You are on page 1of 64

‫نظرية العقول العشرة لدى الفارابى‬

‫ومدى تأثره بفالسفة اليونان‬

‫عاطف مصطفى حممد أبوزيد‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫الحمـد هلل رب العالمين نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفـره ‪ ،‬ونعـوذ‬
‫باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬إنه من يهـده اللـه فال مضل له ‪،‬‬
‫ومن يضلل فال هادى له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد‬
‫أن محمدا عبده ورسـوله ‪.‬‬
‫أما بعد‬
‫فإن نظرية العقول العشرة تعتبر من بين النظريات التى كان لها األثر‬
‫الكبير فى الفلسفة على العموم والفلسفة اإلسالمية خاصة‪ ،‬وهذا من خالل نخبة‬
‫من الفالسفة المسلمين – كالفارابى مثال – الذين أولوا لها أهمية كبيرة ‪.‬‬
‫وكان من أسباب اختيارى لهذا الموضوع ما يلى‪-:‬‬
‫‪ .1‬عدم اهتمام الدارسين للفارابى بنظرية العقول العشرة لديه رغم أهميتها‬
‫الكبيرة وخصبها الوافر وغزارة معانيها‪.‬‬
‫‪ .2‬بيان مدى موافقة تلك النظرية لروح الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬ومدى‬
‫مخالفتها ‪ ،‬وفى ذلك إحياء حقيقيا لتراثنا اإلسالمى‪.‬‬
‫فلهذين السببين وبعد استخارة المولى عز وجل استعنت به واخترت هذا‬
‫الموضوع ‪.‬‬
‫أما عن منهج البحث‪ :‬فقد اعتمد الباحث فى دراسته لنظرية العقول العشرة لدى‬
‫الفارابى على المناهج اآلتية‪ :‬التحليلى والنقدى؛ وذلك لما تقتضيه طبيعة البحث‬
‫حيث يلزم تحليل أفكار الفارابى ونقدها ‪ ،‬وحتى يتضح المعنى فى الذهن ونرى‬
‫مقدار التأثير والتأثر‪ ،‬ونقف على مواطن األصالة واالبتكار والتجديد أو المتابعة‬
‫والتقليد‪ ،‬مع مراعاة النقاط اآلتية ‪-:‬‬
‫‪ .1‬بيان مدى تأثر الفارابى بفالسفة اليونان فى جل مباحث الموضوع وعدم‬
‫إفراد مبحث مستقل لذلك لعدم التكرار‪.‬‬
‫‪ .2‬الرجوع إلى المصادر األساسية والمعتمدة للفارابى مع االستعانة‬
‫بالمراجع الحديثة استئناسا للرأى أحيانا ‪ ،‬ولتوضيح رأى أو فكرة‬
‫اكتنفها الغموض أو اإلبهام فى مصادرها األصلية أحيانا أخرى‪.‬‬
‫‪ .3‬الترجمة الموجزة لمن تطلب األمر الترجمة له من األعالم الواردة فى‬
‫ثنايا البحث‪.‬‬
‫هذا وقد اقتضت طبيعة البحث أن يشتمل على مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث‬
‫وخاتمة على النحو التالى ‪:‬‬
‫المقدمة ‪ :‬وتشتمل على أهمية الموضوع وأسباب اختياره ومنهج‬ ‫‪‬‬
‫البحث‪.‬‬
‫التمهيد ‪ :‬ويشتمل على التعريف بالفارابى ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المبحث األول ‪ -:‬مفهوم العقل ومدلوله‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثانى‪ -:‬أسس النظرية لدى الفارابى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثالث ‪ - :‬العقل الفعال وعالقته بالعالم ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -:‬نقد النظرية ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الخاتمة ‪ :‬وبها أهم النتائج ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التمهيد‬
‫التعريف بالفارابى ‪-:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫اسمه ‪ -:‬محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ‬
‫كنيته‪ -:‬كان يكنى بأبى نصر(‪.)2‬‬
‫وقد اتفق أغلب المترجمين للفارابى على أنه تركى األصل‪ ،‬باستثناء ابن‬
‫أصيبعة الذى ذكر أن والده كان قائد جيش وهو فارسى األصل(‪.)3‬‬
‫ويرى المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق أنه " ال سبيل إلى تحقيق نسبه من‬
‫هذه الناحية لتقارب البلدين واشتراك األعالم فيهما‪ ،‬وإذا صح أن أباه كان قائد‬
‫جيش فهو لم يكن من كبار القواد الذين يشيد بهم التاريخ‪ ،‬ولعل فيما امتاز به‬
‫الفارابى من الشجاعة والصبر على احتمال متاعب الدرس ومشاق األسفار‬
‫وشظف العيش ما يشعر بأنه سليل أبطال"(‪.)4‬‬
‫مولده ‪ -:‬لم يذكر المؤرخون تاريخ والدته ‪ ،‬ولكنهم ذكروا أنه توفى بدمشق فى‬
‫شهر رجب عام ‪333‬هـ وقد ناهز الثمانين عاما‪ ،‬ومن ثم تكون والدته عام‬
‫‪253‬هـ تقريبا (‪ )5‬فى فاراب (‪.)6‬‬
‫نشأته وتعلمه ‪:‬‬
‫نشأ الفارابى ميسور الحال‪ ،‬فقد كان زاهدا متقشفا ال يحتفل بأمر مكسب وال‬
‫مسكن وال يعنى بزى أو مظهر‪ ،‬وقد استعاض عن متع الدنيا ومباهجها بالتفكير‬
‫والتأمل والنظر بعيدا عن صخب الحياة وجلبة الجماعة‪ ،‬فكان ال يرى إال عند‬
‫مجتمع ماء أو مشتبك رياض يكتب ويقرأ‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬المسعودى – التنبيه واإلشراف صـ ‪ ،101‬ط‪ :‬القاهرة ‪1001‬هـ‪1301 /‬م‪ ،‬والقاضى صاعد األندلسى –‬
‫طبقات األمم – تحقيق لويس شيخو اليسوعى صـ ‪ ،10‬المطبعة الكاثوليكية – بيروت‪1311‬م‪ ،‬وابن أبى أصيبعة‬
‫– عيون األنباء فى طبقات األطباء ج‪ 1‬صـ ‪ 101‬دار الحياة – بيروت ‪1391‬م‪ ،‬وابن خلكان‪ -‬وفيات األعيان‪،‬‬
‫تحقيق د‪ /‬إحسان عباس جـ‪ 1‬صـ‪ ،110‬دار صادر‪ -‬بيروت – لبنان – طبعة عام ‪1031‬هـ ‪ 1311 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬القاضى صاعد األندلسى – طبقات األمم صـ ‪ ،10‬وابن خلكان‪ -‬وفيات األعيان جـ‪ 1‬صـ‪110‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪ :‬عيون األنباء فى طبقات األطباء ج‪1‬صـ ‪101‬‬
‫(‪ )4‬فيلسوف العرب والمعلم الثانى صـ ‪ ،11‬ط‪:‬البابى الحلبى بالقاهرة ‪1311‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الشيخ مصطفى عبد الرازق ‪ -‬فيلسوف العرب والمعلم الثانى صـ ‪ ، 11‬وخالف فى ذلك ابن النديم إذ‬
‫يرى ( أن الفارابى من بلدة فارياب من أرض خراسان)‪ -‬انظر‪ :‬الفهرست صـ ‪ ،190‬بيروت ‪1394‬م‪ .‬وفيما‬
‫ذهب إليه ابن النديم نظر؛ ألن الفارابى لو كان من فارياب لكان اسمه الفاريابى ال الفارابى‪.‬‬
‫(‪ )9‬فاراب – والية وراء نهر سيحون فى تخوم بالد الترك‪ .‬انظر ‪ :‬ياقوت الحموى ‪ -‬معجم البلدان ج‪ 9‬صـ ‪،104‬‬
‫دار صادر بيروت – لبنان ‪1313‬م‪.‬‬
‫وكان الفارابى حاد الذهن متوقد الذكاء واسع الثقافة‪ ،‬فلم يدع علما من‬
‫علوم زمانه إال أجاده وبرع فيه‪ ،‬واشتهر بمعرفة لغات كثيرة كالعربية والتركية‬
‫والفارسية‪ ،‬وكذلك كان موسيقيا تنسب إليه األعاجيب‪ ،‬كما يعزى إليه اختراع‬
‫اآللة المعروفة بالقانون‪ ،‬وكانت له قوة فى صناعة الطب وعلم باألمور الكلية‬
‫منها‪ ،‬ولكنه لم يباشر أعمالها وال حاول جزئياتها‪ ،‬فلئن لم يطبب األجسام فحسبه‬
‫تطبيب النفوس واألرواح (‪.)1‬‬
‫لذلك لم يكن عجبا أن يحتل الفارابى المقام األول بين المفكرين‬
‫والفالسفة‪ ،‬مما حدا بالمترجمين إلى وصفه بأنه أكبر فالسفة اإلسالم‪ ،‬وبأنه‬
‫فيلسوف المسلمين على الحقيقة‪ ،‬وإلى تسميته بالمعلم الثانى‪ ،‬يعنون أنه يأتى فى‬
‫المرتبة الثانية بعد أرسطو(‪.)2‬‬
‫أعجب بأرسطو فشرح كتبه وال سيما المنطقية منها‪ ،‬وعلق عليها‬
‫وأظهر غامضها‪ ،‬وقرب متناولها‪ ،‬ولكن أرسطو لم يصل إليه خالصا وإنما‬
‫وصل إليه من خالل األفالطونية المحدثة التى شوهت كثيرا من آراء أرسطو‬
‫ونسبت إليه ما ليس له‪ ،‬وربما كان المنطق وحده هو الذى نجا من هذا التشويه‬
‫فوصل خالصا مقتحما جميع العقبات (‪.)3‬‬
‫وقد عرف الفارابى بأسفاره الكثيرة منذ أن ترك بلدته ( فاراب ) فى‬
‫آسيا الوسطى‪ ،‬وال شك أن هذه األسفار قد أفادت الفارابى كثيرا وساعدت على‬
‫بلورة شخصيته الفكرية‪ ،‬وذلك بما هيأته له من فرص االحتكاك بثقافات جديدة‬
‫لم يسبق له االطالع عليها‪ ،‬ومعاينة أحوال الناس والمجتمعات عن قرب‪ ،‬مما‬
‫سيكون له أكبر األثر فى اهتمامه غير العادى بالسياسة واألخالق والمجتمع‪،‬‬
‫وكذلك وقبل كل شئ االلتقاء بأساتذة وعلماء فى شتى فنون المعرفة‪ ،‬ال سيما‬
‫وأن جل أسفار الفارابى كانت طلبا للعلم‪ ،‬فلقد رحل إلى بغداد حوالى عام‬
‫‪313‬هـ وعمره حينئذ يناهز الخمسين وأقام بها نحو عشرين عاما كانت من‬
‫أخصب فترات حياته العقلية‪ ،‬حيث كتب معظم مؤلفاته‪ ،‬ثم سافر منها إلى دمشق‬
‫ولم يقم بها‪ ،‬ثم توجه إلى مصر ‪ ،‬وعاد إلى دمشق‪ ،‬وتوفى بها (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن أبى أصيبعة – عيون األنباء فى طبقات األطباء ج‪ 1‬صـ‪ ،109‬وراجع‪ :‬د‪ /‬محمد عبد الرحمن مرحبا‬
‫– من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة اإلسالمية صـ ‪ -010‬بيروت ‪،‬ط‪:‬ثانية ‪1311‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‬
‫(‪)0‬انظر‪:‬ابن خلكان‪ -‬وفيات األعيان جـ‪ 1‬صـ‪110‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن أبى أصيبعة – عيون األنباء ج‪ 1‬صـ‪ ،109‬وانظر‪ :‬د‪ /‬إبراهيم العاتى – اإلنسان فى فلسفة الفارابى‬
‫صـ ‪ ،19‬دار الهادى ‪ ،‬ط‪:‬أولى ‪1400‬هـ ‪1003 /‬م‪.‬‬
‫أساتذته ‪:‬‬
‫أشار الفارابى إلى بعض أساتذته ممن أفاد منهم‪ ،‬ثم فاق بعضهم معرفة وعلما‬
‫ومن هؤالء‪-:‬‬
‫يوحنا بن حيالن(ت ‪813‬هـ)‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫طبيب نصرانى منطقى‪ ،‬كان يسكن مدينة حران‪ ،‬درس الفارابى على يديه‬
‫المنطق(‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬متى بن يونس ( ت ‪823‬هـ‪ ،‬وقيل ‪823‬هـ)‪.‬‬
‫كان متى بن يونس شيخا كبيرا يقرأ الناس عليه فن المنطق‪ ،‬وله صيت عظيم‬
‫وشهرة وافية‪ ،‬ويجتمع فى حلقته كل يوم عدد كبير من المشتغلين بالمنطق‪ ،‬وهو‬
‫يقرأ كتب أرسطاطاليس فى المنطق ويملى على تالمذته شرحه‪ ،‬وكان حسن‬
‫العبارة فى تأليفه‪ ،‬لطيف اإلشارة‪ ،‬وكان يستعمل فى تصانيفه البسط والتذييل‪،‬‬
‫وقد درس الفارابى على يديه شيئا من الحكمة والمنطق فى بغداد (‪.)2‬‬
‫تالمذته‪-:‬‬
‫كان للفارابى تالمذة اشتهروا وعرفوا فى حقول اختصاصاتهم الفلسفية‬
‫وسجل لهم تاريخ الفكر لمعات نادرة وآراء جادة نافذة ‪ ،‬ومن هؤالء التالمذة ‪-:‬‬
‫‪ – 1‬أبو زكريا يحي بن عدى ‪ -:‬يعد هذا التلميذ من أفضل تالمذة الفارابى‬
‫ومن نقلة الفكر اليونانى إلى العربية‪ ،‬وله تصانيف كثيرة‪ ،‬وكان يشرح كتب‬
‫أرسطو ويلخص تصانيف الفارابى‪ ،‬وقد توفى عام ‪364‬هـ(‪.)3‬‬
‫‪ – 2‬الشيخ الرئيس ابن سينا ‪ -:‬إذا تركنا التلمذة المباشرة‪ ،‬فإن ابن سينا الذى‬
‫تميز بالذكاء الحاد والفطنة يعد أحد تالمذة الفارابى‪ ،‬حيث انتفع بكالمه فى‬
‫تصانيفه‪ ،‬بل إن ابن سينا نفسه يعترف للمعلم الثانى باألستاذية ‪ ،‬وقد توفى ابن‬
‫(‪)4‬‬
‫سينا عام ‪424‬هـ ‪1331 /‬م وله من العمر ثمانية وخمسون عاما‬

‫(‪)1‬انظر‪:‬القفطى–إخبار العلماء بأخبار الحكماء صـ ‪،111‬القاهرة ‪1019‬هـ ‪1301 /‬م‪.‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪:‬ابن خلكان‪ -‬وفيات األعيان جـ‪ 1‬صـ‪110‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪:‬البيهقى– تاريخ حكماء اإلسالم( تتمة صوان الحكمة)صـ‪،31‬ط‪:‬الهور ‪1011‬هـ‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬د‪ /‬مصطفى غالب – ابن سينا ( الموسوعة الفلسفية ) صـ ‪ ، 10‬ط‪ :‬بيروت ‪1313‬م‪ ،‬وانظر‪ :‬د‪ /‬جعفر‬
‫آل ياسين – فيلسوف عالم ( دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره الفلسفى ) صـ ‪ ، 193‬دار األندلس ط‪ :‬أولى‬
‫‪1404‬هـ ‪1314 /‬م‪.‬‬
‫مؤلفاته ‪-:‬‬
‫يعد الفارابى من أغزر فالسفة اإلسالم مادة ومن أطولهم نفسا فى التأليف‪،‬‬
‫ومن أكثرهم إنتاجا وتنوعا‪ ،‬فقد عالج مسائل متعددة فى المنطق والطبيعة وما‬
‫بعد الطبيعة والفلك والتنجيم والهندسة والسياسة والطب وغير ذلك‪ ، ،‬وقد‬
‫أحصى له بروكلمان ( ‪ ) 141‬كتابا ضاع القسم األكبر منها‪ ،‬ويمكن تقسيم‬
‫كتب الفارابى إلى قسمين‪-:‬‬
‫ب – شروح وتعليقات‬ ‫تصانيف شخصية مبتكرة‬ ‫أ‪-‬‬
‫لكن الحدود ليست واضحة بين هذين النوعين من المؤلفات‪ ،‬فالشرح‬
‫والتعليق البد فيهما من فهم النص أوال والغوص على معانيه واستنباط ما غمض‬
‫منها بالتخريج والقياس والمقارنة‪ ،‬وكل ذلك يتطلب من الجهد والتفكير وإعمال‬
‫العقل ما يصل إلى حد اإلبداع واألصالة فى كثير من األحيان‪ ،‬ومن هنا ما نجد‬
‫عند الشراح من تحميل النص من المعانى ما لم يخطر ببال صاحبه‪ ،‬حتى إن‬
‫النص الواحد قد يذهب الشراح فى فهمه مذاهب شتى تختلف باختالف حظهم‬
‫من االبتكار والخلق‪.‬‬
‫وإذا كان المجهود الشخصى عنصرا هاما فى فهم النص؛ فإن التقييد‬
‫ببعض األصول العامة وااللتزام بما هو مقرر وثابت عنصر ال يقل أهمية أيضا‬
‫فى التأليف‪ ،‬ومعنى هذا أن الشرح ليس التزاما كله‪ ،‬كما أن التأليف ليس اجتهادا‬
‫كله‪ ،‬وإنما الحدود بينهما مشتركة متداخلة (‪.)1‬‬
‫وضمن هذه الشرائط نورد هنا أهم مؤلفات الفارابى أوال‪ ،‬ثم نعقب بأهم شروحه‬
‫وتعليقاته‪-:‬‬
‫أوال‪ :‬أهم مؤلفاته‪-:‬‬
‫(‪.)3‬‬ ‫(‪.)2‬‬
‫‪ -‬مقالة فى معانى العقل‬ ‫إحصاء العلوم‬
‫(‪.)4‬‬
‫‪ -‬التنبيه على سبيل السعادة‪.‬‬ ‫تحصيل السعادة‬
‫(‪.)1‬‬
‫‪ -‬فصوص الحكم‬ ‫المسائل الفلسفية واألجوبة عنها‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬د‪ /‬محمد عبد الرحمن مرحبا – من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة اإلسالمية صـ ‪ ، 010‬وانظر‪ :‬د‪/‬‬
‫إبراهيم العاتى – اإلنسان فى فلسفة الفارابى صـ ‪19‬‬
‫(‪ )1‬طبع بصيدا عام ‪1311‬م‪ ،‬ثم نشره د‪ /‬عثمان أمين فى مصر عام ‪1301‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬قام المستشرق(ديتريصى) بنشر هذه الرسالة بليدن عام ‪1130‬م‪ ،‬كما طبعت طبعات أخرى منها ‪ :‬طبعة‬
‫مطبعة السعادة بالقاهرة عام ‪1301‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬تم طبعه بحيدر أباد عام ‪1301‬م‪.‬‬
‫(‪.)3‬‬ ‫(‪.)2‬‬
‫‪ -‬كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين‬ ‫كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة‬
‫ثانيا‪ :‬أهم شروحه وتعليقاته ‪-:‬‬
‫للفارابى شروح وتعليقات على كتب أرسطو التالية ‪-:‬‬
‫‪ -‬العبارة‬ ‫البرهان‬
‫‪ -‬الجدل‬ ‫الخطابة‬
‫‪ -‬المغالطة ‪.‬‬ ‫القياس‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ -‬السماء والعالم ‪.‬‬ ‫المقوالت‬
‫وفاته ‪- :‬‬
‫بعد حياة عامرة مليئة بالعلم والعمل توفى الفارابى بدمشق فى شهر رجب عام‬
‫‪333‬هـ‪ ،‬وصلى عليه سيف الدولة ( ت ‪356‬هـ ) فى خمسة عشر رجال من‬
‫خاصته‪ ،‬ودفن بظاهر دمشق خارج الباب الصغير(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬قام المستشرق(ديتريصى) بنشر هذه الرسالة بليدن عام ‪1130‬م ‪ ،‬كما طبعت بالقاهرة عام ‪1301‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬طبع هذا الكتاب ألول مرة فى ليدن عام ‪1131‬م‪ ،‬كما طبع طبعات أخرى منها ‪ :‬طبعة القاهرة عام ‪1309‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬قام ديتريصى بنشره عام ‪1130‬م‪ .‬راجع فيما سبق‪:‬ابن أبى أصيبعة – عيون األنباء ج‪0‬صـ ‪ 100‬والدكتور‬
‫حسين محفوط باالشتراك مع د‪ /‬جعفر آل ياسين – مؤلفات الفارابى صـ‪ 491‬بغداد‪1311‬م‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن خلكان ‪ -‬وفيات األعيان جـ‪ 1‬صـ‪. 111‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن أبى أصيبعة ‪ -‬عيون األنباء فى طبقات األطباء صـ ‪ ،104‬وابن خلكان ‪ -‬وفيات األعيان جـ‪1‬‬
‫صـ‪ ،111‬وانظر‪ :‬د‪ /‬فتح اهلل خليف – فالسفة اإلسالم صـ ‪ – 40‬دار الجامعات المصرية بدون ‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫مفهوم العقل ومدلوله‬
‫مفهوم العقل فى اللغة ‪-:‬‬
‫العقل لغة مصدر عقل ‪ :‬أى ربط واستمسك ‪ ،‬تقول‪ :‬عقل بطن المريض بعدما‬
‫استطلق‪ :‬استمسك‪ ،‬واسم الدواء‪:‬العقول (‪ ،) 1‬والعقل " الحجر والنهى‪ ،‬ضد‬
‫الحمق‪ ،‬والجمع‪ :‬عقول"(‪.)2‬‬
‫" ورجل عاقل ‪ :‬وهو الجامع ألمره ورأيه‪ ،‬أخذ من عقلت البعير‪ :‬إذا جمعت‬
‫قوائمه‪ ،‬وقيل‪ :‬العاقل ‪ :‬الذى يحبس نفسه ويردها عن هواها‪ ،‬أخذا من قولهم ‪:‬‬
‫اعتقل لسانه‪ :‬إذا حبس ومنع الكالم"(‪.)3‬‬
‫" وعقل البعير‪ ،‬يعقله عقال‪ ،‬وعقله واعتقله‪ ،‬ثنى وظيفه مع ذراعه‪ ،‬وشدهما‬
‫جميعا فى وسط الذراع‪ ،‬وكذلك الناقة "(‪.)4‬‬
‫وأطلق العقل على الدية التى تدفع ألهل المقتول‪ ،‬فيقال‪-:‬‬
‫" عقل القتيل ‪ ،‬يعقله عقال ‪ :‬وداه ‪ ،‬وعقل عنه"(‪ : )5‬إذا أدى عنه الدية ‪ ،‬وأصل‬
‫ذلك أن الدية كانت إبال تعقل بأفنية البيوت‪ ،‬ثم كثر فصار كل دية عقال‪ ،‬وإن‬
‫(‪)6‬‬
‫كانت دراهم أو دنانير‬
‫ويطلق العقل على قوة الحجة فيقال‪ " :‬عاقلته ‪ :‬فعقلته‪ ،‬أعقله بالضم ‪ :‬أى غلبته‬
‫بالعقل‪ ...،‬وتعقل ‪ :‬تكلف العقل ‪ ،‬كما يقال ‪:‬تحلم وتكيس"(‪.)1‬‬

‫و"عقل الشئ يعقل عقال‪ ،‬فهمه ‪ ،‬ويقال ‪ :‬أعقلت فالنا‪ :‬أى صيرته عاقال "(‪.)4‬‬
‫ومن ثم يتبين أن العقل يطلق على معان تدور حول المنع والفهم واالستمساك‬
‫والربط‪ ،‬وهذه المعانى من صفات العقل الذى خص اهلل به اإلنسان‪ ،‬وميزه به‬

