Professional Documents
Culture Documents
من اجل الخوض في موضوع العمارة العراقية المعاصرة ،نرى انه من الضروري ذكر أجيال
المعماريين العراقيين الذين برزوا في تلك الفترة ،ومن ثم توضيح مسار العمارة العراقية خالل
القرن العشرين:
الجيل األول- :ويتمثل بالمعماريين العراقيين العائدين -في مرحلة األربعينيات-من خارج القطر
بعد إنهاء دراستهم في الجامعات الغربية ،من الذين برز نتاجهم في نهاية األربعينيات
والخمسينيات (المرحلة الثانية) ،ومنهم- :جعفر عالوي ،حازم التك ،عبد هللا احسان كامل ،مدحت
علي مظلوم ،وغيرهم.
الجيل الثاني- :ويتمثل بالمعماريين العراقيين العائدين في مرحلة الخمسينيات من جيل الشباب
الذين برز نتاجهم في مرحلة الستينيات والسبعينيات (المرحلة الثالثة) ،ومنهم- :قحطان عوني،
قحطان المدفعي ،رفعت الجادرجي ،هشام منير ،وغيرهم.
الجيل الثالث- :ويتمثل بالمعماريين العراقيين المتخرجين من قسم الهندسة المعمارية (الدفعات
األولى) ،من الذين برز نتاجهم في نهاية السبعينيات والثمانينات (المرحلة الرابعة) ،والى حد ما
في التسعينيات (المرحلة الخامسة) ومنهم- :عدنان أسود ،مودة العالق ،خالد الراوي ،فاضل
عجينة ،وغيرهم.
الجيل الرابع- :ويتمثل بالمعماريين من جيل الشباب ،ممن تخرجوا من األقسام الثالث للهندسة
المعمارية ،والذين مارسوا المهنة المعمارية في مرحلة التسعينيات (المرحلة الخامسة).
ويالحظ إن أغلب المباني التي نُفذت في المرحلة االولى كانت من توقيع ثالث معماريين امتازت
المرحلة بكثرة تصاميمهم وهم (ويلسون( ،)Wilson-ميسون( ،)Mason -كوبر .)Cooper
وكانت أبرز المؤثرات على توجهات وأفكار هؤالء المعماريين فتتمثل في- :
-التوجهات المعمارية السائدة في بريطانية (الكالسيكية المحافظة).
-عمارة البريطانيين في الهند.
-العمارة التقليدية المحلية للعراق والبلدان العربية المجاورة.
كما يالحظ في هذه المرحلة ظهور الفصل الطبقي واالجتماعي واالقتصادي في المجتمع العراقي
آنذاك ،حيث ظهرت الرغبة عند الطبقة (النخبة– اجتماعيا ً واقتصاديا ً) ،أن تكون لها مساكن
ومقيمات جديدة ال تقل شأنا ً عن حداثة المباني الحكومية ذاتها كما أنها أحست سريعا ً بعدم استجابة
بيوت اآلباء واألجداد التقليدية لإليفاء بالمتطلبات المستحدثة في حياتهم ومراكزهم الجديدة كما إن
هاجس التغيير …
وبالتالي شهدت المرحلة (خاصة في الثالثينات) ظهور هذه الطبقة المقلدة لنتاج البريطانيين
المتطلعة للتميز عن البقية ،ومجاراة الحداثة في تلك األبنية.
و قيام بعض المكاتب باستيراد رسوم لمساكن من إيطاليا وفرنسا وتشييد العديد من الدور على
غرارها ذو أثر في انتشار وتصميم نمط جديد من أنماط المساكن في بغداد لم يكن معروفا ً من قبل،
هو نمط يدعى بـ (البيت الهجين) وا لذي هو نمط شبيه بالفلل اإلنكليزية والذي استخدمت فيها
عناصر العمارة الكالسيكية الجديدة في الواجهات.
