Professional Documents
Culture Documents
1
48 : 4مشاريعه المعمارية..............................................................................................................
أ
48 : 4.1مبنى اال كاديمية العلمية العراقية................................................................................
54 : 4.2مجمع الحساوي السكني -الكويت.............................................................................
60 : 4.3منزل عائلة الحمد – الكويت................................................................................... -
64 : 4.4مسجد سراج الدين..................................................................................................
66 : 4.5منزل حسن الكرباسي -العراق....................................................................................
69 : 4.6بناية القرباجي – الموصل(العراق)..............................................................................
74 : 4.7منزل رفعت الجادرجي...............................................................................................
78 : 5اعماله الفنية......................................................................................................................
78 : 5.1نصب الجندي المجهول..............................................................................................
أ
81 : 5.2مبنى الشركة الوطنية للتامين ......................................................................................
83 : 5.3قواعد نصب الحرية....................................................................................................
84 : 5.4مرقد االمام الكاظم.....................................................................................................
85 : 5.5برج جزيرة بغداد السياحية.........................................................................................
86 : 5.6واجهة منزل الشكرجي................................................................................................
87 ملخص البحث .......................................................................................................................
88 المالحق ..............................................................................................................................
89 المراجع ................................................................................................................................
2
مشكلة البحث ،وأهدافه
مشكلة البحث :تتمحور مشكلة البحث عن الجدل بين فكرين متناقضين ،فكرة التصميم الحداثي ،وفكرة
التصميم بالطراز التقليدي ،حيث يرى المنهج األول ضرورة االستعاضة عن الفكر التقليدي في البناء،
وتشييد المباني بأسلوب ،حداثي ،ويرى نقيضه ضرورة المحافظة على الطراز التقليدي في البناء،
واالستغناء عن فكرة التصميم الحداثي ،فهل هناك معالجات معمارية بين البينين؟ بحيث يتم التصميم بطريقة
حداثية ،لكن دون نسف الطراز التقليدي للبلد ،وهويته المعمارية .هذا ما سنتعرف عليه بعد االطالع على
األسلوب المعماري للمعمار رفعة في تصميم األبنية.
الهدف من البحث
. 2األهداف الفرعية :معرفة طرز البناء التقليدية في العالمين العربي واالسالمي ،وكيفية توظيفها في
قالب حداثي.
3
والدته ،تعليمه ،ومسكنه
رفعت الجادرجي :معماري وفنان تشكيلي عراقي ولد في 1926في مدينة بغداد ،حصل على جائزة
أغاخان للعمارة في عام .1986
هو أحد الشركاء في مكتب االستشاري العراقي الشهير في بغداد .ومن أعماله مبنى االتحاد العام للصناعات
ومبنى نقابة العمال والبدالة الرئيسية في السنك والبرلمان العراقي.
له أعمال فنية أخرى فهو المصمم للقاعدة التي علق عليها الفنان جواد سليم نصب الحرية في ساحة
التحرير ببغداد كما أنه قام بتصميم نصب الجندي المجهول األول في الستينات من القرن العشرين في ساحة
الفردوس.
إن رفعة الجادرجي قد وصل بالعمارة التقليدية "التحدارية" كما يطلق عليها إلى المستوى الشكلي التجريدي،
فأصبح ينظر إليها كمنحوتة فنية لها خصائص تقليدية مجردة حسب مفهومه ،لكنه لم يتعامل مع الفراغ
المعماري بتلك النظرة التحدارية أو بتلك الخلفية التقليدية ،فعندما نشاهد مساقطه األفقية نجد أنها في كثير
من األحيان تكون مساقط أفقيه مستوحات من الحداثة .وهو مقيم حاليا ً في لندن.1
1
مقال :رفعة الجادرجي جدار بين ظلمتين
4
مدخل نحو جدلية العمارة
المقدمة
ان تاريخ العمارة في جوهره عبارة عن تطور التناقض بين المطلب االجتماعي وبين المرحلة التقنية للحقبة
الزمنية المعينة.
فالعمارة هي العلم الذي يتناول مطلبا ً معيناً :انه ال يتناول مثالً مسألة المأكل أو الملبس بل يعالج مسألة
التسقيف أو مسألة التحويط بنحو أو بآخر ،لحاجات اجتماعية تكيفت بعصرها.
زد على ذلك أن العمارة هي العلم الذي يتناول البناء الفوقي االجتماعي ،بل هي جزء من ذلك البناء ،تدعمه
وتمنحه دورا ً معيناً.
"وبالتالي من الواضح ان للعمارة وجهين ،األول الوجه المادي لكون العمارة مادة حقيقية قد انتجت ،لذا فانها
جزء ال يتجزأ من االنتاج العام .والثاني الوجه المعنوي ألن العمارة ،بصفتها جزء من البناء الفوقي
االجتماعي ،تكون جانبا ً مهما ً في تفكير العصر .فمن الضرورة بمكان ،عند النظر الى فحوى العمارة ،تناول
كال الوجهين .فاذا أغفلنا أحدهما يكون التنفيذ في العمارة أحادي الجانب ،وغير متكامل .والبد من التأكيد هنا
أن هذين الوجهين كليهما هما في الحقيقة وجهان لنفس الظاهرة االجتماعية التي نحن بصددها وهي
2
العمارة".
2
الجادرجي،رفعة .شارع طه وهامرسمث
5
المطلب االجتماعي في العمارة
يضم المطلب االجتماعي نوعين من المكونات :األول ،المكون المادي الوظيفي .والثاني ،المكون الفكري
الذي هو جزء من البناء الفوقي االجتماعي ،أي جزء من الفن المتعاصر.3
أما الناحية األولى ،الوظيفية ،فهي تشمل مختلف مرافق الحياة االجتماعية والتي تنسق العالقة بين انسان
وآخر ،بما في ذلك العالقات النفعية في توزيع الحيز ،حسب األسباب الطبقية أو االنتاجية وما أشبه مما
يدخل في تنظيم وظائف الحيز.
يضاف الى ذلك وبشكل مواز ،تنسيق العالقة بين االنسان والطبيعة ،بما في ذلك النواحي البيئية في حماية
االنسان من العوارض الطبيعية والمناخية ...الخ .أو النواحي األمنية في أسلوب الحماية كاالحتياط ضد
انتهاك الحرمات والتحصن ضد الغزو....الخ
ان العملية االنتاجية لصناعة حذاء مثالً تتطلب حيزا ً وعالقات لحركة المادة وحركة العامل تختلف عن تلك
العملية االنتاجية لصنع قارورة زجاجية ،كذلك فان الحيز في دار فالح يتعايش مع مخازن الغالل أو زرائب
الحيوان يختلف كليا ً في مساحته وعالقاته عن دار حرفي في المدنية.
"أما الناحية الثانية ،وهي الفكرية المتعاصرة مع مجتمع ما فهي على نوعين أيضاً .هناك عالقة االنسان
بالطبيعة وتشمل موقفه من العبادة ،وتطلعاته واعجابه بجمال الطبيعة .فالعبادة تتطلب وضع الصنم في
الطليعة ،كذلك تتطلب عبادة االله في معبد مشمس مثالً أو مظلم ،أو في معبد مقصور على النخبة .ولكل من
هذه المعابد جوه التعبدي الخاص .وهناك في الجانب اآلخر عالقة االنسان باالنسان وتتضمن النواحي
العائلية والطبقية واألمنية وتتجلى مثالً في العزل الروحي أو الفخفخة أو االبراز وغير ذلك من المظاهر
4
االجتماعية الروحية".
6
التقنية في العمارة
ال جدوى من سؤالنا لماذا انتجت عمارة ما اذا لم نسأل كيف انتجت؟ والمسألة هي ليست فقط كيف انتجت
العمارة؟ ولكن ،وعلى وجه التأكيد ،ما هو األسلوب الذي استخدم في تلبية المتطلبات؟ والى أي درجة تم
تحقيق ذلك؟ يجب اال نكتفي مثالً بالتساؤل عن كيف بنيت أهرامات مصر القديمة؟ فقد كان بناء األهرام
مطلباً ،وذلك نتيجة تفاعل متطلبات اجتماعية ،وعلينا أن نتعرف الى أي درجة تمت تلبية ذلك المطلب بكل
أبعاده .والسؤال الذي يلي هو،اذن ،عن الجهد المتفق في تلبية الطلب وأسلوب التلبية .بعبارة أخرى يجب أن
نتساءل ما هي األساليب العملية والتقنية التي استنفدت في تحقيق ذلك المنشأ ،وما الذي تطور منها في انشاء
. 1الخواص الطبيعية للمادة ،أي الخواص الكيميائية/الفيزيائية .فلكل مادة خواصهافي التحمل ومقاومة الثقل
وفي االستعمال فضالً عن العوامل الطبيعية وما يساعد على ظهور مزاياها الجمالية.