‫(‪)1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ -‬لسان العرب – تحقيق د‪ /‬عبد اهلل الكبير ومحمد أحمد حسب اهلل‪ -‬مادة عقل م‪4‬ج‪ 09‬صـ‬
‫‪ ، 0049‬دار المعارف بدون‪.‬‬
‫(‪)1‬المرجع السابق‬
‫(‪)0‬المرجع السابق بتصرف يسير‬
‫(‪)4‬المرجع السابق‬
‫(‪)1‬المرجع السابق‬
‫(‪)9‬المرجع السابق‬
‫(‪)1‬الجوهرى – الصحاح – تحقيق د‪ /‬أحمد عبد الغفور – مادة عقل ج‪ 1‬صـ ‪ -1111‬دار العلم للماليين بيروت‬
‫لبنان ‪ ،‬ط‪ :‬رابعة ‪1330‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب ‪ -‬مادة عقل ج‪ 11‬صـ ‪413‬‬
‫عن سائر الحيوان‪ ،‬فهو الذى يمنع صاحبه عن التورط فى المهالك ‪ ،‬ويرد‬
‫النفوس عن هواها‪ ،‬وهو الذى يميز به اإلنسان بين الخير والشر‪ ،‬وبين النافع‬
‫والضار" وبهذه الداللة يتجلى العقل العملى‪ ،‬الذى يعقل النفس ويمنعها عن‬
‫التصرف على مقتضى الطباع‪ ،‬فالعقل ضد الطبع" (‪.)1‬‬
‫وعلى هذا فإن العقل فى مدلول لفظه العام يطلق على"تلك الملكة التى يناط بها‬
‫الوازع األخالقى‪ ،‬أو المنع عن المحظور والمذكور‪ ،‬ومن هنا كان اشتقاقه من‬
‫مادة(عقل )التى يؤخذ منها العقال‪ ،‬وتكاد شهرة العقل بهذه التسمية أن تتوارد فى‬
‫اللغات اإلنسانية الكبرى التى يتكلم بها مئات الماليين من البشر" (‪.)2‬‬
‫مفهوم العقل فى القرآن والسنة ‪-:‬‬
‫أوال ‪ :‬مفهوم العقل فى القرآن الكريم ‪-:‬‬
‫لم يرد لفظ العقل فى القرآن الكريم مصدرا قط‪ ،‬وإنما ورد فى صيغة الفعل ‪:‬‬
‫عقل‪ ،‬يعقل‪ ،‬نعقل‪ ،‬فى الماضى والمضارع والمفرد والجمع‪ ،‬وورد بعضها‬
‫مسبوقا بالحث على العقل أو االستفهام أو االستنكار أو النفى‪ ،‬ومن ذلك ‪-:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪ "-:‬يسمعون كالم اهلل ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه"(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالى ‪ ":‬وتلك األمثال نضربها للناس وما يعقلها إال العالمون"(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬قوله تعالى‪ ":‬إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون"(‪.)5‬‬
‫فمعنى ( عقلوه‪ ،‬يعقلها ‪ ،‬تعقلون ) هو‪:‬علموه وتعلمون أو تعرفون أو‬
‫تفهمون‪ ،‬مما يدل على أن العقل يعنى ‪ -:‬العلم والمعرفة والفهم(‪.)6‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مفهوم العقل فى السنة ‪-:‬‬
‫ورد لفظ العقل فى السنة النبوية المطهرة فيما يقرب من ثالثمائة مرة‬
‫بالصيغتين االسمية والفعلية ومن ذلك ‪-:‬‬
‫أ‪ -‬ما ورد من وصف المصطفى صلى اهلل عليه وسلم النساء بأنهن " ناقصات‬
‫عقل ودين " (‪ )1‬فقد جاء العقل فى الحديث بالصيغة االسمية‪ ،‬واعتبر النسيان من‬
‫نقصان ملكة العقل عند المرأة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الموسوعة الفلسفية العربية ج‪ 1‬صـ ‪139‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬محمد نوفان‪ -‬الداللة العقلية فى القرآن الكريم صـ‪10 : 11‬‬
‫(‪ )0‬سورة البقرة آية ‪11‬‬
‫(‪ )4‬سورة العنكبوت آية ‪40‬‬
‫(‪ )1‬سورة الزخرف آية ‪0‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬د‪/‬محمد فؤاد عبد الباقى – المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم صـ ‪33‬‬
‫ب‪ -‬ورد عن جابر بن عبد اهلل رضى اهلل عنه قال‪ -:‬دخل على رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وأنا مريض ال أعقل‪ -‬يقصد أنه غائب عن الوعى –" فتوضأ ‪،‬‬
‫فصب على من وضوئه فعقلت " (‪.)2‬‬
‫فقد ورد لفظ العقل فى الحديث الشريف بالصيغة الفعلية ‪ ،‬بمعنى‪ -:‬أنه استيقظ‬
‫وتنبه وعاد إليه وعيه‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن العقل قد ورد فى أحاديث أخرى من أحاديث النبى صلى‬
‫اهلل عليه وسلم بألفاظ مختلفة منها‪ :‬الحلم والنهى ‪ ،‬ومن ذلك‪-:‬‬
‫ما ورد عن ابن مسعود رضى اهلل عنه قال‪ -:‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يمسح بمناكبنا فى الصالة ويقول‪ " -:‬استووا وال تختلفوا فتختلف قلوبكم‪،‬‬
‫ليلينى منكم أولو األحالم والنهى ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم"(‪.)3‬‬
‫قال النووى ‪ "-:‬أولو األحالم ‪ :‬هم العقالء‪ ،‬وقيل ‪ :‬البالغون‪ ،‬فعلى قول من يقول‬
‫‪ :‬أولو األحالم ‪ :‬العقالء‪ ،‬يكون اللفظان بمعنى ‪ ،‬فلما اختلف اللفظ عطف أحدهما‬
‫على اآلخر تأكيدا‪ ،‬وعلى الثانى معناه ‪ :‬البالغون"(‪.)4‬‬
‫ما ورد من حديث ابن عباس رضى اهلل عنهما ‪:‬أن النبى صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال ألشج بن عبد القيس(‪-:)5‬‬
‫" إن فيك لخصلتين يحبهما اهلل ‪ :‬الحلم واألناة "(‪.)6‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه لم يثبت عن النبى صلى اهلل عليه وسلم أى حديث‬
‫فى العقل مبالغ فيه‪ ،‬ولذا يقول الكوثرى( ت ‪1311‬هـ ) فى مقدمته لكتاب العقل‬
‫وفضله‪-:‬‬
‫" إن المعتزلة كما غالوا فى تحكيم العقل‪ ،‬غالى كثير من الرواة فى رد كل ما‬
‫(‪)1‬‬
‫ورد فى فضل العقل نكاية فى هؤالء‪ ،‬والحق بين طرفى اإلفراط والتفريط "‬
‫ولعل غلو المعتزلة وتعظيمهم للعقل حمل رواة األحاديث على التشدد فى قبول‬
‫أى حديث فى العقل‪ "،‬فالمعتزلة عظموا العقل تعظيما كبيرا‪ ،‬ووثقوا بقدرته على‬

‫(‪)1‬البخارى فى صحيحه‪ -‬تحقيق د‪ /‬مصطفى ديب البغا – كتاب الحيض – باب ترك الحائض الصوم ج ‪0‬صـ‬
‫‪19‬حديث رقم ‪40‬دارابن كثير ط‪1401 0:‬هـ ‪1311 /‬م‪.‬‬
‫(‪)1‬البخارى فى صحيحه – كتاب الوضوء‪ -‬باب حبب النبى صلى اهلل عليه وسلم وضوءه على المغمى عليه ج‪1‬‬
‫صـ ‪ 11‬حديث رقم ‪131‬‬
‫(‪)0‬مسلم فى صحيحه – كتاب الصالة‪ -‬باب تسوية الصفوف وإقامتها ج‪ 1‬صـ ‪ 0‬حديث رقم ‪ 1000‬در الجيل‬
‫بيروت بدون ‪.‬‬
‫(‪)4‬اإلمام النووى – شرح صحيح مسلم ج‪ 1‬صـ ‪111‬‬
‫(‪)1‬قيل إن اسمه ‪ :‬المنذر بن حارث ‪ ،‬وقيل المنذر بن عائذ وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬اإلمام النووى – شرح صحيح مسلم ج‪ 1‬صـ ‪113‬‬
‫(‪ )9‬مسلم فى صحيحه– كتاب اإليمان‪ -‬باب األمر باإليمان باهلل ورسوله ج‪ 1‬صـ ‪ 09‬حديث رقم ‪111‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬محمد زاهد الكوثرى – مقدمة كتاب العقل لعبد اهلل بن محمد صـ ‪ ،4‬بدون ‪.‬‬
‫إدراك األشياء والمفاضلة بين األمور‪ ،‬وأوغلوا فى تحكيمه‪ ،‬وغالوا فى قبول ما‬
‫قبله ورد ما رده‪ ،‬وجعلوه ال يخطئ‪ ،‬وتكلفوا فى رد بعض األحاديث واآلثار‬
‫الثابتة إذا خالفت – فى حكمهم وحسب مفهومهم – العقل‪ ،‬فكان ذلك إسرافا منهم‬
‫ال ريب فيه"(‪.)1‬‬
‫ويضاف إلى ما تقدم أخذ الفالسفة المسلمين عن الفلسفة اليونانية نظرية‬
‫العقل األول والعقل الفعال‪ ،‬وغير ذلك مما يخالف اإلسالم مخالفة صريحة‪.‬‬
‫مفهوم العقل لدى الفالسفة ‪-:‬‬
‫للعقل لدى الفالسفة تعريفات متعددة منها ‪-:‬‬
‫"(‪.)2‬‬
‫أنه " جوهر بسيط مدرك لألشياء بحقائقها‬
‫وقيل إن العقل هو ‪ ":‬قوة النفس التى بها يحصل تصور المعانى وتأليف القضايا‬
‫واألقيسة " (‪.)3‬‬
‫وقيل هو ‪ ":‬قوة طبيعية للنفس متهيئة لتحصيل المعرفة العلمية"(‪.)4‬‬
‫مفهوم العقل لدى الفارابى‪-:‬‬
‫يميز الفارابى فى رسالته – فى العقل – بين ستة من أنواع العقول هى ‪-:‬‬
‫األول ‪ :‬العقل عند الجمهور‪-:‬‬
‫وهو العقل الذى ينعت به الجمهور‪ -‬أى عامة الناس لدى الفارابى ‪ -‬اإلنسان‬
‫بأنه عاقل وفاضل‪ ،‬والعاقل " محتاج إلى دين ‪ ،‬والدين عندهم هو الذى يظنون‬
‫أنه هو الفضيلة‪ ،‬وهؤالء إنما يعنون بالعاقل من كان فاضال جيد الروية فى‬
‫استنباط ما ينبغى أن يؤثر من خير أو يجتنب من شر‪ ،‬ويمتنعون أن يوقعوا هذا‬
‫االسم على من كان جيد الروية فى استنباط ما هو شر‪ ،‬بل يسمونه ماكرا أو‬
‫داهيا وأشباه هذه األسماء" (‪.)5‬‬
‫إن العقل عند الجمهور فيما يرى الفارابى مرتبط بالمعيار الخلقى ‪ ،‬لذا‬
‫كان الشرير غير عاقل‪ ،‬وهذا العقل سماه أرسطو طاليس " التعقل "(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬صالح الدين المنجد – اإلسالم والعقل صـ ‪ ، 40‬دار الكتاب الجديد بيروت لبنان ‪ ،‬ط‪ :‬ثانية ‪1319‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬الكندى – رسالة فى حدود األشياء ورسومها ( ضمن رسائله الفلسفية) تحقيق د‪ /‬محمد عبد الهادى أبوريدة‬
‫صـ‪ -110‬دار الفكر العربى بالقاهرة ط‪ :‬ثانية ‪1093‬هـ‪1310 /‬م ‪.‬‬
‫(‪ )0‬جميل صليبا – المعجم الفلسفى ج‪ 1‬صـ ‪ – 14‬دار الكتاب اللبنانى بيروت ‪1311‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬المرجع السابق‬
‫(‪ )1‬الفارابى – مقالة فى معانى العقل (ضمن الثمرة المرضية) صـ ‪،03‬نشر ديتريصى‪ ،‬ليدن‪1131‬م‪.‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬أرسطو– النفس‪ -‬نقله إلى العربية د‪ /‬أحمد فؤاد األهوانى ك ‪ 0‬ف ‪ 4‬صـ ‪ -101‬البابى الحلبى بالقاهرة‬
‫ط‪ :‬أولى ‪1343‬م ‪،‬وانظر‪ :‬د‪/‬مصطفى غالب ‪ -‬الفارابى صـ‪ –10‬دار الهالل – ط‪1331 :‬م‪.‬‬
‫الثانى‪ -:‬العقل عند المتكلمين‪-:‬‬
‫عرف علماء الكالم العقل بأنه عبارة عن ‪ :‬غريزة يتبعها العلم بالضروريات‬
‫عند سالمة اآلالت ‪ ،‬والنائم لم يزل فى عقله وإن لم يكن عاقال(‪.)1‬‬
‫ويبدو وضوح أثر الفكر اليونانى على المتكلمين فى هذا التعريف ؛ ألنه قريب‬
‫مما ذكره أرسطو فى كتاب البرهان بأن العقل هو القوة التى تحصل لإلنسان‬
‫بالفطرة والطبع(‪.)2‬‬
‫بينما يحدد الفارابى مفهوم العقل عند المتكلمين قائال‪ "-:‬أما العقل الذى‬
‫يردده المتكلمون على ألسنتهم فيقولون فى الشئ ‪ :‬هذا مما يوجبه العقل‪ ،‬أو ينفيه‬
‫العقل‪ ،‬أو يقبله العقل‪ ،‬أو ال يقبله العقل‪ ،‬فإنما يعنون به المشهور فى بادئ الرأى‬
‫عند الجميع‪ ،‬فإن بادئ الرأى المشترك عند الجميع أو األكثر يسمونه العقل‪،‬‬
‫وأنت تتبين ذلك متى استقريت كالمهم شيئا شيئا مما يتخاطبون فيه وبه أو مما‬
‫يكتبونه فى كتبهم ويستعملون فيه هذه اللفظة"(‪.)3‬‬
‫لكن الفارابى يكر على المتكلمين ؛ ألنهم – من وجهة نظره – يقولون بشئ‬
‫ويعملون بشئ آخر‪ ،‬ذلك أنهم " يظنون بالعقل الذى يرددونه فيما بينهم أنه هو‬
‫العقل الذى ذكره أرسطو طاليس فى كتاب البرهان‪ ،‬ونحو هذا يؤمون‪ ،‬ولكن إذا‬
‫استقريت ما يستعملونه من المقدمات األولى تجدها كلها مأخوذة من بادى الرأى‬
‫المشترك‪ ،‬فلذلك صاروا يؤمون شيئا ويستعملون غيره"(‪.)4‬‬
‫الثالث‪ :‬العقل الفطرى‪-:‬‬
‫وهو العقل الذى يصفه أرسطو طاليس بأنه القدرة على استيعاب مبادئ‬
‫القياس األولى‪ ،‬وذلك بمجرد الطبع والفطرة (‪.)5‬‬
‫الرابع ‪:‬العقل الناشئ عن التجربة‪-:‬‬
‫وهو العقل الذى جاء فى المقالة السادسة من كتاب "األخالق" أنه ضرب من‬
‫االعتياد الذى يتم بالتجربة واالختبار‪ ،‬وهذا العقل يمكن التوصل به إلى أحكام‬
‫صائبة فى باب الخير والشر‪.‬والعقل بهذا المعنى يتطابق مع داللته األولى‪.‬‬
‫يقول الفارابى عن هذا العقل‪ :‬إنه " جزء النفس الذى يحصل بالمواظبة على‬
‫اعتياد شئ مما هو فى جنس من األمور وعلى طول تجربة شئ شئ مما هو فى‬
‫جنس من األمور على طول الزمان‪ ،‬اليقين بقضايا ومقدمات فى األمور اإلرادية‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اإليجى – المواقف صـ ‪ 149‬مكتبة المتنبى – القاهرة بدون ‪ ،‬وفخر الدين الرازى‪ -‬محصل أفكار‬
‫المتقدمين والمتأخرين صـ ‪ ، 14‬القاهرة ‪1090‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أرسطو – منطق أرسطو – التحليالت الثانية – المقالة الثانية تحقيق د‪ /‬عبد الرحمن بدوى ف ‪ 13‬ب‬
‫‪ 11‬صـ ‪ – 490‬دار الكتب المصرية ‪1343‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬الفارابى – مقالة فى معانى العقل صـ ‪40‬‬
‫(‪ )4‬المرجع السابق‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أرسطو – النفس ك‪ 0‬ف‪ 1‬صـ ‪111‬‬
‫التى شأنها أن تؤثر أو تجتنب‪...‬وهذا العقل‪ ...‬يتزايد مع اإلنسان طول عمره ‪،‬‬
‫فيتمكن فيه تلك القضايا ‪ ،‬ويضاف إليها فى كل زمان قضايا لم تكن عنده فيما‬
‫تقدم من قبل ‪ ،‬ويتفاضل الناس فى هذا الجزء من النفس الذى سماه – أرسطو –‬
‫عقال ‪ ،‬تفاضال متفاوتا‪ ،‬ومن تكاملت فيه هذه القضايا فى جنس ما من األمور‬
‫صار ذا رأى فى ذلك الجنس‪ ،‬ومعنى ذى الرأى هو الذى أشار بشئ قبل رأيه‬
‫ذلك من غير أن يطالب بالبرهان عليه وال يراجع ‪ ،‬وتكون مشورته مقبولة وإن‬
‫لم يقم على شئ منها برهانا‪ .‬ولذلك قلما يصير اإلنسان بهذه الصفة إال إذا شاخ‬
‫ألجل حاجة هذا الجزء من النفس إلى طول التجارب الذى ليس يكون إال بطول‬
‫زمان‪ ،‬وألن يتمكن فيه من تلك القضايا (‪.)1‬‬
‫الخامس ‪ :‬العقل النظرى‪-:‬‬
‫وهو العقل الذى ورد ذكره فى المقالة الثالثة من كتاب " النفس " ألرسطو ‪،‬‬
‫وعليه أسس المعلم الثانى نظريته فى العقل(‪..)2‬‬
‫وتقال لفظة عقل بالمعنى الخامس على مستويين هما ‪-:‬‬
‫أ‪-‬المستوى األول‪ -:‬هو العقول المفارقة وتقع فى ثالث مراتب على التوالى‪،‬‬
‫وهى‪-:‬‬
‫‪ ‬المرتبة األولى ‪ -:‬يشغلها العقل األول ( اهلل )‪.‬‬
‫‪ ‬المرتبة الثانية ‪ -:‬وتحتلها العقول الثوانى التسعة‪.‬‬
‫‪ ‬المرتبة الثالثة‪ -:‬هى العقل الفعال‪ ،‬ومرتبته من العقول المفارقة هى‬
‫(‪.)3‬‬
‫المرتبة العاشرة‬
‫ويالحظ الباحث على هذه المراتب أنها مرتبة من األعلى إلى األدنى‪.‬‬
‫ب‪ -‬المستوى الثانى‪ -:‬هو العقل النظرى‪ ،‬ويميز فيه الفارابى بين ثالثة أنواع‬
‫من العقل الموجود فى النفس اإلنسانية ‪ ،‬وتقع فى ثالث مراتب أيضا‪ ،‬هى ‪-:‬‬
‫‪ ‬المرتبة األولى‪ -:‬العقل بالقوة‪.‬‬
‫‪ ‬المرتبة الثانية ‪ -:‬العقل بالفعل‪.‬‬
‫(‪.)4‬‬
‫‪ ‬المرتبة الثالثة‪ -:‬العقل المستفاد‬
‫إذن فالعقل لدى المعلم الثانى يقال على أربعة أنحاء ‪ ،‬هى عقل بالقوة ‪ ،‬وعقل‬
‫(‪.)5‬‬
‫بالفعل ‪ ،‬وعقل مستفاد‪ ،‬والعقل الفعال‬

‫(‪)1‬الفارابى – مقالة فى معانى العقل صـ ‪ 41‬باختصار وتصرف يسير‪.‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفارابى – مقالة فى معانى العقل صـ ‪40‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪ :‬المرجع السابق‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬المرجع السابق‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أرسطو – النفس ك‪ 0‬ف ‪ 1‬صـ ‪111‬‬
‫أ ‪-‬العقل بالقوة‪:‬ويعنى به الفارابى االستعداد الفطرى لدى جميع البشر الذى به‬
‫يستطيعون إدراك األمور المعقولة وانتزاع صور المحسوسات مما هى فيه‬
‫وتجريدها‪ ،‬ويطلق الفارابى على هذا النوع اسم "العقل الهيوالنى"؛ ألنه لديه‬
‫أشبه بالمادة األولى" الهيولى" التى تقبل الصور المختلفة (‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬العقل بالفعل ‪ -:‬وهو الذى تكتسب فيه المعقوالت بالفعل( أو الصور ) نوعا‬
‫جديدا من الوجود‪ ،‬ال تنطبق عليه المقوالت العشر إال جزئيا أو مجازيا ‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن المعقوالت بالفعل التى هى نفسها العقل بالفعل يجوز اعتبارها‬
‫مادة للعقل بالفعل‪ ،‬ال مجرد موضوع له‪ ،‬وإذا تصورنا كيف يكتسب العقل‬
‫الفعال العلم بجميع الصور المعقولة بالفعل ثم يصبح هو إياها‪ ،‬نستطيع عندها أن‬
‫ندرك كيف يكون موضوع إدراكه فى هذه الحالة العقل نفسه‪ ،‬فسمى فى هذه‬
‫المرحلة بالعقل المستفاد(‪. .)2‬‬
‫ج – العقل المستفاد ‪ -:‬ويعنى به الفارابى قدرة العقل بالفعل على إدراك ذاته‪،‬‬
‫ويكون موضوع تعقله حينئذ هو ذاته‪ ،‬فيكون عقال وعاقال فى آن واحد‪ ،‬وهو فى‬
‫رتبة أعلى من رتبة العقل بالفعل؛ ألنه بالنسبة له كالصورة بالنسبة للمادة؛ ألن‬
‫موضوعه عقل صرف بخالف العقل بالفعل فموضوعه إما منزع من مادة أو‬
‫من أمور معنوية (‪.)3‬‬
‫إن الفارابى هنا يقول بتدرج الوظائف العقلية فى النفس اإلنسانية ‪،‬‬
‫فالعقل بالقوة يكون مادة للعقل بالفعل‪ ،‬وأن هذا األخير يكون مادة للعقل المستفاد‬
‫وصورة للعقل بالقوة‪ ،‬فى حين أن العقل المستفاد يكون صورة للعقل بالفعل‬
‫ومادة للصور العقلية‪ ،‬وإنما كان هذا التدرج ضروريا حتى يستطيع العقل‬
‫النزول إلى مستوى األشياء الخارجية‪ ،‬غير أن هذا النزول ال يتم حقيقة إال إذا‬
‫استعانت النفس ببعض قواها األدنى مرتبة وهى الخيال والحس‪ ،‬ومعنى ذلك أن‬
‫النفس تتبع فى إدراكها لألشياء الحسية طريقا تصاعديا ‪ :‬إحساس فخيال فعقل‬
‫بالقوة فعقل بالفعل فعقل مستفاد‪ .‬ويبدو تأثر الفارابى بتيمستييس فى هذه‬
‫المسألة (‪.)4‬‬
‫د – العقل الفعال ‪ -:‬وهو صورة مفارقة لم تكن فى مادة وال تكون أصال (‪.)5‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفارابى – مقالة فى معانى العقل صـ ‪ ،41‬وانظر ‪ :‬د‪ /‬محمد نصار – فى الفلسفة اإلسالمية ( قضايا‬
‫ومناقشات )ج‪ 1‬صـ ‪ ،31‬ط‪ :‬أولى ‪1311‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفارابى – مقالة فى معانى العقل صـ ‪ ، 41‬ود ‪ /‬جعفر آل ياسين ‪ -‬الفارابى فى حدوده ورسومه – عالم‬
‫الكتب ‪ ،‬ط ‪ :‬أولى ‪ 1401‬هـ ‪1311 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪:‬د‪ /‬محمود قاسم – فى النفس والعقل لفالسفة اإلغريق واإلسالم صـ ‪ ،109‬األنجلو المصرية ‪،‬ط‪ :‬رابعة‬
‫‪1391‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفارابى – مقالة فى معانى العقل صـ ‪.49‬‬
‫ويرى الباحث أن العقول الثالثة األولى تمثل القوة الناطقة فى العقل‬
‫اإلنسانى‪ ،‬أما العقل الفعال فهو عقل كونى خارج النفس اإلنسانية ‪ ،‬كما يرى أن‬
‫الفارابى لم يتأثر بالمعلم األول فى هذا التقسيم ؛ ألن أرسطو لم يذهب إلى هذا‬
‫التقسيم الرباعى للعقل ‪ ،‬وإنما الذى ذكره هو االسكندر األفروديسى فى‬
‫رسالته (‪ )1‬وقد تأثر به الفارابى‪.‬‬
‫السادس ‪:‬العقل األول‪-:‬‬
‫يعد هذا العقل السادس فى سلسلة العقول التى ذكرها الفارابى فى‬
‫رسالته فى العقل‪ ،‬ويتلخص فى أن األجسام السماوية تنتهى فى حركتها إلى "‬
‫محرك أول " هو الذى يوجد السماء األولى‪ ،‬ويوجد كذلك المحرك الثانى الذى‬
‫يحرك بدوره كرة الكواكب الثابتة فى فلكها‪ ،‬وهذان المحركان يستمدان‬
‫وجودهما من المبدأ األول لجميع الموجودات الذى " ليس يمكن أن يكون موجود‬
‫أكمل منه"(‪.)2‬‬
‫مدى تأثر الفارابى بأرسطو واإلسكندر األفروديسى (‪ ) 3‬فى فكرة العقول‬
‫وتعددها‪-:‬‬
‫إذا كان الفارابى قد رتب العقول من األدنى إلى األعلى بادئا بالعقل‬
‫بالقوة ثم العقل بالفعل ثم بالعقل المستفاد ثم العقل الفعال‪ ،‬وأول المبدعات عن‬
‫البارى العقل األول‪.....‬وهذه العقول مختلفة األنواع ‪ ،‬كل نوع منها على حدة‪،‬‬
‫والعقل األخير منها سبب وجود األنفس األرضية ‪ ،‬فهو هنا شديد التأثر‬
‫بفالسفة اليونان وخاصة أرسطو واإلسكندر األفروديسى حيث تتفق نظرته‬
‫للعقل فى كثير من جوانبها معهما‪ ،‬بل يعتبر الفارابى شارحا ألرائهما ‪ ،‬وإذا كان‬
‫الفارابى قد تأثر بهما فى نظرية العقول العشرة فالبد من إلقاء الضوء على‬
‫أنواع العقول عندهما فيما يلى‪-:‬‬
‫أوال‪ :‬أنواع العقول لدى أرسطو ‪-:‬‬
‫‪ – 1‬العقل الغريزى ‪ -:‬ويعنى به ‪ :‬قوة النفس التى يحصل بها لإلنسان اليقين‬
‫بالمقدمات الكلية الصادقة الضرورية ال عن قياس أصال‪ ،‬وال عن فكر‪ ،‬بل‬
‫بالفطرة والطبع ‪ ،‬أو من صباه ‪ ،‬ومن حيث ال يشعر من أين حصلت وكيف‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اإلسكندر األفروديسى – رسالة فى العقل على رأى أرسطو طاليس‪ ،‬ترجمة إسحاق بن حنين‪ ،‬ضمن‬
‫شروح على أرسطو‪ ،‬مفقودة فى اليونانية ورسائل أخرى‪ ،‬حققها وقدم لها‪ :‬د‪ /‬عبد الرحمن بدوى صـ ‪ ،01‬دار‬
‫المشرق بيروت بدون‪.‬‬
‫(‪ )1‬الفارابى – مقالة فى معانى العقل صـ ‪ ، 49‬وانظر له أيضا ‪ :‬آراء أهل المدينة الفاضلة ‪ ،‬تقديم وتعليق د‪/‬‬
‫ألبير نصرى نادر صـ ‪ ،101‬بيروت ط‪ :‬سابعة ‪ ، 1339‬وانظر‪ :‬د‪ /‬أحمد فؤاد األهوانى – فى عالم الفلسفة صـ‬
‫‪ ،101‬مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة بدون‪.‬‬
‫(‪ )0‬اإلسكندر األفروديسى من أشهر شراح اإلغريق للفلسفة األرسطوطاليسية‪.‬‬
‫‪ -‬انظر‪:‬د‪ /‬محمود قاسم – فى النفس والعقل لفالسفة اإلغريق واإلسالم صـ ‪109‬‬
‫حصلت ‪ ،‬فإن هذه القوة جزء ما فى النفس يحصل لها المعرفة األولى ال بفكر‬
‫وال بتأمل أصال‪ ،‬واليقين بالمقدمات والتى هى مبادئ العلوم النظرية (‪.)1‬‬
‫‪ – 2‬العقل الذى يذكره فى المقالة السادسة من كتاب األخالق‪ ،‬فإنه يريد به‬
‫جزء النفس ‪ ،‬الذى يحصل اليقين بقضايا ومقدمات فى األمور اإلرادية التى من‬
‫شأنها أن تؤثر أو تجتنب(‪.)2‬‬
‫‪ – 3‬العقل الذى ذكره أرسطو طاليس فى كتاب النفس والذى جعله على أربعة‬
‫أنحاء ‪-:‬‬
‫أ – العقل بالقوة ‪ -:‬ويقصد به االستعداد النتزاع ماهيات الموجودات كلها‬
‫وصورها دون موادها‪ ،‬فتجعله كلها صورة لها‪ ،‬ويسمى أيضا بالعقل القابل أى‬
‫المستعد لقبول صور الموجودات(‪.)3‬‬
‫ب – العقل بالفعل ‪ -:‬وهو حصول صور الموجودات‪ ،‬فإذا حصلت فيه‬
‫المعقوالت التى انتزعها من المواد صارت تلك المعقوالت معقوالت بالفعل‪ ،‬وقد‬
‫كانت قبل أن تنتزع عن موادها معقوالت بالقوة(‪.)4‬‬
‫ج – العقل المستفاد‪ -:‬إن العقل بالفعل متى عقل المعقوالت التى هى صور له‬
‫من حيث هى مقولة بالفعل ‪ ،‬صار العقل الذى كان يسمى بأنه العقل بالفعل هو‬
‫العقل المستفاد‪ ،‬وهذا العقل بعد أن يخرج إلى الفعل يحفظ صورة الموضوع‬
‫الذى تعقله‪ ،‬ويستطيع أن يستعيدها‪ ،‬فهو باإلضافة إلى هذه االستعادة بقوة أقرب‬
‫إلى الفعل من القوة األولى السابقة على العلم‪ ،‬وحينئذ يسمى عقال بالملكة (‪.)5‬‬
‫د – العقل الفعال ‪ -:‬وهو الذى جعل المعقوالت التى كانت معقوالت بالقوة‬
‫معقوالت بالفعل(‪.)6‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أنواع العقول لدى اإلسكندر األفروديسى‪-:‬‬
‫‪ – 1‬العقل الهيوالنى(أو المادى ) ‪ -:‬هو القابل للتعيينات ومستعد النتزاع‬
‫ماهيات الوجودات كلها وصورها دون موادها‪ ،‬وهو ليس بذى صورة‪ ،‬ولكنه‬
‫يمكن أن يصير أى صورة‪ ،‬كما أنه ليس مخلدا‪ ،‬بل يندثر مع اندثار اإلنسان ‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أرسطو‪ -‬البرهان – المقالة الثانية فصل ‪13‬‬


‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬الفارابى‪ -‬فلسفة أرسطو طاليس صـ ‪ 111‬وما بعدها‬
‫(‪ )0‬انظر‪:‬أرسطو – النفس ك ‪ 0‬ف ‪ 1‬صـ ‪ ،111‬وانظر‪ :‬د‪ /‬يوسف كرم – تاريخ الفلسفة اليونانية صـ ‪،111‬‬
‫القاهرة ‪1011‬هـ ‪1309 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬المرجع السابق‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق ‪ ،‬وانظر‪ :‬د‪ /‬محمد على أبو ريان – تاريخ الفكر الفلسفى فى اإلسالم صـ ‪ ،110‬دار المعرفة‬
‫الجامعية باإلسكندرية ط ‪1410 :‬هـ‪1330 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )9‬المرجع السابق ‪ ،‬وانظر‪ :‬د‪ /‬أحمد فؤاد األهوانى – فى عالم الفلسفة صـ ‪104‬‬
‫وسمى هذا العقل بالهيوالنى لدى اإلسكندر ألنه شبيه بالهيولى من حيث كونه‬
‫(‪.)1‬‬
‫موضوعا غير متعين‬
‫ويرى الباحث أن هذا العقل لدى اإلسكندر يقابل العقل بالقوة عند أرسطو‪.‬‬
‫‪ –2‬العقل بالملكة ‪ -:‬هو " العقل الهيوالنى بعد أن صارت له ملكة واستعداد أن‬
‫(‪.)2‬‬
‫يعقل وأن يتقبل"‬
‫فهذا العقل صار يعقل وله ملكة أن يعقل ويستطيع أن يأخذ صور المعقوالت‬
‫(‪.)3‬‬
‫بقوته فى نفسه ‪ ،‬وهو غير موجود عند أرسطو‬
‫‪ – 2‬العقل الفعال ‪ -:‬هو الذى يجعل العقل الهيوالنى ينتقل من حالة االستعداد‬
‫إلى حالة الفعل ‪ ،‬وهو الذى يجرد الموضوعات من غواشيها المادية لتصبح‬
‫معقوالت (‪ ،)4‬وفى النهاية يتحد العقل الهيوالنى مع العقل الفعال الذى ليس شيئا‬
‫آخر حسب االسكندر سوى اهلل ؛ ألن اهلل عقل محض مفارق للمادة عند أرسطو‬
‫وكذلك هذا العقل‪ ،‬وهو التأويل الذى اختارته المدرسة األوغسطينية عامة فى‬
‫العصور الوسطى(‪.)5‬‬
‫وبشئ من الحذر فإن الباحث يرى أن اإلسكندر قد غالى فى مكانة العقل الفعال‬
‫حتى انتهى إلى القول بأنه هو اهلل واصفا إياه بجميع صفات األلوهية التى ال‬
‫تطلق إال على اهلل ‪ ،‬ومن ثم يكون مجانبا للصواب فيما ذهب إليه‪.‬‬
‫وهكذا يتبين مدى تأثر الفارابى فى نظريته بكل من المعلم األول واإلسكندر‬
‫األفروديسى فيما ذهب إليه‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اإلسكندر األفروديسى – رسالة فى العقل صـ ‪ ،01‬وانظر‪ :‬د‪ /‬عبد الرحمن بدوى – موسوعة الفلسفة‬
‫ج‪ 1‬صـ ‪ – 11‬ط‪ :‬أولى ‪1314‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‬
‫(‪ )0‬انظر‪ :‬د‪ /‬عبد الرحمن بدوى – موسوعة الفلسفة ج‪ 1‬صـ‪11‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬اإلسكندر األفروديسى – رسالة فى العقل صـ ‪01‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬الفارابى‪ -‬فلسفة أرسطو طاليس صـ ‪ 111‬وما بعدها‬
‫المبحث الثانى‬
‫أسس النظرية لدى الفارابى‪.‬‬
‫بداية نقول ‪ :‬إن من أهم مشكالت الفلسفة مشكلة الكثرة والوحدة‪ ،‬وأن هذه‬
‫المشكلة عاناها الفكر الفلسفى اليونانى منذ نشأته‪ ،‬فقد عالج الفيثاغوريون هذه‬
‫المشكلة بأسلوبهم الرياضى ‪ ،‬ثم انتقلت هذه المشكلة بعد ذلك إلى أكاديمية‬
‫أفالطون ‪ ،‬وأنها أحدثت أزمة فى الفكر األفالطونى‪ ،‬فقد تساءل سقراط فى‬
‫محاورة ( برميندس ) كيف تظهر كثرة محسوسة عن وحدة ؟ ثم ال يلبث أن‬
‫يتجه إلى حل هذه المشكلة بعد أن يفترض وجود مثل رياضية تقول ‪ :‬إن ثمة‬
‫مثل عليا هى األعداد المثالية من واحد إلى عشرة ‪ ،‬وهذه األعداد مبدؤها الواحد‬
‫أو األول ثم يبدأ التكثر عند االثنينية‪ ،‬ويستمر التكثر إلى ماال نهاية‪ ،‬ثم انتقلت‬
‫هذه المشكلة وهى محتفظة بطابعها الرياضى إلى مدرسة اإلسكندرية الفلسفية‬
‫مارة بالمدارس الهللينية‪ ،‬وقد تبلورت فى تاسوعات أفلوطين (‪263‬م ) فى‬
‫نظرية تقول بصدور الموجودات عن الواحد‪ ،‬هذه الموجودات العليا الصادرة‬
‫عن الواحد هى هذه النظرية الكونية‪ ،‬وقد انتقلت فكرة هذه العقول الكونية التى‬
‫أشارت إليها مدرسة أفلوطين بكاملها مع ما لحق بها من رواسب إلى الفكر‬
‫اإلسالمى وظهرت فى فلسفة الفارابى‪.‬‬
‫فلسفته إذن هى المركز الذى صبت فيه تيارات الفلسفة العقلية عن الوحدة‬
‫والكثرة ‪ ،‬وقد صاغ الفارابى هذه النظرية فى نظرية العقول العشرة(‪.)1‬‬

‫أسس النظرية ‪-:‬‬


‫قامت نظرية العقول العشرة لدى الفارابى على مجموعة من األسس نوجزها‬
‫فيما يلى ‪-:‬‬
‫أوال ‪ :‬ثنائية الواجب والممكن ‪-:‬‬
‫انطلق الفارابى فى استدالله على وجود اهلل عز وجل من مفهومين بسيطين‬
‫يرتسمان فى الذهن هما‬
‫‪ – 2‬ممكن الوجود‬ ‫‪ – 1‬واجب الوجود‪.‬‬
‫فمفهوم الوجود واإلمكان لديه من األفكار الفطرية الواضحة فى الذهن والتى‬
‫يمكن للعقل أن يدركها دونما وساطة أو اكتساب‪ ،‬وذلك ألننا " نعرف فى األول‬

‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬د‪ /‬محمد على أبو ريان‪ -‬تاريخ الفكر الفلسفى فى اإلسالم صـ ‪.141‬‬
‫أنه واجب الوجود بذاته معرفة أولية من غير اكتساب‪ ،‬فإنا نقسم الوجود إلى‬
‫الواجب والممكن‪ ،‬ثم نعرف أن واجب الوجود لذاته يجب أن يكون واحدا" (‪.)1‬‬
‫فمعانى " الوجود والواجب واإلمكان من المعانى التى تتصور ال بتوسط تصور‬
‫آخر قبلها ‪ ،‬بل هى معان واضحة فى الذهن ‪ ،‬وإن عرفت بقول فإنما يكون على‬
‫سبيل التنبيه عليها ال على سبيل أنها تعرف بمعان أظهر منها " (‪.)2‬‬
‫ومن ثم فقد ذهب الفارابى إلى القول بثنائية الوجود من حيث تقسيمه إلى‬
‫واجب وممكن‬
‫فاألول ‪ :‬إذا اعتبرنا ذاته وجب كونه موجودا‪ ،‬وال يجوز أن يعدم ‪ ،‬أو يتصور‬
‫عدمه‪ ،‬وهذا ما يسمى بواجب الوجود‪ ،‬ولذا يقول الفارابى‪-:‬‬
‫" الموجودات على ضربين‪ ...‬الثانى ‪ :‬إذا اعتبر ذاته وجب وجوده‪ ،‬ويسمى‬
‫واجب الوجود"(‪.)3‬‬
‫ويضيف قائال‪ "-:‬هو السبب األول لوجود سائر األشياء كلها‪ ،‬وهو برئ من‬
‫جميع أنحاء النقص‪ ،‬وكل ما سواه فليس يخلو أن يكون فيه شئ من أنحاء‬
‫النقص‪ ،‬أما األول ‪...‬فوجوده أفضل وجود‪ ،‬وأقدم الوجود ‪ ،‬وال يمكن أن يكون‬
‫أفضل وال أقدم من وجوده وهو فضيلة الوجود فى أعلى أنحائه ومن كمال‬
‫الوجود فى أرفع المراتب‪...‬ال يمكن أن يكون له سبب "(‪.)4‬‬
‫ومن تمام الوجود الواجب فى نظر الفارابى أنه " ليس بمادة " ‪ ،‬ولذا يقول‪-:‬‬
‫" ليس هو بمادة وال قوامه فى مادة‪ ،‬وال فى موضوع أصال‪ ،‬بل وجوده‬
‫خلو من كل مادة ومن كل موضوع‪ ،‬وال أيضا له صورة؛ ألن الصورة ال يمكن‬
‫أن تكون إال فى مادة‪ ،‬ولو كانت له صورة لكانت ذاته مؤتلفة من مادة وصورة‪،‬‬
‫ولو كان كذلك لكان قوامه بجزئيه اللذين منهما ائتلفت‪ ،‬ولكان لوجوده سبب‪ ،‬فإن‬
‫كل واحد من أجزائه سبب لوجود جهته‪ ،‬وقد وصفنا أنه سبب أول "(‪.)5‬‬
‫ويرى الباحث أن الفارابى قد قرر أن واجب الوجود ليس فى موضوع‬
‫حفاظا منه على معنى التنزيه الذى تصوره وآمن به ‪ ،‬لكن فى قوله نظر؛ ألنه‬
‫يؤدى إلى أن يكون واجب الوجود فكرة ذهنية فقط وليس له تحقق فى الخارج‪،‬‬
‫وهذا ما جعل ابن تيمية يقرر خطأ فالسفة اإلسالم فى هذا المقام ‪ -‬والفارابى‬
‫(‪ )1‬الفارابى – التعليقات صـ ‪ ، 1‬طبعة حيد آباد ‪ ،‬الهند ‪1049‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )1‬الفارابى‪ -‬تجريد رسالة الدعاوى القبلية صـ ‪،1‬حيدر أباد‪ ،‬الهند‪،‬ط‪ :‬أولى ‪1049‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )0‬عيون المسائل صـ ‪ ،11‬ضمن(الثمرة المرضية) نشرة ديتريصى‪ ،‬ليدن ‪1131‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬الفارابى – آراء أهل المدينة الفاضلة صـ ‪ 10‬باختصار‬
‫(‪ )1‬الفارابى – آراء أهل المدينة الفاضلة صـ ‪10‬‬
‫على رأسهم – ألن المبالغة فى التنزيه عندهم قد أوقعتهم فى هذا الخطأ من‬
‫حيث ال يشعرون‪ ،‬وفى نظره أن هؤالء لو تصوروا المفارقة الحقيقية بين‬
‫المولى سبحانه وتعالى وبين مخلوقاته لما عنوا أنفسهم بهذا الجهد العقلى‬
‫المسرف الذى يصطدم مع حقائق العقل الصريح والنص الدينى الصحيح (‪.)1‬‬
‫والثانى ‪ :‬إذا نظرنا إليه باعتبار ذاته فقط من غير اعتبار آخر بان لنا أنه ال‬
‫يجب وجوده بل يجوز أن يكون معدوما‪ ،‬وهذا ما يسمى بممكن الوجود‪ ،‬ويجوز‬
‫لممكن الوجود بالنظر إلى ذاته أن يصير واجب الوجود بغيره ‪ ،‬أما واجب‬
‫الوجود فال يكون كذلك‪ ،‬ولذا يقول الفارابى ‪-:‬‬
‫" الموجودات على ضربين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬إذا اعتبر ذاته لم يجب وجوده ويسمى‬
‫ممكن الوجود(‪.)2‬‬
‫ويضيف قائال ‪ "-:‬ممكن الوجود إذا فرضناه غير موجود لم يلزم منه‬
‫محال‪ ،‬فال غنى لوجوده عن علة‪ ،‬وإذا وجب صار واجب الوجود بغيره‪ ،‬فيلزم‬
‫من هذا أنه كان فيما لم يزل ممكن الوجود بذاته واجب الوجود بغيره‪ ،‬وهذا‬
‫اإلمكان إما أن يكون شيئا فيما لم يزل‪ ،‬وإما أن يكون فى وقت دون وقت‪،‬‬
‫واألشياء الممكنة ال يجوز أن تمر بال نهاية فى كونها علة ومعلوال‪ ،‬وال يجوز‬
‫كونها على سبيل الدور بل البد من انتهائها إلى شئ واجب هو الموجود‬
‫األول‪...‬ال علة لوجوده ‪ ،‬وال يجوز كون وجوده بغيره‪ ،‬وهو السبب األول‬
‫لوجود األشياء"(‪.)3‬‬
‫فالنص سالف الذكر يكشف عن طبيعة كل من الواجب والممكن‪ ،‬وفى‬
‫الوقت نفسه عن طريق االستدالل عليهما‪ ،‬كما يكشف من جانب آخر عن مدى‬
‫تأـثر الفارابى فى هذا المقام بفلسفة أرسطو فى مسألة الوجود كما سيأتى‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن الفارابى قد استخدم فى النص السابق مبدأ العلية‬
‫إلثبات تناهى الموجودات إلى الواحد الواجب الوجود‪ ،‬حيث ذكر أن الممكنات ال‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ -‬درء تعارض العقل والنقل ج‪ 1‬صـ ‪ ،141‬القاهرة ‪1391‬م‪ ،‬وانظر له أيضا‪ :‬منهاج السنة‬
‫النبوية – تحقيق د‪ /‬محمد رشاد سالم ج‪ 1‬صـ ‪ ،110‬القاهرة ‪1409‬هـ‪1319 /‬م‪ ،‬وانظر‪ :‬د‪ /‬إنشاد محمد على–‬
‫موقف المشائية اإلسالمية من النص الدينى صـ ‪ ،109‬ط‪1331 :‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬عيون المسائل صـ ‪ ، 11‬وانظر له أيضا‪ :‬شرح رسالة زينون الكبير صـ ‪ ، 4‬حيدر أباد‪ ،‬الهند ‪ ،‬ط‪1043 :‬هـ‬
‫‪ ،‬وانظر له أيضا – كتاب الحروف – تحقيق وتقديم د‪ /‬محسن مهدى صـ ‪ 110‬وما بعدها ‪ -‬بيروت ‪،‬ط ‪ :‬ثانية‬
‫‪1330‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬المرجع السابق صـ ‪ 11‬باختصار‪ ،‬وانظر له أيضا ‪ :‬رسالة فى السياسة – تحقيق ‪ :‬األب لويش شيخو صـ‬
‫‪ ،910‬بيروت ‪1301‬م‪.‬‬
‫يمكن أن تستمر فى الوجود إلى ما ال نهاية(‪ ،)1‬بل البد لها من سبب أول تنتهى‬
‫إليه ؛ ألنها حتى وإن كانت غير متناهية فهى تبقى ممكنة الوجود بذاتها فال‬
‫تستطيع أن تعطى ذاتها الوجود‪ ،‬بل تحتاج إلى فاعل آخر خارج عنها يمنحها‬
‫الوجود ‪ ،‬وهذا الفاعل هو البارى جل فى عاله‪.‬‬
‫وهنا نتساءل ‪ :‬لماذا فرق الفارابى بين الواجب والممكن ؟‪.‬‬
‫والجواب يتمثل فى أن الفارابى إذا كان ينظر إلى الممكن على أنه ال‬
‫يستقل فى أمر وجوده بنفسه بل يحتاج إلى غيره ليصير به موجودا‪ ،‬أو كما‬
‫يقول ‪ :‬ليدخل ( أى هذا الغير ) الهوية على الماهية ‪ ،‬والعالم عنده ممكن ‪،‬‬
‫فالفارابى إذا كان ينظر إلى الممكن هكذا فإن هذا العالم ال يستقل بأمر نفسه فى‬
‫الوجود‪ ،‬ومن ثم فهو يحتاج إلى الموجد‪.‬‬
‫األسباب التى دعت الفارابى إلى القول بواجب الوجود‪-:‬‬
‫إن األسباب التى دفعت الفارابى إلى القول بواجب الوجود هى أسباب‬
‫تختلف اختالفا بينا فى روحها وتفاصيلها عن األسباب الدينية التى جاءت فى‬
‫الكتب السماوية مبينة أن لهذا الكون خالقا‪ ،‬كما تختلف أيضا عن األسباب التى‬
‫قال بها علماء الكالم‪ ،‬وفيما يلى بيان هذه األسباب بإيجاز وشمول‪-:‬‬
‫‪ .1‬واجب الوجود ال ماهية له‪-:‬‬
‫يرى الفارابى أن واجب الوجود ال ماهية له مثل ماهية الجسم ‪ ،‬ومن ثم فال‬
‫يمكن البرهنة على وجوده بخالف وجود األشياء‪ ،‬فهو " ال برهان عليه بل هو‬
‫برهان على جميع األشياء"(‪ ،)2‬ومعنى ذلك ‪ :‬أن إثبات واجب الوجود والقول‬
‫(‪)3‬‬
‫بوجوده لن يبدأ عند الفارابى من المخلوقات كما هو شائع عند المتكلمين‬

‫(‪ )1‬استحالة التسلسل فى العلل والمعلوالت كما أوضحها الفارابى مبنية على أساس أرسطى مفاده ‪ :‬أن ما ال نهاية‬
‫له ال يوجد بالفعل‪ ،‬أى ال يدخل كله مجتمعا فى الوجود ألن ما ال نهاية له ال يعد وال يحصى‪ ،‬فلو فرضنا أن العالم‬
‫حادث أو متحرك وله محرك‪ ،‬فإذا كان هذا المحدث له محدث وتسلسل المحدثون إلى ما ال نهاية‪ ،‬لم يكن أن يوجد‬
‫هذا العالم‪ ،‬ألن وجوده ال يتم إال بعد وجود ما ال نهاية له من العلل والمعلوالت ‪ ،‬ولما كان العالم موجودا لزم‬
‫القول بوجود محدث أول ال محدث له‪ ،‬فوجود المحرك األول الذى ال يتحرك عند أرسطو مستند إلى هذا المبدأ‪،‬‬
‫وقد استخدمه المتكلمون والفالسفة إلثبات جملة قضايا منها وجود اهلل‪.‬انظر‪ :‬أرسطو‪ -‬فى النفس صـ ‪،000‬‬
‫وراجع‪ :‬د‪ /‬جمال المرزقى – الفلسفة اإلسالمية بين الندية والتبعية هامش صـ ‪ ،39‬دار الهداية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫ط ‪ :‬أولى لعام ‪1411‬هـ ‪1001 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬الفارابى ‪ -‬عيون المسائل صـ ‪ ، 11‬وانظرله أيضا – رسالة فى فصوص الحكم صـ‪ ،99‬القاهرة ‪1301‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪ :‬القاضى عبد الجبار – شرح األصول الخمسة – تحقيق د‪ /‬عبد الكريم عثمان صـ ‪ ،31‬القاهرة ط‪ :‬أولى‬
‫‪1391‬م‪ ،‬وانظر‪ :‬األشعرى – اللمع فى الرد على أهل الزيغ – تحقيق وتعليق د‪ /‬محمود غرابة صـ‪ ،10‬ط‪ :‬مجمع‬
‫البحوث اإلسالمية ‪1311‬م‪ ،‬وانظر‪ :‬الشهرستانى – الملل والنحل ج‪ 1‬صـ ‪ ،34‬القاهرة ‪1391‬م‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫– كأستاذه أرسطو ‪ -‬ألن وجود العالم الحق على وجود‬ ‫والفالسفة الطبيعيين‬
‫البارى جل فى عاله‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن أدلة المتكلمين والفالسفة الطبيعيين تستدل بالمعلول على‬
‫العلة على حين " أن أولى البراهين بإعطاء اليقين هو االستدالل بالعلة على‬
‫المعلول؛ ألنه أوثق وأشرف ؛ وألن عكس ذلك – أى االستدالل بالمعلول على‬
‫العلة – ربما ال يعطى اليقين‪ ،‬خاصة إذا كان للمطلوب علة لم يعرف إال‬
‫بها "(‪.)2‬‬
‫ومن ثم يكون الفارابى قد ثار على البراهين التقليدية ألنها تبدأ من العالم‬
‫وتنتهى إلى إثبات وجود اهلل عز وجل‪ ،‬وهذا خطأ من وجهة نظره ؛ ألن وجود‬
‫البارى سابق على وجود العالم‪.‬‬
‫‪ – 2‬الصورة التى بها خلق العالم ‪-:‬‬
‫السبب الثانى الذى دعا الفارابى إلى الحديث عن واجب الوجود فهو‬
‫يتعلق بالصورة التى بها خلق العالم عنده ‪ ،‬فهو يرى أن واجب الوجود " خير‬
‫محض وعقل محض ومعقول محض وعاقل محض‪ ،‬وهذه األشياء الثالثة كلها‬
‫فيه واحد‪ ،‬وهو حكيم وحى وعالم وقادر ومريد وله غاية الجمال والكمال‬
‫والبهاء‪ ،‬وله أعظم السرور بذاته‪ ،‬وهو العاشق األول والمعشوق األول"(‪.)3‬‬
‫فهذه الصفات التى وصف بها الفارابى واجب الوجود تؤكد أن عالقة‬
‫واجب الوجود بالموجودات ليست عالقة إيجاد بل هى عالقة علم من ناحية‬
‫وعالقة خير من ناحية أخرى‪ ،‬وكل هذا من أجل أن ينفى عن البارى صفة‬
‫اإلرادة التى قال األشاعرة إنها قديمة ‪ ،‬فأدى قولهم هذا إلى الوقوع فى إشكاالت‬
‫كثيرة منها ‪ :‬كيفية خلق األشياء الحادثة بإرادة قديمة ‪ ،‬ومنها ‪ :‬ما الذى يوجب‬
‫أن تكون هذه اإلرادة القديمة سببا فى وجود فعل من األفعال فى وقت دون وقت‬
‫آخر ؟ إلى غير ذلك من اإلشكاالت التى أثارها فى وجههم ابن رشد(‪.)4‬‬
‫ومن ثم يتبين أن وجود األشياء وصدورها عن البارى فى نظر‬
‫الفارابى ال عن جهة قصد منه يشبه قصودنا ‪ ،‬وال يكون له قصد األشياء عنه‬
‫على سبيل الطبع من دون أن يكون له معرفة ورضا بصدورها وحصولها‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أرسطو – الطبيعة ج‪ 1‬صـ ‪101‬‬