يُالحظ االهتمام بالواجهة األمامية وشبه التغاضي عن الواجهات األخرى حيث يالحظ " إن
التركيز الفني وغنا ء التفاصيل المعمارية يتم فقط على الواجهات األمامية من المبنى ،و تترك
معالجات الواجبات األخرى دون اهتمام أو اكتراث واضحين " ...وما يميز هذه الواجهة األمامية
كثرة التفاصيل واالستعارات من هنا وهناك-سواء من العمارة الكالسيكية البريطانية كقصر
الزهور أو العمارة المحلية التقليدية كالمقبرة الملكية -وبالتالي كانت الوظيفة الجمالية تلعب دوراً
أساسيا ً في تصميم معظم األبنية المنفذة آنذاك حيث " كان مصممو تلك األبنية أكثر اهتماما ً بشكل
المخطط وتنسيق مكوناته وتكوينات الكتل والواجهات من اهتمامهم بتلبية المتطلبات الدقيقة
لوظائف االستخدام لكل بناية ".
فضال عن استخدام مادة الطابوق (المحلية) واقتصار معظم ،بل أغلب األبنية عليها كمادة رئيسية
في اإلنهاء مع وجود "عدد من األسطوات المحليين ذوي المهارة العالية في استخدام المواد
المحلية ،وذوي معرفة وخبرة في المعالجات والتكوينات المحلية والفنية أو التنفيذية ،إضافة إلى ما
تتطلبه هذه المادة من دقة في التنفيذ أدى إلى خروج األبنية بتلك الهيئة المميزة التي أضفت جمالية
وربطتها مكانيا ً بالبلد مع افتقار اغلب األبنية إلى فكر تصميمي واضح وقوي إال إنها ال زالت
مميزة بفضل المادة المحلية والدقة في التنفيذ.
تميزت األبنية بالنصبية والتفرد ،ولعل تفرد تلك األبنية ضمن الموقع وتميزها عن المباني
المجاورة تخطيطا ً وتصميما ً زاد من ضخامة المقياس ،ناهيك عن الضخامة الفعلية المتأتية من
استخدام القبب واألعمدة مع ضخامة المشاريع المنفذة.
ورغم كل ما قيل عن عمارة البر يطانيين في العراق إال انه ال يمكن إغفال إيجابيات تلك األبنية
التي نفذت آنذاك واستخدامها للمادة المحلية (الطابوق) بكفاءة وتمكنها من توظيف تقنيات الحرفيين
العراقيين مع مظاهر تأثير العمارة الكالسيكية بشكل عام والسمات التي امتازت بها العمارة في
المستعمرات البر يطانية وخاصة الهند التي ربطت بعض السمات الهندية وعناصر العمارة
الكالسيكية فيما تداخلت في العراق بعض العناصر المأخوذة من العمارة العربية والعراقية
التاريخية والمحلية ،كاألقواس وبعض الزخرفة واألروقة مع دقة التفاصيل واالنهاءات وجودتها
والتنفيذ الحرفي الجديد آنذاك وصيغة تصميمها جعلت من هذه األبنية أمثلة مميزة (مكانيا ً ) وهي
بمعظمها ال تزال قائمة إلى اليوم رغم تتالي تغير االستخدامات الوظيفية لها ..
المرحلة الثالثة-:)1972-1958(/
ان اهم ما يميز هذه المرحلة هو تأسيس قسم الهندسة المعمارية في جامعة بغداد ،1959وتأتي
أهمية هذا الحدث وتأثيره على العمارة العراقية نتيجة الستمرار تأثيره منذ بداية تأسيسه ومروراً
بتخرج أول وجبة ( )1965-1964وإلى اآلن .وما عاصر من تطورات خالل القرن العشرين.
إضافة إلى أهميته المتأتية من اعتباره عند بعض الدراسات يمثل بداية المدرسة العراقية وتخرج
المعماريين العراقيين من جامعة عراقية بعد أن أنهى المعماريون السابقون دراستهم في خارج
القطر.
فضال عن تنامي دور المعماريين من الجيل الثاني والعائدين من خارج القطر( قحطان المدفعي-
قحطان عوني-رفعت الجادرجي ….الخ) ،وإنتاجهم أبنية كثيرة في هذه المرحلة مثل (الجامعة
المستنصرية(-)1964وزارة المالية(-)1971معهد الفنون الجميلة(-)1968جامع الخلفاء(-)1969
مديرية انحصار التبوغ(.. -)1967الخ )،وظهور طروحات هؤالء الرواد مما يميز نتاج كل واحد
منهم عن اآلخر.