.2اكتشاف االنسان لهذه الخواص ومدى تجربته العملية في استنفاد اكتشافه والذي يتمثل في المعرفة
الموضوعية للطبيعة.
.3وانعكاس معرفة المكنة االجتماعية على تسخير هذه المعرفة وعلى تجربتها .والمسألة تعتمد على الوضع
االقتصادي ،السياسي لذلك المجتمع في ظروف تطوره االجتماعي.
5
الجادرجي ،رفعة .في سببية وجدلية العمارة
7
التناقض الجدلي في العمارة
ا ن العالقة بين المطلب االجتماعي وبين مرحلة التقنية ليست هي عالقة دائمة االنسجام واالنسياببل انها قد
تتحول الى عالقة متناقضة وعلى نحو متبادل بين االثنين ،معقدة التركيب شديدة التشابك.
فالتناقض بين االثنين ،عندما يحصل ،هو اذن حصيلة تلك الظاهرة عند حصول تغيير أو تعديل أو تطور في
أحد الطرفين أو كليهما ،ولكن كيف يحدث أو يستحدث هذا التناقض؟
"فلنأخذ أحد قطبي التناقض وهو المطلب االجتماعي .ان هذا المطلب ال بد من تحقيقه أو اشباعه ألنه بحد
ذاته عبارة عن رغبة أو نزوة ابتداء ،الى أن يتبلور ويصبح من الضروري تلبيته وتحويله من فكرة الى
حيز الوجود ،وذلك بتحويله الى مادة حقيقية لها كيانها الموضوعي .فاذا استطاعت التقنية المتعاصرة مع
المطلب من اشباع حاجته تبقى العالقة عندئذ غير متناقضة بين القطبين وتظل عالقة مستكنة .ويمكن القول
في هذه الحالة ان هذا الوضح المستكن هو حصيلة تلك العالقة المتوازنة بين االثنين .والمقصود بالمتوازنة
هنا هو استطاعة التقنية من اشباع المطل بدو نحدوث خذالن في قدرتها على االستجابة وعلى االشباع .فكلما
تكرر المطلب تكررت العملية االنتاجية ،بهدوء وتوازن فيجري اشباع الحاجة المتكررة بنفس الطرق التقنية
6
وعلى نفس الوتيرة".
ولكن المطلب االجتماعي هو حصيلة وضع اجتماعي معين ،انه ليس شيئا ً خياليا ً مجرداً.
وكذلك األمر مع التقنية المتعاصرة معه ،فهي قد تكون الوجه اآلخر للمجتمع ،بل أكبر من من هذا فان
المطلب والتقنية يتفاعالن أحدهما مع اآلخر ويولد أحدهما اآلخر .بل ان أحدهما الزمة لوجود اآلخر،
وكالهما عبارة عن حصيلة لذلك التفاعل بين ذاتية االنسان الفرد وبين المجتمع .وهما (الفرد والمجتمع) في
تفاعل مستمر سواء منفردا ً أو مجتمعاً ،مع الطبيعة بصفتها تكون العالم الخارجي.
وبما أن الوضع االجتماعي ال يستمر مدة طوية في وضع مستكن ،ب لهو في حال مستمر من التعديل
والتغيير مهما كانت ضآلته ،فان تراكم وتشابك هذه التعديالت والتغييرات في المجتمع تصل الى درجة من
التفاقم بحيث يحدث معها تغيير نوعي .وهذا التغيير النوعي في المجتمع يؤدي الى ظهور حاجة جديدة
تتبلور بشكل مطلب اجتماعي جديد ال بد من تحقيقه واشباعه.
ثم ،كما أن التقنية القديمة كانت متعايشة مع المطلب القديم أصبحت كذلك مثله في وضع مستكن ،انما هي
تقنية قد تكونت أصالً لتتعايش متزامنة مع ذلك المطلب ولغرض اشباعه بالذات .فاذا ما حدث التغيير في
المطلب فان التقنية تصاب عندئذ بالخذالن ،أي أنها ال تعود قادرة على اشباع المطلب بالدقة ،أو الجودة ،أو
الكفاءة ،المناسبة التي كان على مكنة التقنية أن تؤديها ازاء المطلب المتطور الجديد .وقد يتفاقم هذا األمر
الى درجة تصاب فيه التقنية بالشلل التام .فيؤدي ذلك الى توتر بين المطلب والتقنية التي هي وسيلة تلبية
6
الجادرجي ،رفعة .األخيضر والقصر البلوري
8
فيحدث التناقض .وبهذا تعتبر التقنية في العرف االجتماعي متخلفة فتصبحبمثابة العائق أمام تبلور وضع
7
اجتماعي متجانس.
ان حصيلة هذا التناقض هو توليد شكل جديد نسبياً ،لكن عدم التجانس يستمر ،والتوتر يستمر ،الى أن تبلغ
الثغرة بين المطلب الجديد وبين االلحاح االجتماعي في اشباعه حدا ً يصبح فيه التناقض نفسه حاداً .عندئذ
يكون ال بد من حل لهذا الوضع المعين لتطور المجتمع .فيتفجر التطور الحاصل وذلك بحصول تعديل ،أو
تغيير ،أو تطوير ،في التقنية ،األمر الذي يؤدي بدوره الى وضع االستكنان النسبي الذي بدأنا به.
لكن العالقات االجتماعية ليست بهذه البساطة والسطحية ،أو السذاجة ،فالتقدم التقني
يفيض أحيانا ً من الحاجة النسبية ،وهو تقدم يحوي طاقات كامنة ستكون هي بدورها محفزا ً للتغيير
االجتماعي .فيتراكم التغيير ويتشابك مع عوامل أخرى ،مرة بعد أخرى ،الى ان يتبلور بمطلب جديد.وهكذا
نجد هذه الدورة بحركة دائمة من نقيض الى اخر ،ومن تغيير الى آخر بحيث يبدو ان االستكنان المفترض
في بداية البحث هو استكنان غير حقيقي ،وان حصوله هو شيء نسبي ،فاذا ما حصل ودام هذا االستكنان
أدى ذلك الى تداع ،يكون بدوره أحد العوامل المهمة في تدهور المجتمع نفسه ،وزواله ،واستبداله ،بمجتمع
آخر.
فعندما جرى تحسين على نول الحياكة في أواخر القرن الثامن عشر في انكلترا أصبح المغزل متأخرا ً نسبياً.
واستمر هذا الوضع المتناقض الى أن تم اختراع ماكنة الغزل .وهذه بدورها جعلت عملية الحياكة مشوبة
بالمعوقات الى أن اخترع نول كارترايت –أي التوازن الكمي في انتاج الحياكة في انتاج الغزل الرخيص
والمبتذل -وأصبحت الحياكة ممكنة دون عائق .على أن هذه التطورات وأمثالها في حقول الصناعة األخرى
أدت بدورها الى اعادة النظر في أسلوب نقل البضائع المصنع ،مما أحدث تغييرا ً في وسائل النقل من
العربات الى المراكب الشراعية ثم الى قاطرات السكة الحديد فالسفن البخارية.
ان هذه التغييرات المنطوية على التقدم في االنتاج تطلبت حيزا ً واسعا ً في البناء ،دون عرقلة من األعمدة
مثالً ،كما أن سعة مواقع االنتاج وتكثيفه تطلبتا الوقاية من الحريق مثالً ،فأدى ذلك الى تغيير جذري في
البناء باستعمال الحديد الصب الذي أتاح بدوره توفير حيز أكبر نسبياً ،في حين لم يكن الخشب يوفر ذلك
قضالً عن مخاطر الحريق .وهكذا فبتحسين وسائط النقل وباستعمال الحديد جرى بناء الجسور كثيرا ً سوا
على األنهر العريضة أو كقناطر على الترع لتلبية متطلبات السكة الحديدية ،وكان حديد الصب ،وكذلك
األساليب المتقدمة والمتطورة من العوامل التي لعبت دورها في ايجاد الحلول للمشاكل التقنية بالذات.