‫(‪ )1‬نصير الدين الطوسى – شرح اإلشارات والتنبيهات – تحقيق د‪ /‬سليمان دنيا ج‪ 0‬صـ ‪ ،410‬دار المعارف‬
‫بالقاهرة ‪1311‬م‪ ،‬وراجع ‪ :‬د‪ /‬يحى هويدى – دراسات فى علم الكالم والفلسفة صـ ‪ ، 110‬دار الثقافة للطباعة‬
‫والنشر بالقاهرة بدون‪.‬‬
‫(‪ )0‬الفارابى ‪ -‬عيون المسائل صـ ‪11‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن رشد – تلخيص ما بعد الطبيعة‪ -‬تحقيق د‪ /‬عثمان أمين صـ ‪،114‬القاهرة ‪1311‬م‪.‬‬
‫وإنما ظهرت األشياء عنه لكونه عالما بذاته وبأنه مبدأ النظام الخير فى الوجود‬
‫(‪)1‬‬
‫على ما يجب أن يكون عليه‬
‫الفارابى بين التأثر بمن سبقه والتأثير فيمن لحقه فى فكرة واجب الوجود ‪-:‬‬
‫تأثر الفارابى بأرسطو حين تحدث عن واجب الوجود؛ وذلك ألن كلمة‬
‫( واجب الوجود ) كلمة أرسطوطاليسية‪ ،‬فمع أن الفارابى قد أطلق على اهلل‬
‫تعالى تلك الكلمة‪ ،‬إال أنه أسبغ عليها معنى جديدا ال عهد ألرسطو به يدين به‬
‫الفارابى إلله القرآن‪ ،‬إذ أن واجب الوجود عند الفارابى فى صلته بالمقابل له‬
‫وهو الممكن أصبح موجدا له فى الخارج وموجبا ومحققا له‪ ،‬وأصبح وجوب‬
‫الممكن ووجوده من غير ذاته بعد أن كانا من ذاته عند أرسطو‪ ،‬وأصبحت‬
‫الهوية طارئة على الماهية بفعل فاعل بعد أن لم تكن بفعل أحد ‪ ،‬هذا من ناحية‬
‫ومن ناحية أخرى فإن الفارابى كان متأثرا بكل من أرسطو وأفلوطين فى صفات‬
‫البارى عزوجل‪ ،‬فقد تأثر بأرسطو فى فكرة القوة والفعل والممكن والضرورى‬
‫وحولها إلى نظرية اإلمكان والوجوب وجعلها فى أساس تقسيم الكائنات‪ ،‬واستند‬
‫إلى قول أرسطو بأن المحرك األول عقل محض منزه عن المادة والقسمة‪ ،‬وبأنه‬
‫فعل محض برئ من كل صفة إمكان وقوة وبأنه مكتف بذاته يفكر بها‪ ،‬ال غاية‬
‫(‪.)2‬‬
‫له خارجة عنه ؛ ألنه هو الغاية القصوى التى ليس بعدها غاية‬
‫كما تأثر بأفلوطين فى وصف البارى تعالى بأنه خير محض(‪ ،)3‬وهى‬
‫نفس الصفة التى وصفه بها الفارابى فيما بعد‪.‬‬
‫كما تأثر بالحرانيين ومما يدل على ذلك أنه فى وصفه للبارى جل فى عاله‬
‫وصفه بالسلوب ال بالثبوتيات وهذا مسلك سلكه الحرانيون وسار عليه الفارابى‪،‬‬
‫فقد ذكر د‪ /‬النشار عن البيرونى قوله " إنهم – أى الحرانيين – أناس يوحدون‬
‫اهلل وينزهونه عن القبائح ويصفونه بالسلب ال باإليجاب فيقولون ال يحد وال يرى‬
‫وال يظلم وال يجور‪ ،‬ويسمونه باألسماء الحسنى مجازا؛ إذ ليس له عندهم صفة‬
‫بالحقيقة‪ ،‬وينسبون التدبير إلى الفلك بأجرامه ويقولون بحياتها ونطقها وسمعها‬
‫وبصرها"(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفارابى – عيون المسائل صـ ‪91‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفارابى – عيون المسائل صـ ‪ ،91‬وأرسطو ‪ -‬الطبيعة ج‪ 1‬صـ ‪ ، 101‬ود‪ /‬يحى هويدى – دراسات فى‬
‫علم الكالم والفلسفة صـ ‪، 10‬ود‪ /‬محمد البهى – الفارابى الموفق والشارح صـ ‪،3‬ط‪:‬أولى ‪1401‬هـ‪1311 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪:‬د‪ /‬عبد الرحمن بدوى‪ -‬أفلوطين عند العرب صـ ‪11‬‬
‫(‪ )4‬د‪ /‬النشار– نشأة الفكر الفلسفى فى اإلسالم صـ ‪ ، 111‬وراجع – د‪ /‬رضا الدقيقى‪ -‬التصور الفلسفى لنشأة‬
‫الكون صـ ‪134‬‬
‫هذا وقد كان البن تيمية قصب السبق فى اكتشاف صلة الفارابى بحران‪:‬‬
‫حيث يذكر أنه لما قدم الفارابى حران فى أثناء المائة الرابعة دخل عليهم وتعلم‬
‫منهم وأخذ عنهم ما أخذ من المتفلسفة‪ ،‬وكان ثابت بن قرة ( ت ‪244‬هـ) قد‬
‫شرح كالم أرسطو فى اإللهيات‪ ،‬وقد رأيته وبينت بعض ما فيه من الفساد فإن‬
‫فيه ضالال كثيرا (‪.)1‬‬
‫ويبين د‪ /‬الجابرى مدى تأثر الفارابى بالفكر الحرانى فيرى أن الفارابى قد‬
‫تأثر بالفلسفة الدينية الحرانية فى أهم عنصر تقوم عليه منظومتها الفلسفية‬
‫المشتركة ‪ ،‬ويقصد بذلك نظرية الفيض وعقولها العشرة‪ ،‬بل إنه يذهب إلى‬
‫القول بأن هذه الفلسفة الدينية الحرانية قد لعبت فى الفكر الفلسفى اإلسالمى‬
‫الدور نفسه – تقريبا – الذى لعبته اإلسرائيليات فى التفسير والحديث ‪ ،‬وينتهى‬
‫إلى التأكيد على االتجاه الذى يجمع الفارابى وابن سينا وإخوان الصفا‬
‫واإلسماعيلية‪ ،‬ويقصد به دمج الدين فى الفلسفة والفلسفة فى الدين على أساس‬
‫التوظيف الحرانى لفكرة الفيض (‪.)2‬‬
‫أما هو فقد أثر فى كل من ابن سينا وتوما االكوينى فى القول بثنائية الوجود من‬
‫حيث تقسيمه إلى واجب وممكن‪ ،‬فقد اتفق معهما فى أن اهلل واجب بذاته‪ ،‬والعالم‬
‫ابن سينا‪-:‬‬ ‫ممكن بذاته واجب بالبارى تعالى‪ ،‬ولذا يقول‬
‫" إن الواجب الوجود هو الموجود الذى متى فرض غير موجود عرض منه‬
‫محال‪ ،‬وإن الممكن الوجود هو الذى متى فرض غير موجود أو موجودا لم‬
‫يعرض منه محال‪ ،‬والواجب الوجود هو الضرورى الوجود‪ ،‬والممكن الوجود‬
‫هو الذى ال ضرورة فيه بوجه ‪ ،‬أى ال فى وجوده وال فى عدمه"(‪. )3‬‬
‫ويضيف قائال‪ "-:‬ما حقه فى نفسه اإلمكان فليس يصير موجودا من ذاته‪ ،‬فإنه‬
‫ليس وجوده من ذاته أولى من عدمه من حيث هو ممكن‪ ،‬فإن صار أحدهما‬
‫أولى فلحضور شئ أو غيبته‪ ،‬فوجود كل ممكن هو من غيره"(‪.)4‬‬
‫ويقول توما األكوينى‪ -:‬إن وجود البارى يمكن إثباته " من جهة الممكن‬
‫والواجب‪ ،‬وذلك أننا نجد فى األشياء ما يمكن وجوده وعدمه‪ ،‬إذ منها ما يرى‬
‫معروضا للكون والفساد وهذا ممكن وجوده وعدمه‪ ،‬وكل ما كان كذلك فيمتنع‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ -‬الرد على المنطقيين ج‪ 1‬صـ ‪111‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬د‪ /‬محمد عابد الجابرى – نحن والتراث قراءات معاصرة فى تراثنا الفلسفى صـ ‪ ، 111‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية بيروت‪ -‬ط‪:‬أولى ‪1009‬م‪ ،‬وراجع‪ :‬د‪ /‬فتحى الزغبى‪ -‬نظرية الفيض ذروة التفاعل الفكرى صـ‬
‫‪ 411‬وما بعدها‪ -‬بحث منشور فى كتاب المؤتمر الدولى الخامس عشر بكلية دار العلوم بالقاهرة ‪1010‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬النجاة فى الحكمة المنطقية والطبيعية واإللهية – تقديم د‪ /‬ماجد فخرى صـ ‪ ،191‬دار اآلفاق بيروت‪.‬‬
‫(‪ )4‬اإلشارات والتنبيهات–تحقيق د‪/‬سليمان دنيا ج‪ 0‬ص‪،10‬دار المعارف ‪1311‬م‪.‬‬
‫وجوده دائما؛ ألن ما يمكن أن ال يوجد فهو معدوم فى حين ما‪ ،‬فإذن لو كان عدم‬
‫الوجود ممكنا فى جميع األشياء للزم أنه لم يكن حينا ما شئ‪ ،‬ولو صح ذلك لم‬
‫يكن اآلن شئ ؛ ألن ما ليس موجودا ال يبتدئ أن يوجد إال بشئ موجود‪ ،‬فإذن‬
‫لو لم يكن شئ موجودا الستحال أن يبتدئ شئ أن يوجد‪ ،‬فلم يكن اآلن شئ‪،‬‬
‫وهذا بين البطالن‪...‬فإذن البد من إثبات شئ واجب لذاته ليس واجبا بعلة‬
‫أخرى‪ ،‬بل غيره واجب به‪ ،‬وهذا ما يسميه الجميع اهلل"(‪.)1‬‬
‫لقد أراد الفارابى أن يوفق بين الدين والفلسفة فاختار من صفات إله أرسطو‬
‫أنه عقل محض يعقل نفسه ويكتفى بها فال يدرك الكائنات الدنيا ‪ ،‬ومن صفات‬
‫أفالطون أنه الكمال المطلق والخير المحض ‪ ،‬ومن صفات إله أفلوطين أن‬
‫العالم صدر عنه بتوسط العقول‪ ،‬ومن صفات إله الوحى أنه واحد ال شريك له ‪،‬‬
‫كل هذا من أجل أن يرضى الدين وال يغضب الفلسفة ‪ ،‬وإذا كان الفارابى قد‬
‫تأثر بفالسفة اليونان فى هذه المسألة فإن آراءه كانت أساسا فى فلسفة ابن سينا‬
‫وابن رشد (‪ )2‬فيما بعد‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬قدم العالم الزمانى وحدوثه الذاتى‪-:‬‬
‫يرى الفارابى أن وجود العالم الممكن ليس متأخرا بزمان عن وجود‬
‫موجده وموجبه‪ ،‬فالمعلول إنما يوجد بوجود علته وال يتأخر عنها إال لنقص فيها‬
‫أو عجز يمنعها من تحقيق آثارها‪ ،‬فالتالزم فى الزمان ضرورى إذن بين العلة‬
‫والمعلول ‪.‬وما تقدم العلة على المعلول إال من حيث الشرف والرتبة ال من حيث‬
‫الزمان‪ ،‬أى هو مجرد تقدم منطقى ال زمانى‪ ،‬كتقدم حركة اليد على حركة‬
‫الخاتم الذى يتحرك بحركتها‪ ،‬فهما إن كانا يتحركان معا إال أن حركة اليد ذاتية‬
‫وحركة الخاتم غير ذاتية‪ ،‬أو قل هى تابعة أو الزمة عن حركة اليد‪ ،‬إذ لوال‬
‫حركة اليد لما كان لها أن توجد (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬توما األكوينى – الخالصة الالهوتية ج‪ 1‬صـ ‪ ،00‬بيروت ‪1111‬م‪.‬‬


‫(‪ )1‬ابن رشد ‪ :‬هو(أبو الوليد محمد بن رشد القرطبى المالكى‪ ،‬كان عالماً حافظاً للفقه مقدماً فيه على جميع أهل‬
‫عصره‪ ،‬عاش سبعين سنة‪ ،‬ومات سنة ‪131‬هـ )‪.‬‬
‫‪ -‬انظر‪:‬الذهبى‪ -‬سير أعالم النبالء‪ -‬تحقيق شعيب األرناؤوط باالشتراك جـ ‪ 13‬صـ ‪ ، 101‬ط‪:‬ثالثة ‪1409‬هـ‬
‫‪1319/‬م‪،‬وابن العماد الحنبلى ‪ -‬شذرات الذهب فى أخبار من ذهب ‪ ،‬تحقيق لجنة إحياء التراث العربى جـ ‪ 4‬صـ‬
‫‪ 91‬دار اآلفاق بيروت بدون‪.‬‬
‫(‪ )0‬أنواع التقدم والتأخر عند الفالسفة خمسة هى ‪-:‬‬
‫أ‪ -‬التقدم بالذات ‪ :‬مثل ماهية اإلثنين مفتقرة إلى حصول الواحد‪ ،‬وحصول الواحد غنى ‪ ،‬والمتقدم هنا ليس علة‬
‫لوجود المتأخر‪.‬‬
‫ب‪ -‬التقدم بالزمان‪ :‬كتقدم األب فى الوجود على االبن‪.‬‬
‫ج‪ -‬التقدم بالشرف ‪ :‬كتقدم الصديق رضى اهلل عنه على سيدنا عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫د– التقدم بالعلية ‪ :‬كتقدم حركة اليد على الخاتم‪ ،‬فإن حركة اليد هى علة حركة الخاتم‪.‬‬
‫وهكذا العالقة بين اهلل والعالم ‪ :‬فهما قديمان بالزمان‪ ،‬وأما العالم فإنه قديم‬
‫بالزمان فقط‪ ،‬فالمعلول دائما أقل شأنا من علته ‪ ،‬ولذا يقول الفارابى‪ " -:‬الماهية‬
‫المعلولة لها من ذاتها أنها ليست‪ ،‬ولها من غيرها أنها توجد – أى ممكنة بذاتها‬
‫واجبة بغيرها – واألمر الذى عن الذات قبل األمر الذى ليس عن الذات‪،‬‬
‫فللماهية المعلولة أن ال توجد بالقياس إليها قبل أن توجد‪ ،‬فهى محدثة ال بزمان‬
‫(‪)1‬‬
‫تقدم"‬
‫ويضيف قائال ‪ "-:‬إن العالم محدث ال على أنه كان قبل العالم زمان لم‬
‫يخلق اهلل فيه العالم‪ ،‬ثم بعد انقضاء ذلك الزمان خلق العالم‪ ،‬بل على أن العالم‬
‫وجوده بعد وجوده‪ -‬أى بعد وجود البارى – بالذات"(‪.)2‬‬
‫ومن ثم يتبين أن العالم قديم بالزمان لقدم علته ال يتأخر عنها‪ ،‬حادث فى الوقوع‬
‫بمعنى أن وقوعه من غيره وليس من ذاته؛ ألنه مفتقر إلى علته؛ وألن طبيعته‬
‫اإلمكان؛ وألن تحققه ووقوعه عن أمر خارج عن طبيعته‪ ،‬أى عن ذلك الواجب‬
‫الذى لم يسبق بإمكان‪ ،‬فالعالم لدى الفارابى حادث ولكنه حدوث من نوع خاص‬
‫ال يدخل فيه عنصر الزمان‪ ،‬وإنما هو عبارة عن إبداع حدث دفعة واحدة بال‬
‫زمان‪ ،‬وعن حركة هذا العالم حدث الزمان‪.‬‬
‫وقول الفارابى بقدم العالم له عالقة وثيقة بقوله ‪ :‬إنه فاض عن البارى‬
‫تعالى؛ ألن اهلل تعالى دائما جواد فياض‪ ،‬ولو فرض زمان لم يوجد فيه الكون‬
‫لكانت قدرة البارى تعالى محددة – كما يزعم – فالعالم محدث بالذات قديم‬
‫بالزمان لديه‪.‬‬
‫وجهة نظر‪-:‬‬
‫إن القول بالحدوث ال يتفق مع فكرة الخلق الزمانى التى جاء بها القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬الخلق فى ستة أيام‪ ،‬حيث يكون الزمان سابقا على الخلق‪،‬وهذا قريب من‬
‫فكرة الفيض وصدور الكون عن اهلل دفعة واحدة ال فى زمان‪ ،‬فكما أن الحرارة‬
‫من لوازم الشمس ومعلولة لها‪ ،‬كذلك العالم من لوازم اهلل ومعلول له‪ ،‬لذا فالعالم‬
‫قديم بالزمان حادث بالذات لدى الفارابى‪.‬‬
‫ومن ثم يتبين مدى مخالفة الفارابى ألرسطو فى هذه المسألة‪ ،‬فالعالم ليس‬
‫قديما بإطالق ( أى بالذات والزمان ) كما تقول الفلسفة األرسطية‪ ،‬وليس حادثا‬

‫هـ– التقدم بالرتبة الحسية أو العقلية‪:‬كتقدم اإلمام على المأموم‪،‬والجنس على النوع‪.‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬فخر الدين الرازى– األربعين فى أصول الدين صـ ‪ -1‬حيدر أباد ‪1010‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )1‬فصوص الحكم صـ ‪91‬‬
‫(‪ )1‬الفارابى – تجريد رسالة فى الدعاوى القلبية صـ ‪1‬‬
‫بإطالق( أى بالذات والزمان ) كما يقول الدين‪ ،‬وإنما هو حادث بالذات فقط دون‬
‫الزمان– على معنى أنه معلول وأثر لعلته – وقديم فى الزمان فقط دون الذات؛‬
‫ألن تصور وجوده مرتبط بتصور الواجب‪.‬‬
‫وهذه المحاولة فيها إرضاء للفلسفة على حساب الدين؛ ألنها اعتراف‬
‫صريح بقدم العالم من حيث الزمان – بمعنى عدم أسبقية الوجود بالعدم – وهذا‬
‫ما يصطدم مع النصوص الصريحة فى ذلك‪ ،‬وتأويلها بما يتفق مع فكرة القدم‬
‫الزمانى تحميل لها فوق ما تحتمله‪.‬‬
‫إن االرتباط الضرورى بين العلة والمعلول – التى بنى عليها القول‬
‫بالقدم – فكرة منطقية ذهنية‪ ،‬أما إذا خرجت إلى الوجود والتحقق فإن العقل‬
‫يجوز وجود العلة بدون المعلول‪ ،‬ال سيما إذا كانت العلة ذات إرادة فى أن تفعل‬
‫وأال تفعل‪.‬‬
‫ويبدو أن الفارابى ما كان يغيب عن ذهنه هذا الفرق لوال سيطرة فكرة التوفيق‬
‫على ذهنه‪ ،‬وذلك بصرف النظر عن النتائج التى تترتب عليه (‪.)1‬‬
‫ويظهر أن للتعريف الفلسفى للزمان دخال فى هذه المسألة ( مسألة القول‬
‫بقدم العالم قدما زمانيا ) ذلك ألن الفالسفة – وبخاصة أرسطو – يرون أن‬
‫الزمان هو مقدار حركة الفلك‪ ،‬ويترتب على هذا أننا لو تصورنا جدال أن العالم‬
‫قد وجد فى مدة سبقت بالعدم ‪ ،‬فما هو الوعاء اآلنى الذى يمكن به أن نفسر هذه‬
‫المدة ؟‪.‬‬
‫إن ما ينبغى أن يكون واضحا عند التعرض لمثل هذه المسائل هو أال‬
‫تطبق مقوالت الفلسفة على نصوص الدين؛ ألن لكل منهما منهجا فى الوصول‬
‫إلى القضايا التى يريد إثباتها‪ ،‬وال يكون للموفقين الحق فى اعتبار آرائهما هى‬
‫النهائية فى المسائل موضوع البحث(‪.)2‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الواحد ال يصدر عنه إال واحد‪-:‬‬
‫ذهب الفارابى إلى أن اهلل واحد من كل وجه‪ ،‬وال يقبل الكثرة بحال‪ ،‬ولو‬
‫صدرت عنه الكثرة بفعل مباشر لكانت مؤدية إلى كثرة من جهة الفاعل‪ ،‬وهذا‬
‫محال على البارى جل فى عاله‪ ،‬ولذا يقول ‪-:‬‬

‫(‪)1‬انظر‪:‬د‪ /‬محمد عبد الستار نصار‪ -‬فى الفلسفة اإلسالمية فى المشرق ج‪ 1‬صـ ‪30‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المرجع السابق‬
‫" الالزم عن األول يجب أن يكون أحدى الذات؛ ألن األول أحدى الذات من كل‬
‫جهة‪ ،‬ويجب أن يكون هذا األحدى بالذات أمرا مفارقا"(‪.)1‬‬
‫إذن فالواحد ال يصدر عنه إال واحد؛ إذ لو صدرت الكثرة عنه تعالى لكان‬
‫مصدر كل واحد من هذه الكثرة غير مصدر اآلخر‪ ،‬فيؤدى هذا إلى التركيب فى‬
‫الذات اإللهية‪ ،‬وهذا ال يجوز فى حقه تعالى؛ ألنه تعالى منزه عن التركيب‬
‫والكثرة واالنقسام واالحتياج إلى الغير والمماثلة‪...‬إلخ‪.‬‬
‫لقد قال الفارابى بنظرية العقول العشرة ؛ حتى ال يصدر عن الواحد إال واحد‪،‬‬
‫وهو العقل األول‪ ،‬ومن هذا العقل تبدأ الكثرة حينما يعقل(موجده) وهو( األول)‬
‫فيصدر عنه عقل آخر‪ ،‬ويدرك ذاته فيصدر عنه وجود السماء األولى‪ ،‬وهكذا‬
‫حتى العقل العاشر وفلك القمر‪ ،‬أى أن الكثرة تبدأ من العقل األول‪ ،‬حيث يتم‬
‫الخلق على مراحل وبشكل تدريجى(‪.)2‬‬
‫مدى تأثر الفارابى بفالسفة اليونان فى فكرة عدم صدور الكثرة عن الواحد‪-:‬‬
‫تأثر الفارابى بأفلوطين فى قوله بأن الواحد ال يصدر عنه إال واحد‪ ،‬فقد ذكر‬
‫أفلوطين أن " كل ما كان بعد األول‪ -‬يقصد المولى تعالى ‪ -‬فهو من األول‬
‫اضطرارا‪ ،‬إال أنه ‪ :‬إما أن يكون منه سواء بال توسط‪ ،‬وإما أن يكون منه‬
‫بتوسط أشياء أخرى هى بينه وبين األول فيكون إذن لألشياء نظام وشرح وذلك‬
‫أن منها ما هو ثان بعد األول‪ ،‬ومنها ثالث‪ ،‬أما الثانى فيضاف إلى األول‪ ،‬وأما‬
‫الثالث فيضاف إلى الثانى"(‪.)3‬‬
‫أما هو فقد تأثر به ابن سينا حيث ذهب أيضا إلى القول بأن الواحد من‬
‫حيث هو واحد إنما يوجد عنه واحد(‪ ،)4‬ويدلل على ذلك بأن " مفهوم أى علة ما‬
‫يجب عنها " أ " غير مفهوم أن علة ما بحيث يجب عنها " ب " ‪ ،‬وإذا كان‬
‫الواحد يجب عنه شيئان فمن حيثيتين مختلفتين فى المفهوم والحقيقة ‪ ...‬فكل ما‬
‫يلزم عنه اثنان معا ليس بتوسط اآلخر‪ ،‬فهو منقسم الحقيقة"(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬الفارابى – رسالة فى إثبات المفارقات صـ ‪4‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬د‪ /‬يحى هويدى – دراسات فى علم الكالم والفلسفة صـ ‪111‬‬
‫(‪ )0‬التاسوعات ج‪ 4‬صـ ‪119‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن سينا – النجاة صـ ‪010‬‬
‫(‪ )1‬ابن سينا – اإلشارات والتنبيهات ج‪ 0‬صـ ‪ 31‬بتصرف واختصار‬
‫رابعا ‪ :‬التوحيد بين إرادة اهلل وبين قدرته وعلمه وإيجاده العالم ‪-:‬‬
‫ذهب الفارابى إلى التوحيد بين إرادة اهلل من جانب وقدرته وعلمه‬
‫وإيجاده األشياء من جانب آخر‪ ،‬فعلمه تعالى وحده كاف إليجاد األشياء دون‬
‫حاجة إلى إرادة أو قدرة ‪.‬‬
‫لذا فعملية الفيض لديه ال يرافقها أى فعل من أفعال اإلرادة أو القصد ‪،‬‬
‫ومن ثم فال فرق بين إرادة اهلل وعلمه وقدرته وإيجاده العالم ‪ ،‬وهذا ال يعنى أن‬
‫العقول العشرة تفيض اضطرارا أو بالطبع‪ ،‬وإنما تفيض بعلمه تعالى ورضائه‪،‬‬
‫فعلمه هو علة الموجودات وليست اإلرادة‪ ،‬يقول الفارابى‪-:‬‬
‫" ومتى وجد لألول الوجود الذى هو له لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر‬
‫الموجودات التى وجودها ال بإرادة اإلنسان واختياره على ما هى عليه من‬
‫الوجود الذى بعضه مشاهد بالحس وبعضه معلوم بالبرهان"(‪.)1‬‬
‫ويضيف قائال‪ "-:‬وإنما ظهرت األشياء عنه لكونه عالما بذاته وبأنه مبدأ‬
‫لنظام الخير فى الوجود على ما يجب أن يكون عليه ‪ ،‬فإذن علمه علة لوجود‬
‫الشئ الذى يعلمه"(‪ ،)2‬فالعالم موجود متى علمه البارى تعالى ‪ ،‬وعلم البارى‬
‫أزلى‪ ،‬ويترتب على ذلك أن العالم أزلى لدى المعلم الثانى ‪.‬‬
‫وفيما ذهب إليه الفارابى من نفى اإلرادة نظر؛ألن نفيه لإلرادة جعله ينفى القول‬
‫بالطبع فى نظرية العقول العشرة‪ ،‬نفى اإلرادة يساوى القول بنفى الطبع ‪.‬‬
‫مدى تأثر الفارابى بفالسفة اليونان فى نفى الصفات خاصة اإلرادة عن الذات‬
‫اإللهية ‪-:‬‬
‫تأثر الفارابى بالفكر األفلوطينى فى نفيه إرادة البارى تعالى ‪ ،‬فقد ذهب‬
‫أفلوطين إلى نفى الصفات التى تضاف إلى البارى تعالى دائما مثل الحياة والعلم‬
‫والقدرة واإلرادة‪ ،‬كل هذه الصفات يجب أال تضاف إلى اهلل عند أفلوطين ‪ ،‬فال‬
‫يمكن أن يتصف البارى باإلرادة ؛ ألنه إذا كان مريدا فمعنى ذلك ‪ :‬أنه محتاج‬
‫إلى غيره ‪ ،‬واالحتياج يتنافى مع الوحدة والبساطة فى األول‪ ،‬بل لن يكون حينئذ‬
‫أول؛ ألن ما سيحتاج إليه سيكون هو األول فى الواقع‪ ،‬هذا إلى أنه لن يكون‬
‫واحدا ألنه سيتغير‪ ،‬وكما يقول أفلوطين هنا إن الشئ إذا كان واحدا على هذا‬

