You are on page 1of 308

‫معامالت البنوك التجارية‬

‫الكتاب الثاين من سلسلة‬ ‫الطبعة األولى‬


‫كتب فقهية تصدر عن مركز‬ ‫‪1429‬هـ ـ ‪2008‬م‬

‫الفقاهة ـ بالقطيف‬
‫الوكيل احلرصي ملركز‬
‫مجيع احلقوق حمفوظة لدى‬
‫الفقاهة يف لبنان والعامل‬
‫مركز الفقاهة‬
‫العريب دار العلوم للطباعة‬
‫والتوزيع والنرش‬

‫ملراسلة املركز أو االتصال به‪:‬‬


‫باسم رئيس حترير جملة الفقاهة‬
‫(الشيخ جعفر البناوي)‬

‫ص‪ .‬ب‪871 :‬‬


‫القطيف‪31911 :‬‬
‫تلفاكس‪+966 )3( 8630247 :‬‬
‫السعودية ـ املنطقة الرشقية ـ القطيف‬
‫‪E-mail: albanawi@hotmail.com‬‬

‫اخراج فني‪:‬‬
‫عيل البحراين‬
‫معامالت‬
‫البنوك التجارية‬

‫ّ‬
‫العالمة الدكتور عبد اهلادي الفضلي‬
G
‫‪V‬‬
‫العالمة الفضلي الفقيه املثقف‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وأفضل الصالة وأزكى السالم عىل حممد وآله الطيبني‬
‫الطاهرين‪ ،‬وبعد‪،‬‬

‫ختصص ًّيا‪ُ ،‬يقدّ م مادة للباحثني يف احلقل‬


‫فإن بني يدي القارئ الكريم كتا ًبا فقه ًّيا ُّ‬
‫املعب عنها بـ‬
‫الفقهي‪ ،‬وطالب العلوم الدينية يف احلوزات العلمية يف املسائل اجلديدة رَّ‬
‫(املسائل املستحدثة)‪ ،‬التي انفتح باهبا من خالل عناية علامء الرشيعة يف مالحقة كل‬
‫حادثة‪ ،‬وتقديم الرأي الفقهي هلا‪ ،‬ليقوموا عمل ًّيا بالربهنة عىل مقولة‪ :‬قدرة الدين عىل‬
‫االستجابة ملتطلبات كل عرص‪ ،‬بام يملكه الترشيع اإلسالمي من خصائص الديمومة‬
‫واالستمرار والشمولية‪.‬‬

‫ونحن مع هذا الكتاب بني يدي شموخني‪ :‬شموخ الكاتب‪ ،‬وشموخ‬


‫الكتاب‪.‬‬

‫سجل حضوره الريادي يف حوزة‬


‫شموخ الكاتب‪ ،‬الغني عن تعريفنا‪ ،‬الذي َّ‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫النجف األرشف طيلة وجوده هناك‪ ،‬من خالل اإلسهام يف احلركة اإلسالمية‪ ،‬يف‬
‫وقت تل ِّقيه املعارف الدينية والعلمية من كبار علامء احلوزة آنذاك‪ ،‬واشتهار صيته‬
‫العلمي والعميل‪ ،‬حتى إذا عزم عىل الرحيل وصلته كلامت الشهيد الصدر األول‬
‫‪« :‬أمثالكم ممن يرفع الرأس عال ًيا ويشكل رقماً من األرقام احلية عىل عظمة هذه‬
‫أي حال‪ ،‬سوا ًء ابتعدت عن احلوزة مكانًا أو قربت فأنت من آمال‬ ‫احلوزة ‪ ...‬وعىل ِّ‬
‫احلوزة ومفاخرها»‪.‬‬

‫وها هي حوزة قم العلمية تتواصل علم ًّيا معه‪ ،‬إ ْذ إن مؤلفاته يف حقل املناهج‬
‫احلوزوية ما زالت ترفد املعاهد العلمية‪ ،‬ومؤلفاته املختلفة حمل تقدير واهتامم‬
‫واسعني‪.‬‬

‫وأما شموخ الكتاب‪ ،‬فهذا ما ستتلمسه بنفسك – قارئنا العزيز– وهذه ملحة‬
‫خاطفة عن أسلوبه العام‪ ،‬ومن ثم أسلوبه يف الكتاب‪:‬‬

‫أسلوب البحث عند الشيخ الفضيل‪:‬‬

‫قبل تص ُّفح مميزات هذا الكتاب الثمني‪ ،‬الذي َّ‬


‫تكرم آية اهلل الدكتور الفضيل‬
‫بإعطائنا فرصة نرشه يف (كتاب الفقاهة)‪ ،‬نورد مجلة من املميزات العلمية والفنية التي‬
‫عب هذا الكتاب عن بعض جت ِّلياهتا‪.‬‬‫يتمتع هبا باحثنا الفضيل (حفظه اهلل)‪ ،‬والتي رَّ‬
‫أو ًال‪ :‬األسلوب‪:‬‬

‫فقد (مت َّيز العالمة الشيخ عبد اهلادي الفضيل من بني أقرانه العلامء بأسلوب فريد‬
‫والقراء عىل حدٍّ سواء‪ .‬وقد‬
‫َّ‬ ‫ورائع يف الكتابة‪ .‬كان – وال يزال‪ -‬مثار إعجاب الكتاب‬
‫سمعنا الكثري من تالمذته ورفقائه حيدِّ ثون هبذا)()‪.‬‬

‫الس يف هذا التميز لثالث ملكات حيوهيا‬


‫وقد أرجع الشيخ عبد الغني العرفات رَِّّ‬

‫() فن الكتابة عند الدكتور الفضيل‪ ،‬الشيخ عبد الغني العرفات‪ ،‬جملة الكلمة‪ ،‬العدد (‪.)55‬‬
‫‬ ‫العالمة الفضيل الفقيه املثقف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الفضيل‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬اهتاممه بالعلوم العربية‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬الثقافة املوسوعية‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬الرسالية‪.‬‬

‫خاصا ختضع له مجيع مؤلفاته‪ ،‬وهذه‬


‫وأشار إىل أن العالمة الفضيل يملك فنًّا ًّ‬
‫بعض مالحمها‪:‬‬

‫‪ .1‬وضوح العبارة‪.‬‬

‫‪ .2‬إرجاع األلفاظ املختلفة إىل مؤ َّداها الواحد‪.‬‬

‫‪ .3‬عدم االستطراد إالَّ يف موضع احلاجة‪.‬‬

‫‪ .4‬تعريف املصطلح واملرادف األجنبي‪.‬‬

‫‪ .5‬االعتامد عىل استنتاج القارئ‪.‬‬

‫‪ .6‬مراعاة طبقة القراء والفئة املستهدفة‪.‬‬

‫كام أنه (حفظه اهلل) يضع القارئ أمام خطة بحثه دو ًما يف مقدمته أو توطئته‪،‬‬
‫ليكون عىل خطة واضحة تعينه يف ربط األفكار املتناولة يف الكتاب‪.‬‬

‫واملتتبع آلثاره يلحظ صفة (الوضوح العلمي) يف عرضه للبحوث العلمية‬


‫الدقيقة‪ ،‬وهذا ناشئ مما ذكرنا‪ .‬ولعل صفة (الوضوح العلمي) غري املعهودة يف الكثري‬
‫من الكتب العلمية احلوزوية جتعل القارئ خيرج بنتيجة بدْ وية‪ ،‬وهي‪ :‬عدم اتصاف‬
‫البحث بالدقة‪ ،‬لكن رسعان ما تزول هذه النتيجة البدْ وية من خالل املتابعة حتى‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫النهاية‪.‬‬

‫وترجع قوته العلمية يف جمال التأليف إىل عدة عوامل‪ ،‬أمهها‪:‬‬

‫تعب عن خالصة جتربته الدراسية والتعليمية‪.‬‬


‫‪ .1‬مسريته العلمية‪ ،‬التي رِّ‬

‫‪ .2‬تنوعه املعريف يف العلوم اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .3‬وضوح املنهج يف املجال املراد التأليف فيه‪.‬‬

‫‪ .4‬اجلرأة العلمية املمزوجة مع األخالق املتواضعة‪.‬‬

‫‪ .5‬اخلربة التأليفية()‪.‬‬

‫املنهج الفقهي‪:‬‬

‫أما منهجه الفقهي‪ ،‬فهو غري بعيد عن املنهج العلمي عند الفقهاء واملحققني‪،‬‬
‫وإذا جاز لنا تقسيم املنهج الفقهي إىل‪ :‬صناعي دقي وعريف‪ ،‬فهو من القسم الثاين‪ ،‬كام‬
‫يالحظه املراجع آلثاره الفقهية‪.‬‬

‫وندرج هنا بعض العنارص التي الحظناها يف أسلوبه يف الكتابة الفقهية ضمن‬
‫املنهج العريف يف قراءة النصوص الرشعية‪:‬‬

‫‪ .1‬االهتامم باملنهج العلمي‪ ،‬دون التأثر باملنهج الفلسفي‪.‬‬

‫يقول يف مقدمة كتابه (دروس يف فقه اإلمامية)‪« :‬وألن هناك منهجني تناول‬
‫الفقهاء والباحثون قضايا الفقه ومسائله يف ضوئهام‪ ،‬وعىل هدي من تعليامهتام‪ ،‬ومها‬

‫نموذجا‪ ،‬الشيخ‬
‫ً‬ ‫() انظر‪ :‬قراءة يف حماوالت التجديد يف املناهج احلوزوية‪ ،‬الصدر والفضيل‬
‫حممد عمري‪ ،‬جملة الكلمة‪ ،‬العدد (‪.)55‬‬
‫‬ ‫العالمة الفضيل الفقيه املثقف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سلكت يف دراستي هذه املنهج العلمي‪ ،‬مبتعدً ا قدر‬
‫ُ‬ ‫املنهج الفلسفي واملنهج العلمي‪،‬‬
‫الطاقة عن املنهج الفلسفي‪ ..‬حيث يتحرك األول يف عامل الفكر التكويني‪ ،‬ويتحرك‬
‫الثاين يف عامل الفكر الترشيعي»‪ .‬ويقول‪« :‬ومن الواضح أن الفقيه الذوقي هو األقرب‬
‫إىل طبيعة وواقع فهم النصوص الرشعية‪ .‬وعىل أساس من هذا – ومن غري ريب يف‬
‫ذلك – يفضل مثل هذا الفقيه عىل الفقيه الصناعي‪ .‬وينبغي أن حيتاط لذلك حتى يف‬
‫جمال التقليد وإناطة منصب اإلفتاء العام»() ‪.‬‬

‫وهو يف هذا النص ُيبينِّ مالمح منهجه العلمي املختار يف قراءة النص‪.‬‬

‫إن املوقف الفقهي من السلوك إىل معرفة معنى النص الرشعي يتمثل يف التايل‪:‬‬

‫‪ .1‬االعتامد عىل الدراسة الداخلية للنص بتطبيق القواعد العلمية عليه‪،‬‬


‫واالقتصار عىل ذلك‪ .‬أي إن الفقيه يعتمد عىل الصناعة العلمية فقط‪ ،‬و من هنا نعتوه‬
‫– يف عرصنا هذا – بالفقيه الصناعي‪.‬‬

‫‪ .2‬االعتامد عىل الدراستني م ًعا الداخلية واخلارجية‪.‬‬


‫ويف حالة حصول ٍ‬
‫تناف بني الداللة البنيوية والداللة البيئية‪ ،‬أو اختالف بني‬
‫الفهم العلمي والفهم العريف‪ ،‬تقدَّ م نتيجة الفهم العريف عىل نتيجة الفهم العلمي‪،‬‬
‫وذلك للسببني التاليني‪:‬‬

‫املرشع اإلسالمي يف خطاباته‬


‫ِّ‬ ‫‪ .1‬أنه قد ثبت من االستقراء الستعامالت‬
‫وحواراته أنه يسلك طريقة الناس (العرف)‪.‬‬

‫‪ .2‬أن استعامل العرف هو بمثابة القرينة‪ ،‬و القرينة يف حالة تعارضها مع صاحبها‬

‫() النص الرشعي‪ :‬مفهومه وفهمه‪ ،‬الدكتور الفضيل‪ ،‬جملة الكلمة‪ ،‬العدد (‪.)55‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪10‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫املفس‪ ،‬وهذا من القضايا الواضحة‪.‬‬
‫واملفس يقدَّ م عىل رَّ‬
‫رِّ‬ ‫مفسة‪،‬‬
‫تقدَّ م عليه ألهنا رِّ‬

‫والذي يتحكم يف هذا الفهم العريف هو ما يمتلكه الفقيه من ذوق أديب يوقفه عىل‬
‫نِكات التعبري ودقائق الرتكيب اللفظي‪ .‬كام أن الذي حيكّم فيه هو ما حيمله الفقيه من‬
‫حس اجتامعي يدرك به عرفيات النص التي يضيفها االستعامل االجتامعي عىل مغزاه‬
‫ّ‬
‫ومؤ َّداه‪ ،‬التي هي فوق القواعد والتي هي من نتائج الطريقة االجتامعية (العرفية) يف‬
‫التعامل مع الصياغات الكالمية ودالالهتا‪ .‬ومن هنا نعت هذا الفقيه بالفقيه الذوقي‪.‬‬
‫وأيضا وعىل أساس منه ندرك أمهية ورضورة ا ّطالع الفقيه عىل حضارة عصور‬
‫ً‬
‫الترشيع اإلسالمي‪ ،‬وبخاصة ما يرتبط منها بفهم دالالت النصوص الرشعية‪.‬‬

‫كام ال ُبدَّ يف دراسة النص الرشعي من أن نتحرك داخل إطار املبدأ العام للترشيع‬
‫املرشع اإلسالمي أن يلتقي دائماً وأبدً ا مع طبيعة اإلنسان‬ ‫اإلسالمي الذي راعى فيه ِّ‬
‫عب عنها تعاىل‬ ‫يف تكوينه اجلسدي والروحي والنفيس والعقيل‪ ،‬تلك الطبيعة التي رَّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتقدَّ س ﴿ف ْط َر َة اللهَِّ ا َّلتي َف َط َر الن َ‬
‫َّاس َع َل ْي َها﴾() ‪ ،‬وداخل دائرة عالقاته االجتامعية فر ًدا‬
‫وأرسة وجمتم ًعا ودولة‪ ،‬وهبا حيافظ عىل مقاصد الرشيعة‪ ،‬وهي‪ :‬حفظ الدين وحفظ‬
‫النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ املال()‪.‬‬

‫‪ .2‬االهتامم باملنهج االستقرائي يف قراءته التارخيية‪.‬‬

‫مرت هبا‬
‫وتنشأ أمهية هذا املنهج من أمهية التعرف إىل املراحل التعليمية التي َّ‬
‫املسألة املبحوثة‪ ،‬والتعرف إىل آراء األعالم وظروف تطورها وتغيرُّ ها‪ ،‬مما يؤثر عىل‬
‫فهم املسألة ومصاديقها‪.‬‬

‫() سورة الروم‪.30:‬‬


‫() املصدر السابق‪ ،‬وانظر جملة قضايا إسالمية معارصة‪ ،‬العددان (‪ 9‬و ‪1421 ،)10‬هـ‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫العالمة الفضيل الفقيه املثقف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يقول‪« :‬وكذلك ملا أدركه ب َّينا من الفرق بني الطريقة االستنتاجية يف البحث‬
‫والطريقة االستقرائية‪ ،‬حيث يعتمد االستنتاج عىل التفكري املجرد ويقوم االستقراء‬
‫عىل مالحظة الواقع»‪.‬‬

‫‪ .3‬االهتامم بالبعد االجتامعي للبحث الفقهي‪:‬‬

‫وهذا يرجع إىل الطريقة العلمية التي اختارها يف تعامله مع النصوص الرشعية‬
‫والتي ذكرناها يف النقطة األوىل‪ ،‬كام يتجىل هذا البعد يف نوعية البحوث التي اختارها‬
‫للبحث‪ ،‬كالغناء‪ ،‬واالجتهاد‪ ،‬والتقليد‪ ،‬وحلق اللحية‪ ،‬واملوقف يف ظل الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ودراسة داللية لكلمة (إرهاب)‪ ،‬والرأي الفقهي يف الصلح مع إرسائيل‪،‬‬
‫التأويل‪ ،‬وغريها من البحوث ذات الصلة باحلراك االجتامعي والثقايف املعارص‪.‬‬
‫كتاب (معامالت البنوك التجارية)‪:‬‬
‫وهو بني يديك‪ ،‬وقد ذكر سامحته يف املقدمة خصائص هذا الكتاب‪ ،‬حيث‬
‫وأنموذجا ملا ُيعرف بـ‬
‫ً‬ ‫أعدَّ ه ليكون اجلزء الرابع من سلسلة (دروس يف فقه اإلمامية)‪،‬‬
‫(املسائل املستحدثة)‪.‬‬
‫وجتلىَّ يف هذا الكتاب األسلوب اخلاص واملتميز املذكور آن ًفا‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫املميزات التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬اختيار بحث (البنوك) ملا له من أمهية يف البحث الفقهي املعارص‪.‬‬
‫‪ .2‬حتديد املنهج العام للكتاب بني يدي القارئ قبل الرشوع فيه‪.‬‬
‫‪ .3‬التوطئة للبحث برسد كعجم خمترص للمصطلحات االقتصادية ذات الصلة‪،‬‬
‫وهو ما سيمثل املبادئ التصورية للبحث‪.‬‬
‫‪ .4‬بحث موضوع (الربا) يف املعجم االقتصادي املعارص‪ ،‬وكان دافعه إىل‬
‫ذلك «ما سنراه من اختالف يف فهم الفقهاء ملعطيات النصوص الرشعية‪ ،‬وفهمهم‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪12‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫للمؤثرات العرفية اجلاهلية‪ ،‬وكذلك ما نراه من خالف يف النتائج التي انتهى إليها‬
‫الفقهاء»‪.‬‬
‫‪ .5‬تقديم خالصة لكل مادة مبحوثة‪ ،‬ليسهل عىل القارئ استيعاب البحث‬
‫كامالً‪.‬‬
‫‪ .6‬استعراض رأي بعض الفقهاء من العامة‪ ،‬وهذا جيعل من البحث بح ًثا فقه ًّيا‬
‫مقارنًا‪.‬‬

‫‪ .7‬اعتامد سلسلة واسعة من املصادر واملراجع‪.‬‬

‫والكثري من اخلصائص التي نرتكها لفهم القارئ العزيز‪.‬‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫مركز الفقاهة للدراسات والبحوث الفقهية‬


‫حممد مدن آل عمري‬
‫القطيف‬ ‫ ‬
‫‪V‬‬
‫ّ‬
‫املقدمة‬
‫احلمد هلل وسالم عىل عباده الذين اصطفى‬
‫وبعد‪:‬‬

‫فهذا هو اجلزء الرابع من أجزاء جمموعة دروس يف فقه اإلمامية‪ ،‬يبحث‬


‫يف معامالت البنوك التجارية من ناحية فقهية‪ ،‬وهي مما يصطلح عليه يف فقهنا‬
‫اإلمامي بـ(املسائل املستحدثة)‪ ،‬وقد اقتضاين ذلك أن أتناول املوضوعات بشكل‬
‫صنفت حمتويات الكتاب كالتايل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أشمل استيعاب ًا وأكثر توضيح ًا‪ ،‬وقد‬

‫‪ -1‬البنك‬

‫التسمية‪ ،‬التعريف‪ ،‬النشأة‪ ،‬التطور‪ ،‬التنويع‪ ،‬األعامل املرصفية‪ ،‬اخلالصة‪.‬‬

‫‪ -2‬املقدمات‬

‫موضوع البحث‪ ،‬منهج البحث‪ ،‬مصطلحات اقتصادية مهمة‪ ،‬كتابات‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪14‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فقهية سابقة‪.‬‬

‫‪ -3‬بني يدي املوضوع‬

‫حقيقة الربا‪ ،‬مسائل هلا مدخلية مبارشة‪ ،‬احلكومات والرأي الفقهي يف‬
‫مرشوعية التعامل معها‪ ،‬متلك الشخصية املعنوية‪ ،‬إنشاء العقد بالكتابة‪ ،‬الربا يف‬
‫النقود الورقية‪.‬‬

‫‪ -4‬األحكام الفقهية للبنوك التجارية‬

‫مرشوعية إنشاء البنوك‪ ،‬مرشوعية العمل يف البنوك‪ ،‬مرشوعية التعامل مع‬


‫البنوك‪ ،‬اخلالصة‪.‬‬

‫وأخري ًا‪ ...‬أرجو أن يتكامل هذا البحث يف موضوعه مع ما كتبه العلامء‬


‫واألساتذة املعارصون‪ ،‬وأن يوفق اهلل اجلميع لنيل رضاه إنه تعاىل ويل التوفيق‬
‫وهو الغاية‪.‬‬

‫عبد اهلادي الفضيل‬ ‫ ‬


‫الدمام ‪ -‬دارة الغريني‬ ‫ ‬
‫غرة شهر رمضان املبارك لسنة ‪1425‬هـ‬
‫الباب األول‬

‫البنوك‬

‫التسمية‬

‫التعريف‬

‫النشأة‬

‫التطور‬

‫التنويع‬

‫األعامل املرصفية‬
‫اخلالصة‬
‫التسمية‬
‫يطلق يف لغتنا العربية املعارصة عىل املنشأة املالية التي نحن يف معرض تعريفها‬
‫وتعرف أحكامها الرشعية عنوانان أو اسامن‪ ،‬مها‪:‬‬

‫َبنْك‪ ..‬مَصرْ ِ ف‪.‬‬

‫واالسم األول (بنك) هو تعريب للفظ اإلنجليزي ‪ Bank‬الذي هو ـ بدوره ـ‬


‫مأخوذ من اللفظ اإليطايل ‪ Banca‬الذي هو األصل يف وضع هذا االسم هلذه املنشأة‬
‫املالية املعروفة‪ ،‬ذلك ألن إيطاليا هي أول بالد يف العامل أنشئ فيها أول بنك‪ ،‬وكان‬
‫ذلك يف البندقية (فينيسيا ‪ )Venice‬سنة ‪1157‬م‪.‬‬

‫وقد نص غري واحد من املعجميني العرب املعارصين عىل تعريب هذا االسم‪،‬‬
‫كام يف معجم (حميط املحيط) ـ مادة بنك ـ‪ ،‬وجاء يف معجم (الروس) العريب ـ مادة‬
‫بنك ـ‪« ،‬البنك (معرب)‪ :‬املرصف»‪.‬‬

‫وألن كلمة (بنك) مل تستعمل يف هذا املعنى احلديث عند العرب إالّ بعد معرفتهم‬
‫هبا عن طريق اللغات األوروبية‪ ،‬مل تدخل املعاجم العربية إالّ حديث ًا‪ ،‬وربام كان أقدم‬
‫من ذكرها هبذا املعنى اجلديد املعلم بطرس البستاين (ت ‪1300‬هـ ـ ‪1883‬م) يف‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪18‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(حميط املحيط)‪ ،‬فقد جاء فيه‪« :‬البنك‪ :‬املصطبة‪ ،‬وكل ما كان مرتفع ًا عام حوله‪ ،‬وما‬
‫تُرفع عليه جرة املاء‪ ،‬ورأس مال يوضع يف حمل خمصوص ألجل أعامل خمصوصة‬
‫وحتت إدارة ورشائع معينة‪.‬‬

‫ويطلق أيض ًا عىل املحل الذي يوضع فيه ذلك‪ ،‬وعىل أصحاب املال أنفسهم‪،‬‬
‫وعىل مديري العمل‪ .‬معرب ج بنوك وبنوكة»‪.‬‬

‫واالسم الثاين (مرصف) هو الرتمجة العربية لكلمة (‪ ،)Bank‬اختارها املرتجم‬


‫ألهنا األقرب من حيث الداللة للكلمة اإلنجليزية‪.‬‬

‫وممن أشار إىل ذلك األب اليسوعي يف معجمه (املنجد) ـ مادة بنك ـ قال‪:‬‬
‫«البنك ج بنوك (ت)‪ =( :‬اصطالح جتاري)‪ :‬املحل الذي توضع فيه األموال ألعامل‬
‫خمصوصة حتت إدارة خمصوصة‪ ،‬وعربيها (املرصف)‪ ،»...‬ويف (املعجم الوسيط) ـ‬
‫مادة رصف ـ‪« :‬املرصف‪ :‬مكان الرصف‪ ،‬وبه سمي البنك مرصف ًا»‪ ،‬ويف (املعجم‬
‫العريب األسايس) ـ مادة بنك ـ‪« :‬البنك‪ :‬املرصف»‪.‬‬

‫ونجد هذين االستعاملني يف عناوين الكتب املؤلفة يف موضوعنا هذا‪ ،‬أمثال‪:‬‬

‫‪ .1‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬للدكتور‪ /‬عيل مجال الدين عوض‪.‬‬

‫‪ .2‬عمليات املصارف‪ ،‬لألستاذ‪ /‬إلياس ناصيف‪.‬‬

‫‪ .3‬املصارف اإلسالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬للدكتور‪ /‬عبد الرزاق رحيم‬


‫جدي اهليتي‪.‬‬

‫‪ .4‬البنوك اإلسالمية‪ :‬التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق‪ ،‬لألستاذة‪ /‬عائشة‬


‫الرشقاوي املالقي‪.‬‬
‫التعريف‬
‫ُع ّرف البنك أو املرصف يف املعجم اللغوي العريب احلديث بتعاريف مأخوذة من‬
‫التعريفات العلمية للبنك‪ ،‬مع مراعاة االختصار يف صوغ العبارة‪ ،‬ومن أقدم املعاجم‬
‫اللغوية العربية احلديثة ـ يف حدود ا ّطالعي ـ التي أدخلت كلمة (بنك) ّ‬
‫وعرفته بمعناه‬
‫اجلديد معجم (حميط املحيط)‪ ،‬قال ـ كام تقدم ـ‪« :‬البنك ‪ ...‬ورأس مال يوضع يف حمل‬
‫خمصوص ألجل أعامل خمصوصة‪ ،‬وحتت إدارة ورشائع معينة‪.‬‬

‫ويطلق ـ أيض ًا ـ عىل املحل الذي يوضع فيه ذلك‪ ،‬وعىل أصحاب املال أنفسهم‪،‬‬
‫وعىل مديري العمل»‪.‬‬

‫عرفه جممع اللغة العربية بالقاهرة يف (املعجم الوسيط) ـ مادة بنك‬


‫ثم بعد ذلك ّ‬
‫ـ بام نصه‪« :‬البنك‪ :‬مؤسسة تقوم بعمليات االئتامن باالقرتاض واإلقراض»‪.‬‬

‫والفارق بني هذا التعريف وتعريف البستاين يف (حميط املحيط) هو أن تعريف‬


‫املجمع حرص داللة كلمة (بنك) باملؤسسة‪ ،‬بينام هي يف تعريف املحيط تشمل‪ :‬رأس‬
‫املال‪ ،‬واملؤسسة‪ ،‬وأصحاب املال‪ ،‬وموظفي املؤسسة‪.‬‬

‫وقد يرجع هذا الفارق إىل استعامل كلمة (بنك) يف املحيط كان قبل أن تستقر ـ‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪20‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كمصطلح جتاري ـ وتنحرص داللتها يف املؤسسة‪.‬‬

‫وتعريف املجمع نفسه نجده يف (املعجم الكبري)‪ ،‬فقد جاء فيه‪« :‬البنك ‪:Bank‬‬
‫مؤسسة تقوم بعمليات االئتامن باإلقراض واالقرتاض»‪.‬‬

‫وقد تبنى هذا التعريف املرعشليان يف معجم (الصحاح يف اللغة والعلوم)‬


‫وعزياه إىل املجمع‪.‬‬

‫وعرفته معاجم أخرى بام يلتقي مع تعريف املجمع أو يقرب منه‪.‬‬

‫وقد يعود هذا إىل أن أعامل البنك ال تقترص عىل اإلقراض واالقرتاض‪.‬‬

‫ففي معجم (الرائد) جلربان مسعود‪« :‬مرصف‪ :‬مؤسسة رسمية أو خاصة‬


‫توضع فيها األموال والودائع»‪.‬‬

‫ويف معجم (اهلادي إىل لغة العرب) حلسن سعيد الكرمي‪« :‬والبنك‪ :‬مؤسسة‬
‫يوضع فيها املال للتعامل التجاري»‪.‬‬

‫ويف معجم (الكايف) ملحمد الباشا‪« :‬البنك‪ :‬املرصف‪ ،‬وهو مؤسسة تعنى‬
‫باألعامل املرصفية»‪.‬‬

‫ويف معجم (األلفبائي) للجيالين بن احلاج حييى وزميليه بلحسن الب ّليش وعيل‬
‫بن هادية‪« :‬البنك‪ :‬هو مرصف توضع فيه األموال‪ ،‬وتقع بواسطته مبادلة العملة حتت‬
‫إدارة خاصة»‪.‬‬

‫هذه نامذج من التعريف املعجمي احلديث للمرصف بمعناه احلديث‪.‬‬

‫وعلينا اآلن االنتقال إىل حماولة الوقوف عىل التعريفات العلمية احلديثة‬
‫للبنك‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫التعريف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جاء يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل) ـ ص ‪ 44‬ـ‪:‬‬
‫«مرصف‪ ،‬بنك ‪ :Bank‬مؤسسة مالية تقوم بأعامل اإلقراض واالقرتاض‪ ،‬وبإصدار‬
‫الكمبياالت‪ ،‬وباالئتامن عىل األموال والودائع واملمتلكات الثمينة‪ ،‬وبتمويل اإلعالم‬
‫واملشاريع وما شابه ذلك»‪.‬‬

‫إن الذي يلحظ يف هذا التعريف أنه يقوم عىل بيان الوظائف أو األعامل التي‬
‫يقوم هبا البنك‪.‬‬

‫ويبدو من مراجعة الكتب والرسائل املختصة بدراسة البنوك أن قيام تعريف‬


‫البنك عىل تعداد أعامله أو وظائفه هو الطريق الذي ينبغي أن يسلك إليه‪.‬‬

‫وألن وظائف أو أعامل البنوك ختتلف باختالف أوضاع البنوك من حيث املكان‬
‫والزمان‪ ،‬قلة وكثرة‪ ،‬وسعة وضيق ًا‪ ،‬ومجود ًا وتطور ًا‪ ،‬صعب عىل املختصني الوصول‬
‫إىل بيان حقيقة البنك بتعريف واحد أو موحد‪ ،‬يشمل البنوك يف خمتلف األمكنة‬
‫واألزمنة‪.‬‬

‫لنقرأ النص التايل من كتاب (عمليات البنوك) لعيل مجال الدين عوض ـ ص‬
‫‪ 4‬ـ‪« :‬تعريف البنك أو املرصف‪ :‬من الواضح أن فكرة العمل املرصيف ـ عىل األقل‬
‫يف أصلها ـ تستند إىل فكرة املرصف ذاته‪ ،‬فام هو املرصف؟ ليس هناك ترشيع وضع‬
‫تعريف ًا منضبط ًا للبنك أو املرصف‪ ،‬حتى يف البالد العريقة مرصفي ًا‪ ،‬فالرشاح اإلنجليز‬
‫إذ يقرون عدم وجود تعريف يف أي ترشيع‪ ،‬يفضلون عدم وضع تعريف جامع‪،‬‬
‫لصعوبة ذلك‪ ،‬ويقنعون بذكر معيار‪ ،‬هو احلد األدنى‪ ،‬يف خصائص املؤسسة كي تعترب‬
‫مرصف ًا‪ ،‬فيقولون إنه يلزم أن يكون يف اختصاصها‪:‬‬

‫‪1‬ـ قبول النقود من العمالء وديعة‪ ،‬وحتصيل الشيكات التي تكون مستحقة‬
‫هلم‪ ،‬وإيداع حصيلتها يف حاسباهتم‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪22‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪2‬ـ وفاء الشيكات واألوامر الصادرة من العمالء عىل حساباهتم‪.‬‬

‫‪3‬ـ فتح حسابات جارية يف دفاترها‪.‬‬

‫وقد يضاف إىل هذه الوظائف أعامل أخرى‪ ،‬وإنام هذه هي احلد األدنى الالزم‪،‬‬
‫وإالّ فال تعترب املنشأة بنك ًا»‪.‬‬

‫ويف كتاب (عمليات املصارف) ـ ‪ 29/3‬ـ يقول مؤلفه إلياس ناصيف‪:‬‬


‫«تعريف ومفهوم املؤسسة املرصفية‪ :‬قد يصعب وضع تعريف للمرصف‪ ،‬جيمع بني‬
‫مجيع أوجه نشاطه‪ ،‬وذلك لتنوع واختالف العمليات التي يقوم هبا‪ ،‬ولرسعة تطور‬
‫هذه العمليات واضطرادها املستمر‪ ،‬إالّ أن مفهوم املرصف ينطلق من غايته األساسية‬
‫التي ترتبط بالعمل الذي أنشئ من أجله‪ ،‬والذي هو بوجه خاص جتارة النقود‪.‬‬

‫فاملرصف هو عبارة عن تاجر نقود‪ ،‬يتوسط بني الرأسامليني من جهة الذين‬


‫يودعون أمواهلم يف املصارف‪ ،‬هادفني إىل استثامرها‪ ،‬واملحافظة عليها‪ ،‬وبني التجار‬
‫الذين حيتاجون إىل النقود لتمويل مشاريعهم التجارية من جهة أخرى‪ ،‬فيمدهم‬
‫املرصف هبذه النقود‪ ،‬وهو بذلك يستفيد من الفرق بني سعر الفائدة يف اإليداع‬
‫وسعرها يف اإلقراض فيحقق بذلك ربح ًا»‪.‬‬

‫هيون األمر يف شأن تعريف البنك يف وقتنا هذا هو انتشار البنوك هذا‬
‫والذي ّ‬
‫االنتشار الواسع وتعامل كل الناس معها حتى أصبحت رضورة من رضورات احلياة‬
‫املالية عند البرش‪.‬‬

‫وهبذا أمست معروفة من دون حاجة إىل تعريفها‪.‬‬

‫وعليه‪ :‬نقول‪ :‬البنك هو هذه املؤسسة املعروفة‪.‬‬

‫أو قل‪ :‬البنك هو البنك‪.‬‬


‫النشأة‬
‫يذكر مؤرخو نشأة البنوك احلديثة أن أول بنك حديث أنشئ يف مدينة البندقية‬
‫‪ Venice‬بإيطاليا سنة ‪1157‬م‪.‬‬

‫ثم ويف سنة ‪1170‬م أنشئ بنك آخر يف مدينة جنوة ‪ Genoa‬بإيطاليا أيض ًا‪.‬‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬ويف مدينة البندقية بإيطاليا أنشئ بنك ريالتو ‪Rancada Pizadi‬‬
‫‪ Riaalro‬سنة ‪1587‬م‪.‬‬

‫ويعد هذا املرصف أول مرصف منظم ()‪.‬‬

‫ومن هنا عُدّ الربع األخري من القرن السادس عرش امليالدي البداية الفعلية‬
‫والصحيحة لنشأة املصارف احلديثة ()‪.‬‬

‫ثم تواىل إنشاء املصارف احلديثة‪ ،‬فأنشئ‪:‬‬

‫ـ يف سنة ‪1609‬م بنك أمسرتدام هبولندا‪.‬‬

‫() انظر‪ :‬املصارف اإلسالمية بني النظرية والتطبيق ‪.42‬‬


‫() م ‪ .‬ن‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪24‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ ويف سنة ‪1619‬م بنك هامبورج بأملانيا‪.‬‬

‫ـ ويف سنة ‪1694‬م بنك انكلرتا‪.‬‬

‫ـ ويف عام ‪1800‬م بنك فرنسا‪.‬‬

‫«أما تاريخ دخول املصارف املنظمة يف العرص احلديث إىل دول العامل اإلسالمية‬
‫فريجع إىل عام ‪1898‬م عندما أنشئ البنك األهيل املرصي»()‪.‬‬

‫() م ‪ .‬س ‪.43‬‬


‫التطوّر‬
‫يقول الدكتور حممد حسن اجلرب يف كتابه (العقود التجارية وعمليات البنوك‬
‫يف اململكة العربية السعودية) ـ ص ‪ 209‬ـ‪« :‬كانت البنوك يف البداية جمرد جتار نقود‪،‬‬
‫تقترص وظيفتهم عىل القيام بعمليات الرصف اليدوي‪ ،‬ولكن البنوك ما لبثت أن‬
‫حتولت إىل جتارة ائتامن‪ ،‬تتلقى الودائع النقدية من أصحاب رؤوس األموال ومجهور‬
‫املدخرين الذين وثقوا هبا واطمأنوا إليها‪ ،‬وتقرضها بدورها إىل التجار وأرباب‬
‫الصناعة وخمتلف املرشوعات االقتصادية يف البالد بضامنات أو بغري ضامنات حسب‬
‫خربهتا ومعرفتها بظروف املقرتضني ومالءمتهم املالية»‪.‬‬

‫ويقسم األستاذ مصطفى اهلمرشي يف كتابة (األعامل املرصفية واإلسالم) ـ ص‬


‫‪ 34‬ـ األدوار التطورية التي مرت هبا البنوك إىل أربعة‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪1‬ـ دور األمانة (عملية اإليداع)‪.‬‬

‫‪2‬ـ دور التفكري يف استغالل هذه األمانة‪.‬‬

‫‪3‬ـ دور احتكار هذه العمليات االستغاللية‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪26‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪4‬ـ دور التضامن وظهور املصارف بصورهتا الراهنة‪.‬‬

‫والذي هيمنا الرتكيز عليه من هذه األدوار األربعة الدور الثالث ألنه اخلصيصة‬
‫التي متيز البنك عام سواه من املؤسسات املالية‪.‬‬

‫يقول األستاذ اهلمرشي ـ يف املصدر السابق ‪39‬ـ‪ 40‬ـ‪« :‬الدور الثالث‪ :‬احتكار‬
‫مجيع النقود واستغالهلا يف التعامل الربوي‪.‬‬

‫وتز ّعم هذا الدور فريق املربني‪ ،‬وساعدهم النشاط التجاري وحركة التصنيع‪.‬‬

‫ونقصد باملربني ـ هنا ـ رجال التجارة والصاغة والصيارفة‪ ،‬فهؤالء بعد طول‬
‫التجربة واهتدائهم إىل الودائع املرصفية‪ ،‬وخلق الثقة ـ أو ما يسمى باالئتامن ـ أرادوا‬
‫أن تزداد الثروة يف أيدهيم وأن حيتكروها لالستغالل فأخذوا (حيركون املال الراكد‬
‫لدى األفراد فيقرتضونه منهم بفائدة قليلة ليقرضوه بفائدة أكرب أو يستثمروا بعضه‬
‫ويقرضوا بعضه‪ ،‬وهدفهم يف كل ذلك اإلنامء‪ ،‬وقد صادف عملهم هذا قبوالً وإقباالً‬
‫من الناس ملا يعتقدونه فيهم من خربة ومران وحسن تدبري)‪.»..‬‬
‫التنويع‬
‫يقول الدكتور عبودة‪« :‬اختلفت تصنيفات البنوك باختالف الفقهاء‬
‫والترشيعات‪ ،‬فجاء تقسيمها‪:‬‬
‫ـ إىل بنوك القطاع العام وبنوك القطاع اخلاص‪.‬‬
‫ـ وإىل بنوك ودائع وبنوك أعامل وبنوك قروض طويلة ومتوسطة األجل‪.‬‬
‫ـ وإىل بنوك إسالمية وبنوك غري إسالمية»()‪.‬‬
‫فاملصارف ـ كام ترى ـ تتنوع بتنوع اخلدمات التي تقدمها‪ ،‬كام أهنا تتنوع بتنوع‬
‫املالكني هلا‪.‬‬
‫وكل من هذين األساسني يف تنويعها وتقسيمها يتدخل بشكل مبارش يف حتديد‬
‫املوقف الرشعي منها ـ كام سيأيت ـ‪.‬‬
‫والتصنيف األساس هلا هو أهنا تنقسم إىل التايل‪:‬‬

‫‪1‬ـ البنوك املركزية‬


‫أيضا (مؤسسات النقد) و(مؤسسات النقد الوطنية)‪.‬‬
‫وتسمى ً‬

‫() م ‪ .‬س ‪.35‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪28‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وهي تلكم البنوك التي تقوم بالوظائف التالية‪:‬‬

‫ـ مسك حسابات احلكومة‪.‬‬

‫ـ إصدار أوراق البنك نوت‪ ،‬وسندات القروض العامة‪.‬‬

‫ـ وقد تشتغل باألعامل املرصفية كغريها‪.‬‬

‫‪2‬ـ البنوك التجارية‬

‫وهي التي تقوم بالوظائف أو األعامل التالية‪:‬‬

‫ـ «قبول الودائع بأنواعها املختلفة‪ :‬ودائع األجل‪ ،‬ودائع ادخارية (صناديق‬


‫التوفري)‪ ،‬ودائع حتت الطلب‪ ،‬ودائع بأخطار»‪.‬‬

‫والسلف للعمالء (املستثمرين) ألَ َج ٍل ال يتجاوز عا ًما أو‬


‫ـ «تقديم القروض ُ‬
‫عامني أو ثالثة أعوام‪ ،‬أي بام يعرف بالقروض قصرية ومتوسطة األجل»‪.‬‬

‫ـ «خصم األوراق التجارية (الشيك‪ ،‬الكمبيالة‪ ،‬السندات االذنية) حلساهبا»‪.‬‬

‫ـ «حتصيل الشيكات والكمبياالت للعمالء»‪.‬‬

‫ـ «إصدار خطابات الضامن بنوعيها ـ االبتدائية والنهائية ـ التي يطلبها‬


‫العمالء»‪.‬‬

‫ـ «فتح االعتامدات املستندية التي يطلبها العمالء»‪.‬‬

‫ـ «إجراء التحويالت النقدية بني العمالء بمجرد أن يطلبوا ذلك»‪.‬‬

‫ـ «تأجري اخلزائن احلديدية واملخازن للعمالء»‪.‬‬

‫ـ «حفظ األوراق املالية (األسهم والسندات)‪.»..‬‬


‫‪29‬‬ ‫التنويع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ «حتصيل كوبونات األوراق املالية (األسهم والسندات)‪ ،‬وبيع األوراق املالية‬
‫يف سوق املال (بورصة األوراق املالية) بناء عىل طلب محلة هذه األوراق»‪.‬‬

‫ـ «القيام بعمليات بيع ورشاء العمالت األجنبية (الرصف األجنبي) أو عمليات‬


‫(الكامبيو)‪ .)(»..‬ويراد بالكامبيو‪« :‬حتويل األوراق والعمالت النقدية املعمول هبا يف‬
‫دولة إىل ما يساوهيا من قيمة يف دولة أخرى»()‪.‬‬

‫ـ «فتح حسابات جارية للعمالء»‪.‬‬

‫ـ «تسهيل سداد الديون من جهة إىل جهة أخرى بأيرس الطرق»()‪.‬‬

‫«وفض ً‬
‫ال عن الوظائف السابقة‪ ،‬فإن املصارف التجارية يف عامل اليوم تقوم‬
‫بجانب هذه الوظائف‪ ،‬والتي تعد تقليدية بالنسبة هلا ببعض الوظائف احلديثة‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫ـ أعامل السمرسة‪.‬‬

‫ـ وتقديم االستشارات االقتصادية‪.‬‬

‫ـ وأعامل أمناء االستثامر»()‪.‬‬

‫فالبنك التجاري ـ وباختصار ـ هو تلك املؤسسة التي تقوم باملعامالت التجارية‬


‫وتتخذها مهنة هلا‪.‬‬

‫‪3‬ـ البنوك املتخصصة‬

‫عرفها الدكتور اهليتي يف كتابه (املصارف اإلسالمية بني النظرية والتطبيق) ص‬


‫ّ‬

‫() انظر‪ :‬املصارف اإلسالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬د‪ .‬اهليتي ‪.53‬‬
‫() الربا بني االقتصاد والدين‪ ،‬عز العرب فؤاد ‪.163‬‬
‫() م ‪ .‬ن‬
‫() املصارف اإلسالمية بني النظرية والتطبيق ‪.53‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪30‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال عن كتاب (البنوك اإلسالمية‪ :‬املنهج والتطبيق ص ‪ 37‬ـ)‪« :‬وهي املصارف‬ ‫‪ 54‬نق ً‬
‫التي تقوم بالعمليات املرصفية التي ختدم نوع ًا حمدد ًا من النشاط االقتصادي‪ ،‬وف ًقا‬
‫للقرارات الصادرة بتأسيسها ومزاولة نشاطها‪ ،‬والتي ال يكون قبول الودائع حتت‬
‫الطلب كأحد أنشطتها األساسية»‪ ..‬وهذه أمثال التالية‪:‬‬

‫ـ البنوك العقارية‬

‫وتقوم بتقديم خدمات مرصفية يف جمال اإلسكان‪ ،‬وختضع لإلرشاف‬


‫احلكومي‪.‬‬

‫ـ املصارف الصناعية‬

‫«وهي التي ختتص بتقديم االعتامدات واملساعدات للمشاريع واملؤسسات‬


‫الصناعية‪ ،‬والتي يكون غرضها األسايس اإلسهام يف التنمية الصناعية للنهوض‬
‫بالقطاع الصناعي يف الدولة»()‪.‬‬

‫ـ املصارف الزراعية‬

‫وتقوم بتقديم االعتامدات واملساعدات للمشاريع الزراعية‪.‬‬

‫ـ بنوك االستثامر‬

‫«وهي املصارف التي تقدم اخلدمات املرصفية التقليدية واحلديثة يف جمال‬


‫االستثامر‪ ،‬وذلك من خالل جتميع املدخرات واألموال من األسواق العاملية ـ بصفة‬
‫خاصة ـ والتعرف عىل فرص االستثامر املتاحة الستغالهلا طب ًقا ألغراض التنمية‬
‫االقتصادية‪ ،‬وذلك من خالل دراسة اجلدوى االقتصادية للمرشوعات وإنشاء‬

‫() د‪ .‬اهليتي ‪ 54‬ـ ‪ 55‬عن د‪ .‬هناد السباعي و د‪ .‬رزق اهلل األنطاكي يف (موسوعة احلقوق‬
‫التجارية ‪.)163/3‬‬
‫‪31‬‬ ‫التنويع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وتأسيس الرشكات والرتويج هلا واملسامهة يف رؤوس أمواهلا»()‪.‬‬

‫ـ مصارف األعامل‬

‫«وهي مؤسسات متخصصة تقوم هياكلها عىل اقتصاديات األعامل من حيث‬


‫البحث عن أحسن فرص االستثامر الطويل األجل‪ ،‬بام يف ذلك حتقيق احلد األقىص‬
‫لألرباح بأقل تكلفة ممكنة»()‪.‬‬

‫ـ مصارف الرهون‬

‫«وهي املصارف التي متكن األفراد من احلصول عىل القوة الرشائية الرضورية‪،‬‬
‫لسد حاجاهتم الشخصية اجلارية أو الطارئة‪ ،‬وغالب ًا ما تكون مقاصد قروضها‬
‫استهالكية‪ ،‬ومن النادر أن تستخدم يف اإلنتاج»()‪.‬‬

‫‪4‬ـ املصارف اإلسالمية‬

‫جاء يف كتاب (البنوك اإلسالمية‪ :‬التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق) لعائشة‬
‫عرفتها اتفاقية إنشاء‬
‫الرشقاوي املالقي ـ ص ‪ 26‬ـ ما ييل‪« :‬أما البنوك اإلسالمية فقد ّ‬
‫(االحتاد الدويل للبنوك اإلسالمية) يف الفقرة األوىل من املادة اخلامسة ـ عند احلديث‬
‫عن رشوط العضوية يف االحتاد ـ كالتايل‪( :‬يقصد بالبنوك اإلسالمية يف هذا النظام‪:‬‬
‫تلك البنوك أو املؤسسات التي ينص قانون إنشائها ونظامها األسايس رصاحة عىل‬
‫االلتزام بمبادئ الرشيعة‪ ،‬وعىل عدم التعامل بالفائدة ً‬
‫أخذا وعطا ًء)‪.)(»...‬‬

‫ال عن (البنوك اإلسالمية‪ :‬املنهج والتطبيق ‪.)39 – 38‬‬ ‫() د‪ .‬اهليتي ‪ 55‬ـ ‪ 56‬نق ً‬
‫() م ‪ .‬ن عن‪( :‬االقتصاد والنقد املرصيف للدكتور مصطفى شيحة ‪.)396‬‬
‫() م ‪ .‬ن عن (النقود والبنوك للدكتور حممد عزيز ‪.)356‬‬
‫() ويف هامشه‪« :‬انظر‪ :‬اتفاقية إنشاء االحتاد الدويل للبنوك اإلسالمية‪ ،‬مطابع االحتاد الدويل‬
‫للبنوك اإلسالمية ـ مرص اجلديدة‪ ،‬القاهرة ‪1397‬هـ ـ ‪1977‬م ص ‪.»10‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪32‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وهناك تقسيم آخر للبنوك يقوم عىل أساس هوية املالك للبنك‪ ،‬وهو التقسيم‬
‫الفقهي اإلمامي‪ ،‬ونجده يف الكتب الفقهية اإلمامية احلديثة‪ ،‬ويف الباب املعنون عند‬
‫أصحابنا فقهاء اإلمامية بِـ (املسائل املستحدثة)‪ ،‬ومنه‪:‬‬

‫ـ ما جاء يف كتاب (بحوث فقهية) من حمارضات الفقيه الشيخ حسني احليل‬


‫بقلم تلميذه السيد عز الدين بحر العلوم ـ ص ‪ 98‬ط ‪ 3‬ـ حتت عنوان (أقسام البنوك‬
‫واملصارف)‪ ،‬وهو التايل‪« :‬إذا صنفنا البنوك واملصارف لرأيناها تنقسم إىل ثالثة‬
‫أقسام‪:‬‬

‫‪1‬ـ حكومية‪ :‬ويكون رأس ماهلا مكونًا من أموال الدولة‪ ،‬وال َح َّق لشخص‬
‫معني فيه‪ ،‬بل هو مصلحة حكومية‪.‬‬

‫‪2‬ـ أهلية‪ :‬ويتكون رأس مال البنك األهيل من اشرتاك عدد من ذوي املال‪،‬‬
‫وتكون األرباح مقسمة عىل نسبة احلصص التي يملكها كل مشرتك منهم‪.‬‬

‫‪3‬ـ مشرتكة بني احلكومة واألهايل‪ :‬وتكون جمموع احلصص مشرتكة بينهم عىل‬
‫نسبة معينة بني الطرفني»‪.‬‬

‫وقد تبنى هذا التقسيم الفقهي الثالثي ممن كتب يف (املسائل املستحدثة) ـ يف‬
‫حدود اطالعي ـ كل من‪:‬‬

‫ـ أستاذنا السيد اخلوئي يف (منهاج الصاحلني) ـ ‪ 425/2‬ط ‪1407‬هـ‪ ،‬قال‪:‬‬


‫«املصارف والبنوك‪ ،‬وهي ثالثة أصناف‪:‬‬

‫‪1‬ـ أهيل‪ :‬وهو ما يتكون رأس ماله من شخص واحد أو أشخاص مشرتكني‪.‬‬

‫‪2‬ـ حكومي‪ :‬وهو الذي تقوم الدولة بتمويله‪.‬‬

‫‪3‬ـ مشرتك‪ :‬ومتوله الدولة وأفراد الشعب»‪.‬‬


‫‪33‬‬ ‫التنويع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ وأستاذنا الشيخ زين الدين يف كتابه (املسائل املستحدثة) ط ‪1987‬م يف مطبعة‬
‫اهلاشمي بالبحرين ص ‪ 38 ،37‬قال‪« :‬تنقسم البنوك املعروف وجودها يف بالد‬
‫املسلمني إىل عدة أصناف‪:‬‬

‫‪1‬ـ بنوك أهلية‪ :‬وهي التي تقوم بإنشائها مجاعة من أهل البالد املسلمني‪،‬‬
‫فيشرتك كل واحد منهم بدفع سهم واحد أو أكثر من املال الذي أرادوا مجعه لتمويل‬
‫البنك حتى جيتمع من جمموع هذه السهام رأس املال املحدد أو املفتوح لكل من يريد‬
‫االشرتاك‪ ،‬ويؤسس منه البنك ليقوم بأعامله وحركته االقتصادية كسائر البنوك‪.‬‬

‫وقد يشرتك معهم غري املسلم يف املسامهة‪ ،‬وهذا ال يعني أن البنك أصبح لغري‬
‫املسلمني بعد أن كان األكثر منهم‪ ،‬فال خيتلف احلكم بذلك‪ ،‬وتقسم األرباح بني‬
‫املشرتكني عىل نسبة ما يملكه املشرتك من السهام يف رأس املال‪.‬‬

‫وقد يتفق أن يكون البنك األهيل كله لشخص واحد فيضع هو رأس ماله ويقوم‬
‫بتأسيسه ومتويله وتكون له أرباحه»‪.‬‬

‫‪2‬ـ بنوك حكومية‪« :‬وهي التي تؤسسها احلكومات املسلمة يف البالد‪ ،‬فهي التي‬
‫تضع رأس املال وتنشئ املؤسسة وتعينّ موظفيها وعامهلا وترشف عىل حركتها وتقوم‬
‫باللوازم التي حتتاج إليها املؤسسة يف نشاطها وبقائها»‪.‬‬

‫‪3‬ـ بنوك مشرتكة بني األهلني واحلكومة‪« :‬فيسهم كل منهام بمقدار من رأس‬
‫املال‪ ،‬وعىل ذلك يتم اإلنشاء وتسري األعامل وتقسم األرباح»‪.‬‬

‫ويف كتاب (بحوث فقهية هامة) ص ‪ 340‬يقسم الشيخ الشريازي البنوك إىل‬
‫نوعني‪ ،‬مها‪:‬‬

‫‪1‬ـ البنك احلكومي‪« :‬وهو إما أن يكون يف خدمة حكومة إسالمية أو حكومة‬
‫وضعية‪ ،‬تستفيد منه يف منافعها اخلاصة»‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪34‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪2‬ـ البنك اخلاص‪ :‬كالبنوك التابعة للرشكات اخلاصة‪ ،‬وهو الذي يداول أموال‬
‫الناس يف سبيل كسب منافعه اخلاصة‪ ،‬وحتصيل األرباح ألصحاب االشرتاك‪ ،‬مع‬
‫إجيابه حتصيل األرباح لسائر الناس أيض ًا»‪.‬‬

‫ويالحظ عىل هذه القسمة الفقهية‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن املقسم ـ هنا ـ هو البنك التجاري‪ ،‬إالّ أنه مل ُيشرَ إىل ذلك‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن جعل البنك احلكومي الغري امللتزم يف معامالته بالفقه اإلسالمي قسي ًام‬
‫للبنك األهيل يرتبط باخلالف الفقهي يف ملكية اجلهة (الشخصية االعتبارية)‪ ،‬وجمهولية‬
‫أموال احلكومة (غري حكومة املعصوم أو نائبه)‪ ..‬فعىل أحد الرأيني يف املسألة وهو‬
‫القول بعدم ملكية الدولة وجمهولية ملكية أمواهلا يصح التقسيم ثالثي ًا‪ ،‬وعىل الرأي‬
‫اآلخر ال يصح‪ ،‬لعدم الفرق يف ترتيب األحكام بني البنك األهيل والبنك احلكومي‪.‬‬

‫وإخال أن تقسيم البنك احلكومي يف قسمة الشيخ الشريازي إىل ما هو يف خدمة‬


‫حكومة إسالمية وما هو يف خدمة حكومة غري إسالمية‪ ،‬فيه ملحظ ملا أرشت إليه‪.‬‬

‫فصل يف هذا الفقيه احليل‪ ،‬قال يف (بحوث فقهية ‪« :)98‬ونتيجة‬


‫ومن قبله ّ‬
‫هلذا التقسيم تكون أموال البنوك احلكومية جمهولة املالك‪ ،‬بينام تكون البنوك األهلية‬
‫معلومة املالك‪ ،‬أما البنوك املشرتكة فإن أموال الدولة فيها تكون جمهولة املالك‪ ،‬وقد‬
‫اختلطت بأموال معلومة املالك‪ ،‬وهي أموال األهلني الذين كانت هلم سهام فيه‪.‬‬

‫البنوك احلكومية‬

‫وطبيعي أن إفراد البحث والكالم فيها كقسم مستقل إنام هو بناء عىل أن الدولة‬
‫ال متلك ما حتت يدها من األموال فيكون ذلك املال من أفراد املال املجهول مالكه‪،‬‬
‫وأما من يرى من الفقهاء بأن الدولة ـ وإن كانت جائرة ـ مالكة ـ فحينئذ ـ ال يفرق‬
‫‪35‬‬ ‫التنويع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫احلال من الوجهة العلمية بني بنوك الدولة أو األهيل‪ ،‬وال يكون أثر هلذا التقسيم»‪.‬‬

‫مهشه السيد بحر العلوم بقوله‪« :‬ال يسع املقام البحث عن مالكية الدولة‬
‫و َّ‬
‫أو عدم املالكية‪ ..‬فقد اختلفت كلمة الفقهاء يف ذلك‪ ،‬واملهم يف البني هو أن شيخنا‬
‫األستاذ ـ دام ظله ـ ال يرى مالكية الدولة‪ ،‬وللبحث أدلته وال جمال للتطرق إليها»‬
‫وسنعود للمسألة بمزيد توضيح وتفصيل‪.‬‬

‫األعمال املصرفية‬

‫األعامل املرصفية التي يقوم هبا البنك التجاري‪ ،‬ويطلق عليها عنوان (األعامل‬
‫املرصفية) هي‪ :‬التي تقدم ذكرها‪ ،‬وقد تسمى بـِ (الوظائف البنكية) و(العمليات‬
‫املرصفية)‪ ،‬ويلخصها الدكتور عبد املجيد حممد عبودة يف كتابه (النظام البنكي يف‬
‫اململكة العربية السعودية) ـ ‪ 23‬ـ‪ ،‬فيقول‪« :‬يقصد باصطالح األعامل املرصفية‪:‬‬

‫ـ أعامل تسلم النقود كودائع جارية أو ثابتة‪.‬‬

‫ـ وفتح احلسابات اجلارية‪.‬‬

‫ـ وفتح االعتامدات‪.‬‬

‫ـ وإصدار خطابات الضامن‪.‬‬

‫ـ ودفع وحتصيل الشيكات أو األوامر وأذون الرصف وغريها من األوراق‬


‫ذات القيمة‪.‬‬

‫ـ وخصم السندات والكمبياالت وغريها من األوراق التجارية وأعامل الرصف‬


‫األجنبي‪.‬‬

‫وغري ذلك من أعامل البنك»‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪36‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وال بد من التنويه هنا إىل أن النشاط البنكي يف تطور مستمر‪ ،‬فال يتأتى للباحث‬
‫حرص خمتلف األعامل التي يقوم هبا البنك‪.‬‬

‫ومن هنا ال تعد األعامل والوظائف املذكورة هي كل نشاطات البنك‬


‫املرصفية‪.‬‬

‫اخلالصة‬

‫‪1‬ـ تسمى املؤسسة املالية ـ موضوع بحثنا ـ يف لغتنا العربية باسمني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫ـ (ا َمل رْ ِ‬
‫صف)‪ :‬وهو االسم العريب األصيل‪.‬‬

‫ـ (ال َبنْك)‪ :‬وهو االسم َّ‬


‫املعرب (الدخيل)‪.‬‬

‫‪2‬ـ وأقرب تعريف اقتصادي للبنك هو‪ :‬املؤسسة املالية التجارية التي تقوم بام‬
‫يعرف باألعامل املرصفية‪.‬‬

‫‪3‬ـ أول ما انوجد البنك انوجد يف إيطاليا ويف القرن الثاين عرش امليالدي‪.‬‬

‫ومن إيطاليا انترش يف بلدان أوربا‪.‬‬

‫ودخل بالدنا العربية يف أخريات القرن التاسع عرش امليالدي‪.‬‬

‫والبنوك منذ نشأهتا وحتى اآلن هي يف تطور مستمر‪ ،‬متمث ً‬


‫ال ذلك التطور يف‬
‫تنوع وتوسع عملياهتا ونشاطاهتا املرصفية‪.‬‬

‫‪4‬ـ وتصنف البنوك ـ تصنيف ًا أساسي ًا ـ إىل‪:‬‬

‫ـ البنوك املركزية‪.‬‬

‫ـ البنوك التجارية‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫التنويع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ البنوك املتخصصة‪.‬‬

‫وقسمها فقهاؤنا اإلماميون املعارصون إىل األقسام التالية‪:‬‬

‫ـ البنوك احلكومية‪.‬‬

‫ـ البنوك األهلية‪.‬‬

‫ـ البنوك املشرتكة بني احلكومة واألهايل‪.‬‬

‫‪5‬ـ وأهم األعامل املرصفية هي‪:‬‬

‫ـ قبول الودائع‪.‬‬

‫ـ فتح احلسابات اجلارية‪.‬‬

‫ـ فتح االعتامدات‪.‬‬

‫ـ إصدار خطابات الضامن‪.‬‬

‫ـ دفع وحتصيل الشيكات وأذون الرصف‪.‬‬

‫ـ خصم السندات والكمبياالت‪.‬‬

‫وغريها من أعامل أخرى‪.‬‬


‫الباب الثاني‬
‫ت‬

‫الـمـقـدمـات‬

‫موضوع البحث‬

‫منهج البحث‬

‫مصطلحات اقتصادية مهمة‬

‫كتابات فقهية سابقة‬


‫موضوع البحث‬
‫تبينا ـ مما سبق ـ أن موضوع بحثنا هنا الذي سنحاول معرفة أحكامه الفقهية من‬
‫حيث تأسيسه والتعامل معه هو (البنك التجاري)‪.‬‬

‫ويرجع هذا إىل أن البنك التجاري أصبح رضورة من رضورات احلياة املالية‬
‫جلميع الناس‪ ،‬فليس هناك ممن يتعامل مع املال وبه من يستطيع أن يستغني عن التعامل‬
‫مع البنك التجاري‪ ،‬فاملؤسسات عىل اختالف أنامطها وخمتلف شؤوهنا‪ ،‬وكذلك‬
‫األفراد بتنوع أعامهلم ونشاطاهتم‪ ،‬اجلميع بحاجة إىل التعامل مع البنك التجاري‪ ،‬وال‬
‫أقل من إيداع املال فيه حلفظه واملحافظة عليه‪.‬‬

‫عم االبتالء به‪ ،‬ودخل حتت عنوان (املسائل التي‬


‫من هنا ـ وكام يقول فقهاؤنا ـ َّ‬
‫تعم البلوى هبا)‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومسائل كهذه‪ ،‬حيث يشمل االبتالء هبا ُّ‬
‫جل الناس‪ ،‬بل مجيع الناس‪ ،‬عىل الفقيه‬
‫البحث فيها واستنباط أحكامها من املصادر الرشعية‪ ،‬لوضعها بني يدي املسلمني‬
‫ليكون تعاملهم مع البنك عن بينة رشعية‪ ،‬وعىل بصرية من أمرهم‪.‬‬

‫وكذلك ألن البنك التجاري دخل بالدنا اإلسالمية ويف حياتنا املالية بحلته‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪42‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الرأساملية دون أن جيري املسلمون عليه التعديالت الرضورية التي جتعله يتمشى‬
‫وأحكام الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫هلذا وذاك كان ال بد من البحث فيه فقه ًّيا ملعرفة اجلوانب التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬حكم إنشائه من قبل املسلمني‪.‬‬

‫‪ .2‬حكم التوظف فيه‪.‬‬

‫‪ .3‬حكم تعامل املسلمني معه‪.‬‬

‫هدف البحث‬

‫فهدف البحث ـ وكام هو واضح ـ حماولة معرفة احلالل واحلرام الرشعيني يف‬
‫أعامل البنك التجاري‪ ،‬ويف تعامل املسلمني معه وظيف ًّيا ومال ًّيا‪.‬‬
‫منهج البحث‬

‫أفدنا من املدخل هلذا الكتاب‪ ،‬ويف غري موضع منه أن املعامالت املرصفية هي‬
‫من املسائل املستحدثة‪ ،‬وهذا يفرض عىل الباحث فيها لكي يصل إىل نتائج سليمة أن‬
‫ينطلق يف بحثه من منطلقني أساسيني‪ ،‬مها‪:‬‬

‫‪ .1‬حماولة حتديد املوضوع أوالً‪.‬‬

‫‪ .2‬ثم حماولة معرفة احلكم‪.‬‬

‫يعب عنه يف كتب مناهج البحث احلديثة‪ ،‬أو‬


‫ففي جمال حتديد املوضوع‪ ،‬كام رّ‬
‫تشخيص املوضوع كام يف لغة الفقه‪ ،‬ومها ـ أعني التحديد والتشخيص ـ مصطلحان‬
‫يرتادفان عىل معنى واحد‪ ،‬هو تعيني اليشء ومتييزه عام سواه‪ ،‬فالتعبري بأهيام كان هو‬
‫تعبري صحيح‪.‬‬

‫أقول‪ :‬يف هذا املجال ـ جمال حتديد املوضوع وتشخيصه ـ عىل الباحث اتباع‬
‫اخلطوات التالية‪:‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪44‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .1‬الرجوع إىل أنظمة البنوك التجارية املدونة‪ ،‬تلك البنوك التي يتعامل معها‬
‫املسلمون‪ ،‬سواء كانت قائمة يف البالد اإلسالمية أو يف خارجها‪.‬‬

‫‪ .2‬الرجوع إىل نامذج من أوراق املعامالت املعقودة بني البنوك والعمالء‪.‬‬

‫‪ .3‬الرجوع إىل القرارات البنكية الصادرة عن إدارات البنوك وجمالسها بشأن‬


‫املعامالت املرصفية‪.‬‬

‫‪ .4‬الرجوع إىل الكتب والرسائل املؤلفة يف املوضوع‪ ،‬وكذلك البحوث‬


‫واملحارضات التي تعني هبذا الشأن‪.‬‬

‫وموجب هذا يعود إىل أن مفاهيم املسائل والقضايا املرصفية بعد ملا تدخل دائرة‬
‫ميسورا لكل أحد‪ ،‬ليصح‬
‫ً‬ ‫الفهم العريف وتستقر يف أذهان الناس حتى يصبح فهمها‬
‫االعتامد عىل الفهم العريف واإلرجاع إليه‪.‬‬

‫ويعود هذا إىل أهنا بعد ملا تنترش وتشيع يف أوساطنا االجتامعية االنتشار والشيوع‬
‫اللذين حيققان هلا فهماً عرف ًّيا يعتمد عليه عند الرجوع إليه‪.‬‬

‫وأؤكد عىل هذا ألن اتباع املنهج الفلسفي ـ كام هو معروف مما صدر من الكثري‬
‫منهم ـ عند عدم القدرة عىل تشخيص املوضوع أو عدم وضوحه‪ ،‬أو ألجل االحتياط‬
‫بغية أن يتيقن الباحث من دخول املوضوع واحد ًا من املحتمالت‪ ،‬يأخذون باملنهج‬
‫املذكور‪ ،‬فيعفون أنفسهم من عناء حماولة التحديد‪ ،‬مكتفني بطرح كل املحتمالت‪،‬‬
‫وحماولة معرفة حكم كل واحد من هذه املحتمالت التي تردد املوضوع بينها حسب‬
‫اعتقاد الباحث‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫منهج البحث‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إذ املالحظ ـ هنا ـ وبخاصة يف مثل موضوعنا‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن املوضوع املبحوث عنه وفيه قد ال يأيت واحدً ا من املحتمالت التي ذكرها‬
‫الباحث‪ ،‬ويف هذه احلال يصبح البحث عقيماً ال يوصل إىل النتيجة املطلوبة‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن مثل هذا البحث الذي يقوم عىل االحتامالت‪ ،‬فيه يشء من اإلطالة غري‬
‫املرغوب فيها‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن البنوك حقيقة مادية (جزئيات) قائمة يف واقعنا‪ ،‬وماثلة للعيان‪ ،‬يمكن‬
‫معرفتها بشكل مبارش وبيرس‪ ،‬وذلك عن طريق الدراسة امليدانية‪.‬‬

‫ومن هنا أرى ال بد من انتهاج طريقة االستقراء واملالحظة‪ ،‬ملعرفة حقيقة البنك‬
‫كموضوع يرتتب عليه احلكم الرشعي‪ ،‬ويتم هذا عن طريق الدراسة امليدانية أو باتباع‬
‫اخلطوات املذكورة بعاليه‪.‬‬

‫‪4‬ـ ومما يؤخذ عىل عدد غري قليل من الكتب الفقهية التي تناولت أو تعرضت‬
‫لألعامل املرصفية أمثال كتاب (أحكام البنوك) وكتاب (فقه البنوك) عدم التوثيق‬
‫لتحديدات وتشخيصات موضوعات البنوك التجارية‪ ،‬وذلك ألن التوثيق ـ هنا ـ‬
‫يشء أسايس ال بد منه للسببني التاليني‪:‬‬

‫أ ـ أن املفاهيم البنكية ـ كام تقدم ـ مل تصل إىل مستوى الفهم العريف حتى يتمكن‬
‫الباحث من االعتامد عليه وإرجاع القارئ إليه‪.‬‬

‫ب ـ أن هناك خالف ًا يف بعض املفاهيم البنكية جاء من االختالف يف االجتهاد‬


‫العلمي عند املتخصصني يف اقتصاديات وأدبيات البنوك‪ ،‬فعىل أهيا استند الباحث؟‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪46‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يضاف إليه‪ :‬أن التوثيق من ناحية منهجية يشء أساس يف البحوث العلمية‪،‬‬
‫ومن أهم أصوليات الدراسات العلمية‪.‬‬

‫وكشاهد عىل هذا مل يذكر يف قائمة مصادر ومراجع الكتاب الثاين من الكتابني‬
‫املذكورين حتى اسم كتاب واحد ـ عىل األقل ـ من الكتب املؤلفة يف البنوك التجارية‬
‫من قبل املختصني باقتصاديات البنوك‪ ،‬كام أنه مل يرش إىل دراسة ميدانية قام هبا‬
‫املؤلف‪.‬‬

‫هذا كله يف املجال األول‪.‬‬

‫وأما يف املجال الثاين ـ حماولة معرفة احلكم ـ فلفقهائنا اإلماميني املعارصين‬


‫طريقتان يف االستنباط واالستدالل ملعرفة أحكام املسائل املستحدثة‪ ،‬مها‪:‬‬

‫ـ طريقة التامثل أو التناظر‪.‬‬

‫ـ طريقة الشمول بالعمومات واإلطالقات‪.‬‬

‫ويراد بالطريقة األوىل (طريقة التامثل أو التناظر)‪ :‬أن تأيت املعاملة املستحدثة‬
‫(احلديثة أو اجلديدة) مماثلة ملعاملة قديمة مرشوعة‪ ،‬أي إن املعاملة املستحدثة ـ‬
‫باعتبارها موضوع ًا ـ هي مثل املعاملة القديمة بالشكل الذي يساعد هذا التامثل الفقيه‬
‫عىل ترسية أحكام املعاملة القديمة إىل املعاملة اجلديدة‪.‬‬

‫وكمثال هلذا‪ :‬ما استدل به أستاذنا السيد اخلوئي عىل مرشوعية معاملة التأمني ـ‬
‫وهي من املعامالت املستحدثة ـ بمامثلتها للهبة املعوضة ـ وهي من املعامالت القديمة‬
‫ـ‪ ،‬قال يف كتابه (منهاج الصاحلني) ـ ‪ 439/2‬ـ‪« :‬مسألة ‪ :28‬جيوز تنزيل عقد التأمني ـ‬
‫‪47‬‬ ‫منهج البحث‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بشتى أنواعه ـ منزلة اهلبة املعوضة‪ ،‬فإن املؤ َّمن له هيب مبلغ ًا م َّعين ًا من املال يف كل قسط‬
‫ُص عليها‬
‫إىل املؤ ِّمن‪ ،‬ويشرتط عليه ضمن العقد أنه عىل تقدير حدوث حادثة معينة ن ّ‬
‫يف االتفاقية أن يقوم بتدارك اخلسارة النامجة له‪ ،‬وجيب عىل املؤ ِّمن الوفاء هبذا الرشط‪،‬‬
‫وعىل هذا فالتأمني بجميع أقسامه عقد صحيح رشع ًا»‪.‬‬

‫ويراد بالطريقة الثانية (طريقة الشمول بالعمومات واإلطالقات) أن تأيت املعاملة‬


‫املستحدثة مستوفية ألجزاء ورشوط املعاملة املرشوعة‪ ،‬تلك األجزاء والرشوط التي‬
‫نص عليها الرشع‪ ،‬فتندرج هلذا حتت أحد العمومات وبالشكل الذي يشملها بعمومه‪،‬‬
‫أو حتت أحد اإلطالقات وبالشكل الذي يشملها بإطالقه‪.‬‬

‫وكمثال هلذا‪ :‬ما استدل به أستاذنا الشيخ زين الدين يف رسالته (املسائل‬
‫املستحدثة) ـ ص ‪ 3‬ـ‪ ،‬قال‪« :‬املسألة ‪ :1‬الظاهر صحة هذه املعاملة (يعني معاملة‬
‫التأمني) ونفوذها عىل املتعاملني فيلزمهام الوفاء هبا حسب ما يتفقان عليه من اللوازم‬
‫ويوقتان له من املدة‪.‬‬

‫والتأمني ـ عىل األقوى ـ عقد من العقود يشتمل عىل اإلجياب والقبول‪ ،‬يمكن‬
‫للطرفني أن يوقعامها باللفظ إذا أحسنا التعبري عن مجيع بنود املعاملة باللفظ‪ ،‬ولكنهام‬
‫يف الغالب يقعان بالفعل‪ ،‬وال مانع من ذلك‪.‬‬

‫املفوض (بوليصة التأمني) إىل الشخص املستأمن بعد‬


‫فيدفع وكيل الرشكة َّ‬
‫اتفاقهام عىل املعاملة ورشوطها‪ ،‬ويكون دفعه إياها بقصد اإلجياب‪ ،‬فيو ّقعها الشخص‬
‫املستأمن‪ ،‬ويكون توقيعه عليها قبوالً للمعاملة‪.‬‬

‫ويمكن أن يكون توقيع (البوليصة) من الشخص املستأمن إجياب ًا منه للمعاملة‪،‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪48‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ويكون دفع الوثيقة إليه من وكيل الرشكة بعد ذلك قبوالً لإلجياب‪ ،‬وعىل أي‬
‫النحوين أجري العقد بني الطرفني كان صحيح ًا‪ ،‬ووجب الوفاء به بمقتىض آية الوفاء‬
‫بالعقود»‪.‬‬

‫وألن كلتا هاتني الطريقتني مرشوعتان يصح األخذ بأهيام يف جمال االستنباط‬
‫واالستدالل ملعرفة حكم املعاملة املرصفية سيكون هنا هو املنهج الذي سيتّبع‪.‬‬
‫مصطلحات اقتصادية ّ‬
‫مهمة‬
‫سأحاول ـ هنا – انتقاء بعض املصطلحات االقتصادية ذات العالقة باقتصاد‬
‫وأعرفها عن طريق الرجوع إىل املعاجم املتخصصة بذكر ما ذكرته‬
‫ّ‬ ‫وأعامل البنوك‪،‬‬
‫مكتف ًيا يف التوثيق بذكر عنوان املعجم دونام ذكر الصفحة‪ ،‬الستطاعة معرفة ذلك‬
‫عن طريق املادة‪ ،‬ففي املعاجم ذات التسلسل اإلنجليزي يرجع إىل املصطلح بعنوانه‬
‫اإلنجليزي‪ ،‬ويف املعاجم ذات التسلسل العريب يرجع إليه بعنوانه العريب‪.‬‬

‫وإليكها‪:‬‬

‫‪1‬ـ االئتمان ‪Credit‬‬

‫االئتامن مصطلح من مصطلحات القانون التجاري‪ ،‬ويعني‪ :‬التسليف‪ ،‬والثقة‬


‫املالية التي تضع املقرتض موضع الوثوق‪ ،‬أي االئتامن به واالطمئنان إليه من قبل‬
‫املقرض‪ ،‬جاء يف (معجم املصطلحات الفقهية والقانونية) ـ ص ‪ 8‬ـ‪« :‬ويف علم‬
‫االقتصاد‪ :‬االئتامن تعهد يقطعه أحد املصارف لشخص طبيعي أو معنوي‪ ،‬جتيز له أن‬
‫يسحب ماالً م َّعين ًا بمثابة دين أو وديعة الستثامره يف جمال معني‪ ..‬وهذا التعهد الذي‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪50‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يقدمه املرصف يكون عادة مبن ّي ًا عىل ثقته بالزبون أو املدين‪.‬‬

‫فاالئتامن ـ إذ ًا ـ هو تسليف املال ألجل مسمى هبدف تثمريه يف النشاط‬


‫االقتصادي»‪.‬‬

‫‪2‬ـ االستثمار ‪Investment‬‬

‫هو توظيف األموال بام حيقق للمؤسسة التجارية إيراد ًا إضافي ًا كرشاء األسهم‬
‫والسندات واألوراق املالية األخرى والنشاطات االقتصادية املثمرة()‪.‬‬

‫ويف (معجم املصطلحات الفقهية والقانونية) ـ ص ‪ 43‬ـ‪« :‬االستثامر يف لغة‬


‫االقتصاد عملية االستفادة من األموال املوظفة يف جمال معني كتوظيفها يف املجال‬
‫العقاري أو العمراين أو الصناعي هبدف تعزيز اإلنتاج وزيادة الرأسامل»‪.‬‬

‫ويف (معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية) ـ ص ‪43‬ـ‪ 44‬ـ‪« :‬االستثامر‬


‫املرصيف‪ Bank Investment‬هو أن يقوم املرصف بتوظيف جزء من أمواله اخلاصة أو‬
‫املودعة لديه يف العمليات االستثامرية‪ ،‬ومن بينها التوظيف يف الرشكات الصناعية‬
‫والتجارية واملالية والعقارية‪ ،‬كام قد يشرتك املرصف يف تأسيس الرشكات‪ ،‬وقد يقوم‬
‫بدور الرشكات القابضة»‪.‬‬

‫‪3‬ـ االعتماد ‪Credit‬‬

‫«اتفاق يتعهد بموجبه البنك أن يضع حتت ترصف أحد عمالئه مبل ًغا معينًا‬
‫ملدة معينة‪ ،‬فهو وعد بالقرض يتحول إىل قرض متى استعمل العميل حقه يف سحب‬
‫املبلغ»()‪.‬‬

‫() انظر‪( :‬معجم املصطلحات املحاسبية واملالية) و(معجم مصطلحات االقتصاد واملال‬
‫وإدارة األعامل)‪.‬‬
‫() الصحاح يف اللغة والعلوم‪ ،‬مادة‪ :‬عمد‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫مصطلحات اقتصادية مهمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ويف (معجم املصطلحات الفقهية والقانونية) ـ ص ‪ 59‬ـ‪« :‬اعتامد يف لغة املوازنة‬
‫هو رصد مبلغ من املال ألغراض معينة‪.‬‬

‫وفتح االعتامد هو عقد يلتزم به مرصف بتقديم مبلغ معني إىل أحد التجار أو‬
‫أحد عمالئه‪ ،‬فإذا نفذ هذا العقد استحال االعتامد إىل عقد قرض»‪.‬‬

‫ويف (معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية) ـ ص ‪ 61‬ـ‪« :‬اعتامد مرصيف‬


‫‪ :Bank Credit‬اعتامد يفتح يف مرصف (بنك) ويكون عىل شكل مال مودع يف املرصف‪،‬‬
‫يستطيع املودع املقرتض أن يسحب منه بحدود مبالغ معينة يتفق عليها‪ ،‬وجيوز يف‬
‫بعض األحيان أن يكون املبلغ املعتمد مضمون ًا»‪.‬‬

‫‪4‬ـ التظهري (التجيري) ‪Endorsement‬‬

‫التظهري‪ ،‬ويقال له التجيري أيض ًا‪ ،‬هو الكتابة عىل ظهر الشيك بام يفيد أحد‬
‫األمور التالية‪:‬‬

‫‪1‬ـ التوقيع لالعرتاف بقبض املبلغ‪.‬‬

‫‪2‬ـ التوكيل يف القبض‪.‬‬

‫املدون فيه إىل شخص آخر‪( .‬انظر‪ :‬الصحاح يف اللغة‬


‫‪3‬ـ نقل ملكية املبلغ ّ‬
‫والعلوم‪ :‬مادة ظهر)‪.‬‬

‫‪5‬ـ التوفري ‪Saving‬‬

‫التوفري ـ لغة ـ االدخار‪ ،‬وهو يعني االحتفاظ بيشء من املال للمستقبل‪.‬‬

‫ومنه‪ :‬حساب التوفري ‪ Savings Account‬يف أعامل البنوك‪ ،‬يقول الدكتور عدنان‬
‫عابدين يف (معجم املصطلحات املحاسبية واملالية)‪« :‬حساب التوفري‪ :‬يفتح يف العادة‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪52‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حساب التوفري يف أي بنك أو مؤسسة للتوفري والتسليف‪ ،‬واخلصائص الرئيسية‬
‫حلسابات التوفري تتلخص فيام ييل‪:‬‬

‫‪ .1‬حيصل املودع عىل فائدة لرصيد املبالغ التي يوفرها‪.‬‬

‫‪ .2‬يمكن للمودع أن يقوم بالسحب من حسابه يف البنك بشخصه أو بواسطة‬


‫الربيد‪ ،‬كام يستطيع أن يقوم بذلك وكيله املعتمد رسمي ًا»‪.‬‬

‫ومنه أيض ًا مرصف التوفري ‪ ،Savings Bank‬وهو «مرصف الودائع حيتفظ‬


‫بمدخرات الناس ويوظفها ويدفع هلم فوائد عنها بنسب تتوقف عىل مقدار األرباح‬
‫التي حيققها من استمثاراته»()‪.‬‬

