانب التالية:
هدف البحث
فهدف البحث ـ وكام هو واضح ـ حماولة معرفة احلالل واحلرام الرشعيني يف
أعامل البنك التجاري ،ويف تعامل املسلمني معه وظيف ًّيا ومال ًّيا.
منهج البحث
أفدنا من املدخل هلذا الكتاب ،ويف غري موضع منه أن املعامالت املرصفية هي
من املسائل املستحدثة ،وهذا يفرض عىل الباحث فيها لكي يصل إىل نتائج سليمة أن
ينطلق يف بحثه من منطلقني أساسيني ،مها:
أقول :يف هذا املجال ـ جمال حتديد املوضوع وتشخيصه ـ عىل الباحث اتباع
اخلطوات التالية:
معامالت البنوك التجارية 44
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.1الرجوع إىل أنظمة البنوك التجارية املدونة ،تلك البنوك التي يتعامل معها
املسلمون ،سواء كانت قائمة يف البالد اإلسالمية أو يف خارجها.
وموجب هذا يعود إىل أن مفاهيم املسائل والقضايا املرصفية بعد ملا تدخل دائرة
ميسورا لكل أحد ،ليصح
ً الفهم العريف وتستقر يف أذهان الناس حتى يصبح فهمها
االعتامد عىل الفهم العريف واإلرجاع إليه.
ويعود هذا إىل أهنا بعد ملا تنترش وتشيع يف أوساطنا االجتامعية االنتشار والشيوع
اللذين حيققان هلا فهماً عرف ًّيا يعتمد عليه عند الرجوع إليه.
وأؤكد عىل هذا ألن اتباع املنهج الفلسفي ـ كام هو معروف مما صدر من الكثري
منهم ـ عند عدم القدرة عىل تشخيص املوضوع أو عدم وضوحه ،أو ألجل االحتياط
بغية أن يتيقن الباحث من دخول املوضوع واحد ًا من املحتمالت ،يأخذون باملنهج
املذكور ،فيعفون أنفسهم من عناء حماولة التحديد ،مكتفني بطرح كل املحتمالت،
وحماولة معرفة حكم كل واحد من هذه املحتمالت التي تردد املوضوع بينها حسب
اعتقاد الباحث.
45 منهج البحث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذ املالحظ ـ هنا ـ وبخاصة يف مثل موضوعنا:
1ـ أن املوضوع املبحوث عنه وفيه قد ال يأيت واحدً ا من املحتمالت التي ذكرها
الباحث ،ويف هذه احلال يصبح البحث عقيماً ال يوصل إىل النتيجة املطلوبة.
2ـ أن مثل هذا البحث الذي يقوم عىل االحتامالت ،فيه يشء من اإلطالة غري
املرغوب فيها.
3ـ أن البنوك حقيقة مادية (جزئيات) قائمة يف واقعنا ،وماثلة للعيان ،يمكن
معرفتها بشكل مبارش وبيرس ،وذلك عن طريق الدراسة امليدانية.
ومن هنا أرى ال بد من انتهاج طريقة االستقراء واملالحظة ،ملعرفة حقيقة البنك
كموضوع يرتتب عليه احلكم الرشعي ،ويتم هذا عن طريق الدراسة امليدانية أو باتباع
اخلطوات املذكورة بعاليه.
4ـ ومما يؤخذ عىل عدد غري قليل من الكتب الفقهية التي تناولت أو تعرضت
لألعامل املرصفية أمثال كتاب (أحكام البنوك) وكتاب (فقه البنوك) عدم التوثيق
لتحديدات وتشخيصات موضوعات البنوك التجارية ،وذلك ألن التوثيق ـ هنا ـ
يشء أسايس ال بد منه للسببني التاليني:
أ ـ أن املفاهيم البنكية ـ كام تقدم ـ مل تصل إىل مستوى الفهم العريف حتى يتمكن
الباحث من االعتامد عليه وإرجاع القارئ إليه.
وكشاهد عىل هذا مل يذكر يف قائمة مصادر ومراجع الكتاب الثاين من الكتابني
املذكورين حتى اسم كتاب واحد ـ عىل األقل ـ من الكتب املؤلفة يف البنوك التجارية
من قبل املختصني باقتصاديات البنوك ،كام أنه مل يرش إىل دراسة ميدانية قام هبا
املؤلف.
ويراد بالطريقة األوىل (طريقة التامثل أو التناظر) :أن تأيت املعاملة املستحدثة
(احلديثة أو اجلديدة) مماثلة ملعاملة قديمة مرشوعة ،أي إن املعاملة املستحدثة ـ
باعتبارها موضوع ًا ـ هي مثل املعاملة القديمة بالشكل الذي يساعد هذا التامثل الفقيه
عىل ترسية أحكام املعاملة القديمة إىل املعاملة اجلديدة.
وكمثال هلذا :ما استدل به أستاذنا السيد اخلوئي عىل مرشوعية معاملة التأمني ـ
وهي من املعامالت املستحدثة ـ بمامثلتها للهبة املعوضة ـ وهي من املعامالت القديمة
ـ ،قال يف كتابه (منهاج الصاحلني) ـ 439/2ـ« :مسألة :28جيوز تنزيل عقد التأمني ـ
47 منهج البحث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بشتى أنواعه ـ منزلة اهلبة املعوضة ،فإن املؤ َّمن له هيب مبلغ ًا م َّعين ًا من املال يف كل قسط
ُص عليها
إىل املؤ ِّمن ،ويشرتط عليه ضمن العقد أنه عىل تقدير حدوث حادثة معينة ن ّ
يف االتفاقية أن يقوم بتدارك اخلسارة النامجة له ،وجيب عىل املؤ ِّمن الوفاء هبذا الرشط،
وعىل هذا فالتأمني بجميع أقسامه عقد صحيح رشع ًا».
وكمثال هلذا :ما استدل به أستاذنا الشيخ زين الدين يف رسالته (املسائل
املستحدثة) ـ ص 3ـ ،قال« :املسألة :1الظاهر صحة هذه املعاملة (يعني معاملة
التأمني) ونفوذها عىل املتعاملني فيلزمهام الوفاء هبا حسب ما يتفقان عليه من اللوازم
ويوقتان له من املدة.
والتأمني ـ عىل األقوى ـ عقد من العقود يشتمل عىل اإلجياب والقبول ،يمكن
للطرفني أن يوقعامها باللفظ إذا أحسنا التعبري عن مجيع بنود املعاملة باللفظ ،ولكنهام
يف الغالب يقعان بالفعل ،وال مانع من ذلك.
وألن كلتا هاتني الطريقتني مرشوعتان يصح األخذ بأهيام يف جمال االستنباط
واالستدالل ملعرفة حكم املعاملة املرصفية سيكون هنا هو املنهج الذي سيتّبع.
مصطلحات اقتصادية ّ
مهمة
سأحاول ـ هنا – انتقاء بعض املصطلحات االقتصادية ذات العالقة باقتصاد
وأعرفها عن طريق الرجوع إىل املعاجم املتخصصة بذكر ما ذكرته
ّ وأعامل البنوك،
مكتف ًيا يف التوثيق بذكر عنوان املعجم دونام ذكر الصفحة ،الستطاعة معرفة ذلك
عن طريق املادة ،ففي املعاجم ذات التسلسل اإلنجليزي يرجع إىل املصطلح بعنوانه
اإلنجليزي ،ويف املعاجم ذات التسلسل العريب يرجع إليه بعنوانه العريب.
وإليكها:
هو توظيف األموال بام حيقق للمؤسسة التجارية إيراد ًا إضافي ًا كرشاء األسهم
والسندات واألوراق املالية األخرى والنشاطات االقتصادية املثمرة().
«اتفاق يتعهد بموجبه البنك أن يضع حتت ترصف أحد عمالئه مبل ًغا معينًا
ملدة معينة ،فهو وعد بالقرض يتحول إىل قرض متى استعمل العميل حقه يف سحب
املبلغ»().
() انظر( :معجم املصطلحات املحاسبية واملالية) و(معجم مصطلحات االقتصاد واملال
وإدارة األعامل).
() الصحاح يف اللغة والعلوم ،مادة :عمد.
51 مصطلحات اقتصادية مهمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويف (معجم املصطلحات الفقهية والقانونية) ـ ص 59ـ« :اعتامد يف لغة املوازنة
هو رصد مبلغ من املال ألغراض معينة.
وفتح االعتامد هو عقد يلتزم به مرصف بتقديم مبلغ معني إىل أحد التجار أو
أحد عمالئه ،فإذا نفذ هذا العقد استحال االعتامد إىل عقد قرض».
التظهري ،ويقال له التجيري أيض ًا ،هو الكتابة عىل ظهر الشيك بام يفيد أحد
األمور التالية:
ومنه :حساب التوفري Savings Accountيف أعامل البنوك ،يقول الدكتور عدنان
عابدين يف (معجم املصطلحات املحاسبية واملالية)« :حساب التوفري :يفتح يف العادة
معامالت البنوك التجارية 52
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حساب التوفري يف أي بنك أو مؤسسة للتوفري والتسليف ،واخلصائص الرئيسية
حلسابات التوفري تتلخص فيام ييل:
يف املصدر نفسه2« :ـ يف األعامل املرصفية واملالية ،تعني الكلمة أمر ًا يصدره
شخص إىل آخر يطلب منه أن يدفع مبلغ ًا من املال إىل شخص ثالث ،وهكذا.
() معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل :املادة املذكورة يف أعاله.
() م .س :املادة املذكورة أعاله.
() م .س :املادة املذكورة أعاله.
53 مصطلحات اقتصادية مهمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعترب الكمپيالة أو الشيك نوع ًا من احلوالة».
ـ إعادة اخلصم (احلسم) « :Rediscountتعني الكلمة حرفي ًا :اخلصم مرة ثانية،
أي أن يبيع املرء (أو خيصم) ورقة جتارية قابلة للتداول كانت قد خصمت يف السابق.
مثال عىل ذلك :جيوز للمرصف أو لرشكة متويل ابتاعت أو خصمت كمبياالت
من أحد التجار أن تعيد بيعها أو خصمها مرة ثانية من مرصف آخر» م .ن.
ـ سعر إعادة اخلصم (احلسم) :Rediscount Rateهو «سعر الفائدة الذي يستوفيه
املرصف مقابل خصم ورقة جتارية قابلة للتداول سبق خصمها» م .ن.
«هو مستند مايل حيتوي عىل أمر موجه من قبل مرصف ما إىل مرصف آخر
حمرره بدفع مبلغ معني من املال ،ويستعمل هذا اخلطاب بني املؤسسات
يطلب فيه ّ
املختلفة من أجل تنظيم وتسديد حسابات البضائع التي تم شحنها أو تسديد تعويض
اخلدمات املقدّ مة» ـ معجم املصطلحات الفقهية والقانونية ـ.
«هو تعهد هنائي يصدر من البنك بناء عىل طلب العميل بقبول دفع مبلغ معني
أو قابل للتعيني بمجرد أن يطلب املستفيد ذلك من املرصف خالل مدة حمددة».
عرفه (معجم املصطلحات املحاسبية واملالية) بأنه« :الدين الطويل األجل ّ
الذي يملك الدائن فيه أولوية مضمونة حلقه يف املطالبة يف واحد أو أكثر من أصول
وموجودات املدين.
وعرفه (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل) بأنه« :نقل حق
ّ
ملكية العقار (ال حيازته) لضامن تسديد دين أو الوفاء بالتزام ،عل ًام بأن هذا النقل
ال والغي ًا عندما يتم تسديد الدين أو الوفاء بااللتزام».
يصبح باط ً
55 مصطلحات اقتصادية مهمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويقول يف موضع آخر« :رهن :Pledgeأي يشء يعطيه أو يسلمه املدين إىل الدائن
كضامن لقرض استدانه منه ،ويسمى الرهن بالضامن اإلضايف Collateralإذا كان اليشء
املرهون أسه ًام وسندات أو كمپياالت أو أي نوع من األوراق املالية األخرى.
«الوثيقة التي تثبت نصيب شخص يف قرض عرضته رشكة يف اكتتاب عام»().
أو «هو عبارة عن صك يمثل دينًا عىل اهليئة التي أصدرته سواء كانت إحدى
الرشكات أو هيئة حكومية ويتعلق بقرض متوسط أو طويل األجل»().
ـ سندات املقارضة.
«وهي الوثائق املوحدة القيمة الصادرة عن البنك بأسامء من يكتتبون فيها مقابل
دفع القيمة املحررة هبا عىل أساس املشاركة يف نتائج األرباح املتحققة سنو ًيا حسب
الرشوط اخلاصة بكل إصدار عىل حدة.
أنواعها:
ـ احلصة من املال التي يملكها صاحبها يف رأس مال املؤسسة رشكة أو بنك ًا.
عرفه بعضهم بام يفيد املعنى املذكور كام يف (معجم املصطلحات االقتصادية
وقد ّ
واإلسالمية) فقد جاء فيه« :السهم هو جزء من رأس مال الرشكة املسامهة يعطي
لصاحبه احلق يف حصة من األرباح التي حتققها الرشكة».
ـ الوثيقة أو الشهادة التي تعطيها املؤسسة املالية لصاحب احلصة إلثبات ملكيته
هلا.
وقد ذكر املحامي غطاس كال املعنيني ّفرق بينهام بالتسيمة اإلنجليزية ففي
صفحة 498قال« :سهم :Shareالشهادة التي تثبت ملكية حاملها حلصة يف رشكة
مسامهة أو يف أرباح املرشوع أو يف أصوله وموجوداته».
() م .ن
57 مصطلحات اقتصادية مهمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال يف الصفحة « :517سهم :Stockحصة يف ملكية الرشكة أو يف رأسامل
واملوزع عىل حصص يملكها أشخاص متعددون بموجب شهادات
َّ الرشكة املستثمر
أو صكوك».
تطلق كلمة (سيولة) عىل «جمموعة األوراق النقدية التي متلكها الرشكة أو
الشخص الذي يترصف هبا يف جمال البيع والرشاء أو الدفع هبدف تسديد ديونه أو
التزاماته ،وهي ختتلف عن األصول الثابتة التي ال يمكن حتويلها إىل نقد يف فرتة
قصرية»().
كام تطلق الكلمة عىل «احلالة التي يستطيع فيها الشخص (أو الوحدة االقتصادية)
تسديد التزاماته وديونه دون حتويل األصول الثابتة التي لديه إىل نقد ،أي نسبة جمموع
األصول التي لديه عىل شكل نقد أو التي يمكن حتويلها إىل نقد بسهولة ورسعة إىل
جمموع االلتزامات»().
تعني كلمة (شخص) قانوني ًا اإلنسان مطلق ًا ،طبيعي ًا كان أو معنوي ًا.
وكثري ًا ما يطلق عىل الشخص اسم (الشخصية) ،وتقسم بنفس التقسيم الذي
يقسم إليه الشخص ،فيقال :شخصية طبيعية (حقيقية) وشخصية معنوية (اعتبارية).
وي ّعرف الشخص املعنوي بأنه« :جمموعة أفراد اختذوا صفة الشخص الطبيعي
لدى تأسيسهم رشكة أو مؤسسة جتارية فباتوا مسؤولني بالتضامن إزاء القانون،
كرشكات املسامهة ورشكات التضامن وغريها.
أما الرشكات التي يملكها عدة أشخاص أو شخص واحد تعترب بحد ذاهتا
شخص ًا معنوي ًا».
ويف معظم القوانني التجارية نجد هذه العبارة أو ما شاهبها( :ال جيوز ألي
شخص أن )...ويقصد بكلمة (شخص) هنا أي فرد من الناس أو أي شخص
معنوي عىل حد سواء».
الشيك :هو ورقة مكتوبة حتمل أمر ًا من العميل إىل البنك بدفع مبلغ معني من
حسابه اجلاري للعميل نفسه أو لشخص آخر.
والفرق بني الشيك واحلوالة أو الكمپيالة :هو أن الشيك يستحق للدفع دائ ًام
عند الطلب ،وأنه يفرتض بأن يكون لدى املرصف املسحوب عليه رصيد يف حساب
الساحب يكفي لتغطيته ،وأنه ال يمكن لصاحبه أن يسرتده من املرصف إالّ بإشعار
إىل املرصف بإيقاف الدفع ،وأنه ال حيتاج إىل قبول من جانب املرصف ليصبح صاحل ًا
ومستحق ًا للدفع».
معامالت البنوك التجارية 60
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفائدة ـ هنا ـ هي فائدة القرض الذي يقدمه املرصف للغري ،والقرض الذي
يقدمه الغري للمرصف.
وألن الفائدة هذه يف نظر فقهائنا املعارصين إالّ القلة النادرة هي من الربا،
سأعرض ما وقفت عليه من تعريفاهتا ثم أحاول أن استخلص منها النقط املهمة.
والتعريفات هي:
ويعب عنها بنسبة مئوية حتسب عىل أساس املبلغ املقرتض أو املستعمل خالل
رّ
الفرتة املعينة».
ويف موضع آخر وحتت عنوان (سعر الفائدة )Rate of interestجاء فيه« :سعر
الفائدة :تعني العبارة عموم ًا :الرسم أو األجرة أو العمولة التي تدفع مقابل االنتفاع
باملال املقرتض ،أي املبلغ الذي يدفعه املقرتض أو املدين مقابل استخدام املال الذي
استدانه أو مقابل التأخري يف تسديده ،وهو حيسب كنسبة مئوية من جمموع املال
املقرتض خالل وحدة زمنية».
وتعترب الفائدة بالنسبة للشخص الذي يستدين املال كمصاريف ،أما بالنسبة
للشخص الذي يسلف املال فإن الفائدة تعترب إيراد ًا».
61 مصطلحات اقتصادية مهمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ ويف (معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية)« :الفائدة يف االقتصاد
هي :املبلغ الذي يدفعه املقرتض (املدين) إىل صاحب رأس املال (الدائن) ،وبالتايل
فهي سعر اخلدمة التي قدمها الدائن عندما أقرض املدين مبلغ ًا من املال ملدة زمنية
حمددة».
يعد إقراض البنك التجاري لآلخرين واقرتاضه منهم أهم أعامله ،وأكرب
عملياته ،وأقوى عوامل بقائه واستمراريته يف تقديم اخلدمات البنكية.
والقرض ـ اقتصاد ًيا ،وكام تعرفه موسوعة أعامل البنوك من الناحيتني القانونية
والعملية ـ 1419/3ـ هو« :عقد يلتزم به املقرض أن ينقل إىل املقرتض ملكية مبلغ
من النقود أو يشء مثيل آخر ،عىل أن يرد إليه املقرتض عند هناية (مدة) القرض شيئ ًا
مثله يف مقداره ونوعه وصفته (املادة 27مدين) ـ أي القانون املدين املرصي».
وع ّلق عىل هذه املادة أو هذا التعريف مؤلف املوسوعة الدكتور حميي الدين
املقرض
إسامعيل علم الدين بقوله« :وإذا كان القانون املدين يتصور أن يكون اليشء َ
نقو ًدا أو أي يشء مثيل آخر ،فإن الواقع العميل يف البنوك ال يعرف من صور القرض
إالّ الصورة النقدية إذ ال توجد مثليات أخرى يمكن أن يقرضها البنك».
ثم قال« :ويكون القرض ـ عادة ـ بفائدة ختضع حلكم القانون من حيث احلد
األقىص هلا».
ومن هنا رأينا يف تعريف أحدهم أن اعترب الفائدة بالنسبة للشخص الذي يسلف
املال إيرا ًدا.
وعب عنها ثالث بالثمن وهو يعني به ما تقدم متام ًا مع فارق اعتباره كأنه قد
3ـ رّ
اشرتى استعامل املال له من صاحبه هبذه الفائدة التي تعد ثمن ًا له.
4ـ ويف التعريف الذي يقرر أن الفائدة هي سعر اخلدمة التي قدّ مها الدائن
عندما أقرض املدين مبل ًغا من املال يريد به ما أريد بالثمن ،فالسعر هنا هو الثمن يف
63 مصطلحات اقتصادية مهمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سابقه ،فهو يعني ما يعنيه الثمن متا ًما.
وهذه الفائدة ـ وبأي اسم سميت ـ هل تعد من الربا املتفق عىل حرمته يف
رشيعتنا اإلسالمية املقدسة ..هذا ما سنثريه يف موضعه من الكتاب للبحث فيه إن
شاء اهلل تعاىل.
عرفت بالتايل: ويف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل)ّ :
«حيدد قانون األوراق القابلة للتداول املوحدة يف أمريكا هذه العبارة بام ييل :إهنا أمر
مكتوب غري مرشوط ،يوجهه شخص إىل آخر ،يطلب فيه أن يدفع عند الطلب أو
يف وقت حمدد أو سيحدد يف املستقبل مبلغ ًا من املال إىل شخص معني أو إىل حامل
األمر.
فالودائع هي إما جارية ـ حتت الطلب ـ أو ودائع ألجل ،ال يمكن السحب منها
إالّ بعد أجل معني».
ويعرف اجلمعة يف معجمه الودائع ألجل بام نصه« :وديعة ألجل :Time Deposit
ّ
«هي عبارة عن مبلغ من املال يودع لدى املرصف لفرتة زمنية حمددة ختتلف بحسب
ِ
واملودع ،ويرتبط باملدة الزمنية عادة مبلغ الفائدة التي حيصل االتفاق بني املرصف
عليها ِ
املودع».
يعرف الوديعة املرصفية Bank Depositفيقول« :هي أموال عىل شكل نقود
ثم ّ
أو عمالت ورقية أو شيكات أو كمپياالت يضعها ِ
املودع يف عهدة مرصف حلفظها
حلسابه وإعادهتا إليه يف ظروف ورشوط حمددة».
كتابات فقهية سابقة
رأيت أن أذكر هنا بعض الكتابات التي تناولت معامالت البنوك التجارية
بالبحث الفقهي أو اإلفتاء فقه ًيا ،والتي سبقت هذا البحث الذي بني يدينا ،بادئ ًا
بكتابات أصحابنا اإلمامية ،وحماوالً تعريف ما اطلعت عليه منها ،وذلك بغية إيقاف
القارئ الكريم عىل ما قد يستفيد منه ،وهي:
وقام بتدوينها تلميذه العالمة اجلليل السيد عز الدين بحر العلوم وانتهى من
إعدادها للنرش عام 1383هـ.
ومتثل بحوثه ( )يف هذا الكتاب الريادة األوىل لدراسة املسائل املستحدثة.
وقد استوعب بحث (أعامل البنوك) من مساحة الكتاب يف طبعته الثالثة من
الصفحة ( )95إىل الصفحة (.)142
وقد أشار الشيخ احليل إىل هذه الريادة املباركة يف تقديمه للكتاب بقوله« :وبعدُ
فقد كثر احلديث والتساؤل عن موقف الرشيعة اإلسالمية املقدسة من بعض املسائل
املهمة التي اقتضتها طبيعة عصورنا هذه ،ومل تكن موجودة يف عرص الرسالة وعصور
محاهتا من أئمة أهل البيت :
وكان هذا من بواعث الرغبة يف نفوس مجلة من أفاضل أهل العلم ممن
اعتادوا حضور دروسنا يف الفقه واألصول يف أن أجعل هذه املواضيع حمور ًا للدرس
والبحث».
ويف صفحة عنوان الباب فهرس للموضوعات املرصفية التي تناوهلا الشيخ
احليل بالبحث.
وكان بحثه فيها فقه ًيا استدالل ًيا ،خلص فيه ،ومن منطلق أصالة وعمق ،إىل
آرائه يف هذه املسائل املرصفية التي هي فتواه فيها.
للفقيه السيد حممد هادي امليالين (ت 1395هـ) ،وقد طبع بمطبعة النعامن يف
النجف األرشف سنة 1383هـ.
مل يقدر يل االطالع عىل الكتاب املذكور ،وإنام استفدت هذه املعلومة من كتاب
67 كتابات فقهية سابقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخينا العزيز البحاثة املحقق األستاذ السيد حممد حسني اجلاليل املعنون (فهرس
الرتاث) ـ 548/2ـ عند ترمجته للسيد امليالين حيث قال« :من آثاره1 :ـ أحكام
خصم الكمبياالت ،نرشه السيد عباس امليالين ،وطبع يف مطبعة النعامن يف النجف
سنة 1383هـ».
صدر الكتاب يف طبعته األوىل بالنجف األرشف عام 1390هـ ،وهو رسالة
عملية تضم فتاوى اإلمام اخلميني ملقلديه.
وقد تطرق فيه ملعامالت البنوك التجارية حتت عنوان (أعامل البنوك) ضمن
البحث حول املسائل املستحدثة ،وشغل من صفحة ( )554إىل صفحة ( )557من
اجلزء الثاين من جزئي الكتاب.
واإلمام اخلميني ـ باإلضافة إىل أنه من عظامء أعالم التاريخ اإلسالمي بام
أحدثه من ثورة شعبية أطاحت باإلمرباطورية الفارسية وأقامت الدولة اإلسالمية
احلديثة ـ هو من أبرز أعالم أساتذة احلوزتني اإلماميتني الكربيني :النجف األرشف
وقم املقدسة.
ول ّقب بـ(اإلمام) ملميزات شخصيته الثورية والثقافية ،وهو لقب مل يمنح إالّ له
من بني مجيع أعالم علامء اإلماميني عىل طول مديات تارخيهم املمتد بامتداد الرسالة
اإلسالمية.
معامالت البنوك التجارية 68
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد خ ّلف بعده خط ًا يف العمل الثوري ومدرسة يف البحث الفقهي تنفتح
عىل خمتلف متطلبات احلياة يف خمتلف تطوراهتا وامتداداهتا التي تشمل مجيع أنامط
ومعطيات السلوك اإلنساين عند الفرد واألرسة واملجتمع والدولة.
وهو جمموعة فتاوى املؤلف يف جمموعة من املسائل املستحدثة ،وقد نرش الكتاب
مستقالً ،ثم نرش ملحق ًا برسالته العلمية املوسومة بـ(منهاج الصاحلني) ،واستغرقت
فتاواه يف معامالت البنوك يف اجلزء الثاين من الرسالة من صفحة ( )425إىل صفحة
( )438من الطبعة املصورة عىل الطبعة الثامنة ،واملنشورة بالبحرين سنة 1407هـ.
والسيد املؤلف ( )من أبرز مراجع التقليد عند الشيعة اإلمامية يف عرصنا
هذا ،وقد توىل زعامة احلوزة العلمية يف النجف األرشف من قبل أن يتوىل املرجعية
حتى وفاته (قده).
وبرز يف تدريس علم أصول الفقه واكتسب الشهرة فيه متفوق ًا عىل أقرانه من
ّ
أساتذة احلوزة النجفية.
وخترج من حتت منربه عدة أجيال من العلامء الفضالء ،كان منهم املراجع
واألساتذة الكبار يف حوزيت النجف وقم.
طبع الكتاب يف البحرين سنة 1407هـ ـ 1987م ،بِـ ( )76صفحة ،منها ()37
يف معامالت البنوك من صفحة ( )37إىل صفحة (.)74
واملؤلف الشيخ زين الدين يعد من أولئك القلة الذين مجعوا بني الفقه واألدب
يف حوزة النجف األرشف ،ومنهم:
وقد خترج من درس وجملس الشيخ زين الدين أكثر من جيل من أدباء النجف
املعارصين ،وعدد من لوامع طالب احلوزة العلمية يف النجف األرشف.
نرش الكتاب سنة 1419هـ ببريوت ،ويضم جمموعة فتاوى املؤلف يف عدة
من املسائل املستحدثة ،منها معامالت البنوك وهي من الصفحة ( )195إىل الصفحة
( )213من الكتاب.
والسيد الصدر من الرعيل الثاين من املجددين املعارصين يف جمال الدرس
احلوزوي.
ويف كتابه (ما وراء الفقه) يشء غري قليل من التجديد املشار إليه.
71 كتابات فقهية سابقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طبع بقم من غري تاريخ ،وظني قوي ًا أنه طبع يف سنة 1421هـ أو قبلها وهو
تاريخ إهدائي النسخة التي تفضل هبا فضيلة الشيخ عيل آل بطي العوامي.
قرر املؤلف كتابه املشار إليه بح ًثا فقه ًيا استدالل ًيا.
دوهنا تلميذ
وهو جمموعة حمارضات فقهية استداللية يف معامالت البنوكّ ،
املؤلف الشيخ مصطفى االسكندي ،وهو احللقة الثالثة من سلسلة (فقه احلياة
املعارصة).
ومما قام به علامء وكتّاب آخرون من أتباع املذاهب اإلسالمية األخرى ،مما قدّ ر
يل االطالع عليه ،ما ييل:
لألستاذ مصطفى عبد اهلل اهلمرشي ،نرش بطبعته الثانية سنة 1403هـ
1983م.
73 كتابات فقهية سابقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ معامالت البنوك وأحكامها الرشعية
نرش الكتاب يف طبعته اخلامسة عرشة عام 1417هـ 1997م ويف طبعته األوىل
سنة 1990م.
طبع الكتاب يف صنعاء سنة 1999م ـ 1419هـ ،ومعه ردود لعلامء آخرين
ناقشوا فيها رأي املؤلف معاملة البنوك.
والشيخ عيل الدار من جمتهدي فقهاء الزيدية املجددين يف اليمن ،ولديه من
املؤلفات ما يعرب عن ذلك.
هذا آخر ما أمكنني أن أشري إليه من تآليف فقهية يف معامالت البنوك لفقهاء
وكتّاب من أتباع املذاهب اإلسالمية غري اإلمامية ،وهي دراسات جيدة ،اتسمت
باملنهجية العلمية ،والوضوح يف أسلوب العرض ،واجلدية يف طريقة االستدالل.
حقيقة الربا
ولكن ،وبسبب االختالف الواقع بني الفقهاء يف حقيقة الربا ،وكذلك يف مسائل
أخرى ذات مدخلية مبارشة يف حتديد واقع ما جتريه البنوك التجارية من معامالت
القروض بفوائد ،هل هي من الربا؟ أو أهنا ال ربا فيها؟ ،كان ال بد لنا من التطرق
هلاتني النقطتني:
.1حقيقة الربا.
أما الغاية من البحث يف النقطة األوىل فألجل الوصول إىل معرفة حقيقة الربا
املحرم ،وذلك من خالل البحث عن مفهوم الربا يف لغتنا العربية املدونة يف املعاجم
العربية ،ومن خالل البحث عن مفهوم الربا يف معامالت أبناء املجتمع اجلاهيل الذي
نزل فيه القرآن الكريم ،ومن خالل دراسة آيات القرآن الكريم ثم نصوص احلديث
الرشيف الواردة يف املقام.
معامالت البنوك التجارية 78
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد ذلك كله أحاول الوصول إليه عن طريق تعريفات الفقهاء املستفادة مما
أرشت إليه ،ثم أحاول أن أضع يدي عىل التعريف االقتصادي املعارص.
وكل هذا لنعرف :هل ما يسمى يف لغة ومعامالت البنوك التجارية املعارصة بِـ
(الفائدة) ـ أو (القروض بفوائد) هو الربا املحرم يف رشيعتنا اإلسالمية املقدسة؟
وبالنسبة لدراسة النقطة الثانية (املسائل ذات التدخل املبارش) فألن هناك من
البنوك التجارية ما متلكه حكومات غري رشعية حسب الرأي الفقهي اإلمامي ،فهل
متلكها رشعي أو غري رشعي ،وهل تصح ترصفاهتا باألموال أو ال تصح؟ ،ويأيت له
زيادة بيان يف موضعه.
وألن البنوك التي متلك من قبل رشكة تعد يف القوانني الوضعية شخصيات
اعتبارية ،وتعامل الناس معها قائم عىل أساس أهنا شخصيات اعتبارية.
وألن قيام الكتابة مقام النطق يف العقود الرشعية حمل خالف فقهي عندنا،
والقول املشهور عدم القيام ،واشرتاط الفائدة يف معامالت البنوك اآلن يتم عن طريق
الكتابة وذلك بملء وتعبئة األوراق املعدّ ة إلبرام العقد بني الطرفني.
ومع اخلالف يتحقق الرشط عىل رأي ،وال يتحقق عىل الرأي اآلخر.
79 بني يدي املوضوع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وألن النقود الورقية قد حدث االستعامل هبا بعد عصور الترشيع اإلسالمي ،فام
كانت ـ واحلالة هذه ـ مشمولة للنصوص الرشعية ،وهلذا اختلف الفقهاء املسلمون
يف املسألة تبع ًا الختالفهم يف املنهج ويف النظرة لطبيعة الترشيعات اإلسالمية ،كام
سيأيت.
وأخري ًا :ألجل ما أرشت إليه يف أعاله ال بد من بحث هذه املباين لن ّبني من
خالل تطبيقاهتا آراء الفقهاء ،ونصل بعد ذلك إىل النتيجة املطلوبة.
حقيقة الربا
قال ابن فارس يف (معجم مقاييس اللغة) ـ مادة ربى .ربأ« :الراء والباء واحلرف
املعتل ،وكذلك املهموز منه ،يدل عىل أصل واحد ،وهو الزيادة والنامء والعلو ،تقول
من ذلك( :ربا اليشء يربو) إذا زاد ،و(ربا الرابي َة يربوها) إذا عالها ،و(ربا) أصابه
الربو ،والربو :علو النَ َفس ،قال:
()
وأما املهموز فاملربأ واملربأة من األرض ،وهو املكان العايل يقف عليه عني
القوم.»...
وبالرجوع إىل املعاجم األخرى ـ قديمة وحديثة ـ نراها تذكر معنى الزيادة،
مقترص ًا بعضها عليه ،وبعضها زاد عليه معاين أخر هي بمعنى الزيادة كالنامء والفضل
واالرتفاع والعلو ،وهذا يعني أن جذر الكلمة ـ متام ًا كام يقول ابن فارس ـ يفيد معنى
واحد ًا هو الزيادة.
واملراد بالزيادة ـ هنا ـ مطلق الزيادة ،أي سواء كانت يف املال أم يف غريه ،وسواء
أكانت ـ إذا كانت يف املال أو األعيان املالية كاألرز والقمح ـ عن طريق مرشوع أم عن
طريق غري مرشوع.
وهي كذلك يف كتاب (جواهر الكالم) فقد جاء يف (معجم اجلواهر)« :الربا ـ
لغة ـ مطلق الزيادة».
جاء ذكر الربا يف القرآن الكريم ثامين مرات :مرة يف سورة الروم ،ومرة يف سورة
النساء ،ومرة يف سورة آل عمران ،ومخس مرات يف سورة البقرة ،ضمن ست آيات
كريامت ،وهي ،مرتبة حسب تاريخ نزوهلا:
َّاس فَلاَ يربو ِعنْدَ اهللِ وما آ َتيتُم ِمن َزك ٍ
َاة وما آ َتيتُم ِم ْن ِر َبا لِ ُبو فيِ َأم َو ِ
ال الن ِ
ََ ْ ْ ْ َُْ ْ يرَ ْ ََ ْ ْ
ك ُه ُم ا ُمل ْض ِع ُفون.)( ون َو ْج َه اهللِ َف ُأولِئِ َ
ت ُِريدُ َ
ان ِم َن ا َمل ِّس ومون إِالَّ َكماَ َي ُقو ُم ا َّل ِذي َيتَخَ َّب ُط ُه َّ
الش ْي َط ُ الر َبا الَ َي ُق ُ
ون ِّ ين َي ْأ ُك ُل َ ِ
ا َّلذ َ
اء ُه َم ْو ِع َظ ٌة
الر َبا َف َم ْن َج َ
ِ
ك بِ َأ هَّنُ ْم َقا ُلوا إِ َّنماَ ال َب ْي ُع م ْث ُل ِّ
الر َبا َو َأ َح َّل اهللُ ال َب ْي َع َو َح َّر َم ِّ َذلِ َ
َّار ُه ْم فِ َيهااب الن ِ ك َأ ْص َح ُ ف َو َأ ْم ُر ُه إِلىَ اهللِ َو َم ْن َعا َد َف ُأولِئِ َ ِم ْن َر ِّب ِه َفا ْنتَهى َف َل ُه َما َس َل َ
ات َواهللُ ال حُيِ ُّب ك َُّل َك َّف ٍار َأثِيم َخلِدُ ون يمح ُق اهللُ الربا وير يِب الصدَ َق ِ
()،
َّ ِّ َ َ ُ ْ َْ َ
ني َ فإِ ْن مَل ِِ
الر َبا إِ ْن ُكنْت ُْم ُم ْؤمن َ
ِ ِ
ين َآمنُوا ا َّت ُقوا اهللَ َو َذ ُروا َما َبق َي م َن ُّ
ِ
ـ َ يا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ
ون َوال وس َأ ْم َوالِك ُْم ال َت ْظلِ ُم َ ِِ
ب م َن اهللِ َو َر ُسوله َوإِ ْن ُت ْبت ُْم َف َلك ُْم َرؤُ ُ
َت ْفع ُلوا َف ْأ َذنُوا بِحر ٍ ِ
َ ْ َ
ُت ْظ َل ُمون.)(
إن هذه اآليات الست ـ كام تراها ـ ليس فيها حتديد ملفهوم الربا ،وال بيان حلقيقته
ومعناه.
وكل الذي فيها مما يرتبط بموضوعنا (حقيقة الربا) ويمكننا االستفادة منه هنا
هو اإلحالة إىل الواقع االجتامعي ـ االقتصادي يف زمن نزول هذه اآلي الكريمة.
