You are on page 1of 20

‫جوامع مدينة تونس يف العهد العثماين‬

‫دراسة تارخيية وفنية ومعمارية‬

‫الدكتور محمد الباجي بن مامي‬


‫تونس‬

‫مرت مدينة تونس بع ّدة فرتات‪ .‬فامتازت كل فرتة منها بقدوم ممثلني حلضارات خمتلفة‪ .‬وهكذا تنوعت‬ ‫ّ‬
‫مصادر التأثريات يف الناحية الفنية واملعمارية بتنوع منابعها‪ ،‬واتسم كل عصر بطابعه الذي مييزه عن العصور‬
‫السابقة‪ .‬إال أنه مل يوجد أي انقطاع يف سلسلة احللقات اليت تربط بني خمتل هذه احلقاات التارخيية(]‪.)[1‬‬
‫اختل جميء األتراك العثمانيني اختالفاً تاماً عن اهلجرات األخرى خاصة منها اهلجرة األندلسية‪ ،‬إذ أن‬
‫بث املذهب احلنفي عن‬ ‫قدومهم كان متصالً حبضور عسكري وسياسي قِوامه اجلند‪ .‬وقد حاول احلكام اجلدد ّ‬
‫طريق العلم‪ ،‬فادأوا بتأسيس اجلوامع واملدارس هلذا الغرض‪ ،‬وأحيوا ما هرم منها‪ ،‬وحاّست على املذهب املتّاعني‬
‫له(]‪.)[2‬‬
‫كما كان لتأثريهم الفين واملعماري أمهية ال تقل عن تأثريهم الثقايف واملذهيب‪ ،‬مما أعطى صاغة جديدة‬
‫لفن الاالد ومعمارها‪ .‬وهكذا ّأدى الوجود العثماين إىل ظهور خصائص واجتاهات فنية جديدة(]‪ .)[3‬ومن األكيد‬
‫أن احلديث عن كل التأثريات الرتكية اليت عرفتها مدينة تونس‪ ،‬سيحملنا للحديث على أربعة قرون متواصلة من‬
‫احلضور العثماين باالدنا‪ .‬لذلك سنهتم يف هذا الاحث بالعمارة الدينية املتمثلة يف اجلوامع‪ ،‬واليت تعترب أحد‬
‫العناصر اهلامة هلذا احلضور واليت تعطينا فكرة واضحة عن التأثريات الرتكية مبدينة تونس‪.‬‬
‫بالطاع‪ ،‬احتاج الدايات األوائل الذين حكموا الاالد إىل إجياد جوامع خطاة تتسع للجنود العثمانيني‬
‫الذين استقروا يف تونس بداية من سنة ‪ 4751‬م‪ .‬وتفيدنا املصادر بأن عددهم كان آنذاك حوايل أربعة‬
‫أالف(]‪ .)[4‬هلذا الغرض ّرمم اجلامع املوحدي بالقصاة سنة ‪ 999‬هـ‪ 4751 /‬م‪ .‬كما ّرمم جامع بين خرسان‬
‫املعروف جبامع القصر سنة ‪ 4005‬هـ‪ 4799 /‬م(]‪ .)[5‬وأدخل العثمانيون بعض العناصر اجلديدة على هذين‬
‫املعلمني؛ من ذلك كسوهم حمراب جامع القصاة بالرخام‪ ،‬وإضافتهم املنرب املاين‪ .‬وحاّس اجلامعان على املذهب‬
‫احلنفي‪ ،‬مما مسح هلؤالء اجلنود بأداء مناسكهم يف جوامع خاصة هبم‪.‬‬
‫بلغ عدد اجلوامع املؤسسة مبدينة تونس خالل الفرتة العثمانية مخسة‪ ،‬أسس حاكم الاالد يوس داي‬
‫أوهلا‪ ،‬وهو اجلامع املههور بامسه والذي كان يعرف أيضاً جبامع الاهامقية (]‪ ،)[6‬ومتّ بناؤه سنة ‪ 4094‬هـ‪/‬‬
‫‪ 4149‬م‪.‬‬
‫أما ثاين اجلوامع‪ ،‬فهو الذي أسسه الااي محودة باشا املرادي سنة ‪ 4011‬هـ‪ 4177 /‬م‪ .‬وثالث اجلوامع‬
‫زمنياً هو جامع حممد باي املرادي املعروف جبامع سيدي حمرز الذي بدأ هذا الااي يف بنائه سنة ‪ 4401‬هـ‪/‬‬
‫‪ 4199‬م‪ ،‬لكنه تويف قال إمتامه فأكمله أخوه رمضان باي سنة ‪ 4440‬هـ‪ 4199 /‬م‪ ،‬قال بناء املئذنة‪.‬‬
‫كما بىن حسني بن علي مؤسس الدولة احلسينية اجلامع الرابع سنة ‪ 4419‬هـ‪ 4595 /‬م‪.‬‬
‫وآخر هذه اجلوامع هو جامع الوزير يوس صاحب الطابع الذي انتهى من بنائه سنة ‪ 4910‬هـ‪/‬‬
‫‪ 4541‬م‪.‬‬