‫‪6‬ـ احلساب اجلاري ‪Checking Account‬‬


‫«شكل من أشكال احلساب املرصيف يفتح يف الدرجة األوىل لتمكني ِ‬
‫املودع من‬
‫حترير شيكات عىل رصيده املو َدع يف املرصف‪ ،‬وسحب مبالغه عند احلاجة»()‪.‬‬

‫‪7‬ـ احلساب املكشوف ‪Overdrawn Account‬‬


‫«حساب مدين‪ ،‬أي عندما يسحب ِ‬
‫املودع من املرصف مبل ًغا أكرب من املبلغ‬
‫املو َدع يف حسابه»()‪.‬‬

‫‪8‬ـ احلوالة ‪Draft‬‬

‫يف املصدر نفسه‪2« :‬ـ يف األعامل املرصفية واملالية‪ ،‬تعني الكلمة أمر ًا يصدره‬
‫شخص إىل آخر يطلب منه أن يدفع مبلغ ًا من املال إىل شخص ثالث‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫() معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل‪ :‬املادة املذكورة يف أعاله‪.‬‬
‫() م ‪ .‬س‪ :‬املادة املذكورة أعاله‪.‬‬
‫() م ‪ .‬س‪ :‬املادة املذكورة أعاله‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫مصطلحات اقتصادية مهمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تعترب الكمپيالة أو الشيك نوع ًا من احلوالة»‪.‬‬

‫ويف (معجم املصطلحات الفقهية والقانونية) ـ ص ‪ 143‬ـ«احلوالة املرصفية‬


‫هي حوالة تشبه الشيك وتكون مسحوبة من أحد املصارف عىل مرصف آخر وتدفع‬
‫عند الطلب‪ ،‬وتستعمل غالب ًا لنقل املال بني املرصف ولتسديد احلسابات والديون»‪.‬‬

‫ويف (معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية) ـ ص ‪ 223‬ـ‪« :‬حوالة بنكية‬


‫(مرصفية) ‪ :Bank Draft‬هي عملية نقل النقود أو أرصدة احلسابات من حساب إىل‬
‫حساب أو من بنك إىل بنك أو من بلد إىل بلد‪ ،‬وما يستتبع ذلك من حتويل العملة‬
‫املحلية إىل عملة أجنبية‪ ،‬أو حتويل عملة أجنبية إىل عملة أجنبية أخرى»‪.‬‬

‫‪9‬ـ اخلصم (احلسم)‬

‫ـ إعادة اخلصم (احلسم) ‪« :Rediscount‬تعني الكلمة حرفي ًا‪ :‬اخلصم مرة ثانية‪،‬‬
‫أي أن يبيع املرء (أو خيصم) ورقة جتارية قابلة للتداول كانت قد خصمت يف السابق‪.‬‬

‫مثال عىل ذلك‪ :‬جيوز للمرصف أو لرشكة متويل ابتاعت أو خصمت كمبياالت‬
‫من أحد التجار أن تعيد بيعها أو خصمها مرة ثانية من مرصف آخر» م‪ .‬ن‪.‬‬

‫ـ سعر إعادة اخلصم (احلسم) ‪ :Rediscount Rate‬هو «سعر الفائدة الذي يستوفيه‬
‫املرصف مقابل خصم ورقة جتارية قابلة للتداول سبق خصمها» م‪ .‬ن‪.‬‬

‫ويف (معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية) ـ ص ‪ 233‬ـ‪« :‬خصم‬


‫األوراق التجارية ‪ ،Bills Liablities‬اخلصم‪ :‬هو العملية التي يتم بمقتضاها قيام املرصف‬
‫بدفع قيمة ورقة جتارية للمستفيد قبل أجلها مقابل تنازل املستفيد للمرصف عن ملكية‬
‫احلق الثابت له‪ ،‬وخيصم املرصف من الورقة التجارية مبلغ ًا يسمى سعر اخلصم مقابل‬
‫فائدة املبلغ املدفوع عن املدة من تاريخ دفعه إىل تاريخ استحقاق الورقة‪ ،‬وبذلك‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪54‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يصبح اخلصم شك ً‬
‫ال من أشكال التسليف أو صورة من صور االئتامن وتعجيل الدفع‬
‫حسب رغبة املستفيد والثقة القائمة بينه وبني املرصف»‪.‬‬

‫‪10‬ـ خطاب االعتماد ‪Letters of credit‬‬

‫«هو مستند مايل حيتوي عىل أمر موجه من قبل مرصف ما إىل مرصف آخر‬
‫حمرره بدفع مبلغ معني من املال‪ ،‬ويستعمل هذا اخلطاب بني املؤسسات‬
‫يطلب فيه ّ‬
‫املختلفة من أجل تنظيم وتسديد حسابات البضائع التي تم شحنها أو تسديد تعويض‬
‫اخلدمات املقدّ مة» ـ معجم املصطلحات الفقهية والقانونية ـ‪.‬‬

‫‪11‬ـ خطاب الضمان ‪Letters of guarantee‬‬

‫«هو تعهد هنائي يصدر من البنك بناء عىل طلب العميل بقبول دفع مبلغ معني‬
‫أو قابل للتعيني بمجرد أن يطلب املستفيد ذلك من املرصف خالل مدة حمددة»‪.‬‬

‫‪12‬ـ الرهن ‪Mortgage‬‬

‫عرفه (معجم املصطلحات املحاسبية واملالية) بأنه‪« :‬الدين الطويل األجل‬ ‫ّ‬
‫الذي يملك الدائن فيه أولوية مضمونة حلقه يف املطالبة يف واحد أو أكثر من أصول‬
‫وموجودات املدين‪.‬‬

‫وهذا الرهن يعطي صاحبه الدائن حق بيع األصول أو املوجودات املرهونة‬


‫إجباري ًا من خالل نزع ملكية الرهنية إذا مل يدفع دين الرهن يف ميعاده املحدد»‪.‬‬

‫وعرفه (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل) بأنه‪« :‬نقل حق‬
‫ّ‬
‫ملكية العقار (ال حيازته) لضامن تسديد دين أو الوفاء بالتزام‪ ،‬عل ًام بأن هذا النقل‬
‫ال والغي ًا عندما يتم تسديد الدين أو الوفاء بااللتزام»‪.‬‬
‫يصبح باط ً‬
‫‪55‬‬ ‫مصطلحات اقتصادية مهمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ويقول يف موضع آخر‪« :‬رهن ‪ :Pledge‬أي يشء يعطيه أو يسلمه املدين إىل الدائن‬
‫كضامن لقرض استدانه منه‪ ،‬ويسمى الرهن بالضامن اإلضايف ‪ Collateral‬إذا كان اليشء‬
‫املرهون أسه ًام وسندات أو كمپياالت أو أي نوع من األوراق املالية األخرى‪.‬‬

‫وختتلف العملية املسامة بكلمة ‪ Pledge‬عن العملية املسامة بكلمة ‪ Mortgage‬من‬


‫حيث إن حق ملكية اليشء املرهون بموجب العملية األوىل يظل يف يد املدين وحتت‬
‫ترصفه»‪.‬‬

‫‪13‬ـ السند ‪Bond‬‬

‫«الوثيقة التي تثبت نصيب شخص يف قرض عرضته رشكة يف اكتتاب عام»()‪.‬‬

‫أو «هو عبارة عن صك يمثل دينًا عىل اهليئة التي أصدرته سواء كانت إحدى‬
‫الرشكات أو هيئة حكومية ويتعلق بقرض متوسط أو طويل األجل»()‪.‬‬

‫والسندات أنواع‪ ،‬منها‪:‬‬

‫ـ سندات املقارضة‪.‬‬

‫«وهي الوثائق املوحدة القيمة الصادرة عن البنك بأسامء من يكتتبون فيها مقابل‬
‫دفع القيمة املحررة هبا عىل أساس املشاركة يف نتائج األرباح املتحققة سنو ًيا حسب‬
‫الرشوط اخلاصة بكل إصدار عىل حدة‪.‬‬

‫أنواعها‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬سندات املقارضة املشرتكة (مضاربة)‪ :‬وهي عبارة عن سندات‬


‫بفئات معينة يصدرها املرصف ويطرحها يف السوق‪ ،‬ويقوم بتمويل املشاريع املختلفة‬

‫() انظر‪ :‬الصحاح يف اللغة والعلوم‪ ،‬املادة املذكورة يف أعاله‪.‬‬


‫() راجع‪ :‬معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية‪ :‬مادة سند‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪56‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من حصيلتها‪ ،‬ومن ثم يتم تقسيم األرباح الناجتة عن هذه االستثامرات بينه وبني‬
‫أصحاب رؤوس األموال حاميل السندات بنسب حمددة ومتفق عليها مسبق ًا‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬سندات املقارضة املخصصة‪ :‬وهي عبارة عن سندات املشاريع‬


‫خاصة وحمددة يكتتب عليها الراغبون يف هذه املرشوعات‪ ،‬كل حسب اختياره‪ ،‬ومن‬
‫حصيلتها يمول املرصف تلك املرشوعات‪ ،‬ومن ثم يقتسم املرصف صايف الربح‬
‫املتحقق بينه وبني حاميل هذه السندات بنسب حمددة ومتفق عليها»()‪.‬‬

‫‪14‬ـ السهم ‪Stock Share‬‬

‫تطلق كلمة (سهم) يف لغة املال عىل معنيني‪ ،‬مها‪:‬‬

‫ـ احلصة من املال التي يملكها صاحبها يف رأس مال املؤسسة رشكة أو بنك ًا‪.‬‬

‫عرفه بعضهم بام يفيد املعنى املذكور كام يف (معجم املصطلحات االقتصادية‬
‫وقد ّ‬
‫واإلسالمية) فقد جاء فيه‪« :‬السهم هو جزء من رأس مال الرشكة املسامهة يعطي‬
‫لصاحبه احلق يف حصة من األرباح التي حتققها الرشكة»‪.‬‬

‫ـ الوثيقة أو الشهادة التي تعطيها املؤسسة املالية لصاحب احلصة إلثبات ملكيته‬
‫هلا‪.‬‬

‫وعرفه املرعشليان بذلك يف معجمهام (الصحاح يف اللغة والعلوم)‪ ،‬قاال‪« :‬سهم‪:‬‬


‫ّ‬
‫الوثيقة التي تثبت النصيب الذي يشارك به شخص يف رأس مال رشكة مسامهة»‪.‬‬

‫وقد ذكر املحامي غطاس كال املعنيني ّفرق بينهام بالتسيمة اإلنجليزية ففي‬
‫صفحة ‪ 498‬قال‪« :‬سهم ‪ :Share‬الشهادة التي تثبت ملكية حاملها حلصة يف رشكة‬
‫مسامهة أو يف أرباح املرشوع أو يف أصوله وموجوداته»‪.‬‬

‫() م ‪ .‬ن‬
‫‪57‬‬ ‫مصطلحات اقتصادية مهمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقال يف الصفحة ‪« :517‬سهم ‪ :Stock‬حصة يف ملكية الرشكة أو يف رأسامل‬
‫واملوزع عىل حصص يملكها أشخاص متعددون بموجب شهادات‬
‫َّ‬ ‫الرشكة املستثمر‬
‫أو صكوك»‪.‬‬

‫‪15‬ـ السيولة ‪Liquidity‬‬

‫تطلق كلمة (سيولة) عىل «جمموعة األوراق النقدية التي متلكها الرشكة أو‬
‫الشخص الذي يترصف هبا يف جمال البيع والرشاء أو الدفع هبدف تسديد ديونه أو‬
‫التزاماته‪ ،‬وهي ختتلف عن األصول الثابتة التي ال يمكن حتويلها إىل نقد يف فرتة‬
‫قصرية»()‪.‬‬

‫كام تطلق الكلمة عىل «احلالة التي يستطيع فيها الشخص (أو الوحدة االقتصادية)‬
‫تسديد التزاماته وديونه دون حتويل األصول الثابتة التي لديه إىل نقد‪ ،‬أي نسبة جمموع‬
‫األصول التي لديه عىل شكل نقد أو التي يمكن حتويلها إىل نقد بسهولة ورسعة إىل‬
‫جمموع االلتزامات»()‪.‬‬

‫‪16‬ـ الشخص ‪ ،Person‬الشخصية ‪Personality‬‬

‫تعني كلمة (شخص) قانوني ًا اإلنسان مطلق ًا‪ ،‬طبيعي ًا كان أو معنوي ًا‪.‬‬

‫وكثري ًا ما يطلق عىل الشخص اسم (الشخصية)‪ ،‬وتقسم بنفس التقسيم الذي‬
‫يقسم إليه الشخص‪ ،‬فيقال‪ :‬شخصية طبيعية (حقيقية) وشخصية معنوية (اعتبارية)‪.‬‬

‫ويعرف الدكتور جرجس يف كتابة (معجم املصطلحات الفقهية والقانونية)‬


‫الشخص الطبيعي بقوله‪« :‬هو كل فرد يتمتع برشوط معينة يضعها القانون‪ ،‬ويكون‬

‫() معجم املصطلحات الفقهية والقانونية‪ :‬املادة املذكورة يف أعاله‪.‬‬


‫() معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية‪ :‬املادة املذكورة يف أعاله‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪58‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مؤه ً‬
‫ال للقيام بااللتزامات وتنفيذها‪ ،‬ويتحمل مسؤولية ما ينتج عن أعامله‪ ،‬عىل أن‬
‫يتمتع باألهلية التامة»‪.‬‬

‫وي ّعرف الشخص املعنوي بأنه‪« :‬جمموعة أفراد اختذوا صفة الشخص الطبيعي‬
‫لدى تأسيسهم رشكة أو مؤسسة جتارية فباتوا مسؤولني بالتضامن إزاء القانون‪،‬‬
‫كرشكات املسامهة ورشكات التضامن وغريها‪.‬‬

‫ال يعترب شخص ًا طبيعي ًا‪.‬‬


‫فالشخص الذي يعمل منفرد ًا ومستق ً‬

‫أما الرشكات التي يملكها عدة أشخاص أو شخص واحد تعترب بحد ذاهتا‬
‫شخص ًا معنوي ًا»‪.‬‬

‫ويف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل)‪« :‬شخص معنوي‬


‫(اعتباري) ‪ :Artificial Person‬جمموعة من األفراد أعطاها القانون حقوق الشخص‬
‫الطبيعي وفرض عليها االلتزامات التي تفرض عليه‪.‬‬

‫والعبارة تشمل رشكات املسامهة ورشكات التضامن وجمالس اإلدارة وجمالس‬


‫األمناء وما شابه ذلك‪.‬‬

‫ويف معظم القوانني التجارية نجد هذه العبارة أو ما شاهبها‪( :‬ال جيوز ألي‬
‫شخص أن ‪ )...‬ويقصد بكلمة (شخص) هنا أي فرد من الناس أو أي شخص‬
‫معنوي عىل حد سواء»‪.‬‬

‫ويعرف األستاذ عيل بن حممد اجلمعة يف كتابة (معجم املصطلحات االقتصادية‬


‫ّ‬
‫واإلسالمية) الشخصية املعنوية‪ ،‬فيقول‪« :‬الشخصية املعنوية أو االعتبارية ‪Personnel‬‬
‫‪ :Morale‬الشخص يف نظر القانون هو كائن صالح ألن تكون له حقوق وعليه واجبات‬
‫فهو يشمل اإلنسان‪ ،‬ويقال له‪ :‬الشخص الطبيعي‪ ،‬كام يشمل مجاعة من األفراد أو‬
‫جمموعة من األموال يسبغ عليها القانون الشخصية القانونية فتصبح شخص ًا معنوي ًا‬
‫‪59‬‬ ‫مصطلحات اقتصادية مهمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أو اعتباري ًا‪ ،‬وعليه فإن الشخص املعنوي ليس سوى مجاعة من األشخاص يضمهم‬
‫تكوين يرمي إىل هدف معني أو جمموعة من األموال ترصد لتحقيق غرض معني‬
‫ال ومتميز ًا عن األشخاص الذين‬
‫خيلع عليها القانون الشخصية فتكون شخص ًا مستق ً‬
‫يسامهون يف نشاطها أو يفيدون منها كالدولة واجلمعية والرشكة واملؤسسة‪.‬‬

‫ويرتتب عىل االعرتاف للرشكة أو املؤسسة بالشخصية املعنوية‪ ،‬متتعها بكافة‬


‫احلقوق التي يتمتع هبا الشخص الطبيعي إالّ ما كان منها مالز ًما لصفة اإلنسان‬
‫الطبيعية (كحقوق األرسة) ومن ثم يكون للرشكة ذمة مالية مستقلة‪ ،‬وأهلية يف حدود‬
‫الغرض الذي أنشئت من أجله‪ ،‬واسم وموطن‪ ،‬وممثل يعرب عن إرادهتا‪ ،‬وجنسية‬
‫تربطها بدولة معينة»‪.‬‬

‫‪17‬ـ الشيك ‪Check‬‬

‫الشيك‪ :‬هو ورقة مكتوبة حتمل أمر ًا من العميل إىل البنك بدفع مبلغ معني من‬
‫حسابه اجلاري للعميل نفسه أو لشخص آخر‪.‬‬

‫ويقول املحامي غطاس يف كتابة (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة‬


‫«يعرف القانون التجاري املوحد وقانون األوراق القابلة للتداول األمريكيان‬
‫األعامل)‪ّ :‬‬
‫الشيك بأنه حوالة أو كمپيالة تسحب عىل مرصف وتستحق الدفع عند الطلب‪.‬‬

‫والفرق بني الشيك واحلوالة أو الكمپيالة‪ :‬هو أن الشيك يستحق للدفع دائ ًام‬
‫عند الطلب‪ ،‬وأنه يفرتض بأن يكون لدى املرصف املسحوب عليه رصيد يف حساب‬
‫الساحب يكفي لتغطيته‪ ،‬وأنه ال يمكن لصاحبه أن يسرتده من املرصف إالّ بإشعار‬
‫إىل املرصف بإيقاف الدفع‪ ،‬وأنه ال حيتاج إىل قبول من جانب املرصف ليصبح صاحل ًا‬
‫ومستحق ًا للدفع»‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪60‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪18‬ـ الفائدة ‪Intrest‬‬

‫الفائدة ـ هنا ـ هي فائدة القرض الذي يقدمه املرصف للغري‪ ،‬والقرض الذي‬
‫يقدمه الغري للمرصف‪.‬‬

‫وألن الفائدة هذه يف نظر فقهائنا املعارصين إالّ القلة النادرة هي من الربا‪،‬‬
‫سأعرض ما وقفت عليه من تعريفاهتا ثم أحاول أن استخلص منها النقط املهمة‪.‬‬

‫والتعريفات هي‪:‬‬

‫ـ يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل)‪« :‬الفائدة‪ ...‬ويف‬


‫شؤون املال تعني الكلمة‪ :‬الثمن أو التعويض الذي يدفع لقاء استعامل املال للمقرتض‬
‫لفرتة من الزمن‪.‬‬

‫ويعب عنها بنسبة مئوية حتسب عىل أساس املبلغ املقرتض أو املستعمل خالل‬
‫رّ‬
‫الفرتة املعينة»‪.‬‬

‫ويف موضع آخر وحتت عنوان (سعر الفائدة ‪ )Rate of interest‬جاء فيه‪« :‬سعر‬
‫الفائدة‪ :‬تعني العبارة عموم ًا‪ :‬الرسم أو األجرة أو العمولة التي تدفع مقابل االنتفاع‬
‫باملال املقرتض‪ ،‬أي املبلغ الذي يدفعه املقرتض أو املدين مقابل استخدام املال الذي‬
‫استدانه أو مقابل التأخري يف تسديده‪ ،‬وهو حيسب كنسبة مئوية من جمموع املال‬
‫املقرتض خالل وحدة زمنية»‪.‬‬

‫ـ ويف (معجم املصطلحات املحاسبية واملالية)‪« :‬الفائدة‪ :‬هي الرسم املقرر‬


‫الستعامل املال‪.‬‬

‫وتعترب الفائدة بالنسبة للشخص الذي يستدين املال كمصاريف‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫للشخص الذي يسلف املال فإن الفائدة تعترب إيراد ًا»‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫مصطلحات اقتصادية مهمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ ويف (معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية)‪« :‬الفائدة يف االقتصاد‬
‫هي‪ :‬املبلغ الذي يدفعه املقرتض (املدين) إىل صاحب رأس املال (الدائن)‪ ،‬وبالتايل‬
‫فهي سعر اخلدمة التي قدمها الدائن عندما أقرض املدين مبلغ ًا من املال ملدة زمنية‬
‫حمددة»‪.‬‬

‫ـ ويف (معجم املصطلحات الفقهية والقانونية)‪« :‬الفائدة‪ :‬هي عبارة عن بدل‬


‫إجيار رأس املال‪ ،‬أي التعويض الذي حيصل عليه الدائن لقاء إقراض ماله لفرتة زمنية‬
‫معينة‪ ،‬حتسب عىل أساس املبلغ املدين»‪.‬‬

‫يعد إقراض البنك التجاري لآلخرين واقرتاضه منهم أهم أعامله‪ ،‬وأكرب‬
‫عملياته‪ ،‬وأقوى عوامل بقائه واستمراريته يف تقديم اخلدمات البنكية‪.‬‬

‫والقرض ـ اقتصاد ًيا‪ ،‬وكام تعرفه موسوعة أعامل البنوك من الناحيتني القانونية‬
‫والعملية ـ ‪ 1419/3‬ـ هو‪« :‬عقد يلتزم به املقرض أن ينقل إىل املقرتض ملكية مبلغ‬
‫من النقود أو يشء مثيل آخر‪ ،‬عىل أن يرد إليه املقرتض عند هناية (مدة) القرض شيئ ًا‬
‫مثله يف مقداره ونوعه وصفته (املادة ‪ 27‬مدين) ـ أي القانون املدين املرصي»‪.‬‬

‫وع ّلق عىل هذه املادة أو هذا التعريف مؤلف املوسوعة الدكتور حميي الدين‬
‫املقرض‬
‫إسامعيل علم الدين بقوله‪« :‬وإذا كان القانون املدين يتصور أن يكون اليشء َ‬
‫نقو ًدا أو أي يشء مثيل آخر‪ ،‬فإن الواقع العميل يف البنوك ال يعرف من صور القرض‬
‫إالّ الصورة النقدية إذ ال توجد مثليات أخرى يمكن أن يقرضها البنك»‪.‬‬

‫ثم قال‪« :‬ويكون القرض ـ عادة ـ بفائدة ختضع حلكم القانون من حيث احلد‬
‫األقىص هلا»‪.‬‬

‫وقال يف ص ‪ 1423‬حتت رقم ‪« :920‬وحيصل البنك عىل عمولة عن القرض‬


‫باإلضافة للفائدة‪ ،‬ويعلل الفقه والقضاء يف فرنسا حق البنك يف هذه العمولة بأن البنك‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪62‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يقدم خدمات خاصة للمقرتضني ألنه يعمل بالنسبة هلم كوسيط جتاه الرأسامليني‬
‫الذين يتلقى نقودهم كودائع‪ ،‬وأن البنك لديه مصاريف خاصة إلقامة مكاتبه وأداء‬
‫مرتبات تابعيه‪ ،‬وأنه يتحمل خماطر كبرية ألنه يتعرض ملطالبة املودعني برد ودائعهم‪،‬‬
‫بينام ال يكون قد اسرتدها هو من املقرتضني بعدُ »‪.‬‬

‫ونستخلص من التعريفات األربعة ما ييل‪:‬‬

‫عرف الفائدة بالرسم املقرر الستعامل املال‪.‬‬


‫‪1‬ـ أن بعضها ّ‬
‫ويعنى بالرسم املقرر املبلغ الذي حيدده البنك املركزي حسب النسبة املئوية‬
‫للفائدة التي يستحصلها الدائن بنكًا كان أو عمي ً‬
‫ال لقاء قرضه الذي دفعه للمستدين‪.‬‬

‫وعرفها آخر بأهنا بدل إجيار رأس املال‪.‬‬


‫‪2‬ـ ّ‬
‫وهذا يرجع إىل الطريقة التي اتبعها الرواد األوائل من منشئي البنوك األوىل يف‬
‫بداياهتا األولية حيث كانوا يأخذون األموال من مقرضيها هلم يف مقابل أن يعطوهم‬
‫نسبة مئوية من املال تعويض ًا هلم عن الربح املتوقع أن حيصلوا عليه لو قاموا هم (أعني‬
‫أصحاب األموال) بأنفسهم يف تشغيلها لكسب الربح‪.‬‬

‫فكأهنم ـ واحلالة هذه ـ قد استأجروا املال منهم إجارة‪.‬‬

‫ومن هنا رأينا يف تعريف أحدهم أن اعترب الفائدة بالنسبة للشخص الذي يسلف‬
‫املال إيرا ًدا‪.‬‬

‫وعب عنها ثالث بالثمن وهو يعني به ما تقدم متام ًا مع فارق اعتباره كأنه قد‬
‫‪3‬ـ رّ‬
‫اشرتى استعامل املال له من صاحبه هبذه الفائدة التي تعد ثمن ًا له‪.‬‬

‫‪4‬ـ ويف التعريف الذي يقرر أن الفائدة هي سعر اخلدمة التي قدّ مها الدائن‬
‫عندما أقرض املدين مبل ًغا من املال يريد به ما أريد بالثمن‪ ،‬فالسعر هنا هو الثمن يف‬
‫‪63‬‬ ‫مصطلحات اقتصادية مهمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سابقه‪ ،‬فهو يعني ما يعنيه الثمن متا ًما‪.‬‬

‫‪5‬ـ وورد ـ كام قرأنا ـ يف تعريفني من التعريفات األربعة التعبري عن الفائدة‬


‫بالتعويض‪ ،‬وهو يراد به ما أرشت إليه من أن الفائدة كانت تدفع من قبل البنوك‬
‫التجارية يف بدايات نشوئها للعميل تعويض ًا عن الربح املتوقع حصوله لصاحب املال‬
‫لو قام هو بتشغيله بنفسه‪.‬‬

‫وهذه الفائدة ـ وبأي اسم سميت ـ هل تعد من الربا املتفق عىل حرمته يف‬
‫رشيعتنا اإلسالمية املقدسة‪ ..‬هذا ما سنثريه يف موضعه من الكتاب للبحث فيه إن‬
‫شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪19‬ـ الكمبيالة ‪Bill of Exchange‬‬

‫عرفت الكمپيالة يف (معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية) بأهنا‪« :‬صك‬


‫ّ‬
‫مكتوب وفق شكل حدده القانون‪ ،‬يتضمن إقرار ًا من شخص يسمى الساحب‬
‫(املدين) إىل شخص آخر يسمى املسحوب عليه (الدائن) بأن يدفع مبل ًغا معينًا من‬
‫النقود يف تاريخ معني أو قابل للتعيني لشخص ثالث أو ألمر هذا الشخص الذي‬
‫يسمى باملستفيد»‪.‬‬

‫عرفت بالتايل‪:‬‬ ‫ويف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل)‪ّ :‬‬
‫«حيدد قانون األوراق القابلة للتداول املوحدة يف أمريكا هذه العبارة بام ييل‪ :‬إهنا أمر‬
‫مكتوب غري مرشوط‪ ،‬يوجهه شخص إىل آخر‪ ،‬يطلب فيه أن يدفع عند الطلب أو‬
‫يف وقت حمدد أو سيحدد يف املستقبل مبلغ ًا من املال إىل شخص معني أو إىل حامل‬
‫األمر‪.‬‬

‫ويمكن اعتبار الشيكات وأوراق القبول واحلواالت كمپياالت من هذا‬


‫النوع»‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪64‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪20‬ـ الوديعة ‪Deposit‬‬

‫عرف األستاذ اجلمعة الوديعة يف كتابه (معجم املصطلحات االقتصادية‬ ‫ّ‬


‫واإلسالمية) بقوله‪« :‬وتعني الوديعة يف لغة االقتصاد املرصيف رصيد ًا يقيده املرصف‬
‫يف سجالته ودفاتره حلساب األفراد أو اهليئات‪ ،‬ويلتزم بتسديده عىل نحو مكسب‬
‫القوة الرشائية بالنسبة لصاحب الوديعة‪ ،‬ويصلح لسداد مدفوعاته‪.‬‬

‫فالودائع هي إما جارية ـ حتت الطلب ـ أو ودائع ألجل‪ ،‬ال يمكن السحب منها‬
‫إالّ بعد أجل معني»‪.‬‬

‫ويعرف املحامي غطاس يف كتابه (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة‬


‫ّ‬
‫األعامل) الودائع اجلارية (الودائع حتت الطلب) بقوله‪« :‬ودائع حتت الطلب ‪Demand‬‬
‫‪ :Deposit‬ودائع مرصفية يمكن سحبها يف أي وقت خيتاره ِ‬
‫املودع دون إشعار املرصف‬
‫بذلك مقدم ًا»‪.‬‬

‫ويعرف اجلمعة يف معجمه الودائع ألجل بام نصه‪« :‬وديعة ألجل ‪:Time Deposit‬‬
‫ّ‬
‫«هي عبارة عن مبلغ من املال يودع لدى املرصف لفرتة زمنية حمددة ختتلف بحسب‬
‫ِ‬
‫واملودع‪ ،‬ويرتبط باملدة الزمنية عادة مبلغ الفائدة التي حيصل‬ ‫االتفاق بني املرصف‬
‫عليها ِ‬
‫املودع»‪.‬‬

‫يعرف الوديعة املرصفية ‪ Bank Deposit‬فيقول‪« :‬هي أموال عىل شكل نقود‬
‫ثم ّ‬
‫أو عمالت ورقية أو شيكات أو كمپياالت يضعها ِ‬
‫املودع يف عهدة مرصف حلفظها‬
‫حلسابه وإعادهتا إليه يف ظروف ورشوط حمددة»‪.‬‬
‫كتابات فقهية سابقة‬
‫رأيت أن أذكر هنا بعض الكتابات التي تناولت معامالت البنوك التجارية‬
‫بالبحث الفقهي أو اإلفتاء فقه ًيا‪ ،‬والتي سبقت هذا البحث الذي بني يدينا‪ ،‬بادئ ًا‬
‫بكتابات أصحابنا اإلمامية‪ ،‬وحماوالً تعريف ما اطلعت عليه منها‪ ،‬وذلك بغية إيقاف‬
‫القارئ الكريم عىل ما قد يستفيد منه‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪1‬ـ كتاب (حبوث فقهية)‬

‫وهي جمموعة حمارضات فقهية يف مجلة من املسائل املستحدثة ألقاها الفقيه‬


‫الشيخ حسني احليل (ت ‪1394‬هـ) عىل مجع من أفاضل طالب احلوزة العلمية يف‬
‫النجف األرشف يف شهر رمضان من عام ‪1381‬هـ‪.‬‬

‫وقام بتدوينها تلميذه العالمة اجلليل السيد عز الدين بحر العلوم وانتهى من‬
‫إعدادها للنرش عام ‪1383‬هـ‪.‬‬

‫وخرج الكتاب يف طبعته األوىل يف النجف األرشف سنة ‪1384‬هـ ـ ‪1964‬م‪،‬‬


‫ويف طبعته الثانية سنة ‪1393‬هـ ـ ‪1973‬م ببريوت‪ ،‬ويف طبعته الثالثة ـ وهي التي بني‬
‫يدي اآلن ـ سنة ‪1405‬هـ ـ ‪1985‬م ببريوت أيض ًا‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪66‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫والفقيه احليل من أعاظم أساتذة احلوزة العلمية يف النجف األرشف‪ ،‬ومن‬
‫أكابر مراجع الدين لدى الطائفة اإلمامية يف هذا العرص‪ ،‬خترج من حتت منربه يف الفقه‬
‫وأصوله مجع من أعالم علامء اإلمامية املعارصين‪.‬‬

‫ومتثل بحوثه (‪ )‬يف هذا الكتاب الريادة األوىل لدراسة املسائل املستحدثة‪.‬‬

‫وقد استوعب بحث (أعامل البنوك) من مساحة الكتاب يف طبعته الثالثة من‬
‫الصفحة (‪ )95‬إىل الصفحة (‪.)142‬‬

‫وقد أشار الشيخ احليل إىل هذه الريادة املباركة يف تقديمه للكتاب بقوله‪« :‬وبعدُ‬
‫فقد كثر احلديث والتساؤل عن موقف الرشيعة اإلسالمية املقدسة من بعض املسائل‬
‫املهمة التي اقتضتها طبيعة عصورنا هذه‪ ،‬ومل تكن موجودة يف عرص الرسالة وعصور‬
‫محاهتا من أئمة أهل البيت ‪:‬‬

‫وكان هذا من بواعث الرغبة يف نفوس مجلة من أفاضل أهل العلم ممن‬
‫اعتادوا حضور دروسنا يف الفقه واألصول يف أن أجعل هذه املواضيع حمور ًا للدرس‬
‫والبحث»‪.‬‬

‫ويف صفحة عنوان الباب فهرس للموضوعات املرصفية التي تناوهلا الشيخ‬
‫احليل بالبحث‪.‬‬

‫وكان بحثه فيها فقه ًيا استدالل ًيا‪ ،‬خلص فيه‪ ،‬ومن منطلق أصالة وعمق‪ ،‬إىل‬
‫آرائه يف هذه املسائل املرصفية التي هي فتواه فيها‪.‬‬

‫‪2‬ـ كتاب (أحكام خصم الكمبياالت)‬

‫للفقيه السيد حممد هادي امليالين (ت ‪1395‬هـ)‪ ،‬وقد طبع بمطبعة النعامن يف‬
‫النجف األرشف سنة ‪1383‬هـ‪.‬‬

‫مل يقدر يل االطالع عىل الكتاب املذكور‪ ،‬وإنام استفدت هذه املعلومة من كتاب‬
‫‪67‬‬ ‫كتابات فقهية سابقة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخينا العزيز البحاثة املحقق األستاذ السيد حممد حسني اجلاليل املعنون (فهرس‬
‫الرتاث) ـ ‪ 548/2‬ـ عند ترمجته للسيد امليالين حيث قال‪« :‬من آثاره‪1 :‬ـ أحكام‬
‫خصم الكمبياالت‪ ،‬نرشه السيد عباس امليالين‪ ،‬وطبع يف مطبعة النعامن يف النجف‬
‫سنة ‪1383‬هـ»‪.‬‬

‫ويعد السيد امليالين (‪ )‬بكتابه هذا من الرواد األوائل يف بحث ودراسة‬


‫املسائل املستحدثة‪ ،‬حيث صدر كتابه مزامن ًا لكتاب الشيخ احليل‪.‬‬

‫‪3‬ـ كتاب (حترير الوسيلة)‬

‫للفقيه اإلمام السيد روح اهلل اخلميني (ت ‪1409‬هـ)‪.‬‬

‫صدر الكتاب يف طبعته األوىل بالنجف األرشف عام ‪1390‬هـ‪ ،‬وهو رسالة‬
‫عملية تضم فتاوى اإلمام اخلميني ملقلديه‪.‬‬

‫وقد تطرق فيه ملعامالت البنوك التجارية حتت عنوان (أعامل البنوك) ضمن‬
‫البحث حول املسائل املستحدثة‪ ،‬وشغل من صفحة (‪ )554‬إىل صفحة (‪ )557‬من‬
‫اجلزء الثاين من جزئي الكتاب‪.‬‬

‫واإلمام اخلميني ـ باإلضافة إىل أنه من عظامء أعالم التاريخ اإلسالمي بام‬
‫أحدثه من ثورة شعبية أطاحت باإلمرباطورية الفارسية وأقامت الدولة اإلسالمية‬
‫احلديثة ـ هو من أبرز أعالم أساتذة احلوزتني اإلماميتني الكربيني‪ :‬النجف األرشف‬
‫وقم املقدسة‪.‬‬

‫يضاف إليه أنه من أجالء أئمة العرفان اإلمامي‪.‬‬

‫ول ّقب بـ(اإلمام) ملميزات شخصيته الثورية والثقافية‪ ،‬وهو لقب مل يمنح إالّ له‬
‫من بني مجيع أعالم علامء اإلماميني عىل طول مديات تارخيهم املمتد بامتداد الرسالة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪68‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد خ ّلف بعده خط ًا يف العمل الثوري ومدرسة يف البحث الفقهي تنفتح‬
‫عىل خمتلف متطلبات احلياة يف خمتلف تطوراهتا وامتداداهتا التي تشمل مجيع أنامط‬
‫ومعطيات السلوك اإلنساين عند الفرد واألرسة واملجتمع والدولة‪.‬‬

‫‪4‬ـ كتاب (مستحدثات املسائل)‬

‫للفقيه السيد أيب القاسم اخلوئي (ت ‪1413‬هـ)‪.‬‬

‫وهو جمموعة فتاوى املؤلف يف جمموعة من املسائل املستحدثة‪ ،‬وقد نرش الكتاب‬
‫مستقالً‪ ،‬ثم نرش ملحق ًا برسالته العلمية املوسومة بـ(منهاج الصاحلني)‪ ،‬واستغرقت‬
‫فتاواه يف معامالت البنوك يف اجلزء الثاين من الرسالة من صفحة (‪ )425‬إىل صفحة‬
‫(‪ )438‬من الطبعة املصورة عىل الطبعة الثامنة‪ ،‬واملنشورة بالبحرين سنة ‪1407‬هـ‪.‬‬

‫والسيد املؤلف (‪ )‬من أبرز مراجع التقليد عند الشيعة اإلمامية يف عرصنا‬
‫هذا‪ ،‬وقد توىل زعامة احلوزة العلمية يف النجف األرشف من قبل أن يتوىل املرجعية‬
‫حتى وفاته (قده)‪.‬‬

‫وبرز يف تدريس علم أصول الفقه واكتسب الشهرة فيه متفوق ًا عىل أقرانه من‬
‫ّ‬
‫أساتذة احلوزة النجفية‪.‬‬

‫وخترج من حتت منربه عدة أجيال من العلامء الفضالء‪ ،‬كان منهم املراجع‬
‫واألساتذة الكبار يف حوزيت النجف وقم‪.‬‬

‫دون عدة من تالمذته حمارضاته يف الفقه وأصوله‪.‬‬


‫وقد ّ‬
‫وله املوسوعة الرجالية الكربى (معجم رجال احلديث)‪.‬‬

‫واشتهرت آراؤه يف الفقه واألصول والرجال يف األوساط العلمية اإلمامية‪،‬‬


‫وستبقى تتحرك يف صاالت البحوث العلمية احلوزوية ومساحاهتا‪ ،‬وعىل ألسنة‬
‫‪69‬‬ ‫كتابات فقهية سابقة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫األساتذة واألعالم‪ ،‬ويف جماالت حواراهتم الرشعية‪.‬‬

‫‪5‬ـ كتاب (املسائل املستحدثة)‬

‫للفقيه الشيخ حممد أمني زين الدين (ت ‪1419‬هـ)‪.‬‬

‫طبع الكتاب يف البحرين سنة ‪1407‬هـ ـ ‪1987‬م‪ ،‬بِـ (‪ )76‬صفحة‪ ،‬منها (‪)37‬‬
‫يف معامالت البنوك من صفحة (‪ )37‬إىل صفحة (‪.)74‬‬

‫واملؤلف الشيخ زين الدين يعد من أولئك القلة الذين مجعوا بني الفقه واألدب‬
‫يف حوزة النجف األرشف‪ ،‬ومنهم‪:‬‬

‫ـ السيد حممد سعيد احلبويب (ت ‪1333‬هـ)‪.‬‬

‫ـ السيد عدنان الغريفي (ت ‪1340‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ حممد جواد البالغي (ت ‪1352‬هـ)‪.‬‬

‫ـ السيد رضا اهلندي (ت ‪1362‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ حممد رضا آل يس (ت ‪1370‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ حممد احلسني آل كاشف الغطاء (ت ‪1373‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ حممد عيل األوردبادي (ت ‪1380‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ عبد الكريم اجلزائري (ت ‪1382‬هـ)‪.‬‬

‫ـ السيد مريزا عبد اهلادي الشريازي (ت ‪1382‬هـ)‪.‬‬

‫ـ السيد هبة الدين الشهرستاين (ت ‪1386‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ حممد رضا املظفر (ت ‪1388‬هـ)‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪70‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ الشيخ حممد طه الكرمي (ت قبل ‪1390‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ عبد املهدي مطر (ت بعد ‪1390‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ حممد طاهر آل الشيخ رايض (ت ‪1394‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ مرتىض آل يس (ت ‪1398‬هـ)‪.‬‬

‫ـ السيد حممد باقر الصدر (ت ‪1400‬هـ)‪.‬‬

‫ـ الشيخ حممد تقي اجلواهري (‪1980‬م)‪.‬‬

‫ـ السيد حممد تقي احلكيم (ت ‪1423‬هـ)‪.‬‬

‫وقد خترج من درس وجملس الشيخ زين الدين أكثر من جيل من أدباء النجف‬
‫املعارصين‪ ،‬وعدد من لوامع طالب احلوزة العلمية يف النجف األرشف‪.‬‬

‫وكان ‪ ‬الرائد يف عرصنا هذا بتدريس اإلسالميات وتعليم كتابة املقالة‬


‫األدبية وإعداد البحث العلمي‪.‬‬

‫‪6‬ـ كتاب (فقه املوضوعات احلديثة)‬

‫للفقيه الشهيد السيد حممد الصدر (ت ‪1419‬هـ)‪.‬‬

‫نرش الكتاب سنة ‪1419‬هـ ببريوت‪ ،‬ويضم جمموعة فتاوى املؤلف يف عدة‬
‫من املسائل املستحدثة‪ ،‬منها معامالت البنوك وهي من الصفحة (‪ )195‬إىل الصفحة‬
‫(‪ )213‬من الكتاب‪.‬‬
‫والسيد الصدر من الرعيل الثاين من املجددين املعارصين يف جمال الدرس‬
‫احلوزوي‪.‬‬
‫ويف كتابه (ما وراء الفقه) يشء غري قليل من التجديد املشار إليه‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫كتابات فقهية سابقة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪7‬ـ كتاب (حبوث فقهية هامة)‬


‫للفقيه الشيخ نارص مكارم الشريازي املرجع الديني املعارص‪.‬‬
‫طبع الكتاب بمدينة قم املقدسة سنة ‪1422‬هـ‪ ،‬بحث فيه مؤلفه معامالت‬
‫البنوك حتت عنوان (أحكام البنوك) من الصفحة (‪ )338‬إىل الصفحة (‪ )364‬بح ًثا‬
‫خمترصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫استدالل ًيا‬
‫والشيخ الشريازي من أبرز فقهائنا املعارصين املجددين ذوي الرؤى الفقهية‬
‫ذات الطابع الشمويل لكل مقتضيات ومتطلبات احلياة املعارصة‪.‬‬

‫‪8‬ـ كتاب (حبوث يف الفقه املعاصر)‬


‫لألستاذ الشيخ حسن اجلواهري‪.‬‬
‫قدّ م املؤلف لكتابه بتاريخ ‪1419/1/22‬هـ‪ ،‬وطبع بطبعته األوىل يف دار‬
‫الذخائر يف بريوت بدون تاريخ‪.‬‬
‫تناول فيه مؤلفه األستاذ اجلواهري عدة من املسائل املستحدثة‪ ،‬ومنها بعض‬
‫معامالت البنوك التجارية‪ ،‬جاءت يف أكثر من موضع من الكتاب‪.‬‬

‫‪9‬ـ كتاب (أحكام البنوك واألسهم والسندات واألسواق املالية)‬

‫للفقيه الشيخ حممد إسحاق الفياض‪.‬‬

‫طبع بقم من غري تاريخ‪ ،‬وظني قوي ًا أنه طبع يف سنة ‪1421‬هـ أو قبلها وهو‬
‫تاريخ إهدائي النسخة التي تفضل هبا فضيلة الشيخ عيل آل بطي العوامي‪.‬‬

‫قرر املؤلف كتابه املشار إليه بح ًثا فقه ًيا استدالل ًيا‪.‬‬

‫واملؤلف الفياض من مراجع التقليد وأساتذة البحث اخلارج يف احلوزة العلمية‬


‫بالنجف األرشف‪ ،‬ومن أبرز تالمذة السيد اخلوئي‪ ،‬واشتهر بكتابه الذي ضم‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪72‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حمارضات األستاذ اخلوئي يف أصول الفقه‪.‬‬

‫‪10‬ـ كتاب (فقه البنوك واحلقوق اجلديدة)‬

‫لألستاذ الشيخ حممد سند‪.‬‬

‫دوهنا تلميذ‬
‫وهو جمموعة حمارضات فقهية استداللية يف معامالت البنوك‪ّ ،‬‬
‫املؤلف الشيخ مصطفى االسكندي‪ ،‬وهو احللقة الثالثة من سلسلة (فقه احلياة‬
‫املعارصة)‪.‬‬

‫طبع بطبعته األوىل يف إيران سنة ‪1422‬هـ‪.‬‬

‫‪11‬ـ كتاب (فقه البنوك)‬

‫لألستاذ الشيخ حممد باقر األيرواين‪.‬‬

‫من منشورات مؤسسة أم القرى بقم املقدسة عام ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫وهو جمموعة حمارضات فقهية استداللية يف معامالت البنوك‪ ،‬ألقاها الشيخ‬


‫األيرواين عىل تالمذته من طالب الدراسات العليا (البحث اخلارج) يف احلوزة العلمية‬
‫ودوهنا تلميذه الشيخ يوسف بن أمحد األحسائي‪.‬‬
‫بقم املقدسة‪ّ ،‬‬

‫ومما قام به علامء وكتّاب آخرون من أتباع املذاهب اإلسالمية األخرى‪ ،‬مما قدّ ر‬
‫يل االطالع عليه‪ ،‬ما ييل‪:‬‬

‫ـ األعامل املرصفية واإلسالمية‬

‫لألستاذ مصطفى عبد اهلل اهلمرشي‪ ،‬نرش بطبعته الثانية سنة ‪1403‬هـ‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫كتابات فقهية سابقة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ معامالت البنوك وأحكامها الرشعية‬

‫للدكتور حممد سيد طنطاوي‪.‬‬

‫نرش الكتاب يف طبعته اخلامسة عرشة عام ‪1417‬هـ ‪1997‬م ويف طبعته األوىل‬
‫سنة ‪1990‬م‪.‬‬

‫ـ األرباح والفوائد املرصفية بني التحليل االقتصادي واحلكم الرشعي‬

‫للدكتور عبد احلميد الغزايل‪.‬‬

‫ويشكل الكتاب احللقة الثانية من سلسلة ترمجات االقتصاد اإلسالمي من‬


‫منشورات املعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب التابع للبنك اإلسالمي للتنمية ـ‬
‫جدة‪.‬‬

‫ونرش يف طبعته األوىل سنة ‪1414‬هـ ‪1994‬م‪.‬‬

‫ـ شبهة الربا يف معامالت البنوك التقليدية واإلسالمية «دراسة اقتصادية‬


‫ورشعية»‬

‫للدكتور منري إبراهيم هندي‪.‬‬

‫طبع الكتاب سنة ‪ 1995‬م بالقاهرة‪.‬‬

‫ـ حكم املحكمة الرشعية االحتادية الباكستانية بشأن الفائدة (الربا)‬

‫ويشكل الكتاب احللقة السابعة من سلسلة ترمجات االقتصاد اإلسالمي ـ‬


‫املعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب ـ البنك اإلسالمي للتنمية ـ جدة‪.‬‬

‫ونرش بطبعته األوىل سنة ‪1416‬هـ (‪1995‬م)‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪74‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ تبديد األوهام فيام يتعلق بفوائد البنوك من أحكام‬

‫للدكتور حيي هاشم حسن فرغل‪.‬‬

‫نرش الكتاب سنة ‪1998‬م ‪1419‬هـ‪.‬‬

‫ـ كتاب تربئة البنوك من الربا يف الصكوك‬

‫للقايض الشيخ حييى بن حييى عيل الدار‪.‬‬

‫طبع الكتاب يف صنعاء سنة ‪1999‬م ـ ‪1419‬هـ‪ ،‬ومعه ردود لعلامء آخرين‬
‫ناقشوا فيها رأي املؤلف معاملة البنوك‪.‬‬

‫والشيخ عيل الدار من جمتهدي فقهاء الزيدية املجددين يف اليمن‪ ،‬ولديه من‬
‫املؤلفات ما يعرب عن ذلك‪.‬‬

‫هذا آخر ما أمكنني أن أشري إليه من تآليف فقهية يف معامالت البنوك لفقهاء‬
‫وكتّاب من أتباع املذاهب اإلسالمية غري اإلمامية‪ ،‬وهي دراسات جيدة‪ ،‬اتسمت‬
‫باملنهجية العلمية‪ ،‬والوضوح يف أسلوب العرض‪ ،‬واجلدية يف طريقة االستدالل‪.‬‬

‫وهناك بحوث ومقاالت أخرى يف معامالت البنوك التجارية نرشت يف عديد‬


‫من الصحف اليومية واملجالت العلمية املختلفة‪ ،‬ويف مقدور الباحثني االطالع عليها‬
‫أو عىل بياناهتا عىل األقل عن طريق مواقع الفقهاء املسلمني ومواقع املؤسسات العلمية‬
‫اإلسالمية يف الشبكة العاملية (اإلنرتنت)‪.‬‬
‫الباب الثالث‬

‫بني يدي الـموضوع‬

‫حقيقة الربا‬

‫مسائل ذات تدخل مبارش يف حتديد ما جتريه البنوك التجارية‬

‫من معامالت القروض بفوائد‪:‬‬

‫احلكومات والرأي الفقهي يف مرشوعية التعامل معها‬

‫‪ -2‬متلك الشخصية املعنوية‬


‫‪ -3‬إنشاء العقد بالكتابة‬

‫‪ -4‬الربا يف النقود الورقية‬


‫تعرفنا ـ مما تقدم ـ أن موضوع بحثنا يف هذا الكتاب هو (األحكام الفقهية‬
‫للبنوك التجارية)‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬وبسبب االختالف الواقع بني الفقهاء يف حقيقة الربا‪ ،‬وكذلك يف مسائل‬
‫أخرى ذات مدخلية مبارشة يف حتديد واقع ما جتريه البنوك التجارية من معامالت‬
‫القروض بفوائد‪ ،‬هل هي من الربا؟ أو أهنا ال ربا فيها؟‪ ،‬كان ال بد لنا من التطرق‬
‫هلاتني النقطتني‪:‬‬

‫‪ .1‬حقيقة الربا‪.‬‬

‫‪ .2‬املسائل ذات التدخل املبارش يف حتديد وبيان حقيقة القروض بفوائد‪.‬‬

‫أما الغاية من البحث يف النقطة األوىل فألجل الوصول إىل معرفة حقيقة الربا‬
‫املحرم‪ ،‬وذلك من خالل البحث عن مفهوم الربا يف لغتنا العربية املدونة يف املعاجم‬
‫العربية‪ ،‬ومن خالل البحث عن مفهوم الربا يف معامالت أبناء املجتمع اجلاهيل الذي‬
‫نزل فيه القرآن الكريم‪ ،‬ومن خالل دراسة آيات القرآن الكريم ثم نصوص احلديث‬
‫الرشيف الواردة يف املقام‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪78‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وبعد ذلك كله أحاول الوصول إليه عن طريق تعريفات الفقهاء املستفادة مما‬
‫أرشت إليه‪ ،‬ثم أحاول أن أضع يدي عىل التعريف االقتصادي املعارص‪.‬‬

‫وكل هذا لنعرف‪ :‬هل ما يسمى يف لغة ومعامالت البنوك التجارية املعارصة بِـ‬
‫(الفائدة) ـ أو (القروض بفوائد) هو الربا املحرم يف رشيعتنا اإلسالمية املقدسة؟‬

‫والدافع هلذا ما سنراه من اختالف يف فهم الفقهاء ملعطيات النصوص الرشعية‪،‬‬


‫وفهمهم للمؤثرات العرفية اجلاهلية‪ ،‬وكذلك ما نراه من خالف يف النتائج التي انتهى‬
‫إليها الفقهاء‪.‬‬

‫وبالنسبة لدراسة النقطة الثانية (املسائل ذات التدخل املبارش) فألن هناك من‬
‫البنوك التجارية ما متلكه حكومات غري رشعية حسب الرأي الفقهي اإلمامي‪ ،‬فهل‬
‫متلكها رشعي أو غري رشعي‪ ،‬وهل تصح ترصفاهتا باألموال أو ال تصح؟‪ ،‬ويأيت له‬
‫زيادة بيان يف موضعه‪.‬‬

‫وألن البنوك التي متلك من قبل رشكة تعد يف القوانني الوضعية شخصيات‬
‫اعتبارية‪ ،‬وتعامل الناس معها قائم عىل أساس أهنا شخصيات اعتبارية‪.‬‬

‫ومتلك الشخصية االعتبارية يف الرأي الفقهي اإلمامي موضع خالف‪ ،‬فعىل‬


‫القول بالتملك تصح ترصفاهتا ويصح التعامل معها‪ ،‬وعىل القول بعدم التملك فال‬
‫تصح ترصفاهتا وال يصح التعامل معها‪ ،‬وأيض ًا يأيت له مزيد بيان‪.‬‬

‫وألن قيام الكتابة مقام النطق يف العقود الرشعية حمل خالف فقهي عندنا‪،‬‬
‫والقول املشهور عدم القيام‪ ،‬واشرتاط الفائدة يف معامالت البنوك اآلن يتم عن طريق‬
‫الكتابة وذلك بملء وتعبئة األوراق املعدّ ة إلبرام العقد بني الطرفني‪.‬‬

‫ومع اخلالف يتحقق الرشط عىل رأي‪ ،‬وال يتحقق عىل الرأي اآلخر‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫بني يدي املوضوع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وألن النقود الورقية قد حدث االستعامل هبا بعد عصور الترشيع اإلسالمي‪ ،‬فام‬
‫كانت ـ واحلالة هذه ـ مشمولة للنصوص الرشعية‪ ،‬وهلذا اختلف الفقهاء املسلمون‬
‫يف املسألة تبع ًا الختالفهم يف املنهج ويف النظرة لطبيعة الترشيعات اإلسالمية‪ ،‬كام‬
‫سيأيت‪.‬‬

‫وأخري ًا‪ :‬ألجل ما أرشت إليه يف أعاله ال بد من بحث هذه املباين لن ّبني من‬
‫خالل تطبيقاهتا آراء الفقهاء‪ ،‬ونصل بعد ذلك إىل النتيجة املطلوبة‪.‬‬
‫حقيقة الربا‬

‫‪1‬ـ يف اللغة العربية‬

‫قال ابن فارس يف (معجم مقاييس اللغة) ـ مادة ربى‪ .‬ربأ‪« :‬الراء والباء واحلرف‬
‫املعتل‪ ،‬وكذلك املهموز منه‪ ،‬يدل عىل أصل واحد‪ ،‬وهو الزيادة والنامء والعلو‪ ،‬تقول‬
‫من ذلك‪( :‬ربا اليشء يربو) إذا زاد‪ ،‬و(ربا الرابي َة يربوها) إذا عالها‪ ،‬و(ربا) أصابه‬
‫الربو‪ ،‬والربو‪ :‬علو النَ َفس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫()‬

‫ر ّف������ه ع����ن أن���ف���اس���ه���ا وم�����ا ربا‬


‫رأس ي����ف����ا ٍع(‪ )1‬فربا‬
‫َ‬ ‫ح��ت��ى ع�ل�ا‬
‫أي‪ :‬ربا وما أصابه الربو‪.‬‬

‫والربا يف املال واملعاملة معروف‪.‬‬


‫وتثنيته‪ِ :‬ر َبوان ِ‬
‫ور َب َيان‪.‬‬

‫وأما املهموز فاملربأ واملربأة من األرض‪ ،‬وهو املكان العايل يقف عليه عني‬
‫القوم‪.»...‬‬

‫() اليفاع‪ :‬املرتفع‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪82‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ويف (العني)‪« :‬ربا اجلرح واألرض واملال وكل يشء يربو ربو ًا إذا زاد‪.‬‬

‫وربا املال يربو ـ يف الربا ـ أي يزداد»‪.‬‬

‫وبالرجوع إىل املعاجم األخرى ـ قديمة وحديثة ـ نراها تذكر معنى الزيادة‪،‬‬
‫مقترص ًا بعضها عليه‪ ،‬وبعضها زاد عليه معاين أخر هي بمعنى الزيادة كالنامء والفضل‬
‫واالرتفاع والعلو‪ ،‬وهذا يعني أن جذر الكلمة ـ متام ًا كام يقول ابن فارس ـ يفيد معنى‬
‫واحد ًا هو الزيادة‪.‬‬

‫واملراد بالزيادة ـ هنا ـ مطلق الزيادة‪ ،‬أي سواء كانت يف املال أم يف غريه‪ ،‬وسواء‬
‫أكانت ـ إذا كانت يف املال أو األعيان املالية كاألرز والقمح ـ عن طريق مرشوع أم عن‬
‫طريق غري مرشوع‪.‬‬

‫واخلالصة‪ :‬الربا ـ لغوي ًا ـ الزيادة مطلق ًا‪.‬‬

‫وهي كذلك يف كتاب (جواهر الكالم) فقد جاء يف (معجم اجلواهر)‪« :‬الربا ـ‬
‫لغة ـ مطلق الزيادة»‪.‬‬

‫‪2‬ـ يف القرآن الكريم‬

‫جاء ذكر الربا يف القرآن الكريم ثامين مرات‪ :‬مرة يف سورة الروم‪ ،‬ومرة يف سورة‬
‫النساء‪ ،‬ومرة يف سورة آل عمران‪ ،‬ومخس مرات يف سورة البقرة‪ ،‬ضمن ست آيات‬
‫كريامت‪ ،‬وهي‪ ،‬مرتبة حسب تاريخ نزوهلا‪:‬‬
‫َّاس فَلاَ يربو ِعنْدَ اهللِ وما آ َتيتُم ِمن َزك ٍ‬
‫َاة‬ ‫‪‬وما آ َتيتُم ِم ْن ِر َبا لِ ُبو فيِ َأم َو ِ‬
‫ال الن ِ‬
‫ََ ْ ْ ْ‬ ‫َُْ‬ ‫ْ‬ ‫يرَ ْ‬ ‫ََ ْ ْ‬
‫ك ُه ُم ا ُمل ْض ِع ُفون‪.)(‬‬ ‫ون َو ْج َه اهللِ َف ُأولِئِ َ‬
‫ت ُِريدُ َ‬

‫() سورة الروم اآلية‪.19 ،‬‬


‫‪83‬‬ ‫حقيقة الربا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر َبا َو َقدْ هُنُوا َع ْن ُه َو َأكْلِ ِه ْم َأ ْم َو َال الن ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّاس بِال َباط ِل َو َأ ْعتَدْ نَا ل ْلكَاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫‪‬و َأ ْخذه ُم ِّ‬ ‫َ‬
‫ِمن ُْه ْم َع َذاب ًا َألِي ًام‪.)(‬‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُوا الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ‬
‫الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة َوا َّت ُقوا اهللَ َل َع َّلك ُْم‬ ‫‪َ ‬يا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ‬
‫ُت ْفلِ ُحون‪.)(‬‬

‫ان ِم َن ا َمل ِّس‬ ‫ومون إِالَّ َكماَ َي ُقو ُم ا َّل ِذي َيتَخَ َّب ُط ُه َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫الر َبا الَ َي ُق ُ‬
‫ون ِّ‬ ‫ين َي ْأ ُك ُل َ‬ ‫ِ‬
‫‪‬ا َّلذ َ‬
‫اء ُه َم ْو ِع َظ ٌة‬
‫الر َبا َف َم ْن َج َ‬
‫ِ‬
‫ك بِ َأ هَّنُ ْم َقا ُلوا إِ َّنماَ ال َب ْي ُع م ْث ُل ِّ‬
‫الر َبا َو َأ َح َّل اهللُ ال َب ْي َع َو َح َّر َم ِّ‬ ‫َذلِ َ‬
‫َّار ُه ْم فِ َيها‬‫اب الن ِ‬ ‫ك َأ ْص َح ُ‬ ‫ف َو َأ ْم ُر ُه إِلىَ اهللِ َو َم ْن َعا َد َف ُأولِئِ َ‬ ‫ِم ْن َر ِّب ِه َفا ْنتَهى َف َل ُه َما َس َل َ‬
‫ات َواهللُ ال حُيِ ُّب ك َُّل َك َّف ٍار َأثِيم ‪‬‬ ‫َخلِدُ ون ‪ ‬يمح ُق اهللُ الربا وير يِب الصدَ َق ِ‬
‫()‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ِّ َ َ ُ ْ‬ ‫َْ َ‬
‫ني ‪َ ‬فإِ ْن مَل‬ ‫ِِ‬
‫الر َبا إِ ْن ُكنْت ُْم ُم ْؤمن َ‬
‫ِ ِ‬
‫ين َآمنُوا ا َّت ُقوا اهللَ َو َذ ُروا َما َبق َي م َن ُّ‬
‫ِ‬
‫ـ ‪َ ‬يا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ‬
‫ون َوال‬ ‫وس َأ ْم َوالِك ُْم ال َت ْظلِ ُم َ‬ ‫ِِ‬
‫ب م َن اهللِ َو َر ُسوله َوإِ ْن ُت ْبت ُْم َف َلك ُْم َرؤُ ُ‬
‫َت ْفع ُلوا َف ْأ َذنُوا بِحر ٍ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ُت ْظ َل ُمون‪.)(‬‬

‫إن هذه اآليات الست ـ كام تراها ـ ليس فيها حتديد ملفهوم الربا‪ ،‬وال بيان حلقيقته‬
‫ومعناه‪.‬‬

‫وكل الذي فيها مما يرتبط بموضوعنا (حقيقة الربا) ويمكننا االستفادة منه هنا‬
‫هو اإلحالة إىل الواقع االجتامعي ـ االقتصادي يف زمن نزول هذه اآلي الكريمة‪.‬‬

‫ففي اآلية األوىل‪ :‬عبارة (ما آتيتم) تشري إىل ربا كان قد وقع‪ ،‬وألنه كذلك فهو‬
‫معروف لدى أبناء املجتمع وقت نزول اآلية‪.‬‬

‫() سورة النساء اآلية‪.161 ،‬‬


‫() سورة آل عمران اآلية‪.130 ،‬‬
‫() سورة البقرة اآليات‪.276/275 ،‬‬
‫() سورة البقرة اآليات‪.279/278 ،‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪84‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪‬و َأ ْخ ِذ ِه ُم‪ ‬التي تعني اليهود يراد من‬
‫ويف اآلية الثانية‪ :‬بقرينة قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫الربا ذلك الذي كان معروف ًا عند اليهود ويتعاملون به‪.‬‬

‫ويف اآلية الثالثة‪ :‬هني املؤمنني عن أكل الربا املضاعف‪ ،‬وبقرينة املضاعفة‬
‫املذكورة تعني نوع ًا من الربا كان معهود ًا حال نزول اآلية الكريمة‪.‬‬

‫وقد قال غري واحد‪ :‬إن الربا املضاعف ـ الذي سيأيت بيان املراد منه ـ هو ربا‬
‫اجلاهلية الذي أحال إليه القرآن الكريم‪ ،‬وجييء احلديث عن هذا إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫الر َبا‪ ‬للعهد‪ ،‬كام هو‬


‫ويف آيات سورة البقرة‪ :‬فإن (أل) يف قوله تعاىل ‪َ ‬و َح َّر َم ِّ‬
‫ِ‬
‫الر َبا‪ ‬ألهنم يريدون البيع الذي كانوا‬ ‫الظاهر بقرينة قوله تعاىل ‪َ ‬قا ُلوا إِ َّنماَ ال َب ْي ُع م ْث ُل ِّ‬
‫يتعاملون به‪ ،‬وكذلك يريدون بالربا الربا الذي كانوا يتعاملون به‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫القرآن الكريم قد أحال هنا أيض ًا إىل ربا معهود عند الناس ومعروف عند نزول اآلية‬
‫الكريمة‪ ،‬وينص من يرى ذلك عىل أنه ربا اجلاهلية‪.‬‬

‫وأكد غري باحث من املعارصين أن الظاهر من اآليات الكريامت أن حتريم الربا‬


‫كان تدرجيي ًا وعىل مراحل‪ ،‬متام ًا كام هو الشأن يف حتريم اخلمر‪.‬‬

‫ففي اآلية األوىل ـ وهي متثل املرحلة األوىل ـ مقارنة بني فعل الربا وفعل‬
‫التصدق‪ ،‬فاألول ال ثواب عليه عند اهلل‪ ،‬بينام الثاين حيظى بالثواب الكبري‪.‬‬

‫فاآلية الكريمة ال داللة فيها عىل التحريم‪ ،‬وإنام فيها دعوة الجتناب فعل الربا‬
‫ألنه ال ثواب فيه‪ ،‬وهذه الدعوة هي متهيد ملا يليها مما يدخل يف مرحلتها‪.‬‬

‫ويف اآلية الثانية‪ :‬التي ذكرت ربا اليهود تضع العربة والدرس اللذين ينبغي‬
‫أن يستفيده املسلمون من فعل اليهود فيجتنبوا ما كانوا يفعلونه‪.‬‬
‫أو قل‪ :‬فيه تنفري للمسلمني من الربا ألنه من فعل اليهود‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫حقيقة الربا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وكذلك هي (أعني اآلية) ليس فيها حتريم رصيح لفعل الربا‪.‬‬

‫وتلكم العربة‪ ،‬وهذا التنفري يدخالن يف املرحلة األوىل اهلادفة إىل توهني شأن‬
‫الربا والدعوة لالجتناب عنه‪.‬‬

‫واآلية الثالثة‪ :‬التي تضمنت النهي عن أكل الربا املضاعف متثل املرحلة الثانية‪.‬‬

‫ويف النهي املشار إليه حتريم واضح‪ ،‬ألن النهي املجرد يدل عىل احلرمة ـ كام‬
‫يقول األصوليون‪.‬‬

‫ويف آيات سورة البقرة تتمثل املرحلة األخرية لتحريم الربا‪ ،‬فهي رصحية بذلك‪،‬‬
‫وظاهرة يف أن الربا املحرم يشمل املضاعف وغري املضاعف‪.‬‬

‫واخلالصة‪:‬‬

‫أ ـ أن القرآن الكريم ليس فيه بيان حلقيقة الربا‪.‬‬

‫ب ـ نعم‪ ،‬فيه إحالة ملعرفة حقيقة الربا من الواقع االجتامعي‪ ،‬االقتصادي‪،‬‬


‫الذي كان ماث ً‬
‫ال وقت نزول آيات الربا‪ ،‬وهو املعروف بربا اجلاهلية‪.‬‬

‫ج ـ أن القرآن الكريم رصيح يف حتريم الربا‪.‬‬

‫‪3‬ـ ربا اجلاهلية‬

‫وأعني باجلاهلية ـ هنا ـ اجلاهلية الثانية التي انتهت بنزول القرآن الكريم (أي‬
‫بمجيء اإلسالم) فقد عرف عن أبناء املجتمع اجلاهيل التعامل بالربا‪.‬‬

‫ال عن كتاب (حممد‬ ‫جاء يف كتاب (الربا بني االقتصاد والدين) ـ ص ‪ )27‬نق ً‬
‫املثل الكامل)‪ :‬أن «الربا كان نظام ًا سائد ًا يف احلركة االقتصادية والتجارية يف اجلزيرة‬
‫العربية‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪86‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ولقد وردت آيات عدة يمكن االستدالل هبا عىل أن أهل احلجاز العرب‬
‫واليهود ـ عىل السواء ـ كانوا يتعاطونه‪ ،‬وعىل أنه كان راسخ ًا عندهم يعولون عليه‬
‫ال كبري ًا يف تنمية ثرواهتم»‪.‬‬
‫تعوي ً‬

‫فقد عرف ذلك وبشهرة عن جتار قريش بمكة وجتار هيود باملدينة‪.‬‬

‫ونحن ـ هنا ـ نحاول أن نتعرف شكل وحقيقة معاملة الربا التي كانوا يتعاملون‬
‫هبا‪ ،‬لعلنا نعرف ـ بعد هذا ـ هل هذا هو الربا اجلاهيل الذي أحال إليه القرآن الكريم يف‬
‫أكثر من آية ـ كام تقدم ـ‪.‬‬

‫جاء يف كتاب (املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم) ـ ط ‪ 2‬ج ‪ 7‬ص ‪ 397‬ـ‬
‫ما نصه‪« :‬ومن بيوع أهل اجلاهلية بيعهم الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة والرب بالرب‬
‫والشعري بالشعري والتمر بالتمر وامللح بامللح‪ ،‬وقد هني عنه يف اإلسالم إالّ سواء بسواء‪،‬‬
‫أي إالّ متساويني ويد ًا بيد‪ ،‬ويسمى هذا البيع (مراطلة) إن كان بالوزن و(مبادلة) إن‬
‫كان بالعدد ‪...‬‬

‫ويظهر من منع اإلسالم لبيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إالّ أن يكونا‬
‫متساويني ويد ًا بيد‪ ،‬أي مقبوضني‪ :‬أن أهل اجلاهلية كانوا يبيعون الذهب بذهب يزيد‬
‫عليه حني يؤديه يف أجله املحدود»‪.‬‬

‫ويف تفسري الفخر الرازي‪ ،‬مج ‪ 4‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،75‬قال الرازي ـ وهو يف معرض‬
‫تفسري آيات الربا التي يف سورة البقرة ـ‪« :‬اعلم أن الربا قسامن‪ :‬ربا النسيئة وربا‬
‫الفضل‪.‬‬

‫أما ربا النسيئة فهو األمر الذي كان مشهور ًا متعارف ًا يف اجلاهلية‪ ،‬وذلك أهنم‬
‫كانوا يدفعون املال عىل أن يأخذوا كل شهر قدر ًا معين ًا‪ ،‬ويكون رأس املال باقي ًا‪ ،‬ثم إذا‬
‫َّ‬
‫حل الدَ ين طالبوا برأس املال‪ ،‬فإذا تعذر عليه األداء زادوا يف احلق واألجل‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫حقيقة الربا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فهذا هو الربا الذي كانوا يف اجلاهلية يتعاملون به»‪.‬‬

‫وقال يف تفسري اآلية ‪ 130‬من سورة آل عمران ـ مج ‪ 5‬ج ‪ 9‬ص ‪ 3‬ـ‪« :‬املسألة‬
‫األوىل‪ :‬كان الرجل يف اجلاهلية إذا كان له عىل إنسان مائة درهم إىل أجل‪ ،‬فإذا جاء‬
‫األجل ومل يكن املديون واجد ًا لذلك املال قال‪ :‬زد يف املال حتى أزيد يف األجل‪ ،‬فربام‬
‫حل األجل الثاين فعل مثل ذلك‪ ،‬ثم إىل آجال كثرية‪ ،‬فيأخذ‬ ‫جعله مائتني‪ ،‬ثم إذا َّ‬
‫بسبب تلك املائة أضعافها‪ ،‬فهذا هو املراد من قوله (أضعاف ًا مضاعفة) ‪.»...‬‬

‫ويف (التبيان) لشيخ الطائفة أيب جعفر الطويس ‪« :587/3‬والربا املنهي عنه‪:‬‬
‫قال عطاء وجماهد‪ :‬هو ربا اجلاهلية‪ ،‬وهو الزيادة عىل أصل املال بالتأخري عىل األجل‬
‫احلال‪.‬‬

‫ويدخل فيه كل زيادة يف املعاملة من جهة املضاعفة»‪.‬‬

‫ونجد الرواية عن جماهد أيض ًا يف ما رواه القرطبي عنه يف تفسريه‪ ،‬قال‪:‬‬


‫حل األجل زادوا يف الثمن‪ ،‬عىل‬ ‫«قال جماهد‪ :‬كانوا يبيعون البيع إىل أجل‪ ،‬فإذا َّ‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُوا الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ‬
‫الر َبا َأ ْض َعا ًفا‬ ‫أن يؤخروا‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل هذه اآلية ‪َ ‬يا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ‬
‫ُم َضا َع َف ًة‪.)(»...‬‬
‫ِ‬
‫وقال الطربي ـ وهو يف معرض تفسريه لقوله تعاىل‪َ  :‬يا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ‬
‫ين َآمنُوا الَ‬
‫ت َْأ ُك ُلوا ِّ‬
‫الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة‪« :.‬وكان أكلهم للربا يف جاهليتهم أن الرجل منهم‬
‫كان يكون له عىل الرجل مال إىل أجل‪ ،‬فإذا َّ‬
‫حل األجل طلبه من صاحبه‪ ،‬فيقول له‬
‫أخر عني دينك وأزيدك عن مالك‪ ،‬فيفعالن ذلك‪ ،‬فذلك هو الربا‬ ‫الذي عليه املال‪ّ :‬‬
‫أضعاف ًا مضاعفة‪ ،‬فنهاهم اهلل ـ عز وجل ـ يف إسالمهم عنه»()‪.‬‬

‫() انظر‪ :‬معامالت البنوك وأحكامها الرشعية ط ‪ 15‬ص ‪..87‬‬


‫() م ‪ .‬س ‪.86‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪88‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ونقل الدكتور طنطاوي يف كتابه (معامالت البنوك وأحكامها الرشعية) ـ ط‬
‫‪ 15‬ص ‪ 87‬ـ عن كتاب (الربا واملعامالت يف اإلسالم) للشيخ رشيد رضا‪ ،‬عن الفقيه‬
‫احلنفي أيب بكر اجلصاص أنه قال‪« :‬والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنام كان‬
‫قرض الدراهم والدنانري إىل أجل بزيادة عىل مقدار ما استقرض عىل ما يرتاضون‬
‫له»‪.‬‬
‫وبإلقاء نظرة عىل هذه النقول املذكورة يف أعاله نخلص إىل التايل‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن هذه النقول محلت لنا عدة صور للربا اجلاهيل‪ ،‬وهي الصور التي سنراها‬
‫يف حديث أهل البيت ‪ :‬وفتوى الفقهاء اإلماميني من أتباعهم‪.‬‬
‫وجاء تعدد الصور يف املنقول املذكور نتيجة الختالف الرواية التارخيية حيث‬
‫نظرت كل رواية إىل صورة من صور الربا التي كانت معروفة يف املجتمع اجلاهيل‪.‬‬
‫‪2‬ـ والصور املنقولة هي‪:‬‬
‫أـ صورة ما يعرف بالبيع الربوي أو الربا البيعي الذي يسميه من يرى تعديته‬
‫إىل ما سوى البيع من معامالت بِـ (ربا املعاملة أو الربا املعاميل)‪ ،‬وهو الذي جيري يف‬
‫األعيان أو املواد املالية الست‪ :‬الذهب والفضة واحلنطة والشعري والتمر وامللح‪ ،‬وما‬
‫يقاس عليها يف الرأي اآلخر‪.‬‬
‫وقد ذكر هذه الصورة الدكتور جواد عيل يف كتابه (املفصل يف تاريخ العرب قبل‬
‫اإلسالم) ـ كام تقدم ـ‪.‬‬
‫وجاء يف (التبيان) للشيخ الطويس ‪« :359/3‬أصل الربا‪ :‬الزيادة من قوهلم ربا‬
‫اليشء يربو ربو ًا إذا زاد‪.‬‬
‫والربا‪ :‬هو الزيادة عىل رأس املال يف نسيئة أو مماثلة‪ ،‬وذلك كالزيادة عىل مقدار‬
‫الدين للزيادة يف األجل‪ ،‬أو كإعطاء درهم بدرمهني أو دينار بدينارين‪.‬‬
‫واملنصوص عن النبي ‪ ‬حتريم التفاضل يف ستة أشياء‪ :‬الذهب والفضة‬
‫‪89‬‬ ‫حقيقة الربا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال بمثل‪ ،‬يد ًا‬
‫واحلنطة والشعري والتمر وامللح‪ ،‬وقيل‪ :‬الزبيب‪ .‬فقال النبي ‪ ‬فيها‪ :‬مث ً‬
‫بيد‪ ،‬من زاد أو استزاد فقد أربى‪.‬‬
‫هذه الستة أشياء ال خالف يف حصول الربا فيها‪ ،‬وباقي األشياء عند الفقهاء‬
‫مقيس عليها‪ ،‬وفيها خالف بينهم‪.‬‬
‫وعندنا‪ :‬أن الربا يف كل ما يكال أو يوزن‪ ،‬إذا كان اجلنس واحد ًا‪ ،‬منصوص‬
‫عليه»‪.‬‬
‫ب ـ صورة ما يعرف بربا القرض أو الربا القريض‪.‬‬
‫ذكر هذه الصورة العالمة فخر الدين الرازي يف تفسريه كام مر يف أعاله‪.‬‬
‫ج ـ صورة الزيادة يف الفائدة عند عجز املدين عن دفع ما عليه من دين عند‬
‫حلول األجل فيزيد الدائن عليه يف الفائدة لتأخري األجل‪.‬‬
‫ذكر هذه الصورة كل من اجلصاص والطربي‪ ،‬وذكرها أيض ًا القرطبي عن‬
‫جماهد‪ ،‬وذكرها الطويس عن عطاء وجماهد‪.‬‬
‫ويبدو يل أن هذه الصورة كانت األشهر واألظهر ألهنا األقوى يف مضاعفة‬
‫الربا‪.‬‬
‫واخلالصة‪:‬‬
‫أن ربا اجلاهلية يتمثل يف الصور التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ الربا املعاميل‪.‬‬
‫‪2‬ـ الربا القريض‪.‬‬
‫‪3‬ـ الربا املضاعف‪.‬‬
‫وإذا أدخلنا هذا القسم الثالث (الربا املضاعف) يف القسم الثاين ألنه ربا قريض‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪90‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫دخلته اجلدولة من أجل مضاعفة الفائدة متيس األقسام قسمني‪ :‬املعاميل أو البيعي‬
‫والقريض‪.‬‬

‫‪4‬ـ الربا يف حديث أهل البيت‪:‬‬


‫تناولت األحاديث املروية عن أهل البيت ‪ :‬يف موضوع الربا خمتلف جوانبه‬
‫وأطرافه‪ ،‬ومما خيص موضوعنا وهو الروايات الواردة يف حتديد الربا‪ ،‬تناولته بقسميه‬
‫القريض والبيعي أو املعاميل‪ ،‬وبام يلتقي مع ما توصلنا إليه من حتديد لربا اجلاهلية‪.‬‬
‫والروايات املشار إليها هي أمثال‪:‬‬
‫ـ ما جاء يف الوسائل ‪ 137/18‬برقم ‪ :23325‬عن عيل بن جعفر يف كتابه عن‬
‫ال مائة درهم يعمل هبا عىل أن يعطيه مخسة‬ ‫أخيه ‪ ...‬قال‪« :‬وسألته عن رجل أعطى رج ً‬
‫دراهم أو أقل أو أكثر‪ ،‬هل حيل ذلك؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬هذا الربا حمض ًا»‪.‬‬
‫ـ الوسائل ‪ 160/18‬برقم ‪ :23389‬عن عيل بن إبراهيم يف تفسريه عن أبيه‬
‫عن القاسم بن حممد عن املنقري عن حفص بن غياث عن أيب عبد اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«الربا رباءان أحدمها ربا حالل واآلخر حرام»‪.‬‬
‫فأما احلالل فهو أن يقرض الرجل قرض ًا طمع ًا أن يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه‬
‫بال رشط بينهام‪ ،‬فإن أعطاه أكثر مما أخذه بال رشط بينهام فهو مباح له‪ ،‬وليس له عند‬
‫ال َي ْر ُبو ِعنْدَ اهللِ‪.‬‬
‫اهلل ثواب فيام أقرضه‪ ،‬وهو قوله عز وجل‪َ  :‬ف َ‬
‫وأما الربا احلرام فهو الرجل يقرض قرض ًا ويشرتط أن يرد أكثر مما أخذه‪ ،‬فهذا‬
‫هو احلرام»‪.‬‬
‫ـ الوسائل ‪ 133/18‬برقم ‪ :23314‬عن عمر بن يزيد عن أيب عبد اهلل ‪ ‬ـ‬
‫يف حديث ـ أنه قال‪« :‬يا عمر قد أحل اهلل البيع وحرم الربا‪ ،‬بع واربح وال ِ‬
‫ترب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وما الربا؟ قال‪ :‬دراهم بدراهم مثلني بمثل‪ ،‬وحنطة بحنطة مثلني‬
‫ُ‬
‫‪91‬‬ ‫حقيقة الربا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بمثل»‪.‬‬
‫ـ الوسائل ‪ 165/18‬برقم ‪ :23396‬عن الوليد بن جيح‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد‬
‫اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬الذهب بالذهب والفضة بالفضة‪ ،‬الفضل بينهام هو الربا املنكر»‪.‬‬
‫واخلالصة‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن الروايتني األوليني مثلتا لربا القرض بام يفهم منه معناه‪.‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪2‬ـ والروايتان األخريتان مثلتا لربا املعاملة بام يفهم منه معناه ً‬
‫‪3‬ـ أن ما تضمنته الروايات هو نفس ربا اجلاهلية الذي أحال إليه القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬

‫‪5‬ـ الربا يف املصطلح الفقهي‬


‫أريد باملصطلح الفقهي ـ هنا ـ املصطلح الفقهي اإلمامي‪...‬‬
‫وبالنظرة األوىل لتعريفات فقهائنا للربا ندرك أهنم أفادوها من األحاديث‬
‫املروية عن أهل البيت ‪.:‬‬
‫وقد رأينا ـ فيام سبق ـ أن معطيات احلديث الرشيف (حديث أهل البيت ‪)‬‬
‫تلتقي مع املعنى اللغوي للربا الذي هو الزيادة‪ ،‬إالّ أن الزيادة هنا مقيدة بقيود معينة‬
‫أفادوها من احلديث الرشيف أيض ًا‪ ،‬أي إهنا غري مطلقة‪.‬‬
‫كام أهنا تلتقي من حيث املفهوم والتقسيم مع ما أحال إليه القرآن الكريم مما‬
‫يعرف بربا اجلاهلية‪.‬‬
‫وقد أرشت إىل يشء من هذه التعريفات يف موضوع (الربا) من اجلزء الثالث‬
‫من هذا الكتاب‪ ..‬وأنقل هنا تعريف املحقق احليل يف كتابه الفقهي العظيم (رشائع‬
‫اإلسالم) ألنه اشمل وأخرص‪ ،‬قال‪« :‬وهو (يعني الربا) يثبت‪:‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪92‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ يف البيع مع وصفني‪ :‬اجلنسية‪ ،‬والكيل والوزن‪.‬‬
‫ـ ويف القرض‪« :‬مع اشرتاط النفع»‪.‬‬
‫واخلالصة‪:‬‬
‫يتحقق الربا ـ فقهي ًا ـ يف نوعني من املعامالت املالية مها‪:‬‬
‫ـ البيع‪ ،‬أو كل معاملة مالية ـ عىل اخلالف‪ ،‬مع رشط أن يكون املاالن املتبادالن‬
‫من جنس واحد‪ ،‬ومما يكال أو يوزن‪ ،‬ومع اشرتاط الزيادة ألحد الطرفني‪.‬‬
‫ـ القرض مع اشرتاط الزيادة للدائن عىل املستدين‪.‬‬
‫وألننا سنعرف ـ مما يأيت ـ بأن الربا يف البنوك يتحقق فيام يشرتطه الدائن ـ بنك ًا‬
‫كان أو غريه ـ من زيادة عىل املبلغ املستدان كربح أو فائدة لذلك املبلغ املستدان‪،‬‬
‫فنستطيع أن نقترص هنا عىل الرتكيز عىل الربا القريض‪.‬‬