هناك في الوقت نفسه تناقضات ثانوية .فبسبب استخدام الحديد كمادة بنائية يتم الحصول على باعات أوسع
نسبياً .وبما أن ثقل البناء قد انتقل من الجدران الى المساند أصبح من الممكن توسيع النوافذ .فخدم بذلك فيما
7
الجادرجي ،رفعة .في سببية وجدلية العمارة
8
الجادرجي ،رفعة .شارع طه وهامرسمث
9
خدم أغراضا ً صحية .ورافق هذا تطوير مهم في انتاج الزجاج بحيث توسعت أحجام الواحه ،وانخفضت
أسعاره ،فأدى هذا التطور التقني الى توسيع حجم الشبابيك.
فينبغي لنا عند دراسة العمارة ،أو دراسة الفن بشكل عام ،أخذ هذه التناقضات بين المطلب والتقنية بنظر
االعتبار ،سواء كان ذلك فيما يتعلق ببناء جسر أو معمل أو دار سكن ،بل حتى فيما يتعلق برسم لوحة زيتية.
فقد أدى تقدم العقالنية في عصر النهضة الى تطوير الرسم مثالً نحو الشكل الطبيعي ،فأصبح اكتشاف
وتطوير المنظور من الضروريات االجتماعية الملحة التي تمت تلبيتها عن هذا الطريق التقني المتقدم .ثمة
مثل آخر عن المسيحيين األوائل فانهم كانوا قد استعاروا تقنية المزجج الروماني لتصاويرهم الدينية .لكن
التصوير الطبيعي للروما لم يشبع رغبة المسيحيين الروحانية في تصور المسيح .لذلك جرى تعديل جذري
على أسلوب التصوير .وهكذا تم استحداث وتطوير الفن المسيحي في المزجج .فاستخدم في تصوير الوجوه
الروحانية ،ونظرات عيونها غير الطبيعية ،ونسب أحجام األشخاص أحدهم لآلخر ،ونسب أحجامهم الى
الحيوانات المصغرة.....،الخ .كانت كل هذه عبارة عن أساليب تكوينية في التصوير الرواء العاطفة
الروحانية لدى المسيحيين األوائل.
.1ان هذه التطورات واالختراعات المشار اليها باقتضاب لم تكن ،وال يمكن أن تكون ،من عمل فرد واحد
معين ،بل هي حصيلة تفاعالت اجتماعية ،وتغييرات وتحوالت جدلية مستمرة ومتنقلة من مجتمع آلخر.
وعليه فان مثل التطورات هذه هي التي تكون تاريخ العمارة ،والعمارة بهذا الصدد ليست سوى احدى
الظواهر االجتماعية.
.2ان المطلب االجتماعي النفعي يتبلور فيصبح مطلبا ً ملحا ً الى أن تتم تلبيته واشباع حاجته بانتاج شكل
جديد .لكن هناك مطالب أخرى غير نفعية غير ملموسة ،وغير واضحة ،وهي تلك المطالب التي تنطوي
على حاجة عاطفية اجتماعية كنزعة التعبد أو الرغبة في تجميل األشياء ،وان هذه تتبلور كذلك فتصبح
مطالب ملحة الى أن تتم تلبيتها واشباع حاجتها بانتاج مادي حقيقي .ومن هنا تنشأ العمارة والفنون التشكيلية
األخرى والموسيقى...الخ فاذا نظرنا الى العمارة ينبغي أن ننظر اليها اذا ً على أنها جزء من الحس العاطفي
االجتماعي ،وان كانت في في ذات الوقت جزءا ً من االنتاج المادي الحقيقي.
. 3عندما يتحقق المطلب االجتماعي ويتجسد في العمارة فان األمر ال ينتهي عند هذا الحد ،بل أن العمارة،
كشيء مادي ظاهر للعيان ،وتكمن فيه عاطفة اجتماعية ،تقوم بدورها في صقل وتهذيب هذه العاطفة
االجتماعية ،مؤثرة فيها تأثيرا ً مستمراً .ان كل من دخل في كاتدرائية شارتر منذ بنائها في القرن الثالث
عشر حتى اليوم ،يحس بهذا التأثير على عاطفته .ويحابه في ذلك الحرم المهذب نورا ً منبعثا ً من مائة
وثالثين نافذة ذات الزجاج الملون ،كما لو فتحت أبواب السماء على االف من أقواس قزح روحانية ،فتبهت
الناظر وكأنه على عتبة اسطورية يقف فيها الضياء وقوف األزل! ان العمارة ليست مجرد تجسيد الفكرة بل
هي تكون مؤثرات الفكر وتخلق العاطفة في المجتمع وتديمها.
9
الجادرجي ،رفعة .في سببية وجدلية العمارة
10
.4وأخيرا ً يستنتج بأن التناقض الجدلي ،أو عملية تكوين الشكل ،يمكن فرزها الى مرتبتين :المرتبة
العامة/الشاملة ،أو (الكلية) .والمرتبة الخاصة/الجزئية .ومن البديهي منطقيا ً ان الجزئيات تكون الكليات .فان
كل مرحلة معمارية عامة تتجزأ الى مراحل خاصة جزئية كما أن مجموعها يكون المرحلة المعمارية العامة
ذاتها.
الدور االغريقي ،ثم الروماني ،ويعقبه المسيحي المبكر ،ثم الرومانسكي ،فالقوطي ويعقبه دور عصر
النهضة وهكذا.
ان كل مرحلة من هذه المراحل هي حصيلة تفاعل تناقضي جدلي ورئيسي بحيث يتالشى دور ويحل محله
دور آخر .وقد كان لكل منها مطل باجتماعي عام تفاعل مع التقنية المعاصرة له ،بحيث تفاقم التوتر الجدلي
فولد الطراز ونشطه خالل عصره الى أن تغير المجتمع تغيرا ً جذرياً .كذلك كان الحال بالنسبة للتقنية ذاتها.
الى أن أصاب المجتمع بالخذالن فانخذل معه المطلب والتقنية فأبدل الطراز بآخر ،وهكذا دواليك.
على ان لكل طراز من الطرز تفاصيل وأجزاء ،فالعصر القوطي في انكلترا مثالً قد كان مر بأربعة أدوار
وهي على التوالي:
ولكنه حتى هذه الفترات الجزئية قد مرت هي ذاتها بحقب تفصيلية .فالدور االنكليزي المبكر مثالً قد مر فما
يتعلق بالنافذة ،كتفصيل جزئي بالحقب التالية:
11
10
ان هذه الحقب التفصيلية كانت حصيلة تفاعالت جدلية في التفاصيل ذاتها ،بالتزامن مع تفاعالت أخرى
داخلية جارية ضمن المرحلة األعم ،األوسع منها .فمثالً خالل حقبة استخدام النافذة الرمحية ،كانت هناك ثمة
عالقات متبدالة متناقضة تؤثر الواحدة باألخرى ،وبتغيرها تصبح حافز لتغيير جديد ،وهكذا دواليك .فحقبة
12
الشباك الرمحي تزامنت مع العقد المستدق الذي كثف مركز األثقال على عدد أقل من األكتاف وفسح المجال
لتوسيع النافذة فتطورت الى دور االنكليزي المزخرف .وقبل هذا وبسبب ضرورة توسيع النافذة ضعفت
األكتاف فاسندت بالزوافر .وعند استحداث الزافرة تحرر الباع كليا ً وأصبحت النافذة تمأل كامل المسافة بين
األكتاف وهكذا دواليك.
اذاً ،التفاعالت الجدلية تجري ضمن مرتبتين نوعيتين ،معاً ،في نفس الوقت .انها تجري ضمن تسلسل
التطور العمودي في مراحله العامة الكلية كما تجري في نفس الوقت ،ضمن تسلسل التطور األفقي في
المراحل الخاصة الجزئية (كما في تطورات النافذة) .فالتفاعل األول أي العمودي ،ينقل الطراز الى طراز
آخر ،من االغريقي الى الروماني مثالً ،والتفاعل اآلخر ،أي األفقي ،يجري بين جزء وجزء ضمن امتداد
الطراز العمودي ،أي يتمخض عن تطلعات طرازية أفقية ضمن المرحلة العمودية لتطور الطراز فتطور
مختلف نسف األعمدة وتيجانها في العمارة االغريقية مثل واضح ،وتطور النافذة الرمحية المنفردة الى
المزدوجة ومن ثم الى المتوجة القوس مثل آخر.