‫جامع يوسف داي‬


‫أسس إذن يوس داي ّأول اجلوامع العثمانية بالاالد التونسية‪ ،‬وهو الذي توىل احلكم انطالقاً من سنة‬
‫‪ 4049‬هـ‪ 4140 /‬م (]‪ .)[7‬طالت مدة هذا الداي يف احلكم‪ ،‬إذ بلغت حوايل مثان وعهرين سنة‪ ،‬استطاع أن‬
‫يوجه عنايته خالهلا إىل إعطاء نفس جديد للحياة االقتصادية والعلمية بعد فرتة الركود والرتاجع اليت شهدهتا‬
‫الاالد خالل القرن ‪ 40‬هـ‪ 41 /‬م‪ .‬وقد متكن من ذلك بفضل عدة عوامل‪ ،‬من بينها خاصة قدوم خناة من‬
‫كاار التجار وأصحاب احلرف األندلسيني الذين توافدوا على تونس يف عدد كاري قال توليه احلكم بثالث‬
‫سنني (]‪ .)[8‬وقد حرص على إيوائهم وتسهيل إدماجهم يف احلياة االقتصادية للاالد‪.‬‬
‫تويل‬
‫هذا‪ ،‬ومل يكن إجناز اجلامع نتيجة لتلك الظروف االقتصادية الساحنة‪ ،‬إذ مت بناؤه بعد سنة فقط من ّ‬
‫هذا الداي احلكم بتونس‪ ،‬بل يغلب على الظن أنه كان نتيجة لضغوط سياسية واجتماعية‪ .‬ذلك بأنه قد مر‬
‫على وجود العثمانيني املتاعني للمذهب احلنفي بتونس أكثر من ثلث قرن مل حيصل خالهلا تهييد ولو جامع‬
‫واحد‪ ،‬بل اقتصر الوالة ـ كما أشرنا إىل ذلك ـ على حتويل جامعني مالكيني إىل املذهب احلنفي‪ .‬والشك يف أن‬
‫احلاجة كانت يف أوائل عهد يوس داي ملّحة إىل ح ّد أن الداي املذكور أسرع على أثر توليه احلكم لألمر باناء‬
‫هذا اجلامع‪ .‬فلم تدم األشغال أكثر من أحد عهر شهراً (من شوال ‪ 4090‬هـ‪ /‬ديسمرب ‪ 4144‬م ـ جانفي‬
‫‪ 4149‬م إىل رمضان ‪ 4094‬هـ‪ 4149 /‬م) مثلما تدل على ذلك النقيهة ذات اخلط النسخي املوجودة‬
‫باجلامع(]‪.)[9‬‬
‫هذا‪ ،‬وال خيفى أنه كان للجند دور أساسي يف إدارة الاالد‪ ،‬وحىت يف تسمية احلكام عليها‪ .‬ولرمبا قد‬
‫ازداد عددهم بصفة جعلت من املتأكد إضافة جامع جديد مل يفتأ أن أصاح جامع اخلطاة احلادية عهر يف‬
‫وتأييد هؤالء القوم الذين كانوا دوماً‬ ‫قد جلب هبذا العمل عط‬ ‫مدينة تونس(]‪ ،)[10‬فيكون الداي يوس‬
‫مصدر شغب وفتنة‪.‬‬
‫(]‪)[11‬‬
‫بغض الطرف عن هذا اجلامع‪،‬‬ ‫وقام باناء هذا املعلم املهندس ابن غالب األندلسي األصل ‪ .‬لكن ّ‬
‫شيّد يوس داي مدرسة(]‪ )[12‬جماورة له وميضأة فوقها مقهى(]‪ ،)[13‬وكذلك كتاباً‪ .‬وأضاف إليها سوق الاهامقية‬
‫كونت يف مجلتها كتلة متكاملة‪،‬‬ ‫املالصقة للجامع‪ ،‬وسوق الرتك وسوق الربكة‪ .‬وهكذا ّ‬
‫تذكرنا بـ»الكولوليا«الرتكية‪.‬‬
‫وملا تويف يوس داي سنة ‪ 4015‬هـ‪ 4115 /‬م‪ ،‬دفنه ابنه أبو العااس أمحد يف الرتبة اليت أقامها يف‬
‫مدخل اجلامع بسوق الاهامقية‪.‬‬
‫يقع اجلامع اليوسفي يف مدخل املدينة العتيقة من ناحية القصاة بنهج سيدي علي بن زياد‪ ،‬ومما جيلب‬
‫االنتااه أن املؤسس اختار موقع جامعه على مقربة من اجلامع األعظم‪ .‬وميكن تفسري هذه العملية بأن اجلند‬
‫الذين بين من أجلهم هذا اجلامع كانوا يقطنون بقرب من هذا املوقع‪ .‬فإضافة إىل وجود العديد منهم بقلعة‬
‫القصاة‪ ،‬فإن الاعض اآلخر كان يقطن يف املكان الذي حتتله حالياً املدرسة املرادية(]‪ .)[14‬كما أنه من املمكن أن‬
‫وجود جامع حماّس على املذهب احلنفي بقرب اجلامع األعظم ساهم يف جلب عدد من كاار القوم الذين كانوا‬
‫يقطنون يف هذا احلي لالستماع لدروس الهيوخ املتفقهني على مذهب اإلمام أيب حنيفة‪ ،‬وبالتايل يعترب هذا‬
‫تقوية لصفوف املتاعني هلذا املذهب يف بالد ما زال س ّكاهنا متهاّثني باملذهب املالكي‪.‬‬
‫مما جيلب االنتااه أن أول جامع أسس بالاالد على يد العثمانيني هو جامع يوس داي‪ ،‬الذي تأثر يف‬
‫بعض مكوناته ويف قسم من تصميمه باملساجد العثمانية‪ .‬وهكذا يادو الصحن الذي حييط بايت الصالة من‬
‫اجلهات الثالث ـ الهرقية والهمالية والغربية ـ من املميزات النادرة اليت قلما جندها يف اجلوامع التونسية‪ ،‬وهي يف‬
‫احلقيقة ظاهرة اختصت هبا بعض اجلوامع الرتكية ـ خاصة منها جامع بيايل باشا (‪ )Piali Pacha‬الذي أسس‬
‫بإسطناول سنة ‪ 999‬هـ‪ 4757 /‬م‪ ،‬وجامع ياين فاليدي (‪ .)Yani Validé‬أما بتونس‪ ،‬فنجد الهكل نفسه‪،‬‬
‫( )‬
‫وهو املهابه حلرب ‪ U‬الالتينية يف ثالثة جوامع أخرى فقط ]‪ ، [15‬وهو ما ال جنده يف اجلوامع اليت ساقت زمنياً‬
‫تأسيس اجلامع اليوسفي(]‪ .)[16‬ويتمثل هنا أهم الصحون الثالثة يف الصحن الهمايل‪ ،‬بينما يتسم الصحن‬
‫الهرقي مبساحته احملدودة جداً‪ ،‬لكنه ميتاز باحتوائه على حمراب يستعمله املصلون خالل فصل الصي (]‪.)[17‬‬
‫لكن ما جيلب االنتااه هو أنه بالرغم من بناء هذا اجلامع يف بدايـة القرن ‪ 44‬هـ‪ 45 /‬م‪ ،‬فقد صممت بيت‬
‫الصالة حسب النماذج املستعملة من قال يف الاالد‪ .‬فأغلب عناصرها متثل بعض التأثريات والتقاليد املعمارية‬
‫احمللية‪ .‬وهكذا حصل اختالف أساسي بني ما يوجد بالصحن ومنط الصومعة والرتبة من جهة‪ ،‬وبني العديد من‬
‫عناصر بيت الصالة من جهة أخرى‪ ،‬اليت مت تسقيفها عن طريق أقاية متقاطعة(]‪ .)[18‬وربطت اجلدارات باعضها‬
‫عن طريق عوارض خهاية‪ .‬وختتل بيت الصالة هذه اختالفاً تاماً عما جنده جبامع حممد باي املرادي (املعروف‬
‫جبامع سيدي حمرز) املسقوف عن طريق القااب املعتمدة على أربع دعامات‪ ،‬بينما اعتمد سق اجلامع‬
‫اليوسفي على غابة األعمدة اليت تعودنا وجودها بأغلب جوامع الاالد‪.‬‬
‫لايت الصالة هذا شكل مستطيل‪ :‬فعرضها أقل من عمقها‪ ،‬إذ يساوي عرضها ‪ 5/1‬من عمقها‪ .‬وحنن‬
‫نعلم أن شكل بيت الصالة بصفة عامة يكون العرض فيها أكثر من العمق(]‪ .)[19‬ومبا أننا نعثر يف بيت الصالة‬
‫هذه على الكثري من املعطيات اليت جندها يف اجلوامع األفريقية األخرى‪ ،‬فقد كنا ننتظر أن ميثل عرض بيت‬
‫الصالة أكثر من هذه النساة باملقارنة مع العمق‪ .‬إال أن األبعاد تكاد تكون متوازية (أي شكل مربع) مثلما هو‬
‫حال جامع سيدي حمرز(]‪.)[20‬‬
‫تتكون بيت الصالة من تسع بالطات ـ أمهّها الاالطة الوسطى املواجهة للمحراب ـ وساع مسكاات‪،‬‬
‫أكثرها عرضاً املسكاة املوازية جلدار القالة‪ .‬وهكذا تكون مبعيّة الاالطة الوسطى التصميم املعروف حسب‬
‫شكل ‪ T‬الالتينية‪ .‬ويتكون السق ـ كما الحظنا ـ من أقاية متقاطعة تتسم باجلمال‪ .‬وهكذا تضفي على بيت‬
‫ترتدى فيها‪ .‬ذلك‪ ،‬إضافة إىل القاة ذات‬ ‫الصالة شيئاً من األناقة أنقذها من الرتابة اليت كان من املمكن أن ّ‬
‫عقود الزوايا اليت تعلو احملراب(]‪ .)[21‬بينما ال جيلب االنتااه يف واجهة احملراب‪ ،‬إال احملراب نفسه والزخرفة اجلصية‬
‫اليت تعلوه‪ .‬وكسي القسم األسفل جلوف احملراب الذي يتوسط هذه الواجهة باللوحات الرخامية‪ ،‬وزخرفت‬
‫الطاقية بنقوش جصية ذات تأثري أندلسي‪ ،‬كما يتكون العقد احلدوي الذي حييط بالقسم األعلى للمحراب من‬
‫مقعر‪ .‬ويستند هذا القسم على عضادتني حي ّد كالًّ منهما‬ ‫فقرات رخامية متناوبة‪ ،‬بيضاء وسوداء‪ ،‬وحييط به إفريز ّ‬
‫من الداخل عمود رخامي يعلوه تاج من الطراز احلفصي‪ .‬ومنط هذا احملراب جديد بالنساة إىل جوامع الاالد‪ ،‬فلم‬
‫يكس جوف احملراب بالرخام‪ ،‬ومل ينتهر هذا النمط إال مع دخول األتراك العثمانيني‪ .‬أما قاة احملراب‪ ،‬فهي‬
‫مرتكزة على أربعة عقود‪ ،‬مه ّكلة بذلك قاعدة مربعة للقاة اليت تتكون من ثالثة أقسام‪ .‬ويتم االنتقال من‬
‫املثمن الهكل عن طريق أربعة عقود زوايا حيتل كل منها إحدى زواياها‬ ‫القاعدة املربعة إىل الطابق األوسط ّ‬
‫األربع(]‪ .)[22‬وحيد احملراب شرقاً باب مقصورة األمام‪ ،‬وغرباَ املنرب‪ ،‬وهو منرب قار بين باحلجارة وكسي بلوحات‬
‫املرمر املتع ّددة األلوان(]‪ ،)[23‬وهو يذكرنا مبنابر جامع القصاة وجامع محودة باشا وجامع حممد باي املرادي واجلامع‬
‫اجلديد وجامع صاحب الطابع‪ .‬أما أمجل العناصر اليت حتتوي عليها بيت الصالة‪ ،‬فهي اخلتمة القرآنية اليت أثريت‬
‫يف واجهاهتا األربع بنقوش مجيلةوبنقيهة تثات حتايسها على اجلامع سنة مخس وأربعني وأل للهجرة (‪ 4017‬هـ‪/‬‬
‫‪ 4117‬م)‪.‬‬
‫من بني العناصر املعمارية اليت تلفت االنتااه املئذنة‪ ،‬وهي أوىل الصومعات املثمنة الهكل اليت مت بناؤها‬
‫بالاالد‪ ،‬إذ أن مجيع الصومعات اليت ساقتها زمنياً كانت يف أغلاها ذات منط موحدي‪ ،‬وهلا قاعدة مربعة‬
‫الهكل؛ كما أن جلامع محودة باشا املرادي واجلامع اجلديد وجامع صاحب الطابع مآذن هلا هي أيضاً النمط‬
‫نفسه‪.‬‬
‫اختل املؤرخون يف مصدر هذا النمط من املآذن‪ .‬فأغلاهم يرون أهنا من تأثري تركي‪ ،‬أو ينعتوهنا‬
‫بـ»ـالنمط احلنفي«‪ .‬ويرى الاعض اآلخر أهنا من تأثري أندلسي‪ .‬ويستدل األستاذ ميكال دي إيالزا ( ‪Mickel de‬‬

‫‪ )Epalza‬على ذلك بوجود صومعة بأملرية تتهابه نوعاً ما مع هذا النوع من الصومعات التونسية‪ .‬لكن املؤكد أن‬
‫املآذن املثمنة الهكل وجدت برتكيا ومبصر وباعض املناطق اليت كانت تابعة للسلطنة العثمانية‪ .‬وبالرغم من أن‬
‫املآذن املوجودة برتكيا أكثر رشاقة وطوالً من اليت جندها مبدينة تونس‪ ،‬فمن الواضح أن هذه متأثرة بطريقة غري‬
‫مااشرة بتلك‪ ،‬وهي رمبا تأثرت بصفة مااشرة بالصومعات املثمنة الهكل املوجودة باعض مناطق سوريا ولانان‪،‬‬
‫خاصة منها حبلب‪ .‬لكن نالحظ أن الفنان التونسي قد أضفى عليها شيئاً من شخصيته وتقاليده‪ ،‬مما أعطاها‬
‫بعداً مميزاً‪.‬‬
‫من بني العناصر األخرى اهلامة‪ :‬الرتبة‪ .‬فانطالقاً من هذه الفرتة العثمانية‪ ،‬أصاح كل مؤسس جلامع‬
‫خطاة مبدينة تونس يضي تربة إىل اجلامع‪ ،‬وهو ما حصل فعالً جبامع محودة باشا‪ ،‬وكذلك باجلامع اجلديد‬
‫وجبامع صاحب الطابع‪ .‬وقد حاول حممد باي املرادي إضافة تربة إىل جامعه؛ إال أنه تويف قال إجنازها‪ ،‬فدفن يف‬
‫تربة أبيه محودة باشا‪ .‬ومفهوم إضافة الرتبة إىل اجلامع مهرقي حبت ومل يعرف لدينا خالل العهد احلفصي إال يف‬
‫بعض املدارس (كمدرسة ابن تافراقني ومدرسة القائد نايل أبو قطاية)‪.‬‬
‫وقد الحظنا بعد أن املهندس الذي أشرف على بناء هذا املعلم أندلسي األصل‪ .‬إال أنه بالرغم من‬
‫ذلك‪ ،‬فإن التأثريات اليت سيطرت على منط هذا املاىن فيها امتزاج بني الفن واهلندسة املعمارية احمللية والعثمانية‪.‬‬
‫هلذا نستغرب من عدم حماولة هذا املهندس استعمال األمناط اهلندسية اليت تعودها باألندلس‪.‬‬
‫وهكذا احتوى هذا اجلامع بالرغم من بساطته على عناصر جديدة أدخلها معهم العثمانيون‪ ،‬كالصحن‬
‫الذي ميثل شكل ‪ U‬الالتينية‪ ،‬واملئذنة املثمنة الهكل‪ ،‬واملنرب القار واملكسو باملرمر‪ ،‬وكذلك الرتبة املضافة‬
‫للجامع‪ ،‬هذا إضافة إىل احملراب اخلارجي الواقع يف الصحن الهرقي‪ ،‬وهو قاسم مهرتك بني اخلمسة اجلوامع‬
‫املؤسسة خالل فرتة األتراك العثمانيني‪ .‬وهذه املعطيات تع ّد من األمهية مبكان‪ ،‬إذ تعرفنا عمارة الدايات األوائل‬
‫بتونس‪ ،‬والتطور احلاصل مع قدوم احلكام اجلدد للاالد‪.‬‬