ففي اآلية األوىل :عبارة (ما آتيتم) تشري إىل ربا كان قد وقع ،وألنه كذلك فهو
معروف لدى أبناء املجتمع وقت نزول اآلية.
ويف اآلية الثالثة :هني املؤمنني عن أكل الربا املضاعف ،وبقرينة املضاعفة
املذكورة تعني نوع ًا من الربا كان معهود ًا حال نزول اآلية الكريمة.
وقد قال غري واحد :إن الربا املضاعف ـ الذي سيأيت بيان املراد منه ـ هو ربا
اجلاهلية الذي أحال إليه القرآن الكريم ،وجييء احلديث عن هذا إن شاء اهلل تعاىل.
ففي اآلية األوىل ـ وهي متثل املرحلة األوىل ـ مقارنة بني فعل الربا وفعل
التصدق ،فاألول ال ثواب عليه عند اهلل ،بينام الثاين حيظى بالثواب الكبري.
فاآلية الكريمة ال داللة فيها عىل التحريم ،وإنام فيها دعوة الجتناب فعل الربا
ألنه ال ثواب فيه ،وهذه الدعوة هي متهيد ملا يليها مما يدخل يف مرحلتها.
ويف اآلية الثانية :التي ذكرت ربا اليهود تضع العربة والدرس اللذين ينبغي
أن يستفيده املسلمون من فعل اليهود فيجتنبوا ما كانوا يفعلونه.
أو قل :فيه تنفري للمسلمني من الربا ألنه من فعل اليهود.
85 حقيقة الربا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك هي (أعني اآلية) ليس فيها حتريم رصيح لفعل الربا.
وتلكم العربة ،وهذا التنفري يدخالن يف املرحلة األوىل اهلادفة إىل توهني شأن
الربا والدعوة لالجتناب عنه.
واآلية الثالثة :التي تضمنت النهي عن أكل الربا املضاعف متثل املرحلة الثانية.
ويف النهي املشار إليه حتريم واضح ،ألن النهي املجرد يدل عىل احلرمة ـ كام
يقول األصوليون.
ويف آيات سورة البقرة تتمثل املرحلة األخرية لتحريم الربا ،فهي رصحية بذلك،
وظاهرة يف أن الربا املحرم يشمل املضاعف وغري املضاعف.
واخلالصة:
وأعني باجلاهلية ـ هنا ـ اجلاهلية الثانية التي انتهت بنزول القرآن الكريم (أي
بمجيء اإلسالم) فقد عرف عن أبناء املجتمع اجلاهيل التعامل بالربا.
ال عن كتاب (حممد جاء يف كتاب (الربا بني االقتصاد والدين) ـ ص )27نق ً
املثل الكامل) :أن «الربا كان نظام ًا سائد ًا يف احلركة االقتصادية والتجارية يف اجلزيرة
العربية.
معامالت البنوك التجارية 86
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولقد وردت آيات عدة يمكن االستدالل هبا عىل أن أهل احلجاز العرب
واليهود ـ عىل السواء ـ كانوا يتعاطونه ،وعىل أنه كان راسخ ًا عندهم يعولون عليه
ال كبري ًا يف تنمية ثرواهتم».
تعوي ً
فقد عرف ذلك وبشهرة عن جتار قريش بمكة وجتار هيود باملدينة.
ونحن ـ هنا ـ نحاول أن نتعرف شكل وحقيقة معاملة الربا التي كانوا يتعاملون
هبا ،لعلنا نعرف ـ بعد هذا ـ هل هذا هو الربا اجلاهيل الذي أحال إليه القرآن الكريم يف
أكثر من آية ـ كام تقدم ـ.
جاء يف كتاب (املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم) ـ ط 2ج 7ص 397ـ
ما نصه« :ومن بيوع أهل اجلاهلية بيعهم الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة والرب بالرب
والشعري بالشعري والتمر بالتمر وامللح بامللح ،وقد هني عنه يف اإلسالم إالّ سواء بسواء،
أي إالّ متساويني ويد ًا بيد ،ويسمى هذا البيع (مراطلة) إن كان بالوزن و(مبادلة) إن
كان بالعدد ...
ويظهر من منع اإلسالم لبيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إالّ أن يكونا
متساويني ويد ًا بيد ،أي مقبوضني :أن أهل اجلاهلية كانوا يبيعون الذهب بذهب يزيد
عليه حني يؤديه يف أجله املحدود».
ويف تفسري الفخر الرازي ،مج 4ج 7ص ،75قال الرازي ـ وهو يف معرض
تفسري آيات الربا التي يف سورة البقرة ـ« :اعلم أن الربا قسامن :ربا النسيئة وربا
الفضل.
أما ربا النسيئة فهو األمر الذي كان مشهور ًا متعارف ًا يف اجلاهلية ،وذلك أهنم
كانوا يدفعون املال عىل أن يأخذوا كل شهر قدر ًا معين ًا ،ويكون رأس املال باقي ًا ،ثم إذا
َّ
حل الدَ ين طالبوا برأس املال ،فإذا تعذر عليه األداء زادوا يف احلق واألجل.
87 حقيقة الربا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذا هو الربا الذي كانوا يف اجلاهلية يتعاملون به».
وقال يف تفسري اآلية 130من سورة آل عمران ـ مج 5ج 9ص 3ـ« :املسألة
األوىل :كان الرجل يف اجلاهلية إذا كان له عىل إنسان مائة درهم إىل أجل ،فإذا جاء
األجل ومل يكن املديون واجد ًا لذلك املال قال :زد يف املال حتى أزيد يف األجل ،فربام
حل األجل الثاين فعل مثل ذلك ،ثم إىل آجال كثرية ،فيأخذ جعله مائتني ،ثم إذا َّ
بسبب تلك املائة أضعافها ،فهذا هو املراد من قوله (أضعاف ًا مضاعفة) .»...
ويف (التبيان) لشيخ الطائفة أيب جعفر الطويس « :587/3والربا املنهي عنه:
قال عطاء وجماهد :هو ربا اجلاهلية ،وهو الزيادة عىل أصل املال بالتأخري عىل األجل
احلال.
إن أخذ هذه الزيادة وبالشكل املذكور كانت هي الظاهرة املعروفة يف بداية نشأة
البنوك التجارية يف أوروبا.
مر ردح من الزمن عىل اعتبار الزيادة عىل رأس املال تعويض ًا عام يفوت
ج ـ وقد ّ
صاحب رأس املال (الدائن) من الربح الذي قد حيصل عليه لو استعمل رأس ماله
بنفسه.
ولكن وبعد انتشار البنوك االنتشار الواسع ،واملركزية حلركة املال التي أصبحت
تتمتع هبا البنوك التجارية ،والتي انحرصت هبا ،أصبحت الزيادة التي يعوض هبا
الدائن ربح ًا ثابت ًا لرأس املال ونيس الناس أمر التعويض ،أي أصبح من يريد أن يشغل
ما عنده من املال بغية احلصول عىل الربح أمامه طريقان:
1ـ االستثمار
وذلك بأن يدخل رشيك ًا يف إحدى الرشكات أو مسامه ًا يف إحدى الرشكات.
معامالت البنوك التجارية 94
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2ـ اإلقراض
وهو أن يقرض ماله للبنك التجاري ليستخدمه البنك يف عملياته يف مقابل ربح
حمدد يدفعه إليه البنك.
3ـ والفارق بني هذه املرحلة األخرية التي مل تعترب فيها الزيادة تعويض ًا ،وإنام
تنظر ربح ًا خالص ًا ،واملرحلة األوىل حيث كانت الزيادة تعترب تعويض ًا ،يتمثل ذلك
الفارق فيام قد يقال من أن الفائدة البنكية أو الربح يف املرحلة األوىل كان يف مقابل
عمل وهو استخدام رأس املال ،فال تعد الفائدة ـ واحلالة هذه ـ من الربا ،بينام يف
املرحلة األخرية حيث ال تعترب الزيادة (الفائدة) يف مقابل عمل ،وإنام هي ربح خالص
للقرض ،تعد هذه الزيادة من الربا.
واعتبار هذه الزيادة (الفائدة البنكية) من الربا هي الرأي املتفق عليه يف الفقه
اإلمامي إذا حصل اشرتاط الفائدة ضمن العقد.
وآلخرين من الفقهاء املسلمني غري اإلماميني وبعض الكتاب املعارصين رأي
آخر يف هذه الفائدة ،سوف أذكره يف موضعه إن شاء اهلل تعاىل.
هذا كله يف النقطة األوىل (حقيقة الربا).
ويف النقطة الثانية ،وهي املسائل ذات التدخل املبارش يف حتديد حقيقة القروض
بفوائد التي تقوم هبا البنوك التجارية .وهي:
ـ احلكومات ومرشوعية التعامل معها يف األموال العامة.
ـ متلك الشخصية االعتبارية.
ـ هل تقوم الكتابة مقام اللفظ يف العقود الرشعية.
ـ هل يتحقق الربا يف النقود الورقية.
احلكومات ومشروعية التعامل
معهايف األموال العامة
تتنوع ملكية املال يف الترشيع اإلسالمي إىل ثالثة أنواع ،هي:
ـ ملكية الفرد.
ـ ملكية األمة.
ـ ملكية الدولة.
وهيمنا ـ هنا ـ معرفة ملكية الدولة وملكية األمة ،ومها تتكونان من احلقوق
املالية التي يفرضها الترشيع ،ومن املرافق العامة يف الوطن ،عىل تفصيل بإمكان
القارئ الوقوف عليه ،وذلك بالرجوع إىل كتاب (اقتصادنا) ألستاذنا الشهيد السيد
حممد باقر الصدر ،وتسمى هذه األموال ـ فقهي ًا ـ األموال العامة ،ويعود الترصف فيها
للحكومة باعتبارها متثل الدولة وتنوب عن األمة.
والدافع لنا إىل إثارة البحث يف عالقة الدولة باألموال العامة هو تقسيم فقهائنا
اإلماميني البنوك التجارية تقسي ًام خاص ًا منبثق ًا من نظرهتم الفقهية هلا.
معامالت البنوك التجارية 96
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مر ـ البنوك احلكومية ،وهي التي متول من قبل ومن أقسام قسمتهم ـ كام َّ
احلكومة كامالً ،أو تشرتك احلكومة مع القطاع األهيل يف متويلها.
إن معرفة حكم التعامل مع هذه البنوك تتوقف عىل معرفة نوعية عالقة احلكومة
باألموال العامة التي ختتص ملكيتها هبا.
فقد تكون العالقة عالقة متلك ،وذلك بأن تكون ملكية أموال الدولة للحكومة
وتكون هلا الوالية عليها ،فيحق هلا ـ واحلالة هذه ـ الترصف هبذه األموال ،وحيق
للمسلمني التعامل معها يف هذه األموال.
وقد تكون العالقة عالقة إباحة ترصف هبذه األموال من ِقبل املالك احلقيقي هلا
وهو اإلمام املنصوب من ِقبل اهلل تعاىل ،إما بشخصه ،أو ألنه املمثل الرشعي للدولة
الرشعية.
وقد ال تكون بني هذه األموال العامة واحلكومة عالقة تسوغ ـ رشع ًا ـ التعامل
ٍ
وحينئذ ال جيوز التعامل معها. معها،
ال تتطلب منا أن نبحث موضوع احلكومة الرشعية، إن معرفة هذا تفصي ً
واألخرى التي مل تتوافر عىل الرشوط املطلوب توافرها يف احلكومة الرشعية من وجهة
الرأي الفقهي اإلمامي.
كنت قد بحثت موضوع احلكومة الرشعية بشكل مستقل وحتت عنوان وألين ُ
(الكيان السيايس اإلسالمي من خالل نصوص املالية العامة) ،وهو يلبي حاجتنا
املطلوبة هنا ،ونستطيع أن نستند إليه يف حماولة معرفة حكم التعامل مع البنوك
رأيت أن أنقله هنا ،وهو :الكيان
احلكومية ،واألخرى املشرتكة بني احلكومة واألهايلُ ،
السيايس اإلسالمي من خالل نصوص املالية العامة.
الكيان السياسي اإلسالمي
وفق النصوص املالية العامة
مقدمة
سوف نبحث هنا مسألتني مهمتني من مسائل الفقه اإلمامي ،مل يقدّ ر هلام أن
بحثتا إالّ يف حدود معطيات النصوص الرشعية ووفق املنهج البنيوي الذي يفرد
وجيرد النص من تطبيقاته ووقائعه يف التاريخ ،أو قل عزله عن البيئة االجتامعية التي
حترك فيها مضمونه ،واستمد منها طاقته الداللية بام ينري الطريق إىل فهمه فه ًام سوي ًا
يوصل إىل النتيجة املطلوبة.
فقد اختلف فيها رأي الفقه اإلمامي ،تبع ًا الختالف فهم فقهائنا ملؤديات
النصوص الرشعية الواردة يف املقام.
2ـ مسألة الكيان اإلداري الذي كان قائ ًام أيام حكم املعصوم املتمثل بحكم
رسول اهلل ( )وحكم أمري املؤمنني ،ومها املرجع الرشعي األصيل للفقه
معامالت البنوك التجارية 98
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اإلمامي يف هذه املسألة.
فهل كان هذا الكيان املشار إليه من نوع الكيان السيايس ،أو ليس كذلك ،وإنام
هو كيان إداري فقط ،بمعنى أنه ال عالقة له بالسياسة؟!
وعند من يقول :إنه كيان سيايس ،هل هو من نوع حكم األمة أو حكم الدولة،
أي هل أن النبي واإلمام كان كل منهام رئيس ًا لألمة اإلسالمية التي يتمثل فيها الكيان
رئيسا للدولة اإلسالمية التي يتمثل فيها
ال منهام كان ً السيايس املشار إليه ،أو أن ك ً
الكيان السيايس املومى إليه؟؟
ووجه االرتباط بني املسألتني املشار إليهام هو أن الثانية انبثقت من األوىل ،كام
سنتبني هذا من غضون البحث.
وهذا اخلالف يف املسألة الثانية يعني أن القولني األولني ينتج عنهام أنه ال دولة
يف اإلسالم بمعناها احلديث الذي ينص عىل أهنا كيان سيايس يشمل ويؤطر األمة
واحلكومة والوطن.
وذلك للفرق بني األمة ،إذ قد تكون جز ًءا من الدولة فيام إذا كانت هناك دولة،
وقد ال تكون جز ًءا منها فيام إذا كانت مستقلة بذاهتا وتدار من قبل فرد يساعده آخرون
يف إدارته هلا.
وقد حتولت هذه املسألة ـ عىل هذا الرأي ـ إىل مشكلة تركزت يف أن اإلسالم
يفصل بني الدين والدولة ،أو بني الدين والسياسة.
() املرشوطة :تعني أن يكون للدولة جملس نيايب يمثل الشعب ودستور مستمد من الرشيعة
اإلسالمية يطبق بإرشاف الفقهاء العدول ،ألن الكيان السيايس يف رأي القائلني باملرشوطة هو
من نوع إدارة شؤون الدولة ،أما املستبدة فتعني احلكم الفردي غري املرشوط بام ذكر يف أعاله،
ألن الكيان السيايس يف رأي القائلني باملستبدة هو نوع من إدارة شؤون األمة.
99 الكيان السيايس اإلسالمي وفق النصوص املالية العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احلكم اإليراين يف «الفرتة من 1905إىل 1912من التاريخ اإليراين املعارص ،وهي فرتة
الرصاع بني احلكم القاجاري واملجاهدين اإليرانيني يف سبيل حكم نيايب»() ،حيث
ذهب فريق من فقهائنا إىل الدعوة للمرشوطة ،وفريق آخر إىل الدعوة للمستبدة.
وكان عىل رأس الفريق األول الفقيه الشيخ حممد كاظم اخلراساين (ت 1329هـ)،
وعىل رأس الفريق اآلخر الفقيه السيد حممد كاظم اليزدي (ت 1337هـ).
حافزا
وكان تأزم الوضع السيايس ـ يف حينه ـ الذي تبعه تأزم يف الفكر الفقهي ً
قو ّي ًا للفقيه املريزا حممد حسني النائيني (ت 1355هـ) ـ وهو من الداعني إىل املرشوطة
ـ أن يؤلف كتابه (تنبيه األمة وتنزيه امللة) يف بيان رضورة إقامة الدولة اإلسالمية
الدستورية ،وقد عُدّ به الرائد األول حلسم قضية النزاع الفقهي املشار إليه.
ولكن ـ ومع األسف ـ انتهت املعركة السياسية إىل أن يتوقف املد الفقهي
يف املسألة ،حتى جاء دور اإلمام اخلميني فاستطاع بثاقب نظرته السياسية وبثورته
الشعبية اإلسالمية املوفقة أن يركز ويرسخ فكرة الدولة اإلسالمية ثم جيسدها إىل
واقع حي معطاء.
هذا بالنسبة إىل مشكلة الدولة اإلسالمية نظر ًّيا وتطبيق ًّيا.
أما مسألة املالية اإلسالمية العامة ،فإنه ـ يف حدود ا ّطالعي ـ مل ترتسخ فكرهتا
يف أهنا ملك للدولة اإلسالمية من ناحية نظرية إالّ فيام كتبه أستاذنا الشهيد الصدر
يف (اقتصادنا) ،وما جاء يف (دستور اجلمهورية اإلسالمية) ...وتطبيق ًا إالّ فيام ملسناه
واضح ًا يف واقع اجلمهورية اإلسالمية يف إيران.
َ
بزرك فاريس) ،مادة :مرشوطيت. َ
(فرهنك () املعجم الفاريس الكبري،
معامالت البنوك التجارية 100
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأخري ًا:
إن ما بني يدي القارئ العزيز ما هو إالّ حماولة متواضعة لتيسري فهم هذا املوضوع
ليكون يف خط الثقافة الفقهية للجميع.
أسأل اهلل تعاىل أن يوفقنا خلدمة فقه أهل البيت ،:إنه سبحانه ويل التوفيق
وهو الغاية.
.1الدولة.
.3املالية العامة.
تعريفها
1ـ مل ُيعلم ،كام أنه مل ُيؤرخ أن استعملت كلمة (دولة) يف لغتنا العربية القديمة
بمعنى ( )Stateاإلنجليزية ،أي بمعناها السيايس والقانوين املعروف حالي ًا.
وهلذا مل تدخل هذه الكلمة باملعنى املشار إليه يف قوائم املعجم العريب إالّ يف
عرصنا الراهن حيث أدرجت يف أمثال :املعجم الوسيط واملعجم العريب األسايس
ومعجم الروس العريب ومعجم الصحاح للمرعشليني.
وقد أفادت هذه املعاجم وأمثاهلا هذا املصطلح وبمعناه االصطالحي اجلديد ـ
املقصود هنا ـ من علم السياسة وعلم القانون.
وهذا مما نستفيد منه يف تعليل عدم ورودها يف النصوص الرشعية القديمة من
آيات وروايات وفتاوى.
وكذلك هو مما يلقي الضوء عىل واقع الكيان السيايس اإلسالمي يف العصور
اإلسالمية املبكرة ،وعىل معرفة الرس يف عدم تسميته بالدولة.
معامالت البنوك التجارية 102
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستثنى من هذا ما جاء يف عهد اإلمام عيل لواليه عىل مرص مالك األشرت
من قوله « :ثم اعلم يا مالك أين وجهتك إىل بالد قد جرت عليها دول قبلك
من عدل وجور» ،وما ورد يف دعاء االفتتاح املندوبة قراءته يف ليايل شهر رمضان،
وهو مما كان يدعو به أبو جعفر حممد بن عثامن العمري (ت 305هـ) النائب الثاين
عن اإلمام املهدي يف الغيبة الصغرى ،وهو قوله« :اللهم إنا نرغب إليك يف
دولة كريمة تعز هبا اإلسالم وأهله وتذل هبا النفاق وأهله وجتعلنا فيها من الدعاة إىل
طاعتك والقادة إىل سبيلك وترزقنا هبا كرامة الدنيا واآلخرة»() ،واملقصود هبا دولة
اإلمام املهدي (.)
وهذا التعبري بكلمة (دولة) عن حكم اإلمام املهدي دليل قوي ،وشاهد متني،
يساعدنا يف إطالق كلمة (دولة) عىل حكم النبي ،وبخاصة عىل أساس من
اعتقادنا يف حكم املهدي بأنه يسري عىل هدي حكم جده رسول اهلل .
أ ـ احلكومة.
ب ـ األمة.
ج ـ الوطن.
معرفيها من نظر إليها من زاوية أهنا أمة أو جمتمع أو مجاعة أو مجع من
فمن ّ
ومنهم من نظر إليها من زاوية أهنا كيان سيايس حيتوي (األمة واحلكومة
والوطن) ويقوم عىل أساس منها.
ـ الدولة :جمتمع يعيش عىل إقليم معني خيضع لسيطرة هيئة حاكمة ذات سيادة،
ويتمتع بشخصية معنوية متميزة عن املجتمعات األخرى املامثلة التي تربطها بعض
العالقات().
ـ مجاعة من الناس تسكن إقلي ًام حمدد ًا ،وختضع حلكومة منظمة ذات دستور،
وتتمتع بالسيادة().
ـ جمموع كبري من األفراد يقطن عىل وجه االستقرار إقلي ًام معين ًا ويتمتع
بالشخصية املعنوية وبنظام حكومي واستقالل سيايس().
ومن التعريفات التي نظرت إليها باعتبارها كيانًا سياس ًيا جيمع األمة واحلكومة
والوطن ،ما ييل:
ـ كيان سيايس ينتظم جمموعة من الناس تعيش ضمن حدود جغرافية معينة،
وجتمعها ـ عادة ـ مصالح مشرتكة ولغة أو تاريخ أو ثقافة مشرتكة().
ونخلص من كل هذا إىل أن الدولة كيان سيايس يضم داخل إطاره شعب ًا يعيش
يف وطن خاص به وحتت ظل حكومة ترعى مصاحله.
أركانها
.1الشعب.
.2احلكومة.
.3الوطن.
وألن هذه العنارص الثالثة معروفة بسبب شهرهتا الواسعة وكثرة استعامهلا عىل
1ـ الدستور
2ـ الشرعية
ويراد هبا االعرتاف بالدولة من قبل الدول األخرى واملؤسسات العاملية املعنية
بذلك.
شخصيتها
وعىل أساس من هذا االعتبار القانوين للدولة يكون هلا حقوق وعليها
واجبات.
ورئيس الدولة يعترب من ناحية فقهية املمثل للدولة الذي حيق له القيام بالتملك
والترصف نيابة عنها ،وبام له ـ أيض ًا ـ من حق الوالية كام يف لغتنا الفقهية ،أو حق
اإلمامة كام هو املصطلح عليه يف الفقه السني.
معامالت البنوك التجارية 106
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقسيمها
الدولة
غري دينية دينية
غري قانونية قانونية
ومتثلت الدولة الدينية قديماً يف تلكم الدول التي أقامها األنبياء ،أمثال دولة
النبي داود ودولة ابنه النبي سليامن ،ومها من ملوك بني إرسائيل ،وكانت
عاصمة ملكهام القدس().
وكان النبي الذي يرأس الدولة حيكم شعبها برشيعة اهلل تعاىل التي عليه أن
يلتزم هبا ويقوم بتطبيقها.
ومتثلت الدولة القانونية غري الدينية يف مثل دولة محورايب سادس ملوك الساللة
العمورية يف بابل الذي امتدت إمرباطوريته من اخلليج األخرض إىل ديار بكر،
ومن جبال زغروس إىل الصحاري الغربية ،فقد كان لدولته قانون ُعرف بـ(رشيعة
محورايب) ،عثر عليها مدونة عىل مسلة من الديوريت() اسطوانية الشكل يف سوس
()
() انظر :معجم األلفاظ واألعالم القرآنية ،مادة :داود ،ومادة :سليامن.
() ديوريت Dioriteصخر ناري جويف كبري احلبيبات ،ويرتكب من معدن البالجيوكاز
واهلورنبلني واملبكا السوداء ،ولونه رمادي إىل سواد( .صحاح املرعشليني)
() سوس Suzeوتسمى حال ًيا (شوش) بالشني املعجمة مدينة يف خوزستان قرب تسرت
بإيران
107 الدولة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عام 1902 – 1901م ثم نقلت إىل فرنسا وحفظت يف متحف اللوفر بباريس().
أما الدولة غري القانونية فتمثلت يف دولة نمرود بن كوش بن حام مؤسس
ال عني ًفا ،كام عرف عنه أنه أول من اضطهد
اإلمرباطورية البابلية ،فقد ذكر أنه كان رج ً
البرش().
ومثل هذه الدولة تعرف اآلن بالدولة االستبدادية والدولة البوليسية.
مهماتها
عىل الدولة أن تقوم عن طريق شخوصها أو مؤسساهتا باملهامت التالية:
.1توفري األمن والسالمة جلميع الناس املوجودين داخل حدود وطنها.
.2توفري وسائل وأسباب الصحة والعالج الطبي.
.3الرتبية والتعليم.
.4القضاء.
.5الدفاع عن الوطن.
.6املحافظة عىل استقالهلا وسيادهتا عىل أراضيها.
.7العدالة يف تطبيق القانون ...وإلخ.
وقد كانت مهام الدولة يف الدراسات الفقهية املبكرة تناط باإلمام ألنه رأس
الدولة واملسؤول األول واألعىل فيها.
وقد حدد أبو احلسن املاوردي يف كتابه «األحكام السلطانية» هذه املهام
بالتايل:
نوعيتها
مما جيب التنبيه عليه ـ هنا ـ أن الدولة يف الفكر الفقهي هي ـ وبمختلف أجهزهتا
اإلدارية وسواها ـ من نوع املوضوعات ،ألهنا وسائل وأساليب.
وهذا يعني أهنا تتطور بتطور األوضاع السياسية واالجتامعية بعامة.
وربام استلزم ذلك تغري احلكم لتغري املوضوع.
() انظر :جملة منرب احلوار ،العدد ،14 :صيف 1410هـ ـ 1989م ،بحث «عن مؤسسات
الدولة يف النظم اإلسالمية والعربية» ،طارق البرشي ،ص76 :
() م .س75 ،
نوعية احلكم اإلسالمي يف الفقه اإلمامي
ذكرت األقوال يف مسألة نوع احلكم الرشعي يف الفقه اإلمامي
ُ سبق أن
وكالتايل:
2ـ حكم املعصوم حال حضوره ،ويف حال غيبته ينتقل إىل نائبه وهو الفقيه
العادل.
واآلن جاء دور عرض النصوص املشار إليها واستعراضها لفهم داللتها
واستخالص احلكم الرشعي منها.
معامالت البنوك التجارية 110
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن النصوص املشار إليها هي من حيث الداللة عىل طوائف ،وكالتايل:
ـ عن زرارة عن أيب عبد اهلل قال :قلت له« :ما يقول اهلل ﴿ َي ْس َأ ُلون َ
َك َع ِن
ول﴾() (قال) :هي كل أرض جال أهلها من غري أن الُ ،ق ِل :األَ ْن َف ُال هللِ َوالرس ِ
األَ ْن َف ِ
َّ ُ
حيمل عليها بخيل وال رجال وال ركاب ،فهي هلل وللرسول»().
ـ عن حممد بن مسلم عن أيب عبد اهلل :أنه سمعه يقول« :إن األنفال ما
كان من أرض مل يكن فيها هراقة دم ،أو قوم صوحلوا أو أعطوا بأيدهيم ،وما كان من
أرض خربة ،أو بطون أودية ،فهذا كله من الفيء ،واألنفال هلل وللرسول يضعه حيث
حيب»().
وهذه األحاديث واضحة يف داللتها ،إالّ أن الذي قد يستفرس عنه هو :ما هو
املقصود بعبارة (هلل)؟
وسبب االستفسار هو أن اهلل تعاىل له ملك الساموات واألرض ،فال معنى أن
جيعل له نصيب يف األنفال ،فال بد ـ يف ضوء هذا ـ من أن يراد به يشء آخر.
واحلديث الثاين جييب عن ذلك بقوله :فام كان هلل فهو للرسول يضعه
حيث حيب.
ويف حديث آخر (رقم 12من أبواب األنفال وما خيتص باإلمام من كتاب
الوسائل)( :يضعه حيث يشاء).
أيضا ـ رقم « :8265عن أيب مريم األنصاري :قال :سألت ويف (املستدرك) ـ ً
َك َع ِن األَ ْن َف ِ
ال﴾ ،قال :سهم هلل وسهم أبا عبد اهلل عن قوله تعاىلَ ﴿ :ي ْس َأ ُلون َ
للرسول ،قال :قلت :فلمن سهم اهلل؟ فقال :للمسلمني».
وهذا كام يف موثق حممد بن مسلم ،ويف احلديث اآلخر (رقم )12الذي أملحت
إليه ،وهو حديث حفص بن البخرتي عن اإلمام الصادق ،وهو حسن سند ًا.
2ـ أن سهم اهلل هو للمسلمني كام يف حديث أيب مريم األنصاري ،وهو معترب
سندً ا.
3ـ أما الذي يفهم من حديث الدعائم بمعونة قرينة السياق الرصحية يف حرص
ذلك بالرسول وباإلمام من بعده أن ذكر عبارة (هلل) يف آية األنفال جاء تعظيماً له ،ألن
الكون كله يف ملك اهلل وحتت ترصفه ،فال معنى ألن جيعل له نصيب يف األنفال.
وإىل هنا :إننا متى فهمنا أن املقصود من أن حق اهلل هو حق الرسول شخصي ًا ال
بسبب منصبه ،وهو رئاسة املسلمني ،وذلك بقرينة قوله ( :يضعه حيث أحب)
أو (حيث حيب) أو (حيث يشاء) أو (حيث شاء) ،وبقرينة موثق سامعة بن مهران:
«قال :سألته عن األنفال فقال :كل أرض خربة أو يشء يكون للملوك فهو خالص
لإلمام وليس للناس فيها سهم» ألن معنى كونه خالص ًا للرسول أو اإلمام ليس لغري
املعصوم فيه حق.
113 إلسالمي يف الفقه اإلمامي نوعية احلكم ا ٍ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقول :هلذا قد يصعب اجلمع بني احلديثني إالّ عن طريق محل حديث أيب مريم
عىل التقية ،وذلك أن اخلليفة األول عندما انتزع (فدك ًا) من السيدة الزهراء
وأدخلها ضمن املالية العامة للدولة احتج بـ«أن هذا املال مل يكن للنبي وإنام كان
ماالً من أموال املسلمني حيمل النبي به عىل الرجال وينفقه يف سبيل اهلل»().
وفعل أيب بكر ـ يف رأي الفقه السني ـ حجة وبمنزلة سنة النبي الفعلية.
وأيض ًا ملا رووه يف سبب نزول آية األنفال ،ففي تفسري القرطبي« :روى عبادة
بن الصامت :قال :خرج رسول اهلل إىل بدر فلقوا العدو ،فلام هزمهم اهلل اتبعتهم
طائفة من املسلمني يقتلوهنم ،وأحدقت طائفة برسول اهلل ،واستولت طائفة
عىل العسكر والنهب ،فلام نفى اهلل العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا :لنا النفل ،نحن
الذين طلبنا العدو وبنا نفاهم اهلل وهزمهم ،وقال الذين أحدقوا برسول اهلل :ما
أنتم أحق به منا بل هو لنا ،نحن أحدقنا برسول اهلل لئال ينال العدو منه غرة،
وقال الذين استلووا() عىل العسكر والنهب :ما أنتم بأحق منا هو لنا ،نحن حويناه
ال﴾ فقسمه رسول اهللَك َع ِن األَ ْن َف ِ
وجل ـ ﴿ َي ْس َأ ُلون َ
واستولينا عليه ،فأنزل اهلل ـ عز ّ
عن فواق() بينهم» وبالسوية.
ولكن يمكننا أن نقول :إن الواقع التارخيي ملوقف الرسول من هذا املال الذي
يف مثل الفعلني التاليني:
1ـ نحله فدك ًا ـ وهي مما مل يوجف عليه بخيل وال ركاب ـ البنته الزهراء
.)(
إن كان املال إن هذا الواقع يساعدنا عىل اجلمع بني احلديثني ،وذلك بأن نقولْ :
ماض ،ألنه له ٍ ملك ًا للرسول فترصفه به بأن منحه ألحد أو ّفرقه بني املسلمني،
أن يضعه حيث يشاء ،وإن كان املال للمسلمني فترص ُف ُه به يكون بحق ما َل ُه ِم ْن
والية تعطيه الصالحية الرشعية أن يترصف به كام يرى إن اقتضت املصلحة ذلك، ٍ
عن حممد بن مسلم عن أيب جعفر قال :سمعته يقول« :الفيء واألنفال
ما كان من أرض مل يكن فيها هراقة الدماء ،وقوم ُصوحلوا أو أعطوا بأيدهيم ،وما كان
من أرض خربة ،أو بطون أودية ،فهو كله من الفيء ،فهذا هلل ولرسوله ،فام كان هلل فهو
لرسوله يضعه حيث يشاء ،وهو لإلمام بعد الرسول»().
عن أيب بصري عن أيب جعفر :قال« :لنا األنفال ،قلت :وما األنفال؟ قال:
منها املعادن واآلجام وكل أرض ال رب هلا وكل أرض باد أهلها ،فهو لنا»().
احلديث احلسن الذي رواه الكليني عن عيل بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن
هاشم عن محاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح ( يف حديث
طويل) :قال« :إن اهلل مل يرتك شي ًئا من صنوف األموال إالّ وقد قسمه فأعطى كل ذي
حق حقه (إىل أن قال) :واألنفال إىل الوايل»().
ما رواه الصدوق بإسناده عن أيب عيل بن راشد :قال :قلت أليب احلسن الثالث
:إنا نؤتى باليشء فيقال :هذا كان أليب جعفر عندنا ،فكيف نصنع؟ فقال:
«ما كان أليب بسبب اإلمامة فهو يل ،وما كان غري ذلك فهو مرياث عىل كتاب اهلل وسنة
نبيه»().
أو قل :علينا أن نبينِّ كيف استنبط كل فريق رأيه من هذه النصوص:
ـ قد أفاد الفريق األول القائل بأن هذه األموال هي ملك رسول اهلل ومن
بعده هي لألئمة املعصومني من أهل بيته ملك ًا شخصي ًا ،وبالشكل الذي نفيد منه عدم
وجود دولة ،من قوله « :يضعه حيث حيب» و«يضعه حيث يشاء» و«يضعه
حيث أحب» و«يضعه حيث شاء» ،ألن هذه العبائر ظاهرة يف جواز ترصف املعصوم
هبذه األموال كام يرى ويريد ،ولو أهنا كانت للدولة عىل املعصوم أن يترصف هبا
ال للدولة ملا صح أن يقال (يضعه حيث حيب) ،ألهنا موظفة ْ
ألن ترصف باعتباره ممث ً
يف شؤون الدولة.
وما قد يرتاءى من تعارض بني كون هذه األموال للرسول أو اإلمام شخصي ًا
وما جاء يف بعض النصوص من أهنا للوايل وهو يشمل كل حاكم معصو ًما وغريه،
ومن أهنا للقائم بأمور املسلمني الذي يعم كل حاكم أيض ًا معصوم ًا وغريه ،قالوا:
يؤول بحمله عىل التقية.
ومحلوا قوله « :ما كان أليب بسبب اإلمامة فهو يل» عىل أن املقصود من هذا
بيان أنه ال يورث ،وهذا ال يمنع من أن يكون لإلمام حق الترصف به كيف يشاء.
والنتيجة التي خلص هلا هؤالء هي أن الذي يفهم من هذا :أنه ليس يف هذه
النصوص ما يفيد مرشوعية الدولة فقهي ًا.
ـ أما الفريق الثاين القائل بأن هذه النصوص تفيدنا مرشوعية الدولة فقهي ًا
ال للفظ عىل ظاهره حيث فقالوا :إن املراد بالوايل احلاكم مطلق ًا معصوم ًا وغريه مح ً
117 إلسالمي يف الفقه اإلمامي نوعية احلكم ا ٍ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال مقيد له ،ودعوى احلمل عىل التقية مدفوعة ألن الفقه السني الذي يتبناه احلكام
آنذاك ،فإنه (الفقه السني) كام يقول بأن هذه األموال هي للمسلمني يتوىل الوايل
رصفها يف شؤوهنم ،كذلك يقول بحق اإلمامة هي للحاكم الذي يعني أنه حيق لإلمام
الترصف به وفق ما يرى إذا اقتضت املصلحة ذلك ،وهو ما نسميه يف فقهنا بحق
الوالية ،وحيث يكون املوقف ما ذكرنا ال جمال وال معنى للتقية.
وكذلك بالنسبة إىل قوله « :القائم بأمور املسلمني» فإنه حيمل عىل ظاهره
الشامل ملطلق احلاكم معصوم ًا وغريه ،وال جمال حلمله عىل التقية ملا ذكرناه يف سالفه.
وقوله « :فام كان أليب بسبب اإلمامة فهو يل» رصيح يف أن املقصود بذلك
منصب اإلمامة الذي يعني رئاسة الدولة ،ألنه لو كان له شخصي ًا يكون مشموالً
بأحكام املرياث.
وقوله « :فام كان هلل فهو لرسوله ...وهو لإلمام بعد الرسول» قرينة
واضحة يف أنه ليس للمعصوم بشخصه ألن ما كان ملكًا شخصي ًا يورث ،وهذه تدل
عىل أن األموال العامة له بحكم منصبه.