الشكل
ان للمطلب االجتماعي وظيفتين :نفعية وأخرى عاطفية .والمقصود بالنفعية تلبية الحاجات المادية واشباعها،
فاذا أخذنا دار سكن سنجد حيزا ً للجلوس وآخر للنوم وآخر للطهي ،وان أخذنا مثالً معمل أحذية فسنجد حيزا ً
للخزن وحيزا ً لالنتاج ولالدارة ..وهذه األحياز متباينة بسبب اختالف الوظيفة النفعية.
لكن الوظيفة ال تقتصر على ذلك فان أخذنا مثالً معبدا ً من معابد من معابد المصريين القدماء سنجد حيزا ً
لمرقد االلهة وحيزا ً للكهنة...الخ ،على أنه اضافة للوظائف النفعية هناك وظيفة عاطفية تتمثل في الخشوع
لاللهة وعبادتها والتضرع اليها.
والعمارة تعكس هاتين الوظيفتين ،فكاتدرائية نوتدرام (مثال) جلي على ذلك ،ان الصحن الوسطي يرتفع
ويتصاعد شامخاً ،تحيط به األجنحة مثنى في باع بارتفاع أقل .هذه العالقة بي "المرتفع المضيء وبين
الواطىء المعتم بعض الشيء" ثم الصحن الوسطي ،حيث تجلت فيه القوة الدافعة الى أعلى والقوة الجانحة
نحو الشرق(مكان المذبح) ،كل هذا يقابله كالنقيض السكون ،الضوء الخافت ،االرتفاع المتواضع لألجنحة
المحيطة بالصحن فتوحي بالهجوع ،هذه العالقة تعمل عملها في النفس بصورة ال تكاد تحس ،فتؤكد العاطفة
نحو المعبود .كما في الكاتدرائية
13
11
مثال( :)2كاتدرائية تشارتر :فنجد احاطة الصحن باألجنحة ليس بسبب تلبية ظيفة نفعية تخص اجالس
المصلين عند تالوة الموعظة فاألمر أكبر من ذلك ،األمر يوحي بالعاطفة المتأججة والخيال الروحي
11
كاتدرائية نوتردام -الجادرجي ،رفعة .شارع طه وهامرسمث
14
ان الجالس هناك ليقرأ في الضوء الملون الهابط عليه يحس بتجربة جميلة جداً ،حيث سيشده االرهاف الى
جوهر العبادة في ذات نفسه حتى يكاد ينسى الدنيا ،كيف ال ينساه في ذلك الخضم اآلسر من األلوان الفاتنة
التي تنساب بحمرتها وزرقتها فتنسكب في عينيه وروحه معاً! ثم تمازج األلوان حائلة الى تلك الشفافية في
لون زهرة البنفسج في الصباح ،الواقف هناك اذا نظر الى شرقي الصحن فتنته األعمدة الرشيقة ،اذا رفع
طرفه ألعلى جذبته أضالع السقف الشبيهة بالعروق الحية ،تارة نحو المذبح وتارة نحو مدرج المرتلين من
الصبيان ،فيطوف في أرجاء المكان حتى اذا وصل باب الخروج وجد نفسه ال يريد أن يخرج،
12
13
فالسرر تبدو له كباقات الورود تنساب انسياب المياه الرقراقة في األعمدة نحو األرض ،فاذا بالذي يريد أن
يخرج يدخل ثانية ويدور في طوافة نحو المذبح تارة ،هكذا تتجسد العواطف في أحجار ويستمنستر.
12
كاتدراية تشارتر -ويكيبيديا الموسوعة الحرة
15
اذا ً فالشكل في العمارة ،ماهو اال تجسيد مادي يكونه المجموع الكلي لعناصر المنشأ .فالشكل هو حصيلة تلك
الظاهرة االجتماعية ،والتي تتكون من التفاعل المتشابك الجاري بين المطلب بوجهيه العام والخاص ،من
جهة وبين التقنية المعاصرة للمطلب من جهة أخرى.
14
الجاردجي ،رفعة .شارع طه وهامرسمث
16
15
فما هي العالقة بين هذين الطرازين؟
يمكن القول أنه عندما يتبلور المطلب االجتماعي ويصبح ايجاد الشكل أمر محتوم فان الناحية الفنية تكون قد
تحددت ،وأصبح ال بد من استحداث الناحية المادية ،عندئذ يكلف المجتمع فرد أو مجموعة لفك التناقض
الجدلي بين المطلب والتنفيذ وذلك اما ب :استخدام التقنية المعاصرة أو تطويرها ،وبذلك يكون الفنان قام
بعملية ذات وجهين:
.1استحداث طرازه المنفرد ،ألن الفنان كشخص له ذاته الخاصة ،وحلوله أيضا ً لها طابعها الخاص.
*ان تكوين المطلب االجتماعي هو مسألة عامة ،اال أن ترجمة المطلب ،وتحويله من فكر الى مادة حقيقية،
ينطويان على مراحل متعاقبة يسهم فيها الفرد ،فكيف نفسر هذا االبداع العبقري وفق التحليل النظري؟
اذا ما عهد المجتمع الى أحد أفراده بمهمة اشباع حاجة المطلب فما ذلك سوى ضرورة اجتماعية حتمية ،فاذا
جاءت وسيلة االشباع جيدة جداً ،فال بد اذا ً أن وراء هذه الوسيلة فرد عبقري استطاع استغالل الظروف،
بالتالي سيعم تأثيره االجتماعي لحقب الحقة .مثال ايغو جونز.
في القرن الخامس عشر أصبحت الحياة االنكليزية تتصف بالمجازفة وحب الزينة .لذا تطلب المجتمع قصور
من نوع آخر ،فتطورت القصور التيودورية الى القصور االليزابيثية ()1603-1588
وهي قصور فخمة تستقبل الضياء بقدر أكبر ،ذلك أن االنكليز كان لهم أسلوبهم الشاقولي ،حيث بلغ ذروته
في أواخر القرن الخامس عشر ،حيث شيدت هذه القصور للحكام األقوياء ،لذا جاءت قصور غير مزركشة
تتسم بالوقار ،ثم جاء القصر اليعقوبي ( )1625-1603فأدى لتطورات منها ادخال األعمدة الكالسيكية
والسطوح المعمدة.
17
قصور من العهد االليزابيثي
16
-ألم انيغو جونز بالعمارة الرومانية ،وتأثر بطراز المعمار اندريا بلديوه ،واستطاع جونز بعبقريته بعد
عودته النكلترا أن يقفز بالعمارة من مرحلة التطوير المسترخية الى عمارة كالسيكية متكاملة.
16
الجادرجي ،رفعة .في سببية وجدلية العمارة
18
صحيح أن عمارته متأثرة بالبالديوية ،لكن لها طرازها الخاص القائم على الطرز االنكليزية كاليعقوبية
واالليزابيثية ،واللتان نتجتان من المدرسة الشاقولية (حيث كل شيء في طرازه هادىء رصين خال من
الضخامة البالديوية) لذا فكل شيء هو انكليزي الطابع.
17
أهميته :خص انكلترا بطراز كالسيكي معماري نهوضي خاص بها ،حيث تحتوي الدار واجهة متوازية جداً،
ومرتكزة على قاعدة من الحجر ،وقامت فوق األعمدة تيجان آيونية الطراز ،والشرفة محاطة من الجانبين
بجناحين غير مزخرفين ،جاءت الكتلة بأجمعها موحدة فظهرت كوحدة كالسيكية ،حيث أدخل التماثل التام
والتزم به كل االلتزام ،لذا كانت قفزته واضحة مقارنة بالطرازين السابقين ،اذ كانا يتميزان بالتحلي بنوافذ
19
وعالقات نوافذ ذات أبعاد مختلفة ومشربيات ونوافذ مضلعة وجملونية ومجموعات من المداخن ودرابزينات
السطوح...الخ .لقد اختفى كل ذلك عند جونز وأصبحت الواجهة هادئة ،حيث برزت الشرفة الوسطية قليالً
وهذا البروز الوقور هو الحركة الوحيدة بالواجهة ،أحاط بالسطح درابزين منتظم متماثل من الحجر
باالضافة لنسب دقيقة للشبابيك الكالسيكية المتماثلة .وضع جونز هنا السنن الكلسيكية الشباع وضع
18
اجتماعي معين.
