Professional Documents
Culture Documents
القانون الجنائي الخاص في شروح 2020 PDF
القانون الجنائي الخاص في شروح 2020 PDF
المعمق في شروح
الدكتور عابد العمراني الميلودي الدكتور امحمد اقبلي
✦ �أ�ستاذ التعليم العالي بجامعة الح�سن الأول ب�سطات ✦ �أ�ستاذ التعليم العالي بجامعة الح�سن الأول ب�سطات
✦ م�ست�شار برلماني ✦ من�سق ما�ستر العلوم الجنائية والتعاون الجنائي الدولي
✦ع�ضو لجنة العدل والت�شريع وحقوق الإن�سان ✦ من�سق ما�ستر اال�ستثمار والأعمال
بمجل�س الم�ست�شارين ✦ مدير المجلة الوطنية للعلوم القانونية والق�ضائية
الق�سري
الجريمة الإرهابية ●
الطبعة الأولى
2020
الكتاب :القانون اجلنائي اخلا�ص املعمق يف �شروح
امل�ؤلفون :الدكتور احممد اقبلي -الدكتور عابد العمراين امليلودي
الفهر�س:
5................................................................................................................... تقديم
.1الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة 9.......................................................................
.2الجرائـ ــم الما�س ــة بحقـ ــوق الإن�سان :التعذي ــب الإتجار بالب�ش ــر
واالختط ــاف الق�س ــري 47.............................................................................................
تقديم
ينق�سم القانون الجنائي �إلى ق�سمين :ق�سم عام يحدد المبادئ العامة التي يخ�ضع لها هذا
القانون ،وق�سم خا�ص يبين الجرائم والعقوبات المقررة لها .فبعد �أن يقوم الق�سم العام بدور
ت�أ�صيلي مجرد في �إي�ضاح المبادئ العامة التي تحكم القانون الجنائي ،ي�ؤدي الق�سم الخا�ص
دورا تطبيقيا ،فين�ص على الجرائم وعقوباتها في حدود الإطار الذي ير�سمه الق�سم العام.
و�إذا كان الق�سم العام للقانون الجنائي يحظى ب�أهمية بالغة من الناحيتين النظرية والعملية
باعتباره الق�سم الذي ير�سي الأ�صول العامة لقاعدة التجريم والعقاب ،ف�إن الق�سم الخا�ص
يقف في �سلم الأهمية على نف�س الدرجة .باعتباره ي�ؤدي في معظم �أحكامه دورا تطبيقيا،
فين�ص على الجرائم وعقوباتها في حدود الإطار الذي ير�سمه القانون العام.
كما �أنه وفي ظل مبد�أ �شرعية الجرائم والعقوبات ال يمكن اال�ستغناء عن الق�سم الخا�ص
واالكتفاء بق�سم عام مجرد ال يحدد الجرائم ويبين عقوباتها .ف�إذا �سكت القانون عن تجريم
فعل معين �أو عن بيان عقوبته ،كان هذا الفعل بعيدا عن نطاق القانون الجنائي.
وبناءا على ذلك ،ف�إن بحث الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي ي�ؤدي دورا مهما ال غنى
عنه في ظل مبد�أ �شرعية الجرائم والعقوبات.
فالق�سم الخا�ص من القانون الجنائي يعد بمثابة التج�سيد الواقعي لقاعدة �شرعية الجرائم
والعقوبات ،وتطبيقا للأحكام والنظريات التي يت�ضمنها الق�سم العام.
والق�سم الخا�ص من القانون الجنائي هو مو�ضوع درا�ستنا ولذلك �سنقف عند تحديد
تعريفه وبيان �أهميته.
■ تعريف الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي:
يق�صد بقواعد الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي تلك القواعد التي تحدد كل جريمة على
حدة من حيث �أركانها وعقوباتها والظروف الخا�صة بها.
ومعنى هذا �أن الق�سم الخا�ص يت�ألف من الن�صو�ص التي تعين كل فعل من الأفعال المعاقب
عليها كالقتل �أو ال�سرقة �أو االغت�صاب ...فتحدد كل جريمة من هذه الجرائم المختلفة على
حدة ،وتحلل عنا�صرها الخا�صة بها ،و�أركانها التي تميزها عن غيرها من الجرائم الأخرى،
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 6
وتف�صح عن الظروف التي تكتنفها ،والتي تزيد �أو تنق�ص من ج�سامتها ،ثم تعين بعد ذلك
الجزاء المقرر لها.
ويالحظ من الزاوية التاريخية �أن الق�سم الخا�ص �أقدم و�أ�سبق في الظهور عن الق�سم العام
ذلك �أن الت�شريعات القديمة لم تكن تت�ضمن غير ن�صو�ص الق�سم الخا�ص ،فالدرا�سة التاريخية
للقانون الجنائي تك�شف عن �أن الق�سم الخا�ص كان الم�صدر الذي ا�ستمدت منه الت�شريعات
الجنائية الأحكام العامة المجردة التي تكون بها الق�سم العام ،فقد ن�ش�أت هذه الأحكام عن
طريق ا�ستقراء قواعد الق�سم الخا�ص ،ثم ت�أ�صيلها وردها �إلى مجموعة من الأ�صول الكلية.
وباعتبار قواعد الق�سم العام �أحكاما تهتم بكليات القانون الجنائي ،فهي تكاد تكون ثابتة
وم�ستقرة ال يطالها التغيير ،على خالف قواعد الق�سم الخا�ص التي تخ�ضع دائما للتغيير
بكونها �أكثر ات�صاال بالحياة االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية والتي هي بال�ضرورة متنوعة
ومتطورة بح�سب تطور الزمان والمكان .فالدول ت�ضع �سيا�ستها الجنائية وفقا لما تقت�ضيه
م�صالحها وظروفها و�أنظمتها .فهناك �أفعال لم تكن مجرمة في ال�سابق و�أ�صبحت مجرمة� ،إذ
قد يرى الم�شرع حماية م�صلحة معينة تبررها �ضرورة م�ستحدثة في�سن ت�شريعا يعتبر فيه ما
ي�سيء �إلى هذه الم�صلحة جريمة.
■ �أهمية درا�سة الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي :
يعد الق�سم الخا�ص جزءا ال غنى عنه لفهم الق�سم العام من القانون الجنائي ،فهو الجزء
الذي ي�ضع مو�ضع التطبيق الأحكام العامة الواردة به في �صورة وا�ضحة ،كما تت�ضح هذه
الأهمية في و�ضع مبد�أ ال�شرعية الجنائية مو�ضع التطبيق العملي .فبدون ن�صو�ص الق�سم
الخا�ص يبقى هذا المبد�أ فارغ الم�ضمون حتى ولو ن�ص عليه �صراحة في الق�سم العام من
القانون الجنائي فهو -الق�سم الخا�ص -يحدد الأفعال التي تعد جرائم وعقوبتها كما يعتبر
�ضمانا للحرية الفردية.
كما �أن العناية بدرا�سة الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي تمكن الم�شتغلين والمهتمين
بالمجال الجنائي من الق�ضاة والمحامين والأ�ساتذة الجامعيين من الإحاطة بتعريفات
الجرائم المختلفة باعتبار �أنها هي التطبيقات العملية للقانون الجنائي.
■ خطة الدرا�سة:
لن نتعر�ض -بطبيعة الحال -لكل الجرائم المن�صو�ص عليها في مدونة القانون الجنائي،
�أو تلك التي ن�صت عليها قوانين جنائية خا�صة و�إنما �سنكتفي بالتركيز على بع�ض هذه الجرائم
فقط فنختار منها تلك التي يكثر ارتكابها في الواقع العملي� ،أو تلك التي يثير تطبيقها م�شاكل
قانونية تحتاج �إلى تقديم الحلول ب�ش�أنها.
7 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وبناءا على ذلك� ،سندر�س في كتابنا هذا الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة والجرائم الما�سة
بحقوق الإن�سان والجرائم الما�سة بالأ�شخا�ص وتلك التي تم�س الأموال والجرائم الما�سة
بالآداب وجريمة االعتداء على الحيازة وجرائم المخدرات ،والجريمة الإلكترونية وجرائم
�إهمال الأ�سرة.
وبعد نرجو �أن نكونا قد وفقنا لما فيه الخير
ومن الله التوفيق.
9 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
➊
الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة
مقدمة:
للدولة بو�صفها �شخ�صية اعتبارية ،حقوق �أ�سا�سية وم�صالح وقيم يتطلب �صونها وحمايتها،
وم�ؤيدات جزائية تطال من يحاول الإعتداء عليها �أو العبث بها ،وت�صنف الحقوق الأ�سا�سية
التي تتمتع بها الدولة في زمرتين :زمرة الحقوق الدولية التي تنبع من طبيعتها كتج�سيد
للدولة في عالقاتها مع الدول الأخرى في الميدان الدولي وكتعبير عن �إرادتها في ال�سيادة،
وتمار�سها ب�صفتها �شخ�ص ًا من �أ�شخا�ص القانون الدولي .وزمرة الحقوق المالزمة للدولة كي
تتمكن م�ؤ�س�ساتها و�أجهزتها من القيام بوظيفتها الأ�سا�سية تجاه الرعية من �أفراد وجماعات
والتي تتجلى بتوطيد الأمن و�إقامة العدل و�ضمان تحقيق الخدمات العامة ،لخير المواطنين
ورفاهيتهم ،وتنبع هذه المهام من طبيعة الدولة كحكومة تمار�س هذه الحقوق الداخلية
ب�صفتها �شخ�ص ًا من �أ�شخا�ص القانون الداخلي .ف�شخ�صية الدولة هي المحل الرئي�سي الذي
ين�صب عليه الإعتداء في الجرائم الواقعة على �أمن الدولة ،والن�صو�ص الت�شريعية التي تعاقب
على هذا النوع من الجرائم تهدف �إلى �إ�ضفاء �أعظم قدر ممكن من الحماية وال�صيانة على
�شخ�صية الدولة وحقوقها الأ�سا�سية في الداخل وفي الخارج.
وعلى هذا الأ�سا�س ،ت�صنف الجرائم التي تم�س �أمن الدولة تبع ًا للت�صنيف الم�شار �إليه
ب�صدد حقوقها الأ�سا�سية ،فالجرائم التي تقترف �ضد الدولة ب�صفتها �شخ�ص ًا من �أ�شخا�ص
القانون الدولي ،وتهدف بالتالي �إلى �إ�ضاعة ا�ستقاللها �أو االنتقا�ص من �سيادتها �أو تهديد
�سالمة �أرا�ضيها؛ كلها جرائم تنال الدولة من كينونتها والوطن في وجوده؛ وقد يكون من
�ش�أنها هدم كيان الدولة �أو تجزئتها ويطلق عليها ا�صطالح الجرائم الواقعة على �أمن الدولة
الخارجي.
�أما الجرائم التي ترتكب �ضد الدولة ب�صفتها �شخ�ص ًا من �أ�شخا�ص القانون الداخلي،
وتهدف بالتالي �إلى االنق�ضا�ض على �أجهزة الحكم� ،أو �إجراء تعديل في قواعد الد�ستور
المنظم ل�شكل الحكم و�أ�صول ممار�سته وتعيين عالقة ال�سلطات ببع�ضها ،ف�إنها ال تم�س الدولة
في كينونتها �أو في عالقاتها مع الدول الأخرى و�إنما تم�س الحكومة و�سلطاتها ،ويطلق عليها
الجرائم الواقعة على �أمن الدولة الداخلي.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 10
فجرائم �أمن الدولة الداخلي تتعلق بم�صير وطن ولي�س �شخ�ص فح�سب ،لذلك ت�سعى كل
من القوانين الو�ضعية وال�شريعة الإ�سالمية �إلى حماية هذه الم�صالح من م�صادر الإعتداء
العديدة التي تتعر�ض لكينونتها ب�أي م�سا�س �أو �أذى� ،إذ لي�س هناك بالن�سبة للدولة ما هو �أكثر
�أهمية من حماية كيانها الأمني الداخلي.
وعلى هذا الأ�سا�س فقد �أولى الم�شرع الجزائي �أهمية بالغة لهذا النوع من الجرائم حر�صا
من كل دولة على تحقيق حماية فعالة على قدر كبير من الدقة لحماية كيانها من المخاطر
والتجاوزات التي قد تطاله وذلك عبر مواجهتها بعقوبات رادعة تتنا�سب مع هول و�شناعة الجرم.
ولم يقت�صر القانون الجزائي على تجريم وعقاب هذا النوع فقط من الجرائم فقطـ ،بل
�أولت اهتماما خا�صا لكل �أنواع الجرائم التي تهدد �أمنها الخارجي.
ورغم االختالف بين الجرائم الخارجية والداخلية �ضد �أمن الدولة ال يعدم الت�أثير المتبادل
وال يفقد ال�صلة �أو الرابطة بينهما ،فاالعتداء على �أمن الدولة في الداخل قد ي�ؤثر على المركز
الدولي للدولة ،وينال من هيبتها وقوتها ال�سيا�سية في المجتمع الدولي ،كما الإعتداء على �أمن
الدولة الخارجي ،ي�ؤثر �سلبا على الأمن الداخلي وعلى الكيان ال�سيا�سي الداخلي وهيئاته الحاكمة.
وعليه �سنتطرق من خالل هذا المو�ضوع للجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الداخلي في (المبحث
الأول) ،ثم �سنتطرق للجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الخارجي من خالل (المبحث الثاني).
المبحث الأول :الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الداخلي
تجرم الدول كل فعل ينطوي على الم�سا�س ب�شخ�صيتها الدولية �أو الم�سا�س بحقوقها
�أو م�صالحها الأ�سا�سية �سواء ما تعلق منها بالداخل �أو تجاوزه �إلى الخارج .1وقد عرفت
الب�شرية هذه الفئة من الجرائم الما�سة بالدولة تحت ت�سميات مختلفة ،2منذ ن�شوء الدولة في
11فللدولة -كما للفرد -م�صالح وقيم وحقوق �أ�سا�سية تعمد �إىل �صونها بامل�ؤيد اجلزائي ،و�إىل الذود عنها بالعقاب؛ بحيث
تت�صنف هذه احلقوق الأ�سا�سية التي تتمتع بها الدولة �إىل �صنفني:
-ال�صنف الأول :ي�ضع زمرة احلقوق �إىل ت�شتقها الدولة من طبيعة كونها جت�سيدا للأمة يف عالقتها مع الأمم الأخرى يف
امليدان الدويل ،وتعبريا عن �إرادتها يف احلرية وال�سيادة واال�ستقالل ،والدولة �إمنا متار�س هذه احلقوق ب�صفتها �شخ�صا
من �أ�شخا�ص القانون الدويل �أو احلقوق الدولية.
�أما ال�صنف الثاين فهو جمموعة من احلقوق التي ال غنى للدولة عن ممار�ستها وحمايتها لكي تتمكن �أجهزتها وم�ؤ�س�ساتها
من النهو�ض ب�أعباء احلكم ،والقيام بوظائفها الأ�سا�سية حيال الرعية من �أفراد وجماعات ،ومن هذه الوظائف توطيد
الطم�أنينة والأمن ،و�إقامة ق�سطا�س العدالة ،وحتقيق �شتى اخلدمات العامة الرامية �إىل خري املواطنني ورفاهيتهم
وازدهارهم ،وت�شتق الدولة هذه املهام من طبيعتها كحكومة ،ومتار�س هذه احلقوق ب�صفتها �شخ�صا من �أ�شخا�ص القانون
الداخلي �أو احلقوق الداخلية.
للمزيد �أنظر:
-حممد الفا�ضل« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة» ،املطبعة اجلديدة ،دم�شق ،الطبعة الرابعة� ،سنة (1398-1397هـ
املوافق ل1978-1977م)� ،ص 31 .وما يليها.
22لقد كانت جرائم �أمن الدولة ت�سمى يف العهد اجلمهوري الروماين بجرائم (امل�سا�س بالذات امللكية ،)Lèse Majesté
11 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
المجتمعات الب�شرية .1ليثبت تاريخا �أن ف�صيلة هذه الجرائم �أي الجرائم العامة� ،2أو ما يطلق
عليها بالجرائم الما�سة ب�أمن الدولة ،3هي الأفرق في القدم من غيرها لكونها رافقت المرحلة
وكانت ت�ستهدف حماية دولة الرومان من �أعداء اجلمهورية و�أعداء ال�شعب ،وقد �أدخل يف عدادها الإخالل ب�أمن
الدولة ،والت�أمر عليها ،وا�ستعداء العدو عليها �أو معاونته ،وال�سعي �إىل طغيان الظلم والعمل على �إهانة ال�شعب الروماين
�أو امل�سا�س بهيبته .وعند قيام العهد الإمرباطوري الروماين� ،أ�صبح �شخ�ص الإمرباطور و�سلطاته مو�ضوع احلماية بدال
من الدولة املتج�سدة فيه وقد ا�ستدعى تنكيل الإمرباطور بخ�صومه� ،أن ات�سع نطاق التجرمي جمرد الأفكار وعدم الوالء
جلاللته �سواء بالقول� ،أم بالكتابة.
ويف عهد الإقطاع ،فقدت اجلرائم املا�سة بالذات الإمرباطورية �أهميتها ،ثم ما لبثت �أن ا�ستعادت تلك الأهمية عند قيام
الدولة ب�شكلها القانوين احلديث ،حيث حلت امللكيات املطلقة التي ت�ستمد �سلطانها من التفوي�ض الإلهي حمل االقطاعيني،
وغدت هذه اجلرائم ت�ستهدف كل اعتداء على �شخ�ص امللك و�أوالده �أو على �سلطاته� ،أورده حممد فا�ضل« ،اجلرائم
الواقعة على �أمن الدولة» ،مرجع �سابق� ،ص.38-36.
ويف عهد الثورة الفرن�سية ،برزت التفرقة بني الدولة كهيئة معنوية وبني �شخ�صية احلاكم ،وغدت ال�سيادة للدولة ال
للحاكم ،وحلت ت�سمية ((اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة)) حمل �أمن الدولة احلارجي وتلك الواقعة على الأمن الداخلي،
فالأوىل تطال بالتجرمي كل م�سا�س بكيان الدولة �أو ببقائها �أو ب�سالمتها� ،أما الثانية فتعنى بالتجرمي والعقاب لكل ما يهدد
نظام احلكم وم�ؤ�س�ساته كما �سيتم التف�صيل فيه الحقا.
�أنظر يف هذا ال�صدد:
� -سمري عالية وهيثم عالية« ،الوجيز يف جرائم الق�سم اخلا�ص (-اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة والأ�شخا�ص
والأموال) -درا�سة مقارنة» ،من�شورات �ألفا ،الطبعة الأوىل� ،سنة 1438هـ2017-م� ،ص.54 .
� -أحمد حممد الرفاعي« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة ،اجلزء الأول -اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي»،
دار الي�شري للن�رش والتوزيع� ،سنة 1410هـ1990-م� ،ص 13 .و.14
11وذلك مرورا بكل مراحل تطورها منذ �أن وجدت اخللية الإجتماعية الأوىل وهي الأ�رسة� ،إىل �أن خلفتها الع�شرية �أو
القبيلة ثم املدينة ،بحيث كان يعاقب على هذا النوع من اجلرائم ب�أ�شد �أنواع العقاب دومنا رحمة �أو �شفقة فكان املعتدي
يحكم عليه باملوت �أو النفي� ،أورده :من�صور جنر �صقر العتيبي« ،التفاو�ض �ضد �أمن الدولة» ،دار �صربي للن�رش
والتوزيع-الريا�ض ،الطبعة الأوىل� ،سنة 1410هـ1990-م� ،ص.25 .
22وت�سمى �أي�ضا :اجلرائم املا�سة مب�صالح اجلماعة.
33للوقوف على داللة هذا املعنى وجب التف�صيل فيه بكل دقة ،وذلك بتمحي�ص كل م�صطلح فيه على حدى من جميع
اجلوانب كالآتي:
يعرف الأمن يف اللغة �أمنا� ،أمانا و�أمنا و�أمنه مبعنى اطمئنانه ومل يخفي (املعجم الوجيز� ،2001 ،ص ،)25 .و�أمن:
�أمناه وثق به� ،أما �أمن على ماله؛ �أي ت�أمني على املال عند فالن من النا�س اتخذه �أمينا عليه ،و�أمن �صدق ووثق وركن.
�أمن� :أمانة فهي �ضد خان ،وجمعها �أمناء( ،ابن منظور� ،1995 ،ص ،)121 .وقد وردت كلمة الأمن يف القر�آن
آمنَ هُ ْم ِم ْن َخ ْو ٍف}�( ،سورة قري�ش الآية .)4 الكرمي مبعنى عدم اخلوف ،قال تعاىل{ :ا َّل ِذي َأ ْط َع َمهُ ْم ِم ْن ُج ٍ
وع َو َ
�أما يف اال�صطالح ،فيعرف الأمن ب�أنه :الإجراءات اخلا�صة بت�أمني الفرد داخل الدولة� ،ضد الأخطار التي مت�س نف�سه
وماله ،وو�ضع الت�رشيعات التي حتقق حمايته ،واحلفاظ على مقوماته ،من خالل �أجهزة الأمن الداخلي ،مبنع وقوع
اجلرائم ،و�إن�شاء الأجهزة الق�ضائية ،لتوقيع العقاب على اخلارجني عن القانون( ،عبد احلميد علي� ،1976 ،ص.)6 .
وت�أ�سي�سا عليه فمن خالل �إبراز مفهوم �أمن الدولة يربز املفهوم الإزدواجي واملفهوم املوحد لهذا امل�صطلح:
املفهوم الإزدواجي لأمن الدولة :ننطلق يف هذا ال�شق من امل�صدر الأ�صلي للت�رشيعات التي تبنت هذا املفهوم هو القانون
الفرن�سي ،فقد تبنى تقنني الثورة الفرن�سية هذا املفهوم ،وا�ستند يف ذلك �إىل فكرة اخلطر الذي يهدد الدولة� ،سواء �أكان
خطرا داخليا� ،أم خطرا خارجيا( ،الليبدب� ،إبراهيم� ،2007 ،ص.)21 .
�أما املفهوم املوحد لأمن الدولة :فيتناول جرائم �أمن الدولة الداخلي ،وجرائم �أمن الدولة اخلارجي ،باعتبارهما طائفة
واحدة ،ويف�ضي �إىل دجمهما معا لكونهما ي�شكالن اعتداء على �أمن الدولة�( ،أحمد ح�سام الدين� ،1984 ،ص.)122 .
وا�صطالح �أمن الدولة مفهومان �أحدهما �ضيق ،والأخر وا�سع:
فالأمن ح�سب املفهوم ال�ضيق يهدف �إىل دفع التهديدات اخلارجية والداخلية عن الدولة؛ لتحقيق احلياة امل�ستقرة ل�شعبها؛
ال�ستغالل طاقاته للنهو�ض والتقدم واالزدهار( ،ح�سن عديل� ،1977 ،ص.)12 .
� -أما بالن�سبة للمفهوم الوا�سع ف�إنه ين�رصف للإجراءات التي تتخذ ملواجهة الأخطار من الناحية اخلارجية� ،سواء �أكانت
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 12
الأولى من ن�شوء القانون الجزائي وخطوراته في المجتمعات الإن�سانية� ،أيا كان درجة التنظيم
االجتماعي التي بلغتها تلك المجتمعات ،و�أيا كانت مرتبتها الح�ضارية.
فقديما لم تكن ال�شرائع تميز بين جرائم الإعتداء على �أمن الدولة من الخارج وبين
جرائم الإعتداء على �أمن الدولة من الداخل و�إنما كانت تخلط بين هذه الجرائم� ،1إال �أنه
بعد تطور الع�صور وازدهار المدينة والتقدم العلمي �أ�صبحت ت�شريعات الدول في الع�صر
الحديث تفرق بين جرائم الإعتداء على �أمن الدولة من جهة الخارج ،وجرائم الإعتداء على
�أمن الدولة الداخلي ،وهكذا عرفها الأ�ستاذ �أحمد محمد الرفاعي ،الجرائم الما�سة ب�أمن
الدولة الخارجي تنطوي على م�سا�س بوجود الدولة ذاته �أو ب�سالمتها �أو با�ستقاللها ،فهي تقع
على الدولة في م�صالحها� ،أو حقوقها ،في مواجهة غيرها من الدول ،ويراد بها كما ذكرنا
الإعتداء على ا�ستقاللها �أو الم�سا�س بوجودها �أو ب�سيادتها �أو ب�أمنها ،وزعزعة كيانها في
المحيط الدولي ،2في حين �أن تعريف الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الداخلي ،فيق�صد بها
تلك الجرائم التي بها م�سا�س �سافر ب�أجهزة الحكم ،والتمرد على ال�سلطات الد�ستورية في
الدولة �أو الإحاطة بالهيئات الحاكمة ،وا�ستبدال النظام االجتماعي� ،أو ال�سيا�سي بغيره ،هذه
الجرائم ت�ستهدف تغيير د�ستور الدولة بالطرق غير الم�شروعة �أو مقاومة ال�سلطات ال�شرعية
�أو الم�سا�س بالم�ؤ�س�سات النيابية �أو ال�شعبية� ،أو الترويج لمبد�أ �سيا�سي محظور �أو النيل من
الوحدة الوطنية.3
ع�سكرية� ،أم اقت�صادية� ،أم اجتماعية( ،غايل بطر�س� ،1985 ،ص ،)81 .وبالتايل ي�ستوعب هذا املفهوم كل ما من
�ش�أنه �أن يحقق اال�ستقالل ال�سيا�سي للدولة ،و�سالمة �أرا�ضيها.
هذا فيما يتعلق ب�أمن الدولة� ،أما ا�صطالح الدولة ،فقد تناول فقهاء القانون الد�ستوري عدة تعريفات لها ،فمنهم من
عرفها ب�أنها( :جمموعة من النا�س تعي�ش م�ستقرة على �إقليم معني حتت �سلطة منظمة)( ،يحيى جلمل� ،ص )22 .ومنهم
من عرفها ب�أنها( :هيئة ذات كيان معنوي قانوين تتكون من منطقة م�أهولة ذات حدود معينة ،و�سلطة حاكمة تتميز بقدرة
�إ�صدار القوانني ،واتخاذ القرارات التي من �ش�أنها تنظيم حياة ال�سكان ،وتنفيذ القواعد القانونية وفر�ض احرتامها)،
(الغزال �إ�سماعيل� ،1996 ،ص.)69 .
-هاين جميل عبد احلميد الطراونة« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي يف الت�رشيع الأردين -درا�سة مقارنة -
(بالت�رشيع ال�سوري وامل�رصي والكويتي) ،دار وائل للن�رش ،الطبعة الأوىل� ،سنة � ،2011ص 19 .و.20
11وكما �سبقت الإ�شارة �إليه �سابقا ،ف�إن اخللط بني جرائم �أمن الدولة الداخلي واخلارجي كان راجع لكون �شخ�صية احلاكم
-قبل الثورة الفرن�سية -كانت تطغى على �شخ�صية الدولة ،لدرجة �أن كل عدوان على �شخ�صه كان عدوانا على الدولة،
ومل ت�ستقل �شخ�صية الدولة عن حكامها� ،إال �إبان الثورة الفرن�سية حني اعرتف لها الثوار بال�شخ�صية املعنوية ،و�أقروا لها
بحقوق �ألزموا بها احلكام واملحكومني.
راجع� :أحمد حممد الرفاعي« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة ،اجلزء الأول» ،مرجع �سابق� ،ص.23 .
22املرجع نف�سه� ،ص.23 .
33املرجع نف�سه ،نف�س ال�صفحة.
13 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وفي تعريف �أخر للدكتور رم�سي�س بهنام عن �أمن الدولة الداخلي ،فيراد به �سيادة الحكومة
على المحكومين بها� ،سواء من الناحية العادية بكونها قاب�ضة على زمامهم� ،أو من الناحية
المعنوية بكونهم يبدون لها الطاعة والوالء.1
وعلى هذا الأ�سا�س فلقد �أولى الم�شرع المغربي على غرار باقي الت�شريعات �أهمية بالغة لهذا
النوع من الجرائم حفاظا على دولته وعلى �سيادتها و�أمنها و�سالمتها ،وهذا ما �أكده الم�شرع
الجنائي المغربي من خالل الباب الأول من الكتاب الأول المتعلق باالعتداءات والم�ؤمرات �ضد
الملك �أو الأ�سرة الملكية �أو �شكل الحكومة في الف�صول من � 163إلى 180من القانون الجنائي،
وكذا في الفرع الثالث الذي تناول من خالله الجنايات والجنح �ضد �سالمة الدولة الداخلية
(الف�صول من � 201إلى 207من القانون الجنائي).
بالتالي� ،سنتطرق لهذه الأفعال بالتف�صيل من خالل مطلبين� ،سنخ�ص�ص (الأول) للأفعال
التي جرمها الم�شرع وعاقب عليها في الفرع الأول من الباب الأول من القانون الجنائي ،ثم
�سنولي الفرع الثالث من ذات الباب من نف�س القانون للدرا�سة والتحليل من خالل (المطلب
الثاني) كما �سيتم بيانه.
المطلب الأول :جرائم الم�ؤامرة واالعتداء
ت�أ�سي�سا على ما �سبق ف�إن �أغلب الت�شريعات �إن لم نقل معظمها حر�صت على بيان وتحديد
الجرائم الواقعة على �أمن الدولة الداخلي و�أولتها عناية خا�صة2؛ وخرجت بها عن قواعد
11اجلرائم امل�رضة بامل�صلحة العمومية ،من�ش�أة معارف-الإ�سكندرية� ،ص.143 .
22وح�سب ما �سبقت الإ�شارة �إليه ،يبدو �أن هذا التق�سيم قد جاء يف القوانني الفرن�سية يف نهاية القرن التا�سع ع�رش ،وعنها
�أخذت الت�رشيعات العربية؛ �أورده حممد عودة اجلبور« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة وجرائم الإرهاب يف القانون
الأردين والقوانني العربية» ،دار الثقافة للن�رش والتوزيع-عمان ،الطبعة الثانية �سنة 2010م� ،ص.14.
ومن �أمثلة بع�ض هذه القوانني ،نذكر على �سبيل املثال ال احل�رص ،قانون العقوبات امل�رصي الذي �أفرد يف الكتاب الثاين
بعنوان :اجلنايات واجلنح امل�رضة بامل�صلحة العمومية وبيان عقوبتها ،وخ�ص�صه للجنايات واجلنح امل�رضة ب�أمن احلكومة
من جهة اخلارج يف الباب الأول ،واجلنايات واجلنح امل�رضة باحلكومة من جهة الداخل يف الباب الثاين ،والذي يتكون
من املواد � 86إىل 102عقوبات.
�أما الت�رشيع اجلنائي الأردين وحتت عنوان «اجلرائم على �أمن الدولة الداخلي» و�ضع امل�رشع الأردين الن�صو�ص
العقابية باملواد � 135إىل 168وق�سمها �إىل �ستة �أق�سام :الق�سم الأول احتوى على اجلنايات الواقعة على الد�ستور� ،أما
الق�سم الثاين ،فقد خ�ص املواد من � 140إىل � 141إىل اغت�صاب �سلطة �سيا�سية �أو مدنية �أو ع�سكرية ،و�أما الق�سم الثالث
ف�ضم جرائم الفتنة يف املواد من � 142إىل � ،146أما جرائم الإرهاب فخ�ص�ص لها امل�رشع الأردين الف�صل الرابع يف
املواد من � 147إىل ،149ويف الت�رشيع اللبناين جاء ذكر «اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة الداخلي» بالف�صل الثاين من
الباب الأول ،من املادة � 301إىل املادة 349؛ ويف قانون العقوبات ال�سوري وردت هذه اجلرائم حتت عنوان« :اجلرائم
الواقعة على �أمن الدولة الداخلي» ،وقد ت�ضمنها الف�صل الثاين من الباب الأول من الكتاب الثاين ،والذي يت�ألف من املواد
219-19عقوبات للجنايات واجلنح امل�رضة ب�أمن الدولة الداخل.
�أما امل�رشع اجلزائري فلقد �أفرد يف الباب الأول« :اجلنايات واجلنح �ضد ال�شيء العمومي» �سبعة ف�صول ،خ�ص الف�صل
الأول للجرائم التي تقع على �أمن الدولة بعنوان« :اجلنايات واجلنح �ضد �أمن الدولة» يف املواد من � 61إىل 96مكرر.
من غري �أن مييز بني اجلرائم التي تقع على الأمن الداخلي �أو اخلارجي ،وق�سم الف�صل الأول �إىل �ستة �أق�سام ،الق�سم
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 14
التجريم الأ�سا�سية التي يعاقب فيها الم�شرع على الن�شاط الخارجي المح�سو�س المتمثل في
�أفعال مادية ،تحدث ا�ضطرابا اجتماعيا .لذا ،فال عقوبة على مجرد التفكير في الجريمة �أو
العزم على ارتكابها .غير �أن الم�شرع قد خرج عن هذا المبد�أ فيما يخ�ص الجرائم الواقعة
على �أمن الدولة ،رغبة منه في �إبعاد الخطر الذي يهدد الدولة حتى ولو كان مجرد فكرة
نف�سية ،فعاقب الم�ؤامرة على �أمن الدولة ،وهي ال تعدو �أن تكون �إال اتفاقا بين �شخ�صين �أو �أكثر
على �إرتكاب جناية تم�س ب�أمن الدولة.1
كما �أن في �إطار هذه ال�سيا�سة التجريمية ،البد التفريق بين مرحلة المحاولة في الجريمة
ومرحلة اثباتها ،غير �أن الم�شرع خرج �أي�ضا على هذا المبد�أ بخ�صو�ص جرائم �أمن الدولة،
فاعتبر الإعتداء على �أمن الدولة تاما وناجزا حتى ولو كان الفعل في مرحلة المحاولة.2
وت�أ�سي�سا عليه يالحظ مما �سبق �أن الن�ص على تجريم الم�ؤامرة واالعتداء ورد في �صدر
الباب الخا�ص بجرائم �أمن الدولة ،مما يجعل مو�ضوعهما متوقفا على �إرتكاب �إحدى هذه
الجرائم دون �سواها.3
الأول :من املادة � 61إىل 64خم�ص�صة جلرائم اخليانة والتج�س�س ،والق�سم الثاين :خا�ص بجرائم التعدي الأخرى على
الدفاع الوطني ،واالقت�صاد الوطني يف املواد � 65إىل 76؛ ويف الق�سم الثالث :االعتداءات وامل�ؤامرات واجلرائم الأخرى
�ضد �سلطة الدولة و�سلطة �أر�ض الوطن يف املواد من � 77إىل 83؛ ويف الق�سم الرابع :جرائم التقتيل والتخريب املخلة
بالدولة يف املواد من � 84إىل 87؛ ويف الق�سم الرابع مكرر :اجلرائم املو�صوفة ب�أفعال �إرهابية �أو تخريبية يف املواد من 87
مكرر �إىل 87مكرر10؛ ويف الق�سم اخلام�س :جنايات امل�ساهمة يف حركات التمرد يف املواد � 88إىل ،90و�أخريا الق�سم
ال�ساد�س بعنوان� :أحكام خمتلفة يف املواد � 91إىل 96مكرر.
�أما الف�صل الثاين :فيتعلق بجرائم التجمهر ،من املواد � 97إىل ،101والف�صل الثالث :فخ�صه امل�رشع اجلنائي اجلزائري
للجرائم �ضد الد�ستور يف املواد من � 102إىل ،118ويف الف�صل الرابع :اجلرائم �ضد ال�سالمة العمومية يف املواد � 119إىل
،143ويف الف�صل اخلام�س :اجلنايات واجلنح التي يرتكبها الأ�شخا�ص �ضد النظام العمومي ،من املادة � 144إىل 175
مكرر1؛ ويف الف�صل ال�ساد�س :اجلنايات واجلنح �ضد الأمن العمومي من املادة � 176إىل 196مكرر؛ ويف الف�صل ال�سابع:
التزوير من املادة � 197إىل 253مكرر.
11وذلك من خالل الف�صل 175من القانون اجلنائي املغربي الذي عرفها من خالله على �أنها(( :امل�ؤامرة هي الت�صميم على
العمل ،متى كان متفقا عليه ومقررا بني �شخ�صني �أو �أكرث)).
وعرب عنها �أي�ضا الت�رشيع اجلنائي اللبناين من خالل املادة 270من قانون العقوبات اللبناين ب�أنه(( :يدعى م�ؤامرة كل
اتفاق مت بني �شخ�صني �أو �أكرث على �إرتكاب جناية بو�سائل معينة)).
وعرفها كذلك امل�رشع الأردين يف املادة 108من قانون العقوبات ب�أنها كل اتفاق بني �شخ�صني �أو �أكرث على �إرتكاب
جرمية بو�سائل معينة بحيث جاء يف ن�ص املادة ب�أنه(( :امل�ؤامرة هي كل اتفاق مت بني �شخ�صني �أو �أكرث على �إرتكاب جرمية
من اجلرائم املن�صو�ص عليها يف هذا الباب بو�سائل معينة)).
22وهذا ما عرب عنه امل�رشع اللبناين ب�رصيح العبارة من خالل املادة 271من قانون العقوبات املعدلة وفقا للمر�سوم
اال�شرتاكي 112تاريخ 1983/9/16بحيث جاء فيها �أنه(( :يتم الإعتداء على �أمن الدولة �سواء كان الفعل امل�ؤلف للجرمية
تاما �أو ناق�صا �أو يف طور املحاولة)).
لكن خالفا للم�رشع اللبناين ،فامل�رشع املغربي مل يعرب عن هذا املقت�ضى �رصاحة من خالل ف�صل من الف�صول الواردة يف
باب اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة من جهة الداخل ،كجرمية امل�ؤامرة على �سبيل املثال ،و�إن كان يف �صلب الن�ص ي�ست�شف
من خالل �صياغته وم�ضمونه �أن اجلرمية تتخذ مكونها ناجزة ولو مل تكن كذلك خلطورتها وذلك راجع خل�صو�صية
الركن املادي يف هذه الأخرية الذي يتكون فقط من الإتفاق امل�صمم عليه الرتكاب جرائم حمددة.
33للمزيد يف هذا ال�صدد �أنظر:
15 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وفق �أحكام وقواعد خا�صة ت�سري على هذه الجرائم دون غيرها ،1ويقت�ضي الإلمام
بجريمتي الم�ؤامرة واالعتداء على �أمن الدولة التطرق �إلى كل منهما في بحث على حدة ،وذلك
على النحو الآتي:
الفقرة الأولى :جريمة الم�ؤامرة
الم�ؤامرة ) ،(Le complotكما عرفها القانون الجنائي المغربي ،ال تعدو �أن تكون اتفاقا
مقررا بين �شخ�صين �أو �أكثر على �إرتكاب جناية تم�س ب�أمن الدولة ،2فالتجريم هنا تناول
مرحلة فكرة الجريمة والعزم عليها ،3وهي مرحلة تخرج في الأ�سا�س من نطاق التجريم
والعقاب كما �سبقت الإ�شارة �إليه .فمن المقرر �أن القانون الجنائي ال يجرم العزم �أو الت�صميم
الذي يتكون لدى �شخ�ص الرتكاب الجريمة م�ستقبال ،وذلك حتى لو ثبت وجود هذا الت�صميم
باعتراف ال�شخ�ص ذاته �أو ب�إبالغ الغير به .4وعلى ذلك �أن الت�صميم �أو العزم على �إرتكاب
الجريمة ال يعدو �أن يمثل حالة نف�سية �أو فكرة �إجرامية لم تبرح مخيلة الفاعل ،وهذا مما
ي�صعب �إثباته عادة .ي�ضاف �إلى ذلك �أن الرغبة في �إرتكاب الجريمة ال تنذر بخطر حال على
المجتمع ،لأنها لم ت�ستطيع بمظاهر مادية توحي بالخطورة ،هذا ف�ضال عن �أن تجريم هذه
الرغبة �أو الفكرة لو ح�صل ،ف�إن من �ش�أنه �أن ي�ستحدث الفاعل على تنفيد عزمه ،طالما �أنه
معاقب في الحالتين .لذا ،فالحكمة والمنطق يحمالن الم�شرع على عدم عقاب الت�صميم �أو
العزم الإجرامي ،وذلك لحث ال�شخ�ص على العدول وثنيه عن متابعة م�شروعه الإجرامي� ،إال
� -سمري عالية وهيثم عالية« ،الوجيز يف جرائم الق�سم اخلا�ص ،مرجع �سابق� ،ص.75.
� -أحمد حممد الرفاعي ،مرجع �سابق� ،ص.27.
11تتوجه �أغلب الت�رشيعات اجلنائية احلديثة �إىل �سن �إجراءات خا�صة جلرائم امن الدولة� ،سواء تعلق الأمر باملحاكم املخت�صة
للحكم يف مثل هذه اجلرائم �أو الإجراءات التي تطبقها هذه املحاكم ،فبالن�سبة للجهة املخت�صة للنظر يف مثل هذه الق�ضايا،
جند جل الت�رشيعات ت�سند هذه املهمة للمحكمة الع�سكرية بالن�سبة جلرائم امل�س ب�سالمة الدولة اخلارجية (الف�صل 4من قانون
العدل الع�سكري) ،مع احتفاظ الق�ضاء العادي بالنظر يف ق�ضايا �أمن الدولة الداخلي� ،إال �أنه مبقت�ضى قانون 26يوليوز
1971انتقل الإخت�صا�ص يف هذه الق�ضايا �إىل املحكمة الع�سكرية متى كان مرتكبوا اجلرمية �أو بع�ض امل�ساهمني فيها خا�ضعا
الخت�صا�ص هذه املحكمة ح�سب الف�صل الثالث من قانون العدل الع�سكري.
�أما من حيث �إجراءات املحاكمة فتتميز باحلرا�سة وال�رسية وال�رسعة وهي بذلك غالبا ما تنتهك حق املتهم يف تن�صيب دفاع
له ،على خالف امل�سطرة التي ينهجها الق�ضاء العادي.
22راجع الف�صل 175من ق.ج الذي جاء فيه �أن(( :امل�ؤامرة هي الت�صميم على العمل متى كان متفقا عليه ومقررا بني
�شخ�صني �أو �أكرث)).
33العزم )La résolution( :يق�ضي وجود �إرادة تابثة مقررة ،فال يكفي وجود �أماين �أو تعديدات ،بل يجب توطيد العزم
على العمل ،وعلى النيابة العامة �أن تقيم الدليل على هذا العزم ،فال تقت�رص على �إثبات �أن املتهمني اجتمعوا فيما بينهم،
و�أنهم �ألفوا جمعية �أو ع�صابة علنية �أو �رسية ،و�أن لديهم م�رشوعا غري معروف �أو غري وا�ضح ،بل عليها �أن تثبت �أنهم
عزموا على �إرتكاب جرمية من اجلرائم املعنية بالن�صو�ص يف القانون ،وميكن ح�صول الإثبات بجميع الطرق من كتابة
وبينة وقرائن.
44عبد الواحد العلمي�« ،رشح القانون اجلنائي املغربي -الق�سم العام ،»-ال�رشكة املغربية لتوزيع الكتب ،الدار البي�ضاء،
الطبعة ال�سابعة� ،سنة 1437هـ2016-م� ،ص 181.وما يليها.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 16
�أن خروج الم�شرع الجرائم عن �سيا�سته هذه فيما يخ�ص الم�ؤامرة ال يعود لكونها مرحلة من
مراحل الجريمة ،و�إنما باعتبارها جريمة خا�صة ا�ستوجبت عدم الت�أخر والإنتظار .1باعتبار
�أن العزم والت�صميم في جريمة الم�ؤامرة لم يعد فرديا يقت�صر فقط على �شخ�ص دون غيره،
و�إنما خرج من دائرة الفردية ليعبر كل مت�آمر للمتفقين معه عن ما يخالج �صدره من نوايا
خبيثة ،الأمر الذي وحد �إرادتهم باتجاه الجريمة مو�ضوع الم�ؤامرة .2وهذه الظاهرة الجماعية
ولو �أنها فكرة مبكرة� ،إال �أنها تنذر بخطر محدق ب�أمن المجتمع ،فمن الأجدى معاقبتها وهي
في بدايتها ،بدال من الإنتظار حتى حلول ال�ضرر الفعلي.
وت�أ�سي�سا على ما �سبق التف�صيل فيه ،ن�ست�شف �أن خ�صو�صية هذه الجريمة جعلتها تمتاز
3
عن غيرها من الجرائم بمجموعة من المميزات و�ضعتها في �إطار خا�ص يميزها عن غيرها
11حق البدء بالتح�ضري واملحاولة يف التنفيذ.
� 22أ�صبح الأمر يف هذه املرحلة جماعيا.
� 33إن امل�ؤامرة جرمية خا�صة ت�ستقل مبجموعة من اخل�صائ�ص جتعل منها جرمية خا�صة تتميز عن �سائر اجلرائم
الأخرى ،ومن جملة هذه اخل�صائ�ص:
-امل�ؤامرة �سلوك حمتواه نف�سي :وهذا يرجع لكون ال�سلوك الإجرامي املكون لها يقوم على جمرد العزم الذي هو فكرة
نف�سية.هذا ال�سلوك النف�سي �أ�سا�سه عامالن :الأول يتمثل يف �أنه �سلوك �شخ�صي عرب عنه �صاحبه ؛ والثاين يكمن يف �أن هذا
التعبري دليل على ان�رصاف الإرادة �إليه .وهذا هو �أ�سا�س عقاب هذا ال�سلوك.
للمزيد بهذا ال�صدد �أنظر:
-جاك يو�سف احلكيم ،ريا�ض اخلاين�« ،رشح قانون العقوبات-الق�سم اخلا�ص ،»-مطبعة الرو�ضة ،من�شورات
جامعة دم�شق� ،سنة � ،2009ص.64.
-حممود �سليمان مو�سى« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة-درا�سة مقارنة يف الت�رشيعات العربية والقانونني الفرن�سي
والإيطايل» ،داراملطبوعات اجلامعة ،اال�سنكندرية� ،سنة � ،2009ص.153.
-حممد عودة اجلبور« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة وجرائم الإرهاب يف القانون الأردين والقوانني العربية»،
دار الثقافة للن�رش والتوزيع-عمان ،الطبعة الثانية� ،سنة � ،2010ص.29.
-امل�ؤامرة جرمية فاعل متعدد :امل�ؤامرة كجرمية تنتمي �إىل فئة جرائم الفعل املتعدد ال�رضوري ،فهي بح�سب منوذجها
املحدد يف ن�ص القانون تتطلب اتفاق �شخ�صني على الأقل ؛بحيث ال تتحقق ب�إرادة واحدة.
� -سمري عالية وهيثم عالية ،مرجع �سابق� ،ص.81-80.
-جترمي امل�ؤامرة فرع من �أ�صل :فامل�ؤامرة و�سيلة �أو م�سلك لغاية معينة هي حتقيق اجلرمية التي �سبق العزم والت�صميم
على ارتكابها .ومن مت تعد امل�ؤامرة فرعا لأ�صل هو اجلرمية املن�شودة� .أي �أن جرمية امل�ؤامرة �إذا كانت جرمية قائمة
بذاتها ف�إنها تظل من حيث الغاية تابعة جلرمية �أخرى.فقد يح�صل مثال �أن يكون الهدف من الت�آمر الإعتداء على حياة
رئي�س الدولة �أو �شخ�صه ،وقد يحدث �أي�ضا �أن تكون غاية امل�ؤامر �إ�سقاط نظام احلكم �أو تغيري النظام.
-امل�ؤامرة جرمية م�ستمرة :فطبيعة امل�ؤامرة متتاز ب�أنها من اجلرائم امل�ستمرة ،حيث تنتهي حالة اال�ستمرار �إما بالعدول
عن الإتفاق �أو بارتكاب اجلرمية املتفق عليها ،وهذا الر�أي ا�ستنادا لر�أي �أحمد حممد الرفاعي ،مرجع �سابق� ،ص.29.
هذا ال ينفي مواقف باقي الفقهاء التي تتعار�ض معه ،فهناك من يرى �أن امل�ؤامرة جرمية �آنية تتم مبجرد ح�صول االتفاق،
وقوامها هذا العمل الإيجابي املتمثل باجتماع �إرادات املت�آمرين على اجلرمية وجند يف هذا ال�صدد الفقيه ((�أورتلوت))،
�أورده �سمري عالية وهيثم عالية« ،الوجيز يف جرائم الق�سم اخلا�ص» ،مرجع �سابق� ،ص.81.
ويف ر�أي �آخر عن طبيعة هذه اجلرمية جاء الدكتور عاطف النقيب م�شريا �إىل �أن هذه اجلرمية متتابعة الأفعال �أو
متجددة ،كون املت�أمرون ال يلتقون دفعة واحدة ،و�إمنا ين�ضمون �إليها واحدا �إثر �آخر ،ويف كل ان�ضمام يتجدد الإتفاق
اجلرمي فتتجدد معه جرمية امل�ؤامرة ،مما يجعل منها جرمية متمادية.
�أورده يف قانون العقوبات اخلا�ص� ،ص 2.حممد فا�ضل ،اجلرائم الواقعة على الأ�شخا�ص� ،ص 96.و� 97أوره �سمري
عالية وهيثم عالية ،املرجع نف�سه� ،ص 81.و.82
17 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الـ ـ ــذي يدفـ ــعنـ ـ ـ ــا �إلى �ضـ ـ ـ ــرورة الف�صل فيهـ ــا مـ ــن ناحيـ ــة التجريـ ــم �أو العقـ ــاب
كالآتـ ـ ـ ــي:
�أوال� :أركان جريمة الم�ؤامرة
�إن الم�شرع المغربي قد ج َّرم ((الم�ؤامرة)) في الف�صول 174-173-172و 201من ق.ج
وخ�ص�ص لها تعريفا في الف�صل 175من ذات القانون حيث جاء فيه �أن(( :الم�ؤامرة هي
الت�صميم على العمل ،متى كان متفقا عليه ومقررا بين �شخ�صين �أو �أكثر)).1
وبا�ستقراء لهذه الف�صول نالحظ �أن الم�شرع الجنائي المغربي قد جرم الإتفاق الجنائي في
الم�ؤامرة وح�صره في �صور معدودة جميعها تم�س �سالمة و�أمن الدولة المغربية الداخلي ،والتي
من خالل بيانها �سن�ؤ�س�س لتمحي�ص الركن المادي وا�ستجالء الغمو�ض من الركن المعنوي
ب�شكل دقيق وهي كالآتي:
الحالة التي يكون فيها هذا الإتفاق م�ستهدفا �إرتكاب جريمة الإعتداء على حياة الملك �أو ✺
الف�صل 169ق.ج ،والتي هي �إما الق�ضاء على النظام �أو �إقامة نظام �أخر محله ،و�إما تغيير
الترتيب لوراثة العر�ش ،و�إما دفع النا�س �إلى حمل ال�سالح �ضد �سلطة الملك (الف�صل 174
ق.ج).
الحالة التي يكون فيها الغر�ض من الإتفاق �إثارة حرب �أهلية �أو �إحداث التخريب والتقتيل ✺
11عبد الواحد العلمي�« ،رشح القانون اجلنائي املغربي-الق�سم اخلا�ص ،»-ال�رشكة املغربية لتوزيع الكتاب ،الدار
البي�ضاء ،الطبعة ال�سابعة ،ال�سنة 1436هـ2015-م� ،ص.22.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 18
االمتناع ،والنتيجة وعالقة ال�سببية بينهما عموما ،و�إنما يكفي فقط وكما يق�ضي بذلك الف�صل
175ق.ج وجود اتفاق م�صمم على تنفيذه بين �شخ�صين �أو �أكثر.
�إذن فما هو هذا االتفاق؟ وكم عدد المتفقين؟ وما هي لحظة تمامه؟ هذه كلها �أ�سئلة
ت�ستوجب �إجابات ،وهذا ما �سنتطرق له الآتي:
ماهية االتفاق: ■
يعرف بع�ض الفقهاء الإتفاق في هذا ال�صدد ب�أنه تقابل �إرادتين �أو �أكثر وتبادل الر�ضا �أو
القبول بين �شخ�صين �أو �أكثر على �إرتكاب جريمة معينة بذاتها وتحديد و�سائلها.1
غير �أن الم�شرع المغربي لم يت�صدى لمفهوم الإتفاق المق�صود في الم�ؤامرة كنظيره
اللبناني؛ فحيث �أن الم�شرع الم�صري كان حازما في �أمره وعبر عن الإتفاق ب�أنه �إتحاد �شخ�صين
�أو �أكثر ،على �إرتكاب جناية �أو جنحة ما� ،أو على الأعمال المجهرة �أو الم�سهلة لإرتكابها.2
وعلى هذا الأ�سا�س ف�إن الإتفاق بطبيعته يفتر�ض مظهرا ماديا ملمو�سا كونه تعبيرا عن �إرادة
�أفراده ،بحيث يعلم به كل منهم وتتالقى �إرادتهم عنده .وهذا التعبير عن الإرادة يفتر�ض بدوره
مظاهر مادية كالقول ال�شفوي والعبارات المكتوبة �أو الإيماء �إن كانت له داللة مفهومه .3وال
ي�شترط في الإتفاق �أن يكون �سريا كو�ضعه الغالب فيمكن ت�صوره علنيا كما لو عبر مجموعة من
الأفراد عن رغبتهم في قلب نظام الحكم .وال ي�ؤثر في قيام الإتفاق �أن يمتد زمنا غير محدد؛
ك�أن يتفق المت�آمرون على تنفيذ جنايتهم الما�سة ب�أمن الدولة بمجرد وفاة �أحد الم�س�ؤولين.4
كما ال ي�ؤثر فيه �أن يعلق تنفيذه على �شرط طالما �أن هذا ال�شرط غير م�ستحيل ومحتمل الوقوع.
ك�أن يتفق الجناة على تنفيذ م�ؤامرتهم بعد حل البرلمان �أو بعد تقلد �شخ�ص ما لمن�صب معين،
�أو ما �إلى ذلك.
وعليه ف�إن الإتفاق المق�صود في هذا المقام هو توافق �إرادة الم�ساهمين في الت�أمر على
اقتراف �إحدى الجرائم الواردة في الف�صول 172و 173و 174و 201من ق.ج� ،أما �إذا كان
الإتفاق من�صبا على �إرتكاب جرائم غيرها �سبقت الإ�شارة �إليه ف�إن هذا الإتفاق الجنائي ال
يعتبر م�ؤامرة.5
� 11سعيد م�صطفى ال�سعيد« ،الأحكام العامة لقانون العقوبات» ،الطبعة الرابعة ،ال�سنة � ،1962ص.349.
� 22أحمد حممد الرفاعي ،مرجع �سابق� ،ص.29.
� 33سمري عالية ،مرجع �سابق� ،ص.82.
� 44أكد عليها الق�ضاء امل�رصي يف قرار �صادر يف 11دجنرب 1944م� ،أ�شار �إليه الأ�ستاذ �سمري عالية ،نف�س املرجع.
55عبد الواحد العلمي�« ،رشح القانون اجلنائي املغربي -الق�سم اخلا�ص» ،مرجع �سابق� ،ص.25.
19 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
م�ضى القول �أن جريمة الم�ؤامرة تعد من جرائم الفاعل المتعدد ومن ثم فالحد الأدنى
للمتفقين في الت�شريع المغربي وكذلك الم�صري واللبناني هو �شخ�صان على الأقل .1فالعبرة
لي�ست باالتفاق �إال �إذا تعلق الأمر ب�إرادتين «جادتين على الأقل وكان كل منهما محال للم�س�ؤولية
الجنائية.2
كما ال ي�ؤثر في قيام الإتفاق وبالتالي الم�ؤامرة ا�ستفادة �أحد المت�آمرين من �أحد الأعذار
المخففة ،كما ال ي�ؤثر في ذلك �أي�ضا عدم معرفة باقي المتفقين المت�آمرين في حال القب�ض
على �أحدهم وبقي ه�ؤالء فارين �أو مجهولين� .إذ يمكن للق�ضاء �إدانة المقبو�ض عليه ولو كان
واحدا مادام �أن الإتفاق بينه وبين غيره قد ح�صل؛ وبالتالي تبرئة الطرف الأخر نتيجة انتفاء
بع�ض عنا�صر الجريمة كعدم ثبوت ن�سبة الجريمة �إلى المحكوم ببراءته ،وفي هذه الحالة
�أمكن لل�شخ�ص الأخر المحكوم ب�إدانته حق المطالبة بمراجعة الحكم ا�ستنادا �إلى الف�صل 613
الفقرة الرابعة من قانون الم�سطرة الجنائية.3
11فالت�رشيعات العقابية مل تتفق يف حتديد العدد الأدنى لقيام جرمية امل�ؤامرة ،فمن الت�رشيعات العربية التي ترى ب�أن
العدد الالزم توافره يف جرمية امل�ؤامرة هو اثنان ف�أكرث كما ذكرنا �أعاله هو القانون املغربي من خالل (الف�صل )175
والت�رشيع اللبناين (املادة )270وكذلك امل�رصي وال�سوري ،ومن الت�رشيعات العربية التي تتطلب �أن يكون العدد �أكرث
من �شخ�صني ،فالقانون الليبي ،ف�إذا كان العدد �أقل من ثالثة ال تقوم اجلرمية (املادة .)211ويف القانون الفرن�سي ي�شرتط
لقيام امل�ؤامرة �أن يكون الإتفاق منعقدا بني «عدة �أ�شخا�ص» (املادة )2-412وهذا معناه احلد الأدنى لعدد امل�شاركني
يف الإتفاق يجب �أن ال يقل عن ثالثة �أ�شخا�ص ،وهو العدد الذي �أخذ به القانون الإيطايل (املادة 304عقوبات)� ،أما
اجلزائري يرى يف املادة 78من قانون العقوبات اجلزائري� ،أن امل�ؤامرة تقوم مبجرد اتفاق �شخ�صني �أو �أكرث على
الت�صميم على ارتكابها.
22ومع ذلك فامل�رشع اجلنائي املغربي عمد يف تكييف غري �سليم �إىل �إقحام ت�صميم الفرد الواحد على القيام باعتداء وارتكابه
عمال �أو بد�أ فيه بق�صد دافع بق�صد �إعداد التنفيذ �ضمن الن�صو�ص املتعلقة بجرمية امل�ؤامرة.
وهكذا ورد يف الف�صل 178من ق.ج �أنه(( :من عقد العزم مبفرده على �إرتكاب اعتداء �ضد حياة امللك �أو �شخ�صه� ،أو
�ضد حياة ويل العهد ،ثم �إرتكب مبفرده ودون م�ساعدة �أحد عمال �أو بد�أ فيه بق�صد �إعداد التنفيذ ،يعاقب بال�سجن من خم�س
�إىل ع�رش �سنوات)).
ورغم هذه الثغرة التي �صاغها امل�رشع من خالل هذا الف�صل املتج�سدة يف فردانية للمجرم وتوقف العقاب على البدء يف
عمل يق�صد �إعداد التنفيذ ،يخرج بامل�ؤامرة من نطاقها ال�ضيق الذي هدف �إليه امل�رشع يف الوهلة الأوىل لت�صميم خريطة
اجلرائم التي ن�سج خيوطها من خالل املقت�ضيات ال�سابقة ،بحيث �أن هذه ال�رشوط ال تتما�شى مع قيام جرمية امل�ؤامرة التي
تتحقق مبجرد متام االتفاق ،زيادة على كون الفرد الواحد ال يرتكب هذه اجلرمية ،وبالتايل هذا التوجه قد يخرج بها
من املعنى القانوين لهذا امل�صطلح.
للمزيد �أنظر:
� -أحمد اخلملي�شي« ،القانون اجلنائي اخلا�ص-اجلزء الأول ،»-مكتبة املعارف-الرباط ،الطبعة الثانيةـ ال�سنة ،1981
�ص.5.
33ين�ص الف�صل 613من قانون امل�سطرة اجلنائية على ما يلي(( :ي�ضاف عند االقت�ضاء التاريخ الفعلي حلرمان �شخ�ص من
حريته �إىل تاريخ �إيداعه يف ال�سجن ،وي�ؤخذ بعني االعتبار تاريخ القب�ض عليه ومدة و�ضعه حتت احلرا�سة النظرية)).
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 20
لما كانت جريمة الم�ؤامرة جريمة لها كيانها الذاتي الم�ستقل عن الجريمة المت�آمر ب�ش�أنها
ف�إنه بمجرد توافق �إرادات المت�آمرين ي�صبح الإتفاق كائنا وي�ستكمل الركن المادي لجريمة
الم�ؤامرة عنا�صره �سواء تم تنفيذ النتيجة الإجرامية المتمثلة في الجريمة مو�ضوع الت�آمر �أم
ال دونما اعتبار للو�سيلة الم�ستعملة ،1على اعتبار �أن لكل جريمة من الجريمتين ركنها المادي
الخا�ص بها .ويترتب على هذا �أن العدول االختياري للمتفقين عن تنفيذ الجريمة المن�شودة
ال يحول دون العقاب على جريمة الم�ؤامرة ،لأنه �أتى بعد تمام الإتفاق الذي ي�صح ركنا ماديا
في الم�ؤامرة .فهذا العدول يبقى مجرد ندم وتوبة ال ي�ؤثر على قيام الجريمة من الناحية
القانونية .2كما يترتب على ذلك عدم �إمكانية ت�صور المحاولة في �إطار جريمة الم�ؤامرة ،على
اعتبار �أن المحاولة ت�ستتبع وجود �سابق اتفاق بين المت�آمرين ،ومادام �أن الإتفاق موجود ف�إن
الم�ؤامرة تكون قائمة �سواء ارتكبت الجريمة �أو كانت هناك محاولة لإتيانها .فالعبرة «باالتفاق»
ولي�س بتمام المخطط الإجرامي �أو بمحاولة �إتمامه .وقد كان من الممكن ت�صور المحاولة في
11من خالل الف�صل 175من ق.ج املغربي ف�إنه يظهر جليا �أن امل�رشع املغربي مل ي�شرتط �أي و�سيلة معينة لتمام جرمية
امل�ؤامرة عك�س امل�رشع الأردين الذي ا�شرتط وب�رصيح العبارة �أن تتم هذه اجلرمية بو�سائل معينة فاالتفاق املكون
للم�ؤامرة يجب �أن ين�صب على الو�سيلة التي بها يحقق املت�آمرون اجلرمية حمل امل�ؤامرة ،لذلك ف�إذا كانوا قد اتفقوا على
اجلرمية وحدها دون و�سيلة تنفيذها فال م�ؤامرة وهذا ما جاء �رصيحا بينا يف ن�ص املادة ( )108من قانون العقوبات
الأردين ب�أن ((امل�ؤامرة هي كل اتفاق مت بني �شخ�صني �أو �أكرث على �إرتكاب جرمية من اجلرائم املن�صو�ص عليها يف هذا
الباب بو�سائل معينة)).
فال يكفي �أن يتفق املت�آمرون على تعيني الغر�ض الذي ي�سعون �إىل حتقيقه �أو حتديد اجلرمية التي ينوون ارتكابها ،و�إمنا
يجب الإتفاق على ر�سم اخلطط حتديد الو�سائل التي �سي�ستخدمونها يف تنفيذ جرميتهم التي ن�سجوا خيوط م�ؤامراتهم
حولها ،لأنه بالو�سيلة تظهر مدى خطورة النتيجة ،ف�إذا مل تبني الو�سيلة واخلطة املر�سومة ال ت�ؤدي �إىل �إحداث النتيجة
انتفى عن�رص من عنا�رص امل�ؤامرة وبالتايل انتفت اجلرمية والعقوبة.
-نف�س املرجع� ،ص.35.
22رغم �أن امل�رشع املغربي كان مت�شددا جدا قي العقاب على هذا النوع من اجلرائم بحيث مل يفلت الب�ساط لأي من يقدم
على هذا النوع من الأفعال اخلطرية �إىل غاية �أنه مل يت�ساهل حتى مع من يعدل عن اتفاقه� ،أو فكرته الإجرامية يف هذه
اجلرمية� .إال �أن امل�رشع الأردين كان رحيما �أكرث �أو الأجدر القول �أنه كان ذكيا جدا يف التعامل مع هذا النوع من
املجرمني الذين يعدلون عن ا�شرتاكهم بهذه اجلرائم ،بحيث ذهب امل�رشع الأردين �إىل �أنه يعفي من العقوبة من ا�شرتك
يف م�ؤامرة على �أمن الدولة و�أخرب ال�سلطة بها قبل البدء ب�أي فعل مهي�أ للتنفيذ.
وقد �أ�شارت هذه امل�س�ألة �أي العدول عن الإتفاق خالفا فقهيا ،فقد ذهب بع�ض الفقهاء �إىل �أن جرمية امل�ؤامرة تتم مبجرد
ح�صول الإتفاق على الوجه الذي ثم �رشحه �آنفا ،وال عربة بعد ذلك لعدول املت�آمرين حيث �أن العدول يعترب يف هذه
احلالة مبثابة الندم والتوبة الالحقني الرتكاب اجلرمية ،وي�ؤيد ذلك ما هو من�صو�ص عليه يف الفقرة الأوىل من املادة
( )109عقوبات ،وعليه ف�إخبار ال�سلطات هو مبثابة عدول ،ولو كان العدول بحد ذاته مينع العقاب ملا كان هناك ثمة
حاجة لوجود مثل ذلك الن�ص الذي يعفي من العقوبة مع بقاء اجلرمية قائمة هذا من جهة؛ �أما من جهة �أخرى ف�إن هناك
اجتاه فقهي �أخر هو ال�سائد يف فرن�سا يرى ب�أنه �إذا تبني �أن املت�آمرين عدلوا عن اتفاقهم عدوال قبل البدء بتنفيذ ما ت�أمروا
عليه ،فال عقاب عليهم� ،رشيطة �أن يكون العدول طوعيا وتلقائيا ،ولي�س بدافع �إىل ظرف خارج عن �إرادة املت�آمرين �أما
�إذا كانوا قد عدلوا لأن �أمرهم �أو�شك �أن يك�شف �أو لأن ال�سلطة وتبقى بعد ذلك �سلطة قا�ضي املو�ضوع التقديرية يف وزن
خطورة املت�آمر الذي عدل تلقائيا عن امل�ؤامرة� ،أورده �أحمد حممد الرفاعي ،مرجع �سابق� ،ص 31.و.32
21 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الم�ؤامرة لو �أن ركنها المادي يتكون من ن�شاط مادي خارجي قابل للتنفيذ جزئيا ويرجع هذا
بطبيعة الحال �إلى طريقة التجريم في الم�ؤامرة التي هي عبارة عن تجريم احتياطي ا�ستثناءا
من القاعد العامة.1
ب -الركن المعنوي لجريمة الم�ؤامرة
الم�ؤامرة جريمة عمدية ال تقوم قانونا �إال �إذا توافر الق�صد الجنائي لدى الفاعل من خالل
علمه التام بطبيعة الإتفاق الذي يعقده مع ال�شخ�ص الآخر ،و�أن يكون مريدا له عازما على
الم�ضيء فيه ،وهذا هو الق�صد العام غير �أن الق�صد ال يكفي2؛ و�إنما ال بد من توافر الق�صد
الخا�ص3؛ ومعناه �أن تكون لدى الفاعل �أو المت�آمرين عند تقرير الإتفاق نية �إجرامية ،تفيد
عزمهم على �إرتكاب جريمة معينة من الجرائم التي جعل القانون الإتفاق عليها م�ؤامرة.4
11امل�ؤامرة ذات طبيعة احتياطية مبعنى �أن القاعدة اجلنائية التي جترم امل�ؤامرة ذات طبيعة احتياطية ،بالنظر �إىل القاعدة
التي جترم اجلرمية حمل امل�ؤامرة ،فامل�ؤامرة و�سيلة لغاية هي اجلرمية �أو اجلرائم ،وبناء عليه ،فالعالقة بني هاتني
القاعدتني اجلنائيتني بحكمهما مبد�أ «االحتياطية» ،وم�ؤداه �أن «الن�ص الأ�صلي يغني عن الن�ص االحتياطي» ،ومادام �أن
امل�ؤامرة ذات طبيعة و�سيلة ،ف�إن م�ؤدى ذلك �أنه �إذا حتققت اجلرمية الهدف خ�ضع املت�آمرون للعقوبة املقررة لها ،دون
العقوبة املقررة للم�ؤامرة ،لأن اجلرميتني ت�سل�سل الغاية الو�سيلة� ،أورده عبد الفتاح م�صطفى ال�صيفي« ،قانون العقوبات
العربية» ،بريوت� ،سنة � ،1972ص.129.
22ففيما يتعلق بالق�صد العام ف�إنه يتعني �أن ين�رصف علم اجلاين �إىل مو�ضوع امل�ؤامرة ،ب�أن يكون عاملا ب�أن الغر�ض من
الإتفاق �إرتكاب فعل مي�س ب�أمن الدولة ،دون ا�شرتاط علمه بال�صفة اجلرمية للفعل وقد ذهب يف هذا االجتاه كذلك كل
من الت�رشيع اللبناين وكذلك الأردين بدعوى املبد�أ القائل(( :ال يعذر املرء بجهله القانون)).
33وهو ما يتعني معه �أن تتجه �إرادة اجلاين ب�صورة جدية �إىل الدخول يف الإتفاق املكون للم�ؤامرة ،و�أن يقوم بالدور
املعطى له.
44عبد ال�سالم بنحدو« ،حما�رضات يف القانون اجلنائي اخلا�ص» ،ال�سنة اجلامعية � ،2013- 2012ص.17.
وهذا االجتاه هو الذي ذهب معه الدكتور حومد بقوله(( :الق�صد اجلنائي يف امل�ؤامرة عمد خا�ص فال يكفي �إذن حتقيق
الق�صد العام حيث �أن الغر�ض الذي يرمي الفاعل �إىل حتقيقه من جرميته ،فيجب �أن يعلم اجلاين ب�أنه ق�صد قلب احلكومة
�أو تغيري النظام)) ،وهو ما ذهب �إليه كذلك الدكتور اخلملي�شي الذي ا�شرتط �أي�ضا يف نف�س ال�سياق �أن يتوافر الق�صد
اجلنائي اخلا�ص �إىل جانب الق�صد اجلنائي العام؛ بحيث �رشح الدكتور اخلملي�شي فكرته بقوله(( :ومعنى الق�صد اخلا�ص
يف جرمية امل�ؤامرة �أن تكون لأع�ضائها عند تقرير الإتفاق نية �إجرامية وق�صد �إىل �إرتكاب جرمية التي �سمي للقانون
الإتفاق عليها م�ؤامرة ....ال يكفي �أن يكون مو�ضوع الإتفاق �إرتكاب جرمية كيفما كان نوعها ،ولو ثبت لدى املتفقني
نية �إجرامية لتنفيذ اجلرمية))� .أورده �أحمد اخلملي�شي« ،القانون اجلنائي اخلا�ص» ،اجلزء الأول ،مكتبة املعارف-
الرباط ،الطبعة الثانية ،ال�سنة � ،1981ص.37.
ورغم منا�رصي هذا الدفع �إال �أن هناك اجتاه ثاين من الفقه يرى �أن حتديد نطاق الق�صد اجلنائي اخلا�ص ي�شوبه بع�ض
الغمو�ض ،حيث ما يعترب ق�صدا جنائيا خا�صا هو يف احلقيقة ق�صد جنائي عام ،على اعتبار �أن هذا الأخري ال ميكن �أن
يقوم يف �أي جرمية كانت ما مل تتجه �إرادة اجلاين �إىل اقرتاف اجلرمية بالعنا�رص التي ا�شرتطها امل�رشع يف الن�ص اجلنائي
املجرم الف�صل �أو الرتك� .أورده الدكتور حومد يراد به الباعث الذي دفع اجلاين �إىل �إرتكاب جنايته ،وهو �أمر داخلي
نف�سي يختلف من �شخ�ص لأخر ،بحيث �أن الن�صو�ص املجرمة للم�ؤامرة مل متتد �أبدا بالباعث الدافع �إىل الإعتداء على حياة
امللك �أو �شخ�ص ،هل هو مثال الرغبة يف قلب نظام احلكم �أو االنتقام منه فقط� .إذ يف �ضوئها �إذا وقع الإتفاق امل�صمم عليه
واملقررين �شخ�صني ف�أكرث على الإعتداء قامت امل�ؤامرة.
للمزيد بهذا ال�صدد �أنظر:
-عبد الواحد العلمي ،الق�سم اخلا�ص ،مرجع �سابق� ،ص 31.وما يليها.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 22
وعليه تكون جريمة الم�ؤامرة ثابتة �إذا اتجهت نية الجاني �إلى �إرتكاب الأفعال التي تدخل
في حكم هذه الجريمة� ، أي ال بد من �إدراك المت�آمرين ب�أنهم يق�صدون �إرتكاب �إحدى الجرائم
المن�صو�ص عليها ح�صرا في الف�صول 172و 174و 201من القانون الجنائي ،اعتبارا لكون
هذه الجريمة هي جرائم الم�ؤامرة� .أما �إذا اتجهت نيتهم نحو �إرتكاب جريمة �أخرى جرائم
تواط�ؤ الموظفين وجرائم تكوين الع�صابات الإجرامية ...ف�إن اتفاقهم في هذه الحالة ال يعتبر
م�ؤامرة ،و�إن كانت هذه الجرائم تم�س ب�أمن الدولة الداخلي رغم �أن ركنها المادي يتكون
من االتفاق ،طالما �أن الق�صد الجنائي غير متوفر� ،أي لو ين�صرف �إلى اقتراف الجرائم
المح�صورة من قبل الم�شرع الجنائي .ولي�س �شرف الباعث �أو نبل الدافع من عنا�صر الق�صد
الإجرامي ،ولذلك فال �أثر له على قيام الق�صد .فمن ان�ضم �إلى اتفاق عالما ب�أن غر�ضه القيام
بعمل يم�س ب�أمن البالد ،توافر الق�صد الإجرامي لديه حتى ولو كان دافعه �إلى هذا االن�ضمام
تحقيق �إ�صالحات �سيا�سية �أو ن�شر �أفكار حزبية �أو مذهبية ي�ؤمن بها .فالعبرة هنا بان�صراف
الإرادة �إلى الدخول في الم�ؤامرة التي ت�ستهدف �إرتكاب جناية على �أمن الدولة ولي�س من
1
الغر�ض الذي �ستحققه هذه الجناية لو نجحت.
ومن نافلة القول �أن الم�ؤامرة من الجرائم المق�صودة ،التي يتخذ ركنها المعنوي �صورة
الق�صد الجنائي؛ بحيث يتالزم الركنان المادي والمعنوي لهذه الجريمة ،لأنها تتم في لحظة
واحدة ،بمعنى �أن تحقق الإتفاق باتحاد �إرادات المتفقين باتجاه الجناية مو�ضوع الإتفاق يتحقق
معه الركن المادي ،2الذي بتحققه كذلك يقوم معه الق�صد الجرمي �أو الجنائي بتوافر وجود
�إرادي المتفقين المتجهة نحو هذه الجناية ،وهو ما ي�شكل الركن المعنوي في هذه الجريمة.
ثانيا :عقاب جريمة الم�ؤامرة والظروف الم�ؤثرة
�إذا توافرت جميع �أركان جريمة الم�ؤامرة بال�شكل الذي ر�أيناه ف�إن الم�س�ؤولية الجنائية
�ستتحقق في حق من �إرتكابها �سواء كان فاعال �أو م�ساهما� ،أو م�شاركا ومن ثم ف�إن هذه
الم�س�ؤولية �ستترتب عليها مجموعة من الآثار �أبرزها ما يقت�ضي اقت�ضاء حق الدولة في العقاب.
�إال �أن هذا الأخير يختلف باختالف المو�ضوع الذي ي�ستهدفه المت�آمرون من جهة وما �إذا كان
الت�آمر م�صحوبا بظروف الت�شديد من جهة �أخرى.3
� 11سمري عالية ،مرجع �سابق� ،ص 89.وما يليها .حممد التغدويني�« ،إ�شكالية التجرمي يف الت�رشيع اجلنائي املغربي»،
الطبعة� ،2005.2ص103.
22كما �سبقت الإ�شارة �إليه.
33وعلى هذا املنوال ذهب امل�رشع اللبناين كذلك بحيث مل ي�ضع عقوبة خا�صة بامل�ؤامرة على حدة ،كون امل�ؤامرة يف الأ�سا�س
مرتبطة بغر�ضها وهو ا�ستهدف جناية من جنايات �أمن الدولة ،بحيث �أن هذه اجلنايات لي�ست موحدة يف عقوباتها ،على
اعتبار �أن عقوبة كل م�ؤامرة تتغري بتغري اجلناية التي ت�ستهدفها وهذا ما �سيك�شف عنه بتف�صيل الحقا فيما يتعلق بالقانون
23 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
1/172من ق.ج).
العقوبة ترفع �إلى ال�سجن الم�ؤبد في حالة الت�أمر �ضد حياة ولي العهد (الف�صل 1-173 ✺
من ق.ج).
تكون العقوبة ال�سجن الم�ؤقت من � 10سنوات �إلى � 20سنة �إذا كانت الم�ؤامرة �ضد �شخ�ص ✺
الغايات المن�صو�ص عليها في الف�صل 169من ق.ج والم�شار �إليها في الف�صل ()1/174
من ق.ج.
ت�صبح العقوبة ال�سجن من � 5سنوات �إلى � 20سنة �إذا كان الغر�ض من الم�ؤامرة الو�صول ✺
املغربي كما �سيتم بيانه �أعاله ،ولكن قبل ذلك �سن�ستعر�ض جملة من العقوبات التي خ�ص بها الت�رشيع اللبناين امل�ؤامرة
بحيث �أن هذا الأخري مل ي�ستفرد مب�صطلح امل�ؤامرة على اجلنايات املا�سة �أو التي ت�ستهدف �أمن الدولة الداخلي فقط و�إمنا
جعلها يف زمرة اجلنايات التي ت�ستهدف �أمن الدولة اخلارجي كما �سرنى.
-فعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل اخليانة بحمل ال�سالح يف �صفوف العدو �أو معاونته على فوز قواته مثال هي الإعدام (م
273و 275عقوبات).
-وعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل التج�س�س من قبل موظف م�ؤمتن على الأ�رسار مل�صلحة دولة �أجنبية هي الأ�شغال ال�شاقة
امل�ؤيدة (م.)3/283
-وعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل جناية مت�س بالقانون الدويل هي احلب�س �سنة على الأقل (م.)2/289
-وعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل �إ�ضعاف ال�شعور القومي� ،أو �إثارة الثغرات يف زمن احلرب �أو توقع ن�شوبها هي االعتقال
امل�ؤقت (م.)295
-وعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل اقرتاف �إحدى جرائم املتعهدين يف زمن احلرب �أو توقع ن�شوبها هي االعتقال امل�ؤقت
والغرامة (.)2/299
هذا فيما يتعلق ببع�ض الأمثلة التي تطال بع�ض جنايات �أمن الدولة اخلارجي� .أما فيما يخ�ص امل�ؤامرة التي ت�ستهدف
البع�ض الأخر من جنايات �أمن الدولة الداخلي ،فنجد �أمثلة على العقوبات التالية:
� -إن عقوبة امل�ؤامرة التي ت�ستهدف تغيري د�ستور الدولة بالعنف �أو �سلخ جزء من لبنات هي الأبعاد �أو الإقامة اجلربية
(م 340عقوبات).
� -إن عقوبة امل�ؤامرة يف الفتنة �أو الإرهاب هي الأ�شغال ال�شاقة امل�ؤبدة (املادة 7من قانون 1958-1-11الذي علق
ب�صورة م�ؤقتة �أحكام املواد 315-308عقوبات).
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 24
الملك �أو �شخ�صه دون �أن يتبعها عمل �أو البدء في عمل من �أجل �إعداد تنفيذها ،ف�إن العقبة في
هذه الحالة تبقى هي ال�سجن من خم�س �إلى ع�شرين �سنة عو�ض ال�سجن الم�ؤبد.1
ال�صورة الثانية :هي الحالة التي يكون فيما الإتفاق م�ستهدفا الت�أمر �ضد حياة ولي العهد ●
�أو �شخ�صه؛ ففي الحالة الأولى بمعنى �أنه �إذا كان الإتفاق ي�ستهدف حياته ولم يتبعه عمل �أو
البدء فيه من �أجل �إعداد تنفيذ الجريمة ف�إن العقوبة ت�صبح من خم�س �إلى ع�شر �سنوات بدل
ال�سجن الم�ؤبد2؛ �أما في الحالة وهي الحالة التي ت�ستهدف �شخ�ص ولي العهد دون حياته ولم
ي�ستتبعها عمل �أو البدء فيه من �أجل �إعداد تنفيذها فهنا العقوبة كذلك تخف�ض من ع�شر �إلى
ع�شرين �سنة �إلى ال�سجن من خم�س �إلى ع�شر �سنوات.3
ال�صورة الثالثة :هي الحالة التي يكون فيها الغر�ض من الإتفاق الو�صول �إلى الأهداف ●
الم�سطرة في الف�صل 169من ق.ج ،4والتي ا�ستفادت كذلك من التخفيف الذي طال هذا النوع
11الف�صل 172من ق.ج جاء فيه �أن(( :امل�ؤامرة �ضد حياة امللك �أو �شخ�صه يعاقب عليها بال�سجن امل�ؤبد� ،إذا تبعها القيام بعمل
�أو البدء فيه من �أجل �إعداد تنفيذها.
ف�إذا مل يتبعها عمل �أو بدء يف عمل من �أجل �إعداد تنفيذها ،ف�إن العقوبة هي ال�سجن من خم�س �إىل ع�رشين �سنة)).
22بحيث �أن امل�ؤامرة �ضد حياة ويل العهد يعاقب عليها مبقت�ضى الف�صل 172من ق.ج وذلك ح�سب ما جاء يف الفقرة الأوىل
من مقت�ضيات الف�صل 173من ذات القانون.
33الف�صل 173من ق.ج جاء فيه �أن(( :امل�ؤامرة �ضد حياة ويل العهد يعاقب عليها مبقت�ضى الف�صل ال�سابق.
وامل�ؤامرة �ضد �شخ�ص ويل العهد يعاقب عليها بال�سجن من ع�رش �إىل ع�رشين �سنة� ،إذا تبعها القيام بعمل �أو البدء فيه من
�أجل �إعداد تنفيذها.
ف�إذا مل يتبعها عمل �أو بدء يف عمل من �أجل �إعداد تنفيذها ف�إن العقوبة هي ال�سجن من خم�س �إىل ع�رش �سنوات)).
44الف�صل 169من ق.ج جاء فيه(( :االعتداء الذي يكون الغر�ض منه �إما الق�ضاء على النظام �أو �إقامة نظام �آخر مكانه �أو
تغيري الرتتيب لوراثة العر�ش ،و�إما دفع النا�س �إىل حمل ال�سالح �ضد �سلطة امللك يعاقب عليه بال�سجن امل�ؤبد)).
وبالتايل يت�ضح من خالل هذا الن�ص �أن الغايات التي ي�ستهدف الف�صل ردع كل من يتطاول عليها هي ثالثة:
-الق�ضاء على النظام �أو �إقامة نظام �آخر حمله.
25 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
من الجنايات لتخف�ض فيها كذلك العقوبة �إلى ال�سجن من خم�س �إلى ع�شر �سنوات بدل ال�سجن
من ع�شر �إلى ثالثين �سنة �إذا لم يتبعها القيام بعمل �أو البدء فيه من �أجل تحقيق هذه الجريمة.1
ال�صورة الرابعة :وهذه الحالة هي الحالة التي يكون الغر�ض فيها من الإتفاق �إثارة حرب ●
�أهلية �أو �إحداث التخريب والتقتيل والنهب الذي لم يتبعه� ،إرتكاب عمل وال ال�شروع فيه لإعداد
التنفيذ في هذه الجرائم؛ لت�صبح العقوبة في هذه الحالة مجرد جنحة يعاقب عليها من �سنة
�إلى خم�س �سنوات وهذا ما �أكده الف�صل 201من ق.ج في فقرة الثالثة.2
ال�صورة الخام�سة :وهي �صورة الدعوة �إلى الم�ؤامرة والتي لم يتم قبولها وهنا قبل ●
الخو�ض في ثناياها وجب التمييز بين ما �إذا كان الهدف من الم�ؤامرة التي لم تقبل �إرتكاب
الجريمة المن�صو�ص عليها في الف�صل 176ق.ج �أي جريمة الت�آمر �ضد حياة �أو �شخ�ص الملك
�أو ولي عهده التي يعاقب عليها بعقوبة الجناية المحددة بموجب هذا الف�صل في ال�سجن من
5الى� 10سنوات.3
وبين ما �إذا كان الهدف من الدعوة �إلى الت�آمر التي لم تقبل� ،إرتكاب �إحدى الجرائم
المن�صو�ص عليها في الف�صل 169ق.ج والتي �أحال عليها الف�صل 177من ق.ج 4وهي الإعتداء
الذي يكون الغر�ض منه الق�ضاء على النظام �أو �إقامة نظام �آخر مكانه �أو تغيير الترتيب لوراثة
العر�ش �أو دفع النا�س �إلى حمل ال�سالح �ضد �سلطة الملك.
ففي هاته الحالة يعاقب على الت�آمر بعقوبة الجنحة الت�أديبية المتراوحة مدتها ما بين
�سنتين �إلى خم�س �سنوات .كذلك ال بد من التمييز بين الحالتين ال�سابقتين وبين ما �إذا كان
الهدف من الدعوة التي لم يتم قبولها �إرتكاب �إحدى الأفعال الواردة في الف�صل 201من
القانون الجنائي �إحداث حرب �أهلية� ،أو �إحداث التقتيل والتخريب والنهب .وهنا نزل الم�شرع
بالعقوبة �إلى �ستة �أ�شهر كحد ادني وثالث �سنوات كحد �أق�صى باعتبارها جنحة �ضبطية وقد
ن�صت على هذه العقوبة الفقرة الرابعة من الف�صل 201من ت�شريعنا الجنائية.
به ،بالنظر لما تن�ص عليه هذه الف�صول .هذه الأخيرة ت�شددت في م�ؤاخذة الجاني المرتكب
لجريمة من جرائم االعتداء .وهذا راجع �إلى حجم الم�صلحة التي تقت�ضي قدرا كبيرا من
الحماية الجنائية .كما �أن حجم هاته الم�صلحة هو ما يبرر و�صف جريمة الإعتداء بهذا الو�صف
«اعتداء» ،ب�شكل ح�صري ودون �أن ي�شمل باقي الجرائم .وذلك �أن �أي فعل يرتكب �ضد �إرادة
القانون؛ ال يطلق عليه الم�شرع و�صف االعتداء ،تمييزا لهذا الفعل عن جريمة الإعتداء التي
ين�صب عليها حديثنا ،على �إعتبار �أن هذه الجريمة تتطلب قدرا كبيرا من الحماية الجنائية.
وعلى هذا الأ�سا�س �سنتناول هذه الجريمة بكل تف�صيل من خالل �شقين �شق �سيكون
الأ�سا�س في قيامها من خالل التطرق �إلى �أركانها ،ثم �سنعتمد في ال�شق الثاني على بيان
عقوبتها وظروفها الم�شددة والمخففة كالتالي:
�أوال � -أركان جريمة االعتداء
تقدم الكالم على بيان جريمة الإعتداء على �أمن الدولة ولو ب�شكل تقريبي ،ليظهر من
خالله �أن الم�شرع المغربي و�إن كان قد �سكت عن تعريفها �إال �أنه �صار على منوال باقي
الت�شريعات في التن�صي�ص عنها من خالل الف�صل 170من القانون الجنائي ب�أنها تتحقق
بمجرد وجود محاولة معاقب عليها .وعليه فاالعتداء على �أمن الدولة يتوافر عندما يبد�أ
الفاعل بالفعل المف�ضي مبا�شرة �إلى التنفيذ ،والعلم ب�أركان المعاولة التي ت�صلح لقيام
الإعتداء على �أمن الدولة ،العودة �إلى �شروط المحاولة في الق�سم العام ،1والت ـ ــي عل ـ ــى
11لقد تعر�ض امل�رشع للمحاولة يف الباب الثاين من اجلزء الأول من الكتاب الثاين من املجموعة اجلنائية حتت عنوان (يف
املحاولة) وخ�صها ب�أربعة ف�صول وهي:
-الف�صل (( :114كل حماولة �إرتكاب جناية بدت بال�رشوع يف تنفيذها �أو ب�أعمال ال لب�س فيها ،تهدف مبا�رشة �إىل
ارتكابها� ،إذا مل يوقف تنفيذها �أو مل يح�صل الأثر املتوخى منها �إال لظروف خارجة عن �إرادة مرتكبها ،تعترب كاجلناية
التامة ويعاقب عليها بهذه ال�صفة)).
-الف�صل (( :115ال يعاقب على حماولة اجلنحة �إال مبقت�ضى ن�ص خا�ص يف القانون)).
-الف�صل (( :116حماولة املخالفة ال يعاقب عليها مطلقا)).
-الف�صل (( :117يعاقب على املحاولة حتى يف الأحوال التي يكون الغر�ض فيها من اجلرمية غري ممكن ب�سبب ظروف
واقعية يجهلها الفاعل)).
ولقيام �أية حماولة يلزم توافر �رشطني �أولهما مادي ،وثانيهما معنوي:
ال�رشط الأول :البدء يف التنفيذ :وهذا ال�رشط ي�ستفاد من الف�صل 114ق.ج عندما قال(( :كل حماولة �إرتكاب جناية بدت
بال�رشوع يف تنفيذها �أو ب�أعمال ال لب�س فيها ،تهدف مبا�رشة �إىل ارتكابها)) وبح�سب هذا ال�رشط ال حمل املحاولة �إذا مل
يبتد�أ اجلاين يف تنفيذ وقائع اجلرمية �أو ب�إتيانه لأي عمل ال لب�س فيه يهدف مبا�رشة �إىل تنفيذها ،لأن كل عمل دون ذلك
لن يعترب �سوى عمال حت�ضرييا اجلرمية غري معاقب مبدئيا ما مل يقرر امل�رشع عقابه العتبار معني وهي احلالة التي تنطبق
على الإتفاق اجلنائي يف امل�ؤامرة طبقا ملقت�ضيات الف�صل 175من ق.ج الذي هو معر�ض حديثا يف هذا البحث� ،أو يف
مثال �آخر يف حالة الع�صابات الإجرامية كما يف الف�صل 293من ذات القانون.
ال�رشط الثاين :انعدام العدول الإرادي عن حتقيق النتيجة وهو العن�رص املعنوي يف املحاولة ،بحيث �أنه بالرجوع للف�صل
114ق.ج ،جنده يعترب �أن البدء يف التنفيذ -وهو العن�رص املادي يف املحاولة -ال ميكن اعتباره م�شكال اجلرمية املحاولة
�إال �إذا مل يوقف تنفيذها �أو مل يح�صل الأثر املتوخى منها �إال لظروف خارجة عن �إرادة مرتكبها ،واملق�صود بالعدول
الإرادي عن املحاولة �أن الفاعل ولو �أنه قد بد�أ يف �إرتكاب اجلرمية �إال �أنه يرتاجع ويتوقف عن �إمتامها باختياره املح�ض،
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 28
�ضوئه ـ ــا يم ـ ــكن �إ�ستخال�ص �أرك ـ ــان الإعتداء عل ـ ــى �أم ـ ــن الدول ـ ــة عل ـ ــى النح ـ ــو
الت ـ ــالي.
�أ -الركن المادي:
لقيام الركن المادي في جريمة االعتداء؛ يكفي �أن ي�أتي الفاعل ن�شاط ماديا ي�شكل محاولة
لها على الأقل ،عمال بمقت�ضيات الف�صل 170ق.ج(( :يتحقق الإعتداء بمجرد وجود محاولة
معاقب عليها)) .ويفهم من هذا الف�صل �أن الركن المادي يقوم ولو لم ينتج عن الن�شاط المادي
نتيجة �إجرامية ،و�إنما يكفي لقيامه توافر �شروط المحاولة المن�صو�ص عليها في الف�صل 114
ق.ج الذي ن�ص على �أن(( :كل محاولة �إرتكاب جناية بدت بال�شروع في تنفيذها �أو ب�أعمال ال
لب�س فيها ،تهدف مبا�شرة �إلى ارتكابها� ،إذا لم يوقف تنفيذها� ،أو لم يح�صل الأثر المتوخى
منها �إال لظروف خارجة عن �إرادة مرتكبها ،تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه ال�صفة.
ال�صورة الأولى :محاولة تنفيذ الإعتداء:
تعتبر محاولة البدء في جريمة االعتداء� ،إ�ستغالل ظرف من الظروف التي قد ت�ساعد
على �إرتكاب هذه الجريمة ،في مكان معين� ،أوفي زمن معين ،وذلك بغ�ض النظر ،عما �إذا
كان الحق� ،أو الم�صلحة المراد الإعتداء عليها ،لم تكن في متناول المعتدي� ،أو كانت في
متناوله ،ولم ي�ستطع تنفيذ العمل الذي �أراد تحقيقه ل�سبب ما .1ف�إذا تحققت المحاولة بهذه
ال�صورة ،يكون الفعل الإجرامي قائما ،وبالتالي يعاقب عليه الم�شرع بعقوبة الجريمة التامة
بدليل الف�صل 170من ق.ج الذي عر�ضنا م�ضمونه �أعاله.
ال�صورة الثانية :ال�شروع في تنفيذ االعتداء
لما كان مجرد المحاولة ي�صح ركنا ماديا في جريمة االعتداء ،ف�إن ال�شروع في التنفيذ
ال يعد ظرف ت�شديد فيها ،على اعتبار �أن الم�شرع �ساوى بين المحاولة والتنفيذ التام من
حيث العقاب .ونظرا لخطورة هذه الجريمة ،ف�إن الم�شرع عاقب عليها�،سواء قام بارتكابها
�شخ�ص واحد �أو عدة �أ�شخا�ص و�سواء كانوا متفقين �أو غير متفقين ،وهذا ما يمكن �إ�ستخال�صه
من الف�صلين 171و 204من القانون الجنائي �إذ لم يميز في هذين الف�صلين بين الفاعلين
الأ�صليين �أو الم�ساهمين �أو ال�شركاء ،ولذلك ،ف�إن كل من �ألقي عليه القب�ض في مكان حدوث
دون تدخل �أي عامل �أجنبي يكون هو الذي فر�ض عليه هذا العدول ،لأنه �إذ ذاك �سيعد عدو ال غري �إرادي يعني �سيكون
ا�ضطراري ال �أثر له حينئذ على م�س�ؤولية الفاعل.
للمزيد �أنظر:
-عبد الواحد العلمي�« ،رشح القانون اجلنائي املغربي-الق�سم العام ،»-مرجع �سابق� ،ص 181.وما يليها.
11حممد التغدويني ،مرجع �سابق� ،ص.111.
29 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
جريمة الإعتداء يعاقب بعقوبة هذه الجريمة .1وهذا ما يجعلنا ن�ؤكد �أن العدول الإرادي في
جريمة الإعتداء �أمر غير مت�صور فال ي�أخذه القا�ضي بعين االعتبار في تقدير العقاب فيعتبره
ظرفا مخففا ،ذلك �أن هذا العدول �إنما هو ندم الحق لي�س له �أثر على قيام الم�س�ؤولية الجنائية
في هذا النوع من الجرائم .وهذا راجع بالأ�سا�س �إلى كون جريمة الإعتداء على غرار جريمة
الم�ؤامرة تعتبر من جرائم الخطر التي ال يعتد فيما بالعدول عن اقتراف الفعل الإجرامي.
وخال�صة القول ف�إن تحقق النتيجة الإجرامية لي�ست �أبدا �شرطا لقيام الركن المادي في
جريمة االعتداء ،بل يكفي �أن ي�أتي الجاني �سلوكا يفيد مدلول الإعتداء بحيث يكيف على �إحدى
الجرائم المن�صو�ص عليها ح�صرا في القانون الجنائي .ومثال ذلك �أن ينجح الجاني في تقديم
ال�سالح �إلى المواطنين من �أجل االقتتال ،لكنهم بدال من ذلك قاموا بت�سليمه �إلى ال�سلطة
الت�شريعية وبلغوا عن الفاعل.ففي هذا المثال ا�ستنفد الفاعل الأفعال التنفيذية لالعتداء ،لكن
نتيجه خابت ولم تتحقق ل�سبب خارج عن �إرادة الجاني .لكنه مع ذلك يعاقب بعقوبة جريمة
الإعتداء التامة ،رغم �أن النتيجة المن�شودة لم تتحقق.
ب -الركن المعنوي:
االعتداء جريمة عمدية ال تقوم قانونا �إال �إذا توافر الق�صد الجنائي لدى فاعلها ،وذلك
ب�أن يكون عالما بطبيعة الفعل الذي يقدم عليه ،ب�إرادته الحرة التي وجهته �إلى تحقيق �أحد
الأهداف الم�شار �إليها �أعاله .ويكفي لقيام جريمة الإعتداء توفر الق�صد الجنائي العام دون
الق�صد الجنائي الخا�ص .وهذا هو ال�سبب الذي جعل من الم�شرع المغربي �أن يعاقب في هذه
الجرائم على مجرد المحاولة ،وكيفما كانت طبيعة الفاعل �،سواء حقق النتيجة �أو لم يحققها،
و�سواء تراجع عن تحقيق هذه النتيجة ب�إرادته �أو بغير �إرادته .وتجدر الإ�شارة �إلى �إثبات هذا
الق�صد يقع على عاتق النيابة العامة بجميع طرق الإثبات بما فيها القرائن التي ت�ساهم في
�إقناع المحكمة .وهذا ما �أكده القرار ال�صادر عن المجل�س الأعلى (محكمة النق�ض) في
11ماي 2000بقوله(( :البد من �إبراز الحجج والقرائن المعتمدة في تكوين قناعة الهيئة.
وهذا ،و�إذا عجزت النيابة العامة عن �إثبات هذا الق�صد؛ ف�إنه ال يجوز مطلقا �إدانة المتهم �أو
المتهمين من �أجل ما ن�سب �إليهم.
ثانيا -عقاب الجريمة والظروف الم�ؤثرة:
عاقب الم�شرع المغربي على جريمة الإعتداء ح�سب الحاالت ،فت�شدد �أحيانا وخفف �أحيانا
�أخرى ،وهذا ما �سنراه.
11حممد التغدويني ،مرجع �سابق� ،ص.112.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 30
11حدد الف�صل 168من ق.ج �أع�ضاء الأ�رسة امللكية بقوله «يعترب من �أع�ضاء الأ�رسة امللكية يف تطبيق الف�صل ال�سابق:
�أ�صول امللك و فروعه وزوجاته و�إخوته و�أوالدهم ذكورا و �إناثا و �أخواته و �أعمامه»
31 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
لأن قيام جريمة الإعتداء يفتر�ض-كما �سبق و�أن �أ�شرنا -وجود ت�آمر م�سبق �ضد الم�صالح التي
يحميها الم�شرع في الجريمتين معا ،نظرا لعدم �إمكانية الف�صل بينهما.
المطلب الثاني :جريمة تكوين الع�صابات الم�سلحة
لقد اهتم الم�شرع الجنائي اهتماما خا�صا بتجريم الت�شكيل الع�صابي كجريمة م�ستقلة
في بع�ض ن�صو�صه خا�صة في جرائم �أمن الدولة نظرا لخطورة الم�صالح المتعلقة بها ،والتي
يمكن تعري�ضها للخطر نتيجة لهذه الت�شكيالت .1فلقد تم معالجة هذا النوع من الجرائم في
فرن�سا عن طريق تخ�صي�ص قواعد قانونية خا�صة لمواجهة هذا النوع من الإجرام المنظم
حماية لأمن الدولة الداخلي ،حيث كانت الحكومة الفرن�سية ترى �أن هناك ارتباطا بين كال
النوعين من �أنواع الجريمة ت�ستوجب خ�ضوعها لذات الأحكام.2
وعليه فحماية �شخ�صية الدولة من الإعتداء عليها ما هي �إال حماية لم�صلحة الجماعة،
والدولة مج�سدة في �سلطة الحكم ،فيجب حماية �أمنها بتجريم الأفعال التي تمثل اعتداء على
�أمنها3؛ �إال �أن جرائم �أمن الدولة ب�صفة عامة �أ�صبحت تمثل اعتداء على الم�صالح الأ�سا�سية
للدولة وم�ؤ�س�ساتها ووحدتها و�سالمتها ،وبالتالي ف�إن الت�شكيل الع�صابي يمثل اعتداء على تلك
الم�صالح الوطنية ككل.4
وت�أ�سي�سا عليه فنظرا للخطورة البالغة لهذه الجريمة الخا�صة �سنتوقف عند �أهم �أحكامها
بالبحث والدرا�سة من خالل فقرتين الأولى �سنتطرق فيها لأركان هذه الجريمة ثم �سنتطرق
فيما بعد لعقوبتها.
الفقرة الأولى :الأركان الخا�صة للجريمة
لقد اعتبر الم�شرع المغربي جريمة تكوين ع�صابة م�سلحة من الجرائم الما�سة ب�سالمة
الدولة الداخلية و�أمنها؛ فجرمها وعاقب عليها �ضمن الفرع الثالث من الباب الأول من الجزء
الأول من الكتاب الثالث تحت م�سمى ((في الجنايات والجنح �ضد �سالمة الدولة الداخلية))
من الف�صول � 201إلى .207غير �أنه با�ستقراء لهذه الف�صول نجد �أن الم�شرع المغربي لم
يفرد الع�صابة الم�سلحة ،5و�إنما ن�ص عليها في الف�صل 203من ق.ج بتعداد منه لمجموعة من
11هدى ق�شقو�ش« ،الت�شكيالت الع�صابية» ،من�ش�أة املعارف ،الإ�سكندرية� ،سنة � ،2006ص.43.
� 22صدر م�رشوع قانون مكافحة الإرهاب الفرن�سي يف )loi no. 1020( 0986/09/09ومل يكن هذا القانون يقت�رص على
جرائم الإرهاب بل كان يتناول �أي�ضا بع�ض اجلرائم املوجهة �ضد �أمن الدولة.
33م�أمون �سالمة« ،الأحكام العامة يف جرائم �أمن الدولة» ،مقر الدرا�سات العليا لأكادميية ال�رشطة� ،سنة � ،1996ص4.
وما يليها.
44حممد جمعة عبد القادر« ،جرائم �أمن الدولة علما وق�ضاءا»� ،سنة � ،1986ص 107.وما بعدها.
ِ
والع َ�ص َابةُ جماعة ما بني الع�رشة �إىل الأربعني ،وقيل الع�صبة من الرجال نحو الع ْ�ص َبةُ
55الع�صابة امل�سلحة يف اللغة :هي ُ
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 32
الأفعال الإجرامية التي �أدخلها في زمرتها1؛ و�إن اختلفت �صورها و�أ�شكال بح�سب الأهداف
الع�رشة (رجب عبد اجلواد �إبراهيم« ،امل�صطالحات الإ�سالمية» ،امل�صباح املنري ،دار الأفاق العربية ،القاهرة� ،سنة
وه َأ َح ُّب إِ َلى َأبِ ينَ ا ِمنَّا َونَ ْح ُن عُ ْص َب ٌة إِ َّن َأ َبانَ ا
وس ُف َو َأ ُخ ُ
وا َل ُي ُ � ،2002ص ،)208.ويف التنزيل العزيز قال تعاىل{ :إِ ْذ َق ُ
ال ْ
ني} (�سورة يو�سف الآية .)07والع�صبة الع�صابة جماعة لي�س لها واحد .ويقال واعت�صبوا� :صاروا ع�صبة، الل ُّمبِ ٍ
َلفِ ي َض ٍ
والتع�صب :من الع�صبة .والع�صبية� :أن يدعو الرجل �إىل ن�رصة ع�صبته ،والت�ألب معهم على من يناويهم ،ظاملني كانوا
�أم مظلومني؛ ويقال «وقد تع�صبوا عليهم �إذا جتمعوا ،ف�إذا جتمعوا على فريق �آخر ،قيل :تع�صبوا؛ والع�صبى هو الذي
يغ�ضب لع�صبيته ويحامي عنهم .والع�صبة :الأقارب من جهة الأب ،لأنهم يع�صبونه ويعت�صب بهم� ،أي يحيطون به
وي�شتد بهم؛ الع�صبة التع�صب ،ا�ستجمعوا و�صاروا ع�صابة وع�صابي ،يقال« :كلما �سمعوا �صوته اع�صو�صبوا»� ،أي
اجتمعوا و�صاروا ع�صابة واحدة.
راجع يف هذا ال�صدد:
-ابن منظور ،ل�سان العرب ،اجلزء الرابع ،املجلد الثالث ع�رش ،دار ال�صادر ،بريوت� ،ص 2965.و.2966
كما �أن ع�صابة :Bandeجماعة من املجرمني املتعارفني ،ويعني باللغة الفرن�سية � ،Bamditismeأما باللغة الإجنليزية:
.Banditryويفهم من اللفظ ع�صابة بح�سب و�ضعها اللغوي� ،أنها جماعة ما بني الع�رشة �إىل الأربعني ،مت�آلفة فيما بينها
ي�شد وين�رص بع�ضها بع�ضا.
�أما من الناحية اال�صطالحية فلقد تعددت التعريفات اال�صطالحية للع�صابات امل�سلحة باختالف املعايري املعتمدة :فمن حيث
الغر�ض :فالع�صابة هي جمموعة من الأ�شخا�ص معروفني بع�ضهم لبع�ض ،اختار بع�ضهم البع�ض الأخر وتالقوا على
هدف م�شرتك انعقدت �إرادتهم لتحقيقه ،بحيث �أن �أفراد هذا الت�شكيل الع�صابي ي�ستخدمون مع بع�ض ممن يناوئونهم
�أ�سرتاتيجية ،بتحديد الغر�ض الذي توجه �إليه ال�سهام ،وتو�ضيح الأهداف التي يرغبون يف حتقيقها �أثناء العالقة التي
جتمع بينهم ،ثم يتم بناء اخلطوات التي تتخذ ،وحتديد الوقت الالزم لتحقيق الأهداف املق�صودة.
وعليه فالت�شكيل الع�صابي �إذن يف جوهره يتمثل يف وجود جماعة من الأ�شخا�ص �أو جمعية ،جتمع بع�ض الأ�شخا�ص،
تهدف �إىل �أغرا�ض غري م�رشوعة� ،أي �إرتكاب اجلرمية ،مت�س امل�صالح احليوية والهامة ،التي يرى امل�رشع �أنها
م�صالح جديرة باحلماية اجلنائية ،فهذا الت�شكيل ميثل خطورة على ال�سالم االجتماعي والأمن الداخلي ،واحرتام حريات
املواطنني ،وحقوقهم والنظام ال�سيا�سي للدولة.
-رم�سي�س بنهام�« ،رشح اجلرائم امل�رضة بامل�صلحة العمومية» ،من�شاة املعارف ،الإ�سكندرية� ،ص.52.
-هدى حامد ق�شقو�ش ،مرجع �سابق� ،ص 21.و.23
هذا من حيث الغر�ض �أما من حيث التنظيم الع�صابات امل�سلحة يف جرائم �أمن الدولة ،هم جمموعة �أ�شخا�ص يجمعهم ت�أزر
وت�ألف واقتناعات و�أهداف م�شرتكة ،بحيث يتوىل البع�ض من �أع�ضاء الع�صابة ،مهمة ترتيبية وتدريبية لت�أخذ ن�سقا معينا
لأداء هدف �أو حتقيق نتيجة هي امل�سا�س ب�أمن الدولة وا�ستقرارها.
وعليه فاملراد بالع�صابات وفق هذا االجتاه يف جرائم �أمن الدولة الداخلي ،هو كل جمعية منظمة يديرها ويتزعمها بع�ض
�أفرادها ،وال ي�شرتط توافر عدد معني يف هذه الع�صابة ،وكل ما يجب هو �أن تكون الع�صابة م�سلحة �أي حاملة للأ�سلحة،
وال ي�شرتط توافر عدد معني يف هذه الع�صابة ،وكل ما يجب هو �أن تكون الع�صابة م�سلحة �أي حاملة لل�سالح ،وال
ي�شرتط �أن يكون ال�سالح يف �أيدي �أفرادها ،بل يكفي �أن يكون حتت ت�رصفهم ،ويكفي �أي�ضا �أن تتوفر �صفة ال لت�سليح
بالن�سبة �إىل فغالبية �أع�ضائها ،ولو مل يحمل ال�سالح م�ؤلفها وزعيمها �أو من له قايدة فيها.
-عديل �أمري خالد« ،اجلرائم ال�ضارة بالوطن من الداخل واخلارج» ،دار الفكر اجلامعي� ،إ�سكندرية� ،سنة ،2013
�ص 51.و.52
11ين�ص الف�صل 203من ق.ج على �أنه(( :ي�ؤاخذ بجناية امل�س بال�سالمة الداخلية للدولة ،ويعاقب بالإعدام كل من تر�أ�س
ع�صابة م�سلحة �أو توىل فيها وظيفة �أو قيادة ما ،وذلك �إما بق�صد الإ�ستيالء على �أموال عامة ،و�إما بق�صد اكت�ساح عقارات
�أو �أمالك �أو �ساحات �أو مدن �أو ح�صون �أو مراكز �أو خمازن �أو م�ستودعات �أو موانئ �أو �سفن �أو مراكب ،مملوكة
للدولة ،و�إما بق�صد نهب �أو اقت�سام املمتلكات العامة� ،سواء كانت قومية �أو مملوكة لفئة من املواطنني و�إما بق�صد الهجوم
على القوات العمومية العاملة �ضد مرتكبي تلك اجلنايات �أو مقاومتها.
وتطبق نف�س العقوبة على من توىل ت�سيري الع�صابة الثائرة �أو ت�أليفها �أو �أمر بت�أليفها� ،أو قام بتنظيمها �أو �أمر بتنظيمها� ،أو
زودها �أو �أمدها عمدا وعن علم ب�أ�سلحة �أو ذخرية �أو �أدوات اجلناية �أو بعث لها ب�إمدادات من امل�ؤن �أو قدم م�ساعدة ب�أي
و�سيلة �أخرى �إىل م�سريي الع�صابة �أو قواده)).
33 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
المن�شودة منها �سواء �أكانت بق�صد �إثارة فتنة قومية �أو حرب �أهلية� ،1أو كانت في �صورة تمرد
ع�سكري� ،2أو كان الهدف منها �إ�شعال فتيل الثورة.3
�أوال -الركن المادي:
فمن خالل ما �سبق بيانه يمكن �أن نلم�س الركن القانوني لجرائم تكوين الع�صابات
الم�سلحة في النموذج الإجرامي الذي يقت�ضي هذا الفعل .لذلك ومن �أجل �أن يكتمل هذا
الركن؛ ف�إن الم�شرع المغربي ا�شترط �شرطين ،يتمثل �أحدهما في م�صلحة عامة تقت�ضي
الحماية الت�شريعية.
وثانيهما يتمثل في ح�صر هذا الركن فيما ن�ص عليه القانون على �سبيل الح�صر ،وذلك
لتمييزها عن باقي الجرائم الم�شابهة لها .فالم�صلحة التي يحميها الم�شرع الجنائي من
الإعتداء في هذه الجريمة �إنما تقوم على توفير الأمن داخل الدولة ،بهدف الحيلولة دون
حدوث نزاعات طائفية م�سلحة من �ش�أنها تهديد �سالمة الدولة و�أمنها�.أما فيما يخ�ص ال�شرط
الثاني�-أي وجوب الأخذ بالركن القانوني في جريمة تكوين الع�صابات الم�سلحة على �سبيل
الح�صر -فمعناه �أن هذه الجريمة ال يمكنها �أن تقوم �إال �إذا اختل الأمن داخل الدولة مما ي�شكل
تهديدا لم�صالحها وم�ؤ�س�ساتها .كما انه �إذا لم يكن الهدف من الجريمة الم�سا�س ب�إحدى
11عاقب امل�رشع املغربي على كل فعل من �ش�أنه �إثارة حرب �أهلية �أو فتنة قومية بالإعدام ،حفاظا منه على امن الوطن
وا�ستقراره ال�سيا�سي واالجتماعي واالقت�صادي ،اعتبارا لكون هذه اجلرائم ت�ساعد على النيل من الوحدة الرتابية للبالد
مما ينتج عنه ا�ضطراب الو�ضع الأمني يف الدولة ،فيتف�شى النهب والتخريب والتقتيل ،الأمر الذي قد ي�صل �إىل انهيار
النظام القائم .لكل هذه الأ�سباب �شدد امل�رشع العقاب على مقرتيف هذه الأفعال طبقا ملقت�ضيات الف�صل 201من ق.ج..
22وقد اعتربها امل�رشع املغربي من �إحدى جرائم �أمن الدولة الداخلي ،لأن الفعل فيها ي�ساعد على حدوث ان�شقاق ،يف
�صفوف اجلي�ش� ،أو حماولة االنف�صال عن النظام ال�سيا�سي القائم ،وذلك �إما بال�سيطرة على �إحدى املراكز الع�سكرية
الإ�سرتاتيجية �،أو مبخالفة �أوامر احلكومة� ،أو القيام ب�إ�ستخدام اجلي�ش النظامي �ضد الأغرا�ض اخلا�صة .واحلق �أن
اخلطورة الإجرامية تكمن يف ال�شقاق الذي ميكن �أن ي�ؤدي �إليه هذه الأفعال ال �سيما بني ال�سلطة احلاكمة وامل�ؤ�س�سة
الع�سكرية,وبالتايل يكون امل�آل هو اندالع الفتنة وقيام حرب �أهلية داخل الدولة الواحدة ،بحيث ي�صعب و�ضع حد لها
نظرا للقوة التي ميتلكها اجلناة والتي تتمثل يف تلك املعلومات الع�سكرية ذات ال�رسية الكبرية والتي ال متلكها �إىل الدولة
ذاتها.فكان طبيعيا �أن يعاقب ت�رشيعنا اجلنائي مرتكبي هذه اجلرائم بالإعدام.
33با�ستقراء هذا الف�صل جند �أن ال�صورة الثالثة من �صور جرائم تكوين الع�صابات امل�سلحة ميكن �أن حتدث يف ثالث حاالت:
-تكوين ع�صابات م�سلحة بهدف اكت�ساح جزء من البالد �،أو ال�سيطرة على �أهم املراكز احليوية واال�سرتاتيجية فيه.
وال�شك �أن الإ�ستيالء على هاته املراكز من �ش�أنه �إ�ضعاف الدولة والنيل من وحدتها و�سيادتها .وبالتايل كان ال بد و�أن
يت�شدد امل�رشع يف العقاب على هذه اجلرائم بعقوبة الإعدام.
-تكوين ع�صابات �إجرامية بهدف نهب �أموال الدولة �،أما �إذا كانت هذه الأموال �أمواال خا�صة ،فال تدخل حينها يف حكم
جرائم �أمن الدولة الداخلي ،و�إمنا يف نطاق جرائم الع�صابات الإجرامية.
-تكوين ع�صابات �إجرامية بهدف الهجوم على القوات العمومية العاملة �ضد مرتكبي هذه اجلرائم �أو مقاومته .ف�إن مت
الهجوم يف غري هاته احلالة ،ال نكون �أمام جرمية تكوين الع�صابات امل�سلحة بل نكون ب�صدد جرمية �أخرى هي جرمية
الع�صيان.
وملزيد من البحث يف هذه اجلرمية نتطرق لأركانها وعقابها ،وذلك على �ضوء املطلبني املواليني.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 34
الم�صالح المن�صو�ص عليها في الف�صل من � 201إلى ،203فال نكون �أمام جريمة «الع�صابة
الم�سلحة» و�إنما نكون ب�صدد جريمة �أخرى.
وت�أ�سي�سا عليه ف�إنه يظهر جليا �أن الركن المادي في هذه الجريمة يتحقق بتر�أ�س �شخ�ص
لع�صابة م�سلحة �أو بتوليه لوظيفة �أو لقيادة فيها �أو ت�سييرها �أو ت�أليفها �أو تنظيمها �أو �إتيانه
لأي عمل من �أعمال الإ�شتراك الواردة في الفقرة الأخيرة من الف�صل 203ق ج .وقد ا�شترط
الم�شرع المغربي في هذا الركن مجموعة من ال�شروط� ،أهمها:
-ال�شرط الأول� :ضرورة �أن تكون الع�صابات التي تم تكوينها م�سلحة:
بمعنى انه البد من �أن يكون ال�سالح هو الو�سيلة الم�ستعملة في بلوغ �أهداف هذه الع�صابة.
و�إذا كان �أحد �أفراد هذه الأخيرة م�سلحا دون علم بقية العنا�صر ،ف�إن الفعل المرتكب ال يمكن
�إدراجه �ضمن جرائم الع�صابات الم�سلحة .ومعلوم �أنه ال يهم �أن يكون ال�سالح ناريا �أو غير
ناري ،فبمجرد �أن يتعلق الأمر ب�إحدى الأ�سلحة المن�صو�ص عليها في الف�صل 303من القانون
الجنائي نكون �أمام «�سالح» ي�شكل تواجده �شرطا �أ�سا�سيا للقول بوجود الركن المادي لجريمة
الع�صابات الم�سلحة.
وال ب�أ�س من ا�ستعرا�ض م�ضمون هذا الف�صل الذي جاء فيه(( :يعد �سالحا في تطبيق هذا
القانون ،جميع الأ�سلحة النارية و المتفجرات وجميع الأجهزة والأدوات �أو الأ�شياء الواخزة �أو
الرا�ضة �أو القاطعة �أو الخانقة)).
-ال�شرط الثاني :وجوب قيام الع�صابة على توزيع الم�س�ؤوليات بين جميع �أفرادها :
ومعنى توزيع الم�س�ؤوليات توزيع الوظائف والمهام بين الجناة من �أجل �إرتكاب الفعل
الإجرامي ،هذه المهام والوظائف تحدد فيما يلي:
رئا�سة الع�صابة:
●
وهي ت�ستدعي �إ�سناد مهمة القيادة �إلى �شخ�ص يكون في ا�ستطاعته �إدارة الع�صابة
وت�سييرها �سواء كان قريبا من خلية الع�صابة �أو بعيدا عنها ،معروفا بين �أفرادها �أم مجهوال.
تولي الوظائف: ●
وين�صرف مدلول الوظيفة هنا �إلى كل ن�شاط من �ش�أنه م�ساعدة الع�صابة على ت�سيير عملها
وب�سط نفوذها .وذلك بتحمل كل فرد من �أفراد الع�صابة وظيفة معينة داخل الع�صابة .فهذا
يتولى وظيفة التدريب ،وذاك يقوم بمهمة التخطيط ،والأخر يتحمل وظيفة التمويل�....إلخ.
�أعمال اال�شتراك: ●
تتمثل هذه الأعمال في تقديم م�ساعدات للع�صابة الم�سلحة ومدها ب�إمدادات ت�ساعدها
في القيام بعملياتها الم�سلحة الإجرامية� ،شريطة ح�ضور عن ـ ــ�صر العل ـ ـ ــم لدى الم�شاركين،
35 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ف�إذا انتفى هذا العن�صر ال نكون �أمام �أي عمل من �أعمال اال�شتراك في تكوين الع�صابـ ــة
الم�سلح ـ ـ ــة.
-ال�شرط الثالث :وجود ع�صيان قائم في �شكل تجمع ثوري موجه �إلى النظام ال�سيا�سي.
ي�ستفاد هذا ال�شرط في الف�صول 201و 202و 203و 205من القانون الجنائي .ويالحظ من
خاللها �أن الهدف من تكوين الع�صابات الم�سلحة هو �إ�سقاط النظام ال�سيا�سي و�إحالل �آخر
محله ،مما ي�ستوجب قيام تجمع ثوري .ولكن هذا التجمع ،ال ي�شرط فيه �أن يكون في مكان
محدد ،كما ال ي�شترط في جميع الأ�شخا�ص المتواجدين في مكان التجمع الثوري� ،أن يكون
منخرطين في هذا التجمع.وهذا ما جعل الم�شرع المغربي� ،أن ي�ستعمل �صياغة وا�ضحة في
الف�صل 205حيث بين في هذا الف�صل ب�أن الذين يعاقبون هم من «قب�ض عليهم في مكان
التجمع» ،ولي�س الذين «وجدوا في مكان التجمع».
وتبقى الإ�شارة واجبة �إلى �أن هذه الجريمة ال يفتر�ض تحقق النتيجة فيها ،على اعتبار �أنها
من جرائم الخطر ،وبتالي ف�إن مجرد �إتيان الأفعال المن�صو�ص عليها في الف�صل 203من ق.ج
يتحقق معه الركن المادي.
ثانيا -الركن المعنوي:
نلفت االنتباه �إلى �أن الركن المعنوي في جريمة تكوين ع�صابة م�سلحة يختلف ذاك الخا�ص
بجريمتي الم�ؤامرة والإعتداء ،من حيث �أن الم�شرع �إذا كان ي�شترط في الجريمتين الأخيرتين
�ضرورة توفر الق�صد العام فهو ال ي�شترط في الجريمة الجارية درا�ستها� ،إذ اكتفى فيها
با�شتراط الق�صد الخا�ص ،هذا الأخير يجب �أن يتوفر لدى جميع �أفراد الع�صابة الم�سلحة،
�أما الق�صد العام فهو مفتر�ض ،نظرا لكون الجناة يكونون على علم تام واطالع م�سبق بالأفعال
التي يقدمون عليها بفعل توزيع الم�س�ؤوليات والوظائف فيها بينهم.
ت�أ�سي�سا على ما �سبق ،ف�إنه ولما كانت جريمة الع�صابات الم�سلحة من الجرائم العمدية؛
ف�إن ذلك اقت�ضى عدم قيامها ما لم يتوفر فيها الق�صد الجنائي لدى الفاعلين الأ�صليين،
والذي يتحقق متى كان هدفهم من تكوين ع�صابة م�سلحة هو الإ�ستيالء على �أموال عامة،
�أو اكت�ساح عقارات �أو �أمالك �أو �ساحات� ....أو الهجومات على القوات العمومية العاملة �ضد
مرتكبي تلك الجنايات �أو مقاومتها(الف�صل /203الفقرة .)1
بقيت نقطة �أخيرة في هذا الباب ،تلك التي تهم الفاعلين غير الأ�صليين (الم�ساهمون)؛
فه�ؤالء ال يتابعون بجناية تكوين ع�صابة م�سلحة �إال �إذا توافر الق�صد الجنائي لديهم (الق�صد
الخا�ص) ،المتمثل في ان�صراف نية الم�ساهمين من وراء تقديمهم يد الم�ساعدة والعون
للجناة الأ�صليين �إلى تحقيق الهدف �أو الأهداف المن�شودة من قبل ه�ؤالء.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 36
الف�صول من � 203إلى 205ق.ج دون غيرها من الجرائم التي ارتكبت �شخ�صيا �أثناء الفتنة �أو
ب�سببها فهذه تظل عقوبتها م�ستقلة عن الع�صابات الم�سلحة و بالتالي ال يطالها الإعفاء مطلقا.
المبحث الثاني :الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الخارجي
ينح�صر مفهوم جرائم �أمن الدولة من جهة الخارج والتي تقع على الدولة ب�أنها هي الجرائم
�أو الأفعال الم�ضرة والتي تقع على الأمن الخارجي للدولة في عالقاتها بالدول الأخرى ،ويراد
منها الإعتداء على ا�ستقاللها �أو زعزعة كيانها في المجموعة الدولية� ،أو الإ�ساءة �إلى عالقاتها
بالدول الأخرى �أو �إعانة عدو على دولته� ،أو اقتطاع جزء �أو كل من الدولة ل�صالح العدو ...ومن
�أمثلة جرائم �أمن الدولة من الخارج ما يلي:
حمل ال�سالح �ضد المغرب. ✺
با�شر ات�صاالت مع �سلطة �أجنبية بق�صد حملها على القيام بعدوان �ضد المغرب �أو زودها ✺
بالو�سائل الالزمة لذلك� ،إما بت�سهيل دخول القوات الأجنبية �إلى المغرب ،و�إما بزعزعة
�إخال�ص القوات البرية �أو البحرية �أو الجوية و�إما ب�أية و�سيلة �أخرى.
�سلم �إلى �سلطة �أجنبية �أو �إلى عمالئها �إما قوات مغربية و�إما �أرا�ضى �أو مدنا �أو ح�صونا ✺
�أو من�ش�آت �أو مراكز �أو مخازن �أو م�ستودعات حربية �أو عتادا �أو ذخائر �أو �سفنا حربية �أو
من�ش�آت �أو �آالت للمالحة الجوية ،مملوكة للدولة المغربية.
�سلم �إلى �سلطة �أجنبية �أو �إلى عمالئها ،ب�أي �شكل كان وب�أية و�سيلة كانت� ،سرا من �أ�سرار ✺
الدفاع الوطني �أو تمكن ب�أية و�سيلة كانت ،من الح�صول على �سر من هذا النوع ،بق�صد
ت�سليمه �إلى �سلطة �أجنبية �أو �إلى عمالئها.
�أتلف �أو �أف�سد عمدا �سفنا �أو �آالت للمالحة الجوية �أو �أدوات �أو م�ؤنا �أو بنايات �أو تجهيزات
✺
قابلة لأن ت�ستعمل للدفاع الوطني� ،أو �أحدث عمدا في هذه الأ�شياء تغييرا من �ش�أنه �أن
يمنعها من العمل �أو ي�سبب حادثة� ،سواء كان ذلك التغيير قبل تمام �صنعها �أو بعده.
حر�ض الع�سكريين �أو جنود البحرية على االن�ضمام �إلى خدمة �سلطة �أجنبية �أو �سهل لهم ✺
و�سائل ذلك �أو قام بعملية التجنيد لح�ساب �سلطة هي في حالة حرب مع المغرب.
با�شر ات�صاالت مع �سلطة �أجنبية �أو مع عمالئها ،وذلك بق�صد م�ساعدتها في خططها ✺
�ضد المغرب.
�ساهم عمدا في م�شروع لإ�ضعاف معنوية الجي�ش �أو الأمة ،الغر�ض منه الإ�ضرار بالدفاع ✺
الوطني.
ومما �سبق يت�ضح لنا �أن جرائم �أمن الدولة الخارجية تقع على الدولة ذاتها ال�ستعداء
دولة �أو دول �أخرى عليها �أو تعري�ض م�صالحها الدولية للخطر �أو لقهرها في نزاعها مع دولة
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 38
معـ ـ ـ ـ ــادة ،كما �أن هذا النوع من الجرائم �أي الجرائم الما�سة ب�أمن الدولـ ـ ــة الخارجـ ـ ـ ـ ـ ــي،1
لهـ ـ ــا خطـ ـ ــورة بالغـ ـ ــة على الدولـ ـ ــة والأمـ ـ ــة ب�شكـ ـ ــل داهـ ـ ــم ونتائجهـ ـ ــا علـ ـ ــى الكل
وخيمة.2
11ملا نتحدث عن اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة اخلارجي وح�سب طرح ال�س�ؤال عن االختالف بينها وبني جرائم �أمن الدولة
الداخلي؟ والإجابة عن هذا ال�س�ؤال وجب التطرق �إىل الت�رشيعات املقارنة من �أجل و�ضع مرتكز �أ�سا�سي لهذا الطرح.