‫جامع حمودة باشا‬


‫أما ثاين اجلوامع املؤسسة خالل هذه الفرتة‪ ،‬فعمارته تهابه يف أغلب النقاط اجلامع األول‪ .‬ويوجد هذا‬
‫اجلامع وسط األسواق احمليطة باجلامع األعظم‪ .‬ومن أهم أسااب اختيار موقعه هذا هو قربه من جامع الزيتونة؛‬
‫إذ ال يفصل بينهما إال بضعة أمتار‪ ،‬وهو ناتج عن إرادة احلكام اجلدد املتاّعني للمذهب احلنفي نهر مذهاهم‬
‫بني العامة‪ .‬وكانوا يعتربون أن احلل الوحيد لنهر احلنفية هو إنهاء جوامع ومدارس حتاّس على مذهاهم‪ .‬ومبا أن‬
‫الزيتونة مثلت على مر التاريخ معقل العلماء والهيوخ املالكية‪ ،‬فإن إنهاء جامع قريب منهم حياّس على املذهب‬
‫احلنفي كان يهكل يف نظرهم أهم الطرق لدعم وجودهم املذهيب وبالتايل السياسي‪.‬‬
‫من أهم ما ميكن إذن مالحظته هو تأثر مهندس هذا اجلامع بنمط جامع يوس داي‪ ،‬وهو ما تصفه‬
‫املراجع بالنمط الرتكي‪ .‬كما جتلب االنتااه بعض االختالفات اجلزئية بني مئذنة جامع محودة باشا وتلك اليت‬
‫ذكرناها يف جامع يوس داي‪ :‬فمنارة جامع محودة باشا أكثر رشاقة وطوالً من األخرى‪.‬‬
‫وبالرغم من احتواء هذا اجلامع على بعض العناصر اجلديدة اليت ال حظناها بعد يف جامع يوس داي‪،‬‬
‫ومن بينها خاصة الصحون الثالثة احمليطة بايت الصالة‪ ،‬واحملراب املكسو جوفه بلوحات املرمر وكذلك بروز‬
‫العناصر النااتية يف تزويق قاعدة أطر األبواب؛ كما أن للمنرب أيضاً طابع املنابر الراجعة للفرتة الرتكية‪ ،‬وكذلك‬
‫الرتبة املهاهبة لرتبة يوس داي ـ بالرغم من وجود هذه العناصر اجلديدة‪ ،‬فإن الطابع العام يدل على بقاء‬
‫التاثريات احمللية قائمة الذات‪ .‬فأطر األبواب والنوافذ اليت تفتح على بيت الصالة تذكرنا مبا يوجد يف أغلب معامل‬
‫املهعة واملتناوبة الايضاء والسوداء‪ ،‬وطايعة الاناء نفسه‪ ،‬وكذلك‬
‫مدينة تونس‪ ،‬خاصة منها الفقرات الرخامية ّ‬
‫السقوف املتمثلة يف أقاية متقاطعة‪ ،‬كل هذا دليل على أن التأثري الرتكي متثل يف بعض األجزاء فقط‪ ،‬بينما بقي‬
‫التأثري احمللّي (خاصة طابع بيت الصالة نفسه) موجوداً يف النمط العام للجامع ويف شكله وكذلك يف زخارفه‪.‬‬

‫جامع محمد باي المرادي‬


‫ثالث اجلوامع‪ ،‬ولعله أمهها على اإلطالق‪ .‬وبالرغم من إطالق العامة على هذا اجلامع اسم »جامع‬
‫بأي صلة إىل هذا الويل‪ .‬فقد أسسه حممد باي املرادي يف هناية القرن ‪ 45‬م‪،‬‬ ‫سيدي حمرز«‪ ،‬فهو ال ينتمي ّ‬
‫وأطلق عليه اسم »جامع سيدي حمرز« لوقوعه أمام زاوية الويل (]‪ .)[24‬وأمهية هذا اجلامع متأتية من أنه انفرد‬
‫بالنمط املتأثر باجلوامع الرتكية‪ ،‬وهو ما ال جنده إال يف عدد قليل جداً من اجلوامع بالاالد العربية‪ .‬وبالرغم من‬
‫هذا‪ ،‬فإن جامع حممد باي‪ ،‬يف شكله العام ويف نواحيه الفنية‪ ،‬خيتل يف العديد من النقاط عن اجلوامع الرتكية‬
‫عكس جامع حممد علي بقلعة صالح الدين املعترب اجلامع الوحيد يف الاالد العربية الذي يهكل نسخة مطابقة‬
‫لألصل جلوامع إسطناول‪ ،‬كجامع السليمانية وبايازيت وغريها‪ ،‬املتأثرة مااشرة بآيا صوفية‪ ،‬واليت أبدع يف‬
‫تصميمها املعماري سنان‪ .‬أما جامع حممد باي‪ ،‬فيادو أنه تأثر يف أغلب نواحيه املعمارية ويف هيكله اخلارجي‬
‫جبامع ياين فاليدي (‪.)Yeni Validé‬‬
‫امتاز هذا اجلامع عن غريه إذن باعض اخلاصيات‪ ،‬أمهها اعتماد السق املتكون من قااب متفاوتة‬
‫احلجم‪ ،‬على أربع دعامات ضخمة‪ .‬لذلك ال جند يف بيت الصالة األعمدة اليت اعتدنا وجودها يف كل املساجد‬
‫التونسية‪ ،‬فال حتتوي بيت الصالة هذه على الاالطات واملسكاات املعهودة‪.‬‬
‫تادو بيت الصالة من اخلارج على شكل هيكل مكعب تتدرج يف فضائه املساحات الكروية الهكل‪،‬‬
‫فتادو القاة الوسطى مرفوعة على رقاته تتخللها مثاين نوافذ وتعلوها طاقية ذات شكل نص كروي‪ ،‬يف حني أن‬
‫القاياات األقل ارتفاعاً ال تتخللها إال أربع نوافذ‪ ،‬وتنتهي كلها برمانة من ثالثة عناصر كروية يعلوها هالل‪.‬‬
‫أول ما جيلب نظر الداخل إىل بيت الصالة الفاحتة على األروقة اخلارجية بتسعة أبواب‪ ،‬الدعامات‬
‫األربع الضخمة احلاملة للسق واملتهاهبة تقريااً(]‪ .)[25‬وحتتل الدعامات مكاناً ممتازاً يف وسط القاعة الفسيحة‬
‫األرجاء‪ ،‬وجتمع بينهما عقود أربعة يف شكل نص دائرة تكون القاعدة املربعة اليت حتمل القاة الوسطى الرئيسة‪.‬‬
‫ويتم االنتقال من املربع إىل القسم األوسط بواسطة عنصر املثلثات الكروية‪ .‬أما بقية املساحة املسقوفة‪ ،‬فتحتوي‬
‫على أربعة أنصاف قااب‪ ،‬تساند القاة الرئيسة من جهاهتا األربع‪ ،‬يف حني أن قاياات أربع أخرى حتتل زوايا‬
‫القاعة‪ .‬وتستند كل من أنصاف القااب والقاياات إىل عقود معرتضة تنطلق من الدعامات الوسطى لرتتكز على‬
‫العضادات املتكئة على اجلدران‪.‬‬
‫تتقدم بيت الصالة أروقة تتمادى يف الزاويتني الهرقية والغربية مكونة سلسلة متواصلة من الاائكات‬
‫املرفوعة عن طريق أعمدة مرمرية تعلوها تيجان من الطراز الرتكي املتأثر بالنوع الكورنيت اجلديد (]‪ .)[26‬ويتأل‬
‫الرواق اجلنويب الغريب املساند جلدار القالة من ثالثة عقود‪ ،‬يف حني أن الرواق اجلنويب الهرقي يتكون من أربعة‬
‫عقود(]‪ .)[27‬أما الواجهة الهمالية‪ ،‬فتعترب أهم الواجهات الثالث‪ ،‬إذ تهتمل على رواق متكون من بائكة ذات‬
‫ساعة عقود‪ .‬واملالحظ أن املناطق العليا لكل األروقة قد كسيت بغهاء من حجارة اهلوارية الصفراء اللون‪ ،‬بينما‬
‫اختصت الزوايا بكسوة من حجارة الكذال الوردي اللون‪ ،‬والذي يعترب الرخام احمللي‪ ،‬واجمللوب من منطقتني قرياتني‬
‫من املدينة العتيقة‪ ،‬أوالها بضاحية محام األن والثانية بالوطن القالي وبالتحديد قريااً من القرية األندلسية‪:‬‬
‫سليمان‪.‬‬
‫أما املئذنة‪ ،‬فقد جرت العادة يف مثل هذه اجلوامع على أن تتحلى مبئذنة شديدة االرتفاع ومثمنة‬
‫األضالع‪ .‬غري أن هذا اجلامع مل يساعده احلظ على استكمال الصومعة؛ إذ أن املنارة احلالية املوجودة يف الركن‬
‫اجلنويب الهرقي واملهرفة على سوق سيدي حمرز مل تهيد خصيصاً للجامع اجلديد‪ ،‬بل هي من توابع املسجد‬
‫الصغري القدمي املعروف مبسجد الفالري(]‪ .)[28‬وهي صومعة مربعة الهكل صغرية القاعدة ال تتناسق من حيث‬
‫حجمها وشكلها مع منط اجلامع وفخامة اهليكل‪ .‬والساب يف فقدان صومعة تتماشى والنمط املعماري اخلاص‬
‫باجلامع هو موت حممد باي قال إمتام املئذنة‪ .‬مث تاعه أخوه رمضان باي الذي مات قال اكتمال الاناء‪ ،‬وقد‬
‫امتنع اخلل من إمتام الصومعة تهاؤماً مبصري السل ‪.‬‬
‫بالطاع‪ ،‬أثرى أقسام بيت الصالة هي واجهة جدار القالة‪ ،‬اليت تتأل من قسمات أفقية وقسمات‬
‫عمودية‪ .‬أما القسمات األفقية‪ ،‬فهي ثالث‪ :‬منطقة سفلى حتتوي على إطارات رخامية وألواح القهاين‪ ،‬مث‬
‫منطقة مغهاة بزخارف اجلص احملفور واليت تدعى لدينا بـ »النقهة احلديدة«‪ .‬وأخرياً ينتهي اجلدار بقسم خال‬
‫من الزخارف‪ ،‬وفوق ذلك جند القااب وأنصاف القااب(]‪ )[29‬تعلو بيت الصالة واليت كانت خالية من كل‬
‫زخارف على عكس ما هي عليه اآلن‪.‬‬
‫تتهكل الزخارف السفلية من عدة جمموعات عمودية يتوسطها احملراب املكسو متاماً باملرمر املتعدد‬
‫األلوان‪ ،‬والذي حتيط به من اجلاناني نوافذ تعلوها كسوة من القهاين (أو مربعات اخلزف) (]‪ )[30‬اجمللوب من‬
‫مدينة أزنيك(]‪ )[31‬واملتميز بنصاعة ألوانه وأناقة األشكال الزخرفية املستوحاة يف أغلاها من العناصر النااتية‬
‫الطايعية‪ ،‬وهو الطراز الطاغي من حيث االستعمال(]‪ .)[32‬ويف أطراف اجلدار يتمادى النظام نفسه مع استعمال‬
‫زخارف خزفية من الطراز األندلسي املتمثلة يف أطااق الفسيفساء اليت تتخذ أشكاالً هندسية واليت تسيطر عليها‬
‫األطااق النجمية الاسيطة الرتكيب‪.‬‬
‫واجلدير بالذكر أن جمموع الدعامات والعضادات قد رتات فيها ألواح من املرمر والقهاين والنقهة حديدة‬
‫حسب نظام مهابه للذي الحظناه خبصوص جدار القالة مع تداخل بعض العناصر املميزة‪ .‬أما بقية جدران‬
‫القاعة‪ ،‬فتتمادى يف زخرفتها املواد نفسها ونسب الرتتيب األفقي‪ ،‬مع نظام خاص عمودي يف املنطقة السفلى‪.‬‬
‫من بني أهم عناصر بيت الصالة املنرب املاين باحلجارة واملزوق باملرمر مثلما هو حال بعض اجلوامع‬
‫األخرى(]‪ .)[33‬أما تيجان األعمدة‪ ،‬فجلها من النوع املسمى بـ»ـالرتكي« (‪ 99‬تاجاً على ‪ )97‬وثالثة من الطراز‬
‫احلفصي‪ .‬كما نالحظ نوعاً ثالثاً يعرف باألندلسي(]‪ ،)[34‬وهو املستعمل يف عمودي احملراب واملنرب‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالنقش على اجلص‪ ،‬فقد استعمل يف هذا املعلم طراز أول‪ ،‬وهو من تأثري أندلسي يتسم‬
‫باستعمال العناصر اهلندسية املتمثلة خاصة يف أطااق النجوم‪ .‬أما الطراز الثاين‪ ،‬فهو من تأثري تركي‪ ،‬ويتمثل يف‬
‫ألواح يطغى عليها الهكل املنفرد (خاصة املزهريات والنجوم وكوز الصنوبر‪.)...‬‬