من جهة أخرى يُالحظ غياب واضح لصنفين من المصممين ،مما كان لهما دوراً مهما ً في عمارة
المراحل السابقة تتمثل في -:
_غياب الجيل األول من الرواد عن عمارة هذه المرحلة :أحمد مختار إبراهيم توفى بصورة
مفاجئة سنة( ،)1959ومغادرة مدحت علي مظلوم العراق ،وتوجه جعفر عالوي نحو ممارسة
نشاط آخر ،وتفرغ عبد هللا إحسان كامل لمهنة التعليم والتدريس ،أما حازم نامق وحازم التك،
وغيرهم من المعماريين األوائل فأن مشاركتهم في هذه الفترة تتسم أجماالً بندرتها وقلتها.
وما عدا نشاط محمد مكية في هذه الفترة فأن جميع المعماريين الرواد اآلخرين لم يلعبوا دوراً
مؤثراً وحقيقيا ً في عمارة العقدين اآلخرين".
_غياب المعماريين األجانب المعروفين ،والتغاضي عن دعوتهم للعمل في القطر ،وغياب
المعماريين البريطانيين الذي أستمر عملهم في الخمسينات..
ومن األمور الواضحة فيم ا يتعلق بالعملية البنائية لهذه المرحلة ظهور المقاولين وتنامي دورهم في
إنتاج بعض األبنية والدور السكنية فيها إضافة إلى "قيام عدد من المهندسين من غير المعماريين
بأداء عمل المعماري وزاد من هذه الظاهرة ازدياد الطلب على بناء الدور السكنية وبكلف
منخفضة" ،مع ابتعاد أرباب العمل من االستعانة بالمعماري ،واستمرت هذه الظاهرة في
السبعينات حيث شاع بشكل غير قليل أسلوب تمثل بأعمال عدد من المهندسين غير المعماريين،
والمقاولين الذين يقلدون ما يرون ويطلعون عليه غير مدركين ما ينفذون من أعمال عن طريق
إحساس أكاديمي أو خلفية نظرية محددة وقد يكون هناك ظاهرة ضمن هذا ألسلوب هو تقليد مبنى
بشكل كامل عن طريق تنفيذ مخططات مسبقة التنفيذ ولكن باجتهاد يشوه األصل ،أو قد تتمثل
باجتهادات يعتقدها المهندس المدني أو المقاول ،متصرفا ً بها تبعا ً لفهمه للعملية اإلنشائية واإلمكانية
االقتصادية التي تعطي ه المرونة في تكييف التصميم أو األسلوب ،أو طرز أو نمط في المعالجة
اطلع عليه نتيجة اإلطالع واالحتكاك من خالل السفر أو غيره من األساليب ..ولم يقتصر عمل
المقاولين في القطاع الخاص و إنما تجاوزه إلى القطاع العام وأزداد خبرة وقابلية بحيث "أصبح
قادراً على إنجاز مش اريع تحمل في بنائها محاوالت الخصوصية في العمارة ومحاولة الدقة في
التنفيذ وشارع الجمهورية في بغداد يمكن ان يكون مثاالً واضحا ً لتلك المرحلة".
المرحلة الرابعة-:)1991-1972(/
مع حصول الخطة االنفجارية المعمارية في هذه المرحلة ،ووجود الرغبة والحاجة الملحة
في إقامة المشاريع المختلفة ،ومع وجود عدد من المعماريين العراقيين من خريجي أقسام الهندسة
المعمارية الثالث (بغداد-التكنولوجيا-الموصل) ،إضافة إلى الجيل الثالث ممن عملوا في المكاتب
الخاصة بالرواد من الجيل الثاني ،إال إن تلك المشاريع قد تعدت اإلمكانيات المحلية مع الرغبة في
سرعة إنجازها ودقة تنفيذها ،لذا "اُستدعي عدد كبير من االستشاريين والشركات األجنبية من
خارج القطر لتصميم المشاريع أو تنفيذها أو حتى االثنين معا ً فيما يسمى بـ(مشاريع تسليم المفتاح)
..ولئن كان المعماريون األجانب المدعوون في الخمسينات هم مشاهير العمارة العالمية ،فأن
معظم االستشاريين المدعوين هنا ربما لم يكونوا ذوي شهرة مماثلة أو على األقل لم يكونوا
معروفين هنا على النطاق المحلي" ،إضافة إلى االستعانة بالمكاتب االستشارية والمؤسسات
التنفيذية العالمية إلنجاز تلك المشاريع ،كانت االستعانة بالخبرات األجنبية في المشاريع التخطيطية
إضافة إلى اشتراكهم في المسابقات المعمارية القائمة آنذاك في العراق .