بحيث �أن جمموعة من الن�صو�ص التي نظمت احلماية اجلزائية لأمن الدولة اخلارجي والداخلي يف احلفاظ على الدولة
من الأخطار التي تتهددها ،حتى �أن بع�ض الت�رشيعات ال تفرق بني طبيعة الأمن اخلارجي �أو الداخلي ،نظرا لوحدة
اخلطر الذي يتهددهما؛ الأمر الذي يدعو �إىل عدم التفرقة بينهما ،واعتبارهما مفهوما موحدا ،ومن الت�رشيعات العربية
التي تبنت هذا االجتاه هناك الت�رشيع اجلزائري ،حيث وحد يف قانون العقوبات لعام ( )1966بني جرائم �أمن الدولة
الداخلي وجرائم �أمن الدولة اخلارجي ،و�أطلق عليهما (اجلنايات واجلنح �ضد �أمن الدولة) .يف حيث تدعو ت�رشيعات
�أخرى �إىل تبني املفهوم املزدوج لهما ،نظرا الختالف درجة اخلطورة يف كل منهما ،واختالف الدوافع الرتكاب
اجلرمية ،والغاية من احلماية اجلزائية.
ويرتتب على ذلك وجود فروق عديدة بني اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي واجلرائم الواقعة على �أمن الدولة
الداخلي وهذه الفروق تتمثل يف جمموعه من النقط �سواء من حيث تغليظ العقاب �أو من حيث ال�صفة اجلرمية وكذلك
من حيث جمال تطبيق �أحكام كل من هذين النوعني؛ وكذلك يختلفان من حيث جن�سية اجلاين ومن حيث وقت �إرتكاب
اجلرمية.
ورغم االختالف بني جرائم الأمن اخلارجي والداخلي البد من الت�أثري املتبادل بينهما ،فكالهما يناالن من هيبة الدولة
ومركزها وباالطالع على مواقف الت�رشيعات حمل املقارنة ،جند ب�أن امل�رشع امل�رصي قد عالج يف قانون العقوبات
لعام ( ،)1937وتعديالته ،اجلرائم امل�رضة ب�أمن الدولة يف الباب الأول ،والباب الثاين ،من الكتاب الثاين من قانون
العقوبات ،وجاءت ن�صو�ص القانون حتت عنوان اجلرائم امل�رضة ب�أمن احلكومة ،فق�سمت �إىل جرائم م�رضة ب�أمن
احلكومة من اخلارج ،وجرائم م�رضة ب�أمن احلكومة من الداخل .وبذات االجتاه �سار امل�رشع ال�سوري يف قانون
العقوبات رقم ( )148لعام ( )1949وتعديالته� ،أما الت�رشيع اجلزائي الكويتي رقم ( )16لعام ( ،)1960وتعديالته
بقانون رقم ( )31لعام ( ،)1970فقد ميز ما بني جرائم �أمن الدولة اخلارجي والداخلي ،فخ�ص�ص الأوىل من (� )1إىل
( )22والثانية املواد من (� )23إىل (.)34
ومل يبتعد امل�رشع الأردين عن خالل الدولة حمل املقارنة ،فنظم حماية �أمن الدولة يف قانون العقوبات رقم ( )16لعام
( )1960وتعديالته ،يف الباب الأول من الكتاب الثاين ،حتت عنوان (يف اجلرائم التي تقع على �أمن الدولة) وتناول
اجلرائم التي تقع على �أمن الدولة اخلارجي يف الف�صل الأول ،وخ�ص�ص لها املواد من ()134-110؛ ليخ�ص�ص الف�صل
الثاين للجرائم التي تقع على �أمن الدولة الداخلي يف املواد من (.)153-135
وكذلك امل�رشع املغربي �صار على نف�س نهج نظريه الأردين ففرق بني جرائم �أمن الدولة الداخلي واجلرائم التي مت�س
ب�أمن الدولة اخلارجي ،بحيث ن�ص على هذه الأخرية يف الفرع الثاين من الباب الأول من اجلزء الأول من الكتاب
الثالث من جمموعة القانون اجلنائي حتت م�سمى ((يف اجلنايات واجلنح �ضد �أمن الدولة اخلارجي))؛ بينما ن�ص يف الفرع
الأول من ذات الباب من نف�س اجلزء من الكتاب الثالث نف�سه على اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة الداخلي حتت م�سمى ((يف
االعتداءات وامل�ؤامرات �ضد امللك �أو الأ�رسة املالكة �أو �شكل احلكومة)).
للمزيد �أنظر:
� -سعد �إبراهيم الأعظمي« ،اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة الداخلي-درا�سة مقارنة ،»-دار ال�ش�ؤون الثقافية العامة’ ،فاق
عربية ،الطبعة الأوىل� ،سنة � ،1989ص 34.وما يليها.
-حممد الفا�ضل« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة» ،املطبعة اجلديدة ،دم�شق الطبعة الرابعة� ،سنة
1398-1397هـ1978-1977/م� ،ص 48.وما يليها.
� -أحمد حممد الرفاعي« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة ،اجلزء الأول ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي»،
دار الب�شري للن�رش والتوزيع� ،سنة � ،1990ص 23.وما يليها.
-هاين جميل عبد احلمدي الطراونة« ،اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي يف الت�رشيع الأردين -درا�سة مقارنة-
(بالت�رشيع ال�سوري وامل�رصي والكويتي)» ،دار وائل للن�رش ،الطبعة الأوىل� ،سنة � ،2011ص 48.وما يليها.
22عبد املهيمني بكر« ،جرائم �أمن الدولة اخلارجي» ،درا�سة مقارنة يف القانون الكويتي» ،دار النه�ضة� ،سنة ،1975
39 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�ص� ،16.أورده من�صور جنر �صقر العتيبي« ،التفاو�ض �ضد �أمن الدولة» ،دار �صربي للن�رش والتوزيع ،الريا�ض،
�سنة 1409هـ1989-م� ،ص.34.
11ح�سوين قدور بنمو�سى القانون اجلنائي املغربي و ال�رشيعة الإ�سالمية �ص.83.
22جاء الف�صل 181من ق.ج مبا يلي( :ي�ؤاخذ بجناية اخليانة و يعاقب بالإعدام كل مغربي �إرتكب يف وقت ال�سلم �أو يف وقت
احلرب �أحد الأفعال الآتية -1:حمل ال�سالح �ضد املغرب.)...
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 40
مواطنا مغربيا لكن في حالة حمله لل�سالح �ضد المغرب نميز بين حالتين� .إذا حمل ال�سالح
�ضد المغرب مكرها في �إطار التجنيد الإجباري من طرف قانون جن�سيته الأجنبية فهنا ال
ي�سال عن جناية حمل ال�سالح �ضد المغرب النتفاء الق�صد الجنائي لديه.
�إذا حمل ال�سالح �ضد المغربي طوعا وذلك باختياره الدخول في جي�ش الدولة الأجنبية
هناك �إجابتين الأولى تق�ضي بعدم معاقبته بجريمة الخيانة لأنه بمجرد حمل ال�سالح �ضد
المغرب يعتبر بمثابة �إعالن عملي و مادي عن نيته الحقيقية ب�أنه ال يعتبر نف�سه مغربيا وبالتالي
انتفاء الركن المادي المتمثل في الجن�سية المغربية�.أما الثانية فيعاقب بجناية خيانة الأمانة
الن ال�شخ�ص الذي حمل ال�سالح �ضد المغرب طوعا يبقى متمتعا بالجن�سية المغربية والإجابة
1
الثانية هي التي ي�ؤخذ بها.
الإ�شكال الثاني :في حالة فقدان ال�شخ�ص للجن�سية المغربية �أو التجريد منها وذلك ب�إ�سقاط
الجن�سية عنه و �إرتكب جريمة حمل ال�سالح �ضد المغرب هل يعاقب بجريمة الخيانة �أم ال؟
وبالن�سبة لحالة فقدان الجن�سية �إذا ارتكبت جريمة حمل ال�سالح �ضد المغرب قبل �صدور
المر�سوم الذي يعلن فقدانها بالجريدة الر�سمية ف�إنه يعتبر مرتكبا لجريمة الخيانة ويعاقب
عليها� .أما �إذا ارتكبها بعد �صدور المر�سوم بالجريمة الر�سمية ف�إنه ال يعاقب عليها لأنه ال
يتوفر على الجن�سية المغربية.
وبالن�سبة لحالة التجريد من الجن�سية ف�إن حمل ال�سالح �ضد المغرب �إذا �سبق �إرتكابها
�صدور الظهير �أو المر�سوم الذي يعلن تجريدها بالجريدة الر�سمية اعتبرت جناية الخيانة
و عوقب عليها �أما �إذا وقع �إرتكابها بعد �صدور الظهير �أو المر�سوم بالجريدة الر�سمية ال تعد
جناية خيانة و ال يعاقب عليها.
ال�شرط الثاني :حمل ال�سالح �ضد المغرب :
ال يمكن قيام الركن المادي في هذه ال�صورة من �صور الخيانة �إال �إذا تبث قيام المواطن
المغربي بحمل ال�سالح �ضد بلده في جي�ش دولة معادية كما تتحقق واقعة حمل ال�سالح �أي�ضا
في تقديم هذا المواطن المغربي للجي�ش المعادي �أي نوع من الخدمات التي من �ش�أنها �أن
ت�ساعد في مواجهة الجي�ش المغربي ا�ست�شارات فنية معلومات ميدانية وغيرها.2
ثانيا -الركن المادي لجريمة ا�ستعداد دولة �أجنبية بالقيام بعدوان على المغرب.
هذه الجريمة �إما �أن تكون خيانة �إذا با�شرها المغربي طبقا للف�صل 181و�إما �أن تكون
تج�س�سا �إذا ارتكبها الأجنبي طبقا لمقت�ضيات الف�صل .1 185
ال�شرط الأول :مبا�شرة ات�صاالت مع �سلطة �أجنبية بق�صد حملها على القيام بعنوان �ضد
المغرب.
المالحظة �أن مفهوم ال�سلطات الأجنبية ين�صرف �إلى مفهوم الدولة الأجنبية المعادية �أم ال
�آو �أي كيان تنق�صه �أحد المقومات الأ�سا�سية العتباره دولة وفقا لقواعد القانون الدولي العام.2
رغم �أن الم�شرع �أورد االت�صال ب�صفة الجمع ف�إن ات�صاال واحدا يعني قيام جريمة الخيانة
«�إذا �إرتكب هذا الفعل مواطنا مغربيا» والتج�س�س �إذا �إرتكب هذا الفعل �شخ�ص �أجنبي ف�إن
العبرة لي�ست بعدد االت�صاالت و �إنما العبرة بنجاح ا�ستدعاء الدولة الأجنبية للعدوان �ضد
3
المغرب من عدمه.
ال�شرط الثاني :تزويد ال�سلطة الأجنبية بالو�سائل الالزمة بالعدوان على المغرب وهي
�صورة تتحقق �إما لت�سهيل دخول القوات الأجنبية �إلى المغرب واما بزعزعة �إخال�ص القوات
البرية �أو البحرية �أو الجوية و�إما ب�أية و�سيلة �أخرى ما من �شئنها ا�ستدعاء الدول الأجنبية
للعدوان �ضد المغرب.و تكييف هذه الو�سيلة �أمر يخت�ص به الق�ضاء.
الفقرة الثانية :الركن المعنوي
�أوال :الركن المعنوي لجريمة حمل ال�سالح �ضد المغرب.
يجب �أن تتجه نية الفاعل المغربي و�إرادته �إلى حمل ال�سالح في جي�ش معاد للمغرب و�أن
يتعمد م�ساعدة العدو من �أجل الإ�ضرار ببالده ومن تم ال تقوم جناية حمل ال�سالح �إذا كان
حامله يجهل مثال ب�أنه مغربي �أو تم �إكراهه لحمل ال�سالح �ضد بلده حتى مع علمه انه مغربي.
كما هو الحال بالن�سبة للمغاربة الذين قد ي�ساقون كرها �إلى مع�سكرات معادية ويجندون
هناك ويدربون على ا�ستعمال الأ�سلحة �ضد بلدهم حيث ال يمكن متابعتهم بجناية حمل ال�سالح
�ضد المغرب.4
11الف�صل 185من ق.ج جاء فيه(( :يعد مرتكبا جلناية التج�س�س ويعاقب بالإعدام كل �أجنبي �إرتكب �أحد الأفعال املبينة يف
الف�صل 181فقرة 2و 3و 4و 5والف�صل .))182
22مبارك ال�سعيد بن القائد اجلنائي اخلا�ص الطبعة 1الرباط � 2000ص.59.
33احمد قيل�ش -جميدي ال�سعدية و�آخرون ،مرجع �سابق� ،ص.52.
44عبد الواحد العلمي ،مرجع �سابق.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 42
ثانيا -الركن المعنوي لجريمة ا�ستعداد دولة �أجنبية للقيام بالعدوان �ضد المغرب
�ضرورة توافر علم الجاني واتجاه �إرادته �إلى �إرتكاب فعل مخالف للقانون الجنائي
وا�ستعداده لدولة �أجنبية من �أجل القيام بعدوان �ضد بلده المغرب وبالتالي �إذن ي�ستهدف هذا
االت�صال �أي عدوان فال تقوم هذه الجريمة مطلقا و مثال ذلك �أن يدلي �ضابط في الجي�ش
المغربي بمعلومات �إلى �ضابط �أخر عن ح�سن نية ف�إذا بهذا الأخير ير�سلها �إلى دولة �أجنبية
لت�ستغلها في اقتحام قواتها للأرا�ضي المغربية ففي هاته الحالة ال يمكن متابعة ال�ضابط
ح�سن النية بجناية الخيانة.
يبدو �أن هذه المتابعة تكون واجبة في حق ال�ضابط الثاني �إذا كان مغربيا �أما �إذا كان �أجنبيا
فال يتابع بجناية الخيانة و �إنما بجناية التج�س�س لتوافر الق�صد الجنائي لديه 1فمن الطبيعي
ان ي�شدد الم�شرع المغربي العقاب على كل من �سولت له نف�سه الم�سا�س ب�إحدى الم�صالح
المذكورة عن طريق �إتيان جريمة الخيانة �أو التج�س�س.
المطلب الثاني :جريمة الخيانة و التج�س�س درا�سة العقاب
خ�ص�ص الم�شرع لجرائم الخيانة و التج�س�س الف�صول 181و 182و 185من ق.ج حيث نجده
�شدد العقاب �أحيانا وخففه وهذا ما �سنعالجه على امتداد فقرتين.
الفقرة الأولى :الأعذار الم�شددة
كقاعدة عامة عاقب الم�شرع الجنائي على جريمة الخيانة والتج�س�س بمختلف �صورها
بالإعدام .وقد جاء الن�ص �صريحا في هذا الباب اذ ن�ص الف�صل 181من ق.ج فيما يخ�ص
جريمة الخيانة على الآتي« :ي�ؤاخذ بجناية الخيانة و يعاقب بالإعدام كل مغربي �إرتكب في وقت
�سلم �أو في وقت حرب �أحد الأفعال الآتية -1:حمل ال�سالح �ضد المغرب .«...-2
كما ن�ص الف�صل 182من نف�س القانون على العقوبة ذاتها في حالة تحري�ض الع�سكريين �أو
جنود البحرية على االن�ضمام �إلى خدمة �سلطة �أجنبية �أو �سهل لهم و�سائل ذلك �أو قام بعملية
التجنيد لح�ساب �سلطة توجد في حالة حرب مع المغرب �أو با�شر االت�صاالت مع �سلطة �أجنبية
�أو مع عمالئه وذلك بق�صد م�ساعدتها في خططها �ضد المغرب.... 2
11عبد الواحد العلمي ،مرجع �سابق� ،ص.85.
22جاء يف الف�صل 182ما يلي(( :ي�ؤاخذ بجناية اخليانة ،ويعاقب بالإعدام ،كل مغربي ارتكب ،يف وقت احلرب� ،أحد
الأفعال الآتية:
- 1حر�ض الع�سكريني �أو جنود البحرية على االن�ضمام �إىل خدمة �سلطة �أجنبية �أو �سهل لهم و�سائل ذلك �أو قام بعملية
التجنيد حل�ساب �سلطة هي يف حالة حرب مع املغرب.
- 2با�رش ات�صاالت مع �سلطة �أجنبية �أو مع عمالئها ،وذلك بق�صد م�ساعدتها يف خططها �ضد املغرب.
� - 3ساهم عمدا يف م�رشوع لإ�ضعاف معنوية اجلي�ش �أو الأمة ،الغر�ض منه الإ�رضار بالدفاع الوطني.
43 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
كما �أن نف�س العقوبة -الإعدام� -أقرها الف�صل 185من ذات القانون -فيما يخ�ص جريمة
التج�س�س -فن�ص بالحرف على انه(( :يعد مرتكبا لجناية التج�س�س ويعاقب بالإعدام كل
�أجنبي �إرتكب �أحد الأفعال المبينة في الف�صل 181فقرة 2و 3و 4و 5والف�صل .))182
ولعل ت�شدد الم�شرع في العقاب على مرتكب جريمة الخيانة بالإعدام راجع بالأ�سا�س �إلى
خطورتها-ال �سيما في فترة الحرب -الردع الذي يبتغيه الم�شرع من وراء هذا الت�شديد للحيلولة
دون خروج الفعل عن طاعة وطنه ووالئه له.
�أما ت�شدده فيما يتعلق بجريمة التج�س�س فيف�سره ما يمكن ان ي�ؤدي �إليه الفعل المرتكب من
طرف الأجنبي في هذا النوع من الجرائم من تهديد ا�ستقرار المغرب و�أمنه و وحدته درءا لنار
الفتنة و لم�ساوئ الحرب التي تهلك الحرث و الن�سل.فكان طبيعيا �أن يعاقب الم�شرع مرتكب
هذه الجرائم بالإعدام .و �سبب �إعدامه يرتبط بما يكنه للمغرب من عداوة قائمة على العنف
فحيثما توفر هذا العن�صر يتم ت�شديد هذه العقوبة فيحكم عليه بالإعدام .وبالإ�ضافة �إلى كل
هذه الأ�سباب التي دفعت الم�شرع �إلى ت�شديد العقوبة يبقى الهدف الرئي�سي الذي يهدف �إليه
الم�شرع من وراء ذلك هو وجوب ا�ستئ�صال هذه الجرائم في مهدها قبل �أن ي�ستفحل �أمرها و
ي�شتد عودها فتزداد �شوكتها و يت�ضاعف خطرها .و من �أوجه ت�شديد الم�شرع العقاب على هذا
النوع من الجرائم انه لم يميز بين الفاعل الأ�صلي �أو الم�ساهم �أو الم�شارك فكلهم في العقاب
�سواء .هذا ف�ضال على انه لم يتقيد بالقيود وال�ضوابط المحددة بموجب الف�صول من � 704إلى
711من قانون الم�سطرة الجنائية .وهذا في نظرنا �أما راجح �إلى العقاب الذي اقره الم�شرع
1
لمقترفي هذه الجرائم وهو الإعدام و �إما راجع لعدم خ�ضوعها ال للعفو وال للتقادم
الفقرة الثانية :الأعذار المخففة:
قدمنا �أن عقوبة جرائم الخيانة والتج�س�س هو الإعدام .لكن في واقع الأمر نجد �أن هاته
العقوبة مبدئية ال غير .ذلك �أن الم�شرع المغربي �سرعان ما �أورد عليه ا�ستثناءات �أنزلت
العقوبة �إلى ال�سجن المحدد بدل الإعدام و ذلك بتوافر �شرطين �أ�سا�سيين هما:
ال�شرط الأول :فيتمثل في وجوب �إرتكاب الفعل وقت ال�سلم ال وقت الحرب.
ال�شرط الثاني :يكمن في �ضرورة �أن يكون الفعل المرتكب وقت ال�سلم من الأفعال التي ال
ت�شكل خطورة على المملكة المغربية.
ويعد الع�سكريون وجنود البحرية من الأجانب العاملني يف خدمة املغرب مماثلني للمغاربة فيما يتعلق بتطبيق هذا الف�صل
والف�صل ((181.
11عبد الواحد العلمي ،مرجع �سابق� ،ص.54.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 44
�أما �إذا تم �إتيان نف�س الفعل وقت الحرب ف�إن العقوبة تكون هي الإعدام ولي�س ال�سجن
المحدد �سواء كان الفعل المرتكب خطيرا �أو لم يكن .وتطبيقات هذين ال�شرطين ن�ست�شفها
مما ن�ص عليه الم�شرع المغربي في الف�صل 183و 184من ق.ج .وهكذا ن�ص الف�صل 183من
ق.ج-فيما يتعلق بال�شرط الأول-على �أنه« :يعاقب بال�سجن من خم�سة �إلى ع�شرين �سنة كل
مغربي �ساهم عن علم وقت ال�سلم في م�شروع لإ�ضعاف معنويات الجي�ش الغر�ض منه الإ�ضرار
بالدفاع الوطني» .1وفيما يخ�ص ال�شرط الثاني-ن�ص الف�صل 184من ق.ج -على �أنه « :يعاقب
بال�سجن من خم�س �إلى ثالثين �سنة كل مغربي �أو �أجنبي �إرتكب وقت ال�سلم �أحد الأفعال الآتية:
� - 1أ�ساء عمدا �صنع عتاد حربي� -2 -إذا لم يكن من �ش�أن ذلك �أن ي�سبب �أي حادث .2»...وعليه
ففي غير هذه الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صل �أعاله ال يتمتع الجاني بعذر مخفف من
العقاب فتكون العقوبة المقررة في حقه هي الإعدام.3
خاتمة:
«�إن الح�ضارة تبد�أ حيث ينتهي اال�ضطراب والقلق ،لأنه �إذا ما �أمن الإن�سان من الخوف،
تحررت في نف�سه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإن�شاء ,وبعدئذ ال تنفك الحوافز الطبيعية
ت�ستنه�ضه للم�ضي في طريقه �إلى فهم الحياة و�إزهارها» ،هذا ما جاء على ل�سان ول وايريل
ديورنتا في كتابه ق�صد الح�ضارة ،بحيث �أنه بتمعن في هذه الأ�سطر القليلة يتبين �أن المجتمع
الذي قد يت�صف بالتقدم الح�ضاري لي�س هو المجتمع الذي له الريادة على الم�ستوى االقت�صادي
وال له ذلك الرقي في بعده ال�سيا�سي وال حتى كذلك التطور التكنولوجي ي�ؤخذ كمعيار لمدى
تطوره وتح�ضره بالمعنى الأدق .في حين �أن المعيار ال�شامل الذي يمكن �أن ن�ستقيه من خالل
ما جاء عن الم�ؤرخ ديوانت �أن المعيار ال�شامل الذي يمكن �أن يقا�س به التقدم الح�ضاري هو ما
يتعلق بال�شعور بالأمن ،والمجتمع المتقدم ح�ضاريا ،هو ذلك المجتمع الذي يوفر �أو�سع م�شاعر
الأمن للغالبية العظمى من مواطنيه.
11لقد جاء يف الف�صل � 183أنه(( :يعاقب بال�سجن من خم�س �إىل ع�رشين �سنة كل مغربي �أو �أجنبي �ساهم عن علم وقت ال�سلم،
يف م�رشوع لإ�ضعاف معنوية اجلي�ش ،الغر�ض منه الإ�رضار بالدفاع الوطني)).
22جاء يف الف�صل � 184أنه(( :يعاقب بال�سجن من خم�س �إىل ثالثني �سنة كل مغربي �أو �أجنبي ارتكب ،وقت ال�سلم �أحد
الأفعال الآتية:
� - 1أ�ساء عمدا �صنع عتاد حربي� ،إذا مل يكن من �ش�أن ذلك �أن ي�سبب �أي حادث.
� - 2أتلف �أو حطم عمدا عتادا �أو م�ؤنا خم�ص�صة للدفاع الوطني �أو ت�ستعمل لفائدته.
- 3عطل مرور هذا العتاد بالعنف.
� - 4ساهم عمدا يف عمل �أو يف الإعداد لعمل قامت به ع�صابة وا�ستعملت فيه القوة ال�سافرة ،ق�صد به ونتج عنه �إرتكاب
�إحدى اجلنايات املن�صو�ص عليها يف الفقرات ال�سابقة من هذا الف�صل)).
33عبد الواحد العلمي ،مرجع �سابق� ،ص.56.
45 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
لأجل ذلك يعتبر �أمن الدولة وا�ستقرارها من الموا�ضيع الحيوية في القوانين الو�ضعية
وال�شريعة الإ�سالمية ،التي ال ي�سمح لأي كان �أن يعتر�ضها التهديد في كل الأحوال ولأي �سبب
�أو حجة كانت.
فلقد كان والزال �أمن الدولة محل االهتمام والحماية ل�ضمان رقيها وتطورها ،لذلك دعت
الحاجة باال�ستقرار المتوا�صل لالجتهاد لحماية هذه المفاهيم االجتماعية ،للبحث عن و�سائل
تحمل على تجريم هذه الأفعال ومعاقبة فاعلها ب�أ�شد العقوبات.
وعليه فبتطور المجتمعات برزت م�شكالت �أمنية كبرى داخل الدول �أخذت �أبعادا عديدة،
نتج عنها م�شكالت �أمنية وطنية �أو �إقليمية ،بل تعدت ذلك و�أ�صبحت م�شكلة عالمية ،ال يمكن
لأي دولة �أن تعتبر نف�سها في من�أى عن مخاطر ال�شيء الذي ال يجعل �أي دولة تعتبر نف�سها في
من�أى عن مخاطره ،فال غرابة �أن نرى االهتمام العالمي من الدول المتقدمة وال�سامية بموا�ضيع
الأمن في جميع دول العالم ،فال �أمن داخل الحدود الوطنية بدون �أمن لدى دول الجوار.
وت�أ�سي�سا على ما �سبق يبرر لنا مدى اهتمام الت�شريعات الدولية بالجرائم الما�سة ب�أمن الدول
من جهة الداخل �أو الخارج ،وذلك نظرا للخطورة البالغة لهذه الجرائم وما ي�ستلزم معها من
احتياط بالغ في التعامل معها ب�شدة وذكاء لكبح جماح هذه الجرائم ولردع كل من ت�سول له نف�سه
�أن يهدد ا�ستقرار و�أمن المجتمع الأمر الذي اتبعه و�أكد عليه الم�شرع المغربي ليتبع من خالله
�سيا�سة تحويطية في مجال جرائم �أم الدولة �سواء �أكانت الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة من جهة
الداخل �أو الخارج ،وذلك من خالل �إيراد الن�صو�ص الناظمة لأمن الدولة ،بغية حماية وجود
الدولة من الأخطار التي تهددها من مختلف الجرائم والأفعال التي قد تنال من هيبتها ومكانتها.
47 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
➋
الجرائـم الما�سة بحقوق الإن�سان :
التعذيـــب ،الإتجار بالب�شر والإختفاء الق�سـري
تمهيــد:
�شكلت �إ�سهامات الفكر المثالي ،والنظريات الأخالقية ،والمعتقدات الب�شرية والأديان
ال�سماوية دورا �أ�سا�سيا في تر�سيخ قيم حقوق الإن�سان ،وقد جعلت مجموعة من تلك
النظريات والمعتقدات من تخليق حقوق الإن�سان محور �أفكارها وتوجهاتها ،كما جعلت
منه الديانات الإبراهيمية الثالث محور ر�سالتها� ،إذ ال ت�ستقيم الحياة في رحلة عمر
الإن�سان فوق الأر�ض� ،إال �إذا كانت له حقوق ت�صون كرامته ،وتوفر له ال�شروط المو�ضوعية
لإدارة الأر�ض التي �إ�ستخلفه اهلل عليها ،بما ي�ضمن ح�سن �إعمارها وتدبير �ش�ؤونها� ،إذ
بتمتعه وممار�سته لحقوقه ي�صبح �صالحا م�ؤهال للقيام بالأمانة التي عهد اهلل بها �إليه.1
ويعتبر الإعالن العالمي لحقوق الإن�سان ال�صادر بتاريخ 10دجنبر 1948وجزء من التراث
القانوني للدول الغربية ،ونتاجا من معطيات ح�ضارتها ،وعنوانا لتقدمها واعتبر خبراء التنمية
الإجتماعية واالقت�صادية ممار�سة المواطن لحقوقه وتمتعه بها �شرطا �أ�سا�سيا من �شروط
نجاح خطط التنمية ال�شاملة� ،إذ يتجلى ذلك من خالل التراث العالمي المعا�صر لحقوق
الإن�سان ،التي تثوي مبادئ ملزمة فر�ضتها الجماعة الإن�سانية منذ انتهاء الحرب العالمية
الثانية تحديدا ،على االلتزام بها التزاما قانونيا ،يجد �سنده في �آليات دولية ،وداخلية تكفل
تحقق تلك االلتزامات� ،أي �أنها� ،أي حقوق الإن�سان� ،أ�ضحت في الع�صر الحا�ضر لي�ست مجرد
مبادئ فا�ضلة تح�ض عليها الأخالق والقيم� ،أو تعاليم تح�ض عليها الأديان ،بل تحولت �إلى
التزامات قانونية تعر�ض من يخالفها لجزاءات على الم�ستوى الدولي والإقليمي والوطني.
و�إذا كانت حقوق الإن�سان هي مجموعة الحقوق الل�صيقة ب�شخ�صية الإن�سان لمجرد كونه
�إن�سانا ،كما ن�صت عليها المواثيق الدولية ،وتكفل له التمتع بها ،بحيث ال يجوز تجريده منها
لأي �سبب كان ،ب�صرف النظر عن كل مظاهر التميز كالدين واللغة واللون والأ�صل والعرق
والجن�س� ،إال �أن هذه الحقوق تعر�ضت النتهاكات ج�سيمة ،لأ�سباب متعددة ،منها ما هو
11قال الله تعاىل يف �سورة الأنبياء الآية « 105إن األرض يرثها عبادي الصاحلون.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 48
مرتبط بطبيعة العالقات الدولية والحروب الأهلية والنزاعات الم�سلحة ،ومنها ما هو مرتبط
بال�سيا�سات العمومية للدول ،وقدرتها على تنزيل منظومتها الديمقراطية ،تحقيقا للعدالة
االجتماعية ،وللم�ساواة في الحقوق والواجبات.
ولعل من مظاهر تلك االنتهاكات التي �أ�صبحت تعطي م�ؤ�شرات مقلقة على م�ستوى
الإح�صائيات المتعلقة بتنامي الظاهرة الإجرامية ،نجد جرائم الإتجار بالب�شر ثم جريمة
التعذيب ثم جريمة الإختفاء الق�سري.
ثالثة محاور� ،سنعتمد فيها �آلية التحليل في �صيانة �أجوبة لها لتف�سيرها في ارتباطها مع
حقوق الإن�سان ،وذلك بالقدر الذي يتالءم وحدود هذا البحث وبالعمق التحليلي الذي ي�ستلزمه
مو�ضوع من حجم الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان.
المبحث الأول :الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان ❑
جزاءات م�شروعة �أو مالزما لهـ ــا �أو مت ـ ــرتبا عليها في ح ــدود تم�شي ذلك م ــع القواع ــد
النموذجي ــة الدني ــا لمعاملـ ـ ــة ال�سجن ــاء).1
الإطار الثاني � :إتفاقية 1984مناه�ضة التعذيب وغيره من �ضروب المعاملة �أو العقوبة
القا�سية �أو الال�إن�سانية �أو المهينة.
ن�صت الإتفاقية في المادة الأولى على �أنه( :لأغرا�ض هذه الإتفاقية يق�صد بالتعذيب �أي
عمل ينتج عنه �ألم �أو عذاب �شديد ،ج�سديا كان �أم عقليا ،يلحق عمدا ب�شخ�ص ما بق�صد
الح�صول من هذا ال�شخ�ص� ،أو من �شخ�ص ثالث ،على معلومات �أو على اعتراف� ،أو معاقبته
على عمل ارتكبه �أو ي�شتبه في �أنه ارتكبه ،هو �أو �شخ�ص ثالث� ،أو تخويفه �أو �إرغامه هو �أو
�أي �شخ�ص ثالث� ،أو عندما يلحق مثل هذا الألم �أو العذاب لأي �سبب من الأ�سباب يقوم على
التمييز �أيا كان نوعه� ،أو يحر�ض عليه �أو يوافق عليه �أو ي�سكت عنه موظف ر�سمي �أو �أي �شخ�ص
�آخر يت�صرف ب�صفته الر�سمية؛ وال ي�شمل هذا التعريف الألم �أو العذاب النا�شئ فقط عن
عقوبات قانونية �أو المالزم لهذه العقوبات �أو الذي يكون نتيجة عر�ضية لها).
ومن الجدير بالذكر �أنه قد كان هناك الكثير من المحاوالت من فريق العمل المكلف
بتعريف التعذيب حتى �إ�ستقر على ما هو مدون بالمادة الأولى من �إتفاقية الأمم المتحدة
لمناه�ضة التعذيب.2
الإطار الثالث :الإتفاقية الأمريكية ل�سنة 1987لمنع التعذيب :
حيث ن�صت في المادة الثانية على �أنه( :لأغرا�ض هذه الإتفاقية -يفهم التعذيب على �أنه
فعل يرتكب عمد ًا لإنزال الألم البدني �أو العقلي �أو المعاناة ب�أي �شخ�ص لأغرا�ض التحقيق
الجنائي كو�سيلة للتخويف �أو كعقوبة �شخ�صية �أو ك�إجراء وقائي �أو لأي غر�ض �آخر ،ويفهم
التعذيب كذلك على �أنه �إ�ستخدام الو�سائل التي يق�صد بها طم�س �شخ�صية ال�ضحية،
�أو �إ�ضعاف قدراته البدنية �أو العقلية حتى و�إن لم ت�سبب الألم البدني �أو العقلي.وال ي�شمل
مفهوم التعذيب الألم البدني �أو العقلي �أو المعاناة التي تالزم �أو تكون من �آثار الإجراءات
القانونية ب�شرط �أال ت�شمل �إرتكاب �أعمال �أو �إ�ستعمال و�سائل م�شار �إليها في هذه المادة).
الإطار الرابع :نظام روما الأ�سا�سي للمحكمة الجنائية الدولية:
ن�صت المادة 2/7على �أنه :يق�صد بالتعذيب( :عمد �إلحاق �ألم �شديد �أو معاناة �شديدة،
�سواءا بدني ًا �أو عقلي ًا ،بالمتهم �أو �أي �شخ�ص موجود تحت الإ�شراف �أو ال�سيطرة ،ولكن ال
ي�شمل التعذيب �أي �ألم �أو معاناة ينجمان فح�سب عن عقوبات قانونية �أو يكونان جزء ًا منها �أو
نتيجة لها).
الفقرة الثانية :التمييز بين التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية �أو المهينة:1
تتطلب �إتفاقية الأمم المتحدة لمناه�ضة التعذيب من الدول حظر (�أي �أعمال �أخرى
من �أعمال المعاملة �أو العقوبة القا�سية �أو الال�إن�سانية �أو المهينة التي ال ت�صل �إلى حد
التعذيب) ،عندما يرتكبها موظف عمومي �أو �شخ�ص �آخر يت�صرف ب�صفة ر�سمية �أو
يحر�ض عليها� ،أو عندما تتم بموافقته �أو ب�سكوته عليها2؛ ولم تقدم الإتفاقية �أي تف�سير
�أو تعريف يفرق بين تلك الأعمال -الال�إن�سانية -وبين التعذيب ،حيث �أن الفارق غير
وا�ضح ،كما �أن تلك الممار�سات ن�سبية ،فقد تكون ل�شخ�ص ما تعذيبا ولآخر مجرد
معاملة فيها قدر من الخ�شونة؛ وهو ما ي�شكل م�شكلة فيما يتعلق بالتزامات الدول.3
ومن الجدير بالذكر �أن �شدة الألم الج�سدي �أو النف�سي �أو المعاناة هو جانب �شخ�صي
تماما ،فمن الممكن �أن ي�شكل التهديد فقط تعذيبا نف�سيا ،ومن الممكن مجرد �سماع
ال�ضحية الأخرى ت�صرخ من الألم فيكون تعذيبا على �شخ�ص �آخر؛ كما قد يكون مجرد
الركل وال�سب تعذيبا ل�شخ�ص ذو مكانة عالية �أو على درجة من الإح�سا�س المرهف ،وتكون
تلك الأفعال ل�شخ�ص معتاد الإجرام �أعماال ب�سيطة ال تمثل في ج�سده �أو نف�سه �شيئا يذكر.
-ولذلك:
�إن التمييز بين التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية �شيء من ال�صعب التفرقة بينهما؛ فمن
المعامالت الال�إن�سانية �أثناء التحقيق( :تع�صيب العينين ،ووقوفه لعدة �ساعات طويلة بدون
طعام �أو �شراب� ،أو و�ضعه في حجرة بها �ضو�ضاء ب�صوت عالي �أو �سماع �صوت رنين بطريقة
1. See: Definition of the crime of and inhuman treatment torture M. Shokry state crimes against huma-
nity Genocide, deportation and torture, From the perspectives of international and islamicalws, A.S.
noordeen, 2000, P.135.
22املادة 16من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب لعام .1984
� 33أنظر وثيقة الأمم املتحدة رقم « »CAR/CGC/2/CRP.1جلنة مناه�ضة التعذيب التعليق العام رقم «.»2
51 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
مرتفعة جدا� ،أو �إلقاء مياه على الأر�ض للمنع من النوم) ،كل هذه الأ�شياء ي�صعب التمييز
بينها هل تعد تعذيبا �أم نوعا من المعاملة الال�إن�سانية؟ فقد يعتبرها البع�ض نوعا من التعذيب،
والبع�ض الآخر مجرد معاملة ال �إن�سانية ال ترقى �إلى درجة التعذيب .ومن هنا ن�ستطيع القول
ب�أنها م�س�ألة ن�سبية تختلف من �شخ�ص �إلى �أخر ،مع الو�ضع في االعتبار الظروف المالب�سة لكل
واقعة على حدة.
ومن هنا كان لزاما علينا �إي�ضاح �أ�سا�س التزام الدول بعدم التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية
�أو المهينة في �ضوء المواثيق الدولية والت�شريعات الوطنية.
الفقرة الثالثـة :جريمة التعذيب في الت�شريع المغربي.
من الم�ؤكد �أن االلتزام بمبادئ حقوق الإن�سان ،ي�شكل م�سالة جوهرية في م�سار بناء دولة
الحق والقانون ،وقد بادر المغرب منذ منت�صف القرن الما�ضي� ،إلى االنخراط في م�سل�سل
الم�صادقة على ال�صكوك الدولية ،ذات ال�صلة بحقوق الإن�سان ،و مالءمة الت�شريعات الوطنية
مع الإتفاقيات الدولية ك�آلية من �آليات تطبيق و تر�سيخ تلك المبادئ الدولية .وبغ�ض النظر عن
�آلية المالءمة ،ف�إن هيئات الأمم المتحدة ت�ضطلع بمهمة مراقبة الطريقة التي تفي من خاللها
الدول بالتزاماتها تجاه الإتفاقيات �أو العهود �أو الإعالنات الموقعة ،وذلك عبر مجموعة من
الهيئات الدولية وم�سطرة التقارير الدولية.
و�إذا كانت الإتفاقيات الدولية قد �أحدثت �آليات لتتبع مدى تفعيل الدول لمقت�ضيات
التزاماتها ،ف�إنها ن�صت �أي�ضا ،على �ضرورة ا�ستنفاذ الم�ساطر الوطنية قبل التوجه �إليها ،وهذا
ما ي�ضاعف من �أهمية التعرف على طبيعة دور تلك الآليات ،ومجال اخت�صا�صها وتدخلها.
فال �شك �أن اللجوء �إلى هذه الم�ؤ�س�سات ،ي�ساهم في تفعيل دورها ويراكم اجتهاداتها
وممار�ستها ل�صالحياتها ،بما ي�ؤ�صل لثقافة حقوقية ،تدعم دولة الم�ؤ�س�سات ،و�أن �أهم مجال
لتطبيق الإتفاقيات الدولية الخا�صة بحقوق الإن�سان ،التي من جملتها �إتفاقية مناه�ضة التعذيب
هو مجال القانون الجنائي من خالل ن�صو�صه الخا�صة.
غير �أن التطبيق الأمثل لالتفاقيات الدولية يقت�ضي �إدماجها في الن�سيج القانوني الداخلي،
وذلك بالتطبيق المبا�شر من طرف ال�سلطة الق�ضائية لبنود االتفاقية ،ف�ضال عن الت�شريعات
الوطنية التي تتبنى المقت�ضيات الدولية ،ودون �أن نخو�ض في الإ�شكاالت القديمة ب�ش�أن
مدى �إلزامية الإتفاقيات الدولية من زاوية القانون الدولي ،والتي تجاوزها د�ستور 2011في
ت�صديره ،ف�إننا نت�ساءل �أ�سا�سا عن مدى التزام الم�شرع المغربي في مالءمة ت�شريعه الجنائي
لالتفاقيات الدولية؟
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 52
عرف القانون الجنائي المغربي تطورا في تجريم ومعاقبة التعذيب من خالل التعديل رقم
43.04باعتباره جريمة م�ستقلة ،عطفا على التزام المملكة المغربية د�ستوريا ،بما تو�صل �إليه
القانون الدولي من تطور ب�ش�أن تجريم التعذيب ،وذلك عن طريق الم�صادقة على عدة وثائق
دولية �سواء عامة �أو متخ�ص�صة في منع اللجوء للتعذيب ،مثل الم�صادقة على العهد الدولي
لحقوق المدنية وال�سيا�سية ،وكذا �إتفاقية الأمم لمناه�ضة التعذيب ل�سنة ،1984وبالأ�سا�س
الم�صادقة على �إتفاقية مناه�ضة التعذيب �سنة ،1993وهو ما يفيد التزام المغرب ب�ضمان
تجريم التعذيب ومعاقبة �أي �شخ�ص يحاول ممار�سته �أو يقوم بعمل �آخر ي�شكل تواط�ؤ �أو م�شاركة
في التعذيب.1
لقد �شكل د�ستور 2011منعطفا �أ�سا�سيا في التغيير�،2إذ �أعلن في ت�صديره على �أن «المملكة
المغربية ....الع�ضو العامل الن�شيط في المنظمات الدولية ،تتعهد بالتزام ما تقت�ضيه مواثيقها
من مبادئ وحقوق وواجبات ،وت�ؤكد ت�شبثها بحقوق الإن�سان كما هي متعارف عليها عالميا....
وت�ؤكد وتلتزم ب ...حماية منظومتي حقوق الإن�سان والقانون الدولي الإن�ساني والنهو�ض بهما،
مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق ،وعدم قابليتها للتجزيء ،»...فكان تتويجا للتطورات
التي لحقت بملف حقوق الإن�سان خالل ال�سنوات الأخيرة ،والتي من بينها العمل الكبير
الذي قامت به هيئة الإن�صاف والم�صالحة جبرا لل�ضرر الذي لحق �ضحايا ما كان ي�سمى
11من القواعد امل�سلم بها يف القانون الدويل �أن �إمتام �إبرام املعاهدة الدولية ،يرتتب عليه بال�رضورة التزام كافة الدول
الأطراف بتنفيذها يف جمال القانون الدويل و جمال النظام القانوين الداخلي على ال�سواء .و من امل�سلم به كذلك �أن
التزام الدولة بتنفيذ املعاهدة داخل �إطار نظامها القانوين هو التزام بتحقيق نتيجة و لي�س جمرد التزام عناية ،ومن �ش�أن
�إخالل الدولة بهذا االلتزام� ،أو تراخيها يف االن�صياع له �أن ي�ؤدي �إىل قيام م�س�ؤوليتها الدولية يف هذا ال�صدد .فهل
م�صادقة املغرب على �إتفاقية مناه�ضة التعذيب كاف ليعمل القا�ضي املغربي مبقت�ضياتها و يكيف الأفعال التي قد يرتكبها
املوظف العمومي على �ضوء هذه الإتفاقية بغ�ض النظر عن الت�رشيعات الداخلية انطالقا من مبد�أ �سمو املعاهدات الدولية
على الت�رشيعات الداخلية الذي �أ�صبح ينهجه املجتمع الدويل؟ �أم �أن الأمر ي�ستدعي عدم فتح املجال ملثل هذه الإ�شكاالت
الفقهية من خالل العمل على مالئمة الت�رشيع الداخلي ملقت�ضيات هذه الإتفاقية ال�سيما تلك التي �أ�س�ست عليها �أ�صال و املتعلقة
باالتفاق حول تعريف موحد جلرمية التعذيب بني الدول الأطراف.
د� .أبو اخلري �أحمد عطية عمر ،نفاد املعاهدات الدولية يف النظام القانوين الداخلي ،دار النه�ضة العربية القاهرة 2003
�ص36.
� 22إن الباحث يف ثنايا الد�ساتري املغربية ال يجد �أي مقت�ضى قانوين يحرم فعل التعذيب ب�شكل �رصيح �أو ين�ص على احلق
يف ال�سالمة اجل�سدية و النف�سية للمواطنني ،ف�صحيح �أن الف�صل العا�رش نت الد�ساتري املغربية يقر�أنه «ال يلقى القب�ض على
�أحد و ال يعتقل ،وال يعاقب �إال يف الأحوال و ح�سب الإجراءات املن�صو�ص عليها يف القانون» �إال �أن هذا القرار ال يعني
بال�رضورة حظر التعذيب الذي �أقرته �إتفاقية مناه�ضة التعذيب ل�سنة ،1984وميكن مقارنة هذا الف�صل بن�ص الف�صل
التا�سع من الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان الذي جاء فيه «ال يجوز القب�ض على �إن�سان �أو حجزه �أو نفيه تع�سفا» و هو
يعني احلق يف عدم التوقيف بدون حماكمة� ،أي احلق يف الأمان و لي�س احلق يف ال�سالمة اجل�سدية والعقلية الذي قامت
عليه �إتفاقية مناه�ضة التعذيب.
كما ت�ضمن القانون الأ�سا�سي للملكة ال�صادر يف 2يونيو 1961مبد�أ �إلزامه للدولة ب�صيانة كرامة الأ�شخا�ص مت�أثرا
بالإعالن العاملي حلقوق الإن�سان و بروح النقا�ش داخل اجلمعية العامة للأمم املتحدة �أبان حت�ضري العهد الدويل للحقوق
املدنية ال�سيا�سية� ،أنظر « د .علي كرميي �ص» 31و �ص،40.م �س.
53 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ب�سنوات الر�صا�ص ،خدمة لمو�ضوع «العدالة االنتقالية» ،وكانت تو�صيات الهيئة تت�سم بالجر�أة
والمو�ضوعية ،تجنبا لما حدث في الما�ضي� ،إ�ضافة �إلى الرقي بم�ؤ�س�سة المجل�س الوطني
لحقوق الإن�سان� ،إلى م�صاف الهيئات الوطنية وفق «�إعالن باري�س».
ولعل الإلتزام الدولي ،الم�ؤكد ب�سمو المعاهدات والإتفاقيات الدولية «كما �صادق عليها
المغرب ،وفي نطاق �أحكام الد�ستور ،وقوانين المملكة ،وهويتها الوطنية الرا�سخة»� ،سيتمم
بالئحة من الحقوق والحريات المكر�سة د�ستوريا ،والتي �أفرد لها الم�شرع الد�ستوري بابا خا�صا
بها تحت عنوان «الحريات والحقوق الأ�سا�سية» والتي تت�ضمن الم�ساواة بين الرجل والمر�أة في
الحقوق والحريات المدنية وال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية والبيئية ،وال�سعي
نحو تحقيق المنا�صفة بين الرجل والمر�أة }الف�صل ،{19والحق في الحياة }الف�صل {20
وال�سالمة ال�شخ�صية }الف�صل ،{21وتجريم التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية �أو المهينة �أو
المحطة من الكرامة الإن�سانية }الف�صل ،{22وكذا االعتقال التع�سفي �أو ال�سري �أو الإختفاء
الق�سري ،والت�شديد على قرينة البراءة ،وحظر كل تحري�ض على العن�صرية �أو الكراهية �أو
العنف }الف�صل ،1{23هذه الحقوق الد�ستورية لي�ست �إعالنات نوايا بل هي التزامات تخ�ضع
الدولة المغربية لها ،بل و تلتزم ب�ضمان �إحترامها و حماية الأ�شخا�ص من �إمكانية الم�سا�س بها،
وما يزكي هذا الطرح م�صادقة الحكومة المغربية يوم 26ماي 2011على البروتوكول االختياري
لإتفاقية مناه�ضة التعذيب وغيره من �ضروب المعاملة �أو العقوبة القا�سية �أو الال�إن�سانية �أو
المهينة ،الذي �أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر ،2002توجه نحو االعتراف
بحق ال�ضحايا في تقديم ال�شكاوى مبا�شرة �أمام اللجنة الأممية ذات ال�صلة باالتفاقية ،في
حالة عدم احترام حقوقهم و حرياتهم ،التي تكفلها االتفاقية� ،شريطة �أن يكونوا قد ا�ستنفذوا،
قبل ذلك ،جميع �سبل االنت�صاف الوطنية.
المطلب الثاني :الإختفاء الق�سري
الفقرة الأولى :تعريف جريمة الإختفاء الق�سري
تعتبر جريمة الإختفاء الق�سري ،من الجرائم الج�سيمة والخطيرة التي �أدانتها وجرمتها
كل الإتفاقيات الدولية ،وغالبا ما تلج�أ �إليها الدول الم�ستبدة لتهديد خ�صومهم ال�سيا�سيين
و�إخرا�س �صوتهم �إلى الأبد ،وت�سارع ال�سلطات �إلى الإنكار عندما تلج�أ �إلى هذا الأ�سلوب غير
الم�شروع ،بل وترف�ض الإف�صاح عن مكان وجود ال�شخ�ص المختفي ،الذي يتعر�ض لكل �أنواع
11و�إىل جانب هذه احلقوق ن�ص الد�ستور على حرية الفكر والر�أي والإبداع والن�رش والبحث العلمي والتقني{الف�صل،}25
وحق املواطنات واملواطنني يف احل�صول على املعلومات {الف�صل ،}27وحرية ال�صحافة {الف�صل ،}28واالجتماع
والتجمهر والتظاهر ال�سلمي ،وت�أ�سي�س اجلمعيات ،واالنتماء النقابي.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 54
التعذيب ،والمعاملة الال�إن�سانية الحاطة بالكرامة� ،إذ في كثير من الأحيان ينتهي به المطاف
�إلى الإختفاء ب�صورة �أبدية.
فجريمة الإختفاء الق�سري ترتكب في جنح الظالم من طرف الجالدين ،ويتم تبديد
و�إتالف كل و�سائل الإثبات ،بحيث ي�صعب على ال�ضحايا �أو ذويهم �إثبات حقوقهم.
ويق�صد بالإختفاء الق�سري «االعتقال �أو االحتجاز �أو االختطاف �أو �أي �شكل من �أ�شكال
الحرمان من الحرية ،يتم على �أيدي موظفي الدولة �أو �أ�شخا�ص �أو مجموعات من الأفراد
يت�صرفون ب�إذن �أو دعم من الدولة �أو موافقتها ،ويعقبه رف�ض االعتراف بحرمان ال�شخ�ص من
حريته �أو �إخفاء م�صير ال�شخ�ص المختفي �أو مكان وجوده ،مما يحرمه من حماية القانون.
الفقرة الثانية :جريمة الإختفاء الق�سري من خالل الإتفاقيات الدولية
تن�ص الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأ�شخا�ص من الإختفاء الق�سري في المادة الأولى
على �أنه ،ال يجوز تعري�ض �أي �شخ�ص لالختفاء الق�سري ،وال يجوز التذرع ب�أي ظرف ا�ستثنائي
كان� ،سواء تعلق الأمر بحالة حرب �أو التهديد ب�إندالع حرب� ،أو بانعدام الإ�ستقرار ال�سيا�سي
الداخلي� ،أو ب�أية حالة �إ�ستثناء �أخرى ،لتبرير الإختفاء الق�سري.
وتعتبر المادة ( )7من نظام روما الأ�سا�سي للمحكمة الجنائية الدولية« الإختفاء الق�سري»
جريمة �ضد الإن�سانية ،ولذلك يعتبر �ضمن الوالية القانونية لها.
وتعرفه الفقرة (ط مكررة) من نف�س المادة ب�أنه »�إلقاء القب�ض على �أي �أ�شخا�ص �أو
احتجازهم �أو �إختطافهم من قبل دولة �أو منظمة �سيا�سية� ،أو ب�إذن �أو دعم منها لهذا الفعل� ،أو
ب�سكوتها عليه ،ثم رف�ضها الإقرار بحرمان ه�ؤالء الأ�شخا�ص من حريتهم� ،أو �إعطاء معلومات
عن م�صيرهم �أو عن �أماكن وجودهم ،بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة«.
وقد عملت المنظمات غير الحكومية وعائالت المفقودين ومجهولي الم�صير منذ �سنة
1980على ت�أ�سي�س فريق العمل الخا�ص بالإختفاء الق�سري الذي كان الملج�أ الوحيد لعائالت
ال�ضحايا ،وفي �سنة � 1989سجلت لجنة حقوق الإن�سان عبر الفريق � 18ألف حالة اختفاء ق�سري،
وبعد ع�شر �سنوات زاد العدد �إلى 48.770حالة.
وقد �ساعدت هذه العوامل �سنة 1992على �إخراج الإعالن الخا�ص بالإختفاء الق�سري ،الذي
ن�ص منذ البداية على � 10شروط م�سطرية ،لإعمال مبد�أ عدم الإفالت من العقاب في جريمة
الإختفاء الق�سري ،وهي� )1 :إح�ضار ال�شخ�ص -مرتكب الجريمة� -أمام المحكمة من �أقوى
الو�سائل القانونية للك�شف عن م�صير ال�شخ�ص المفقود �أو مكان وجوده؛ )2ح�سن �سير �إقامة
العدل عن�صر هام ل�ضمان تحديد هوية الم�س�ؤولين عن حاالت الإختفاء وعدم �إفالتهم من
العقاب ،وينبغي �أن تكون الإدارة المعنية مزودة بموارد كافية ت�ضمن ح�سن �سيرها ومحمية من
55 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
التعر�ض للترهيب؛ )3اتخاذ �إجراءات ل�ضمان الحماية من التعر�ض ل�سوء المعاملة �أو الترهيب
�أو االنتقام لجميع الأ�شخا�ص الم�شتركين في التحقيق في الإختفاءات؛ )4ت�صنيف جميع �أفعال
الإختفاء الق�سري من فئة الجرائم المن�صو�ص عليها في القانون الجنائي و�إخ�ضاعها لعقوبة
منا�سبة لخطورتها؛ )5عدم جواز �إخ�ضاع �إمكانية الم�ساءلة عن الأفعال لأي تقادم؛ � )6إجراء
التحقيقات في حالة الإختفاء ون�شر نتائجها من �أهم الو�سائل لتقرير الم�ساءلة بالن�سبة �إلى
الحكومة؛ )7ال يجوز �إ�صدار �أو �إبقاء �أية قوانين �أو قرارات تبقي على الح�صانة؛ )8الإحالة
على المحاكم من قبل �سلطة التحقيق الم�ؤهلة لذلك قانونيا؛ � )9إجراء المحاكات �أمام ق�ضاء
عادي ولي�س �أمام ق�ضاء ا�ستثنائي؛ ) 10عدم اعتبار التعلل بالإمتثال للأوامر (ماعدا في حالة
الإكراه) ذريعة في تحديد الم�س�ؤولية الجنائية ،ويمكن �أن ت�ؤخذ بالإعتبار عند التحقيق ظروف
كل حالة.
فهذه المبادئ التي �أقرتها لجنة حقوق الإن�سان في الدورة 50والتي جرمت الإختفاء
الق�سري و�أو�صت بكل التدابير لعدم �إفالت المتورطين من العقاب ،اعتر�ضتها عدة عوائق
�سيا�سية وقانونية في ظل التعار�ضات الواقعية بين االعتبارات ال�سيا�سية ،من جهة ،واالعتبارات
القانونية والحقوقية والإن�سانية ،من جهة �أخرى.
وبالرغم من كل العراقيل والتحديات الدولية ،ا�ستطاعت المنظمات غير الحكومية،
وعائالت ال�ضحايا ومجهولي الم�صير� ،إخراج الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأ�شخا�ص ،من
الإختفاء الق�سري ،التي اعتمدت ون�شرت وفتحت للتوقيع والت�صديق والإن�ضمام ،بموجب قرار
الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/77الم�ؤرخ في 20دجنبر ،2006والتي دخلت حيز
التنفيذ في 23دجنبر 2010مع مرور ثالثين يوما على ت�صديق العراق على الإتفاقية (البلد
الذي �أكمل عدد 20بلدا المطلوبة لذلك).
مما ال �شك فيه� ،أن �إعتماد الإتفاقية الدولية ،لحماية جميع الأ�شخا�ص من الإختفاء
الق�سري ،يعتبر انت�صارا للحركة الحقوقية العالمية ،و�آلية قد ت�ساهم في الحد (ولو ن�سبيا)
من انت�شارها ،وكذا حماية ال�ضحايا والحق في جبر ال�ضرر ،ذلك �أن الإتفاقية ن�صت على عدة
مبادئ �إيجابية ،نوجزها من خالل المادة الأولى« :ال يجوز التذرع ب�أي ظرف �إ�ستثنائي كان،
�سواء تعلق الأمر بحالة حرب �أو التهديد ب�إندالع حرب �أو ب�إنعدام اال�ستقرار ال�سيا�سي الداخلي
�أو ب�أية حالة ا�ستثناء �أخرى لتبرير الإختفاء الق�سري».
كما ن�صت المادة 6على �أن الم�س�ؤولية الجنائية ت�شمل كل من له عالقة� ،آمرا �أو م�أمورا،
م�شاركا �أو عالما بالأمر� ،أما المادة 14فت�ؤكد على معرفة الحقيقة �أوال ،والحق في الجبر ثانيا
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 56
وي�شمل رد الحقوق و�إعادة الت�أهيل ورد االعتبار و�ضمانات عدم التكرار .كما ن�صت الإتفاقية
على متابعة كل المتورطين في هذه الجريمة.
هذه المبادئ حققت بع�ض تطلعات ومطالب المنظمات الحقوقية العالمية ،لحماية
ال�ضحايا والمجتمع من جريمة الإختفاء الق�سري ،غير �أن العديد من الن�صو�ص في الإتفاقية،
والتي فر�ضتها بع�ض الدول في ظل الحرب على الإرهاب ،قد ت�ساهم في تفريغ الإتفاقية من
م�ضمونها الحقوقي والإن�ساني.
ن�صت المادة 31من الإتفاقية على �أنه «يجوز لكل دولة طرف ،عند الت�صديق على هذه
الإتفاقية �أو بعده� ،أن تعلن اعترافها ب�إخت�صا�ص اللجنة بتلقي وبحث البالغات المقدمة
من طرف الأفراد الذين يخ�ضعون لواليتها �أو المقدمة بالنيابة عن �أفراد يخ�ضعون لواليتها
وي�شتكون من وقوعهم �ضحايا النتهاك هذه الدولة الطرف لأحكام هذه االتفاقية ،وال تقبل
اللجنة �أي بالغ يهم دولة من الدول الأطراف لم تعلن هذا الإعتراف».
ون�صت المادة 32على �أنه «يجوز لأي دولة طرف في هذه الإتفاقية �أن تعلن ،في �أي وقت،
اعترافها باخت�صا�ص اللجنة بتلقي وبحث بالغات تزعم دولة طرف بموجبها �أن دولة طرفا
�أخرى ال تفي بالتزاماتها بموجب هذه االتفاقية ،وال تقبل اللجنة �أي بالغ يتعلق بدولة طرف لم
ت�صدر هذا الإعالن» .وهذا ،في اعتقادنا ،قد ي�ضعف من حقوق ال�ضحايا في الجبر والإن�صاف.
�إن المالحظ من خالل المادة 31و� 32أنهما �أ�شارتا �إلى م�صطلح «يجوز للدولة» ،وهي عبارة
تعبر عن رغبة �سيادية قد تتحقق �أو ال تتحقق ،كما �أنها غير ملزمة من الناحية التعاقدية ،حتى
تكون لها �آثار قانونية ،مما يعني �أن الدولة في غياب التزام وت�صريح وا�ضحين عند الم�صادقة
ب�صالحية واخت�صا�ص اللجنة المعنية بالإختفاء الق�سري ،بتلقي �شكاوى الأفراد �ضحايا هذه
الجريمة� ،ستتحكم الدول في نوع التقارير والق�ضايا المقدمة �إلى الدول الأع�ضاء في الإتفاقية
�أثناء تقديم التقارير ال�سنوية (وهي تقارير -حتما -لن ت�سبب �إحراجا للدولة).
فالعالم لم يعد قلعة �آمنة للطغاة والجالدين ،لذلك فم�شروعية الم�ساءلة وتكري�س مبد�أ
عدم الإفالت من العقاب في الثقافة الوطنية ،يعتبران ال�ضامن الأ�سا�سي لحماية المواطنين
و�إعطاء �شرعية وم�صداقية للدولة ،و�إن كانت التكلفة ال�سيا�سية لجريمة الإختفاء الق�سري،
والتعذيب ،وجميع الجرائم �ضد الإن�سانية �أ�صبحت باهظة ،ب�سبب التطور التكنولوجي ،و�سرعة
انتقال المعلومة ،وكذا وجود �آليات ق�ضائية زجرية كالمحكمة الجنائية الدولية.
يعتبر المغرب من الدول التي قامت بالتوقيع والم�صادقة على الإتفاقية الخا�صة بالإختفاء
الق�سري ،بحيث تم التوقيع عليها في 6فبراير 2006والم�صادقة عليها في 14فبراير 2013
ويعد المغرب من الدول الأولى الموقعة عليها و �أن الم�صادقة على الإتفاقية تن�سجم تماما
57 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
مع القناعات المغربية ب�ش�أن خيار حقوق الإن�سان ويتم لما �أكده الد�ستور في مادته 23ب�شان
تجريم الإعتقال التع�سفي �أو ال�سري و�إعماله لما جاء في البرنامج الحكومي فيما يتعلق بتعزيز
ف�ضاء الحريات و حقوق الإن�سان و �إ�ستكمال االنخراط في منظومة حقوق الإن�سان الدولية.
المطلب الثالث :جرائم الإتجار بالب�شر
الفقرة الأولى :تعريف الإتجار بالب�شر.
الإتجار بالب�شر جريمة نكراء تم�س الإن�سان في كرامته وفي حريته وفي �أدميته ،فتمثل
بالتالي انتهاكا خطيرا من جملة الإنتهاكات الما�سة بحقوق الإن�سان بمفهومها الكوني� ،سيما
�إذا تعلقت بالأطفال والن�ساء ،وغيرها من ال�شرائح المجتمع ،التي تعاني من ه�شا�شة النظام
المالي �أو اال�ضطهاد �إما لأ�سباب �أمنية �أو نزاعات �إقليمية �أو حروب �أهلية �أو �صراعات دينية،
التي تتحكم فيها جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية �أو الميز العن�صري.
يعد الإتجار في الب�شر �أحد �أبرز �أ�شكال الجريمة المنظمة عابرة الحدود ،التي ات�سع
نطاقها ب�شكل ملحوظ خالل الآونة الأخيرة ،ب�إعتبارها جريمة عابرة للقارات ،حيث ال توجد
�أي منطقة جغرافية في العالم بمن�أى عن هذه الجريمة ك�شكل جديد من �أ�شكال العبودية التي
جرمتها العديد من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية.
وتعتبر ثالث �أكبر تجارة غير م�شروعة في العالم ،بعد تهريب ال�سالح والإتجار في
المخدرات ذلك �أن �أن�شطتها تحقق �أرباحا مقدرة بالماليير� ،إذ ت�شير الإح�صائيات الحديثة
�إلى �أن العدد ال�سنوي من الرجال والن�ساء والأطفال المتاجر بهم عبر الحدود الوطنية يتراوح
بين 600.000و� 800.000شخ�ص ،و�أكثر ما يتم �إ�ستغاللهم فيه هو التجارة الجن�سية ،1وهذا
التقدير ال ي�شمل ماليين ال�ضحايا في جميع �أنحاء العالم ممن يتجر بهم داخليا �ضمن الحدود
الوطنية لكل دولة ،وتقدر المنظمة الدولية للهجرة ( )IOMالرقم على ال�صعيد العالمي بنحو
مليونين �شخ�ص تقريبا.
وقد �أكد تقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ال�صادر عام 2006
بعنوان «الإتجار غير الم�شروع بالأفراد ...الإتجاهات العالمية» ،عالمية الظاهرة في �ضوء
ات�ساع نطاق �أن�شطة وعمليات ع�صابات الجريمة المنظمة التي تقف وراء ظاهرة الإتجار
بالب�شر والتي غالبا ما تكون متعددة الجن�سيات ،و�أو�ضح� ،أي التقرير� ،أنه ال يوجد تقريبا �أي
دولة في العالم غير معنية بهذه الم�شكلة ،وعدد التقرير 127دولة منبع للأفراد المتاجر بهم،
11تقرير الإجتار بالأ�شخا�ص ال�صادر عن وزارة اخلارجية الأمريكية عام .2005
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 58
و 96دولة عبور و 137دولة م�صب ،حيث يتم ا�ستغالل الأفراد المتاجر بهم في تجارة الجن�س
وعمالة ال�سخرة ،و�أو�ضح �أن �أكثر المناطق ت�أثرا بتلك التجارة هي �أوروبا ال�شرقية و�آ�سيا.
وفي نف�س ال�سياق� ،صنف التقرير الدول في خم�س فئات وفقا لكونها دولة م�صدر للأفراد
المتاجر بهم� ،أو دولة عبور� ،أو دولة م�صب ،وحول خطورة الظاهرة فقد تم ت�صنيفها �إلى
�شديدة الإنخفا�ض ومنخف�ضة ،ومتو�سطة ،ومرتفعة ،و�شديدة االرتفاع من حيث عدد الحاالت
التي تم ر�صدها.
الفقرة الثانية :جريمة الإتجار بالب�شر في الت�شريع المغربي.
�إذا كان الغياب الت�شريعي �سواء فيما يخ�ص الم�صادقة على الإتفاقيات والمعاهدات
والبروتوكوالت الدولية من جهة� ،أو �إ�صدار قوانين وت�شريعات داخلية تنظم هذه الجرائم
وتعاقب مرتكبيها من جهة �أخرى ،وهو ما يميز �أغلب الدول العربية التي تعمل على تبني �سوى
جزء ب�سيط من هذه الت�شريعات الدولية ،كما لم ت�سن بعد ت�شريعات داخلية لمكافحة هذه
الجرائم عبر الوطنية� .إال �أن المغرب يعد ا�ستثناء لهذه الدول العربية ،ذلك �أنه �صادق على
مجموعة من المعاهدات واالتفاقيات الدولية التي تهم هذا المو�ضوع ،كما تبنى العديد من
البروتوكوالت الم�ساعدة ،فهذا بالإ�ضافة �إلى كونه يعد تجربة رائدة في الت�شريع الداخلي.
عرف القانون الجديد 27.14الإتجار بالب�شر ب�أنه« :تجنيد �شخ�ص �أو �إ�ستدراجه �أو نقله
�أو تنقيله �أو �إيوا�ؤه �أو �إ�ستقباله� ،أو الو�ساطة في ذلك ،بوا�سطة التهديد بالقوة �أو ب�إ�ستعمالها
�أو ب�إ�ستعمال مختلف �أ�شكال الق�سر �أو االختطاف �أو الإحتيال �أو الخداع� ،أو �إ�ساءة �إ�ستعمال
ال�سلطة �أو الوظيفة �أو النفوذ �أو ا�ستغالل حالة ال�ضعف �أو الحاجة �أو اله�شا�شة� ،أو ب�إعطاء �أو
بتلقي مبالغ مالية �أو منافع �أو مزايا للح�صول على موافقة �شخ�ص له �سيطرة على �شخ�ص �أخر
لغر�ض الإ�ستغالل».
ويالحظ بهذا الخ�صو�ص �أن الم�شرع حر�ص على ان�سجام تعريف الإتجار بالب�شر الذي
اعتمده مع المادة 3من البروتوكول المكمل التفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة
عبر الوطنية ،وهو تعريف يقوم على عنا�صر ثالث ،تتجلى في (الفعل ،وو�سيلته الم�ستخدمة،
وغر�ضه).
ويمكن تحليل عنا�صر التعريف �أعاله من خالل تفكيك عنا�صره الثالثة الكبرى (الفعل،
وو�سيلته الم�ستخدمة ،وغر�ضه) والوقوف على عنا�صره ال�صغرى الداخلية:1
ذلك �أن الإتجار بالأ�شخا�ص هو فعل متمثل في:
- 1التجنيد؛
- 2التنقيل؛
- 3الإيواء؛
- 4الإ�ستقبال.
وي�ستخدم و�سائل مثل:
- 1التهديد بالقوة؛
� - 2إ�ستعمال القوة؛
- 3الق�سر؛
- 4الإختطاف؛
- 5الإحتيال؛
- 6الخداع؛
� - 7إ�ستغالل ال�سلطة؛
� - 8إ�ستغالل حالة ا�ست�ضعاف؛
� - 9إعطاء �أو تلقي مبالغ مالية �أو مزايا لنيل موافقة �شخ�ص له �سيطرة على �شخ�ص �آخر.
وذلك لغر�ض ا�ستغاللي مثل:
- 1ا�ستغالل دعارة الغير؛
� - 2سائر �أ�شكال الإ�ستغالل الجن�سي؛
- 3ال�سخرة؛
- 4الخدمة ق�سرا؛
- 5اال�سترقاق �أو الممار�سات ال�شبيهة بالرق؛
- 6الإ�ستعباد؛
- 7نزع الأع�ضاء (الب�شرية).
وزيادة في التو�ضيح عرف العديد من المفاهيم منها فعل الإ�ستغالل الذي ي�شمل «جميع
�أ�شكال الإ�ستغالل الجن�سي ،ال�سيما ا�ستغالل دعارة الغير ،والإ�ستغالل عن طريق المواد
الإباحية بما في ذلك و�سائل االت�صال والتوا�صل المعلوماتي ،وي�شمل �أي�ضا الإ�ستغالل عن
طريق العمل الق�سري �أو ال�سخرة �أو الت�سول �أو الإ�سترقاق �أو الممار�سات ال�شبيهة بالرق �أو نزع
الأع�ضاء �أو نزع الأن�سجة الب�شرية �أو بيعها� ،أو الإ�ستغالل عن طريق �إجراء التجارب والأبحاث
الطبية على الأحياء� ،أو ا�ستغالل �شخ�ص للقيام ب�أعمال �إجرامية �أو في النزاعات الم�سلحة».
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 60
وعرف ال�سخرة ب�أنها «جميع الأعمال �أو الخدمات التي تفر�ض ق�سرا على �أي �شخ�ص تحت
التهديد ،والتي ال يكون هذا ال�شخ�ص قد تطوع لأدائها بمح�ض اختياره .وال يدخل في مفهوم
ال�سخرة الأعمال المفرو�ضة لأداء خدمة ع�سكرية �إلزامية� ،أو نتيجة �إدانة ق�ضائية� ،أو �أي عمل
�أو خدمة �أخرى تفر�ض في حالة الطوارئ».
كانت هناك مالحظات ذات �صلة بمكافحة الإتجار بالب�شر موجهة �إلى بالدنا من طرف
اللجنة المعنية بحقوق الإن�سان بتاريخ 1دي�سمبر 2004ومن طرف اللجنة المعنية بالق�ضاء
على التمييز �ضد المر�أة بتاريخ 23يناير 2008ومن طرف لجنة مناه�ضة التعذيب بتاريخ
21دجنبر 2011ومن طرف اللجنة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و�أفراد
�أ�سرهم بتاريخ � 13شتنبر 2013ومن طرف لجنة حقوق الطفل بتاريخ � 19شتنبر 2014ومن
طرف اللجنة المعنية بالحقوق الإقت�صادية والإجتماعية والثقافية بتاريخ � 8أكتوبر .1 2015
وت�شير التقارير �إلى �أن هذه الظاهرة تنت�شر في المغرب وت�شير درا�سة لوزارة العدل
�صدرت عام 2009حول الإتجار بالب�شر �إلى �أن المغرب هو بلد عبور �ضحايا الإتجار وكذلك
م�صدر تهريبهم وكثيرا ما ت�ؤثر هذه الظاهرة على الن�ساء والأطفال على �سبيل المثال هناك
المهاجرون،الأفارقة وغيرهم.
وترتبط ظاهرة الإتجار بالب�شر بتنامي الفقر والتهمي�ش وعدم ت�أمين الحقوق االقت�صادية
واالجتماعية للأفراد .وال توجد �إح�صائيات دقيقة ومف�صلة عن هذه الظاهرة في المغرب
وذلك ب�سبب �صعوبة الو�صول �إلى ال�ضحايا الذين يختارون ال�صمت .بالإ�ضافة لعدم توفر
مراكز ا�ستقبال لتوفير الدعم النف�سي والقانوني لل�ضحايا ما يفقدهم ال�شعور بالأمان في حال
قرروا التبليغ.2
وح�سب تقرير بعثة الواليات المتحدة الدبلوما�سية للمغرب والمعنون بـ«تقرير الإتجار في
الب�شر» المغرب الفئة ،2فقد خل�ص التقرير المذكور على �أن المغرب بحكم �أنه م�صدر ومق�صد
ونقطة عبور للرجال والن�ساء والأطفال الذين يخ�ضعون للعمل الق�سري والإتجار الجن�سي ،يتم
ت�شغيل بع�ض الفتيات القرويات المغربيات بعمر � 6سنوات في الخدمة المنزلية في المدن،
ويقعن �ضحايا للعمالة الق�سرية ويعانين من عدم الح�صول على الأجور والتهديدات ،وتقييد
الحركة والإ�ساءة البدنية والنف�سية والجن�سية ،ويتحمل بع�ض الأوالد المغاربة العمل الق�سري،
حيث يعملون كمتدربين في الحرف المهنية و�صناعات البناء وفي الأورا�ش الميكانيكية ،كما �أن
بع�ض الرجال والن�ساء والأطفال يدخلون ب�صفة رئي�سية من �إفريقيا جنوب ال�صحراء ،وجنوب
�آ�سيا� ،إلى المغرب بطريقة �إختيارية ،ولكن غير قانونية ،بم�ساعدة �شبكات التهريب ،وعند
و�صولهم يتم �إجبار بع�ض الن�ساء والفتيات الأكبر �سنا على ممار�سة الدعارة ،وبدرجة �أقل على
العمل في الخدمة المنزلية� ،إذ تعمل ال�شبكات الإجرامية في مدينة وجدة على حدود الجزائر،
وكذلك في مدينة الناظور ال�ساحلية ال�شمالية،ب�إجبار الن�ساء الأجنبيات المهاجرات على
ممار�سة الدعارة والت�سول ،كما تفيد التقارير �أن تلك ال�شبكات في وجدة ،تقوم �أي�ضا ب�إجبار
الأطفال على الت�سول ،وتتعر�ض الن�ساء المهاجرات العابرات عن طريق وجدة ،خ�صو�صا
النيجيريات للإجبار على الدعارة بمجرد و�صولهن �إلى �أوربا.
المبحث الثاني� :سبل مناه�ضة الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان
�سنتناول اتباعا �سبل مناه�ضة جرائم التعذيب والإختفاء الق�سري والإتجار بالب�شر.
المطلب الأول :مناه�ضة جريمة التعذيب
الفقرة الأولى :مناه�ضة جريمة التعذيب في القانون الدولي
تعددت الإرها�صات الدولية لمحاولة تقنين حقوق الإن�سان عامة ،والتعذيب خا�صة ،ذلك
�أن تاريخ العالقات الدولية ال يخلو من محاوالت لعقاب الأفعال التي تخرق قواعد القانون
الدولي ،فقبل �إحداث محكمتي نورمبرج وطوكيو ،1كانت هناك مظاهر للم�س�ؤولية الجنائية
المترتبة على الت�صرفات المخالفة لقواعد القانون الدولي ،لكن هذه المحاوالت بد�أت متفرقة
ومترددة ،ولم تكن �صادرة من �إرادة دولية.2
ففي �أول محاولة لتقنين التعذيب ،و�إن كانت من الناحية القانونية وثيقة داخلية� ،أعدت
لتطبيقها في حرب �أهلية� ،إال �أنها كانت بمثابة نموذج يقتدى به ،وم�صدر �إلهام للجهود التي
بذلت على الم�ستوى الدولي في �أواخر القرن التا�سع ع�شر ،وهي مدونة ليبر Lieber code
« -1863قانون النزاعات الم�سلحة» -3والذي يتكون من 157مادة ،وقد ركزت تلك المدونة
على �إنجاز الحد الأدنى من القواعد التي يجب مراعاتها في الحروب ،وت�ضمنت المادة 16من
11تعترب املبادئ القانونية امل�ستفادة من حماكمات نورمربج ،مبثابة �أول �شهادة ميالد للقانون الدويل اجلنائي ،باعتبارها
�أول تطبيق يف التاريخ احلديث لفكرة الق�ضاء الدويل اجلنائي ،وي�أتي بعدها يف الأهمية القانونية حماكمات طوكيو،
حيث �أكدت �أن عن�رص اجلزاء موجود يف ن�صو�ص ذلك القانون ،و�أنه ميكن �أن يكون جنائيا ،و�أنه قد يكون من ن�صيب
�سادة ور�ؤ�ساء الدول و�أمراء اجليو�ش ،و�أن هناك ق�ضاءا جنائيا دوليا قادرا على �إنقاذه .للمزيد �أنظر :د .حممد حنفي
حممود ،جرائم احلرب �أمام الق�ضاء اجلنائي الدويل ،دار النه�ضة العربية ،ط� ،2006 ،.ص.19.
22د .فتوح ال�شاذيل ،القانون الدويل اجلنائي ،الكتاب الأول� ،أوليات القانون اجلنائي الدويل «النظرية العامة للجرمية
الدولية» ،دار املطبوعات اجلامعية ،الإ�سكندرية� ،2001 ،ص.57.
3. Instructions for the Government of Armies of the United States in the field (Lieber Code), 24 April,
1863.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 62
تلك المدونة �أن« :ال�ضرورة الع�سكرية ال ت�سمح بالوح�شية �أو توقيع الألم والمعاناة ،وال �إحداث
الجروح والبتر ،وال تعذيب للح�صول على المعلومات»؛ كما ن�صت المادة 80منها على تحريم
التعذيب �-ضمنيا -للأ�سرى �أثناء الحروب والنزاعات ،1ولكن البداية الحقيقية للتقنين بالمعنى
الدقيق ،كانت مع ن�ش�أة الأمم المتحدة ،ونظام نورمبرج ،والحكم الذي �أ�صدرته المحكمة،
كان بداية دفعت الأمم المتحدة �إلى مجال التقنين ،حتى يكون هناك نظام قانوني متكامل
للجرائم الدولية ،يحدد الجرائم والعقوبات و�إجراءات المحاكمة ،2وقد وردت هذه المعاني،
حيث و�ضعت على عاتقها -الأمم المتحدة -المتمثلة في �أجهزها الرئي�سية مهمة ت�أكيد حقوق
الإن�سان ،واعتبارها التزاما دوليا تحترمه كل دولة داخل حدودها� ،سواء مواطنيها �أو غيرهم،
بل تعتبر نف�سها ملزمة �أمام هذا المجتمع باحترام حقوق الإن�سان والتعذيب خا�صة؛ و�إن من
حق هذا المجتمع بل وم�س�ؤليته �أن يتدخل لحماية هذه الحقوق ،3ذلك �أن تجريم التعذيب دوليا
يجد م�صدره في زمن المنازعات الم�سلحة ،وفي زمن ال�سلم معا.
يعتبر م�صطلح القانون الدولي الإن�ساني concept and purpose international
law humanitarianمن �أحدث المعطيات التي �إ�ستخدمت في فقه القانون الدولي ،وربما
تم �إ�ستخدامه لأول مرة من جانب اللجنة الدولية لل�صليب الأحمر ،في الوثائق التي قدمتها
�إلى م�ؤتمر الخبراء الحكوميين الذي عقد في دورته الأولى بجنيف عام ،1971ويق�صد بهذا
الم�صطلح« :مجموعة القواعد والمبادئ التي ت�ضع قيودا على �إ�ستخدام القوة في النزاع الم�سلح،
وذلك من �أجل الحد من الآثار التي يحدثها العنف على المحاربين ،وتجنب الأ�شخا�ص الذين
ال ي�شتركون في الأعمال الع�سكرية» ،والهدف من �إ�ستخدام «قانوني دولي �إن�ساني» هو �إبراز
الطابع الإن�ساني لقانون النزاعات humanitarian Law (IHL) as the branch of international
،law limiting the use of violence in armed conflicts4فالقانون الدولي الإن�ساني �إذن ،هو
1. Art 16. Military necessity does not admit of cruelty - that is, the infliction of suffering for the sake of
suffering or for revenge, nor of maiming or wounding except in fight, nor of torture to extort confes-
sions. It does not admit of the use of poison in any way, nor of the wanton devastation of a district. It
admits of deception, but disclaims acts of perfidy; and, in general, military necessity does not include
any act of hostility which makes the return to peace unnecessarily difficult.
Art 80, Honorable men, when captured, will abstain from giving to the enemy information concerning
their own army, and the modern law of war permits no longer the use of any violence against prisoners
in order to extort the desired information or to punish them for having given false information.
Selection 17: Partisans - Armed enemies not belonging the hostile army - scouts - Armed prowlers -
war - rebels. www.commonlaw.com.
22فتوح ال�شاذيل ،القانون الدويل اجلنائي ،مرجع �سابق� ،ص.115.
33د .ال�شافعي حممد ب�شري ،قانون حقوق الإن�سان ،مكتبة اجلالء اجلديدة ،املن�صورة ،بدون �سنة� ،ص.44.
4. Marco Sassou, Law protect How does in war?, Cases, Documents and Teaching Materials Contem-
porary Practice in International Humanitarian Law, Volume I second Edition. Geneva 2006, p. 81,82.
63 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�أحد فروع القانون الدولي العام ،الذي ي�ستهدف حاالت النزاع الم�سلح ،وحماية الأ�شخا�ص
الذين يعانون ويالت هذا النزاع ،كما ي�شمل مبادئ وقواعد تحد من �إ�ستخدام العنف �أثناء
النزاعات الم�سلحة ،وجوهر هذا القانون هو مبد�أ «الإن�سانية».
فمن خالل تتبع محاوالت تقنين جريمة التعذيب في الإطار الدولي في �إتفاقية جنيف لعام
،1864و�إعالن �سان ب�ستر�سبورج لعام ،1 1868الذي ركز على الهدف الم�شروع للحرب ،ووجوب
تجنب �إ�ستخدام الأ�سلحة التي تزيد �آالم الإن�سان ،ويعتبر الإعالن من �أقدم الوثائق الدولية
التي ت�ضمنت تحريما لإ�ستخدام بع�ض �أنواع الأ�سلحة ر�أفة بالب�شرية.
كما حمل م�شروع �إعالن بروك�سيل لعام ،Brucsels Déclaration2 1875واهتم بوجوب
معاملة الأ�سرى معاملة �إن�سانية ،تطبيقا للمادة ( )23من الإعالن ،وبالرغم من عدم الت�صديق
على هذا الإعالن وعدم اكت�سابه قوة �إلزامية� ،إال �أنه اكت�سب قيمة معنوية ،وكان له الأثر في
م�ؤتمرات الهاي 1899لل�سالم ،3وقد حظيت �إتفاقية الهاي لعام - 1907الخا�صة بقانون الحرب
في البر -ون�صت على حظر مهاجمة المدن والمباني غير المدافع عنها ،كما جرمت مهاجمة
الأفراد غير المقاتلين.
وتعد �إتفاقية الهاي ل�سنة - 1907في نظر البع�ض� -أن لها ال�سبق في خلق القواعد القانونية
لحماية المدنيين �أثناء النزاعات الم�سلحة ،الأمر الذي جعل منها البع�ض حجر الأ�سا�س في
خلق قواعد القانون الدولي الإن�ساني؛ ثم لجنة الوقائع الجنائية المنبثقة عن م�ؤتمر ال�سالم
الذي عقد في باري�س عام ،1919والتي كانت مهمتها جمع وفح�ص الأدلة لقيام عنا�صر الأفعال
المجرمة �أثناء الحرب العالمية الأولى.4
� 11صدر �إعالن �سان برت�سبورج يف د�سمرب ،1868بدعوة من �ألك�سندر الثاين «قي�رص رو�سيا» ،و�أ�شار �أن الهدف امل�رشوع
من احلرب ،هو �إ�ضعاف القوة الع�سكرية للعدو ،ولي�س �إفناء اجليو�ش� ،أنظر :امل�ست�شار� ،رشيف علتم ،دور اللجنة
الدولية لل�صليب الأحمر يف املنازعات امل�سلحة الدولية ،مركز الدرا�سات الق�ضائية ،القاهرة� ،2006 ،ص ،7.و�أنظر
�أي�ضا :د .مفيد �شباب ،درا�سات القانون الدويل الإن�ساين ،دار امل�ستقبل العربي ،القاهرة ،ط� ،2000 ،1ص.23.
22عقد يف بروك�سل ،وا�شرتكت فيه حكومات�( :أملانيا ،والنم�سا ،واملجر ،وبلجيكا ،والدامنرك ،و�أ�سبانيا ،وفرن�سا،
وبريطانيا ،واليونان ،و�إيطاليا ،وهولندا ،وتركيا) ،ومت التوقيع عليه يف � 27أغ�سط�س 1874م دون الت�صديق عليه.
.www.dr-mohamedlutfi.com
33عقدت يف الهاي ،1899بناء على دعوة من قي�رص رو�سيا ،و�أ�سفرت عن توقيع عدد من الإتفاقيات الدولية� ،أهمها
الإتفاقية الثالثة التي مت مبوجبها �إتفاقية ال�صليب الأحمر اخلا�صة بجرحى ومر�ضى احلرب.
44د .حممد عو�ض ،درا�سات يف القانون الدويل اجلنائي ،جملة القانون واالقت�صاد ،العدد الأول� ،1965 ،ص.92.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 64
يعتبر ميثاق الأمم المتحدة الوثيقة الدولية الأولى ،ذات الطابع العالمي �أو �شبه العالمي،
التي ت�ضمنت الن�ص على مبد�أ «احترام حقوق الإن�سان» حيث �أ�شار الميثاق في الديباجة�( :إذ
ت�ؤكد من جديد �إيماننا بالحقوق الأ�سا�سية للإن�سان وبكرامة الفرد وقدره ،وبما للرجال والن�ساء
والأمم كبيرها و�صغيرها من حقوق مت�ساوية) ،وقد �أ�شار الميثاق بتعزيز حقوق الإن�سان في
�أكثر من مو�ضع في مواد الإتفاقية .2ومن هذا المنطلق ن�ستطيع القول :ب�أن الميثاق �ألزم
الدول الأع�ضاء باحترام حقوق الإن�سان ،والأمر يتعلق هذا بالتزام قانوني لأن م�صدره الميثاق
باعتباره معاهدة دولية جماعية ،وبذلك ال ت�ستطيع �أية دولة �أن تنف�ض يدها من مو�ضوع حقوق
الإن�سان ،وخا�صة التعذيب بكافة �أ�شكاله ،بدعوى �أنها حرة ،من منطلق مبد�أ ال�سيادة الكاملة.
ثم تكونت لجنة مخالفات قوانين الحرب ،وقد عدت اثنين وثالثين عمال اعتبرتها جرائم
حرب ،ومن بينها التعذيب بو�صفه خرقا ج�سيما لقوانين الحرب؛ وقد �أو�صت اللجنة ب�ضرورة
�أن يكون كل الأ�شخا�ص الذين ينتمون للدول المعادية ،بما في ذلك ر�ؤ�ساء وقادة الدول،
الذين �أدينوا في جرائم الحرب ،عر�ضة للمحاكمة الجنائية ،ثم جاءت �إتفاقية لندن في 8
�أغ�سط�س 1945من �أجل �إن�شاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب ب�صرف النظر عن
الموقع الجغرافي الرتكاب جرائم الحرب ،3وقد تم �إرفاق ميثاق نورمبرج باتفاقية لندن ،كما
ت�شكلت محكمة طوكيو الع�سكرية في يناير ،1946بمقت�ضى �إعالن خا�ص �صادر من القائد
الأعلى لقوات الحلفاء لتتولى محاكمة مجرمي الحرب في اليابان؛ وقد ن�صت المادة ال�ساد�سة
من ميثاق نورمبرج-تقابلها المادة الخام�سة من ميثاق طوكيو -على ...« :معاقبة مجرمي
الحرب بانتهاكات قوانين الحرب و�أعرافها ومن بينها التعذيب والمعاملة ال�سيئة �أو �إق�صاء
ال�سكان المدنيين.4
اتفاقيات جنيف الأربع ل�سنة :1949 ●
�إن م�أ�ساة الحرب العالمية الثانية �أدت ب�شكل حا�سم �إلى اتخاذ قرار �صياغة �إتفاقيات
جنيف الأربع ،حيث �سعت �إلى �سد ثغرات في القانون الدولي الإن�ساني؛ وقد �ساهمت الإتفاقيات
11وقع ميثاق الأمم املتحدة يف 26يونيه ،1945يف �سان فران�سي�سكو يف ختام م�ؤمتر الأمم املتحدة ،اخلا�ص بنظام الهيئة
الدولية ،و�أ�صبح نافذا يف الأول من �أكتوبر .1945ويعترب النظام الأ�سا�سي ملحكمة العدل الدولية جزءا متمما للميثاق.
.www.un.org
22للمزيد من التفا�صيل حول ميثاق الأمم املتحدة حلقوق الإن�سان ،راجع :د .ع�صام زناتي ،حماية حقوق الإن�سان يف
�إطار الأمم املتحدة ،دار النه�ضة العربية ،القاهرة� ،1998-1997 ،ص 15.وما بعدها.
3. Madoka Futamura, War Crimes Tribunals and Transitional Justice: The Tokyo Trial and the Nurem-
berg ledacy, US A, 2008, P. 30,52.
44د� .إ�سماعيل عبد الرحمن حممد ،احلماية اجلنائية للمدنيني يف زمن النزاعات امل�سلحة ،ر�سالة دكتوراه ،كلية احلقوق -
جامعة املن�صورة� ،2000 ،ص 358.وما بعدها.
65 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�إ�سهاما عظيما في تو�سيع نطاق القانون الدولي الإن�ساني ،حيث حققت المادة الم�شتركة بين
اتفاقيات جنيف الأربع ن�صرا ال يفوقه ن�صر.
وقد �أ�شارت هذه الإتفاقيات �إلى تجريم التعذيب ،والمعاملة الال�إن�سانية القا�سية ،حيث
ن�صت المادة 50من الإتفاقية الأولى لعام - 1949الخا�صة بتح�سين حال الجرحى بالميدان-
على �أنه( :يعد من المخالفات الج�سيمة «القتل العمد ،التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية ،والتجارب
الطبية ،تعمد �إحداث �آالم �شديدة») ،كما ن�صت المادة 51من الإتفاقية الثانية -الخا�صة
بالبحار -على �أن( :المخالفات الج�سيمة هي الأفعال التي �إذا اقترفت �ضد �أ�شخا�ص محميين
�أو ممتلكات خا�صة) ،كما �أ�شارت المادة ب�أن التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية من الجرائم
الج�سيمة� ،أما الإتفاقية الثالثة -والخا�صة بمعاملة �أ�سرى الحرب -فقد ن�صت في المادة 130
منها على �أن( :الأفعال الج�سيمة مثل القتل العمد والتعذيب �أو المعاملة الال�إن�سانية ،بما في
ذلك التجارب الخا�صة بعلم الحياة ،وتعمد �إحداث �آالم �شديدة بال�سالمة البدنية وبال�صحة)،
وجاءت الإتفاقية الرابعة -والخا�صة بحماية الأ�شخا�ص المدنيين في وقت الحرب -و�أ�شارت
في المادة 147على تعريف جرائم الحرب المن�صو�ص عليها في المادة 146وهي( :المخالفات
الج�سيمة �إذا اقترفت �ضد �أ�شخا�ص محميين �أو ممتلكات محمية باالتفاقية مثل القتل العمد،
التعذيب ،المعاملة الال�إن�سانية ،التجارب الخا�صة بعلم الحياة� ،إحداث �آالم �شديدة بال�سالمة
البدنية وال�صحة ،والنفي ،والحجز الغير م�شروع ،و�إكراه ال�شخ�ص المحمي على الخدمة في
القوات الم�سلحة بالدولة المعادية).
البروتوكول الإ�ضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلق بحماية �ضحايا ●
جنيف على �أن( :التعذيب محظور ب�شتى �صوره بدنيا كان �أم عقليا �ضد الأ�شخا�ص الذين في
قب�ضة �أحد �أطراف النزاع وال يتمتعون بمعاملة �أف�ضل بموجب اتفاقيات جنيف) ،يظل ممنوعا
«في �أي زمان ومكان �سواء ارتكبه معتدون مدنيون �أم ع�سكريون»؛ كما �أن (المعاملة القا�سية
والتعذيب في حق الأ�سرى محظوران) وفق المادة 3التفاقيات جنيف ل�سنة ،1949والتي تعد
بمثابة كا�شف للقانون الدولي المتعارف عليه.
ميثاق المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغ�سالفيا: ●
فقد ن�صت المادة الثانية من الميثاق( :تعد الجرائم التي تمثل مخالفات خطيرة التفاقيات
جنيف ل�سنة ،1949والتي تكون المحكمة الدولية مخت�صة بتوجيه االتهام ،ومحاكمة �أي �شخ�ص
�إرتكب �أو �أمر بارتكاب مخالفات خطيرة) ،وقد حددت تلك الأفعال ب�أنها( :التي ترتكب �ضد
الممتلكات �أو الأ�شخا�ص -ويت�ضمن التعذيب -الم�شمولين بالحماية طبقا التفاقيات جنيف).1
ميثاق محكمة رواندا: ●
ن�صت المادة الرابعة بمحاكمة الأفراد الذين قاموا بارتكاب انتهاكات ج�سيمة للمادة
الثالثة الم�شتركة في اتفاقيات جنيف ل�سنة ،1949وقد ت�ضمنت تلك الأفعال( :ا�ستعمال العنف
�ضد حياة الأ�شخا�ص� ،أو �صحتهم �أو �سالمتهم البدائية �أو العقلية وخا�صة القتل ،ف�ضال عن
المعاملة القا�سية والتعذيب �أو بتر الأع�ضاء �أو �أي �شكل من �أ�شكال العقاب الجماعي).
الملحقان (البروتوكوالن) الأول والثاني الإ�ضافيان �إلى اتفاقيات جنيف لعام :1977 ●
عرف البروتوكول الإ�ضافي الأول جرائم الحرب في المادة 11منه بالقول( :يجب �أال يم�س
�أي عمل �أو �إحجام ال مبرر له بال�صحة وال�سالمة البدنية والعقلية للأ�شخا�ص الذين هم في
قب�ضة الخ�صم �أو يتم احتجازهم ،ومن ثم يحظر تعري�ض الأ�شخا�ص للتجارب الطبية� ،أو
عمليات البتر) ،2وذلك تطبيقا لن�ص المادة الحادية ع�شرة فقرة 1و ،2وال يجوز اال�ستثناء من
ب) انتهاك الكرامة ال�شخ�صية وبوجه خا�ص املعاملة املهينة للإن�سان واملحطة من قدره والإكراه على الدعارة و�أية
�صورة من �صور خد�ش احلياء.
ج ) �أخذ الرهائن،
د ) العقوبات اجلماعية،
هـ) التهديد بارتكاب �أي من الأفعال املذكورة �آنفاً).
11د� .إ�سماعيل عبد الرحمن حممد ،احلماية اجلنائية للمدنيني يف زمن النزاعات امل�سلحة ،مرجع �سابق� ،ص.369.
22ن�صت املادة 11من امللحق (الربوتوكول) الإ�ضايف الأول �إىل اتفاقيات جنيف لعام 1977اخلا�ص بحماية �ضحايا
النزاعات امل�سلحة الدولية على ما يلي -1( :يجب �أال مي�س �أي عمل �أو �إحجام ال مربر لهما بال�صحة وال�سالمة البدنية
والعقلية للأ�شخا�ص الذين هم يف قب�ضة اخل�صم �أو يتم احتجازهم �أو اعتقالهم �أو حرمانهم ب�أية �صورة �أخرى من حرياتهم
نتيجة لأحد الأو�ضاع امل�شار �إليها يف املادة الأوىل من هذا امللحق»الربوتوكول» .ومن ثم يحظر تعري�ض الأ�شخا�ص
امل�شار �إليهم يف هذه املادة لأي �إجراء طبي ال تقت�ضيه احلالة ال�صحية لل�شخ�ص املعني وال يتفق مع املعايري الطبية املرعية
التي قد يطبقها الطرف الذي يقوم بالإجراء على رعاياه املتمتعني بكامل حريتهم يف الظروف الطبية املماثلة.
- 2ويحظر ب�صفة خا�صة �أن يجري له�ؤالء الأ�شخا�ص .ولو مبوافقتهم� ,أي مما يلي�:أ) عمليات البرت .ب) التجارب
67 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الحظر �إال في حالة التبرع بالدم لنقله �أو التبرع بالأن�سجة لزرعها ،ب�شرط �أن يكون الر�ضا حرا
للمتبرع ،وبدون قهر.
وقد جاءت المادة 75من نف�س البروتوكول ،ون�صت على تحريم التعذيب لكل �سكان
الأرا�ضي المحتلة ،الذين عبر عنهم بم�صطلح «الأ�شخا�ص الذين في قب�ضة �أحد �أطراف
النزاع وال يتمتعون بمعاملة �أف�ضل بموجب الإتفاقيات �أو البروتوكول الأول» ،كما حرمت المادة
76التعذيب والمعاملة القا�سية بالن�سبة للن�ساء والأطفال ،وتجريم الإغت�صاب والإكراه على
الدعارة....
كما جاء البروتوكول الإ�ضافي الثاني لعام -1977والخا�ص بحماية �ضحايا النزاعات
الم�سلحة غير الدولية -ف�أ�شارت المادة الرابعة منه �إلى:
الحق في احترام الأ�شخا�ص الذين ال ي�شتركون في الأعمال العدائية ،واحترام �شرفهم ✺
القتل والمعاملة القا�سية مثل التعذيب �أو الت�شويه �أو العقوبات البدنية.
تجريم انتهاك الكرامة ال�شخ�صية ،وبوجه خا�ص المعاملة المهينة والحاطة للكرامة ومن ✺
قدر الإن�سان ،واالغت�صاب والإكراه على الدعارة وكل ما من �ش�أنه خد�ش الحياء.
ويرى الباحث �أن اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949والبرتوكوالن الأول والثاني لعام ✺
1977الإ�ضافيان ،قد رفعا من �ش�أن حقوق الإن�سان ،و�إدانة التعذيب �إدانة ر�سمية؛ حيث
�أن الهدف الحيوي من الإتفاقيات هو حماية الإن�سانية من ويالت النزاعات الم�سلحة،
والحماية من المعامالت الال�إن�سانية �أو الحاطة بالكرامة.
ويعد التعذيب في �إطار ما تقدم جريمة دولية ،تجد م�صدرها في قواعد القانون الدولي
الإن�ساني� ،سواء في اتفاقيات جينيف الأربع� ،أو اتفاقيات الهاي ،1907كقاعدة عرفية بها
نف�س الم�ضمون ،وهذا هو جوهر التزام الدول بما جاء في �أحكام الإتفاقيات كم�صدر دولي
للحق في الحماية من التعذيب ،كما تهدف القواعد الآمرة ،الواردة في الإتفاقيات والمواثيق
�إلى احترام حقوق الإن�سان في النزاعات الم�سلحة ،وذلك بالمقابل مع قواعد القانون الدولي
لحقوق الإن�سان التي تنه�ض كم�صدر لحماية الإن�سانية في زمن ال�سلم ،ال�شيء الذي ي�ؤكد �أن
مناه�ضة التعذيب بكل �أ�شكاله ظل هاج�سا كبيرا في القانون الدولي الإن�ساني ،بحكم ارتباطه
ب�آدمية الإن�سان من حيث �أنه �إن�سان ،غير �أن محاربته �أو مناه�ضته تقت�ضي �أن يتم تفعيلها من
طرف المنتظم الدولي بموجب الإتفاقيات المعبرة عن ذلك ،بكل ما يلزم من و�سائل �إجبارية،
خا�صة دول العالم الثالث� ،أو الدول النامية ،التي الزالت تعاني �شعوبها من جريمة التعذيب.
الفقرة الثانية :مناه�ضة التعذيب في الت�شريع المغربي
ب�إ�صدار الم�شرع الجنائي المغربي للقانون رقم 04-43المجرم للتعذيب والمعدل والمتمم
للف�صل 231من القانون الجنائي ال�صادر الأمر بتنفيذه في فبراير ،2006والذي اتخذ قرار
و�ضع م�شروعه مند عام ،2004حيث مهد هذا القرار �إلى �إتخاذ المغرب قرارات �أخرى �أكثر
تقدما كما هو ال�ش�أن عندما رفع التحفظ عن المادة 20من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب المتعلقة
باخت�صا�ص هذه اللجنة في النظر في �شكاوى الأفراد وفق المادة .22
وبالرجوع �إلى القانون الجنائي ،قبل تعديله بالقانون رقم ،04-43يمكن الوقوف على
ت�ضمين الم�شرع الجنائي التعذيب كجريمة يعاقب عليها القانون �سواء من خالل المادة
231التي تعاقب الموظف العمومي الذي «ي�ستعمل �أثناء قيامه بوظيفته �أو ب�سبب قيامه بها
العنف �ضد الأ�شخا�ص �أو ي�أمر ب�إ�ستعماله بدون مبرر �شرعي» �أو من خالل المادة 438التي
تعاقب الإعتداء على الحرية ال�شخ�صية بالإعدام في حالة ما �إذا وقع تعذيب بدني لل�شخ�ص
المخطوف �أو المقبو�ض عليه �أو المحبو�س �أو المحجوز� ،أو من خالل المادة 399التي تعاقب
ب�إعدام كل من ا�ستعمل و�سائل التعذيب �أو �إرتكب �أعماال وح�شية لتنفيذ فعل يعد جناية.
�إال �أن العنف الذي تق�صده المادة 231ال يمكن �أن يفهم منه �أن الأمر يتعلق بفعل التعذيب
كما هو متعارف عليه دوليا ،وحتى �إذا افتر�ضنا العك�س ف�إن تجريم الم�شرع المغربي لهذا
العنف مرتبط ب�شرط «غياب مبرر �شرعي» لهذا العنف �أي �إذا كان مبرر �شرعي يبرر ممار�سة
الموظف العنف �ضد �شخ�ص معين ف�إن هذا العنف �أو التعذيب ي�صبح م�شروعا ،وهذا الأمر
يتنافى مع التجريم المطلق التي يتميز به فعل التعذيب في جميع الأحوال طبقا للقانون الدولي
الإن�ساني الذي ال يورد �أي نوع من التعذيب الم�شروع ،1فعنا�صر التجريم التي ت�ضمنته المادة
231تفتقر �إلى التحديد الدقيق واعتبرته من بين الأ�سباب الكامنة وراء «تقاع�س» الق�ضاء
الغربي-بدرجاته المختلفة-عن تطبيق مقت�ضياتها في العديد من الحاالت.
11د .عبد احلفيظ بلقا�ضي «حماية ال�شخ�ص �ضد التعذيب واملمار�سات امل�شابهة بني ن�صو�ص �إتفاقية الأمم املتحدة لعام 1984
ومقت�ضيات املدونة اجلنائية املغربية REMALD،عدد � 2001/29ص91.
69 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�أما المادة 438و�إن كانت تعاقب التعذيب البدني الذي يقع لل�شخ�ص المخطوف �أو المقبو�ض
عليه �أو المحبو�س �أو المحجوز ،ف�إنها من جهة ال تعاقب على التعذيب النف�سي و العقلي ،ومن
جهة �أخرى ف�إن هذه المادة تخاطب فقط الأفراد العاديين دون الموظفين العموميين من
منطلق �أنها تقع �ضمن الفرع الرابع من الباب ال�سابع لمدونة القانون الجنائي الذي يحمل
عنوان« :االعتداء على الحرية ال�شخ�صية و�أخذ الرهائن و حرمة الم�سكن الذي يرتكبه الأفراد»
بينما تخاطب �إتفاقية مناه�ضة التعذيب ،الموظفين العموميين بالأ�سا�س �أو من يت�صرف بهذه
ال�صفة .وبالعودة �إلى ن�ص المادة 399من القانون الجنائي المغربي و المادة 303من المدونة
الفرن�سية القديمة يمكن القول �أنهما ال يجرمان �إال التعذيب الذي يهدف �إلى تنفيذ جناية �أي
�أن هذا التعذيب لي�س جريمة �أ�صلية و م�ستقلة بل ظرف م�شدد يوجب �إعدام ال�شخ�ص الذي
ي�ستعمل و�سائل التعذيب �أو الأعمال الوح�شية في تنفيذه لهذه الجناية.
و�إذا كان «ا�ستعمال و�سائل التعذيب» ال يثير الغمو�ض باعتبار �أن مفهوم التعذيب وا�ضح في
المادة الأولى من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب ل�سنة ،1984ف�إن مفهوم الأعمال الوح�شية يعتريه
اللب�س وعدم الو�ضوح وقد ذهب اتجاه من الفقه الفرن�سي �إلى �أن «الأعمال الوح�شية» �إنما
ينبغي �أن تحمل معنى �أ�شكال المعاملة القا�سية �أو الال�إن�سانية �أو المهينة ،المن�صو�ص عليها
في المادة 16من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب لعام 1984واالتفاقية الأروبية لعام 1987ب�ش�أن
مناه�ضة التعذيب ،وح�سب هذا الت�صور ف�إن العمل الوح�شي هو الذي يف�صح الجاني من خالله
عن ق�سوته و�شرا�سته.
عرف القانون الجنائي المغربي طيلة �أربعة عقود من وجوده عدة تعديالت،وبالرغم من
ق�صر �سريانه ن�سبيا «ف�إن الأ�س�س التي �أنبنى عليها �أ�صبحت متجاوزة حتى في البيئة الفرن�سية
التي �أنتجته 1وبالتالي فمختلف المقت�ضيات المذكورة �أعاله كانت توحي بوجود تق�صير من
جانب المغرب في تجريمه للتعذيب وفق الإلتزام الذي ن�صت عليه المادة الرابعة من �إتفاقية
مناه�ضة التعذيب ،تكر�س معه �إفالت الجالدين من العقاب 2وقد تم تنظيم مناظرة وطنية
حول بلورة �سيا�سة جنائية ،وانخرطت الحكومة في العمل على �صياغة �سيا�سة جنائية متكاملة
11تقنيات نابليون يف القرن ،19وارد يف التقرير ال�سنوي عن حالة حقوق الإن�سان و ح�صيلة �آفاق عمل املجل�س ،2004
من�شورات املجل�س اال�ست�شاري حلقوق الإن�سان ،يوليوز � 2005ص24 .
22على �سبيل املثال� :أ�شارت املنظمة املغربية حلقوق الإن�سان �إىل احلاالت التي عر�ضها التقرير ال�سنوي لعام 2000و مل
تتو�صل ب�أي رد ر�سمي ب�ش�أنها رغم ن�رش التقرير على نطاق وا�سع تخ�ص عدة حاالت :ال�سيد «جمايل عبد الرحمان»
مللقى عليه القب�ض من طرف دائرة الأمن اخلام�سة بعني ال�سبع عمالة احلي املحمدي بالدار البي�ضاء ،والذي تعر�ض
ملعاملة قا�سية �أثناء ا�ستنطاقه ،ال�سيد «حماد ظليم» من دوار اخلروبة ب واد �أمليل ،الذي تعر�ض لل�رضب ،من طرف
الدرك امللكي �إثر تقدميه لتظلم �إىل وزير الفالحة ،مبنا�سبة زيارته لعني املكان و حالة «ال�سيد علي اجلمال» من مدينة
تزنيت واملتوفى لدى ال�رشطة و«ال�سيد م�صطفى احلجامي» ،املتويف مبخفر للبا�شوية بـ«تاونات» �إثر اعتقاله من طرف
�أفراد القوات امل�ساعدة خالل �شهر يوليوز...
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 70
لإ�ستخال�ص العبر من تطبيق القانون الجنائي المغربي طيلة � 42سنة 1و�إبراز مختلف نواق�ص
هذا القانون في تعاطيه مع جريمة التعذيب ظل حا�ضرا �ضمن �أهداف معظم مكونات الحركة
الحقوقية بالمغرب 2والتي من �ضمنها �ضرورة �إ�ستكمال م�سل�سل مالئمة القوانين المحلية مع
المواثيق الدولية ،ف�شرعت في بلورة خطة وطنية كمرجع �أ�سا�سي للإقرار بحقوق الإن�سان
والنهو�ض بها واحترامها.
و�إذا كان الم�شرع الفرن�سي قد تدارك الق�صور الت�شريعي المتعلق بتجريم التعذيب منذ
�سنة 1994في مدونته الجنائية من خالل زجر ممار�سة التعذيب والأعمال الوح�شية باعتبارها
جريمة م�ستقلة في المادة ،1/222ف�ضال عن اعتباره فعل التعذيب جريمة �ضد الإن�سانية ،و �إذا
كان الم�شرع التون�سي عالج الق�صور من خالل �إ�ضافة الف�صل 101مكرر �إلى المجلة الجنائية
بموجب قانون م�ؤرخ في 2غ�شت ،1999ف�إن نظيرهما المغربي لم يتدارك هذا النق�ص �إال
بعد �إ�صداره �سنة 2006للقانون رقم 43-04المغير والمتمم للف�صل 231من مدونة القانون
الجنائي بتعريفه جريمة التعذيب بالن�ص على �أنه «يق�صد بالتعذيب بمفهوم هذا القانون كل
فعل ينتج عنه �ألم �أو عذاب �شديد ج�سدي �أو نف�سي يرتكبه عمدا موظف عمومي �أو يحر�ض
عليه �أو يوافق عليه �أو ي�سكت عنه في حق �شخ�ص لتخويفه �أو �إرغامه على الإدالء بمعلومات �أو
بيانات �أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه �أو ي�شبه في �أنه �إرتكبه هو �أو �شخ�ص �آخر،
�أو عندما يلحق مثل هذا الألم �أو العذاب لأي �سبب من الأ�سباب التي يقوم على التمييز �أيا كان
نوعه ،و ال يعتبر تعذيبا الألم و العذاب لأي �سبب من الأ�سباب التي يقوم على التمييز �أيا كان
نوعه ،و ال يعتبر تعذيبا الألم والعذاب الناتج عن عقوبات قانونية �أو المترتب عنها �أو الالزم
لها» .ومن خالله نالحظ �أن الم�شرع الجنائي المغربي قد تطرق �إلى الأهداف والأركان نف�سها
التي حددتها المادة الأولى من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب رغم االختالف من حيث ال�صياغة،
حيث ا�شترط بدوره �ضرورة �أن يتحقق في الفعل الذي يرتكبه الموظف العمومي والذي يطاله
التجريم �أحد الأهداف الأربعة التي ت�ؤدي �إلى نتيجة واحدة مق�صودة:
تخويف ال�ضحية ✺
�إرغامه �أو �إرغام �شخ�ص �آخر على الإدالء بمعلومات �أو بيانات �أو اعتراف ✺
معاقبته على عمل ارتكبه �أو ي�شتبه في �أنه ارتكبه هو �أو �شخ�ص �آخر. ✺
التمييز. ✺
حيث يجب �أن يحدث �أحد هذه الأهداف �شدة من الألم �أو العذاب ج�سديا كان �أو نف�سيا،
�سواء قام به الموظف العمومي �شخ�صيا �أو وافق عليه �أو �سكت عنه ،والتركيز على �صفة ال�شدة
قد يفهم منه ا�ستبعاد الممار�سات التي ال ت�صل �إلى حد التعذيب من التجريم� ،أي �أن الأمر
يتجاوز مجرد العنف و الإكراه رغم �أن درجة الإح�سا�س بالألم ال�شديد من خالل تعر�ض
ال�شخ�ص لأعمال عنف متكررة �أو بالنظر �إلى طبيعتها و كثافتها �أو الظروف التي ارتكبت
فيها ،و ال �شك �أن الأ�ساليب التي قد يلج�أ �إليها في ذلك ي�صعب ح�صرها �أو تعدادها ،فهي
على قدر كبير من التنوع و االختالف ،وقد اعتبر �أحد الفقهاء� 1أن �آالم الجوع �أو البرد القار�س
التي يت�سبب فيها الجاني عمدا والتي ت�ستغرق مدة معينة من الزمن �شكال من �أ�شكال التعذيب
المادي �شرط �أن ي�سبقها واقعة حب�س �أو حجز ال�شخ�ص الذي حرم من التغذية �أو التدفئة،
وبالتالي فقد �إعتبر هذا الفقيه م�س�ألة ترك ال�ضحية �أو الإمتناع عن توفير ال�شروط ال�صحية
بمثابة تعذيب مادي.
كما �إ�ستبعد الم�شرع المغربي من تعريفه للتعذيب الألم و العذاب الناتج عن عقوبات قانونية
�أو المترتب عنها �أو الالزم لها� ،ش�أنه في ذلك �ش�أن المادة الأولى/فقرة 2من �إتفاقية مناه�ضة
التعذيب التي اعتبرت �أنه ال يت�ضمن ذلك الألم �أو العذاب النا�شئ فقط عن عقوبات قانونية
�أو المالزم لهذه العقوبات �أو التي يكون نتيجة عر�ضية لها� ،إال �أن الفرق يكمن في حذف كلمة
فقط من القانون المغربي ،حيث تقر�أ« :و ال يعتبر تعذيبا الألم �أو العذاب الناتج عن عقوبات
قانونية �أو المترتب عنها �أو المالزم لها» و قد ذكر «القرار الخا�ص المعني بالتعذيب» بالأمم
المتحدة ب�أن هذا اال�ستبعاد }المعروف عادة با�ستبعاد العقوبات القانونية{ «يجب �أن ي�شير
بال�ضرورة �إلى تلك العقوبات التي ت�شكل ممار�سة مقبولة على نطاق وا�سع من جانب المجتمع
الدولي باعتبارها م�شروعة ،مثل الحرمان من الحرية عن طريق ال�سجن ،وهي قا�سم م�شترك
يجمع بين جميع الأنظمة العقابية تقريبا».2
غير �أن التعريف ال يو�ضح ما يعنيه بالمفاهيم والم�صطلحات الواردة فيه وخا�صة منها
م�صطلح« :موظف عمومي» وهنا نت�ساءل عن المق�صود بالموظف العمومي هل هو من تحدده
«مدونة قواعد �سلوك الموظفين المكلفين ب�إنفاذ القوانين» التي �إعتمدت و ن�شرت بموجب
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 169/34الم�ؤرخ في 17دجنبر 1979في تعليقها على
مادتها الأولى فيما يلي :ت�شمل عبارة «الموظفون المكلفون ب�إنفاذ القوانين جميع الموظفين
11عبد احلفيظ بلقا�ضي ،حماية ال�شخ�ص �ضد التعذيب واملمار�سات امل�شابهة بني ن�صو�ص �إتفاقية الأمم املتحدة لعام 1984
ومقت�ضيات املدونة اجلنائية املغربية م �س �ص» ،95هام�ش رقم .50
22خالد ال�رشقاوي ال�سموين« ،جرمية التعذيب يف القانون املغربي» جملة فواني�س.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 72
الم�س�ؤولين عن تنفيذ القانون الذين يمار�سون �صالحيات ال�شرطة ،وال �سيما �صالحيات
االعتقال و الإحتجاز �سواء كانوا معنين �أو منتخبين» وهو ما يفيد �أن الم�شرع المغربي يدمج
�ضمن م�صطلح الموظف العمومي بالإ�ضافة �إلى «الموظفين المكلفين ب�إنقاذ القوانين» كل
الموظفين المنتمين �إلى قطاعات الدولة.
من جانب �آخر فالتعريف الوارد في القانون المغربي المتعلق بتجريم التعذيب ال يتالءم
في كثير من بنوده مع الإتفاقية الدولية لمناه�ضة التعذيب وبالخ�صو�ص المادتين 1و 4من
االتفاقية ،من حيث �أنه «لم ي�ضع تحديدا وا�ضحا لمفاهيم من قبيل التعذيب المبا�شر والعقوبة
القا�سية والمعاملة الال�إن�سانية والمعاملة المهينة» حيث �إن كل الوثائق المعينة �سواء ال�صادرة
عن الأمم المتحدة �أم منظمات �أخرى دولية �أو �إقليمية التي تتطرق للتعذيب ال تميز بينه
وبين مختلف �أ�شكاله «المعاملة �أو العقوبة القا�سية �أو الال�إن�سانية المهينة» ،كما �أنها تعني في
جوهرها بالتعذيب الذي يمار�سه موظفو �أجهزة الدولة وباقي الأفراد الذين يعملون لفائدتهم
�أو بتعاون معهم �أو بر�ضا منهم ،وعليه ف�إن �إغفال القانون المتعلق بتجريم التعذيب تجريم
المعاملة ال�سيئة والعقوبة القا�سية والال�إن�سانية قد تفرع هذا القانون من ال�شمولية في م�س�ؤولية
الموظف عند �ضلوعه المبا�شر وغير المبا�شر في �أعمال التعذيب مادام المغرب قد �صادق على
الإتفاقية الدولية لمناه�ضة التعذيب التي تن�ص �صراحة على تجريم المعاملة ال�سيئة والعقوبة
القا�سية والال�إن�سانية ،و�أن �سكوت الم�شرع المغربي على مثل هذه الأعمال قد ي�شجع بع�ض
الم�س�ؤولين على ال�شطط في �إ�ستعمال �سلطاتهم عند اعتقال الأفراد والتحقيق معهم ،وتجدر
الإ�شارة �إلى �أن الإتفاقية المذكورة قد حظرت الممار�سات التي ال ت�صل �إلى حد التعذيب في
مادتها ال�ساد�سة ع�شر .لذلك فم�سودة م�شروع القانون الجنائي المعرو�ضة للنقا�ش عمدت �إلى
التو�سع في تعريف التعذيب لي�شمل �أفعال التعذيب المرتكبة من طرف كل الأ�شخا�ص و عدم
ح�صره في الموظف العمومي فقط.
و�إذا كان الم�شرع المغربي قد ن�ص على عقوبة جريمة التعذيب باعتبارها جناية يتعر�ض
مرتكبها �إلى عقوبات �أ�صلية ن�صت عليها المواد � 231-1إلى ،231-6و�أخرى �إ�ضافية تفر�ض
بقوة القانون من�صو�ص عليها في المادتين 231-7و 231-8ف�إنه و بالرجوع �إلى الف�صول التي
تعاقب على جريمة التعذيب نجد العقوبة تتراوح بين ال�سجن من خم�س �إلى خم�س ع�شرة �سنة
}الف�صل {231-2و ال�سجن الم�ؤبد }الف�صل {231-4و هذا يعني ب�أن الم�شرع عاقب على
التعذيب بعقوبات جنائية .عاقب الم�شرع الموظف العمومي مرتكب جريمة التعذيب بال�سجن
الم�ؤقت من خم�س �إلى خم�س ع�شرة �سنة ،والغرامة من � 10.000إلى 30.000درهم ،وت�شدد
العقوبة لت�صبح ال�سجن من ع�شر �سنوات �إلى ع�شرين �سنة وغرامة مالية من � 20.000إلى
73 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
50,000درهم �إذا �إرتكب التعذيب �ضد قا�ض �أو عون من �أعوان القوة العمومية �أو موظف عمومي
�أثناء ممار�سته لمهامه� ،أو بمنا�سبة ممار�سته لها� ،أو �ضد �شاهد �أو �ضحية �أو طرف مدني ب�سبب
�إدالئه بت�صريح �أو لتقديمه �شكاية ولإقامته دعوى �أو للحيلولة دون القيام بذلك� ،أو من طرف
مجموعة من الأ�شخا�ص ب�صفتهم فاعلين �أو م�شاركين� ،أو مع �سبق الإ�صرار و ب�إ�ستعمال ال�سالح
�أو التهديد به ،كما ت�شدد العقوبة لت�صل �إلى ال�سجن الم�ؤبد �إذا �إرتكب التعذيب �ضد قا�صر دون
�سن � 18سنة� ،أو �إذا �إرتكب �ضد �شخ�ص يعاني من و�ضعية �صعبة ب�سبب مر�ض �أو �إعاقة �أو ب�سبب
نق�ص بدني �أو نف�سي على �أن تكون هذه الو�ضعية ظاهرة ومعروفة لدى الفاعل ،و كذا �إذا �إرتكب
�ضد امر�أة حامل �إذا كان حملها بينا� ،أو كان معروف لدى الفاعل� ،أو �إذا كان م�سبوقا باعتداء
جن�سي �أو م�صحوبا به تاله هذا الإعتداء� ،أو الإعتياد على �إرتكاب التعذيب.
ومن خالل حاالت ت�شديد العقوبة ال�سابق ذكرها ،يتبين �أن الم�شرع �أولى حماية خا�صة
لبع�ض الفئات مثل القا�ضي والموظف العمومي وال�شهود ،كما عمل على تو�سيع دائرة
الم�شمولين بالحماية من جريمة التعذيب لت�شمل الأ�شخا�ص في و�ضعية �صعبة وكبار ال�سن
والمر�ضى و المعاقين و الحوامل و الأطفال دون � 18سنة ،كما عاقب الم�شرع على التعذيب الذي
ينتج عنه فقدان ع�ضو �أو بتره �أو الحرمان من منفعة �أو عمى �أو عور �أو �أي عاهة دائمة �أخرى
بعقوبة ال�سجن الم�ؤقت من ع�شر �سنوات �إلى ع�شرين �سنة ،و ت�شدد هذه العقوبة �إذا توفر �سبق
الإ�صرار �أو �إ�ستعمال ال�سالح لت�صبح ال�سجن الم�ؤقت من ع�شرين �سنة �إلى ثالثين �سنة� ،أما
التعذيب الذي نتج عنه موت دون نية �إحداثه يعاقب عليه بال�سجن من ع�شرين �سنة �إلى ثالثين
�سنة ،وفي حالة توفر �سبق الإ�صرار �أو �إ�ستعمال ال�سالح ت�صبح العقوبة ال�سجن الم�ؤبد� .أما عن
العقوبات الإ�ضافية ف�إنها وفق الفقرة الثانية من المادة 14من القانون الجنائي تكون م�ضافة
�إلى العقوبة الأ�صلية بقوة القانون� ،أو تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة �أ�صلية بحيث ي�شتمل عليها
الحكم لإمكانية توقعها على المحكوم عليه ،ويتعر�ض مرتكب جريمة التعذيب �إلى العقوبات
الإ�ضافية بقوة القانون و تتمثل هذه العقوبة في الحرمان من الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو
العائلية و م�صادر الأ�شياء و الأدوات الم�ستعملة في �إرتكاب التعذيب و ن�شر الحكم وتعليقه
طبقا لمقت�ضيات الف�صل 48من القانون الجنائي ،بالإ�ضافة لذلك تن�ص المادة 231-7على
�أنه يجب على المحكمة في جميع الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صول من 231-2الى 231-6
�إذا حكمت بعقوبة جنحيه بحرمان المحكوم عليه لمدة تتراوح بين �سنتين و ع�شر �سنوات من
ممار�سة حق �أو عدة حقوق من الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو العائلية المن�صو�ص عليها في
الف�صل 26من القانون الجنائي 1و قد تناولت المادة 231-8عقوبة الم�صادرة والن�شر الحكم
11وي�شمل احلرمان طبقا للف�صل 26من القانون اجلنائي على:
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 74
كعقوبتين �إ�ضافيتين ،حيث ن�صت على �أنه يجب على المحكمة في جميع الحاالت المن�صو�ص
عليها في الف�صول من � 231-2إلى � 231-6إذا حكمت بالم�ؤاخذة �أن ت�أمر بم�صادرة الأ�شياء
الم�ستعملة في �إرتكاب التعذيب وبن�شر الحكم وبتعليقه طبقا لمقت�ضيات الف�صل 48من هذا
القانون.
توجهات القواعد الم�سطرية الحتواء جريمة التعذيب: ■
-عزل املحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية و كل اخلدمات و الأعمال العمومية.
-حرمان املحكوم عليه من �أن يكون ناخبا �أو منتخبا و حرمانه ب�صفة عامة من �سائر حقوقه الوطنية وال�سيا�سية ومن حق
التخلي ب�أي و�سام.
-عدم الأهلية للقيام مبهمة ع�ضو حملف �أو خبري ،وعدم الأهلية لأداء ال�شهادة يف �أي ر�سم من الر�سوم �أو ال�شهادة �أمام
الق�ضاء �إال على �سبيل الإخبار فقط.
-عدم �أهلية املحكوم عليه لأن يكون و�صيا �أو م�رشفا على غري �أوالده.
-احلرمان من حق حمل ال�سالح ومن اخلدمة يف اجلي�ش و القيام بالتعليم �أو �إدارة مدر�سة �أو للعمل يف م�ؤ�س�سة للتعليم
ك�أ�ستاذ �أو مدر�س �أو مراقب.
75 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
القانون الجنائي و قانون الم�سطرة الجنائية التي تحدد مدة التقادم في الجنايات بع�شرين
�سنة ،وهي مدة كافية لعدم �إفالت مرتكبي هذه الأفعال من العقاب مع الت�أكيد على �أن هذه
القاعدة من النظام العام يمكن �إثارتها من �أي طرف كان ،و هو ما يجيب على ان�شغاالت
اللجنة بخ�صو�ص هذه الم�س�ألة ،1غير �أن المراجعة التي خ�ضع لها قانون الم�سطرة الجنائية
بمنا�سبة مالءمته مع م�ستجدات الوثيقة الد�ستورية ل 2011في باب ال�ضمانات� ،شملت ب�شكل
فجائي التقادم ،بتقلي�ص المدة ،الأمر الذي يطرح �أكثر من ت�سا�ؤل ب�ش�أن �أ�سا�س التعديل؟.