‫الجامع الجديد‬
‫أما رابع اجلوامع‪ ،‬فهو الذي أمر بانائه حسني بن علي تركي مؤسس الدولة احلسينية الذي توىل مقاليد‬
‫(]‪)[35‬‬
‫أسس هذا الااي ثالث مدارس خالل الفرتة األوىل حلكمه‪ ،‬وآخر‬‫احلكم سنة ‪ 4445‬هـ‪ 4507 /‬م ‪ّ .‬‬
‫مدرسة أجنزها الااي حسني متّ بناؤها سنة ‪ 4419‬هـ‪ 4595 /‬م‪ ،‬قال سنة فقط من اندالع احلرب األهلية‬
‫اليت انقسمت فيها الاالد بني حسينية وباشية(]‪.)[36‬‬
‫اجلامع اجلديد هو أول جامع شيّد يف الفرتة احلسينية(]‪ .)[37‬وباستثناء هذا اجلامع ال منلك مثاالً آخر‬
‫جلامع استعمل صحنه مدرسة‪ ،‬ألنه يف صورة بناء جامع ومدرسة يف املكان نفسه‪ :‬كجامع ومدرسة التوفيق مث‬
‫اجلامع اليوسفي واملدرسة‪ ،‬وكذلك جامع ومدرسة صاحب الطابع‪ .‬فإن كالًّ من املعلمني يكون مستقالً بذاته‪،‬‬
‫ورمبا نتج هذا االختيار عن ضيق املكان الذي ّمت استغالله‪ .‬وهو على كل حال تطور ملفهوم املدرسة‬
‫ولتخطيطها‪ ،‬فاملسجد الذي حتويه كل مدرسة كان ميثل املكان الذي استغله الطلاة والهيخ للتدريس والصالة‪،‬‬
‫وهنا من املمكن جداً إن اضطر هؤالء الستعمال بيت الصالة اجلامع‪.‬‬
‫تعلمنا املصادر أن األشغال انطلقت سنة ‪ 4411‬هـ‪ 4591 /‬م‪ ،‬وأن الااي حسني أزال ثالث مخارات‬
‫كانت توجد قرب مسجد املسدوري وبىن عوضها دوراً للسكىن‪ .‬أما بقية املساحة‪ ،‬فقد أجنز عليها اجلامع‬
‫واملدرسة وتربة أع ّدها لنفسه(]‪ )[38‬وكتّاباً‪ .‬وأول صالة أقيمت باجلامع كانت ظهر يوم األحد ‪ 41‬شعاان ‪4419‬‬
‫هـ‪ 41 /‬أفريل ‪ 4595‬م(]‪ .)[39‬ويفيدنا الصغري بن يوس أن الااي حسني أنفق أمواالً طائلة يف بناء اجلامع‬
‫واملدرسة‪ ،‬وأنه جلب أعمدة الرخام من إيطاليا‪ ،‬بينما أتى بالزليج من إسطناول‪.‬‬
‫مما يربهن على أمهية هذا املكان إحاطة العديد من املعامل الدينية واملدنية هبذه اجملموعة اليت توجد املدرسة‬
‫يف مشاهلا‪ .‬ويادو أن العثمانيني اهتموا هبذا احلي اهتماماً خاصاً منذ بداية القرن ‪ 11‬هـ‪ 17 /‬م‪ ،‬فقد بىن به الداي‬
‫عثمان قصره الراجع إىل حوايل سنة ‪ 4107‬م‪.‬‬
‫أول ما جيذب االنتااه باجلامع الصومعة املثمنة اليت تطل على الصحن الهرقي للجامع وعلى سوق‬
‫الصاّاغني من اخلارج‪ .‬وته ّد بيت الصالة اهتمام املصلني نتيجة لثرائها الفين والزخريف واملعماري‪ .‬وأول ما يلفت‬
‫االنتااه هو التصميم املتّسم بالطابع احمللي الذي تعودناه يف بيوت الصالة املنهأة خالل الفرتة احلفصية‪ ،‬واليت‬
‫استعملت أيضاً يف اجلوامع العثمانية مبدينة تونس كجامع يوس داي وجامع محودة باشا املرادي‪ ،‬واملختل‬
‫عن تصميم جامع حممد باي‪ ،‬وهو التخطيط املتمثل يف قاعة مستطيلة الهكل‪ ،‬عرضها أكثر من طوهلا‪ :‬فلها‬
‫يف هذا اجلامع من الطول ‪ 45.90‬م وهلا من العرض ‪ 49.90‬م‪ .‬هلذا‪ ،‬فإن مساحة بيت الصالة باجلامع‬
‫اجلديد متواضعة نساياً‪.‬‬
‫قسمت بيت الصالة باجلامع اجلديد إىل مخسة أروقة هلا األبعاد نفسها‪ ،‬وهو ما نالحظه أيضاً خبصوص‬ ‫ّ‬
‫املسكاات األربع املوازية جلدار القالة‪ .‬وهي ختتل يف هذه الناحية عن تصميم اجلامع األعظم وغريه من اجلوامع‬
‫اليت تتميز باالطة احملراب األعرض من بقية الاالطات؛ وقس على ذلك املسكاة املمتدة بطول جدار القالة‪،‬‬
‫واليت متثل أعرض املسكاات‪ ،‬مما مسح بتكوين التخطيط املتعارف عليه بهكل ‪ T‬الالتينية‪ ،‬وهو التصميم األكثر‬
‫انتهاراً بالاالد التونسية‪.‬‬
‫خيتل سق هذا اجلامع عن أغلب اجلوامع األخرى مبا فيها اجلوامع املؤسسة خالل القرن ‪ 11‬هـ‪ 17 /‬م‪.‬‬
‫فهو متكون يف كل من طرفيه األمين واأليسر من أقاية طولية‪ ،‬وتتوسطها بالرواق املواجه للمحراب أشكال مقاّاة‪.‬‬
‫وهي طريقة سيحصل اعتمادها فيما بعد يف جامع صاحب الطابع الذي أثريت فيه هذه األقاية الطولية بالنقوش‬
‫اجلصية‪ .‬محلت هذه األقاية الطولية باجلامع اجلديد عن طريق عقود متقاطعة تستند بدورها إىل جدارات تتكون‬
‫كل منها من حجارة متناوبة بيضاء وسوداء‪ ،‬وهي حممولة على أعمدة من الرخام األبيض املستورد من كرارة‪،‬‬
‫وهي املادة نفسها املستعملة يف تيجاهنا ذات النمط اخلليط الذي نالحظ وجوده يف صحن اجلامع‪ ،‬وهو حيتوي‬
‫على تأثريين متداخلني‪ :‬كورنيت من حيث عنصر األوراق‪ ،‬وايوين من حيث الهكل احللزوين‪ .‬وقد استمده‬
‫الرومان من هذين الطرازين‪ ،‬بينما لألربعة األعمدة احلاملة لقاة احملراب تيجان من النمط املعروف‬
‫كي« والذي جنده يف اجلوامع اليت يطلق عليها »اجلوامع احلنفية« لتأسيسها يف الفرتة العثمانية وحتايسها‬ ‫بـ»ـالرت ّ‬
‫على هذا املذهب‪ .‬وبعكس أغلب اجلوامع األخرى‪ ،‬ونتيجة لضيق املساحة‪ ،‬متت إضافة طابق علوي يف جزء‬
‫من أقسام اجلامع‪ ،‬إذ خال وسط بيت الصالة من هذا القسم املضاف‪ ،‬وهو مصنوع من اخلهب‪ ،‬ذلك ما‬
‫يسمح مبضاعفة طاقة استيعاب اجلامع‪ .‬ومل حتصل هذه اإلضافة إال خالل القرن الفارط‪ .‬فمن الواضح أن عدد‬
‫سكان احلي ازداد بصفة جعلت اجلامع يضيق باملصلني‪ ،‬وهو ما دفع إىل إضافة الس ّدة وهي نفسها املستعملة‬
‫من قال اخلوجات لتالوة القرآن‪.‬‬
‫يتسم إذن تصميم بيت الصالة هذه بتواصل األمناط املوجودة بالاالد منذ عصور اإلسالم األوىل‪ .‬غري‬
‫أن اإلطار العام خمتل عن أغلب هذه اجلوامع‪ ،‬خاصة فيما يتعلق باستعمال مربعات اخلزف الكاسية للنص‬
‫األسفل جلدار املعلم؛ وهو ما نالحظه أيضاً يف جامع صاحب الطابع‪ .‬وبالرغم من تهابه هذه املربعات مع‬
‫تلك اليت ال حظناها بعد يف جامع سيدي حمرز‪ ،‬فإهنا ختتل عنها يف أشكاهلا‪ ،‬وهي تتسم يف اجلامع اجلديد‬
‫بوجود العديد من أمناط املربعات اخلزفية‪ ،‬وهي اليت اشتهرت هبا جوامع مدينة إسطناول كجامع األمحدية وجامع‬
‫السليمانية وبايزيت‪ ،‬إخل‪.‬‬
‫وإن كان النص األسفل للجدران مكسواً مبربعات اخلزف‪ ،‬فإن النص األعلى مكسو بالنقوش‬
‫اجلصية‪ ،‬وهي أيضاً متأثرة بالنمط الرتكي‪.‬‬
‫وبالرغم من ثراء مجيع جدران اجلامع بهىت أنواع املربعات اخلزفية والنقوش اجلصية‪ ،‬فإن واجهة جدار‬
‫القالة تلفت االنتااه بصفة خاصة‪ .‬فأول العناصر هو املنرب القار املاين باحلجارة‪ ،‬وهو يتهابه يف منطه مع اخلمسة‬
‫املنابر األخرى املوجودة باجلوامع احلنفية‪.‬‬
‫أما احملراب‪ ،‬فال خيتل يف منطه عن بقية احملاريب املوجودة انطالقاً من القرن ‪ 44‬هـ‪ 45 /‬م‪ ،‬واليت‬
‫تواصل العمل هبا إىل اليوم‪ .‬فالنص األسفل هلذا احملراب مكسو بساع لوحات رخامية‪ ،‬متناوبة سوداء وبيضاء‪.‬‬
‫خرمت طاقية احملراب بالنقوش اجلصية‬
‫ويعلو كل لوحة شكل معقود على هيأة حمراب‪ .‬كما ّ‬
‫املتمثلة يف أشكال هندسية متداخلة‪ ،‬تتوسط كالًّ منها أشكال عديدة متأثرة يف مجلتها بالفن الرتكي‪.‬‬
‫آخر العناصر اهلامة بايت الصالة هو قاة احملراب احملمولة على أربعة أعمدة ذات تاج عمود »تركي«‪ ،‬وهي‬
‫اليت ال ختتل يف شكلها أو يف مضموهنا عن أغلب القااب اليت الحظناها يف بيوت الصالة باملساجد ومساجد‬
‫املدارس وبعض األضرحة(]‪.)[40‬‬
‫لكن مقارنة مع ختمة جامع الزيتونة أو جامع يوس داي‪ ،‬فإن اخلتمة القرآنية املوجودة هبذا اجلامع تع ّد‬
‫بسيطة يف شكلها ومكوناهتا‪.‬‬

