You are on page 1of 336

‫القانون الجنائي الخاص‬

‫المعمق في شروح‬
‫الدكتور عابد العمراني الميلودي‬ ‫الدكتور امحمد اقبلي‬
‫✦ �أ�ستاذ التعليم العالي بجامعة الح�سن الأول ب�سطات‬ ‫✦ �أ�ستاذ التعليم العالي بجامعة الح�سن الأول ب�سطات‬
‫✦ م�ست�شار برلماني‬ ‫✦ من�سق ما�ستر العلوم الجنائية والتعاون الجنائي الدولي‬
‫✦ع�ضو لجنة العدل والت�شريع وحقوق الإن�سان‬ ‫✦ من�سق ما�ستر اال�ستثمار والأعمال‬
‫بمجل�س الم�ست�شارين‬ ‫✦ مدير المجلة الوطنية للعلوم القانونية والق�ضائية‬

‫الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الداخلي والخارجي‬ ‫●‬

‫الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان ‪ :‬التعذيب والإتجار بالب�شر والإختفاء‬ ‫●‬

‫الق�سري‬
‫الجريمة الإرهابية‬ ‫●‬

‫جريمة القتل العمد والقتل الخط�أ‬ ‫●‬

‫جرائم الإيذاء‬ ‫●‬

‫الجرائم الما�سة بالأموال‪ :‬ال�سرقة والن�صب وخيانة الأمانة‬ ‫●‬

‫الجرائم الما�سة بالآداب‪ :‬الف�ساد والخيانة الزوجية واالغت�صاب‬ ‫●‬

‫جريمة االعتداء على الحيازة‬ ‫●‬

‫جرائم المخدرات‬ ‫●‬

‫الجريمة االلكترونية‬ ‫●‬

‫جرائم �إهمال الأ�سرة‬ ‫●‬

‫الطبعة الأولى‬
‫‪2020‬‬
‫الكتاب ‪ :‬القانون اجلنائي اخلا�ص املعمق يف �شروح‬
‫امل�ؤلفون ‪ :‬الدكتور احممد اقبلي ‪ -‬الدكتور عابد العمراين امليلودي‬

‫‪2020‬‬ ‫الطبعة الأوىل ‪:‬‬


‫الإيداع القانوين ‪:‬‬
‫ردمك ‪:‬‬
‫© جميع احلقوق حمفوظة للم�ؤلفة‬
‫الطبع ‪:‬‬
‫‪3‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الفهر�س‪:‬‬

‫‪5...................................................................................................................‬‬ ‫تقديم‬
‫‪ .1‬الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة ‪9.......................................................................‬‬

‫‪ .2‬الجرائـ ــم الما�س ــة بحقـ ــوق الإن�سان ‪ :‬التعذي ــب الإتجار بالب�ش ــر‬
‫واالختط ــاف الق�س ــري ‪47.............................................................................................‬‬

‫‪ .3‬الجريمة الإرهابية ‪91................................................................................................‬‬

‫‪ .4‬جريمة القتل العمد والقتل الخط�أ ‪111......................................................................‬‬

‫‪ .5‬جرائم الإيذاء ‪133........................................................................................................‬‬

‫‪ .6‬الجرائم الما�سة بالأموال‪ :‬ال�سرقة‪ ،‬الن�صب وخيانة الأمانة ‪151...........................‬‬

‫‪ .7‬الجرائم الما�سة بالآداب‪ :‬الف�ساد والخيانة الزوجية واالغت�صاب‪187...................‬‬

‫‪ .8‬جريمة االعتداء على الحيازة ‪215..............................................................................‬‬

‫‪ .9‬جرائم المخدرات ‪255.................................................................................................‬‬

‫‪ .10‬الجريمة االلكترونية ‪283.........................................................................................‬‬

‫‪ .11‬جرائم �إهمال الأ�سرة ‪311........................................................................................‬‬


‫‪5‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫تقديم‬
‫ينق�سم القانون الجنائي �إلى ق�سمين‪ :‬ق�سم عام يحدد المبادئ العامة التي يخ�ضع لها هذا‬
‫القانون‪ ،‬وق�سم خا�ص يبين الجرائم والعقوبات المقررة لها‪ .‬فبعد �أن يقوم الق�سم العام بدور‬
‫ت�أ�صيلي مجرد في �إي�ضاح المبادئ العامة التي تحكم القانون الجنائي‪ ،‬ي�ؤدي الق�سم الخا�ص‬
‫دورا تطبيقيا‪ ،‬فين�ص على الجرائم وعقوباتها في حدود الإطار الذي ير�سمه الق�سم العام‪.‬‬
‫و�إذا كان الق�سم العام للقانون الجنائي يحظى ب�أهمية بالغة من الناحيتين النظرية والعملية‬
‫باعتباره الق�سم الذي ير�سي الأ�صول العامة لقاعدة التجريم والعقاب‪ ،‬ف�إن الق�سم الخا�ص‬
‫يقف في �سلم الأهمية على نف�س الدرجة‪ .‬باعتباره ي�ؤدي في معظم �أحكامه دورا تطبيقيا‪،‬‬
‫فين�ص على الجرائم وعقوباتها في حدود الإطار الذي ير�سمه القانون العام‪.‬‬
‫كما �أنه وفي ظل مبد�أ �شرعية الجرائم والعقوبات ال يمكن اال�ستغناء عن الق�سم الخا�ص‬
‫واالكتفاء بق�سم عام مجرد ال يحدد الجرائم ويبين عقوباتها‪ .‬ف�إذا �سكت القانون عن تجريم‬
‫فعل معين �أو عن بيان عقوبته‪ ،‬كان هذا الفعل بعيدا عن نطاق القانون الجنائي‪.‬‬
‫وبناءا على ذلك‪ ،‬ف�إن بحث الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي ي�ؤدي دورا مهما ال غنى‬
‫عنه في ظل مبد�أ �شرعية الجرائم والعقوبات‪.‬‬
‫فالق�سم الخا�ص من القانون الجنائي يعد بمثابة التج�سيد الواقعي لقاعدة �شرعية الجرائم‬
‫والعقوبات‪ ،‬وتطبيقا للأحكام والنظريات التي يت�ضمنها الق�سم العام‪.‬‬
‫والق�سم الخا�ص من القانون الجنائي هو مو�ضوع درا�ستنا ولذلك �سنقف عند تحديد‬
‫تعريفه وبيان �أهميته‪.‬‬
‫■ تعريف الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي‪:‬‬
‫يق�صد بقواعد الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي تلك القواعد التي تحدد كل جريمة على‬
‫حدة من حيث �أركانها وعقوباتها والظروف الخا�صة بها‪.‬‬
‫ومعنى هذا �أن الق�سم الخا�ص يت�ألف من الن�صو�ص التي تعين كل فعل من الأفعال المعاقب‬
‫عليها كالقتل �أو ال�سرقة �أو االغت�صاب‪ ...‬فتحدد كل جريمة من هذه الجرائم المختلفة على‬
‫حدة‪ ،‬وتحلل عنا�صرها الخا�صة بها‪ ،‬و�أركانها التي تميزها عن غيرها من الجرائم الأخرى‪،‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪6‬‬

‫وتف�صح عن الظروف التي تكتنفها‪ ،‬والتي تزيد �أو تنق�ص من ج�سامتها‪ ،‬ثم تعين بعد ذلك‬
‫الجزاء المقرر لها‪.‬‬
‫ويالحظ من الزاوية التاريخية �أن الق�سم الخا�ص �أقدم و�أ�سبق في الظهور عن الق�سم العام‬
‫ذلك �أن الت�شريعات القديمة لم تكن تت�ضمن غير ن�صو�ص الق�سم الخا�ص‪ ،‬فالدرا�سة التاريخية‬
‫للقانون الجنائي تك�شف عن �أن الق�سم الخا�ص كان الم�صدر الذي ا�ستمدت منه الت�شريعات‬
‫الجنائية الأحكام العامة المجردة التي تكون بها الق�سم العام‪ ،‬فقد ن�ش�أت هذه الأحكام عن‬
‫طريق ا�ستقراء قواعد الق�سم الخا�ص‪ ،‬ثم ت�أ�صيلها وردها �إلى مجموعة من الأ�صول الكلية‪.‬‬
‫وباعتبار قواعد الق�سم العام �أحكاما تهتم بكليات القانون الجنائي‪ ،‬فهي تكاد تكون ثابتة‬
‫وم�ستقرة ال يطالها التغيير‪ ،‬على خالف قواعد الق�سم الخا�ص التي تخ�ضع دائما للتغيير‬
‫بكونها �أكثر ات�صاال بالحياة االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية والتي هي بال�ضرورة متنوعة‬
‫ومتطورة بح�سب تطور الزمان والمكان‪ .‬فالدول ت�ضع �سيا�ستها الجنائية وفقا لما تقت�ضيه‬
‫م�صالحها وظروفها و�أنظمتها‪ .‬فهناك �أفعال لم تكن مجرمة في ال�سابق و�أ�صبحت مجرمة‪� ،‬إذ‬
‫قد يرى الم�شرع حماية م�صلحة معينة تبررها �ضرورة م�ستحدثة في�سن ت�شريعا يعتبر فيه ما‬
‫ي�سيء �إلى هذه الم�صلحة جريمة‪.‬‬
‫■ �أهمية درا�سة الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي ‪:‬‬
‫يعد الق�سم الخا�ص جزءا ال غنى عنه لفهم الق�سم العام من القانون الجنائي‪ ،‬فهو الجزء‬
‫الذي ي�ضع مو�ضع التطبيق الأحكام العامة الواردة به في �صورة وا�ضحة‪ ،‬كما تت�ضح هذه‬
‫الأهمية في و�ضع مبد�أ ال�شرعية الجنائية مو�ضع التطبيق العملي‪ .‬فبدون ن�صو�ص الق�سم‬
‫الخا�ص يبقى هذا المبد�أ فارغ الم�ضمون حتى ولو ن�ص عليه �صراحة في الق�سم العام من‬
‫القانون الجنائي فهو ‪-‬الق�سم الخا�ص‪ -‬يحدد الأفعال التي تعد جرائم وعقوبتها كما يعتبر‬
‫�ضمانا للحرية الفردية‪.‬‬
‫كما �أن العناية بدرا�سة الق�سم الخا�ص من القانون الجنائي تمكن الم�شتغلين والمهتمين‬
‫بالمجال الجنائي من الق�ضاة والمحامين والأ�ساتذة الجامعيين من الإحاطة بتعريفات‬
‫الجرائم المختلفة باعتبار �أنها هي التطبيقات العملية للقانون الجنائي‪.‬‬
‫■ خطة الدرا�سة‪:‬‬
‫لن نتعر�ض ‪ -‬بطبيعة الحال‪ -‬لكل الجرائم المن�صو�ص عليها في مدونة القانون الجنائي‪،‬‬
‫�أو تلك التي ن�صت عليها قوانين جنائية خا�صة و�إنما �سنكتفي بالتركيز على بع�ض هذه الجرائم‬
‫فقط فنختار منها تلك التي يكثر ارتكابها في الواقع العملي‪� ،‬أو تلك التي يثير تطبيقها م�شاكل‬
‫قانونية تحتاج �إلى تقديم الحلول ب�ش�أنها‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وبناءا على ذلك‪� ،‬سندر�س في كتابنا هذا الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة والجرائم الما�سة‬
‫بحقوق الإن�سان والجرائم الما�سة بالأ�شخا�ص وتلك التي تم�س الأموال والجرائم الما�سة‬
‫بالآداب وجريمة االعتداء على الحيازة وجرائم المخدرات‪ ،‬والجريمة الإلكترونية وجرائم‬
‫�إهمال الأ�سرة‪.‬‬
‫وبعد نرجو �أن نكونا قد وفقنا لما فيه الخير‬
‫ومن الله التوفيق‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫➊‬
‫الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫للدولة بو�صفها �شخ�صية اعتبارية‪ ،‬حقوق �أ�سا�سية وم�صالح وقيم يتطلب �صونها وحمايتها‪،‬‬
‫وم�ؤيدات جزائية تطال من يحاول الإعتداء عليها �أو العبث بها‪ ،‬وت�صنف الحقوق الأ�سا�سية‬
‫التي تتمتع بها الدولة في زمرتين‪ :‬زمرة الحقوق الدولية التي تنبع من طبيعتها كتج�سيد‬
‫للدولة في عالقاتها مع الدول الأخرى في الميدان الدولي وكتعبير عن �إرادتها في ال�سيادة‪،‬‬
‫وتمار�سها ب�صفتها �شخ�ص ًا من �أ�شخا�ص القانون الدولي‪ .‬وزمرة الحقوق المالزمة للدولة كي‬
‫تتمكن م�ؤ�س�ساتها و�أجهزتها من القيام بوظيفتها الأ�سا�سية تجاه الرعية من �أفراد وجماعات‬
‫والتي تتجلى بتوطيد الأمن و�إقامة العدل و�ضمان تحقيق الخدمات العامة‪ ،‬لخير المواطنين‬
‫ورفاهيتهم‪ ،‬وتنبع هذه المهام من طبيعة الدولة كحكومة تمار�س هذه الحقوق الداخلية‬
‫ب�صفتها �شخ�ص ًا من �أ�شخا�ص القانون الداخلي‪ .‬ف�شخ�صية الدولة هي المحل الرئي�سي الذي‬
‫ين�صب عليه الإعتداء في الجرائم الواقعة على �أمن الدولة‪ ،‬والن�صو�ص الت�شريعية التي تعاقب‬
‫على هذا النوع من الجرائم تهدف �إلى �إ�ضفاء �أعظم قدر ممكن من الحماية وال�صيانة على‬
‫�شخ�صية الدولة وحقوقها الأ�سا�سية في الداخل وفي الخارج‪.‬‬
‫وعلى هذا الأ�سا�س‪ ،‬ت�صنف الجرائم التي تم�س �أمن الدولة تبع ًا للت�صنيف الم�شار �إليه‬
‫ب�صدد حقوقها الأ�سا�سية‪ ،‬فالجرائم التي تقترف �ضد الدولة ب�صفتها �شخ�ص ًا من �أ�شخا�ص‬
‫القانون الدولي‪ ،‬وتهدف بالتالي �إلى �إ�ضاعة ا�ستقاللها �أو االنتقا�ص من �سيادتها �أو تهديد‬
‫�سالمة �أرا�ضيها؛ كلها جرائم تنال الدولة من كينونتها والوطن في وجوده؛ وقد يكون من‬
‫�ش�أنها هدم كيان الدولة �أو تجزئتها ويطلق عليها ا�صطالح الجرائم الواقعة على �أمن الدولة‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫�أما الجرائم التي ترتكب �ضد الدولة ب�صفتها �شخ�ص ًا من �أ�شخا�ص القانون الداخلي‪،‬‬
‫وتهدف بالتالي �إلى االنق�ضا�ض على �أجهزة الحكم‪� ،‬أو �إجراء تعديل في قواعد الد�ستور‬
‫المنظم ل�شكل الحكم و�أ�صول ممار�سته وتعيين عالقة ال�سلطات ببع�ضها‪ ،‬ف�إنها ال تم�س الدولة‬
‫في كينونتها �أو في عالقاتها مع الدول الأخرى و�إنما تم�س الحكومة و�سلطاتها‪ ،‬ويطلق عليها‬
‫الجرائم الواقعة على �أمن الدولة الداخلي‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪10‬‬

‫فجرائم �أمن الدولة الداخلي تتعلق بم�صير وطن ولي�س �شخ�ص فح�سب‪ ،‬لذلك ت�سعى كل‬
‫من القوانين الو�ضعية وال�شريعة الإ�سالمية �إلى حماية هذه الم�صالح من م�صادر الإعتداء‬
‫العديدة التي تتعر�ض لكينونتها ب�أي م�سا�س �أو �أذى‪� ،‬إذ لي�س هناك بالن�سبة للدولة ما هو �أكثر‬
‫�أهمية من حماية كيانها الأمني الداخلي‪.‬‬
‫وعلى هذا الأ�سا�س فقد �أولى الم�شرع الجزائي �أهمية بالغة لهذا النوع من الجرائم حر�صا‬
‫من كل دولة على تحقيق حماية فعالة على قدر كبير من الدقة لحماية كيانها من المخاطر‬
‫والتجاوزات التي قد تطاله وذلك عبر مواجهتها بعقوبات رادعة تتنا�سب مع هول و�شناعة الجرم‪.‬‬
‫ولم يقت�صر القانون الجزائي على تجريم وعقاب هذا النوع فقط من الجرائم فقطـ‪ ،‬بل‬
‫�أولت اهتماما خا�صا لكل �أنواع الجرائم التي تهدد �أمنها الخارجي‪.‬‬
‫ورغم االختالف بين الجرائم الخارجية والداخلية �ضد �أمن الدولة ال يعدم الت�أثير المتبادل‬
‫وال يفقد ال�صلة �أو الرابطة بينهما‪ ،‬فاالعتداء على �أمن الدولة في الداخل قد ي�ؤثر على المركز‬
‫الدولي للدولة‪ ،‬وينال من هيبتها وقوتها ال�سيا�سية في المجتمع الدولي‪ ،‬كما الإعتداء على �أمن‬
‫الدولة الخارجي‪ ،‬ي�ؤثر �سلبا على الأمن الداخلي وعلى الكيان ال�سيا�سي الداخلي وهيئاته الحاكمة‪.‬‬
‫وعليه �سنتطرق من خالل هذا المو�ضوع للجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الداخلي في (المبحث‬
‫الأول)‪ ،‬ثم �سنتطرق للجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الخارجي من خالل (المبحث الثاني)‪.‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الداخلي‬
‫تجرم الدول كل فعل ينطوي على الم�سا�س ب�شخ�صيتها الدولية �أو الم�سا�س بحقوقها‬
‫�أو م�صالحها الأ�سا�سية �سواء ما تعلق منها بالداخل �أو تجاوزه �إلى الخارج‪ .1‬وقد عرفت‬
‫الب�شرية هذه الفئة من الجرائم الما�سة بالدولة تحت ت�سميات مختلفة‪ ،2‬منذ ن�شوء الدولة في‬
‫‪11‬فللدولة ‪-‬كما للفرد‪ -‬م�صالح وقيم وحقوق �أ�سا�سية تعمد �إىل �صونها بامل�ؤيد اجلزائي‪ ،‬و�إىل الذود عنها بالعقاب؛ بحيث‬
‫تت�صنف هذه احلقوق الأ�سا�سية التي تتمتع بها الدولة �إىل �صنفني‪:‬‬
‫‪ -‬ال�صنف الأول‪ :‬ي�ضع زمرة احلقوق �إىل ت�شتقها الدولة من طبيعة كونها جت�سيدا للأمة يف عالقتها مع الأمم الأخرى يف‬
‫امليدان الدويل‪ ،‬وتعبريا عن �إرادتها يف احلرية وال�سيادة واال�ستقالل‪ ،‬والدولة �إمنا متار�س هذه احلقوق ب�صفتها �شخ�صا‬
‫من �أ�شخا�ص القانون الدويل �أو احلقوق الدولية‪.‬‬
‫�أما ال�صنف الثاين فهو جمموعة من احلقوق التي ال غنى للدولة عن ممار�ستها وحمايتها لكي تتمكن �أجهزتها وم�ؤ�س�ساتها‬
‫من النهو�ض ب�أعباء احلكم‪ ،‬والقيام بوظائفها الأ�سا�سية حيال الرعية من �أفراد وجماعات‪ ،‬ومن هذه الوظائف توطيد‬
‫الطم�أنينة والأمن‪ ،‬و�إقامة ق�سطا�س العدالة‪ ،‬وحتقيق �شتى اخلدمات العامة الرامية �إىل خري املواطنني ورفاهيتهم‬
‫وازدهارهم‪ ،‬وت�شتق الدولة هذه املهام من طبيعتها كحكومة‪ ،‬ومتار�س هذه احلقوق ب�صفتها �شخ�صا من �أ�شخا�ص القانون‬
‫الداخلي �أو احلقوق الداخلية‪.‬‬
‫للمزيد �أنظر‪:‬‬
‫‪ -‬حممد الفا�ضل‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة»‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الرابعة‪� ،‬سنة (‪1398-1397‬هـ‬
‫املوافق ل‪1978-1977‬م)‪� ،‬ص‪ 31 .‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 22‬لقد كانت جرائم �أمن الدولة ت�سمى يف العهد اجلمهوري الروماين بجرائم (امل�سا�س بالذات امللكية ‪،)Lèse Majesté‬‬
‫‪11‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المجتمعات الب�شرية‪ .1‬ليثبت تاريخا �أن ف�صيلة هذه الجرائم �أي الجرائم العامة‪� ،2‬أو ما يطلق‬
‫عليها بالجرائم الما�سة ب�أمن الدولة‪ ،3‬هي الأفرق في القدم من غيرها لكونها رافقت المرحلة‬
‫وكانت ت�ستهدف حماية دولة الرومان من �أعداء اجلمهورية و�أعداء ال�شعب‪ ،‬وقد �أدخل يف عدادها الإخالل ب�أمن‬
‫الدولة‪ ،‬والت�أمر عليها‪ ،‬وا�ستعداء العدو عليها �أو معاونته‪ ،‬وال�سعي �إىل طغيان الظلم والعمل على �إهانة ال�شعب الروماين‬
‫�أو امل�سا�س بهيبته‪ .‬وعند قيام العهد الإمرباطوري الروماين‪� ،‬أ�صبح �شخ�ص الإمرباطور و�سلطاته مو�ضوع احلماية بدال‬
‫من الدولة املتج�سدة فيه وقد ا�ستدعى تنكيل الإمرباطور بخ�صومه‪� ،‬أن ات�سع نطاق التجرمي جمرد الأفكار وعدم الوالء‬
‫جلاللته �سواء بالقول‪� ،‬أم بالكتابة‪.‬‬
‫ويف عهد الإقطاع‪ ،‬فقدت اجلرائم املا�سة بالذات الإمرباطورية �أهميتها‪ ،‬ثم ما لبثت �أن ا�ستعادت تلك الأهمية عند قيام‬
‫الدولة ب�شكلها القانوين احلديث‪ ،‬حيث حلت امللكيات املطلقة التي ت�ستمد �سلطانها من التفوي�ض الإلهي حمل االقطاعيني‪،‬‬
‫وغدت هذه اجلرائم ت�ستهدف كل اعتداء على �شخ�ص امللك و�أوالده �أو على �سلطاته‪� ،‬أورده حممد فا�ضل‪« ،‬اجلرائم‬
‫الواقعة على �أمن الدولة»‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.38-36.‬‬
‫ويف عهد الثورة الفرن�سية‪ ،‬برزت التفرقة بني الدولة كهيئة معنوية وبني �شخ�صية احلاكم‪ ،‬وغدت ال�سيادة للدولة ال‬
‫للحاكم‪ ،‬وحلت ت�سمية ((اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة)) حمل �أمن الدولة احلارجي وتلك الواقعة على الأمن الداخلي‪،‬‬
‫فالأوىل تطال بالتجرمي كل م�سا�س بكيان الدولة �أو ببقائها �أو ب�سالمتها‪� ،‬أما الثانية فتعنى بالتجرمي والعقاب لكل ما يهدد‬
‫نظام احلكم وم�ؤ�س�ساته كما �سيتم التف�صيل فيه الحقا‪.‬‬
‫�أنظر يف هذا ال�صدد‪:‬‬
‫‪� -‬سمري عالية وهيثم عالية‪« ،‬الوجيز يف جرائم الق�سم اخلا�ص ‪(-‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة والأ�شخا�ص‬
‫والأموال)‪ -‬درا�سة مقارنة»‪ ،‬من�شورات �ألفا‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،‬سنة ‪1438‬هـ‪2017-‬م‪� ،‬ص‪.54 .‬‬
‫‪� -‬أحمد حممد الرفاعي‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة‪ ،‬اجلزء الأول ‪-‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي»‪،‬‬
‫دار الي�شري للن�رش والتوزيع‪� ،‬سنة ‪1410‬هـ‪1990-‬م‪� ،‬ص‪ 13 .‬و‪.14‬‬
‫‪ 11‬وذلك مرورا بكل مراحل تطورها منذ �أن وجدت اخللية الإجتماعية الأوىل وهي الأ�رسة‪� ،‬إىل �أن خلفتها الع�شرية �أو‬
‫القبيلة ثم املدينة‪ ،‬بحيث كان يعاقب على هذا النوع من اجلرائم ب�أ�شد �أنواع العقاب دومنا رحمة �أو �شفقة فكان املعتدي‬
‫يحكم عليه باملوت �أو النفي‪� ،‬أورده‪ :‬من�صور جنر �صقر العتيبي‪« ،‬التفاو�ض �ضد �أمن الدولة»‪ ،‬دار �صربي للن�رش‬
‫والتوزيع‪-‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،‬سنة ‪1410‬هـ‪1990-‬م‪� ،‬ص‪.25 .‬‬
‫‪ 22‬وت�سمى �أي�ضا‪ :‬اجلرائم املا�سة مب�صالح اجلماعة‪.‬‬
‫‪ 33‬للوقوف على داللة هذا املعنى وجب التف�صيل فيه بكل دقة‪ ،‬وذلك بتمحي�ص كل م�صطلح فيه على حدى من جميع‬
‫اجلوانب كالآتي‪:‬‬
‫يعرف الأمن يف اللغة �أمنا‪� ،‬أمانا و�أمنا و�أمنه مبعنى اطمئنانه ومل يخفي (املعجم الوجيز‪� ،2001 ،‬ص‪ ،)25 .‬و�أمن‪:‬‬
‫�أمناه وثق به‪� ،‬أما �أمن على ماله؛ �أي ت�أمني على املال عند فالن من النا�س اتخذه �أمينا عليه‪ ،‬و�أمن �صدق ووثق وركن‪.‬‬
‫�أمن‪� :‬أمانة فهي �ضد خان‪ ،‬وجمعها �أمناء‪( ،‬ابن منظور‪� ،1995 ،‬ص‪ ،)121 .‬وقد وردت كلمة الأمن يف القر�آن‬
‫آمنَ هُ ْم ِم ْن َخ ْو ٍف}‪�( ،‬سورة قري�ش الآية ‪.)4‬‬ ‫الكرمي مبعنى عدم اخلوف‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ا َّل ِذي َأ ْط َع َمهُ ْم ِم ْن ُج ٍ‬
‫وع َو َ‬
‫�أما يف اال�صطالح‪ ،‬فيعرف الأمن ب�أنه‪ :‬الإجراءات اخلا�صة بت�أمني الفرد داخل الدولة‪� ،‬ضد الأخطار التي مت�س نف�سه‬
‫وماله‪ ،‬وو�ضع الت�رشيعات التي حتقق حمايته‪ ،‬واحلفاظ على مقوماته‪ ،‬من خالل �أجهزة الأمن الداخلي‪ ،‬مبنع وقوع‬
‫اجلرائم‪ ،‬و�إن�شاء الأجهزة الق�ضائية‪ ،‬لتوقيع العقاب على اخلارجني عن القانون‪( ،‬عبد احلميد علي‪� ،1976 ،‬ص‪.)6 .‬‬
‫وت�أ�سي�سا عليه فمن خالل �إبراز مفهوم �أمن الدولة يربز املفهوم الإزدواجي واملفهوم املوحد لهذا امل�صطلح‪:‬‬
‫املفهوم الإزدواجي لأمن الدولة‪ :‬ننطلق يف هذا ال�شق من امل�صدر الأ�صلي للت�رشيعات التي تبنت هذا املفهوم هو القانون‬
‫الفرن�سي‪ ،‬فقد تبنى تقنني الثورة الفرن�سية هذا املفهوم‪ ،‬وا�ستند يف ذلك �إىل فكرة اخلطر الذي يهدد الدولة‪� ،‬سواء �أكان‬
‫خطرا داخليا‪� ،‬أم خطرا خارجيا‪( ،‬الليبدب‪� ،‬إبراهيم‪� ،2007 ،‬ص‪.)21 .‬‬
‫�أما املفهوم املوحد لأمن الدولة‪ :‬فيتناول جرائم �أمن الدولة الداخلي‪ ،‬وجرائم �أمن الدولة اخلارجي‪ ،‬باعتبارهما طائفة‬
‫واحدة‪ ،‬ويف�ضي �إىل دجمهما معا لكونهما ي�شكالن اعتداء على �أمن الدولة‪�( ،‬أحمد ح�سام الدين‪� ،1984 ،‬ص‪.)122 .‬‬
‫وا�صطالح �أمن الدولة مفهومان �أحدهما �ضيق‪ ،‬والأخر وا�سع‪:‬‬
‫فالأمن ح�سب املفهوم ال�ضيق يهدف �إىل دفع التهديدات اخلارجية والداخلية عن الدولة؛ لتحقيق احلياة امل�ستقرة ل�شعبها؛‬
‫ال�ستغالل طاقاته للنهو�ض والتقدم واالزدهار‪( ،‬ح�سن عديل‪� ،1977 ،‬ص‪.)12 .‬‬
‫‪� -‬أما بالن�سبة للمفهوم الوا�سع ف�إنه ين�رصف للإجراءات التي تتخذ ملواجهة الأخطار من الناحية اخلارجية‪� ،‬سواء �أكانت‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪12‬‬

‫الأولى من ن�شوء القانون الجزائي وخطوراته في المجتمعات الإن�سانية‪� ،‬أيا كان درجة التنظيم‬
‫االجتماعي التي بلغتها تلك المجتمعات‪ ،‬و�أيا كانت مرتبتها الح�ضارية‪.‬‬
‫فقديما لم تكن ال�شرائع تميز بين جرائم الإعتداء على �أمن الدولة من الخارج وبين‬
‫جرائم الإعتداء على �أمن الدولة من الداخل و�إنما كانت تخلط بين هذه الجرائم‪� ،1‬إال �أنه‬
‫بعد تطور الع�صور وازدهار المدينة والتقدم العلمي �أ�صبحت ت�شريعات الدول في الع�صر‬
‫الحديث تفرق بين جرائم الإعتداء على �أمن الدولة من جهة الخارج‪ ،‬وجرائم الإعتداء على‬
‫�أمن الدولة الداخلي‪ ،‬وهكذا عرفها الأ�ستاذ �أحمد محمد الرفاعي‪ ،‬الجرائم الما�سة ب�أمن‬
‫الدولة الخارجي تنطوي على م�سا�س بوجود الدولة ذاته �أو ب�سالمتها �أو با�ستقاللها‪ ،‬فهي تقع‬
‫على الدولة في م�صالحها‪� ،‬أو حقوقها‪ ،‬في مواجهة غيرها من الدول‪ ،‬ويراد بها كما ذكرنا‬
‫الإعتداء على ا�ستقاللها �أو الم�سا�س بوجودها �أو ب�سيادتها �أو ب�أمنها‪ ،‬وزعزعة كيانها في‬
‫المحيط الدولي‪ ،2‬في حين �أن تعريف الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الداخلي‪ ،‬فيق�صد بها‬
‫تلك الجرائم التي بها م�سا�س �سافر ب�أجهزة الحكم‪ ،‬والتمرد على ال�سلطات الد�ستورية في‬
‫الدولة �أو الإحاطة بالهيئات الحاكمة‪ ،‬وا�ستبدال النظام االجتماعي‪� ،‬أو ال�سيا�سي بغيره‪ ،‬هذه‬
‫الجرائم ت�ستهدف تغيير د�ستور الدولة بالطرق غير الم�شروعة �أو مقاومة ال�سلطات ال�شرعية‬
‫�أو الم�سا�س بالم�ؤ�س�سات النيابية �أو ال�شعبية‪� ،‬أو الترويج لمبد�أ �سيا�سي محظور �أو النيل من‬
‫الوحدة الوطنية‪.3‬‬

‫ع�سكرية‪� ،‬أم اقت�صادية‪� ،‬أم اجتماعية‪( ،‬غايل بطر�س‪� ،1985 ،‬ص‪ ،)81 .‬وبالتايل ي�ستوعب هذا املفهوم كل ما من‬
‫�ش�أنه �أن يحقق اال�ستقالل ال�سيا�سي للدولة‪ ،‬و�سالمة �أرا�ضيها‪.‬‬
‫هذا فيما يتعلق ب�أمن الدولة‪� ،‬أما ا�صطالح الدولة‪ ،‬فقد تناول فقهاء القانون الد�ستوري عدة تعريفات لها‪ ،‬فمنهم من‬
‫عرفها ب�أنها‪( :‬جمموعة من النا�س تعي�ش م�ستقرة على �إقليم معني حتت �سلطة منظمة)‪( ،‬يحيى جلمل‪� ،‬ص‪ )22 .‬ومنهم‬
‫من عرفها ب�أنها‪( :‬هيئة ذات كيان معنوي قانوين تتكون من منطقة م�أهولة ذات حدود معينة‪ ،‬و�سلطة حاكمة تتميز بقدرة‬
‫�إ�صدار القوانني‪ ،‬واتخاذ القرارات التي من �ش�أنها تنظيم حياة ال�سكان‪ ،‬وتنفيذ القواعد القانونية وفر�ض احرتامها)‪،‬‬
‫(الغزال �إ�سماعيل‪� ،1996 ،‬ص‪.)69 .‬‬
‫‪ -‬هاين جميل عبد احلميد الطراونة‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي يف الت�رشيع الأردين ‪ -‬درا�سة مقارنة ‪-‬‬
‫(بالت�رشيع ال�سوري وامل�رصي والكويتي)‪ ،‬دار وائل للن�رش‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،‬سنة ‪� ،2011‬ص‪ 19 .‬و‪.20‬‬
‫‪ 11‬وكما �سبقت الإ�شارة �إليه �سابقا‪ ،‬ف�إن اخللط بني جرائم �أمن الدولة الداخلي واخلارجي كان راجع لكون �شخ�صية احلاكم‬
‫‪-‬قبل الثورة الفرن�سية‪ -‬كانت تطغى على �شخ�صية الدولة‪ ،‬لدرجة �أن كل عدوان على �شخ�صه كان عدوانا على الدولة‪،‬‬
‫ومل ت�ستقل �شخ�صية الدولة عن حكامها‪� ،‬إال �إبان الثورة الفرن�سية حني اعرتف لها الثوار بال�شخ�صية املعنوية‪ ،‬و�أقروا لها‬
‫بحقوق �ألزموا بها احلكام واملحكومني‪.‬‬
‫راجع‪� :‬أحمد حممد الرفاعي‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة‪ ،‬اجلزء الأول»‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.23 .‬‬
‫‪ 22‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.23 .‬‬
‫‪ 33‬املرجع نف�سه‪ ،‬نف�س ال�صفحة‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وفي تعريف �أخر للدكتور رم�سي�س بهنام عن �أمن الدولة الداخلي‪ ،‬فيراد به �سيادة الحكومة‬
‫على المحكومين بها‪� ،‬سواء من الناحية العادية بكونها قاب�ضة على زمامهم‪� ،‬أو من الناحية‬
‫المعنوية بكونهم يبدون لها الطاعة والوالء‪.1‬‬
‫وعلى هذا الأ�سا�س فلقد �أولى الم�شرع المغربي على غرار باقي الت�شريعات �أهمية بالغة لهذا‬
‫النوع من الجرائم حفاظا على دولته وعلى �سيادتها و�أمنها و�سالمتها‪ ،‬وهذا ما �أكده الم�شرع‬
‫الجنائي المغربي من خالل الباب الأول من الكتاب الأول المتعلق باالعتداءات والم�ؤمرات �ضد‬
‫الملك �أو الأ�سرة الملكية �أو �شكل الحكومة في الف�صول من ‪� 163‬إلى ‪ 180‬من القانون الجنائي‪،‬‬
‫وكذا في الفرع الثالث الذي تناول من خالله الجنايات والجنح �ضد �سالمة الدولة الداخلية‬
‫(الف�صول من ‪� 201‬إلى ‪ 207‬من القانون الجنائي)‪.‬‬
‫بالتالي‪� ،‬سنتطرق لهذه الأفعال بالتف�صيل من خالل مطلبين‪� ،‬سنخ�ص�ص (الأول) للأفعال‬
‫التي جرمها الم�شرع وعاقب عليها في الفرع الأول من الباب الأول من القانون الجنائي‪ ،‬ثم‬
‫�سنولي الفرع الثالث من ذات الباب من نف�س القانون للدرا�سة والتحليل من خالل (المطلب‬
‫الثاني) كما �سيتم بيانه‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬جرائم الم�ؤامرة واالعتداء‬
‫ت�أ�سي�سا على ما �سبق ف�إن �أغلب الت�شريعات �إن لم نقل معظمها حر�صت على بيان وتحديد‬
‫الجرائم الواقعة على �أمن الدولة الداخلي و�أولتها عناية خا�صة‪2‬؛ وخرجت بها عن قواعد‬
‫‪ 11‬اجلرائم امل�رضة بامل�صلحة العمومية‪ ،‬من�ش�أة معارف‪-‬الإ�سكندرية‪� ،‬ص‪.143 .‬‬
‫‪ 22‬وح�سب ما �سبقت الإ�شارة �إليه‪ ،‬يبدو �أن هذا التق�سيم قد جاء يف القوانني الفرن�سية يف نهاية القرن التا�سع ع�رش‪ ،‬وعنها‬
‫�أخذت الت�رشيعات العربية؛ �أورده حممد عودة اجلبور‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة وجرائم الإرهاب يف القانون‬
‫الأردين والقوانني العربية»‪ ،‬دار الثقافة للن�رش والتوزيع‪-‬عمان‪ ،‬الطبعة الثانية �سنة ‪2010‬م‪� ،‬ص‪.14.‬‬
‫ومن �أمثلة بع�ض هذه القوانني‪ ،‬نذكر على �سبيل املثال ال احل�رص‪ ،‬قانون العقوبات امل�رصي الذي �أفرد يف الكتاب الثاين‬
‫بعنوان‪ :‬اجلنايات واجلنح امل�رضة بامل�صلحة العمومية وبيان عقوبتها‪ ،‬وخ�ص�صه للجنايات واجلنح امل�رضة ب�أمن احلكومة‬
‫من جهة اخلارج يف الباب الأول‪ ،‬واجلنايات واجلنح امل�رضة باحلكومة من جهة الداخل يف الباب الثاين‪ ،‬والذي يتكون‬
‫من املواد ‪� 86‬إىل ‪ 102‬عقوبات‪.‬‬
‫�أما الت�رشيع اجلنائي الأردين وحتت عنوان «اجلرائم على �أمن الدولة الداخلي» و�ضع امل�رشع الأردين الن�صو�ص‬
‫العقابية باملواد ‪� 135‬إىل ‪ 168‬وق�سمها �إىل �ستة �أق�سام‪ :‬الق�سم الأول احتوى على اجلنايات الواقعة على الد�ستور‪� ،‬أما‬
‫الق�سم الثاين‪ ،‬فقد خ�ص املواد من ‪� 140‬إىل ‪� 141‬إىل اغت�صاب �سلطة �سيا�سية �أو مدنية �أو ع�سكرية‪ ،‬و�أما الق�سم الثالث‬
‫ف�ضم جرائم الفتنة يف املواد من ‪� 142‬إىل ‪� ،146‬أما جرائم الإرهاب فخ�ص�ص لها امل�رشع الأردين الف�صل الرابع يف‬
‫املواد من ‪� 147‬إىل ‪ ،149‬ويف الت�رشيع اللبناين جاء ذكر «اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة الداخلي» بالف�صل الثاين من‬
‫الباب الأول‪ ،‬من املادة ‪� 301‬إىل املادة ‪349‬؛ ويف قانون العقوبات ال�سوري وردت هذه اجلرائم حتت عنوان‪« :‬اجلرائم‬
‫الواقعة على �أمن الدولة الداخلي»‪ ،‬وقد ت�ضمنها الف�صل الثاين من الباب الأول من الكتاب الثاين‪ ،‬والذي يت�ألف من املواد‬
‫‪ 219-19‬عقوبات للجنايات واجلنح امل�رضة ب�أمن الدولة الداخل‪.‬‬
‫�أما امل�رشع اجلزائري فلقد �أفرد يف الباب الأول‪« :‬اجلنايات واجلنح �ضد ال�شيء العمومي» �سبعة ف�صول‪ ،‬خ�ص الف�صل‬
‫الأول للجرائم التي تقع على �أمن الدولة بعنوان‪« :‬اجلنايات واجلنح �ضد �أمن الدولة» يف املواد من ‪� 61‬إىل ‪ 96‬مكرر‪.‬‬
‫من غري �أن مييز بني اجلرائم التي تقع على الأمن الداخلي �أو اخلارجي‪ ،‬وق�سم الف�صل الأول �إىل �ستة �أق�سام‪ ،‬الق�سم‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪14‬‬

‫التجريم الأ�سا�سية التي يعاقب فيها الم�شرع على الن�شاط الخارجي المح�سو�س المتمثل في‬
‫�أفعال مادية‪ ،‬تحدث ا�ضطرابا اجتماعيا‪ .‬لذا‪ ،‬فال عقوبة على مجرد التفكير في الجريمة �أو‬
‫العزم على ارتكابها‪ .‬غير �أن الم�شرع قد خرج عن هذا المبد�أ فيما يخ�ص الجرائم الواقعة‬
‫على �أمن الدولة‪ ،‬رغبة منه في �إبعاد الخطر الذي يهدد الدولة حتى ولو كان مجرد فكرة‬
‫نف�سية‪ ،‬فعاقب الم�ؤامرة على �أمن الدولة‪ ،‬وهي ال تعدو �أن تكون �إال اتفاقا بين �شخ�صين �أو �أكثر‬
‫على �إرتكاب جناية تم�س ب�أمن الدولة‪.1‬‬
‫كما �أن في �إطار هذه ال�سيا�سة التجريمية‪ ،‬البد التفريق بين مرحلة المحاولة في الجريمة‬
‫ومرحلة اثباتها‪ ،‬غير �أن الم�شرع خرج �أي�ضا على هذا المبد�أ بخ�صو�ص جرائم �أمن الدولة‪،‬‬
‫فاعتبر الإعتداء على �أمن الدولة تاما وناجزا حتى ولو كان الفعل في مرحلة المحاولة‪.2‬‬
‫وت�أ�سي�سا عليه يالحظ مما �سبق �أن الن�ص على تجريم الم�ؤامرة واالعتداء ورد في �صدر‬
‫الباب الخا�ص بجرائم �أمن الدولة‪ ،‬مما يجعل مو�ضوعهما متوقفا على �إرتكاب �إحدى هذه‬
‫الجرائم دون �سواها‪.3‬‬
‫الأول‪ :‬من املادة ‪� 61‬إىل ‪ 64‬خم�ص�صة جلرائم اخليانة والتج�س�س‪ ،‬والق�سم الثاين‪ :‬خا�ص بجرائم التعدي الأخرى على‬
‫الدفاع الوطني‪ ،‬واالقت�صاد الوطني يف املواد ‪� 65‬إىل ‪76‬؛ ويف الق�سم الثالث‪ :‬االعتداءات وامل�ؤامرات واجلرائم الأخرى‬
‫�ضد �سلطة الدولة و�سلطة �أر�ض الوطن يف املواد من ‪� 77‬إىل ‪83‬؛ ويف الق�سم الرابع‪ :‬جرائم التقتيل والتخريب املخلة‬
‫بالدولة يف املواد من ‪� 84‬إىل ‪87‬؛ ويف الق�سم الرابع مكرر‪ :‬اجلرائم املو�صوفة ب�أفعال �إرهابية �أو تخريبية يف املواد من ‪87‬‬
‫مكرر �إىل ‪ 87‬مكرر‪10‬؛ ويف الق�سم اخلام�س‪ :‬جنايات امل�ساهمة يف حركات التمرد يف املواد ‪� 88‬إىل ‪ ،90‬و�أخريا الق�سم‬
‫ال�ساد�س بعنوان‪� :‬أحكام خمتلفة يف املواد ‪� 91‬إىل ‪ 96‬مكرر‪.‬‬
‫�أما الف�صل الثاين‪ :‬فيتعلق بجرائم التجمهر‪ ،‬من املواد ‪� 97‬إىل ‪ ،101‬والف�صل الثالث‪ :‬فخ�صه امل�رشع اجلنائي اجلزائري‬
‫للجرائم �ضد الد�ستور يف املواد من ‪� 102‬إىل ‪ ،118‬ويف الف�صل الرابع‪ :‬اجلرائم �ضد ال�سالمة العمومية يف املواد ‪� 119‬إىل‬
‫‪ ،143‬ويف الف�صل اخلام�س‪ :‬اجلنايات واجلنح التي يرتكبها الأ�شخا�ص �ضد النظام العمومي‪ ،‬من املادة ‪� 144‬إىل ‪175‬‬
‫مكرر‪1‬؛ ويف الف�صل ال�ساد�س‪ :‬اجلنايات واجلنح �ضد الأمن العمومي من املادة ‪� 176‬إىل ‪ 196‬مكرر؛ ويف الف�صل ال�سابع‪:‬‬
‫التزوير من املادة ‪� 197‬إىل ‪ 253‬مكرر‪.‬‬
‫‪ 11‬وذلك من خالل الف�صل ‪ 175‬من القانون اجلنائي املغربي الذي عرفها من خالله على �أنها‪(( :‬امل�ؤامرة هي الت�صميم على‬
‫العمل‪ ،‬متى كان متفقا عليه ومقررا بني �شخ�صني �أو �أكرث))‪.‬‬
‫وعرب عنها �أي�ضا الت�رشيع اجلنائي اللبناين من خالل املادة ‪ 270‬من قانون العقوبات اللبناين ب�أنه‪(( :‬يدعى م�ؤامرة كل‬
‫اتفاق مت بني �شخ�صني �أو �أكرث على �إرتكاب جناية بو�سائل معينة))‪.‬‬
‫وعرفها كذلك امل�رشع الأردين يف املادة ‪ 108‬من قانون العقوبات ب�أنها كل اتفاق بني �شخ�صني �أو �أكرث على �إرتكاب‬
‫جرمية بو�سائل معينة بحيث جاء يف ن�ص املادة ب�أنه‪(( :‬امل�ؤامرة هي كل اتفاق مت بني �شخ�صني �أو �أكرث على �إرتكاب جرمية‬
‫من اجلرائم املن�صو�ص عليها يف هذا الباب بو�سائل معينة))‪.‬‬
‫‪ 22‬وهذا ما عرب عنه امل�رشع اللبناين ب�رصيح العبارة من خالل املادة ‪ 271‬من قانون العقوبات املعدلة وفقا للمر�سوم‬
‫اال�شرتاكي ‪ 112‬تاريخ ‪ 1983/9/16‬بحيث جاء فيها �أنه‪(( :‬يتم الإعتداء على �أمن الدولة �سواء كان الفعل امل�ؤلف للجرمية‬
‫تاما �أو ناق�صا �أو يف طور املحاولة))‪.‬‬
‫لكن خالفا للم�رشع اللبناين‪ ،‬فامل�رشع املغربي مل يعرب عن هذا املقت�ضى �رصاحة من خالل ف�صل من الف�صول الواردة يف‬
‫باب اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة من جهة الداخل‪ ،‬كجرمية امل�ؤامرة على �سبيل املثال‪ ،‬و�إن كان يف �صلب الن�ص ي�ست�شف‬
‫من خالل �صياغته وم�ضمونه �أن اجلرمية تتخذ مكونها ناجزة ولو مل تكن كذلك خلطورتها وذلك راجع خل�صو�صية‬
‫الركن املادي يف هذه الأخرية الذي يتكون فقط من الإتفاق امل�صمم عليه الرتكاب جرائم حمددة‪.‬‬
‫‪ 33‬للمزيد يف هذا ال�صدد �أنظر‪:‬‬
‫‪15‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وفق �أحكام وقواعد خا�صة ت�سري على هذه الجرائم دون غيرها‪ ،1‬ويقت�ضي الإلمام‬
‫بجريمتي الم�ؤامرة واالعتداء على �أمن الدولة التطرق �إلى كل منهما في بحث على حدة‪ ،‬وذلك‬
‫على النحو الآتي‪:‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬جريمة الم�ؤامرة‬
‫الم�ؤامرة )‪ ،(Le complot‬كما عرفها القانون الجنائي المغربي‪ ،‬ال تعدو �أن تكون اتفاقا‬
‫مقررا بين �شخ�صين �أو �أكثر على �إرتكاب جناية تم�س ب�أمن الدولة‪ ،2‬فالتجريم هنا تناول‬
‫مرحلة فكرة الجريمة والعزم عليها‪ ،3‬وهي مرحلة تخرج في الأ�سا�س من نطاق التجريم‬
‫والعقاب كما �سبقت الإ�شارة �إليه‪ .‬فمن المقرر �أن القانون الجنائي ال يجرم العزم �أو الت�صميم‬
‫الذي يتكون لدى �شخ�ص الرتكاب الجريمة م�ستقبال‪ ،‬وذلك حتى لو ثبت وجود هذا الت�صميم‬
‫باعتراف ال�شخ�ص ذاته �أو ب�إبالغ الغير به‪ .4‬وعلى ذلك �أن الت�صميم �أو العزم على �إرتكاب‬
‫الجريمة ال يعدو �أن يمثل حالة نف�سية �أو فكرة �إجرامية لم تبرح مخيلة الفاعل‪ ،‬وهذا مما‬
‫ي�صعب �إثباته عادة‪ .‬ي�ضاف �إلى ذلك �أن الرغبة في �إرتكاب الجريمة ال تنذر بخطر حال على‬
‫المجتمع‪ ،‬لأنها لم ت�ستطيع بمظاهر مادية توحي بالخطورة‪ ،‬هذا ف�ضال عن �أن تجريم هذه‬
‫الرغبة �أو الفكرة لو ح�صل‪ ،‬ف�إن من �ش�أنه �أن ي�ستحدث الفاعل على تنفيد عزمه‪ ،‬طالما �أنه‬
‫معاقب في الحالتين‪ .‬لذا‪ ،‬فالحكمة والمنطق يحمالن الم�شرع على عدم عقاب الت�صميم �أو‬
‫العزم الإجرامي‪ ،‬وذلك لحث ال�شخ�ص على العدول وثنيه عن متابعة م�شروعه الإجرامي‪� ،‬إال‬
‫‪� -‬سمري عالية وهيثم عالية‪« ،‬الوجيز يف جرائم الق�سم اخلا�ص‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.75.‬‬
‫‪� -‬أحمد حممد الرفاعي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.27.‬‬
‫‪ 11‬تتوجه �أغلب الت�رشيعات اجلنائية احلديثة �إىل �سن �إجراءات خا�صة جلرائم امن الدولة‪� ،‬سواء تعلق الأمر باملحاكم املخت�صة‬
‫للحكم يف مثل هذه اجلرائم �أو الإجراءات التي تطبقها هذه املحاكم‪ ،‬فبالن�سبة للجهة املخت�صة للنظر يف مثل هذه الق�ضايا‪،‬‬
‫جند جل الت�رشيعات ت�سند هذه املهمة للمحكمة الع�سكرية بالن�سبة جلرائم امل�س ب�سالمة الدولة اخلارجية (الف�صل ‪ 4‬من قانون‬
‫العدل الع�سكري)‪ ،‬مع احتفاظ الق�ضاء العادي بالنظر يف ق�ضايا �أمن الدولة الداخلي‪� ،‬إال �أنه مبقت�ضى قانون ‪ 26‬يوليوز‬
‫‪ 1971‬انتقل الإخت�صا�ص يف هذه الق�ضايا �إىل املحكمة الع�سكرية متى كان مرتكبوا اجلرمية �أو بع�ض امل�ساهمني فيها خا�ضعا‬
‫الخت�صا�ص هذه املحكمة ح�سب الف�صل الثالث من قانون العدل الع�سكري‪.‬‬
‫�أما من حيث �إجراءات املحاكمة فتتميز باحلرا�سة وال�رسية وال�رسعة وهي بذلك غالبا ما تنتهك حق املتهم يف تن�صيب دفاع‬
‫له‪ ،‬على خالف امل�سطرة التي ينهجها الق�ضاء العادي‪.‬‬
‫‪ 22‬راجع الف�صل ‪ 175‬من ق‪.‬ج الذي جاء فيه �أن‪(( :‬امل�ؤامرة هي الت�صميم على العمل متى كان متفقا عليه ومقررا بني‬
‫�شخ�صني �أو �أكرث))‪.‬‬
‫‪ 33‬العزم‪ )La résolution( :‬يق�ضي وجود �إرادة تابثة مقررة‪ ،‬فال يكفي وجود �أماين �أو تعديدات‪ ،‬بل يجب توطيد العزم‬
‫على العمل‪ ،‬وعلى النيابة العامة �أن تقيم الدليل على هذا العزم‪ ،‬فال تقت�رص على �إثبات �أن املتهمني اجتمعوا فيما بينهم‪،‬‬
‫و�أنهم �ألفوا جمعية �أو ع�صابة علنية �أو �رسية‪ ،‬و�أن لديهم م�رشوعا غري معروف �أو غري وا�ضح‪ ،‬بل عليها �أن تثبت �أنهم‬
‫عزموا على �إرتكاب جرمية من اجلرائم املعنية بالن�صو�ص يف القانون‪ ،‬وميكن ح�صول الإثبات بجميع الطرق من كتابة‬
‫وبينة وقرائن‪.‬‬
‫‪  44‬عبد الواحد العلمي‪�« ،‬رشح القانون اجلنائي املغربي ‪-‬الق�سم العام‪ ،»-‬ال�رشكة املغربية لتوزيع الكتب‪ ،‬الدار البي�ضاء‪،‬‬
‫الطبعة ال�سابعة‪� ،‬سنة ‪1437‬هـ‪2016-‬م‪� ،‬ص‪ 181.‬وما يليها‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪16‬‬

‫�أن خروج الم�شرع الجرائم عن �سيا�سته هذه فيما يخ�ص الم�ؤامرة ال يعود لكونها مرحلة من‬
‫مراحل الجريمة‪ ،‬و�إنما باعتبارها جريمة خا�صة ا�ستوجبت عدم الت�أخر والإنتظار‪ .1‬باعتبار‬
‫�أن العزم والت�صميم في جريمة الم�ؤامرة لم يعد فرديا يقت�صر فقط على �شخ�ص دون غيره‪،‬‬
‫و�إنما خرج من دائرة الفردية ليعبر كل مت�آمر للمتفقين معه عن ما يخالج �صدره من نوايا‬
‫خبيثة‪ ،‬الأمر الذي وحد �إرادتهم باتجاه الجريمة مو�ضوع الم�ؤامرة‪ .2‬وهذه الظاهرة الجماعية‬
‫ولو �أنها فكرة مبكرة‪� ،‬إال �أنها تنذر بخطر محدق ب�أمن المجتمع‪ ،‬فمن الأجدى معاقبتها وهي‬
‫في بدايتها‪ ،‬بدال من الإنتظار حتى حلول ال�ضرر الفعلي‪.‬‬
‫وت�أ�سي�سا على ما �سبق التف�صيل فيه‪ ،‬ن�ست�شف �أن خ�صو�صية هذه الجريمة جعلتها تمتاز‬
‫‪3‬‬
‫عن غيرها من الجرائم بمجموعة من المميزات و�ضعتها في �إطار خا�ص يميزها عن غيرها‬
‫‪ 11‬حق البدء بالتح�ضري واملحاولة يف التنفيذ‪.‬‬
‫‪� 22‬أ�صبح الأمر يف هذه املرحلة جماعيا‪.‬‬
‫‪� 33‬إن امل�ؤامرة جرمية خا�صة ت�ستقل مبجموعة من اخل�صائ�ص جتعل منها جرمية خا�صة تتميز عن �سائر اجلرائم‬
‫الأخرى‪ ،‬ومن جملة هذه اخل�صائ�ص‪:‬‬
‫‪ -‬امل�ؤامرة �سلوك حمتواه نف�سي‪ :‬وهذا يرجع لكون ال�سلوك الإجرامي املكون لها يقوم على جمرد العزم الذي هو فكرة‬
‫نف�سية‪.‬هذا ال�سلوك النف�سي �أ�سا�سه عامالن‪ :‬الأول يتمثل يف �أنه �سلوك �شخ�صي عرب عنه �صاحبه ؛ والثاين يكمن يف �أن هذا‬
‫التعبري دليل على ان�رصاف الإرادة �إليه‪ .‬وهذا هو �أ�سا�س عقاب هذا ال�سلوك‪.‬‬
‫للمزيد بهذا ال�صدد �أنظر‪:‬‬
‫‪ -‬جاك يو�سف احلكيم‪ ،‬ريا�ض اخلاين‪�« ،‬رشح قانون العقوبات‪-‬الق�سم اخلا�ص‪ ،»-‬مطبعة الرو�ضة‪ ،‬من�شورات‬
‫جامعة دم�شق‪� ،‬سنة ‪� ،2009‬ص‪.64.‬‬
‫‪ -‬حممود �سليمان مو�سى‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة‪-‬درا�سة مقارنة يف الت�رشيعات العربية والقانونني الفرن�سي‬
‫والإيطايل»‪ ،‬داراملطبوعات اجلامعة‪ ،‬اال�سنكندرية‪� ،‬سنة ‪� ،2009‬ص‪.153.‬‬
‫‪ -‬حممد عودة اجلبور‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة وجرائم الإرهاب يف القانون الأردين والقوانني العربية»‪،‬‬
‫دار الثقافة للن�رش والتوزيع‪-‬عمان‪ ،‬الطبعة الثانية‪� ،‬سنة ‪� ،2010‬ص‪.29.‬‬
‫‪ -‬امل�ؤامرة جرمية فاعل متعدد‪ :‬امل�ؤامرة كجرمية تنتمي �إىل فئة جرائم الفعل املتعدد ال�رضوري ‪،‬فهي بح�سب منوذجها‬
‫املحدد يف ن�ص القانون تتطلب اتفاق �شخ�صني على الأقل ؛بحيث ال تتحقق ب�إرادة واحدة‪.‬‬
‫‪� -‬سمري عالية وهيثم عالية‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.81-80.‬‬
‫‪ -‬جترمي امل�ؤامرة فرع من �أ�صل‪ :‬فامل�ؤامرة و�سيلة �أو م�سلك لغاية معينة هي حتقيق اجلرمية التي �سبق العزم والت�صميم‬
‫على ارتكابها‪ .‬ومن مت تعد امل�ؤامرة فرعا لأ�صل هو اجلرمية املن�شودة‪� .‬أي �أن جرمية امل�ؤامرة �إذا كانت جرمية قائمة‬
‫بذاتها ف�إنها تظل من حيث الغاية تابعة جلرمية �أخرى‪.‬فقد يح�صل مثال �أن يكون الهدف من الت�آمر الإعتداء على حياة‬
‫رئي�س الدولة �أو �شخ�صه‪ ،‬وقد يحدث �أي�ضا �أن تكون غاية امل�ؤامر �إ�سقاط نظام احلكم �أو تغيري النظام‪.‬‬
‫‪ -‬امل�ؤامرة جرمية م�ستمرة‪ :‬فطبيعة امل�ؤامرة متتاز ب�أنها من اجلرائم امل�ستمرة‪ ،‬حيث تنتهي حالة اال�ستمرار �إما بالعدول‬
‫عن الإتفاق �أو بارتكاب اجلرمية املتفق عليها‪ ،‬وهذا الر�أي ا�ستنادا لر�أي �أحمد حممد الرفاعي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.29.‬‬
‫هذا ال ينفي مواقف باقي الفقهاء التي تتعار�ض معه‪ ،‬فهناك من يرى �أن امل�ؤامرة جرمية �آنية تتم مبجرد ح�صول االتفاق‪،‬‬
‫وقوامها هذا العمل الإيجابي املتمثل باجتماع �إرادات املت�آمرين على اجلرمية وجند يف هذا ال�صدد الفقيه ((�أورتلوت))‪،‬‬
‫�أورده �سمري عالية وهيثم عالية‪« ،‬الوجيز يف جرائم الق�سم اخلا�ص»‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.81.‬‬
‫ويف ر�أي �آخر عن طبيعة هذه اجلرمية جاء الدكتور عاطف النقيب م�شريا �إىل �أن هذه اجلرمية متتابعة الأفعال �أو‬
‫متجددة‪ ،‬كون املت�أمرون ال يلتقون دفعة واحدة‪ ،‬و�إمنا ين�ضمون �إليها واحدا �إثر �آخر‪ ،‬ويف كل ان�ضمام يتجدد الإتفاق‬
‫اجلرمي فتتجدد معه جرمية امل�ؤامرة‪ ،‬مما يجعل منها جرمية متمادية‪.‬‬
‫�أورده يف قانون العقوبات اخلا�ص‪� ،‬ص‪ 2.‬حممد فا�ضل‪ ،‬اجلرائم الواقعة على الأ�شخا�ص‪� ،‬ص‪ 96.‬و‪� 97‬أوره �سمري‬
‫عالية وهيثم عالية‪ ،‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪ 81.‬و‪.82‬‬
‫‪17‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الـ ـ ــذي يدفـ ــعنـ ـ ـ ــا �إلى �ضـ ـ ـ ــرورة الف�صل فيهـ ــا مـ ــن ناحيـ ــة التجريـ ــم �أو العقـ ــاب‬
‫كالآتـ ـ ـ ــي‪:‬‬
‫�أوال‪� :‬أركان جريمة الم�ؤامرة‬
‫�إن الم�شرع المغربي قد ج َّرم ((الم�ؤامرة)) في الف�صول ‪ 174-173-172‬و‪ 201‬من ق‪.‬ج‬
‫وخ�ص�ص لها تعريفا في الف�صل ‪ 175‬من ذات القانون حيث جاء فيه �أن‪(( :‬الم�ؤامرة هي‬
‫الت�صميم على العمل‪ ،‬متى كان متفقا عليه ومقررا بين �شخ�صين �أو �أكثر))‪.1‬‬
‫وبا�ستقراء لهذه الف�صول نالحظ �أن الم�شرع الجنائي المغربي قد جرم الإتفاق الجنائي في‬
‫الم�ؤامرة وح�صره في �صور معدودة جميعها تم�س �سالمة و�أمن الدولة المغربية الداخلي‪ ،‬والتي‬
‫من خالل بيانها �سن�ؤ�س�س لتمحي�ص الركن المادي وا�ستجالء الغمو�ض من الركن المعنوي‬
‫ب�شكل دقيق وهي كالآتي‪:‬‬
‫الحالة التي يكون فيها هذا الإتفاق م�ستهدفا �إرتكاب جريمة الإعتداء على حياة الملك �أو‬ ‫✺‬

‫�شخ�صه (الف�صل ‪ 172‬ق‪.‬ج)‪.‬‬


‫الحالة التي يكون فيها هذا الإتفاق م�ستهدفا �إرتكاب الإعتداء �ضد حياة ولي العهد �أو‬ ‫✺‬

‫�شخ�صه (الف�صل ‪ 173‬ق‪.‬ج)‪.‬‬


‫الحالة التي يكون فيها الغر�ض من الإتفاق الو�صول �إلى الأهداف �أو الغايات الواردة في‬ ‫✺‬

‫الف�صل ‪ 169‬ق‪.‬ج‪ ،‬والتي هي �إما الق�ضاء على النظام �أو �إقامة نظام �أخر محله‪ ،‬و�إما تغيير‬
‫الترتيب لوراثة العر�ش‪ ،‬و�إما دفع النا�س �إلى حمل ال�سالح �ضد �سلطة الملك (الف�صل ‪174‬‬
‫ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫ الحالة التي يكون فيها الغر�ض من الإتفاق �إثارة حرب �أهلية �أو �إحداث التخريب والتقتيل‬ ‫✺‬