فما معنى الشخصية المستقلة أو الحياة الخاصة للشكل؟ ان الشكل يولده مطلب وتقنية معينان ،لكن ما أن يولد
الشكل فانه يصبح شيء مادي وملموس وظاهر للحواس ،يؤول ذلك الى شيء قائم بذاته بصرف النظر عن
المطلب والتقنية اللذان أنجباه .من هنا مصدر حياته الخاصة المستقلة .ذلك أن للشكل الجديد بانتقاله وهو
مادة ال حراك فيها الى مدارك االنسان ،فقد أصبح فكرة لها حراك في الذهن االنساني .فتصبح للشكل حرية
حركية ألن حركته في واقع األمر ليست في ذاته بل في ذواتنا ،فعندها يقوم من يستغل هذه الخاصية ويدخل
هذا المظهر الخارجي للشكل كأحد العوامل في توليد شكل آخر ،وبذلك يجري االبتعاد عن األصل لتوليد
شكل آخر اال أنه يبقى مفعول الشكل األول االبتدائي مستمر (أي أن االشكال الالحقة تستمر باالكتساب من
معالم الشكل األول) ولكن االستمرارية مشروطة بأن ال تجري عملية توليد للشكل اآلخر من مطلب وتقنية
متناقضين ،،والسبب في هذه المشروطية أن للمطلب والتقنية تكوين معين ،وعند تفاعلهما في عملية توليد
الشكل (تنتقل طبيعة تكويني المطلب والتقنية) للشكل المولد.
حيث يتم تفعيل الشكل لتوليد أشكال أخرى ،فانه يفقد بالتعاقب جزء من خصائصه الكامنة بحكم انتقالها لشكل
آخر ،فيحصل أحد أمرين:
.1يصبح الشكل الجديد رديئاً ،الستنفاده كامل القوة االجتماعية والتقنية الكامنة في المكونين.
. 2يقوم الشكل القديم بدور الحافز ال أكثر لتكوين الشكل الجديد .عندئذ يكون المكونان قد جاءا بقوة
اجتماعية أو تقنية دافعة جديدة ،ومن خاللها يكون الشكل الجديد استأنس بالقديم ال أكثر.
وهكذا تنتهي حياة الشكل القديم في الدورة الحياتية ،لكن هذا ال يمنع قيام دورة الحقة في وقت الحق ومكان
آخر (من هنا ينشأ ما يسمى االقتطاف والنقل).
فالشكل بصفته الفكرية (كونه جزء من التفكير االجتماعي) أو بصفته المادية (كونه جزء من االنتاج الفعلي
للمجتمع) يبقى بموجب ما اكتسبه من حياة مستقلة عامالً مهما ً فكريا ً يدعم هاتين الصفتين ،اال أن تتغير
متطلبات المجتمع ويصبح الشكل معوق ألحد الصفتين ،عندئذ يُترك الشكل ،فيتأجج تناقض جدلي جديد بين
20
المطلب والتقنية (حيث يكون أحدهما أو كالهما جديداً) فيتولد شكل جديد لكن في أغلب األحيان يكون
استعان ببعض صفات القديم لألساب اآلنفة ذكرها.
مثال :تحول شكل النافذة المستديرة الى رمحية (وهي نافذة مرتقعة الطول ،ضيقة العرض ،مستدقة الرأس
المقوس ،فهي أشبه بالرمح) وذلك في القرن الثالث عشر .ان هذا التحول يمثل تغيير نوعي في الشكل
المستدق (والذي كان قد تولد مسبقا ً عند تكوين العقد المستدق) حينما تطلب األمر توسيع باعات الصحون في
الكاتدرائيات.
لكن ما أن يتولد الشكل الجديد فيستحب حتى يتكرر انتاجه ،ويتخذ حياة مستقلة فيتطور بسبب استحبابه حتى
يصبح الشكل طرازاً .وهكذا جرى عندما تولدت النافذة الرمحية فاستحبت وتكرر انتاجها ،فتطورت بالتدريج
الى النافذة المزخرفة المتشجرة في القرن الثالث عشر.
21
22
23
24
20
25
21
26
22
ان المجتمع عندما ينتقل من مرحلة تاريخية ألخرى ،فان هذا االنتقال يكون في مرحلة حرجة يتطلب اما
دعم مفاهيمه الجدية ،أو مقارعة مفاهيمه القديمة ،وذلك لكي يستطيع تجاوز المرحلة الحرجة في تاريخه،
ففهي هذه الحالة يتشبت المجتمع "نيابة عن المجتمع" بأفكار عهود أخرى ليستخدمها كاحدى المكونات في
بلورة المطلب االجتماعي.
لذلك نجد أن سنن العمارة االغريقية والرومانية ،قد استخدمت في عصر النهضة لمقارعة مفاهيم الالعقالنية
للقرون الوسطى ،باعتبار أن المفاعيم االغريقية هي مفاهيم عقالنية طارحين جانبا ً االختالف الكلي بين
22
البيت الزجاجي في لندن
27
المجتمعين (اذ ان قاعدة األغريق تقوم على عالقات المجتمع الراقي ،في حين أن قاعدة عصر النهضة تقوم
على عالقات المجتمع الرأسمالي).
كما أنه لو تمكن المصمم من تطوير شكل ايروديناميكي للطائرة تنتقل هذه التجربة لتصميم السيارات،
فيصبح شكلها ممشوق ،فانتقال هذه التجربة من صيغة انتاجية الى أخرى يحدث بسبب :استلطاف موضة،
تقارب التقنية في أسلوبين انتاجيين ،االعتقاد بضرورة استعارة شكل لما فيه من توافق وذلك كمرحلة مؤقتة
الى أن يتم توليد الشكل األنسب ،وكذلك عندما يجد المصمم نفسه أمام ضرورة استخدام مادة جديدة ال يعرف
خصائصها وتجاوبها فيضطر لالستعانة بالشكل القديم ،ويستمر فيه كونه كان يالزم مادة قديمة ،الى أن
يتمكن المصمم من توليد شكل جديد يناسب طبيعة المادة الجديدة.
مثال :عند استخدام الحديد الصب في انكلترا في القرن التاسع عشر ،جاء الشكل التصميمي األول للجسور
الحديدية استمراريا ً لشكل الجسور الخشبية .مثالً الجسر الذي اقترحه تلفورد عام 1801م لعبور التيمس في
لندن كان بباع واحد وال نظير له ،ولكن من ناحية توزيع الثقل كان متأثر بالجسور الحجرية لحد كبير.
23
يستمر هذا النوع من االستعارة حتى يجد المجتمع الشكل المناسب له ،ويستمر النوع الشكلي حتى يكتشف
المصمم الظروف االقتصادية واالجتماعية لخلق شكل جديد.
23
الجاردجي ،رفعة .شارع طه وهامرسمث
28
لكن هذه االستعارة ال تكون استعارة حقيقية متطابقة ،اذا ان ما يستعار تتم استعارته من قبل المستعير وفق
مفهومه الخاص.
عندما نقل ايغو جونز السنن النهضوية البالديوي من روما الى لندن ،فانه استعار بادراكه العقالني بعض
السنن وسبكها مع السمات االنكليزية في تكوين االسلوب الخاص به والذي أثر في عمارة انكلترا بعده .لكن
هذا لم يكن واضحا ً حينه للكثير من معاصريه الذي لم يجدوا في أبنيته ليس أكثر من نقل لسنن النهضة من
روما الى لندن .وان كانوا وجدوا هذا النقل مستطاباً.
ما أن يثبت الشكل ويصبح انتاجه ضرورة اجتماعية يصبح طرازا ً وتتكون لطرازية الشكل ذاتية
خاصة تستمر في الوجود حتى بعد أن يتغير المطلب أو التقنية (اللذان أوجدانه) .وقد يجري على
الطراز بعض التعديل في المرحلة ،لكنه سيبقى مستمر في أداء المتطلبات الوظيفية ،الى أن يتم
التغيير النوعي في أحد أو كال قطبي العملية (المطلب أو التقنية) حينها يصبح الطراز أحد المعوقات
في توليد شكل جديد.
.1فكري :حيث تتأخر عملية توليد الشكل الجديد ،األكثر توافقا ً مع الجدلية بين المطلب والتقنية.
وذلك في حال تغيير أحدهما أو كليهما.