‫‪6‬ـ الربا يف املصطلح االقتصادي‬


‫يعرفه املحامي نبيه غطاس يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة‬
‫ّ‬
‫األعامل) بقوله‪« :‬ربا ‪:Usury‬‬
‫‪1‬ـ يف األصل‪ :‬تعني الكلمة أية فائدة تدفع عن املال املقرتض بغرض االستفادة‬
‫منه‪.‬‬
‫‪2‬ـ ويف االستعامل احلديث‪ :‬تعني الكلمة أية فائدة تدفع عن املال املقرتض بنسبة‬
‫تزيد عن النسبة التي حيددها الرشع أو القانون‪ ،‬أي أهنا متثل الربح غري املرشوع الذي‬
‫يكسبه الدائن من املال الذي يقرضه للغري»‪.‬‬
‫ورأينا يف ما مر من تعريفات (الفائدة) التي يأخذها البنك‪ :‬أن املستدين أو‬
‫املقرتض يدفع الفائدة للبنك تعويض ًا عن الربح املتوقع حصول الدائن (البنك) لو‬
‫ش ّغل رأس املال بنفسه‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫حقيقة الربا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وبالتحليل نتوصل إىل أن الزيادة التي حيصل عليها الدائن من املستدين تأيت عىل‬
‫أنواع‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أـ الزيادة التي يدفعها املقرتض (املستدين) إىل ِ‬
‫املقرض (الدائن) هي يف مقابل‬
‫استعامل املستدين لرأس املال كتعويض عام فات الدائن من الربح لو كان قد استعمل‬
‫رأس املال بنفسه‪.‬‬

‫إن أخذ هذه الزيادة وبالشكل املذكور كانت هي الظاهرة املعروفة يف بداية نشأة‬
‫البنوك التجارية يف أوروبا‪.‬‬

‫ب ـ ثم تطورت هذه الزيادة بعد خضوع البنوك التجارية لقانون االقتصاد‬


‫يف البالد‪ ،‬فأخذت مسار ًا آخر‪ ،‬هو أن القوانني كانت تتدخل يف حتديد الزيادة محاية‬
‫للمستهلك‪ ،‬ولكن البنوك كانت تتجاوز احلد القانوين فتأخذ زيادة عىل ما هو مقرر‬
‫أو حمدد‪ ،‬فكان الوضع االقتصادي هلذه الظاهرة يستدعي أن تكون الزيادة القانونية‬
‫مرشوعة‪ ،‬والزيادة التي تكون فوق الزيادة القانونية هي زيادة غري مرشوعة‪.‬‬

‫مر ردح من الزمن عىل اعتبار الزيادة عىل رأس املال تعويض ًا عام يفوت‬
‫ج ـ وقد ّ‬
‫صاحب رأس املال (الدائن) من الربح الذي قد حيصل عليه لو استعمل رأس ماله‬
‫بنفسه‪.‬‬

‫ولكن وبعد انتشار البنوك االنتشار الواسع‪ ،‬واملركزية حلركة املال التي أصبحت‬
‫تتمتع هبا البنوك التجارية‪ ،‬والتي انحرصت هبا‪ ،‬أصبحت الزيادة التي يعوض هبا‬
‫الدائن ربح ًا ثابت ًا لرأس املال ونيس الناس أمر التعويض‪ ،‬أي أصبح من يريد أن يشغل‬
‫ما عنده من املال بغية احلصول عىل الربح أمامه طريقان‪:‬‬

‫‪1‬ـ االستثمار‬
‫وذلك بأن يدخل رشيك ًا يف إحدى الرشكات أو مسامه ًا يف إحدى الرشكات‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪94‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪2‬ـ اإلقراض‬
‫وهو أن يقرض ماله للبنك التجاري ليستخدمه البنك يف عملياته يف مقابل ربح‬
‫حمدد يدفعه إليه البنك‪.‬‬
‫‪3‬ـ والفارق بني هذه املرحلة األخرية التي مل تعترب فيها الزيادة تعويض ًا‪ ،‬وإنام‬
‫تنظر ربح ًا خالص ًا‪ ،‬واملرحلة األوىل حيث كانت الزيادة تعترب تعويض ًا‪ ،‬يتمثل ذلك‬
‫الفارق فيام قد يقال من أن الفائدة البنكية أو الربح يف املرحلة األوىل كان يف مقابل‬
‫عمل وهو استخدام رأس املال‪ ،‬فال تعد الفائدة ـ واحلالة هذه ـ من الربا‪ ،‬بينام يف‬
‫املرحلة األخرية حيث ال تعترب الزيادة (الفائدة) يف مقابل عمل‪ ،‬وإنام هي ربح خالص‬
‫للقرض‪ ،‬تعد هذه الزيادة من الربا‪.‬‬
‫واعتبار هذه الزيادة (الفائدة البنكية) من الربا هي الرأي املتفق عليه يف الفقه‬
‫اإلمامي إذا حصل اشرتاط الفائدة ضمن العقد‪.‬‬
‫وآلخرين من الفقهاء املسلمني غري اإلماميني وبعض الكتاب املعارصين رأي‬
‫آخر يف هذه الفائدة‪ ،‬سوف أذكره يف موضعه إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫هذا كله يف النقطة األوىل (حقيقة الربا)‪.‬‬
‫ويف النقطة الثانية‪ ،‬وهي املسائل ذات التدخل املبارش يف حتديد حقيقة القروض‬
‫بفوائد التي تقوم هبا البنوك التجارية‪ .‬وهي‪:‬‬
‫ـ احلكومات ومرشوعية التعامل معها يف األموال العامة‪.‬‬
‫ـ متلك الشخصية االعتبارية‪.‬‬
‫ـ هل تقوم الكتابة مقام اللفظ يف العقود الرشعية‪.‬‬
‫ـ هل يتحقق الربا يف النقود الورقية‪.‬‬
‫احلكومات ومشروعية التعامل‬
‫معهايف األموال العامة‬
‫تتنوع ملكية املال يف الترشيع اإلسالمي إىل ثالثة أنواع‪ ،‬هي‪:‬‬

‫ـ ملكية الفرد‪.‬‬

‫ـ ملكية األمة‪.‬‬

‫ـ ملكية الدولة‪.‬‬

‫وهيمنا ـ هنا ـ معرفة ملكية الدولة وملكية األمة‪ ،‬ومها تتكونان من احلقوق‬
‫املالية التي يفرضها الترشيع‪ ،‬ومن املرافق العامة يف الوطن‪ ،‬عىل تفصيل بإمكان‬
‫القارئ الوقوف عليه‪ ،‬وذلك بالرجوع إىل كتاب (اقتصادنا) ألستاذنا الشهيد السيد‬
‫حممد باقر الصدر‪ ،‬وتسمى هذه األموال ـ فقهي ًا ـ األموال العامة‪ ،‬ويعود الترصف فيها‬
‫للحكومة باعتبارها متثل الدولة وتنوب عن األمة‪.‬‬

‫والدافع لنا إىل إثارة البحث يف عالقة الدولة باألموال العامة هو تقسيم فقهائنا‬
‫اإلماميني البنوك التجارية تقسي ًام خاص ًا منبثق ًا من نظرهتم الفقهية هلا‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪96‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مر ـ البنوك احلكومية‪ ،‬وهي التي متول من قبل‬ ‫ومن أقسام قسمتهم ـ كام َّ‬
‫احلكومة كامالً‪ ،‬أو تشرتك احلكومة مع القطاع األهيل يف متويلها‪.‬‬

‫إن معرفة حكم التعامل مع هذه البنوك تتوقف عىل معرفة نوعية عالقة احلكومة‬
‫باألموال العامة التي ختتص ملكيتها هبا‪.‬‬

‫فقد تكون العالقة عالقة متلك‪ ،‬وذلك بأن تكون ملكية أموال الدولة للحكومة‬
‫وتكون هلا الوالية عليها‪ ،‬فيحق هلا ـ واحلالة هذه ـ الترصف هبذه األموال‪ ،‬وحيق‬
‫للمسلمني التعامل معها يف هذه األموال‪.‬‬

‫وقد تكون العالقة عالقة إباحة ترصف هبذه األموال من ِقبل املالك احلقيقي هلا‬
‫وهو اإلمام املنصوب من ِقبل اهلل تعاىل‪ ،‬إما بشخصه‪ ،‬أو ألنه املمثل الرشعي للدولة‬
‫الرشعية‪.‬‬

‫وهنا أيض ًا جيوز للمسلمني التعامل معها‪.‬‬

‫وقد ال تكون بني هذه األموال العامة واحلكومة عالقة تسوغ ـ رشع ًا ـ التعامل‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال جيوز التعامل معها‪.‬‬ ‫معها‪،‬‬

‫ال تتطلب منا أن نبحث موضوع احلكومة الرشعية‪،‬‬ ‫إن معرفة هذا تفصي ً‬
‫واألخرى التي مل تتوافر عىل الرشوط املطلوب توافرها يف احلكومة الرشعية من وجهة‬
‫الرأي الفقهي اإلمامي‪.‬‬

‫كنت قد بحثت موضوع احلكومة الرشعية بشكل مستقل وحتت عنوان‬ ‫وألين ُ‬
‫(الكيان السيايس اإلسالمي من خالل نصوص املالية العامة)‪ ،‬وهو يلبي حاجتنا‬
‫املطلوبة هنا‪ ،‬ونستطيع أن نستند إليه يف حماولة معرفة حكم التعامل مع البنوك‬
‫رأيت أن أنقله هنا‪ ،‬وهو‪ :‬الكيان‬
‫احلكومية‪ ،‬واألخرى املشرتكة بني احلكومة واألهايل‪ُ ،‬‬
‫السيايس اإلسالمي من خالل نصوص املالية العامة‪.‬‬
‫الكيان السياسي اإلسالمي‬
‫وفق النصوص املالية العامة‬
‫مقدمة‬

‫سوف نبحث هنا مسألتني مهمتني من مسائل الفقه اإلمامي‪ ،‬مل يقدّ ر هلام أن‬
‫بحثتا إالّ يف حدود معطيات النصوص الرشعية ووفق املنهج البنيوي الذي يفرد‬
‫وجيرد النص من تطبيقاته ووقائعه يف التاريخ‪ ،‬أو قل عزله عن البيئة االجتامعية التي‬
‫حترك فيها مضمونه‪ ،‬واستمد منها طاقته الداللية بام ينري الطريق إىل فهمه فه ًام سوي ًا‬
‫يوصل إىل النتيجة املطلوبة‪.‬‬

‫وهاتان املسألتان مها‪:‬‬

‫‪1‬ـ مسألة ملكية املالية العامة‬

‫فقد اختلف فيها رأي الفقه اإلمامي‪ ،‬تبع ًا الختالف فهم فقهائنا ملؤديات‬
‫النصوص الرشعية الواردة يف املقام‪.‬‬

‫‪2‬ـ مسألة الكيان اإلداري الذي كان قائ ًام أيام حكم املعصوم املتمثل بحكم‬
‫رسول اهلل (‪ )‬وحكم أمري املؤمنني ‪ ،‬ومها املرجع الرشعي األصيل للفقه‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪98‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اإلمامي يف هذه املسألة‪.‬‬

‫فهل كان هذا الكيان املشار إليه من نوع الكيان السيايس‪ ،‬أو ليس كذلك‪ ،‬وإنام‬
‫هو كيان إداري فقط‪ ،‬بمعنى أنه ال عالقة له بالسياسة؟!‬

‫وعند من يقول‪ :‬إنه كيان سيايس‪ ،‬هل هو من نوع حكم األمة أو حكم الدولة‪،‬‬
‫أي هل أن النبي واإلمام كان كل منهام رئيس ًا لألمة اإلسالمية التي يتمثل فيها الكيان‬
‫رئيسا للدولة اإلسالمية التي يتمثل فيها‬
‫ال منهام كان ً‬ ‫السيايس املشار إليه‪ ،‬أو أن ك ً‬
‫الكيان السيايس املومى إليه؟؟‬

‫ووجه االرتباط بني املسألتني املشار إليهام هو أن الثانية انبثقت من األوىل‪ ،‬كام‬
‫سنتبني هذا من غضون البحث‪.‬‬

‫وهذا اخلالف يف املسألة الثانية يعني أن القولني األولني ينتج عنهام أنه ال دولة‬
‫يف اإلسالم بمعناها احلديث الذي ينص عىل أهنا كيان سيايس يشمل ويؤطر األمة‬
‫واحلكومة والوطن‪.‬‬

‫وذلك للفرق بني األمة‪ ،‬إذ قد تكون جز ًءا من الدولة فيام إذا كانت هناك دولة‪،‬‬
‫وقد ال تكون جز ًءا منها فيام إذا كانت مستقلة بذاهتا وتدار من قبل فرد يساعده آخرون‬
‫يف إدارته هلا‪.‬‬

‫وقد حتولت هذه املسألة ـ عىل هذا الرأي ـ إىل مشكلة تركزت يف أن اإلسالم‬
‫يفصل بني الدين والدولة‪ ،‬أو بني الدين والسياسة‪.‬‬

‫وقد رأينا لون ًا من هذا اخلالف متمث ً‬


‫ال فيام عرف باملرشوطة واملستبدة() حول‬

‫() املرشوطة‪ :‬تعني أن يكون للدولة جملس نيايب يمثل الشعب ودستور مستمد من الرشيعة‬
‫اإلسالمية يطبق بإرشاف الفقهاء العدول‪ ،‬ألن الكيان السيايس يف رأي القائلني باملرشوطة هو‬
‫من نوع إدارة شؤون الدولة‪ ،‬أما املستبدة فتعني احلكم الفردي غري املرشوط بام ذكر يف أعاله‪،‬‬
‫ألن الكيان السيايس يف رأي القائلني باملستبدة هو نوع من إدارة شؤون األمة‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫الكيان السيايس اإلسالمي وفق النصوص املالية العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫احلكم اإليراين يف «الفرتة من ‪ 1905‬إىل ‪ 1912‬من التاريخ اإليراين املعارص‪ ،‬وهي فرتة‬
‫الرصاع بني احلكم القاجاري واملجاهدين اإليرانيني يف سبيل حكم نيايب»()‪ ،‬حيث‬
‫ذهب فريق من فقهائنا إىل الدعوة للمرشوطة‪ ،‬وفريق آخر إىل الدعوة للمستبدة‪.‬‬

‫وكان عىل رأس الفريق األول الفقيه الشيخ حممد كاظم اخلراساين (ت ‪1329‬هـ)‪،‬‬
‫وعىل رأس الفريق اآلخر الفقيه السيد حممد كاظم اليزدي (ت ‪1337‬هـ)‪.‬‬

‫حافزا‬
‫وكان تأزم الوضع السيايس ـ يف حينه ـ الذي تبعه تأزم يف الفكر الفقهي ً‬
‫قو ّي ًا للفقيه املريزا حممد حسني النائيني (ت ‪1355‬هـ) ـ وهو من الداعني إىل املرشوطة‬
‫ـ أن يؤلف كتابه (تنبيه األمة وتنزيه امللة) يف بيان رضورة إقامة الدولة اإلسالمية‬
‫الدستورية‪ ،‬وقد عُدّ به الرائد األول حلسم قضية النزاع الفقهي املشار إليه‪.‬‬

‫ولكن ـ ومع األسف ـ انتهت املعركة السياسية إىل أن يتوقف املد الفقهي‬
‫يف املسألة‪ ،‬حتى جاء دور اإلمام اخلميني فاستطاع بثاقب نظرته السياسية وبثورته‬
‫الشعبية اإلسالمية املوفقة أن يركز ويرسخ فكرة الدولة اإلسالمية ثم جيسدها إىل‬
‫واقع حي معطاء‪.‬‬

‫هذا بالنسبة إىل مشكلة الدولة اإلسالمية نظر ًّيا وتطبيق ًّيا‪.‬‬

‫أما مسألة املالية اإلسالمية العامة‪ ،‬فإنه ـ يف حدود ا ّطالعي ـ مل ترتسخ فكرهتا‬
‫يف أهنا ملك للدولة اإلسالمية من ناحية نظرية إالّ فيام كتبه أستاذنا الشهيد الصدر‬
‫يف (اقتصادنا)‪ ،‬وما جاء يف (دستور اجلمهورية اإلسالمية)‪ ...‬وتطبيق ًا إالّ فيام ملسناه‬
‫واضح ًا يف واقع اجلمهورية اإلسالمية يف إيران‪.‬‬

‫َ‬
‫بزرك فاريس)‪ ،‬مادة‪ :‬مرشوطيت‪.‬‬ ‫َ‬
‫(فرهنك‬ ‫() املعجم الفاريس الكبري‪،‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪100‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وأخري ًا‪:‬‬

‫إن ما بني يدي القارئ العزيز ما هو إالّ حماولة متواضعة لتيسري فهم هذا املوضوع‬
‫ليكون يف خط الثقافة الفقهية للجميع‪.‬‬

‫أسأل اهلل تعاىل أن يوفقنا خلدمة فقه أهل البيت ‪ ،:‬إنه سبحانه ويل التوفيق‬
‫وهو الغاية‪.‬‬

‫وعىل هديه ستكون خطة البحث كالتايل‪:‬‬

‫‪ .1‬الدولة‪.‬‬

‫‪ .2‬نوعية احلكم اإلسالمي يف الفقه اإلمامي‪.‬‬

‫‪ .3‬املالية العامة‪.‬‬

‫‪ .4‬الرأي الفقهي اإلمامي يف ملكية الدولة‪.‬‬


‫الدولة‬

‫تعريفها‬

‫‪1‬ـ مل ُيعلم‪ ،‬كام أنه مل ُيؤرخ أن استعملت كلمة (دولة) يف لغتنا العربية القديمة‬
‫بمعنى (‪ )State‬اإلنجليزية‪ ،‬أي بمعناها السيايس والقانوين املعروف حالي ًا‪.‬‬

‫وهلذا مل تدخل هذه الكلمة باملعنى املشار إليه يف قوائم املعجم العريب إالّ يف‬
‫عرصنا الراهن حيث أدرجت يف أمثال‪ :‬املعجم الوسيط واملعجم العريب األسايس‬
‫ومعجم الروس العريب ومعجم الصحاح للمرعشليني‪.‬‬

‫وقد أفادت هذه املعاجم وأمثاهلا هذا املصطلح وبمعناه االصطالحي اجلديد ـ‬
‫املقصود هنا ـ من علم السياسة وعلم القانون‪.‬‬

‫وهذا مما نستفيد منه يف تعليل عدم ورودها يف النصوص الرشعية القديمة من‬
‫آيات وروايات وفتاوى‪.‬‬

‫وكذلك هو مما يلقي الضوء عىل واقع الكيان السيايس اإلسالمي يف العصور‬
‫اإلسالمية املبكرة‪ ،‬وعىل معرفة الرس يف عدم تسميته بالدولة‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪102‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يستثنى من هذا ما جاء يف عهد اإلمام عيل ‪ ‬لواليه عىل مرص مالك األشرت‬
‫من قوله ‪« :‬ثم اعلم يا مالك أين وجهتك إىل بالد قد جرت عليها دول قبلك‬
‫من عدل وجور»‪ ،‬وما ورد يف دعاء االفتتاح املندوبة قراءته يف ليايل شهر رمضان‪،‬‬
‫وهو مما كان يدعو به أبو جعفر حممد بن عثامن العمري (ت ‪305‬هـ) النائب الثاين‬
‫عن اإلمام املهدي ‪ ‬يف الغيبة الصغرى‪ ،‬وهو قوله‪« :‬اللهم إنا نرغب إليك يف‬
‫دولة كريمة تعز هبا اإلسالم وأهله وتذل هبا النفاق وأهله وجتعلنا فيها من الدعاة إىل‬
‫طاعتك والقادة إىل سبيلك وترزقنا هبا كرامة الدنيا واآلخرة»()‪ ،‬واملقصود هبا دولة‬
‫اإلمام املهدي (‪.)‬‬

‫وهذا التعبري بكلمة (دولة) عن حكم اإلمام املهدي دليل قوي‪ ،‬وشاهد متني‪،‬‬
‫يساعدنا يف إطالق كلمة (دولة) عىل حكم النبي ‪ ،‬وبخاصة عىل أساس من‬
‫اعتقادنا يف حكم املهدي بأنه يسري عىل هدي حكم جده رسول اهلل ‪.‬‬

‫‪2‬ـ تطلق كلمة (الدولة) حديث ًا عىل املعاين التالية‪:‬‬

‫أ ـ احلكومة‪.‬‬

‫ب ـ األمة‪.‬‬

‫ج ـ الوطن‪.‬‬

‫دـ الكيان السيايس الذي جيمع األمة واحلكومة والوطن‪.‬‬

‫وهذا املعنى األخري للدولة هو املعنى الذي نحن يف معرض بيانه‪.‬‬

‫وبسبب تنوع استعامالت كلمة (دولة) وتنوع داللتها اختلفت تعريفاهتا‪.‬‬

‫معرفيها من نظر إليها من زاوية أهنا أمة أو جمتمع أو مجاعة أو مجع من‬
‫فمن ّ‬

‫() إقبال األعامل‪ ،‬ص‪ ،58 :‬ط حجرية‪.‬‬


‫‪103‬‬ ‫الدولة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الناس‪ ،‬أو جمموعة من األفراد‪.‬‬

‫ومنهم من نظر إليها من زاوية أهنا وطن‪.‬‬

‫ومنهم من نظر إليها من زاوية أهنا كيان سيايس حيتوي (األمة واحلكومة‬
‫والوطن) ويقوم عىل أساس منها‪.‬‬

‫وإليك نامذج من تعريفاهتا توضح ما أملحت إليه‪:‬‬

‫ـ الدولة‪ :‬جمتمع يعيش عىل إقليم معني خيضع لسيطرة هيئة حاكمة ذات سيادة‪،‬‬
‫ويتمتع بشخصية معنوية متميزة عن املجتمعات األخرى املامثلة التي تربطها بعض‬
‫العالقات()‪.‬‬

‫ـ مجاعة من الناس تسكن إقلي ًام حمدد ًا‪ ،‬وختضع حلكومة منظمة ذات دستور‪،‬‬
‫وتتمتع بالسيادة()‪.‬‬

‫ـ جمتمع يقبل رعاياه السلطة املنظمة املعرتف هبا دول ًّيا()‪.‬‬

‫ـ هي مجع من الناس مستقرون يف إقليم معني احلدود ويستقلون بحكم أنفسهم‬


‫وفق نظام خاص()‪.‬‬

‫ـ جمموع كبري من األفراد يقطن عىل وجه االستقرار إقلي ًام معين ًا ويتمتع‬
‫بالشخصية املعنوية وبنظام حكومي واستقالل سيايس()‪.‬‬

‫ومن التعريفات التي نظرت إليها باعتبارها وطن ًا ما ييل‪:‬‬

‫() معجم املصطلحات السياسية والدولية‪ ،‬ص‪ ،139 :‬رقم‪415 :‬‬


‫() علم السياسة‪ ،‬ص‪83 :‬‬
‫() م ‪ .‬س‪ ،‬ص‪87 :‬‬
‫() الصحاح للمرعشليني‪ ،‬مادة‪ :‬دولة‬
‫() م ‪ .‬ن‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪104‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ إقليم يتمتع بنظام حكومي واستقالل سيايس()‪.‬‬

‫ـ البلد الذي خيضع سكانه لنظام إداري وسيايس واقتصادي خاص()‪.‬‬

‫ومن التعريفات التي نظرت إليها باعتبارها كيانًا سياس ًيا جيمع األمة واحلكومة‬
‫والوطن‪ ،‬ما ييل‪:‬‬

‫ـ كيان سيايس ينتظم جمموعة من الناس تعيش ضمن حدود جغرافية معينة‪،‬‬
‫وجتمعها ـ عادة ـ مصالح مشرتكة ولغة أو تاريخ أو ثقافة مشرتكة()‪.‬‬

‫ـ اإلطار السيايس الذي تنتمي إليه األمة وحيفظ استقالهلا وإدارهتا()‪.‬‬

‫ونخلص من كل هذا إىل أن الدولة كيان سيايس يضم داخل إطاره شعب ًا يعيش‬
‫يف وطن خاص به وحتت ظل حكومة ترعى مصاحله‪.‬‬

‫أركانها‬

‫هناك أركان عامة ال بد من توافرها يف كل دولة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ .1‬الشعب‪.‬‬

‫‪ .2‬احلكومة‪.‬‬

‫‪ .3‬الوطن‪.‬‬

‫وألن هذه العنارص الثالثة معروفة بسبب شهرهتا الواسعة وكثرة استعامهلا عىل‬

‫() املعجم العريب األسايس‪ ،‬مادة‪ :‬دولة‬


‫() معجم الروس العريب‪ ،‬مادة‪ :‬دولة‬
‫() موسوعة املورد‪ ،‬مادة‪State :‬‬
‫() علم السياسة‪ ،‬ص‪83 :‬‬
‫‪105‬‬ ‫الدولة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ألسنة الناس وعن طريق وسائل اإلعالم ال نكون بحاجة إىل تعريفها وبيان معناها‪.‬‬

‫وإضافة إىل هذه هناك أركان أخرى خاصة‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪1‬ـ الدستور‬

‫ويشرتط توفره يف الدولة القانونية يف مقابل األخرى املستبدة‪.‬‬

‫‪2‬ـ الشرعية‬

‫ويراد هبا االعرتاف بالدولة من قبل الدول األخرى واملؤسسات العاملية املعنية‬
‫بذلك‪.‬‬

‫شخصيتها‬

‫للدولة شخصية قانونية تكسبها االعتبار يف أن تتملك وتترصف وذلك عن‬


‫طريق ممثليها‪.‬‬

‫وعىل أساس من هذا االعتبار القانوين للدولة يكون هلا حقوق وعليها‬
‫واجبات‪.‬‬

‫ويعب أصحابنا اإلمامية القائلون بمرشوعية ملكية الدولة عن هذه الشخصية‬


‫رِّ‬
‫وعبوا عنها بِـ (املنصب) ويريدون به منصب رئاسة‬
‫املعنوية للدولة بـ(اجلهة)‪ ،‬رّ‬
‫الدولة‪.‬‬

‫ورئيس الدولة يعترب من ناحية فقهية املمثل للدولة الذي حيق له القيام بالتملك‬
‫والترصف نيابة عنها‪ ،‬وبام له ـ أيض ًا ـ من حق الوالية كام يف لغتنا الفقهية‪ ،‬أو حق‬
‫اإلمامة كام هو املصطلح عليه يف الفقه السني‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪106‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تقسيمها‬

‫قدي ًام كانت الدولة تتنوع كالتايل‪:‬‬

‫الدولة‬
‫ ‬
‫غري دينية‬ ‫دينية‬
‫ ‬
‫غري قانونية‬ ‫قانونية‬

‫ومتثلت الدولة الدينية قديماً يف تلكم الدول التي أقامها األنبياء‪ ،‬أمثال دولة‬
‫النبي داود ‪‬ودولة ابنه النبي سليامن ‪ ،‬ومها من ملوك بني إرسائيل‪ ،‬وكانت‬
‫عاصمة ملكهام القدس()‪.‬‬

‫وكان النبي الذي يرأس الدولة حيكم شعبها برشيعة اهلل تعاىل التي عليه أن‬
‫يلتزم هبا ويقوم بتطبيقها‪.‬‬

‫ومتثلت الدولة القانونية غري الدينية يف مثل دولة محورايب سادس ملوك الساللة‬
‫العمورية يف بابل الذي امتدت إمرباطوريته من اخلليج األخرض إىل ديار بكر‪،‬‬
‫ومن جبال زغروس إىل الصحاري الغربية‪ ،‬فقد كان لدولته قانون ُعرف بـ(رشيعة‬
‫محورايب)‪ ،‬عثر عليها مدونة عىل مسلة من الديوريت() اسطوانية الشكل يف سوس‬
‫()‬

‫() انظر‪ :‬معجم األلفاظ واألعالم القرآنية‪ ،‬مادة‪ :‬داود‪ ،‬ومادة‪ :‬سليامن‪.‬‬
‫() ديوريت ‪ Diorite‬صخر ناري جويف كبري احلبيبات‪ ،‬ويرتكب من معدن البالجيوكاز‬
‫واهلورنبلني واملبكا السوداء‪ ،‬ولونه رمادي إىل سواد‪( .‬صحاح املرعشليني)‬
‫() سوس ‪ Suze‬وتسمى حال ًيا (شوش) بالشني املعجمة مدينة يف خوزستان قرب تسرت‬
‫بإيران‬
‫‪107‬‬ ‫الدولة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عام ‪1902 – 1901‬م ثم نقلت إىل فرنسا وحفظت يف متحف اللوفر بباريس()‪.‬‬
‫أما الدولة غري القانونية فتمثلت يف دولة نمرود بن كوش بن حام مؤسس‬
‫ال عني ًفا‪ ،‬كام عرف عنه أنه أول من اضطهد‬
‫اإلمرباطورية البابلية‪ ،‬فقد ذكر أنه كان رج ً‬
‫البرش()‪.‬‬
‫ومثل هذه الدولة تعرف اآلن بالدولة االستبدادية والدولة البوليسية‪.‬‬

‫مهماتها‬
‫عىل الدولة أن تقوم عن طريق شخوصها أو مؤسساهتا باملهامت التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬توفري األمن والسالمة جلميع الناس املوجودين داخل حدود وطنها‪.‬‬
‫‪ .2‬توفري وسائل وأسباب الصحة والعالج الطبي‪.‬‬
‫‪ .3‬الرتبية والتعليم‪.‬‬
‫‪ .4‬القضاء‪.‬‬
‫‪ .5‬الدفاع عن الوطن‪.‬‬
‫‪ .6‬املحافظة عىل استقالهلا وسيادهتا عىل أراضيها‪.‬‬
‫‪ .7‬العدالة يف تطبيق القانون‪ ...‬وإلخ‪.‬‬
‫وقد كانت مهام الدولة يف الدراسات الفقهية املبكرة تناط باإلمام ألنه رأس‬
‫الدولة واملسؤول األول واألعىل فيها‪.‬‬
‫وقد حدد أبو احلسن املاوردي يف كتابه «األحكام السلطانية» هذه املهام‬
‫بالتايل‪:‬‬

‫() انظر‪ :‬معجم احلضارات السامية‪ ،‬مادة‪ :‬محورايب‬


‫() م ‪ .‬ن‪ ،‬مادة‪ :‬نمرود‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪108‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .1‬حفظ الدين عىل أصوله املستقرة‪.‬‬
‫‪ .2‬تنفيذ األحكام بني املتشاجرين فال يتعدى الظامل‪.‬‬
‫‪ .3‬محاية األمن‪.‬‬
‫‪ .4‬إقامة احلدود‪.‬‬
‫‪ .5‬حتصني الثغور‪.‬‬
‫‪ .6‬جهاد من عاند اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .7‬جباية الفيء والصدقات‪.‬‬
‫‪ .8‬تقدير العطايا‪.‬‬
‫‪ .9‬استكفاء األمن‪.‬‬
‫‪ .10‬تقليد النصحاء (أي تعيينهم)()‪.‬‬
‫وتدخل هذه املهام وأمثاهلا حتت العنوان اجلامع الذي حيدد وظيفة اإلمام‬
‫األساسية بـ(حراسة الدين وسياسة الدنيا)()‪.‬‬

‫نوعيتها‬
‫مما جيب التنبيه عليه ـ هنا ـ أن الدولة يف الفكر الفقهي هي ـ وبمختلف أجهزهتا‬
‫اإلدارية وسواها ـ من نوع املوضوعات‪ ،‬ألهنا وسائل وأساليب‪.‬‬
‫وهذا يعني أهنا تتطور بتطور األوضاع السياسية واالجتامعية بعامة‪.‬‬
‫وربام استلزم ذلك تغري احلكم لتغري املوضوع‪.‬‬

‫() انظر‪ :‬جملة منرب احلوار‪ ،‬العدد‪ ،14 :‬صيف ‪1410‬هـ ـ ‪1989‬م‪ ،‬بحث «عن مؤسسات‬
‫الدولة يف النظم اإلسالمية والعربية»‪ ،‬طارق البرشي‪ ،‬ص‪76 :‬‬
‫() م ‪ .‬س‪75 ،‬‬
‫نوعية احلكم اإلسالمي يف الفقه اإلمامي‬
‫ذكرت األقوال يف مسألة نوع احلكم الرشعي يف الفقه اإلمامي‬
‫ُ‬ ‫سبق أن‬
‫وكالتايل‪:‬‬

‫‪1‬ـ حكم الفرد املعصوم‪:‬‬

‫وينحرص هذا يف حكم النبي ‪ ‬واألئمة املعصومني من بعده حال‬


‫حضورهم‪.‬‬

‫‪2‬ـ حكم املعصوم حال حضوره‪ ،‬ويف حال غيبته ينتقل إىل نائبه وهو الفقيه‬
‫العادل‪.‬‬

‫‪3‬ـ احلكم اإلسالمي هو من نوع حكم الدولة‪ ،‬ونسميه مع حضور املعصوم‬


‫دولة املعصوم‪ ،‬ومع غيبته دولة الفقيه العادل‪.‬‬

‫وأملحت إىل أن هذا االختالف نابع من االختالف يف فهم النصوص الرشعية‬


‫الواردة يف مقام بيان ملكية املالية العامة‪.‬‬

‫واآلن جاء دور عرض النصوص املشار إليها واستعراضها لفهم داللتها‬
‫واستخالص احلكم الرشعي منها‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪110‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إن النصوص املشار إليها هي من حيث الداللة عىل طوائف‪ ،‬وكالتايل‪:‬‬

‫ـ ما يدل عىل أن املالية العامة هي هلل ورسوله‪.‬‬

‫ـ ما يدل عىل أهنا هلل ورسوله ولإلمام من بعده‪.‬‬

‫ـ ما يدل عىل أهنا للرسول ومن بعده هي لإلمام‪.‬‬

‫ـ ما يدل عىل أهنا لألئمة من أهل البيت‪.‬‬

‫ـ ما يدل عىل أهنا للوايل‪.‬‬

‫ـ ما يدل عىل أهنا لإلمام باعتبار منصب اإلمامة‪.‬‬

‫ـ ما يدل عىل أهنا للقائم بأمور املسلمني‪.‬‬

‫واآلن لنكن مع النصوص حسب التسلسل املذكور يف أعاله‪ ،‬وسأقترص عىل‬


‫ذكر املعترب منها سند ًا‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫ـ عن زرارة عن أيب عبد اهلل ‪ ‬قال‪ :‬قلت له‪« :‬ما يقول اهلل ﴿ َي ْس َأ ُلون َ‬
‫َك َع ِن‬
‫ول﴾() (قال)‪ :‬هي كل أرض جال أهلها من غري أن‬ ‫ال‪ُ ،‬ق ِل‪ :‬األَ ْن َف ُال هللِ َوالرس ِ‬
‫األَ ْن َف ِ‬
‫َّ ُ‬
‫حيمل عليها بخيل وال رجال وال ركاب‪ ،‬فهي هلل وللرسول»()‪.‬‬

‫ـ عن حممد بن مسلم عن أيب عبد اهلل ‪ :‬أنه سمعه يقول‪« :‬إن األنفال ما‬
‫كان من أرض مل يكن فيها هراقة دم‪ ،‬أو قوم صوحلوا أو أعطوا بأيدهيم‪ ،‬وما كان من‬
‫أرض خربة‪ ،‬أو بطون أودية‪ ،‬فهذا كله من الفيء‪ ،‬واألنفال هلل وللرسول يضعه حيث‬
‫حيب»()‪.‬‬

‫() سورة األنفال‪.1 :‬‬


‫() الوسائل‪ ،‬أبواب األنفال وما خيتص باإلمام‪ ،‬رقم‪.9 :‬‬
‫() م ‪ .‬س‪ ،‬رقم ‪.10‬‬
‫‪111‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ عن أيب مريم األنصاري‪ :‬قال‪ :‬سألت أبا عبد اهلل ‪ ‬عن قوله تعاىل‪:‬‬
‫َك َع ِن األَ ْن َف ِ‬
‫ال﴾ ـ اآلية ـ قال‪« :‬سهم هلل وسهم للرسول‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فلمن‬ ‫﴿ َي ْس َأ ُلون َ‬
‫سهم اهلل؟ فقال‪ :‬للمسلمني»()‪.‬‬

‫وهذه األحاديث واضحة يف داللتها‪ ،‬إالّ أن الذي قد يستفرس عنه هو‪ :‬ما هو‬
‫املقصود بعبارة (هلل)؟‬

‫وسبب االستفسار هو أن اهلل تعاىل له ملك الساموات واألرض‪ ،‬فال معنى أن‬
‫جيعل له نصيب يف األنفال‪ ،‬فال بد ـ يف ضوء هذا ـ من أن يراد به يشء آخر‪.‬‬

‫واحلديث الثاين جييب عن ذلك بقوله ‪ :‬فام كان هلل فهو للرسول يضعه‬
‫حيث حيب‪.‬‬

‫ويف حديث آخر (رقم ‪ 12‬من أبواب األنفال وما خيتص باإلمام من كتاب‬
‫الوسائل)‪( :‬يضعه حيث يشاء)‪.‬‬

‫ويف احلديث رقم ‪ 8257‬من (مستدرك الوسائل)‪« :‬عن (الدعائم) عن جعفر‬


‫بن حممد ‪ ‬أنه قال‪ :‬ما كان من أرض مل يوجف عليها املسلمون‪ ،‬ومل يكن فيها‬
‫قتال‪ ،‬أو قوم صاحلوا‪ ،‬أو أعطوا بأيدهيم‪ ،‬أو كان من أرض خراب‪ ،‬أو بطون أودية‪،‬‬
‫فذلك كله للرسول ‪ ،‬يضعه حيث أحب‪ ،‬وهو بعده لإلمام‪ ،‬وقوله (هلل)() تعظي ًام‬
‫له‪ ،‬فاألرض وما فيها هلل ّ‬
‫جل ذكره»‪.‬‬

‫أيضا ـ رقم ‪« :8265‬عن أيب مريم األنصاري‪ :‬قال‪ :‬سألت‬ ‫ويف (املستدرك) ـ ً‬
‫َك َع ِن األَ ْن َف ِ‬
‫ال﴾‪ ،‬قال‪ :‬سهم هلل وسهم‬ ‫أبا عبد اهلل ‪ ‬عن قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ي ْس َأ ُلون َ‬
‫للرسول‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فلمن سهم اهلل؟ فقال‪ :‬للمسلمني»‪.‬‬

‫() مستدرك الوسائل‪ ،‬رقم‪.8265 :‬‬


‫() يعني الوارد يف آية األنفال‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪112‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إن الذي يفهم من هذه النصوص الثالثة التي تفرس املقصود من ذكر عبارة (هلل)‬
‫يف آية األنفال ويف الروايات التي مشت أسلوب اآلية الكريمة هو التايل‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن سهم اهلل هو للرسول‪.‬‬

‫وهذا كام يف موثق حممد بن مسلم‪ ،‬ويف احلديث اآلخر (رقم ‪ )12‬الذي أملحت‬
‫إليه‪ ،‬وهو حديث حفص بن البخرتي عن اإلمام الصادق ‪ ،‬وهو حسن سند ًا‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن سهم اهلل هو للمسلمني كام يف حديث أيب مريم األنصاري‪ ،‬وهو معترب‬
‫سندً ا‪.‬‬

‫‪3‬ـ أما الذي يفهم من حديث الدعائم بمعونة قرينة السياق الرصحية يف حرص‬
‫ذلك بالرسول وباإلمام من بعده أن ذكر عبارة (هلل) يف آية األنفال جاء تعظيماً له‪ ،‬ألن‬
‫الكون كله يف ملك اهلل وحتت ترصفه‪ ،‬فال معنى ألن جيعل له نصيب يف األنفال‪.‬‬

‫وعليه‪ :‬فكل ما ذكر أنه هلل هو للرسول ثم لإلمام من بعده‪.‬‬

‫وهذا ينهينا إىل أن يف املسألة رأيني فقط‪ ،‬مها‪:‬‬

‫‪ .1‬أن حق اهلل هو للرسول يضعه حيث يشاء‪.‬‬

‫‪ .2‬أن حق اهلل هو للمسلمني يرصف يف شؤوهنم‪.‬‬

‫وإىل هنا‪ :‬إننا متى فهمنا أن املقصود من أن حق اهلل هو حق الرسول شخصي ًا ال‬
‫بسبب منصبه‪ ،‬وهو رئاسة املسلمني‪ ،‬وذلك بقرينة قوله ‪( :‬يضعه حيث أحب)‬
‫أو (حيث حيب) أو (حيث يشاء) أو (حيث شاء)‪ ،‬وبقرينة موثق سامعة بن مهران‪:‬‬
‫«قال‪ :‬سألته عن األنفال فقال‪ :‬كل أرض خربة أو يشء يكون للملوك فهو خالص‬
‫لإلمام وليس للناس فيها سهم» ألن معنى كونه خالص ًا للرسول أو اإلمام ليس لغري‬
‫املعصوم فيه حق‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أقول‪ :‬هلذا قد يصعب اجلمع بني احلديثني إالّ عن طريق محل حديث أيب مريم‬
‫عىل التقية‪ ،‬وذلك أن اخلليفة األول عندما انتزع (فدك ًا) من السيدة الزهراء ‪‬‬
‫وأدخلها ضمن املالية العامة للدولة احتج بـ«أن هذا املال مل يكن للنبي ‪ ‬وإنام كان‬
‫ماالً من أموال املسلمني حيمل النبي به عىل الرجال وينفقه يف سبيل اهلل»()‪.‬‬

‫وفعل أيب بكر ـ يف رأي الفقه السني ـ حجة وبمنزلة سنة النبي الفعلية‪.‬‬

‫وأيض ًا ملا رووه يف سبب نزول آية األنفال‪ ،‬ففي تفسري القرطبي‪« :‬روى عبادة‬
‫بن الصامت‪ :‬قال‪ :‬خرج رسول اهلل ‪ ‬إىل بدر فلقوا العدو‪ ،‬فلام هزمهم اهلل اتبعتهم‬
‫طائفة من املسلمني يقتلوهنم‪ ،‬وأحدقت طائفة برسول اهلل ‪ ،‬واستولت طائفة‬
‫عىل العسكر والنهب‪ ،‬فلام نفى اهلل العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا‪ :‬لنا النفل‪ ،‬نحن‬
‫الذين طلبنا العدو وبنا نفاهم اهلل وهزمهم‪ ،‬وقال الذين أحدقوا برسول اهلل ‪ :‬ما‬
‫أنتم أحق به منا بل هو لنا‪ ،‬نحن أحدقنا برسول اهلل ‪ ‬لئال ينال العدو منه غرة‪،‬‬
‫وقال الذين استلووا() عىل العسكر والنهب‪ :‬ما أنتم بأحق منا هو لنا‪ ،‬نحن حويناه‬
‫ال﴾ فقسمه رسول اهلل‬‫َك َع ِن األَ ْن َف ِ‬
‫وجل ـ ﴿ َي ْس َأ ُلون َ‬
‫واستولينا عليه‪ ،‬فأنزل اهلل ـ عز ّ‬
‫‪ ‬عن فواق() بينهم» وبالسوية‪.‬‬

‫ولكن يمكننا أن نقول‪ :‬إن الواقع التارخيي ملوقف الرسول من هذا املال الذي‬
‫يف مثل الفعلني التاليني‪:‬‬

‫‪1‬ـ نحله ‪ ‬فدك ًا ـ وهي مما مل يوجف عليه بخيل وال ركاب ـ البنته الزهراء‬
‫‪.)(‬‬

‫() فدك يف التاريخ‪.42 ،‬‬


‫() استلووا‪ :‬أحاطوا‪.‬‬
‫() عن فواق‪ :‬أي برسعة‪.‬‬
‫() يراجع‪ :‬فدك يف التاريخ‪.36 ،‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪114‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪2‬ـ تقسيمه ‪ ‬الفيء عىل املسلمني حال وصوله إليه‪ ،‬كام يف رواية أيب داود‬
‫عن عوف بن مالك‪ :‬أن رسول اهلل كان إذا أتاه الفيء قسمه يف يومه فأعطى اآلهل‬
‫حظني وأعطى األعزب حظ ًا()‪.‬‬

‫إن كان املال‬ ‫إن هذا الواقع يساعدنا عىل اجلمع بني احلديثني‪ ،‬وذلك بأن نقول‪ْ :‬‬
‫ماض‪ ،‬ألنه له‬ ‫ٍ‬ ‫ملك ًا للرسول ‪ ‬فترصفه به بأن منحه ألحد أو ّفرقه بني املسلمني‪،‬‬
‫‪ ‬أن يضعه حيث يشاء‪ ،‬وإن كان املال للمسلمني فترص ُف ُه به يكون بحق ما َل ُه ِم ْن‬
‫والية تعطيه الصالحية الرشعية أن يترصف به كام يرى إن اقتضت املصلحة ذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬

‫وهو ما يعرف يف الفقه السني بحق اإلمامة()‪.‬‬

‫ـ ومما يدل عىل أهنا هلل وللرسول ثم هي لإلمام من بعده‪:‬‬

‫عن حممد بن مسلم عن أيب جعفر ‪ ‬قال‪ :‬سمعته يقول‪« :‬الفيء واألنفال‬
‫ما كان من أرض مل يكن فيها هراقة الدماء‪ ،‬وقوم ُصوحلوا أو أعطوا بأيدهيم‪ ،‬وما كان‬
‫من أرض خربة‪ ،‬أو بطون أودية‪ ،‬فهو كله من الفيء‪ ،‬فهذا هلل ولرسوله‪ ،‬فام كان هلل فهو‬
‫لرسوله يضعه حيث يشاء‪ ،‬وهو لإلمام بعد الرسول»()‪.‬‬

‫ـ ومما يدل عىل أهنا للرسول وهي لإلمام من بعده‪:‬‬

‫عن حفص بن البخرتي عن أيب عبد اهلل ‪ :‬قال‪« :‬األنفال ما مل يوجف‬


‫عليه بخيل وال ركاب أو قوم صاحلوا أو قوم أعطوا بأيدهيم وكل أرض خربة وبطون‬
‫األودية فهو لرسول اهلل ‪ ‬وهو لإلمام من بعده يضعه حيث يشاء»()‪.‬‬

‫() ختريج الدالالت السمعية‪.242 ،‬‬


‫() يراجع‪ :‬اإلسالم وانتزاع امللك للمصلحة العامة‪ ،‬لألستاذ حممد احلاج النارص‪.‬‬
‫() الوسائل‪ ،‬أبواب األنفال وما خيتص باإلمام‪ ،‬رقم‪.12 :‬‬
‫() الوسائل‪ :‬أبواب األنفال وما خيتص باإلمام‪ ،‬رقم‪.1 :‬‬
‫‪115‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ ومما يدل عىل أهنا لألئمة من أهل البيت ‪:‬‬

‫عن أيب بصري عن أيب جعفر ‪ :‬قال‪« :‬لنا األنفال‪ ،‬قلت‪ :‬وما األنفال؟ قال‪:‬‬
‫منها املعادن واآلجام وكل أرض ال رب هلا وكل أرض باد أهلها‪ ،‬فهو لنا»()‪.‬‬

‫ـ ومما يدل عىل أهنا للوايل‪:‬‬

‫احلديث احلسن الذي رواه الكليني عن عيل بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن‬
‫هاشم عن محاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح ‪( ‬يف حديث‬
‫طويل)‪ :‬قال‪« :‬إن اهلل مل يرتك شي ًئا من صنوف األموال إالّ وقد قسمه فأعطى كل ذي‬
‫حق حقه (إىل أن قال)‪ :‬واألنفال إىل الوايل»()‪.‬‬

‫ـ ومما دل منها عىل أهنا لإلمام باعتبار منصب اإلمامة‪:‬‬

‫ما رواه الصدوق بإسناده عن أيب عيل بن راشد‪ :‬قال‪ :‬قلت أليب احلسن الثالث‬
‫‪ :‬إنا نؤتى باليشء فيقال‪ :‬هذا كان أليب جعفر ‪ ‬عندنا‪ ،‬فكيف نصنع؟ فقال‪:‬‬
‫«ما كان أليب بسبب اإلمامة فهو يل‪ ،‬وما كان غري ذلك فهو مرياث عىل كتاب اهلل وسنة‬
‫نبيه»()‪.‬‬

‫ـ ومما يدل عىل أهنا ملن يتوىل أمور املسلمني‪:‬‬

‫ما عن الرشيف املرتىض يف رسالته (املحكم واملتشابه) نق ً‬


‫ال من تفسري النعامين‬
‫بإسناده ـ الصدوق ـ عن عيل ‪ ‬ـ بعد ذكر اخلمس وأن نصفه لإلمام ـ قال‪« :‬إن‬
‫للقائم بأمور املسلمني بعد ذلك األنفال التي كانت لرسول اهلل ‪.)(»‬‬

‫() م ‪ .‬س‪ ،‬رقم ‪.28‬‬


‫() م ‪ .‬س‪ ،‬رقم‪.4 :‬‬
‫() م ‪ .‬س‪ ،‬رقم‪.6 :‬‬
‫() الوسائل‪ ،‬أبواب األنفال‪ ،‬رقم‪.19 :‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪116‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وحيث انتهينا من نقل نامذج من النصوص الرشعية التي أفاد منها كل فريق من‬
‫فريقي الفقهاء النافني لوجود الدولة واملثبتني هلا رأيه اخلاص به‪ ،‬علينا أن نوضح كيفية‬
‫استدالل كل فريق من الفريقني هبذه النصوص عىل صحة رأيه أوالً ثم نوازن بينهام‪.‬‬

‫أو قل‪ :‬علينا أن نبينِّ كيف استنبط كل فريق رأيه من هذه النصوص‪:‬‬

‫ـ قد أفاد الفريق األول القائل بأن هذه األموال هي ملك رسول اهلل ‪ ‬ومن‬
‫بعده هي لألئمة املعصومني من أهل بيته ملك ًا شخصي ًا‪ ،‬وبالشكل الذي نفيد منه عدم‬
‫وجود دولة‪ ،‬من قوله ‪« :‬يضعه حيث حيب» و«يضعه حيث يشاء» و«يضعه‬
‫حيث أحب» و«يضعه حيث شاء»‪ ،‬ألن هذه العبائر ظاهرة يف جواز ترصف املعصوم‬
‫هبذه األموال كام يرى ويريد‪ ،‬ولو أهنا كانت للدولة عىل املعصوم أن يترصف هبا‬
‫ال للدولة ملا صح أن يقال (يضعه حيث حيب)‪ ،‬ألهنا موظفة ْ‬
‫ألن ترصف‬ ‫باعتباره ممث ً‬
‫يف شؤون الدولة‪.‬‬

‫وما قد يرتاءى من تعارض بني كون هذه األموال للرسول أو اإلمام شخصي ًا‬
‫وما جاء يف بعض النصوص من أهنا للوايل وهو يشمل كل حاكم معصو ًما وغريه‪،‬‬
‫ومن أهنا للقائم بأمور املسلمني الذي يعم كل حاكم أيض ًا معصوم ًا وغريه‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫يؤول بحمله عىل التقية‪.‬‬

‫ومحلوا قوله ‪« :‬ما كان أليب بسبب اإلمامة فهو يل» عىل أن املقصود من هذا‬
‫بيان أنه ال يورث‪ ،‬وهذا ال يمنع من أن يكون لإلمام حق الترصف به كيف يشاء‪.‬‬

‫والنتيجة التي خلص هلا هؤالء هي أن الذي يفهم من هذا‪ :‬أنه ليس يف هذه‬
‫النصوص ما يفيد مرشوعية الدولة فقهي ًا‪.‬‬

‫ـ أما الفريق الثاين القائل بأن هذه النصوص تفيدنا مرشوعية الدولة فقهي ًا‬
‫ال للفظ عىل ظاهره حيث‬ ‫فقالوا‪ :‬إن املراد بالوايل احلاكم مطلق ًا معصوم ًا وغريه مح ً‬
‫‪117‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال مقيد له‪ ،‬ودعوى احلمل عىل التقية مدفوعة ألن الفقه السني الذي يتبناه احلكام‬
‫آنذاك‪ ،‬فإنه (الفقه السني) كام يقول بأن هذه األموال هي للمسلمني يتوىل الوايل‬
‫رصفها يف شؤوهنم‪ ،‬كذلك يقول بحق اإلمامة هي للحاكم الذي يعني أنه حيق لإلمام‬
‫الترصف به وفق ما يرى إذا اقتضت املصلحة ذلك‪ ،‬وهو ما نسميه يف فقهنا بحق‬
‫الوالية‪ ،‬وحيث يكون املوقف ما ذكرنا ال جمال وال معنى للتقية‪.‬‬

‫وكذلك بالنسبة إىل قوله ‪« :‬القائم بأمور املسلمني» فإنه حيمل عىل ظاهره‬
‫الشامل ملطلق احلاكم معصوم ًا وغريه‪ ،‬وال جمال حلمله عىل التقية ملا ذكرناه يف سالفه‪.‬‬

‫وقوله ‪« :‬فام كان أليب بسبب اإلمامة فهو يل» رصيح يف أن املقصود بذلك‬
‫منصب اإلمامة الذي يعني رئاسة الدولة‪ ،‬ألنه لو كان له شخصي ًا يكون مشموالً‬
‫بأحكام املرياث‪.‬‬

‫وقوله ‪« :‬فام كان هلل فهو لرسوله‪ ...‬وهو لإلمام بعد الرسول» قرينة‬
‫واضحة يف أنه ليس للمعصوم بشخصه ألن ما كان ملكًا شخصي ًا يورث‪ ،‬وهذه تدل‬
‫عىل أن األموال العامة له بحكم منصبه‪.‬‬

‫مفسة للمراد من عنوان الرسول واإلمام بأنه‬


‫ثم قالوا‪ :‬إن كل هذه قرائن رِّ‬
‫املفس‪ ،‬وحيث أن املقصود‬
‫واملفس يقدّ م وحيكم عىل رَّ‬
‫رِّ‬ ‫منصب النبوة ومنصب اإلمامة‪،‬‬
‫من املنصب ـ هنا ـ هو ما يطلق عليه علامء القانون عنوان (املمثل للدولة) يفيدنا هذا‬
‫ـ وبجالء ـ وجود الدولة‪.‬‬

‫وما ذكر من قوله ‪« :‬يضعه حيث حيب» أو «حيث يشاء» ألنه ُق ِرن بالنبي‬
‫واإلمام من الواضح أن هذا كان ـ وكصالحية ـ ملا يتمتع به احلاكم املعصوم من والية‬
‫عىل األموال يترصف هبا متى اقتىض الظرف ذلك ويف إطار املصلحة وعىل هدي‬
‫الرشيعة املقدسة‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪118‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد رأينا ـ فيام سبق ـ موقف النبي ‪ ‬فيام وصل إليه من هذه األموال حيث‬
‫نحل فدكًا البنته السيدة الزهراء ‪ ،‬وحيث وزع أمواالً أخرى عىل املسلمني‬
‫لآلهل حظني ولألعزب حظ ًا واحد ًا‪.‬‬

‫وإذا رجعنا إىل واقع التاريخ اإلسالمي نجد أن النبي ‪ ‬بصفته رئيس ًا للدولة‬
‫اإلسالمية قام بالتايل‪:‬‬

‫‪1‬ـ إنشاء ديوان اإلدارة‪ ،‬وكان يضم الكتّاب‪ ،‬أمثال‪ :‬كتّاب أموال الصدقة‪،‬‬
‫وكتّاب الرسائل الصادرة عن النبي ‪ ،‬وكتّاب النفوس‪.‬‬

‫ويضم أيض ًا املرتمجني‪« ،‬ففي (العمدة) للتلمساين‪ :‬زيد بن ثابت األنصاري‬


‫النجاري‪ ،‬كان يكتب للملوك وجييب بحرضة النبي ‪ ،‬وكان ترمجانه بالفارسية‬
‫والرومية والقبطية واحلبشية‪ ،‬تعلم ذلك باملدينة من أهل هذه األلسن‪.‬‬

‫وذكر ابن هشام يف البهجة نحو ًا منه‪.‬‬

‫ويف (االستيعاب)‪ :‬كانت ترد عىل رسول اهلل ‪ ‬كتب بالرسيانية فأمر زيد بن‬
‫ثابت فتعلمها يف بضعة عرش يوم ًا»‪.‬‬

‫«ويف خمترص الطحاوي‪ ،‬عن زيد بن ثابت أيض ًا أنه قال‪ :‬أمرين رسول اهلل ‪‬‬
‫تعلمت‪ ،‬وقال يل رسول اهلل ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أن أتعلم كتاب هيود‪ ،‬فام مر يب نصف شهر حتى‬
‫تعلمت كنت أكتب إىل هيود إذا َكت َ‬
‫َب إليهم‪ ،‬وإذا‬ ‫ُ‬ ‫واهلل ما آمن هيود عىل كتايب‪ ،‬فلام‬
‫كتبوا إليه قرأت له كتاهبم»()‪.‬‬

‫وكتّاب العهود والصلح‪ ،‬فقد «كان الكاتب لعهوده ‪ ‬إذا عاهد‪ ،‬وصلحه‬
‫إذا صالح عيل بن أيب طالب»()‪.‬‬

‫() ختريج الدالالت السمعية‪ ،‬ص ‪ 218‬و ‪.219‬‬


‫() م ‪ .‬س‪185 ،‬‬
‫‪119‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪2‬ـ هتيئة الدور لتعليم القرآن واألحكام‪ ،‬ولسكنى القراء واملعلمني‪ ،‬وإنزال‬
‫الوفود‪ ،‬فقد جاء يف كتاب (ختريج الدالالت السمعية) للخزاعي ص ‪« :656‬ذكر‬
‫أبو الربيع بن سامل يف كتاب (االكتفاء) عن الواقدي‪ ،‬أن حبيب بن عمرو السالماين‬
‫(‪ )‬كان حيدث‪ ،‬قال‪ :‬قدمنا وفد سالمان عىل رسول اهلل ‪ ‬ونحن سبعة نفر‪،‬‬
‫فانتهينا إىل باب املسجد فصادفنا رسول اهلل ‪ ‬خارج ًا منه إىل جنازة دعي إليها فلام‬
‫رأيناه قلنا يا رسول اهلل‪ :‬السالم عليك‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬من‬
‫أنتم ؟‪ ،‬قلنا‪ :‬قوم من سالمان قدمنا عليك لنبايعك عىل اإلسالم ونحن عىل من وراءنا‬
‫من قومنا‪ ،‬فالتفت إىل ثوبان غالمه فقال‪ :‬أنزل هؤالء حيث ينزل الوفد‪ ،‬فخرج بنا‬
‫ثوبان حتى انتهى إىل دار واسعة فيها نخل‪ ،‬وفيها وفود من العرب‪ ،‬وإذا هي دار رملة‬
‫بنت احلارث النجارية‪ ،‬وساق احلديث»‪.‬‬

‫‪3‬ـ إبرام املعاهدات وإقامة العالقات بني الدولة اإلسالمية والدول األخرى‬
‫واجلامعات والقبائل املجاورة‪.‬‬

‫وقد أوضح هذا ومجع ما وقف عليه من الوثائق األستاذ حممد محيد اهلل يف‬
‫كتابه املوسوم بـ(جمموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي واخلالفة الراشدة)‪ ،‬قال‪ :‬يف‬
‫مقدمته‪« :‬ال شك أن العهد النبوي ـ عىل صاحبه الصالة والسالم ـ كان عهد ًا ذا نتائج‬
‫هامة يف تاريخ العامل السيايس والديني واالقتصادي وغري ذلك‪ ،‬وملا كان غري ممكن أن‬
‫نفهم احلالة السياسية يف عرص من العصور إالّ بمراجعة الوثائق الرسمية التي تتعلق‬
‫بذلك العرص ـ وهي من أجل املآخذ للحقائق التارخيية ـ كان من الرضوري أن نجمع‬
‫الوثائق املتعلقة بالعرص النبوي حتى يتسنى لنا أن نفهمه فه ًام صحيح ًا‪.‬‬

‫ال خيفى أن قريش مكة مل يكن هلم قبل اإلسالم جتربة واسعة لسياسة املدن‪،‬‬
‫ومل يتفق هلم أن جيتمعوا حتت لواء حكومة ذات متدن وثقافة حيث يرجى أن تكون‬
‫حرروا أحيان ًا بعض العهود واملحالفات‬
‫هلم نظم سياسية مكتوبة‪ ،‬ولسنا ننكر أهنم ّ‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪120‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بينهم وبني القبائل املجاورة‪ ،‬إالّ أن ذلك كان يف دائرة حمدودة‪ ،‬فلام جاء اإلسالم‬
‫اجتمعت القوى املنترشة يف جزيرة العرب عىل مركز واحد‪ ،‬وتشكلت يف دولة‬
‫ذات نظام وإدارات منضبطة‪ ،‬وقامت بينها وبني املاملك املجاورة ـ كفارس وبيزنطة‬
‫ومستعمراهتا ـ عالقات سياسية‪ ،‬ومل يمض عىل تلك الدولة عرشة أعوام أخر إالّ وقد‬
‫تسلطت عىل بالد العجم والعراق وسوريا وفلسطني ومرص وغريها‪ ،‬فكانت هذه‬
‫احلالة تدعو إىل كتابة (كتب) تعرب عن تلك العالقات السياسية‪ ،‬وهي الوثائق التي‬
‫عرفتنا طرف ًا من أخبارها»‪.‬‬

‫‪4‬ـ بعث الرسل والوفود إىل الدول األخرى وقبائل العرب (انظر‪ :‬كتب السرية‬
‫النبوية)‪.‬‬

‫‪5‬ـ جتهيز اجليوش للدعوة إىل اإلسالم‪ ،‬وللدفاع عن الوطن (انظر‪ :‬كتب‬
‫املغازي والسرية والفتوح)‪.‬‬

‫‪6‬ـ تعيني األمراء والعامل يف البلدان التابعة للدولة اإلسالمية‪ ،‬ففي (خمترص‬
‫السري) البن مجاعة‪« :‬أ ّمر رسول اهلل ‪ ‬عتّاب بن ُأسيد عىل مكة وإقامة املوسم‬
‫واحلج باملسلمني سنة ٍ‬
‫ثامن‪ ،‬وهو دون العرشين سنة يف سنّه»‪.‬‬

‫و«قال ابن فتحون يف (الذيل)‪ :‬باذان ويقال‪ :‬باذام ملك اليمن‪ ،‬ذكر البارودي‬
‫إسالمه واستعامل النبي ‪ ‬إياه عىل اليمن‪ ،‬واستعامله ابنه عىل عمله بعد وفاة‬
‫أبيه»‪.‬‬

‫«وذكر الثعالبي‪ :‬أنه أول من أسلم من ملوك العجم وأول أمري يف اإلسالم عىل‬
‫اليمن»()‪.‬‬

‫() ختريج الدالالت السمعية‪.267 ،‬‬


‫‪121‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪7‬ـ تعيني القضاة‪:‬‬

‫جاء يف (ختريج الدالالت السمعية) ـ ص ‪ 272‬ـ حتت عنوان (قضاة رسول‬


‫اهلل ‪:)‬‬

‫ـ عيل بن أيب طالب‪ :‬يف (االستيعاب)‪ :‬بعثه رسول اهلل ‪ ‬إىل اليمن‪ ،‬وهو‬
‫شاب‪ ،‬ليقيض بينهم‪.‬‬

‫جلن َِد من‬


‫ـ معاذ بن جبل‪ :‬يف (االستيعاب)‪ :‬بعثه رسول اهلل ‪ ‬قاضي ًا إىل ا َ‬
‫اليمن»‪.‬‬
‫‪8‬ـ ِ‬
‫احل ْس َبة‪:‬‬

‫يف (ختريج الدالالت السمعية) ـ ص ‪ 307‬ـ حتت عنوان (يف ذكر املحتسب)‪:‬‬
‫«وقال أبو عمرو بن عبد الرب يف (االستيعاب)‪ :‬استعمل رسول اهلل ‪ ‬سعيد بن‬
‫سعيد بن العاص بن أمية بعد الفتح عىل سوق مكة»‪.‬‬

‫إن هذه وما إليها مما يدل عىل أن النبي ‪ ‬أوجد أول كيان سيايس يف بالد‬
‫احلجاز آنذاك‪ ،‬فلم يعهد أن عرف يف هذه املنطقة قيام كيان سيايس قبل اإلسالم‪.‬‬

‫واملالحظ يف هذا الكيان السيايس أنه منظم‪ ،‬ولكن يف حدود ما تدعو إليه‬
‫متطلبات الدولة يف أولياهتا املشار إليها‪.‬‬

‫وإذا قارنا هذا الكيان السيايس بالدول غري اإلسالمية التي كانت قائمة آنذاك‬
‫كدولة فارس ودولة الروم ال نرى فارق ًا من حيث التنظيامت إالّ يف حدود االختالف‬
‫يف الواقع املدين بني العرب حيث كانوا أمم ًا عشائرية وأ ِّم َّية‪ ،‬والفرس والروم فقد كانوا‬
‫أمم ًا متمدنة من حيث العمران‪.‬‬

‫وهذا يدعونا ـ وبكل ثقة وأمانة ـ أن نطلق عىل الكيان السيايس اإلسالمي عنوان‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪122‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(دولة) ألنه متوفر عىل عنارصها ومتوافر عىل رشوطها‪ ،‬ففيه األمة وهم املسلمون‪،‬‬
‫وفيه احلكومة وهي اإلدارة التي اعتمدها النبي ‪ ‬يف ترصيف شؤون الدولة‪ ،‬وفيه‬
‫الوطن وهو املدينة املنورة وما يتبعها من إدارات يف البلدان األخرى‪.‬‬

‫والدولة اإلسالمية ـ يف ضوء ما تقدم ـ تتنوع حسب شخص رئيس الدولة‬


‫إىل‪:‬‬

‫ـ دولة النبي ‪.‬‬

‫ـ ثم دولة اإلمام ‪.‬‬

‫ـ ثم دولة الفقيه‪.‬‬

‫وهذا التسلسل يف رأي الفقه اإلمامي جاء من أن احلاكمية هي والية (سلطة)‬


‫للحاكم عىل املحكومني‪.‬‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ُذوا م ْن ُدونه َأ ْول َي َ‬
‫اء َفاهللُ ُه َو‬ ‫والوالية املطلقة هي هلل تعاىل وحده َ‬
‫﴿أ ِم خَّ َ‬
‫الوالَ َي ُة هللِ َ‬
‫احل ُّق﴾()‪.‬‬ ‫ك َ‬ ‫﴿هنَالِ َ‬
‫ا ْل َوليُِّ ﴾()‪ُ ،‬‬

‫وهذه الوالية التي تعني احلاكمية والسلطنة هي حق اهلل وحده‪.‬‬

‫وألهنا حقه وحده ال تكون ألحد من الناس إالّ بجعل منه‪ ،‬وقد أكد القرآن‬
‫الكريم ذلك بأمثال اآليات التاليات‪:‬‬

‫ك لِلن ِ‬
‫َّاس إِ َم ًاما﴾()‪.‬‬ ‫ـ ﴿إِ ج ِ‬
‫اع ُل َ‬ ‫نيِّ َ‬

‫() سورة الشورى‪9 :‬‬


‫() سورة الكهف‪44 :‬‬
‫() سورة البقرة‪.124 :‬‬
‫‪123‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫﴿و َج َع ْلنَا فيِ ُذ ِّر َّيته النُّ ُب َّو َة َوا ْلكت َ‬
‫َاب﴾()‪.‬‬ ‫ـ َ‬

‫﴿و َج َع ْلنَا ِمن ُْه ْم َأئِ َّم ًة هَ ْيدُ َ‬


‫ون َب َأ ْم ِرنَا﴾()‪.‬‬ ‫ـ َ‬
‫َاك َخلِي َف ًة فيِ األَ ْر ِ‬
‫ض﴾()‪.‬‬ ‫ـ ﴿ َيا َد ُاو ُد إِنَّا َج َع ْلن َ‬

‫ومن هنا سميت هذه الوالية بـ(الوالية املجعولة) يف مقابل والية اهلل تعاىل‬
‫(الذاتية)‪.‬‬

‫وهي (أعني الوالية املجعولة) مقيدة بحدود ما حيددها اهلل به يف مقابل والية‬
‫اهلل (املطلقة)‪.‬‬

‫وقد أعطيت هذه الوالية اإلهلية املجعولة لنبينا حممد ‪ ‬بالنص القرآين‬
‫ني ِم ْن َأ ْن ُف ِس ِه ْم﴾()‪.‬‬‫ِِ‬
‫القائل‪﴿ :‬النَّبِ ُّي َأ ْولىَ بِا ُمل ْؤمن َ‬

‫وبأمر من اهلل تعاىل من خالل قوله خماطب ًا النبي ‪َ ﴿ :‬يا َأ هُّ َيا َّ‬
‫الر ُس ُ‬
‫ول َب ِّلغْ َما‬
‫ك ِم َن الن ِ‬
‫َّاس‪ ،‬إِ َّن اهللَ الَ‬ ‫ْت ِر َسا َل َت ُه َواهللُ َي ْع ِص ُم َ‬
‫ك َوإِ ْن مَل ْ َت ْف َع ْل َفماَ َب َّلغ َ‬‫ك ِم ْن َر ِّب َ‬ ‫ُأن ِْز َل إِ َل ْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾()‪ .‬صدع النبي هبذه الوالية اإلهلية املجعولة لإلمام عيل بن أيب‬ ‫هَ ْيدي ا ْل َق ْو َم ا ْلكَاف ِر َ‬
‫طالب ‪ ‬يف يوم غدير خم‪ ،‬ففي رواية زيد بن أرقم‪« :‬ملا رجع رسول اهلل ‪‬‬
‫من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات ف ُق ِّم ْم َن‪ ...‬ثم قال‪ :‬إن اهلل موالي وأنا‬
‫موىل كل مؤمن‪ ،‬ثم أخذ بيد عيل فقال‪ :‬من كنت وليه فهذا وليه‪ ،‬اللهم ِ‬
‫وال من وااله‬ ‫َّ‬

‫() سورة العنكبوت‪.27 :‬‬


‫() سورة السجدة‪.24 :‬‬
‫() سورة ص‪.26 :‬‬
‫() سورة األحزاب‪.6 :‬‬
‫() سورة املائدة‪67 :‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪124‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِ‬
‫وعاد من عاداه»()‪.‬‬

‫ومن قبل هذا مجعت اآلية اخلامسة واخلمسون من سورة املائدة‪﴿ :‬إِ َّنماَ َولِ ُّيك ُُم‬
‫ون﴾‪ ،‬مجعت‬ ‫ُون ال َّزكَا َة َو ُه ْم َراكِ ُع َ‬ ‫الص َ‬
‫ال َة َو ُي ْؤت َ‬ ‫ون َّ‬
‫يم َ‬ ‫اهللُ ورسو ُله وا َّل ِذين آمنُوا ا َّل ِذ ِ‬
‫ين ُيق ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ُ ُ َ‬
‫بني الواليات الثالث‪ :‬والية اهلل‪ ،‬ووالية رسول اهلل‪ ،‬ووالية اإلمام عيل ألنه الذي آتى‬
‫الزكاة راكع ًا حيث أوضحت ذلك واقعة تصدقه بخامته()‪.‬‬

‫ويف أكثر من رواية نص رسول اهلل ‪ ‬عىل والية األئمة االثني عرش بأسامئهم‪،‬‬
‫منها‪ :‬أنه ‪ ‬قال لعيل ‪َ « :‬م ْن سرََّ ُه أن يلقى اهلل عز وجل آمن ًا مطهر ًا ال حيزنه‬
‫َّ‬
‫وليتول بنيك احلسن واحلسني وعيل بن احلسني وحممد بن عيل‬ ‫الفزع األكرب فليتولك‪،‬‬
‫وجعفر بن حممد وموسى بن جعفر وعيل بن موسى وحممد ًا وعل ّي ًا واحلسن ثم املهدي‬
‫وهو خامتهم»‪.‬‬

‫والروايات املشار إليها هي صدى وانعكاس حلديث الثقلني املتواتر عند‬


‫الفريقني «إن تارك فيكم ما إن متسكتم به لن تضلوا بعدي‪ :‬الثقلني أحدمها أكرب من‬
‫اآلخر‪ :‬كتاب اهلل حبل ممدود من السامء إىل األرض وعرتيت أهل بيتي‪ ،‬أال وإهنام لن‬
‫عيل احلوض»()‪.‬‬
‫يفرتقا حتى يراد ًّ‬
‫وإىل هذه الروايات أملح أبو جعفر حممد بن عيل الصدوق بقوله‪« :‬قد وردت‬
‫األخبار الصحيحة باألسانيد القوية أن رسول اهلل ‪ ‬أوىص بأمر اهلل تعاىل إىل‬
‫عيل بن أيب طالب ‪ ‬وأوىص عيل بن أيب طالب إىل احلسن وأوىص احلسن إىل‬
‫احلسني وأوىص احلسني إىل عيل بن احلسني وأوىص عيل بن احلسني إىل حممد بن عيل‬

‫() أهل البيت ‪ ‬يف الكتاب والسنة‪116 ،‬‬


‫() انظر‪ :‬اإلمامة والوالية يف اإلسالم‪ ،‬للسيد اخلامنئي‪.‬‬
‫() االجتهاد والتقليد لإلمام اخلميني‪ 19 ،‬هامش ‪.4‬‬
‫‪125‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الباقر وأوىص حممد بن عيل الباقر إىل جعفر بن حممد الصادق وأوىص جعفر بن حممد‬
‫الصادق إىل موسى بن جعفر وأوىص موسى بن جعفر إىل ابنه عيل بن موسى الرضا‬
‫وأوىص عيل بن موسى الرضا إىل ابنه حممد بن عيل وأوىص حممد بن عيل إىل ابنه عيل‬
‫بن حممد وأوىص عيل بن حممد إىل ابنه احلسن بن عيل وأوىص احلسن بن عيل إىل ابنه‬
‫يبق من الدنيا إالّ يوم واحد َّ‬
‫لطول اهلل ذلك اليوم‬ ‫حجة اهلل القائم باحلق الذي لو مل َ‬
‫حتى خيرج فيمألها عدالً وقسط ًا كام ملئت جور ًا وظل ًام‪ ،‬صلوات اهلل عليه وعىل آبائه‬
‫الطاهرين»()‪.‬‬

‫ويقول اإلمام اخلميني ‪ ‬يف مبحث (منصب القضاء واحلكومة) من كتابه‬


‫(االجتهاد والتقليد) ـ ص ‪ 18‬و‪ 19‬ـ‪« :‬موضوع القضاء ليس هو ما تقدم‪ ،‬ألنه ملا كان‬
‫من املناصب املجعولة‪ ،‬فال بد من مالحظة دليل جعله سعة وضيق ًا‪ ،‬وكذا احلال يف‬
‫احلكومة ونفوذ احلكم يف األمور السياسية‪ ،‬مما حيتاج إليه الناس يف حياهتم املدنية‪.‬‬

‫فنقول‪ :‬ال إشكال يف أن األصل عدم نفوذ حكم أحد عىل غريه‪ ،‬قضاء كان‬
‫أو غريه‪ ،‬نب ًّيا كان احلاكم أو ويص نبي أو غريمها‪ ،‬وجمرد النبوة والرسالة والوصاية‬
‫والعلم ـ بأي درجة كان ـ وسائر الفضائل‪ ،‬ال يوجب أن يكون حكم صاحبها نافذ ًا‬
‫أو قضاؤه فاصالً‪.‬‬

‫فام حيكم به العقل هو نفوذ حكم اهلل ـ تعاىل شأنه ـ يف خلقه‪ ،‬لكونه مالكهم‬
‫وخالقهم‪ ،‬واملترصف فيهم ـ بأي نحو من الترصف ـ يكون ترصف ًا يف ملكه وسلطانه‪،‬‬
‫وهو ـ تعاىل شأنه ـ سلطان عىل كل اخلالئق باالستحقاق الذايت‪ ،‬وسلطنة غريه ونفوذ‬
‫حكمه وقضائه حتتاج إىل جعله‪.‬‬

‫() أهل البيت ‪.135 ،‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪126‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ب النبي للخالفة واحلكومة مطلق ًا‪ ،‬قضاء كانت أو غريه‪ ،‬فهو ـ صىل‬ ‫وقد ن ََص َ‬
‫اهلل عليه وآله ـ سلطان من قبل اهلل تعاىل عىل العباد بجعله‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬النَّبِ ُّي َأ ْولىَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِا ُمل ْؤ ِمنِني ِمن َأ ْن ُف ِس ِهم﴾()‪ ،.‬وقال‪﴿ :‬يا َأيا ا َّل ِذ ِ‬
‫ول‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ين آمنُوا َأطي ُعوا اهللَ َو َأطي ُعوا َّ‬ ‫َ‬ ‫َ هُّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ول﴾()‪ ،‬وقال‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫ال‬ ‫َو ُأو ِيل األَم ِر ِمنْكُم َفإِ ْن َتنَا َز ْعتُم فيِ يَش ٍء َفر ُّدو ُه إِلىَ اهللِ َوالرس ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وك فِيماَ َش َج َر َب ْين َُه ْم ُث َّم الَ جَيِدُ وا فيِ َأ ْن ُف ِس ِه ْم َح َر ًجا مِمَّا‬
‫يك ُِّم َ‬ ‫ك الَ ُي ْؤ ِمن َ‬
‫ُون َحتَّى حُ َ‬ ‫َو َر ِّب َ‬
‫ت َو ُي َس ِّل ُموا ت َْسلِيماً ﴾()‪.‬‬
‫َق َض ْي َ‬

‫ثم بعد النبي ‪ ‬كان األئمة ‪ :‬ـ واحد ًا بعد واحد ـ سلطان ًا وحاك ًام عىل‬
‫العباد‪ ،‬ونافذ ًا حكمهم من ِق َبل نصب اهلل تعاىل ونصب النبي بمقتىض اآلية املتقدمة‪،‬‬
‫والروايات املتواترة بني الفريقني عن النبي ‪ )(‬وأصول املذهب»‪.‬‬

‫وتسلسلت هذه الوالية يف األئمة االثني عرش‪ ،‬حتى إذا كان دور اإلمام الثاين‬
‫عرش حممد بن احلسن املهدي ‪ ،‬وأعلن عن غيبته الكربى أبان عن القاعدة العامة‬

‫() سورة األحزاب‪6 :‬‬


‫() سورة النساء‪59 :‬‬
‫() سورة النساء‪65 :‬‬
‫() كقوله ‪« :‬إين تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي‪ :‬الثقلني‪ ،‬أحدمها أكرب من‬
‫اآلخر‪ :‬كتاب اهلل حبل ممدود من السامء إىل األرض‪ ،‬وعرتيت أهل بيتي‪ ،‬أال وإهنام لن يفرتقا‬
‫عيل احلوض»‪ .‬انظر‪ :‬سنن الرتمذي ‪ ،2874/327/5‬والشفاء للقايض عياض‬ ‫حتى يردا ًّ‬
‫(ط الفارايب) ‪ 105/2‬والدر املنثور للسيوطي ‪ 60/2‬ومشكاة املصابيح للتربيزي (ط املكتب‬
‫اإلسالمي) ‪ 6144‬وإحتاف السادة الثقة للزبيدي (أوفست لبنان) ‪ 507/10‬وأمايل الشجري‬
‫(بريوت) ‪ 152/1‬وكنز العامل ‪ 3/33/1 873/173/1‬وأمايل الشيخ الطويس ‪( 162‬مع‬
‫فوارق يسرية)‪.‬‬
‫وكقوله ‪« :‬ال يزال الدين قائ ًام حتى يكون اثنا عرش خليفة من قريش»‪ .‬انظر‪ :‬مسند أمحد بن‬
‫حنبل ‪ 86/5‬ودالئل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ‪ 324/6‬واملعجم الكبري للطرباين‬
‫‪ 1896/218/2‬وصحيح مسلم ‪ 102/100/4‬وكنز العامل ‪ 33855/33/12‬وسلسلة‬
‫األحاديث الصحيحة لأللباين (ط املكتب اإلسالمي) ‪ 964‬والكايف ‪ 449/441/1‬واخلصال‬
‫‪( 1480/465‬مع فوارق يسرية)‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ملن يصلح هلا من فقهاء أهل البيت ويكون مؤه ً‬
‫ال لتحمل مسؤوليتها وما يرتتب عليها‬
‫من تبعات وآثار‪ ،‬وذلك بقوله ‪« :‬وأما احلوادث الواقعة فارجعوا فيها إىل رواة‬
‫حديثنا فإهنم حجتي عليكم وأنا حجة اهلل عليهم»‪.‬‬

‫فكان هذا البيان الرشيف منه ‪ ‬تنصيص ًا عىل النيابة العامة للفقيه العادل‬
‫عن اإلمام املعصوم‪.‬‬