‫(‪ )1‬آراء أهل المدينة الفاضلة صـ ‪11‬‬


‫(‪ )1‬الفارابى – عيون المسائل صـ ‪11‬‬
‫النوع ‪ ،‬أى على أساس أنه يتغير من حال إلى حال‪ ،‬كان الواحد فيه كذبا وليس‬
‫واحدا حقا(‪.)1‬‬
‫أما الفارابى فقد أثر فى ابن سينا ‪ ،‬فقد سلك األخير نفس مسلك أستاذه‬
‫فى توحيده بين إرادة اهلل وعلمه وقدرته وإيجاده األشياء‪ ،‬ولذا يقول‪-:‬‬
‫" علمه ال يخالف قدرته وإرادته وحياته فى المفهوم‪ ،‬بل ذلك كله واحد‪ ،‬وليس‬
‫مراد األول على نحو مرادنا حتى يكون له فيما يكون عنده غرض‪ ،‬فواجب‬
‫الوجود ليست إرادته مغايرة الذات لعلمه وال مغايرة المفهوم لعلمه‪ ،‬قد بينا أن‬
‫العلم الذى له هو بعينه اإلرادة التى له‪ ،‬وكذلك قد تبين أن القدرة التى له هى‬
‫كون ذاته عاقلة للكل عقال هو مبدأ للكل ال مأخوذا عن الكل ومبدأ بذاته ال‬
‫متوقف على وجود شئ"(‪.)2‬‬
‫كما أضاف إلى نفى اإلرادة نفى الطبع ‪ ،‬ولذا يقول‪ " -:‬وليس كون الكل‬
‫عنه على سبيل الطبع بأن يكون وجوب الكل عنه ال بمعرفة وال رضا منه‪،‬‬
‫وكيف يصح هذا ‪ ،‬هو عقل محض يعقل ذاته‪ ،‬فيجب أن يعقل أنه يلزم وجود‬
‫الكل عنه‪.)3("...‬‬
‫كيفية صدور الموجودات لدى الفاربى‪-:‬‬
‫لقد ظهرت نظرية العقول العشرة – كما مر‪ -‬بالصورة التى وردت‬
‫بها عن أفلوطين ( ت ‪263‬م ) ومن بعده – كإخوان الصفا واإلسماعيلية‬
‫ومسكويه فى القرن الثالث وفى مدرسة اإلسكندرية حيث مراتب الفيض أربع‬
‫هى‪ :‬اهلل ‪ ،‬العقل األول ‪ ،‬النفس الكلية‪ ،‬فالنفوس البشرية وسائر ما هو ذو صورة‬
‫وهيولى من إنسان وحيوان ونبات وجماد(‪.)4‬‬
‫أما المرتبة أو الصورة الثانية ‪ :‬فهى التى ينسبها الفارابى إلى زينون‬
‫الكبير ‪ ،‬وسادت كتب الفارابى وابن سينا‪ ،‬وكتب لها االستمرار والتكرار بعدهما‬
‫وعند المتأخرين‪ ،‬حيث استفادت من مقوالت علم الفلك آنذاك خصوصا نظرية‬
‫بطليموس المعروفة‪ ،‬ولذا يقول د‪ /‬جميل صليبا‪ " :‬انظروا مثال إلى كتاب‬
‫المجسطى لبطليموس وقايسوا بينه وبين ما قاله الفارابى وابن سينا‪ ،‬تجدوا‬
‫إلهيات هذين الفيلسوفين مطابقة لحالة علم الفلك فى ذلك العصر‪ ،‬والمذاهب‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬أفلوطين – التاسوعات ج ‪ 4‬صـ ‪ ،111‬وانظر‪ :‬د ‪ /‬عبد الرحمن بدوى – خريف الفكر اليونانى صـ‬
‫‪ ،111‬ط ‪ :‬رابعة ‪1310‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن سينا – اإلشارات والتنبيهات ج‪ 0‬صـ ‪110‬‬
‫(‪ )0‬ابن سينا – النجاة صـ ‪010‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬د‪ /‬حسام الدين األلوسى – دراسات فى الفكر الفلسفى اإلسالمى هامش صـ‪ ، 111‬دار الشئون الثقافية‬
‫العامة ببغداد ‪1311‬م‪.‬‬
‫الفلسفية إنما تبنى على العلم وتتبدل بتبدله "‪ ،‬فأصبحت العقول الفلكية المفارقة‬
‫عشرة‪ ،‬والنفوس الفلكية تسعا‪ ،‬باإلضافة إلى االستفادة من مقولة تقسيم‬
‫الموجودات الثالثى إلى واجب وممكن لجعل الصدور عن كل عقل فلكى بعد اهلل‬
‫صدورا ثنائيا أو ثالثيا (‪.)1‬‬
‫يرى الفارابى إذن أن األول( اهلل ) يعقل ذاته ويعرفها‪ ،‬ومن هذه المعرفة خرج‬
‫العالم" ووجود األشياء عنه ليس عن قصد يشبه قصودنا‪ ،‬وال على سبيل الطبع‬
‫بدون أن يكون له معرفة ورضى بصدورها عنه وحصولها كما ظن أفلوطين‪،‬‬
‫وإنما ظهرت األشياء عنه لكونه عالما بذاته وبأنه مبدأ لنظام الخير فى الوجود‬
‫على ما يجب أن يكون عليه ‪ ،‬فإذن علمه علة لوجود الشئ الذى يعلمه " (‪.)2‬‬
‫فالعلم هو القوة التى تخلق كل شئ‪ ،‬ويكفى أن يكون الشئ معلوما من‬
‫اهلل لكى يحصل له الوجود‪ ،‬ذلك أن التعقل أو المعرفة ال معنى لها بالنسبة إليه‬
‫وإلى سائر الكائنات العقلية الشريفة إال التأثير والخلق‪ ،‬فعلمه القديم هو فى نفس‬
‫الوقت نشاط خالق‪ ،‬وهكذا فالشئ يوجد بحكم أنه موضوع للتفكير اإللهى‪ ،‬وينتج‬
‫عن ذلك أن الفيض هو فى آن واحد عمل عقلى مجرد وضرب من النشاط‬
‫الخالق(‪.)3‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن علم األول باألشياء علم أزلى خالد‪ ،‬فهو ليس‬
‫بعلم زمانى يتغير بتغير المعلوم‪ ،‬وهو علة لوجود األشياء‪ ،‬بمعنى أنه يعطيها‬
‫الوجود األبدى ويدفع عنها العدم مطلقا‪ ،‬ال بمعنى أنه يعطيها وجودا مجردا بعد‬
‫كونها معدومة‪ ،‬وهو خالف علمنا‪ ،‬فإذا كان علم اهلل علة لوجود األشياء ‪ ،‬بمعنى‬
‫أنه بمجرد علمه بها توجد‪ ،‬فإن علمنا معلول لوجود األشياء‪ ،‬أى أنها توجد أوال‬
‫ثم نعلمها ثانيا‪ ،‬فوجودها علة لعلمنا كما أن علمنا معلول لوجودها‪.‬وهذا معنى‬
‫يفسر به الفارابى علم اهلل باألشياء‪ ،‬األمر الذى ينكره أرسطو‪.‬‬
‫واألول هو علة المبدع األول ‪ ،‬واإلبداع هو حفظ إدامة وجود الشئ‬
‫الذى ليس وجوده لذاته إدامة ال تتصل بشئ من العلل غير ذات المبدع‪ ،‬وأن‬
‫نسبة جميع األشياء إليه – من حيث إنه مبدعها – نسبة واحدة‪ ،‬وهو الذى ليس‬
‫ألفعاله لمية‪ ،‬وال يفعله لشئ آخر(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬د‪ /‬حسام الدين األلوسى – دراسات فى الفكر الفلسفى اإلسالمى صـ ‪119‬‬
‫(‪ )1‬الفارابى – عيون المسائل صـ ‪.11‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪:‬المرجع السابق‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الفارابى – عيون المسائل صـ ‪ ،13‬ود‪ /‬جعفر آل ياسين – فيلسوفان رائدان الكندى والفارابى صـ‬
‫‪ ،110‬دار األندلس ‪،‬ط‪ :‬ثانية ‪1310‬م‪.‬‬
‫ومن األول( اهلل) يفيض وجود ثان ( عقل أول ) وهو جوهر غير‬
‫متجسم أصال وال هو فى مادة‪ ،‬وهو يعقل ذاته ويعقل األول‪ ،‬فبما يعقل من‬
‫األول يلزم عنه وجود ثالث( عقل ثان)‪ ،‬وبما يعقل من ذاته يلزم عنه وجود‬
‫السماء األولى ( أو الفلك المحيط أو الفلك األعلى )‪.‬‬
‫وهذا الوجود الثالث هو أيضا ال فى مادة‪ ،‬وهو بجوهره عقل ( العقل‬
‫الثانى)وهو يعقل ذاته ويعقل األول‪ ،‬فبما يعقله من األول يلزم عنه وجود رابع‬
‫( عقل ثالث) ‪ ،‬وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة الكواكب الثابتة أو فلك‬
‫الثوابت‪.‬‬
‫وهذا الوجود الرابع (العقل الثالث ) هو أيضا ال فى مادة‪ ،‬وهو بجوهره‬
‫عقل‪ ،‬وهو يعقل ذاته ويعقل األول‪ ،‬فبما يعقله من األول يلزم عنه وجود‬
‫خامس(عقل رابع) ‪ ،‬وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة أو فلك زحل‪.‬‬
‫وهذا الوجود الخامس هو أيضا ال فى مادة‪ ،‬وهو بجوهره عقل ( العقل‬
‫الرابع) وهو يعقل ذاته ويعقل األول‪ ،‬فبما يعقله من األول يلزم عنه وجود‬
‫سادس( عقل خامس) ‪ ،‬وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة أو فلك‬
‫المشترى‪.‬‬
‫وهذا الوجود السادس هو أيضا ال فى مادة‪ ،‬وهو بجوهره عقل ( العقل‬
‫الخامس) وهو يعقل ذاته ويعقل األول‪ ،‬فبما يعقل من األول يلزم عنه وجود‬
‫سابع( عقل سادس) ‪ ،‬وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة المريخ‪.‬‬
‫وهذا الوجود السابع هو أيضا ال فى مادة‪ ،‬وهو بجوهره عقل ( العقل السادس)‬
‫وهو يعقل ذاته ويعقل األول‪ ،‬فبما يعقل من األول يلزم عنه وجود ثامن‬
‫(عقل سابع) ‪ ،‬وبما يعقل من ذاته يلزم عنه وجود كرة الشمس‪.‬‬
‫وهذا الوجود الثامن هو أيضا ال فى مادة‪ ،‬وهو بجوهره عقل ( العقل السابع)‬
‫وهو يعقل ذاته ويعقل األول‪ ،‬فبما يعقله من األول يلزم عنه وجود‬
‫تاسع( عقل ثامن) ‪ ،‬وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة الزهرة‪.‬‬
‫وهذا الوجود التاسع هو أيضا ال فى مادة‪ ،‬وهو بجوهره عقل ( العقل‬
‫الثامن) وهو يعقل ذاته ويعقل األول‪ ،‬فبما يعقله من األول يلزم عنه وجود‬
‫عاشر( عقل تاسع) ‪ ،‬وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود كرة عطارد‪.‬‬
‫وهذا الوجود العاشر( العقل تاسع) هو أيضا ال فى مادة‪ ،‬وهو يعقل‬
‫ذاته ويعقل األول‪ ،‬فبما يعقله من األول يلزم عنه وجود حادى عشر( عقل‬
‫عاشر) ‪ ،‬وبما يعقله من ذاته يلزم عنه وجود القمر‪.‬‬
‫وهذا الوجود الحادى عشر هو آخر العقول الثوانى وعاشرها ‪ ،‬وهو‬
‫العقل الفعال ‪ ،‬أو عقل فلك القمر‪ ،‬إنه يدبر عالم ما دون فلك القمر‪ ،‬عالمنا‬
‫األسفل ‪ ،‬عالم الكون والفساد‪ ،‬وهو أيضا وجوده ال فى مادة‪ ،‬وهو يعقل ذاته‬
‫(‪.)1‬‬
‫ويعقل األول‪ ،‬ولكن عنده ينتهى وجود األجساد السماوية‬
‫مدى تأثر الفارابى فى عدد العقول بفالسفة اليونان ‪-:‬‬
‫بداية نتساءل ‪ :‬لماذا أوصل الفارابى الصادرات عن األول إلى عشرة عقول‬
‫بتوابعها المعروفة ولم يجعلها تتجاوز هذا العدد أو تقل عنه ؟‬
‫والجواب يتمثل فى أن اختيار الفارابى للعشرة له أصول فيثاغورية قديمة ترتبط‬
‫بصفة الكمال لهذا العدد واعتباره وحدة متتابعة فى النظام الرياضى تتفق مع‬
‫الصورة الهندسية الجميلة التى أبدعها الفارابى لعالم الفيض وسلطان اهلل فى‬
‫ملكوته األعلى‪ ،‬وكل اتساق هندسى فهو دليل على وحدة الموضوع‪ ،‬وغاية‬
‫(‪.)2‬‬
‫لتحقيق العدل السماوى المرغوب فيه‬
‫والفاارابى حااريص كاال الحاارص علااى هاذا التنساايق والتنظاايم سااواء فااى‬
‫العالم العلوى أو فى العالم السفلى‪ ،‬حيث قرر بالنسبة لعالم الحس ترابط أعضااء‬
‫الجسد بين رئيس ومرؤوس حتى تنتهى إلى الارئيس الحقيقاى وهاو القلاب‪ ،‬ومان‬
‫ثمة عكس هذا التخطيط أيضا على القوى النفسية التاى تنتهاى إلاى القاوة الناطقاة‬
‫الرئيسة‪ ،‬ولم يكتف بذلك فرسم لمدينته الفاضلة صاورة تشابه هاذه الرؤياة وضاع‬
‫فاااى أعالهاااا الااارئيس الفاضااال أو اإلماااام العاااادل‪ ،‬وال نعااادم أصاااول هاااذا الفكااار‬
‫الرياضى الذى تأثر به الفارابى منقوال عن أفالطون فى جمهوريته ونواميسه(‪.)3‬‬
‫وهكذا يتبين أن العقول قد وقفت عند هذا العدد لدى الفارابى؛ " ألن أفالك‬
‫الكواكب المتحركة عند أرسطو سبعة‪ ،‬فإذا أضفنا إليها فلك الكواكب الثابتة والفلك‬
‫الخالى الذى هو فوقه والذى تأثر الفارابى فى القول به ببطليموس تبين لنا أنها يجب‬
‫(‪)4‬‬
‫أن تكون عشرة لتحقق إدارة كل عقل للفلك الذى صدر عنه"‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬الفارابى – آراء أهل المدينة الفاضلة صـ ‪ ، 91‬وراجع ‪ :‬د‪ /‬محمد مرحبا – من الفلسفة اليونانية إلى‬
‫الفلسفة اإلسالمية صـ ‪410‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬د‪ /‬ماجد فخرى‪ -‬تاريخ الفلسفة اإلسالمية صـ ‪ -191‬بيروت ‪1314‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪ :‬د ‪ /‬جعفر آل ياسين – فيلسوفان رائدان الكندى والفارابى صـ ‪110‬‬
‫(‪ )4‬د‪ /‬محمد غالب– مشكلة األلوهية صـ ‪ ، 44‬دار إحياء الكتب العربية ط‪ :‬ثانية ‪1011‬هـ ‪1311 /‬م‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫العقل الفعال وعالقته بالعالم‬
‫بداية نقول‪ :‬ما من قضية أثارت جدال وخالفا على صعيد الفكر الفلسفى‬
‫قديمه ووسيطه كما أثارته قضية العقل الفعال ‪ ،‬وبخاصة عند اإلسالميين ‪،‬‬
‫وكانت بداية تلك المشكلة إشارة مختصرة لهذا العقل الفعال ال تخلو من‬
‫الغموض‪ ،‬جاءت فى قول أرسطو‪ "-:‬وهذا العقل هو المفارق الالمنفعل غير‬
‫الممتزج‪ ،‬من حيث إنه بالجوهر فعل؛ ألن الفاعل دائما أسمى من المنفعل‪... ،‬‬
‫وال نستطيع أن نقول إن هذا العقل يعقل تارة وال يعقل تارة أخرى‪ ،‬وعندما‬
‫يفارق فقط يصبح مختلفا عما كان بالجوهر‪ ،‬وعندئذ فقط يكون خالدا وأزليا" (‪.)1‬‬

‫وقد سلك شراح أرسطو مسالك شتى فى تأويل قوله السابق؛ ألنهم‬
‫وجدوا فى قوله بعقل مفارق حى أزلى ما يدعم عقيدتهم فى خلود النفس‪ ،‬وما‬
‫يترتب عليه من عقائد تخص العالم اآلخر‪ ،‬وأهمها عقيدة الثواب والعقاب‪ ،‬كذلك‬
‫فإنهم وجدوا فيها الطريقة المثلى للجمع بين االتجاه األرسطى واالتجاه‬
‫األفالطونى القائم أساسا وبخاصة فى صورته األفالطونية المحدثة على فكرة‬
‫خلود النفس‪ ،‬وكان التوفيق بين أفالطون وأرسطو هو االتجاه الغالب فى فلسفة‬
‫الشراح المتأخرين من أمثال االسكندر وثامسطيوس( ت ‪344‬م ) والقديس توما‬
‫االكوينى ( ‪1214‬م ) وغيرهم‪ ،‬وفى الفلسفة اإلسالمية أيضا وبخاصة عند‬
‫الفارابى الذى كانت له محاوالت كثيرة فى هذا االتجاه‪ ،‬لعل كتابه فى الجمع بين‬
‫رأيي الحكيمين خير دليل على ذلك(‪ ، )2‬وفيما يلى يلقى الباحث نظرة موجزة‬
‫على مفهوم العقل الفعال وعالقته بالعالم لدى المعلم الثانى‪-:‬‬
‫أوال – مفهوم العقل الفعال‪-:‬‬
‫العقل الفعال هو نوع من العقل المستفاد‪ ،‬وصورة مفارقة لم تكن فى مادة‬
‫وال تكون أصال ‪ ،‬ولذا يقول الفارابى‪ ":‬العقل الفعال هو نوع من العقل المستفاد‪،‬‬
‫وصور الموجودات التى هى فيه لم تزل وال تزال إال أن وجودها فيه على‬
‫ترتيب غير الترتيب الذى هى موجودة عليه فى العقل الذى هو بالفعل" (‪.)3‬‬

‫ثانيا‪ -:‬عالقة العقل الفعال بالعالم لدى المعلم الثانى‪-:‬‬

‫(‪ )1‬النفس ك‪ 0‬ف‪ 1‬صـ‪ 111‬باختصار‪.‬‬


‫(‪ )1‬راجع ‪:‬د ‪ /‬إبراهيم العاتى – اإلنسان فى فلسفة الفارابى صـ ‪ ،119‬وانظر‪ :‬د‪ /‬عبد الرحمن بدوى فى مقدمته‬
‫لكتاب النفس ألرسطو صـ ‪1‬‬
‫(‪ )0‬الفارابى– مقالة فى معانى العقل صـ ‪،41‬وانظر‪:‬سعيد زايد‪ -‬الفارابى صـ ‪ ،31‬دار المعارف ط‪:‬ثالثة بدون‪.‬‬
‫إذا كان العقل الفعال هو نوع من العقل المستفاد فما هو دوره ‪ ،‬أو ما هى عالقته‬
‫بالعالم لدى الفارابى ؟‬
‫وال شك أن وضوح اإلجابة عن هذا السؤال متوقفة فى أول األمر على‬
‫وضع العقل الفعال‪ ،‬هل هو فى داخل النفس اإلنسانية بحيث يعد قوة من قواها‬
‫أو مرتبة ودرجة من درجاتها ؟ أم هو خارج هذه النفس ‪ ،‬وحينذاك ال يكون‬
‫وظيفة أو قسما من أقسامها بل هو نوع مستقل إلى جانب العقل المستفاد والعقل‬
‫بالفعل والعقل بالقوة والتى تشتمل عليها النفس اإلنسانية ؟‬
‫فاإلسكندر األفروديسى جعل هذا العقل هاو اهلل ؛ حياث يارى أن العقال الفعاال‬
‫لمااا كااان هااو الااذى يجعاال صااور الماديااات معقولااة فيجااب أن يكااون معقااوال فهااو‬
‫مفارق وليس جزءا من النفس‪ ،‬ولكنه يفعل فى النفس من خارج ‪ ،‬فهاو اهلل العلاة‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫األولى‬
‫وبشئ من الحذر فإن الباحث يرى – كما مر ‪ -‬أن اإلسكندر قد غالى‬
‫فى مكانة العقل الفعال حتى انتهى إلى القول بأنه هو اهلل واصفا إياه بأنه غير‬
‫فاسد وقديم‪.‬‬
‫بينما يرى ثامسطيوس ( ‪ )344 – 311‬والقديس توما األكوينى أن هذا‬
‫العقل هو قوة من قوى النفس على اعتبار أن نصوص أرسطو تؤيد ذلك‪ ،‬وكالم‬
‫ثامسطيوس واألكوينى ال يعدو الحقيقة‪ ،‬حيث يقول أرسطو ‪ ":‬لكن ما دمنا فى‬
‫الطبيعة كلها نميز أوال بين ما يصلح أن يكون هيولى لكل نوع ‪ ،‬وهذا هو بالقوة‬
‫جميع أفراد النوع‪ ،‬ثم شيئا آخر هو العلة والفاعل ألنه يحدثها جميعا‪ ،‬واألمر‬
‫فيهما كالنسبة بين الفن إلى هيواله‪ ،‬فمن الواجب فى النفس أيضا أن نحدد هذا‬
‫التمييز‪ ،‬ذلك أننا نميز من جهة العقل الذى يشبه الهيولى؛ ألنه يصبح جميع‬
‫المعقوالت‪ ،‬ومن جهة أخرى العقل الذى يشبه العلة الفاعلة ألنه يحدثها‬
‫جميعا"(‪.)2‬‬
‫فأرسطو يرى أن العقل المنفعل والعقل الفعال كالهما موجودان فى‬
‫النفس وضمن قواها مما يفند قول األفروديسى بأن العقل الفعال هو اهلل ‪ ،‬فاهلل‬
‫عند أرسطو يعقل ذاته وحسب‪ ،‬بينما العقل الفعال يلم بجميع المعقوالت ‪ ،‬وهو‬