.2انتاجي :حيث تتأخر عملية توليد الشكل الجديد ،األكثر توافقا ً مع العالقة الجدلية بين المطلب
والتقنية .وذلك في حال تغيير أحدهما أو كليهما.
ان هذه الظاهرة تكون في أجلى مظاهرها في المرحلة التي ينتقل فيها الطراز القديم الى الجديد،
وقب ألن يقوم الطراز بعملية تحرك عارض ،تجري عليه عملية تجريدية ،أي يبتعد الشكل المقصود
من شكلية الشكل األصل (أي يقوم المستعير بعزل الشكل عن المطلب والتقنية).
هذا التجريد الزمة ،ودرجة التجريد يحدد مدى قدرة الطراز باالستمرار بالتحرك العارض وتشعبه،
وتشابكه ،مع عصور ومجتمعات أخرى.
-ان مثل هذا التجريد في الشكل ،هو الذي جعل الشكل الدوري االغريقي في تيجان األعمدة ينتقل
الى عصر النهضة ومنه للعصر االليزابيثي في انكلترا ،ثم يعاصر المراحل المتعاقبة حتى منتصف
29
القرن العشرين ويأخذ مختلف األحجام والمواقع ،سواء في األبنية الدينية كالكنائس الصغيرة ،أو
الكاتدرائيات الكبرى أو القصور.
25
25
الجادرجي ،رفعة .في سببية وجدلية العمارة
30
أما عندما يصبح الشكل معوق للعملية االنتاجية ،يستبدل بشكل آخر للتوافق مع المتطلبات الجديدة.
ان شكل العربة القديمة قد انتقل بصورة جوهرية لشكل السيارة في بواكيرها األولى لحد ما تم
استبداله بشكل آخر يتوافق مع المتطلبات الجديدة.
26
ان شكل العربة القديمة قد انتقل بصورة جوهرية لشكل السيارة في بواكرها األولى ،لحد ما تم استبداله
بشكل آخر أكثر توافق ،مع ما استجد من عوامل أهمها:
31
.1التزايد المتواصل في سرعة سير السيارة.
-اذا كان التجريد بدرجة عالية من العزل عن الشكل األصل ،بحيث يصبح الشكل الجديد مجرد عالقات
هندسية رياضية ال أكثر ،فعندئذ يمكن للشكل أن ينتقل ويستعار من مجال آلخر بسهولة.
مثال حي :نقشة الطرطان ،وهي نمط في تشطيب القماش كان في األصل يرمز للقبائل االسكتلندية ،وقد جرد
تجريد ذريع ،فنقل لنقوش في مجاالت أخرى ،ال ترتبط بتلك القبائل األم .اننا اآلن نجد هذه النقشة في
مجاالت أخرى كثيرة ال ترتبط بتلك القبائل األم ،اننا نجدها في غطاء المائدة المصنوع في اليابان ،والزمزية
27
المصنوعة في الهند ،وعلبة الشوكوالتة المصنوعة في الكويت ،وأبواب السيارات في اليمن صنع الصين.
27
الجادرجي ،رفعت -األخيضر والقصر البلوري
32
تقييم العمارة
العمارة علم وفن في نفس الوقت ،أي أن الفن والعلم هما المكونان األساسيان لظاهرة تسمى العمارة.
انها فن ،ألن أحد وظائفها اشباع حاجة عاطفية للمجتمع ،وانها علم ،ألن هذا االشباع يتطلب التحقيق،
والتحقيق يقوم على المعرفة.
ثم ان العمارة تلبي متطلبات اجتماعية نفعية ،فتنفيذ هذه التلبية يتطلب معرفة أيضاً ،وان كانت من نوع آخر،
حيث أن معرفة الفرد جزء من معرفة المجتمع ،كما أن عاطفة الفرد جزء من عاطفة مجتمعه.
اذا ً فال بد من تناول هاتين الناحيتين في تقييم العمارة ،حيث يقيمان على حدة في البداية وثم نقيم كليهما معاً،
فان حصلنا على تقييم موضوعي ،نكون خطونا خطوة لتقييم التكوين المعماري.
في الناحية الفنية ،يجري التقييم باكتشاف أو تحديد كمية اسهام العمارة المعينة في اشباع الحاجة العاطفية
للمجتمع ،ومن جهة أخرى فان تقييم الناحية الفنية يجري بتحديد درجة اسهام العمارة المعينة في تطوير
االنتاج البنائي.
ان العمارة هي أحد المظاهر االجتماعية لتطور االدراك ،أي في الزيادة الحاصلة في تراكم الحقائق المطلقة،
هذا عندما ننظر الى العمارة باعتبارها احدى المظاهر االجتماعية ،التي تعكس تطور التكوين المادي
االنشائي ،بعبارة أخرى عندما نقيم فيها تطور تقنية التنفيذ.
" ولكن تقييم العمارة ينظر اليه من ناحيتين ،األولى :ناحية عامة وهي التطور المطلق ،والثانية :ناحية خاصة
وهي التطور النسبي ،فعند تقييم العمارة خالل حقبة من الزمن ،أو تقييم طراز ومقارنته بطراز آخر ،ينبغي
اكتشاف مدى التطور في االدراك العلمي في التنفيذ المادي الخاص بذلك الطراز ،وتحديد مدى اسهام ذلك
الطراز في اضافة معرفة جديدة الى خزين المعرفة المتراكم ،مع األخذ بعين االعتبار أن التقييم يجري
28
بمعزل عن التطورات الواقعة في أمكنة وأزمنة أخرى".
بهذه الطريقة ،نكون قد أرسينا أساس لوضع قواعد ،نستطيع بواسطتها اجراء تقييم واقعي ،وبذلك تتهيأ
الوسيلة التي يمكننا بموجبها أن نقيم مثالً الباع القصيرفي العمارة المصرية القديمة ،والعقد الكبير في
العمارة الرومانية ،والمقارنة بينهما بشكل مقنع
28
الجادرجي ،رفعة .في سببية وجدلية العمارة
33
اذا ً بموجب هذا التمهيد ،كيف يمكن تقييم التطور النوعي المنطوي على قفزة هائلة ،والذي حدث عند تغيير
الطراز المعماري الرومانسكي الى القوطي ،وكيف نقيس درجة االسهام في علم البناء والذي كان حصيلة
استخدامه تغيير العمارة من الرومانسكية الى القوطية.
هناك عوامل كثير ،لكن سنقتصر االجابة على 3مكونات جوهرية :استخدام القوس المستدق ،العقد الضلعي،
الزافرة ،وهي العناصر التي تكون الطراز القوطي من الناحية االنشائية.
لكن قبل الخوض في الطراز القوطي يجب أن نسأل ما هو المطلب القوطي ،أي ماهو المطلب االجتماعي
الذي كان على العمارة أن تلبيه وتشبعه؟ كان المطلب يتلخص بنقل المتعبد من عالمه الدنيوي الى عالم
سماوي آخر ليتسامى فيه ،فكيف أشبع البناء القوطي هذه الحاجة؟
.1خلق ذبذبة متحركة في الحجر الجامد الخامد ،بحيث تصبح كل حجرة من األحجار ذات وظيفة ،من
شأنها طرح الشعور بالوفر الناشىء عن الثقل الحجري .وبذلك يتاح لمن يدخل الكاتدرائية درب نحو حياة
متسامية.
.2ايجاد حافز يحرك ما هو مستكن في فضاءات الخانات ،فتنبعث منها قوى دافعة تحت المتعبد المذهول
نحو شرق المعبد ،نحو هيكل المذبح
.3غمر البناء بشحنة التوتر ،وجعل مختلف منظومات البنية ،لعناصر البناء وللترابط المرئي على حد
سواء ،متشابكة ومتسقة ،فتتدفق منها انسيابات روحانية ،تحلق بالمتعبد من حياة الدنيا الى ربوع السماء.
فكيف تمت تلبية هذا المطلب الروحاني المعقد ،لنتصور اآلن قوسا ً دائري يتكون من عدة لبنات ،ويتوجه
عماد يثب من خصرين .ان الثقل الجاذبي ينساب في هذا القوس ،من رأس العماد الى اللبنات العليا ،وتنحدر
الى الجوانب حتى تصل الى الخصر .ومن الواضح ،أنه كلما كانت اللبنات شاقولية الوضع ،كلما انسابت
فيها القوى انسيابا ً يسيرا ً فقوت بذلك القوس ،والعكس صحيح.