�أما من جانب ثبوت التعذيب فيعتبر من �أدق الم�سائل القانونية ،باعتبار بحث القا�ضي عن
اقتناع ال�صميم بثبوت التهمة في حق المتهم الماثل �أمامه ،ومن تم ف�إن لإثبات هو الو�سيلة
الوحيدة التي تجعل من الجزاء �أمرا قابال للإنتقال من مجرد �أحكام �إلى واقع عملي ملمو�س.
و�إذا كان يمكن �إثبات جريمة التعذيب بجميع الو�سائل� ،إال �أنه وبحكم �أن هذه الجريمة ترتكب
غالبا في �أماكن ال يمكن �أن يطلع عليها العموم بم�شاهدة ،كما ترتكب من طرف الجهات التي
تحمي الأفراد ...بذلك فجريمة التعذيب يمكن �إثباتها بقرائن ،و ربطها بظروف ومالب�سات
الق�ضية ،وقد تعززها الخبرة الطبية ،التي تحتل مكانة بالغة الأهمية ،خا�صة �إذا تعلق الأمر
بالتعذيب المرتكب من طرف جهات �أمنية والذي ي�ستدل على حدوثه بما يتركه من �إ�صابات
ظاهرة بج�سد المجني عليه� ،إال �أن الأمر يختلف عندما يمار�س التعذيب ب�أ�سلوب من الأ�ساليب
الحديثة والتي ال تترك �أثارها بج�سد المجني عليه ،و�إنما تترك �أثارها على حالة المجني عليه
النف�سية �أو العائلية .من جانب �آخر وبحكم �أن جريمة التعذيب ترتكب في �أماكن ال يمكن �أن
يطلع عليها العموم بالم�شاهدة والمعاينة ،ف�إنه يعول في �إثباتها على القرائن القوية ،و ربطها
بظروف ومالب�سات الق�ضية وقد تعززها الخبرة الطبية في �أعلب الأحيان وهنا تظهر �أهمية
الخبرة القبلية �أو الأولية ،دفعا لكل التبا�س ،وقد يح�صل �أن ي�صرح ب�أن المعذب الم�شبوه فيه
قام ب�إلحاق ال�ضرر لنف�سه بنف�سه ،ولكن ال يمكن �أن نت�صور �أثار الإعتداء من الخلف على
م�ستوى الظهر لل�ضحية ،بل هي قرينة قوية على �أنه اعتدي عليه مثال من قبل القائمين ب�أعمال
البحث.
وفي هذا ال�سياق ن�ستح�ضر الر�أي الفقهي حول قيمة ال�شهادة الطبية بوجه عام ،و�إثبات
التعذيب بوجه خا�ص ،وقد قيل بنظريات مختلفة وباقتراحات عديدة في هذا ال�ش�أن ،حيث
تعتبر ال�شهادة الطبية و�سيلة �إثبات ،كما قيل ب�أنها و�سيلة لتقدير الدليل وب�أنها �إجراء م�ساعد
للقا�ضي وب�أنها �شهادة فنية .وتبعا للتجاوزات التي قد تعرفها حقوق الإن�سان خالل مرحلة ما
11اململكة املغربية التقرير الرابع اخلا�ص ب�إعمال �إتفاقية مناه�ضة التعذيب و غريه من �رضوب املعاملة �أو العقوبات القا�سية
�أو الال�إن�سانية �أو املهينة �ص11.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 76
قبل المحاكمة ،وحتى تعطى لل�شهادة الطبية قوتها في الإثبات ،وتحقق الفل�سفة التي �أقرها من
�أجلها القانون تقترح بع�ض الآليات التي من �ش�أنها دعم ال�شهادة الطبية ،وت�سهيل عمل الق�ضاء
في �إثبات جريمة التعذيب ،وتتجلى في:
القيام بفح�ص المحتجز عند و�صوله �إلى مركز الإحتجاز قبل �أن يبد�أ �إ�ستجوابه ✺
القيام بك�شف طبي كل � 24ساعة �أثناء ا�ستجواب المتهم ،وقبل نقله �أو �إطالق �سراحه ✺
مبا�شرة
يجب �أن يحاط ال�ضنين علما ب�أهمية الفحو�ص الطبية ،و�إذا رف�ض ال�ضنين �إخ�ضاعه لأي ✺
بيانات مختلفة مثل وزن المحتجز والآثار الموجودة بج�سمه ،وحالته النف�سية و�شكواه
الخا�صة ،واالحتفاظ ب�سرية هذه ال�سجالت كما هو الحال ب�ش�أن �أية عالقة بين طبيب
ومري�ض.
كما يتعين جعل ت�شريح جثة ال�ضنين �أمرا �إجباريا� ،إذا توفى وهو في مخفر ال�شرطة� ،أو ✺
وفتح �سبل التظلم الر�سمية و�ضمان نزاهة الهيئات الم�شرفة على النظر في التظلمات.
وحتى تكون الأدلة الطبية المت�صلة بمزاعم �إنتهاكات حقوق الإن�سان فعالة ،يتعين �أن تتم
بال�سرعة المتطلبة� ،إذ من الوا�ضح بداهة� ،أنه كلما تم الإ�سراع بفح�ص مزاعم االنتهاكات ،كلما
كانت الآثار البدنية ،و الأدلة المادية الأخرى المت�صلة بها ،و �أقوال ال�شهود كاملة غير منقو�صة.
توفير �إمكانية الطعن يجب �أن تكون ال�ضحية �أو محاميه ،قادرين على التما�س فح�ص ✺
طبي �آخر� ،إذا اعتقد لأي �سبب ما �أن الفح�ص الطبي الأول لم يكن كافيا.
توفير �ضمانات الأمن للأطباء وال�شهود باعتبار �أن التقييم المن�صف ال�صحيح للأدلة، ✺
و�إذا كان �أهم ما يترتب على التعذيب هو �إكراه المتهم على االعتراف ،ف�إن هذا االعتراف
ينبغي �أن يتم �إبعاده جملة وتف�صيال في �سياق تنفيذ التزامات المملكة المغربية في مجال
حماية حقوق الإن�سان ،وبالتالي التعامل مع الو�ضع بال�صرامة المتطلبة� ،إذ ال ينبغي �أن يقت�صر
البطالن في هذه الحالة على مح�ضر االعتراف بمعناه الفني الدقيق فقط ،بل ين�صرف �إلى كل
ما قد ي�صدر من الفرد من �أقوال و �أفعال قد تعتبر دليال �ضده �أثناء ممار�سة التعذيب .غير �أنه
و خالفا للعديد من الت�شريعات المقارنة ،لم يتم تكري�س نظرية عامة للبطالن وا�ضحة في �إطار
الم�سطرة الجنائية ،في �سياق ما عرفته تطبيقات المادة 751من ق.م.ج ،و �إذا كان الم�شرع
الم�صري ن�ص �صراحة على جزاء الدليل المح�صل عليه من �إجراءات ال �شرعية هو البطالن
}المادة 331ق.ا.ج{ ف�إن الم�شرع المغربي متذبذب في المو�ضوع ،و هكذا بعدما ن�ص �صراحة
على البطالن جزاء للإخالل ب�أحكام التفتي�ش }المادة 63من ق.م.ج{ نجده التزم ال�صمت
بخ�صو�ص الإخالل ب�أحكام الو�ضع تحت الحرا�سة ،وهو ما يطرح م�شكلة حجية و �شرعية الأدلة
المح�صل عليها خاللها ،وال�سيما الإقرارات التي جاءت في محا�ضر ال�ضابطة نتيجة �إكراه
معنوي �أو مادي ،و�أمام هذا ال�صمت من طرف الم�شرع نحو هذه الم�س�ألة البالغة الأهمية
فتح الباب لت�ضارب الآراء و المواقف بين الفقه و الق�ضاء ،و �أمام هذا التذبذب ف�إن الق�ضاء
مدعو اليوم للقيام بدور كبير في حماية ال�شرعية ،فالم�شرع جرم التعذيب و �أخذ بمبد�أ حرية
الإثبات و احتكم �إلى �ضمير القا�ضي و�سلطته التقديرية ،وهذا ما ي�ستنتج من المادة 293من
قانون الم�سطرة الجنائية التي �أكدت عدم الإعتداد بالإعتراف المنتزع بالإكراه و العنف ،وما
على الق�ضاء �إال �أن ي�ستعمل ال�صالحيات التي خولها له القانون في الإقرار ببطالن االعتراف
الناتج عن التعذيب.
توجه ت�سوق له الدولة المغربية من خالل التقرير الوطني الرابع الخا�ص ب�إعمال �إتفاقية
مناه�ضة التعذيب الذي �أكد على �أنه ،وا�ستجابة الن�شغاالت لجنة مناه�ضة التعذيب بخ�صو�ص
هذه الم�س�ألة }�أي عدم الأخذ باالعتراف الناجم عن �أعمال التعذيب{ ن�ص القانون المغربي
على �أن كل اعتراف يتم تحت ت�أثير التعذيب يعد باطال و ال ينتج �أي �أثر على اعتبار هذا
البطالن مرتبط بالنظام العام لكونه ي�ستهدف حماية الم�صلحة العامة ،و لي�س م�صلحة
خا�صة فقط ،و بهذا يتبين �أن الم�شرع لم يقف عند حد �إبطال االعتراف المنتزع بالإكراه
حر�صا منه على م�شروعية الدليل ،و�إنما ن�ص �صراحة على م�س�ؤولية مرتكبه جنائيا ،لزجر
كل الأفعال و الممار�سات التي ت�سيء �إلى حقوق الإن�سان ،وا�ستند التقرير في هذا الإطار �إلى
المادة 293من قانون الم�سطرة الجنائية.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 78
بذلك يمكن القول �أن الح�صول على اعتراف المتهم بغير الطريق الذي ر�سمه القانون هو
�إخالل ب�إجراء جوهري من �أحكام القانون ،ذلك �أن كل �إجراء يرتبط بالحرية ال�شخ�صية� ،أو
ال�سالمة الج�سدية للمواطنين ،هو من النظام العام ،باعتبار �أن القواعد ال�شكلية التي تحمي
ال�شرعية �أو ت�ؤكدها ،هي من �صميم النظام العام ،ومن هذه القواعد تلك التي توفر الحماية
للحرية الفردية و ال�سالمة الج�سدية للمتهم ف�أي م�سا�س بها يترتب عنه البطالن وفق ما �أكدته
المادة 751من قانون الم�سطرة الجنائية كما �أكده الد�ستور المغربي ،في �إطار الف�صل العا�شر،
و �أكدته �إتفاقية مناه�ضة التعذيب التي �صادق عليها المغرب.
يترتب على كل ذلك بطالن الإعتراف الناتج عن التعذيب �سواء كان في �شكل �إكراه مادي �أو
معنوي ،مع عدم جواز التنازل عنه على اعتبار �أنه مرتبط بالنظام العام و لكونه ي�ستهدف حماية
الم�صلحة العامة و لي�س م�صلحة خا�صة فقط ،ف�إنه ال يمكن �إفترا�ض �صحته �أو ر�ضى ال�ضحية
به و التنازل عن التم�سك به .كما �أنه ال يعتبر تنازال عن التم�سك بالبطالن اعتراف المتهم
من جديد اعترافا �صحيحا �أمام المحكمة .كما يترتب عن ذلك جواز التم�سك بالبطالن لأول
مرة �أمام محكمة النق�ض ،و ال تعار�ض في ذلك باعتبارها محكمة قانون ال محكمة مو�ضوع،
مقت�ضى ينطبق على محاكم المو�ضوع التي عليها �إثارته تلقائيا و بدون طلب ،كما يترتب على
�إعتبار الإعتراف الناتج عن التعذيب باطال بطالنا مطلقا ،جواز التم�سك به لكل ذي �صفة،
لأنه مرتبط بالنظام العام �أي بال�صالح العام ،و لي�س فقط لفائدة من تقرر البطالن ل�صالحه.
المطلب الثاني :مناه�ضة جريمة الإختفاء الق�سري
تعد الإتفاقية الدولية لحماية الأ�شخا�ص من الإختفاء الق�سري واحدة من �أقوى معاهدات
حقوق الإن�سان التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 133/47الم�ؤرخ
دي�سمبر .1 1992
تم �صياغة لجنة مكلفة بحاالت الإختفاء الق�سري ،وهي هيئة من الخبراء الم�ستقلين التي
تراقب تنفيذ الدول الأطراف في الإتفاقية ،وتلتزم تطبيق الحقوق وعلى الدول تقديم تقاريرها
ب�صورة �أولية في غ�ضون �سنتين من قبولها االتفاقية ،وتدر�س كل لجنة كل تقرير من التقارير
وتقدم اقتراحات وتو�صيات عامة ب�ش�أنها بما تجده منا�سبا وتحيلها �إلى الدولة الطرف المعنية،
وتجتمع اللجنة في جنيف ويعقد عادة دورتين �سنويا.
تعتبر هذه الإتفاقية �أولى معاهدة عالمية تعرف الإختفاء الق�سري وتحظره ،1وقد كان
ينظر �إلى الإختفاء الق�سري �إلى غاية الآن على انه انتهاك لبع�ض الحقوق المن�صو�ص عليها
في المعاهدات ال غير ،مثل التحرر من التعذيب والحق في الحرية �أو الحق في الحياة ،لكن
الإختفاء الق�سري ،يفوق كل هذه الجوانب المختلفة� ،إذ انه يتميز بجانب محدد ،وهو الحرمان،
�أي حرمان العائالت من الح�صول على معلومات عن ذويها ،واالتفاقية تقر هذا الجانب ،لأنها
ترى في الإختفاء الق�سري �إنهاك لحق في حد ذاته ،ويتناول ن�ص الإتفاقية عددا من القواعد
الملزمة الجديدة التي لم تكن واردة في �أية معاهدة تتعلق بحقوق الإن�سان من قبل.2
�أهداف االتفاقية ■
تقوم هذه الإتفاقية بتحديد الآفاق والمالحقات الق�ضائية الوطنية وت�سليم المجرمين
الرتكاب جريمة الإختفاء الق�سري ،3وتهدف �أي�ضا �إلى زيادة فعاليات مكافحة حاالت الإختفاء
الق�سري وحماية حقوق الإن�سان.
الت ــزام الدول ـ ــة ■
تلزم الإتفاقية الدول الموقعة عليها بتجريم الإختفاء الق�سري وتوفر لل�ضحايا و �أ�سرهم
الحق في المعلومات والتعوي�ض ،كما �أنها توفر �آلية قائمة بذاتها حيت ال تمكن من الإبالغ عن
انتهاكات حقوق الإن�سان فح�سب بل تتيح �أي�ضا تطوير الدور الوقائي.
المطلب الثالث :مناه�ضة جريمة الإتجار بالب�شر
يعتبر المغرب بحكم موقعه الإ�ستراتيجي ،بلدا م�ستهدفا من طرف �شبكات الإتجار بالب�شر،4
11املادة 16من الإتفاقية الدولية لالختفاء الق�رسي.
22الإختفاء الق�رسي �إتفاقية الأمم املتحدة «�إجناز كبري»https://www.icrc.org/ara/resources/documents/
interview/convention-enforced-disappearance- interview-201206.htm
33حقوق الإن�سان يا�رس �شعبان
44ك�شفت درا�سة جدية قدمتها وزارة العدل واحلريات ،عن معطيات مثرية بخ�صو�ص الإجتار بالب�رش يف املغرب ،الذي
�أ�صبح جماال لأن�شطة �شبكات منظمة لت�صدير وا�سترياد الب�رش تعمد �إىل «�رشاء» �ضحاياها يف بلدانهم الأ�صلية الواقعة يف
�إفريقيا جنوب ال�صحراء ،ثم نقلهم �إىل مدن مغربية ،و�إرغامهم على احرتاف الدعارة �أو الت�سول ودفع مبالغ طائلة
ب�إ�ستعمال الرتهيب تارة من خالل العنف املمار�س على ال�ضحايا� ،أو ا�ستعمال الرتغيب تارة �أخرى عن طريق �إيهامهم
ب�إمكانية حتقيق حلمهم يف الو�صول �إىل �أوروبا.
و�أكدت الدرا�سة �أن املغرب �أ�صبح م�صدرا مهما للأ�سواق العاملية لالجتار يف الب�رش ،خا�صة الن�ساء والفتيات اللواتي يتم
«بيعهن» يف بع�ض دول اخلليج ،وم�ؤخرا بع�ض الدول الأوروبية ،لت�سخريهن يف الدعارة واملالهي الليلية.
وك�شفت الدرا�سة عن ا�ستغالل الن�ساء املهاجرات يف �شبكات الدعارة ،حيث �أن جلهن ينحدرن من نيجرييا ،كما ترتفع
ن�سبة الإ�ستغالل اجلن�سي للمهاجرات الإفريقيات ،حيث ت�صل �إىل 80يف املائة من جمموع املهاجرات.
وذكرت الدرا�سة �أن ال�شبكات املتخ�ص�صة ،ترغم املهاجرات عن احلمل والوالدة ،ثم ت�سخري �أطفالهن يف الت�سول والرفع
من حظوظ بقائهن يف �أوروبا بعد و�صولهن �إليها.
ور�صدت الدرا�سة تنامي ظاهرة ا�ستقدام خادمات البيوت من دول جنوب �رشق �آ�سيا ،حيث تبني �أن 5000فلبينية توجد
باملغرب 60 ،يف املائة منهم خادمات يف البيوت �أغلبهن تعانني من الإ�ستغالل والعنف وحجز جوازات ال�سفر.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 80
لذا انخرط مبكرا في المنظومة الدولية لحقوق الإن�سان ذات ال�صلة بمكافحة ظاهرة الإتجار
بالب�ش ـ ــر ،بحيث قـ ــام بالم�صـ ــادقة علـ ـ ـ ــى عدد من الإتفاقيات والبروتوكوالت الدولية،
�أهمها:
الإتفاقية الخا�صة بالرق ل�سنة ،1926والتي ان�ضم �إليها المغرب وو�ضع �صكوك قبولها في ✺
11مايو .1959
�إتفاقية حظر الإتجار بالأ�شخا�ص وا�ستغالل دعارة الغير ل�سنة ،1949والتي �صادق عليها ✺
.1956
�إتفاقية حقوق الطفل ل�سنة ،1989والتي �صادق عليها المغرب في 21يونيو 1993؛ ✺
�إتفاقية منع كل �أ�شكال التمييز �ضد المر�أة ل�سنة ،1979والتي �صادق عليها المغرب في ✺
21يونيو ،1993
�إتفاقية منظمة ال�شغل الدولية رقم 29حول العمل الق�سري ل�سنة ،1930والتي �صادق ✺
وفي المواد الإباحية ل�سنة ،2000والذي �صادق عليه المغرب في 22ماي .2002
وك�شفت الدرا�سة عن معطيات مثرية �إذ �أن �شبكات «ت�صدير» الب�رش املغربي ،مل تعد مقت�رصة على دول اخلليج ،بل
�شهدت ال�سنوات الأخرية ظهور وجهات جديدة يف �أوروبا ،حيث �أح�صت الدرا�سة يف ال�سنوات 2010و 2011و،2012
حاالت �ضحايا مغاربة لالجتار يف الب�رش تبلغ 59حالة ببلجيكا و 47يف فرن�سا ،و 36يف هوالندا ،و 30يف اململكة املتحدة
و 5يف الدمنارك ،فيما ك�شف وزارة الهجرة لفريق الدرا�سة عن تلقيه �شكايات 20فتاة يف الفرتة ما بني 2008و،2012
كن �ضحايا لالجتار يف الب�رش يف دول اخلليج.
81 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
البروتوكول االختياري لالتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل ب�ش�أن �إ�شراك الأطفال في ✺
�أ�ضافت تغييرات مخالفة للقواعد التقليدية والمتعارف عليها في �آلية العقاب ،حيث �أن المجرم
في عملية الإتجار لم يعد فردا بل جماعة �إجرامية منظمة تتواجد في عدة بلدان ،كما �أن
القانون الجنائي ال يزال يعاقب ال�ضحية ،بخالف المعايير الدولية الذي ال تن�ص على معاقبة
ال�ضحايا ،بل تعتبرهن م�ست�ضعفات ينبغي توفير العالج لهن ،ورفع �شكاياتهم �أمام المحاكم
الدولية عندما ي�ستنفذن �إجراءات التقا�ضي �أمام المحاكم الوطنية بدون جدوى ،وهو نف�س
التوجه الذي تبنته �أغلب الت�شريعات الحديثة ،التي �أ�ضحت تت�ضمن �أي�ضا التن�صي�ص على
�إحداث م�ؤ�س�سات وطنية تكون مهمتها و�ضع تقارير حول الظاهرة ،و�إحداث مراكز ال�ستقبال
ال�ضحايا وت�أهيلهن .فبعد �أزيد من �سنتين من النقا�ش العمومي� ،1صدر م�ؤخرا بالمغرب قانون
11رغم تثمني �أغلب امل�ؤ�س�سات ومنظمات املجتمع املدين خلطوة �إعداد م�رشوع قانون ملكافحة الإجتار بالب�رش الذي ي�أتي ل�سد
فراغ كبري� ،إال �أنها �سجلت العديد من املالحظات حول هذه اخلطوة ،وذلك كالتايل:
�أ�صدر املجل�س الوطني حلقوق الإن�سان يوم االثنني 18يوليوز 2016ر�أي ب�ش�أن م�رشوع القانون 27.14املتعلق مبكافحة
الإجتار بالب�رش ،وذلك بناء على طلب �إبداء الر�أي املوجه �إليه من طرف رئي�س جمل�س امل�ست�شارين.
وتتوخى تو�صيات املجل�س الوطنية حلقوق الإن�سان �إعمال مقت�ضيات الد�ستور ال�سيما يف ما يتعلق بحظر ومكافحة كل
�أ�شكال التمييز ب�سبب اجلن�س و�إعمال االلتزامات الدولية للمغرب يف جمال مكافحة الإجتار بالب�رش بالإ�ضافة �إىل تدقيق
بع�ض تعريفات امل�رشوع ومقت�ضياته مبا يحقق االن�سجام مع مو�ضوعه وغايته �أي مكافحة الإجتار بالب�رش ،ال�سيما الن�ساء
والأطفال.
هكذا� ،سجل املجل�س على العموم تالءم تعريف الإجتار بالب�رش املعتمد يف م�رشوع القانون مع الربوتوكول املكمل التفاقية
الأمم املتحدة ملكافحة اجلرمية املنظمة عرب الوطنية ،كما نوه بتجرمي الو�ساطة يف �سياق الإجتار بالب�رش ،غري �أنه �أبرز
�أهمية التن�صي�ص يف م�رشوع القانون على بع�ض امل�صطلحات اخلا�صة املتعلقة بالإجتار بالب�رش ب�شكل خا�ص ،من قبيل
ا�ستغالل و�ضعية اله�شا�شة واال�سرتقاق واملمار�سات ال�شبيهة والإيذاء الثانوي لل�ضحية (وي�شمل �رضوب الإيذاء التي ال
تقع كنتيجة مبا�رشة للفعل اجلنائي بل حت�صل من خالل ت�رصفات رد فعل امل�ؤ�س�سات والأفراد جتاه ال�ضحية).
وبفعل اخلطورة املتباينة للجرائم املتعلقة بالإجتار بالب�رش ،فقد �أو�صى املجل�س �أي�ضا بالتمييز العقوبات بناء على خطورة
اجلرائم.
يف نف�س ال�سياق اعترب املجل�س �أنه ينبغي �أن ي�شمل نطاق تطبيق مقت�ضيات م�رشوع القانون املتعلق بالإجتار بالب�رش كل
�أ�شكال الإجتار بالأ�شخا�ص� ،سواء �أكانت ذات طابع وطني �أم ذات طابع عابر للحدود الوطنية ،و�سواء كانت تتعلق
باجلرمية املنظمة �أم مل تكن.
من جهة �أخرى ،يدعم املجل�س الوطني تدابري حتفيز ال�شهود على التبليغ عن اجلرائم ملتعلقة بالإجتار املتعلقة بالإجتار
بالب�رش .كما يقرتح �إدراج مقت�ضى ي�ضمن حماية ال�ضحايا وال�شهود واخلرباء واملبلغني يف ما يخ�ص اجلرائم املرتبطة
بالإجتار يف الأ�شخا�ص.
و�شدد املجل�س على �رضورة �إعمال مبد�أ عدم م�س�ؤولية �ضحايا الإجتار بالب�رش عن الأفعال غري القانونية املرتكبة حتت
الإرغام �أو اجلرائم املرتكبة من طرف �ضحية الإجتار بالب�رش املرتبطة مبا�رشة بهذا الإجتار� .إذ يرى املجل�س �أن موافقة
ال�ضحية ال تكون حمل اعتبار يف حالة الإجتار بالب�رش لأن املوافقة ال تكون ممكنة وحا�صلة قانونا �إال �إذا كان ال�شخ�ص
يتمتع مبلكة االختيار احلر.
كما ذكر املجل�س الوطني بتو�صياته ال�سابقة املتعلقة بتعديل مدونة الأ�رسة حلظر زواج القا�رصين دون � 18سنة �شم�سية
وبتحديد احلد الأدنى ل�سن الت�شغيل يف العمل املنزيل يف � 18سنة.
ويو�صي بجعل �أمر ال�سلطات الق�ضائية املخت�صة مبنع امل�شتبه فيهم �أو املتهمني من االت�صال �أو االقرتاب من �ضحية الإجتار
بالب�رش يتم ب�شكل تلقائي.
و�أو�صي �أي�ضا ب�أن يت�ضمن م�رشوع القانون مقت�ضى ي�ستفيد مبوجبه �ضحايا الإجتار بالب�رش من الولوج املجاين �إىل
العالجات خا�صة �إىل نظام امل�ساعدة الطبية (راميد) بالإ�ضافة �إىل متكينهم (ال�سيما القا�رصين والأ�شخا�ص يف و�ضعية
�إعاقة) من الولوج الفعلي للعدالة بوا�سطة حقهم يف امل�ساعدة الق�ضائية املالئمة وو�ضع حمامني ومرتجمني �أكفاء رهن
�إ�شارتهم.
83 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
مكافحة الإتجار بالب�شر ،ليعزز منظومة الت�شريعات الوطنية الهادفة �إلى حماية حقوق الإن�سان
ودعم املجل�س ن�ص م�رشوع القانون على �إحداث جلنة وطنية لتن�سيق �إجراءات مكافحة الإجتار بالب�رش .ويف هذا ال�صدد
�أو�صى بتو�سيع اخت�صا�صات اللجنة املذكورة وتخويلها مهمة التعاون مع الأمم املتحدة و�أجهزتها املخت�صة يف جمال
مكافحة الإجتار بالب�رش ،خا�صة املقررة اخلا�صة املعنية مب�س�ألة الإجتار بالأ�شخا�ص ومكتب الأمم املتحدة املعني باملخدرات
واجلرمية.
من جهة �أخرى� ،أو�صى املجل�س ب�أن يعاد �إدراج مقت�ضى يخول للمجل�س الوطني حلقوق الإن�سان اخت�صا�ص مقرر
وطني م�ستقل يف جمال مكافحة الإجتار بالب�رش.
وقد �أو�صى املجل�س بجملة من التدابري يف جمال الإجتار بالب�رش نهم على اخل�صو�ص االن�ضمام التفاقية جمل�س �أوربا ب�ش�أن
�إجراءات مكافحة الإجتار بالب�رش ،تنظيم حماالت للتوعية على م�ستوى القطاع ال�سياحي واجلمهور الوا�سع كو�سيلة فعالة
للوقاية �ضد ال�سياحة اجلن�سية مع الأطفال بالإ�ضافة �إىل بلورة خطة عمل وطنية ملكافحة الإجتار بالأ�شخا�ص على �أ�سا�س
ت�شاوري وت�شاركي.
ويف نف�س ال�سياق �أو�صى املجل�س بو�ضع برنامج تكوين خا�ص لتعزيز قدرات امل�س�ؤولني على �إنفاذ القوانني املرتبطة
مبكافحة الإجتار بالأ�شخا�ص (�رشطة مراقبة احلدود ،الأمن الوطني ،الدرك امللكي ،الق�ضاء ،الخ) ،والعمل على
و�ضع مبادئ توجيهية ودليل توجيهي ،بن�ص تنظيمي ،لفائدة الأ�شخا�ص املكلفني بتطبيق العقوبات ق�صد م�ساعدتهم على
التعرف على �ضحايا الإجتار بالب�رش ثم توجيههم نحو هيئات مالئمة لتقدمي امل�ساعدة لهم ،ف�ضال عن تقوية ال�رشاكات
مع اجلمعيات العاملة يف جمال مكافحة الإجتار بالأ�شخا�ص وحماية ال�ضحايا ،مبا يف ذلك جمال التعرف على ال�ضحايا
املحتملني لالجتار بالب�رش ،بالإ�ضافة �إىل �إطالق بحث وطني حول ظاهرة الإجتار بالأ�شخا�ص.
� -إعادة �صياغة بع�ض الف�صول للتن�صي�ص على تدابري وا�ضحة تلزم بتوفري احلماية الكاملة لل�ضحايا وال�شهود وبتقدمي
امل�ساعدة لهم ،مع �رضورة املحافظة على كرامتهم الإن�سانية وحقوقهم الأ�سا�سية ،عو�ض ا�ستعمال تعابري ف�ضفا�ضة وغري
ملزمة من قبيل «ت�سعى الدولة» و»ميكن لل�سلطات» ،والتي تغيب ب�شكل مطلق م�س�ؤولية الدولة وطابع االلتزام لديها؛
-التن�صي�ص على توفري احلقوق الإن�سانية لل�ضحية ومتكينها من احلق يف عر�ض �آرائها واحتياجاتها وم�صاحلها ودواعي
قلقها واحلق يف الو�صول �إىل املعلومة ب�صدد التدابري والربامج اخلا�صة بحماية ال�ضحايا واحلق يف فرتة التعايف والتفكري؛
-التن�صي�ص على التعوي�ض املادي عن االنتهاكات التي يتعر�ض لها ال�ضحايا ،مع خلق �صندوق مل�ساعدة ال�ضحايا يكون
م�صدره مداخيل م�ؤ�س�سات حكومية تخلق لهذا الغر�ض ،بالإ�ضافة للأموال املحجوزة من �شبكات الإجتار بالأ�شخا�ص،
وذلك متا�شيا مع م�ضمون الربوتوكول املذكور �سالفا؛
-ا�ستبدال اللجنة الوطنية اال�ست�شارية التابعة لرئي�س احلكومة ،الواردة يف امل�رشوع ،ببنية وطنية م�ستقلة يكون من
مهامها و�ضع �إ�سرتاتيجية وطنية ملكافحة الإجتار بالب�رش ،ت�شمل منع الظاهرة والوقاية منها وكذا حماية ال�ضحايا ،مع
و�ضع �آليات ناجعة لتتبع هذه الإ�سرتاتيجية وفق م�ؤ�رشات وا�ضحة؛
� -إدماج مقاربة النوع فيما يخ�ص �صياغة القانون من حيث اللغة امل�ستعملة ،مع الإ�شارة �إىل خ�صو�صية ال�ضحايا من
الن�ساء والفتيات و�رضورة حمايتهن من العنف املبني على النوع الذي يالزم هذه الظاهرة.
عموما يبقى م�رشوع قانون مكافحة الإجتار بالب�رش خطوة �إيجابية تقت�ضي الت�رسيع ب�إخراجها �إىل حيز الوجود بعد الأخذ
بعني االعتبار ملالحظات الفاعلني وعلى ر�أ�سهم مكونات املجتمع املدين ،بغية �سد فراغ ت�رشيعي كبري يواجه الق�ضاء عند
الت�صدي لهذا النوع من اجلرائم املتنامية.
وهي خطوة ال ينبغي االقت�صار عليها ،بقدر ما ت�ستوجب �أي�ضا دعمها عن طريق حماربة �أ�سباب الظاهرة ،من خالل
�إعادة النظر يف عدد من الت�رشيعات احلالية التي تعمق من جذور امل�شكلة وت�سهم يف خلق حالة ال�ضعف واله�شا�شة
لدى �أغلب ال�ضحايا ،وعلى ر�أ�سها مدونة ال�شغل التي ما تزال ت�ستبعد من نطاق حمايتها خادمات املنازل ،ف�ضال عن
القوانني املنظمة لدخول وخروج الأجانب من البالد ،وا�ستكمال م�سل�سل �إ�صالح منظومة العدالة ب�إخراج قوانني ال�سلطة
الق�ضائية ومراجعة قوانني الإجراءات املدنية واجلنائية وا�ستكمال ور�ش االن�ضمام وامل�صادقة على الإتفاقيات الدولية
والربوتوكوالت امللحقة ذات ال�صلة باملو�ضوع ،واحلر�ص على تقدمي التقارير الدورية �إىل �أللجن االتفاقية ،ومتابعة
تفعيل تو�صياتها والعمل على تعزيز التعاون الدويل والإقليمي يف جمال مكافحة الظاهرة التي �أ�صبحت بالفعل ظاهرة
عبارة للحدود؛
-بيان اجلمعية الدميقراطية لن�ساء املغرب 05يناير ،2016حول م�رشوع القانون 27.14املتعلق مبكافحة الإجتار
بالب�رش.
�أما مطالب الرابطة املغربية للمواطنة وحقوق الإن�سان فقد متثلت فيما يلي:
-وجوب التطبيق احلازم ل�سن 15عاما �سنا �أدنى لكل �أنواع ال�شغل ،مبا يف ذلك العمل املنزيل ،مع فر�ض عقوبات
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 84
عامة ،والفئات الأكثر تهمي�شا على وجه الخ�صو�ص .وذلك وفق فل�سفة جديدة ال تقف عند
التجريم ،و�إنما تتجاوز ذلك �إلى �أبعاد جديدة ت�ستهدف بها الوقاية والتكفل وحماية ال�ضحايا.
تخرج ظاهرة الإتجار بالب�شر بتجلياتها المختلفة في المغرب من خانة الطابوهات لت�شكل
مو�ضوع اهتمام جدي معلن من قبل ال�سلطات العمومية والمجتمع المدني ،تج�سدت �أخيرا في
التعديالت التي تم �إدخالها على م�شروع القانون الجنائي ،والذي ال يزال يثير الكثير من الجدل
على خلفية حقوقية بالأ�سا�س.
و�إن كانت الكثير من المنظمات الوطنية والدولية النا�شطة في مجال حقوق الإن�سان ،ما
فتئت تدق �أجرا�س الإنذار حول بع�ض مظاهر هذه الظاهرة ،من قبيل تهريب الب�شر والإ�ستغالل
الجن�سي للن�ساء والأطفال ،في �إطار اقت�صاد الدعارة المحلي والعابر للحدود ،وغيرها ،1ف�إن
الظاهرة ب�صدد التبلور في �أجندة الدولة ،ولأول مرة في �سياق مقاربة �شمولية ،من خالل
قانون جديد عمل على �إ�ضافة مواد جديدة في القانون الجنائي وقانون الم�سطرة الجنائية،
وي�أتي هذا القانون م�ستجيبا للمعايير الدولية ذات ال�صلة ،حيث لم يكتف بالتطرق لل�شق
المتعلق بالتجريم ،و�إنما ت�ضمن مقت�ضيات جديدة تدخل في �شق التكفل وحماية ال�ضحايا.
منا�سبة على �أ�صحاب العمل وامل�ستقدمني للعمل (الو�سطاء) الذين ي�شغلون �أطفاال حتت �سن 15عاما؛
� -رضورة اال�ستمرار يف حمالت التوعية وتو�سيع نطاقها من �أجل تثقيف الأ�رس املر�سلة للعامالت و�أ�صحاب العمل
بالقوانني التي حتظر ت�شغيل الأطفال حتت �سن 15عاما ،ومبخاطر عمل الأطفال يف املنازل ،والتوا�صل مع الإعالم
�أثناء تخطيط هذه احلمالت؛
� -رضورة التحقيق يف حاالت عمل الأطفال حتت ال�سن القانونية وحاالت الإ�ساءة لعامالت املنازل القا�رصات،
والت�رصيح لل�رشطة والأخ�صائيني االجتماعيني و�/أو مفت�شي ال�شغل بدخول بيوت �أ�صحاب العمل عندما ي�شتبه يف تواجد
عاملة كفلة بالبيت ،و�سحب الأطفال حتت �سن 15عاما من العمل �أو من يتعر�ضن لإ�ساءات.
� -رضورة مالحقة الأفراد امل�س�ؤولني حتت طائلة القانون اجلنائي املغربي عن �أعمال عنف �أو خمالفات �أخرى جنائية
�ضد عامالت منازل قا�رصات؛
� -ضمان متتع جميع الأطفال حتت 15عاما بحقهم يف التعليم الأ�سا�سي املجاين والإلزامي ،وا�ستمرار وتو�سيع جمال
املبادرات امل�صممة لزيادة االلتحاق باملدار�س يف �أو�ساط الفتيات املعر�ضات للعمل كعامالت منازل؛
توفري املالجئ واخلدمات الطبية واالجتماعية قدر ال�رضورة لعامالت املنازل القا�رصات الالتي تعر�ضن للإ�ساءات �أو
الإ�ستغالل ،وتي�سري �إعادة ت�أهيلهن ،وارتيادهن املدار�س ومل �شملهن بعائالتهن ،عندما يكون ذلك يف م�صلحة الطفلة
مع وجوب و�ضع بدائل ،من ترتيبات ا�ست�ضافة طرف الغري ملدد طويلة ،بالن�سبة لعامالت املنازل ال�سابقات ،عندما ال
يت�سنى مل �شملهن بالعائلة �أو عندما يكون ذلك يف م�صلحة الطفلة؛
-اال�ستمرار وزيادة دعم منظمات املجتمع املدين املن�شغلة بالق�ضاء على عمل الأطفال باملنازل والتي ت�ساعد عامالت
املنازل القا�رصات ممن يعملن ب�صفة غري قانونية �أو يقعن �ضحايا للعنف �أو الإ�ستغالل.
-املطالبة بتنفيذ �آليات لتح�سني مراقبة ت�شغيل عامالت املنازل حتت ال�سن القانونية ،كتنظيم زيارات للبيوت مبوافقة
�أ�صحاب العمل� ،أو من خالل مقابلة عامالت املنازل القا�رصات واحلديث �إليهن عن �أو�ضاع العمل يف مقار هيئات
وزارة العمل املحلية؛
-وجوب تبني م�رشوع قانون العمل املنزيل ،و�إجراء التعديالت ال�رضورية عليه لي�صبح متفقا مع �إتفاقية منظمة العمل
الدولية رقم 189اخلا�صة بظروف العمل املالئمة لعامالت املنازل؛
-املطالبة بالت�صديق على �إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189اخلا�صة بظروف العمل املالئمة لعامالت املنازل.
11ميكن الرجوع �إىل درا�سة حديثة �أعدت من طرف منظمة الأمم املتحدة لتمكني املر�أة ،وبرنامج «التعاون ال�سوي�رسي»،
ووزارة العدل واحلريات حول ظاهرة الإجتار بالب�رش يف املغرب �سنة .2015
85 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
و�إذا حاولنا قراءة هذا القانون ،يمكن �إبداء عدة مالحظات بخ�صو�صه ،فمن حيث ال�شكل
ال يتعلق الأمر بقانون م�ستقل �شامل ،و�إنما هو تعديالت جزئية بهدف تتميم �أحكام الباب
ال�سابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي ،ت�شمل �إ�ضافة مواد
جديدة ،وتعديل مواد �أخرى.
وهكذا ي�شمل القانون الجديد 7مواد ،تت�ضمن تعريفات ،عقوبات� ،إجراءات م�سطرية،
ومقت�ضيات تتعلق بالحماية والتكفل ،والآليات الم�ؤ�س�ساتية.
العقوب ـ ـ ــات
■
يمكن التمييز في هذا ال�صدد بين العقوبة الأ�صلية المقررة لجريمة الإتجار بالب�شر والتي
حددت في ال�سجن من خم�س �إلى ع�شر �سنوات وبغرامة من � 10.000إلى 500.00درهم .1وقد
جرم في هذا ال�صدد المحاولة 2وعاقب عليها بالعقوبة المقررة للجريمة التامة.
كما تم ت�شديد العقوبة في �أحوال �أخرى برفع مدة ال�سجن �إلى ع�شرين �سنة ومبلغ الغرامة
�إلى 1.000.000درهم في الحاالت التالية:3
�إذا ارتكبت الجريمة بوا�سطة التهديد بالقتل �أو بالإيذاء �أو التعذيب �أو االحتجاز �أو ✺
الت�شهير؛
�إذا كان مرتكب الجريمة حامال ل�سالح ظاهر �أو مخبئ. ✺
�إذا كان مرتكب الجريمة موظفا عموميا �إ�ستغل وظيفته لإرتكاب الجريمة �أو ت�سهيل ✺
ارتكابها.
�إذا �أ�صيبت ال�ضحية بوا�سطة ا�ستغاللها في جريمة الإتجار بالب�شر بعاهة دائمة �أوبمر�ض ✺
م�شاركين؛
�إذا كان مرتكب الفعل معتادا على ارتكابه. ✺
وتم ت�شديد العقوبة �أي�ضا ورفعها �إلى ثالثين �سنة ورفع مبلغ الغرامة �إلى 2.000.000 ✺
�إذا ارتكبت الجريمة �ضد �شخ�ص يعاني من و�ضعية �صعبة ب�سبب كبر �سنه �أو ب�سبب ✺
المر�ض �أو الإعاقة �أو نق�ص بدني �أو نف�سي �أو �ضد امر�أة حامل �سواء كان حملها بينا �أو
كان معروفا لدى الفاعل.
�إذا كان مرتكب الجريمة زوجا لل�ضحية �أو �أحد �أ�صولها �أو فروعها �أو و�صيا عليها �أو كافال ✺
نظرا لخطورة جريمة الإتجار بالب�شر لم يقت�صر الم�شرع على معاقبة الفاعلين الأ�صليين
والم�شاركين والم�ساهمين فيها ،و�إنما عاقب �أي�ضا كل من علم بارتكابها �أو ال�شروع فيها ولم
يخبر ال�سلطات بذلك ،حيث حدد العقوبة في الحب�س من �سنة �إلى خم�س �سنوات وغرامة من
� 5000إلى 50.000درهم.2
ولم يعف من هذا االلتزام القانوني� ،سوى زوج مرتكبها� ،أو �أحد �أ�صوله �أو فروعه.
كما عاقب بنف�س العقوبة كل من ا�ستعمل العنف �أو التهديد ب�إ�ستعماله �أو وعد بمنفعة
لمنع �شخ�ص من الإدالء ب�شهادته �أو تقديم �أدلة� ،أو تحري�ضه على الإدالء ب�شهادة زور� ،أو علة
االمتناع عن تقديم �أدلة� ،أو على تقديم �إقرارات �أو ت�صريحات �أو �أدلة غير �صحيحة تتعلق
بجريمة الإتجار بالب�شر �أمام �أي �سلطة مخت�صة ،وفي �أي مرحلة من مراحل التقا�ضي ب�ش�أنها.3
الحماية والتكفل بال�ضحايـ ــا ■
من م�ستجدات قانون الإتجار بالب�شر ت�ضمينه مقت�ضيات جديدة تتجاوز �شق التجريم �إلى
�إقرار حماية لل�ضحية ،ويق�صد بها «كل �شخ�ص ذاتي ،مغربيا كان �أو �أجنبيا ،ثبت تعر�ضه ،لأي
�ضرر مادي �أو معنوي ناتج مبا�شرة عن الإتجار بالب�شر طبقا للتعريف المن�صو�ص عليه في هذا
القانون» .وقد ن�ص الف�صل 448-14على �أنه:
«ال يكون �ضحية الإتجار بالب�شر م�س�ؤوال جنائيا �أومدنيا عن �أي فعل قام به تحت التهديد
متى ارتبط ذلك الفعل مبا�شرة بكونه �شخ�صيا �ضحية الإتجار بالب�شر� ،إال �إذا �إرتكب فعال
مجرما بمح�ض �إرادته دون �أن يتعر�ض �إلى تهديد».
وفي هذا ال�سياق ن�ص القانون الجديد على �إجراءات لحماية �ضحايا الإتجار بالب�شر،
�أهمها:
«يمكن لل�سلطات الق�ضائية المخت�صة �أن ت�أمر بمنع الم�شتبه فيهم �أو المهتمين من ✺
الإتجار بالب�شر».
كما ن�ص القانون الجديد على �إجراءات �أخرى للتكفل ب�ضحايا الإتجار بالب�شر ،من بينها
توفير الحماية والرعاية ال�صحية والدعم النف�سي واالجتماعي ،والعمل على توفير �أماكن
لإيوائهم ب�صفة م�ؤقتة وتقديم الم�ساعدة القانونية الالزمة لهم ،وتي�سير �سبل اندماجهم
في الحياة االجتماعية� ،أو تي�سير عودتهم الطوعية �إلى بلدهم الأ�صلي� ،أو بلد �إقامتهم ح�سب
الحالة �إذا كانوا �أجانب ،وقد ا�ستعمل الم�شرع عبارة «في حدود الو�سائل المتاحة» (المادة
الرابعة) ،ليقل�ص من نطاق الإلتزام الملقى على عاتق الدولة بهذا الخ�صو�ص �إ�ستح�ضارا
لم�شكل قلة الموارد المالية واللوج�ستيكية الموجودة.
ون�ص القانون �أي�ضا على �إعفاء ال�ضحايا من الر�سوم الق�ضائية المرتبطة بالدعوى المدنية
التي يرفعونها ،ف�ضال عن ا�ستفادتهم من الم�ساعدة الق�ضائية بحكم القانون والتي ت�سري
�آثارها �أي�ضا على �إجراءات تنفيذ الأحكام الق�ضائية (المادة الخام�سة).
مقت�ضيات �إجرائية جديدة لمواجهة جرائم الإتجار بالب�شر ■
وفي �إطار تدعيم الأبحاث الهادفة �إلى مكافحة جرائم الإتجار في الب�شر� ،أ�ضاف القانون
فقرة جديدة للمادة 82.7من قانون الم�سطرة الجنائية ،وجعل جريمة الإتجار بالب�شر من بين
الجرائم التي يجوز فيها التقاط المكالمات ،1كما �أوجب في جميع مراحل البحث والتحقيق
والمحاكمة في هذا النوع من الجرائم ،العمل فورا على التعرف على �ضحية الجريمة وهويتها
وجن�سها و�سنها ،و�أجاز لل�سلطات الق�ضائية المخت�صة �أن ت�أمر بمنع الم�شتبه فيهم �أو المتهمين
من االت�صال �أو االقتراب من �ضحية الإتجار بالب�شر ،كما �أتاح لهم الترخي�ص لل�ضحية الأجنبي
بالبقاء بالتراب الوطني �إلى غاية انتهاء �إجراءات المحاكمة.
الآليات الم�ؤ�س�ساتية ■
�أحدث القانون لجنة وطنية لدى رئي�س الحكومة ،تعهد لها مهمة تن�سيق �إجراءات مكافحة
الإتجار بالب�شر والوقاية منه ،وحدد اخت�صا�صاتها 1فيما يلي:
تقديم كل مقترح تراه مفيدا �إلى الحكومة من �أجل و�ضع �سيا�سة عمومية وخطة عمل ✺
وطنية لمكافحة الإتجار بالب�شر ور�صد م�ستجداته والوقاية منه وحماية �ضحاياه ،وتتبع
وتقييم تنفيذها ،وذلك ب�إ�شراك الجهات المعنية.
اقتراح مختلف �أ�شكال التن�سيق والتعاون بين ال�سلطات المخت�صة والمنظمات الدولية ✺
والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية ،المعينة بمكافحة الإتجار بالب�شر والوقاية
منه.
اقتراح كل التدابير الالزمة لدعم م�شاريع جمعيات المجتمع المدني لحماية وم�ساعدة ✺
والهيئات المعنية.
اقتراح �إعداد دالئل �إر�شادية في مجال مكافحة الإتجار بالب�شر. ✺
�إعداد تقرير وطني �سنوي حول المجهودات المبذولة في مجال مكافحة الإتجار بالب�شر ✺
يمكن ا�ست�شارة اللجنة بمنا�سبة �إعداد م�شاريع الن�صو�ص الت�شريعية والتنظيمية المتعلقة
بمكافحة الإتجار بالب�شر.
وقد ترك لن�ص تنظيمي �سلطة تحديد طريقة ت�أليفها وكيفية �سيرها.
خـــاتمــة
يالحظ مما �سبق �أن المجتمع الدولي،ت�صدى ب�شكل كبير لكل الجرائم الما�سة بحقوق
الإن�سان ،وذلك من خالل الإعالن عن �إتفاقية �أو مجموعة من الإتفاقيات والمعاهدات وغيرها،
بل جعل لكل �إتفاقية لجنة خا�صة بها ت�سهر على مدى تطبيق الدول الأطراف لها،بالإ�ضافة
لمجموعة من الم�ؤ�س�سات والهيئات التي خلقت فقط من �أجل حقوق الإن�سان.
ومجال حقوق الإن�سان وا�سع ومت�شعب ،مما جعل االنتهاكات التي تطاله تت�سم �أي�ضا
بالت�شعب ،ومازالت في حاجة لكثير من الإتفاقيات ،لكن الت�سا�ؤل الذي كان في حاجة للإجابة
من خالل هذه المادة المتوا�ضعة التي قدمناها ،هو هل ا�ستطاعت هذه الإتفاقيات رغم �صفتها
الإلزامية ورغم لجانها وم�ؤ�س�ساتها المتعددة �أن تفر�ض هذه الحقوق وهذه االلتزامات على
الدول الأطراف .وهل جميع النا�س في العالم يتمتعون �أو ي�ستمتعون بهذه الحقوق؟ طبعا الإجابة
كانت وا�ضحة ،وذلك من خالل ما يحدث في الواقع �سواء من الناحية الدولية �أو من الناحية
الوطنية ،وما زال هناك طريق طويل و�شاق �أمام المجتمع الدولي لتحقيق الهدف المن�شود �أال
وهو ال�سلم العالمي والعي�ش الم�شترك ،فمازال هناك عدد كبير من الأفراد في العالم يعانون
من الإختفاء الق�سري ،ومن التعذيب ومن جميع �أنواع المعامالت الال�إن�سانية والمهينة �سواء
كانت هذه الإ�ساءات بدنية �أوجن�سية �أو معنوية .
وهذا يدفعنا للقول �أنه ال يكفي وجود هذا الكم الهائل من الإتفاقيات رغم �أهميته ورغم
مثاليته�،إذ البد من �إرادة قوية وم�ؤ�س�سات فعالة و�آليات لتنفيذ هذه الإتفاقيات ،بحيث ال ت�سمح
بانتهاك �أو حرمان �أي �إن�سان في مختلف �أنحاء العالم مهما كان جن�سه �أو عقيدته �أو عرقه و�إال
تبقى هذه الإتفاقيات مجرد حبر على ورق.
91 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
❸
الجريمة الإرهابية
مقدمة
ي�شكل الإرهاب مظهرا من مظاهر العنف الذي يمار�سه الإن�سان في المجتمع و�أن هذه
الممار�سة لم تكن وليدة اليوم ،بل كانت متجدرة منذ الأزل ،فقد عرفه الم�صريون القدامى
وامتد �إلى ع�صر الإغريق ثم ع�صر الرومان ،كما عرفته فرن�سا في القرن التا�سع مع �إعالن
الجمهورية اليعقوبية ،ومع الحركات التحريرية انتع�ش الإرهاب في مختلف �أنحاء العالم،
و�أ�صبح البديل للحروب التقليدية ،وفي ال�سنوات الأخيرة تزايدت الأعمال الإرهابية ب�شكل
مثير وملف لالنتباه ،فطرحت العديد من عالمات اال�ستفهام حول الأ�سباب والدوافع وراء هذه
الظاهرة الخطيرة.
و�أ�صبح جليا �أن الجريمة الإرهابية تعد ظاهرة خطيرة ومكمن خطورتها يتمثل في اعتمادها
من جهة على التخويف والترهيب والعنف كو�سائل تتوخى بها زعزعة ثقة الأفراد في مدى قدرة
الدولة على حفظ الأمن والإ�ستقرار ،ومن جهة �أخرى في كون مرتكبيها يعملون في �إطار م�شاريع
�إجرامية منظمة،م�ستخدمين �أحدث التقنيات واالختراعات العلمية التكنولوجية،م�ستهدفين
بذلك زعزعة الأمن والنظام العامين والم�س ب�سالمة وحياة الأفراد،وتخريب البنى التحتية
ومختلف المرافق العامة والخا�صة والنيل من هيبة الدولة و�شموخها في �أنظار مواطنيها وفي
�أنظار باقي دول المعمور.
�إن االقتناع �أ�صبح را�سخا في كون الجريمة الإرهابية هي �أ�شد الجرائم رعبا في وقتنا
الحالي،فهي ال تعترف بالحدود والتعتد بجن�سية معينة �أو جن�س �أو �سن �أو انتماء �إيديولوجي �أو
ديني محدد.
والمغرب باعتباره ع�ضوا في المجتمع الدولي والتزاما منه بالم�ساهمة الفعالة في الحفاظ
على ال�سلم والأمن الدوليين ،لم يتردد في الإعراب وفي العديد من المنا�سبات عن �إدانته
الكاملة والالم�شروطة لمختلف الجرائم الإرهابية التي تقع في �أي مكان من العالم،معتبرا
�إياها م�سا�سا خطيرا بالأهداف ال�سيا�سية للمواثيق الدولية التي تن�شد ال�سالم والأمن
والطم�أنينة والتعاي�ش ال�سلمي والت�سامح،وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 92
ومع التطورات ال�سريعة والمتالحقة للجريمة المنظمة عامة ،والجريمة الإرهابية خا�صة
والتي تحولت من جريمة تقليدية تعتمد على و�سائل تقليدية �إلى جريمة ع�صرية ومتطورة.
وبناءا على التزامات المغرب تجاه المجتمع الدولي وت�أكيدا لالتفاقيات الدولية التي �صادق
عليها من �أجل مكافحة الإرهاب والق�ضاء على الجريمة المنظمة بالإ�ضافة �إلى الأحداث
الإرهابية ال�شنيعة التي �ضربت القلب الناب�ض للإقت�صاد الوطني مدينة الدار البي�ضاء ،م�ساء
الجمعة 16ماي 2003والخ�سائر المادية والب�شرية التي خلفتها تلك الأحداث ،الأمر الذي دفع
بالم�شرع المغربي �إلى �إ�صدار القانون رقم 03-03المتعلق بمكافحة الإرهاب والذي تناول
موا�ضيع بالغة الأهمية،تتعلق بتجريم الأفعال المعتبرة جرائم �إرهابية وحدد العقوبات المقررة
لها،ونظم القواعد الم�سطرية للجريمة الإرهابية .
�إذن فما المق�صود بالجريمة الإرهابية ؟ وماهي الجرائم التي تعد �إرهابية في نظر الم�شرع
الجنائي المغربي؟ وماهي العقوبات المحددة لها والقواعد الم�سطرية التي خ�ص�صها الم�شرع
الجنائي لها؟ للإجابة عن هذه الأ�سئلة ف�إننا �سنحاول مقاربة المو�ضوع من خالل الت�صميم
التالي:
المبحث الأول :الجريمة الإرهابية. ❑
11ن�رسين الرحايل ،ماهية الإرهاب :يف �ضوء القانون اجلنائي وم�رشوع القانون اجلنائي ،مطبعة املعارف اجلديدة،
�،2017ص.223 .
2. LAROUSSE DICTIONNAIRE DE FRANÇAIS.PREMIERE EDITION 2005. P. 420
3. OXFORD DICTIONARY.LEARNER’S POSKET. FIRST PUBLISHED 2008. P. 459
� 44سورة البقرة ،الآية .40
�55سورة الأنفال ،الآية .60
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 94
11عقبة �شنيني ،اجلرمية الإرهابية يف الت�رشيع اجلزائري ،مذكرة مكملة من متطلبات نيل �شهادة املا�سرت يف احلقوق،
جامعة حممد خي�رض ب�سكرة� ،2014 ،ص.6.
22عبا�س �شافعة الظاهرة الإرهابية بني القانون الدويل واملنظور الديني �أطروحة مقدمة لنيل �شهادة الدكتوراه يف علوم
القانون تخ�ص�ص قانون دويل وعالقات دولية جامعة احلاج خل�رض باتنة � ،2011/2010ص.23 .
33علي لوني�سي� ،آليات مكافحة الإرهاب الدويل بني فاعلية القانون الدويل وواقع املمار�سات الدولية االنفرادية ،ر�سالة
لنيل �شهادة الدكتوراه يف القانون ،جامعة مولود معمري،كلية احلقوق والعلوم ال�سيا�سية� ،2012 ،ص19.60 .
44ح�سني عزيز نور احللو الإرهاب يف القانون الدويل �أطروحة مقدمة ا�ستكماال ملتطلبات احل�صول على درجة املاج�ستري يف
القانون العام الأكادميية املفتوحة يف الدامنارك هل�سنكي فلندا� ،سنة � 2007ص:: 40 .
� 55سامل رو�ضان امل�سوي فعل الإرهاب واجلرمية الإرهابية -درا�سة مقارنة معززة بتطبيقات ق�ضائية -من�شورات احللبي
احلقوقية لبنان �سنة � 2010ص49.
95 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
تعريف محدد للجريمة الإرهابية وفي �إطار التعاون الق�ضائي بين الدول ف�إن هذه الأخيرة
�سنت �إتفاقيات دولية من �أجل مكافحة هذه الجريمة الخطيرة التي غالبا ما تقع في �أكثر من
دولة واحدة.
حيث �إن �إتفاقية جنيف ل�سنة 1937المتعلقة بمنع الإرهاب والمعاقبة عليه والتي تعتبر
�أول محاولة لقمع الأعمال الإرهابية على �أنها «�أعمال �إجرامية موجهة �ضد الدولة من دولة
�أخرى يق�صد بها ويراد منها خلق حالة من الرعب في �أذهان �أ�شخا�ص معينين �أو مجموعة من
الأ�شخا�ص �أو الجمهور العام».1
�أما الإتفاقية الأوربية الخا�صة بقمع الأعمال الإرهابية الموقعة �سنة 1977عرفت جرائم
الإرهاب في المادة الأولى على انها «الجرائم التي وردت في الإتفاقية الخا�صة بقمع الإ�ستيالء
غير الم�شروع على الطائرات الموقعة في الهاي �سنة 1970الجرائم التي وردت في �إتفاقية قمع
جرائم الإعتداء على �سالمة الطيران المدني الموقعة في مونتريال والجرائم الخطيرة التي
تتمثل في الإعتداء على الحياة وال�سالمة الج�سدية �أو حرية الأ�شخا�ص ذوي الحماية الدولية
جرائم خطف واخذ الرهائن واالحتجاز غير م�شروع� ,إ�ستخدام القذائف والقنابل اليدوية
وال�صواريخ الأ�سلحة النارية والطرود الخداعية وال�شروع في �إرتكاب الجرائم الإرهابية �أو
الإ�شتراك فيها مع �شخ�ص يرتكبها �أو يحاول �إرتكابها ».2
واالتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب فلقد عرفت الجريمة الإرهابية في مادتها الثانية
ب�أنها « �أي جريمة �أو �شروع فيها ترتكب تنفيذا لغر�ض �إرهابي في �أي من الدول المتعاقدة �أو
على رعاياها �أو ممتلكاتها �أو م�صالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي كما تعد من الجرائم
الإرهابية الجرائم المن�صو�ص عليها في الإتفاقيات التالية عدا ما ا�ستثنته منها ت�شريعات
الدول المتعاقدة �أو التي لم ت�صادق عليها:
تفاقية طوكيو الخا�صة بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة ✺ إ
بتاريخ 1963/09/14
تفاقية الهاي ب�شان مكافحة الإ�ستيالء غير الم�شروع على الطائرات والموقعة بتاريخ ✺ إ
1970/12/16
تفاقية مونتريال الخا�صة بقمع الأعمال غير الم�شروعة الموجهة �ضد �سالمة الطيران ✺ إ
11احمد ح�سني �سويدان الإرهاب الدويل يف ظل املتغريات الدولية من�شورات احللبي للحقوق الطبعة الثانية لبنان ل�سنة 2009
�ص37.
22عبد القادر زهري النقوزي املفهوم القانوين للجرائم الإرهاب الداخلي والدويل من�شورات احللبي للحقوق ل�سنة 2008
�ص27.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 96
�إتفاقية نيويورك الخا�صة بمنع ومعاقبة الجرائم المرتكبة �ضد الأ�شخا�ص الم�شمولين ✺
�إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ل�سنة 1983وما تعلق منها بالقر�صنة البحرية» ✺
�أما الإتفاقيات الدولية التي تناولت الجرائم الإرهابية ف�إنها كثيرة منها الثنائية الأطراف
ومنها المتعددة الأطراف �إال �أن الإتفاقيات التي نالت موافقة وان�ضمام اغلب الدول من �أجل
محاربة الجرائم الإرهابية فهي كالتالي:
الإتفاقية الخا�صة بالجرائم وبع�ض الأفعال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات. ✺
�إتفاقية قمع الأعمال غير الم�شروعة الموجهة �ضد �سالمة الطيران المدني ✺
البروتوكول المتعلق بقمع �أعمال العنف الغير الم�شروعة في المطارات التي تخدم ✺
�إتفاقية قمع الأعمال غير الم�شروعة الموجهة �ضد �سالمة المالحة البحرية. ✺
البروتوكول المتعلق بقمع الأعمال غير الم�شروعة الموجهة �ضد �سالمة المن�ش�آت الثابتة ✺
11يو�سف بن با�رص ،اجلرمية الإرهابية باملغرب و�آليات املكافحة القانونية ،العدد ال�ساد�س ،مطبعة دار القلم�،2004 ،ص.71.
97 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�أما الم�شرع الفرن�سي ف�إنه لم يفرد قانونا خا�صا بمكافحة الإرهاب �ضمن تر�سانته
القانونية و�إنما �أورد ن�صا خا�صا من �أجل مكافحة الجريمة الإرهابية �ضمن قانون العقوبات
رقم 1020/86ال�صادر في � 9سبتمبر ،1986ولم يت�ضمن هذا الن�ص تعريفا للإرهاب لكن حدد
مجموعة من الجرائم واعتبرها جرائم �إرهابية �إذا ات�صلت بم�شروع �إجرامي فردي �أو جماعي
1
يهدف �إلى الإخالل بالنظام العام ب�صورة خطيرة.
�أما الم�شرع الجزائري في �إطار مواجهته للجريمة الإرهابية ف�إنه ا�صدر الأمر عدد 11/95
المتعلق بالجرائم المو�صوفة �أفعاال �إرهابية وتخريبية ،وتم دمج هذا الأمر �ضمن قانون
العقوبات لأن هذا الأخير يمثل ال�شريعة العامة للتجريم والعقاب ،وتطبيقا للأمر عدد 11/95
تم تعريف الجريمة الإرهابية بن�ص المادة 87مكرر بالقول ب�أنه « :يعتبر فعال �إرهابيا �أو
تخريبيا في مفهوم هذا الأمر ،كل فعل ي�ستهدف �أمن الدولة والوحدة الوطنية وال�سالمة
الترابية وا�ستقرار الم�ؤ�س�سات و�سيرها العادي».2
�أما الم�شرع الم�صري في القانون رقم 1992/97وفي المادة 3 86منه والتي تناولت تعريف
الإرهاب بالن�ص على �أنه« :يق�صد بالإرهاب �إ�ستخدام للقوة �أو العنف �أو التهديد �أو الترويج
بهدف الإخالل بالنظام العام»� ،إذن فالجريمة الإرهابية وفقا للت�شريع الم�صري ف�إنها ت�شتمل
على عن�صرين �أحدهما مادي والآخر معنوي فالأول يتمثل في �أعمال العنف والقوة والتهديد
والترويج التي من �ش�أنها �إحداث نتيجة محددة ،والثاني يكون في اتجاه �إرادة الجاني �إلى
تحقيق هدف الإخالل بالنظام العام.
وب�صفة عامة فالت�شريعات المقارنة للدول التي عرفت الأعمال الإرهابية لم ت�سلم من
النقد ،ويرجع ذلك �أ�سا�سا �إلى عدم التو�صل �إلى تعريف موحد للأعمال الإرهابية نظرا لكون
كل دولة ت�سعى �إلى تعريف الجريمة في ت�شريعها الداخلي وفقا لما تراه يخدم م�صالحها دون
�أن تعب�أ بوجهة نظر المجتمع الدولي حول ذلك التعريف وال�سبب يرجع �إلى نمط ال�سيا�سة
الجنائية المتبع في كل دولة .
المطلب الثاني� :أركان الجريمة الإرهابية
الجريمة الإرهابية كغيرها من الجرائم تتطلب الأركان العامة التي ال يمكن قيام �أي فعل
جرمي بدونها ،وهذا هو ما �سنو�ضحه في مايلي بتق�سيمنا لهذا المطلب �إلى ثالث فقرات
11مفيدة �ضيف� ،سيا�سة امل�رشع يف مواجهة ظاهرة الإرهاب،مذكرة مقدمة لنيل �شهادة املاج�ستري يف قانون العقوبات
والعلوم اجلنائية ،جامعة الإخوة منتوري -ق�سنطينة-كلية احلقوق والعلوم ال�سيا�سية� ،2010 ،ص.26 .
22مفيدة �ضيف ،مرجع �سابق�،ص.13 .
� 33أ�ضيفت املادة � 86إىل قانون العقوبات امل�رصي مبقت�ضى القانون رقم 97ل�سنة .1992
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 98
في الفقرة الأولى �سوف نتطرق للركن القانوني للجريمة الإرهابية وفي الفقرة الثانية �سوف
نتطرق للركن المادي للجريمة الإرهابية وفي الفقرة الثالثة �سوف نتطرق للركن المعنوي
للجريمة الإرهابية.
الفقرة الأولى :الركن القانوني في الجريمة الإرهابية
يق�صد بالركن القانوني (�أو ال�شرعي) للجريمة �أنه ال يجوز �إعتبار فعل �أو �إمتناع ما جريمة،
�إال �إذا ورد ن�ص قانوني �صريح يجرم �إتيان هذا الفعل �أو االمتناع1.وما ينبغي الإ�شارة �إليه كون
الركن القانوني الجريمة الإرهابية يكت�سي �صبغة �إ�ستثنائية مقارنة مع باقي الأفعال الجرمية
الأخرى وذلك راجع للخ�صو�صية التي يت�سم بها هذا النوع من الجرائم التي تتمحور حول
عن�صرين �أ�سا�سين:
�أوال �:إلزامية تجريم الفعل الإرهابي بمقت�ضى ن�ص جزائي خا�ص
اعتبارا للمبد�أ القانوني والفقهي القا�ضي ب�أنه «ال جريمة وال عقوبة �إال بن�ص ت�شريعي
�صريح» ،فقد كان من المتعذر زجر الجرائم الإرهابية ونعتها بهذا الو�صف ،و�إقرار عقوبات
2
خا�صة بها في غياب مقت�ضيات ت�شريعية �صريحة ت�سمح بذلك.
فكان من ال�ضروري �إ�صدار قانون وطني خا�ص بمكافحة الجريمة الإرهابية ليكتمل الركن
القانوني للجريمة الإرهابية في ظل المنظومة الت�شريعية الوطنية ،ونق�صد بذلك القانون رقم
( ،)03-03المنفذ بمقت�ضى الظهير ال�شريف 1.03.140الم�ؤرخ في 26ربيع الأول 1424هـ
موافق ل 28ماي .2003
ثانيا: عدم �إمكانية خ�ضوع الفعل الإرهابي لأ�سباب التبرير والإباحة
يمكن القول �أن انتفاء �أ�سباب التبرير والإباحة �شرط �ضروري لقيام الركن القانوني في
�أي جريمة ،لأن الفعل �أو الإمتناع حتى ولو اعتبره الم�شرع جريمة ،فال يمكن الم�ساءلة عنه
3
والمعاقبة عليه �إذا قام لدى الفاعل �أحد الأ�سباب التي تبيح �إرتكابه.
والم�شرع الجنائي المغربي تعر�ض لأثر �أ�سباب التبرير والإباحة في الف�صل 124من ق.
ج 4.لكن هذا الأمر ال يمكن ت�صوره بالن�سبة للجريمة الإرهابية فهي ال تخ�ضع لأ�سباب التبرير
والإباحة ك�شرط لقيام ركنها لقانوني ،وهذا راجع لخ�صو�صية وا�ستثنائية الدافع �إلى �إرتكاب
11عبد الواحد العلمي� ،رشح القانون اجلنائي املغربي(الق�سم العام) ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الطبعة اخلام�سة،2013 ،
�ص.83.
22يو�سف بن با�رص ،مرجع �سابق �،ص.77 .
33عبد الواحد العلمي ،مرجع �سابق� ،ص.117.
� 44أنظر الف�صل 124من القانون اجلنائي.
99 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الفعل الإرهابي والذي يظل محوره الأ�سا�سي �إ�شاعة الرعب والترهيب بين عموم الأفراد تنفيذا
لم�شروع �إجرامي فردي �أو جماعي �ضد حياة الأفراد وممتلكاتهم �أو �سعيا �إلى الإ�ضرار بو�سطهم
1
البيئي �أو تعري�ض الموارد الوطنية للخطر.
الفقرة الثانية :الركن المادي في الجريمة الإرهابية
يعتبر الركن المادي في الجريمة الإرهابية العن�صر الأ�سا�سي في قيام هذا النوع من
الجرائم ويتمثل في �صدور ن�شاط مادي عن الفاعل الإرهابي �سواء في �شكل عمل كما هو
ال�ش�أن بالن�سبة للتعداد الوارد في الف�صل 2 218-1من القانون رقم ( )03-03المتعلق بمكافحة
الإرهاب� ،أو في �شكل امتناع كما هو ال�ش�أن بالن�سبة للف�صل 218-8من نف�س القانون ،لعدم
3
التبليغ عن الجريمة الإرهابية المزمع تنفيذها.
ويبقى القا�سم الم�شترك للن�شاط المادي ال�صادر عن المجرم في الجريمة الإرهابية
متمحور حول عن�صرين وهما تعلق الفعل الإرهابي بم�شروع فردي �أو جماعي يم�س ب�شكل خطير
النظام العام ،والعن�صر الثاني هو ارتباط الغاية من هذا الن�شاط المادي ب�إ�شاعة الخوف و
الترهيب عن طريق اعتماد العنف �أو التهديد به.
الفقرة الثالثة :الركن المعنوي للجريمة الإرهابية
ي�شترط لقيام الجريمة الإرهابية بالإ�ضافة �إلى وجود الركنين القانوني والمادي ،توافر
عن�صر العمد لدى الفاعل الإجرامي وهو ما ي�صطلح على ت�سميته بالركن المعنوي في الجريمة
الإرهابية وهو ما عبر عنه الم�شرع المغربي في الف�صل 218-1من قانون مكافحة الإرهاب رقم
03-03الذي ن�ص على......“ :تعتبر الجرائم الآتية �أفعاال �إرهابية �إذا كانت لها عالقة عمدا
.”....
والعن�صر العمدي في الجرائم الإرهابية يظهر عبر م�ستويين �أولهما توجيه المجرم
الإرهابي لن�شاطه الإرادي من �أجل تحقيق واقعة مجرمة م�صنفة في عداد الجرائم الإرهابية،
�أما ثانيهما فهو الإحاطة والعلم لدى الجاني بالواقعة الجرمية من الناحيتين الواقعية
والقانونية ،وبالتالي ينتفي الق�صد الجنائي لدى المجرم ولو �إرتكب جريمة �إرهابية في حالة
عدم الإحاطة بالواقعة الجرمية نتيجة الجهل المادي حيث ينعدم لديه العلم بحقيقة الواقعة
1
الإجرامية.
كما هو ال�ش�أن بالن�سبة لل�شخ�ص الذي يعمد �إلى �إخفاء �أموال �أو منافع مادية �أخرى
متح�صلة من جريمة �إرهابية دون �أن يعلم بماهيتها �أو بم�صدر تح�صيلها رغم �أن �إخفاء
الأ�شياء المتح�صل عليها من جراء جريمة �إرهابية يندرج �ضمن التعداد القانوني للأفعال
2
الإرهابية التي عددها الم�شرع.
المبحث الثاني :الجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي والإجرائي
عرفت المجتمعات عبر مختلف الحقب التاريخية ظاهرة الإرهاب والجرائم الإرهابية
بمختلف �أ�شكالها الب�سيطة الأولية والمو�سعة رغم اختالف ت�سميات المو�ضوع و�أ�ساليب تناوله
ح�سب كل فترة تاريخية .3وكما هو معلوم ف�إن الجريمة الإرهابية ب�شكل عام تهدف �إلى تغيير
نظام الحكم� ،أو فر�ض �سلوك محدد على المجتمع عن طريق عدة و�سائل ت�شكل في حد ذاتها
و�سائل للو�صول للغايات على المدى البعيد �أو الق�صير 4.ولتو�ضيح ذلك �سوف نتطرق في هذا
المبحث للجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي في المطلب الأول ،وفي المطلب
الثاني �سوف نتطرق للجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي الإجرائي.
المطلب الأول :الجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي
على الرغم من �أن الإٍرهاب �أ�صبح ظاهرة خطيرة �إال �أنه لم يتم الإتفاق على تعريف دقيق
ومحدد لم�صطلح الإرهاب ،والم�شرع المغربي بدوره لم يعرف الجريمة الإرهابية ،و�إنما
اقت�صر على تعداد الأفعال المعتبرة في حكم ذات القانون �إرهابية �سيرا في ذلك على درب
العديد من الت�شريعات ،ولكن الم�شرع المغربي ا�شترط مجموعة من ال�شروط ،5للجريمة
الإرهابية في الف�صل 1-218من ق ج «تعتبر الجرائم الآتية �أفعاال �إرهابية �إذا كانت لها عالقة
عمدا بم�شروع فردي �أو جماعي يهدف �إلى الم�س الخطير بالنظام العام بوا�سطة التخويف �أو
الترهيب �أو العنف…» .وبالتالي يكون الم�شرع من خالل تعداد الأعمال الإجرامية الإرهابية
في ف�صلين وهما الف�صل 1-218و 3-218من القانون رقم ،03.03اعتبرها �أفعاال عمدية عبارة
عن م�شروع فردي �أو جماعي يهدف �إلى الم�س الخطير بالنظام العام عن طريق التخويف �أو
الترهيب �أوالعنف.
الفقرة الأولى� :أ�صناف الجرائم الإرهابية في القانون المغربي
تتوزع الجرائم الإرهابية ،في الت�شريع الجنائي المغربي وخا�صة القانون المتعلق بمكافحة
الإرهاب �إلى �صنفين جرائم �أ�صلية وجرائم مرتبطة٠
- 1الجرائم الإرهابية الأ�صلية في القانون المغربي
�أوال : الإعتداء عمدا على حياة الأ�شخا�ص �أو على �سالمتهم �أو على حرياتهم �أو اختطافهم
�أو احتجازهم.
ثانيا : تزييف �أو تزوير النقود �أو �سندات القر�ض العام �أو تزييف �أختام الدولة والدمغات
والطوابع والعالمات �أو التزوير �أو التزييف المن�صو�ص عليه في الف�صول 360و 361و 362من
القانون الجنائي.
ثالثا: جرائم التخريب �أو التعييب �أو الإتالف
رابعا : تحويل الطائرات �أو ال�سفن �أو �أي و�سيلة �أخرى من و�سائل النقل �أو �إتالفها �أو �إتالف
من�ش�آت المالحة الجوية �أو البحرية �أو البرية �أو تعييب �أو تخريب �أو �إتالف و�سائل االت�صال.
خام�سا : ال�سرقة وانتزاع الأموال.
�ساد�سا� : صنع �أو حيازة �أو نقل �أو ترويج �أو ا�ستعمال الأ�سلحة �أو المتفجرات �أو الذخيرة
خالفا لأحكام القانون.
�سابعا : الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات.
ثامنا : تزوير �أو تزييف ال�شيكات �أو �أي و�سيلة �أداء �أخرى الم�شار �إليها على التوالي في
المادتين 316و 331من مدونة التجارة.
تا�سعا : تكوين ع�صابة �أو اتفاق لأجل �إعداد �أو �إرتكاب فعل من �أفعال الإرهاب.
عا�شرا� : إخفاء الأ�شياء المتح�صل عليها من جريمة �إرهابية مع علمه بذلك
حادي ع�شر : الإ�ضرار ب�صحة الإن�سان �أو الحيوان �أو البيئة ،لقد جرم الم�شرع الجنائي في
الف�صل 3-218من القانون الجنائي فعل �إدخال �أو و�ضع مادة تعر�ض �صحة الإن�سان �أو الحيوان
�أو المجال البيئي للخطر في الهواء �أو في الأر�ض �أو الماء بما في ذلك المياه الإقليمية معتبرا
هذه الأعمال �إرهابية �إذا كانت لها عالقة عمدا بم�شروع فردي �أو جماعي يهدف �إلى الم�س
الخطير بالنظام العام بوا�سطة التخويف �أو الترهيب �أو العنف.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 102
ال�سجن الم�ؤبد �إذا ترتب عن الفعل فقد ع�ضو �أو بتره �أو الحرمان من منفعته �أو عمى �أو عور �أو
�أي عاهة دائمة �أخرى ل�شخ�ص �أو �أكثر وتكون العقوبة هي الإعدام �إذا ترتب عن الفعل موت
�شخ�ص �أو �أكثر.
وعاقب على جريمة الإ�شادة بالإرهاب في الف�صل 2-218من القانون الجنائي بالحب�س من
�سنتين �إلى �ست �سنوات وبغرامة تتراوح بين 10.000و 200.000درهم.
وعاقب على جريمة تمويل الإرهاب في الف�صل 218-4من القانون الجنائي �إذا ارتكبها
�شخ�ص طبيعي بال�سجن من � 5سنوات �إلى � 20سنة وبغرامة من� 500.000إلى 2.000.000درهم.
�أما �إذا كان مرتكبها �شخ�صا معنويا ف�إنه يعاقب بغرامة من � 1.000.000إلى 5.000.000دون
الإخالل بالعقوبات التي يمكن �إ�صدارها في حق م�سيري و م�ستخدمي ال�شخ�ص المعنوي
المتورطين في الجريمة.
وت�شدد في عقاب مرتكبي جريمة تمويل الإرهاب وعاقبهم بال�سجن من � 10سنوات �إلى 30
�سنة ورفع الغرامة �إلى ال�ضعف في الحاالت التالية:
عندما ترتكب الجرائم ب�إ�ستعمال الت�سهيالت التي توفرها مزاولة ن�شاط مهني. ✺
ولخطورة جريمة تمويل الإرهاب ف�إن الم�شرع المغربي ن�ص في الف�صل 1-4-218من
القانون الجنائي على وجوب الم�صادرة الكلية �إذا �صدر الحكم بالإدانة للأ�شياء والأدوات
والممتلكات التي ا�ستعملت �أو كانت �ست�ستعمل في �إرتكاب الجريمة والعائدات المتح�صلة منها
�أو القيمة المعادلة لتلك الأ�شياء و الأدوات والممتلكات والعائدات طبعا مع حفظ حقوق الغير
ح�سن النية.
كما عاقب الم�شرع المغربي على فعل �إقناع الغير بارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب �أو
دفعه �إلى �إرتكابها �أو حر�ضه على ذلك بنف�س العقوبة المقررة لتلك الجريمة التي اقنع الغير
بارتكابها �أودفعه �إلى �إرتكابها �أو حر�ضه على ذلك.
�إ�ضافة �إلى ما �سبق ،ف�إن الم�شرع المغربي عاقب على الم�شاركة في الجريمة الإرهابية
بن�ص خا�ص حيث �إن الف�صل 6-218ين�ص على ما يلي «بالإ�ضافة �إلى حاالت الم�شاركة
المن�صو�ص عليها في الف�صل 129من هذا القانون ،يعاقب بال�سجن من ع�شر �إلى ع�شرين �سنة
كل �شخ�ص يقدم عمدا لمن يرتكب فعال �إرهابيا �أو ي�ساهم �أو ي�شارك فيه �أ�سلحة �أو ذخائر �أو
�أدوات تنفيذ الجريمة �أو م�ساعدات نقدية �أو و�سائل تعي�ش �أو ترا�سل �أو نقل �أومكانا لالجتماع
105 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�أو ال�سكن �أو االختباء وكل من يعينه على الت�صرف فيما ح�صل عليه من عمله الإجرامي وكل
من يقدم له �أي نوع من �أنواع الم�ساعدة مع علمه بذلك… ».
�إ�ضافة �إلى ما �سبق ،ف�إن الم�شرع المغربي في الف�صل 7-218ن�ص على ما يلي «يرفع
الحد الأق�صى للعقوبة عن الجرائم المن�صو�ص عليها في الف�صل� 1-218أعاله �إذا كان الفعل
المرتكب يكون جريمة �إرهابية كما يلي:
الإعدام �إذا كانت العقوبة المقررة للفعل هي ال�سجن الم�ؤبد. ✺
ال�سجن الم�ؤبد �إذا كان الحد الأق�صى للعقوبة المقررة للفعل ي�صل �إلى � 30سنة. ✺
يرفع الحد الأق�صى للعقوبات الأخرى ال�سالبة للحرية �إلى ال�ضعف دون �أن يتجاوز ثالثين
�سنة �إذا كانت العقوبة المقررة هي ال�سجن �أو الحب�س.
�إذا كانت العقوبة المقررة للفعل غرامة في�ضاعف الحد الأق�صى للغرامة مائة مرة دون �أن
تقل عن ( 100.000درهم).
�إذا كان الفاعل �شخ�صا معنويا ،فيجب الحكم بحله والحكم بالتدبيرين الوقائيين
1
المن�صو�ص عليهما في الف�صل 62من القانون الجنائي مع عدم الم�سا�س بحقوق الغير».
�أما جريمة عدم التبليغ عن جريمة �إرهابية ف�إن الم�شرع ن�ص في الف�صل 8-218من القانون
الجنائي على عقوبتها وهي ال�سجن من خم�س �إلى ع�شر �سنوات.
�أما �إذا كان الأمر يتعلق ب�شخ�ص معنوي فيعاقب بغرامة تتراوح بين مائة �ألف ومليون درهم.
�أما حاالت الإعفاء من العقوبة والتي ت�ضمنها القانون رقم 03-03المتعلق بمكافحة
الإرهاب فيمكن ح�صرها في ثالث حاالت كالتالي:
الحالة الأولى :وهي المن�صو�ص عليها في الف�صل 6-218من ق ج» …غير �أنه يجوز
للمحكمة �أن تعفي من العقوبة �أقارب و�أ�صهار من �إرتكب جريمة �إرهابية �أو �ساهم �أو �شارك
فيها �إلى غاية الدرجة الرابعة �إذا قدموا له م�سكنا �أو و�سائل تعي�ش �شخ�صية فقط».
الحالة الثانية :وهي المن�صو�ص عليها في الف�صل 8-218من ق ج «…غير �أنه للمحكمة في
الحالة المن�صو�ص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة �أن تعفي من العقوبة �أقارب و�أ�صهار
من �إرتكب جريمة �إرهابية �أو �ساهم �أو �شارك فيها �إلى غاية الدرجة الرابعة …».والمق�صود
بالجريمة عدم التبليغ عن جريمة �إرهابية.
الحالة الثالثة :ف�إن الم�شرع الجنائي في الف�صل 9-218قام بتمتيع الفاعل �أو الم�ساهم
�أو الم�شارك بعذر معفي من العقاب �إذا ك�شف قبل غيره للجهات الق�ضائية �أو الأمنية �أو
الإدارية �أو الع�سكرية قبل محاولة �إرتكاب الجريمة التي كانت مو�ضوع الإتفاق �أو هدف
� 11أنظر الف�صل 7-218من القانون اجلنائي املغربي.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 106
الع�صابة وقبل �إقامة الدعوى العمومية عن وجود اتفاق جنائي �أو وجود ع�صابة لأجل �إرتكاب
جريمة �إرهابية.
�أما الحالة التي ن�ص فيها الم�شرع الجنائي على تخفي�ض العقاب وهي المن�صو�ص عليها
في الف�صل 9-218من ق ج وهي �أنه �إذا قام الفاعل �أو الم�ساهم �أو الم�شارك الذي يقدم نف�سه
تلقائيا �إلى ال�سلطات المخت�صة بالتبليغ عن وجود اتفاق جنائي �أو وجود ع�صابة لأجل �إرتكاب
جريمة �إرهابية بعد �إرتكاب الجريمة ف�إن العقوبة تخف�ض �إلى الن�صف ،و�إذا كان الفعل الجرمي
الذي �إرتكب وتم التبليغ عنه يعاقب عليه بالإعدام ف�إن هذه العقوبة تحول �إلى ال�سجن الم�ؤبد
و�إذا كان عقاب الفعل الجرمي هو ال�سجن الم�ؤبد ف�إن العقوبة تخف�ض �إلى ال�سجن من � 20إلى
� 30سنة.
المطلب الثاني :الإرهاب في الت�شريع المغربي الإجرائي
الجريمة الإرهابية كغيرها من الجرائم الأخرى �أحاطها الم�شرع المغربي بمجموعة من
القواعد والإجراءات الم�سطرية �سواء �أثناء مرحلة البحث التمهيدي �أو �أثناء مرحلتي التحقيق
الإعدادي والمحاكمة و�أفرد لها بع�ض اال�ستثناءات نظرا لخ�صو�صيتها.
الفقرة الأولى :البحث التمهيدي في جرائم الإرهاب
نظم الم�شرع المغربي �إجراءات البحث التمهيدي في جرائم الإرهاب في الحالة العادية
وحالة التلب�س ،فبالن�سبة للبحث التمهيدي في الأحوال العادية منظم في المواد من � 78إلى 82
من قانون الم�سطرة الجنائية� ،أما في حالة التلب�س في الجرائم الإرهابية فذلك يتطلب �إجراء
�أبحاث وتحريات ب�صورة فورية واالنتقال �إلى مكان الجريمة وحجز الأ�شياء والأدوات و�إجراء
كافة المعاينات الالزمة وهذا ما �سنو�ضحه في ما يلي.
�أ -فورية البحث والتحريات والمعاينات والحجز:
�أوجب الم�شرع على �ضابط ال�شرطة الق�ضائية الذي �أ�شعر بحالة التلب�س بجريمة �إرهابية
�أو بجنحة مرتبطة بها �أن يخبر بها حاال النيابة العامة و�أن ينتقل في الحال �إلى مكان �إرتكابها
لإجراء المعاينات المفيدة والحفاظ على الأدلة من االندثار وعلى كل ما يمكن �أن ي�ساعد على
�إظهار الحقيقة وحجز الأ�سلحة والأدوات الم�ستعملة في �إرتكابها �أو التي كانت معدة الرتكابها
ومنع كل �شخ�ص من مغادرة مكان وقوعها �إلى غاية انتهاء التحريات واال�ستعانة بذوي الخبرة
عند القيام بمعاينة ال تقبل الت�أخير.1
ب -التفتي�ش
�إذا تعلق الأمر بجريمة �إرهابية واقت�ضى ذلك �إجراء البحث �أو كانت حاالت اال�ستعجال
الق�صوى ف�إنه يمكن ال�شروع في تفتي�ش المنازل �أو معاينتها ب�صفة �إ�ستثنائية قبل ال�ساعة
ال�ساد�سة �صباحا �أو بعد ال�ساعة التا�سعة ليال ب�إذن كتابي من النيابة العامة ،1وفي حالة امتناع
ال�شخ�ص الذي يجري التفتي�ش �أو الحجز بمنزله عن �إعطاء موافقته �أو تعذر الح�صول عليها،
ف�إنه يمكن �إجراء العمليات المذكورة ب�إذن كتابي من النيابة العامة بح�ضور ال�شخ�ص المعني
بالأمر ،وفي حالة امتناعه �أو تعذره عن الح�ضور يتم التفتي�ش بح�ضور �شخ�صين غير خا�ضعين
ل�سلطة �ضباط ال�شرطة الق�ضائية.2
�أما �إذا تطلب الأمر القيام ب�إجراءات التفتي�ش في جريمة �إرهابية في �أماكن معينة
لأ�شخا�ص ملزمة بال�سر المهني كالعيادات الطبية ومكاتب الموثقين ،فيجب على �ضباط
ال�شرطة الق�ضائية �إ�شعار النيابة العامة المخت�صة فورا ويقوم بجميع التدابير الالزمة ل�ضمان
احترام ال�سر المهني.3
�أما �إجراء تفتي�ش في مكتب المحاماة فيتولى الأمر قا�ض من ق�ضاة النيابة العامة �إلى
جانب ح�ضور نقيب هيئة المحامين �أو من ينوب عنه �أو بعد �إ�شعاره ب�أية و�سيلة من الو�سائل
الممكنة.4
ت -الو�ضع تحت الحرا�سة النظرية:
عندما يتعلق الأمر بجريمة �إرهابية ف�إن مدة الحرا�سة النظرية تكون �ستا وت�سعين �ساعة
()96قابلة للتجديد مرتين لنف�س المدة بناءا على �إذن كتابي من النيابة العامة �سواء في حالة
البحث التمهيدي �أو التلب�سي ،ودون الحاجة �إلى �إح�ضار ال�شخ�ص المو�ضوع تحت الحرا�سة
النظرية �أمام النيابة العامة عند طلب التمديد في الحالة الأخيرة ،كما �أنه من حق �ضابط
ال�شرطة الق�ضائية في الحالتين معا �أن يطلب من النيابة العامة ت�أخير االت�صال بين المحامي
وموكله �إذا اقت�ضت ال�ضرورة ذلك� ،شريطة �أال يتجاوز هذا الت�أخير � 48ساعة �إبتداء من التمديد
الأول ويمكن لممثل النيابة العامة الإ�ستجابة لهذا الطلب .5
ب�صفة �إ�ستئنافية بمقر �أي محكمة �أخرى ويق�صد بمحكمة الإ�ستئناف بالرباط غرفة الجنايات
بها التي تبت في هذا النوع من الق�ضايا ابتدائيا و�إ�ستئنافيا وفق �إجراءات خا�صة.
وتت�ألف غرفة الجنايات من رئي�س من بين ر�ؤ�ساء الغرف وم�ست�شارين اثنين يتم تعيينهم من
طرف الجمعية العامة لمحكمة الإ�ستئناف كل �سنة ق�ضائية ،ويمكن لهذه الغرفة في الق�ضايا
التي تتطلب منها مناق�شة طويلة �أن ت�ضم �إليها بالإ�ضافة �إلى �أع�ضائها م�ست�شارا �أو �أكثر يعينه
الرئي�س الأول لمحكمة اال�ستئناف ،وال يمكن تحت طائلة البطالن �أن يكون من بين �أع�ضائها
�أحد الق�ضاة الذين قاموا ب�أي �إجراء من �إجراءات المتابعة �أو التحقيق في الق�ضية �أو �شاركوا
في البث فيها ،وتعقد جل�ساتها بح�ضور النيابة العامة وبم�ساعدة كاتب ال�ضبط تحت طائلة
بطالن الإجراءات والقرارات ال�صادرة عنها.1
وتبث في الق�ضايا ب�صفة ابتدائية وال يمكنها الت�صريح بعدم الإخت�صا�ص ما عدا في
2
الق�ضايا التي يرجع النظر فيها �إلى محكمة �أخرى مخت�صة في الق�ضية
�أما بخ�صو�ص غرفة الجنايات الإ�ستئنافية بمحكمة الإ�ستئناف فتت�ألف من رئي�س غرفة
و�أربعة م�ست�شارين لم ي�سبق لهم البث في الق�ضية وبح�ضور ممثل النيابة العامة ،وبم�ساعدة
كاتب ال�ضبط تحت طائلة البطالن ،ويمكن �أن ين�ضاف �إلى ت�شكيلتها م�ست�شارا �أو �أكثر عند
ال�ضرورة كما هو ال�ش�أن بالن�سبة لغرفة الجنايات االبتدائية. 3
كما يمكن للرئي�س الأول بمحكمة الإ�ستئناف �أن يتر�أ�س �شخ�صيا هذه الغرفة التي تبث في
الطعون المرفوعة �أمامها بقرار نهائي قابل للطعن بالنق�ض داخل �أجل ع�شرة �أيام من تاريخ
�صدوره.
خاتمة:
الجريمة الإرهابية ككيان قانوني عرفت ا�ستفحاال خطيرا خا�صة في الآونة الأخيرة ،حيث
تجاوز �صداها حدود الدولة الواحدة فخطورة هذه الجريمة �أ�صبح يهدد م�صالح ال�شعوب
و�أمن و�سالمة الب�شرية ،لذلك كانت الجريمة الإرهابية محط �إهتمام الت�شريعات الوطنية
وكذا اهتمام الم�شرع الدولي.
والمالحظ �أن الم�شرع المغربي ب�إ�صداره للقانون رقم 03-03المتعلق بمكافحة الإرهاب
وفق �إلى حد بعيد في الحد من الجريمة الإرهابية وذلك راجع �إلى المجهودات الأمنية المكثفة
وال�سيا�سة الجنائية المنتهجة من �أجل محاربة الجريمة الإرهابية.
❹
جريمة القتل العمد والقتل الخط�أ
مقدمة
عرف الإن�سان جريمة القتل منذ عمارة الإن�سان الأول لهذه الأر�ض �أول جريمة قتل حدثت
في تاريخ الب�شرية وهي التي قتل فيها قابيل ابن �أدم عليه ال�سالم �أخاه هابيل ظلما وعدوانا،
ح�سب �صريح ما يق�صه علينا القر�آن الكريم ,الذي اعتبرها من �أخطر الجرائم تهددا للكيان
الفردي واالجتماعي ،ولذلك كانت عقوبتها �صارمة على مر الع�صور وال�شرائع ال�سماوية والتي
اعتبرت التعدي على النف�س من �أخطر الجرائم لأن الإ�سالم �أعلى من �ش�أن الإن�سان لقوله
تعالى « :ولقد كرمنا بني آدم » ،وعلى قدر ما �أعلى من �ش�أنه فقد �شدد في العقوبة على من
يعتدي على حياة غيره بغير حق ،حدد له عقوبة مماثلة وهي �إزهاق الروح في حالة العمد.
وفي ال�شريعة الإ�سالمية ،حكى القر�آن الكريم عن بني �إ�سرائيل في توراتهم «وكتبنا
عليهم أن النفس بالنفس» ،وفي الت�شريعات الو�ضعية القديمة كانت عقوبة الإعدام مرتبطة
بالنتيجة الإجرامية لجرائم القتل ب�صرف النظر عن توافر �أو عدم توافر الق�صد الجنائي،
وعن الظروف ال�شخ�صية والعينية الرتكاب الجريمة ،المثال على ذلك قانون حمورابي الأ�شوري
الذي كان يطبق الإعدام في حاالت متعددة يحدث فيها الموت بدون ق�صد كالموت الناتج عن
�ضرب امر�أة حامل �أو عن انهدام بناء نتيجة عيب فيه.
�أما الت�شريعات الحديثة فلم تولي �أية �أهمية للظروف ال�سالفة الذكر لأن الجانب ال�شخ�صي
�أ�صبح له دور حا�سم في تقرير وتدرج الم�س�ؤولية الجنائية ،ولذلك نجد فعل القتل يتفرع �إلى
عدة جرائم تتراوح عقوبتها بين ال�سجن الم�ؤبد والإعدام...
فالقتل بوجه عام هو �إنهاء حياة �إن�سان بفعل �إن�سان �آخر ،ويندرج تحت هذا التعريف
العام للقتل �صور متعددة تختلف فيما بينها ح�سب موقف الإرادة منه والظروف التي تالزمه،
فبالنظر �إلى دور الإرادة تتعدد �صور القتل �إلى قتل ق�صدي وقتل غير ق�صدي �أو خط�أ وقتل
متجاوز ق�صد الجاني �أو متعدي الق�صد� .إما بح�سب الظروف التي تقترن به فيكون م�شددا �إذا
كان هذا الظرف م�شددا �أو يكون مخففا �إذا كان هذا الظرف مخففا ،ويكون ب�سيطا �إذا لم
1
يقرن ب�أي ظرف.
" 11علي عبد القادر القهوجي« ،جرائم الإعتداء على الإن�سان واملال» ،من�شورات احللبي الطفولية ،بريوت-
لبنان� ،ص.19.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 112
وقد ن�صت على هذه ال�صور المختلفة الف�صول 392و 432من القانون الجنائي المغربي،
و�أيا ما كانت ال�صورة التي يوجد عليها القتل �إن هذه الجرائم تجمعها وحدة الم�صلحة القانونية
محل الحماية الجنائية وهي حق الإن�سان في الحياة والتي من خاللها يمكن �إ�ستخال�ص الأحكام
العامة التي تخ�ضع لها.
�إذن فكيف نظم الم�شرع المغربي جريمتي القتل العمد والقتل الخط�أ؟
لمعالجة هذه الإ�شكالية �سنتولى درا�سة هاتين الجريمتين بالتف�صيل وفق المنهجية التالية:
المبحث الأول :درا�سة جريمة القتل العمد في �ضوء الف�صل 392من ق ج ❑
المبحث الثاني :درا�سة جريمة القتل الخط�أ في �ضوء الف�صل 432من ق ج ❑
المبحث الأول :درا�سة جريمة القتل العمد في �ضوء الف�صل 392من ق.ج
ين�ص الف�صل 392ق .ج على �أن « كل من ت�سبب عمدا في قتل غيره يعد قاتال ويعاقب
بال�سجن الم�ؤبد .لكن يعاقب على القتل بالإعدام في الحالتين الآتيتين:
�إذا �سبقته �أو �صاحبته �أو �أعقبته جناية �أخرى؛
✺
�إذا كان الغر�ض منه �إعداد جناية �أو جنحة �أو ت�سهيل �إرتكابها �أو �إتمام تنفيذها �أو ت�سهيل✺
وعلى �أ�سا�س ذلك يكون تق�سيم هذا المطلب �إلى فقرتين الأولى نخ�ص�صها للركن المادي
لجريمة القتل العمد ،على �أن نفرد الفقرة الثانية للركن المعنوي في القتل العمد وهو عن�صر
الق�صد.
الفقرة الأولى :الركن المادي لجريمة القتل العمد
يق�صد بالركن المادي لجريمة القتل العمد التحقق الواقعي للقتل في مكان الجريمة
باعتبارها حدثا ،ال تختلف مع الوقائع الأخرى الم�شابهة .ومن تم كان الزما للقول بوجود واقعة
القتل تتوافر �أو�صاف معينة حتى تكون معتبرة في نظر الم�شرع ,وتتكون الواقعة المادية �أو
الجانب المادي من عنا�صر ثالثة:
�أوال :ال�سلوك �أو الن�شاط الإجرامي
ال يت�صور وقوع جريمة القتل وتحقق نتيجتها وهي �إزهاق روح المجني عليه دون �سلوك �أو
ن�شاط �إجرامي تترتب عليه النتيجة المذكورة ،فعن�صر ال�سلوك �أو الن�شاط �ضروري لتوافر
الجريمة وهو الذي يميز بين الوفاة غير الم�شروعة النا�شئة عن �سلوك �إن�ساني مجرم ,ووفاة
نا�شئة عن �سبب طبيعي ال دخل لن�شاط �أو �سلوك �إن�ساني في �إحداثه ،بمعنى �أن الن�شاط �أو
ال�سلوك الإن�ساني هو الذي يكون الواقعة الخا�ضعة للقانون الذي يترتب على تطبيقه عليها
وجود و�صف الجريمة ،فالمق�صود بال�سلوك بخ�صو�ص واقعة القتل كحدث ما ي�صدر من
الإن�سان الحي وهو الجاني في جريمة القتل من حركات ع�ضوية �إرادية تترتب عليها النتيجة
�أي الوفاة.
وال ي�شترط في عن�صر ال�سلوك �أو الن�شاط �شروطا خا�صة �أكثر من كونه �سلوكا م�ؤديا �أو
م�سببا لإحداث النتيجة الإجرامية ،في�ستوي �أن يكون ال�سلوك الإن�ساني هو الذي �أدى مبا�شرة
�إلى النتيجة �أو �أن الإن�سان قد ا�ستعان في �سلوكه ب�أداة �أو و�سيلة ما لتحقق الوفاة ،فمن يقتل
بيده محققا بذلك ال�سلوك الإجرامي مبا�شرة وبنف�سه ال يختلف عمن ي�ستخدم م�سد�سا �أو
بندقية �أو تيارا كهربائيا �أو �أية و�سيلة �أخرى.
كما يتعين �أن يكون ال�سلوك �أو الن�شاط واعيا و�إراديا فال يكفي �أن تتوافر الحركة الع�ضوية
التي ت�ؤدي �إلى النتيجة في القتل و�إنما يتعين �أن يكون ال�سلوك ممثال في تلك الحركة مما يعتد
به في القانون ،ويق�صد بالوعي �أو الإرادة القوة الم�سيطرة على الت�صرفات الإن�سانية فهي
طاقة مهيمنة على حركات الأع�ضاء الإن�سانية وهي كذلك متميزة عن جانب الآثم �أو الخطيئة
في الجريمة باعتبارها الجانب المعنوي المميز لواقعة الجريمة ،ويخ�ضع تحقق هذا الوعي
لتوافر ال�سلوك الإجرامي طبقا للقانون العتبارات خا�صة للم�ساءلة الجنائية� ,إذ ال يت�صور
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 114
�أن يحا�سب القانون الإن�سان عن �أفعاله المجردة من ال�سيطرة والوعي ،فال�سلوك المجرد من
الوعي والإرادة نطاق ال يمكن م�ساءلة الإن�سان عنه.1
وتوافر الوعي �أو القوة الم�سيطرة على ال�سلوك ال يعني بال�ضرورة توافر الق�صد الذي يتحقق
به الجانب المعنوي للجريمة ،فقد ت�صدر الحركات الإن�سانية خا�ضعة لقوى ال�سيطرة الداخلية
التي ت�سمى بالوعي ورغم ذلك ال تتوافر لدى من �صدرت عنه نية متجهة نحو �إرتكاب الجريمة
وال خط�أ يحا�سب عليه.
ويثير عن�صر ال�سلوك في جريمة القتل بع�ض ال�صعوبات �أحيانا ،و�سوف نعر�ض ب�إيجاز
لبع�ض و�أهم تلك ال�صعوبات :م�شكلة اال�ستحالة وتحقيق القتل بالترك �أو االمتناع،كذلك
�إ�ستخدام و�سائل غير منظورة في �إرتكاب جريمة القتل.ال�س�ؤال الذي يثار بالن�سبة لال�ستحالة
في جريمة القتل يتعلق بمدى �إمكانية ت�صور ال�شروع في جريمة القتل حين يكون تحقيق
الجريمة تامة م�ستحيال ب�سبب اعتبارات تتعلق بال�سلوك �أو بمو�ضوع االعتداء.
وينظر الفقه الجنائي �إلى مو�ضوع اال�ستحالة ب�صفة عامة من زوايا مختلفة ويق�سم تبعا
لذلك اال�ستحالة وي�صنفها ت�صنيفات متعددة ,فهناك اال�ستحالة المادية التي ترجع �إلى
ظروف واعتبارات مادية ك�إ�ستخدام مادة غير كافية لإحداث الوفاة في جريمة القتل .وهناك
اال�ستحالة القانونية التي ترجع �إلى عدم �إمكان وقوع الجريمة تامة لفقدان �أحد عنا�صرها
كتخلف عن�صر الحياة في جريمة القتل بالن�سبة للمجني عليه.
وم�شكلة اال�ستحالة هاته غير قا�صرة على جريمة القتل وحدها و�إنما تثار بالن�سبة لكافة
الجرائم وذلك في الأحوال التي يوجد فيها ال�سلوك الإجرامي والنية المتجهة نحو �إرتكاب
جريمة ما مع ا�ستحالة تحقيق نتيجة هذا ال�سلوك لأ�سباب ترجع �إلى ا�ستحالة تحقق الجريمة
لنق�ص �إما في عنا�صر ال�سلوك �أو لأ�سباب تتعلق بمو�ضوع الإعتداء نف�سه كعدم وجوده .ولعل
جريمة القتل تحظى دون غيرها ب�أهمية خا�صة بالن�سبة لدرا�سة هذه الم�شكلة بالنظر �إلى
خطورتها ومدى �أهميتها.
ثانيا :النتيجة الإجرامية
يمكن اعتبار النتيجة الإجرامية ،ذلك الأثر المترتب عن ن�شاط الجاني �إيجابيا كان �أو
�سلبيا الذي يظهر التغير الذي يحدث في العالم الخارجي ،ك�أثر مالزم لهذا الن�شاط ،ففي
جريمة القتل بنوعيه العمد والخط�أ تكون النتيجة هي �إزهاق روح ال�ضحية ،كما �أن جريمة القتل
ت�ستهدف الأ�شخا�ص الأحياء فال يمكن قتل �شخ�ص كان ميت �سلفا مع �إمكانية متابعة الفاعل
في هذه الحالة بالمحاولة �إذا كان ال يعلم بوفاة ال�شخ�ص �سلفا.
11عالء زكي « ،جرائم الإعتداء على الأ�شخا�ص» ،امل�ؤ�س�سة احلديثة للكتاب ،لبنان� ،ص 53.ـ 54ـ .55
115 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ولكن ال�س�ؤال الذي يطرح في هذه المرحلة متى تبد�أ حياة الإن�سان ليعتبر الإعتداء عليها
قتال؟
بالرجوع للفقه المغربي نجد �أن حياة الفرد تبد�أ بمجرد والدته ،ولهذا فمن يقتل طفال
بمجرد والدته �سيتابع بجريمة القتل العمد ،وهناك من الفقه من يقول �أن حياة الأفراد تبد�أ
منذ فترة الحمل على اعتبار �أن الم�شرع المغربي يعاقب على جريمة الإجها�ض طبقا للف�صل
449وما بعده من القانون الجنائي وذلك حماية للنف�س الب�شرية وحماية للحق في الحياة
المكر�س في الد�ستور طبقا للف�صل 20من الد�ستور الذي يقول ب�أن الحق في الحياة هو �أول
الحقوق لكل �إن�سان ويحمي القانون هذا الحق.
وحيث يذهب الر�أي ال�سائد في الفقه �إلى �أن تطبيق �أحكام القتل يبتدئ من وقت بدء
المخا�ض �أي ب�إ�ستعداد الجنين للخروج من رحم �أمه ويبدو �أن القانون المغربي تبنى هذا
الر�أي حيث تعر�ض بن�ص خا�ص وهو الف�صل 397من ق.ج لقتل الطفل الوليد ،والوليد ي�شمل
الطفل منذ بداية والدته فال ي�شترط لتطبيق هذا الف�صل انف�صال الطفل نهائيا عن ج�سم
الأم.1
ومن ناحية �أخرى ف�إنه ال يحق للجاني �أن يقدم على �إزهاق روح الوليد ولو كان المولود
م�شوها �أو �أكدت التقارير الطبية �أن ا�ستمرار الحياة ميئو�س منها.
ثالثا :العالقة ال�سببية بين الن�شاط والنتيجة
ال يكفي توفر ن�شاط �إجرامي معين ،وكذا وقوع تغيير في العالم الخارجي مما يطلق عليه
و�صف النتيجة الإجرامية ،للقول بتوافر الجانب المادي في الجريمة �أو الواقعة التي تحدث
في العالم الخارجي و�إنما يتعين عالوة على تحقق العنا�صر ال�سابقة توافر رابطة بين الن�شاط
والنتيجة بحيث يكون الن�شاط هو الذي ت�سبب في حدوث النتيجة �أو بمعنى �آخر �أن ترتبط
النتيجة بالن�شاط ارتباط العلة بالمعلول وال�سبب بالم�سبب .ففي جريمة القتل ال يكفي وجود
ن�شاط �إجرامي معين ثم حدوث الوفاة ،بل يتعين �أن توجد رابطة �سببية بين الن�شاط والوفاة
بحيث يكون هذا الن�شاط هو الذي �أدى �إلى الوفاة وهي النتيجة في جريمة القتل وتكون عالقة
ال�سببية في جريمة القتل وا�ضحة وال تثير �صعوبات حينما يطعن الجاني ب�سكين المجني عليه
في�صيبه في القلب تكون رابطة ال�سببية وا�ضحة بين وفاة المجني عليه من جانب وطعنه في
القتل طعنة نافذة باعتباره هو الن�شاط من جانب �آخر.
� 11أحمد اخلملي�شي « ،القانون اجلنائي اخلا�ص » ،اجلزء الثاين -الرباط� ،ص.22.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 116
�إال �أن ال�صعوبة يمكن �أن تظهر متى �أ�سهمت مع الفعل عوامل �أخرى تفاعلت جميعها
لإحداث النتيجة الإجرامية وهي الوفاة في جريمة القتل فهنا يكون من الأهمية بمكان تحديد
عالقة ال�سببية بين الفعل والنتيجة على وجه الخ�صو�ص ،لأن قيام هذه العالقة هو ما يجعل
الفاعل م�س�ؤوال عن النتيجة ،وهنا تكمن م�شاكل التحقق من قيام العالقة ال�سببية ب�شكل
محدد ،والم�س�ألة كما هو وا�ضح على جانب كبير من الأهمية في جريمة القتل �ش�أنها في ذلك
�ش�أن غيرها من الجرائم �إذ يترتب على نفي عالقة ال�سببية انهيار بناء واقعة الجريمة فال
ي�س�أل عن الوفاة من ن�سب �إليه الفعل.1
وفي هذا ال�سياق جاءت عدة نظريات فقهية في هذا الباب ومنها نظرية ال�سببية المبا�شرة
ونظرية تكاف�ؤ الأ�سباب ونظرية ال�سببية المالئمة .لكن في كل الأحوال يبقى �أمر �إ�ستخال�ص
العالقة ال�سببية بين الن�شاط والنتيجة �أمر مو�ضوعي موكول للمحكمة.
الفقرة الثانية :الركن المعنوي في جريمة القتل العمد
يتمثل الركن المعنوي في جريمة القتل العمد في الق�صد الجنائي بنوعيه العام والخا�ص،
والنية الإجرامية للجاني ،بحيث تتجه �إرادة الجاني �إلى �إتيان الن�شاط الإجرامي و�أن يريد به
القاتل �إزهاق روح �إن�سان ،وبهذا ف�إنه بتوافر الق�صد والنية الإجرامية لدى الجاني �إلى جانب
الركن المادي الذي �سبق ذكرها �آنفا نكون �أمام جريمة قتل عمد.
ويعتبر الركن المعنوي في جريمة القتل العمد �أمرا حا�سما لكونه يفرق بين عدة جرائم
تت�شابه في ركنها المادي مع جريمة القتل العمد كمثال على ذلك :جريمة القتل الخط�أ وكذا
جريمة ال�ضرب والجرح المف�ضي �إلى الموت دون نية �إحداثه .فالأخيرتان تت�شابهان مع جريمة
القتل العمد من حيث نتيجة �إزهاق الروح �إال �أن الركن المعنوي الذي يتمثل في النية والق�صد
الجنائي لدى الجاني المحددان الرئي�سيان لتكييف الجريمة غير مق�صود بهما.
وبناء على ذلك ف�إنه يجب �أن يتحقق علم الجاني �أن المحل المادي الذي ين�صب عليه
ن�شاطه الإجرامي «�إن�سان» و�أن هذا الإن�سان « حي ».فال يت�صور الق�صد النتفاء العلم �إذا اعتقد
الجاني �أنه يوجه ن�شاطه �إلى حيوان �أو �إلى جثة ميت ،كمن ي�صطاد في غابة كثيفة بالأ�شجار
في�شاهد عن بعد �شبحا يتحرك يظنه حيوانا فيطلق عليه عيارا ناريا فيقتله ،ف�إذا به �إن�سان
�آخر مثله كان ي�صطاد في الغابة� ،أو كالطبيب الذي يقوم بت�شريح جثة معتقدا �أن �صاحبها قد
فارق الحياة والحقيقة �أنه كانت بها بقية من حياة و�أن تدخله هو الذي �أزهق روحه .فالجاني
هنا ال ي�س�أل عن جريمة قتل مق�صودة لأنه ال يعلم بحقيقة محل القتل وكون المقتول �إن�سان
حي ،و�إن كان يمكن �أن ي�س�أل عن جريمة قتل غير مق�صودة ب�شرط توافر عنا�صر الخط�أ غير
المق�صودة في حقه.
ويجب �أن يعلم الجاني �أن ن�شاطه يمثل اعتداء على حياة المجني عليه ،فالممثل الذي
يطلق م�سد�سه على ممثل �آخر �أثناء التمثيل معتقدا ب�أن الم�سد�س يحوي ر�صا�صا مزيفا� ،إال
1
�أن �شخ�صا �آخر ا�ستبدل الم�سد�س دون علمه ،ال يتوافر لديه الق�صد الجنائي النتفاء العلم.
ولكي يتحقق الق�صد الجنائي يجب �أن تتوافر لدى الجاني �إلى جانب العلم بعنا�صر
الجريمة -اتجاه الإرادة �إلى ال�سلوك (ال�سلبي) �أو (الإيجابي) الذي من �ش�أنه �إحداث الوفاة
باعتبارها الغر�ض �أو الهدف الذي يتجه الجاني ب�سلوكه �إليه .ف�إذا لم تتجه �إرادة الجاني �إلى
ال�سلوك امتنعت م�س�ؤوليته عن جريمة ق�صدية �أو غير ق�صدية ،فمن ي�سقط على طفل فيقتله
ب�سبب دفعة قوية من �شخ�ص �آخر �أو ب�سبب حالة �إغماء مفاجئ �أ�صابته ال ي�س�أل عن جريمة
القتل ال في �صورتها المق�صودة وال في �صورتها غير المق�صودة ،لعدم توافر الركن المعنوي
في الحالتين.
ويجب �أخيرا -لإكتمال عنا�صر الق�صد الجنائي �أن تتجه �إرادة الجاني �إلى �إحداث الوفاة
كنتيجة لن�شاطه� ،إذ ال يكفي �أن يعلم بتلك النتيجة فقط �أي يتوقعها ،و�إنما يجب �أن تتجه �إرادته
�إليها كغاية �أو كهدف قريب ي�سعى �إليه من ن�شاطه.
المطلب الثاني :عقوبة الجريمة والظروف الم�شددة لها
م�ضمون الف�صل 392من القانون الجنائي:
« كل من ت�سبب عمدا في قتل غيره يعد قاتال ،ويعاقب بال�سجن الم�ؤبد لكن يعاقب على
القتل بالإعدام في الحالتين الآتيتين:
�إذا �سبقته �أو �صحبته �أو �أعقبته جناية �أخرى.
�إذا كان الغر�ض منه �إعداد جناية �أو جنحة �أو ت�سهيل �إرتكابها �أو �إتمام تنفيذها �أو ت�سهيل
فرار الفاعلين �أو �شركائهم �أو تخلي�صهم من العقوبة«.
الفقرة الأولى :ظروف الت�شديد في القتل العمد
�إذا كان الم�شرع المغربي قد عاقب على القتل العمد بال�سجن الم�ؤبد في الفقرة الأولى من
الف�صل 392من القانون الجنائي ،ف�إنه عاقب عليه في ن�صو�ص متفرقة بالإعدام متى اقترن
بظرف من ظروف الت�شديد المن�صو�ص عليها في تلك الن�صو�ص .ومن الأ�سباب التي حدت به
�إلى ت�شديد العقوبة على مرتكب جريمة القتل العمد التي ترقى بها �إلى حد الإعدام ترجع �إلى
اقترانها بالظروف التالية:
� - 1إقتران القتل العمد بجناية �أخرى.
� - 2إقتران القتل العمد بجناية �أو جنحة �أخرى (ف 392ق.ج ) ؛
� - 3إقترانه ب�سبق الإ�صرار (394ق.ج)؛
� - 4إقترانه بالتر�صد(395ق.ج)؛
� - 5إقتران القتل ب�صفة المجني عليه من �أحد الأ�صول ( 396ق.ج) ؛
� - 6إقتران القتل بالتعذيب �أو الأفعال الوح�شية (399ق.ج).
حيث �سنتولى درا�سة كل ظرف على حدة نظرا لق�ساوة الجزاء الجنائي الذي يوقع على
الجاني مع �إقتران جريمة القتل ب�إحدى هذه الظروف.
�أوال� :إقتران القتل العمد بجناية �أخرى
ن�ص الم�شرع المغربي في الف�صل 392من ق.ج على �أن مرتكب القتل العمد يعاقب بالإعدام
في الحالتين التاليتين:
�إذا �سبقته �أو �صحبته �أو �أعقبته جناية �أخرى.
✺
�إذا كان الغر�ض منه �إعداد جناية �أو جنحة �أو ت�سهيل �إرتكابها �أو �إتمام تنفيذها �أو ت�سهيل
✺
والمالحظ �أن ظرف االقتران هو عيني يتعلق بالجريمة ،لذا فهو ي�سري على كل الم�ساهمين
والم�شاركين في القتل العمد وحده �أو في الجنايتين معا ولو كانوا يجهلون وجود هذا الظرف
الم�شدد ،1كما ين�ص على ذلك مقت�ضى الف�صل 130من القانون الجنائي.
ثانيا :ارتباط القتل العمد بجناية �أو جنحة �أخرى:
حيث يتطلب �أن يكون مو�ضوع القتل �أو الهدف منه ،هو �إعداد جناية �أو جنحة �أوت�سهيل
�إرتكابها �أو �إتمام تنفيذها �أو ت�سهيل فرار الفاعلين �أو �شركائهم �أو تخلي�صهم من العقوبة،
وبعبارة �أخرى ي�شترط �أن يكون القتل هو الو�سيلة لتحقيق �أحد الأهداف ،ولي�س العك�س.
وال�شك �أن العقوبة الم�شددة المقررة للفاعل هنا تف�سر بالخطورة الإجتماعية والإجرامية
لدى الجاني ،فهو يرتكب جريمتين تجمعها وحدة الغر�ض الناجم عن دافع دنيء كمثال على
ذلك القتل بهدف ال�سرقة.
ومن �صور االرتباط التي �أوردها الم�شرع �إتمام تنفيذ جناية �أو جنحة من جهة ،وت�سهيل
فرار الفاعلين �أو �شركائهم �أو تخلي�صهم من العقوبة من جهة ثانية.
وكمثال على الأولى �أن يرتكب الجاني قتال عمدا بغر�ض �إتمام تنفيذ جريمة ل�سرقة �أو
اختطاف قا�صر .ومن الأمثلة الثانية �أن يتعمد الجاني �إزهاق روح �شاهد فاج�أه وهو يغت�صب
امر�أة ،وذلك لت�سهيل فراره �أو �أن يحرق جثة �ضحيته بق�صد طم�س �أدلة الجريمة وبالتالي
التخل�ص من العقوبة.
و�إذا كانت هذه ال�صور وا�ضحة ،فماذا يق�صد الم�شرع المغربي في الف�صل 392من ق.ج،
بالقتل العمد الذي يكون الغر�ض منه �إعداد جناية �أو جنحة �أو ت�سهيل ارتكابها؟
�إن الإعداد الرتكاب جريمة �أو ت�سهيل �إرتكابها يمكن �أن يت�صور مثال في الح�صول على
�أ�سلحة �أو �أدوات �أو �أي و�سيلة ا�ستعملت في �إرتكاب الجناية �أو الجنحة الأخرى� ،أو الح�صول
على م�سكن �أو ملج�أ �أو مكان بغر�ض تنفيذ الجريمة الثانية.
وحينما يتحقق الإرتباط ،ال تهم كثيرا الفترة الزمنية التي تف�صل بين الجريمتين� ،أو �أن
يكون مرتكب القتل العمد في نف�س الوقت فاعال �أو م�شاركا في الجنحة .كما ال تهم طبيعة
الجناية �أو الجنحة المرتبطة بالقتل العمد ،وال المرحلة التي قطعتها ،وال �سقوط الجنحة
بالتقادم ،مادام �أن الم�شرع راعى هنا في ت�شديد العقاب الخطورة الإجتماعية والإجرامية
للجاني.
11مبارك ال�سعيد بن القائد ،القانون اجلنائي اخلا�ص -الطبعة الأوىل الرباط� ،ص 203.ـ .204
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 120
لذا يعتبر ظرف الت�شديد هنا �شخ�صيا يرتبط بهدف الفاعل وعلمه .وال ي�سري على
1
الم�ساهمين �أو الم�شاركين الذين يعلمون بغر�ض الجاني من القتل العمد.
ثالثا� :سبق الإ�صرار
عرف الم�شرع المغربي �سبق الإ�صرار كظرف م�شدد لجريمة القتل العمد في الف�صل
394من ق.ج بقوله « :هو العزم الم�صمم عليه قبل وقوع الجريمة على الإعتداء على �شخ�ص
معين �أو على �أي �شخ�ص قد يوجد �أو ي�صادف حتى ولو كان هذا العزم معلقا على ظرف �أو
�شرط«.
ف�سبق الإ�صرار كظرف م�شدد لجريمة القتل العمد في القانون المغربي ال يخرج عن كونه
حالة نف�سية تتمثل في ت�صميم �سابق على �إرتكاب الجريمة لدى الجاني والإ�صرار عليها .ومن هنا
تت�شدد العقوبة على الجاني نظرا لخطورته ،فالجريمة في تلك الحالة لم تكن نتيجة �إ�ستفزاز
مفاجئ �أدى �إلى �إندفاع الجاني في �سلوكه بما ترتب عليه ارتكابه لجريمته و�إنما على العك�س
من ذلك جاءت جريمة الجاني نتيجة تفكير هادئ وروية فهو قد فكر في جريمته وهو يعلم بما
ينتظره من جزاء �إذا اكت�شفت تلك الجريمة� ،إال �أن ذلك لم ي�ؤثر عليه ويجعله يعدل عن ارتكابه
لجريمته ولذا فهو �أكثر خطورة من غيره ممن يرتكبون الجريمة فج�أة دون ت�صميم �سابق.
وبناء على ذلك ف�إن (القبلية) المن�صو�ص عليها في الف�صل � 394أريد بها في الواقع توافر
�أمرين �أو عن�صرين هما العن�صر الزمني والعن�صر النف�سي.
1ـ العن�صر الزمني :وقد ت�ضمن الف�صل 394هذا العن�صر �صراحة عندما ن�ص على وجود
العزم الم�صمم عليه (قبل وقوع الجريمة) ،فالبد �إذن من ثبوت وجود فا�صل زمني بين عزم
الجاني وتقريره �إرتكاب القتل العمد ،وبين التنفيذ الفعلي للقتل وهذا الفا�صل الزمني �أقامه
القانون قرينة على �أن الجاني ا�ستعاد خالله ال�سيطرة على �إرادته ،وتخل�ص من االندفاع
العاطفي �أو الهيجان الع�صبي الذي تعر�ض له ب�سبب الحادثة التي جعلته يقرر �إرتكاب جريمة
القتل.
والفترة الزمنية الفا�صلة بين تقرير القتل وتنفيذه ،والالزمة لقيام �سبق الإ�صرار غير
محددة في القانون ،فقد اكتفى الن�ص ب�إ�ستعمال عبارة « قبل وقوع الجريمة» والمق�صود بهذه
القبلية مرور فترة من الزمن على تقرير القتل كافية ال�ستعادة الجاني لتفكيره لهادئ وتقدير
عواقب ت�صرفه قبل تنفيذ القتل فعال ،وال�شك �أن الفترة الكافية لإختفاء ثورة الغ�ضب
والهيجان النف�سي ،وال�ستعادة ال�سيطرة على توجيه الإرادة و�ضبط النف�س تختلف ب�إختالف
وقائع ومالب�سات كل حالة على �إنفراد.
وبناء على ذلك ،ف�إن المحكمة تقدر في كل ق�ضية ح�سب ظروفها ومالب�ساتها ما �إذا كانت
الفترة الزمنية الفا�صلة بين تقرير القتل وتنفيذه كافية �أو غير كافية لتحقق �سبق الإ�صرار.
2ـ العن�صر النف�سي :ويتحقق هذا العن�صر بثبوت ا�ستعادة الجاني لحالته العادية بعد
تقريره لإرتكاب القتل ،وقبل التنفيذ الفعلي للجريمة.
�أما �إذا ا�ستعاد ال�شخ�ص هدوءه وتفكيره بعد الحادث المثير ،وتمكن من تحكيم العقل بدل
العاطفة ومع ذلك بقي على ت�صميمه وعزمه على قتل ال�ضحية ثم نفذ القتل فعال ف�إن ت�صرفه
هذا ينبئ عن خطورة �إجرامية بالغة وعن نف�س مت�أ�صلة في ال�سلوك الإجرامي.
وعليه ف�إن �سبق الإ�صرار ال يتقرر �إال �إذا ت�أكدت المحكمة من ا�ستعادة الجاني لحالته
العادية والطبيعية بعد الحادث المثير وقبل تنفيذ جريمة القتل العمد� ،أما �إذا لم يت�أكد لها
ذلك فتعتبر الجريمة مجرد قتل عمدي عادي يعاقب �صاحبه بال�سجن الم�ؤبد.1
رابعا :التر�صد:
وقد عرفه الم�شرع المغربي في الف�صل 395من ق.ج بقوله « هو الترب�ص فترة طويلة �أو
ق�صيرة في مكان واحد �أو عدة �أمكنة مختلفة ب�شخ�ص ق�صد قتله �أو �إرتكاب العنف �ضده«.
حيث يعتبر تر�صد الجاني بالمجني عليه ظرفا م�شدد لجريمة القتل ،وال �شك على �أنه دليل
قاطع على جود �سبق الإ�صرار ،فال يت�صور �أن يوجد تر�صد دون �سبق �إ�صرار فهذا ال يقبله
العقل وال المنطق لأن الترب�ص بق�صد القتل وانتظار المجني عليه لفترة تطول �أو تق�صر هو
بذاته ودون حاجة �إلى �أي اعتبار �آخر ت�صميم على �إرتكاب الجريمة ،فالتر�صد هو مظهر مادي
لحالة نف�سية معينة هي �سبق الإ�صرار ،وبمعنى �آخر �أن الم�شرع �إذ ي�شدد في حالتي الترب�ص
و�سبق الإ�صرار �إنما يعول على اعتبار واحد ال يختلف على الإطالق هذا االعتبار هو الت�صميم
على �إرتكاب الجريمة بما ي�ستفاد منه دائما في نظر الم�شرع خطورة الجاني.