وما ذكر من قوله « :يضعه حيث حيب» أو «حيث يشاء» ألنه ُق ِرن بالنبي
واإلمام من الواضح أن هذا كان ـ وكصالحية ـ ملا يتمتع به احلاكم املعصوم من والية
عىل األموال يترصف هبا متى اقتىض الظرف ذلك ويف إطار املصلحة وعىل هدي
الرشيعة املقدسة.
معامالت البنوك التجارية 118
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد رأينا ـ فيام سبق ـ موقف النبي فيام وصل إليه من هذه األموال حيث
نحل فدكًا البنته السيدة الزهراء ،وحيث وزع أمواالً أخرى عىل املسلمني
لآلهل حظني ولألعزب حظ ًا واحد ًا.
وإذا رجعنا إىل واقع التاريخ اإلسالمي نجد أن النبي بصفته رئيس ًا للدولة
اإلسالمية قام بالتايل:
1ـ إنشاء ديوان اإلدارة ،وكان يضم الكتّاب ،أمثال :كتّاب أموال الصدقة،
وكتّاب الرسائل الصادرة عن النبي ،وكتّاب النفوس.
ويف (االستيعاب) :كانت ترد عىل رسول اهلل كتب بالرسيانية فأمر زيد بن
ثابت فتعلمها يف بضعة عرش يوم ًا».
«ويف خمترص الطحاوي ،عن زيد بن ثابت أيض ًا أنه قال :أمرين رسول اهلل
تعلمت ،وقال يل رسول اهلل :
ُ أن أتعلم كتاب هيود ،فام مر يب نصف شهر حتى
تعلمت كنت أكتب إىل هيود إذا َكت َ
َب إليهم ،وإذا ُ واهلل ما آمن هيود عىل كتايب ،فلام
كتبوا إليه قرأت له كتاهبم»().
وكتّاب العهود والصلح ،فقد «كان الكاتب لعهوده إذا عاهد ،وصلحه
إذا صالح عيل بن أيب طالب»().
3ـ إبرام املعاهدات وإقامة العالقات بني الدولة اإلسالمية والدول األخرى
واجلامعات والقبائل املجاورة.
وقد أوضح هذا ومجع ما وقف عليه من الوثائق األستاذ حممد محيد اهلل يف
كتابه املوسوم بـ(جمموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي واخلالفة الراشدة) ،قال :يف
مقدمته« :ال شك أن العهد النبوي ـ عىل صاحبه الصالة والسالم ـ كان عهد ًا ذا نتائج
هامة يف تاريخ العامل السيايس والديني واالقتصادي وغري ذلك ،وملا كان غري ممكن أن
نفهم احلالة السياسية يف عرص من العصور إالّ بمراجعة الوثائق الرسمية التي تتعلق
بذلك العرص ـ وهي من أجل املآخذ للحقائق التارخيية ـ كان من الرضوري أن نجمع
الوثائق املتعلقة بالعرص النبوي حتى يتسنى لنا أن نفهمه فه ًام صحيح ًا.
ال خيفى أن قريش مكة مل يكن هلم قبل اإلسالم جتربة واسعة لسياسة املدن،
ومل يتفق هلم أن جيتمعوا حتت لواء حكومة ذات متدن وثقافة حيث يرجى أن تكون
حرروا أحيان ًا بعض العهود واملحالفات
هلم نظم سياسية مكتوبة ،ولسنا ننكر أهنم ّ
معامالت البنوك التجارية 120
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينهم وبني القبائل املجاورة ،إالّ أن ذلك كان يف دائرة حمدودة ،فلام جاء اإلسالم
اجتمعت القوى املنترشة يف جزيرة العرب عىل مركز واحد ،وتشكلت يف دولة
ذات نظام وإدارات منضبطة ،وقامت بينها وبني املاملك املجاورة ـ كفارس وبيزنطة
ومستعمراهتا ـ عالقات سياسية ،ومل يمض عىل تلك الدولة عرشة أعوام أخر إالّ وقد
تسلطت عىل بالد العجم والعراق وسوريا وفلسطني ومرص وغريها ،فكانت هذه
احلالة تدعو إىل كتابة (كتب) تعرب عن تلك العالقات السياسية ،وهي الوثائق التي
عرفتنا طرف ًا من أخبارها».
4ـ بعث الرسل والوفود إىل الدول األخرى وقبائل العرب (انظر :كتب السرية
النبوية).
5ـ جتهيز اجليوش للدعوة إىل اإلسالم ،وللدفاع عن الوطن (انظر :كتب
املغازي والسرية والفتوح).
6ـ تعيني األمراء والعامل يف البلدان التابعة للدولة اإلسالمية ،ففي (خمترص
السري) البن مجاعة« :أ ّمر رسول اهلل عتّاب بن ُأسيد عىل مكة وإقامة املوسم
واحلج باملسلمني سنة ٍ
ثامن ،وهو دون العرشين سنة يف سنّه».
و«قال ابن فتحون يف (الذيل) :باذان ويقال :باذام ملك اليمن ،ذكر البارودي
إسالمه واستعامل النبي إياه عىل اليمن ،واستعامله ابنه عىل عمله بعد وفاة
أبيه».
«وذكر الثعالبي :أنه أول من أسلم من ملوك العجم وأول أمري يف اإلسالم عىل
اليمن»().
ـ عيل بن أيب طالب :يف (االستيعاب) :بعثه رسول اهلل إىل اليمن ،وهو
شاب ،ليقيض بينهم.
يف (ختريج الدالالت السمعية) ـ ص 307ـ حتت عنوان (يف ذكر املحتسب):
«وقال أبو عمرو بن عبد الرب يف (االستيعاب) :استعمل رسول اهلل سعيد بن
سعيد بن العاص بن أمية بعد الفتح عىل سوق مكة».
إن هذه وما إليها مما يدل عىل أن النبي أوجد أول كيان سيايس يف بالد
احلجاز آنذاك ،فلم يعهد أن عرف يف هذه املنطقة قيام كيان سيايس قبل اإلسالم.
واملالحظ يف هذا الكيان السيايس أنه منظم ،ولكن يف حدود ما تدعو إليه
متطلبات الدولة يف أولياهتا املشار إليها.
وإذا قارنا هذا الكيان السيايس بالدول غري اإلسالمية التي كانت قائمة آنذاك
كدولة فارس ودولة الروم ال نرى فارق ًا من حيث التنظيامت إالّ يف حدود االختالف
يف الواقع املدين بني العرب حيث كانوا أمم ًا عشائرية وأ ِّم َّية ،والفرس والروم فقد كانوا
أمم ًا متمدنة من حيث العمران.
وهذا يدعونا ـ وبكل ثقة وأمانة ـ أن نطلق عىل الكيان السيايس اإلسالمي عنوان
معامالت البنوك التجارية 122
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(دولة) ألنه متوفر عىل عنارصها ومتوافر عىل رشوطها ،ففيه األمة وهم املسلمون،
وفيه احلكومة وهي اإلدارة التي اعتمدها النبي يف ترصيف شؤون الدولة ،وفيه
الوطن وهو املدينة املنورة وما يتبعها من إدارات يف البلدان األخرى.
ـ ثم دولة الفقيه.
وألهنا حقه وحده ال تكون ألحد من الناس إالّ بجعل منه ،وقد أكد القرآن
الكريم ذلك بأمثال اآليات التاليات:
ك لِلن ِ
َّاس إِ َم ًاما﴾(). ـ ﴿إِ ج ِ
اع ُل َ نيِّ َ
ومن هنا سميت هذه الوالية بـ(الوالية املجعولة) يف مقابل والية اهلل تعاىل
(الذاتية).
وهي (أعني الوالية املجعولة) مقيدة بحدود ما حيددها اهلل به يف مقابل والية
اهلل (املطلقة).
وقد أعطيت هذه الوالية اإلهلية املجعولة لنبينا حممد بالنص القرآين
ني ِم ْن َأ ْن ُف ِس ِه ْم﴾().ِِ
القائل﴿ :النَّبِ ُّي َأ ْولىَ بِا ُمل ْؤمن َ
وبأمر من اهلل تعاىل من خالل قوله خماطب ًا النبي َ ﴿ :يا َأ هُّ َيا َّ
الر ُس ُ
ول َب ِّلغْ َما
ك ِم َن الن ِ
َّاس ،إِ َّن اهللَ الَ ْت ِر َسا َل َت ُه َواهللُ َي ْع ِص ُم َ
ك َوإِ ْن مَل ْ َت ْف َع ْل َفماَ َب َّلغ َك ِم ْن َر ِّب َ ُأن ِْز َل إِ َل ْي َ
ِ ِ
ين﴾() .صدع النبي هبذه الوالية اإلهلية املجعولة لإلمام عيل بن أيب هَ ْيدي ا ْل َق ْو َم ا ْلكَاف ِر َ
طالب يف يوم غدير خم ،ففي رواية زيد بن أرقم« :ملا رجع رسول اهلل
من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات ف ُق ِّم ْم َن ...ثم قال :إن اهلل موالي وأنا
موىل كل مؤمن ،ثم أخذ بيد عيل فقال :من كنت وليه فهذا وليه ،اللهم ِ
وال من وااله َّ
ومن قبل هذا مجعت اآلية اخلامسة واخلمسون من سورة املائدة﴿ :إِ َّنماَ َولِ ُّيك ُُم
ون﴾ ،مجعت ُون ال َّزكَا َة َو ُه ْم َراكِ ُع َ الص َ
ال َة َو ُي ْؤت َ ون َّ
يم َ اهللُ ورسو ُله وا َّل ِذين آمنُوا ا َّل ِذ ِ
ين ُيق ُ
َ َ َ ََ ُ ُ َ
بني الواليات الثالث :والية اهلل ،ووالية رسول اهلل ،ووالية اإلمام عيل ألنه الذي آتى
الزكاة راكع ًا حيث أوضحت ذلك واقعة تصدقه بخامته().
ويف أكثر من رواية نص رسول اهلل عىل والية األئمة االثني عرش بأسامئهم،
منها :أنه قال لعيل َ « :م ْن سرََّ ُه أن يلقى اهلل عز وجل آمن ًا مطهر ًا ال حيزنه
َّ
وليتول بنيك احلسن واحلسني وعيل بن احلسني وحممد بن عيل الفزع األكرب فليتولك،
وجعفر بن حممد وموسى بن جعفر وعيل بن موسى وحممد ًا وعل ّي ًا واحلسن ثم املهدي
وهو خامتهم».
فنقول :ال إشكال يف أن األصل عدم نفوذ حكم أحد عىل غريه ،قضاء كان
أو غريه ،نب ًّيا كان احلاكم أو ويص نبي أو غريمها ،وجمرد النبوة والرسالة والوصاية
والعلم ـ بأي درجة كان ـ وسائر الفضائل ،ال يوجب أن يكون حكم صاحبها نافذ ًا
أو قضاؤه فاصالً.
فام حيكم به العقل هو نفوذ حكم اهلل ـ تعاىل شأنه ـ يف خلقه ،لكونه مالكهم
وخالقهم ،واملترصف فيهم ـ بأي نحو من الترصف ـ يكون ترصف ًا يف ملكه وسلطانه،
وهو ـ تعاىل شأنه ـ سلطان عىل كل اخلالئق باالستحقاق الذايت ،وسلطنة غريه ونفوذ
حكمه وقضائه حتتاج إىل جعله.
ثم بعد النبي كان األئمة :ـ واحد ًا بعد واحد ـ سلطان ًا وحاك ًام عىل
العباد ،ونافذ ًا حكمهم من ِق َبل نصب اهلل تعاىل ونصب النبي بمقتىض اآلية املتقدمة،
والروايات املتواترة بني الفريقني عن النبي )(وأصول املذهب».
وتسلسلت هذه الوالية يف األئمة االثني عرش ،حتى إذا كان دور اإلمام الثاين
عرش حممد بن احلسن املهدي ،وأعلن عن غيبته الكربى أبان عن القاعدة العامة
فكان هذا البيان الرشيف منه تنصيص ًا عىل النيابة العامة للفقيه العادل
عن اإلمام املعصوم.
ومسألة نيابة الفقيه العادل عن اإلمام املعصوم يف الفكر الفقهي اإلمامي موضع
وفاق اجلميع ،يقول املحقق الكركي يف رسالته حول صالة اجلمعة« :اتفق أصحابنا
املعب عنه
ـ رضوان اهلل عليهم ـ عىل أن الفقيه العدل اإلمامي اجلامع لرشائط الفتوى رّ
باملجتهد يف األحكام الرشعية نائب من ِق َبل أئمة اهلدى ـ صلوات اهلل عليهم ـ يف حال
الغيبة يف مجيع ما للنيابة عنه مدخل»().
وقد أفادها الفقهاء ـ باإلضافة إىل التوقيع عن اإلمام املذكور يف أعاله ـ من
أمثال:
فإن قوله « :فإين قد جعلته عليكم حاك ًام» ظاهر يف جعل الوالية العامة
للفقيه العادل ،وذلك أن قوله « :جعلته» يفيد نصب الفقيه العادل من قبل
اإلمام ،وأن قوله « :حاك ًام» ظاهر يف إفادة الوالية الشاملة ملختلف
املجاالت والشؤون االجتامعية العامة ،حيث إن احلاكم ـ فيام يفهم من مدلول الكلمة
ـ «هو الذي يرجع إليه يف مجيع األمور العامة االجتامعية التي ال تكون من وظائف
األفراد ،وال يرىض الشارع ـ أيض ًا ـ بإمهاهلا ،ولو يف عرص الغيبة ،وعدم التمكن من
األئمة ـ .»
كام أفاد هذا السيد الربوجردي يف (البدر الزاهر يف صالة اجلمعة واملسافر)().
ـ ومشهورة أيب خدجية سامل بن مكرم« :قال :قال يل أبو عبد اهلل :إياكم
أن حياكم بعضكم بعض ًا إىل أهل اجلور ،ولكن انظروا إىل رجل منكم يعلم شيئ ًا من
قضايانا فاجعلوه بينكم ،فإين قد جعلته قاضي ًا فتحاكموا إليه»().
واستدل هبا عىل منصب الفقيه حاك ًام عام ًا من قبل اإلمام بام تضمنته
الرواية من حتذير اإلمام وهنيه أن يتحاكم إىل أهل اجلور ،ومن أمره
بالرجوع إىل الفقيه ،وبترصحيه بجعله قاضي ًا ليتحاكم إليه ،وال فصل يف الترشيع
اإلسالمي بني القضاء وبقية شؤون احلكم األخرى().
وقد حدد الفقه اإلمامي الرشوط التي ينبغي أن تتوافر يف هذه الدولة اإلهلية
(دولة الفقيه) مستفيد ًا إياها من النصوص الرشعية ومن التطبيقات اخلارجية ملا
قالوا :يشرتط توفر احلاكم الذي يرشح لرئاسة الدولة عىل العنارص التالية:
د ـ وأن تكون تلكم النتائج الفقهية قادرة ـ تربوي ًا ـ عىل تأهيل اإلنسان املواطن
للقيام بخالفة اهلل يف األرض بعامرهتا ودفع عجلة احلياة البرشية لتسري عىل هذه
هـ ـ وأن حتقق تلكم النتائج الفقهية للرشيعة اإلسالمية مقاصدها كحفظ الدين
وحفظ العقل وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ املال وإلخ.
وـ وأن يعرتف دستور الدولة بدور العقل يف جمال احلياة :إنامئها وإثامرها،
وتسيريها وتطويرها.
() سورةالبقرة.30:
() سورة األنعام.165 :
() سورة يونس.14 :
() سورة احلديد.52 :
() سورة احلجرات.13 :
() سورة النحل.90 :
131 املالية العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3ـ وأن تعنى بشؤون التعليم والرتبية والصحة والسكن واملواصالت
واالتصاالت واألمن والسالمة ،وإىل آخر ما ينبغي أن تقوم به مما حيقق احلياة الكريمة
العزيزة لكل من يعيش عىل أرض الوطن.
4ـ وأن يكون معيار التفاضل بني الناس هو مبدأ التقوى ﴿ َيا َأ هُّ َيا الن ُ
َّاس إِنَّا
َج َع ْلنَاك ُْم ُش ُعو ًبا َو َق َبائِ َل لِ َت َع َار ُفوا إِ َّن َأك َْر َمك ُْم ِعنْدَ اهللِ َأ ْت َقاك ُْم﴾()« ،يا أهيا الناس إن
ربكم واحد وإن أباكم واحد ،كلكم آلدم وآدم من تراب ،إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم
وليس لعريب عىل عجمي وال لعجمي عىل عريب وال ألمحر عىل أبيض وال ألبيض عىل
أمحر فضل إالّ بالتقوى» ـ من خطبة حجة الوداع ـ.
3ـ اعتامد مبدأ األخوة كرابطة بني املسلم واملسلم ﴿إِ َّنماَ ا ُمل ْؤ ِمن َ
ُون إِ ْخ َوةٌ﴾()،
ومبدأ املامثلة يف اخللق (اإلنسانية) «فإهنم ـ يعني الناس ـ صنفان :إما أخ لك يف الدين
أو نظري لك يف اخللق».
تعريفها
املالية العامة ـ باختصار ـ هي مالية الدولة ،يقول األستاذ أبو الرب يف كتابه
(املالية العامة) ـ ص 7ـ حتت عنوان (ماهية املالية العامة) ـ« :يقصد باملالية العامة:
مالية الدولة يف الدرجة األوىل ،وهناك مالية عامة ،خاصة بالبلديات واإلدارات
املحلية األخرى واملؤسسات العامة ،ويطلق البعض عىل املالية العامة (اقتصاديات
القطاع العام) أو (مالية السلطات العامة).»...
وسائلها
ويضاف إليه:
ويراد باحلاجات ـ هنا ـ احلاجات العامة التي عىل الدولة أن تقوم بإشباعها،
وهي أمثال:
ـ والقضاء العادل.
ـ ونرش التعليم.
يقول أبو الرب يف كتابه (املالية العامة) ـ ص 7ـ« :تسري اإلدارة املالية
للدولة يف خطوات ثالث متتالية:
تب َّينا من دراستنا للحكم اإلسالمي يف الفقه اإلمامي أن احلكم يمتد من النبي
إىل اإلمام املعصوم ،ومنه إىل الفقيه العادل.
وعرفنا أن هناك من الفقهاء من يذهب إىل أن هذه األموال التي نصطلح عليها
ـ اآلن ـ باملالية العامة هي ملك للحاكم ـ النبي أو اإلمام أو الفقيه ـ ملك ًا شخصي ًا له،
يترصف فيها كام يشاء.
ويف رأي من يقول إن احلكم مقصور عىل املعصوم ـ النبي فاإلمام من بعده ـ
يقرص ملكية هذه األموال عىل شخوص املعصومني ،وال يتعدى هبا إىل الفقيه العادل،
ألن صاحب هذا الرأي ال يؤمن بقيام دولة رشعية يف عرص غيبة اإلمام.
وأن هناك من الفقهاء من يذهب إىل أن هذه األموال (املالية العامة) هي ملك
للدولة ،ونسبت للنبي ولإلمام من بعده ،ألنه رئيس الدولة واملمثل هلا يف قبض
أمواهلا والترصف هبا.
معامالت البنوك التجارية 138
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن املقارنة بني الروايات التي استدل هبا كل طرف من األطراف املشار إليهم،
واملوازنة بني طريقتي االستدالل رجحنا القول األخري لألسباب التالية:
1ـ أن عبارة (إن للقائم بأمور املسلمني بعد ذلك األنفال التي كانت لرسول
اهلل) يف احلديث املروي عن اإلمام أمري املؤمنني دليل متني عىل أن املالية العامة
هي للقائم بأمور املسلمني بحكم منصبه ،وقلنا إن املراد باملنصب ـ هنا ـ رئاسة الدولة
ألن الرئيس يمثل الدولة يف قبض أمواهلا والترصف هبا.
ويستمد هذا الدليل قوته ألنه أقدم ما وصل إلينا من نصوص الباب ،فهو يف
مقام بيان احلكم األويل.
ويف ضوئه :تكون عبارة «يضعه حيث يشاء» ناظرة إىل حق الوالية ،التي هي
جعل صالحية للوايل املعصوم يف الترصف هبذه األموال وفق املصلحة إذا اقتىض
األمر ذلك.
وهي ـ أعني العبارة ـ مرتبطة بالظرف الذي كان يمثل فيه الدولة رسول اهلل
أو أحد األئمة ،أي عىل نحو القضية اخلارجية ـ كام يقول املناطقة ـ.
2ـ أن عبارة «يضعه حيث حيب أو يشاء» الواردة يف أكثر من رواية هي عن
اإلمام الباقر واإلمام الصادق يعربان هبا عن حق املعصوم يف الوالية ،كام
نعرب عنه يف فقهنا ،أو حق اإلمامة كام يعرب عنه يف الفقه السني ،وهي تعني الصالحية
التي متنح لإلمام رشع ًا ،وختوله الترصف يف املال ،وفق مقتضيات املصلحة وداخل
حميط دائرة الرشيعة اإلسالمية.
والنتيجة:
1ـ إن يف البني ما يشبه التدرج يف بيان الترشيع بشأن ملكية املالية العامة
والترصف هبا ،وكالتايل:
فأوالً :وعىل لسان القرآن الكريم ب ّينت آية األنفال أن املالية هي هلل وللرسول.
وثاني ًا :وعىل لسان اإلمام أمري املؤمنني ب ّينت قولته( :إن للقائم بأمور املسلمني
بعد ذلك األنفال) أن املراد منصب الرسالة ومن بعده منصب اإلمامة.
وثالث ًا :وعىل لسان اإلمامني الباقر والصادق جاء بيان أن ملن يشغل املنصب ـ
نبي ًا أو إمام ًا ـ حق الوالية.
ورابع ًا :وملا قدم يفهم من عبارة «يضعه حيث يشاء» أنه حق شخيص للرسول،
ومن بعده لإلمام جاء قول اإلمام الكاظم( :األنفال للوايل) وقول اإلمام اهلادي:
(ما كان أليب بسبب اإلمامة فهو يل) مذكرتني تفرسان املراد من الرسول واإلمام بأنه
املنصب (منصب الوالية) لدفع ما قد يفهم من أن املالية العامة ليست للدولة.
وهبذا يتم تواصل حلقات بيان الترشيع يف مسألة املالية العامة ،فيختم بام ابتدأ
يف أهنا للقائم بأمور املسلمني ،الذي يراد به من يشغل املنصب وهو رئاسة الدولة
معامالت البنوك التجارية 140
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اإلسالمية.
2ـ ومنه نخلص إىل أن الروايات تدل عىل مرشوعية الدولة يف اإلسالم ،وتعرب
عن قيامها متمثلة ـ يف البدء ـ بدولة رسول اهلل .
3ـ كام أهنا تدل عىل أن املالية العامة هي للدولة اإلسالمية ،وعىل أن للحاكم أن
ي ِ
عمل فيها واليته إن تطلب الظرف ذلك واقتضته املصلحة. ُ
حكم تصرف احلاكم
غري الشرعي يف األموال العامة
بدء ًا ال بدَّ من اإلشارة إىل أن فقهنا اإلمامي مل يقدر له أن يبحث يف موضوع
الدولة منذ عهوده األُوىل وحتى قيام الدعوة إىل تطبيق املرشوطة (احلياة الدستورية)
يف إيران ،وكان هذا يف أوائل القرن الرابع عرش اهلجري حيث ألف الفقيه املريزا حممد
حسني النائيني (ت 1355هـ) ،وهو أحد أبرز تالمذة املرجع الديني آنذاك الفقيه
األصويل املال حممد كاظم اخلراساين (ت 1329هـ) قائد الدعوة إىل املرشوطة ،ألف
رسالته املوسومة (تنبيه األ ّمة وتنزيه امل ّلة ) ،وسنعود إىل اإلشارة إليها بعد قليل.
وكل ما أثاره الفقه اإلمامي يف العهود السابقة إىل القرن الرابع عرش اهلجري من
البحث والدراسة كان يدور حول املوضوعات التالية:
وكان هذا منهم اتّباع ًا للنصوص الرشعية (من آيات وروايات) التي اقترصت
ـ هي بدورها ـ عىل بيان حكم املوضوعات املذكورة.
وجاء هذا ،ألن الروايات املروية عن أهل البيت :كانت أجوبة عن أسئلة
توجه هبا إليهم السائلون من شيعتهم املعارصين هلم ،مستمدين حمتوياهتا من الواقع
اإلداري الذي كانوا يعيشون داخل إطاره ويتعاملون معه.
أي كان هذا أيام الدولتني األموية والعباسية ،وهاتان الدولتان كانتا يف رأي
الفقه السني متثالن اخلالفة اإلسالمية ،بينام مها يف رأي الفقه اإلمامي ال تعدان
رشعيتني ،ألن اخلالفة اإلسالمية هي لألئمة من أهل البيت :بالنص ،ولتوفر
شخوص األئمة عىل الرشوط املطلوب توافرها فيمن يتصدى للخالفة.
وبقي الشأن عىل هذا حتى قام الرصاع يف إيران البلد الشيعي األكرب بني املرشوطة
واملستبدة ،وكانت املرشوطة بحاجة إىل إثبات مرشوعيتها ،ألهنا كانت التطور الذي
سينتهي إليه الوضع اإلداري يف إيران.
143 حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من هنا انربى املريزا النائيني إىل تأليف رسالته مارة الذكر ،وكانت باللغة
الفارسية ،ونرشت ألول مرة بطبعة حجرية ببغداد سنة 1328هـ ،بعنوان (حكومت
أز نظر إسالم) ،ثم ترمجت إىل اللغة العربية.
ومن بعد املريزا النائيني تناول موضوع احلكم اإلسالمي (الدولة اإلسالمية)
أكثر من فقيه إمامي ،منهم:
.4عبد اهلادي الفضيل ـ مؤلف هذا الكتاب ـ يف كتابه (يف انتظار اإلمام) املنشور
يف طبعته األوىل سنة 1384هـ.
.5اإلمام السيد روح اهلل اخلميني (ت 1409هـ) قائد الثورة اإلسالمية بإيران
يف حمارضاته باللغة الفارسية عن (احلكومة اإلسالمية) ،التي ألقاها عىل طالبه يف
النجف األرشف سنة 1389هـ ،وقد ترمجت إىل اللغة العربية ونرشت قبل الثورة
اإلسالمية بإيران.
كانت هذه املحارضات الدافع األقوى لكل من كتبوا يف املوضوع بعد الثورة
اإلسالمية ،ومنهم:
معامالت البنوك التجارية 144
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ الفقيه الشيخ حسني عيل املنتظري ،له كتاب (دراسات يف والية الفقيه وفقه
الدولة اإلسالمية).
ـ الفقيه الشيخ جعفر السبحاين ،له كتاب (معامل احلكومة اإلسالمية) ،وهو
املجلد الثاين يف سلسلة (مفاهيم القرآن).
وأحفل مصدر فقهي يمكن استفادة ذلك منه هو كتاب (املكاسب) للشيخ
األنصاري ورشوحه وحواشيه ،وبني يدي منها:
ـ حاشية املريزا النائيني بقلم تلميذه الشيخ موسى اخلوانساري بعنوان (منية
الطالب يف حاشية املكاسب) طبع حجري ًا سنة 1358هـ.
ـ حاشية املريزا فتاح الشهيدي بعنوان (هداية الطالب إىل أرسار املكاسب) ط2
(حجرية) سنة 1375هـ.
ـ حاشية السيد اخلوئي بقلم تلميذه السيد عيل الشاهرودي بعنوان (حمارضات
يف الفقه اجلعفري) ط 1سنة 1408هـ.
ـ حاشية الشيخ السبحاين بقلم تلميذه الشيخ سيف اهلل اليعقويب بعنوان
(املواهب يف حترير أحكام املكاسب) ط 1سنة 1410هـ.
145 حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ تعليقة السيد كالنرت ،ط 1سنة 1410هـ.
وعن بعض حكاية اإلمجاع عليه ،قال يف حمكي (التنقيح) :ألن الدليل عىل
النصوص الواردة عنهم ،:
ُ جواز رشاء الثالثة من اجلائر وإن مل يكن مستحق ًا له،
واإلمجاع وإن مل يعلم مستنده.
ُ
ويمكن أن يكون مستنده أن ذلك حق لألئمة ،:وقد أذنوا لشيعتهم يف رشاء
ذلك ،فيكون ترصف اجلائر كترصف الفضويل إذا انضم إليه إذن املالك .انتهى.
أقول :واألوىل أن يقال :إذا انضم إليه إذن متويل امللك كام ال خيفى.
ويف (جامع املقاصد) :إن عليه إمجاع فقهاء اإلمامية ،واألخبار املتواترة عن
األئمة اهلداة.:
ويف (املسالك) :أطبق عليه علامؤنا ،وال نعلم فيه خمالف ًا.
معامالت البنوك التجارية 146
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن (املفاتيح) :أنه ال خالف فيه.
وقد تأيدت دعوى هؤالء بالشهرة املحققة بني الشيخ ومن تأخر عنه.
ويدل عليه ـ قبل اإلمجاع ،مضاف ًا إىل لزوم احلرج العظيم يف االجتناب عن
هذه األموال ،بل اختالل النظام ،وإىل الروايات املتقدمة ألخذ اجلوائز من السلطان،
خصوص ًا اجلوائز العظام التي ال حيتمل عادة أن تكون من غري اخلراج ،وكان اإلمام
روايات»().
ٌ يأبى عن أخذها أحيان ًا معل ً
ال بأن فيها حقوق األمة –
وكام يرى القارئ الكريم أن يف هذا النص ألفاظ ًا حتتاج إىل يشء من التوضيح،
وهي :السلطان .اجلائر .املستحل .اخلراج .املقاسمة .القاعدة ..فلنحاول تسليط
الضوء عليها.
(السلطان)
يراد بكلمة (سلطان) ـ يف هذا السياق ـ ملوك بني أمية وملوك بني العباس.
والتعبري عنهم بسلطان ربام كان ألهنم حولوا اخلالفة إىل ملك عضوض ،حيث
ساروا بسرية األكارسة والقيارصة ،ولكن مع ادعائهم اخلالفة اإلسالمية.
(اجلائر)
بصيغة اسم الفاعل من اجلور بمعنى الظلم ،وهو وصف أطلقته الروايات
الواردة يف املقام عىل سالطني بني أمية وبني العباس ،واستعمل يف لغة فقهائنا
اإلماميني كذلك ،لظلم هؤالء السالطني ألئمة أهل البيت :باغتصاب اخلالفة
اإلسالمية التي هي حق رشعي لألئمة بالنص والتعيني.
(املستحل)
ِ
اسم فاعل من الفعل (استحل) ،ومصدره (االستحالل) وهو يعني حتويل
احلرام حالالً ،وذلك ألن ما يأخذه السلطان من احلقوق املالية الرشعية ،التي هي
ملك الدولة أو األمة ،كاخلراج واملقاسمة والزكاة واجلزية واألنفال وسواها ،من
املسلمني وغريهم الذين عليهم إخراجها بإيصاهلا إىل مستحقها ،هي عليه ـ أعني
السلطان ـ حرام رشع ًا ،فال جيوز له أخذها ،وعندما يأخذها ـ واحلالة هذه ـ يعد
حرمه اهلل تعاىل عليه. مستح ً
ال ملا ّ
(اخلراج)
عرف (املعجم الوسيط) اخلراج :بام يخُ رج من غلة األرض ،وباألتاوة تؤخذ من
ّ
أموال الناس.
وقال املحقق األردبييل يف رسالته اخلراجية :اخلراج ـ عىل ما فهم من
كالمهم ـ :إنه كاألجرة املرضوبة عىل األرض التي فتحت عنوة ،وكانت عامرة حني
الفتح ،ويف معناه املقاسمة سواء كانت من حاصل األرض كالثلث ،أو من النقد ،بل
غريه أيض ًا.
ويف (املجمع) :وقيل :يقع اسم اخلراج عىل الرضيبة (يعني املال املرضوب
عىل األرض) ،والفيء واجلزية والغلة (يعني ما يؤخذ باسم املقاسمة) ،ومنه خراج
العراقني .اهـ.
وكيف كان ،مورد السؤال يف األخبار يشمل كل ما يؤخذ من األرض جنس ًا أو
نقد ًا».
األول :يطلق ويراد به ما يقابل املقاسمة ،ومها حقان ماليان فرض أحدمها ـ
149 حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو اخلراج ـ عىل األرض اخلراجية ،وفرض اآلخر ـ وهو املقاسمة ـ عىل حاصالت
األرض عين ًا أو نقد ًا.
اآلخر :يطلق ويراد به مطلق احلقوق املالية التي عىل احلكومة جبايتها سوا ًء
كانت مما هو ملك للدولة أو ملك لألمة ،أي كل ما يدخل حتت عنوان املورد املايل
للدولة واألمة.
والظاهر أن املراد من اخلراج ـ هنا ـ هو املعنى الثاين ،أي مطلق احلقوق املالية.
أو يقال :إن املراد ـ هنا ـ هو املعنى األول ،وجاء ذكره مقرون ًا باملقاسمة والزكاة
كأمثلة ألهنا من أبرز وأظهر مصاديق اإليراد املايل للدولة واألمة ،فيعود األمر ـ
بالنتيجة – إىل أن املراد من اخلراج معناه العام.
(املقامسة)
فاملقاسمة ـ استخالص ًا مما تقدم يف تعريف اخلراج ،وكام جاء يف كتاب (حمارضات
يف الفقه اجلعفري )662/1ـ هي «ما جيعله (احلاكم) عليه (أي عىل من بيده األرض)
بنحو الكرس املشاع من منافع األرض ونامئها كالعرش والربع ونحوه».
(القاعدة)
املقصود بالقاعدة ـ هنا ـ تلك القاعدة التي تقول :ال جيوز الترصف بامل الغري
إالّ برضاه.
ولبيان تطبيق القاعدة عىل مسألتنا هذه ،يقول السيد يف (املحارضات :)663/1
«أما احلكم عىل القاعدة() فظاهر ،ألن اجلائر ليس له الوالية عىل املسلمني وال عىل
الفقراء ،وإنام هو غاصب هذا املنصب ممن له األمر() ،فال يكون أخذه للامل بأحد
العنوانني املذكورين() ،موجب ًا لتعني حق الفقراء واملسلمني فيه ،بل يكون باقي ًا عىل
ملك مالكه ،فال جيوز له األخذ تكليف ًا ،وهو ضامن ملا يكون بيده ،من غري فرق بني أن
يكون أخذه منه بالرتايض أو بالقهر ،ألن رضا املالك بأخذه إنام كان بعنوان كون املال
زكاة أو خراج ًا ،واملفروض عدم تعينه فيهام ،ألن السلطان ال والية له عىل املسلمني
والفقراء ،بل هو جائر وغاصب ،فال تربأ ذمة املكلف بأدائه الزكاة أو اخلراج إىل
السلطان اجلائر ،كام ال جيوز لشخص ثالث أخذه من يد اجلائر ألنه مال الغري إالّ عىل
نحو احلسبة لريده إىل مالكه.
والظاهر أن قول املصنف ما يأخذه اجلائر باق عىل ملك املأخوذ منه ،مبني عىل
القاعدة».
ونخلص من هذا إىل أن مقتىض القاعدة املذكورة :حرمة ترصف السلطان بام
يأخذه من احلقوق املالية ألهنا باقية عىل ملك املأخوذة منهم.
() يعني حكم املسألة عىل هدي القاعدة ،أو قل :ما تقتضيه القاعدة من احلكم هنا.
() وهم أهل البيت .:
() عنوان الزكاة وعنوان اخلراج.
151 حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وألن هذه القاعدة تتصف بالعموم ،أي إهنا غري خاصة يف مسألتنا هذه ،علينا
من ناحية منهجية أن ننظر يف النصوص الرشعية اخلاصة الواردة يف املسألة ،ونأخذ
بمؤدياهتا إ ّما ختصيص ًا لعموم القاعدة ،وإما ألن النصوص الرشعية هي التي ينبغي
أن ينظر فيها أوالً ،ومتى متت داللتها ال نكون بحاجة إىل الرجوع إىل القاعدة.
ـ صحيحة احلذاء عن أيب جعفر قال :سألته عن الرجل منا يشرتي من
عامل السلطان من إبل الصدقة وغنمها ،وهو يعلم أهنم يأخذون منهم أكثر من احلق
الذي جيب عليهم؟
فقال« :ما اإلبل والغنم إالّ مثل احلنطة والشعري ،وغري ذلك ال بأس به حتى
تعرف احلرام بعينه فيجتنب.
قلت :فام ترى يف متصدق جييئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول :بعناها فيبيعنا
إياها ،فام ترى يف رشائها منه؟
قيل له :فام ترى يف احلنطة والشعري جييئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حقه
فيعزله بكيل ،فام ترى يف رشاء ذلك الطعام منه؟
فقال :إن كان قد قبضه بكيل وأنتم حضور فال بأس برشائه منهم بغري كيل».
وكام ترى أن هذه الصحيحة ظاهرة الداللة ـ وبوضوح ـ عىل جواز ترصفات
عامل السلطان جلباية الزكوات ،فقول السائل (وهو يعلم أهنم يأخذون منهم أكثر من
احلق الذي جيب عليهم) يدل عىل أن جواز ترصف عامل السلطان أمر مفروغ منه عند
السائل ،فال إشكال لديه فيه ،وإنام استشكاله يف ما يأخذه العامل زائد ًا عىل احلق الذي
جيب عىل صاحب املال.