‫والنهب (الف�صل ‪ 1/201‬ق‪.‬ج)‪.‬‬


‫وعليه‪ ،‬فعلى �ضوء هذه المقت�ضيات تكون �أركان الم�ؤامرة على �أمن الدولة ثالثة‪ :‬ركن مادي‬
‫قوامه االتفاق‪ ،‬ومو�ضوع يتمثل بالرغبة في �إرتكاب جناية على �أمن الدولة بو�سائل معينة‪ ،‬وركن‬
‫معنوي �صورته الق�صد الجرمي كما �سيتم بيانه‪.‬‬
‫�أ‪ -‬الركن المادي لجريمة الم�ؤامرة‬
‫الم�ؤامرة باعتبارها �إتفاقا جنائيا من نوع خا�ص جريمة من جرائم الخطر؛ ف�إن ركنها‬
‫المادي ال يتطلب فيه تحقق العنا�صر الثالثة المتطلبة في جرائم النتيجة و�سواء �أكان الفعل �أو‬

‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي‪�« ،‬رشح القانون اجلنائي املغربي‪-‬الق�سم اخلا�ص‪ ،»-‬ال�رشكة املغربية لتوزيع الكتاب‪ ،‬الدار‬
‫البي�ضاء‪ ،‬الطبعة ال�سابعة‪ ،‬ال�سنة ‪1436‬هـ‪2015-‬م‪� ،‬ص‪.22.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪18‬‬

‫االمتناع‪ ،‬والنتيجة وعالقة ال�سببية بينهما عموما‪ ،‬و�إنما يكفي فقط وكما يق�ضي بذلك الف�صل‬
‫‪ 175‬ق‪.‬ج وجود اتفاق م�صمم على تنفيذه بين �شخ�صين �أو �أكثر‪.‬‬
‫�إذن فما هو هذا االتفاق؟ وكم عدد المتفقين؟ وما هي لحظة تمامه؟ هذه كلها �أ�سئلة‬
‫ت�ستوجب �إجابات‪ ،‬وهذا ما �سنتطرق له الآتي‪:‬‬
‫ماهية االتفاق‪:‬‬ ‫■‬

‫يعرف بع�ض الفقهاء الإتفاق في هذا ال�صدد ب�أنه تقابل �إرادتين �أو �أكثر وتبادل الر�ضا �أو‬
‫القبول بين �شخ�صين �أو �أكثر على �إرتكاب جريمة معينة بذاتها وتحديد و�سائلها‪.1‬‬
‫غير �أن الم�شرع المغربي لم يت�صدى لمفهوم الإتفاق المق�صود في الم�ؤامرة كنظيره‬
‫اللبناني؛ فحيث �أن الم�شرع الم�صري كان حازما في �أمره وعبر عن الإتفاق ب�أنه �إتحاد �شخ�صين‬
‫�أو �أكثر‪ ،‬على �إرتكاب جناية �أو جنحة ما‪� ،‬أو على الأعمال المجهرة �أو الم�سهلة لإرتكابها‪.2‬‬
‫وعلى هذا الأ�سا�س ف�إن الإتفاق بطبيعته يفتر�ض مظهرا ماديا ملمو�سا كونه تعبيرا عن �إرادة‬
‫�أفراده‪ ،‬بحيث يعلم به كل منهم وتتالقى �إرادتهم عنده‪ .‬وهذا التعبير عن الإرادة يفتر�ض بدوره‬
‫مظاهر مادية كالقول ال�شفوي والعبارات المكتوبة �أو الإيماء �إن كانت له داللة مفهومه‪ .3‬وال‬
‫ي�شترط في الإتفاق �أن يكون �سريا كو�ضعه الغالب فيمكن ت�صوره علنيا كما لو عبر مجموعة من‬
‫الأفراد عن رغبتهم في قلب نظام الحكم‪ .‬وال ي�ؤثر في قيام الإتفاق �أن يمتد زمنا غير محدد؛‬
‫ك�أن يتفق المت�آمرون على تنفيذ جنايتهم الما�سة ب�أمن الدولة بمجرد وفاة �أحد الم�س�ؤولين‪.4‬‬
‫كما ال ي�ؤثر فيه �أن يعلق تنفيذه على �شرط طالما �أن هذا ال�شرط غير م�ستحيل ومحتمل الوقوع‪.‬‬
‫ك�أن يتفق الجناة على تنفيذ م�ؤامرتهم بعد حل البرلمان �أو بعد تقلد �شخ�ص ما لمن�صب معين‪،‬‬
‫�أو ما �إلى ذلك‪.‬‬
‫وعليه ف�إن الإتفاق المق�صود في هذا المقام هو توافق �إرادة الم�ساهمين في الت�أمر على‬
‫اقتراف �إحدى الجرائم الواردة في الف�صول ‪ 172‬و‪ 173‬و‪ 174‬و‪ 201‬من ق‪.‬ج‪� ،‬أما �إذا كان‬
‫الإتفاق من�صبا على �إرتكاب جرائم غيرها �سبقت الإ�شارة �إليه ف�إن هذا الإتفاق الجنائي ال‬
‫يعتبر م�ؤامرة‪.5‬‬

‫‪� 11‬سعيد م�صطفى ال�سعيد‪« ،‬الأحكام العامة لقانون العقوبات»‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬ال�سنة ‪� ،1962‬ص‪.349.‬‬
‫‪� 22‬أحمد حممد الرفاعي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.29.‬‬
‫‪� 33‬سمري عالية‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.82.‬‬
‫‪� 44‬أكد عليها الق�ضاء امل�رصي يف قرار �صادر يف ‪11‬دجنرب ‪ 1944‬م‪� ،‬أ�شار �إليه الأ�ستاذ �سمري عالية‪ ،‬نف�س املرجع‪.‬‬
‫‪ 55‬عبد الواحد العلمي‪�« ،‬رشح القانون اجلنائي املغربي ‪-‬الق�سم اخلا�ص»‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.25.‬‬
‫‪19‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫عدد المتفقين‬ ‫■‬

‫م�ضى القول �أن جريمة الم�ؤامرة تعد من جرائم الفاعل المتعدد ومن ثم فالحد الأدنى‬
‫للمتفقين في الت�شريع المغربي وكذلك الم�صري واللبناني هو �شخ�صان على الأقل‪ .1‬فالعبرة‬
‫لي�ست باالتفاق �إال �إذا تعلق الأمر ب�إرادتين «جادتين على الأقل وكان كل منهما محال للم�س�ؤولية‬
‫الجنائية‪.2‬‬
‫كما ال ي�ؤثر في قيام الإتفاق وبالتالي الم�ؤامرة ا�ستفادة �أحد المت�آمرين من �أحد الأعذار‬
‫المخففة‪ ،‬كما ال ي�ؤثر في ذلك �أي�ضا عدم معرفة باقي المتفقين المت�آمرين في حال القب�ض‬
‫على �أحدهم وبقي ه�ؤالء فارين �أو مجهولين‪� .‬إذ يمكن للق�ضاء �إدانة المقبو�ض عليه ولو كان‬
‫واحدا مادام �أن الإتفاق بينه وبين غيره قد ح�صل؛ وبالتالي تبرئة الطرف الأخر نتيجة انتفاء‬
‫بع�ض عنا�صر الجريمة كعدم ثبوت ن�سبة الجريمة �إلى المحكوم ببراءته‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫�أمكن لل�شخ�ص الأخر المحكوم ب�إدانته حق المطالبة بمراجعة الحكم ا�ستنادا �إلى الف�صل ‪613‬‬
‫الفقرة الرابعة من قانون الم�سطرة الجنائية‪.3‬‬

‫‪ 11‬فالت�رشيعات العقابية مل تتفق يف حتديد العدد الأدنى لقيام جرمية امل�ؤامرة‪ ،‬فمن الت�رشيعات العربية التي ترى ب�أن‬
‫العدد الالزم توافره يف جرمية امل�ؤامرة هو اثنان ف�أكرث كما ذكرنا �أعاله هو القانون املغربي من خالل (الف�صل ‪)175‬‬
‫والت�رشيع اللبناين (املادة ‪ )270‬وكذلك امل�رصي وال�سوري‪ ،‬ومن الت�رشيعات العربية التي تتطلب �أن يكون العدد �أكرث‬
‫من �شخ�صني‪ ،‬فالقانون الليبي‪ ،‬ف�إذا كان العدد �أقل من ثالثة ال تقوم اجلرمية (املادة ‪ .)211‬ويف القانون الفرن�سي ي�شرتط‬
‫لقيام امل�ؤامرة �أن يكون الإتفاق منعقدا بني «عدة �أ�شخا�ص» (املادة ‪ )2-412‬وهذا معناه احلد الأدنى لعدد امل�شاركني‬
‫يف الإتفاق يجب �أن ال يقل عن ثالثة �أ�شخا�ص‪ ،‬وهو العدد الذي �أخذ به القانون الإيطايل (املادة ‪ 304‬عقوبات)‪� ،‬أما‬
‫اجلزائري يرى يف املادة ‪ 78‬من قانون العقوبات اجلزائري‪� ،‬أن امل�ؤامرة تقوم مبجرد اتفاق �شخ�صني �أو �أكرث على‬
‫الت�صميم على ارتكابها‪.‬‬
‫‪ 22‬ومع ذلك فامل�رشع اجلنائي املغربي عمد يف تكييف غري �سليم �إىل �إقحام ت�صميم الفرد الواحد على القيام باعتداء وارتكابه‬
‫عمال �أو بد�أ فيه بق�صد دافع بق�صد �إعداد التنفيذ �ضمن الن�صو�ص املتعلقة بجرمية امل�ؤامرة‪.‬‬
‫وهكذا ورد يف الف�صل ‪ 178‬من ق‪.‬ج �أنه‪(( :‬من عقد العزم مبفرده على �إرتكاب اعتداء �ضد حياة امللك �أو �شخ�صه‪� ،‬أو‬
‫�ضد حياة ويل العهد‪ ،‬ثم �إرتكب مبفرده ودون م�ساعدة �أحد عمال �أو بد�أ فيه بق�صد �إعداد التنفيذ‪ ،‬يعاقب بال�سجن من خم�س‬
‫�إىل ع�رش �سنوات))‪.‬‬
‫ورغم هذه الثغرة التي �صاغها امل�رشع من خالل هذا الف�صل املتج�سدة يف فردانية للمجرم وتوقف العقاب على البدء يف‬
‫عمل يق�صد �إعداد التنفيذ‪ ،‬يخرج بامل�ؤامرة من نطاقها ال�ضيق الذي هدف �إليه امل�رشع يف الوهلة الأوىل لت�صميم خريطة‬
‫اجلرائم التي ن�سج خيوطها من خالل املقت�ضيات ال�سابقة‪ ،‬بحيث �أن هذه ال�رشوط ال تتما�شى مع قيام جرمية امل�ؤامرة التي‬
‫تتحقق مبجرد متام االتفاق‪ ،‬زيادة على كون الفرد الواحد ال يرتكب هذه اجلرمية‪ ،‬وبالتايل هذا التوجه قد يخرج بها‬
‫من املعنى القانوين لهذا امل�صطلح‪.‬‬
‫للمزيد �أنظر‪:‬‬
‫‪� -‬أحمد اخلملي�شي‪« ،‬القانون اجلنائي اخلا�ص‪-‬اجلزء الأول‪ ،»-‬مكتبة املعارف‪-‬الرباط‪ ،‬الطبعة الثانيةـ ال�سنة ‪،1981‬‬
‫�ص‪.5.‬‬
‫‪ 33‬ين�ص الف�صل ‪ 613‬من قانون امل�سطرة اجلنائية على ما يلي‪(( :‬ي�ضاف عند االقت�ضاء التاريخ الفعلي حلرمان �شخ�ص من‬
‫حريته �إىل تاريخ �إيداعه يف ال�سجن‪ ،‬وي�ؤخذ بعني االعتبار تاريخ القب�ض عليه ومدة و�ضعه حتت احلرا�سة النظرية))‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪20‬‬

‫لحظة �إتمام االتفاق‪:‬‬ ‫■‬

‫لما كانت جريمة الم�ؤامرة جريمة لها كيانها الذاتي الم�ستقل عن الجريمة المت�آمر ب�ش�أنها‬
‫ف�إنه بمجرد توافق �إرادات المت�آمرين ي�صبح الإتفاق كائنا وي�ستكمل الركن المادي لجريمة‬
‫الم�ؤامرة عنا�صره �سواء تم تنفيذ النتيجة الإجرامية المتمثلة في الجريمة مو�ضوع الت�آمر �أم‬
‫ال دونما اعتبار للو�سيلة الم�ستعملة‪ ،1‬على اعتبار �أن لكل جريمة من الجريمتين ركنها المادي‬
‫الخا�ص بها‪ .‬ويترتب على هذا �أن العدول االختياري للمتفقين عن تنفيذ الجريمة المن�شودة‬
‫ال يحول دون العقاب على جريمة الم�ؤامرة‪ ،‬لأنه �أتى بعد تمام الإتفاق الذي ي�صح ركنا ماديا‬
‫في الم�ؤامرة‪ .‬فهذا العدول يبقى مجرد ندم وتوبة ال ي�ؤثر على قيام الجريمة من الناحية‬
‫القانونية‪ .2‬كما يترتب على ذلك عدم �إمكانية ت�صور المحاولة في �إطار جريمة الم�ؤامرة‪ ،‬على‬
‫اعتبار �أن المحاولة ت�ستتبع وجود �سابق اتفاق بين المت�آمرين‪ ،‬ومادام �أن الإتفاق موجود ف�إن‬
‫الم�ؤامرة تكون قائمة �سواء ارتكبت الجريمة �أو كانت هناك محاولة لإتيانها‪ .‬فالعبرة «باالتفاق»‬
‫ولي�س بتمام المخطط الإجرامي �أو بمحاولة �إتمامه‪ .‬وقد كان من الممكن ت�صور المحاولة في‬

‫‪ 11‬من خالل الف�صل ‪ 175‬من ق‪.‬ج املغربي ف�إنه يظهر جليا �أن امل�رشع املغربي مل ي�شرتط �أي و�سيلة معينة لتمام جرمية‬
‫امل�ؤامرة عك�س امل�رشع الأردين الذي ا�شرتط وب�رصيح العبارة �أن تتم هذه اجلرمية بو�سائل معينة فاالتفاق املكون‬
‫للم�ؤامرة يجب �أن ين�صب على الو�سيلة التي بها يحقق املت�آمرون اجلرمية حمل امل�ؤامرة‪ ،‬لذلك ف�إذا كانوا قد اتفقوا على‬
‫اجلرمية وحدها دون و�سيلة تنفيذها فال م�ؤامرة وهذا ما جاء �رصيحا بينا يف ن�ص املادة (‪ )108‬من قانون العقوبات‬
‫الأردين ب�أن ((امل�ؤامرة هي كل اتفاق مت بني �شخ�صني �أو �أكرث على �إرتكاب جرمية من اجلرائم املن�صو�ص عليها يف هذا‬
‫الباب بو�سائل معينة))‪.‬‬
‫فال يكفي �أن يتفق املت�آمرون على تعيني الغر�ض الذي ي�سعون �إىل حتقيقه �أو حتديد اجلرمية التي ينوون ارتكابها‪ ،‬و�إمنا‬
‫يجب الإتفاق على ر�سم اخلطط حتديد الو�سائل التي �سي�ستخدمونها يف تنفيذ جرميتهم التي ن�سجوا خيوط م�ؤامراتهم‬
‫حولها‪ ،‬لأنه بالو�سيلة تظهر مدى خطورة النتيجة‪ ،‬ف�إذا مل تبني الو�سيلة واخلطة املر�سومة ال ت�ؤدي �إىل �إحداث النتيجة‬
‫انتفى عن�رص من عنا�رص امل�ؤامرة وبالتايل انتفت اجلرمية والعقوبة‪.‬‬
‫‪ -‬نف�س املرجع‪� ،‬ص‪.35.‬‬
‫‪ 22‬رغم �أن امل�رشع املغربي كان مت�شددا جدا قي العقاب على هذا النوع من اجلرائم بحيث مل يفلت الب�ساط لأي من يقدم‬
‫على هذا النوع من الأفعال اخلطرية �إىل غاية �أنه مل يت�ساهل حتى مع من يعدل عن اتفاقه‪� ،‬أو فكرته الإجرامية يف هذه‬
‫اجلرمية‪� .‬إال �أن امل�رشع الأردين كان رحيما �أكرث �أو الأجدر القول �أنه كان ذكيا جدا يف التعامل مع هذا النوع من‬
‫املجرمني الذين يعدلون عن ا�شرتاكهم بهذه اجلرائم‪ ،‬بحيث ذهب امل�رشع الأردين �إىل �أنه يعفي من العقوبة من ا�شرتك‬
‫يف م�ؤامرة على �أمن الدولة و�أخرب ال�سلطة بها قبل البدء ب�أي فعل مهي�أ للتنفيذ‪.‬‬
‫وقد �أ�شارت هذه امل�س�ألة �أي العدول عن الإتفاق خالفا فقهيا‪ ،‬فقد ذهب بع�ض الفقهاء �إىل �أن جرمية امل�ؤامرة تتم مبجرد‬
‫ح�صول الإتفاق على الوجه الذي ثم �رشحه �آنفا‪ ،‬وال عربة بعد ذلك لعدول املت�آمرين حيث �أن العدول يعترب يف هذه‬
‫احلالة مبثابة الندم والتوبة الالحقني الرتكاب اجلرمية‪ ،‬وي�ؤيد ذلك ما هو من�صو�ص عليه يف الفقرة الأوىل من املادة‬
‫(‪ )109‬عقوبات‪ ،‬وعليه ف�إخبار ال�سلطات هو مبثابة عدول‪ ،‬ولو كان العدول بحد ذاته مينع العقاب ملا كان هناك ثمة‬
‫حاجة لوجود مثل ذلك الن�ص الذي يعفي من العقوبة مع بقاء اجلرمية قائمة هذا من جهة؛ �أما من جهة �أخرى ف�إن هناك‬
‫اجتاه فقهي �أخر هو ال�سائد يف فرن�سا يرى ب�أنه �إذا تبني �أن املت�آمرين عدلوا عن اتفاقهم عدوال قبل البدء بتنفيذ ما ت�أمروا‬
‫عليه‪ ،‬فال عقاب عليهم‪� ،‬رشيطة �أن يكون العدول طوعيا وتلقائيا‪ ،‬ولي�س بدافع �إىل ظرف خارج عن �إرادة املت�آمرين �أما‬
‫�إذا كانوا قد عدلوا لأن �أمرهم �أو�شك �أن يك�شف �أو لأن ال�سلطة وتبقى بعد ذلك �سلطة قا�ضي املو�ضوع التقديرية يف وزن‬
‫خطورة املت�آمر الذي عدل تلقائيا عن امل�ؤامرة‪� ،‬أورده �أحمد حممد الرفاعي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 31.‬و‪.32‬‬
‫‪21‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الم�ؤامرة لو �أن ركنها المادي يتكون من ن�شاط مادي خارجي قابل للتنفيذ جزئيا ويرجع هذا‬
‫بطبيعة الحال �إلى طريقة التجريم في الم�ؤامرة التي هي عبارة عن تجريم احتياطي ا�ستثناءا‬
‫من القاعد العامة‪.1‬‬
‫ب ‪ -‬الركن المعنوي لجريمة الم�ؤامرة‬
‫الم�ؤامرة جريمة عمدية ال تقوم قانونا �إال �إذا توافر الق�صد الجنائي لدى الفاعل من خالل‬
‫علمه التام بطبيعة الإتفاق الذي يعقده مع ال�شخ�ص الآخر‪ ،‬و�أن يكون مريدا له عازما على‬
‫الم�ضيء فيه‪ ،‬وهذا هو الق�صد العام غير �أن الق�صد ال يكفي‪2‬؛ و�إنما ال بد من توافر الق�صد‬
‫الخا�ص‪3‬؛ ومعناه �أن تكون لدى الفاعل �أو المت�آمرين عند تقرير الإتفاق نية �إجرامية‪ ،‬تفيد‬
‫عزمهم على �إرتكاب جريمة معينة من الجرائم التي جعل القانون الإتفاق عليها م�ؤامرة‪.4‬‬

‫‪ 11‬امل�ؤامرة ذات طبيعة احتياطية مبعنى �أن القاعدة اجلنائية التي جترم امل�ؤامرة ذات طبيعة احتياطية‪ ،‬بالنظر �إىل القاعدة‬
‫التي جترم اجلرمية حمل امل�ؤامرة‪ ،‬فامل�ؤامرة و�سيلة لغاية هي اجلرمية �أو اجلرائم‪ ،‬وبناء عليه‪ ،‬فالعالقة بني هاتني‬
‫القاعدتني اجلنائيتني بحكمهما مبد�أ «االحتياطية»‪ ،‬وم�ؤداه �أن «الن�ص الأ�صلي يغني عن الن�ص االحتياطي»‪ ،‬ومادام �أن‬
‫امل�ؤامرة ذات طبيعة و�سيلة‪ ،‬ف�إن م�ؤدى ذلك �أنه �إذا حتققت اجلرمية الهدف خ�ضع املت�آمرون للعقوبة املقررة لها‪ ،‬دون‬
‫العقوبة املقررة للم�ؤامرة‪ ،‬لأن اجلرميتني ت�سل�سل الغاية الو�سيلة‪� ،‬أورده عبد الفتاح م�صطفى ال�صيفي‪« ،‬قانون العقوبات‬
‫العربية»‪ ،‬بريوت‪� ،‬سنة ‪� ،1972‬ص‪.129.‬‬
‫‪ 22‬ففيما يتعلق بالق�صد العام ف�إنه يتعني �أن ين�رصف علم اجلاين �إىل مو�ضوع امل�ؤامرة‪ ،‬ب�أن يكون عاملا ب�أن الغر�ض من‬
‫الإتفاق �إرتكاب فعل مي�س ب�أمن الدولة‪ ،‬دون ا�شرتاط علمه بال�صفة اجلرمية للفعل وقد ذهب يف هذا االجتاه كذلك كل‬
‫من الت�رشيع اللبناين وكذلك الأردين بدعوى املبد�أ القائل‪(( :‬ال يعذر املرء بجهله القانون))‪.‬‬
‫‪  33‬وهو ما يتعني معه �أن تتجه �إرادة اجلاين ب�صورة جدية �إىل الدخول يف الإتفاق املكون للم�ؤامرة‪ ،‬و�أن يقوم بالدور‬
‫املعطى له‪.‬‬
‫‪ 44‬عبد ال�سالم بنحدو‪« ،‬حما�رضات يف القانون اجلنائي اخلا�ص»‪ ،‬ال�سنة اجلامعية ‪� ،2013- 2012‬ص‪.17.‬‬
‫وهذا االجتاه هو الذي ذهب معه الدكتور حومد بقوله‪(( :‬الق�صد اجلنائي يف امل�ؤامرة عمد خا�ص فال يكفي �إذن حتقيق‬
‫الق�صد العام حيث �أن الغر�ض الذي يرمي الفاعل �إىل حتقيقه من جرميته‪ ،‬فيجب �أن يعلم اجلاين ب�أنه ق�صد قلب احلكومة‬
‫�أو تغيري النظام))‪ ،‬وهو ما ذهب �إليه كذلك الدكتور اخلملي�شي الذي ا�شرتط �أي�ضا يف نف�س ال�سياق �أن يتوافر الق�صد‬
‫اجلنائي اخلا�ص �إىل جانب الق�صد اجلنائي العام؛ بحيث �رشح الدكتور اخلملي�شي فكرته بقوله‪(( :‬ومعنى الق�صد اخلا�ص‬
‫يف جرمية امل�ؤامرة �أن تكون لأع�ضائها عند تقرير الإتفاق نية �إجرامية وق�صد �إىل �إرتكاب جرمية التي �سمي للقانون‬
‫الإتفاق عليها م�ؤامرة‪ ....‬ال يكفي �أن يكون مو�ضوع الإتفاق �إرتكاب جرمية كيفما كان نوعها‪ ،‬ولو ثبت لدى املتفقني‬
‫نية �إجرامية لتنفيذ اجلرمية))‪� .‬أورده �أحمد اخلملي�شي‪« ،‬القانون اجلنائي اخلا�ص»‪ ،‬اجلزء الأول‪ ،‬مكتبة املعارف‪-‬‬
‫الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ال�سنة ‪� ،1981‬ص‪.37.‬‬
‫ورغم منا�رصي هذا الدفع �إال �أن هناك اجتاه ثاين من الفقه يرى �أن حتديد نطاق الق�صد اجلنائي اخلا�ص ي�شوبه بع�ض‬
‫الغمو�ض‪ ،‬حيث ما يعترب ق�صدا جنائيا خا�صا هو يف احلقيقة ق�صد جنائي عام‪ ،‬على اعتبار �أن هذا الأخري ال ميكن �أن‬
‫يقوم يف �أي جرمية كانت ما مل تتجه �إرادة اجلاين �إىل اقرتاف اجلرمية بالعنا�رص التي ا�شرتطها امل�رشع يف الن�ص اجلنائي‬
‫املجرم الف�صل �أو الرتك‪� .‬أورده الدكتور حومد يراد به الباعث الذي دفع اجلاين �إىل �إرتكاب جنايته‪ ،‬وهو �أمر داخلي‬
‫نف�سي يختلف من �شخ�ص لأخر‪ ،‬بحيث �أن الن�صو�ص املجرمة للم�ؤامرة مل متتد �أبدا بالباعث الدافع �إىل الإعتداء على حياة‬
‫امللك �أو �شخ�ص‪ ،‬هل هو مثال الرغبة يف قلب نظام احلكم �أو االنتقام منه فقط‪� .‬إذ يف �ضوئها �إذا وقع الإتفاق امل�صمم عليه‬
‫واملقررين �شخ�صني ف�أكرث على الإعتداء قامت امل�ؤامرة‪.‬‬
‫للمزيد بهذا ال�صدد �أنظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬الق�سم اخلا�ص‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 31.‬وما يليها‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪22‬‬

‫وعليه تكون جريمة الم�ؤامرة ثابتة �إذا اتجهت نية الجاني �إلى �إرتكاب الأفعال التي تدخل‬
‫في حكم هذه الجريمة‪� ، ‬أي ال بد من �إدراك المت�آمرين ب�أنهم يق�صدون �إرتكاب �إحدى الجرائم‬
‫المن�صو�ص عليها ح�صرا في الف�صول ‪ 172‬و‪ 174‬و‪ 201‬من القانون الجنائي‪ ،‬اعتبارا لكون‬
‫هذه الجريمة هي جرائم الم�ؤامرة‪� .‬أما �إذا اتجهت نيتهم نحو �إرتكاب جريمة �أخرى جرائم‬
‫تواط�ؤ الموظفين وجرائم تكوين الع�صابات الإجرامية‪ ...‬ف�إن اتفاقهم في هذه الحالة ال يعتبر‬
‫م�ؤامرة‪ ،‬و�إن كانت هذه الجرائم تم�س ب�أمن الدولة الداخلي رغم �أن ركنها المادي يتكون‬
‫من االتفاق‪ ،‬طالما �أن الق�صد الجنائي غير متوفر‪� ،‬أي لو ين�صرف �إلى اقتراف الجرائم‬
‫المح�صورة من قبل الم�شرع الجنائي‪ .‬ولي�س �شرف الباعث �أو نبل الدافع من عنا�صر الق�صد‬
‫الإجرامي‪ ،‬ولذلك فال �أثر له على قيام الق�صد‪ .‬فمن ان�ضم �إلى اتفاق عالما ب�أن غر�ضه القيام‬
‫بعمل يم�س ب�أمن البالد‪ ،‬توافر الق�صد الإجرامي لديه حتى ولو كان دافعه �إلى هذا االن�ضمام‬
‫تحقيق �إ�صالحات �سيا�سية �أو ن�شر �أفكار حزبية �أو مذهبية ي�ؤمن بها‪ .‬فالعبرة هنا بان�صراف‬
‫الإرادة �إلى الدخول في الم�ؤامرة التي ت�ستهدف �إرتكاب جناية على �أمن الدولة ولي�س من‬
‫‪1‬‬
‫الغر�ض الذي �ستحققه هذه الجناية لو نجحت‪.‬‬
‫ومن نافلة القول �أن الم�ؤامرة من الجرائم المق�صودة‪ ،‬التي يتخذ ركنها المعنوي �صورة‬
‫الق�صد الجنائي؛ بحيث يتالزم الركنان المادي والمعنوي لهذه الجريمة‪ ،‬لأنها تتم في لحظة‬
‫واحدة‪ ،‬بمعنى �أن تحقق الإتفاق باتحاد �إرادات المتفقين باتجاه الجناية مو�ضوع الإتفاق يتحقق‬
‫معه الركن المادي‪ ،2‬الذي بتحققه كذلك يقوم معه الق�صد الجرمي �أو الجنائي بتوافر وجود‬
‫�إرادي المتفقين المتجهة نحو هذه الجناية‪ ،‬وهو ما ي�شكل الركن المعنوي في هذه الجريمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عقاب جريمة الم�ؤامرة والظروف الم�ؤثرة‬
‫�إذا توافرت جميع �أركان جريمة الم�ؤامرة بال�شكل الذي ر�أيناه ف�إن الم�س�ؤولية الجنائية‬
‫�ستتحقق في حق من �إرتكابها �سواء كان فاعال �أو م�ساهما‪� ،‬أو م�شاركا ومن ثم ف�إن هذه‬
‫الم�س�ؤولية �ستترتب عليها مجموعة من الآثار �أبرزها ما يقت�ضي اقت�ضاء حق الدولة في العقاب‪.‬‬
‫�إال �أن هذا الأخير يختلف باختالف المو�ضوع الذي ي�ستهدفه المت�آمرون من جهة وما �إذا كان‬
‫الت�آمر م�صحوبا بظروف الت�شديد من جهة �أخرى‪.3‬‬

‫‪� 11‬سمري عالية‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 89.‬وما يليها‪ .‬حممد التغدويني‪�« ،‬إ�شكالية التجرمي يف الت�رشيع اجلنائي املغربي»‪،‬‬
‫الطبعة‪� ،2005.2‬ص‪103.‬‬
‫‪ 22‬كما �سبقت الإ�شارة �إليه‪.‬‬
‫‪ 33‬وعلى هذا املنوال ذهب امل�رشع اللبناين كذلك بحيث مل ي�ضع عقوبة خا�صة بامل�ؤامرة على حدة‪ ،‬كون امل�ؤامرة يف الأ�سا�س‬
‫مرتبطة بغر�ضها وهو ا�ستهدف جناية من جنايات �أمن الدولة‪ ،‬بحيث �أن هذه اجلنايات لي�ست موحدة يف عقوباتها‪ ،‬على‬
‫اعتبار �أن عقوبة كل م�ؤامرة تتغري بتغري اجلناية التي ت�ستهدفها وهذا ما �سيك�شف عنه بتف�صيل الحقا فيما يتعلق بالقانون‬
‫‪23‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أ ‪ -‬الظروف الم�شددة‪:‬‬


‫�إذا تبع الت�آمر بعمل تح�ضيري من �أجل �إعداد تنفيذ الهدف من الجريمة ف�إن‪:‬‬
‫العقوبة ترفع �إلى ال�سجن الم�ؤبد �إذا كانت الم�ؤامرة �ضد حياة الملك �أو �شخ�صه (الف�صل‬ ‫✺‬

‫‪ 1/172‬من ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫العقوبة ترفع �إلى ال�سجن الم�ؤبد في حالة الت�أمر �ضد حياة ولي العهد (الف�صل ‪1-173‬‬ ‫✺‬

‫من ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫تكون العقوبة ال�سجن الم�ؤقت من ‪� 10‬سنوات �إلى ‪� 20‬سنة �إذا كانت الم�ؤامرة �ضد �شخ�ص‬ ‫✺‬

‫ولي العهد (الف�صل ‪ 3/173‬من ق‪.‬ج)‪.‬‬


‫تتراوح العقوبة من ‪� 10‬سنوات �إلى ‪� 30‬سنة �إذا كان الغر�ض من الم�ؤامرة تحقيق لإحدى‬ ‫✺‬

‫الغايات المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 169‬من ق‪.‬ج والم�شار �إليها في الف�صل (‪)1/174‬‬
‫من ق‪.‬ج‪.‬‬
‫ت�صبح العقوبة ال�سجن من ‪� 5‬سنوات �إلى ‪� 20‬سنة �إذا كان الغر�ض من الم�ؤامرة الو�صول‬ ‫✺‬

‫�إلى �أحد الأهداف الم�سطرة في الف�صل (‪ )2/201‬من ق‪.‬ج‪.‬‬


‫وتجدر الإ�شارة �أنه �إذا تبع الت�آمر بعمل يعد م�شروعا في تنفيذ الهدف المق�صود ف�إننا نكون‬
‫حينئذ �أمام جريمة خا�صة اعتبرها الم�شرع المغربي ا�شد من الم�ؤامرة من حيث الخطورة‬
‫والعقاب هي جريمة «االعتداء» التي �ستعر�ضها م�ستقبال‪.‬‬

‫املغربي كما �سيتم بيانه �أعاله‪ ،‬ولكن قبل ذلك �سن�ستعر�ض جملة من العقوبات التي خ�ص بها الت�رشيع اللبناين امل�ؤامرة‬
‫بحيث �أن هذا الأخري مل ي�ستفرد مب�صطلح امل�ؤامرة على اجلنايات املا�سة �أو التي ت�ستهدف �أمن الدولة الداخلي فقط و�إمنا‬
‫جعلها يف زمرة اجلنايات التي ت�ستهدف �أمن الدولة اخلارجي كما �سرنى‪.‬‬
‫‪ -‬فعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل اخليانة بحمل ال�سالح يف �صفوف العدو �أو معاونته على فوز قواته مثال هي الإعدام (م‬
‫‪ 273‬و‪ 275‬عقوبات)‪.‬‬
‫‪ -‬وعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل التج�س�س من قبل موظف م�ؤمتن على الأ�رسار مل�صلحة دولة �أجنبية هي الأ�شغال ال�شاقة‬
‫امل�ؤيدة (م‪.)3/283‬‬
‫‪ -‬وعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل جناية مت�س بالقانون الدويل هي احلب�س �سنة على الأقل (م‪.)2/289‬‬
‫‪ -‬وعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل �إ�ضعاف ال�شعور القومي‪� ،‬أو �إثارة الثغرات يف زمن احلرب �أو توقع ن�شوبها هي االعتقال‬
‫امل�ؤقت (م‪.)295‬‬
‫‪ -‬وعقوبة امل�ؤامرة الرامية �إىل اقرتاف �إحدى جرائم املتعهدين يف زمن احلرب �أو توقع ن�شوبها هي االعتقال امل�ؤقت‬
‫والغرامة (‪.)2/299‬‬
‫هذا فيما يتعلق ببع�ض الأمثلة التي تطال بع�ض جنايات �أمن الدولة اخلارجي‪� .‬أما فيما يخ�ص امل�ؤامرة التي ت�ستهدف‬
‫البع�ض الأخر من جنايات �أمن الدولة الداخلي‪ ،‬فنجد �أمثلة على العقوبات التالية‪:‬‬
‫‪� -‬إن عقوبة امل�ؤامرة التي ت�ستهدف تغيري د�ستور الدولة بالعنف �أو �سلخ جزء من لبنات هي الأبعاد �أو الإقامة اجلربية‬
‫(م ‪ 340‬عقوبات)‪.‬‬
‫‪� -‬إن عقوبة امل�ؤامرة يف الفتنة �أو الإرهاب هي الأ�شغال ال�شاقة امل�ؤبدة (املادة ‪ 7‬من قانون ‪ 1958-1-11‬الذي علق‬
‫ب�صورة م�ؤقتة �أحكام املواد ‪ 315-308‬عقوبات)‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪24‬‬

‫ب ‪ -‬الظروف المخففة من العقاب‪:‬‬


‫رغم خطورة هذه الجريمة �أال وهي جريمة الم�ؤامرة وت�شدد الم�شرع في العقاب عليها‬
‫حر�صا منه على كبح جماح هذه الجريمة قبل حتى �أن ت�أخذ فر�صة تنفيذها بل كان محتاطا‬
‫منها و�سباقا بذلك في العقاب ب�شدة وزجر وبكل ماله من ردع في مجرد القيام بعمل �أو البدء‬
‫فيه من �أجل �إعداد تنفيذها كما �سبق التف�صيل فيه؛ ولكن الم�شرع كان حكيما �شيئا ما في‬
‫تعامله مع من لم يترجع نيته الإجرامية في �أر�ض الواقع بعمل بمجر البدء فيه من �أجل �إعداد‬
‫تنفيذها بتقلي�ص العقاب نوعا ما ر�أفة بمن انزلق في هذا المنحى الإجرامي البالغ الخطورة‬
‫دون �أن يقدم على تنفيذه لت�شجيع الجناة من �أجل العدول عن البدء في التنفيذ �أو الإعداد‬
‫لتنفيذ هذا النوع من الجنايات وهو ما يمكن تعداده في خم�س �صور �أ�سا�سية‪:‬‬
‫ال�صورة الأولى‪ :‬وهي الحالة التي يكون فيها هذا الإتفاق م�ستهدفا الت�أمر �ضد حياة‬ ‫●‬

‫الملك �أو �شخ�صه دون �أن يتبعها عمل �أو البدء في عمل من �أجل �إعداد تنفيذها‪ ،‬ف�إن العقبة في‬
‫هذه الحالة تبقى هي ال�سجن من خم�س �إلى ع�شرين �سنة عو�ض ال�سجن الم�ؤبد‪.1‬‬
‫ال�صورة الثانية‪ :‬هي الحالة التي يكون فيما الإتفاق م�ستهدفا الت�أمر �ضد حياة ولي العهد‬ ‫●‬

‫�أو �شخ�صه؛ ففي الحالة الأولى بمعنى �أنه �إذا كان الإتفاق ي�ستهدف حياته ولم يتبعه عمل �أو‬
‫البدء فيه من �أجل �إعداد تنفيذ الجريمة ف�إن العقوبة ت�صبح من خم�س �إلى ع�شر �سنوات بدل‬
‫ال�سجن الم�ؤبد‪2‬؛ �أما في الحالة وهي الحالة التي ت�ستهدف �شخ�ص ولي العهد دون حياته ولم‬
‫ي�ستتبعها عمل �أو البدء فيه من �أجل �إعداد تنفيذها فهنا العقوبة كذلك تخف�ض من ع�شر �إلى‬
‫ع�شرين �سنة �إلى ال�سجن من خم�س �إلى ع�شر �سنوات‪.3‬‬
‫ال�صورة الثالثة‪ :‬هي الحالة التي يكون فيها الغر�ض من الإتفاق الو�صول �إلى الأهداف‬ ‫●‬

‫الم�سطرة في الف�صل ‪ 169‬من ق‪.‬ج‪ ،4‬والتي ا�ستفادت كذلك من التخفيف الذي طال هذا النوع‬
‫‪ 11‬الف�صل ‪ 172‬من ق‪.‬ج جاء فيه �أن‪(( :‬امل�ؤامرة �ضد حياة امللك �أو �شخ�صه يعاقب عليها بال�سجن امل�ؤبد‪� ،‬إذا تبعها القيام بعمل‬
‫�أو البدء فيه من �أجل �إعداد تنفيذها‪.‬‬
‫ف�إذا مل يتبعها عمل �أو بدء يف عمل من �أجل �إعداد تنفيذها‪ ،‬ف�إن العقوبة هي ال�سجن من خم�س �إىل ع�رشين �سنة))‪.‬‬
‫‪ 22‬بحيث �أن امل�ؤامرة �ضد حياة ويل العهد يعاقب عليها مبقت�ضى الف�صل ‪ 172‬من ق‪.‬ج وذلك ح�سب ما جاء يف الفقرة الأوىل‬
‫من مقت�ضيات الف�صل ‪ 173‬من ذات القانون‪.‬‬
‫‪ 33‬الف�صل ‪ 173‬من ق‪.‬ج جاء فيه �أن‪(( :‬امل�ؤامرة �ضد حياة ويل العهد يعاقب عليها مبقت�ضى الف�صل ال�سابق‪.‬‬
‫وامل�ؤامرة �ضد �شخ�ص ويل العهد يعاقب عليها بال�سجن من ع�رش �إىل ع�رشين �سنة‪� ،‬إذا تبعها القيام بعمل �أو البدء فيه من‬
‫�أجل �إعداد تنفيذها‪.‬‬
‫ف�إذا مل يتبعها عمل �أو بدء يف عمل من �أجل �إعداد تنفيذها ف�إن العقوبة هي ال�سجن من خم�س �إىل ع�رش �سنوات))‪.‬‬
‫‪ 44‬الف�صل ‪ 169‬من ق‪.‬ج جاء فيه‪(( :‬االعتداء الذي يكون الغر�ض منه �إما الق�ضاء على النظام �أو �إقامة نظام �آخر مكانه �أو‬
‫تغيري الرتتيب لوراثة العر�ش‪ ،‬و�إما دفع النا�س �إىل حمل ال�سالح �ضد �سلطة امللك يعاقب عليه بال�سجن امل�ؤبد))‪.‬‬
‫وبالتايل يت�ضح من خالل هذا الن�ص �أن الغايات التي ي�ستهدف الف�صل ردع كل من يتطاول عليها هي ثالثة‪:‬‬
‫‪ -‬الق�ضاء على النظام �أو �إقامة نظام �آخر حمله‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫من الجنايات لتخف�ض فيها كذلك العقوبة �إلى ال�سجن من خم�س �إلى ع�شر �سنوات بدل ال�سجن‬
‫من ع�شر �إلى ثالثين �سنة �إذا لم يتبعها القيام بعمل �أو البدء فيه من �أجل تحقيق هذه الجريمة‪.1‬‬
‫ال�صورة الرابعة‪ :‬وهذه الحالة هي الحالة التي يكون الغر�ض فيها من الإتفاق �إثارة حرب‬ ‫●‬

‫�أهلية �أو �إحداث التخريب والتقتيل والنهب الذي لم يتبعه‪� ،‬إرتكاب عمل وال ال�شروع فيه لإعداد‬
‫التنفيذ في هذه الجرائم؛ لت�صبح العقوبة في هذه الحالة مجرد جنحة يعاقب عليها من �سنة‬
‫�إلى خم�س �سنوات وهذا ما �أكده الف�صل ‪ 201‬من ق‪.‬ج في فقرة الثالثة‪.2‬‬
‫ال�صورة الخام�سة‪ :‬وهي �صورة الدعوة �إلى الم�ؤامرة والتي لم يتم قبولها وهنا قبل‬ ‫●‬

‫الخو�ض في ثناياها وجب التمييز بين ما �إذا كان الهدف من الم�ؤامرة التي لم تقبل �إرتكاب‬
‫الجريمة المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 176‬ق‪.‬ج �أي جريمة الت�آمر �ضد حياة �أو �شخ�ص الملك‬
‫�أو ولي عهده التي يعاقب عليها بعقوبة الجناية المحددة بموجب هذا الف�صل في ال�سجن من‬
‫‪5‬الى‪� 10‬سنوات‪.3‬‬
‫وبين ما �إذا كان الهدف من الدعوة �إلى الت�آمر التي لم تقبل‪� ،‬إرتكاب �إحدى الجرائم‬
‫المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 169‬ق‪.‬ج والتي �أحال عليها الف�صل ‪ 177‬من ق‪.‬ج‪ 4‬وهي الإعتداء‬
‫الذي يكون الغر�ض منه الق�ضاء على النظام �أو �إقامة نظام �آخر مكانه �أو تغيير الترتيب لوراثة‬
‫العر�ش �أو دفع النا�س �إلى حمل ال�سالح �ضد �سلطة الملك‪.‬‬
‫ففي هاته الحالة يعاقب على الت�آمر بعقوبة الجنحة الت�أديبية المتراوحة مدتها ما بين‬
‫�سنتين �إلى خم�س �سنوات‪ .‬كذلك ال بد من التمييز بين الحالتين ال�سابقتين وبين ما �إذا كان‬
‫الهدف من الدعوة التي لم يتم قبولها �إرتكاب �إحدى الأفعال الواردة في الف�صل ‪ 201‬من‬
‫القانون الجنائي �إحداث حرب �أهلية‪� ،‬أو �إحداث التقتيل والتخريب والنهب‪ .‬وهنا نزل الم�شرع‬
‫بالعقوبة �إلى �ستة �أ�شهر كحد ادني وثالث �سنوات كحد �أق�صى باعتبارها جنحة �ضبطية وقد‬
‫ن�صت على هذه العقوبة الفقرة الرابعة من الف�صل ‪ 201‬من ت�شريعنا الجنائية‪.‬‬

‫‪ -‬تغيري الرتتيب لوراثة العر�ش‪.‬‬


‫‪ -‬دفع النا�س �إىل حمل ال�سالح �ضد �سلطة امللك‪.‬‬
‫‪ 11‬لقد جاء يف الف�صل ‪ 174‬من ق‪.‬ج �أن‪(( :‬امل�ؤامرة التي يكون الغر�ض منها الو�صول �إىل �إحدى الغايات املن�صو�ص عليها‬
‫يف الف�صل ‪ 169‬يعاقب عليها بال�سجن من ع�رش �إىل ثالثني �سنة‪� ،‬إذا تبعها القيام بعمل �أو البدء فيه من �أجل �إعداد تنفيذها‪.‬‬
‫ف�إذا مل يتبعها القيام بعمل �أو البدء فيه من �أجل �إعداد تنفيذها‪ ،‬ف�إن العقوبة هي ال�سجن من خم�س �إىل ع�رش �سنوات))‪.‬‬
‫‪ 22‬ين�ص الف�صل ‪ 201‬من ق‪.‬ج يف فقرته الثالثة على �أن‪�(( :‬أما �إذا مل يتبع تدبري امل�ؤامرة �إرتكاب عمل وال ال�رشوع فيه‬
‫لإعداد التنفيذ‪ ،‬ف�إن العقوبة تكون احلب�س من �سنة �إىل خم�س �سنوات))‪.‬‬
‫‪ 33‬لقد جاء يف الف�صل ‪ 176‬من ق‪.‬ج انه‪(( :‬من دعا �إىل الت�آمر �ضد حياة �أو �شخ�ص امللك �أو ويل العهد‪ ،‬ومل تقبل دعوته‪،‬‬
‫يعاقب بال�سجن من خم�س �إىل ع�رش �سنوات))‪.‬‬
‫‪ 44‬جاء يف الف�صل ‪ 177‬من ق‪.‬ج انه‪�(( :‬إذا كان مو�ضوع الدعوة التي مل تقبل هو م�ؤامرة تهدف �إىل �إحدى الغايات امل�شار‬
‫�إليها يف الف�صل ‪ ،169‬ف�إن عقابها احلب�س من �سنتني �إىل خم�س �سنوات))‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪26‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬جريمة االعتداء‬


‫جريمة الإعتداء هي من الجرائم التي تنال باالعتداء �أو تهدد بالخطر الحقوق المختلفة‪،1‬‬
‫ف�إذا كانت تلك الحقوق ذات قيمة اقت�صادية ف�إننا نكون ب�صدد جرائم الإعتداء على الأموال‪،‬‬
‫�أما �إذا كانت تلك الحقوق المعتدى عليها ل�صيقة ب�شخ�ص المجني عليه‪� ،‬أي معتبرة من‬
‫المقومات الأ�سا�سية ل�شخ�صيته وخارجة عن دائرة التعامل مثل الحق في الحياة �أو الحق في‬
‫�سالمة الج�سم �أو الحق في الحرية‪ ،‬ف�إنها تعتبر اعتداء على الأ�شخا�ص‪ ،‬وقد يكون الإعتداء‬
‫على ال�شرف �أو العر�ض‪� ،‬أما الحق الواجب �صيانته وما ورد الن�ص عليه في مجموعة القانون‬
‫الجنائي في الف�صول من ‪� 163‬إلى ‪ 170‬وكذلك من ‪� 201‬إلى ‪ 204‬فهو حق الدولة في عدم‬
‫الإعتداء على �أمنها مهما تعددت �صور هذا االعتداء‪.2‬‬
‫ورغم �أن الم�شرع المغربي لم يعرف االعتداء‪ ،‬كما عرف الم�ؤامرة من خالل الف�صل ‪175‬‬
‫من ق‪.‬ج‪� ،3‬إال �أنه با�ستقراء الف�صول المذكورة �أعاله‪ ،‬يمكن ا�ستنباط الركن القانوني لجريمة‬
‫الإعتداء والذي يتمثل في افترا�ض قيام م�صلحة �أو حق يحميه القانون الجنائي من �أي م�سا�س‬
‫‪ 11‬ف�إذا كانت اجلرائم جميعها م�رضة بامل�صلحة العامة �إال �أن منها ما يكون �رضره واقعا على فرد معيني‪ ،‬بحيث يكون‬
‫ال�رضر اخلا�ص فيه �أطهر مثل الإعتداء على حياة �شخ�ص (جرمية قتل)‪ .‬ومنها ما يكون �إ�رضاره بامل�صلحة العامة �أظهر‬
‫من �إ�رضاره بفرد �أو �أفراد معينيني ومن ذلك الإعتداء على �أمن الدولة وقد كان الإعتداء (‪ ،)attentat‬وال�رشوع‬
‫(‪ )Tentative‬ي�ستعمالن قبل الثورة الفرن�سية التعبري عن معنى واحد‪� ،‬أما بعد الثورة الفرن�سية فقد ظهرت نظرية‬
‫ال�رشوع وانف�صل اال�صطالحات‪ ،‬وهذا ما �أخذ به امل�رشع املغربي من خالل الف�صل ‪ 114‬من ق‪.‬ج بحث جاء فيه �أن‪:‬‬
‫((كل حماولة �إرتكاب جناية بدت بال�رشوع يف تنفيذها �أو ب�أعمال ال لب�س فيها‪ ،‬تهدف مبا�رشة �إىل ارتكابها‪� ،‬إذا مل يوقف‬
‫تنفيذها �أو مل يح�صل الأثر املتوخى منها �إال لظروف خارجة عن �إرادة مرتكبها‪ ،‬تعترب كاجلناية التامة ويعاقب عليها‬
‫بهذه ال�صفة))‪.‬‬
‫ووفق هذا التوجه ذهب عدد من الت�رشيعات تذكر منها على �سبيل املثال ال احل�رص الت�رشيع الأردين‪ ،‬حيث ن�ص من‬
‫خالل املادة ‪ 68‬من قانون العقوبات على ال�رشوع وعرفه من خالل هذه املادة ب�أنه هو البدء يف تنفيذ فعل من الأفعال‬
‫الظاهرة امل�ؤدية �إىل �إرتكاب جناية �أو جنحة‪.‬‬
‫‪  22‬بحيث جرم امل�رشع اجلنائي املغربي جرمية الإعتداء يف الن�صو�ص التالية وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الإعتداء على حياة امللك �أو �شخ�صه (الف�صل ‪ 163‬و‪.)164‬‬
‫‪ - 2‬الإعتداء على حياة ويل العهد �أو �شخ�صه (الف�صل ‪ 165‬و‪.)166‬‬
‫‪ - 3‬الإعتداء على حياة �أحد �أع�ضاء الأ�رسة املالكة و�أ�شخا�صهم (الف�صل ‪.)167‬‬
‫‪ - 4‬الإعتداء الذي يكون مو�ضوعه �إحدى الأغرا�ض املن�صو�ص عليها يف للف�صل ‪ 169‬من ق‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ - 5‬الإعتداء الذي يكون مو�ضوعه الأهداف املن�صو�ص عليها يف الف�صل ‪ 201‬من ق‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ 33‬كما �أن امل�رشع اللبناين كذلك مل يعرف املق�صود باالعتداء على �أمن الدولة‪ ،‬مما جعل الغمو�ض يكتنف هذا امل�صطلح‪ ،‬لكن‬
‫بالتدقيق يف عبارة الن�ص‪ ،‬القائلة �أنه ((يتم الإعتداء على �أمن الدولة‪� ،‬سواء كان الفعل امل�ؤلف للجرمية تاما �أو ناق�صا �أو‬
‫يف طور املحاولة)) طبقا ملقت�ضيات املادة ‪ 271‬من قانون العقوبات اللبناين ومن هنا ميكن القول �أن امل�رشع جعل نطاق‬
‫الإعتداء �شامال جلميع جرائم �أمن الدولة ‪-‬على عك�س ما انتهجه ب�ش�أن امل�ؤامرة التي اخت�صها باجلنايات‪ -‬كما جعل جمال‬
‫ترميه يبد�أ من املحاولة الناق�صة على �أن يعاقب الإعتداء ك�أنه تام‪ .‬وكذلك الت�رشيع الأردين و�إن كان كنظريه املغربي‬
‫واللبناين مل ي�ضع تعريفا لالعتداء كما خ�صه به امل�ؤامرة‪ ،‬ف�إنه كالت�رشيع اللبناين اعترب �أن الإعتداء ي�شمل العديد من‬
‫الأفعال التي مل يحددها امل�رشع ومل ي�ضع لها تعريفا ون�ص عليها يف املادة ‪ 108‬من قانون العقوبات الأردين ب�أنه يعترب‬
‫الإعتداء على �أمن الدولة تاما �سواء �أكان الفعل امل�ؤلف للجرمية تاما �أو ناق�صا �أو م�رشوعا فيه‪ .‬ومنها يطرح الت�سا�ؤل‬
‫عن التوجه الذي خا�ضه امل�رشع املغربي يف هذا النطاق؟ وهذا ما �سنتناوله بكل تف�صيل يف مثن هذا املو�ضوع �أعاله‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫به‪ ،‬بالنظر لما تن�ص عليه هذه الف�صول‪ .‬هذه الأخيرة ت�شددت في م�ؤاخذة الجاني المرتكب‬
‫لجريمة من جرائم االعتداء‪ .‬وهذا راجع �إلى حجم الم�صلحة التي تقت�ضي قدرا كبيرا من‬
‫الحماية الجنائية‪ .‬كما �أن حجم هاته الم�صلحة هو ما يبرر و�صف جريمة الإعتداء بهذا الو�صف‬
‫«اعتداء»‪ ،‬ب�شكل ح�صري ودون �أن ي�شمل باقي الجرائم‪ .‬وذلك �أن �أي فعل يرتكب �ضد �إرادة‬
‫القانون؛ ال يطلق عليه الم�شرع و�صف االعتداء‪ ،‬تمييزا لهذا الفعل عن جريمة الإعتداء التي‬
‫ين�صب عليها حديثنا‪ ،‬على �إعتبار �أن هذه الجريمة تتطلب قدرا كبيرا من الحماية الجنائية‪.‬‬
‫وعلى هذا الأ�سا�س �سنتناول هذه الجريمة بكل تف�صيل من خالل �شقين �شق �سيكون‬
‫الأ�سا�س في قيامها من خالل التطرق �إلى �أركانها‪ ،‬ثم �سنعتمد في ال�شق الثاني على بيان‬
‫عقوبتها وظروفها الم�شددة والمخففة كالتالي‪:‬‬
‫�أوال ‪� -‬أركان جريمة االعتداء‬
‫تقدم الكالم على بيان جريمة الإعتداء على �أمن الدولة ولو ب�شكل تقريبي‪ ،‬ليظهر من‬
‫خالله �أن الم�شرع المغربي و�إن كان قد �سكت عن تعريفها �إال �أنه �صار على منوال باقي‬
‫الت�شريعات في التن�صي�ص عنها من خالل الف�صل ‪ 170‬من القانون الجنائي ب�أنها تتحقق‬
‫بمجرد وجود محاولة معاقب عليها‪ .‬وعليه فاالعتداء على �أمن الدولة يتوافر عندما يبد�أ‬
‫الفاعل بالفعل المف�ضي مبا�شرة �إلى التنفيذ‪ ،‬والعلم ب�أركان المعاولة التي ت�صلح لقيام‬
‫الإعتداء على �أمن الدولة‪ ،‬العودة �إلى �شروط المحاولة في الق�سم العام‪ ،1‬والت ـ ــي عل ـ ــى‬
‫‪ 11‬لقد تعر�ض امل�رشع للمحاولة يف الباب الثاين من اجلزء الأول من الكتاب الثاين من املجموعة اجلنائية حتت عنوان (يف‬
‫املحاولة) وخ�صها ب�أربعة ف�صول وهي‪:‬‬
‫‪ -‬الف�صل ‪(( :114‬كل حماولة �إرتكاب جناية بدت بال�رشوع يف تنفيذها �أو ب�أعمال ال لب�س فيها‪ ،‬تهدف مبا�رشة �إىل‬
‫ارتكابها‪� ،‬إذا مل يوقف تنفيذها �أو مل يح�صل الأثر املتوخى منها �إال لظروف خارجة عن �إرادة مرتكبها‪ ،‬تعترب كاجلناية‬
‫التامة ويعاقب عليها بهذه ال�صفة))‪.‬‬
‫‪ -‬الف�صل ‪(( :115‬ال يعاقب على حماولة اجلنحة �إال مبقت�ضى ن�ص خا�ص يف القانون))‪.‬‬
‫‪ -‬الف�صل ‪(( :116‬حماولة املخالفة ال يعاقب عليها مطلقا))‪.‬‬
‫‪ -‬الف�صل ‪(( :117‬يعاقب على املحاولة حتى يف الأحوال التي يكون الغر�ض فيها من اجلرمية غري ممكن ب�سبب ظروف‬
‫واقعية يجهلها الفاعل))‪.‬‬
‫ولقيام �أية حماولة يلزم توافر �رشطني �أولهما مادي‪ ،‬وثانيهما معنوي‪:‬‬
‫ال�رشط الأول‪ :‬البدء يف التنفيذ‪ :‬وهذا ال�رشط ي�ستفاد من الف�صل ‪ 114‬ق‪.‬ج عندما قال‪(( :‬كل حماولة �إرتكاب جناية بدت‬
‫بال�رشوع يف تنفيذها �أو ب�أعمال ال لب�س فيها‪ ،‬تهدف مبا�رشة �إىل ارتكابها)) وبح�سب هذا ال�رشط ال حمل املحاولة �إذا مل‬
‫يبتد�أ اجلاين يف تنفيذ وقائع اجلرمية �أو ب�إتيانه لأي عمل ال لب�س فيه يهدف مبا�رشة �إىل تنفيذها‪ ،‬لأن كل عمل دون ذلك‬
‫لن يعترب �سوى عمال حت�ضرييا اجلرمية غري معاقب مبدئيا ما مل يقرر امل�رشع عقابه العتبار معني وهي احلالة التي تنطبق‬
‫على الإتفاق اجلنائي يف امل�ؤامرة طبقا ملقت�ضيات الف�صل ‪ 175‬من ق‪.‬ج الذي هو معر�ض حديثا يف هذا البحث‪� ،‬أو يف‬
‫مثال �آخر يف حالة الع�صابات الإجرامية كما يف الف�صل ‪ 293‬من ذات القانون‪.‬‬
‫ال�رشط الثاين‪ :‬انعدام العدول الإرادي عن حتقيق النتيجة وهو العن�رص املعنوي يف املحاولة‪ ،‬بحيث �أنه بالرجوع للف�صل‬
‫‪ 114‬ق‪.‬ج‪ ،‬جنده يعترب �أن البدء يف التنفيذ ‪-‬وهو العن�رص املادي يف املحاولة‪ -‬ال ميكن اعتباره م�شكال اجلرمية املحاولة‬
‫�إال �إذا مل يوقف تنفيذها �أو مل يح�صل الأثر املتوخى منها �إال لظروف خارجة عن �إرادة مرتكبها‪ ،‬واملق�صود بالعدول‬
‫الإرادي عن املحاولة �أن الفاعل ولو �أنه قد بد�أ يف �إرتكاب اجلرمية �إال �أنه يرتاجع ويتوقف عن �إمتامها باختياره املح�ض‪،‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪28‬‬

‫�ضوئه ـ ــا يم ـ ــكن �إ�ستخال�ص �أرك ـ ــان الإعتداء عل ـ ــى �أم ـ ــن الدول ـ ــة عل ـ ــى النح ـ ــو‬
‫الت ـ ــالي‪.‬‬
‫�أ ‪ -‬الركن المادي‪:‬‬
‫لقيام الركن المادي في جريمة االعتداء؛ يكفي �أن ي�أتي الفاعل ن�شاط ماديا ي�شكل محاولة‬
‫لها على الأقل‪ ،‬عمال بمقت�ضيات الف�صل ‪ 170‬ق‪.‬ج‪(( :‬يتحقق الإعتداء بمجرد وجود محاولة‬
‫معاقب عليها))‪ .‬ويفهم من هذا الف�صل �أن الركن المادي يقوم ولو لم ينتج عن الن�شاط المادي‬
‫نتيجة �إجرامية‪ ،‬و�إنما يكفي لقيامه توافر �شروط المحاولة المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪114‬‬
‫ق‪.‬ج الذي ن�ص على �أن‪(( :‬كل محاولة �إرتكاب جناية بدت بال�شروع في تنفيذها �أو ب�أعمال ال‬
‫لب�س فيها‪ ،‬تهدف مبا�شرة �إلى ارتكابها‪� ،‬إذا لم يوقف تنفيذها‪� ،‬أو لم يح�صل الأثر المتوخى‬
‫منها �إال لظروف خارجة عن �إرادة مرتكبها ‪،‬تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه ال�صفة‪.‬‬
‫ال�صورة الأولى‪ :‬محاولة تنفيذ الإعتداء‪:‬‬
‫تعتبر محاولة البدء في جريمة االعتداء‪� ،‬إ�ستغالل ظرف من الظروف التي قد ت�ساعد‬
‫على �إرتكاب هذه الجريمة‪ ،‬في مكان معين‪� ،‬أوفي زمن معين‪ ،‬وذلك بغ�ض النظر‪ ،‬عما �إذا‬
‫كان الحق‪� ،‬أو الم�صلحة المراد الإعتداء عليها‪ ،‬لم تكن في متناول المعتدي‪� ،‬أو كانت في‬
‫متناوله‪ ،‬ولم ي�ستطع تنفيذ العمل الذي �أراد تحقيقه ل�سبب ما‪ .1‬ف�إذا تحققت المحاولة بهذه‬
‫ال�صورة‪ ،‬يكون الفعل الإجرامي قائما‪ ،‬وبالتالي يعاقب عليه الم�شرع بعقوبة الجريمة التامة‬
‫بدليل الف�صل ‪ 170‬من ق‪.‬ج الذي عر�ضنا م�ضمونه �أعاله‪.‬‬
‫ال�صورة الثانية‪ :‬ال�شروع في تنفيذ االعتداء‬
‫لما كان مجرد المحاولة ي�صح ركنا ماديا في جريمة االعتداء‪ ،‬ف�إن ال�شروع في التنفيذ‬
‫ال يعد ظرف ت�شديد فيها‪ ،‬على اعتبار �أن الم�شرع �ساوى بين المحاولة والتنفيذ التام من‬
‫حيث العقاب‪ .‬ونظرا لخطورة هذه الجريمة‪ ،‬ف�إن الم�شرع عاقب عليها‪�،‬سواء قام بارتكابها‬
‫�شخ�ص واحد �أو عدة �أ�شخا�ص و�سواء كانوا متفقين �أو غير متفقين‪ ،‬وهذا ما يمكن �إ�ستخال�صه‬
‫من الف�صلين ‪ 171‬و‪ 204‬من القانون الجنائي �إذ لم يميز في هذين الف�صلين بين الفاعلين‬
‫الأ�صليين �أو الم�ساهمين �أو ال�شركاء‪ ،‬ولذلك‪ ،‬ف�إن كل من �ألقي عليه القب�ض في مكان حدوث‬