ورغم اتحاد كل من �سبق الإ�صرار والتر�صد في جوهر الت�شديد باعتباره الحالة النف�سية
للجاني التي تظل في نظر الم�شرع دليال على خطورته� ،إال �أن بينهما اختالف في كيفية �إثبات
علة الت�شديد وهي الحالة النف�سية المعنية من قبل الم�شرع والتي يكون فيها الجاني قد �صمم
على جريمته وعزم عليها قبل ارتكابها ،فالم�شرع حين ن�ص على �سبق الإ�صرار ترك مهمة
القول بوجوده من عدمه للقرائن التي يقدرها القا�ضي ،في حين �أن التر�صد قد اعتبره الم�شرع
بذاته �سببا للت�شديد ال لكون الإنتظار من جانب الجاني للمجني عليه هو �سبب الت�شديد و�إنما
لأن ذلك الإنتظار والتر�صد هو قرينة ال تقبل �إثبات العك�س على العزم ال�سابق.1
وي�شترط لتوافر التر�صد كطرف م�شدد بالمعنى ال�سابق �أن يكون الجاني قا�صدا بتر�صده
�إرتكاب الجريمة ،فلو كان الجاني جال�سا في مكان معين فمر عليه المجني عليه فقام الجاني
بقتله ال يعتبر وجوده في المكان تر�صدا ،كذلك ال يتوفر الظرف �إذا ا�ضطرت ظروف الجاني
للتواجد في مكان معين مكنه من م�شاهدة خ�صمه فقتله ،فالعبرة لي�ست بانتظار المجني عليه
كواقعة مادية بل يتعين �أن يكون التر�صد قد تم بق�صد انتظار المجني عليه وقتله ،وهنا يبدو
مدى االرتباط الوا�ضح بين التر�صد و�سبق الإ�صرار �إذا ا�شترط �أن يكون الإنتظار والتر�صد
لقتل المجني عليه بمعناه ،نية الجاني الم�صمم عليها قبل الفعل والتي تقوده �إلى حركة ع�ضوية
هي التر�صد.
خام�سا :قتل الأ�صول
ين�ص الف�صل 396من ق.ج على �أن « من قتل عمدا �أحد �أ�صوله يعاقب بالإعدام «.اعتبارا
منه �إلى �أن معاملة الأ�صول وعلى الأخ�ص الأبوين ،بالإح�سان �أمر �إتفقت على الأخذ به �أحكام
ال�شرائع ال�سماوية والأنظمة الإجتماعية الو�ضعية على حد �سواء ،فقد �أورد القر�آن الكريم �أكثر
من �آية تفر�ض معاملة الأبوين بالمعروف « وق�ضى ربك �أال تعبدوا �إال �إياه ،وبالوالدين �إح�سانا،
�إما يبلغن عندك الكبر �أحدهما �أو كالهما فال تقل لهما �أف ،وال تنهرهما وقل لهما قوال كريما
واخف�ض لهما جناح الذل من الرحمة ،وقل رب ارحمهما كما ربياني �صغيرا» وذلك عرفانا
منه ب�أن الوالدين هما اللذان يبد�آن بالإح�سان مع الولد بالعناية به وال�سهر على تربيته وتوفير
معي�شته ،فوجب �أن يقابلهما بنف�س المعاملة بعد ا�شتداد عوده وبلوغ عنفوانه واال�ستقالل بنف�سه.
و�إذا حاد عن هذا ال�سلوك الواجب عليه وتجاوز ذلك �إلى تعمد قتلهما و�إزهاق روحهما،
فال جدال �أنه يعتبر عاقا وجاحدا لما �أ�سدياه �إليه من معروف ،وا�ستحق عقوبة الإعدام لأن
من تنكر لأبويه ودا�س بت�صرفه الأحمق �أف�ضال من كانا �سببا في وجوده بهذه الحياة اتجاهه،
ال ينتظر منه خير للمجتمع ويك�شف �سلوكه هذا عن تحجر م�شاعره فك�أنه ذلك المجرم الذي
تطلق عليه المدر�سة الو�ضعية ا�سم «المجرم الطبيعي» ال يرجى له عالج وال �سبيل لوقاية
2
المجتمع من خطره �إال ا�ستئ�صاله ب�إعدامه.
والمق�صود بالأ�صول في القانون المغربي الأب والجد و�إن عال والأم والجدة و�إن علت
وي�شترط في هذه القرابة �أن تكون �شرعية من جهة الأب� ،أما من جهة الأم فيكفي فيها القرابة
11عالء زكي ،مرجع �سابق� ،ص 99.ـ .100
� 22أحمد اخلملي�شي ،مرجع �سابق� ،ص 64.ـ .65
123 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الطبيعية وقد جاءت مقت�ضيات المادة 146من مدونة الأ�سرة م�ؤكدة لذلك بحيث �سوت بين
الأمومة ال�شرعية للأم ب�أمومتها الطبيعية خالفا للأب.
�إن ظرف الت�شديد في قتل �أحد الأ�صول ظرف �شخ�صي لأنه يتعلق بعالقة الن�سب التي
تربط القاتل بالقتيل وال عالقة له بالوقائع المادية للجريمة وبناءا على ذلك طبقا للف�صل 130
من ق.ج ال ي�سري هذا الظرف �إال على من توفر فيه �أي الذي تربطه بعالقة الأبوة دون باقي
الم�ساهمين والم�شاركين معه في الجريمة.
الفقرة الثانية :الأعذار المخففة لعقوبة القتل العمد
ن�ص الم�شرع المغربي على حاالت معينة تخف�ض فيه العقوبة المقررة للقتل العمد في
�صورته العادية المن�صو�ص عليها في الف�صل 392من ق.ج وذلك لبع�ض االعتبارات التالية:
قتل الأم لوليدها الف�صل ( 397ق.ج) ؛ ✺
القتل المرتكب نتيجة ا�ستفزاز نا�شئ عن اعتداء بال�ضرب �أو العنف الج�سيم ( 416ق.ج) ✺
القتل المرتكب نهارا لدفع ت�سلق �أو ك�سر �سور الحائط �أو مدخل منزل �أو بيت م�سكون �أو ✺
ويعتبر عذر التخفيف المن�صو�ص عليه في الف�صل 397من ق.ج هو عذر خا�ص بالأم
وبالتالي فهو عذر �شخ�صي ال ت�ستفيد منه �إال الأم دون باقي الم�ساهمين �أو الم�شاركين معها
في قتل الوليد الف�صل 130من ق.ج.
ثانيا :القتل المرتكب نتيجة ا�ستفزاز نا�شئ عن اعتداء بال�ضرب �أو العنف
قرر الم�شرع المغربي هذا العذر في الف�صل 416من ق.ج الذي جاء فيه « يتوفر عذر مخفف
للعقوبة �إذا كان القتل �أو الجرح �أو ال�ضرب قد �إرتكب نتيجة ا�ستفزاز نا�شئ عن �إعتداء بال�ضرب
�أو العنف الج�سيم على �شخ�ص ما«.
انطالقا من هذا الف�صل يت�ضح �أن علة التخفيف في حالة اال�ستفزاز تكمن في تلك الحالة
التي يكون فيها الجاني تحت ت�أثير انفعال يفقده ال�سيطرة العادية على نف�سه فيندفع الرتكاب
الجريمة تحت ت�أثير تلك الأفعال وحتى يتوافر العذر المخفف للعقوبة البد من تحقق نوعين
من ال�شروط� ،شروط تتعلق باالعتداء و�أخرى تتعلق برد الفعل �سن�أتي على ذكرها في حينه.
ال�شروط المتطلبة في االعتداء: ■
لم ي�شترط القانون �أن يكون الإعتداء موجها �ضد �شخ�ص الجاني فقط ،و�إنما ي�ستوي �أن
يكون الإعتداء موجه �ضد �شخ�ص الجاني �أو �ضد �أي �شخ�ص �آخر ،ولم تكن تربطه به �أي عالقة
�إذا بلغ هذا الإعتداء درجة من الج�سامة لم يكن لها مبرر.
�أن يكون الإعتداء بو�سيلة معينة هي ال�ضرب �أو العنف الج�سيم ◆
لكي يقوم عذر اال�ستفزاز يتعين �أن ي�صدر من الم�ستفز �ضرب �أو عنف «ج�سيم» �ضد الجاني
القاتل �أو �ضد �شخ�ص �آخر.
وال�ضرب يعني الم�سا�س بالج�سد وقد يكون ذلك باليد �أو الرجل �أو بع�صا �أو غير ذلك،
�إال �أن العنف قد يت�سع ل�صور عديدة من ال�سلوك التي تم�س ج�سد الإن�سان كتقيده �أو حب�سه
في مكان معين� ،أو محاولة �إجباره على �سلوك ال يريد �أن ي�أتيه� ،أو ك�أعمال التحر�ش المرفقة
بعبارات التحقير والإهانة التي يقوم بها الم�ستفز �أمام العموم ،وهي ال�صور التي تخرج عن
الدائرة ال�ضيقة التي حدد الم�سرع نطاقها ومجالها في ال�ضرب والعنف الج�سيم.
�أن يكون ال�ضرب �أو العنف الج�سيم غير م�شروع ◆
اما�إذا كان م�شروعا ك�أن يكون ال�ضرب �أو العنف تنفيذا للعقوبة المحكوم بها على ال�شخ�ص
�أو �أن يكون العنف �صادر من رجل ال�سلطة في حدود �سلطته الم�سموح له بها قانونا ،ففي هذه
الحاالت ال يتوفر العذر المخفف �إذا وقعت الجريمة.
125 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
لكي يتحقق العذر المخفف للعقوبة في حالة اال�ستفزاز يجب �أن يقع رد الفعل على الم�ستفز
نف�سه ال غيره حتى ولو كان هذا الأخير تربطه بالمعتدي قرابة �أو �صلة وثيقة ك�أن يكون ابنه �أو
زوجه �أو �شقيقه.
�أن يقع رد الفعل عقب �أعمال اال�ستفزاز مبا�شرة ◆
هذا العن�صر تقت�ضيه طبيعة الإ�ستفزاز التي تفيد �ضرورة توافر العالقة ال�سببية بين
الإعتداء وبين ردة الفعل وهذه العالقة تتحقق �إذا قام الجاني برد الفعل الفوري �ضد الإعتداء
�أما �إذا تر�ضى رد الفعل �إلى �أن اختفى االنفعال ف�إن العالقة ال�سببية تنعدم.
فالم�شرع خول للجاني الم�ستفز هذا العذر فذلك مراعاة منه للحالة النف�سية والع�صبية
التي يكون عليها بعد تعر�ضه لالعتداء� ،أما �إذا مرت فترة من الزمن على ذلك بحيث ا�ستقرت
حالته بعد ذلك وهد�أت فال يتوافر له هذا العذر وال ي�ستفيد منه ،وعموما ف�إن قا�ضي المو�ضوع
هو الذي ي�ستقل بالتثبت في حق رد الفعل داخل مرحلة الإنفعال �أم �إنتهائها مع �ضرورة �إتيانه
في حكمه الوقائع التي �إ�ستخل�ص منها هذه النتيجة حتى ال يكون حكمه قا�صر ناق�ص التعليل.
�إن هذا العذر المخفف في حالة اال�ستفزاز يعتبر ظرفا �شخ�صيا لكنه يقوم على الإنفعال
الذي تحدثه �أعمال الإ�ستفزاز في نف�س الجاني وبالتالي ال ي�ستفيد منه �إال من توفر فيه من
الم�ساهمين �أو ال�شركاء ( 130ق ج ).1
ثالثا:القتل المرتكب نهارا من �أجل دفع ت�سلق �أو ك�سر �سور �أو حائط مدخل منزل �أو
بيت م�سكون �أو ملحقاتهما
ومن �أ�سباب خف�ض العقوبة �أي�ضا ما ن�ص عليه الف�صل 417من ق.ج والذي جاء فيه « يتوفر
عذر مخف�ض للعقوبة في جرائم القتل �أو الجرح �أو ال�ضرب �إذا �إرتكب نهارا لدفع ت�سلق �أو ك�سر
�سور �أو حائط مدخل منزل� ،أو بيت م�سكون �أو �أحد ملحقاتهما».
�أما �إذا حدث ذلك ليال فتطبق �أحكام الف�صل « 125المتعلقة ب�أ�سباب الإباحة والتبرير.
فمن خالل هذا الف�صل يتبين ب�أنه يتوفر عذر قانوني في جرائم القتل �أو الجرح �أو ال�ضرب
لدفع الإعتداء الذي يهم �إما ت�سلق �أو ك�سر �سور �أو حائط �أو مدخل منزل �أو بيت م�سكون �أو �أحد
ملحقاتهما ،حيث اعتبر الم�شرع المغربي هذا الظرف عذرا مخففا من العقاب جزئيا على
القاتل عمدا في هذه الحالة طبقا للفقرة الأولى من الف�صل 423من ق.ج بحيث يكون لزوما
1. www.startimes.com.17/11/2017
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 126
على المحكمة ا�ستبدال عقوبة القاتل عمدا من ال�سجن الم�ؤبد �أو الإعدام �إلى عقوبة الحب�س
التي تتراوح بين �سنة وخم�س �سنوات.
ولكي يتوفر هذا العذر ،يلزم �أن يكون المقتول قد �أتى تلك الأفعال المن�صو�ص عليها في
الف�صل 417من ق.ج �أو بد�أ في ال�شروع في تنفيذها .و�أن يكون هذا المنزل �أو البيت م�سكونا
لتحقيق العذر المخفف المن�صو�ص عليه في الف�صل �أعاله .
رابعا:القتل الذي يرتكبه �أحد الأزواج �ضد الزوج الآخر �أو �شريكه حالة مفاج�أتهما
متلب�سين بالزنا
قرر الم�شرع هذا العذر في الف�صل 418من ق.ج الذي جاء فيه « :يتوفر عذر مخف�ض للعقوبة
في جرائم القتل �أو الجرح �أو ال�ضرب� ،إذا ارتكبها �أحد الزوجين �ضد الزوج الآخر و�شريكه
عند مفاج�أتهما متلب�سين بجريمة الخيانة الزوجية».
وال�شك �أن الم�شرع المغربي �أخذ بهذا العذر المخفف نظرا للحالة النف�سية التي يتواجد
فيها �أحد الأزواج وخ�صو�صا الزوج ،عند مفاج�أته للطرف الآخر وهو يزني حيث يفقده
ال�سيطرة والتحكم في �أع�صابه و�سلوكاته.
وحتى يتمتع القاتل بعذر التخفيف في هذه الحالة يلزم توافر ثالث �شروط:
1ـ �أن يكون القاتل زوجا للزوج المقتول الم�ضبوط وهو يزني مع �آخر :فالم�شرع قرر هذا
العذر لأحد الزوجين عندما يقتل الزوج الآخر �أو م�شاركه �أو هما معا ،والمرتبطين بعالقة
زواج.
2ـ مفاج�أة الزوج للزوجة وهي متلب�سة بالزنا :وهي ال�شبيهة بتلك التي تدخل في الحاالت
المن�صو�ص عليها في المادة 56من قانون الم�سطرة الجنائية وبالأخ�ص في فقرتها لأولى
بالن�سبة للجريمة الم�شهودة من طرف �ضابط ال�شرطة الق�ضائية ،حيث ي�ضبط �أحد الأزواج
الزوج الآخر و�شريكه وهما يقترفان الفاح�شة فعال� ،أو على �إثر اقترافهما لها ،مما يتولد عنه
حالة ا�ستفزاز عنيفة ال ي�ستطيع كبحها.
3ـ �إرتكاب جريمة القتل في الزوج الزاني �أو �شريكه �أو هما معا �أثناء المفاج�أة وهذا ال�شرط
بديهي لأن الزوج المخدوع في هذه الحالة يكون فاقدا لل�سيطرة على نف�سه ويرتكب الجريمة
في حق الآخر نتيجة لال�ستفزاز الذي تولد لديه� ،أما �إذا كان عالما في وقت �سابق ب�سوء �أخالق
الزوج الآخر وعالقاته الم�شبوهة المخلة بالمروءة والأخالق وكذا قيام هذه العالقة بين الزوج
الزاني وم�شاركه الذي �ضبط معه متلب�سا بالخيانة الزوجية ف�إنه ال يتمع بالعذر المخف�ض من
العقاب المن�صو�ص عليه بالمقت�ضى �أعاله ،لإنتفاء عن�صر المفاج�أة.
127 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وبناءا على ذلك ف�إن هذا العذر المخفف من العقاب فهو عذر �شخ�صي فال ي�ستفيد منه �إال
الزوج �أو الزوجة ح�سب الأحوال لأنه يقوم على العالقة الزوجية التي تربط (الزوج والزوجة)
ومن ثم فالم�ساهمون وال�شركاء ال ي�ستفيدون من هذا العذر.
المبحث الثاني :القتل الخط�أ
�أ�صبحت جريمة القتل تكت�سي �أهمية ق�صوى في الع�صر الحا�ضر بالنظر �إلى النتائج
الفادحة والم�ؤلمة التي تنتج عنها ،ومعلوم �أن جريمة القتل الخط�أ هي جريمة غير عمدية
قوامها الخط�أ الجنائي.
وقد ن�ص عليها الف�صل 432من ق.ج بقوله « :من �إرتكب بعدم تب�صره �أو عدم احتياطه �أو
عدم انتباهه �أو �إهماله �أو عدم مراعاة النظم �أو القوانين ،قتال غير عمدي �أو ت�سبب فيه من
غير ق�صد يعاقب بالحب�س من ثالث �أ�شهر �إلى خم�س �سنوات وغرامة من مائتين وخم�سين �إلى
�ألف درهم».
بناءا على هذا الن�ص يمكن درا�سة �أركان جريمة القتل الخط�أ (المطلب الأول) ،بالإ�ضافة
�إلى عقوبتها و �أعذارها (المطلب الثاني).
المطلب الأول� :أركان جريمة القتل الخط�أ
معلوم �أن كل جريمة تتوفر على �أركان خا�صة .وجريمة القتل الخط�أ �ش�أنها �ش�أن بقية
الجرائم ،تتوفر على ركن قانوني ومادي و�آخر معنوي.
الفقرة الأولى :الركن القانوني
فبالن�سبة للركن القانوني فقد ن�ص عليه الف�صل 432من ق.ج بقوله « :من �إرتكب بعدم
تب�صره �أو عدم احتياطه �أو عدم �إنتباهه �أو �إهماله �أو عدم مراعاة النظم �أو القوانين ،قتال غير
عمدي �أو ت�سبب فيه من غير ق�صد يعاقب بالحب�س من ثالث �أ�شهر �إلى خم�س �سنوات وغرامة
من مائتين وخم�سين �إلى �ألف درهم».
ويظهر من خالل الن�ص المذكور �أن تمة عنا�صر قانونية يجب توافرها كن�شاط من جانب
الجاني للقول بقيام الخط�أ الموجب للم�س�ألة الجنائية وهي ح�صول نتيجة القتل غير العمدي
�أو ت�سبب فيه من غير ق�صد بعدم تب�صره �أو عدم احتياطه �أو عدم انتباهه �أو �إهماله �أو عدم
مراعاة النظم �أو القوانين،
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 128
� 11إن الف�صل 432من ق.ج خا�ص بجرمية القتل اخلط�أ عندما يكون �ضحيتها �إن�سان� ،أما القتل اخلط�أ عندما يكون �ضحيته
حيوان فمعاقب عليه بالف�صل 609الفقرة 36من ق.ج املكونة ملخالفة من الدرجة الثانية (قرار املجل�س الأعلى رقم
726الغرفة اجلنائية يف 28يناير 1986،جملة املعيار التي ت�صدرها نقابة املحامني بفا�س العدد 7و� 8ص 104 .وتتلخ�ص
وقائع هذا القرار يف متابعة �شخ�ص �صدم حمارا كان تائها يف الطريق بالف�صل 432بدل الف�صل 609فحكمت عليه بثالثة
�أ�شهر حب�سا وغرامة� ،إال �أن املجل�س العلى نق�ض احلكم معتربا �أن الواقعة يحكمها الف�صل 609الفقرة 36والعقاب تبعا
لذلك فهو الغرامة من �10إىل 120درهم ال غري.
22جاء يف قرار املجل�س الأعلى عدد 7725يف � 9أكتوبر 1984جملة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد � 37-38،ص 263.ين�ص
على ما يلي:
" وملا ق�ضت املحكمة ب�إدانة الطاعن من �أجل القتل اخلط�أ بالإهمال بعلة �أن �إهماله يتجلى يف كون ال�ضحية جمرد عامل
129 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الحا�صلة مت�صلة بن�شاط الجاني ات�صال وارتباط ال�سبب بالم�سبب والعلة بالمعلول .كثيرا ما
ي�ستبعد الق�ضاء قيام الم�س�ؤولية الجنائية في حال ما �إذا ثبت �أن العالقة ال�سببية غير قائمة
يقينا.
الفقرة الثانية :الركن المعنوي
ي�شترط لقيام الركن المعنوي في جريمة القتل الخط�أ� ،إتيان الجاني �سلوكا خاطئا عن
�إرادة ووعي ،لكن دون نية ا�ستهداف تحقيق النتيجة المترتبة عن هذا ال�سلوك .وقد عدد
الف�صل 432من ق.ج �صور الخط�أ في خم�س �صور ،هي على التوالي:
عدم التب�صر :ويكون في الحاالت التي يبين فيها الفاعل عن �سوء التقدير ،وهذا الخط�أ ■
غالبا ما يرتكب في �إطار مهني من طرف بع�ض الأطباء �أو ال�صيادلة مثال ،ممن يت�سببون في
ح�صد �أرواح الغير نتيجة عدم تب�صرهم في �إعطاء الو�صفة المالئمة �أو الدواء الأن�سب للمر�ض
المنا�سب.
عدم االحتياط :ويظهر هذا الخط�أ في طي�ش الإن�سان وقلة التحرز من النتائج الم�ضرة ■
والخطيرة التي قد تترتب عن فعل من الأفعال وعدم العمل دون وقوعها ،كال�سائق الذي ي�سوق
دراجة نارية في مكان �آهل بالمارة ب�سرعة كبيرة غير منا�سبة لظروف الزمان والمكان في�صدم
�أحد المارة ويقتله �أو ي�صيبه ب�أذى.1
عدم الإنتباه :ويتجلى في ذلك الن�شاط الذي يبا�شره �صاحبه ب�سرعة وخفة ،كالذي يقود ■
كلبا �شر�سا فيفلت من يده ويهجم على �أحد المارة في�صيبه بجروح بليغة.
الإهمال :ويظهر في الموقف ال�سلبي ل�شخ�ص في مواجهة بع�ض الأو�ضاع التي تفر�ض ■
عليه الحذر ،ومثال ذلك ال�شخ�ص المكلف ب�إعطاء الدواء لمري�ض في �ساعات معينة فين�شغل
في �أمر �آخر ،ويترك موعد الدواء يفوت فيموت من جراء ذلك �أو ي�صاب ب�ضرر.
عدم مراعاة النظم والقوانين :يق�صد بالنظم �أو القوانين كل ما ي�صدر من ت�شريعات ■
�سواء عن ال�سلطة الت�شريعية �أو التنفيذية في الحدود المخولة لها وتمتد لت�شمل تنظيمات
المعامل كالنظام الذي بموجبه يمنع التدخين في �أماكن �إنتاج الغاز وتعبئته ،وهذه ال�صور من
�صور الخط�أ الغير العمدي يعبر عنها البع�ض بالخط�أ الخا�ص.
عادي غري تقني وقد تركه ال�ضنني مي�سح م�صعد الفندق الذي يقع ت�شغيله بالكهرباء فالعمل خطر على مثل هذا العامل
ال�ضحية وكان على ال�ضنني �أن يتخذ االحتياطات الكافية والالزمة يف مثل هذه احلالة ملنع حدوث ما ميكن حدوثه للعامل
وهو ما مل يقم به ال�ضنني فيكون �إهماله قائما والعالقة ال�سببية بني اخلط�أ واجلرمية ثابتة اجتاه ال�ضنني من غري �أن تربر
املحكمة نوع الإهمال الذي كان �سببا يف وقوع اال�صطدام كمخالفة للأنظمة القانونية املخالفة للعمل ب�إهماله لو�ضع الآلة
يف مكانها �أو غري ذلك ،يكون ق�ضا�ؤها ناق�ص التعليل املنزل مبنزلة انعدامه.
11لطيفة الداودي ،الوجيز يف القانون اجلنائي املغربي ،الق�سم العام ،الطبعة الأوىل� ،2007،ص.98.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 130
و�أخيرا نلفت الإنتباه �إلى وجود �إ�شكالية �أ�سا�سية البد من التطرق �إليها ،وهي تحديد ماهية
المعيار الذي يمكن من خالله �أن نعتبر ب�أن �شخ�صا ما قد �إرتكب جريمة لأنه لم يتب�صر �أو لم
يحتط �أو �أهمل.
في هذا الإطار �أوجد الفقه معيارين :معيار �شخ�صي ومعيار مو�ضوعي.
فالمعيار ال�شخ�صي يقوم على �أ�سا�س قيا�س ال�سلوك ال�صادر عن الفاعل في ظروف معينة،
وفقا لل�سلوك المعتاد.
�أما المعيار المو�ضوعي فقوامه قيا�س �سلوك المتهم ب�سلوك ال�شخ�ص المعتاد الذي يتبع في
ت�صرفاته القدر العادي والم�ألوف من الحيطة والحذر واالنتباه ،وفق هذا المعيار يكون الحكم
على �سلوك المتهم بمطابقته لمثل هذا ال�شخ�ص المعتاد (المجرم) في �سلوكه 1،والواقع �أن
هذا المعيار (المعيار المو�ضوعي) هو الذي يميل �إليه الق�ضاء وي�ؤيد في ذلك الفقه ،غير �أنه
حينما يطبقه فال يطبقه ب�شكل مجرد وم�ستقل ،و�إنما يمزج بينه وبين المعيار ال�شخ�صي في
تقديره للخط�أ ،حيث يراعي مختلف الظروف الواقعية (زمان ،المكان ،و�سائل) التي �أحاطت
بالجاني.
المطلب الثاني :عقاب جريمة القتل الخط�أ والظروف الم�ؤثرة
عاقب الم�شرع المغربي على جريمة القتل الخط�أ بالحب�س من �3أ�شهر �إلى �5سنوات وغرامة
من � 250إلى 1.000درهم (الف�صل 432ق.ج) ،غير �أن القا�ضي في تطبيقه لهذه العقوبة قد
يت�شدد في العقاب (الفقرة الأولى) كما قد يراعي ظروف التخفيف (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :الظروف الم�شددة
�شدد الم�شرع المغربي العقاب على القاتل خط�أ في الف�صل 434من ق.ج حين قال ت�ضاعف
العقوبات المقررة في الف�صلين ال�سابقين 432و �433إذا كان الجاني قد �إرتكب جنحة وهو في
حالة �سكر �أو كان قد حاول التخل�ص من الم�س�ؤولية الجنائية �أو المدنية التي قد يتعر�ض لها،
وذلك بفراره عقب وقوع الحادث �أو تغيير حالة مكان الجريمة �أو ب�أي و�سيلة �أخرى.
اعتبر الم�شرع �أن �إقدام الجاني على الفعل وهو في حالة �سكر دليال ظاهري على رعونته
وعدم تب�صره ،و�أنه مادام قد تناول الخمر عالما طائعا مختارا ف�إنه ال يكون محميا �إلى درجة
ت�سوي بينه وبين من يرتكب نف�س الفعل وهو في حالته الطبيعية ،كما �أن العقوبة ت�شدد في
حالة فرار الجاني بعد �إرتكابه للفعل الم�ؤدي للوفاة وعلة ذلك �أن الجاني في هذه الحالة يكون
قد �أبان عن عدم احترام ال�ضوابط المجتمعية التي ت�سعى �إلى فر�ض الأمن والأمان ،فبقراره
11عبد الواحد العلمي ،مرجع �سابق� ،ص.280.
131 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
عقب الحادث يكون قد �سعى �إلى التمل�ص من العقاب فيعامل بنقي�ض ق�صده فت�شدد العقوبة
في حقه.
غير �أن ما يجب التنبه �إليه هو �أنه لكي يتحقق عن�صر الفرار عقب الحادث ف�إنه يلزم �أن
يكون للجاني نية ذلك غير �أنه �إذا كان يهدف فقط �إلى تفادي تعر�ضه للأذى من طرف عائلة
ال�ضحية كمن يرتكب حادثة �سير فيترك �سيارته في مكان الحادث ويذهب بعيدا �أو يقدم نف�سه
لأقرب م�صلحة لل�ضابطة الق�ضائية من دون �أن يلقي عليه القب�ض ف�إنه ال يعتبر والحالة هذه
فارا بعد الحادث.
وفي ختام معالجتنا لهذه النقطة ن�شير �إلى �أن الم�شرع �أراد �أن يو�سع الحاالت التي يمكن �أن
ت�ضاعف فيها العقوبة في جريمة القتل الخط�أ عندما و�سع من طرق التخل�ص من الم�س�ؤولية
الجنائية �أو المدنية ،ذلك �أنه عدد بع�ض الحاالت التي ت�ؤدي �إلى م�ضاعفة العقوبة نتيجة
محاولة التخل�ص من الم�س�ؤولية الجنائية �أو المدنية التي قد يتعر�ض لها الجاني وذلك بفراره
عقب وقوع الحادث �أو بتغيير حالة مكان الجريمة ،ف�إنه فتح الباب �أمام الق�ضاء لم�ضاعفة
الق�ضاء في غير ما ذكر من الحاالت «�أو ب�أية و�سيلة �أخرى» مما يفيد �أن الم�شرع حر�ص على
عدم �إفالت الجاني من العقاب.
الفقرة الثانية :الأعذار المخففة لجريمة القتل الخط�أ
�إذا كان القا�ضي قد منع الجاني من حرية االختيار بين العقوبة ال�سالبة للحرية وبين
الغرامة المالية في �إطار جريمة القتل الخط�أ ف�إنه مع ذلك يجوز للقا�ضي طبقا للف�صل 149
من ق.ج �أن يخففها �إذا تبين له من منظور و�أحوال النازلة ما ي�سمح له بتمتيع الجاني بظروف
التخفيف.
وهكذا يمكن للقا�ضي �أن ينزل بالعقوبة الحب�سية من ثالثة �أ�شهر �إلى �شهر واحد وبالغرامة
من �250إلى 200درهم.1
خاتمــة:
بما �أن القتل العمد والقتل الخط�أ من �أخطر الجرائم التي تهدد الكيان الب�شري ف�إن تدخل
الم�شرع من �أجل تقنينها كان تدخال �صارما فيما يخ�ص العقوبة التي �أقرنها بهذه الجريمة،
و�إن كان قد ت�ساهل في حاالت �أخرى وخفف العقوبة بالن�سبة لهذه الجريمة وذلك عندما تقترف
بعذر من الأعذار القانونية التي تف�صح �ض�آلة الخطورة الإجرامية الكامنة في نف�سية الجاني.
"� 11أحمد قيل�ش ،ال�سعدية جميدي� ،سعاد حميدي ،حممد زنون ،عبد الغني حدو�ش « ،الوجيز يف �رشح القانون اجلنائي
اخلا�ص» ،الطبعة الثانية� ،ص.135.
133 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
❺
جرائم الإيذاء
مقدمـــة:
�إن حق الإن�سان في �سالمته الج�سدية يعتبر من �أهم الحقوق التي يتمتع بها بعد حقه في
الحياة وكل �إعتداء عليه فيه م�سا�س مبا�شر ب�إحدى الحقوق الل�صيقة ب�شخ�صية الإن�سان وهو
حقه في التكامل الج�سدي ،وهو بذلك نتيجة طبيعية للمحافظة على حياته.
كما يعتبر هذا الحق بالن�سبة للمجتمع حقا �أ�سا�سيا ،بل وتكاد الأهمية الإجتماعية لهذا
الحق تطغى على جوانبه الفردية ،حيث �أنها ت�سلب ر�ضاء المجني عليه قيمته ك�سبب عام لإباحة
الإعتداء عليه ،1وقد جرم الم�شرع المغربي �أفعال الإيذاء التي ت�ستهدف الم�س ب�سالمة ج�سم
ال�ضحية �أو �صحته كال�ضرب والجرح �أو �إعطاء مواد �ضارة بال�صحة �أو غيرها من الو�سائل
الم�ؤذية ...وتنق�سم جرائم الإيذاء �إلى �صنفين:جرائم الإيذاء التي تتميز بكون الفاعل فيها
يريد �إلحاق الأذى بال�ضحية دون �أن يق�صد موتها والجرائم التي يلحق فيها الأذى بج�سم
ال�ضحية �أو �صحتها نتيجة خط�أ المت�سبب فيه�،أي نتيجة عدم تب�صره �أو عدم احتياطه �أو عدم
انتباهه �أو عدم مراعاته للنظم والقوانين �أو �إهماله و�سنتولى معالجة هذه الجرائم من خالل
مبحثين نخ�ص�ص الأول لجرائم الإيذاء العمدية ونفرد الثاني لجرائم الإيذاء غير العمدية.
المبحث الأول :جرائم الإيذاء العمدية
تقوم جرائم الإيذاء العمدية بتوجيه الجاني فعله عن ق�صد �إلى ج�سم �إن�سان،مما ي�ؤثر على
�سالمته الج�سدية وال�صحية ،لكن دون �أن يكون قا�صدا قتله.2
ومن تم ف�إن الركن المعنوي فيها واحد ال يختلف من جريمة لأخرى �إذ هو في كل واحدة
ق�صد الجاني الم�سا�س ب�سالمة ج�سم ال�ضحية �أو �صحتها ،3وتلعب النتيجة الإجرامية في هذه
الطائفة من الجرائم دورا مهما في تحديد الو�صف القانوني للفعل المجرم وعقابه ،واللذان
11راجع يف هذا اخل�صو�ص :د .جنيب ح�سني « :احلق يف �سالمة اجل�سم ومدى احلماية التي يكفلها له قانون العقوبات
-جملة القانون واالقت�صاد (امل�رصي) عدد .3:ال�سنة � 29سبتمرب � ،1959ص .529:
22نور الدبن العمراين�،رشح القانون اجلنائي اخلا�ص دار الأمان للطبع والن�رش والتوزيع .الرباط�،ص.235 .
33عبد الواحد العلمي� ،رشح القانون اجلنائي املغربي الق�سم اخلا�ص مطبعة النجاح الدار البي�ضاء� ،ص.304.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 134
يتنوعان بح�سب ما �إذا كانت النتيجة �إلحاق �أذى خفيف بال�ضحية �أو عجزها م�ؤقتا� ،أو �إ�صابتها
بعاهة دائمة �أو الق�ضاء على حياتها.
وحتى نعطي فكرة وا�ضحة عن هاته الجرائم ،نرى �أن نبحث �أوال في �أركان جريمة الإيذاء
العمد (المطلب الأول) ثم نتعر�ض بعد ذلك للعقاب المقرر لهذه الجرائم والذي يختلف
بح�سب النتيجة الحا�صلة (المطلب الثاني).
المطلب الأول � :أركان جرائم الإيذاء العمدية
لقيام جريمة الإيذاء العمدي ال بد من توفر عن�صرين و هما الركن المادي (الفقرة الأولى)
والركن المعنوي( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى :الركن المادي
يتكون الركن المادي في جرائم الإيذاء العمدية من ثالثة عنا�صر :ن�شاط �إجرامي (�أوال)
ونتيجة �إجرامية (ثانيا) وعالقة ال�سببية بينهما (ثالثا).
�أوال :ن�شاط �إجرامي :
الن�شاط الإجرامي في هذه الجريمة هو الفعل الإرادي الذي يرتكبه الجاني �ضد المجني
عليه على ج�سده و�صحته ,وقد يتمثل هذا الإعتداء في عدة �صور :حيث تطرق الم�شرع المغربي
�إليها وهي ال�ضرب والجرح والعنف والإيذاء و�إعطاء مواد �ضارة بال�صحة والحرمان من
التغذية �أو العناية بالأطفال الذين يقل عمرهم عن � 15سنة ،وترك الأطفال �أو العاجزين �أو
تعري�ضهم للخطر وهذا ما ن�ست�شفه من خالل االطالع على الفقرة الأولى من المادة 16من
القانون رقم 42.10المتعلق بتنظيم ق�ضاء القرب وتحديد اخت�صا�صاته 1والف�صول ،402 ،400
459 ،408 ،403من القانون الجنائي.2
ويعتبر بع�ض الفقه 3ب�أن هذه ال�صور المكونة للعن�صر الأول من الركن المادي لهذه الجرائم
�أوردها الم�شرع على �سبيل المثال ال الح�صر.
بمعنى �أن كل ما ي�ؤدي �إلى الم�سا�س ب�سالمة ج�سم الإن�سان �أو �صحته،يعد مكونا للن�شاط
الإجرامي في جرائم الإيذاء العمد ولو من غير ما ذكر الم�شرع.
و�صور الإيذاء التي ذكرها الم�شرع هي :
- 1ال�ضرب :ويعرفه الفقه 1ب�أنه «كل ت�أثير را�ض �أو كادم يقع على ج�سم الإن�سان بال�ضغط
�أو ال�صدم» كما يعرفه البع�ض الآخر 2بكونه «كل �ضغط �أو ر�ض �أو دفع �أو احتكاك بج�سم
المجني عليه �سواء ترك به �أثرا �أم لم يترك» والغالب �أن يترك ال�ضرب �أثرا خارجيا على
ج�سم ال�ضحية كاحمرار في الجلد �أو انتفاخ �أو تورم �أو تغيير في لونه �إلى الزرقة ،وهذا �إذا كان
ي�ساعد على �إثبات الواقعة الإجرامية ف�إن عدم وجود �أي �أثر على الجلد مثال ي�ؤدي مع ذلك �إلى
معاقبة مقترف ال�ضرب على اعتبار �أن هذا الأخير ال ي�شترط للمعاقبة عليه �أن يترك �أثرا ما
على الج�سم.
وهذا ويعتبر الفقه � 3أن ال�ضرب ي�شمل اللطم باليد �أو بالرجل �أو ب�أية و�سيلة �أخرى كالع�صا
�أو الحزام �أو �سلك من الأ�سالك الحديدية �أو البال�ستيكية ،وكذا ال�ضغط على عنق ال�ضحية �أو
فرك �أذنها ب�شدة �أو �إ�سقاطها �أر�ضا �أو ثني ذراعها.
- 2الجرح :وهو الن�شاط الذي ي�أتيه الفاعل ويترك �أثرا في ج�سم ال�ضحية �إما �أن تراه
العين ،كت�سلخ الجلد �أو حرقه �أو قطع ب�سكين لأحد الأوعية الدموية ال�سطحية� ،أو ال تراه لكونه
باطنيا ،كك�سر في �أحد العظام �أو نزيف دموي داخلي 4ال يت�أتى ك�شفه �إال بعد �إجراء ت�صوير
بالأ�شعة ال�سينية �أو الجراحة.
وغني عن البيان �أن الجرح يعاقب عليه �سواء كان ظاهرا �أو غير ظاهر وبغ�ض النظر عن
الو�سيلة� ،إذ �أن هذا النوع من الإيذاء يتم بطرق وو�سائل عديدة ال ح�صر لها كغرز الم�سامير
في ج�سم المجني عليه �أو قطع بع�ض �أع�ضائه ب�آلة حادة �أو �إطالق عيار ناري عليه �أو ت�سليط
�أ�شعة الليزر على ع�ضو بغر�ض �إهالكه �أو ت�سليط حيوان مفتر�س (كلب مثال) لع�ض ال�ضحية
وينفذ ذلك بالفعل. 5
- 3العنف :يرى بع�ض الفقه� 6أنه ال داعي لإيراد هذه ال�صورة �إلى جانب الإيذاء الذي
ي�شمل �أي�ضا العنف.وينطبق مفهوم العنف في القانون المغربي على الحالة التي يقع فيها
الم�سا�س بال�ضحية عن طريق القوة دون ال�ضرب �أو الجرح ،7كنتف ال�شعر �أو الأظافر �أو تقييد
بحبل وما �شابهه �أو منعه من ال�سير في اتجاه معين ق�سرا وبدون حق وقد اعتبر الق�ضاء �أن رمي
�شخ�ص من القارب الذي يمتطيه �إلى الماء بمثابة عنف.
كما اعتبرت محكمة النق�ض الفرن�سية �أن توجيه فوهة بندقية مح�شوة �إلى امر�أة ق�صد
تخويفها و�إدخال الرعب في قلبها بمثابة عنف يحق عقابه نظرا لما يحدثه هذا الفعل من
1
خوف وذعر لهذه المر�أة.
- 4الإيذاء :وهو لفظ من العموم وال�شمول ،بحيث يحيط بال�صور ال�سابقة وغيرها من
�أفعال الإعتداء التي تم�س �سالمة الج�سد.فكل ما ي�ؤذي ال�شخ�ص في ج�سمه �سواء بال�ضرب
�أو الجرح �أو العنف �أو بغير ذلك من الو�سائل يدخل في مفهوم الإيذاء،كالتهديد بال�سالح �أو
بتعري�ض ال�ضحية لخطر حقيقي �أو تفجير قنبلة قربه ق�صد �إحداث الرعب لديه،بل وذهب
بع�ض الفقه� 2إلى �أن القول المجرد قد ينطوي تحت هذه ال�صورة في بع�ض الأمثلة :كمن يلقي
�إلى �شخ�ص مرهق الأع�صاب بخبر مزعج ي�ؤدي �إلى مر�ضه.
هذا وتجدر الإ�شارة في الأخير �إلى �أن الم�شرع المغربي �إذا كان قد �أورد �صورا للإيذاء
ب�إعطاء مواد �ضارة بال�صحة ( ف 413ف.ج) �أو الحرمان من التغذية �أو العناية بالأطفال
( ف 408ف-ج) �أو ترك الأطفال �أو العاجزين �أو تعري�ضهم للخطر (ف 459ف-ج) فذلك
بهدف اعتبار �إلحاق الأذى بال�ضحية ب�إحدى الو�سائل الثالث ال�سابقة ،ظرفا م�شددا في تلك
الجرائم التي �أفرد لها ن�صو�صا لتحكمها م�ستقلة عن تلك التي تحكم باقي جرائم الإيذاء
العمدية الأخرى.
ثانيا :نتيجة �إجرامية
تتمثل النتيجة الإجرامية في نطاق جرائم الإيذاء بالأذى الذي يلحق بج�سم المجني عليه
مهما كانت �صورته ،وتحدد هذه النتيجة مدى الم�س�ؤولية الجنائية ودرجة ج�سامتها.
وجرائم الإيذاء العمدية منها ما يقوم بغ�ض النظر عن تحقيق نتيجة ذات �أهمية ،وهي
المن�صو�ص عليها في المادة 1/16من القانون المتعلق بق�ضاء القرب وتحديد اخت�صا�صاته
التي �ألغت �ضمنيا الف�صل 1/608ق.ج والتي هي الإيذاء �أو العنف الخفيف.
وفي الف�صل 400ق.ج وهي ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو الإيذاء الذي ال ينتج عنه مر�ض �أو
عجز عن الأ�شغال ال�شخ�صية �أو ينتج عنه مر�ض �أو عجز ال تتجاوز مدته 20يوما وتدخل �ضمن
هذه الزمرة الجريمة المعاقب عليها في الفقرة الأولى من الف�صل 459ق .ج.
1. Cass. Pénal 28-10-1965 revue des sciences pénales 1966 p. 339.
22املر�صفاوي :مرجع �سابق �ص225.
137 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ومنها ما تتغير عقوبته وكذا و�صفها الجنائي تبعا لج�سامة النتيجة التي وقعت بفعل
الجاني فكلما �إزدادت ج�سامتها كلما �إزدادت تبعا لذلك درجة الم�س�ؤولية ،وهذه الجرائم هي
المن�صو�ص عليها في :
- 1الف�صل 401ق.ج وهي ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو الإيذاء الذي يخلف عجزا تتجاوز
مدته 20يوما.
- 2الف�صل 402ق.ج وهي ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو الإيذاء الناتج عنه فقد ع�ضو �أو
بتره �أو الحرمان من منفعته �أو عمى �أو عور �أو �أية عاهة �أخرى.
- 3الف�صل 403ق .ج وهي ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو الإيذاء الناتج عنه موت دون �أن
يق�صده الجاني.
و�سنتولى تف�صيل ذلك عند تعر�ضنا للعقوبات المقرر بالن�سبة لهذه الجرائم ،لكن تبقى
الإ�شارة �إلى �أنه ما لم يتحقق العجز �أو العاهة الم�ستديمة �أو الموت غير المق�صود ،فال يمكن
�أبدا معاقبة الفاعل طبقا للف�صول الثالث الأخيرة.
ثالثا :العالقة ال�سببية بين الن�شاط الإجرامي والنتيجة
لكي يكتمل الركن المادي في جرائم الإيذاء العمدية المعاقب عليها خ�صو�صا بالف�صول
401،402،403ق .ج ،يلزم توافر عالقة �سببية بين الن�شاط الم�ؤدي الذي �أتاه الفاعل والنتيجة
التي هي �إما العجز لمدة تفوق 20يوما �أو العاهة الم�ستديمة �أو وفاة ال�ضحية و�إال لما �أمكن
العقاب طبقا للف�صول ال�سابقة.
وقد �إعتبرت محكمة النق�ض� 1أنه يتعين على ق�ضاة الزجر �أن يبحثوا عن عالقة ال�سببية
بين الإعتداء الذي قام به المتهم ،وال�ضرر الحا�صل لل�ضحية من جرائه ،و�أن يبرزوا هذه
العالقة بعد الت�أكد من وجودها �إبرازا كافيا ،لتبرير ما يق�ضي به القرار ،ولم�ساعدة المجل�س
الأعلى على �أن يكون على بينة من م�شروعية الو�صف القانوني الذي و�صفت به الأفعال ومن
�سالمة تطبيق العقوبة المتخذة.
كما اعتبرت �أنه يجب �أن تبرر العالقة ال�سببية بين الفعل المادي والنتيجة التي هي الوفاة.
و من تم ف�إن معرفة �سببها في حالة ال�شك هي من الأمور التقنية التي يعود لذوي الإخت�صا�ص
2
�أمر البت فيها.
11قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 80/12/18حتت عدد 1546يف امللف اجلنائي عدد 8073من�شور مبجلة املحاكم
املغربية عدد � 28ص 62.وما يليها.
22قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 04/2/11حتت عدد 9/241يف امللف عدد 03/2590من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س
الأعلى عدد � 61ص 346.وما يليها.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 138
ال�سجن من � 10إلى � 20سنة وفي حالة �سبق الإ�صرار �أو التر�صد �أو ا�ستعمال ال�سالح ،تكون
العقوبة ال�سجن الم�ؤبد� ،أما �إذا كان الجرح �أو ال�ضرب قد �إرتكب �ضد �أحد �أ�صول الجاني،
ف�إن العقوبة بمقت�ضى الفقرة 3من الف�صل 404تكون كما يلي «في الحالة المن�صو�ص عليها
في الفقرة 1ف 403ال�سجن من � 20إلى � 30سنة�،أما في الحالة المن�صو�ص عليها في الفقرة 2
فهي ال�سجن الم�ؤبد.
وتتميز هذه الجريمة عن غيرها من جرائم الإيذاء بج�سامة النتيجة الإجرامية التي
حدثت ،وهي حدوث الوفاة وتتكون من ركنين مادي ومعنوي :فالركن المادي يتحقق بالقيام
بالن�شاط الم�ؤذي كال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو غيرها من و�سائل �إيذاء ال�سالمة الج�سدية �أو
ال�صحية لل�ضحية يترتب عنه موته .وي�ستوي �أن تح�صل الوفاة مبا�شرة و�أن يكون حدوثها قد
ت�أخر بعد وقوع فعل الإيذاء ما دامت رابطة ال�سببية قد توافرت بين االيذاء والموت.
�أما الركن المعنوي �أو الق�صد الجنائي في هذه الجريمة ،فيتمثل في اتجاه �إرادة الجاني
�إلى �إيذاء �إن�سان في ج�سمه �أو �صحته مع العلم بحقيقة ما يقدم عليه لكن دون ق�صد �إحداث
النتيجة �أي الموت.
وقد ذهب بع�ض الفقه �إلى �أن الجريمة تقف بين جريمة القتل العمد وجريمة القتل الخط�أ
فهي في الفعل ،خط�أ في النتيجة ولذا فقد �أدخلوها �ضمن الجرائم التي يطلق عليها الجرائم
المتعدية الق�صد.1
وقد اعتبرت محكمة النق�ض �أن العمد يعد عن�صرا �أ�سا�سيا في جريمة ال�ضرب والجرح
المف�ضي �إلى الموت المن�صو�ص عليها في الف�صل 403من القانون الجنائي ويتعر�ض للنق�ض
قرار المحكمة التي ق�ضت بالإدانة دون �إبرازه.2
ثانيا :الإيذاء العمد المف�ضي �إلى عاهة دائمة
ن�ص الم�شرع الجنائي المغربي على هذه الجريمة في الف�صل 402ق .ج بقوله � « :إذا كان
الجرح �أو ال�ضرب �أو غيرهما من و�سائل العنف �أو الإيذاء قد نتج عنه فقد ع�ضو �أو بتره �أو
الحرمان من منفعته �أو عمى �أو عور �أو �أية عاهة دائمة �أخرى ،ف�إن العقوبة تكون ال�سجن من
خم�س �إلى ع�شر �سنوات.
وفي حالة توافر �سبق الإ�صرار �أو التر�صد �أو ا�ستعمال ال�سالح ،تكون العقوبة ال�سجن من
ع�شر �إلى ع�شرين �سنة وجريمة الإيذاء هنا ال تختلف عن �سابقتها من حيث �أركانها فكالهما
� 11أبو املعا�صي �أبو الفتوح مرجع �سابق �ص.143.
22قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 84/4/12حتت عدد 3463من�شور مبجموعة قرارات املجل�س الأعلى املادة
اجلنائية � 95 -81ص 25.وما يليها .
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 140
جريمة نتيجة يتكون الركن المادي فيها من ن�شاط الجاني ونتيجة �إجرامية وعالقة �سببية
بينهما وكل منهما جريمة عمدية يتطلب قيامها توافر الق�صد الجنائي.
و�إذا كانت جريمة الإيذاء في هاته الحالة ت�شكل جناية فذلك راجع بالأ�سا�س �إلى الإيذاء
الذي �أ�صاب المجني عليه والمتمثل في العاهة الدائمة.
فما المق�صود بالعاهة الدائمة؟
العاهة الدائمة :لم يعرف الم�شرع المغربي العاهة الدائمة واكتفى ب�إعطاء �أمثلة عنها
حيث ذكر فقد ع�ضو �أو بتره �أو الحرمان من منفعته �أو عمى �أو عور �أو �أية عاهة دائمة �أخرى.
وقد عرفت محكمة النق�ض الم�صرية العاهة الدائمة بكونها تتحقق بفقد �أحد الأع�ضاء
�أو �أحد �أجزائه وبكل ما من �ش�أنه نق�ص قوة �أحد الأع�ضاء �أو �أحد الأجزاء �أو تقليل مقاومته
الطبيعية.1
فالعاهة الدائمة تتحقق �إذن بفقد منفعته �سواء كان الع�ضو خارجيا كالأ�صابع والأذنين...
�أو كان داخليا كالطحال �أو الكليتين وغيرهما.
كما �أن فقد جزء من ع�ضو (لو بن�سبة �ضئيلة) �إذا كان ب�صورة دائمة فهو عاهة دائمة على
اعتبار �أنه فقد جزئي للوظيفة التي خلق الع�ضو لأجلها كفقد جزء من �أ�صبع �أو �أذن �أو م�صران،
كان الفقد بفعل الجاني مبا�شرة �أو نتيجة بتره من طرف الطبيب المعالج تفاديا لم�ضاعفات
�أخرى كالت�سمم �أو انتقال العدوى . 2وقد اعتبرت محكمة النق�ض في �أحد قراراتها �أن العاهة
الم�ستديمة تتحقق بمجرد فقد ال�ضحية لمنفعة �أحد �أع�ضائه ولو جزئيا.3
هذا ،وقد �سوت المادة 402ق .ج بين الفقد المادي للع�ضو وبين الحرمان من منفعته كفقد
العين للإب�صار والأذن لحا�سة ال�سمع وفقد الع�ضو لحركته العادية ب�سبب �شلل جزئي.
�سواء كان الفقد للمنفعة كليا �أو جزئيا كنق�ص حا�سة ال�سمع بالن�سبة للأذن.
بيد �أن الق�ضاء اختلف ب�شان قوة الإب�صار ،هل يعد فقد العين لجزء من قوة الإب�صار عاهة
دائمة �أم ال ؟ وفي هذا ال�صدد يميل الق�ضاء الفرن�سي �إلى عدم اعتبار ذلك عاهة دائمة 4بينما
يذهب الق�ضاء الم�صري عك�س ذلك معتبرا كل نق�ص في قوة الإب�صار عاهة م�ستديمة.5
11حكم �صادر بتاريخ 1938/5/23جمموعة القواعد القانونية (ج )2ال�سنة � 8ص.814 .
22اخلملي�شي مرجع �سابق �ص 121.العلمي عبد الواحد مرجع �سابق �ص.230.
33قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 10/10/27حتت عدد 10/1167يف امللف عدد 09/13581مبجلة املعيار عدد
� 46ص 269.وما يليها.
44نق�ض فرن�سي 1946/03/29د الوز الأ�سبوعي . 1946
55انظر يف هذا ال�صدد ر�ؤوف ،عبيد جرائم الإعتداء على الأ�شخا�ص والأموال ،ط 1985 :دار الفكر العربي(القاهرة)
�ص -130 :.ح�سني م�صطفى مرجع �سابق �،ص .76:
141 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ويبدو �إتجاه الق�ضاء الم�صري �سليما في نظرنا وله ما يبرره في الواقع ،فالمادة ()402
ق.ج ،و�إن ذكرت من بين الأمثلة التي �أوردتها للعاهة الدائمة :العمى والعور فذلك على �سبيل
المثال ال الح�صر وهي �إن كانت تعاقب على فقد منفعة الع�ضو .ف�إنها ال تعاقب -كما هو
ظاهر من الن�ص -على فقد المنفعة التامة فقط بل حتى فقد المنفعة الجزئية .وال�ضعف في
الإب�صار فقد لمنفعة �أحد �أع�ضاء الر�ؤية التي هي العين ولو ب�صورة جزئية.1
هذا وقد ت�ساءل بع�ض الفقه ما �إن كان الت�شويه في الخلقة يعتبر عاهة دائمة �أم ال كحروق
ت�صيب الوجه مثال وال يت�أتى اختفا�ؤها على مدى الحياة؟.
وتتفق �أغلبية الآراء في هذا الخ�صو�ص على �أن الت�شويه البين و الذي ي�صيب مناطق بارزة
وح�سا�سة في الج�سم كالوجه مثال يعتبر عاهة دائمة خ�صو�صا لدى الن�ساء.2
فالعاهة لي�س هي ما يم�س حوا�س الإن�سان الخم�سة فح�سب ،بل �إنها كل نق�ص في منفعة
ع�ضو من الأع�ضاء داخليا كان �أم خارجيا والت�شويه البين يفقد الوجه منفعته الأولى في �إعطاء
الإن�سان �شكال يعرف به ،ومالمح معينة تعرف عنه وقد يكون الت�شويه وموقعه و�سن المجني
عليه وعلمه وجن�سه ذكرا كان �أم �أنثى.
هذا ويتعين على محكمة المو�ضوع �أن ت�ؤ�س�س حكمها على �أدلة م�ست�ساغة ومنطقية ،وذلك
بذكر الواقعة �أو الوقائع المكونة للعاهة الدائمة حتى يت�أتى للمجل�س الأعلى مراقبتها في
مدى �سالمة و�صفها للوقائع الثابتة لديها من الناحية القانونية وهذا ما ن�ستخل�صه من قرار
للمجل�س الأعلى �صادر بتاريخ 1982/7/15 :ومما جاء فيه � « :إذا كان القرار المطعون فيه
والقا�ضي بالإدانة من �أجل جناية �إحداث عاهة م�ستديمة قد اقت�صر بخ�صو�ص نوع الجريمة
على القول :وحيث �أن الأفعال التي قام بها المتهمان تكيف بجريمة ال�ضرب والجرح الم�ؤديين
�إلى عاهة م�ستديمة عمال بمقت�ضيات الف�صل 402من مجموعة القانون الجنائي دون �أن ي�شير
في تعليالته �إلى ما من �ش�أنه �أن يفيد تحديد نوع العاهة الم�ستديمة التي �أ�صيب بها ال�ضحية،
ف�إنه يعتبر ناق�ص التعليل الموازي النعدامه ويتعر�ض للنق�ض والإبطال».3
الفقرة الثانية :عقاب جرائم الإيذاء المكونة لجنحة من الجنح
�سنعر�ض في هذا الإطار للجنحتين التاليتين من جنح الإيذاء:
�أوال :الإيذاء العمد الذي ال يخلف مر�ضا �أو عجزا عن الأ�شغال ال�شخ�صية �أو يخلف مر�ضا
�أو عجزا ال يتجاوز مدته ع�شرين يوما:
11يف نف�س املعنى اخلملي�شي مرجع �سابق� ،ص- 121 .ر�ؤوف عبيد مرجع �سابق�،ص.130-129 .
� 22أبو الفتوح :مرجع �سابق�،ص 231 .ر�ؤوف عبيد مرجع �سابق �ص.132.
33قرار عدد 1160جملة املحاكم املغربية عدد �،35ص .93
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 142
عاقب الم�شرع المغربي على هذه الجنحة في الف�صل 400ق.ج والتي تن�ص على �أن « :من
�إرتكب عمدا �ضد غيره جرحا �أو �ضربا �أو �أي نوع من العنف �أو الإيذاء �سواء لم ينتج عنه مر�ض
�أو عجز عن الأ�شغال ال�شخ�صية �أو نتج عنه مر�ض �أو عجز ال يتجاوز مدته ( )20يوما يعاقب
بالحب�س من �شهر واحد �إلى �سنة وغرامة من � 200إلى 500درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين
فقط.
وفي حالة توفر �سبق الإ�صرار �أو التر�صد �أو ا�ستعمال ال�سالح تكون العقوبة من �ستة �أ�شهر✺
هذا الن�ص �أن جنحة الإيذاء تكون جريمة �شكلية لأن القانون لم يربط العقاب عليها بح�صول
نتيجة معينة ،ثم �إن الم�شرع في نطاق الف�صل �أعاله ذكر العجز دون المر�ض ومعنى ذلك �أنه
ا�ستبعد المر�ض �إذا لم ينتج عنه عجز.
و�إذا كانت المادة 401تربط العقوبة بح�صول عجز تتجاوز مدته 20يوما فما المق�صود ✺
بالعجز؟ �إن لفظ العجز الوارد في المادة �أعاله �أتى مطلقا بدون نعت ويرى بع�ض الفقه
في-بالدنا -ب�أن المق�صود بالعجز في هذه الحالة هو عدم قدرة المجني عليه على القيام
بالأعمال البدنية التي يزاولها الإن�سان في حياته العادية كالجلو�س والم�شي وتحريك اليد
�إلى غير ذلك ،وال يدخل فيها العجز عن الأعمال المهنية التي يزاولها المجني عليه كما
ال يدخل فيها المر�ض الخفيف الذي ال يفقد المري�ض القدرة على العمل. 1
ثم �إن الن�ص لم ي�شترط �أن يكون العجز ظاهريا ولذلك ف�إنه يطبق �أي�ضا على حاالت العجز
غير الظاهر ما دام ناتجا مبا�شرة عن الإعتداء وم�ستندا �إلى مبررات جدية وا�ضحة.
وي�شترط �أن ي�ستمر العجز عن الأ�شغال ال�شخ�صية مدة تزيد على ع�شرين يوما ويبد�أ
احت�ساب هذه المدة ابتداء من اليوم الذي حدثت فيه النتيجة -العجز -ولي�س من يوم ممار�سة
الن�شاط الم�ؤذي.2
والطبيب وحده الم�ؤهل علميا لتحديد العجز الالحق بال�ضحية تحديدا دقيقا و�سليما ،و�إذا
كان ي�صعب على القا�ضي عمليا مناق�شة البيانات الفنية الواردة في التقارير الطبية ،ف�إنه
بو�سعه �أن يطرحها كلما كانت خالية من هذه البيانات كما لو اكتفى الطبيب بتحديد مدة
العجز دون �أن يبين بتف�صيل �آثار ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف من جهة ،والمبررات الطبية
لتقرير مدة العجز التي حددها في تقريره من جهة �أخرى ،فالقا�ضي ال ي�صدر حكمه �إال بناء
على اقتناعه ال�صميم.
الفقرة الثالثة :عقاب جرائم الإيذاء المكونة لمخالفة من المخالفات
العنف �أو الإيذاء الخفيف ■
المق�صود بالإيذاء �أو العنف الخفيف ح�سب الفقه ،كل �إيذاء ال يخلف �أثرا في الج�سم وال
يلحق بال�ضحية �ألما فهو �أقرب �إلى الإهانة والتحقير منه �إلى الإيذاء والعنف الج�سيمين ونحو
ذلك �إم�ساك المجني عليه من �أطراف ثوبه والب�صق عليه �أو دفعه �أو �ضمه بالقوة �أو تجريده
1
من �شيء كان بيده �أو تحت حوزته.
والأ�صل في الإيذاء الخفيف �أنه مخالفة وفقا للف�صل 608ق .ج والتي كانت تعاقب على
�أعمال العنف والإيذاء الخفيف باالعتقال من يوم �إلى 15يوما وغرامة من 12درها �إلى 120
درهما �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط ،غير �أن ظهير ق�ضاء القرب عو�ض تلك العقوبة
بمقت�ضى المادة 16منه بعقوبة الغرامة المالية التي تتراوح ما بين 300درهم و 700درهم.
الفقرة الرابعة :الأعذار المخففة للعقوبة في جرائم الإيذاء العمدية
تعر�ض القانون الجنائي المغربي في الف�صول من � 416إلى 421لحاالت الأعذار القانونية
المخففة للعقوبة.
والمالحظ �أن �أغلب هاته الحاالت ت�شترك مع الأعذار المخففة للعقوبات في جرائم القتل
العمدية ،وقد �سبق �أن تعر�ضنا لثالث حاالت منها وهي :
حالة �إرتكاب الجرح �أو ال�ضرب نتيجة ا�ستفزاز نا�شئ عن اعتداء بال�ضرب �أو العنف ✺
منزل �أو بيت م�سكون �أو احد ملحقاتهما (ف 417 :ق.ج).
حالة �إرتكاب الزوج الجرح �أو ال�ضرب �ضد زوجته و�شريكا عند مفاج�أتهما متلب�سين ✺
�أو عما في حالة كونه م�س�ؤوال عن الأ�سرة ولي�س فقط �أحد �أفراد الأ�سرة.
11اخلملي�شي مرجع �سابق� ،ص ،111 .العلمي عبد الواحد :مرجع �سابق �ص.232.
145 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
تحقق عن�صر المفاج�أة لديه ب�أن كان ال يتوقع ما ر�آه �إطالقا و�أن يرتكب الجريمة حال ✺
مباغتته بما ر�أى �أما �إذا لم يتركبها �إال بعد انتهاء المفاج�أة وهدوء �أع�صابه ف�إن حالة
اال�ستفزاز التي تتولد عادة عن هول المفاج�أة تكون منتفية لديه،والعذر غير قائم في
حقه .
�أن تكون المفاج�أة بمنزله ال خارجه. ✺
�أن يكون الأ�شخا�ص الذين بمنزله في حالة ات�صال جن�سي غير م�شروع� ،أو في و�ضع ال ✺
يدع مجاال لل�شك في ذلك لكن ال يتوافر العذر �إذا كان االت�صال م�شروعا كما لو وقع بين
زوجين مطلقين طالقا رجعيا ..هذا ولم ي�شترط القانون لتوافر العذر �أن تقف نتيجة
الإيذاء على مجرد الإيالم البدني �أو العاهة الدائمة ،و�إنما جعله متوافرا �إذا حدث في
حالة حدوث الوفاة ،ولكنه ا�شترط �أال يكون ق�صد الجاني قد اتجه �إليها ف�إن حدث �أ�صبحنا
في مواجهة جريمة قتل عمد ،وال ي�ستفيد الجاني من وجود عذر مخف�ض للعقوبة.
ثانيا :حالة مفاج�أة �شخ�ص بالغ متلب�سا بهتك عر�ض طفل دون الثانية ع�شر من العمر:
هذا العذر ن�ص عليه ف 421:ق.ج وي�شترط لتحققه :
�أن يكون ال�شخ�ص الذي تم �ضبطه بالغا ،ولم يحدد الم�شرع ماهية البلوغ ،هل هو البلوغ ✺
الجن�سي �أو الن�ضج العقلي �أو بلوغ �سن الم�ساءلة الجنائية ،ويميل الفقه �إلى اعتبار �أن
المق�صود من كلمة البلوغ هو البلوغ الجن�سي.
�أن ي�ضبط الجاني متلب�سا بهتك عر�ض طفل دون 12من عمره .ويتوفر العذر �سواء وقع ✺
ذلك على طفل �أو طفلة �سنها �أقل من � 12سنة ،كما ي�ستوي �أن يح�صل هتك العر�ض
بالعنف �أو بدونه.
�أن يقع ال�ضرب �أو الجرح حال المفاج�أة حتى يمكن �أن يتوفر عن�صر اال�ستفزاز فيه. ✺
وهذه الحالة الأخيرة قد تختلط واقعيا بالدفاع ال�شرعي ،خ�صو�صا وان هتك العر�ض ✺
غالبا ما يقترن بالعنف �أو على الأقل ي�شكل خطرا محتمال على �سالمة الطفل الج�سمية
�أو ال�صحية ،مما يجعل مرتكب الجرح �أو ال�ضرب في هذه الحالة في حالة دفاع �شرعي،
وهذا على الرغم من �أن القانون ال يقر بالدفاع ال�شرعي عن العر�ض.
وهذا الموقف القانوني عار�ضه بع�ض الفقه الذي اعتبر �أن الإعتداء على العر�ض و�إن كان
ال يخول حق الدفاع ال�شرعي� ،إال �أنه �إذا كان مرفقا بالعنف �أو كان ي�شكل خطرا على ال�سالمة
الج�سمية �أو ال�صحية لل�ضحية ،ف�إن الدفاع يكون �إذ ذاك على النف�س ولي�س على العر�ض
1
بمفرده.
11راجع يف هذا ال�صدد،د .اخلملي�شي :مرجع �سابق�،ص�،127 .أبو الفتوح :مرجع �سابق�،ص.152 .
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 146
بقيت الإ�شارة في الأخير �إلى انه في حالة توافق �أحد الأعذار القانونية ال�سابقة،فان العقوبة
تنخف�ض �إلى النحو الآتي:
من �سنة �إلى � 5سنوات في الجناية المعاقب عليها بالإعدام �أو ال�سجن الم�ؤبد. ✺
هذا وال يتغير و�صف الجنايات الإيذاء العمدية المعتبرة قانونا جناية ب�سبب تخفيف العقاب
لوجود عذر مخفف ،بل تظل مع ذلك جناية من الناحية القانونية عمال بالف�صل ( )112ق.ج
الذي يقرر ب�أن نوع الجريمة ال يتغير �إذ حكم بعقوبة متعلقة بنوع �آخر من �أنواع الجرائم ب�سبب
تخفيف �أو لحالة عود.
المبحث الثاني :جرائم الإيذاء الغير العمدية
وهي الجرائم التي ن�ص عليها الم�شرع المغربي في الف�صول ،609 ،607 ،435 ،434 ،433من
القانون الجنائي.
وحتى نعطي فكرة وا�ضحة عن هاته الجرائم نرى �أن نبحث �أوال �أركان جريمة الإيذاء
غير العمدية ( المطلب الأول) ثم نتعر�ض بعد ذلك للعقاب المقرر لهذه الجرائم (المطلب
الثاني).
المطلب الأول � :أركان جرائم الإيذاء غير العمدية
لقيام جريمة الإيذاء غير العمدي ال بد من توفر عن�صرين �أ�سا�سيين هما �إيذاء الجاني
للمجني عليه (الركن المادي) ،وان يكون هذا الإيذاء عن غير ق�صد �أي نتيجة خط�أ،وهذا هو
الركن المعنوي .
الفقرة الأولى :الركن المادي:
الركن المادي في الإيذاء غير العمد ي�ستلزم -مثلها مثل الإيذاء العمدي� -صدور ن�شاط
من الجاني يكون هو ال�سبب في النتيجة التي هي الإيذاء .
�أوال :ن�شاط �صادر من الجاني :الن�شاط الذي ي�أتيه الجاني والذي يكون العن�صر الأول في
الركن المادي للإيذاء غير العمدي ي�سحب �إلى كل ن�شاط �إرادي منه ي�ؤدي �إلى �إيذاء ال�ضحية
ولكن دون ق�صد لهذه النتيجة ك�إيذاء �سائق �سيارة لأحد المارة.
ثانيا :النتيجة :تتمثل النتيجة الإجرامية بالأذى الذي يلحق بج�سم المجني عليه (جروح
�أو �إ�صابات).
147 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ثالثا :عالقة ال�سببية بين ن�شاط الجاني والنتيجة:لكي يقوم الركن المادي في الإيذاء غير
المق�صود ،البد و�أن تتوفر رابطة ال�سببية بين الن�شاط والنتيجة الإجرامية.
الفقرة الثانية :الركن المعنوي:
�إذا كان الركن المعنوي في الإيذاء العمدي ي�شترط لقيامه توافر الق�صد الذي يتحقق
بتوجيه �إرادة الجاني لإتيان ن�شاط مخالف للقانون و�إرادة تحقيق النتيجة التي هي �إيذاء ج�سم
ال�ضحية �أو �صحتها ،ف�إن الركن المعنوي في الإيذاء غير العمد يتوافر فقط ب�إتيان �سلوك
خاطئ من طرف الفاعل عن �إرادة ،ولكن دون ا�ستهداف تحقيق النتيجة التي يترتب عن هذا
ال�سلوك الخاطئ الذي عدد الم�شرع �صوره في عدم التب�صر� ،أو عدم الإحتياط� ،أو عدم االنتباه
�أو الإهمال �أو عدم مراعاة النظم والقوانين ،وعليه فما لم يتحقق الإيذاء نتيجة خط�أ الجاني
ف�إن الركن المعنوي في جريمة الإيذاء غير العمدي ال يقوم ،وبالتالي تتخلف الجريمة ويكون
1
�إيذاء المجني عليه ق�ضاء وقدرا
هذا ويترتب عن غياب عن�صر العمد في جرائم الإيذاء غير العمدي ما يلي :
�أوال :ال يعاقب عن ال�شروع �أو المحاولة في الإيذاء غير العمدي ،لأن جرائم الخط�أ -عك�س
الجرائم العمدية -ال يمكن ت�صور المحاولة فيها على �إعتبار �أن عقاب المحاولة هو في جوهره
�ضرب من طرف الم�شرع للنية الإجرامية عند الجاني ،وفي جرائم الخط�أ ال يكون في نية
الجاني تحقيق النتيجة الإجرامية �أبدا.2
ثانيا :ال يعاقب في جرائم الإيذاء غير العمدي الجاني �أو الجناة �إذا تعددوا �إال باعتبارهم
فاعلين �أ�صليين �أي م�ساهمين ،ما دام الإ�شتراك في الجريمة يقوم دوما على �أ�سا�س الق�صد
الجنائي (العلم بغر�ض الفاعل الأ�صلي) وهو ما ال يتوافر في النوع من الجرائم.3
ثالثا :ال يمكن ت�صور ت�شديد العقوبة في جرائم الإيذاء غير العمدي ب�سبب الظروف
الم�شددة التي ت�شدد الإيذاء العمدي ك�سبق الإ�صرار �أو التر�صد مثال ما دامت ،النتيجة فيها ال
تحمل �إال خط�أ و�ضد �إرادة م�ؤتي الن�شاط الذي �أدى �إلى �إيذاء ال�ضحية ،4اللهم �إذا كان الفاعل
في حالة �سكر �أو �أراد الفرار �أو تغيير معالم الجريمة.
�صور الخط�أ :المالحظ �أن الم�شرع �أتى في الف�صل 433ق.ج ب�صور خم�س للخط�أ ،وهذا ✺
التعداد الت�شريعي ل�صور الخط�أ قد يوحي ب�أن القانون ال يرقب قيام الإيذاء غير العمدي
�إال �إذا �إرتكب الفاعل لأحد �صور الخط�أ الخم�س التي �أتى بها الفعل المذكور دون غيرها
من ال�صور التي لم ترد به ،بينما الحقيقة هي �أنها من ال�شمول الذي تدخل منه كل
ال�صور الممكنة للخط�أ رغم ما قد يظهر من �صياغة الن�ص على �أن هذه ال�صور الخم�س
هي بع�ض ال�صور الممكنة للخط�أ فقط ولي�س كلها.1
وال�صور التي ت�ضمنها الف�صل 433ق.ج للخط�أ هي :
�أوال :عدم التب�صر :وهو خط�أ يركب في �إطار مهني غالبا من طرف الفنيين كالأطباء
وال�صيادلة والقابالت و�أرباب الحرف في كل حالة يت�سببون فيها في قتل �إن�سان نتيجة عدم
قيامهم بعملهم كما يجب �أو جهلهم لقواعد فنهم �أو حرفتهم التي ال يجوز لمثلهم جهلها �أو
عدم القيام بها كما يلزم .وقد حكمت محكمة فرن�سية ب�أن الفتاة المبتدئة في ريا�ضة التزلج
�إذا دخلت �ساحة االنزالق و�صدمت �شخ�صا فجرحته ب�سبب خطئها ولو كانت ت�سير على مهل
لأن هذا التمهل دليل على جهلها.
ثانيا :عدم االحتياط :ويظهر في الطي�ش وقلة التحرز للنتائج الم�ضرة والخطيرة التي قد
تترتب عن فعل من الأفعال ،وعدم الحيلولة دون وقوعها،كالذي ي�سوق دراجة نارية في مكان
�آهل بالمارة ب�سرعة كبيرة غير منا�سبة لظروف الزمان والمكان في�صدم �أحد المارة ويت�سبب
له بجروح ،فهذا المثال يظهر ب�أن مرتكب الخط�أ في �صورة عدم االحتياط كان في �إمكانه
تجنب النتيجة �إال �أنه لم يفعل فاعتبر غير محتاط.2
ثالثا :عدم االنتباه :ويظهر في الن�شاطات التي يرتكبها �أ�صحابها بخفة ال يمكن �أن يغفلوا
عنها ،كمن يقود كلبا �شر�سا دون �أن يحكم حرا�سته فيفلت من يده ويهاجم �أحد المارة فيت�سبب
له في �إ�صابات.3
رابعا :الإهمال :ويظهر في الموقف ال�سلبي ل�شخ�ص في مواجهة بع�ض الأو�ضاع التي تفر�ض
الحذر ونحو ذلك ال�شخ�ص المكلف ب�إعطاء الدواء لمري�ض في �ساعات معينة ين�شغل في �أمر
�آخر ويترك موعد الدواء يفوت.4
خام�سا :عدم مراعاة النظم والقوانين :المق�صود بالنظم والقوانين كل ما ي�صدر من
ت�شريعات �سواء عن ال�سلطة الت�شريعية �أو التنفيذية في الحدود التي تخت�ص بها قانونا ،والأ�صل
�أن يعاقب المخل بالنظم �أو القوانين بمجرد اقترافه لهذا الإخالل حتى ولو لم يرتب عنه �أي
�ضرر (نتيجة)� ،إال �أنه بالن�سبة لجريمة الإيذاء غير العمدي فيلزم �أن تتوفر النتيجة(الجروح
11نف�س املرجع �ص279.
22عبد الواحد العلمي م� .س �ص. 280.
33نف�س املرجع �ص. 280.
44نف�س املرجع �ص. 280.
149 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
والإ�صابات) فالذي يخرق حق الأولوية ال يعتبر مرتكبا للإيذاء غير العمدي �إال �إذا كان هذا
الخرق هو الذي �سبب الأذى بج�سم الإن�سان المجني عليه.1
هذا ب�إخت�صار كانت مدلوالت مختلف �صور الخط�أ التي جاء بها الم�شرع في الف�صل 433
ق.ج وهي �أنواع من الخط�أ متداخلة بع�ضها في بع�ض با�ستثناء الخط�أ في مراعاة النظم
والقوانين.
المطلب الثاني :عقاب جرائم الإيذاء غير العمدية:
بمقت�ضى الف�صل 433من ق.ج .يكون من ت�سبب بعدم تب�صره �أو عدم احتياطه �أو عدم
انتباهه �أو عدم مراعاته النظم والقوانين ،في جرح غير عمدي �أو �إ�صابة �أو مر�ض نتج عنه
عجز عن الأ�شغال تزيد مدته عن �ستة �أيام يعاقب بالحب�س من �شهر واحد �إلى �سنتين وغرامة
من مائتين �إلى خم�سمائة درهم ا ب�إحدى هاتين العقوبتين.
وعمال بالف�صل 434ق.ج ف�إن العقوبة الحب�سية ال�ضبطية ال�سابقة ت�شدد �إلى ال�ضعف �إذا
كان الفاعل �إرتكب هذه الجنحة وهو في حالة �سكر� ،أو كان قد حاول التخل�ص من الم�س�ؤولية
الجنائية �أو المدنية التي قد يتعر�ض لها وذلك بفراره عقب وقوع الحادث �أو تغييره حالة مكان
الجريمة �أو ب�أية و�سيلة �أخرى كانت.
وبناء على الف�صل 435من ق.ج .ف�إن كل من ت�سبب من غير عمد في الأحوال الم�شار �إليها في
الف�صل 607والفقرة 5من الف�صل 608في حريق نتج عنه �إ�صابة �شخ�ص خط�أ 2يعاقب بمقت�ضى
ن�ص الف�صل 433ق .ج ال�سابقة ،بالحب�س من �شهر �إلى �سنتين وغرامة من � 200إلى 500درهم �أو
ب�إحدى هاتين العقوبتين ،وت�شدد هذه العقوبة بنف�س ظروف الت�شديد التي قررها الف�صل 434ق .ج.
هذا �إذا كانت مدة العجز عن الأ�شغال ال�شخ�صية تزيد عن � 6أيام ،لكن �إذا كانت هذه
المدة اقل من �ستة �أيام �أو تعادلها كانت الجريمة غير العمدية �إذ ذاك مخالفة تعاقب طبقا
للف�صل 3/608بالإنتقال من يوم واحد �إلى خم�سة ع�شر يوما وغرامة من 12درهم �إلى 200
درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين.
خـاتمـــة:
نخل�ص مما �سبق �أن الم�شرع يقر حمايته على ج�سم الإن�سان كله بجميع �أع�ضائه ووظائفه
الع�ضوية والحيوية وي�ستوي في ذلك الأع�ضاء الخارجية والأع�ضاء الداخلية ،ف�أي م�سا�س
11الفاعل هنا قد �إرتكب جرميتني �أوالهما هي عدم احرتامه لقاعدة حق الأ�سبقية وثانيهما هي ارتكابه للإيذاء غري العمدي
نتيجة هذا الفرق.
� 22رشيطة �أن يتعدى العجز �ستة �أيام.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 150
ب�سالمة الج�سم يمكن �أن ي�ؤثر على ال�سير الطبيعي لوظائفه و�أع�ضائه ي�شكل جريمة من جرائم
الإعتداء على �سالمة الج�سم �سواء ترك �أثرا ماديا �أو لم يترك �أثرا ،وال يقت�صر مدلول الج�سم
على الجانب المادي فقط و�إنما ي�شمل كذلك الجانب النف�سي وللعقلي.
151 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
❻
الجرائم الما�سة بالأموال :ال�سرقة والن�صب وخيانة الأمانة
تقديم :
�إن الرغبة في الح�صول على المال لدى الإن�سان كانت منذ القدم ،و�أن هذه الرغبة كلما
تحولت �إلى غاية وهاج�س �إال و�ضحى هذا الإن�سان بمبادئه وقيمه من �أجل ال�سيطرة عليه ،وقد
نهت كل الديانات ال�سماوية عن اال�ستعماالت ال�سيئة للمال �أو الح�صول عليه بطرق غير �سليمة،
فقد ورد في القران الكريم قوله تعالى « :وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها
إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وأنتم تعلمون« (الآية 188من �سورة
البقرة) .
وفي هذا الإطار �أ�ضحت الجريمة المالية �آفة الع�صر وظاهرته ومحاولة ح�صرها وو�ضع
تعريف لها لي�س بالأمر الهين وذلك لتعلقها بكافة الجوانب المالية واالقت�صادية وال�صناعية
والتجارية والإدارية ,فقد تكون �سرقة �أو ن�صبا �أو خيانة �أمانة �أو تزويرا �أو جريمة �شيك �أو احتياال
ماليا �أو تهربا �ضريبيا �أو جرائم غ�ش تجاري ،وقد تكون ر�شوة �أو ا�ستغالل غير م�شروع لل�سلطة
�أو الوظيفة متمثل في اختال�س �أموال الدولة �أو الم�شاريع العامة ,وعليه ف�إن الجرائم المالية ت�ؤثر
�سلبا على اقت�صاديات الدول وت�شكل تهديدا خطيرا للتنمية الم�ستدامة وتع�صف بالقيم الأخالقية
ومبادئ المواطنة ،كما �أن �آثارها على المدى الطويل تكون وخيمة على ا�ستقرار المجتمع و�سيادة
القانون وبناء الديمقراطية وهي بذلك تتميز عن باقي الجرائم العادية التقليدية التي يمكن
الت�صدي لها بو�سائل تختلف عن تلك التي ينبغي مواجهة الجرائم المالية بها.
و�سنق�سم درا�ستنا للمو�ضوع �إلى مبحثين :في الأول �سنتطرق لماهية بع�ض هذه الجرائم
و�أركانها وهي الجرائم الأكثر �شيوعا في الواقع العملي وفي الثاني �سنتناول العقاب المقرر لكل
جريمة على حدا.
المبحث الأول:ماهية الجرائم الما�سة بالأموال و�أركانها :ال�سرقة والن�صب
وخيانة الأمانة نموذجا
�إن جرائم الإعتداء على الأموال هي الجرائم التي تنال باالعتداء �أو تهدد بالخطر الحقوق
ذات القيمة المالية ،ويدخل في نطاق هذه الحقوق كل ذي قيمة اقت�صادية ،يدخل في نطاق
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 152
التعامل .1ف�إذا كانت الجرائم الما�سة بالأ�شخا�ص ت�ستهدف الإن�سان في حياته وبدنه و�شرفه
ف�إن الجرائم الما�سة بالأموال تن�صرف �إلى كل ما يمتلكه من �أموال وممتلكات.
وقد �أ�ضحت هذه الجرائم من �أخطر ما يم�س التعاي�ش واال�ستقرار االجتماعي ,خ�صو�صا
في ع�صرنا الحا�ضر الذي طغت فيه المادة وانحطت القيم وكثر ال�سعي للك�سب المادي ب�شتى
الطرق ولو كانت غير م�شروعة ,حيث نجد من الجناة من ي�ستبيح لنف�سه مال غيره ،في�ضيف
2
�إلى حوزته ما لي�س له بدال من ال�سعي �إلى اقتناء المال بالك�سب ال�شريف والرزق الحالل.
وتتنوع الجرائم الما�سة بالأموال بح�سب طبيعة فعل الإعتداء والهدف منه ،والحماية
الجنائية في مثل هذه الأحوال تكون لحق �أو م�صلحة يمكن تقويمها من الناحية المالية ،و �أكثر
الحقوق حماية هي الحقوق العينية ،وال�سيما حق الملكية وحق الحيازة وبخا�صة تلك المتعلقة
بالأموال المنقولة.
وقد حدد الم�شرع المغربي في التقنين الجنائي مجموعة من الجنايات والجنح التي
ت�ستهدف الأموال ،في الباب التا�سع من الكتاب الثالث من المجموعة الجنائية والمعنون ب:
»الجنايات والجنح المتعلقة بالأموال« والموزع على ت�سعة فروع ,غير �أننا �سنقت�صر في هذه
الدرا�سة على ثالث جرائم تعتبر �أكثر �شيوعا في واقعنا الحالي وهي جرائم ال�سرقة والن�صب
وخيانة الأمانة.
المطلب الأول :ماهية جريمة ال�سرقة وعنا�صرها
خ�ص�ص الم�شرع المغربي حيزا هاما من المجموعة الجنائية لجرائم ال�سرقة وانتزاع
الأموال ،وذلك في الف�صول من � 505إلى 539من القانون الجنائي ,مما يظهر لنا جليا �أن
ال�سرقة تتخذ في الواقع العملي �صورا مختلفة ومتعددة حاول الم�شرع جمعها قدر الم�ستطاع،
ليغطي �أي ثغرة قانونية يمكن �أن تخلف فراغا ت�شريعيا.
وال�سرقة هي اعتداء على ملكية منقول وحيازته بنية تملكه .3وقد عرفتها معظم الت�شريعات
الجنائية ب�إختال�س مال منقول مملوك للغير بنية تملكه وقد ن�ص عليها الم�شرع في الف�صل
505بقوله« :من اختل�س عمدا ماال مملوكا للغير يعد �سارقا ويعاقب من �سنة �إلى خم�س �سنوات
وغرامة من � 200إلى 500درهم».
11حممود جنيب ح�سني :املوجز يف �رشح قانون العقوبات ،الق�سم اخلا�ص ،دار النه�ضة العربية القاهرة،1993 ،
�ص.803.
22نورالدين العمراين� :رشح القانون اجلنائي اخلا�ص ،مطبعة الكرامة-الرباط .الطبعة الأوىل� ،2005 ،ص.281.
33نور الدين العمراين :مرجع �سابق� ،ص.283.
153 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ووا�ضح من هذا الن�ص �أن لجريمة ال�سرقة �أركان تقوم عليها وتميزها عن بع�ض الجرائم
الما�سة بالأموال.
فجريمة ال�سرقة التتحقق �إال بتوافر فعل مادي ي�شكل الركن المادي في هذه الجريمة وفعل
معنوي ي�ؤثر على العقوبة الم�ستحقة لهذه الجريمة بح�سب ما �إذا توافر لدى الجاني �أي ال�سارق
ظرف من ظروف الت�شديد الذي يرفع العقوبة �إلى الحد الأق�صى �أو عذر من الأعذار القانونية
التي قد تخفف عنه العقاب �أو تعفيه منه نهائيا بح�سب الأحوال.
الفقرة الأولى :عنا�صر جريمة ال�سرقة
يت�ضح من الن�ص القانوني ال�سابق ذكره� ،أن لجريمة ال�سرقة ركنين �أ�سا�سيين:
ركن مادي قوامه فعل الإختال�س ،وركن معنوي وهو الق�صد الجنائي الذي يت�ضمن نية
التملك� ،إال �أن تدقيق النظر في هذا التعريف يك�شف عن �أن ال�سرقة تفتر�ض وقوعها على مال
مملوك للغير ،وهذا المال �شرط مفتر�ض ي�سبق وقوع الجريمة.
وعليه �سنتولى فيما يلي تو�ضيح هذه العنا�صر.
�أوال :ال�شرط المفتر�ض �أو المال الم�سروق �أو محل الإختال�س:
ال�شرط المفتر�ض هو المركز القانوني الذي تحميه القاعدة الجنائية وهو بطبيعته �سابق
على �أركان الجريمة وم�ستقل عن ن�شاط فاعلها و بدون قيام ال�شرط المفتر�ض ،ال يت�صور وقوع
العدوان الذي يحظره �شق التكليف في القاعدة الجنائية .لذا كان الحديث عن �أركان الجريمة،
1
يفتر�ض حتما قيام المركز القانوني محل الحماية الجنائية.
وعليه ،فال تتحقق جريمة ال�سرقة بالإختال�س الواقع على مطلق الأ�شياء ،و�إنما يلزم لقيامها
�أن تقع عدوانا على حق ملكية الغير على المنقول و بالتالي كان من مقومات ال�شرط المفتر�ض
في جريمة ال�سرقة� ،أن تجتمع في محل الجريمة �صفات معينة تتعلق في جانب منها بالمال
الم�سروق ,فيجب �أن يكون ماال وهذا المال يجب �أن يكون منقوال ،وفي جانب ثان تتعلق بالعالقة
القائمة بين المال والمجني عليه في الجريمة ،وهي �أن يكون المال المنقول مملوكا للغير.
� - 1صفة المال في محل ال�سرقة
ي�شترط �أن يكون محل ال�سرقة ماال والمق�صود بالمال هنا كل �شيء مادي قابل للتملك،
2
وتكون له قيمة مادية ويدخل في عنا�صر الذمة المالية لل�شخ�ص.
11عبد العظيم مر�سي :ال�رشوط املفرت�ضة يف اجلرمية ،دار النه�ضة العربية ،القاهرة� ،1983 ،ص 82.وما بعدها.
22نائل عبد الرحمان �صالح� :رشح قانون العقوبات الق�سم اخلا�ص ،اجلرائم الواقعة على الأموال ،دار الفكر عمان،
� ،1989ص.43.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 154
وهذا يعني �أن كل �شيء لي�س له كيان مادي ملمو�س يجعله قابال للتملك ال ي�صدق عليه
و�صف المال ،وال ي�صلح بالتالي �أن يكون مو�ضوعا لل�سرقة .وهكذا فالأ�شياء المعنوية التي
لي�س لها كيان مادي ملمو�س ،الت�صلح �أن تكون مو�ضوعا لل�سرقة كالأفكار و النظريات العلمية
والحقوق العينية .لكن �إذا �أ�صبح لهذه الأموال كيان مادي ،كما لو دونت النظريات العلمية في
كتاب �أو �شريط م�سجل� ،أو تم �إثبات الحقوق العينية �أو ال�شخ�صية في وثيقة ر�سمية ،عندئذ
1
ي�صبح للمال كيان مادي قابل للتملك وي�صبح اختال�سه �سرقة.
� - 2صفة المال المنقول
يجب �أن يكون المال محل ال�سرقة ماال منقوال يمكن نقله من مكان �إلى �أخر� ،أما العقارات
بطبيعتها فهي �أموال ثابتة غير ممكن �إختال�سها �إال �إذا تحولت �إلى منقوالت بطبيعتها ،كقطع
ال�شجرة و�إختال�سها �أو �إختال�س �أجزاء من باب (�أبواب عمارة �أو نوافذها مثال).
فكل مال يمكن نقله من مكان لآخر ،يعد منقوال من الوجهة الجنائية حتى و �إن كان من
الوجهة المدنية يعد عقارا بالتخ�صي�ص ،ذلك �أن العقارات بالتخ�صي�ص ما هي �إال منقوالت
يخ�ص�صها �صاحب العقار بالطبيعة لخدمة هذا العقار ،كالموا�شي والآالت الزراعية التي
يخ�ص�صها لخدمة مزرعته ،وكالمنا�ضد والكرا�سي التي ي�ضعها �صاحب المقهى �أو الفندق
لخدمة هذا الأخير ...فهذه منقوالت يمكن نقلها من حيازة �صاحبها ،وبالتالي ت�صلح محال
2
لل�سرقة.
- 3ملكية الغير للمال المختل�س
ينبغي �أن يكون ال�شيء الم�سروق مملوكا للغير� ،سواء كان ملكية خا�صة �أو على ال�شياع ولفظ
الغير هنا ين�صرف �إلى كل �شخ�ص �أجنبي عن الجاني �سواء كان معروفا �أو غير معروف,
ف�إذا اختل�س �شخ�ص �شيئا يملكه ،معتقدا �أنه يعود للغير،ال يعد �سارقا ،على الرغم من نيته
الإجرامية .و ينطبق نف�س الحال على المالك الذي ي�ستحوذ على �شيء �سبق �أن �سلمه للغير
كرهن �أو تنفيذا لعقد قر�ض �أو وديعة �أو �إيجار.
وهذا الو�صف الذي ينبغي توفره في المال حتى ي�صلح محال لجريمة ال�سرقة ال ي�شترط فيه
ثبوت ملكية الغير للمنقول وفقا لأحكام القانون المدني ،و�إنما يكفي �أن تثبت �سلطات االتهام
�أمرين اثنين :عدم ملكية المتهم للمنقول ،وكونه لي�س من الأ�شياء المباحة .وال �أهمية لتحديد
ال�شخ�ص ال�ضحية في ال�سرقة للقول بوقوعها� ،إذ �أن �إثبات ملكية الغير هو �أف�ضل و�سيلة لإثبات
�أن ال�شيء ال يملكه الجاني .من �أجل ذلك كان الجانب الهام للم�س�ألة متمثال لي�س في معرفة
1
المالك ،و�إنما في معرفة �أن الجاني لي�س هو المالك.
وهكذا تتحقق ال�سرقة في حالة بقاء المالك مجهوال ،وكذلك في حالة �سرقة �أ�شياء و�ضعت
فوق �أو داخل القبر �أو �أ�شياء و�ضعت داخل الم�ساجد �أو الأ�ضرحة للزينة �أو رهن الإ�ستعمال من
لدن الم�صلين �أو الزائرين.
وهذا الإتجاه خالفته قرارات المجل�س الأعلى �سابقا-محكمة النق�ض حاليا� -إذ جاء في
�أحد قراراته �أن � » :سرقة مخدرات ال مالك لها ومن داخل �سيارة مهملة ومتخلى عنها يجعل
عنا�صر ال�سرقة غير متوفرة«*.قرار المجل�س الأعلى �سابقا �صادر بتاريخ 08-09-30تحت عدد
8/1554في الملف عدد 07/15659من�شور بمجلة الملف عدد� 14ص*. 303 .
كما تتحقق هذه الجريمة �أي�ضا في حالة اختال�س �أ�شياء من الأمالك العامة �أو الخا�صة
للدولة مع مراعاة �أمرين� :أولهما �أنه في حالة وجود ن�صو�ص خا�صة تقرر جزاءات معينة عن
اختال�س �أ�شياء مملوكة للدولة ،كالقوانين الخا�صة بالمحافظة على الغابات و�إ�ستخراج المعادن
والمياه الجوفية والمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقو�شة�2...أ�صبح
لزاما تطبيقها بدال من الن�صو�ص المعاقبة على ال�سرقة �أخذا بقاعدة الن�ص الخا�ص يقيد
الن�ص العام .و م�ؤدى الأمر الثاني� ،أنه ال يطبق حكم ال�سرقة على اختال�س ال�شيء الداخل في
عداد الملك العام ك�أخذ كمية قليلة من الرمل �أو التراب �أو الحجر من �شاطئ �أو نهر من �أمالك
الدولة العامة �أو الخا�صة لأن ذلك مما جرى العرف بالت�سامح فيه.
ثانيا :الركن المادي في ال�سرقة (فعل الإختال�س)
يحتل عن�صر الإختال�س �أهمية بارزة بالن�سبة للعنا�صر المكونة لجريمة ال�سرقة .بيد �أن
تحديد مدلوله وم�ضمونه ينطوي على قدر من الدقة ،خ�صو�صا و�أن الم�شرع المغربي لم يعرف
الإختال�س من جهة ،ثم �إنه �أورد هذا الم�صطلح في ن�صو�ص جنائية �أخرى غير ال�سرقة من
جهة �أخرى كما في جريمة الإختال�س التي يرتكبها الموظفون ،وفي جريمة خيانة الأمانة .مما
قد ي�ضفي قدرا من الغمو�ض على مدلوله ويفقده داللته القانونية الدقيقة.
وعليه �سنحاول في هذا ال�صدد تحديد مفهوم الإختال�س ،وعنا�صره.
11عبد احلفيظ بلقا�ضي :القانون اجلنائي اخلا�ص ،الطبعة الثانية ،دار الأمان -الرباط � .2009ص.139.
22ين�ص ظهري 25دجنرب 1980ب�ش�أن املحافظة على املباين التاريخية يف ف�صله التا�سع و الأربعني على مايلي�« :إن التحف
الفنية والعاديات املنقولة املكت�شفة خالل عمليات حفر م�أذون فيها �أوخالل �أعمال ما ت�صبح ملكا للدولة »...راجع ب�ش�أن
العقوبات اخلا�صة التي ين�ص عليها هذا الظهري يف الف�صول 52ـ 54منه.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 156
11مبارك ال�سعيد بن القائد :القانون اجلنائي اخلا�ص ،الطبعة ،1الرباط� ،2000 ،ص.238.
22مثله مثل القانون امل�رصي وهذا خالف بع�ض الت�رشيعات كالكويتي الذي عرف الإختال�س بالقول« :يعد اختال�سا كل
فعل يخرج به الفاعل ال�شيء من حيازة غريه دون ر�ضاه ولو عن طريق غلط وقع فيه هذا الغري ليدخله بعد ذلك يف
حيازة �أخرى».
� 33أحمد اخلملي�شي :القانون اجلنائي اخلا�ص ،مكتبة املعارف للن�رش و التوزيع ،الرباط� ،1986 ،ص.291.
� 44أبو املعاطي حافظ �أبو الفتوح� :رشح القانون اجلنائي الق�سم اخلا�ص� ،ص.179.
55عبد احلميد املن�شاوي :جرائم ال�رسقات ،دار الفكر اجلامعي (الإ�سكندرية) � ،1994ص.12.
66عبد احلفيظ بلقا�ضي :مرجع �سابق� ،ص.141.
157 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
هذا المفهوم ال�ضيق لالختال�س ،ي�ؤدي �إلى عدم تجريم عدة �سلوكيات كال�سرقات في البيع
نقدا �أو �سرقة �أ�شياء �سلمت لمجرد الإطالع عليها،ما دام الجاني لم ينتزع ال�شيء� ،إذ �سلم �إليه
طوعا .كما �أن هذا الت�صور اليجرم الحاالت التي يح�صل فيها الجاني على ال�شيء نتيجة �صدفة
�أو حادث فجائي مثال.1
ـ النظرية الحديثة :ظهرت الإرها�صات الأولى لهذه النظرية والتي تعرف �أي�ضا
بالنظرية القانونية ،في بع�ض �أحكام الق�ضاء الفرن�سي .لكن الف�ضل في �صياغتها يعود للفقيه
الفرن�سي (جار�سون) الذي عرف الإختال�س على �أنه �« :إ�ستيالء على الحيازة بالرغم �أو دون
�إرادة المالك �أو الحائز ال�سابق� .إنه غ�صب للحيازة الحقيقية بعن�صريها المادي والمعنوي
المتزامنين والمقترنين».
وتعريف جار�سون للإختال�س على النحو المتقدم ،لم يكن من ن�سج خياله بل �سبقته
�إليه �أحكام الق�ضاء الفرن�سي .غير �أن ف�ضل جار�سون �أنه عكف على ت�أ�صيل �أحكام الق�ضاء
الفرن�سي في ال�سرقة ،و�صاغ منها نظريته في الإختال�س التي �أ�س�سها على نظام الحيازة في
القانون المدني.
والحيازة في ر�أي جار�سون هي �سيطرة واقعية و �إرادية للحائز على ال�شيء تخوله �إمكانية
االنتفاع به �أو تعديل كيانه �أو تحطيمه �أو نقله.2
وهكذا ينقل هذا الفقيه �إلى المادة الجنائية ،المفهوم المدني للحيازة الذي ي�شمل
عن�صرين :الأول مادي يخول للمالك �سلطة على ال�شيء كحرا�سته واالنتفاع به...والثاني معنوي
يكمن في قناعة المالك ب�أنه يحوز ال�شيء لنف�سه ولفائدته دون �سواه.
ويترتب عن ذلك� ،أن مفهوم الإختال�س يقوم حينما ينعدم لدى الجاني مفهوم الحيازة
بعن�صريها المادي و المعنوي :مثال �سرقة الب�ضائع المعرو�ضة ،والن�شل ,كما يقوم حينما
اليكون للجاني �سوى مجرد و�ضع يد مادي على ال�شيء ،حيث تكون له عليه �سلطة واقعية
محدودة تختلف كثيرا عن العن�صر المادي في الحيازة ،دون وجود �أي عن�صر معنوي يقابله:
مثال حالة زبون الفندق الذي ي�ستولي على الأ�شياء المتروكة لخدمته في الغرفة التي ت�أويه� ،أو
الأجير الذي يختل�س �أدوات �أو مواد ي�ستعملها في عمله.3
وعلى العك�س من ذلك ،ال يوجد اختال�س بالن�سبة لمن يتوافر لديه مفهوم الحيازة التامة:
وهكذا ال يعد �سارقا الم�شتري بال�سلف الذي بعد �أن تذرع بحجة خادعة ،رف�ض �أداء �أحد
الأق�ساط الم�ستحقة عليه .بل وينعدم الإختال�س حتى لو توافر العن�صر المادي للحيازة لدى
الفاعل دون العن�صر المعنوي ،فنحن هنا �أمام حيازة عار�ضة.
- 2عنا�صر الإختال�س:
من تعريف جار�سون ال�سابق لالختال�س ،يتبين �أن فكرة الإختال�س في جريمة ال�سرقة،
تقوم على عن�صرين �أولهما الإ�ستيالء على الحيازة وثانيهما انعدام ر�ضى مالك ال�شيء �أو
حائزه بهذا الإ�ستيالء.
�أ � -سلب الجاني للمال و�إخراجه من حيازة المجني عليه و �إ�ضافته لحيازته :
ي�شترط لقيام جريمة ال�سرقة �أن يقوم الجاني ب�إخراج المال من حيازة المجني عليه،
و�إ�ضافته �إلى حيازته بال�سيطرة عليه والظهور عليه بمظهر المالك ،وهذا �شرط �ضروري لقيام
ال�سرقة .وعليه فكل فعل مادي ال يتحقق به �إخراج الحيازة بالمعنى ال�سابق ،ال ي�شكل اختال�سا
تقوم به ال�سرقة .ونحو ذلك �أن يك�سر �شخ�ص �آنية ثمينة عمدا 1بدون نية اختال�سها ،فهذا
الفعل المادي 2وكما هو ظاهر ،ي�شكل �إخراجا لل�شيء �أو المال من حيازة �صاحبها ال�شرعي،
ولكنه الي�ضيف �شيئا �أو ماال �إلى حيازة الجاني ،و�إن هو �شكل جريمة فهي من جرائم الإتالف
العمد ،ولي�ست ال�سرقة.3
ثم �إنه ينبغي التمييز بين واقعة الت�صرف في المال �أو ال�شيء الم�سروق �أو الإ�ستفادة منه
ب�أي وجه من الوجوه ،وبين واقعة الإختال�س كركن مادي في ال�سرقة .ذلك �أن الت�صرف في
المال �أو الإ�ستفادة منه ي�أتي دائما في مرحلة زمنية الحقة �أو مرافقة لالختال�س على الأقل.4
هذا وال تهم الو�سيلة الم�ستخدمة لتحقق الإختال�س ،في�ستوي في ذلك �إ�ستخدام مجهود
ع�ضلي �أو �آلي لإخراج الت�صرف المجرم �إلى حيز الوجود.
ب -انتفاء ر�ضى المجني عليه ب�إخراج المال من حيازته:
بالرجوع �إلى الن�ص القانوني �أي الف�صل 505من القانون الجنائي نجد �أنه لم ي�شر �إلى هذا
ال�شرط ،ولكن ال�سائد فقها وقانونا هو �ضرورة تطلبه ,فهو عن�صر الزم لتحقق الإختال�س� ،إذ
بدونه ال يتحقق معنى الإعتداء على الحيازة.ف�إذا ر�ضي ال�شخ�ص ب�أن ي�ستولي الغير على ماله
�صراحة �أو �ضمنا ،فال مجال للحديث عن ال�سرقة.
� 11أو يحرق م�ستندا �أو ت�صميما �أو ما �شاكل هذه الأفعال ،وذلك قبل �أن ي�ضمها �إىل حيازته.
� 22أما �إذا مل ي�صدر عن ال�شخ�ص �أي فعل مادي ،ولكن املال �أو ال�شيء و�صل �إىل حيازته دون �سعي منه لذلك ،فال يعد
واحلالة هذه �سارقا.
33عبد الواحد العلمي ،مرجع �سابق� ،ص.334.
44نورالدين العمراين ،مرجع �سابق� ،ص.285.
159 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
هذا وينبغي �أن يكون الر�ضا �سابقا على الإختال�س �أو على الأقل معا�صرا �إياه� ,أما الر�ضا
الالحق له فهو من قبيل ال�صفح �أو التنازل الذي يحول دون المطالبة المدنية ،ولكنه ال ي�ؤثر
في قيام الجريمة.1
والر�ضا المعول عليه هو الر�ضا ال�صادر عن �إرادة مدركة حرة� .أما �إذا انعدم الإدراك كما
هو الحال بالن�سبة للمجنون �أو ال�سكران �أو ال�صغير غير المميز �أو �إذا انعدم الإختيار كما هو
الحال بالن�سبة للمكره �أو الم�ضطر ،ينعدم الر�ضا الذي يمنع قيام الجريمة.
والر�ضا قد يكون �صريحا �أو �ضمنيا و يكون �صريحا �إذا عبر مالك ال�شيء �أو حائزه عن
موافقته على الإ�ستيالء عليه باللفظ �أو بالكتابة �أو بالإ�شارة المتداولة عرفا �أو باتخاذ موقف ال
تدع ظروف الحال مجاال لل�شك في داللته على حقيقة المق�صود.2ويكون الر�ضا �ضمنيا �إذا لم
يعبر عنه ال�شخ�ص �صراحة ،ولكن �أمكن �إ�ستخال�صه مع ذلك مما �أحاط بالواقعة من ظروف.
الفقرة الثانية :الق�صد الجنائي
جريمة ال�سرقة من الجرائم العمدية ،يلزم توافر الق�صد الجنائي فيها ب�أن تتجه �إرادة
الجاني �إلى اقتراف الوقائع المكونة لهذه الجريمة مع علمه بحقيقة هذه الوقائع.3بيد �أن
تحديد مفهوم الق�صد الجنائي لل�سرقة ،ينطوي على قدر من الدقة وال�صعوبة ,حيث يثار
الت�سا�ؤل حول طبيعة هذا الق�صد :هل ي�شترط الق�صد العام فقط �أم البد من توافر الق�صد
الخا�ص في ال�سرقة؟ ثم متى ي�شترط توافر هذا الق�صد؟
- 1مفهوم الق�صد الجنائي في جريمة ال�سرقة:
يتحقق الق�صد الجنائي في ال�سرقة بان�صراف �إرادة الجاني �إلى �إختال�س المال المنقول على
الرغم من علمه ب�أنه مملوك للغير .فجريمة ال�سرقة من الجرائم العمدية التي ال ي�س�أل مرتكبها
�إال �إذا توفر لديه ق�صد جنائي وهو ما �أ�شار �إليه الم�شرع المغربي في الف�صل ( )505عندما
ا�ستعمل عبارة »عمدا« ،و�إن محاكم المو�ضوع ملزمة ببيان توافر هذا العن�صر من عدمه.
وبهذا الخ�صو�ص جاء في قرار �صادر عن المجل�س الأعلى �سابقا �أنه » :لما كانت المحكمة
قد �أدانت الطاعن من �أجل جريمة ال�سرقة دون بيان لعن�صر العمد الذي يتكون من فعل
الإ�ستيالء عمدا على �شيء مملوك للغير لم يكن م�سلما �إليه وال م�ؤمنا عليه مما �أ�صبح معه
11ر�ؤوف عبيد :جرائم الإعتداء على الأ�شخا�ص والأموال ،دار الفكر العربي ،الطبعة الثامنة� ،1985 ،ص.315.
22نائل عبد الرحمان �صالح :مرجع �سابق� ،ص.30.
33عبد الواحد العلمي :مرجع �سابق� ،ص.351.
قرار عدد 7567بتاريخ 83-10-25يف امللف عدد 14962من�شور بقرارات املجل�س الأعلى املادة اجلنائية 86-66
�ص 197.وما يليها*.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 160
المجل�س غير متمكن من مراقبة توفر هذا العن�صر ف�إن القرار المطعون فيه يتعر�ض بذلك
للنق�ض« *.
وعليه فالق�صد الجنائي في هذه الجريمة يقوم على عن�صرين:
•الإرادة :حيث ينبغي �أن تتجه �إرادة الجاني �إلى الإ�ستيالء على المال المنقول،ب�سلب
حيازته التامة من حائزه القانوني والظهور عليه بمظهر المالك.
وبناء على ذلك ،ينتفي الق�صد الجنائي �إذا قام �شخ�ص ب�أخذ �شيء منقول مملوك للغير
لكن دون توجيه �إرادته �إلى واقعة الأخذ .كما ينتفي �أي�ضا �إذا قام ب�أخذ المنقول المملوك للغير
نتيجة �إكراه �أو معتقدا �أنه ملك له �أو �أن المال مباح .كما ال يتوافر الق�صد في ال�سرقة �إذا تم
�أخذ ال�شيء بق�صد ا�ستعماله ثم �إعادته ل�صاحبه مرة �أخرى ،لأن الأخذ هنا لم يكن مق�صودا
به نقل الحيازة التامة لل�شيء.1
•العلم :ال يكفي لتحقق الق�صد الجنائي في ال�سرقة �أن تتجه �إرادة الجاني �إلى �أخذ المال
المنقول محل الجريمة ،بل البد �أن يكون هذا الأخير ،عالما ب�أن ال�شيء المنقول الذي يختل�سه
مملوك للغير و�أن هذا الإ�ستيالء ح�صل بدون ر�ضى المالك.
هذا ويختلف الق�صد الجنائي �إذا كان ال�شخ�ص يعتقد عن ح�سن نية ب�أنه ي�أخذ ماال تعود
ملكيته �إليه� ،أو �أن �صاحبه را�ض عن �أخذه له.2
هذه هي العنا�صر الالزم توافرها لقيام الق�صد الجنائي-بمفهومه العام -في جريمة
ال�سرقة� .إال �أن بع�ض الفقه يرون �ضرورة توافر ق�صد جنائي خا�ص �إلى جانب الق�صد العام
لقيام الجريمة ،والق�صد الخا�ص في نظر ه�ؤالء يتمثل في نية تملك ال�شيء الم�سروق.
- 2معا�صرة الق�صد لفعل الإختال�س:
من القواعد المقررة في نظرية الق�صد الجنائي� ،ضرورة اقتران �أو معا�صرة هذا الق�صد
للفعل الذي يقوم به الركن المادي للجريمة� .أما �إذا كان الق�صد الحقا فال عبرة به .لكن
ال�س�ؤال الذي يثور يتعلق بتحديد اللحظة الزمنية التي تتحقق فيها واقعة الإختال�س؟
بع�ض الفقهاء يرون �أن هذه الواقعة متحققة ،في ذات الوقت الذي يتحقق فيه الإ�ستيالء
المادي على ال�شيء .ولذا وجب �أن يتوافر لدى الفاعل الق�صد الجنائي في هذه اللحظة�،أما �إذا
تخلف فال يكون الإ�ستيالء عمديا .و يترتب على ذلك� ،أن جريمة ال�سرقة ال يقوم لها وجود �إذا
ما وجد الق�صد بعد ذلك .ومن �أمثلة ذلك �أن ي�ستولي �شخ�ص على محفظة �شخ�ص �آخر خط�أ
فيرتئي الإحتفاظ بها بعدما وجد بها �شيئا ثمينا ،ففي هذه الحالة ال يعد ال�شخ�ص �سارقا لأن
الق�صد الجنائي لم يتوفر لحظة الإ�ستيالء على المحفظة.
بينما يذهب اتجاه �آخر �إلى القول ب�أنه ال يلزم توافر نية التملك لحظة �إرتكاب ال�سلوك،
ويكفي �أن تتوافر في لحظة الحقة .ويبني هذا االتجاه ر�أيه على �أ�سا�س �أن الإختال�س لي�س هو
مجرد الإ�ستيالء المادي على ال�شيء ،بل �إنه يتطلب �سلبا كامال للحيازة �أي �أن يتوافر لدى
الجاني نية التملك في اللحظة التي ي�ستجمع فيها الجاني عنا�صر الحيازة الكاملة بجانبيها
المادي والمعنوي.
والجدير بالذكر ,ف�إن المحكمة ملزمة ببيان العنا�صر التكوينية لجريمة ال�سرقة كما تم
تف�صيلها �أعاله قبل الحكم بالإدانة و�إال تعر�ض قرارها للنق�ض كما اقر ذلك المجل�س الأعلى
�سابقا في �أحد قراراته من �أن�» :إدانة الطاعن بجنحة ال�سرقة على �أ�سا�س �أن موا�صفات
الدراجة النارية الم�سروقة هي نف�سها التي وردت على ل�سان ال�شاهد دون �إبراز العنا�صر
التكوينية للجنحة كما يقت�ضي ذلك القانون الجنائي من �أن يعمد ال�سارق �إلى الإ�ستيالء على
�شيء مملوك للغير و�أن يتم ذلك عن طريق الخل�سة وب�سوء نية تكون المحكمة بذلك قد بنت
ق�ضاءها على االحتمال الذي ي�سقط به اال�ستدالل وجاء قرارها تبعا لذلك م�شوبا بنق�صان
التعليل المنزل منزلة انعدامه».1
المطلب الثاني � :أركان جريمتي الن�صب وخيانة الأمانة
�سنعمل من خالل هذا المطلب على درا�سة جريمة الن�صب في (الفقرة الأولى) لنخ�ص�ص
(الفقرة الثانية) لمناق�شة جريمة خيانة الأمانة.
الفقرة الأولى :ماهية و�أركان جريمة الن�صب
لقد �أعطى الفقه تعريفات كثيرة لجريمة الن�صب� ،إذ عرفها البع�ض بكونها ا�ستيالء على
منقول مملوك للغير الذي يتم خداعه ق�صد حمله على ت�سليمه �إياه بمح�ض �إرادته وقال البع�ض
الآخر �أن جريمة الن�صب هي ا�ستعمال الجاني لأي و�سيلة من و�سائل التدلي�س المحددة على
�سبيل الح�صر بق�صد حمل المجني عليه على ت�سليم ماله �إلى الجاني .وتتميز هذه الجريمة
ب�أنها ت�ستهدف الإعتداء على الملكية �إذ �أن الجاني يهدف من �إ�ستعمال الو�سائل الإحتيالية �إلى
الإ�ستيالء على كل �أو بع�ض مال الغير كما �أنها تتعدد فيها �سلوكات المجرم� ,إذ يبد�أ الجاني
باللجوء �إلى الت�أثير على �إرادة ال�شخ�ص المخاطب ب�إ�ستعمال الإحتيال ثم تنخدع ال�ضحية
11قرار عدد 387بتاريخ 2014-04-17يف امللف اجلنحي عدد 4417من�شور مبجلة ق�ضاء حمكمة النق�ض عدد 77
�ص 361.وما يليها.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 162
لتعمد بالت�صرف ت�صرفا م�ضرا بم�صالحها �أو م�صالح غيرها ثم تنق�ضي با�ستيالء الجاني
على مالها.
وقد نظم الم�شرع المغربي جريمة الن�صب في الف�صول من � 540إلى 546من المجموعة
الجنائية وحدد لها عنا�صرها التكوينية في الف�صل 540الذي ين�ص على �أنه «يعد مرتكبا
لجريمة الن�صب ،ويعاقب بالحب�س من �سنة �إلى خم�س �سنوات وغرامة من خم�سمائة �إلى
خم�سة �آالف درهم ،من ا�ستعمل الإحتيال ليوقع �شخ�صا في الغلط بت�أكيدات خادعة �أو �إخفاء
وقائع �صحيحة �أو ا�ستغالل ماكر لخط�أ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك �إلى �أعمال تم�س م�صالحه
�أو م�صالح الغير المالية بق�صد الح�صول على منفعة مالية له �أو ل�شخ�ص �آخر«.
ويتبين من قراءة هذا الف�صل �أن الم�شرع المغربي قد حدد لهذه الجريمة الأركان العامة
المتطلبة لقيام �أي جريمة والمتمثلة في ا�شتراط الركنين المادي والمعنوي لم�ساءلة الجاني
عن ارتكابه للن�صب وتوقيع العقاب الم�ستحق عليه ,ويتمثل الركن المادي في تمكن الجاني عن
طريق الإحتيال من التو�صل �إلى الإ�ستيالء على مال الغير �ضحية هذا الإحتيال ،و�أما الركن
المعنوي فقوامه توافر الق�صد الجنائي لدى الجاني.
�أوال :الركن المادي:
عبر الم�شرع المغربي في الف�صل 540من القانون الجنائي على ماهية الركن المادي
لجريمة الن�صب بقوله « يعد مرتكبا لجريمة الن�صب...... ،من ا�ستعمل الإحتيال ليوقع
�شخ�صا في الغلط بت�أكيدات خادعة �أو �إخفاء وقائع �صحيحة �أو ا�ستغالل ماكر لخط�أ وقع فيه
غيره ويدفعه بذلك �إلى �أعمال تم�س م�صالحه �أو م�صالح الغير المالية بق�صد الح�صول على
منفعة مالية له �أو ل�شخ�ص �آخر».
�إذن فالركن المادي لهذه الجريمة يتوفر بتحقق عنا�صره الثالث:
- 1ن�شاط �إجرامي :هو الإحتيال على المجني عليه ب�إحدى و�سائل الإحتيال التي حددها
الف�صل 540من القانون الجنائي.
- 2نتيجة �إجرامية :هي �إيقاع المجني عليه في غلط يدفعه �إلى �أعمال تم�س م�صالحه �أو
م�صالح الغير المالية.
- 3عالقة �سببية :تربط الن�شاط الإجرامي بالنتيجة الإجرامية.
- 1الن�شاط الإجرامي المتمثل في ا�ستعمال الإحتيال:
بالن�سبة لهذا العن�صر فالم�شرع لم يحدد ماهية الإحتيال على المجني عليه ،و�إنما قام
بح�صر العنا�صر التي يتحقق بها هذا العن�صر وهي:
163 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
- 2النتيجة الإجرامية:
وفي ما يخ�ص العن�صر الثاني المتعلق ب�إيقاع المجني عليه في غلط يدفعه �إلى �أعمال تم�س
م�صالحه �أو م�صالح الغير المالية ،فهو النتيجة التي يجب �أن تترتب عن العن�صر الأول حيث
يتعين �أن ي�ؤدي ا�ستعمال المتهم لو�سائل الإحتيال �إلى �إيقاع المجني عليه في الغلط الذي يدفعه
�إلى �أعمال تم�س م�صالحه �أو م�صالح الغير المالية .1فالنتيجة في جريمة الن�صب تتحقق
بالإ�ستيالء على مال المجني عليه� ،أما �إذا لم يتم ت�سليم المال رغم ا�ستنفاذ الجاني لجميع
الو�سائل الإحتيالية فالأفعال تكيف على �أنها محاولة الن�صب وال ت�شكل جريمة الن�صب التامة.
وبالن�سبة للعمل الق�ضائي في المغرب ،ف�إنه تجب الإ�شارة �إلى �أن حدوث ال�ضرر يبقى
عن�صرا �أ�سا�سيا لقيام جريمة الن�صب وهو ما �أقره المجل�س الأعلى �سابقا في العديد من
القرارات حيث جاء في �أحد قراراته �إن» :جرائم التزوير والن�صب وخيانة الأمانة ال تتم
عنا�صرها �إال بحدوث ال�ضرر».
- 3العالقة ال�سببية بين الن�شاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية:
وف�ضال عن العن�صرين ال�سابقين ،ي�ستوجب الركن المادي لجريمة الن�صب عن�صرا ثالثا
هو العالقة ال�سببية بين احتيال المتهم وقيام المجني عليه ب�أعمال تم�س م�صالحه �أو م�صالح
غيره المالية ،باعتبار هذه الأخيرة جريمة من جرائم النتيجة ،فال يكفي في ركنها المادي
ا�ستعمال المتهم الإحتيال بق�صد خداع المجني عليه وقيام الأخير ب�أعمال تم�س م�صالحه �أو
م�صالح الغير المالية ،و�إنما يلزم كذلك توافر عالقة ال�سببية بين �إ�ستعمال المتهم الإحتيال
وبين وقوع المجني عليه في الغلط وبين قيامه ب�أعمال تم�س م�صالحه �أو م�صالح الغير المالية.2
وم�س�ألة �إ�ستخال�ص العالقة ال�سببية ترجع لقا�ضي المو�ضوع والذي عليه �أن يتحقق من وجودها
�أو انتفائها من خالل الظروف والمالب�سات المرتبطة بكل ق�ضية على حدة ووقائعها ،كما �أنه
يوكل �إليه تقدير نوعية الو�سائل الإحتيالية التي ا�ستعملها الجاني وتحديد ما �إذا كانت هي التي
دفعت المجني عليه �إلى القيام بعمل ي�ضر بم�صالحه المالية �أم ال .
املذكور �صحتها� ،أو واقعة �صحيحة يتوهم عدم �صحتها ،وي�ستوي �أن يكون الغلط الذي وقع فيه املجني عليه غلطا يف
القانون �أو غلطا يف ذات ال�شيء �أو نوعه �أو يف �صفة فيه �أو غلطا يف �شخ�ص املتهم �أو �صفته.
* 11قرار عدد 3/338بتاريخ 96-03-19يف امللف عدد 95/4656من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد 49و50
�ص. 183
الغلط هو حالة تقوم بنف�س املجني عليه حتمله على توهم غري الواقع .وغري الواقع �إما يكون واقعة غري �صحيحة يتوهم
املذكور �صحتها� ،أو واقعة �صحيحة يتوهم عدم �صحتها ،وي�ستوي �أن يكون الغلط الذي وقع فيه املجني عليه غلطا يف
القانون �أو غلطا يف ذات ال�شيء �أو نوعه �أو يف �صفة فيه �أو غلطا يف �شخ�ص املتهم �أو �صفته.
22قرار �صادر بتاريخ 77-5-19حتت عدد 745يف امللف اجلنحي عدد 41900من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى
عدد59و� 60ص**-. 451.
-حممد عبد احلميد الألفي ،املرجع ال�سابق� ،ص6529.
165 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
11حممد عبد احلميد الألفي ،جرائم خيانة الأمانة والتملك بدون حق يف القانون املغربي ،الدار امل�رصية املغربية للن�رش
والتوزيع� ،ص.3.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 166
وف�ضال عن �أن يكون المال منقوال ومملوكا للغير يجب ت�سليم المال على �سبيل الأمانة ،وعبر
الم�شرع على ذلك في الف�صل 547عن ماهية ت�سليم الأموال مو�ضوع جريمة خيانة الأمانة �إلى
المتهم ب�أنها « كانت �سلمت �إليه على �أن يردها �أو �سلمت �إليه ال�ستعمالها �أو �إ�ستخدامها لغر�ض
معين» .ولم ي�شترط الم�شرع في الف�صل المذكور لقيام الجريمة �أن يكون ت�سلم المتهم للمال
بناء على عقد من عقود الأمانة ،و�إنما جعل قيامها منوطا بت�سلمه �إياه ت�سليما ناقال للحيازة
الناق�صة بحيث يكون واجبا عليه رده �أو �إ�ستعماله �أو �إ�ستخدامه لغر�ض معين.1
فال قيام لجريمة خيانة الأمانة �إذا كان ت�سليم المال �إلى المتهم ت�سليما ناقال للملكية �أو
الحيازة الكاملة ،كما في حالة الت�سليم بناء على عقد بيع �أو هبة �أو معاو�ضة �أو قر�ض.
- 2بعد الحديث عن ال�شروط المتعلقة بمو�ضوع الجريمة ،الآن �سنتطرق �إلى فعل الإختال�س
والتبديد لما لهذين الأخيرين من خ�صو�صية في هذه الجريمة ،فالإختال�س في جريمة خيانة
الأمانة هو ظهور الأمين على ال�شيء الم�سلم �إليه بمظهر المالك� ،إما باالمتناع عن رده دون
مبرر م�شروع ،و �إما بالت�صرف فيه ت�صرفا ال ي�صدر �إال عن مالكه بالرغم من بقائه في حيازته.
فيتحقق الإختال�س بادعاء المتهم (على خالف الحقيقة) عدم وجود المال مو�ضوع الجريمة
في حيازته الناق�صة بق�صد التخل�ص من التزامه برده �إلى �صاحبه واالحتفاظ به لنف�سه ،كما
�أدعى ت�سلمه �أ�صال �أو ادعى رده� ،أو تلفه �أو هالكه �أو �سرقته.2
ويتحقق �أي�ضا بالإمتناع عن رد ال�شيء �إلى �صاحبه بمجرد طلبه �أو عند �إنتهاء �سبب حيازته
الناق�صة ،دون مبرر م�شروع كما يتحقق كذلك بكل فعل �إيجابي ال ي�صدر �إال عن مالك يقترفه
الأمين مع بقاء ال�شيء في حيازته ،ككراء ال�شيء �أو �إعارته �أو رهنه ،على خالف ما يجيزه له
القانون.3
� - 3شرط تحقق ال�ضرر� :إن كل فعل �إجرامي �إال ويترتب عنه �ضرر مبا�شر �أو غير مبا�شر،
وهو الذي يح�ضره القانون ويعاقب عليه حماية لل�ضحية في هذه الجريمة .وبذلك يكون ال�ضرر
في غالبية الأحوال هو النتيجة الإجرامية التي تترتب عن الن�شاط الإجرامي الذي �أتاه الفاعل،
كما يمكن �أن يكون عن�صرا مندمجا في الركن المعنوي للجريمة ،كما هو ال�ش�أن بالن�سبة
للجرائم ال�شكلية والتي ال يتطلب فيها الركن المادي �ضرورة تحقق نتيجة �إجرامية كجريمة
الت�سميم مثال .وبالرجوع �إلى مقت�ضيات الف�صل 547من مجموعة القانون الجنائي ،يمكن �أن
ن�ست�شف ب�أن تحقق ال�ضرر في جريمة خيانة الأمانة ي�شكل عن�صرا م�ستقال في الركن المادي
لهذه الجريمة� ،إذ اليكفي فقط �إتيان الفاعل لواقعة الإختال�س �أو التبديد بل يجب �أن يترتب
عن هذه الواقعة �ضرر بالمالك �أو الحائز �أو وا�ضع اليد على المنقول مو�ضوع الأمانة ،مما يعني
�أن وجود الإختال�س �أو التبديد دون وجود �ضرر اليكفي لقيام جريمة خيانة الأمانة ،وهو ما
�أكده العمل الق�ضائي المغربي من خالل قرار للمجل�س الأعلى �سابقا جاء فيه :يعتبر ال�ضرر
عن�صرا �أ�سا�سيا لقيام جرائم خيانة الأمانة والزور وا�ستعماله والن�صب (.قرار �صادر بتاريخ
85-03-28تحت عدد 2909من�شور بمجموعة قرارات المجل�س الأعلى -المادة الجنائية -81
� 95ص 87.وما يليها).
ثانيا :الركن المعنوي
تعتبر خيانة الأمانة جريمة عمدية ،ويقوم ركنها المعنوي على الق�صد الجنائي بعن�صريه
العلم والإرادة ،فيجب �أن يعلم المتهم �أن المال مو�ضوع الجريمة مملوك للغير ،ف�إذا جهل ذلك
لأنه خلط بين هذا المال والمال الذي يملكه ،و �أعتقد حين ت�صرف فيه �أنه يت�صرف في ماله،
انتفى الق�صد الجنائي لديه.