‫(‪ )1‬أرسطو – النفس ك‪ 0‬ف‪ 1‬صـ‪ ،111‬وانظر‪ :‬د‪ /‬محمود قاسم – فى النفس والعقل لفالسفة اإلغريق واإلسالم‬
‫صـ ‪131‬‬
‫(‪ )1‬أرسطو – النفس ك‪ 0‬ف‪ 1‬صـ‪111‬‬
‫إله متعال ؛ألنه يأبه بشأن العالم السفلى بينما العقل الفعال حال فى النفس وهو‬
‫مبدأ تحقيق إمكاناتها اإلدراكية (‪.)1‬‬
‫رأى الفارابى‪ -:‬يبدو أن االحتمال الثانى هو األصح لدى الفارابى والذى قال‬
‫بمفارقة العقل الفعال للنفس اإلنسانية وأنه يطرأ عليها كلما لزم األمر ذلك‪ ،‬ولذا‬
‫يقول‪-:‬‬
‫" ومن قوى النفس العقل العملى وهو الذى يتم به جوهر النفس ‪ ،‬ويصير‬
‫جوهرا عقليا بالفعل ‪ ،‬ولهذا العقل مراتب يكون مرة عقال هيوالنيا‪ ،‬ومرة عقال‬
‫بالملكة ‪ ،‬ومرة عقال مستفادا‪ ،‬وهذه القوى التى تدرك المعقوالت جوهر بسيط‬
‫ليس بجسم وال تخرج من القوة إلى الفعل ‪ ،‬وال تصير عقال تاما إال بسبب عقل‬
‫مفارق وهو العقل الفعال الذى جعل العقل بالقوة عقال بالفعل بما أعطاه من ذلك‬
‫المبدأ‪ ،‬وبذلك صارت المعقوالت معقوالت بالفعل "(‪.)2‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن العقل الفعال لم يكن له دور فى حركة األفالك‬
‫والكواكب لدى الفارابى ؛ ألن هذا العقل يعنى بعالم ما تحت فلك القمر ‪ ،‬أى‬
‫بعالم الكون والفساد‪.‬‬
‫وهذا العقل لدى الفارابى هو‪ ":‬سبب وجود األنفس األرضية من وجه ‪،‬‬
‫وسبب وجود األركان األربعة ( الماء – الهواء – التراب – النار ) بوساطة‬
‫األفالك من وجه آخر"(‪)3‬؛ وذلك أن من تحرك األفالك ومماسة بعضها لبعض‬
‫تحصل العناصر األربعة وتمتزج امتزاجات مختلفة النسب والحركات وتحصل‬
‫عنها األجسام ‪ ،‬ولهذه " األجسام الكائنة من األركان األربعة قوى تعطيها‬
‫االستعداد لقبول الفعل وهى الرطوبة واليبوسة " (‪ )4‬ولكنها كلها مركبة من‬
‫هيولى وصورة‪.‬‬
‫" والصورة قوامها بالمادة ‪ ،‬والمادة موضوعة لحمل الصور ‪ ،‬فإن‬
‫الصور ليس لها قوام بذواتها وهى محتاجة إلى أن تكون موجودة فى موضوع ‪،‬‬
‫وموضوعها المادة ‪ ،‬والمادة إنما وجودها ألجل الصور"(‪ )5‬لكن المادة ال‬
‫تحصل على الصورة وال تنتقل من صورة إلى أخرى إال تحت تأثير فاعل‬
‫(‪ )1‬راجع ‪ :‬د‪ /‬إبراهيم العاتى– اإلنسان فى فلسفة الفارابى صـ ‪ ،119‬وانظر‪ :‬د‪ /‬ماجد فخرى – أرسطو طاليس(‬
‫المعلم األول) صـ ‪11‬‬
‫‪- 1‬الفارابى– مقالة فى معانى العقل صـ ‪، 44‬وراجع‪:‬د‪ /‬سامى لطف– نماذج من فلسفة اإلسالميين ( حكماء‬
‫المشرق اإلسالمى ) ج‪1‬صـ ‪ ،111‬ط‪:‬أولى بالقاهرة ‪1311‬م‪.‬‬
‫‪ - 0‬الفارابى – عيون المسائل صـ ‪11‬‬
‫‪ - 4‬الفارابى – المرجع السابق‬
‫‪ - 1‬الفارابى – السياسات المدنية ‪ ،‬تحقيق وتقديم وتعليق د‪ /‬فوزى مترى نجارصـ ‪،09‬المطبعة الكاثوليكية‬
‫بيروت ‪1394‬م‪.‬‬
‫خارج عنها ‪ ،‬وهذا الفاعل هو العقل الفعال الذى يسميه الفارابى " واهب‬
‫الصور"(‪.)1‬‬
‫أقسام الموجودات ومراتبها ‪-:‬‬
‫يرى الفارابى أن الموجودات تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الموجودات الروحية‪-:‬‬
‫للموجودات الروحية ست مراتب عظمى ‪ ،‬كل مرتبة منها تحوز صنفا منها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬السبب األول ( اهلل) فى المرتبة األولى‪.‬‬
‫ب‪ -‬العقول المفارقة‪ ،‬أو ما يسمى لدى الفارابى باألسباب الثوانى فى المرتبة‬
‫الثانية‪ ،‬وهى التى بسببها تتحرك األفالك الثمانية فتدور حول األرض الثابتة فى‬
‫المركز وتكون حركتها مستديرة وأزلية‪.‬‬
‫ت‪ -‬العقل الفعال فى المرتبة الثالثة‪.‬‬
‫ث‪ -‬النفس اإلنسانية فى المرتبة الرابعة‪.‬‬
‫ج‪ -‬الصورة فى المرتبة الخامسة‪ ،‬والصورة قوامها بالمادة – كما مر‪ -‬والمادة‬
‫موضوعة لحمل الصور ‪ ،‬فإن الصور ليس لها قوام بذواتها وهى محتاجة إلى‬
‫أن تكون موجودة فى موضوع ‪ ،‬وموضوعها المادة ‪ ،‬والمادة إنما وجودها‬
‫ألجل الصور(‪. )2‬‬
‫ح‪ -‬المادة فى المرتبة السادسة‪ ،‬فما فى المرتبة األولى منها ال يمكن أن يكون‬
‫كثيرا بل واحدا فردا فقط ‪ ،‬وأما فى كل واحدة من سائر المراتب فهو كثير‪،‬‬
‫وإلى هذا أشار الفارابى قائال‪-:‬‬
‫" وثالثة منها‪ -‬يقصد المبادئ ‪ -‬ليست هى أجساما وال هى فى أجسام وهى‬
‫السبب األول والثوانى والعقل الفعال ‪ ،‬وثالثة هى فى أجسام وليست ذواتها‬
‫أجساما وهى النفس والصورة والمادة"(‪.)3‬‬
‫القسم الثانى‪ :‬الموجودات المادية‪-:‬‬
‫وتتمثل فيما يلى‪ -:‬الجسم السماوى‪ ،‬والحيوان الناطق‪ ،‬والحيوان الغير ناطق‪،‬‬
‫والنبات‪ ،‬والجسم المعدنى‪ ،‬واألسطقسات األربع (‪.)1‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬د‪ /‬خليل الجر وحنا الفاخورى – تاريخ الفلسفة العربية ج‪ 1‬صـ ‪ ،111‬دار الجيل بيروت لبنان‪،‬‬
‫ط‪:‬ثانية ‪1311‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفارابى – السياسات المدنية صـ ‪ ، 09‬ود‪ /‬عبده الشمالى – دراسات فى تاريخ الفلسفة العربية‬
‫اإلسالمية وآثار رجالها صـ ‪ ،111‬دار صادر بيروت ‪،‬ط‪ :‬خامسة ‪1033‬هـ‪1313 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬الفارابى – السياسات المدنية صـ ‪01‬‬
‫فاألول هو السبب فى وجود األسباب الثوانى‪ ،‬وعن كل من األسباب الثوانى‬
‫يحصل وجود فلك من األفالك – كما مر – وعن األخير يحصل وجود الكرة‬
‫التى فيها القمر‪ ،‬وعن العقل الفعال يحصل وجود ما دون فلك القمر‪ ،‬ويسمى‬
‫الفارابى األول " اهلل " ويسمى الثوانى بالروحانيين والمالئكة وما أشبه ذلك ‪،‬‬
‫(‪.)2‬‬
‫ويسمى العقل الفعال بالروح األمين وروح القدس‬
‫أثر الفكر اليونانى على الفارابى فى بيان أقسام الموجودات ومراتبها‪-:‬‬
‫يبدو األثر األرسطاطاليسى هنا واضح على فكر الفارابى حيث استفاد‬
‫الفارابى فى ذلك من نظرية ( المحركين الثوانى ) أو ( العقول المفارقة )‬
‫ألرسطاطاليس‪ ،‬وهو بذلك يوفق بين الدين والفلسفة ليرض الدين اإلسالمى من‬
‫ناحية ويرضى الفلسفة وبخاصة فلسفة أرسطاطاليس من ناحية أخرى حيث‬
‫اعتبر المحركين الثوانى أو العقول المفارقة المالئكة (‪.)3‬‬
‫كيفية االتصال بالعقل الفعال‪-:‬‬
‫يرى الفارابى أن هناك طريقان لالتصال بالعقل الفعال هما طريق الفيلسوف‬
‫والنبى ‪ ،‬وفيما يلى الحديث عنهما بإيجاز‪-:‬‬
‫أوال ‪ :‬طريق الفيلسوف ‪-:‬‬
‫يرى الفارابى أن طريق الفيلسوف هو طريق البحث والدراسة والنظر‬
‫والتأمل‪ ،‬وبفضل التأمالت العقلية يستطيع اإلنسان أن يصعد إلى منزلة العقول‬
‫العشرة‪ ،‬ويترقى إلى درجة العقل المستفاد وحيث يتقبل األنوار اإللهية‪ ،‬إال أن‬
‫النفوس ليست كلها قادرة على ذلك االتصال ‪ ،‬إنما هذه الدرجة خاصة باألرواح‬
‫القدسية التى تستطيع أن تخترق حجب الغيب وتدرك عالم النور وال يستغرقها‬
‫الحس ‪ ،‬وقد يتعدى تأثيرها من بدنها إلى أجسام العالم وما فيه‪ ،‬وتقبل المعلومات‬
‫من الروح والمالئكة بال تعليم من الناس‪ ،‬فهذه درجة الحكيم الذى بوسعه‬
‫االتصال بالعقل الفعال(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬األسطقسات ‪ :‬جمع أسطقس وهى العناصر البسيطة التى تتكون منها األجسام المركبة وهى أربعة بنظر‬
‫الفارابى ( الماء والهواء والتراب والنار)انظر‪:‬الفارابى – إحصاء العلوم – تقديم وشرح د‪ /‬على بوم لحم – دار‬
‫الهالل ط‪ :‬أولى ‪1339‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفارابى – السياسات المدنية صـ ‪01‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪ :‬أرسطو – النفس ك‪ 0‬ف ‪ 1‬صـ ‪111‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الفارابى – آراء أهل المدينة الفاضلة صـ ‪100‬‬
‫ثانيا ‪ :‬طريق النبى ‪-:‬‬
‫ذهب الفارابى إلى القول بأن طريق النبى هو طريق المخيلة الذى عن‬
‫طريقها يكون االتصال بالعقل الفعال‪ ،‬والوحى الذى ينزل على األنبياء هو أثر‬
‫من آثار المخيلة‪ ،‬ولذا يقول ‪-:‬‬
‫" إن القوة المخيلة إذا قويت فى اإلنسان وتخلصت من مشاغل المحسوسات‬
‫ومن خدمتها للقوة الناطقة استطاعت أن تؤدى وظيفتها فى وقت اليقظة مثل‬
‫حالها عند تحللها من هذه المشاغل عند النوم‪ ،‬فال يمتنع أن يكون اإلنسان إذا‬
‫بلغت قوته المتخيلة نهاية الكمال أن يقبل فى يقظته عن العقل الفعال الجزئيات‬
‫الحاضرة والمستقبلة أو محاكياتها من المحسوسات‪ ،‬ويقبل محاكيات المعقوالت‬
‫المفارقة وسائر الموجودات الشريفة ويراها‪ ،‬فيكون له بما قبله من المعقوالت‬
‫"(‪.)1‬‬
‫نبوة باألشياء اإللهية‬
‫وعلى هذا فإن فى مقدور المخيلة أن تصعد إلى العقل الفعال وأن تتلقى‬
‫عنه الحقائق‪ ،‬وذلك عن طريق الوحى أو الرؤيا الصادقة ‪ ،‬وهذا االتصال يكون‬
‫لألنبياء فى حال النوم وحال اليقظة‪ ،‬لكن هذا ليس أمرا ميسورا لكل الناس؛ لذا‬
‫فإن الفارابى يذكر تفاوت الناس فى االتصال عن طريق المخيلة‪ ،‬فهناك من‬
‫الناس من لديهم قوة فى المخيلة يستطيعون االتصال بالعقل الفعال‪ ،‬لكن هؤالء‬
‫دون األنبياء إذ أن اتصالهم يكون فى المنام فقط ‪،‬على العكس من األنبياء فإن‬
‫اتصالهم يكون فى اليقظة وحال النوم أيضا ‪ ،‬ودون هؤالء يكون العامة‪ ،‬وهم‬
‫ضعيفو المخيلة‪ ،‬ليست لديهم القدرة على االتصال بالعقل الفعال‪ ،‬وإلى هذا أشار‬
‫الفارابى قائال‪-:‬‬
‫" ودون هذا من يرى جميع هذه فى نومه فقط‪ ،‬وهؤالء تكون أقاويلهم التى‬
‫يعبرون بها أقاويل محاكية ورموزا وألغازا وابداالت وتشبيهات ثم يتفاوت‬
‫هؤالء تفاوتا كثيرا‪ ،‬فمنهم من يقبل الجزئيات ويراها فى اليقظة فقط وال يقبل‬
‫المعقوالت‪ ،‬ومنهم من يقبل المعقوالت ويراها فى اليقظة وال يقبل الجزئيات‪،‬‬
‫ومنهم من يقبل بعضها ويراها دون بعض‪ ،‬ومنهم من يرى شيئا فى يقظته وال‬
‫يقبل بعض هذه فى نومه‪ ،‬ومنهم من ال يقبل شيئا فى يقظته بل إنما يقبل ما يقبل‬
‫فى نومه فقط‪ ،‬فيقبل فى نومه الجزئيات وال يقبل المعقوالت‪ ،‬ومنهم من يقبل‬
‫شيئا من هذه وشيئا من هذه‪ ،‬ومنهم من يقبل شيئا من الجزئيات فقط‪ ،‬وعلى هذا‬
‫يوجد األكثر "(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬الفارابى – آراء أهل المدينة الفاضلة صـ ‪ 114‬بتصرف‬


‫(‪ )1‬المرجع السابق‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن الفارابى قد خالف أرسطو فى تخصيصه للعقل‬
‫الفعال بوظيفة معرفية؛ ألن العقل اإلنسانى فى نظر أرسطو ال يحصل على‬
‫المعقوالت بتجريدها من عالم الحس بنفسه ‪ ،‬بل يحصل عليها بما يفيضه عليه‬
‫العقل الفعال‪ ،‬فمهمة العقل الفعال تحقيق بلوغ اإلنسان درجة السعادة والكمال ‪،‬‬
‫وذلك بإعطائه المعانى الكلية العلمية والخلقية والميتافيزيقية‪ ،‬وكذلك المعقوالت‬
‫المجردة والجزئيات المحسوسة التى تنقل عقل اإلنسان من عقل هيوالنى إلى‬
‫عقل بالفعل ‪ .‬فالقوة الناطقة ليست فى جوهرها بالفعل‪ ،‬بل تصبح كذلك بفاعلية‬
‫العقل الفعال الذى يجعل المعقوالت بالقوة معقوالت بالفعل من حيث إنه يعمل‬
‫وسيطا بين واجب الوجود والعقل اإلنسانى‪ ،‬فهو المصدر الذى تفيض منه‬
‫المعقوالت‪ ،‬ومن ثم يكون الفارابى قد خص العقل الفعال بوظيفة معرفية مخالفا‬
‫بذلك أرسطو وشراحه المتقدمين مثل ثاوفرسطس‪ ،‬والمتأخرين مثل األفروديسى‬
‫(‪.)1‬‬
‫وثامسطيوس‬
‫وفيما ذهب إليه الفارابى نظر؛ ألنه جعل النبى فى منزلة دون‬
‫الفيلسوف‪ ،‬كما جعل النبوة مكتسبة سالكا بذلك مسلك الفالسفة ومخالفا بذلك‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وإجماع علماء الكالم على أن النبوة هبة‬
‫واصطفاء من اهلل تعالى وليست مكتسبة ‪ ،‬قال تعالى ‪ ":‬اهلل يصطفى من المالئكة‬
‫رسال ومن الناس"(‪.)2‬‬
‫وقال النبى صلى اهلل عليه وسلم‪" -:‬إن اهلل اصطفى كنانة من ولد إسماعيل‬
‫واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى‬
‫هاشم "(‪.)3‬‬
‫كما ذهب جمهور المتكلمين إلى القول بأن النبوة هبة من اهلل تعالى يختص بها‬
‫من يشاء من عباده ‪ ،‬فليست "النبوة معنى يعود إلى شئ ذاتى من ذاتيات النبى‬
‫وال إلى عرض من أعراضه استحقها بكسبه وعمله وال إلى العلم بربه ‪ ،‬فإن‬
‫ذلك مما يثبت قبل النبوة‪ ،‬وال إلى علمه بنبوته ‪ ،‬إذ العلم بالشئ غير الشئ ‪،‬‬
‫ولكن اهلل يمن بها على من يشاء من عباده"(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أرسطو‪ -‬المقالة الثانية عشرة من الميتافيزيقا‪ -‬ترجمة د‪ /‬ماجد فخرى – أرسطو المعلم األول صـ ‪،119‬‬
‫بيروت‪ -‬ط‪ :‬ثانية ‪1311‬م‪ ،‬وانظر‪ :‬الفارابى – آراء أهل المدينة الفاضلة صـ ‪31‬‬
‫(‪ )1‬سورة الحج آية ‪11‬‬
‫(‪ )0‬صحيح مسلم – كتاب الفضائل – باب فضل نسب النبى صلى اهلل عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة ج‪1‬‬
‫صـ ‪ 11‬حديث ‪9011‬‬
‫( ‪ )4‬اآلمدى‪:‬غاية المرام فى علم الكالم – تحقيق د‪ /‬حسن الشافعى صـ ‪ –011‬ط‪ :‬المجلس األعلى للشئون‬
‫اإلسالمية ‪1031‬هـ‪ ،‬وانظر‪:‬القاضى عبد الجبار – المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ‪ ،‬تحقيق محمود الخضيرى ‪،‬‬
‫مراجعة د‪ /‬إبراهيم مدكور‪ ،‬ج‪ 11‬صـ‪ ، 3‬طبعة دار الكتب المصرية عام ‪1011‬هـ ‪1390 /‬م‪.‬‬
‫" وال يشترط فى اإلرسال شرط من األعراض واألحوال المكتسبة‬
‫بالرياضيات والمجاهدات فى الخلوات واالنقطاعات ‪ ...‬بل اهلل تعالى يختص‬
‫برحمته من يشاء من عباده ‪ ،‬فالنبوة رحمة وموهبة متعلقة بمشيئته فقط ‪ ،‬وهو‬
‫أعلم حيث يجعل رسالته"(‪.)1‬‬
‫يقول صاحب الجوهرة ‪-:‬‬
‫ولو رقى فى الخير أعلى درجة‬ ‫ولم تكن نبـوة مـكتسبة‬
‫(‪)2‬‬
‫جـل اهلل واســـع النعـم ‪.‬‬ ‫بل فضل اهلل يؤتيه من يشاء‬
‫موقف أبى البركات البغدادى(‪ )8‬من العقل الفعال‪-:‬‬
‫لقد رأى البغدادى أنه ال داعى لفكرة العقل الفعال من أصلها‪ ،‬فالنفس‬
‫اإلنسانية عنده تتصل مباشرة بالشئ المعروف وتعرفه ‪ ،‬فالمعرفة مواجهة بين‬
‫المدرك والمدرك‪ ،‬والنفس اإلنسانية تدرك معارفها بذاتها دون حاجة إلى‬
‫ضرورة فرض احتياجها إلى العقل وحده ‪ ،‬فقد تحتاج إليه وإلى غيره ‪ ،‬وقد‬
‫تستفيد منه ومن غيره ‪ ،‬وقد ال تستفيد منه وال من غيره‪.‬‬
‫وال يرتضى البغدادى فكرة وجود عقل فعال واحد لكل النفوس اإلنسانية‬
‫مع ما يرى من كثرة هذه النفوس واختالف طبائعها ومنازعها‪ ،‬ولذا يقول ‪ ":‬أما‬
‫من قال بأن علتها واحدة‪ ،‬وهى الذى سماه بالعقل الفعال فيكفى فى رد قوله اآلن‬
‫(‪)4‬‬
‫ما ثبت من اختالف الطبائع باختالف األحوال واألفعال" ‪.‬‬
‫ويضيف قائال‪ ":‬يقولون إن هذا العقل الفعال هو العلة القريبة التى عنها‬
‫صدور وجود النفوس اإلنسانية وبحسب ذلك يرونها واحدة بالنوع والماهية‬
‫والطبيعة والغريزة ال تختلف فى جواهرها وإنما تختلف فى حاالتها العرضية‬
‫التى تلحقها من جهة األبدان وأمزجتها والعادات والتعاليم ‪ ،‬ونحن فقد أوضحنا‬
‫بطريق النظر االستداللى من أحوالها وأفعالها اختالف جواهرها وماهياتها‬
‫بالنوع والطبيعة فهى عن علل كثيرة ال عن علة واحدة‪ ،‬ولم يبق بحسب ذلك‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫النظر شك فى كثرتها بالماهية والطبيعة والنوع ويبقى شك فى كثرة عللها "‬

‫(‪ )1‬الجرجانى – شرح المواقف ج‪ 1‬صـ‪ ، 114‬وانظر‪ :‬شرح المقاصد ج‪ 1‬صـ‪1‬‬


‫(‪ )1‬البيجورى فى شرحه على الجوهرة صـ‪.141‬‬
‫(‪ )0‬أبو البركات البغدادى هو) أبو البركات هبة اهلل بن على بن ملكا البغدادى ‪ ،‬نشأ فى بغداد فى أواسط القرن‬
‫الخامس ‪ ،‬اشتهر بالفلسفة والطب ‪ ،‬له مؤلفات متعددة من أبرزها كتاب المعتبر فى الحكمة‪ ،‬توفى عام ‪141‬هـ‬
‫تقريبا)‪.‬‬
‫‪ -‬انظر‪:‬القفطى – إخبار العلماء بأخبار الحكماء صـ ‪ ،114‬وانظر‪ :‬ابن أبى أصيبعة – طبقات األطباء ج‪ 1‬صـ‬
‫‪111‬‬
‫(‪ )4‬أبو البركات البغدادى ‪ -‬المعتبر فى الحكمة ج‪ 0‬صـ ‪ ، 111‬منشورات جامعة أصفهان ط ‪ :‬ثانية ‪1011‬هـ‪،‬‬
‫وراجع‪ :‬د‪ /‬عبد المعطى بيومى – الفلسفة اإلسالمية من المشرق إلى المغرب ج‪0‬صـ ‪ ،111‬دار الطباعة‬
‫المحمدية ‪1400‬هـ ‪1311 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‬
‫المبحث الرابع‬
‫نقد النظرية‬
‫ينطلق الباحث فى نقده لنظرية العقول العشرة من ثالثة محاور‪-:‬‬
‫المحور األول ‪ :‬نقد مسألة قدم العالم‪.‬‬
‫المحور الثانى‪ :‬نقد مبدأ ال يصدر عن الواحد إال واحد ‪.‬‬
‫المحور الثالث ‪ :‬نقد مبدأ التوحيد بين إرادة اهلل وقدرته وعلمه وإيجاده‬
‫األشياء‪.‬‬
‫وفيما يلى بيان ذلك‪-:‬‬
‫المحور األول‪ :‬نقد مسألة قدم العالم ‪-:‬‬
‫ذهب الفارابى إلى القول بأن العالم قديم بالزمان حادث بالذات‪ ،‬فهو مخلوق‬
‫هلل ومعلول ومفعول له على الحقيقة‪ ،‬وفى هذا نظر؛ ألنه – الفارابى – إذا قال‬
‫إن العالم قديم بالزمان يلزمه القول بأنه غير معلول هلل تعالى أو مفعول له ؛ ألنه‬
‫ال يعقل كون المفعول مقارنا لفاعله فى الزمان ‪ ،‬فوصف الشئ بأنه معلول‬
‫ومفعول ومصنوع ومخلوق ال يتصور إال مع الحكم عليه بالحدوث التام‪ ،‬وإال‬
‫كان تناقضا ‪ ،‬فالفاعل كما يرى اإلمام الغزالى (‪ )1‬هو" من يصدر عنه الفعل مع‬
‫اإلرادة للفعل على سبيل االختيار ومع العلم بالمراد‪ ،‬وعندكم – يقصد الفالسفة‬
‫بصفة عامة ومنهم الفارابى ‪ -‬أن العالم من اهلل كالمعلول من العلة‪ ،‬يلزم لزوما‬
‫ضروريا ال يتصور من اهلل دفعه ‪ ،‬لزوم الظل من الشخص والنور من الشمس‪،‬‬
‫وليس هذا من الفعل شئ "(‪.)2‬وأما المفعول فإن الغزالى يرى أن معنى الفعل‬
‫إخراج الشئ من العدم إلى الوجود ‪ ،‬والعالم لدى الفارابى حادث‪ ،‬فليس بصحيح‬
‫أن يقال إنه حادث بمعنى مخرج من العدم إلى الوجود‪.‬‬
‫إذن فالعالم قديم بالزمان لدى الفارابى – كما يرى الغزالى – والمادة أزلية‬
‫وكذلك الزمان والحركة‪ ،‬وهذا صواب يعترف به الفارابى ‪ ،‬لكنه يرفض تقدم‬
‫اهلل على العالم بالزمان‪ ،‬ولذا قال بالحدوث الذاتى والقدم الزمانى‪ ،‬وخيل إليه‬

‫(‪ )1‬اإلمام الغزالى‪ :‬هو( محمد بن محمد بن أحمد الغزالى الطوسى‪ ،‬كنيته أبو حامد‪ ،‬ولد بمدينة طوس من مدن‬
‫خراسان سنة ‪ 410‬هـ‪ ،‬أشعرى المعتقد‪ ،‬صوفى المسلك‪ ،‬له العديد من اآلثار كالوسيط وإحياء علوم الدين‪ ،‬وغير‬
‫ذلك‪ ،‬توفى سنة ‪101‬هـ )‪.‬‬
‫جـ ‪ 11‬صـ ‪ ،99‬دار إحياء‬ ‫‪ -‬انظر‪:‬ابن خلكان‪ -‬وفيات األعيان جـ‪ 0‬صـ‪ ،010‬وانظر‪ :‬كحالة‪ -‬معجم المؤلفين‬
‫التراث العربي بيروت‪.‬‬
‫(‪ )1‬اإلمام الغزالى – تهافت الفالسفة صـ‪ ،13‬بيروت‪ ،‬ط‪ 4 :‬لعام ‪1330‬م‬
‫بذلك أنه يحل مشكلة صلة القديم بالحادث ومشكلة الزمان والحركة‬
‫والهيولى‪...‬الخ‪...‬والصعوبة هى ليست فى استحالة حل كهذا يجمع بين الحدوث‬
‫والقدم‪ ،‬بل فى أمور أخرى أهم مثل صدور الكثرة عن الواحد(‪ ،)1‬فإذا قيل‬
‫للفارابى إن العالم قديم مخلوق ‪ ،‬أو قديم محدث وعنى بالمخلوق والمحدث ما‬
‫يعنيه هو بأنه معلول‪ ،‬جزم بتناقض هذا الكالم (‪.)2‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن تفريق الفارابى بين التقدم بالذات والتقدم بالزمان فيه‬
‫نظر؛ ألنه ال تقدم حقيقى إال بالزمان ‪ ،‬ولذا يقول ابن تيمية‪ ":‬ما يذكرونه –‬
‫يقصد الفالسفة ومنهم الفارابى ‪ -‬من أن التقدم والتأخر يكون بالذات والعلة‬
‫كحركة اإلصبع ‪ ،‬ويكون بالطبع كتقدم الواحد على االثنين ‪ ،‬ويكون بالمكانة‬
‫كتقدم العالم على الجاهل ‪...‬كالم مستدرك‪ ،‬فإن التقدم والتأخر المعروف هو‬
‫التقدم والتأخر بالزمان‪ ،‬فإن ‪" :‬قبل" و"بعد" و"مع"معانيها الزمة للتقدم والتأخر‬
‫الزمانى‪ ،‬وأما التقدم بالعلية أو الذات مع المقارنة فى الزمان فهذا ال يعقل البتة‬
‫وال له مثال مطابق فى الوجود بل هو مجرد تخيل ال حقيقة له"(‪.)3‬‬
‫ومن ثم يتبين أن كون الشئ معلوال لشئ ال يفهم منه إال أن يكون المعلول‬
‫متأخرا فى وجوده ال فى رتبته فقط عن العلة‪ ،‬أما ما يدعيه الفارابى من أن‬
‫اتصاف البارى بالجود يقتضى أن يلزم عنه العالم أزال ففيه نظر ؛ ألن الفعل‬
‫إنما امتنع فى األزل ال لمعنى يرجع إلى الفاعل بل لمعنى راجع إلى نفس الفعل‬
‫‪ ،‬حيث لم يتصور وجوده ‪ ،‬فإن الفعل ما له أوله‪ ،‬واألزل ما ال أول له‪ ،‬واجتماع‬
‫ما ال أول له مع ما له أول محال‪ ،‬فهو تعالى جواد حيث يتصور الجود وال‬
‫يستحيل الموجود(‪.)4‬‬
‫المحور الثانى‪ :‬نقد مبدأ ال يصدر عن الواحد إال واحد‪-:‬‬
‫ذهب الفارابى إلى القول بأنه ال يصدر عن الواحد إال واحد‪ ،‬لكن‬
‫الغزالى يكر على هذا األساس فيرى أنه يستحيل كون العالم فعال هلل على أصل‬
‫الفارابى ؛ ألنه قال ال يصدر عن الواحد إال واحد والمبدأ واحد من كل وجه ‪،‬‬
‫والعالم مركب من مختلفات‪ ،‬فال يتصور أن يكون فعال هلل بموجب أصل‬
‫الفارابى سالف الذكر‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اإلمام الغزالى – تهافت الفالسفة صـ ‪30‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن تيمية – منهاج السنة ج‪ 1‬صـ ‪110‬‬
‫(‪ )0‬المرجع السابق ج‪ 1‬صـ ‪ 110‬باختصار وتصرف يسير‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر – الشهرستانى – نهاية اإلقدام صـ ‪ ،41‬نشر جيوم ‪ ،‬اكسفورد ‪1304‬م‪.‬‬
‫وإذا كان الفارابى يرى أن هذا صحيح ‪ ،‬لكن سبب الكثرة لديه تعدد‬
‫الوسائط ‪ ،‬فإن الغزالى يرى أنه يلزم عن هذا التعدد للوسائط ومن القول‬
‫بصدور الواحد عن الواحد أال يكون شيئا مركبا‪ ،‬بل تكون الموجودات كلها‬
‫آحادا‪ ،‬وكل واحد معلول لواحد وعلة الواحد‪ ،‬وليس األمر كذلك إذ الجسم لدى‬
‫الفارابى وغيره من الفيضيين مركب من هيولى وصورة وكذلك الفلك له نفس‬
‫وجسم‪ ،‬فمن أين صدر المركب فإما أن يبطل قول الفيضيين بأنه ال يصدر عن‬
‫الواحد إال واحد وإما أن يلتقى واحد بمركب‪.‬‬
‫وهنا يقدم الفالسفة بصفة عامة–ومنهم الفارابى– حلهم المعروف عن‬
‫الطبيعة الثالثية للمعلول األول ‪ ،‬فهو متكثر بوجه ولذلك سيصدر عنه أكثر من‬
‫واحد‪ ،‬إال أن الغزالى يعترض على ذلك باعتراضات متعددة من أبرزها ما يلى‬
‫‪-:‬‬
‫إمكان الوجود فى المعلول األول إن كان عين وجوده ال ينشأ منه كثرة ‪ ،‬وإن‬
‫كان غيره فيلزم أن يكون فى المبدأ األول ( اهلل ) وجوب وجوده غير نفس‬
‫(‪.)1‬‬
‫وجوده‪ ،‬فليجز صدور الكثرة منه بهذه الكثرة‬
‫هل تعقل المعقول األول لمبدئه عين وجوده وعين تعقله لنفسه أم غيره‪ ،‬فإن‬
‫كان عينه فال كثرة فى ذاته‪ ،‬وإن كان غيره فهذه الكثرة موجودة فى األول‬
‫(اهلل) فإنه يعقل ذاته ويعقل غيره‪ ،‬فليصدر عنه المختلفات(‪.)2‬‬
‫ال داعى للوقوف على التثليث ‪ ،‬بل يمكن أن يصدر عنه خمسة أشياء ال ثالثة‬
‫فقط‪ ،‬فهو يعقل ذاته ويعقل مبدأه وهو ممكن وواجب الوجود بغيره(‪.)3‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن اإلمام الغزالى قد أحدث بعد وفاته آثارا فكرية‪ ،‬ولعل‬
‫أقربها وأدناها منه هو تأثيره فى أحد مفكرى عصره وهو أبو البركات‬
‫البغدادى‪ ،‬فإذا كان الفارابى قد أقام نظرية العقول العشرة على أساس أن‬
‫الموجودات المتكثرة ال تصدر عن البارى الواحد ؛ ألن الواحد ال يصدر عنه إال‬
‫واحد وإال لزم التكثر فى ذاته تعالى‪ ،‬فإن أبا البركات قد عارض هذا األساس‬
‫مقدما أساسا مغايرا يقوم على األمور التالية ‪-:‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اإلمام الغزالى – تهافت الفالسفة صـ ‪31‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المرجع السابق صـ ‪31‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪ :‬المرجع السابق صـ ‪ ،33‬وراجع ‪ :‬د‪ /‬حسام الدين – دراسات فى الفكر الفلسفى اإلسالمى صـ ‪: 100‬‬
‫‪101‬‬
‫‪ -1‬أن صدور الكثرة عن الواحد ال يلزم عليه تكثر فى الواحد‪.‬‬
‫إذا كان الفارابى قد حكم باستحالة ما يترتب على عقله تعالى لذاته من حدوث‬
‫األغيار والتكثر فى ذاته سبحانه‪ ،‬فحكم بأن اهلل يعقل ذاته فقط حتى ال يحدث‬
‫التكثر فى األغيار‪ ،‬ومن جهة عقله لذاته صدر عنه عقل أول – متأثرا فى ذلك‬
‫بأرسطو – فإن البغدادى نفى حدوث الكثرة والتغير فى الذات‪ ،‬وكل ما يحدث‬
‫من تكثر إنما هو فى اإلضافات واألفعال المنسوبة إليه سبحانه وتعالى وذاته‬
‫واحدة‪ ،‬ولذا يقول‪-:‬‬
‫" فأما القول بإيجاب الغيرية فيه بإدراك األغيار والكثرة بكثرة المدركات فجوابه‬
‫المحقق ‪ :‬أنه ال يتكثر بذلك تكثرا فى ذاته‪ ،‬بل فى إضافاته ومناسباته‪ ،‬وتلك مما‬
‫ال تفيد الكثرة على هويته وذاته‪ ،‬وال الوحدة التى أوجبت له فى وجوده بذاته‬
‫ومبدئيته األولى التى بها عرفناه‪ ،‬وبحسبها أوجبنا له ما أوجبنا‪ ،‬وسلبنا عنه ما‬
‫سلبنا هى وحدة مدركاته ونسبه وإضافاته‪ ،‬بل إنما هى وحدة حقيقته وذاته‬
‫وهويته"(‪.)1‬‬
‫كما انتقد أبو البركات نظرية العقول العشرة فى قصرها العقول على‬
‫عشرة حين جعل العقول المفارقة هى األرواح أو المالئكة أو الجن‪ ،‬ومن ثم كان‬
‫عددها عنده فوق الحصر‪ ،‬ولذا يقول‪ ":‬فيكون من المالئكة الروحانية ما يوازى‬
‫عدد الكواكب المرئية وغير المرئية واألفالك التى نعرفها والتى ال نعرفها‪ ،‬ربما‬
‫زاد مع ذلك حتى كان بعدد أنواع الموجودات المحسوسة من الجماد والنبات‬
‫والحيوان ‪ ،‬ويكون لكل نوع منها ملك هو حافظ الصورة فى المادة‪ ،‬ومستبقى‬
‫األنواع بأشخاصها على طبائعها وكماالتها وحاالتها المتشابهة ‪...‬فاألشبه‬
‫واألولى فى طريق النظر يدلنا على كثرة كثيرة فى الروحانيات الملكية نعرفها‬
‫وال نعرفها‪ ،‬ويعرف بعضنا منها بعضا وال يعرف البعض‪ ،‬وبعضنا ال يعرف‪،‬‬
‫وال يعرف بعضا"(‪.)2‬‬
‫‪ – 2‬إذا كانت الموجودات قد صدرت عن العقل األول أو المبدأ الثانى من‬
‫العقول العشرة فلماذا لم تصدر عن البارى مباشرة ؟‬
‫وإذا كان اهلل واحدا ‪ ،‬والواحد اليصدر عنه إال واحد ‪ ،‬فإن العقل الذى صدر عن‬
‫اهلل واحد أيضا ؛ ألنه صدر عن الواحد فكيف صدرت عن هذا الواحد صدورات‬
‫ثالثة ؟‬
‫يقول البغدادى‪ " -:‬نعود اآلن إلى ما قيل من أن الواحد ال يصدر عنه من حيث‬
‫هو واحد إال واحد ‪ ،‬فنقول ‪ :‬إن هذا قول حق فى نفسه‪ ،‬وليس يلزم منه إنتاج ما‬