‫دون تدخل �أي عامل �أجنبي يكون هو الذي فر�ض عليه هذا العدول‪ ،‬لأنه �إذ ذاك �سيعد عدو ال غري �إرادي يعني �سيكون‬
‫ا�ضطراري ال �أثر له حينئذ على م�س�ؤولية الفاعل‪.‬‬
‫للمزيد �أنظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪�« ،‬رشح القانون اجلنائي املغربي‪-‬الق�سم العام‪ ،»-‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 181.‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 11‬حممد التغدويني‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪29‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫جريمة الإعتداء يعاقب بعقوبة هذه الجريمة‪ .1‬وهذا ما يجعلنا ن�ؤكد �أن العدول الإرادي في‬
‫جريمة الإعتداء �أمر غير مت�صور فال ي�أخذه القا�ضي بعين االعتبار في تقدير العقاب فيعتبره‬
‫ظرفا مخففا‪ ،‬ذلك �أن هذا العدول �إنما هو ندم الحق لي�س له �أثر على قيام الم�س�ؤولية الجنائية‬
‫في هذا النوع من الجرائم‪ .‬وهذا راجع بالأ�سا�س �إلى كون جريمة الإعتداء على غرار جريمة‬
‫الم�ؤامرة تعتبر من جرائم الخطر التي ال يعتد فيما بالعدول عن اقتراف الفعل الإجرامي‪.‬‬
‫وخال�صة القول ف�إن تحقق النتيجة الإجرامية لي�ست �أبدا �شرطا لقيام الركن المادي في‬
‫جريمة االعتداء‪ ،‬بل يكفي �أن ي�أتي الجاني �سلوكا يفيد مدلول الإعتداء بحيث يكيف على �إحدى‬
‫الجرائم المن�صو�ص عليها ح�صرا في القانون الجنائي‪ .‬ومثال ذلك �أن ينجح الجاني في تقديم‬
‫ال�سالح �إلى المواطنين من �أجل االقتتال‪ ،‬لكنهم بدال من ذلك قاموا بت�سليمه �إلى ال�سلطة‬
‫الت�شريعية وبلغوا عن الفاعل‪.‬ففي هذا المثال ا�ستنفد الفاعل الأفعال التنفيذية لالعتداء ‪،‬لكن‬
‫نتيجه خابت ولم تتحقق ل�سبب خارج عن �إرادة الجاني‪ .‬لكنه مع ذلك يعاقب بعقوبة جريمة‬
‫الإعتداء التامة‪ ،‬رغم �أن النتيجة المن�شودة لم تتحقق‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الركن المعنوي‪:‬‬
‫االعتداء جريمة عمدية ال تقوم قانونا �إال �إذا توافر الق�صد الجنائي لدى فاعلها‪ ،‬وذلك‬
‫ب�أن يكون عالما بطبيعة الفعل الذي يقدم عليه‪ ،‬ب�إرادته الحرة التي وجهته �إلى تحقيق �أحد‬
‫الأهداف الم�شار �إليها �أعاله‪ .‬ويكفي لقيام جريمة الإعتداء توفر الق�صد الجنائي العام دون‬
‫الق�صد الجنائي الخا�ص‪ .‬وهذا هو ال�سبب الذي جعل من الم�شرع المغربي �أن يعاقب في هذه‬
‫الجرائم على مجرد المحاولة‪ ،‬وكيفما كانت طبيعة الفاعل ‪�،‬سواء حقق النتيجة �أو لم يحققها‪،‬‬
‫و�سواء تراجع عن تحقيق هذه النتيجة ب�إرادته �أو بغير �إرادته‪ .‬وتجدر الإ�شارة �إلى �إثبات هذا‬
‫الق�صد يقع على عاتق النيابة العامة بجميع طرق الإثبات بما فيها القرائن التي ت�ساهم في‬
‫�إقناع المحكمة‪ .‬وهذا ما �أكده القرار ال�صادر عن المجل�س الأعلى (محكمة النق�ض) في‬
‫‪ 11‬ماي ‪ 2000‬بقوله‪(( :‬البد من �إبراز الحجج والقرائن المعتمدة في تكوين قناعة الهيئة‪.‬‬
‫وهذا‪ ،‬و�إذا عجزت النيابة العامة عن �إثبات هذا الق�صد؛ ف�إنه ال يجوز مطلقا �إدانة المتهم �أو‬
‫المتهمين من �أجل ما ن�سب �إليهم‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬عقاب الجريمة والظروف الم�ؤثرة‪:‬‬
‫عاقب الم�شرع المغربي على جريمة الإعتداء ح�سب الحاالت‪ ،‬فت�شدد �أحيانا وخفف �أحيانا‬
‫�أخرى‪ ،‬وهذا ما �سنراه‪.‬‬
‫‪ 11‬حممد التغدويني‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.112.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪30‬‬

‫�أ ‪ -‬الأعذار الم�شددة‪:‬‬


‫بالنظر �إلى حجم الخطورة التي تكت�سيها جريمة االعتداء؛ جعلها الم�شرع في معظمها‬
‫من الجنايات التي يعاقب عليها بالإعدام‪� ،‬أو ال�سجن الم�ؤبد‪ ،‬اللهم �إذا تعلق الأمر بحاالت‬
‫ا�ستثنائية‪ .‬ومعلوم �أن الجرائم التي تقت�ضي الإعدام �إنما هي جرائم ت�ستهدف الإعتداء على‬
‫حياة الملك �أو �شخ�صه (الف�صل ‪ 163‬ق‪.‬ج) �أو حياة ولي العهد �أو �شخ�صه (الف�صل ‪165‬ق‪.‬ج)‬
‫�أو حياة الأ�سرة المالكة‪( .1‬الف�صل ‪ 167‬ق ج)‪ .‬هذا ف�ضال عن الجرائم المن�صو�ص عليها في‬
‫الفقرة ‪ 1‬من الف�صل ‪ 201‬من ق ج‪ ،‬المتمثلة في الإعتداء الذي يكون الغر�ض منه �إما �إثارة‬
‫حرب �أهلية و�إما �إحداث التخريب والتقتيل والنهب في دوار �أو منطقة �أو �أكثر‪� .‬أما الجرائم‬
‫التي يعاقب عليها الم�شرع بال�سجن الم�ؤبد‪ ،‬فهي التي ترتكب �ضد �شخ�ص الملك متى لم ينتج‬
‫عن هذا الإعتداء م�سا�س بحريته‪� ،‬أو لم ينتج عنه �إراقة دم �أو جرح �أو مر�ض‪ ،‬و�ضد ولي العهد‬
‫�أي�ضا‪ .‬تطبيقا لمقت�ضيات الف�صل ‪ 164‬و‪ 166‬الفقرة‪ .1‬ومن ناحية �أخرى نجد �أن الت�شديد‬
‫العقاب في هذه الجريمة منوط ب�إ�ستعمال العنف في ارتكابها‪ ،‬فحيثما لجئ �إلى العنف وجب‬
‫ت�شديد العقاب وهذه قاعدة عامة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الأعذار المخففة‪:‬‬
‫مما ال جدال فيه �أنه بمجرد تحقق الم�س�ؤولية الجنائية في جرائم االعتداء؛ بركنيها‪-‬‬
‫التمييز وحرية االختيار‪-‬يكون من واجب القا�ضي اقت�ضاء حق الدولة في توقيع العقاب وفقا‬
‫لما هو مت�ضمن في الف�صول التي ح�صر فيها الم�شرع المغربي نطاق جرائم الإعتداء والتي‬
‫بينا كيف �أن الم�شرع ت�شدد في معاقبة فاعليها‪ .‬لكن ما يالحظ هو �أن هناك حاالت خفف فيها‬
‫الم�شرع الجنائي العقوبة على جريمة االعتداء‪ ،‬بموجب هذه الحاالت عاقب الم�شرع بموجب‬
‫الف�صل ‪/ 166‬الفقرة ‪ 2‬المتهمين بعقوبات محددة تتراوح مدتها ما بين ‪� 20‬إلى ‪� 30‬سنة بالن�سبة‬
‫للجنايات التي يتم �إرتكابها دون �أن تنتج عنها �إراقة دم �أو جرح �أو مر�ض‪� ،‬أو م�سا�س بحرية ولي‬
‫العهد‪ .‬وما بين ‪� 5‬إلى ‪� 20‬سنة في حالة الإعتداء على �أحد �أفراد الأ�سرة الملكية (الف�صل ‪167‬‬
‫‪/‬الفقرة ‪ .)2‬وفي حالة ما �إذا لم ينتج عن هذا الإعتداء الأخير �أي جرح �أو مر�ض �أو �أية �إراقة‬
‫دم‪� ،‬أو م�سا�س بحرية �أحدهم ف�إن العقوبة تكون هي عقوبة الجنحة الت�أديبية التي تتراوح مدتها‬
‫ما بين �سنتين وخم�س �سنوات طبقا للفقرة ‪ 3‬من الف�صل ‪ 167‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫ومهما يكن فقد �شدد الم�شرع العقاب على مرتكب جريمة الإعتداء اعتبارا لكون هذا‬
‫العقاب لكون هذا العقاب يعد في حد ذاته ظرفا من ظروف الت�شديد في جريمة الم�ؤامرة‬

‫‪ 11‬حدد الف�صل ‪ 168‬من ق‪.‬ج �أع�ضاء الأ�رسة امللكية بقوله «يعترب من �أع�ضاء الأ�رسة امللكية يف تطبيق الف�صل ال�سابق‪:‬‬
‫�أ�صول امللك و فروعه وزوجاته و�إخوته و�أوالدهم ذكورا و �إناثا و �أخواته و �أعمامه»‬
‫‪31‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫لأن قيام جريمة الإعتداء يفتر�ض‪-‬كما �سبق و�أن �أ�شرنا ‪-‬وجود ت�آمر م�سبق �ضد الم�صالح التي‬
‫يحميها الم�شرع في الجريمتين معا‪ ،‬نظرا لعدم �إمكانية الف�صل بينهما‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬جريمة تكوين الع�صابات الم�سلحة‬
‫لقد اهتم الم�شرع الجنائي اهتماما خا�صا بتجريم الت�شكيل الع�صابي كجريمة م�ستقلة‬
‫في بع�ض ن�صو�صه خا�صة في جرائم �أمن الدولة نظرا لخطورة الم�صالح المتعلقة بها‪ ،‬والتي‬
‫يمكن تعري�ضها للخطر نتيجة لهذه الت�شكيالت‪ .1‬فلقد تم معالجة هذا النوع من الجرائم في‬
‫فرن�سا عن طريق تخ�صي�ص قواعد قانونية خا�صة لمواجهة هذا النوع من الإجرام المنظم‬
‫حماية لأمن الدولة الداخلي‪ ،‬حيث كانت الحكومة الفرن�سية ترى �أن هناك ارتباطا بين كال‬
‫النوعين من �أنواع الجريمة ت�ستوجب خ�ضوعها لذات الأحكام‪.2‬‬
‫وعليه فحماية �شخ�صية الدولة من الإعتداء عليها ما هي �إال حماية لم�صلحة الجماعة‪،‬‬
‫والدولة مج�سدة في �سلطة الحكم‪ ،‬فيجب حماية �أمنها بتجريم الأفعال التي تمثل اعتداء على‬
‫�أمنها‪3‬؛ �إال �أن جرائم �أمن الدولة ب�صفة عامة �أ�صبحت تمثل اعتداء على الم�صالح الأ�سا�سية‬
‫للدولة وم�ؤ�س�ساتها ووحدتها و�سالمتها‪ ،‬وبالتالي ف�إن الت�شكيل الع�صابي يمثل اعتداء على تلك‬
‫الم�صالح الوطنية ككل‪.4‬‬
‫وت�أ�سي�سا عليه فنظرا للخطورة البالغة لهذه الجريمة الخا�صة �سنتوقف عند �أهم �أحكامها‬
‫بالبحث والدرا�سة من خالل فقرتين الأولى �سنتطرق فيها لأركان هذه الجريمة ثم �سنتطرق‬
‫فيما بعد لعقوبتها‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الأركان الخا�صة للجريمة‬
‫لقد اعتبر الم�شرع المغربي جريمة تكوين ع�صابة م�سلحة من الجرائم الما�سة ب�سالمة‬
‫الدولة الداخلية و�أمنها؛ فجرمها وعاقب عليها �ضمن الفرع الثالث من الباب الأول من الجزء‬
‫الأول من الكتاب الثالث تحت م�سمى ((في الجنايات والجنح �ضد �سالمة الدولة الداخلية))‬
‫من الف�صول ‪� 201‬إلى ‪ .207‬غير �أنه با�ستقراء لهذه الف�صول نجد �أن الم�شرع المغربي لم‬
‫يفرد الع�صابة الم�سلحة‪ ،5‬و�إنما ن�ص عليها في الف�صل ‪ 203‬من ق‪.‬ج بتعداد منه لمجموعة من‬
‫‪ 11‬هدى ق�شقو�ش‪« ،‬الت�شكيالت الع�صابية»‪ ،‬من�ش�أة املعارف‪ ،‬الإ�سكندرية‪� ،‬سنة ‪� ،2006‬ص‪.43.‬‬
‫‪� 22‬صدر م�رشوع قانون مكافحة الإرهاب الفرن�سي يف ‪ )loi no. 1020( 0986/09/09‬ومل يكن هذا القانون يقت�رص على‬
‫جرائم الإرهاب بل كان يتناول �أي�ضا بع�ض اجلرائم املوجهة �ضد �أمن الدولة‪.‬‬
‫‪ 33‬م�أمون �سالمة‪« ،‬الأحكام العامة يف جرائم �أمن الدولة»‪ ،‬مقر الدرا�سات العليا لأكادميية ال�رشطة‪� ،‬سنة ‪� ،1996‬ص‪4.‬‬
‫وما يليها‪.‬‬
‫‪ 44‬حممد جمعة عبد القادر‪« ،‬جرائم �أمن الدولة علما وق�ضاءا»‪� ،‬سنة ‪� ،1986‬ص‪ 107.‬وما بعدها‪.‬‬
‫ِ‬
‫والع َ�ص َابةُ جماعة ما بني الع�رشة �إىل الأربعني‪ ،‬وقيل الع�صبة من الرجال نحو‬ ‫الع ْ�ص َبةُ‬
‫‪ 55‬الع�صابة امل�سلحة يف اللغة‪ :‬هي ُ‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪32‬‬

‫الأفعال الإجرامية التي �أدخلها في زمرتها‪1‬؛ و�إن اختلفت �صورها و�أ�شكال بح�سب الأهداف‬

‫الع�رشة (رجب عبد اجلواد �إبراهيم‪« ،‬امل�صطالحات الإ�سالمية»‪ ،‬امل�صباح املنري‪ ،‬دار الأفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪� ،‬سنة‬
‫وه َأ َح ُّب إِ َلى َأبِ ينَ ا ِمنَّا َونَ ْح ُن عُ ْص َب ٌة إِ َّن َأ َبانَ ا‬
‫وس ُف َو َأ ُخ ُ‬
‫وا َل ُي ُ‬ ‫‪� ،2002‬ص‪ ،)208.‬ويف التنزيل العزيز قال تعاىل‪{ :‬إِ ْذ َق ُ‬
‫ال ْ‬
‫ني} (�سورة يو�سف الآية ‪ .)07‬والع�صبة الع�صابة جماعة لي�س لها واحد‪ .‬ويقال واعت�صبوا‪� :‬صاروا ع�صبة‪،‬‬ ‫الل ُّمبِ ٍ‬
‫َلفِ ي َض ٍ‬
‫والتع�صب‪ :‬من الع�صبة‪ .‬والع�صبية‪� :‬أن يدعو الرجل �إىل ن�رصة ع�صبته‪ ،‬والت�ألب معهم على من يناويهم‪ ،‬ظاملني كانوا‬
‫�أم مظلومني؛ ويقال «وقد تع�صبوا عليهم �إذا جتمعوا‪ ،‬ف�إذا جتمعوا على فريق �آخر‪ ،‬قيل‪ :‬تع�صبوا؛ والع�صبى هو الذي‬
‫يغ�ضب لع�صبيته ويحامي عنهم‪ .‬والع�صبة‪ :‬الأقارب من جهة الأب‪ ،‬لأنهم يع�صبونه ويعت�صب بهم‪� ،‬أي يحيطون به‬
‫وي�شتد بهم؛ الع�صبة التع�صب‪ ،‬ا�ستجمعوا و�صاروا ع�صابة وع�صابي‪ ،‬يقال‪« :‬كلما �سمعوا �صوته اع�صو�صبوا»‪� ،‬أي‬
‫اجتمعوا و�صاروا ع�صابة واحدة‪.‬‬
‫راجع يف هذا ال�صدد‪:‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬ل�سان العرب‪ ،‬اجلزء الرابع‪ ،‬املجلد الثالث ع�رش‪ ،‬دار ال�صادر‪ ،‬بريوت‪� ،‬ص‪ 2965.‬و‪.2966‬‬
‫كما �أن ع�صابة ‪ :Bande‬جماعة من املجرمني املتعارفني‪ ،‬ويعني باللغة الفرن�سية ‪� ،Bamditisme‬أما باللغة الإجنليزية‪:‬‬
‫‪ .Banditry‬ويفهم من اللفظ ع�صابة بح�سب و�ضعها اللغوي‪� ،‬أنها جماعة ما بني الع�رشة �إىل الأربعني‪ ،‬مت�آلفة فيما بينها‬
‫ي�شد وين�رص بع�ضها بع�ضا‪.‬‬
‫�أما من الناحية اال�صطالحية فلقد تعددت التعريفات اال�صطالحية للع�صابات امل�سلحة باختالف املعايري املعتمدة‪ :‬فمن حيث‬
‫الغر�ض‪ :‬فالع�صابة هي جمموعة من الأ�شخا�ص معروفني بع�ضهم لبع�ض‪ ،‬اختار بع�ضهم البع�ض الأخر وتالقوا على‬
‫هدف م�شرتك انعقدت �إرادتهم لتحقيقه‪ ،‬بحيث �أن �أفراد هذا الت�شكيل الع�صابي ي�ستخدمون مع بع�ض ممن يناوئونهم‬
‫�أ�سرتاتيجية‪ ،‬بتحديد الغر�ض الذي توجه �إليه ال�سهام‪ ،‬وتو�ضيح الأهداف التي يرغبون يف حتقيقها �أثناء العالقة التي‬
‫جتمع بينهم‪ ،‬ثم يتم بناء اخلطوات التي تتخذ‪ ،‬وحتديد الوقت الالزم لتحقيق الأهداف املق�صودة‪.‬‬
‫وعليه فالت�شكيل الع�صابي �إذن يف جوهره يتمثل يف وجود جماعة من الأ�شخا�ص �أو جمعية‪ ،‬جتمع بع�ض الأ�شخا�ص‪،‬‬
‫تهدف �إىل �أغرا�ض غري م�رشوعة‪� ،‬أي �إرتكاب اجلرمية‪ ،‬مت�س امل�صالح احليوية والهامة‪ ،‬التي يرى امل�رشع �أنها‬
‫م�صالح جديرة باحلماية اجلنائية‪ ،‬فهذا الت�شكيل ميثل خطورة على ال�سالم االجتماعي والأمن الداخلي‪ ،‬واحرتام حريات‬
‫املواطنني‪ ،‬وحقوقهم والنظام ال�سيا�سي للدولة‪.‬‬
‫‪ -‬رم�سي�س بنهام‪�« ،‬رشح اجلرائم امل�رضة بامل�صلحة العمومية»‪ ،‬من�شاة املعارف‪ ،‬الإ�سكندرية‪� ،‬ص‪.52.‬‬
‫‪ -‬هدى حامد ق�شقو�ش‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 21.‬و‪.23‬‬
‫هذا من حيث الغر�ض �أما من حيث التنظيم الع�صابات امل�سلحة يف جرائم �أمن الدولة‪ ،‬هم جمموعة �أ�شخا�ص يجمعهم ت�أزر‬
‫وت�ألف واقتناعات و�أهداف م�شرتكة‪ ،‬بحيث يتوىل البع�ض من �أع�ضاء الع�صابة‪ ،‬مهمة ترتيبية وتدريبية لت�أخذ ن�سقا معينا‬
‫لأداء هدف �أو حتقيق نتيجة هي امل�سا�س ب�أمن الدولة وا�ستقرارها‪.‬‬
‫وعليه فاملراد بالع�صابات وفق هذا االجتاه يف جرائم �أمن الدولة الداخلي‪ ،‬هو كل جمعية منظمة يديرها ويتزعمها بع�ض‬
‫�أفرادها‪ ،‬وال ي�شرتط توافر عدد معني يف هذه الع�صابة‪ ،‬وكل ما يجب هو �أن تكون الع�صابة م�سلحة �أي حاملة للأ�سلحة‪،‬‬
‫وال ي�شرتط توافر عدد معني يف هذه الع�صابة‪ ،‬وكل ما يجب هو �أن تكون الع�صابة م�سلحة �أي حاملة لل�سالح‪ ،‬وال‬
‫ي�شرتط �أن يكون ال�سالح يف �أيدي �أفرادها‪ ،‬بل يكفي �أن يكون حتت ت�رصفهم‪ ،‬ويكفي �أي�ضا �أن تتوفر �صفة ال لت�سليح‬
‫بالن�سبة �إىل فغالبية �أع�ضائها‪ ،‬ولو مل يحمل ال�سالح م�ؤلفها وزعيمها �أو من له قايدة فيها‪.‬‬
‫‪ -‬عديل �أمري خالد‪« ،‬اجلرائم ال�ضارة بالوطن من الداخل واخلارج»‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪� ،‬إ�سكندرية‪� ،‬سنة ‪،2013‬‬
‫�ص‪ 51.‬و‪.52‬‬
‫‪ 11‬ين�ص الف�صل ‪ 203‬من ق‪.‬ج على �أنه‪(( :‬ي�ؤاخذ بجناية امل�س بال�سالمة الداخلية للدولة‪ ،‬ويعاقب بالإعدام كل من تر�أ�س‬
‫ع�صابة م�سلحة �أو توىل فيها وظيفة �أو قيادة ما‪ ،‬وذلك �إما بق�صد الإ�ستيالء على �أموال عامة‪ ،‬و�إما بق�صد اكت�ساح عقارات‬
‫�أو �أمالك �أو �ساحات �أو مدن �أو ح�صون �أو مراكز �أو خمازن �أو م�ستودعات �أو موانئ �أو �سفن �أو مراكب‪ ،‬مملوكة‬
‫للدولة‪ ،‬و�إما بق�صد نهب �أو اقت�سام املمتلكات العامة‪� ،‬سواء كانت قومية �أو مملوكة لفئة من املواطنني و�إما بق�صد الهجوم‬
‫على القوات العمومية العاملة �ضد مرتكبي تلك اجلنايات �أو مقاومتها‪.‬‬
‫وتطبق نف�س العقوبة على من توىل ت�سيري الع�صابة الثائرة �أو ت�أليفها �أو �أمر بت�أليفها‪� ،‬أو قام بتنظيمها �أو �أمر بتنظيمها‪� ،‬أو‬
‫زودها �أو �أمدها عمدا وعن علم ب�أ�سلحة �أو ذخرية �أو �أدوات اجلناية �أو بعث لها ب�إمدادات من امل�ؤن �أو قدم م�ساعدة ب�أي‬
‫و�سيلة �أخرى �إىل م�سريي الع�صابة �أو قواده))‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المن�شودة منها �سواء �أكانت بق�صد �إثارة فتنة قومية �أو حرب �أهلية‪� ،1‬أو كانت في �صورة تمرد‬
‫ع�سكري‪� ،2‬أو كان الهدف منها �إ�شعال فتيل الثورة‪.3‬‬
‫�أوال ‪ -‬الركن المادي‪:‬‬
‫فمن خالل ما �سبق بيانه يمكن �أن نلم�س الركن القانوني لجرائم تكوين الع�صابات‬
‫الم�سلحة في النموذج الإجرامي الذي يقت�ضي هذا الفعل‪ .‬لذلك ومن �أجل �أن يكتمل هذا‬
‫الركن؛ ف�إن الم�شرع المغربي ا�شترط �شرطين‪ ،‬يتمثل �أحدهما في م�صلحة عامة تقت�ضي‬
‫الحماية الت�شريعية‪.‬‬
‫وثانيهما يتمثل في ح�صر هذا الركن فيما ن�ص عليه القانون على �سبيل الح�صر‪ ،‬وذلك‬
‫لتمييزها عن باقي الجرائم الم�شابهة لها ‪ .‬فالم�صلحة التي يحميها الم�شرع الجنائي من‬
‫الإعتداء في هذه الجريمة �إنما تقوم على توفير الأمن داخل الدولة‪ ،‬بهدف الحيلولة دون‬
‫حدوث نزاعات طائفية م�سلحة من �ش�أنها تهديد �سالمة الدولة و�أمنها‪�.‬أما فيما يخ�ص ال�شرط‬
‫الثاني‪�-‬أي وجوب الأخذ بالركن القانوني في جريمة تكوين الع�صابات الم�سلحة على �سبيل‬
‫الح�صر‪ -‬فمعناه �أن هذه الجريمة ال يمكنها �أن تقوم �إال �إذا اختل الأمن داخل الدولة مما ي�شكل‬
‫تهديدا لم�صالحها وم�ؤ�س�ساتها‪ .‬كما انه �إذا لم يكن الهدف من الجريمة الم�سا�س ب�إحدى‬

‫‪ 11‬عاقب امل�رشع املغربي على كل فعل من �ش�أنه �إثارة حرب �أهلية �أو فتنة قومية بالإعدام‪ ،‬حفاظا منه على امن الوطن‬
‫وا�ستقراره ال�سيا�سي واالجتماعي واالقت�صادي‪ ،‬اعتبارا لكون هذه اجلرائم ت�ساعد على النيل من الوحدة الرتابية للبالد‬
‫مما ينتج عنه ا�ضطراب الو�ضع الأمني يف الدولة‪ ،‬فيتف�شى النهب والتخريب والتقتيل‪ ،‬الأمر الذي قد ي�صل �إىل انهيار‬
‫النظام القائم‪ .‬لكل هذه الأ�سباب �شدد امل�رشع العقاب على مقرتيف هذه الأفعال طبقا ملقت�ضيات الف�صل ‪ 201‬من ق‪.‬ج‪..‬‬
‫‪ 22‬وقد اعتربها امل�رشع املغربي من �إحدى جرائم �أمن الدولة الداخلي‪ ،‬لأن الفعل فيها ي�ساعد على حدوث ان�شقاق‪ ،‬يف‬
‫�صفوف اجلي�ش‪� ،‬أو حماولة االنف�صال عن النظام ال�سيا�سي القائم‪ ،‬وذلك �إما بال�سيطرة على �إحدى املراكز الع�سكرية‬
‫الإ�سرتاتيجية ‪�،‬أو مبخالفة �أوامر احلكومة‪� ،‬أو القيام ب�إ�ستخدام اجلي�ش النظامي �ضد الأغرا�ض اخلا�صة‪ .‬واحلق �أن‬
‫اخلطورة الإجرامية تكمن يف ال�شقاق الذي ميكن �أن ي�ؤدي �إليه هذه الأفعال ال �سيما بني ال�سلطة احلاكمة وامل�ؤ�س�سة‬
‫الع�سكرية‪,‬وبالتايل يكون امل�آل هو اندالع الفتنة وقيام حرب �أهلية داخل الدولة الواحدة ‪،‬بحيث ي�صعب و�ضع حد لها‬
‫نظرا للقوة التي ميتلكها اجلناة والتي تتمثل يف تلك املعلومات الع�سكرية ذات ال�رسية الكبرية والتي ال متلكها �إىل الدولة‬
‫ذاتها‪.‬فكان طبيعيا �أن يعاقب ت�رشيعنا اجلنائي مرتكبي هذه اجلرائم بالإعدام‪.‬‬
‫‪ 33‬با�ستقراء هذا الف�صل جند �أن ال�صورة الثالثة من �صور جرائم تكوين الع�صابات امل�سلحة ميكن �أن حتدث يف ثالث حاالت‪:‬‬
‫‪ -‬تكوين ع�صابات م�سلحة بهدف اكت�ساح جزء من البالد ‪�،‬أو ال�سيطرة على �أهم املراكز احليوية واال�سرتاتيجية فيه‪.‬‬
‫وال�شك �أن الإ�ستيالء على هاته املراكز من �ش�أنه �إ�ضعاف الدولة والنيل من وحدتها و�سيادتها‪ .‬وبالتايل كان ال بد و�أن‬
‫يت�شدد امل�رشع يف العقاب على هذه اجلرائم بعقوبة الإعدام‪.‬‬
‫‪ -‬تكوين ع�صابات �إجرامية بهدف نهب �أموال الدولة ‪�،‬أما �إذا كانت هذه الأموال �أمواال خا�صة‪ ،‬فال تدخل حينها يف حكم‬
‫جرائم �أمن الدولة الداخلي‪ ،‬و�إمنا يف نطاق جرائم الع�صابات الإجرامية‪.‬‬
‫‪ -‬تكوين ع�صابات �إجرامية بهدف الهجوم على القوات العمومية العاملة �ضد مرتكبي هذه اجلرائم �أو مقاومته‪ .‬ف�إن مت‬
‫الهجوم يف غري هاته احلالة‪ ،‬ال نكون �أمام جرمية تكوين الع�صابات امل�سلحة بل نكون ب�صدد جرمية �أخرى هي جرمية‬
‫الع�صيان‪.‬‬
‫وملزيد من البحث يف هذه اجلرمية نتطرق لأركانها وعقابها ‪،‬وذلك على �ضوء املطلبني املواليني‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪34‬‬

‫الم�صالح المن�صو�ص عليها في الف�صل من ‪� 201‬إلى ‪ ،203‬فال نكون �أمام جريمة «الع�صابة‬
‫الم�سلحة» و�إنما نكون ب�صدد جريمة �أخرى‪.‬‬
‫وت�أ�سي�سا عليه ف�إنه يظهر جليا �أن الركن المادي في هذه الجريمة يتحقق بتر�أ�س �شخ�ص‬
‫لع�صابة م�سلحة �أو بتوليه لوظيفة �أو لقيادة فيها �أو ت�سييرها �أو ت�أليفها �أو تنظيمها �أو �إتيانه‬
‫لأي عمل من �أعمال الإ�شتراك الواردة في الفقرة الأخيرة من الف�صل ‪ 203‬ق ج‪ .‬وقد ا�شترط‬
‫الم�شرع المغربي في هذا الركن مجموعة من ال�شروط‪� ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬ال�شرط الأول‪� :‬ضرورة �أن تكون الع�صابات التي تم تكوينها م�سلحة‪:‬‬
‫بمعنى انه البد من �أن يكون ال�سالح هو الو�سيلة الم�ستعملة في بلوغ �أهداف هذه الع�صابة‪.‬‬
‫و�إذا كان �أحد �أفراد هذه الأخيرة م�سلحا دون علم بقية العنا�صر‪ ،‬ف�إن الفعل المرتكب ال يمكن‬
‫�إدراجه �ضمن جرائم الع�صابات الم�سلحة‪ .‬ومعلوم �أنه ال يهم �أن يكون ال�سالح ناريا �أو غير‬
‫ناري‪ ،‬فبمجرد �أن يتعلق الأمر ب�إحدى الأ�سلحة المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 303‬من القانون‬
‫الجنائي نكون �أمام «�سالح» ي�شكل تواجده �شرطا �أ�سا�سيا للقول بوجود الركن المادي لجريمة‬
‫الع�صابات الم�سلحة‪.‬‬
‫وال ب�أ�س من ا�ستعرا�ض م�ضمون هذا الف�صل الذي جاء فيه‪(( :‬يعد �سالحا في تطبيق هذا‬
‫القانون‪ ،‬جميع الأ�سلحة النارية و المتفجرات وجميع الأجهزة والأدوات �أو الأ�شياء الواخزة �أو‬
‫الرا�ضة �أو القاطعة �أو الخانقة))‪.‬‬
‫‪ -‬ال�شرط الثاني‪ :‬وجوب قيام الع�صابة على توزيع الم�س�ؤوليات بين جميع �أفرادها‪ :‬‬
‫ومعنى توزيع الم�س�ؤوليات توزيع الوظائف والمهام بين الجناة من �أجل �إرتكاب الفعل‬
‫الإجرامي‪ ،‬هذه المهام والوظائف تحدد فيما يلي‪:‬‬
‫ رئا�سة الع�صابة‪:‬‬
‫●‬

‫وهي ت�ستدعي �إ�سناد مهمة القيادة �إلى �شخ�ص يكون في ا�ستطاعته �إدارة الع�صابة‬
‫وت�سييرها �سواء كان قريبا من خلية الع�صابة �أو بعيدا عنها‪ ،‬معروفا بين �أفرادها �أم مجهوال‪.‬‬
‫ تولي الوظائف‪:‬‬ ‫●‬

‫وين�صرف مدلول الوظيفة هنا �إلى كل ن�شاط من �ش�أنه م�ساعدة الع�صابة على ت�سيير عملها‬
‫وب�سط نفوذها‪ .‬وذلك بتحمل كل فرد من �أفراد الع�صابة وظيفة معينة داخل الع�صابة‪ .‬فهذا‬
‫يتولى وظيفة التدريب‪ ،‬وذاك يقوم بمهمة التخطيط‪ ،‬والأخر يتحمل وظيفة التمويل‪�....‬إلخ‪.‬‬
‫�أعمال اال�شتراك‪:‬‬ ‫●‬

‫تتمثل هذه الأعمال في تقديم م�ساعدات للع�صابة الم�سلحة ومدها ب�إمدادات ت�ساعدها‬
‫في القيام بعملياتها الم�سلحة الإجرامية‪� ،‬شريطة ح�ضور عن ـ ــ�صر العل ـ ـ ــم لدى الم�شاركين‪،‬‬
‫‪35‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ف�إذا انتفى هذا العن�صر ال نكون �أمام �أي عمل من �أعمال اال�شتراك في تكوين الع�صابـ ــة‬
‫الم�سلح ـ ـ ــة‪.‬‬
‫‪ -‬ال�شرط الثالث‪ :‬وجود ع�صيان قائم في �شكل تجمع ثوري موجه �إلى النظام ال�سيا�سي‪.‬‬
‫ي�ستفاد هذا ال�شرط في الف�صول ‪ 201‬و‪ 202‬و‪ 203‬و‪ 205‬من القانون الجنائي‪ .‬ويالحظ من‬
‫خاللها �أن الهدف من تكوين الع�صابات الم�سلحة هو �إ�سقاط النظام ال�سيا�سي و�إحالل �آخر‬
‫محله‪ ،‬مما ي�ستوجب قيام تجمع ثوري‪ .‬ولكن هذا التجمع‪ ،‬ال ي�شرط فيه �أن يكون في مكان‬
‫محدد‪ ،‬كما ال ي�شترط في جميع الأ�شخا�ص المتواجدين في مكان التجمع الثوري‪� ،‬أن يكون‬
‫منخرطين في هذا التجمع‪.‬وهذا ما جعل الم�شرع المغربي‪� ،‬أن ي�ستعمل �صياغة وا�ضحة في‬
‫الف�صل ‪ 205‬حيث بين في هذا الف�صل ب�أن الذين يعاقبون هم من «قب�ض عليهم في مكان‬
‫التجمع»‪ ،‬ولي�س الذين «وجدوا في مكان التجمع»‪.‬‬
‫وتبقى الإ�شارة واجبة �إلى �أن هذه الجريمة ال يفتر�ض تحقق النتيجة فيها‪ ،‬على اعتبار �أنها‬
‫من جرائم الخطر‪ ،‬وبتالي ف�إن مجرد �إتيان الأفعال المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 203‬من ق‪.‬ج‬
‫يتحقق معه الركن المادي‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الركن المعنوي‪:‬‬
‫نلفت االنتباه �إلى �أن الركن المعنوي في جريمة تكوين ع�صابة م�سلحة يختلف ذاك الخا�ص‬
‫بجريمتي الم�ؤامرة والإعتداء‪ ،‬من حيث �أن الم�شرع �إذا كان ي�شترط في الجريمتين الأخيرتين‬
‫�ضرورة توفر الق�صد العام فهو ال ي�شترط في الجريمة الجارية درا�ستها‪� ،‬إذ اكتفى فيها‬
‫با�شتراط الق�صد الخا�ص‪ ،‬هذا الأخير يجب �أن يتوفر لدى جميع �أفراد الع�صابة الم�سلحة‪،‬‬
‫�أما الق�صد العام فهو مفتر�ض‪ ،‬نظرا لكون الجناة يكونون على علم تام واطالع م�سبق بالأفعال‬
‫التي يقدمون عليها بفعل توزيع الم�س�ؤوليات والوظائف فيها بينهم‪.‬‬
‫ت�أ�سي�سا على ما �سبق‪ ،‬ف�إنه ولما كانت جريمة الع�صابات الم�سلحة من الجرائم العمدية؛‬
‫ف�إن ذلك اقت�ضى عدم قيامها ما لم يتوفر فيها الق�صد الجنائي لدى الفاعلين الأ�صليين‪،‬‬
‫والذي يتحقق متى كان هدفهم من تكوين ع�صابة م�سلحة هو الإ�ستيالء على �أموال عامة‪،‬‬
‫�أو اكت�ساح عقارات �أو �أمالك �أو �ساحات‪� ....‬أو الهجومات على القوات العمومية العاملة �ضد‬
‫مرتكبي تلك الجنايات �أو مقاومتها(الف�صل ‪/203‬الفقرة ‪.)1‬‬
‫بقيت نقطة �أخيرة في هذا الباب‪ ،‬تلك التي تهم الفاعلين غير الأ�صليين (الم�ساهمون)؛‬
‫فه�ؤالء ال يتابعون بجناية تكوين ع�صابة م�سلحة �إال �إذا توافر الق�صد الجنائي لديهم (الق�صد‬
‫الخا�ص)‪ ،‬المتمثل في ان�صراف نية الم�ساهمين من وراء تقديمهم يد الم�ساعدة والعون‬
‫للجناة الأ�صليين �إلى تحقيق الهدف �أو الأهداف المن�شودة من قبل ه�ؤالء‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪36‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عقاب الجريمة والظروف الم�ؤثرة‪:‬‬


‫تتفاوت العقوبة المقررة لجريمة الع�صابات الم�سلحة‪ ،‬وتتراوح ما بين الت�شديد (�أوال)‬
‫والتخفيف (ثانيا)‪.‬‬
‫�أوال ‪ -‬الأعذار الم�شددة‬
‫�شدد الم�شرع الجنائي العقوبة في هذه الجريمة فيما ن�ص عليه الف�صل ‪ 203‬من القانون‬
‫الجنائي الذي قرر عقوبة الإعدام بالن�سبة لكل من تر�أ�س ع�صابة م�سلحة �أو تولى قيادتها �أو‬
‫با�شر عمال وظيفيا فيها �أو عمل على ت�أليفها �أو تنظيمها �أو �أمر بذلك �أو قام بت�سييرها �أو قدم‬
‫�أية م�ساعدة وب�أي و�سيلة كانت ولهذا الت�شديد مبرره الذي يجده في خطورة هذه الجريمة‬
‫وتحديدها في النظام القائم حيث الهدف �إلى تغييره وا�ستبداله بنظام �آخر مكانه و�إلى خلق‬
‫‪1‬‬
‫جو من اال�ضطراب و عدم اال�ستقرار وتعكير الأمن بقوة ال�سالح‪.‬‬
‫كما يجد الت�شديد مبرره ح�سب بع�ض الفقه‪ 2‬في العنف الذي يقوم عليه الن�شاط الإجرامي‬
‫في هذا ال�صنف من الجرائم‪.‬‬
‫وقد �سبق و�أن ا�شرنا �إلى �أن القاعدة العام في الت�شريع الجنائي المغربي تق�ضي بت�شديد‬
‫العقاب حيث وجد العنف‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الأعذار المخففة‬
‫خفف الم�شرع المغربي من الإعدام �إلى ال�سجن الم�ؤقت من خم�س �سنوات �إلى ع�شرين �سنة‬
‫�إلى الأ�شخا�ص الذين انخرطوا في الع�صابات الم�سلحة لكن دون �أن يبا�شروا فبيعها قيادة وال‬
‫وظيفة‪ ،‬وقب�ض عليه ففي مكان التجمع الثوري‪.‬‬
‫كما بلغ ت�ساهل الم�شرع ذروته حينما �أعفى من العقوبات المقررة في القانون الجنائي‬
‫المنخرطين في الع�صابات الم�سلحة في حالة ما �إذا لمك يبا�شروا فيها �أية قيادة �أو وظيفة‬
‫وان�سحبوا عند �أول �إنذار توجهه ال�سلطة العامة �إليهم مهما كانت طبيعتها �سواء كانت مدنية‬
‫�أو ع�سكرية �أو ان�سحبوا بعد ذلك �أو وقع عليهم القب�ض خارج موقع التجمع الثوري في حالة‬
‫ا�ست�سالم ومتجردين من �أي �سالح (الف�صل ‪213(.‬‬
‫وللإ�شارة ف�إن هذا الإعفاء ال يطال من �أمر ت�أليف الع�صابة الم�سلحة �أو قائدها �أو قدم لها‬
‫يد العون �أو الم�ساعدة على اعتبار �أن هذا الإعفاء �أن هو تم ف�سوف لن يكون له �أي ت�أثير يذكر‬
‫على كيان الع�صابة و تنظيمها‪ .‬كما �أن الإعفاء مقت�صر فقط على الجرام المن�صو�ص عليها في‬
‫‪ 11‬نور الدين العمراين‪�« ،‬رشح القانون اجلنائي اخلا�ص‪-‬وفق �أخر التعديالت ‪ ،»-‬دار الأمان ‪ -‬الرباط‪ ،‬طبعة ‪،2005‬‬
‫�ص‪38.‬‬
‫‪ 22‬حممد التغدويني مرجع �سابق �ص‪125.‬‬
‫‪37‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الف�صول من ‪� 203‬إلى ‪ 205‬ق‪.‬ج دون غيرها من الجرائم التي ارتكبت �شخ�صيا �أثناء الفتنة �أو‬
‫ب�سببها فهذه تظل عقوبتها م�ستقلة عن الع�صابات الم�سلحة و بالتالي ال يطالها الإعفاء مطلقا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الخارجي‬
‫ينح�صر مفهوم جرائم �أمن الدولة من جهة الخارج والتي تقع على الدولة ب�أنها هي الجرائم‬
‫�أو الأفعال الم�ضرة والتي تقع على الأمن الخارجي للدولة في عالقاتها بالدول الأخرى‪ ،‬ويراد‬
‫منها الإعتداء على ا�ستقاللها �أو زعزعة كيانها في المجموعة الدولية‪� ،‬أو الإ�ساءة �إلى عالقاتها‬
‫بالدول الأخرى �أو �إعانة عدو على دولته‪� ،‬أو اقتطاع جزء �أو كل من الدولة ل�صالح العدو‪ ...‬ومن‬
‫�أمثلة جرائم �أمن الدولة من الخارج ما يلي‪:‬‬
‫حمل ال�سالح �ضد المغرب‪.‬‬ ‫✺‬

‫با�شر ات�صاالت مع �سلطة �أجنبية بق�صد حملها على القيام بعدوان �ضد المغرب �أو زودها‬ ‫✺‬

‫بالو�سائل الالزمة لذلك‪� ،‬إما بت�سهيل دخول القوات الأجنبية �إلى المغرب‪ ،‬و�إما بزعزعة‬
‫�إخال�ص القوات البرية �أو البحرية �أو الجوية و�إما ب�أية و�سيلة �أخرى‪.‬‬
‫�سلم �إلى �سلطة �أجنبية �أو �إلى عمالئها �إما قوات مغربية و�إما �أرا�ضى �أو مدنا �أو ح�صونا‬ ‫✺‬

‫�أو من�ش�آت �أو مراكز �أو مخازن �أو م�ستودعات حربية �أو عتادا �أو ذخائر �أو �سفنا حربية �أو‬
‫من�ش�آت �أو �آالت للمالحة الجوية‪ ،‬مملوكة للدولة المغربية‪.‬‬
‫�سلم �إلى �سلطة �أجنبية �أو �إلى عمالئها‪ ،‬ب�أي �شكل كان وب�أية و�سيلة كانت‪� ،‬سرا من �أ�سرار‬ ‫✺‬

‫الدفاع الوطني �أو تمكن ب�أية و�سيلة كانت‪ ،‬من الح�صول على �سر من هذا النوع‪ ،‬بق�صد‬
‫ت�سليمه �إلى �سلطة �أجنبية �أو �إلى عمالئها‪.‬‬
‫�أتلف �أو �أف�سد عمدا �سفنا �أو �آالت للمالحة الجوية �أو �أدوات �أو م�ؤنا �أو بنايات �أو تجهيزات‬
‫✺‬

‫قابلة لأن ت�ستعمل للدفاع الوطني‪� ،‬أو �أحدث عمدا في هذه الأ�شياء تغييرا من �ش�أنه �أن‬
‫يمنعها من العمل �أو ي�سبب حادثة‪� ،‬سواء كان ذلك التغيير قبل تمام �صنعها �أو بعده‪.‬‬
‫حر�ض الع�سكريين �أو جنود البحرية على االن�ضمام �إلى خدمة �سلطة �أجنبية �أو �سهل لهم‬ ‫✺‬

‫و�سائل ذلك �أو قام بعملية التجنيد لح�ساب �سلطة هي في حالة حرب مع المغرب‪.‬‬
‫ با�شر ات�صاالت مع �سلطة �أجنبية �أو مع عمالئها‪ ،‬وذلك بق�صد م�ساعدتها في خططها‬ ‫✺‬

‫�ضد المغرب‪.‬‬
‫�ساهم عمدا في م�شروع لإ�ضعاف معنوية الجي�ش �أو الأمة‪ ،‬الغر�ض منه الإ�ضرار بالدفاع‬ ‫✺‬

‫الوطني‪.‬‬
‫ومما �سبق يت�ضح لنا �أن جرائم �أمن الدولة الخارجية تقع على الدولة ذاتها ال�ستعداء‬
‫دولة �أو دول �أخرى عليها �أو تعري�ض م�صالحها الدولية للخطر �أو لقهرها في نزاعها مع دولة‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪38‬‬

‫معـ ـ ـ ـ ــادة‪ ،‬كما �أن هذا النوع من الجرائم �أي الجرائم الما�سة ب�أمن الدولـ ـ ــة الخارجـ ـ ـ ـ ـ ــي‪،1‬‬
‫لهـ ـ ــا خطـ ـ ــورة بالغـ ـ ــة على الدولـ ـ ــة والأمـ ـ ــة ب�شكـ ـ ــل داهـ ـ ــم ونتائجهـ ـ ــا علـ ـ ــى الكل‬
‫وخيمة‪.2‬‬

‫‪ 11‬ملا نتحدث عن اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة اخلارجي وح�سب طرح ال�س�ؤال عن االختالف بينها وبني جرائم �أمن الدولة‬
‫الداخلي؟ والإجابة عن هذا ال�س�ؤال وجب التطرق �إىل الت�رشيعات املقارنة من �أجل و�ضع مرتكز �أ�سا�سي لهذا الطرح‪.‬‬
‫بحيث �أن جمموعة من الن�صو�ص التي نظمت احلماية اجلزائية لأمن الدولة اخلارجي والداخلي يف احلفاظ على الدولة‬
‫من الأخطار التي تتهددها‪ ،‬حتى �أن بع�ض الت�رشيعات ال تفرق بني طبيعة الأمن اخلارجي �أو الداخلي‪ ،‬نظرا لوحدة‬
‫اخلطر الذي يتهددهما؛ الأمر الذي يدعو �إىل عدم التفرقة بينهما‪ ،‬واعتبارهما مفهوما موحدا‪ ،‬ومن الت�رشيعات العربية‬
‫التي تبنت هذا االجتاه هناك الت�رشيع اجلزائري‪ ،‬حيث وحد يف قانون العقوبات لعام (‪ )1966‬بني جرائم �أمن الدولة‬
‫الداخلي وجرائم �أمن الدولة اخلارجي‪ ،‬و�أطلق عليهما (اجلنايات واجلنح �ضد �أمن الدولة)‪ .‬يف حيث تدعو ت�رشيعات‬
‫�أخرى �إىل تبني املفهوم املزدوج لهما‪ ،‬نظرا الختالف درجة اخلطورة يف كل منهما‪ ،‬واختالف الدوافع الرتكاب‬
‫اجلرمية‪ ،‬والغاية من احلماية اجلزائية‪.‬‬
‫ويرتتب على ذلك وجود فروق عديدة بني اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي واجلرائم الواقعة على �أمن الدولة‬
‫الداخلي وهذه الفروق تتمثل يف جمموعه من النقط �سواء من حيث تغليظ العقاب �أو من حيث ال�صفة اجلرمية وكذلك‬
‫من حيث جمال تطبيق �أحكام كل من هذين النوعني؛ وكذلك يختلفان من حيث جن�سية اجلاين ومن حيث وقت �إرتكاب‬
‫اجلرمية‪.‬‬
‫ورغم االختالف بني جرائم الأمن اخلارجي والداخلي البد من الت�أثري املتبادل بينهما‪ ،‬فكالهما يناالن من هيبة الدولة‬
‫ومركزها وباالطالع على مواقف الت�رشيعات حمل املقارنة‪ ،‬جند ب�أن امل�رشع امل�رصي قد عالج يف قانون العقوبات‬
‫لعام (‪ ،)1937‬وتعديالته‪ ،‬اجلرائم امل�رضة ب�أمن الدولة يف الباب الأول‪ ،‬والباب الثاين‪ ،‬من الكتاب الثاين من قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬وجاءت ن�صو�ص القانون حتت عنوان اجلرائم امل�رضة ب�أمن احلكومة‪ ،‬فق�سمت �إىل جرائم م�رضة ب�أمن‬
‫احلكومة من اخلارج‪ ،‬وجرائم م�رضة ب�أمن احلكومة من الداخل‪ .‬وبذات االجتاه �سار امل�رشع ال�سوري يف قانون‬
‫العقوبات رقم (‪ )148‬لعام (‪ )1949‬وتعديالته‪� ،‬أما الت�رشيع اجلزائي الكويتي رقم (‪ )16‬لعام (‪ ،)1960‬وتعديالته‬
‫بقانون رقم (‪ )31‬لعام (‪ ،)1970‬فقد ميز ما بني جرائم �أمن الدولة اخلارجي والداخلي‪ ،‬فخ�ص�ص الأوىل من (‪� )1‬إىل‬
‫(‪ )22‬والثانية املواد من (‪� )23‬إىل (‪.)34‬‬
‫ومل يبتعد امل�رشع الأردين عن خالل الدولة حمل املقارنة‪ ،‬فنظم حماية �أمن الدولة يف قانون العقوبات رقم (‪ )16‬لعام‬
‫(‪ )1960‬وتعديالته‪ ،‬يف الباب الأول من الكتاب الثاين‪ ،‬حتت عنوان (يف اجلرائم التي تقع على �أمن الدولة) وتناول‬
‫اجلرائم التي تقع على �أمن الدولة اخلارجي يف الف�صل الأول‪ ،‬وخ�ص�ص لها املواد من (‪)134-110‬؛ ليخ�ص�ص الف�صل‬
‫الثاين للجرائم التي تقع على �أمن الدولة الداخلي يف املواد من (‪.)153-135‬‬
‫وكذلك امل�رشع املغربي �صار على نف�س نهج نظريه الأردين ففرق بني جرائم �أمن الدولة الداخلي واجلرائم التي مت�س‬
‫ب�أمن الدولة اخلارجي‪ ،‬بحيث ن�ص على هذه الأخرية يف الفرع الثاين من الباب الأول من اجلزء الأول من الكتاب‬
‫الثالث من جمموعة القانون اجلنائي حتت م�سمى ((يف اجلنايات واجلنح �ضد �أمن الدولة اخلارجي))؛ بينما ن�ص يف الفرع‬
‫الأول من ذات الباب من نف�س اجلزء من الكتاب الثالث نف�سه على اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة الداخلي حتت م�سمى ((يف‬
‫االعتداءات وامل�ؤامرات �ضد امللك �أو الأ�رسة املالكة �أو �شكل احلكومة))‪.‬‬
‫للمزيد �أنظر‪:‬‬
‫‪� -‬سعد �إبراهيم الأعظمي‪« ،‬اجلرائم املا�سة ب�أمن الدولة الداخلي‪-‬درا�سة مقارنة‪ ،»-‬دار ال�ش�ؤون الثقافية العامة‪’ ،‬فاق‬
‫عربية‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،‬سنة ‪� ،1989‬ص‪ 34.‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -‬حممد الفا�ضل‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة»‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دم�شق الطبعة الرابعة‪� ،‬سنة‬
‫‪1398-1397‬هـ‪1978-1977/‬م‪� ،‬ص‪ 48.‬وما يليها‪.‬‬
‫‪� -‬أحمد حممد الرفاعي‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة‪ ،‬اجلزء الأول‪ ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي»‪،‬‬
‫دار الب�شري للن�رش والتوزيع‪� ،‬سنة ‪� ،1990‬ص‪ 23.‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -‬هاين جميل عبد احلمدي الطراونة‪« ،‬اجلرائم الواقعة على �أمن الدولة اخلارجي يف الت�رشيع الأردين ‪-‬درا�سة مقارنة‪-‬‬
‫(بالت�رشيع ال�سوري وامل�رصي والكويتي)»‪ ،‬دار وائل للن�رش‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،‬سنة ‪� ،2011‬ص‪ 48.‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 22‬عبد املهيمني بكر‪« ،‬جرائم �أمن الدولة اخلارجي»‪ ،‬درا�سة مقارنة يف القانون الكويتي»‪ ،‬دار النه�ضة‪� ،‬سنة ‪،1975‬‬
‫‪39‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المطلب الأول‪� :‬أركان جريمة الخيانة والتج�س�س‬


‫الخيانة والتج�س�س جريمتان تم�سان ب�أمن الدولة الخارجي ي�شتركان في االحتكام العامة‬
‫المنظمة لهما و ي�شتركان في نف�س العقوبة «الإعدام» و جريمة الخيانة منظمة في الف�صل ‪181‬‬
‫و ‪ 182‬من ق‪.‬ج و جريمة التج�س�س منظمة في الف�صل ‪ 185‬من ق‪.‬ج‪.‬‬
‫الم�شرع المغربي لم يقم بتعريف الجريمتين و�إنما اكتفى بتعداد عدد مكن الأفعال‬
‫ويمكن تعريف جريمة الخيانة ب�أنها نق�ض للف�صول و المواثيق بكيفية خفي وماكرة‪ 1‬بمعنى‬
‫عدم الإخال�ص للوطن وتعري�ضه للخطر والتعاون مع �أعداء وطنه‪� .‬أما التج�س�س فيعرف ب�أنه‬
‫تق�صي الأخبار وا�ستطالعها ب�صورة خفية بمعنى جمع المعلومات و �أ�سرار الدولة الع�سكرية‬
‫وال�سيا�سية والإجتماعية من طرف �شخ�ص �أجنبي‪.‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬الركن المادي‬
‫ويق�صد به كل ن�شاط �أو �سلوك �إجرامي ي�أتيه فاعله بق�صد تحقيق �أحد الأهداف التي ن�ص‬
‫عليه الف�صل من ‪� 181‬إلى ‪ 185‬من ق‪.‬ج‪.‬‬
‫�أوال ‪ -‬الركن المادي لجريمة حمل ال�سالح �ضد المغرب‪:‬‬
‫يتحقق الركن المادي في جناية الخيانة بتوافر �شرطين هما جن�سية حامل ال�سالح المغربية‬
‫و�أن يقوم بحمل هذا ال�سالح �ضد المغرب‪.‬‬
‫ال�شرط الأول‪ :‬الجن�سية المغربية لمرتكب الجريمة‬
‫لقد ح�صر الف�صل ‪ 181‬من ق‪.‬ج‪ 2‬الإدانة في هذه ال�صورة بحمل ال�سالح ليجعل منه �صورة‬
‫جريمة الخيانة في �ضرورة �أن يكون ال�شخ�ص حامال للجن�سية المغربية والذي تمنح لل�شخ�ص‬
‫بكيفية �أ�صلية عن طريق الن�سب �أو الإزدياد بالغرب �آو �إما باالكت�ساب‪.‬‬
‫�أما ال�شخ�ص الذي ال جن�سية له �أو يوجد في و�ضع ال ي�سمح له باكت�ساب الجن�سية المغربية‬
‫ال يعتبر مغربيا وبالتالي ال يمكننا م�ؤاخذته بجناية حمل ال�سالح مما يطرح بع�ض الإ�شكاالت‬
‫المرتبطة بالجن�سية يمكن تلخي�صها على النحو الآتي‪:‬‬
‫الإ�شكال الأول‪ :‬ال�شخ�ص الذي يحمل جن�سيتين المغربية و الأجنبية‪ .‬فالقاعدة في هذه‬
‫الحالة تقول ب�أن ال�شخ�ص الذي يحمل جن�سيتين في �أن واحد يعتبر في نظر القانون المغربي‬

‫�ص‪� ،16.‬أورده من�صور جنر �صقر العتيبي‪« ،‬التفاو�ض �ضد �أمن الدولة»‪ ،‬دار �صربي للن�رش والتوزيع‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫�سنة ‪1409‬هـ‪1989-‬م‪� ،‬ص‪.34.‬‬
‫‪ 11‬ح�سوين قدور بنمو�سى القانون اجلنائي املغربي و ال�رشيعة الإ�سالمية �ص‪.83.‬‬
‫‪ 22‬جاء الف�صل ‪ 181‬من ق‪.‬ج مبا يلي‪( :‬ي�ؤاخذ بجناية اخليانة و يعاقب بالإعدام كل مغربي �إرتكب يف وقت ال�سلم �أو يف وقت‬
‫احلرب �أحد الأفعال الآتية ‪-1:‬حمل ال�سالح �ضد املغرب‪.)...‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪40‬‬

‫مواطنا مغربيا لكن في حالة حمله لل�سالح �ضد المغرب نميز بين حالتين‪� .‬إذا حمل ال�سالح‬
‫�ضد المغرب مكرها في �إطار التجنيد الإجباري من طرف قانون جن�سيته الأجنبية فهنا ال‬
‫ي�سال عن جناية حمل ال�سالح �ضد المغرب النتفاء الق�صد الجنائي لديه‪.‬‬
‫�إذا حمل ال�سالح �ضد المغربي طوعا وذلك باختياره الدخول في جي�ش الدولة الأجنبية‬
‫هناك �إجابتين الأولى تق�ضي بعدم معاقبته بجريمة الخيانة لأنه بمجرد حمل ال�سالح �ضد‬
‫المغرب يعتبر بمثابة �إعالن عملي و مادي عن نيته الحقيقية ب�أنه ال يعتبر نف�سه مغربيا وبالتالي‬
‫انتفاء الركن المادي المتمثل في الجن�سية المغربية‪�.‬أما الثانية فيعاقب بجناية خيانة الأمانة‬
‫الن ال�شخ�ص الذي حمل ال�سالح �ضد المغرب طوعا يبقى متمتعا بالجن�سية المغربية والإجابة‬
‫‪1‬‬
‫الثانية هي التي ي�ؤخذ بها‪.‬‬
‫الإ�شكال الثاني‪ :‬في حالة فقدان ال�شخ�ص للجن�سية المغربية �أو التجريد منها وذلك ب�إ�سقاط‬
‫الجن�سية عنه و �إرتكب جريمة حمل ال�سالح �ضد المغرب هل يعاقب بجريمة الخيانة �أم ال؟‬
‫وبالن�سبة لحالة فقدان الجن�سية �إذا ارتكبت جريمة حمل ال�سالح �ضد المغرب قبل �صدور‬
‫المر�سوم الذي يعلن فقدانها بالجريدة الر�سمية ف�إنه يعتبر مرتكبا لجريمة الخيانة ويعاقب‬
‫عليها‪� .‬أما �إذا ارتكبها بعد �صدور المر�سوم بالجريمة الر�سمية ف�إنه ال يعاقب عليها لأنه ال‬
‫يتوفر على الجن�سية المغربية‪.‬‬
‫وبالن�سبة لحالة التجريد من الجن�سية ف�إن حمل ال�سالح �ضد المغرب �إذا �سبق �إرتكابها‬
‫�صدور الظهير �أو المر�سوم الذي يعلن تجريدها بالجريدة الر�سمية اعتبرت جناية الخيانة‬
‫و عوقب عليها �أما �إذا وقع �إرتكابها بعد �صدور الظهير �أو المر�سوم بالجريدة الر�سمية ال تعد‬
‫جناية خيانة و ال يعاقب عليها‪.‬‬
‫ال�شرط الثاني‪ :‬حمل ال�سالح �ضد المغرب ‪:‬‬
‫ال يمكن قيام الركن المادي في هذه ال�صورة من �صور الخيانة �إال �إذا تبث قيام المواطن‬
‫المغربي بحمل ال�سالح �ضد بلده في جي�ش دولة معادية كما تتحقق واقعة حمل ال�سالح �أي�ضا‬
‫في تقديم هذا المواطن المغربي للجي�ش المعادي �أي نوع من الخدمات التي من �ش�أنها �أن‬
‫ت�ساعد في مواجهة الجي�ش المغربي ا�ست�شارات فنية معلومات ميدانية وغيرها‪.2‬‬

‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.79.‬‬


‫‪ 22‬احمد قيل�ش‪ -‬جميدي ال�سعدية و�آخرون‪�« ،‬رشح القانون اجلنائي اخلا�ص»‪ ،‬الطبع الثانية‪� ،‬سنة ‪� ،2017‬ص‪.51.‬‬
‫‪41‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ثانيا ‪ -‬الركن المادي لجريمة ا�ستعداد دولة �أجنبية بالقيام بعدوان على المغرب‪.‬‬
‫هذه الجريمة �إما �أن تكون خيانة �إذا با�شرها المغربي طبقا للف�صل ‪ 181‬و�إما �أن تكون‬
‫تج�س�سا �إذا ارتكبها الأجنبي طبقا لمقت�ضيات الف�صل ‪.1 185‬‬
‫ال�شرط الأول‪ :‬مبا�شرة ات�صاالت مع �سلطة �أجنبية بق�صد حملها على القيام بعنوان �ضد‬
‫المغرب‪.‬‬
‫المالحظة �أن مفهوم ال�سلطات الأجنبية ين�صرف �إلى مفهوم الدولة الأجنبية المعادية �أم ال‬
‫�آو �أي كيان تنق�صه �أحد المقومات الأ�سا�سية العتباره دولة وفقا لقواعد القانون الدولي العام‪.2‬‬
‫رغم �أن الم�شرع �أورد االت�صال ب�صفة الجمع ف�إن ات�صاال واحدا يعني قيام جريمة الخيانة‬
‫«�إذا �إرتكب هذا الفعل مواطنا مغربيا» والتج�س�س �إذا �إرتكب هذا الفعل �شخ�ص �أجنبي ف�إن‬
‫العبرة لي�ست بعدد االت�صاالت و �إنما العبرة بنجاح ا�ستدعاء الدولة الأجنبية للعدوان �ضد‬
‫‪3‬‬
‫المغرب من عدمه‪.‬‬
‫ال�شرط الثاني‪ :‬تزويد ال�سلطة الأجنبية بالو�سائل الالزمة بالعدوان على المغرب وهي‬
‫�صورة تتحقق �إما لت�سهيل دخول القوات الأجنبية �إلى المغرب واما بزعزعة �إخال�ص القوات‬
‫البرية �أو البحرية �أو الجوية و�إما ب�أية و�سيلة �أخرى ما من �شئنها ا�ستدعاء الدول الأجنبية‬
‫للعدوان �ضد المغرب‪.‬و تكييف هذه الو�سيلة �أمر يخت�ص به الق�ضاء‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي‬
‫�أوال‪ :‬الركن المعنوي لجريمة حمل ال�سالح �ضد المغرب‪.‬‬
‫يجب �أن تتجه نية الفاعل المغربي و�إرادته �إلى حمل ال�سالح في جي�ش معاد للمغرب و�أن‬
‫يتعمد م�ساعدة العدو من �أجل الإ�ضرار ببالده ومن تم ال تقوم جناية حمل ال�سالح �إذا كان‬
‫حامله يجهل مثال ب�أنه مغربي �أو تم �إكراهه لحمل ال�سالح �ضد بلده حتى مع علمه انه مغربي‪.‬‬
‫كما هو الحال بالن�سبة للمغاربة الذين قد ي�ساقون كرها �إلى مع�سكرات معادية ويجندون‬
‫هناك ويدربون على ا�ستعمال الأ�سلحة �ضد بلدهم حيث ال يمكن متابعتهم بجناية حمل ال�سالح‬
‫�ضد المغرب‪.4‬‬