ويجب �أن يعلم المتهم ب�أن المال مو�ضوع الجريمة في حيازته الناق�صة ،ويعلم �أنه ملتزم
برده �أو ب�إ�ستعماله �أو �إ�ستخدامه لغر�ض معين ،ف�إذا جهل ذلك ،و اعتقد عن غلط �أن هذا المال
عائد �إليه بالإرث �أو �أن �صاحبه قد وهبه له ،انتفى الق�صد الجنائي لديه.1
وتجدر الإ�شارة �إلى �أن �سوء النية في خيانة الأمانة في العمل الق�ضائي المغربي يبقى
مفتر�ضا في هذه الجريمة �إلى �أن يثبت العك�س وهذا المبد�أ قد �أقره الق�ضاء المغربي في عدة
قرارات و�أحكام� .2إال �أن هذا االتجاه يبقى مو�ضوع نقا�ش ويرى فيه البع�ض �أنه تنق�صه الدقة
بذريعة �أن الق�صد الجنائي يلزم �إثباته وال يعد مفتر�ضا.
المبحث الثاني :العقاب في جرائم الأموال :ال�سرقة والن�صب وخيانة الأمانة
�سنحاول في هذا المبحث الوقوف عند عقاب الجرائم الموم�أ �إليها �أعاله ،وذلك بتخ�صي�ص
(المطلب الأول) لعقوبة جريمة ال�سرقة ،ونفرد (المطلب الثاني) لدرا�سة العقوبة في جريمتي
الن�صب وخيانة الأمانة.
11حممود جنيب ح�سني� ،رشح قانون العقوبات ،الق�سم اخلا�ص ،مرجع �سابق� ،ص.1218.
22انظر يف هذا ال�صدد القرار ال�صادر عن حمكمة الإ�ستئناف بالعيون بتاريخ 00-07-21حتت عدد 400ملف عدد
00/453من�شور مبجلة املحاكم املغربية عدد � 94ص 147.وما يليها.
169 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
القانون الجنائي �إعفاء ال�سارق 1من العقاب لوجود قرابة بينه و بين ال�ضحية ،2بينما قرر
الف�صل 535منع النيابة العامة من �إثارة المتابعة �إلى �أن تتقدم ال�ضحية ب�شكوى في المو�ضوع .
ولتطبيق هذا الإعفاء كما هو من�صو�ص عليه في الف�صل 534ق.ج ي�شترط :
� - 1أن يكون ال�سارق زوجا �أو �أ�صال للمجني عليه :
يوجب هذا ال�شرط �أن تثبت عالقة الزوجية �أو عالقة الن�سب بالموجبات ال�شرعية وال
مجال لتطبيق الإعفاء متى �إنتفت رابطة الزوجية ب�أي �سبب كان من �أ�سباب �إنحالل الزواج
كما ي�شترط في رابطة الن�سب ثبوتها ثبوتا �شرعيا وقانونا من خالل مقت�ضيات مدونة الأ�سرة
في هذا المجال وال يعفى ال�سارق من العقاب �إال �إذا �أثبت �أنه �أ�صل للمجني عليه والمق�صود
بالأ�صل هنا الأب و�إن عال والأم و�إن علت .
� - 2أن يكون المال الم�سروق مملوكا للزوج �أو الفرع:
ي�شترط لتحقق هذا الإعفاء �أن يكون المال المنقول مملوكا لزوج ال�سارق �أو فرعه ،ف�إذا
كان المال تحت يده م�شاعا ف�إن هذا الإعفاء ال يتحقق في حقه ،كما �أنه �إذا كان حائزا له فقط
فال مجال لإعفائه ,لأن المجني عليه هنا لي�س هو الزوج �أو الفرع و�إنما �شخ�ص �أجنبي عنهما,
بالإ�ضافة �إلى �أنه يجب �أن ال يكون المال الم�سروق المملوك للزوج �أو الفرع مرهونا �أو محجوزا
كما يق�ضي بذلك الف�صل 526ق.ج.3
وهذا ال�شرط بديهي يقت�ضي حماية حق الغير في المال الم�سروق فطالما �أن المال المملوك
للزوج �أو الفرع قد علق عليه حجزا �أو رهنا لفائدة الغير الدائن بهذا المال فمتى تمت �سرقته
يكون الغير مت�ضررا ب�إنتقا�ص ال�ضمان الذي كان له على المال وبالتالي وجب معاقبة الجاني.
وتجدر الإ�شارة هنا �إلى �أن الف�صل 535من القانون الجنائي قيد �سلطة النيابة العامة في
ت�سطير المتابعة في ال�سرقات بين الأقارب ب�ضرورة وجود �شكاية من المجني عليه كما �أن
�سحب هذه ال�شكاية ي�ضع حدا للمتابعة الجنائية �شريطة �أن يقع ال�سحب قبل �صدور حكم بات
في المو�ضوع.
11فال�سارق طبقا للف�صل 534ق.ج يبقى ملزما بالتعوي�ضات املدنية امل�ستحقة لفائدة امل�رضور.
22فالعذر املعفي كليا من العقاب ح�سب الأ�ستاذ �أحمد اخلملي�شي ال يتعلق �إال بالأزواج يف حالة �رسقة �أحدهما مال الأخر �أو
الأ�صول يف حالة �رسقتهم لأموال فروعهم ،فال ي�ستفيد من العذر غريهم من الأقارب �أو الأ�صهار مهما كان دوره يف
اجلرمية.
33عبد الواحد العلمي ،مرجع �سابق� ،ص 384.بت�رصف.
171 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ف�إذا ارتكبت ال�سرقة ليال �أو من عدة �أ�شخا�ص �أو باال�ستعانة بناقالت �أو دواب الحمل ،ف�إن
الحب�س يكون من �سنة �إلى خم�س والغرامة من مائتين �إلى خم�سمائة درهم».
ون�ص الف�صل 519ق.ج على �أن:
« من �سرق محا�صيل �أو منتجات نافعة لم تف�صل عن الأر�ض بعد ،وكان ذلك بوا�سطة
�سالت� ،أو حقائب �أو ما يماثلها من �أدوات� ،أو م�ستعينا بناقالت �أو بدواب الحمل� ،أو كان ذلك
ليال �أو بوا�سطة �شخ�صين �أو �أكثر ،يعاقب بالحب�س من خم�سة ع�شر يوما �إلى �سنتين ،وغرامة
من مائتين �إلى مائتين وخم�سين درهما».
ف�إذا اجتمع في ال�سرقة ظروف الت�شديد الأربعة المعدودة في الفقرة ال�سابقة ،فعقوبتها
الحب�س من �سنتين �إلى خم�س وغرامة من مائتين �إلى خم�سمائة درهم».
ومن خالل هذين الف�صلين ،نالحظ �أن الم�شرع خفف من العقوبة في �سرقة المحا�صيل
و المنتجات الزراعية ر�أفة بالجاني نظرا لوجود هذه الأ�شياء في الحقول بعيدة عن الحيازة
المبا�شرة للمالك ،كما ميز ب�شكل وا�ضح في العقاب بين الحالة التي ال تكون فيها المحا�صيل
قد ف�صلت عن الأر�ض و بين الحالة التي تكون قد ف�صلت عنها ،وذلك على اعتبار �أن ف�صلها
عن الأر�ض يقربها من المال المنقول الذي يحوزه مالكه حيازة قانونية و مادية.
والمحكمة ملزمة ب�أن تبين عنا�صر هذه الجريمة بكل دقة �إذ جاء في �أحد قرارات المجل�س
الأعلى �سابقا �أن» :الإدانة من �أجل �سرقة منتجات لم تف�صل عن الأر�ض بعد المن�صو�ص عليها
في الف�صل 519من القانون الجنائي تقت�ضي �أن تبرز المحكمة �أن الغلة مو�ضوع ال�سرقة لم
تنف�صل عن الأر�ض و�أن المتهم هو من قام بجنيها واال�ستحواذ عليها ب�أحد الو�سائل ووفق
�أحد الظروف المن�صو�ص عليها في ف�صل المتابعة «( .قرار �صادر عن المجل�س الأعلى بتاريخ
10/4/5تحت عدد 9/640في الملف الجنحي عدد 09/6048من�شور بمجلة الملف عدد 17
�ص 294.وما يليها).
الفقرة الثانية :الظروف الم�شددة للعقاب في جريمة ال�سرقة:
لقد �شدد الم�شرع الجنائي المغربي عقاب جريمة ال�سرقة كلما اقترنت بظرف �أو �أكثر من
الظروف التي �أ�شار اليها في الف�صول من � 507إلى 510من القانون الجنائي .وفي هذا الإطار
غير من الو�صف القانوني للجريمة من جنحة �إلى جناية لإ�ضفاء نوع من ال�صرامة في التعامل
مع هذه الجريمة وذلك مرده بالأ�سا�س �إلى خطورة هذه الجريمة على �أمن و�سالمة المواطنين.
وبالرجوع �إلى الف�صول �أعاله ،ن�ستخل�ص �أن الظروف الم�شددة في جريمة ال�سرقة تنق�سم �إلى
ظروف �شخ�صية و�أخرى عينية .ف�أما الظروف ال�شخ�صية ،فهي راجعة ل�صفة في الجاني
(ك�أن يكون عامال �أو خادما في منزل ب�أجر) .و�أما الظروف العينية ،فهي �إما عائدة لمكان
173 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�إرتكاب الجريمة (كظرف الليل مثال) �أو لمكانها (كال�سرقات التي تتم في �أمكان معينة) �أو
�إلى الو�سائل الم�ستعملة في �إرتكاب ال�سرقة (كا�ستعمال ال�سالح �أو ناقلة ) �أو �إلى �صفة ال�شيء
الم�سروق (ك�أن تقع ال�سرقة على �شيء يتعلق ب�سالمة و�سائل النقل العام �أو الخا�ص).
�أوال -ظروف الت�شديد العائدة لزمان �إرتكاب الجريمة:
ترجع �أ�سباب الت�شديد العائدة لزمان �إرتكاب جريمة ال�سرقة في القانون الجنائي المغربي
�إلى �سببين يتمثل الأول في وقوعها ليال ،و الثاني في وقوعها في �أوقات الكوارث.
- 1وقوع ال�سرقة ليال
ين�ص الف�صل 509ق،ج على ما يلي «يعاقب بال�سجن من ع�شر �إلى ع�شرين �سنة على
ال�سرقات التي تقترن بظرفين على الأقل من الظروف الآتية :
� .....إرتكابها ليال».
لقد �أدرج الم�شرع المغربي عن�صر الليل �ضمن الظروف التي �إذا �إقترنت بال�سرقة �شددت
العقاب و حولتها من جنحة �إلى جناية ،و ذلك لما يحدثه عن�صر الليل من �إزعاج في نفو�س
المواطنين في تلك الفترة الزمنية لال�ستراحة من عناء وم�شقة العمل ،عالوة على �أن ت�شديد
الم�شرع للعقوبة في ال�سرقة باقترانها بهذا الظرف يمكن رده لما يف�سحه هذا الأخير للجاني
من �إمكانية الفرار و الإختفاء في جنح الظالم ،و في وقت تقل فيه فر�ص اال�ستنجاد و اال�ستعانة
بالنا�س .
والجدير بالذكر� ،أن الم�شرع المغربي لم يعط مدلوال لليل بخالف بع�ض الت�شريعات
الأخرى1التي حددته .كما �أن ظرف الليل يعتبر ظرفا عينيا في جريمة ال�سرقة ،وبذلك ت�شدد
العقوبة على كل الم�ساهمين والم�شاركين في الجريمة �سواء وجدوا بمكان �إرتكاب الجريمة
�أم ال ،بل وتطبق في حقهم العقوبة الم�شددة حتى ولو كانوا متفقين على �إرتكابها نهارا لكن
الجاني ف�ضل �إرتكابها ليال.
- 2وقوع ال�سرقة وقت الكوارث
يعتبر القانون الجنائي المغربي ال�سرقة التي ترتكب �أثناء الزالزل واالنفجارات والفي�ضانات
والحروب وغيرها من الكوارث� ،سرقة مو�صوفة ي�شدد العقاب على مرتكبها .و�أ�شار الم�شرع
�إلى هذا الظرف في الفقرة ما قبل الأخيرة من الف�صل 510ق.ج ،حيث قرر ت�شديد العقوبة
11كالت�رشيع البلجيكي الذي حدده يف الفرتة التي تبد�أ بعد غروب ال�شم�س ب�ساعة وتنتهي قبل �رشوقها ب�ساعة ،وكذلك امل�رشع
ال�سوداين الدي �أخد بالتحديد الفلكي والذي يعترب الليل هو تلك الفرتة الفا�صلة بني الغروب وال�رشوق.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 174
�إذا وقعت �أوقات الحريق �أو االنفجار �أو االنهدام �أو الفي�ضان� ،أو الغرق �أو الثورة �أو التمرد �أو
�أية كارثة �أخرى.
والعلة من ت�شديد العقوبة في هذه الظروف ترجع �إلى خطورة الجاني حيث ي�سود النا�س
اال�ضطراب و الخوف على حياتهم فيبحثون عن �سبيل لإنقاذ حياتهم و حياة �أبنائهم ،قبل
التفكير في المال �أو و�سائل حمايته من الل�صو�ص .ومن ثم كانت خطورة الجاني في هذه
الظروف وا�ضحة ،ب�سبب تحجر عواطفه و �شعوره و افتقاده للرحمة والبر ،فهو الذي كان عليه
�أن ي�ساعد المنكوبين في محنتهم ،ي�ضيف �إليها كارثة �أخرى تتمثل في فقدان المال الذي كان
و البد �سي�سد حاجة ،فيزيد من همهم بالإ�ستيالء عليه.
ثانيا -ظروف الت�شديد العائدة �إلى مكان �إرتكاب الجريمة:
عاقب الم�شرع المغربي ال�سرقات التي ترتكب في الطرق العمومية وكل الأماكن الأخرى
الملحقة بها والمن�صو�ص عليها في الف�صل 508من مجموعة القانون الجنائي وهي:
ال�سرقات الواقعة في الطرق العمومية ✺
ال�سرقات الواقعة في الناقالت �سواء التي ت�ستخدم لنقل الأ�شخا�ص �أو الب�ضائع �أو الر�سائل ✺
يالحظ �أن الأمكنة الم�شار �إليها �سالفا في الف�صل �أعاله ال تطرح �إ�شكاليات ،اللهم ما يتعلق
بتحديد مفهوم الطريق العمومي الذي نرى �أن نتو�سع قليال في تف�صيله.
�إذ من خالل هذا الف�صل يتبين لنا �أن ال�سرقة في الطريق العمومية و كل الأماكن التي
تلته ال ت�شدد العقوبة لوحدها و لكنها ت�شدد العقاب �إذا اقترنت بظرف واحد على الأقل من
الظروف المن�صو�ص عليها في الف�صل 509ق.ج ،و التي �سنف�صلها فيما بعد.
والراجح �أن الم�شرع عمد �إلى هذا الت�شديد في العقوبة لعلة مكافحة المجرمين الخطيرين،
و �أفراد الع�صابات الذين يقومون بالنهب و ال�سرقة عن طريق الإنفراد بال�ضحايا في الممرات
و الطرق المميتة.
لكن ما المق�صود بالطريق العمومي؟
بالرجوع �إلى الف�صل 516ق .ج نجد ين�ص على �أنه « :تعد طرقا عمومية الطرق والم�سالك
والممرات �أو �أي مكان مخ�ص�ص ال�ستعمال الجمهور ،الموجود خارج حدود العمران والتي
ي�ستطيع كل فرد �أن يتجول فيها ليال �أو نهارا دون معار�ضة قانونية من �أي كان».
175 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وقد �أو�ضح المجل�س الأعلى �سابقا هذا المفهوم في �أحد قراراته بن�صه على �أن » :الف�صل
508من القانون الجنائي يعتبر من الظروف الم�شددة اقتراف ال�سرقة في الطرق العمومية
وهي ح�سب مفهوم الف�صل 516من نف�س القانون ،الموجودة خارج حدود العمران ال داخل
المدينة .ولهذا ،ف�إن المحكمة قد �أخط�أت في تطبيق الف�صل 508عندما طبقته على المتهم
القترافه جريمة ال�سرقة في �سيارة كانت واقفة على ر�صيف الطريق في مدينة مكنا�س(«.قرار
�صادر بتاريخ 70-05-21تحت عدد 718من�شور بمجموعة قرارات المجل�س الأعلى المادة
الجنائية � 86-66ص 387 .وما يليها).
ولقد كان الم�شرع الجنائي المغربي حكيما في ت�شديد العقوبة على ال�سرقة المقترفة في
هذه الأماكن على اعتبار �أن الطرق العمومية والأماكن الملحقة بها هي التي ت�شكل ع�صب
الحياة االقت�صادية واالجتماعية للمواطن ولذلك تجب المحافظة عليها وعلى الأمن فيها .
ومما تجب الإ�شارة �إليه� ،أن ال�سرقة الت�شدد في مثل هاته الأحوال وحتى ولو وقعت في
طريق عام �أو غيره من الأماكن الملحقة به� ،إال �إذا اقترنت ب�أحد الظروف المن�صو�ص عليها
في الف�صل 509من القانون الجنائي .كما �أن �سرقة الأ�شياء والمنقوالت ال تكون م�شددة �إال
�إذا كان يعبر بها �صاحبها الطريق العام بق�صد مبادلتها �أو ترويجها ب�صرف النظر عن و�سيلة
الموا�صالت الم�ستعملة.
ثالثا -ظروف الت�شديد العائدة للو�سائل الم�ستعملة في �إرتكاب ال�سرقة:
عاقب الم�شرع المغربي على ال�سرقة في �صورتها الم�شددة متى ا�ستعمل الجاني في �إرتكابها
و�سائل معينة ر�أى الم�شرع ب�أنها ت�شكل خطورة �إجرامية ت�ستوجب رفع العقاب ،والذي يخرجها
من زمرة الجنح �إلى الجنايات .وقد رد الم�شرع ظروف الت�شديد في هذه الحالة �إلى الو�سائل
التالية:
- 1ا�ستعمال العنف �أو التهديد به �أو التزيي بغير حق بزي نظامي �أو انتحال وظيفة
من وظائف ال�سلطة
�أ -ا�ستعمال العنف �أو التهديد به :
يعتبر ا�ستعمال العنف ظرفا م�شددا في جريمة ال�سرقة ،وقد �أ�شار �إليه الم�شرع في
الف�صلين 509و 510من مجموعة القانون الجنائي ،والمالحظ �أن الم�شرع المغربي لم يعط �أي
تعريف للمق�صود بالعنف ،وبهذا ذهب الفقه �إلى �أن العنف يراد به ا�ستعمال الجاني لأية و�سيلة
من الو�سائل القهرية كيفما كانت من �أجل �شل حركة المجني عليه وتعطيل مقاومته .وقدعرفه
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 176
اال�ستاذ �أحمد الخملي�شي ب�أنه « :كل و �سيلة مادية ا�ستعملها ال�سارق �ضد ال�شخ�ص المعتدى
عليه لتعطيل مقاومته� ،أو منعه من اال�ستغاثة» .
و لكي يعتبر العنف ظرفا م�شددا لل�سرقة و تنطبق عليه �أحكام الف�صل 510ق.ج يجب �أن
تتوفر ثالث �شروط :
�أن يوجه العنف �ضد �إن�سان � :إذ ال يعتد ب�إ�ستعمال العنف �ضد غير الإن�سان �سواء كان الأمر
✺
يتعلق ب�شيء �أو حيوان ،كما ال يعتد �أي�ضا بال�شخ�ص الذي ا�ستعمل �ضده ،حيث يعتبر ظرفا
م�شددا �سواء وجه �ضد المجني عليه في ال�سرقة �أو �أحد �أقاربه الموجودين معه �أو �ضد �أي
�شخ�ص �آخر حاول مقاومة ال�سارق ،و ب�أي و �سيلة كانت على �شرط �أن تفيد معنى العنف
من �ضرب و جرح و م�سك للذراعين و كم للفم و انتزاع ال�شيء المراد �سرقته بالقوة و
نحو ذلك.
�أن يرتكب العنف بق�صد ال�سرقة � :إن م�صطلح الإقتران الوارد في الف�صل 510ق.ج يعني ✺
المعا�صرة الزمنية و �إرتكاب العنف ب�سبب ال�سرقة و من �أجلها ،هذا و تتحقق المعا�صرة
الزمنية كلما �إرتكب ال�سارق العنف �أثناء الت�أهب لل�سرقة �أو وقت الإ�ستحواذ على الم�سروق
�أو �أثناء االن�صراف بدون الفرار ،كما ي�شترط �أي�ضا �أن يكون ال�سارق قد ا�ستعمل العنف �أو
هدد به لأجل ال�سرقة باعتبارها غايته وهو و�سيلتها .
والواقع �أن تحديد مدى ارتباط ا�ستعمال العنف بجريمة ال�سرقة قد يثير في �أحوال كثيرة
م�شكلة التمييز بين ما �إذا كان العنف معا�صرا لل�سرقة �أم الحقا عليها وذلك بهدف تحديد
الو�صف القانوني لل�سرقة ومدى اعتباره مكونا لظرف م�شدد �أم ال؟ ولذلك نجد الق�ضاء
المغربي يميل �إلى اعتبار العنف ظرفا م�شددا في جريمة ال�سرقة متى رافق عملية �سلب المال
�إلى مرحلتها النهائية وهي المتمثلة في �سيطرة الجاني على ال�شيء الم�سروق �سيطرة نهائية
وكلية ب�أن �أدخله في حيازته.
�أال يكون للعنف و�صف �أ�شد :كما لو نتج عن �إ�ستعمال العنف في ال�سرقة قتل ال�ضحية �سواء ✺
عمدا �أو عن غير ق�صد �أو �سبب له عاهة م�ستديمة� ،إذ يعاقب و يتابع الجاني بالو�صف
الجنائي الأ�شد طبقا للمبد�أ الوارد في الف�صل 118ق.ج و القائل ب�أن الفعل الواحد الذي
يقبل �أو�صافا متعددة يجب �أن يو�صف ب�أ�شدها .
ب -التزيي بغير حق بزي نظامي
يمكننا تعريف الزي النظامي ب�أنه كل بذلة توالها القانون بالتنظيم لموا�صفاتها و اعتبرها
قا�صرة على الموظف العمومي كرجل الأمن �أو الدركي و نحو ذلك ،كما يدخل في زمرة الزي
النظامي كل زي موحد ت�ستعمله ال�شركات و الم�ؤ�س�سات و تقدمه كبذلة موحدة لم�ستخدميها.
177 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وتعتبر هذه ال�صورة من �أكثر الحاالت �شيوعا في الواقع العملي من �أمثلتها �أن يرتدي
�شخ�ص بذلة ر�سمية يملكها �أحد �أقاربه �أو �أ�صدقائه ليك�سب بها ثقة ال�ضحية ومن ثم ي�ستولي
على ماله.
وحتى يعتبر ظرفا م�شددا يلزم �أن يكون التزيي بغير حق ك�أن ي�ؤخذ الزي بدون ر�ضى وال
علم �صاحبه ،و ي�ستعمل في �إرتكاب ال�سرقة� ،أما �إذا تمت ال�سرقة من طرف �شخ�ص متزي بزي
ر�سمي فعال وحقيقة فال تقع ال�سرقة تحت هذا الظرف .
ج � -إنتحال وظيفة من وظائف ال�سلطة
يعد هذا الإنتحال �أي�ضا ظرفا م�شددا في ال�سرقة ويتم االنتحال �إما بالإدعاء �أو الممار�سة
الفعلية غير القانونية لوظيفة من وظائف ال�سلطة ،و لي�س �ضروريا �أن يكون الإدعاء مرفقا
بقرائن خادعة قوية يثق بها �أغلب النا�س ،و �إنما العبرة بال�ضحية ذاته ،فمتى انخدع به فعال
تحقق االنتحال ،و ي�ستوي في ذلك �أن ي�صدر الإدعاء من ال�سارق نف�سه �أو من �أحد المتواطئين
معه ،ويدخل في وظائف ال�سلطة جميع الوظائف التي تخول من يتقلدها ممار�سة بع�ض
ال�صالحيات الق�سرية �إزاء الأفراد ،و يعتبر من وظائف ال�سلطة ح�سب مفهوم الف�صل 510ق.ج
�أفراد ال�شرطة و مراقبي الأ�سعار و �أعوان كتابة ال�ضبط المكلفين بتنفيذ الأحكام وغيرهم
ممن يملكون القيام ب�إجراءات �إجبارية في نطاق اخت�صا�صهم �إزاء الأفراد.
� - 2إرتكاب ال�سرقة من �شخ�صين �أو �أكثر ( التعدد):
لقد اعتبر الم�شرع في الف�صل 510ق.ج الفقرة الثالثة من الظروف الم�شددة �إرتكاب
ال�سرقة من طرف �شخ�صين �أو �أكثر ،و حكمة الم�شرع في ت�شديد العقاب في هذه الحالة هو
كون التعدد ي�سهل �إرتكاب الجريمة و يجعلها خطيرة ،بحيث تكون م�ساهمة عدة �أ�شخا�ص في
�إرتكاب ال�سرقة �سببا كافيا ل�شل مقاومة ال�ضحية ،كما �أن تحقق التعدد في ال�سرقة يفيد و جود
اتفاق �سابق ،وهو ماي�ساهم في انت�شار تكوين الع�صابات الإجرامية وتعدد الو�سائل الجرمية،
و هذا ما يزيد من الخطر الذي يهدد ال�ضحايا ،لذلك �أوجب الم�شرع المغربي ت�شديد العقاب
عند اقتران ال�سرقة بظرف تعدد الجناة.
هذا النوع من ظروف الت�شديد ال يتحقق �إال �إذا وجد �شخ�صين على الأقل ،مما يفيد معه
�إرتكاب ال�سرقة من �شخ�ص واحد يبقي على و�صف ال�سرقة بالجنحة.
- 3ا�ستعمال ال�سارقين لناقلة ذات محرك :
والمراد بهذا الظرف ا�ستعمال الجاني لأي ناقلة ذات محرك ق�صد ت�سهيل �إرتكاب جريمة
ال�سرقة �إما بهدف نقل الم�سروق ب�سرعة من م�سرح الجريمة والإختفاء بعيدا عن الأنظار،
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 178
و�إما بهدف اال�ستعانة بالناقلة لحمل �أكبر عدد من الم�سروقات التي ي�ستع�صي على ال�سارق �أو
ال�سارقين حملها لثقل وزنها .
ومن خالل الفقرة الخام�سة من الف�صل 509الذي يعاقب مرتكبي ال�سرقة المقترنة
ب�إ�ستعمال ناقلة ذات محرك لت�سهيل ال�سرقة �أو للهروب بال�سجن من ع�شرة �سنوات �إلى
ع�شرين �سنة ،نجد �أنه ي�شترط ما يلي :
�أن تكون الناقلة ذات محرك :و هذا الأخير هو كل جهاز ي�ستعمل في دفع و جر الناقلة بما ✺
ي�ستهلكه من طاقة مهما كان م�صدرها �سواء كهرباء �أو نفط �أو غاز �...إلخ ،و يترتب على
ذلك �أن الدراجات الهوائية ال تعد ناقلة في مفهوم الف�صل 509ق.ج ،و ال تدخل كذلك
تحت هذا المفهوم العربات التي تجرها الجياد �أو �أية دابة ب�سبب افتقارها للمحرك .
وهو ما �أكد المجل�س الأعلى �سابقا في �أحد قرارته جاء فيه» :يكون مخالفا لمقت�ضيات
الف�صل 509من القانون الجنائي الحكم الذي اعتبر ظرفا من ظروف الت�شديد لل�سرقة
كونها وقعت في جمل ال�ضحية لأن الجمل لي�س بالناقلة ح�سب مفهوم الف�صل 509الذي
يعرف الناقلة بكونها ذات محرك وي�شترط �أن ت�ستعمل لت�سهيل ال�سرقة �أو الهروب«( .قرار
عدد 580بتاريخ 1969-05-15من�شور بمجموعة قرارات المجل�س الأعلى المادة الجنائية
� 86-66ص.)383.
�أن ت�ستخدم الناقلة ذات المحرك في ت�سهيل ال�سرقة� ،أو ت�ستخدم كو�سيلة هروب :و هذا ✺
�شرط بديهي ،ذلك �أن الم�شرع لم ي�شدد العقوبة �إال ب�سبب الم�ساعدة �أو العون الذي يمكن
�أن تقدمه الناقلة ذات محرك و هذا العون ال يكون خطيرا و فعاال �إال �إذا كان لت�سهيل
ال�سرقة �أو الهروب .
- 4ا�ستعمال الت�سلق �أو الك�سر �أو نفق تحت الأر�ض �أو مفاتيح مزورة �أو ك�سر الأختام
�أ -ا�ستعمال الت�سلق
لقد تولى الم�شرع تعريف الت�سلق في الف�صل 513ق.ج بكونه : ✺
« يعد ت�سلقا الدخول �إلى منزل �أو مبنى �أو �ساحة �أو حظيرة �أو �أية بناية �أو حديقة �أو ب�ستان
�أو مكان م�سور ،وذلك بطريق ت�سور الحوائط �أو الأبواب �أو ال�سقوف �أو الحواجز الأخرى» .
وبناء على ذلك ،يتبين �أن الم�شرع قد �أعطى للت�سلق مفهوما وا�سعا يتعدى مفهومه ال�ضيق
الذي يعني ال�صعود �إلى المكان الأعلى ،و �إنما يعنى بالت�سلق دخول ال�سارق للمكان الم�سور
الذي يريد �سرقته من غير الأبواب الم�ستعملة للدخول ،ومهما كانت الو�سيلة الم�ستعملة لذلك،
و بذلك ال يعتد بالت�سلق الواقع على �شجرة مثال لال�ستيالء على ثمارها ،و بالإ�ضافة �إلى هذا ال
بد من توافر �شرطين �أ�سا�سيين حتى نكون �أمام الت�سلق المق�صود في الف�صل 510ق.ج وهما :
179 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�أن يكون تجاوز الحاجز يتطلب بذل مجهود ولو ي�سيرا ✺
وفي هذا الإطار فقد اعتبرت محكمة النق�ض في �أحد قراراتها �أن �» :سرقة �أ�سالك
نحا�سية بعد ت�سلق عمود كهربائي ال ي�شكل ظرفا م�شددا ح�سب ما ن�ص عليه الف�صل 510من
القانون الجنائي «( .قرار �صادر بتاريخ 2014-03-13تحت عدد 9/9/254في الملف الجنائي
عدد 13/9/6/18781من�شور بمجلة الملف عدد � 23ص 282.ومايليها).
ب -ا�ستعمال الك�سر :
تبعا للف�صل 512يعرف الك�سر ب�أنه : ✺
« ...التغلب �أو محاولة التغلب على �أي و�سيلة من و�سائل الإغالق �سواء بالتحطيم �أو الإتالف
�أو ب�أية طريقة �أخرى تمكن ال�شخ�ص من الدخول �إلى مكان مغلق� ،أو من �أخذ �شيء مو�ضوع في
مكان مقفل �أو �أثاث �أو وعاء مغلق » .
و يت�ضح من خالل الن�ص �أنه يلزم �إ�ستخدام العنف من ال�سارق للتغلب �أو لمحاولة التغلب
على الحواجز التي �أقامها المالك لمنع الغير من الدخول للمكان المغلق �أو �أخذ ال�شيء
المو�ضوع في مكان محرز �سواء بتحطيم �أو �إتالف �أو فتح ثقب و نحو ذلك من الو�سائل التي
تدل على عنف الو�سيلة ،و كما يت�ضح �أن الك�سر قد يكون من الداخل �أو الخارج ،و ي�ستوي �أن
يتمكن ال�سارق في الك�سر من تحقيق هدفه من عدمه.
ج -ا�ستعمال نفق تحت الأر�ض :
خالفا للظرفين ال�سابقين اللذين توالهما الم�شرع بالتعريف ،ف�إن هذا الظرف لم يحظ
بتعريف م�ستقل من قبله ،وعلى كل ف�إذا �إ�ستخدم ال�سارق م�سلكا تحت الأر�ض للو�صول �إلى
مكان ال�سرقة �سواء تولى بحفره بنف�سه �أو كان النفق موجودا ،يجعل الجريمة ت�شدد و ترفع
العقوبة من جنحة �إلى جناية.
د -ا�ستعمال مفاتيح مزورة :
�أفرد الم�شرع لمفهوم المفاتيح المزورة الف�صل 514ق.ج حيث جاء فيه : ✺
« تعد مفاتيح مزورة المخاطيف �أو المفاتيح المقلدة �أو الزائفة �أو المغيرة �أو التي لم يعدها
المالك �أو الحائز لفتح الأماكن التي فتحها ال�سارق.
ويعد كذلك مفتاحا مزورا المفتاح الحقيقي الذي احتفظ به ال�سارق بغير حق».
من خالل هذا الن�ص يتبين لنا �أن الم�شرع المغربي يعتبر مفتاحا مزورا كل �أداة يتمكن بها
ال�سارق من فتح الأماكن المراد �سرقتها ،هكذا فالمفتاح الحقيقي يتحول �إلى مزور قانونا متى
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 180
احتفظ به ال�سارق بدون حق ،فالمهم هو �أال يكون له الحق في ا�ستعماله لفتح المحل الذي �سرق
منه و لكي يعتبر هذا اال�ستعمال ظرفا م�شددا هنا ،يجب �أن يتخذ فتح القفل و�سيلة للو�صول
�إلى الم�سروق.
- 5ك�سرالأختام :
تعرف الأختام ب�أنها كل ما ت�ضعه ال�سلطات العامة على الأبواب �أو ال�صناديق �أو المظاريف،
التي ترى هذه ال�سلطات �ضرورة المحافظة عليها كما هي ،ومنع العبث فيها من طرف الغير،
و ك�سر الأختام توالها الم�شرع بالتنظيم في الف�صول من � 273إلى 277من ق.ج ،حيث نجد في
الف�صل 274ق.ج ين�ص على �أنه:
« كل �سرقة ترتكب بك�سر الأختام يعاقب عليهاباعتبارها �سرقة ارتكبت بالك�سر ،طبقا
لل�شروط المقررة في الف�صل 510ق.ج».
وال�سر وراء ت�شديد الم�شرع عقوبة ال�سرقة المقترنة بك�سر الأختام هو �أن و�ضع الأختام
هو و�ضع يتم لفائدة الم�صلحة العامة ،ومن ثم �إذا ح�صل تك�سير الأختام و �إتالفها من �أجل
ال�سرقة ف�إن هذه الم�صلحة تكون قد م�ست في جوهرها و بالتالي تعطلت الإ�ستفادةمنها .
- 6ال�سرقة ب�إ�ستعمال ال�سالح:1
اعتبر الم�شرع في الف�صل 507ق.ج حمل ال�سالح من الظروف الم�شددة ،لذلك رفع عقوبة
ال�سرقة المقترنة بهذا الظرف من الحب�س �إلى ال�سجن الم�ؤبد :
« يعاقب على ال�سرقة بال�سجن الم�ؤبد �إذا كان ال�سارقون �أو �أحدهم حامال ل�سالح ،ح�سب
مفهوم الف�صل � ،303سواء كان ظاهرا �أو خفيا ،حتى ولو �إرتكب ال�سرقة �شخ�ص واحد وبدون
توفر �أي ظرف �آخر من الظروف الم�شددة.
وتطبق نف�س العقوبة� ،إذا احتفظ ال�سارقون �أو احتفظ �أحدهم فقط بال�سالح في الناقلة
ذات المحرك التي ا�ستعملت لنقلهم �إلى مكان الجريمة �أو خ�ص�صت لهروبهم».
وا�ستنادا لمقت�ضيات هذا الف�صل ،ن�ست�شف �أن الم�شرع المغربي قد ا�شترط �صراحة �أن
يكون ال�سارقون �أو �أحدهم حامال �سالحا ،وي�ستوي في ذلك �أن يكون ب�صورة ظاهرة �أو خفية
تحت الثياب مثال� ،أو في الحذاء �أو ما �شابه .كما ال ي�شترط العتبار ال�سالح ظرفا م�شددا
�أن يعمد ال�سارق �إلى ا�ستعماله ،بل يكفي الحمل المادي له ،لأن �أ�سا�س ت�شديد العقوبة في
11يعترب �سالحا ح�سب مفهوم الف�صل 303ق.ج جميع الأ�سلحة النارية واملتفجرات وجميع الأجهزة والأدوات �أو الأ�شياء
الواخزة �أو الرا�ضة �أو القاطعة �أو اخلانقة ،بالإ�ضافة �إىل ال�سكاكني ومق�صات اجليب والع�صى ،متى ا�ستعملت للقتل
�أو ال�رضب �أو اجلرح �أو التهديد�-إذا كانت الأ�شياء التي يحملها ال�سارق ال ت�شكل �سالحا خطريا ح�سب مفهوم الف�صل
507ق.ج و لكنها �صاحلة للإ�ستعمال يف الإعتداء على اال�شخا�ص مثل احلجارة و ال�سال�سل و قطع اخل�شب ...
181 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
هذه الحالة هو ما يمثله حمل ال�سالح من خطورة تتمثل في ا�ستعماله من جهة ،وفيما يبعثه
من خوف في نف�س ال�ضحية من جهة �أخرى ،فيدفعها �إلى اال�ست�سالم وعدم مقاومة الجاني
الراغب في �سلب ممتلكاتها .ولهذا يعتبر حمل ال�سالح ظرفا م�شددا حتى ولو �أثبت الجاني �أنه
لم يكن ينوي ا�ستعماله و�إنما ق�صد فقط ت�سهيل ارتكابه الجريمة .ويعتبر حمل ال�سالح من
الظروف العينية ،ولذلك فهو ي�شمل جميع الم�شاركين والم�ساهمين في جريمة ال�سرقة حتى
ولو كانوا يجهلون حمل ال�سالح من �أحدهم بل حتى ولو قدم �أحدهم الن�صيحة بعدم حمله
وا�ستعماله.
رابعا :ظروف الت�شديد العائدة ل�صفة في ال�شيء الم�سروق:
تعر�ضت الفقرة الأخيرة من الف�صل 510ق ج لهذا النوع من الظروف و ق�صرته على �سبب
واحد هو وقوع ال�سرقة على �شيء يتعلق ب�سالمة و�سيلة من و�سائل النقل العام �أو الخا�ص.
فال�سرقة التي يعاقب عليهاهذا الن�ص هي تلك المتعلقة ب�أ�شياء يعر�ض اختال�سها و�سيلة
النقل لخطر ما� ،سواء كانت هذه الأ�شياء جزءا من و�سيلة النقل �أو منف�صلة عنها .وقد �شدد
الم�شرع المغربي العقوبة في هذه الحالة مراعاة منه ل�ضرورة حماية و�سائل النقل و�إحاطتها
بعناية خا�صة من �أخطار ال�سرقات التي تقع عليها والتي من �ش�أنها �أن ت�سبب حوادث مميتة
وخ�سائر ب�شرية ومادية فظيعة.
وي�شترط العتبار هذا الظرف ظرفا م�شددا �أن يقوم الجاني ب�سرقة �شيء يتعلق ب�سالمة �أي
و�سيلة من و�سائل النقل والتي ت�ؤثر على �سالمة الأ�شخا�ص �أو الب�ضائع المنقولة ،وبالتالي ف�إن
�سرقة �أي �شيء ال يم�س �سالمة و�سيلة النقل ال يدخل �ضمن مفهوم هذا الظرف .وهكذا يكون
اختال�س �شخ�ص للعجلة االحتياطية لحافلة �أو �سيارة ي�ؤدي �إلى توقيفها عن �أداء وظيفتها فقط
و ال يتعلق ب�سالمتها ،و على العك�س ف�إن �سرقة مبرد الماء� ،أو قنينة الأزوت المخ�ص�صة للتدخل
عند وقوع حريق في المحرك ،يم�س ب�سالمة الناقلة مما ي�ؤدي �إلى ت�شديد العقاب.
خام�سا :ظروف الت�شديد العائدة ل�صفة في الجاني(ال�سارق):
تعر�ض الم�شرع للظروف الم�شددة العائدة ل�صفة �شخ�صية في الجاني في الفقرتين
الأخيرتين من الف�صل 509ق.ج ،و ب�إ�ستعرا�ضها نجد �أن هذه ال�صفة تنح�صر �إما في:
- 1الخادم ب�أجرة �أو الم�ستخدم الذي ي�سرق مخدومه :وت�شمل هذه الفئة خدم وعمال
المنازل وخدم المزارع في البوادي وي�شترط في الخادم �أو الم�ستخدم �أن يقوم بخدمته مقابل
�أجر كيفما كان نوع هذا الأجر ،ويطبق هذا الظرف على من يعمل مجانا �أو متطوعا ،كما
ي�شترط في الخادم �أي�ضا �أن يكون مقيما مع مخدومه و�أن تكت�سي الإقامة طابع اال�ستمرارية،
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 182
و�إن كانت عر�ضية فال يطبق الن�ص ال�سابق .و بالتالي يخرج من طائفة الخدم و الم�ستخدمين
الأ�شخا�ص الذين يقومون ببع�ض الأعمال العر�ضية كالن�ساء اللواتي يقمن ب�أعمال التنظيف و
الت�صبين ( ن�ساء الموقف مثال) .
- 2العامل �أو المتعلم لمهنة :فالأول هو ال�شخ�ص الذي يقوم لفائدة رب العمل بعمل يدوي
�أو تغلب عليه ال�صفة اليدوية مقابل �أجر متفق عليه بين الطرفين ،و�أما المتعلم لمهنة فهو
العامل المتمرن �أي المتدرب الذي يق�صد رب العمل بق�صد تعلم �أ�صول مهنة معينة ،وغالبا ما
يكون بدون �أجر .وي�شترط القانون لمتابعة العامل �أو المتعلم لمهنة بال�سرقة �أن يتم �إرتكابها
في الم�صنع �أو المحل الذي يمار�س فيه العامل عمله �أو المتعلم تدريباته.
- 3ال�شخ�ص الذي يعمل ب�صفة اعتيادية في المنزل مو�ضوع ال�سرقة :فال�شخ�ص هنا ال
يعد خادما �أو م�ستخدما ب�أجر ومن �أمثلته الأعوان الذين يقومون ب�أعمال معتادة في منازل
ر�ؤ�سائهم ،كالجندي الذي يعمل في منزل كبار �ضباط الجي�ش وغيرهم ،وي�شترط في هذه الفئة
كذلك �أن ال يكون العمل عر�ضيا و�إال ال يتحقق الت�شديد.
�إن �صفة الجاني في هذه الحاالت والتي تقت�ضي منحه الثقة يكون م�س�ؤوال م�س�ؤولية كاملة
عن الحفاظ عليها وعدم الإ�ساءة �إلى من ائتمنه ،ولذلك فمتى �إرتكب ال�سرقة في حق مخدومه
�أو رب عمله �شدد عليه العقاب.
المطلب الثاني :العقاب على جريمتي الن�صب وخيانة الأمانة
الفقرة الأولى � :أحكام عقاب جريمة الن�صب
عاقب الم�شرع على الن�صب بالحب�س من �سنة �إلى خم�س �سنوات و غرامة من خم�سمائة �إلى
خم�س �آالف درهم (الف�صل 540ق.ج فقرة �أولى) ،وهذه هي العقوبة الأ�صلية ،و �إلى جانب
هذه الأخيرة نجد الم�شرع �أجاز في الف�صل 546ق.ج للمحكمة الحكم على الجاني بعقوبة
�إ�ضافية تتمثل في الحرمان من واحد �أو �أكثر من الحقوق الم�شار �إليها في الف�صل 40وبالمنع
من الإقامة من خم�س �سنوات �إلى ع�شر.
كما رفع الم�شرع العقوبة �إلى ال�ضعف لت�صبح من �سنتين �إلى ع�شر �سنوات ،و الحد الأق�صى
للغرامة �إلى �ألف درهم� ،إذا كان مرتكب الجريمة �أحد الأ�شخا�ص الذين ا�ستعانوا بالجمهور
في �إ�صدار �أ�سهم �أو �سندات �أو �أذونات �أو ح�ص�ص �أو �أي �أوراق مالية �أخرى متعلقة ب�شركة �أو
بم�ؤ�س�سة تجارية �أو �صناعية (الف�صل 540ق.ج)� .أما المحاولة في الن�صب ،والتي تتحقق ب�أي
عمل ال لب�س فيه يقوم به الفاعل و يهدف من ورائه مبا�شرة �إلى �إرتكاب الجريمة ف�إن الم�شرع
قد عاقب عليها بجريمة العقوبة التامة (الف�صل 546ق.ج /فقرته الأخيرة ).
183 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وبمقت�ضى الف�صل 541ق.ج ف�إن �أ�سباب الإعفاء من العقاب و قيود المتابعة الجنائية
المطبقة في ال�سرقة والواردة في الف�صول 534و 536ق.ج ،و العائدة ل�شخ�ص الجاني فت�سري
�أي�ضا بالن�سبة لمرتكبي جريمة الن�صب .وهكذا يتحقق الإعفاء من العقاب في حالة ما �إذا كان
المال الم�ستولى عليه مملوكا لزوج الجاني �أو لأحد فروعه بحيث يجب على الق�ضاء بعد ثبوت
ن�سبة الجريمة �إلى من يتوافر على ال�صفة ال�سابقة ،الحكم ب�إعفائه من العقاب و �إلزامه فقط
بالتعوي�ضات المدنية في مواجهة المجني عليهم وفق �أحكام الف�صل 534ق.ج.
�أما بالن�سبة لقيود المتابعة الجنائية ف�إنها تتحقق في حالة ما �إذا كان المال الم�ستولى
عليه عائدا لأحد �أ�صول الفاعل �أو �أحد �أقربائه �أو �أ�صهاره �إلى الدرجة الرابعة ،حيث ال يجوز
متابعته دون �أن يتقدم الم�ضرور ب�شكوى �إلى النيابة العامة مع العلم �أن �سحبه لها ي�ؤدي �إلى
�إنهاء المتابعة الجنائية (الف�صل 535ق.ج).
و يالحظ �أن الم�شرع المغربي ا�ستثنى �صراحة من تطبيق هاته الأ�سباب والقيود الجناة
الخا�ضعين للت�شديد الوارد عليه في الفقرة الثانية من الف�صل 540ق.ج ،وهم الن�صابون الذين
ي�ستعينون بالجمهور في �إ�صدار �أ�سهم �أو �سندات ،...مهما كانت �صفاتهم بحيث ال يعفون من
العقاب �أو ي�ستفيدون من قيود المتابعة �أبدا.
تلك كانت القواعد الخا�صة بعقاب جريمة الن�صب في �صورتها التامة �أو الناق�صة ،و �أ�سباب
الإعفاء من العقاب ،و �إن كانت كل الأحكام المقررة لذلك مبررة� ،إال �أن الت�شديد الذي قرره
الم�شرع في الفقرة الأخيرة من الف�صل 540ق.ج ،ال يحقق الحماية الواجبة للمحتال عليهم،
و الأمر وا�ضح لأنه حتى مع الت�شديد بقيت جريمة الن�صب جنحة ت�أديبية ب�سبب بقاء عقوبتها
عقوبة جنحية مع ما يترتب على ذلك من �إمكانية التخفيف على الجاني �إلى �أق�صى الحدود.
وهذا ما نجد الم�شرع المغربي قد خالفه عند تقريره لظروف الت�شديد في ال�سرقة التي تنقلها
دوما من جنحة �إلى جناية ،فال نعتقد �أن هناك ما يبرر الحكم بعقوبة جنائية على �شخ�ص
ي�سرق ليال و ب�إ�ستعمال الت�سلق �أو الك�سر خاتما ذهبيا �أو �أي منقول حتى ولو ارتفعت قيمته،
وبعقوبة جنحية على ن�صاب ا�ستولى على الماليين من الدراهم ثم يحولها �إلى �سندات لحامله
تنتج فوائد لي�ست�أثر بها بعد ق�ضائه لعقوبة الحب�س.
الفقرة الثانية � :أحكام العقاب في جريمة خيانة الأمانة:
ين�ص الف�صل 547من ق.ج على �أنه «من اختل�س �أو بدد ب�سوء نية �إ�ضرارا بالمالك �أو وا�ضع
اليد �أو الحائز �أمتعة �أو نقودا �أو ب�ضائع �أو �سندات �أو و�صوالت �أو �أوراقا من �أي نوع تت�ضمن �أو
تن�شئ التزاما �أو �إبراء كانت �سلمت �إليه على �أن يردها� ،أو �سلمت �إليه ال�ستعمالها �أو �إ�ستخدامها
لغر�ض معين ،يعد خائنا للأمانة ويعاقب بالحب�س من �ستة �أ�شهر �إلى ثالث �سنوات وغرامة من
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 184
مائتين �إلى �ألفي درهم .و�إذا كان ال�ضرر الناتج عن الجريمة قليل القيمة ،كانت عقوبة الحب�س
من �شهر �إلى �سنتين والغرامة من مائتين �إلى مائتين وخم�سين درهما مع عدم الإخالل بتطبيق
الظروف الم�شددة المقررة في الف�صلين 549و 550ق.ج.».
وقد ميز الم�شرع المغربي من خالل مقت�ضيات المجموعة الجنائية بين العقوبة المقررة
لجريمة خيانة الأمانة في الحالة العادية والعقوبة المقررة لهذه الأخيرة في حالة توافر ظرف
من ظروف الت�شديد التي ترفع العقوبة.
�أوال :عقاب خيانة الأمانة في �صورتها العادية:
عاقب الم�شرع المغربي من خالل الف�صل 547من مجموعة القانون الجنائي على خيانة
الأمانة في �صورتها الب�سيطة (�أو العادية) ،بالحب�س من �ستة �أ�شهر �إلى ثالث �سنوات و غرامة
من � 200إلى 2000درهم ،و�إلى جانب العقوبة الأ�صلية ال�سابقة نجد الم�شرع �أجاز في الف�صل
555ق.ج للمحكمة الحكم على الفاعل بالحرمان من واحد �أو �أكثر من الحقوق الم�شار �إليها
في الف�صل 40ق.ج ،و بالمنع من الإقامة من خم�س �سنوات �إلى ع�شر .
بناء على ما �سبق تكون خيانة الأمانة جنحة من الجنح التي ال يجوز معها للقا�ضي �إعمال
�سلطته التقديرية فيما بين الحكم بالعقوبة ال�سالبة للحرية �أو العقوبة المالية� ،إال �أنه يمكنه
الحكم بوقف تنفيذ العقوبة فيها عمال بالف�صل 55من مجموعة القانون الجنائي ،و في هذه
الخ�صو�صية يظهر مدى �ضعف الزجر المقرر قانونا لهذه الجريمة .
كما يجدر التنبيه �إلى �أن الم�شرع لم يعاقب على محاولة هذه الجريمة ب�سبب �أن محاولة
الجنح تقت�ضي وجود ن�ص خا�ص ،و مع ذلك يمكن القول ب�أن عدم عقاب الم�شرع على المحاولة
في هذه الجريمة بالذات قد ال يرجع �إلى عدم رغبته في عقابها ،و �إنما يرجع في الحقيقة �إلى
عدم �إمكانية ت�صور ال�شروع في خيانة الأمانة التي تتحقق دوما في �صورتها التامة بمجرد
تغيير الحائز لنيته من حيازة ناق�صة �إلى حيازة كاملة ،و ذلك بالظهور على ال�شيء بمظهر
المالك ،حيث ال يت�أتى و الحالة هذه ت�صور البدء في تنفيذها دون �إتمام الركن المادي لها.
ثانيا �:أحكام خا�صة متعلقة ب�أ�سباب التخفيف والت�شديد واالعفاء من العقاب في هذه
الجريمة:
- 1تخفيف العقاب:
خفف الم�شرع عقوبة خيانة الأمانة في الفقرة الأخيرة من الف�صل 547ق.ج �إذا لم يرافقها
�أي ظرف م�شدد من الظروف الم�شار �إليها في الف�صل 549و 550ق.ج ،و جعلها من �شهر �إلى
�سنتين (جنحة �ضبطية) و غرامة من مائتين �إلى مائتين و خم�سين درهما� ،إذا كان ال�ضرر
185 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الناجم عن الجريمة قليل القيمة ،و الم�شرع في الن�ص المذكور �إذا كان قد �أخد بعين الإعتبار
زهادة ال�ضرر �أو تفاهته ،ف�إنه لم يحدد له قيمة معلومة تلزم المحاكم ،و لذلك يبقى لهذه
الأخيرة �أن تحدد هذه الزهادة في حدود ال�سلطة التقديرية التي تتمتع بها في تقدير الوقائع
وخلق التكييف القانوني عليها ،مع التزامها بطبيعة الحال ب�إبراز هذه الوقائع في الحكم لكي
تت�أكد محكمة النق�ض من مدى مالءمة و�صف ال�ضرر ب�أنه قليل القيمة �أو تافها .
وكما هو وا�ضح ،ف�إن الم�شرع لم يقرر العذر المخفف في هذه الحالة ب�سبب تفاهة �أو زهادة
المنقول المختل�س �أو المبدد فقط و�إنما تو�سع �أكثر من ذلك عندما ربط عذر التخفيف بقلة �أو
تفاهة ال�ضرر الناجم عن الجريمة ،حيث يت�صور و الحالة هذه �أن ينال الجاني التخفيف �سواء
كان المنقول ذا قيمة مادية كبيرة �أو �صغيرة ،تبعا لل�ضرر الحا�صل للمالك �أو الحائز ب�سبب
الجريمة ،و لي�س لقيمة المنقول المختل�س �أو المبدد.
- 2ت�شديد العقاب:
�شدد الم�شرع العقاب على مرتكب جريمة خيانة الأمانة في الف�صلين 549و 550من
مجموعة القانون الجنائي .فبمقت�ضى الف�صل 549ت�شدد عقوبة خيانة الأمانة فت�صبح الحب�س
من �سنة �إلى خم�س �سنوات و غرامة من مائتين �إلى خم�سة �آالف درهم في الحاالت التالية :
�إذا ارتكبها عدل �أو حار�س ق�ضائي �أو قيم �أو م�شرف ق�ضائي ،وذلك �أثناء قيامه بوظيفته ✺
�أو ب�سببها.
�إذا ارتكبها الناظر �أو الحار�س �أو الم�ستخدم في وقف� ،إ�ضرارا بهذا الأخير. ✺
�إذا ارتكبها �أجير �أو موكل� ،إ�ضرارا بم�ستخدمه �أو موكله. ✺
كما �شدد الف�صل 550ق.ج عقوبة الجريمة وذلك برفع عقوبة الحب�س المقررة للجريمة
العادية �إلى ال�ضعف (من �سنة �إلى �ست �سنوات) ،و يرفع الحد الأعلى للغرامة �إلى مائة �ألف
درهم� ،إذا �إرتكب الجريمة �أحد الأ�شخا�ص الذين يح�صلون من الجمهور على مبالغ �أو قيم على
�سبيل الوديعة �أو الوكالة �أو الرهن� ،سواء ب�صفتهم ال�شخ�صية �أو ب�صفتهم مديرين �أو م�سيرين
�أو عمالء ل�شركات �أو م�ؤ�س�سات تجارية �أو �صناعية.
� - 3أ�سباب الإعفاء من العقاب و قيود المتابعة:
تت�شابه جريمة خيانة الأمانة مع جريمة ال�سرقة من حيث �أن الم�شرع المغربي �أخ�ضعهما
معا في بع�ض الحاالت لنف�س الأ�سباب المعفية من العقاب في كل منهما بالرغم من قيام
قواعد الم�س�ؤولية الجنائية .
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 186
فقد جاء في الف�صل 548من القانون الجنائي �أن الإعفاء من العقوبة ،وقيود المتابعة
الجنائية ،المقررة في الف�صول � 534إلى ،536ت�سري على جريمة خيانة الأمانة المعاقب عليها
بالف�صل .547
و بناء على الن�ص ال�سابق ,ف�إن الجاني �إذا كان زوجا �أو �أ�صال لمالك المنقول المختل�س �أو
المبدد ف�إنه يعفى من العقاب مع �إلتزامه بالتعوي�ضات المدنية ( الف�صل 534ق.ج) بحيث يبقى
ملتزما بها .كما �أنه ال يجوز متابعة مرتكب الجريمة الذي قام بالإختال�س �أو التبديد لمنقول
مملوك لأحد �أ�صوله �أو �أقاربه �أو �أ�صهاره �إلى الدرجة الرابعة �إال بناء على �شكوى من ال�ضحية,
مع التنبيه �إلى �أن �سحب ال�شكوى ي�ضع حدا للمتابعة وفقا للف�صل 535من مجموعة القانون
الجنائي كما �سبق �أن تطرقنا له بمنا�سبة درا�سة جريمة ال�سرقة.
وتجب الإ�شارة �إلى �أن �أ�سباب الإعفاء من العقوبة ،و قيود المتابعة الم�شار �إليها في الف�صل
548تطبق فقط عندما تكون الجريمة ب�سيطة ح�سب المفهوم الوارد بالف�صل � ،547أي غير
مقترنة ب�أي ظرف من ظروف الت�شديد المن�صو�ص عليها في الف�صول 549و 550ق.ج ،و هذا
ما ي�ستفاد من الف�صل ،548الذي ربط الإعفاء من العقاب� ،أو الأخذ بقيود المتابعة ،بالحالة
التي تكون الجريمة معاقبا عليها بالف�صل 574ق.ج� ،أي لما تكون الجريمة عادية� ،أو عندما
تكون مخففة ب�أن كان ال�ضرر الناجم عن الجريمة قليل القيمة .
وبمقت�ضى الف�صل 536ق.ج ،ف�إن المخفين للأ�شياء المتح�صلة من خيانة الأمانة و كذلك
الم�شاركون و الم�ساهمون مع الفاعل (�أو الفاعلين) الأ�صلي للجريمة الذي (�أو اللذين) ينال
الإعفاء من العقاب �أو ي�ستفيد (�أو ي�ستفيدون) من قيود المتابعة الجنائية في هذه الجريمة
طبقا للف�صل ،548ال ي�سري عليهم هذا الإعفاء �أو قيود المتابعة طالما ال تتوافر ال�صفات
الم�شار �إليها فيهم.
187 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
❼
الجرائم الما�سة بالآداب :الف�ساد والخيانة الزوجية
واالغت�صاب
مقدمة:
تطلق جرائم العر�ض على كل ممار�سة جن�سية خارج �إطار العالقة الزوجية الم�شروعة
�سواء كانت تلك الممار�سة بر�ضى الطرفين �أم ب�إكراه �أحدهما للآخر بين رجل وامر�أة� ،أو
بين فردين من جن�س واحد (ال�شذوذ الجن�سي) ،ويلحق بجرائم العر�ض كذلك التحري�ض على
ممار�ستها و�أعمال الو�ساطة واالتجار والم�ساعدة على ارتكابها ،وجرائم انتهاك �أو الإخالل
بالآداب العامة مثل الإخالل العلني بالحياء ،ون�شر �أو توزيع المطبوعات �أو الر�سوم �أو ال�صور
المنافية للآداب والأخالق.
فالغريزة الجن�سية غريزة فطرية تتطلب �ضرورة �إ�شباعها من خالل العالقات الجن�سية �أو
المبا�شرة الجن�سية ،وقد عرفت المجتمعات البدائية تنظيما لهذه العالقة على �أ�سا�س الر�ضا
الذي تطور فيما بعد �إلى نظام الزواج ،وهو نظام تفر�ضه الفطرة ال�سليمة ومبادئ الأخالق،
وكل عالقة خارج هذا النظام تعتبر رذيلة ومنافية للأخالق والآداب العامة.
و�أكدت هذا المبد�أ جميع الأديان ال�سماوية فقد قررت �أ�شد العقوبات لالنحراف عن النظام
الطبيعي ،نظام الزواج والأ�سرة .وقد عرفت القوانين الو�ضعية قديمها وحديثها تحريم الرذيلة
وكافة العالقات الجن�سية خارج �إطار الزواج حتى ولو كانت بالر�ضا ،وعن اختيار حر .1فحماية
العر�ض من �أهم و�أول الحقوق التي اعترفت بها القوانين الو�ضعية وال�شريعة الإ�سالمية ،وم�صدر
�أهمية هذا الحق �أنه تج�سيد قانوني ل�شعور طبيعي موجود لدى كل �إن�سان وهو ال�شعور بالحياء .ومن
ناحية ثانية ك�شف الطب عن الأخطار ال�صحية الناتجة عن ممار�سة العالقة الجن�سية خارج �إطار
الزواج ،ومن م�ضاعفاتها الرهيبة بالعدوى والوراثة .فجريمة االعتداء على العر�ض ال يقت�صر
�أثرها على مرتكبها بل تتعداه �إلى ما �سواه ،حيث ت�سفك الأعرا�ض ،وتختلط الأن�ساب ويعتدى على
الن�سل ،وتم�س الأ�سرة في �شرفها وكرامتها ،وتنت�شر الأمرا�ض والف�ساد ويكثر اللقطاء.2
11علي عبد القادر القهوجي« :قانون العقوبات ،الق�سم اخلا�ص ،جرائم االعتداء على امل�صلحة العامة وعلى الإن�سان
واملال» ،من�شورات احللبي احلقوقية� ،ص.463 :
22علي ر�شيد �أبو حجيلة« :احلماية اجلنائية للعر�ض يف القانون الو�ضعي وال�رشيعة الإ�سالمية ،درا�سة مقارنة» ،دار الثقافة
للن�رش والتوزيع� ،ص.15 :
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 188
والحكمة من تحريم الزنا �أنها من الأفعال المنافية للمبادئ الأخالقية ،كما �أنها تت�ضمن
انتهاكا للأعراف ،و�إذا كانت ال�شرائع ال�سماوية �أجمعت على تحريم فعل الزنا ،ف�إن بع�ض
الت�شريعات الو�ضعية -خا�صة القوانين الغربية -ال تجرم هذا الفعل كما هو الحال في القانون
الإنجليزي الذي �أ�صبح ال يعاقب على فعل الزنا ،بعدما كان ي�شكل جريمة فيما �سبق ،بحيث
كان يعتبر واقعة الزنا مجرد خطيئة �أخالقية مدنية ،واعتبر �أن العقاب لن يردع من يتردد في
الإقدام على هذا الفعل� ،إذا لم تمنعه اعتبارات اجتماعية ودينية �أقوى من العقاب.1
ومن هذه القوانين �أي�ضا القانون الفرن�سي حيث �ألغيت الن�صو�ص القانونية المتعلقة بجريمة
الزنا بموجب القانون ال�صادر �سنة ،1975و ذلك لأ�سباب عديدة �أهمها عدم جدوى العقاب
لمن لم تردعه الأخالق و المبادئ العامة� ،إال �أن الأمر يختلف في الواليات الأمريكية �إذ تعتبر
الزنا جريمة في قوانين �أكثر من ن�صف عدد الواليات .2
�أما الم�شرع المغربي فقد ذهب �إلى �أبعد من ذلك حيث جرم الزنا �أيا كان فاعله� ،سواء كان
متزوجا �أو غير متزوج ،غير �أن المالحظ هنا هو �أن ال�شخ�ص المقترف لفعل الزنا �إذا كان غير
متزوج اعتبر مرتكبا لجريمة الف�ساد� ،أما �إن كان متزوجا ف�إنه يعد مرتكبا لجريمة الخيانة
الزوجية وكل جريمة من هاتين الجريمتين نظمها الم�شرع المغربي بموجب ن�صو�ص قانونية،
وو�ضع لها عقوبة خا�صة بها و�أفردها بو�سائل �إثبات محدودة على �سبيل الح�صر ،ونظرا لما
لجريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية من �أهمية وما تثيرانه من م�شاكل ،وما بينها من تداخل
وت�شابه ،ارت�أينا �أن نجعلها محل البحث الذي من خالله �سنحاول الوقوف على كل جريمة على
حدة ب�شيء من التف�صيل ،م�ستدلين ببع�ض القرارات الق�ضائية.
�إذن فما التنظيم القانوني لجريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية؟ وما �أركانها وو�سائل �إثباتها؟
والعقوبة المقررة لها؟
هذا ما �سنحاول الإجابة عنه من خالل هذا المو�ضوع الذي ق�سمناه �إلى مبحثين ،خ�ص�صنا
المبحث الأول لأركان جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية ،بينما �أفردنا المبحث الثاني لو�سائل
�إثبات الجريمتين و قيود المتابعة في الخيانة الزوجية وفق الخطة التالية:
المبحث الأول :جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية ❑
المطلب الثاني :و�سائل الإثبات الجريمتين وقيود المتابعة في الخيانة الزوجية ❍
المبحث الثاني :جريمة الإغت�صاب في القانون الجنائي المغربي والإجتهاد الق�ضائي ❑
11نبيل �صقر« :الو�سيط يف جرائم الأ�شخا�ص» ،دار الهدى اجلزائر� ،سنة � ،2009ص.311 :
22نبيل �صقر ،م �س� ،ص312 :
189 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الق�ضائية
� 11أحمد اخلملي�شي« :القانون اجلنائي اخلا�ص» ،اجلزء الثاين ،مكتبة املعارف للن�رش والتوزيع� ،ص.229 :
� 22أحمد حافظ نور « :الزنا يف القانون امل�رصي واملقارن» ر�سالة مقدمة بكلية احلقوق جامعة القاهرة� ،1958 ،ص.610 :
33عبد احلكيم فودة« :اجلرائم املا�سة بالآداب العامة والعر�ض» ،دار الكتب القانونية ،م�رص� ،سنة � ،2004ص.605 :
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 190
لإثبات الزواج العرفي وذلك وفقا لما ماجاء في مقت�ضيات قانون الم�سطرة الجنائية التي
تن�ص على انه �إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل مدني فيتعين مراعاة ذلك.
و تتطلب جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية توافر �أركان (المطلب الأول) كما يتم �إثباتها
بمجموعة من الو�سائل (المطلب الثاني):
المطلب الأول� :أركان جريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية:
الفقرة الأولى :الركن المادي لجريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية
لقيام جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية البد من توافر عن�صرين �أ�سا�سيين وهما الفعل
المادي �أي العالقة الجن�سية ،وعدم وجود عالقة زوجية بين الفاعلين في جريمة الف�ساد
وارتباط الجاني بعقد زواج في جريمة الخيانة الزوجية:
�أوال :الفعل المادي
يتحقق الركن المادي في الف�ساد بمواقعة رجل المر�أة دون �أن يكونا مرتبطين بعالقة
زوجية ،وذلك ب�إدخاله لع�ضو التنا�سلي المذكر في فرج المر�أة ،وهذا يكفي وحده لقيام الركن
المادي في هذه الجريمة ،وال عبرة بعد ذلك لما �إذا كان الرجل �أو المر�أة قد نال �شهوته
من الجماع المجرد �أم �أن �أحدهم وحده هو الذي �أروى ظم�أ غريزته الجن�سية بح�صول اللذة
الكاملة له دون الطرف الآخر ،كما �أن االعتياد على المواقعة بين الطرفين غير مطلوب لقيام
هذه الجريمة �إذ تكفي لذلك عملية وطء واحدة.1
�إال �أن العالقة الجن�سية تطرح عدة �إ�شكاالت من قبيل ما المق�صود بالعالقة الجن�سية؟ هل
يق�صد بها تلك التي تتم بالإيالج فقط؟ �أم تتحقق حتى بالطرق الأخرى لممار�سة ذلك؟ وهل
يمكن اعتبار الممار�سة مع المر�أة من الدبر تندرج �ضمن مفهوم العالقة الجن�سية المق�صودة
من خالل الف�صل 490ق.ج.2
�سبق الحديث �أن الن�شاط المادي لجريمة الف�ساد ي�ستلزم حدوث مواقعة ،وهذه الأخيرة
ال تتم �إال ب�إيالج ع�ضو الرجل في ع�ضو المر�أة ،معنى هذا ما دون المواقعة من �أفعال ت�سبقها
عادة �أو تحيط بها كالمداعبة وال�ضم والتقبيل وغيرها ال تعتبر مكونة للركن المادي لجريمة
الف�ساد ،و�إن كان ذلك ال يمنع من متابعتهما بجريمة الإخالل العلني بالحياء المن�صو�ص عليه
11عبد الواحد العلمي�« :رشح القانون اجلنائي املغربي ،الق�سم اخلا�ص» ،الطبعة الثامنة � ،2016 ،1437ص.212 :
22كامل ال�سعيد�« :رشح قانون العقوبات» ،مكتبة دار الثقافة للن�رش والتوزيع عمان� ،سنة � ،1994ص.247 :
191 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
في الف�صل 483من القانون الجنائي 1متى توافرت �شروطه .بل د�أبت بع�ض النيابات العامة
على ت�سطير المتابعة بهتك العر�ض خا�صة حينما ترتكب مقدمات الف�ساد هذه في حق
قا�صر.
كما �أنه ي�شترط �أن يكون ال�شريك في جريمة الخيانة الزوجية من الجن�س المقابل بمعنى
البد �أن يمار�س الرجل المتزوج عالقة جن�سية مع امر�أة وبالتالي فمثال ممار�سة الرجل المتزوج
العالقة مع رجل �آخر �أو امر�أة متزوجة مع امر�أة �أخرى اليعد خيانة زوجية بالمفهوم القانوني
بل يدخل في �إطار ال�شدود الجن�سي.
ومن هنا يمكن القول �أن الفقهاء وال�شراح قد �أعطوا تعريفا �ضيقا لمفهوم الممار�سة
الجن�سية ،وذلك �سيرا على توجه الفقه الإ�سالمي الذي اعتبر �أن زنا غير المح�صن يتحقق
بقيام عالقة جن�سية بين رجل وامر�أة عن طريق الإيالج.2
وهناك فريق �آخر ذهب �إلى التو�سع في تف�سير الن�ص القانوني وجعل مفهوم العالقة
الجن�سية ي�شمل �إتيان المر�أة من الخلف ،وبرر هذا الموقف بقوله �أن المر�أة �أباحت ج�سدها
لي�ؤتى من �أي مكان ،ومكنت نف�سها لرجل ا�ستحل الحرمات وتمتع في غير الحالل ،في�ستوي في
هذه الحالة �أن يكون الوطء من قبل �أو دبر.3
انطالقا مما �سبق يمكن القول �أن العالقة الجن�سية هي عن�صر �أ�سا�سي و�شرط لقيام
الركن المادي لجريمة الف�ساد ،وقد ا�شترطها كذلك العمل الق�ضائي للقول بالإدانة ،حيث جاء
في قرار �صادر عن المجل�س الأعلى �أن «قرينة وجود المتهمين تحت �سقف واحد غير كافية
لإدانتهما من �أجل جنحة الف�ساد».4
و كما في جريمة الف�ساد يتحقق الركن المادي للخيانة الزوجية بالمواقعة� ،أي ح�صول
ات�صال جن�سي ر�ضائي �صحيح بين ذكر و�أنثى 5و�إال اعتبر اغت�صابا وفق القانون المغربي ،وال
يجوز للمحكمة �أن تقرر الإدانة �إال �إذا اقتنعت بح�صول الوقاع وعليها �أن تبرر في حكمها هذا
االقتناع الذي ت�ستخل�صه من االعتراف ال�صريح للمتهم �أو من المح�ضر في حالة التلب�س ،وكما
�سبق في جريمة الف�ساد لي�س من ال�ضروري �أن يت�ضمن مح�ضر التلب�س معاينة تنفيذ العن�صر
المادي للجريمة ولكن يتعين �أن تكون الوقائع المعاينة والم�سجلة في المح�ضر تدل بو�ضوح
11جاء يف الف�صل 483ق.ج «من ارتكب �إخالال علنيا باحلياء وذلك بالعري املتعمد �أو البذاءة يف الإ�شارات �أو الأفعال،
يعاقب باحلب�س من �شهر واحد �إىل �سنتني ،وبغرامة من � 200إىل 500درهم.
22ح�سن ـ�أيوب« :الفقه ال�شامل» ،دار ال�سالم ،م�رص� ،سنة � ،2002ص.100 :
� 33أحمد اخلملي�شي :م�.س� ،ص.231 :
44قرار عدد 1350ال�صادر بتاريخ ،1990/02/15ملف عدد 88/14142جملة املعيار ،العدد الثاين� ،ص.112 :
55الف�صل 491ق.ج.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 192
على ارتكاب الجريمة حتى يكون ا�ستنتاج المحكمة �سليما� .إال �أن ال�شرط المو�ضوعي للركن
المادي لجريمة الخيانة الزوجية هو �ضرورة �أن يكون �أحد الفاعلين متزوجا بخالف
جريمة الف�ساد التي من �شروط تحقق ركنها المادي عدم وجود الزواج.
هذا من جهة� ،أما من جهة �أخرى ف�إن ا�ستخال�ص وجود العالقة الجن�سية من الوقائع
الواردة في مح�ضر التلب�س يرجع �إلى محكمة المو�ضوع دون رقابة من المجل�س الأعلى ،لأن
الأمر يتعلق بتف�سير الوقائع وا�ستق�صاء داللتها ،وقا�ضي النق�ض ال يدخل ذلك في �صالحياته،
ومع ذلك قد يتدخل عن طريق نق�صان التعليل �إذا ما تبين له �أن الوقائع بعيدة الداللة عن
وجود العالقة الجن�سية ويعلل تدخله بكون محكمة المو�ضوع لم تبين بما فيه الكفاية الوقائع
التي ا�ستخل�صت منها تحقق الفعل المادي لجريمة الخيانة الزوجية.1
ثانيا :العالقة بين الفاعلين
ي�شترط لقيام الركن المادي لجريمة الف�ساد بالإ�ضافة �إلى العالقة الجن�سية انعدام وجود
عالقة زوجية بين الرجل والمر�أة ،وهذا معناه �أن وجود عالقة زواج بين الفاعلين يبعد عنها
�أي �شبهة ،بالتالي ال يمكن تطبيق مقت�ضيات الف�صل 490ق.ج في حقهما ،و�إن كان عقد الزواج
الذي يجمع بينهما فا�سدا ،ذلك �أن الم�شرع المغربي وبما �أنه فتح باب �سلوك م�سطرة ثبوت
الزوجية عبر مقت�ضيات المادة 16من مدونة الأ�سرة ،وبالرغم من �أن عقد الزواج لي�س �شرط
�صحة لقيامها (العالقة الزوجية) وفي هذا ال�سياق جاء قرار �صادر عن محكمة اال�ستئناف
بالدار البي�ضاء�« :إن عدم �إبرام عقد الزواج ال يعد �سببا العتبار العالقة الجن�سية بين رجل
وامر�أة ف�سادا ،ما دام الظنين يعا�شر الظنينة معا�شرة الأزواج ،حيث �أنه تقدم لخطبتها و�أقام
حفل زفاف ،وما دامت الظنينة تعتبر نف�سها زوجة �شرعية له ،خ�صو�صا �أنه كان يعولها ،وقد
اكترى لها بيت الزوجية ف�إن جريمة الف�ساد غير قائمة ،بما �أن نية الظنينة لم تن�صرف �إلى
المعا�شرة الجن�سية غير ال�شرعية ،ف�إن جنحة الم�شاركة في الخيانة الزوجية تكون غير قائمة
كذلك النعدام الركن المعنوي للجريمة».2
والزواج الذي يتم بين رجل وامر�أة بح�ضور الولي وبال�صيغة المعلومة وت�سمية المهر يعتبر
عقدا �شرعيا وزواجا تترتب عليه كل الحقوق والواجبات لأنه يتوفر على كافة الأركان ولو بدون
�إ�شهاد قبل الدخول غير واجب.
�إذا تبين للمحكمة الجنحية �أن العالقة القائمة بين رجل وامر�أة قد تمت بينها على نية
الزواج وعلى �أ�سا�سه وبوا�سطة ولي المر�أة وبمح�ضر كافة �أقاربها و�أ�صدقاء الرجل وعلى مر�آى
� 11أحمد اخلملي�شي :م�.س� ،ص.250 :
22قرار عدد 690ال�صادر بتاريخ 1991/01/24ملف جنحي عدد ،1944/834/89جملة املحاكم املغربية� ،ص.198 :
193 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وم�سمع من العموم ف�إن تهمة الف�ساد المن�سوبة �إليها تنتفي وكليا وبقوة القانون ،لأن القانون
يعاقب على العالقة الجن�سية غير الم�شروعة التي تقع بغية الف�ساد وفي ال�سر والخفاء.1
واعتراف الظنينين ب�أنهما كانا يعي�شان مع بع�ضهما ودون �أن يتوافرا على عقد زواج مدعين
ب�أنه �سبق للعدلين �أن ح�ضرا و�شهدا الإيجاب والقبول دون �أن يثبتا ذلك ال�شيء الذي تبقى معه
جنحة الف�ساد قائمة في حقهما.2
والدفع بوجود عالقة زوجية بين الفاعلين يخ�ضع في قبوله للفقرة الثانية من الف�صل 260
م.ج التي تن�ص على �أنه «ال يقبل �أي يدفع �أولي �إال �إذا كان م�ستندا على وقائع �أو ر�سوم تبرر
مزاعم ال�شخ�ص المتهم وكان الدفع المقترح من �ش�أنه �أن يجرد الفعل الم�ؤ�س�س عليه المتابعة
من �صيغة المخالفة للقانون الجنائي».
وفي قرار للمجل�س الأعلى «لما �أبرزت المحكمة �أن المتهم لم يكن متزوجا وقت فتح
المتابعة �ضده و�أنه كان قد طلق زوجته ،ف�إن �إدانته والحالة هذه بجريمة الف�ساد تكون مطابقة
للقانون».3
كما �أن الفاعلين ال يمكن اعتبارهما مرتكبين لجريمة الف�ساد �إذا كان الوطء قد ح�صل
�أثناء فترة العدة من طالق رجعي حيث يعتبر الوقاع �إذاك بمثابة ا�سترجاع الرجل للمر�أة
المطلقة �إلى ع�صمته ،4وتظل المطلقة �أثناء فترة العدة في حكم الزوجة ولهذا تكون المحكمة
على �صواب لما �أدانت الطاعنة من �أجل جريمة الخيانة الزوجية التي اعترفت باقترافها �أثناء
فترة عدتها من الطالق.5
بينما العن�صر الوحيد الذي تفترق فيه الخيانة الزوجية عن الف�ساد هو و�صف �أو رابطة
الزوجية حيث يكون الف�ساد بين غير متزوجين بينما الخيانة الزوجية تتطلب �أن يكون كل
من الرجل والمر�أة �أو �أحدهما متزوجا ،6وي�ستوي في ذلك �أن يكون الزواج �صحيحا �أو فا�سدا
11قرار �صادر عن ا�ستئنافية البي�ضاء بتاريخ 1985/10/24حتت عدد 399يف امللف عدد 84/4546/6058من�شور مبجلة
املحاكم املغربية عدد 68و� ،69ص.102 :
22قرار �صادر عن حمكمة اال�ستئناف مبكنا�س بتاريخ 1987/12/02يف امللف اجلنحي عدد 87/646من�شور مبجلة الندوة
عدد � ،4ص.60 :
33قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 1978/02/16حتت عدد 478يف امللف اجلنحي عدد 39206من�شور مبجلة
املحاماة عدد � ،20ص.131 :
44عبد الواحد العلمي ،م�.س� ،ص.213 :
55قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 1984/10/02حتت عدد 7471يف امللف اجلنحي عدد 6863من�شور مبجلة
املحاكم املغربية عدد � ،24ص.65 :
66قرار من�شور مبجلة املحاكم املغربية عدد 24بتاريخ 82/6/24حتت عدد 1039يف امللف اجلنائي عدد � 6863ص 65جاء
فيه «ال جمال لتكييف الأفعال املرتكبة من طرف الطاعن بجرمية الف�ساد املن�صو�ص عليها يف الف�صل 490ق.ج �إذا كان
من الثابت �أن املتهم كان متزوجا حال وجوده متلب�سا بجرمية الف�ساد ،و�أنه الزالت تربطه عالقة الزوجية بزوجته،
وكان القرار املطعون فيه مل يفد �أن زوجة العار�ض تقدمت �ضده ب�شكاية بجنحة خيانة زوجية ح�سب الف�صل 431من
القانون املذكور».
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 194
�أو مختلفا في ف�ساده ،ما دام هذا الأخير تترتب عليه قبل الحكم بف�سخه جميع �أثار الزواج
ال�صحيح ،و�إذا انف�صمت العالقة الزوجية بالطالق ف�إن المطلقة تبقى في حكم الزوجية حتى
تنتهي عدتها ،ف�إذا ارتكبت الزوجة جنحة الخيانة الزوجية وهي في عدة الطالق جاز لمطلقها
تقديم �شكاية في مواجهتها لأن الزواج يعتبر قائما ،وهذا ما ذهب �إليه المجل�س الأعلى
(محكمة النق�ض حاليا) في قراره عدد 7471بتاريخ 1984/10/02ملف جنحي عدد ،14109
وجاء في حيثياته «تظل المطلقة �أثناء فترة العدة في حكم الزوجة ولهذا تكون المحكمة على
�صواب لما �أدانت الطاعنة من �أجل جريمة الخيانة الزوجية التي اعترفت باقترافها �أثناء فترة
عدتها من الطالق».1
فالم�ؤكد �أن �صفة الزوجية يلزم قيامها حين اقتراف الجريمة فقط بمعنى �أن الفاعل �إذا
كان غير متزوج فعال عند ارتكابه للجريمة ب�أن ماتت زوجته �أو كان �سبق له �أن طلقها طالقا
بائنا �سواء بينونة �صغرى �أو بائن بينونة كبرى ،فالطالق الأول �إذا انق�ضت العدة ،ال يمكن
للزوج مراجعة زوجته �إال بعقد و�صداق جديدين ،لأن الطالق في هذه الحالة يزيل الع�صمة
الزوجية ،بينما �إذا كان الطالق بائن بينونة كبرى ،ال يجوز للمطلق في هذه الحالة �أن يتزوج
من طليقته حتى تتزوج رجل غيره ،ومن ثم فال يعتبر مرتكبا لجريمة الخيانة الزوجية في
هذه الحاالت وهذا ما �أيده المجل�س الأعلى في قراره «لما �أبرزت المحكمة �أن المتهم لم يكن
متزوجا وقت فتح المتابعة �ضده و�أنه كان قد طلق زوجته ،ف�إن �إدانته والحالة هذه بجريمة
الف�ساد تكون مطابقة للقانون».2
و�إذا لم يكن عقد الزواج مكتوبا ف�إن الم�شتكي الذي يدعي الزوجية عليه �أن يثبت الرابطة
الزوجية ،ويتعين �أن تكون العالقة الزوجية وقت ارتكاب الجريمة قائمة ،وبناء على ذلك فال
تتحقق الجريمة في فترة الخطبة ولو �أبرم بعد ذلك عقد الزواج.
وترتيبا عليه ف�إن الركن المادي في جريمة الف�ساد يتحقق بوجود عن�صرين �أ�سا�سيين وهما
العالقة الجن�سية وانعدام عالقة الزوجية ،بينما ي�شترط وجود العالقة الجن�سية وارتباط
الفاعل برابطة زواج في جريمة الخيانة الزوجية.
و�إلى جانب الركن المادي للجريمتين معا ،ي�ستلزم قيامهما تحقق الركن المعنوي.
الفقرة الثانية :الركن المعنوي
يلزم توافر الق�صد الجنائي في جريمة الف�ساد على اعتبار �أنها جريمة عمدية ،وهو يتوافر
�إذا كان كال من الفاعلين يلم بانتفاء الرابطة الزوجية بينه وبين الطرف الآخر ،وزيادة على
11قرار من�شور مبجلة الق�ضاء والقانون عدد 133و� ،134ص.255 :
22قرار املجل�س الأعلى رقم 478بتاريخ 1978/02/16من�شور مبجلة املحاماة العدد � ،20ص.131 :
195 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
علمه اليقيني بالواقعة ال�سابقة يلزم �أن يكون مريدا ارتكاب الفاح�شة ،بق�صد �إ�شباع رغبته
الجن�سية – �أو لأي غر�ض �آخر – عن طريق الحرام ،ف�إذا تحقق الق�صد الجنائي بعن�صريه
العلم والإرادة في الحدود ال�سابقة قام الركن المعنوي في الجريمة ووجب م�ساءلة الفاعلين
وعقابهم طبقا للف�صل 490ق.ج.1
و�إال �أنه يمكن للمتهمين نفي الق�صد الجنائي ب�إثبات جهل �أو غلط جعلهما يعتقدان وجود
العالقة الزوجية رغم �أنها غير موجودة عمليا ،بحيث يمكن دفع التهمة عنهما بغلط �أحدهما
في الطرف الآخر كما وجدت في فرا�شه امر�أة فوطئها معتقدا �أنها زوجته �أو في انتهاء عدة
من طالق رجعي� ،أو اعتقد �أن الطالق رجعي بينما هو بائن.2
وي�ستنتج مما �سبق �أنه في الحالة التي ينتفي فيها الق�صد الجنائي لغلط �أو جهل في واقعة
وجود رابطة الزوجية �أو �أن الإرادة قد �أكرهت على ارتكاب الفعل المجرم رغم العلم بانتفاء
الرابطة الزوجية ،ف�إن جريمة الف�ساد ال تقوم �إال بالن�سبة لمن انتفى ق�صده الجنائي.3
وتجدر الإ�شارة �إلى �أن طرفي العالقة الجن�سية ينبغي �أن يكونا بالغين ل�سن الر�شد القانوني
ح�سب الف�صل 140ق.ج وهو � 18سنة ،كما �أنه ال يمكن ت�صور قيام الجريمتين في الحالة التي
يكون �أحد طرفيها �صبيا �أو مجنونا.
بينما يتحقق الق�صد الجنائي في جنحة الخيانة الزوجية بتوافر الإدراك واالختيار من
جهة مع عدم الجهل بالرابطة الزوجية من جهة ثانية.
�أوال :الإدراك واالختيار
ال يتحقق الق�صد الجنائي �إذا انتفى الإدراك عن الفاعل كما �إذا كان م�صابا بخلل عقلي �أو
في حالة تخدير �أو تنويم ،و�إذا كان تناول الم�سكر �أو المخدر اختياريا وبدون �ضرورة �أو �إكراه
فالم�س�ؤولية الجنائية تبقى قائمة تطبيقا لمقت�ضيات المادة 137ق.ج الذي يق�ضي ب�أن ال�سكر
وحاالت االنفعال �أو االندفاع العاطفي �أو النا�شئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا ،ال يمكن
ب�أي حال من الأحوال �أن يعدم الم�س�ؤولية �أو ينق�صها».
وينتفي االختيار بكل ت�أثير عن الإرادة تجعل الفاعل يقدم على الفعل دون اختياره ور�ضاه،
وي�ؤخذ هذا من الف�صل 486ق.ج التي تن�ص على �أن ّ «االغت�صاب هو مواقعة رجل المر�أة بدون
ر�ضاها» حيث اعتبر الفعل اغت�صابا كلما كان بدون ر�ضى المر�أة �أي �سواء و�صل ال�ضغط �إلى
حد الإكراه المادي على الفعل �أو اقت�صر على الت�أثير المعنوي كالتهديد ب�إف�شاء �سر ،و�إذا �أكره
الرجل يعتبر الفعل م�سا بالعر�ض.
وجاء في قرار للمجل�س الأعلى «�إن القرار المطعون فيه عندما �أدان المتهم من �أجل جنحة
الخيانة الزوجية ا�ستنادا العترافه ب�أنه دخل بالمتهمة قبل �إنجاز عقد الزواج ،دون �أن تبرز
الق�صد الجنائي لديه� ،سيما و�أنه �صح تمهيديا �أن نيته لم تكن تن�صرف �إلى الخيانة الزوجية،
و�أنه كان يبا�شر �إجراءات الزواج ،و�أقام الحقا حفل زفاف بح�ضور عائلة زوجته الثانية يكونا
م�شوبا بنق�صان التعليل».1
وهنا يطرح �إ�شكال في حال ما �إذا تمت المواقعة الجن�سية بين زوجين وانتفى فيها عن�صر
الإرادة �أو االختيار من طرف الزوجة مثال ،حول الو�صف الذي يمكن �أن يو�صف به هذا الفعل؟
�إجابة عن هذا الت�سا�ؤل ذهبت محكمة النق�ض الفرن�سية في كثير من قراراتها �إلى �إدانة
الزوج من �أجل االغت�صاب الزوجي بعدما ثبت لها من خالل وقائع الملف انتفاء عن�صر الإرادة
لدى الزوجة بعدما �أكرهها زوجها على ممار�سة الجن�س معه( .من ذلك مثال قرار محكمة
النق�ض الفرن�سية الم�ؤرخ في .)1990/09/5
هذا التوجه لقي �صدى لدى الق�ضاء المغربي خا�صة بعد توافد �شكايات كثيرة لدى العديد
من النيابات العامة ببالدنا من طرف زوجات مور�س عليهن الجن�س بطرق عنيفة تحت وط�أة
ال�ضغط والإكراه ،ف�أ�صدرت محكمة اال�ستئناف بطنجة قرارا جريئا �أدان زوجا من �أجل
االغت�صاب الزوجي بناء على المتابعة الم�سطرة من طرف النيابة العامة ،م�ؤ�س�سة قرارها
على قد�سية الرابطة الزوجية التي ت�شكل �ضمانة للزوج ال ذريعة ي�ستعملها الزوج لممار�سة
الجن�س عليها بطرقة غير را�ضية عنها(.قرار رقم .)2019/2612/203
ثانيا :عدم الجهل بالرابطة الزوجية
من الم�ستبعد �أن يقبل من المتهم الدفع بعدم علمه بالرابطة الزوجية التي تربطه بزوجه
لكن يمكن في حاالت ناذرة �أن يكون محقا في دفعه ،كما �إذا �صدر الحكم بثبوت الزوجية ولم
يبلغ �إليه بعد ،وهذا العن�صر هو العلم بالرابطة الزوجية بالن�سبة للزوج الجاني نف�سه� ،أما
علمه بزواج �شريكه في الجريمة فلي�س �ضروريا لتحقق الق�صد الجنائي.2
11قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 2009/4/8حتت عدد 9/585يف امللف عدد 07/12646من�شور بن�رشة قرارات
املجل�س الأعلى الغرفة اجلنائية� ،ص.31 :
22عبد الرحيم بنيحيى« :جرمية اخليانة الزوجية يف الت�رشيع املغربي» ،مقال �أدرج اخلمي�س 2016/06/02مبـــوقع
www.biougramews.com
197 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
والجريمتين معا بتوافر الركنين المذكورين �سابقا وهما الركن المادي والمعنوي ،مع
ح�صول الإثبات القانوني المطلوب تكونان قائمتين من الناحية القانونية ،مما ي�ستوجب
م�ساءلة المرتكبين بتطبيق العقوبة المقررة في الف�صل 490و 491من ق.ج� ،إذن فما هي
و�سائل �إثبات الجريمتين وما العقوبة المقررة لهما؟ و ما هي قيود المتابعة في جريمة الخيانة
الزوجية؟ هذا ما �سنحاول الإجابة عنه من خالل المبحث الثاني.
المطلب الثاني :و�سائل �إثبات الجريمتين و قيود المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية
ا�شترط الم�شرع المغربي لقيام جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية و�سائل �إثبات خا�صة،
م�ستثناة من القواعد العامة للإثبات المتعارف عليها والمعتمدة قانونا في المادة الزجرية،
ف�إذا تحقق �إثبات الجريمتين ،يقت�ضي متابعة مرتكبيها (الفقرة الأولى) و للمتابعة في جريمة
الخيانة الزوجية قيود ثم �أحكام ت�سري في حق ال�شريك (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :و�سائل الإثبات و العقوبة المقررة.
الم�شرع المغربي ا�شترط لقيام جريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية قيود خا�صة م�ستثناة
من القواعد العامة للإثبات المتعارف عليها و المعتمدة قانونا في المادة الزجرية (�أوال)
والتالي �إذا تحقق الإثبات يقت�ضي الأمر متابعة ومعاقبة المرتكبين (ثانيا).
�أوال :و�سائل الإثبات
�إن القاعدة العامة في الإثبات الجنائي هي حرية القا�ضي في اختيار الدليل الذي يراه
منا�سبا بحيث ال يتقيد بدليل محدد ،ويفر�ض عليه الأخذ بدليل معين ،فله �أن يثبت الجريمة
ب�أية و�سيلة من و�سائل الإثبات وهو ما جاءت به المادة 286من قانون الم�سطرة الجنائية.1
�إال �أن الم�شرع المغربي خرج عن هذه القاعدة عند تعامله مع الإثبات في جريمتي الف�ساد
والخيانة الزوجية ،حيث ح�صر لهما و�سائل �إثبات محددة على �سبيل الح�صر وذلك حين ن�ص
في الف�صل 493من القانون الجنائي على �أن «الجرائم المن�صو�ص عليها في الف�صلين 490
و 491ال تثبت �إال بناء على مح�ضر ر�سمي يحرره �أحد �ضباط ال�شرطة الق�ضائية في حالة تلب�س،
�أو بناء على اعتراف ت�ضمنته مكاتيب �أو �أوراق �صادرة عن المتهم �أو اعتراف ق�ضائي» ،وهو
نف�س ال�شيء ق�ضى به المجل�س الأعلى في �إحدى قراراته حيث قال «ال يكفي في �إثبات الجريمة
11ن�صت املادة 286على �أنه« :ميكن �إثبات اجلرائم ب�أية و�سيلة من و�سائل الإثبات ،ما عدا يف الأحوال التي يقت�ضي فيها
القانون بخالف ذلك ،ويحكم القا�ضي ح�سب اقتناعه ال�صميم».
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 198
المعاقب عليها في الف�صل 491ق.ج �أن تقول المحكمة ب�أنها اقتنعت بثبوت الجريمة بل ال بد �أن
تبني حكمها على �أحد دالئل الإثبات المن�صو�ص في الف�صل 493من نف�س القانون».1
وبذلك يكون الم�شرع المغربي قد قيد مبد�أ حرية الإثبات الجنائي المعمول به في القواعد
العامة وفر�ض على القا�ضي و�سائل معينة ال يمكنه تجاوزها وهي :محا�ضر ال�ضابطة الق�ضائية
في حالة التلب�س واالعتراف الذي ت�ضمنته مكاتيب �أو �أوراق �صادرة عن المتهم واالعتراف
الق�ضائي.
�أ -مح�ضر �ضابط ال�شرطة الق�ضائية في حالة التلب�س
�أي م�شاهدة وقائع الجريمة من طرف �أحد �ضباط ال�شرطة الق�ضائية ،ويخ�ضع المحرر في
حالة التلب�س من حيث قيمته الإثباتية لأحكام المادة 290من ق.م.ج «المحا�ضر والتقارير التي
يحررها �ضباط ال�شرطة الق�ضائية وجنود الدرك ب�ش�أن التثبت من الجنح والمخالفات يوثق
بم�ضمونها ما لم يثبت خالل ذلك» وقد اعتبر الم�شرع المغربي هذه المحا�ضر و�سيلة لإثبات
جريمة الف�ساد وكذلك الخيانة الزوجية عند م�شاهدة �ضابط ال�شرطة الق�ضائية للفاعلين
وهما متلب�سان بالجريمة ،هذا وقد حدد المجل�س المق�صود من التلب�س بجريمة الف�ساد ،بحيث
�صرح في قرار �صادر عنه ب�أن محا�ضر ال�شرطة الذي ي�ستخل�ص منه �أن «المتهمين كانا في
خلوة تامة ،ولم ي�شر بتاتا �إلى معاينة المتهمين في حالة تلب�س بالجريمة بمفهوم الف�صل 56
من ق.م.ج ال يجوز االعتماد عليه للحكم بالإدانة».2
وعليه يمكن القول �أن العمل الق�ضائي يعتمد على المح�ضر المحرر من طرف �ضباط ال�شرطة
الق�ضائية في حالة التلب�س لإثبات جريمة الف�ساد دون باقي حاالت التلب�س الواردة في الف�صل
56ق.م.ج ،وذلك نظرا لخ�صو�صية هذا النوع من الجرائم� ،إذ ال يمكن م�شاهدة الجاني وهو
يمار�س العالقة الجن�سية مع �آخر ،كما ال يمكن اال�ستناد �إلى �صياح الجمهور للقول ب�أن الجريمة
قد ارتكبت ،وبالتالي ف�إن ال�صورة الوحيدة لحالة التلب�س الممكنة هي م�شاهدة �ضابط ال�شرطة
الق�ضائية للجاني وهو في ظروف ال تدع مجاال لل�شك في �أنه ارتكب فعال عالقة جن�سية غير
م�شروعة ،وحتى في هذه الحالة ف�إن الم�شاهدة تن�صب على الآثار والإمارات المذكورة ح�سب
الأحكام ال�سابقة كالخلوة �أو وجود المتهمين في مالب�سهما الداخلية �أو ا�ستعمال المتهمة
لو�سائل الزينة والتجميل هي مجرد قرائن على �أن الجريمة قد وقعت ولي�س دليال قاطعا على
وقوعها.3
11قرار عدد � ،229صادر بتاريخ 8يناير ،1970جملة الق�ضاء والقانون عددي � ،110-109ص.490 :
22قرار عدد � 1573صادر بتاريخ 1980/12/28جملة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد � ،27ص.200 :
� 33أحمد قيل�ش ومن معه :م�.س� ،ص.122 :
199 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ومن هنا تظهر �صعوبة �إثبات هذا النوع من الجرائم عن طريق التلب�س نظرا لطبيعتها
ولظروف ارتكابها.
و�إلى جانب محا�ضر ال�ضابطة الق�ضائية المحررة في حالة التلب�س التي تعد و�سيلة �إثبات
لجريمة الف�ساد هناك االعتراف الكتابي.
ب -االعتراف الكتابي
ويق�صد به المكاتيب والأوراق المت�ضمنة العتراف المتهم ،واالعتراف الكتابي هو اعتراف
غير مبا�شر لأن المتهم ال يدلي بت�صريحاته مبا�شرة �أمم المحقق ،و�إنما يتم ذلك بالكتابة مثال
في ر�سالة �أو م�ؤلف �أو جريدة �أو مجلة ،وفي الواقع العملي يكون من الناذر جدا �أن ت�صدر مثل
هذه المكاتيب عن الجناة.
�إن المحا�ضر المت�ضمنة العتراف ال�شخ�ص بالف�ساد �أو الخيانة الزوجية والموقع عليها من
طرف �صاحب هذا االعتراف فهي و�إن كانت تنزل منزلة االعتراف الذي ت�ضمنته مكاتب �أو
�أوراق �صادرة عن المتهم ف�إن ذلك منوط باقتناع المحكمة بفحوى ذلك االعتراف فتبقى تلك
المحا�ضر خا�ضعة ل�سلطة المحكمة التقديرية.1
ج -االعتراف الق�ضائي
ويق�صد به االعتراف ال�صادر من المتهم في الجل�سة العمومية ،لأنه الذي ينطبق مفهوم
االعتراف الق�ضائي.
�أما الذي ي�صدر �أمام قا�ضي التحقيق� ،أو القا�ضي الباحث ف�إن المتهم يدلي به في جل�سة
�سرية ،وبذلك يفقد �أهم عن�صر لالعتراف الق�ضائي الذي ي�صدر ويناق�ش في جل�سة المحكمة.
وكذلك االعتراف المدلى به �أمام ممثل النيابة العامة ،لأن ع�ضو النيابة العامة يقوم
با�ستنطاق المتهم في �إطار مبا�شرة �إجراءات البحث بو�صفه �ضابطا �ساميا لل�شرطة.2
واالعتراف الق�ضائي يمكن للمحكمة �أن ت�أخذ بكل ما جاء فيه �أو تجزئه ،كما يمكنها �أن
ت�ستبعده �إذا وجد مبرر لهذا اال�ستبعاد ،كما �إذا كان غير �صريح� ،أو ثبت من وقائع الق�ضية
وم�ستنداتها عدم �صدق المتهم في اعترافه ،وي�سري االعتراف على من �صدر منه دون �شريكه.3
ويذهب �أغلب ال�شراح �إلى القول ب�أن االعتراف الق�ضائي يتمتع بقوة ثبوتية حا�سمة ،لأنه
ي�صدر �أمام ق�ضاة الحكم ،ولأن المتهم في هذه المرحلة يتمتع بمجموعة من ال�ضمانات.4
وال جدال في �أن المحكمة ال يمكنها �أن تقرر الإدانة دون �أن تتوفر على الأقل �إحدى و�سائل
الإثبات الواردة في المادة 493ق.ج.
والمحكمة تملك �سلطة تقدير القيمة الإثباتية لتلك الو�سائل الثالث ،وهي ب�صدد التقدير
تبرز العنا�صر والوقائع التي جعلتها تطمئن �إلى الو�سيلة المتوفرة.
�إال �أن الواقع العملي والتطور التقني والتكنولوجي �أبان عن ق�صور هذه الو�سائل الثالث في
�إثبات جريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية وطرح �إ�شكاليات كثيرة حول حاالت تتحقق فيها هذه
الجرائم ب�صورة وا�ضحة ولو في غياب و�سائل الإثبات المذكورة .فتجد �أحد الزوجين مثال
يتقدم ب�شكاية �أمام النيابة العامة يتهم فيها زوجته بخيانته جن�سيا مدعما �شكايته بت�سجيالت
�صوتية و�أحيانا مرئية تبين ب�شكل وا�ضح ممار�سة زوجته للجن�س مع خليلها ب�شكل كامل من
بداية العملية �إلى نهايتها .فيقف ممثل النيابة العامة حائرا عند اتخاذ القرار على اعتبار �أن
و�سائل �إثبات الفعل محددة على �سبيل الح�صر و�أن الو�سيلة المدلى بها في النازلة غير واردة
مبدئيا �ضمن تلك الو�سائل.
�إال �أن الحل في نظري يكمن في �أنه يجب �أن تتوفر لدى قا�ضي النيابة العامة و�أي�ضا القا�ضي
الزجري ملكة تطويع الن�ص الجنائي وقراءته في �شموليته �أي في ظل التطور الحا�صل حاليا
والذي لم يكن حا�صال عند و�ضع الن�ص لأول مرة من قبل الم�شرع ،بمعنى �آخر ف�إن ال�صور
�أو الت�سجيالت الم�سموعة والمرئية يجب �أن ت�صنف �ضمن دائرة المكاتيب خا�صة �إذا وجدت
قرائن �أخرى تع�ضدها.
ويبدو �أن الق�ضاء المغربي بد�أ ي�ستوعب هذا الإ�شكال ويفهم جيدا فل�سفة الم�شرع من وراء
تجريم الخيانة الزوجية ،وهو ما يظهر من خالل قرار �صادر عن غرفة اال�ستئناف الجنحية
بابتدائية مي�سور �أيدت فيها حكما ابتدائيا ق�ضى بالم�ؤاخذة من �أجل الخيانة الزوجية لمجرد
اعتراف الزوجة بمح�ضر ال�شرطة الق�ضائية بتبادل القبل مع خليلها .وهو القرار الذي �أيدته
محكمة النق�ض في 2018/10/17بموجب قرارها عدد .3/1431م�ستندة فيه على قد�سية
الرابطة الزوجية التي ت�أخذ مفهوما وا�سعا.
ثانيا :العقوبة المقررة لجريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية
قرر الم�شرع المغربي لجريمة الف�ساد التي تجمع بين رجل وامر�أة ال توجد بينهما �أية رابطة
زوجية عقوبة حب�سية تتراوح ما بين �شهر و�سنة كما ن�ص على ذلك الف�صل 490ق.ج الذي جاء
فيه «كل عالقة جن�سية بين رجل وامر�أة ال تربطهما عالقة زوجية تكون جريمة الف�ساد ويعاقب
عليها بالحب�س من �شهر �إلى �سنة» ،فبتوافر الركنين المادي والمعنوي مع ح�صول الإثبات
القانوني المطلوب تكون الجريمة قائمة من الناحية القانونية ،ومن تم عقابها ح�سب منطوق
201 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الف�صل 490ق.ج .1ما لم يكيف فعلهما تكييفا ي�ؤدي �إلى تغليظ العقوبة 2عليهما� ،أما �إذا انتفى
الق�صد الجنائي لغلط �أو جهل في واقعة وجود رابطة الزوجية �أو اكراهات الإرادة على ارتكاب
الفعل المجرم ،رغم العلم بانتفاء الرابطة الزوجية بين الطرفين ،ف�إن جريمة الف�ساد ال تقوم
بالن�سبة للذي انتفى ق�صده.
وجدير بالذكر �أن العقاب على جريمة الف�ساد لي�ست موقوفة على متابعة الفاعلين معا
وهذا يعني �إمكانية متابعة �أحدهما دون الآخر ،وفي هذا يقول المجل�س الأعلى« :الف�ساد عالقة
جن�سية بين رجل وامر�أة ال تربطهما عالقة زواج و�أن عدم متابعة ال�شريك يجعل جريمة الف�ساد
غير قائمة...ال.
يكفي لقيام جريمة الف�ساد وجود ال�شخ�ص الآخر الذي مور�س معه العمل الجن�سي ولو لم
تقع متابعته فتكون المحكمة على �صواب حيث ق�ضت بمعاقبة الطاعن وحده من �أجل جريمة
الف�ساد نظرا لعدم متابعة �شريكه في الجريمة».3
الم�شرع المغربي باعتبار �أن له خلفية دينية ،اعتمد في تجريمه لجريمة الف�ساد على
الت�شريع الإ�سالمي ،بحيث ا�ستقى عقاب الف�ساد من �أحكام ال�شريعة� ،إال �أن نوع العقوبة التي
قررها لهذه الجريمة لم ي�أت مطابقا لما ت�ضمنته ال�شريعة الإ�سالمية في العقاب على الزنا،
فالعقوبة التي قررها الم�شرع المغربي لجريمة الف�ساد هي ما ن�ص عليه الف�صل 90ق.ج
ال�سالف ذكره ،فبتوافر الركنين المادي والمعنوي مع ح�صول الإثبات القانوني المطلوب ،تكون
الجريمة قائمة من الناحية القانونية ،ومن تم يكون عقابها ح�سب منطوق الف�صل 480ق.ج.
وتجدر الإ�شارة �إلى �أن القا�ضي يجوز له وفي حاالت معينة �أن ينزل بالعقوبة كما يجوز له �أن
يحكم بوقف تنفيذ العقوبة ح�سب ظروف المتهم كما �أن هذه العقوبة قابلة للت�شديد في حالة
العود �أو الف�ساد مع المحارم �أو من للمتهم الحق في الوالية عليه.
في حين ن�ص الف�صل 491من القانون الجنائي «يعاقب بالحب�س من �سنة �إلى �سنتين �أحد
الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ،وال يجوز المتابعة في هذه الحالة �إال بناء على
�شكوى من الزوجة �أو الزوج المجنى عليه.
11هذا و�إذا كانت املحاولة ممكنة الت�صور واقعيا يف هذه اجلرمية ف�إنها مع ذلك غري معاقبة قانونا لأن امل�رشع مل يعاقب على
حماولة جنحة الف�ساد �رصاحة وبن�ص خا�ص� ،أما امل�شاركة يف اجلرمية فمت�صورة ومعاقبة طبقا للأحكام العامة املقررة
يف الف�صل 129ق.ج.
22كما لو كيف الفعل خيانة زوجية �أو اغت�صابا �أو هتك عر�ض.
33قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 1978/3/8حتت عدد 418يف امللف اجلنائي عدد 52564من�شور مبجلة املحاماة
عدد � ،20ص.140 :
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 202
غير �أنه في حالة غياب �أحد الزوجين خارج تراب المملكة ،ف�إنه يمكن للنيابة العامة �أن
تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج الآخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية ب�صفة ظاهرة».
فالف�ساد يعاقب عليه بالحب�س من �شهر واحد �إلى �سنة ،وتثار المتابعة ب�ش�أنه تلقائيا �أما
الخيانة الزوجية فعقوبتها الحب�س من �سنة �إلى �سنتين ،وال تجوز المتابعة بها �إال بعد تقديم
الزوج المجني عليه ال�شكوى ،ما لم يكن الزوج خارج المغرب وكان الزوج الأخر يتعاطى الف�ساد
ب�صفة ظاهرة.
بالرجوع �إلى القوانين الو�ضعية الجنائية نجد �أنها تختلف عن ما هو مقرر في الت�شريع المغربي
فنجد مثال الت�شريع الأردني يعاقب المر�أة (�سواء متزوجة �أو غير متزوجة) �إذا زنت بالحب�س
من �ستة �أ�شهر �إلى �سنتين� ،أما الزوج فيعاقب بالحب�س من �سنة �إلى �سنتين ،ويعاقب الت�شريع
الم�صري الزوجة الزانية بالحب�س لمدة ال تزيد عن �سنتين �أي دون تحديد الحد الأدنى� ،أو الزوج
الزاني فيعاقب بالحب�س لمدة ال تزيد عن �ستة �أ�شهر (المواد 274و 275و 277عقوبات م�صري)،
�أما الت�شريع التون�سي فيعاقب على زنا الزوجة دون زنا الزوج (المادة 236عقوبات تون�سي).
وعليه �سنقوم بدرا�سة قيود المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية و ال�شريك في هذه
الجريمة.
الفقرة الثانية :قيود المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية وال�شريك في هذه الجريمة
تعد جريمة الخيانة الزوجية من الجرائم المقيدة ب�شرط �أ�سا�سي لتحريك الدعوى
العمومية المن�صو�ص عليها في الف�صل الثالث من قانون الم�سطرة الجنائية �أال وهي ال�شكوى،
الف�صل 49من ق.ج ا�شترط وجود �شكوى من الزوجة �أو الزوج المجني عليهما لقيام المتابعة
حيث جاء فيه «وال يجوز المتابعة في هذه الحالة �إال بناء على �شكوى الزوجة �أو الزوج المجني
عليه» ومن تم فللمتابعة في جريمة الخيانة الزوجية قيود (�أوال) ثم �أحكام ت�سري في حق
ال�شريك (ثانيا).
�أوال :قيود المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية
�أ -ال�شكوى
ا�شترطت المادة 491ق.ج للمتابعة الجنائية تقدم زوج الجاني ب�شكاية يطلب فيها بالمتابعة،
ويمتنع عن النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية قبل التو�صل بهذه ال�شكوى.1
11وذلك ما دامت الأفعال مت�صفة بو�صف اخليانة الزوجية� ،أما �إذا �أمكن تكييفها بو�صف �آخر �أ�شد فيحق للنيابة العامة �أن
تثري املتابعة تلقائيا كما �إذا كان فعل الزوج يكونا اغت�صابا �أو م�سا بعر�ض .واخليانة الزوجية قابلة للتكييف بو�صف �آخر
وهو الف�ساد الذي ال تتوقف املتابعة به على �شكوى ،ولكن ميتنع على النيابة العامة به بناء على ما ا�ستقر عليه االجتهاد
من �أن ذلك يتعار�ض مع ما ا�شرتطه القانون من ال�شكوى ما دام يف جميع حاالت اخليانة يتحقق و�صف الف�ساد كذلك.
203 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
فال�شكوى تقدم من المجني عليه �شخ�صيا �أو بوكيل يعينه لهذا الغر�ض بوكالة خا�صة يكون
مو�ضوعها محددا في تقديم هذه ال�شكوى ،ويبقى هذا الحق قائما طالما المجني عليه حيا� ،أما
�إن هو مات قبل تقديم ال�شكوى ،فالراجح �أنه ال ي�سوغ للنيابة العامة المتابعة �أبدا على اعتبار
�أن حق اال�شتكاء ذو طبيعة �شخ�صية ال ينتقل �إلى الورثة ،1وي�سري هذا الحكم ولو كان الزوج
المجني عليه محجورا عليه ل�صغر �أو �سفه...
هذا ولم ي�شترط القانون �شكال معينا لل�شكاية ،وبناء على ذلك يمكن �أن تكون مكتوبة �أو
�شفوية ،حيث ا�شترط الم�شرع المغربي تقديم �شكوى فقط وهذا ما �سار عليه المجل�س الأعلى
(محكمة النق�ض حاليا) في قراره «بناء على الف�صل 491من ق.ج ف�إنه يعاقب �أحد الزوجين
الطي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية وال يجوز متابعته في هذه الحالة �إال بناء على ال�شكوى
من الزوجة �أو الزوج المجني عليه.
وحيث �إن المحكمة ...التي �أوردت في عر�ض الوقائع �أن المتهم ...متزوج ومع ذلك �آخذته
بجنحة الف�ساد بعد تكييف الجريمة بالرغم من كونه يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة الخيانة
الزوجية التي ال يمكن متابعته بها �إال بناء على �شكوى من الزوجة طبقا للف�صل المذكور».2
وفي قرار �آخر «بناء على الف�صل 491من ق.ج ف�إنه ال يجوز �أن يتابع �أحد الزوجين بالخيانة
الزوجية �إال بناء على �شكوى من الزوج الآخر المجني عليه وال يمكن �أن يتابع �إال كفاعل �أ�صلي
في الجريمة ال مجرد م�شارك فيها».3
ويثور هنا �س�ؤال في حالة حدوث الطالق قبل تقديم ال�شكاية والحل الذي يبدو منا�سبا هو
تخويل النيابة العامة في هذه الحالة �إثارة المتابعة دون حاجة �إلى �شكاية.4
ورغم القيود المفرو�ضة على النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في جريمة الخيانة
الزوجية ف�إنه يبقى من حقها ا�ستثناء تحريكها تلقائيا في حالة ما �إذا كان الزوج متغيبا خارج
المغرب وامر�أته تتعاطى الزنا ب�صفة ظاهرة.
ب -التنازل عن ال�شكوى
�أما فيما يخ�ص التنازل عن ال�شكوى فيق�ضي الف�صل 492ق.ج ب�أن «تنازل �أحد الزوجين
عن �شكاية ي�ضع حدا لمتابعة الزوج �أو الزوجة الم�شتكى بها عن جريمة الخيانة الزوجية.
11لطيفة الداودي« :درا�سة يف قانون امل�سطرة اجلنائية وفق �آخر التعديالت» ،الطبعة اخلام�سة� ،ص.52 :
22قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 86/12/11حتت عدد 8785من�شور مبجموعة قرارات املجل�س الأعلى املادة
اجلنائية � ،95-81ص.188 :
33قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 90/12/6حتت عدد 10024يف امللف اجلنحي عدد 89/1939من�شور مبجلة
الق�ضاء والقانون عدد � ،143ص.175 :
� 44أحمد اخلملي�شي :م�.س� ،ص.255 :
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 204
ف�إذا وقع التنازل بعد �صدور حكم غير قابل للطعن ف�إنه ي�ضع حدا لآثار الحكم بالم�ؤاخذة
ال�صادر �ضد الزوج �أو الزوجة المحكوم عليها.
وال ي�ستفيد م�شارك الزوجة وال م�شاركة الزوج مطلقا من هذا التنازل».
والتنازل عن ال�شكوى �أو �سحبها يتحقق ب�إبداء الرغبة في و�ضع حد لإجراءات المتابعة �أو
لتنفيذ العقوبة ،ولي�س من ال�ضروري �أن يتم �سحب ال�شكاية من �أجل ا�ستئناف الحياة الزوجية،
فال�سحب ينهي المتابعة وتنفيذ العقوبة بمجرد وقوعه ،وله بعد ذلك �أن ي�ست�أنف المعا�شرة �أو
الطالق �أو التطليق.
وقد جاء في قرار �صادر عن المجل�س الأعلى «الخيانة الزوجية ال يمكن �أن تو�صف �إال
بو�صف واحد ،تنازل الزوجة عن المتابعة يمنع �إدانة الزوج المتنازل له ب�أي و�صف �آخر».1
ثانيا :ال�شريك في الخيانة الزوجية
مرتكب جريمة الخيانة الزوجية يتعر�ض لأحكام ناتجة عن ت�صرفه هو وعن �صفته
ال�شخ�صية ،كما ت�سري عليه �أحكام �أخرى ي�ستقيها من الطرف الآخر في العالقة المجرمة
التي مار�سها.
فالأحكام التي ي�ستمدها المتهم من الطرف الآخر وت�سري عليه بو�صفه �شريكا له في
العالقة مو�ضوع المتابعة تتلخ�ص في �سريان الو�صف الجنائي للأفعال و�آثار تقديم �أو عدم
تقديم ال�شكاية و�سحبها.
�أ � -سريان الو�صف الجنائي
يثور مو�ضوع التكييف عندما يكون ال�شريك غير متزوج بينما �شريكه الآخر متزوج ،لم
يتعر�ض القانون الجنائي للحكم في جريمة الخيانة الزوجية ،وال يبقى منا�ص من الرجوع
للقواعد العامة في القانون الجنائي لالهتداء �إلى الحل ،وفي هذا ال�صدد يالحظ ب�أن �صفة
الزوجية من جهة ت�شكل ظرفا ماديا في الجريمة ك�أنها تغير من و�صفها من جنحة الف�ساد
�إلى جنحة الخيانة الزوجية وت�شدد بالتالي عقابها ،وفي نف�س الوقت ت�شكل ذات ال�صفة ظرفا
�شخ�صيا مت�شددا للعقوبة ترتبط ب�شخ�ص الفاعل ،لأن توافر هذه ال�صفة التي تكيف معها
العالقة الجن�سية ،ب�أنها خيانة زوجية ،ولي�س ف�سادا من جهة �أخرى ،ولذلك فهذه ال�صفة
تنتهي �أخيرا �إلى �أن ت�صبح ظرفا مختلطا عينيا و�شخ�صيا ،ومن المعلوم �أن الق�ضاء �سار على
اعتبار الظروف المختلطة كالظروف العينية من حيث �أثرها على الم�ساهمين والم�شاركين
وبالن�سبة لم�شارك الزوجة غير المتزوج� ،أو م�شاركة الزوج غير المتزوجة يعتبر م�شاركا في
11قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 00/03/29حتت عدد 4/443يف امللف عدد 91/16035من�شور مبجلة امللف
عدد � ،11ص.289 :
205 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
جنحة الخيانة ولي�س في جنحة الف�ساد عمال بالف�صل 130/2الذي يقول «وال ت�ؤثر الظروف
ال�شخ�صية التي ينتج عنها ت�شديد �أو تخفيف �أو �إعفاء من العقوبة �إال بالن�سبة لمن تتوافر فيه.
�أما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة والتي تغلظ العقوبة �أو تخف�ضها ف�إنها تنتج مفعولها
بالن�سبة لجميع الم�ساهمين �أو الم�شاركين في الجريمة ولو كانوا يجهلونها» .ومع ذلك ف�إن قرارا
للمجل�س الأعلى ا�شترط علم الم�شارك غير المتزوج بكون الطرف الآخر متزوج ،حتى يعاقب
بعقوبة الم�شاركة في الخيانة الزوجية وهو ما ال ي�ستقيم مع الف�صل 130ق.ج الذي قال ب�سريان
الظروف العينية – ويلحق بها المختلطة – للجريمة على جميع الم�ساهمين والم�شاركين �سواء
علموا بها �أم لم يعلموا ،وي�ستفاد من حيثية قرار المجل�س الأعلى الذي جاء فيه «حيث �إن
الثابت من تن�صي�صات الحكم المطعون فيه �أن الطاعن �ضبط في حالة التلب�س باالت�صال
الجن�سي مع المر�أة (ح) مع علمه ب�أنها متزوجة ،و�أن هذا الفعل يكون جنحة الخيانة الزوجية
بالن�سبة للمر�أة المذكورة ،ويكون م�شاركة في الجنحة الم�شار �إليها بالن�سبة للطاعن».1
وما ي�ؤخذ من القرار من ا�شتراط العلم ل�سريان و�صف الخيانة الزوجية على ال�شريك
المتزوج يتعار�ض مع مقت�ضيات الف�صل 130ق.ج الذي �أكد ب�صريح العبارة عدم �سريان
الظروف ال�شخ�صية على غير من تتوفر فيه علم بها �أم ال ،و�سريان الظروف العينية على جميع
الم�ساهمين والم�شاركين كانوا على علم بها �أم ال.
وعقوبة الخيانة الزوجية ناتجة عن ظرف مختلط كما �سبق القول فيتعين �إلحاقه بالظروف
العينية (�أو الظروف ال�شخ�صية �إذا اقت�ضى اجتهاد القا�ضي ذلك) وتطبيق �أحكام الف�صل
130ق.ج عليه ولكن ال يمكن بحال تقرر �سريانه كالظروف العينية ثم ا�شتراط علم الم�شارك
بو�صف الزوجية للطرف الآخر.2
والجهل بزواج الفاعلة الأ�صلية يجعل العن�صر المعنوي لجنحة الم�شاركة في الخيانة
الزوجية غير متوفر».
�إال �أن هذا االتجاه تعار�ضه محكمة النق�ض ب�شدة حيث جاء في قرارها عدد 370الم�ؤرخ
في � 2015/03/30أن« :نظام الم�شاركة في الخيانة الزوجية هو نظام م�ستقل وخا�ص �أقرب ما
يكون �إلى مفهوم الم�ساهمة المن�صو�ص عليها في الف�صل 128من القانون الجنائي ولي�س وفق
الف�صل 129من نف�س القانون».
11قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ 1967/11/12قرار رقم 61من�شور مبجلة الق�ضاء والقانون عدد � ،93ص:
.129
� 22أحمد اخلملي�شي :م�.س� ،ص.260 :
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 206
وهو توجه �سليم على اعتبار �أن الم�ساهم هو الذي يقوم بتنفيذ الأفعال المادية للجريمة في
نف�س الوقت الذي يبا�شر فيه الفاعل الأ�صلي نف�س الأفعال ،وال ي�شترط فيه عن�صر العلم و�إنما
ي�شترط قيامه الواقعي والفعلي بالأفعال المادية المجرمة ،مما يعني �أن الم�شاركة التي ا�شترط
فيها الم�شرع عن�صر العلم ك�أ�سا�س للعقاب لي�ست هي الم�شاركة بالمفهوم الوارد في الف�صل
492من القانون الجنائي.
ب � -أثر ال�شكاية و�سحبها
بعد ت�أثر ال�شريك بال�شكاية يثار في حالة تقديمها �ضد الطرف الآخر وفي حالة عدم
تقديمها كذلك وذلك تبعا لما �إذا كان هو �أي�ضا متزوجا �أو غير متزوج.
في الحالة الأولى �إذا كان متزوجا هل يت�أثر بال�شكاية المقدمة من زوج الطرف الآخر؟
�إن �صياغة الف�صل 491ق.ج تحمل ت�أويلين فهي تقول «وال تجوز المتابعة في هذه الحالة �إال
بناء على �شكوى من الزوجة �أو الزوج المجني عليه» فهذه العبارة ي�صح تف�سيرها بعدم جواز
متابعة الزوج الجاني �إال بناء على �شكوى زوجه هو وهذا يتفق مع الهدف الذي من �أجله و�ضعت
ال�شكاية قيدا للمتابعة ،كما يمكن تف�سيرها ب�أن متابعة مرتكبي الجريمة ال تثار �إال بناء على
�شكوى من �أي زوج من الأزواج المجني عليهم في حالة تعددهم في�شمل هذا التف�سير حالة
تقدم زوج �أحد الجانبين بال�شكاية وحالة ما �إذا كان للرجل الجاني �أكثر من زوجة واحدة
قدمت �إحداهن ال�شكاية دون الأخريات.
�أما الحالة الثانية وهي ت�أثر ال�شريك بعدم تقديم ال�شكاية فتثور عندما يكون ال�شريك غير
متزوج وال تقدم ال�شكاية �ضد الطرف الآخر المتزوج والحكم هو �أن للنيابة العامة تحريك
المتابعة �ضد ال�شريك غير المتزوج دون انتظار �شكوى زوج الطرف الآخر ،ولو �أن هذه المتابعة
يترتب عنها ن�شر الوقائع التي قد يرغب الزوج المجني عليه في عدم �إن�شائها� ،إال �أن مبررات
المتابعة تعتبر �أرجح من مجرد مراعاة رغبة الزوج خ�صو�صا و�أن زوجه هو لم يتابع �أمام
الق�ضاء.
هذا عن ت�أثير تقديم �أو عدم تقديم ال�شكاية� ،أما بالن�سبة ل�سحبها بعد تقديمها ف�إن الفقرة
الأخيرة من الف�صل 492ق.ج تق�ضي «ال ي�ستفيد م�شارك الزوجة وال م�شاركة الزوج مطلقا من
هذا التنازل».
وهو ما �أكدته محكمة النق�ض من خالل قرارها رقم 865/3ال�صادر بتاريخ 2015/08/04
في الملف 2079.6.2014جاء فيه �أنه «رغم تنازل �أحد الزوجين ف�إن الم�شارك في الجريمة ال
ي�ستفيد من هذا التنازل».
207 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وبالرغم من هذه ال�صياغة التي تفيد �أن �سحب ال�شكاية ال ت�أثير له على ال�شريك في جميع
الأحوال� ،إال �أنه يبدو تف�سيرها بالحاالت التي ال تكون فيها ال�شكاية هي �سبب المتابعة ب�أن كان
ال�شريك غير متزوج �أو متزوجا و�أثبت متابعته ب�شكاية زوجه هو ،كما �إذا ارتكب الجريمة (�أ)
و(ب) المتزوجان و�أثيرت متابعتهما ب�شكاية زوجيهما ،ف�إن �سحب زوج لل�شكاية (�أ) ال ي�ستفيد
منه ال�شريك (ب).
�أما �إذا كانت ال�شكاية هي �سبب المتابعة في�ؤثر �سحبها على ال�شريك ،ففي المثال ال�سابق
�إذا �أثيرت متابعة المتهمين معا بناء على �شكاية زوج (�أ) ف�إن �سحب هذا الأخير ل�شكايته
ي�ستفيد منه المتهم (ب) �إذ بعد �سحب ال�شكاية ال يبقى مبرر لمتابعته وهو متزوج وزوجه لم
يقدم به �شكوى.1
بقي في نقطة �أخرى �أن ن�شير �إلى الآثار القانونية لجريمة الخيانة الزوجية:
فبالن�سبة لحالة كون الزوجة هي المتهمة يترتب على هذه الجريمة بالن�سبة �إليها حرمانها
من حقها في المتعة وباقي حقوقها كم�ؤخر ال�صداق .كما ي�سقط عنها حقها في الح�ضانة.
بينما �إذا كان المتهم هو الزوج ،يكون من حق الزوجة رفع دعوى الطالق لل�ضرر �ضده،
كما تكون م�ستحقة لنفقة العدة ونفقة المتعة وم�ؤخر ال�صداق وكذا التعوي�ض عن ال�ضرر.