معامالت البنوك التجارية 152
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كام أن قول اإلمام يف جواب السائل (ال بأس به حتى تعرف احلرام بعينه
فيجتنب) دال عىل أن جواز ترصف عامل السلطان أمر مفروغ منه عند اإلمام،
وكذلك قوله (فال بأس) يف جواب السؤالني اآلخرين يف هذا النص الكريم يدالن
عىل ما ذكرت ،إذ ال معنى أن يصحح اإلمام ترصف املتعامل مع عامل السلطان يف
الوقت الذي فيه ترصف العامل باطل ،ذلك أن العامل طرف يف املعاملة ،فال تصح مع
احلكم ببطالن ترصفهم.
قال الشيخ األعظم تعليق ًا عىل الرواية بعد نقله هلا« :دلت هذه الرواية عىل
أن رشاء الصدقات من األنعام والغالت من عامل السلطان كان مفروغ اجلواز
عند السائل ،وإنام سأل أوالً عن اجلواز مع العلم اإلمجايل بحصول احلرام يف أيدي
العامل.
وثاني ًا من جهة توهم احلرمة أو الكراهة يف رشاء ما خيرج يف الصدقة ،كام ذكر
يف باب الزكاة.
وباجلملة ،ففي هذه الرواية ـ سؤاالً وجواب ًا ـ إشعار بأن اجلواز كان من
الواضحات غري املحتاجة إىل السؤال ،وإالّ لكان أصل اجلواز أوىل بالسؤال ،حيث
إن ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم احلرمة تفصيالً ،فال فرق بني أخذ احلق الذي جيب
عليهم ،وبني أخذ أكثر منه.
ويكفي قوله( :حتى تعرف احلرام بعينه) يف الداللة عىل مفروغية حل ما
يأخذونه من احلق ،وأن احلرام هو الزائد».
ـ ويمكننا أن نستدل أيض ًا برواية صفوان اجلماّ ل تأييدً ا ملا تقدم ،مكتفني هبام،
ورواية صفوان هي كام يف (الوسائل 182/17رقم 22305ـ عن «حممد بن عمر بن
153 حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد العزيز (الكيش) يف كتاب الرجال ،عن محدويه ،عن حممد بن إسامعيل الرازي،
فضال ،عن صفوان بن مهران اجلماّ ل قال :دخلت عىل أيب احلسن
عن احلسن بن عيل بن ّ
األول فقال يل :يا صفوان كل يشء منك حسن مجيل ما خال شيئ ًا واحد ًا؟
قلت :واهلل ما أكريته أرش ًا وال بطر ًا وال للصيد وال للهو ،ولكني أكريته هلذا
ُ
الطريق ـ يعني طريق مكة ـ وال أتواله بنفيس ،ولكني أبعث معه غلامين.
قلت :نعم.
قال :من أحب بقاءهم فهو منهم ،ومن كان منهم كان ورد النار.
قال صفوان :فذهبت فبعت مجايل عن آخرها ،فبلغ ذلك إىل هارون فدعاين
فقال يل :يا صفوان بلغني أنك بعت مجالك؟
قلت :نعم.
قال :ولمِ َ ؟
فقال :هيهات ،هيهات ،إين ألعلم من أشار عليك هبذا ،أشار عليك هبذا موسى
معامالت البنوك التجارية 154
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بن جعفر.
بعد هذا لنقرأ تعليق أستاذنا السيد اخلوئي املقررة يف (املحارضات )512/1
قال« :إن رواية صفوان ظاهرة يف اجلواز حيث مل يردعه اإلمام عن إجيار مجاله
هلارون ،وإنام (كان) اللوم تطهري ًا لنفسه عن الرضا ببقاء الظامل ليستويف أجرته ،و ُيعلم
من ذلك أن من أوقع معاملة معهم بالنقد ،ومل يتحقق فيه الرضا ببقاء دولتهم كانت
املعاملة صحيحة ،وال تلحق البائع بذلك مفسدة يف الدين ،اللهم إالّ املعنى األديب
التنزهيي ،وهو ترك معاملتهم ليتبني هلم بغض الناس هلم وأهنم مفرطون معتدون عىل
قوانني الرشيعة».
وحيث انتهينا من حماولة معرفة حكم ترصف احلاكم غري الرشعي من الروايات
الواردة يف املقام ،واملعرب عنه يف لغتها بـ(السلطان) ،ال بد من اإلشارة إىل أن من
فقهائنا من فهم وأفاد أن احلكم املذكور مقصور عىل السلطان الذي يدعي أنه خليفة،
ألن الروايات أشارت بكلمة (السلطان) إىل سالطني بني أمية وبني العباس وكانوا
يدعون اخلالفة ويلقبون بأمري املؤمنني وخليفة املسلمني ،فيكون املراد من السلطان ـ
هنا ـ كل من يدعي اخلالفة.
155 حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من هؤالء أستاذنا السيد اخلوئي ،قال يف (املحارضات )683/1ـ بعد أن أشار
إىل األقوال يف املسألة ـ« :ولكن الصحيح هو االختصاص بالسلطان العام املدعي
للخالفة».
وقال يف (ص )685ـ وهو يناقش دليل اإلطالق الدال عىل إرادة مطلق
السلطان ال خصوص املدعي للخالفة ـ« :وأما إطالق األخبار فهو أيض ًا ممنوع لعدم
كوهنا يف مقام بيان أي سلطان يأخذ املال ،فإن األخذ من السلطان كان فيها مفروغ ًا
عنه عند السائل ،وإنام السؤال عن اجلهات األخر التي أشار إليها املصنف ،مثل
جواز إدخال أهل األرض اخلراجية يف تقبل األرض كام يف صحيحة احللبي ،وجواز
أخذ أكثر مما تقبل به األرض من األكرة ،وجواز التقبل مع احتامل أن ال حيصل له
يشء من األرض وما يتعلق هبا ،فتكون الروايات من اجلهة املبحوث عنها كالقضية
الشخصية دون احلقيقة ،فليس هلا إطالق ،واملتيقن منها هو السلطان املدعي للخالفة،
كام كان حال السالطني يف عرص األئمة.:
هذا مضاف ًا إىل أنه ال يبعد انرصاف السلطان إىل ذلك ،فأخذ غريه اخلراج يكون
باقي ًا حتت القاعدة األولية ،لعدم املخصص».
وذهب آخرون إىل أن حكم جواز الترصف يشمل كل سلطان غري متوفر عىل
رشوط احلاكم الرشعي ،مسل ًام كان أو غري مسلم ،مدعي ًا للخالفة أو غري مدَّ ٍع هلا،
مستدلني بـ:
2ـ «إطالق بعض األخبار كقوله يف صحيحة حممد بن مسلم «وكل
أرض دفعها إليك سلطان ،فعليك فيام أخرج اهلل منها الذي قاطعك عليه» ،وقوله
معامالت البنوك التجارية 156
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يف صحيحة احللبي« :ال بأس أن يتقبل الرجل األرض وأهلها من السلطان»»..
ـ انظر :املحارضات 685/1ـ.
3ـ أن القول بحرمة الترصف والتعامل يلزم منها اختالل النظام االقتصادي
واالجتامعي ،وفيه ما فيه من الرضر املدفوع بقاعدة الرضر (ال رضر وال رضار يف
اإلسالم).
ويالحظ عىل دليل الرأي األول القائل إن حكم جواز الترصف خمتص
بالسلطان املدعي للخالفة ،إن داللة الروايات الواردة يف املقام عىل أن املراد من
السلطان سالطني بني أمية وسالطني بني العباس إنام جاء ألن األسئلة من الرواة
كانت عن التعامل معهم ،فالسؤال عن التعامل معهم ليس ألهنم يدعون اخلالفة،
وإنام ألهنم غاصبون للخالفة املستلزم لالعتقاد بأهنم حكام غري رشعيني.
وعىل أساس من هذا ال بد من أن نفرق بني احلاكم املسلم غري الرشعي ،واحلاكم
غري املسلم.
أما احلاكم غري املسلم فغري منظور للروايات ،وألنه كذلك ُيرجع ملعرفة حكم
التعامل معه إىل القاعدة ،وهي ـ هنا ـ قاعدة اإلمضاء املأخوذة من األحاديث املروية
عن أهل البيت ،:أمثال:
واخلالصة:
1ـ جيوز التعامل يف األموال العامة مع احلاكم املسلم غري املتوفر عىل الرشوط
املطلوب توفرها يف احلاكم املسلم ،للروايات الواردة يف خصوص هذه املسألة.
2ـ جيوز التعامل يف األموال العامة مع احلاكم غري املسلم لقاعدة اإلمضاء.
إن املراد من احلاكم الرشعي عندنا :اإلمام املعصوم يف عرص احلضور ،والفقيه
العادل النائب عنه يف احلكم يف عرص الغيبة.
أما احلاكم غري الرشعي فرياد به ذلكم احلاكم الذي مل يتوفر عىل الرشوط
املطلوب توافرها ـ رشع ًا ـ يف من يتصدى للحكم ..أو قل :هو من يقابل احلاكم
الرشعي عندنا.
.1املراد به السلطان املدعي للخالفة ،أي الذي يرى نفسه خليفة ،وهو غري
متوفر عىل رشوط احلاكم الرشعي.
.2املراد به كل سلطان مسلم مل يتوفر عىل رشوط احلاكم الرشعي ،مدَّ ع ًيا
للخالفة أو غري مدَّ ع.
معامالت البنوك التجارية 158
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.3املراد به كل سلطان غري متوافر عىل رشوط احلاكم الرشعي ،مسلماً كان أو
غري مسلم.
ـ السلطان املؤمن (يعني اإلمامي) املعرتف بغصبه للمنصب غري مدع للخالفة،
قال« :هل يكون جواز أخذ الزكاة واخلراج من السلطان:
ـ أو يعم غريه ممن خرج عىل سلطان الوقت ،واستوىل عىل بعض األرايض،
وأخذ من أهلها اخلراج.
ـ أو كان السلطان مؤمن ًا معرتف ًا بأنه غاصب لذلك املقام ،ال يدعي لنفسه
الرئاسة العامة حتى يف مقام العمل.
أما الرشكات التي يملكها عدة أشخاص أو شخص واحد تعترب بحد ذاهتا
شخص ًا معنوي ًا».
إن هذا التعريف القانوين للشخصية املعنوية ينطبق عىل الدولة كمؤسسة ،وعىل
األمة كمؤسسة ،وعىل البنوك التجارية كمؤسسات ،ورأينا يف البحوث السابقة كيف
وزع الترشيع اإلسالمي ملكية األموال العامة كاألنفال واخلراج بني الدولة ممثلة بمن
ِ
واألمة يتوىل شؤون أمواهلا ويل األمر، يرأسها نبي ًا كان أو إمام ًا أو نائب ًا عن اإلمام،
وكذلك رأينا كيف أمىض ويل األمر الرشعي تعامل املسلمني ـ مالي ًا ـ مع الدولة غري
الرشعية.
إن املصطلح الفقهي الذي يقابل ويرادف مصطلح الشخصية املعنوية هو
مصطلح (اجلهة).
ويف (الرشائع) ـ كتاب الوقف ـ« :ويصح الوقف عىل املصالح كالقناطر
واملساجد ،ألن الوقف ـ يف احلقيقة ـ عىل املسلمني ،لكن هو رصف() إىل بعض
مصاحلهم».
ويف (القواعد) ـ كتاب الوقف ـ« :ولو وقف عىل املصالح كالقناطر واملساجد
و ّعلق يف (جامع املقاصد) ـ 46/9ـ عىل قول (القواعد) بقوله« :ملا كان الوقف
عىل املصالح وال ُق َرب ـ يف احلقيقة ـ وقف ًا عىل املسلمني ألهنم املنتفعون به مل يرد لزوم
بطالنه من حيث إن املوقوف عليه ال َيملك ،غاية ما هناك أنه وقف عىل املسلمني
يف مصلحة خاصة ،فإذا وقف عىل املسجد كان وقف ًا عىل املسلمني ألهنم املنتفعون
باملسجد والرتدد إليه للعبادة وإقامة شعائر الدين لكن عىل هذا الوجه املخصوص
واملصلحة املعينة ،وكذا القول يف الوقف عىل القناطر واملشاهد وأكفان املوتى ومؤنة
الغسالني واحلفارين».
ويف (مفتاح الكرامة) ـ 60/9ـ تعليق ًا عىل (القواعد) أيض ًا« :قد رصح يف
(املقنعة) ومجيع ما تأخر عنها إالّ ما ّ
قل بجواز الوقف عىل املصالح ،بل يأخذونه
مفروغ ًا عنه».
وع ّلق يف (اجلواهر) ـ 31 ،30/28ـ عىل قول (الرشائع) بقوله« :وكذا ال
خالف وال إشكال يف أنه يصح الوقف عىل املصالح الراجعة إىل كافة الناس أو بعضهم
كالقناطر واملساجد لعموم األدلة ،وال ينايف ذلك عدم قابليتها للملك() ،ألن الوقف
ـ يف احلقيقة ـ عىل الناس املسلمني ،وإن وقعت هي يف اللفظ والقصد األَ ّويل ،لكن
حينئذ رصف إىل بعض مصاحلهم». ٍ املراد حقيقتهم باعتبار انتفاعهم يف ذلك ،فهو
2ـ الدليل عىل جواز الوقف عىل اجلهات العامة هو عمومات الوقف أمثال:
ـ «قال أبو عبد اهلل :خري ما خيلفه الرجل بعده ثالثة :ولد بار يستغفر له،
وسنة خري يقتدى به فيها ،وصدقة جتري من بعده».
3ـ والدليل عىل مفروغية فقهائنا من جواز وصحة الوقف عىل اجلهات العامة
هو أهنم مل يناقشوا يف ذلك ،وإنام استشكلوا يف املسألة من حيث أن هذه اجلهات العامة
إ ّما أعيان مادية جامدة كاملساجد والقناطر ،وإ ّما عناوين منتزعة من واقع مصاديقها
كعنوان الفقراء وعنوان العلامء ،وكالمها (األعيان والعناوين) ال إرادة له ألنه ليس
شخص ًا طبيعي ًا ،فكيف يصح الوقف عليه ،والوقف يعني انتقال ملكية املوقوف
من الواقف إىل املوقوف عليه ،واملفروض أن املوقوف عليه ال إرادة له ليتم متلكه
للموقوف ،وأيض ًا يشرتط لتاممية الوقف قبض املوقوف عليه للموقوف ،وهو ـ أعني
املوقوف عليه ـ ليس شخص ًا طبيعي ًا ليقوم بالقبض.
ورأى القارئ الكريم حماوالت الفقهاء لرفع ودفع اإلشكال املذكور التي متثلت
معامالت البنوك التجارية 164
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالتايل:
ـ ويف رأي البعض اآلخر :أن الغاية من الوقف هي انتفاع املسلمني به ،وهم ـ
أي املسلمني ـ يملكون االنتفاع.
وترتبط إثارة البحث يف مسألة إنشاء العقد بالكتابة بام شاع يف هذا العرص
وانترش من اعتِامد الناس ـ مسلمني وغري مسلمني ـ يف خمتلف املجتمعات البرشية
الكتابة وسيلة وآلة إلنشاء العقود يف األمور احلقرية واألمور اخلطرية ،حتى عاد
استخدام األلفاظ يف غري عقود وإيقاعات ما يعرف باألحوال الشخصية كالنكاح
والطالق شيئ ًا نادر ًا أو ال وجود له.
وقد تناول الكثري من فقهائنا املسألة ـ ولكن بشكل غري مستقل ـ يف أمثال
املوضوعات التالية:
ـ الوصية.
ـ النكاح.
معامالت البنوك التجارية 166
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ الطالق.
ـ العتق.
ـ الوكالة.
وبحثها بشكل مستقل الفقيه املجدد الشيخ نارص مكارم الشريازي برسالة
خاصة ،عنواهنا( :رسالة يف جواز اإلنشاء بالكتابة يف العقود واإليقاعات) ،كتبها
بمناسبة املسألة التاسعة من مسائل كتاب الوصية يف (العروة الوثقى) ،ونص املسألة
يف كتاب العروة الوثقى هو« :األقوى يف حتقيق الوصية كفاية كل ما دل عليها من
األلفاظ ،وال يعترب فيها لفظ خاص ،بل يكفي كل فعل دال عليها حتى اإلشارة
والكتابة ولو يف حال االختبار» ..ونرشت الرسالة ملحقة بكتاب الشيخ الشريازي
(تعليقات عىل العروة الوثقى) املنشور يف طبعته الثانية سنة 1413هـ بقم املقدسة.
واآلن نستعرض األقوال يف املسألة مع اإلشارة إىل الدليل األهم الذي استدل
به للقول:
القول األول :نفي اعتبار الكتابة وسيلة من وسائل إنشاء العقود واإليقاعات.
ـ السيد بحر العلوم يف (املصابيح) ،قال ـ كام نقل عنه الشيخ الشريازي ـ« :ال
ينعقد البيع باإلشارة وال الكتابة وال الصفقة ،وال بمثل املالمسة واملنابذة واحلصاة،
وإن قرنت بام ال يقتيض تعليق ًا وال جهالة ،فال يفيد يشء منها ملك ًا وال إباحة،
باألصل ،واإلمجاع ،وقصور األفعال عن املقاصد الباطنية ...وغايتها الظن ،وال يغني
لعموم املنع منه يف الكتاب والسنة ،ولالتفاق عىل توقف األسباب الرشعية عىل العلم
167 إنشاء العقد بالكتابة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو الظن املعترب رشع ًا ،فال يكفي مطلق الظن ،وألن املعامالت رشعت لنظام أمر
املعاش املطلوب لذاته ،ولتوقف أمر املعاد عليه ،وهي مثار االختالف ،ومنشأ النزاع
والرتاجع ،فوجب ضبطها باألمر الظاهر الكاشف عن املعاين املقصودة هبا وإالّ كان
نقضا للغرض».
ً
ـ الشيخ ابن إدريس ،جاء يف (مفتاح الكرامة) ـ 379/9ـ« :وقال (ابن إدريس)
أردت هبذا
ُ أوصيت بام
ُ يف باب القضاء :لو أوىص بوصية وأدرج الكتاب ،وقال :قد
ولست أختار ،أن يقف أحد عىل حايل وتركني ،وقد أشهدتكام عىل ما فيه ،مل
ُ الكتاب،
يصح ،بال خالف» ..انتهى.
ثم ع ّقب السيد صاحب مفتاح الكرامة قول ابن إدريس املذكور بقوله« :لعصمة
األموال ،وعدم الدليل ،مع أن ما ال احتامل فيه وهو اللفظ ممكن».
1ـ األصل:
ويراد به أصالة البطالن أو فساد املعاملة عند الشك يف وقوعها صحيحة أو
باطلة ..ونحن ـ هنا ـ نشك يف أن الكتابة ناهضة يف حتقق اإلنشاء ،فنجري األصل،
ونحكم ببطالن املعاملة.
2ـ اإلمجاع:
وهو ـ هنا ـ قد يراد به اإلمجاع الكاشف عن رأي اإلمام ،وقد يراد به
تسامل الفقهاء بمعنى اتفاقهم.
3ـ قصور األفعال (مثل املعاطاة والكتابة) عن إبراز املقاصد الباطنية ،بمعنى أن
األفعال ال تقوى عىل إبراز الصور الذهنية التي هي املعاين ،وبالتايل تكون غري قادرة
معامالت البنوك التجارية 168
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عىل اإلنشاء ،وأقىص ما نفيده من داللتها عىل اإلنشاء أن نظن بذلك ،والظن إذا مل
ربا رش ًعا ال يعتد به.
يكن معت ً
4ـ عصمة مال الغري ،حيث ال جيوز الترصف فيه إال بدليل رشعي أو اعتبار
عقالين يثبت ذلك ،وهو هنا غري موجود.
1ـ قال الشيخ الشريازي يناقش االستدالل باألصل« :أما عن األول (يعني
األصل) فبأن التمسك باألصل إنام يصح إذا مل يكن هناك دليل اجتهادي دال عىل
املطلوب ،والظاهر أن عمومات صحة العقود وكذلك إطالقات أدلة حلية البيع
وغريه تشمل العقود واإليقاعات التي أنشئت بالكتابة ،ملا عرفت من إمكان اإلنشاء
هبا ،بل وتعارفها واشتهارها يف أعصارنا ،حتى أن الكتابة من أظهر مصاديق اإلنشاء
اليوم ،ولعلها مل تكن هبذه املثابة يف األعصار السابقة ،لعدم معرفة أكثر الناس هبا،
واملوضوعات العرفية تابعة ملا يتعارف ويتداول بني أهل العرف ،وإنام تؤخذ أحكامها
من الرشع.
عرفت
َ وعىل كل حال ،هي من أظهر ما يتم به إنشاء العقود يف العرص احلارض ملا
من أن أسناد املعامالت اخلطرية إنام تتم بالتوقيع عليها ،بل قد ال يعد جمرد اإلنشاء
اللفظي يف مثل هذه األمور أزيد من املقاولة ،واإلنشاء احلقيقي يف بعض املقامات إنام
هو بالكتابة والتوقيع عندهم وال أقل من أن اإلنشاء بالكتابة يف حد اإلنشاء باأللفاظ
ال يف العمومات واإلطالقات ،ومعه كيف يصح ٍ
وحينئذ يكون داخ ً واألقوال،
التمسك بأصالة الفساد».
2ـ وأما االستدالل باإلمجاع فيكفي أن يقال :إن اإلمجاع غري متحقق ،وذلك
لوجود اخلالف يف املسألة عند من تقدموا عرص السيد بحر العلوم ـ كام ستقف عىل
169 إنشاء العقد بالكتابة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا فيام يأيت من استعراض لبقية األقوال.
4ـ وبالنسبة إىل عدم جواز الترصف بامل الغري ،إنام يتم هذا متى مل يقم الدليل عىل
جواز وصحة اإلنشاء بالكتابة ،فكيف يقال هذا مع وجود العمومات واإلطالقات
املستوعبة بشموهلا ملثل مسألتنا هذه.
ـ وممن ذهب هذا املذهب العالمة احليل يف (التبرصة) ـ كتاب الوصايا ـ ،قال:
«وتكفي اإلشارة والكتابة مع قرينة اإلرادة والتعذر لفظ ًا».
ـ ومثلهام الشيخ األنصاري ،ففي املصدر املذكور يف أعاله ـ وقال شيخنا األعظم
يف مكاسبه ـ« :والظاهر أيض ًا كفاية الكتابة مع العجز عن اإلشارة ،لفحوى ما ورد
من النص عىل جوازها يف الطالق ،مع أن الظاهر عدم اخلالف فيه ،وأما مع القدرة
عىل اإلشارة فقد رجح بعض اإلشارة ،ولعله ألهنا أرصح يف اإلنشاء من الكتابة ،ويف
بعض روايات الطالق ما يدل عىل العكس ،وإليه ذهب احليل هناك».
معامالت البنوك التجارية 170
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكام قرأنا يف كالم الشيخ األنصاري أن دليل هذا القول هو النص الوارد يف
الطالق ،وهو ـ كام يف (الوسائل) ـ كتاب الطالق :الباب ،19رقم احلديث 27988
ـ« :حممد بن عيل بن احلسني بإسناده عن أمحد بن حممد بن أيب نرص البزنطي ،أنه سأل
أبا احلسن الرضا عن الرجل تكون عنده املرأة ،يصمت وال يتكلم؟
قلت :نعم ،و ُيعلم منه بغض المرأته وكراهة هلا ،أجيوز أن يطلق عنه ول ّيه؟
ُ
قلت :ـ أصلحك اهلل ـ فإنه ال يكتب ،وال يسمع ،كيف يطلقها؟
ُ
ذهب إليه العالمة احليل يف (القواعد) ،فقد قال فيها« :ولو عجز عن النطق
كفت اإلشارة الدالة عىل املراد ،وال تكفي الكتابة بدون اإلشارة أو اللفظ».
1ـ أن الكتابة إذا مل تقرن باإلشارة الدالة عىل إرادة مضموهنا ممن مل يستطع
النطق ال يعتد هبا.
2ـ وكذلك ال يعتد هبا إذا مل يقرأ صاحبها مضموهنا ـ عند قدرته عىل القراءة ـ
ليدل عىل إرادته له وقصده إليه.
وقد يكون دليل هذا ما جاء يف بعض روايات الطالق املذكورة يف (الوسائل) ـ
171 إنشاء العقد بالكتابة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الطالق ـ ،كاحلديث رقم 27960ونصه« :حممد بن احلسن بإسناده عن حممد
بن عيل بن حمبوب عن حممد بن عبد اجلبار عن حممد بن إسامعيل عن ابن أيب عمري عن
عمر بن أذينة عن زرارة ،قال :سألته عن رجل كتب إىل امرأته بطالقها ،أو كتب بعتق
مملوكه ،ومل ينطق به لسانه؟
قال :ال يكون طالق ًا وال عتق ًا حتى ينطق به لسانه ،أو خيطه بيده ،وهو يريد
الطالق أو العتق ،ويكون ذلك منه باأله ّلة والشهود ويكون غائب ًا عن أهله».
القول الرابع :االقتصار يف االعتامد عىل الكتابة فيام ورد فيه نص أمثال :الوصية
والطالق والعتق.
يرتبط هذا اخلالف يف املسألة بني هؤالء الذين يقرصون اجلواز عىل املوضوعات
املنصوص عىل حكمها باخلصوص ،وأولئك الذين عمموا احلكم ليشمل مجيع العقود
واإليقاعات إالّ ما خرج بدليل خاص كالنكاح الذي أمرنا باالحتياط يف شؤونه،
يرتبط باملنهج املتبع بني الفقهاء يف املوقف من املوضوعات من نوع واحد ،ورد يف
بعضها نصوص خاصة ،ومل يرد يشء منها يف البعض اآلخر ،فالفقهاء يف مثل هذا
يرى البعض منهم أن النصوص إنام خصت موضوعات بعينها خلصوصية فيها غري
موجودة يف املوضوعات األخرى ،وهذا يقتيض قرص احلكم عليها وعدم ترسيته
إىل املوضوعات األخرى ،الفتقادها خصوصياهتا ،ويرى البعض اآلخر أن اقتصار
معامالت البنوك التجارية 172
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النصوص عىل موضوعات بعينها ال خلصوصيات فيها ،وإنام كانت لتكون أمثلة،
وذلك بسبب أن أسئلة الرواة اقترصت عليها ألهنا موضع ابتالء عند السائل أو
يرسى احلكم منها إىل املوضوعات األخرى املشاركة هلا يف
عند آخرين ،وألهنا أمثلة ّ
النوعية.
عىل أننا نعود فنقول :إن العقود واإليقاعات التي مل يرد فيها نص بشأن الكتابة
هي مشمولة للعمومات واإلطالقات ـ كام سيأيت ـ وهذا ٍ
كاف يف إفادة التجويز.
القول اخلامس :كفاية الكتابة مطلق ًا ،أي يف حالتي العجز والقدرة ،االضطرار
واالختيار ،يف األمور احلقرية واخلطرية.
وقد شاع هذا القول بني فقهائنا املعارصين والذين قبلهم بقليل ،ومنهم:
أما بقية املحشني عىل العروة فلم يعلقوا عىل قول العروة بيشء ،ومعنى هذا أهنم
موافقون للسيد اليزدي يف فتواه ،وهم:
173 إنشاء العقد بالكتابة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.1الشيخ عيل بن الشيخ باقر اجلواهري (ت 1340هـ).
إن هذه اإلحصائية تكشف لنا أن القائلني بكفاية الكتابة يف اإلنشاء من فقهاء
العرص تبلغ عدهتم ستة وعرشين فقيه ًا ،منهم مخسة وعرشون فقيه ًا :السيد اليزدي
والباقي من املعلقني عىل العروة الوثقى قالوا بقولة السيد اليزدي باستثناء واحد ،وهو
السيد الكلبايكاين.
وهذا يعني أن حركة تطور الفقه اإلمامي يف االستدالل والفتوى انتهت ـ وبام
يقرب من االتفاق ـ إىل القول بجواز وصحة اإلنشاء بالكتابة.
يقول اإلمام اخلميني يف (كتاب البيع) ـ 204 ،203/1ط 4ـ« :ثم إن ها هنا
كالم ًا آخر ،وهو أنه ال إشكال يف تعارف العقد املعاطايت باإلعطاء واألخذ ،وكذا يف
تعارف العقد بالصيغة ،كام ال شبهة يف صدق البيع عليهام ،بل قد مر أنه يصدق العقد
أيض ًا عليهام ،فهل البيع عرف ًا ولدى العقالء منحرص هبام أو يكون البيع باإلشارة ،بل
بكل مظهر كتابة أو إشارة أو غريمها ،بيع ًا عقالئي ًا ،بدعوى أن البيع ليس إالّ املبادلة
بني املالني أو متليك عني بعوض ،فاإلشارة املفهمة والكتابة وغريمها آالت إلنشاء
املعنى االعتباري ،وليس للفظ وال لعمل خاص خصوصية يف ذلك ،فاإلشارة وسائر
املربزات آالت لإلنشاء يف عرض واحد ،وكل منهام سبب مستقل إليقاع املعاملة؟
الظاهر ذلك».
وأخري ًا نكون مع فقيه املوقف الشيخ الشريازي يف تعميمه الرأي جلميع العقود
واإليقاعات إال ما استثني.
قال ـ تعليق ًا عىل املسألة التاسعة من مسائل (الوصية) يف كتاب (العروة الوثقى)
ـ« :وأما الكتابة فاألقوى كفايتها يف مجيع العقود واإليقاعات إذا كانت بعنوان
اإلنشاء.
بل املعروف يف زماننا كون الكتابة أقوى وأظهر من األلفاظ يف مقام اإلنشاء ،بل
معامالت البنوك التجارية 176
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال يعتمدون يف األمور املهمة إالّ عىل إمضاء أسنادها من طريق الكتابة ،وال يعتمدون
عىل جمرد األلفاظ فيها ،فكيف ال يعتمدون عىل الكتابة ،مع أن العقد أمر عريف عقالئي
يؤخذ منهم ،وليس من األحكام التي تؤخذ من الشارع املقدس».
تعريف النقد
لعل أقدم تعريف معجمي للنقد وصل إلينا هو تعريف الليث عامل اللغة العربية
املعروف ،قال الزهري يف معجمه (هتذيب اللغة) حتت مادة (نقد)« :قال الليث :النقد:
متييز الدراهم وإعطاؤها إنسانًا وأخذها».
ويعطي الليث يف تعريفه املذكور معنيني للنقد ،مها:
أـ االنتقاد
ففي (تاج العروس)« :وقد نقدها (يعني الدراهم) ينقدها نقد ًا وانتقدها
وتنقدها ،إذا ّميز جيدها من رديئها».
ب ـ الدفع حا ًال Cash
ويف املصدر نفسه« :والنقد :إعطاء النقد ...ويف حديث جابر ومجله (فنقدين
الثمن) أي أعطانيه نقد ًا معجالً».
ويف (املعجم الوسيط)« :النقد (يف البيع) خالف النسيئة ..ويقال :درهم نقد:
جيد ،ال زيف فيه (ج) نقود.
معامالت البنوك التجارية 178
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والنقد :العملة من الذهب أو الفضة وغريمها مما ُيتعامل به».
إن كلمة (نقد) بمعنى العملة هي بإزاء كلمة Moneyاإلنجليزية ،وهو معنى
لغوي ثالث يضاف إىل املعنيني اللذين جاءا يف تعريف الليث.
واآلن انتهى مفهوم النقد يف أحدث ما انتهى إليه يف أمثال تعريف (موسوعة
املورد) فقد جاء فيها« :النقود :Moneyيقصد بالنقود كل أداة تتداول بحرية ،متنقلة
من حائز إىل حائز ،سداد ًا ألثامن السلع ،أو سداد ًا للديون ،وغريها من االلتزامات.
وتشمل ـ عادة ـ األوراق املرصفية أو النقدية ،Bank Notesوالقطع النقدية
الفضية والذهبية والنحاسية.
يوسع مفهوم النقد ليشمل الودائع املرصفية (وبكلمة أخرى الشيكات)
وقد ّ
أيض ًا».
تاريخ النقد
يشكل النقد بمعنى العملة Moneyمرحلة مهمة من مراحل تطور طرق تداول
مر تطور طرق تداول املال بمراحل ثالث ،هي:
املال بني الناس ،فقد َّ
1ـ املقايضة Barter
واملقايضة ـ كطريقة لتداول املال ـ تعني مبادلة السلعة بسلعة أخرى ،بمعنى أن
السلعة تكون ثمن ًا لسلعة أخرى ،كالتمر يباع بالتمر أو يباع بالصوف ،وكاحلنطة تباع
باحلنطة ،أو تباع بامللح ،أو تباع بالسمن ،وهكذا.
2ـ الذهب أو الفضة موزونني
ثم تطور الثمن الذي يعطي للسلعة قيمتها ،من السلعة التي كانت ثمن ًا وقيمة
الذهب موزون ًا أو الفضة موزونة ،فأصبحت َ يف نظام املقايضة إىل أن يكون الثم ُن
السلعة ـ بعد أن كانت تشرتى وتباع بسلعة ،تكون قيمة وثمن ًا هلا ـ أصبحت تباع
وتشرتى بكمية من الذهب املوزون أو الفضة املوزونة ،أي ـ وعىل نحو املثال ـ بقرياط
من الذهب أو مثقال من الفضة ،وهكذا.
179 الربا يف األوراق النقدية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويراد بوصف الذهب والفضة باملوزونني ،أي إهنام غري مسكوكني أو قل إهنام
ليسا عملة نقدية.
ومن أقدم من تعامل بالذهب والفضة موزونني أثامنًا يف املعامالت املالية البابليون
واآلشوريون يف العراق واأليونيون يف اليونان ،ففي (تاريخ النقود اإلسالمية) للسيد
املازندراين ص « :13وكان البابليون واألشوريون يتعاملون بالفضة والذهب قطع ًا
موزونة غري مسكوكني».
وفيه أيض ًا ص « :16وكان األيونيون يستعملون املعادن الكريمة وزن ًا فعلوا كام
فعل البابليون قبلهم».
ويف ص 20منه« :ففي سفر التكوين :الباب 23من التوراة يؤكد أن سارة زوجة
إبراهيم قد ماتت بكنعان وهلا 127سنة ،فاختار إبراهيم يف تلك البلدة
وو َز َن ودفع يف ثمنها 450مثقاالً من الذهب وابتاعها ودفن فيها سارة».
بقعةَ ،
3ـ النقد
ويراد بالنقد ـ هنا ـ العملة الرسمية املعتربة من ِقبل دولة البلد التي قامت
بإصدارها للتعامل هبا.
«وقد تعامل اجلاهليون بالطرق الثالث املذكورة ،تعاملوا باملبادلة ،أي املقايضة،
وتعاملوا بوزن الذهب والفضة وتعاملوا بالعملة.
وملا ظهر اإلسالم كانت هذه الطرق ال تزال مألوفة عندهم متبعة»().
وكام مرت املبادلة املالية بمراحل ثالث ،مر النقد بمراحل ثالث أيض ًا ،هي:
1ـ أشياء خمتلفة من معادن وحيوانات ومواد غذائية وخالفها اعتمدت قبل
سك العمالت الذهبية والفضية من ِقبل جمتمعات وبلدان معينة معيار ًا للقيمة وثمن ًا
للسلع واخلدمات.
وقد قام بتتبعها تارخيي ًا األستاذ فيكتور مورجان يف كتابه (تاريخ النقود) ترمجة
() م .ن
ال عن ( املقدمة ) ص .261 () تاريخ النقود اإلسالمية ص 9نق ً
() يشري بقوله (ترب) إىل أهنم ما كانوا يتعاملون هبا عد ًا وإنام كانوا يتعاملون هبا وزن ًا بحساب
املثاقيل «وذلك لتنوع الدرهم وأوزانه ،والدنانري ـ وان كانت ثابتة الوزن واملقدار ـ فقد ينقص
بعضها يف أثناء التداول أو لسبب آخر ،وملنع الغبن كانوا يعمدون إىل الوزن» ـ تاريخ النقود
ال عن (الدينار اإلسالمي يف املتحف العراقي) للنقشبندي .10/2 اإلسالمية ص 39نق ً
معامالت البنوك التجارية 182
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو املشهور بني الناس ،ولكن جاء يف كتاب (تاريخ النقود اإلسالمية) للسيد
املازندراين ص 45 ،44ما نصه« :وقال أيض ًا (يعني أمحد جودت باشا يف تارخيه) :إن
املس ّلم عند أهل العلم أن الذي أحدث ابتداء رضب السكة العربية هو احلجاج بأمر
من عبد امللك حني كان والي ًا عىل العراق من قبله ( 75ـ ،) 76ولكن ظهر خالف
هذا عند الكشف اجلديد يف سنة ،1276وذلك أن رج ً
ال إيران ًيا اسمه جواد أتى دار
السعادة بسكة فضية عربية رضبت يف البرصة سنة 40من اهلجرة ،وقال الفقري رأيتها
بني املسكوكات القديمة عند صبحي بك أفندي ،مكتوب عىل أحد وجهيها باخلط
كفوا أحد) ،ويف دورهتا (حممد رسول الكويف (اهلل الصمد مل يلد ومل يولد ومل يكن له ً
اهلل أرسله باهلدى ودين احلق ليظهره عىل الدين كله ولو كره املرشكون) ،وعىل الوجه
اآلخر (ال إله إالّ اهلل وحده ال رشيك له) ،ويف دورهتا (رضب هذا الدرهم بالبرصة
سنة .)40
وقال السيد العلم احلجة املرحوم السيد حمسن األمني العاميل يف (أعيان
الشيعة) ـ يف ذيل حاالت عيل أمري املؤمنني حتت عنوان (أول من أمر برضب
السكة اإلسالمية) ـ« :ذكر الفاضل املتتبع الشيخ حيدر قيل خان بن نور حممد خان
الكابيل نزيل كرمنشاه يف رسالته (غاية التعديل يف األوزان واملكاييل) ،وأخربين به من
لفظه بمنزله يف كرمانشاه يوم السبت العرشين من املحرم سنة 1353هـ يف طريقنا إىل
زيارة الرضا ،وهو يعرف اللغة اإلنكليزية جيد ًا ،قال :رأيت يف دائرة املعارف
الربيطانية ص ،904الطبعة الثالثة والعرشين عند الكالم عىل املسكوكات العربية ما
تعريبه ملخص ًا( :إن أول من أمر برضب السكة اإلسالمية هو اخلليفة عيل بالبرصة
سنة 40من اهلجرة املوافقة لسنة 660مسيحية ،ثم أكمل األمر بعده عبد امللك
اخلليفة سنة 76من اهلجرة املوافقة لسنة 695مسيحية) ،وذكر العالمة اخلبري املرحوم
الشيخ عباس القمي يف كتاب (هدية األحباب يف ذكر املعروفني بالكنى واأللقاب) ـ
عند ذكر البيهقي أيض ًا ـ عن كتاب (غاية التعديل يف األوزان واملكاييل) لرسدار خان
الكابيل ( ،)وعن خطه الذي كتبه إليه :أن يف املجلد السابع عرش من دائرة املعارف
الربيطانية ص 904من الطبعة الثالثة عرشة عند الكالم عىل املسكوكات القديمة ما
تعريبه ملخص ًا ،ثم ذكر نحوه».