‫جامع صاحب الطابع‬


‫أسست خالل‬ ‫آخر جامع هو جامع صاحب الطابع الذي يعد آخر املنهآت الدينية العظمى اليت ّ‬
‫الفرتة العثمانية مبدينة تونس‪ .‬فهو سابع اجلوامع احلنفية وآخرها زمناً‪ .‬وإن كانت اجلوامع األخرى اليت ذكرناها‬
‫بعد قد أسست من قال دايات وبايات‪ ،‬فمؤسس هذا اجلامع‪ ،‬الوزير يوس صاحب الطابع ال ينقص عن‬
‫هؤالء يف األمهية؛ إذ ّأدى دوراً هاماً جداً يف حياة الاالد كاد يضاهي به دور الاايات أنفسهم(]‪ .)[41‬فقد بلغ‬
‫أعلى املناصب وأصاح الساعد األمين حلمودة باشا‪ ،‬باي اإليالة التونسية‪ ،‬حىت وصل به األمر إىل أن أوكلت إليه‬
‫كل األمور‪ .‬وكان هذا الوزير يعد أثرى شخص يف الدولة‪ ،‬وتأتّت ثروته خاصة من التجارة مع الاالد األوروبية‪،‬‬
‫وكذلك من استعمال سفنه العديدة يف القرصنة؛ كما ّأدى هذا الوزير دور الانوك‪ ،‬إذ كان يقرض الكثري من‬
‫يكون ثروة طائلة وازت جااية الدولة آنذاك(]‪.)[42‬‬
‫وجهاء اململكة مع فائدة طائلة‪ .‬كل هذا مسح له بأن ّ‬
‫كان االبتداء يف بناء اجلامع يوم األحد أول حمرم ‪ 4991‬هـ‪ 4505 /‬م‪ ،‬وأقيمت أول صالة يف اجلامع‬
‫يوم اجلمعة ‪ 49‬ربيع األول ‪ 4999‬هـ‪ 1 /‬مارس ‪ 4541‬م‪ .‬وهي تعترب من أحسن الفرتات احلسينية ـ وبىن‬
‫صاحب الطابع مع اجلامع مدرسته املههورة بامسه‪ .‬ويوجد اجلامع بقرب من منزل املؤسس‪ ،‬كما بىن عدة‬
‫احلي نفسه(]‪ .)[43‬وتوجد مشايل اجلامع واملدرسة الزاوية الاكرية‪ ،‬وغربيها زاوية سيدي شيحة‪،‬‬‫منجزات أخرى يف ّ‬
‫وجنوبيها زاوية وسايل سيدي عاد السالم(]‪ .)[44‬وهو دليل على أمهية املوقع‪.‬‬
‫باشر بناء اجلامع وملحقاته(]‪ )[45‬املهندس احلاج ساسي بن فرجية(]‪ .)[46‬ومن املؤكد أن بعض األسرى‬
‫األوروبيني سامهوا يف الاناء‪ .‬فيفيدنا حممد بن اخلوجة »بوجود أسارى كثريين بدهاليز أبراج غار امللح ومعامل‬
‫ترسخاته حلق الوادي وسجون تونس« (]‪ .)[47‬هلذا أذن الااي محودة باشا جبعل ساعة وعهرين أسرياً من أصيلي‬
‫(]‪)[48‬‬
‫اجلص والزخرفة‬
‫ّ‬ ‫على‬ ‫النقش‬ ‫أما‬ ‫‪.‬‬‫الاناء‬ ‫يف‬ ‫الستخدامهم‬ ‫يره‬
‫ز‬ ‫و‬ ‫تصرف‬ ‫يف‬ ‫مدينة نابويل الواقعة جنويب إيطاليا‬
‫وغريها من األعمال الفنية‪ ،‬فقد قام هبا تونسيون(]‪.)[49‬‬
‫تذكر بعض املصادر أنه أتى بالرخام املستعمل يف أطر األبواب والنوافذ ويف صنع األعمدة وتيجاهنا ويف‬
‫تاليط األرضية من جنوب إيطاليا (حسب حممد بن اخلوجة) (]‪ .)[50‬أما ابن أيب الضياف‪ ،‬فيذكر أن أبا حممد‬
‫حسني املورايل‪» :‬وكان من رؤساء شقوف يوس (صاحب الطابع)‪ ،‬أنه خصه بنقل الرخام جلامعه من‬
‫(]‪)[51‬‬
‫كرارة‪ .‬فقد كانت اإليالة التونسية قد اشرتت مقاطع رخام‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫ارد‬
‫و‬ ‫الرخام‬ ‫أن‬ ‫اضح‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫أنه‬ ‫إال‬ ‫‪.‬‬ ‫القرنة«‬
‫هبا‪ ،‬واعتمدت عليها يف جل ما بين انطالقاً من القرن ‪ 49‬هـ‪ 45 /‬م والقرن ‪ 41‬هـ‪ 49 /‬م‪ .‬وقد جازى الوزير‬
‫هذا القاطان بأن ملّكه السفينة جبميع مدافعها وما يوجد عليها من آالت‪ .‬ويادو أن حسونة املورايل نفسه هو‬
‫الذي تربع برخام قرب يوس صاحب الطابع‪ .‬كما احتفظ هذا األخري بكمية هامة من الرخام واآلجر ومربعات‬
‫اخلزف وآالت الردم يف خمازنه‪» :‬ما ياين جامعاً آخر«(]‪ ،)[52‬إال أهنا سرقت كلها بعد موته‪.‬‬
‫لكن حسنات صاحب الطابع مل متنعه من أن ميوت مقتوالً‪ .‬فاعد موت محودة باشا‪ ،‬اغتنم الفرصة‬
‫يتم صومعة جامعه سنة‬ ‫أعداء الوزير وعلى رأسهم الوزير أبو عاد اهلل حممد زروق‪ ،‬ففتكوا به‪ ،‬وذلك قال أن ّ‬
‫‪ 4910‬هـ‪ 4541 /‬م‪ ،‬ومل يقدم أحد بعد املؤسس على إمتامها‪ ،‬ومل تكمل هنائياً إال منذ حوايل ربع قرن‪ .‬ودفن‬
‫املؤسس برتبته يف اجلامع الذي تعلوه قاّة بديعة الصنع تذكرنا يف منطها بقاّة الرتبة الااشية‪ ،‬خاصة يف شكلها ويف‬
‫حجمها ويف طريقة إثرائها بالنقهة حديدة‪.‬‬
‫يتم الصعود إىل اجلامع عن طريق مدرج أول رئيس يفتح على ساحة احللفاوين‪ ،‬وعن طريق مدرج خلفي‬
‫يذكرنا يف منطه باملدرج اخللفي جلامع محودة باشا‪ .‬هذا‪ ،‬إضافة إىل مدرج ثالث قريااً من مدخل زاوية سيدي‬
‫شيحة‪ ،‬يهاه يف منطه مداخل زاوية سيدي عاد القادر وزاوية سيدي قاسم اجلليزي وكذلك دار لصرم‪.)[53]( ...‬‬
‫ال خيتل اجلامع يف تصميمه ويف عناصره املعمارية عن بقية اجلوامع املؤسسة خالل الفرتة اليت تلت‬
‫انتصاب األتراك العثمانيني بالاالد‪ .‬فللصحن شكل ‪ U‬الالتينية‪ ،‬وهو حييط بايت الصالة من ثالث جهات‪:‬‬
‫األقسام الهرقية والهمالية والغربية‪ ،‬كما تظل بيت الصالة هذه ثالثة أروقة أمهها على اإلطالق ذلك الذي‬
‫يوجد يف الناحية الهمالية للصحن؛ وهو متكون من بائكة ذات تسعة عقود هلا شكل حدوي‪ ،‬وهي حممولة‬
‫جمزعة‪ .‬أما التيجان‪ ،‬فهي من النمط الرتكي الذي انتهر آنذاك‪ .‬غري أن الصدفة احمللية للقسم‬ ‫عن طريق أعمدة ّ‬
‫األسفل للتاج تعترب من العناصر اجلديدة بالنساة إىل تيجان األعمدة بصفة عامة‪ ،‬كما تعلوها زئاقة طويلة تنتهي‬
‫يف األعلى هبالل‪ .‬وإن كان اهلالل من العناصر اليت نعثر عليها يف الكثري من تيجان تلك الفرتة‪ ،‬فإن الزئاقة تعترب‬
‫من العناصر املضافة واملتميِّزة على تيجان هذا اجلامع‪ .‬كما أن زرقة األقنثة اليت تنحدر انطالقاً من الهكل‬
‫احللزوين املوجود يف كل من الزوايا األربع للتاج‪ ،‬هلا شكل قلّما نعثر عليه يف تيجان األعمدة األخرى‪.‬‬
‫نالحظ يف قصر دار حسني أن يوس صاحب الطابع هو الذي أضاف فيه القسم الثاين للطابق‬
‫العلوي مبا فيها الصدفات الاحرية اليت تعلو النوافذ احمليطة هبذا الصحن‪ ،‬وجند يف اجلامع النمط نفسه الذي مييِّز‬
‫هذه الصدفات اليت تعلو هي أيضاً النوافذ واألبواب املنفتحة على بيت الصالة واملظلِّلَة لألروقة‪ .‬لكن تلك اليت‬
‫توجد باجلامع تعترب أثرى وأمجل من املوجودة بدار حسني؛ فقد زخرفت من الداخل بأشكال تضفي عليها مجاالً‬
‫فتاناً‪.‬‬
‫كما أن املئذنة هي من النمط نفسه الذي منه املنارات األخرى اليت نالحظها يف جوامع يوس داي‬
‫ومحودة باشا واجلامع اجلديد‪ ،‬لكن ميكن اعتاار مئذنة صاحب الطابع أكثر رشاقة وأناقة وارتفاعاً من‬
‫األخريات‪ .‬ويف املكان نفسه الذي أشرنا إليه يف جامع حممد باي املرادي وجامع محودة باشا واجلامع اجلديد‪،‬‬
‫جند أيضاً حمراباً خارجياً جبامع صاحب الطابع‪ ،‬أي يف الصحن الهرقي‪ ،‬وهو يهاه يف منطه ويف زخارفه احملاريب‬
‫الراجعة إىل النص الثاين للقرن الثاين عهر اهلجري‪ /‬الثامن عهر امليالدي وبداية القرن الثالث عهر اهلجري‪/‬‬
‫مكسواً بلوحات من اخلزف ذات التأثري املغريب‪ ،‬فقد حلّيت‬ ‫ّ‬ ‫التاسع عهر امليالدي‪ .‬فإن كان القسم األسفل‬
‫مقسمة إىل مخسة أجزاء متأثرة بالنمط األندلسي والرتكي على حد سواء‪.‬‬ ‫الطاقية بنقوش جصيّة ّ‬
‫أما بيت الصالة نفسها فهي تتكون من ساع مسكاات هلا كلها األبعاد نفسها‪ .‬وهي منفصلة بعضها‬