‫‪ 11‬الف�صل ‪ 185‬من ق‪.‬ج جاء فيه‪(( :‬يعد مرتكبا جلناية التج�س�س ويعاقب بالإعدام كل �أجنبي �إرتكب �أحد الأفعال املبينة يف‬
‫الف�صل ‪ 181‬فقرة ‪ 2‬و‪ 3‬و‪ 4‬و‪ 5‬والف�صل ‪.))182‬‬
‫‪ 22‬مبارك ال�سعيد بن القائد اجلنائي اخلا�ص الطبعة ‪ 1‬الرباط ‪� 2000‬ص‪.59.‬‬
‫‪ 33‬احمد قيل�ش‪ -‬جميدي ال�سعدية و�آخرون‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.52.‬‬
‫‪ 44‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪42‬‬

‫ثانيا ‪ -‬الركن المعنوي لجريمة ا�ستعداد دولة �أجنبية للقيام بالعدوان �ضد المغرب‬
‫�ضرورة توافر علم الجاني واتجاه �إرادته �إلى �إرتكاب فعل مخالف للقانون الجنائي‬
‫وا�ستعداده لدولة �أجنبية من �أجل القيام بعدوان �ضد بلده المغرب وبالتالي �إذن ي�ستهدف هذا‬
‫االت�صال �أي عدوان فال تقوم هذه الجريمة مطلقا و مثال ذلك �أن يدلي �ضابط في الجي�ش‬
‫المغربي بمعلومات �إلى �ضابط �أخر عن ح�سن نية ف�إذا بهذا الأخير ير�سلها �إلى دولة �أجنبية‬
‫لت�ستغلها في اقتحام قواتها للأرا�ضي المغربية ففي هاته الحالة ال يمكن متابعة ال�ضابط‬
‫ح�سن النية بجناية الخيانة‪.‬‬
‫يبدو �أن هذه المتابعة تكون واجبة في حق ال�ضابط الثاني �إذا كان مغربيا �أما �إذا كان �أجنبيا‬
‫فال يتابع بجناية الخيانة و �إنما بجناية التج�س�س لتوافر الق�صد الجنائي لديه‪ 1‬فمن الطبيعي‬
‫ان ي�شدد الم�شرع المغربي العقاب على كل من �سولت له نف�سه الم�سا�س ب�إحدى الم�صالح‬
‫المذكورة عن طريق �إتيان جريمة الخيانة �أو التج�س�س‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬جريمة الخيانة و التج�س�س درا�سة العقاب‬
‫خ�ص�ص الم�شرع لجرائم الخيانة و التج�س�س الف�صول ‪ 181‬و‪ 182‬و‪ 185‬من ق‪.‬ج حيث نجده‬
‫�شدد العقاب �أحيانا وخففه وهذا ما �سنعالجه على امتداد فقرتين‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الأعذار الم�شددة‬
‫كقاعدة عامة عاقب الم�شرع الجنائي على جريمة الخيانة والتج�س�س بمختلف �صورها‬
‫بالإعدام‪ .‬وقد جاء الن�ص �صريحا في هذا الباب اذ ن�ص الف�صل ‪ 181‬من ق‪.‬ج فيما يخ�ص‬
‫جريمة الخيانة على الآتي‪« :‬ي�ؤاخذ بجناية الخيانة و يعاقب بالإعدام كل مغربي �إرتكب في وقت‬
‫�سلم �أو في وقت حرب �أحد الأفعال الآتية ‪-1:‬حمل ال�سالح �ضد المغرب ‪.«...-2‬‬
‫كما ن�ص الف�صل ‪ 182‬من نف�س القانون على العقوبة ذاتها في حالة تحري�ض الع�سكريين �أو‬
‫جنود البحرية على االن�ضمام �إلى خدمة �سلطة �أجنبية �أو �سهل لهم و�سائل ذلك �أو قام بعملية‬
‫التجنيد لح�ساب �سلطة توجد في حالة حرب مع المغرب �أو با�شر االت�صاالت مع �سلطة �أجنبية‬
‫�أو مع عمالئه وذلك بق�صد م�ساعدتها في خططها �ضد المغرب‪.... 2‬‬
‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.85.‬‬
‫‪ 22‬جاء يف الف�صل ‪ 182‬ما يلي‪(( :‬ي�ؤاخذ بجناية اخليانة‪ ،‬ويعاقب بالإعدام‪ ،‬كل مغربي ارتكب‪ ،‬يف وقت احلرب‪� ،‬أحد‬
‫الأفعال الآتية‪:‬‬
‫‪ - 1‬حر�ض الع�سكريني �أو جنود البحرية على االن�ضمام �إىل خدمة �سلطة �أجنبية �أو �سهل لهم و�سائل ذلك �أو قام بعملية‬
‫التجنيد حل�ساب �سلطة هي يف حالة حرب مع املغرب‪.‬‬
‫‪ - 2‬با�رش ات�صاالت مع �سلطة �أجنبية �أو مع عمالئها‪ ،‬وذلك بق�صد م�ساعدتها يف خططها �ضد املغرب‪.‬‬
‫‪� - 3‬ساهم عمدا يف م�رشوع لإ�ضعاف معنوية اجلي�ش �أو الأمة‪ ،‬الغر�ض منه الإ�رضار بالدفاع الوطني‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫كما �أن نف�س العقوبة ‪-‬الإعدام‪� -‬أقرها الف�صل ‪ 185‬من ذات القانون ‪-‬فيما يخ�ص جريمة‬
‫التج�س�س ‪-‬فن�ص بالحرف على انه‪(( :‬يعد مرتكبا لجناية التج�س�س ويعاقب بالإعدام كل‬
‫�أجنبي �إرتكب �أحد الأفعال المبينة في الف�صل ‪ 181‬فقرة ‪ 2‬و‪ 3‬و‪ 4‬و‪ 5‬والف�صل ‪.))182‬‬
‫ولعل ت�شدد الم�شرع في العقاب على مرتكب جريمة الخيانة بالإعدام راجع بالأ�سا�س �إلى‬
‫خطورتها‪-‬ال �سيما في فترة الحرب‪ -‬الردع الذي يبتغيه الم�شرع من وراء هذا الت�شديد للحيلولة‬
‫دون خروج الفعل عن طاعة وطنه ووالئه له‪.‬‬
‫�أما ت�شدده فيما يتعلق بجريمة التج�س�س فيف�سره ما يمكن ان ي�ؤدي �إليه الفعل المرتكب من‬
‫طرف الأجنبي في هذا النوع من الجرائم من تهديد ا�ستقرار المغرب و�أمنه و وحدته درءا لنار‬
‫الفتنة و لم�ساوئ الحرب التي تهلك الحرث و الن�سل‪.‬فكان طبيعيا �أن يعاقب الم�شرع مرتكب‬
‫هذه الجرائم بالإعدام‪ .‬و �سبب �إعدامه يرتبط بما يكنه للمغرب من عداوة قائمة على العنف‬
‫فحيثما توفر هذا العن�صر يتم ت�شديد هذه العقوبة فيحكم عليه بالإعدام‪ .‬وبالإ�ضافة �إلى كل‬
‫هذه الأ�سباب التي دفعت الم�شرع �إلى ت�شديد العقوبة يبقى الهدف الرئي�سي الذي يهدف �إليه‬
‫الم�شرع من وراء ذلك هو وجوب ا�ستئ�صال هذه الجرائم في مهدها قبل �أن ي�ستفحل �أمرها و‬
‫ي�شتد عودها فتزداد �شوكتها و يت�ضاعف خطرها‪ .‬و من �أوجه ت�شديد الم�شرع العقاب على هذا‬
‫النوع من الجرائم انه لم يميز بين الفاعل الأ�صلي �أو الم�ساهم �أو الم�شارك فكلهم في العقاب‬
‫�سواء‪ .‬هذا ف�ضال على انه لم يتقيد بالقيود وال�ضوابط المحددة بموجب الف�صول من ‪� 704‬إلى‬
‫‪ 711‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪ .‬وهذا في نظرنا �أما راجح �إلى العقاب الذي اقره الم�شرع‬
‫‪1‬‬
‫لمقترفي هذه الجرائم وهو الإعدام و �إما راجع لعدم خ�ضوعها ال للعفو وال للتقادم‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الأعذار المخففة‪:‬‬
‫قدمنا �أن عقوبة جرائم الخيانة والتج�س�س هو الإعدام‪ .‬لكن في واقع الأمر نجد �أن هاته‬
‫العقوبة مبدئية ال غير‪ .‬ذلك �أن الم�شرع المغربي �سرعان ما �أورد عليه ا�ستثناءات �أنزلت‬
‫العقوبة �إلى ال�سجن المحدد بدل الإعدام و ذلك بتوافر �شرطين �أ�سا�سيين هما‪:‬‬
‫ال�شرط الأول‪ :‬فيتمثل في وجوب �إرتكاب الفعل وقت ال�سلم ال وقت الحرب‪.‬‬
‫ال�شرط الثاني‪ :‬يكمن في �ضرورة �أن يكون الفعل المرتكب وقت ال�سلم من الأفعال التي ال‬
‫ت�شكل خطورة على المملكة المغربية‪.‬‬

‫ويعد الع�سكريون وجنود البحرية من الأجانب العاملني يف خدمة املغرب مماثلني للمغاربة فيما يتعلق بتطبيق هذا الف�صل‬
‫والف�صل ((‪181.‬‬
‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.54.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪44‬‬

‫�أما �إذا تم �إتيان نف�س الفعل وقت الحرب ف�إن العقوبة تكون هي الإعدام ولي�س ال�سجن‬
‫المحدد �سواء كان الفعل المرتكب خطيرا �أو لم يكن‪ .‬وتطبيقات هذين ال�شرطين ن�ست�شفها‬
‫مما ن�ص عليه الم�شرع المغربي في الف�صل ‪ 183‬و‪ 184‬من ق‪.‬ج‪ .‬وهكذا ن�ص الف�صل ‪ 183‬من‬
‫ق‪.‬ج‪-‬فيما يتعلق بال�شرط الأول‪-‬على �أنه‪« :‬يعاقب بال�سجن من خم�سة �إلى ع�شرين �سنة كل‬
‫مغربي �ساهم عن علم وقت ال�سلم في م�شروع لإ�ضعاف معنويات الجي�ش الغر�ض منه الإ�ضرار‬
‫بالدفاع الوطني»‪ .1‬وفيما يخ�ص ال�شرط الثاني‪-‬ن�ص الف�صل ‪ 184‬من ق‪.‬ج‪ -‬على �أنه ‪« :‬يعاقب‬
‫بال�سجن من خم�س �إلى ثالثين �سنة كل مغربي �أو �أجنبي �إرتكب وقت ال�سلم �أحد الأفعال الآتية‪:‬‬
‫‪� - 1‬أ�ساء عمدا �صنع عتاد حربي‪� -2 -‬إذا لم يكن من �ش�أن ذلك �أن ي�سبب �أي حادث‪ .2»...‬وعليه‬
‫ففي غير هذه الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صل �أعاله ال يتمتع الجاني بعذر مخفف من‬
‫العقاب فتكون العقوبة المقررة في حقه هي الإعدام‪.3‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫«�إن الح�ضارة تبد�أ حيث ينتهي اال�ضطراب والقلق‪ ،‬لأنه �إذا ما �أمن الإن�سان من الخوف‪،‬‬
‫تحررت في نف�سه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإن�شاء‪ ,‬وبعدئذ ال تنفك الحوافز الطبيعية‬
‫ت�ستنه�ضه للم�ضي في طريقه �إلى فهم الحياة و�إزهارها»‪ ،‬هذا ما جاء على ل�سان ول وايريل‬
‫ديورنتا في كتابه ق�صد الح�ضارة‪ ،‬بحيث �أنه بتمعن في هذه الأ�سطر القليلة يتبين �أن المجتمع‬
‫الذي قد يت�صف بالتقدم الح�ضاري لي�س هو المجتمع الذي له الريادة على الم�ستوى االقت�صادي‬
‫وال له ذلك الرقي في بعده ال�سيا�سي وال حتى كذلك التطور التكنولوجي ي�ؤخذ كمعيار لمدى‬
‫تطوره وتح�ضره بالمعنى الأدق‪ .‬في حين �أن المعيار ال�شامل الذي يمكن �أن ن�ستقيه من خالل‬
‫ما جاء عن الم�ؤرخ ديوانت �أن المعيار ال�شامل الذي يمكن �أن يقا�س به التقدم الح�ضاري هو ما‬
‫يتعلق بال�شعور بالأمن‪ ،‬والمجتمع المتقدم ح�ضاريا‪ ،‬هو ذلك المجتمع الذي يوفر �أو�سع م�شاعر‬
‫الأمن للغالبية العظمى من مواطنيه‪.‬‬

‫‪ 11‬لقد جاء يف الف�صل ‪� 183‬أنه‪(( :‬يعاقب بال�سجن من خم�س �إىل ع�رشين �سنة كل مغربي �أو �أجنبي �ساهم عن علم وقت ال�سلم‪،‬‬
‫يف م�رشوع لإ�ضعاف معنوية اجلي�ش‪ ،‬الغر�ض منه الإ�رضار بالدفاع الوطني))‪.‬‬
‫‪ 22‬جاء يف الف�صل ‪� 184‬أنه‪(( :‬يعاقب بال�سجن من خم�س �إىل ثالثني �سنة كل مغربي �أو �أجنبي ارتكب‪ ،‬وقت ال�سلم �أحد‬
‫الأفعال الآتية‪:‬‬
‫‪� - 1‬أ�ساء عمدا �صنع عتاد حربي‪� ،‬إذا مل يكن من �ش�أن ذلك �أن ي�سبب �أي حادث‪.‬‬
‫‪� - 2‬أتلف �أو حطم عمدا عتادا �أو م�ؤنا خم�ص�صة للدفاع الوطني �أو ت�ستعمل لفائدته‪.‬‬
‫‪ - 3‬عطل مرور هذا العتاد بالعنف‪.‬‬
‫‪� - 4‬ساهم عمدا يف عمل �أو يف الإعداد لعمل قامت به ع�صابة وا�ستعملت فيه القوة ال�سافرة‪ ،‬ق�صد به ونتج عنه �إرتكاب‬
‫�إحدى اجلنايات املن�صو�ص عليها يف الفقرات ال�سابقة من هذا الف�صل))‪.‬‬
‫‪ 33‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.56.‬‬
‫‪45‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫لأجل ذلك يعتبر �أمن الدولة وا�ستقرارها من الموا�ضيع الحيوية في القوانين الو�ضعية‬
‫وال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬التي ال ي�سمح لأي كان �أن يعتر�ضها التهديد في كل الأحوال ولأي �سبب‬
‫�أو حجة كانت‪.‬‬
‫فلقد كان والزال �أمن الدولة محل االهتمام والحماية ل�ضمان رقيها وتطورها‪ ،‬لذلك دعت‬
‫الحاجة باال�ستقرار المتوا�صل لالجتهاد لحماية هذه المفاهيم االجتماعية‪ ،‬للبحث عن و�سائل‬
‫تحمل على تجريم هذه الأفعال ومعاقبة فاعلها ب�أ�شد العقوبات‪.‬‬
‫وعليه فبتطور المجتمعات برزت م�شكالت �أمنية كبرى داخل الدول �أخذت �أبعادا عديدة‪،‬‬
‫نتج عنها م�شكالت �أمنية وطنية �أو �إقليمية‪ ،‬بل تعدت ذلك و�أ�صبحت م�شكلة عالمية‪ ،‬ال يمكن‬
‫لأي دولة �أن تعتبر نف�سها في من�أى عن مخاطر ال�شيء الذي ال يجعل �أي دولة تعتبر نف�سها في‬
‫من�أى عن مخاطره‪ ،‬فال غرابة �أن نرى االهتمام العالمي من الدول المتقدمة وال�سامية بموا�ضيع‬
‫الأمن في جميع دول العالم‪ ،‬فال �أمن داخل الحدود الوطنية بدون �أمن لدى دول الجوار‪.‬‬
‫وت�أ�سي�سا على ما �سبق يبرر لنا مدى اهتمام الت�شريعات الدولية بالجرائم الما�سة ب�أمن الدول‬
‫من جهة الداخل �أو الخارج‪ ،‬وذلك نظرا للخطورة البالغة لهذه الجرائم وما ي�ستلزم معها من‬
‫احتياط بالغ في التعامل معها ب�شدة وذكاء لكبح جماح هذه الجرائم ولردع كل من ت�سول له نف�سه‬
‫�أن يهدد ا�ستقرار و�أمن المجتمع الأمر الذي اتبعه و�أكد عليه الم�شرع المغربي ليتبع من خالله‬
‫�سيا�سة تحويطية في مجال جرائم �أم الدولة �سواء �أكانت الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة من جهة‬
‫الداخل �أو الخارج‪ ،‬وذلك من خالل �إيراد الن�صو�ص الناظمة لأمن الدولة‪ ،‬بغية حماية وجود‬
‫الدولة من الأخطار التي تهددها من مختلف الجرائم والأفعال التي قد تنال من هيبتها ومكانتها‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫➋‬
‫الجرائـم الما�سة بحقوق الإن�سان ‪:‬‬
‫التعذيـــب‪ ،‬الإتجار بالب�شر والإختفاء الق�سـري‬
‫تمهيــد‪:‬‬
‫�شكلت �إ�سهامات الفكر المثالي‪ ،‬والنظريات الأخالقية‪ ،‬والمعتقدات الب�شرية والأديان‬
‫ال�سماوية دورا �أ�سا�سيا في تر�سيخ قيم حقوق الإن�سان‪ ،‬وقد جعلت مجموعة من تلك‬
‫النظريات والمعتقدات من تخليق حقوق الإن�سان محور �أفكارها وتوجهاتها‪ ،‬كما جعلت‬
‫منه الديانات الإبراهيمية الثالث محور ر�سالتها‪� ،‬إذ ال ت�ستقيم الحياة في رحلة عمر‬
‫الإن�سان فوق الأر�ض‪� ،‬إال �إذا كانت له حقوق ت�صون كرامته‪ ،‬وتوفر له ال�شروط المو�ضوعية‬
‫لإدارة الأر�ض التي �إ�ستخلفه اهلل عليها‪ ،‬بما ي�ضمن ح�سن �إعمارها وتدبير �ش�ؤونها‪� ،‬إذ‬
‫بتمتعه وممار�سته لحقوقه ي�صبح �صالحا م�ؤهال للقيام بالأمانة التي عهد اهلل بها �إليه‪.1‬‬
‫ويعتبر الإعالن العالمي لحقوق الإن�سان ال�صادر بتاريخ ‪ 10‬دجنبر ‪ 1948‬وجزء من التراث‬
‫القانوني للدول الغربية‪ ،‬ونتاجا من معطيات ح�ضارتها‪ ،‬وعنوانا لتقدمها واعتبر خبراء التنمية‬
‫الإجتماعية واالقت�صادية ممار�سة المواطن لحقوقه وتمتعه بها �شرطا �أ�سا�سيا من �شروط‬
‫نجاح خطط التنمية ال�شاملة‪� ،‬إذ يتجلى ذلك من خالل التراث العالمي المعا�صر لحقوق‬
‫الإن�سان‪ ،‬التي تثوي مبادئ ملزمة فر�ضتها الجماعة الإن�سانية منذ انتهاء الحرب العالمية‬
‫الثانية تحديدا‪ ،‬على االلتزام بها التزاما قانونيا‪ ،‬يجد �سنده في �آليات دولية‪ ،‬وداخلية تكفل‬
‫تحقق تلك االلتزامات‪� ،‬أي �أنها‪� ،‬أي حقوق الإن�سان‪� ،‬أ�ضحت في الع�صر الحا�ضر لي�ست مجرد‬
‫مبادئ فا�ضلة تح�ض عليها الأخالق والقيم‪� ،‬أو تعاليم تح�ض عليها الأديان‪ ،‬بل تحولت �إلى‬
‫التزامات قانونية تعر�ض من يخالفها لجزاءات على الم�ستوى الدولي والإقليمي والوطني‪.‬‬
‫و�إذا كانت حقوق الإن�سان هي مجموعة الحقوق الل�صيقة ب�شخ�صية الإن�سان لمجرد كونه‬
‫�إن�سانا‪ ،‬كما ن�صت عليها المواثيق الدولية‪ ،‬وتكفل له التمتع بها‪ ،‬بحيث ال يجوز تجريده منها‬
‫لأي �سبب كان‪ ،‬ب�صرف النظر عن كل مظاهر التميز كالدين واللغة واللون والأ�صل والعرق‬
‫والجن�س‪� ،‬إال �أن هذه الحقوق تعر�ضت النتهاكات ج�سيمة‪ ،‬لأ�سباب متعددة‪ ،‬منها ما هو‬

‫‪ 11‬قال الله تعاىل يف �سورة الأنبياء الآية ‪« 105‬إن األرض يرثها عبادي الصاحلون‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪48‬‬

‫مرتبط بطبيعة العالقات الدولية والحروب الأهلية والنزاعات الم�سلحة‪ ،‬ومنها ما هو مرتبط‬
‫بال�سيا�سات العمومية للدول‪ ،‬وقدرتها على تنزيل منظومتها الديمقراطية‪ ،‬تحقيقا للعدالة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وللم�ساواة في الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫ولعل من مظاهر تلك االنتهاكات التي �أ�صبحت تعطي م�ؤ�شرات مقلقة على م�ستوى‬
‫الإح�صائيات المتعلقة بتنامي الظاهرة الإجرامية‪ ،‬نجد جرائم الإتجار بالب�شر ثم جريمة‬
‫التعذيب ثم جريمة الإختفاء الق�سري‪.‬‬
‫ثالثة محاور‪� ،‬سنعتمد فيها �آلية التحليل في �صيانة �أجوبة لها لتف�سيرها في ارتباطها مع‬
‫حقوق الإن�سان‪ ،‬وذلك بالقدر الذي يتالءم وحدود هذا البحث وبالعمق التحليلي الذي ي�ستلزمه‬
‫مو�ضوع من حجم الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان‪.‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان‬ ‫❑‬

‫المبحث الثاني‪� :‬سبل مناه�ضة الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان‬ ‫❑‬

‫المبحث الأول‪ :‬الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان‬


‫�سنتناول اتباعا جرائم التعذيب والإختفاء الق�سري‬
‫المطلب الأول‪ :‬جرائم التعذيب‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬الإطار القانوني العام لجريمة التعذيب في القوانين والمواثيق الدولية‪.‬‬
‫جريمـــة التعـــذيــــب‪.‬‬
‫اختلفت المواثيق الدولية في تعريف التعذيب و�ضبط مفهومه‪ ،‬ولعل من �أ�سباب هذا‬
‫االختالف‪ ،‬هو �أن ال�سياق العام الذي و�ضع فيه من خالل ال�صك الدولي‪ ،‬جعل الأمر متروكا‬
‫ح�سب ظروف ومالب�سات كل واقعة‪ ،‬على الرغم من وجود الكثير من المعاهدات المتعلقة‬
‫بحقوق الإن�سان‪� ،‬إال �أنها لم ت�ستطع �أن تحدد مفهوما للتعذيب‪ ،‬ولم تميز �أي�ضا بين المعامالت‬
‫الال�إن�سانية �أو المهينة للكرامة‪.‬‬
‫الإطار الأول‪� :‬إعالن ‪ 1975‬المتعلق بحماية جميع الأ�شخا�ص من التعر�ض للتعذيب وغيره‪.‬‬
‫ورد في المادة الأولى‪ ،‬لأغرا�ض هذا الإعالن يق�صد بالتعذيب‪�( :‬أي عمل ينتج عنه �ألم‬
‫�أو عناء �شديد‪ ،‬ج�سديا كان �أو عقليا‪ ،‬يتم �إلحاقه عمدا ب�شخ�ص ما‪ ،‬بفعل �أحد الموظفين‬
‫العموميين‪� ،‬أو بتحري�ض منه‪ ،‬لأغرا�ض مثل الح�صول من هذا ال�شخ�ص على معلومات �أو‬
‫اعتراف‪� ،‬أو معاقبته على عمل ارتكبه �أو ي�شتبـ ـ ــه في �أنه ارتكب ــه‪� ،‬أو تخويف ــه �أو تخويف‬
‫�أ�شخا�ص �آخرين؛ وال ي�شمل التعذيب الألم �أو العناء ال ــذي يكـ ـ ــون نا�شئا عـ ـ ــن مجرد‬
‫‪49‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫جزاءات م�شروعة �أو مالزما لهـ ــا �أو مت ـ ــرتبا عليها في ح ــدود تم�شي ذلك م ــع القواع ــد‬
‫النموذجي ــة الدني ــا لمعاملـ ـ ــة ال�سجن ــاء)‪.1‬‬
‫الإطار الثاني ‪� :‬إتفاقية ‪ 1984‬مناه�ضة التعذيب وغيره من �ضروب المعاملة �أو العقوبة‬
‫القا�سية �أو الال�إن�سانية �أو المهينة‪.‬‬
‫ن�صت الإتفاقية في المادة الأولى على �أنه‪( :‬لأغرا�ض هذه الإتفاقية يق�صد بالتعذيب �أي‬
‫عمل ينتج عنه �ألم �أو عذاب �شديد‪ ،‬ج�سديا كان �أم عقليا‪ ،‬يلحق عمدا ب�شخ�ص ما بق�صد‬
‫الح�صول من هذا ال�شخ�ص‪� ،‬أو من �شخ�ص ثالث‪ ،‬على معلومات �أو على اعتراف‪� ،‬أو معاقبته‬
‫على عمل ارتكبه �أو ي�شتبه في �أنه ارتكبه‪ ،‬هو �أو �شخ�ص ثالث‪� ،‬أو تخويفه �أو �إرغامه هو �أو‬
‫�أي �شخ�ص ثالث‪� ،‬أو عندما يلحق مثل هذا الألم �أو العذاب لأي �سبب من الأ�سباب يقوم على‬
‫التمييز �أيا كان نوعه‪� ،‬أو يحر�ض عليه �أو يوافق عليه �أو ي�سكت عنه موظف ر�سمي �أو �أي �شخ�ص‬
‫�آخر يت�صرف ب�صفته الر�سمية؛ وال ي�شمل هذا التعريف الألم �أو العذاب النا�شئ فقط عن‬
‫عقوبات قانونية �أو المالزم لهذه العقوبات �أو الذي يكون نتيجة عر�ضية لها)‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر �أنه قد كان هناك الكثير من المحاوالت من فريق العمل المكلف‬
‫بتعريف التعذيب حتى �إ�ستقر على ما هو مدون بالمادة الأولى من �إتفاقية الأمم المتحدة‬
‫لمناه�ضة التعذيب‪.2‬‬
‫الإطار الثالث ‪ :‬الإتفاقية الأمريكية ل�سنة ‪ 1987‬لمنع التعذيب ‪:‬‬
‫حيث ن�صت في المادة الثانية على �أنه‪( :‬لأغرا�ض هذه الإتفاقية ‪ -‬يفهم التعذيب على �أنه‬
‫فعل يرتكب عمد ًا لإنزال الألم البدني �أو العقلي �أو المعاناة ب�أي �شخ�ص لأغرا�ض التحقيق‬
‫الجنائي كو�سيلة للتخويف �أو كعقوبة �شخ�صية �أو ك�إجراء وقائي �أو لأي غر�ض �آخر‪ ،‬ويفهم‬
‫التعذيب كذلك على �أنه �إ�ستخدام الو�سائل التي يق�صد بها طم�س �شخ�صية ال�ضحية‪،‬‬

‫‪ 11‬للمزيد عن تعريف التعذيب يراجع‪:‬‬


‫‪Henry J. Steiner and Philip Alston, International Human Right In Context, law politics morals USA,‬‬
‫‪Oxford University press, third edition 2008, p. 1999, 2000.‬‬
‫‪The working group, In their written comments, some government submitted alternative text proposal:‬‬
‫‪The United States suggested article 1 should read as follows.‬‬
‫‪A - For the purpose of the present Convention the offence of torture includes any act which extremely‬‬
‫‪severe pain or suffering, whether physical or mental, is deliberately and maliciously inflicted on a‬‬
‫‪person by or with the consent or acquiescence of a public official.‬‬
‫‪B - Torture does not include pain or suffering arising only from, inherent in or incidental to sanctions‬‬
‫‪lawfully imposed; but does include sanctions imposed under colour of law but in flagrant disregard of‬‬
‫‪accepted international standards.‬‬
‫‪2. See : J. Herman Burgers and Hans Danelius, The United Nations Convention against torture, a Hand-‬‬
‫‪book on the Convention against Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punish-‬‬
‫‪ment, MartinusNihoff Publishers, The Netherlands, 1988. P. 4.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪50‬‬

‫�أو �إ�ضعاف قدراته البدنية �أو العقلية حتى و�إن لم ت�سبب الألم البدني �أو العقلي‪.‬وال ي�شمل‬
‫مفهوم التعذيب الألم البدني �أو العقلي �أو المعاناة التي تالزم �أو تكون من �آثار الإجراءات‬
‫القانونية ب�شرط �أال ت�شمل �إرتكاب �أعمال �أو �إ�ستعمال و�سائل م�شار �إليها في هذه المادة)‪.‬‬
‫الإطار الرابع ‪ :‬نظام روما الأ�سا�سي للمحكمة الجنائية الدولية‪:‬‬
‫ن�صت المادة ‪ 2/7‬على �أنه‪ :‬يق�صد بالتعذيب‪( :‬عمد �إلحاق �ألم �شديد �أو معاناة �شديدة‪،‬‬
‫�سواءا بدني ًا �أو عقلي ًا‪ ،‬بالمتهم �أو �أي �شخ�ص موجود تحت الإ�شراف �أو ال�سيطرة‪ ،‬ولكن ال‬
‫ي�شمل التعذيب �أي �ألم �أو معاناة ينجمان فح�سب عن عقوبات قانونية �أو يكونان جزء ًا منها �أو‬
‫نتيجة لها)‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬التمييز بين التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية �أو المهينة‪:1‬‬
‫تتطلب �إتفاقية الأمم المتحدة لمناه�ضة التعذيب من الدول حظر (�أي �أعمال �أخرى‬
‫من �أعمال المعاملة �أو العقوبة القا�سية �أو الال�إن�سانية �أو المهينة التي ال ت�صل �إلى حد‬
‫التعذيب)‪ ،‬عندما يرتكبها موظف عمومي �أو �شخ�ص �آخر يت�صرف ب�صفة ر�سمية �أو‬
‫يحر�ض عليها‪� ،‬أو عندما تتم بموافقته �أو ب�سكوته عليها‪2‬؛ ولم تقدم الإتفاقية �أي تف�سير‬
‫�أو تعريف يفرق بين تلك الأعمال ‪-‬الال�إن�سانية‪ -‬وبين التعذيب‪ ،‬حيث �أن الفارق غير‬
‫وا�ضح‪ ،‬كما �أن تلك الممار�سات ن�سبية‪ ،‬فقد تكون ل�شخ�ص ما تعذيبا ولآخر مجرد‬
‫معاملة فيها قدر من الخ�شونة؛ وهو ما ي�شكل م�شكلة فيما يتعلق بالتزامات الدول‪.3‬‬
‫ومن الجدير بالذكر �أن �شدة الألم الج�سدي �أو النف�سي �أو المعاناة هو جانب �شخ�صي‬
‫تماما‪ ،‬فمن الممكن �أن ي�شكل التهديد فقط تعذيبا نف�سيا‪ ،‬ومن الممكن مجرد �سماع‬
‫ال�ضحية الأخرى ت�صرخ من الألم فيكون تعذيبا على �شخ�ص �آخر؛ كما قد يكون مجرد‬
‫الركل وال�سب تعذيبا ل�شخ�ص ذو مكانة عالية �أو على درجة من الإح�سا�س المرهف‪ ،‬وتكون‬
‫تلك الأفعال ل�شخ�ص معتاد الإجرام �أعماال ب�سيطة ال تمثل في ج�سده �أو نف�سه �شيئا يذكر‪.‬‬
‫‪ -‬ولذلك‪:‬‬
‫�إن التمييز بين التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية �شيء من ال�صعب التفرقة بينهما؛ فمن‬
‫المعامالت الال�إن�سانية �أثناء التحقيق‪( :‬تع�صيب العينين‪ ،‬ووقوفه لعدة �ساعات طويلة بدون‬
‫طعام �أو �شراب‪� ،‬أو و�ضعه في حجرة بها �ضو�ضاء ب�صوت عالي �أو �سماع �صوت رنين بطريقة‬
‫‪1. See: Definition of the crime of and inhuman treatment torture M. Shokry state crimes against huma-‬‬
‫‪nity Genocide, deportation and torture, From the perspectives of international and islamicalws, A.S.‬‬
‫‪noordeen, 2000, P.135.‬‬
‫‪ 22‬املادة ‪ 16‬من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب لعام ‪.1984‬‬
‫‪� 33‬أنظر وثيقة الأمم املتحدة رقم «‪ »CAR/CGC/2/CRP.1‬جلنة مناه�ضة التعذيب التعليق العام رقم «‪.»2‬‬
‫‪51‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫مرتفعة جدا‪� ،‬أو �إلقاء مياه على الأر�ض للمنع من النوم)‪ ،‬كل هذه الأ�شياء ي�صعب التمييز‬
‫بينها هل تعد تعذيبا �أم نوعا من المعاملة الال�إن�سانية؟ فقد يعتبرها البع�ض نوعا من التعذيب‪،‬‬
‫والبع�ض الآخر مجرد معاملة ال �إن�سانية ال ترقى �إلى درجة التعذيب‪ .‬ومن هنا ن�ستطيع القول‬
‫ب�أنها م�س�ألة ن�سبية تختلف من �شخ�ص �إلى �أخر‪ ،‬مع الو�ضع في االعتبار الظروف المالب�سة لكل‬
‫واقعة على حدة‪.‬‬
‫ومن هنا كان لزاما علينا �إي�ضاح �أ�سا�س التزام الدول بعدم التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية‬
‫�أو المهينة في �ضوء المواثيق الدولية والت�شريعات الوطنية‪.‬‬
‫الفقرة الثالثـة ‪ :‬جريمة التعذيب في الت�شريع المغربي‪.‬‬
‫من الم�ؤكد �أن االلتزام بمبادئ حقوق الإن�سان‪ ،‬ي�شكل م�سالة جوهرية في م�سار بناء دولة‬
‫الحق والقانون‪ ،‬وقد بادر المغرب منذ منت�صف القرن الما�ضي‪� ،‬إلى االنخراط في م�سل�سل‬
‫الم�صادقة على ال�صكوك الدولية‪ ،‬ذات ال�صلة بحقوق الإن�سان‪ ،‬و مالءمة الت�شريعات الوطنية‬
‫مع الإتفاقيات الدولية ك�آلية من �آليات تطبيق و تر�سيخ تلك المبادئ الدولية‪ .‬وبغ�ض النظر عن‬
‫�آلية المالءمة‪ ،‬ف�إن هيئات الأمم المتحدة ت�ضطلع بمهمة مراقبة الطريقة التي تفي من خاللها‬
‫الدول بالتزاماتها تجاه الإتفاقيات �أو العهود �أو الإعالنات الموقعة‪ ،‬وذلك عبر مجموعة من‬
‫الهيئات الدولية وم�سطرة التقارير الدولية‪.‬‬
‫و�إذا كانت الإتفاقيات الدولية قد �أحدثت �آليات لتتبع مدى تفعيل الدول لمقت�ضيات‬
‫التزاماتها‪ ،‬ف�إنها ن�صت �أي�ضا‪ ،‬على �ضرورة ا�ستنفاذ الم�ساطر الوطنية قبل التوجه �إليها‪ ،‬وهذا‬
‫ما ي�ضاعف من �أهمية التعرف على طبيعة دور تلك الآليات‪ ،‬ومجال اخت�صا�صها وتدخلها‪.‬‬
‫فال �شك �أن اللجوء �إلى هذه الم�ؤ�س�سات‪ ،‬ي�ساهم في تفعيل دورها ويراكم اجتهاداتها‬
‫وممار�ستها ل�صالحياتها‪ ،‬بما ي�ؤ�صل لثقافة حقوقية‪ ،‬تدعم دولة الم�ؤ�س�سات‪ ،‬و�أن �أهم مجال‬
‫لتطبيق الإتفاقيات الدولية الخا�صة بحقوق الإن�سان‪ ،‬التي من جملتها �إتفاقية مناه�ضة التعذيب‬
‫هو مجال القانون الجنائي من خالل ن�صو�صه الخا�صة‪.‬‬
‫غير �أن التطبيق الأمثل لالتفاقيات الدولية يقت�ضي �إدماجها في الن�سيج القانوني الداخلي‪،‬‬
‫وذلك بالتطبيق المبا�شر من طرف ال�سلطة الق�ضائية لبنود االتفاقية‪ ،‬ف�ضال عن الت�شريعات‬
‫الوطنية التي تتبنى المقت�ضيات الدولية‪ ،‬ودون �أن نخو�ض في الإ�شكاالت القديمة ب�ش�أن‬
‫مدى �إلزامية الإتفاقيات الدولية من زاوية القانون الدولي‪ ،‬والتي تجاوزها د�ستور ‪ 2011‬في‬
‫ت�صديره‪ ،‬ف�إننا نت�ساءل �أ�سا�سا عن مدى التزام الم�شرع المغربي في مالءمة ت�شريعه الجنائي‬
‫لالتفاقيات الدولية؟‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪52‬‬

‫عرف القانون الجنائي المغربي تطورا في تجريم ومعاقبة التعذيب من خالل التعديل رقم‬
‫‪ 43.04‬باعتباره جريمة م�ستقلة‪ ،‬عطفا على التزام المملكة المغربية د�ستوريا‪ ،‬بما تو�صل �إليه‬
‫القانون الدولي من تطور ب�ش�أن تجريم التعذيب‪ ،‬وذلك عن طريق الم�صادقة على عدة وثائق‬
‫دولية �سواء عامة �أو متخ�ص�صة في منع اللجوء للتعذيب‪ ،‬مثل الم�صادقة على العهد الدولي‬
‫لحقوق المدنية وال�سيا�سية‪ ،‬وكذا �إتفاقية الأمم لمناه�ضة التعذيب ل�سنة ‪ ،1984‬وبالأ�سا�س‬
‫الم�صادقة على �إتفاقية مناه�ضة التعذيب �سنة ‪ ،1993‬وهو ما يفيد التزام المغرب ب�ضمان‬
‫تجريم التعذيب ومعاقبة �أي �شخ�ص يحاول ممار�سته �أو يقوم بعمل �آخر ي�شكل تواط�ؤ �أو م�شاركة‬
‫في التعذيب‪.1‬‬
‫لقد �شكل د�ستور ‪ 2011‬منعطفا �أ�سا�سيا في التغيير‪�،2‬إذ �أعلن في ت�صديره على �أن «المملكة‬
‫المغربية‪ ....‬الع�ضو العامل الن�شيط في المنظمات الدولية‪ ،‬تتعهد بالتزام ما تقت�ضيه مواثيقها‬
‫من مبادئ وحقوق وواجبات‪ ،‬وت�ؤكد ت�شبثها بحقوق الإن�سان كما هي متعارف عليها عالميا‪....‬‬
‫وت�ؤكد وتلتزم ب ‪ ...‬حماية منظومتي حقوق الإن�سان والقانون الدولي الإن�ساني والنهو�ض بهما‪،‬‬
‫مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق‪ ،‬وعدم قابليتها للتجزيء‪ ،»...‬فكان تتويجا للتطورات‬
‫التي لحقت بملف حقوق الإن�سان خالل ال�سنوات الأخيرة‪ ،‬والتي من بينها العمل الكبير‬
‫الذي قامت به هيئة الإن�صاف والم�صالحة جبرا لل�ضرر الذي لحق �ضحايا ما كان ي�سمى‬

‫‪ 11‬من القواعد امل�سلم بها يف القانون الدويل �أن �إمتام �إبرام املعاهدة الدولية‪ ،‬يرتتب عليه بال�رضورة التزام كافة الدول‬
‫الأطراف بتنفيذها يف جمال القانون الدويل و جمال النظام القانوين الداخلي على ال�سواء‪ .‬و من امل�سلم به كذلك �أن‬
‫التزام الدولة بتنفيذ املعاهدة داخل �إطار نظامها القانوين هو التزام بتحقيق نتيجة و لي�س جمرد التزام عناية‪ ،‬ومن �ش�أن‬
‫�إخالل الدولة بهذا االلتزام‪� ،‬أو تراخيها يف االن�صياع له �أن ي�ؤدي �إىل قيام م�س�ؤوليتها الدولية يف هذا ال�صدد‪ .‬فهل‬
‫م�صادقة املغرب على �إتفاقية مناه�ضة التعذيب كاف ليعمل القا�ضي املغربي مبقت�ضياتها و يكيف الأفعال التي قد يرتكبها‬
‫املوظف العمومي على �ضوء هذه الإتفاقية بغ�ض النظر عن الت�رشيعات الداخلية انطالقا من مبد�أ �سمو املعاهدات الدولية‬
‫على الت�رشيعات الداخلية الذي �أ�صبح ينهجه املجتمع الدويل؟ �أم �أن الأمر ي�ستدعي عدم فتح املجال ملثل هذه الإ�شكاالت‬
‫الفقهية من خالل العمل على مالئمة الت�رشيع الداخلي ملقت�ضيات هذه الإتفاقية ال�سيما تلك التي �أ�س�ست عليها �أ�صال و املتعلقة‬
‫باالتفاق حول تعريف موحد جلرمية التعذيب بني الدول الأطراف‪.‬‬
‫د‪� .‬أبو اخلري �أحمد عطية عمر‪ ،‬نفاد املعاهدات الدولية يف النظام القانوين الداخلي‪ ،‬دار النه�ضة العربية القاهرة ‪2003‬‬
‫�ص‪36.‬‬
‫‪� 22‬إن الباحث يف ثنايا الد�ساتري املغربية ال يجد �أي مقت�ضى قانوين يحرم فعل التعذيب ب�شكل �رصيح �أو ين�ص على احلق‬
‫يف ال�سالمة اجل�سدية و النف�سية للمواطنني‪ ،‬ف�صحيح �أن الف�صل العا�رش نت الد�ساتري املغربية يقر�أنه «ال يلقى القب�ض على‬
‫�أحد و ال يعتقل‪ ،‬وال يعاقب �إال يف الأحوال و ح�سب الإجراءات املن�صو�ص عليها يف القانون» �إال �أن هذا القرار ال يعني‬
‫بال�رضورة حظر التعذيب الذي �أقرته �إتفاقية مناه�ضة التعذيب ل�سنة ‪ ،1984‬وميكن مقارنة هذا الف�صل بن�ص الف�صل‬
‫التا�سع من الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان الذي جاء فيه «ال يجوز القب�ض على �إن�سان �أو حجزه �أو نفيه تع�سفا» و هو‬
‫يعني احلق يف عدم التوقيف بدون حماكمة‪� ،‬أي احلق يف الأمان و لي�س احلق يف ال�سالمة اجل�سدية والعقلية الذي قامت‬
‫عليه �إتفاقية مناه�ضة التعذيب‪.‬‬
‫كما ت�ضمن القانون الأ�سا�سي للملكة ال�صادر يف ‪ 2‬يونيو ‪ 1961‬مبد�أ �إلزامه للدولة ب�صيانة كرامة الأ�شخا�ص مت�أثرا‬
‫بالإعالن العاملي حلقوق الإن�سان و بروح النقا�ش داخل اجلمعية العامة للأمم املتحدة �أبان حت�ضري العهد الدويل للحقوق‬
‫املدنية ال�سيا�سية‪� ،‬أنظر « د‪ .‬علي كرميي �ص» ‪ 31‬و �ص‪،40.‬م �س‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ب�سنوات الر�صا�ص‪ ،‬خدمة لمو�ضوع «العدالة االنتقالية»‪ ،‬وكانت تو�صيات الهيئة تت�سم بالجر�أة‬
‫والمو�ضوعية‪ ،‬تجنبا لما حدث في الما�ضي‪� ،‬إ�ضافة �إلى الرقي بم�ؤ�س�سة المجل�س الوطني‬
‫لحقوق الإن�سان‪� ،‬إلى م�صاف الهيئات الوطنية وفق «�إعالن باري�س»‪.‬‬
‫ولعل الإلتزام الدولي‪ ،‬الم�ؤكد ب�سمو المعاهدات والإتفاقيات الدولية «كما �صادق عليها‬
‫المغرب‪ ،‬وفي نطاق �أحكام الد�ستور‪ ،‬وقوانين المملكة‪ ،‬وهويتها الوطنية الرا�سخة»‪� ،‬سيتمم‬
‫بالئحة من الحقوق والحريات المكر�سة د�ستوريا‪ ،‬والتي �أفرد لها الم�شرع الد�ستوري بابا خا�صا‬
‫بها تحت عنوان «الحريات والحقوق الأ�سا�سية» والتي تت�ضمن الم�ساواة بين الرجل والمر�أة في‬
‫الحقوق والحريات المدنية وال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية والبيئية‪ ،‬وال�سعي‬
‫نحو تحقيق المنا�صفة بين الرجل والمر�أة }الف�صل ‪ ،{19‬والحق في الحياة }الف�صل ‪{20‬‬
‫وال�سالمة ال�شخ�صية }الف�صل‪ ،{21‬وتجريم التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية �أو المهينة �أو‬
‫المحطة من الكرامة الإن�سانية }الف�صل ‪ ،{22‬وكذا االعتقال التع�سفي �أو ال�سري �أو الإختفاء‬
‫الق�سري‪ ،‬والت�شديد على قرينة البراءة‪ ،‬وحظر كل تحري�ض على العن�صرية �أو الكراهية �أو‬
‫العنف }الف�صل ‪ ،1{23‬هذه الحقوق الد�ستورية لي�ست �إعالنات نوايا بل هي التزامات تخ�ضع‬
‫الدولة المغربية لها‪ ،‬بل و تلتزم ب�ضمان �إحترامها و حماية الأ�شخا�ص من �إمكانية الم�سا�س بها‪،‬‬
‫وما يزكي هذا الطرح م�صادقة الحكومة المغربية يوم ‪ 26‬ماي ‪ 2011‬على البروتوكول االختياري‬
‫لإتفاقية مناه�ضة التعذيب وغيره من �ضروب المعاملة �أو العقوبة القا�سية �أو الال�إن�سانية �أو‬
‫المهينة‪ ،‬الذي �أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر ‪ ،2002‬توجه نحو االعتراف‬
‫بحق ال�ضحايا في تقديم ال�شكاوى مبا�شرة �أمام اللجنة الأممية ذات ال�صلة باالتفاقية‪ ،‬في‬
‫حالة عدم احترام حقوقهم و حرياتهم‪ ،‬التي تكفلها االتفاقية‪� ،‬شريطة �أن يكونوا قد ا�ستنفذوا‪،‬‬
‫قبل ذلك‪ ،‬جميع �سبل االنت�صاف الوطنية‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الإختفاء الق�سري‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬تعريف جريمة الإختفاء الق�سري‬
‫تعتبر جريمة الإختفاء الق�سري‪ ،‬من الجرائم الج�سيمة والخطيرة التي �أدانتها وجرمتها‬
‫كل الإتفاقيات الدولية‪ ،‬وغالبا ما تلج�أ �إليها الدول الم�ستبدة لتهديد خ�صومهم ال�سيا�سيين‬
‫و�إخرا�س �صوتهم �إلى الأبد‪ ،‬وت�سارع ال�سلطات �إلى الإنكار عندما تلج�أ �إلى هذا الأ�سلوب غير‬
‫الم�شروع‪ ،‬بل وترف�ض الإف�صاح عن مكان وجود ال�شخ�ص المختفي‪ ،‬الذي يتعر�ض لكل �أنواع‬
‫‪ 11‬و�إىل جانب هذه احلقوق ن�ص الد�ستور على حرية الفكر والر�أي والإبداع والن�رش والبحث العلمي والتقني{الف�صل‪،}25‬‬
‫وحق املواطنات واملواطنني يف احل�صول على املعلومات {الف�صل‪ ،}27‬وحرية ال�صحافة {الف�صل‪ ،}28‬واالجتماع‬
‫والتجمهر والتظاهر ال�سلمي‪ ،‬وت�أ�سي�س اجلمعيات‪ ،‬واالنتماء النقابي‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪54‬‬

‫التعذيب‪ ،‬والمعاملة الال�إن�سانية الحاطة بالكرامة‪� ،‬إذ في كثير من الأحيان ينتهي به المطاف‬
‫�إلى الإختفاء ب�صورة �أبدية‪.‬‬
‫فجريمة الإختفاء الق�سري ترتكب في جنح الظالم من طرف الجالدين‪ ،‬ويتم تبديد‬
‫و�إتالف كل و�سائل الإثبات‪ ،‬بحيث ي�صعب على ال�ضحايا �أو ذويهم �إثبات حقوقهم‪.‬‬
‫ويق�صد بالإختفاء الق�سري «االعتقال �أو االحتجاز �أو االختطاف �أو �أي �شكل من �أ�شكال‬
‫الحرمان من الحرية‪ ،‬يتم على �أيدي موظفي الدولة �أو �أ�شخا�ص �أو مجموعات من الأفراد‬
‫يت�صرفون ب�إذن �أو دعم من الدولة �أو موافقتها‪ ،‬ويعقبه رف�ض االعتراف بحرمان ال�شخ�ص من‬
‫حريته �أو �إخفاء م�صير ال�شخ�ص المختفي �أو مكان وجوده‪ ،‬مما يحرمه من حماية القانون‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬جريمة الإختفاء الق�سري من خالل الإتفاقيات الدولية‬
‫تن�ص الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأ�شخا�ص من الإختفاء الق�سري في المادة الأولى‬
‫على �أنه‪ ،‬ال يجوز تعري�ض �أي �شخ�ص لالختفاء الق�سري‪ ،‬وال يجوز التذرع ب�أي ظرف ا�ستثنائي‬
‫كان‪� ،‬سواء تعلق الأمر بحالة حرب �أو التهديد ب�إندالع حرب‪� ،‬أو بانعدام الإ�ستقرار ال�سيا�سي‬
‫الداخلي‪� ،‬أو ب�أية حالة �إ�ستثناء �أخرى‪ ،‬لتبرير الإختفاء الق�سري‪.‬‬
‫وتعتبر المادة (‪ )7‬من نظام روما الأ�سا�سي للمحكمة الجنائية الدولية‪« ‬الإختفاء الق�سري»‬
‫جريمة �ضد الإن�سانية‪ ،‬ولذلك يعتبر �ضمن الوالية القانونية لها‪.‬‬
‫وتعرفه الفقرة (ط مكررة) من نف�س المادة ب�أنه »�إلقاء القب�ض على �أي �أ�شخا�ص �أو‬
‫احتجازهم �أو �إختطافهم من قبل دولة �أو منظمة �سيا�سية‪� ،‬أو ب�إذن �أو دعم منها لهذا الفعل‪� ،‬أو‬
‫ب�سكوتها عليه‪ ،‬ثم رف�ضها الإقرار بحرمان ه�ؤالء الأ�شخا�ص من حريتهم‪� ،‬أو �إعطاء معلومات‬
‫عن م�صيرهم �أو عن �أماكن وجودهم‪ ،‬بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة«‪.‬‬
‫وقد عملت المنظمات غير الحكومية وعائالت المفقودين ومجهولي الم�صير منذ �سنة‬
‫‪ 1980‬على ت�أ�سي�س فريق العمل الخا�ص بالإختفاء الق�سري الذي كان الملج�أ الوحيد لعائالت‬
‫ال�ضحايا‪ ،‬وفي �سنة ‪� 1989‬سجلت لجنة حقوق الإن�سان عبر الفريق ‪� 18‬ألف حالة اختفاء ق�سري‪،‬‬
‫وبعد ع�شر �سنوات زاد العدد �إلى ‪ 48.770‬حالة‪.‬‬
‫وقد �ساعدت هذه العوامل �سنة ‪ 1992‬على �إخراج الإعالن الخا�ص بالإختفاء الق�سري‪ ،‬الذي‬
‫ن�ص منذ البداية على ‪� 10‬شروط م�سطرية‪ ،‬لإعمال مبد�أ عدم الإفالت من العقاب في جريمة‬
‫الإختفاء الق�سري‪ ،‬وهي‪� )1 :‬إح�ضار ال�شخ�ص ‪-‬مرتكب الجريمة‪� -‬أمام المحكمة من �أقوى‬
‫الو�سائل القانونية للك�شف عن م�صير ال�شخ�ص المفقود �أو مكان وجوده؛ ‪ )2‬ح�سن �سير �إقامة‬
‫العدل عن�صر هام ل�ضمان تحديد هوية الم�س�ؤولين عن حاالت الإختفاء وعدم �إفالتهم من‬
‫العقاب‪ ،‬وينبغي �أن تكون الإدارة المعنية مزودة بموارد كافية ت�ضمن ح�سن �سيرها ومحمية من‬
‫‪55‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫التعر�ض للترهيب؛ ‪ )3‬اتخاذ �إجراءات ل�ضمان الحماية من التعر�ض ل�سوء المعاملة �أو الترهيب‬
‫�أو االنتقام لجميع الأ�شخا�ص الم�شتركين في التحقيق في الإختفاءات؛ ‪ )4‬ت�صنيف جميع �أفعال‬
‫الإختفاء الق�سري من فئة الجرائم المن�صو�ص عليها في القانون الجنائي و�إخ�ضاعها لعقوبة‬
‫منا�سبة لخطورتها؛ ‪ )5‬عدم جواز �إخ�ضاع �إمكانية الم�ساءلة عن الأفعال لأي تقادم؛ ‪� )6‬إجراء‬
‫التحقيقات في حالة الإختفاء ون�شر نتائجها من �أهم الو�سائل لتقرير الم�ساءلة بالن�سبة �إلى‬
‫الحكومة؛ ‪ )7‬ال يجوز �إ�صدار �أو �إبقاء �أية قوانين �أو قرارات تبقي على الح�صانة؛ ‪ )8‬الإحالة‬
‫على المحاكم من قبل �سلطة التحقيق الم�ؤهلة لذلك قانونيا؛ ‪� )9‬إجراء المحاكات �أمام ق�ضاء‬
‫عادي ولي�س �أمام ق�ضاء ا�ستثنائي؛ ‪ ) 10‬عدم اعتبار التعلل بالإمتثال للأوامر (ماعدا في حالة‬
‫الإكراه) ذريعة في تحديد الم�س�ؤولية الجنائية‪ ،‬ويمكن �أن ت�ؤخذ بالإعتبار عند التحقيق ظروف‬
‫كل حالة‪.‬‬
‫فهذه المبادئ التي �أقرتها لجنة حقوق الإن�سان في الدورة ‪ 50‬والتي جرمت الإختفاء‬
‫الق�سري و�أو�صت بكل التدابير لعدم �إفالت المتورطين من العقاب‪ ،‬اعتر�ضتها عدة عوائق‬
‫�سيا�سية وقانونية في ظل التعار�ضات الواقعية بين االعتبارات ال�سيا�سية‪ ،‬من جهة‪ ،‬واالعتبارات‬
‫القانونية والحقوقية والإن�سانية‪ ،‬من جهة �أخرى‪.‬‬
‫وبالرغم من كل العراقيل والتحديات الدولية‪ ،‬ا�ستطاعت المنظمات غير الحكومية‪،‬‬
‫وعائالت ال�ضحايا ومجهولي الم�صير‪� ،‬إخراج الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأ�شخا�ص‪ ،‬من‬
‫الإختفاء الق�سري‪ ،‬التي اعتمدت ون�شرت وفتحت للتوقيع والت�صديق والإن�ضمام‪ ،‬بموجب قرار‬
‫الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ‪ 61/77‬الم�ؤرخ في ‪ 20‬دجنبر ‪ ،2006‬والتي دخلت حيز‬
‫التنفيذ في ‪ 23‬دجنبر ‪ 2010‬مع مرور ثالثين يوما على ت�صديق العراق على الإتفاقية (البلد‬
‫الذي �أكمل عدد ‪ 20‬بلدا المطلوبة لذلك)‪.‬‬
‫مما ال �شك فيه‪� ،‬أن �إعتماد الإتفاقية الدولية‪ ،‬لحماية جميع الأ�شخا�ص من الإختفاء‬
‫الق�سري‪ ،‬يعتبر انت�صارا للحركة الحقوقية العالمية‪ ،‬و�آلية قد ت�ساهم في الحد (ولو ن�سبيا)‬
‫من انت�شارها‪ ،‬وكذا حماية ال�ضحايا والحق في جبر ال�ضرر‪ ،‬ذلك �أن الإتفاقية ن�صت على عدة‬
‫مبادئ �إيجابية‪ ،‬نوجزها من خالل المادة الأولى‪« :‬ال يجوز التذرع ب�أي ظرف �إ�ستثنائي كان‪،‬‬
‫�سواء تعلق الأمر بحالة حرب �أو التهديد ب�إندالع حرب �أو ب�إنعدام اال�ستقرار ال�سيا�سي الداخلي‬
‫�أو ب�أية حالة ا�ستثناء �أخرى لتبرير الإختفاء الق�سري»‪.‬‬
‫كما ن�صت المادة ‪ 6‬على �أن الم�س�ؤولية الجنائية ت�شمل كل من له عالقة‪� ،‬آمرا �أو م�أمورا‪،‬‬
‫م�شاركا �أو عالما بالأمر‪� ،‬أما المادة ‪ 14‬فت�ؤكد على معرفة الحقيقة �أوال‪ ،‬والحق في الجبر ثانيا‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪56‬‬

‫وي�شمل رد الحقوق و�إعادة الت�أهيل ورد االعتبار و�ضمانات عدم التكرار‪ .‬كما ن�صت الإتفاقية‬
‫على متابعة كل المتورطين في هذه الجريمة‪.‬‬
‫هذه المبادئ حققت بع�ض تطلعات ومطالب المنظمات الحقوقية العالمية‪ ،‬لحماية‬
‫ال�ضحايا والمجتمع من جريمة الإختفاء الق�سري‪ ،‬غير �أن العديد من الن�صو�ص في الإتفاقية‪،‬‬
‫والتي فر�ضتها بع�ض الدول في ظل الحرب على الإرهاب‪ ،‬قد ت�ساهم في تفريغ الإتفاقية من‬
‫م�ضمونها الحقوقي والإن�ساني‪.‬‬
‫ن�صت المادة ‪ 31‬من الإتفاقية على �أنه «يجوز لكل دولة طرف‪ ،‬عند الت�صديق على هذه‬
‫الإتفاقية �أو بعده‪� ،‬أن تعلن اعترافها ب�إخت�صا�ص اللجنة بتلقي وبحث البالغات المقدمة‬
‫من طرف الأفراد الذين يخ�ضعون لواليتها �أو المقدمة بالنيابة عن �أفراد يخ�ضعون لواليتها‬
‫وي�شتكون من وقوعهم �ضحايا النتهاك هذه الدولة الطرف لأحكام هذه االتفاقية‪ ،‬وال تقبل‬
‫اللجنة �أي بالغ يهم دولة من الدول الأطراف لم تعلن هذا الإعتراف‪».‬‬
‫ون�صت المادة ‪ 32‬على �أنه «يجوز لأي دولة طرف في هذه الإتفاقية �أن تعلن‪ ،‬في �أي وقت‪،‬‬
‫اعترافها باخت�صا�ص اللجنة بتلقي وبحث بالغات تزعم دولة طرف بموجبها �أن دولة طرفا‬
‫�أخرى ال تفي بالتزاماتها بموجب هذه االتفاقية‪ ،‬وال تقبل اللجنة �أي بالغ يتعلق بدولة طرف لم‬
‫ت�صدر هذا الإعالن»‪ .‬وهذا‪ ،‬في اعتقادنا‪ ،‬قد ي�ضعف من حقوق ال�ضحايا في الجبر والإن�صاف‪.‬‬
‫�إن المالحظ من خالل المادة ‪ 31‬و‪� 32‬أنهما �أ�شارتا �إلى م�صطلح «يجوز للدولة»‪ ،‬وهي عبارة‬
‫تعبر عن رغبة �سيادية قد تتحقق �أو ال تتحقق‪ ،‬كما �أنها غير ملزمة من الناحية التعاقدية‪ ،‬حتى‬
‫تكون لها �آثار قانونية‪ ،‬مما يعني �أن الدولة في غياب التزام وت�صريح وا�ضحين عند الم�صادقة‬
‫ب�صالحية واخت�صا�ص اللجنة المعنية بالإختفاء الق�سري‪ ،‬بتلقي �شكاوى الأفراد �ضحايا هذه‬
‫الجريمة‪� ،‬ستتحكم الدول في نوع التقارير والق�ضايا المقدمة �إلى الدول الأع�ضاء في الإتفاقية‬
‫�أثناء تقديم التقارير ال�سنوية (وهي تقارير ‪-‬حتما‪ -‬لن ت�سبب �إحراجا للدولة)‪.‬‬
‫فالعالم لم يعد قلعة �آمنة للطغاة والجالدين‪ ،‬لذلك فم�شروعية الم�ساءلة وتكري�س مبد�أ‬
‫عدم الإفالت من العقاب في الثقافة الوطنية‪ ،‬يعتبران ال�ضامن الأ�سا�سي لحماية المواطنين‬
‫و�إعطاء �شرعية وم�صداقية للدولة‪ ،‬و�إن كانت التكلفة ال�سيا�سية لجريمة الإختفاء الق�سري‪،‬‬
‫والتعذيب‪ ،‬وجميع الجرائم �ضد الإن�سانية �أ�صبحت باهظة‪ ،‬ب�سبب التطور التكنولوجي‪ ،‬و�سرعة‬
‫انتقال المعلومة‪ ،‬وكذا وجود �آليات ق�ضائية زجرية كالمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬
‫يعتبر المغرب من الدول التي قامت بالتوقيع والم�صادقة على الإتفاقية الخا�صة بالإختفاء‬
‫الق�سري‪ ،‬بحيث تم التوقيع عليها في ‪ 6‬فبراير‪ 2006‬والم�صادقة عليها في ‪ 14‬فبراير ‪2013‬‬
‫ويعد المغرب من الدول الأولى الموقعة عليها و �أن الم�صادقة على الإتفاقية تن�سجم تماما‬
‫‪57‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫مع القناعات المغربية ب�ش�أن خيار حقوق الإن�سان ويتم لما �أكده الد�ستور في مادته ‪ 23‬ب�شان‬
‫تجريم الإعتقال التع�سفي �أو ال�سري و�إعماله لما جاء في البرنامج الحكومي فيما يتعلق بتعزيز‬
‫ف�ضاء الحريات و حقوق الإن�سان و �إ�ستكمال االنخراط في منظومة حقوق الإن�سان الدولية‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬جرائم الإتجار بالب�شر‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬تعريف الإتجار بالب�شر‪.‬‬
‫الإتجار بالب�شر جريمة نكراء تم�س الإن�سان في كرامته وفي حريته وفي �أدميته‪ ،‬فتمثل‬
‫بالتالي انتهاكا خطيرا من جملة الإنتهاكات الما�سة بحقوق الإن�سان بمفهومها الكوني‪� ،‬سيما‬
‫�إذا تعلقت بالأطفال والن�ساء‪ ،‬وغيرها من ال�شرائح المجتمع‪ ،‬التي تعاني من ه�شا�شة النظام‬
‫المالي �أو اال�ضطهاد �إما لأ�سباب �أمنية �أو نزاعات �إقليمية �أو حروب �أهلية �أو �صراعات دينية‪،‬‬
‫التي تتحكم فيها جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية �أو الميز العن�صري‪.‬‬
‫يعد الإتجار في الب�شر �أحد �أبرز �أ�شكال الجريمة المنظمة عابرة الحدود‪ ،‬التي ات�سع‬
‫نطاقها ب�شكل ملحوظ خالل الآونة الأخيرة‪ ،‬ب�إعتبارها جريمة عابرة للقارات‪ ،‬حيث ال توجد‬
‫�أي منطقة جغرافية في العالم بمن�أى عن هذه الجريمة ك�شكل جديد من �أ�شكال العبودية التي‬
‫جرمتها العديد من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية‪.‬‬
‫وتعتبر ثالث �أكبر تجارة غير م�شروعة في العالم‪ ،‬بعد تهريب ال�سالح والإتجار في‬
‫المخدرات ذلك �أن �أن�شطتها تحقق �أرباحا مقدرة بالماليير‪� ،‬إذ ت�شير الإح�صائيات الحديثة‬
‫�إلى �أن العدد ال�سنوي من الرجال والن�ساء والأطفال المتاجر بهم عبر الحدود الوطنية يتراوح‬
‫بين ‪ 600.000‬و‪� 800.000‬شخ�ص‪ ،‬و�أكثر ما يتم �إ�ستغاللهم فيه هو التجارة الجن�سية‪ ،1‬وهذا‬
‫التقدير ال ي�شمل ماليين ال�ضحايا في جميع �أنحاء العالم ممن يتجر بهم داخليا �ضمن الحدود‬
‫الوطنية لكل دولة‪ ،‬وتقدر المنظمة الدولية للهجرة (‪ )IOM‬الرقم على ال�صعيد العالمي بنحو‬
‫مليونين �شخ�ص تقريبا‪.‬‬
‫وقد �أكد تقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ال�صادر عام ‪2006‬‬
‫بعنوان «الإتجار غير الم�شروع بالأفراد‪ ...‬الإتجاهات العالمية»‪ ،‬عالمية الظاهرة في �ضوء‬
‫ات�ساع نطاق �أن�شطة وعمليات ع�صابات الجريمة المنظمة التي تقف وراء ظاهرة الإتجار‬
‫بالب�شر والتي غالبا ما تكون متعددة الجن�سيات‪ ،‬و�أو�ضح‪� ،‬أي التقرير‪� ،‬أنه ال يوجد تقريبا �أي‬
‫دولة في العالم غير معنية بهذه الم�شكلة‪ ،‬وعدد التقرير ‪ 127‬دولة منبع للأفراد المتاجر بهم‪،‬‬