183 الربا يف األوراق النقدية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعتماد النقد
يراد باالعتامد ـ هنا ـ ثقة املتعاملني بالنقد معتمدين عىل االعتبار الذي تعطيه
الدولة للورق النقدي ،والذي هو ـ بدوره ـ يعطي للورقة النقدية قيمتها.
وقد مر االعتامد بمرحلتني:
.1تغطية الورق النقدي بالذهب.
.2اعتبار الدولة.
وكمثال هلذا نقرأ ما مر به االعتامد املشار إليه يف بريطانيا ،يقول فيكتور مورجان
يف كتابه (تاريخ النقود) ـ ص 27ـ« :وحتى هناية القرن الثامن عرش كانت األوراق
النقدية الربيطانية عبارة عن مطالبات بالدفع بالذهب عند الطلب».
ويف ص « :29وتعترب احلرب العاملية األوىل بداية ثورة يف النظام النقدي الربيطاين
فقد سحبت العمالت الذهبية تدرجيي ًا من التداول واستبدلت بأوراق نقدية.»...
«ولقد استبقيت عملية اإلصدار الثابت ألوراق نقدية بدون غطاء من قانون
،1844إالّ أن أمهيتها تغريت تغري ًا تام ًا ،فمن الناحية الرسمية نجد أن قانون العمالت
واألوراق النقدية لعام 1954هو الذي حيكم عملية إصدار األوراق النقدية اآلن،
وكان هذا القانون يقيض بأن يكون اإلصدار بدون غطاء يف حدود مبلغ 1575مليون
جنيه ،ومع ذلك منح القانون وزارة اخلزانة سلطة تغيري هذا الرقم بأمر ترشيعي،
وكان هناك اجتاه ارتفاعي شديد ،وكذلك تغيريات كثرية ـ يف كل من االجتاهني ـ
ملواجهة التغريات املوسمية يف الطلب عىل األوراق النقدية التي يطلبها اجلمهور
185 الربا يف األوراق النقدية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فبلغ اإلصدار يف شهر نوفمرب 3200( 1968مليون جنية) ،وباندالع احلرب عام
1939حتول خمزون البنك من الذهب إىل (حساب معادلة التبادل ) ،ومنذ ذلك احلني
حيتفظ البنك بمجرد مقدار اسمي من الذهب ،وهكذا اهنارت متام ًا الصلة بني ميزان
املدفوعات الدولية وتداول العمالت الداخلية ،وهي الصلة التي كانت تعترب اجلانب
الرئييس لقانون ،1844واآلن حتدد وزارة اخلزانة اإلصدار بدون غطاء بالتشاور مع
البنك عىل املستوى الذي يبدو مالئ ًام لالحتياجات الوقتية ،أي ًا ما يكون هذا املستوى،
وبالتعبري الوارد يف تقرير رادكليف« :تعترب وظيفة احلكومة يف إصدار األوراق النقدية
هي ببساطة الوظيفة السلبية لضامن إتاحة كمية كافية من األوراق النقدية تالئم الواقع
العميل للجمهور».
وأخري ًا ،نكون مع تساؤل (موسوعة املورد) وجواهبا ،قالت« :ولكن من أين
تستمد األوراق النقدية قيمتها وهي جمرد قصاصات ال تسمن وال تغني من جوع؟
الواقع أهنا تستمد قيمتها من ضامن الدولة هلذه القيمة».
وهذا الضامن أو االعتبار هو ما انتهى إليه واقع األوراق النقدية يف جعل الثقة
يف نفوس املتعاملني هبا ،ذلك أن ما يسمى بالغطاء الذهبي قد انتهى دوره ،ومل يعد له
وجود.
مرشوعية إنشائها
ال إشكال وال شك يف أن البنوك التجارية حقيقة واقعة ،ويف أن الناس يف مجيع
بلدان العامل ـ إسالمية وغري إسالمية ـ ال يستغنون عن التعامل معها ،ألن التعامل
معها أصبح رضورة من رضورات احلياة االقتصادية.
ذلك ألهنا الوسيط يف نقل وانتقال األموال بني األفراد بعضهم البعض ،وبني
املؤسسات بعضها البعض ،وبني األفراد واملؤسسات.
وهي العامل األهم يف تأسيس وتنمية املشاريع عىل اختالف أنامطها :اجتامعية
واقتصادية وسواها ،ويتم هذا عن طريق اإلقراض واالستثامر.
وألهنا (أعني البنوك التجارية) اخلزانة األمينة واملؤمتنة عىل حفظ األموال.
كام أن رقي اقتصاد الشعوب والدول ،وكذلك ارتفاع مستوى رفاهية العيش
فيها يقاسان بام لدهيا من بنوك وصلت ـ أو هي تقرتب أن تصل ـ إىل مستوى أن تعد
بنوك ًا دولية (عاملية).
معامالت البنوك التجارية 194
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وباختصار :إن حركة املال يف كل جمتمع من جمتمعات اإلنسان الراهنة تتوقف
عىل وجود البنوك التجارية وترتبط هبا وجود ًا وعدم ًا.
إن كل هذا املذكور وأمثاله مما بلغ بالبنوك التجارية أن تكون رضورة من
رضورات احلياة االقتصادية عند الشعوب واحلكومات ،وبني األفراد واملؤسسات،
قد يقف أمامنا أن نثري املسألة يف البحث عن حكم إنشائها :هل هو جائز أو غري جائز؟
وذلك ملا يرتتب عىل القول بعدم اجلواز من حرمة إنشائها من ِقبل املسلمني ،وهو أمر
مقدور عليه.
ومما يرتتب عليه من منع تواجدها يف بالد املسلمني ،وهو أمر غري مقدور عليه
ملا ينجم عنه من مفاسد يف احلياة االقتصادية ،أقلها شل حركة املال.
إذ ًا ،فالذي ينبغي هو أن نثري املسألة حول إصالحها بام يلتقي مع أحكام الرشيعة
اإلسالمية املقدسة.
ومسألة اإلصالح املشار إليها هي التي دفعت املسلمني إىل إنشاء ما يعرف
بالبنوك اإلسالمية لتكوين البنوك البديلة للبنوك التجارية.
واعتقادي أن مسألة اإلصالح املشار إليها ال تقوى أن حتقق أهدافها كاملة إالّ
إذا اهنار الكيان الرأساميل ،وذلك باهنيار االقتصاد الغريب ،متام ًا كام اهنار االقتصاد
االشرتاكي باهنيار االحتاد السوفيايت ،ذلك أن االقتصاد الرأساميل كيان ضخم ذو
جذور ممتدة بعيد ًا يف العمق ،وذو تشعبات منترشة كاإلخطبوط يف حياة البرش.
ومع هذا ،ال ينبغي أن نحكم عىل أنفسنا بالعجز فنتوقف عن اإلصالح ،ذلك
أن اإلصالح مطلوب كلي ًا كان أو جزئي ًا ،ومن املعلوم أن الواجب يؤتى به يف حدود
195 مرشوعية إنشاء البنوك التجارية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املستطاع واملقدور.
ومع هذا ،علينا أن نبحث مسألة مرشوعية إنشاء البنوك التجارية إذ ربام يكون
هذا حافز ًا قوي ًا لنا إذا جاز إنشاؤها إىل الدخول يف إنشاء بنوك دولية تنافس تلك التي
يف أمريكا وأملانيا واليابان فتكون مهمة اإلصالح أيرس ،ويكون التغيري فيها إىل ما نريد
أكثر وأكرب.
واملسألة (أعني مسألة املرشوعية) تتوقف من ناحية علمية عىل حتديد نوعية
معامالت البنوك التجارية التي قد نقصد إىل إنشاء ما يامثلها من حيث النظام واملعاملة:
هل هي ربوية أو غري ربوية؟!
فإن ثبت لدينا أهنا ربوية ،فال خالف بني الفقهاء املسلمني ،ويف رشيعتنا
اإلسالمية ،يف حرمة التعامل بالربا ،وألن إنشاء مثل هذه البنوك يؤدي ـ قطع ًا ـ إىل
التعامل بالربا فيكون إنشاؤها من ِقبل املسلمني حرام ًا ،لقاعدة أن ما يؤدي إىل احلرام
حرام.
وإن كان األمر بالعكس ،أي إهنا غري ربوية ،وليس فيها من األعامل ما يؤدي إىل
احلرام يكون إنشاؤها جائز ًا.
ويتوصل إىل معرفة ذلك عن طريق معرفة نوعية فوائد البنوك هل يصدق
وينطبق عليها عنوان الربا بمواصفاته ورشوطه املذكورة يف فقهنا وعند فقهائنا ،أو
ال يصدق عليها ذلك.
إن ثبتت ربوية البنوك التجارية فال حيل إنشاؤها من ِقبل املسلمني.
وأما القائم منها ـ سواء كان يف بالد املسلمني أم يف غريها ـ فهل جيوز العمل
فيها والتعامل معها أو ال جيوز؟ ،هذا ما سنستعرضه يف املسألة التالية.
مشروعية العمل يف البنوك التجارية
نقصد بالعمل ـ هنا ـ العمل الوظيفي يف البنك ،الذي يتمثل يف وظيفة املحافظ
(رئيس جملس إدارة البنك) ونائبه ،ومن دوهنام من املوظفني والعاملني باجلهاز
املرصيف.
ذلك أنه ال خالف بني الفقهاء املسلمني يف حرمة التعامل بالربا ،وحرمة اإلعانة
عليه.
وملعرفة ذلك نبدأ بذكر بعض الفتاوى لبعض الفقهاء املعارصين حول مرشوعية
العمل يف البنوك التجارية ،وهي:
ـ فتوى الفقيه السيد أيب القاسم اخلوئي ،املنشورة يف رسالته العملية (منهاج
الصاحلني) ـ 437/2ـ «مصورة عن ط ،»8قال ـ حتت عنوان (أعامل البنوك) ـ:
«تصنف أعامل البنوك صنفني:
(أحدمها)ّ :
حمرم ،وهو عبارة عن املعامالت الربوية فال جيوز الدخول فيها ،وال
معامالت البنوك التجارية 198
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
االشرتاك ،والعامل ال يستحق األجرة لقاء تلك األعامل.
(ثانيهام) :سائغ ،وهو عبارة عن األمور التي ال صلة هلا باملعامالت الربوية،
فيجوز الدخول فيها ،وأخذ األجرة عليها.
وقال ـ يف الصفحة 438ـ« :ـ (مسألة :)22ال فرق يف حرمة املعامالت الربوية
بني بنوك الدولة اإلسالمية وغريها ..نعم ،تفرتقان يف أن األموال املوجودة يف األُوىل
جمهولة املالك ،ال جيوز الترصف فيها إالّ بإذن احلاكم الرشعي أو وكيله.
وأما أموال بنوك الدولة غري اإلسالمية فال ترتتب عليها أحكام األموال
جمهولة املالك فيجوز أخذها استنقاذ ًا بال حاجة إىل إذن احلاكم الرشعي أو وكيله،
كام عرفت».
ـ فتوى الفقيه الشيخ حممد أمني زين الدين ،املنشورة يف رسالته املوسومة (املسائل
املستحدثة ) ،املطبوعة بمطبعة اهلاشمي بالبحرين سنة 1407هـ ـ 1987م قال ـ حتت
عنوان (العمل يف البنك) ـ« :املسألة :108ال جيوز لإلنسان الدخول يف العمل للبنك
إذا كان العمل هو إجراء املعامالت الربوية أو ضبطها وتدوينها أو التسهيل هلا ،أو
كان من األعامل املحرمة األخرى كرشاء البضائع املحرمة وبيعها ،وغري ذلك مما هو
حمرم يف رشيعة اإلسالم ،وال جيوز له أخذ األجرة عىل هذه األعامل.
وجيوز له الدخول يف أعامل البنك غري املحرمة ،كام جيوز له أخذ األجرة عليها،
فإذا كان من البنوك األهلية أو بنوك غري املسلمني أخذ األجرة من البنك ،وإذا كان
من البنوك احلكومية أو املشرتكة احتاج يف قبض األجرة منه ويف صحة الترصف فيها
إىل إذن احلاكم الرشعي.
املسألة :109ال جيوز لإلنسان الدخول يف العمل إذا كان بعضه مباح ًا وبعضه
حمرم ًا ،وكان البعض املحرم جزء ًا ملحوظ ًا من وظيفته التي يستحق هبا األجرة من
199 مرشوعية العمل يف البنوك التجارية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البنك ،وإذا مل يكن العمل املحرم جز ًءا ملحوظ ًا يف الوظيفة مل حيرم عليه الدخول فيها،
وحرم عليه ذلك العمل نفسه.
املسألة :110إذا كان عمله يف املعامالت الربوية وكانت مهمته هي توجيه هذه
املعامالت وإجراؤها عىل الوجه الصحيح يف اإلسالم بحيث ال جيري مع العميل
معاملة حمرمة مل يكن يف دخوله بأس ،بل كان مثا ًبا ومأجور ًا عىل ذلك إن شاء اهلل
تعاىل».
ومن الفتاوى التي وقفت عليها ،ومتثل رأي ًا يف الفقه السني فتوى اللجنة الدائمة
لإلفتاء بالرئاسة العامة لإلفتاء بالسعودية رقم 3620بتاريخ 1401/5/15هـ،
ونصها« :اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء عىل االستفتاء املقدّ م
لسامحة الرئيس العام من حممود حسني محاد ،املقيد برقم 580يف 1401/3/26هـ،
مضمونه :أنه يعمل بأحد البنوك باململكة ،فهل العمل يف البنوك التي تتعامل بالربا
حرام أم مباح؟ ،وإذا كان حرام ًا فهل يستقيل؟
العمل يف البنوك وهي بوضعها احلايل تتعامل بالربا حرام ،فال جيوز لك أن
تستمر يف العمل يف البنك الذي تعمل فيه.
وسبق أن ورد إىل اللجنة الدائمة سؤال سائل هلذا السؤال ،أجابت عنه بالفتوى
رقم 1338يف 1396/6/4هـ التي نصها« :أكثر املعامالت يف البنوك املرصفية
معامالت البنوك التجارية 200
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احلالية تشتمل عىل الربا ،وهو حرام بالكتاب والسنة وإمجاع األمة ،وقد حكم
بأن من أعان آكل الربا وموكله بكتابة له أو شهادة عليه ،وما أشبه ذلك ،كان رشيك ًا
آلكله وموكله يف اللعنة والطرد من رمحة اهلل ،ففي صحيح مسلم وغريه من حديث
جابر « :لعن رسول اهلل آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ،وقال :هم
سواء» ،والذين يعملون يف البنوك املرصفية أعوان ألرباب البنوك يف إدارة أعامهلا كتابة
أو تقييد ًا أو شهادة أو نق ً
ال لألوراق أو تسلي ًام للنقود وتسل ًام هلا ،إىل غري ذلك مما فيه
إعانة للمرابني.
وهبذا يعرف أن عمل اإلنسان باملصارف احلالية حرام ،فعىل املسلم أن يتجنب
ذلك وأن ينتقي الكسب من الطريق التي أحلها اهلل ،وهي كثرية ،وليتق اهلل ربه ،وال
يعرض نفسه للعنة اهلل ورسوله»().
ويف أحاديثنا الرشيفة أكثر من رواية تدل عىل حرمة الدخول يف الربا وما يعني
عليه ،منها:
() انظر :األرباح والفوائد املرصفية ،لألستاذ عب] احلميد الغزايل ،نرش البنك اإلسالمي
للتنمية بجدة ص 59ـ 60
() جاء يف هامشه« :يف الفقيه :يف الوزر (هامش املخطوط)».
201 مرشوعية العمل يف البنوك التجارية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علوان عن حممد بن خالد() عن زيد بن عيل عن آبائه عن عيل قال :لعن رسول
اهلل الربا وآكله وبائعه ومشرتيه وكاتبه وشاهده».
ـ ونظري ما تقدم :ما «روى اإلمام مسلم بسنده عن جابر قال :لعن رسول
اهلل آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ،وقال :هم سواء»().
ويتم االستدالل هبذه الروايات بتقريب :أن مما انصب عليه النهي فشمله
التحريم :كاتب الربا وشاهديه.
واالقتصار عىل هؤالء الثالثة (الكاتب والشاهدين) ألن املرايب الذي كان
يقرض املال بفائدة كان فرد ًا (شخص ًا طبيعي ًا) وليس مؤسسة.
واملرابى الفرد قدي ًام ما كان حيتاج إىل أكثر من كاتب يكتب العقد الواقع بني
طريف املعاملة ،وشاهدين يشهدان بوقوع العقد.
أما املؤسسة (البنك) التي توسعت نتيجة التطور يف أنظمتها اإلدارية ،التي منها
نظام التوظيف ذلك النظام الذي متر فيه املعاملة لتستكمل إجراءاهتا بأكثر من موظف
يسهم يف إنجازها.
إن هذا الفارق الذي جاء نتيجة التطور يف أوضاع البنوك يفرض علينا أن نحمل
() يف هامش الوسائل :يف املصدر (يعني حتف العقول) زيادة( :إىل موضع معلوم).
() يف اهلامش :يف املصدر زيادة :أو بمملوكه أو قرابته أو تأجري من قبله ،فهذه وجوه من
وجوه اإلجارات.
معامالت البنوك التجارية 204
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ إىل أن قال ـ :وكل من آجر نفسه أو آجر ما يملك أو ييل أمره ،من كافر
أو مؤمن ،أو ملك أو سوقة ،عىل ما فرسنا مما جتوز اإلجارة فيه ،فحالل حملل فعله
وكسبه».
وقد رجع إىل هذه املرسلة يف مقام االستدالل غري واحد من أكابر فقهائنا األعالم
أمثال املحدث البحراين (ت 1186هـ) يف كتابه (احلدائق النارضة)() والشيخ األعظم
يف مقدمة كتابه (املكاسب).
ويمكن االستدالل لذلك بام رواه احلر العاميل يف (الوسائل) ـ يف املوضع نفسه ـ
حتت رقم ،24246ونصه3« :ـ عيل بن احلسني املرتىض يف رسالة (املحكم واملتشابه)
ال عن تفسري النعامين بإسناده اآليت (يف الفائدة الثانية من اخلامتة رقم :52عن عيل نق ً
يف بيان معايش اخللق ،قال :وأما وجه اإلجارة فقوله عز وجل﴿ :ن َْح ُن َق َس ْمنَا
ات لِيت ِ
ض درج ٍ ِ َب ْين َُه ْم َم ِع َ
َّخ َذ َب ْع َض ُه ْم َ يشت َُه ْم فيِ الحَْ َياة الدُّ ْن َيا َو َر َف ْعنَا َب ْع َض ُه ْم َف ْو َق َب ْع ٍ َ َ َ
مِ
ون﴾ فأخربنا سبحانه أن اإلجارة أحد معايش ي َم ُع َ ك َخيرْ ٌ مَّا جَ ْ َب ْع ًضا ُسخْ ِر ًّيا َو َر مْ َ
ح ُة َر ِّب َ
اخللق ،إذ خالف بحكمته بني مهمهم وإراداهتم وسائر حاالهتم ،وجعل ذلك قوام ًا
ملعايش اخللق ،وهو الرجل يستأجر الرجل يف ضيعته وأعامله ،وأحكامه وترصفاته
وأمالكه ،ولو كان الرجل منا يضطر إىل أن يكون بنّاء لنفسه أو نجار ًا أو صانع ًا يف
يشء من مجيع أنواع الصنائع لنفسه ،ويتوىل مجيع ما حيتاج إليه من إصالح الثياب،
وما حيتاج إليه من امللك ممن دونه ما استقامت أحوال العامل بذلك وال اتسعوا له،
ولعجزوا عنه ،ولكن أتقن تدبريه ملخالفتهم بني مهمهم ،وكل ما يطلب مما تنرصف
إليه مهته مما يقوم به بعضهم لبعض ،وليستغني بعضهم ببعض يف أبواب املعايش التي
هبا صالح أحواهلم.
() انظر اجلزء الثامن عرش ،كتاب التجارة :املقدمة الثالثة فيام يكتسب به ..وعقبه ( )
بقوله« :وإنام نقلناه بطوله جلودة مدلوله وحمصوله ،ومنه يستنبط مجلة من األحكام التي وقع
فيها اإلشكال بني مجلة من علامئنا األعالم».
اإليداع البنوك التجارية
مشروعية التعامل مع
اإليداع -لغة -مصدر الفعل ( َأودع) املزيد باهلمزة من أوله ،وهو -أعني
الفعل أودع -من األضداد ،فقد جاء يف (الصحاح)« :قال الكسائي :يقال :أودعتُه
ماالً ،أي دفعته إليه يكون وديعة عنده ،وأودعتُه أيض ًا إذا دفع إليك ماالً ليكون وديعة
اإليداع
عندك فقبلتَها.
اخلصم
واستودعته وديعة إذا استحفظته إياها ،قال الشاعر:
القروض
قرطاسا فض ّيعه
ً العلم
َ استودع
َ
القراطيس».
ُ مستودع العل ِم
ُ فبئس
1ـ البدء بتحديد موضوع املعاملة يف ضوء معطيات بحوث وكتابات علامء
االقتصاد ،مع استعراض ما يرتبط به وما يالبسه من مفاهيم ومصاديق أو قضايا
أخرى يف حدود املطلوب.
أثني بمحاولة التامس مرشوعية املعاملة إسالمي ًا ،عىل أساس من سلوك
2ـ ثم ّ
إحدى الطريقتني اللتني ذكرهتام يف مبحث (منهج البحث) ،ومها :طريقة التناظر
وطريقة الشمول.
وبإجياز:
ـ اإليداع.
ـ اخلصم.
ـ القرض.
اإليداع
اإليداع ـ لغة ـ مصدر الفعل ( َأودع) املزيد باهلمزة من أوله ،وهو ـ أعني الفعل
أودع ـ من األضداد ،فقد جاء يف (الصحاح)« :قال الكسائي :يقال :أودعتُه ماالً ،أي
دفعته إليه يكون وديعة عنده ،وأودعتُه أيض ًا إذا دفع إليك ماالً ليكون وديعة عندك
فقبلتَها.
قرطاسا فض ّيعه
ً العلم
َ استودع
َ
القراطيس».
ُ مستودع العل ِم
ُ فبئس
تأجري اخلزائن من األعامل التي يقوم هبا البنك حيث ُيعد خزائن حديدية حلفظ
األشياء الثمينة من أموال ووثائق وجموهرات ونقود وسبائك ذهبية أو فضية وما شابه
ذلك ،يؤجرها عىل عمالئه ،وال يسمح هلم ـ من ناحية قانونية بإدخال املواد املحظورة
إىل اخلزانة ،أمثال األسلحة واملخدرات واملتفجرات واملواد امللتهبة وما إليها ،وذلك
توفري ًا لألمن وضامن ًا للسالمة ،و ُيعد املرصف ـ عادة ـ مفتاحني لكل خزينة ُي ّسلم
أحدمها للعميل املستأجر وحيتفظ باملفتاح اآلخر لدى إدارة البنك بعد وضعه يف ظرف
من القامش خيتم بالشمع ،وذلك الستخدامه عند فقدان مفتاح العميل.
وال يسمح للعميل بالرجوع إىل خزينته إال يف أوقات دوام البنك الرسمية.
«وزيادة من البنك يف خدمة عمالئه الذين يريدون أن يضعوا أشياء ثمينة أو
نقود ًا يف غري مواعيد العمل الرسمية ،خيشون عليها إذا استمرت يف أيدهيم الضياع
أو الرسقة أو خماطر احلريق ..إلخ ،فقد أعد البنك حمافظ جلدية صغرية حتمل كل
حمفظة رق ًام خاص ًا ،وهلا مفتاحان أيض ًا ،يس ّلم أحدمها للعميل ويبقى اآلخر طرف
إدارة البنك يف مظروف من القامش يقفل ثم خيتم مثل مفتاح اخلزانة احلديدية.
وطريقة استعامل هذه املحافظ اجللدية تتلخص يف أن العميل عندما يتسلم أي
مبلغ من النقود أو حيصل عىل أشياء نفيسة يريد االحتفاظ هبا وإيداعها يف اخلزانة
احلديدية التي استأجرها ـ بعد أوقات العمل الرسمية ـ فام عليه إالّ أن يودع ما
معه يف داخل املحفظة اجللدية التي معه ويقفلها ثم يذهب إىل البنك ،وهناك يودع
211 اإليداع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املحفظة اجللدية يف فتحة باجلدار اخلارجي للبنك ـ كام هو متبع يف صندوق الربيد ـ
فتسقط املحفظة عىل خزانة حديدية (موجودة) أسفل الفتحة وتبقى موجودة حتى
صباح اليوم التايل ثم تفتح بحضور صاحبها أو وكيله أو يكتفى بموظف البنك كام يف
انجلرتا ،وذلك تب ًعا لطبيعة التعامل بني البنك والعميل»().
وحكم هذا العمل ـ من ناحية رشعية ـ اجلواز ،وذلك ألنه إن نظر عىل أن املبلغ
املدفوع للبنك هو وديعة ،أو إجارة ،فهو مشتمل عىل عنارصمها وأبعادمها ،وإن نظر
عىل أنه عقد مستقل ،فألنه مل يشتمل عىل حمرم يكون مشموالً للعمومات واإلطالقات
﴿أو ُفوا بِا ْلع ُق ِ
ود﴾. ُ الرشعية كقوله تعاىل َ ْ
2ـ احلساب اجلاري
«ينترش احلساب اجلاري يف احلياة العملية عىل نطاق واسع ،وهو نظام جرى
به التعامل منذ أمد بعيد حتى صار عرف ًا أقره الفقه والقضاء بعد أن قاما بتصحيح
بعض قواعده وتعديل بعض أحكامه ،فأصبح بذلك نظا ًما أصي ً
ال من أنظمة التجارة
له قواعده وأحكامه الثابتة»().
والواقع أنه أشمل من هذا حيث إن احلساب اجلاري قد يقع بني شخصني،
ولكنه بني األفراد أو املؤسسات كطرف والبنوك التجارية كطرف آخر هو األشهر
واألعرف.
() األعامل املرصفية يف اإلسالم ،مصطفى عبد اهلل اهلمرشي ط 2ص 259ـ 260ويف
هامش :انظر :بنوك الودائع من ص 429ـ ص .432
() د .اجلرب ،العقود التجارية وعمليات البنوك يف اململكة العربية السعودية ص 241نق ً
ال
عنRodiere. et Rive:ـ.Droit buncaire. Paris Dalloz Tunc. A )1975(..Lange. J.I
( .Le eonlltral de garde. Paris )1942بند رقم 106
معامالت البنوك التجارية 212
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فـ«ال يشرتط أن يكون أحد طريف احلساب اجلاري بنك ًا ،إذ جيوز أن يفتح
احلساب اجلاري بني شخصني متى كانت بينهام عمليات متصلة ،كام هو الشأن بني
املوكل والوكيل بالعمولة وبني الرشكاء والرشكة ،ولكن الغالب هو أن يفتح احلساب
اجلاري بني أحد البنوك وعميله التاجر ،فيقيد البنك يف اجلانب الدائن من احلساب
الودائع النقدية التي يسلمها العميل»().
ويتحقق بأن يكون يف خزانة البنك رصيد مايل باسم العميل يمكّنه من حترير
شيكات عىل ذلك الرصيد والسحب منه متى شاء.
وهي التي يقوم العميل بفتحها ،وذلك بإيداعه مبلغ ًا معين ًا يف البنك ليكون
بداية رصيده ليضيف عليه ويسحب منه.
وهي التي يقوم البنك بإنشائها بفتحه اعتامد ًا مرصفي ًا بسلفة منه للعميل ،يبدأ
العميل رصيده هبا ،ولقاء فائدة للبنك يف مقابل تلك السلفة.
1ـ «فائدة يتفق عليها البنك مع العميل ،إذا بدأ احلساب اجلاري بسلفة من
البنك ـ أي بفتح اعتامده ـ ،وتلك الفائدة ختتلف باختالف قيمة السلعة ومدهتا ،وليس
هناك معدل ثابت ألسعار الفائدة ،بل عىل حسب االتفاق والظروف لكل حالة عىل
حدة».
إن كان من إيداع العميل يضع البنك عليه عمولة ،هي عائد من هذا العمل.
وإن كان بسلفة من البنك للعميل فإن البنك ـ هنا ـ يضع عىل العميل فائدة
يدفعها العميل للبنك.
وذكرت هذا التقسيم لكي يراعى يف حماولة معرفة احلكم الرشعي للمسألة
ُ
املذكورة ،ذلك أن غري واحد من أصحابنا ممن كتب يف املوضوع قرص بحثه عىل القسم
األول فقط.
وقد سلك األصحاب الذين أرشت إليهم طريقة التناظر للوصول إىل احلكم،
وذلك بطرح املحتمالت من املعامالت املرشوعة التي من املمكن أن تشاهبها معاملة
احلساب اجلاري ،قال الشيخ الشريازي يف كتابه القيم (الربا والبنك اإلسالمي) ط 1
ص 142حتت عنوان (ماهية احلساب اجلاري)« :أما ما هي حقيقة احلساب اجلاري
وماهيته؟
1ـ احتامل أن يكون احلساب اجلاري نوع ًا من أنواع القرض «من ِقبل أصحاب
األموال للبنوك ،وليس فيه مدة معينة.
وطبق ًا هلذا االحتامل يكون احلساب اجلاري نوع ًا من القرض بدون مدة
معلومة».
2ـ احتامل أن يكون احلساب اجلاري وديعة وأمانة «يعني أن صاحب احلساب
يضع أمواله بعنوان أمانة لدى البنك ،وله أن يأخذ أي مقدار منها متى شاء ،غاية
األمر أنه يأذن يف الترصف للبنك يف هذه األموال وتبديلها.
وعىل هذا األساس تكون ماهية احلساب اجلاري يف حقيقتها هي ماهية األمانة
والوديعة املقارنة مع الوكالة يف التغيري والتبديل (فتأمل).
هذه النظرية أقرب إىل تصور العرف العام ملفهوم احلساب اجلاري فإهنم يرونه
كاألمانة لدى البنك.
ولكن يطرح ـ هنا ـ سؤال ،هو :هل أن موضوع هذه األمانة هو شخص املال
املوجود يف اخلارج أو أهنا تكون يف الذمة؟
فلو كان موضوعها هو املال اخلارجي فيجب عىل البنك أن يكون له احتياطي
215 اإليداع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمقدار الودائع املرصفية للناس ألن متعلق الوكالة هو التغيري والتبديل ،ومفهومها
أن البنك يستطيع أن يترصف يف الودائع ويستبدهلا بمثلها ،ويضع مبالغ مماثلة هلا يف
صندوقه ،يف حني أن البنوك الفعلية ال تسلك هذا السبيل ،وال ترى نفسها ملزمة بأن
تدخر احتياط ًيا مساو ًيا للودائع فيها.
وعىل هذا األساس ال يمكن أن يقال إن موضوع هذه األمانة هو اليشء اخلارجي،
بل إهنا أمانة يف الذمة ،سواء كانت ذمة شخصية (إذا كان مالك البنك شخص ًا أو
أشخاص ًا معينني) أو ذمة حقوقية (يف صورة أن يكون مالك البنك شخصية حقوقية)،
ويف هذه الصورة تضحى األمانة نو ًعا من أنواع القرض ،وليست وديعة حقيقية ،ألن
عني املال غري موجودة لدى البنك وال عوضها ،يف حني أن الوديعة جيب أن يكون هلا
وجود خارجي ،وهبذا الرتتيب تواجه مشكلة يف الفرضية الثانية».
3ـ احتامل «أن تكون ماهية احلساب اجلاري هي ماهية الوديعة ،لكن ال الوديعة
يف عني املال بل الوديعة يف قيمة املال ،يعني أن الشخص عندما يودع مائة ألف درهم ـ
مث ً
ال ـ عند البنك ،فإنه ال يودع عني هذا املال بعنوان أمانة ووديعة ،حتى يكون البنك
ملزم ًا بحفظ وادخار معادل هذا املال لديه ،بل أنه يودع قيمته لدى البنك ،ويف هذه
الصورة ال يواجه البنك مشكلة رشعية فيام إذا مل يدخر بمقدار مطالبات الناس».
ثم ـ وبعد ذكر االحتامالت الثالثة ـ يقول« :وإذا أردنا استجالء النتيجة من هذه
االحتامالت الثالثة أمكن القول بأن االحتامل الثاين أقرب االحتامالت ملعنى احلساب
اجلاري ،وهو أن ماهية احلساب اجلاري بمثابة الوديعة واألمانة مع توكيل البنك يف
التغيري والتبديل والترصف ،وطبع ًا هذا املعنى يامثل القرض يف النتائج ،ولكن املهم
ال من االحتامالت الثالثة املذكورة للحساب اجلاري فإن هذا العمل أننا إذا قبلنا ك ً
ال منطقي ًا وال إشكال فيه رشع ًا».
يكون يف عرف العقالء عم ً
ويمكننا أن نستعمل طريقة الشمول ،وانطالق ًا من نظرتنا إىل واقع املعاملة كام
معامالت البنوك التجارية 216
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتم بني البنك وعمالئه وفق االتفاقية التي ّتوقع من الطرفني ،فنقول :يعترب املبلغ
املرصود باسم العميل أمانة يف ذمة البنك حتفظ بقيمتها لصاحبها ،وللبنك الترصف
هبا كام أن لصاحبها املطالبة هبا مجيعها أو بعضها (سحب املبلغ أو سحب يشء منه)،
وهي مضمونة عىل البنك لصاحبها إن تلفت ،وال فرق يف ذلك بني أن يكون التلف
ٍ
بتعد من البنك أو تفريط ،أو بدوهنام.
ومجيع هذه االعتبارات املذكورة جتري وفق االتفاقية املكتوبة واملوقعة من
الطرفني البنك والعميل.
وقلت( :يعترب املبلغ املرصود باسم العميل أمانة يف ذمة البنك حتفظ بقيمتها
ُ
لصاحبها) ألمرين:
األمر األول :إن هناك فرق ًا بني النقود الورقية والنقود من الذهب والفضة
التي كانت مستعملة يف عرص صدور نصوص الربا ،والتي اعتمدها الفقهاء ،أساس ًا
للمامثلة ـ واملقابلة ،يتمثل هذا الفرق يف أن األول ـ أعني النقود الورقية ـ هي اآلن
نتاج مصانع آلية ،والثانية ـ أعني النقود الذهبية والفضية ـ كانت تصنع يدوي ًا ،ومن
املعلوم أن ما ينتجه الفاعل باالضطرار كاملصانع اآللية تتساوى وحداته من حيث
القيمة واالعتبار ،فال تفاوت ـ مث ً
ال ـ بني وحدات فئة العرشة دنانري كمنتوج صناعي،
وال تفاوت بني ورقة العرشة دنانري وعرش ورقات من فئة الدينار من حيث القيمة،
وهذا يعني أنه ال فرق يوجد يستلزم الفرق يف ترتب األثر الرشعي بني أن حيتفظ البنك
بنفس األوراق التي أودعت لديه فيسلمها لصاحبها عند الطلب ،أو يسلمه أخرى من
فئتها متاثلها ،أو من فئات أخرى بقيمتها ،كام هو املعمول به اآلن واملتعارف عليه بني
الناس ،وهذا بعكس ما ينتجه الفاعل باالختيار كمصنوعات اإلنسان اليدوية نحو
الدينار الذهب ،فإن صب الذهب يف القالب ثم ختمه بالسكة ،جيعل وحداته خيتلف
ال جد ًا ال يعتد به ،وقد يكون غري قليل فيعتد
بعضها عن بعض اختال ًفا قد يكون قلي ً
217 اإليداع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
به ،ومن هنا قرأنا ـ فيام تقدم ـ أن جتار مكة كانوا يزنون الدنانري الذهب التي تأتيهم من
اليمن للسبب املذكور ،إذ ربام كان الفارق واضح ًا يؤثر يف تفاوت القيمة.