‫عن بعض عن طريق أروقة يالغ عددها تسعة‪ ،‬هلا هي أيضاً األبعاد نفسها‪ .‬وميتاز جامع صاحب الطابع بسقفه‬
‫املتكون من أقاية طولية يالغ عددها ساعة‪ ،‬هلا اجتاه شرق ـ غرب وحي ّدها مينة ويسرة قاوان طوليان آخران لكل‬
‫جصية بديعة‪ .‬إال أننا نالحظ اختالفاً يف أمناط الزخارف‬‫منهما اجتاه مشال ـ جنوب‪ ،‬وهي كلها مزخرفة بنقوش ّ‬
‫بني القاو واآلخر‪ ،‬ومتثل يف جمملها تأثريات تركية؛ وهي تتكون من مزهريات وغصون وأوراق وزهور‪ ،‬مث جند يف‬
‫الاعض اآلخر أطااق جنوم صغرية تتوسط مربعات متكونة من أشكال هندسية‪ ،‬إخل‪ .‬مما يضفي على هذه‬
‫السقوف الكثري من اجلمال والاهجة‪ ،‬وهي تذكرنا يف شكلها ويف منط نقوشها بقاو طويل موجود بإحدى‬
‫قاعات تربة الاايات‪ ،‬فهي ترجع هي أيضاً إىل بداية القرن املاضي‪ .‬وإضافة إىل القااب الساع‪ ،‬توجد أربع منها‬
‫بزوايا بيت الصالة‪ ،‬وتتهابه كل اثنتني يف زخارفها‪ .‬إذ توجد بالناحية اجلنوبية (شرق احملراب وغربه) قاّتان هلما‬
‫جصية‪.‬‬ ‫الهكل نفسه‪ .‬فقاعدة كل قاّة مربعة الهكل‪ ،‬وهلا يف زواياها األربع عقد زاوية حملّى هو أيضاً بنقوش ّ‬
‫ويتم االنتقال إىل الطاقية عن طريق رقاة مستديرة الهكل‪ .‬أما القسم األخري لكل من هذين القاتني‪ ،‬فقد حلّي‬
‫يف وسطه عن طريق جنمة تنطلق حنو أطااق جنمية ذات تأثري تركي‪ ،‬وإن كان للقاّتني األخريني املوجودتني‬
‫بالزاوية الهمالية الهرقية والهمالية الغربية شكل القاتني األوليني نفسه‪ ،‬فتختل زخارف طاقيتهما عن القاّتني‬
‫مثمنة تتفرع عنها مثانية ضلوع‪ ،‬تتوسط كالًّ منها مزهرية‪ .‬كما توجد قاّة خامسة تواجه‬ ‫األخريني‪ .‬فلهذه جنمة ّ‬
‫قاّة احملراب من الناحية الهمالية‪ ،‬وهي تعلو الااب األوسط الذي يفتح على بيت الصالة من ناحيتها الهمالية‪.‬‬
‫وبالطاع‪ ،‬فإن وجود أربع قااب بزوايا بيت الصالة‪ ،‬إضافة إىل قاّة احملراب وقاتني أخريني‪ ،‬يهكل منطاً فريداً من‬
‫نوعه مبدينة تونس‪.‬‬
‫اجملزعة والتيجان اليت تعلوها‪ ،‬فلها الهكل نفسه الذي الحظناه خبصوص األعمدة احلاملة‬ ‫أما األعمدة ّ‬
‫لألروقة اخلارجية‪ .‬كما أن العقود هلا شكل عقود بائكات الصحن نفسه‪ ،‬وهي تهابه يف منطها األعمدة‬
‫املوجودة بدار الاارون درلنجي وكذلك أعمدة دار باش حاماة‪...‬‬
‫يظهر ثراء اجلامع بارزاً للعيان يف الواجهات الداخلية لايت الصالة اليت كسيت بلوحات الرخام املستورد‬
‫من كرارة واليت تعلوها مربعات اخلزف‪ ،‬وينتهي اجلدار يف قسمه األعلى بنقوش جصيّة بديعة الصنع‪ .‬أما جدار‬
‫القالة‪ ،‬فيتوسطه احملراب‪ ،‬وهو يعترب تطوراً بالنساة إىل حماريب اجلوامع األخرى الراجعة إىل القرن ‪ 11‬هـ‪ 17 /‬م‬
‫و‪ 12‬هـ‪ 18/‬م‪ .‬فجوف احملراب مكسو بلوحات رخام تذكرنا بتلك اليت جندها يف تربة الاايات وكذلك بدار‬
‫الاارون درلنجي وبقصر باردو‪ ...‬وهو الرخام نفسه الذي كسيت به طاقية احملراب(]‪ ،)[54‬كما يستند العقد‬
‫احلدوي للمحراب على عمودين جمزعني هلما لون أسود‪.‬‬
‫تعترب قاّة احملراب هي أيضاً فريدة من نوعها‪ ،‬إذ كسيت كل أقسامها السفلى انطالقاً من املربع‪ ،‬مث الرقاة‬
‫مثمناً‪ ،‬بلوحات من املرمر حي ّد كل واحدة منها إفريز من الرخام األسود‪ .‬أما الطاقية‪،‬‬ ‫اليت تتلوه واليت تتخذ شكالً ّ‬
‫املخرمة اليت تذ ّكر خبلية النحل‪ ،‬وهو منط نادر ليس يف تونس‬ ‫فكسيت بعهرة صفوف أفقية من النقوش اجلصيّة ّ‬
‫فقط‪ ،‬بل خارجها أيضاً‪.‬‬
‫كما أن املنرب يهاه يف منطه بقية املنابر اليت الحظناها يف اجلوامع املؤسسة خالل القرنني احلادي عهر‬
‫اهلجري‪ /‬السابع عهر امليالدي والثاين عهر اهلجري‪ /‬الثامن عهر امليالدي‪ .‬لكن الصانع تفنّن هنا يف تزويقه‬
‫بالرخام‪ ،‬مما جعل منه أمجل املنابر القارة واملانية بالاالد التونسية‪.‬‬
‫للجامع إذن طابع خاص به‪ .‬وهو من أكثر اجلوامع تأثراً بالنمط الرتكي‪ .‬فاالرغم من وجود العناصر‬
‫املستوحاة من الطابع اإليطايل واحمللي‪ ،‬فإن الهكل العام يربهن على أن الفن والعمارة الرتكية كان هلما حضور‬
‫متميز يف بداية القرن املاضي‪.‬‬
‫هكذا نرى أن احلضور العثماين يف اخلمسة اجلوامع هذه كان متميزاً‪ .‬فاالرغم من مواصلة اعتماد األمناط‬
‫احمللية يف بعض عناصرها‪ ،‬اجته الاناة واملؤسسون إىل األخذ عن الفن والعمارة الرتكية بالرغم من تساؤالت العديد‬
‫من املؤرخني واملستهرقني عن إمكان تأكيد وجود فن ومعمار عثماين بالاالد التونسية ومبدينة تونس بالذات؛‬
‫كما أن بعضهم حاول التقليل من شأن هذا احلضور أو مسحه متاماً‪ .‬لكن جامع حممد باي املرادي‪ ،‬وكذلك‬
‫تربة الااي يفنّدان هذه اآلراء؛ كما أن اجلوامع األخرى تعترب دليالً قاطعاً على احلضور العثماين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ وبالذات عنصر ّ‬
‫الصحن ذي النمط اجلديد الذي حييط بايت الصالة من ثالث جهات (الهرق‬
‫عوض الصحن املستطيل الهكل‪.‬‬
‫والغرب والهمال) والذي ّ‬
‫‪ 2‬ـ املنرب املاين واملثرى بلوحات املرمر‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ احملراب املغهى باملرمر‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ظهور تيجان أعمدة جديدة يف بداية الفرتة العثمانية‪ ،‬واليت ليس هلا أي عالقة بالتأثريات الرتكية‪.‬‬
‫لكن نتيجة لظهورها خالل تلك الفرتة‪ ،‬أصاح يطلق عليها‪» :‬تاج العمود الرتكي«‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وجود حمراب بالصحن الهرقي لكل جامع‪ ،‬وهو ما ال جنده قال وصول األتراك العثمانيني‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ من بني أهم العناصر اجلديدة‪ ،‬املئذنة املثمنة الهكل‪ .‬فهذا النمط من املآذن أدخله يوس داي‪،‬‬
‫وتاناه فيما بعد الدايات املراديّون والاايات احلسينيّون‪ .‬أما الصومعة املوحدية الهكل‪ ،‬فاستغين عنها لفائدة املآذن‬
‫اجلديدة‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ تربة املؤسس اليت انطلقت مع جامع يوس داي‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ بعض هذه اجلوامع ـ خاصة منها اجلامع األول (يوس داي) واألخري‪ ،‬جامع صاحب الطابع ـ حصل‬
‫مبجمع اجتماعي واقتصادي وثقايف‪.‬‬
‫إحلاقها ّ‬
‫تلك بعض مناذج التأثريات العثمانية مبدينة تونس‪ ،‬إال أهنا ال متثل إال قسماً من هذا احلضور الثري الذي‬
‫نهاهده يف العديد من املعامل األخرى‪ ،‬خاصة منها الرتب والقصور وغريها‪ .‬غري أن هذه اجلوامع اخلمسة‬
‫حافظت على معمارها وعلى عناصرها األوىل‪ ،‬بينما فقدت جل املعامل األخرى الراجعة إىل الفرتة نفسها‪،‬‬
‫وخاصة منها القصور والدور الفخمة واملقامات‪ ،‬طابعها األول والعديد من عناصرها املميزة‪ .‬وهذا‪ ،‬نتيجة لعدة‬
‫عوامل‪ ،‬من بينها على اخلصوص تقسيمها وجتزئتها أو إعادة بنائها‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫أولا‪ :‬بالعربية‪:‬‬
‫املصادر املخطوطة‬