‫‪ 11‬تقرير الإجتار بالأ�شخا�ص ال�صادر عن وزارة اخلارجية الأمريكية عام ‪.2005‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪58‬‬

‫و‪ 96‬دولة عبور و‪ 137‬دولة م�صب‪ ،‬حيث يتم ا�ستغالل الأفراد المتاجر بهم في تجارة الجن�س‬
‫وعمالة ال�سخرة‪ ،‬و�أو�ضح �أن �أكثر المناطق ت�أثرا بتلك التجارة هي �أوروبا ال�شرقية و�آ�سيا‪.‬‬
‫وفي نف�س ال�سياق‪� ،‬صنف التقرير الدول في خم�س فئات وفقا لكونها دولة م�صدر للأفراد‬
‫المتاجر بهم‪� ،‬أو دولة عبور‪� ،‬أو دولة م�صب‪ ،‬وحول خطورة الظاهرة فقد تم ت�صنيفها �إلى‬
‫�شديدة الإنخفا�ض ومنخف�ضة‪ ،‬ومتو�سطة‪ ،‬ومرتفعة‪ ،‬و�شديدة االرتفاع من حيث عدد الحاالت‬
‫التي تم ر�صدها‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬جريمة الإتجار بالب�شر في الت�شريع المغربي‪.‬‬
‫�إذا كان الغياب الت�شريعي �سواء فيما يخ�ص الم�صادقة على الإتفاقيات والمعاهدات‬
‫والبروتوكوالت الدولية من جهة‪� ،‬أو �إ�صدار قوانين وت�شريعات داخلية تنظم هذه الجرائم‬
‫وتعاقب مرتكبيها من جهة �أخرى‪ ،‬وهو ما يميز �أغلب الدول العربية التي تعمل على تبني �سوى‬
‫جزء ب�سيط من هذه الت�شريعات الدولية‪ ،‬كما لم ت�سن بعد ت�شريعات داخلية لمكافحة هذه‬
‫الجرائم عبر الوطنية‪� .‬إال �أن المغرب يعد ا�ستثناء لهذه الدول العربية‪ ،‬ذلك �أنه �صادق على‬
‫مجموعة من المعاهدات واالتفاقيات الدولية التي تهم هذا المو�ضوع‪ ،‬كما تبنى العديد من‬
‫البروتوكوالت الم�ساعدة‪ ،‬فهذا بالإ�ضافة �إلى كونه يعد تجربة رائدة في الت�شريع الداخلي‪.‬‬
‫عرف القانون الجديد ‪ 27.14‬الإتجار بالب�شر ب�أنه‪« :‬تجنيد �شخ�ص �أو �إ�ستدراجه �أو نقله‬
‫�أو تنقيله �أو �إيوا�ؤه �أو �إ�ستقباله‪� ،‬أو الو�ساطة في ذلك‪ ،‬بوا�سطة التهديد بالقوة �أو ب�إ�ستعمالها‬
‫�أو ب�إ�ستعمال مختلف �أ�شكال الق�سر �أو االختطاف �أو الإحتيال �أو الخداع‪� ،‬أو �إ�ساءة �إ�ستعمال‬
‫ال�سلطة �أو الوظيفة �أو النفوذ �أو ا�ستغالل حالة ال�ضعف �أو الحاجة �أو اله�شا�شة‪� ،‬أو ب�إعطاء �أو‬
‫بتلقي مبالغ مالية �أو منافع �أو مزايا للح�صول على موافقة �شخ�ص له �سيطرة على �شخ�ص �أخر‬
‫لغر�ض الإ�ستغالل»‪.‬‬
‫ويالحظ بهذا الخ�صو�ص �أن الم�شرع حر�ص على ان�سجام تعريف الإتجار بالب�شر الذي‬
‫اعتمده مع المادة ‪ 3‬من البروتوكول المكمل التفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة‬
‫عبر الوطنية‪ ،‬وهو تعريف يقوم على عنا�صر ثالث‪ ،‬تتجلى في (الفعل‪ ،‬وو�سيلته الم�ستخدمة‪،‬‬
‫وغر�ضه)‪.‬‬
‫ويمكن تحليل عنا�صر التعريف �أعاله من خالل تفكيك عنا�صره الثالثة الكبرى (الفعل‪،‬‬
‫وو�سيلته الم�ستخدمة‪ ،‬وغر�ضه) والوقوف على عنا�صره ال�صغرى الداخلية‪:1‬‬
‫ذلك �أن الإتجار بالأ�شخا�ص هو فعل متمثل في‪:‬‬

‫‪ 11‬للحكامة القانونية والق�ضائية ‪ -‬العدد الثاين ‪ -‬الطبعة ‪� 2017‬ص‪.92.‬‬


‫‪59‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫‪ - 1‬التجنيد؛‬
‫‪ - 2‬التنقيل؛‬
‫‪ - 3‬الإيواء؛‬
‫‪ - 4‬الإ�ستقبال‪.‬‬
‫وي�ستخدم و�سائل مثل‪:‬‬
‫‪ - 1‬التهديد بالقوة؛‬
‫‪� - 2‬إ�ستعمال القوة؛‬
‫‪ - 3‬الق�سر؛‬
‫‪ - 4‬الإختطاف؛‬
‫‪ - 5‬الإحتيال؛‬
‫‪ - 6‬الخداع؛‬
‫‪� - 7‬إ�ستغالل ال�سلطة؛‬
‫‪� - 8‬إ�ستغالل حالة ا�ست�ضعاف؛‬
‫‪� - 9‬إعطاء �أو تلقي مبالغ مالية �أو مزايا لنيل موافقة �شخ�ص له �سيطرة على �شخ�ص �آخر‪.‬‬
‫وذلك لغر�ض ا�ستغاللي مثل‪:‬‬
‫‪ - 1‬ا�ستغالل دعارة الغير؛‬
‫‪� - 2‬سائر �أ�شكال الإ�ستغالل الجن�سي؛‬
‫‪ - 3‬ال�سخرة؛‬
‫‪ - 4‬الخدمة ق�سرا؛‬
‫‪ - 5‬اال�سترقاق �أو الممار�سات ال�شبيهة بالرق؛‬
‫‪ - 6‬الإ�ستعباد؛‬
‫‪ - 7‬نزع الأع�ضاء (الب�شرية)‪.‬‬
‫وزيادة في التو�ضيح عرف العديد من المفاهيم منها فعل الإ�ستغالل الذي ي�شمل «جميع‬
‫�أ�شكال الإ�ستغالل الجن�سي‪ ،‬ال�سيما ا�ستغالل دعارة الغير‪ ،‬والإ�ستغالل عن طريق المواد‬
‫الإباحية بما في ذلك و�سائل االت�صال والتوا�صل المعلوماتي‪ ،‬وي�شمل �أي�ضا الإ�ستغالل عن‬
‫طريق العمل الق�سري �أو ال�سخرة �أو الت�سول �أو الإ�سترقاق �أو الممار�سات ال�شبيهة بالرق �أو نزع‬
‫الأع�ضاء �أو نزع الأن�سجة الب�شرية �أو بيعها‪� ،‬أو الإ�ستغالل عن طريق �إجراء التجارب والأبحاث‬
‫الطبية على الأحياء‪� ،‬أو ا�ستغالل �شخ�ص للقيام ب�أعمال �إجرامية �أو في النزاعات الم�سلحة»‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪60‬‬

‫وعرف ال�سخرة ب�أنها «جميع الأعمال �أو الخدمات التي تفر�ض ق�سرا على �أي �شخ�ص تحت‬
‫التهديد‪ ،‬والتي ال يكون هذا ال�شخ�ص قد تطوع لأدائها بمح�ض اختياره‪ .‬وال يدخل في مفهوم‬
‫ال�سخرة الأعمال المفرو�ضة لأداء خدمة ع�سكرية �إلزامية‪� ،‬أو نتيجة �إدانة ق�ضائية‪� ،‬أو �أي عمل‬
‫�أو خدمة �أخرى تفر�ض في حالة الطوارئ»‪.‬‬
‫كانت هناك مالحظات ذات �صلة بمكافحة الإتجار بالب�شر موجهة �إلى بالدنا من طرف‬
‫اللجنة المعنية بحقوق الإن�سان بتاريخ ‪ 1‬دي�سمبر ‪ 2004‬ومن طرف اللجنة المعنية بالق�ضاء‬
‫على التمييز �ضد المر�أة بتاريخ ‪ 23‬يناير ‪ 2008‬ومن طرف لجنة مناه�ضة التعذيب بتاريخ‬
‫‪ 21‬دجنبر ‪ 2011‬ومن طرف اللجنة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و�أفراد‬
‫�أ�سرهم بتاريخ ‪� 13‬شتنبر ‪ 2013‬ومن طرف لجنة حقوق الطفل بتاريخ ‪� 19‬شتنبر ‪ 2014‬ومن‬
‫طرف اللجنة المعنية بالحقوق الإقت�صادية والإجتماعية والثقافية بتاريخ ‪� 8‬أكتوبر ‪.1 2015‬‬
‫وت�شير التقارير �إلى �أن هذه الظاهرة تنت�شر في المغرب وت�شير درا�سة لوزارة العدل‬
‫�صدرت عام ‪ 2009‬حول الإتجار بالب�شر �إلى �أن المغرب هو بلد عبور �ضحايا الإتجار وكذلك‬
‫م�صدر تهريبهم وكثيرا ما ت�ؤثر هذه الظاهرة على الن�ساء والأطفال على �سبيل المثال هناك‬
‫المهاجرون‪،‬الأفارقة وغيرهم‪.‬‬
‫وترتبط ظاهرة الإتجار بالب�شر بتنامي الفقر والتهمي�ش وعدم ت�أمين الحقوق االقت�صادية‬
‫واالجتماعية للأفراد‪ .‬وال توجد �إح�صائيات دقيقة ومف�صلة عن هذه الظاهرة في المغرب‬
‫وذلك ب�سبب �صعوبة الو�صول �إلى ال�ضحايا الذين يختارون ال�صمت‪ .‬بالإ�ضافة لعدم توفر‬
‫مراكز ا�ستقبال لتوفير الدعم النف�سي والقانوني لل�ضحايا ما يفقدهم ال�شعور بالأمان في حال‬
‫قرروا التبليغ‪.2‬‬
‫وح�سب تقرير بعثة الواليات المتحدة الدبلوما�سية للمغرب والمعنون بـ«تقرير الإتجار في‬
‫الب�شر» المغرب الفئة ‪ ،2‬فقد خل�ص التقرير المذكور على �أن المغرب بحكم �أنه م�صدر ومق�صد‬
‫ونقطة عبور للرجال والن�ساء والأطفال الذين يخ�ضعون للعمل الق�سري والإتجار الجن�سي‪ ،‬يتم‬
‫ت�شغيل بع�ض الفتيات القرويات المغربيات بعمر ‪� 6‬سنوات في الخدمة المنزلية في المدن‪،‬‬
‫ويقعن �ضحايا للعمالة الق�سرية ويعانين من عدم الح�صول على الأجور والتهديدات‪ ،‬وتقييد‬
‫الحركة والإ�ساءة البدنية والنف�سية والجن�سية‪ ،‬ويتحمل بع�ض الأوالد المغاربة العمل الق�سري‪،‬‬
‫حيث يعملون كمتدربين في الحرف المهنية و�صناعات البناء وفي الأورا�ش الميكانيكية‪ ،‬كما �أن‬
‫بع�ض الرجال والن�ساء والأطفال يدخلون ب�صفة رئي�سية من �إفريقيا جنوب ال�صحراء‪ ،‬وجنوب‬

‫‪ 11‬نف�س املرجع �ص‪3.‬‬


‫‪ 22‬و�صال ال�شيخ‪ -‬ارتياح مغربي مل�رشوع قانون مكافحة الإجتار بالب�رش‪ -‬العربي اجلديد‪ -‬طنجة ‪ 21‬يناير ‪.2016‬‬
‫‪61‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�آ�سيا‪� ،‬إلى المغرب بطريقة �إختيارية‪ ،‬ولكن غير قانونية‪ ،‬بم�ساعدة �شبكات التهريب‪ ،‬وعند‬
‫و�صولهم يتم �إجبار بع�ض الن�ساء والفتيات الأكبر �سنا على ممار�سة الدعارة‪ ،‬وبدرجة �أقل على‬
‫العمل في الخدمة المنزلية‪� ،‬إذ تعمل ال�شبكات الإجرامية في مدينة وجدة على حدود الجزائر‪،‬‬
‫وكذلك في مدينة الناظور ال�ساحلية ال�شمالية‪،‬ب�إجبار الن�ساء الأجنبيات المهاجرات على‬
‫ممار�سة الدعارة والت�سول‪ ،‬كما تفيد التقارير �أن تلك ال�شبكات في وجدة‪ ،‬تقوم �أي�ضا ب�إجبار‬
‫الأطفال على الت�سول‪ ،‬وتتعر�ض الن�ساء المهاجرات العابرات عن طريق وجدة‪ ،‬خ�صو�صا‬
‫النيجيريات للإجبار على الدعارة بمجرد و�صولهن �إلى �أوربا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪� :‬سبل مناه�ضة الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان‬
‫�سنتناول اتباعا �سبل مناه�ضة جرائم التعذيب والإختفاء الق�سري والإتجار بالب�شر‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬مناه�ضة جريمة التعذيب‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬مناه�ضة جريمة التعذيب في القانون الدولي‬
‫تعددت الإرها�صات الدولية لمحاولة تقنين حقوق الإن�سان عامة‪ ،‬والتعذيب خا�صة‪ ،‬ذلك‬
‫�أن تاريخ العالقات الدولية ال يخلو من محاوالت لعقاب الأفعال التي تخرق قواعد القانون‬
‫الدولي‪ ،‬فقبل �إحداث محكمتي نورمبرج وطوكيو‪ ،1‬كانت هناك مظاهر للم�س�ؤولية الجنائية‬
‫المترتبة على الت�صرفات المخالفة لقواعد القانون الدولي‪ ،‬لكن هذه المحاوالت بد�أت متفرقة‬
‫ومترددة‪ ،‬ولم تكن �صادرة من �إرادة دولية‪.2‬‬
‫ففي �أول محاولة لتقنين التعذيب‪ ،‬و�إن كانت من الناحية القانونية وثيقة داخلية‪� ،‬أعدت‬
‫لتطبيقها في حرب �أهلية‪� ،‬إال �أنها كانت بمثابة نموذج يقتدى به‪ ،‬وم�صدر �إلهام للجهود التي‬
‫بذلت على الم�ستوى الدولي في �أواخر القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬وهي مدونة ليبر ‪Lieber code‬‬
‫‪« -1863‬قانون النزاعات الم�سلحة»‪ -3‬والذي يتكون من ‪ 157‬مادة‪ ،‬وقد ركزت تلك المدونة‬
‫على �إنجاز الحد الأدنى من القواعد التي يجب مراعاتها في الحروب‪ ،‬وت�ضمنت المادة ‪ 16‬من‬

‫‪ 11‬تعترب املبادئ القانونية امل�ستفادة من حماكمات نورمربج‪ ،‬مبثابة �أول �شهادة ميالد للقانون الدويل اجلنائي‪ ،‬باعتبارها‬
‫�أول تطبيق يف التاريخ احلديث لفكرة الق�ضاء الدويل اجلنائي‪ ،‬وي�أتي بعدها يف الأهمية القانونية حماكمات طوكيو‪،‬‬
‫حيث �أكدت �أن عن�رص اجلزاء موجود يف ن�صو�ص ذلك القانون‪ ،‬و�أنه ميكن �أن يكون جنائيا‪ ،‬و�أنه قد يكون من ن�صيب‬
‫�سادة ور�ؤ�ساء الدول و�أمراء اجليو�ش‪ ،‬و�أن هناك ق�ضاءا جنائيا دوليا قادرا على �إنقاذه‪ .‬للمزيد �أنظر‪ :‬د‪ .‬حممد حنفي‬
‫حممود‪ ،‬جرائم احلرب �أمام الق�ضاء اجلنائي الدويل‪ ،‬دار النه�ضة العربية‪ ،‬ط‪� ،2006 ،.‬ص‪.19.‬‬
‫‪ 22‬د‪ .‬فتوح ال�شاذيل‪ ،‬القانون الدويل اجلنائي‪ ،‬الكتاب الأول‪� ،‬أوليات القانون اجلنائي الدويل «النظرية العامة للجرمية‬
‫الدولية»‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬الإ�سكندرية‪� ،2001 ،‬ص‪.57.‬‬
‫‪3. Instructions for the Government of Armies of the United States in the field (Lieber Code), 24 April,‬‬
‫‪1863.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪62‬‬

‫تلك المدونة �أن‪« :‬ال�ضرورة الع�سكرية ال ت�سمح بالوح�شية �أو توقيع الألم والمعاناة‪ ،‬وال �إحداث‬
‫الجروح والبتر‪ ،‬وال تعذيب للح�صول على المعلومات»؛ كما ن�صت المادة ‪ 80‬منها على تحريم‬
‫التعذيب ‪�-‬ضمنيا‪ -‬للأ�سرى �أثناء الحروب والنزاعات‪ ،1‬ولكن البداية الحقيقية للتقنين بالمعنى‬
‫الدقيق‪ ،‬كانت مع ن�ش�أة الأمم المتحدة‪ ،‬ونظام نورمبرج‪ ،‬والحكم الذي �أ�صدرته المحكمة‪،‬‬
‫كان بداية دفعت الأمم المتحدة �إلى مجال التقنين‪ ،‬حتى يكون هناك نظام قانوني متكامل‬
‫للجرائم الدولية‪ ،‬يحدد الجرائم والعقوبات و�إجراءات المحاكمة‪ ،2‬وقد وردت هذه المعاني‪،‬‬
‫حيث و�ضعت على عاتقها ‪-‬الأمم المتحدة‪ -‬المتمثلة في �أجهزها الرئي�سية مهمة ت�أكيد حقوق‬
‫الإن�سان‪ ،‬واعتبارها التزاما دوليا تحترمه كل دولة داخل حدودها‪� ،‬سواء مواطنيها �أو غيرهم‪،‬‬
‫بل تعتبر نف�سها ملزمة �أمام هذا المجتمع باحترام حقوق الإن�سان والتعذيب خا�صة؛ و�إن من‬
‫حق هذا المجتمع بل وم�س�ؤليته �أن يتدخل لحماية هذه الحقوق‪ ،3‬ذلك �أن تجريم التعذيب دوليا‬
‫يجد م�صدره في زمن المنازعات الم�سلحة‪ ،‬وفي زمن ال�سلم معا‪.‬‬
‫يعتبر م�صطلح القانون الدولي الإن�ساني ‪concept and purpose international‬‬
‫‪ law humanitarian‬من �أحدث المعطيات التي �إ�ستخدمت في فقه القانون الدولي‪ ،‬وربما‬
‫تم �إ�ستخدامه لأول مرة من جانب اللجنة الدولية لل�صليب الأحمر‪ ،‬في الوثائق التي قدمتها‬
‫�إلى م�ؤتمر الخبراء الحكوميين الذي عقد في دورته الأولى بجنيف عام ‪ ،1971‬ويق�صد بهذا‬
‫الم�صطلح‪« :‬مجموعة القواعد والمبادئ التي ت�ضع قيودا على �إ�ستخدام القوة في النزاع الم�سلح‪،‬‬
‫وذلك من �أجل الحد من الآثار التي يحدثها العنف على المحاربين‪ ،‬وتجنب الأ�شخا�ص الذين‬
‫ال ي�شتركون في الأعمال الع�سكرية»‪ ،‬والهدف من �إ�ستخدام «قانوني دولي �إن�ساني» هو �إبراز‬
‫الطابع الإن�ساني لقانون النزاعات ‪humanitarian Law (IHL) as the branch of international‬‬
‫‪ ،law limiting the use of violence in armed conflicts4‬فالقانون الدولي الإن�ساني �إذن‪ ،‬هو‬
‫‪1. Art 16. Military necessity does not admit of cruelty - that is, the infliction of suffering for the sake of‬‬
‫‪suffering or for revenge, nor of maiming or wounding except in fight, nor of torture to extort confes-‬‬
‫‪sions. It does not admit of the use of poison in any way, nor of the wanton devastation of a district. It‬‬
‫‪admits of deception, but disclaims acts of perfidy; and, in general, military necessity does not include‬‬
‫‪any act of hostility which makes the return to peace unnecessarily difficult.‬‬
‫‪Art 80, Honorable men, when captured, will abstain from giving to the enemy information concerning‬‬
‫‪their own army, and the modern law of war permits no longer the use of any violence against prisoners‬‬
‫‪in order to extort the desired information or to punish them for having given false information.‬‬
‫‪Selection 17: Partisans - Armed enemies not belonging the hostile army - scouts - Armed prowlers -‬‬
‫‪war - rebels. www.commonlaw.com.‬‬
‫‪ 22‬فتوح ال�شاذيل‪ ،‬القانون الدويل اجلنائي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.115.‬‬
‫‪ 33‬د‪ .‬ال�شافعي حممد ب�شري‪ ،‬قانون حقوق الإن�سان‪ ،‬مكتبة اجلالء اجلديدة‪ ،‬املن�صورة‪ ،‬بدون �سنة‪� ،‬ص‪.44.‬‬
‫‪4. Marco Sassou, Law protect How does in war?, Cases, Documents and Teaching Materials Contem-‬‬
‫‪porary Practice in International Humanitarian Law, Volume I second Edition. Geneva 2006, p. 81,82.‬‬
‫‪63‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أحد فروع القانون الدولي العام‪ ،‬الذي ي�ستهدف حاالت النزاع الم�سلح‪ ،‬وحماية الأ�شخا�ص‬
‫الذين يعانون ويالت هذا النزاع‪ ،‬كما ي�شمل مبادئ وقواعد تحد من �إ�ستخدام العنف �أثناء‬
‫النزاعات الم�سلحة‪ ،‬وجوهر هذا القانون هو مبد�أ «الإن�سانية»‪.‬‬
‫فمن خالل تتبع محاوالت تقنين جريمة التعذيب في الإطار الدولي في �إتفاقية جنيف لعام‬
‫‪ ،1864‬و�إعالن �سان ب�ستر�سبورج لعام ‪،1 1868‬الذي ركز على الهدف الم�شروع للحرب‪ ،‬ووجوب‬
‫تجنب �إ�ستخدام الأ�سلحة التي تزيد �آالم الإن�سان‪ ،‬ويعتبر الإعالن من �أقدم الوثائق الدولية‬
‫التي ت�ضمنت تحريما لإ�ستخدام بع�ض �أنواع الأ�سلحة ر�أفة بالب�شرية‪.‬‬
‫كما حمل م�شروع �إعالن بروك�سيل لعام ‪ ،Brucsels Déclaration2 1875‬واهتم بوجوب‬
‫معاملة الأ�سرى معاملة �إن�سانية‪ ،‬تطبيقا للمادة (‪ )23‬من الإعالن‪ ،‬وبالرغم من عدم الت�صديق‬
‫على هذا الإعالن وعدم اكت�سابه قوة �إلزامية‪� ،‬إال �أنه اكت�سب قيمة معنوية‪ ،‬وكان له الأثر في‬
‫م�ؤتمرات الهاي ‪ 1899‬لل�سالم‪ ،3‬وقد حظيت �إتفاقية الهاي لعام ‪- 1907‬الخا�صة بقانون الحرب‬
‫في البر‪ -‬ون�صت على حظر مهاجمة المدن والمباني غير المدافع عنها‪ ،‬كما جرمت مهاجمة‬
‫الأفراد غير المقاتلين‪.‬‬
‫وتعد �إتفاقية الهاي ل�سنة ‪- 1907‬في نظر البع�ض‪� -‬أن لها ال�سبق في خلق القواعد القانونية‬
‫لحماية المدنيين �أثناء النزاعات الم�سلحة‪ ،‬الأمر الذي جعل منها البع�ض حجر الأ�سا�س في‬
‫خلق قواعد القانون الدولي الإن�ساني؛ ثم لجنة الوقائع الجنائية المنبثقة عن م�ؤتمر ال�سالم‬
‫الذي عقد في باري�س عام ‪ ،1919‬والتي كانت مهمتها جمع وفح�ص الأدلة لقيام عنا�صر الأفعال‬
‫المجرمة �أثناء الحرب العالمية الأولى‪.4‬‬

‫‪� 11‬صدر �إعالن �سان برت�سبورج يف د�سمرب ‪ ،1868‬بدعوة من �ألك�سندر الثاين «قي�رص رو�سيا»‪ ،‬و�أ�شار �أن الهدف امل�رشوع‬
‫من احلرب‪ ،‬هو �إ�ضعاف القوة الع�سكرية للعدو‪ ،‬ولي�س �إفناء اجليو�ش‪� ،‬أنظر‪ :‬امل�ست�شار‪� ،‬رشيف علتم‪ ،‬دور اللجنة‬
‫الدولية لل�صليب الأحمر يف املنازعات امل�سلحة الدولية‪ ،‬مركز الدرا�سات الق�ضائية‪ ،‬القاهرة‪� ،2006 ،‬ص‪ ،7.‬و�أنظر‬
‫�أي�ضا‪ :‬د‪ .‬مفيد �شباب‪ ،‬درا�سات القانون الدويل الإن�ساين‪ ،‬دار امل�ستقبل العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪� ،2000 ،1‬ص‪.23.‬‬
‫‪ 22‬عقد يف بروك�سل‪ ،‬وا�شرتكت فيه حكومات‪�( :‬أملانيا‪ ،‬والنم�سا‪ ،‬واملجر‪ ،‬وبلجيكا‪ ،‬والدامنرك‪ ،‬و�أ�سبانيا‪ ،‬وفرن�سا‪،‬‬
‫وبريطانيا‪ ،‬واليونان‪ ،‬و�إيطاليا‪ ،‬وهولندا‪ ،‬وتركيا)‪ ،‬ومت التوقيع عليه يف ‪� 27‬أغ�سط�س ‪1874‬م دون الت�صديق عليه‪.‬‬
‫‪.www.dr-mohamedlutfi.com‬‬
‫‪ 33‬عقدت يف الهاي ‪ ،1899‬بناء على دعوة من قي�رص رو�سيا‪ ،‬و�أ�سفرت عن توقيع عدد من الإتفاقيات الدولية‪� ،‬أهمها‬
‫الإتفاقية الثالثة التي مت مبوجبها �إتفاقية ال�صليب الأحمر اخلا�صة بجرحى ومر�ضى احلرب‪.‬‬
‫‪ 44‬د‪ .‬حممد عو�ض‪ ،‬درا�سات يف القانون الدويل اجلنائي‪ ،‬جملة القانون واالقت�صاد‪ ،‬العدد الأول‪� ،1965 ،‬ص‪.92.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪64‬‬

‫ميثاق الأمم المتحدة لعام ‪:1 1945‬‬ ‫●‬

‫يعتبر ميثاق الأمم المتحدة الوثيقة الدولية الأولى‪ ،‬ذات الطابع العالمي �أو �شبه العالمي‪،‬‬
‫التي ت�ضمنت الن�ص على مبد�أ «احترام حقوق الإن�سان» حيث �أ�شار الميثاق في الديباجة‪�( :‬إذ‬
‫ت�ؤكد من جديد �إيماننا بالحقوق الأ�سا�سية للإن�سان وبكرامة الفرد وقدره‪ ،‬وبما للرجال والن�ساء‬
‫والأمم كبيرها و�صغيرها من حقوق مت�ساوية)‪ ،‬وقد �أ�شار الميثاق بتعزيز حقوق الإن�سان في‬
‫�أكثر من مو�ضع في مواد الإتفاقية‪ .2‬ومن هذا المنطلق ن�ستطيع القول ‪ :‬ب�أن الميثاق �ألزم‬
‫الدول الأع�ضاء باحترام حقوق الإن�سان‪ ،‬والأمر يتعلق هذا بالتزام قانوني لأن م�صدره الميثاق‬
‫باعتباره معاهدة دولية جماعية‪ ،‬وبذلك ال ت�ستطيع �أية دولة �أن تنف�ض يدها من مو�ضوع حقوق‬
‫الإن�سان‪ ،‬وخا�صة التعذيب بكافة �أ�شكاله‪ ،‬بدعوى �أنها حرة‪ ،‬من منطلق مبد�أ ال�سيادة الكاملة‪.‬‬
‫ثم تكونت لجنة مخالفات قوانين الحرب‪ ،‬وقد عدت اثنين وثالثين عمال اعتبرتها جرائم‬
‫حرب‪ ،‬ومن بينها التعذيب بو�صفه خرقا ج�سيما لقوانين الحرب؛ وقد �أو�صت اللجنة ب�ضرورة‬
‫�أن يكون كل الأ�شخا�ص الذين ينتمون للدول المعادية‪ ،‬بما في ذلك ر�ؤ�ساء وقادة الدول‪،‬‬
‫الذين �أدينوا في جرائم الحرب‪ ،‬عر�ضة للمحاكمة الجنائية‪ ،‬ثم جاءت �إتفاقية لندن في ‪8‬‬
‫�أغ�سط�س ‪ 1945‬من �أجل �إن�شاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب ب�صرف النظر عن‬
‫الموقع الجغرافي الرتكاب جرائم الحرب‪ ،3‬وقد تم �إرفاق ميثاق نورمبرج باتفاقية لندن‪ ،‬كما‬
‫ت�شكلت محكمة طوكيو الع�سكرية في يناير ‪ ،1946‬بمقت�ضى �إعالن خا�ص �صادر من القائد‬
‫الأعلى لقوات الحلفاء لتتولى محاكمة مجرمي الحرب في اليابان؛ وقد ن�صت المادة ال�ساد�سة‬
‫من ميثاق نورمبرج‪-‬تقابلها المادة الخام�سة من ميثاق طوكيو‪ -‬على‪ ...« :‬معاقبة مجرمي‬
‫الحرب بانتهاكات قوانين الحرب و�أعرافها ومن بينها التعذيب والمعاملة ال�سيئة �أو �إق�صاء‬
‫ال�سكان المدنيين‪.4‬‬
‫اتفاقيات جنيف الأربع ل�سنة ‪:1949‬‬ ‫●‬

‫�إن م�أ�ساة الحرب العالمية الثانية �أدت ب�شكل حا�سم �إلى اتخاذ قرار �صياغة �إتفاقيات‬
‫جنيف الأربع‪ ،‬حيث �سعت �إلى �سد ثغرات في القانون الدولي الإن�ساني؛ وقد �ساهمت الإتفاقيات‬
‫‪ 11‬وقع ميثاق الأمم املتحدة يف ‪ 26‬يونيه ‪ ،1945‬يف �سان فران�سي�سكو يف ختام م�ؤمتر الأمم املتحدة‪ ،‬اخلا�ص بنظام الهيئة‬
‫الدولية‪ ،‬و�أ�صبح نافذا يف الأول من �أكتوبر ‪ .1945‬ويعترب النظام الأ�سا�سي ملحكمة العدل الدولية جزءا متمما للميثاق‪.‬‬
‫‪.www.un.org‬‬
‫‪ 22‬للمزيد من التفا�صيل حول ميثاق الأمم املتحدة حلقوق الإن�سان‪ ،‬راجع‪ :‬د‪ .‬ع�صام زناتي‪ ،‬حماية حقوق الإن�سان يف‬
‫�إطار الأمم املتحدة‪ ،‬دار النه�ضة العربية‪ ،‬القاهرة‪� ،1998-1997 ،‬ص‪ 15.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪3. Madoka Futamura, War Crimes Tribunals and Transitional Justice: The Tokyo Trial and the Nurem-‬‬
‫‪berg ledacy, US A, 2008, P. 30,52.‬‬
‫‪ 44‬د‪� .‬إ�سماعيل عبد الرحمن حممد‪ ،‬احلماية اجلنائية للمدنيني يف زمن النزاعات امل�سلحة‪ ،‬ر�سالة دكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق ‪-‬‬
‫جامعة املن�صورة‪� ،2000 ،‬ص‪ 358.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�إ�سهاما عظيما في تو�سيع نطاق القانون الدولي الإن�ساني‪ ،‬حيث حققت المادة الم�شتركة بين‬
‫اتفاقيات جنيف الأربع ن�صرا ال يفوقه ن�صر‪.‬‬
‫وقد �أ�شارت هذه الإتفاقيات �إلى تجريم التعذيب‪ ،‬والمعاملة الال�إن�سانية القا�سية‪ ،‬حيث‬
‫ن�صت المادة ‪ 50‬من الإتفاقية الأولى لعام ‪- 1949‬الخا�صة بتح�سين حال الجرحى بالميدان‪-‬‬
‫على �أنه‪( :‬يعد من المخالفات الج�سيمة «القتل العمد‪ ،‬التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية‪ ،‬والتجارب‬
‫الطبية‪ ،‬تعمد �إحداث �آالم �شديدة»)‪ ،‬كما ن�صت المادة ‪ 51‬من الإتفاقية الثانية ‪-‬الخا�صة‬
‫بالبحار‪ -‬على �أن‪( :‬المخالفات الج�سيمة هي الأفعال التي �إذا اقترفت �ضد �أ�شخا�ص محميين‬
‫�أو ممتلكات خا�صة)‪ ،‬كما �أ�شارت المادة ب�أن التعذيب والمعاملة الال�إن�سانية من الجرائم‬
‫الج�سيمة‪� ،‬أما الإتفاقية الثالثة ‪-‬والخا�صة بمعاملة �أ�سرى الحرب‪ -‬فقد ن�صت في المادة ‪130‬‬
‫منها على �أن‪( :‬الأفعال الج�سيمة مثل القتل العمد والتعذيب �أو المعاملة الال�إن�سانية‪ ،‬بما في‬
‫ذلك التجارب الخا�صة بعلم الحياة‪ ،‬وتعمد �إحداث �آالم �شديدة بال�سالمة البدنية وبال�صحة)‪،‬‬
‫وجاءت الإتفاقية الرابعة ‪-‬والخا�صة بحماية الأ�شخا�ص المدنيين في وقت الحرب‪ -‬و�أ�شارت‬
‫في المادة ‪ 147‬على تعريف جرائم الحرب المن�صو�ص عليها في المادة ‪ 146‬وهي‪( :‬المخالفات‬
‫الج�سيمة �إذا اقترفت �ضد �أ�شخا�ص محميين �أو ممتلكات محمية باالتفاقية مثل القتل العمد‪،‬‬
‫التعذيب‪ ،‬المعاملة الال�إن�سانية‪ ،‬التجارب الخا�صة بعلم الحياة‪� ،‬إحداث �آالم �شديدة بال�سالمة‬
‫البدنية وال�صحة‪ ،‬والنفي‪ ،‬والحجز الغير م�شروع‪ ،‬و�إكراه ال�شخ�ص المحمي على الخدمة في‬
‫القوات الم�سلحة بالدولة المعادية)‪.‬‬
‫البروتوكول الإ�ضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلق بحماية �ضحايا‬ ‫●‬

‫المنازعات الم�سلحة الدولية‪:‬‬


‫ن�صت المادة ‪« 1 75‬ال�ضمانات الأ�سا�سية» للبرتوكول الإ�ضافي الأول الملحق باتفاقيات‬
‫‪ 11‬تن�ص املادة ‪ 75‬من الربوتوكول الإ�ضايف الأول امللحق باتفاقيات جنيف واملتعلق بحماية �ضحايا املنازعات امل�سلحة الدولية‬
‫على ما يلي‪:‬‬
‫(‪ -1‬يعامل معاملة �إن�سانية يف كافة الأحوال الأ�شخا�ص الذين يف قب�ضة �أحد �أطراف النزاع وال يتمتعون مبعاملة �أف�ضل‬
‫مبوجب الإتفاقيات �أو هذا امللحق «الربوتوكول» وذلك يف نطاق ت�أثرهم ب�أحد الأو�ضاع امل�شار �إليها يف املادة الأوىل‬
‫من هذا امللحق «الربوتوكول»‪ .‬ويتمتع ه�ؤالء الأ�شخا�ص كحد �أدنى باحلماية التي تكفلها لهم هذه املادة دون �أي متييز‬
‫جمحف يقوم على �أ�سا�س العن�رص �أو اللون �أو اجلن�س �أو اللغة �أو الدين �أو العقيدة �أو الآراء ال�سيا�سية �أو غريها من الآراء‬
‫�أو االنتماء القومي �أو االجتماعي �أو الرثوة �أو املولد �أو �أي و�ضع �آخر �أو على �أ�سا�س �أية معايري �أخرى مماثلة‪ .‬ويجب‬
‫على كافة الأطراف احرتام جميع ه�ؤالء الأ�شخا�ص يف �شخ�صهم و�رشفهم ومعتقداتهم و�شعائرهم الدينية‪.‬‬
‫ال يف �أي زمان ومكان �سواء ارتكبها معتمدون مدنيون �أم ع�سكريون‪:‬‬ ‫ال وا�ستقبا ً‬
‫‪ -2‬حتظر الأفعال التالية حا ً‬
‫�أ ) ممار�سة العنف �إزاء حياة الأ�شخا�ص �أو �صحتهم �أو �سالمتهم البدنية �أو العقلية وبوجه خا�ص‪:‬‬
‫�أوالً‪ :‬القتل‬
‫ثانياً‪ :‬التعذيب ب�شتى �صوره بدني ًا كان �أم عقلي ًا‬
‫ثالثاً‪ :‬العقوبات البدنية‬
‫رابعاً‪ :‬الت�شويه‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪66‬‬

‫جنيف على �أن‪( :‬التعذيب محظور ب�شتى �صوره بدنيا كان �أم عقليا �ضد الأ�شخا�ص الذين في‬
‫قب�ضة �أحد �أطراف النزاع وال يتمتعون بمعاملة �أف�ضل بموجب اتفاقيات جنيف)‪ ،‬يظل ممنوعا‬
‫«في �أي زمان ومكان �سواء ارتكبه معتدون مدنيون �أم ع�سكريون»؛ كما �أن (المعاملة القا�سية‬
‫والتعذيب في حق الأ�سرى محظوران) وفق المادة ‪ 3‬التفاقيات جنيف ل�سنة ‪ ،1949‬والتي تعد‬
‫بمثابة كا�شف للقانون الدولي المتعارف عليه‪.‬‬
‫ميثاق المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغ�سالفيا‪:‬‬ ‫●‬

‫فقد ن�صت المادة الثانية من الميثاق‪( :‬تعد الجرائم التي تمثل مخالفات خطيرة التفاقيات‬
‫جنيف ل�سنة ‪ ،1949‬والتي تكون المحكمة الدولية مخت�صة بتوجيه االتهام‪ ،‬ومحاكمة �أي �شخ�ص‬
‫�إرتكب �أو �أمر بارتكاب مخالفات خطيرة)‪ ،‬وقد حددت تلك الأفعال ب�أنها‪( :‬التي ترتكب �ضد‬
‫الممتلكات �أو الأ�شخا�ص ‪ -‬ويت�ضمن التعذيب‪ -‬الم�شمولين بالحماية طبقا التفاقيات جنيف)‪.1‬‬
‫ميثاق محكمة رواندا‪:‬‬ ‫●‬

‫ن�صت المادة الرابعة بمحاكمة الأفراد الذين قاموا بارتكاب انتهاكات ج�سيمة للمادة‬
‫الثالثة الم�شتركة في اتفاقيات جنيف ل�سنة ‪ ،1949‬وقد ت�ضمنت تلك الأفعال‪( :‬ا�ستعمال العنف‬
‫�ضد حياة الأ�شخا�ص‪� ،‬أو �صحتهم �أو �سالمتهم البدائية �أو العقلية وخا�صة القتل‪ ،‬ف�ضال عن‬
‫المعاملة القا�سية والتعذيب �أو بتر الأع�ضاء �أو �أي �شكل من �أ�شكال العقاب الجماعي)‪.‬‬
‫الملحقان (البروتوكوالن) الأول والثاني الإ�ضافيان �إلى اتفاقيات جنيف لعام ‪:1977‬‬ ‫●‬

‫عرف البروتوكول الإ�ضافي الأول جرائم الحرب في المادة ‪ 11‬منه بالقول‪( :‬يجب �أال يم�س‬
‫�أي عمل �أو �إحجام ال مبرر له بال�صحة وال�سالمة البدنية والعقلية للأ�شخا�ص الذين هم في‬
‫قب�ضة الخ�صم �أو يتم احتجازهم‪ ،‬ومن ثم يحظر تعري�ض الأ�شخا�ص للتجارب الطبية‪� ،‬أو‬
‫عمليات البتر)‪ ،2‬وذلك تطبيقا لن�ص المادة الحادية ع�شرة فقرة ‪ 1‬و‪ ،2‬وال يجوز اال�ستثناء من‬

‫ب) انتهاك الكرامة ال�شخ�صية وبوجه خا�ص املعاملة املهينة للإن�سان واملحطة من قدره والإكراه على الدعارة و�أية‬
‫�صورة من �صور خد�ش احلياء‪.‬‬
‫ج ) �أخذ الرهائن‪،‬‬
‫د ) العقوبات اجلماعية‪،‬‬
‫هـ) التهديد بارتكاب �أي من الأفعال املذكورة �آنفاً)‪.‬‬
‫‪ 11‬د‪� .‬إ�سماعيل عبد الرحمن حممد‪ ،‬احلماية اجلنائية للمدنيني يف زمن النزاعات امل�سلحة‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.369.‬‬
‫‪ 22‬ن�صت املادة ‪ 11‬من امللحق (الربوتوكول) الإ�ضايف الأول �إىل اتفاقيات جنيف لعام ‪ 1977‬اخلا�ص بحماية �ضحايا‬
‫النزاعات امل�سلحة الدولية على ما يلي‪ -1( :‬يجب �أال مي�س �أي عمل �أو �إحجام ال مربر لهما بال�صحة وال�سالمة البدنية‬
‫والعقلية للأ�شخا�ص الذين هم يف قب�ضة اخل�صم �أو يتم احتجازهم �أو اعتقالهم �أو حرمانهم ب�أية �صورة �أخرى من حرياتهم‬
‫نتيجة لأحد الأو�ضاع امل�شار �إليها يف املادة الأوىل من هذا امللحق»الربوتوكول» ‪ .‬ومن ثم يحظر تعري�ض الأ�شخا�ص‬
‫امل�شار �إليهم يف هذه املادة لأي �إجراء طبي ال تقت�ضيه احلالة ال�صحية لل�شخ�ص املعني وال يتفق مع املعايري الطبية املرعية‬
‫التي قد يطبقها الطرف الذي يقوم بالإجراء على رعاياه املتمتعني بكامل حريتهم يف الظروف الطبية املماثلة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ويحظر ب�صفة خا�صة �أن يجري له�ؤالء الأ�شخا�ص‪ .‬ولو مبوافقتهم‪� ,‬أي مما يلي‪�:‬أ) عمليات البرت‪ .‬ب) التجارب‬
‫‪67‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الحظر �إال في حالة التبرع بالدم لنقله �أو التبرع بالأن�سجة لزرعها‪ ،‬ب�شرط �أن يكون الر�ضا حرا‬
‫للمتبرع‪ ،‬وبدون قهر‪.‬‬
‫وقد جاءت المادة ‪ 75‬من نف�س البروتوكول‪ ،‬ون�صت على تحريم التعذيب لكل �سكان‬
‫الأرا�ضي المحتلة‪ ،‬الذين عبر عنهم بم�صطلح «الأ�شخا�ص الذين في قب�ضة �أحد �أطراف‬
‫النزاع وال يتمتعون بمعاملة �أف�ضل بموجب الإتفاقيات �أو البروتوكول الأول»‪ ،‬كما حرمت المادة‬
‫‪ 76‬التعذيب والمعاملة القا�سية بالن�سبة للن�ساء والأطفال‪ ،‬وتجريم الإغت�صاب والإكراه على‬
‫الدعارة‪....‬‬
‫كما جاء البروتوكول الإ�ضافي الثاني لعام ‪ -1977‬والخا�ص بحماية �ضحايا النزاعات‬
‫الم�سلحة غير الدولية‪ -‬ف�أ�شارت المادة الرابعة منه �إلى‪:‬‬
‫الحق في احترام الأ�شخا�ص الذين ال ي�شتركون في الأعمال العدائية‪ ،‬واحترام �شرفهم‬ ‫✺‬

‫ومعتقداتهم و�شعائرهم الدينية‪ ،‬و�أن يعاملوا في جميع الأحوال معاملة �إن�سانية‪.‬‬


‫تجريم الإعتداء على حياة الأ�شخا�ص و�صحتهم و�سالمتهم البدنية والعقلية‪ ،‬وال�سيما‬ ‫✺‬

‫القتل والمعاملة القا�سية مثل التعذيب �أو الت�شويه �أو العقوبات البدنية‪.‬‬
‫تجريم انتهاك الكرامة ال�شخ�صية‪ ،‬وبوجه خا�ص المعاملة المهينة والحاطة للكرامة ومن‬ ‫✺‬

‫قدر الإن�سان‪ ،‬واالغت�صاب والإكراه على الدعارة وكل ما من �ش�أنه خد�ش الحياء‪.‬‬
‫ويرى الباحث �أن اتفاقيات جنيف الأربع لعام ‪ 1949‬والبرتوكوالن الأول والثاني لعام‬ ‫✺‬

‫‪ 1977‬الإ�ضافيان‪ ،‬قد رفعا من �ش�أن حقوق الإن�سان‪ ،‬و�إدانة التعذيب �إدانة ر�سمية؛ حيث‬
‫�أن الهدف الحيوي من الإتفاقيات هو حماية الإن�سانية من ويالت النزاعات الم�سلحة‪،‬‬
‫والحماية من المعامالت الال�إن�سانية �أو الحاطة بالكرامة‪.‬‬
‫ويعد التعذيب في �إطار ما تقدم جريمة دولية‪ ،‬تجد م�صدرها في قواعد القانون الدولي‬
‫الإن�ساني‪� ،‬سواء في اتفاقيات جينيف الأربع‪� ،‬أو اتفاقيات الهاي ‪ ،1907‬كقاعدة عرفية بها‬
‫نف�س الم�ضمون‪ ،‬وهذا هو جوهر التزام الدول بما جاء في �أحكام الإتفاقيات كم�صدر دولي‬
‫للحق في الحماية من التعذيب‪ ،‬كما تهدف القواعد الآمرة‪ ،‬الواردة في الإتفاقيات والمواثيق‬

‫الطبية �أو العلمية ج) ا�ستئ�صال الأن�سجة �أو الأع�ضاء بغية ا�ستزراعها‪.‬‬


‫وذلك �إال حينما يكون لهذه الأعمال ما يربرها وفق ًا لل�رشوط املن�صو�ص عليها يف الفقرة الأوىل من هذه املادة‪.‬‬
‫‪ - 3‬ال يجوز اال�ستثناء من احلظر الوارد يف الفقرة الثانية (ج) �إال يف حالة التربع بالدم لنقله �أو التربع بالأن�سجة اجللدية‬
‫ال�ستزراعها �رشيطة �أن يتم ذلك بطريقة طوعية وبدون قهر �أو غواية‪ .‬و�أن يجرى لأغرا�ض عالجية فقط وب�رشوط‬
‫عادة وبال�صورة التي تكفل �صالح كل من املتربع واملتربع له‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تتفق مع املعايري وال�ضوابط الطبية املرعية‬
‫‪ - 4‬يعد انتهاك ًا ج�سيم ًا لهذا امللحق « الربوتوكول « كل عمل عمدي �أو �إحجام مق�صود مي�س بدرجة بالغة بال�صحة‬
‫�أو بال�سالمة البدنية �أو العقلية لأي من الأ�شخا�ص الذين هم يف قب�ضة طرف غري الطرف الذي ينتمون �إليه ويخالف‬
‫املحظورات املن�صو�ص عليها يف الفقرتني الأوىل والثانية �أو ال يتفق مع متطلبات الفقرة الثالثة)‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪68‬‬

‫�إلى احترام حقوق الإن�سان في النزاعات الم�سلحة‪ ،‬وذلك بالمقابل مع قواعد القانون الدولي‬
‫لحقوق الإن�سان التي تنه�ض كم�صدر لحماية الإن�سانية في زمن ال�سلم‪ ،‬ال�شيء الذي ي�ؤكد �أن‬
‫مناه�ضة التعذيب بكل �أ�شكاله ظل هاج�سا كبيرا في القانون الدولي الإن�ساني‪ ،‬بحكم ارتباطه‬
‫ب�آدمية الإن�سان من حيث �أنه �إن�سان‪ ،‬غير �أن محاربته �أو مناه�ضته تقت�ضي �أن يتم تفعيلها من‬
‫طرف المنتظم الدولي بموجب الإتفاقيات المعبرة عن ذلك‪ ،‬بكل ما يلزم من و�سائل �إجبارية‪،‬‬
‫خا�صة دول العالم الثالث‪� ،‬أو الدول النامية‪ ،‬التي الزالت تعاني �شعوبها من جريمة التعذيب‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬مناه�ضة التعذيب في الت�شريع المغربي‬
‫ب�إ�صدار الم�شرع الجنائي المغربي للقانون رقم ‪ 04-43‬المجرم للتعذيب والمعدل والمتمم‬
‫للف�صل ‪ 231‬من القانون الجنائي ال�صادر الأمر بتنفيذه في فبراير ‪ ،2006‬والذي اتخذ قرار‬
‫و�ضع م�شروعه مند عام ‪ ،2004‬حيث مهد هذا القرار �إلى �إتخاذ المغرب قرارات �أخرى �أكثر‬
‫تقدما كما هو ال�ش�أن عندما رفع التحفظ عن المادة ‪ 20‬من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب المتعلقة‬
‫باخت�صا�ص هذه اللجنة في النظر في �شكاوى الأفراد وفق المادة ‪.22‬‬
‫وبالرجوع �إلى القانون الجنائي‪ ،‬قبل تعديله بالقانون رقم ‪ ،04-43‬يمكن الوقوف على‬
‫ت�ضمين الم�شرع الجنائي التعذيب كجريمة يعاقب عليها القانون �سواء من خالل المادة‬
‫‪ 231‬التي تعاقب الموظف العمومي الذي «ي�ستعمل �أثناء قيامه بوظيفته �أو ب�سبب قيامه بها‬
‫العنف �ضد الأ�شخا�ص �أو ي�أمر ب�إ�ستعماله بدون مبرر �شرعي» �أو من خالل المادة ‪ 438‬التي‬
‫تعاقب الإعتداء على الحرية ال�شخ�صية بالإعدام في حالة ما �إذا وقع تعذيب بدني لل�شخ�ص‬
‫المخطوف �أو المقبو�ض عليه �أو المحبو�س �أو المحجوز‪� ،‬أو من خالل المادة ‪ 399‬التي تعاقب‬
‫ب�إعدام كل من ا�ستعمل و�سائل التعذيب �أو �إرتكب �أعماال وح�شية لتنفيذ فعل يعد جناية‪.‬‬
‫�إال �أن العنف الذي تق�صده المادة ‪ 231‬ال يمكن �أن يفهم منه �أن الأمر يتعلق بفعل التعذيب‬
‫كما هو متعارف عليه دوليا‪ ،‬وحتى �إذا افتر�ضنا العك�س ف�إن تجريم الم�شرع المغربي لهذا‬
‫العنف مرتبط ب�شرط «غياب مبرر �شرعي» لهذا العنف �أي �إذا كان مبرر �شرعي يبرر ممار�سة‬
‫الموظف العنف �ضد �شخ�ص معين ف�إن هذا العنف �أو التعذيب ي�صبح م�شروعا‪ ،‬وهذا الأمر‬
‫يتنافى مع التجريم المطلق التي يتميز به فعل التعذيب في جميع الأحوال طبقا للقانون الدولي‬
‫الإن�ساني الذي ال يورد �أي نوع من التعذيب الم�شروع‪ ،1‬فعنا�صر التجريم التي ت�ضمنته المادة‬
‫‪ 231‬تفتقر �إلى التحديد الدقيق واعتبرته من بين الأ�سباب الكامنة وراء «تقاع�س» الق�ضاء‬
‫الغربي‪-‬بدرجاته المختلفة‪-‬عن تطبيق مقت�ضياتها في العديد من الحاالت‪.‬‬
‫‪ 11‬د‪ .‬عبد احلفيظ بلقا�ضي «حماية ال�شخ�ص �ضد التعذيب واملمار�سات امل�شابهة بني ن�صو�ص �إتفاقية الأمم املتحدة لعام ‪1984‬‬
‫ومقت�ضيات املدونة اجلنائية املغربية‪ REMALD،‬عدد ‪� 2001/29‬ص‪91.‬‬
‫‪69‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أما المادة ‪ 438‬و�إن كانت تعاقب التعذيب البدني الذي يقع لل�شخ�ص المخطوف �أو المقبو�ض‬
‫عليه �أو المحبو�س �أو المحجوز‪ ،‬ف�إنها من جهة ال تعاقب على التعذيب النف�سي و العقلي‪ ،‬ومن‬
‫جهة �أخرى ف�إن هذه المادة تخاطب فقط الأفراد العاديين دون الموظفين العموميين من‬
‫منطلق �أنها تقع �ضمن الفرع الرابع من الباب ال�سابع لمدونة القانون الجنائي الذي يحمل‬
‫عنوان‪« :‬االعتداء على الحرية ال�شخ�صية و�أخذ الرهائن و حرمة الم�سكن الذي يرتكبه الأفراد»‬
‫بينما تخاطب �إتفاقية مناه�ضة التعذيب‪ ،‬الموظفين العموميين بالأ�سا�س �أو من يت�صرف بهذه‬
‫ال�صفة‪ .‬وبالعودة �إلى ن�ص المادة ‪ 399‬من القانون الجنائي المغربي و المادة ‪ 303‬من المدونة‬
‫الفرن�سية القديمة يمكن القول �أنهما ال يجرمان �إال التعذيب الذي يهدف �إلى تنفيذ جناية �أي‬
‫�أن هذا التعذيب لي�س جريمة �أ�صلية و م�ستقلة بل ظرف م�شدد يوجب �إعدام ال�شخ�ص الذي‬
‫ي�ستعمل و�سائل التعذيب �أو الأعمال الوح�شية في تنفيذه لهذه الجناية‪.‬‬
‫و�إذا كان «ا�ستعمال و�سائل التعذيب» ال يثير الغمو�ض باعتبار �أن مفهوم التعذيب وا�ضح في‬
‫المادة الأولى من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب ل�سنة ‪ ،1984‬ف�إن مفهوم الأعمال الوح�شية يعتريه‬
‫اللب�س وعدم الو�ضوح وقد ذهب اتجاه من الفقه الفرن�سي �إلى �أن «الأعمال الوح�شية» �إنما‬
‫ينبغي �أن تحمل معنى �أ�شكال المعاملة القا�سية �أو الال�إن�سانية �أو المهينة‪ ،‬المن�صو�ص عليها‬
‫في المادة ‪ 16‬من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب لعام ‪ 1984‬واالتفاقية الأروبية لعام ‪ 1987‬ب�ش�أن‬
‫مناه�ضة التعذيب‪ ،‬وح�سب هذا الت�صور ف�إن العمل الوح�شي هو الذي يف�صح الجاني من خالله‬
‫عن ق�سوته و�شرا�سته‪.‬‬
‫عرف القانون الجنائي المغربي طيلة �أربعة عقود من وجوده عدة تعديالت‪،‬وبالرغم من‬
‫ق�صر �سريانه ن�سبيا «ف�إن الأ�س�س التي �أنبنى عليها �أ�صبحت متجاوزة حتى في البيئة الفرن�سية‬
‫التي �أنتجته‪ 1‬وبالتالي فمختلف المقت�ضيات المذكورة �أعاله كانت توحي بوجود تق�صير من‬
‫جانب المغرب في تجريمه للتعذيب وفق الإلتزام الذي ن�صت عليه المادة الرابعة من �إتفاقية‬
‫مناه�ضة التعذيب‪ ،‬تكر�س معه �إفالت الجالدين من العقاب‪ 2‬وقد تم تنظيم مناظرة وطنية‬
‫حول بلورة �سيا�سة جنائية‪ ،‬وانخرطت الحكومة في العمل على �صياغة �سيا�سة جنائية متكاملة‬
‫‪ 11‬تقنيات نابليون يف القرن ‪ ،19‬وارد يف التقرير ال�سنوي عن حالة حقوق الإن�سان و ح�صيلة �آفاق عمل املجل�س ‪،2004‬‬
‫من�شورات املجل�س اال�ست�شاري حلقوق الإن�سان‪ ،‬يوليوز ‪� 2005‬ص‪24 .‬‬
‫‪ 22‬على �سبيل املثال‪� :‬أ�شارت املنظمة املغربية حلقوق الإن�سان �إىل احلاالت التي عر�ضها التقرير ال�سنوي لعام ‪ 2000‬و مل‬
‫تتو�صل ب�أي رد ر�سمي ب�ش�أنها رغم ن�رش التقرير على نطاق وا�سع تخ�ص عدة حاالت‪ :‬ال�سيد «جمايل عبد الرحمان»‬
‫مللقى عليه القب�ض من طرف دائرة الأمن اخلام�سة بعني ال�سبع عمالة احلي املحمدي بالدار البي�ضاء‪ ،‬والذي تعر�ض‬
‫ملعاملة قا�سية �أثناء ا�ستنطاقه‪ ،‬ال�سيد «حماد ظليم» من دوار اخلروبة ب واد �أمليل‪ ،‬الذي تعر�ض لل�رضب‪ ،‬من طرف‬
‫الدرك امللكي �إثر تقدميه لتظلم �إىل وزير الفالحة‪ ،‬مبنا�سبة زيارته لعني املكان و حالة «ال�سيد علي اجلمال» من مدينة‬
‫تزنيت واملتوفى لدى ال�رشطة و«ال�سيد م�صطفى احلجامي»‪ ،‬املتويف مبخفر للبا�شوية بـ«تاونات» �إثر اعتقاله من طرف‬
‫�أفراد القوات امل�ساعدة خالل �شهر يوليوز‪...‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪70‬‬

‫لإ�ستخال�ص العبر من تطبيق القانون الجنائي المغربي طيلة ‪� 42‬سنة‪ 1‬و�إبراز مختلف نواق�ص‬
‫هذا القانون في تعاطيه مع جريمة التعذيب ظل حا�ضرا �ضمن �أهداف معظم مكونات الحركة‬
‫الحقوقية بالمغرب‪ 2‬والتي من �ضمنها �ضرورة �إ�ستكمال م�سل�سل مالئمة القوانين المحلية مع‬
‫المواثيق الدولية‪ ،‬ف�شرعت في بلورة خطة وطنية كمرجع �أ�سا�سي للإقرار بحقوق الإن�سان‬
‫والنهو�ض بها واحترامها‪.‬‬
‫و�إذا كان الم�شرع الفرن�سي قد تدارك الق�صور الت�شريعي المتعلق بتجريم التعذيب منذ‬
‫�سنة ‪ 1994‬في مدونته الجنائية من خالل زجر ممار�سة التعذيب والأعمال الوح�شية باعتبارها‬
‫جريمة م�ستقلة في المادة ‪ ،1/222‬ف�ضال عن اعتباره فعل التعذيب جريمة �ضد الإن�سانية‪ ،‬و �إذا‬
‫كان الم�شرع التون�سي عالج الق�صور من خالل �إ�ضافة الف�صل ‪ 101‬مكرر �إلى المجلة الجنائية‬
‫بموجب قانون م�ؤرخ في ‪ 2‬غ�شت ‪ ،1999‬ف�إن نظيرهما المغربي لم يتدارك هذا النق�ص �إال‬
‫بعد �إ�صداره �سنة ‪ 2006‬للقانون رقم ‪ 43-04‬المغير والمتمم للف�صل ‪ 231‬من مدونة القانون‬
‫الجنائي بتعريفه جريمة التعذيب بالن�ص على �أنه «يق�صد بالتعذيب بمفهوم هذا القانون كل‬
‫فعل ينتج عنه �ألم �أو عذاب �شديد ج�سدي �أو نف�سي يرتكبه عمدا موظف عمومي �أو يحر�ض‬
‫عليه �أو يوافق عليه �أو ي�سكت عنه في حق �شخ�ص لتخويفه �أو �إرغامه على الإدالء بمعلومات �أو‬
‫بيانات �أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه �أو ي�شبه في �أنه �إرتكبه هو �أو �شخ�ص �آخر‪،‬‬
‫�أو عندما يلحق مثل هذا الألم �أو العذاب لأي �سبب من الأ�سباب التي يقوم على التمييز �أيا كان‬
‫نوعه‪ ،‬و ال يعتبر تعذيبا الألم و العذاب لأي �سبب من الأ�سباب التي يقوم على التمييز �أيا كان‬
‫نوعه‪ ،‬و ال يعتبر تعذيبا الألم والعذاب الناتج عن عقوبات قانونية �أو المترتب عنها �أو الالزم‬
‫لها»‪ .‬ومن خالله نالحظ �أن الم�شرع الجنائي المغربي قد تطرق �إلى الأهداف والأركان نف�سها‬
‫التي حددتها المادة الأولى من �إتفاقية مناه�ضة التعذيب رغم االختالف من حيث ال�صياغة‪،‬‬
‫حيث ا�شترط بدوره �ضرورة �أن يتحقق في الفعل الذي يرتكبه الموظف العمومي والذي يطاله‬
‫التجريم �أحد الأهداف الأربعة التي ت�ؤدي �إلى نتيجة واحدة مق�صودة‪:‬‬
‫تخويف ال�ضحية‬ ‫✺‬