34
فاذا غيرنا القوس من نصف دائري الى مستدق (أي الغينا اللبنات في المواقع الضعيفة من أعلى العماد وما
جاوره ،فقد قوي القوس بكامله)
وعندما نجعل القوس مستدقا ً فاننا نحصل على فائدة كبرى أخرى ،اذ نتمكن من رفع وخفض موقع الحنيات
دون تغيير في موقع الخصور .ان تغيير ارتفاع الحنية أمر غير ممكن في النصف الدائري .وعندما كان
القوس نصف الدائري في العمارة الرومانسكية ،كان على المصمم أن يلتزم بالخانة المربعة ليستطيع
الحصول على ارتفاع متساو عند الحنية ،فيحصل على سقف مسطح ،لذا كان من المتعذر على المصمم أن
يقلل مساحة الباع بين األكتاف.
35
فلما أقدم المصمم القوطي على تأليف القوس المستدق ،تمكن من تصغير الباع في الجوانب عند الجناحين،
30
وابقائه واسعا ً عند الصحن.
فبسبب استداقية القوس مع االحتفاظ بمواقع الخصور تمكن من الحصول على حنية أفقية واكمال القوس في
الوقت نفسه وبواسطة هذه الطريقة ،أصبح من الممكن زيادة عدد األكتاف عندما تصبح الخانة مستطيلة
وليست مربعة .فاذا تضاعف عدد األكتاف مع االحتفاظ بسعة الباع في خانة الصحن ،نكون بذلك قد قسمنا
األثقال المناسبة في عقد الباع الى عدد مضاعف من األكتاف .وبهذا نكون خفضنا مقدار وزن الثقل على
الكتف الواحد.
36
فقد حصل المصمم بواسطة هذا على شيئين ،فقد أمكن أوالً تحميل الكتف أثقاالً أكثر وبذلك زيادة ارتفاع
الصحن ،كما أصبح من الممكن حصر الثقل بفتح نافذة فيه .هذا ما فعله المصمم القوطي في المكون األول
من مكونات الطراز القوطي وهو القوس المستدق.
أما المكون الثاني ،العقد الضلعي فقد استحدث المصمم في القوس المستدق أضالعا ً عند الحنيات ،وهكذا تم
صنعه ،لقد كانت عملية االنشاء للعقد الحنيوي في الطراز الرومانسكي تتطلب عند التسقيف قوالب خشبية
تحت كامل العقد وهذا أمر باهض التكاليف وبطيء العمل.
أما بعد استحداث األضالع ،فقد صار انشاؤها أوالً ،واستخدمت القوالب الخشبية تحت المستعرضات ،تحت
القطرية منها فقط ،والتي تتحمل أثقالها الى أن يجف الجص ويستحكم ،وبما أن أثقال الضلع خفيفة نسبيا ً
بالقياس لثقل العقد بأكمله ،فقد تحقق اقتصاد كبير في كملية الخشب المستعمل ،وتيسر تنفيذ العمل وتسريعه،
37
بعد ذلك يجري تكميل العقد بامالء الفراغات بين الضلوع ،فيجري بناء قوالب خفيفة متنقلة الى أن يجف
31
جص ألواح البناء الخفيفة بين الضلوع.
31
الجادرجي،رفعت .طه وهامرسمث
38
أما المكون الثالث ،فهو الزافرة ،وهي نصف قنطرة ،يدعم بها عادة كتف الصحن المرتفع ،وتجلس هي على
كتف أو أكتاف الجناح ،وبهذا يخف الثقل ليس فقط المرتكز على أكتاف الصحن ،بل تنتقل كذلك القوى
األفقية من عقد الصحن عن طريق الزافرة األفقية نفسها الى أكتاف الجناح.
وبهذا استطاع المصمم القوطي من زيادة ارتفاع الصحن وتوسيع باعه ،وفي الجدول اآلتي تتجلى مكنة
المصمم المتزايدة في رفع عقد الصحن.
39
وقد تجلى هذا المنظوم وبلغ الذروة في خصائصه وانسجامه ،في كاتدرائية ايميان ،فها قد تحررت الباعات
بين األكتاف ،وفاض النور من الزجاج ،ودنت السماء من األرض حتى امتزجت بها ،وأصبحت جزء منها،
فتصاعد العقد متوهجا ً أو قد أسندته الزوافر تمد أذرعها فوق الجناحين الجانبيين بحنو مترفق ،فاذا بهيكل
البناء يتوازن لكن توازن األضداد ،ذلك أن األعمدة قد وثبت صاعدة ،فيسندها في صعودها باع الصحن
المرتفع 3أضعاف ارتفاع العقد .وقد لف حول األعمدة حراباً ،فانتصبت شاقولياً ،فاذا باألعمدة عبارة عن
32
حزم ممشوقة يتذبذب فيها ايقاع سريع متكرر يردد تكرار األقواس والعقود.
32
الجادرجي ،رفعة .األخيضر والقصر البلوري
40
اذا ً لماذا هذا التوازن في األضداد ،ولما التوهج الثابث في الزجاج؟ اللهام القلوب بالخشوع ولملىء الصدور
بالعقيدة ،فتطلع القوطيين لم يكن نحو اكتشاف الحقيقة ،بل نحو العثور على برهان يتطابق فيه الوحي مع
العقيدة .اذا ً فتفاعل العناصر المكونة للعمارة القوطية قد حصل لتحقيق التوازن بين ضدين ،فينشأ بالنتيجة
تطلع ملهم نحو تطابق وتناغم مع الغيب.
)2المرتبة العاطفية ،اي مقدار االشباع للعاطفة المشروطة اجتماعيا ً وزمنيا ً وموقعيا ً هذا من ناحية العاطفة
النفعية ،ومن ناحية أخرى تقييم العاطفة االنسانية المتراكمة المجردة كجزء من تطور الغريزة المهذبة.
فما هي الغريزة المهذبة ،انها ذلك التراكم للغريزة االجتماعية ،التراكم الذي هذب تدريجيا ً نتيجة لتطور
تفاعالت اجتماعية ،تفاعلت بموجبها أصبحت النفعية فائضة ،فتحررت منها بمرور تطورها الزمني.
41
التصميم34 أسلوبه في
في بدايات رفعت ظهرت مالمح تأثره بالحداثة ،خصوصا ً أن مدينة بغداد في فترة الخمسينات كانت تشهد
(حداثة) في قالب ثقافي وفني وبرؤية نحو االنطالق لتحقيق المجد كمدينة في القرن العشرين .هذه الحالة
الثقافي كان مدفوع بمشاركة المعماريين والفنانين واألدباء العائدين من البعثات للجامعات حول العالم في تلك
الفترة .يمكن القول بأن بداية (رفعت) كانت (حداثية) بشكل صرف إلى ح ٍد كبير .يتضح ذلك مثالً ،في مبنى
الشركة الوطنية للتأمين (1969م) والذي كان مختلف وجديد حتى على (الحداثة) نفسها -إن صح لنا القول-
أظهر من خالله (رفعت) مدى استيعابه لمدارس العمارة العالمية وقدرته على توظيفها في قالب معاصر.
الخرسانة كانت هي السمة األبرز بعد الهيكل اإلنشائي الواضح للمبنى بلونها الرمادي .التكوين كان أقرب
إلى (الوحشية) ويشبه إلى ح ٍد ما انفعاالت لوكروبوزييه ،وإن لم يكن بنفس الروح.
ارتكز على البحث عن كل ما هو جديد ومثير ،من خالل إضافة إسقاطات هندسية حديثة مستمدة من
المدارس الغربية ومزجها مع أسلوب العمارة التقليدية .ويذكر الدكتور علي ثويني في مقالته "تراثية محمد
مكية ،وحداثة رفعة الجادرجي" بأن الجادرجي كان فنانا معماريا ً حداثياً ،بل وضعه في "خانة" فناني ما بعد
الحداثة أيضاً ،وأشار إلى تأثره برواد الحداثة في عمارة القرن العشرين وأشار بالتحديد إلى األلماني فالتر
كروبيوس ،واألميركي فرانك لويد رايت.