ويف عهد النبي وأيب بكر استخدمت العملة الفارسية والرومانية فقط().
وقال املارودي :إن الدراهم كانت يف أيام الفرس مرضوبة عىل ثالثة أوزان،
منها درهم عىل وزن املثقال عرشون قرياط ًا ،ودرهم وزنه اثنا عرش قرياط ًا ،ودرهم
وزنه عرشة قراريط ،وروي مثل ذلك عن البالذري().
فام كان يشرتط يف الوديعة قدي ًام أن تُعامل النقود معاملة األعيان فيحتفظ هبا
بذواهتا للسبب املذكور ،وحيث ال يوجد هذا يف النقود الورقية ال يشملها الرشط
املشار إليه.
األمر الثاين :إن العرف العاملي تبانى وتبنى هذه املواصفات املذكورة عملي ًا،
واملعامالت ـ كام هو معلوم ـ تنشأ اجتامعي ًا ،وحني يكون فيها رضر عىل اإلنسان
يتدخل الرشع املقدس فيقرر إلغاءها إذا اقتىض دفع الرضر ذلك ،أو يقوم بتهذيبها بام
() يف هامشه :ج 20من اخلطط التوفيقية اجلديدة ص 5تأليف عيل باشا مبارك ،طبعة أوىل،
املطبعة الكربى األمريية.
() يف اهلامش :اإلدارة العربية ،تأليف س .أ ،.حسيني ،ترمجة إبراهيم العدوي ص 172
مراجعة عبد العزيز عبد احلق ،إرشاف إدارة الثقافة العامة.
() يف اهلامش :املاوردي ،األحكام السلطانية ص 147نق ً
ال عن كتاب اخلراج والنظم املالية
للدكتور ضياء الدين الريس ،مكتبة األنجلو.
معامالت البنوك التجارية 218
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يدفع الرضر ،وحيث ال يوجد يشء من هذا يف معاملتنا هذه ،تعترب مرشوعة ،وذلك
ود﴾.بشموهلا لعمومات املقام ،أمثال قوله تعاىل﴿ :و َأو ُفوا بِا ْلع ُق ِ
ُ َ ْ
هذا ما أوصل إليه البحث الفقهي من نتيجة أعطتنا احلكم الرشعي للحسابات
اجلارية الدائنة.
وبالنسبة للحسابات اجلارية املدينة ،فألهنا قرض نرجئ البحث عن حكمها إىل
البحث عن اإلقراض واالقرتاض يف معامالت البنوك فيام يأيت.
«وقد ُعرفت الودائع النقدية منذ القدم ،إالّ أهنا مل تنترش عىل نطاق واسع إالّ يف
القرن التاسع عرش ،وبصفة خاصة يف النصف الثاين منه ،وذلك نتيجة النتشار البنوك
واعتياد الناس التعامل معها فيام يتعلق بكافة شؤوهنم املالية»().
ويعرفها الدكتور اجلرب فيقول« :الوديعة النقدية املرصفية :هي عقد بمقتضاه
ّ
يسلم العميل مبلغ ًا معين ًا من النقود إىل البنك الذي يلتزم برد قيمته دفعة واحدة أو
عىل دفعات عند الطلب أو عند حلول األجل املتفق عليه إىل العميل ذاته أو إىل شخص
آخر يعينه العميل»().
() اجلرب ،العقود التجارية وعمليات البنوك يف اململكة العربية السعودية ص 283عن
ريبريورويلو 288 N 1970 R. Rodière et R. Houin. Dreit commercial. Parisبندر
رقم .2066
() م .ن.
219 اإليداع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما احلساب ـ كمصطلح مرصيف ـ فقد يقصد به «القيد املادي للعمليات اجلارية
بني طرفني.
وهي أهم حسابات الودائع ،واألكثر استخدام ًا ،وقد تسمى بحساب الشيكات
وبالودائع اجلارية.
وعرفت بالودائع حتت الطلب أو لدى الطلب ألن للمودع احلق يف أن يطلب
اسرتجاع املبالغ املودعة مجيعها أو بعضها يف أي وقت شاء.
«غري أن البنوك وضعت بعض القيود عىل أنواع من السحب إذا زادت عن
مبلغ معني حددته واشرتطت عند سحب هذا املبلغ الزائد عن النسبة املحددة أن خيطر
() موسوعة أعامل البنوك من الناحيتني القانونية والعملية ،دكتور حميي الدين إسامعيل علم
الدين ،ط القاهرة 1993م.491/1 ،
معامالت البنوك التجارية 220
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العميل البنك قبلها بمدة يتفق عليها وتتناسب مع املبلغ املطلوب»().
ويف الغالب ال يعطي البنك فوائد ألصحاب هذه الودائع إالّ يف حاالت
نادرة.
وأطلق عليها (ودائع ألجل) ألهنا حتدد بمدة معينة يتفق عليها بني البنك
والعميل ،ومن هنا ال جيوز اسرتدادها من ِقبل العميل إالّ بعد انتهاء األجل املحدد
بينهام.
وحكمها اجلواز وصحة املعاملة يف األوىل عندما ال حيصل العميل عىل فائدة..
ويف حالة حصول العميل عىل الفائدة ـ سواء كان هذا يف األول أو يف الثاين ـ يأيت بيان
حكمه عند التعرض حلكم فوائد القروض.
اخلصم Discount
ب يغلب اخلصم ـ يف لغتنا العربية ـ مصدر الفعل َخ َص َم يخَ ُْص ُم ،بمعنى َغ َل َ
غلب ًا ،وهو املعنى املعجمي ..ومنه ما ذكر يف (حميط املحيط)« :خصمه خيصمه خص ًام:
غلبه يف اخلصومة».
وكام ترى ،ليس فيه ما يلمح ملعنى املصطلح االقتصادي ( )Discountالذي نحن
يف معرض بيانه.
وقد يكون أقرب معنى إليه ما أضافته بعض املعاجم احلديثة وهو معنى
(احلطيطة) وهو مصطلح من مصطلحات علم احلساب ،كام جاء يف (املعجم
الوسيط)« :واخلصم (يف علم احلساب) احلطيطة (مو) ،»..وهو من املولد كام رمز
املعجم املذكور إىل هذا برمز (مو).
و«احلطيطة :اسم من احلط ،وهو ما حيط من الثمن ،ج حطائط ،يقال :حط عنه
معامالت البنوك التجارية 222
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حطيطة وافية.
واحلطيطة :ما حيط من مجلة احلساب»().
ونقرأ يف معجم (الصحاح يف اللغة والعلوم) ـ وهو من املعاجم احلديثة ـ معنى
آخر أقرب من املعنى املذكور ـ يف أعاله ـ إىل معنى املصطلح االقتصادي ،هو (اخلصم
من املرتب) بمعنى «احلرمان من املرتب ملدة حمدودة» ،وهو من وضع جممع اللغة
العربية يف القاهرة.
وأخري ًا :يضاف املعنى االقتصادي إىل أحد املعاجم العربية يف أمثال:
ـ اهلادي إىل لغة العرب ،للكرمي« :واخلصم يف االصطالح املايل :هو اقتطاع
نسبة معينة من قيمة اليشء كخصم الكمبياالت ،ومنه :سعر اخلصم يف املعامالت
املالية ،وهو املعروف باسم Bank Rateأو .Discount Rate
ـ املعجم العريب األسايس ،للمنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم« :خصم
خيصم خص ًام من ثمن السلعة :نقص (خصم للمشرتي من ثمن السلعة دينار ًا).
خصم خيصم خص ًام :منحه خص ًام مقداره .%10
(يف االقتصاد) :اقتطاع جزء من القيمة االسمية لسند مقابل دفع قيمته قبل
حلول أجل الوفاء.
(يف اإلدارة) :احلرمان من املرتب أو جزء منه ملدة حمدودة».
وقد تستعمل كلمة (حسم) بمعنى قطع Cutإلفادة املعنى االقتصادي املذكور،
ففي (املعجم العريب األسايس)« :حسم مبلغ ًا :نقصه أو خفضه (حسم التاجر عرشة
باملائة من سعر البضاعة).»..
وربام أطلق املعنى االقتصادي اسم (القطع )Cutأيض ًا.
ال يوجد تعريف دقيق ملا يصطلح عليه اقتصادي ًا باألوراق التجارية ،وبتقريب
خمترص :يراد هبا سندات الدين القابلة للتداول ،أمثال الكمبياالت واحلواالت.
ومن تعريفاهتا:
ـ ما جاء يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل)« :أوراق
شكل من سندات الدين القصرية األجل ،والقابلةٍ أي
جتارية ُّ :Commercial Paper
للتداول التي تنشأ عن صفقات ومعامالت جتارية ،بام فيها الكمبياالت واحلواالت
وسندات القبول وما شابه ذلك.
وليس هناك تعريف دقيق هلذه العبارة ،إالّ أنه يف األوساط املالية األمريكية
حترر عن ديون مفرتضة ملدة أقل من ستة تعني ـ عىل وجه العموم ـ السندات التي ّ
أشهر بمبالغ ال تزيد عىل 50.000دوالر.
ويف االصطالح الدارج تسقط كلمة (جتاري )Commercialفنقول ـ مث ً
ال ـ أوراق
زراعية Aqricural Paperوأوراق مرصفية Bank Paperإلخ».
ـ ويف (األعامل املرصفية واإلسالم) ص « :189األوراق التجارية صكوك ثابتة
للتداول متثل حق ًا نقدي ًا وتستحق الدفع بمجرد االطالع أو بعد أجل قصري ،وجيري
العرف عىل قبوهلا كأداة للوفاء»().
«وقيل :إهنا كل صك ليست له خصائص النقود احلقيقية ،ومع ذلك جيري
() يف هامشه ( :)1األوراق التجارية ،للدكتور مصطفى كامل ص ،5ص 9طبعة ثانية ،مطبعة
مرص.
معامالت البنوك التجارية 224
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبوله يف احلياة التجارية بدالً من النقود»().
ووفاء بالوعد نعود ثانية إىل تعريف اخلصم:
ـ يقول الدكتور اجلرب« :اخلصم :هو تظهري الورقة التجارية التي مل حيل أجلها
بعدُ ،تظهري ًا ناق ً
ال للملكية ألمر بنك يقوم بدفع قيمتها للمظهر ،أو بقيدها يف حسابه
لديه بعد خصم األجر الذي يستحقه عن العملية»().
ـ ويقول األستاذ اهلمرشي« :اخلصم أو القطع :عملية مرصفية بموجبها
يقوم حامل الورقة التجارية بنقل ملكيتها عن طريق التظهري إىل البنك قبل ميعاد
االستحقاق مقابل حصوله عىل قيمتها خمصوم ًا منها مبلغ ًا معين ًا يسمى اخلصم أو
(األجيو).)(»..
ومن التعريفات املذكورة نكون قد تبينا كيفية إجراء عملية اخلصم وذلك وفق
اخلطوات التالية:
.1يتم االتفاق بني البنك التجاري والعميل عىل أن يسلم العميل األوراق
التجارية التي يريد حتصيل مبالغها بعد تظهريها إىل البنك.
.2يقوم البنك بتحصيل املبالغ من املدينني.
.3يسلم البنك املبلغ إىل العميل بعد أن خيصم البنك منها عمولته يف مقابل
قيامه بعملية التحصيل ،وبتعبري فقهي :بعد أن يأخذ البنك أجره من املبلغ يف مقابل
عمله الذي قام به وهو التحصيل.
ومنه نتبينَّ احلكم الرشعي يف هذه املعاملة ،وهو اجلواز والصحة ،ألن العمولة
التي يستوفيها البنك من املبلغ هي أجر يف مقابل عمل حمرتم.
() دروس يف األوراق التجارية ،للدكتور أكثم اخلويل ص 14لطبعة هنضة مرص.
() العقود التجارية وعمليات البنوك يف اململكة العربية السعودية ص .331
() األعامل املرصفية واإلسالم ص .191
القرض
وس َل َف ًا.
يسمى َق ْر َض ًا و َد ْين ًا َ
وتطلق الصيغ املذكورة عىل العملية املرصفية واملعاملة التي تقوم بني البنك
التجاري والعميل.
عرفه ابن محزة يف (الوسيلة) بقوله« :القرض :كل مال لزم يف الذمة
ويف الفقه ّ
عوضا عن مثله»().
بعقد ً
عرفه املحامي غطاس يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال ويف االقتصاد ّ
وإدارة األعامل) بقوله :قرض :Loanيف املايض كانت الكلمة تعني شيئ ًا يمنح أو يعاد
ملدة من الزمن دون عوض أو مقابل.
وهنا نلمس فرق ًا واضح ًا بني القرض يف الفقه والقرض يف االقتصاد احلديث
حيث تدخل الفائدة عنرص ًا يف القرض االقتصادي ،وهي يف القرض الفقهي غري
جائزة أي حمظورة ألهنا ربا().
ويف املصدر نفسه« :وأما الزيادة فال بد منها لتحقق حقيقة الربا».
وهذه الفائدة التي يقال هلا يف لغة احلديث الرشيف (زيادة) ،ومنه أخذها الفقهاء
املسلمون فاصطلحوا عىل ما يسمى فائدة يف االقتصاد احلديث اآلن اسم (الزيادة).
وينقسم القرض ـ باعتبار اشرتاط الزيادة (الفائدة) وعدمه ـ إىل قسمني ،مها:
وينقسم هذا القسم (القرض بفائدة) إىل قسمني أيض ًا ،مها:
املقرض عندما يقرض اآلخر ويراد باألول (القرض بفائدة غري مرشوطة) أن ِ
يعط ِ
املقرض شيئ ًا زائد ًا عىل املقرتض لو مل ِ
ال يشرتط عليه الزيادة (الفائدة) بمعنى أن ِ
املقرت ُض ِ
املقر َض املقرض بالزيادة ،ولكن لو أعطى ِ
املبلغ الذي اتفقا عليه ال يطالبه ِ
ِ
للمقرتض أخذه ،وال ماالً زيادة عىل املبلغ املتفق عليه تقدير ًا لتقديره له بإقراضه جاز
تعد مثل هذه الزيادة ربا ألهنا مل تشرتط ضمن العقد.
فأما احلالل فهو أن يقرض الرجل قرض ًا طمع ًا أن يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه
بال رشط بينهام ،فإن أعطاه أكثر مما أخذه بال رشط بينهام فهو مباح له ،وليس له عند
ال َي ْر ُبو ِعنْدَ اهللِ﴾.
اهلل ثواب فيام أقرضه ،وهو قوله ـ عز وجل ـَ ﴿ :ف َ
وأما الربا احلرام فهو الرجل يقرض قرض ًا ويشرتط أن يرد بأكثر مما أخذه ،فهذا
هو احلرام»().
إن هذا احلديث الرشيف واضح الداللة يف تقسيمه القرض مع الزيادة إىل:
.1قرض مع زيادة مرشوطة من ِ
املقرض ،وهذا هو الربا احلرام.
.2وقرض مع زيادة غري مرشوطة إالّ أهنا مرجوة ،وهذا هو الربا احلالل ،إالّ
أنه ال يثاب عليه صاحبه.
وممن تناول مسألة الزيادة غري املرشوطة من فقهائنا اإلمامية السيد العاميل يف
كتابه (مفتاح الكرامة يف رشح قواعد العالمة) ـ 36/5ـ تعليق ًا عىل قول العالمة
(ولو تربع املقرتض بالزيادة جاز) قال« :ـولو تربع املقرتض بالزيادة جاز ـ إمجاع ًا كام
يف (الغنية) و(التذكرة) وظاهر (املسالك) و(الروضة) حيث نفي عنه اخلالف فيهام،
والنصوص بذلك مستفيضة ،وفيها الصحاح ،ويف (الغنية) اإلمجاع عىل أنه ال فرق يف
قلت :ويف أخبار اخلاصة والعامة ما يدل عىل عدم كراهة اإلعطاء بل عىل
استحبابه ،والشيخ يف (النهاية) بعد أن عد مجلة من املواضع التي جيوز قبول الزيادة
فيها عينية أو وصفية مع عدم الرشط قال :واألَوىل جتنب ذلك ،أمجع ونص مجاعة عىل
أنه ال فرق بني أن يكون ذلك من نيتهام أو مل يكن.
قلت :ويدل عليه رصحي ًا ـ بعد إطالق النصوص ـ خرب أيب الربيع حيث يقول
فيه( :وقد علم املستقرض والقارض إنام أقرضه ليعطيه أجود منه ،قال :ال بأس إذا
طابت نفس املستقرض) ،وقد روي هذا اخلرب صحيح ًا يف (الكايف) و(التهذيب) إىل
الرساد ،فهو عند مجاعة ملحق بالصحاح».
ُ
العميل أما النوع الثاين :وهو القرض بفائدة مرشوطة ،وهو أن يقرض ُ
البنك أو
املقرض املتفق عليه بينهام اآلخر ،ويشرتط ِ
املقر ُض عىل املقرتض الزيادة عىل املبلغ َ َ
كفائدة للقرض.
فإذا تم هذا بإنشاء العقد املتضمن لرشط الزيادة (الفائدة) بالتلفظ والنطق ممن
يقدر عليه ،ال بالوسائل األخرى كالكتابة واإلشارة ،ال خالف وال اختالف عند
أصحابنا اإلمامية يف حرمته ،ألنه الربا املنهي عنه.
قال السيد العاميل يف (مفتاح الكرامة) ـ 34/5ـ تعلي ًقا عىل قول العالمة احليل
معامالت البنوك التجارية 230
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يف (القواعد)« :ورشطه (يعني الدين) عدم الزيادة يف القدر أو الصفة ،فلو رشطها
فسد ،ومل يفد جواز الترصف وإن مل يكن ربوي ًا» قال« :ويف (الغنية) اإلمجاع عىل أنه
حيرم اشرتاط الزيادة ،سواء كان يف القدر أو الصفة ،ويف (الرسائر) أنه ال خالف بني
أصحابنا أنه متى رشط زيادة يف العني أو الصفة كان باطالً ،واإلمجاع حاصل ،منعقد
عىل هذا ،انتهى ،ويف (املختلف) إذا أقرضه شيئ ًا ورشط عليه أن يرد عليه خري ًا مما
اقرتض كان حرام ًا وبطل القرض إمجاع ًا ،ويف (جممع الربهان) أن حتريم رشط النفع
يف القرض عين ًا إمجاعي بني املسلمني ،ويف (الكفاية) حيرم اشرتاط النفع ال أعلم فيه
خالف ًا».
يرتتب هذا احلكم ـ وهو حرمة اشرتاط الزيادة (الفائدة) إذا كان إنشاء العقد
بني طريف القرض الدائن واملستدين بالنطق باأللفاظ الدالة عىل املقصود بينهام وضمن
العقد.
ولكن الواقع القائم يف قروض البنوك التجارية ـ سواء كانت منها إىل الغري،
أو من الغري إليها ـ أهنا ال تنشئ عقودها باأللفاظ ،وإنام يكون االعتامد يف ذلك عىل
الكتابة املتمثلة باألوراق املطبوعة املتضمنة للعقد ورشوطه.
وهنا يتساءل :إن مثل هذا اإلنشاء الذي جيري بواسطة الكتابة املتمثلة باألوراق
املطبوعة عن طريق توقيع طريف املعاملة عىل األوراق ،هل يتحقق به العقد فيقع
صحيح ًا ،ومن ثم تصح املعاملة؟ أو األمر بالعكس؟
ذكرنا يف مباحث (بني يدي املوضوع) يف أول هذا الكتاب ،حتت عنوان (إنشاء
العقد بالكتابة) :أن مسألة إنشاء العقد بالكتابة فيها قوالن:
ـ قول بعدم جواز إنشاء العقد بالكتابة ،وهو القول املشهور بني فقهائنا.
231 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ وقول بجواز إنشاء العقد بالكتابة ،ذهب إليه بعضهم.
ُ
البحث يف املسألة إىل القول بجواز إنشاء العقد بالكتابة. كام َأ ْس َلمنا
ـ بناء عىل القول األول ال تتحقق معاملة القرض ـ سواء كانت مع الزيادة أو
بدوهنا.
ـ وعىل القول الثاين تتحقق املعاملة ،فإن كانت بغري اشرتاط الزيادة فهي حالل
ال حرمة فيها ،وإن كانت برشط الزيادة بطل الرشط وحرمت الزيادة.
القول األول :إن بطالن وفساد رشط الزيادة يوجب بطالن وفساد القرض.
أو قل :إن بطالن الرشط يوجب بطالن العقد ،ومعنى هذا أن املعاملة بكاملها
تعد باطلة.
وهو الرأي املعروف واملشهور بني فقهائنا املتقدمني واملتأخرين واملعارصين إالّ
بعض األعاظم من املعارصين.
وقد ادعى عليه اإلمجاع غري واحد من العلامء ،كام يف (مفتاح الكرامة) ـ 35/5
ـ تعليق ًا عىل قول (القواعد) فلو رشطها فسد ـ« :أي لو رشط الزيادة يف قدر القرض
أو صفته كاثني عرش يف عرشة ،والصحيحة يف املكرسة فسد القرض ،لإلمجاعات
املحكية ـ آن ًفا ـ كإمجاع (الرسائر) و(املختلف) بل وإمجاع (الغنية) ،والنبوي املنجرب
بالشهرة().
وكام يف (الرسائر)()« :ال خالف بني أصحابنا أنه متى اشرتط زيادة يف العني
أو الصفة كان باطالً ،واإلمجاع حاصل منعقد عىل هذا ،وقول الرسول ( رش
القرض ما جر نفع ًا).»...
وما يف (الغنية) ـ سلسلة الينابيع الفقهية 27/15ـ« :وحيرم اشرتاط الزيادة فيام
يقيض به سواء كانت يف القدر أو الصفة.
خريا مما كان له من غري رشط ،وال فرق بني ذلك أن وجيوز أن يأخذ ِ
املقرض ً
يكون عادة من املقرتض أم مل يكن ،بدليل اإلمجاع ،وألن األصل إباحة ذلك».
ـ باإلمجاع.
ـ وأصل اإلباحة.
القول الثاين :وهو أن بطالن رشط الزيادة ـ هنا ـ ال يوجب بطالن العقد ،فيبقى
القرض صحيح ًا.
وهو ظاهر عبارة السيد العاميل ،فقد قال ـ بعد كالمه املذكور يف أعاله تعليق ًا
عىل قول القواعد (فلو رشطها فسد) ـ« :وقد تقدم لنا يف بحث الرشوط أن فساد
ورصيح عبارة اإلمام اخلميني ،قال يف (حترير الوسيلة) ـ كتاب الدين ،القول يف
القرض ،املسألة 13ـ« :القرض املرشوط بالزيادة صحيح ،لكن الرشط باطل وحرام،
فيجوز االقرتاض ممن ال يقرض إالّ بالزيادة كالبنك وغريه ،مع عدم قبول الرشط عىل
نحو اجلد ،وقبول القرض فقط ،وال حيرم إظهار قبول الرشط من دون جد وقصد
حقيقي به ،فيصح القرض ويبطل الرشط من دون ارتكاب احلرام».
ويف اهلامش 3من الصفحة 118من كتاب (الربا والبنك اإلسالمي) ما نصه:
«ونقل عن املرحوم آية اهلل السيد حمسن احلكيم :أنه ذهب إىل ما يف (حترير
الوسيلة) من الفتوى».
واملوجود يف (منهاج الصاحلني) ـ كتاب الدين ،املسألة 1ـ هو «يكره الدين مع
القدرة ،ولو استدان وجبت نية القضاء.
ورأي أستاذنا السيد احلكيم يف هذه املنقولة هو رأي املشهور ،فام نقل عنه ربام
كان يف فتوى خاصة مكتوبة صدرت بعد طبع املنهاج.
وعىل رأي اإلمام اخلميني يف أن بطالن الرشط ـ هنا ـ ال يرسي إىل العقد،
ويبقى العقد عىل صحته تنتقل ملكية القرض من الدائن إىل املستدين ،وله ـ أعني
املستدين ـ حق الترصف يف املال املقبوض عن طريق القرض.
أما بناء عىل الرأي املشهور فال يتحقق انتقال ملكية القرض من الدائن إىل
معامالت البنوك التجارية 234
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املستدين ،وإنام يبقى عىل ملكية الدائن ،ويلزم املستدين إرجاع املال (القرض) إىل
صاحبه فور ًا ،ويف حالة عدم إرجاعه إىل صاحبه يكون املستدين ضامن ًا له ،للقاعدة
املعروفة (عىل اليد ما أخذت حتى تؤدي) الدالة بعمومها عىل ضامن كل ما يدخل
حتت اليد سواء كان قبض صاحب اليد للامل الذي حتت يده قبض ًا عدواني ًا كالغصب
أو غري عدواين بأن كان مقبوض ًا بالعقد الباطل كام يف مسألتنا هذه.
وذهب ابن محزة يف (الوسيلة) ـ سلسلة الينابيع الفقهية 29/15ـ إىل أن
القرض عند بطالن املعاملة يكون أمانة بيد املقرتض ،قال« :القرض ..وهو رضبان:
مطلق ومرشوط ...واملرشوط رضبان :صحيح وفاسد ...والفاسد ما يؤدي إىل الربا
مثل رشط الزيادة يف الصفة أو القدر أو إباحة ما عىل الرهن ،فإذا كان كذلك مل يملكه
بنفس القرض ،وهو أمانة يف يده».
والفرق بني الضامن واألمانة ـ هنا ـ أن عىل الضامن إرجاع املال لصاحبه بعينه،
وإن تلف أو ُأتلف قبل اإلرجاع فعىل الضامن دفع مثله أو قيمته ،لقاعدة (من أتلف
مال الغري فهو له ضامن).
أما املؤمتن فال ضامن عليه إالّ باإلتالف عن ٍ
تعد أو تفريط ،فعن أمري املؤمنني
( :ليس عىل املؤمتن ضامن) ،وعن أيب جعفر الباقر ( :ليس عليه غرم بعد
أن يكون الرجل أمين ًا).
آراء أخرى
يف أوائل القرن العرشين امليالدي املنرصم ،حيث أنشئت البنوك التجارية يف
البالد اإلسالمية وبشكلها الرأساميل يف النظام والتعامل.
وكان من نظامها جواز أخذ الفائدة وإعطاؤها مما هو ـ يف حقيقته ـ ربا ،وال
كون مشكلة يف املعامالت املالية املرصفية عند املسلمني
أقل من أن فيه شبهة الربا ،بام ّ
235 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبخاصة عندما أصبح التعامل مع البنوك التجارية موضع ابتالء اجلميع ..هنا انربى
أكثر من فقيه وأكثر من مثقف لدراسة املعامالت املرصفية الستجالء حقيقة األمر،
وذلك من خالل اإلجابة عن السؤال التايل:
هل الفائدة التي يعطيها البنك أو يأخذها هي الزيادة الربوية املعروفة ،أو هي
يشء آخر ال ينطبق عليه عنوان الربا؟
فكان أكثر من بحث فقهي وأكثر من دراسة علمية اقتصادية ـ فقهية ،انتهت إىل
أكثر من نتيجة ،متثل أكثر من رأي يف املسألة.
وصاحب الرأي هو حممد رشيد رضا املتوىف سنة 1354هـ ـ 1935م املعروف
بـ(رشيد رضا) و(صاحب املنار) نسبة إىل جملته (املنار) التي كان يصدرها.
وهو صحفي كبري وأديب عريب شهري وكاتب إسالمي معروف ،ومن أبرز
تالمذة اإلمام حممد عبده.
وأهم مصدر ملعرفة رأيه يف مسألتنا هذه هو كتابه (الربا واملعامالت يف اإلسالم)،
نرشته مكتبة القاهرة بالقاهرة سنة 1906م ،ثم أعادت نرشه دار ابن زيدون يف بريوت
سنة 1986م.
وخالصة رأيه:
«وثالث ًا :من حيث طبيعة األعامل التي يقوم عليها الربا :فانطالق ًا من اآلية
ِ
ين َآمنُوا الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ
الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة ،...ذهب بعض الكريمة َ يا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ
املحرم يف القرآن «هو ما يؤخذ من املال من أجل الفقهاء إىل القول بأن الربا القطعي ّ
()
تأخري الدين املستحق يف الذمة إىل أجل آخر ،مهام يكن أصل ذلك الدين من بيع أو
قرض أو غريمها ،فال يدخل يف مفهومه ما يزاد يف أصل الدين عند عقده عىل ما يعطي
املدين ربح ًا له ،وإنام هو ما يعطى ألجل تأخري الدين املستحق.
وهذا النوع هو الذي كان يتضاعف يعجز املدين عن القضاء مرة أخرى حتى
يصري أضعاف ًا مضاعفة ويستهلك مجيع ما يملكه املدين يف كثري من األحيان».
() يف هامشه :حممد رشيد رضا ،الربا واملعامالت يف اإلسالم ،مكتبة القاهرة 1906ص 83
و .84
237 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصاحلني) اشرتاط وروده (أي التحريم) يف كتاب اهلل تعاىل بنص جيل ال حيتاج إىل
تفسري.
وجاء يف (جملة فقه أهل البيت) ـ العدد 30ص 131ـ )170حتت عنوان
(نظرات نقدية يف رشعية الفائدة البنكية) للشيخ زين العابدين شمس الدين (ص
« :)131ال شك أن موضوع الفائدة البنكية قد أخذ مكان ًا كبري ًا من السجال الدائر
عىل املستوى الترشيعي منذ أن وجدت فكرة البنك يف البلدان اإلسالمية.
ومن الطبيعي أن هذه الفكرة قد القت قبوالً عند بعض ،ورفض ًا عند
آخرين ......من هنا كان هذا املقال عرض ًا لرأي بعض من اعترب أن فكرة الفائدة يف
النظام البنكي اجلديد ال تتعارض يف روحها مع الترشيعات اإلسالمية ،مربر ًا (ص
)132بعض ما يمكن أن يكون فارق ًا موضوعي ًا بينهام ،مع بيان بعض املالحظات
عىل كل منها ...وقد تم استعراض عدة آراء مفارقة بني الربا والفائدة البنكية( ...ص
.)154
أما الزيادة القليلة عىل رأس املال ـ ومنها الفائدة البنكية التي ال تتجاوز يف
أفضل األحوال ما نسبته عرشون يف املئة %20سنوي ًا ـ فال يصدق عليها أهنا أضعاف
املحرم».
مضاعفة ،حتى تكون مشمولة لعنوان الربا ّ
مل يقدر يل االطالع عىل كتاب صاحب الرأي ألسباب قاهرة فرجعت إىل هذه
النقول ،وإخاهلا وافية بإعطائنا صورة واضحة عن رأي الشيخ رشيد رضا يف املسألة.
2ـ فعلينا ـ يف هذه اخلطوة الثانية ـ أن نحاول معرفة موضوع الربا اجلاهيل من
خالل املعطيات املوروثة.
روي أن ابن عباس وآخرين من فقهاء الصحابة أمثال :عبد اهلل بن مسعود،
239 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعبد اهلل بن الزبري ،وأسامة بن زيد ،وعطاء بن رباح ،وسعيد ،وعروة ،روي عنهم
أهنم كانوا يذهبون إىل أن ربا اجلاهلية يتمثل يف الربا املضاعف.
ومنه يظهر أن حتريم الربا ـ يف رأي رشيد رضا ـ قد قرصته اآلية الكريمة ﴿ َيا
ِ
ين َآمنُوا الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ
الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة﴾ عىل الربا املضاعف ألنه هو ربا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ
اجلاهلية.
3ـ أن مفهوم اآلية الكريمة (وهو مفهوم وصف) يدل عىل عدم حرمة الربا إذا
مل يكن أضعاف ًا مضاعفة.
4ـ وربام استدلوا بأن آية الربا املضاعف تقيد إطالق اآليات التي حرمت الربا
املحرم هو الربا املضاعف
ّ مطلق ًا سواء كان مضاعف ًا أو غري مضاعف ،فيكون الربا
فقط.
ونوقش:
1ـ أن لربا اجلاهلية أكثر من صورة ،والربا املضاعف أحدها ،وليس هو الصورة
الوحيدة لربا اجلاهلية ،وقد أهنى الدكتور املرصي يف كتابه (اجلامع يف أصول الربا) ـ
ص 23و 24و 25ـ صور الربا اجلاهيل إىل سبع صور ،ذكرها حتت عنوان (الربا يف
اجلاهلية) ،وقرين رقم 5قال« :أما صور هذا الربا اجلاهيل فهي التالية:
(أ) «الربا الذي كان العرب تعرفه وتفعله إنام كان قرض الدراهم والدنانري إىل
أجل بزيادة عىل مقدار ما استقرض عىل ما يرتاضون به»().
(ب) «كانوا يدفعون املال ،عىل أن يأخذوا كل شهر قدر ًا معين ًا ،ويكون رأس
املال باقي ًا ،ثم إذا ّ
حل الدين طالبوا املديون برأس املال ،فإن تعذر عليه األداء زادوا يف
احلق واألجل»().
فهذا قرض ربوي مؤجل ،تدفع فوائده التعويضية عىل دفعات دورية (شهرية)،
ويسدد األصل يف هناية املدة ،فإذا تأخر املدين عن تسديده فرضت عليه فوائد تأخريية،
ربام كانت بمعدالت أعىل.
(ج) «يف العني (= النقود) يأتيه (أي يأيت الدائن إىل مدينه) فإن مل يكن عنده
(ما يفي به دينه) أضعفه (ضاعف عليه مبلغ الدين) يف العام القابل ،فإن مل يكن عنده
أضعفه أيض ًا ،فتكون مائة فيجعلها إىل قابل مائتني ،فإن مل يكن عنده جعلها أربعامئة،
يضعفها له كل سنة أو يقضيه»().
فهذا قرض نقدي بفائدة مركبة قدرها ،%100فإذا كان أصل القرض 100
ففي هناية العام يصبح ،200ويف هناية العام الثاين 400والثالث 800وهكذا حتى
السداد (متوالية هندسية أساسها .)2
وهذا يفرس ربا اجلاهلية الذي نزلت سورة آل عمران ببيان أنه من األضعاف
املضاعفة.
(د) «كان الرجل يريب إىل أجل ،فإذا حل قال للمدين زدين يف املال وأزيدك يف
فهذا قرض أو دين يؤجل بفائدة قليلة بالنسبة لرأس املال ،يعيده إىل أن تبلغ
ضعف رأس املال.
حل األجل ،فيقول له :تقيض أو (هـ) «يكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا ّ
حوله إىل السن التي فوق ذلك ،وإن تزيدين ،فإن كان عنده يشء يقضيه قىض ،وإالّ ّ
كانت ابنة خماض جيعلها ابنة لبون يف السنة الثانية ،ثم حقة ،ثم جذعة ،ثم رباعي ًا ،ثم
هكذا إىل فوق»().
ذكر يف (املبسوط) ـ 114/12و 117ـ :أن هذا َس َلم يف السن (بيع َس َلم) ،وأي ًا
ما كان فهو دين.
فهذا قرض من اإلبل مؤجل ،فإذا كان القرض ابنة خماض أي أمتت السنة األوىل
ومل يدفع ،صار القرض ابنة لبون ،أي عمرها سنتان ،وهكذا إذا مل يدفع يف كل سنة،
رفع سن الناقة سنة إضافية.
ويستفاد من هذا النص أيض ًا أن اإلبل ،وربام سائر األنعام ،كانت تكون موضع
قرض ،ت َُر ُّد بزيادة (يف السن) ألجل الربا.
(و) «يبيع الرجل البيع إىل أجل مسمى ،فإذا ّ
حل األجل ومل يكن عند األجل
قضاء ،زاده وأخر عنه»().
() اآللويس ،روح املعاين 55/4وأبو حيان ،تفسري البحر املحيط 54/3والنيسابوري،
غرائب القرآن هبامش جامع البيان .73/4
() الطربي ،جامع البيان .59/4
() الطربي ،جامع البيان .67/3
معامالت البنوك التجارية 242
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ز) «إن عثامن بن عفان والعباس بن عبد املطلب كانا أسلفا يف التمر ،فلام كان
وقت اجلذاذ (= القطاف) قال صاحب التمر هلام :إن أنتام أخذمتا حقكام مل يبق يل ما
يكفي عيايل ،فهل لكام أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف و ُأضعف لكام؟ ففعال ،فلام
حل األجل طلبا منه الزيادة»().
حل أجلفهذا بيع َس َلم أو َس َلف (أي الثمن فيه معجل والبيع مؤجل) فإذا ّ
الدين (وهو التمر هنا) ومل يدفع املدين ما التزم به زيد عليه الدين بمقدار ضعفه وأخر
للموسم القادم.
واخلالصة :إن الربا يف اجلاهلية كان يقع يف القروض والبيوع املؤجلة ،يقع يف
القرض عند عقده ،وعند كل تأجيل ،ويقع يف البيع عند كل تأجيل.
أما ما يزاد يف البدل املؤجل عند عقد البيع ،سواء كان ثمن ًا أو مثمن ًا (= مبيع ًا)
فليس بربا حمرم ،وكانوا ربام يتذرعون بحل هذا االستحالل اآلخر.