‫ابن يوس ‪ ،‬حممد الصغري‪ ،‬تاريخ المشرع الملكي في سلطنة أولد علي تركي‪ ،‬خمطوط باملكتاة الوطنية‬
‫بتونس‪ ،‬عدد ‪.45155‬‬
‫برناز‪ ،‬أمحد‪ ،‬الشهب المخرقة لمن ادعى الجتهاد لول انقطاعه من أهل المخرقة‪ ،‬خمطوط باملكتاة‬
‫الوطنية‪ ،‬رقم ‪.45495‬‬
‫سعادة‪ ،‬أبو عاد اهلل‪ ،‬قرة العين بنشر فضائل آل حسين‪ ،‬خمطوط باملكتاة الوطنية بتونس‪ ،‬رقم‬
‫‪.94510‬‬

‫المصادر المطبوعة‬

‫ابن أيب دينار‪ ،‬أبو عاد اهلل‪ ،‬المونس في أخبار إفريقيا وتونس‪ ،‬حتقيق وتعليق حممد مشّام‪ ،‬املكتاة العتيقة‪،‬‬
‫تونس‪.4915 ،‬‬
‫ابن أيب الضياف‪ ،‬أمحد‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬نهر وزارة الثقافة‪5 ،‬‬
‫جملدات‪ ،‬تونس‪ 4911 ،‬ـ ‪.4911‬‬
‫ابن عاد العزيز‪ ،‬محودة‪ ،‬الكتاب الباشي‪ ،‬حتقيق حممد ماظور‪ ،‬تونس‪.4950 ،‬‬
‫خوجة‪ ،‬حسني‪ ،‬ذيل بشائر اإليمان بفتوحات آل عثمان‪ ،‬حتقيق وتقدمي الطاهر املعموري‪ ،‬الدار العربية‬
‫للكتاب‪ ،‬تونس‪.4957 ،‬‬
‫السراج‪ ،‬أبو عاد اهلل حممد‪ ،‬الحلل السندسية في األخبار التونسية‪ ،‬حتقيق حممد احلايب اهليلة‪ ،‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ 4950 ،‬ـ ‪.4957‬‬
‫املسعودي‪ ،‬الااجي‪ ،‬الخالصة النقية في عمارة أفريقية‪ ،‬تونس‪ 4191 ،‬هـ‪.‬‬
‫المراجع‬

.4919 ،‫ تونس‬،‫ تاريخ معالم التوحيد في القديم والجديد‬،‫ حممد‬،‫ابن اخلوجة‬


،‫ مجلة أفريقية‬،«‫داي ّأول املعامل العثمانية بالاالد التونسية‬ ‫ »جامع يوس‬،‫ حممد باجي‬،‫ابن مامي‬
.4995 ‫ عدد‬،‫تونس‬
.4977 ،‫ تونس‬،‫ األثار الحسينية بالقطر التونسي‬،‫ سليمان مصطفى‬،‫زبيس‬
.4915 ،‫ تونس‬،‫ بيوت آذن اهلل أن ترفع‬، ‫ـ‬ ‫ـ‬
.4919 ،‫ بريوت‬،‫ األتراك العثمانيون في أفريقيا الشمالية‬،‫ عزيز‬،‫سامح‬

:‫ بالفرنسية‬:‫ثانيا‬

Abdelwahab (Hassn Hosni), « Coup d’œil général sur les apports ethniques étrangers en Tunisie », in Rev. Tun.,
XXIV, 1917.
Gabriel (A), Monuments Turcs d’Anatolie, Paris, 1931, p. 34.
Golvin (Lucien), Essai sur l’architecture religieuse musulmane, Paris, 1970.
- - , La Mosquée, ses origines, sa morphologie, ses diverses fonctions,
Alger, 1960.
Latham (J. K), « Contribution à l’étude de l’émigration andalouse et se place dans l’histoire de la Tunisie » ,
dans Etudes sur les Moriscos andalous en Tunis, Madrid-Tunis, 1983.
Lezine (Alexandre), Deux villes d’Ifriqiya, Paris, 1971.
Marçais (Georges), « L’Architecture musulmane d’Occident (AMO) », Arts et métiers graphiques, Paris, 1955.
- - , Manuel d’art musulman, 2 Tomes, Paris, 1926-1927.
Revault (Jacques), « L’habitation Tunisoise », Pierre, marbre et fer dans la construction et le décor , C.N.R.S,
Paris, 1978.
Raymond (André), Grandes villes arabes à l’époque ottomane, Paris, 1985.