المبحث الثاني :جريمة االغت�صاب في القانون الجنائي المغربي واالجتهاد الق�ضائي
المطلب الأول :مفهوم االغت�صاب و�إطاره القانوني
نتناول في الفقرة الأولى مفهوم االغت�صاب وفي الثانية �أركان الجريمة وعقوبتها
الفقرة الأولى :مفهوم االغت�صاب
كلمة االغت�صاب في اللغة من فعل «غ�صب» ،وتعني �أخذ ال�شيء ُظلما ،وغ�صب فالن على
ال�شيء :قهره.
وفي ل�سان العرب ورد ذكر الغ�صب على �أنه �أخذ مال الغير ُظلما وعدوانا.
ومن الناحية القانونية قفد عرف الف�صل 486من القانون الجنائي ب�أنه» «مواقعة رجل
المر�أة بدون ر�ضاها» .
بينما عرفه قانون العقوبات الفرن�سي في المادة 222ب�أنه« :فعل �إيالج جن�سي مهما كانت
طبيعته ارتكب على ذات الغير بالعنف �أو الإكراه �أو التهديد �أو المباغتة».
وبا�ستقرائنا لهذا الن�ص الأخير �سنالحظ �أن الم�شرع الفرن�سي ال يقت�صر في جريمة
االغت�صاب على االت�صال الجن�سي الطبيعي الواقع بين رجل وامر�أة ،بل ات�سع لي�شمل كل الطرق
الجن�سية غير الطبيعية ،وكال الجن�سين معا ،وهذا خالفا لما ذهب �إليه الم�شرع المغربي الذي
�أعتبر االغت�صاب من جرائم ذوي ال�صفة ،حيث يلزم �أن يكون الفاعل الأ�صلي رجال ،وال�ضحية
�إمرة ،وفي هذا ال�صدد اعتبر بع�ض الفقه ب�أنه وبالرغم من عدم �إمكانية ت�صور الأنثى هنا
فاعلة �أ�صلية ،ف�إنه يمكن �أن تتابع كم�شاركة في الجناية �إذا ما �أتت �أحد الأفعال الواردة في
المادة 129من ق.ج المغربي كالتحري�ض والوعد والوعيد.
الفقرة الثانية :الإطار القانوني لالغت�صاب:
لالغت�صاب ركن مادي و�آخر معنوي والذين �سنبرزهما كالتالي:
�أوال :الركن المادي لالغت�صاب
بالرجوع �إلى الف�صل 486من ق.ج �سالف الذكر� ،سن�ستخل�ص �أن الركن المادي لجناية
االغت�صاب ال يتحقق �إال �إذا واقع رجل امر�أة بدون ر�ضاها ،وبالتالي �سنحلل هذا الركن من
خالل عن�صرين �أ�سا�سين هما فعل الوقاع ،وانعدام ر�ضا �ضحية كما يلي:
�أ ـ فعل الوقاع �أو المواقعة:
يتحقق فعل الوقاع هذا ب�إيالج الرجل ع�ضوه الذكري في فرج المر�أة باعتباره المكان
الطبيعي في ج�سم الأخيرة المخ�ص�ص للممار�سة الجن�سية العادية� ،سواء كان الإيالج كليا
�أو جزئيا ،مرة واحدة �أو عدة مرات ،بقذف المني �أو بدونه ،مع افت�ضا�ض غ�شاء البكرة �أو ال.
وال يعد اغت�صابا في القانون المغربي �إتيان الرجل المر�أة من دبرها� ،أو ا�ستعمال �أ�شياء
�أخرى غير ع�ضوه التنا�سلي (كالأ�صبع والع�صى …) للإيالج في ُقبلها� ،أو االحتكاك بها ،و�إنما
يدخل �ضمن جرائم �أخرى كهتك العر�ض �أو الإخالل العلني بالحياء �إذا ما توفرت �شروطهما.
وتجدر الإ�شارة �إلى �أن الركن المادي يتحقق �أي�ضا بمجرد المحاولة وفق المن�صو�ص عليه
في المادة 114من ق.ج ،متى انعدم العدول الإرادي �أو تدخل عن�صر �أجنبي عن المتهم حال
دون �إتمام عملية االغت�صاب.
ـ انعدام ر�ضى ال�ضحية :يعد عن�صر عدم الر�ضى �أ�سا�سيا لقيام جريمة الإغت�صاب،فهو
الفي�صل الذي به يتم التمييز بين الجريمة قيد الدر�س وباقي الجرائم المماثلة كالف�ساد
والخيانة الزوجية والتي يعد ر�ضى الطرفين ـ �سيما ال�ضحية ـ قائما فيها.
والنعدام الر�ضى لدى ال�ضحية �صور عديدة �أبرزها العنف الممار�س من طرف الجاني على
ال ُمغت�صبة �سواء كان عنفا ماديا والمتمثل في تعري�ض ال�ضحية للأذى الج�سماني بال�ضرب
209 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
والجرح بهدف �إحباط مقاومتها� ،أو عنفا معنويا كالتهديد والتخويف ب�إيقاع الأذى عليها �أو
على �أحد من �أقربائها� ،أو ن�سف تجارتها �أو ممتلكاتها.1
وفي نظرنا المتوا�ضع فحتى ق�صر ال�ضحية (�أقل من � 18سنة) يعد �صورا من �صور انعدام
الر�ضا مادام الق�صر في ال�سن يعد �أحد العيوب التي ت�ؤثر في الإرادة ،وهنا ف�إرادة القا�صر
لي�س هي ذاتها �إرادة �إمرة را�شدة ،وبالتالي ف�إن ممار�سة الجن�س مع �أنثى قا�صر ولو بر�ضاها
يجب �أن يتم التعامل معه على �أنه اغت�صاب ولي�س ف�سادا (ف 490ق.ج) �أو هتك عر�ض قا�صر
بدون عنف (ف 484ق.ج) باعتبارهما جنح مخف عقابهما.
ثانيا :الركن المعنوي لالغت�صاب
تعتبر جريمة االغت�صاب من الجرائم العمدية �أي �أن قيامها يتطلب توفر الق�صد الجنائي
لدى المغت�صب والذي يعني �أن الجاني حين قيامه بفعل الوقاع على ال�ضحية يعلم �أنه ي�أتي
فعال غير م�شروع كونه ال تربطه بال�ضحية �أي عالقة زوجية ،ويعد العنف �أو التهديد �أو التدلي�س
قرائن لتوفر هذا الق�صد لدى الجاني واتجاه �إرادته نحو مواقعة ال�ضحية بدون ر�ضاها.2
الفقرة الثالثة :عقوبة االغت�صاب في القانون المغربي
بقراءتنا للف�صول 486و 487 و 488من القانون الجنائي �،سنقف على �أن الم�شرع المغربي
عاقب على جناية االغت�صاب بال�سجن من خم�س �سنوات �إلى ع�شر �سنوات ،و ُترفع هذه العقوبة
لتتحدد بين � 10سنوات �إلى � 20سنة متى كان �سن المجني عليها يقل عن � 18سنة� ،أو عاجزة �أو
معاقة �أو معروفة ب�ضعف قواها العقلية �أو كانت حامال.
�أما �إذا كان الفاعل من �أ�صول ال�ضحية �أو ممن له �سلطة عليها�،أو خادما بالأجرة عندها�،أو
كان موظفا دينيا �أو رئي�سا دينيا�،أو ا�ستعان ب�شخ�ص �أو �أكثر في فعلته ف�إن العقوبة تكون من 10
�سنوات �إلى � 20سنة� ،أو من � 20سنة �إلى � 30سنة ح�سب الأحوال. 3
في بع�ض الت�شريعات المقارنة نجد الم�شرع الجزائري قد عاقب على جريمة االغت�صاب في
المادة 336من قانون العقوبات بال�سجن الم�ؤقت من خم�س �سنوات �إلى � 10سنوات مع رفعها في
حالة كون ال�ضحية قا�صر دون ال�ساد�سة ع�شر من عمرها من � 10سنوات �إلى � 20سنة ،مع العلم
�أن الم�شرع الجزائري قد �أ�شار �إلى االغت�صاب في هذه المادة المذكورة بم�صطلح هتك العر�ض.
11ومن �صور انعدام الر�ضى �أي�ضا املباغتة لل�ضحية،و خلل الأخرية العقلي� ،أو �إعطائها مادة خمدرة…الخ وهناك من الفقه
من �أ�ضاف �أي�ضا الوعد بالزواج،والذي �سنناق�شه الحقا يف خامتة املو�ضوع.
22ويف هذا الإطار يرى ذ .عبد الواحد العلمي ب�أن الإكراه على االغت�صاب (كالتهديد بالقتل)�،أو الوقوع يف الغلط كاعتقاد
الفاعل بوجود عالقة زوجية مع ال�ضحية ال يتحقق معه الق�صد اجلنائي وبالتايل قيام جناية االغت�صاب.
33الف�صالن 487و 488من ق.ج.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 210
�أما الم�شرع الم�صري فقد ن�ص في المادة 267من قانون العقوبات على �أنه «من واقع �أنثى
بغير ر�ضاها يعاقب بالأ�شغال ال�شاقة الم�ؤبدة �أو الم�ؤقتة ف�إذا كان الفاعل من �أ�صول المجني
عليها �أو من المتولين تربيتها �أو مالحظتها �أو ممن لهم �سلطة عليها �أو كان خادما عندها �أو
عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالأ�شغال ال�شاقة الم�ؤبدة ».
المطلب الثاني� :إثبات جريمة االغت�صاب بين الن�ص القانوني والتوجهات الق�ضائية
تعد جريمة االغت�صاب من الجرائم التي ي�صعب �إثباتها ،تتجلى هذه ال�صعوبة من خالل
التعقيد الذي يطرحه �إثبات «انعدام الر�ضا» لدى ال�ضحية �أمام القا�ضي الجنائي .وتتمثل
و�سائل �إثبات هذه الجريمة فيما يلي:
الفقرة الأولى :االعتراف الق�ضائي للمتهم
ال �شك �أن االعتراف بارتكاب الجريمة يعد من الحاالت النادرة التي تجد المحكمة
نف�سها �أمامها وهي تبث في الق�ضايا الجنائية ،ومع ذلك فم�شرع الم�سطرة الجنائية جعله ـ
�أي االعتراف ـ خا�ضعا للوجدان واالقتناع الق�ضائي ،بمعنى للمحكمة �صالحية تقدير قيمة
االعتراف �إذا ما يمكن االعتداد به دليال للإدانة متى اطم�أنت �إليه واقتنعت به والأخذ به� ،أو
�إبعاده تماما والت�صريح ببراءة المتابع متى لم تقتنع به.
غير �أنه من الناحية العملية فاعتراف المتهم ـ وفق ال�شروط �سالفة الذكر �أعاله ـ بكونه
مار�س الجن�س على ال�ضحية تحت العنف واالكراه �أو التدلي�س �أو غيرها من الو�سائل التي ينعدم
معها ر�ضى المجني عليها يعد من و�سائل الإثبات القوية والكفيلة التخاذ الهيئة حكمها بالإدانة
في حق المتهم وفق منطوق المادة 486من القانون الجنائي.
الفقرة الثانية :االعتراف التمهيدي
ال يعتبر ال�شخ�ص متهما بمجرد �إجراء البحث التمهيدي معه لأن االتهام ال تملكه �إال ال�سلطة
الق�ضائية (النيابة العامة و�سلطة التحقيق) ،وال�شرطة الق�ضائية يقت�صر دورها على البحث
عن الأدلة وجمعها ت�سهيال لأعمال التحقيق الذي تقوم به من بعد ال�سلطة الق�ضائية ،لذا ف�إن
ال�شخ�ص الذي يجري معه البحث التمهيدي يعتبر مجرد م�شبوه فيه ولو اعترف بارتكابه
الجريمة.
ومن هذا المنطلق فال يمكن للمحكمة وهي ب�صدد اتخاذ قرار الإدانة بجناية االغت�صاب
االعتماد فقط على االعتراف التمهيدي للمتهم بكونه مار�س الجن�س على ال�ضحية عنفا
وبدون ر�ضاها دون �أن تدعم هذا االعتراف التمهيدي بحجج و�أدلة �أخرى ت�ؤكده ( ،)1وهنا
نجد لل�شواهد المدلى بها من طرف ال�ضحية مكان متى اطم�أنت المحكمة �إليها وكذا �شهادة
211 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الم�شتكية غير المنت�صبة طرفا مدنيا في الدعوى لأنه في هذه الحالة الأخيرة نعتقد بتوا�ضع
ب�ضرورة ا�ستبعاد �شهادة ال�ضحية المن�صبة طرفا مدنيا لإعفائها من اليمين القانونية من
جهة ولوجود الم�صلحة لديها من جهة �أخرى ولو بوجود االعتراف التمهيدي للمتهم �إذ نرى
�أنه من الأولى ا�ستبعاد جناية االغت�صاب ب�أركانها والحكم بالف�ساد �أو الخيانة الزوجية ح�سب
الأحوال.
ونرى من الم�ؤ�سف �أن بع�ض المحاكم الدنيا ،ظلت تعلل �أحكامها كلما �أرادت �إ�صدار حكم
بالإدانة ،اعتمادا على ما هو وارد بالمحا�ضر بكون هذه الأخيرة يوثق بم�ضمونها �إلى �أن يثبت
العك�س ،الأمر الذي نعتقد �أنه ال يتفق مع المقت�ضيات القانونية المتعلقة بالقوة الثبوتية لعمل
ال�ضابطة الق�ضائية ،و ُيعر�ض �أحكامها للنق�ض �أمام المجل�س الأعلى (محكمة النق�ض حاليا).
ومادام �أن جريمة االغت�صاب جناية ،ف�إنه من الواجب الأخذ بعين االعتبار ما ن�صت عليه
المادة 291ق.م.ج التي ن�صت على� أن المحكمة تعتمدها على �سبيل اال�ستئنا�س ،وبالتالي
فمحا�ضر ال�ضابطة الق�ضائية ال تلزمها بل يمكنها �أن ت�ستبعدها تلقائيا في حالة عدم اقتناعها
بها حتى ولو لم يطلب الأطراف ذلك� ،إذ لغرفة الجنايات �أن ترتكز على �أي و�سيلة من و�سائل
الإثبات لإبعاد محتويات تلك المحا�ضر حتى ولو تعلق الأمر بالإنكار المجرد للمتهم متى بدا
لها �أنه مقنع بما فيه الكفاية.
فالم�شرع� إذن منح حجية �ضعيفة لمحا�ضر الجنايات نظرا لخطورة العقوبات المترتبة عن
تلك الجرائم ،فقد جاء في اجتهادات محكمة النق�ض في هذا �أن الإدانة في جناية اعتمادا
فقط على اعتراف المتهم لدى ال�ضابطة الق�ضائية .يجعل القرار ناق�ص التعليل الموازي
النعدامه (قرار 2771بتاريخ 2001/07/17ملف جنائي عدد .)99/1/3/692
الفقرة الثالثة :التلب�س
يظل التلب�س �أي�ضا من الدالئل القوية المثبتة لجريمة الإغت�صاب ،وقيامه وفق ال�شروط
المن�صو�ص عليها قانونا يكفي لتكون المحكمة قناعتها للقول بقيام عنا�صر هذه الجناية كاملة.
وحديثنا هنا عن حاالت التلب�س كما ن�صت على ذلك المادة 56ق.م.ج �سيرتكز بالأ�سا�س
على الحاالت الثالث الأولى منها كونها تعطي ال�صورة الأو�ضح لهذه الدرا�سة المتوا�ضعة.
ومن الم�ؤكد �أن من �شروط �صحة التلب�س بالجريمة معاينتها ممن خول لهم القانون ذلك،
�إذ ربطها بع�ض المهتمين بالم�شاهدة الفعلية ل�ضابط ال�شرطة الق�ضائية بالتحديد ،غير �أن من
الفقه كذلك من �أكد على �إمكانية تلقي التلب�س ممن �شاهد الجريمة ،وهو ما �سنتناول بال�شرح
في النقاط التالية :م�شاهدة الفاعل يقوم باالغت�صاب �أو على �إثر القيام به.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 212
وتقت�ضي هذه الحالة معاينة �ضابط ال�شرطة الق�ضائية بنف�سه لعملية االغت�صاب� ،أو على �إثر
القيام غير �أنه ال يمنع �أن يكون من عاين هاتين الحالتين غير �ضابط ال�شرطة الق�ضائية فبادر
فورا �إلى �إخبار ال�شرطة لكي تتمكن من القيام بالمعاينة وم�شاهدة الجريمة حال ارتكابها� ،أو
عقبها مبا�شرة ومثال ذلك احتجاز ع�صابة �إجرامية المر�أة ومواقعتها كرها بالتناوب حيث
تكون ا�ستغاثتها �سببا في لجوء البع�ض �إلى ال�شرطة التي تتمكن من معاينة التلب�س باالغت�صاب
حال �إنجاز الفعل � ،أو على �إثر �إنجازه ،معاينة المغت�صب وهو ال يزال مطاردا ب�صياح الجمهور،
وت�ستلزم هذه الحالة توفر �شروطا ثالث هي� :أن يكون هناك مطاردة لفاعل قام باالعتداء
جن�سيا على امر�أة �أو حاول ذلك� ،أن تكون المطاردة �إثر ارتكاب الجريمة� ،أن تكون لهذه
المطاردة مظهر خارجي ومادي هما العدو وال�صياح .ومن الحيثيات بخ�صو�ص هذه الحالة
وجاء ب�إحدى قرارات محكمة اال�ستئناف بورزازات� « :إيجاد المغت�صب بعد وقت ق�صير على
ارتكاب الجريمة وقيام ال�ضحية بالتبليغ عنه فورا مع و�صفه من حيث المالب�س التي كان
يرتديها والعالمات المميزة التي قد يحملها ج�سده (�آثار جراحة ،طفح ،خال ،)..وكذا المكان
الذي حدث فيه االعتداء ك�إعطاء و�صف داخلي للمنزل او الغرفة ،كلها و�سائل ي�ستدل معها
ثبوت �صحة �شكاية ال�ضحية.
الفقرة الرابعة � :شهادة ال�شهود
ال�شهادة التي تهمنا هنا هي ال�شهادة المبا�شرة لل�شاهد �أو ال�شهود والتي تعني االت�صال
بجرمه �أو ب�صدد القيام
المبا�شر بواقعة االغت�صاب� ،أي المعاينة المبا�شرة للمعتدي وهو يقوم ُ
به وال�ضحية في حالة مقاومة �أو م�سلوبة الإرادة ب�أي �صورة ُتفيد ذلك .
في هذا الإطار ،ذهبت محكمة اال�ستئناف بورزازات في �إحدى اجتهاداتها « :وحيث �إنه
بموجب المادة 286من ق.م.ج يمكن لمحكمة المو�ضوع تكوين قناعاتها من جميع و�سائل
الإثبات ،ولم ُتقيدها بو�سيلة �إثبات معينة �إال في حاالت ا�ستثنائية من�صو�ص عليها على �سبيل
الح�صر ولها تبعا لذلك �أن ت�أخذ بالقرائن المقبولة ،المن�سجمة ،ال�سائغة ،القوية ،الم�ؤدية
للنتيجة ،و�أن ت�أخذ ب�شهادة ال�شهود متى �صيغت �شهادتهم ب�صورة وا�ضحة ومن�سجمة مع
الواقع دون �أن يتخللها �أي تناق�ض �أو لب�س �أو التبا�س( .قرار جنائي ا�ستئنافي عدد 121تاريخ
.)2013/06/17
الفقرة الخام�سة :الت�صريحات المجردة لل�ضحية
من المعلوم �أن القا�ضي الجنائي يتمتع بحرية كبيرة في تكوين قناعته عك�س القا�ضي
المدني ،غير �أن ذلك يظل مقيدا وال ي�ؤخذ على �إطالقتيه(�،)1إذ يجب �أن يعتمد في ذلك على
ما يتوفر لديه من �أدلة وعنا�صر �أثناء �سير الدعوى.
213 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ونرى �أن االقتناع الوجداني للقا�ضي الجنائي ال يعني ر�أيه ال�شخ�صي لكون اليقين الق�ضائي
ينبني انطالقا من اعتماد العقل والمنطق في فح�ص وتمحي�ص �أدلة الدعوى.
وبالتالي فال يمكن للمحكمة هنا القول بالإدانة من �أجل االغت�صاب ا�ستنادا على ت�صريحات
ال�ضحية/الم�شتكية المجردة غير المدعمة بو�سائل �إثبات �أخرى مادام �أن المتهم متم�سك
ب�إنكاره في كافة المراحل فال يعقل مثال التعليل ب�أن �إنكار المتهم ُتفنده ت�صريحات الم�شتكية
المن�سجمة في كافة �أطوار التحقيق والمحاكمة ،ولالقتناع ال�صميم للمحكمة ثبوت المن�سوب
للمتهم �أو المتهمين وبالتالي الحكم بالإدانة بمقت�ضيات جناية االغت�صاب.
وقد �أبطلت محكمة النق�ض قرارا جنائيا ا�ستئنافيا �صادر عن محكمة اال�ستئناف بورزازات،
كان قد �أيد قرارا ابتدائيا ق�ضى بالإدانة ا�ستنادا �إلى ت�صريحات مجردة �صادرة عن ال�ضحية
ومن حيثياته :حيث �أن القرار االبتدائي الم�ؤيد بالقرار المطعون فيه ق�ضى ب�إدانة الطاعن من
�أجل جنحة هتك عر�ض قا�صر دون عنف ا�ستنادا �إلى مجرد �أقوال القا�صر ب�أن المعني بالأمر
نزع �سرواله و�أولج ذكره بدبره دون تعزيز هذه الأقوال ب�أي دليل �أو و�سيلة �إثبات مقبولة وبذلك
يكون القرار المطعون فيه غير مرتكز على �أ�سا�س وغير معلل تعليال كافيا مما يعر�ضه للنق�ض
والإبطال».
ومن اجتهادات ق�ضاء المو�ضوع ما ذهبت �إليه ا�ستئنافية مراك�ش حينما ن�صت في �إحدى
قرارات غرفتها الجنائية االبتدائية على التالي:
حيث توبع المتهمان من �أجل التهمة الم�شار �إليها �أعاله (االغت�صاب)» ،وحيث ح�ضرا �أمام
هذه الغرفة وعن المن�سوب �إليهما �أجابا بالإنكار مجددين ت�صريحاتهما في باقي �أطوار الق�ضية.
وحيث لي�س بالملف ما ُيفند �إنكارهما المذكور ،وحتى ت�صريحات الم�شتكية لي�س بالملف ما
يعززها.
وحيث �إن الأ�صل في الإن�سان البراءة �إلى حين �إثبات العك�س وتبعا لذلك تقرر الت�صريح
بعدم م�ؤاخذتهما من �أجل ما ن�سب �إليهما».
الفقرة ال�ساد�سة :الخبرة وال�شهادة الطبية
تعد جريمة االغت�صاب من الجرائم التي يعتمد فيها على ال�شواهد الطبية ،وعلى الخبرات
الجينية للقول بالإدانة �أو البراءة ،ومن المعلوم �أن هذه الو�سائل الإثباتية قد تثبت وجود العالقة
الجن�سية بين المتهم �أو ال�ضحية ،لكنها و�سائل ال يمكنها �إثبات عن�صر «انعدام الر�ضى» حتى
تتكيف هذه العالقة �إلى �صفتها الجنائية ،ولي�س �شيئا �أخر قد يظهر للمحكمة من خالل ما راج
�أمامها وما ت�ضمنه الملف من حجج ووثائق.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 214
فال�شهادة الطبية المثبتة لفعل الوقاع على ال�ضحية �أو الخبرة الجينية الخال�صة �إلى �أن
المولود من �صلب المتهم تعد كغيرها من و�سائل الإثبات غير الحا�سمة التي ال يمكن الركون
�إليها لوحدها للقول بالم�ؤاخذة من �أجل االغت�صاب ،و�إنما تحتاج �إلى ما يدعهما من حجج
ودالئل وقرائن �أخرى ،وهو الأمر الذي نلم�س من الناحية العملية �إذ �أن المحكمة تذهب في
تعليالتها �إلى ما يعزز هذه ال�شواهد �أو الخبرات.
ففيما يخ�ص ال�شهادة الطبية ،نجد ا�ستئنافية طنجة تذهب في �إحدى اجتهاداتها «حيث �أن
�إنكار المتهمين لي�س �سوى محاولة للإفالت من العقاب والتمل�ص من الم�س�ؤولية ذلك �أن �إنكارهم
ُتفنده ت�صريحاتهم التمهيدية المف�صلة التي اعترفوا من خاللها بجميع الأفعال المن�سوبة �إليهم
والتي جاءت من�سجمة مع ت�صريحات ال�ضحية هذا بالإ�ضافة �إلى ال�شهادة الطبية الم�ؤرخة في
29/04/2013والتي تفيد تعر�ض ال�ضحية لالغت�صاب الناتج عنه افت�ضا�ض»
كما جاء في قرار لمحكمة النق�ض «حيث �إنه بمقت�ضى الف�صل 486ق.ج ف�إن االغت�صاب
هو مواقعة رجل المر�أة بدون ر�ضاها ،وحيث �إن محكمة اال�ستئناف لما �ألغت القرار االبتدائي
الذي بر�أ الطاعن من �أجل جناية االغت�صاب وق�ضت ب�إدانته من �أجل ذلك ،ا�ستندت في قرارها
على الخبرة الجينية المنجزة على ذمة الق�ضية والتي تم التو�صل من خاللها �إلى ان الطفل
الذي و�ضعته الم�شتكية من �صلبه خالفا لإنكاره المتواتر ،والحال �أن ما انتهت �إليه الخبرة
المذكورة لأن �أثبتت العالقة الجن�سية بين طرفيها ف�إنه ال يعتبر دليال �أو حجة على �أن الطاعن
ا�ستعمل العنف لجبر الم�شتكية على ممار�سة العالقة الجن�سية معها والمحكمة ب�إلغائها للحكم
االبتدائي ا�ستنادا لما ذكر ،ودون �إبراز عن�صر انعدام الر�ضى لدى الم�شتكية �أثناء المواقعة
لترتب عنه القول بقيام عنا�صر جناية االغت�صاب طبقا للف�صل 486ق.ج تكون قد خرقت
الف�صل المحتج به ويكون ما جاء بالو�سيلة وارد على القرار مما يجعله معر�ضا للنق�ض».
خــــــاتمــــة
ت�أ�سي�سا على ما �سبق ،يت�ضح �أن كال من جريمة الف�ساد والخيانة الزوجية واالغت�صاب هي
جرائم ذات طبيعة خا�صة �إذ تطرح عدة �إ�شكاالت في مجال �إثباتها ،وي�صعب �إقامة الدليل في
هذا النوع من الجرائم لخ�صو�صيتها وللظروف الم�ستترة التي قد ترتكب في ظلها ،بالإ�ضافة
�إلى �إ�شكالية العقوبة المقررة لهاتين الجريمتين ،فالم�شرع المغربي قرر عقوبات مخففة
مقارنة مع خطورة هذه الجرائم التي اعتبرتها ال�شريعة الإ�سالمية من جرائم الحدود وعاقبت
عليها بعقوبات جد قا�سية و�صارمة ،فب�ساطة العقوبة قد تفتح الباب على م�صراعيه لمرتكبي
هاته الجرائم ،كما ت�سهل لهم الإفالت من العقاب.
215 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
❽
جريمة الإعتداء على الحيازة
مقدمة:
�إن عالقة الإن�سان بالأر�ض عالقة �أزلية و�أبدية :فمنها خلق ،وعليها يعي�ش وفيها يعاد ،ومنها
يخرج تارة �أخرى ،من بين كل هذا وذاك يظل يتناف�س �أو يتنازع حولها �أو ب�سببها ،فالعقار
يعتبر العن�صر الأ�سا�سي في حياة الإن�سان ،وقطب الرحى في كل ن�شاط اقت�صادي واجتماعي،
ووعاء لكل ا�ستثمار مهما كان �شكله �أو نوعه.
فالعقار �إذن من �أثمن الأ�شياء التي يملكها الإن�سان ويحب تملكها ،وعلى هذا الأ�سا�س ي�سعى
جاهدا من �أجل حمايته والمحافظة عليه .ولكي يتحقق ذلك البد من حماية الملكية العقارية
حماية قانونية �سواء من الناحية المدنية �أو الجنائية� ،ضد �أي تعر�ض �أو تهديد �أو �إ�ضرار بهذه
الملكية �أو الحيازة،
و�إذا كان الت�شريع المدني 1يحمي الحيازة العقارية لذاتها �أولما لها من �أثر على الملكية
العقارية ،ف�إن الت�شريع الجنائي يحميها للحفاظ على النظام العام ،وعلى �أمن وا�ستقرار
المجتمع ب�أكمله .ليبقى للحائز المت�ضرر من الإعتداء على حيازته ،الحق في االختيار بين
اللجوء للق�ضاء المدني �أو الق�ضاء الجنائي .لذلك ارت�أينا في �إطار هذه الدرا�سة التعر�ض
للحماية الجنائية لحائز العقار ،نظرا لكثرة النزاعات المرتبطة بها واعتبارا لكثرة الإ�شكاالت
المتعددة التي يثيرها تطبيقها في المجال العملي والتي جعلت االجتهاد الق�ضائي ب�ش�أنها �أكثر
مواكبة لها �ضمانا للأمن الق�ضائي المن�شود.
وترتيبا على ما �سبق �سنحاول معالجة هذا المو�ضوع من خالل المبحثين الآتيين:
المبحث الأول:الحماية الجنائية النتزاع عقار من حيازة الغير على �ضوء القانون ❑
11كما �أن الت�رشيع املدين يحمي حيازة العقار بو�سائل ثالث �أي دعاوى احليازة الثالثة وهي :دعوى ا�سرتداد احليازة،
دعوى منع التعر�ض ودعوى وقف الأعمال اجلديدة ( الف�صول 166وما يليها من ق.م.م).
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 216
المبحث الأول:الحماية الجنائية النتزاع عقار من حيازة الغير على �ضوء القانون
الجنائي المغربي والعمل الق�ضائي
الحماية الجنائية هي الحماية التي يمنحها القانون الجنائي للحائز عندما يقترن النزاع
على الحيازة بجريمة من جرائم الإعتداء على حرمة ملك الغير ،ولحماية الإعتداء على
الحيازة العقارية ن�ص الم�شرع في الف�صل 570من مجموعة القانون الجنائي على ما يلي:
«يعاقب بالحب�س من �شهر �إلى �ستة �أ�شهر وغرامة من مائتين �إلى خم�سمائة درهم من انتزع
عقارا من حيازة غيره خل�سة �أو ب�إ�ستعمال التدلي�س.
ف�إذا وقع انتزاع الحيازة ليال �أو ب�إ�ستعمال العنف �أو التهديد �أو الت�سلق �أو الك�سر �أو بوا�سطة
�أ�شخا�ص متعددين �أو كان الجاني �أو �أحد الجناة يحمل �سالحا ظاهرا �أو مخب�أ ف�إن الحب�س
يكون من ثالثة �أ�شهر �إلى �سنتين والغرامة من مائتين �إلى �سبعمائة وخم�سين درهما».
فالن�ص المذكور يتعلق بالأفعال المجرمة التي تن�صب على حيازة العقارات� ،إال �أنه الفعل
الذي ي�شكل جرما بالمعنى الوارد في الف�صل �أعاله هو الذي يعتبر في م�ضمونه انتزاعا لعقار
من حيازة الغير ،1فما يتميز به هذا الف�صل عن الف�صول التي حل محلها في القانون الجنائي
القديم ،2هو اكتفاءه ب�إ�ستعمال الخل�سة والتدلي�س لقيام جنحة انتزاع حيازة عقار من ملك
الغير.3
وانطالقا من ذلك� ،سنق�سم هذا المبحث �إلى مطلبين :الأول يتحدث عن مظاهر انتزاع
عقار من حيازة الغير ح�سب مقت�ضيات الف�صل 570من القانون الجنائي ،ثم نتناول �أركان
جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير في المطلب الثاني.
المطلب الأول :مظاهر انتزاع عقار من حيازة الغير على �ضوء مقت�ضيات الف�صل 570
من القانون الجنائي
�إن الحماية الجنائية للملكية العقارية التي يهدف �إليها القانون الجنائي المغربي تتمثل في
الحيازة ،4باعتبارها العن�صر الجوهري والأ�سا�سي الذي يقوم عليه الف�صل 570من القانون
11ح�سن بكري« ،احلماية القانونية حليازة العقارات يف الت�رشيع اجلنائي املغربي» ،مكتبة الر�شاد� ،سطات ،الطبعة
الأوىل1422 ،هـ� ،2001/ص.1.
22الف�صول التي حل حملها الف�صل 570من القانون اجلنائي اجلديد هما الف�صلني 333و 334من القانون اجلنائي القدمي
الذي مت �إلغائه.
33ر�شيد حمداوي« ،انتزاع حيازة العقار بني الق�ضاء املدين والق�ضاء اجلنائي» ،املجلة املغربية للقانون اجلنائي والعلوم
اجلنائية ،العدد ،3ال�سنة � ،2016ص 110.وما يليها.
44لقد ا�ستعمل الت�رشيع والعمل الق�ضائي يف م�رص واملغرب م�صطلح ((احليازة)) �أما الق�ضاء يف تون�س ف�إنه ا�ستعمل م�صطلح
((احلوز)) ويف اللغة احلوز مرادف احليازة ،ومعناهما واحد فاحلوز هو و�ضع لليد على ال�شيء �سواء كان بطريقة
�رشعية �أم ال ،واحليازة هي و�ضع اليد على ال�شيء مع ادعاء متلكه والت�رصف فيه ع�رشة �أعوام على الأقل واحليازة يف
217 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الجنائي ،بحيث �أن غالبية الأحكام التي ت�صدر بالبراءة من جنحة انتزاع عقار من حيازة
الغير تكون ب�سبب عدم ثبوت حيازة الم�شتكي للعقار محل النزاع ،ولذلك ومن �أجله ،ف�إن
القا�ضي �أثناء دار�سته لملف يتعلق بتلك الجنحة� ،سواء مع الم�شتكي �أو الم�شتكى به �أو ال�شهود،
ف�إن �أهم ما يركز عليه في بحثه ومناق�شته هو عن�صر الحيازة ،فما مفهوم الحيازة المحمية
بالف�صل 570من القانون الجنائي؟ وما هي �شروطها؟
الفقرة الأولى :مفهوم الحيازة ح�سب مقت�ضيات الف�صل 570من القانون الجنائي
عرف فقهاء القانون الحيازة ب�أنها �سلطة فعلية �أو واقعية يبا�شرها الحائز على �شيء �أو حق
عيني� ،شريطة �أال تكون من قبيل ما ي�أتيه ال�شخ�ص على �أنه مجرد رخ�صة يباح له القيام بها �أو
من قبيل ما يتحمله الغير على �سبيل الت�سامح ،1وقد ق�سم الفقه القانوني الحيازة �إلى نوعين:
فمنها ما يتعلق بالملكية ومنها ما يقت�صر على و�ضع اليد .فالأولى ت�شمل الحيازة المادية
والقانونية بينما ال ت�شمل الثانية �إال الحيازة المادية .2فما المق�صود بالحيازة المادية ح�سب
الف�صل المذكور؟
المق�صود بالحيازة المادية ح�سب الف�صل 570من ق.ج هي الحيازة الفعلية ،3بمعنى ما
ي�سمى بو�ضع اليد على العقار ب�صورة علنية دون منازع لمدة معينة ،وحتى تو�صف الحيازة
ب�أنها مادية يلزم �أن تتج�سد من قبل �صاحبها في حيز الواقع ،وذلك بالممار�سة الفعلية عن
طريق اال�ستعمال والإ�ستغالل على النحو الذي �أعد له العقار ،كالحرث والرعي في العقارات
الفالحية ،واالعتمار وال�سكن في المنازل والدور والمحاالت المهنية وغير ذلك.4
ومن خالل هذا التف�صيل ،ف�إن مقت�ضيات الف�صل 570من ق.ج تقوم على �أ�سا�س الحيازة
المادية وال تعتد بالملك �سواء اقترنت هذه الحيازة المادية بالملك �أوال ،لذلك ف�إن القاعدة
التي كر�سها القرار عدد � 272س 24بتاريخ 1981/5/5ال�صادر عن محكمة النق�ض جاء فيه
القانون اجلنائي ت�شمل احليازة يف مفهومها الأ�صلي العام ،واحلوز �أي و�ضع اليد وال�سيطرة املادية على ال�شيء.
ماين حمادي�« ،رشوط �إعمال احلماية اجلنائية للحيازة العقارية يف الت�رشيع اجلنائي املغربي واملقارن تون�س وم�رص
منوذجا» ،ر�سالة املحاماة ،العدد 26ال�سنة � ،2006ص.79.
11م�أمون الكزبري« ،التحفيظ العقاري واحلقوق العينية الأ�صلية والتبعية يف �ضوء الت�رشيع املغربي» ،اجلزء الثاين،
�ص.194.
22ح�سن بكري« ،احلماية القانونية حليازة العقارات يف الت�رشيع اجلنائي املغربي» ،مرجع �سابق»� ،ص.4.
� 33أي العالقة الفعلية بني احلائز وال�شيء (.)la relation juridique de fait
وكما عرفها الدكتور عبد الرزاق ال�سنهوري على �أنها هي(( :و�ضع مادي ينجم عن �أي �شخ�ص،ي�سيطر �سيطرة فعلية
على حق� ،سواء كان ال�شخ�ص هو �صاحب احلق �أو مل يكن ،وال�سيطرة الفعلية على حق تكون ب�إ�ستعماله عن طريق
�أعمال مادية يقت�ضيها م�ضمون هذا احلق)) ،الو�سيط يف �رشح القانون املدين اجلديد ،دار النه�ضة العربية القاهرة ،للمجلد
التا�سع� ،ص.784 .
44املرجع نف�سه� ،ص 5.وما يليها.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 218
(يكفي لقيام جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير �أن تتوافر للم�شتكي الحيازة التي تفيد و�ضع
اليد ،وال ت�شترط الحيازة بالمفهوم الذي تثبت به الملكية) ،1وم�ؤدى هذه القاعدة �أن المالك
غير الحائز حيازة مادية ال يمكنه التم�سك بمقت�ضيات الف�صل 570من ق.ج لعلة وحيدة هي
�أنه غير حائز.
وفي جميع الأحوال ف�إن الحائز الفعلي للعقار هو الأجدر بالحماية في �إطار الف�صل 570
من ق.ج ،ولو كان غا�صبا .وهذا ما �أكده المجل�س الأعلى في العديد من قراراته التي جاء
في �أحدها (�إن الق�ضاء الزجري يحمي من بيده الحيازة ولو كانت غ�صبا) .2وللت�أكيد على
�أهمية الحيازة المادية في جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير ،فلقد �أكد المجل�س الأعلى
في �أحد قراراته على �أن عدم تنفيذ الم�شتكى لحكم ق�ضى ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه
لفائدته يجعله غير جدير بحماية الف�صل 570من القانون الجنائي ،بحيث ورد في حيثيات هذا
القرار �أنه (لئن كان الق�ضاء الزجري يحمي من بيده الحيازة ولو غ�صبا يجعل الحيازة هي
العن�صر الأ�سا�سي في الف�صل 570من القانون الجنائي منعدمة) ،3وجاء في قرار �آخر (لأن
الف�صل 570من القانون الجنائي و�ضع لحماية حائز العقار حيازة مادية فعلية وعدم ثبوت
الحيازة لدى الطرف الم�شتكي يجعل هذا الأخير غير م�شمول بالحماية التي ي�ضمنها الف�صل
المذكور) ،4وهذا يفيد في �أن المحكمة وهي تناق�ش عنا�صر جريمة انتزاع عقار من حيازة
الغير لي�س لها �أن تبحث في الحيازة ال�شرعية �أو ما يعرف بالحيازة المك�سبة للملك ،ولي�س لها
�أي�ضا �أن تبحث في اال�ستحقاق وما يت�صل بحق الملكية والم�ستندات الناقلة لهذا الحق ،على
اعتبار �أن ذلك يعود النظر فيه للق�ضاء المدني في �إطار قانون االلتزامات والعقود ومدونة
الحقوق العينية وقانون الم�سطرة المدنية وقواعد ال�شريعة الإ�سالمية .5وان�سجاما مع هذا
التوجه جاء في قرار لمحكمة الإ�ستئناف بتطوان (�إن الف�صل 570من القانون الجنائي يحمي
الحيازة ولي�س اال�ستحقاق �أو الملكية).6
�إذن ف�إن العن�صر الأ�سا�سي لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير ح�سب الف�صل 570من
القانون الجنائي هو الحيازة المادية التي ترتبط بو�ضع اليد على العقار بغ�ض النظر عمن
يملكه ،وهذا ما ي�ؤكده قرار محكمة النق�ض حيث جاء فيه�(( :إن عدم مقارنة الحجج الم�ستدل
11قرار عدد 272بتاريخ ،1981/05/05من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد .30
22قرار عدد 6/766بتاريخ ،2005/06/12من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى العدد املزدوج � ،65-64ص.417.
33قرار املجل�س الأعلى عدد 6/766بتاريخ ،2005/06/12من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى العدد املزدوج ،65-64
�ص.417.
44قرار عدد 3/743بتاريخ 95/4/23يف امللف اجلنحي عدد � ،21204/9أورده ح�سن بكري ،مرجع �سابق� ،ص.9.
55املرجع نف�سه� ،ص.5.
66قرار عدد 4603بتاريخ ،2000/06/26من�شور مبجلة الإ�شعاع عدد � ،23ص.243.
219 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
بها لثبوت �أو انتفاء عن�صر الحيازة المادية باعتباره العن�صر الأ�سا�سي ح�سب الف�صل 570من
ق.ج يجعل القرار ناق�ص التعليل الموازي)).1
ف�إذا كانت هذه القرارات وغيرها وا�ضحة في تحديد نوع الحيازة الم�شمولة بحماية الف�صل
570من ق.ج �إال �أنه في كثير من الأحوال ي�صعب �أمر ا�ست�سياغ مجموعة الأحكام وخا�صة في
حالة ما ا�ستفاد الحائز الغا�صب من مقت�ضيات الف�صل 570من ق.ج ،ولم ي�ستفيد مالك العقار
منها رغم �أنه يتوفر على �سند التملك في بع�ض الأحيان �إن لم نقل �أغلبها وهذا ما ا�ست�شف
من موقف الق�ضاء المغربي وما ذهب �إليه كذلك ق�ضاء بع�ض الدول مثال م�صر بحيث ق�ضت
محكمة النق�ض الم�صرية ((ت�سبغ المادة 369من قانون العقوبات في فقرتها الأولى الحماية
على حائز العقار الفعلي من اعتداء الغير على هذه الحيازة ،طالت مدتها �أو ق�صرت ،وال
ي�شترط �أن تكون قد ا�ستعملت بالفعل قوة في منع الحيازة بل يكفي �أن يكون المتهم قد دخل
العقار الذي في حوزة الغير �أو بقي فيه بق�صد منع حيازة الحائز بالقوة)).2
فالمق�صود �إذن بالحيازة في المادة 3693من قانون العقوبات الم�صري هي الحيازة الفعلية
بغ�ض النظر عن الملكية �أو الحيازة ال�شرعية �أو الأحقية في و�ضع اليد ،وهذا ما ذهب �إليه في
قرار �أخر يق�ضي ب�أنه ((يكفي في جريمة التعر�ض للغير في حيازته لعقار في نطاق المادة 369
عقوبات �أن تكون حيازته لهذا العقار حيازة فعلية ،فال ي�شترط �أن تكون الحيازة �شرعية م�سندة
�إلى �سند �صحيح وال يهم �أن يكون الحائز مالك العقار �أو غير مالك)).4
وال يقت�صر الأمر على موقف الق�ضاء الم�صري وحده دون غيره من القوانين المقارنة ،بل
يمتد كذلك �إلى الق�ضاء التون�سي الذي اتخذ هو الأخر موقفا ي�صب في نف�س منحى نظيريه
المغربي والم�صري؛ بحيث ين�ص في المادة 255من المجلة الجنائية التون�سية �أنه ((يعاقب
بال�سجن مدة ثالثة �أ�شهر وبخطية قدرها مائة وع�شرون دينار كل من ينزع بالقوة من يد غيره
11قرار حمكمة النق�ض الغرفة اجلنائية ،قرار عدد ،2015-66-1160بتاريخ 2015/06/17ملف جنحي عدد
،2014/15340من�شور باملجلة املغربية للقانون اجلنائي والعلوم اجلنائية العدد ،3ال�سنة � ،2016ص.276.
22حمكمة النق�ض قرار رقم 2048وتاريخ ،1960/05/17م�شار �إليه عند م�صطفى حمدي هرجة« ،احليازة داخل
وخارج دائرة التجرمي» ،دار الكتب القانونية� ،سنة � ،1989ص� .16.أورده ماين حمادي�« ،رشوط �أعمال احلماية
اجلنائية للحيازة العقارية يف الت�رشيع اجلنائي املغربي واملقارن ،تون�س وم�رص منوذجا» ،مرجع �سابق� ،ص.80.
33راجع املادة 369من قانون العقوبات امل�رصي ،الباب الرابع ع�رش املنظم النتهاك حرمة ملك الغري بحيث جاء يف
مقت�ضيات هذه املادة �أن ((كل من دخل عقارا يف حيازة �أخر بق�صد منع حيازته بالقوة �أو بق�صد �إرتكاب جرمية فيه �أو
كان قد دخله بوجه قانوين وبقي فيه بق�صد �إرتكاب �شيء مما ذكر يعاقب باحلب�س مدة ال جتاوز �سنة �أو بغرامة ال جتاوز
ثالثمائة جنيه م�رصي.
و�إذا وقعت هذه اجلرمية من �شخ�صني �أو �أكرث وكان �أحدهم على الأقل حامال �سالحا �أو من ع�رشة �أ�شخا�ص على الأقل
ومل يكن معهم �سالح تكون العقوبة احلب�س مدة ال جتاوز �سنتني �أو غرامة ال جتاوز خم�سمائة جنيه م�رصي)).
44حمكمة النق�ض قرار رقم 1788وتاريخ ،1935/10/28م�شار �إليه عند م�صطفى حمدي هرجة ،مرجع �سابق،
�ص� .17.أورده ماين حمادي ،مرجع �سابق� ،ص.81.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 220
ملكا عقاريا دون �أن يمنع ذلك من العقوبات الأكثر �شدة الم�ستوجبة لأجل التجميع ب�سالح �أو
حمله �أو التهديد �أو العنف �أو ال�ضرب �أو غير ذلك من الجرائم .1))...رغم �أن المادة الم�شار
�إليها ال تتحدث �صراحة عن انتزاع الحيازة ،بخالف الف�صلين 570من القانون الجنائي
المغربي و 369من قانون العقوبات الم�صري ،فيالحظ من خالل ما ذهبت �إليه محكمة
التعقيب �أن الق�ضاء التون�سي �صار على نف�س نهج كل من الق�ضاء المغربي والم�صري بحيث
اعتبرت في �إحدى قراراتها ((�إن ن�صو�ص الف�صل 255من القانون الجنائي تم�س بالنظام
العام وهي جعلت لوقاية الحوز المادي والحالي بقطع النظر عن م�س�ألة الملكية وغيرها من
�شروط الحوز القانوني)).2
ومن ثمة ،ف�إن المراد بالحيازة المن�صو�ص عليها في القوانين الجنائية الثالث هي الحيازة
التي تفيد و�ضع اليد فقط ،والتي تتلخ�ص �شروطها في و�ضع يد الحائز على العقار ب�صفة
علنية والت�صرف فيه ب�أعمال مادية ،لمدة معينة من الزمن ولو كانت ق�صيرة بحيث انطالقا
من هاته العنا�صر تتوفر الحماية التي �أرادها الم�شرع للحيازة وهذا ما �سنتطرق �إليه بتف�صيل
في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية� :شروط ومدة الحيازة المحمية في الف�صل 570من ق.ج
ت�أ�سي�سا على ما تقدم بيانه ف�إن الحيازة التي يحميها الف�صل 570من ق.ج هي الحيازة
المادية التي تقوم على تحقق عن�صرين رئي�سيين هما العن�صر المادي بمعنى ال�سيطرة الفعلية
�أو الواقعية على العقار �أو الحق العيني ،3والعن�صر المعنوي المتمثل في نية الحائز وترجمتها
في تعامل هذا الأخير مع العقار الحائز له بكونه �صاحب حق عيني عليه �أو مالك له ،ورغم
و�ضوح هذا المبد�أ �إال �أنه نجم عليه اختالف كبير بين �أو�ساط كل من الفقه والق�ضاء حول
تحديد �شروط الحيازة المحمية �أو المقرر حمايتها بالف�صل 570من القانون الجنائي ،بحيث
يرى الأ�ستاذ ح�سن بكري �أن الحيازة الم�شمولة بحماية الف�صل 570من القانون الجنائي ال
ي�شترط فيها �أن تكون هادئة ،وا�ستدل على ذلك بقرار �صادر عن المجل�س الأعلى جاء فيه
11املجلة اجلنائية التون�سية الباب الثاين (يف الإعتداء على ملك الغري) الق�سم الأول (يف هتك حرمة امللك وامل�سكن-النهب).
�أنظر الف�صل 255مكرر (�أ�ضيف بالقانون عدد 49ل�سنة 2001امل�ؤرخ يف 3ماي )2001من املجلة اجلنائية التون�سية يف
الباب الثاين (يف الإعتداء على ملك الغري) الق�سم الأول (يف هتك حرمة امللك وامل�سكن-النهب) .يقول(( :يعاقب بال�سجن
من �شهر �إىل �سنة وبخطية من مائة �إىل خم�سمائة دينار كل من تعمد الرجوع �إىل ال�شغب بعد التنفيذ واملحاولة موجبة
للعقاب)).
22حمكمة التعقيب قرار جزائي رقم 516وتاريخ ،1929/2/7تعليق على املجلة اجلنائية ب�إ�رشاف بلقا�سم القروي الثاين،
املطبعة الر�سمية للجمهورية التون�سية� ،سنة � ،1992ص� ،180.أورده ماين حمادي ،مرجع �سابق� ،ص.81.
33ومثال ذلك زراعة الأر�ض �أو الرعي فيها �أو ال�سكنى يف دار �أو ت�أجريها.
221 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�أن عن�صر الهدوء لي�س �شرطا لحماية الحيازة في ن�ص الف�صل 570من القانون الجنائي،1
بحيث علل الأ�ستاذ بكري في معر�ض تعليقه على هذا القرار �أن عدم ا�شتراط �صفة الهدوء
في الحيازة ين�سجم مع الأ�سباب التي �شرعت من �أجله مقت�ضيات الف�صل 570من القانون
الجنائي على اعتبار �أن هذه الأخيرة و�ضعت لحماية الحيازة بمفهوم و�ضع اليد ،ومن ثم
فلي�س من اخت�صا�ص المحكمة الزجرية وهي تطبق هذه المقت�ضيات مناق�شة ما �إذا كانت
الحيازة هادئة �أم غير هادئة .على اعتبار �أن هذا ال�شرط الزم التوفر في الحيازة المك�سبة
للملك والذي يعود البحث فيه للمحكمة المدنية وهي تناق�ش الحيازة المرتبطة بالملك� ،أي في
�شقيها القانوني والمادي 2هذا من جهة� ،أما من جهة �أخرى؛ فيرى الدكتور �أحمد الخملي�شي
�أن الحيازة المحمية جنائيا يتعين �أن تكون م�شروعة� ،أي ي�ستند فيها الحائز على مبرر مقبول،
و�إن لم يكن حقيقيا في الواقع ،مع العلم �أن الأ�صل هو �أن كل حيازة لها �سند م�شروع حتى يثبت
العك�س ،فنازع الحيازة هو الذي عليه �أن يثبت عدم �شرعية الحيازة ال�سابقة لنفي ال�صفة
الجرمية عن ت�صرفه.3
وبين هذا الت�ضارب الفقهي ن�سطر على توجهين :الأول يعتبر �أن الحيازة المقرر حمايتها
ح�سب مقت�ضيات الف�صل 570من القانون الجنائي غير م�شروطة ب�أي �شرط� ،إذ يكفي �أن يثبت
الم�شتكي و�ضع يده على العقار لي�ستفيد من الحماية المقررة في الف�صل 570من القانون
الجنائي ،وال حاجة لمناق�شة ال مدة الحيازة وال الوقوف على عن�صر الهدوء وال على �أي �شرط
من ال�شروط الأخرى الواردة في الف�صل 166من قانون الم�سطرة للمدنية وهذا ما اعتمده
الأ�ستاذ ح�سن بكري في تعليل موقفه� ،أما التوجه الثاني فهو ما ذهب �إلى القول ب�أن الف�صل 570
من القانون الجنائي له ارتباط وثيق بمقت�ضيات الف�صل 166من قانون الم�سطرة المدنية ،على
اعتبار �أن كليهما يحميان الحيازة المادية ،وفق نف�س ال�شروط المن�صو�ص عليها في الف�صل
166من قانون الم�سطرة المدنية والتي تت�صف بالهدوء والعلنية واال�ستمرارية لمدة �سنة على
الأقل قبل ح�صول الإعتداء عليها ،4هذا التوجه يخالف ما جاء به الأ�ستاذ بكري� ،إال �أنه يجب
11القاعدة�( :أن القرار املطعون فيه �أيد احلكم االبتدائي وبذلك يكون قد تبنى علله و�أ�سبابه ،و�أن احلكم االبتدائي امل�ؤيد بني
بو�ضوح �أ�سماء ال�شهود امل�ستمع �إليهم من طرف املحكمة وما �رصحوا به وما اعتمدته املحكمة من ت�رصيحات يف تكوين
قناعتها فجاء قرارها معلال مبا فيه الكفاية و�أن ف�صل املتابعة ال ي�شرتط �أن تكون احليازة هادئة) ،قرار املجل�س الأعلى
عدد 3/684بتاريخ 1996/4/16يف امللف اجلنحي عدد � ،91/21093أورده ح�سن بكري ،مرجع �سابق� ،ص14.
و.15
22ح�سن بكري ،املرجع نف�سه� ،ص.16.
� 33أحمد اخلملي�شي« ،القانون اجلنائي اخلا�ص» ،اجلزء الثاين� ،ص.467.
44ي�شرتط القانون املدين يف االعتداد باحليازة حماية �رشوط عدة حددها الف�صل 166من قانون امل�سطرة املدنية وهي:
� -أن تكون احليازة هادئة وعلنية ،و�أال تكون جمردة من املوجب القانوين ،و�أن تكون خالية من االلتبا�س والغمو�ض.
-وعند حتقق العن�رص املادي ( )le corpusوالعن�رص املعنوي ( )l’animus dominiوتوافر �رشوطها املن�صو�ص عليها
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 222
االعتراف �أن من �ش�أنه �إ�ضفاء ال�شرعية على حيازة الحائز وحماية النظام االجتماعي وزرع
الطم�أنينة في نف�سية الأفراد ،ف�ضال عن �صيانة �أحكام الق�ضاء من المغاالة والتالعب ،وبهذا
ينا�صر ر�أي الدكتور الخملي�شي فيما جاء في معر�ض تعليله ،وان�سجاما مع هذا التوجه فقد
�صدر عن الق�ضاء المغربي مجموعة من القرارات والأحكام �أكدت على �أن الحيازة الم�شمولة
بحماية الف�صل 570من القانون الجنائي ينبغي �أن تكون حيازة هادئة وغير منازع فيها و�أن
ت�ستمر مدة معينة ال تقل في مجملها عن �سنة ،ففي قرار �صادر عن المجل�س الأعلى جاء فيه
(�أن تعليل المحكمة بكون الحيازة �أ�صبحت للمطلوب في النق�ض ا�ستنادا �إلى عقد الملكية مع
ما جاء فيه عبارة الحوز غير كاف مادام لم يثبت ب�صفة قطعية انتقال الحيازة �إلى المطلوب
في النق�ض وت�صرفه فيه ت�صرفا هادئا �إلى �أن يقع الإعتداء عليها) .1و�أكد المجل�س الأعلى
في قرار �آخر مفاده �أن من �شروط انتزاع الحيازة �أن تكون هادئة ،و�أن مرور �أربع �سنوات
على وجود الظنين في الأر�ض مو�ضوع النزاع لم يبقى معه �أي مجال لتطبيق الف�صل 570من
القانون الجنائي.2
�إذن بناءعلى ما �سبق ،تعتبر الحيازة و�ضعا ماديا ينجم عن �أن �شخ�صا ي�سيطر �سيطرة
فعلية على حق� ،سواء كان هو �صاحب الحق �أو لم يكن ،3ف�إذا كان الفقه قد حدد مددا معينة
ومحددة للحيازة المك�سبة للملك وميزوا بين مدة الحيازة بين الأقارب ومدة الحيازة بين
الأباعد ،ف�إن الف�صل 570من القانون الجنائي لم يحدد مدة معينة للحيازة المحمية بالف�صل
المذكور �آنفا� ،إال �أن غالبية رجال الفقه والق�ضاء يرون �أن الحيازة المحمية بمقت�ضيات الف�صل
يف الف�صل 166من قانون امل�سطرة املدنية ت�صبح احليازة �سند للملكية و�سبب ك�سب امللكية بالتقادم املك�سب .
-احليازة املق�صودة باحلماية يف الت�رشيع اجلنائــــــــي هي احليازة املادية� ،أي العالقة الفعلية بني الـحائز وال�شـــــــيء
( )la relation juridique de faitالتي ال تخ�ضع ملدة �أو ل�رشوط معينة �سوى تلك ال�سيطرة املادية والفعلية على
ال�شيء.
راجع الف�صل 166يف الباب الأول من الق�سم اخلام�س من قانون امل�سطرة املدنية حتت عنوان ((دعاوى احليازة)).
11قرار املجل�س الأعلى بتاريخ ،1993/01/28من�شور مبجلة الإ�شعاع عدد � ،9ص.144.
22قرار املجل�س الأعلى عدد 681بتاريخ ،1999/4/14من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد � ،55ص ،389.جاء فيه:
((�إن مرور �أربع �سنوات على وجود املتهم بالعقار حمل االنتزاع ال يبقى معه حمال لإعمال الف�صل 570من القانون
اجلنائي)).
جاء يف قرار �أخر �صادر عن املجل�س الأعلى �أن احليازة التي يحميها الف�صل 570من القانون اجلنائي ي�شرتط فيها �أن
تكون هادئة خالية من �أي التزام يجردها من احليازة املادية والقانونية ،قرار عدد 6/978بتاريخ ،2002/04/10
من�شور مبجلة الق�ضاء والقانون عدد � 146ص .141.ويف قرار �أخر �أكد املجل�س الأعلى �أن الإدانة من �أجل انتزاع عقار
من حيازة الغري تقت�ضي من املحكمة �أبراز عن�رص احليازة الهادئة للعقار من طرف امل�شتكي ،بحيث ((�أنه ملا كان الطاعن
قد �أدىل بن�سخ �أحكام لإثبات �أن املطلوب ال يتوفر على احليازة الهادئة املتطلبة قانونا ،دون �أن ي�شري القرار املطعون
فيه من قريب �أو من بعيد �إىل هذه الدفوعات التي �أثارها الطاعن ،فبالأحرى الرد عليها ،فقد كان القرار ناق�ص التعليل
يوازي انعدامه)) ،قرار عدد 6/372بتاريخ ،2007/02/28من�شور مبجلة امللف ،عدد � ،13ص.279.
33عبد الرزاق ال�سنهوي« ،الو�سيط يف �رشح القانون املدين اجلديد» ،مرجع �سابق ،نف�س املجلد� ،ص.784.
223 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
570من القانون الجنائي يجب �أن ت�ستمر على الأقل �سنة كاملة كما �أ�شرنا �إليه �سابقا ،لأن من
�ش�أن تلك المدة كما قلنا �أن ت�ضفي اال�ستقرار والطم�أنينة في نف�سية الأ�شخا�ص ،وتعطي �صبغة
قوية للعلنية �أي�ضا� ،إذ ال يعقل �أن ي�ضع ال�شخ�ص يده على العقار غا�صبا وي�ستغله بالحرث �أو
الزرع �شهرين �أو ثالثة ليقال �إنه جدير بالحماية التي يقررها الف�صل 570من القانون الجنائي.
فرغم و�ضوح هذا التوجه �إال �أنه يجب التعاطي معه بحذر كبير ،لأن الم�س�ألة في جميع الأحوال
ن�سبية وغير مطلقة وتبقى خا�ضعة لتقدير المحكمة بح�سب ظروف ووقائع كل نازلة على حدة.1
ومن نافلة القول �أن غاية الم�شرع من و�ضع الف�صل 570من ق.ج هو تحقيق الأمن واال�ستقرار
داخل المجتمع في المجال العقاري ولي�ست له عالقة بمو�ضوع الحق ،ويتجلى هذا الو�ضع في
�إبقاء الحائز الفعلي وا�ضعا يده على العقار �إلى حين بت محكمة المو�ضوع في �أ�صل الحق
وتحديد م�ستحقه قانونيا وماديا.2
وبقراءة مت�أنية للف�صل 570نجد �أنه يقوم على مجموعة من الأركان لقيام جنحة انتزاع
عقار من حيازة الغير وهذا ما �سنتطرق �إليه في المطلب الثاني.
المطلب الثاني� :أركان جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير
من المبادئ القارة في الفقه الجنائي �أن لكل جريمة بالإ�ضافة �إلى الركن القانوني ركنين،
ركن مادي وركن معنوي ،بحيث �إذا تخلف �أحدهما انتفت الجريمة بالمطلق ،فكيف يتحقق
الركنان المادي والمعنوي في جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير وما هي الإ�شكاالت المرتبطة
بهما؟ وما هي و�سائل انتزاع هذه الحيازة؟ للإجابة عن هذه الت�سا�ؤالت �ستتم مقاربة هذا
المطلب من خالل فقرتين الأولى �ستتناول �أركان الجريمة والثانية �ستخت�ص بو�سائل االنتزاع.
الفقرة الأولى� :أركان جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير
�أوال :الركن المادي.
الركن المادي للجريمة كما يعرفه فقهاء القانون الجنائي هو الفعل المادي المح�سو�س
الذي ي�أتيه الفاعل �سواء بفعل �أو امتناع ،يترجم من خالله نيته الإجرامية ،ويقع بالتالي تحت
11ولال�ستدالل على ن�سبية هذا املبد�أ ن�شري �إىل قرار املجل�س الأعلى عدد 7911بتاريخ 1984/10/11غري من�شور� ،أورده
�أبو م�سلم احلطاب يف مقاله املن�شور مبجلة الق�ضاء والقانون عدد � ،149ص 79.القا�ضي ((حيث يت�ضح من حم�رض الكراء
امل�ؤرخ يف -1975/10/17ملف عدد � -72/55أن امل�شتكي اكرتى العقار ملدة �سنة فالحية ابتداء من فاحت �أكتوبر �إىل غاية
30نونرب ،1976ف�إنه بذلك �أ�صبح حائزا بقوة القانون حيازة يجب حمايتها متى تعر�ضت للغ�صب)) وبناء عليه ميكن
القول ب�أن عن�رص ال�سنة غري م�رشوط بالن�سبة للمكرتي الذي يكفيه و�ضع يده على العقار يف اليوم الأول لتكون حيازته
حممية مبقت�ضى الف�صل 570من القانون اجلنائي.
22ح�سن بكري ،مرجع �سابق� ،ص.5.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 224
طائلة العقاب ،واعتبارا لهذه القاعدة ف�إن جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير تن�ش�أ بفعل
ي�شكل في �أ�سا�سه ن�شاطا خارجيا ي�ستهدف حيازة عقار ما.
وهذا ما ذهب �إليه الم�شرع من خالل الف�صل 570من القانون الجنائي في فقرته الأولى
حيث جاء فيه ((يعاقب بالحب�س من �شهر �إلى �ستة �أ�شهر وغرامة من مائتين �إلى خم�سمائة
درهم من انتزع عقارا من حيازة غيره خل�سة �أو ب�إ�ستعمال التدلي�س))� .إذن فمن خالل
مقت�ضيات هذا الف�صل �صار يت�ضح جليا �أن الركن المادي لهذه الجريمة يتحقق بقيام المتهم
بو�ضع يده فعليا على العقار مو�ضوع النزاع وو�ضع حد لحيازة الحائز� ،أي �إخراج العقار من يد
حائزه وو�ضع حد ل�سلطته عليه.
ف�إذا كان هذا المفهوم للركن المادي وا�ضحا وال يثير �أي �إ�شكال �أو غمو�ض فيجب �أن نقف
عند بع�ض خ�صو�صيات الركن المادي لهذه الجريمة لتحديدها من المنظور الواقعي والعملي
لمادية فعل انتزاع الحيازة� ،سيما �أن العمل الق�ضائي ال يتفق في جل الأحيان على توجه موحد
للعمل عليه .ومن �أهم ال�صور التي �أ�صبحت تطرح نف�سها بحدة في العمل الق�ضائي م�ؤخرا هي:
�أ � -صورة المنع من الحرث والمنع من الإ�ستغالل
وهذه ال�صورة تدفعنا �إلى الت�سا�ؤل حول العالقة بين فعل االنتزاع بطبيعة العقار المنتزع
والغر�ض الذي �أعد له؟ بمعنى �آخر هل يجب �أن يتج�سد االنتزاع في الحرث �إذا كان العقار معدا
بطبيعته للحرث مثال� ،أو �أن �أي فعل م�س بالحيازة ي�شكل انتزاعا حتى ولو كان منافيا لطبيعة
العقار والغر�ض الذي �أعد له؟
لقد ذهب البع�ض �إلى القول �أن المنع من الحرث ال ي�شكل جنحة انتزاع عقار من حيازة
الغير ،لأن هذه الجنحة ي�ستلزم تحققها فعل مادي �إيجابي يمكن المتهم من انتزاع حيازة
الحائز والحلول محله في حيازته بو�ضع يده على العقار المنتزع ،ويجد هذا االتجاه علته في
كون �أن مقت�ضيات الف�صل 570من القانون الجنائي جاءت وا�ضحة وال تحتاج لت�أويل �أو �أي
تف�سير ،يو�سع من نطاق الف�صل المذكور ،لأن ذلك �سي�ؤدي ال محال �إلى تكون جريمة جديدة
غير تلك المتوخى تجريمها من خالل الف�صل 570من ق.ج ،مما �سينتج عنه خرق لمبد�أ
ال�شرعية المن�صو�ص عليه في الف�صل 10من الد�ستور ،وكذا الف�صل 3من القانون الجنائي،
ف�ضال عن عدم احترام نية الم�شرع الذي لم يتوخى تجريم فعل المنع من الحرث .ويجد هذا
االتجاه �أ�سا�سه في مجموعة من القرارات ال�صادرة عن المجل�س الأعلى في المو�ضوع والتي
ال تعتبر بدورها �أن فعل المنع من الحرث يعتبر انتزاعا لعقار من حيازة الغير ،ففي قرار عن
225 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
المجل�س الأعلى جاء فيه ((�إن االكتفاء بالقول �إن المتهم منع الم�شتكية من حرث الأر�ض ال
يبرز �أي عن�صر من العنا�صر المن�صو�ص عليها في الف�صل 570من ق.ج)).1
وفي قرار �أخر عن المجل�س الأعلى جاء فيه كذلك ((�إن مجرد منع الطاعنين للم�شتكي من
الحرث ال يعتبر انتزاعا للحيازة وال تتوفر فيه ال�شروط القانونية المحددة في الف�صل 570من
القانون الجنائي)) ،2وفي قرار �أخر ((�إن المنع من الحرث ال ي�شكل في جوهره انتزاعا لعقار
من حيازة الغير النعدام الركن المادي للجريمة)) ،3وتجدر الإ�شارة �إلى �أنه الزال بع�ض رجال
الق�ضاء ي�سيرون على نف�س النهج على اعتبار �أن فعل المنع من الحرث �أو المنع من الإ�ستغالل
ال ي�شكل ركنا ماديا النتزاع عقار من حيازة الغير.4
في حين يرى اتجاه ثاني �أن المنع من الحرث هو �صورة من �صور جريمة انتزاع عقار من
حيازة الغير ،لأن االنتزاع كما يتحقق بفعل �إيجابي فهو يتحقق �أي�ضا بفعل �سلبي ،والنتيجة في
كلتا الحالتين واحدة ،وهي حرمان الحائز من االنتفاع بعقاره والت�صرف فيه وقد �ساند هذا
التوجه مجموعة من الفقهاء ورجال القانون المغاربة ،ومنهم الدكتور �أبو م�سلم الحطاب الذي
اعتبر �أن فعل االنتزاع يتحقق بالحيلولة دون حيازة الغير للعقار� ،سواء بالدخول الفعلي �أو
بالدخول الحكمي الذي يتحقق بالتعر�ض للحائز لمنع حيازته ،5وهو نف�س الموقف الذي تبناه
الأ�ستاذ ح�سن بكري حيث اعتبر �أن مقت�ضيات الف�صل 570من ق.ج �شرعت لحماية الحائز
للعقار ووا�ضع اليد عليه ،وهذه الحماية ترمي بالدرجة الأولى �إلى الحيلولة دون الت�شوي�ش على
الحائز و�ضمان انتفاعه بالعقار وا�ستغالله على النحو الذي �أعد له ،وبالتالي ف�إن عدم تجريم
المنع من الحرث �سي�ؤدي ال محالة �إلى تعليل �أثار الحيازة والحقوق المترتبة عليها ،6كما ذهب
كذلك الأ�ستاذ عبد الإله الع�سري �إلى تبني نف�س النهج الذي �صار عليه كل من الأ�ستاذ بكري
والدكتور الحطاب حيث اعتبر �أن تجريم فعل المنع من الحرث ال يمكن اعتباره تو�سعا في
11قرار املجل�س الأعلى عدد 8/2327بتاريخ � 98/7/23أورده ح�سن بكري ،مرجع �سابق� ،ص.21.
22قرار املجل�س الأعلى عدد 3/136بتاريخ � ،1997/1/21أورده ح�سن بكري ،مرجع �سابق� ،ص.22.
33قرار املجل�س الأعلى عدد 3/506بتاريخ � ،97/4/8أورده نف�س املرجع� ،ص.23.
� 44أنظر على �سبيل املثال قرار حمكمة الإ�ستئناف بالقنيطرة ال�صادر بتاريخ 2009/04/15يف امللف اجلنحي عادي رقم
8/08/1037والذي جاء فيه ((حيث �إن املنع من الإ�ستغالل ال ي�شكل انتزاعا للعقار مبفهومه الوارد يف الف�صل 570من
القانون اجلنائي ح�سب ما ا�ستقر عليه اجتهاد هذه املحكمة املواكب لعدة قرارات �صادرة عن املجل�س الأعلى يف املو�ضوع
وال ت�ست�شف منه العنا�رص التكوينية للجنحة املذكورة واملتمثلة يف الإعتداء على وا�ضع اليد وذلك ب�إحدى العنا�رص الواردة
على �سبيل احل�رص يف الف�صل امل�شار �إليه مما يتعني معه �إلغاء احلكم امل�ست�أنف)).
� 55أبو م�سلم احلطاب« ،العقار بالطبيعة وقواعد حمايته يف الت�رشيع اجلنائي» ،مطبعة النجاح اجلديدة الدار البي�ضاء ،الطبعة
الأوىل� ،سنة � ،1995ص.108.
66للمزيد من التفا�صيل الرجوع �إىل ح�سن بكري ،مرجع �سابق� ،ص 25.وما يليها.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 226
تف�سير الن�ص الجنائي ،بل هو تفكيك �سليم لم�ضامين الف�صل 570من القانون الجنائي،1
وهو الأمر الذي �أكدته محكمة النق�ض في قرار حديث جاء فيه» �إن المحكمة م�صدرة القرار
المطعون فيه لما �أيدت الحكم الم�ستانف وق�ضت ب�إدانة الطاعن من �أجل جنحة انتزاع عقار
من حيازة الغير وا�ستندت في ذلك على اعتراف الطاعن بمنع الم�شتكية من الإ�ستغالل في
جميع المراحل ،تكون قد ا�ستعملت �سلطتها في تقييم وتقدير الحجج والأدلة المعرو�ضة عليها
وتكوين قناعتها منها» ،2وهكذا يت�ضح �أن المنع من ا�ستغالل العقار �أ�صبح ي�شكل في �ضوء
االجتهاد الق�ضائي الحديث ،ركنا ماديا في جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير ،وهو التوجه
الذي �ساهم في تحقيق حماية فعالة لحائز العقار الذي منع ا�ستغالل عقاره ب�أي �شكل من
�أ�شكال المنع.
لذلك يجب على الم�شرع �أن يتدخل لح�سم الجدال القائم بين رجال الفقه والق�ضاء ،وعلى
الأقل �أن ي�صدر المجل�س الأعلى قرارا بغرفتين ك�أقرب تقدير على الأقل لكي يو�ضع حدا لهذا
الت�ضارب بين مختلف المحاكم وذلك بهدف توحيد العمل الق�ضائي في المملكة.
ب -الت�شوي�ش على الحيازة
لقد �أ�صبح انتزاع عقار من حيازة الغير بموجب االجتهاد الق�ضائي الحديث ال يقت�صر على
الدخول �إلى العقار وال�سيطرة الفعلية عليه ،بل يتحقق �أي�ضا بمجرد القيام ب�أعمال من �ش�أنها
الت�شوي�ش على الحيازة وحرمان �صاحبها من االنتفاع الكامل بها ،من خالل بع�ض الأعمال التي
يمكن �أن نذكر منها:
المرور والرعي في العقار
كثيرة هي الق�ضايا التي تطرح على المحاكم والمتعلقة بالرعي في عقار تحث حيازة الغير
�أو ا�ستعمال هذا العقار للمرور ،ويتم تكييف المتابعة من طرف النيابة العامة في �ش�أنها ب�أنها
انتزاعا لحيازة العقار من حيازة الغير ،وهو الأمر الذي محل ت�ضارب في االحكام بخ�صو�صها،
حيث هناك من يعتبرها انتزاعا لحيازة العقار وهناك من ينفي عنها هذا الو�صف.
ف�إذا كان هذا التوجه ي�صح �إذا تعلق الأمر بعقار �صالح للزراعة ،ف�إن الأمر يثير عدة
ت�سا�ؤالت �إذا تعلق بالأرا�ضي ال�ساللية المخ�ص�صة للرعي فقط ،ف�إذا اعتاد الغير الذي الحق
له فيها على رعي ما�شيته فوقها ف�إن فعله هذا ي�شكل انتزاعا للحيازة.
�أما بالن�سبة للمرور بالما�شية في العقار ،ف�إن كان يكت�سي ح�سب بع�ض الفقه� 1صفة االعتياد
ب�صورة يمكن �أن ي�ؤدي معها ذلك �إلى �إن�شاء طريق و�سط العقار ،ف�إنه ي�شكل انتزاعا للعقار
بقوة القانون ،لأن �إحداث الطريق به يترتب عنه بال�ضرورة حرمان الحائز من ا�ستغالل الجزء
الذي خ�ص�ص من عقاره للطريق� ،أما �إذا كان هذا المرور مو�سميا ،ف�إنه ال ي�شكل بال�ضرورة
�أي انتزاع ،ال�سيما �إذا كان العقار فارغا.
ج -التعر�ض للحائز في حالة الملكية ال�شائعة �أو المتنازع عليها
هناك العديد من الملفات الرائجة امام المحاكم تتعلق بنزاعات مرتبطة بعقارات يحكمها
نظام الملكية الم�شاعة ،ذلك �أن العديد من العقارات تكون غير مق�سمة ،وتكون حيازتها في
الغالب لأحد الورثة دون الآخرين ،مما يدفع غير الحائز �إلى الدخول �إلى العقار معتبرا ذلك
من حقه مادام وارثا في العقار مو�ضوع النزاع ،وهو الأمر الذي يعده الحائز تعديا على حيازته
مما يدفعه �إلى اللجوء �إلى الق�ضاء الجنحي للمطالبة بحماية هذه الحيازة.
والق�ضاء المغربي كانت له عدة توجهات بخ�صو�ص هذه النوازل المتعلقة بانتزاع عقار من
طرف �أحد المالكين على ال�شياع ،فتارة يعتبر ذلك انتزاعا وتعديا على حيازة الحائز ،وتارة
�أخرى يعتبرها غير ذلك متى ثبت �أن العقار لم يخ�ضع للق�سمة.
ففي قرار حديث لمحكمة النق�ض اعتبرت ان الحائز يعتبرا غيرا ولو كان الجاني مالكا على
ال�شياع ،على �أ�سا�س �أن الحماية الجنائية ت�شمل الحيازة المادية فقط وال تمتد �إلى الملكية ،قرار
�صادرعن محكمة النق�ض بتاريخ 2013- 06-21تحث عدد ،2 3/2049وهو الأمر الذي �أكدته
من خالل قرار �آخر مرجحة قاعدة الحيازة الهادئة عن ادعاء الملك بالإرث غير المقرون
بالحيازة ،معتبرة �أن مغادرة الإبن لمحل �سكن والده المتوفي وا�ستقراره ب�سكن منفرد مع
زوجته ،وا�ستمرار والدته في حيازة �سكن الهالك ،يجعل عودة الإبن �إلى هذا المنزل ومحاولة
�أخذ ن�صيبه بالقوة وحرمان والدته من ا�ستغالل كامل لمرافق البيت ي�شكل انتزاعا من حيازة
الغير ويوجب الإدانة 3.غير �أن تجريم التعر�ض للحائز في هذه الحالة ينح�صر فقط فيما له
عالقة بالتمتع بالحيازة واالنتفاع بها ،وال يمتد �إلى غيرها من الأفعال والت�صرفات القانونية
4
التي قد ت�ضر بالمركز القانوني للمالكين على ال�شياع
� 11سعيد الوردي يف م�ؤلفه جنحة انتزاع عقار من حيازة الغري ،الطبعة الأوىل �سنة 2018ال�صفحة . 18
22نف�س املرجع �ص23.
33قرار عدد -/ 1149ال�صادر بتاريخ 2016- 06- 01يف امللف اجلنحي عدد 2015/ 15833م�شار اليه يف املرجع �أعاله.
44حكم �صادر عن املحكمة االبتدائية ب�صفرو عدد 5بتاريخ 2017- 05- 17يف امللف اجلنحي بعد النق�ض عدد 2801- 601
2016-والذي ق�ضت من خالله برباءة املتهم من جنحة انتزاع عقار من حيازة الغري ب�سبب تعر�ضه على �إجراءات
التحفيظ ،معتربة �أن ذلك اليعترب ت�شوي�شا على احليازة و�إمنا يتعلق بامللكية.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 228
11مبعنى يخرج بالفعل من دائرة الأفعال املدنية �إىل دائرة الأفعال اجلنائية.
22وهذا ما عرب عنه الأ�ستاذ ح�سن بكري يف م�ؤلفه امل�شار �إليه �سابقا ال�صفحة 36وما بعدها� ،أما بخ�صو�ص تلك الو�سائل
ف�سنتعر�ض لها فيما يلي بالتف�صيل.
229 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الذي يهدف من وراء فعل انتزاع حيازة الغير حرمان الحائز من االنتفاع والإ�ستفادة من عقاره
والحلول محله في االنتفاع والإ�ستفادة من ذلك العقار وهو ما عبر عنه المجل�س الأعلى في
قرار جاء فيه(( :اقت�صار المحكمة على القول ب�أن الظنين قام بمنع الم�شتكية دون بيان الفعل
المادي الذي قام به على الأر�ض ،والذي �أراد الظهور به مظهر الحائز ،يجعل الحكم غير
معلل تعليال كافيا و�سليما ،ويكون بذلك القرار المطعون فيه الذي يبني تعليل الحكم االبتدائي
م�شوبا بنق�صان التعليل الموازي النعدامه ،الأمر الذي يعر�ضه للنق�ض)).1
وعلى هذا الأ�سا�س ف�إن المحكمة وهي تنظر في الفعل المقترف من قبل الظنين يتوجب
عليها �أن تقوم �أوال بالتحقق من توفر الق�صد الجنائي لديه من عدمه ،و�أن ت�ستخل�ص نيته في
الحلول محل الحائز الفعلي للعقار �أثناء عملية االنتزاع.
فمن خالل ما تم بيانه وجاء في التوجهين معا نخل�ص في نهاية المطاف �إلى �ضرورة
الت�أكيد على �أهمية الركن المعنوي في قيام جريمة انتزاع حيازة عقار من الغير ،بحيث تبرز
�أهميته في تحديد ما �إذا كان الفعل يقع تحت طائلة الف�صل 570من القانون الجنائي �أم ال،
فبغ�ض النظر عن �أي ر�أي يعمل به �أو المرجح للأخذ به �إال �أنه في كثير من الأحيان ن�صادف
�أفعاال يمكن اعتبارها من الناحية المدنية جنحة انتزاع حيازة لكن ال يمكن اعتبارها كذلك
من الناحية الجنائية ل�سبب �أنها �أفعال ال تقع تحت طائلة الف�صل 570من ق.ج لماذا؟ النعدام
الركن المعنوي فيه ،ومن بين هذه الحاالت هناك حالة رمي الأزبال في �أر�ض الم�شتكي ،فمن
الناحية المدنية يمكن اعتبار هذا الفعل اعتداء �أو تراميا على ملك الغير ،وقد يقترن بالخل�سة
والتدلي�س كذلك ،لكنه من الناحية الزجرية ال يمكن تكييفه جنحة انتزاع عقار من حيازة
الغير ،لأن هذا الفعل ال يهدف من خالله فاعله �إلى الظهور بمظهر الحائز الفعلي للعقار،
وبانتفاء هذا المبد�أ تنتفي معه بالتالي الجريمة ،حيث جاء في قرار �صادر عن المجل�س
الأعلى�(( :أن رمي الأزبال في �أر�ض الم�شتكية ال ينطبق عليه فعل انتزاع الحيازة المن�صو�ص
عليه في الف�صل 570من القانون الجنائي)).2
11قرار املجل�س الأعلى عدد 909بتاريخ 2001/06/13من�شور بالتقرير ال�سنوي للمجل�س الأعلى ل�سنة � 2001صفحة 177
�أورده الفتوح �شكري ،مرجع �سابق� ،ص ،22.ويف قرار �أخر �صادر عن نف�س اجلهة عدد 512بتاريخ 2001/04/11
من�شور بالتقرير ال�سنوي للمجل�س الأعلى ل�سنة � 2001صفحة .177
جاء فيه�(( :إن قيام الظنني باملرور يف �أر�ض امل�شتكي وعدم ثبوت قيامه بذلك ليظهر مظهر احلائز للطريق املذكورة �أو
قيامه ب�أي عمل يرمي �إىل نف�س الهدف يجعل للمحكمة م�صدرة القرار املذكور ،عندما �أدانته واحلالة هذه من �أجل جنحة
انتزاع عقار من حيازة الغري ،قد خرقت القانون ومل تطبق مقت�ضيات الف�صل 570من القانون اجلنائي تطبيقا �سليما،
الأمر الذي يعر�ضه للنق�ض)) �أورده نف�س املرجع ،نف�س ال�صفحة.
22قرار املجل�س الأعلى حتت عدد 1400بتاريخ 2000/06/07من�شور بالتقرير ال�سنوي للمجل�س الأعلى ل�سنة ،2000
�صفحة � ،163أورده الفتوح �شكري ،مرجع �سابق� ،ص.221.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 230
كما هو الحال بالن�سبة لمرور الإن�سان على �أر�ض الغير دون �إذن �صاحبها ،دون �أن يحمل
�صفة مالك �أو م�ست�أجر �أو منتفع �أو مزارع ،بمعنى دخل وهو ال يملك الحق في ذلك� ،إن فعل
المرور هذا ال ي�ؤدي �إلى �سلب الملكية �أو الحيازة من �صاحبها ،لأن مجرد اال�ستعمال المتمثل
في المرور دون موافقة �صاحب الملك �أو حائزه ي�شكل فعال مجرما ،1ولو لم يلحق هذا الفعل
�ضررا ماديا للعقار ،لكن و�صفه الجرمي يبقى مقت�صرا على درجة مخالفة من الدرجة الثانية
نظرا لما ال يت�سم به من خطورة ترقى �إلى درجة الجنح ،فال يعتبر هذا الفعل بذلك جريمة
تعدي على الملكية العقارية الخا�صة طبقا لمقت�ضيات الف�صل 570من القانون الجنائي.
الفقرة الثانية :و�سائل انتزاع الحيازة
يرتبط الركن المادي لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير بعنا�صر �أ�سا�سية حددها
الم�شرع في الف�صل 570من القانون الجنائي .وتتمثل هذه العنا�صر في الخل�سة والتدلي�س ليال
�أو ب�إ�ستعمال العنف �أو التهديد �أو ب�إ�ستعمال الت�سلق �أو الك�سر �أو ب�أ�شخا�ص متعددين �أو كان
الجاني �أو �أحد الجناة يحمل �سالحا ظاهرا �أو مخب�أ ،وت�أ�سي�سا عليه ف�إن هاته العنا�صر تمثل
�أهمية بالغة لإ�ضفاء الجانب الزجري على فعل انتزاع حيازة عقار من ملك الغير� ،إذ �إن لم
تتحقق تنتفي الجريمة بكاملها وبالتالي يتعين الت�صريح ببراءة المتهم منها ،وهذا ما ذهبت
�إليه �أغلبية القرارات التي ت�صدر عن المجل�س الأعلى بخ�صو�ص جنحة انتزاع عقار من حيازة
الغير التي تنتهي غالبا في نق�ض قرارات محاكم المو�ضوع ب�ش�أن تكييف هذه الجنحة ب�سبب
عدم تبيانها للو�سائل التي يتم بها هذا االنتزاع.
وهذا ما جاء في �إحدى هذه القرارات ال�صادرة عن المجل�س الأعلى حيث جاء فيه(( :ال
يكفي لقيام جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير �إثبات واقعة االنتزاع و�إنما يجب �أي�ضا �إبراز
الو�سيلة التي تم بها االنتزاع ،الحكم الذي لم يبرز في حيثياته كون الفعل �إرتكب في ظرف
اقترن ب�أحد العنا�صر المذكورة ح�صرا في الف�صل 570من القانون الجنائي ((الخل�سة،
ا�ستعمال التدلي�س� ،أو وقوع الفعل ليال �أو العنف �أو بالتهديد �أو بالت�سلق �أو بالك�سر �أو تعدد
الأ�شخا�ص �أو كان الفاعل يحمل �سالحا ظاهرا �أو مخب�أ يكون ناق�ص التعليل)) .2وفي هذا
11ف�إذا دخل ال�شخ�ص عنوة دون ر�ضا املالك تتوافر �أركان اجلرمية ويعاقب اجلاين بالغرامة من ع�رشة �إىل مائة وع�رشين
درهما وذلك ح�سب مقت�ضيات الف�صل 609من القانون اجلنائي يف فقرتها الرابعة(( :يعاقب بغرامة من ع�رشة �إىل مائة
ع�رشة درهما من �إرتكب �إحدى املخالفات الآتية 42 :من دخل ومر يف �أر�ض �أو جزء من �أر�ض �إما مهي�أة للبذر �أو
مبذور فعال و�إما بها حبوب �أو ثمار نا�ضجة �أو قريبة الن�ضج ،دون �أن يكون مالكا لهذه الأر�ض وال منتفعا بها وال
م�ست�أجرا وال مزارعا لها ،ولي�س له عليها حق ارتفاق �أو مرور ولي�س تابعا وال موكال لأحد ه�ؤالء الأ�شخا�ص)).
للإ�شارة فقط �ست�ستبدل املادة املار �إليها �أعاله باملادة 591من م�رشوع القانون اجلنائي(( :يعاقب بالغرامة من � 500إىل
1800درهم 10(( :من قاد دواب موجودة حتت مالحظته.))...
22قرار عدد 4266بتاريخ ،1988/06/14من�شور مبجلة املحاكم املغربية ،عدد � ،60ص.94.
231 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ال�صدد الزال المجل�س الأعلى ي�ؤكد اجتهاده �أعاله ففي �أحدث قرار له ر�سخ من جديد هذا
االجتهاد فق�ضى ب�(( :إدانة المحكمة للمتهم من �أجل جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير
بعد �أن ثبتت لها حيازة الم�شتكي لأر�ض النزاع والفعل الجرمي الذي �أتاه المتهم في اعتدائه
على الحيازة بقيامه بحرث جزء من �أر�ض النزاع ا�ستنادا لإفادة ال�شاهد� ،إال �أنها لم تبرز
في تعليلها الو�سيلة التي تم بها انتزاع الحيازة من خل�سة �أو تدلي�س �أو غيرها من الو�سائل
المن�صو�ص عليها في الف�صل 570من القانون الجنائي)) .1كما في قرار �آخر �صادر عن نف�س
الجهة جاء فيه(( :لئن �أبرزت المحكمة عن�صر الحيازة من خالل مح�ضر التنفيذ في مواجهة
الغير والفعل المادي بمقت�ضى الخبرة التي �أفادت ب�أن المتهم تجاوز الم�ساحة الم�شمول بها
ر�سم �شرائه ،ف�إنها لم تبرز الو�سيلة التي تم بها الإعتداء على الحيازة))� ،2إذن فبناءعلى هاته
القرارات ف�إن عدم الإ�شارة �إلى الو�سيلة التي تم بها االنتزاع ،وهو ما يعتبره المجل�س الأعلى
نق�صانا في التعليل يوازي انعدامه ،وعليه فما المق�صود بكل عن�صر من تلك العنا�صر؟
�أ -اقتران االنتزاع بالخل�سة والتدلي�س
الخل�سة والتدلي�س هما الركن المعنوي لجريمة انتزاع عقار من حيازة الغير ،فالإختال�س
هو عبارة عن الإ�ستيالء على ال�شيء بطريقة ال يقرها ال�ضمير الإن�ساني وال �أحكام الدين وال
المجتمع .فهو كل �صورة تتم عن خفية بدون �إذن �أو مباركة من حائز العقار� .أما التدلي�س فهو
الت�ضليل بطرق احتيالية ،وهو الفعل الذي يقوم به المعتدي ت�ضليال للتو�صل �إال انتزاع الحيازة
من يد الحائز الفعلي ،3وهو ما عرفه االجتهاد الق�ضائي ب�أنه(( :قيام الجاني بما من �ش�أنه �أن
يوهم الغير ب�أن ما يقوم به من فعل االنتزاع هو في محله ،مما يدعو الغير �إلى عدم �إبداء �أية
مقاومة)).4
يعد هذين العن�صرين هما الأ�سا�س في قيام جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير بمعنى
�آخر هو الذي يخرج بالفعل من دائرة الأفعال المدنية �إلى دائرة الأفعال الجنائية ،لذلك ف�إن
له ارتباطا وثيقا بنية الفاعل وت�صميمه في الإعتداء على حيازة الغير.5
11قرار عدد 98بتاريخ ،2013/06/19من�شور مبجلة ن�رشة قرارات حمكمة النق�ض ،عن الغرفة اجلنائية ،عدد ،14
�ص.59.
22قرار عدد 1053بتاريخ ،2013/06/26نف�س املرجع� ،ص.63.
33عبد الواحد �شعري« ،قراءة يف الف�صل 570من القانون اجلنائي» ،عدد 181اجلزء الأول ،املوقع االلكتـــــروين:
،www.alkanounia.comاطلع عليه بتاريخ .2018/02/28
44قرار املجل�س الأعلى عدد 1552بتاريخ 1981/11/26من�شور مبجلة الق�ضاء والقانون ،عدد � ،131ص.142.
55ح�سن بكري ،مرجع �سابق� ،ص.36.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 232
وعلى هذا الأ�سا�س ف�إن تعامل المحاكم مع هذه الجريمة مقيد بالبحث في هذه ال�صور
(الخل�سة والتدلي�س والإحتيال والت�ضليل )...ولذلك من �أجل خ�ضوع الجريمة بال�شكل ال�صحيح
لمقت�ضيات الف�صل 570من ق.ج ،1وهو ما ذهبت �إليه �إحدى قرارات محكمة النق�ض جاء فيه:
((وبما �أن الحكم المطعون فيه ق�ضى ب�إدانة العار�ض طبقا للف�صل 570من القانون الجنائي
دون �أن يبرر ب�أن نزع الحيازة كان خل�سة �أو بالتدلي�س ف�إنه يكون منعدم التعليل.
وحيث �أن الحكم االبتدائي الم�ؤيد ورد فيه التن�صي�ص �صراحة على �أن نزع الحيازة �سواء
خل�سة حيث جاء فيه(( :وحيث ا�ستمعت المحكمة �إلى �شهود الإثبات فتبين من �شهادتهم �أن
المتهم �إرتكب جريمة الترامي �ضد �أمالك المت�ضرر خل�سة حيث انتهز غيبته فكانت هذه
الو�سيلة مرتكزة على غير �أ�سا�س)).2
ب -ظروف الت�شديد
ن�ص الف�صل 570من القانون الجنائي في فقرته الثانية على الحاالت التي ت�شدد فيها
العقوبة( :ف�إذا وقع انتزاع الحيازة ليال �أو ب�إ�ستعمال العنف �أو التهديد �أو الت�سلق �أو الك�سر �أو
بوا�سطة �أ�شخا�ص متعددين �أو كان الجاني �أو �أحد الجناة يحمل �سالحا ظاهرا �أو مخب�أ ف�إن
الحب�س يكون من ثالثة �أ�شهر �إلى �سنتين والغرامة من مائتين �إلى �سبعمائة وخم�سين درهما).
فهذه الظروف المذكورة في الفقرة منف�صلة عن �أركان الجريمة ،لكن متى توافرت �أدت
�إلى ت�شديد العقوبة دون تغيير الو�صف الجنائي للجريمة ،لأن الركن يبقى قائما متى اكتمل
قيام الجريمة لكن الظرف الم�شدد يبقى معلقا ح�سب ظروف ومالب�سات كل جريمة على حدا:
- 1الليل� :إن مجموعة القانون الجنائي لم تعرف الليل ،بخالف ما ذهب �إليه الم�شرع في
قانون الم�سطرة الجنائية في المادة ،62وقانون الم�سطرة المدنية في المادة .451
�إال �أن الفقه واالجتهاد الفقهي عمل على �إعطاء مفهوم لليل في القانون الجنائي ،ومن
الفقه ما عرفه اعتمادا على المعيار الفلكي :فالنهار ،ح�سب هذا المعيار هو الق�سم من اليوم،
الذي يكون فيه موقعك مواجها لل�شم�س ،والليل :هو الق�سم من اليوم الذي ينتقل فيه موقعك
متوازيا من ال�شم�س.3
- 2العنف :يعتبر العنف في جريمة انتزاع عقار من مقت�ضيات الف�صل 570من ق.ج هو
منع الحائز من االنتفاع الكامل من حيازته الفعلية وحرمانه من الت�صرف في عقاره بكافة
�أنواع الت�صرفات المادية في الأوجه المخ�ص�صة له ،1وال يتطلب ذلك الدخول �إلى العقار
وو�ضع اليد عليه فعليا .كما ال ي�شترط ا�ستعمال العنف بالفعل ،بل يكفي �أن ي�صدر من الجاني
ت�صميمه وعزمه في ا�ستعمال العنف في مظاهر مادية توحي بهذه النية ،ولذلك اعتبر المقنن
�أن التهديد كالعنف نف�سه .وهو ما ذهبت �إليه محكمة النق�ض في �إحدى قراراتها رقم 96/218
في الملف الجنحي 91/277537جاء فيه( :يكون القرار المطعون فيه معلال بما فيه الكفاية لما
�أبرز عنا�صر ف�صل المتابعة ،و�أن انتزاع العقار من حيازة الغير وقع بالتهديد وا�ستعمال العنف
بوا�سطة �أ�شخا�ص متعددين).2
- 3التهديد :هو �إكراه معنوي يتحقق بمجرد �إنذار ال�شخ�ص المهدد ب�شر ج�سيم �سيلحق
به �أو ب�شخ�ص عزيز عليه ،وهو الأمر الذي ذهبت �إليه محكمة النق�ض حيث ن�صت على ما
يلي( :لما ا�ستمعت المحكمة لل�شاهدين اللذين اثبتا �أن الطاعن اعتدى على حيازة �أخته
بوا�سطة التهديد تكون �أبرزت كل عنا�صر الف�صل 570من القانون الجنائي وعللت قرارها
تعليال كافيا).3
ونظرا لخطورة هذا الفعل وما ينجم عنه من �أثار �سلبية وخطيرة �شدد في تجريمه المقنن
المغربي ح�سب الف�صول من � 425إلى 429من القانون الجنائي.
- 4الت�سلق :عرفه الف�صل 513من القانون الجنائي لن�ست�شف من خالله �أنه هو دخول
الم�ساكن والأماكن الم�س ّورة من غير �أبوابها ،كيفما كانت طريقة الدخول ،كما ي�ستوي فعل
الت�سلق ليال �أو نهارا� ،إال �أن الليل يبقى ظرفا ي�شدد الجريمة.
- 5الك�سر :يحدد مفهوم الك�سر الف�صل 512من القانون الجنائي ،لي�ستنتج منه �أن الك�سر
هو �إرتكاب الجاني عمال من �أعمال العنف للدخول لأحد الأماكن ،كما �أن الك�سر نوعين :الأول
ك�سر من الخارج وهو الك�سر الذي يمكن الجاني من الدخول �إلى مكان �إرتكاب الجريمة،
والثاني هو ك�سر من الداخل ويراد به التحطيم الذي ينجزه المجرم بعد دخوله مكان الجريمة.
� 11صدر قرار عن املجل�س الأعلى حتت عدد ،993بتاريخ 2013/06/19جاء فيه(( :يعترب املنع من الت�رصف وجها من
�أوجه القوة والعنف� ،إذ الهدف منه هو حرمان احلائز من الت�رصف وا�ستغالل العقار املوجود يف حيازته)) ،من�شور
بن�رشة قرارات حمكمة النق�ض الغرفة اجلنائية عدد � ،14ص ،61.ويف قرار �أخر جاء فيه ((�إن املنع من احلرث ي�شكل
وجها من �أوجه العنف الهادف �إىل احلرمان من ا�ستغالل العقار)) قرار عدد 6/18420بتاريخ ،2006/12/13من�شور
مبجلة امللف عدد � ،11ص.302.
22ح�سن بكري ،مرجع �سابق� ،ص.93.
33القرار عدد 5195ال�صادر عن املجل�س الأعلى �سابقا ،حمكمة النق�ض حاليا ،بتاريخ 92/7/23يف امللف اجلنحي عدد
91/14718حمفوظ بكتابة ال�ضبط لدى حمكمة اجلديدة (قرار من�شور من طرف ح�سن بكري ،املرجع نف�سه� ،ص.)90.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 234
- 6حمل ال�سالح� :إن الأ�سلحة هي الأدوات التي ت�ستعمل في التعدي �أو الدفاع ،والتي و�إن
ا�ستعملت من �ش�أنها �أن تم�س �سالمة الج�سم وهذا ما ي�ؤكد الف�صل 303من القانون الجنائي.
ذلك �أن الم�شرع المغربي لم يميز بين حمل ال�سالح علنا �أو مخفيا وقت �إرتكاب التعدي على
الملكية العقارية ،واعتبره ظرفا م�شددا �سواء تم ا�ستعماله �أو لم ي�ستعمل ،ويكفي �أن يوجد عند
�أحد الفاعلين دون الآخرين.
- 7تعدد الفاعلين� :إن اال�ستعانة بفاعل �أو عدة فاعلين يفيد الإ�صرار على �إرتكاب الجريمة،
لأن التعدد يعك�س الخطورة الإجرامية للجاني �أو الجناة� ،إال �أن التعدد ال يعتبر ظرفا م�شددا
في جميع الجرائم بل فقط في بع�ضها؛ ومن بين الجرائم التي يعد فيها التعدد ظرفا م�شددا
انتزاع عقار من حيازة الغير .وهو ما �أكدته محكمة النق�ض في �إحدى قراراتها حيث ن�صت
على ما يلي�( :إنه مادام الإعتداء على الحيازة وقع ب�أكثر من �شخ�ص جاء في تعليالته القرار
المطعون فيه ف�إن عنا�صر الف�صل 570من القانون الجنائي تكون متوفرة ب�صرف للنظر عن
المناق�شة في حقيقة الوقائع).1
المبحث الثاني� :إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة
�إن مقت�ضيات الف�صل 570من القانون الجنائي �شرعت لحماية الحائز المادي والفعلي
للعقار بمعنى وا�ضع اليد عليه ،وذلك بمعاقبة كل من �أدى بفعله لالعتداء على هذه الحيازة،
بحيث �إن غاية الف�صل 570من القانون الجنائي ال تتج�سد على �أر�ض الواقع �إال ب�إرجاع الأمور
�إلى ن�صابها وذلك بطرد المعتدي من العقار الذي انتزعت حيازته وتمكين المت�ضرر من �إعادة
و�ضع يده عليه ،وهو ما ا�صطلح عليه ب�إرجاع الو�ضع �إلى حاله �أو بمفهوم �آخر �إرجاع الحالة �إلى
ما كانت عليه.
الواقع �أن ا�صطالح �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جريمة انتزاع الحيازة هو نتيجة
حتمية لحكم الإدانة من �أجل جنحة انتزاع حيازة عقار �أو انتزاع عقار من حيازة الغير ،وهو ما
تم تداوله من قبل الفقه وا�ستقر عليه العمل الق�ضائي �إلى �أن �أ�صبح مقننا في ن�ص قانوني ن�ص
عليه الم�شرع في الف�صول 40و 49و 142من قانون الم�سطرة الجنائية ،و�إن كان هذا المبد�أ هو
ال�سائد وال جدال فيه ف�إن الت�سا�ؤل يثور حول الأ�سا�س القانوني لإرجاع الحالة �إلى ما كانت
عليه؟ وما هي الإ�شكاالت الناجمة عنها؟
11قرار عدد 96/3/883ال�صادر بتاريخ 96/5/14يف امللف اجلنحي عدد �( 91/21863أورده ح�سن بكري ،مرجع �سابق،
�ص.)96.
235 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
� 11أحمد مر�شد ،جملة درا�سات قانونية ،من�شورات منرب ال�شاوية ،اجلزء الأول ،ا�سرتداد احليازة بني القانون املدين
والقانوين اجلنائي� ،صفحة 35وما يليها.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 236
على حيازة محمد (ب) المكتري تكون قد خرقت الف�صل 166من قانون الم�سطرة المدنية
الذي يعطي الحق للحائز بوا�سطة الغير في رفع دعوى ا�سترداد الحيازة) .1ويمكن �أن يكون
الحائز ح�سن النية لرفع دعوى ا�سترداد الحيازة ،كما يمكنه رفعها حتى ولو كان �سيئ النية،
دون ا�شتراط مدة �سنة لحيازته للعقار كما ي�شترط ذلك في دعوى منع التعر�ض ودعوى وقف
الأعمال الجديدة ،ف�أية حيازة تكون كافية ب�شرط رفع الدعوى خالل �سنة من فقد الحيازة
وهذا ما �أكدته محكمة النق�ض في �إحدى قراراتها( :وح�سب الف�صل 167من قانون الم�سطرة
المدنية ،ال تقبل دعاوى الحيازة �إال �إذا �أثيرت خالل ال�سنة التالية للفعل المخل بالحيازة).2
وفي قرار �آخر عن المجل�س الأعلى عدد 524ين�ص على ما يلي�( :إن �أجل ال�سنة المحدد لرفع
دعوى ا�سترداد الحيازة يبتدئ من تاريخ �صدور الحكم القا�ضي بالإدانة من �أجل الفعل المخل
بالحيازة).3
�أما المدعى عليه في دعوى ا�سترداد الحيازة ،هو ال�شخ�ص الذي ينتزع الحيازة من الحائز
بالقوة (� )La violenceأو بالغ�صب ( )voie de faitعلنا �أو خفية� ،4شريطة �أن يكون العمل
ال�صادر من المدعى عليه هو عمل عدواني وقع بالفعل على عقار الحائز الأمر الذي �أفقده
حيازته له .لي�س من ال�ضروري �أن يكون ذلك العمل مجرم في القانون الجنائي ،بل يكفي �أن
يكون عمال غير م�شروع من ناحية ال�شق المدني ،فالمهم �أن يكون الإعتداء �إيجابيا يعكر �صفو
الحيازة ،بحيث ال ي�ستطيع الحائز تخطيها �إال بالعنف لأن المدعى عليه �أخذ حقه بيده دون
�أن يلج�أ للق�ضاء .وهذا هو جوهر دعوى ا�سترداد الحيازة ،بقدر ما هي حماية �إلزامية وفعالة
للحائز في حيازته ،فهي �إجراء حق على هذا العمل العدواني المترتب عليه جزاء �إذا توافرت
�شروط دعوى المدعي ،وهو ما ذهبت �إليه محكمة النق�ض في �إحدى قراراتها حيث جاء فيه:
(لكن عمال بالف�صل 166من قانون الم�سطرة المدنية فيمكن رفع دعوى الحيازة ممن كانت له
�شخ�صيا �أو بوا�سطة الغير منذ �سنة على الأقل حيازة عقار �أو حق عيني عقاري حيازة هادئة
علنية ومت�صلة غير منقطعة وغير مجردة من الموجب وخالية من اللب�س) ،5وهو جزاء عيني
يتمثل في رد حيازة العقار وت�سليمه للحائز.
11قرار حمكمة النق�ض عدد 2827ال�صادر بتاريخ 14يونيو 2011يف امللف عدد 2011/3/1/20من�شور مبجلة ملفات
عقارية ،العدد � ،2أكتوبر � ،2012أورده ف�ؤاد ال�صامت� ،صفحة ،171مرجع �سابق.
22قرار عدد 2448م�ؤرخ يف 2011/05/24ملف مدين عدد ،2010/3/2/4615املرجع ال�سابق� ،صفحة .171
33قرار حمكمة النق�ض عدد 524امل�ؤرخ يف ،2003/02/20ملف عقاري عدد ( 02/4/2/65غري من�شور).
44عبد احلكيم ف�ؤاد�« ،أحكام دعاوى حماية احليازة حتليل عملي على �ضوء الفقه وق�ضاء النق�ض» ،دار الفكر اجلامعي
�سوتري ،ال�سنة � ،1996صفحة .158
55قرار عدد 2448م�ؤرخ يف 2011/05/24ملف مدين عدد 2010/3/2/4615من�شور مبجلة الق�ضاء املدين ،العدد ،5
ال�سنة � ،2013أورده ف�ؤاد �صامت ،مرجع �سابق� ،صفحة .170
237 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
كما يمكن للمدعى عليه �أن يكون ح�سن النية ف�ضال على �أنه �سيئ النية ،بل قد يكون على حق
في اعتقاده لكنه لم يلج�أ �إلى الطريقة ال�سليمة وال�صحيحة في المطالبة به.
كما �أن الدعوى يمكن �أن ت�ستمر حتى لو انتقلت حيازة العقار المغت�صب من ال�سلف �إلى
الخلف �سواء كان هذا الخلف خلفا عاما �أو خا�صا حتى ولو كان هذا الخلف ح�سن النية ال يعلم
�أن العقار الذي يحوزه مغت�صب من قبل �سلفه.
ففي م�صر دعوى ا�سترداد الحيازة تنطوي على �شيء من العلنية فهي جزاء على االغت�صاب
�أما في فرن�سا فهي دعوى �شخ�صية مح�ضة ،1ال ترفع �إال على مغت�صب للحيازة نف�سه وال ترفع
على من انتقلت له الحيازة �إال �إذا كان �شريكا �أو كان �سيء النية.2
وبالتالي فدعوى ا�سترداد الحيازة تقوم على رد الإعتداء الغير الم�شروع ومقاومة مغت�صب
الحيازة.
وعلى هذا الأ�سا�س ،فقد ر�أى هذا االتجاه �أن دعوى ا�سترداد الحيازة المن�صو�ص عليها في
الف�صل 166من قانون الم�سطرة المدنية ،ودعوى �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه التي يبا�شرها
من انتزعت حيازته في �إطار الف�صل 570من القانون الجنائي هما وجهان لعملة واحدة ،بمعنى
�أنهما تهدفان معا وفي نف�س التوجه رغم اختالف الو�سائل �إلى نف�س الغاية والهدف ،المتمثل
في �إرجاع الحيازة المغت�صبة من يد مغت�صبها �إلى يد من اغت�صبت منه� ،أي من انتزعت منه،
مع وجود بع�ض الفوارق من حيث �شروط ممار�سة كل واحدة منهما كما �سبقت الإ�شارة �إليه.
في حين ذهب جانب �آخر من الفقه �إلى القول ب�أن دعوى �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه
تجد �أ�سا�سها القانوني في الف�صلين 105و 106من القانون الجنائي .على اعتبار �أن االختالف
في الم�صطلحين �أي بين الرد و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه يقت�صر على العمل الق�ضائي
الذي تارة ي�ستعمل الرد و�أحيانا �أخرى ي�ستعمل �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه وهذا ما يجد
�أ�سا�سه في مجموعة من ف�صول القانون الجنائي.
�إذ ين�ص الف�صل 106على �أن« :الرد هو �إعادة الأ�شياء �أو المبالغ �أو الأمتعة المنقولة
المو�ضوعة تحت يد العدالة �إلى �أ�صحاب الحق فيها.
ويمكن للمحكمة �أن ت�أمر بالرد ولو لم يطلبه �صاحب ال�ش�أن».
وين�ص الف�صل 107من نف�س القانون على �أنه« :يجوز للمحكمة عالوة على ذلك ،بقرار
معلل ،بناء على طلب المجني عليه �أن ت�أمر برد:
المبالغ المتح�صلة من بيع الأ�شياء �أو الأمتعة المنقولة التي كان له الحق في ا�ستردادها ✺
عينا؛
الأ�شياء �أو الأمتعة المنقولة المتح�صل عليها بوا�سطة ما نتج عن الجريمة ،مع احترام ✺
حقوق الغير«.
وين�ص الف�صل 109على �أن« :جميع المحكوم عليهم من �أجل نف�س الجناية �أو نف�س الجنحة
�أو نف�س المخالفة يلزمون مت�ضامنين بالغرامات والرد والتعوي�ضات المدنية وال�صوائر� ،إال �إذا
ن�ص الحكم على خالف ذلك«.
و�أخيرا قد جاء في الف�صل � 105أن « :كل حكم بعقوبة �أو تدبير وقائي ،يجب �أن يبت في
ال�صوائر وم�صاريف الدعوى طبقا للقواعد المن�صو�ص عليها في الف�صلين 347و 349من
الم�سطرة الجنائية.
ويجب �أن يبت عالوة على ذلك� ،إذا اقت�ضى الحال في طلبات الرد والتعوي�ضات المدنية«.
وبناء على ما تقدم ،ف�إن قراءة هذه الن�صو�ص ي�ستخل�ص منها ما يلي:
�إن لم�صطلح الرد مفهومين:
مفهوم �ضيق يقت�صر على رد الأ�شياء التي و�ضعت بين يدي العدالة بمنا�سبة �إرتكاب ✺
القادر بن �أحمد �أنه لم يطلب التخلي ورفع اليد عن العقار المدعي فيه ،ومع ذلك ف�إن محكمة
الدرجة الأولى قد حكمت بالإفراغ و�أيدته محكمة الدرجة الثانية .وعليه ،يكون الحكم المطعون
فيه قد حكم ب�شيء غير مطلوب ،مما يتعين معه نق�ضه ،حيث �إن العار�ضين كانا متابعين �أمام
المحكمة بجريمة الترامي على ملك الغير ،و�إن المحكمة بعد �أن ثبتت لديها الإدانة وحكمت
عليهما جنائيا كان من حقها �أن ترد الأمور �إلى ن�صابها و�أن تعيد الحالة �إلى ما كانت عليه
قبل الجريمة ،وهذا من باب الرد الذي يجوز للمحكمة �أن ت�أمر به ولو لم يطلبه �صاحب الأمر،
مما تكون معه الو�سيلة على غير �أ�سا�س)) ،1وجاء في قرار �آخر ((حيث �إن �إرجاع الحالة
�إلى ما كانت عليه مرتبط بالجريمة المدان بها الطاعن ،ولي�ست لها �أية عالقة بالدعوى
المدنية� ،إذ الأمر يتعلق ب�إرجاع الو�ضع �إلى ما كان عليه قبل �إرتكاب الجريمة ،وهذا يدخل في
التدابير االحتياطية المن�صو�ص عليها في المادة 387من قانون الم�سطرة الجنائية)) ،2وقد
�أورد المجل�س الأعلى هذه الحيثية في معر�ض رده على و�سيلة �أثارها الطاعن دفع فيها بكون
محكمة الإ�ستئناف حكمت ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه رغم عدم تقديم هذا الطلب خالل
المرحلة االبتدائية.3
ورغم ما �أ�صدرته محكمة النق�ض من قرارات في هذا االتجاه �أي اعتبار �إرجاع الحالة �إلى
ما كانت عليه يدخل �ضمن الرد في �إطار الدعوى العمومية ودون طلب� ،إال �أن هناك جانب
كبير من الفقه والق�ضاء يذهب �إلى القول ب�أن �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه هو جزء من
التعوي�ض المدني الذي يحكم به لفائدة المطالب بالحق المدني ،4وعليه فهو يخ�ضع تبعا لهذا
التوجه في جميع �شروطه ال�شكلية ل�شروط الدعوى المدنية التابعة ،5كما �أن المحكمة ال يمكن
�أن تحكم به تلقائيا بل يجب �أن يكون مو�ضوع طلب محدد ووا�ضح من جانب المطالب بالحق
المدني وبذلك فهو يخ�ضع لمقت�ضيات الف�صل 3من قانون الم�سطرة المدنية والذي يفيد على
�أنه يتعين على المحكمة �أن تبت دائما في حدود طلبات الأطراف ،وفي غالب الأمر تذهب جل
محاكم المملكة ووفقا لهذا التوجه �أن ال تحكم به �إال بعد �أن يطلبه المطالب بالحق المدني في
�إطار الدعوى المدنية التابعة. 6
11قرار املجل�س الأعلى عدد 550بتاريخ 1980/05/22من�شور مبجموعة قرارات املجل�س الأعلى يف املادة اجلنائية
�ص.72.
22قرار املجل�س الأعلى عدد 6/1084بتاريخ 2005/09/21من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى العدد املزدوج .65-64
33الفتوح �شكري ،مرجع �سابق� ،ص.229.
44بحيث �إن هذا التعوي�ض ي�شمل التعوي�ض املادي الذي يحكم به جربا لل�رضر الذي حلق بامل�شتكي ،وي�شمل �أي�ضا التعوي�ض
العيني املتمثل يف �إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه.
55مع �رضورة توفر ال�صفة وامل�صلحة والأهلية و�أداء الر�سم اجلزايف وذلك حتت طائلة عدم القبول.
66الفتوح �شكري ،مرجع �سابق� ،ص.230.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 240
الفقرة الثانية:مفهوم �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على
الحيازة العقارية
بناء على ما تقدم بيانه حول ما خا�ضه كل من رجال الفقه والق�ضاء حول مفهوم �إرجاع
الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة ،ف�إن الم�شرع المغربي من خالل
قانون الم�سطرة الجنائية الجديد تف�ضل على الحقل القانوني بمقت�ضى جديد �أملته �ضرورة
ملحة في ميدان �إرجاع الحيازة بكيفية �سريعة وفعالة لحائز العقار الذي انتزعت منه حيازته
غ�صبا فيما يخ�ص �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة العقارية
ب�صفة خا�صة وفي جنحة انتزاع عقار بعد تنفيذ حكم ق�ضى بذلك ب�صفة خا�صة في قانون
الم�سطرة الجنائية ال�صادر بظهير � 3أكتوبر 2003الذي لم يكن من�صو�صا عليه من قبل وقد
�أورد الم�شرع في مجموعة من المواد على ر�أ�سهما المادتين 40و 49كما المواد 107و 142و216
و 246و 366و 383و 389و 438و 425من ذات القانون بحيث �أن هذا التطور الت�شريعي الذي �شهده
قانون الم�سطرة الجنائية في هذا المجال ما هو �إال امتداد لتطور الت�شريعات الأخرى التي
عالجت المو�ضوع قبله ومثاله الم�شرع الم�صري الذي عالجه في المادة 44مكرر من قانون
المرافعات.1
�إال �أنه رغم ما جاء به الم�شرع المغربي في قانون الم�سطرة الجنائية فيما يتعلق ب�إرجاع
الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة العقارية ،ف�إنه لم يعرفها ب�أي ن�ص
خا�ص ال في قانون الم�سطرة الجنائية وال في القانون الجنائي تاركا بذلك تعريفه لرجال الفقه
والق�ضاء والذين اجمعوا على �أنه يق�صد به «�إرجاع الحيازة العقارية للحائز الذي انتزعت منه
ق�سرا ودون �إرادته �أو ردها �إليه».
ومن خالل ما �سبق تو�ضيحه ،نخل�ص �إلى �أن الطبيعة القانونية لإرجاع الحالة �إلى ما كانت
عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة العقارية تختلف باختالف الجهة الآمرة به ،بحيث يمكن
�أن يكون تعوي�ض عيني عن ال�ضرر الذي لحق الحائز 2مبا�شرة من الجريمة التي ا�ستهدفت
حيازته عندما تق�ضي به المحاكم الزجرية في الدعوى المدنية التابعة بناء على طلب منه،3
وهذا ما كر�سه العمل الق�ضائي المغربي وجعله بذلك مبد�أ قار ًا ي�ستجاب له متى طلبه الحائز
المت�ضرر وتوافرت �شروط الحكم به وهذا ال يقت�صر فقط على العمل الق�ضائي المغربي بل
11وهي مادة �أدخلها امل�رشع امل�رصي على القانون املذكور �أعاله ،بالقانون رقم 23ال�صادر �سنة 1992ومبقت�ضاها خول
للنيابة العامة �إ�صدار قرار وقتي معلل وواجب التنفيذ ب�إرجاع احليازة املادية واحليازة ملن انتزعت منه فور �سماع �أقوال
�أطراف النزاع وبعد �إجراء التحقيقات الالزمة يف املو�ضوع.
� 22أي حائز العقار.
� 33إذ به يتحقق رفع ال�رضر عن امل�رضور وهو مبد�أ متفق عليه فقها وق�ضاء.
241 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
كذلك نهج الق�ضاء الم�صري على نهج نظيره المغربي ،بحيث �إنه على م�ستوى محكمة النق�ض
الم�صرية والتي جاء في �إحدى قراراتها ...(( :لما كانت للمحاكم الجنائية بمقت�ضى القانون
�أن تحكم بالتعوي�ضات لمن �أ�صابه �ضرر من الجريمة المرفوعة بها الدعوى �أمامها ،وكان رد
الحالة �إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة ال�شك يدخل في التعوي�ضات� ،إذ به يتحقق رفع
ال�ضرر ب�إرجاع ذات ما يخ�صه �إليه.1))...
و�إما �أن يكون �إجراء تحفظي لحماية حائز العقار عندما ت�أمر به النيابة العامة وت�صادق
المحكمة �أو هيئة التحقيق على �أمرها �أو عندما ي�أمر به قا�ضي التحقيق في جرائم الإعتداء
على الحيازة العقارية كما �سنتطرق �إليه فيما بعد.
كما يمكن �أن يكون تدبيرا لحماية الحيازة بمعنى �أن تق�ضي به المحكمة تلقائيا في �إطار
الدعوى العمومية من خالل الف�صل 106من ق.ج الذي يعطي لها �صالحية الحكم برد ما يلزم
رده تلقائيا بغية و�ضع حد لأثار الجريمة التي ا�ستهدفت حيازة حائز العقار ،خا�صة و�أن العمل
الق�ضائي كر�سه كمبد�أ على م�ستوى المجل�س الأعلى في �إحدى قراراته عدد 1760ال�صادر عنه
بتاريخ 1982/12/9كما �سنتعر�ض له بعد حين في المطلب الموالي المتعلق ب�إرجاع الحيازة
العقارية في القانون الجنائي.
المطلب الثاني:الإ�شكاالت الناجمة عن الطبيعة القانونية لإرجاع الحالة �إلى ما كانت
عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة في المادة الزجرية
�إن الحكم ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة فهي تكون
�إن تحققت نتيجة حتمية لل�صورة المقننة في �إطار الف�صل 570من ق.ج ،ويالحظ جليا �أن
المحكمة عندما تق�ضي بالإدانة في الدعوى العمومية فيمكن �إما �أن تذيلها ب�إرجاع الحالة
�إلى ما كانت ،كتدبير لحماية الحيازة دون وجود طرف مدني في الدعوى ،و�إما �أن تق�ضي به
ك�شق في الدعوى المدنية التابعة كما �سبقت الإ�شارة �إليه .لكن الحتمية الواردة �أعاله يمكن
�أن تتجلى من تفح�ص بع�ض ف�صول القانون الجنائي ف�ضال عن الف�صل 570والذي قد يترتب
عنه الحكم بالإدانة والأمر ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ،كما هو ال�ش�أن بالن�سبة للف�صلين
441و 606من القانون الجنائي� .2إال �أن هناك ف�صول �أخرى �أوردها الم�شرع لحماية العقار من
الغير لكن دون �إمكانية الحكم ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه.3
11طعن رقم 14887وال�صادر بتاريخ � 1946/10/14أورده عبد املجيد الهباري ،وزيادي م�صطفى�« ،إرجاع احلالة �إىل
ما كانت عليه يف جرائم الإعتداء على احليازة العقارية و�إ�شكاالته» ،جملة الدفاع ،العدد ،6-5ال�سنة � ،2008ص.13.
22الف�صل 441من ق.ج يتعلق (بالهجوم على م�سكن الغري)� ،أما الف�صل 606ق.ج فيتعلق (بتغيري معامل احلدود).
33الف�صول التي تتعلق بحماية العقار من الغري دون �إمكانية احلكم ب�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه هي كالتايل 580 :املتعلق
ب�إ�رضام النار يف م�سكن م�سكون وكذلك الف�صول 590-586-584-581من ق.ج ،كما الف�صل 203من ذات القانون
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 242
وعلى هذا الأ�سا�س �سنتناول هذا المطلب من خالل فقرتين الأولى تتعلق ب�إرجاع الحالة �إلى
ما كنت عليه في القانون الجنائي والثانية �سنتطرق فيها للمو�ضوع من خالل قانون الم�سطرة
الجنائية.
الفقرة الأولى� :إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في القانون الجنائي.
�إذا ما وقفنا على مو�ضوع �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في القانون الجنائي نجد �أن
الم�شرع المغربي اعتبر �أن �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه �صورة من �صور الرد المن�صو�ص
عليه في الف�صل 106من ق.ج ،بحيث ت�أرجح العمل الق�ضائي بين الم�صطلحين فتارة ما ي�ستعمل
كلمة الرد وتارة �أخرى ي�ستعمل م�صطلح �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ،بحيث خ�ص�ص له
�أحكاما وطرقا للتنفيذ ،كما خ�ص�ص �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ب�أحكام �أخرى بالف�صول
49/-4و 142من ق.م.ج وهذا ما �سيتم تناوله الحقا.
من �أجل تو�ضيح التباين بين المدلولين المقترنين حول م�صطلح الرد يجب الوقوف على
كليهما ،فوقوفا على المدلول الأول وهو الوا�سع والذي يهدف �إلى �إعادة الحالة �إلى ما كانت
عليه بمعنى �إرجاعها �إلى الو�ضع الذي كانت عليه الأمور قبل وقوع الجريمة و�إزالة �أثارها،
بمعنى �إعادة الحائز �إلى حيازته �أي �إلى العقار الذي يحوزه والذي نزع منه غ�صبا وقهرا �أو
�إبطال العقود المزورة و�إرجاعها �إلى �أ�صلها �أي �إلى ن�صبها الحقيقي مع تحرير مح�ضر تنفيذ
الحكم ح�سب الف�صل 583ق.م.ج� ،1أما المعنى الثاني للرد بالمفهوم ال�ضيق ،فهو الذي يقت�صر
على رد الأ�شياء التي و�ضعت تحت يد العدالة بمنا�سبة �إرتكاب الجريمة �إلى �أ�صحاب الحق فيها
وهكذا عرف الم�شرع المغربي الرد في الف�صل 106ق.ج ب�أنه «الرد هو �إعادة الأ�شياء �أو المبالغ
�أو الأمتعة المنقولة المو�ضوعة تحت يد العدالة �إلى �أ�صحاب الحق فيها ،ويمكن للمحكمة �أن
ت�أمر بالرد ولو لم يطلبه �صاحب ال�ش�أن».
من خالل ما ورد يالحظ �أن الم�شرع المغربي ا�ستعمل كلمة �أ�شياء وهي تطلق على كل من
العقار والمنقول على حد �سواء ،وهو الر�أي الذي يطلق على المفهوم الوا�سع ،وبناء عليه تم
تبنيه من قبل الق�ضاء والذي �أخذ به �أي بالمفهوم الوا�سع للرد والذي ي�ستهدف من خالله �إرجاع
الحالة �إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة بحيث يمكن للمحكمة �أن ت�أمر به تلقائيا ،وهذا ما
كر�سه المجل�س الأعلى في �إحدى قراراته والذي ن�ص من خالله على �أنه(( :ي�سوغ للمحكمة
والذي مينع انتهاك حرمة ال�سكن من طرف املوظف العمومي ،بحيث �أن �رسد هذه الف�صول يهدف من ورائه بيان مدى
ما �أوجده امل�رشع املغربي من حماية وعناية بالعقار ،ولو كان �رسدها ب�شكل جد خمت�رص.
11الف�صل 583ق.م.ج�(( :إذ �أثبت الزور يف وثيقة ر�سمية كلها �أو بع�ضها ،ت�أمر املحكمة التي بثت يف دعوى الزور بحذفها
�أو تغيريها �أو ردها �إىل ن�صبها احلقيقي ويحرر حم�رض بتنفيذ هذا احلكم.
ترد الوثائق امل�ستعملة للمقارنة �إىل من كان يحوزها يف �أجل خم�سة ع�رش يوما على الأكرث بعد �أن ي�صبح احلكم نهائيا)).