وبالتالي فان مصممو عمارة هذه المرحلة هم -:
-المعماريون المتخرجون من أقسام العمارة الثالث .والمعماريون العراقيون خريجو الجامعات
العالمية من ذوي الشهادات العليا.
-المعماريون األجانب والشركات األجنبية التصميمية والتنفيذية.
-مؤسسات القطاع االشتراكي (وخاصة المركز القومي لالستشارات الهندسية ،ومركز
اإلدريسي)،إضافة إلى وزارة اإلسكان والتعمير ،ودور هذه المؤسسات في إنشاء العديد من أبنية
هذه المرحلة.
وقد ظهرت مساكن نهاية العقد ،امتازت بالبذخ غير المبرر ،واستخدام عناصر معمارية كثيرة
وغير متناسبة ،والمزج بين العديد من المواد اإلنشائية ذات الكلف العالية جداً في الظهور.
من جهة أخرى وفي نفس القطاع (الدور السكنية) كان هناك العديد من أرباب العمل ممن
يمتلكون الخلفية الثقافية التي تؤهلهم لالستعانة بالمعماري ،والخروج بنتائج مقبولة .
أما في القطاع العام فلقد كانت الدولة رب العمل الرئيسي في هذه المرحلة ،مع تنامي
حاجتها إلى العديد من األبنية التي ظهرت في هذه المرحلة ،وبالتالي شهدت المرحلة غزارة في
إنتاج األبنية العامة و انحسار في إنتاج الدور السكنية.
سمات نتاج المرحلة الرابعة/األبنية المصممة والمنفذة - :
آ-على مستوى الشكل -:
استمراراً للمرحلة السابقة فقد شهدت بدايات هذه المرحلة تطوراً مؤثراً في الممارسات
المعمارية العراقية ،أتسم بالمغاالة الشكلية الستخدام مفردات التراث المعماري..وهذا ما يمكن
مالحظته في األبنية التي نفذت أبان تلك الفترة وواكب هذا الحدث " شيوع تفسيرات ساذجة
وبدائية لمعضلة التراث والمعاصرة في العمارة وانتشار هذه التفسيرات ليس في الوسط المعماري
فحسب وإنما أيضا ً في أوساط واسعة".
وكانت مرحلة الثمانينات مكملة لما قبلها في هذه الناحية ،حيث نالحظ إلصاق بعض
التفاصيل التراثية على واجهات المباني ،وهذا ما يمكن مالحظته بصورة جلية في واجهات االبنية
المنفذة آنذاك .إضافة إلى هذا فان ظهور الميل نحو المحلية وإضفاء بعض القيم التراثية ،وأجراء
بعض التكيفات للتكوين العام للمباني التي أُنتجت ونُفّذت جاءت متأثرة بمسحات تراثية وبالموجة
العامة التي شجعتها محفزات رسمية ،ودعا إليها بكثافة كثير من المعماريين والمثقفين ،واعتبروها
ضرورة تاريخية وقومية ووطنية ملحة باتجاه خلق الشخصية القومية والعراقية في العمارة.
وقد اُستخدمت مواد حديثة في تنفيذ هذه األبنية ساعدت زيادة الموارد المالية بتأميم النفط
في استيرادها وتحمل كلفها الباهظة ،فاستخدمت في اغلب المباني خاصة الوزارات والمطارات
وغيرها من األبنية مع توفر الكادر المتخصص في التعامل معها .
كما بدأ المقياس اإلنساني الذي كان سائداً في أبنية المرحلة السابقة باالنحسار ،واُستبدل بضخامة
واضحة بالمقياس-سواء في األبنية العامة أو الخاصة -يتبع ضخامة األبنية المنفذة وتوفر الموارد
المالية الضخمة آنذاك.