‫(‪ )1‬أبو البركات البغدادى ‪ -‬المعتبر فى الحكمة ج‪ 0‬صـ ‪19‬‬


‫(‪ )1‬المرجع السابق ج‪ 0‬صـ‪191‬‬
‫أنتجوا وال يبنى عليه ما بنوا‪ ،‬فإنهم قالوا فى المبدأ األول ‪ :‬إنه ال يصدر عنه إال‬
‫واحد ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ويصدر عن الثانى ثالثة ‪ ،‬وهو واحد الذات بحسب اعتبارات‬
‫متصورة معقولة‪ ،‬ال بإضافة ذات أخرى إلى ذاته الواحدة‪ ،‬بل من جهة تعقالته‬
‫وتصوراته‪ ،‬فلم ال يجعل مثل ذلك عند المبدأ األول‪ ،‬ويجعل فى الترتيب أوال‬
‫وثانيا ومقدما وتاليا كما جعلوا فى الثانى وهو باألول أولى؟ ‪ ...‬أعنى أن يكون‬
‫المبتدأ األول هو الذى خلق بتصوره ال الثانى‪ ،‬وال أقل من أن يكونا سواء‪ ،‬فلم‬
‫يخص هذا دون هذا ؟"(‪.)1‬‬
‫ومن ثم يتبين أن الفارابى إذا كان قد ذهب إلى القول بأن الواحد ال يصدر عنه‬
‫إال واحد فإن أبا البركات ال يرى أن هذا القول – مع أنه حق – ال يؤدى إلى ما‬
‫استنتجه ‪ ،‬وال يلزم منه ما التزم به فى صدور العقول العشرة ‪ ،‬فإنه يضع البديل‬
‫حين يرى أن المبدأ األول وهو اهلل جل فى عاله أوجد فى البدء موجودا أوال‪،‬‬
‫وعقل سبحانه حاجة هذا الموجود إلى غيره من األشياء وللوجودات فأوجدها‬
‫ألجله‪ ،‬هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الموجود تصدر عنه أشياء على‬
‫حسب تصوره ومشيئته (‪.)2‬‬
‫وعلى هذا يمكن القول بأن النقد البغدادى للنظرية ليس نقدا بغرض‬
‫المخالفة وحدها وفى ذاتها‪ ،‬بل بقصد الحق وحده‪ ،‬وهذه قاعدة منهجية رائعة‬
‫وطريفة من أبى البركات إذ يحذر من يريد المخالفة لذاتها وكان الحق أمامه‬
‫وسابقا عليه بأنه البد واقع فى الباطل والزيف (‪.)3‬‬
‫إن أبا البركات البغدادى يريد هدم نظرية العقول العشرة ‪-:‬‬
‫إما بالقول بأن الواحد قد يصدر عنه أكثر من واحد بحسب التصورت‬
‫واالعتبارات‪ ،‬كما صدر عن المعلول األول عقل ونفس وفلك باعتبارات متعددة‬
‫من جهة عقله لذاته وعقله لغيره ‪ ،‬وعلى هذا يقال إن اهلل تعالى صدرت عنه‬
‫موجودات كثيرة باعتبارات متعددة‪ ،‬كما يصدر عن الواحد منا أفعال متشابهة‬
‫أحيانا ومتناقضة أحيانا أخرى‪.‬‬
‫وإما بالقول بأن الواحد صدر عنه واحد ويكون البارى تعالى خلق موجودا‬
‫واحدا أوال ثم خلق من أجله موجودا ثانيا وهكذا‪ ،‬فالموجود األول صدر عنه‬
‫لذاته‪ ،‬أما الموجودات األخر فقد صدرت عن ذاته ألجل غيره(‪.)4‬‬

‫((‪ ))11‬أبو البركات البغدادى ‪ -‬المعتبر فى الحكمة ج‪ 0‬صـ ‪ 119‬باختصار‬


‫انظر‪ :‬المرجع السابق ج‪ 0‬صـ ‪190‬‬
‫((‪ ))04‬راجع ‪ :‬د‪ /‬سامى نصر لطف – نماذج من فلسفة اإلسالميين ج‪ 1‬صـ ‪419‬‬
‫انظر‪ :‬أبو البركات البغدادى ‪ -‬المعتبر فى الحكمة ج‪ 0‬صـ ‪ ، 111‬وراجع ‪ :‬د‪ /‬عبد المعطى بيومى – الفلسفة‬
‫اإلسالمية من المشرق إلى المغرب ج‪0‬صـ ‪101‬‬
‫وقد سلك نفس مسلك الغزالى والبغدادى كل من الشهرستانى ( ت‪)544‬‬
‫واإلمام فخر الدين الرازى(‪ )1‬حيث رددا نفس االعتراضات على أسس نظرية‬
‫العقول العشرة (‪.)2‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن ابن رشد قد ذهب إلى أن األساس الثالث من األسس التى‬
‫قامت عليها نظرية العقول العشرة وهو الواحد ال يصدر عنه إال واحد يعد بمثابة‬
‫قضية اتفق عليها القدماء‪ ،‬كما اتفقوا على أن المبدأ واحد للجميع فراحوا يطلبون‬
‫سبب الكثرة بعد أن بطل عندهم القول بمبدأين للخير والشر‪ ،‬والذى دفعهم إلى‬
‫القول بمبدأ واحد هو أنهم رأوا أن الموجودات تؤم غاية واحدة هو لنظام‬
‫الموجود فى العالم كالنظام الموجود فى العسكر‪...‬ولما استقر رأيهم أن المبدأ‬
‫واحد وراموا تفسير الكثرة جاءوا فيه بأجوبة ثالثة‪ :‬فبعضهم زعم أن الكثرة إنما‬
‫جاءت من قبل الهيولى وهو رأى انكساغوراس وآله ‪ ،‬وبعضهم قال إن الكثرة‬
‫من قبل كثرة اآلالت جاءت‪ ،‬وبعضهم زعم أنها جاءت من قبل المتوسطات‬
‫وأول من وضع هذا أفالطون‪ ،‬وهو أقنعها رأيا؛ ألن السؤال يأتى فى الجوابين‬
‫اآلخرين وهو من أين جاءت كثرة المواد واآلالت(‪.)3‬‬
‫ويرى ابن رشد أن الحل الذى جاء به الفارابى من قياسه فعل إله على‬
‫الشاهد بمعنى أن الفاعل ال يفعل إال شيئا واحدا هو حل غريب على مذهب‬
‫أرسطو‪.‬‬
‫وواضح أن ابن رشد فى كل مذهبه يتكلم عن البارى جل فى عاله‬
‫كمنظم غائى‪ ،‬وكمعط للرباط للموجودات على حد تعبيره‪ ،‬مع تأكيده على أن‬
‫مبادئ المادة واألجسام غير مبادئ المعقوالت ‪ ،‬بمعنى أنه يقول بخطأ إرجاع‬
‫العالم المادى بكل أنواعه إلى اهلل بمعنى الخلق أو الفيض الحقيقى لهذه من ذاته‬
‫‪ ،‬أو من ال شئ‪.‬فهو مثل أرسطو يقول بقدم العالم ومادته وصورته – كما مر –‬
‫فمعنى صدور الفعل عن الواحد عنده أى صدور القوة الواحدة كالتحريك الغائى‪،‬‬
‫أما الصدور الحقيقى فهو من غلط الفارابى(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬هو(محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن على التيمى البكرى الطبرستانى األصل الرازى المـولد‪ ،‬ولد سنة خمسمائة‬
‫وأربع وأربعين من الهجرة ‪ ،‬توفى عام ‪909‬هـ عن عمر يناهز اثنين وستين عاما)‪ -.‬انظر‪ :‬الوافى بالوفيات‪ -‬تحقيق أحمد‬
‫األرناؤوط– تركى مصطفى حـ ‪ 4‬صـ ‪ 111‬دار إحياء التراث العربى– بيروت لبنان ط‪:‬أولى‪ 1410‬هـ‪ 1000-‬م‪ ،‬والداوودى‪-‬‬
‫طبقات المفسرين جـ ‪ 1‬صـ ‪ – 111‬دار الكتب العلمية– بيروت لبنان‪ ،‬ط‪:‬أولى ‪1400‬هـ ‪1310 /‬م‪ ،‬وابن األثير‪ -‬الكامل فى‬
‫التاريخ جـ‪ 11‬صـ ‪ 11‬دار صادر بيروت ‪ 1011‬هـ ‪1391 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فخر الدين الرازى – المحصل صـ ‪ ،101‬وانظر له أيضا‪ :‬األربعين فى أصول الدين صـ ‪، 103‬وانظر‬
‫له أيضا – لباب اإلشارات والتنبيهات صـ ‪ ،109‬القاهرة ‪1010‬م‪ ،‬واإلمام الشهرستانى – نهاية اإلقدام فى علم‬
‫الكالم صـ ‪19‬‬
‫(‪ )0‬انظر‪ :‬ابن رشد – تهافت التهافت صـ ‪119‬وما بعدها ‪ ،‬بيروت ‪1300‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬راجع ‪ :‬د‪ /‬حسام الدين األلوسى – دراسات فى الفكر الفلسفى اإلسالمى صـ ‪113‬‬
‫وإذا انتقلنا إلى ابن تيمية فى نقده لنظرية العقول العشرة نرى أنه قد‬
‫استفاد من موقف أبى البركات سالف الذكر‪ ،‬حيث ذهب إلى القول بأن المتفلسفة‬
‫– ومنهم الفارابى – الذين ذهبوا إلى القول بأن الوحد ال يصدر عنه إال واحد قد‬
‫أخطأوا ؛ألن كل معلول البد وأن يقترن بعلة‪ ،‬فالتسخين مثال ال يكون إال بين‬
‫شيئين الفاعل كالنار والمنفعل كالجسم‪ ،‬والموجد إذا كان واحدا فال يكون علة‪،‬‬
‫أما التولد فيكون عن طريق زوجين‪ ،‬فتعالى البارى جل فى عاله أن يكون علة‬
‫أو أن يكون عنه تولدا‪ ،‬ولهذا قال مجاهد وذكره البخارى فى صحيحه فى الشفع‬
‫والوتر أن كل شئ خلق اهلل شفع السماء واألرض والبر والبحر والجن واإلنس‬
‫والشمس والقمر ونحو هذا ‪ ،‬والوتر هو اهلل الذى ال شبيه له (‪.)1‬‬
‫فقال‪ :‬أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ؟ وذلك أن اآلثار الصادرة عن العلل‬
‫المتولدات فى الموجودات البد فيها من شيئين ‪ :‬أحدهما يكون كاألب ‪ ،‬واآلخر‬
‫يكون كاألم القابلة‪ ،‬وقد يسمون ذلك الفاعل القابل كالشمس مع األرض والنار‬
‫مع الحطب‪ ،‬فأما صدور شئ واحد فهذا ال وجود له فى الوجود أصال(‪.)2‬‬
‫كما انتقد ابن تيمية أساليب التشبيه واالستعارة التى استخدمها المتفلسفة‬
‫– ومنهم الفارابى – فى كيفية صدور األشياء عن الواحد فقال‪-:‬‬
‫" وأما تشبيههم ذلك بالشعاع مع الشمس ‪ ،‬وبالصوت – كالطنين – مع‬
‫الحركة والنقر فهو أيضا حجة هلل ورسوله والمؤمنين عليهم‪ ،‬وذلك أن الشعاع‬
‫إن أريد به نفس ما يقوم بالشمس ‪ :‬فذلك صفة من صفاتها‪ ،‬وصفات الخالق‬
‫ليست مخلوقة‪ ،‬والهى من العالم الذى فيه الكالم‪ ،‬وإن أريد بالشعاع ما ينعكس‬
‫على األرض ‪ :‬فذلك البد فيه من شيئين‪ ،‬وهو الشمس التى تجرى مجرى األب‬
‫الفاعل واألرض التى تجرى مجرى األم القابلة‪ ،‬وهى الصاحبة للشمس‪ ،‬وكذلك‬
‫الصوت ال يتولد إال عن جسمين يقرع أحدهما اآلخر أو يقلع عنه فيتولد الصوت‬
‫الموجود فى أجسام العالم عن أصلين يقرع أحدهما اآلخر أو يقلع عنه‪ ،‬فمهما‬
‫احتج وا به من القياس فالذى جاء اهلل به هو الحق وأحسن تفسيرا‪ ،‬وأحسن بيانا‬
‫وإيضاحا للحق وكشفا له"(‪.)3‬‬
‫ومن ثم يتبين بطالن نظرية العقول العشرة ؛ ألنها – كما مر ‪ -‬تقيد‬
‫قدرة البارى جل فى عاله على الخلق واإليجاد وتجعله عاجزا عن أن يصنع‬
‫الكثرة الكونية إال فى وجود العقول وبدونها ال يوجد كون‪ ،‬وهذا يتعارض مع‬

‫(‪ )1‬البخارى فى صحيحه – كتاب األنبياء – باب خلق آدم صلوات اهلل عليه وذريته ج ‪ 4‬صـ ‪ 111‬حديث ‪11‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن تيمية – مجموع فتاوى ابن تيمية ج‪ 4‬صـ ‪ ،101‬مجمع الملك فهد ‪1419‬هـ ‪1331 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )0‬ابن تيمية – مجموع فتاوى ابن تيمية ج‪ 4‬صـ ‪101‬‬
‫قول اهلل عز وجل‪ ":‬وكان اهلل على كل شئ مقتدرا"(‪ ،)1‬وقوله‪ ":‬إن اهلل على كل‬
‫شئ قدير"(‪ ،)2‬وغيرها من اآليات‪.‬‬
‫المحور الثالث‪:‬نقد مبدأ التوحيد بين إرادة اهلل وقدرته وعلمه وإيجاده‬
‫األشياء‪-:‬‬
‫يتمثل الرد على الفارابى فى هذا المحور من خالل النقاط التالية ‪-:‬‬
‫أوال‪ -:‬الرد على ادعاء الفارابى أن القول بحدوث العالم يتطلب حدوث إرادة‬
‫البارى عز وجل ‪-:‬‬
‫ذهب الفارابى إلى أن تأخر العالم عن البارى جل فى عاله يتطلب حدوث‬
‫إرادة لم تكن‪ ،‬فاإلرادة منفية عن البارى عز وجل؛ ألنها تسبق بشوق‪ ،‬والشوق‬
‫فى حقه محال‪ ،‬وفيما ذهب إليه الفارابى نظر؛ إذ ما الذى يمنع من أن يكون‬
‫العالم قد حدث بإرادة البارى القديمة التى اقتضت وجوده فى الوقت الذى وجد‬
‫فيه وعلى الوجه الذى وجد عليه ؟ وأنه كان ممتنعا قبل خلق اهلل له ألنه لم يكن‬
‫مرادا له عز وجل‪ ،‬يقول الغزالى‪-:‬‬
‫" لم تنكرون على من يقول ‪ :‬إن العالم حدث بإرادة قديمة اقتضت وجوده فى‬
‫الوقت الذى وجد فيه‪ ،‬واقتضت أن يستمر العدم إلى الغاية التى استمر إليها‪ ،‬وأن‬
‫يبتدئ الوجود من حيث ابتدأ ‪ ،‬وأن الوجود قبله لم يكن مرادا فلم يحدث لذلك‪،‬‬
‫وأنه فى وقته الذى حدث فيه مراد باإلرادة القديمة فحدث ذلك ‪ ،‬فما المانع من‬
‫هذا االعتقاد وما المحيل له ؟"(‪.)3‬‬
‫وإذا قال الفارابى‪ :‬لماذا تختار اإلرادة وقتا دون وقت لتوجد فيه العالم مع أن‬
‫األوقات كلها متساوية ؟‬
‫فإن اإلمام الغزالى يجيب على هذا من جانبين‪-:‬‬
‫األول ‪ -:‬إن هذا التخصيص هو شأن اإلرادة وحقيقتها‪ ،‬وكما ال يقال" لم اقتضى‬
‫العلم اإلحاطة بالمعلوم" ؟ ألن هذه وظيفته ‪ ،‬كذلك ال يقال‪ ":‬لم خصصت اإلرادة‬
‫وقتا دون غيره" ؟ فالتخصيص هو وظيفة اإلرادة‪.‬‬
‫الثانى ‪ -:‬يرى الغزالى أن الفارابى ومن على شاكلته إن كان يمنع هنا تخصيص‬
‫اإلرادة القديمة الشئ عن مثله فإنه قد قال بتخصيص الشئ عن مثله مرتين‪-:‬‬
‫األولى ‪ -:‬زعمه أن حركة األفالك تتم من المشرق إلى المغرب ‪ :‬فى بعضها ‪،‬‬
‫وفى البعض اآلخر العكس‪...‬لماذا ؟ ما المخصص ؟ ال يجيب رغم أن الجهات‬
‫كلها بالنسبة لألفالك متساوية‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة الكهف آية ‪41‬‬


‫(‪ )1‬سورة النور آية ‪41‬‬
‫(‪ )0‬تهافت الفالسفة صـ ‪39‬‬
‫الثانية ‪ -:‬فى زعمه أن كرة السماء لها نقطتان ثابتتان هما ‪ :‬القطبان الجنوبى‬
‫والشمالى اللذان تتحرك السماء عليهما‪.‬‬
‫فيقال له ‪ :‬لم هذا التخصيص؟ أال يصلح أن تكون كل نقطتين متقابلتين فى‬
‫السماء قطبين حيث إنها كرة بسيطة متشابهة األجزاء؟(‪.)1‬‬
‫أما زعمه أن اإلرادة تسبق بشوق ‪ ،‬فعلى فرض صحتها فى مطلق إرادة فهى‬
‫فى حق اهلل تعالى محالة ؛ ألن إرادته تعالى ليست كإرادة المخلوقات‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه " ليس كمثله شئ وهو السميع البصير"(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرد على دعوى التوحيد بين إرادة اهلل تعالى وبين علمه وقدرته عز وجل ‪:‬‬
‫هناك فرق بين إرادة البارى جل فى عاله وبين علمه وقدرته‪ ،‬فإرادته تعالى‬
‫هى"علمه تعالى بما فى الفعل من المصلحة الداعية إلى اإليجاد "(‪ ،)3‬فاإلرادة‬
‫صفة تخصيص وال تتعلق إال بالجائز فقط‪.‬‬
‫فإرادته تعالى مغايرة لقدرته ومغايرة لعلمه أيضا‪ ،‬إذ علمه تعالى هو‪ ":‬صفة‬
‫أزلية بان بها عن المعانى التى تضاد العلم يعلم جميع المعلومات جملة وتفصيال‬
‫ما كان وما يكون وما ال يكون لو كيف يكون"(‪،)4‬وتعلق العلم باألشياء شامل‬
‫للواجب والمستحيل والممكن‪ ،‬ألنه ال يترتب على علمه بالواجب والمستحيل‬
‫مفاسد كما ترتب على القدرة واإلرادة فى تعلقها بهما‪ ،‬فالعلم يتعلق بالواجب‬
‫فيعلم اهلل ذاته بأنها واجبة الوجود‪ ،‬ويعلم استحالة الشريك له كما يعلم جميع‬
‫الممكنات علم إحاطة ال علم انكشاف إال بعد الخفاء‪ ،‬وهذا يقتضى الجهل عند‬
‫الخفاء وهو مستحيل على اهلل تعالى‪ ،‬وتعلق العلم بجميع الواجبات والمستحيالت‬
‫والممكنات هو تعلق تنجيزى قديم‪ ،‬وليس للعلم تعلق تنجيزى حادث‪ ،‬يعنى ليس‬
‫لعلم اهلل تعلق حادث بحدوث الكائنات‪ ،‬وإال لزم أنه لم يكن عالما فعلم‪.‬‬
‫أما قدرته تعالى فهى " صفة أزلية قائمة بذاته تعالى يتأتى بها إيجاد كل‬
‫ممكن وإعدامه على وفق اإلرادة"(‪ ،)5‬وهذا تعريف للصفة بالرسم ال بالحد‬
‫الحقيقى ؛ ألنه ال يعلم كنه ذاته تعالى وصفاته إال هو سبحانه وتعالى ‪.‬فالقدرة‬
‫صفة تأثير وتتعلق بالممكن ‪ ،‬وال تتعلق بالواجب والمستحيل ؛ ألنه لو تعلقت‬
‫بهما ‪ ،‬للزم صحة تعلقها بإعدام محلها‪ ،‬يقول الرازى‪ " :‬إن ما ألجله صح أن‬
‫يكون مقدور اهلل تعالى هو اإلمكان ؛ ألن ما عداه إما الوجوب وإما االمتناع ‪،‬‬

‫(‪ )1‬االقتصاد فى االعتقاد صـ ‪ ، 31‬وانظر له أيضا‪ :‬تهافت الفالسفة صـ ‪ 101‬وما بعدها ‪ ،‬وراجع ‪ :‬د‪ /‬الدقيقى –‬
‫التصور الفلسفى لنشأة الكون صـ ‪013‬‬
‫(‪ )1‬سورة الشورى آية ‪11‬‬
‫(‪ )0‬فخر الدين الرازى ‪ -‬المحصل صـ‪. 191‬‬
‫(‪ )4‬المرجع السابق صـ‪. 191‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق صـ‪. 191‬‬
‫وهما بخالف المقدورية‪ ،‬لكن اإلمكان وصف مشترك فيه بين الممكنات‪ ،‬فيكون‬
‫الكل مشتركا فى صحة مقدورية اهلل تعالى‪ ،‬فلو اختصت قادريته بالبعض افتقر‬
‫إلى المخصص‪ ،‬فإذا ثبت أنه قادر على جميع الممكنات وجب أال يوجد شئ من‬
‫الممكنات إال بقدرته "(‪.)1‬‬
‫ومن ثم يتبين بطالن نظرية العقول العشرة ؛ ألنها تقيد قدرة البارى‬
‫جل فى عاله على الخلق واإليجاد وتجعله عاجزا عن أن يصنع الكثرة الكونية‬
‫إال فى وجود العقول وبدونها ال يوجد كون‪.‬‬
‫ثالثا‪ -:‬الرد على دعوى التوحيد بين إرادة البارى عز وجل وبين إيجاده‬
‫األشياء‪-:‬‬
‫هناك فرق أيضا بين إرادة اهلل عز وجل وبين إيجاده األشياء ؛ ألنه" ال مانع‬
‫من أن تكون اإلرادة واحدة والمتعلقات متعددة‪ ،‬وذلك على نحو تعلق الشمس بما‬
‫قابلها واستضاء بها ‪ ،‬فإنه وإن كان متعددا ال يوجب تعددها فى نفسها وإن‬
‫أوجب تعدد متعلقاتها"(‪.)2‬‬
‫رابعا‪ -:‬الرد على الفارابى فى جمعه بين نفى اإلرادة ونفى الطبع ‪-:‬‬
‫ذهب الفارابى إلى نفى اإلرادة عن البارى عز وجل – كما مر – ألنها‬
‫تسبق بشوق‪ ،‬والشوق فى حقه تعالى محال ‪ ،‬ونفيه لإلرادة جعله ينفى القول‬
‫بالطبع فى نظرية العقول العشرة‪ ،‬وفى هذا نظر؛ فقد استدل علماء الكالم على‬
‫إثبات اإلرادة هلل عز وجل بإثبات التخصيص والترجيح فى الممكنات " فحصول‬
‫أفعاله فى أوقات معينة مع جواز حصولها قبلها وبعدها يستدعى مخصصا ‪،‬‬
‫وليس هو القدرة ‪ ،‬ألن شأنها اإليجاد الذى نسبته إلى كل األوقات على السواء‪،‬‬
‫وال العلم ألنه تابع للمعلوم‪ ،‬فال يكون مستتبعا له المتناع الدور ‪ ،‬وظاهر أن‬
‫سائر الصفات ال يصلح لذلك سوى اإلرادة فالبد من إثباتها " (‪.)3‬‬
‫بمعنى أن بعض أفعاله عز وجل متقدماة وبعضاها متاأخرة ‪ ،‬ماع أن ماا تقادم‬
‫يجااوز عقااال أن يتااأخر ‪ ،‬ومااا تااأخر يجااوز عقااال أن يتقاادم ‪ ،‬فيحتاااج ذلااك التقااديم‬
‫والتااأخير إلااى ماارجح ومخصااص ‪ ،‬وال يصاالح لااذلك سااوى اإلرادة فالبااد ماان‬
‫إثباتها‪.‬‬
‫وأما عدم صالحية القدرة للتخصيص ‪ :‬ألن نسبتها إلى جميع الممكنات فى‬
‫جميع األوقات على السواء ‪ ،‬فيمكن أن يقع بها كل ممكن فى أى وقت بدون‬
‫تمييز بين ممكن وآخر‪ ،‬ولما كان العلم تعلقه عام يتناول كل شئ من شئون‬