االحتراف:
سرعان ما تحول هذا المسار (الحداثي) إلى الدمج ما بين (التكنولوجيا) و (المحلية) في محاولة إلنتاج مسار
جديد للعمارة آنذاك ،يعتمد على استنباط الشكل وتجديده وتطويره في قالب معاصر ،ويتواكب مع الحراك
الفكري والثقافي في بغداد ،والذي كان يسعى إلى إيجاد هوية حداثية .أصبح هذا الدمج فيما بعد سمة تميز
أعمال (رفعت) ،ليس في العراق وحسب ،بل على مستوى العالم .فلم تشهد العمارة العربية حتى ذلك الوقت
عمالً مشابها ً في الواجهات أو التكوين .أول هذه النماذج كان الشركة الوطنية للتأمين (1970م) بواجهة
مختلفة ومغايرة ،استطاع من خاللها (رفعت) أن يُعيد تشكيل الواجهة بلمسة محلية معاصرة لم تعتمد على
النقل والنسخ للمفردة المعمارية القديمة ،بل تمريرها في مسار تطويري وتجديدي إلعادة إنتاجها في قالب
معاصر .إضافة (رفعت) المغايرة في هذا المشروع ،كانت في توظيفه لمادة (الطوب الطيني) والتي أعتبرها
النقاد لمسة محلية لتعريب الحداثة ،إال أن (الطوب) لم يكن كساء خارجي ألسلمة أو تعريب العمل
المعماري ،فلقد وظفه (الجادرجي) كمادة بناء حقيقة تتفاعل مع بقية المواد األخرى كالخرسانة والزجاج في
مقال :ما بين محمد مكية ورفعة الجادرجي ،أسس التصميم العمراني التقليدي
34
42
العمل المعماري .وهو ما أستمر يكرره بأساليب مختلفة وفي نفس الخط التصميمي الذي أبتكره في عدة
مشاريع أخرى.
.1الوظيفة النفعية
.3الوظيفة الجمالية التي تحقق متعة ادراكية وبصرية من خالل العمارة حيث يتضمن التكوين المعماري
.فيها قيما تنويعية مركبة تؤمن للناس المتعة واالسترخاء النفسي
معظم واجهات المباني التي صممها مغلفة بالطابوق الطيني العراقي وعليها اشكال تجريدية تشبه الشناشيل
وغيرها من العناصر التقليدية .وبحسب وصف أحد المهندسين ،فقد زاوج الجادرجي "بين التراث المحلي
35
والتحديث العالمي في المباني.
43
)2بناية البريد المركزي 1975
44
45
)3مبنى اتحاد الصناعات الوطنية 1966
46
)4مبنى مجلس الوزراء 1975
36
مقال :رفعت الجادرجي ،جدار بين ظلمتين
47
مشاريعه المعمارية
)1مبنى األكاديمية العلمية العراقية :استخدم األقواس التقليدية ،بتكرار منتظم للمحافظة على االيقاع
والتوازن في الواجهة نفسها ،باالضافة الى األلوان األخضر التقليدي بدرجاته المختلفة.
48
49
مخطط الطابق األرضي (االقتباس من المخططات الغربية المعاصرة مع الحفاظ على نسيج المبنى العام)
50
مخطط الطابق األول
51
52
تفاصيل انشائية للواجهة ( واجهة حداثية متماشية مع النسيج العام في طريقة البناء التقليدية)
53
)2مجمع الحساوي السكني -الكويت
يتضح من خالله دمج الطراز المعماري الحديث بشكل تقليدي وتكراره على طول فتحات المجمع ،حيث تم
استخدام الفتحات القوسية ذات الطراز العربي التقليدي ولكن بأنموذج حداثي ،الدخال االضاءة بالكمية
37
المطلوبة الى داخل المجمع.
54
اطاللة خارجية للموقع
55
واجهة بالرسم ثنائي األبعاد
56
الفتحات التصميمية في المجمع
57
مخطط الطابق األرضي
58
مقطع عرضي للمجمع
59
.3منزل عائلة الحمد – الكويت
يعد هذا المنزل أنموذجا ً لكيفية دمج الطراز المعماري القديم مع الحديث ،وكان االختالف بسيطا ً حيث أدخل
عدة أشكال للفتحات في الواجهة الواحدة ،فكان تغيير نسبي ولطيف في الواجهة الرئيسية.
60
مخطط السرداب
61
مخطط الطابق األول
62
تصميم الواجهات والفتحات (التناغم وااليقاع في تصميم الفتحات ،فكما نالحظ هناك تفاوف في ارتفاعات
وعرض الفتحات حسب ما يقتضي التصميم)
63
)4مسجد سراج الدين
64
65
)5منزل حسن الكرباسي -بغداد
يتجلى في هذا المنزل طريقة استخدام المواد (الطوب العراقي) ودمجه مع الفتحات الصغيرة في الواجهة،
38
الدخال كمية محددة من االضاءة للداخل.
38
مقال :تراثية محمد مكية ،وحداثة رفعة الجادرجي
66
67
68
)6بناية القرباجي -الموصل (العراق)
يتجلى جمال البناء في دمج الطوب العراقي وانشاء فتحات حداثية متنوعة ،ودمجها مع الفتحات التقليدية،
وخلق جوء جمالي من الداخل للخارج عبر الشرفات المزركشة والمزخرفة والعكس صحيح.
69
70
71
مخطط الطابق األرضي
72
مخطط الطابق األول
73
)7منزل رفعة الجادرجي
74
75
76
77
أعماله الفنية
.1نصب الجندي المجهول :تم تصميم وتنفيذ نصب الجندي المجهول القديم في ساحة الفردوس عام
1959من قبل المهندس المعمار رفعت الجادرجي الذي مزج فيه الفن الهندسي والبساطة في المظهر،
فكان النصب على شكل جدار مقوس عالي شبه مدبب في األعلى .أما في قاعدتيه فتوجد نافذتين على شكل
هالل ونهايات الهاللين هي قاعدة النصب ،تم تغليفه بنوع من الحجر األبيض االيطالي.
78
39
79
40
نصب الجندي المجهول عند الغروب ،األرشيف الخاص بالمعمار رفعة الجادرجي
40
80
.2مبنى الشركة الوطنية للتأمين:
تم بناؤه في ستينيات القرن الماضي في مدينة الموصل ،لعل الخرسانة كانت هي السمة األبرز بعد الهيكل
اإلنشائي الواضح للمبنى بلونها الرمادي .التكوين كان أقرب إلى (الوحشية) ويشبه إلى ح ٍد ما انفعاالت
41
لوكروبوزييه ،وإن لم يكن بنفس الروح.
استطاع من خاللها (رفعت) أن يُعيد تشكيل الواجهة بلمسة محلية معاصرة لم تعتمد على النقل والنسخ
للمفردة المعمارية القديمة ،بل تمريرها في مسار تطويري وتجديدي إلعادة إنتاجها في قالب معاصر .إضافة
(رالطوب فعت) المغايرة في هذا المشروع ،كانت في توظيفه لمادة (الطيني) والتي أعتبرها النقاد لمسة
محلية لتعريب الحداثة ،إال أن (الطوب) لم يكن كساء خارجي ألسلمة أو تعريب العمل المعماري ،فلقد وظفه
(الجادرجي) كمادة بناء حقيقة تتفاعل مع بقية المواد األخرى كالخرسانة والزجاج في العمل المعماري
81
82
.3تصميم قواعد نصب الحرية في بغداد
42
نصب الشهيد ،الموقع الخاص بالمعمار رفعة الجارجي لتوثيق الصور الرسمية
42
83
.4مرقد االمام الكاظم 1954
43
84
.5برج جزيرة بغداد السياحية
44
85
.6واجهة منزل الشكرجي (بغداد)
أنموذج على تأطير الحداثة في قالب محلي ،عن طريق مزج المواد التقليدية للبناء والفتحات التقليدية
45
بالفتحات العصرية ،وتكرارها بطريقة فنية حداثية.
46
45
مقال :ما بين تراثية محمد مكية ،وحداثة رفعة الجادرجي
86
ملخص البحث
يرتكز األسلوب الهندسي للجادرجي على البحث عن كل ما هو مثير وجديد ،من خالل اضافة اسقاطات
هندسية مستمدة من المدارس الغربية ،ومزجها مع أسلوب العمارة التقليدية أي (الدمج بين التكنولوجيا
والمحلية) الستنباط الشكل التقليدي وتطويره في قالب معاصر.
87
ملحق البحث
تم اقتباس صور البحث االيضاحية من المصادر التالية :
https://archnet.org.6
88
مراجع البحث
.1الجادرجي،رفعة .األخيضر والقصر البلوري
https://archnet.org.6
89