ولعل الذي نسب إىل ابن عباس ـ إن صحت النسبة ـ أنه عندما ذكر هذه الصورة
من صور ربا اجلاهلية أراد أن يوضح هبا معنى آية الربا املضاعف الذي أشارت إليه
وهنت عنه.
2ـ وتقدم منا يف بيان حقيقة الربا ـ يف فصل متقدم من هذا الكتاب ـ أن آية النهي
عن الربا املضاعف كانت متثل املرحلة الثانية من مراحل النهي عن التعامل بالربا.
﴿وإِ ْن
وداللتها املفهومية إن كانت أو إن صحت فمعارضة بداللة منطوق اآلية َ
س ٍة﴾ ،وألن داللة املنطوق أقوى تقدم عىل داللة املفهوم. َان ُذو ع ٍ ِ
سة َفنَظ َر ٌة إِلىَ َم ْي رَ َ
ُ رْ َ ك َ
وناقش الشيخ خالف القول بتقييد آية الربا املضاعف آليات حتريم الربا مطلق ًا
بقوله« :ولكن ربام توهم متوهم أن آية سورة آل عمران (يعني آية الربا املضاعف)
يعارض ظاهرها آيات سورة البقرة ،ألن آية سورة آل عمران فيها النهي عن أكل الربا
أضعاف ًا مضاعفة ،وآيات البقرة فيها حتريم الربا ،والوعيد عليه مطلق ًا ،سواء أكان
أضعاف ًا مضاعفة أم غري أضعاف مضاعفة ،والتحريم املقيد بقيد يعارض التحريم
املطلق عن القيد ،وقد راج هذا الوهم لدى بعض الباحثني ،وقالوا :إن املقرر يف علم
احلكم عىل يشء مطلق ًا ،وورد يف نص آخر هذا احلكم ُ أصول الفقه أنه إذا ورد يف ٍ
نص
ت َع َل ْيك ُُم املِي َت ُة َوالدَّ ُم﴾ نفسه عىل هذا اليشء مطلق ًا يف قوله تعاىل يف سورة املائدة ُ
﴿ح ِّر َم ْ
وحا﴾ أريد ﴿أ ْو َد ًما َم ْس ُف ً وجاء مقيدً ا يف قوله تعاىل يف سورة األنعام يف عد املحرمات َ
املحرم يف سورة البقرة
بالدم يف آية املائدة الدم املسفوح ،فكذلك احلال هنا يراد بالربا ّ
الربا املضاعف املبني يف سورة آل عمران.
واستخلصوا من هذا :أن األضعاف املضاعفة كناية عن الكثرة ،أو بعبارة أخرى
عن الربح الفاحش ،وأن الربح القليل أو الفائدة القليلة ليست حمرمة.
ودفع ًا هلذا التوهم أقرر أن آية سورة آل عمران ال تعارض آيات البقرة ،ألن
قوله سبحانه﴿ :الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ
الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة﴾ ليس هني ًا عن أكل الربا يف حال
املضاعفة خاصة فيدل عىل إباحته يف غريها ،وإنام هو هني عن الربا الذي كان فاشي ًا
فيهم ويتعاملون به يف أكثر حاالهتم.
وهلذا قال صاحب الكشاف يف تفسري آية ﴿الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ
الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة} ٌ
هني
عن الربا مع توبيخ ما كانوا عليه من تضعيف ،كان الرجل إذا بلغ الدين حمله زاد يف
األجل مقابل زيادة الدين ،فاستغرق بالتضعيف مال املدين .وقال اآللويس يف تفسري
هذه اآلية «وليست هذه احلال ـ أضعاف ًا مضاعفة ـ لتقييد النهي به ،بل ملراعاة الواقع،
فقد كان الدائن يدين إىل أجل ،فإذا ّ
حل قال للمدين زدين يف املال أزيدك يف األجل،
فيفعل ،وهكذا عند حلول كل أجل ،فيستغرق باليشء الضعيف مال املدين كله.
واخلالصة :أن القيد يف آية آل عمران ليس للتخصيص واالحرتاز عام عداه،
وإنام هو ملراعاة الواقع والغالب ،والتوبيخ والتبشيع واإلشارة إىل حكمة التحريم.
وال تعارض بينها وبني إطالق التحريم يف آيات البقرة وال نسخ آلية آل عمران بآيات
حمرم رشع ًا عىل اإلطالق .وآية آل عمران خصت بالذكر صورة من
البقرة ،فأكل الربا ّ
أبشع صوره التي كانت فاشية فيهم».
مفتي الديار املرصية ،قال عنه الزركيل يف (األعالم)« :من كبار رجال اإلصالح
والتجديد ،قال أحد من كتبوا عنه :تتلخص رسالة حياته يف أمرين :الدعوة إىل حترير
الفكر من قيد التقليد ،ثم التمييز بني ما للحكومة من حق الطاعة عىل الشعب ،وما
للشعب من حق العدالة عىل احلكومة».
245 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتبعه يف الرأي يف املسألة:
ويتمثل رأي هؤالء األعالم يف تنزيل معاملة البنك ذات الفائدة عىل معاملة
املضاربة الرشعية.
وأوىف من استعرض تنظريهم ـ يف هذا املقام ـ الدكتور حممد سيد طنطاوي يف
كتابه (معامالت البنوك وأحكامها الرشعية) ـ ط ،15من ص 95إىل ص ،104
ومن ص 126إىل ص 135ـ.
فمن البحث الذي كتبه الشيخ عبد الوهاب خالف ونرشه يف جملة (لواء اإلسالم)
ـ السنة الرابعة ،العدد احلادي عرش والثاين عرش 1370هـ ـ 1951م ،والذي نقله
بكامله ،ألن بحثه تطلب نقله كامالً ،ننقل منه ما ييل« :وسألني() موظف :هل حيل
() صندوق التوفري :شعبة يف الربيد تقوم عىل تشجيع االدخار بحفظ أموال املدخرين
واستثامرها ـ املعجم الوسيط.
247 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واملالحظ ـ هنا ـ أن هذا التنزيل أو احلمل عىل املضاربة إذا تم أو صح يف مثل
إيداع العميل يف صندوق التوفري أو البنك التجاري بقصد الربح ،فإنه ال يتحقق يف
مثل إقراض البنك للعميل برشط احلصول عىل الفائدة.
أيض ًا ال ينطبق عنوان املضاربة عىل إيداع العميل إال إذا قامت مصلحة الربيد أو
إدارة البنك باالجتار باملال املودع ،أما يف حالة قبض املال ثم احتساب الفائدة للعميل
من غري االجتار بامله فليس من املضاربة يف يشء ،ألن الفائدة ـ هنا ـ تعد أجرة يف مقابل
اإليداع الستفادة الصندوق أو البنك من املال متى شاء.
ولعل هذا التعليل هو األقرب إىل واقع األمر ،إذ نعتقد أنه ال جمال للقول بإباحة
الربا فهو حرام يف كثريه وقليله ،وال تفرس وجود القاعدة إالّ قاعدة احلاجة».
وكام ترى إن املحاولة املستفادة من هذه النقول التي ختضع لقاعدة التناظر أو ملا
سمي يف هذه النقول بالقياس هي من نوع التخريج الفقهي لتصحيح املعاملة ،ومن
ثم للحكم بحلية الفوائد املرصفية.
ويف رأيي أن التناظر أو القياس ال يتم أي منهام إالّ بعد توفر معاملة البنك عىل
كل عنارص ومواصفات معاملة املضاربة اإلسالمية مع قصد الطرفني لنوع املعاملة،
أي إن البنك يقصد يف عقد املعاملة أهنا مضاربة ،وكذلك الطرف اآلخر ،وإليضاح
هذا والوصول إىل ما هو الواقع نقوم اآلن باملقارنة بني املضاربة وما جيري بني البنك
() يف هامشه« :حممود شلتوت ،الفتاوى :دراسة ملشكالت املسلم املعارص يف حياته اليومية
العامة ،دار القلم – القاهرة< ،ص.351
معامالت البنوك التجارية 248
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعمالئه وفق نظام البنك وكالتايل:
ففي كتاب (الفقه عىل املذاهب األربعة ومذهب أهل البيت )كتاب املضاربة:
«دليل املضاربة اإلمجاع ،فقد أمجع املسلمون عىل جواز ذلك النوع من املعاملة ،ومل
خيالف فيه أحد ،وقد كان معرو ًفا يف اجلاهلية فأقره اإلسالم ملا فيه من املصلحة».
ويف فقه «أهل البيت :املضاربة مرشوعة إمجاع ًا ونص ًا ،ومنه (أي من
النص) :أن اإلمام الصادق سئل عن الرجل يقول لآلخر :أبتاع لك متاع ًا
والربح بيني وبينك ،قال :ال بأس.
أما البنوك التجارية فنظامها نظام رأساميل ألهنا ولدت ونشأت يف املجتمعات
الرأساملية ،ومنها اكتسبت صفتها الرأساملية.
1ـ صاحب رأس املال ـ وقد يكون طبيعي ًا وقد يكون اعتباري ًا ـ وهو الذي يقوم
بدفع رأس املال إىل العامل ليتجر به بغية احلصول عىل الربح.
2ـ العامل الذي يتجر برأس املال ،وأيض ًا قد يكون مادي ًا ،وقد يكون معنوي ًا.
ومنه نتبني أن وظيفة العامل هنا التجارة برأس املال من أجل احلصول عىل
الربح.
2ـ العامل وهو هنا البنك التجاري الذي يتسلم املال من صاحبه للترصف به
بمختلف أنحاء الترصف استثامر ًا وقرض ًا وما إليهام.
ففي املضاربة ينحرص ترصف العامل باالجتار باملال وجاء يف كتاب (القواعد)
ـ مفتاح الكرامة 447/7ـ« :الرابع :العمل ،وهو عوض الربح ،ورشطه أن يكون
جتارة فال يصح عىل الطبخ واخلبز ِ
واحل َرف ،أما النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة َ
فإهنا تبع للتجارة ،والتجارة هي االسرتباح بالبيع والرشاء ،ال باحلرف والصنائع».
ويف (املوسوعة الفقهية) ـ الكويتية ـ « :55/38خامس ًا :ما يتعلق بالعمل من
رشوط :ذهب الفقهاء ـ يف اجلملة ـ إىل أنه يشرتط يف العمل باملضاربة رشوط تصح
املضاربة بوجودها ،وتفسد إن ختلفت هذه الرشوط أو بعضها ،وهي:
أما يف البنك فللبنك حرية الترصف ،فله أن يستثمر املال بمختلف أنامط
االستثامر ،وله أن يقرضه بفوائد ،وله أن ال يعمل هذا وال ذاك ،بأن حيتفظ باملال أمانة
يف ذمته.
ويف أن الفائدة املرصفية مضمونة من قبل البنك لصاحب املال ،واخلسارة غري
منظورة هنا.
والفارق الرابع هو أن العامل يف املضاربة أمني ال ضامن عليه للامل إالّ إذا تلف
املال ٍ
بتعد منه أو تفريط.
يف الوقت الذي يعترب فيه البنك ضامنًا للامل إذا تلف سواء كان ذلك ٍ
بتعد أو
تفريط أو مل يكن كذلك.
وإذا رجعنا إىل تعريف الفائدة املذكور يف أول هذا الكتاب نقف عند الفارق
السادس وهو أن الفائدة املرصفية ال تدفع لصاحب املال بعنوان أهنا ربح جتارة بامله،
وإنام هي فائدة مضمونة عىل البنك تدفع يف مقابل تسليم صاحب املال ماله للبنك
وسامحه له بالترصف فيه بغية تنمية رصيده املايل.
وأخري ًا:
إن مع وجود هذه الفوارق ال تتأتى املشاهبة واملامثلة بني معاملة املضاربة
ومعاملة املرصف ليتم لنا محل معاملة البنك عىل أهنا مضاربة فيشملها حكم املضاربة
الذي هو اجلواز رش ًعا.
251 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كام أن القياس عندنا ال يتم ألن علة احلكم يف املقيس عليه وهو املضاربة ـ هنا
ـ غري منصوصة.
نعم ،قد يصح القياس ـ ولكن يف غري مذهبنا ،إذ ليس من مذهبنا القياس ـ
إذا قلنا إن علة احلكم يف املضاربة ـ استنتاج ًا ـ هي تنمية املال ،ألهنا موجودة أيض ًا يف
معاملة البنك ،مع تاليف ومعاجلة الفروق ولو خترجي ًا.
رأي الدوالييب
ذكر هذا يف بحثه الذي قدّ مه للمؤمتر اإلسالمي الذي انعقد يف باريس سنة
1951م.
ولعل أفضل من أبان عن رأيه ،ومن خالل ما ذكره يف بحثه املشار إليه هو
الدكتور السنهوري يف كتابه (مصادر احلق) ـ 159/3وما بعدها ـ حتت عنوان (3ـ ما
ينبغي أن يكون عليه موقف الفقه اإلسالمي من الربا يف العرص احلارض) ،قال« :أما ما
ينبغي أن يكون عليه موقف الفقه اإلسالمي من الربا يف العرص احلارض ،فقد تباينت
اآلراء يف ذلك ،وتعارضت االجتاهات ،وبحسبنا أن نسجل ـ هنا ـ اجتاهني عرصيني
متعارضني يف الربا:
انعقد مؤمتر للفقه اإلسالمي يف باريس سنة 1951م ،وكان الربا من بني املسائل
معامالت البنوك التجارية 252
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املهمة التي تناوهلا بحث املؤمتر.
االجتاه األول يستبقيه كام هو يف املذاهب الفقهية ،ال يم ّيز بني ربا وربا ،فجميع
حمرمة حتري ًام قطعي ًا.
أنواع الربا ّ
دراز يف املحارضة التي ألقاها يف وقد ّ
مثل هذا االجتاه األستاذ حممد عبد اهلل ّ
املؤمتر.
ّ
ومثل االجتاه اآلخر ـ وهو االجتاه الذي يذهب إىل أن الظروف االقتصادية التي
حرم فيها الربا قد حتولت عام كانت عليه من قبل حتوالً جوهري ًا ،وأن حكم الربا يف
العرص احلارض ينبغي أن خيتلف عام كان عليه يف العصور السابقة ـ األستاذ معروف
الدواليبي يف حمارضة أخرى ألقاها يف املؤمتر».
فيجب إذن أن يكون لقروض اإلنتاج حكمها يف الفقه اإلسالمي ،وجيب أن
253 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتمشى هذا احلكم مع طبيعة هذه القروض ،وهي طبيعة تغاير مغايرة تامة طبيعة
قروض االستهالك ،وال تعدو ُ
احلال أحد أمرين:
ويرى األستاذ الدواليبي إمكان خترجيه عىل فكرة الرضورة ،وعىل فكرة تقديم
تدرع العدو بمسلم فال مناص من قتل
املصلحة العامة عىل املصلحة اخلاصة ،كام لو ّ
املسلم حتى يمكن الوصول إىل العدو».
وقد أخذ هبذا الرأي الشيخ اجلليل عيسى() إىل «اليرس الذي هو سمة أصيلة يف
اإلسالم» ،وإىل القاعدة التي قال هبا ابن حزم« :املفسدة املفضية إىل حتريم إذا عارضها
املحرم».
مصلحة ،وحاجة راجحة ،أبيح ّ
() يف هامشه :جاء هبذا الرأي معروف الدواليبي يف مؤمتر علمي نظم للفقه اإلسالمي يف
باريس 1951م أورده السنهوري يف كتابه (مصادر احلق يف الفقه اإلسالمي) اجلزء الثالث،
القاهرة 1954م ص 295و.260
() يف هامشه :أورد هذا الرأي سامي حسن أمحد محود ( ،تطور األعامل املرصفية) ص
.223
معامالت البنوك التجارية 254
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد طغت هذه الفكرة عىل الكثري مما جعل بعضهم() يالحظ أنه «يرى بعض
الناس أن الربا أصبح يف عرصنا احلارض معاملة عامة وأساس ًا من أسس االقتصاد،
فإن املصارف املالية والرشكات املختلفة التي ال غنى ألمه عنها ،تعتمد عليه يف سائر
معامالهتا ،وليس من الرأي وال من مصلحة األمة أن نشري عليها هبدم ذلك كله...
وأن نرتك البيوت املالية األجنبية (تستفيد) من ثمرات هذا التعامل العاملي دوننا ،وقد
ارتبطت الدول واألمم بعضها ببعض فلم يعد من املمكن أن تستغل بنوع من املعاملة
ال تعرفه غريها ،وإن أساليب اإلصالح والعمران لتستدعي رصد األموال وجتميعها
من األفراد ولتستغل فيام ينفع األمة ،وتستدعي يف الكثري من األحيان أن تقرتض
احلكومات من غريها أو من الشعوب أمواالً تضمنها بسندات ذات ربح مقدر فتمتص
بذلك األموال ،كام نعتقد أن املشاكل يف عرصنا احلديث أكرب وأكثر تعقيد ًا من مشكلة
الربا يف حد ذاته ،إذ تعاين أغلب الدول اإلسالمية من تداخل األنظمة عليها ،ومن
اتباعها لنظم اقتصادية ومالية ليس هلا عالقة متينة بالنظام اإلسالمي ،كام تعاين من
كوهنا دوالً ال تنعم باالستغالل االقتصادي والتكنولوجي فتفحلت فيها هذه األنظمة
الدخيلة بحيث أصبحت جز ًءا من كياهنا ،وليس من السهل استئصاهلا.
ومن هذا املنطلق يمكن القول بأن التعامل بالفائدة (جائز) وذلك حتى يأيت
البديل املتمثل يف البنوك اإلسالمية ،وإن كنا نعتقد أن هذا البديل لن يكون له األثر
املرجو إالّ إذا واكبه تطور تدرجيي للعقليات وللنظم االقتصادية واملالية واالجتامعية
والقانونية عىل النمط اإلسالمي من جهة ،وإذا تم التعاون اجلدي بني الدول
اإلسالمية يف هذه املجاالت حتى تتمكن من احلصول عىل استقالهلا االقتصادي
واملايل والتكنولوجي وتتعامل مع بقية دول العامل ند ًا لند من جهة أخرى.
وعىل ٍّ
كل لقد ظهرت يف بعض البلدان بادرة البنوك اإلسالمية وبدأت تعمل
() يف هامشه :نور الدين عرت (املعامالت املرصفية والربوية وعالجها يف اإلسالم) ص .66
255 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ عدة سنوات ،فمن اجلدير أن نبحث يف كيفية اشتغاهلا وأوجه االستثامر فيها ،ويف
مدى متشيها مع خمتلف القوانني واألنظمة املعتمدة يف املجال املرصيف».
وأما القرض مع الزيادة الذي يكون مدعاة للمقرتض إىل العمل والتحرك
االقتصادي له وللمجتمع فال تشمله هذه العلة ،وذلك خال ًفا للقرض الربوي الذي
يكون للعوز واحلاجة حيث جيمع به املرايب الثروات ويزداد به املدين فقر ًا إىل فقره،
بينام كان جيب أن تدفع إليه الصدقات كي ال يبتيل بالربا.
ويبدو أن هذا الرأي القى قبوالً وتبني ًا عند أكثر من فقيه ،واستحسان ًا يف أكثر
من وسط علمي.
إالّ أنه وقع االختالف بني القائلني به يف دليل استثناء القرض لإلنتاج أو
االستثامر من عموم حرمة الربا املستفادة من روايات املقام.
وسأحاول الوقوف علمي ًا عند أدلتهم لتعرف مدى هنوضها بإثبات املدعى.
() نق ً
ال عن اإلنرتنت www.saanei.orgموقع سامحة آية اهلل الشيخ يوسف الصانعي.
257 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ االستهالك
يقال :استهلك زيد املال إذا أنفقه فيام يعنيه من شؤون حياته ،فاالستهالك :هو
ما ينفقه اإلنسان يف شؤون حياته من مواد غذائية ومالبس وفرش ،ورشاء وسيلة نقل
كالدراجة والسيارة ،أو يف صداق ومرصوفات الزواج ،وكذلك يف رشاء أو بناء منزل
لسكناه ،وما إىل ذلك.
هو العمل للحصول عىل املنتوج الذي هو ثمرة اإلنتاج ،فاإلنتاج ـ هنا ـ يرادف
االستثامر الذي هو العمل للحصول عىل الثمرة.
أدلتهم
ومن أدلتهم التي استدلوا هبا للقول بحلية القروض اإلنتاجية استثناء هلا من
عموم حرمة الربا:
ويفهم هذا مما مر من قوهلم «إن الظروف االقتصادية التي ُح ّرم فيها الربا قد
قبل ،حتوالً جوهري ًا ..فقد تطورت النظم االقتصادية حتولت عام كانت عليه من ُ
ّ
وانترشت الرشكات وأصبحت القروض أكثرها قروض إنتاج ال قروض استهالك،
معامالت البنوك التجارية 258
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن من الواجب النظر فيام يقتضيه هذا التطور يف احلضارة من تطور يف األحكام».
وإليضاح معنى القاعدة املذكورة بغية معرفة مدى قدرهتا عىل النهوض بإثبات
تغري الزمان إذا أ ّثر
أن ّ رأي القائلني بحلية قروض اإلنتاج نقول :إن هذه القاعدة تعني ّ
تغري موضوع احلكم ،أي إن املوضوع تبدل إىل موضوع آخر ،فإنه ـ واحلالة هذه ـ
يف ّ
ال ينطبق عليه موضوع احلكم السابق وعىل الفقهاء أن يلتمسوا له احلكم املناسب.
هنا نقول :إن تغري املوضوع الذي حدث بسبب تغري الظرف ،يستدعي تغري
احلكم والتامس حكم آخر هلذا املوضوع اآلخر.
ومن املعروف تارخيي ًا أن مكة كانت تعيش اقتصادي ًا عىل رحلتي الشتاء والصيف،
أوالمها إىل اليمن وجنوب اجلزيرة ،وثانيتهام إىل الشام ،وكان يتم متويل هذه الرحالت
عن طريق القروض الربوية :أوالً من اليهود الذين كانوا يقيمون بالطائف بعد طردهم
من اليمن ،ومل تكن هلم صناعة إالّ اإلقراض بالربا ..وثاني ًا من أغنياء قريش يف مكة،
وقد كان منهم بعض من أسلموا كالعباس وخالد بن الوليد وعثامن بن عفان ،ومن
ذلك كانت قافلة أيب سفيان التي كانت سبب ًا يف غزوة بدر ،وكان التجار يعتمدون
259 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يف سداد الربا عىل األرباح التي تدرها التجارة عليهم ،أي كانوا يقومون ـ كام يقول
الدكتور حممد عبد اهلل العريب يف بحثه أمام املؤمتر الثاين ملجمع البحوث اإلسالمية ـ
بنفس الدور الذي تقوم به البنوك اآلن.
ِ
يروي اإلمام الطربي يف تفسريه أسباب نزول قوله تعاىلَ ﴿ :يا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ
ين َآمنُوا
ِ ِ
الر َبا﴾ أهنا نزلت يف العباس بن عبد املطلب ورجل من بني ا َّت ُقوا اهللَ َو َذ ُروا َما َبق َي م َن ِّ
املغرية كانا رشيكني يف اجلاهلية س ّلفا بالربا إىل أناس من ثقيف وهم بنو عمرو بن
عمري فجاء اإلسالم وهلام أموال عظيمة يف الربا».
وكام ترى إن القروض االستثامرية كانت موجودة وقت نزول آيات حتريم الربا
فتكون داخلة يف عمومها فيشملها كام يشمل القروض االستهالكية.
«وقد أصدر جممع البحوث اإلسالمية باألزهر منذ الستينات ـ يف املؤمتر الثاين
ـ قراره بأن الفائدة حرام ،وهي ربا ،سواء فيام يسمى مرشوع ًا إنتاجي ًا أو استثامري ًا أو
استهالكي ًا ،كله سواء.
الفائدة عىل أنواع القروض كلها حمرم ،ال فرق يف ذلك بني ما يسمى بالقرض
االستهالكي وما يسمى بالقرض اإلنتاجي ،ألن نصوص الكتاب والسنة يف جمموعها
قاطعة يف حتريم النوعني»().
ويف هديه :ال يوجد تبدل يف املوضوع بسبب تغري الظروف وتطور األحوال،
وإنام الواقع هو توسع جمال القرض اإلنتاجي بسبب حدوث وسائل جديدة يف عامل
حركة املال املعارص كالرشكات الكربى والصناعات الثقيلة والتجارات الضخمة.
(قاعدة الضرورة)
ولكي نتبينَّ صحة االستدالل هبذه القاعدة من عدم صحتها نحاول أن
نستوضح فحوى هذه القاعدة.
إن كلمة (رضورة) مل تؤخذ مصطلح ًا فقهي ًا ـ وإن وردت يف تعبريات كثري من
الروايات ـ وإنام أبقيت عىل معناها اللغوي االجتامعي ،واستعملت يف لسان النصوص
الرشعية فيه.
ففي (جممع البحرين) ـ مادة رضر ـ« :الرضورة ـ بالفتح ـ :احلاجة ،ومنه :رجل
ذو رضورة ،أي ذو حاجة ..وقد اضطر إىل اليشء ،أي جلأ إليه ..قوله تعاىلَ :
﴿أ َّم ْن
جُيِ ُ
يب ا ُمل ْض َط َّر إِ َذا َد َعا ُه﴾ ،املضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل
األيام إىل الترضع إىل اهلل تعاىل ..ويف اخلرب( :هنى عن بيع املضطر) ،ومثله( :ال تبع من
مضطر) ،قيل :هذا يكون عىل وجهني:
أحدمها :أن يضطر إىل العقد من طريق اإلكراه عليه ،وهذا بيع فاسد ال ينعقد.
والثاين :أن يضطر إىل البيع لدين ركبه أو مؤونة ترهقه فيبيع ما يف يده بالوكس
()
للرضورة ،وهذا سبيله يف حق الدين ،واملروءة أن ال يبايع يف هذا الوجه ،ولكن يعان
ويقرض إىل ميرسة أو تشرتى سلعته بقيمتها.
املحرم.
.1أن الرضورة (احلاجة) هي التي تلجئ املضطر إىل فعل ّ
املحرم غري باغٍ ،أي غري طالب لفعل احلرام
ّ .2أن يكون املضطر إىل فعل
بارتكابه له لسبب غري الرضورة.
هذا هو معنى قاعدة الرضورة ،التي صيغت واشتهرت عىل ألسنة الناس يف
العبارة املعروفة (الرضورات تبيح املحظورات).
وبيان االستدالل هبا :أن صاحب هذا الرأي يقول :إن الرضورة االجتامعية
تدعو إىل حتريك املال يف أوسع جمال ليستفاد من ذلك يف تشغيل األيدي العاملة بأكثر
عدد ممكن ،ويف زيادة اإلنتاج بأوفر ما يمكن يف دعم التنمية والتقدم نحو األفضل.
ولنا أن نعلق عىل هذا فنقول :قد يقال :إن احلاجة املشار إليها قد تعد رضورة
لنا نحن املسلمني فيام إذا كنا يف صدد إنشاء بنوك استثامرية تعمل باملضاربة اإلسالمية
أو ما يامثلها من املعامالت الرشعية األخرى ،أو إهنا تقرض بال زيادات تدخل حتت
عنوان الفائدة املرصفية ،وإنام لقاء مبالغ معينة ترصف يف شؤون البنك وخدماته.
وحتى يتم إنشاء مثل هذه البنوك ،التي يصطلح عليها اآلن باسم (البنوك
اإلسالمية) تكون الرضورة لالقرتاض من البنوك التقليدية أمر ًا قائ ًام تفرضه مقتضيات
ومتطلبات حركة املال للغايات التي أرشت إليها قبل قليل.
معامالت البنوك التجارية 262
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد يكون األمر بالعكس متا ًما ،حيث تبيح الرضورة القروض االستهالكية،
وهو واضح فيام إذا فهمنا من القاعدة أن املراد من الرضورات التي تبيح املحظورات
ما يشمل مجيع املحظورات التي ترتبط بشؤون حياة اإلنسان الفردية.
(قاعدة اليسر)
﴿و َما َج َع َل التي تعرف بقاعدة رفع العرس واحلرج ،املستفادة من قوله تعاىلَ :
ع َليكُم فيِ الدِّ ِ ِ
س﴾، س َوالَ ُي ِريدُ بِك ُُم ا ْل ُع رْ َ
ين م ْن َح َرجٍ ﴾ وقوله تعاىلُ ﴿ :ي ِريدُ اهللُ بِك ُُم ا ْل ُي رْ َ َ ْ ْ
بتقريب أن التوقف عن االقرتاض بفائدة مع عدم توفر القرض احلسن لعامة الناس
يلزم منه العرس واحلرج.
وما قيل يف دليل الرضورة يقال هنا ،ولعل املستدل بقاعدة اليرس أراد هبا ما
يعطي معنى قاعدة الرضورة.
واستدل املستدل بقاعدة اليرس بقاعدة تعارض املفسدة املفضية للحرام مع
املصلحة الرضورية فتقدم املصلحة عىل املفسدة.
«ويرى الناس أن الربا أصبح يف عرصنا احلارض معاملة عامة إلخ» انظره فيام
تقدم ـ.
وهو دعوة من هذا القائل للخضوع لألمر الواقع ،وألنه ال يرقى إىل مستوى
263 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدليل فال أرى ما يلزم بالوقوف عنده.
وأما القرض مع الزيادة الذي يكون مدعاة للمقرتض إىل العمل والتحرك
االقتصادي له وللمجتمع فال تشمله هذه العلة ،وذلك خال ًفا للقرض الربوي الذي
فقرا إىل فقره،
يكون للعوز واحلاجة ،حيث جيمع به املرايب الثروات ،ويزداد به املدين ً
بينام كان جيب أن تدفع إليه الصدقات كي ال يبتيل بالربا.
قلت :ال.
ـ م .س ،ص 120رقم :23277عن هشام بن احلكم أنه سأل أبا عبد اهلل
عن علة حتريم الربا ،فقال :إنه لو كان الربا حالالً لرتك الناس التجارات وما
فحرم اهلل الربا لتنفر الناس من احلرام إىل احلالل ،وإىل التجارات من
حيتاجون إليهّ ،
البيع والرشاء ،فيبقى ذلك بينهم يف القرض().
ـ م .س :ص 121رقم :23280عن حممد بن سنان :أن عيل بن موسى الرضا
كتب إليه فيام كتب من جواب مسائله :وعلة حتريم الربا ملا هنى اهلل ـ عز وجل
ـ عنه ،وملا فيه من فساد األموال ،ألن اإلنسان إذا اشرتى الدرهم بالدرمهني كان
ثمن الدرهم درمه ًا وثمن اآلخر باطالً ،فبيع الربا ورشاؤه وكس عىل كل حال ،عىل
فحرم اهلل ـ عز وجل ـ عىل العباد الربا ،لعلة فساد األموال ،كام
املشرتي وعىل البائعّ ،
حظر عىل السفيه أن ُيدفع إليه ماله ،ملا يتخوف عليه من فساده حتى يؤنس منه رشد،
حرم اهلل ـ عز وجل ـ الربا ،وبيع الدرهم بالدرمهني ،وعلة حتريم الربا بعدفلهذه العلة ّ
املحرم ،وهي كبرية بعد البيان ،وحتريم اهلل ـ عز
البينة ملا فيه من االستخفاف باحلرام ّ
باملحرم احلرام ،واالستخفاف بذلك دخول يف ّ وجل ـ هلا ،مل يكن إالّ استخفاف ًا منه
الكفر.
وعلة حتريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب املعروف ،وتلف األموال ،ورغبة الناس
يف الربح ،وتركهم القرض ،والقرض صنائع املعروف ،وملا يف ذلك من الفساد والظلم
وفناء األموال».
() يف هامشه :يف العلل :لتنفر الناس عن احلرام للتجارات ،وإىل البيع والرشاء فيتصل ذلك
بينهم يف القرض.
265 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونفيد من هذه الروايات الرشيفة أن علة حتريم الربا املنصوص عليها فيها تتمثل
يف:
ـ املنع من اصطناع املعروف ،بمعنى أن الربا (القرض املرشوط) يكون سبب ًا
للمنع من (القرض احلسن).
ـ املنع من تداول املال بني الناس عن طريق التجارة وما يامثلها من املعامالت
املرشوعة ،بمعنى أن الناس يستسهلون الربا وخيلدون إليه ويمتنعون عن كسبه األرباح
عن طريق التجارة وما يامثلها من املعامالت املرشوعة.
وإذا علمنا أن القرض احلسن هو وسيلة من وسائل حركة تداول املال بني
الناس يمكننا حرص علة حتريم الربا ـ يف هدي ما أفادته الروايات ـ يف (املنع من حركة
تداول املال بني الناس عن طريق املعامالت املرشوعة).
وتداول املال هو ما يعرب عنه غالب ًا يف لغة االقتصاد احلديث بِـ (حركة املال)
عب عنها الشيخ الصانعي يف فتواه املذكورة يف أعاله بِـ (حركة االقتصاد) ،وكالالتي رّ
التعبريين (حركة املال) و(حركة االقتصاد) يعطيان معنى واحد ًا هو تداول املال بني
الناس.
يف القرض االستهالكي األمر واضح ،ذلك أنه يمنع من اصطناع املعروف بني
الناس باالقرتاض واإلقراض بالقرض احلسن.
كام أنه يمنع من استخدام املال يف غري الغرض منه ،وهو االستهالك.
معامالت البنوك التجارية 266
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فع ّلة حتريم الربا ـ هنا ـ موجودة وماثلة.
وعليه :يكون هذا القرض إذا اشرتطت فيه الزيادة قرض ًا ربوي ًا حمرم ًا.
ومن البدهييات العقلية :إن املعلول يدور مدار علته وجو ًدا وعد ًما ،أي إن
وجدت علته انوجد ،وإن عدمت انعدم.
وعلة حتريم الربا ـ كام أفادت الروايات املذكورة ـ هي منعه من تداول املال عن
طرق املعامالت املرشوعة ،والقرض اإلنتاجي كام هو معلوم عامل مهم وقوي من
عوامل تداول املال.
وعليه :فبدل أن يكون الربا سبب ًا ملنع تداول املال صار سبب ًا لتداوله.
ومعنى هذا أن علة التحريم انحرست ،أو قل انعدمت ،وعىل أساس من البدهيية
املشار إليها :إن انعدام العلة هنا يستلزم انعدام املعلول ،وهو التحريم.
والنتيجة:
الدكتور منري إبراهيم هنيدي أستاذ اإلدارة املالية واملؤسسات املالية بكلية
التجارة ـ جامعة طنطا بمرص ،قام بدراسة موسعة ملوضوع (الفوائد املرصفية) يف
267 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتابه املعروف (شبهة الربا يف معامالت البنوك التقليدية واإلسالمية :دراسة اقتصادية
ورشعية) ،ونرشه سنة 1995م.
انتهى يف دراسته إىل النتيجة التالية التي رأيت أن أنقلها حرفي ًا من كتابه املشار
إليه ص ،323 ،322 ،321ألنه اعتمد عىل املصالح املرسلة وهي ليست من أصولنا،
وللقارئ الكريم رأيه:
ونعود إىل القول بأن معامالت البنوك التقليدية هي من نوع املعامالت اجلديدة
التي تساندها مصلحة مرسلة .حدد الغزايل أربعة رشوط للمصلحة املرسلة:
الرشط الثاين :أن تكون املصلحة واضحة ،وفيها حمافظة عىل مقاصد الرشع.
بعبارة أخرى ينبغي أن يكون يف املعاملة اجلديدة جلب للنفع ودفع للرضر ،بشكل
يستقيم مع املحافظة عىل مقصود الرشع .فاملصلحة املقبولة هي تلك التي حتفظ
عىل املسلمني دينهم ،ونفسهم ،وعقلهم ،ونسلهم ،وماهلم .وهذا الرشط متوافر يف
معامالت البنوك التقليدية .فبفضل تلك املعامالت تستطيع املنشآت اإلنتاجية يف
بالد املسلمني ،مواجهة املنافسة من املنشآت األجنبية ،كام سبق أن أرشنا إىل ذلك يف
أيضا حمافظة
الفصل التاسع .وإذا كان يف ذلك حمافظة عىل أموال املسلمني ،فإن فيه ً
عىل مصالح األمة من نواح أخرى عديدة ،فقدرة املنشآت املحلية عىل املنافسة يعني
فرصا أفضل للعاملة ،وسل ًعا بأسعار مالئمة.
ً
الرشط الثالث :املالءمة .فعىل عكس املصلحة املعتربة التي جييزها نص يف
القرآن أو السنة ،مثل جواز البيع وجواز مقايضة خرص العرايا بالتمر ،فإن املالءمة يف
املصلحة املرسلة ال حتتاج إىل وجود األصل املعني لنوعها .وذلك ما دامت النصوص
قد شهدت هلا باملالءمة جلنس ترصفات الشارع ،بأن تكون داخلة حتت جنس اعتربه
الشارع يف اجلملة بغري دليل معني .أو ما يعرب عنه الغزايل بأن تكون املصلحة راجعة إىل
حفظ مقصود علم كونه مقصود ًا بالكتاب والسنة واإلمجاع .هذا الرشط متوافر أيض ًا
يف املعامالت املرصفية .فتضمني الصناع فيه ضامن مماثل لضامن الوديعة يف الودائع
املرصفية .وعقود اإلجارة فيها ضامن لرد األرض املنتفع هبا ،مع حصول صاحب
األرض عىل اإلجارة برصف النظر عام إذا أنبتت األرض أم مل تنبت.