H. H. Abdelwahab, « Coup d’oeil général sur les apports ethniques :‫انظر‬ )[1](
étrangers en Tunisie », in Rev. Tun. XXIV, 1917, pp. 305-316 et 371-379.
‫ م وحاّس كل منهما على املذهب‬16 /‫ هـ‬9 ‫ كما مت ترميم جامع القصاة وجامع القصر وذلك يف أواخر القرن‬،‫وهو ما حصل للمدرسة الهماعية واملدرسة العنقية‬ )[2](
.‫احلنفي‬
.L. Golvin, Essai sur l’architecture religieuse musulmane, p. 59 :‫انظر‬ )[3](
.91 .‫ ص‬،9 ‫ ج‬،4911 ،‫ تونس‬،‫ إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‬،‫أمحد بن أيب الضياف‬ )[4](
.405 .‫ ص‬،41 ‫ عدد‬،4995 ،‫ تونس‬،‫ مجلة إفريقية‬،«‫ »جامع يوس داي ّأول املعامل العثمانية بالاالد التونسية‬،‫الااجي بن مامي‬ )[5](
‫وحرف مصطلح الاهمق من الكلمة‬
‫الاهامقية‪ :‬هم صنعة الاهمق‪ ،‬وهو احلذاء الذي يلاسه الفقهاء ورجال الدين‪ ،‬كما لاست النسوة هذا النوع من األحذية‪ّ ،‬‬ ‫(]‪)[6‬‬
‫الرتكية »الاهماق« اليت ورد مفهومها يف كتاب حممد بن اخلوجة‪ :‬معالم التوحيد‪ ،‬ص‪.455 .‬‬
‫حسني خوجة‪ ،‬ذيل بشائر اإليمان بفتوحات آل عثمان‪ ،‬ص‪.99 .‬‬ ‫(]‪)[7‬‬
‫انظر‪H. H. Abdelwahab, « Coup d’œil général sur les apports ethniques étrangers en Tunisien », :‬‬ ‫(]‪)[8‬‬
‫‪dans Etudes sur les Moriscos Andalous en Tunisie, p. 16; et J. D. Latham, Contribution à l’étude de‬‬
‫‪l’emigration andalouse et sa place dans l’histoire de la Tunisie, p. 21.‬‬
‫مر العصور‪ ،‬لكننا نالحظ أن النقائش املوجودة يف اجلوامع الراجعة للفرتة‬
‫يعترب اجلامع األعظم بتونس أثرى املعامل الدينية من حيث وجود نقائش متدنا بتاريخ املعلم على ّ‬ ‫(]‪)[9‬‬
‫تعرفنا باألطوار اليت مرت هبا كل من هذه اجلوامع‪.‬‬
‫العثمانية ليست بالعديدة وال ميكن أن ّ‬
‫يستفاد من وقفية املؤسس أن اجلامع كان يف الاداية مسجداً للخمس‪ ،‬مث حوله مؤسسه جامعاً للخطاة يف سنة ‪ 4014‬هـ‪ 4114 /‬م ورتب به إماماً وراوياً لـ"صحيح‬ ‫(]‪)[10‬‬
‫البخاري"‪ ،‬ورتّب فيه مخسة مؤذنني من أبناء األتراك واثين عهر من أهل الاالد‪ .‬وهذا حسب وثيقة حاس اجلامع املوجودة بأرشي الدولة‪( .‬كارتون "د")‪.‬‬
‫هلذا املهندس أمهية بالغة يف حركة الاناء والتعمري خالل النص األول من القرن ‪ 11‬هـ‪ 17 /‬م‪ ،‬ولدينا نقيهة باجلامع األعظم (جامع الزيتونة) تدل على قيامه بأعمال‬ ‫(]‪)[11‬‬
‫هبذا اجلامع؛ كما أنه أشرف على بناء املدرسة املوجودة مبقام السيد الصاحب بالقريوان‪.‬‬
‫أدجمت هذه املدرسة خالل عهد الصادق باي يف املستهفى الصادقي‪ ،‬وذلك يف سنة ‪ 4994‬هـ‪ 4551 /‬م‪ ،‬لكن ما زال هذا القسم على التصميم نفسه الذي كان‬ ‫(]‪)[12‬‬
‫عليه من قال‪.‬‬
‫جيب أن يربط إنهاء املقاهي يف ذلك العصر باملسائل التابعة للعاادات‪ ،‬وبطرق التصوف والذكر اليت كانت منتهرة بكثرة يف القرن ‪ 11‬هـ‪ 17 /‬م‪ .‬حول هذا املوضوع‬ ‫(]‪)[13‬‬
‫ميكن الرجول إىل مقال‪:‬‬
‫‪« Kahwa », in Encyclopédie de l’Islam, T. IV, pp. 469-475.‬‬
‫فغري (الااي) رمسها وجعلت لتالوة كتاب‬
‫وهي كانت تدعى أيضاً مدرسة التوبة‪ .‬ويفسر ذلك ابن أيب دينار بأهنا كانت »مسكناً للجند قال بنائها‪ ،‬ويقع فيها الفجور‪ّ ،‬‬ ‫(]‪)[14‬‬
‫اهلل والعلم«‪( .‬ابن أيب دينار‪ ،‬المونس‪ ،‬ص‪.)915 .‬‬
‫وهي جوامع‪ :‬محودة باشا املرادي‪ ،‬وحممد باي املرادي‪ ،‬املؤسس كل منهما خالل النص الثاين للقرن ‪ 11‬هـ‪ 17 /‬م‪ .‬وكذلك جامع صاحب الطابع املؤسس خالل الربع األول‬ ‫(]‪)[15‬‬
‫للقرن ‪ 13‬هـ‪ 19 /‬م‪.‬‬
‫اعتقد ج‪ .‬مارسيه أن شكل هذا الصحن قد استعمل قال ذلك يف جامع املهدية الفاطمي‪ :‬إال أن عملية االساار اليت قام هبا ليزين عند إعادة بناء اجلامع‪ ،‬أثاتت أن‬ ‫(]‪)[16‬‬
‫اجلامع الفاطمي كان على منط اجلوامع اإلفريقية األخرى ذات الصحن املستطيل الهكل‪ ،‬والذي يتقدم بيت الصالة يف ناحيتها الهمالية‪ ،‬وحتيط به األروقة‪.‬‬
‫وهو القاسم املهرتك بني اجلوامع اخلمسة موضوع حبثنا هذا‪.‬‬ ‫(]‪)[17‬‬
‫هي طريقة مألوفة يف سقوف معامل مدينة تونس الدينية منها أو املدنية‪.‬‬ ‫(]‪)[18‬‬
‫مثلما هو شأن جامع عقاة بالقريوان وجامع الزيتونة واجلامع األعظم بسوسة وغريها‪.‬‬ ‫(]‪)[19‬‬
‫تصرف فيها لاناء املعلم‪ .‬لكن من املالحظ أن اجلوامع األخرى الراجعة إىل‬
‫من املؤكد أن املهندس اضطر اضطراراً إىل اختيار هذا التصميم‪ ،‬لضيق قطعة األرض اليت ّ‬ ‫(]‪)[20‬‬
‫الفرتة العثمانية‪ ،‬هلا التصميم نفسه‪ ،‬خاصة جامع محودة باشا املرادي‪.‬‬
‫يفسر هذا الفقر املعماري بالفرتة الزمنية الوجيزة جداً واليت أجنز خالهلا اجلامع‪ .‬فهي مل تسمح بإثرائه بعناصر أخرى‪ .‬هذا‪ ،‬إضافة إىل أن اإليالة التونسية مل تسرتجع‬ ‫(]‪)[21‬‬
‫جراء املصائب اليت حلقتها خالل احلرب الرتكية اليت انتهت بانتصار األتراك سنة ‪ 954‬هـ‪ 4751 /‬م‪.‬‬
‫قواها بعد من ّ‬
‫إال أنه وجدت قااب يتم فيها االنتقال من املربع األسفل إىل القاة عن طريق عنصر املثلثات الكروية‪ ،‬كما حصل ذلك يف جامع حممد باي‪ ،‬وتربة الاايات‪ ،‬وزاوية‬ ‫(]‪)[22‬‬
‫سيدي إبراهيم الرياحي‪ .‬هذا‪ ،‬إضافة إىل قاة قصر دار حسني وغريها‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬على عكس املنابر اليت عرفتها أفريقية يف السابق وكانت منابر خهاية متحولة‪.‬‬ ‫(]‪)[23‬‬
‫حسني خوجة‪ ،‬ذيل بشائر اإليمان بفتوحات آل عثمان‪ ،‬حتقيق الطاهر املعموري‪ ،‬تونس‪ ،4951 ،‬ص‪.97 .‬‬ ‫(]‪)[24‬‬
‫إال أنه إذا أمعنا النظر جيداً يف هندسة هذه الدعامات‪ ،‬ويف كيفية تغطيتها باأللواح املرمرية‪ ،‬فإننا نالحظ بعض الفوارق اجلزئية اليت تاني نوعاً من االرجتال يف إثاات هذه‬ ‫(]‪)[25‬‬
‫احللية الرخامية‪ ،‬وما احتوت عليه من لوحات خزفية‪.‬‬
‫حز يتوسطه بدوره (يف‬
‫حيتوي هذا التاج يف كل من زواياه األربع على ورقة أقنثة ذات ثالث شحمات‪ ،‬وتنتهي كل شخمة بهكل حلزوين بارز‪ ،‬ويتوسط كل ورقتني ّ‬ ‫(]‪)[26‬‬
‫غالب األحيان) هالل‪.‬‬
‫وأول من وص هذا النمط بالطراز الرتكي‪ ،‬هو املستهرق الفرنسي جورج مارسيه‪ ،‬ألنه أدخل إىل الاالد يف أوائل الفتح العثماين‪ ،‬لكن مأتاه غري معروف‪ ،‬وقد صنعت‬
‫الكثري من هذه التيجان بالاالد اإليطالية‪ ،‬وبدأ انتهارها انطالقاً من القرن ‪ 11‬هـ‪ 17 /‬م‪.‬‬
‫‪(G. Marçais, Manuel d’art Musulman, T. II, p. 904).‬‬
‫يغري القدوم العثماين يف منط هذه العقود‪ .‬وهكذا بقيت مدينة تونس وفية للعقد‬
‫تواصل استعمال منط العقود نفسه الذي تعودته الاالد التونسية منذ قرون عدة‪ ،‬ومل ّ‬ ‫(]‪)[27‬‬
‫احلدوي‪.‬‬
‫املؤسس سنة ‪ 4019‬هـ‪ 4199 /‬م حسب حممد بن اخلوجة (معالم التوحيد‪ ،‬ص‪ .)441 .‬غري أننا نرجح أنه يرجع إىل الفرتة احلفصية‪.‬‬ ‫(]‪)[28‬‬
‫متّت أعمال النقوش اجلصية خالل سنة ‪ ،4950‬عند ترميم املعلم‪.‬‬ ‫(]‪)[29‬‬
‫يدعى القهاين بالاالد التونسية‪» :‬زليز«‪ .‬واملصطلح يف األصل هو »الزلّيج«‪ ،‬إال أن اجليم حرفت إىل الزاي لثقل نطقها‪.‬‬ ‫(]‪)[30‬‬
‫ال جند هذا النمط من القهاين إال يف معلم آخر فقط‪ ،‬وهو اجلامع اجلديد الذي كسيت جدران بيت الصالة فيه بعدد من أمناط مربعات اخلزف الرتكية واملتهاهبة مع ما‬ ‫(]‪)[31‬‬
‫يوجد يف جامع حممد باي‪.‬‬
‫تدخل يف زخارف هذا القهاين العناصر الناانية كالزهور واألوراق القرياة جداً إىل الطايعة‪ ،‬ويدخل يف ألواهنا اللون األمحر املههورة به مدينة أزنيك وكذلك األزرق‬ ‫(]‪)[32‬‬
‫واألخضر‪.‬‬
‫بعد منرب جامع يوس داي وكذلك منرب جامع محودة باشا‪ ،‬هذا إضافة إىل املنرب املضاف جبامع القصاة‪...‬‬
‫ذكرنا ُ‬ ‫(]‪)[33‬‬
‫يتميز هذا التاج بزخا رف اخلطوط املنعرجة‪ ،‬وجنده يف بعض املعامل الراجعة إىل الفرتة احلفصية‪ ،‬كزاوية سيدي قاسم اجلليزي وميضة السلطان‪ ،‬كما استعمل يف بداية‬ ‫(]‪)[34‬‬
‫القرن ‪ 11‬هـ‪ 17 /‬م بدار عثمان داي‪...‬‬
‫تذكر املصادر أن أصله من جزيرة كريت (حسني خوجة‪ ،‬ذيل بشائر أهل اإليمان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪447 .‬؛ حممد سعادة‪ ،‬قرة العين‪ ،‬خمطوط ورقة ‪ .7‬ب‪ ،‬بينما‬ ‫(]‪)[35‬‬
‫يرى عزيز سامح (يف كتابه األتراك العثمانيون في أفريقيا الشمالية) أن ذلك غري صحيح (صص‪ 919 .‬ـ ‪.)911‬‬
‫حول حياة هذا الااي وتأسيسه لعدد هام من املعامل وترميمه لعدد آخر‪ ،‬راجع‪ :‬حسني خوجة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬صص‪ 447 .‬ـ ‪471‬؛ السراج‪ ،‬الحلل السندسية‬ ‫(]‪)[36‬‬
‫في األخبار التونسية‪ ،‬ج ‪ ،1‬صص‪ 77 .‬ـ ‪51‬؛ حممد سعادة‪ ،‬قرة العين‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ورقة ‪ 99‬أ وب؛ ابن الضياف‪ ،‬إتحاف‪ ،...‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص‪.‬‬
‫‪ 400‬وما بعدها‪.‬‬
‫ابن اخلوجة‪ ،‬معالم التوحيد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صص‪ 419 .‬ـ ‪.411‬‬ ‫(]‪)[37‬‬
‫جل احلاالت إىل اجلامع خالل الفرتة العثمانية مبدينة تونس‪.‬‬
‫الحظنا بعده أن الرتبة أضيفت يف ّ‬ ‫(]‪)[38‬‬
‫حممد سعادة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ورقة ‪ 11‬أ؛ حسني خوجة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪414 .‬؛ الصغري بن يوس ‪ ،‬المشرع الملكي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.47 .‬‬ ‫(]‪)[39‬‬
‫تتكون القاة من ثالثة أجزاء‪ :‬أوهلا مربع الهكل وأثريت أقسامه بنقوش جصية دقيقة الصنع تهاه يف شكلها خاليا النحل‪ ،‬ويتم االنتقال إىل الطاقية عن طريق قسم ثان‬ ‫(]‪)[40‬‬
‫متكون من عقود زوايا تذكر بهكل احملارات‪ .‬وجند يف الرقاة عميدات مثانية (فقدت منها مخسة سيتم وضع أخرى مهاهبة هلا) بينما كسي أعلى قسم من القاة (الطاقية)‬
‫مثمنة وسطى‪ ،‬وينطلق من كل واحد من أجزائها فرع‪ ،‬وهي حتصر فيما بينها مثلثات ثريّة‪.‬‬
‫جصية متمثلة يف جنمة ّ‬
‫بنقوش ّ‬
‫أمحد بن أيب الضياف‪ ،‬إتحاف أهل الزمان‪ ،...‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬صص‪ 59 .‬ـ ‪.400‬‬ ‫(]‪)[41‬‬
‫أمحد بن أيب الضياف‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص‪.95 .‬‬ ‫(]‪)[42‬‬
‫احلمام‪ ،‬الذي يعترب متأثراً مااشرة بالنمط الرتكي والذي مت ترتياه يف سنة ‪ 4995‬م‪.‬‬
‫خصوصاً منها ّ‬ ‫(]‪)[43‬‬
‫كما جند قصر مصطفى خزندار على مقربة من مسكن يوس صاحب الطابع‪ .‬هذا‪ ،‬إضافة إىل عدد من املعامل اهلامة األخرى‪.‬‬ ‫(]‪)[44‬‬
‫خاصة املدرسة الطابعية والكتاب‪.‬‬ ‫(]‪)[45‬‬
‫وهو املدفون بقاّة سيدي مصطفى اجلزيري داخل الااب اجلويف للجامع‪.‬‬ ‫(]‪)[46‬‬
‫حممد بن اخلوجة‪ ،‬معالم التوحيد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.410 .‬‬ ‫(]‪)[47‬‬
‫وهي رمبا من األسااب اليت جعلت منط اجلامع متأثراً يف بعض أجزائه بالفن والعمارة اإليطالية‪ ،‬خاصة منها أطر األبواب والنوافذ‪.‬‬ ‫(]‪)[48‬‬
‫ابن اخلوجة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.410 .‬‬ ‫(]‪)[49‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫(]‪)[50‬‬
‫ابن أيب الضياف‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص‪.95 .‬‬ ‫(]‪)[51‬‬
‫راجع ابن أيب الضياف‪ ،‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫(]‪)[52‬‬
‫وهي كلها معامل مرتاة موجودة داخل مدينة تونس العتيقة‪.‬‬ ‫(]‪)[53‬‬
‫اجملوفة‪ ،‬فقد وضع داخلها مستطيالت من الرخام امللون املكون من قطع صغرية احلجم‪ ،‬ويالغ مسكها سنتمرتاً‬
‫صنع هذا املرمر األبيض من قطعة واحدة‪ .‬أما األقسام ّ‬ ‫(]‪)[54‬‬
‫واحداً‪.‬‬

You might also like