‫ومسألة نيابة الفقيه العادل عن اإلمام املعصوم يف الفكر الفقهي اإلمامي موضع‬
‫وفاق اجلميع‪ ،‬يقول املحقق الكركي يف رسالته حول صالة اجلمعة‪« :‬اتفق أصحابنا‬
‫املعب عنه‬
‫ـ رضوان اهلل عليهم ـ عىل أن الفقيه العدل اإلمامي اجلامع لرشائط الفتوى رّ‬
‫باملجتهد يف األحكام الرشعية نائب من ِق َبل أئمة اهلدى ـ صلوات اهلل عليهم ـ يف حال‬
‫الغيبة يف مجيع ما للنيابة عنه مدخل»()‪.‬‬

‫وقد أفادها الفقهاء ـ باإلضافة إىل التوقيع عن اإلمام املذكور يف أعاله ـ من‬
‫أمثال‪:‬‬

‫ـ مقبولة() عمر بن حنظلة() عن اإلمام أيب عبد هلل الصادق ‪ ،‬وهي‬


‫طويلة‪ ،‬وموضع الشاهد منها هو قوله ‪« :‬انظروا إىل من كان منكم قد روى‬
‫حديثنا ونظر يف حاللنا وحرامنا وعرف أحكامنا فلريضوا به حك ًام‪ ،‬فإين قد جعلته‬
‫عليكم حاك ًام‪ ،‬فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنام بحكم اهلل استخف وعلينا رد‪،‬‬

‫() جملة املنهاج‪ ،‬خريف ‪ 1420‬هـ‪ ،‬ص‪.167 :‬‬


‫() املقبولة‪ :‬هي الرواية التي يتلقاها العلامء بالقبول من حيث السند ويعملون بمضموهنا‪.‬‬
‫() هو عمر بن حنظلة العجيل البكري الكويف‪ ،‬قال فيه الشهيد الثاين‪« :‬مل ينص األصحاب‬
‫فيه بجرح وال تعديل‪ ،‬لكن أمره عندي سهل ألين حققت توثيقه يف حمل آخر( ـ الدراية ‪ 44‬ـ‪،‬‬
‫وقال ابنه الشيخ حسن العاميل‪« :‬قال ـ يعني الشهيد ـ يف بعض فوائدة‪ :‬األقوى عندي أنه ثقة‪،‬‬
‫لقول الصادق ‪ ‬يف حديث الوقت‪ :‬إذ ًا ال يكذب علينا) إتقان املقال ‪.103‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪128‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫والراد علينا كالراد عىل اهلل‪ ،‬وهو عىل حد الرشك باهلل عز وجل»()‪.‬‬

‫فإن قوله ‪« :‬فإين قد جعلته عليكم حاك ًام» ظاهر يف جعل الوالية العامة‬
‫للفقيه العادل‪ ،‬وذلك أن قوله ‪« :‬جعلته» يفيد نصب الفقيه العادل من قبل‬
‫اإلمام ‪ ،‬وأن قوله ‪« :‬حاك ًام» ظاهر يف إفادة الوالية الشاملة ملختلف‬
‫املجاالت والشؤون االجتامعية العامة‪ ،‬حيث إن احلاكم ـ فيام يفهم من مدلول الكلمة‬
‫ـ «هو الذي يرجع إليه يف مجيع األمور العامة االجتامعية التي ال تكون من وظائف‬
‫األفراد‪ ،‬وال يرىض الشارع ـ أيض ًا ـ بإمهاهلا‪ ،‬ولو يف عرص الغيبة‪ ،‬وعدم التمكن من‬
‫األئمة ـ ‪.»‬‬

‫كام أفاد هذا السيد الربوجردي يف (البدر الزاهر يف صالة اجلمعة واملسافر)()‪.‬‬

‫ـ ومشهورة أيب خدجية سامل بن مكرم‪« :‬قال‪ :‬قال يل أبو عبد اهلل ‪ :‬إياكم‬
‫أن حياكم بعضكم بعض ًا إىل أهل اجلور‪ ،‬ولكن انظروا إىل رجل منكم يعلم شيئ ًا من‬
‫قضايانا فاجعلوه بينكم‪ ،‬فإين قد جعلته قاضي ًا فتحاكموا إليه»()‪.‬‬

‫واستدل هبا عىل منصب الفقيه حاك ًام عام ًا من قبل اإلمام ‪ ‬بام تضمنته‬
‫الرواية من حتذير اإلمام ‪ ‬وهنيه أن يتحاكم إىل أهل اجلور‪ ،‬ومن أمره ‪‬‬
‫بالرجوع إىل الفقيه‪ ،‬وبترصحيه بجعله قاضي ًا ليتحاكم إليه‪ ،‬وال فصل يف الترشيع‬
‫اإلسالمي بني القضاء وبقية شؤون احلكم األخرى()‪.‬‬

‫وقد حدد الفقه اإلمامي الرشوط التي ينبغي أن تتوافر يف هذه الدولة اإلهلية‬
‫(دولة الفقيه) مستفيد ًا إياها من النصوص الرشعية ومن التطبيقات اخلارجية ملا‬

‫() مالذ األخيار‪ ،11/10 ،‬احلديث ‪.6‬‬


‫() انظر‪ :‬يف انتظار اإلمام‪ ،‬ط اأندلس‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫() مالذ األخبار‪ ،12/10 ،‬احلديث الثامن‪.‬‬
‫() انظر‪ :‬يف انتظار اإلمام‪.99 ،‬‬
‫‪129‬‬ ‫إلسالمي يف الفقه اإلمامي‬ ‫نوعية احلكم ا ٍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انوجد منها يف واقع التاريخ كدولة النبي حممد ‪ ‬ودولة اإلمام عيل ‪.‬‬

‫وأهم هذه الرشوط‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬يف احلاكم‬

‫قالوا‪ :‬يشرتط توفر احلاكم الذي يرشح لرئاسة الدولة عىل العنارص التالية‪:‬‬

‫أ ـ الفقاهة بمستوى االجتهاد املطلق‪.‬‬


‫ب ـ العدالة بمستوى ٍ‬
‫عال يقرب من العصمة‪.‬‬

‫ج ـ األهلية اإلدارية الواعية‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬يف التشريع‬

‫اشرتطوا يف الترشيع الذي تتبناه الدولة‪:‬‬

‫أ ـ أن يكون مصدره الكتاب والسنة‪.‬‬

‫ب ـ وأن يكون عن اجتهاد رشعي‪.‬‬

‫ج ـ وأن يلتقي بنتائجه الفقهية مع اإلنسان يف تكوينه الروحي والنفيس والعقيل‬


‫يل َلخِ ْل ِق‬
‫َّاس َع َل ْي َها‪ ،‬الَ َت ْب ِد َ‬ ‫ِ‬ ‫ك لِلدِّ ِ ِ ِ‬
‫ين َحني ًفا ف ْط َر َة اهللِ ا َّلتي َف َط َر الن َ‬ ‫والبدين ﴿ َف َأ ِق ْم َو ْج َه َ‬
‫ون﴾()‪.‬‬ ‫َّاس الَ َي ْع َل ُم َ‬‫ين ا ْل َق ِّي ُم َو َلكِ َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬ ‫اهللِ َذلِ َ‬
‫ك الدِّ ُ‬

‫د ـ وأن تكون تلكم النتائج الفقهية قادرة ـ تربوي ًا ـ عىل تأهيل اإلنسان املواطن‬
‫للقيام بخالفة اهلل يف األرض بعامرهتا ودفع عجلة احلياة البرشية لتسري عىل هذه‬

‫() سورة الروم‪.30 :‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪130‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِ ِ‬ ‫األرض باستقامة ولتثمر اخلري ملن عىل هذه األرض ﴿وإِ ْذ َق َال رب َ ِ‬
‫ك ل ْل َمالَئكَة إِنيِّ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ‬
‫ض َو َر َف َع َب ْع َضك ُْم‬ ‫﴿و ُه َو ا َّل ِذي َج َع َلك ُْم َخالَئ َ‬
‫ف األَ ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َخلي َف ًة﴾()‪َ ، .‬‬
‫اع ٌل فيِ األَر ِ ِ‬
‫ْ‬
‫ج ِ‬
‫َ‬
‫ض م ْن‬ ‫ِ‬ ‫ف فيِ األَ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ض َد َر َجات ل َي ْب ُل َوك ُْم فيِ َما آتَاك ُْم﴾()‪ُ ﴿ ، .‬ث َّم َج َع ْلنَاك ُْم َخالَئ َ‬ ‫َف ْو َق َب ْع ٍ‬
‫ون﴾()‪.‬‬ ‫ف َت ْع َم ُل َ‬ ‫َب ْع ِد ِه ْم لِنَنْ ُظ َر َك ْي َ‬

‫هـ ـ وأن حتقق تلكم النتائج الفقهية للرشيعة اإلسالمية مقاصدها كحفظ الدين‬
‫وحفظ العقل وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ املال وإلخ‪.‬‬

‫وـ وأن يعرتف دستور الدولة بدور العقل يف جمال احلياة‪ :‬إنامئها وإثامرها‪،‬‬
‫وتسيريها وتطويرها‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬يف التطبيق‬

‫‪1‬ـ أن تلتزم احلكومة وتقوم بتحقيق العدل االجتامعي يف كل جماالت حياة‬


‫َات و َأ ْن َز ْلنَا معهم ا ْلكِتَاب واملِيز َ ِ‬ ‫املواطنني ﴿ َل َقدْ َأرس ْلنَا رس َلنَا بِالبين ِ‬
‫َان ل َي ُقو َم الن ُ‬
‫َّاس‬ ‫َ َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ْ َ ُ َ‬
‫َاب َو ُأ ِم ْر ُت ألَ ْع ِد َل َب ْينَك ُْم﴾()‪﴿ ،‬إِ َّن اهللَ‬
‫ْت بِماَ َأ ْنز ََل اهللُ ِم ْن كِت ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫بِا ْلق ْسط﴾()‪َ ،‬‬
‫﴿و ُق ْل َآمن ُ‬
‫ان﴾()‪.‬‬ ‫إل ْح َس ِ‬ ‫َي ْأ ُم ُر بِال َعدْ ِل َوا ِ‬

‫‪2‬ـ وأن هتيئ فرص العمل لكل مواطن‪.‬‬

‫() سورةالبقرة‪.30:‬‬
‫() سورة األنعام‪.165 :‬‬
‫() سورة يونس‪.14 :‬‬
‫() سورة احلديد‪.52 :‬‬
‫() سورة احلجرات‪.13 :‬‬
‫() سورة النحل‪.90 :‬‬
‫‪131‬‬ ‫املالية العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪3‬ـ وأن تعنى بشؤون التعليم والرتبية والصحة والسكن واملواصالت‬
‫واالتصاالت واألمن والسالمة‪ ،‬وإىل آخر ما ينبغي أن تقوم به مما حيقق احلياة الكريمة‬
‫العزيزة لكل من يعيش عىل أرض الوطن‪.‬‬

‫‪4‬ـ وأن يكون معيار التفاضل بني الناس هو مبدأ التقوى ﴿ َيا َأ هُّ َيا الن ُ‬
‫َّاس إِنَّا‬
‫َج َع ْلنَاك ُْم ُش ُعو ًبا َو َق َبائِ َل لِ َت َع َار ُفوا إِ َّن َأك َْر َمك ُْم ِعنْدَ اهللِ َأ ْت َقاك ُْم﴾()‪« ،‬يا أهيا الناس إن‬
‫ربكم واحد وإن أباكم واحد‪ ،‬كلكم آلدم وآدم من تراب‪ ،‬إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم‬
‫وليس لعريب عىل عجمي وال لعجمي عىل عريب وال ألمحر عىل أبيض وال ألبيض عىل‬
‫أمحر فضل إالّ بالتقوى» ـ من خطبة حجة الوداع ـ‪.‬‬

‫‪5‬ـ وأن يكون معيار التوظيف هو مبدأ األمانة والكفاءة‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬يف احملكوم‬

‫ين َآمنُوا َأطِي ُعوا‬ ‫ِ‬


‫‪1‬ـ الطاعة هلل تعاىل وملن فرض اهلل عىل املؤمنني طاعته ﴿ َيا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ‬
‫ول َو ُأوليِ األَم ِر ِمنْكُم َفإِ ْن َتنَا َز ْعتُم فيِ يَش ٍء َفر ُّدو ُه إِلىَ اهللِ َوالرس ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫َّ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اهللَ َو َأطي ُعوا َّ‬
‫الر ُس َ‬
‫ك َخيرْ ٌ َو َأ ْح َس ُن ت َْأ ِويالً﴾()‪ ،‬ويفرس اإلمام أمري‬ ‫اآلخ ِر َذلِ َ‬
‫ُون بِاهللِ واليو ِم ِ‬
‫َ َْ‬ ‫إِ ْن ُكنْت ُْم ت ُْؤ ِمن َ‬
‫املؤمنني ‪ ‬يف عهده لألشرت الرد املذكور يف اآلية الكريمة فيقول‪« :‬فالرد إىل اهلل‬
‫األخذ بمحكم كتابه والرد إىل الرسول األخذ بسنته اجلامعة غري املفرقة»‪.‬‬

‫﴿وا ُمل ْؤ ِمن َ‬


‫ُون‬ ‫‪2‬ـ مراقبة املحكومني للحكومة وحماسبتهم هلا عند املخالفة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض‪َ ،‬ي ْأ ُم ُر َ‬ ‫ِ‬ ‫َوا ُمل ْؤ ِمن ُ‬
‫الص َ‬
‫ال َة‬ ‫ون َّ‬ ‫ون بِا َمل ْع ِروف َو َين َْه ْو َن َع ِن ا ُملنْك َِر َو ُيق ُ‬
‫يم َ‬ ‫َات َب ْع ُض ُه ْم َأ ْول َي ُ‬
‫اء َب ْع ٍ‬

‫() سورة الشورى‪.15 :‬‬


‫() سورة النساء‪.59 :‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪132‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِ‬ ‫ون اهللَ َو َر ُسو َله ُأولِئِ َ‬
‫ُون ال َّزكَا َة َو ُيطِي ُع َ‬
‫ح ُه ُم اهللُ إِ َّن اهللَ َع ِزي ٌز َحك ٌ‬
‫يم﴾()‪.‬‬ ‫ك َسيرَ ْ مَ ُ‬ ‫َو ُي ْؤت َ‬

‫‪3‬ـ اعتامد مبدأ األخوة كرابطة بني املسلم واملسلم ﴿إِ َّنماَ ا ُمل ْؤ ِمن َ‬
‫ُون إِ ْخ َوةٌ﴾()‪،‬‬
‫ومبدأ املامثلة يف اخللق (اإلنسانية) «فإهنم ـ يعني الناس ـ صنفان‪ :‬إما أخ لك يف الدين‬
‫أو نظري لك يف اخللق»‪.‬‬

‫() سورة التوبة‪.71 :‬‬


‫() سورة احلجرات‪10 :‬‬
‫الـمالية العامّة‬

‫تعريفها‬

‫املالية العامة ـ باختصار ـ هي مالية الدولة‪ ،‬يقول األستاذ أبو الرب يف كتابه‬
‫(املالية العامة) ـ ص ‪ 7‬ـ حتت عنوان (ماهية املالية العامة) ـ‪« :‬يقصد باملالية العامة‪:‬‬
‫مالية الدولة يف الدرجة األوىل‪ ،‬وهناك مالية عامة‪ ،‬خاصة بالبلديات واإلدارات‬
‫املحلية األخرى واملؤسسات العامة‪ ،‬ويطلق البعض عىل املالية العامة (اقتصاديات‬
‫القطاع العام) أو (مالية السلطات العامة)‪.»...‬‬

‫ويقابل املالية العامة ما يعرف باملالية اخلاصة‪ ،‬وهي‪« :‬مالية األفراد‬


‫واملرشوعات الفردية‪ ،‬والرشكات‪ ،‬ويطلق عليها اصطالح (مالية القطاع‬
‫اخلاص)‪ ،‬بينام يقصد باملالية العامة‪ :‬مالية السلطات العامة أو مالية القطاع‬
‫احلكومي» ـ م‪ .‬س‪ 11 ،‬ـ‪.‬‬

‫وسائلها‬

‫يراد بوسائل املالية العامة ما ييل‪:‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪134‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪1‬ـ إيرادات الدولة‬

‫وهي املالية التي حتصل عليها الدولة من أمالكها ودخوهلا كالرضائب‬


‫ويعرب عنها يف لغة الفقه اإلسالمي احلديث بـ(موارد الدولة) أي (إيرادات‬
‫الدولة)‪ ،‬وذكروا أهنا الفيء واألنفال‪.‬‬

‫يقول املحدث البحراين يف (احلدائق ‪« :)474/12‬اعلم أن األصحاب‬


‫(‪ )‬قد عدّ وا األنفال وحرصوها يف مجلة أفراد‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬األرض التي متلك من غري قتال‪.‬‬

‫وثانيها‪ :‬األرضون املوات‪.‬‬

‫وثالثها‪ :‬رؤوس اجلبال وبطون األودية واآلجام‪.‬‬

‫ورابعها‪ :‬صوايف ملوك احلرب وقطائعهم ما مل تكن مغصوبة من مسلم أو‬


‫معاهد‪.‬‬

‫وخامسها‪ :‬ما يصطفيه من الغنيمة‪.‬‬

‫وسادسها‪ :‬غنيمة من َغن ََم بغري إذنه‪.‬‬

‫وسابعها‪ :‬مرياث َمن ال وارث له‪.‬‬


‫وثامنها‪ :‬املعادن»‪.‬‬

‫ويضاف إليه‪:‬‬

‫ـ سهم اإلمام من اخلمس‪.‬‬


‫‪135‬‬ ‫املالية العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ الرضائب التي تفرضها الدولة عندما تقتيض املصلحة العامة ذلك‪.‬‬
‫‪2‬ـ نفقات الدولة‬

‫وهي مرصوفات الدولة يف تسديد حاجاهتا وتسيري شؤوهنا‪.‬‬

‫ويراد باحلاجات ـ هنا ـ احلاجات العامة التي عىل الدولة أن تقوم بإشباعها‪،‬‬
‫وهي أمثال‪:‬‬

‫ـ «حتقيق األمن الداخيل للمواطنني‪.‬‬

‫ـ والدفاع اخلارجي عن حدود الوطن‪.‬‬

‫ـ والقضاء العادل‪.‬‬

‫ـ وتكييف مستويات األثامن‪.‬‬

‫ـ ومضاعفة اإلشباع االستهالكي اجلامعي‪.‬‬

‫ـ وحتقيق االستقرار االقتصادي‪.‬‬

‫ـ وزيادة الكفاية اإلنتاجية‪.‬‬

‫ـ واإلقالل من التفاوت يف توزيع الثروات والدخول‪.‬‬

‫ـ ورفع مستوى املعيشة‪.‬‬

‫ـ ونرش التعليم‪.‬‬

‫ـ وتوفري الرعاية الصحية‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪136‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ وزيادة أسباب الرفاهية االجتامعية»()‪.‬‬

‫مهمات اإلدارة املالية للدولة‬

‫يقول أبو الرب يف كتابه (املالية العامة) ـ ص ‪ 7‬ـ‪« :‬تسري اإلدارة املالية‬
‫للدولة يف خطوات ثالث متتالية‪:‬‬

‫‪ .1‬حتديد النفقات املالية‪.‬‬

‫‪ .2‬تأمني اإليرادات العامة لتغطية هذه النفقات‪.‬‬

‫‪ .3‬حتقيق املوازنة بني النفقات العامة واإليرادات العامة»‪.‬‬

‫() املالية العامة‪.11 ،‬‬


‫الرأي الفقهي اإلمامي يف ملكية الدولة‬

‫تب َّينا من دراستنا للحكم اإلسالمي يف الفقه اإلمامي أن احلكم يمتد من النبي‬
‫إىل اإلمام املعصوم‪ ،‬ومنه إىل الفقيه العادل‪.‬‬

‫وعرفنا أن هناك من الفقهاء من يذهب إىل أن هذه األموال التي نصطلح عليها‬
‫ـ اآلن ـ باملالية العامة هي ملك للحاكم ـ النبي أو اإلمام أو الفقيه ـ ملك ًا شخصي ًا له‪،‬‬
‫يترصف فيها كام يشاء‪.‬‬

‫ويف رأي من يقول إن احلكم مقصور عىل املعصوم ـ النبي فاإلمام من بعده ـ‬
‫يقرص ملكية هذه األموال عىل شخوص املعصومني‪ ،‬وال يتعدى هبا إىل الفقيه العادل‪،‬‬
‫ألن صاحب هذا الرأي ال يؤمن بقيام دولة رشعية يف عرص غيبة اإلمام‪.‬‬

‫وأن هناك من الفقهاء من يذهب إىل أن هذه األموال (املالية العامة) هي ملك‬
‫للدولة‪ ،‬ونسبت للنبي ‪ ‬ولإلمام من بعده‪ ،‬ألنه رئيس الدولة واملمثل هلا يف قبض‬
‫أمواهلا والترصف هبا‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪138‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ومن املقارنة بني الروايات التي استدل هبا كل طرف من األطراف املشار إليهم‪،‬‬
‫واملوازنة بني طريقتي االستدالل رجحنا القول األخري لألسباب التالية‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن عبارة (إن للقائم بأمور املسلمني بعد ذلك األنفال التي كانت لرسول‬
‫اهلل) يف احلديث املروي عن اإلمام أمري املؤمنني ‪ ‬دليل متني عىل أن املالية العامة‬
‫هي للقائم بأمور املسلمني بحكم منصبه‪ ،‬وقلنا إن املراد باملنصب ـ هنا ـ رئاسة الدولة‬
‫ألن الرئيس يمثل الدولة يف قبض أمواهلا والترصف هبا‪.‬‬

‫ويستمد هذا الدليل قوته ألنه أقدم ما وصل إلينا من نصوص الباب‪ ،‬فهو يف‬
‫مقام بيان احلكم األويل‪.‬‬

‫ويف ضوئه‪ :‬تكون عبارة «يضعه حيث يشاء» ناظرة إىل حق الوالية‪ ،‬التي هي‬
‫جعل صالحية للوايل املعصوم يف الترصف هبذه األموال وفق املصلحة إذا اقتىض‬
‫األمر ذلك‪.‬‬

‫وهي ـ أعني العبارة ـ مرتبطة بالظرف الذي كان يمثل فيه الدولة رسول اهلل‬
‫‪ ‬أو أحد األئمة ‪ ،‬أي عىل نحو القضية اخلارجية ـ كام يقول املناطقة ـ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن عبارة «يضعه حيث حيب أو يشاء» الواردة يف أكثر من رواية هي عن‬
‫اإلمام الباقر ‪ ‬واإلمام الصادق ‪ ‬يعربان هبا عن حق املعصوم يف الوالية‪ ،‬كام‬
‫نعرب عنه يف فقهنا‪ ،‬أو حق اإلمامة كام يعرب عنه يف الفقه السني‪ ،‬وهي تعني الصالحية‬
‫التي متنح لإلمام رشع ًا‪ ،‬وختوله الترصف يف املال‪ ،‬وفق مقتضيات املصلحة وداخل‬
‫حميط دائرة الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن عبارة (األنفال للوايل) هي عن اإلمام الكاظم ‪ ،‬وعبارة (ما كان‬


‫‪139‬‬ ‫الرأي الفقهي اإلمامي يف ملكية الدولة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أليب بسبب اإلمامة فهو يل) عن اإلمام اهلادي ‪ ،‬وألهنام متأخرتان عام روي عن‬
‫اإلمامني الباقر والصادق ‪ ‬تكون مذكرتني تفسرييتني ناظرتني لتلكم الروايات‬
‫ومفسة هلا‪ ،‬واحلاكم‬
‫رِّ‬ ‫السابقة عليهام لتوضح وتبني املقصود منها‪ ،‬فهي حاكمة عليها‬
‫املفس‪.‬‬
‫املفس يقدم عىل رَّ‬
‫كام هو معلوم أصول ًيا يقدم عىل املحكوم‪ ،‬كام أن رِّ‬

‫والنتيجة‪:‬‬

‫‪1‬ـ إن يف البني ما يشبه التدرج يف بيان الترشيع بشأن ملكية املالية العامة‬
‫والترصف هبا‪ ،‬وكالتايل‪:‬‬

‫فأوالً‪ :‬وعىل لسان القرآن الكريم ب ّينت آية األنفال أن املالية هي هلل وللرسول‪.‬‬

‫وثاني ًا‪ :‬وعىل لسان اإلمام أمري املؤمنني ب ّينت قولته‪( :‬إن للقائم بأمور املسلمني‬
‫بعد ذلك األنفال) أن املراد منصب الرسالة ومن بعده منصب اإلمامة‪.‬‬

‫وثالث ًا‪ :‬وعىل لسان اإلمامني الباقر والصادق جاء بيان أن ملن يشغل املنصب ـ‬
‫نبي ًا أو إمام ًا ـ حق الوالية‪.‬‬

‫ورابع ًا‪ :‬وملا قدم يفهم من عبارة «يضعه حيث يشاء» أنه حق شخيص للرسول‪،‬‬
‫ومن بعده لإلمام جاء قول اإلمام الكاظم‪( :‬األنفال للوايل) وقول اإلمام اهلادي‪:‬‬
‫(ما كان أليب بسبب اإلمامة فهو يل) مذكرتني تفرسان املراد من الرسول واإلمام بأنه‬
‫املنصب (منصب الوالية) لدفع ما قد يفهم من أن املالية العامة ليست للدولة‪.‬‬

‫وهبذا يتم تواصل حلقات بيان الترشيع يف مسألة املالية العامة‪ ،‬فيختم بام ابتدأ‬
‫يف أهنا للقائم بأمور املسلمني‪ ،‬الذي يراد به من يشغل املنصب وهو رئاسة الدولة‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪140‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫‪2‬ـ ومنه نخلص إىل أن الروايات تدل عىل مرشوعية الدولة يف اإلسالم‪ ،‬وتعرب‬
‫عن قيامها متمثلة ـ يف البدء ـ بدولة رسول اهلل ‪.‬‬

‫‪3‬ـ كام أهنا تدل عىل أن املالية العامة هي للدولة اإلسالمية‪ ،‬وعىل أن للحاكم أن‬
‫ي ِ‬
‫عمل فيها واليته إن تطلب الظرف ذلك واقتضته املصلحة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حكم تصرف احلاكم‬
‫غري الشرعي يف األموال العامة‬
‫بدء ًا ال بدَّ من اإلشارة إىل أن فقهنا اإلمامي مل يقدر له أن يبحث يف موضوع‬
‫الدولة منذ عهوده األُوىل وحتى قيام الدعوة إىل تطبيق املرشوطة (احلياة الدستورية)‬
‫يف إيران‪ ،‬وكان هذا يف أوائل القرن الرابع عرش اهلجري حيث ألف الفقيه املريزا حممد‬
‫حسني النائيني (ت ‪1355‬هـ)‪ ،‬وهو أحد أبرز تالمذة املرجع الديني آنذاك الفقيه‬
‫األصويل املال حممد كاظم اخلراساين (ت ‪1329‬هـ) قائد الدعوة إىل املرشوطة‪ ،‬ألف‬
‫رسالته املوسومة (تنبيه األ ّمة وتنزيه امل ّلة )‪ ،‬وسنعود إىل اإلشارة إليها بعد قليل‪.‬‬

‫وكل ما أثاره الفقه اإلمامي يف العهود السابقة إىل القرن الرابع عرش اهلجري من‬
‫البحث والدراسة كان يدور حول املوضوعات التالية‪:‬‬

‫ـ حكم معونة السلطان اجلائر‪ ،‬حتت عنوان إعانة الظاملني‪.‬‬

‫ـ حكم الوالية من قبل السلطان اجلائر‪.‬‬

‫ـ حكم تقبل جوائز وعطايا السلطان اجلائر‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪142‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ حكم أخذ اخلراج واملقاسمة من السلطان اجلائر‪.‬‬

‫وكان هذا منهم اتّباع ًا للنصوص الرشعية (من آيات وروايات) التي اقترصت‬
‫ـ هي بدورها ـ عىل بيان حكم املوضوعات املذكورة‪.‬‬

‫وجاء هذا‪ ،‬ألن الروايات املروية عن أهل البيت ‪ :‬كانت أجوبة عن أسئلة‬
‫توجه هبا إليهم السائلون من شيعتهم املعارصين هلم‪ ،‬مستمدين حمتوياهتا من الواقع‬
‫اإلداري الذي كانوا يعيشون داخل إطاره ويتعاملون معه‪.‬‬

‫أي كان هذا أيام الدولتني األموية والعباسية‪ ،‬وهاتان الدولتان كانتا يف رأي‬
‫الفقه السني متثالن اخلالفة اإلسالمية‪ ،‬بينام مها يف رأي الفقه اإلمامي ال تعدان‬
‫رشعيتني‪ ،‬ألن اخلالفة اإلسالمية هي لألئمة من أهل البيت ‪ :‬بالنص‪ ،‬ولتوفر‬
‫شخوص األئمة عىل الرشوط املطلوب توافرها فيمن يتصدى للخالفة‪.‬‬

‫وعىل هذا‪ :‬كان السالطني األمويون والعباسيون ـ يف الرأي الفقهي اإلمامي ـ‬


‫سالطني جور الغتصاهبم منصب اإلمامة من أصحابه الرشعيني‪ ،‬وهم أئمة أهل البيت‬
‫‪ ،:‬والنحرافات أولئكم السالطني يف سلوكهم الشخيص‪ ،‬تلكم االنحرافات التي‬
‫تتسبب يف نفي العدالة عنهم‪ ،‬العدالة التي هي أهم رشط أسايس يف احلاكم‪.‬‬

‫ويأيت اقتصار السائلني عىل ما يرتبط باملوضوعات املذكورة من أحكام رشعية‪،‬‬


‫ألهنا كانت الظواهر املبتىل هبا بني الناس حينذاك‪.‬‬

‫وفقهاؤنا ـ كام أملحت ـ يتحركون يف بحوثهم وفتاواهم داخل إطار الروايات‬


‫املروية عن األئمة املعصومني ‪.:‬‬

‫وبقي الشأن عىل هذا حتى قام الرصاع يف إيران البلد الشيعي األكرب بني املرشوطة‬
‫واملستبدة‪ ،‬وكانت املرشوطة بحاجة إىل إثبات مرشوعيتها‪ ،‬ألهنا كانت التطور الذي‬
‫سينتهي إليه الوضع اإلداري يف إيران‪.‬‬
‫‪143‬‬ ‫حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من هنا انربى املريزا النائيني إىل تأليف رسالته مارة الذكر‪ ،‬وكانت باللغة‬
‫الفارسية‪ ،‬ونرشت ألول مرة بطبعة حجرية ببغداد سنة ‪1328‬هـ‪ ،‬بعنوان (حكومت‬
‫أز نظر إسالم)‪ ،‬ثم ترمجت إىل اللغة العربية‪.‬‬

‫ومن بعد املريزا النائيني تناول موضوع احلكم اإلسالمي (الدولة اإلسالمية)‬
‫أكثر من فقيه إمامي‪ ،‬منهم‪:‬‬

‫‪ .1‬املرجع الديني السيد آقا حسني الربوجردي (ت ‪1380‬هـ) يف بحوثه‬


‫دوهنا تلميذه الشيخ حسني عيل املنتظري‪،‬‬
‫االستداللية عن صالة اجلمعة واملسافر‪ ،‬التي ّ‬
‫ونرشها بعنوان (البدر الزاهر يف صالة اجلمعة واملسافر) سنة ‪1378‬هـ‪.‬‬

‫‪ .2‬احلكيم املفرس السيد حممد حسني الطباطبائي (ت ‪1402‬هـ) يف كتابه (نظرية‬


‫السياسة واحلكم يف اإلسالم) باللغة الفارسية ثم ترجم إىل اللغة العربية‪.‬‬

‫‪ .3‬املفكر اإلسالمي الكبري السيد حممد باقر الصدر (ت ‪1400‬هـ) يف كتابه‬


‫القيم (اقتصادنا) املنشور يف طبعته الثالثة سنة ‪1389‬هـ‪.‬‬

‫‪ .4‬عبد اهلادي الفضيل ـ مؤلف هذا الكتاب ـ يف كتابه (يف انتظار اإلمام) املنشور‬
‫يف طبعته األوىل سنة ‪1384‬هـ‪.‬‬

‫‪ .5‬اإلمام السيد روح اهلل اخلميني (ت ‪1409‬هـ) قائد الثورة اإلسالمية بإيران‬
‫يف حمارضاته باللغة الفارسية عن (احلكومة اإلسالمية)‪ ،‬التي ألقاها عىل طالبه يف‬
‫النجف األرشف سنة ‪1389‬هـ‪ ،‬وقد ترمجت إىل اللغة العربية ونرشت قبل الثورة‬
‫اإلسالمية بإيران‪.‬‬

‫كانت هذه املحارضات الدافع األقوى لكل من كتبوا يف املوضوع بعد الثورة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪144‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ الفقيه الشيخ حسني عيل املنتظري‪ ،‬له كتاب (دراسات يف والية الفقيه وفقه‬
‫الدولة اإلسالمية)‪.‬‬

‫ـ الفقيه الشيخ جعفر السبحاين‪ ،‬له كتاب (معامل احلكومة اإلسالمية)‪ ،‬وهو‬
‫املجلد الثاين يف سلسلة (مفاهيم القرآن)‪.‬‬

‫وكام أن املتقدمني من فقهائنا مل يبحثوا موضوع ترصفات احلكومة غري الرشعية‬


‫بشكل خاص ومستقل‪ ،‬كذلك املعارصون أمثال من أرشت إليهم‪ ،‬فإهنم بحثوا‬
‫موضوع ملكية الدولة الرشعية ومل يقوموا ببحث ملكية الدولة غري الرشعية‪.‬‬

‫إالّ أن الباحث يستطيع أن يلملم أطراف ومتفرقات موضوع ترصفات احلاكم‬


‫غري الرشعي‪ ،‬من غضون وخالل بحوثهم للموضوعات التي أرشت إليها‪ ،‬وبخاصة‬
‫موضوع التعامل مع السلطان اجلائر يف أموال اخلراج واملقاسمة‪.‬‬

‫وأحفل مصدر فقهي يمكن استفادة ذلك منه هو كتاب (املكاسب) للشيخ‬
‫األنصاري ورشوحه وحواشيه‪ ،‬وبني يدي منها‪:‬‬

‫ـ حاشية املريزا النائيني بقلم تلميذه الشيخ موسى اخلوانساري بعنوان (منية‬
‫الطالب يف حاشية املكاسب) طبع حجري ًا سنة ‪1358‬هـ‪.‬‬

‫ـ حاشية املريزا فتاح الشهيدي بعنوان (هداية الطالب إىل أرسار املكاسب) ط‪2‬‬
‫(حجرية) سنة ‪1375‬هـ‪.‬‬

‫ـ حاشية السيد اخلوئي بقلم تلميذه السيد عيل الشاهرودي بعنوان (حمارضات‬
‫يف الفقه اجلعفري) ط‪ 1‬سنة ‪1408‬هـ‪.‬‬

‫ـ حاشية الشيخ السبحاين بقلم تلميذه الشيخ سيف اهلل اليعقويب بعنوان‬
‫(املواهب يف حترير أحكام املكاسب) ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ تعليقة السيد كالنرت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫واآلن لنكن مع بحث الشيخ األعظم يف (املكاسب)‪ ،‬ومن بعده مع تعليقات‬


‫أصحاب احلوايش املذكورة‪ ،‬ثم ننتقل إىل الروايات الواردة يف املقام لنخلص أخري ًا إىل‬
‫النتيجة‪.‬‬

‫قال الشيخ يف (املكاسب) ـ ‪ 241/5‬وما بعدها من الطبعة املحشاة بتعليقة‬


‫السيد كالنرت ـ‪« :‬الثالثة‪ :‬ما يأخذه السلطان املستحل ألخذ اخلراج واملقاسمة من‬
‫األرايض باسمهام (يعني باسم اخلراج واملقاسمة)‪ ،‬ومن األنعام باسم الزكاة‪ ،‬جيوز‬
‫أن يقبض منه جمان ًا أو باملعاوضة‪ ،‬وإن كان مقتىض القاعدة حرمته‪ ،‬ألنه غري مستحق‬
‫ألخذه»‪.‬‬
‫وذلك ألن «ما يأخذه اجلائر ٍ‬
‫باق عىل ملك املأخوذ منه‪ ،‬ومع ذلك جيوز قبضه‬
‫من اجلائر بال خالف يعتد به بني األصحاب‪.‬‬

‫وعن بعض حكاية اإلمجاع عليه‪ ،‬قال يف حمكي (التنقيح)‪ :‬ألن الدليل عىل‬
‫النصوص الواردة عنهم ‪،:‬‬
‫ُ‬ ‫جواز رشاء الثالثة من اجلائر وإن مل يكن مستحق ًا له‪،‬‬
‫واإلمجاع وإن مل يعلم مستنده‪.‬‬
‫ُ‬
‫ويمكن أن يكون مستنده أن ذلك حق لألئمة ‪ ،:‬وقد أذنوا لشيعتهم يف رشاء‬
‫ذلك‪ ،‬فيكون ترصف اجلائر كترصف الفضويل إذا انضم إليه إذن املالك‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫أقول‪ :‬واألوىل أن يقال‪ :‬إذا انضم إليه إذن متويل امللك كام ال خيفى‪.‬‬

‫ويف (جامع املقاصد)‪ :‬إن عليه إمجاع فقهاء اإلمامية‪ ،‬واألخبار املتواترة عن‬
‫األئمة اهلداة‪.:‬‬

‫ويف (املسالك)‪ :‬أطبق عليه علامؤنا‪ ،‬وال نعلم فيه خمالف ًا‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪146‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وعن (املفاتيح)‪ :‬أنه ال خالف فيه‪.‬‬

‫وعن (الرياض)‪ :‬أنه استفاض نقل اإلمجاع عليه‪.‬‬

‫وقد تأيدت دعوى هؤالء بالشهرة املحققة بني الشيخ ومن تأخر عنه‪.‬‬

‫ويدل عليه ـ قبل اإلمجاع‪ ،‬مضاف ًا إىل لزوم احلرج العظيم يف االجتناب عن‬
‫هذه األموال‪ ،‬بل اختالل النظام‪ ،‬وإىل الروايات املتقدمة ألخذ اجلوائز من السلطان‪،‬‬
‫خصوص ًا اجلوائز العظام التي ال حيتمل عادة أن تكون من غري اخلراج‪ ،‬وكان اإلمام‬
‫روايات»()‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬يأبى عن أخذها أحيان ًا معل ً‬
‫ال بأن فيها حقوق األمة –‬

‫وكام يرى القارئ الكريم أن يف هذا النص ألفاظ ًا حتتاج إىل يشء من التوضيح‪،‬‬
‫وهي‪ :‬السلطان‪ .‬اجلائر‪ .‬املستحل‪ .‬اخلراج‪ .‬املقاسمة‪ .‬القاعدة‪ ..‬فلنحاول تسليط‬
‫الضوء عليها‪.‬‬

‫(السلطان)‬

‫يراد بكلمة (سلطان) ـ يف هذا السياق ـ ملوك بني أمية وملوك بني العباس‪.‬‬

‫والتعبري عنهم بسلطان ربام كان ألهنم حولوا اخلالفة إىل ملك عضوض‪ ،‬حيث‬
‫ساروا بسرية األكارسة والقيارصة‪ ،‬ولكن مع ادعائهم اخلالفة اإلسالمية‪.‬‬

‫عرف بعض الفقهاء السلطان بمدعي اخلالفة‪،‬‬ ‫واستناد ًا الدعائهم اخلالفة ّ‬


‫وهبذا املفهوم العام له سرُ ّ ي ـ فقهي ًا ـ عىل سالطني آل عثامن‪ ،‬ومن تلقب أو ُلقب‬
‫من قبل أتباعه بأمري املؤمنني أو إمام املسلمني من ملوك الدول اإلسالمية بعد الدولة‬
‫العثامنية‪.‬‬

‫() روايات‪ :‬فاعل الفعل (يدل) من قوله (يدل عليه)‪.‬‬


‫‪147‬‬ ‫حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وفقهاؤنا تابعوا يف استعامهلم هذا اللقب (السلطان) للداللة عىل املعنى املذكور‬
‫ما جاء يف لغة الروايات الواردة يف املقام‪ ،‬وسنقف عىل يشء منها‪.‬‬

‫(اجلائر)‬

‫بصيغة اسم الفاعل من اجلور بمعنى الظلم‪ ،‬وهو وصف أطلقته الروايات‬
‫الواردة يف املقام عىل سالطني بني أمية وبني العباس‪ ،‬واستعمل يف لغة فقهائنا‬
‫اإلماميني كذلك‪ ،‬لظلم هؤالء السالطني ألئمة أهل البيت ‪ :‬باغتصاب اخلالفة‬
‫اإلسالمية التي هي حق رشعي لألئمة بالنص والتعيني‪.‬‬

‫وكذلك النحراف أولئكم السالطني يف سلوكهم وترصفاهتم عن جادة الرشع‬


‫بام يسقط العدالة منهم التي هي رشط أسايس يف احلاكم ليستحق اخلالفة‪.‬‬

‫(املستحل)‬
‫ِ‬
‫اسم فاعل من الفعل (استحل)‪ ،‬ومصدره (االستحالل) وهو يعني حتويل‬
‫احلرام حالالً‪ ،‬وذلك ألن ما يأخذه السلطان من احلقوق املالية الرشعية‪ ،‬التي هي‬
‫ملك الدولة أو األمة‪ ،‬كاخلراج واملقاسمة والزكاة واجلزية واألنفال وسواها‪ ،‬من‬
‫املسلمني وغريهم الذين عليهم إخراجها بإيصاهلا إىل مستحقها‪ ،‬هي عليه ـ أعني‬
‫السلطان ـ حرام رشع ًا‪ ،‬فال جيوز له أخذها‪ ،‬وعندما يأخذها ـ واحلالة هذه ـ يعد‬
‫حرمه اهلل تعاىل عليه‪.‬‬ ‫مستح ً‬
‫ال ملا ّ‬

‫(اخلراج)‬

‫عرف (املعجم الوسيط) اخلراج‪ :‬بام يخُ رج من غلة األرض‪ ،‬وباألتاوة تؤخذ من‬
‫ّ‬
‫أموال الناس‪.‬‬

‫ويف (منية الطالب)‪« :‬قال يف (املسالك)‪ :‬املقاسمة‪ :‬حصة السلطان من حاصل‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪148‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫األرض تؤخذ عوض ًا عن زراعتها‪ ،‬واخلراج‪ :‬مقدار من املال يرضب عىل األرض أو‬
‫الشجر‪.‬‬

‫وقال املحقق األردبييل ‪ ‬يف رسالته اخلراجية‪ :‬اخلراج ـ عىل ما فهم من‬
‫كالمهم ـ‪ :‬إنه كاألجرة املرضوبة عىل األرض التي فتحت عنوة‪ ،‬وكانت عامرة حني‬
‫الفتح‪ ،‬ويف معناه املقاسمة سواء كانت من حاصل األرض كالثلث‪ ،‬أو من النقد‪ ،‬بل‬
‫غريه أيض ًا‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬إنه (يعني اخلراج) خمتص بالقسم الثاين‪ ،‬واملقاسمة باألول‪.‬‬

‫وقد يفرق باملرضوب عىل األرض واملوايش‪.‬‬

‫وقال يف (املستند)‪ :‬املراد باملقاسمة‪ :‬احلصة املعينة من حاصل األرض تؤخذ‬


‫عوض ًا من زراعتها‪ ..‬وباخلراج‪ :‬املال املرضوب عليها (أي عىل األرض) أو عىل البحر‬
‫حيثام يراه احلاكم‪.‬‬

‫ويف (املجمع)‪ :‬وقيل‪ :‬يقع اسم اخلراج عىل الرضيبة (يعني املال املرضوب‬
‫عىل األرض)‪ ،‬والفيء واجلزية والغلة (يعني ما يؤخذ باسم املقاسمة)‪ ،‬ومنه خراج‬
‫العراقني‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫والظاهر أن اخلراج هو األعم مما يؤخذ من حاصل األرض‪ ،‬ومما يؤخذ‬


‫رضيبة‪.‬‬

‫وكيف كان‪ ،‬مورد السؤال يف األخبار يشمل كل ما يؤخذ من األرض جنس ًا أو‬
‫نقد ًا»‪.‬‬

‫واملستخلص من هذا أن للخراج ـ يف لغة الفقه ـ إطالقني‪ ،‬مها‪:‬‬

‫األول‪ :‬يطلق ويراد به ما يقابل املقاسمة‪ ،‬ومها حقان ماليان فرض أحدمها ـ‬
‫‪149‬‬ ‫حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وهو اخلراج ـ عىل األرض اخلراجية‪ ،‬وفرض اآلخر ـ وهو املقاسمة ـ عىل حاصالت‬
‫األرض عين ًا أو نقد ًا‪.‬‬

‫اآلخر‪ :‬يطلق ويراد به مطلق احلقوق املالية التي عىل احلكومة جبايتها سوا ًء‬
‫كانت مما هو ملك للدولة أو ملك لألمة‪ ،‬أي كل ما يدخل حتت عنوان املورد املايل‬
‫للدولة واألمة‪.‬‬

‫والظاهر أن املراد من اخلراج ـ هنا ـ هو املعنى الثاين‪ ،‬أي مطلق احلقوق املالية‪.‬‬

‫أو يقال‪ :‬إن املراد ـ هنا ـ هو املعنى األول‪ ،‬وجاء ذكره مقرون ًا باملقاسمة والزكاة‬
‫كأمثلة ألهنا من أبرز وأظهر مصاديق اإليراد املايل للدولة واألمة‪ ،‬فيعود األمر ـ‬
‫بالنتيجة – إىل أن املراد من اخلراج معناه العام‪.‬‬

‫(املقامسة)‬

‫كلمة املقاسمة مأخوذة من الفعل (قاسم)‪ ،‬جاء يف (املعجم الوسيط)‪« :‬قاسم‬


‫فالن فالن ًا‪ :‬أخذ كل منهام قسمه‪ ،‬ويقال‪ :‬قاسمه املال فهو قسيمه فيه»‪.‬‬

‫فاملقاسمة ـ استخالص ًا مما تقدم يف تعريف اخلراج‪ ،‬وكام جاء يف كتاب (حمارضات‬
‫يف الفقه اجلعفري ‪ )662/1‬ـ هي «ما جيعله (احلاكم) عليه (أي عىل من بيده األرض)‬
‫بنحو الكرس املشاع من منافع األرض ونامئها كالعرش والربع ونحوه»‪.‬‬

‫(القاعدة)‬

‫املقصود بالقاعدة ـ هنا ـ تلك القاعدة التي تقول‪ :‬ال جيوز الترصف بامل الغري‬
‫إالّ برضاه‪.‬‬

‫وهي قاعدة فقهية أفادها العلامء من أمثال احلديثني التاليني‪:‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪150‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ ما رواه يف (الوسائل) ـ ‪ 120/5‬برقم ‪ 6091‬عن «احلسن بن عيل بن شعبة‬
‫يف (حتف العقول) عن رسول اهلل ‪ ،‬قال يف خطبة الوداع‪ :‬أهيا الناس‪ ،‬إنام املؤمنون‬
‫إخوة‪ ،‬وال حيل ملؤمن مال أخيه إالّ عن طيب نفس منه»‪.‬‬

‫ـ ما رواه يف (الوسائل) ـ ‪ 541/9‬برقم ‪ 12670‬ـ يف حديث طويل ـ عن‬


‫اإلمام املهدي ‪« :‬ال حيل ألحد أن يترصف يف مال غريه بغري إذنه»‪.‬‬

‫ولبيان تطبيق القاعدة عىل مسألتنا هذه‪ ،‬يقول السيد يف (املحارضات ‪:)663/1‬‬
‫«أما احلكم عىل القاعدة() فظاهر‪ ،‬ألن اجلائر ليس له الوالية عىل املسلمني وال عىل‬
‫الفقراء‪ ،‬وإنام هو غاصب هذا املنصب ممن له األمر()‪ ،‬فال يكون أخذه للامل بأحد‬
‫العنوانني املذكورين()‪ ،‬موجب ًا لتعني حق الفقراء واملسلمني فيه‪ ،‬بل يكون باقي ًا عىل‬
‫ملك مالكه‪ ،‬فال جيوز له األخذ تكليف ًا‪ ،‬وهو ضامن ملا يكون بيده‪ ،‬من غري فرق بني أن‬
‫يكون أخذه منه بالرتايض أو بالقهر‪ ،‬ألن رضا املالك بأخذه إنام كان بعنوان كون املال‬
‫زكاة أو خراج ًا‪ ،‬واملفروض عدم تعينه فيهام‪ ،‬ألن السلطان ال والية له عىل املسلمني‬
‫والفقراء‪ ،‬بل هو جائر وغاصب‪ ،‬فال تربأ ذمة املكلف بأدائه الزكاة أو اخلراج إىل‬
‫السلطان اجلائر‪ ،‬كام ال جيوز لشخص ثالث أخذه من يد اجلائر ألنه مال الغري إالّ عىل‬
‫نحو احلسبة لريده إىل مالكه‪.‬‬

‫والظاهر أن قول املصنف ما يأخذه اجلائر باق عىل ملك املأخوذ منه‪ ،‬مبني عىل‬
‫القاعدة»‪.‬‬

‫ونخلص من هذا إىل أن مقتىض القاعدة املذكورة‪ :‬حرمة ترصف السلطان بام‬
‫يأخذه من احلقوق املالية ألهنا باقية عىل ملك املأخوذة منهم‪.‬‬

‫() يعني حكم املسألة عىل هدي القاعدة‪ ،‬أو قل‪ :‬ما تقتضيه القاعدة من احلكم هنا‪.‬‬
‫() وهم أهل البيت ‪.:‬‬
‫() عنوان الزكاة وعنوان اخلراج‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وألن هذه القاعدة تتصف بالعموم‪ ،‬أي إهنا غري خاصة يف مسألتنا هذه‪ ،‬علينا‬
‫من ناحية منهجية أن ننظر يف النصوص الرشعية اخلاصة الواردة يف املسألة‪ ،‬ونأخذ‬
‫بمؤدياهتا إ ّما ختصيص ًا لعموم القاعدة‪ ،‬وإما ألن النصوص الرشعية هي التي ينبغي‬
‫أن ينظر فيها أوالً‪ ،‬ومتى متت داللتها ال نكون بحاجة إىل الرجوع إىل القاعدة‪.‬‬

‫من هذه النصوص‪:‬‬

‫ـ صحيحة احلذاء عن أيب جعفر ‪ ‬قال‪ :‬سألته عن الرجل منا يشرتي من‬
‫عامل السلطان من إبل الصدقة وغنمها‪ ،‬وهو يعلم أهنم يأخذون منهم أكثر من احلق‬
‫الذي جيب عليهم؟‬

‫فقال‪« :‬ما اإلبل والغنم إالّ مثل احلنطة والشعري‪ ،‬وغري ذلك ال بأس به حتى‬
‫تعرف احلرام بعينه فيجتنب‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فام ترى يف متصدق جييئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول‪ :‬بعناها فيبيعنا‬
‫إياها‪ ،‬فام ترى يف رشائها منه؟‬

‫فقال‪ :‬إن كان قد أخذها وعزهلا فال بأس‪.‬‬

‫قيل له‪ :‬فام ترى يف احلنطة والشعري جييئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حقه‬
‫فيعزله بكيل‪ ،‬فام ترى يف رشاء ذلك الطعام منه؟‬

‫فقال‪ :‬إن كان قد قبضه بكيل وأنتم حضور فال بأس برشائه منهم بغري كيل»‪.‬‬

‫وكام ترى أن هذه الصحيحة ظاهرة الداللة ـ وبوضوح ـ عىل جواز ترصفات‬
‫عامل السلطان جلباية الزكوات‪ ،‬فقول السائل (وهو يعلم أهنم يأخذون منهم أكثر من‬
‫احلق الذي جيب عليهم) يدل عىل أن جواز ترصف عامل السلطان أمر مفروغ منه عند‬
‫السائل‪ ،‬فال إشكال لديه فيه‪ ،‬وإنام استشكاله يف ما يأخذه العامل زائد ًا عىل احلق الذي‬
‫جيب عىل صاحب املال‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪152‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كام أن قول اإلمام يف جواب السائل (ال بأس به حتى تعرف احلرام بعينه‬
‫فيجتنب) دال عىل أن جواز ترصف عامل السلطان أمر مفروغ منه عند اإلمام‪،‬‬
‫وكذلك قوله (فال بأس) يف جواب السؤالني اآلخرين يف هذا النص الكريم يدالن‬
‫عىل ما ذكرت‪ ،‬إذ ال معنى أن يصحح اإلمام ترصف املتعامل مع عامل السلطان يف‬
‫الوقت الذي فيه ترصف العامل باطل‪ ،‬ذلك أن العامل طرف يف املعاملة‪ ،‬فال تصح مع‬
‫احلكم ببطالن ترصفهم‪.‬‬

‫قال الشيخ األعظم تعليق ًا عىل الرواية بعد نقله هلا‪« :‬دلت هذه الرواية عىل‬
‫أن رشاء الصدقات من األنعام والغالت من عامل السلطان كان مفروغ اجلواز‬
‫عند السائل‪ ،‬وإنام سأل أوالً عن اجلواز مع العلم اإلمجايل بحصول احلرام يف أيدي‬
‫العامل‪.‬‬

‫وثاني ًا من جهة توهم احلرمة أو الكراهة يف رشاء ما خيرج يف الصدقة‪ ،‬كام ذكر‬
‫يف باب الزكاة‪.‬‬

‫وثالث ًا من جهة كفاية الكيل األول‪.‬‬

‫وباجلملة‪ ،‬ففي هذه الرواية ـ سؤاالً وجواب ًا ـ إشعار بأن اجلواز كان من‬
‫الواضحات غري املحتاجة إىل السؤال‪ ،‬وإالّ لكان أصل اجلواز أوىل بالسؤال‪ ،‬حيث‬
‫إن ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم احلرمة تفصيالً‪ ،‬فال فرق بني أخذ احلق الذي جيب‬
‫عليهم‪ ،‬وبني أخذ أكثر منه‪.‬‬

‫ويكفي قوله‪( :‬حتى تعرف احلرام بعينه) يف الداللة عىل مفروغية حل ما‬
‫يأخذونه من احلق‪ ،‬وأن احلرام هو الزائد»‪.‬‬

‫ـ ويمكننا أن نستدل أيض ًا برواية صفوان اجلماّ ل تأييدً ا ملا تقدم‪ ،‬مكتفني هبام‪،‬‬
‫ورواية صفوان هي كام يف (الوسائل ‪ 182/17‬رقم ‪ 22305‬ـ عن «حممد بن عمر بن‬
‫‪153‬‬ ‫حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عبد العزيز (الكيش) يف كتاب الرجال‪ ،‬عن محدويه‪ ،‬عن حممد بن إسامعيل الرازي‪،‬‬
‫فضال‪ ،‬عن صفوان بن مهران اجلماّ ل قال‪ :‬دخلت عىل أيب احلسن‬
‫عن احلسن بن عيل بن ّ‬
‫األول ‪ ‬فقال يل‪ :‬يا صفوان كل يشء منك حسن مجيل ما خال شيئ ًا واحد ًا؟‬

‫قلت ـ جعلت فداك ـ أي يشء؟‬


‫ُ‬

‫قال‪ :‬إكراؤك مجالك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬واهلل ما أكريته أرش ًا وال بطر ًا وال للصيد وال للهو‪ ،‬ولكني أكريته هلذا‬
‫ُ‬
‫الطريق ـ يعني طريق مكة ـ وال أتواله بنفيس‪ ،‬ولكني أبعث معه غلامين‪.‬‬

‫فقال يل‪ :‬يا صفوان‪ ،‬أيقع كراؤك عليهم؟‬

‫قلت‪ :‬نعم ـ جعلت فداك ـ‪.‬‬


‫ُ‬

‫قال‪ :‬فقال يل‪ :‬أحتب بقاءهم حتى خيرج كراؤك؟‬

‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬

‫قال‪ :‬من أحب بقاءهم فهو منهم‪ ،‬ومن كان منهم كان ورد النار‪.‬‬

‫قال صفوان‪ :‬فذهبت فبعت مجايل عن آخرها‪ ،‬فبلغ ذلك إىل هارون فدعاين‬
‫فقال يل‪ :‬يا صفوان بلغني أنك بعت مجالك؟‬

‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬

‫قال‪ :‬ولمِ َ ؟‬

‫قلت‪ :‬أنا شيخ كبري‪ ،‬وإن الغلامن ال يفون باألعامل‪.‬‬

‫فقال‪ :‬هيهات‪ ،‬هيهات‪ ،‬إين ألعلم من أشار عليك هبذا‪ ،‬أشار عليك هبذا موسى‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪154‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بن جعفر‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ما يل وملوسى بن جعفر‪.‬‬

‫فقال‪ :‬دع هذا عنك‪ ،‬فواهلل لوال حسن صحبتك لقتلتك»‪.‬‬

‫بعد هذا لنقرأ تعليق أستاذنا السيد اخلوئي املقررة يف (املحارضات ‪)512/1‬‬
‫قال‪« :‬إن رواية صفوان ظاهرة يف اجلواز حيث مل يردعه اإلمام ‪ ‬عن إجيار مجاله‬
‫هلارون‪ ،‬وإنام (كان) اللوم تطهري ًا لنفسه عن الرضا ببقاء الظامل ليستويف أجرته‪ ،‬و ُيعلم‬
‫من ذلك أن من أوقع معاملة معهم بالنقد‪ ،‬ومل يتحقق فيه الرضا ببقاء دولتهم كانت‬
‫املعاملة صحيحة‪ ،‬وال تلحق البائع بذلك مفسدة يف الدين‪ ،‬اللهم إالّ املعنى األديب‬
‫التنزهيي‪ ،‬وهو ترك معاملتهم ليتبني هلم بغض الناس هلم وأهنم مفرطون معتدون عىل‬
‫قوانني الرشيعة»‪.‬‬

‫ال وتعليق ًا الشيخ األنصاري‬


‫وهناك روايات أخرى باملضمون نفسه تعرض هلا نق ً‬
‫يف (املكاسب)‪ ،‬وتابعه يف ذلك رشاح املكاسب‪.‬‬

‫تفرق بني غصب املنصب وصحة‬


‫ومنها نخلص إىل أهنا ـ أعني الروايات ـ ّ‬
‫املعاملة مع احلاكم الغاصب يف األموال العامة التي يكون الترصف فيها من شؤون‬
‫اإلمام املعصوم والفقيه العادل النائب عنه‪.‬‬

‫وحيث انتهينا من حماولة معرفة حكم ترصف احلاكم غري الرشعي من الروايات‬
‫الواردة يف املقام‪ ،‬واملعرب عنه يف لغتها بـ(السلطان)‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل أن من‬
‫فقهائنا من فهم وأفاد أن احلكم املذكور مقصور عىل السلطان الذي يدعي أنه خليفة‪،‬‬
‫ألن الروايات أشارت بكلمة (السلطان) إىل سالطني بني أمية وبني العباس وكانوا‬
‫يدعون اخلالفة ويلقبون بأمري املؤمنني وخليفة املسلمني‪ ،‬فيكون املراد من السلطان ـ‬
‫هنا ـ كل من يدعي اخلالفة‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من هؤالء أستاذنا السيد اخلوئي‪ ،‬قال يف (املحارضات ‪ )683/1‬ـ بعد أن أشار‬
‫إىل األقوال يف املسألة ـ‪« :‬ولكن الصحيح هو االختصاص بالسلطان العام املدعي‬
‫للخالفة»‪.‬‬

‫وقال يف (ص ‪ )685‬ـ وهو يناقش دليل اإلطالق الدال عىل إرادة مطلق‬
‫السلطان ال خصوص املدعي للخالفة ـ‪« :‬وأما إطالق األخبار فهو أيض ًا ممنوع لعدم‬
‫كوهنا يف مقام بيان أي سلطان يأخذ املال‪ ،‬فإن األخذ من السلطان كان فيها مفروغ ًا‬
‫عنه عند السائل‪ ،‬وإنام السؤال عن اجلهات األخر التي أشار إليها املصنف ‪ ،‬مثل‬
‫جواز إدخال أهل األرض اخلراجية يف تقبل األرض كام يف صحيحة احللبي‪ ،‬وجواز‬
‫أخذ أكثر مما تقبل به األرض من األكرة‪ ،‬وجواز التقبل مع احتامل أن ال حيصل له‬
‫يشء من األرض وما يتعلق هبا‪ ،‬فتكون الروايات من اجلهة املبحوث عنها كالقضية‬
‫الشخصية دون احلقيقة‪ ،‬فليس هلا إطالق‪ ،‬واملتيقن منها هو السلطان املدعي للخالفة‪،‬‬
‫كام كان حال السالطني يف عرص األئمة‪.:‬‬

‫هذا مضاف ًا إىل أنه ال يبعد انرصاف السلطان إىل ذلك‪ ،‬فأخذ غريه اخلراج يكون‬
‫باقي ًا حتت القاعدة األولية‪ ،‬لعدم املخصص»‪.‬‬

‫وذهب آخرون إىل أن حكم جواز الترصف يشمل كل سلطان غري متوفر عىل‬
‫رشوط احلاكم الرشعي‪ ،‬مسل ًام كان أو غري مسلم‪ ،‬مدعي ًا للخالفة أو غري مدَّ ٍع هلا‪،‬‬
‫مستدلني بـ‪:‬‬

‫﴿و َما َج َع َل‬


‫‪1‬ـ أن حرمة الترصف يلزم منها احلرج‪ ،‬وهو منفي بقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ين ِم ْن َح َرجٍ ﴾‪.‬‬
‫َع َل ْيك ُْم فيِ الدِّ ِ‬

‫‪2‬ـ «إطالق بعض األخبار كقوله ‪ ‬يف صحيحة حممد بن مسلم «وكل‬
‫أرض دفعها إليك سلطان‪ ،‬فعليك فيام أخرج اهلل منها الذي قاطعك عليه»‪ ،‬وقوله‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪156‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ ‬يف صحيحة احللبي‪« :‬ال بأس أن يتقبل الرجل األرض وأهلها من السلطان»‪»..‬‬
‫ـ انظر‪ :‬املحارضات ‪ 685/1‬ـ‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن القول بحرمة الترصف والتعامل يلزم منها اختالل النظام االقتصادي‬
‫واالجتامعي‪ ،‬وفيه ما فيه من الرضر املدفوع بقاعدة الرضر (ال رضر وال رضار يف‬
‫اإلسالم)‪.‬‬

‫ويالحظ عىل دليل الرأي األول القائل إن حكم جواز الترصف خمتص‬
‫بالسلطان املدعي للخالفة‪ ،‬إن داللة الروايات الواردة يف املقام عىل أن املراد من‬
‫السلطان سالطني بني أمية وسالطني بني العباس إنام جاء ألن األسئلة من الرواة‬
‫كانت عن التعامل معهم‪ ،‬فالسؤال عن التعامل معهم ليس ألهنم يدعون اخلالفة‪،‬‬
‫وإنام ألهنم غاصبون للخالفة املستلزم لالعتقاد بأهنم حكام غري رشعيني‪.‬‬

‫وألجل هذا ال نستطيع أن نتخذ من وصف (مدعي اخلالفة) قيد ًا ملوضوع‬


‫احلكم‪.‬‬

‫وعىل أساس من هذا ال بد من أن نفرق بني احلاكم املسلم غري الرشعي‪ ،‬واحلاكم‬
‫غري املسلم‪.‬‬

‫فنقول‪ :‬املقصود للروايات واملشمول باحلكم املستفاد منها هو احلاكم املسلم‬


‫غري الرشعي‪.‬‬

‫أما احلاكم غري املسلم فغري منظور للروايات‪ ،‬وألنه كذلك ُيرجع ملعرفة حكم‬
‫التعامل معه إىل القاعدة‪ ،‬وهي ـ هنا ـ قاعدة اإلمضاء املأخوذة من األحاديث املروية‬
‫عن أهل البيت ‪ ،:‬أمثال‪:‬‬

‫ـ ما عن اإلمام الرضا ‪« :‬من كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم»‪.‬‬


‫‪157‬‬ ‫حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ ما عن حممد بن مسلم عن أيب جعفر الباقر ‪ :‬سألته عن األحكام؟ قال‪:‬‬
‫«جتوز عىل أهل كل ذوي دين ما يستحلون»‪.‬‬

‫جتوز التعامل مع أصحاب وأتباع الرشائع والقوانني‬


‫ذلك أن هذه القاعدة ّ‬
‫واألنظمة غري اإلسالمية‪.‬‬

‫واخلالصة‪:‬‬

‫‪1‬ـ جيوز التعامل يف األموال العامة مع احلاكم املسلم غري املتوفر عىل الرشوط‬
‫املطلوب توفرها يف احلاكم املسلم‪ ،‬للروايات الواردة يف خصوص هذه املسألة‪.‬‬

‫‪2‬ـ جيوز التعامل يف األموال العامة مع احلاكم غري املسلم لقاعدة اإلمضاء‪.‬‬

‫إن املراد من احلاكم الرشعي عندنا‪ :‬اإلمام املعصوم يف عرص احلضور‪ ،‬والفقيه‬
‫العادل النائب عنه يف احلكم يف عرص الغيبة‪.‬‬

‫أما احلاكم غري الرشعي فرياد به ذلكم احلاكم الذي مل يتوفر عىل الرشوط‬
‫املطلوب توافرها ـ رشع ًا ـ يف من يتصدى للحكم‪ ..‬أو قل‪ :‬هو من يقابل احلاكم‬
‫الرشعي عندنا‪.‬‬

‫واآلن لنستعرض األقوال الفقهية يف املراد من السلطان (احلاكم غري الرشعي)‪،‬‬


‫وهي‪:‬‬

‫‪ .1‬املراد به السلطان املدعي للخالفة‪ ،‬أي الذي يرى نفسه خليفة‪ ،‬وهو غري‬
‫متوفر عىل رشوط احلاكم الرشعي‪.‬‬

‫‪ .2‬املراد به كل سلطان مسلم مل يتوفر عىل رشوط احلاكم الرشعي‪ ،‬مدَّ ع ًيا‬
‫للخالفة أو غري مدَّ ع‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪158‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .3‬املراد به كل سلطان غري متوافر عىل رشوط احلاكم الرشعي‪ ،‬مسلماً كان أو‬
‫غري مسلم‪.‬‬

‫قال يف (منية الطالب ص ‪« :)31‬اخلامسة‪ :‬هل املراد من السلطان الوارد يف هذه‬


‫الروايات‪:‬‬

‫ـ هو السلطان الذي يرى نفسه خليفة‪.‬‬

‫ـ أو يشمل كل سلطان مسلم‪.‬‬

‫ـ أو يشمل مطلق السالطني ولو مل يكونوا مسلمني»‪.‬‬

‫وأضاف إليها يف (املحارضات ‪:)683/1‬‬

‫ـ السلطان املؤمن (يعني اإلمامي) املعرتف بغصبه للمنصب غري مدع للخالفة‪،‬‬
‫قال‪« :‬هل يكون جواز أخذ الزكاة واخلراج من السلطان‪:‬‬

‫ـ خمتص ًا بام إذا كان مدعي ًا للخالفة العامة‪.‬‬

‫ـ أو يعم غريه ممن خرج عىل سلطان الوقت‪ ،‬واستوىل عىل بعض األرايض‪،‬‬
‫وأخذ من أهلها اخلراج‪.‬‬

‫ـ أو كان السلطان مؤمن ًا معرتف ًا بأنه غاصب لذلك املقام‪ ،‬ال يدعي لنفسه‬
‫الرئاسة العامة حتى يف مقام العمل‪.‬‬

‫ـ أو استوىل كافر عىل بالد اإلسالم وأخذ من أهلها اخلراج»‪.‬‬


‫متلك الشخصية املعنوية‬

‫نريد من (الشخصية) ـ هنا ـ املصطلح القانوين احلديث‪ ،‬وهي هبذه الصيغة‬


‫امللحقة بياء النسب فتاء التأنيث من األلفاظ املحدثة‪ ،‬وحتمل اآلن ـ فيام حتمل ـ معنى‬
‫اجتامعي ًا وآخر قانوني ًا‪ ،‬يف إطار ما يتصف به الشخص من صفات وراثية وأخرى بيئية‬
‫اكتسبها من حميطه‪ ،‬ويف إطار ما يتحمله من مسؤولية أمام القانون‪.‬‬

‫فالشخصية ـ إذ ًا ـ هي الشخص بلحاظ ما حيمل من صفات‪ ،‬وما يتحمل من‬


‫مسؤولية‪.‬‬

‫ويقسم القانون الشخصية إىل‪ :‬طبيعية أو مادية‪ ،‬واعتبارية أو معنوية‪ ..‬فيقال‪:‬‬


‫شخص طبيعي أو مادي‪ ،‬وشخص اعتباري أو معنوي‪.‬‬

‫ويعرف (معجم املصطلحات الفقهية والقانونية) الشخص الطبيعي بقوله‪:‬‬


‫ّ‬
‫«هو كل فرد يتمتع برشوط معينة يضعها القانون‪ ،‬ويكون مؤه ً‬
‫ال للقيام بااللتزامات‬
‫وتنفيذها‪ ،‬ويتحمل مسؤولية ما ينتج عن أعامله‪ ،‬عىل أن يتمتع باألهلية التامة»‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪160‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وعرف الشخص املعنوي بأنه «جمموعة أفراد اختذوا صفة الشخص الطبيعي‬
‫ّ‬
‫لدى تأسيسهم رشكة أو مؤسسة جتارية فباتوا مسؤولني بالتضامن إزاء القانون‪،‬‬
‫كرشكات املسامهة ورشكات التضامن وغريها‪.‬‬

‫ال يعترب شخص ًا طبيعي ًا‪.‬‬


‫فالشخص الذي يعمل منفر ًدا ومستق ً‬

‫أما الرشكات التي يملكها عدة أشخاص أو شخص واحد تعترب بحد ذاهتا‬
‫شخص ًا معنوي ًا»‪.‬‬

‫ويف (معجم مصطلحات العلوم االجتامعية)‪« :‬الشخص االعتباري‪ :‬يقصد به‬


‫مجلة من األشخاص أو جمموعة من األموال اعرتف هلا القانون بشخصية قانونية مستقلة‬
‫عن شخصية األفراد املكونني هلا أو منشئيها كالرشكات واملؤسسات واجلمعيات‪.‬‬

‫وللشخص االعتباري ذمة مالية خاصة ال ختتلط بذمة أي من األشخاص‬


‫املكونني هلا»‪.‬‬

‫إن هذا التعريف القانوين للشخصية املعنوية ينطبق عىل الدولة كمؤسسة‪ ،‬وعىل‬
‫األمة كمؤسسة‪ ،‬وعىل البنوك التجارية كمؤسسات‪ ،‬ورأينا يف البحوث السابقة كيف‬
‫وزع الترشيع اإلسالمي ملكية األموال العامة كاألنفال واخلراج بني الدولة ممثلة بمن‬
‫ِ‬
‫واألمة يتوىل شؤون أمواهلا ويل األمر‪،‬‬ ‫يرأسها نبي ًا كان أو إمام ًا أو نائب ًا عن اإلمام‪،‬‬
‫وكذلك رأينا كيف أمىض ويل األمر الرشعي تعامل املسلمني ـ مالي ًا ـ مع الدولة غري‬
‫الرشعية‪.‬‬

‫وسنرى ـ يف ضوء هذا ـ ما هو املوقف من التعامل مع البنوك احلكومية‪.‬‬


‫‪161‬‬ ‫متلك الشخصية املعنوية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أما هنا فنحاول زيادة اإليضاح ملعرفة الرأي الفقهي يف متلك الشخصية‬
‫االعتبارية‪ ،‬وذلك من خالل معرفة ما يرادف الشخصية االعتبارية يف فقه أصحابنا‬
‫اإلماميني‪:‬‬

‫إن املصطلح الفقهي الذي يقابل ويرادف مصطلح الشخصية املعنوية هو‬
‫مصطلح (اجلهة)‪.‬‬

‫وجاء هذا يف مواضع من الفقه من أبرزها موضوع (الوقف) يف املوضع الذي‬


‫يتعرضون فيه للوقف عىل العناوين العامة ذات املصالح العامة‪ ،‬كاملساجد والقناطر‬
‫واألربطة واملياتم واملستشفيات واملدارس واحلوزات واجلامعات ومراكز األبحاث‬
‫العلمية‪ ،‬والفقراء والعلامء واملعاقني‪.‬‬

‫ففي (املبسوط) ـ ‪ 292/3‬ـ‪« :‬فأما الوقف عليها ملصالح املسلمني‪ ،‬فالوقف‬


‫عليها وقف عىل املسلمني‪ ،‬واملسلمون يملكون»‪.‬‬

‫ويف (الرسائر) ـ ‪ 156/3‬ـ‪« :‬بذلك مصالح املسلمني‪ ،‬وهم َيملكون‬


‫االنتفاع»‪.‬‬

‫ويف (الرشائع) ـ كتاب الوقف ـ‪« :‬ويصح الوقف عىل املصالح كالقناطر‬
‫واملساجد‪ ،‬ألن الوقف ـ يف احلقيقة ـ عىل املسلمني‪ ،‬لكن هو رصف() إىل بعض‬
‫مصاحلهم»‪.‬‬

‫ويف (القواعد) ـ كتاب الوقف ـ‪« :‬ولو وقف عىل املصالح كالقناطر واملساجد‬

‫() من املظنون قوي ًا أن أصل العبارة (لكنه رصف)‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪162‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫واملشاهد صح‪ ،‬ألنه ـ يف احلقيقة ـ وقف عىل املسلمني‪ ،‬لكن هو() رصف إىل بعض‬
‫مصاحلهم»‪.‬‬

‫و ّعلق يف (جامع املقاصد) ـ ‪ 46/9‬ـ عىل قول (القواعد) بقوله‪« :‬ملا كان الوقف‬
‫عىل املصالح وال ُق َرب ـ يف احلقيقة ـ وقف ًا عىل املسلمني ألهنم املنتفعون به مل يرد لزوم‬
‫بطالنه من حيث إن املوقوف عليه ال َيملك‪ ،‬غاية ما هناك أنه وقف عىل املسلمني‬
‫يف مصلحة خاصة‪ ،‬فإذا وقف عىل املسجد كان وقف ًا عىل املسلمني ألهنم املنتفعون‬
‫باملسجد والرتدد إليه للعبادة وإقامة شعائر الدين لكن عىل هذا الوجه املخصوص‬
‫واملصلحة املعينة‪ ،‬وكذا القول يف الوقف عىل القناطر واملشاهد وأكفان املوتى ومؤنة‬
‫الغسالني واحلفارين»‪.‬‬

‫ويف (مفتاح الكرامة) ـ ‪ 60/9‬ـ تعليق ًا عىل (القواعد) أيض ًا‪« :‬قد رصح يف‬
‫(املقنعة) ومجيع ما تأخر عنها إالّ ما ّ‬
‫قل بجواز الوقف عىل املصالح‪ ،‬بل يأخذونه‬
‫مفروغ ًا عنه»‪.‬‬

‫وع ّلق يف (اجلواهر) ـ ‪ 31 ،30/28‬ـ عىل قول (الرشائع) بقوله‪« :‬وكذا ال‬
‫خالف وال إشكال يف أنه يصح الوقف عىل املصالح الراجعة إىل كافة الناس أو بعضهم‬
‫كالقناطر واملساجد لعموم األدلة‪ ،‬وال ينايف ذلك عدم قابليتها للملك()‪ ،‬ألن الوقف‬
‫ـ يف احلقيقة ـ عىل الناس املسلمني‪ ،‬وإن وقعت هي يف اللفظ والقصد األَ ّويل‪ ،‬لكن‬
‫حينئذ رصف إىل بعض مصاحلهم»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫املراد حقيقتهم باعتبار انتفاعهم يف ذلك‪ ،‬فهو‬

‫وبإلقاء نظرة عىل هذه النقول نخلص إىل التايل‪:‬‬

‫() انظر اهلامش السابق‪.‬‬


‫() هكذا يف املصدر‪ ،‬وهو خطأ مطبعي‪ ،‬صوابه (عدم قابليتها للتملك)‪.‬‬
‫‪163‬‬ ‫متلك الشخصية املعنوية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪1‬ـ أن جواز وصحة الوقف عىل اجلهات العامة من األمور املفروغ عنها‪ ..‬نعم‪،‬‬
‫استشكل بعضهم يف الوقف عىل املسجد لوجود روايتني‪ ،‬ظاهرمها عدم جواز الوقف‬
‫عىل املساجد‪ ،‬إالّ أهنام ـ أعني الروايتني ـ خمدوش فيهام سند ًا ومتن ًا‪.‬‬

‫‪2‬ـ الدليل عىل جواز الوقف عىل اجلهات العامة هو عمومات الوقف أمثال‪:‬‬

‫ـ ما جاء يف (الوسائل‪ :‬كتاب الوقوف والصدقات‪ :‬باب استحباهبا)‪« :‬عن أيب‬


‫عبد اهلل ‪ ‬قال‪ :‬ليس يتبع الرجل بعد موته من األجر إالّ ثالث خصال‪ :‬صدقة‬
‫أجراها يف حياته فهي جتري بعد موته‪ ،‬وسنة هدى سنّها فهي ُيعمل هبا بعد موته‪ ،‬أو‬
‫ولد صالح يدعو له»‪.‬‬

‫ـ «قال أبو عبد اهلل ‪ :‬خري ما خيلفه الرجل بعده ثالثة‪ :‬ولد بار يستغفر له‪،‬‬
‫وسنة خري يقتدى به فيها‪ ،‬وصدقة جتري من بعده»‪.‬‬

‫‪3‬ـ والدليل عىل مفروغية فقهائنا من جواز وصحة الوقف عىل اجلهات العامة‬
‫هو أهنم مل يناقشوا يف ذلك‪ ،‬وإنام استشكلوا يف املسألة من حيث أن هذه اجلهات العامة‬
‫إ ّما أعيان مادية جامدة كاملساجد والقناطر‪ ،‬وإ ّما عناوين منتزعة من واقع مصاديقها‬
‫كعنوان الفقراء وعنوان العلامء‪ ،‬وكالمها (األعيان والعناوين) ال إرادة له ألنه ليس‬
‫شخص ًا طبيعي ًا‪ ،‬فكيف يصح الوقف عليه‪ ،‬والوقف يعني انتقال ملكية املوقوف‬
‫من الواقف إىل املوقوف عليه‪ ،‬واملفروض أن املوقوف عليه ال إرادة له ليتم متلكه‬
‫للموقوف‪ ،‬وأيض ًا يشرتط لتاممية الوقف قبض املوقوف عليه للموقوف‪ ،‬وهو ـ أعني‬
‫املوقوف عليه ـ ليس شخص ًا طبيعي ًا ليقوم بالقبض‪.‬‬

‫ورأى القارئ الكريم حماوالت الفقهاء لرفع ودفع اإلشكال املذكور التي متثلت‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪164‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بالتايل‪:‬‬

‫ـ أن الوقف عىل اجلهات العامة ـ يف رأي بعضهم ـ هو ـ يف احلقيقة ـ وقف عىل‬


‫املسلمني‪ ،‬ألن الغرض منه مصلحتهم‪.‬‬

‫ـ ويف رأي البعض اآلخر‪ :‬أن الغاية من الوقف هي انتفاع املسلمني به‪ ،‬وهم ـ‬
‫أي املسلمني ـ يملكون االنتفاع‪.‬‬

‫ـ ولكن يمكننا أن نقول‪ :‬إن الوقوف والصدقات ترشيع إسالمي‪ ،‬والترشيع ـ‬


‫كام هو معلوم ـ يشء اعتباري‪ ،‬أموره وشؤونه بيد املعترب الذي هو املرشع اإلسالمي‪،‬‬
‫جوز الوقوف عىل اجلهات العامة‪ ،‬الزمه أنه‬
‫وهو ـ أعني املرشع اإلسالمي ـ عندما ّ‬
‫وج ْعل‬
‫جوز وصحح متلكها للموقوف‪ ،‬وذلك بإضافة املوقوف إليها‪ ،‬وختصيصها به‪َ ،‬‬
‫ّ‬
‫أمر الترصف يف الوقف إىل القائم عليه واملسؤول عنه كاملتويل واحلاكم‪.‬‬
‫إنشاء العقد بالكتابة‬
‫اتفق الفقهاء عىل جواز وصحة إنشاء العقود واإليقاعات باألقوال واختلفوا يف‬
‫جواز اإلنشاء باألفعال‪ ،‬كاملعاطاة واإلشارة والكتابة‪.‬‬

‫وترتبط إثارة البحث يف مسألة إنشاء العقد بالكتابة بام شاع يف هذا العرص‬
‫وانترش من اعتِامد الناس ـ مسلمني وغري مسلمني ـ يف خمتلف املجتمعات البرشية‬
‫الكتابة وسيلة وآلة إلنشاء العقود يف األمور احلقرية واألمور اخلطرية‪ ،‬حتى عاد‬
‫استخدام األلفاظ يف غري عقود وإيقاعات ما يعرف باألحوال الشخصية كالنكاح‬
‫والطالق شيئ ًا نادر ًا أو ال وجود له‪.‬‬

‫والبنوك التجارية من أبرز املؤسسات التي تعتمد الكتابة يف معامالهتا املالية‪..‬‬


‫وسوف نرى ما يرتتب عىل هذا من آثار رشعية‪.‬‬

‫وقد تناول الكثري من فقهائنا املسألة ـ ولكن بشكل غري مستقل ـ يف أمثال‬
‫املوضوعات التالية‪:‬‬

‫ـ الوصية‪.‬‬

‫ـ النكاح‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪166‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ الطالق‪.‬‬

‫ـ العتق‪.‬‬

‫ـ البيع‪ ،‬كام يف (كتاب البيع) لإلمام اخلميني‪.‬‬

‫ـ الوكالة‪.‬‬

‫وبحثها بشكل مستقل الفقيه املجدد الشيخ نارص مكارم الشريازي برسالة‬
‫خاصة‪ ،‬عنواهنا‪( :‬رسالة يف جواز اإلنشاء بالكتابة يف العقود واإليقاعات)‪ ،‬كتبها‬
‫بمناسبة املسألة التاسعة من مسائل كتاب الوصية يف (العروة الوثقى)‪ ،‬ونص املسألة‬
‫يف كتاب العروة الوثقى هو‪« :‬األقوى يف حتقيق الوصية كفاية كل ما دل عليها من‬
‫األلفاظ‪ ،‬وال يعترب فيها لفظ خاص‪ ،‬بل يكفي كل فعل دال عليها حتى اإلشارة‬
‫والكتابة ولو يف حال االختبار»‪ ..‬ونرشت الرسالة ملحقة بكتاب الشيخ الشريازي‬
‫(تعليقات عىل العروة الوثقى) املنشور يف طبعته الثانية سنة ‪1413‬هـ بقم املقدسة‪.‬‬