إضافة إلى هذا كله فمن المثير لالهتمام المستوى الرفيع الذي بلغته لغة التنفيذ ووسائل
إظهاره ،وتقف أسباب عديدة وراء هذا المستوى تتمثل في توفير أدوات التعبير وسهولة امتالكها
عن طريق توفير الموارد المالية ،وتحسن المستوى االقتصادي للبلد ،إضافة إلى وجود كادر
تنفيذي متمرس تمثل في الشركات األجنبية التي ساهمت في تنفيذ الكثير من أبنية هذه المرحلة،
وما تمتاز به من دقة وسرعة في اإلنجاز ،خاصة في معالجة المفاصل البنائية فيها.
كما ال يمكن إغفال المسابقات المعمارية التي شهدها العراق خالل هذه المرحلة و أبرزها
مسابقة جامع الدولة الكبير ومسابقة صرح القادسية ،وما لهذه المسابقات من تأثير واضح على
الفكر المعماري في العراق ،جراء مشاركة المعماريين األجانب والعراقيين فيها ،وإقامة الندوات
كالتي أقيمت في (-29تشرين الثاني )1983-في مسابقة جامع الدولة الكبير .مع مالحظة التأثير
الملحوظ لندوة التراث المعماري والعمارة العربية-سنة .1980
وثمة مالحظة مهمة يمكن تشخيصها في هذه المرحلة ،وهي أن نتاج المعماريين في هذه
المرحلة (خاصة األبنية العامة) ،فيما يفتقر إلى فكر واضح أو فلسفة تصميميه مقبولة ،كما كان في
المرحلة السابقة ،وهذا ما نراه واضحا ً بعد انتهاء االستعانة بالخبرات األجنبية وحالة الحيرة
والفوضى التي أصابتهم فيها ،فجاءت أبنية الثمانينات رائعة في دقة التنفيذ والتفاصيل واستخدام
التقنيات العالية وتعدد الوظائف ،لكنها تفتقر إلى فكر قوي وفلسفة تصميميه واضحة وهذا ما
انعكس في المرحلة الالحقة (الخامسة).
فكر العمارة في العراق -خالل القرن العشرين-:
لقد شخصت الدراسات المتخصصة والعامة ظهور مفاهيم فكرية تميزت بها الساحة
المعمارية العر اقية خالل القرن العشرين منها مفاهيم التراث والمعاصرة ،الهوية والخصوصية،
وغيرها من المفاهيم السائدة آنذاك.
ثانياً- :المرحلة الثانية( /حضور مفهوم التراث دون اإلشارة الواضحة له)- :
مع ما شهدته المرحلة من انتشار فكر الحداثة عالميا ً وانعكاسه محليا ً "خاصة مع عودة
الجيل األول من المعماريين العراقيين إلى البلد" ،فلم تشهد بالمقابل حضور أو وعي لمفهوم
"التراث" خاصة مع نظرة هؤالء المعماريين إلى العمارة التقليدية والتراثية نظرة سلبية واعتبارها
(موضة قديمة) ،إال إن نهاية المرحلة (خاصة في الخمسينات) شهدت الوالدة الرسمية والشرعية
لالتجاه القومي.
ومع حضور هذا الوعي القومي إال انه لم يشهد حضوراً واضحا ً معمارياً ،وغيابه عن
النتاج-مع إن التراث ظهر كمفهوم في الفنون مع ظهور جماعات فنية تنادي البحث عن
الخصوصية المحلية العراقية "تجسد بظهور اكثر من عشرين جماعة فنية آنذاك" ،و برزت منذ
أواسط الخمسينات الحركات الفنية التشكيلية التي تستمد توجهاتها من إحياء الفكر والتراث
المحلي" ..-فنجد محاوالت جواد سليم وفائق حسن في استخدامهم الرموز التي عكست البيئة
العراقية المحلية..
وبعد أن كان الفنان العراقي قبل واثناء الحرب العالمية الثانية ينهج نهج األوربي الطبيعي
فاالنطباعي ،فالوحشي ،فالتكعيبي والتجريدي ،وينهل منها بعزيمة إنسان متعطش للثقافة فينهلها
من منابعها ويحاول أن يطاول أساتذته فيها ،انكشف له أن بمستطاعه أن يؤلف من عنده ،أن يبعث
تراثه في الفن بعد أن انقطع عنه".
ولذلك فان مفهوم "التراث" ،وان شهد حضوراً بسيطا ً في الفنون في نهاية هذه المرحلة ،إال
انه المرحلة لم تشهد إشارة واضحة له خاصة مع انتشار فكر الحداثة.