‫�إرغامه �أو �إرغام �شخ�ص �آخر على الإدالء بمعلومات �أو بيانات �أو اعتراف‬ ‫✺‬

‫معاقبته على عمل ارتكبه �أو ي�شتبه في �أنه ارتكبه هو �أو �شخ�ص �آخر‪.‬‬ ‫✺‬

‫التمييز‪.‬‬ ‫✺‬

‫‪ 11‬التقرير ال�سنوي للمجل�س الأعلى ‪� -2004‬ص‪.25.‬‬


‫‪ 22‬هيئة الإن�صاف و امل�صاحلة‪« :‬احلقيقة و امل�س�ؤولية عن االنتهاكات» الكتاب الثاين �ص‪.35-34 .‬‬
‫‪71‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫حيث يجب �أن يحدث �أحد هذه الأهداف �شدة من الألم �أو العذاب ج�سديا كان �أو نف�سيا‪،‬‬
‫�سواء قام به الموظف العمومي �شخ�صيا �أو وافق عليه �أو �سكت عنه‪ ،‬والتركيز على �صفة ال�شدة‬
‫قد يفهم منه ا�ستبعاد الممار�سات التي ال ت�صل �إلى حد التعذيب من التجريم‪� ،‬أي �أن الأمر‬
‫يتجاوز مجرد العنف و الإكراه رغم �أن درجة الإح�سا�س بالألم ال�شديد من خالل تعر�ض‬
‫ال�شخ�ص لأعمال عنف متكررة �أو بالنظر �إلى طبيعتها و كثافتها �أو الظروف التي ارتكبت‬
‫فيها‪ ،‬و ال �شك �أن الأ�ساليب التي قد يلج�أ �إليها في ذلك ي�صعب ح�صرها �أو تعدادها‪ ،‬فهي‬
‫على قدر كبير من التنوع و االختالف‪ ،‬وقد اعتبر �أحد الفقهاء‪� 1‬أن �آالم الجوع �أو البرد القار�س‬
‫التي يت�سبب فيها الجاني عمدا والتي ت�ستغرق مدة معينة من الزمن �شكال من �أ�شكال التعذيب‬
‫المادي �شرط �أن ي�سبقها واقعة حب�س �أو حجز ال�شخ�ص الذي حرم من التغذية �أو التدفئة‪،‬‬
‫وبالتالي فقد �إعتبر هذا الفقيه م�س�ألة ترك ال�ضحية �أو الإمتناع عن توفير ال�شروط ال�صحية‬
‫بمثابة تعذيب مادي‪.‬‬
‫كما �إ�ستبعد الم�شرع المغربي من تعريفه للتعذيب الألم و العذاب الناتج عن عقوبات قانونية‬
‫�أو المترتب عنها �أو الالزم لها‪� ،‬ش�أنه في ذلك �ش�أن المادة الأولى‪/‬فقرة ‪ 2‬من �إتفاقية مناه�ضة‬
‫التعذيب التي اعتبرت �أنه ال يت�ضمن ذلك الألم �أو العذاب النا�شئ فقط عن عقوبات قانونية‬
‫�أو المالزم لهذه العقوبات �أو التي يكون نتيجة عر�ضية لها‪� ،‬إال �أن الفرق يكمن في حذف كلمة‬
‫فقط من القانون المغربي‪ ،‬حيث تقر�أ‪« :‬و ال يعتبر تعذيبا الألم �أو العذاب الناتج عن عقوبات‬
‫قانونية �أو المترتب عنها �أو المالزم لها» و قد ذكر «القرار الخا�ص المعني بالتعذيب» بالأمم‬
‫المتحدة ب�أن هذا اال�ستبعاد }المعروف عادة با�ستبعاد العقوبات القانونية{ «يجب �أن ي�شير‬
‫بال�ضرورة �إلى تلك العقوبات التي ت�شكل ممار�سة مقبولة على نطاق وا�سع من جانب المجتمع‬
‫الدولي باعتبارها م�شروعة‪ ،‬مثل الحرمان من الحرية عن طريق ال�سجن‪ ،‬وهي قا�سم م�شترك‬
‫يجمع بين جميع الأنظمة العقابية تقريبا»‪.2‬‬
‫غير �أن التعريف ال يو�ضح ما يعنيه بالمفاهيم والم�صطلحات الواردة فيه وخا�صة منها‬
‫م�صطلح‪« :‬موظف عمومي» وهنا نت�ساءل عن المق�صود بالموظف العمومي هل هو من تحدده‬
‫«مدونة قواعد �سلوك الموظفين المكلفين ب�إنفاذ القوانين» التي �إعتمدت و ن�شرت بموجب‬
‫قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ‪ 169/34‬الم�ؤرخ في ‪ 17‬دجنبر ‪ 1979‬في تعليقها على‬
‫مادتها الأولى فيما يلي‪ :‬ت�شمل عبارة «الموظفون المكلفون ب�إنفاذ القوانين جميع الموظفين‬

‫‪ 11‬عبد احلفيظ بلقا�ضي‪ ،‬حماية ال�شخ�ص �ضد التعذيب واملمار�سات امل�شابهة بني ن�صو�ص �إتفاقية الأمم املتحدة لعام ‪1984‬‬
‫ومقت�ضيات املدونة اجلنائية املغربية م �س �ص»‪ ،95‬هام�ش رقم ‪.50‬‬
‫‪ 22‬خالد ال�رشقاوي ال�سموين‪« ،‬جرمية التعذيب يف القانون املغربي» جملة فواني�س‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪72‬‬

‫الم�س�ؤولين عن تنفيذ القانون الذين يمار�سون �صالحيات ال�شرطة‪ ،‬وال �سيما �صالحيات‬
‫االعتقال و الإحتجاز �سواء كانوا معنين �أو منتخبين» وهو ما يفيد �أن الم�شرع المغربي يدمج‬
‫�ضمن م�صطلح الموظف العمومي بالإ�ضافة �إلى «الموظفين المكلفين ب�إنقاذ القوانين» كل‬
‫الموظفين المنتمين �إلى قطاعات الدولة‪.‬‬
‫من جانب �آخر فالتعريف الوارد في القانون المغربي المتعلق بتجريم التعذيب ال يتالءم‬
‫في كثير من بنوده مع الإتفاقية الدولية لمناه�ضة التعذيب وبالخ�صو�ص المادتين ‪ 1‬و‪ 4‬من‬
‫االتفاقية‪ ،‬من حيث �أنه «لم ي�ضع تحديدا وا�ضحا لمفاهيم من قبيل التعذيب المبا�شر والعقوبة‬
‫القا�سية والمعاملة الال�إن�سانية والمعاملة المهينة» حيث �إن كل الوثائق المعينة �سواء ال�صادرة‬
‫عن الأمم المتحدة �أم منظمات �أخرى دولية �أو �إقليمية التي تتطرق للتعذيب ال تميز بينه‬
‫وبين مختلف �أ�شكاله «المعاملة �أو العقوبة القا�سية �أو الال�إن�سانية المهينة»‪ ،‬كما �أنها تعني في‬
‫جوهرها بالتعذيب الذي يمار�سه موظفو �أجهزة الدولة وباقي الأفراد الذين يعملون لفائدتهم‬
‫�أو بتعاون معهم �أو بر�ضا منهم‪ ،‬وعليه ف�إن �إغفال القانون المتعلق بتجريم التعذيب تجريم‬
‫المعاملة ال�سيئة والعقوبة القا�سية والال�إن�سانية قد تفرع هذا القانون من ال�شمولية في م�س�ؤولية‬
‫الموظف عند �ضلوعه المبا�شر وغير المبا�شر في �أعمال التعذيب مادام المغرب قد �صادق على‬
‫الإتفاقية الدولية لمناه�ضة التعذيب التي تن�ص �صراحة على تجريم المعاملة ال�سيئة والعقوبة‬
‫القا�سية والال�إن�سانية‪ ،‬و�أن �سكوت الم�شرع المغربي على مثل هذه الأعمال قد ي�شجع بع�ض‬
‫الم�س�ؤولين على ال�شطط في �إ�ستعمال �سلطاتهم عند اعتقال الأفراد والتحقيق معهم‪ ،‬وتجدر‬
‫الإ�شارة �إلى �أن الإتفاقية المذكورة قد حظرت الممار�سات التي ال ت�صل �إلى حد التعذيب في‬
‫مادتها ال�ساد�سة ع�شر‪ .‬لذلك فم�سودة م�شروع القانون الجنائي المعرو�ضة للنقا�ش عمدت �إلى‬
‫التو�سع في تعريف التعذيب لي�شمل �أفعال التعذيب المرتكبة من طرف كل الأ�شخا�ص و عدم‬
‫ح�صره في الموظف العمومي فقط‪.‬‬
‫و�إذا كان الم�شرع المغربي قد ن�ص على عقوبة جريمة التعذيب باعتبارها جناية يتعر�ض‬
‫مرتكبها �إلى عقوبات �أ�صلية ن�صت عليها المواد ‪� 231-1‬إلى ‪ ،231-6‬و�أخرى �إ�ضافية تفر�ض‬
‫بقوة القانون من�صو�ص عليها في المادتين ‪ 231-7‬و ‪ 231-8‬ف�إنه و بالرجوع �إلى الف�صول التي‬
‫تعاقب على جريمة التعذيب نجد العقوبة تتراوح بين ال�سجن من خم�س �إلى خم�س ع�شرة �سنة‬
‫}الف�صل ‪ {231-2‬و ال�سجن الم�ؤبد }الف�صل ‪ {231-4‬و هذا يعني ب�أن الم�شرع عاقب على‬
‫التعذيب بعقوبات جنائية‪ .‬عاقب الم�شرع الموظف العمومي مرتكب جريمة التعذيب بال�سجن‬
‫الم�ؤقت من خم�س �إلى خم�س ع�شرة �سنة‪ ،‬والغرامة من ‪� 10.000‬إلى ‪ 30.000‬درهم‪ ،‬وت�شدد‬
‫العقوبة لت�صبح ال�سجن من ع�شر �سنوات �إلى ع�شرين �سنة وغرامة مالية من ‪� 20.000‬إلى‬
‫‪73‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫‪ 50,000‬درهم �إذا �إرتكب التعذيب �ضد قا�ض �أو عون من �أعوان القوة العمومية �أو موظف عمومي‬
‫�أثناء ممار�سته لمهامه‪� ،‬أو بمنا�سبة ممار�سته لها‪� ،‬أو �ضد �شاهد �أو �ضحية �أو طرف مدني ب�سبب‬
‫�إدالئه بت�صريح �أو لتقديمه �شكاية ولإقامته دعوى �أو للحيلولة دون القيام بذلك‪� ،‬أو من طرف‬
‫مجموعة من الأ�شخا�ص ب�صفتهم فاعلين �أو م�شاركين‪� ،‬أو مع �سبق الإ�صرار و ب�إ�ستعمال ال�سالح‬
‫�أو التهديد به‪ ،‬كما ت�شدد العقوبة لت�صل �إلى ال�سجن الم�ؤبد �إذا �إرتكب التعذيب �ضد قا�صر دون‬
‫�سن ‪� 18‬سنة‪� ،‬أو �إذا �إرتكب �ضد �شخ�ص يعاني من و�ضعية �صعبة ب�سبب مر�ض �أو �إعاقة �أو ب�سبب‬
‫نق�ص بدني �أو نف�سي على �أن تكون هذه الو�ضعية ظاهرة ومعروفة لدى الفاعل‪ ،‬و كذا �إذا �إرتكب‬
‫�ضد امر�أة حامل �إذا كان حملها بينا‪� ،‬أو كان معروف لدى الفاعل‪� ،‬أو �إذا كان م�سبوقا باعتداء‬
‫جن�سي �أو م�صحوبا به تاله هذا الإعتداء‪� ،‬أو الإعتياد على �إرتكاب التعذيب‪.‬‬
‫ومن خالل حاالت ت�شديد العقوبة ال�سابق ذكرها‪ ،‬يتبين �أن الم�شرع �أولى حماية خا�صة‬
‫لبع�ض الفئات مثل القا�ضي والموظف العمومي وال�شهود‪ ،‬كما عمل على تو�سيع دائرة‬
‫الم�شمولين بالحماية من جريمة التعذيب لت�شمل الأ�شخا�ص في و�ضعية �صعبة وكبار ال�سن‬
‫والمر�ضى و المعاقين و الحوامل و الأطفال دون ‪� 18‬سنة‪ ،‬كما عاقب الم�شرع على التعذيب الذي‬
‫ينتج عنه فقدان ع�ضو �أو بتره �أو الحرمان من منفعة �أو عمى �أو عور �أو �أي عاهة دائمة �أخرى‬
‫بعقوبة ال�سجن الم�ؤقت من ع�شر �سنوات �إلى ع�شرين �سنة‪ ،‬و ت�شدد هذه العقوبة �إذا توفر �سبق‬
‫الإ�صرار �أو �إ�ستعمال ال�سالح لت�صبح ال�سجن الم�ؤقت من ع�شرين �سنة �إلى ثالثين �سنة‪� ،‬أما‬
‫التعذيب الذي نتج عنه موت دون نية �إحداثه يعاقب عليه بال�سجن من ع�شرين �سنة �إلى ثالثين‬
‫�سنة‪ ،‬وفي حالة توفر �سبق الإ�صرار �أو �إ�ستعمال ال�سالح ت�صبح العقوبة ال�سجن الم�ؤبد‪� .‬أما عن‬
‫العقوبات الإ�ضافية ف�إنها وفق الفقرة الثانية من المادة ‪ 14‬من القانون الجنائي تكون م�ضافة‬
‫�إلى العقوبة الأ�صلية بقوة القانون‪� ،‬أو تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة �أ�صلية بحيث ي�شتمل عليها‬
‫الحكم لإمكانية توقعها على المحكوم عليه‪ ،‬ويتعر�ض مرتكب جريمة التعذيب �إلى العقوبات‬
‫الإ�ضافية بقوة القانون و تتمثل هذه العقوبة في الحرمان من الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو‬
‫العائلية و م�صادر الأ�شياء و الأدوات الم�ستعملة في �إرتكاب التعذيب و ن�شر الحكم وتعليقه‬
‫طبقا لمقت�ضيات الف�صل ‪ 48‬من القانون الجنائي‪ ،‬بالإ�ضافة لذلك تن�ص المادة ‪ 231-7‬على‬
‫�أنه يجب على المحكمة في جميع الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صول من ‪231-2‬الى ‪231-6‬‬
‫�إذا حكمت بعقوبة جنحيه بحرمان المحكوم عليه لمدة تتراوح بين �سنتين و ع�شر �سنوات من‬
‫ممار�سة حق �أو عدة حقوق من الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو العائلية المن�صو�ص عليها في‬
‫الف�صل ‪ 26‬من القانون الجنائي‪ 1‬و قد تناولت المادة ‪ 231-8‬عقوبة الم�صادرة والن�شر الحكم‬
‫‪ 11‬وي�شمل احلرمان طبقا للف�صل ‪ 26‬من القانون اجلنائي على‪:‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪74‬‬

‫كعقوبتين �إ�ضافيتين‪ ،‬حيث ن�صت على �أنه يجب على المحكمة في جميع الحاالت المن�صو�ص‬
‫عليها في الف�صول من ‪� 231-2‬إلى ‪� 231-6‬إذا حكمت بالم�ؤاخذة �أن ت�أمر بم�صادرة الأ�شياء‬
‫الم�ستعملة في �إرتكاب التعذيب وبن�شر الحكم وبتعليقه طبقا لمقت�ضيات الف�صل ‪ 48‬من هذا‬
‫القانون‪.‬‬
‫توجهات القواعد الم�سطرية الحتواء جريمة التعذيب‪:‬‬ ‫■‬

‫تعرف المتابعة في جريمة التعذيب مجموعة من الخ�صو�صيات تتمثل في وجود م�سطرة‬


‫خا�صة بتحريك الدعوى العمومية �ضد بع�ض الموظفين الذي يرتكبون جريمة التعذيب‪ ,‬من‬
‫جاب �آخر هناك �أ�سباب تمنع من متابعة مرتكبي هذه الجريمة‪ .‬كما �أن جريمة التعذيب غالبا‬
‫ما ترتكب في �أماكن ال يمكن �أن يطلع عليها العموم بالم�شاهدة‪ ،‬وكذلك قد ترتكب من طرف‬
‫�أجهزة يفتر�ض فيما �أنها الم�س�ؤولة عن حماية الأفراد مما يجعل �إثبات هذه الجريمة يعرف‬
‫مجموعة من ال�صعوبات‪.‬‬
‫ف�إذا كان من مهام النيابة العامة ا�ستنادا للف�صلين ‪ 3‬و‪ 36‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪� ،‬أن‬
‫تقوم بتحريك الدعوى العمومية وممار�ستها‪ ،‬ف�إنه وبالمقابل فالف�صول من ‪� 265‬إلى ‪ 268‬تمنع‬
‫النيابة العامة من �إثارة المتابعة وفق القواعد العادية �ضد بع�ض موظفي الدولة العتبارات‬
‫مو�ضوعية و تهدف لتمكين بع�ض الأ�شخا�ص من �ضمانات المحاكمة العادلة من لدن جهات‬
‫م�ؤهلة �أكثر من غيرها للتحقق من وقع الأفعال المن�سوبة‪ .‬وبما �أن جريمة التعذيب تتطلب‬
‫�صفة الموظف العمومي في حق مرتكبها‪ ،‬ف�إن �سلطة تحريك المتابعة �ضد بع�ض الموظفين‬
‫العموميين ت�صبح من �إخت�صا�ص جهات �أخرى غير النيابة العامة‪ .‬و في هذا الإطار‪ ،‬دعا بع�ض‬
‫الفقه �إلى تعديل المواد المتعلقة بقواعد الإخت�صا�ص الإ�ستثنائية وخا�صة المادة ‪ 268‬التي‬
‫تن�ص على �إجراءات محاكمة رجال ال�سلطة و�ضباط ال�شرطة الق�ضائية حتى ال يتمكن بع�ض‬
‫الم�س�ؤولون عن �إنتهاكات ج�سيمة لحقوق الإن�سان من قبيل التعذيب والإفالت من العقاب‪.‬‬
‫وتفاديا لذلك �أفاد المغرب في تقريره الوطني الرابع الخا�ص ب�إعمال �إتفاقية مناه�ضة‬
‫التعذيب بخ�صو�ص تقادم جرائم التعذيب‪ ،‬وهي بذلك تخ�ضع للقواعد العامة الواردة في‬

‫‪-‬عزل املحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية و كل اخلدمات و الأعمال العمومية‪.‬‬
‫‪-‬حرمان املحكوم عليه من �أن يكون ناخبا �أو منتخبا و حرمانه ب�صفة عامة من �سائر حقوقه الوطنية وال�سيا�سية ومن حق‬
‫التخلي ب�أي و�سام‪.‬‬
‫‪-‬عدم الأهلية للقيام مبهمة ع�ضو حملف �أو خبري‪ ،‬وعدم الأهلية لأداء ال�شهادة يف �أي ر�سم من الر�سوم �أو ال�شهادة �أمام‬
‫الق�ضاء �إال على �سبيل الإخبار فقط‪.‬‬
‫‪ -‬عدم �أهلية املحكوم عليه لأن يكون و�صيا �أو م�رشفا على غري �أوالده‪.‬‬
‫‪ -‬احلرمان من حق حمل ال�سالح ومن اخلدمة يف اجلي�ش و القيام بالتعليم �أو �إدارة مدر�سة �أو للعمل يف م�ؤ�س�سة للتعليم‬
‫ك�أ�ستاذ �أو مدر�س �أو مراقب‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫القانون الجنائي و قانون الم�سطرة الجنائية التي تحدد مدة التقادم في الجنايات بع�شرين‬
‫�سنة‪ ،‬وهي مدة كافية لعدم �إفالت مرتكبي هذه الأفعال من العقاب مع الت�أكيد على �أن هذه‬
‫القاعدة من النظام العام يمكن �إثارتها من �أي طرف كان‪ ،‬و هو ما يجيب على ان�شغاالت‬
‫اللجنة بخ�صو�ص هذه الم�س�ألة‪ ،1‬غير �أن المراجعة التي خ�ضع لها قانون الم�سطرة الجنائية‬
‫بمنا�سبة مالءمته مع م�ستجدات الوثيقة الد�ستورية ل‪ 2011‬في باب ال�ضمانات‪� ،‬شملت ب�شكل‬
‫فجائي التقادم‪ ،‬بتقلي�ص المدة‪ ،‬الأمر الذي يطرح �أكثر من ت�سا�ؤل ب�ش�أن �أ�سا�س التعديل؟‪.‬‬
‫�أما من جانب ثبوت التعذيب فيعتبر من �أدق الم�سائل القانونية‪ ،‬باعتبار بحث القا�ضي عن‬
‫اقتناع ال�صميم بثبوت التهمة في حق المتهم الماثل �أمامه‪ ،‬ومن تم ف�إن لإثبات هو الو�سيلة‬
‫الوحيدة التي تجعل من الجزاء �أمرا قابال للإنتقال من مجرد �أحكام �إلى واقع عملي ملمو�س‪.‬‬
‫و�إذا كان يمكن �إثبات جريمة التعذيب بجميع الو�سائل‪� ،‬إال �أنه وبحكم �أن هذه الجريمة ترتكب‬
‫غالبا في �أماكن ال يمكن �أن يطلع عليها العموم بم�شاهدة‪ ،‬كما ترتكب من طرف الجهات التي‬
‫تحمي الأفراد‪ ...‬بذلك فجريمة التعذيب يمكن �إثباتها بقرائن‪ ،‬و ربطها بظروف ومالب�سات‬
‫الق�ضية‪ ،‬وقد تعززها الخبرة الطبية‪ ،‬التي تحتل مكانة بالغة الأهمية‪ ،‬خا�صة �إذا تعلق الأمر‬
‫بالتعذيب المرتكب من طرف جهات �أمنية والذي ي�ستدل على حدوثه بما يتركه من �إ�صابات‬
‫ظاهرة بج�سد المجني عليه‪� ،‬إال �أن الأمر يختلف عندما يمار�س التعذيب ب�أ�سلوب من الأ�ساليب‬
‫الحديثة والتي ال تترك �أثارها بج�سد المجني عليه‪ ،‬و�إنما تترك �أثارها على حالة المجني عليه‬
‫النف�سية �أو العائلية‪ .‬من جانب �آخر وبحكم �أن جريمة التعذيب ترتكب في �أماكن ال يمكن �أن‬
‫يطلع عليها العموم بالم�شاهدة والمعاينة‪ ،‬ف�إنه يعول في �إثباتها على القرائن القوية‪ ،‬و ربطها‬
‫بظروف ومالب�سات الق�ضية وقد تعززها الخبرة الطبية في �أعلب الأحيان وهنا تظهر �أهمية‬
‫الخبرة القبلية �أو الأولية‪ ،‬دفعا لكل التبا�س‪ ،‬وقد يح�صل �أن ي�صرح ب�أن المعذب الم�شبوه فيه‬
‫قام ب�إلحاق ال�ضرر لنف�سه بنف�سه‪ ،‬ولكن ال يمكن �أن نت�صور �أثار الإعتداء من الخلف على‬
‫م�ستوى الظهر لل�ضحية‪ ،‬بل هي قرينة قوية على �أنه اعتدي عليه مثال من قبل القائمين ب�أعمال‬
‫البحث‪.‬‬
‫وفي هذا ال�سياق ن�ستح�ضر الر�أي الفقهي حول قيمة ال�شهادة الطبية بوجه عام‪ ،‬و�إثبات‬
‫التعذيب بوجه خا�ص‪ ،‬وقد قيل بنظريات مختلفة وباقتراحات عديدة في هذا ال�ش�أن‪ ،‬حيث‬
‫تعتبر ال�شهادة الطبية و�سيلة �إثبات‪ ،‬كما قيل ب�أنها و�سيلة لتقدير الدليل وب�أنها �إجراء م�ساعد‬
‫للقا�ضي وب�أنها �شهادة فنية‪ .‬وتبعا للتجاوزات التي قد تعرفها حقوق الإن�سان خالل مرحلة ما‬

‫‪ 11‬اململكة املغربية التقرير الرابع اخلا�ص ب�إعمال �إتفاقية مناه�ضة التعذيب و غريه من �رضوب املعاملة �أو العقوبات القا�سية‬
‫�أو الال�إن�سانية �أو املهينة �ص‪11.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪76‬‬

‫قبل المحاكمة‪ ،‬وحتى تعطى لل�شهادة الطبية قوتها في الإثبات‪ ،‬وتحقق الفل�سفة التي �أقرها من‬
‫�أجلها القانون تقترح بع�ض الآليات التي من �ش�أنها دعم ال�شهادة الطبية‪ ،‬وت�سهيل عمل الق�ضاء‬
‫في �إثبات جريمة التعذيب‪ ،‬وتتجلى في‪:‬‬
‫القيام بفح�ص المحتجز عند و�صوله �إلى مركز الإحتجاز قبل �أن يبد�أ �إ�ستجوابه‬ ‫✺‬

‫القيام بك�شف طبي كل ‪� 24‬ساعة �أثناء ا�ستجواب المتهم‪ ،‬وقبل نقله �أو �إطالق �سراحه‬ ‫✺‬

‫مبا�شرة‬
‫يجب �أن يحاط ال�ضنين علما ب�أهمية الفحو�ص الطبية‪ ،‬و�إذا رف�ض ال�ضنين �إخ�ضاعه لأي‬ ‫✺‬

‫فح�ص طبي‪ ،‬فيجب �أن ي�شهد الطبيب بذلك كتابة‪.‬‬


‫ت�سهيل زيارة الطبيب لمخافر ال�شرطة يوميا‪ ،‬والإحتفاظ ب�سجل خا�ص يدون فيه الطبيب‪،‬‬ ‫✺‬

‫بيانات مختلفة مثل وزن المحتجز والآثار الموجودة بج�سمه‪ ،‬وحالته النف�سية و�شكواه‬
‫الخا�صة‪ ،‬واالحتفاظ ب�سرية هذه ال�سجالت كما هو الحال ب�ش�أن �أية عالقة بين طبيب‬
‫ومري�ض‪.‬‬
‫كما يتعين جعل ت�شريح جثة ال�ضنين �أمرا �إجباريا‪� ،‬إذا توفى وهو في مخفر ال�شرطة‪� ،‬أو‬ ‫✺‬

‫بعد �إطالق �سراحه بفترة ق�صيرة لأي �سبب من الأ�سباب‪.‬‬


‫التحقيق في ال�شكاوى والتقارير الخا�صة بالتعذيب‪ :‬من خالل توفير الحماية للم�شتكين‬ ‫✺‬

‫وفتح �سبل التظلم الر�سمية و�ضمان نزاهة الهيئات الم�شرفة على النظر في التظلمات‪.‬‬
‫وحتى تكون الأدلة الطبية المت�صلة بمزاعم �إنتهاكات حقوق الإن�سان فعالة‪ ،‬يتعين �أن تتم‬
‫بال�سرعة المتطلبة‪� ،‬إذ من الوا�ضح بداهة‪� ،‬أنه كلما تم الإ�سراع بفح�ص مزاعم االنتهاكات‪ ،‬كلما‬
‫كانت الآثار البدنية‪ ،‬و الأدلة المادية الأخرى المت�صلة بها‪ ،‬و �أقوال ال�شهود كاملة غير منقو�صة‪.‬‬
‫توفير �إمكانية الطعن يجب �أن تكون ال�ضحية �أو محاميه‪ ،‬قادرين على التما�س فح�ص‬ ‫✺‬

‫طبي �آخر‪� ،‬إذا اعتقد لأي �سبب ما �أن الفح�ص الطبي الأول لم يكن كافيا‪.‬‬
‫توفير �ضمانات الأمن للأطباء وال�شهود باعتبار �أن التقييم المن�صف ال�صحيح للأدلة‪،‬‬ ‫✺‬

‫يحتم حماية القائمين عليه‪.‬‬


‫ونتيجة لذلك‪ ،‬فال قيمة للإجراءات �أو المحا�ضر التي �أنجزت ب�إعمال العنف �أو الإكراه‬
‫ب�شكل ي�ؤدي بخرق مبد�أ ال�شرعية الجنائية‪ ،‬وفي هذا ال�صدد جاء حكم �شهير لمحكمة �أمن‬
‫الدولة الم�صرية‪ ،‬والذي ق�ضى فيه �أن الهدف من الإجراءات الجنائية لي�س الك�شف عن‬
‫الحقيقة دون احترام حقوق المتهم‪ ،‬ومن ثم يجب معاملته بهذه ال�صفة في جميع الإجراءات‬
‫مما يتعين معه احترام حريته وت�أكيد �ضماناتها‪ ،‬فال قيمة للحقيقة التي يتم التو�صل �إليها على‬
‫مذبح الحرية‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫و�إذا كان �أهم ما يترتب على التعذيب هو �إكراه المتهم على االعتراف‪ ،‬ف�إن هذا االعتراف‬
‫ينبغي �أن يتم �إبعاده جملة وتف�صيال في �سياق تنفيذ التزامات المملكة المغربية في مجال‬
‫حماية حقوق الإن�سان‪ ،‬وبالتالي التعامل مع الو�ضع بال�صرامة المتطلبة‪� ،‬إذ ال ينبغي �أن يقت�صر‬
‫البطالن في هذه الحالة على مح�ضر االعتراف بمعناه الفني الدقيق فقط‪ ،‬بل ين�صرف �إلى كل‬
‫ما قد ي�صدر من الفرد من �أقوال و �أفعال قد تعتبر دليال �ضده �أثناء ممار�سة التعذيب‪ .‬غير �أنه‬
‫و خالفا للعديد من الت�شريعات المقارنة‪ ،‬لم يتم تكري�س نظرية عامة للبطالن وا�ضحة في �إطار‬
‫الم�سطرة الجنائية‪ ،‬في �سياق ما عرفته تطبيقات المادة ‪ 751‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬و �إذا كان الم�شرع‬
‫الم�صري ن�ص �صراحة على جزاء الدليل المح�صل عليه من �إجراءات ال �شرعية هو البطالن‬
‫}المادة ‪ 331‬ق‪.‬ا‪.‬ج{ ف�إن الم�شرع المغربي متذبذب في المو�ضوع‪ ،‬و هكذا بعدما ن�ص �صراحة‬
‫على البطالن جزاء للإخالل ب�أحكام التفتي�ش }المادة ‪ 63‬من ق‪.‬م‪.‬ج{ نجده التزم ال�صمت‬
‫بخ�صو�ص الإخالل ب�أحكام الو�ضع تحت الحرا�سة‪ ،‬وهو ما يطرح م�شكلة حجية و �شرعية الأدلة‬
‫المح�صل عليها خاللها‪ ،‬وال�سيما الإقرارات التي جاءت في محا�ضر ال�ضابطة نتيجة �إكراه‬
‫معنوي �أو مادي‪ ،‬و�أمام هذا ال�صمت من طرف الم�شرع نحو هذه الم�س�ألة البالغة الأهمية‬
‫فتح الباب لت�ضارب الآراء و المواقف بين الفقه و الق�ضاء‪ ،‬و �أمام هذا التذبذب ف�إن الق�ضاء‬
‫مدعو اليوم للقيام بدور كبير في حماية ال�شرعية‪ ،‬فالم�شرع جرم التعذيب و �أخذ بمبد�أ حرية‬
‫الإثبات و احتكم �إلى �ضمير القا�ضي و�سلطته التقديرية‪ ،‬وهذا ما ي�ستنتج من المادة ‪ 293‬من‬
‫قانون الم�سطرة الجنائية التي �أكدت عدم الإعتداد بالإعتراف المنتزع بالإكراه و العنف‪ ،‬وما‬
‫على الق�ضاء �إال �أن ي�ستعمل ال�صالحيات التي خولها له القانون في الإقرار ببطالن االعتراف‬
‫الناتج عن التعذيب‪.‬‬
‫توجه ت�سوق له الدولة المغربية من خالل التقرير الوطني الرابع الخا�ص ب�إعمال �إتفاقية‬
‫مناه�ضة التعذيب الذي �أكد على �أنه‪ ،‬وا�ستجابة الن�شغاالت لجنة مناه�ضة التعذيب بخ�صو�ص‬
‫هذه الم�س�ألة }�أي عدم الأخذ باالعتراف الناجم عن �أعمال التعذيب{ ن�ص القانون المغربي‬
‫على �أن كل اعتراف يتم تحت ت�أثير التعذيب يعد باطال و ال ينتج �أي �أثر على اعتبار هذا‬
‫البطالن مرتبط بالنظام العام لكونه ي�ستهدف حماية الم�صلحة العامة‪ ،‬و لي�س م�صلحة‬
‫خا�صة فقط‪ ،‬و بهذا يتبين �أن الم�شرع لم يقف عند حد �إبطال االعتراف المنتزع بالإكراه‬
‫حر�صا منه على م�شروعية الدليل‪ ،‬و�إنما ن�ص �صراحة على م�س�ؤولية مرتكبه جنائيا‪ ،‬لزجر‬
‫كل الأفعال و الممار�سات التي ت�سيء �إلى حقوق الإن�سان‪ ،‬وا�ستند التقرير في هذا الإطار �إلى‬
‫المادة ‪ 293‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪78‬‬

‫بذلك يمكن القول �أن الح�صول على اعتراف المتهم بغير الطريق الذي ر�سمه القانون هو‬
‫�إخالل ب�إجراء جوهري من �أحكام القانون‪ ،‬ذلك �أن كل �إجراء يرتبط بالحرية ال�شخ�صية‪� ،‬أو‬
‫ال�سالمة الج�سدية للمواطنين‪ ،‬هو من النظام العام‪ ،‬باعتبار �أن القواعد ال�شكلية التي تحمي‬
‫ال�شرعية �أو ت�ؤكدها‪ ،‬هي من �صميم النظام العام‪ ،‬ومن هذه القواعد تلك التي توفر الحماية‬
‫للحرية الفردية و ال�سالمة الج�سدية للمتهم ف�أي م�سا�س بها يترتب عنه البطالن وفق ما �أكدته‬
‫المادة ‪ 751‬من قانون الم�سطرة الجنائية كما �أكده الد�ستور المغربي‪ ،‬في �إطار الف�صل العا�شر‪،‬‬
‫و �أكدته �إتفاقية مناه�ضة التعذيب التي �صادق عليها المغرب‪.‬‬
‫يترتب على كل ذلك بطالن الإعتراف الناتج عن التعذيب �سواء كان في �شكل �إكراه مادي �أو‬
‫معنوي‪ ،‬مع عدم جواز التنازل عنه على اعتبار �أنه مرتبط بالنظام العام و لكونه ي�ستهدف حماية‬
‫الم�صلحة العامة و لي�س م�صلحة خا�صة فقط‪ ،‬ف�إنه ال يمكن �إفترا�ض �صحته �أو ر�ضى ال�ضحية‬
‫به و التنازل عن التم�سك به‪ .‬كما �أنه ال يعتبر تنازال عن التم�سك بالبطالن اعتراف المتهم‬
‫من جديد اعترافا �صحيحا �أمام المحكمة‪ .‬كما يترتب عن ذلك جواز التم�سك بالبطالن لأول‬
‫مرة �أمام محكمة النق�ض‪ ،‬و ال تعار�ض في ذلك باعتبارها محكمة قانون ال محكمة مو�ضوع‪،‬‬
‫مقت�ضى ينطبق على محاكم المو�ضوع التي عليها �إثارته تلقائيا و بدون طلب‪ ،‬كما يترتب على‬
‫�إعتبار الإعتراف الناتج عن التعذيب باطال بطالنا مطلقا‪ ،‬جواز التم�سك به لكل ذي �صفة‪،‬‬
‫لأنه مرتبط بالنظام العام �أي بال�صالح العام‪ ،‬و لي�س فقط لفائدة من تقرر البطالن ل�صالحه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مناه�ضة جريمة الإختفاء الق�سري‬
‫تعد الإتفاقية الدولية لحماية الأ�شخا�ص من الإختفاء الق�سري واحدة من �أقوى معاهدات‬
‫حقوق الإن�سان التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها ‪ 133/47‬الم�ؤرخ‬
‫دي�سمبر ‪.1 1992‬‬
‫تم �صياغة لجنة مكلفة بحاالت الإختفاء الق�سري‪ ،‬وهي هيئة من الخبراء الم�ستقلين التي‬
‫تراقب تنفيذ الدول الأطراف في الإتفاقية‪ ،‬وتلتزم تطبيق الحقوق وعلى الدول تقديم تقاريرها‬
‫ب�صورة �أولية في غ�ضون �سنتين من قبولها االتفاقية‪ ،‬وتدر�س كل لجنة كل تقرير من التقارير‬
‫وتقدم اقتراحات وتو�صيات عامة ب�ش�أنها بما تجده منا�سبا وتحيلها �إلى الدولة الطرف المعنية‪،‬‬
‫وتجتمع اللجنة في جنيف ويعقد عادة دورتين �سنويا‪.‬‬

‫‪ 11‬ديباجة الإتفاقية الدولية حلماية الأ�شخا�ص من الإختفاء الق�رسي‪.‬‬


‫‪79‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫م�ضامين الإتفاقية‬ ‫■‬

‫تعتبر هذه الإتفاقية �أولى معاهدة عالمية تعرف الإختفاء الق�سري وتحظره‪ ،1‬وقد كان‬
‫ينظر �إلى الإختفاء الق�سري �إلى غاية الآن على انه انتهاك لبع�ض الحقوق المن�صو�ص عليها‬
‫في المعاهدات ال غير‪ ،‬مثل التحرر من التعذيب والحق في الحرية �أو الحق في الحياة‪ ،‬لكن‬
‫الإختفاء الق�سري‪ ،‬يفوق كل هذه الجوانب المختلفة‪� ،‬إذ انه يتميز بجانب محدد‪ ،‬وهو الحرمان‪،‬‬
‫�أي حرمان العائالت من الح�صول على معلومات عن ذويها‪ ،‬واالتفاقية تقر هذا الجانب‪ ،‬لأنها‬
‫ترى في الإختفاء الق�سري �إنهاك لحق في حد ذاته‪ ،‬ويتناول ن�ص الإتفاقية عددا من القواعد‬
‫الملزمة الجديدة التي لم تكن واردة في �أية معاهدة تتعلق بحقوق الإن�سان من قبل‪.2‬‬
‫�أهداف االتفاقية‬ ‫■‬

‫تقوم هذه الإتفاقية بتحديد الآفاق والمالحقات الق�ضائية الوطنية وت�سليم المجرمين‬
‫الرتكاب جريمة الإختفاء الق�سري‪ ،3‬وتهدف �أي�ضا �إلى زيادة فعاليات مكافحة حاالت الإختفاء‬
‫الق�سري وحماية حقوق الإن�سان‪.‬‬
‫الت ــزام الدول ـ ــة‬ ‫■‬

‫تلزم الإتفاقية الدول الموقعة عليها بتجريم الإختفاء الق�سري وتوفر لل�ضحايا و �أ�سرهم‬
‫الحق في المعلومات والتعوي�ض‪ ،‬كما �أنها توفر �آلية قائمة بذاتها حيت ال تمكن من الإبالغ عن‬
‫انتهاكات حقوق الإن�سان فح�سب بل تتيح �أي�ضا تطوير الدور الوقائي‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬مناه�ضة جريمة الإتجار بالب�شر‬
‫يعتبر المغرب بحكم موقعه الإ�ستراتيجي‪ ،‬بلدا م�ستهدفا من طرف �شبكات الإتجار بالب�شر‪،4‬‬
‫‪ 11‬املادة ‪ 16‬من الإتفاقية الدولية لالختفاء الق�رسي‪.‬‬
‫‪ 22‬الإختفاء الق�رسي �إتفاقية الأمم املتحدة «�إجناز كبري»‪https://www.icrc.org/ara/resources/documents/‬‬
‫‪interview/convention-enforced-disappearance- interview-201206.htm‬‬
‫‪ 33‬حقوق الإن�سان يا�رس �شعبان‬
‫‪ 44‬ك�شفت درا�سة جدية قدمتها وزارة العدل واحلريات‪ ،‬عن معطيات مثرية بخ�صو�ص الإجتار بالب�رش يف املغرب‪ ،‬الذي‬
‫�أ�صبح جماال لأن�شطة �شبكات منظمة لت�صدير وا�سترياد الب�رش تعمد �إىل «�رشاء» �ضحاياها يف بلدانهم الأ�صلية الواقعة يف‬
‫�إفريقيا جنوب ال�صحراء‪ ،‬ثم نقلهم �إىل مدن مغربية‪ ،‬و�إرغامهم على احرتاف الدعارة �أو الت�سول ودفع مبالغ طائلة‬
‫ب�إ�ستعمال الرتهيب تارة من خالل العنف املمار�س على ال�ضحايا‪� ،‬أو ا�ستعمال الرتغيب تارة �أخرى عن طريق �إيهامهم‬
‫ب�إمكانية حتقيق حلمهم يف الو�صول �إىل �أوروبا‪.‬‬
‫و�أكدت الدرا�سة �أن املغرب �أ�صبح م�صدرا مهما للأ�سواق العاملية لالجتار يف الب�رش‪ ،‬خا�صة الن�ساء والفتيات اللواتي يتم‬
‫«بيعهن» يف بع�ض دول اخلليج‪ ،‬وم�ؤخرا بع�ض الدول الأوروبية‪ ،‬لت�سخريهن يف الدعارة واملالهي الليلية‪.‬‬
‫وك�شفت الدرا�سة عن ا�ستغالل الن�ساء املهاجرات يف �شبكات الدعارة‪ ،‬حيث �أن جلهن ينحدرن من نيجرييا‪ ،‬كما ترتفع‬
‫ن�سبة الإ�ستغالل اجلن�سي للمهاجرات الإفريقيات‪ ،‬حيث ت�صل �إىل ‪ 80‬يف املائة من جمموع املهاجرات‪.‬‬
‫وذكرت الدرا�سة �أن ال�شبكات املتخ�ص�صة‪ ،‬ترغم املهاجرات عن احلمل والوالدة‪ ،‬ثم ت�سخري �أطفالهن يف الت�سول والرفع‬
‫من حظوظ بقائهن يف �أوروبا بعد و�صولهن �إليها‪.‬‬
‫ور�صدت الدرا�سة تنامي ظاهرة ا�ستقدام خادمات البيوت من دول جنوب �رشق �آ�سيا‪ ،‬حيث تبني �أن ‪ 5000‬فلبينية توجد‬
‫باملغرب‪ 60 ،‬يف املائة منهم خادمات يف البيوت �أغلبهن تعانني من الإ�ستغالل والعنف وحجز جوازات ال�سفر‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪80‬‬

‫لذا انخرط مبكرا في المنظومة الدولية لحقوق الإن�سان ذات ال�صلة بمكافحة ظاهرة الإتجار‬
‫بالب�ش ـ ــر‪ ،‬بحيث قـ ــام بالم�صـ ــادقة علـ ـ ـ ــى عدد من الإتفاقيات والبروتوكوالت الدولية‪،‬‬
‫�أهمها‪:‬‬
‫الإتفاقية الخا�صة بالرق ل�سنة ‪ ،1926‬والتي ان�ضم �إليها المغرب وو�ضع �صكوك قبولها في‬ ‫✺‬

‫‪ 11‬مايو ‪.1959‬‬
‫�إتفاقية حظر الإتجار بالأ�شخا�ص وا�ستغالل دعارة الغير ل�سنة ‪ ،1949‬والتي �صادق عليها‬ ‫✺‬

‫المغرب في ‪ 17‬غ�شت ‪.1973‬‬


‫�إتفاقية حماية جميع العمال المهاجرين و�أفراد �أ�سرهم ل�سنة ‪ ،1991‬والتي �صادق عليها‬ ‫✺‬

‫المغرب في ‪ 21‬يونيو ‪.1993‬‬


‫الإتفاقية المتعلقة بو�ضعية الالجئين ل�سنة ‪ ،1951‬والتي �صادق عليها المغرب في ‪ 7‬نونبر‬ ‫✺‬

‫‪.1956‬‬
‫�إتفاقية حقوق الطفل ل�سنة ‪ ،1989‬والتي �صادق عليها المغرب في ‪ 21‬يونيو ‪1993‬؛‬ ‫✺‬

‫�إتفاقية منع كل �أ�شكال التمييز �ضد المر�أة ل�سنة ‪ ،1979‬والتي �صادق عليها المغرب في‬ ‫✺‬

‫‪ 21‬يونيو ‪،1993‬‬
‫�إتفاقية منظمة ال�شغل الدولية رقم ‪ 29‬حول العمل الق�سري ل�سنة ‪ ،1930‬والتي �صادق‬ ‫✺‬

‫عليها المغرب في ‪ 20‬ماي ‪.1957‬‬


‫�إتفاقية منظمة ال�شغل الدولية رقم ‪ 105‬حول �إلغاء العمل الق�سري ل�سنة ‪ ،1957‬والتي‬ ‫✺‬

‫�صادق عليها المغرب في فاتح دجنبر ‪.1966‬‬


‫�إتفاقية منظمة ال�شغل الدولية رقم ‪ 182‬حول �أ�سو�أ �أ�شكال عمل الأطفال ل�سنة ‪،1999‬‬ ‫✺‬

‫والذي �صادق عليه المغرب في ‪ 26‬يناير ‪.2001‬‬


‫�إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ل�سنة ‪ ،2000‬والتي �صادق‬ ‫✺‬

‫عليها المغرب في ‪� 19‬سبتمبر ‪.2002‬‬


‫البروتوكول االختياري التفاقية حقوق الطفل ب�ش�أن بيع الأطفال وا�ستغاللهم في البغاء‬ ‫✺‬

‫وفي المواد الإباحية ل�سنة ‪ ،2000‬والذي �صادق عليه المغرب في ‪ 22‬ماي ‪.2002‬‬

‫وك�شفت الدرا�سة عن معطيات مثرية �إذ �أن �شبكات «ت�صدير» الب�رش املغربي‪ ،‬مل تعد مقت�رصة على دول اخلليج‪ ،‬بل‬
‫�شهدت ال�سنوات الأخرية ظهور وجهات جديدة يف �أوروبا‪ ،‬حيث �أح�صت الدرا�سة يف ال�سنوات ‪ 2010‬و‪ 2011‬و‪،2012‬‬
‫حاالت �ضحايا مغاربة لالجتار يف الب�رش تبلغ ‪ 59‬حالة ببلجيكا و‪ 47‬يف فرن�سا‪ ،‬و‪ 36‬يف هوالندا‪ ،‬و‪ 30‬يف اململكة املتحدة‬
‫و‪ 5‬يف الدمنارك‪ ،‬فيما ك�شف وزارة الهجرة لفريق الدرا�سة عن تلقيه �شكايات ‪ 20‬فتاة يف الفرتة ما بني ‪ 2008‬و‪،2012‬‬
‫كن �ضحايا لالجتار يف الب�رش يف دول اخلليج‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫البروتوكول االختياري لالتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل ب�ش�أن �إ�شراك الأطفال في‬ ‫✺‬

‫المنازعات الم�سلحة �سنة ‪ ،2000‬والذي �صادق عليه المغرب في ‪ 22‬ماي ‪.2002‬‬


‫ورغم هذه الجهود لم ي�صادق المغرب لحد الآن على‪:‬‬
‫بروتوكول منع وقمع الإتجار بالأ�شخا�ص‪ ،‬وخا�صة الن�ساء والأطفال المكمل التفاقية الأمم‬ ‫✺‬

‫المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية‪.1‬‬


‫البروتوكول الثاني المكمل التفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر‬ ‫✺‬

‫الوطنية المتعلق بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو‪.‬‬


‫فلم تتوقف الجهود التي يبذلها المغرب لمحاربة الإتجار بالب�شر‪ ،‬في ال�شق المتعلق‬
‫باالنخراط في المواثيق الدولية ذات ال�صلة‪ ،‬و�إنما ركزت �أي�ضا على ترجمة م�ضامين تلك‬
‫المواثيق الدولية على ال�صعيد الداخلي‪ ،‬في �شكل �سيا�سات عمومية(�إجراءات وقوانين)‪ ،‬من‬
‫�أجل محاربة �أ�سباب الظاهرة‪ ،‬وهكذا تم �إطالق العديد من البرامج التي ت�ستهدف الفئات التي‬
‫تعاني من الفقر واله�شا�شة‪ ،‬منها المبادرة الوطنية للتنمية الب�شرية‪ ،‬وبرنامج ت�شجيع تمدر�س‬
‫الفتيات‪ ،‬وتفعيل ا�ستراتيجية مناه�ضة العنف �ضد الن�ساء‪ ،‬كما �أعلن عن تبني �سيا�سة جديدة‬
‫في مجال اللجوء والهجرة‪ ،‬بفتح باب ت�سوية و�ضعية المهاجرين غير النظاميين المقيمين‪،‬‬
‫والذين تقدر �إح�صائيات وزارة الداخلية عددهم ما بين ‪ 25‬و‪� 40‬ألف مهاجر غير نظامي‪ ،‬وقد‬
‫انتهت هذه العلمية بت�سوية و�ضعية حوالي ‪� 18‬ألف مهاجر غير نظامي‪.‬‬
‫وفي �إطار الجهود الأمنية يتم ب�شكل متوا�صل الإعالن عن تفكيك �شبكات متورطة في‬
‫الإتجار في الب�شر داخليا وعلى ال�صعيد الدولي‪.‬‬
‫في نف�س ال�سياق تزايدت المطالب ب�ضرورة ترجمة هذا االهتمام في ال�شق المتعلق‬
‫بالقوانين‪ ،‬التي ظلت و�إلى وقت قريب‪ ،‬تفتقر �إلى �أي تحديد خا�ص لجريمة الإتجار بالب�شر‪،‬‬
‫و�إن كانت تجرم جل �أ�شكاله‪ ،‬حيث ي�ضطر الق�ضاء لمواجهة هذا النوع المتزايد من الجرائم‬
‫عن طريق اال�ستعانة بالن�صو�ص القانونية العامة المتفرقة بين عدة قوانين‪ ،‬ف�ضال عن تفعيل‬
‫خاليا التكفل بالن�ساء والأطفال �ضحايا العنف المنت�شرة في كافة المحاكم‪ ،2‬وتبقى المقاربة‬
‫الق�ضائية الراهنة ورغم �أهميتها عاجزة عن تحقيق المطلوب‪ ،‬فالمعايير الدولية المتعلقة‬
‫بمكافحة الإتجار بالب�شر تت�ضمن �آليات تختلف عما ين�ص عليه القانون الجنائي الحالي‪� ،‬إذ �أنها‬
‫�أ�ضافت تغييرات جوهرية على المفهوم الدولي واال�صطالح المعرفي للإتجار بالأ�شخا�ص‪ ،‬كما‬
‫‪ 11‬متت امل�صادقة عليه يف جمل�س وزاري يف ‪ 7‬ماي ‪ ،2009‬ومل ت�ستكمل باقي الإجراءات الأخرى بخ�صو�ص امل�صادقة‬
‫الر�سمية عليه ون�رشه‪.‬‬
‫‪� 22‬أن�س �سعدون‪ ،‬جتربة خاليا التكفل بالن�ساء والأطفال �ضحايا العنف باملغرب‪ ،‬احل�صيلة والآفاق‪ ،‬املجلة املغربية لنادي‬
‫ق�ضاة املغرب (الدار البي�ضاء)‪ ،‬العدد اخلام�س ‪� ،2017‬ص‪.115.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪82‬‬

‫�أ�ضافت تغييرات مخالفة للقواعد التقليدية والمتعارف عليها في �آلية العقاب‪ ،‬حيث �أن المجرم‬
‫في عملية الإتجار لم يعد فردا بل جماعة �إجرامية منظمة تتواجد في عدة بلدان‪ ،‬كما �أن‬
‫القانون الجنائي ال يزال يعاقب ال�ضحية‪ ،‬بخالف المعايير الدولية الذي ال تن�ص على معاقبة‬
‫ال�ضحايا‪ ،‬بل تعتبرهن م�ست�ضعفات ينبغي توفير العالج لهن‪ ،‬ورفع �شكاياتهم �أمام المحاكم‬
‫الدولية عندما ي�ستنفذن �إجراءات التقا�ضي �أمام المحاكم الوطنية بدون جدوى‪ ،‬وهو نف�س‬
‫التوجه الذي تبنته �أغلب الت�شريعات الحديثة‪ ،‬التي �أ�ضحت تت�ضمن �أي�ضا التن�صي�ص على‬
‫�إحداث م�ؤ�س�سات وطنية تكون مهمتها و�ضع تقارير حول الظاهرة‪ ،‬و�إحداث مراكز ال�ستقبال‬
‫ال�ضحايا وت�أهيلهن‪ .‬فبعد �أزيد من �سنتين من النقا�ش العمومي‪� ،1‬صدر م�ؤخرا بالمغرب قانون‬
‫‪ 11‬رغم تثمني �أغلب امل�ؤ�س�سات ومنظمات املجتمع املدين خلطوة �إعداد م�رشوع قانون ملكافحة الإجتار بالب�رش الذي ي�أتي ل�سد‬
‫فراغ كبري‪� ،‬إال �أنها �سجلت العديد من املالحظات حول هذه اخلطوة‪ ،‬وذلك كالتايل‪:‬‬
‫�أ�صدر املجل�س الوطني حلقوق الإن�سان يوم االثنني ‪ 18‬يوليوز ‪ 2016‬ر�أي ب�ش�أن م�رشوع القانون ‪ 27.14‬املتعلق مبكافحة‬
‫الإجتار بالب�رش‪ ،‬وذلك بناء على طلب �إبداء الر�أي املوجه �إليه من طرف رئي�س جمل�س امل�ست�شارين‪.‬‬
‫وتتوخى تو�صيات املجل�س الوطنية حلقوق الإن�سان �إعمال مقت�ضيات الد�ستور ال�سيما يف ما يتعلق بحظر ومكافحة كل‬
‫�أ�شكال التمييز ب�سبب اجلن�س و�إعمال االلتزامات الدولية للمغرب يف جمال مكافحة الإجتار بالب�رش بالإ�ضافة �إىل تدقيق‬
‫بع�ض تعريفات امل�رشوع ومقت�ضياته مبا يحقق االن�سجام مع مو�ضوعه وغايته �أي مكافحة الإجتار بالب�رش‪ ،‬ال�سيما الن�ساء‬
‫والأطفال‪.‬‬
‫هكذا‪� ،‬سجل املجل�س على العموم تالءم تعريف الإجتار بالب�رش املعتمد يف م�رشوع القانون مع الربوتوكول املكمل التفاقية‬
‫الأمم املتحدة ملكافحة اجلرمية املنظمة عرب الوطنية‪ ،‬كما نوه بتجرمي الو�ساطة يف �سياق الإجتار بالب�رش‪ ،‬غري �أنه �أبرز‬
‫�أهمية التن�صي�ص يف م�رشوع القانون على بع�ض امل�صطلحات اخلا�صة املتعلقة بالإجتار بالب�رش ب�شكل خا�ص‪ ،‬من قبيل‬
‫ا�ستغالل و�ضعية اله�شا�شة واال�سرتقاق واملمار�سات ال�شبيهة والإيذاء الثانوي لل�ضحية (وي�شمل �رضوب الإيذاء التي ال‬
‫تقع كنتيجة مبا�رشة للفعل اجلنائي بل حت�صل من خالل ت�رصفات رد فعل امل�ؤ�س�سات والأفراد جتاه ال�ضحية)‪.‬‬
‫وبفعل اخلطورة املتباينة للجرائم املتعلقة بالإجتار بالب�رش‪ ،‬فقد �أو�صى املجل�س �أي�ضا بالتمييز العقوبات بناء على خطورة‬
‫اجلرائم‪.‬‬
‫يف نف�س ال�سياق اعترب املجل�س �أنه ينبغي �أن ي�شمل نطاق تطبيق مقت�ضيات م�رشوع القانون املتعلق بالإجتار بالب�رش كل‬
‫�أ�شكال الإجتار بالأ�شخا�ص‪� ،‬سواء �أكانت ذات طابع وطني �أم ذات طابع عابر للحدود الوطنية‪ ،‬و�سواء كانت تتعلق‬
‫باجلرمية املنظمة �أم مل تكن‪.‬‬
‫من جهة �أخرى‪ ،‬يدعم املجل�س الوطني تدابري حتفيز ال�شهود على التبليغ عن اجلرائم ملتعلقة بالإجتار املتعلقة بالإجتار‬
‫بالب�رش‪ .‬كما يقرتح �إدراج مقت�ضى ي�ضمن حماية ال�ضحايا وال�شهود واخلرباء واملبلغني يف ما يخ�ص اجلرائم املرتبطة‬
‫بالإجتار يف الأ�شخا�ص‪.‬‬
‫و�شدد املجل�س على �رضورة �إعمال مبد�أ عدم م�س�ؤولية �ضحايا الإجتار بالب�رش عن الأفعال غري القانونية املرتكبة حتت‬
‫الإرغام �أو اجلرائم املرتكبة من طرف �ضحية الإجتار بالب�رش املرتبطة مبا�رشة بهذا الإجتار‪� .‬إذ يرى املجل�س �أن موافقة‬
‫ال�ضحية ال تكون حمل اعتبار يف حالة الإجتار بالب�رش لأن املوافقة ال تكون ممكنة وحا�صلة قانونا �إال �إذا كان ال�شخ�ص‬
‫يتمتع مبلكة االختيار احلر‪.‬‬
‫كما ذكر املجل�س الوطني بتو�صياته ال�سابقة املتعلقة بتعديل مدونة الأ�رسة حلظر زواج القا�رصين دون ‪� 18‬سنة �شم�سية‬
‫وبتحديد احلد الأدنى ل�سن الت�شغيل يف العمل املنزيل يف ‪� 18‬سنة‪.‬‬
‫ويو�صي بجعل �أمر ال�سلطات الق�ضائية املخت�صة مبنع امل�شتبه فيهم �أو املتهمني من االت�صال �أو االقرتاب من �ضحية الإجتار‬
‫بالب�رش يتم ب�شكل تلقائي‪.‬‬
‫و�أو�صي �أي�ضا ب�أن يت�ضمن م�رشوع القانون مقت�ضى ي�ستفيد مبوجبه �ضحايا الإجتار بالب�رش من الولوج املجاين �إىل‬
‫العالجات خا�صة �إىل نظام امل�ساعدة الطبية (راميد) بالإ�ضافة �إىل متكينهم (ال�سيما القا�رصين والأ�شخا�ص يف و�ضعية‬
‫�إعاقة) من الولوج الفعلي للعدالة بوا�سطة حقهم يف امل�ساعدة الق�ضائية املالئمة وو�ضع حمامني ومرتجمني �أكفاء رهن‬
‫�إ�شارتهم‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫مكافحة الإتجار بالب�شر‪ ،‬ليعزز منظومة الت�شريعات الوطنية الهادفة �إلى حماية حقوق الإن�سان‬
‫ودعم املجل�س ن�ص م�رشوع القانون على �إحداث جلنة وطنية لتن�سيق �إجراءات مكافحة الإجتار بالب�رش‪ .‬ويف هذا ال�صدد‬
‫�أو�صى بتو�سيع اخت�صا�صات اللجنة املذكورة وتخويلها مهمة التعاون مع الأمم املتحدة و�أجهزتها املخت�صة يف جمال‬
‫مكافحة الإجتار بالب�رش‪ ،‬خا�صة املقررة اخلا�صة املعنية مب�س�ألة الإجتار بالأ�شخا�ص ومكتب الأمم املتحدة املعني باملخدرات‬
‫واجلرمية‪.‬‬
‫من جهة �أخرى‪� ،‬أو�صى املجل�س ب�أن يعاد �إدراج مقت�ضى يخول للمجل�س الوطني حلقوق الإن�سان اخت�صا�ص مقرر‬
‫وطني م�ستقل يف جمال مكافحة الإجتار بالب�رش‪.‬‬
‫وقد �أو�صى املجل�س بجملة من التدابري يف جمال الإجتار بالب�رش نهم على اخل�صو�ص االن�ضمام التفاقية جمل�س �أوربا ب�ش�أن‬
‫�إجراءات مكافحة الإجتار بالب�رش‪ ،‬تنظيم حماالت للتوعية على م�ستوى القطاع ال�سياحي واجلمهور الوا�سع كو�سيلة فعالة‬
‫للوقاية �ضد ال�سياحة اجلن�سية مع الأطفال بالإ�ضافة �إىل بلورة خطة عمل وطنية ملكافحة الإجتار بالأ�شخا�ص على �أ�سا�س‬
‫ت�شاوري وت�شاركي‪.‬‬
‫ويف نف�س ال�سياق �أو�صى املجل�س بو�ضع برنامج تكوين خا�ص لتعزيز قدرات امل�س�ؤولني على �إنفاذ القوانني املرتبطة‬
‫مبكافحة الإجتار بالأ�شخا�ص (�رشطة مراقبة احلدود‪ ،‬الأمن الوطني‪ ،‬الدرك امللكي‪ ،‬الق�ضاء‪ ،‬الخ)‪ ،‬والعمل على‬
‫و�ضع مبادئ توجيهية ودليل توجيهي‪ ،‬بن�ص تنظيمي‪ ،‬لفائدة الأ�شخا�ص املكلفني بتطبيق العقوبات ق�صد م�ساعدتهم على‬
‫التعرف على �ضحايا الإجتار بالب�رش ثم توجيههم نحو هيئات مالئمة لتقدمي امل�ساعدة لهم‪ ،‬ف�ضال عن تقوية ال�رشاكات‬
‫مع اجلمعيات العاملة يف جمال مكافحة الإجتار بالأ�شخا�ص وحماية ال�ضحايا‪ ،‬مبا يف ذلك جمال التعرف على ال�ضحايا‬
‫املحتملني لالجتار بالب�رش‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �إطالق بحث وطني حول ظاهرة الإجتار بالأ�شخا�ص‪.‬‬
‫‪� -‬إعادة �صياغة بع�ض الف�صول للتن�صي�ص على تدابري وا�ضحة تلزم بتوفري احلماية الكاملة لل�ضحايا وال�شهود وبتقدمي‬
‫امل�ساعدة لهم‪ ،‬مع �رضورة املحافظة على كرامتهم الإن�سانية وحقوقهم الأ�سا�سية‪ ،‬عو�ض ا�ستعمال تعابري ف�ضفا�ضة وغري‬
‫ملزمة من قبيل «ت�سعى الدولة» و»ميكن لل�سلطات»‪ ،‬والتي تغيب ب�شكل مطلق م�س�ؤولية الدولة وطابع االلتزام لديها؛‬
‫‪ -‬التن�صي�ص على توفري احلقوق الإن�سانية لل�ضحية ومتكينها من احلق يف عر�ض �آرائها واحتياجاتها وم�صاحلها ودواعي‬
‫قلقها واحلق يف الو�صول �إىل املعلومة ب�صدد التدابري والربامج اخلا�صة بحماية ال�ضحايا واحلق يف فرتة التعايف والتفكري؛‬
‫‪ -‬التن�صي�ص على التعوي�ض املادي عن االنتهاكات التي يتعر�ض لها ال�ضحايا‪ ،‬مع خلق �صندوق مل�ساعدة ال�ضحايا يكون‬
‫م�صدره مداخيل م�ؤ�س�سات حكومية تخلق لهذا الغر�ض‪ ،‬بالإ�ضافة للأموال املحجوزة من �شبكات الإجتار بالأ�شخا�ص‪،‬‬
‫وذلك متا�شيا مع م�ضمون الربوتوكول املذكور �سالفا؛‬
‫‪ -‬ا�ستبدال اللجنة الوطنية اال�ست�شارية التابعة لرئي�س احلكومة‪ ،‬الواردة يف امل�رشوع‪ ،‬ببنية وطنية م�ستقلة يكون من‬
‫مهامها و�ضع �إ�سرتاتيجية وطنية ملكافحة الإجتار بالب�رش‪ ،‬ت�شمل منع الظاهرة والوقاية منها وكذا حماية ال�ضحايا‪ ،‬مع‬
‫و�ضع �آليات ناجعة لتتبع هذه الإ�سرتاتيجية وفق م�ؤ�رشات وا�ضحة؛‬
‫‪� -‬إدماج مقاربة النوع فيما يخ�ص �صياغة القانون من حيث اللغة امل�ستعملة‪ ،‬مع الإ�شارة �إىل خ�صو�صية ال�ضحايا من‬
‫الن�ساء والفتيات و�رضورة حمايتهن من العنف املبني على النوع الذي يالزم هذه الظاهرة‪.‬‬
‫عموما يبقى م�رشوع قانون مكافحة الإجتار بالب�رش خطوة �إيجابية تقت�ضي الت�رسيع ب�إخراجها �إىل حيز الوجود بعد الأخذ‬
‫بعني االعتبار ملالحظات الفاعلني وعلى ر�أ�سهم مكونات املجتمع املدين‪ ،‬بغية �سد فراغ ت�رشيعي كبري يواجه الق�ضاء عند‬
‫الت�صدي لهذا النوع من اجلرائم املتنامية‪.‬‬
‫وهي خطوة ال ينبغي االقت�صار عليها‪ ،‬بقدر ما ت�ستوجب �أي�ضا دعمها عن طريق حماربة �أ�سباب الظاهرة‪ ،‬من خالل‬
‫�إعادة النظر يف عدد من الت�رشيعات احلالية التي تعمق من جذور امل�شكلة وت�سهم يف خلق حالة ال�ضعف واله�شا�شة‬
‫لدى �أغلب ال�ضحايا‪ ،‬وعلى ر�أ�سها مدونة ال�شغل التي ما تزال ت�ستبعد من نطاق حمايتها خادمات املنازل‪ ،‬ف�ضال عن‬
‫القوانني املنظمة لدخول وخروج الأجانب من البالد‪ ،‬وا�ستكمال م�سل�سل �إ�صالح منظومة العدالة ب�إخراج قوانني ال�سلطة‬
‫الق�ضائية ومراجعة قوانني الإجراءات املدنية واجلنائية وا�ستكمال ور�ش االن�ضمام وامل�صادقة على الإتفاقيات الدولية‬
‫والربوتوكوالت امللحقة ذات ال�صلة باملو�ضوع‪ ،‬واحلر�ص على تقدمي التقارير الدورية �إىل �أللجن االتفاقية‪ ،‬ومتابعة‬
‫تفعيل تو�صياتها والعمل على تعزيز التعاون الدويل والإقليمي يف جمال مكافحة الظاهرة التي �أ�صبحت بالفعل ظاهرة‬
‫عبارة للحدود؛‬
‫‪ -‬بيان اجلمعية الدميقراطية لن�ساء املغرب ‪ 05‬يناير ‪ ،2016‬حول م�رشوع القانون ‪ 27.14‬املتعلق مبكافحة الإجتار‬
‫بالب�رش‪.‬‬
‫�أما مطالب الرابطة املغربية للمواطنة وحقوق الإن�سان فقد متثلت فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬وجوب التطبيق احلازم ل�سن ‪ 15‬عاما �سنا �أدنى لكل �أنواع ال�شغل‪ ،‬مبا يف ذلك العمل املنزيل‪ ،‬مع فر�ض عقوبات‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪84‬‬