‫واآلن نستعرض األقوال يف املسألة مع اإلشارة إىل الدليل األهم الذي استدل‬
‫به للقول‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬نفي اعتبار الكتابة وسيلة من وسائل إنشاء العقود واإليقاعات‪.‬‬

‫وممن قالوا هبذا‪:‬‬

‫ـ السيد بحر العلوم يف (املصابيح)‪ ،‬قال ـ كام نقل عنه الشيخ الشريازي ـ‪« :‬ال‬
‫ينعقد البيع باإلشارة وال الكتابة وال الصفقة‪ ،‬وال بمثل املالمسة واملنابذة واحلصاة‪،‬‬
‫وإن قرنت بام ال يقتيض تعليق ًا وال جهالة‪ ،‬فال يفيد يشء منها ملك ًا وال إباحة‪،‬‬
‫باألصل‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬وقصور األفعال عن املقاصد الباطنية‪ ...‬وغايتها الظن‪ ،‬وال يغني‬
‫لعموم املنع منه يف الكتاب والسنة‪ ،‬ولالتفاق عىل توقف األسباب الرشعية عىل العلم‬
‫‪167‬‬ ‫إنشاء العقد بالكتابة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أو الظن املعترب رشع ًا‪ ،‬فال يكفي مطلق الظن‪ ،‬وألن املعامالت رشعت لنظام أمر‬
‫املعاش املطلوب لذاته‪ ،‬ولتوقف أمر املعاد عليه‪ ،‬وهي مثار االختالف‪ ،‬ومنشأ النزاع‬
‫والرتاجع‪ ،‬فوجب ضبطها باألمر الظاهر الكاشف عن املعاين املقصودة هبا وإالّ كان‬
‫نقضا للغرض»‪.‬‬
‫ً‬

‫ـ الشيخ ابن إدريس‪ ،‬جاء يف (مفتاح الكرامة) ـ ‪ 379/9‬ـ‪« :‬وقال (ابن إدريس)‬
‫أردت هبذا‬
‫ُ‬ ‫أوصيت بام‬
‫ُ‬ ‫يف باب القضاء‪ :‬لو أوىص بوصية وأدرج الكتاب‪ ،‬وقال‪ :‬قد‬
‫ولست أختار‪ ،‬أن يقف أحد عىل حايل وتركني‪ ،‬وقد أشهدتكام عىل ما فيه‪ ،‬مل‬
‫ُ‬ ‫الكتاب‪،‬‬
‫يصح‪ ،‬بال خالف»‪ ..‬انتهى‪.‬‬

‫ثم ع ّقب السيد صاحب مفتاح الكرامة قول ابن إدريس املذكور بقوله‪« :‬لعصمة‬
‫األموال‪ ،‬وعدم الدليل‪ ،‬مع أن ما ال احتامل فيه وهو اللفظ ممكن»‪.‬‬

‫ويمكننا استخالص أدلة هذا القول من النقول املتقدمة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪1‬ـ األصل‪:‬‬
‫ويراد به أصالة البطالن أو فساد املعاملة عند الشك يف وقوعها صحيحة أو‬
‫باطلة‪ ..‬ونحن ـ هنا ـ نشك يف أن الكتابة ناهضة يف حتقق اإلنشاء‪ ،‬فنجري األصل‪،‬‬
‫ونحكم ببطالن املعاملة‪.‬‬

‫‪2‬ـ اإلمجاع‪:‬‬

‫وهو ـ هنا ـ قد يراد به اإلمجاع الكاشف عن رأي اإلمام ‪ ،‬وقد يراد به‬
‫تسامل الفقهاء بمعنى اتفاقهم‪.‬‬

‫‪3‬ـ قصور األفعال (مثل املعاطاة والكتابة) عن إبراز املقاصد الباطنية‪ ،‬بمعنى أن‬
‫األفعال ال تقوى عىل إبراز الصور الذهنية التي هي املعاين‪ ،‬وبالتايل تكون غري قادرة‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪168‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عىل اإلنشاء‪ ،‬وأقىص ما نفيده من داللتها عىل اإلنشاء أن نظن بذلك‪ ،‬والظن إذا مل‬
‫ربا رش ًعا ال يعتد به‪.‬‬
‫يكن معت ً‬
‫‪4‬ـ عصمة مال الغري‪ ،‬حيث ال جيوز الترصف فيه إال بدليل رشعي أو اعتبار‬
‫عقالين يثبت ذلك‪ ،‬وهو هنا غري موجود‪.‬‬

‫ويمكن أن تناقش هذه األدلة‪ ،‬وبالتايل‪:‬‬

‫‪1‬ـ قال الشيخ الشريازي يناقش االستدالل باألصل‪« :‬أما عن األول (يعني‬
‫األصل) فبأن التمسك باألصل إنام يصح إذا مل يكن هناك دليل اجتهادي دال عىل‬
‫املطلوب‪ ،‬والظاهر أن عمومات صحة العقود وكذلك إطالقات أدلة حلية البيع‬
‫وغريه تشمل العقود واإليقاعات التي أنشئت بالكتابة‪ ،‬ملا عرفت من إمكان اإلنشاء‬
‫هبا‪ ،‬بل وتعارفها واشتهارها يف أعصارنا‪ ،‬حتى أن الكتابة من أظهر مصاديق اإلنشاء‬
‫اليوم‪ ،‬ولعلها مل تكن هبذه املثابة يف األعصار السابقة‪ ،‬لعدم معرفة أكثر الناس هبا‪،‬‬
‫واملوضوعات العرفية تابعة ملا يتعارف ويتداول بني أهل العرف‪ ،‬وإنام تؤخذ أحكامها‬
‫من الرشع‪.‬‬

‫عرفت‬
‫َ‬ ‫وعىل كل حال‪ ،‬هي من أظهر ما يتم به إنشاء العقود يف العرص احلارض ملا‬
‫من أن أسناد املعامالت اخلطرية إنام تتم بالتوقيع عليها‪ ،‬بل قد ال يعد جمرد اإلنشاء‬
‫اللفظي يف مثل هذه األمور أزيد من املقاولة‪ ،‬واإلنشاء احلقيقي يف بعض املقامات إنام‬
‫هو بالكتابة والتوقيع عندهم وال أقل من أن اإلنشاء بالكتابة يف حد اإلنشاء باأللفاظ‬
‫ال يف العمومات واإلطالقات‪ ،‬ومعه كيف يصح‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ يكون داخ ً‬ ‫واألقوال‪،‬‬
‫التمسك بأصالة الفساد»‪.‬‬

‫‪2‬ـ وأما االستدالل باإلمجاع فيكفي أن يقال‪ :‬إن اإلمجاع غري متحقق‪ ،‬وذلك‬
‫لوجود اخلالف يف املسألة عند من تقدموا عرص السيد بحر العلوم ـ كام ستقف عىل‬
‫‪169‬‬ ‫إنشاء العقد بالكتابة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫هذا فيام يأيت من استعراض لبقية األقوال‪.‬‬

‫‪3‬ـ وقصور الكتابة باعتبارها فع ً‬


‫ال عن أن تكون بمستوى القول من حيث‬
‫الداللة‪ ،‬يشء غري مسلم به‪ ،‬فقد قيل قدي ًام‪ :‬القلم أحد اللسانني‪ ،‬وذلك العتامد‬
‫الناس عىل األخذ بظهورات الكالم ملفوظ ًا كان أو مكتوب ًا‪ ،‬ويكفينا شاهد ًا ـ هنا ـ‬
‫أن املسلمني منذ عهد الرسالة وعىل طول مدياهتم املتعاقبة يتعاملون مع النصوص‬
‫الرشعية املكتوبة قرآن ًا كانت أو سنة‪.‬‬

‫‪4‬ـ وبالنسبة إىل عدم جواز الترصف بامل الغري‪ ،‬إنام يتم هذا متى مل يقم الدليل عىل‬
‫جواز وصحة اإلنشاء بالكتابة‪ ،‬فكيف يقال هذا مع وجود العمومات واإلطالقات‬
‫املستوعبة بشموهلا ملثل مسألتنا هذه‪.‬‬

‫القول الثاين‪ :‬جيوز ويصح اإلنشاء بالكتابة عند العجز عن التلفظ‪.‬‬

‫ـ وممن ذهب هذا املذهب العالمة احليل يف (التبرصة) ـ كتاب الوصايا ـ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«وتكفي اإلشارة والكتابة مع قرينة اإلرادة والتعذر لفظ ًا»‪.‬‬

‫ـ وأيض ًا الشهيد الثاين‪ ،‬ففي رسالة الشيخ الشريازي ـ ص ‪ 756‬ـ‪« :‬الثالث‪:‬‬


‫كفاية الكتابة يف حال العجز دون القدرة‪ ،‬كام قال الشهيد الثاين (‪ )‬يف (املسالك)‬
‫ـ بعد قول املحقق‪( :‬ويقوم مقام اللفظ اإلشارة مع العذر كام يف األخرس) ـ ما نصه‪:‬‬
‫«ويف حكمها الكتابة عىل ورق أو لوح أو خشب أو تراب ونحوها»‪.‬‬

‫ـ ومثلهام الشيخ األنصاري‪ ،‬ففي املصدر املذكور يف أعاله ـ وقال شيخنا األعظم‬
‫يف مكاسبه ـ‪« :‬والظاهر أيض ًا كفاية الكتابة مع العجز عن اإلشارة‪ ،‬لفحوى ما ورد‬
‫من النص عىل جوازها يف الطالق‪ ،‬مع أن الظاهر عدم اخلالف فيه‪ ،‬وأما مع القدرة‬
‫عىل اإلشارة فقد رجح بعض اإلشارة‪ ،‬ولعله ألهنا أرصح يف اإلنشاء من الكتابة‪ ،‬ويف‬
‫بعض روايات الطالق ما يدل عىل العكس‪ ،‬وإليه ذهب احليل هناك»‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪170‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وكام قرأنا يف كالم الشيخ األنصاري أن دليل هذا القول هو النص الوارد يف‬
‫الطالق‪ ،‬وهو ـ كام يف (الوسائل) ـ كتاب الطالق‪ :‬الباب ‪ ،19‬رقم احلديث ‪27988‬‬
‫ـ‪« :‬حممد بن عيل بن احلسني بإسناده عن أمحد بن حممد بن أيب نرص البزنطي‪ ،‬أنه سأل‬
‫أبا احلسن الرضا ‪ ‬عن الرجل تكون عنده املرأة‪ ،‬يصمت وال يتكلم؟‬

‫قال‪ :‬أخرس هو؟‬

‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬و ُيعلم منه بغض المرأته وكراهة هلا‪ ،‬أجيوز أن يطلق عنه ول ّيه؟‬
‫ُ‬

‫قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن يكتب‪ ،‬و ُيشهد عىل ذلك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ـ أصلحك اهلل ـ فإنه ال يكتب‪ ،‬وال يسمع‪ ،‬كيف يطلقها؟‬
‫ُ‬

‫قال‪ :‬بالذي ُيعرف به من أفعاله‪ ،‬مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه هلا»‪.‬‬

‫والرواية معتربة وداللتها واضحة‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬االكتفاء بالكتابة‪ ،‬ولكن مع اإلشارة أو اللفظ‪.‬‬

‫ذهب إليه العالمة احليل يف (القواعد)‪ ،‬فقد قال فيها‪« :‬ولو عجز عن النطق‬
‫كفت اإلشارة الدالة عىل املراد‪ ،‬وال تكفي الكتابة بدون اإلشارة أو اللفظ»‪.‬‬

‫والذي يفهم من هذا‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن الكتابة إذا مل تقرن باإلشارة الدالة عىل إرادة مضموهنا ممن مل يستطع‬
‫النطق ال يعتد هبا‪.‬‬

‫‪2‬ـ وكذلك ال يعتد هبا إذا مل يقرأ صاحبها مضموهنا ـ عند قدرته عىل القراءة ـ‬
‫ليدل عىل إرادته له وقصده إليه‪.‬‬

‫وقد يكون دليل هذا ما جاء يف بعض روايات الطالق املذكورة يف (الوسائل) ـ‬
‫‪171‬‬ ‫إنشاء العقد بالكتابة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كتاب الطالق ـ‪ ،‬كاحلديث رقم ‪ 27960‬ونصه‪« :‬حممد بن احلسن بإسناده عن حممد‬
‫بن عيل بن حمبوب عن حممد بن عبد اجلبار عن حممد بن إسامعيل عن ابن أيب عمري عن‬
‫عمر بن أذينة عن زرارة‪ ،‬قال‪ :‬سألته عن رجل كتب إىل امرأته بطالقها‪ ،‬أو كتب بعتق‬
‫مملوكه‪ ،‬ومل ينطق به لسانه؟‬

‫قال‪ :‬ليس بيشء حتى ينطق»‪.‬‬

‫واحلديث رقم ‪ ،27962‬ونصه‪« :‬عن حممد بن حييى عن أمحد بن حممد عن‬


‫سألت أبا جعفر ‪ ‬عن رجل قال‬ ‫ُ‬ ‫احلسن بن حمبوب عن أيب محزة الثاميل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لرجل‪ :‬اكتب يا فالن إىل امرأيت بطالقها‪ ،‬أو اكتب لعبدي بعتقه‪ ،‬يكون ذلك طالق ًا‬
‫أو عتق ًا؟‬

‫قال‪ :‬ال يكون طالق ًا وال عتق ًا حتى ينطق به لسانه‪ ،‬أو خيطه بيده‪ ،‬وهو يريد‬
‫الطالق أو العتق‪ ،‬ويكون ذلك منه باأله ّلة والشهود ويكون غائب ًا عن أهله»‪.‬‬

‫القول الرابع‪ :‬االقتصار يف االعتامد عىل الكتابة فيام ورد فيه نص أمثال‪ :‬الوصية‬
‫والطالق والعتق‪.‬‬

‫يرتبط هذا اخلالف يف املسألة بني هؤالء الذين يقرصون اجلواز عىل املوضوعات‬
‫املنصوص عىل حكمها باخلصوص‪ ،‬وأولئك الذين عمموا احلكم ليشمل مجيع العقود‬
‫واإليقاعات إالّ ما خرج بدليل خاص كالنكاح الذي أمرنا باالحتياط يف شؤونه‪،‬‬
‫يرتبط باملنهج املتبع بني الفقهاء يف املوقف من املوضوعات من نوع واحد‪ ،‬ورد يف‬
‫بعضها نصوص خاصة‪ ،‬ومل يرد يشء منها يف البعض اآلخر‪ ،‬فالفقهاء يف مثل هذا‬
‫يرى البعض منهم أن النصوص إنام خصت موضوعات بعينها خلصوصية فيها غري‬
‫موجودة يف املوضوعات األخرى‪ ،‬وهذا يقتيض قرص احلكم عليها وعدم ترسيته‬
‫إىل املوضوعات األخرى‪ ،‬الفتقادها خصوصياهتا‪ ،‬ويرى البعض اآلخر أن اقتصار‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪172‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫النصوص عىل موضوعات بعينها ال خلصوصيات فيها‪ ،‬وإنام كانت لتكون أمثلة‪،‬‬
‫وذلك بسبب أن أسئلة الرواة اقترصت عليها ألهنا موضع ابتالء عند السائل أو‬
‫يرسى احلكم منها إىل املوضوعات األخرى املشاركة هلا يف‬
‫عند آخرين‪ ،‬وألهنا أمثلة ّ‬
‫النوعية‪.‬‬

‫فاالقتصار ـ هنا ـ ال خلصوصية‪.‬‬

‫عىل أننا نعود فنقول‪ :‬إن العقود واإليقاعات التي مل يرد فيها نص بشأن الكتابة‬
‫هي مشمولة للعمومات واإلطالقات ـ كام سيأيت ـ وهذا ٍ‬
‫كاف يف إفادة التجويز‪.‬‬

‫القول اخلامس‪ :‬كفاية الكتابة مطلق ًا‪ ،‬أي يف حالتي العجز والقدرة‪ ،‬االضطرار‬
‫واالختيار‪ ،‬يف األمور احلقرية واخلطرية‪.‬‬

‫وقد شاع هذا القول بني فقهائنا املعارصين والذين قبلهم بقليل‪ ،‬ومنهم‪:‬‬

‫‪ .1‬شيخ الرشيعة األصفهاين (ت ‪1339‬هـ)‪ ،‬قال يف تعليقته عىل قول العالمة‬


‫يف (التبرصة) ـ كتاب الوصايا ـ املتقدم يف القول الثاين‪ ،‬قال ما نصه‪« :‬بل جواز االكتفاء‬
‫اختيارا مع العلم بإرادة وقوع ما يدل عليه»‪.‬‬
‫ً‬ ‫بالكتابة‬

‫‪ .2‬السيد حممد كاظم اليزدي (ت ‪1337‬هـ) يف (العروة الوثقى) ـ كتاب‬


‫الوصية ـ‪ ،‬قال‪« :‬بل يكفي كل فعل دال عليها حتى اإلشارة والكتابة ولو يف حال‬
‫االختبار»‪.‬‬

‫‪ .3‬وعلق عليه السيد حممد رضا الكلبايكاين (ت ‪1414‬هـ) قائالً‪« :‬األحوط‬


‫االقتصار عليها بحال الرضورة»‪.‬‬

‫أما بقية املحشني عىل العروة فلم يعلقوا عىل قول العروة بيشء‪ ،‬ومعنى هذا أهنم‬
‫موافقون للسيد اليزدي يف فتواه‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫‪173‬‬ ‫إنشاء العقد بالكتابة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .1‬الشيخ عيل بن الشيخ باقر اجلواهري (ت ‪1340‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .2‬السيد حممد الفريوز أبادي (ت ‪1345‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .3‬املريزا حسني النائيني (ت ‪1355‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .4‬الشيخ عبد الكريم احلائري (ت ‪1355‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .5‬الشيخ آقا ضياء الدين العراقي (ت ‪1361‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .6‬السيد أبو احلسن االصفهاين (ت ‪1365‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .7‬الشيخ حممد رضا آل ياسني (ت ‪1370‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .8‬الشيخ حممد احلسني آل كاشف الغطاء (ت ‪1373‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .9‬السيد حسني الربوجردي (ت ‪1380‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .10‬املريزا عبد اهلادي الشريازي (ت ‪1382‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .11‬السيد حمسن احلكيم (ت ‪1390‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .12‬السيد حممود الشاهرودي (ت ‪1392‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .13‬السيد حممد هادي امليالين (ت ‪1395‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .14‬السيد أمحد اخلوانساري (ت ‪1405‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .15‬السيد حممد كاظم الرشيعتمداري (ت ‪1406‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .16‬السيد أبو احلسن الرفيعي (ت ‪ ...‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .17‬السيد روح اهلل اخلميني (ت ‪1409‬هـ)‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪174‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .18‬السيد شهاب الدين املرعيش (ت ‪1411‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .19‬السيد أبو القاسم اخلوئي (ت ‪1413‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .20‬الشيخ حممد عيل األراكي (ت ‪1415‬هـ)‪.‬‬

‫‪ .21‬السيد حسن القمي‪.‬‬

‫‪ .22‬الشيخ حممد الفاضل اللنكراين‪.‬‬

‫‪ .23‬الشيخ نارص مكارم الشريازي‪.‬‬

‫‪ .24‬السيد حممد تقي املدريس()‪.‬‬

‫إن هذه اإلحصائية تكشف لنا أن القائلني بكفاية الكتابة يف اإلنشاء من فقهاء‬
‫العرص تبلغ عدهتم ستة وعرشين فقيه ًا‪ ،‬منهم مخسة وعرشون فقيه ًا‪ :‬السيد اليزدي‬
‫والباقي من املعلقني عىل العروة الوثقى قالوا بقولة السيد اليزدي باستثناء واحد‪ ،‬وهو‬
‫السيد الكلبايكاين‪.‬‬

‫وهذا يعني أن حركة تطور الفقه اإلمامي يف االستدالل والفتوى انتهت ـ وبام‬
‫يقرب من االتفاق ـ إىل القول بجواز وصحة اإلنشاء بالكتابة‪.‬‬

‫() انظر‪ :‬العروة الوثقى مع حواشيها يف نرشاهتا التالية‪:‬‬


‫ـ نرشة دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران «بدون تاريخ»‪.‬‬
‫ـ نرشة مكتبة دار اإلرشاد‪ ،‬الكويت ط ‪ 2‬سنة ‪1404‬هـ‬
‫ـ نرشة الدار اإلسالمية‪ ،‬بريوت ط ‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ‬
‫ـ تعليقات عىل العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ نارص مكارم الشريازي‪ ،‬نرش مدرسة اإلمام أمري املؤمنني‬
‫‪ ،‬قم ط‪ 2‬سنة ‪1413‬هـ‬
‫ـ احلوايش عىل العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ حممد الفاضل اللنكراين‪ ،‬مطبعة مهر ـ قم سنة ‪1415‬هـ‬
‫ـ نرشة مؤسسة النرش اإلسالمي‪ ،‬قم ط ‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‬
‫ـ تعليقات عىل العروة الوثقى‪ ،‬السيد حممد تقي املدريس‪ ،‬دار حمبي احلسني ‪‬ـ طهران‪ ،‬ط‬
‫‪ 1‬سنة ‪1423‬هـ‬
‫‪175‬‬ ‫إنشاء العقد بالكتابة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وألن هذا كان يف (الوصية) لنحاول أن نرى تطور ًا آخر‪ ،‬هو يف موضوع البيع‪:‬‬

‫يقول اإلمام اخلميني يف (كتاب البيع) ـ ‪ 204 ،203/1‬ط ‪ 4‬ـ‪« :‬ثم إن ها هنا‬
‫كالم ًا آخر‪ ،‬وهو أنه ال إشكال يف تعارف العقد املعاطايت باإلعطاء واألخذ‪ ،‬وكذا يف‬
‫تعارف العقد بالصيغة‪ ،‬كام ال شبهة يف صدق البيع عليهام‪ ،‬بل قد مر أنه يصدق العقد‬
‫أيض ًا عليهام‪ ،‬فهل البيع عرف ًا ولدى العقالء منحرص هبام أو يكون البيع باإلشارة‪ ،‬بل‬
‫بكل مظهر كتابة أو إشارة أو غريمها‪ ،‬بيع ًا عقالئي ًا‪ ،‬بدعوى أن البيع ليس إالّ املبادلة‬
‫بني املالني أو متليك عني بعوض‪ ،‬فاإلشارة املفهمة والكتابة وغريمها آالت إلنشاء‬
‫املعنى االعتباري‪ ،‬وليس للفظ وال لعمل خاص خصوصية يف ذلك‪ ،‬فاإلشارة وسائر‬
‫املربزات آالت لإلنشاء يف عرض واحد‪ ،‬وكل منهام سبب مستقل إليقاع املعاملة؟‬
‫الظاهر ذلك»‪.‬‬

‫ويف (منهاج الصاحلني) للسيد السبزواري (ت ‪1414‬هـ) ـ كتاب الدين‬


‫والقرض‪ :‬املسألة ‪ 869‬ـ‪« :‬يقع القرض بكل ما يتحقق به هذا العنوان ولو كان فع ً‬
‫ال‬
‫أو كتابة‪ ،‬فال يعترب اللفظ فيه»‪.‬‬

‫وأخري ًا نكون مع فقيه املوقف الشيخ الشريازي يف تعميمه الرأي جلميع العقود‬
‫واإليقاعات إال ما استثني‪.‬‬

‫قال ـ تعليق ًا عىل املسألة التاسعة من مسائل (الوصية) يف كتاب (العروة الوثقى)‬
‫ـ‪« :‬وأما الكتابة فاألقوى كفايتها يف مجيع العقود واإليقاعات إذا كانت بعنوان‬
‫اإلنشاء‪.‬‬

‫والدليل عليه شمول إطالقات أدلة صحة العقود واإليقاعات هلا‪.‬‬

‫بل املعروف يف زماننا كون الكتابة أقوى وأظهر من األلفاظ يف مقام اإلنشاء‪ ،‬بل‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪176‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال يعتمدون يف األمور املهمة إالّ عىل إمضاء أسنادها من طريق الكتابة‪ ،‬وال يعتمدون‬
‫عىل جمرد األلفاظ فيها‪ ،‬فكيف ال يعتمدون عىل الكتابة‪ ،‬مع أن العقد أمر عريف عقالئي‬
‫يؤخذ منهم‪ ،‬وليس من األحكام التي تؤخذ من الشارع املقدس»‪.‬‬

‫وختام ًا‪ :‬إن ما أفاده الشيخ الشريازي فتوى ودلي ً‬


‫ال ناهض باملطلوب‪ ،‬وبه نختم‬
‫هذه اجلولة من البحث‪ ،‬خمتارين له‪ ،‬ومعتمدين عليه‪.‬‬
‫الربا يف األوراق النقدية‬

‫تعريف النقد‬
‫لعل أقدم تعريف معجمي للنقد وصل إلينا هو تعريف الليث عامل اللغة العربية‬
‫املعروف‪ ،‬قال الزهري يف معجمه (هتذيب اللغة) حتت مادة (نقد)‪« :‬قال الليث‪ :‬النقد‪:‬‬
‫متييز الدراهم وإعطاؤها إنسانًا وأخذها»‪.‬‬
‫ويعطي الليث يف تعريفه املذكور معنيني للنقد‪ ،‬مها‪:‬‬
‫أـ االنتقاد‬
‫ففي (تاج العروس)‪« :‬وقد نقدها (يعني الدراهم) ينقدها نقد ًا وانتقدها‬
‫وتنقدها‪ ،‬إذا ّميز جيدها من رديئها»‪.‬‬
‫ب ـ الدفع حا ًال ‪Cash‬‬
‫ويف املصدر نفسه‪« :‬والنقد‪ :‬إعطاء النقد‪ ...‬ويف حديث جابر ومجله (فنقدين‬
‫الثمن) أي أعطانيه نقد ًا معجالً»‪.‬‬
‫ويف (املعجم الوسيط)‪« :‬النقد (يف البيع) خالف النسيئة‪ ..‬ويقال‪ :‬درهم نقد‪:‬‬
‫جيد‪ ،‬ال زيف فيه (ج) نقود‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪178‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫والنقد‪ :‬العملة من الذهب أو الفضة وغريمها مما ُيتعامل به»‪.‬‬
‫إن كلمة (نقد) بمعنى العملة هي بإزاء كلمة ‪ Money‬اإلنجليزية‪ ،‬وهو معنى‬
‫لغوي ثالث يضاف إىل املعنيني اللذين جاءا يف تعريف الليث‪.‬‬
‫واآلن انتهى مفهوم النقد يف أحدث ما انتهى إليه يف أمثال تعريف (موسوعة‬
‫املورد) فقد جاء فيها‪« :‬النقود ‪ :Money‬يقصد بالنقود كل أداة تتداول بحرية‪ ،‬متنقلة‬
‫من حائز إىل حائز‪ ،‬سداد ًا ألثامن السلع‪ ،‬أو سداد ًا للديون‪ ،‬وغريها من االلتزامات‪.‬‬
‫وتشمل ـ عادة ـ األوراق املرصفية أو النقدية ‪ ،Bank Notes‬والقطع النقدية‬
‫الفضية والذهبية والنحاسية‪.‬‬
‫يوسع مفهوم النقد ليشمل الودائع املرصفية (وبكلمة أخرى الشيكات)‬
‫وقد ّ‬
‫أيض ًا»‪.‬‬

‫تاريخ النقد‬
‫يشكل النقد بمعنى العملة ‪ Money‬مرحلة مهمة من مراحل تطور طرق تداول‬
‫مر تطور طرق تداول املال بمراحل ثالث‪ ،‬هي‪:‬‬
‫املال بني الناس‪ ،‬فقد َّ‬
‫‪1‬ـ املقايضة ‪Barter‬‬
‫واملقايضة ـ كطريقة لتداول املال ـ تعني مبادلة السلعة بسلعة أخرى‪ ،‬بمعنى أن‬
‫السلعة تكون ثمن ًا لسلعة أخرى‪ ،‬كالتمر يباع بالتمر أو يباع بالصوف‪ ،‬وكاحلنطة تباع‬
‫باحلنطة‪ ،‬أو تباع بامللح‪ ،‬أو تباع بالسمن‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪2‬ـ الذهب أو الفضة موزونني‬
‫ثم تطور الثمن الذي يعطي للسلعة قيمتها‪ ،‬من السلعة التي كانت ثمن ًا وقيمة‬
‫الذهب موزون ًا أو الفضة موزونة‪ ،‬فأصبحت‬ ‫َ‬ ‫يف نظام املقايضة إىل أن يكون الثم ُن‬
‫السلعة ـ بعد أن كانت تشرتى وتباع بسلعة‪ ،‬تكون قيمة وثمن ًا هلا ـ أصبحت تباع‬
‫وتشرتى بكمية من الذهب املوزون أو الفضة املوزونة‪ ،‬أي ـ وعىل نحو املثال ـ بقرياط‬
‫من الذهب أو مثقال من الفضة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪179‬‬ ‫الربا يف األوراق النقدية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ويراد بوصف الذهب والفضة باملوزونني‪ ،‬أي إهنام غري مسكوكني أو قل إهنام‬
‫ليسا عملة نقدية‪.‬‬
‫ومن أقدم من تعامل بالذهب والفضة موزونني أثامنًا يف املعامالت املالية البابليون‬
‫واآلشوريون يف العراق واأليونيون يف اليونان‪ ،‬ففي (تاريخ النقود اإلسالمية) للسيد‬
‫املازندراين ص ‪« :13‬وكان البابليون واألشوريون يتعاملون بالفضة والذهب قطع ًا‬
‫موزونة غري مسكوكني»‪.‬‬
‫وفيه أيض ًا ص ‪« :16‬وكان األيونيون يستعملون املعادن الكريمة وزن ًا فعلوا كام‬
‫فعل البابليون قبلهم»‪.‬‬
‫ويف ص ‪ 20‬منه‪« :‬ففي سفر التكوين‪ :‬الباب ‪ 23‬من التوراة يؤكد أن سارة زوجة‬
‫إبراهيم ‪ ‬قد ماتت بكنعان وهلا ‪ 127‬سنة‪ ،‬فاختار إبراهيم ‪ ‬يف تلك البلدة‬
‫وو َز َن ودفع يف ثمنها ‪ 450‬مثقاالً من الذهب وابتاعها ودفن فيها سارة»‪.‬‬
‫بقعة‪َ ،‬‬
‫‪3‬ـ النقد‬
‫ويراد بالنقد ـ هنا ـ العملة الرسمية املعتربة من ِقبل دولة البلد التي قامت‬
‫بإصدارها للتعامل هبا‪.‬‬
‫«وقد تعامل اجلاهليون بالطرق الثالث املذكورة‪ ،‬تعاملوا باملبادلة‪ ،‬أي املقايضة‪،‬‬
‫وتعاملوا بوزن الذهب والفضة وتعاملوا بالعملة‪.‬‬
‫وملا ظهر اإلسالم كانت هذه الطرق ال تزال مألوفة عندهم متبعة»()‪.‬‬
‫وكام مرت املبادلة املالية بمراحل ثالث‪ ،‬مر النقد بمراحل ثالث أيض ًا‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪1‬ـ أشياء خمتلفة من معادن وحيوانات ومواد غذائية وخالفها اعتمدت قبل‬
‫سك العمالت الذهبية والفضية من ِقبل جمتمعات وبلدان معينة معيار ًا للقيمة وثمن ًا‬
‫للسلع واخلدمات‪.‬‬
‫وقد قام بتتبعها تارخيي ًا األستاذ فيكتور مورجان يف كتابه (تاريخ النقود) ترمجة‬

‫() املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪.488/7‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪180‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نور الدين خليل‪ ،‬وحيمل الكتاب الرقم ‪ 112‬من جمموعة األلف كتاب الثاين‪ ،‬إصدار‬
‫اهليئة املرصية العامة للكتاب سنة ‪1993‬م‪ ،‬قال يف ص ‪« :13‬ويف العصور اهلومرية‬
‫كانت املاشية بمثابة معيار للقيمة‪ ...،‬وحتى وقت متأخر جدً ا استخدمت بعض القبائل‬
‫البدائية املاشية كشكل من أشكال النقود يف أماكن بعيدة عن بعضها البعض كسيربيا‬
‫وكينيا وغرب أفريقيا وكولومبيا‪ ،‬ولكوهنا وسيلة للدفع فلها مميزاهتا الواضحة‪ ،‬إالّ‬
‫أهنا كانت تستخدم يف التعامالت الكبرية كرشاء عبد أو زوجة أو يف دفع األتاوات‪.‬‬
‫كام كانت هناك سلع أخرى كمعيار للقيمة ووسيلة للدفع سواء بسواء كاملالبس‬
‫واحلبوب‪.‬‬
‫ومرة أخرى توجد نظائر بني القبائل البدائية يف األزمنة احلديثة مثل معيار األرز‬
‫يف الفلبني واحلصري واملالبس اللحائية يف ساموا‪.‬‬
‫ويف أماكن أخرى من العامل يبدو أن أقدم وسائل الدفع كانت احليل واألشياء‬
‫ذات املغزى الديني أو الرسمي بام يف ذلك نامذج األدوات واملعدات‪.‬‬
‫وتعترب الصدفة الصفراء أكثر عمالت الزينة شهرة وانتشار ًا إذ كانت تستخدم‬
‫كوسيلة للدفع يف اهلند والرشق األوسط والصني منذ عدة آالف من السنني قبل‬
‫امليالد‪ ،‬واستمر تداوهلا خالل العصور التارخيية يف مناطق كبرية من آسيا وأفريقيا‬
‫وجزر املحيط اهلادئ من نيجرييا إىل سيام‪ ،‬ومن السودان إىل جزر هرييديا اجلديدة‬
‫غريب اسكتلندا»‪.‬‬
‫ونكتفي بام يف هذا النص املنقول كأمثلة للنقد يف أولياته وكشواهد عليه يف‬
‫بداياته‪.‬‬

‫‪2‬ـ سك الذهب والفضة عملة رمسية‬


‫«وبدأ سك العمالت الفضية يف أجينا نحو عام ‪ 750‬ق‪ .‬م‪.‬‬
‫أما أول سك للعملة الذهبية اخلالصة فيعزى إىل كروسوس ملك ليديا يف القرن‬
‫السادس‪.‬‬
‫‪181‬‬ ‫الربا يف األوراق النقدية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ويرجع سك العملة يف الصني إىل أرسة (شو) احلاكمة التي تولت زمام السلطة‬
‫من القرن الثاين عرش إىل القرن الثالث قبل امليالد»()‪.‬‬
‫وعرف عرب اجلاهلية النقد املسكوك من الذهب والفضة‪ :‬دنانري ودراهم‬
‫وتعاملوا به‪.‬‬
‫وكذلك املسلمون منذ صدر اإلسالم عرفوا النقد املسكوك من الذهب والفضة‬
‫وتعاملوا به‪.‬‬
‫والسك يعني رضب الدنانري والدراهم عىل السكة‪ ،‬وهي ـ كام جاء يف (تاج‬
‫العروس) ـ‪« :‬حديدة منقوشة كتب عليها‪ ،‬يرضب عليها الدنانري والدراهم‪ ،‬ومنه‬
‫احلديث‪( :‬إنه هنى عن كرس سكة املسلمني اجلائزة بينهم إالّ من بأس)‪ ،‬أراد هبا الدراهم‬
‫والدنانري املرضوبني‪ ،‬سمي كل واحد منهام سكة ألنه طبع باحلديدة املعلمة له»‪.‬‬
‫وقال ابن خلدون‪« :‬السكة‪ :‬وهي اخلتم عىل الدنانري والدراهم املتعامل هبا بني‬
‫الناس‪ ،‬بطابع حديد ينقش فيه صور أو كلامت مقلوبة‪ ،‬ويرضب هبا عىل الدينار أو‬
‫الدرهم‪ ،‬فتخرج رسوم تلك النقوش عليها ظاهرة مستقيمة»()‪.‬‬
‫ويف (املفصل ‪« :)496 ،495/7‬أما أهل احلجاز فقد تعاملوا بالنقود الرومية‬
‫والساسانية‪ ...‬وكان تعامل أهل مكة بالدنانري ترد إليهم من بالد الشام‪ ،‬والسيام‬
‫دنانري هرقل‪ ،‬وبالدراهم الفارسية البغلية‪ ،‬فكانوا ال يتبايعون إالّ عىل أهنا ترب()‪ ،‬وكان‬
‫املثقال عندهم معروف الوزن‪ ،‬وزنه اثنان وعرشون قرياط ًا إالّ كرس ًا‪ ،‬ووزن العرشة‬
‫دراهم سبعة مثاقيل‪ ،‬فكان الرطل اثنتي عرشة أوقية‪ ،‬وكل أوقية أربعون درمه ًا‪ ،‬فأقر‬
‫رسول اهلل ‪ ‬ذلك‪ ،‬ومن جاء بعده‪ ،‬إىل أيام عبد امللك بن مروان فأمر أن ترضب‬
‫الدراهم عىل مخسة عرش قرياط ًا من قراريط الدينار»‪.‬‬

‫() م ‪ .‬ن‬
‫ال عن ( املقدمة ) ص ‪.261‬‬ ‫() تاريخ النقود اإلسالمية ص ‪ 9‬نق ً‬
‫() يشري بقوله (ترب) إىل أهنم ما كانوا يتعاملون هبا عد ًا وإنام كانوا يتعاملون هبا وزن ًا بحساب‬
‫املثاقيل «وذلك لتنوع الدرهم وأوزانه‪ ،‬والدنانري ـ وان كانت ثابتة الوزن واملقدار ـ فقد ينقص‬
‫بعضها يف أثناء التداول أو لسبب آخر‪ ،‬وملنع الغبن كانوا يعمدون إىل الوزن» ـ تاريخ النقود‬
‫ال عن (الدينار اإلسالمي يف املتحف العراقي) للنقشبندي ‪.10/2‬‬ ‫اإلسالمية ص ‪ 39‬نق ً‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪182‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫هذا هو املشهور بني الناس‪ ،‬ولكن جاء يف كتاب (تاريخ النقود اإلسالمية) للسيد‬
‫املازندراين ص ‪ 45 ،44‬ما نصه‪« :‬وقال أيض ًا (يعني أمحد جودت باشا يف تارخيه)‪ :‬إن‬
‫املس ّلم عند أهل العلم أن الذي أحدث ابتداء رضب السكة العربية هو احلجاج بأمر‬
‫من عبد امللك حني كان والي ًا عىل العراق من قبله (‪ 75‬ـ ‪ ،) 76‬ولكن ظهر خالف‬
‫هذا عند الكشف اجلديد يف سنة ‪ ،1276‬وذلك أن رج ً‬
‫ال إيران ًيا اسمه جواد أتى دار‬
‫السعادة بسكة فضية عربية رضبت يف البرصة سنة ‪ 40‬من اهلجرة‪ ،‬وقال الفقري رأيتها‬
‫بني املسكوكات القديمة عند صبحي بك أفندي‪ ،‬مكتوب عىل أحد وجهيها باخلط‬
‫كفوا أحد)‪ ،‬ويف دورهتا (حممد رسول‬ ‫الكويف (اهلل الصمد مل يلد ومل يولد ومل يكن له ً‬
‫اهلل أرسله باهلدى ودين احلق ليظهره عىل الدين كله ولو كره املرشكون)‪ ،‬وعىل الوجه‬
‫اآلخر (ال إله إالّ اهلل وحده ال رشيك له)‪ ،‬ويف دورهتا (رضب هذا الدرهم بالبرصة‬
‫سنة ‪.)40‬‬
‫وقال السيد العلم احلجة املرحوم السيد حمسن األمني العاميل يف (أعيان‬
‫الشيعة) ـ يف ذيل حاالت عيل أمري املؤمنني ‪ ‬حتت عنوان (أول من أمر برضب‬
‫السكة اإلسالمية) ـ‪« :‬ذكر الفاضل املتتبع الشيخ حيدر قيل خان بن نور حممد خان‬
‫الكابيل نزيل كرمنشاه يف رسالته (غاية التعديل يف األوزان واملكاييل)‪ ،‬وأخربين به من‬
‫لفظه بمنزله يف كرمانشاه يوم السبت العرشين من املحرم سنة ‪1353‬هـ يف طريقنا إىل‬
‫زيارة الرضا ‪ ،‬وهو يعرف اللغة اإلنكليزية جيد ًا‪ ،‬قال‪ :‬رأيت يف دائرة املعارف‬
‫الربيطانية ص ‪ ،904‬الطبعة الثالثة والعرشين عند الكالم عىل املسكوكات العربية ما‬
‫تعريبه ملخص ًا‪( :‬إن أول من أمر برضب السكة اإلسالمية هو اخلليفة عيل بالبرصة‬
‫سنة ‪ 40‬من اهلجرة املوافقة لسنة ‪ 660‬مسيحية‪ ،‬ثم أكمل األمر بعده عبد امللك‬
‫اخلليفة سنة ‪ 76‬من اهلجرة املوافقة لسنة ‪ 695‬مسيحية)‪ ،‬وذكر العالمة اخلبري املرحوم‬
‫الشيخ عباس القمي يف كتاب (هدية األحباب يف ذكر املعروفني بالكنى واأللقاب) ـ‬
‫عند ذكر البيهقي أيض ًا ـ عن كتاب (غاية التعديل يف األوزان واملكاييل) لرسدار خان‬
‫الكابيل (‪ ،)‬وعن خطه الذي كتبه إليه‪ :‬أن يف املجلد السابع عرش من دائرة املعارف‬
‫الربيطانية ص ‪ 904‬من الطبعة الثالثة عرشة عند الكالم عىل املسكوكات القديمة ما‬
‫تعريبه ملخص ًا‪ ،‬ثم ذكر نحوه»‪.‬‬
‫‪183‬‬ ‫الربا يف األوراق النقدية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪3‬ـ النقود املصرفية‬


‫وتتنوع النقود املرصفية إىل نوعني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫أ ـ أوراق البنكنوت‬
‫عبارة (بنك نوت) هي تعريب للعبارة اإلنجليزية ‪ Bank Note‬وهي ـ كام ترى‬
‫ـ مركبة من كلمتني ‪ Bank‬وتعني املرصف و‪ Note‬وتعني ورقة نقدية‪ ،‬وترمجتها كاملة‬
‫(ورقة نقدية مرصفية)‪.‬‬
‫وهذه األوراق يصدرها ـ عادة ـ البنك املركزي‪.‬‬
‫وهي ـ كام يعرفها الدكتور الشافعي يف كتابه (مقدمة يف النقود والبنوك) ط ‪7‬‬
‫ص ‪« :50‬البنكنوت‪ :‬عبارة عن تعهد مرصيف بدفع مبلغ معني من وحدات النقد‬
‫القانونية حلامل الورقة عند الطلب»‪.‬‬
‫وكان «أول إصدار منظم هلذه األوراق عىل يد بنك استكهومل نحو منتصف‬
‫القرن السابع عرش» ـ م‪ .‬نـ‪.‬‬
‫ب ـ أوراق الودائع‬
‫وتصدرها البنوك التجارية أو بنوك الودائع‪ ،‬وهي (أعني أوراق الودائع)‪:‬‬
‫«عبارة عن التزام مرصيف بدفع مبلغ معني من وحدات النقد القانونية للمودع أو‬
‫ألمره لدى الطلب‪.‬‬
‫وتستعمل الشيكات أو أوامر الدفع يف نقل ملكية هذا النوع من الودائع من‬
‫شخص إىل آخر»()‪.‬‬
‫وبعد هذا خيلص الدكتور الشافعي يف املصدر املذكور‪ ،‬ص ‪ 59‬إىل‪« :‬أن النقود‬
‫التي يتداوهلا الناس يف النظم النقدية احلديثة إنام تتألف بصفة أساسية من أوراق‬
‫البنكنوت (ويصدرها البنك املركزي )‪ ،‬ونقود الودائع (وتتكفل بإصدارها البنوك‬

‫() مقدمة يف النقود والبنوك ص ‪.52‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪184‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التجارية)‪ ،‬ويطلق عىل كال النوعني من أنواع النقود اصطالح النقود املرصفية‪ ،‬نظر ًا‬
‫الضطالع املصارف بإصدارها»‪.‬‬
‫ويف عرصنا هذا انترشت العملة الورقية انتشار ًا واسع ًا عم مجيع أنحاء العامل‬
‫ولكن مع بقاء التعامل بطريقة النقد األوليني‪ ،‬وبخاصة يف الصفقات التجارية الكربى‬
‫بني الدول‪.‬‬

‫اعتماد النقد‬
‫يراد باالعتامد ـ هنا ـ ثقة املتعاملني بالنقد معتمدين عىل االعتبار الذي تعطيه‬
‫الدولة للورق النقدي‪ ،‬والذي هو ـ بدوره ـ يعطي للورقة النقدية قيمتها‪.‬‬
‫وقد مر االعتامد بمرحلتني‪:‬‬
‫‪ .1‬تغطية الورق النقدي بالذهب‪.‬‬
‫‪ .2‬اعتبار الدولة‪.‬‬
‫وكمثال هلذا نقرأ ما مر به االعتامد املشار إليه يف بريطانيا‪ ،‬يقول فيكتور مورجان‬
‫يف كتابه (تاريخ النقود) ـ ص ‪ 27‬ـ‪« :‬وحتى هناية القرن الثامن عرش كانت األوراق‬
‫النقدية الربيطانية عبارة عن مطالبات بالدفع بالذهب عند الطلب»‪.‬‬
‫ويف ص ‪« :29‬وتعترب احلرب العاملية األوىل بداية ثورة يف النظام النقدي الربيطاين‬
‫فقد سحبت العمالت الذهبية تدرجيي ًا من التداول واستبدلت بأوراق نقدية‪.»...‬‬
‫«ولقد استبقيت عملية اإلصدار الثابت ألوراق نقدية بدون غطاء من قانون‬
‫‪ ،1844‬إالّ أن أمهيتها تغريت تغري ًا تام ًا‪ ،‬فمن الناحية الرسمية نجد أن قانون العمالت‬
‫واألوراق النقدية لعام ‪ 1954‬هو الذي حيكم عملية إصدار األوراق النقدية اآلن‪،‬‬
‫وكان هذا القانون يقيض بأن يكون اإلصدار بدون غطاء يف حدود مبلغ ‪ 1575‬مليون‬
‫جنيه‪ ،‬ومع ذلك منح القانون وزارة اخلزانة سلطة تغيري هذا الرقم بأمر ترشيعي‪،‬‬
‫وكان هناك اجتاه ارتفاعي شديد‪ ،‬وكذلك تغيريات كثرية ـ يف كل من االجتاهني ـ‬
‫ملواجهة التغريات املوسمية يف الطلب عىل األوراق النقدية التي يطلبها اجلمهور‬
‫‪185‬‬ ‫الربا يف األوراق النقدية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فبلغ اإلصدار يف شهر نوفمرب ‪ 3200( 1968‬مليون جنية)‪ ،‬وباندالع احلرب عام‬
‫‪ 1939‬حتول خمزون البنك من الذهب إىل (حساب معادلة التبادل )‪ ،‬ومنذ ذلك احلني‬
‫حيتفظ البنك بمجرد مقدار اسمي من الذهب‪ ،‬وهكذا اهنارت متام ًا الصلة بني ميزان‬
‫املدفوعات الدولية وتداول العمالت الداخلية‪ ،‬وهي الصلة التي كانت تعترب اجلانب‬
‫الرئييس لقانون ‪ ،1844‬واآلن حتدد وزارة اخلزانة اإلصدار بدون غطاء بالتشاور مع‬
‫البنك عىل املستوى الذي يبدو مالئ ًام لالحتياجات الوقتية‪ ،‬أي ًا ما يكون هذا املستوى‪،‬‬
‫وبالتعبري الوارد يف تقرير رادكليف‪« :‬تعترب وظيفة احلكومة يف إصدار األوراق النقدية‬
‫هي ببساطة الوظيفة السلبية لضامن إتاحة كمية كافية من األوراق النقدية تالئم الواقع‬
‫العميل للجمهور»‪.‬‬
‫وأخري ًا‪ ،‬نكون مع تساؤل (موسوعة املورد) وجواهبا‪ ،‬قالت‪« :‬ولكن من أين‬
‫تستمد األوراق النقدية قيمتها وهي جمرد قصاصات ال تسمن وال تغني من جوع؟‬
‫الواقع أهنا تستمد قيمتها من ضامن الدولة هلذه القيمة»‪.‬‬
‫وهذا الضامن أو االعتبار هو ما انتهى إليه واقع األوراق النقدية يف جعل الثقة‬
‫يف نفوس املتعاملني هبا‪ ،‬ذلك أن ما يسمى بالغطاء الذهبي قد انتهى دوره‪ ،‬ومل يعد له‬
‫وجود‪.‬‬

‫آراء الفقهاء يف املسألة‬


‫‪1‬ـ ذهب بعضهم إىل حرمة التعامل باألوراق النقدية (البنكنوت) مع الزيادة‪،‬‬
‫مطلق ًا‪ ،‬أي يف البيع والقرض‪ ،‬وهو الظاهر من الشيخ آل كاشف الغطاء‪ ،‬قال يف كتابه‬
‫(حترير املجلة) ـ ‪ 132/1‬ـ‪« :‬أما الورق واألنواط() القائمة مقام النقدي() فاألقوى‬
‫عندنا أهنا تعترب نقود ًا فيحرم فيها التعامل‪ ،‬وجتب فيها الزكاة‪ ،‬ويعترب يف بيعها التقابض‬
‫يف املجلس‪ ،‬وكلام جيري عىل النقدين جيري عليها»‪.‬‬
‫وفصل بعضهم بني البيع فقال بعدم حتقق الربا فيه‪ ،‬والقرض فقال بتحقق‬
‫‪2‬ـ ّ‬

‫() األنواط تعريب واختصار لعبارة ‪Bank Note‬‬


‫() يعني الذهب والفضة املسكوكني‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪186‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الربا فيه‪.‬‬
‫وممن رصح بذلك الشيخ احليل يف حمارضاته (بحوث فقهية )‪ ،‬قال ـ يف ص ‪،84‬‬
‫‪ 85‬ط دار الزهراءـ‪« :‬واآلن وبعد أن عرفنا حقيقة األوراق النقدية‪ ،‬وأهنا ال حتمل إالّ‬
‫جهة االعتبار الصرِ ْ ف من الدولة التي فرضت التعامل هبا‪ ،‬فهل يتحقق الربا يف صورة‬
‫بيعها بأكثر؟‪ ،‬كأن يبيعه عرشة أوراق باثنتي عرشة ورقة‪.‬‬
‫الظاهر عدم حتقق ذلك فال تكون املعاملة ربوية‪ ،‬ألن رشط جريان الربا يف‬
‫املعاملة هو‪ :‬وحدة اجلنس‪ :‬الثمن واملثمن أوالً‪ ،‬وكونه من املكيل واملوزون ثاني ًا‪،‬‬
‫وليست الدنانري من أي من هذين‪ ،‬ومها املكيل أو املوزون‪ ،‬وإن كانت وحدة اجلنس‬
‫متحققة فيها‪ ،‬إالّ أن الرشط اآلخر وهو الكيل أو الوزن مل يتحقق فيها فال جيري يف‬
‫بيعه بأزيد منه حكم الربا‪.‬‬
‫هذا إذا كانت املعاملة بيعية رصفة ال أجل فيها بل حصل التسليم‪.‬‬
‫وأما لو حصلت الزيادة مع أجل‪ ،‬كأن دفع له عرشة دنانري بإزاء أحد عرش دينار ًا‬
‫يسلمه إياها بعد شهرين‪ ،‬فهل يكون ذلك من صغريات املعاملة الربوية أو ال؟‬
‫واإلجابة عىل هذا السؤال‪ :‬هي أنّا نتصور هلذه املعاملة وجهني‪ ،‬تكون صحيحة‬
‫بالنظر لوجه‪ ،‬وباطلة عىل الوجه الثاين‪.‬‬
‫فإنّا لو اعتربنا هذه املعاملة من قبيل البيع إىل أجل كانت املعاملة صحيحة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تكون من ربا‬ ‫بخالف ما لو اعتربناها من قبيل القرض إىل أجل‪ ،‬فإهنا‬
‫القرض‪ ،‬ويتم فيها البطالن»‪.‬‬
‫ونفيد من هذا التفصيل أو التفرقة بني ربا املعاملة وربا القرض‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن عدم حتقق الربا يف املعاملة إنام هو ألن األوراق النقدية من املعدودات‪،‬‬
‫وليست من املكيالت أو املوزونات‪ ،‬والربا املعاميل ـ كام حرر يف حمله ـ ال يتحقق يف‬
‫املعدودات‪.‬‬
‫‪2‬ـ وأن حتقق الربا يف القرض ألن الربا القريض ال يشرتط فيه لزوم كون‬
‫‪187‬‬ ‫الربا يف األوراق النقدية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫العوضني (الثمن واملثمن) مما يباع ـ عادة ـ بالكيل أو الوزن‪ ،‬بل يتحقق حتى فيام يباع‬
‫عد ًا‪.‬‬
‫والذي يظهر من فتاوى أكثر فقهائنا املعارصين والذين قبلهم بقليل ممن أدركوا‬
‫التعامل باألوراق النقدية‪ ،‬أهنم يقولون هبذا القول‪ ،‬أي إهنم ينفون حتقق الربا يف‬
‫املعاملة‪ ،‬ويثبتونه يف القرض‪.‬‬
‫وأهم ما يستدل به لنفي حتقق الربا يف املعاملة هو أن األوراق النقدية من‬
‫املعدودات‪ ،‬أي مما يتعامل به عد ًا‪ ،‬والربا املعاميل ال يتحقق يف املعدودات‪ ،‬وإنام يتحقق‬
‫يف املكيالت واملوزونات فقط‪ ،‬ملا ورد يف بعض الروايات أمثال‪ :‬ما «عن زرارة عن أيب‬
‫عبد اهلل ‪ :‬قال‪ :‬ال يكون الربا إالّ فيام يكال أو يوزن»‪.‬‬
‫«وعن أيب عبد اهلل ‪ :‬قال‪ :‬ال بأس بمعاوضة املتاع ما مل يكن كي ً‬
‫ال وال‬
‫وزن ًا»‪.‬‬
‫وأهم ما استدل به لتحقق الربا يف القرض أمثال الروايات التالية‪:‬‬
‫ـ رواية جعفر بن غياث عن أيب عبد اهلل ‪ ‬قال‪ :‬وأما الربا احلرام فهو الرجل‬
‫يقرض قرض ًا ويشرتط أن يرد أكثر مما أخذه‪ ،‬فهذا هو احلرام»‪.‬‬
‫ـ صحيحة عيل بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ‪ ‬قال‪ :‬وسألته عن‬
‫رجل أعطى رج ً‬
‫ال مائة درهم يعمل هبا عىل أن يعطيه مخسة دراهم أو أقل أو أكثر؟‬
‫قال‪ :‬هذا الربا املحض»‪.‬‬
‫وتفيد الروايتان أن من رشوط حتقق الربا يف القرض أن يشرتط الدائن عىل‬
‫املستدين الزيادة‪.‬‬
‫ومثلهام ما روي عن أيب عبد اهلل ‪ ‬أيض ًا حيث قال‪« :‬الربا رباءان‪ ،‬أحدمها‬
‫ربا حالل‪ ،‬واآلخر حرام‪.‬‬
‫فأما احلالل فهو أن يقرض الرجل قرض ًا طمع ًا أن يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه‬
‫بال رشط بينهام‪ ،‬فإن أعطاه أكثر مما أخذه بال رشط بينهام‪ ،‬فهو مباح له‪ ،‬وليس له عند‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪188‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال َي ْر ُبو ِعنْدَ اهللِ﴾‪.‬‬
‫اهلل ثواب فيام أقرضه‪ ،‬وهو قوله عز وجل‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫وأما الربا احلرام فهو الرجل يقرض قرض ًا ويشرتط أن ير ّد أكثر مما أخذه‪ ،‬فهذا‬
‫هو احلرام»‪.‬‬
‫بقي ـ هنا ـ أن نشري يف هدي ما وقفنا عليه من تاريخ تطور النقد‪ ،‬إىل أن‬
‫األوراق النقدية حالي ًا ال متثل النقدين الذهب والفضة‪ ،‬وإنام متثل مرحلة يف تاريخ‬
‫تطور النقد‪ ،‬كام كان النقدان الذهب والفضة يف وقتهام يمثالن مرحلة سابقة عىل‬
‫األوراق النقدية‪.‬‬
‫وأن أشري إىل أن محل ما ورد يف النصوص من كلمة (النقد) أو (النقدين) عىل‬
‫الذهب والفضة املسكوكني وقرص احلكم عليهام ليس بصواب‪ ،‬وذلك ألن املراد من‬
‫النقد يف النصوص مطلق النقد‪ ،‬وانرصافه يف حينه إىل الذهب والفضة املسكوكني‬
‫ألهنام املتعامل هبام آنذاك ال يدل عىل خصوصية هلام لنقرص احلكم عليهام‪.‬‬
‫مر بنا يف تاريخ النقد ـ مل يتعامل‬‫مضاف ًا إىل أن النقدين الذهب والفضة ـ كام ّ‬
‫هبام وزن ًا‪ ،‬والذي كان من جتار احلجاز عامة أو من جتار مكة خاصة حيث كانوا يزنون‬
‫النقدين الذهب والفضة إنام كان بغية التأكد من صحة الوزن احتياط ًا‪ ،‬وإالّ فتعاملهم‬
‫مع النقود التي كانت تردهم من الروم أو الفرس بالعدّ ‪.‬‬

‫وهذا مما يساعد عىل ترسية احلكم إىل األوراق النقدية‪.‬‬


‫الباب الرابع‬

‫األحكام الفقهية يف البنوك التجارية‬

‫مرشوعية إنشائها‬

‫مرشوعية العمل فيها‬

‫مرشوعية التعامل معها‬


‫تبينَّا ـ فيام سبق ـ أن البنك التجاري هو موضع ابتالء عامة الناس‪ ،‬وألنه كذلك‬
‫ال بد من البحث ملعرفة حكمه الرشعي من خالل الرؤى الفقهية‪.‬‬

‫واألحكام التي نحاول معرفتها هنا هي‪:‬‬

‫‪ .1‬حكم إنشاء البنوك التجارية‪.‬‬

‫‪ .2‬حكم العمل يف البنوك التجارية‪.‬‬

‫‪ .3‬حكم التعامل مع البنوك التجارية‪.‬‬


‫مشروعية إنشاء البنوك التجارية‬

‫ال إشكال وال شك يف أن البنوك التجارية حقيقة واقعة‪ ،‬ويف أن الناس يف مجيع‬
‫بلدان العامل ـ إسالمية وغري إسالمية ـ ال يستغنون عن التعامل معها‪ ،‬ألن التعامل‬
‫معها أصبح رضورة من رضورات احلياة االقتصادية‪.‬‬

‫ذلك ألهنا الوسيط يف نقل وانتقال األموال بني األفراد بعضهم البعض‪ ،‬وبني‬
‫املؤسسات بعضها البعض‪ ،‬وبني األفراد واملؤسسات‪.‬‬

‫وهي العامل األهم يف تأسيس وتنمية املشاريع عىل اختالف أنامطها‪ :‬اجتامعية‬
‫واقتصادية وسواها‪ ،‬ويتم هذا عن طريق اإلقراض واالستثامر‪.‬‬

‫وألهنا (أعني البنوك التجارية) اخلزانة األمينة واملؤمتنة عىل حفظ األموال‪.‬‬

‫كام أن رقي اقتصاد الشعوب والدول‪ ،‬وكذلك ارتفاع مستوى رفاهية العيش‬
‫فيها يقاسان بام لدهيا من بنوك وصلت ـ أو هي تقرتب أن تصل ـ إىل مستوى أن تعد‬
‫بنوك ًا دولية (عاملية)‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪194‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وباختصار‪ :‬إن حركة املال يف كل جمتمع من جمتمعات اإلنسان الراهنة تتوقف‬
‫عىل وجود البنوك التجارية وترتبط هبا وجود ًا وعدم ًا‪.‬‬

‫إن كل هذا املذكور وأمثاله مما بلغ بالبنوك التجارية أن تكون رضورة من‬
‫رضورات احلياة االقتصادية عند الشعوب واحلكومات‪ ،‬وبني األفراد واملؤسسات‪،‬‬
‫قد يقف أمامنا أن نثري املسألة يف البحث عن حكم إنشائها‪ :‬هل هو جائز أو غري جائز؟‬
‫وذلك ملا يرتتب عىل القول بعدم اجلواز من حرمة إنشائها من ِقبل املسلمني‪ ،‬وهو أمر‬
‫مقدور عليه‪.‬‬

‫ومما يرتتب عليه من منع تواجدها يف بالد املسلمني‪ ،‬وهو أمر غري مقدور عليه‬
‫ملا ينجم عنه من مفاسد يف احلياة االقتصادية‪ ،‬أقلها شل حركة املال‪.‬‬

‫إذ ًا‪ ،‬فالذي ينبغي هو أن نثري املسألة حول إصالحها بام يلتقي مع أحكام الرشيعة‬
‫اإلسالمية املقدسة‪.‬‬

‫ومسألة اإلصالح املشار إليها هي التي دفعت املسلمني إىل إنشاء ما يعرف‬
‫بالبنوك اإلسالمية لتكوين البنوك البديلة للبنوك التجارية‪.‬‬

‫واعتقادي أن مسألة اإلصالح املشار إليها ال تقوى أن حتقق أهدافها كاملة إالّ‬
‫إذا اهنار الكيان الرأساميل‪ ،‬وذلك باهنيار االقتصاد الغريب‪ ،‬متام ًا كام اهنار االقتصاد‬
‫االشرتاكي باهنيار االحتاد السوفيايت‪ ،‬ذلك أن االقتصاد الرأساميل كيان ضخم ذو‬
‫جذور ممتدة بعيد ًا يف العمق‪ ،‬وذو تشعبات منترشة كاإلخطبوط يف حياة البرش‪.‬‬

‫ومع هذا‪ ،‬ال ينبغي أن نحكم عىل أنفسنا بالعجز فنتوقف عن اإلصالح‪ ،‬ذلك‬
‫أن اإلصالح مطلوب كلي ًا كان أو جزئي ًا‪ ،‬ومن املعلوم أن الواجب يؤتى به يف حدود‬
‫‪195‬‬ ‫مرشوعية إنشاء البنوك التجارية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫املستطاع واملقدور‪.‬‬

‫ومع هذا‪ ،‬علينا أن نبحث مسألة مرشوعية إنشاء البنوك التجارية إذ ربام يكون‬
‫هذا حافز ًا قوي ًا لنا إذا جاز إنشاؤها إىل الدخول يف إنشاء بنوك دولية تنافس تلك التي‬
‫يف أمريكا وأملانيا واليابان فتكون مهمة اإلصالح أيرس‪ ،‬ويكون التغيري فيها إىل ما نريد‬
‫أكثر وأكرب‪.‬‬

‫واملسألة (أعني مسألة املرشوعية) تتوقف من ناحية علمية عىل حتديد نوعية‬
‫معامالت البنوك التجارية التي قد نقصد إىل إنشاء ما يامثلها من حيث النظام واملعاملة‪:‬‬
‫هل هي ربوية أو غري ربوية؟!‬

‫فإن ثبت لدينا أهنا ربوية‪ ،‬فال خالف بني الفقهاء املسلمني‪ ،‬ويف رشيعتنا‬
‫اإلسالمية‪ ،‬يف حرمة التعامل بالربا‪ ،‬وألن إنشاء مثل هذه البنوك يؤدي ـ قطع ًا ـ إىل‬
‫التعامل بالربا فيكون إنشاؤها من ِقبل املسلمني حرام ًا‪ ،‬لقاعدة أن ما يؤدي إىل احلرام‬
‫حرام‪.‬‬

‫وإن كان األمر بالعكس‪ ،‬أي إهنا غري ربوية‪ ،‬وليس فيها من األعامل ما يؤدي إىل‬
‫احلرام يكون إنشاؤها جائز ًا‪.‬‬

‫ويتوصل إىل معرفة ذلك عن طريق معرفة نوعية فوائد البنوك هل يصدق‬
‫وينطبق عليها عنوان الربا بمواصفاته ورشوطه املذكورة يف فقهنا وعند فقهائنا‪ ،‬أو‬
‫ال يصدق عليها ذلك‪.‬‬

‫وقد تقدم البحث يف هذه املسألة‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪196‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫واخلالصة‪:‬‬

‫إن ثبتت ربوية البنوك التجارية فال حيل إنشاؤها من ِقبل املسلمني‪.‬‬

‫وأما القائم منها ـ سواء كان يف بالد املسلمني أم يف غريها ـ فهل جيوز العمل‬
‫فيها والتعامل معها أو ال جيوز؟‪ ،‬هذا ما سنستعرضه يف املسألة التالية‪.‬‬
‫مشروعية العمل يف البنوك التجارية‬
‫نقصد بالعمل ـ هنا ـ العمل الوظيفي يف البنك‪ ،‬الذي يتمثل يف وظيفة املحافظ‬
‫(رئيس جملس إدارة البنك) ونائبه‪ ،‬ومن دوهنام من املوظفني والعاملني باجلهاز‬
‫املرصيف‪.‬‬

‫وسبب إثارة التساؤل عن مرشوعية العمل يف املصارف التجارية هو وجود‬


‫التعامل بالربا‪ ،‬أو عىل األقل حتكم شبهة الربا يف معامالت هذه البنوك‪.‬‬

‫ذلك أنه ال خالف بني الفقهاء املسلمني يف حرمة التعامل بالربا‪ ،‬وحرمة اإلعانة‬
‫عليه‪.‬‬

‫وملعرفة ذلك نبدأ بذكر بعض الفتاوى لبعض الفقهاء املعارصين حول مرشوعية‬
‫العمل يف البنوك التجارية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫ـ فتوى الفقيه السيد أيب القاسم اخلوئي‪ ،‬املنشورة يف رسالته العملية (منهاج‬
‫الصاحلني) ـ ‪437/2‬ـ «مصورة عن ط ‪ ،»8‬قال ـ حتت عنوان (أعامل البنوك) ـ‪:‬‬
‫«تصنف أعامل البنوك صنفني‪:‬‬

‫(أحدمها)‪ّ :‬‬
‫حمرم‪ ،‬وهو عبارة عن املعامالت الربوية فال جيوز الدخول فيها‪ ،‬وال‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪198‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االشرتاك‪ ،‬والعامل ال يستحق األجرة لقاء تلك األعامل‪.‬‬

‫(ثانيهام)‪ :‬سائغ‪ ،‬وهو عبارة عن األمور التي ال صلة هلا باملعامالت الربوية‪،‬‬
‫فيجوز الدخول فيها‪ ،‬وأخذ األجرة عليها‪.‬‬

‫وقال ـ يف الصفحة ‪ 438‬ـ‪« :‬ـ (مسألة ‪ :)22‬ال فرق يف حرمة املعامالت الربوية‬
‫بني بنوك الدولة اإلسالمية وغريها‪ ..‬نعم‪ ،‬تفرتقان يف أن األموال املوجودة يف األُوىل‬
‫جمهولة املالك‪ ،‬ال جيوز الترصف فيها إالّ بإذن احلاكم الرشعي أو وكيله‪.‬‬

‫وأما أموال بنوك الدولة غري اإلسالمية فال ترتتب عليها أحكام األموال‬
‫جمهولة املالك فيجوز أخذها استنقاذ ًا بال حاجة إىل إذن احلاكم الرشعي أو وكيله‪،‬‬
‫كام عرفت»‪.‬‬

‫ـ فتوى الفقيه الشيخ حممد أمني زين الدين‪ ،‬املنشورة يف رسالته املوسومة (املسائل‬
‫املستحدثة )‪ ،‬املطبوعة بمطبعة اهلاشمي بالبحرين سنة ‪1407‬هـ ـ ‪1987‬م قال ـ حتت‬
‫عنوان (العمل يف البنك) ـ‪« :‬املسألة ‪ :108‬ال جيوز لإلنسان الدخول يف العمل للبنك‬
‫إذا كان العمل هو إجراء املعامالت الربوية أو ضبطها وتدوينها أو التسهيل هلا‪ ،‬أو‬
‫كان من األعامل املحرمة األخرى كرشاء البضائع املحرمة وبيعها‪ ،‬وغري ذلك مما هو‬
‫حمرم يف رشيعة اإلسالم‪ ،‬وال جيوز له أخذ األجرة عىل هذه األعامل‪.‬‬

‫وجيوز له الدخول يف أعامل البنك غري املحرمة‪ ،‬كام جيوز له أخذ األجرة عليها‪،‬‬
‫فإذا كان من البنوك األهلية أو بنوك غري املسلمني أخذ األجرة من البنك‪ ،‬وإذا كان‬
‫من البنوك احلكومية أو املشرتكة احتاج يف قبض األجرة منه ويف صحة الترصف فيها‬
‫إىل إذن احلاكم الرشعي‪.‬‬

‫املسألة ‪ :109‬ال جيوز لإلنسان الدخول يف العمل إذا كان بعضه مباح ًا وبعضه‬
‫حمرم ًا‪ ،‬وكان البعض املحرم جزء ًا ملحوظ ًا من وظيفته التي يستحق هبا األجرة من‬
‫‪199‬‬ ‫مرشوعية العمل يف البنوك التجارية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫البنك‪ ،‬وإذا مل يكن العمل املحرم جز ًءا ملحوظ ًا يف الوظيفة مل حيرم عليه الدخول فيها‪،‬‬
‫وحرم عليه ذلك العمل نفسه‪.‬‬

‫املسألة ‪ :110‬إذا كان عمله يف املعامالت الربوية وكانت مهمته هي توجيه هذه‬
‫املعامالت وإجراؤها عىل الوجه الصحيح يف اإلسالم بحيث ال جيري مع العميل‬
‫معاملة حمرمة مل يكن يف دخوله بأس‪ ،‬بل كان مثا ًبا ومأجور ًا عىل ذلك إن شاء اهلل‬
‫تعاىل»‪.‬‬

‫ويرجع هذا التحريم املذكور يف الفتويني املذكورتني يف أعاله إىل أن دخول‬


‫اإلنسان املسلم يف املعامالت املحرمة غري جائز رشع ًا‪ ،‬سواء كان دخوله يف املعاملة‬
‫املحرمة كطرف يف املعاملة أو بشكل مساعدة وإعانة يف إنجازها مثل كتابة العقد‪،‬‬
‫والشهادة عليه وإلخ‪ ،‬وهو من الضوابط الفقهية املتفق عليها‪.‬‬

‫ومن الفتاوى التي وقفت عليها‪ ،‬ومتثل رأي ًا يف الفقه السني فتوى اللجنة الدائمة‬
‫لإلفتاء بالرئاسة العامة لإلفتاء بالسعودية رقم ‪ 3620‬بتاريخ ‪1401/5/15‬هـ‪،‬‬
‫ونصها‪« :‬اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء عىل االستفتاء املقدّ م‬
‫لسامحة الرئيس العام من حممود حسني محاد‪ ،‬املقيد برقم ‪ 580‬يف ‪1401/3/26‬هـ‪،‬‬
‫مضمونه‪ :‬أنه يعمل بأحد البنوك باململكة‪ ،‬فهل العمل يف البنوك التي تتعامل بالربا‬
‫حرام أم مباح؟‪ ،‬وإذا كان حرام ًا فهل يستقيل؟‬

‫وأجابت بام ييل‪:‬‬

‫العمل يف البنوك وهي بوضعها احلايل تتعامل بالربا حرام‪ ،‬فال جيوز لك أن‬
‫تستمر يف العمل يف البنك الذي تعمل فيه‪.‬‬

‫وسبق أن ورد إىل اللجنة الدائمة سؤال سائل هلذا السؤال‪ ،‬أجابت عنه بالفتوى‬
‫رقم ‪ 1338‬يف ‪1396/6/4‬هـ التي نصها‪« :‬أكثر املعامالت يف البنوك املرصفية‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪200‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫احلالية تشتمل عىل الربا‪ ،‬وهو حرام بالكتاب والسنة وإمجاع األمة‪ ،‬وقد حكم ‪‬‬
‫بأن من أعان آكل الربا وموكله بكتابة له أو شهادة عليه‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬كان رشيك ًا‬
‫آلكله وموكله يف اللعنة والطرد من رمحة اهلل‪ ،‬ففي صحيح مسلم وغريه من حديث‬
‫جابر ‪« :‬لعن رسول اهلل ‪ ‬آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه‪ ،‬وقال‪ :‬هم‬
‫سواء»‪ ،‬والذين يعملون يف البنوك املرصفية أعوان ألرباب البنوك يف إدارة أعامهلا كتابة‬
‫أو تقييد ًا أو شهادة أو نق ً‬
‫ال لألوراق أو تسلي ًام للنقود وتسل ًام هلا‪ ،‬إىل غري ذلك مما فيه‬
‫إعانة للمرابني‪.‬‬

‫وهبذا يعرف أن عمل اإلنسان باملصارف احلالية حرام‪ ،‬فعىل املسلم أن يتجنب‬
‫ذلك وأن ينتقي الكسب من الطريق التي أحلها اهلل‪ ،‬وهي كثرية‪ ،‬وليتق اهلل ربه‪ ،‬وال‬
‫يعرض نفسه للعنة اهلل ورسوله»()‪.‬‬

‫ويف أحاديثنا الرشيفة أكثر من رواية تدل عىل حرمة الدخول يف الربا وما يعني‬
‫عليه‪ ،‬منها‪:‬‬

‫ـ ما يف (الوسائل) ‪ 126/18‬حتت عنوان (باب حتريم أخذ الربا ودفعه وكتابته‬


‫والشهادة عليه) وبرقم ‪« :23297‬حممد بن يعقوب عن عيل بن إبراهيم عن أبيه عن‬
‫ابن أيب نجران عن عاصم بن محيد عن حممد بن قيس عن أيب جعفر ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫أمري املؤمنني ‪ :‬آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهداه‪ ،‬فيه() سواء»‪.‬‬

‫والرواية صحيحة‪ ،‬وبمضموهنا يف الباب نفسه ما يعضدها ويشهد هلا‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫ـ رقم ‪« :23298‬حممد بن احلسن بإسناده عن احلسني بن سعيد عن احلسني بن‬

‫() انظر‪ :‬األرباح والفوائد املرصفية‪ ،‬لألستاذ عب] احلميد الغزايل‪ ،‬نرش البنك اإلسالمي‬
‫للتنمية بجدة ص ‪ 59‬ـ ‪60‬‬
‫() جاء يف هامشه‪« :‬يف الفقيه‪ :‬يف الوزر (هامش املخطوط)»‪.‬‬
‫‪201‬‬ ‫مرشوعية العمل يف البنوك التجارية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫علوان عن حممد بن خالد() عن زيد بن عيل عن آبائه عن عيل ‪ ‬قال‪ :‬لعن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬الربا وآكله وبائعه ومشرتيه وكاتبه وشاهده»‪.‬‬

‫ـ وبرقم ‪« :23299‬حممد بن عيل بن احلسني بإسناده عن شعيب بن واقد عن‬


‫احلسني بن زيد عن الصادق عن آبائه‪ :‬يف مناهي النبي ‪ :‬أنه هنى عن أكل الربا‬
‫وشهادة الزور وكتابة الربا‪ ،‬وقال‪ :‬إن اهلل لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه»‪.‬‬

‫ـ وبرقم ‪« :23300‬الفضل بن احلسن الطربيس يف (جممع البيان) عن عيل ‪‬‬


‫قال‪ :‬لعن رسول اهلل ‪ ‬يف الربا مخسة‪ :‬آكله ومؤكله وشاهديه وكاتبه»‪.‬‬

‫ـ ونظري ما تقدم‪ :‬ما «روى اإلمام مسلم بسنده عن جابر ‪ ‬قال‪ :‬لعن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه‪ ،‬وقال‪ :‬هم سواء»()‪.‬‬

‫ويتم االستدالل هبذه الروايات بتقريب‪ :‬أن مما انصب عليه النهي فشمله‬
‫التحريم‪ :‬كاتب الربا وشاهديه‪.‬‬

‫واالقتصار عىل هؤالء الثالثة (الكاتب والشاهدين) ألن املرايب الذي كان‬
‫يقرض املال بفائدة كان فرد ًا (شخص ًا طبيعي ًا) وليس مؤسسة‪.‬‬

‫واملرابى الفرد قدي ًام ما كان حيتاج إىل أكثر من كاتب يكتب العقد الواقع بني‬
‫طريف املعاملة‪ ،‬وشاهدين يشهدان بوقوع العقد‪.‬‬

‫أما املؤسسة (البنك) التي توسعت نتيجة التطور يف أنظمتها اإلدارية‪ ،‬التي منها‬
‫نظام التوظيف ذلك النظام الذي متر فيه املعاملة لتستكمل إجراءاهتا بأكثر من موظف‬
‫يسهم يف إنجازها‪.‬‬

‫إن هذا الفارق الذي جاء نتيجة التطور يف أوضاع البنوك يفرض علينا أن نحمل‬

‫() يف هامشه‪« :‬يف املصدر‪ :‬عمرو بن خال»‪.‬‬


‫() تبديد األوهام فيام يتعلق بالبنوك من أحكام ص ‪.2‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪202‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الكاتب والشاهدين يف الروايات عىل املثال‪ ،‬فنقول‪ :‬إن سبب توجه النهي إليهم ألهنم‬
‫يسهمون يف إنجاز معاملة الربا‪ ،‬فنرسي هذا النهي إىل كل من يساعد يف إنجاز هذه‬
‫املعاملة املحرمة‪.‬‬
‫ان﴾()‪ ،‬يشمل‬‫إل ْث ِم َوا ْل ُعدْ َو ِ‬
‫﴿والَ َت َع َاونُوا َعلىَ ا ِ‬
‫يضاف إليه‪ :‬أن قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫موضوعنا الذي هو (العمل فيام حيرم من أعامل البنوك كالربا) ألن الربا من اإلثم‬
‫املنهي عن التعاون فيه‪ ،‬ذلك أن كلمة (اإلثم) الواردة يف القرآن الكريم من أوضح‬
‫دالالهتا أن املراد منها فعل املنهي عنه‪ ،‬جاء يف (معجم ألفاظ القرآن الكريم) ما نصه‪:‬‬
‫«أثم يأثم ـ من باب علم ـ إث ًام وأث ًام وأثام ًا ومأث ًام‪َ :‬ف َع َل ما هني عنه‪ ،‬فهو آثم وأثيم‪.‬‬
‫واإلثم واآلثام‪ :‬ما هني عنه‪ ،‬وقد يطلق عىل اجلزاء املرتتب عىل فعل ما هني‬
‫عنه»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ك َُّل‬ ‫الر َبا َو ُي ْر يِب َّ‬
‫الصدَ َقات َواهللُ الَ حُي ُّ‬ ‫وقد تُلقي اآلية الكريمة‪َ ﴿ :‬ي ْم َح ُق اهللُ ِّ‬
‫ار َأثِيمٍ﴾()‪ ،‬الضوء عىل أن املراد باألثيم ـ هنا ـ املرايب‪ ،‬فيكون الربا من بعض ما‬ ‫َك َّف ٍ‬
‫يراد باإلثم‪.‬‬
‫هذا كله لبيان دليل حرمة العمل فيام هو حرام‪.‬‬
‫وأما البيان املستند يف جواز العمل فيام هو حالل‪ ،‬فنقول‪ :‬املستند أو الدليل‬
‫هو السرية القطعية املتصلة بعرص الترشيع التي تدل ـ وبوضوح ـ عىل جواز وحلية‬
‫اإلجارة فيام هو حالل ومباح من األعامل‪.‬‬
‫ومن النصوص الرشعية الواردة يف املقام مرسلة احلسن بن عيل بن شعبة احلراين‬
‫احللبي (من علامء القرن الرابع اهلجري) املذكورة يف كتابه املشهور (حتف العقول)‪،‬‬
‫فقد تناولت هذه املرسلة املسألة من كل جوانبها وخصوصياهتا‪ ،‬وننقل ـ هنا ـ ما يرتبط‬
‫منها بمسألتنا خاصة‪ ،‬جاء يف (وسائل الشيعة) ـ ‪ 102 ،101/19‬ـ يف الباب األول‬
‫من (كتاب اإلجارة) حتت عنوان (‪1‬ـ باب مجلة مما جتوز اإلجارة فيه وما ال جتوز) برقم‬