‫(‪ )1‬فخر الدين الرازى ‪ -‬المحصل صـ‪. 190‬‬


‫(‪ )1‬اآلمدى – غاية المرام صـ ‪10‬‬
‫(‪ )0‬فخر الدين الرازى ‪ -‬المحصل صـ‪ ،191‬وانظر‪:‬د‪ /‬أحمد الطيب – مقومات اإلسالم صـ ‪.00‬‬
‫الحقيقة لذلك الممكن ‪ ،‬بل يتناول الواجب والمستحيل ‪ ،‬فال يصلح مخصصا ‪.‬‬
‫وأما السمع والبصر والكالم والحياة فال تأثير لها فى الممكنات‪ ،‬ومن ثم يتبين أن‬
‫اإلرادة وحدها هى المخصص فالبد من إثباتها ‪ .‬وأما النصوص التى أثبتت‬
‫اإلرادة هلل عز وجل فهى متعددة‪ ،‬منها ما يلى‪-:‬‬
‫‪ – 1‬قال تعالى‪ "-:‬وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان اهلل‬
‫وتعالى عما يشركون"(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬وقوله تعالى‪"-:‬فعال لما يريد"(‪.)2‬‬
‫ومن السنة قوله صلى اهلل عليه وسلم" ما شاء اهلل كان وما لم يشأ لم يكن"(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سورة القصص آية ‪91‬‬


‫(‪ )1‬سورة البروج آية ‪19‬‬
‫(‪ )0‬النسائى فى السنن الكبرى – تحقيق حسن عبد المنعم شلبى ج‪3‬صـ ‪ 10‬حديث ‪ ،3191‬مؤسسة اإلسالم بدون‪،‬‬
‫والبيهقى فى دالئل النبوة ج‪1‬صـ ‪ ،144‬دار الريان ط‪:‬أولى ‪1401‬هـ‪1311 /‬م‪.‬‬
‫الخاتمة‪ " ...‬نسأل اهلل حسنها"‪.‬‬
‫الحمد هلل الذى بنعمته تتم الصالحات ‪ ،‬والصالة والسالم على من ختم اهلل به‬
‫وبعد‬ ‫الرساالت سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.............‬‬
‫فقد توصلت من دراستى لموضوع " نظرية العقول العشرة لدى الفارابى "‬
‫إلى النتائج التالية ‪-:‬‬
‫أوال ‪ -:‬يعد الفارابى أول فيلسوف مسلم يقول بنظرية العقول العشرة‪ ،‬وكان هدفه‬
‫األساسى من وراء هذا القول هو أن يوفق بين الصفات التى ذكرها القرآن‬
‫الكريم واصفا بها البارى جل فى عاله‪ ،‬وبين الصفات التى وصف بها أرسطو‬
‫المحرك األول‪ ،‬وكان واضحا لدى فالسفة اإلسالم أن المحرك األول يقصد به‬
‫أرسطو البارى تعالى‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -:‬إن أسس نظرية العقول العشرة ليست ابتكارا فارابيا خالصا‪ ،‬وإنما هى‬
‫تجميع لعناصر فكرية كانت موجودة من قبل مزج بينها الفارابى وأعاد ترتيبها‬
‫وتعليل خطواتها‪.‬‬
‫ثالثا‪ -:‬إن نظرية العقول العشرة نظرية ال أساس لها من الصحة ألنها تجعل‬
‫العقول أكثر كماال من اهلل تعالى ؛ حيث يؤدى مذهب الفيض إلى أن تكون علوم‬
‫العقول أكثر إحاطة من علم اهلل ‪ ،‬ففى الوقت الذى ال يعلم اهلل إال ذاته – كما‬
‫زعم الفارابى – فإن العقول تعلم مبدأها وهو اهلل تعالى وتعلم ذاتها من حيث هى‬
‫واجبة به ‪ ،‬وتعلم ذاتها من حيث هى ممكنة‪ ،‬وبهذا يكون الفارابى قد وقع فى‬
‫تناقض بين حين وصف البارى بالكمال ثم سلب عنه هذا الكمال‪.‬‬
‫وبعد ‪.....‬هذا جهدى أقدمه مشفوعا بحمد اهلل عز وجل على توفيقه‬
‫وتيسيره وعونه ‪ ،‬وكل ما فيه من صواب وسداد ‪ ،‬فإنما هو من فضل اهلل عز‬
‫وجل ‪ ،‬وما فيه من تقصير فإنما هو غير مقصود منى وحسبى أننى اجتهدت‬
‫وأفرغت فيه طاقتى والكمال هلل وحده وحسبى أيضا قوله تعالى‪ " :‬إِنّ الْحَسَنَاتِ‬
‫يُذْهِبْنَ السّـيّئَاتِ " (‪ . )1‬واهلل أسأل أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصا لوجهه‬
‫الكريم ‪ ،‬وال يجعل للشيطان فيه حظا وال نصيبا ‪ ،‬وأن يجعله فى ميزان حسناتنا‬
‫وأن ينفعنا به يوم الدين إنه نعم المولى ونعم النصير ‪.‬‬
‫وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬وما توفيقى إال باهلل عليه‬
‫توكلت وهو رب العرش العظيم ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة هود آية ‪. 114‬‬


‫مراجع البحث‬
‫القرآن الكريم جل من أنزله‬
‫*** مؤلفات " الفارابى "‪-:‬‬
‫‪ .1‬مقالة فى معانى العقل ‪ ،‬ضمن ( الثمرة المرضية) نشر ديتريصى ‪ ،‬ليدن‬
‫‪1432‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬آراء أهل المدينة الفاضلة ‪ ،‬تقديم وتعليق د‪ /‬ألبير نصرى نادر ‪ ،‬بيروت ط‪:‬‬
‫سابعة ‪.1336‬‬
‫‪ .3‬تجريد رسالة الدعاوى القبلية ‪ ،‬حيدر آباد ‪ ،‬الهند ‪ ،‬ط‪ :‬أولى ‪1346‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .4‬رسالة فى السياسة – تحقيق ‪ :‬األب لويس شيخو ‪ ،‬بيروت ‪1331‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬عيون المسائل ‪ ،‬ضمن ( الثمرة المرضية) نشرة ديتريصى ‪ ،‬ليدن ‪1432‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬رسالة فى فصوص الحكم ‪ ،‬القاهرة ‪1331‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬شرح رسالة زينون الكبير‪ ،‬حيدر آباد‪ ،‬الهند ‪ ،‬ط‪1343 :‬هـ‪.‬‬
‫‪ .4‬كتاب الحروف – تحقيق وتقديم د‪ /‬محسن مهدى ‪ -‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ :‬ثانية‬
‫‪1333‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬التعليقات ‪ ،‬طبعة حيد آباد ‪ ،‬الهند ‪1346‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .13‬إحصاء العلوم – تقديم وشرح د‪ /‬على بو ملحم‪ ،‬دار الهالل ‪ ،‬ط‪:‬أولى‬
‫‪1336‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬السياسات المدنية ‪ ،‬تحقيق وتقديم وتعليق د‪ /‬فوزى مترى نجار‪،‬المطبعة‬
‫الكاثوليكية ‪ -‬بيروت ‪1364‬م‪.‬‬
‫ابن األثير ( محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد ت ‪086‬هـ)‬
‫الكامل فى التاريخ ‪ -‬دار صادر بيروت ‪ 1345‬هـ‪1365/‬م‪.‬‬ ‫‪.12‬‬
‫أرسطو طاليس‬
‫‪ .13‬المقالة الثانية عشرة من الميتافيزيقا‪ -‬ترجمة د‪ /‬ماجد فخرى – أرسطو‬
‫المعلم األول‪ ،‬بيروت‪ -‬ط‪ :‬ثانية ‪1311‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬منطق أرسطو – التحليالت الثانية – المقالة الثانية ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬عبد‬
‫الرحمن بدوى – دار الكتب المصرية ‪1343‬م‪.‬‬
‫النفس – نقله إلى العربية د‪ /‬أحمد فؤاد األهوانى – البابى الحلبى ط ‪:‬‬ ‫‪.15‬‬
‫أولى ‪1343‬م ‪.‬‬
‫األشعرى ( أبو الحسن على بن إسماعيل )‬
‫‪ .16‬اللمع فى الرد على أهل الزيغ – تحقيق وتعليق د‪ /‬محمود غرابة ‪ ،‬ط‪:‬‬
‫مجمع البحوث اإلسالمية ‪1315‬م‪.‬‬
‫ابن أبى أصيبعة ( موفق الدين أحمد بن القاسم) ‪.‬‬
‫‪ .11‬عيون األنباء فى طبقات األطباء‪ ،‬تحقيق نزار رضا‪ -‬دار الحياة –‬
‫بيروت ‪1365‬م‪.‬‬
‫األفروديسى (اإلسكندر)‬
‫‪ .14‬رسالة فى العقل على رأى أرسطو طاليس‪ ،‬ترجمة إسحاق بن حنين‪،‬‬
‫ضمن شروح على أرسطو‪ ،‬مفقودة فى اليونانية ورسائل أخرى‪ ،‬حققها وقدم‬
‫لها‪ :‬د‪ /‬عبد الرحمن بدوى ‪ ،‬دار المشرق بيروت بدون‪.‬‬
‫األكوينى ( توما األكوينى)‬
‫الخالصة الالهوتية ‪ ،‬بيروت ‪1441‬م‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫األلوسى ( د‪ /‬حسام الدين) ‪.‬‬
‫دراسات فى الفكر الفلسفى اإلسالمى‪ ،‬بغداد ‪1322‬م‪.‬‬ ‫‪.23‬‬
‫األمدى ( سيف الدين على بن أبى على بن محمد ت ‪081‬هـ)‬
‫‪ .21‬غاية المرام فى علم الكالم – تحقيق د‪ /‬حسن محمود الشافعى – ط‪:‬‬
‫المجلس األعلى للشئون اإلسالمية ‪1331‬هـ‪.‬‬
‫األندلسى (القاضى صاعد األندلسى) ‪.‬‬
‫طبقات األمم – تحقيق لويس شيخو اليسوعى‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية –‬ ‫‪.22‬‬
‫بيروت‪1312‬م‬
‫إنشاد ( د‪ /‬إنشاد محمد على )‪.‬‬
‫موقف المشائية اإلسالمية من النص الدينى ‪ ،‬ط‪1331 :‬م‪.‬‬ ‫‪.23‬‬
‫األهوانى ( د‪ /‬أحمد فؤاد األهوانى) ‪.‬‬
‫فى عالم الفلسفة‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة بدون‪.‬‬ ‫‪.24‬‬
‫اإليجى (عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد)‪.‬‬
‫‪ .25‬المواقف ‪ -‬مكتبة المتنبى – القاهرة بدون‪.‬‬
‫البخارى (محمد بن إسماعيل البخارى)‬
‫الجامع الصحيح ‪ -‬تحقيق د‪ /‬مصطفى ديب البغا – دار ابن كثير‪،‬‬ ‫‪.26‬‬
‫اليمامة ط‪ 3:‬عام ‪1431‬هـ ‪1341 /‬م‪.‬‬
‫بدوى ( د ‪ /‬عبد الرحمن )‬
‫خريف الفكر اليونانى ‪ ،‬ط ‪ :‬رابعة ‪1313‬م‪.‬‬ ‫‪.21‬‬
‫‪ .24‬موسوعة الفلسفة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪:‬أولى‬
‫‪1344‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬مقدمة كتاب النفس ألرسطو ‪ ،‬ترجمة إسحاق بن حنين ‪ ،‬بدون ‪.‬‬
‫البغدادى ( أبو البركات ) ‪.‬‬
‫‪ .33‬المعتبر فى الحكمة ‪ ،‬منشورات جامعة أصفهان ط ‪ :‬ثانية ‪1315‬هـ ‪.‬‬
‫البهى ( د‪ /‬محمد البهى )‬
‫‪ -‬الفارابى الموفق والشارح ‪ ،‬ط‪:‬أولى ‪1431‬هـ‪1341 /‬م‪.‬‬
‫البيهقى( ظهير الدين ) ‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ حكماء اإلسالم( تتمة صوان الحكمة ) ‪ ،‬ط‪ :‬الهور ‪1351‬هـ‬
‫بيومى ( د‪ /‬عبد المعطى ) ‪.‬‬
‫‪ -‬الفلسفة اإلسالمية من المشرق إلى المغرب‪ ،‬دار الطباعة المحمدية‬
‫‪1433‬هـ ‪1342 /‬م‪.‬‬
‫ابن تيمية ( محمد بن عبد الحليم )‪.‬‬
‫‪ -‬مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬مجمع الملك فهد ‪1416‬هـ ‪1335 /‬م‪.‬‬
‫‪ -‬درء تعارض العقل والنقل ‪ ،‬القاهرة ‪1362‬م‪.‬‬
‫– منهاج السنة النبوية ‪ -‬تحقيق د‪ /‬محمد رشاد سالم ‪ ،‬ط‪1436 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1346‬م‪.‬‬
‫الجابرى ( د‪ /‬محمد عابد ) ‪.‬‬
‫‪ -‬نحن والتراث قراءات معاصرة فى تراثنا الفلسفى ‪ ،‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية بيروت‪ -‬ط‪:‬أولى ‪2336‬م‪.‬‬
‫الجوهرى (إسماعيل بن حماد)‬
‫‪ -‬الصحاح – تحقيق د‪ /‬أحمد عبد الغفور – دار العلم للماليين بيروت لبنان‬
‫‪ ،‬ط‪ :‬رابعة ‪1333‬م‪.‬‬
‫الحموى ( ياقوت الحموى ) ‪.‬‬
‫‪ -‬معجم البلدان ‪ ،‬دار صادر بيروت – لبنان ‪1313‬م‪.‬‬
‫الحنبلى ( ابن العماد) ‪.‬‬
‫‪ -‬شذرات الذهب فى أخبار من ذهب ‪ ،‬تحقيق لجنة إحياء التراث العربى ‪-‬‬
‫دار اآلفاق بيروت بدون‪.‬‬
‫ابن خلكان ( أحمد بن محمد بن أبى بكر ت ‪031‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬وفيات األعيان‪ ،‬تحقيق د‪/‬إحسان عباس ‪ ،‬دار صادر‪ -‬بيروت لبنان ط‪:‬‬
‫‪1334‬هـ ‪ 1314 /‬م‪.‬‬
‫خليف (د‪ /‬فتح اهلل خليف) ‪.‬‬
‫‪ -‬فالسفة اإلسالم– دار الجامعات المصرية بدون ‪.‬‬
‫خليل ( د‪ /‬خليل الجر وحنا الفاخورى )‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ الفلسفة العربية ‪ ،‬دار الجيل بيروت لبنان‪ ،‬ط‪:‬ثانية ‪1342‬م‪.‬‬
‫الداوودى( الحافظ شمس الدين محمد بن على )‬
‫‪ -‬طبقات المفسرين – دار الكتب العلمية – بيروت لبنان ‪ ،‬ط‪:‬أولى‬
‫‪1433‬هـ ‪1343 /‬م‬
‫الذهبى( شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان )‪.‬‬
‫‪ -‬سير أعالم النبالء‪ -‬تحقيق شعيب األرناؤوط باالشتراك ‪ ،‬ط‪:‬ثالثة‬
‫‪1436‬هـ ‪1346/‬م‬
‫ابن رشد ( أبو الوليد محمد بن أحمد)‪.‬‬
‫‪ -‬تهافت التهافت ‪ ،‬بيروت ‪1333‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تلخيص ما بعد الطبيعة ‪ -‬تحقيق د‪ /‬عثمان أمين ‪،‬القاهرة ‪1354‬م‬
‫ريان( د‪ /‬محمد على )‬
‫‪ -‬تاريخ الفكر الفلسفى فى اإلسالم ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية باإلسكندرية ط ‪:‬‬
‫‪1413‬هـ‪1333 /‬م‪.‬‬
‫زايد ( د ‪/‬سعيد زايد )‬
‫‪ -‬الفارابى ‪ ،‬دار المعارف ط‪:‬ثالثة بدون ‪.‬‬
‫الزغبى ( د‪ /‬فتحى محمد )‬
‫‪ -‬نظرية الفيض ذروة التفاعل الفكرى ‪ -‬بحث منشور فى كتاب المؤتمر‬
‫الدولى الخامس عشر بكلية دار العلوم بالقاهرة ‪2313‬م‪.‬‬
‫ابن سينا (الحسين بن على )‪.‬‬
‫‪ -‬اإلشارات والتنبيهات – تحقيق د‪ /‬سليمان دنيا ‪ ،‬دار المعارف بالقاهرة‬
‫‪1354‬م‪.‬‬
‫‪ -‬النجاة فى الحكمة المنطقية والطبيعية واإللهية – تقديم د‪ /‬ماجد فخرى‪،‬‬
‫دار اآلفاق بيروت‪.‬‬
‫الشهرستانى( أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد)‬
‫‪ -‬الملل والنحل– تحقيق‪:‬محمد سيد كيالنى‪،‬ط‪:‬البابى الحلبى وأوالده‬
‫‪1341‬هـ‪1361 /‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬نهاية اإلقدام فى علم الكالم ‪ ،‬نشر جيوم ‪ ،‬اكسفورد ‪1334‬م‪.‬‬
‫الصفدى‪(:‬صالح الدين خليل بن أيبك ت ‪ 407‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬الوافى بالوفيات‪ -‬تحقيق أحمد األرناؤوط– تركى مصطفى ‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربى– بيروت لبنان ط‪:‬أولى‪ 1423‬هـ‪ 2333-‬م ‪.‬‬
‫صليبا(جميل صليبا )‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم الفلسفى ‪ -‬دار الكتاب اللبنانى – بيروت لبنان ‪1342‬م‪.‬‬
‫الطوسى ( نصير الدين محمد بن محمد ) ‪.‬‬
‫‪ -‬شرح اإلشارات والتنبيهات – تحقيق د‪ /‬سليمان دنيا ‪ ،‬دار المعارف‬
‫بالقاهرة ‪1354‬م‪.‬‬
‫الطيب( اإلمام األكبر‪ :‬د‪ /‬أحمد محمد )‬
‫‪ -‬مقومات اإلسالم ‪.‬‬
‫العاتى (د‪ /‬إبراهيم العاتى)‬
‫‪ -‬اإلنسان فى فلسفة الفارابى ‪ ،‬دار الهادى ‪ ،‬ط‪:‬أولى ‪1433‬ه ‪2333 /‬م‪.‬‬
‫عبد الجبار( القاضى عبد الجبار )‬
‫‪ -‬المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ‪ ،‬تحقيق محمود الخضيرى ‪ ،‬مراجعة‬
‫د‪ /‬إبراهيم مدكور‪ ،‬بإشراف د ‪ /‬طه حسين ‪ ،‬طبعة دار الكتب المصرية عام‬
‫‪1341‬هـ ‪1363 /‬م‪.‬‬
‫‪ -‬شرح األصول الخمسة– تحقيق د‪ /‬عبد الكريم عثمان‪،‬القاهرة‬
‫ط‪:‬أولى‪1365‬م‬
‫عبد الرازق ( الشيخ مصطفى )‬
‫– فيلسوف العرب والمعلم الثانى ‪ ،‬ط‪:‬البابى الحلبى بالقاهرة ‪1355‬م‪.‬‬
‫عبده ( د‪ /‬عبده الشمالى)‬
‫‪ -‬دراسات فى تاريخ الفلسفة العربية اإلسالمية وآثار رجالها‪ ،‬دار صادر‬
‫بيروت ‪ ،‬ط‪ :‬خامسة ‪1333‬هـ‪1313 /‬م‪.‬‬
‫غالب (د‪ /‬مصطفى غالب)‬
‫‪ -‬الفارابى – دار الهالل – ط‪1334 :‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن سينا ( الموسوعة الفلسفية ) ‪ ،‬ط‪ :‬بيروت ‪1313‬م‪.‬‬
‫الغزالى ( أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد )‬
‫‪ -‬تهافت الفالسفة ‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪ 4 :‬لعام ‪1333‬م ‪.‬‬
‫غالب ( د‪ /‬محمد )‬
‫‪ -‬مشكلة األلوهية‪،‬دار إحياء الكتب العربيةط‪:‬ثانية ‪1311‬هـ ‪1351 /‬م‪.‬‬
‫فخر الدين ( محمد بن عمر بن الحسين الرازى )‬
‫‪ -‬األربعين فى أصول الدين ‪ -‬حيدر أباد ‪1353‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬القاهرة ‪1363‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬لباب اإلشارات والتنبيهات ‪ ،‬القاهرة ‪1353‬م‪.‬‬
‫فخرى ( د‪ /‬ماجد )‬
‫‪ -‬تاريخ الفلسفة اإلسالمية ‪ -‬بيروت ‪1314‬م‬
‫قاسم ( د‪ /‬محمود )‬
‫‪ -‬فى النفس والعقل لفالسفة اإلغريق واإلسالم‪،‬األنجلو المصرية ‪،‬ط‪:‬رابعة‬
‫القفطى (جمال‬ ‫‪1362‬م‪.‬‬
‫الدين أبو الحسن )‬
‫‪ -‬إخبار العلماء بأخبار الحكماء ‪ ،‬القاهرة ‪1326 :‬هـ ‪1334 /‬م‪.‬‬
‫كحالة (عمرو رضا )‪.‬‬
‫‪ -‬معجم المؤلفين ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي بيروت‪،‬‬
‫كرم ( د‪ /‬يوسف كرم )‬
‫‪ -‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬مطبعة لجنة التأليف والنشر بالقاهرة ‪1355‬هـ ‪/‬‬
‫‪1336‬م‪.‬‬
‫الكندى ( أبو يوسف يعقوب بن إسحاق)‬
‫– رسالة فى حدود األشياء ورسومها ( ضمن رسائل الكندى الفلسفية)‬
‫تحقيق د‪ /‬محمد عبد الهادى أبوريدة ‪ -‬دار الفكر العربى بالقاهرة ط‪:‬ثانية‬
‫‪1363‬هـ‪1353 /‬م ‪.‬‬
‫الكوثرى ( د‪ /‬محمد زاهد)‪.‬‬
‫‪ -‬مقدمة كتاب العقل وفضله لعبد اهلل بن محمد والشهير بابن أبى الدنيا ‪،‬‬
‫بدون‪.‬‬
‫لطف ( د‪ /‬سامى نصر)‬
‫‪ -‬نماذج من فلسفة اإلسالميين( حكماء المشرق اإلسالمى ) ‪ ،‬ط‪:‬أولى‬
‫بالقاهرة ‪1311‬م‪.‬‬
‫مرحبا ( د‪ /‬محمد عبد الرحمن مرحبا )‬
‫‪ -‬من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة اإلسالمية ‪ -‬بيروت ‪ ،‬ط‪:‬ثانية ‪1342‬م‪.‬‬
‫المرزوقى ( د‪ /‬جمال )‬
‫‪ -‬الفلسفة اإلسالمية بين الندية والتبعية ‪ ،‬نشر دار الهداية‪ ،‬ط ‪ :‬أولى لعام‬
‫‪1422‬هـ ‪2332 /‬م‪.‬‬
‫المسعودى( أبو الحسن على بن الحسين ت ‪870‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -‬التنبيه واإلشراف ‪ ،‬ط‪ :‬القاهرة ‪1331‬هـ ‪1334 /‬م‪.‬‬
‫مسلم ( اإلمام بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسايوري)‬
‫‪ -‬صحيح مسلم ‪ ،‬دار الجيل ‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون‬
‫منجد ( د‪ /‬صالح الدين المنجد )‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسالم والعقل ‪ ،‬دار الكتاب الجديد ‪ -‬بيروت لبنان ‪ ،‬ط‪ :‬ثانية ‪1316‬م‪.‬‬
‫ابن منظور(اإلمام محمد بن مكرم اإلفريقي المصري)‬
‫‪ -‬لسان العرب – تحقيق د‪ /‬عبد اهلل الكبير ومحمد أحمد حسب اهلل ‪ ،‬دار‬
‫المعارف بدون‪.‬‬
‫ابن النديم( أبو الفرج محمد بن إسحاق )‬
‫‪ -‬الفهرست‪ ،‬بيروت ‪1364‬م‪.‬‬
‫نصار( د‪ /‬محمد عبد الستار)‬
‫‪ -‬فى الفلسفة اإلسالمية( قضايا ومناقشات ) ‪ ،‬ط‪ :‬أولى ‪1342‬م‪.‬‬
‫هويدى ( د‪ /‬يحى هويدى)‬
‫‪ -‬دراسات فى علم الكالم والفلسفة ‪ ،‬دار الثقافة للطباعة والنشر بالقاهرة‬
‫بدون‪.‬‬
‫ياسين( د ‪ /‬جعفر آل ياسين )‬
‫‪ -‬الفارابى فى حدوده ورسومه – عالم الكتب ‪ ،‬ط ‪ :‬أولى ‪ 1435‬هـ ‪/‬‬
‫‪1345‬م‪.‬‬
‫فيلسوفان رائدان الكندى والفارابى ‪ ،‬دار األندلس ‪ ،‬ط‪ :‬ثانية ‪1343‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فيلسوف عالم ( دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره الفلسفى ) ‪ ،‬دار‬
‫األندلس ط‪ :‬أولى ‪1434‬هـ ‪1344 /‬م‪.‬‬

You might also like