‫عامة‪ ،‬والفئات الأكثر تهمي�شا على وجه الخ�صو�ص‪ .‬وذلك وفق فل�سفة جديدة ال تقف عند‬
‫التجريم‪ ،‬و�إنما تتجاوز ذلك �إلى �أبعاد جديدة ت�ستهدف بها الوقاية والتكفل وحماية ال�ضحايا‪.‬‬
‫تخرج ظاهرة الإتجار بالب�شر بتجلياتها المختلفة في المغرب من خانة الطابوهات لت�شكل‬
‫مو�ضوع اهتمام جدي معلن من قبل ال�سلطات العمومية والمجتمع المدني‪ ،‬تج�سدت �أخيرا في‬
‫التعديالت التي تم �إدخالها على م�شروع القانون الجنائي‪ ،‬والذي ال يزال يثير الكثير من الجدل‬
‫على خلفية حقوقية بالأ�سا�س‪.‬‬
‫و�إن كانت الكثير من المنظمات الوطنية والدولية النا�شطة في مجال حقوق الإن�سان‪ ،‬ما‬
‫فتئت تدق �أجرا�س الإنذار حول بع�ض مظاهر هذه الظاهرة‪ ،‬من قبيل تهريب الب�شر والإ�ستغالل‬
‫الجن�سي للن�ساء والأطفال‪ ،‬في �إطار اقت�صاد الدعارة المحلي والعابر للحدود‪ ،‬وغيرها‪ ،1‬ف�إن‬
‫الظاهرة ب�صدد التبلور في �أجندة الدولة‪ ،‬ولأول مرة في �سياق مقاربة �شمولية‪ ،‬من خالل‬
‫قانون جديد عمل على �إ�ضافة مواد جديدة في القانون الجنائي وقانون الم�سطرة الجنائية‪،‬‬
‫وي�أتي هذا القانون م�ستجيبا للمعايير الدولية ذات ال�صلة‪ ،‬حيث لم يكتف بالتطرق لل�شق‬
‫المتعلق بالتجريم‪ ،‬و�إنما ت�ضمن مقت�ضيات جديدة تدخل في �شق التكفل وحماية ال�ضحايا‪.‬‬
‫ ‬ ‫منا�سبة على �أ�صحاب العمل وامل�ستقدمني للعمل (الو�سطاء) الذين ي�شغلون �أطفاال حتت �سن ‪ 15‬عاما؛‬
‫‪� -‬رضورة اال�ستمرار يف حمالت التوعية وتو�سيع نطاقها من �أجل تثقيف الأ�رس املر�سلة للعامالت و�أ�صحاب العمل‬
‫بالقوانني التي حتظر ت�شغيل الأطفال حتت �سن ‪ 15‬عاما‪ ،‬ومبخاطر عمل الأطفال يف املنازل‪ ،‬والتوا�صل مع الإعالم‬
‫�أثناء تخطيط هذه احلمالت؛‬
‫‪� -‬رضورة التحقيق يف حاالت عمل الأطفال حتت ال�سن القانونية وحاالت الإ�ساءة لعامالت املنازل القا�رصات‪،‬‬
‫والت�رصيح لل�رشطة والأخ�صائيني االجتماعيني و‪�/‬أو مفت�شي ال�شغل بدخول بيوت �أ�صحاب العمل عندما ي�شتبه يف تواجد‬
‫عاملة كفلة بالبيت‪ ،‬و�سحب الأطفال حتت �سن ‪ 15‬عاما من العمل �أو من يتعر�ضن لإ�ساءات‪.‬‬
‫‪� -‬رضورة مالحقة الأفراد امل�س�ؤولني حتت طائلة القانون اجلنائي املغربي عن �أعمال عنف �أو خمالفات �أخرى جنائية‬
‫�ضد عامالت منازل قا�رصات؛‬
‫‪� -‬ضمان متتع جميع الأطفال حتت ‪ 15‬عاما بحقهم يف التعليم الأ�سا�سي املجاين والإلزامي‪ ،‬وا�ستمرار وتو�سيع جمال‬
‫املبادرات امل�صممة لزيادة االلتحاق باملدار�س يف �أو�ساط الفتيات املعر�ضات للعمل كعامالت منازل؛‬
‫توفري املالجئ واخلدمات الطبية واالجتماعية قدر ال�رضورة لعامالت املنازل القا�رصات الالتي تعر�ضن للإ�ساءات �أو‬
‫الإ�ستغالل‪ ،‬وتي�سري �إعادة ت�أهيلهن‪ ،‬وارتيادهن املدار�س ومل �شملهن بعائالتهن‪ ،‬عندما يكون ذلك يف م�صلحة الطفلة‬
‫مع وجوب و�ضع بدائل‪ ،‬من ترتيبات ا�ست�ضافة طرف الغري ملدد طويلة‪ ،‬بالن�سبة لعامالت املنازل ال�سابقات‪ ،‬عندما ال‬
‫يت�سنى مل �شملهن بالعائلة �أو عندما يكون ذلك يف م�صلحة الطفلة؛‬
‫‪ -‬اال�ستمرار وزيادة دعم منظمات املجتمع املدين املن�شغلة بالق�ضاء على عمل الأطفال باملنازل والتي ت�ساعد عامالت‬
‫املنازل القا�رصات ممن يعملن ب�صفة غري قانونية �أو يقعن �ضحايا للعنف �أو الإ�ستغالل‪.‬‬
‫‪ -‬املطالبة بتنفيذ �آليات لتح�سني مراقبة ت�شغيل عامالت املنازل حتت ال�سن القانونية‪ ،‬كتنظيم زيارات للبيوت مبوافقة‬
‫�أ�صحاب العمل‪� ،‬أو من خالل مقابلة عامالت املنازل القا�رصات واحلديث �إليهن عن �أو�ضاع العمل يف مقار هيئات‬
‫وزارة العمل املحلية؛‬
‫‪ -‬وجوب تبني م�رشوع قانون العمل املنزيل‪ ،‬و�إجراء التعديالت ال�رضورية عليه لي�صبح متفقا مع �إتفاقية منظمة العمل‬
‫الدولية رقم ‪ 189‬اخلا�صة بظروف العمل املالئمة لعامالت املنازل؛‬
‫‪ -‬املطالبة بالت�صديق على �إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ‪ 189‬اخلا�صة بظروف العمل املالئمة لعامالت املنازل‪.‬‬
‫‪ 11‬ميكن الرجوع �إىل درا�سة حديثة �أعدت من طرف منظمة الأمم املتحدة لتمكني املر�أة‪ ،‬وبرنامج «التعاون ال�سوي�رسي»‪،‬‬
‫ووزارة العدل واحلريات حول ظاهرة الإجتار بالب�رش يف املغرب �سنة ‪.2015‬‬
‫‪85‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫و�إذا حاولنا قراءة هذا القانون‪ ،‬يمكن �إبداء عدة مالحظات بخ�صو�صه‪ ،‬فمن حيث ال�شكل‬
‫ال يتعلق الأمر بقانون م�ستقل �شامل‪ ،‬و�إنما هو تعديالت جزئية بهدف تتميم �أحكام الباب‬
‫ال�سابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬ت�شمل �إ�ضافة مواد‬
‫جديدة‪ ،‬وتعديل مواد �أخرى‪.‬‬
‫وهكذا ي�شمل القانون الجديد ‪ 7‬مواد‪ ،‬تت�ضمن تعريفات‪ ،‬عقوبات‪� ،‬إجراءات م�سطرية‪،‬‬
‫ومقت�ضيات تتعلق بالحماية والتكفل‪ ،‬والآليات الم�ؤ�س�ساتية‪.‬‬
‫العقوب ـ ـ ــات‬
‫■‬

‫يمكن التمييز في هذا ال�صدد بين العقوبة الأ�صلية المقررة لجريمة الإتجار بالب�شر والتي‬
‫حددت في ال�سجن من خم�س �إلى ع�شر �سنوات وبغرامة من ‪� 10.000‬إلى ‪ 500.00‬درهم‪ .1‬وقد‬
‫جرم في هذا ال�صدد المحاولة‪ 2‬وعاقب عليها بالعقوبة المقررة للجريمة التامة‪.‬‬
‫كما تم ت�شديد العقوبة في �أحوال �أخرى برفع مدة ال�سجن �إلى ع�شرين �سنة ومبلغ الغرامة‬
‫�إلى ‪ 1.000.000‬درهم في الحاالت التالية‪:3‬‬
‫�إذا ارتكبت الجريمة بوا�سطة التهديد بالقتل �أو بالإيذاء �أو التعذيب �أو االحتجاز �أو‬ ‫✺‬

‫الت�شهير؛‬
‫�إذا كان مرتكب الجريمة حامال ل�سالح ظاهر �أو مخبئ‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إذا كان مرتكب الجريمة موظفا عموميا �إ�ستغل وظيفته لإرتكاب الجريمة �أو ت�سهيل‬ ‫✺‬

‫ارتكابها‪.‬‬
‫�إذا �أ�صيبت ال�ضحية بوا�سطة ا�ستغاللها في جريمة الإتجار بالب�شر بعاهة دائمة �أوبمر�ض‬ ‫✺‬

‫ع�ضوي �أو نف�سي �أو عقلي ع�ضال‪.‬‬


‫�إذا ارتكبت الجريمة من قبل �شخ�صين �أو �أكثر ب�صفتهم فاعلين �أ�صليين �أو م�ساهمين �أو‬ ‫✺‬

‫م�شاركين؛‬
‫�إذا كان مرتكب الفعل معتادا على ارتكابه‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إذا ارتكبت الجريمة �ضد عدة �أ�شخا�ص مجتمعين‪.‬‬ ‫✺‬

‫وتم ت�شديد العقوبة �أي�ضا ورفعها �إلى ثالثين �سنة ورفع مبلغ الغرامة �إلى ‪2.000.000‬‬ ‫✺‬

‫درهم في الحاالت التالية‪:4‬‬

‫‪ 11‬الف�صل ‪ 448-2‬من القانون اجلنائي‪.‬‬


‫‪ 22‬الف�صل ‪ 448-11‬من القانون اجلنائي‪.‬‬
‫‪ 33‬الف�صل ‪ 448-3‬من القانون اجلنائي‪.‬‬
‫‪ 44‬الف�صل ‪ 448-4‬من القانون اجلنائي‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪86‬‬

‫�إذا ارتكبت الجريمة �ضد قا�صر دون الثامنة ع�شر‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إذا ارتكبت الجريمة �ضد �شخ�ص يعاني من و�ضعية �صعبة ب�سبب كبر �سنه �أو ب�سبب‬ ‫✺‬

‫المر�ض �أو الإعاقة �أو نق�ص بدني �أو نف�سي �أو �ضد امر�أة حامل �سواء كان حملها بينا �أو‬
‫كان معروفا لدى الفاعل‪.‬‬
‫�إذا كان مرتكب الجريمة زوجا لل�ضحية �أو �أحد �أ�صولها �أو فروعها �أو و�صيا عليها �أو كافال‬ ‫✺‬

‫لها �أو مكلف برعايتها �أو كانت له �سلطة عليها‪.‬‬


‫في نف�س ال�سياق تم ت�شديد العقوبة �أي�ضا �إذا ارتكبت الجريمة بوا�سطة ع�صابة �إجرامية �أو‬
‫في �إطار عابر للحدود الوطنية �أو ترتب عنها وفاة ال�ضحية‪.1‬‬
‫ويالحظ �أن قانون الإتجار بالب�شر جاء خاليا من عقوبة الإعدام‪ ،‬رغم خطورة الأفعال التي‬
‫جرمها‪� ،‬إذ �أن �أق�صى عقوبة حددها في الحالة التي ينتج فيها عن الجريمة وفاة ال�ضحية‪،‬‬
‫�أو �إذا ارتكبت الجريمة بوا�سطة التعذيب �أو �أعمال وح�شية‪ ،‬حيث حددت العقوبة في ال�سجن‬
‫الم�ؤبد‪ ،‬ولعل هذا الموقف الت�شريعي ي�أتي �إ�ستجابة مع المطالب التي رفعها المجتمع المدني‬
‫بهدف �إلغاء عقوبة الإعدام تما�شيا مع الإلتزام الد�ستوري باحترام المواثيق الدولية‪.‬‬
‫جنحة عدم التبليغ عن جناية الإتجار بالب�شر‬ ‫■‬

‫نظرا لخطورة جريمة الإتجار بالب�شر لم يقت�صر الم�شرع على معاقبة الفاعلين الأ�صليين‬
‫والم�شاركين والم�ساهمين فيها‪ ،‬و�إنما عاقب �أي�ضا كل من علم بارتكابها �أو ال�شروع فيها ولم‬
‫يخبر ال�سلطات بذلك‪ ،‬حيث حدد العقوبة في الحب�س من �سنة �إلى خم�س �سنوات وغرامة من‬
‫‪� 5000‬إلى ‪ 50.000‬درهم‪.2‬‬
‫ولم يعف من هذا االلتزام القانوني‪� ،‬سوى زوج مرتكبها‪� ،‬أو �أحد �أ�صوله �أو فروعه‪.‬‬
‫كما عاقب بنف�س العقوبة كل من ا�ستعمل العنف �أو التهديد ب�إ�ستعماله �أو وعد بمنفعة‬
‫لمنع �شخ�ص من الإدالء ب�شهادته �أو تقديم �أدلة‪� ،‬أو تحري�ضه على الإدالء ب�شهادة زور‪� ،‬أو علة‬
‫االمتناع عن تقديم �أدلة‪� ،‬أو على تقديم �إقرارات �أو ت�صريحات �أو �أدلة غير �صحيحة تتعلق‬
‫بجريمة الإتجار بالب�شر �أمام �أي �سلطة مخت�صة‪ ،‬وفي �أي مرحلة من مراحل التقا�ضي ب�ش�أنها‪.3‬‬
‫الحماية والتكفل بال�ضحايـ ــا‬ ‫■‬

‫من م�ستجدات قانون الإتجار بالب�شر ت�ضمينه مقت�ضيات جديدة تتجاوز �شق التجريم �إلى‬
‫�إقرار حماية لل�ضحية‪ ،‬ويق�صد بها «كل �شخ�ص ذاتي‪ ،‬مغربيا كان �أو �أجنبيا‪ ،‬ثبت تعر�ضه‪ ،‬لأي‬

‫‪ 11‬الف�صل ‪ 448-5‬من القانون اجلنائي‪.‬‬


‫‪ 22‬الف�صل ‪ 448-7‬من القانون اجلنائي‪.‬‬
‫‪ 33‬الف�صل ‪ 448-8‬من القانون اجلنائي‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�ضرر مادي �أو معنوي ناتج مبا�شرة عن الإتجار بالب�شر طبقا للتعريف المن�صو�ص عليه في هذا‬
‫القانون»‪ .‬وقد ن�ص الف�صل ‪ 448-14‬على �أنه‪:‬‬
‫«ال يكون �ضحية الإتجار بالب�شر م�س�ؤوال جنائيا �أومدنيا عن �أي فعل قام به تحت التهديد‬
‫متى ارتبط ذلك الفعل مبا�شرة بكونه �شخ�صيا �ضحية الإتجار بالب�شر‪� ،‬إال �إذا �إرتكب فعال‬
‫مجرما بمح�ض �إرادته دون �أن يتعر�ض �إلى تهديد»‪.‬‬
‫وفي هذا ال�سياق ن�ص القانون الجديد على �إجراءات لحماية �ضحايا الإتجار بالب�شر‪،‬‬
‫�أهمها‪:‬‬
‫«يمكن لل�سلطات الق�ضائية المخت�صة �أن ت�أمر بمنع الم�شتبه فيهم �أو المهتمين من‬ ‫✺‬

‫الإت�صال �أو الإقتراب من �ضحية الإتجار بالب�شر‪.‬‬


‫يمكن �أي�ضا لل�سلطات الق�ضائية المخت�صة الأمر بالترخي�ص لل�ضحية الأجنبي بالبقاء‬ ‫✺‬

‫بتراب المملكة على غاية انتهاء �إجراءات المحاكمة‪.‬‬


‫ت�سري �أحكام الفقرتين الثانية والثالثة �أعاله على ال�شهود والخبراء والمبلغين في جريمة‬ ‫✺‬

‫الإتجار بالب�شر»‪.‬‬
‫كما ن�ص القانون الجديد على �إجراءات �أخرى للتكفل ب�ضحايا الإتجار بالب�شر‪ ،‬من بينها‬
‫توفير الحماية والرعاية ال�صحية والدعم النف�سي واالجتماعي‪ ،‬والعمل على توفير �أماكن‬
‫لإيوائهم ب�صفة م�ؤقتة وتقديم الم�ساعدة القانونية الالزمة لهم‪ ،‬وتي�سير �سبل اندماجهم‬
‫في الحياة االجتماعية‪� ،‬أو تي�سير عودتهم الطوعية �إلى بلدهم الأ�صلي‪� ،‬أو بلد �إقامتهم ح�سب‬
‫الحالة �إذا كانوا �أجانب‪ ،‬وقد ا�ستعمل الم�شرع عبارة «في حدود الو�سائل المتاحة» (المادة‬
‫الرابعة)‪ ،‬ليقل�ص من نطاق الإلتزام الملقى على عاتق الدولة بهذا الخ�صو�ص �إ�ستح�ضارا‬
‫لم�شكل قلة الموارد المالية واللوج�ستيكية الموجودة‪.‬‬
‫ون�ص القانون �أي�ضا على �إعفاء ال�ضحايا من الر�سوم الق�ضائية المرتبطة بالدعوى المدنية‬
‫التي يرفعونها‪ ،‬ف�ضال عن ا�ستفادتهم من الم�ساعدة الق�ضائية بحكم القانون والتي ت�سري‬
‫�آثارها �أي�ضا على �إجراءات تنفيذ الأحكام الق�ضائية (المادة الخام�سة)‪.‬‬
‫مقت�ضيات �إجرائية جديدة لمواجهة جرائم الإتجار بالب�شر‬ ‫■‬

‫وفي �إطار تدعيم الأبحاث الهادفة �إلى مكافحة جرائم الإتجار في الب�شر‪� ،‬أ�ضاف القانون‬
‫فقرة جديدة للمادة ‪ 82.7‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪ ،‬وجعل جريمة الإتجار بالب�شر من بين‬
‫الجرائم التي يجوز فيها التقاط المكالمات‪ ،1‬كما �أوجب في جميع مراحل البحث والتحقيق‬
‫والمحاكمة في هذا النوع من الجرائم‪ ،‬العمل فورا على التعرف على �ضحية الجريمة وهويتها‬

‫‪ 11‬املادة ‪ 82-7‬من قانون امل�سطرة اجلنائية‪.‬‬


‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪88‬‬

‫وجن�سها و�سنها‪ ،‬و�أجاز لل�سلطات الق�ضائية المخت�صة �أن ت�أمر بمنع الم�شتبه فيهم �أو المتهمين‬
‫من االت�صال �أو االقتراب من �ضحية الإتجار بالب�شر‪ ،‬كما �أتاح لهم الترخي�ص لل�ضحية الأجنبي‬
‫بالبقاء بالتراب الوطني �إلى غاية انتهاء �إجراءات المحاكمة‪.‬‬
‫الآليات الم�ؤ�س�ساتية‬ ‫■‬

‫�أحدث القانون لجنة وطنية لدى رئي�س الحكومة‪ ،‬تعهد لها مهمة تن�سيق �إجراءات مكافحة‬
‫الإتجار بالب�شر والوقاية منه‪ ،‬وحدد اخت�صا�صاتها‪ 1‬فيما يلي‪:‬‬
‫تقديم كل مقترح تراه مفيدا �إلى الحكومة من �أجل و�ضع �سيا�سة عمومية وخطة عمل‬ ‫✺‬

‫وطنية لمكافحة الإتجار بالب�شر ور�صد م�ستجداته والوقاية منه وحماية �ضحاياه‪ ،‬وتتبع‬
‫وتقييم تنفيذها‪ ،‬وذلك ب�إ�شراك الجهات المعنية‪.‬‬
‫اقتراح مختلف �أ�شكال التن�سيق والتعاون بين ال�سلطات المخت�صة والمنظمات الدولية‬ ‫✺‬

‫والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية‪ ،‬المعينة بمكافحة الإتجار بالب�شر والوقاية‬
‫منه‪.‬‬
‫اقتراح كل التدابير الالزمة لدعم م�شاريع جمعيات المجتمع المدني لحماية وم�ساعدة‬ ‫✺‬

‫�ضحايا الإتجار بالب�شر والوقاية منه‪.‬‬


‫�إعادة قاعدة بيانات �أو الم�ساهمة في �إعدادها لتجميع المعطيات والمعلومات المتعلقة‬ ‫✺‬

‫بمنع ومكافحة الإتجار بالب�شر‪.‬‬


‫اعتماد برامج التربية والتكوين والتكوين الم�ستمر وبرامج التح�سي�س والتوا�صل في مجال‬ ‫✺‬

‫مكافحة الإتجار بالب�شر لفائدة جميع القطاعات والهيئات والجمعيات المعنية‪.‬‬


‫اقتراح القيام بدرا�سات و�أبحاث في مجال مكافحة الإتجار بالب�شر ورفعها �إلى ال�سلطات‬ ‫✺‬

‫والهيئات المعنية‪.‬‬
‫اقتراح �إعداد دالئل �إر�شادية في مجال مكافحة الإتجار بالب�شر‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إعداد تقرير وطني �سنوي حول المجهودات المبذولة في مجال مكافحة الإتجار بالب�شر‬ ‫✺‬

‫والوقاية منه والعوائق والإكراهات المتعلقة بهذا المجال‪.‬‬


‫ر�صد المظاهر الجديدة لالتجار بالب�شر‪.‬‬ ‫✺‬

‫يمكن ا�ست�شارة اللجنة بمنا�سبة �إعداد م�شاريع الن�صو�ص الت�شريعية والتنظيمية المتعلقة‬
‫بمكافحة الإتجار بالب�شر‪.‬‬
‫وقد ترك لن�ص تنظيمي �سلطة تحديد طريقة ت�أليفها وكيفية �سيرها‪.‬‬

‫‪ 11‬املادة ‪ 6‬و‪ 7‬من قانون مكافحة الإجتار بالب�رش‪.‬‬


‫‪89‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫خـــاتمــة‬
‫يالحظ مما �سبق �أن المجتمع الدولي‪،‬ت�صدى ب�شكل كبير لكل الجرائم الما�سة بحقوق‬
‫الإن�سان‪ ،‬وذلك من خالل الإعالن عن �إتفاقية �أو مجموعة من الإتفاقيات والمعاهدات وغيرها‪،‬‬
‫بل جعل لكل �إتفاقية لجنة خا�صة بها ت�سهر على مدى تطبيق الدول الأطراف لها‪،‬بالإ�ضافة‬
‫لمجموعة من الم�ؤ�س�سات والهيئات التي خلقت فقط من �أجل حقوق الإن�سان‪.‬‬
‫ومجال حقوق الإن�سان وا�سع ومت�شعب‪ ،‬مما جعل االنتهاكات التي تطاله تت�سم �أي�ضا‬
‫بالت�شعب‪ ،‬ومازالت في حاجة لكثير من الإتفاقيات‪ ،‬لكن الت�سا�ؤل الذي كان في حاجة للإجابة‬
‫من خالل هذه المادة المتوا�ضعة التي قدمناها‪ ،‬هو هل ا�ستطاعت هذه الإتفاقيات رغم �صفتها‬
‫الإلزامية ورغم لجانها وم�ؤ�س�ساتها المتعددة �أن تفر�ض هذه الحقوق وهذه االلتزامات على‬
‫الدول الأطراف‪ .‬وهل جميع النا�س في العالم يتمتعون �أو ي�ستمتعون بهذه الحقوق؟ طبعا الإجابة‬
‫كانت وا�ضحة‪ ،‬وذلك من خالل ما يحدث في الواقع �سواء من الناحية الدولية �أو من الناحية‬
‫الوطنية‪ ،‬وما زال هناك طريق طويل و�شاق �أمام المجتمع الدولي لتحقيق الهدف المن�شود �أال‬
‫وهو ال�سلم العالمي والعي�ش الم�شترك‪ ،‬فمازال هناك عدد كبير من الأفراد في العالم يعانون‬
‫من الإختفاء الق�سري‪ ،‬ومن التعذيب ومن جميع �أنواع المعامالت الال�إن�سانية والمهينة �سواء‬
‫كانت هذه الإ�ساءات بدنية �أوجن�سية �أو معنوية ‪.‬‬
‫وهذا يدفعنا للقول �أنه ال يكفي وجود هذا الكم الهائل من الإتفاقيات رغم �أهميته ورغم‬
‫مثاليته‪�،‬إذ البد من �إرادة قوية وم�ؤ�س�سات فعالة و�آليات لتنفيذ هذه الإتفاقيات‪ ،‬بحيث ال ت�سمح‬
‫بانتهاك �أو حرمان �أي �إن�سان في مختلف �أنحاء العالم مهما كان جن�سه �أو عقيدته �أو عرقه و�إال‬
‫تبقى هذه الإتفاقيات مجرد حبر على ورق‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫❸‬
‫الجريمة الإرهابية‬
‫مقدمة‬
‫ي�شكل الإرهاب مظهرا من مظاهر العنف الذي يمار�سه الإن�سان في المجتمع و�أن هذه‬
‫الممار�سة لم تكن وليدة اليوم‪ ،‬بل كانت متجدرة منذ الأزل‪ ،‬فقد عرفه الم�صريون القدامى‬
‫وامتد �إلى ع�صر الإغريق ثم ع�صر الرومان‪ ،‬كما عرفته فرن�سا في القرن التا�سع مع �إعالن‬
‫الجمهورية اليعقوبية‪ ،‬ومع الحركات التحريرية انتع�ش الإرهاب في مختلف �أنحاء العالم‪،‬‬
‫و�أ�صبح البديل للحروب التقليدية‪ ،‬وفي ال�سنوات الأخيرة تزايدت الأعمال الإرهابية ب�شكل‬
‫مثير وملف لالنتباه‪ ،‬فطرحت العديد من عالمات اال�ستفهام حول الأ�سباب والدوافع وراء هذه‬
‫الظاهرة الخطيرة‪.‬‬
‫و�أ�صبح جليا �أن الجريمة الإرهابية تعد ظاهرة خطيرة ومكمن خطورتها يتمثل في اعتمادها‬
‫من جهة على التخويف والترهيب والعنف كو�سائل تتوخى بها زعزعة ثقة الأفراد في مدى قدرة‬
‫الدولة على حفظ الأمن والإ�ستقرار‪ ،‬ومن جهة �أخرى في كون مرتكبيها يعملون في �إطار م�شاريع‬
‫�إجرامية منظمة‪،‬م�ستخدمين �أحدث التقنيات واالختراعات العلمية التكنولوجية‪،‬م�ستهدفين‬
‫بذلك زعزعة الأمن والنظام العامين والم�س ب�سالمة وحياة الأفراد‪،‬وتخريب البنى التحتية‬
‫ومختلف المرافق العامة والخا�صة والنيل من هيبة الدولة و�شموخها في �أنظار مواطنيها وفي‬
‫�أنظار باقي دول المعمور‪.‬‬
‫�إن االقتناع �أ�صبح را�سخا في كون الجريمة الإرهابية هي �أ�شد الجرائم رعبا في وقتنا‬
‫الحالي‪،‬فهي ال تعترف بالحدود والتعتد بجن�سية معينة �أو جن�س �أو �سن �أو انتماء �إيديولوجي �أو‬
‫ديني محدد‪.‬‬
‫والمغرب باعتباره ع�ضوا في المجتمع الدولي والتزاما منه بالم�ساهمة الفعالة في الحفاظ‬
‫على ال�سلم والأمن الدوليين‪ ،‬لم يتردد في الإعراب وفي العديد من المنا�سبات عن �إدانته‬
‫الكاملة والالم�شروطة لمختلف الجرائم الإرهابية التي تقع في �أي مكان من العالم‪،‬معتبرا‬
‫�إياها م�سا�سا خطيرا بالأهداف ال�سيا�سية للمواثيق الدولية التي تن�شد ال�سالم والأمن‬
‫والطم�أنينة والتعاي�ش ال�سلمي والت�سامح‪،‬وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪92‬‬

‫ومع التطورات ال�سريعة والمتالحقة للجريمة المنظمة عامة‪ ،‬والجريمة الإرهابية خا�صة‬
‫والتي تحولت من جريمة تقليدية تعتمد على و�سائل تقليدية �إلى جريمة ع�صرية ومتطورة‪.‬‬
‫وبناءا على التزامات المغرب تجاه المجتمع الدولي وت�أكيدا لالتفاقيات الدولية التي �صادق‬
‫عليها من �أجل مكافحة الإرهاب والق�ضاء على الجريمة المنظمة بالإ�ضافة �إلى الأحداث‬
‫الإرهابية ال�شنيعة التي �ضربت القلب الناب�ض للإقت�صاد الوطني مدينة الدار البي�ضاء‪ ،‬م�ساء‬
‫الجمعة ‪ 16‬ماي ‪ 2003‬والخ�سائر المادية والب�شرية التي خلفتها تلك الأحداث‪ ،‬الأمر الذي دفع‬
‫بالم�شرع المغربي �إلى �إ�صدار القانون رقم ‪ 03-03‬المتعلق بمكافحة الإرهاب والذي تناول‬
‫موا�ضيع بالغة الأهمية‪،‬تتعلق بتجريم الأفعال المعتبرة جرائم �إرهابية وحدد العقوبات المقررة‬
‫لها‪،‬ونظم القواعد الم�سطرية للجريمة الإرهابية‪ .‬‬
‫�إذن فما المق�صود بالجريمة الإرهابية ؟ وماهي الجرائم التي تعد �إرهابية في نظر الم�شرع‬
‫الجنائي المغربي؟ وماهي العقوبات المحددة لها والقواعد الم�سطرية التي خ�ص�صها الم�شرع‬
‫الجنائي لها؟ للإجابة عن هذه الأ�سئلة ف�إننا �سنحاول مقاربة المو�ضوع من خالل الت�صميم‬
‫التالي‪: ‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬الجريمة الإرهابية‪.‬‬ ‫❑‬

‫المطلب الأول‪ :‬مفهوم الجريمة الإرهابية‬ ‫◆‬

‫المطلب الثاني‪� :‬أركان الجريمة الإرهابية‬ ‫◆‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي والإجرائي‬ ‫❑‬

‫المطلب الأول‪:‬الجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي‬ ‫◆‬

‫المطلب الثاني‪:‬الإرهاب في الت�شريع المغربي الإجرائي‬ ‫◆‬

‫المبحث الأول‪ :‬الجريمة الإرهابية‬


‫لم يتفق فقهاء القانون على و�ضع تعريف ثابت وجامع للجريمة الإرهابية وذلك راجع‬
‫لت�شابك هذا المفهوم مع مفاهيم وطنية ودولية م�شروعة ال تعد �إرهابا بالمعنى نف�سه عند‬
‫البع�ض‪ ،‬مع �أن التعريف المحدد للجريمة الإرهابية له �أهمية نظرية تتمثل في �إزالة اللب�س‬
‫والغمو�ض حول هذه الجريمة‪.‬‬
‫والالفت للنظر في مو�ضوع الجريمة الإرهابية الخالف والتباين الوا�سع النطاق في تعريف‬
‫هذا المفهوم‪ ،‬وهذا هو ما �سنحاول تناوله في المبحث الأول‪ ،‬حيث �سنبين مفهوم الجريمة‬
‫الإرهابية (المطلب الأول)‪ ،‬ثم �سوف نتطرق بعد ذلك �إلى �أركان الجريمة الإرهابية(المطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المطلب الأول‪ :‬مفهوم الجريمة الإرهابية‬


‫�أهم ال�صعوبات في هذا المو�ضوع هو و�ضع تعريف محدد وموحد للجريمة الإرهابية‪ ،‬فعدم‬
‫الإتفاق على تعريف جامع لمفهوم الإرهاب �ساهم في تعقيد المحاوالت الدولية والوطنية‬
‫الرامية �إلى معالجة هذه الجريمة ومكافحتها‪ ،‬لذلك �سنتناول في هذا المطلب عدة تعار يف‬
‫تتعلق بالجريمة الإرهابية في ثالث فقرات في الفقرة الأولى �سوف نتناول التعريف اللغوي‬
‫والفقهي للجريمة الإرهابية وفي الفقرة الثانية �سوف نتناول تعريف الجريمة الإرهابية في‬
‫الإتفاقيات الدولية وفي الفقرة الثالثة �سوف نتناول تعريف الجريمة الإرهابية في القانون‬
‫‪ 03-03‬والت�شريع المقارن‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬التعريف اللغوي والفقهي للجريمة الإرهابية‬
‫�أوال التعريف اللغوي‪:‬‬
‫كلمة الإرهاب في اللغة العربية تعني الرهبة ولغة توازي الخوف والرعب ويقال فالن �أرهب‬
‫‪1‬‬
‫فالن �أو جماعة �أي �أخافهم وتعمد �إلى ن�شر الرعب بينهم‪.‬‬
‫وفي اللغة الفرن�سية وردت كلمة الإرهاب في قامو�س الرو�س ‪ terrorisme‬بمعنى مجموعة‬
‫‪2‬‬
‫من �أعمال العنف من �أجل تحقيق �أهداف �سيا�سية‪.‬‬
‫�أما في اللغة االنجليزية فوردت كلمة �إرهاب في قامو�س «�أك�سفور» بمعنى ‪ terrorism‬ب�أنه‬
‫�إ�ستخدام للعنف والتخويف ب�صفة خا�صة لتحقيق �إغرا�ض �سيا�سية خا�صة �ضد حكومات الدول‬
‫‪3‬‬
‫�أو ال�شخ�صيات المهمة �أو الأ�شخا�ص الآخرين التابعين للدولة‪.‬‬
‫وقد وردت في القران الكريم بعدة معاني منها الخوف في قوله تعالى «يا بني إسرائيل‬
‫اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون » ‪4‬ووردت‬
‫�أي�ضا بمعنى الرعب �أو الخوف في قوله تعالى «واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط‬
‫‪5‬‬
‫الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»‬
‫وما يالحظ على التعاريف ال�سابقة �أنه رغم اختالف اللغات ف�إنها اجتمعت على �أن الإرهاب‬
‫يعني العنف والتخويف بغر�ض تحقيق �أهداف معينة �ضد حقوق الأفراد وم�صالح المجتمع‪.‬‬

‫‪ 11‬ن�رسين الرحايل‪ ،‬ماهية الإرهاب‪ :‬يف �ضوء القانون اجلنائي وم�رشوع القانون اجلنائي‪ ،‬مطبعة املعارف اجلديدة‪،‬‬
‫‪�،2017‬ص‪.223 .‬‬
‫‪2. LAROUSSE DICTIONNAIRE DE FRANÇAIS.PREMIERE EDITION 2005. P. 420‬‬
‫‪3. OXFORD DICTIONARY.LEARNER’S POSKET. FIRST PUBLISHED 2008. P. 459‬‬
‫‪� 44‬سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.40‬‬
‫‪�55‬سورة الأنفال‪ ،‬الآية ‪.60‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪94‬‬

‫ثانيا التعريف الفقهي‪:‬‬


‫لقد اختلفت �آراء الفقهاء وت�ضاربت حول تحديد مفهوم الإرهاب‪ ،‬ويعود ذلك �إلى اختالف‬
‫المعايير التي اعتمدها �أ�صحابها حول تحديد هذا المدلول‪ .‬فقد عرفه الفقيه «ليمكــن ‪lemkin‬‬
‫ب�أنه «تخويف النا�س بم�ساهمة �أعمال العنف دون النظر للغر�ض والهدف من ذلك‪ ،‬و�سواء‬
‫تحقق �أم ال‪ ،‬وبالتالي تقع جريمة الإرهاب ب�صورة تامة ب�إرهاب العامة و�إخافتهم كرد فعل‬
‫لأفعال العنف والتدمير التي يرتكبها الإرهابيون»‪.1‬‬
‫�أما الفقيه ولتر «‪ »welter‬فلقد عرف الإرهاب ب�أنه «عملية رعب تت�ألف من ثالث عنا�صر‬
‫العنف والتهديد ب�إ�ستخدامه والخوف الناتج عن ذلك»‪.2‬‬
‫�أما الفقيه «�سوتيل «‪ »sottil‬فيعرف الإرهاب �أنه‪« :‬عمل �إجرامي م�صحوب بالرعب �أو العنف‬
‫‪3‬‬
‫بق�صد تحقيق هدف محدد‪».‬‬
‫وفي الفقه العربي فلقد عرفه الفقيه محمد عزيز �شكري على �أنه «كل عمل عنيف وراءه‬
‫دافع �سيا�سي �أيا كانت و�سيلته وهو يخلق حالة من الرعب والهلع في قطاع معين لتحقيق هدف‬
‫بالقوة �آو لن�شر دعاية �سواء في زمن ال�سلم �أو في زمن النزاع الم�سلح»‪.4‬‬
‫�أما الدكتور عبدالوهاب حومد فعرفه ب�أنه»مذهب يعتمد في الو�صول �إلى �أهدافه على الذعر‬
‫والإخافة وهذا المذهب ذو �شقين �شق اجتماعي يرمي �إلى الق�ضاء على النظام القائم بمختلف‬
‫�أ�شكاله فيكون النظام الإجتماعي هدفا مبا�شرا له و�شق �سيا�سي يهدف �إلى تغيير �أو�ضاع الحكم‬
‫ر�أ�سا على عقب وال يتردد في �ضرب ممثلي الدولة ل�ضرب الدولة ذاتها»‪ .5‬وما يالحظ �أي�ضا �أن‬
‫التعاريف الفقهية ال�سابقة و�صفت العمل الإرهابي ولم تعرف الجريمة الإرهابية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تعريف الجريمة الإرهابية في الإتفاقيات الدولية‬
‫تعتبر الجرائم الإرهابية من الجرائم الخطيرة لأنها تزعزع الأمن الوطني وتهدد ال�سلم‬
‫والأمن الدوليين لكن بالرغم من خطورة هذه الجريمة لم يتو�صل المجتمع الدولي بعد �إلى‬

‫‪ 11‬عقبة �شنيني‪ ،‬اجلرمية الإرهابية يف الت�رشيع اجلزائري‪ ،‬مذكرة مكملة من متطلبات نيل �شهادة املا�سرت يف احلقوق‪،‬‬
‫جامعة حممد خي�رض ب�سكرة‪� ،2014 ،‬ص‪.6.‬‬
‫‪ 22‬عبا�س �شافعة الظاهرة الإرهابية بني القانون الدويل واملنظور الديني �أطروحة مقدمة لنيل �شهادة الدكتوراه يف علوم‬
‫القانون تخ�ص�ص قانون دويل وعالقات دولية جامعة احلاج خل�رض باتنة ‪� ،2011/2010‬ص‪.23 .‬‬
‫‪ 33‬علي لوني�سي‪� ،‬آليات مكافحة الإرهاب الدويل بني فاعلية القانون الدويل وواقع املمار�سات الدولية االنفرادية‪ ،‬ر�سالة‬
‫لنيل �شهادة الدكتوراه يف القانون‪ ،‬جامعة مولود معمري‪،‬كلية احلقوق والعلوم ال�سيا�سية‪� ،2012 ،‬ص‪19.60 .‬‬
‫‪ 44‬ح�سني عزيز نور احللو الإرهاب يف القانون الدويل �أطروحة مقدمة ا�ستكماال ملتطلبات احل�صول على درجة املاج�ستري يف‬
‫القانون العام الأكادميية املفتوحة يف الدامنارك هل�سنكي فلندا‪� ،‬سنة ‪� 2007‬ص‪:: 40 .‬‬
‫‪� 55‬سامل رو�ضان امل�سوي فعل الإرهاب واجلرمية الإرهابية ‪-‬درا�سة مقارنة معززة بتطبيقات ق�ضائية‪ -‬من�شورات احللبي‬
‫احلقوقية لبنان �سنة ‪� 2010‬ص‪49.‬‬
‫‪95‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫تعريف محدد للجريمة الإرهابية وفي �إطار التعاون الق�ضائي بين الدول ف�إن هذه الأخيرة‬
‫�سنت �إتفاقيات دولية من �أجل مكافحة هذه الجريمة الخطيرة التي غالبا ما تقع في �أكثر من‬
‫دولة واحدة‪.‬‬
‫حيث �إن �إتفاقية جنيف ل�سنة‪ 1937‬المتعلقة بمنع الإرهاب والمعاقبة عليه والتي تعتبر‬
‫�أول محاولة لقمع الأعمال الإرهابية على �أنها «�أعمال �إجرامية موجهة �ضد الدولة من دولة‬
‫�أخرى يق�صد بها ويراد منها خلق حالة من الرعب في �أذهان �أ�شخا�ص معينين �أو مجموعة من‬
‫الأ�شخا�ص �أو الجمهور العام»‪.1‬‬
‫�أما الإتفاقية الأوربية الخا�صة بقمع الأعمال الإرهابية الموقعة �سنة ‪ 1977‬عرفت جرائم‬
‫الإرهاب في المادة الأولى على انها «الجرائم التي وردت في الإتفاقية الخا�صة بقمع الإ�ستيالء‬
‫غير الم�شروع على الطائرات الموقعة في الهاي �سنة ‪1970‬الجرائم التي وردت في �إتفاقية قمع‬
‫جرائم الإعتداء على �سالمة الطيران المدني الموقعة في مونتريال والجرائم الخطيرة التي‬
‫تتمثل في الإعتداء على الحياة وال�سالمة الج�سدية �أو حرية الأ�شخا�ص ذوي الحماية الدولية‬
‫جرائم خطف واخذ الرهائن واالحتجاز غير م�شروع‪� ,‬إ�ستخدام القذائف والقنابل اليدوية‬
‫وال�صواريخ الأ�سلحة النارية والطرود الخداعية وال�شروع في �إرتكاب الجرائم الإرهابية �أو‬
‫الإ�شتراك فيها مع �شخ�ص يرتكبها �أو يحاول �إرتكابها »‪.2‬‬
‫واالتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب فلقد عرفت الجريمة الإرهابية في مادتها الثانية‬
‫ب�أنها « �أي جريمة �أو �شروع فيها ترتكب تنفيذا لغر�ض �إرهابي في �أي من الدول المتعاقدة �أو‬
‫على رعاياها �أو ممتلكاتها �أو م�صالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي كما تعد من الجرائم‬
‫الإرهابية الجرائم المن�صو�ص عليها في الإتفاقيات التالية عدا ما ا�ستثنته منها ت�شريعات‬
‫الدول المتعاقدة �أو التي لم ت�صادق عليها‪: ‬‬
‫تفاقية طوكيو الخا�صة بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة‬ ‫✺ إ‬

‫بتاريخ ‪1963/09/14‬‬
‫تفاقية الهاي ب�شان مكافحة الإ�ستيالء غير الم�شروع على الطائرات والموقعة بتاريخ‬ ‫✺ إ‬

‫‪1970/12/16‬‬
‫تفاقية مونتريال الخا�صة بقمع الأعمال غير الم�شروعة الموجهة �ضد �سالمة الطيران‬ ‫✺ إ‬

‫المدني والموقعة في ‪ 1971/09/23‬والبروتوكول الملحق بها والموقع في مونتريال ‪1984/05/10‬‬

‫‪ 11‬احمد ح�سني �سويدان الإرهاب الدويل يف ظل املتغريات الدولية من�شورات احللبي للحقوق الطبعة الثانية لبنان ل�سنة ‪2009‬‬
‫�ص‪37.‬‬
‫‪ 22‬عبد القادر زهري النقوزي املفهوم القانوين للجرائم الإرهاب الداخلي والدويل من�شورات احللبي للحقوق ل�سنة ‪2008‬‬
‫�ص‪27.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪96‬‬

‫�إتفاقية نيويورك الخا�صة بمنع ومعاقبة الجرائم المرتكبة �ضد الأ�شخا�ص الم�شمولين‬ ‫✺‬

‫بالحماية الدولية بمن فيهم الممثلون الدبلوما�سيون والموقعة في ‪1973/12/14‬‬


‫�إتفاقية اختطاف و�إحتجاز الرهائن والموقعة في ‪1979/12/17‬‬ ‫✺‬

‫�إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ل�سنة ‪1983‬وما تعلق منها بالقر�صنة البحرية»‬ ‫✺‬

‫�أما الإتفاقيات الدولية التي تناولت الجرائم الإرهابية ف�إنها كثيرة منها الثنائية الأطراف‬
‫ومنها المتعددة الأطراف �إال �أن الإتفاقيات التي نالت موافقة وان�ضمام اغلب الدول من �أجل‬
‫محاربة الجرائم الإرهابية فهي كالتالي‪: ‬‬
‫الإتفاقية الخا�صة بالجرائم وبع�ض الأفعال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إتفاقية مكافحة الإ�ستيالء غير الم�شروع على الطائرات‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إتفاقية قمع الأعمال غير الم�شروعة الموجهة �ضد �سالمة الطيران المدني‬ ‫✺‬

‫البروتوكول المتعلق بقمع �أعمال العنف الغير الم�شروعة في المطارات التي تخدم‬ ‫✺‬

‫الطيران المدني الدولي‪.‬‬


‫�إتفاقية منع الجرائم المرتكبة �ضد الأ�شخا�ص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم‬ ‫✺‬

‫الموظفون الدبلوما�سيون والمعاقبة عليها‪.‬‬


‫تفاقية مناه�ضة �أخذ الرهائن‪.‬‬ ‫✺إ‬

‫�إتفاقية الحماية المادية للمواد النووية‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إتفاقية قمع الأعمال غير الم�شروعة الموجهة �ضد �سالمة المالحة البحرية‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إتفاقية تمييز المتفجرات البال�ستيكية بغر�ض ك�شفها‪.‬‬ ‫✺‬

‫البروتوكول المتعلق بقمع الأعمال غير الم�شروعة الموجهة �ضد �سالمة المن�ش�آت الثابتة‬ ‫✺‬

‫الموجودة على الجرف القاري‪.‬‬


‫الإتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل‪.‬‬ ‫✺‬

‫ثانيا‪ : ‬تعريف الجريمة الإرهابية في القانون رقم ‪ 03-03‬والت�شريع المقارن‬


‫�إن �أغلب الت�شريعات لم تعرف الجريمة الإرهابية و�إنما جرمت العمل الإرهابي‪.‬‬
‫ومنها الت�شريع الجنائي المغربي حيث �إن القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب رقم ‪03-03‬‬
‫لم يعرف الجريمة الإرهابية‪ ،‬بل اقت�صر على تعداد الأفعال المعتبرة في حكم ذات القانون‬
‫جرائم �إرهابية وحدد الأركان التي يتعين وجوبا وجودها لقيام الجريمة الإرهابية والعقوبة‬
‫‪1‬‬
‫الخا�صة بها‪.‬‬

‫‪ 11‬يو�سف بن با�رص‪ ،‬اجلرمية الإرهابية باملغرب و�آليات املكافحة القانونية‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪ ،‬مطبعة دار القلم‪�،2004 ،‬ص‪.71.‬‬
‫‪97‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أما الم�شرع الفرن�سي ف�إنه لم يفرد قانونا خا�صا بمكافحة الإرهاب �ضمن تر�سانته‬
‫القانونية و�إنما �أورد ن�صا خا�صا من �أجل مكافحة الجريمة الإرهابية �ضمن قانون العقوبات‬
‫رقم ‪ 1020/86‬ال�صادر في ‪� 9‬سبتمبر ‪ ،1986‬ولم يت�ضمن هذا الن�ص تعريفا للإرهاب لكن حدد‬
‫مجموعة من الجرائم واعتبرها جرائم �إرهابية �إذا ات�صلت بم�شروع �إجرامي فردي �أو جماعي‬
‫‪1‬‬
‫يهدف �إلى الإخالل بالنظام العام ب�صورة خطيرة‪.‬‬
‫�أما الم�شرع الجزائري في �إطار مواجهته للجريمة الإرهابية ف�إنه ا�صدر الأمر عدد ‪11/95‬‬
‫المتعلق بالجرائم المو�صوفة �أفعاال �إرهابية وتخريبية‪ ،‬وتم دمج هذا الأمر �ضمن قانون‬
‫العقوبات لأن هذا الأخير يمثل ال�شريعة العامة للتجريم والعقاب‪ ،‬وتطبيقا للأمر عدد ‪11/95‬‬
‫تم تعريف الجريمة الإرهابية بن�ص المادة ‪ 87‬مكرر بالقول ب�أنه ‪« :‬يعتبر فعال �إرهابيا �أو‬
‫تخريبيا في مفهوم هذا الأمر‪ ،‬كل فعل ي�ستهدف �أمن الدولة والوحدة الوطنية وال�سالمة‬
‫الترابية وا�ستقرار الم�ؤ�س�سات و�سيرها العادي»‪.2‬‬
‫�أما الم�شرع الم�صري في القانون رقم ‪ 1992/97‬وفي المادة ‪ 3 86‬منه والتي تناولت تعريف‬
‫الإرهاب بالن�ص على �أنه‪« :‬يق�صد بالإرهاب �إ�ستخدام للقوة �أو العنف �أو التهديد �أو الترويج‬
‫بهدف الإخالل بالنظام العام»‪� ،‬إذن فالجريمة الإرهابية وفقا للت�شريع الم�صري ف�إنها ت�شتمل‬
‫على عن�صرين �أحدهما مادي والآخر معنوي فالأول يتمثل في �أعمال العنف والقوة والتهديد‬
‫والترويج التي من �ش�أنها �إحداث نتيجة محددة‪ ،‬والثاني يكون في اتجاه �إرادة الجاني �إلى‬
‫تحقيق هدف الإخالل بالنظام العام‪.‬‬
‫وب�صفة عامة فالت�شريعات المقارنة للدول التي عرفت الأعمال الإرهابية لم ت�سلم من‬
‫النقد‪ ،‬ويرجع ذلك �أ�سا�سا �إلى عدم التو�صل �إلى تعريف موحد للأعمال الإرهابية نظرا لكون‬
‫كل دولة ت�سعى �إلى تعريف الجريمة في ت�شريعها الداخلي وفقا لما تراه يخدم م�صالحها دون‬
‫�أن تعب�أ بوجهة نظر المجتمع الدولي حول ذلك التعريف وال�سبب يرجع �إلى نمط ال�سيا�سة‬
‫الجنائية المتبع في كل دولة ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪� :‬أركان الجريمة الإرهابية‬
‫الجريمة الإرهابية كغيرها من الجرائم تتطلب الأركان العامة التي ال يمكن قيام �أي فعل‬
‫جرمي بدونها‪ ،‬وهذا هو ما �سنو�ضحه في مايلي بتق�سيمنا لهذا المطلب �إلى ثالث فقرات‬

‫‪ 11‬مفيدة �ضيف‪� ،‬سيا�سة امل�رشع يف مواجهة ظاهرة الإرهاب‪،‬مذكرة مقدمة لنيل �شهادة املاج�ستري يف قانون العقوبات‬
‫والعلوم اجلنائية‪ ،‬جامعة الإخوة منتوري ‪-‬ق�سنطينة‪-‬كلية احلقوق والعلوم ال�سيا�سية‪� ،2010 ،‬ص‪.26 .‬‬
‫‪ 22‬مفيدة �ضيف‪ ،‬مرجع �سابق‪�،‬ص‪.13 .‬‬
‫‪� 33‬أ�ضيفت املادة ‪� 86‬إىل قانون العقوبات امل�رصي مبقت�ضى القانون رقم ‪ 97‬ل�سنة ‪.1992‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪98‬‬

‫في الفقرة الأولى �سوف نتطرق للركن القانوني للجريمة الإرهابية وفي الفقرة الثانية �سوف‬
‫نتطرق للركن المادي للجريمة الإرهابية وفي الفقرة الثالثة �سوف نتطرق للركن المعنوي‬
‫للجريمة الإرهابية‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الركن القانوني في الجريمة الإرهابية‬
‫يق�صد بالركن القانوني (�أو ال�شرعي) للجريمة �أنه ال يجوز �إعتبار فعل �أو �إمتناع ما جريمة‪،‬‬
‫�إال �إذا ورد ن�ص قانوني �صريح يجرم �إتيان هذا الفعل �أو االمتناع‪1.‬وما ينبغي الإ�شارة �إليه كون‬
‫الركن القانوني الجريمة الإرهابية يكت�سي �صبغة �إ�ستثنائية مقارنة مع باقي الأفعال الجرمية‬
‫الأخرى وذلك راجع للخ�صو�صية التي يت�سم بها هذا النوع من الجرائم التي تتمحور حول‬
‫عن�صرين �أ�سا�سين‪:‬‬
‫�أوال ‪�:‬إلزامية تجريم الفعل الإرهابي بمقت�ضى ن�ص جزائي خا�ص‬
‫اعتبارا للمبد�أ القانوني والفقهي القا�ضي ب�أنه «ال جريمة وال عقوبة �إال بن�ص ت�شريعي‬
‫�صريح»‪ ،‬فقد كان من المتعذر زجر الجرائم الإرهابية ونعتها بهذا الو�صف‪ ،‬و�إقرار عقوبات‬
‫‪2‬‬
‫خا�صة بها في غياب مقت�ضيات ت�شريعية �صريحة ت�سمح بذلك‪.‬‬
‫فكان من ال�ضروري �إ�صدار قانون وطني خا�ص بمكافحة الجريمة الإرهابية ليكتمل الركن‬
‫القانوني للجريمة الإرهابية في ظل المنظومة الت�شريعية الوطنية‪ ،‬ونق�صد بذلك القانون رقم‬
‫(‪ ،)03-03‬المنفذ بمقت�ضى الظهير ال�شريف ‪ 1.03.140‬الم�ؤرخ في ‪ 26‬ربيع الأول ‪1424‬هـ‬
‫موافق ل ‪ 28‬ماي ‪.2003‬‬
‫ثانيا‪: ‬عدم �إمكانية خ�ضوع الفعل الإرهابي لأ�سباب التبرير والإباحة‬
‫يمكن القول �أن انتفاء �أ�سباب التبرير والإباحة �شرط �ضروري لقيام الركن القانوني في‬
‫�أي جريمة‪ ،‬لأن الفعل �أو الإمتناع حتى ولو اعتبره الم�شرع جريمة‪ ،‬فال يمكن الم�ساءلة عنه‬
‫‪3‬‬
‫والمعاقبة عليه �إذا قام لدى الفاعل �أحد الأ�سباب التي تبيح �إرتكابه‪.‬‬
‫والم�شرع الجنائي المغربي تعر�ض لأثر �أ�سباب التبرير والإباحة في الف�صل ‪ 124‬من ق‪.‬‬
‫ج‪ 4.‬لكن هذا الأمر ال يمكن ت�صوره بالن�سبة للجريمة الإرهابية فهي ال تخ�ضع لأ�سباب التبرير‬
‫والإباحة ك�شرط لقيام ركنها لقانوني‪ ،‬وهذا راجع لخ�صو�صية وا�ستثنائية الدافع �إلى �إرتكاب‬
‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي‪� ،‬رشح القانون اجلنائي املغربي(الق�سم العام)‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الطبعة اخلام�سة‪،2013 ،‬‬
‫�ص‪.83.‬‬
‫‪ 22‬يو�سف بن با�رص‪ ،‬مرجع �سابق ‪�،‬ص‪.77 .‬‬
‫‪ 33‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.117.‬‬
‫‪� 44‬أنظر الف�صل ‪ 124‬من القانون اجلنائي‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الفعل الإرهابي والذي يظل محوره الأ�سا�سي �إ�شاعة الرعب والترهيب بين عموم الأفراد تنفيذا‬
‫لم�شروع �إجرامي فردي �أو جماعي �ضد حياة الأفراد وممتلكاتهم �أو �سعيا �إلى الإ�ضرار بو�سطهم‬
‫‪1‬‬
‫البيئي �أو تعري�ض الموارد الوطنية للخطر‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الركن المادي في الجريمة الإرهابية‬
‫يعتبر الركن المادي في الجريمة الإرهابية العن�صر الأ�سا�سي في قيام هذا النوع من‬
‫الجرائم ويتمثل في �صدور ن�شاط مادي عن الفاعل الإرهابي �سواء في �شكل عمل كما هو‬
‫ال�ش�أن بالن�سبة للتعداد الوارد في الف�صل ‪2 218-1‬من القانون رقم (‪ )03-03‬المتعلق بمكافحة‬
‫الإرهاب‪� ،‬أو في �شكل امتناع كما هو ال�ش�أن بالن�سبة للف�صل ‪ 218-8‬من نف�س القانون‪ ،‬لعدم‬
‫‪3‬‬
‫التبليغ عن الجريمة الإرهابية المزمع تنفيذها‪.‬‬
‫ويبقى القا�سم الم�شترك للن�شاط المادي ال�صادر عن المجرم في الجريمة الإرهابية‬
‫متمحور حول عن�صرين وهما تعلق الفعل الإرهابي بم�شروع فردي �أو جماعي يم�س ب�شكل خطير‬
‫النظام العام‪ ،‬والعن�صر الثاني هو ارتباط الغاية من هذا الن�شاط المادي ب�إ�شاعة الخوف و‬
‫الترهيب عن طريق اعتماد العنف �أو التهديد به‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬الركن المعنوي للجريمة الإرهابية‬
‫ي�شترط لقيام الجريمة الإرهابية بالإ�ضافة �إلى وجود الركنين القانوني والمادي‪ ،‬توافر‬
‫عن�صر العمد لدى الفاعل الإجرامي وهو ما ي�صطلح على ت�سميته بالركن المعنوي في الجريمة‬
‫الإرهابية وهو ما عبر عنه الم�شرع المغربي في الف�صل ‪ 218-1‬من قانون مكافحة الإرهاب رقم‬
‫‪ 03-03‬الذي ن�ص على‪......“ :‬تعتبر الجرائم الآتية �أفعاال �إرهابية �إذا كانت لها عالقة عمدا‬
‫‪.”....‬‬
‫والعن�صر العمدي في الجرائم الإرهابية يظهر عبر م�ستويين �أولهما توجيه المجرم‬
‫الإرهابي لن�شاطه الإرادي من �أجل تحقيق واقعة مجرمة م�صنفة في عداد الجرائم الإرهابية‪،‬‬
‫�أما ثانيهما فهو الإحاطة والعلم لدى الجاني بالواقعة الجرمية من الناحيتين الواقعية‬
‫والقانونية‪ ،‬وبالتالي ينتفي الق�صد الجنائي لدى المجرم ولو �إرتكب جريمة �إرهابية في حالة‬