وهكذا فإن النظر إىل معامالت البنوك التقليدية باعتبارها معامالت مستحدثة،
هو أمر ينطبق مع رشوط املصلحة املرسلة .وإذا كان األمر كذلك فإن معامالت البنوك
التقليدية ،ومعامالت البنوك اإلسالمية بام فيها الودائع املرشوطة واملرابحة املحلية،
تصبح من املعامالت اجلائزة رشع ًا ،ويصبح التعاون بني الفريقني يف عداد املصلحة
القومية ومن ثم ينبغي السعي إىل حتقيقه».
القايض الشيخ حييى بن حييى بن عيل بن عيل الدار اليامين ،من جمتهدي الزيدية
املعارصين.
س :م .ن .ق« .هل معاملة البنوك متيش عىل الطريقة اإلسالمية فتكون الفائدة
() تم نرش هذه الفتوى يف صحيفة الثورة اليمنية يف عددها ( )11583بتاريخ 14ربيع أول
1417هـ املوافق 96 /7 /29م.
معامالت البنوك التجارية 270
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيحة أم أهنا ربا فتصبح املعاملة باطلة».
ومن املعلوم أن يف التنظيامت الساموية ثوابت() ال جيوز املساس هبا ،وال نقاشها،
وهي قليلة جدً ا .ملا فيها من وضع املبادئ ،وتوجيه السلوك ،وينبغي للعقل أن خيضع
هلا مهام كانت ،ألن العقل قد تعرتيه طفرات فال يستطيع أن ينجو من نتائجها .وهناك
الكثري الكثري مما تفرع من املبادئ ختضع للعقل ومتيش معه لتنظيم سري احلياة.
إما بواسطة القياس() أو باملفاهيم .ولذا جعل اهلل للعقل مرسح ًا يف هذه الفروع
ال من األدلة الرشعية ليكون سري املجتمع متوائ ًام مع الواقع الذي يعيش فيه
ليكون دلي ً
أفراد املجتمع.
وال بد من جراء هذه النظرة القارصة أن نفهم أهنا مانع ٌة للعقل من التعرف عىل
حياة البرشية .إذ عىل أفراد الناس أن يتجردوا من عقوهلم لدى هؤالء الذين جعلوا
الدين جامدً ا ،وال يتحرك ،وال يلبي حاجة الناس إذن فخلق العقل لدى هؤالء
عبث().
إذ ال فعل له إال يف اخليال ،وقد حاجج اهلل الكفار يف القرآن بحجج عقلية،
وقد أمرنا بالتفكري() والتفكّر لكي نثري العقل ونوقظه من نومه لكي يقوم بعمله من
صحيحا .ومن املعلوم أنً التحسني ،والتقبيح ،والتصويب ،واخلطأ ليكون تنظيمه
العقل قد أوجد تنظيامت جديدة للحياة مل يعرفها األولون ،فام كان خمالف ًا للثوابت فال
نقبلها() وما كان من فروع املبادئ فعلينا أن نتعايش مع النظام اجلديد.
وقد سبقنا أئمة الفقه اإلسالمي إذ كانوا يتعايشون مع كل جديد فيفرعون له
تفريعات يف كتبهم الفقهية() لكي متيش احلياة االجتامعية مع التطور .إذ احلياة غري
() فهم ال يتعرضون لكل جديد بالبحث وعرضه عىل القواعد واألحكام وإجياد حكم له.
() ألهنم مل يستخدموا عقلهم فيام خلق هلم من التفكري والتخري يف األشياء.
ض﴾ () قال تعاىلُ ﴿ :ق ِل ا ْن ُظروا ما َذا يف الس و ِ
ات َواألَ ْر ِ َّ ماَ َ ُ َ
() قاعدة أصولية.
() وذلك باستخدام القياس أو اإلمجاع.
معامالت البنوك التجارية 272
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جامدة لكي تستمر عىل نسق واحد من نظم احلياة ،ولكنها تتطور بتطورات األحداث
ولذا جاء الناسخ() ،واملنسوخ يف القرآن ،وذلك إشارة إىل أن احلياة ال بد أن تتطور،
وال نعني بأنه يوجد لدينا ناسخ ومنسوخ بعد وفاة() الرسول .فهذا مستحيل،
وحيث أن احلياة تتعامل مع كل حدث .فام علينا إال أن نتعايش() مع كل جديد.
وحيث أن نظام البنوكات نظام جديد .فعلينا أن نعرضه عىل قواعدنا الرشعية ..هل
سينسجم معها ؟ .وهل بوسعه أن يتالئم مع قواعد االجتهاد()؟
واعلم أهيا السائل الكريم بأن :وجود العملة رضورية يف احلياة االجتامعية
لتبادل السلع بني أفراد املجتمع ،وبني الدول وذلك خلفة محلها .فالتعاوض بالسلع
متعب ،ومرهق بسبب نقل السلع من سوق إىل آخر ،ولوال ذلك ملا ازدهرت التجارة،
وكثرة املصانع ،والصناعات ،وعىل هذا فإن الرضورة امللحة :هي التي فرضت العملة
عىل املجتمعات ،والدول بحكم احتياجها لذلك ،وحيث أن العملة قد وجدت .فام
هي العملة؟
عندما نزل القرآن الكريم بتحريم الربا ،والذي ال شك فيه بأن العملة املتداول
هبا عند نزول القرآن الكريم هي الذهب والفضة .وكانت هلا قيمة مادية ،بمعنى أن
مادهتام سلعة من السلع أحكمت فرضبت دنانري ،ودراهم بمقياس حدد قيمة كل
قطعة منها ليسهل التعامل هبا .بخالف العملة الورقية فقيمتها معنوية بمعنى أن مادهتا
ليست سلعة.
بحيث تصري قيمتها مادية فامدهتام ال قيمة هلا ،ولكن حددت قيمتها بقرار من
() النسخ لغة :اإلزالة ،واصطالح ًا :هو إزالة مثل احلكم الرشعي بطريق رشعي مع تراخ
بينهام .انتهى كافل لقامن ص .218 ،217
() ألن النسخ إما يف القرآن أو يف السنة وال يعلم ذلك إال من جهة الرسول .
() وذلك بعرضه عىل القواعد واألصول اإلسالمية.
() االجتهاد :هو استفراغ الفقيه الوسع يف حتصيل ظن حكم رشعي .انتهى كافل ص .23
273 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدولة ،أو من الدول عىل جهة اصطالح لتسهيل املعاملة ،ومن هنا يظهر الفرق جل ًيا
بني العملة الورقية ،وبني عملة الذهب والفضة.
فانتفى التشابه بني العملة األوىل واألخرية ،مما جيعل قياس العملة الورقية
عىل عملة الذهب والفضة مستحيالً ،ولقائل أن يقول :بأن العملة اآلن يف الدول
هي الورقية والتعامل هبا جار عىل ورقية تقابل ورقية ،ولكننا نقول :إن كانت مادة
العمالت املختلفة لدى الدول واحدة فإن الواجب أن تكون قيمتها متساوية .وجيب
التساوي يف الوزن والتقدير إن جعلنا علة التحريم هو احتاد اجلنس والتقدير.
وإن جعلنا مادة العمالت خمتلفة جنس ًا وتقدير ًا ،وعندئذ تدخل حتت قول
رسول اهلل ( :فبيعوا كيف شئتم)() ،وربا فيها .ومن املعلوم أن املعاوضة ال
تكون إال بني قيمي() أو مثيل() ،ومهام كان مقابل القيمي مثليا صار املثيل ثمن ًا.
وإن كان مقابل القيمي قيمي ًا ،واملثيل مثلي ًا صار كل واحد ثمن ًا ،ومبيع ًا ،وللمبيع
أحكام ختالف أحكام الثمن .كام هو معروف يف كتب الفقه اإلسالمي ،مع العلم أن
القيمة هي نتيجة تقويم عدلني ،وأن الثمن ما انتهت إليه رغبة املتساومني ،ومن املعلوم
أن القيمي ال يقوم إال بالعملة واملثيل يرد بمثله أو يقوم بالعملة فيصري مبيع ًا.
وإذ ًا :فهل العملة الورقية قيمية أو مثلية أو هي ال قيمية وال مثلية؟؟
ومع الرجوع إىل ما سبق ذكره بأن قيمة العملة األوىل وهي الذهب ،والفضة
واضحا بني القيمة املادية واملعنوية .وذلك بأن
ً قيمة مادية ال معنوية سنجد الفرق
الذهب والفضة ال تستطيع أي دولة أن تبطل قيمتها كسلعة .بخالف العملة الورقية
() أخرجه أبو داود يف سننه 780 :3 :2برقم 354والنسائي يف البيوع برقم 4652وابن
ماجة يف التجارات برقم 2186باب السعات ختتلفان والرتمذي برقم .1270
قومه عدالن خبريان ،كقيمة الغنم والبقر وغريمها.
() القيمي :هو ما ّ
() املثيل :ما ضبط بكيل أو وزن أو ذرع كالذرة والرب وغريمها.
معامالت البنوك التجارية 274
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن بوسع أي قانون أن يبطلها بمجرد قرار ،وتصري من سقط املتاع .وإذ ًا:
فقياس العملة الورقية عديمة القيمة املادية عىل العملة الذهبية والفضية التي
هلا قيمة مادية غري وارد() ،لوجود االختالف بني القيمتني اللتني هلام تأثري يف معاملة
البنوك ،حيث أن الذهب والفضة أصبحت لدى البنوك سلعة .فهل بوسع العملة
الورقية أن تصبح يف يوم ما سلعة يف البنوك مستوية القيمة املعنوية()؟؟ .وهذا غري
وارد() ،ولكننا نتساءل عن ماذا يعني اإليداع يف البنك هل يقصد به الوديعة؟ بمعناها
الفقهي لدى فقهاء اإلسالم فتصري أمانة بيد البنك بحيث أن الترصف فيها يعد جناية
وتفريط ًا() يف حفظها.
وأن نقلها بنية التملك يصريها مغصوبة يتعلق هبا أشد الضامن .ولكن اإليداع هنا
هو لالستثامر فهي إىل املضاربة أقرب وإن كان اإليداع يف البنك بمعنى القرض ،وهو
الذي يوجد فيه الربا مع العلم أن القرض ال يصح إال يف املثليات ال يف القيميات().
وهذه العملة ليست مثلية ،وال قيمية ،فال تصح ،ألن تكون قرض ًا لعدم دخول
العملة الورقية يف املثليات .أم أن اإليداع بمعنى البيع ،فنحن نعلم أن العملة الورقية
ليست هلا قيمة مادية .وبيع ما ال قيمة له باطل.
وإذا كانت األجرة ثمن منفعة واملنفعة معنوية ،فقد جاز لنا أن نشرتي العملة
الورقية التي ثمنها معنوي كاملنفعة ،وحيث أن بعض الفقهاء جيعل من الربا زيادة
الثمن ألجل النسا.
() وهناك ال يصح القياس لعدم وجود العلة الرابطة بني األصل والفرع.
() أي تكون قيمة مجيع العمالت متساوية مع بعضها البعض فمث ً
ال مخسة دوالرات قيمتها
مخسة رياالت يمنية ،وهكذا.
() أي ليس موجو ًدا وال يمكن حصوله.
() ألنه يعترب تعدي عىل أموال الغري.
() تأمل رشح نكت العبادات للقايض جعفر بن عبد السالم.
275 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهل هذه واملسمى بالفائدة من َأ َج ِل النسا متساويتان؟ وهذا غري صحيح.
وحيث أن العملة الورقية ختتلف قيمتها من دولة إىل أخرى بسبب التأمني يف
البنوك الدولية فكل عملة ال يوجد هلا رصيد يف البنوك الدولية كالتأمني فستكون
قيمتها حمصورة يف الدولة التي أنشأهتا فقط() ،إال إذا كان للدولة صادرات فستكون
هلا قيمة لدى الدولة املستوردة بقدر ما تستورده من تلك الدولة لكي تشرتي ما
تستورده من الدولة املصدرة.
وإذ ًا :فامذا يعني اإليداع هل هو نظام جديد غري موجود يف دول اإلسالم
املتقدمة لكي نعود إىل األصل وهو اإلباحة كام هي القاعدة الفقهية عند اإلشكال،
وعدم وجود مرجح لدى الفقيه الباحث ،وبام أن الربا مرصح بتحريمه يف القرآن
ان ِم َن ون إِالَّ َكماَ َي ُقو ُم ا َّل ِذي َيتَخَ َّب ُط ُه َّ
الش ْي َط ُ وم َ الر َبا الَ َي ُق ُ
ون ِّين َي ْأ ُك ُل َ ِ
بقوله تعاىل﴿ :ا َّلذ َ
ِ ا َمل ِّس َذلِ َ
الر َبا﴾() .إلخ. ك بِ َأ هَّنُ ْم َقا ُلوا إِ َّنماَ ا ْل َب ْي ُع م ْث ُل ِّ
الر َبا َو َأ َح َّل اهللُ ا ْل َب ْي ُع َو َح َّر َم ِّ
وقد أخرج مسلم عن عبادة ابن الصامت قال :قال رسول اهلل « :الذهب
بالذهب والفضة بالفضة والرب بالرب والشعري بالشعري والتمر بالتمر وامللح بامللح ِم ْث ً
ال
بِ ِم ْثل يد ًا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى األخذ واملعطي فيه سواء ،فإذا اختلفت هذه
() أي تكون عملة حملية ،والدليل عىل ذلك ما حدث لدولة العراق الشقيقة من احلصار
االقتصادي املفروض عليها ،فبعد أخذ تأمينات عملتها يف البنوك الدولية أصبحت عملة
العراق قيمتها حمصورة داخلها فقط ،فتأمل ذلك.
() سورة البقرة .275
() سورة البقرة .279
معامالت البنوك التجارية 276
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدً ا بيد»() ،وقد اختلف الذين قرروا وجود العلة
حول العلة فالعرتة() ،وأبو حنيفة وأصحابه قالوا :إن العلة اتفاق اجلنس() والتقدير،
إذ نبه عىل ذلك بقوله :
(والصاع بصاعني)().
وقال ابن املسيب :وقول للشافعي :بل مع الطعم فيام عدا التقدير.
وقول لإلمام الشافعي :بل الطعم واجلنس فقط لقوله ( :ال تبيعوا الطعام
بالطعام) رواه مسلم().
() قوله :ال تبيعوا الذهب بالذهب ..اخلرب ،ونحوه عن أيب سعيد أن رسول اهلل قال:
ال بمثل ،سواء بسواء .هذه من«ال تبيعوا الذهب بالذهب ،وال الورق بالورق إال وزن ًا بوزن مث ً
روايات مسلم ،ويف أخرى له وللبخاري ،واملوطأ أن رسول اهلل قال« :ال تبيعوا الذهب
ال بمثل ،وال تشفوا بعضها عىل بعض ،وال تبيعوا الورق بالورق إال مث ً
ال بمثل، بالذهب إال مث ً
وال تشفوا بعضها عىل بعض ،وال تبيعوا منها غائب ًا بناجز< .ويف أخرى ملسلم ،قال :قال رسول
اهلل :الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة والرب بالرب والشعري بالشعري والتمر بالتمر وامللح
ال بمثل يدً ا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى اآلخذ واملعطي فيه سواء» .متت .نيل بامللح مث ً
األوطار للشوكاين.
ال رشع ًيا وهم اإلمامية والظاهرية وبعض اخلوارج .تأمل () أي الذين ال جيعلون القياس دلي ً
كتاب منهاج الوصول لإلمام املهدي أمحد بن حييى املرتىض ص .649
() فيقر التحريم حيث ورد وال يقاس عليه غريه.
() أخرجه الستة املذكورون إال أبا داود عن أيب سعيد قال :كنا نرزق اجلمع عىل عهد رسول
اهلل وهو اخللط من التمر ،فكنا نبيع صاعني بصاع ،فبلغ ذلك رسول اهلل فقال :ال
مترا بصاع ،وال صاعني حنطة بصاع ،وال درمهني بدرهم. صاعني ً
() يف رواية ملسلم عن معمر بن عبد اهلل كنت أسمع رسول اهلل يقول« :الطعام بالطعام
ال بمثل» .البحر الزخار ج 3ص.331 مث ً
277 القرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن ربيعة :بل اتفاق اجلنس ،ووجوب() الزكاة.
وقال بعض الفقهاء() :بل العلة تفاوت املنفعة فيحرم التفاضل بني الزبيب،
والتمر ،والرب ،والشعري والذرة والدخن ...إلخ.
ال يف هذه العلل التي ذكرها فقهاء اإلسالم؟ وإذ ًا :فهل نجد للعملة الورقية حم ً
أنا شخصي ًا :ال أجد ،ومن اعتقد وجود علة فيها وجب عليه أن ال يبيع دوالر ًا أمريكي ًا
بعملة أخرى() إال سواء بسواء ويد ًا بيد ،ونحو ذلك .ومن أين له ذلك؟ مع العلم
بأن االسم وهو عملة ال يصلح أن يكون علة() كام يف أصول الفقه ،والراجح عندي
أن العلة يف ذلك هو التظامل.
وإذا كانت قيمة العملة مستقرة فعند من يرجح الربا يف العملة الورقية فهناك
سيكون الربا لوجود الظلم عىل املستهلك واملستثمر إن صح تسميته هبذا االسم ،وإذا
مل تكن قيمة العملة مستقرة فال بد من اخلسارة ألحد الطرفني ،وإذا كان احلكم مطر ًدا
مع العلة ،فإن احلكم سريتفع بارتفاع العلة .فإذا أودع شخص عملة ورقية لدى
البنك لالستثامر ،فمع استقرار العملة سيحدث الربا ،ألن الزيادة يف الفوائد ظلم عىل
املستهلك مع بقاء قيمة ما تعاوض الطرفان فيهام.
وهذا ليس عدالً ،ألن اهلل سبحانه وتعاىل يقول﴿ :الَ َت ْظلِ ُم َ
ون َوالَ ُت ْظ َل ُم َ
ون﴾()،
ومن املالحظ أن الزيادة وهي الربا حترم بالنسبة للمستثمر ألجل الظلم ،فكذلك
النقصان يف القيمة ،ألجل الظلم ،هذا بالنسبة ملن يعتقد وجود ربا يف العملة الورقية.
ومن اجلدير ذكره :بأن املحكمة العليا حتكم بفارق السعر بني العملة الورقية يف
حالة انتقال املبيع() ،ولقائل أن يقول بأن ذلك ظلم عىل البائع.
واجلواب:
إنه مغرر عىل املشرتي ،وعليه أن يتحمل نتيجة تغريره ،وهذه قاعدة رشعية،
ومن هنا نعرف أن املحكمة العليا ال تعرتف بأن هذه الزيادة ربا أو حمرمة ،وإال ملا
حكمت هبا ألهنا مسئولة عن العدالة ،ومن قال :إن يف العملة الورقية ربا ،فنسأله هل
املريب يملك أموال الربا أم ال؟ فإن قال :بأنه يملكها حكمنا بصحة ترصفه فيها()،
وانتهت القضية بصحة املعاملة مع البنوك.
وإن قلنا :إنه ال يملكها فلمن تصري؟؟ هل تعود عىل من أخذت منه؟
وعندئذ ترصف املريب هبا غري صحيح .وأن كل من أخذ منها أخذ غص ًبا ،فيحرم
عىل مجيع أبناء الشعب أن يتعاملوا مع من يترصف بأموال الغري بدون أهلية.
ومن هنا دخل الناس كلهم يف حرج ،عالمِهم ،وجاهلهم ،وصغريهم ،وكبريهم،
وإن قلنا :ال نردها إىل من أخذت منه ألنه ال يملكها فإىل من نردها هل تعود
للفقراء واملساكني ،ألهنا مظامل ملتبسة ،فترصف املريب باطل ،ألنه ترصف يف ملك
الغري ،وحيث أن والية املظامل امللتبسة إىل رئيس الدولة ،فليس له أن يرصفها إال إىل
جوزنا لرئيس الدولة أن يترصفاملساكني الذين حيق هلم أخذ أموال املظامل امللتبسة ولو ّ
هبا لصحب املعاملة هبا وانتفى الربا ،ومن املستحيل إبطال معاملة دولية ارتبطت كل
الدول العاملية هبا.
وأصبحت لدى الدول نظا ًما اقتصاد ًيا مهماً فتحريمها بشبهة ال يوجد هلا أساس
قوي من ديننا اإلسالمي سوى التعلق بقياس غري صحيح لوجود الفوارق األساسية
بني األصل والفرع ،والنعدام العلة التي جتمع بينهام حتى يصح القياس ،ومن املعلوم
اض﴾() ،وجاء أن األصل يف البيع والرشاء الصحة() لقوله تعاىل :جِ َ
﴿ت َار ٌة َع ْن ت ََر ٍ
() ألن التكفري والتفسيق ال يكون إال بدليل قطعي ،كام هو املعروف يف علم أصول الكالم.
() وتلك قاعدة أصولية ،قال يف منهاج الوصول إىل معيار العقول ص ،835 ،834وذلك
كبيع قارنه رشط خمتلف يف صحة العقد معه ،فإن أصله مرشوع بدليل قوله تعاىل :جِ َ
﴿ت َار ٌة َع ْن
ت ََر ٍ
اض﴾.
() سورة النساء.29 :
معامالت البنوك التجارية 280
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿و َأ َح َّل اهللُ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ِّ
الر َبا﴾(). حتريم الربا خمال ًفا للقياس بقوله تعاىلَ :
ومن قواعد أصول الفقه أنه كلام كان خمالف ًا للقياس كالشفعة ،والقسامة ،ولزوم
تسليم دية اخلطأ عىل العاقلة ،فإنه يقر حيث ورد() ،وال يقاس عليه .وقد جاء حتريم
الربا جممالً ،وقد بينته السنة النبوية عىل صاحبها أفضل الصالة والسالم وعىل آله وهو
يف ستة أشياء فقط ،كام هو مذهب أيب داود الظاهري كام سبق بيانه.
وبخصوص القوانني املعمول هبا لدى اجلمهورية اليمنية ،فإن البنوك لدهيا
شخصيات اعتبارية() ،كام أقر ذلك القانون املدين للجمهورية اليمنية الذي قننته نخبة
من علام الفقه اإلسالمي ،وإذا كانت شخصيات اعتبارية ،فإنه جيوز التعامل معها
أخذ ًا وعطاء .وملا سبق فإن العملة الورقية() قد نزلت إىل األسواق الشعبية ،والعاملية
لتأخذ حملها من العرض والطلب ،وقد أصبحت هذه املعاملة من رضوريات حاجات
املجتمعات دولي ًا ،وشعبي ًا ،وعىل هذا فاملعاملة مع البنوك جايزة والفوايد غري رباء.
وحيث أن بعضهم حيتج بحديث (كل قرض جر منفعة فهو ربا) رواه احلارث
أيب أمامة عن عيل قال يف الرساج املنري() قال :الشيخ حديث حسن لغريه ،وقال
احلفني :يف هامش الرساج املنري كان أقرضه فضة برشط أن يردها رياالت أو ذهب ًا.
فهذان احلديثان يف الصحيحني يدالن عىل الزيادة يف القضاء ،قال الشوكاين :يف
نيل األوطار وأما الزيادة عىل مقدار الدين عند القضاء بغري رشط وال إضامر ،فالظاهر
اجلواز من غري فرق بني الزيادة يف الصفة واملقدار والقليل والكثري حلديث أيب هريرة،
وأيب رافع ،والعرباض ،وجابر بل هو مستحب قال املحاميل وغريه من الشافعية:
يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح يف ذلك ،يعني قوله
فأنت ترى أن الظاهر مما سبق بأن الزيادة يف القضاء (يعني قضاء الدين) ليست
بربا ،هذا بناء عىل ما يصح فيه القرض ،وقد سبق لنا أن أوضحنا بأن القرض ال يكون
إال يف املثليات واملثيل هو ما ضبط بكيل ،أو وزن وال يوجد هناك ال كيل وال وزن.
قرضا ألهنا
وأما الذهب والفضة فهي موزونة ،وتبادل العملة الورقية ليس ً
ليست مثلية ،وال قيمية بل هي بمنزلة سند من احلكومة ،وحيث أن العملة الورقية
ما هي إال سندات من احلكومة للمواطنني يقبض الشخص أو األشخاص ما حيويه
هذا السند من األوراق بسند مثله ،أو أرفع مما حيويه أو أدنى أو يأخذ به مستهلكات
يشرتهيا ،فإن التبادل هو تبادل سندات بني أفراد املجتمعات ،أو الدول ومن املعلوم
أن تبادل السندات() ال ربا فيها.
وال أراين بحاجة إىل التعليق عليها ألين حتدثت فيام سبق عن الربا يف األوراق
النقدية بام فيه الكفاية.
.2قرض بفائدة غري مرشوطة ،وينقسم باعتبار توقع الزيادة وعدمها إىل
قسمني:
.1أن يتوقع ِ
املقرض الزيادة.
.2أن ال يتوقع ِ
املقرض الزيادة.
وكال القسمني جائز إالّ أنه مع توقع الزيادة ال يثاب ِ
املقرض عىل قرضه وبعكسه
معامالت البنوك التجارية 284
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيث ال يتوقع الزيادة فإنه يثاب عىل قرضه.
ـ ويف حالة إنشاء معاملة القرض بني البنك والعميل بوسيلة الكتابة وهي – كام
هو املعروف واملتعارف عليه بني البنوك التجارية – أن يتم إنشاء عقد القرض بملء
األوراق املعدة من ِقبل البنك لذلك يعتمد حتقق املعاملة عىل وجهة النظر الفقهية التي
يلزم املتعاقدان هبا اجتهاد ًا أو تقليد ًا.
فمن ال يؤمن بجواز العقد بالكتابة ال تتحقق معاملة القرض ،سواء كانت مع
الزيادة أو بدوهنا.
ومن يؤمن بجواز إجراء العقد بالكتابة تتحقق املعاملة ،فإن كانت بغري اشرتاط
الزيادة فهي حالل ال حرمة فيها ،وإن كانت برشط الزيادة بطل الرشط وحرمت
الزيادة.
وقد ال يقال برسيان بطالن الرشط إىل املعاملة ،أي يبطل الرشط وال تبطل
املعاملة ،عىل اخلالف يف املسألة.
ويتمثل يف إيامنه بتنزيل معاملة البنك ذات الفائدة عىل معاملة املضاربة
285 خالصة مبحث القروض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرشعية.
ـ رأي الدواليبي
وهو يفرق بني القروض لالستهالك فتحرم فيها الزيادة ألهنا ربا ،والقروض
لإلنتاج أو االستثامر فال تعد الفائدة عليها فائدة ربوية.
اعتمد فيه عىل مبدأ أو قاعدة املصلحة املرسلة ،وانتهى إىل اجلواز قال« :وهكذا
فإن النظر إىل معامالت البنوك التقليدية باعتبارها معامالت مستحدثة ،هو أمر ينطبق
مع رشوط املصلحة املرسلة.
األمر كذلك فإن معامالت البنوك التقليدية ومعامالت البنوك ُ وإذا كان
اإلسالمية بام فيها الودائع املرشوطة واملرابحة املحلية تصبح من املعامالت اجلائزة
رشع ًا ،ويصبح التعاون بني الفريقني يف عداد املصلحة القومية ومن ثم ينبغي السعي
إىل حتقيقه».
ويلخصه بقوله« :وتبادل العملة الورقية ليس قرض ًا ألهنا ليست مثلية وال قيمية
بل هي بمنزلة سند من احلكومة.
القرآن الكريم
.2معجم ألفاظ القرآن الكريم ،جممع اللغة العربية بالقاهرة ،القاهرة :دار
الرشوق 1401هـ ـ 1981م.
.3املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم ،حممد فؤاد عبد الباقي ،القاهرة :دار
ومطابع الشعب.
.5األمثل يف تفسري كتاب اهلل املنزل ،الشيخ نارص مكارم الشريازي ،قم :مطبعة
أمري املؤمنني 1421هـ.
.6التبيان يف تفسري القرآن ،أبو جعفر حممد بن احلسن الطويس ،النجف :م
معامالت البنوك التجارية 290
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العلمية 1376هـ ـ 1957م.
.7التفسري الكبري أو مفاتيح الغيب ،فخر الدين الرازي ،بريوت :دار الكتب
العلمية 1411هـ ـ 1990م.
.8جامع البيان يف تفسري القرآن ،أبو جعفر حممد بن جرير الطربي ،بريوت:
دار املعرفة 1412هـ ـ 1992م.
.9جممع البيان يف تفسري القرآن ،أبو عيل الفضل بن احلسن الطربيس ،بريوت:
دار مكتبة احلياة.
احلديث
.13تفصيل وسائل الشيعة إىل حتصيل مسائل الرشيعة ،حممد بن احلسن احلر
العاميل ،حتقيق مؤسسة آل البيت ،:بريوت 1413هـ 1993م.
املعزي املاليري،
.14جامع أحاديث الشيعة يف أحكام الرشيعة ،إسامعيل ّ
بإرشاف السيد آقا حسني الطباطبائي الربوجري ،قم :م املهر 1413هـ.
.18مالذ األخيار يف فهم هتذيب األخبار ،الشيخ حممد باقر املجليس ،حتقيق
السيد مهدي الرجائي ،قم :منشورات مكتبة آية اهلل املرعيش1406هـ.
.19هنج البالغة ،مجع الرشيف الريض من كالم اإلمام عيل بن أيب طالب
،باعتناء الدكتور صبحي الصالح ،بريوت 1387هـ ـ 1967م.
الفقه والقانون
.20االجتهاد والتقليد ،اإلمام اخلميني ،قم :مؤسسة تنظيم ونرش آثار اإلمام
اخلميني 1418هـ.
.23اإلسالم وانتزاع امللك للمصلحة العامة ،حممد احلاج نارص ،ط سنة
1411هـ ـ 1991م.
.26بحوث فقهية ،حمارضات الفقيه الشيخ حسني احليل بقلم تلميذه السيد عز
الدين بحر العلوم ،ط ،3سنة 1393هـ ـ 1973م.
.27بحوث فقهية هامة ،الشيخ نارص مكارم الشريازي ،ط 1سنة 1422هـ.
.29البدر الزاهر يف صالة اجلمعة واملسافر ،حمارضات الفقيه السيد آقا حسني
الربوجردي ،بقلم تلميذه الشيخ حسني عيل املنتظري ،قم :م احلكمة 1378هـ.
.31تبديد األوهام فيام يتعلق بفوائد البنوك من أحكام ،الدكتور حييى هاشم
حسن فرغل ،ط سنة 1419هـ ـ 1998م.
.32كتاب تربئة البنوك من ربا يف الصكوك ،القايض الشيخ حييى حييى عيل
الدار ،ط 1سنة 1419هـ ـ 1999م.
.34حترير املجلة ،الشيخ حممد احلسني آل كاشف الغطاء ،ط مكتبة النجاح
ومكتبة الفريوزآبادي تصوير أوفست عن ط النجف سنة 1359هـ.
.36تنبيه األمة وتنزيه امللة ،الفقيه املريزا حممد حسني النائيني ،مصورة.
293 املراجـــع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.37اجلامع يف أصول الربا ،الدكتور رفيق يونس املرصي ،ط1سنة 1412هـ
ـ 1991م.
.49كتاب الرسائر (احلاوي لتحرير الفتاوي) ،ابن إدريس احليل ،م مؤسسة
النرش اإلسالمي ،ط.2
ـ وضمن سلسة الينابيع الفقهية ،باعتناء الشيخ عيل اصغر مرواريد ،ط 1سنة
1410هـ ـ 1990م.
ـ ورشح وتعليق السيد عبد الزهراء احلسيني اخلطيب ،ط 2سنة 1412هـ
1991م.
.52العروة الوثقى ،الفقيه السيد حممد كاظم الطباطبائي اليزدي ،طهران :دار
الكتب اإلسالمية.
.53حاشية العروة الوثقى ،الشيخ عيل بن الشيخ باقر اجلواهري ،النجف :م
املرتضوية 1345هـ.
.57حاشية العروة الوثقى ،الشيخ آقا ضياء الدين العراقي ،مؤسسة النرش
اإلسالمي ط 2سنة 1421هـ.
.58تعليقة استداللية عىل العروة الوثقى ،الشيخ آقا ضياء الدين العراقي،
مؤسسة النرش اإلسالمي ط 1سنة 1410هـ.
.63حاشية العروة الوثقى ،السيد مريزا عبد اهلادي الشريازي ،مؤسسة النرش
اإلسالمي ط 2سنة 1421هـ.
معامالت البنوك التجارية 296
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.64حاشية العروة الوثقى ،السيد حمسن الطباطبائي احلكيم ،مؤسسة النرش
اإلسالمي ط 2سنة 1421هـ و ط دار الكتب اإلسالمية بطهران.
.69حاشية العروة الوثقى ،السيد حممد هادي امليالين ،مؤسسة األعلمي ط2
سنة 1404هـ.
.70حاشية العروة الوثقى ،السيد أبو احلسن الرفيعي ،مؤسسة األعلمي ط2
سنة 1404هـ.
.75حاشية العروة الوثقى ،السيد أبو القاسم اخلوئي ،دار الكتب اإلسالمية
297 املراجـــع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بطهران.
.79حاشية العروة الوثقى ،السيد حممد رضا الكلبايكاين ،دار الكتب اإلسالمية
بطهران.
.83حاشية العروة الوثقى ،الشيخ حممد عيل األراكي ،الدار اإلسالمية ببريوت
ط 1سنة 1410هـ.
.85احلوايش عىل العروة الوثقى ،الشيخ حممد الفاضل اللنكراين ،ط 2سنة
1415هـ.
.86تعليقات عىل العروة الوثقى ،الشيخ نارص مكارم الشريازي ،ط 2سنة
1413هـ.
.87تعليقات عىل العروة الوثقى ،السيد حممد تقي املدريس ،ط 1سنة
1423هـ.
معامالت البنوك التجارية 298
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.88فقه البنوك ،حمارضات الشيخ حممد باقر األيرواين بقلم تلميذه الشيخ
يوسف أمحد األحسائي ،ط 1سنة 1423هـ ـ 2002م.
.89فقه البنوك واحلقوق اجلديدة ،حمارضات الشيخ حممد سند بقلم تلميذه
الشيخ مصطفى اإلسكندري ،ط 1سنة 1422هـ ـ 2002م.
.90فقه املوضوعات احلديثة عند اإلمامية ،السيد حممد الصدر ،ط 1سنة
1419هـ.
.92املبسوط يف فقه اإلمامية ،شيخ الطائفة الطويس ،صححه وعلق عليه السيد
حممد تقي الكشفي ،نرش املكتبة املرتضوية إلحياء اآلثار اجلعفرية سنة 1387هـ.
.94املسائل املستحدثة ،الشيخ حممد أمني زين الدين ،البحرين ،م اهلاشمي
1987م.
.95مسالك األفهام إىل رشح رشائع اإلسالم ،الشهيد الثاين ،إيران :حجر
1310هـ.
.100معجم فقه اجلواهر ،مؤسسة دائرة معارف الفقه اإلسالمي طبق ًا ملذهب
أهل البيت ،:الغدير ط 1سنة 1417هـ ـ 1996م.
.105هداية الطالب إىل أرسار املكاسب ،املريزا فتاح الشهيدي التربيزي ،ط2
سنة 1375هـ حجرية بخط طاهر خوشنويس.
.116الوسيلة إىل نيل الفضيلة ،ابن محزة املشهدي ،دراسة وحتقيق عبد العظيم
البكاء ،سنة 1399هـ ـ 1979م.
البنوك
النقود
.124تاريخ النقود ،فيكتور موجان ترمجة نور الدين خليل ،ط سنة 1993م.
.127مقدمة يف النقود والبنوك ،دكتور حممد زكي شافعي ،دار النهضة العربية
– بريوت.
معامالت البنوك التجارية 302
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.128النقود واملصارف ،الدكتور ناظم حممد نوري الشمري – نرش جامعة
املوصل – العراق سنة 1988م.
العقيدة
.131أهل البيت يف الكتاب والسنة ،حممد الري شهري ،ط ، 1دار احلديث
– قم.
.132يف انتظار اإلمام ،عبد اهلادي الفضيل ،ط 2سنة 1392هـ ـ 1972م.
املعاجم اللغوية
.136هتذيب اللغة ،أبو منصور األزهري ،حتقيق د .رياض زكي قاسم ،ط1
سنة 1422هـ ـ 2001م.
.145حميط املحيط ،املعلم بطرس البستاين ،نرش مكتبة لبنان سنة 1977م.
.148معجم مقاييس اللغة ،أمحد بن فارس ،حتقيق عبد السالم حممد هارون،
مصورة دار الكتب العلمية – قم – إيران.
.151اهلادي إىل لغة العرب ،حسن سعيد الكرمي ،ط 1سنة 1411هـ ـ
1991م.
املعاجم العلمية
التاريخ
.160فدك يف التاريخ ،السيد حممد باقر الصدر ،حتقيق الدكتور عبد اجلبار
رشارة ،نرش مركز الغدير للدراسات اإلسالمية – بريوت.
.162املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم ،الدكتور جواد عيل ،ط 2سنة
1413هـ ـ 1993م.
أخرى
الدوريات
.167جملة فقه أهل البيت ،العدد ( 30نظرات نقدية يف رشعية الفائدة البنكية)
الشيخ زين العابدين شمس الدين.