243 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وهي تبث في انتزاع الحيازة من يد الغير �أن ت�أمر برد الأمور �إلى ن�صابها قبل الجريمة وهي
بعملها هذا لم تتجاوز اخت�صا�صاتها بالف�صل في الأ�صل �أو اال�ستحقاق ،و�إنما اتخذت تدبيرا
لحماية الحيازة وبو�ضع حد للحالة المترتبة عن الجريمة ،وبذلك تكون المحكمة عللت حكمها،
وبنته على �أ�سا�س �سليم)).1
�إذن فعلى �ضوء هذا القرار يطرح �س�ؤال جوهري يتمحور حول �إمكانية اعتبار �إرجاع الحالة
�إلى ما كانت عليه من النظام العام �أم �أنها �شرعت لحماية حائز العقار؟
فبالرجوع �إلى الطبيعة القانونية لإرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ،فكما �سبقت الإ�شارة �إليه
ف�إن هناك من اعتبرها تعوي�ضا عينيا وهذا ما ي�سير وفق هذا التوجه الذي ننهجه من خالل
هذه الفقرة بمعنى �أنه هو الرد الذي ال يحكم به �إال �إذا كان ال�شيء المفقود بالجريمة قائما
بذاته ،وبهذا تبنى المجل�س الأعلى من خالل مجموعة من القرارات التي �أوردها في المو�ضوع
�أن �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه لي�ست من النظام العام ،2لأنه ربطها بالمطالبة بالحق
المدني� ،إذ به يعتبر هذا الإجراء و�ضع لحماية الأطراف المت�ضررة ،وبذلك ف�إنه ال يمكن
الحكم بها تلقائيا بمعنى �أنها لي�ست من النظام العام.
وبخالف الطرح الأول ،جاء تيار ثاني �سار فيه فريق �آخر على اعتبارها من النظام العام،
ويمكن الحكم بها تلقائيا ،وا�ستند هذا الفريق في معر�ض تعليله على قرار للمجل�س الأعلى
والذي جاء فيه�(( :أنه لما كان من النظام العام يبقى كل حائز لمتاع عقار على حيازته ،و�أن
ترد الأ�شياء �إلى الحالة التي كانت عليها قبل وقوع الجريمة �إلى �أن ي�صدر قرار مخالف من
المحكمة المخت�صة ،فقد كان ي�سوغ للمحكمة الزجرية �أن ت�أمر برد الأمور �إلى ن�صابها...
�إلخ)).3
�إذن من خالل المخا�ض الق�ضائي الذي �شهده المجل�س الأعلى ورغم كل الت�ضارب الفقهي
والق�ضائي في الأحكام ال�صادرة في المو�ضوع �إال �أنه يمكن القول على �أن الم�شرع المغربي
توخى من هذا الإجراء في نهاية المطاف حماية النظام العام ،لأنه ال يبث في �أ�صل الملك
11قرار عدد 1760وال�صادر بتاريخ � 1982/12/09أورده كل من عبد املجيد الهباري وزيادي م�صطفى ،مرجع �سابق،
�ص.36.
22ومن بني هاته القرارات التي جاءت عن املجل�س الأعلى يف هذا ال�سياق هناك القرار عدد 4971وال�صادر بتاريخ
1983/7/26ون�صه(( :ملا اعتربت املحكمة �أن امل�شتكي مل يقدم مطالبه املدنية ،يف املرحلة االبتدائية و�رصحت بعد ذلك
بعدم قبول ا�ستئنافه ،ثم ق�ضت بناء على ا�ستئناف النيابة العامة وحدها ب�إلغاء احلكم االبتدائي القا�ضي بالرباءة ،واحلكم
من جديد بالإدانة و�إفراغ الأمالك املعتدى عليها تكون قد خرقت القانون ،لأن الإفراغ يدخل �ضمن املطالبة باحلق
املدين الذي مل يقدمه امل�شتكي))� ،أورده املرجع نف�سه� ،ص.36.
33قرار عدد 2516وال�صادر بتاريخ � ،1962/12/29أورده كل من عبد املجيد الهباري وزيادي م�صطفى ،مرجع
�سابق� ،ص.37.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 244
و�إنما يهدف �إلى �أن تبقى حيازة كل عقار بيد حائزها حتى تزول بطريقة �شرعية ت�ضمن حقوق
الجميع ،ودون الإخالل بالنظام العام وهذا ال يقت�صر فقط على �ضمان حقوق المتقا�ضين
وا�ستقرار المعامالت ،بل كذلك لأن مهمة الق�ضاء توجب و�ضع حد للعنف كيفما كان ،بحيث
تتجلى في �أن ترد الأ�شياء �إلى الحالة التي كانت عليها قبل وقوع الجريمة ،هذا من جهة.
�أما من جهة �أخرى ف�إذا �سرنا على نف�س النهج بمعنى اعتبار �إرجاع الحالة �إلى ما كانت
عليه �صورة من �صور الرد المن�صو�ص عليه في الف�صل 106ق.ج ف�إن تنفيذ هذا الحكم يتم
بوا�سطة ال�سيد وكيل الملك باعتباره الجهة الموكول �إليها تنفيذ قرارات المحكمة ال�صادرة
في الدعوى العمومية طبقا للمادة 40من قانون الم�سطرة الجنائية .وفي هذه الحالة يتعين �أن
يكون الحكم ال�صادر في الدعوى العمومية الذي ي�شمل �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه حكم
غير قابل لأي نوع من �أنواع الطعن ،بما فيها الطعن بالنق�ض ،وذلك طبقا للمادة 597من قانون
الم�سطرة الجنائية ،وفي حالة وجود �صعوبة في تنفيذ هذا الحكم ف�إن المرجع للبت فيها هو
المحكمة التي �أ�صدرت الحكم المراد تنفيذه بعد �أن يقدم �إليها طلب في هذا ال�ش�أن من طرف
ال�سيد وكيل الملك ،وتبت فيه المحكمة في غرفة الم�شورة طبقا لمقت�ضيات المادتين 599و600
من قانون الم�سطرة الجنائية ،وفي هذا الإطار جاء في قرار �صادر عن محكمة الإ�ستئناف
بالرباط�(( :إن طلب ال�صعوبة في التنفيذ في م�س�ألة �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ق�ضى بها
حكم جنحي يرجع الإخت�صا�ص فيها �إلى المحكمة الجنحية ،باعتبار �أن �إرجاع الحالة يعتبر
من �صميم الدعوى العمومية ،كما �أن المحكمة الم�صدرة للحكم هي المخت�صة فيما يحدث من
م�سائل عار�ضة تتعلق بالتنفيذ عمال بالف�صل 646من قانون الم�سطرة الجنائية)).1
�أما �إذا تم اعتبار �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه جزءا من الدعوى المدنية التابعة ف�إن
التنفيذ في هذه الحالة يبا�شره ق�سم التنفيذ التابع لكتابة �ضبط المحكمة الموجود بدائرتها
العقار ،وذلك بناء على طلب ممن يعنيه الأمر ،والذي يكون ملزما في هذه الحالة بالإدالء
بن�سخة تنفيذية من الحكم الق�ضائي ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه و�أن يرفق الطلب
بما يفيد نهائية هذا الحكم ،مع العلم �أن الطعن بالنق�ض في ذلك الحكم ال يوقف التنفيذ
طبقا لمقت�ضيات الف�صل 361من قانون الم�سطرة المدنية ،ويفتح لهذا الطلب ملف تنفيذي
خا�ص بق�سم التنفيذ ،وهنا تجري العملية وفق القواعد والمبادئ المن�صو�ص عليها في قانون
الم�سطرة المدنية ،و�إذا واجهت م�أمور التنفيذ �صعوبة معينة ف�إن المرجع لحل تلك ال�صعوبة
يكون هو ال�سيد قا�ضي التنفيذ الموكولة �إليه مهمة تتبع ملفات وق�ضايا التنفيذ بالمحكمة.
11قرار حمكمة الإ�ستئناف بالرباط ملف ا�ستعجايل عدد � 99/435صادر بتاريخ ،1999/04/28من�شور مبجلة الإ�شعاع
عدد � ،22ص.220.
245 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الفقرة الثانية� :إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في قانون الم�سطرة الجنائية
�سلف الذكر �أن مو�ضوع �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة
العقارية ب�صفة عامة ،وفي جنحة انتزاع حيازة عقار ب�صفة خا�صة ،هي من الم�ستجدات التي
�أتى بها الم�شرع المغربي في قانون الم�سطرة الجنائية الحالي وهي طفرة نوعية في مجال
حماية الحيازة في نطاق �ضيق� ،إذ ن�ص عليه بالفقرة الثامنة من المادة 40وكذا في الفقرة
الحادية ع�شر من المادة 49والفقرة الرابعة من المادة ،142وعليه �سنق�سم هذه الفقرة �إلى
ق�سمين �سنتطرق في الأول �إلى �شروط تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة ثم بعد ذلك �سنقف
عند �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه.
�أوال� :شروط تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة.
قبل الخو�ض في غمار �شروط تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة ،يجب �شرح مقت�ضيات
المواد الم�شار �إليها �أعاله .ولو ب�إ�سهاب ولذلك فالب�أ�س من ا�ستعرا�ض بع�ض من مقت�ضياتها
بحيث تن�ص الفقرة الثامنة من المادة 40من قانون الم�سطرة الجنائية التي تتحدث عن
اخت�صا�صات وكيل الملك على �أنه:
«يجوز لوكيل الملك �إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم� ،أن ي�أمر باتخاذ �إجراء
تحفظي يراه مالئما لحماية الحيازة و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ،على �أن يعر�ض هذا
الأمر على المحكمة �أو هيئة التحقيق التي رفعت �إليها الق�ضية �أو التي �سترفع �إليها خالل ثالثة
�أيام على الأكثر لت�أييده �أو تعديله �أو �إلغائه.»...
ون�صت المادة 49في فقرتها الحادية ع�شر من ذات القانون على �أنه:
«يجوز للوكيل العام للملك �إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم �أن ي�أمر باتخاذ �أي
�إجراء تحفظي يراه مالئما لحماية الحيازة و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ،على �أن يعر�ض
هذا الأمر على المحكمة �أو هيئة التحقيق التي رفعت �إليها الق�ضية �أو التي �سترفع �إليها خالل
ثالثة �أيام على الأكثر لت�أييده �أو تعديله �أو �إلغائه.1»...
11وتن�ص املادة 373مكرر من قانون العقوبات امل�رصي على �أنه(( :يجوز للنيابة العامة متى قامت دالئل كافية على جدية
االتهام يف اجلرائم املن�صو�ص عليها يف املواد ال�سابقة من هذا الباب �أن ت�أمر باتخاذ �إجراء حتفظي حلماية احليازة على
�أن يعر�ض هذا الأمر خالل ثالثة �أيام على القا�ضي اجلزائي املخت�ص لإ�صدار قرار م�سبب خالل ثالثة �أيام على الأكرث
بت�أييده �أو بتعديله �أو ب�إلغائه.
ويجب رفع الدعوى اجلنائية خالل �ستني يوما من تاريخ �صدور هذا القرار وعلى املحكمة -عند نظر الدعوى اجلنائية-
�أن تف�صل يف النزاع بناء على طلب النيابة العامة �أو املدعي باحلقوق املدنية �أو املتهم بح�سب الأحوال وبعد �سماع �أقوال
ذوي ال�ش�أن بت�أييد القرار ال�صادر ك�أن مل يكن عند خمالفة املواعيد امل�شار �إليها وكذلك �إذا �صدر �أمر باحلفظ �أو ب�أن ال
وجه لإقامة الدعوى.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 246
وبا�ستقراء ب�سيط للمقت�ضيات ال�سالف ذكرها ،يالحظ �أن الم�شرع ح�صر مجال تدخل النيابة
العامة عندما يقع الإعتداء على الحيازة بعد تنفيذ الحكم� ،أي بعد ح�صول المنفذ له على مح�ضر
الت�سليم ،واعتبر ذلك مجرد �إمكانية ولي�س ب�أمر واجب .1وبهذا يكون من المالحظ والوا�ضح �أن
الم�شرع الم�صري كان والزال �أكثر تقدما وتو�سعا لما �أجاز للنيابة العامة �أن تتدخل بمجرد ما
تتوفر لديها الدالئل الكافية على جدية االتهام ،وعليه فلقد ح�صر الم�شرع المغربي من خالل
المقت�ضيات ال�سالف ذكرها مجال تدخل النيابة العامة 2وفق �شروط معينة نذكرها كالتالي:
� -أن يكون الإعتداء على الحيازة وقع بعد تنفيذ حكم.
بحيث يت�ضح جليا �أن تدخل النيابة العامة في ق�ضايا الإعتداء على الحيازة ال يكون �إال
بعد تنفيذ الحكم ،بمعنى �أن الحيازة الم�ستهدفة بالحماية هي تلك التي يقع الإعتداء فيها
وغ�صبها و�سلبها من حائزها لكن بعد تنفيذ الحكم ،بغ�ض النظر عما �إذا كان هذا الحكم قد
�صدر في �إطار دعوى مدنية تابعة �أو في دعوى مدنية ق�ضى بتمكين المحكوم له من حيازة محل
النزاع ،و�أن ذلك ال يكون �إال بعد ح�صول المنفذ له على مح�ضر الت�سليم.3
لأن معاودة الهجوم على ملك الغير بعد تنفيذ حكم يقيم حقيقة قرينة قوية على �سند
المنفذ له في �أحقيته في الحيازة حتى ولو كانت مجرد حيازة فعلية ،بحيث �أن المجل�س الأعلى
اعتبر جريمة انتزاع عقار في ملك الغير بمجرد �أن تتوفر للم�شتكي الحيازة التي تفيد و�ضع
اليد وال ي�شترط الحيازة بالمفهوم الذي تثبت به الملكية ،4وذلك بهدف منع الإخالل بالنظام
العام من طرف �أ�شخا�ص لهم حقوقا ويودون الح�صول عليها ب�أيديهم ،وعليه بمجرد ما يكون
المنفذ له قد ح�صل على حكم ونفذ ل�صالحه وبه يجب احترام مح�ضر التنفيذ ،ذلك �أن
الق�ضاء المغربي ال يتهاون في �إدانة المتعدي بعد تنفيذ الحكم ،وفي هذا ال�صدد جاء عن
الق�ضاء المغربي�(( :إن رجوع المتهم �إلى الأر�ض بعد �صدور الحكم عليه ب�ش�أنها وبعد تنفيذ
هذا الحكم في حقه يعد تعديا على ملك الغير بمفهوم الف�صل 570من ق.ج)) .5ولكن الأمر ال
يقت�صر فقط على هذا ال�شرط الآتي بيانه:
11وهذا يف حد ذاته �سوف يجعل النيابة العامة يف من�أى عن العديد من الق�ضايا التي مت�س احليازة وخا�صة تلك التي يقع
الإعتداء فيها لأول مرة.
� 22أما بالرجوع �إىل م�رشوع امل�سطرة اجلنائية ف�إنه مل يتم �إجراء �أي تغري �أو تعديل يف املقت�ضيات املتعلقة بانتزاع حيازة
عقار و�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه وترك الأمر على حاله بحيث يف املادة 40من م�رشوع ق.م.ج(( :يجوز له،
� ........أو تعديله �أو �إلغائه )).وكذا يف املادة 49من م�رشوع ق.م.ج(( :يجوز له .......... ،لت�أييده �أو
تعديله �أو �إلغائه.)).
33ميكن �أن يكون حم�رض الت�سليم منجزا مثال من قبل العون الق�ضائي.
44قرار عدد 272ال�صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ،1981/05/05ملف جنائي رقم � ،57839-57832أورده احل�سن
هوداية يف �أهم قرارات املجل�س الأعلى يف جرائم الأموال اجلزء الأول ،الطبعة الأوىل� ،ص.155.
55قرار عدد 1806ال�صادر بتاريخ ،1983/03/28ملف جنائي رقم ،64955مرجع نف�سه� ،ص.148.
247 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
-مالئمة الأمر باتخاذ الإجراء التحفظي و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه.
وفقا للمادتين 40و 49من ق.ج والتي جاء في كل منهما على �أنه ((يجوز للنيابة العامة))
ما مفاده �أن �إ�صدار �أمر ب�إجراء تحفظي لحماية الحيازة من عدمه �أمر جوازي تبقى النيابة
العامة م�س�ألة اختيار القيام بها من عدمها حتى مع قيام الجريمة التي تعر�ضها �أمام المحكمة
المخت�صة �أو لهيئة التحقيق كما لها الحق في �أن تقدم المتهم في حالة اعتقال لحالة التلب�س
طبقا للمادة 56من ق.م.ج �أو لعدم توفره على ال�ضمانات الكافية للح�ضور تقيدا ب�أحكام المادة
79من ذات القانون ،ولها �أي�ضا �أن تقدمه في حالة �سراح �أو �أال تقدم الملف للجهة الق�ضائية
المخت�صة دون �أن تتدخل لحماية الحيازة ،وبالرجوع �إلى �أجل الثالثة �أيام المن�صو�ص عليه
في المادتين ال�سابق ذكرهما ف�إن هذا الأجل ال يقيدها في �شيء� ،أي النيابة العامة �إال عندما
تتخذ الإجراء التحفظي لحماية الحيازة و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في �شكل �أمر كما
�أنها باتخاذها هذا الإجراء غير مقيدة بزمن محدد من وقت وقوع الجريمة لطالما �أن الدعوى
الزجرية لم يلحقها التقادم.
وال يقت�صر دورها هنا فقط على اتخاذ �أحد الإجراءات التحفظية الكفيلة لحماية الحيازة،
بل يمكنها �أن تجري �صلحا في نطاق المادة 41من ق.م.ج وذلك قبل ممار�ستها للدعوى
العمومية ،والذي ي�ضمن في مح�ضري المت�ضرر �أو الم�شتكى به طالما �أن مقت�ضيات الف�صل
570من ق.ج ال تتجاوز فيه العقوبة الحب�سية �سنتين وال يتجاوز الحد لأق�صى للغرامة 750
درهم وهذا ما يتنا�سب مع مقت�ضيات المادة 41من ق.م.ج الحالي والذي ال تتجاوز فيه عقوبة
الجريمة الممكن �إجراء ال�صلح فيها �سنتين حب�سا �أو �أقل �أو بغرامة ال يتجاوز حدها الأق�صى
5000درهم.1
وعليه ف�إذا تمت م�سطرة ال�صلح على ال�شكل الموم�أ به وفق الإجراءات المن�صو�ص عليها
بالمادة المذكورة �أعاله من قبل رئي�س المحكمة �أو من ينوب عنه ،تتوقف بذلك الدعوى العمومية
وال يمكن لوكيل الملك �إعادة مبا�شرتها �إال في حالة عدم الم�صادقة على مح�ضر الت�صالح �أو
حالة عدم تنفيذ االلتزامات الم�صادق عليها من قبل رئي�س المحكمة �أو من ينوب عنه داخل
الأجل المحدد� ،أو �إذا ظهرت �أدلة جديدة تم�س الدعوى العمومية .كما يمكنها التدخل في
ق�ضايا الإعتداء على الحيازة عندما تكون معرو�ضة على �أنظار المحكمة حالة تنازل المت�ضرر
عن الفعل الجرمي عن �شكايته حينها تتقدم النيابة العامة بملتم�س لهيئة الحكم لأجل التوقف
عن �سير �إجراءات الدعوى العمومية ما لم يكن قد تم البت فيها بحكم نهائي.
11ت�ستبدل مقت�ضيات املادة 41م�رشوع ق.م.ج بالآتي ذكره(( :ال يكمن �سلوك م�سطرة ال�صلح �إال �إذا تعلق الأمر بجنحة
يعاقب عليها ب�سنتني حب�سا �أو �أقل وبغرامة ال يتجاوز حدها الأق�صى مائة �ألف درهم �أو ب�إحدى العقوبتني فقط �أو بجنحة
من اجلنح املن�صو�ص عليها يف الف�صل 401و.))...404
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 248
وخال�صة القول �أنه ح�سب توجه من الفقه الذي يرى �أن الأمر التحفظي الذي تتخذه النيابة
العامة لحماية الحيازة العقارية و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه يبقى ذا طابع ق�ضائي ،بحيث
�أن النيابة العامة ت�ستمد ذلك من القانون وال يقت�صر ان�صياعها للن�ص فقط بل كذلك تخ�ضع
لرقابة جهة ق�ضائية مخت�صة كما �ستتم الإ�شارة �إليه ،و�أن الإجراء المتخذ يكون في نطاق �ضيق
ووقتي ويهم بالأ�سا�س �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه بعد التنفيذ ،يكت�سي �صبغة زجرية ولي�س
في ذلك ما يبرر القول ب�أنه قرار �إداري حتى ولو �صدر الأمر في �إطار دعوى مدنية بحثة لأن
الق�ضاء المعرو�ض عليه هذا الأمر �سيح�سم النزاع ب�ش�أنه وفي هذا االتجاه يميل بع�ض الفقه
في م�صر كذلك.1
-عر�ض الأمر على ق�ضاء الحيازة و�أجله.
لقد �ألزم قانون الم�سطرة الجنائية النيابة العامة في حالة اختيارها اتخاذ �إجراء تحفظيا
لحماية الحيازة ب�أن تعر�ض على المحكمة �أو هيئة التحقيق التي رفعت �إليها الق�ضية �أو التي
�سترفع �إليها خالل ثالثة �أيام على الأكثر لت�أييده �أو تعديله �أو �إلغائه.2
و�أوجب الم�شرع فر�ض الأمر على النيابة العامة بقيدين �أولهما �أن م�س�ألة اتخاذها �أي النيابة
العامة لإجراء تحفظي يهدف �إلى حماية الحيازة ومن تم �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ،ب�أن
يعر�ض الأمر خالل �أجل ثالثة �أيام ،لكن �إذا ما تراخت النيابة العامة عن عر�ض الأمر داخل
الأجل المحدد فلي�س للنيابة العامة �أن ت�صدر �أمرا جديدا بعد �سقوط الأمر الأول لأن الأجل
�أجل �سقوط ما لم تطر�أ على ظروف الق�ضية معطيات جديدة ،وفي ذلك ما يوافق المادة
751من ق.م.ج التي جاءت تن�ص على ما يلي(( :كل �إجراء ي�أمر به هذا القانون ولم يثبت
�إنجازه على الوجه القانوني يعد ك�أن لم ينجز ،))...وفي هذا التيار �صار الم�شرع الم�صري
في المادة 373مكرر من قانون العقوبات ،3وهذا بخالف الم�شرع المغربي الذي لم ين�ص
عليها في المادتين 40و 49من ق.م.ج فبعد التطرق �إلى �أجل عر�ض الأمر على الق�ضاء وجب
�أن نتطرق �إلى الجهات الم�صدرة �إلى �أمر �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة،
وبعد تنفيذ حكم ق�ضى بردها لحائزها.
11ومن �أن�صار هذا التوجه يف م�رص جند حممد نيبا �أبو �سعد ،بحث يف منازعات احليازة وم�شكالتها العملية الهامة ،جملة
الق�ضاء عدد يوليوز دي�سمرب � ،1984ص.50.
22ومعنى ذلك �أن �أجل ثالثة �أيام يعد �أجال كامال ال ي�شمل اليوم الأول وال اليوم الأخري و�إذا ما كان اليوم الأخري يوم عطلة
امتد الأجل �إىل �أول يوم بعده.
33بحيث اعترب يف فقرته الثالثة على �أن الأمر يعد ك�أن مل يكن عند خمالفته املواعيد امل�شار �إليها ومنها �أجل الثالثة �أيام
املمنوحة للنيابة العامة ولذلك ف�إن النيابة العامة عندما ت�صدر الأمر ويفوتها الأجل ف�إنه ال �سبيل لعر�ض على ق�ضاء
احليازة ،و�إن عر�ض جتاوزا فيكون م�آله الرف�ض ،ويقدر كان مل يكن.
249 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
11فقد ن�ص امل�رشع امل�رصي على م�سطرة خا�صة و�رسيعة منها �سماع النيابة العامة لأقوال طريف النزاع ثم �إ�صدار قرار
وقتي من طرف �أحد ق�ضاتها بدرجة رئي�س على الأقل ،وجعل قرارها وقتيا واجب التنفيذ.
22رغم �أن امل�رشع املغربي مل ينظم مقت�ضيات املادتني 40و 49من ق.م.ج فيما يتعلق ب�أمر النيابة العامة ب�إرجاع احلالة
�إىل ما كانت عليه يف جنحة انتزاع عقار بعد التنفيذ من طرف الق�ضاء ،مب�سطرة خا�صة� ،إال �أنه فعل ذلك �رصاحة من
خالل املادة 41من القانون املذكور عند �إجراء ال�صلح بني الطرفني على يد وكيل امللك.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 250
عليه �إلى المحكمة داخل �أجل ثالثة �أيام ،وعلى المحكمة �أن ت�ؤيده �أو تعدله �أو تلغيه ،وتلك هي
الرقابة التي �أوجب الم�شرع بها �أمر النيابة العامة.
لكن الم�شرع لم يو�ضح المحكمة التي رفعت �إليها الق�ضية �أو تلك التي �سترفع �إليها ،هل
يق�صد بها المحكمة االبتدائية التي رفعت �إليها الق�ضية �أو الغرفة المخت�صة بالبت في الق�ضية
داخل نف�س المحكمة؟
للإجابة عن هذا ال�س�ؤال يجب الوقوف على مجموعة من الإ�شكاالت الناتجة عن غمو�ض
م�سطري يجب بحثه ،ف�إذا كانت المحكمة التي �سترفع �إليها الق�ضية هي المحكمة االبتدائية
ذاتها المق�صودة ،ف�إن هاته المحكمة يجب �أن تكون م�شكلة من ق�ضاء جماعي طبقا لما تن�ص
عليها الفقرة الأولى من المادة 374من ق.م.ج تحت طائلة البطالن.
�أما �إذا كان المق�صود ب»المحكمة» 1الغرفة التي تنظر جنحة انتزاع حيازة عقار ،ف�إن هذه
المحكمة يجب �أن تكون مكونة من قا�ض منفرد بح�ضور ممثل النيابة العامة وكاتب ال�ضبط
وفق ما ن�صت عليه المادة 374من ق.م.ج في فقرتها الثانية ،وذلك بالنظر للعقوبة التي خ�ص
بها الم�شرع جنحة انتزاع حيازة عقار ،هذا في غير ارتباطها بجنحة من اخت�صا�ص الق�ضاء
الجماعي .وح�سب بع�ض رجال الفقه والق�ضاء ف�إن المحكمة المخت�صة للبت في �أمر النيابة
العامة هي المحكمة االبتدائية الم�شكلة من ق�ضاء جماعي ح�سب الفقرة الأولى من المادة 374
من ق.م.ج .2بحيث تجدر الإ�شارة �إلى �أن الأمر يتعلق بالنظر في جرائم يبلغ حدها الأق�صى
العقوبة المقررة لها �سنتان فما دون� ،أو جرائم معاقب عليها بغرامة فقط ،هذا على م�ستوى
المحكمة االبتدائية �أما �إحالة الأمر على غيرها من المحاكم المخت�صة فال يثير الأمر �أي
�إ�شكال قانوني.3
�أما بخ�صو�ص م�س�ألة مدى قابلية حكم المحكمة بت�أييد �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة
�إلى ما كانت عليه للتعر�ض ،واال�ستئناف والنق�ض.
فلقد ن�ص الم�شرع بخ�صو�ص التعر�ض واال�ستئناف �ضد الأحكام ال�صادرة عن محاكم
المو�ضوع ب�صفة عامة بم�سطرة خا�صة بحيث خ�ص كل طعن بمواد وا�ضحة� ،أما بخ�صو�ص
م�سطرة التعر�ض 4على �أمر النيابة العامة والقا�ضي ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جنحة
انتزاع عقار بعد تنفيذ الحكم �إذا �صدر غيابيا في حق المتهم ،ف�إن الم�شرع المغربي لم ينظم
� 11أي املحكمة التي رفعت �إليها الق�ضية �أو تلك التي �سرتفع �إليها.
22عبد املجيد الهباري وزيادي م�صطفى ،مرجع �سابق� ،ص.42.
33من حيث تكوينها ويتعلق الأمر بكل من غرفة اجلنايات االبتدائية مبحكمة الإ�ستئناف وغرفة اجلنح الإ�ستئنافية كما الغرفة
اجلنائية باملجل�س الأعلى.
� 44أو الإ�ستئناف �أو النق�ض.
251 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
في هذا ال�سياق م�سطرة التعر�ض على الأمر ال�سالف ذكره وال م�سطرة ا�ستئنافه ،وت�أ�سي�سا عليه
فال يحق للمتهم الطعن فيه بالتعر�ض وال الإ�ستئناف طبقا للمواد 393و 415من ق.م.ج ،كما
�أن الم�شرع ح�صر ا�ستئناف النيابة العامة فقط في الأحكام ال�صادرة في الجنح والمخالفات
والجنايات دون غيرها من الأحكام ،وبالتالي فال يت�صور ا�ستئنافه من طرف النيابة العامة.
�إذن بناء على ما �سلف ذكره ف�إن حكم المحكمة القا�ضي بالم�صادقة على �أمر النيابة
العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه هو حكم نهائي ما دام حكم غير قابل للتعر�ض وال
لال�ستئناف �إال �أن الم�شرع جعل للأطراف �إمكانية الطعن بالنق�ض في القرارات الغير قابلة
لال�ستئناف �أو في القرارات النهائية ال�صادرة عن محكمة الإ�ستئناف وذلك وفقا للمادة 415
من ق.م.ج ،1في حين ن�ص في المادة 522من ذات القانون 2على خالف ذلك بمعنى �أنه غير
قابل للطعن بالنق�ض ب�صريح العبارة طبقا لمقت�ضيات المادة 522من القانون المذكور.
وقبل التطرق �إلى �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه المرفوع �إلى هيئة
التحقيق ،تجدر الإ�شارة �إلى نقطة غاية في الأهمية حول التعر�ض المذكور ما �إذا كان قابال
للتعر�ض عليه من قبل الغير الخارج عن الخ�صومة والذي ت�ضرر منه؟
� - 2أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه المرفوع �إلى هيئة التحقيق
قبل التطرق �إلى الأمر ال�صادر عن النيابة العامة والمرفوع �إلى هيئة التحقيق ،وجب
التعرف على هيئة التحقيق المخت�صة بالبت �إما بت�أييد �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة
�إلى ما كانت عليه في جنحة انتزاع حيازة عقار بعد تنفيذ حكم �أو تعديله �أو �إلغائه ،والتي
تت�ألف من ق�ضاة التحقيق بالمحاكم االبتدائية ،والق�ضاة المكلفون بق�ضايا الأحداث في نف�س
المحاكم ،وق�ضاة التحقيق بمحاكم الإ�ستئناف والم�ست�شارون المكلفون بالتحقيق في جرائم
ذوي االمتياز الق�ضائي المعينون من طرف الرئي�س الأول بمحكمة الإ�ستئناف �أو من طرف
الغرفة الجنائية بالمجل�س الأعلى عك�س �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه
المرفوع منها �إلى المحكمة التي رفعت الق�ضية �إليها �أو تلك التي �سترفع �إليها ،وما يطرحه
هذا الأمر 3من �إ�شكاالت يجب الخو�ض في غمارها ،ف�إن الأمر ال�صادر عن هذه الهيئة في هذا
الجانب ال يثير �إ�شكاالت قانونية فيما الم�سطرة الواجب �إتباعها ،بحيث جاءت منظمة ب�أحكام
وا�ضحة من�صو�ص عليها في الق�سم الثالث من الكتاب الأول من قانون الم�سطرة الجنائية
11املادة 415من ق.م.ج(( :ميكن للنيابة العامة وللأطراف الطعن بالنق�ض يف الأحكام غري القابلة لال�ستئناف ويف
القرارات النهائية ال�صادرة من حمكمة اال�ستئناف)).
22املادة 522من ق.م.ج(( :ال تقبل املقررات الإعدادية التمهيدية �أو ال�صادرة ب�ش�أن نزاع عار�ض �أو دفع الطعن بالنق�ض
�إال يف �آن واحد مع الطعن بالنق�ض يف املقرر النهائي ال�صادر يف اجلوهر)).
� 33أي �أمر النيابة العامة ب�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه املرفوع �إىل هيئة التحقيق.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 252
المتعلقة بالتحقيق الإعدادي ،كما نظم م�سطرة ا�ستئنافه والمحكمة المخت�صة بالبت فيه.1
كما �أنه �أمر ال يقبل الطعن باال�ستئناف من طرف المعتدي على الحيازة.2
كما خولت مقت�ضيات المادة 222من ق.م.ج للنيابة العامة �صالحية الطعن باال�ستئناف
لدى الغرفة الجنحية في كل �أمر ق�ضائي ي�صدره قا�ضي التحقيق با�ستثناء الأوامر ال�صادرة
ب�إجراء خبرة طبقا للف�صل 196من ق.م.ج ،وذلك عندما يخالف �أمرها كليا �أو جزئيا .3لكن
ال يمكن للمعتدي وال حق للنيابة العامة للطعن بالنق�ض في الأمر ال�صادر عن الهيئة المذكورة
طبقا للمادة 521من ق.م.ج.4
ب � -أمر ق�ضاة التحقيق ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه.
من خالل مقت�ضيات المادة 142من ق.م.ج في فقرتها الرابعة ف�إن لقا�ضي التحقيق متى
قامت دالئل كافية على جدية االتهام في جرائم االعتداءات على الحيازة ب�صفة عامة �أن ي�أمر
تلقائيا ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه.5
�إذن من خالل ما �سبق تو�ضيحه وتم ذكره ،ف�إن هناك اختالف بين الأمرين �أي بين الأمر
ال�صادر عن ق�ضاة التحقيق والأمر المرفوع �إليهم من طرف النيابة العامة لت�أييده �أو تعديله �أو
�إلغائه وذلك من خالل نقطتين:
بحيث �أنه ي�صدر في كافة الجرائم التي ت�ستهدف الحيازة العقارية الأمر ب�إرجاع الحالة
�إلى ما كانت عليه ولكن يختلف الأمر عن الأمر الذي ت�صدره النيابة العامة من �أجل �أن ت�صادق
عليه هيئة التحقيق �أو تعدله ،والذي ح�صره الم�شرع فقط في هذا الأخير في جنحة انتزاع عقار
من حيازة الغير بعد تنفيذ حكم دون غيرها من الجرائم التي ت�ستهدف الإعتداء على الحيازة
العقارية هذا من جهة� ،أما من جهة �أخرى ف�إن الأمر ال�صادر عن هيئة التحقيق ب�إرجاع الحالة
�إلى ما كانت عليه في جنحة انتزاع حيازة عقار بالخ�صو�ص ال يتوقف على وجود حكم تم
11وهي الغرفة اجلنحية مبحكمة الإ�ستئناف هي التي لها �صالحية البت يف اال�ستئنافات املرفوعة �ضد �أوامر ق�ضاة التحقيق
مبقت�ضى املادة 222من ق.م.ج.
22يف حني �أن الأوامر التي ميكن لهذا الأخري ا�ستئنافها هي ال�صادرة عن ق�ضاة التحقيق يف �إطار املواد 176 - 152 - 94
والفقرة الأخرية من املادة 208من ق.م.ج كما الفقرات 6-3-2و 7من املادة 216من ق.م.ج .بحيث ال يوجد
�ضمن ما ذكر الأمر القا�ضي بت�أييد �أو تعديل �أمر النيابة العامة ب�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه.
33مبعنى عندما تق�ضي �إحدى هي�أت التحقيق برف�ض ت�أييد �أمرها ب�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه يف جنحة انتزاع عقار بعد
تنفيذ حكم �أو تعديله جزئيا.
44والتي ح�رصت الطعن بالنق�ض يف الأحكام والقرارات والأوامر الق�ضائية النهائية يف اجلوهر لأن الأمر املذكور لي�س
�أمرا �صادرا يف اجلوهر.
55مل تتغري الفقرة الرابعة من املادة 142من ق.م.ج يف م�رشوع ذات القانون بل ظلت على حالها ومل يطر�أ عليها �أي
تغيري كالتايل بيانه :املادة 142يف فقرتها الرابعة من م�رشوع ق.م.ج(( :وله متى قامت دالئل ...........
�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه)).
253 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
تنفيذه كما في �سابقتها ،بل ي�شترط في ذلك وجود دالئل كافية فقط تبرر جدية االتهام وبهذا
يكون الم�شرع قد خول لق�ضاة التحقيق في هذا المجال من هذا المنطلق �سلطة وا�سعة �أو�سع
من تلك التي منحها لجهاز النيابة العامة في الجرائم التي ت�ستهدف الإعتداء على الحيازة.
كما �أن الم�سطرة المتبعة في هذا الإطار بخ�صو�ص هذا الجهاز هي م�سطرة وا�ضحة في
�إطار المادة 142من ق.م.ج ،كما �أن الأمر ال�صادر في هذا الجانب يقبل الطعن باال�ستئناف
من طرف النيابة العامة �إذا ما قدمت ملتم�سا لق�ضاة التحقيق ب�ش�أن �إرجاع الحالة �إلى ما كانت
عليه وتم رف�ضه من طرفهم وذلك ب�صريح المادة 222من ق.م.ج .ولكن لي�س للمعتدي على
الحيازة الحق في الطعن فيه باال�ستئناف عمال بالمادة 223من ذات القانون وال يحق لهما معا
الطعن فيه بالنق�ض لأنها لي�ست �أمرا باتا في الجوهر� ،إال �أنه يحق للطرف المت�ضرر ا�ستئنافه
عك�س المعتدي لكن �إذا انت�صب طرفا مدنيا� 1أمام ق�ضاة التحقيق لأنه �أمر يم�س م�صلحته
بحيث خول له الم�شرع هذه ال�صالحية من خالل الفقرة الأولى من المادة 224من ق.م.ج.2
علما �أن الغرفة الجنحية بمحكمة الإ�ستئناف تبقى هي الجهة الق�ضائية الوحيدة المخت�صة
بالبت في ا�ستئناف الأمر ال�صادر عن ق�ضاة التحقيق ،ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في
الجرائم التي ت�ستهدف الإعتداء على الحيازة العقارية.
خاتمة:
ختاما وبعد درا�ستنا لهذا المو�ضوع المتعلق بانتزاع حيازة عقار من ملك الغير وذلك
من خالل الحماية الجنائية من كل اعتداء عليها؛ وذلك بهدف �أن ي�سود الأمن واال�ستقرار
لدى الأفراد؛ من �أي اعتداء قد تتعر�ض له ممتلكاتهم ،رغم �أن الم�شرع الجنائي المغربي لم
يخ�ص�ص �إال ف�صال وحيدا فريدا ؛ للجرائم التي ت�ستهدف حماية الأمالك العقارية من فعل
انتزاع عقار من حيازة الغير؛ الذي ي�شكل ال محال نموذجا للق�ضايا العقارية التي ي�ستغرق
الف�صل فيها ع�شرات ال�سنين ،الأمر الذي ينعك�س �سلبا على ال�سيا�سات الإ�صالحية التي
تنهجها الدولة في الميادين المرتبطة بالمجال العقاري.
ورغم كل هذه الجهود المبذولة في المجال من طرف الم�شرع المغربي لحماية الحيازة
من االعتداء ،ورغم كل الم�شاكل التي تطرحها ق�ضاياه كما �سبقت الإ�شارة �إليه؛ �إال �أنها ال زال
يكتنفها الغمو�ض �أمام كل الم�شاكل التي تطرح على ف�صل وحيد ويتيم �أورده الم�شرع الجنائي
في الفرع الخام�س من الباب التا�سع من المجموعة الجنائية.
� 11أي املت�رضر.
22الفقرة الأوىل من املادة 224ق.م.ج(( :ميكن للطرف املدين �أن ي�ست�أنف لدى الغرفة اجلنحية الأوامر ال�صادرة بعدم
�إجراء التحقيق ،وبعدم املتابعة وكذا الأوامر التي مت�س مب�صاحله املدنية.))...
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 254
لذلك ف�إن الم�شرع المغربي �أ�صبح مدعوا �أكثر من �أي وقت م�ضى �إلى التفكير في تعديل
مقت�ضيات الف�صل 570من القانون الجنائي ،ب�شكل يعالج مختلف الإ�شكاليات التي برزت خالل
التطبيق العملي له ،ويوفر للعقار حماية جنائية فعالة تتنا�سب و�أهميته في الحياة االقت�صادية
واالجتماعية ب�شكل ي�ساهم في �ضمان الأمن القانوني والق�ضائي للعقار.
255 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
❾
جرائم المخدرات
مقدمة:
تعرف المخدرات عموما ب�أنها كل مادة م�سكرة �أو مفترة طبيعية �أو م�ستح�ضرة كيميائيا
من �ش�أنها �أن تزيل العقل جزئيا �أو كليا ،وتناولها ي�ؤدي �إلى الإدمان ،مما ينتج عنه ت�سمم في
الجهاز الع�صبي ،فت�ضر الفرد والمجتمع ،ويح�ضر تداولها �أو زرعها �أو �صنعها �إال لأغرا�ض
يحددها القانون وبما ال يتعار�ض مع ال�شريعة الإ�سالمية.
ويرجع ظهور المخدرات لزمن بعيد عرف فيه الإن�سان النباتات المختلفة من خالل تعرفه
على بيئته ومحيطه الذي يعي�ش فيه ،ومن ثم �أخذ يجرب ما يقع تحت يديه منها وي�ستعملها
حينا في طعامه و�أحيانا في �شرابه ،وهكذا عرف الإن�سان المخدرات ب�شكل تدريجي عن طريق
التجربة �أو ال�صدفة ثم بد�أ مع مرور الوقت يزرعها وي�صنعها كما هو الحال في �أيامنا هذه
حيث و�صلت �صناعة المخدرات �أوجها.
فنبات القنب مثال عرف منذ فجر التاريخ ،عرفه الم�صريون وال�صينيون واليونانيون ،ففي
بداية الأمر ظهر في �أوا�سط �آ�سيا ثم �أخذ ينت�شر في كثير من بقاع العالم.
ووجدت لوحة �سومرية يعود تاريخها �إلى الألف الرابعة قبل الميالد تدل على ا�ستعمال
ال�سومريين للأفيون ،وكانوا يطلقون عليه نبات ال�سعادة.
ويذكر الم�ؤرخون �أن «�سومر�س» ثمتال الإله عند الرومان كان يزين بثمار الخ�شخا�ش الذي
ي�ستخرج منه الأفيون ،كما �أن الإمبراطور الروماني ماركو�س كان مدمنا على الأفيون،كما
ا�ستعمله الهنود كمكيف ومخدر ،وتقول م�صادر تاريخية ترجع �إلى ثالثة �آالف �سنة �أنه �أي
الح�شي�ش له فوائد طبية ،كما �إ�ستخدم �أي�ضا في الطقو�س الدينية وفي معابد الكهنة لطرد
الأرواح ال�شريرة.
ويقال ب�أن الفراعنة هم �أول من عرف المخدرات في المنطقة العربية وكان �أهمها
المخدرات الم�شتقة من نبات الخ�شخا�ش والقنب ،لكن ا�ستعمال هذه النباتات كان مق�صورا
على مجاالت بعيدة عن الإدمان ،فالأفيون كان ي�ستعمل في مجال الطب لعالج �أمرا�ض العيون
وعمل مراهم لآالم الج�سم.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 256
�أما عند العرب فقد ذكر الطبيب العربي ابن البيطار في القرن الثالث ع�شر الميالدي
�أن نبات القنب الهندي -الح�شي�ش -كان يزرع في ب�ساتين ويعرف فيها با�سم الح�شي�ش و�أن
الفقراء ب�صفة خا�صة يتعاطون هذا العقار.
وفي الجاهلية وقبل الإ�سالم فقد عرف العرب الخمر وكذلك في بداية العهد الإ�سالمي
حتى نزل تحريمها ،فعرف العرب فيما بعد الأفيون والح�شي�ش �إما عن طريق الغزوات �أو عن
طريق اختالطهم بح�ضارات �أخرى.
ومع بداية القرن الحالي �أخذت �إ�ساءة ا�ستعمال المخدرات �أوجها ف�شغلت �أنظار الباحثين
والمفكرين في مختلف بقاع العالم�،إذ �أ�صبحت مع�ضلة من مع�ضالت هذا الع�صر الحديث
بامتياز بالنظر لطابعها المعقد والمتعدد الأ�شكال والم�ستويات ،حتى �أن التعامل فيها �أ�صبح
بمثابة اقت�صاد قائم الذات داخل اقت�صاد الدولة الواحدة ،لكنه ال ينفع �سوى المتعاطين له،
وقد ك�شفت درا�سات علمية وتقارير حديثة على �أن الإتجار في المخدرات يمثل % 8من حجم
التجارة الدولية وتحتل المرتبة الثالثة من حجم التجارة العالمية .كما تظهر خطورة جرائم
المخدرات في كونها �أ�صبحت تتداخل مع جرائم �أخرى كالع�صابات المنظمة.
وفي خ�ضم ما تطرحه المخدرات ب�شتى �أ�شكالها و�أ�ساليبها من �إ�شكاليات و�أ�ضرار تهدد
كيان المجتمعات و�أمنها و�صحة مواطنيها ،ت�سعى الت�شريعات المختلفة �إلى البحث عن الحلول
الناجعة لمواجهتها والحد منها ،والمغرب كان وال يزال من الدول التي �سعت وت�سعى جاهدة
�إلى محاربة هذه الظاهرة وتطويقها على جميع الم�ستويات الوقائية والزجرية منذ القدم وعبر
ت�شريعات متوالية .
ويظهر هذا جليا من خالل ت�صنيف المخدرات �ضمن المواد ال�سامة في ظهير 2دجنبر
،1922الذي جاء يحمل نف�س العنوان (تنظيم ا�ستعمال المواد ال�سامة و�إنتاجها وا�ستجالبها
وت�صديرها والإتجار فيها ونقلها وحيازتها )..وفي نف�س ال�سياق� ،صدر قانون �24أبريل 1954
الذي فك االرتباط من خالله الم�شرع ذلك االرتباط التقليدي بين التبغ والكيف ،بتقنين الأول
و�إ�سناد احتكار �إنتاجه وت�سويقه للدولة ،وتحريم الثاني و�إ�ضافته �إلى الالئحة المعتبرة من
ال�سموم وفق ظهير 2دجنبر 1922وكذا القرار العام للديوان الملكي رقم 3/177/66بتاريخ
17يوليوز 1967الذي نظم الإتجار في الم�شروبات الكحولية والممزوجة بالكحول ،و�آخر هذه
الت�شريعات الظهير ال�شريف بمثابة قانون رقم 282/73/1بتاريخ 28ربيع الثاني 1394الموافق
21ماي 1974المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات ووقاية المدمنين عليها ،حيث اتجه
اهتمام الم�شرع �إلى تو�سيع دائم التجريم من خالل �صياغة مفهوم خا�ص للمحاولة والم�شاركة
،و�إحداث م�ساطر �إ�ستثنائية من خالل تجنيح الجرائم المرتبطة بالمخدرات وتو�سيع اخت�صا�ص
257 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
المحاكم المغربية �إلى بع�ض الأن�شطة المرتكبة خارج التراب الوطني وتنظيم تفتي�ش المنازل
وكذا �سن تدابير خا�صة لحماية القا�صرين والمدمنين ،وتعقب المواد المرتكب الغ�ش ب�ش�أنها
وحجزها وم�صادرتها وفقا لقواعد و�أحكام خا�صة،ولكنها ال تخرج كثيرا عما هو متعارف عليه
في القواعد والمبادئ العامة.
ومواكبة للتطورات الم�ستجدة واالهتمام بتزايد �أخطار المخدرات التي �أ�ضحت تتقاطع
مع مجموعة من الجرائم الأخرى كتهريب ال�سالح وتمويل الإرهاب واحتجاز الرهائن
وت�صفية الح�سابات بين الأفراد على م�ستوى الع�صابات الإجرامية ،انخرط المغرب فيما
ي�سمى التجريم ال�شامل للمخدرات ،هذه ال�سيا�سة التي اعتمدتها المجموعة الدولية والهيئات
العالمية المتخ�ص�صة في محاربة الجريمة المنظمة والعابرة للقارات ،وبادر المغرب وبتن�سيق
و�شراكة مع مكتب الأمم المتحدة من �أجل محاربة المخدرات والجريمة� ،إلى �إحداث «وكالة
تنمية �أقاليم ال�شمال» التي قامت ب�إجراء �سل�سلة من البحوث ال�سو�سيولوجية في الأقاليم
المعروفة بزراعة القنب الهندي �أو الكيف ،وبالتالي تم الوقوف و�إلى حد ما على مجموعة من
حقائق الأمور تبلورت في �شكل ت�صورات وبحوث ،منها البحث المنجز في 2004الذي خل�ص
في نتائجه �إلى �أن االقت�صاد المعتمد على نبات الكيف �ساهم في الرفع من مدخول ال�ساكنة،
وتح�سين ظروف عي�شها ،وفي المقابل طبعت ال�ساكنة ب�آثار وخيمة من خالل بروز �سلوكيات
منحرفة والق�ضاء على قيم الت�ضامن وت�شتت النظام الثقافي واالجتماعي.
من خالل هذا التقديم �سنحاول طرق باب مو�ضوع (م�سك وا�ستهالك والإتجار في
المخدرات وبيع الخمور للمغاربة الم�سلمين) وذلك بدرا�سة الجوانب المو�ضوعية والإجرائية
لهذه الجرائم.
لذا ارت�أينا �أن نق�سم هذا المو�ضوع على ال�شكل �أو وفق الت�صميم الآتي:
المبحث الأول� :أركان جرائم المخدرات ❑
لهذا تكون المخدرات بذلك داخلة في عموم تحريم الخمر ،حتى ولو قيل �أنها مفترة ولي�ست
م�سكرة ،فقد روي عن �أم �سلمة ر�ضي اهلل عنها �أن النبي نهى عن كل م�سكر ومفتر».1
�إذن فحكم تعاطي المخدرات هو التحريم وكذلك الإتجار بها وبيعها وتهريبها ...كله حرام
2
كحرمة تناولها لأن ما ي�ؤدي �إلى الحرام فهو حرام.
فعلى الم�ستوى القانوني ،لكي تحقق جريمة المخدرات يجب �أن يكون مو�ضوعها مادة
مخدرة ولم يحدد الم�شرع الحد الأدنى لكمية المادة المخدرة التي ت�صلح �أن تكون مو�ضوعا
للجريمة ،فالركن الخا�ص يتوافر متى تواجدت المادة المخدرة بغ�ض النظر عن مقدارها
ووزنها.
والم�شرع المغربي كغيره من الت�شريعات ،لم يعط تعريفا للمادة المخدرة و�إنما و�ضع الئحة
على �سبيل الح�صر للمواد المخدرة ،وعلى �أ�سا�س ذلك ف�إن المواد المدرجة على �سبيل الح�صر
في الجدول الملحق بالظهير � ،31922أو تلك المحددة في الإتفاقيات الدولية الم�صادق عليها
من طرف المغرب، 4هي التي تدخل في دائرة التجريم.
وتجدر الإ�شارة �أنه لي�س من ال�ضروري �أن تندرج المادة المخدرة �ضمن الجدول ،بل يكفي
�أن تكون المادة الم�ضبوطة تحتوي على مادة من المواد المعددة في الجدول لكي تعتبر مادة
مجرمة ،وعند ال�شك يجب الت�أكد من ذلك عبر تحليل مخبري ،وفي هذا ال�صدد ،جاء في
قرار لمحكمة النق�ض « :حيث �إن القرار المطعون فيه عندما �ألغى الحكم االبتدائي الذي �أدان
المطلوبين في جنحة الإتجار في المخدرات ،وق�ضى من جديد ببراءتهما وعلل ذلك بقوله:
وحيث �إن كل من �أقرا�ص بيتفيل و�أوطينال ال توجد �ضمن الالئحة الم�شار �إليها في الف�صل
الأول وحيث �أنه ال دليل على �أنها من �ضمن المخدرات المعاقبة �أو �أنها من العقاقير المهدئة.
وحيث �أن الفعل الذي �أدين من �أجله ال�ضنينان والحالة ما ذكر غير ثابت لما فيه الكفاية
مما يتعين معه �إلغاء الحكم الم�ست�أنف والحكم بالبراءة.
لكن حيث يجب التذكير �أن ال�ضابطة الق�ضائية �ألقت القب�ض على ال�ضنينين وبحوزتهما
�أقرا�ص اعترافا �أنها ت�ستعمل كمخدر...
11الرئا�سة العامة للبحوث العلمية والإفتاء،جملة البحوث الإ�سالمية،جزء رقم � 32ص.232-231.
22مقالة «حكم الإ�سالم يف املخدرات» للدكتور نوح علي �سليمان،دار الإفتاء .
33اجلدول «ب» املرفق بالظهري 2دجنرب 1922وكذا قرار وزير ال�صحة العمومية بتاريخ 11يناير 1958يف تغيري
قائمة اجلدول «ب».
44ظهري �رشيف رقم 1.29.283ال�صادر يف 29يناير 2002بن�رش �إتفاقية الأمم املتحدة ملكافحة الإجتار غري امل�رشوع يف
املخدرات...
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 260
وحيث �إن تركيز القرار بكون الأقرا�ص لم ترد في الئحة (ب)�ضمن الظهير الم�ؤرخ في
74/5/21المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات ال�سامة ال يكفي للقول ب�أن الفعل غير ثابت
�ضد ال�ضنينين ،مادام لم تجر المحكمة بحثا دقيقا بوا�سطة المختبرات الخا�صة في تحليل
مثل تلك الأقرا�ص حتى تكون على بينة من الأمر الواقع ،طالما بات من الم�ؤكد �أن ق�ضاة
الحكم لي�سوا تقنيين وال خبراء في مثل تلك المادة ،الأمر الذي ي�شكك في �صحة القرار ،علما
ب�أن كل دليل م�شكوك فيه ال يجوز �أن يكون �سندا للمحكمة ولو بالبراءة.
وعليه ف�إن القرار المطعون فيه عندما ق�ضى بما �سبق يكون ناق�ص التعليل ومعر�ضا
للنق�ض ،»1وهذا ما �أكدته محكمة النق�ض الم�صرية في الطعن رقم 5975و 6610بجل�سة
1983/3/6و .1983 /3/30
المطلب الثاني :الأركان العامة لجرائم المخدرات
�سنتناول من خالل هذا المطلب الأركان العامة لجرائم المخدرات
الفقرة الأولى :الركن المادي
ا�ستعر�ض الم�شرع المغربي في الف�صول 8-3-2-1من ظهير 21ماي 1974الأفعال التي
تكون الركن المادي للجريمة وهي:
ا�ستيراد وت�صدير المخدرات. ✺
م�سك ب�صفة غير م�شروعة للمواد �أو النباتات المعتبرة مخدرات. ✺
وهذا التحديد الذي �أعطاه الم�شرع في هذه الف�صول لي�س على �سبيل الح�صر و�إنما على
�سبيل اال�ستئنا�س ،فقد ا�ستعمل في الف�صل الثاني من الظهير عبارة «كل ...من �أم�سك ب�صفة
غير م�شروعة المواد �أو النباتات المعتبرة مخدرات» وهي عبارة �أرادها الم�شرع �أن تكون
ف�ضفا�ضة لت�ستوعب جميع �أنواع االت�صال غير الم�شروع بالمواد المخدرة.
وخالفا للقواعد العامة المطبقة في الف�صل 118من القانون الجنائي «الفعل الواحد الذي
يقبل �أو�صافا متعددة يجب �أن يو�صف ب�أ�شدها» ف�إن الجرائم المعددة في الظهير هي جرائم
م�ستقلة من حيث عنا�صرها القانونية و�إن بدت من طبيعة واحدة .هذا اال�ستقالل يترتب عنه
11قرار ملحكمة النق�ض عدد 4 /940بتاريخ ،1995/4/26ذكره املعطي جبوجي ،مرجع �سابق �ص.21.
261 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�إمكانية التفريق بينهما عند الجزاء من قبيل ت�صريح ببراءة المتهم من الم�سك و�إدانته من
�أجل الإتجار �أو الت�صريح بالتقادم في تهمتي الت�صدير والم�سك دون االتجا ،وفي هذا ال�سياق
جاء في حكم للمحكمة االبتدائية بتطوان « :وحيث �أن الأفعال المتابع بها المتهم كل واحدة
منها ت�شكل جريمة م�ستقلة بذاتها و�إن كانت معاقبة بنف�س العقوبة ،فجريمة الم�سك م�ستقلة
بذاتها عن جريمة النقل وعن جريمة الت�صدير وعن جريمة الإتجار وعن جريمة الم�شاركة في
هذه الأفعال ،وحيث دفع م�ؤازر المتهم بالتقادم طبقا لمقت�ضيات المادة 5من قانون الم�سطرة
الجنائية والتي جاء فيها ب�أنه تتقادم الدعوى العمومية بمرور � 5سنوات تبتدئ من يوم �إرتكاب
الجريمة بالن�سبة للجنح ،وحيث اعتبارا لمقت�ضيات الف�صل المذكور ف�إن جريمة الم�سك
والحيازة والنقل والت�صدير تمت خالل � 93/92إلى حدود 94ح�سب الت�صريحات المختلفة
للمتهم وباحت�ساب �أمد التقادم يكون بالفعل �إثارة الدفع جدية ويتعين بالنتيجة الت�صريح
ب�سقوط الدعوى العمومية جزئيا في هذا ال�شق من المتابعة.
بخ�صو�ص جنحة الإتجار في المخدرات والم�شاركة فيها ،حيث �أن الثابت من ت�صريحات
المتهم �سواء �أمام المحكمة �أو من خالل ت�صريحاته التمهيدية �أنه ت�سلم من الثاني ما قدره
550000درهم كجزء من ثمن البيع بتاريخ 97/12/30وحيث �أن عملية الإتجار تقوم على
ت�سليم وت�سلم الثمن ،يجعل عملية الإتجار ال زالت قائمة ومددت �إلى التاريخ �أعاله ما دام
1
الثمن لم يدفع بكامله �إبان الت�سليم الذي كان في �سنة .»1994
- 1اال�ستيراد والت�صدير:
عرفت مدونة الجمارك اال�ستيراد على �أنه «دخول ب�ضائع �آتية من الخارج �أو من المناطق
الحرة �إلى التراب الخا�ضع للقوانين والأنظمة الجمركية� ،أما الت�صدير فهو خروج الب�ضائع
من التراب الخا�ضع».2
في الف�صل الأول والثاني من ظهير ،1974زجر الم�شرع مخالفة مقت�ضيات ظهير 1922
المتعلق بتنظيم ا�ستيراد المواد ال�سامة و�شدد على معاقبة م�ستوردي وم�صدري المواد
والنباتات المعتبرة مخدرات.
فجريمة الت�صدير واال�ستيراد تتحقق من خالل �إدخال �أو �إخراج المادة المخدرة بغ�ض
النظر عن كميتها من المجال الإقليمي كما تتحقق في �صورة محاولة طبقا لمقت�ضيات الف�صل
11حكم �صادر عن ابتدائية تطوان بتاريخ ،2002/10/30امللف اجلنحي التلب�سي عدد .1/02/2157ذكر من طرف معطي
جبوجي مرجع �سابق
22الف�صل الأول من مدونة اجلمارك وال�رضائب غري املبا�رشة.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 262
5من ظهير 1974الذي يعاقب على محاولة �إرتكاب الجرائم المقررة في الظهير باعتبارها
جنحة وقع ارتكابها.
- 2زراعة المخدرات و�إنتاجها و�صنعها:
الزراعة ت�شمل عملية الحرث والعناية بالنبتة من �سقي وت�سميد وغيرهما ثم قلع النبات
عند الن�ضج ،فجريمة الزرع تتحقق بمجرد غر�س �شتالت النبات في الأر�ض ،وهي من الجرائم
الم�ستمرة التي تتوافر في حق المتهم طيلة المدة التي ظل فيها زارعا.
�أما الإنتاج فهو ف�صل المادة المخدرة عن �أ�صلها النباتي ،بينما ال�صنع فيق�صد به مزج
مواد معينة للح�صول على المادة المخدرة ،فجريمتي الإنتاج وال�صنع ال تتحقق �إال بوجود
المادة المخدرة و�إال كنا �أمام محاولة �إنتاج �أو محاولة �صنع المواد المخدرة .
ويجب �إثبات هذه الجرائم من طرف �ضباط ال�شرطة الق�ضائيين الم�ؤهلين لذلك ،وفي
هذا الإطار جاء من�شور وزير العدل في ا�ستبعاد محا�ضر المياه والغابات للمتابعة في جرائم
1
المخدرات.
- 3نقل المخدرات:
هو حمل المواد المخدرة لح�ساب الغير من مكان �إلى �آخر ب�أية و�سيلة كانت برية �أو بحرية
�أو جوية مع علمه ب�أن المادة التي ينقلها من المواد المحظورة قانونا ،وعن�صر العلم بالن�ص
القانوني مفتر�ض لأنه ال يعذر �أحد بجهله للقانون.
والنقل من الجرائم الم�ستمرة التي ال يبد�أ �سقوطها بالتقادم �إال من يوم خروج المخدر من
2
حيازة الناقل.
- 4ت�سهيل ا�ستعمال المواد �أو النباتات المعتبرة مخدرات
ن�صت المادة 3من ظهير � 1974أنه يعاقب من �سنتين �إلى � 10سنوات وبغرامة تتراوح بين
5000و 500000درهم:
كل من �سهل على الغير ا�ستعمال المواد �أو النباتات المذكورة بعو�ض �أو بغير عو�ض �إما ✺
المعتبرة مخدرات.
كل من عمل على ت�سلم المواد المخدرة بوا�سطة و�صفات طبية �صورية �أو حاول العمل على ✺
ت�سلمها.
كل من كان على علم بال�صبغة ال�صورية التي تكت�سيها هذه الو�صفات و�سلم بناء على ✺
11الف�صل 32من ظهري 2دجنرب 1922بتنظيم ا�سترياد املواد ال�سامة والإجتار فيها و�إم�ساكها وا�ستعمالها.
22الف�صل 8من ظهري 21ماي 1974املتعلق بجرمية ا�ستهالك املواد والنباتات املخدرة.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 264
�إ�ضافة �أنه عامل فئة الم�ستهلكين معاملة خا�صة تختلف عن باقي الفئات الأخرى �إذ
اعتبرهم مر�ضى يحتاجون �إلى العالج �أكثر منه �إلى العقاب وهكذا فقد ن�ص هذا الف�صل على
عقوبة اختيارية بين الحب�س والغرامة ولترغيبهم في الإقالع عن المخدرات ذهب �إلى حد عدم
فتح المتابعة الجنائية في حقهم �إذا وافق المتعاطي على الخ�ضوع للعالج خالل المدة الالزمة
في �إحدى الم�ؤ�س�سات العالجية للق�ضاء على حالة الت�سمم.
ومن الأحكام اال�ستثنائية التي تعاملت مع الف�صل ،8قرار لمحكمة الإ�ستئناف بالدار
البي�ضاء التي ق�ضت ببراءة المتهم من جريمة ا�ستهالك المخدرات النعدام الفح�ص الطبي
معللة قرارها بما يلي « :وحيث �أن حالة الإدمان غير ثابتة في حق ال�ضنينين ال من خالل الواقع
لأنهما لم ي�ضبطا في حالة تخدير وال �سجلت عليهما حالة التعود �أو الإدمان على المخدرات،
كما �أنه لم يجر ك�شف طبي عليهما لإثبات حالة الإدمان ،وحيث �أنه ا�ستنادا �إلى ما ذكر ف�إن
مقت�ضيات الف�صل المذكور غير واردة وال ثابتة مما يتعين معه الحكم ببراءتهما من جريمة
ا�ستهالك المخدرات طبقا للف�صل المذكور.1».
�إذا تعلق الأمر بجريمة ا�ستعمال المخدرات ب�صفة غير م�شروعة دون �أن تكون مقترنة
بجرائم �أخرى عمدية وغير عمدية ،ف�إن وكيل الملك ملزم قبل ت�سطير المتابعة �إلى ت�ضمين في
مح�ضر اال�ستنطاق نية المدمن في الخ�ضوع للعالج من عدمه ف�إذا �أف�صح عن نيته في العالج
في �إحدى الم�ؤ�س�سات العالجية �أو الم�صحات الخا�صة تحددها وزارة ال�صحة العمومية ،تتوقف
المتابعة في حقه ،وفي هذا الإطار ق�ضت المحكمة االبتدائية بتطوان بعدم قبول متابعة النيابة
العامة معللة حكمها بما يلي « :وحيث �أن الم�شرع في ظهير � 1974أخرج م�ستعملي المخدرات من
نطاق الف�صلين الأول والثاني من الظهير وعامل هذه الفئة معاملة خا�صة تختلف عن معاملة
المحترفين من التجار والو�سطاء والناقلين والم�صدرين والم�ستوردين ب�أن اعتبرهم مر�ضى
و�ضحايا هذه المواد الخطيرة وبالتالي هدف �إلى معالجتهم و�إعادة �إدماجهم في المجتمع
ون�ص على عقوبة اختيارية في حقهم بين الحب�س والغرامة �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين ،وعلق
تحريك المتابعة في حق المدمنين منهم على مبادرة من طرف النيابة العامة م�ضمنها �إمكانية
�إخ�ضاعهم للعالج مقابل موافقتهم على ذلك ودون تحريك المتابعة في حقهم عند الموافقة،
وهذا الإجراء ك�أن الم�شرع يبغي من وراءه تمكين الم�ستهلك من فر�صة العالج وهي فر�صة
�أ�ضحت بمثابة حق للمتهم على النيابة العامة قبل تحريك المتابعة في حقه.
وحيث �أن المحكمة من خالل وقائع الق�ضية انتهت �إلى كون المتهم يوجد في حالة �إدمان
وبالتالي ف�إن �إقدام النيابة العامة على متابعته با�ستهالك المخدرات و�إحالته في حالة اعتقال
11قرار ذكر من طرف معطي جبوجي مرجع �سابق.
265 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
على هذه المحكمة دون احترام مقت�ضيات الفقرة 2من الف�صل الثامن و دون ت�ضمين موقف
1
المتهم بمح�ضر ا�ستنطاقه يجعل �صيغة متابعتها غير مقبولة»
وتفعيال لمقت�ضيات هذا الف�صل تو�صل الوكالء العامون للملك لدى محاكم الإ�ستئناف
بالمملكة ووكالء الملك لدى المحاكم االبتدائية بمن�شور من طرف وزير العدل في مو�ضوع
2
العالج من الإدمان على المخدرات لدى المتابعين ق�ضائيا.
�إذا تهرب ال�شخ�ص الم�أمور بعالجه من تنفيذ هذا التدبير طبقت عليه العقوبات المقررة
في الف�صل 320من ق.ج والذي يق�ضي على �أن « :من �صدر �ضده حكم �أو �أمر بالإيداع الق�ضائي
في م�ؤ�س�سة لعالج الأمرا�ض العقلية طبقا للف�صلين 78و 79والف�صل 136بناء على قرار بثبوت
م�س�ؤوليته الناق�صة ،ثم تهرب من تنفيذ هذا التدبير ،يعاقب بالحب�س من � 3أ�شهر �إلى �سنة
وغرامة من � 200إلى 500درهم».
وتجدر الإ�شارة �،أنه في حالة رجوع المتهم خالل � 3سنوات الموالية ل�شفائه �إلى �إرتكاب
جنحة ا�ستعمال المخدرات �أو ترويجها ف�إن الدعوى العمومية تحرك في حقه بالن�سبة
للجريمتين ال�سابقة والجديدة.
وفي النهاية نذكر �أنه من �شروط تطبيق هذه المقت�ضيات �أن تكون الجريمة المرتكبة هي
ا�ستعمال المخدرات ب�صفة غير م�شروعة .ومن ثم ف�إنه ال ي�ستفيد من هذه المقت�ضيات من كان
متهما في غيرها من جرائم المخدرات والجرائم الأخرى وفي هذه الحالة يعفى وكيل الملك
من �سلوك الم�سطرة الواردة في الف�صل 8حيث تحال الق�ضية وجوبا على المحكمة.
- 6الم�سك الغير الم�شروع للمواد والنباتات المعتبرة مخدرات
الم�سك لغة هو اللم�س� ،أي الح�صول على ال�شيء وب�سط اليد عليه �إما بنية التملك �أو من
باب الإخت�صا�ص �أو ب�شكل عر�ضي ،وا�صطالحا يمكن تعريفه ب�أنه كل ات�صال غير م�شروع
بالمادة المخدرة بكامل �إرادة الما�سك ور�ضاه ب�صورة يمنعها القانون ويجرمها.
وم�سك المخدر �إما �أن يتخذ �صورة الحيازة الكاملة بحيث تكون للما�سك ال�سلطتين المادية
والمعنوية تخواله حق الت�صرف في المادة �سواء بالبيع �أو المبادلة �أو غيرهما.وقد يتخذ
الم�سك �صورة الحيازة الناق�صة بحيث يقف عند حدود الحيازة المادية دون ال�سلطة المعنوية
التي تخول �صاحبها حق الت�صرف في المخدر وهذا حال الناقل مثال ،كما قد يتخذ الم�سك
�صورة الحيازة العر�ضية تحت �إ�شراف المالك الفعلي لهذه المواد ،كما في حالة م�سك المخدر
بق�صد معاينته قبل عملية ال�شراء.
11ملف جنحي تلب�سي عدد 1/05/668حكم عدد 710بتاريخ .2005/06/06
22من�شور وزير العدل م�ؤرخ يف 29يوليو 2005
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 266
لكن قد ال يكون م�سك المادة المخدرة وحده كافيا للقول بوقوع الجريمة متى ثبت �أن
الم�سك كان من باب الف�ضول وحب اال�ستطالع مثال.
ولم يعط الم�شرع المغربي �أي تعريف لعبارة الم�سك واعتمد هذا الم�صطلح دون م�صطلح
«الحيازة» خالف بع�ض الت�شريعات المقارنة كالت�شريع الم�صري الذي ميز بين الحيازة
والإحراز الذي هو الم�سك و�أفرد لكل منها عقوبة خا�صة.
ومن المالحظ �أن كثير من المتابعات والأحكام الق�ضائية بما فيها قرارات المجل�س الأعلى
ال تتقيد بم�صطلح الم�سك ،و�إنما تعتمد على م�صطلح الحيازة ،على اعتبار �أن الحيازة �أو�سع
من الم�سك ،وت�ستوعب ال�صور الثالث �أعاله .كما ت�شمل الحالة التي ال يتحقق فيها �أي ات�صال
مادي مبا�شر بين ج�سم المتهم والمادة المخدرة،حيث يعتبر ال�شخ�ص حائزا ولو كان ما�سك
المادة �شخ�ص �آخر نائب عنه .وفي هذا الإطار �أكدت محكمة النق�ض �أن عن�صر الحيازة الغير
الم�شروعة للمخدرات تتحقق �إما واقعا بمالم�ستها ب�صفة مبا�شرة من طرف المتهم و�إما حكما
بال�سيطرة الفعلية عليها بوا�سطة الغير ،حتى لو لم يح�صل �أي ات�صال مبا�شر بها من طرف
1
المتهم.
- 7ال�صور الأخرى للركن المادي
ا�ستعر�ض الم�شرع في الف�صول 8/3/2/1من ظهير 74/5/21بع�ض �صور الركن المادي
لجرائم المخدرات ،وا�ستعمل في الف�صل الثاني من الظهير عبارة عامة « :كل من �أم�سك
ب�صفة غير م�شروعة المواد والنباتات المعتبرة مخدرات ».وعمومية هذه العبارة ت�ستوعب
جميع ال�صور الأخرى من قبيل الو�ساطة ،حيث يكون دور الو�سيط التدخل بين الأطراف ق�صد
التقريب بينهما في ال�سعر �أو باقي �شروط ال�صفقة ،وذلك بمقابل مادي �أو ح�صوله على جزء
من المخدرات �أو حتى لو كانت على �سبيل المجاملة ودون مقابل.
ويمكن �أن ت�أخذ جريمة المخدرات �صورة المبادلة بحيث يتخلى كل طرف من طرفي
المعاملة على مادة مخدرة للطرف الآخر كمبادلة مادة الح�شي�ش بهيروين �أو كوكايين ،وقد
ت�أخذ �أحيانا �صورة تنازل .ولكن �أبرز �صورة من �صور التعامل بالمخدرات هي الإتجار.
الإتجار :هو �صورة من �صور الركن المادي لجرائم المخدرات يدخل �ضمن حالة ال�صفقات
المبنية في الغالب على عقد �شفوي يلتزم بمقت�ضاه البائع بنقل ملكية المادة المخدرة للم�شتري
بمقابل نقدي ،وفي حاالت �أخرى تتخذ �صور اعتراف بدين متقابل لإ�ضفاء ال�شرعية على �أية
دعوى محتملة عند �إخالل طرف من �أطراف العقد بالتزامه.
11القرار عدد 7/3891بتاريخ 25نونرب 2009ملف جنحي عدد 09/4963من�شور بق�ضاء املجل�س الأعلى،عدد � 72سنة
� 2010ص.338.
267 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
والمالحظ �أن الم�شرع المغربي لم ي�شر �إلى الإتجار ك�صورة من �صور التعامل في المخدرات،
و�إنما ا�ستعمل عبارة عامة «كل من �أم�سك ب�صفة غير م�شروعة المواد والنباتات المعتبرة
مخدرات» ،وهي عبارة كما �سبق القول ف�ضفا�ضة� ،أراد من خاللها الم�شرع ا�ستيعاب جميع
�أنواع االت�صال الغير الم�شروع بالمخدرات ،ومن �ضمنها الإتجار .في هذا الإطار ،يذهب جانب
من الدفاع في بع�ض المرافعات� ،إلى �إ�سقاط تعريف مدونة التجارة للتاجر ،على التاجر في
المخدرات ،وذلك با�شتراط توفر عن�صر التكرار واالعتياد بهدف الربح و�أن تتجه نية مرتكب
الفعل �إلى احتراف الإتجار فيها وتقديمها للغير بمقابل مادي .وعلى هذا الأ�سا�س ينتهون في
ملتم�ساتهم الختامية �إلى التما�س البراءة بالن�سبة للمتهم الذي اعترف بالإتجار لأول مرة .
لكن مثل هذا القول ال يمكن العمل به لأنه لال�ستفادة من �أحكام ومقت�ضيات �أي ن�ص ت�شريعي
يجب �أن يتعلق الأمر با�ستغالل م�شروع وغير مخالف للأخالق الحميدة والنظام العام �إعماال
لمقت�ضيات الف�صول 57و 62من ق .ل.ع والن�شاط التجاري غير الم�شروع ال يمكن �أن يكون �أ�صال
تجاريا مهما كانت �أهميته ،ومن تم ف�إن المعنى اللغوي هو الذي يجب �إعماله في هذا الباب».
التاجر جمع تجار �أي من تعاطى للتجارة ،والتجارة تعني البيع وال�شراء لغر�ض الربح.
وفي هذا ال�سياق جاء في قرار لمحكمة النق�ض �« :إن جريمة الإتجار في المخدرات وخالفا
لما يدعيه العار�ض ال تخ�ضع للقانون التجاري وال ي�شترط لقيامها ثبوت االعتياد ووجود م�شتر
1
معين و�إنما تتحقق بمجرد ال�شروع في البيع».
- 8المحاولة في جرائم المخدرات
الركن المادي في جرائم المخدرات ال يتحقق دائما في �صورته العادية و�إنما يتحقق �أي�ضا
في �صورة المحاولة وفي �صورة الم�ساهمة والم�شاركة.
فالن�شاط الإجرامي الذي يكون الركن المادي في جرائم المخدرات ال يلزم مبدئيا �أن
يحقق النتيجة الإجرامية التي ا�ستهدفها الفاعل بن�شاطه� ،إنما يكفي �أن تتوافر فيه �شروط
المحاولة من خالل ال�شروع في تنفيذها �أو القيام ب�أعمال ال لب�س فيها تهدف مبا�شرة �إلى
�إرتكابها �إذا لم يوقف تنفيذها �أو لم يح�صل الأثر المتوخى منها �إال لظروف خارجة عن �إرادة
مرتكبها.2
الف�صل 115من ق.ج «اعتبر محاولة الجنحة ال عقاب عليها ما لم يوجد ن�ص خا�ص يق�ضي
بذلك» .ف�إن م�شرع قانون المخدرات قد عاقب على محاولة �إرتكاب �إحدى جرائم المخدرات
بعقوبة الفعل التام �أي على �أ�سا�س �أنها جنحة وقع ارتكابها.
11قرار املجل�س الأعلى عدد 9 /144بتاريخ .1996-7-18
22الف�صل 114من القانون اجلنائي يف تعريف للمحاولة.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 268
والمالحظ �أي�ضا �أن الم�شرع ركز �أي�ضا على الم�شاركة بالتحري�ض ولم يرفقها كما في
الف�صل � 129أعاله بالهبة �أو الوعد �أو غيرهما من الو�سائل ،و�إنما جعل التحري�ض يتحقق «ب�أية
و�سيلة من الو�سائل» فجاءت العبارة عامة ومطلقة.
في الفقرة الثانية من الف�صل 5من الظهير ،جرم الم�شرع الم�شاركة في جمعية �أو اتفاق
ق�صد �إرتكاب �إحدى جرائم المخدرات .هنا انزاح الم�شرع على مبد�أ عدم تجريم الأفكار
والنوايا حتى ولو �أفرغت في �شكل اتفاق ما دامت تروج في ذهن �أ�صحابها ولم تتج�سد فعليا
على الواقع.
وجدير بالتنبيه �أن قيام الركن المادي لجريمة الم�شاركة ال ي�ستلزم �أن يكون الإتفاق
الم�صمم عليه قد جاء في �شكل معين� ،إذ يت�ساوى في هذا الخ�صو�ص �أن يكون الإتفاق �شفويا
�أو مكتوبا �أو م�سجال و�إنما الذي ي�ستلزم هو �إثبات الإتفاق بكافة الو�سائل التي ت�ؤدي �إلى �إقناع
المحكمة بوجوده.1
الفقرة الثانية :الركن المعنوي في جرائم المخدرات
ت�ستلزم الجريمة توافر الركن المعنوي لقيامها ،وهو الركن المن�صو�ص عليه وعلى
مقت�ضياته في الف�صل 133من ق.ج .ويختلف موقف الم�شرع من تجريم الأفعال المرتكبة بفعل
ال�ضرورة والإكراه �أو الدفاع ال�شرعي �أو الأفعال المباحة ب�أمر القانون �أو ب�إذن منه ،حيث يعفى
الفاعل من الم�س�ؤولية �إما جزئيا �أو كليا بح�سب الأحوال وبالتالي من العقاب بالن�سبة للحالتين
الأولى والثانية �أو تمحى �صفة الجريمة بالن�سبة للأفعال المباحة.
العن�صر المعنوي في جرائم المخدرات ال ينفرد بخ�صو�صيات تجعله مميزا عن النية
الإجرامية عند الفاعل في جرائم �أخرى .فجرائم المخدرات من الجرائم العمدية التي ت�ستلزم
توافر الق�صد الجنائي العام لدى الجاني ،هذا الق�صد الذي يقوم على العلم والإرادة الحرة
(ولم ي�شترط الم�شرع الق�صد الخا�ص فيها) فيكفي لتحقيق �إحدى الجنح المعددة في الظهير
توافر عن�صر العلم ب�أن المادة هي من المواد المخدرة (وال عبرة بالباعث على الم�سك) ،وهو
ما تبناه المجل�س الأعلى في العديد من قراراته ،منها القرار ال�صادر بتاريخ 2006/12/13
والذي جاء فيه« :وحيث عللت المحكمة الم�صدرة للقرار المطعون فيه ما انتهت �إليه من �إلغاء
الحكم االبتدائي ،والحكم من جديد ب�إدانة الطاعنة بالجنحة المن�سوبة �إليها -الم�شاركة في
حيازة المخدرات -بما يلي( :حيث �أن براءة ال�ضنينة الثانية على �أ�سا�س خلو الملف مما يفيد
�إدانتها ال ي�ستند على �أ�سا�س ،على اعتبار �أن الكمية من الكيف والتبغ المهرب وجدت بحوزتها،
كما �أن ال�ضنينة الأولى طلبت منها �إخفاءها بحظيرة الما�شية ال�شيء الذي يف�سر بكل جالء �أن
ال�ضنينة الثانية كانت تعلم بوجود المخدر داخل الكي�س).
لكن حيث �إن هذا التعليل الذي بررته المحكمة م�صدرة القرار المطعون فيه �إدانة العار�ضة
بالجريمة المذكورة لم يبرز بما فيه الكفاية عنا�صر الفعل المدانة به الطاعنة خا�صة منها
عن�صر العلم� ،إذ ان�صب على وقائع مجردة لم ي�ست�شف منها بو�ضوح بكون العار�ضة كانت
ملمة ب�شكل دقيق ووا�ضح بطبيعة المادة التي �ضبطت بحوزتها داخل الكي�س ،ف�ضال على �أن
علمها بكون المتهمة الأولى تتعاطى لالتجار في المخدرات ال ينه�ض دليال على توفير عن�صر
العلم لديها ب�أن محتوى الكي�س الذي �سلمته �إليها ال�ضنينة الأولى هو مادة مخدرة وبذلك يكون
التعليل الذي �أورده القرار المطعون فيه على النحو المذكور جاء معيبا وم�شوبا بالنق�صان مما
1
يعر�ضه للنق�ض والإبطال».
عن�صر العلم هنا يجب �إثباته من طرف النيابة العامة ب�صورة فعلية وال يجب افترا�ضه.
وفي المقابل ،ف�إنه ال يقبل من الجاني االحتجاج بجهله بكون المادة المحجوزة هي من المواد
المخدرة المحظورة والمدرجة في جدول من الجداول لأن العلم بالن�ص القانوني مفتر�ض وال
يعذر �أحد بجهله للقاعدة القانونية.
المبحث الثاني :عقاب جرائم المخدرات و�إ�شكالية الم�ساطر المرجعية
المطلب الأول :عقاب جرائم المخدرات
2
يجمع ظهير المخدرات بين عقوبات �أ�صلية وعقوبات تبعية وتكميلية.
الفقرة الأولى :العقوبات الأ�صلية
ب�إلقاء نظرة على العقوبات الواردة في ظهير ،1974 -5-21يالحظ �أن الم�شرع عاقب في
المادة الأولى منه كل من خالف مقت�ضيات ظهير 2دجنبر 1922المتعلق با�ستيراد المواد
ال�سامة والإتجار فيها وم�سكها وا�ستعمالها ،وفي المادة الثانية من نف�س الظهير عاقب كل
م�ستورد �أو م�صدر �أو منتج �أو �صانع �أو ناقل �أو ما�سك للمواد المعتبرة مخدرات خارج ما هو
م�سموح به قانونا بعقوبة م�شددة تتراوح بين � 5سنوات �إلى � 10سنوات وبغرامة تتراوح بين 5000
و 500.000درهم ،وفي المادة الثالثة من الظهير عاقب بالحب�س من �سنتين �إلى ع�شر �سنوات
وبغرامة ما بين � 5000إلى 500.000درهم:
11قرار عدد 3-3418بتاريخ 2006/12/13ملف جنحي عدد ،2003-17-121جملة امللف العدد 15نونرب 2009
�ص.236.
22املعطي اجلبوجي-مرجع �سابق �ص.81.
271 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
- 1كل من �سهل على الغير ا�ستعمال المواد �أو النباتات المذكورة بعو�ض �أو بغير عو�ض �إما
بتوفير محل لهذا الغر�ض و�إما ب�إ�ستعمال �أية و�سيلة من الو�سائل.
- 2كل من عمل على ت�سلم المواد �أو النباتات المذكورة بوا�سطة و�صفات طبية �صورية �أو
حاول العمل على ت�سلمها.
- 3كل دكتور في الطب �سلم و�صفة �صورية ت�ساعد الغير على ا�ستعمال المواد �أو النباتات
المعتبرة مخدرات.
- 4كل من كان على علم بال�صبغة ال�صورية التي تكت�سيها هذه الو�صفات و�سلم بناء على
تقديمها �إليه المواد �أو النباتات المذكورة.
ويرفع الحد الأدنى للعقوبة �إلى � 5سنوات �إذا كان ا�ستعمال المواد �أو النباتات المذكورة قد
�سهل على قا�صر �أو عدة قا�صرين يبلغون من العمر � 21سنة �أو �أقل� ،أو �إذا كانت هذه المواد �أو
النباتات قد �سلمت طبقا لل�شروط المن�صو�ص عليها في المقطعين 1و 4من الف�صل .3
�أما في المادة الثامنة ،فقد عامل الم�شرع فئة الم�ستهلكين معاملة خا�صة تختلف عن باقي
الفئات الأخرى ،ونظر �إليها نظرة المري�ض الذي يحتاج العالج قبل العقاب .وهكذا ن�ص
الف�صل المذكور على عقوبة اختيارية في حق الم�ستهلكين بين الحب�س من �شهرين �إلى �سنة
وغرامة من � 500إلى 5000درهم� ،أو �إحدى هاتين العقوبتين بال�شروط التي تطرقنا �إليها عند
الحديث عن ا�ستهالك المخدرات.
وقد �أ�شار الظهير في الف�صل � 12إلى �ضرورة تطبيق قواعد العود المن�صو�ص عليها في
القانون الجنائي على جميع جرائم المخدرات المعاقب عليها في الظهير ،وعلى هذا الأ�سا�س
ف�إنه كلما ثبت �إرتكاب المتهم لجريمة �أو �أكثر بعد الحكم عليه بحكم حائز لقوة ال�شيء
المق�ضي به في جريمة �أو جرائم �أخرى من جرائم المخدرات قبل م�ضي � 5سنوات من تمام
تلك العقوبة �أو تقادمها ،وجب الحكم عليه بعقوبة الحب�س لمدة ال تتجاوز �ضعف الحد الأق�صى
لجريمة المخدرات الثانية.
ويالحظ �أن الم�شرع المغربي لم يدرج جرائم المخدرات في �أحكام الف�صل 158من ق.ج عند
تحديد الجنح المتماثلة لتقرير العود .كما �أن ظهير 1974لم ي�شر �إلى وجود تماثل بين الجريمة
الثانية والجريمة الأولى ،مما تعتبر معه جميع جرائم المخدرات متماثلة ومن طبيعة واحدة.
وقواعد العود المحال عليها من هذا الف�صل هي تلك المف�صلة بالمادتين 154و 157من
ق.ج ،حيث ن�ص الف�صل « :154يعتبر في حالة عود طبقا لل�شروط المقررة في الف�صول التالية،
من يرتكب جريمة بعد �أن حكم عليه بحكم حائز لقوة ال�شيء المحكوم به ،من �أجل جريمة
�سابقة».
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 272
ون�ص الف�صل « : 157من �سبق الحكم عليه من �أجل جنحة بعقوبة الحب�س ،بحكم حائز
لقوة ال�شيء المحكوم فيه ثم �إرتكب جنحة مماثلة قبل م�ضي � 5سنوات من تمام تنفيذ تلك
العقوبة �أو تقادمها ،يجب الحكم عليه بعقوبة الحب�س الذي ال يتجاوز �ضعف الحد الأق�صى
للعقوبة المقررة قانونا للجنحة الثانية».
الفقرة الثانية :العقوبات التبعية والتكميلية
�أوال :العقوبات التبعية
العقوبات التبعية جزاء ي�ضاف �إلى العقوبة الأ�صلية المحكوم بها على المتهم ،وقد ن�ص
الف�صل 7من ظهير 1974على �أنه يجوز للمحاكم المعرو�ضة عليها الق�ضية في جميع الحاالت
المقررة في الف�صول ال�سابقة �أن تحكم على مرتكبي الجرائم بالتجريد من حق �أو عدد من
الحقوق الم�شار �إليها في الف�صل 40من ق.ج وتتعلق بحق من الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو
العائلية المن�صو�ص عليها في الف�صل 26وت�شمل ح�سب هذا الف�صل:
- 1عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال
العمومية.
- 2حرمان المحكوم عليه من �أن يكون ناخبا �أو منتخبا وحرمانه ب�صفة عامة من �سائر
الحقوق الوطنية وال�سيا�سية ومن حق التحلي ب�أي و�سام.
- 3عدم الأهلية للقيام بمهمة ع�ضو محلف �أو خبير وعدم الأهلية لأداء ال�شهادة �أمام
الق�ضاء �إال على �سبيل الإخبار.
- 4عدم �أهلية المحكوم عليه لأن يكون و�صيا �أو م�شرفا على غير �أوالده .
- 5الحرمان من حق حمل ال�سالح ،ومن الخدمة في الجي�ش والقيام بالتعليم �أو �إدارة
مدر�سة �أو العمل في م�ؤ�س�سة للتعليم ك�أ�ستاذ �أو مدر�س �أو مرافق.
و�إلى جانب التجريد من الحقوق الوطنية يجوز �أن يحكم على مرتكبي جرائم المخدرات
بالتدبير الوقائي الرامي �إلى المنع من الإقامة لمدة تتراوح ما بين � 5سنوات و� 20سنة.
والمنع من الإقامة كما عرفه الف�صل 71من ق.ج « :هو منع المحكوم عليه من �أن يحل
ب�أماكن معينة ،ولمدة محددة �إذا اعتبرت المحكمة �أن �إقامة المحكوم عليه بالأماكن الم�شار
�إليها يكون خطرا على النظام العام �أو على �أمن الأ�شخا�ص» بالنظر لطبيعة الفعل المرتكب �أو
ل�شخ�صية الفاعل �أو لظروف �أخرى.
كما �أجاز الم�شرع للمحكمة المرفوع �إليها ق�ضية �إحدى الجرائم المبينة في ظهير 1974
والمرتكبة من طرف �أحد الأجانب �أن تحكم عليه بالمنع من الإقامة في التراب الوطني مدة
273 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
تتراوح مابين 5و � 10سنوات ب�صرف النظر عن تدبير الطرد الذي يمكن �أن ت�أمر به ال�سلطة
الإدارية.
ومن التدابير الوقائية ال�شخ�صية التي ن�ص عليها الم�شرع المغربي في الف�صلين 65و 67
من ق.ج والتي لها عالقة بمادة المخدرات ،نجد الإق�صاء الإلزامي :ويكون في حالة المتهم
الذي �سبق �أن حكم عليه بالإق�صاء ثم �إرتكب داخل � 10سنوات الموالية ليوم �إخراجه جناية
كيفما كان نوعها �أو جنحة من الجنح المن�صو�ص عليها في الفقرة الثانية من الف�صل 66من
ق.ج .
ومن التدابير الوقائية �أي�ضا المن�صو�ص عليها في ق.ج ولها عالقة بالمواد المخدرة نجد
الإيداع الق�ضائي في م�ؤ�س�سة عالجية .وقد عرفه الف�صل 80من ق.ج « :الو�ضع الق�ضائي
في م�ؤ�س�سة للعالج هو �أن يجعل تحت المراقبة بم�ؤ�س�سة مالئمة -وبمقت�ضى حكم �صادر عن
ق�ضاة الحكم � -شخ�ص �إرتكب �أو �ساهم �أو �شارك في جناية �أو جنحة ت�أديبية �أو �ضبطية وكان
م�صابا بت�سمم مزمن ترتب عن تعاطي الكحول �أو المخدرات �إذا ظهر �أن لإجرامه �صلة بذلك
الت�سمم» .
فالغاية من هذا التدبير حماية المجتمع من بع�ض المجرمين المتعاطين للمواد الكحولية �أو
المخدرات بمختلف �أنواعها ،والذين غالبا ما يكونوا انفعاليين وغير متحكمين في ت�صرفاتهم
نتيجة تعاطيهم للمخدرات .كما �أراد الم�شرع من خالل هذا التدبير جر ه�ؤالء المدمنين �إلى
الإقالع عن التعاطي للمواد المخدرة و�إ�صالح �أنف�سهم و�إعادة االندماج في المجتمع.
ثانيا :العقوبات التكميلية
العقوبات التكميلية التي ن�ص عليها الم�شرع في الظهير المتعلق بالمخدرات هي الم�صادرة
والإغالق.
- 1الم�صادرة
المق�صود بالم�صادرة هو نقل ملكية ال�شيء المحجوز �إلى الدولة نقال تاما ي�شمل اال�ستعمال
والإ�ستغالل والت�صرف .ويتبين من قراءة الف�صل 11من ظهير � 1974أنها جمعت بين الم�صادرة
كتدبير احترازي وبين الم�صادرة كعقوبة.
�أ -الم�صادرة كتدبير احترازي :يتبين من قراءة المادة � 11أنه يتعين على المحاكم في
جميع الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صول ال�سابقة �أن ت�صادر المواد �أو النباتات المحجوزة
تطبيقا للف�صل 89من ق.ج الذي يق�ضي « :ي�ؤمر بالم�صادرة كتدبير وقائي بالن�سبة للأدوات
والأ�شياء المحجوزة التي يكون �صنعها �أو ا�ستعمالها �أو حملها �أو حيازتها �أو بيعها جريمة ولو
كانت تلك الأدوات �أو الأ�شياء على ملك الغير ،وحتى لو لم ي�صدر حكم بالإدانة».
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 274
تكون الم�صادرة كتدبير احترازي عندما تهم جميع الأ�شياء التي تكون حيازتها �أ�صال غير
م�شروعة بهدف توقي خطورة �إجرامية كامنة في هذه الأ�شياء.
ينبني الحكم بم�صادرة جميع المواد والنباتات المخدرة ،وكذا جميع المبالغ المح�صل
عليها من �إحدى جرائم المخدرات كيفما كانت نتيجة الحكم �سواء بالإدانة �أو البراءة �أو
�سقوط الدعوى العمومية لموت المتهم �أو للتقادم.
ب -الم�صادرة كعقوبة جنائية :تو�صف الم�صادرة كعقوبة جنائية لأنها �أوال تقع على �أ�شياء
تكون حيازتها في الأ�صل متاحة �إال �أن ارتباطها بالجريمة يخرجها من دائرة التجريم .وهكذا،
تقع م�صادرة جميع المبالغ المالية المح�صل عليها من �إرتكاب الجريمة وكذا جميع الأدوات
ومن�ش�آت تحويل المواد �أو �صنعها �أو الو�سائل الم�ستعملة لنقلها ،ولأنها ثانيا يجب التن�صي�ص
عليها �صراحة في الحكم ال�صادر في مو�ضوع الدعوى.
ومن الإ�شكاالت التي تطرح عالقة بالم�صادرة ،الإخالل بحقوق الغير «ح�سن النية» وذلك
عندما تتم م�صادرة �أدوات �أو و�سائل النقل �أو �أ�شياء تكون في ملكية �أجنبي عن الجريمة.
كما في حالة البواخر المحملة بكمية المخدرات �أو �سيارة الأجرة �أو الحافالت ،و�أ�سا�س
هذه الإ�شكالية �أن ظهير � 1974أوجب م�صادرة و�سائل النقل الم�ستعملة في نقل المخدرات
دون تمييز في ملكيتها بين مرتكب الجريمة والأجنبي عنها ،ومن �آثار هذا على م�ستوى العمل
الق�ضائي ،اختالف المحاكم المغربية في التعامل مع هذه الإ�شكالية ،حيث هناك من يرى
ب�ضرورة ربط المادة 11من الظهير بالمادة 133من ق.ج التي ت�شترط العمد الذي ال يتحقق
�إال بتوافر عن�صري الإرادة والعلم .وعلى هذا الأ�سا�س� ،إذا ا�ستعمل الأجنبي و�سيلة للنقل في
ملكه في �إرتكاب الجريمة دون علمه فال محل للم�صادرة .وعلى هذا الأ�سا�س ق�ضت المحكمة
االبتدائية بالدار البي�ضاء برف�ض طلب النيابة العامة بم�صادرة باخرة �ضبطت محملة بكمية
المخدرات بعد �أن ثبت لها �أن ربان الباخرة الذي هو الممثل القانوني للمالكين غير متورط
في العملية.
وهذا في الوقت الذي ذهب فيه المجل�س الأعلى في �إحدى قراراته ب�أن قرار المحكمة
بم�صادرة ال�سيارة التي ا�ستعملها المتهم في نقل المخدرات �صائبا العتمادها في ذلك على
مقت�ضيات الف�صل 11من ظهير 1974التي تن�ص على حجز الو�سائل الم�ستعملة للنقل دون
تمييز بين الغير ح�سن النية والغير �سيء النية ،وقرار المجل�س الأعلى يبقى مبررا للعلة الواردة
فيه ،وكذا العلة �أن الن�ص الخا�ص مقدم على الن�ص العام عند التعار�ض.
وهناك بع�ض الفقه 1الذي طالب ب�إعمال �أحكام الف�صل 4من ظهير ال�شريف رقم-413
11مقال بعنوان :م�صادرة و�سائل النقل كعقوبة �إ�ضافية بني الن�ص اجلنائي العام والن�ص اجلنائي اخلا�ص للأ�ستاذ �أبو م�سلم
275 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
والإغالق المن�صو�ص عليه في جرائم المخدرات هو �إغالق م�ؤقت ال تقل مدته عن � 10أيام وال
تزيد عن � 6أ�شهر كحد �أق�صى ما لم ين�ص القانون على خالف ذلك.
1
وتجدر الإ�شارة �إلى �أن موت المحكوم عليه ال يحول دون تنفيذ التدابير الوقائية العينية.
المطلب الثاني� :إ�شكالية الم�ساطر المرجعية في جرائم المخدرات
�إن توفير الحماية للحريات والحقوق الفردية واجب على عاتق الدولة ،والتزام
مفرو�ض عليها ،ت�ضم تحت جناحيها �أفرادا يع�شون فيها ،ويتحقق من خالل تقرير مبد�أ
ال�شرعية الجنائية في جانبها المو�ضوعي وكذا الم�سطري ،ف�إذا كان الفكر الإن�ساني قد اهتدى
عبر مراحل ن�ضاله الطويل �إلى �ضرورة �إعالء راية حقوق الدفاع والإنت�صار �إلى العدالة فيما
ت�ضمنته الإعالنات ذات العالقة وكذا المواثيق الدولية �إلى جانب الد�ساتير المغربية.
والدولة باعتبارها �صاحبة الحق في العقاب ،ال ت�ستطيع بهذه ال�صفة اقت�ضاء حقها
بالتنفيذ المبا�شر على المتهم مهما بلغت خطورة الجريمة ،و�إنما عليها �أن تلج�أ في �سبيل ذلك
�إلى الجهات والإجراءات التي حددها القانون� ،إال �أن الواقع العملي �أفرز لنا �سبال وم�ساطر
لم ين�ص عليها القانون ولم ير�سم لها �إطار معين ،ومن بين هذه الم�ساطر نجد الم�ساطر
المرجعية.
ومن خالل ا�ستقراء ن�صو�ص قانون الم�سطرة الجنائية وكذلك الن�صو�ص الم�سطرية
الخا�صة نقف على خال�صة مفادها�،أن هذا الت�شريع بمختلف �أنواعه ال يت�ضمن �أي تن�صي�ص
�صريح على ما ي�صطلح عليه بالم�سطرة المرجعية �أو بالم�سطرة الإ�ستنادية �أو الجزئية،
وبالتالي فهو م�صطلح غير قانوني �أو بالأحرى غير من�صو�ص عليه قانونيا ،وعالقة بذلك
�سنحاول ت�سليط ال�ضوء على الم�ساطر المرجعية المتعلقة بجرائم المخدرات على �ضوء من�شور
النيابة العامة الأخير الذي ي�ستدعي طرح مجموعة من الإ�شكاالت والتي �سنتولى التطرق لها
من خالل هذا المطلب.
الفقرة الأولى :خ�صو�صية الم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات
بالرجوع للن�صو�ص الإجرائية �أو الم�سطرية ،ال نجد �أي تعريف قانوني للم�ساطر المرجعية
وهذا �أمر طبيعي بالنظر لكون �أن وظيفة الم�شرع من حيث المبد�أ ال تندرج في �إعطاء تعاريف
لكون �أن ذلك موكول للق�ضاء والفقه في و�ضع تعاريف محددة.
�إال �أن ذلك ال يمنع من االجتهاد في البحث عن �أ�صول هاته الت�سمية التي ا�ستمدت من
الواقع العملي كما �سبق الإ�شارة �إلى ذلك ،طالما �أن محلها ال يخرج عن كونها محا�ضر منظمة
11املعطي اجلبوجي :مرجع �سابق �ص.92.
277 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
بالقانون بل وم�شمولة بحماية الف�صل 290من قانون الم�سطرة الجنائية ،وال ي�ست�ساغ تمطيطها
لدرجة اعتبارها تقوم مقام الحجة و الدليل القاطع �أو المطلق الذي ال يقبل �إثبات العك�س.
فالممار�سة العملية �أفرزت تمظهر هاته الأخيرة و ب�شكل حاد بق�ضايا المخدرات و ذلك
راجع بالأ�سا�س العتبارات تهم طبيعة جريمة المخدرات و�آثارها الخطيرة على المجمتع ،بل
وحتى �صعوبة �ضبط مرتكبيها اللذين يتميزون عن غيرهم بمعرفتهم اليقينة لكل الأ�ساليب
الم�ستعملة في محاربة هاته الآفة .لذلك فالجاني بجرائم المخدرات على قدر غير م�ستهان
به من اليقظة ،وي�ستعمل جميع الأ�ساليب للإفالت من قب�ضة العدالة ،فهو ينتهج في كل وقت
وحين جميع االحتياطات من قبيل ا�ستعماله لهواتف ب�أرقام مجهولة و لأ�شخا�ص و�سطاء كثر
ومعرفة نقاط التفتي�ش وغيرها ،..مما ي�ستع�صي معه �إلقاء القب�ض عليه في حالة غير حالة
التلب�س فيكون الخيط الأول الذي يمكن ال�ضابطة الق�ضائية من التعرف عليه هو ذكر هويته
�أو �أو�صافه �إما من قبل م�ستهلكي هاته المادة �أو من قبل الو�سطاء المتاجرين بها� ،إال �أن ذلك
ال يعني القفز على و�سائل الإثبات الجنائي بمجرد ورود �إ�سمه �أو تورطه في ق�ضية للمخدرات
(قاعدة :نفي م�صرحي الم�سطرة المرجعية �سابق اقتنائهم المخدرات من ال�ضنين مقابل
�إنكار هذا الأخير الفعل المتابع ب�ش�أنه ،يجعل ثبوت الإتجار في المخدرات غير قائمة -قرار
محكمة النق�ض عدد 1/47ملف جنحي عدد 2013/12088بتاريخ .)2014/01/29
لذلك �أعتقد �أن خ�صو�صية هاته الجريمة من حيث طبيعتها و طبيعة مرتكبيها هي ما جعلت
الم�شرع ينظمها في �إطار قانون خا�ص «ظهير 21ماي »1974ولي�س �ضمن مجموعة القانون
الجنائي ك�إ�شارة للدار�س و الممار�س على �أن هاته الجريمة تحتاج لخ�صو�صية تتنا�سب مع
طبيعتها ،وهو الأمر الذي �أفرز نقا�شا عميقا حول الم�ساطر المرجعية بالمخدرات دون غيرها
بق�ضايا �أخرى ،خا�صة �أن قواعد الإثبات الجنائي التي تكون ثابتة في باقي الجرائم نجدها
بجريمة المخدرات متحركة قد ت�ؤدي في بع�ض الأحيان للإعتماد على مجرد ت�صريحات متهم
في مواجهة متهم �آخر (التي ا�ستقر عليها االجتهاد الق�ضائي) في اعتبار� :شهادة متهم على
متهم ال تجوز �إال �إذا كللت بقرائن و دالئل �أخرى تع�ض�ضها في �إطار ما ي�سمى «مبد�أ ت�ساند
الأدلة».
مما ي�ستتبع في نظرنا المتوا�ضع للنظر في كون �أن البحث مع متهم ورد �إ�سمه بموجب
م�سطرة مرجعية ال يدعوا للريبة والقلق على حقوق الأفراد وحرياتهم ،طالما �أن �أحقية
الم�شتبه فيه في �إثبات العك�س م�ضمونة قانونا.
لذلك ال يجب الغلو في اعتبار الم�ساطر المرجعية �سيف م�سلط على رقاب الأبرياء بقدر
ما �أن ورود �إ�سم لم�شتبه فيه لتورطه بجريمة المخدرات ي�ستلزم تحقيق نوع من الموازنة بين
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 278
�أحقية النيابة العامة في البحث و التق�صي حول جدية هاته الت�صريحات و �إلى جانبه ق�ضاء
التحقيق و الحكم و بين �أحقية المعني بالأمر في الإدالء بدلوه و تقديمه لكل �أوجه دفاعه لإثبات
عك�س ما ورد فيها.
مما يعني �أن مدلولية الدال ال تقوم حجة للإ�ستدالل وهذا ما �سنتناوله بالدرا�سة والتحليل
على �ضوء من�شور النيابة العامة حول تدبير الم�ساطر المرجعية الم�ؤرخ في � 16أكتوبر . 2018
الفقرة الثانية :دالالت من�شور النيابة العامة بق�ضايا المخدرات
يعتبر من�شور النيابة العامة المتعلق بالم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات خطوة نوعية
تحمل في طياتها العديد من الدالالت ال�شكلية و المو�ضوعية التي �سنعرج عليها كالتالي:
�أ -الداللة التعريفية :
با�ستقراء من�شور النيابة العامة الم�شار لمراجعه �أعاله يالحظ �أنه �أعطى ت�سمية لهاته
النوعية من الم�ساطر وا�ضعا حدا لكل الت�سميات الرائجة بالأو�ساط القانونية والق�ضائية،
بو�صفها الو�صف الأدق بخالف تلك الت�سميات المتعددة كالم�ساطر الإ�ستنادية �أو الم�ساطر
الإ�ستداللية ليوحد بذلك بين كل تلك المفاهيم في اختيار “الم�ساطر المرجعية” ،الذي نجده
الأقرب لل�صواب فالم�ساطر تم ا�ستقائها من قانون الم�سطرة الجنائية والذي يعتبر قانونا
لل�شكل و المراجع للداللة على تاريخ �إنجاز المح�ضر وترقيمه والجهة المكلفة به مما يدفعنا
للقول �أننا نتوفر اليوم على مرجع ق�ضائي ي�ؤ�س�س لمفهوم الم�ساطر المرجعية والتعامل معها
ين�ضاف للأحكام الق�ضائية التي اعتمدت هاته الت�سمية.
ب -الداللة الد�ستورية :
من �أهم مرتكزات عمل النيابة العامة هو حماية الأفراد و الجماعات وتوفير جو من الثقة
بمرفق الق�ضاء من خالل تخليق الحياة العامة ،والتي ال يخرج عنها الم�ساهمة بتخليق الحياة
الق�ضائية لذلك كان الم�ستهدف الأول و الأخير من خالل هذا المن�شور هو المتقا�ضي انت�صارا
للخطب الملكية ال�سامية الداعية لجعل الق�ضاء في خدمة المواطن وكذا تكري�س المبادئ
الد�ستورية و الإتفاقيات الدولية.
لي�أتي هذا المن�شور ليبث روحا جديدة للمحاكمة الزجرية ب�أكثر الق�ضايا تعقيدا وخطورة
�أال وهي ق�ضايا المخدرات (باعتبار �أن جريمة ترويج المخدرات وحيازتها ت�شكل ا�ستثناءا من
القاعدة الجنحية التي تفر�ض عقوبة حب�سية تتجاوز خم�س �سنوات لت�صل لع�شر �سنوات من
الحب�س و الغرامة وك�أنها جريمة جنحية بعقوبة جنائية).
لذلك عمد من�شور النيابة العامة المذكور �إلى تعزيز قرينة البراءة من خالل ال�ضوابط
المر�سومة به وك�أن �شرعية الإجراءات من �شرعية المتابعة.
279 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وبه ال يجوز متابعة �أي �شخ�ص م�شبه فيه �أو متهم دون توافر قرائن و دالئل تحوم حول
�إمكانية �إرتكابه لفعل مو�صوم بالتجريم بو�ضع �سد منيع �أمام المتابعات االفترا�ضية لأن الأ�صل
بموجب المادة 1من قانون الم�سطرة الجنائية في كل م�شتبه فيه �أو متهم هو البراءة هذا الذي
ارتقي به لمبد�أ د�ستوري بعدما �أن كان مجرد ن�ص م�سطري ال غير.
ت -الداللة الإجرائية
تعتبر �أن من�شور النيابة العامة مو�ضوع درا�ستنا قد �أعاد التوازن بين القواعد الإجرائية و
القواعد المو�ضوعية بيد �أن ورود هوية �شخ�ص �أو موا�صفاته بم�سطرة تتعلق بجريمة المخدرات
ال يعطي الأحقية في القفز على قواعد البحث و التق�صي المعمول بها للت�أكد من مدى جديتها
من عدمها.
ذلك �أن التباين المالحظ في غلو القاعدة المو�ضوعية على القاعدة الإجرائية خلق نوعا
من التع�سف في بع�ض الأحيان على �ضمانات المحاكمة العادلة ،فكان من الالزم �إرجاع الأمور
لن�صابها من خالل �إقرار توازن �إزدواجي بين القواعد الإجرائية والمو�ضوعية وتوفير الم�ساحة
الالزمة بين كل واحدة منهما عن الأخرى بما يكفل جعل القاعدة الإجرائية في خدمة القاعدة
المو�ضوعية ال العك�س.
وهو ما تم ت�سطيره بموجب البند الأول من المن�شور المذكور من خالل دعوته �إيالء
الم�ساطر المرجعية المزيد من العناية والدقة �أثناء مرحلة البحث التمهيدي والتقديم.
وكذا القيام بكل التحريات الالزمة وتعميق البحث فيها مع ا�ستنفاذ كافة الإجراءات
القانونية ال�ضرورية في مرحلة البحث الجنائي ب�شكل يخدم الو�صول للحقيقة بموجب البند
الثاني منه.
ث -الداللة الق�ضائية
با�ستقراء ال�سطور الواردة بمن�شور النيابة العامة وما تكتنفه من �إ�شارات تقوي المكانة
الق�ضائية للنيابة العامة من خالل النقط التالية:
�أوال� :أن من�شور النيابة العامة يدخل في �إطار االجتهاد الق�ضائي لم�ؤ�س�سة النيابة العامة،
ذلك �أنه باعتبارها جهازا ق�ضائيا ال يقف عند ممار�سة النيابة العامة لمهامها التقليدية �أو
الكال�سيكية في ت�سطير المتابعات ومبا�شرة الدعوى العمومية بل �أ�ضحى بموجب المنا�شير
النيابية اجتهادا لق�ضاء النيابة العامة ،لكون �أن اكت�ساب �صفة االجتهاد الق�ضائي ينحوا من
خالل ت�ضمنها للآليات الم�ساعدة في �إعمال قواعد م�سطرية وكيفية تي�سير �سبل تنزيلها
بق�ضايا الم�ساطر المرجعية للمخدرات.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 280
ومنه ف�إذا كنا نت�صور في وقت �سابق �أن االجتهاد الق�ضائي ال يمكن ت�صوره �إال من خالل
�صدور �أحكام ومقررات ق�ضائية من قبل محكمة النق�ض �أو محاكم المو�ضوع ،يمكن لنا اليوم
�أن نقول ب�أن هذا المفهوم �أ�ضحى متجاوزا �أمام ا�ستقالل رئا�سة النيابة العامة و �إ�سناد رئا�ستها
لجهة ق�ضائية ممثلة في ال�سيد رئي�س النيابة العامة و�صدور منا�شير رئا�سية للنيابة العامة ذات
طبيعة ق�ضائية طالما �أن ال�صفة الق�ضائية لرئا�سة النيابة العامة حا�ضرة وبقوة وال يمكن
تجاهلها ب�أي �شكل من الأ�شكال.
ثانيا� :إذا كان المن�شور النيابي يكت�سي ال�صفة الق�ضائية بح�سب ما �أ�شرنا �إليه �سابقا
ف�إن الطبيعة القانونية لهذا الأخير تجعله متميزا عن غيره لكونه يكت�سي بنف�س الوقت �صبغة
تعليمات كتابية ال يجوز مخالفتها وي�ستتبع في نف�س الوقت ربط الم�س�ؤولية بالمحا�سبة.
كما ي�ستهدف توحيد عمل النيابة العامة بربوع المملكة انت�صارا لمبد�أ وحدة النيابة الذي
يتبين �أنه تو�سع ليطال عمل هاته الأخيرة ليبتعد عن المفهوم التركيبي الذي كان يق�ضي بكون
�أن جميع �أع�ضاء النيابة العامة وحدة متجان�سة ،ليتم القطع مع تلك الممار�سات المتباينة
لبع�ض النيابات العامة بالق�ضايا المتعلقة بالم�ساطر المرجعية للمخدرات.
وهذا بحد ذاته �أكبر تج�سيد ل�شفافية مرفق النيابة العامة و تكري�س لمبد�أ م�ساوات الجميع
�أمام الق�ضاء الذي تم اقتبا�س تنزيله لي�س على م�ستوى الق�ضاء الجال�س بل �أن ح�ضوره �أ�صبح
واقعا بق�ضاء النيابة بموجب تفعيل هذا المن�شور.
�إذن يحق لنا القول �أن رهان رئا�سة النيابة العامة يفوق كل التوقعات في ح�ضور �صفتها
الق�ضائية من خالل �سلوك منهجية علمية متعددة االتجاهات هدفها الأول والأخير الم�ساهمة
الفعلية في تحقيق الأمن الق�ضائي.
ثالثا :بخالف القراءة الإ�ستنباطية التي اعتمدناها في محاولة مالم�سة من�شور النيابة
العامة المتعلق بالم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات ،نجد�أن ما تم ت�سطيره بهذا المن�شور
بمثابة خطة للعمل كلما عر�ضت على �أي نيابة عامة ق�ضية مماثلة يمكن �أن ت�سلك م�سالك معدة
�سلفا ك�إجراءات احترازية ل�سد باب التقا�ضي ب�سوء النية في مواجهة بع�ض الم�صرحين الذين
يكون هدفهم االنتقام �أو اال�سترزاق الالم�شروع والت�أثير على مقررات النيابة العامة من خالل
توريط بع�ض الأ�شخا�ص بذكر �أ�سمائهم �أو �ألقابهم بق�ضايا المخدرات وترتيب الآثار القانونية
الالزمة بكل حزم (البند الخام�س من المن�شور).
لذلك كانت الحكمة حليفة من�شور النيابة العامة من خالل �إقرار مبد�أ الأمن الإجرائي
والم�سطري وتوحيد �أعماله وقطع الطريق ب�شكل نهائي مع هاته الممار�سات بترتيب الجزاء
المقرر قانونا كلما ثبت �صحة ذلك.
281 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
رابعا :من البديهي �أن �أي اجتهاد ق�ضائي ي�ستهدف بالدرجة الأولى توحيد العمل الق�ضائي،
�إال �أن االجتهاد النيابي لق�ضاء النيابة العامة ،كما تمت ت�سميته بموجب هاته المداخلة ا�ستهدف
عقلنة عمل النيابة العامة و تر�شيد المتابعات المتعلقة بالم�ساطر المرجعية لق�ضايا المخدرات
ال�شئ الذي �سي�ساهم بالإيجاب في حكامة ق�ضائية متميزة ،بل �شكل ال محالة �سابقة تن�ضاف
ل�سجل رئا�سة النيابة العامة الحافل منذ ا�ستقاللها عن الجهاز التنفيذي انت�صارا لدولة الحق
والقانون.
ج -الداللة التفاعلية
لطالما ا�ستهدفت النيابة العامة بحكم نيابتها على المجتمع واعتالء من�صة الق�ضاء الواقف
للمطالبة بزجر المخالفين للقانون بتو�صيفات متعددة اختلفت باختالف مواقع �أ�صحابها بين
من اعتبرها الخ�صم ال�شريف بالمنازعة الزجرية ،وبين من اعتبرها جافة في ملتم�ساتها التي
ال تخرج عن المطالبة بالإدانة و �إيقاع �أق�صى العقوبات.
�إال �أن ح�ضور م�ؤ�س�سة النيابة العامة من خالل منا�شيرها �أ�ضاء الم�شهد القانوني والق�ضائي
بل وحتى الحقوقي من خالل تفاعلها الإيجابي مع ما تعرفه نقا�شات حقوقية جادة بخ�صو�ص
حريات الأفراد والجماعات ،والتي تعد من بينها مو�ضوع الم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات
واالبتعاد كل البعد عن �سيا�سة الجمود وال�صمت.
مما يدفع للقول ب�أن ال�سيا�سة الجنائية اليوم بالمغرب عرفت نقطة تحول كبرى منذ
ا�ستقاللها من خالل االنفتاح الإيجابي على كل الق�ضايا التي ت�شغل باب المتقا�ضين
والمواطنين ب�صفة خا�صة ،والتفاعل الآني مع كل الإ�شكاالت المطروحة باالجتهاد لو�ضع حلول
عملية ومنهجية ال تخرج عن نطاق العدالة في القانون ،مع مراعاة االعتراف بما تواجهه
النيابات العامة من �صعوبات وما تحمله على عاتقها من م�س�ؤوليات ج�سام.
ح -الداللة الحقوقية
ال خالف �أن �صيانة الحقوق و الحريات هو �أكبر مبتغى لل�شعوب و الأمم ،وهذا ما جعل د�ستور
� 2011أولى عناية خا�صة لهذا المو�ضوع ،متما�شيا مع كل المتغيرات الدولية و الإقليميـ ــة ،التي
رفعت �سقف هاته المبادئ لحقوق د�ستورية ال يجوز الم�س بها لدرجة �أ�ضحت مقيا�سا للتقدم
والديموقراطية ،هذا االتجاه الذي �سارت فيه الت�شريعات الوطنية ذات ال�صلة بل والذي انكبت
عليه م�شاريع القوانين و التي على ي�أتي على ر�أ�سها م�شروع قانون الم�سطرة الجنائية الجديد.
لكنه ارتباطا مع مو�ضوع درا�ستنا نجد �أن من�شور النيابة العامة لم يخلف موعده في ت�سجيل
ح�ضور بعده الحقوقي من خالل دعوته ال�صريحة لتفادي �إعمال الإجراءات الما�سة بالحرية
�إال في �أ�ضيق الحدود بموجب البند الرابع منه ،وكذا دعوته ال�صريحة �إلى عدم التردد في
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 282
حفظ الم�ساطر المرجعية �إذا ما �أ�سفرت �إجراءات البحث الجنائي على �سلبية نتائجها وغياب
الإثباتات الالزمة بموجب البند الثالث( .هذا الذي يتما�شى مع توجهات محكمة النق�ض بهذا
ال�ش�أن «تراجع م�صرح الم�سطرة المرجعية عن ت�صريحاته التمهيدية و�إقراره بعدم تزويد
ال�ضنين ب�أي مخدرات ،و�إنكار ال�ضنين لتهمة الإتجار في المخدرات يجعل القرار القا�ضي بعدم
المتابعة �سليما وم�ؤ�س�سا» قرار محكمة النق�ض عدد 1/562الملف الجنحي عدد 2014/3242
بتاريخ .)2014/06/11
مما يعد �سابقة ق�ضائية في تاريخ النيابة العامة بل �أكبر تج�سيد لدفاعها الم�ستميت على
حقوق الأفراد وحرياتهم.
ومنه ال ي�سعنا في الأخير �إال الإ�شادة بهاته المبادرات الخالقة التي جمعت بين ال�شكل
والم�ضمون في �إقرارها قاعدة جوهرية بكون �أن مدلولية الدال ال تقم مقام الحجة لال�ستدالل
للقول بثبوت فعل مو�صوم بالتجريم دون توفر دالئل وقرائن قوية على ذلك ،واعتبار حرية
الأفراد خط �أحمر غير قابل للتجاوز ،ال�شيء الذي يجعل م�شعل النيابة العامة يزداد �إ�ضاءة
كلما عزز بممار�سة ر�شيدة قوامها ت�شريف و تكليف ،اليخرج عن الجمع بين ح�سنة الإجراء
والمو�ضوع ،والتي ال تكتمل �إال من خالل مواكبة فعالة وناجعة ت�ساهم في تحقيق �أمن ق�ضائي
متميز و خلوق ين�سجم تمام االن�سجام مع الخطب الملكية ال�سامية ذات ال�صلة.
283 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
❿
الجريمة االلكترونية
مقدمة
ات�سعت في الآونة الأخيرة دائرة �إ�ستخدام ال�شبكات الإلكترونية للمعلومات ،كو�سيلة
ات�صال دولية في �شتى مجاالت الحياة لتحقيق ما ت�صبوا �إليه الإن�سانية من ال�سرعة في �إنجاز
الم�شاريع ،اخت�صار الوقت والم�سافات وحتى الجهد البدني والذهني ،و�أ�صبحت هذه ال�شبكات
تحتوي على معلومات غير مح�صورة في مجال محدد بل تتعلق بكافة ميادين الحياة االجتماعية،
االقت�صادية ،العلمية وغيرها� ،إال �أن الإ�ستخدام المتزايد لهذه الأنظمة المعلوماتية� ،أدى �إلى
الكثير من المخاطر و�أفرز �أنواعا من الجرائم �أ�صبح بما يعرف بالجرائم الإلكترونية ،وتنوعت
هذه الجرائم المعلوماتية من تزوير و�سرقة المعلومات و�أموال.
وتعرف الجرائم الإلكترونية ب�أنها تلك الأفعال الإجرامية الناتجة من خالل �أو بوا�سطة
�إ�ستخدام المعلوماتية والتقنية الحديثة المتمثلة في الكمبيوتر والمعالجة الآلية للبيانات� ،أو
نقلها ولقد عرفتها منظمة التعاون االقت�صادي والتنمية « ،OECD 1كل فعل �أو امتناع من �ش�أنه
اعتداء على الأموال المادية والمعنوية يكون ناتجا بطريقة مبا�شرة �أو غير مبا�شرة عن تدخل
التقنية المعلوماتية».2
فقد تعددت تعاريف الجريمة الإلكترونية فهناك من تناولها من الزاوية التقنية �أو من
الزاوية القانونية.
كما عرفها الأ�ستاذ جون فور�ستر ب�أنها «فعل �إجرامي ي�ستخدم الكمبيوتر في ارتكابه ك�أداة
رئي�سية» 3كما �أن هناك جانب من الفقه ال يهتم بالو�سيلة �أو مو�ضوع الجريمة المعلوماتية
ويعرفها بو�صفها مرتبطة بالمعرفة الفنية �أو التقنية ب�إ�ستخدام الحا�سب الآلي ،وكذلك عرفت
هذه الجريمة ب�أنها «�أية جريمة يكون متطلبا القترافها �أن تتوافر لدى فاعلها معرفة بتقنية
11حممد ال�شوا ،ثورة املعلومات وانعكا�ساتها على قانون العقوبات ،الطبعة الثانية ،دار النه�ضة العربية ،القاهرة،1994 ،
�ص.7 .
� 22أحمد خليفة امللط ،اجلرائم املعلوماتية ،دار الفكر اجلامعي ،القاهرة ،الطابعة الثانية � ،2005ص.87 .
33خالد عياد احللبي� ،إجراءات التحري والتحقيق يف جرائم احلا�سوب والأنرتنيت ،دار الثقافة للن�رش والتوزيع ،الأردن،
بدون طبعة2011 ،م� ،ص.29 .
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 284
الحا�سب» ،وبذلك عرفها الدكتور ه�شام فريد ر�ستم ب�أنها «�أي فعل غير م�شروع تكون المعرفة
1
بتقنية المعلومات �سيا�سة لمرتكبيه»
وتكت�سي معالجة هذا النوع من الجرائم �أهمية بالغة بالنظر �إلى الإ�شكاالت العملية التي
تطرحها على م�ستوى الق�ضاء والقانون وارتباط ظهورها بتكنولوجيا الحا�سوب والإنترنت ،مما
�أ�سفر عن تميزها بمجموعة من الخ�صائ�ص جعلتها تختلف عن غيرها من الجرائم وا�ستوجب
�ضرورة التعامل معها بما يتالءم مع هذه الخ�صو�صية ،ناهيك عن �أن مرتكبيها يختلفون عادة
عن المجرمين التقليديين باعتبارهم �أ�شخا�صا على م�ستوى عالم العلم والمعرفة ،فالفاعل
في الجرائم المعلوماتية �أو ماي�سمى بالمجرم المعلوماتي لي�س �شخ�صا عاديا �إنما �شخ�ص ذو
مهارات تقنية عالية قادر على �إ�ستخدام قدراته لتغيير المعلومات� ،أو تقليد البرامج �أو تحويل
الح�سابات عن طريق ا�ستعمال الحا�سوب ب�شكل غير م�شروع ،فهذه الجرائم ذات طبيعة خا�صة
لتعلقها من ناحية ب�أ�ساليب المعالجة الإلكترونية للبيانات من خالل تجميعها وتجهيزها بغية
الح�صول على معلومات ،ومن ناحية �أخرى ب�أ�ساليب معالجة الكلمات �أو الن�صو�ص والوثائق
المخزنة في الحا�سوب بطريقة �أوتوماتيكية ،تمكن الم�ستخدم من االطالع على وثائق الحا�سوب
و�إجراء التعديالت عليها من محو و�إ�ضافة كما في حاالت التقليد والتزوير.
وهي جرائم الي�ستهان بها لم�سا�سها بم�صالح المجتمع خا�صة فيما يتعلق بتعامالت البنوك
الإلكترونية من �سحب للأر�صدة و�إيداع عن طريق البطائق الممغنطة ،وكذلك تقليد برامج
الحا�سوب والم�سا�س بالحياة الخا�صة للأفراد ،و�أمام هذه الجرائم بدت الن�صو�ص القانونية
ال�سائدة قا�صرة �إن لم تكن عاجزة عن تغطية الحاالت الجرمية الم�ستجدة ،وهو ما �أدى �إلى
ت�ضارب تطبيقات العمل الق�ضائي ،مماي�ستدعي �ضرورة مراجعة الن�صو�ص القانونية الحالية
المتعلقة بالتزوير وال�سرقة والإحتيال ،وتقليد العالمات الفارقة.
و�إذا ماكانت هناك �إ�شكاالت جوهرية قد تطرح نف�سها بحدة بعد تحديث الم�شرع لتر�سانته
القانونية فعموما يمكن �إجمالها فيمايلي :هل ا�ستقرالعمل الق�ضائي المغربي على ر�ؤية موحدة
في معالجته للإ�شكاالت التي تطرحها ظاهرة الإجرام المعلوماتي؟ و�إذا كانت التطبيقات
الق�ضائية غيرم�ستقرة في هذا المجال ،فهل ذلك راجع ل�صعوبة الإحاطة بهذا النوع من
الجرائم من قبل رجال الق�ضاء؟ �أم �أن الن�صو�ص القانونية رغم حداثتها لم ت�ستوعب جميع
مظاهر الجريمة المعلوماتية؟ هذا ما�سنعمل على ر�صده حين الوقوف عند كل نقطة من النقط
المثارة �أعاله.
وذلك وفق ال�شكل الآتي بيانه:
11عادل يو�سف عبد النبي الب�شكري ،اجلرمية املعلوماتية والأزمة ال�رشعية اجلزائية ،العدد ال�سابع ،الكوفة� ،ص.113 .
285 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وهذا بدوره مردود وذلك لكون �أن هناك بع�ض الجرائم التي ترتكب بتظافر مجهودات
لأ�شخا�ص عدة ،وقد تق�سم الأدوار بينهم من مخطط ومنفذ ومحر�ض وم�ساهم ،وقد ال تتوافر
في �أحد ه�ؤالء المعرفة الفنية الم�شار �إليها �أعاله.