‫() سورة املائدة ‪.2‬‬


‫() سورة البقرة‪.276 :‬‬
‫‪203‬‬ ‫مرشوعية العمل يف البنوك التجارية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪1« :)24242‬ـ احلسن بن عيل بن شعبة‪ ،‬يف (حتف العقول) عن الصادق ‪ ‬يف‬
‫وجوه معايش العباد ـ إىل أن قال ـ‪ :‬وأما تفسري اإلجارة‪ :‬فإجارة اإلنسان نفسه أو ما‬
‫يملكه أو ييل أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه احلالل من جهات اإلجارات‪.‬‬
‫أو يؤجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئ ًا يملكه فيام ينتفع به من وجوه املنافع‪.‬‬
‫أو العمل بنفسه وولده ومملوكه أو أجريه من غري أن يكون وكي ً‬
‫ال للوايل‪ ،‬أو‬
‫والي ًا للوايل‪ ،‬فال بأس أن يكون أجري ًا يؤجر نفسه أو ولده أو قرابته أو ملكه أو وكيله‬
‫يف إجارته‪ ،‬ألهنم وكالء األجري‪ ،‬ومن عنده ليس هم بوالة الوايل‪ ،‬نظري احلماّ ل الذي‬
‫حيمل شي ًئا بيشء معلوم()‪ ،‬فيجعل ذلك اليشء الذي جيوز له محله بنفسه أو يملكه‬
‫ودابته‪.‬‬
‫أو يؤجر نفسه يف عمل يعمل ذلك العمل بنفسه()‪ ،‬حالل ملن كان من الناس‬
‫ملك ًا أو سوقة‪ ،‬أو كافر ًا أو مؤمن ًا‪ ،‬فحالل إجارته‪ ،‬وحالل كسبه من هذه الوجوه‪.‬‬
‫وأما وجوه احلرام من وجوه اإلجارة‪ ،‬نظري أن يؤاجر نفسه عىل محل ما حيرم‬
‫عليه أكله أو رشبه‪.‬‬
‫أو يؤاجر نفسه يف صنعة ذلك اليشء أو حفظه أو لبسه‪.‬‬
‫أو يؤاجر نفسه يف هدم املساجد رضار ًا‪ ،‬وقتل النفس بغري حل‪ ،‬أو عمل‬
‫التصاوير واألصنام واملزامري والربابط واخلمر واخلنازير وامليتة والدم‪ ،‬أو يشء من‬
‫وجوه الفساد الذي كان حمرم ًا عليه من غري جهة اإلجارة فيه‪.‬‬
‫وكل أمر ينهى عنه من جهة من اجلهات فمحرم عىل اإلنسان إجارة نفسه فيه‬
‫أو له أو يشء منه أو له إالّ ملنفعة من استأجرته كالذي يستأجر له األجري حيمل له امليتة‬
‫ينحيها عن أذاه أو أذى غريه وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫() يف هامش الوسائل‪ :‬يف املصدر (يعني حتف العقول) زيادة‪( :‬إىل موضع معلوم)‪.‬‬
‫() يف اهلامش‪ :‬يف املصدر زيادة‪ :‬أو بمملوكه أو قرابته أو تأجري من قبله‪ ،‬فهذه وجوه من‬
‫وجوه اإلجارات‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪204‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ إىل أن قال ـ‪ :‬وكل من آجر نفسه أو آجر ما يملك أو ييل أمره‪ ،‬من كافر‬
‫أو مؤمن‪ ،‬أو ملك أو سوقة‪ ،‬عىل ما فرسنا مما جتوز اإلجارة فيه‪ ،‬فحالل حملل فعله‬
‫وكسبه»‪.‬‬

‫وقد رجع إىل هذه املرسلة يف مقام االستدالل غري واحد من أكابر فقهائنا األعالم‬
‫أمثال املحدث البحراين (ت ‪1186‬هـ) يف كتابه (احلدائق النارضة)() والشيخ األعظم‬
‫يف مقدمة كتابه (املكاسب)‪.‬‬

‫ويمكن االستدالل لذلك بام رواه احلر العاميل يف (الوسائل) ـ يف املوضع نفسه ـ‬
‫حتت رقم ‪ ،24246‬ونصه‪3« :‬ـ عيل بن احلسني املرتىض يف رسالة (املحكم واملتشابه)‬
‫ال عن تفسري النعامين بإسناده اآليت (يف الفائدة الثانية من اخلامتة رقم ‪ :52‬عن عيل‬ ‫نق ً‬
‫‪ ‬يف بيان معايش اخللق‪ ،‬قال‪ :‬وأما وجه اإلجارة فقوله عز وجل‪﴿ :‬ن َْح ُن َق َس ْمنَا‬
‫ات لِيت ِ‬
‫ض درج ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َب ْين َُه ْم َم ِع َ‬
‫َّخ َذ َب ْع َض ُه ْم‬ ‫َ‬ ‫يشت َُه ْم فيِ الحَْ َياة الدُّ ْن َيا َو َر َف ْعنَا َب ْع َض ُه ْم َف ْو َق َب ْع ٍ َ َ َ‬
‫مِ‬
‫ون﴾ فأخربنا سبحانه أن اإلجارة أحد معايش‬ ‫ي َم ُع َ‬ ‫ك َخيرْ ٌ مَّا جَ ْ‬ ‫َب ْع ًضا ُسخْ ِر ًّيا َو َر مْ َ‬
‫ح ُة َر ِّب َ‬
‫اخللق‪ ،‬إذ خالف بحكمته بني مهمهم وإراداهتم وسائر حاالهتم‪ ،‬وجعل ذلك قوام ًا‬
‫ملعايش اخللق‪ ،‬وهو الرجل يستأجر الرجل يف ضيعته وأعامله‪ ،‬وأحكامه وترصفاته‬
‫وأمالكه‪ ،‬ولو كان الرجل منا يضطر إىل أن يكون بنّاء لنفسه أو نجار ًا أو صانع ًا يف‬
‫يشء من مجيع أنواع الصنائع لنفسه‪ ،‬ويتوىل مجيع ما حيتاج إليه من إصالح الثياب‪،‬‬
‫وما حيتاج إليه من امللك ممن دونه ما استقامت أحوال العامل بذلك وال اتسعوا له‪،‬‬
‫ولعجزوا عنه‪ ،‬ولكن أتقن تدبريه ملخالفتهم بني مهمهم‪ ،‬وكل ما يطلب مما تنرصف‬
‫إليه مهته مما يقوم به بعضهم لبعض‪ ،‬وليستغني بعضهم ببعض يف أبواب املعايش التي‬
‫هبا صالح أحواهلم‪.‬‬

‫() انظر اجلزء الثامن عرش‪ ،‬كتاب التجارة‪ :‬املقدمة الثالثة فيام يكتسب به‪ ..‬وعقبه ( ‪)‬‬
‫بقوله‪« :‬وإنام نقلناه بطوله جلودة مدلوله وحمصوله‪ ،‬ومنه يستنبط مجلة من األحكام التي وقع‬
‫فيها اإلشكال بني مجلة من علامئنا األعالم»‪.‬‬
‫اإليداع البنوك التجارية‬
‫مشروعية التعامل مع‬
‫اإليداع ‪ -‬لغة ‪ -‬مصدر الفعل ( َأودع) املزيد باهلمزة من أوله‪ ،‬وهو ‪ -‬أعني‬
‫الفعل أودع ‪ -‬من األضداد‪ ،‬فقد جاء يف (الصحاح)‪« :‬قال الكسائي‪ :‬يقال‪ :‬أودعتُه‬
‫ماالً‪ ،‬أي دفعته إليه يكون وديعة عنده‪ ،‬وأودعتُه أيض ًا إذا دفع إليك ماالً ليكون وديعة‬
‫اإليداع‬ ‫ ‬
‫عندك فقبلتَها‪.‬‬
‫ اخلصم‬
‫واستودعته وديعة إذا استحفظته إياها‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫القروض‬ ‫ ‬
‫قرطاسا فض ّيعه‬
‫ً‬ ‫العلم‬
‫َ‬ ‫استودع‬
‫َ‬
‫القراطيس»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مستودع العل ِم‬
‫ُ‬ ‫فبئس‬

‫ويعرف اإليداع اقتصادي ًا ‪ -‬كام جاء يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال‬


‫ّ‬
‫وإدارة األعامل) للمحامي نبيه غطاس‪ ،‬مادة ‪ - Bailment‬بأنه «نقل امللك ‪ -‬دون نقل‬
‫حق ملكيته ‪ -‬من شخص إىل شخص آخر بموجب اتفاقية أو عقد ينص عىل أن ذلك‬
‫امللك سيعاد إىل صاحبه عند تنفيذ أغراض العقد‪.‬‬
‫ِ‬
‫(املودع ‪ ،)Bailor‬والذي يتسلمه يسمى‬ ‫والشخص الذي يسلم امللك يسمى‬
‫(املو َدع ‪.)Bailee‬‬
‫واآلن وبعد أن استوفينا البحث يف مقدمات ومداخل موضوعنا (املعامالت‬
‫املالية مع البنوك التجارية) نكون مع املوضوع مبارشة‪ ،‬ندرسه وفق اخلطة التي أملحت‬
‫إليها يف مبحث (منهج البحث) والتي تتلخص بالتايل‪:‬‬

‫‪1‬ـ البدء بتحديد موضوع املعاملة يف ضوء معطيات بحوث وكتابات علامء‬
‫االقتصاد‪ ،‬مع استعراض ما يرتبط به وما يالبسه من مفاهيم ومصاديق أو قضايا‬
‫أخرى يف حدود املطلوب‪.‬‬

‫أثني بمحاولة التامس مرشوعية املعاملة إسالمي ًا‪ ،‬عىل أساس من سلوك‬
‫‪2‬ـ ثم ّ‬
‫إحدى الطريقتني اللتني ذكرهتام يف مبحث (منهج البحث)‪ ،‬ومها‪ :‬طريقة التناظر‬
‫وطريقة الشمول‪.‬‬

‫وبإجياز‪:‬‬

‫معرفة املوضوع أوالً‪.‬‬

‫فمعرفة احلكم ثاني ًا‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪208‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫واملعامالت التي سأتناوهلا بالدراسة ـ هنا ـ هي‪:‬‬

‫ـ اإليداع‪.‬‬

‫ـ اخلصم‪.‬‬

‫ـ القرض‪.‬‬
‫اإليداع‬
‫اإليداع ـ لغة ـ مصدر الفعل ( َأودع) املزيد باهلمزة من أوله‪ ،‬وهو ـ أعني الفعل‬
‫أودع ـ من األضداد‪ ،‬فقد جاء يف (الصحاح)‪« :‬قال الكسائي‪ :‬يقال‪ :‬أودعتُه ماالً‪ ،‬أي‬
‫دفعته إليه يكون وديعة عنده‪ ،‬وأودعتُه أيض ًا إذا دفع إليك ماالً ليكون وديعة عندك‬
‫فقبلتَها‪.‬‬

‫واستودعته وديعة إذا استحفظته إياها‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬

‫قرطاسا فض ّيعه‬
‫ً‬ ‫العلم‬
‫َ‬ ‫استودع‬
‫َ‬
‫القراطيس»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مستودع العل ِم‬
‫ُ‬ ‫فبئس‬

‫ويعرف اإليداع اقتصادي ًا ـ كام جاء يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال‬


‫ّ‬
‫وإدارة األعامل) للمحامي نبيه غطاس‪ ،‬مادة ‪ Bailment‬ـ بأنه «نقل امللك ـ دون نقل‬
‫حق ملكيته ـ من شخص إىل شخص آخر بموجب اتفاقية أو عقد ينص عىل أن ذلك‬
‫امللك سيعاد إىل صاحبه عند تنفيذ أغراض العقد‪.‬‬
‫ِ‬
‫(املودع ‪ ،)Bailor‬والذي يتسلمه يسمى‬ ‫والشخص الذي يسلم امللك يسمى‬
‫(املو َدع ‪.)Bailee‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪210‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مثال عىل ذلك‪ :‬البضائع التي تودع هبدف ختزينها أو إصالحها‪ ،‬وكذلك‬
‫املعدات املؤجرة إىل الغري»‪.‬‬

‫ويتمثل اإليداع ـ بمعنى جعل الوديعة يف عهدة البنك ـ بإحدى العمليات‬


‫التالية‪:‬‬

‫‪1‬ـ تأجري اخلزائن‬

‫تأجري اخلزائن من األعامل التي يقوم هبا البنك حيث ُيعد خزائن حديدية حلفظ‬
‫األشياء الثمينة من أموال ووثائق وجموهرات ونقود وسبائك ذهبية أو فضية وما شابه‬
‫ذلك‪ ،‬يؤجرها عىل عمالئه‪ ،‬وال يسمح هلم ـ من ناحية قانونية بإدخال املواد املحظورة‬
‫إىل اخلزانة‪ ،‬أمثال األسلحة واملخدرات واملتفجرات واملواد امللتهبة وما إليها‪ ،‬وذلك‬
‫توفري ًا لألمن وضامن ًا للسالمة‪ ،‬و ُيعد املرصف ـ عادة ـ مفتاحني لكل خزينة ُي ّسلم‬
‫أحدمها للعميل املستأجر وحيتفظ باملفتاح اآلخر لدى إدارة البنك بعد وضعه يف ظرف‬
‫من القامش خيتم بالشمع‪ ،‬وذلك الستخدامه عند فقدان مفتاح العميل‪.‬‬

‫وال يسمح للعميل بالرجوع إىل خزينته إال يف أوقات دوام البنك الرسمية‪.‬‬

‫«وزيادة من البنك يف خدمة عمالئه الذين يريدون أن يضعوا أشياء ثمينة أو‬
‫نقود ًا يف غري مواعيد العمل الرسمية‪ ،‬خيشون عليها إذا استمرت يف أيدهيم الضياع‬
‫أو الرسقة أو خماطر احلريق‪ ..‬إلخ‪ ،‬فقد أعد البنك حمافظ جلدية صغرية حتمل كل‬
‫حمفظة رق ًام خاص ًا‪ ،‬وهلا مفتاحان أيض ًا‪ ،‬يس ّلم أحدمها للعميل ويبقى اآلخر طرف‬
‫إدارة البنك يف مظروف من القامش يقفل ثم خيتم مثل مفتاح اخلزانة احلديدية‪.‬‬

‫وطريقة استعامل هذه املحافظ اجللدية تتلخص يف أن العميل عندما يتسلم أي‬
‫مبلغ من النقود أو حيصل عىل أشياء نفيسة يريد االحتفاظ هبا وإيداعها يف اخلزانة‬
‫احلديدية التي استأجرها ـ بعد أوقات العمل الرسمية ـ فام عليه إالّ أن يودع ما‬
‫معه يف داخل املحفظة اجللدية التي معه ويقفلها ثم يذهب إىل البنك‪ ،‬وهناك يودع‬
‫‪211‬‬ ‫اإليداع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫املحفظة اجللدية يف فتحة باجلدار اخلارجي للبنك ـ كام هو متبع يف صندوق الربيد ـ‬
‫فتسقط املحفظة عىل خزانة حديدية (موجودة) أسفل الفتحة وتبقى موجودة حتى‬
‫صباح اليوم التايل ثم تفتح بحضور صاحبها أو وكيله أو يكتفى بموظف البنك كام يف‬
‫انجلرتا‪ ،‬وذلك تب ًعا لطبيعة التعامل بني البنك والعميل»()‪.‬‬

‫وحكم هذا العمل ـ من ناحية رشعية ـ اجلواز‪ ،‬وذلك ألنه إن نظر عىل أن املبلغ‬
‫املدفوع للبنك هو وديعة‪ ،‬أو إجارة‪ ،‬فهو مشتمل عىل عنارصمها وأبعادمها‪ ،‬وإن نظر‬
‫عىل أنه عقد مستقل‪ ،‬فألنه مل يشتمل عىل حمرم يكون مشموالً للعمومات واإلطالقات‬
‫﴿أو ُفوا بِا ْلع ُق ِ‬
‫ود﴾‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الرشعية كقوله تعاىل َ ْ‬
‫‪2‬ـ احلساب اجلاري‬

‫«ينترش احلساب اجلاري يف احلياة العملية عىل نطاق واسع‪ ،‬وهو نظام جرى‬
‫به التعامل منذ أمد بعيد حتى صار عرف ًا أقره الفقه والقضاء بعد أن قاما بتصحيح‬
‫بعض قواعده وتعديل بعض أحكامه‪ ،‬فأصبح بذلك نظا ًما أصي ً‬
‫ال من أنظمة التجارة‬
‫له قواعده وأحكامه الثابتة»()‪.‬‬

‫وسبق أن تعرفنا عند تعريفنا لبعض املصطلحات االقتصادية املهمة أن احلساب‬


‫اجلاري شكل من أشكال احلسابات املرصفية التي تقوم بني البنك وعمالئه‪.‬‬

‫والواقع أنه أشمل من هذا حيث إن احلساب اجلاري قد يقع بني شخصني‪،‬‬
‫ولكنه بني األفراد أو املؤسسات كطرف والبنوك التجارية كطرف آخر هو األشهر‬
‫واألعرف‪.‬‬

‫() األعامل املرصفية يف اإلسالم‪ ،‬مصطفى عبد اهلل اهلمرشي ط ‪ 2‬ص ‪ 259‬ـ ‪ 260‬ويف‬
‫هامش‪ :‬انظر‪ :‬بنوك الودائع من ص ‪ 429‬ـ ص ‪.432‬‬
‫() د‪ .‬اجلرب‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك يف اململكة العربية السعودية ص ‪ 241‬نق ً‬
‫ال‬
‫عن‪Rodiere. et Rive:‬ـ‪.Droit buncaire. Paris Dalloz Tunc. A )1975(..Lange. J.I‬‬
‫(‪ .Le eonlltral de garde. Paris )1942‬بند رقم ‪106‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪212‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فـ«ال يشرتط أن يكون أحد طريف احلساب اجلاري بنك ًا‪ ،‬إذ جيوز أن يفتح‬
‫احلساب اجلاري بني شخصني متى كانت بينهام عمليات متصلة‪ ،‬كام هو الشأن بني‬
‫املوكل والوكيل بالعمولة وبني الرشكاء والرشكة‪ ،‬ولكن الغالب هو أن يفتح احلساب‬
‫اجلاري بني أحد البنوك وعميله التاجر‪ ،‬فيقيد البنك يف اجلانب الدائن من احلساب‬
‫الودائع النقدية التي يسلمها العميل»()‪.‬‬

‫ويتحقق بأن يكون يف خزانة البنك رصيد مايل باسم العميل يمكّنه من حترير‬
‫شيكات عىل ذلك الرصيد والسحب منه متى شاء‪.‬‬

‫وتتنوع احلسابات اجلارية إىل نوعني‪:‬‬

‫أـ حسابات جارية دائنة‬

‫وهي التي يقوم العميل بفتحها‪ ،‬وذلك بإيداعه مبلغ ًا معين ًا يف البنك ليكون‬
‫بداية رصيده ليضيف عليه ويسحب منه‪.‬‬

‫ب ـ حسابات جارية مدينة‬

‫وهي التي يقوم البنك بإنشائها بفتحه اعتامد ًا مرصفي ًا بسلفة منه للعميل‪ ،‬يبدأ‬
‫العميل رصيده هبا‪ ،‬ولقاء فائدة للبنك يف مقابل تلك السلفة‪.‬‬

‫وتتمثل عوائد البنك من احلسابات اجلارية يف التايل‪:‬‬

‫‪1‬ـ «فائدة يتفق عليها البنك مع العميل‪ ،‬إذا بدأ احلساب اجلاري بسلفة من‬
‫البنك ـ أي بفتح اعتامده ـ‪ ،‬وتلك الفائدة ختتلف باختالف قيمة السلعة ومدهتا‪ ،‬وليس‬
‫هناك معدل ثابت ألسعار الفائدة‪ ،‬بل عىل حسب االتفاق والظروف لكل حالة عىل‬
‫حدة»‪.‬‬

‫() العقود التجارية وعمليات البنوك يف اململكة العربية السعودية ‪.242‬‬


‫‪213‬‬ ‫اإليداع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪2‬ـ «عمولة تتقاضاها البنوك مقابل إدارهتا لعمليات احلساب اجلاري‪.‬‬

‫‪3‬ـ استثامر بعض األموال املودعة يف احلساب اجلاري يف استثامرات قصرية‬


‫ومناسبة‪ ،‬والعائد منها يكون للبنك وحده دون أن يرشك العمالء أصحاب هذه‬
‫احلسابات اجلارية معه»()‪.‬‬

‫ومن هذا نتبينَّ أن احلساب اجلاري‪:‬‬

‫إن كان من إيداع العميل يضع البنك عليه عمولة‪ ،‬هي عائد من هذا العمل‪.‬‬

‫وإن كان بسلفة من البنك للعميل فإن البنك ـ هنا ـ يضع عىل العميل فائدة‬
‫يدفعها العميل للبنك‪.‬‬

‫فعىل األول يكون الرصيد وديعة ولكن بشكلها املستحدث‪.‬‬

‫وعىل الثاين يكون الرصيد قرض ًا ذا فائدة‪.‬‬

‫وذكرت هذا التقسيم لكي يراعى يف حماولة معرفة احلكم الرشعي للمسألة‬
‫ُ‬
‫املذكورة‪ ،‬ذلك أن غري واحد من أصحابنا ممن كتب يف املوضوع قرص بحثه عىل القسم‬
‫األول فقط‪.‬‬

‫وقد سلك األصحاب الذين أرشت إليهم طريقة التناظر للوصول إىل احلكم‪،‬‬
‫وذلك بطرح املحتمالت من املعامالت املرشوعة التي من املمكن أن تشاهبها معاملة‬
‫احلساب اجلاري‪ ،‬قال الشيخ الشريازي يف كتابه القيم (الربا والبنك اإلسالمي) ط ‪1‬‬
‫ص ‪ 142‬حتت عنوان (ماهية احلساب اجلاري)‪« :‬أما ما هي حقيقة احلساب اجلاري‬
‫وماهيته؟‬

‫() األعامل املرصفية واإلسالم ‪.255 – 254‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪214‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فقلماّ بحث هذا األمر‪ ،‬مع أنه بحث مهم‪ ،‬وعىل ضوء التحقيقات الفقهية يمكن‬
‫أن يقال‪ :‬إن هناك ثالثة احتامالت يف هذا املجال»‪.‬‬

‫وهي كام ذكرها‪:‬‬

‫‪1‬ـ احتامل أن يكون احلساب اجلاري نوع ًا من أنواع القرض «من ِقبل أصحاب‬
‫األموال للبنوك‪ ،‬وليس فيه مدة معينة‪.‬‬

‫ال أن تقرض شخص ًا مائة ألف درهم‪،‬‬


‫ويصطلح عليه (الدين املطالب)‪ ،‬مث ً‬
‫وتشرتط عليه أنك متى ما أردت هذا املال‪ ،‬وبأي مقدار منه فلك احلق يف أن تطالبه‬
‫بذلك‪ ،‬وجيب عليه تسديده يف الوقت الذي تريد‪.‬‬

‫وطبق ًا هلذا االحتامل يكون احلساب اجلاري نوع ًا من القرض بدون مدة‬
‫معلومة»‪.‬‬

‫‪2‬ـ احتامل أن يكون احلساب اجلاري وديعة وأمانة «يعني أن صاحب احلساب‬
‫يضع أمواله بعنوان أمانة لدى البنك‪ ،‬وله أن يأخذ أي مقدار منها متى شاء‪ ،‬غاية‬
‫األمر أنه يأذن يف الترصف للبنك يف هذه األموال وتبديلها‪.‬‬

‫وعىل هذا األساس تكون ماهية احلساب اجلاري يف حقيقتها هي ماهية األمانة‬
‫والوديعة املقارنة مع الوكالة يف التغيري والتبديل (فتأمل)‪.‬‬

‫هذه النظرية أقرب إىل تصور العرف العام ملفهوم احلساب اجلاري فإهنم يرونه‬
‫كاألمانة لدى البنك‪.‬‬

‫ولكن يطرح ـ هنا ـ سؤال‪ ،‬هو‪ :‬هل أن موضوع هذه األمانة هو شخص املال‬
‫املوجود يف اخلارج أو أهنا تكون يف الذمة؟‬

‫فلو كان موضوعها هو املال اخلارجي فيجب عىل البنك أن يكون له احتياطي‬
‫‪215‬‬ ‫اإليداع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بمقدار الودائع املرصفية للناس ألن متعلق الوكالة هو التغيري والتبديل‪ ،‬ومفهومها‬
‫أن البنك يستطيع أن يترصف يف الودائع ويستبدهلا بمثلها‪ ،‬ويضع مبالغ مماثلة هلا يف‬
‫صندوقه‪ ،‬يف حني أن البنوك الفعلية ال تسلك هذا السبيل‪ ،‬وال ترى نفسها ملزمة بأن‬
‫تدخر احتياط ًيا مساو ًيا للودائع فيها‪.‬‬

‫وعىل هذا األساس ال يمكن أن يقال إن موضوع هذه األمانة هو اليشء اخلارجي‪،‬‬
‫بل إهنا أمانة يف الذمة‪ ،‬سواء كانت ذمة شخصية (إذا كان مالك البنك شخص ًا أو‬
‫أشخاص ًا معينني) أو ذمة حقوقية (يف صورة أن يكون مالك البنك شخصية حقوقية)‪،‬‬
‫ويف هذه الصورة تضحى األمانة نو ًعا من أنواع القرض‪ ،‬وليست وديعة حقيقية‪ ،‬ألن‬
‫عني املال غري موجودة لدى البنك وال عوضها‪ ،‬يف حني أن الوديعة جيب أن يكون هلا‬
‫وجود خارجي‪ ،‬وهبذا الرتتيب تواجه مشكلة يف الفرضية الثانية»‪.‬‬

‫‪3‬ـ احتامل «أن تكون ماهية احلساب اجلاري هي ماهية الوديعة‪ ،‬لكن ال الوديعة‬
‫يف عني املال بل الوديعة يف قيمة املال‪ ،‬يعني أن الشخص عندما يودع مائة ألف درهم ـ‬
‫مث ً‬
‫ال ـ عند البنك‪ ،‬فإنه ال يودع عني هذا املال بعنوان أمانة ووديعة‪ ،‬حتى يكون البنك‬
‫ملزم ًا بحفظ وادخار معادل هذا املال لديه‪ ،‬بل أنه يودع قيمته لدى البنك‪ ،‬ويف هذه‬
‫الصورة ال يواجه البنك مشكلة رشعية فيام إذا مل يدخر بمقدار مطالبات الناس»‪.‬‬

‫ثم ـ وبعد ذكر االحتامالت الثالثة ـ يقول‪« :‬وإذا أردنا استجالء النتيجة من هذه‬
‫االحتامالت الثالثة أمكن القول بأن االحتامل الثاين أقرب االحتامالت ملعنى احلساب‬
‫اجلاري‪ ،‬وهو أن ماهية احلساب اجلاري بمثابة الوديعة واألمانة مع توكيل البنك يف‬
‫التغيري والتبديل والترصف‪ ،‬وطبع ًا هذا املعنى يامثل القرض يف النتائج‪ ،‬ولكن املهم‬
‫ال من االحتامالت الثالثة املذكورة للحساب اجلاري فإن هذا العمل‬ ‫أننا إذا قبلنا ك ً‬
‫ال منطقي ًا وال إشكال فيه رشع ًا»‪.‬‬
‫يكون يف عرف العقالء عم ً‬

‫ويمكننا أن نستعمل طريقة الشمول‪ ،‬وانطالق ًا من نظرتنا إىل واقع املعاملة كام‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪216‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تتم بني البنك وعمالئه وفق االتفاقية التي ّتوقع من الطرفني‪ ،‬فنقول‪ :‬يعترب املبلغ‬
‫املرصود باسم العميل أمانة يف ذمة البنك حتفظ بقيمتها لصاحبها‪ ،‬وللبنك الترصف‬
‫هبا كام أن لصاحبها املطالبة هبا مجيعها أو بعضها (سحب املبلغ أو سحب يشء منه)‪،‬‬
‫وهي مضمونة عىل البنك لصاحبها إن تلفت‪ ،‬وال فرق يف ذلك بني أن يكون التلف‬
‫ٍ‬
‫بتعد من البنك أو تفريط‪ ،‬أو بدوهنام‪.‬‬

‫ومجيع هذه االعتبارات املذكورة جتري وفق االتفاقية املكتوبة واملوقعة من‬
‫الطرفني البنك والعميل‪.‬‬

‫وقلت‪( :‬يعترب املبلغ املرصود باسم العميل أمانة يف ذمة البنك حتفظ بقيمتها‬
‫ُ‬
‫لصاحبها) ألمرين‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬إن هناك فرق ًا بني النقود الورقية والنقود من الذهب والفضة‬
‫التي كانت مستعملة يف عرص صدور نصوص الربا‪ ،‬والتي اعتمدها الفقهاء‪ ،‬أساس ًا‬
‫للمامثلة ـ واملقابلة‪ ،‬يتمثل هذا الفرق يف أن األول ـ أعني النقود الورقية ـ هي اآلن‬
‫نتاج مصانع آلية‪ ،‬والثانية ـ أعني النقود الذهبية والفضية ـ كانت تصنع يدوي ًا‪ ،‬ومن‬
‫املعلوم أن ما ينتجه الفاعل باالضطرار كاملصانع اآللية تتساوى وحداته من حيث‬
‫القيمة واالعتبار‪ ،‬فال تفاوت ـ مث ً‬
‫ال ـ بني وحدات فئة العرشة دنانري كمنتوج صناعي‪،‬‬
‫وال تفاوت بني ورقة العرشة دنانري وعرش ورقات من فئة الدينار من حيث القيمة‪،‬‬
‫وهذا يعني أنه ال فرق يوجد يستلزم الفرق يف ترتب األثر الرشعي بني أن حيتفظ البنك‬
‫بنفس األوراق التي أودعت لديه فيسلمها لصاحبها عند الطلب‪ ،‬أو يسلمه أخرى من‬
‫فئتها متاثلها‪ ،‬أو من فئات أخرى بقيمتها‪ ،‬كام هو املعمول به اآلن واملتعارف عليه بني‬
‫الناس‪ ،‬وهذا بعكس ما ينتجه الفاعل باالختيار كمصنوعات اإلنسان اليدوية نحو‬
‫الدينار الذهب‪ ،‬فإن صب الذهب يف القالب ثم ختمه بالسكة‪ ،‬جيعل وحداته خيتلف‬
‫ال جد ًا ال يعتد به‪ ،‬وقد يكون غري قليل فيعتد‬
‫بعضها عن بعض اختال ًفا قد يكون قلي ً‬
‫‪217‬‬ ‫اإليداع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫به‪ ،‬ومن هنا قرأنا ـ فيام تقدم ـ أن جتار مكة كانوا يزنون الدنانري الذهب التي تأتيهم من‬
‫اليمن للسبب املذكور‪ ،‬إذ ربام كان الفارق واضح ًا يؤثر يف تفاوت القيمة‪.‬‬

‫يقول اهلمرشي يف (األعامل املرصفية يف اإلسالم) ص ‪« :101‬فالعرب يف عهد‬


‫الرسول (‪ )‬تتعامل بقطع من الذهب والفضة غري منتظمة الشكل‪ ،‬اسم كل قطعة‬
‫مأخوذ من وزهنا‪ ،‬وكانت عند بعض األمم قطع مربعة الشكل‪ ،‬وعند غريهم بيضاوية‬
‫الشكل()‪.‬‬

‫ويف عهد النبي ‪ ‬وأيب بكر استخدمت العملة الفارسية والرومانية فقط()‪.‬‬

‫وقال املارودي‪ :‬إن الدراهم كانت يف أيام الفرس مرضوبة عىل ثالثة أوزان‪،‬‬
‫منها درهم عىل وزن املثقال عرشون قرياط ًا‪ ،‬ودرهم وزنه اثنا عرش قرياط ًا‪ ،‬ودرهم‬
‫وزنه عرشة قراريط‪ ،‬وروي مثل ذلك عن البالذري()‪.‬‬

‫فام كان يشرتط يف الوديعة قدي ًام أن تُعامل النقود معاملة األعيان فيحتفظ هبا‬
‫بذواهتا للسبب املذكور‪ ،‬وحيث ال يوجد هذا يف النقود الورقية ال يشملها الرشط‬
‫املشار إليه‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬إن العرف العاملي تبانى وتبنى هذه املواصفات املذكورة عملي ًا‪،‬‬
‫واملعامالت ـ كام هو معلوم ـ تنشأ اجتامعي ًا‪ ،‬وحني يكون فيها رضر عىل اإلنسان‬
‫يتدخل الرشع املقدس فيقرر إلغاءها إذا اقتىض دفع الرضر ذلك‪ ،‬أو يقوم بتهذيبها بام‬

‫() يف هامشه‪ :‬ج ‪ 20‬من اخلطط التوفيقية اجلديدة ص‪ 5‬تأليف عيل باشا مبارك‪ ،‬طبعة أوىل‪،‬‬
‫املطبعة الكربى األمريية‪.‬‬
‫() يف اهلامش‪ :‬اإلدارة العربية‪ ،‬تأليف س ‪ .‬أ ‪ ،.‬حسيني‪ ،‬ترمجة إبراهيم العدوي ص ‪172‬‬
‫مراجعة عبد العزيز عبد احلق‪ ،‬إرشاف إدارة الثقافة العامة‪.‬‬
‫() يف اهلامش‪ :‬املاوردي‪ ،‬األحكام السلطانية ص ‪ 147‬نق ً‬
‫ال عن كتاب اخلراج والنظم املالية‬
‫للدكتور ضياء الدين الريس‪ ،‬مكتبة األنجلو‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪218‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يدفع الرضر‪ ،‬وحيث ال يوجد يشء من هذا يف معاملتنا هذه‪ ،‬تعترب مرشوعة‪ ،‬وذلك‬
‫ود﴾‪.‬‬‫بشموهلا لعمومات املقام‪ ،‬أمثال قوله تعاىل‪﴿ :‬و َأو ُفوا بِا ْلع ُق ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬

‫هذا ما أوصل إليه البحث الفقهي من نتيجة أعطتنا احلكم الرشعي للحسابات‬
‫اجلارية الدائنة‪.‬‬

‫وبالنسبة للحسابات اجلارية املدينة‪ ،‬فألهنا قرض نرجئ البحث عن حكمها إىل‬
‫البحث عن اإلقراض واالقرتاض يف معامالت البنوك فيام يأيت‪.‬‬

‫‪3‬ـ حسابات الودائع‬

‫وتسمى ـ أيض ًا ـ حسابات اإليداع‪ ،‬وقد َّ‬


‫مر بنا ـ قبل قليل ـ تعريف اإليداع‪،‬‬
‫ومنه يستخلص تعريف الودائع‪ ،‬وهي مجع وديعة‪ ،‬ويراد هبا ـ هنا ـ الودائع النقدية‪.‬‬

‫«وقد ُعرفت الودائع النقدية منذ القدم‪ ،‬إالّ أهنا مل تنترش عىل نطاق واسع إالّ يف‬
‫القرن التاسع عرش‪ ،‬وبصفة خاصة يف النصف الثاين منه‪ ،‬وذلك نتيجة النتشار البنوك‬
‫واعتياد الناس التعامل معها فيام يتعلق بكافة شؤوهنم املالية»()‪.‬‬

‫ويعرفها الدكتور اجلرب فيقول‪« :‬الوديعة النقدية املرصفية‪ :‬هي عقد بمقتضاه‬
‫ّ‬
‫يسلم العميل مبلغ ًا معين ًا من النقود إىل البنك الذي يلتزم برد قيمته دفعة واحدة أو‬
‫عىل دفعات عند الطلب أو عند حلول األجل املتفق عليه إىل العميل ذاته أو إىل شخص‬
‫آخر يعينه العميل»()‪.‬‬

‫() اجلرب‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك يف اململكة العربية السعودية ص ‪ 283‬عن‬
‫ريبريورويلو ‪ 288 N 1970 R. Rodière et R. Houin. Dreit commercial. Paris‬بندر‬
‫رقم ‪.2066‬‬
‫() م ‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪219‬‬ ‫اإليداع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أما احلساب ـ كمصطلح مرصيف ـ فقد يقصد به «القيد املادي للعمليات اجلارية‬
‫بني طرفني‪.‬‬

‫ويقصد به أيض ًا الكشف الذي يرسل إىل العميل‪.‬‬

‫ويقصد به كذلك العقد أو االتفاق عىل الدخول يف معامالت تقيد يف حساب‬


‫واحد»()‪.‬‬

‫واملعنى األخري هو املقصود هنا‪.‬‬

‫وتنقسم هذه احلسابات إىل قسمني‪:‬‬

‫‪1‬ـ ودائع حتت الطلب‬

‫وهي أهم حسابات الودائع‪ ،‬واألكثر استخدام ًا‪ ،‬وقد تسمى بحساب الشيكات‬
‫وبالودائع اجلارية‪.‬‬

‫وعرفت بالودائع حتت الطلب أو لدى الطلب ألن للمودع احلق يف أن يطلب‬
‫اسرتجاع املبالغ املودعة مجيعها أو بعضها يف أي وقت شاء‪.‬‬

‫ويتم االسرتجاع أو االسرتداد ـ عادة ـ بطريق الشيكات أو أوامر التحويل أو‬


‫النقل املرصيف‪.‬‬

‫«غري أن البنوك وضعت بعض القيود عىل أنواع من السحب إذا زادت عن‬
‫مبلغ معني حددته واشرتطت عند سحب هذا املبلغ الزائد عن النسبة املحددة أن خيطر‬

‫() موسوعة أعامل البنوك من الناحيتني القانونية والعملية‪ ،‬دكتور حميي الدين إسامعيل علم‬
‫الدين‪ ،‬ط القاهرة ‪1993‬م‪.491/1 ،‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪220‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫العميل البنك قبلها بمدة يتفق عليها وتتناسب مع املبلغ املطلوب»()‪.‬‬

‫ويف الغالب ال يعطي البنك فوائد ألصحاب هذه الودائع إالّ يف حاالت‬
‫نادرة‪.‬‬

‫‪2‬ـ ودائع ألجل‬

‫وهي أقل استخدام ًا من ذات الطلب وأكثر منها فائدة للبنك‪.‬‬

‫وأطلق عليها (ودائع ألجل) ألهنا حتدد بمدة معينة يتفق عليها بني البنك‬
‫والعميل‪ ،‬ومن هنا ال جيوز اسرتدادها من ِقبل العميل إالّ بعد انتهاء األجل املحدد‬
‫بينهام‪.‬‬

‫ويعطي البنك عليها فائدة تزداد كلام ازداد األجل‪.‬‬

‫وحكمها اجلواز وصحة املعاملة يف األوىل عندما ال حيصل العميل عىل فائدة‪..‬‬
‫ويف حالة حصول العميل عىل الفائدة ـ سواء كان هذا يف األول أو يف الثاين ـ يأيت بيان‬
‫حكمه عند التعرض حلكم فوائد القروض‪.‬‬

‫() األعامل املرصفية واإلسالم ‪.238‬‬


‫خصم األوراق املالية‬
‫بدء ًا ال بد من تعريف كلمتي العنوان (اخلصم ـ األوراق التجارية) توطئة‬
‫للدخول يف بحث املسألة (خصم األوراق التجارية) التي هي إحدى العمليات‬
‫املرصفية‪ ،‬واملعامالت التي جتري بني البنوك التجارية وعمالئها‪.‬‬

‫اخلصم ‪Discount‬‬

‫ب يغلب‬ ‫اخلصم ـ يف لغتنا العربية ـ مصدر الفعل َخ َص َم يخَ ُْص ُم‪ ،‬بمعنى َغ َل َ‬
‫غلب ًا‪ ،‬وهو املعنى املعجمي‪ ..‬ومنه ما ذكر يف (حميط املحيط)‪« :‬خصمه خيصمه خص ًام‪:‬‬
‫غلبه يف اخلصومة»‪.‬‬
‫وكام ترى‪ ،‬ليس فيه ما يلمح ملعنى املصطلح االقتصادي (‪ )Discount‬الذي نحن‬
‫يف معرض بيانه‪.‬‬
‫وقد يكون أقرب معنى إليه ما أضافته بعض املعاجم احلديثة وهو معنى‬
‫(احلطيطة) وهو مصطلح من مصطلحات علم احلساب‪ ،‬كام جاء يف (املعجم‬
‫الوسيط)‪« :‬واخلصم (يف علم احلساب) احلطيطة (مو)‪ ،»..‬وهو من املولد كام رمز‬
‫املعجم املذكور إىل هذا برمز (مو)‪.‬‬
‫و«احلطيطة‪ :‬اسم من احلط‪ ،‬وهو ما حيط من الثمن‪ ،‬ج حطائط‪ ،‬يقال‪ :‬حط عنه‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪222‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حطيطة وافية‪.‬‬
‫واحلطيطة‪ :‬ما حيط من مجلة احلساب»()‪.‬‬
‫ونقرأ يف معجم (الصحاح يف اللغة والعلوم) ـ وهو من املعاجم احلديثة ـ معنى‬
‫آخر أقرب من املعنى املذكور ـ يف أعاله ـ إىل معنى املصطلح االقتصادي‪ ،‬هو (اخلصم‬
‫من املرتب) بمعنى «احلرمان من املرتب ملدة حمدودة»‪ ،‬وهو من وضع جممع اللغة‬
‫العربية يف القاهرة‪.‬‬
‫وأخري ًا‪ :‬يضاف املعنى االقتصادي إىل أحد املعاجم العربية يف أمثال‪:‬‬
‫ـ اهلادي إىل لغة العرب‪ ،‬للكرمي‪« :‬واخلصم يف االصطالح املايل‪ :‬هو اقتطاع‬
‫نسبة معينة من قيمة اليشء كخصم الكمبياالت‪ ،‬ومنه‪ :‬سعر اخلصم يف املعامالت‬
‫املالية‪ ،‬وهو املعروف باسم ‪ Bank Rate‬أو ‪.Discount Rate‬‬
‫ـ املعجم العريب األسايس‪ ،‬للمنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‪« :‬خصم‬
‫خيصم خص ًام من ثمن السلعة‪ :‬نقص (خصم للمشرتي من ثمن السلعة دينار ًا)‪.‬‬
‫خصم خيصم خص ًام‪ :‬منحه خص ًام مقداره ‪.%10‬‬
‫(يف االقتصاد)‪ :‬اقتطاع جزء من القيمة االسمية لسند مقابل دفع قيمته قبل‬
‫حلول أجل الوفاء‪.‬‬
‫(يف اإلدارة)‪ :‬احلرمان من املرتب أو جزء منه ملدة حمدودة»‪.‬‬
‫وقد تستعمل كلمة (حسم) بمعنى قطع ‪ Cut‬إلفادة املعنى االقتصادي املذكور‪،‬‬
‫ففي (املعجم العريب األسايس)‪« :‬حسم مبلغ ًا‪ :‬نقصه أو خفضه (حسم التاجر عرشة‬
‫باملائة من سعر البضاعة)‪.»..‬‬
‫وربام أطلق املعنى االقتصادي اسم (القطع ‪ )Cut‬أيض ًا‪.‬‬

‫() معجم (البستان ) مادة‪ :‬خصم‪.‬‬


‫‪223‬‬ ‫خصم األوراق املالية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقبل أن نعرف مفهوم اخلصم اقتصادي ًا من خالل كتابات االقتصاديني ال بد‬
‫من التوطئة لذلك بتعريف (األوراق التجارية) لتوقف معرفة املفهوم االقتصادي‬
‫ملصطلح (خصم) عىل معرفة مفهوم األوراق التجارية‪.‬‬

‫األوراق التجارية ‪Commercial Paper‬‬

‫ال يوجد تعريف دقيق ملا يصطلح عليه اقتصادي ًا باألوراق التجارية‪ ،‬وبتقريب‬
‫خمترص‪ :‬يراد هبا سندات الدين القابلة للتداول‪ ،‬أمثال الكمبياالت واحلواالت‪.‬‬
‫ومن تعريفاهتا‪:‬‬
‫ـ ما جاء يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل)‪« :‬أوراق‬
‫شكل من سندات الدين القصرية األجل‪ ،‬والقابلة‬‫ٍ‬ ‫أي‬
‫جتارية ‪ُّ :Commercial Paper‬‬
‫للتداول التي تنشأ عن صفقات ومعامالت جتارية‪ ،‬بام فيها الكمبياالت واحلواالت‬
‫وسندات القبول وما شابه ذلك‪.‬‬
‫وليس هناك تعريف دقيق هلذه العبارة‪ ،‬إالّ أنه يف األوساط املالية األمريكية‬
‫حترر عن ديون مفرتضة ملدة أقل من ستة‬ ‫تعني ـ عىل وجه العموم ـ السندات التي ّ‬
‫أشهر بمبالغ ال تزيد عىل ‪ 50.000‬دوالر‪.‬‬
‫ويف االصطالح الدارج تسقط كلمة (جتاري ‪ )Commercial‬فنقول ـ مث ً‬
‫ال ـ أوراق‬
‫زراعية ‪ Aqricural Paper‬وأوراق مرصفية ‪ Bank Paper‬إلخ»‪.‬‬
‫ـ ويف (األعامل املرصفية واإلسالم) ص ‪« :189‬األوراق التجارية صكوك ثابتة‬
‫للتداول متثل حق ًا نقدي ًا وتستحق الدفع بمجرد االطالع أو بعد أجل قصري‪ ،‬وجيري‬
‫العرف عىل قبوهلا كأداة للوفاء»()‪.‬‬
‫«وقيل‪ :‬إهنا كل صك ليست له خصائص النقود احلقيقية‪ ،‬ومع ذلك جيري‬

‫() يف هامشه (‪ :)1‬األوراق التجارية‪ ،‬للدكتور مصطفى كامل ص‪ ،5‬ص‪ 9‬طبعة ثانية‪ ،‬مطبعة‬
‫مرص‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪224‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قبوله يف احلياة التجارية بدالً من النقود»()‪.‬‬
‫ووفاء بالوعد نعود ثانية إىل تعريف اخلصم‪:‬‬
‫ـ يقول الدكتور اجلرب‪« :‬اخلصم‪ :‬هو تظهري الورقة التجارية التي مل حيل أجلها‬
‫بعدُ ‪ ،‬تظهري ًا ناق ً‬
‫ال للملكية ألمر بنك يقوم بدفع قيمتها للمظهر‪ ،‬أو بقيدها يف حسابه‬
‫لديه بعد خصم األجر الذي يستحقه عن العملية»()‪.‬‬
‫ـ ويقول األستاذ اهلمرشي‪« :‬اخلصم أو القطع‪ :‬عملية مرصفية بموجبها‬
‫يقوم حامل الورقة التجارية بنقل ملكيتها عن طريق التظهري إىل البنك قبل ميعاد‬
‫االستحقاق مقابل حصوله عىل قيمتها خمصوم ًا منها مبلغ ًا معين ًا يسمى اخلصم أو‬
‫(األجيو)‪.)(»..‬‬
‫ومن التعريفات املذكورة نكون قد تبينا كيفية إجراء عملية اخلصم وذلك وفق‬
‫اخلطوات التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬يتم االتفاق بني البنك التجاري والعميل عىل أن يسلم العميل األوراق‬
‫التجارية التي يريد حتصيل مبالغها بعد تظهريها إىل البنك‪.‬‬
‫‪ .2‬يقوم البنك بتحصيل املبالغ من املدينني‪.‬‬
‫‪ .3‬يسلم البنك املبلغ إىل العميل بعد أن خيصم البنك منها عمولته يف مقابل‬
‫قيامه بعملية التحصيل‪ ،‬وبتعبري فقهي‪ :‬بعد أن يأخذ البنك أجره من املبلغ يف مقابل‬
‫عمله الذي قام به وهو التحصيل‪.‬‬
‫ومنه نتبينَّ احلكم الرشعي يف هذه املعاملة‪ ،‬وهو اجلواز والصحة‪ ،‬ألن العمولة‬
‫التي يستوفيها البنك من املبلغ هي أجر يف مقابل عمل حمرتم‪.‬‬

‫() دروس يف األوراق التجارية‪ ،‬للدكتور أكثم اخلويل ص‪ 14‬لطبعة هنضة مرص‪.‬‬
‫() العقود التجارية وعمليات البنوك يف اململكة العربية السعودية ص ‪.331‬‬
‫() األعامل املرصفية واإلسالم ص ‪.191‬‬
‫القرض‬
‫وس َل َف ًا‪.‬‬
‫يسمى َق ْر َض ًا و َد ْين ًا َ‬
‫وتطلق الصيغ املذكورة عىل العملية املرصفية واملعاملة التي تقوم بني البنك‬
‫التجاري والعميل‪.‬‬

‫رتض ـ سواء كان من طرف البنك أو من طرف‬


‫وكذلك تطلق عىل املبلغ املق َ‬
‫وسلفة‪.‬‬
‫العميل ـ فيقال‪ :‬هذا املبلغ دين وقرض ُ‬
‫وترادف املصارف العربية بني هذه األلفاظ‪ ،‬فام يقال له دين يقال له قرض‬
‫ويقال له َس َلف أو ُسلفة‪.‬‬

‫عرفه ابن محزة يف (الوسيلة) بقوله‪« :‬القرض‪ :‬كل مال لزم يف الذمة‬
‫ويف الفقه ّ‬
‫عوضا عن مثله»()‪.‬‬
‫بعقد ً‬
‫عرفه املحامي غطاس يف (معجم مصطلحات االقتصاد واملال‬ ‫ويف االقتصاد ّ‬
‫وإدارة األعامل) بقوله‪ :‬قرض ‪ :Loan‬يف املايض كانت الكلمة تعني شيئ ًا يمنح أو يعاد‬
‫ملدة من الزمن دون عوض أو مقابل‪.‬‬

‫() دروس يف فقه اإلمامية ‪.305/3‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪226‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ولكنها تعني اآلن شيئ ًا ذا قيمة كمبلغ من املال يقرتض لفرتة حمددة من الزمن‬
‫مقابل فائدة»()‪.‬‬

‫وهنا نلمس فرق ًا واضح ًا بني القرض يف الفقه والقرض يف االقتصاد احلديث‬
‫حيث تدخل الفائدة عنرص ًا يف القرض االقتصادي‪ ،‬وهي يف القرض الفقهي غري‬
‫جائزة أي حمظورة ألهنا ربا()‪.‬‬

‫ويلتقي التعريف االقتصادي احلديث للقرض مع التعريف الفقهي لربا القرض‬


‫مقو ًما حلقيقته‪ ،‬ففي (مفتاح الكرامة) ـ‬
‫أو القرض الربوي الذي تعترب فيه الزيادة ِّ‬
‫رتض يف العني أو‬‫‪ 504/4‬ـ‪« :‬وربا القرض وضابطه‪ :‬أن يشرتط فيه الزيادة عىل املق َ‬
‫ال أو موزون ًا أو ال‪ ،‬فهو أعم موضوع ًا من ربا البيع»‪.‬‬
‫الصفة سواء كان مكي ً‬

‫ويف املصدر نفسه‪« :‬وأما الزيادة فال بد منها لتحقق حقيقة الربا»‪.‬‬

‫وهذه الفائدة التي يقال هلا يف لغة احلديث الرشيف (زيادة)‪ ،‬ومنه أخذها الفقهاء‬
‫املسلمون فاصطلحوا عىل ما يسمى فائدة يف االقتصاد احلديث اآلن اسم (الزيادة)‪.‬‬

‫وينقسم القرض ـ باعتبار اشرتاط الزيادة (الفائدة) وعدمه ـ إىل قسمني‪ ،‬مها‪:‬‬

‫‪1‬ـ القرض بال فائدة‬

‫وهو ما يسمى بـ(القرض احلسن)‪ ،‬مستعارة تسميته من القرآن الكريم حيث‬


‫عرب عن القرض بال زيادة مالية بالقرض احلسن من الرب واإلحسان‪ ،‬كام يف مثل قوله‬
‫اع َف ُه َل ُه َأ ْض َعا ًفا كَثِ َري ًة َواهللُ َي ْقبِ ُض‬
‫تعاىل ‪﴿ :‬من َذا ا َّل ِذي ي ْق ِر ُض اهللَ َقر ًضا حسنًا َفي َض ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ون﴾()‪.‬‬ ‫َو َي ْب ُص ُط َوإِ َل ْي ِه ت ُْر َج ُع َ‬

‫() م ‪ .‬س ‪.310‬‬


‫() م ‪ .‬ن‪.‬‬
‫() سورة البقرة اآلية ‪245‬‬
‫‪227‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وال إشكال يف حلية مثل هذا القرض وصحة التعامل به‪ ،‬وهو من أعامل اخلري‬
‫املندوب إليها ندب ًا مؤكد ًا‪.‬‬

‫‪2‬ـ القرض بفائدة‬

‫وينقسم هذا القسم (القرض بفائدة) إىل قسمني أيض ًا‪ ،‬مها‪:‬‬

‫‪1‬ـ القرض بفائدة غري مرشوطة‪.‬‬

‫‪2‬ـ القرض بفائدة مرشوطة‪.‬‬

‫املقرض عندما يقرض اآلخر‬ ‫ويراد باألول (القرض بفائدة غري مرشوطة) أن ِ‬
‫يعط ِ‬
‫املقرض شيئ ًا زائد ًا عىل‬ ‫املقرتض لو مل ِ‬
‫ال يشرتط عليه الزيادة (الفائدة) بمعنى أن ِ‬
‫املقرت ُض ِ‬
‫املقر َض‬ ‫املقرض بالزيادة‪ ،‬ولكن لو أعطى ِ‬
‫املبلغ الذي اتفقا عليه ال يطالبه ِ‬
‫ِ‬
‫للمقرتض أخذه‪ ،‬وال‬ ‫ماالً زيادة عىل املبلغ املتفق عليه تقدير ًا لتقديره له بإقراضه جاز‬
‫تعد مثل هذه الزيادة ربا ألهنا مل تشرتط ضمن العقد‪.‬‬

‫وهذا القسم ينشعب إىل شعبتني‪ ،‬مها‪:‬‬


‫ـ أن يتوقع ِ‬
‫املقرض الزيادة ويطمع بأن يعطيها املقرتض له‪.‬‬

‫املقرض زيادة عىل املبلغ جاز له أخذها إالّ أنه ال حيصل‬


‫َ‬ ‫هنا لو أعطى ِ‬
‫املقرتض‬
‫عىل ثواب القرض احلسن من اهلل تعاىل‪ ،‬كام سينص عليه يف احلديث اآليت‪.‬‬
‫ـ أن ال يتوقع ِ‬
‫املقرض الزيادة وال يطمع هبا ألنه أقرض املبلغ الذي دفعه إىل‬
‫املقرتض قرض ًا حسن ًا برجاء احلصول عىل الثواب واألجر من اهلل تعاىل‪ ،‬فإنه ـ وكام‬
‫هو املستفاد من النصوص الرشيفة ـ يثاب عىل عمله ألن القرض احلسن مستحب‪،‬‬
‫ندب إليه رشع ًا للحصول عىل الثواب‪.‬‬

‫جاء يف احلديث عن عيل بن إبراهيم يف تفسريه عن أبيه عن القاسم بن حممد‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪228‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عن املنقري عن حفص بن غياث عن أيب عبد اهلل ‪« :‬قال‪ :‬الربا رباءان‪ ،‬أحدمها‬
‫حالل واآلخر حرام‪.‬‬

‫فأما احلالل فهو أن يقرض الرجل قرض ًا طمع ًا أن يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه‬
‫بال رشط بينهام‪ ،‬فإن أعطاه أكثر مما أخذه بال رشط بينهام فهو مباح له‪ ،‬وليس له عند‬
‫ال َي ْر ُبو ِعنْدَ اهللِ﴾‪.‬‬
‫اهلل ثواب فيام أقرضه‪ ،‬وهو قوله ـ عز وجل ـ‪َ ﴿ :‬ف َ‬

‫وأما الربا احلرام فهو الرجل يقرض قرض ًا ويشرتط أن يرد بأكثر مما أخذه‪ ،‬فهذا‬
‫هو احلرام»()‪.‬‬

‫إن هذا احلديث الرشيف واضح الداللة يف تقسيمه القرض مع الزيادة إىل‪:‬‬
‫‪ .1‬قرض مع زيادة مرشوطة من ِ‬
‫املقرض‪ ،‬وهذا هو الربا احلرام‪.‬‬

‫‪ .2‬وقرض مع زيادة غري مرشوطة إالّ أهنا مرجوة‪ ،‬وهذا هو الربا احلالل‪ ،‬إالّ‬
‫أنه ال يثاب عليه صاحبه‪.‬‬

‫والتعبري بكلمة (الربا) يف احلديث الرشيف عن هذا العمل مل يقصد به املعاملة‬


‫املحرمة املعروفة بالربا‪ ،‬وإنام قصد به الزيادة‪ ،‬ذلك أن الربا يف اللغة يطلق عىل مطلق‬
‫الزيادة حرام ًا كانت أو حالالً ـ كام تقدمت اإلشارة إىل هذا يف مبحث حقيقة الربا‪.‬‬

‫وممن تناول مسألة الزيادة غري املرشوطة من فقهائنا اإلمامية السيد العاميل يف‬
‫كتابه (مفتاح الكرامة يف رشح قواعد العالمة) ـ ‪ 36/5‬ـ تعليق ًا عىل قول العالمة‬
‫(ولو تربع املقرتض بالزيادة جاز) قال‪« :‬ـولو تربع املقرتض بالزيادة جاز ـ إمجاع ًا كام‬
‫يف (الغنية) و(التذكرة) وظاهر (املسالك) و(الروضة) حيث نفي عنه اخلالف فيهام‪،‬‬
‫والنصوص بذلك مستفيضة‪ ،‬وفيها الصحاح‪ ،‬ويف (الغنية) اإلمجاع عىل أنه ال فرق يف‬

‫() الوسائل ‪ 160/18‬برقم ‪.23389‬‬


‫‪229‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذلك بني أن يكون ذلك ـ عادة ـ املقرتض أو مل يكن‪ ،‬وقد نص عىل ذلك مجاعة منهم‬
‫الشيخ يف (املبسوط)‪ ،‬قال‪ :‬وقال مجاعة‪ :‬إنه ال يكره‪ ،‬إلطالق النصوص‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ويف أخبار اخلاصة والعامة ما يدل عىل عدم كراهة اإلعطاء بل عىل‬
‫استحبابه‪ ،‬والشيخ يف (النهاية) بعد أن عد مجلة من املواضع التي جيوز قبول الزيادة‬
‫فيها عينية أو وصفية مع عدم الرشط قال‪ :‬واألَوىل جتنب ذلك‪ ،‬أمجع ونص مجاعة عىل‬
‫أنه ال فرق بني أن يكون ذلك من نيتهام أو مل يكن‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ويدل عليه رصحي ًا ـ بعد إطالق النصوص ـ خرب أيب الربيع حيث يقول‬
‫فيه‪( :‬وقد علم املستقرض والقارض إنام أقرضه ليعطيه أجود منه‪ ،‬قال‪ :‬ال بأس إذا‬
‫طابت نفس املستقرض)‪ ،‬وقد روي هذا اخلرب صحيح ًا يف (الكايف) و(التهذيب) إىل‬
‫الرساد‪ ،‬فهو عند مجاعة ملحق بالصحاح»‪.‬‬

‫ويقول الشيخ آل كاشف الغطاء يف رسالته العملية (وجيزة األحكام) ـ ص ‪77‬‬


‫ـ‪« :‬أما نفع املقرتض للمقرض من نفسه بال رشط فال بأس به‪ ،‬ولعله هو املشار إليه‬
‫بقوهلم‪ :‬خري القرض ما جر نفع ًا»‪.‬‬

‫ُ‬
‫العميل‬ ‫أما النوع الثاين‪ :‬وهو القرض بفائدة مرشوطة‪ ،‬وهو أن يقرض ُ‬
‫البنك أو‬
‫املقرض املتفق عليه بينهام‬ ‫اآلخر‪ ،‬ويشرتط ِ‬
‫املقر ُض عىل املقرتض الزيادة عىل املبلغ َ‬ ‫َ‬
‫كفائدة للقرض‪.‬‬

‫فإذا تم هذا بإنشاء العقد املتضمن لرشط الزيادة (الفائدة) بالتلفظ والنطق ممن‬
‫يقدر عليه‪ ،‬ال بالوسائل األخرى كالكتابة واإلشارة‪ ،‬ال خالف وال اختالف عند‬
‫أصحابنا اإلمامية يف حرمته‪ ،‬ألنه الربا املنهي عنه‪.‬‬

‫قال السيد العاميل يف (مفتاح الكرامة) ـ ‪ 34/5‬ـ تعلي ًقا عىل قول العالمة احليل‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪230‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يف (القواعد)‪« :‬ورشطه (يعني الدين) عدم الزيادة يف القدر أو الصفة‪ ،‬فلو رشطها‬
‫فسد‪ ،‬ومل يفد جواز الترصف وإن مل يكن ربوي ًا» قال‪« :‬ويف (الغنية) اإلمجاع عىل أنه‬
‫حيرم اشرتاط الزيادة‪ ،‬سواء كان يف القدر أو الصفة‪ ،‬ويف (الرسائر) أنه ال خالف بني‬
‫أصحابنا أنه متى رشط زيادة يف العني أو الصفة كان باطالً‪ ،‬واإلمجاع حاصل‪ ،‬منعقد‬
‫عىل هذا‪ ،‬انتهى‪ ،‬ويف (املختلف) إذا أقرضه شيئ ًا ورشط عليه أن يرد عليه خري ًا مما‬
‫اقرتض كان حرام ًا وبطل القرض إمجاع ًا‪ ،‬ويف (جممع الربهان) أن حتريم رشط النفع‬
‫يف القرض عين ًا إمجاعي بني املسلمني‪ ،‬ويف (الكفاية) حيرم اشرتاط النفع ال أعلم فيه‬
‫خالف ًا»‪.‬‬

‫يرتتب هذا احلكم ـ وهو حرمة اشرتاط الزيادة (الفائدة) إذا كان إنشاء العقد‬
‫بني طريف القرض الدائن واملستدين بالنطق باأللفاظ الدالة عىل املقصود بينهام وضمن‬
‫العقد‪.‬‬

‫ولكن الواقع القائم يف قروض البنوك التجارية ـ سواء كانت منها إىل الغري‪،‬‬
‫أو من الغري إليها ـ أهنا ال تنشئ عقودها باأللفاظ‪ ،‬وإنام يكون االعتامد يف ذلك عىل‬
‫الكتابة املتمثلة باألوراق املطبوعة املتضمنة للعقد ورشوطه‪.‬‬

‫ويتحقق العقد بتوقيع طريف املعاملة عىل األوراق املعدة لذلك‪.‬‬

‫وهنا يتساءل‪ :‬إن مثل هذا اإلنشاء الذي جيري بواسطة الكتابة املتمثلة باألوراق‬
‫املطبوعة عن طريق توقيع طريف املعاملة عىل األوراق‪ ،‬هل يتحقق به العقد فيقع‬
‫صحيح ًا‪ ،‬ومن ثم تصح املعاملة؟ أو األمر بالعكس؟‬

‫ذكرنا يف مباحث (بني يدي املوضوع) يف أول هذا الكتاب‪ ،‬حتت عنوان (إنشاء‬
‫العقد بالكتابة)‪ :‬أن مسألة إنشاء العقد بالكتابة فيها قوالن‪:‬‬

‫ـ قول بعدم جواز إنشاء العقد بالكتابة‪ ،‬وهو القول املشهور بني فقهائنا‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ وقول بجواز إنشاء العقد بالكتابة‪ ،‬ذهب إليه بعضهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫البحث يف املسألة إىل القول بجواز إنشاء العقد بالكتابة‪.‬‬ ‫كام َأ ْس َلمنا‬

‫وهنا نخلص إىل التايل‪:‬‬

‫ـ بناء عىل القول األول ال تتحقق معاملة القرض ـ سواء كانت مع الزيادة أو‬
‫بدوهنا‪.‬‬

‫ـ وعىل القول الثاين تتحقق املعاملة‪ ،‬فإن كانت بغري اشرتاط الزيادة فهي حالل‬
‫ال حرمة فيها‪ ،‬وإن كانت برشط الزيادة بطل الرشط وحرمت الزيادة‪.‬‬

‫وببطالن الرشط هل يبطل القرض أيض ًا؟‬

‫يف املسألة قوالن‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬إن بطالن وفساد رشط الزيادة يوجب بطالن وفساد القرض‪.‬‬

‫أو قل‪ :‬إن بطالن الرشط يوجب بطالن العقد‪ ،‬ومعنى هذا أن املعاملة بكاملها‬
‫تعد باطلة‪.‬‬
‫وهو الرأي املعروف واملشهور بني فقهائنا املتقدمني واملتأخرين واملعارصين إالّ‬
‫بعض األعاظم من املعارصين‪.‬‬

‫وقد ادعى عليه اإلمجاع غري واحد من العلامء‪ ،‬كام يف (مفتاح الكرامة) ـ ‪35/5‬‬
‫ـ تعليق ًا عىل قول (القواعد) فلو رشطها فسد ـ‪« :‬أي لو رشط الزيادة يف قدر القرض‬
‫أو صفته كاثني عرش يف عرشة‪ ،‬والصحيحة يف املكرسة فسد القرض‪ ،‬لإلمجاعات‬
‫املحكية ـ آن ًفا ـ كإمجاع (الرسائر) و(املختلف) بل وإمجاع (الغنية)‪ ،‬والنبوي املنجرب‬
‫بالشهرة()‪.‬‬

‫() يعني به قوله ‪( :‬رش القرض ما جر نفع ًا)‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪232‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫واستدل عليه يف (جامع املقاصد) بالنصوص الدالة عىل صحته مع الزيادة إذا مل‬
‫يشرتطها»‪ ،‬أي إنه استدل بمفهوم النصوص املشار إليها‪.‬‬

‫وكام يف (الرسائر)()‪« :‬ال خالف بني أصحابنا أنه متى اشرتط زيادة يف العني‬
‫أو الصفة كان باطالً‪ ،‬واإلمجاع حاصل منعقد عىل هذا‪ ،‬وقول الرسول ‪( ‬رش‬
‫القرض ما جر نفع ًا)‪.»...‬‬

‫وما يف (الغنية) ـ سلسلة الينابيع الفقهية ‪ 27/15‬ـ‪« :‬وحيرم اشرتاط الزيادة فيام‬
‫يقيض به سواء كانت يف القدر أو الصفة‪.‬‬

‫خريا مما كان له من غري رشط‪ ،‬وال فرق بني ذلك أن‬ ‫وجيوز أن يأخذ ِ‬
‫املقرض ً‬
‫يكون عادة من املقرتض أم مل يكن‪ ،‬بدليل اإلمجاع‪ ،‬وألن األصل إباحة ذلك»‪.‬‬

‫وكام رأيت‪ ،‬استدلوا هلذا القول‪:‬‬

‫ـ باإلمجاع‪.‬‬

‫ـ واحلديث املروي عن رسول اهلل ‪( :‬رش القرض ما جر نفع ًا)‪.‬‬

‫ـ وأصل اإلباحة‪.‬‬

‫وأمهها هنوض ًا بالداللة عىل املطلوب هو تسامل كلمة الفقهاء متقدمني‬


‫ومتأخرين‪.‬‬

‫القول الثاين‪ :‬وهو أن بطالن رشط الزيادة ـ هنا ـ ال يوجب بطالن العقد‪ ،‬فيبقى‬
‫القرض صحيح ًا‪.‬‬

‫وهو ظاهر عبارة السيد العاميل‪ ،‬فقد قال ـ بعد كالمه املذكور يف أعاله تعليق ًا‬
‫عىل قول القواعد (فلو رشطها فسد) ـ‪« :‬وقد تقدم لنا يف بحث الرشوط أن فساد‬

‫() سلسلة الينابيع الفقهية ‪.58/15‬‬


‫‪233‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الرشط ال يقتيض فساد العقد عىل األصح»‪.‬‬

‫ورصيح عبارة اإلمام اخلميني‪ ،‬قال يف (حترير الوسيلة) ـ كتاب الدين‪ ،‬القول يف‬
‫القرض‪ ،‬املسألة ‪ 13‬ـ‪« :‬القرض املرشوط بالزيادة صحيح‪ ،‬لكن الرشط باطل وحرام‪،‬‬
‫فيجوز االقرتاض ممن ال يقرض إالّ بالزيادة كالبنك وغريه‪ ،‬مع عدم قبول الرشط عىل‬
‫نحو اجلد‪ ،‬وقبول القرض فقط‪ ،‬وال حيرم إظهار قبول الرشط من دون جد وقصد‬
‫حقيقي به‪ ،‬فيصح القرض ويبطل الرشط من دون ارتكاب احلرام»‪.‬‬

‫ويف اهلامش ‪ 3‬من الصفحة ‪ 118‬من كتاب (الربا والبنك اإلسالمي) ما نصه‪:‬‬
‫«ونقل عن املرحوم آية اهلل السيد حمسن احلكيم ‪ :‬أنه ذهب إىل ما يف (حترير‬
‫الوسيلة) من الفتوى»‪.‬‬

‫واملوجود يف (منهاج الصاحلني) ـ كتاب الدين‪ ،‬املسألة ‪ 1‬ـ هو «يكره الدين مع‬
‫القدرة‪ ،‬ولو استدان وجبت نية القضاء‪.‬‬

‫والقرض أفضل من الصدقة‪ ،‬وحيرم اشرتاط زيادة يف القدر أو الصفة عىل‬


‫ِ‬
‫للمقرتض أو غريه‪ ،‬فلو قال‪ :‬أقرضت َُّك‬ ‫رتض‪ ،‬وال فرق بني أن تكون الزيادة راجعة‬
‫املق َ‬
‫دينار ًا برشط أن هتب زيد ًا أو املسجد أو املأتم أو نحو ذلك مما لوحظ فيه املال‪ ،‬فإنه‬
‫حيرم ويبطل القرض بذلك»‪.‬‬

‫ورأي أستاذنا السيد احلكيم يف هذه املنقولة هو رأي املشهور‪ ،‬فام نقل عنه ربام‬
‫كان يف فتوى خاصة مكتوبة صدرت بعد طبع املنهاج‪.‬‬

‫وعىل رأي اإلمام اخلميني يف أن بطالن الرشط ـ هنا ـ ال يرسي إىل العقد‪،‬‬
‫ويبقى العقد عىل صحته تنتقل ملكية القرض من الدائن إىل املستدين‪ ،‬وله ـ أعني‬
‫املستدين ـ حق الترصف يف املال املقبوض عن طريق القرض‪.‬‬

‫أما بناء عىل الرأي املشهور فال يتحقق انتقال ملكية القرض من الدائن إىل‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪234‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫املستدين‪ ،‬وإنام يبقى عىل ملكية الدائن‪ ،‬ويلزم املستدين إرجاع املال (القرض) إىل‬
‫صاحبه فور ًا‪ ،‬ويف حالة عدم إرجاعه إىل صاحبه يكون املستدين ضامن ًا له‪ ،‬للقاعدة‬
‫املعروفة (عىل اليد ما أخذت حتى تؤدي) الدالة بعمومها عىل ضامن كل ما يدخل‬
‫حتت اليد سواء كان قبض صاحب اليد للامل الذي حتت يده قبض ًا عدواني ًا كالغصب‬
‫أو غري عدواين بأن كان مقبوض ًا بالعقد الباطل كام يف مسألتنا هذه‪.‬‬

‫وذهب ابن محزة يف (الوسيلة) ـ سلسلة الينابيع الفقهية ‪ 29/15‬ـ إىل أن‬
‫القرض عند بطالن املعاملة يكون أمانة بيد املقرتض‪ ،‬قال‪« :‬القرض‪ ..‬وهو رضبان‪:‬‬
‫مطلق ومرشوط‪ ...‬واملرشوط رضبان‪ :‬صحيح وفاسد‪ ...‬والفاسد ما يؤدي إىل الربا‬
‫مثل رشط الزيادة يف الصفة أو القدر أو إباحة ما عىل الرهن‪ ،‬فإذا كان كذلك مل يملكه‬
‫بنفس القرض‪ ،‬وهو أمانة يف يده»‪.‬‬

‫والفرق بني الضامن واألمانة ـ هنا ـ أن عىل الضامن إرجاع املال لصاحبه بعينه‪،‬‬
‫وإن تلف أو ُأتلف قبل اإلرجاع فعىل الضامن دفع مثله أو قيمته‪ ،‬لقاعدة (من أتلف‬
‫مال الغري فهو له ضامن)‪.‬‬
‫أما املؤمتن فال ضامن عليه إالّ باإلتالف عن ٍ‬
‫تعد أو تفريط‪ ،‬فعن أمري املؤمنني‬
‫‪( :‬ليس عىل املؤمتن ضامن)‪ ،‬وعن أيب جعفر الباقر ‪( :‬ليس عليه غرم بعد‬
‫أن يكون الرجل أمين ًا)‪.‬‬

‫آراء أخرى‬

‫يف أوائل القرن العرشين امليالدي املنرصم‪ ،‬حيث أنشئت البنوك التجارية يف‬
‫البالد اإلسالمية وبشكلها الرأساميل يف النظام والتعامل‪.‬‬

‫وكان من نظامها جواز أخذ الفائدة وإعطاؤها مما هو ـ يف حقيقته ـ ربا‪ ،‬وال‬
‫كون مشكلة يف املعامالت املالية املرصفية عند املسلمني‬
‫أقل من أن فيه شبهة الربا‪ ،‬بام ّ‬
‫‪235‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وبخاصة عندما أصبح التعامل مع البنوك التجارية موضع ابتالء اجلميع‪ ..‬هنا انربى‬
‫أكثر من فقيه وأكثر من مثقف لدراسة املعامالت املرصفية الستجالء حقيقة األمر‪،‬‬
‫وذلك من خالل اإلجابة عن السؤال التايل‪:‬‬

‫هل الفائدة التي يعطيها البنك أو يأخذها هي الزيادة الربوية املعروفة‪ ،‬أو هي‬
‫يشء آخر ال ينطبق عليه عنوان الربا؟‬

‫فكان أكثر من بحث فقهي وأكثر من دراسة علمية اقتصادية ـ فقهية‪ ،‬انتهت إىل‬
‫أكثر من نتيجة‪ ،‬متثل أكثر من رأي يف املسألة‪.‬‬

‫وصلت إليه‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وسأحاول ـ هنا ـ استعراض أهم اآلراء مما وصل إ ّيل أو‬

‫رأي رشيد رضا‬

‫وصاحب الرأي هو حممد رشيد رضا املتوىف سنة ‪1354‬هـ ـ ‪1935‬م املعروف‬
‫بـ(رشيد رضا) و(صاحب املنار) نسبة إىل جملته (املنار) التي كان يصدرها‪.‬‬

‫وهو صحفي كبري وأديب عريب شهري وكاتب إسالمي معروف‪ ،‬ومن أبرز‬
‫تالمذة اإلمام حممد عبده‪.‬‬

‫وأهم مصدر ملعرفة رأيه يف مسألتنا هذه هو كتابه (الربا واملعامالت يف اإلسالم)‪،‬‬
‫نرشته مكتبة القاهرة بالقاهرة سنة ‪1906‬م‪ ،‬ثم أعادت نرشه دار ابن زيدون يف بريوت‬
‫سنة ‪1986‬م‪.‬‬

‫وخالصة رأيه‪:‬‬

‫املحرم إسالمي ًا هو الزيادة من أجل متديد مدة الدَ ين بتأخري وقت‬


‫ّ‬ ‫إن الربا‬
‫التسديد عن موعده املتفق عليه حني العقد‪.‬‬

‫جاء يف كتاب (النظام البنكي يف اململكة العربية السعودية) ـ ص ‪ 82‬ـ ‪84‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪236‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ حتت عنوان (خالف املجتهدين حول حتريم الربا)‪« :‬لقد قام خالف املجتهدين‬
‫حول حتريم الربا يف العديد من النقاط‪ ،‬فمنهم من ناقش حتريم الربا من حيث مكان‬
‫التحريم‪ ،‬ومنهم من ناقشه من حيث األشخاص املتعاملني به‪ ،‬ومنهم من ناقشه من‬
‫حيث طبيعة األعامل التي يقوم عليها‪ ،‬ومنهم من ناقش حتريم الربا يف حد ذاته»‪...‬‬

‫«وثالث ًا‪ :‬من حيث طبيعة األعامل التي يقوم عليها الربا‪ :‬فانطالق ًا من اآلية‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُوا الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ‬
‫الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة‪ ،...‬ذهب بعض‬ ‫الكريمة ‪َ ‬يا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ‬
‫املحرم يف القرآن «هو ما يؤخذ من املال من أجل‬ ‫الفقهاء إىل القول بأن الربا القطعي ّ‬
‫()‬

‫تأخري الدين املستحق يف الذمة إىل أجل آخر‪ ،‬مهام يكن أصل ذلك الدين من بيع أو‬
‫قرض أو غريمها‪ ،‬فال يدخل يف مفهومه ما يزاد يف أصل الدين عند عقده عىل ما يعطي‬
‫املدين ربح ًا له‪ ،‬وإنام هو ما يعطى ألجل تأخري الدين املستحق‪.‬‬

‫وهذا النوع هو الذي كان يتضاعف يعجز املدين عن القضاء مرة أخرى حتى‬
‫يصري أضعاف ًا مضاعفة ويستهلك مجيع ما يملكه املدين يف كثري من األحيان»‪.‬‬

‫وجاء يف كتاب (شبهة الربا يف معامالت البنوك التقليدية واإلسالمية) ـ ص‬


‫املحرم)‪« :‬القرض الذي جير‬
‫ّ‬ ‫‪ 200‬ـ حتت عنوان (القرض الذي جير منفعة والربا‬
‫منفعة يقصد به القروض املرصفية التي يلتزم فيها املدين منذ البداية بدفع فائدة دورية‪،‬‬
‫إضافة إىل قيمة القرض يف تاريخ االستحقاق‪ ،‬فهل تدخل تلك القروض يف منطقة‬
‫املحرم من خالل املعنى الرشعي للربا؟‬
‫الربا ّ‬
‫يذكر رشيد رضا (‪ 1986‬ص ‪ :)132‬أن التحريم ينبغي أن يكون بنص قطعي‬
‫الرواية والداللة عىل النهج الذي كان يسري عليه السلف الصاحلون‪.‬‬

‫ويضيف (ص ‪ ...)132‬نقل اإلمام أبو يوسف عنهم (أي عن السلف‬

‫() يف هامشه‪ :‬حممد رشيد رضا‪ ،‬الربا واملعامالت يف اإلسالم‪ ،‬مكتبة القاهرة ‪ 1906‬ص ‪83‬‬
‫و ‪.84‬‬
‫‪237‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الصاحلني) اشرتاط وروده (أي التحريم) يف كتاب اهلل تعاىل بنص جيل ال حيتاج إىل‬
‫تفسري‪.‬‬

‫حيرم يف كتابه إالّ ربا النسئية الذي هو أخذ الزيادة‬


‫وقد علمنا أن اهلل تعاىل مل ّ‬
‫يف املال ألجل تأخري ما يف الذمة منه‪ ،‬والذي من شأنه أن يتضاعف ويكون خمرب ًا‬
‫للبيوت‪.‬‬

‫ويضيف كذلك (ص ‪ ...)139 – 138‬ونعيد القول ونكرره بأنه هو ما يؤخذ‬


‫من املال ألجل تأخري الدين املستحق يف الذمة إىل أجل آخر‪ ،‬مهام يكن أصل الدين من‬
‫بيع أو قرض أو غريمها‪ ،‬فال يدخل يف مفهومه ما يزاد يف أصل الدين عند عقده عىل ما‬
‫يعطي املدين ربح ًا له‪ ،‬وإنام الذي يعطى ألجل تأخري الدين املستحق»‪.‬‬

‫وجاء يف (جملة فقه أهل البيت) ـ العدد ‪ 30‬ص ‪ 131‬ـ ‪ )170‬حتت عنوان‬
‫(نظرات نقدية يف رشعية الفائدة البنكية) للشيخ زين العابدين شمس الدين (ص‬
‫‪« :)131‬ال شك أن موضوع الفائدة البنكية قد أخذ مكان ًا كبري ًا من السجال الدائر‬
‫عىل املستوى الترشيعي منذ أن وجدت فكرة البنك يف البلدان اإلسالمية‪.‬‬

‫ومن الطبيعي أن هذه الفكرة قد القت قبوالً عند بعض‪ ،‬ورفض ًا عند‬
‫آخرين‪ ......‬من هنا كان هذا املقال عرض ًا لرأي بعض من اعترب أن فكرة الفائدة يف‬
‫النظام البنكي اجلديد ال تتعارض يف روحها مع الترشيعات اإلسالمية‪ ،‬مربر ًا (ص‬
‫‪ )132‬بعض ما يمكن أن يكون فارق ًا موضوعي ًا بينهام‪ ،‬مع بيان بعض املالحظات‬
‫عىل كل منها‪ ...‬وقد تم استعراض عدة آراء مفارقة بني الربا والفائدة البنكية‪( ...‬ص‬
‫‪.)154‬‬

‫‪3‬ـ الفارق الثالث‪ :‬الربا املضاعف‬

‫املحرم هو عبارة عن الربا املضاعف الذي كان املرابون اجلاهليون يعملون‬


‫إن الربا ّ‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪238‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫به‪ ،‬حيث كان هذا النوع من الربا هو املتعارف عليه بينهم‪ ،‬إن مل نقل إن التحريم قد‬
‫وقع عليه باخلصوص دون بقية أنواع الربا‪ ،‬فإن املرايب كان يأخذ من ِ‬
‫املقرتض أضعاف‬
‫ال عن اسرتجاعه أصل املال‪ ،‬وقد أشار القرآن إىل هذه‬ ‫ما كان يعطيه من املال فض ً‬
‫الظاهرة املتفشية يف وسط جديد العهد باإلسالم‪ ،‬كام خترب بذلك اآلية املباركة ﴿ َيا َأ هُّ َيا‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة َوا َّت ُقوا اهللَ َل َع َّلك ُْم ُت ْفلِ ُح َ‬
‫ين َآمنُوا الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ‬
‫ِ‬
‫ا َّلذ َ‬
‫املحرم بنص اآلية خصوص الربا املضاعف الذي كان‬
‫ّ‬ ‫وبناء عىل ذلك يكون‬
‫متعارف ًا زمن اجلاهلية‪.‬‬

‫أما الزيادة القليلة عىل رأس املال ـ ومنها الفائدة البنكية التي ال تتجاوز يف‬
‫أفضل األحوال ما نسبته عرشون يف املئة ‪ %20‬سنوي ًا ـ فال يصدق عليها أهنا أضعاف‬
‫املحرم»‪.‬‬
‫مضاعفة‪ ،‬حتى تكون مشمولة لعنوان الربا ّ‬
‫مل يقدر يل االطالع عىل كتاب صاحب الرأي ألسباب قاهرة فرجعت إىل هذه‬
‫النقول‪ ،‬وإخاهلا وافية بإعطائنا صورة واضحة عن رأي الشيخ رشيد رضا يف املسألة‪.‬‬

‫ويف ضوئه‪ :‬يمكننا أن نستخلص منها ـ استنتاج ًا ـ خطوات االستدالل لالنتهاء‬


‫إىل النتيجة املذكورة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫املحرم‪ ،‬وإنام أحال إىل املتعارف عليه‬


‫‪1‬ـ أن القرآن الكريم مل حيدد موضوع الربا ّ‬
‫حني نزول آية التحريم َ‬
‫﴿أ َح َّل اهللُ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ِّ‬
‫الر َبا﴾ حيث أريد من (أل) يف (البيع)‬
‫ويف (الربا) أل العهدية املشار هبا إىل البيع املعهود يف املجتمع اجلاهيل حني نزول اآلية‪،‬‬
‫وإىل الربا املعهود يف ذلك املجتمع‪.‬‬