وعلى العموم فيمكن تعريف الجريمة الإلكترونية ب�أنها هي ذلك ال�سلوك الغير الم�شروع
والمعاقب عليه قانونا �صادرا عن �إرادة جرمية محله معطيات الحا�سب الآلي ،فال�سلوك ي�شمل
الفعل الإيجابي �أو االمتناع عن العمل مع االعتبار �أن �إ�صباغ ال�صفة الجرمية ال يتحقق في
الميدان الجنائي �إال ب�إرادة الم�شرع من خالل الن�ص القانوني ومحل الجريمة ذاتها دائما هو
معطيات الكومبيوتر بدالالتها الوا�سعة.1
الفقرة الثانية :خ�صائ�ص الجريمة الإلكترونية
نظرا الرتباط الجريمة الإلكترونية بجهاز الحا�سوب ،و�شبكة الأنترنيت ب�صفة عامة،
وو�سائل التوا�صل االجتماعي ب�صفة خا�صة ،فقد �أ�ضفى عليها ذلك مجموعة من الخ�صائ�ص
المميزة لها عن خ�صائ�ص الجريمة التقليدية ،ومن هذه الخ�صائ�ص ما يلي:
�أوال :جريمة عابرة للحدود
�أعطى انت�شار �شبكة الأنترنيت �إمكانية ربط �أعداد هائلة من �أجهزة الحا�سوب بال�شبكة
العنكبوتية من غير �أن تخ�ضع لحدود الزمان والمكان ،لذلك ف�إن من ال�سهولة بمكان �أن يكون
المجرم في بلد ما والمجني عليه مقيم في بلد �آخر وهذا يظهر الحاجة لوجود تنظيم قانوني
دولي وداخلي متالئم معه لمكافحة مثل هذا النوع من الجرائم و�ضبط فاعليها ،وحيث �إن
الت�شريعات الداخلية متفاوتة فيما بين كل دولة من دول العالم ،تظهر العديد من الم�شاكل
حول �صاحب الإخت�صا�ص الق�ضائي لهذه الجريمة و�إ�شكاالت �أخرى متعلقة ب�إجراءات
المالحقة الق�ضائية ،وتت�شابه الجرائم الإلكترونية في هذه الخا�صية مع بع�ض الجرائم مثل
جرائم غ�سيل الأموال ،وجرائم المخدرات.2
ثانيا :جريمة �صعبة الإثبات واالكت�شاف
تكمن �صعوبة �إثبات مثل هذا النوع من الجرائم في كونهافي �أغلب الأحيان ال تترك �أثرا
ماديا ظاهرا يمكن �ضبطه ،و�إذا اكت�شفت الجريمة فال يكون ذلك �إال بمح�ض ال�صدفة.
11القطاونة م�صعب :الإجراءات اجلنائية اخلا�صة يف اجلرائم املعلوماتية ،بحث مقدم لل�شبكة القانونية
الأردن(�،)2010ص.5 .
22القطاونة م�صعب :مرجع �سابق �ص6.
287 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
فالجرائم المعلوماتية لها طبيعة خا�صة تك�سبها هذه الخ�صو�صيات ،ويعد التطور التكنولوجي
المتالحق �سببا رئي�سيا لذلك ،حيث �إن �شبكة الإنترنت انت�شرت بها مواقع متخ�ص�صة ب�أعمال
ال�سطو وبيع المعلومات ،وبالإمكان اال�ستعانة بها �أو ا�ستئجار القرا�صنة المحترفين للقيام
بالأعمال غيرالم�شروعة المت�صلة بالحا�سوب مقابل مبالغ مالية يتفق عليها ،ومما يزيد الأمر
تعقيدا �أن ه�ؤالء القرا�صنة قد اليهاجمون من �أجهزة الحا�سوب الخا�صة بهم و�إنما يدخلون �إلى
1
�شبكات غيره ،ويهاجمون من خاللها.
ثالثا :جريمة م�ستحدثة
الجريمة المعلوماتية تعتبرمن الجرائم الم�ستحدثة ،بل �إنها �أبرز �أنواع الجرائم الجديدة
التي يمكن �أن ت�شكل �أخطارا ج�سيمة في ظل العولمة ،بحيث ظهرت تبعا للتطور الهائل في
مجال التقنية العالية ،وهو ماجعل �أمرتحديد هذا النمط من الإجرام و�إدراجه �ضمن طائفة
الجرائم التقليدية المعروفة تكتنفه �صعوبات ترجع �إلى الطبيعة الخا�صة بها باعتبارها تطال
2
المعلومات.
رابعا :تعتمد في تنفيذها على الحا�سوب
�إذ يعد الحا�سوب فيها �أداة رئي�سية الرتكاب العمل الإجرامي نظرا لما يحتويه من معلومات
و�أ�صول ،فالحا�سب الآلي هنا لي�س مجرد و�سيلة لت�سهيل النتيجة الإجرامية �أوم�ضاعفة
ج�سامتها ،بل يمكن القول �أن المعلومات والبيانات التي يحتويها ت�شكل الباعث على �إرتكاب
الجريمة ،3كماهوال�ش�أن في حالة التحويل غيرالم�شروع من ح�ساب بنكي لآخر،ف�إ�ستخدام
حا�سوب مت�صلب وحدة لالت�صال يعد �ضروري لتنفيذ هذا العمل الإجرامي.
خام�سا :جرائم تطال معطيات الحا�سوب:
�أي �أن الإعتداء يطال مايمكن �أن ي�سمى بفن الحا�سوب كتدمير برامجه و�سرقتها وتقليدها
�أو العبث ببياناته �أوالمعلومات المخزنة فيه،وهذه المعطيات لي�ست ذات طبيعة مادية ملمو�سة
بل هي �أقرب �إلى الكيانات الذهنية �أوالمعنوية التي يتم �إدخالها �إلى الحا�سوب والتي تتطلب
4
معالجة قانونية ذات طبيعة خا�صة.
11انت�صارنوري الغريب�« :أمن الكمبيوتر والقانون»،دارالراتب اجلامعية ،بريوت،طبعة � ،1994ص.32 .
22نورالدين ه�شام :ر�سالة لنيل دبلوم املا�سرت يف العلوم اجلنائيةـ حتت مو�ضوع:الت�صدي الإجرائي للجرمية االلكرتونية،
جامعة القا�ضي عيا�ض ،كلية العلوم القانونية و االقت�صادية و الإجتماعية مبراك�ش ال�سنة اجلامعة ،2016-2015
�ص15.
33حممدعبد الله �أبوبكر�سالمة« :جرائم الكمبيوتر والإنرتنت» من�ش�أة املعارف الإ�سكندرية ،طبعة �،2006ص.116.
44كوثرفرام ،اجلرمية املعلوماتية على �ضوء العمل الق�ضائي املغربي،بحث نهاية التدريبب املعهد العايل للق�ضاء،فرتة
التدريب الفوج الرابع والثالثون �سنة �،2009ص.13 .
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 288
ف�ضول في �إ�ستخدام ح�سابات الآخرين بطرق غير م�شروعة الأمر الذي يدل على �أنهم
�أ�شخا�ص،متطفلون وغير مرحب بهم لدى الغير ،و�أغلبهم ما يكون جانبهم تحدي ال�شباب
للدخول �إلى المواقع الر�سمية ،وبع�ض الأحيان الدخول �إلى مواقع الح�سابات من �أجل
�إثبات الذات ،وغالبا تكون �أعمارهم في �سن المراهقة.1
المحترفون :وهم الأكثر خطورة بين مجرمي الأنترنيت ،حيث يهدف البع�ض منهم �إلى ✺
الإعتداء لتحقيق الك�سب غير الم�شروع المتمثل في الناحية المادية وذلك عبر الدخول
في ح�ساب البنوك ،والبع�ض الأخر يدخل من �أجل تحقيق �أغرا�ض �سيا�سة والتعبير عن
وجهة نظره �أو فكرة ،وغالبا �أعمال ه�ؤالء تكون بين 25و � 40سنة.2
الحاقدون :وهم الذين لي�س لديهم �أي �أهداف للجريمة وال ي�سعون لمكا�سب �سيا�سية �أو ✺
فرغم الإيجابيات والفوائد التي جاءت بها ال�شبكة المعلوماتية والت�سهيالت المقدمة للفرد،
�إال �أنها جعلته �أكثر عر�ضة للإنتهاك ،ومنها:
جريمة التهديد :وهو الوعيد يق�صد به زرع الخوف في النف�س ،بال�ضغط على �إرادة ✺
الإن�سان ،وتخويفه من �أ�ضرار ما �ستلحقه �أو �ستلحق �أ�شخا�صا له بها �صلة ،ويجب �أن يكون
التهديد على قدر من الج�سامة المتمثلة بالوعيد ب�إلحاق الأذى �ضد نف�س المجني عليه �أو ماله
�أو �ضد نف�س �أو مال الغير ،وال ي�شترط �أن يتم �إلحاق الأذى فعال �أي تنفيذ الوعيد ،لأنها ت�شكل
جريمة �أخرى قائمة بذاتها ،تخرج من �إطار التهديد �إلى التنفيذ الفعلي ،وقد يكون التهديد
م�صحوبا بالأمر �أو طلب لقيام بفعل �أو االمتناع عن الفعل� ،أو لمجرد االنتقام ،ولقد �أ�صبح
الأنترنيت الو�سيلة الرتكاب جرائم التهديد ،والتي في حد ذاتها تحتوي على عدة و�سائل لإي�صال
التهديد للمجني عليه لما تت�ضمنه من نوافذ وجدت للمعرفة كالبريد الإلكتروني �أو الويب.
انتحال �شخ�صية �أحد المواقع :ويتم ذلك عن طريق اختراق �أحد المواقع لل�سيطرة ✺
وال�سب كتابيا� ،أو عن طريق المطبوعات �أو ر�سوم ،عبر البريد الإلكتروني �أو ال�صوتي بوا�سطة
�صفحات الويب� ،أو مواقع التوا�صل الإجتماعي بعبارات تم�س ال�شرف.
المواقع االباحية والدعارة :وجود مواقع على �شبكة الأنترنيت تحر�ض على ممار�سة ✺
الجن�س للكبار والق�صر ،وذلك بن�شر �صور و لقطات جن�سية للتحري�ض على ممار�سة المحرماتـ
والجرائم المخلة بالحياء عن طريق �صور� ،أفالم ،ر�سائل...بالإ�ضافة �إلى انت�شار ال�صور
ومقاطع الفيديو المخلة بالآداب على مواقع الأنترنيت من قبل الغزو الفكري لكي يتداولها
ال�شباب و�إف�ساد �أفكارهم و�إ�ضعاف �إيمانهم.
توفر ال�شبكة ت�سهيال للدعارة :عبر �آالف المواقع الإباحية ،وت�سوق الدعارة وت�ستثمر لها ✺
11حممد بن عبد الله بن علي املن�شاوي « :جرائم الأنرتنيت يف املجتمع ال�سعوي» ،ماج�سرت يف العلوم ال�رشطية� ،أكادميية
نايف العربية للعلوم الأمنية ،الريا�ض� ،2003 ،ص.55 .
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 290
الت�شهير وت�شويه ال�سمعة :يقوم المجرم بن�شر معلومات قد تكون �سرية �أو م�ضللة �أو ✺
مغلوطة عن �ضحيته ،والذي قد يكون فردا �أو م�ؤ�س�سة تجارية �أو �سيا�سية �أو م�شهورة ،و تتعدد
الو�سائل الم�ستخدمة في هذا النوع من الجرائم ،لكن في مقدمة هذه الو�سائل �إن�شاء موقع
على ال�شبكة يحتوي على المعلومات المطلوب ن�شرها �أو �إر�سال هذه المعلومة عبر القوائم
البريدية� .إلى �أعداد كبيرة من الم�ستخدمين ،وتروم هذه الجرائم كذلك ت�شويه ال�سمعة ،وقد
يكون الهدف من ذلك هو االبتزاز.
الجرائم الواقعة على الأموال� :أ�صبحت المعامالت كال�شراء والبيع والإيجار تتم عبر ✺
ال�شبكة المعلوماتية ،وما �أنجز عليه من و�سائل الدفع والوفاء ،فابتكرت معه طرق وو�سائل
لل�سطو على هذا التداول المالي بطريق غير م�شروع ،كالتحويل الإلكتروني ،ال�سرقة ،القر�صنة
وغيرها.
ال�سرقة الواقعة على البنوك :تتم �سرقة المال بالطرق المعلوماتية عن طريق اختال�س ✺
البيانات والمعلومات ال�شخ�صية للمجني عليهم ،والإ�ستخدام ل�شخ�صية ال�ضحية ليقوم بعملية
ال�سرقة المتخفية ،ما ي�ؤدي بالبنك �إلى التحويل البنكي للأموال الإلكترونية �أو المادي �إلى
الجاني.
حيث ي�ستخدم الجاني الحا�سب الآلي لدخول �شبكة الأنترنيت والو�صول �إلى الم�صاريف
والبنوك وتحويل الأموال الخا�صة �إلى ح�سابات �أخرى.1
وعملية ال�سرقة الإلكترونية كالإ�ستيالء على ماكينات ال�صرف الآلي والبنوك ،يتم فيها
ن�سخ البيانات الإلكترونية لبطاقة ال�صرف الآلي ومن ثم �إ�ستخدامها ل�صرف �أموال من ح�ساب
ال�ضحية� ،أو �إن�شاء �صفحة �أنترنيت مماثلة جدا لموقع �أحد البنوك الكبرى �أو بق�صد الح�صول
على بياناته الم�صرفية و�سرقتها.
تجارة المخدرات عبر الأنترنيت ،تتعلق بالترويج للمخدرات وبيعها ،والتحري�ض على ✺
المعلوماتية لتو�سيع ن�شاطهم الغير م�شروع في غ�سيل �أموالهم ،بتوفير ال�سرعة ،وتفادي الحدود
الجغرافية ،والقوانين المعيقة لغ�سيل الأموال وكذا لت�شفير عملياتهم و�سهولة نقل الأموال
وا�ستثمارها و�إعطائها ال�صبغة ال�شرعية.2
11عبا�س �أو �شامة ،التعريف بالظواهر الإجرامية امل�ستحدثة حجمها� ،أبعادها ،ون�شاطها يف الدول العربية ،الندوة العلمية
للظواهر الإجرامية امل�ستحدثة و�سبل مواجهتها ،تون�س� ،أيام 29-30جوان � ،1999ص.20 .
� 22صاحلة العمري « :جرمية غ�سل الأموال وطرق مكافحتها» ،جملة االجتهاد الق�ضائي العدد اخلام�س� ،أثر االجتهاد
الق�ضائي على حركة الت�رشيع ،جامعة حممد حي�رض ،ب�سكرة ا�سكندرية� ،ص.179 .
291 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
اال�ستعمال الغير ال�شرعي للبطاقات االئتمانية :رافق �إ�ستخدام البطاقات االئتمانية، ✺
الإ�ستيالء عليها باعتبارها نقود الكترونية وذلك �إما ب�سرقة �أرقام البطاقات ثم بيع معلومات
الآخرين ،من خالل الح�صول على كلمة ال�سر المدرجة في ملفات �أنظمة الحا�سب الآلي
لل�ضحية عن طريق الإحتيال ،وذلك ب�إيهامه بح�صول ربح ،فيقدم ال�ضحية معلومات تمكن
الجاني من الت�صرف في ماله� ،1أو �إ�ساءة �إ�ستخدام الغير بطاقات االئتمانية ،ك�أن يقوم ال�سارق
ب�إ�ستعمال البطاقة للح�صول على ال�سلع والخدمات �أو �سحب مبالغ مالية بموجبها من �أجهزة
التوزيع الآلي �أو ال�سحب ب�إ�ستخدام بطاقات مزورة.2
جرائم الواقعة على حقوق الملكية الفكرية والأدبية :كذلك يكون النظام المعلوماتي ✺
و�سيلة لالعتداء على حقوق الملكية الفكرية ،وذلك بال�سطو على المعلومات التي يت�ضمنها
نظام معلوماتي �آخر وتخزين و�إ�ستخدام هذه المعلومات دون �إذن �صاحبها ،حيث يعد اعتداء
على الحقوق المعنوية وعلى قيمتها المادية.3
الجرائم الواقعة على �أمن الدولة :تقع هذه الجرائم ب�إ�ستعمال النظام المعلوماتي �سواء ✺
لإف�شاء الأ�سرار التي تخ�ص م�صالح الدولة ونظام الدفاع الوطني� ،أو الإرهاب والتج�س�س.
المطلب الثاني :الإطار القانوني للجريمة االلكترونية
عرفت مجموعةالقانون الجنائي فراغا على م�ستوى مجال مكافحة الجريمة االلكترونية،
�إال �أن الم�شرع المغربي و مواكبة منه لهذا النوع من الجرائم الم�ستحدثة عمل على �إ�ضافة
مجموعة من ن�صو�ص القانون الجنائي ،من �أهمها نجد القانون المغربي المتعلق بنظم
المعالجة الآلية للمعطيات رقم ( ،)07-03بالإ�ضافة �إلى قوانين �أخرى كالقانون رقم (-03
،)03والقانون رقم ( ،)24-03و في درا�ستنا هذه �سوف ن�سلط ال�ضوء على القانون رقم (-03
،)07و بع�ض الن�صو�ص القانونية الخا�صة التي نظمت هذا النوع من الجرائم.
الفقرة الأولى:الجريمة الإلكترونية وفقا للقانون رقم ( )03-07المتعلق بالم�س بنظم
المعالجة الآلية للمعطيات
�إن وعي الم�شرع المغربي بخ�صو�صية الإجرام المعلوماتي وانعكا�ساته على المجتمع بد�أ
مع �صدورالقانون المتعلق بالإرهاب الذي وردت فيه �إمكانية �إرتكاب �أفعال �إجرامية �إرهابية
عن طريق نظم المعالجة الآلية للمعطيات،علما �أن القانون الجنائي المغربي اليحتوي على
� 11صغري يو�سف« :اجلرمية املرتكبة عرب االنرتنت» ،مذكرة املاج�سرت القانون الأعمال ،كلية احلقوق والعلوم ال�سيا�سية،
جامعة مولود عمري ،تيزي وزو� ،سنة � ،2013ص.45 .
� 22أحمد خليفة امللط :املرجع ال�سابق� ،ص.184 .
33نف�س املرجع� ،ص.184 .
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 292
ن�صو�ص تخ�ص الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات ،مما حذا بالم�شرع �إلى
تبني قانون خا�ص بهذه العينة من الجرائم وتم ذلك عبرالقانون رقم 07-03المتمم لمجموعة
القانون الجنائي.
وهو ما�سنح للق�ضاء ب�إعطاء تكييفات منا�سبة للجرائم الما�سة بنظم المعلوميات،ويمكن
ح�صرهذه الجرائم في فئتين :الجرائم التي ت�ستهدف الم�س بنظم المعالجة الآلية للمعطيات
(�أوال) ،والجرائم التي ت�ستهدف المعطيات ووثائق المعلوميات (ثانيا).
�أوال -الجرائم الما�سة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات
تتجلى �صور الإعتداء على نظام المعالجة الآلية للمعطيات في الدخول �أو البقاء غير
الم�شروع في النظام ،وعرقلة �سير النظام �أو �إحداث خلل فيه ،ثم الإعداد الرتكاب الم�س
بالنظام.
- 1الدخول �أوالبقاء غيرالم�شروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات
فبالن�سبة للدخول �أو البقاء غير الم�شروع ن�ص الف�صل « 3 - 607يعاقب بالحب�س من �شهر
�إلى ثالثة �أ�شهر وبالغرامة من � 2000إلى 10.000درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط كل من
دخل �إلى مجموع �أو بع�ض نظام للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الإحتيال.
ويعاقب بنف�س العقوبة من بقي في نظام معالجة الآلية للمعطيات �أو جزء منه ،كان قد دخله
عن طريق الخط�أ وهو غير مخول له حق دخوله.
ت�ضاعف العقوبة �إذا نتج عن ذلك حذف �أو تغيير المعطيات المدرجة في نظام للمعالجة
الآلية للمعطيات �أو ا�ضطراب في �سيره».
انطالقا من هذا الن�ص يت�ضح �أن جريمة الدخول �أوالبقاء في النظام التقوم �إذا كان الولوج �إليه
متاحا للجمهور و�إنما تفتر�ض �أن يتم ذلك عن طريق الإحتيال ،وهو ماذهب �إليه الق�ضاء المغربي
�إذ اعتبر �أن جنحة الدخول �إلى نظام المعالجة الآلية عن طريق الإحتيال ثابثة في حق المتهم
الذي ا�ستطاع الدخول عبر �شبكة الإنترنت �إلى جهازال�شخ�ص المرا�سل معه بوا�سطة ما يدعى بـ
PRORATالذي تمكن من قر�صنته ،وقام بن�سخ جميع المعلومات التي تخ�صه ،كما تمكن من الولوج
1
�إلى مواقع �إلكترونية عبر�شبكة الإنترنت عن طريق قر�صنة الأقنان ال�سرية الخا�صة ب�أ�صحابها .
ويتكون الركن المادي لهذه الجريمة من فعل الدخول �إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات
�أو جزء منه ،و�إما في فعل البقاء في هذا النظام �أو في جزء منه ،هذا ولم يحدد الم�شرع و�سيلة
11حكم �صادر عن ابتدائية الدارالبي�ضاء يف ملف جنحي تلب�سي عدد 07/7794حكم رقم 037بتاريخ
(2008-02-06غريمن�شور).
293 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الدخول �أو الطريقة التي يتم بها الدخول �إلى النظام فقد تقع ب�أي �شكل من الأ�شكال (برنامج
فيرو�س ،قر�صنة برامج �أو رموز ت�شفير ،تجاوز نظام الحماية) ،ويكون الدخول غير م�شروع �إذا
كان من له حق ال�سيطرة على النظام قد و�ضع بع�ض القيود للدخول �إليه ولم يحترمها الجاني.
كما تقع الجريمة �سواء تم الدخول �إلى النظام كله �أو جزء منه فقط ،كالدخول لبع�ض
عنا�صر النظام �أو عن�صر واحد منه� ،أو في الحالة التي ي�سمح فيها للجاني بالدخول �إلى جزء
من النظام فينتهز الفر�صة ويدخل �إلى جزء �آخر غير م�سموح له الدخول �إليه� ،شرط �أن يكون
العن�صر الذي تم الولوج �إليه يدخل في برنامج متكامل قابل للت�شغيل.1
�أما فعل البقاء في النظام �أو جزء منه فيق�صد به التواجد داخل نظام المعالجة الآلية
للمعطيات �ضد �إرادة من له الحق في ال�سيطرة على هذا النظام ،وقد يتحقق البقاء المعاقب
عليه ا�ستقالال حين يكون الدخول �إلى النظام م�شروعا ،كمن يدخل �إلى نظام بال�صدفة �أوعن
طريق الخط�أ �أو ال�سهو وال ين�سحب �أو يبقى فيه بعد المدة المحددة له للبقاء داخله.2
وعليه ال يتوفرالركن المعنوي �إذا كان دخول الجاني �أوبقائه داخل النظام م�سموح به� ،أو وقع
في خط�أ في الواقع كجهله وجود حظرللدخول �أوالبقاء �أو يعتقد �أنهم �سمحو له بالدخول ،ف�إذا
توفر الق�صد الجرمي بعن�صريه العلم والإرادة فال عبرة بالباعث على الدخول �أو البقاء بحيث
يظل الق�صد الجرمي قائما ولو كان الباعث الف�ضول �أو �إثبات القدرة على االنت�صار على النظام.
وبالرجوع �إلى الفقرة الأخيرة من الف�صل 607-3نجدها تن�ص على ظرف م�شدد يتحقق
عندما ينتج عن الدخول �أو البقاء �إما محو �أو تعديل المعطيات التي يحتويها النظام �أو �إحداث
ا�ضطراب في �سيره ،ويكفي لتوفر هذا الظرف وجود عالقة �سببية بين الدخول �أو البقاء
غيرالم�شروعين والنتيجة ال�ضارة وذلك بمحو �أو تعديل المعطيات التي يحتويها النظام �أو
تعطيله ،ويالحظ هنا �أن الم�شرع يحمي النظام من خالل حماية المعطيات التي يحتويها.
- 2عرقلة �سيرالنظام �أو�إحداث خلل فيه
607-5 �أما فيما يخ�ص عرقلة �سيرالنظام �أو �إحداث خلل فيه ،فبـا�ستقراء الـف�صـل
من القانون الجنائي ،3يتبين �أن الركن المادي لهذه الجريمة يتمثل في فعل التعطيل الذي
يندرج �ضمن �إعاقة النظام �أياكانت الو�سيلة الم�ستخدمة في ذلك ،فقد تكون بطريقة مادية
ك�أعمال العنف على �أجهزة الحا�سوب و�شبكة الإنترنت ،وقد تكون بطريقة معنوية عندما تقع
11نائلة عادل حممد فريد قورة« :جرائم احلا�سب الآيل االقت�صادية»،درا�سة نظرية وتطبيقية ،من�شورات احللبي احلقوقية،
بريوت ،الطبعة الأوىل �.2005صفحات متفرقة.352-315 :
22نف�س املرجع �أعاله� ،ص.395.
33ين�ص الف�صل 607-5على �أنه« :يعاقب باحلب�س من �سنة �إىل ثالث �سنوات وبالغرامة من � 10.000إىل 200.000درهم
�أو ب�إحدى هاتني العقوبتني كل من عرقل عمدا �سرينظام املعاجلةالآلية للمعطيات �أو�أحدث فيه خلال».
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 294
على الكيانات المنطقية للنظام مثل البرامج والمعطيات ،1كما يتمثل �أي�ضا في �إحداث الخلل
في النظام عن طريق العيب �أو الإف�ساد� ،2أو كل فعل يجعل نظام المعالجة الآلية غير�صالح
لال�ستعمال ،و�إحداث خلل في نظام المعالجة الآلية للمعطيات يتم بعدة و�سائل خا�صة منه
البرامج الخبيثة ذات الأثر التدميري والتي ت�صيب النظام بال�شلل ،وهو ما �سببه فيرو�س
زوطوب الذي عدله المغربي (ف�.ص) للنظم المعلوماتية الأمريكية �إذ خلق لها العديد من
الم�شاكل التقنية ،مما �شكل عرقلة ل�سيرالنظام �أو �إحداث خلل فيه كان على المحكمة �أن
ت�أخذه بعين االعتبار �إثر تكييفها للأفعال المن�سوبة للمتهم ب�أن تناق�شه في معر�ض تعليلها
للتهم الموجهة �إليه بدل االقت�صار على بيان العنا�صرالمكونة لجريمة تكوين ع�صابة �إجرامية
وجريمة ال�سرقة والإ�شارة �إلى كون �أنه والمتهم الثاني لم ينكرا ولوجهما �أنظمة المعالجة الآلية
للمعطيات ،3وذلك حتى يكون للق�ضاء هام�شا كبيرا في تفعيل الن�صو�ص القانونية من خالل
الوقائع المعرو�ضة عليه.
وغني عن البيان �أن جريمة �إعاقة �سيرالنظام �أو �إحداث خلل فيه هي جريمة عمدية تقوم
بوجود الق�صد الجنائي بعن�صريها العلم والإرادة.
ثانيا :الجرائم التي ت�ستهدف المعطيات والوثائق المعلوماتية
عاقب الم�شرع بمقت�ضى الف�صل 607-06بالحب�س من �سنة �إلى ثالث �سنوات وبالغرامة
من � 10.000إلى 200.000درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط ،كل من �أدخل معطيات في
نظام المعالجة الآلية للمعطيات �أو �أتلفها �أو حذفها منه �أو غير المعطيات المدرجة فيه �أو غير
طريقة معالجتها �أو طريقة �إر�سالها عن طريق الإحتيال.
يتكون الركن المادي لهذه الجريمة من الأفعال التالية:
�أوال� :إدخال معطيات 4في نظام المعالجة :ويعتبر هذا الفعل �أكثر �أ�ساليب �إرتكاب الإحتيال
المعلوماتي ب�ساطة و�أمنا و�أكثر �أ�شكاله وقوعا ،ومن ذلك قيام �شخ�ص ب�إدخال معطيات
11هدى حامد ق�شقو�ش« :جرائم احلا�سب الإلكرتوين يف الت�رشيع املقارن»،القاهرة ،طبعة � ،1992ص.28 .
22ك�إ�ستخدام القنبلة املعلوماتية التي يدخل عن طريقها معلومات تتكاثر داخل النظام فتجعله غري�صالح لال�ستعمال�،أو�إ�ستخدام
برناجمة يحمل فريو�س يقوم بتغيري غري حم�سو�س يف الربامج �أواملعطيات.
33قرارعدد 721بتاريخ ،2006-09-12يف امللف عدد �، 22-06-600أيد ا�ستئنافيا مبقت�ضى القرار عدد 3012بتاريخ
2006-12-13يف امللف عدد �،26-06-922صادر عن حمكمة الإ�ستئناف بالرباط،غري من�شور.
44تعني املعطيات �أو ما ي�صطلح عليه بالبيانات �شيء معطى �أو م�سلم به وب�صحته كحقيقة وكواقعة ،وهي عبارة عن الأرقام
والكلمات �أو الرموز �أو احلقائق والإح�صاءات اخلام التي مل تخ�ضع بعد لعملية تق�سيم �أو جتهيز للإ�ستخدام وهي ب�شكل
�أو�ضح البيانات الأولية التي تتعلق بقطاع �أو ن�شاط ما قبل �أن يتم تنظيمها ومعاجلتها بطريقة ت�سمح ب�إ�ستخال�ص النتائج
املتمثلة يف املعلومات.
يراجع :احل�سني القمري« :القيمة القانونية للوثائق ال�صادرة عن احلا�سوب» ،جملة الدفاع عدد � ،2003 ،4ص.59 .
295 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
م�صطنعة ببطاقة خا�صة به على �شبكة الإنترنت ودون بها معلومات متعلقة ب�شخ�صية �سامية
في البالد �أرفقها ب�صورة لهذه ال�شخ�صية وا�ستعملها في موقع Facebookلربط عالقات مع
الم�شاركين بهذا الموقع.1
ثانيا� :إتالف وحذف المعطيات :يق�صد به �إزالة جزء من المعطيات الموجودة داخل
النظام ،ومن �أبرز �صوره حذف معطيات متعلقة بح�سابات بنكية جديدة.
ثالثا :تغيير المعطيات :يتعلق الأمر �إما بتغيير المعطيات في حد ذاتها وا�ستبدالها
بمعطيات �أخرى �أو تغيير الطريقة التي تعالج بها �أو طريقة �إر�سالها ،وتغيير طريقة المعالجة
والإر�سال هو في حد ذاته تالعب بالبرنامج.
وقد اعتبرت ابتدائية الدار البي�ضاء في الواقعة الم�ستدل بها �أعاله �أن فعل المتهم ي�شكل
جنحة �إدخال معطيات في نظام المعالجة الآلية للمعطيات وتغييرها وتزييف وثائق المعلوميات
و�إعداد معطيات معلوماتية غير �صحيحة وتملكها وعر�ضها معللة حكمها« :حيث �إن النظام
المعلوماتي ي�شكل بيانات ومعلومات تمت معالجتها بعد اتباع طرق و�إجراءات �إلكترونية معينة
لت�صير برنامجا تطبيقيا ي�شمل معلومات مخزنة يتم الرجوع �إليها عند الحاجة...
و�إن دخول الظنين غير الم�شروع لموقع فاي�س بوك عن طريق انتحال �شخ�صية ()...
ب�إ�ستعمال �صورته وجميع المعلومات ال�شخ�صية الخا�صة به يعتبر دخوال مزورا في ال�صفحة
الإلكترونية التي ا�ستعملها الظنين في ا�ستقطاب مرا�سليه كما �أن �إقدام الظنين على ن�شر
�صورة ( )...والمعلومات الخا�صة به ون�سبتها لنف�سه يعد دخوال لنظام معلوماتي عن طريق
تزوير �إلكتروني رغم علمه بذلك خا�صة و�أنه مهند�س دولة له تكوين في الميدان.»2
وتعتبر جريمة التالعب في المعطيات جريمة عمدية لذلك يلزم �أن تتجه �إرادة الجاني
�إلى فعل الإدخال �أو المحو �أو التعديل كما يجب �أن يكون على علم �أن ما يقوم به هو تالعب
بالمعطيات و�أن ال حق له في القيام بذلك.
هذا وقد عاقب الم�شرع المغربي على تزوير �أو تزييف وثائق المعلوميات �أيا كان �شكلها �إذا
كان من �ش�أن التزوير �أو التزييف �إلحاق �ضرر بالغير وكذا ا�ستعمال هذه الوثائق المعلوماتية مع
العلم �أنها مزورة �أو مزيفة طبقا للف�صل 607-7من القانون الجنائي ،غير �أنه لم ي�ضع تعريفا
لوثائق المعلوميات.3
11ملف جنحي تلب�سي رقم 2008/1189وتاريخ � ،08/02/22صادر عن ابتدائية البي�ضاء( ،غري من�شور).
22ملف جنحي تلب�سي رقم 2008/1189وتاريخ �،08/02/22صادر عن ابتدائية البي�ضاء( ،غريمن�شور).
33هي كل ج�سم منف�صل �أو ميكن ف�صله عن نظام املعاجلة الآلية للمعطيات وقد �سجلت عليه معلومات معينة �سواء �أكان معدا
للإ�ستخدام بوا�سطة نظام املعاجلة الآلية للمعطيات �أو يكون م�شتقا عنها.
يراجع :عبد الفتاح حجازي بيومي« ،احلماية اجلنائية لنظام التجارة الإلكرتونية» ،دار الفكر اجلامعي الإ�سكندرية،
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 296
�أما التزوير فهو �أي تغيير للحقيقة يرد على مخرجات الحا�سب الآلي �سواء تمثلت في
مخرجات ورقية مكتوبة �أو كانت مر�سومة ،كما قد يتم في مخرجات غير ورقية �شرط �أن
تكون محفوظة على دعامة كبرنامج من�سوخ على �أ�سطوانة ،كما يتحقق التزوير بتقليد الوثائق
المعلوماتية �أو التوقيع الإلكتروني ،ويكتمل الركن المادي لهذه الجريمة بتوفر عن�صر �إلحاق
ال�ضرر بالغير� ،أما بالن�سبة ال�ستعمال وثائق المعلوميات مع العلم �أنها مزورة فمن ذلك
ا�ستعمال توقيع �إلكتروني مزور �أو بطاقة وفاء مزورة.
وقد ذهبت بع�ض القرارات ال�صادرة عن محكمة الإ�ستئناف بالرباط �إلى اعتبار قر�صنة
البطائق البنكية من قبل مجموعة من الأ�شخا�ص بمثابة تزوير في وثائق المعلوميات ومن هذه
القرارات ،قرار عدد 364الذي جاء فيه« :بالـن�سبة للـمتهـم (ع�.ص) ،حيث اعترف المتهم
ب�أنه كان يقوم ب�سحب المبالغ المالية من �شبابيك �إلكترونية بوا�سطة بطائق ائتمان مزيفة عن
طريق قر�صنة الح�سابات البنكية لزبناء �أبناك �أجنبية...
وحيث �إن المحكمة اقتنعت بثبوت الفعل المن�سوب للمتهم وي�شكل من حيث الو�صف القانوني
للتجريم جريمة تزوير وثائق المعلوميات وا�ستعمالها طبقا للف�صل 607-7بعد �إعادة التكييف
لجريمة تزوير بطائق االئتمان وا�ستعمالها مما يتعين معه الت�صريح ب�إدانته من �أجل ذلك».
«بالن�سبة للمتهم ب ك:
حيث اعترف المتهم ب�أنه لقن كيفية قر�صنة الح�سابات البنكية عن طريق المتهم (ع�.ص)
وحدد الطريقة التي تتم بها قر�صنة الح�سابات البنكية...
وحيث �إن الوقائع المعرو�ضة ت�شكل من حيث الو�صف القانوني للتجريم جريمة الم�شاركة
في تزوير وثائق المعلوميات وا�ستعمالها طبقا للف�صلين 129و 607-7بعد �إعادة التكييف
لجريمة تزوير بطائق االئتمان وا�ستعمالها مما يتعين معه الت�صريح بم�ؤاخذته من �أجلها».1
وفي قرار �آخر تحت عدد 633اعتبرت �أن« :حيث ثبت للمحكمة �أن المتهم كان يعلم �أن
البطائق البنكية التي ت�سلمها من المتهم (ح.ك) مزيفة و�أنه ولج ال�شبابيك الأوتوماتيكية
البنكية وا�ستعملها في �سحب المبالغ المالية لفائدته ولفائدة غيره دون وجه حق...
وحيث ثبت للمحكمة �أن الأفعال المن�سوبة �إلى المتهم تو�صف بجريمة ا�ستعمال وثائق
المعلوميات (بطاقة بنكية) وهو يعلم �أنها مزيفة ح�سب الفقرة الثانية من الف�صل .2»607-7
�ص.308 .
11قرار عدد 364بتاريخ ،2006-04-17يف امللف عدد �، 22-05-740أيد ا�ستئنافيا مبقت�ضى القرار عدد 865بتاريخ
،2006-07-19يف امللف عدد ،26-2006-600ال�صادر عن ا�ستئنافية الرباط غري من�شور.
22قرار عدد 633بتاريخ ،2006-06-26يف امللف عدد � ،22-05-461أيد ا�ستئنافيا مبقت�ضى القرار عدد 977بتاريخ
،2006-09-25يف امللف عدد ،26-06-816ال�صادر عن ا�ستئنافية الرباط ،غريمن�شور.
297 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�إن تعليل الهيئتين م�صدرتي القرار تعليل منطقي وفيه ان�سجام مع الن�صو�ص الم�ستحدثة
التي �سنها الم�شرع لزجر جرائم المعلوميات ،و�إعادة تكييف جريمة تزوير بطائق االئتمان
وا�ستعمالها لتزوير وثائق المعلوميات لهو تكييف قانوني �سليم يتما�شى مع �ضرورة �إعمال
الن�صو�ص في موا�ضعها عو�ض �إهمالها.
الفقرة الثانية :الجريمة الإلكترونية في القوانين الجنائية الخا�صة
عمل الم�شرع المغربي على حماية برامج الحا�سوب وقواعد البيانات من االعتداءات التي
تكون عر�ضة لها ،وذلك بمقت�ضى قانون حماية حقوق الم�ؤلف والحقوق المجاورة ،لذلك
�سنعر�ض لنطاق مبد�أ حماية برامج الحا�سوب في ظل هذا القانون (�أوال)،دون �أن نغفل
الحماية التي تكفلها القواعد والبيانات كذلك (ثانيا).
�أوال :حماية برامج الحا�سوب طبقا لقانون حماية حقوق الم�ؤلف
يتكون الحا�سوب من جزئين رئي�سيين :المكونات المادية التي يتكون منها ،والمكونات
الالمادية وهي البرامج ،والبرنامج له �أهمية كبرى في �إ�ستخدام الحا�سوب ،لأنه هو القادر
على تحقيق ما يطلب منه هذا الأخير وغيابه عن الحا�سوب يجعله قطعة من البال�ستيك ال قيمة
لها ،وتت�سم البرامج بالتعدد والتنوع بح�سب مجاالت ا�ستعمالها وتطبيقها في الحياة العملية.
ويمكن تعريف برامج الحا�سوب ب�أنها مجموعة من الأوامر والتعليمات مكتوبة بلغة ما
لتنفيذ عمليات محددة للو�صول �إلى نتائج تتماثل مع �إجراء نف�س العمليات بالطرق اليدوية،
ذلك �أن البرامج هي تعليمات مكتوبة موجهة �إلى جهاز تقني ي�سمى الحا�سوب بغر�ض الو�صول
�إلى نتيجة محددة ،وهذا المفهوم الوا�سع ي�شمل التعليمات الموجهة �إلى الحا�سوب وملحقات
البرنامج مما يجعل الحماية من�صرفة �إليهما معا ،وهو ما �أخذ به الم�شرع الذي عرف برامج
الحا�سوب في البند 23من المادة الأولى من قانون حماية حقوق الم�ؤلف« ،ب�أنه كل مجموعة
من التعليمات المعبر عنها بكلمات �أو رموز �أو بر�سم �أو ب�أي طريقة �أخرى تمكن حينما تدمج
في دعامة قابلة لفك رموزها بوا�سطة �آلة� ،أن تنجز �أو تحقق مهمة محددة �أو تح�صل على
نتيجة بوا�سطة حا�سوب �أو ب�أي طريقة �إلكترونية قادرة على معالجة المعلومات».1
وقد ن�ص هذا القانون �صراحة في الفقرة الثانية من المادة الثالثة على ا�ستفادة برامج
الحا�سوب من الحماية المقررة للم�صنفات الأدبية والفنية ،وبذلك فحماية برامج الحا�سوب
في القانون المغربي �أ�صبحت بمقت�ضى ن�ص القانون ح�سما لمختلف الت�أويالت الفقهية
11حممد بو�شيبة« :حماية برامج احلا�سوب طبقا لقانون 2-00املنظم حلقوق امل�ؤلف واحلقوق املجاورة» ،جملة الق�ضاء
والقانون ،العدد � ،150ص.86-85 .
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 298
واالجتهادات الق�ضائية ،1ولي�س المق�صود بالحماية برامج الت�شغيل والتي يطلق عليها عادة
برامج الإ�ستغالل التي تمكن الحا�سوب من �أداء وظيفته المحددة له والتي تعتبر بالتالي جزءا
من هذا الجهاز ،بل يتعلق الأمر ببرامج التطبيق التي ت�ستهدف تحقيق نتيجة معينة ،2وتبد�أ
حماية الحقوق التي تترتب عن هذا العمل الم�صنف بمجرد �إنجاز البرنامج ولمدة � 25سنة
والحقوق المترتبة عن هذا العمل �أي �إنجاز البرنامج تنق�سم �إلى حقوق معنوية وحقوق مادية،
ومن �ضمن الحقوق المعنوية للم�ؤلف المطالبة بانت�ساب العمل �إليه ،ومن الحقوق المادية
ن�شره �أو �إعادة ن�شره �أو بيعه �أو �إجارته �أو �إعادته �إال �إذا كان برنامج الحا�سوب لي�س المو�ضوع
الأ�سا�سي في الت�أجير �أو الإعارة.
وا�ستن�ساخ برنامج الحا�سوب غير م�سموح به �إال في حاالت �ضيقة ،فال يمكن للمالك
ال�شرعي لن�سخة من البرنامج �إنجاز ن�سخة من هذا الأخير واالقتبا�س منه �إال ب�شرط �أن يكون
ذلك �ضروريا وح�صرا من �أجل ا�ستعمال برنامج الحا�سوب للأغرا�ض التي تم اقتنا�ؤه من
�أجلها ولأغرا�ض توثيقية ب�أخذ االحتياط لتعوي�ض الن�سخة في حالة ال�ضياع �أو التلف.3
لذلك فالح�صول على برامج الحا�سوب بطريقة غير �شرعية وا�ستن�ساخها �أو الح�صول على
معلومات �سرية حول طريقة �إن�شائها يعد عمال مجرما قانونا ،و�إن كان التطور التكنولوجي
لأجهزة ومعدات الن�سخ �أدى �إلى ظهور �صناعة ن�شطة متخ�ص�صة في ا�ستن�ساخ برامج الحا�سوب،
ناهيك عن �أن الثورة الحا�صلة في مجال المعلوميات �أدت �إلى تنامي �إف�شاء معلومات برامج
الحا�سوب واالعتداء عليها بالقر�صنة �أو الإ�ستغالل غير الم�شروع ،وهو ما يعد م�سا�سا لي�س
فقط بحقوق مبتكريها الخا�صة بل و�أي�ضا م�سا باالقت�صاد الوطني.
لذلك عمد الم�شرع �إلى ت�شديد العقوبات فيما يخ�ص الخروقات التي تطال الم�صنفات
الأدبية والفنية (التقليد ،القر�صنة) بما فيها برامج الحا�سوب ،فبعد �أن كانت العقوبات في
هذه الجريمة عبارة عن غرامة تتراوح بين مائة وع�شرين وع�شرة �آالف درهم (الف�صل 575
ق ج)� ،أ�صبحت ح�سب المادة 64من قانون حماية حقوق الم�ؤلف الجديد المعدل �سنة ،2006
عقوبات حب�سية ومالية تتجلى في الحب�س من �شهرين �إلى �ستة �أ�شهر وغرامة بين ع�شرة �آالف
ومائة �ألف درهم وذلك �سعيا منه لتوفير حماية �أكثر فعالية لها.
هذا ويجوز للنيابة العامة طبقا للمادة 2-65ودون تقديم �أي �شكاية من جهة خا�صة �أو من
�صاحب الحقوق �أن ت�أمر تلقائيا بمتابعات �ضد كل من م�س بحقوق م�ؤلف قاعدة بيانات �أ�صلية
تخ�ضع لحماية القانون المتعلق بحماية حقوق الم�ؤلف.
والمالحظ �أن الم�شرع المغربي من خالل قانون �سنة 2000المعدل �سنة 2006لم يحل فيما
يخ�ص عقوبات جريمة التقليد وجريمة القر�صنة التي تخ�ضع لها الخروقات التي تم�س حقوق
م�ؤلفي قواعد البيانات على ف�صول القانون الجنائي ،بل ن�ص لأول مرة �ضمن ن�صو�ص قانون
حماية حقوق الم�ؤلف على عقوبات �سالبة للحرية وجزاءات مالية و�أخرى �إ�ضـافية محددة
(الـمواد 64و 1-64و 2-64و ،)3-64وقد كانت المادة 56من ظهير 1970تحيل على ف�صول
القانون الجنائي (الف�صول من � 575إلى )579فيما يخ�ص جريمة التقليد ،وكانت العقوبات
عبارة عن غرامة محددة قانونا في حالة جريمة التقليد طبقا للمادة 56من الظهير والف�صل
575و 576من القانون الجنائي ،كما �أن قانون 15فبراير � 2000أحال على العقوبات المن�صو�ص
عليها في القانون الجنائي دون التقيد بن�صو�ص معينة في حالة خرق لحق محمي يتم اقترافه
عن ق�صد �أو نتيجة �إهمال بهدف الربح مع ترك تحديد مبلغ الغرامة لتقدير المحكمة التي لها
�سلطة تحديد القدر بالنظر للأرباح التي ح�صل عليها المعتدي من الخرق.
وبذلك تتج�سد �إرادة الم�شرع في �إعطاء مفهوم �أو�سع لجرائم خرق حقوق الم�ؤلف �أو
القر�صنة ،مما يجعل العقوبات المن�صو�ص عليها لهذه الجرائم خ�صو�صا فيما يتعلق بقواعد
البيانات الإلكترونية �أكثر جدوى في توفير حماية فعالة لهذه الم�صنفات والحد من الخروقات
التي تتعر�ض لها من طرف كل المتدخلين عبر �شبكات االت�صال ،كما �أن �إدراجه لقواعد
البيانات �ضمن الم�صنفات المحمية بقانون حماية حقوق الم�ؤلف و�إخ�ضاعها لمقت�ضيات
جريمة القر�صنة في حالة مخالفة الن�صو�ص الحامية لها هو محاولة لتوفير الأمن للبيانات
المعالجة �آليا ولأنظمتها ،بالنظر للتطور ال�سريع للجريمة في مجال المعلوماتية والم�صاحب
لتطور مهم في و�سائل �إرتكاب هذه الأفعال الإجرامية.
المبحث الثاني :و�سائل االثبات في الجريمة االلكترونية
من المعلوم �أن الجرائم الم�ستحدثة وعلى ر�أ�سها الجريمة االلكترونية �أ�ضحت تثير العديد
من الإ�شكاالت الإجرائية خالل مرحلة ا�ستيفاء الدليل الجنائي وذلك نظرا لخ�صو�صية هذه
الجرائم التي من ال�صعب التعامل معها كباقي الجرائم التقليدية من حيث البحث والتنقيب
عن الدليل الذي بين يدي مرتكبها ،والأجهزة القانونية التي تجد نف�سها �أمام العديد من
التحديات التي لها �صلة بقاعدة التقييد بالإجراءات الم�سطرية وهذا ما �سنتطرق له خالل
المطلبين التاليين:
301 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
المطلب الأول :طرق الح�صول على �أدلة الإثبات الجنائي في الجرائم الإلكترونية
�إن التعامل في الجريمة المعلوماتية يتطلب �إجراءات روتينية متفق عليها وذلك من �أجل
حماية الدليل غير �أن و�سائل حفظ الأدلة وا�ستنتاجها تختلف من الجريمة التقليدية �إلى
الجريمة المعلوماتية الرقمية ،وقد �أحاط الم�شرع المغربي من خالل الن�صو�ص القانونية
ب�إجراءات يجب اعتمادها في مواجهة الجريمة الإلكترونية بغية جمع الأدلة ،وهذا ما �سنقوم
بتو�ضيحه في الفقرتين.
الفقرة الأولى :التفتي�ش في الجريمة الإلكترونية
التفتي�ش هو �إجراء من �إجراءات التحقيق الغاية منه هي الح�صول على �أدلة للجريمة
مو�ضوع التحقيق وكل ما يفيد في ك�شف الحقيقة ،وذلك بالبحث عن هذه الأدلة في كافة
الأماكن التي يمكن العثور عليها ويبقى التفتي�ش له مدلوال واحدا �سواء تعلق الأمر بالجريمة
العادية �أو الجريمة المعلوماتية� ،إال �أن تطبيق هذا الإجراء على هذا ال�صنف الأخير من
الجرائم يثير العديد من ال�صعوبات التي تحول دون تحقيق الغاية من الح�صول على الأدلة
المتعلقة بالجريمة مو�ضوع التفتي�ش نظرا لل�صعوبات التي تطرحها الطبيعة االفترا�ضية
للجريمة المعلوماتية وبالتالي الآثار المترتبة عليها.1
وفي الجريمة المعلوماتية نتحدث عن تفتي�ش نظم المعالجة الآلية وهو ي�شتمل على جميع
العنا�صر الغير المادية الالزمة لت�شغيل الكيان المادي كالبرامج ونظم الت�شغيل وقواعد
البيانات...الخ ،فقد ثار الخالف في الت�شريع المقارن في م�س�ألة �ضبط وتفتي�ش المكونات
المعنوية �أو التقنية للحا�سوب ،فتعددت الآراء في هذا ال�ش�أن فذهب ر�أي �إلى �أنه �إذا كانت
الغاية من التفتي�ش هي �ضبط الأدلة المادية التي تفيد في الك�شف عن الحقيقة ،ف�إن هذا
المفهوم يجب �أن يمتد لي�شمل البيانات الإلكترونية ،كالقانون الإجرائي اليوناني في ن�ص
المادة 251التي تعطي ل�سلطات التحقيق �إمكانية القيام ب�أي �شيء يكون �ضروري لجمع وحماية
الدليل وتعني �ضبط البيانات المخزنة �أو المعالجة �آليا �أو الكترونيا الموجودة بذاكرته الداخلية
� 11إن هذه الو�ضعية اخلا�صة التي تطبع اجلرمية املعلوماتية دفعت بامل�رشع املغربي �إىل التن�صي�ص �رصاحة على اخ�ضاع
البيانات والوثائق الإلكرتونية لقواعد التفتي�ش �ش�أنها يف ذلك �ش�أن باقي املعطيات والأ�شياء املادية ،وذلك من خالل
املواد ( )104-60-59من امل�رشوع الأويل املتعلق بتغيري وتتميم قانون امل�سطرة اجلنائية حيث �أنه بالرجوع �إىل املادة
59جندها قد ت�ضمنت عدد من الأحكام اخلا�صة بحجز الوثائق واملعطيات املعلوماتية لعل �أهمها ما ن�صت عليه هذه املادة
ب�رصيح العبارة «�إذا دخلت هذه البيانات املعلوماتية �ضمن الأ�شياء التي ميكن حجزها..كما ن�صت على ما يلي�...« :أو
وثائق �أو معطيات �أو �أدوات �أو برامج معلوماتية� ”...إ�ضافة �إىل ذلك ن�صت نف�س املادة من امل�رشوع الأويل على �أنه
يجري التفتي�ش يف جميع الأماكن التي ميكن �أن يعرت بها على م�ستندات �أو معطيات �أو وثائق �أو برامج معلوماتية�’...أما
املادة 60فقد �أدخلت عليها التعديالت كما ن�صت املادة 104على ما يلي� :إذا تبني �أن حتقيق ما ي�ستوجب البحث عن وثائق
�أو �أ�شياء �أو م�ستندات �أو برامج �أو �أدوات �أو معطيات معلوماتية.”...
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 302
وذلك ب�إعطاء المحقق �أمرا للخبير بجمع البيانات التي يمكن �أن تكون مقبولة كدليل للمحاكمة
الجنائية.1
والتفتي�ش والحجز في الجريمة الإلكترونية يتم وفق ال�شكل الذي ي�ؤدي �إلى �ضبط �أدلة
لها عالقة بالجريمة ،من خالل و�ضع �إطار قانوني خا�صة بال�سماح بالولوج �إلى الأنظمة
المعلوماتية ،لبحث وتفتي�ش قواعد المعطيات الآلية ب�إ�ستعمال ال�شبكة ولكن مع مراعاة
ال�ضمانات وال�ضوابط التي ر�سمها قانون الم�سطرة الجنائية للبحث والتفتي�ش والحجز�أمام
ت�ضارب اتجاهات رجال القانون حول الخ�صو�صيات التي تطبع �إجراءات التفتي�ش والحجز،
من خالل المادتين 60-59من قانون الم�سطرة الجنائية ومدى تطابقهما مع ما ن�صت عليه
المادة 19من �إتفاقية بودابي�ست.2
و قد حاول الم�شرع �إدخال تعديالت على م�ستوى م�سودة قانون الم�سطرة الجنائية ب�شكل
يجعل �إجراءات التفتي�ش والحجز تت�سع ل�شمل حتى البيانات والوثائق والأدوات والمعطيات
المعلوماتية� ،أما فيما يخ�ص حجز المعطيات والبيانات الإلكترونية التي قد ت�شكل دليال لإثبات
الجريمة الإلكترونية فقد ن�صت المادة 59من م�سودة الم�شروع على �أنه يتم حجز المعطيات
والبرامج المعلوماتية ال�ضرورية لإظهار الحقيقة بو�ضع الدعامات المادية المت�ضمنة لهذه
المعلومات رهن �إ�شارة العدالة 3غير �أن ما يعاب على هذه التعديالت �أن الم�شرع لم يحدد
ما �إذا كان ب�إمكان �أجهزة البحث والتحري تفتي�ش الحوا�سيب وحجز البيانات والمعطيات
الموجودة في مكان �آخر غير مكان البحث الأ�صلي والمفيد لإظهار الحقيقة حيث غالبا ما
يخزن المجرمون �صور غير م�شروعة لي�س في حوا�سيبهم الخا�صة بل �أي�ضا في مواقع التخزين
الواقعة في مكان �آخر.
الفقرة الثانية :ال�ضبط والخبرة الق�ضائية في الجرائم الإلكترونية
يلعب ال�ضبط والخبرة دورا هاما في مجال الإثبات الجنائي للأدلة الإلكترونية خا�صة
في ظل تزايد تطور التكنولوجيا الرقمية ،فبعد انتهاء المحقق الجنائي من �إجراء التفتي�ش
يقوم ب�ضبط الأ�شياء التي يراها �ضرورية ،ومن تم ي�أتي دور الخبير الذي يقوم بالتنقيب على
11هاليل عبد الله �أحمد ،تفتي�ش نظم احلا�سوب الآيل و�ضمانات املتهم املعلوماتي ،دار النه�ضة العربية القاهرة�،2000 ،ص:
.52
22املادة 19من �إتفاقية بودابي�ست املرتبطة بالتفتي�ش و حجز بيانات الكومبيوتر املخزنة �أو�صت ب�رضورة ت�أمني عملية
التفتي�ش و الدخول �إىل �أي نظام كومبيوتر �أو اي جزء منه يف مكان �آخر ب�إقليم الدولة زيادة على منح ال�سلطات املخت�صة
�صالحيات حجز البيانات و�أخد ن�سخة منها واالحتفاظ بها �أو جعلها غري قابلة للدحول عليها �أو حدفها من النظام.
33ه�شام مالطي ،خ�صو�صيات القواعد الإجرائية للجرائم املعلوماتية مقالة ملقاربة مدى مالئمة القانون الوطني مع املعايري
الدولية �سل�سلة ندوات حمكمة الإ�ستئناف بالرباط العدد ال�سابع� ،2014 ،ص.101 .
303 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
الحقيقة بناء على الأ�شياء الم�ضبوطة ،ثم يقدم الدليل الم�ستنبط للقا�ضي الذي يمكن �أن يبني
حكمه بناء عليه.
ومن حيث محل ال�ضبط ف�إنه ال يرد �إال على الأ�شياء المادية ،لأن الأ�شياء المعنوية ال ت�صلح
كي تكون محال لو�ضع اليد عليها 1وال�شرط الالزم ل�صحة ال�ضبط �أن يكون ال�شيء مفيد في
ك�شف الحقيقة ،فكل ما يحقق هذا الهدف ي�صلح �ضبطه كما �أنه ال يرد �إال على الأ�شياء� ،أما
الأ�شخا�ص فال ي�صلح محال لل�ضبط ،و�إنما الم�صطلح الأ�صح هو القب�ض والقب�ض يختلف
تماما عن �ضبط الأ�شياء .2ومن المكونات المادية التي تكون محال لل�ضبط مايلي :لوحة
المفاتيح وال�شا�شة والف�أرة ،والأقرا�ص والأ�شرطة المغناطي�سية.
�إن �ضبط المكونات المادية للحا�سب الآلي وملحقاته الذي ي�شمل جهاز الحا�سوب ومكوناته
الأ�سا�سية والقانونية ال تثير �أي �صعوبة من هذه الناحية لأن ال�ضبط يرد على الأ�شياء المادية
كالدعامة المادية للبرامج -الأ�سطوانات والأ�شرطة.3
�أما فيما يتعلق بالخبرة الق�ضائية في الجرائم الإلكترونية لها دور مهم بحيث تقدم الخبرة
العون ل�سير الق�ضاء ولجميع الجهات المخت�صة بالدعوى الجنائية من خالل �أداء مهمتها التي
بدونها ي�ستحيل الو�صول �إلى ر�أي ب�ش�أن الم�سائل الفنية والتي من خاللها يمكن التو�صل �إلى
ظهور الحقيقة مبنية على حقائق علمية والذي يعتبر العن�صر المميز لها عن غيرها من جرائم
الإثبات.4
ويبقى دور الخبير التقني في حفظ الأدلة الإلكترونية جزء ال يتجز�أ من الخبرة الق�ضائية في
الجرائم الإلكترونية ،بحيث يتطلب لحفظ الأدلة داخل جهاز الحا�سوب معرفة دقيقة ل�صحة
البيانات الواردة في الحا�سب الآلي ،وهذا ما ي�ستلزم من الخبير التقني �ضرورة الك�شف بداية
على نطاق محتوى �صحة حركة الحا�سب الآلي من وجود �شك في �صحة الأدلة الم�ستفادة
خا�صة في حالة وجود خلل �أو عطب مثل الفيرو�سات.
فعملية حفظ الأدلة الرقمية تتطلب من الخبير التقني القيام لمعرفة موقع الأنترنيت �أو
المعلومات التي ت�شكل الجريمة ،وبالتالي فعملية حفظ الأدلة هذه ت�ستدعي من الخبير �أن
يقوم ب�إ�ستخدام البرمجيات للقيام بحفظ الأدلة الرقمية كما �أنه ملزم �أن يقوم بعر�ض الأدلة
على المحكمة �أو جهات التحقيق.
المطلب الثاني :ارتباط الدليل الرقمي بالإثبات الجنائي في الجريمة االلكترونية
�سنتناول في هذا المطلب الدليل الرقمي ودوره في �إثبات الجريمة الإلكترونية (الفقرة
الأولى) ،و حدود قبول الدليل الإلكتروني الجنائي لإثبات الجريمة الإلكترونية (الفقرة
الثانية).
الفقرة الأولى :الدليل الرقمي ودوره في �إثبات الجريمة الإلكترونية
يعرف الدليل الرقمي على �أنه الحجة والبرهان وهو ما يدافع به الخ�صم ،وو�سيلة لإثبات
حق من الحقوق ،1فالدليل الجنائي هو جوهر الإثبات �سواء في مجال �إثبات التهمة ون�سبها �إلى
المتهم �أو �إثبات عدم �إمكانية ا�سنادها اليه ،ويعد الدليل الجنائي ذو �أهمية كبرى لأنه ينا�صر
الحقيقة ويبين مرتكب الجريمة ،وهو الذي يحول ال�شك �إلى اليقين باعتبار �أن الحقيقة في
معناها العام هي معرفة حقيقة ال�شيء ب�أن يكون �أو ال يكون والذي ال يتحقق �إال عن طريق
الدليل المعبر عن هذه الحقيقة 2فقد تنوعت تعريفاته فالبع�ض يعرف الدليل الرقمي على �أنه
«الدليل الم�أخوذ من �أجهزة الحا�سب الآلي ويكون في �شكل مجاالت �أو نب�ضات مغناطي�سية
ممكن تجميعها وتحليلها ب�إ�ستخدام برامج وتطبيقات وتكنولوجيا خا�صة ،ويتم تقديمها في
�شكل دليل يمكن اعتباره �أمام الق�ضاء.
في حين عرفه الدكتور عمر محمد �أبو بكر بن يون�س «الدليل الذي يجد به �أ�سا�سا في العالم
الإفترا�ضي ويقود �إلى الجريمة» فيعد الدليل الرقمي الدليل الم�ستعان بتقنية المعالجة الآلية
للبيانات ،والذي ي�ؤدي بقا�ضي المو�ضوع �إلى اقتناعه بثبوت �إرتكاب الجريمة من �شخ�ص ما.
وللدليل الرقمي �أ�شكال مختلفة ،وقد ق�سمها البع�ض �إلى الأق�سام الأ�سا�سية التالية:
� .1أدلة رقمية خا�صة ب�أجهزة الحا�سب الآلي و�شبكاتها
� .2أدلة رقمية خا�صة بال�شبكة الدولية للمعلومات «الأنترنيت»
بالتالي هذا التق�سيم يتطابق مع تق�سيم الجريمة عبر الحا�سب الآلي.3
� 11سيدي حممد لي�شري« ،دور الدليل الرقمي يف �إثبات اجلرائم املعلوماتية «درا�سة حتليلية وتطبيقية ،ر�سالة ماج�سرت يف
العلوم ال�رشطية تخ�ص�ص التحقيق والبحث اجلنائي ،كلية الدرا�سات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الريا�ض،
�،2010ص21 .
22علي حممود على حموده« ،الأدلة املتح�صلة من الو�سائل الإلكرتونية يف �إطار نظرية الإثبات اجلنائي» ،امل�ؤمتر العلمي
الأول حول اجلوانب القانونية والأمنية للعمليات الإلكرتونية ،الإمارات العربية املتحدة�،2003 ،ص18 .
33ممدوح عبد احلميد عبد املطلب «البحث ،والتحقيق اجلنائي الرقمي يف جرائم الكمبيوتر واالنرتنيت» ،دون طبعة دار
الكتب القانونية ،م�رص� ،2006 ،ص88.
305 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
وقد قررت وزارة العدل الأمريكية ل�سنة � 2002أن الدليل الرقمي يمكن تق�سيمه كالتالي:
ال�سجالت المحفوظة في الحا�سب الآلي وت�شمل الوثائق والملفات المكتوبة والمحفوظة ✺
والتي لم ي�شارك الأ�شخا�ص فيها مثل �سجالت الهاتف وفواتير �أجهزة الحا�سب الآلي.2
ويمتاز الدليل الرقمي عن غيره من الأدلة الجنائية بعدد من الخ�صائ�ص بحيث �أن الأدلة
الرقمية تتكون من بيانات ومعلومات �إلكترونية غير مرئية وغير ملمو�سة ،بحيث يتطلب
لإدراكها �إ�ستخدام �أجهزة ومعدات الحا�سب الآلي وا�ستعمال نظم برمجية الحا�سوب.
كما �أن الدليل الرقمي يعد دليل علمي ،بحيث يتطلب منه توافر تقني للتعامل معه ،لذلك
فكل ما ينطبق على الدليل الرقمي ،بالتالي فالدليل العلمي يخ�ضع لقاعدة �ضرورة تعبيره عن
الحقيقة ،وهذا ما ت�ضمنته قاعدة في الق�ضاء المقارن الذي ين�ص على ما يلي�« :إن القانون
م�سعاه العدالة �أما العلم فم�سعاه الحقيقة».
فالدليل الرقمي ذو طبيعة تقنية وهذا ما يميزه عن الدليل التقليدي ،وهذا ما �أخذ به
الم�شرع البلجيكي بمقت�ضى القانون ال�صادر في 28نوفمبر 2000بتعديل قانون التحقيق
الجنائي من خالل �إ�ضافة المادة 39التي �أجازت �ضبط الأدلة الرقمية مثل :ن�سخ المواد
المخزنة في نظم المعالجة الآلية للبيانات بق�صد عر�ضها على الجهات الق�ضائية.3
و�أنواع الدليل الرقمي مختلفة يمكن ح�صرها في �أربع �أنواع �أولها الورق ومخرجات الطباعة
فغالبا ما تترك الجرائم الواقعة على الأموال �أو على الأ�شخا�ص �أثار من الأوراق والم�ستندات
بالغة الأهمية التي تم حفظها في الحا�سب الآلي ،لذلك يعد الورق من الأدلة الرقمية التي يتم
4
من خاللها بحث وتفتي�ش م�سرح الجريمة ،وللورق �أربعة �أنواع هي:
�أ -الم�سودة التي يتم �إعدادها بخط اليد مثل ت�صور العملية التي تتم برمجتها.
11عبد النا�رص حممد حممود فرغلي ،حممد عبيد �سيف �سعيد امل�سماري« ،الإثبات اجلنائي بالأدلة الرقمية من الناحيتني
القانونية والفنية» درا�سة تطبيقية مقارنة امل�ؤمتر العربي الأول لعلوم الأدلة اجلنائية والطب ال�رشعي ،جامعة نايف
العربية للعلوم الأمنية الريا�ض� ،2007 ،ص.13.
22خالد عيد احللبي «�إجراءات التحري والتحقيق يف جرائم احلا�سوب والإنرتنيت ،طبعة الأوىل ،دار الثقافة للن�رش
والتوزيع ،عماد ،الأردن� ،2011 ،ص.234.
33عمر حممد �أبو بكر بن يو�سف« ،اجلرائم النا�شئة عن �إ�ستخدام الأنرتنيت» ،ر�سالة الدكتوراه ،كلية احلقوق ،جامعة
عني �شم�س.2004 ،
44عبد الله ح�سني علي حممود�« ،رسقة املعلومات املخزنة يف احلا�سب الآيل ،طبعة الثانية دار النه�ضة العربية ،القاهرة،
� ،2001ص.397 .
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 306
ب� .أوراق تالفة والتي تتم طباعتها للت�أكد من برمجة العملية ومن تم �ألقاها في �سلة
المهمالت.
ج .الأوراق التي تتم طباعتها والإحتفاظ بها لأغرا�ض تفيد الجريمة.
د .الأوراق الأ�سا�سية والمحفوظة في الملفات العادية �أو دفاتر الح�سابات وخا�صة التي يتم
تزويرها من �أجل تنفيذ الجريمة.1
دون �أن نغفل النوع الثاني المتمثل في الأجهزة الإلكترونية منها.
الحا�سب الآلي وملحقاته ،لتحديد الجريمة على �أنها جريمة معلوماتية مرتبطة بالمكان �أو
بال�شخ�ص حيث يفتر�ض وجود حا�سب �آلي ب�إمكان خبير الحا�سب الآلي التعرف على الجهاز
وموا�صفاته مع تمييزه عن غيره من �أجهزة الحا�سب الآلي الأخرى ،بالإ�ضافة �إلى كيفية تحديد
�أ�سلوب التعامل معه �أثناء ال�ضبط والتحرير.2
وو�سائل التخزين كذلك التي تتكون من :
-القر�ص الثابت :يعد الوحدة الرئي�سية التي يتم من خاللها ت�شغيل نظام الحا�سب
والبرامج والبيانات.
-الأقرا�ص المدمجة :هي وحدات التخزين التي تحتوي على معلومات ،وتقوم بتخزين هذه
المعلومات عليها و�إعادة ت�سجيلها.
-ذاكرة فال�ش :وهي �سهلة النقل والتبادل وحجمها �صغير تعمل على تخزين ونقل البيانات
ولها قدرات تخزين و�أحجام مختلفة ومتنوعة.3
فالدليل الجنائي الرقمي هو جوهر الإثبات في الجرائم المعلوماتية ،بالتالي فمحل الدليل
الرقمي هو الجريمة المعلوماتية ،ذلك �أن عدم وجود جريمة معلوماتية يعني عدم وجود دليل
رقمي بينهما� ،أما في حالة ثبوت وقوع جريمة معلوماتية ،فتقوم عملية البحث عن الدليل
الرقمي لإثباتها ون�سبتها �إلى المتهم المعلوماتي ،لهذا تمر الأدلة الجنائية الرقمية في �سيرها
للإثبات كغيرها من الأدلة الجنائية الأخرى بعدة مراحل ،وكل مرحلة من هذه المراحل مميزة
عن غيرها ،و�سوف نتطرق �إلى محل الدليل الرقمي ومراحله في الإثبات الجنائي.
الفقرة الثانية :حدود قبول الدليل الإلكتروني الجنائي لإثبات الجريمة الإلكترونية
اختلفت جل الت�شريعات في درجة الركون �إلى �صحة الأدلة الإلكترونية ك�أدلة جنائية
قاطعة تعبر عن حقيقة ن�سبة الجريمة �إلى مقترفها فجانب منهم يرى �أن الأدلة الم�ستمدة من
الحا�سبات الآلية ال تعدو �أن تكون �إال �أدلة ثانوية ت�أ�سي�سا منهم على ما يعرف بقاعدة «الدليل
الأف�ضل».1
من المعلوم �أن الدليل هو �أداة للحقيقة والأمثلة على ذلك متعددة ،حيث بالرجوع �إلى
مقت�ضيات المادة 81من قانون الم�سطرة الجنائية الفرن�سي في فقرتها الأولى 2نجد �أن
الم�شرع الفرن�سي يقر ب�صريح العبارة �أن للقا�ضي الحق في اال�ستعانة بجميع المعلومات التي
ت�صله �إلى الحقيقة طبقا للقانون ،3فهاج�س الم�شرع الفرن�سي وباقي الت�شريعات المقارنة هو
و�صول الق�ضاء الجنائي �إلى الحقيقة باعتبارها غاية و�إرادة الم�شرع في ن�سب الجريمة �إلى
مرتكبها� ،إال �أن الحقيقة التي يتحدث عنها الم�شرع الفرن�سي وكل من يقول ب�أن الدليل هو
الو�صول �إلى معرفة الحقيقة للواقعة.4
فالأدلة الإلكترونية الجنائية هي الو�سيلة للتو�صل للحقيقة� ،إال �أن الو�صول �إلى الحقيقة
ي�صادف �أجهزة تنفيذ القانون اي �ضرورة التقييد بال�شرعية في تحقيق هذه الغاية التي يقوم
عليها الإثبات الجنائي ،ومن المعلوم �أن ال�شرعية في الح�صول على الدليل الجنائي ب�صفة
عامة نجد م�ضمونها وفكرتها من عدة م�صادر ت�شمل الإتفاقيات الدولية.5
والقواعد الت�شريعية واجتهادات الق�ضاء التي ت�ستبعد فكرة الدليل المتولد عن �إجراء غير
م�شروع� ،إال �أن افترا�ض ال�شرعية في الح�صول على الدليل ك�أ�سا�س للو�صول �إلى الحقيقة قد يكون
�سببا معيقا لذلك الو�صول ،وهو الأمر الذي دفع بالق�ضاء �إلى البحث عن الحقيقة باعتبارها
غاية الم�شرع من �إقرار قواعد الإثبات و�أن الأدلة التي ال تو�صل �إلى �إقرار الحقيقة ال قيمة لها.
وقد اختلف الفقه بين م�ؤيد ومعار�ض لهذا التوجه الذي ا�ستقر عليه الق�ضاء في الأخذ
بفكرة الدليل غير الم�شروع ،لأن البحث عن الحقيقة يبرر الو�سيلة من منظور هذا الإتجاه
الذي يقبل بحقيقة هذا الدليل الرقمي الذي يتم التو�صل �إليه بطريقة غير م�شروعة.
فح�سب هذا االتجاه يبقى منح�صرا في تحقيق العدالة باعتبارها هي الغاية للم�شرع من
الن�صو�ص القانونية ،لكن هذا الهاج�س يتناق�ض مع الر�أي الذي يقول �أن الإثبات يقت�صر على
�إثبات الوقائع لتبيان وجهة نظر الم�شرع وحقيقة ق�صده في البحث تتعلق بتطبيق القانون
وتف�سيره وهو عمل ت�ضطلع به المحكمة لوحدها.1
ومن الأمثلة الق�ضائية التي ت�أخذ بفكرة الدليل الإلكتروني الجنائي غير الم�شروع القرار
ال�صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النق�ض الفرن�سية بتاريخ 31يناير 2012والذي جاء
فيه «�إن الت�سجيالت المتح�صل عليها ب�شكل �سري ال تن�سجم مع مقت�ضيات المادة 170من
قانون الم�سطرة الجنائية ومن تم يجب الحكم ب�إلغائها لكن من الممكن �أن يتم مناق�شتها
�أثناء الخ�صومة» فالق�ضاء الفرن�سي من خالل مقت�ضيات هذا القرار اعتبر �أن الت�سجيالت
المتح�صل عليها بطريقة غير م�شروعة في الأ�صل يجب الحكم ب�إلغائها لكونها تتناق�ض مع
مقت�ضيات المادة 170من قانون الم�سطرة الجنائية الفرن�سية �إال �أنه قبل الدليل الإلكتروني
الجنائي كدليل يمكن مناق�شته ،مما يفيد �أن الق�ضاء الفرن�سي بد�أ يتجه نحو تكري�س االتجاه
الذي يقبل بقيمة الدليل الإثباتي بقطع النظر عن قيمته القانونية.
خاتمة:
�إن الجريمة المعلوماتية ظاهرة �إجرامية م�ستجدة تحمل في طياتها العديد من المخاطر
وتكلف �ضحاياها خ�سائر ج�سيمة ،فهي نتيجة حتمية للتطور العملي والتقني الذي �شهده
ع�صرالمعلوميات ،ت�ستهدف المال والأ�شخا�ص وحتى القطاعات الحيوية داخل المجتمع،
وعلى الم�شرع تطوير تر�سانته القانونية وعدم االقت�صار على القوانين التي �سنها لمواجهة
بع�ض ال�صعوبات الطارئة والتي همت تجريم الأن�شطة الما�سة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات
واالعتداءات الإرهابية التي ت�ستخدم هذه الأنظمة� ،إلى جانب الم�سا�س بحقوق الم�ؤلف
والحقوق المجاورة المرتبطة ببرامج الحا�سوب وقواعد المعطيات الآلية ،وكذا تجريم توظيف
و�سائل الإت�صال ومنه الإنترنت لتحري�ض القا�صرين على الدعارة �أو البغاء �أو ت�شجيعهم عليها
�أو ت�سهيلها لهم �أو في ا�ستغالل �صورهم في مواد �إباحية ،لأنها مع ذلك تبقى قا�صرة عن
الإحاطة بمختلف مظاهر هذه الجريمة ،وذلك من �أجل �ضمان ح�سن معالجة الق�ضاء للق�ضايا
المعرو�ضة عليه وتكييفها قانونيا التكييف ال�صحيح ،بفتح المجال �أمامه لتطبيق الن�صو�ص
القانونية المنا�سبة لكل واقعة خا�صة مع تنوع �أ�شكال الجريمة ،ولتوحيدالر�ؤى وتفادي ت�ضارب
العمل الق�ضائي في �إعطاء �أو�صاف قانونية مختلفة لنف�س الفعل المجرم ،بالنظر لدور الق�ضاء
11ادري�س النوازيل ،موقف الق�ضاء من اجلرمية الإلكرتونية ،مقال من�شور مبن�شورات كلية العلوم القانونية واالقت�صادية
و االجتماعية ،مراك�ش� ،سل�سلة الندوات والأيام الدرا�سية� ،2010 ،ص.103 .
309 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
في الت�صدي للجريمة المعلوماتية وزجر مرتكبيها الذين يعدون مجرمين متمر�سين يلج�ؤون
دائما لتطهيرالمحيط الذي يعملون فيه ،مما ي�صعب معه اكت�شافهم �أو تحديد هوياتهم ،وهو ما
ي�ستدعي �إيالء االهتمام ب�آليات البحث المعتمدة في ر�صدالجريمة التي تبقى محدودة الحتواء
مظاهر �إ�ساءة المعلومات ،فالقدرة الفائقة التي تنتقل بها المعلومات والآثار المدمرة التي
تخلفها الهجمات الواقعة على الأنظمة المعلوماتية والمواقع ب�إ�ستعمال الفيرو�سات و�ضلوع
تقنيين وخبراء في ذلك ،يحد من التدخالت الزجرية خا�صة على �شبكة الإنترنت مما يقت�ضي
مراجعة قانون الم�سطرة الجنائية حتى ي�ستجيب لمتطلبات البحث وتفتي�ش قواعد المعطيات
الآلية ب�إ�ستعمال ال�شبكة ،دون �أن نن�سى �أهمية ت�أهيل و�إعداد ال�شرطة التقنية و�سلطات التحقيق
في جمع الأدلة ب�إ�ستعمال التقنيات العلمية ،حتى يتم �إ�ستخال�ص الدليل في �إطار قانوني ي�ضمن
�سالمة هذا الإ�ستخال�ص لأغرا�ض ق�ضائية ،فالو�سائل العلمية و�إن كانت تفيد في مهمة الك�شف
عن الحقيقة �إال �أنها قد تع�صف �أحيانا بحريات وحقوق الأفراد �إذا لم يح�سن �إ�ستخدامها.
311 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
11
و�إذا كانت الزاوية اللغوية التطرح �أية �إ�شكاليات على م�ستوى المعنى ،ف�إن الزاوية
اال�صطالحية التي تتطابق مع الزاوية الإجتماعية تعطينا مفهوما هاما لإهمـال الأ�سرة .فهي
تعني الالمباالة التي قد ت�صل حد الإ�ستخفاف و الإ�ستهزاء بااللتزامات الأ�سرية ،ذلك �أن
نظام الزواج كعالقة مقد�سة �أحيط بعدة �ضمانات �أخالقية و اجتماعية قبل �أن تكون قانونية.
و�إذا كان تقدي�س هذا الرابط �أمرا م�سلما به ،ف�إن ذات الت�سليم يجب �أن تح�ضي به الآثار
والنتائج الناجمة عن العالقة الزوجية ،و �إن �أي �إخالل بها �إنما هو �إهمال وا�ستهتار بنظام
الأ�سرة ككل ،و ال تمييز بين الزوج و الزوجة في هذا الم�ضمار ،فكل راع وكل م�س�ؤول عن رعيته.
كما ال يعتد بحجم الإخالل الذي يتحقق بموجبه �إهمال الأ�سرة و التي تعتبر وحدة متكاملة.
و بالتالي ،ف�إن المفهوم االجتماعي لإهمال الأ�سرة مفهوم وا�سع جدا والي�ضع حدا ل�صورها،
بل يعتبر �أن �أي �إخالل بالإلترامات الأ�سرية هو �إهمال للواجب الأ�سري و�أن الآثم قد يكون
الأبناء في مواجهة الآباء �أو العك�س ،كما قد يكون الزوج في مواجهة الزوجة و العك�س �صحيح
�أي�ضا.
وهذا المفهوم االجتماعي ،و �إن كان وا�ضحا و ب�سيطا� ،إال �أنه غير دقيق بالمرة .كما �أنه
يحتمل ت�أويالت و تنظيرات ال ح�صر لها.
�أما من الزاوية القانونية ،التي تعنينا هنا بالدرجة الأولى ،ف�إننا با�ستقراء الن�صو�ص
القانونية المنظمة لإهمال الأ�سرة ،نجد �أنها تختلف عن المفهوم االجتماعي لها ،و�إن ت�شاركا
في الت�صور العام.
فما المق�صود ب�إهمال الأ�سرة وفق المنظور القانوني؟
�إن خطورة اال�ستهزاء بالرابطة الأ�سرية ،دفع بالم�شرع �إلى تناول هذه الظاهرة في �إطار
قانون زجري وهو القانون الجنائي بدال من تناولها في مدونة الأ�سرة مثال.
وهكذا اعتبر الم�شرع المغربي �إهمال الأ�سرة جريمة ،و تناولتها مجموعة القانون الجنائي
في الكتاب الثالث/الباب الثامن المتعلق بالجنايات والجنح �ضد نظام الأ�سرة والأخالق
العامة ،وخ�ص لها فرعا م�ستقال هو الفرع الخام�س ،والذي تناول هذه الجريمة في �أربعة
1
ف�صول هي الف�صول من � 479إلى 482ق.ج.
وارتباطا بالمو�ضوع �أعاله ف�إن المادة 53من مدونة الأ�سرة باتت معظلة و�شبه معظلة في
الواقع العملي و�ضمان تطبيقها يبقى ن�سبيا نظرا لوجود عدة عراقيل ،وفي ظل البحث عن
الحل الأن�سب� ،أدخل الم�شرع تعديالت و تتميمات على القانون الجنائي بمقت�ضى القانون
13.103لمحاربة العنف �ضد الن�ساء الذي جاء في طياته م�ستجدات تهم مو�ضوع الطرد
11مرمي الزغيغي« ،جنحة �إهمال الأ�رسة يف القانون املغربي» ،جملة امللف ،العدد � 17أكتوبر .2010
313 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
من بيت الزوجية التي �أ�صبحت في ظل القانون المذكور �سلفا جنحة مجرمة و يعاقب عليها
بالحب�س.
و�إنه بقراءتنا للف�صول من � 479إلى 482ق.ج ،نالحظ �أن الم�شرع الجنائي ق�سم �ضمنيا
الإهمال الأ�سري �إلى ثالث �أ�شكال �أ�سا�سية و هي :الإهمال المــادي و الإهمـال المالــي و الإهمـال
المعــنوي و الطرد من بيت الزوجية.
يتجلى الإهمال الأول ( المادي ) في:
ترك الأب �أو الأم لبيت الأ�سرة دون موجب قاهر لمدة تزيد عن �شهرين. ✺
ترك الزوج ،عمدا و دون موجب قاهر لمدة تزيد عن �شهرين ،زوجته و هي حامل مع علمه ✺
بذلك.
يتجلى الإهمال الثاني ( المالي ) في:
الإم�ساك العمدي عن دفع النفقة �إلى الزوجة �أو �أحد الأ�صول �أو الفروع في الموعد المحدد ✺
كان �شكل هذا ال�ضرر ،و �إن كان الم�شرع المغربي قد �أخد على عاتقه �إعطاء �صور لهذا ال�ضرر
1
المعنوي.
�إن �إ�شكالية المو�ضوع ت�أتي من كون تطبيق الف�صول المتعلقة ب�إهمال الأ�سرة يفر�ض
بال�ضرورة �إعمال قواعد مدونة الأ�سرة ،و المالحظ �أن هذا الترابط تم بين قانونين من طبيعة
مختلفة ،و هو ما يطرح م�شكلة المالئمة و االن�سجام على م�ستوى التطبيق العملي بينهما ،وعليه
ف�إ�شكالية مو�ضوع �إهمال الأ�سرة هي كالتالي:
هل حققت جنح �إهمال الأ�سرة في القانون الجنائي باعتبار خ�صو�صياتها وارتباطها
ب�أحكام مدونة الأ�سرة ،الحماية الفعالة و الناجعة لم�ؤ�س�سة الأ�سرة؟.
للإجابة عن هذه الإ�شكالية ارت�أينا تق�سيم المو�ضوع على ال�شكل التالي:
المبحث الأول :القواعد المو�ضوعية في جنح �إهمال الأ�سرة ❑
11مرمي الزغيغي« ،جنحة �إهمال الأ�رسة يف القانون املغربي» ،جملة امللف ،العدد � 17أكتوبر 2010
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 314
11حممد بفقري جمموعة القانون اجلنائي والعمل الق�ضائي املغربي » من�شورات ،درا�سات ق�ضائية� ،سل�سلة القانون والعمل
الق�ضائي املغربيني ،العدد ،4طبعة .2011
315 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
متعمد زوجته و هو يعلم �أنها حامل لمدة تتجاوز ال�شهرين دون موجب قاهر ،فهو بذلك يخل
بواجب الم�ساكنة المفرو�ض عليه.
و تجدر الإ�شارة �أن �أحد الباحثين يرى ب�أن �إهمال البيت واكب عمليا الإهمال النقدي ،ذلك
�أن هذا الأخير ال يميز بو�ضوح �إال بترك المهمل للبيت ،و �إهمال البيت ال يكون مذموما �أو معابا
�إال �إذا كان مرافقا بالإم�ساك عن النفقة.
الفقرة الثانية : :الإهمال النقدي (الإم�ساك عمدا عن �أداء النفقة داخل الأجل القانوني
المحدد لها)
عالج الم�شرع المغربي هذا النوع من �إهمال الأ�سرة باعتباره ال�صورة الغالبة و الأكثر
�شيوعا من خالل الف�صل 480من القانون الجنائي الذي ين�ص على �أنه« :يعاقب بنف�س العقوبة
من �صدر عليه حكم نهائي �أو قابل للتنفيذ الم�ؤقت بدفعه نفقة �إلى زوجه �أو �أحد �أ�صوله �أو
فروعه و�أم�سك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد ،وفي حالة العود يكون الحكم بعقوبة
الحب�س حتميا .والنفقة التي يحددها القا�ضي تكون واجبة الأداء في المحل الم�ستحق لها ما
لم ين�ص الحكم على خالف ذلك« ،و يعتبر هذا النوع من الإهمال الأكثر �شيوعا في المغرب ،و
على جانب كبير من الأهمية على اعتبار �أن يتوخى حماية الأ�سرة مبا�شرة �إما الزوجة �أو الفروع
�أو الأ�صول ،ومن المالحظات على هذا النوع من الإهمال:
يقت�صر الإهمال النقدي عن الإم�ساك العمدي عن الإنفاق على الزوجة �أو الفروع والأ�صول ✺
في الموعد المحدد بموجب حكم نهائي �أو قابل للتنفيذ الم�ؤقت .بمعنى �أنه في حالة
الإم�ساك عن الإنفاق بموجب التزام بالإنفاق ال ي�شكل �إهماال للأ�سرة علما �أن المادة197
من مدونة الأ�سرة تن�ص على �أن �أ�سباب وجوب النفقة هي الزوجية و القرابة و االلتزام.
تدخل الم�شرع م�ؤخرا بموجب مدونة الأ�سرة (المادة 202مدونة الأ�سرة) ليجعل التوقف ✺
عن دفع النفقة للأوالد مدة �أق�صاها �شهر دون عذر مقبول �سببا لتطبيق �أحكام �إهمال
الأ�سرة على المم�سك عن �أدائها.
لم يعد الم�شرع المغربي يعتبر الزوج وحده المكلف بالنفقة على الأوالد ،بل �إن المادة ✺
199من مدونة الأ�سرة توجب النفقة على الأم �إذا كانت مو�سرة و كان الأب مع�سرا ،مما
يعني �إمكانية متابعة الأم ب�أحكام �إهمال الأ�سرة �إذ امتنعت عن الإنفاق على �أوالدها مع
ثبوت ي�سرها.
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 316
11حممد بفقري جمموعة القانون اجلنائي والعمل الق�ضائي املغربي » من�شورات ،درا�سات ق�ضائية� ،سل�سلة القانون والعمل
الق�ضائي املغربيني ،العدد �،4ص ،64 .طبعة .2011
317 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
بالحب�س من �شهر واحد �إلى ثالثة �أ�شهر وغرامة من � 2.000إلى 5.000درهم ،عن الطرد من
بيت الزوجية �أو االمتناع عن �إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية ،وفقا لما هو من�صو�ص
عليه في المادة 53من مدونة الأ�سرة ،وت�ضاعف العقوبة في حالة العود».1
يعد �إدراج الطرد من بيت الزوجية (الف�صل � )1-480ضمن الجرائم الم�ستلزمة عقوبات
مك�سبا للن�ساء .وقد ظل طيلة عقود مطلبا �أ�سا�سيا لحركة الن�ساء المغربية ،وهكذا يعترف
�أخيرا بكون الطرد من بيت الزوجية عنف �ضد الن�ساء قائم على التمييز �ضدهن ،يرتكز
الزوج على �سلطته الذكورية واالقت�صادية (امتالك بيت ودخل) لممار�سة جريمة طرد الزوجة
من البيت ك�أداة �ضغط عليها وا�ستعبادها .وقد ن�صت مدونة الأ�سرة في مادتها 53على قرار
ا�ستعجالي ب�إرجاع الزوجة �إلى البيت ت�صدره النيابة العامة ،دون تجريم هذا الفعل حتى و�إن
تكرر مرارا.
المطلب الثاني :خ�صائ�ص جنح �إهمال الأ�سرة
تنفرد جنح �إهمال الأ�سرة بعدة خ�صائ�ص ،فهي بطبيعتها من الجرائم العمدية ا�ستلزم
الم�شرع لقيامها توافر عن�صر العمد عند مرتكبيها (�أوال) ،كما �أنها تعد من جرائم ذوي
ال�صفة� ،إذ حدد الم�شرع �سلفا الأ�شخا�ص اللذين يمكن �أن يقترفوا هذا ال�صنف من الجرائم
دون �سواهم (ثانيا) ،و �أخيرا تعد جرائم �إهمال الأ�سرة في معظمها من الجرائم المبنية على
�شكوى� ،إذ ال يمكن تحريك المتابعة الجنائية ب�ش�أنها �إال بناءا على �شكوى من طرف المت�ضرر
(ثالثا).
الفقرة الأولى :جنح �إهمال الأ�سرة من الجرائم العمدية
يق�صد بالجرائم العمدية تلك الجرائم التي ا�ستوجب الم�شرع لقيام عنا�صرها التكوينية
توافر عن�صر العمد عند مرتكبها .و عليه ف�إنه با�ستقراء المقت�ضيات القانونية المنظمة لجنح
�إهمال الأ�سرة ،نجد الم�شرع المغربي �صنف هذا النوع من الجرائم �ضمن زمرة الجرائم
العمدية ،ذلك �أنه ال يكفي للمعاقبة على �إرتكابها فقط �إتيان الن�شاط المجرم متمثال في الركن
المادي ،بل ال بد من توافر عن�صر العمد� ،أي النية الإجرامية وهو ما يت�ضح جليا من خالل
ا�ستعمال الم�شرع عبارات من قبيل (دون موجب قاهر ،يعلم �أنها حامل الف�صل 479من ق ج،
�أم�سك عمدا الف�صل 480من ق ج).
11ظهري �رشيف رقم � 1.18.19صادر يف 5جمادى الآخرة 22( 1439فرباير )2018بتنفيذ القانون رقم 103.13املتعلق
مبحاربة العنف �ضد الن�ساء الف�صل 1-480
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 318
»وال يجوز رفع هذه الدعاوي �إال بناء على �شكوى من ال�شخ�ص المهمل �أو الم�ستحق للنفقة
�أو نائبه ال�شرعي مع الإدالء بال�سند الذي يعتمد عليه ،غير �أنها ترفع مبا�شرة من طرف النيابة
العامة عندما يكون النائب ال�شرعي المذكور هو المقترف للجريمة« ،و نرى ب�أن الم�شرع قد
�أح�سن �صنعا لما �سلك هذا المنحى بالنظر �إلى �أن الدعاوى التي تن�شا بين �أفراد الأ�سرة تثير
الكثير من الح�سا�سيات قد يكون لها ت�أثيرا �سلبيا على �أفرادها ،خ�صو�صا الأطفال القا�صرين.
و عليه ف�إن الم�شرع الجنائي كان على حيطة و حذر فيما يخ�ص هذا النوع من الجرائم ،وذلك
مراعاة لخ�صو�صيات م�ؤ�س�سة الأ�سرة ،فا�شترط لإقامة هذه الدعاوى �أن تكون مبنية على �شكوى
من ال�شخ�ص المهمل �أو الم�ستحق للنفقة �أو نائبه ال�شرعي مع �إدالئه بال�سند الذي يعتمد عليه.
المبحث الثاني :القواعد الم�سطرية في جنح �إهمال الأ�سرة
مما ال �شك فيه �أنه لتنزيل القواعد المو�ضوعية الزجرية البد من �إتباع مجموعة من
الإجراءات الم�سطرية هما تحريك و ممار�سة الدعوى العمومية -المطلب الأول -بحيث هذه
الأخيرة تثار فيها مجموعة من الدفوع (�سواء ال�شكلية �أو المو�ضوعية) والعقوبات -المطلب
الثاني.-
المطلب الأول :تحريك وممار�سة الدعوى العمومية
وهما مرحلتان على جانب كبير من الأهمية نظرا للخ�صو�صيات الفريدة التي تتميزان بها،
والجهات التي تبا�شرهما.
الفقرة الأولى :تحريك الدعوى العمومية
تتميز جنح �إهمال الأ�سرة بم�سطرة ذات طابع خا�ص تالءم طبيعة هذه الجنح باعتبارها
موجهة لحماية نظام الأ�سرة حيث يتم تحريك الدعوى بخ�صو�صها وفق �آليتين ،و هنا نتحدث
عن الإهمال النقدي المادي دون الإهمال المعنوي:
�أوال :وجود �شكاية من ال�ضحية �أو نائبه ال�شرعي (با�ستثناء الإهمال المعنوي).
حيث ين�ص الف�صل 481من القانون الجنائي على ما يلي « :ال يجوز رفع هذه الدعوى �إال بناء
على �شكاية من ال�شخ�ص المطرود من بيت الزوجية �أو ال�شخ�ص �أو الم�ستحق للنفقة �أو نائبه
ال�شرعي مع الإدالء بال�سند الذي يعتمد عليه ،غير �أنها ترفع مبا�شرة من طرف النيابة العامة
عندما يكون النائب ال�شرعي المذكور هو المقترف للجريمة 1«.والم�ستفاد من هذا الن�ص �أن
11حممد بفقري جمموعة القانون اجلنائي والعمل الق�ضائي املغربي » من�شورات ،درا�سات ق�ضائية� ،سل�سلة القانون والعمل
الق�ضائي املغربيني ،العدد �،4ص ،50 .طبعة .2011
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 320
الم�شرع المغربي قد ربط مبا�شرة هذه الدعوى و قيدها بوجود �شكاية �إما من ال�ضحية �أي
ال�شخ�ص الذي تعر�ض مبا�شرة للإهمال و ت�ضرر منه ،وبالتالي ال يمكن للنيابة العامة �أن
تبا�شر الدعوى العمومية في حال عدم وجود �شكاية من الطرف المت�ضرر ،وهي بذلك تكون من
فئة الجنح التي ربط الم�شرع المغربي مبا�شرتها ب�شكاية على غرار الخيانة الزوجية.
فمن هو النائب ال�شرعي ح�سب مدلول هذا الف�صل؟
لم يتطرق الم�شرع المغربي في القانون الجنائي �إلى تحديد مفهوم النائب ال�شرعي ،لكن
مدونة الأ�سرة تطرقت �إلى بع�ض محدداته ،حيث ن�صت المادة 229من مدونة الأ�سرة� ،أن
النيابة ال�شرعية عن القا�صر �إما والية �أو و�صاية �أو تقديم ،و�أ�ضاف الم�شرع في المادة � 230أن
النائب ال�شرعي يق�صد به:
- 1الولي و هو الأب و الأم و القا�ضي
- 2الو�صي و هو و�صي الأب و و�صي الأم
- 3المقدم و هو الذي يعينه الق�ضاء
كما قد يكون النائب ال�شرعي للقا�صر م�ؤ�س�سة �إذا كان تحت الرعاية الفعلية لها ريثما يعين
له القا�ضي مقدما.
و المالحظ �أن الم�شرع المغربي لم يورد ذكر الحا�ضن �ضمن من لهم حق التقدم ب�شكوى
و هو ما يثير الت�سا�ؤل حول الحالة التي يكون فيها النائب ال�شرعي و الحا�ضن �شخ�صين
مختلفين.1
لهذا ن�ساير بع�ض الباحثين فيما ذهبوا �إليه من وجوب تدخل الم�شرع ب�إعطاء ال�شخ�ص
الحا�ضن ال�صالحية في تحريك الدعوى العمومية.
ون�شير �إلى �أن �أمر ال�شكاية يقت�صر فقط على الإهمال النقدي و المادي� ،أما الإهمال
المعنوي فهو يخ�ضع للقواعد العامة بخ�صو�ص تحريك الدعوى العمومية .
ثانيا :تدخل النيابة العامة عند �إرتكابها من طرف النائب ال�شرعي
خول الم�شرع المغربي النيابة العامة مبا�شرة الدعوى العمومية مبا�شرة في الحالة التي
يكون فيها النائب ال�شرعي هو المقترف للجريمة ،و هو الأ�صل �أو القاعدة العامة على اعتبار
�أن النيابة العامة هي �صاحبة الوالية العامة في مبا�شرة الدعوى العمومية .الحكمة من تبني
الم�شرع لهذه القاعدة تتمثل في توفير الحماية لل�شخ�ص المهمل �إذا كان النائب ال�شرعي هو
من اقترف الفعل حيث غالبا ما يتعذر التقدم بال�شكاية على ال�شخ�ص المهمل.
11مرمي الزغيغي« ،جنحة �إهمال الأ�رسة يف القانون املغربي» ،جملة امللف ،العدد � 17أكتوبر .2010
321 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
و بخ�صو�ص الحالة التي يتم فيها �سحب ال�شكاية نت�ساءل هل تتوقف الدعوى العمومية؟
�إن الف�صل 1-481جاء ليعالج الفراغ الت�شريعي بخ�صو�ص هذه النقطة حيث ن�ص �صراحة
على �أنه « في الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صول 479و 480و 480-1من هذا القانون ،ف�إن
تنازل الم�شتكي عن ال�شكاية ي�ضع حدا للمتابعة ولآثار المقرر الق�ضائي المكت�سب لقوة ال�شيء
1
المق�ضي به في حالة �صدوره».
الفقرة الثانية :ممار�سة الدعوى العمومية
على غرار تحريك الدعوى العمومية ف�إن ممار�ستها بدورها تتميز بالعديد من الخ�صو�صيات
التي تخرج عن الم�ساطر المتعارف عليها و تتمثل هذه الم�سطرة في �ضرورة �إجراء اال�ستجواب
(�أوال) و محتوى هذا اال�ستجواب (ثانيا).
�أوال� :إجراء اال�ستجواب
ين�ص الف�صل 481من القانون الجنائي في فقرته الثالثة والرابعة» :و يجب �أن ي�سبق
المتابعة �إعذار المخل بالواجب �أو المدين بالنفقة ب�أن يقوم بما عليه في ظرف 30يوما ،ويتم
هذا الإعذار في �شكل ا�ستجواب يقوم به �أحد �ضباط ال�شرطة الق�ضائية و ذلك بناءا على
طلب من النيابة العامة 2«.و يعتبر المح�ضر �شرطا �ضروريا لقبول المتابعة و ممار�سة الدعوى
العمومية و هو ما ي�شكل ا�ستثناءا للمبد�أ الذي يقر �أن المح�ضر لي�س �شرطا واجبا و �ضروريا
لكل متابعة ،و يتم اال�ستجواب من قبل �أحد �ضباط ال�شرطة الق�ضائية بعد تلقي �أمر النيابة
العامة حيث ينذر المدين للقيام بما هو ملزم به داخل �أجل 30يوما و ال حق ل�ضابط ال�شرطة
الق�ضائية في �إجراء هذا اال�ستجواب �إال بناءا على �أمر النيابة العامة تحت طائلة بطالن
الإجراء المنجز� ،أما �إذا كان المعني بالأمر في حالة هروب �أو �أن محل �إقامته غير معروف
ف�إن �ضابط ال�شرطة الق�ضائية ي�سجل ذلك و ي�ستغني عن اال�ستجواب �إلى �أن يلقى القب�ض على
ال�ضنين المهمل .و ال يقدم الملف �إلى المحكمة و تحفظ الم�سطرة في انتظار �إلقاء القب�ض
على المعني بالأمر �أو العثور عليه ،و �إذ ذاك ي�ستمع له في ا�ستجواب �أو يقدم �إلى المحكمة دون
�أن ي�ستفيد من المهلة القانونية.
و للتذكير ف�إن جريمة الإهمال المعنوي للأوالد ال تخ�ضع لم�سطرة اال�ستجواب ال�سالف
ذكرها ،و�إنما تبقى خا�ضعة للقواعد الم�سطرية العادية التي تخ�ضع لها باقي الجرائم.
11ظهري �رشيف رقم � 1.18.19صادر يف 5جمادى الآخرة 22( 1439فرباير )2018بتنفيذ القانون رقم 103.13املتعلق
مبحاربة العنف �ضد الن�ساء
22عدل الف�صل و متم بالقانون رقم 103.13
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 322
11نور الدين العمراين � «،رشح القانون اجلنائي اخلا�ص »� ،ص ،50 .مطبعة دار الأمان .،الرباط ،طبعة .2005
323 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
ل�صحة المتابعة الجنائية �أو �إ�صدار الحكم فيها ،و هي تن�صب عموما حول الدفع بخرق ن�ص
من ن�صو�ص قانون الم�سطرة الجنائية� ،أو بخرق �إجراءات المتابعة .و الدفوع ال�شكلية ح�سب
المادة 318من قانون الم�سطرة الجنائية يجب �أن تقدم قبل كل دفع �أو دفاع في جوهر الدعوى
و �إال ت�صبح غير مقبولة لفوات �أوانها ،و عليه ف�إن الأ�صل فيها �أن تثار قبل كل دفاع في جوهر
الدعوى� ،أي قبل درا�سة الق�ضية ما لم تكن من النظام العام حيث تثيرها المحكمة تلقائيا في
كل مراحل الدعوى .ومن هذه الدفوع المرتبطة بجنح �إهمال الأ�سرة نذكر:
- 1عدم تبليغ الحكم القا�ضي بالنفقة
ي�شترط لمبا�شرة م�سطرة �إهمال الأ�سرة بالن�سبة للإهمال النقدي �أن يكون هناك حكم
نهائي بالنفقة يق�ضي على المدين ب�أدائه لفائدة م�ستحقها مبلغا معينا ،و �أن يبلغ الحكم �إلى
هذا المدين بالو�سائل القانونية و ينذر للأداء ،و بالتالي ف�إن عدم تبليغ المدين هذا الحكم
الذي �صدر �ضده والذي يجب �أن يكون قد �أ�صبح نهائيا يجعله في حل من المتابعة بجنحة
�إهمال الأ�سرة.
- 2عدم احترام مقت�ضيات المادة 481من القانون الجنائي
ا�شترط الم�شرع المغربي في المادة 481الجنائي عدة �شروط م�سطرية يجب احترامها
حتى تكون المتابعة �صحيحة و منها الأعذار الذي تتم في �شكل ا�ستجواب يقوم به �أحد �ضباط
ال�شرطة الق�ضائية ،و عليه ف�إنه في حالة تم خرق هذه القواعد الم�سطرية و عدم احترامها
يمكن للمتهم �أن يتم�سك بها ويلتم�س من المحكمة عدم قبول المتابعة ،والمحكمة ملزمة
باال�ستجابة له ما دام ثبت لها جدية هذه الدفوع.
ثانيا :الدفوع ذات الطبيعة المو�ضوعية
و هي الدفوع التي توجه لمو�ضوع المتابعة و ت�ستهدف �إ�سقاطها �آو البراءة منها ،و هي متعددة
ال ح�صر لها على عك�س الدفوع ال�شكلية التي يمكن ح�صرها .وهنا �سوف نتطرق لبع�ضها فقط:
� - 1سحب ال�شكاية
�سبق و �أ�شرنا �إلى �أن المتابعة في جنحتي الإهمال النقدي و المادي ي�ستلزم وجود �شكاية
من المت�ضرر و ذلك تطبيقا لمقت�ضيات المادة 481من القانون الجنائي و ال�س�ؤال الذي يطرح
هل يوقف �سحب ال�شكاية الدعوى العمومية ؟
بالرجوع �إلى الن�صو�ص الم�ؤطرة لجنح �إهمال الأ�سرة نجد �أن الم�شرع المغربي قد ن�ص
�صراحة في التعديل الجديد على القانون الجنائي بموجب الظهير �شريف رقم � 1.18.19صادر
في 5جمادى الآخرة 22( 1439فبراير )2018بتنفيذ القانون رقم 103.13المتعلق بمحاربة
العنف �ضد الن�ساء في الف�صل � 1-481 « :أنه في «الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صول 479
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 324
و 480و 480-1من هذا القانون ،ف�إن تنازل الم�شتكي عن ال�شكاية ي�ضع حدا للمتابعة ولآثار
1
المقرر الق�ضائي المكت�سب لقوة ال�شيء المق�ضي به في حالة �صدوره».
- 2نفي الن�سب
يفتر�ض في كل متابع بجنحة من جنح الإهمال �أن تكون له ال�صفة �أي �أن يكون والدا �أو نائبا
�شرعيا ،و بالتالي ف�إن عدم توفر هذه ال�صفة ي�شكل دفعا ي�سقط المتابعة و الدعوى العمومية
عموما .فبالن�سبة لنفي الن�سب يمكن للمتهم �أن يثبت عدم ن�سبة ن�سب الأبناء له وفق ال�شروط
المن�صو�ص عليها في قانون مدونة الأ�سرة و هي:
الخبرة الطبية و الجينية وفق ال�شروط المن�صو�ص عليها في الف�صل 153من مدونة ✺
الأ�سرة.
م�سطرة اللعان ✺
و نفي الن�سب ال يتم �إال عن طريق حكم ق�ضائي ح�سب ما تن�ص عليه المادة 159من مدونة
الأ�سرة ،ف�إذا �صدر الحكم ل�صالحه كان له �أن يدفع به في مواجهة الولد الذي يتابعه من �أجل
النفقة �أو الإهمال المادي �أو المعنوي.
الوا�ضح �أن هذا الآمر لم يعد مطروحا مع مدونة الأ�سرة الجديدة لأنها ت�شترط لنفي
الن�سب �صدور حكم بذلك ،و بالتالي ف�إن تم�سك ال�ضنين ينفي الن�سب كدفع مجرد من وجود
حكم ق�ضائي يبقى بدون اعتبار.
- 3الدفع بالتقادم الجنحي
ن�شير بداية �إلى تو�ضيح ب�سيط هو �أن التقادم الجنحي لدعوى العمومية في النفقة يختلف
تماما عن تقادم دين النفقة� ،إذ �أن هذه الأخيرة ال يلحقها التقادم �أبدا ح�سب ما ين�ص عليه
الف�صل 195من مدونة الأ�سرة� ،أما تقادم الدعوى العمومية النا�شئة عن الإهمال النقدي �أو
غيره فهو ممكن ويتحقق بمرور � 4سنوات ح�سب ما تن�ص على ذلك المادة 5من الم�سطرة
الجنائية.
الفقرة الثانية :العقوبات المقررة لجنح �إهمال الأ�سرة
�إذن كما �سبق و ذكرنا ،ف�إن المحكمة بعد مناق�شتها للملف و اال�ستماع للمرافعات تختلي
للت�أمل حيث ت�صرح في حالة ثبت لديها توافر الأركان و العنا�صر القانونية لجريمة الإهمال
و تعمل على تحديد العقوبة وفق �سلطتها في تقدير العقاب و ذلك في حدود الم�سموح به في
الن�ص الم�ؤطر للمتابعة �أو الذي ارت�أت المحكمة تطبيقه �إذا ما ر�أت الحاجة �إلى �إعادة التكييف.
و مبا�شرة المحكمة للدعوى العمومية و تطبيقها الن�صو�ص المجرمة وت�صريحها بالإدانة
قد يتبعها �أحيانا تقدم الطرف المدني بطلباته في �إطار الدعوى المدنية التابعة.1
�أوال :الجزاءات في الدعوى العمومية
و الجزاءات في الدعوى العمومية تكون على �شكل عقوبات ،هذه العقوبات تنق�سم بدورها
�إلى �أ�صلية و �إ�ضافية.
- 1العقوبات الأ�صلية
بداية ن�شير �إلى �أن العقوبات في الت�شريع المغربي ح�سب المادة 15من القانون الجنائي
هي �إما جنائية �أو جنحية �أو �ضبطية و بدون الدخول في هذا النقا�ش� ،سوف نتطرق مبا�شرة
لدرا�سة العقوبات الأ�صلية في جنح �إهمال الأ�سرة ،و �سوف نرى ما �إذا كان الم�شرع المغربي
قد ت�شدد في زجر هذه الجنح �أم �أنه ت�ساهل نوعا ما معها؟.
بالرجوع للف�صول التي ت�ؤطر لجنح �إهمال الأ�سرة ،نالحظ �أنها جاءت بنف�س العقوبة
الحب�سية و هي من �شهر �إلى �سنة ،في حين �أن الغرامة تختلف بحيث �أن الجنح المن�صو�ص
عليها في الف�صلين 479و 480 -1-480من القانون الجنائي تتراوح بين 200درهم و2000
درهم � .أما الجنحة المن�صو�ص عليها في الف�صل 482من القانون الجنائي فتتراوح فيها
الغرامة بين 200درهم و 500درهم.
و �إذا كانت المحكمة لها كامل ال�سلطة التقديرية في �إطار الف�صلين 479و 482من القانون
الجنائي في تفريد العقوبة و تحديدها �أو االقت�صار على الغرامة فقط ،ف�إن الم�شرع في الف�صل
482من القانون الجنائي حرم المحكمة من هذه ال�سلطة حين جعل الحكم بالعقوبتين �إلزاميا
�أي العقوبة الحب�سية و الغرامة ،و منه يمكننا القول �أن الأمر يخ�ضع للقواعد العامة التي
تتيح الإ�ستفادة من ظروف التخفيف كلما كانت ظروف الق�ضية و حالة المتهم الإجتماعية
�أو ال�صحية ت�سمح بذلك ،حيث تن�ص المادة 146من القانون الجنائي على ما يلي �»:إذا تبين
للمحكمة الزجرية ،بعد انتهاء المرافعة في الق�ضية المطروحة عليها� ،أن الجزاء المقرر
للجريمة في القانون قا�س بالن�سبة لخطورة الأفعال المرتكبة �أو بالن�سبة لدرجة �إجرام المتهم
ف�إنها ت�ستطيع �أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف� ،إال �إذا وجد ن�ص قانوني يمنع ذلك .ومنح
الظروف المخففة موكول �إلى تقدير القا�ضي ،مع التزامه بتعليل قراره في هذا ال�صدد بوجه
خا�ص ،و�آثار الظروف المخففة �شخ�صية بحتة ،فال تخفف العقوبة �إال فيما يخ�ص المحكوم
11عبد املجيد الكتاين(جرائم االمتناع املا�سة بنظام الأ�رسة) جملة القب�س ،عدد � ، 2ص� ،5 .سنة .2012
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 326
عليه الذي منح التمتع بها .«.و للإ�شارة فنحن نتحدث هنا عن ظروف التخفيف الق�ضائية
و لي�ست القانونية �أو ما ي�سمى بالأعذار المخففة حيث �أن هذه الأخيرة قد وردت على �سبيل
الح�صر و لي�س منها �أي عذر مخفف يتعلق بجنح �إهمال الأ�سرة .و تجدر الإ�شارة �أنه وفقا
للت�شريع المغربي ال يمكن تطبيق الإكراه البدني في ميدان �إهمال الأ�سرة ذلك �أن المادة636
من قانون الم�سطرة الجنائية تن�ص على �أنه« :غير �أنه ال يمكن الحكم بالإكراه البدني �أو
تطبيقه �ضد مدين لفائدة زوجه �أو �أ�صوله �أو فروعه �أو �إخوته �أو �أخواته �أو عمه �أو خاله»«....
وبالتالي فما دام �إهمال الأ�سرة يحمي الزوجة والأ�صول والفروع فال يطبق على المدين الإكراه
البدني.1
- 2العقوبات الإ�ضافية
تكون العقوبة �إ�ضافية بح�سب الفقرة الثانية من الف�صل 14من القانون الجنائي عندما
الي�سوغ الحكم بها وحدها و �إنما يجب �أن تكون ناجمة عن الحكم بعقوبة �أ�صلية ،و قد تعر�ض
الم�شرع المغربي لتعداد العقوبات الإ�ضافية في الف�صل 36من القانون الجنائي ،وبالرجوع
للف�صول المنظمة لإهمال الأ�سرة في القانون الجنائي نجد �أن الف�صل 482من القانون الجنائي
المتعلق بالإهمال المعنوي هو فقط الذي يحتوي على عقوبات �إ�ضافية ،حيث جاء في الفقرة
الثانية من الف�صل 482من القانون الجنائي ما يلي« :و يجوز عالوة على ذلك �أن يحكم على
مرتكب الجريمة بالحرمان من واحد �أو �أكثر من الحقوق الم�شار �إليها في الف�صل 40من خم�س
�سنوات �إلى ع�شر« و بالرجوع للف�صل 40نجده يتطرق للحرمان من الحقوق الوطنية �أو المدنية
�أو العائلية المن�صو�ص عليها في الف�صل 26من القانون الجنائي ،وعقوبة الحرمان الم�ؤقت
من ممار�سة بع�ض الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو العائلية هي عقوبة �إ�ضافية ال يمكن الحكم
بها �إال �إذا ق�ضت المحكمة بعقوبة جنحية �سواء في الق�ضايا الجنحية �أو الجنائية التي توقع
فيها عقوبة جنحية نتيجة توفر عذر مخفف للعقوبة ،وب�سبب تمتيع المتهم بظروف التخفيف.
و هذه العقوبة الإ�ضافية لي�س لها طابع جبري� ،أي �أن المحكمة يمكن لها �أن تحكم بالحرمان
الم�ؤقت من ممار�سة بع�ض الحقوق الواردة في المادة � 26أو ال تحكم به لأن الم�شرع خيرها في
ذلك ،فالأمر يرجع �إذن للمحكمة و يجب لي�ستفاد منه �أن يتم التن�صي�ص عليه في ن�ص الحكم
ال�صادر بالإدانة ،و هذا الحرمان الوارد في الف�صل 482من القانون الجنائي المتراوح بين
خم�س �سنوات وع�شر �سنوات يترتب عليها �أمران:
�أ � -أنه ال يجوز �أن تكون مدة الحرمان خارج الحدود المقررة في الف�صل.
ب � -أنه بمجرد انق�ضاء الفترة التي تكون المحكمة قد ق�ضت بها كعقوبة تكميلية بالحرمان
�أو التجريد من بع�ض الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو العائلية ،ف�إن المحكوم عليه يمكنه ممار�سة
الحقوق التي كان محروما منها �سابقا من جديد و ك�أنه لم يحرم منها من قبل �أبدا.
- 3الجزاءات في الدعوى المدنية التابعة
بالإ�ضافة �إلى العقوبات التي تن�ص عليها الف�صول المجرمة لإهمال الأ�سرة ،ف�إن �ضحية
الإهمال يمكنه كذلك �إقامة دعوى مدنية �إلى جانب الدعوى العمومية وت�سمى الدعوى المدنية
التابعة �أو م�ستقلة �أمام الق�ضاء المدني للح�صول على تعوي�ض لل�ضرر الذي تعر�ض له من
جراء الجنحة كيفما كانت �صورها .و تت�أ�س�س مقت�ضيات هذه الدعوى على �أ�سا�س الم�س�ؤولية
التق�صيرية عن الفعل ال�شخ�صي� ،إذ �أن كل فعل ارتكبه الإن�سان عن بينة و اختيار و من غير
1
�أن ي�سمح به القانون ف�أحدث �ضررا ماديا �أو معنويا للغير� ،ألزم مرتكبه بتعوي�ض هذه ال�ضرر.
وبالتالي تكون جنح �إهمال الأ�سرة من الجنح التي تقبل التعوي�ض المدني عك�س بع�ض الجنح
التي ال تقبل هذا الأمر كجنحة الف�ساد مثال .و قد �سارت المحاكم الوطنية على هذا النحو في
�أحكامها.
خاتمة:
لقد حاولنا من خالل هذا العمل مالم�سة �أهم الخ�صو�صيات التي تتميز بها جنح �إهمال
الأ�سرة� ،سواء على م�ستوى القواعد المو�ضوعية �أو على م�ستوى القواعد الم�سطرية .ذلك �أنه
بالنظر للأهمية البارزة التي تحظى بها م�ؤ�س�سة الأ�سرة ،فقد �سعى الم�شرع المغربي �إلى �إقرار
حماية جنائية من �ش�أنها �أن تحول دون تفككها ،بالنظر للآثار الوخيمة المترتبة عن ذلك.
ومن المعلوم �أن غاية الن�صو�ص الجنائية وتطبيقاتها الق�ضائية ،تتجلى في حماية الأ�سرة
من كافة �أ�شكال التجاوزات الما�سة با�ستقرارها وتما�سكها ،حتى تقوم بالدور المنوط بها على
�أح�سن وجه .غير �أن المالحظ �أنه بالرغم من �سمو هذه الغاية ،ف�إن الواقع العملي �أبان عن
�ضعف فعالية هذه الن�صو�ص ،بالنظر لت�ضافر عدة عوامل لعل �أبرزها التحلل واالنحالل الذي
�أ�صاب بنية معظم الأ�سر المغربية ،كما �أن تركيبة هذه الأخيرة ،عرفت عدة تحوالت عميقة
ق�ضت على معظم �أ�شكال التكافل العائلي الذي كان �سائدا في �أو�ساط الأ�سر المغربية ،مما جعل
الن�صو�ص القانونية عاجزة عن مواكبة هذه التطورات� ،سيما و�أنها تعود �إلى بداية ال�ستينيات
من القرن الما�ضي ) .(1962كما �أنه يمكن �إرجاع �سبب عدم فعالية الزجر في مجال �إهمال
الأ�سرة� ،إلى عدم ان�سجام مقت�ضيات �إهمال الأ�سرة مع �أحكام مدونة الأ�سرة ،وهو �أمر طبيعي
بالنظر الختالف الم�صادر الت�شريعية لكل منهما .و�أما هذا الو�ضع تبقى الحاجة ملحة ،لإعادة
النظر في مجال ال�سيا�سة الجنائية الخا�صة بحماية الأ�سرة ،وذلك بجعلها ت�أخذ بعين االعتبار
الجوانب الإجتماعية و االقت�صادية والتربوية للأ�سرة ،في �أفق الحد من �آفة �إهمال الأ�سرة �أو
على الأقل التخفيف من وط�أتها.
وعموما نخل�ص من خالل بحثنا �إلى مجموعة من المالحظات نبرزها فيما يلي:
- 1عدم ان�سجام مقت�ضيات �إهمال الأ�سرة الوارد التن�صي�ص عليها في القانون الجنائي ،مع
�أحكام مدونة الأ�سرة في ال�شق المتعلق بتجريم الإم�ساك عمدا عن �أداء النفقة المحكوم بها،
ذلك �أن مقت�ضيات الف�صل 480من القانون الجنائي تجرم االمتناع عن �أداء النفقة الم�ستحقة
لفائدة الأ�صول دون تمييز ،في حين �أن مقت�ضيات مدونة الأ�سرة تق�صر النفقة على الأ�صول
المبا�شرين فقط دون الجد والجدة ،مما يجعل الحماية الجنائية المقررة بمقت�ضى الف�صل
480من القانون الجنائي تبقى مجرد حماية نظرية.1
- 2اقت�صار الحماية الجنائية المقررة بمقت�ضى الف�صل 479من القانون الجنائي في ال�شق
المتعلق ب�إهمال بيت الأ�سرة ،على الأ�سرة التي ت�ضم الأوالد القا�صرين ،في حين ي�ستثنى من
الحماية البيت الذي ي�ضم الزوجين فقط واليتوفر على �أوالد قا�صرين.
- 3المالحظ �أن العمل الق�ضائي د�أب على ا�شتراط ا�ست�صدار حكم م�سبق من �أجل قبول
المتابعة الجنائية ب�ش�أن جنحة �إهمال بيت الأ�سرة� ،إذ يتعين �أوال على الزوج ا�ست�صدار حكم
بالرجوع �إلى بيت الزوجية في مواجهة زوجته النا�شز ،مع العلم �أن الف�صل 479من القانون
الجنائي لم ي�شر �إلى هذا المقت�ضى.
- 4ي�ستح�سن من الم�شرع �أن يقرر قاعدة الإخت�صا�ص لمكان وجود ال�شخ�ص المهمل معنويا
على اعتبار �أن هذا النوع من الإهمال �أ�صبح من الممكن �أن يحدث بدون �أن يكون �أحد الوالدين
موجودا في نف�س البيت و المكان مع الأوالد.
وبالنظر �إلى �أن كل درا�سة تكون غايتها الوقوف على الإ�شكاالت التي يثيرها مو�ضوع البحث
في �أفق �إيجاد حلول لها ،ف�إنه يبقى من الالزم �صياغة مجموعة من المقترحات والتو�صيات
لعلها ت�سهم في تجاوز الم�شكالت التي تطرحها �آفة �إهمال الأ�سرة وفي هذا ال�صدد نورد:
� - 1ضرورة �إعادة النظر في �صياغة الف�صل 479من القانون الجنائي (الفقرة الثانية)
وذلك بتجريم �إهمال بيت الزوجية� ،إذ �أن الزوج الذي يترك زوجته اليتعر�ض للم�ساءلة
الجنائية �إال �إذا كانت هذه الأخيرة حامال ،في حين �أن بيت الزوجية الذي ال يوجد به الأبناء
اليتعر�ض تاركه للم�ساءلة الجنائية ،وعليه لتحقيق الحماية الجنائية لبيت الزوجية ،وبالتالي
� 11أمال الناجي« ،النفقة الزوجية بني الواجب ومبد�أ امل�ساواة» ،جملة احلقوق ،فرباير ،17 -دار الآفاق للن�رش والتوزيع،
الدار البي�ضاء -دجنرب ،ال�سنة التا�سعة ،2014العدد �،16ص .13 .مطبعة املعارف اجلديدة الرباط.
329 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
�ضمان ا�ستقراره نرى �ضرورة �إعادة �صياغة الف�صل المذكور �أعاله على النحو الآتي :الزوج
الذي يترك عمدا دون �سبب م�شروع بيت الزوجية لأكثر من �شهرين ،وت�ضاعف العقوبة �إذا
كانت الزوجة حامال وهو يعلم بذلك.
� - 2ضرورة مالءمة مقت�ضيات الف�صل 480من القانون الجنائي في �شقه المتعلق بتجريم
الإم�ساك عن �أداء النفقة لفائدة الأ�صول غير المبا�شرين (الجد والجدة) مع �أحكام مدونة
الأ�سرة التي ت�ستثني هذه الفئة من النفقة.
� - 3ضرورة التراجع عن التوجه الذي �سارت فيه محكمة النق�ض باعتبار م�ستحقات الطالق
من م�شتمالت النفقة المعاقب عليه طبقا للف�صل 480من القانون الجنائي ،لأن في ذلك تو�سعا
غير مبرر وقيا�سا غير من�سجم ،من �ش�أنه �أن ي�ؤدي �إلى مالحقة الزوج المفارق من �أجل فعل
�أو امتناع ال يعد جريمة ب�صريح القانون الجنائي ،وبالتالي ي�شكل خرقا �صارخا لأهم المبادئ
المتعارف عليها في القانون الجنائي� ،أال وهو مبد�أ �شرعية التجريم والعقاب.
- 4يتعين �أن تكون العقوبات المقررة لجنح �إهمال الأ�سرة �أكثر ردعا في مواجهة المحكوم
عليه خ�صو�صا بالن�سبة للممتنع عن �أداء النفقة ب�شكل متعمد ،بالرغم من توفره على الإمكانيات
المادية ،و�أن يراعى في تقدير التعوي�ض الم�ستحق ل�ضحية الإهمال ،حجم الأ�ضرار الالحقة
به ،مع �إ�شفاعه بالنفاذ المعجل طبقا لما تن�ص عليه الفقرة الرابعة من المادة 392من قانون
الم�سطرة الجنائية.
� - 5ضرورة تو�سيع قاعدة الم�ستفيدين من مخ�ص�صات �صندوق التكافل العائلي ،وذلك
بجعلها ت�شمل �إلى جانب الن�ساء المعوزات من المطلقات� ،أي�ضا �ضحايا الإهمال الأ�سري.
331 القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح
المحتويات :
تقديم 5..................................................................................................................
.5جرائم الإيذاء133...............................................................................................
المبحث الأول :جرائم الإيذاء العمدية133.................................................................
المطلب الأول � :أركان جرائم الإيذاء العمدية134.......................................................
المطلب الثاني :عقاب جرائم الإيذاء العمدية 138......................................................
المبحث الثاني :جرائم الإيذاء الغير العمدية 146.......................................................
المطلب الأول � :أركان جرائم الإيذاء غير العمدية 146................................................
المطلب الثاني :عقاب جرائم الإيذاء غير العمدية 149..............................................
.9جرائم المخدرات
المبحث الأول� :أركان جرائم المخدرات 258..............................................................
المطلب الأول :الركن الخا�ص في جرائم المخدرات (ركن المخدر) 258.....................
المطلب الثاني :الأركان العامة لجرائم المخدرات 260...............................................
الفقرة الأولى :الركن المادي 260..............................................................................
الفقرة الثانية :الركن المعنوي في جرائم المخدرات 269...........................................
المبحث الثاني :عقاب جرائم المخدرات و�إ�شكالية الم�ساطر المرجعية 270................
المطلب الأول :عقاب جرائم المخدرات 270.............................................................
الفقرة الأولى :العقوبات الأ�صلية 270.........................................................................
الفقرة الثانية :العقوبات التبعية والتكميلية 272.........................................................
المطلب الثاني� :إ�شكالية الم�ساطر المرجعية في جرائم المخدرات 276.......................
الفقرة الأولى :خ�صو�صية الم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات 276........................
الفقرة الثانية :دالالت من�شور النيابة العامة بق�ضايا المخدرات 278............................
.10الجريمة االلكترونية283.........................................................................
المبحث الأول :الأحكام العامة للجريمة الإلكترونية 285.........................................
المطلب الأول :ماهية الجريمة الإلكترونية 285.....................................................
القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح 336