‫‪2‬ـ فعلينا ـ يف هذه اخلطوة الثانية ـ أن نحاول معرفة موضوع الربا اجلاهيل من‬
‫خالل املعطيات املوروثة‪.‬‬

‫روي أن ابن عباس وآخرين من فقهاء الصحابة أمثال‪ :‬عبد اهلل بن مسعود‪،‬‬
‫‪239‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وعبد اهلل بن الزبري‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وعطاء بن رباح‪ ،‬وسعيد‪ ،‬وعروة‪ ،‬روي عنهم‬
‫أهنم كانوا يذهبون إىل أن ربا اجلاهلية يتمثل يف الربا املضاعف‪.‬‬

‫ومنه يظهر أن حتريم الربا ـ يف رأي رشيد رضا ـ قد قرصته اآلية الكريمة ﴿ َيا‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُوا الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ‬
‫الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة﴾ عىل الربا املضاعف ألنه هو ربا‬ ‫َأ هُّ َيا ا َّلذ َ‬
‫اجلاهلية‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن مفهوم اآلية الكريمة (وهو مفهوم وصف) يدل عىل عدم حرمة الربا إذا‬
‫مل يكن أضعاف ًا مضاعفة‪.‬‬

‫‪4‬ـ وربام استدلوا بأن آية الربا املضاعف تقيد إطالق اآليات التي حرمت الربا‬
‫املحرم هو الربا املضاعف‬
‫ّ‬ ‫مطلق ًا سواء كان مضاعف ًا أو غري مضاعف‪ ،‬فيكون الربا‬
‫فقط‪.‬‬

‫ونوقش‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن لربا اجلاهلية أكثر من صورة‪ ،‬والربا املضاعف أحدها‪ ،‬وليس هو الصورة‬
‫الوحيدة لربا اجلاهلية‪ ،‬وقد أهنى الدكتور املرصي يف كتابه (اجلامع يف أصول الربا) ـ‬
‫ص ‪ 23‬و ‪ 24‬و ‪ 25‬ـ صور الربا اجلاهيل إىل سبع صور‪ ،‬ذكرها حتت عنوان (الربا يف‬
‫اجلاهلية)‪ ،‬وقرين رقم ‪ 5‬قال‪« :‬أما صور هذا الربا اجلاهيل فهي التالية‪:‬‬

‫(أ) «الربا الذي كان العرب تعرفه وتفعله إنام كان قرض الدراهم والدنانري إىل‬
‫أجل بزيادة عىل مقدار ما استقرض عىل ما يرتاضون به»()‪.‬‬

‫ال بزيادة مرشوطة‪ ،‬فكانت الزيادة بدالً من‬


‫«إن ربا اجلاهلية إنام كان قرض ًا مؤج ً‬
‫وحرمه»()‪.‬‬
‫األجل فأبطله اهلل تعاىل ّ‬

‫() يف هامشه‪ :‬اجلصاص‪ ،‬أحكام القرآن ‪.551/1‬‬


‫() اجلصاص‪ ،‬أحكام القرآن ‪.467/1‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪240‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فهذا قرض نقدي ربوي مؤجل إىل أجل معلوم‪ ،‬قد تدفع فوائده معه عند‬
‫اإليفاء‪ ،‬وقد تدفع بصور أخرى يرتاضون عليها‪.‬‬

‫(ب) «كانوا يدفعون املال‪ ،‬عىل أن يأخذوا كل شهر قدر ًا معين ًا‪ ،‬ويكون رأس‬
‫املال باقي ًا‪ ،‬ثم إذا ّ‬
‫حل الدين طالبوا املديون برأس املال‪ ،‬فإن تعذر عليه األداء زادوا يف‬
‫احلق واألجل»()‪.‬‬

‫فهذا قرض ربوي مؤجل‪ ،‬تدفع فوائده التعويضية عىل دفعات دورية (شهرية)‪،‬‬
‫ويسدد األصل يف هناية املدة‪ ،‬فإذا تأخر املدين عن تسديده فرضت عليه فوائد تأخريية‪،‬‬
‫ربام كانت بمعدالت أعىل‪.‬‬

‫(ج) «يف العني (= النقود) يأتيه (أي يأيت الدائن إىل مدينه) فإن مل يكن عنده‬
‫(ما يفي به دينه) أضعفه (ضاعف عليه مبلغ الدين) يف العام القابل‪ ،‬فإن مل يكن عنده‬
‫أضعفه أيض ًا‪ ،‬فتكون مائة فيجعلها إىل قابل مائتني‪ ،‬فإن مل يكن عنده جعلها أربعامئة‪،‬‬
‫يضعفها له كل سنة أو يقضيه»()‪.‬‬

‫فهذا قرض نقدي بفائدة مركبة قدرها ‪ ،%100‬فإذا كان أصل القرض ‪100‬‬
‫ففي هناية العام يصبح ‪ ،200‬ويف هناية العام الثاين ‪ 400‬والثالث ‪ 800‬وهكذا حتى‬
‫السداد (متوالية هندسية أساسها ‪.)2‬‬

‫وهذا يفرس ربا اجلاهلية الذي نزلت سورة آل عمران ببيان أنه من األضعاف‬
‫املضاعفة‪.‬‬

‫(د) «كان الرجل يريب إىل أجل‪ ،‬فإذا حل قال للمدين زدين يف املال وأزيدك يف‬

‫() الفخر الرازي ‪ ،‬التفسري الكبري ‪ ،85/7‬وابن حجر‪ ،‬الزواجر ‪.222/1‬‬


‫() الطربي‪ ،‬جامع البيان ‪.59/4‬‬
‫‪241‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫األجل‪ ،‬فيفعل‪ ،‬وهكذا عند كل أجل‪ ،‬فيستغرق باليشء الضعيف ماله بالكلية»()‪.‬‬

‫فهذا قرض أو دين يؤجل بفائدة قليلة بالنسبة لرأس املال‪ ،‬يعيده إىل أن تبلغ‬
‫ضعف رأس املال‪.‬‬

‫حل األجل‪ ،‬فيقول له‪ :‬تقيض أو‬ ‫(هـ) «يكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا ّ‬
‫حوله إىل السن التي فوق ذلك‪ ،‬وإن‬ ‫تزيدين‪ ،‬فإن كان عنده يشء يقضيه قىض‪ ،‬وإالّ ّ‬
‫كانت ابنة خماض جيعلها ابنة لبون يف السنة الثانية‪ ،‬ثم حقة‪ ،‬ثم جذعة‪ ،‬ثم رباعي ًا‪ ،‬ثم‬
‫هكذا إىل فوق»()‪.‬‬

‫ذكر يف (املبسوط) ـ ‪ 114/12‬و ‪ 117‬ـ‪ :‬أن هذا َس َلم يف السن (بيع َس َلم)‪ ،‬وأي ًا‬
‫ما كان فهو دين‪.‬‬

‫فهذا قرض من اإلبل مؤجل‪ ،‬فإذا كان القرض ابنة خماض أي أمتت السنة األوىل‬
‫ومل يدفع‪ ،‬صار القرض ابنة لبون‪ ،‬أي عمرها سنتان‪ ،‬وهكذا إذا مل يدفع يف كل سنة‪،‬‬
‫رفع سن الناقة سنة إضافية‪.‬‬

‫ويستفاد من هذا النص أيض ًا أن اإلبل‪ ،‬وربام سائر األنعام‪ ،‬كانت تكون موضع‬
‫قرض‪ ،‬ت َُر ُّد بزيادة (يف السن) ألجل الربا‪.‬‬
‫(و) «يبيع الرجل البيع إىل أجل مسمى‪ ،‬فإذا ّ‬
‫حل األجل ومل يكن عند األجل‬
‫قضاء‪ ،‬زاده وأخر عنه»()‪.‬‬

‫فهذا بيع بثمن مؤجل (بيع النسيئة) إذا ّ‬


‫حل األجل ومل يسدد الثمن (الدين) زاد‬
‫الثمن مع كل أجل جديد ممنوح‪.‬‬

‫() اآللويس‪ ،‬روح املعاين ‪ 55/4‬وأبو حيان‪ ،‬تفسري البحر املحيط ‪ 54/3‬والنيسابوري‪،‬‬
‫غرائب القرآن هبامش جامع البيان ‪.73/4‬‬
‫() الطربي‪ ،‬جامع البيان ‪.59/4‬‬
‫() الطربي‪ ،‬جامع البيان ‪.67/3‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪242‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(ز) «إن عثامن بن عفان والعباس بن عبد املطلب كانا أسلفا يف التمر‪ ،‬فلام كان‬
‫وقت اجلذاذ (= القطاف) قال صاحب التمر هلام‪ :‬إن أنتام أخذمتا حقكام مل يبق يل ما‬
‫يكفي عيايل‪ ،‬فهل لكام أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف و ُأضعف لكام؟ ففعال‪ ،‬فلام‬
‫حل األجل طلبا منه الزيادة»()‪.‬‬

‫حل أجل‬‫فهذا بيع َس َلم أو َس َلف (أي الثمن فيه معجل والبيع مؤجل) فإذا ّ‬
‫الدين (وهو التمر هنا) ومل يدفع املدين ما التزم به زيد عليه الدين بمقدار ضعفه وأخر‬
‫للموسم القادم‪.‬‬

‫واخلالصة‪ :‬إن الربا يف اجلاهلية كان يقع يف القروض والبيوع املؤجلة‪ ،‬يقع يف‬
‫القرض عند عقده‪ ،‬وعند كل تأجيل‪ ،‬ويقع يف البيع عند كل تأجيل‪.‬‬

‫أما ما يزاد يف البدل املؤجل عند عقد البيع‪ ،‬سواء كان ثمن ًا أو مثمن ًا (= مبيع ًا)‬
‫فليس بربا حمرم‪ ،‬وكانوا ربام يتذرعون بحل هذا االستحالل اآلخر‪.‬‬

‫كام أن قروض اجلاهلية كانت بالنقود أو من احليوان أو من التمر‪ ،‬وما إىل‬


‫ذلك»‪.‬‬

‫ولعل الذي نسب إىل ابن عباس ـ إن صحت النسبة ـ أنه عندما ذكر هذه الصورة‬
‫من صور ربا اجلاهلية أراد أن يوضح هبا معنى آية الربا املضاعف الذي أشارت إليه‬
‫وهنت عنه‪.‬‬

‫‪2‬ـ وتقدم منا يف بيان حقيقة الربا ـ يف فصل متقدم من هذا الكتاب ـ أن آية النهي‬
‫عن الربا املضاعف كانت متثل املرحلة الثانية من مراحل النهي عن التعامل بالربا‪.‬‬

‫﴿وإِ ْن‬
‫وداللتها املفهومية إن كانت أو إن صحت فمعارضة بداللة منطوق اآلية َ‬
‫س ٍة﴾‪ ،‬وألن داللة املنطوق أقوى تقدم عىل داللة املفهوم‪.‬‬ ‫َان ُذو ع ٍ ِ‬
‫سة َفنَظ َر ٌة إِلىَ َم ْي رَ َ‬
‫ُ رْ َ‬ ‫ك َ‬

‫() تفسري اخلازن ‪.204/1‬‬


‫‪243‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فالنهي فيها مسلط ـ كام يرون ـ عىل الربا املضاعف فقط‪ ،‬ولكن ليس ألنه‬
‫الصورة الوحيدة لربا اجلاهلية ـ كام يقولون ـ‪ ،‬وإنام ألنه ـ واهلل العامل ـ أقسى عنف ًا يف‬
‫استالب أموال اآلخرين بغري مقابل‪.‬‬

‫وناقش الشيخ خالف القول بتقييد آية الربا املضاعف آليات حتريم الربا مطلق ًا‬
‫بقوله‪« :‬ولكن ربام توهم متوهم أن آية سورة آل عمران (يعني آية الربا املضاعف)‬
‫يعارض ظاهرها آيات سورة البقرة‪ ،‬ألن آية سورة آل عمران فيها النهي عن أكل الربا‬
‫أضعاف ًا مضاعفة‪ ،‬وآيات البقرة فيها حتريم الربا‪ ،‬والوعيد عليه مطلق ًا‪ ،‬سواء أكان‬
‫أضعاف ًا مضاعفة أم غري أضعاف مضاعفة‪ ،‬والتحريم املقيد بقيد يعارض التحريم‬
‫املطلق عن القيد‪ ،‬وقد راج هذا الوهم لدى بعض الباحثني‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن املقرر يف علم‬
‫احلكم عىل يشء مطلق ًا‪ ،‬وورد يف نص آخر هذا احلكم‬ ‫ُ‬ ‫أصول الفقه أنه إذا ورد يف ٍ‬
‫نص‬
‫ت َع َل ْيك ُُم املِي َت ُة َوالدَّ ُم﴾‬ ‫نفسه عىل هذا اليشء مطلق ًا يف قوله تعاىل يف سورة املائدة ُ‬
‫﴿ح ِّر َم ْ‬
‫وحا﴾ أريد‬ ‫﴿أ ْو َد ًما َم ْس ُف ً‬ ‫وجاء مقيدً ا يف قوله تعاىل يف سورة األنعام يف عد املحرمات َ‬
‫املحرم يف سورة البقرة‬
‫بالدم يف آية املائدة الدم املسفوح‪ ،‬فكذلك احلال هنا يراد بالربا ّ‬
‫الربا املضاعف املبني يف سورة آل عمران‪.‬‬

‫واستخلصوا من هذا‪ :‬أن األضعاف املضاعفة كناية عن الكثرة‪ ،‬أو بعبارة أخرى‬
‫عن الربح الفاحش‪ ،‬وأن الربح القليل أو الفائدة القليلة ليست حمرمة‪.‬‬

‫ودفع ًا هلذا التوهم أقرر أن آية سورة آل عمران ال تعارض آيات البقرة‪ ،‬ألن‬
‫قوله سبحانه‪﴿ :‬الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ‬
‫الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة﴾ ليس هني ًا عن أكل الربا يف حال‬
‫املضاعفة خاصة فيدل عىل إباحته يف غريها‪ ،‬وإنام هو هني عن الربا الذي كان فاشي ًا‬
‫فيهم ويتعاملون به يف أكثر حاالهتم‪.‬‬

‫فالتقييد باألضعاف املضاعفة ليس للتخصيص واالحرتاز عام عداه‪ ،‬وإنام‬


‫﴿و َر َبائِ ُبك ُُم ا َّلال يَِت فيِ‬
‫هو ملراعاة الواقع والغالب فيهم‪ ،‬مثل التقييد يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪244‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ُح ُج ِ‬
‫ورك ُْم﴾‪ ،‬فقوله‪ :‬الاليت يف حجوركم‪ ،‬ليس لالحرتاز عن الربيبة التي ليست يف‬
‫حجر زوج أمها‪ ،‬وإنام هو ملراعاة الواقع والغالب‪ ،‬وفيه إشارة إىل حكمة التحريم‬
‫ألن وجودها يف حجره جيعلها بمنزلة ابنته‪ ،‬كام أن يف ذكر أضعاف ًا مضاعفة إشارة إىل‬
‫حكمة التحريم‪ ،‬ألن يف املضاعفة قسوة وجشع ًا وابتزاز أموال الناس‪.‬‬

‫وهلذا قال صاحب الكشاف يف تفسري آية ﴿الَ ت َْأ ُك ُلوا ِّ‬
‫الر َبا َأ ْض َعا ًفا ُم َضا َع َف ًة} ٌ‬
‫هني‬
‫عن الربا مع توبيخ ما كانوا عليه من تضعيف‪ ،‬كان الرجل إذا بلغ الدين حمله زاد يف‬
‫األجل مقابل زيادة الدين‪ ،‬فاستغرق بالتضعيف مال املدين‪ .‬وقال اآللويس يف تفسري‬
‫هذه اآلية «وليست هذه احلال ـ أضعاف ًا مضاعفة ـ لتقييد النهي به‪ ،‬بل ملراعاة الواقع‪،‬‬
‫فقد كان الدائن يدين إىل أجل‪ ،‬فإذا ّ‬
‫حل قال للمدين زدين يف املال أزيدك يف األجل‪،‬‬
‫فيفعل‪ ،‬وهكذا عند حلول كل أجل‪ ،‬فيستغرق باليشء الضعيف مال املدين كله‪.‬‬

‫واخلالصة‪ :‬أن القيد يف آية آل عمران ليس للتخصيص واالحرتاز عام عداه‪،‬‬
‫وإنام هو ملراعاة الواقع والغالب‪ ،‬والتوبيخ والتبشيع واإلشارة إىل حكمة التحريم‪.‬‬
‫وال تعارض بينها وبني إطالق التحريم يف آيات البقرة وال نسخ آلية آل عمران بآيات‬
‫حمرم رشع ًا عىل اإلطالق‪ .‬وآية آل عمران خصت بالذكر صورة من‬
‫البقرة‪ ،‬فأكل الربا ّ‬
‫أبشع صوره التي كانت فاشية فيهم»‪.‬‬

‫رأي الشيخ حممد َع ْبدُه (ت ‪1323‬هـ ـ ‪1905‬م)‬

‫مفتي الديار املرصية‪ ،‬قال عنه الزركيل يف (األعالم)‪« :‬من كبار رجال اإلصالح‬
‫والتجديد‪ ،‬قال أحد من كتبوا عنه‪ :‬تتلخص رسالة حياته يف أمرين‪ :‬الدعوة إىل حترير‬
‫الفكر من قيد التقليد‪ ،‬ثم التمييز بني ما للحكومة من حق الطاعة عىل الشعب‪ ،‬وما‬
‫للشعب من حق العدالة عىل احلكومة»‪.‬‬
‫‪245‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وتبعه يف الرأي يف املسألة‪:‬‬

‫ـ الشيخ عبد الوهاب خالف (ت ‪1375‬هـ ـ ‪1956‬م) من العلامء الفقهاء‪،‬‬


‫كان أستاذ الرشيعة اإلسالمية يف كلية احلقوق بالقاهرة‪ ،‬وأحد أعضاء جممع اللغة‬
‫العربية بالقاهرة‪ ،‬اشتهر بكتابيه (علم أصول الفقه) و(تاريخ الترشيع اإلسالمي)‪.‬‬

‫وثلثهام يف هذا الرأي‪:‬‬

‫ـ الشيخ حممود شلتوت (ت ‪1383‬هـ ـ ‪1963‬م) من شيوخ األزهر الرشيف‬


‫وفقهاء املسلمني يف القرن املايض وكبار دعاة التقريب بني املذاهب اإلسالمية‪ ،‬وممن‬
‫قال بوجوب فتح باب االجتهاد‪ ،‬له أكثر من عرشين مؤلف ًا يف الفقه والتفسري وسوامها‪،‬‬
‫اشتهر منها (اإلسالم عقيدة ورشيعة) و(الفتاوى‪ :‬دراسة ملشكالت املسلم املعارص يف‬
‫حياته اليومية العامة)‪ ،‬وفيه جتد رأيه يف املسألة‪.‬‬

‫ويتمثل رأي هؤالء األعالم يف تنزيل معاملة البنك ذات الفائدة عىل معاملة‬
‫املضاربة الرشعية‪.‬‬

‫أي إهنم أخذوا بام أسميته نظرية التناظر أو التامثل‪.‬‬

‫وأوىف من استعرض تنظريهم ـ يف هذا املقام ـ الدكتور حممد سيد طنطاوي يف‬
‫كتابه (معامالت البنوك وأحكامها الرشعية) ـ ط ‪ ،15‬من ص ‪ 95‬إىل ص ‪،104‬‬
‫ومن ص ‪ 126‬إىل ص ‪ 135‬ـ‪.‬‬

‫فمن البحث الذي كتبه الشيخ عبد الوهاب خالف ونرشه يف جملة (لواء اإلسالم)‬
‫ـ السنة الرابعة‪ ،‬العدد احلادي عرش والثاين عرش ‪1370‬هـ ـ ‪1951‬م‪ ،‬والذي نقله‬
‫بكامله‪ ،‬ألن بحثه تطلب نقله كامالً‪ ،‬ننقل منه ما ييل‪« :‬وسألني() موظف‪ :‬هل حيل‬

‫() املتحدث هو الشيخ خالف‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪246‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يل الربح الذي آخذه من صندوق التوفري()؟‪ ،‬فأجبت بأن هذا السؤال واجلواب عنه‬
‫واردان باملجلد السادس من جملة املنار سنة ‪ ،1903‬وقد نقل صاحب املنار يف صفحة‬
‫‪ 332‬ج ‪ 9‬سنة ‪ 1906‬عن األستاذ اإلمام حممد عبده ـ عليه رمحة اهلل ـ العبارة اآلتية‪:‬‬
‫املحرم ـ الذي ال يشك فيه ـ من يعطي آخر ماالً يستغله وجيعل له‬ ‫«وال يدخل يف الربا ّ‬
‫من كسبه حظ ًا معين ًا‪ ،‬ألن خمالفة قواعد الفقهاء يف جعل احلظ معين ًا ـ قل الربح أو كثر‬
‫ـ ال يدخل ذلك يف الربا اجليل املركب املخرب للبيوت‪ ،‬ألن هذه املعاملة نافعة للعامل‬
‫ولصاحب املال مع ًا‪ ،‬وذلك الربا ضار بواحد بال ذنب غري االضطرار‪ ،‬ونافع آلخر بال‬
‫عمل سوى القسوة والطمع‪ ،‬فال يمكن أن يكون حكمهام يف عدل اهلل واحد ًا»‪.‬‬

‫«وخالصة هذا أن اإليداع يف صندوق التوفري هو من قبيل املضاربة‪ ،‬فاملودعون‬


‫هم أصحاب املال‪ ،‬ومصلحة الربيد هي القائمة بالعمل‪ ،‬واملضاربة عقد رشكة بني‬
‫طرفني عىل أن يكون املال من جانب والعمل من جانب‪ ،‬والربح بينهام‪ ،‬وهو عقد‬
‫صحيح رشع ًا‪.‬‬

‫واشرتاط الفقهاء لصحة هذا العقد أن ال يكون ألحدمها من الربح نصيب‬


‫معني‪ ،‬اشرتاط ال دليل عليه‪ ،‬وكام يصح أن يكون هذا التعامل النافع للعامل ولرب‬
‫املال مع ًا حمرم ًا‪ ،‬ألن اهلل سبحانه إنام حرم عىل املسلمني ما فيه إرضار هبم من أية ناحية‪،‬‬
‫وهذا نافع هلم من كل ناحية‪ ،‬وال يدخل يف ربا الفضل وال يف ربا النسيئة‪ ،‬ألنه نوع‬
‫من املضاربة اشرتط فيه لصاحب املال حظ معني من الربح‪ ،‬وهذا االشرتاط خمالف‬
‫ٍ‬
‫خمالف نص ًا يف القرآن والسنة»‪.‬‬ ‫ألقوال الفقهاء‪ ،‬ولكنه غري‬

‫ويستحسن الرجوع إىل كتاب الدكتور طنطاوي (معامالت البنوك وأحكامها‬


‫ال ومتثي ً‬
‫ال وافيني‪.‬‬ ‫الرشعية) فإن فيه تفصي ً‬

‫() صندوق التوفري‪ :‬شعبة يف الربيد تقوم عىل تشجيع االدخار بحفظ أموال املدخرين‬
‫واستثامرها ـ املعجم الوسيط‪.‬‬
‫‪247‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫واملالحظ ـ هنا ـ أن هذا التنزيل أو احلمل عىل املضاربة إذا تم أو صح يف مثل‬
‫إيداع العميل يف صندوق التوفري أو البنك التجاري بقصد الربح‪ ،‬فإنه ال يتحقق يف‬
‫مثل إقراض البنك للعميل برشط احلصول عىل الفائدة‪.‬‬

‫أيض ًا ال ينطبق عنوان املضاربة عىل إيداع العميل إال إذا قامت مصلحة الربيد أو‬
‫إدارة البنك باالجتار باملال املودع‪ ،‬أما يف حالة قبض املال ثم احتساب الفائدة للعميل‬
‫من غري االجتار بامله فليس من املضاربة يف يشء‪ ،‬ألن الفائدة ـ هنا ـ تعد أجرة يف مقابل‬
‫اإليداع الستفادة الصندوق أو البنك من املال متى شاء‪.‬‬

‫وجاء يف كتاب (النظام البنكي يف اململكة العربية السعودية) ص ‪« :86‬وقد‬


‫حاول بعض الفقهاء() قياس ربح الفوائد عىل أرباح املضاربة‪ ،‬إذ يودع صاحب املال‬
‫ماله باملصارف وهو عىل علم ويقني بأن املصارف ستستغلها وتستثمرها يف مشاريع‬
‫جتارية ال تعرف اخلسارة‪.‬‬

‫ولعل هذا التعليل هو األقرب إىل واقع األمر‪ ،‬إذ نعتقد أنه ال جمال للقول بإباحة‬
‫الربا فهو حرام يف كثريه وقليله‪ ،‬وال تفرس وجود القاعدة إالّ قاعدة احلاجة»‪.‬‬

‫وكام ترى إن املحاولة املستفادة من هذه النقول التي ختضع لقاعدة التناظر أو ملا‬
‫سمي يف هذه النقول بالقياس هي من نوع التخريج الفقهي لتصحيح املعاملة‪ ،‬ومن‬
‫ثم للحكم بحلية الفوائد املرصفية‪.‬‬

‫ويف رأيي أن التناظر أو القياس ال يتم أي منهام إالّ بعد توفر معاملة البنك عىل‬
‫كل عنارص ومواصفات معاملة املضاربة اإلسالمية مع قصد الطرفني لنوع املعاملة‪،‬‬
‫أي إن البنك يقصد يف عقد املعاملة أهنا مضاربة‪ ،‬وكذلك الطرف اآلخر‪ ،‬وإليضاح‬
‫هذا والوصول إىل ما هو الواقع نقوم اآلن باملقارنة بني املضاربة وما جيري بني البنك‬

‫() يف هامشه‪« :‬حممود شلتوت‪ ،‬الفتاوى‪ :‬دراسة ملشكالت املسلم املعارص يف حياته اليومية‬
‫العامة‪ ،‬دار القلم – القاهرة<‪ ،‬ص‪.351‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪248‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وعمالئه وفق نظام البنك وكالتايل‪:‬‬

‫‪1‬ـ املضاربة معاملة إسالمية‬

‫ففي كتاب (الفقه عىل املذاهب األربعة ومذهب أهل البيت ‪ )‬كتاب املضاربة‪:‬‬
‫«دليل املضاربة اإلمجاع‪ ،‬فقد أمجع املسلمون عىل جواز ذلك النوع من املعاملة‪ ،‬ومل‬
‫خيالف فيه أحد‪ ،‬وقد كان معرو ًفا يف اجلاهلية فأقره اإلسالم ملا فيه من املصلحة»‪.‬‬

‫ويف فقه «أهل البيت ‪ :‬املضاربة مرشوعة إمجاع ًا ونص ًا‪ ،‬ومنه (أي من‬
‫النص)‪ :‬أن اإلمام الصادق ‪ ‬سئل عن الرجل يقول لآلخر‪ :‬أبتاع لك متاع ًا‬
‫والربح بيني وبينك‪ ،‬قال‪ :‬ال بأس‪.‬‬

‫وقال صاحب اجلواهر‪ :‬املشهور بل املجمع عليه مرشوعية املضاربة املدلول‬


‫ُون جِ َت َار ٌة َع ْن ت ََر ٍ‬
‫اض﴾‪ ،‬وباملتواتر من السنة عند الشيعة‬ ‫عليها بقوله تعاىل‪﴿ :‬إِالَّ َأ ْن َتك َ‬
‫والسنة»‪.‬‬

‫أما البنوك التجارية فنظامها نظام رأساميل ألهنا ولدت ونشأت يف املجتمعات‬
‫الرأساملية‪ ،‬ومنها اكتسبت صفتها الرأساملية‪.‬‬

‫وطرفا املعاملة يف املضاربة مها‪:‬‬

‫‪1‬ـ صاحب رأس املال ـ وقد يكون طبيعي ًا وقد يكون اعتباري ًا ـ وهو الذي يقوم‬
‫بدفع رأس املال إىل العامل ليتجر به بغية احلصول عىل الربح‪.‬‬

‫‪2‬ـ العامل الذي يتجر برأس املال‪ ،‬وأيض ًا قد يكون مادي ًا‪ ،‬وقد يكون معنوي ًا‪.‬‬

‫ومنه نتبني أن وظيفة العامل هنا التجارة برأس املال من أجل احلصول عىل‬
‫الربح‪.‬‬

‫أما طرفا املعاملة يف التعامل مع البنك التجاري فهام‪:‬‬


‫‪249‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪1‬ـ صاحب املال ـ وكذلك قد يكون شخص ًا طبيع ًيا وقد يكون شخص ًا اعتباري ًا‬
‫ـ وهو الذي ُيس ّلم ماله للبنك التجاري للحصول عىل الفائدة املقررة‪.‬‬

‫‪2‬ـ العامل وهو هنا البنك التجاري الذي يتسلم املال من صاحبه للترصف به‬
‫بمختلف أنحاء الترصف استثامر ًا وقرض ًا وما إليهام‪.‬‬

‫وهنا نلتقي مع الفارق الثاين ويتمثل يف الترصف باملال‪:‬‬

‫ففي املضاربة ينحرص ترصف العامل باالجتار باملال وجاء يف كتاب (القواعد)‬
‫ـ مفتاح الكرامة ‪ 447/7‬ـ‪« :‬الرابع‪ :‬العمل‪ ،‬وهو عوض الربح‪ ،‬ورشطه أن يكون‬
‫جتارة فال يصح عىل الطبخ واخلبز ِ‬
‫واحل َرف‪ ،‬أما النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة‬ ‫َ‬
‫فإهنا تبع للتجارة‪ ،‬والتجارة هي االسرتباح بالبيع والرشاء‪ ،‬ال باحلرف والصنائع»‪.‬‬

‫ويف (املوسوعة الفقهية) ـ الكويتية ـ ‪« :55/38‬خامس ًا‪ :‬ما يتعلق بالعمل من‬
‫رشوط‪ :‬ذهب الفقهاء ـ يف اجلملة ـ إىل أنه يشرتط يف العمل باملضاربة رشوط تصح‬
‫املضاربة بوجودها‪ ،‬وتفسد إن ختلفت هذه الرشوط أو بعضها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫ـ أن يكون العمل جتارة‪.‬‬

‫ـ وأن ال ُيض ِّيق رب املال عىل العامل يف عمله‪.‬‬

‫ـ وأن ال خيالف العامل مقتىض العقد»‪.‬‬

‫أما يف البنك فللبنك حرية الترصف‪ ،‬فله أن يستثمر املال بمختلف أنامط‬
‫االستثامر‪ ،‬وله أن يقرضه بفوائد‪ ،‬وله أن ال يعمل هذا وال ذاك‪ ،‬بأن حيتفظ باملال أمانة‬
‫يف ذمته‪.‬‬

‫ويتمثل الفارق الثالث يف أن الربح يف املضاربة يتقاسمه رب املال والعامل‬


‫حسب النسبة الكرسية (الربع أو الثلث إلخ) واخلسارة يتحملها صاحب املال‪ ،‬ففي‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪250‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫املروي‪( :‬سئل اإلمام الصادق ‪ ‬عن رجل يعمل باملال باملضاربة؟ قال‪ :‬له الربح‪،‬‬
‫وليس عليه من الوضيعة يشء إالّ أن خيالف ما أمر صاحب املال)‪.‬‬

‫ويف أن الفائدة املرصفية مضمونة من قبل البنك لصاحب املال‪ ،‬واخلسارة غري‬
‫منظورة هنا‪.‬‬

‫والفارق الرابع هو أن العامل يف املضاربة أمني ال ضامن عليه للامل إالّ إذا تلف‬
‫املال ٍ‬
‫بتعد منه أو تفريط‪.‬‬
‫يف الوقت الذي يعترب فيه البنك ضامنًا للامل إذا تلف سواء كان ذلك ٍ‬
‫بتعد أو‬
‫تفريط أو مل يكن كذلك‪.‬‬

‫ويف الفارق اخلامس هو أن الزيادة يف املضاربة هي ربح التجارة ونتاجها‪ ،‬وهي‬


‫يف البنك فائدة تقدم لصاحب املال يف مقابل دفعه املال للبنك‪ ،‬وهذه الفائدة ـ يف واقعها‬
‫ـ هي جزء من املال املوجود يف خزانة البنك‪ ،‬وهو ـ أعني املال ـ خليط من فوائد ديون‬
‫استحصلها البنك من املقرتضني ومن أرباح استثامراته ومن الودائع النقدية لديه‪.‬‬

‫وإذا رجعنا إىل تعريف الفائدة املذكور يف أول هذا الكتاب نقف عند الفارق‬
‫السادس وهو أن الفائدة املرصفية ال تدفع لصاحب املال بعنوان أهنا ربح جتارة بامله‪،‬‬
‫وإنام هي فائدة مضمونة عىل البنك تدفع يف مقابل تسليم صاحب املال ماله للبنك‬
‫وسامحه له بالترصف فيه بغية تنمية رصيده املايل‪.‬‬

‫وأخري ًا‪:‬‬

‫إن مع وجود هذه الفوارق ال تتأتى املشاهبة واملامثلة بني معاملة املضاربة‬
‫ومعاملة املرصف ليتم لنا محل معاملة البنك عىل أهنا مضاربة فيشملها حكم املضاربة‬
‫الذي هو اجلواز رش ًعا‪.‬‬
‫‪251‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كام أن القياس عندنا ال يتم ألن علة احلكم يف املقيس عليه وهو املضاربة ـ هنا‬
‫ـ غري منصوصة‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬قد يصح القياس ـ ولكن يف غري مذهبنا‪ ،‬إذ ليس من مذهبنا القياس ـ‬
‫إذا قلنا إن علة احلكم يف املضاربة ـ استنتاج ًا ـ هي تنمية املال‪ ،‬ألهنا موجودة أيض ًا يف‬
‫معاملة البنك‪ ،‬مع تاليف ومعاجلة الفروق ولو خترجي ًا‪.‬‬

‫رأي الدوالييب‬

‫يفرق بني القروض‬


‫ويتلخص يف أن الدكتور معروف الدواليبي (ت ‪1424‬هـ) ّ‬
‫لالستهالك فيحرم فيها الربا‪ ،‬والقروض لإلنتاج أو االستثامر فال تعد الفائدة عليها‬
‫فائدة ربوية‪.‬‬

‫ذكر هذا يف بحثه الذي قدّ مه للمؤمتر اإلسالمي الذي انعقد يف باريس سنة‬
‫‪1951‬م‪.‬‬

‫ولعل أفضل من أبان عن رأيه‪ ،‬ومن خالل ما ذكره يف بحثه املشار إليه هو‬
‫الدكتور السنهوري يف كتابه (مصادر احلق) ـ ‪ 159/3‬وما بعدها ـ حتت عنوان (‪3‬ـ ما‬
‫ينبغي أن يكون عليه موقف الفقه اإلسالمي من الربا يف العرص احلارض)‪ ،‬قال‪« :‬أما ما‬
‫ينبغي أن يكون عليه موقف الفقه اإلسالمي من الربا يف العرص احلارض‪ ،‬فقد تباينت‬
‫اآلراء يف ذلك‪ ،‬وتعارضت االجتاهات‪ ،‬وبحسبنا أن نسجل ـ هنا ـ اجتاهني عرصيني‬
‫متعارضني يف الربا‪:‬‬

‫أحدمها يستبقيه واسع ًا كام هو يف املذاهب الفقهية‪.‬‬

‫واآلخر يض ّيق فيه حتى يكاد يغلقه‪...‬‬

‫انعقد مؤمتر للفقه اإلسالمي يف باريس سنة ‪1951‬م‪ ،‬وكان الربا من بني املسائل‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪252‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫املهمة التي تناوهلا بحث املؤمتر‪.‬‬

‫وقد ظهر أن هناك اجتاهني متعارضني يف مسألة الربا يف العرص احلارض‪.‬‬

‫االجتاه األول يستبقيه كام هو يف املذاهب الفقهية‪ ،‬ال يم ّيز بني ربا وربا‪ ،‬فجميع‬
‫حمرمة حتري ًام قطعي ًا‪.‬‬
‫أنواع الربا ّ‬
‫دراز يف املحارضة التي ألقاها يف‬ ‫وقد ّ‬
‫مثل هذا االجتاه األستاذ حممد عبد اهلل ّ‬
‫املؤمتر‪.‬‬

‫ّ‬
‫ومثل االجتاه اآلخر ـ وهو االجتاه الذي يذهب إىل أن الظروف االقتصادية التي‬
‫حرم فيها الربا قد حتولت عام كانت عليه من قبل حتوالً جوهري ًا‪ ،‬وأن حكم الربا يف‬
‫العرص احلارض ينبغي أن خيتلف عام كان عليه يف العصور السابقة ـ األستاذ معروف‬
‫الدواليبي يف حمارضة أخرى ألقاها يف املؤمتر»‪.‬‬

‫وقال يف ص ‪« :163‬يذهب األستاذ معروف الدواليبي يف املحارضة التي‬


‫املحرم إنام يكون يف القروض التي‬
‫ألقاها يف مؤمتر الفقه اإلسالمي بباريس إىل أن الربا ّ‬
‫يقصد هبا إىل االستهالك ال إىل اإلنتاج‪ ،‬ففي هذه املنطقة ـ منطقة االستهالك ـ يستغل‬
‫املرابون حاجة املعوزين والفقراء‪ ،‬ويرهقوهنم بام يفرضون عليهم من ربا فاحش‪ ،‬أما‬
‫اليوم وقد تطورت النظم االقتصادية وانترشت الرشكات وأصبحت القروض أكثرها‬
‫قروض إنتاج ال قروض استهالك‪ ،‬فإن من الواجب النظر فيام يقتضيه هذا التطور يف‬
‫احلضارة من تطور يف األحكام‪ ،‬ويتضح ذلك بوجه خاص عندما تقرتض الرشكات‬
‫الكبرية واحلكومات من اجلامهري وصغار املدخرين‪ ،‬فإن اآلية تنعكس‪ ،‬والوضع‬
‫ينقلب‪ ،‬ويصبح املقرتض ـ أي الرشكات واحلكومات ـ هو اجلانب القوي املستغل‪،‬‬
‫ويصبح املقرض أي صغار املدخرين هو اجلانب الضعيف الذي جتب له احلامية‪.‬‬

‫فيجب إذن أن يكون لقروض اإلنتاج حكمها يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬وجيب أن‬
‫‪253‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يتمشى هذا احلكم مع طبيعة هذه القروض‪ ،‬وهي طبيعة تغاير مغايرة تامة طبيعة‬
‫قروض االستهالك‪ ،‬وال تعدو ُ‬
‫احلال أحد أمرين‪:‬‬

‫ـ إ ّما أن تقوم الدولة باإلقراض للمنتجني‪.‬‬

‫ـ وإ ّما أن تباح قروض اإلنتاج بقيود وفائدة معقولة‪.‬‬

‫واحلل الثاين هو احلل الصحيح‪.‬‬

‫ويرى األستاذ الدواليبي إمكان خترجيه عىل فكرة الرضورة‪ ،‬وعىل فكرة تقديم‬
‫تدرع العدو بمسلم فال مناص من قتل‬
‫املصلحة العامة عىل املصلحة اخلاصة‪ ،‬كام لو ّ‬
‫املسلم حتى يمكن الوصول إىل العدو»‪.‬‬

‫وجاء يف كتاب (النظام البنكي يف اململكة العربية السعودية) ص ‪« :85‬وأخري ًا‬


‫فيام يتعلق بتحريم الربا يف حد ذاته‪ :‬يرى بعض الفقهاء() إباحة قروض اإلنتاج برشط‬
‫أن تكون الفائدة معقولة‪ ،‬فتطور النظم االقتصادية‪ ،‬وانتشار الرشكات‪ ،‬يقتيض النظر‬
‫يف تطوير األحكام بناء عىل فكرة الرضورة‪ ،‬وتقديم املصلحة العامة عىل املصلحة‬
‫اخلاصة‪.‬‬

‫وقد أخذ هبذا الرأي الشيخ اجلليل عيسى() إىل «اليرس الذي هو سمة أصيلة يف‬
‫اإلسالم»‪ ،‬وإىل القاعدة التي قال هبا ابن حزم‪« :‬املفسدة املفضية إىل حتريم إذا عارضها‬
‫املحرم»‪.‬‬
‫مصلحة‪ ،‬وحاجة راجحة‪ ،‬أبيح ّ‬

‫() يف هامشه‪ :‬جاء هبذا الرأي معروف الدواليبي يف مؤمتر علمي نظم للفقه اإلسالمي يف‬
‫باريس ‪1951‬م أورده السنهوري يف كتابه (مصادر احلق يف الفقه اإلسالمي) اجلزء الثالث‪،‬‬
‫القاهرة ‪1954‬م ص‪ 295‬و‪.260‬‬
‫() يف هامشه‪ :‬أورد هذا الرأي سامي حسن أمحد محود ‪( ،‬تطور األعامل املرصفية) ص‬
‫‪.223‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪254‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد طغت هذه الفكرة عىل الكثري مما جعل بعضهم() يالحظ أنه «يرى بعض‬
‫الناس أن الربا أصبح يف عرصنا احلارض معاملة عامة وأساس ًا من أسس االقتصاد‪،‬‬
‫فإن املصارف املالية والرشكات املختلفة التي ال غنى ألمه عنها‪ ،‬تعتمد عليه يف سائر‬
‫معامالهتا‪ ،‬وليس من الرأي وال من مصلحة األمة أن نشري عليها هبدم ذلك كله‪...‬‬
‫وأن نرتك البيوت املالية األجنبية (تستفيد) من ثمرات هذا التعامل العاملي دوننا‪ ،‬وقد‬
‫ارتبطت الدول واألمم بعضها ببعض فلم يعد من املمكن أن تستغل بنوع من املعاملة‬
‫ال تعرفه غريها‪ ،‬وإن أساليب اإلصالح والعمران لتستدعي رصد األموال وجتميعها‬
‫من األفراد ولتستغل فيام ينفع األمة‪ ،‬وتستدعي يف الكثري من األحيان أن تقرتض‬
‫احلكومات من غريها أو من الشعوب أمواالً تضمنها بسندات ذات ربح مقدر فتمتص‬
‫بذلك األموال‪ ،‬كام نعتقد أن املشاكل يف عرصنا احلديث أكرب وأكثر تعقيد ًا من مشكلة‬
‫الربا يف حد ذاته‪ ،‬إذ تعاين أغلب الدول اإلسالمية من تداخل األنظمة عليها‪ ،‬ومن‬
‫اتباعها لنظم اقتصادية ومالية ليس هلا عالقة متينة بالنظام اإلسالمي‪ ،‬كام تعاين من‬
‫كوهنا دوالً ال تنعم باالستغالل االقتصادي والتكنولوجي فتفحلت فيها هذه األنظمة‬
‫الدخيلة بحيث أصبحت جز ًءا من كياهنا‪ ،‬وليس من السهل استئصاهلا‪.‬‬

‫ومن هذا املنطلق يمكن القول بأن التعامل بالفائدة (جائز) وذلك حتى يأيت‬
‫البديل املتمثل يف البنوك اإلسالمية‪ ،‬وإن كنا نعتقد أن هذا البديل لن يكون له األثر‬
‫املرجو إالّ إذا واكبه تطور تدرجيي للعقليات وللنظم االقتصادية واملالية واالجتامعية‬
‫والقانونية عىل النمط اإلسالمي من جهة‪ ،‬وإذا تم التعاون اجلدي بني الدول‬
‫اإلسالمية يف هذه املجاالت حتى تتمكن من احلصول عىل استقالهلا االقتصادي‬
‫واملايل والتكنولوجي وتتعامل مع بقية دول العامل ند ًا لند من جهة أخرى‪.‬‬

‫وعىل ٍّ‬
‫كل لقد ظهرت يف بعض البلدان بادرة البنوك اإلسالمية وبدأت تعمل‬

‫() يف هامشه‪ :‬نور الدين عرت (املعامالت املرصفية والربوية وعالجها يف اإلسالم) ص ‪.66‬‬
‫‪255‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫منذ عدة سنوات‪ ،‬فمن اجلدير أن نبحث يف كيفية اشتغاهلا وأوجه االستثامر فيها‪ ،‬ويف‬
‫مدى متشيها مع خمتلف القوانني واألنظمة املعتمدة يف املجال املرصيف»‪.‬‬

‫ونقرأ يف الرسالة العملية للشيخ الصانعي وهو من فقهائنا املعارصين ـ‪ ،‬الرسالة‬


‫يقرب الرأي املذكور‬
‫املوسومة بـ (منتخب األحكام) ـ املسألة ‪ 506‬ـ ما يظهر منه أنه ّ‬
‫مع االختالف يف الدليل‪ ،‬وإليك نص ما يف الرسالة‪« :‬س (سؤال) ‪ :506‬يف بعض‬
‫يقسمون القرض إىل نوعني‪ :‬استهالكي واستثامري‪ ..‬واألخري يعني‬
‫البلدان اإلسالمية ّ‬
‫أن املقرتض ال يقرتض لرغيف عيشه أو إلفالسه وحاجته‪ ،‬بل يقرتض لالستثامر‪ ،‬كأن‬
‫يتاجر أو يبني دار ًا وأمثاهلا ألجل استثامرها‪ ،‬أو لطلب الربح والزيادة يف رأس املال‪،‬‬
‫فهل يمكن القول بأن األدلة الرشعية للربا ناظرة متا ًما إىل القرض االستهالكي‪ ،‬وال‬
‫تشمل القرض االستثامري؟‬

‫ما رأيكم أنتم يف هذا املجال؟‬

‫ج (جواب)‪ :‬عدم حرمة القرض الربوي االستثامري (الذي ال حيول دون‬


‫املعروف واالجتار والعمل فحسب‪ ،‬بل ويساعد يف ازدهار السوق واالقتصاد السليم)‬
‫ال خيلو من قوة‪ ،‬وإن كان حيسن االحتياط يف استخدام الطرق الرشعية للتخلص‬
‫من هذا النوع من الربا أيض ًا‪ ،‬وأدلة حرمة الربا ال تشمل زيادات استثامرية من هذا‬
‫القبيل‪ ،‬كام هو احلال يف غريها من الزيادات‪ ،‬فالربا يف اللغة والعرف والرواية بمعنى‬
‫مطلق الزيادة‪ ،‬ومن املؤكد أن هذا املعنى ليس هو املراد يف أدلة التحريم‪ ،‬بل املراد‬
‫زيادة خاصة‪ ،‬وهذه ختصصها قرائن وشواهد وعلل وحكم حتريم الربا التي يف القرآن‬
‫والروايات بالربا االستهالكي‪ ،‬هو الذي كان يدعو املدين أحيان ًا إىل دفع أمه وأخته‬
‫وبنته إىل أعامل مشينة من أجل أداء دينه‪ ،‬ويبدو أن احلديث الصحيح املعروف (درهم‬
‫ربا أشد من سبعني زنية كلها بذات حمرم) هو يف هذا الصدد‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪256‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وخالصة القول‪:‬‬

‫حمرم تقع يف الربا الذي يمنع‬


‫هي أن الزيادة املشرتطة يف القرض التي هي ربا ّ‬
‫من التحرك االقتصادي الذي ُعل ّلت به حرمة الربا يف الروايات‪ ،‬والعلة ختصص كام‬
‫أهنا تعمم‪.‬‬

‫وأما القرض مع الزيادة الذي يكون مدعاة للمقرتض إىل العمل والتحرك‬
‫االقتصادي له وللمجتمع فال تشمله هذه العلة‪ ،‬وذلك خال ًفا للقرض الربوي الذي‬
‫يكون للعوز واحلاجة حيث جيمع به املرايب الثروات ويزداد به املدين فقر ًا إىل فقره‪،‬‬
‫بينام كان جيب أن تدفع إليه الصدقات كي ال يبتيل بالربا‪.‬‬

‫املحرم والذي يعدّ حرب ًا عىل‬


‫هذا النوع من الربا وهو القرض برشط الزيادة هو ّ‬
‫اهلل ورسوله»()‪.‬‬

‫ويبدو أن هذا الرأي القى قبوالً وتبني ًا عند أكثر من فقيه‪ ،‬واستحسان ًا يف أكثر‬
‫من وسط علمي‪.‬‬

‫إالّ أنه وقع االختالف بني القائلني به يف دليل استثناء القرض لإلنتاج أو‬
‫االستثامر من عموم حرمة الربا املستفادة من روايات املقام‪.‬‬

‫وسأحاول الوقوف علمي ًا عند أدلتهم لتعرف مدى هنوضها بإثبات املدعى‪.‬‬

‫وقبله ال بد من بيان املراد من (االستهالك) و(اإلنتاج) أو (االستثامر)‪ ،‬ألن‬


‫بعض أدلتهم تتوقف عىل حتديد وتشخيص املراد من هذه املصطلحات أو املفاهيم‬
‫املذكورة‪:‬‬

‫() نق ً‬
‫ال عن اإلنرتنت ‪ www.saanei.org‬موقع سامحة آية اهلل الشيخ يوسف الصانعي‪.‬‬
‫‪257‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ـ االستهالك‬

‫يقال‪ :‬استهلك زيد املال إذا أنفقه فيام يعنيه من شؤون حياته‪ ،‬فاالستهالك‪ :‬هو‬
‫ما ينفقه اإلنسان يف شؤون حياته من مواد غذائية ومالبس وفرش‪ ،‬ورشاء وسيلة نقل‬
‫كالدراجة والسيارة‪ ،‬أو يف صداق ومرصوفات الزواج‪ ،‬وكذلك يف رشاء أو بناء منزل‬
‫لسكناه‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬

‫ويف ضوئه‪ :‬يراد بالقرض لالستهالك أو القرض االستهالكي املال الذي‬


‫يقرتض الشخص من البنك ليرصفه يف شؤون حياته مما ذكرنا وأمثاهلا‪.‬‬

‫ـ اإلنتاج (أو االستثمار)‬

‫هو العمل للحصول عىل املنتوج الذي هو ثمرة اإلنتاج‪ ،‬فاإلنتاج ـ هنا ـ يرادف‬
‫االستثامر الذي هو العمل للحصول عىل الثمرة‪.‬‬

‫والقروض لإلنتاج أو االستثامر هي األموال التي تُقرتض من البنوك للتجارة‬


‫الكربى أو إلنشاء املصانع الكبرية أو تأسيس املزارع الواسعة‪ ،‬وما إليها‪.‬‬

‫أدلتهم‬

‫ومن أدلتهم التي استدلوا هبا للقول بحلية القروض اإلنتاجية استثناء هلا من‬
‫عموم حرمة الربا‪:‬‬

‫(قاعدة تغري الظروف)‬

‫ويفهم هذا مما مر من قوهلم «إن الظروف االقتصادية التي ُح ّرم فيها الربا قد‬
‫قبل‪ ،‬حتوالً جوهري ًا‪ ..‬فقد تطورت النظم االقتصادية‬ ‫حتولت عام كانت عليه من ُ‬
‫ّ‬
‫وانترشت الرشكات وأصبحت القروض أكثرها قروض إنتاج ال قروض استهالك‪،‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪258‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فإن من الواجب النظر فيام يقتضيه هذا التطور يف احلضارة من تطور يف األحكام»‪.‬‬

‫وإليضاح معنى القاعدة املذكورة بغية معرفة مدى قدرهتا عىل النهوض بإثبات‬
‫تغري الزمان إذا أ ّثر‬
‫أن ّ‬ ‫رأي القائلني بحلية قروض اإلنتاج نقول‪ :‬إن هذه القاعدة تعني ّ‬
‫تغري موضوع احلكم‪ ،‬أي إن املوضوع تبدل إىل موضوع آخر‪ ،‬فإنه ـ واحلالة هذه ـ‬
‫يف ّ‬
‫ال ينطبق عليه موضوع احلكم السابق وعىل الفقهاء أن يلتمسوا له احلكم املناسب‪.‬‬

‫هنا نقول‪ :‬إن تغري املوضوع الذي حدث بسبب تغري الظرف‪ ،‬يستدعي تغري‬
‫احلكم والتامس حكم آخر هلذا املوضوع اآلخر‪.‬‬

‫ويف مسألتنا هذه‪ :‬هل حتقق هذا؟‬

‫املعروف تارخيي ًا أن الربا اإلنتاجي أو االستثامري كان معروف ًا يف اجلاهلية وقت‬


‫نزول آيات حتريم الربا‪ ،‬يقول الدكتور فرغل يف كتابه (تبديد األوهام فيام يتعلق بفوائد‬
‫البنوك من أحكام) ص‪« :11،12‬وهو (يعني الرأي املذكور يف أعاله) غري صحيح‪،‬‬
‫ملا هو معروف من أن أول ما ألغاه رسول اهلل ‪ ‬من الربا حني نزلت آية التحريم‬
‫هو ربا عمه العباس‪ ،‬وقد كان ربا استثامري ًا ـ بلغة العرص ـ إذ كان العباس ً‬
‫تاجرا كشأن‬
‫غريه من التجار جيمع من قريش أمواالً يستثمرها يف جتارته بالشام‪ ،‬ومل يكن جيمع‬
‫أمواالً حلاجة استهالكية من طعام ورشاب‪.‬‬

‫ومن املعروف تارخيي ًا أن مكة كانت تعيش اقتصادي ًا عىل رحلتي الشتاء والصيف‪،‬‬
‫أوالمها إىل اليمن وجنوب اجلزيرة‪ ،‬وثانيتهام إىل الشام‪ ،‬وكان يتم متويل هذه الرحالت‬
‫عن طريق القروض الربوية‪ :‬أوالً من اليهود الذين كانوا يقيمون بالطائف بعد طردهم‬
‫من اليمن‪ ،‬ومل تكن هلم صناعة إالّ اإلقراض بالربا‪ ..‬وثاني ًا من أغنياء قريش يف مكة‪،‬‬
‫وقد كان منهم بعض من أسلموا كالعباس وخالد بن الوليد وعثامن بن عفان‪ ،‬ومن‬
‫ذلك كانت قافلة أيب سفيان التي كانت سبب ًا يف غزوة بدر‪ ،‬وكان التجار يعتمدون‬
‫‪259‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يف سداد الربا عىل األرباح التي تدرها التجارة عليهم‪ ،‬أي كانوا يقومون ـ كام يقول‬
‫الدكتور حممد عبد اهلل العريب يف بحثه أمام املؤمتر الثاين ملجمع البحوث اإلسالمية ـ‬
‫بنفس الدور الذي تقوم به البنوك اآلن‪.‬‬
‫ِ‬
‫يروي اإلمام الطربي يف تفسريه أسباب نزول قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬يا َأ هُّ َيا ا َّلذ َ‬
‫ين َآمنُوا‬
‫ِ ِ‬
‫الر َبا﴾ أهنا نزلت يف العباس بن عبد املطلب ورجل من بني‬ ‫ا َّت ُقوا اهللَ َو َذ ُروا َما َبق َي م َن ِّ‬
‫املغرية كانا رشيكني يف اجلاهلية س ّلفا بالربا إىل أناس من ثقيف وهم بنو عمرو بن‬
‫عمري فجاء اإلسالم وهلام أموال عظيمة يف الربا»‪.‬‬

‫وكام ترى إن القروض االستثامرية كانت موجودة وقت نزول آيات حتريم الربا‬
‫فتكون داخلة يف عمومها فيشملها كام يشمل القروض االستهالكية‪.‬‬

‫«وقد أصدر جممع البحوث اإلسالمية باألزهر منذ الستينات ـ يف املؤمتر الثاين‬
‫ـ قراره بأن الفائدة حرام‪ ،‬وهي ربا‪ ،‬سواء فيام يسمى مرشوع ًا إنتاجي ًا أو استثامري ًا أو‬
‫استهالكي ًا‪ ،‬كله سواء‪.‬‬

‫ونص القرار ما ييل‪:‬‬

‫الفائدة عىل أنواع القروض كلها حمرم‪ ،‬ال فرق يف ذلك بني ما يسمى بالقرض‬
‫االستهالكي وما يسمى بالقرض اإلنتاجي‪ ،‬ألن نصوص الكتاب والسنة يف جمموعها‬
‫قاطعة يف حتريم النوعني»()‪.‬‬

‫ويف هديه‪ :‬ال يوجد تبدل يف املوضوع بسبب تغري الظروف وتطور األحوال‪،‬‬
‫وإنام الواقع هو توسع جمال القرض اإلنتاجي بسبب حدوث وسائل جديدة يف عامل‬
‫حركة املال املعارص كالرشكات الكربى والصناعات الثقيلة والتجارات الضخمة‪.‬‬

‫() تبديد األوهام ص ‪.14 ، 13‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪260‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ومن أدلتهم التي استدلوا هبا‪:‬‬

‫(قاعدة الضرورة)‬

‫تقدم يف منقولة الدكتور السنهوري قوله‪« :‬ويرى األستاذ الدواليبي إمكان‬


‫خترجيه (يعني الرأي املذكور) عىل فكرة الرضورة»‪.‬‬

‫ولكي نتبينَّ صحة االستدالل هبذه القاعدة من عدم صحتها نحاول أن‬
‫نستوضح فحوى هذه القاعدة‪.‬‬

‫إن كلمة (رضورة) مل تؤخذ مصطلح ًا فقهي ًا ـ وإن وردت يف تعبريات كثري من‬
‫الروايات ـ وإنام أبقيت عىل معناها اللغوي االجتامعي‪ ،‬واستعملت يف لسان النصوص‬
‫الرشعية فيه‪.‬‬

‫ففي (جممع البحرين) ـ مادة رضر ـ‪« :‬الرضورة ـ بالفتح ـ‪ :‬احلاجة‪ ،‬ومنه‪ :‬رجل‬
‫ذو رضورة‪ ،‬أي ذو حاجة‪ ..‬وقد اضطر إىل اليشء‪ ،‬أي جلأ إليه‪ ..‬قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫﴿أ َّم ْن‬
‫جُيِ ُ‬
‫يب ا ُمل ْض َط َّر إِ َذا َد َعا ُه﴾‪ ،‬املضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل‬
‫األيام إىل الترضع إىل اهلل تعاىل‪ ..‬ويف اخلرب‪( :‬هنى عن بيع املضطر)‪ ،‬ومثله‪( :‬ال تبع من‬
‫مضطر)‪ ،‬قيل‪ :‬هذا يكون عىل وجهني‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن يضطر إىل العقد من طريق اإلكراه عليه‪ ،‬وهذا بيع فاسد ال ينعقد‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أن يضطر إىل البيع لدين ركبه أو مؤونة ترهقه فيبيع ما يف يده بالوكس‬
‫()‬

‫للرضورة‪ ،‬وهذا سبيله يف حق الدين‪ ،‬واملروءة أن ال يبايع يف هذا الوجه‪ ،‬ولكن يعان‬
‫ويقرض إىل ميرسة أو تشرتى سلعته بقيمتها‪.‬‬

‫ومعنى البيع ـ هنا ـ املبايعة أو قبول البيع والرشاء»‪.‬‬

‫() الوكس‪ :‬النقص‬


‫‪261‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ومنه نستخلص أن الرضورة ـ هنا ـ هي احلاجة التي تلجئ اإلنسان إىل فعل‬
‫احلرام‪.‬‬
‫اض ُطر َغ با ٍغ والَ ع ٍ‬
‫اد‬ ‫ويفهم من اآلية الكريم ـ ‪ 173‬من سورة البقرة ـ ﴿ َف َم ِن ْ َّ يرْ َ َ َ َ‬
‫ال إِ ْث َم َع َل ْي ِه﴾ األمور التالية‪:‬‬
‫َف َ‬

‫املحرم‪.‬‬
‫‪ .1‬أن الرضورة (احلاجة) هي التي تلجئ املضطر إىل فعل ّ‬
‫املحرم غري باغٍ‪ ،‬أي غري طالب لفعل احلرام‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬أن يكون املضطر إىل فعل‬
‫بارتكابه له لسبب غري الرضورة‪.‬‬

‫‪ .3‬أن ال يتعدى املضطر ويتجاوز حدود الرضورة‪.‬‬

‫هذا هو معنى قاعدة الرضورة‪ ،‬التي صيغت واشتهرت عىل ألسنة الناس يف‬
‫العبارة املعروفة (الرضورات تبيح املحظورات)‪.‬‬

‫وبيان االستدالل هبا‪ :‬أن صاحب هذا الرأي يقول‪ :‬إن الرضورة االجتامعية‬
‫تدعو إىل حتريك املال يف أوسع جمال ليستفاد من ذلك يف تشغيل األيدي العاملة بأكثر‬
‫عدد ممكن‪ ،‬ويف زيادة اإلنتاج بأوفر ما يمكن يف دعم التنمية والتقدم نحو األفضل‪.‬‬

‫ولنا أن نعلق عىل هذا فنقول‪ :‬قد يقال‪ :‬إن احلاجة املشار إليها قد تعد رضورة‬
‫لنا نحن املسلمني فيام إذا كنا يف صدد إنشاء بنوك استثامرية تعمل باملضاربة اإلسالمية‬
‫أو ما يامثلها من املعامالت الرشعية األخرى‪ ،‬أو إهنا تقرض بال زيادات تدخل حتت‬
‫عنوان الفائدة املرصفية‪ ،‬وإنام لقاء مبالغ معينة ترصف يف شؤون البنك وخدماته‪.‬‬

‫وحتى يتم إنشاء مثل هذه البنوك‪ ،‬التي يصطلح عليها اآلن باسم (البنوك‬
‫اإلسالمية) تكون الرضورة لالقرتاض من البنوك التقليدية أمر ًا قائ ًام تفرضه مقتضيات‬
‫ومتطلبات حركة املال للغايات التي أرشت إليها قبل قليل‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪262‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد يكون األمر بالعكس متا ًما‪ ،‬حيث تبيح الرضورة القروض االستهالكية‪،‬‬
‫وهو واضح فيام إذا فهمنا من القاعدة أن املراد من الرضورات التي تبيح املحظورات‬
‫ما يشمل مجيع املحظورات التي ترتبط بشؤون حياة اإلنسان الفردية‪.‬‬

‫وقد يقال إن الرضورة ـ هنا ـ تشمل النوعني من القروض االستهالكية‬


‫واالستثامرية‪ ،‬أي إن القروض املرصفية جائزة مطلق ًا‪.‬‬

‫واستدل بعضهم بـ‬

‫(قاعدة اليسر)‬

‫﴿و َما َج َع َل‬ ‫التي تعرف بقاعدة رفع العرس واحلرج‪ ،‬املستفادة من قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ع َليكُم فيِ الدِّ ِ ِ‬
‫س﴾‪،‬‬ ‫س َوالَ ُي ِريدُ بِك ُُم ا ْل ُع رْ َ‬
‫ين م ْن َح َرجٍ ﴾ وقوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ي ِريدُ اهللُ بِك ُُم ا ْل ُي رْ َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫بتقريب أن التوقف عن االقرتاض بفائدة مع عدم توفر القرض احلسن لعامة الناس‬
‫يلزم منه العرس واحلرج‪.‬‬

‫وما قيل يف دليل الرضورة يقال هنا‪ ،‬ولعل املستدل بقاعدة اليرس أراد هبا ما‬
‫يعطي معنى قاعدة الرضورة‪.‬‬

‫واستدل املستدل بقاعدة اليرس بقاعدة تعارض املفسدة املفضية للحرام مع‬
‫املصلحة الرضورية فتقدم املصلحة عىل املفسدة‪.‬‬

‫وهي تلتقي مع دليل الرضورة‪ ،‬ألن الرضورة هي املرجح للمصلحة عىل‬


‫املفسدة‪ ،‬فالكالم هنا هو الكالم هناك‪.‬‬

‫«ويرى الناس أن الربا أصبح يف عرصنا احلارض معاملة عامة إلخ» انظره فيام‬
‫تقدم ـ‪.‬‬

‫وهو دعوة من هذا القائل للخضوع لألمر الواقع‪ ،‬وألنه ال يرقى إىل مستوى‬
‫‪263‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الدليل فال أرى ما يلزم بالوقوف عنده‪.‬‬

‫وآخر ما استدل به ملسألتنا هذه يف سياق ما استعرضناه سابق ًا من كالم القائلني‬


‫بالرأي املذكور هو أن علة حتريم الربا الواردة يف روايات املقام‪ ،‬وهي (أعني العلة)‬
‫املنع من التحرك االقتصادي ختصص أدلة حتريم الربا‪.‬‬

‫وخالصة االستدالل‪« :‬إن الزيادة املشرتطة يف القرض التي هي ربا ّ‬


‫حمرم تقع‬
‫يف الربا الذي يمنع من التحرك االقتصادي الذي عل ّلت به حرمة الربا يف الروايات‪،‬‬
‫والعلة ختصص كام أهنا تعمم‪.‬‬

‫وأما القرض مع الزيادة الذي يكون مدعاة للمقرتض إىل العمل والتحرك‬
‫االقتصادي له وللمجتمع فال تشمله هذه العلة‪ ،‬وذلك خال ًفا للقرض الربوي الذي‬
‫فقرا إىل فقره‪،‬‬
‫يكون للعوز واحلاجة‪ ،‬حيث جيمع به املرايب الثروات‪ ،‬ويزداد به املدين ً‬
‫بينام كان جيب أن تدفع إليه الصدقات كي ال يبتيل بالربا‪.‬‬

‫املحرم‪ ،‬والذي يعدّ حرب ًا‬


‫هذا النوع من الربا ـ وهو القرض برشط الزيادة ـ هو ّ‬
‫عىل اهلل ورسوله»‪.‬‬

‫وإليضاح االستدالل ال بد من ذكر الروايات التي اشتملت عىل علة حتريم‬


‫الربا‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫قلت أليب عبد اهلل ‪:‬‬


‫ـ «الوسائل ‪ 118/18‬رقم ‪ :23272‬عن سامعة قال‪ُ :‬‬
‫رأيت اهلل تعاىل قد ذكر الربا يف غري آية وكرره؟‬
‫إين ُ‬

‫قال‪ :‬أو تدري مل ذاك؟‬

‫قلت‪ :‬ال‪.‬‬

‫قال‪ :‬لئال يمتنع الناس من اصطناع املعروف‪.‬‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪264‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حرم‬
‫ـ م‪ .‬ن رقم ‪ :23273‬عن هشام بن سامل عن أيب عبد اهلل ‪ ‬قال‪ :‬إنام ّ‬
‫اهلل ـ عز وجل ـ الربا كيال يمتنع الناس من اصطناع املعروف‪.‬‬

‫ـ م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ 120‬رقم ‪ :23277‬عن هشام بن احلكم أنه سأل أبا عبد اهلل‬
‫‪ ‬عن علة حتريم الربا‪ ،‬فقال‪ :‬إنه لو كان الربا حالالً لرتك الناس التجارات وما‬
‫فحرم اهلل الربا لتنفر الناس من احلرام إىل احلالل‪ ،‬وإىل التجارات من‬
‫حيتاجون إليه‪ّ ،‬‬
‫البيع والرشاء‪ ،‬فيبقى ذلك بينهم يف القرض()‪.‬‬

‫حرم اهلل ـ عز‬


‫ـ م‪ .‬ن رقم ‪ :23279‬عن زرارة عن أيب جعفر ‪ ‬قال‪ :‬إنام ّ‬
‫وجل ـ الربا لئال يذهب املعروف‪.‬‬

‫ـ م‪ .‬س‪ :‬ص ‪ 121‬رقم ‪ :23280‬عن حممد بن سنان‪ :‬أن عيل بن موسى الرضا‬
‫‪ ‬كتب إليه فيام كتب من جواب مسائله‪ :‬وعلة حتريم الربا ملا هنى اهلل ـ عز وجل‬
‫ـ عنه‪ ،‬وملا فيه من فساد األموال‪ ،‬ألن اإلنسان إذا اشرتى الدرهم بالدرمهني كان‬
‫ثمن الدرهم درمه ًا وثمن اآلخر باطالً‪ ،‬فبيع الربا ورشاؤه وكس عىل كل حال‪ ،‬عىل‬
‫فحرم اهلل ـ عز وجل ـ عىل العباد الربا‪ ،‬لعلة فساد األموال‪ ،‬كام‬
‫املشرتي وعىل البائع‪ّ ،‬‬
‫حظر عىل السفيه أن ُيدفع إليه ماله‪ ،‬ملا يتخوف عليه من فساده حتى يؤنس منه رشد‪،‬‬
‫حرم اهلل ـ عز وجل ـ الربا‪ ،‬وبيع الدرهم بالدرمهني‪ ،‬وعلة حتريم الربا بعد‬‫فلهذه العلة ّ‬
‫املحرم‪ ،‬وهي كبرية بعد البيان‪ ،‬وحتريم اهلل ـ عز‬
‫البينة ملا فيه من االستخفاف باحلرام ّ‬
‫باملحرم احلرام‪ ،‬واالستخفاف بذلك دخول يف‬ ‫ّ‬ ‫وجل ـ هلا‪ ،‬مل يكن إالّ استخفاف ًا منه‬
‫الكفر‪.‬‬

‫وعلة حتريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب املعروف‪ ،‬وتلف األموال‪ ،‬ورغبة الناس‬
‫يف الربح‪ ،‬وتركهم القرض‪ ،‬والقرض صنائع املعروف‪ ،‬وملا يف ذلك من الفساد والظلم‬
‫وفناء األموال»‪.‬‬

‫() يف هامشه‪ :‬يف العلل‪ :‬لتنفر الناس عن احلرام للتجارات ‪ ،‬وإىل البيع والرشاء فيتصل ذلك‬
‫بينهم يف القرض‪.‬‬
‫‪265‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ونفيد من هذه الروايات الرشيفة أن علة حتريم الربا املنصوص عليها فيها تتمثل‬
‫يف‪:‬‬

‫ـ املنع من اصطناع املعروف‪ ،‬بمعنى أن الربا (القرض املرشوط) يكون سبب ًا‬
‫للمنع من (القرض احلسن)‪.‬‬

‫ـ املنع من تداول املال بني الناس عن طريق التجارة وما يامثلها من املعامالت‬
‫املرشوعة‪ ،‬بمعنى أن الناس يستسهلون الربا وخيلدون إليه ويمتنعون عن كسبه األرباح‬
‫عن طريق التجارة وما يامثلها من املعامالت املرشوعة‪.‬‬

‫وإذا علمنا أن القرض احلسن هو وسيلة من وسائل حركة تداول املال بني‬
‫الناس يمكننا حرص علة حتريم الربا ـ يف هدي ما أفادته الروايات ـ يف (املنع من حركة‬
‫تداول املال بني الناس عن طريق املعامالت املرشوعة)‪.‬‬

‫وتداول املال هو ما يعرب عنه غالب ًا يف لغة االقتصاد احلديث بِـ (حركة املال)‬
‫عب عنها الشيخ الصانعي يف فتواه املذكورة يف أعاله بِـ (حركة االقتصاد)‪ ،‬وكال‬‫التي رّ‬
‫التعبريين (حركة املال) و(حركة االقتصاد) يعطيان معنى واحد ًا هو تداول املال بني‬
‫الناس‪.‬‬

‫ويف ضوء هذا‪ ،‬نحاول أن نعرف أي النوعني من القرض (االستهالكي‬


‫واالستثامري) يمنع من تداول املال بني الناس عن طريق املعامالت املرشوعة أمثال‪:‬‬
‫التجارة واملضاربة وما إليهام‪.‬‬

‫يف القرض االستهالكي األمر واضح‪ ،‬ذلك أنه يمنع من اصطناع املعروف بني‬
‫الناس باالقرتاض واإلقراض بالقرض احلسن‪.‬‬

‫كام أنه يمنع من استخدام املال يف غري الغرض منه‪ ،‬وهو االستهالك‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪266‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فع ّلة حتريم الربا ـ هنا ـ موجودة وماثلة‪.‬‬

‫وعليه‪ :‬يكون هذا القرض إذا اشرتطت فيه الزيادة قرض ًا ربوي ًا حمرم ًا‪.‬‬

‫وبعكسه القرض اإلنتاجي‪ ،‬فإن األموال التي تؤخذ عن طريقه تستخدم‬


‫ال فاع ً‬
‫ال يف حركة تداول املال بني الناس عن طرق‬ ‫لإلنتاج واالستثامر بام يأيت عام ً‬
‫التجارة والصناعة والزراعة وما إليها‪.‬‬

‫ومن البدهييات العقلية‪ :‬إن املعلول يدور مدار علته وجو ًدا وعد ًما‪ ،‬أي إن‬
‫وجدت علته انوجد‪ ،‬وإن عدمت انعدم‪.‬‬

‫وعلة حتريم الربا ـ كام أفادت الروايات املذكورة ـ هي منعه من تداول املال عن‬
‫طرق املعامالت املرشوعة‪ ،‬والقرض اإلنتاجي كام هو معلوم عامل مهم وقوي من‬
‫عوامل تداول املال‪.‬‬

‫وعليه‪ :‬فبدل أن يكون الربا سبب ًا ملنع تداول املال صار سبب ًا لتداوله‪.‬‬

‫ومعنى هذا أن علة التحريم انحرست‪ ،‬أو قل انعدمت‪ ،‬وعىل أساس من البدهيية‬
‫املشار إليها‪ :‬إن انعدام العلة هنا يستلزم انعدام املعلول‪ ،‬وهو التحريم‪.‬‬

‫والنتيجة‪:‬‬

‫ـ هي حرمة القروض االستهالكية‪.‬‬

‫ـ وإباحة القروض اإلنتاجية‪.‬‬

‫رأي الدكتور هنيدي‬

‫الدكتور منري إبراهيم هنيدي أستاذ اإلدارة املالية واملؤسسات املالية بكلية‬
‫التجارة ـ جامعة طنطا بمرص‪ ،‬قام بدراسة موسعة ملوضوع (الفوائد املرصفية) يف‬
‫‪267‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كتابه املعروف (شبهة الربا يف معامالت البنوك التقليدية واإلسالمية‪ :‬دراسة اقتصادية‬
‫ورشعية)‪ ،‬ونرشه سنة ‪1995‬م‪.‬‬

‫انتهى يف دراسته إىل النتيجة التالية التي رأيت أن أنقلها حرفي ًا من كتابه املشار‬
‫إليه ص ‪ ،323 ،322 ،321‬ألنه اعتمد عىل املصالح املرسلة وهي ليست من أصولنا‪،‬‬
‫وللقارئ الكريم رأيه‪:‬‬

‫«ويف غياب نص بالتحريم‪ ،‬واضطراب القياس‪ ،‬وعدم انطباق احلكمة والعلة‬


‫من حتريم الربا عىل املعامالت املرصفية‪ ،‬فإن النظرة إىل معامالت البنوك التقليدية عىل‬
‫أهنا معامالت جديدة هي نتيجة منطقية‪ .‬خاصة وأن القروض التي جتر منفعة ليست‬
‫أص ً‬
‫ال يف العقود الرشعية‪ ،‬وأن تلك املعامالت تنطوي عىل مصلحة مرسلة‪ ،‬وهي‬
‫املصلحة التي ال يوجد نص جييزها أو حيرمها وأهنا ال تتعارض مع النصوص وال مع‬
‫مقاصد الرشيعة‪ .‬ذلك أن األصل يف املعامالت اإلباحة وليس التحريم‪ .‬ويتفرع عن‬
‫قاعدة اإلباحة أننا لسنا يف حاجة للبحث عن سند رشعي جييز تلك املعاملة اجلديدة‪،‬‬
‫أن ما ورد من نصوص يف الكتاب والسنة من عقود للمعامالت‪،‬‬ ‫أيضا ّ‬
‫ويتفرع عنها ً‬
‫مل يرد عىل سبيل احلرص بحيث يلزم عدم استحداث معامالت أخرى غري واردة هبام‪.‬‬
‫هذا إضافة إىل أن استحداث معاملة جديدة ال يشرتط إلباحتها القياس عىل ما ورد‬
‫من نصوص‪ .‬ومن باب أوىل ال يشرتط لإلباحة القياس عىل رأي فقهي‪ ،‬فالقياس‬
‫رش ًعا يكون عىل النصوص وليس عىل آراء الفقهاء‪.‬‬

‫ونعود إىل القول بأن معامالت البنوك التقليدية هي من نوع املعامالت اجلديدة‬
‫التي تساندها مصلحة مرسلة‪ .‬حدد الغزايل أربعة رشوط للمصلحة املرسلة‪:‬‬

‫الرشط األول‪ :‬عدم تعارض املصلحة مع نص يف الكتاب أو السنة‪ .‬وعندما نقول‬


‫حيرم املعاملة قطع ًيا واضح الداللة‬
‫بعدم التعارض‪ ،‬فإنه جيب أن يكون النص الذي ّ‬
‫ال شبهة فيه‪ .‬هذا الرشط كام سبق أن ذكرنا متوافر يف معامالت البنوك التقليدية‪ ،‬عىل‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪268‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫النحو الذي كشفنا عنه يف الفصلني الثامن والتاسع‪.‬‬

‫الرشط الثاين‪ :‬أن تكون املصلحة واضحة‪ ،‬وفيها حمافظة عىل مقاصد الرشع‪.‬‬
‫بعبارة أخرى ينبغي أن يكون يف املعاملة اجلديدة جلب للنفع ودفع للرضر‪ ،‬بشكل‬
‫يستقيم مع املحافظة عىل مقصود الرشع‪ .‬فاملصلحة املقبولة هي تلك التي حتفظ‬
‫عىل املسلمني دينهم‪ ،‬ونفسهم‪ ،‬وعقلهم‪ ،‬ونسلهم‪ ،‬وماهلم‪ .‬وهذا الرشط متوافر يف‬
‫معامالت البنوك التقليدية‪ .‬فبفضل تلك املعامالت تستطيع املنشآت اإلنتاجية يف‬
‫بالد املسلمني‪ ،‬مواجهة املنافسة من املنشآت األجنبية‪ ،‬كام سبق أن أرشنا إىل ذلك يف‬
‫أيضا حمافظة‬
‫الفصل التاسع‪ .‬وإذا كان يف ذلك حمافظة عىل أموال املسلمني‪ ،‬فإن فيه ً‬
‫عىل مصالح األمة من نواح أخرى عديدة‪ ،‬فقدرة املنشآت املحلية عىل املنافسة يعني‬
‫فرصا أفضل للعاملة‪ ،‬وسل ًعا بأسعار مالئمة‪.‬‬
‫ً‬
‫الرشط الثالث‪ :‬املالءمة‪ .‬فعىل عكس املصلحة املعتربة التي جييزها نص يف‬
‫القرآن أو السنة‪ ،‬مثل جواز البيع وجواز مقايضة خرص العرايا بالتمر‪ ،‬فإن املالءمة يف‬
‫املصلحة املرسلة ال حتتاج إىل وجود األصل املعني لنوعها‪ .‬وذلك ما دامت النصوص‬
‫قد شهدت هلا باملالءمة جلنس ترصفات الشارع‪ ،‬بأن تكون داخلة حتت جنس اعتربه‬
‫الشارع يف اجلملة بغري دليل معني‪ .‬أو ما يعرب عنه الغزايل بأن تكون املصلحة راجعة إىل‬
‫حفظ مقصود علم كونه مقصود ًا بالكتاب والسنة واإلمجاع‪ .‬هذا الرشط متوافر أيض ًا‬
‫يف املعامالت املرصفية‪ .‬فتضمني الصناع فيه ضامن مماثل لضامن الوديعة يف الودائع‬
‫املرصفية‪ .‬وعقود اإلجارة فيها ضامن لرد األرض املنتفع هبا‪ ،‬مع حصول صاحب‬
‫األرض عىل اإلجارة برصف النظر عام إذا أنبتت األرض أم مل تنبت‪.‬‬

‫الرشط الرابع‪ :‬أن تكون املالءمة يف املصالح الرضورية أو احلاجية‪ .‬واملصلحة‬


‫الرضورية هي تلك التي ترتبط باملحافظة عىل مقصود الرشع‪ ،‬عىل النحو الذي سبقت‬
‫اإلشارة إليه‪ .‬أما املصلحة احلاجية فهي ما افتقر إليها من حيث التوسعة‪ ،‬ورفع الضيق‬
‫‪269‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫املؤدي يف الغالب إىل احلرج واملشقة الالحقة بفوت املطلوب‪ .‬مرة أخرى نجد يف‬
‫املعامالت املرصفية توسعة عىل قطاع كبري من املسلمني كاألرامل وأرباب املعاشات‬
‫وصغار املدخرين‪ .‬فهؤالء هيمهم يف املقام األول ضامن رد املال املستثمر‪ ،‬وهو ما‬
‫يتوافر يف معامالت البنوك التقليدية‪.‬‬

‫وهكذا فإن النظر إىل معامالت البنوك التقليدية باعتبارها معامالت مستحدثة‪،‬‬
‫هو أمر ينطبق مع رشوط املصلحة املرسلة‪ .‬وإذا كان األمر كذلك فإن معامالت البنوك‬
‫التقليدية‪ ،‬ومعامالت البنوك اإلسالمية بام فيها الودائع املرشوطة واملرابحة املحلية‪،‬‬
‫تصبح من املعامالت اجلائزة رشع ًا‪ ،‬ويصبح التعاون بني الفريقني يف عداد املصلحة‬
‫القومية ومن ثم ينبغي السعي إىل حتقيقه»‪.‬‬

‫رأي القاضي حييى الدار‬

‫القايض الشيخ حييى بن حييى بن عيل بن عيل الدار اليامين‪ ،‬من جمتهدي الزيدية‬
‫املعارصين‪.‬‬

‫استفتي عن معاملة البنوك فأفتى باجلواز‪ ،‬ونرشت فتواه يف صحيفة‬


‫(الثورة) اليمنية‪ ،‬يف عددها (‪ ،)11583‬بتاريخ ‪ 14‬ربيع األول ‪1417‬هـ املوافق‬
‫‪1996/7/29‬م‪ ،‬وتوالت الردود عىل فتواه‪ ،‬والردود عىل الردود‪ ،‬وقام القايض‬
‫نديم حممد عبادي بجمع اجلميع يف كتاب بعنوان (كتاب تربئة البنوك من الربا يف‬
‫الصكوك)‪ ،‬ونرشه سنة ‪1419‬هـ ـ ‪1999‬م‪ ،‬وشغلت الفتوى من ص ‪ 41‬إىل ص‬
‫‪ ،57‬وها هي‪:‬‬

‫نص فتوى صحة معاملة البنوك()‪:‬‬

‫س‪ :‬م‪ .‬ن‪ .‬ق‪« .‬هل معاملة البنوك متيش عىل الطريقة اإلسالمية فتكون الفائدة‬

‫() تم نرش هذه الفتوى يف صحيفة الثورة اليمنية يف عددها (‪ )11583‬بتاريخ ‪ 14‬ربيع أول‬
‫‪1417‬هـ املوافق ‪ 96 /7 /29‬م‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪270‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫صحيحة أم أهنا ربا فتصبح املعاملة باطلة»‪.‬‬

‫اجلواب واهلل اهلادي إىل الصواب‪:‬‬


‫ين ِعنْدَ اهللِ ا ِ‬
‫إل ْس َ‬
‫ال ُم﴾‬
‫()‬
‫بأن اهلل فرض اإلسالم عىل البرشية كام قال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن الدِّ َ‬
‫ال ِم ِدينًا َف َل ْن ُي ْق َب َل ِمنْ ُه﴾()‪ ،‬وأنزل الكتب الساموية‪:‬‬ ‫﴿و َم ْن َي ْب َت ِغ َغيرْ َ ا ِ‬
‫إل ْس َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫التوراة‪ ،‬والزبور‪ ،‬واإلنجيل‪ ،‬والقرآن لتنظيم حياة البرشية الفردية‪ ،‬واالجتامعية‪،‬‬
‫يف قلوب‬ ‫()‬
‫والسياسية واالقتصادية‪ ،‬واألخالقية بعد ترسيخ القضايا االعتقادية‬
‫الناس‪ .‬لينتظم بذلك سري احلياة واحرتام قوانينها لئال خيتل التوازن بني األفراد‬
‫واملجتمعات‪ .‬فاملعادلة رضورية يف حياة البرش‪ ،‬وإالّ تعرضت البرشية لالنقراض‪،‬‬
‫والسيام مع وجود األسلحة الفتاكة‪.‬‬

‫ومن املعلوم أن يف التنظيامت الساموية ثوابت() ال جيوز املساس هبا‪ ،‬وال نقاشها‪،‬‬
‫وهي قليلة جدً ا‪ .‬ملا فيها من وضع املبادئ‪ ،‬وتوجيه السلوك‪ ،‬وينبغي للعقل أن خيضع‬
‫هلا مهام كانت‪ ،‬ألن العقل قد تعرتيه طفرات فال يستطيع أن ينجو من نتائجها‪ .‬وهناك‬
‫الكثري الكثري مما تفرع من املبادئ ختضع للعقل ومتيش معه لتنظيم سري احلياة‪.‬‬

‫إما بواسطة القياس() أو باملفاهيم‪ .‬ولذا جعل اهلل للعقل مرسح ًا يف هذه الفروع‬
‫ال من األدلة الرشعية ليكون سري املجتمع متوائ ًام مع الواقع الذي يعيش فيه‬
‫ليكون دلي ً‬
‫أفراد املجتمع‪.‬‬

‫() سورة آل عمران‪.19 :‬‬


‫() سورة آل عمران‪.85 :‬‬
‫() وهي القضايا التي ختتص بتوحيد اهلل وتنزهيه عن كل ما ال يليق به ومجيع املباحث يف‬
‫التوحيد والعدل والوعد والوعيد‪..‬إلخ‪.‬‬
‫() الثوابت‪ :‬هي األصول واألركان األساسية والقواعد‪.‬‬
‫() هو يف اللغة‪ :‬التقدير ‪ ،‬ويف االصطالح هو محل معلوم عىل معلوم بإجراء حكمه عليه‬
‫بجامع انتهى كافل لقامن ص ‪.85‬‬
‫‪271‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إذ الواقع قد تفرضه احلياة االجتامعية والتطورات‪ ،‬مع العلم بأن الدين قد ساير‬
‫الواقع املعاش إبان ظهوره‪ ،‬ما عدا القواعد الثابتة التي ال تتغري بمرور الزمن فام عداها‬
‫يتجدد بتجدد الواقع ويتطور بتطور أساليب حياة اإلنسان التي ينتجها عقله‪ ،‬وال‬
‫بد للدين أن يتعايش مع هذا التطور لئال يتخلف عن ركب احلياة فيصري شا ًذا لدى‬
‫البرشية‪ ،‬ومعزوالً عن حياة الواقع التي ما ُوجد الدين إال لتنظيم احلياة‪ ،‬وإال القترص‬
‫عىل صوامع املسيحيني فقط‪ ،‬والذين مل يفهموا رسالة األديان الساموية جعلوا‬
‫()‬

‫قواعده صامء ال تلني وال متيش مع املجتمعات وواقعها‪.‬‬

‫وال بد من جراء هذه النظرة القارصة أن نفهم أهنا مانع ٌة للعقل من التعرف عىل‬
‫حياة البرشية‪ .‬إذ عىل أفراد الناس أن يتجردوا من عقوهلم لدى هؤالء الذين جعلوا‬
‫الدين جامدً ا‪ ،‬وال يتحرك‪ ،‬وال يلبي حاجة الناس إذن فخلق العقل لدى هؤالء‬
‫عبث()‪.‬‬

‫إذ ال فعل له إال يف اخليال‪ ،‬وقد حاجج اهلل الكفار يف القرآن بحجج عقلية‪،‬‬
‫وقد أمرنا بالتفكري() والتفكّر لكي نثري العقل ونوقظه من نومه لكي يقوم بعمله من‬
‫صحيحا‪ .‬ومن املعلوم أن‬‫ً‬ ‫التحسني‪ ،‬والتقبيح‪ ،‬والتصويب‪ ،‬واخلطأ ليكون تنظيمه‬
‫العقل قد أوجد تنظيامت جديدة للحياة مل يعرفها األولون‪ ،‬فام كان خمالف ًا للثوابت فال‬
‫نقبلها() وما كان من فروع املبادئ فعلينا أن نتعايش مع النظام اجلديد‪.‬‬

‫وقد سبقنا أئمة الفقه اإلسالمي إذ كانوا يتعايشون مع كل جديد فيفرعون له‬
‫تفريعات يف كتبهم الفقهية() لكي متيش احلياة االجتامعية مع التطور‪ .‬إذ احلياة غري‬

‫() فهم ال يتعرضون لكل جديد بالبحث وعرضه عىل القواعد واألحكام وإجياد حكم له‪.‬‬
‫() ألهنم مل يستخدموا عقلهم فيام خلق هلم من التفكري والتخري يف األشياء‪.‬‬
‫ض﴾‬ ‫() قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬ق ِل ا ْن ُظروا ما َذا يف الس و ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫َّ ماَ َ‬ ‫ُ َ‬
‫() قاعدة أصولية‪.‬‬
‫() وذلك باستخدام القياس أو اإلمجاع‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪272‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جامدة لكي تستمر عىل نسق واحد من نظم احلياة‪ ،‬ولكنها تتطور بتطورات األحداث‬
‫ولذا جاء الناسخ()‪ ،‬واملنسوخ يف القرآن‪ ،‬وذلك إشارة إىل أن احلياة ال بد أن تتطور‪،‬‬
‫وال نعني بأنه يوجد لدينا ناسخ ومنسوخ بعد وفاة() الرسول ‪ .‬فهذا مستحيل‪،‬‬
‫وحيث أن احلياة تتعامل مع كل حدث‪ .‬فام علينا إال أن نتعايش() مع كل جديد‪.‬‬
‫وحيث أن نظام البنوكات نظام جديد‪ .‬فعلينا أن نعرضه عىل قواعدنا الرشعية‪ ..‬هل‬
‫سينسجم معها ؟‪ .‬وهل بوسعه أن يتالئم مع قواعد االجتهاد()؟‬

‫واعلم أهيا السائل الكريم بأن‪ :‬وجود العملة رضورية يف احلياة االجتامعية‬
‫لتبادل السلع بني أفراد املجتمع‪ ،‬وبني الدول وذلك خلفة محلها‪ .‬فالتعاوض بالسلع‬
‫متعب‪ ،‬ومرهق بسبب نقل السلع من سوق إىل آخر‪ ،‬ولوال ذلك ملا ازدهرت التجارة‪،‬‬
‫وكثرة املصانع‪ ،‬والصناعات‪ ،‬وعىل هذا فإن الرضورة امللحة‪ :‬هي التي فرضت العملة‬
‫عىل املجتمعات‪ ،‬والدول بحكم احتياجها لذلك‪ ،‬وحيث أن العملة قد وجدت‪ .‬فام‬
‫هي العملة؟‬

‫عندما نزل القرآن الكريم بتحريم الربا‪ ،‬والذي ال شك فيه بأن العملة املتداول‬
‫هبا عند نزول القرآن الكريم هي الذهب والفضة‪ .‬وكانت هلا قيمة مادية‪ ،‬بمعنى أن‬
‫مادهتام سلعة من السلع أحكمت فرضبت دنانري‪ ،‬ودراهم بمقياس حدد قيمة كل‬
‫قطعة منها ليسهل التعامل هبا‪ .‬بخالف العملة الورقية فقيمتها معنوية بمعنى أن مادهتا‬
‫ليست سلعة‪.‬‬

‫بحيث تصري قيمتها مادية فامدهتام ال قيمة هلا‪ ،‬ولكن حددت قيمتها بقرار من‬

‫() النسخ لغة‪ :‬اإلزالة‪ ،‬واصطالح ًا‪ :‬هو إزالة مثل احلكم الرشعي بطريق رشعي مع تراخ‬
‫بينهام‪ .‬انتهى كافل لقامن ص ‪.218 ،217‬‬
‫() ألن النسخ إما يف القرآن أو يف السنة وال يعلم ذلك إال من جهة الرسول ‪.‬‬
‫() وذلك بعرضه عىل القواعد واألصول اإلسالمية‪.‬‬
‫() االجتهاد‪ :‬هو استفراغ الفقيه الوسع يف حتصيل ظن حكم رشعي‪ .‬انتهى كافل ص ‪.23‬‬
‫‪273‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الدولة‪ ،‬أو من الدول عىل جهة اصطالح لتسهيل املعاملة‪ ،‬ومن هنا يظهر الفرق جل ًيا‬
‫بني العملة الورقية‪ ،‬وبني عملة الذهب والفضة‪.‬‬

‫فانتفى التشابه بني العملة األوىل واألخرية‪ ،‬مما جيعل قياس العملة الورقية‬
‫عىل عملة الذهب والفضة مستحيالً‪ ،‬ولقائل أن يقول‪ :‬بأن العملة اآلن يف الدول‬
‫هي الورقية والتعامل هبا جار عىل ورقية تقابل ورقية‪ ،‬ولكننا نقول‪ :‬إن كانت مادة‬
‫العمالت املختلفة لدى الدول واحدة فإن الواجب أن تكون قيمتها متساوية‪ .‬وجيب‬
‫التساوي يف الوزن والتقدير إن جعلنا علة التحريم هو احتاد اجلنس والتقدير‪.‬‬

‫وإن جعلنا مادة العمالت خمتلفة جنس ًا وتقدير ًا‪ ،‬وعندئذ تدخل حتت قول‬
‫رسول اهلل ‪( :‬فبيعوا كيف شئتم)()‪ ،‬وربا فيها‪ .‬ومن املعلوم أن املعاوضة ال‬
‫تكون إال بني قيمي() أو مثيل()‪ ،‬ومهام كان مقابل القيمي مثليا صار املثيل ثمن ًا‪.‬‬

‫وإن كان مقابل القيمي قيمي ًا‪ ،‬واملثيل مثلي ًا صار كل واحد ثمن ًا‪ ،‬ومبيع ًا‪ ،‬وللمبيع‬
‫أحكام ختالف أحكام الثمن‪ .‬كام هو معروف يف كتب الفقه اإلسالمي‪ ،‬مع العلم أن‬
‫القيمة هي نتيجة تقويم عدلني‪ ،‬وأن الثمن ما انتهت إليه رغبة املتساومني‪ ،‬ومن املعلوم‬
‫أن القيمي ال يقوم إال بالعملة واملثيل يرد بمثله أو يقوم بالعملة فيصري مبيع ًا‪.‬‬

‫وإذ ًا‪ :‬فهل العملة الورقية قيمية أو مثلية أو هي ال قيمية وال مثلية؟؟‬

‫ومع الرجوع إىل ما سبق ذكره بأن قيمة العملة األوىل وهي الذهب‪ ،‬والفضة‬
‫واضحا بني القيمة املادية واملعنوية‪ .‬وذلك بأن‬
‫ً‬ ‫قيمة مادية ال معنوية سنجد الفرق‬
‫الذهب والفضة ال تستطيع أي دولة أن تبطل قيمتها كسلعة‪ .‬بخالف العملة الورقية‬

‫() أخرجه أبو داود يف سننه ‪ 780 :3 :2‬برقم ‪ 354‬والنسائي يف البيوع برقم ‪ 4652‬وابن‬
‫ماجة يف التجارات برقم ‪ 2186‬باب السعات ختتلفان والرتمذي برقم ‪.1270‬‬
‫قومه عدالن خبريان ‪ ،‬كقيمة الغنم والبقر وغريمها‪.‬‬
‫() القيمي‪ :‬هو ما ّ‬
‫() املثيل‪ :‬ما ضبط بكيل أو وزن أو ذرع كالذرة والرب وغريمها‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪274‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فإن بوسع أي قانون أن يبطلها بمجرد قرار‪ ،‬وتصري من سقط املتاع‪ .‬وإذ ًا‪:‬‬

‫فقياس العملة الورقية عديمة القيمة املادية عىل العملة الذهبية والفضية التي‬
‫هلا قيمة مادية غري وارد()‪ ،‬لوجود االختالف بني القيمتني اللتني هلام تأثري يف معاملة‬
‫البنوك‪ ،‬حيث أن الذهب والفضة أصبحت لدى البنوك سلعة‪ .‬فهل بوسع العملة‬
‫الورقية أن تصبح يف يوم ما سلعة يف البنوك مستوية القيمة املعنوية()؟؟‪ .‬وهذا غري‬
‫وارد()‪ ،‬ولكننا نتساءل عن ماذا يعني اإليداع يف البنك هل يقصد به الوديعة؟ بمعناها‬
‫الفقهي لدى فقهاء اإلسالم فتصري أمانة بيد البنك بحيث أن الترصف فيها يعد جناية‬
‫وتفريط ًا() يف حفظها‪.‬‬

‫وأن نقلها بنية التملك يصريها مغصوبة يتعلق هبا أشد الضامن‪ .‬ولكن اإليداع هنا‬
‫هو لالستثامر فهي إىل املضاربة أقرب وإن كان اإليداع يف البنك بمعنى القرض‪ ،‬وهو‬
‫الذي يوجد فيه الربا مع العلم أن القرض ال يصح إال يف املثليات ال يف القيميات()‪.‬‬

‫وهذه العملة ليست مثلية‪ ،‬وال قيمية‪ ،‬فال تصح‪ ،‬ألن تكون قرض ًا لعدم دخول‬
‫العملة الورقية يف املثليات‪ .‬أم أن اإليداع بمعنى البيع‪ ،‬فنحن نعلم أن العملة الورقية‬
‫ليست هلا قيمة مادية‪ .‬وبيع ما ال قيمة له باطل‪.‬‬

‫وإذا كانت األجرة ثمن منفعة واملنفعة معنوية‪ ،‬فقد جاز لنا أن نشرتي العملة‬
‫الورقية التي ثمنها معنوي كاملنفعة‪ ،‬وحيث أن بعض الفقهاء جيعل من الربا زيادة‬
‫الثمن ألجل النسا‪.‬‬

‫() وهناك ال يصح القياس لعدم وجود العلة الرابطة بني األصل والفرع‪.‬‬
‫() أي تكون قيمة مجيع العمالت متساوية مع بعضها البعض فمث ً‬
‫ال مخسة دوالرات قيمتها‬
‫مخسة رياالت يمنية ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫() أي ليس موجو ًدا وال يمكن حصوله‪.‬‬
‫() ألنه يعترب تعدي عىل أموال الغري‪.‬‬
‫() تأمل رشح نكت العبادات للقايض جعفر بن عبد السالم‪.‬‬
‫‪275‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فهل هذه واملسمى بالفائدة من َأ َج ِل النسا متساويتان؟ وهذا غري صحيح‪.‬‬

‫وحيث أن العملة الورقية ختتلف قيمتها من دولة إىل أخرى بسبب التأمني يف‬
‫البنوك الدولية فكل عملة ال يوجد هلا رصيد يف البنوك الدولية كالتأمني فستكون‬
‫قيمتها حمصورة يف الدولة التي أنشأهتا فقط()‪ ،‬إال إذا كان للدولة صادرات فستكون‬
‫هلا قيمة لدى الدولة املستوردة بقدر ما تستورده من تلك الدولة لكي تشرتي ما‬
‫تستورده من الدولة املصدرة‪.‬‬

‫وإذ ًا‪ :‬فامذا يعني اإليداع هل هو نظام جديد غري موجود يف دول اإلسالم‬
‫املتقدمة لكي نعود إىل األصل وهو اإلباحة كام هي القاعدة الفقهية عند اإلشكال‪،‬‬
‫وعدم وجود مرجح لدى الفقيه الباحث‪ ،‬وبام أن الربا مرصح بتحريمه يف القرآن‬
‫ان ِم َن‬ ‫ون إِالَّ َكماَ َي ُقو ُم ا َّل ِذي َيتَخَ َّب ُط ُه َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫وم َ‬ ‫الر َبا الَ َي ُق ُ‬
‫ون ِّ‬‫ين َي ْأ ُك ُل َ‬ ‫ِ‬
‫بقوله تعاىل‪﴿ :‬ا َّلذ َ‬
‫ِ‬ ‫ا َمل ِّس َذلِ َ‬
‫الر َبا﴾()‪ .‬إلخ‪.‬‬ ‫ك بِ َأ هَّنُ ْم َقا ُلوا إِ َّنماَ ا ْل َب ْي ُع م ْث ُل ِّ‬
‫الر َبا َو َأ َح َّل اهللُ ا ْل َب ْي ُع َو َح َّر َم ِّ‬

‫وس َأ ْم َوالِك ُْم الَ َت ْظلِ ُم َ‬


‫ون َوالَ ُت ْظ َل ُم َ‬
‫ون﴾()‪.‬‬ ‫﴿وإِ ْن ُت ْبت ُْم َف َلك ُْم ُرؤُ ُ‬
‫ويقول تعاىل‪َ :‬‬
‫والربا حمرم باإلمجاع‪.‬‬

‫وقد أخرج مسلم عن عبادة ابن الصامت قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬الذهب‬
‫بالذهب والفضة بالفضة والرب بالرب والشعري بالشعري والتمر بالتمر وامللح بامللح ِم ْث ً‬
‫ال‬
‫بِ ِم ْثل يد ًا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى األخذ واملعطي فيه سواء‪ ،‬فإذا اختلفت هذه‬

‫() أي تكون عملة حملية‪ ،‬والدليل عىل ذلك ما حدث لدولة العراق الشقيقة من احلصار‬
‫االقتصادي املفروض عليها‪ ،‬فبعد أخذ تأمينات عملتها يف البنوك الدولية أصبحت عملة‬
‫العراق قيمتها حمصورة داخلها فقط‪ ،‬فتأمل ذلك‪.‬‬
‫() سورة البقرة ‪.275‬‬
‫() سورة البقرة ‪.279‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪276‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدً ا بيد»()‪ ،‬وقد اختلف الذين قرروا وجود العلة‬
‫حول العلة فالعرتة()‪ ،‬وأبو حنيفة وأصحابه قالوا‪ :‬إن العلة اتفاق اجلنس() والتقدير‪،‬‬
‫إذ نبه عىل ذلك بقوله ‪:‬‬

‫(والصاع بصاعني)()‪.‬‬

‫وقال ابن املسيب‪ :‬وقول للشافعي‪ :‬بل مع الطعم فيام عدا التقدير‪.‬‬

‫وقول لإلمام الشافعي‪ :‬بل الطعم واجلنس فقط لقوله ‪( :‬ال تبيعوا الطعام‬
‫بالطعام) رواه مسلم()‪.‬‬

‫وقال اإلمام مالك‪ :‬بل اجلنس والتقدير واالقيتات أو الصالحية كالعدس‬


‫واللوبيا‪.‬‬

‫() قوله‪ :‬ال تبيعوا الذهب بالذهب‪ ..‬اخلرب‪ ،‬ونحوه عن أيب سعيد أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ال بمثل‪ ،‬سواء بسواء‪ .‬هذه من‬‫«ال تبيعوا الذهب بالذهب‪ ،‬وال الورق بالورق إال وزن ًا بوزن مث ً‬
‫روايات مسلم‪ ،‬ويف أخرى له وللبخاري‪ ،‬واملوطأ أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪« :‬ال تبيعوا الذهب‬
‫ال بمثل‪ ،‬وال تشفوا بعضها عىل بعض‪ ،‬وال تبيعوا الورق بالورق إال مث ً‬
‫ال بمثل‪،‬‬ ‫بالذهب إال مث ً‬
‫وال تشفوا بعضها عىل بعض‪ ،‬وال تبيعوا منها غائب ًا بناجز<‪ .‬ويف أخرى ملسلم‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل ‪ :‬الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة والرب بالرب والشعري بالشعري والتمر بالتمر وامللح‬
‫ال بمثل يدً ا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى اآلخذ واملعطي فيه سواء»‪ .‬متت‪ .‬نيل‬ ‫بامللح مث ً‬
‫األوطار للشوكاين‪.‬‬
‫ال رشع ًيا وهم اإلمامية والظاهرية وبعض اخلوارج‪ .‬تأمل‬ ‫() أي الذين ال جيعلون القياس دلي ً‬
‫كتاب منهاج الوصول لإلمام املهدي أمحد بن حييى املرتىض ص ‪.649‬‬
‫() فيقر التحريم حيث ورد وال يقاس عليه غريه‪.‬‬
‫() أخرجه الستة املذكورون إال أبا داود عن أيب سعيد قال‪ :‬كنا نرزق اجلمع عىل عهد رسول‬
‫اهلل ‪ ‬وهو اخللط من التمر ‪ ،‬فكنا نبيع صاعني بصاع ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول اهلل ‪ ‬فقال‪ :‬ال‬
‫مترا بصاع ‪ ،‬وال صاعني حنطة بصاع ‪ ،‬وال درمهني بدرهم‪.‬‬ ‫صاعني ً‬
‫() يف رواية ملسلم عن معمر بن عبد اهلل كنت أسمع رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬الطعام بالطعام‬
‫ال بمثل»‪ .‬البحر الزخار ج ‪ 3‬ص‪.331‬‬ ‫مث ً‬
‫‪277‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وعن ربيعة‪ :‬بل اتفاق اجلنس‪ ،‬ووجوب() الزكاة‪.‬‬

‫وقال بعض الفقهاء()‪ :‬بل العلة تفاوت املنفعة فيحرم التفاضل بني الزبيب‪،‬‬
‫والتمر‪ ،‬والرب‪ ،‬والشعري والذرة والدخن‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫ال يف هذه العلل التي ذكرها فقهاء اإلسالم؟‬ ‫وإذ ًا‪ :‬فهل نجد للعملة الورقية حم ً‬
‫أنا شخصي ًا‪ :‬ال أجد‪ ،‬ومن اعتقد وجود علة فيها وجب عليه أن ال يبيع دوالر ًا أمريكي ًا‬
‫بعملة أخرى() إال سواء بسواء ويد ًا بيد‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬ومن أين له ذلك؟ مع العلم‬
‫بأن االسم وهو عملة ال يصلح أن يكون علة() كام يف أصول الفقه‪ ،‬والراجح عندي‬
‫أن العلة يف ذلك هو التظامل‪.‬‬

‫وس َأ ْم َوالِك ُْم الَ َت ْظلِ ُم َ‬


‫ون‬ ‫كام تشري اآلية الكريمة إليه بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ف َلك ُْم ُرؤُ ُ‬
‫َوالَ ُت ْظ َل ُم َ‬
‫ون﴾()‪.‬‬

‫وإذا كانت قيمة العملة مستقرة فعند من يرجح الربا يف العملة الورقية فهناك‬
‫سيكون الربا لوجود الظلم عىل املستهلك واملستثمر إن صح تسميته هبذا االسم‪ ،‬وإذا‬
‫مل تكن قيمة العملة مستقرة فال بد من اخلسارة ألحد الطرفني‪ ،‬وإذا كان احلكم مطر ًدا‬
‫مع العلة‪ ،‬فإن احلكم سريتفع بارتفاع العلة‪ .‬فإذا أودع شخص عملة ورقية لدى‬
‫البنك لالستثامر‪ ،‬فمع استقرار العملة سيحدث الربا‪ ،‬ألن الزيادة يف الفوائد ظلم عىل‬
‫املستهلك مع بقاء قيمة ما تعاوض الطرفان فيهام‪.‬‬

‫() أي األشياء التي جتب فيها الزكاة‪.‬‬


‫() سعيد بن املسيب ‪ .‬انظر البحر الزخار ج ‪ 3‬ص ‪.332‬‬
‫ال دوالر أمريك ًيا بـ ‪ 100‬ريال يمني مث ً‬
‫ال ‪ ،‬وهذا تفاضل فيعترب ربا‪.‬‬ ‫() فالح يبيع مث ً‬
‫() وهذه قاعدة أصولية ‪ ،‬قال يف كافل لقامن ص ‪ :97‬ألن إجراء األسامء بالقياس ال يصح‬
‫بل ال يصح إثباهتا‪ ،‬إال بوضع أهل اللغة ال بالقياس الرشعي‪ ،‬والعلة يف أصول الفقه هي وجه‬
‫الشبه اجلامع بني األصل والفرع‪.‬‬
‫() سورة البقرة ‪.279‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪278‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انخفاضا‪ ،‬فهنا يرتفع حكم الربا ألن القضية‬
‫ً‬ ‫وأما إذا مل تستقر القيمة ارتفا ًعا أو‬
‫قد انعكست ففي هذه احلالة إذا أودع شخص عملة ورقية وانخفضت قيمة العملة‪،‬‬
‫فمع مرور الزمن ستنخفض قيمة العملة التي لدى البنك ومع احلكم بإرجاع مثل‬
‫العملة فقط‪ ،‬من البنك فإن اخلسارة ستلحق املودع‪.‬‬

‫وهذا ليس عدالً‪ ،‬ألن اهلل سبحانه وتعاىل يقول‪﴿ :‬الَ َت ْظلِ ُم َ‬
‫ون َوالَ ُت ْظ َل ُم َ‬
‫ون﴾()‪،‬‬
‫ومن املالحظ أن الزيادة وهي الربا حترم بالنسبة للمستثمر ألجل الظلم‪ ،‬فكذلك‬
‫النقصان يف القيمة‪ ،‬ألجل الظلم‪ ،‬هذا بالنسبة ملن يعتقد وجود ربا يف العملة الورقية‪.‬‬

‫ومن اجلدير ذكره‪ :‬بأن املحكمة العليا حتكم بفارق السعر بني العملة الورقية يف‬
‫حالة انتقال املبيع()‪ ،‬ولقائل أن يقول بأن ذلك ظلم عىل البائع‪.‬‬

‫واجلواب‪:‬‬

‫إنه مغرر عىل املشرتي‪ ،‬وعليه أن يتحمل نتيجة تغريره‪ ،‬وهذه قاعدة رشعية‪،‬‬
‫ومن هنا نعرف أن املحكمة العليا ال تعرتف بأن هذه الزيادة ربا أو حمرمة‪ ،‬وإال ملا‬
‫حكمت هبا ألهنا مسئولة عن العدالة‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن يف العملة الورقية ربا‪ ،‬فنسأله هل‬
‫املريب يملك أموال الربا أم ال؟ فإن قال‪ :‬بأنه يملكها حكمنا بصحة ترصفه فيها()‪،‬‬
‫وانتهت القضية بصحة املعاملة مع البنوك‪.‬‬

‫وإن قلنا‪ :‬إنه ال يملكها فلمن تصري؟؟ هل تعود عىل من أخذت منه؟‬

‫وعندئذ ترصف املريب هبا غري صحيح‪ .‬وأن كل من أخذ منها أخذ غص ًبا‪ ،‬فيحرم‬
‫عىل مجيع أبناء الشعب أن يتعاملوا مع من يترصف بأموال الغري بدون أهلية‪.‬‬

‫ومن هنا دخل الناس كلهم يف حرج‪ ،‬عالمِهم‪ ،‬وجاهلهم‪ ،‬وصغريهم‪ ،‬وكبريهم‪،‬‬

‫() سورة البقرة ‪.279‬‬


‫() وذلك بموجب القانون املدين رقم ‪ 19‬لسنة ‪1992‬م مادة ‪ 287‬يف كتاب الشفعة‪.‬‬
‫() ألن املالك لليشء حيق له أن يترصف فيه أي ترصف‪.‬‬
‫‪279‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وكلهم آثمون وختطئة األمة بدليل غري قطعي() حرام وأصبحت األمة اإلسالمية‬
‫شاذة عىل األمم‪ ،‬والشعوب ال تستطيع أن تترصف مع الدول التي تتعامل معها‪،‬‬
‫وجيب عليهم أن يعودوا إىل التعامل بالذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬وعندئذ سنفتح الباب عىل‬
‫مرصاعيه لترسب الذهب‪ ،‬والفضة إىل الدول األجنبية ثمنًا ملا نحتاج منهم‪ ،‬وأكثر‬
‫صناعة حمتاجاتنا منهم‪ ،‬وإذا أخذوا منا شي ًئا فلن يسلموا ثمنه إال بدوالرات وهي‬
‫عملة ورقية‪ ،‬والتعامل حرام يف نظر املعرتض‪ ،‬ألن فيها ربا‪ ،‬كام يعتقد‪ .‬وأصبحت‬
‫الدول اإلسالمية هي اخلارسة‪ .‬وإن مل نأخذ منهم شي ًئا‪ ،‬وحرمنا عىل أنفسنا التعامل‬
‫معهم فقد حكمنا عىل أنفسنا باحلصار اخلانق‪ ،‬مع العلم أن القمح والدقيق وغري ذلك‬
‫منهم‪.‬‬

‫وإن قلنا‪ :‬ال نردها إىل من أخذت منه ألنه ال يملكها فإىل من نردها هل تعود‬
‫للفقراء واملساكني‪ ،‬ألهنا مظامل ملتبسة‪ ،‬فترصف املريب باطل‪ ،‬ألنه ترصف يف ملك‬
‫الغري‪ ،‬وحيث أن والية املظامل امللتبسة إىل رئيس الدولة‪ ،‬فليس له أن يرصفها إال إىل‬
‫جوزنا لرئيس الدولة أن يترصف‬‫املساكني الذين حيق هلم أخذ أموال املظامل امللتبسة ولو ّ‬
‫هبا لصحب املعاملة هبا وانتفى الربا‪ ،‬ومن املستحيل إبطال معاملة دولية ارتبطت كل‬
‫الدول العاملية هبا‪.‬‬

‫وأصبحت لدى الدول نظا ًما اقتصاد ًيا مهماً فتحريمها بشبهة ال يوجد هلا أساس‬
‫قوي من ديننا اإلسالمي سوى التعلق بقياس غري صحيح لوجود الفوارق األساسية‬
‫بني األصل والفرع‪ ،‬والنعدام العلة التي جتمع بينهام حتى يصح القياس‪ ،‬ومن املعلوم‬
‫اض﴾()‪ ،‬وجاء‬ ‫أن األصل يف البيع والرشاء الصحة() لقوله تعاىل‪ :‬جِ َ‬
‫﴿ت َار ٌة َع ْن ت ََر ٍ‬

‫() ألن التكفري والتفسيق ال يكون إال بدليل قطعي‪ ،‬كام هو املعروف يف علم أصول الكالم‪.‬‬
‫() وتلك قاعدة أصولية‪ ،‬قال يف منهاج الوصول إىل معيار العقول ص ‪ ،835 ،834‬وذلك‬
‫كبيع قارنه رشط خمتلف يف صحة العقد معه ‪ ،‬فإن أصله مرشوع بدليل قوله تعاىل‪ :‬جِ َ‬
‫﴿ت َار ٌة َع ْن‬
‫ت ََر ٍ‬
‫اض﴾‪.‬‬
‫() سورة النساء‪.29 :‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪280‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫﴿و َأ َح َّل اهللُ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ِّ‬
‫الر َبا﴾()‪.‬‬ ‫حتريم الربا خمال ًفا للقياس بقوله تعاىل‪َ :‬‬

‫ومن قواعد أصول الفقه أنه كلام كان خمالف ًا للقياس كالشفعة‪ ،‬والقسامة‪ ،‬ولزوم‬
‫تسليم دية اخلطأ عىل العاقلة‪ ،‬فإنه يقر حيث ورد()‪ ،‬وال يقاس عليه‪ .‬وقد جاء حتريم‬
‫الربا جممالً‪ ،‬وقد بينته السنة النبوية عىل صاحبها أفضل الصالة والسالم وعىل آله وهو‬
‫يف ستة أشياء فقط‪ ،‬كام هو مذهب أيب داود الظاهري كام سبق بيانه‪.‬‬

‫وبخصوص القوانني املعمول هبا لدى اجلمهورية اليمنية‪ ،‬فإن البنوك لدهيا‬
‫شخصيات اعتبارية()‪ ،‬كام أقر ذلك القانون املدين للجمهورية اليمنية الذي قننته نخبة‬
‫من علام الفقه اإلسالمي‪ ،‬وإذا كانت شخصيات اعتبارية‪ ،‬فإنه جيوز التعامل معها‬
‫أخذ ًا وعطاء‪ .‬وملا سبق فإن العملة الورقية() قد نزلت إىل األسواق الشعبية‪ ،‬والعاملية‬
‫لتأخذ حملها من العرض والطلب‪ ،‬وقد أصبحت هذه املعاملة من رضوريات حاجات‬
‫املجتمعات دولي ًا‪ ،‬وشعبي ًا‪ ،‬وعىل هذا فاملعاملة مع البنوك جايزة والفوايد غري رباء‪.‬‬

‫وحيث أن بعضهم حيتج بحديث (كل قرض جر منفعة فهو ربا) رواه احلارث‬
‫أيب أمامة عن عيل ‪ ‬قال يف الرساج املنري() قال‪ :‬الشيخ حديث حسن لغريه‪ ،‬وقال‬
‫احلفني‪ :‬يف هامش الرساج املنري كان أقرضه فضة برشط أن يردها رياالت أو ذهب ًا‪.‬‬

‫() سورة البقرة‪.275 :‬‬


‫() تأمل كافل لقامن ص ‪.93‬‬
‫() صدور قرار مجهوري بإنشاء وتكوين البنك اليمني لإلنشاء والتعمري‪ ،‬أول بنك وطني يف‬
‫اليمن ‪1962/10/28‬م‪ .‬وعىل سبيل املثال صدور القانون اخلاص بإنشاء بنك التعاون األهيل‬
‫للتطوير يف إبريل سنة ‪1979‬م‪ .‬ينظر كتاب الرأي العام ‪ ،‬أبرز األحداث اليمنية يف ربع قرن‪.‬‬
‫() نزلت بموجب صدور قرار باستبدال العملة القديمة الريال الفيض مارتاتريزا بعملة ورقية‬
‫وطنية يف ‪1962/10/15‬م ‪ .‬ينظر كتاب الرأي العام‪ ،‬أبرز األحداث اليمنية يف ربع قرن‪.‬‬
‫() الرساج املنري ج ‪ 3‬ص ‪ ، 93‬يف رشح اجلامع الصغري يف حديث البشري النذير للعامل العالمة‬
‫الشيخ عيل بن الشيخ أمحد بن الشيخ نور الدين‪ ،‬حممد بن الشيخ إبراهيم الشهري بالعزيزي‪.‬‬
‫‪281‬‬ ‫القرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قال الشوكاين()‪ :‬يف نيل األوطار ويف إسناده سوار بن مصعب وهو مرتوك‪،‬‬
‫وقال عمر بن زيد يف املغني مل يصح فيه يشء‪ ،‬ووهم إمام احلرمني() والغزايل فقاال‪:‬‬
‫إنه صحيح وال خربة هلام هبذا الفن وقد أخرج البيهقي يف املعرفة عن فضالة بن عبيد‬
‫موقو ًفا باللفظ كل قرض جر منفعة‪ ،‬فهو وجه من وجوه الربا‪ .‬ورواه يف السنن‬
‫الكربى عن ابن مسعود وأيب ابن كعب وعبد اهلل بن سالم وابن عباس موقو ًفا عليهم‪،‬‬
‫انتهى‪.‬‬

‫وهذه الروايات معارضات بام أخرجه البخاري ومسلم يف الصحيحني عن أيب‬


‫هريرة قال‪ :‬كان لرجل عىل النبي صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم سن من اإلبل فجاء‬
‫يتقاضاه فقال‪ :‬أعطوه فطلبوا سنه فلم جيدوا إال سن ًا فوقها فقال‪ :‬أعطوه فقال أوفيتني‬
‫أوفاك اهلل فقال النبي ‪( :‬إن خياركم أحسنكم قضاء)()‪.‬‬

‫وروى الشيخان يف الصحيحني عن جابر قال‪ :‬أتيت النبي ‪ ‬وكان يل عليه‬


‫دين فقضاين وزادين()‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫فهذان احلديثان يف الصحيحني يدالن عىل الزيادة يف القضاء‪ ،‬قال الشوكاين‪ :‬يف‬
‫نيل األوطار وأما الزيادة عىل مقدار الدين عند القضاء بغري رشط وال إضامر‪ ،‬فالظاهر‬
‫اجلواز من غري فرق بني الزيادة يف الصفة واملقدار والقليل والكثري حلديث أيب هريرة‪،‬‬
‫وأيب رافع‪ ،‬والعرباض‪ ،‬وجابر بل هو مستحب قال املحاميل وغريه من الشافعية‪:‬‬
‫يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح يف ذلك‪ ،‬يعني قوله‬

‫() نيل األوطار ج ‪ 5‬ص ‪ ، 232‬السطر قبل األخري‪.‬‬


‫() الكالم هنا للشوكاين‪.‬‬
‫() تأمل كتاب إرشاد الساري رشح صحيح البخاري للقسطالين ج ‪ 4‬ص ‪ ، 219‬وهو‬
‫مذكور بألفاظ متقاربة وروايات عدة عن أيب هريرة‪.‬‬
‫() تأمل كتاب إرشاد الساري ج ‪ 4‬ص ‪.219‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪282‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪« :‬إن خريكم أحسنكم قضاء (يعني قضاء الدين»()‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫فأنت ترى أن الظاهر مما سبق بأن الزيادة يف القضاء (يعني قضاء الدين) ليست‬
‫بربا‪ ،‬هذا بناء عىل ما يصح فيه القرض‪ ،‬وقد سبق لنا أن أوضحنا بأن القرض ال يكون‬
‫إال يف املثليات واملثيل هو ما ضبط بكيل‪ ،‬أو وزن وال يوجد هناك ال كيل وال وزن‪.‬‬

‫قرضا ألهنا‬
‫وأما الذهب والفضة فهي موزونة‪ ،‬وتبادل العملة الورقية ليس ً‬
‫ليست مثلية‪ ،‬وال قيمية بل هي بمنزلة سند من احلكومة‪ ،‬وحيث أن العملة الورقية‬
‫ما هي إال سندات من احلكومة للمواطنني يقبض الشخص أو األشخاص ما حيويه‬
‫هذا السند من األوراق بسند مثله‪ ،‬أو أرفع مما حيويه أو أدنى أو يأخذ به مستهلكات‬
‫يشرتهيا‪ ،‬فإن التبادل هو تبادل سندات بني أفراد املجتمعات‪ ،‬أو الدول ومن املعلوم‬
‫أن تبادل السندات() ال ربا فيها‪.‬‬

‫حييى حييى علي الدار‬

‫رئس حمكمة استئناف حمافظتي صنعاء واجلوف‬

‫هذا هو نص فتوى الشيخ الدار‪.‬‬

‫وال أراين بحاجة إىل التعليق عليها ألين حتدثت فيام سبق عن الربا يف األوراق‬
‫النقدية بام فيه الكفاية‪.‬‬

‫() تقدم خترجيه‪.‬‬


‫() قاعدة رشعية ذكرها القايض جعفر بن عبد السالم يف كتابه رشح نكت العبادات‪.‬‬
‫خالصة مبحث القروض‬
‫رتض‪.‬‬
‫ـ تطلق كلمة (قرض) عىل عملية االقرتاض وعىل املبلغ املق َ‬
‫وس َلف ًا‪.‬‬
‫رتض ُسلفة‪ ،‬كام يسمى القرض ـ أيض ًا ـ دين ًا َ‬
‫ـ ويسمى املبلغ املق َ‬
‫ـ ينقسم القرض باعتبار الزيادة وعدمها إىل قسمني‪:‬‬

‫‪ .1‬قرض بال فائدة‪ ،‬ويعرف بالقرض احلسن‪.‬‬

‫‪ .2‬قرض بفائدة‪ ،‬وينقسم باعتبار اشرتاط الزيادة إىل قسمني‪:‬‬

‫‪ .1‬قرض بفائدة مرشوطة‪ ،‬وهو الربا احلرام‪.‬‬

‫‪ .2‬قرض بفائدة غري مرشوطة‪ ،‬وينقسم باعتبار توقع الزيادة وعدمها إىل‬
‫قسمني‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يتوقع ِ‬
‫املقرض الزيادة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن ال يتوقع ِ‬
‫املقرض الزيادة‪.‬‬
‫وكال القسمني جائز إالّ أنه مع توقع الزيادة ال يثاب ِ‬
‫املقرض عىل قرضه وبعكسه‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪284‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حيث ال يتوقع الزيادة فإنه يثاب عىل قرضه‪.‬‬

‫ـ ويف حالة إنشاء معاملة القرض بني البنك والعميل بوسيلة الكتابة وهي – كام‬
‫هو املعروف واملتعارف عليه بني البنوك التجارية – أن يتم إنشاء عقد القرض بملء‬
‫األوراق املعدة من ِقبل البنك لذلك يعتمد حتقق املعاملة عىل وجهة النظر الفقهية التي‬
‫يلزم املتعاقدان هبا اجتهاد ًا أو تقليد ًا‪.‬‬

‫فمن ال يؤمن بجواز العقد بالكتابة ال تتحقق معاملة القرض‪ ،‬سواء كانت مع‬
‫الزيادة أو بدوهنا‪.‬‬

‫ومن يؤمن بجواز إجراء العقد بالكتابة تتحقق املعاملة‪ ،‬فإن كانت بغري اشرتاط‬
‫الزيادة فهي حالل ال حرمة فيها‪ ،‬وإن كانت برشط الزيادة بطل الرشط وحرمت‬
‫الزيادة‪.‬‬

‫وهنا قد يرسي بطالن الرشط إىل املعاملة فتبطل أيض ًا‪.‬‬

‫وقد ال يقال برسيان بطالن الرشط إىل املعاملة‪ ،‬أي يبطل الرشط وال تبطل‬
‫املعاملة‪ ،‬عىل اخلالف يف املسألة‪.‬‬

‫هذه هي وجهات نظر الفقه اإلمامي‪.‬‬

‫ولآلخرين وجهات نظر أخرى يف املسألة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫ـ رأي رشيد رضا‬

‫وهو أن الربا املحرم هو الربا املضاعف‪.‬‬

‫ـ رأي الشيخ حممد عبده‬

‫ويتمثل يف إيامنه بتنزيل معاملة البنك ذات الفائدة عىل معاملة املضاربة‬
‫‪285‬‬ ‫خالصة مبحث القروض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الرشعية‪.‬‬

‫وتابعه آخذ ًا برأيه كل من الشيخ عبد الوهاب خالف‪ ،‬والشيخ حممود‬


‫شلتوت‪.‬‬

‫ـ رأي الدواليبي‬

‫وهو يفرق بني القروض لالستهالك فتحرم فيها الزيادة ألهنا ربا‪ ،‬والقروض‬
‫لإلنتاج أو االستثامر فال تعد الفائدة عليها فائدة ربوية‪.‬‬

‫ـ ووافق الشيخ الصانعي األستا َذ الدواليبي يف النتيجة املذكورة‪.‬‬

‫ـ رأي الدكتور هنيدي‬

‫اعتمد فيه عىل مبدأ أو قاعدة املصلحة املرسلة‪ ،‬وانتهى إىل اجلواز قال‪« :‬وهكذا‬
‫فإن النظر إىل معامالت البنوك التقليدية باعتبارها معامالت مستحدثة‪ ،‬هو أمر ينطبق‬
‫مع رشوط املصلحة املرسلة‪.‬‬

‫األمر كذلك فإن معامالت البنوك التقليدية ومعامالت البنوك‬ ‫ُ‬ ‫وإذا كان‬
‫اإلسالمية بام فيها الودائع املرشوطة واملرابحة املحلية تصبح من املعامالت اجلائزة‬
‫رشع ًا‪ ،‬ويصبح التعاون بني الفريقني يف عداد املصلحة القومية ومن ثم ينبغي السعي‬
‫إىل حتقيقه»‪.‬‬

‫ـ رأي القايض حييى الدار‬

‫ويلخصه بقوله‪« :‬وتبادل العملة الورقية ليس قرض ًا ألهنا ليست مثلية وال قيمية‬
‫بل هي بمنزلة سند من احلكومة‪.‬‬

‫وحيث أن العملة الورقية ما هي إال سندات من احلكومة للمواطنني يقبض‬


‫الشخص أو األشخاص ما حيويه هذا السند من األوراق بسند مثله‪ ،‬أو أرفع مما حيويه‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪286‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أو أدنى أو يأخذ به مستهلكات يشرتهيا‪ ،‬فإن التبادل هو تبادل سندات بني أفراد‬
‫املجتمعات أو الدول‪ ،‬ومن املعلوم أن تبادل السندات ال ربا فيها»‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬
‫الـمراجـــــع‬
‫املراجع‬

‫القرآن الكريم‬

‫‪ .1‬القرآن الكريم‪ ،‬رواية حفص بن سليامن لقراءة عاصم بن أيب النجود‬


‫الكويف‪.‬‬

‫‪ .2‬معجم ألفاظ القرآن الكريم‪ ،‬جممع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫الرشوق ‪1401‬هـ ـ ‪1981‬م‪.‬‬

‫‪ .3‬املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫ومطابع الشعب‪.‬‬

‫‪ .4‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬الراغب األصفهاين‪ ،‬حتقيق حممد سيد كيالين‪،‬‬


‫بريوت‪ :‬دار املعرفة‪.‬‬

‫‪ .5‬األمثل يف تفسري كتاب اهلل املنزل‪ ،‬الشيخ نارص مكارم الشريازي‪ ،‬قم‪ :‬مطبعة‬
‫أمري املؤمنني ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .6‬التبيان يف تفسري القرآن‪ ،‬أبو جعفر حممد بن احلسن الطويس‪ ،‬النجف‪ :‬م‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪290‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫العلمية ‪1376‬هـ ـ ‪1957‬م‪.‬‬

‫‪ .7‬التفسري الكبري أو مفاتيح الغيب‪ ،‬فخر الدين الرازي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪1411‬هـ ـ ‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ .8‬جامع البيان يف تفسري القرآن‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير الطربي‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار املعرفة ‪1412‬هـ ـ ‪1992‬م‪.‬‬

‫‪ .9‬جممع البيان يف تفسري القرآن‪ ،‬أبو عيل الفضل بن احلسن الطربيس‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار مكتبة احلياة‪.‬‬

‫‪ .10‬معامل احلكومة اإلسالمية (سلسلة مفاهيم القرآن) حمارضات الشيخ جعفر‬


‫السبحاين بقلم تلميذه جعفر اهلادي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار األضواء ‪1405‬هـ ـ ‪1984‬م‪.‬‬

‫‪ .11‬معجم األلفاظ واألعالم القرآنية‪ ،‬حممد إسامعيل إبراهيم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬


‫الفكر العريب‪.‬‬

‫‪ .12‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬السيد حممد حسني الطباطبائي‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة‬


‫األعلمي للمطبوعات‪.‬‬

‫احلديث‬

‫‪ .13‬تفصيل وسائل الشيعة إىل حتصيل مسائل الرشيعة‪ ،‬حممد بن احلسن احلر‬
‫العاميل‪ ،‬حتقيق مؤسسة آل البيت ‪ ،:‬بريوت ‪1413‬هـ ‪1993‬م‪.‬‬

‫املعزي املاليري‪،‬‬
‫‪ .14‬جامع أحاديث الشيعة يف أحكام الرشيعة‪ ،‬إسامعيل ّ‬
‫بإرشاف السيد آقا حسني الطباطبائي الربوجري‪ ،‬قم‪ :‬م املهر ‪1413‬هـ‪.‬‬

‫‪ .15‬مستدرك الوسائل‪ ،‬املريزا حسني النوري الطربيس‪ ،‬بريوت ‪1412‬هــ‬


‫‪1991‬م‪.‬‬
‫‪291‬‬ ‫املراجـــع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .16‬معجم رجال احلديث وتفصيل طبقات الرواة‪ ،‬السيد أبو القاسم اخلوئي‪،‬‬
‫بريوت ‪1409‬هـ ـ ‪1989‬م‪.‬‬

‫‪ .17‬املعجم املفهرس أللفاظ أحاديث وسائل الشيعة‪ ،‬حتقيقايت واطالع رسايف‬


‫خانه كتاب إيران‪ ،‬بإرشاف عيل رضا برازش‪ ،‬قم‪ :‬مكتب نرشيات اهلادي‪.‬‬

‫‪ .18‬مالذ األخيار يف فهم هتذيب األخبار‪ ،‬الشيخ حممد باقر املجليس‪ ،‬حتقيق‬
‫السيد مهدي الرجائي‪ ،‬قم‪ :‬منشورات مكتبة آية اهلل املرعيش‪1406‬هـ‪.‬‬

‫‪ .19‬هنج البالغة‪ ،‬مجع الرشيف الريض من كالم اإلمام عيل بن أيب طالب‬
‫‪ ،‬باعتناء الدكتور صبحي الصالح‪ ،‬بريوت ‪1387‬هـ ـ ‪1967‬م‪.‬‬

‫الفقه والقانون‬

‫‪ .20‬االجتهاد والتقليد‪ ،‬اإلمام اخلميني‪ ،‬قم‪ :‬مؤسسة تنظيم ونرش آثار اإلمام‬
‫اخلميني ‪1418‬هـ‪.‬‬

‫‪ .21‬أحكام البنوك واألسهم والسندات واألسواق املالية (البورصة)‪ ،‬الشيخ‬


‫حممد إسحاق الفياض‪ ،‬قم‪ :‬م أمري‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .22‬األرباح والفوائد املرصفية بني التحليل االقتصادي واحلكم الرشعي‪،‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬عبد احلميد الغزايل‪ ،‬من إصدارات البنك اإلسالمي للتنمية – جدة ‪1414‬هـ‬
‫ـ ‪1994‬م ط ‪.1‬‬

‫‪ .23‬اإلسالم وانتزاع امللك للمصلحة العامة‪ ،‬حممد احلاج نارص‪ ،‬ط سنة‬
‫‪1411‬هـ ـ ‪1991‬م‪.‬‬

‫‪ .24‬األعامل املرصفية واإلسالم‪ ،‬مصطفى عبد اهلل الثمري ط‪ 2‬سنة ‪1403‬هـ‬


‫ـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪292‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .25‬اقتصادنا‪ ،‬حممد باقر الصدر ط ‪ ،13‬سنة ‪1400‬هـ ـ ‪1980‬م‪.‬‬

‫‪ .26‬بحوث فقهية‪ ،‬حمارضات الفقيه الشيخ حسني احليل بقلم تلميذه السيد عز‬
‫الدين بحر العلوم‪ ،‬ط‪ ،3‬سنة ‪1393‬هـ ـ ‪1973‬م‪.‬‬

‫‪ .27‬بحوث فقهية هامة‪ ،‬الشيخ نارص مكارم الشريازي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1422‬هـ‪.‬‬

‫‪ .28‬بحوث يف الفقه املعارص‪ ،‬الشيخ حسن اجلواهري‪ ،‬ط‪. 1‬‬

‫‪ .29‬البدر الزاهر يف صالة اجلمعة واملسافر‪ ،‬حمارضات الفقيه السيد آقا حسني‬
‫الربوجردي‪ ،‬بقلم تلميذه الشيخ حسني عيل املنتظري‪ ،‬قم‪ :‬م احلكمة ‪1378‬هـ‪.‬‬

‫‪ .30‬كتاب البيع‪ ،‬اإلمام اخلميني‪ ،‬ط‪ 4‬سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫‪ .31‬تبديد األوهام فيام يتعلق بفوائد البنوك من أحكام‪ ،‬الدكتور حييى هاشم‬
‫حسن فرغل‪ ،‬ط سنة ‪1419‬هـ ـ ‪1998‬م‪.‬‬

‫‪ .32‬كتاب تربئة البنوك من ربا يف الصكوك‪ ،‬القايض الشيخ حييى حييى عيل‬
‫الدار‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1419‬هـ ـ ‪1999‬م‪.‬‬

‫‪ .33‬تبرصة املتعلمني يف أحكام الدين‪ ،‬العالمة احليل وهبامشها حاشية شيخ‬


‫الرشيعة األصفهاين‪ ،‬ط بمنبئ حجري ًا سنة ‪1332‬هـ‪.‬‬

‫‪ .34‬حترير املجلة‪ ،‬الشيخ حممد احلسني آل كاشف الغطاء‪ ،‬ط مكتبة النجاح‬
‫ومكتبة الفريوزآبادي تصوير أوفست عن ط النجف سنة ‪1359‬هـ‪.‬‬

‫‪ .35‬حترير الوسيلة‪ ،‬اإلمام اخلميني‪ ،‬نرش مؤسسة النرش اإلسالمي سنة‬


‫‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .36‬تنبيه األمة وتنزيه امللة‪ ،‬الفقيه املريزا حممد حسني النائيني‪ ،‬مصورة‪.‬‬
‫‪293‬‬ ‫املراجـــع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .37‬اجلامع يف أصول الربا‪ ،‬الدكتور رفيق يونس املرصي‪ ،‬ط‪1‬سنة ‪1412‬هـ‬
‫ـ ‪1991‬م‪.‬‬

‫‪ .38‬جامع املقاصد يف رشح القواعد‪ ،‬املحقق الثاين الشيخ عيل بن احلسني‬


‫الكركي‪ ،‬حتقيق مؤسسة آل البيت ‪ :‬إلحياء الرتاث‪ ،‬ط‪1‬سنة ‪1411‬هـ ـ‬
‫‪1991‬م‪.‬‬

‫‪ .39‬جواهر الكالم يف رشح رشائع اإلسالم‪ ،‬الشيخ حممد حسن النجفي‪،‬‬


‫حتقيق الشيخ عباس القوجاين‪ ،‬ط‪ 7‬سنة ‪1981‬م‪.‬‬

‫‪ .40‬احلدائق النارضة يف أحكام العرتة الطاهرة‪ ،‬الفقيه املحدث الشيخ يوسف‬


‫البحراين‪ ،‬حتقيق الشيخ حممد تقي األيرواين‪ ،‬ط‪ 3‬سنة ‪1413‬هـ ـ ‪1993‬م‪.‬‬

‫‪ .41‬حكم املحكمة الرشعية االحتادية الباكستانية بشأن الفائدة (الربا)‪ ،‬نرش‬


‫املعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب – البنك اإلسالمي للتنمية‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1416‬هـ‬
‫ـ ‪1995‬م‪.‬‬

‫‪ .42‬احلكومة اإلسالمية‪ ،‬اإلمام اخلميني‪ ،‬مصورة‪.‬‬

‫‪ .43‬دراسات يف والية الفقيه وفقه الدول اإلسالمية‪ ،‬الشيخ حسني عيل‬


‫املنتظري‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1409‬هـ ـ ‪1988‬م‪.‬‬

‫‪ .44‬دروس يف فقه اإلمامية‪ ،‬عبد اهلادي الفضيل‪ 3 ،‬أجزاء‪ ،‬مؤسسة أم القرى‪،‬‬


‫قم‪ ،‬ط‪ 1419 ،1‬هـ‪.‬‬

‫‪ .45‬الربا بني االقتصاد والدين‪ ،‬عز العرب فؤاد‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .46‬الربا والبنك اإلسالمي‪ ،‬الشيخ نارص مكارم الشريازي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة‬


‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪294‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .47‬رسالة يف جواز اإلنشاء بالكتابة يف العقود واإليقاعات‪ ،‬الشيخ نارص مكارم‬
‫الشريازي‪ ،‬بآخر كتاب املؤلف (تعليقات عىل العروة الوثقى‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1413‬هـ‪.‬‬

‫‪ .48‬الرياض (رياض املسائل يف حتقيق األحكام بالدالئل)‪ ،‬السيد عيل‬


‫الطباطبائي‪ ،‬ط حجرية ‪1307‬هـ‪.‬‬

‫‪ .49‬كتاب الرسائر (احلاوي لتحرير الفتاوي)‪ ،‬ابن إدريس احليل‪ ،‬م مؤسسة‬
‫النرش اإلسالمي‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫ـ وضمن سلسة الينابيع الفقهية‪ ،‬باعتناء الشيخ عيل اصغر مرواريد‪ ،‬ط‪ 1‬سنة‬
‫‪1410‬هـ ـ ‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ .50‬شبهة الربا يف معامالت البنوك التقليدية واإلسالمية‪ ،‬دكتور منري إبراهيم‬


‫هندي‪ ،‬ط القاهرة ‪1995‬م‪.‬‬

‫‪ .51‬رشائع اإلسالم يف مسائل احلالل واحلرام‪ ،‬املحقق احليل‪ ،‬حتقيق عبد‬


‫احلسني حممد عيل‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1403‬هـ ـ ‪1983‬م‪.‬‬

‫ـ ورشح وتعليق السيد عبد الزهراء احلسيني اخلطيب‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1412‬هـ‬
‫‪1991‬م‪.‬‬

‫ـ وضمن سلسلة الينابيع الفقهية ط‪.1‬‬

‫‪ .52‬العروة الوثقى‪ ،‬الفقيه السيد حممد كاظم الطباطبائي اليزدي‪ ،‬طهران‪ :‬دار‬
‫الكتب اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .53‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ عيل بن الشيخ باقر اجلواهري‪ ،‬النجف‪ :‬م‬
‫املرتضوية ‪1345‬هـ‪.‬‬

‫ـ و ط مؤسسة النرش اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬


‫‪295‬‬ ‫املراجـــع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .54‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد حممد الفريوزآبادي‪ ،‬مؤسسة النرش‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .55‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬املريزا حممد حسني النائيني‪ ،‬مؤسسة النرش‬


‫اإلسالمي ط‪2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .56‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ عبد الكريم احلائري‪ ،‬مؤسسة النرش‬


‫اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .57‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ آقا ضياء الدين العراقي‪ ،‬مؤسسة النرش‬
‫اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .58‬تعليقة استداللية عىل العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ آقا ضياء الدين العراقي‪،‬‬
‫مؤسسة النرش اإلسالمي ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫‪ .59‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد أبو احلسن األصفهاين‪ ،‬مؤسسة النرش‬


‫اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .60‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ حممد رضا آل ياسني‪ ،‬مؤسسة النرش‬


‫اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .61‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ حممد احلسني آل كاشف الغطاء‪ ،‬مؤسسة‬


‫النرش اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .62‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد آقا حسني الربوجردي‪ ،‬مؤسسة النرش‬


‫اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .63‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد مريزا عبد اهلادي الشريازي‪ ،‬مؤسسة النرش‬
‫اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪296‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .64‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد حمسن الطباطبائي احلكيم‪ ،‬مؤسسة النرش‬
‫اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ و ط دار الكتب اإلسالمية بطهران‪.‬‬

‫‪ .65‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد أمحد اخلوانساري‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‬


‫ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ و مؤسسة األعلمي ط‪ 2‬سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .66‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد حممود الشاهرودي‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‬


‫بطهران‪.‬‬

‫‪ .67‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد حممد كاظم الرشيعتمداري‪ ،‬دار الكتب‬


‫اإلسالمية بطهران‪.‬‬

‫‪ .68‬و مؤسسة األعلمي ط‪ 2‬سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .69‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد حممد هادي امليالين‪ ،‬مؤسسة األعلمي ط‪2‬‬
‫سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .70‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد أبو احلسن الرفيعي‪ ،‬مؤسسة األعلمي ط‪2‬‬
‫سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .71‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬اإلمام اخلميني‪ ،‬مؤسسة األعلمي ط‪ 2‬سنة‬


‫‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .72‬و مؤسسة النرش اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .73‬والدار اإلسالمية ببريوت ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫‪ .74‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد شهاب الدين املرعيش‪ ،‬مؤسسة األعلمي‬


‫ط‪ 2‬سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .75‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد أبو القاسم اخلوئي‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‬
‫‪297‬‬ ‫املراجـــع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بطهران‪.‬‬

‫‪ .76‬ومؤسسة األعلمي ط‪ 2‬سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .77‬والدار اإلسالمية ببريوت ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫‪ .78‬ومؤسسة النرش اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .79‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد حممد رضا الكلبايكاين‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‬
‫بطهران‪.‬‬

‫‪ .80‬ومؤسسة األعلمي ط‪ 2‬سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .81‬ودار الكتب اإلسالمية ببريوت ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫‪ .82‬ومؤسسة النرش اإلسالمي ط‪ 2‬سنة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪ .83‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ حممد عيل األراكي‪ ،‬الدار اإلسالمية ببريوت‬
‫ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫‪ .84‬حاشية العروة الوثقى‪ ،‬السيد حسن القمي‪ ،‬مؤسسة األعلمي ط‪ 2‬سنة‬


‫‪1404‬هـ‪.‬‬

‫‪ .85‬احلوايش عىل العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ حممد الفاضل اللنكراين‪ ،‬ط‪ 2‬سنة‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬

‫‪ .86‬تعليقات عىل العروة الوثقى‪ ،‬الشيخ نارص مكارم الشريازي‪ ،‬ط‪ 2‬سنة‬
‫‪1413‬هـ‪.‬‬

‫‪ .87‬تعليقات عىل العروة الوثقى‪ ،‬السيد حممد تقي املدريس‪ ،‬ط‪ 1‬سنة‬
‫‪1423‬هـ‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪298‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .88‬فقه البنوك‪ ،‬حمارضات الشيخ حممد باقر األيرواين بقلم تلميذه الشيخ‬
‫يوسف أمحد األحسائي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1423‬هـ ـ ‪2002‬م‪.‬‬

‫‪ .89‬فقه البنوك واحلقوق اجلديدة‪ ،‬حمارضات الشيخ حممد سند بقلم تلميذه‬
‫الشيخ مصطفى اإلسكندري‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1422‬هـ ـ ‪2002‬م‪.‬‬

‫‪ .90‬فقه املوضوعات احلديثة عند اإلمامية‪ ،‬السيد حممد الصدر‪ ،‬ط‪ 1‬سنة‬
‫‪1419‬هـ‪.‬‬

‫‪ .91‬قواعد األحكام يف مسائل احلالل واحلرام‪ ،‬العالمة احليل‪ ،‬ضمن سلسلة‬


‫الينابيع الفقهية ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ ـ ‪1990‬م‪ ،‬ومع (مفتاح الكرامة يف رشح قواعد‬
‫العالمة) تصوير دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬

‫‪ .92‬املبسوط يف فقه اإلمامية‪ ،‬شيخ الطائفة الطويس‪ ،‬صححه وعلق عليه السيد‬
‫حممد تقي الكشفي‪ ،‬نرش املكتبة املرتضوية إلحياء اآلثار اجلعفرية سنة ‪1387‬هـ‪.‬‬

‫‪ .93‬جممع الفائدة والربهان يف رشح إرشاد األذهان‪ ،‬الشيخ أمحد األردبييل‪،‬‬


‫منشورات مجاعة املدرسني يف احلوزة العلمية بقم املقدسة‪.‬‬

‫‪ .94‬املسائل املستحدثة‪ ،‬الشيخ حممد أمني زين الدين‪ ،‬البحرين‪ ،‬م اهلاشمي‬
‫‪1987‬م‪.‬‬

‫‪ .95‬مسالك األفهام إىل رشح رشائع اإلسالم‪ ،‬الشهيد الثاين‪ ،‬إيران‪ :‬حجر‬
‫‪1310‬هـ‪.‬‬

‫‪ .96‬مستحدثات املسائل‪ ،‬السيد أبو القاسم اخلوئي “ملحق بقسم املعامالت‬


‫من منهاج الصاحلني‪ ،‬الطبعة الثامنة” سنة ‪1407‬هـ‪.‬‬

‫‪ .97‬مستند الشيعة يف أحكام الرشيعة‪ ،‬املوىل حممد النراقي‪ ،‬إيران‪ :‬حجر‬


‫‪299‬‬ ‫املراجـــع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪1325‬هـ‪.‬‬

‫‪ .98‬مصادر احلق يف الفقه اإلسالمي‪ :‬دراسة مقارنة بالفقه الغريب‪ ،‬الدكتور‬


‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب – مؤسسة التاريخ العريب‪.‬‬

‫‪ .99‬معامالت البنوك وأحكامها الرشعية‪ ،‬الدكتور حممد سيد طنطاوي‪ ،‬ط‪15‬‬


‫سنة ‪1417‬هـ ـ ‪1997‬م‪.‬‬

‫‪ .100‬معجم فقه اجلواهر‪ ،‬مؤسسة دائرة معارف الفقه اإلسالمي طبق ًا ملذهب‬
‫أهل البيت‪ ،:‬الغدير ط‪ 1‬سنة ‪1417‬هـ ـ ‪1996‬م‪.‬‬

‫‪ .101‬مفتاح الكرامة يف رشح قواعد العالمة‪ ،‬السيد حممد جواد احلسيني‬


‫العاميل‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬

‫‪ .102‬املكاسب‪ ،‬الشيخ مرتىض األنصاري‪ ،‬حتقيق وتعليق السيد حممد كالنرت‪،‬‬


‫ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ ـ ‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ .103‬ومع حوايش املكاسب اآليت ذكرها‪:‬‬

‫‪ .104‬منية الطالب يف حاشية املكاسب‪ ،‬املريزا حممد حسني النائيني بقلم‬


‫تلميذه الشيخ موسى اخلونساري‪ ،‬ط املطبعة املرتضوية يف النجف األرشف‪ ،‬حجرية‬
‫بخط حممد عيل التربيزي‪.‬‬

‫‪ .105‬هداية الطالب إىل أرسار املكاسب‪ ،‬املريزا فتاح الشهيدي التربيزي‪ ،‬ط‪2‬‬
‫سنة ‪1375‬هـ حجرية بخط طاهر خوشنويس‪.‬‬

‫‪ .106‬املواهب يف حترير أحكام املكاسب‪ ،‬الشيخ جعفر السبحاين‪ ،‬بقلم تلميذه‬


‫سيف اهلل اليعقويب‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫‪ .107‬حمارضات يف الفقه اجلعفري (املكاسب املحرمة)‪ ،‬السيد أبو القاسم‬


‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪300‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اخلوئي بقلم تلميذه السيد عيل احلسيني الشاهرودي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1408‬هـ‪.‬‬

‫‪ .108‬منتخب األحكام‪ ،‬الشيخ يوسف الصانعي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫‪ .109‬منهاج الصاحلني‪ ،‬السيد حمسن الطباطبائي احلكيم‪ ،‬تعليق السيد حممد‬


‫باقر الصدر‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫‪ .110‬منهاج الصاحلني‪ ،‬السيد عبد األعىل املوسوي السبزواري‪ ،‬ط‪ 4‬سنة‬


‫‪1413‬هـ ـ ‪1992‬م‪.‬‬

‫‪ .111‬منهاج الصاحلني‪ ،‬السيد أبو القاسم اخلوئي‪ ،‬طبع سنة ‪1407‬هـ‪.‬‬

‫‪ .112‬املوسوعة الفقهية‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية – الكويت‪ ،‬ط‪2‬‬


‫سنة ‪1404‬هـ ـ ‪1983‬م‪.‬‬

‫‪ .113‬نظرية السياسة واحلكم يف اإلسالم‪ ،‬السيد حممد حسني الطباطبائي‪،‬‬


‫الرتمجة العربية‪.‬‬

‫‪ .114‬النهاية يف جمرد الفقه والفتاوى‪ ،‬الشيخ حممد بن احلسن الطويس‪ ،‬ط‪2‬‬


‫سنة ‪1400‬هـ ـ ‪1980‬م‪.‬‬

‫‪ .115‬وجيزة األحكام‪ ،‬الشيخ حممد احلسني آل كاشف الغطاء‪ ،‬ط‪ 2‬سنة‬


‫‪1360‬هـ‪.‬‬

‫‪ .116‬الوسيلة إىل نيل الفضيلة‪ ،‬ابن محزة املشهدي‪ ،‬دراسة وحتقيق عبد العظيم‬
‫البكاء‪ ،‬سنة ‪1399‬هـ ـ ‪1979‬م‪.‬‬

‫البنوك‬

‫‪ .117‬النظام البنكي يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬الدكتور عبد املجيد حممد‬


‫‪301‬‬ ‫املراجـــع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عبوده‪ ،‬ط معهد اإلدارة العامة سنة ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫‪ .118‬موسوعة أعامل البنوك من الناحيتني القانونية والعملية‪ ،‬دكتور حمي‬


‫الدين إسامعيل علم الدين‪ ،‬ط سنة ‪1993‬م‪.‬‬

‫‪ .119‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬الدكتور عيل مجال الدين عوض‪،‬‬


‫نرش دار النهضة العربية – القاهرة‪.‬‬

‫‪ .120‬املصارف اإلسالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬الدكتور عبد الرزاق رحيم‬


‫جدي اهليتي‪ ،‬نرش دار أسامة – ّعامن – األردن‪.‬‬

‫‪ .121‬البنوك اإلسالمية التجربة بني الفقه والقانون والتطبيق‪ ،‬عائشة الرشقاوي‬


‫املالقي‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .122‬عمليات املصارف‪ ،‬الدكتور إلياس ناصيف‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1996‬م‪.‬‬

‫‪ .123‬العقود التجارية وعمليات البنوك يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬الدكتور‬


‫حممد حسن اجلرب‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1418‬هـ ـ ‪1997‬م‪.‬‬

‫النقود‬

‫‪ .124‬تاريخ النقود‪ ،‬فيكتور موجان ترمجة نور الدين خليل‪ ،‬ط سنة ‪1993‬م‪.‬‬

‫‪ .125‬تاريخ النقود اإلسالمية‪ ،‬السيد موسى احلسيني املازندراين‪ ،‬ط‪ 3‬سنة‬


‫‪1408‬هـ‪.‬‬

‫‪ .126‬يف التعريف بالنقود‪ ،‬د‪ .‬محدي الصباخي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1982‬م‪.‬‬

‫‪ .127‬مقدمة يف النقود والبنوك‪ ،‬دكتور حممد زكي شافعي‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫– بريوت‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪302‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .128‬النقود واملصارف‪ ،‬الدكتور ناظم حممد نوري الشمري – نرش جامعة‬
‫املوصل – العراق سنة ‪1988‬م‪.‬‬

‫‪ .129‬النقود واملصارف‪ ،‬الدكتور أمحد زهري شامية‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1993‬م‪.‬‬

‫العقيدة‬

‫‪ .130‬اإلمامة والوالية يف اإلسالم‪ ،‬السيد عيل خامنائي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ ـ‬


‫‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ .131‬أهل البيت يف الكتاب والسنة‪ ،‬حممد الري شهري‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار احلديث‬
‫– قم‪.‬‬

‫‪ .132‬يف انتظار اإلمام‪ ،‬عبد اهلادي الفضيل‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1392‬هـ ـ ‪1972‬م‪.‬‬

‫املعاجم اللغوية‬

‫‪ .133‬األلفبائي‪ ،‬اجليالين بن احلاج حييى و بلحسن البليش وعيل بن هادية‪،‬‬


‫ط‪ 10‬سنة ‪1417‬هـ ـ ‪1997‬م‪.‬‬

‫‪ .134‬البستان‪ ،‬الشيخ عبد اهلل البستاين‪ ،‬ط ‪ 1‬سنة ‪1992‬م‪.‬‬

‫‪ .135‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬حممد مرتىض الزبيدي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة‬


‫‪1306‬هـ‪.‬‬

‫‪ .136‬هتذيب اللغة‪ ،‬أبو منصور األزهري‪ ،‬حتقيق د‪ .‬رياض زكي قاسم‪ ،‬ط‪1‬‬
‫سنة ‪1422‬هـ ـ ‪2001‬م‪.‬‬

‫‪ .137‬الرائد‪ ،‬جربان مسعود‪ ،‬ط‪ 8‬سنة ‪2001‬م‪.‬‬

‫‪ .138‬الصحاح يف اللغة والعلوم‪ ،‬نديم مرعشيل وأسامة مرعشيل‪ ،‬ط‪ 1‬سنة‬


‫‪303‬‬ ‫املراجـــع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪1975‬م‪.‬‬

‫‪ .139‬العني‪ ،‬اخلليل بن أمحد الفراهيدي‪ ،‬حتقيق الدكتور مهدي املخزومي‬


‫والدكتور إبراهيم السامرائي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1408‬هـ ـ ‪1988‬م‪.‬‬

‫‪ .140‬الكايف‪ ،‬حممد الباشا‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1412‬هـ ـ ‪1992‬م‪.‬‬

‫‪ .141‬الروس‪ ،‬الدكتور خليل اجلر‪ ،‬ط سنة ‪1972‬م‪.‬‬

‫‪ .142‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور املرصي‪ ،‬ط دار صادر – بريوت‪.‬‬

‫‪ .143‬جممع البحرين‪ ،‬الشيخ فخر الدين الطرحيي‪ ،‬حتقيق قسم الدراسات‬


‫اإلسالمية – مؤسسة البعثة – قم‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1414‬هـ‪.‬‬

‫‪ .144‬املحيط يف اللغة‪ ،‬الصاحب إسامعيل بن عباد‪ ،‬حتقيق الشيخ حممد حسن‬


‫آل ياسني‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1414‬هـ ـ ‪1994‬م‪.‬‬

‫‪ .145‬حميط املحيط‪ ،‬املعلم بطرس البستاين ‪ ،‬نرش مكتبة لبنان سنة ‪1977‬م‪.‬‬

‫‪ .146‬املعجم العريب األسايس‪ ،‬تأليف وإعداد مجاعة من كبار اللغويني العرب‬


‫بتكليف من املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‪.‬‬

‫‪ .147‬املعجم الكبري‪ ،‬جممع اللغة العربية – القاهرة‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1401‬هـ ـ‬


‫‪1981‬م‪.‬‬

‫‪ .148‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬أمحد بن فارس‪ ،‬حتقيق عبد السالم حممد هارون‪،‬‬
‫مصورة دار الكتب العلمية – قم – إيران‪.‬‬

‫‪ .149‬املعجم الوسيط‪ ،‬جممع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬ط‪ 4‬سنة ‪1425‬هـ ـ‬


‫‪2004‬م‪.‬‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪304‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .150‬املنجد يف اللغة و األعالم‪ ،‬لويس معلوف اليسوعي ط‪.23‬‬

‫‪ .151‬اهلادي إىل لغة العرب‪ ،‬حسن سعيد الكرمي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1411‬هـ ـ‬
‫‪1991‬م‪.‬‬

‫املعاجم العلمية‬

‫‪ .152‬معجم مصطلحات االقتصاد واملال وإدارة األعامل‪ ،‬املحامي نبيه‬


‫غ ّطاس‪ ،‬طبعة جديدة سنة ‪1989‬م‪.‬‬

‫‪ .153‬معجم املصطلحات االقتصادية واإلسالمية‪ ،‬عيل بن حممد اجلمعة‪ ،‬ط‪1‬‬


‫سنة ‪1421‬هـ ـ ‪2000‬م‪.‬‬

‫‪ .154‬معجم املصطلحات السياسية والدولية‪ ،‬دكتور أمحد زكي بدوي‪ ،‬ط‪1‬‬


‫سنة ‪1410‬هـ ـ ‪1989‬م‪.‬‬

‫‪ .155‬معجم مصطلحات العلوم االجتامعية‪ ،‬الدكتور أمحد زكي بدوي‪ ،‬طبعة‬


‫جديدة ‪1986‬م‪.‬‬

‫‪ .156‬معجم املصطلحات الفقهية والقانونية‪ ،‬د‪ .‬جرجس جرجس‪ ،‬ط‪ 1‬سنة‬


‫‪1996‬م‪.‬‬

‫‪ .157‬معجم املصطلحات املحاسبية واملالية‪ ،‬د‪ .‬عدنان عابدين‪ ،‬مكتبة لبنان‪.‬‬

‫التاريخ‬

‫‪ .158‬األعالم‪ ،‬خري الدين الزركيل‪ ،‬ط‪ 4‬سنة ‪1979‬م‪.‬‬

‫‪ .159‬ختريج الدالالت السمعية عىل ما كان يف عهد رسول اهلل (‪ )‬من‬


‫احلرف والصنائع والعامالت‪ ،‬عيل بن حممد بن سعود اخلزاعي‪ ،‬حتقيق الدكتور إحسان‬
‫‪305‬‬ ‫املراجـــع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عباس‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1405‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬

‫‪ .160‬فدك يف التاريخ‪ ،‬السيد حممد باقر الصدر‪ ،‬حتقيق الدكتور عبد اجلبار‬
‫رشارة‪ ،‬نرش مركز الغدير للدراسات اإلسالمية – بريوت‪.‬‬

‫‪ .161‬معجم احلضارات السامية‪ ،‬هنري س‪ .‬عبودي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1408‬هـ ـ‬


‫‪1988‬م‪.‬‬

‫‪ .162‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬الدكتور جواد عيل‪ ،‬ط‪ 2‬سنة‬
‫‪1413‬هـ ـ ‪1993‬م‪.‬‬

‫أخرى‬

‫‪ .163‬إقبال األعامل‪ ،‬السيد ريض الدين بن طاووس‪ ،‬ط‪ 2‬مصورة عن الطبعة‬


‫احلجرية املكتوبة سنة ‪1312‬هـ‪.‬‬

‫‪ .164‬علم السياسة‪ ،‬السيد صدر الدين القبانجي‪،‬‬

‫‪ .165‬املالية العامة‪ ،‬أمحد حممود أبو الرب‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1985‬م‪.‬‬

‫‪ .166‬موسوعة املورد‪ ،‬منري البعلبكي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1980‬م‪.‬‬

‫الدوريات‬

‫‪ .167‬جملة فقه أهل البيت‪ ،‬العدد ‪( 30‬نظرات نقدية يف رشعية الفائدة البنكية)‬
‫الشيخ زين العابدين شمس الدين‪.‬‬

‫‪ .168‬جملة منرب احلوار‪ ،‬العدد ‪ 14‬صيف ‪1410‬هـ ـ ‪1989‬م بحث (عن‬


‫مؤسسات الدولة يف النظم اإلسالمية والعربية) لألستاذ طارق البرشي‪.‬‬

‫‪ .169‬جملة املنهاج‪ ،‬خريف سنة ‪.1420‬‬


‫احملتويات‬
‫مقدمة مركز الفقاهة‪5............................................................‬‬
‫املقدّ مة‪13.......................................................................‬‬
‫البنوك‪15........................................................................‬‬
‫التسمية ‪17..............................................................‬‬ ‫ ‬
‫التعريف‪19..............................................................‬‬ ‫ ‬
‫النشأة‪23................................................................‬‬ ‫ ‬
‫التطور‪ 25...............................................................‬‬
‫ّ‬ ‫ ‬
‫التنويع‪27...............................................................‬‬ ‫ ‬
‫املقدمات ‪39 ....................................................................‬‬
‫موضوع البحث‪ 41......................................................‬‬ ‫ ‬
‫منهج البحث‪43.........................................................‬‬ ‫ ‬
‫مهمة‪49...........................................‬‬
‫مصطلحات اقتصادية ّ‬ ‫ ‬
‫كتابات فقهية سابقة‪65...................................................‬‬ ‫ ‬
‫بني يدي املوضوع ‪75............................................................‬‬
‫حقيقة الربا‪ 81...........................................................‬‬ ‫ ‬
‫احلكومات ومرشوعية التعامل معهايف األموال العامة‪95..................‬‬ ‫ ‬
‫معامالت البنوك التجارية‬ ‫‪308‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الكيان السيايس اإلسالمي من خالل نصوص املالية العامة‪97.............‬‬ ‫ ‬
‫الدولة‪101..............................................................‬‬ ‫ ‬
‫نوعية احلكم اإلسالمي يف الفقه اإلمامي‪ 109.............................‬‬ ‫ ‬
‫الـاملية العا ّمة‪133.......................................................‬‬ ‫ ‬
‫الرأي الفقهي اإلمامي يف ملكية الدولة‪137...............................‬‬ ‫ ‬
‫حكم ترصف احلاكم غري الرشعي يف األموال العامة‪141..................‬‬ ‫ ‬
‫متلك الشخصية املعنوية‪159.............................................‬‬ ‫ ‬
‫إنشاء العقد بالكتابة‪165.................................................‬‬ ‫ ‬
‫الربا يف األوراق النقدية‪117.............................................‬‬ ‫ ‬
‫األحكام الفقهية يف البنوك التجارية ‪ 189 .........................................‬‬
‫مرشوعية إنشاء البنوك التجارية ‪193.....................................‬‬ ‫ ‬
‫مرشوعية العمل يف البنوك التجارية ‪197.................................‬‬ ‫ ‬
‫مرشوعية التعامل مع البنوك التجارية ‪205 .......................................‬‬
‫اإليداع‪209.............................................................‬‬ ‫ ‬
‫خصم األوراق املالية‪221................................................‬‬ ‫ ‬
‫القرض‪225.............................................................‬‬ ‫ ‬
‫خالصة مبحث القروض‪283............................................‬‬ ‫ ‬
‫الـمراجـــــع‪287..............................................................‬‬
‫املحتويات‪307 ..................................................................‬‬

You might also like