‫‪ 11‬يو�سف بن با�رص‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.80.‬‬


‫‪� 22‬أنظر الف�صل ‪ 218-1‬من قانون ‪.03-03‬‬
‫‪ 33‬ين�ص الف�صل ‪ 218-8‬على ‪« :‬ي�ؤاخذ بعدم التبليغ عن جرمية �إرهابية و يعاقب بال�سجن من خم�س �إىل ع�رش �سنوات كل‬
‫من كان على علم مبخطط �أو �أفعال تهدف �إىل �إرتكاب �أعمال معاقب عليها بو�صفها جرمية �إرهابية ومل يبلغ عنها فورا‬
‫مبجرد علمه‪.» ....‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪100‬‬

‫عدم الإحاطة بالواقعة الجرمية نتيجة الجهل المادي حيث ينعدم لديه العلم بحقيقة الواقعة‬
‫‪1‬‬
‫الإجرامية‪.‬‬
‫كما هو ال�ش�أن بالن�سبة لل�شخ�ص الذي يعمد �إلى �إخفاء �أموال �أو منافع مادية �أخرى‬
‫متح�صلة من جريمة �إرهابية دون �أن يعلم بماهيتها �أو بم�صدر تح�صيلها رغم �أن �إخفاء‬
‫الأ�شياء المتح�صل عليها من جراء جريمة �إرهابية يندرج �ضمن التعداد القانوني للأفعال‬
‫‪2‬‬
‫الإرهابية التي عددها الم�شرع‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي والإجرائي‬
‫عرفت المجتمعات عبر مختلف الحقب التاريخية ظاهرة الإرهاب والجرائم الإرهابية‬
‫بمختلف �أ�شكالها الب�سيطة الأولية والمو�سعة رغم اختالف ت�سميات المو�ضوع و�أ�ساليب تناوله‬
‫ح�سب كل فترة تاريخية‪ .3‬وكما هو معلوم ف�إن الجريمة الإرهابية ب�شكل عام تهدف �إلى تغيير‬
‫نظام الحكم‪� ،‬أو فر�ض �سلوك محدد على المجتمع عن طريق عدة و�سائل ت�شكل في حد ذاتها‬
‫و�سائل للو�صول للغايات على المدى البعيد �أو الق�صير‪ 4.‬ولتو�ضيح ذلك �سوف نتطرق في هذا‬
‫المبحث للجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي في المطلب الأول‪ ،‬وفي المطلب‬
‫الثاني �سوف نتطرق للجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي الإجرائي‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬الجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي ‬
‫على الرغم من �أن الإٍرهاب �أ�صبح ظاهرة خطيرة �إال �أنه لم يتم الإتفاق على تعريف دقيق‬
‫ومحدد لم�صطلح الإرهاب‪ ،‬والم�شرع المغربي بدوره لم يعرف الجريمة الإرهابية‪ ،‬و�إنما‬
‫اقت�صر على تعداد الأفعال المعتبرة في حكم ذات القانون �إرهابية �سيرا في ذلك على درب‬
‫العديد من الت�شريعات‪ ،‬ولكن الم�شرع المغربي ا�شترط مجموعة من ال�شروط‪ ،5‬للجريمة‬
‫الإرهابية في الف�صل ‪ 1-218‬من ق ج «تعتبر الجرائم الآتية �أفعاال �إرهابية �إذا كانت لها عالقة‬
‫عمدا بم�شروع فردي �أو جماعي يهدف �إلى الم�س الخطير بالنظام العام بوا�سطة التخويف �أو‬
‫الترهيب �أو العنف…»‪ .‬وبالتالي يكون الم�شرع من خالل تعداد الأعمال الإجرامية الإرهابية‬
‫في ف�صلين وهما الف�صل ‪ 1-218‬و ‪ 3-218‬من القانون رقم ‪ ،03.03‬اعتبرها �أفعاال عمدية عبارة‬

‫‪ 11‬يو�سف بن با�رص‪ ،‬مرجع �سابق ‪�،‬ص ‪.82‬‬


‫‪� 22‬أنظر الف�صل ‪ 218-1‬من قانون مكافحة الإرهاب رقم ‪.03-03‬‬
‫‪ 33‬حممد عبد اللطيف عبد العال ‪-‬جرمية الإرهاب درا�سة مقارنة‪ -‬دار النه�ضة العربية القاهرة ‪� 1994‬ص‪ 8.‬ط‪ .‬الأوىل‬
‫‪ 44‬املجلة العربية حلقوق االن�سان‪-‬احلرب �ضد الإرهاب‪-‬العدد‪10‬يونيو‪2003‬‬
‫‪ 55‬حممد �سنتري‪ ،‬نف�س املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.90.‬‬
‫‪101‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫عن م�شروع فردي �أو جماعي يهدف �إلى الم�س الخطير بالنظام العام عن طريق التخويف �أو‬
‫الترهيب �أوالعنف‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪� :‬أ�صناف الجرائم الإرهابية في القانون المغربي‬
‫تتوزع الجرائم الإرهابية‪ ،‬في الت�شريع الجنائي المغربي وخا�صة القانون المتعلق بمكافحة‬
‫الإرهاب �إلى �صنفين جرائم �أ�صلية وجرائم مرتبطة‪٠‬‬
‫‪ - 1‬الجرائم الإرهابية الأ�صلية في القانون المغربي‬
‫�أوال‪ : ‬الإعتداء عمدا على حياة الأ�شخا�ص �أو على �سالمتهم �أو على حرياتهم �أو اختطافهم‬
‫�أو احتجازهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ : ‬تزييف �أو تزوير النقود �أو �سندات القر�ض العام �أو تزييف �أختام الدولة والدمغات‬
‫والطوابع والعالمات �أو التزوير �أو التزييف المن�صو�ص عليه في الف�صول ‪ 360‬و‪ 361‬و‪ 362‬من‬
‫القانون الجنائي‪.‬‬
‫ثالثا‪: ‬جرائم التخريب �أو التعييب �أو الإتالف‬
‫رابعا‪ : ‬تحويل الطائرات �أو ال�سفن �أو �أي و�سيلة �أخرى من و�سائل النقل �أو �إتالفها �أو �إتالف‬
‫من�ش�آت المالحة الجوية �أو البحرية �أو البرية �أو تعييب �أو تخريب �أو �إتالف و�سائل االت�صال‪.‬‬
‫خام�سا‪ : ‬ال�سرقة وانتزاع الأموال‪.‬‬
‫�ساد�سا‪� : ‬صنع �أو حيازة �أو نقل �أو ترويج �أو ا�ستعمال الأ�سلحة �أو المتفجرات �أو الذخيرة‬
‫خالفا لأحكام القانون‪.‬‬
‫�سابعا‪ :  ‬الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات‪.‬‬
‫ثامنا‪ : ‬تزوير �أو تزييف ال�شيكات �أو �أي و�سيلة �أداء �أخرى الم�شار �إليها على التوالي في‬
‫المادتين ‪ 316‬و‪ 331‬من مدونة التجارة‪.‬‬
‫تا�سعا‪ : ‬تكوين ع�صابة �أو اتفاق لأجل �إعداد �أو �إرتكاب فعل من �أفعال الإرهاب‪.‬‬
‫عا�شرا‪� : ‬إخفاء الأ�شياء المتح�صل عليها من جريمة �إرهابية مع علمه بذلك‬
‫حادي ع�شر‪ : ‬الإ�ضرار ب�صحة الإن�سان �أو الحيوان �أو البيئة‪ ،‬لقد جرم الم�شرع الجنائي في‬
‫الف�صل ‪ 3-218‬من القانون الجنائي فعل �إدخال �أو و�ضع مادة تعر�ض �صحة الإن�سان �أو الحيوان‬
‫�أو المجال البيئي للخطر في الهواء �أو في الأر�ض �أو الماء بما في ذلك المياه الإقليمية معتبرا‬
‫هذه الأعمال �إرهابية �إذا كانت لها عالقة عمدا بم�شروع فردي �أو جماعي يهدف �إلى الم�س‬
‫الخطير بالنظام العام بوا�سطة التخويف �أو الترهيب �أو العنف‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪102‬‬

‫‪ - 2‬الجرائم المرتبطة بالجرائم الأ�صلية‬


‫جرم الم�شرع المغربي في القانون رقم ‪ 03.03‬المتعلق بمكافحة الإرهاب �أفعاال واعتبرها‬
‫�أعماال �إرهابية ولو لم تكن لها عالقة عمدية بم�شروع فردي �أو جماعي يهدف �إلى الم�س‬
‫الخطير بالنظام العام وتتحدد هذه الأفعال فيما يلي‪:‬‬
‫�أوال‪ : ‬الإ�شادة بالجريمة الإرهابية‬
‫جرم الم�شرع المغربي في الف�صل ‪ 2-218‬من القانون الجنائي فعل الإ�شادة بالجريمة‬
‫الإرهابية بوا�سطة الخطب �أو ال�صياح �أو التهديدات المفوه بها في الأماكن �أو االجتماعات‬
‫العمومية �أو بوا�سطة المكتوبات �أو المطبوعات المبيعة �أو الموزعة �أو المعرو�ضة للبيع �أو‬
‫المعرو�ضة في الأماكن �أو االجتماعات العمومية �أو بوا�سطة المل�صقات المعرو�ضة على �أنظار‬
‫العموم بوا�سطة مختلف و�سائل الإعالم ال�سمعية الب�صرية وااللكترونية‪.‬‬
‫ثانيا‪ : ‬تمويل الإرهاب‬
‫لقد جرم الم�شرع الجنائي فعل تمويل الإرهاب في الف�صل ‪ 4-218‬من القانون الجنائي‬
‫الذي ين�ص على مايلي‪« :‬يعتبر تمويل الإرهاب فعال �إرهابيا‪.‬‬
‫تكون تمويل الإرهاب الأفعال التالية �سواء وقع الفعل الإرهابي �أم لم يقع ولو ارتكبت خارج‬
‫المغرب‪.‬‬
‫القيام عمدا وب�أي و�سيلة كانت مبا�شرة �أو غير مبا�شرة بتقديم �أو جمع �أو تدبير �أموال �أو‬
‫ممتلكات ولو كانت م�شروعة بنية �إ�ستخدامها �أو مع العلم �أنها �ست�ستخدم كليا �أو جزئيا الرتكاب‬
‫فعل �إرهابي �أو �أفعال �إرهابية من طرف �شخ�ص �أو �أ�شخا�ص �أو جماعة �أو ع�صابة منظمة‪.‬‬
‫ا�ستعمال �أموال من طرف �شخ�ص �أو �أ�شخا�ص �أو جماعة �أو ع�صابة منظمة من �أجل �إرتكاب‬
‫فعل �إرهابي �أو �أفعال �إرهابية‬
‫تقديم م�ساعدة �أو م�شورة لهذا الغر�ض‪.‬‬
‫محاولة �إرتكاب الأفعال المذكورة»‪.‬‬
‫ثالثا‪� : ‬إقناع الغير بارتكاب جريمة �إرهابية‬
‫جرم الم�شرع في الف�صل ‪ 5-218‬من القانون الجنائي فعل �إقناع الغير بارتكاب جريمة من‬
‫الجرائم الإرهابية �أو دفعه �إلى القيام بها �أو حر�ضه على ذلك وعاقب الفاعل بالعقوبة المقررة‬
‫لتلك الجريمة الإرهابية‪ ،‬لكنه لم يحدد الو�سائل الم�ستعملة في الإقناع �أو التحري�ض �أو الدفع‬
‫�إلى اقتراف الن�شاط الإرهابي‪ ،‬ويبقى في ذلك للمحكمة كامل ال�سلطة التقديرية‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫رابعا‪ : ‬عدم التبليغ عن جريمة �إرهابية‬


‫جريمة عدم التبليغ عن جريمة �إرهابية ن�ص عليها الم�شرع الجنائي في الف�صل ‪ 8-218‬من‬
‫القانون الجنائي‪,‬وهي االمتناع عن التبليغ عن جريمة �إرهابية‪.‬‬
‫كل من كان على علم بمخطط �أو �أفعال تهدف �إلى �إرتكاب �أعمال معاقب عليها بو�صفها‬
‫جريمة �إرهابية ولم يبلغ عنها فورا بمجرد علمه بها الجهات الق�ضائية �أو الأمنية �أو الع�سكرية‪.‬‬
‫خام�سا‪ : ‬الم�ساعدة على �إرتكاب جريمة �إرهابية‬
‫ن�ص الف�صل ‪ 6.218‬من ق ج‪ ,‬على �أنه بالإ�ضافة �إلى حاالت الم�شاركة المن�صو�ص عليها في‬
‫الف�صل ‪ 129‬من القانون الجنائي‪ ،‬يعاقب بال�سجن من ‪� 10‬إلى ‪� 20‬سنة‪ ,‬كل �شخ�ص يقدم عمدا‬
‫لمن يرتكب فعال �إرهابيا �أو ي�ساهم �أو ي�شارك فيه‪� ,‬أ�سلحة �أو ذخائر �أو �أدوات تنفيذ الجريمة‪,‬‬
‫�أو م�ساعدات نقدية �أو و�سائل تعي�ش �أو ترا�سل �أو نقل �أو مكانا لالجتماع �أو ال�سكن �أو االختباء‪,‬‬
‫وكل من يعينه على الت�صرف فيما ح�صل عليه من عمله الإجرامي‪ ,‬وكل من يقدم له نوع من‬
‫�أنواع الم�ساعدة مع علمه بذلك ‪.‬‬
‫�ساد�سا‪ : ‬جرائم االت�صال‬
‫ن�ص الف�صل ‪115‬من قانون الم�سطرة الجنائية المعدل بموجب القانون رقم ‪ 03-03‬على ما‬
‫يلي «دون الإخالل بالمقت�ضيات الجنائية الأ�شد يعاقب بالحب�س من �شهر �إلى �سنة وبالغرامة‬
‫من ‪10.000‬الى ‪100.000‬درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام بو�ضع و�سائل مهي�أة‬
‫لإنجاز التقاطات �أو التقط �أو بدد �أو ا�ستعمل �أو ن�شر مرا�سالت بوا�سطة و�سائل االت�صال عن‬
‫بعد خالفا للمقت�ضيات الم�شار �إليها في المواد ال�سابقة‪.‬‬
‫دون الإخالل بالعقوبات الجنائية الأ�شد تكون العقوبة ال�سجن من خم�س �إلى ع�شر �سنوات‬
‫�إذا ارتكبت الأفعال الم�شار �إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة لغر�ض �إرهابي»‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬عقوبة الجريمة الإرهابية‬
‫العقوبات التي يقررها القانون المغربي هي الواردة في الف�صول ‪ 16‬و‪ 17‬و‪ 18‬و‪ 36‬من‬
‫القانون الجنائي‪� ،‬إذ ال يمكن معاقبة �أي �شخ�ص بغير تلك العقوبات‪ ،‬وبالرجوع �إلى القانون‬
‫‪ 03.03‬نجد �أن العقوبات في الجرائم الإرهابية �إما عقوبة جنائية �أو جنحية‪ ،‬ثم �إنها �إما عقوبة‬
‫�أ�صلية �أو �إ�ضافية‪ ،‬كما �أنها ت�أخذ �شكل تدبير وقائي‪.1‬‬
‫ولقد ت�شدد الم�شرع المغـ ــربي في العقاب علـ ـ ــى الجرائم الـ ـ ــواردة في الف�صلين ‪1-218‬‬
‫و‪ 218-3‬من القانون رقم ‪ 03.03‬وعاقب مرتكبيها بعقوبة �سجنية‪ ،‬غير �أن العقوبة ت�صبح هي‬
‫‪ 11‬عبد ال�سالم بوهو�ش‪ ،‬م �س‪� ،‬ص‪.131.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪104‬‬

‫ال�سجن الم�ؤبد �إذا ترتب عن الفعل فقد ع�ضو �أو بتره �أو الحرمان من منفعته �أو عمى �أو عور �أو‬
‫�أي عاهة دائمة �أخرى ل�شخ�ص �أو �أكثر وتكون العقوبة هي الإعدام �إذا ترتب عن الفعل موت‬
‫�شخ�ص �أو �أكثر‪.‬‬
‫وعاقب على جريمة الإ�شادة بالإرهاب في الف�صل ‪ 2-218‬من القانون الجنائي بالحب�س من‬
‫�سنتين �إلى �ست �سنوات وبغرامة تتراوح بين ‪ 10.000‬و‪ 200.000‬درهم‪.‬‬
‫وعاقب على جريمة تمويل الإرهاب في الف�صل ‪ 218-4‬من القانون الجنائي �إذا ارتكبها‬
‫�شخ�ص طبيعي بال�سجن من ‪� 5‬سنوات �إلى ‪� 20‬سنة وبغرامة من‪� 500.000‬إلى ‪ 2.000.000‬درهم‪.‬‬
‫�أما �إذا كان مرتكبها �شخ�صا معنويا ف�إنه يعاقب بغرامة من ‪� 1.000.000‬إلى ‪ 5.000.000‬دون‬
‫الإخالل بالعقوبات التي يمكن �إ�صدارها في حق م�سيري و م�ستخدمي ال�شخ�ص المعنوي‬
‫المتورطين في الجريمة‪.‬‬
‫وت�شدد في عقاب مرتكبي جريمة تمويل الإرهاب وعاقبهم بال�سجن من ‪� 10‬سنوات �إلى ‪30‬‬
‫�سنة ورفع الغرامة �إلى ال�ضعف في الحاالت التالية‪:‬‬
‫عندما ترتكب الجرائم ب�إ�ستعمال الت�سهيالت التي توفرها مزاولة ن�شاط مهني‪.‬‬ ‫✺‬

‫عندما ترتكب الجرائم في �إطار ع�صابة منظمة‪.‬‬ ‫✺‬

‫في حالة العود‪.‬‬ ‫✺‬

‫ولخطورة جريمة تمويل الإرهاب ف�إن الم�شرع المغربي ن�ص في الف�صل ‪ 1-4-218‬من‬
‫القانون الجنائي على وجوب الم�صادرة الكلية �إذا �صدر الحكم بالإدانة للأ�شياء والأدوات‬
‫والممتلكات التي ا�ستعملت �أو كانت �ست�ستعمل في �إرتكاب الجريمة والعائدات المتح�صلة منها‬
‫�أو القيمة المعادلة لتلك الأ�شياء و الأدوات والممتلكات والعائدات طبعا مع حفظ حقوق الغير‬
‫ح�سن النية‪.‬‬
‫كما عاقب الم�شرع المغربي على فعل �إقناع الغير بارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب �أو‬
‫دفعه �إلى �إرتكابها �أو حر�ضه على ذلك بنف�س العقوبة المقررة لتلك الجريمة التي اقنع الغير‬
‫بارتكابها �أودفعه �إلى �إرتكابها �أو حر�ضه على ذلك‪.‬‬
‫�إ�ضافة �إلى ما �سبق‪ ،‬ف�إن الم�شرع المغربي عاقب على الم�شاركة في الجريمة الإرهابية‬
‫بن�ص خا�ص حيث �إن الف�صل ‪ 6-218‬ين�ص على ما يلي «بالإ�ضافة �إلى حاالت الم�شاركة‬
‫المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 129‬من هذا القانون‪ ،‬يعاقب بال�سجن من ع�شر �إلى ع�شرين �سنة‬
‫كل �شخ�ص يقدم عمدا لمن يرتكب فعال �إرهابيا �أو ي�ساهم �أو ي�شارك فيه �أ�سلحة �أو ذخائر �أو‬
‫�أدوات تنفيذ الجريمة �أو م�ساعدات نقدية �أو و�سائل تعي�ش �أو ترا�سل �أو نقل �أومكانا لالجتماع‬
‫‪105‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أو ال�سكن �أو االختباء وكل من يعينه على الت�صرف فيما ح�صل عليه من عمله الإجرامي وكل‬
‫من يقدم له �أي نوع من �أنواع الم�ساعدة مع علمه بذلك… »‪.‬‬
‫�إ�ضافة �إلى ما �سبق‪ ،‬ف�إن الم�شرع المغربي في الف�صل ‪ 7-218‬ن�ص على ما يلي «يرفع‬
‫الحد الأق�صى للعقوبة عن الجرائم المن�صو�ص عليها في الف�صل‪� 1-218‬أعاله �إذا كان الفعل‬
‫المرتكب يكون جريمة �إرهابية كما يلي‪:‬‬
‫الإعدام �إذا كانت العقوبة المقررة للفعل هي ال�سجن الم�ؤبد‪.‬‬ ‫✺‬

‫ال�سجن الم�ؤبد �إذا كان الحد الأق�صى للعقوبة المقررة للفعل ي�صل �إلى ‪� 30‬سنة‪.‬‬ ‫✺‬

‫يرفع الحد الأق�صى للعقوبات الأخرى ال�سالبة للحرية �إلى ال�ضعف دون �أن يتجاوز ثالثين‬
‫�سنة �إذا كانت العقوبة المقررة هي ال�سجن �أو الحب�س‪.‬‬
‫�إذا كانت العقوبة المقررة للفعل غرامة في�ضاعف الحد الأق�صى للغرامة مائة مرة دون �أن‬
‫تقل عن (‪ 100.000‬درهم)‪.‬‬
‫�إذا كان الفاعل �شخ�صا معنويا‪ ،‬فيجب الحكم بحله والحكم بالتدبيرين الوقائيين‬
‫‪1‬‬
‫المن�صو�ص عليهما في الف�صل ‪ 62‬من القانون الجنائي مع عدم الم�سا�س بحقوق الغير»‪.‬‬
‫�أما جريمة عدم التبليغ عن جريمة �إرهابية ف�إن الم�شرع ن�ص في الف�صل‪ 8-218‬من القانون‬
‫الجنائي على عقوبتها وهي ال�سجن من خم�س �إلى ع�شر �سنوات‪.‬‬
‫�أما �إذا كان الأمر يتعلق ب�شخ�ص معنوي فيعاقب بغرامة تتراوح بين مائة �ألف ومليون درهم‪.‬‬
‫�أما حاالت الإعفاء من العقوبة والتي ت�ضمنها القانون رقم ‪ 03-03‬المتعلق بمكافحة‬
‫الإرهاب فيمكن ح�صرها في ثالث حاالت كالتالي‪:‬‬
‫الحالة الأولى‪ :‬وهي المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 6-218‬من ق ج» …غير �أنه يجوز‬
‫للمحكمة �أن تعفي من العقوبة �أقارب و�أ�صهار من �إرتكب جريمة �إرهابية �أو �ساهم �أو �شارك‬
‫فيها �إلى غاية الدرجة الرابعة �إذا قدموا له م�سكنا �أو و�سائل تعي�ش �شخ�صية فقط»‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬وهي المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪8-218‬من ق ج «…غير �أنه للمحكمة في‬
‫الحالة المن�صو�ص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة �أن تعفي من العقوبة �أقارب و�أ�صهار‬
‫من �إرتكب جريمة �إرهابية �أو �ساهم �أو �شارك فيها �إلى غاية الدرجة الرابعة …»‪.‬والمق�صود‬
‫بالجريمة عدم التبليغ عن جريمة �إرهابية‪.‬‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬ف�إن الم�شرع الجنائي في الف�صل ‪ 9-218‬قام بتمتيع الفاعل �أو الم�ساهم‬
‫�أو الم�شارك بعذر معفي من العقاب �إذا ك�شف قبل غيره للجهات الق�ضائية �أو الأمنية �أو‬
‫الإدارية �أو الع�سكرية قبل محاولة �إرتكاب الجريمة التي كانت مو�ضوع الإتفاق �أو هدف‬
‫‪� 11‬أنظر الف�صل ‪ 7-218‬من القانون اجلنائي املغربي‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪106‬‬

‫الع�صابة وقبل �إقامة الدعوى العمومية عن وجود اتفاق جنائي �أو وجود ع�صابة لأجل �إرتكاب‬
‫جريمة �إرهابية‪.‬‬
‫�أما الحالة التي ن�ص فيها الم�شرع الجنائي على تخفي�ض العقاب وهي المن�صو�ص عليها‬
‫في الف�صل ‪9-218‬من ق ج وهي �أنه �إذا قام الفاعل �أو الم�ساهم �أو الم�شارك الذي يقدم نف�سه‬
‫تلقائيا �إلى ال�سلطات المخت�صة بالتبليغ عن وجود اتفاق جنائي �أو وجود ع�صابة لأجل �إرتكاب‬
‫جريمة �إرهابية بعد �إرتكاب الجريمة ف�إن العقوبة تخف�ض �إلى الن�صف‪ ،‬و�إذا كان الفعل الجرمي‬
‫الذي �إرتكب وتم التبليغ عنه يعاقب عليه بالإعدام ف�إن هذه العقوبة تحول �إلى ال�سجن الم�ؤبد‬
‫و�إذا كان عقاب الفعل الجرمي هو ال�سجن الم�ؤبد ف�إن العقوبة تخف�ض �إلى ال�سجن من ‪� 20‬إلى‬
‫‪� 30‬سنة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الإرهاب في الت�شريع المغربي الإجرائي‬
‫الجريمة الإرهابية كغيرها من الجرائم الأخرى �أحاطها الم�شرع المغربي بمجموعة من‬
‫القواعد والإجراءات الم�سطرية �سواء �أثناء مرحلة البحث التمهيدي �أو �أثناء مرحلتي التحقيق‬
‫الإعدادي والمحاكمة و�أفرد لها بع�ض اال�ستثناءات نظرا لخ�صو�صيتها‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬البحث التمهيدي في جرائم الإرهاب‬
‫نظم الم�شرع المغربي �إجراءات البحث التمهيدي في جرائم الإرهاب في الحالة العادية‬
‫وحالة التلب�س‪ ،‬فبالن�سبة للبحث التمهيدي في الأحوال العادية منظم في المواد من ‪� 78‬إلى ‪82‬‬
‫من قانون الم�سطرة الجنائية‪� ،‬أما في حالة التلب�س في الجرائم الإرهابية فذلك يتطلب �إجراء‬
‫�أبحاث وتحريات ب�صورة فورية واالنتقال �إلى مكان الجريمة وحجز الأ�شياء والأدوات و�إجراء‬
‫كافة المعاينات الالزمة وهذا ما �سنو�ضحه في ما يلي‪.‬‬
‫�أ ‪ -‬فورية البحث والتحريات والمعاينات والحجز‪:‬‬
‫�أوجب الم�شرع على �ضابط ال�شرطة الق�ضائية الذي �أ�شعر بحالة التلب�س بجريمة �إرهابية‬
‫�أو بجنحة مرتبطة بها �أن يخبر بها حاال النيابة العامة و�أن ينتقل في الحال �إلى مكان �إرتكابها‬
‫لإجراء المعاينات المفيدة والحفاظ على الأدلة من االندثار وعلى كل ما يمكن �أن ي�ساعد على‬
‫�إظهار الحقيقة وحجز الأ�سلحة والأدوات الم�ستعملة في �إرتكابها �أو التي كانت معدة الرتكابها‬
‫ومنع كل �شخ�ص من مغادرة مكان وقوعها �إلى غاية انتهاء التحريات واال�ستعانة بذوي الخبرة‬
‫عند القيام بمعاينة ال تقبل الت�أخير‪.1‬‬

‫‪ 11‬ن�رسين الرحايل‪ ،‬م‪�.‬س‪� ،‬ص‪119.‬‬


‫‪107‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ب ‪ -‬التفتي�ش‬
‫�إذا تعلق الأمر بجريمة �إرهابية واقت�ضى ذلك �إجراء البحث �أو كانت حاالت اال�ستعجال‬
‫الق�صوى ف�إنه يمكن ال�شروع في تفتي�ش المنازل �أو معاينتها ب�صفة �إ�ستثنائية قبل ال�ساعة‬
‫ال�ساد�سة �صباحا �أو بعد ال�ساعة التا�سعة ليال ب�إذن كتابي من النيابة العامة‪ ،1‬وفي حالة امتناع‬
‫ال�شخ�ص الذي يجري التفتي�ش �أو الحجز بمنزله عن �إعطاء موافقته �أو تعذر الح�صول عليها‪،‬‬
‫ف�إنه يمكن �إجراء العمليات المذكورة ب�إذن كتابي من النيابة العامة بح�ضور ال�شخ�ص المعني‬
‫بالأمر‪ ،‬وفي حالة امتناعه �أو تعذره عن الح�ضور يتم التفتي�ش بح�ضور �شخ�صين غير خا�ضعين‬
‫ل�سلطة �ضباط ال�شرطة الق�ضائية‪.2‬‬
‫�أما �إذا تطلب الأمر القيام ب�إجراءات التفتي�ش في جريمة �إرهابية في �أماكن معينة‬
‫لأ�شخا�ص ملزمة بال�سر المهني كالعيادات الطبية ومكاتب الموثقين‪ ،‬فيجب على �ضباط‬
‫ال�شرطة الق�ضائية �إ�شعار النيابة العامة المخت�صة فورا ويقوم بجميع التدابير الالزمة ل�ضمان‬
‫احترام ال�سر المهني‪.3‬‬
‫�أما �إجراء تفتي�ش في مكتب المحاماة فيتولى الأمر قا�ض من ق�ضاة النيابة العامة �إلى‬
‫جانب ح�ضور نقيب هيئة المحامين �أو من ينوب عنه �أو بعد �إ�شعاره ب�أية و�سيلة من الو�سائل‬
‫الممكنة‪.4‬‬
‫ت ‪ -‬الو�ضع تحت الحرا�سة النظرية‪:‬‬
‫عندما يتعلق الأمر بجريمة �إرهابية ف�إن مدة الحرا�سة النظرية تكون �ستا وت�سعين �ساعة‬
‫(‪)96‬قابلة للتجديد مرتين لنف�س المدة بناءا على �إذن كتابي من النيابة العامة �سواء في حالة‬
‫البحث التمهيدي �أو التلب�سي‪ ،‬ودون الحاجة �إلى �إح�ضار ال�شخ�ص المو�ضوع تحت الحرا�سة‬
‫النظرية �أمام النيابة العامة عند طلب التمديد في الحالة الأخيرة‪ ،‬كما �أنه من حق �ضابط‬
‫ال�شرطة الق�ضائية في الحالتين معا �أن يطلب من النيابة العامة ت�أخير االت�صال بين المحامي‬
‫وموكله �إذا اقت�ضت ال�ضرورة ذلك‪� ،‬شريطة �أال يتجاوز هذا الت�أخير ‪� 48‬ساعة �إبتداء من التمديد‬
‫الأول ويمكن لممثل النيابة العامة الإ�ستجابة لهذا الطلب ‪.5‬‬

‫‪ 11‬املادة ‪ ،62‬من قانون امل�سطرة اجلنائية‪.‬‬


‫‪ 22‬الفقرة ‪ 4‬من املادة ‪ 79‬من قانون امل�سطرة اجلنائية‬
‫‪ 33‬الفقرة ‪ 3‬من املادة ‪ 59‬من قانون امل�سطرة اجلنائية‪.‬‬
‫‪ 44‬الفقرة ‪ 4‬من املادة ‪ 59‬من قانون امل�سطرة اجلنائية‪.‬‬
‫‪ 55‬الفقرة ‪ 9‬من املادة ‪ 66‬والفقرة ‪ 10‬من املادة ‪ 80‬من قانون امل�سطرة اجلنائية‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪108‬‬

‫ج ‪ -‬النيابة العامة المخت�صة في جرائم الإرهاب‬


‫بالإ�ضافة �إلى الإخت�صا�صات الم�سندة للنيابة العامة‪ ،‬ف�إن القانون رقم ‪ 03.03‬في مادته‬
‫ال�سابعة �أ�سند �إخت�صا�ص تتبع هذه الجرائم �إلى مجموعة من ق�ضاة النيابة العامة الم�شكلين‬
‫من خلية مكافحة الإرهاب على �صعيد محكمة الإ�ستئناف بالرباط دون غيرهم من ق�ضاة‬
‫المملكة‪ ،‬بتتبع جرائم الإرهاب وتكييفها وتقدير ما �إذا كان من الواجب تطبيق القانون المتعلق‬
‫بمكافحة الإرهاب عليها �أو �إعتبارها جرائم عادية‪ ،‬وتتولى هذه الخلية تتبع الملف منذ و�ضع‬
‫ال�شخ�ص الم�شتبه فيه رهن الحرا�سة النظرية خالل مرحلة البحث التمهيدي‪ ،‬وتوا�صل النظر‬
‫في الملف حتى بعد �إحالته على ق�ضاء التحقيق �أو ق�ضاء الحكم‪.1‬‬
‫وت�شعر هذه الخلية لزوما من طرف الفرقة الوطنية لل�شرطة الق�ضائية �أو غيرها من‬
‫ال�ضابطة الق�ضائية المتواجدة بمختلف مدن المملكة كتابة بوا�سطة الفاك�س بو�ضع كل �شخ�ص‬
‫تحت الحرا�سة النظرية �ساعة �إيقافه بوا�سطة تقرير يت�ضمن الهوية الكاملة للمو�ضوع تحت‬
‫الحرا�سة النظرية وموجزا للأفعال المن�سوبة �إليه‪.2‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مرحلتي التحقيق الإعدادي والمحاكمة في جرائم الإرهاب‬
‫�أ ‪ -‬التحقيق الإعدادي في جرائم الإرهاب‬
‫�أ�سند القانون ‪ 03.03‬المتعلق بمكافحة الإرهاب في مادته ال�سابعة الإخت�صا�ص لمحكمة‬
‫الإ�ستئناف بالرباط‪ ،‬وتبعا لذلك يتولى التحقيق في هذه الجرائم قا�ضي التحقيق بنف�س‬
‫المحكمة المعين بمقت�ضى قرار لوزير العدل بنف�س الطريقة التي يعين بها ق�ضاة التحقيق‪،‬‬
‫وبالإ�ضافة �إلى الإخت�صا�صات التقليدية الموكولة لق�ضاة التحقيق في ممار�سة مهامهم‬
‫فقد منحه القانون رقم ‪ 03.03‬مهاما جديدة بخ�صو�ص التفتي�ش والحجز‪ ،3‬والأمر بالتقاط‬
‫المكالمات الهاتفية عن بعد وكذا المرا�سالت‪ ،4‬وطلب معلومات حول عمليات �أو تحركات‬
‫�أموال ي�شتبه في �أن لها عالقة بتمويل الإرهاب والأمر بتجميدها وحجزها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المحاكمة في جرائم الإرهاب‬
‫كما �سبقت الإ�شارة‪ ،‬ف�إن محكمة الإ�ستئناف بالرباط هي المخت�صة بالمتابعة والتحقيق‬
‫والحكم في الجرائم الإرهابية‪ ،‬كما يمكنها ولأ�سباب تتعلق بالأمن العمومي �أن تعقد جل�ستها‬

‫‪ 11‬ن�رسين الرحايل‪ ،‬م �س‪� ،‬ص‪.123.‬‬


‫‪ 22‬ن�رسين الرحايل‪ ،‬م �س‪� ،‬ص‪.123.‬‬
‫‪ 33‬انظر املادة ‪ 102‬من قانون امل�سطرة اجلنائية املعدل مبقت�ضى القانون ‪ 03.03‬املتعلق مبكافحة الإرهاب‪.‬‬
‫‪ 44‬انظر املادة ‪ 108‬من نف�س القانون‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ب�صفة �إ�ستئنافية بمقر �أي محكمة �أخرى ويق�صد بمحكمة الإ�ستئناف بالرباط غرفة الجنايات‬
‫بها التي تبت في هذا النوع من الق�ضايا ابتدائيا و�إ�ستئنافيا وفق �إجراءات خا�صة‪.‬‬
‫وتت�ألف غرفة الجنايات من رئي�س من بين ر�ؤ�ساء الغرف وم�ست�شارين اثنين يتم تعيينهم من‬
‫طرف الجمعية العامة لمحكمة الإ�ستئناف كل �سنة ق�ضائية‪ ،‬ويمكن لهذه الغرفة في الق�ضايا‬
‫التي تتطلب منها مناق�شة طويلة �أن ت�ضم �إليها بالإ�ضافة �إلى �أع�ضائها م�ست�شارا �أو �أكثر يعينه‬
‫الرئي�س الأول لمحكمة اال�ستئناف‪ ،‬وال يمكن تحت طائلة البطالن �أن يكون من بين �أع�ضائها‬
‫�أحد الق�ضاة الذين قاموا ب�أي �إجراء من �إجراءات المتابعة �أو التحقيق في الق�ضية �أو �شاركوا‬
‫في البث فيها‪ ،‬وتعقد جل�ساتها بح�ضور النيابة العامة وبم�ساعدة كاتب ال�ضبط تحت طائلة‬
‫بطالن الإجراءات والقرارات ال�صادرة عنها‪.1‬‬
‫وتبث في الق�ضايا ب�صفة ابتدائية وال يمكنها الت�صريح بعدم الإخت�صا�ص ما عدا في‬
‫‪2‬‬
‫الق�ضايا التي يرجع النظر فيها �إلى محكمة �أخرى مخت�صة في الق�ضية‬
‫�أما بخ�صو�ص غرفة الجنايات الإ�ستئنافية بمحكمة الإ�ستئناف فتت�ألف من رئي�س غرفة‬
‫و�أربعة م�ست�شارين لم ي�سبق لهم البث في الق�ضية وبح�ضور ممثل النيابة العامة‪ ،‬وبم�ساعدة‬
‫كاتب ال�ضبط تحت طائلة البطالن‪ ،‬ويمكن �أن ين�ضاف �إلى ت�شكيلتها م�ست�شارا �أو �أكثر عند‬
‫ال�ضرورة كما هو ال�ش�أن بالن�سبة لغرفة الجنايات االبتدائية‪. 3‬‬
‫كما يمكن للرئي�س الأول بمحكمة الإ�ستئناف �أن يتر�أ�س �شخ�صيا هذه الغرفة التي تبث في‬
‫الطعون المرفوعة �أمامها بقرار نهائي قابل للطعن بالنق�ض داخل �أجل ع�شرة �أيام من تاريخ‬
‫�صدوره‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫الجريمة الإرهابية ككيان قانوني عرفت ا�ستفحاال خطيرا خا�صة في الآونة الأخيرة‪ ،‬حيث‬
‫تجاوز �صداها حدود الدولة الواحدة فخطورة هذه الجريمة �أ�صبح يهدد م�صالح ال�شعوب‬
‫و�أمن و�سالمة الب�شرية‪ ،‬لذلك كانت الجريمة الإرهابية محط �إهتمام الت�شريعات الوطنية‬
‫وكذا اهتمام الم�شرع الدولي‪.‬‬
‫والمالحظ �أن الم�شرع المغربي ب�إ�صداره للقانون رقم ‪ 03-03‬المتعلق بمكافحة الإرهاب‬
‫وفق �إلى حد بعيد في الحد من الجريمة الإرهابية وذلك راجع �إلى المجهودات الأمنية المكثفة‬
‫وال�سيا�سة الجنائية المنتهجة من �أجل محاربة الجريمة الإرهابية‪.‬‬

‫‪ 11‬انظر املادة ‪ 417‬من قانون امل�سطرة اجلنائية‬


‫‪ 22‬انظر املادة ‪ 418‬من نف�س القانون‬
‫‪ 33‬ن�رسين الرحايل‪ ،‬م �س‪� ،‬ص‪132.‬‬
‫‪111‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫❹‬
‫جريمة القتل العمد والقتل الخط�أ‬

‫مقدمة‬
‫عرف الإن�سان جريمة القتل منذ عمارة الإن�سان الأول لهذه الأر�ض �أول جريمة قتل حدثت‬
‫في تاريخ الب�شرية وهي التي قتل فيها قابيل ابن �أدم عليه ال�سالم �أخاه هابيل ظلما وعدوانا‪،‬‬
‫ح�سب �صريح ما يق�صه علينا القر�آن الكريم‪ ,‬الذي اعتبرها من �أخطر الجرائم تهددا للكيان‬
‫الفردي واالجتماعي‪ ،‬ولذلك كانت عقوبتها �صارمة على مر الع�صور وال�شرائع ال�سماوية والتي‬
‫اعتبرت التعدي على النف�س من �أخطر الجرائم لأن الإ�سالم �أعلى من �ش�أن الإن�سان لقوله‬
‫تعالى‪ « :‬ولقد كرمنا بني آدم »‪ ،‬وعلى قدر ما �أعلى من �ش�أنه فقد �شدد في العقوبة على من‬
‫يعتدي على حياة غيره بغير حق‪ ،‬حدد له عقوبة مماثلة وهي �إزهاق الروح في حالة العمد‪.‬‬
‫وفي ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬حكى القر�آن الكريم عن بني �إ�سرائيل في توراتهم «وكتبنا‬
‫عليهم أن النفس بالنفس»‪ ،‬وفي الت�شريعات الو�ضعية القديمة كانت عقوبة الإعدام مرتبطة‬
‫بالنتيجة الإجرامية لجرائم القتل ب�صرف النظر عن توافر �أو عدم توافر الق�صد الجنائي‪،‬‬
‫وعن الظروف ال�شخ�صية والعينية الرتكاب الجريمة‪ ،‬المثال على ذلك قانون حمورابي الأ�شوري‬
‫الذي كان يطبق الإعدام في حاالت متعددة يحدث فيها الموت بدون ق�صد كالموت الناتج عن‬
‫�ضرب امر�أة حامل �أو عن انهدام بناء نتيجة عيب فيه‪.‬‬
‫�أما الت�شريعات الحديثة فلم تولي �أية �أهمية للظروف ال�سالفة الذكر لأن الجانب ال�شخ�صي‬
‫�أ�صبح له دور حا�سم في تقرير وتدرج الم�س�ؤولية الجنائية‪ ،‬ولذلك نجد فعل القتل يتفرع �إلى‬
‫عدة جرائم تتراوح عقوبتها بين ال�سجن الم�ؤبد والإعدام‪...‬‬
‫فالقتل بوجه عام هو �إنهاء حياة �إن�سان بفعل �إن�سان �آخر‪ ،‬ويندرج تحت هذا التعريف‬
‫العام للقتل �صور متعددة تختلف فيما بينها ح�سب موقف الإرادة منه والظروف التي تالزمه‪،‬‬
‫فبالنظر �إلى دور الإرادة تتعدد �صور القتل �إلى قتل ق�صدي وقتل غير ق�صدي �أو خط�أ وقتل‬
‫متجاوز ق�صد الجاني �أو متعدي الق�صد‪� .‬إما بح�سب الظروف التي تقترن به فيكون م�شددا �إذا‬
‫كان هذا الظرف م�شددا �أو يكون مخففا �إذا كان هذا الظرف مخففا‪ ،‬ويكون ب�سيطا �إذا لم‬
‫‪1‬‬
‫يقرن ب�أي ظرف‪.‬‬
‫"‪ 11‬علي عبد القادر القهوجي‪« ،‬جرائم الإعتداء على الإن�سان واملال»‪ ،‬من�شورات احللبي الطفولية‪ ،‬بريوت‪-‬‬
‫لبنان‪� ،‬ص‪.19.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪112‬‬

‫وقد ن�صت على هذه ال�صور المختلفة الف�صول ‪ 392‬و ‪ 432‬من القانون الجنائي المغربي‪،‬‬
‫و�أيا ما كانت ال�صورة التي يوجد عليها القتل �إن هذه الجرائم تجمعها وحدة الم�صلحة القانونية‬
‫محل الحماية الجنائية وهي حق الإن�سان في الحياة والتي من خاللها يمكن �إ�ستخال�ص الأحكام‬
‫العامة التي تخ�ضع لها‪.‬‬
‫�إذن فكيف نظم الم�شرع المغربي جريمتي القتل العمد والقتل الخط�أ؟‬
‫لمعالجة هذه الإ�شكالية �سنتولى درا�سة هاتين الجريمتين بالتف�صيل وفق المنهجية التالية‪:‬‬
‫المبحث الأول ‪ :‬درا�سة جريمة القتل العمد في �ضوء الف�صل ‪ 392‬من ق ج‬ ‫❑‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬درا�سة جريمة القتل الخط�أ في �ضوء الف�صل ‪ 432‬من ق ج‬ ‫❑‬

‫المبحث الأول‪ :‬درا�سة جريمة القتل العمد في �ضوء الف�صل‪ 392‬من ق‪.‬ج‬
‫ين�ص الف�صل ‪ 392‬ق‪ .‬ج على �أن « كل من ت�سبب عمدا في قتل غيره يعد قاتال ويعاقب‬
‫بال�سجن الم�ؤبد‪ .‬لكن يعاقب على القتل بالإعدام في الحالتين الآتيتين‪:‬‬
‫�إذا �سبقته �أو �صاحبته �أو �أعقبته جناية �أخرى؛‬
‫✺‬

‫�إذا كان الغر�ض منه �إعداد جناية �أو جنحة �أو ت�سهيل �إرتكابها �أو �إتمام تنفيذها �أو ت�سهيل‬‫✺‬

‫فرار الفاعلين �أو �شركائهم �أو تخلي�صهم من العقوبة‪».‬‬


‫وتكون جريمة القتل العمد قائمة طبقا لهذا الف�صل اعتداء �إن�سان عمدا بغير حق على‬
‫�إن�سان �آخر عن عمد وق�صد نتج عنه الوفاة مهما كانت الو�سيلة الم�ستعملة‪.‬‬
‫وقد عرف بع�ض الفقه القتل العمد ب�أنه «�إزهاق روح �إن�سان بفعل �إن�سان �آخر تعمدا«‪،‬‬
‫والبع�ض الآخر عرفه ب�أنه «كل فعل �أو امتناع مجرم �صادر عن الإن�سان لإزالة حياة �إن�سان‬
‫خالفا للقانون»‪.‬‬
‫فهذه الجريمة يتوقف قيامها على توافر الأركان العامة (المطلب الأول) والتي يترتب عنها‬
‫معاقبة مرتكبها بالعقوبات المحددة في مجموعة القانون الجنائي (المطلب الثاني)‪.‬‬
‫المطلب الأول‪� :‬أركان جريمة القتل العمد‬
‫تتكون جريمة القتل العمد‪ ,‬ف�ضال عن توافر الركن القانوني‪� ,‬ش�أنها في ذلك �ش�أن‬
‫�أية جريمة �أخرى من ركنين �أ�سا�سيين �أولهما مادي يتمثل في ال�سلوك المادي الإن�ساني‬
‫الإرادي‪ ،‬االيجابي �أو ال�سلبي الذي يمثل القوام �أو الكيان المادي للجريمة‪ ،‬وثانيهما معنوي‬
‫يتمثل في الحالة النف�سية والذهنية الم�صاحبة للفعل وهو القوام �أو الكيان المعنوي للجريمة‬
‫المذكورة‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وعلى �أ�سا�س ذلك يكون تق�سيم هذا المطلب �إلى فقرتين الأولى نخ�ص�صها للركن المادي‬
‫لجريمة القتل العمد‪ ،‬على �أن نفرد الفقرة الثانية للركن المعنوي في القتل العمد وهو عن�صر‬
‫الق�صد‪.‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬الركن المادي لجريمة القتل العمد‬
‫يق�صد بالركن المادي لجريمة القتل العمد التحقق الواقعي للقتل في مكان الجريمة‬
‫باعتبارها حدثا‪ ،‬ال تختلف مع الوقائع الأخرى الم�شابهة‪ .‬ومن تم كان الزما للقول بوجود واقعة‬
‫القتل تتوافر �أو�صاف معينة حتى تكون معتبرة في نظر الم�شرع‪ ,‬وتتكون الواقعة المادية �أو‬
‫الجانب المادي من عنا�صر ثالثة‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬ال�سلوك �أو الن�شاط الإجرامي‬
‫ال يت�صور وقوع جريمة القتل وتحقق نتيجتها وهي �إزهاق روح المجني عليه دون �سلوك �أو‬
‫ن�شاط �إجرامي تترتب عليه النتيجة المذكورة‪ ،‬فعن�صر ال�سلوك �أو الن�شاط �ضروري لتوافر‬
‫الجريمة وهو الذي يميز بين الوفاة غير الم�شروعة النا�شئة عن �سلوك �إن�ساني مجرم‪ ,‬ووفاة‬
‫نا�شئة عن �سبب طبيعي ال دخل لن�شاط �أو �سلوك �إن�ساني في �إحداثه‪ ،‬بمعنى �أن الن�شاط �أو‬
‫ال�سلوك الإن�ساني هو الذي يكون الواقعة الخا�ضعة للقانون الذي يترتب على تطبيقه عليها‬
‫وجود و�صف الجريمة‪ ،‬فالمق�صود بال�سلوك بخ�صو�ص واقعة القتل كحدث ما ي�صدر من‬
‫الإن�سان الحي وهو الجاني في جريمة القتل من حركات ع�ضوية �إرادية تترتب عليها النتيجة‬
‫�أي الوفاة‪.‬‬
‫وال ي�شترط في عن�صر ال�سلوك �أو الن�شاط �شروطا خا�صة �أكثر من كونه �سلوكا م�ؤديا �أو‬
‫م�سببا لإحداث النتيجة الإجرامية‪ ،‬في�ستوي �أن يكون ال�سلوك الإن�ساني هو الذي �أدى مبا�شرة‬
‫�إلى النتيجة �أو �أن الإن�سان قد ا�ستعان في �سلوكه ب�أداة �أو و�سيلة ما لتحقق الوفاة‪ ،‬فمن يقتل‬
‫بيده محققا بذلك ال�سلوك الإجرامي مبا�شرة وبنف�سه ال يختلف عمن ي�ستخدم م�سد�سا �أو‬
‫بندقية �أو تيارا كهربائيا �أو �أية و�سيلة �أخرى‪.‬‬
‫كما يتعين �أن يكون ال�سلوك �أو الن�شاط واعيا و�إراديا فال يكفي �أن تتوافر الحركة الع�ضوية‬
‫التي ت�ؤدي �إلى النتيجة في القتل و�إنما يتعين �أن يكون ال�سلوك ممثال في تلك الحركة مما يعتد‬
‫به في القانون‪ ،‬ويق�صد بالوعي �أو الإرادة القوة الم�سيطرة على الت�صرفات الإن�سانية فهي‬
‫طاقة مهيمنة على حركات الأع�ضاء الإن�سانية وهي كذلك متميزة عن جانب الآثم �أو الخطيئة‬
‫في الجريمة باعتبارها الجانب المعنوي المميز لواقعة الجريمة‪ ،‬ويخ�ضع تحقق هذا الوعي‬
‫لتوافر ال�سلوك الإجرامي طبقا للقانون العتبارات خا�صة للم�ساءلة الجنائية‪� ,‬إذ ال يت�صور‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪114‬‬

‫�أن يحا�سب القانون الإن�سان عن �أفعاله المجردة من ال�سيطرة والوعي‪ ،‬فال�سلوك المجرد من‬
‫الوعي والإرادة نطاق ال يمكن م�ساءلة الإن�سان عنه‪.1‬‬
‫وتوافر الوعي �أو القوة الم�سيطرة على ال�سلوك ال يعني بال�ضرورة توافر الق�صد الذي يتحقق‬
‫به الجانب المعنوي للجريمة‪ ،‬فقد ت�صدر الحركات الإن�سانية خا�ضعة لقوى ال�سيطرة الداخلية‬
‫التي ت�سمى بالوعي ورغم ذلك ال تتوافر لدى من �صدرت عنه نية متجهة نحو �إرتكاب الجريمة‬
‫وال خط�أ يحا�سب عليه‪.‬‬
‫ويثير عن�صر ال�سلوك في جريمة القتل بع�ض ال�صعوبات �أحيانا‪ ،‬و�سوف نعر�ض ب�إيجاز‬
‫لبع�ض و�أهم تلك ال�صعوبات ‪ :‬م�شكلة اال�ستحالة وتحقيق القتل بالترك �أو االمتناع‪،‬كذلك‬
‫�إ�ستخدام و�سائل غير منظورة في �إرتكاب جريمة القتل‪.‬ال�س�ؤال الذي يثار بالن�سبة لال�ستحالة‬
‫في جريمة القتل يتعلق بمدى �إمكانية ت�صور ال�شروع في جريمة القتل حين يكون تحقيق‬
‫الجريمة تامة م�ستحيال ب�سبب اعتبارات تتعلق بال�سلوك �أو بمو�ضوع االعتداء‪.‬‬
‫وينظر الفقه الجنائي �إلى مو�ضوع اال�ستحالة ب�صفة عامة من زوايا مختلفة ويق�سم تبعا‬
‫لذلك اال�ستحالة وي�صنفها ت�صنيفات متعددة‪ ,‬فهناك اال�ستحالة المادية التي ترجع �إلى‬
‫ظروف واعتبارات مادية ك�إ�ستخدام مادة غير كافية لإحداث الوفاة في جريمة القتل‪ .‬وهناك‬
‫اال�ستحالة القانونية التي ترجع �إلى عدم �إمكان وقوع الجريمة تامة لفقدان �أحد عنا�صرها‬
‫كتخلف عن�صر الحياة في جريمة القتل بالن�سبة للمجني عليه‪.‬‬
‫وم�شكلة اال�ستحالة هاته غير قا�صرة على جريمة القتل وحدها و�إنما تثار بالن�سبة لكافة‬
‫الجرائم وذلك في الأحوال التي يوجد فيها ال�سلوك الإجرامي والنية المتجهة نحو �إرتكاب‬
‫جريمة ما مع ا�ستحالة تحقيق نتيجة هذا ال�سلوك لأ�سباب ترجع �إلى ا�ستحالة تحقق الجريمة‬
‫لنق�ص �إما في عنا�صر ال�سلوك �أو لأ�سباب تتعلق بمو�ضوع الإعتداء نف�سه كعدم وجوده‪ .‬ولعل‬
‫جريمة القتل تحظى دون غيرها ب�أهمية خا�صة بالن�سبة لدرا�سة هذه الم�شكلة بالنظر �إلى‬
‫خطورتها ومدى �أهميتها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النتيجة الإجرامية‬
‫يمكن اعتبار النتيجة الإجرامية‪ ،‬ذلك الأثر المترتب عن ن�شاط الجاني �إيجابيا كان �أو‬
‫�سلبيا الذي يظهر التغير الذي يحدث في العالم الخارجي‪ ،‬ك�أثر مالزم لهذا الن�شاط‪ ،‬ففي‬
‫جريمة القتل بنوعيه العمد والخط�أ تكون النتيجة هي �إزهاق روح ال�ضحية‪ ،‬كما �أن جريمة القتل‬
‫ت�ستهدف الأ�شخا�ص الأحياء فال يمكن قتل �شخ�ص كان ميت �سلفا مع �إمكانية متابعة الفاعل‬
‫في هذه الحالة بالمحاولة �إذا كان ال يعلم بوفاة ال�شخ�ص �سلفا‪.‬‬
‫‪ 11‬عالء زكي‪ « ،‬جرائم الإعتداء على الأ�شخا�ص»‪ ،‬امل�ؤ�س�سة احلديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪� ،‬ص‪ 53.‬ـ ‪ 54‬ـ ‪.55‬‬
‫‪115‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ولكن ال�س�ؤال الذي يطرح في هذه المرحلة متى تبد�أ حياة الإن�سان ليعتبر الإعتداء عليها‬
‫قتال؟‬
‫بالرجوع للفقه المغربي نجد �أن حياة الفرد تبد�أ بمجرد والدته‪ ،‬ولهذا فمن يقتل طفال‬
‫بمجرد والدته �سيتابع بجريمة القتل العمد‪ ،‬وهناك من الفقه من يقول �أن حياة الأفراد تبد�أ‬
‫منذ فترة الحمل على اعتبار �أن الم�شرع المغربي يعاقب على جريمة الإجها�ض طبقا للف�صل‬
‫‪ 449‬وما بعده من القانون الجنائي وذلك حماية للنف�س الب�شرية وحماية للحق في الحياة‬
‫المكر�س في الد�ستور طبقا للف�صل ‪ 20‬من الد�ستور الذي يقول ب�أن الحق في الحياة هو �أول‬
‫الحقوق لكل �إن�سان ويحمي القانون هذا الحق‪.‬‬
‫وحيث يذهب الر�أي ال�سائد في الفقه �إلى �أن تطبيق �أحكام القتل يبتدئ من وقت بدء‬
‫المخا�ض �أي ب�إ�ستعداد الجنين للخروج من رحم �أمه ويبدو �أن القانون المغربي تبنى هذا‬
‫الر�أي حيث تعر�ض بن�ص خا�ص وهو الف�صل ‪ 397‬من ق‪.‬ج لقتل الطفل الوليد‪ ،‬والوليد ي�شمل‬
‫الطفل منذ بداية والدته فال ي�شترط لتطبيق هذا الف�صل انف�صال الطفل نهائيا عن ج�سم‬
‫الأم‪.1‬‬
‫ومن ناحية �أخرى ف�إنه ال يحق للجاني �أن يقدم على �إزهاق روح الوليد ولو كان المولود‬
‫م�شوها �أو �أكدت التقارير الطبية �أن ا�ستمرار الحياة ميئو�س منها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العالقة ال�سببية بين الن�شاط والنتيجة‬
‫ال يكفي توفر ن�شاط �إجرامي معين‪ ،‬وكذا وقوع تغيير في العالم الخارجي مما يطلق عليه‬
‫و�صف النتيجة الإجرامية‪ ،‬للقول بتوافر الجانب المادي في الجريمة �أو الواقعة التي تحدث‬
‫في العالم الخارجي و�إنما يتعين عالوة على تحقق العنا�صر ال�سابقة توافر رابطة بين الن�شاط‬
‫والنتيجة بحيث يكون الن�شاط هو الذي ت�سبب في حدوث النتيجة �أو بمعنى �آخر �أن ترتبط‬
‫النتيجة بالن�شاط ارتباط العلة بالمعلول وال�سبب بالم�سبب‪ .‬ففي جريمة القتل ال يكفي وجود‬
‫ن�شاط �إجرامي معين ثم حدوث الوفاة‪ ،‬بل يتعين �أن توجد رابطة �سببية بين الن�شاط والوفاة‬
‫بحيث يكون هذا الن�شاط هو الذي �أدى �إلى الوفاة وهي النتيجة في جريمة القتل وتكون عالقة‬
‫ال�سببية في جريمة القتل وا�ضحة وال تثير �صعوبات حينما يطعن الجاني ب�سكين المجني عليه‬
‫في�صيبه في القلب تكون رابطة ال�سببية وا�ضحة بين وفاة المجني عليه من جانب وطعنه في‬
‫القتل طعنة نافذة باعتباره هو الن�شاط من جانب �آخر‪.‬‬

‫‪� 11‬أحمد اخلملي�شي‪ « ،‬القانون اجلنائي اخلا�ص »‪ ،‬اجلزء الثاين ‪ -‬الرباط‪� ،‬ص‪.22.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪116‬‬

‫�إال �أن ال�صعوبة يمكن �أن تظهر متى �أ�سهمت مع الفعل عوامل �أخرى تفاعلت جميعها‬
‫لإحداث النتيجة الإجرامية وهي الوفاة في جريمة القتل فهنا يكون من الأهمية بمكان تحديد‬
‫عالقة ال�سببية بين الفعل والنتيجة على وجه الخ�صو�ص‪ ،‬لأن قيام هذه العالقة هو ما يجعل‬
‫الفاعل م�س�ؤوال عن النتيجة‪ ،‬وهنا تكمن م�شاكل التحقق من قيام العالقة ال�سببية ب�شكل‬
‫محدد‪ ،‬والم�س�ألة كما هو وا�ضح على جانب كبير من الأهمية في جريمة القتل �ش�أنها في ذلك‬
‫�ش�أن غيرها من الجرائم �إذ يترتب على نفي عالقة ال�سببية انهيار بناء واقعة الجريمة فال‬
‫ي�س�أل عن الوفاة من ن�سب �إليه الفعل‪.1‬‬
‫وفي هذا ال�سياق جاءت عدة نظريات فقهية في هذا الباب ومنها نظرية ال�سببية المبا�شرة‬
‫ونظرية تكاف�ؤ الأ�سباب ونظرية ال�سببية المالئمة‪ .‬لكن في كل الأحوال يبقى �أمر �إ�ستخال�ص‬
‫العالقة ال�سببية بين الن�شاط والنتيجة �أمر مو�ضوعي موكول للمحكمة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي في جريمة القتل العمد‬
‫يتمثل الركن المعنوي في جريمة القتل العمد في الق�صد الجنائي بنوعيه العام والخا�ص‪،‬‬
‫والنية الإجرامية للجاني‪ ،‬بحيث تتجه �إرادة الجاني �إلى �إتيان الن�شاط الإجرامي و�أن يريد به‬
‫القاتل �إزهاق روح �إن�سان‪ ،‬وبهذا ف�إنه بتوافر الق�صد والنية الإجرامية لدى الجاني �إلى جانب‬
‫الركن المادي الذي �سبق ذكرها �آنفا نكون �أمام جريمة قتل عمد‪.‬‬
‫ويعتبر الركن المعنوي في جريمة القتل العمد �أمرا حا�سما لكونه يفرق بين عدة جرائم‬
‫تت�شابه في ركنها المادي مع جريمة القتل العمد كمثال على ذلك‪ :‬جريمة القتل الخط�أ وكذا‬
‫جريمة ال�ضرب والجرح المف�ضي �إلى الموت دون نية �إحداثه‪ .‬فالأخيرتان تت�شابهان مع جريمة‬
‫القتل العمد من حيث نتيجة �إزهاق الروح �إال �أن الركن المعنوي الذي يتمثل في النية والق�صد‬
‫الجنائي لدى الجاني المحددان الرئي�سيان لتكييف الجريمة غير مق�صود بهما‪.‬‬
‫وبناء على ذلك ف�إنه يجب �أن يتحقق علم الجاني �أن المحل المادي الذي ين�صب عليه‬
‫ن�شاطه الإجرامي «�إن�سان» و�أن هذا الإن�سان « حي‪ ».‬فال يت�صور الق�صد النتفاء العلم �إذا اعتقد‬
‫الجاني �أنه يوجه ن�شاطه �إلى حيوان �أو �إلى جثة ميت‪ ،‬كمن ي�صطاد في غابة كثيفة بالأ�شجار‬
‫في�شاهد عن بعد �شبحا يتحرك يظنه حيوانا فيطلق عليه عيارا ناريا فيقتله‪ ،‬ف�إذا به �إن�سان‬
‫�آخر مثله كان ي�صطاد في الغابة‪� ،‬أو كالطبيب الذي يقوم بت�شريح جثة معتقدا �أن �صاحبها قد‬
‫فارق الحياة والحقيقة �أنه كانت بها بقية من حياة و�أن تدخله هو الذي �أزهق روحه‪ .‬فالجاني‬
‫هنا ال ي�س�أل عن جريمة قتل مق�صودة لأنه ال يعلم بحقيقة محل القتل وكون المقتول �إن�سان‬

‫‪ 11‬عالء زكي‪ ،‬مرجع �سبق‪� ،‬ص‪ 64.‬ـ ‪.65‬‬


‫‪117‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫حي‪ ،‬و�إن كان يمكن �أن ي�س�أل عن جريمة قتل غير مق�صودة ب�شرط توافر عنا�صر الخط�أ غير‬
‫المق�صودة في حقه‪.‬‬
‫ويجب �أن يعلم الجاني �أن ن�شاطه يمثل اعتداء على حياة المجني عليه‪ ،‬فالممثل الذي‬
‫يطلق م�سد�سه على ممثل �آخر �أثناء التمثيل معتقدا ب�أن الم�سد�س يحوي ر�صا�صا مزيفا‪� ،‬إال‬
‫‪1‬‬
‫�أن �شخ�صا �آخر ا�ستبدل الم�سد�س دون علمه‪ ،‬ال يتوافر لديه الق�صد الجنائي النتفاء العلم‪.‬‬
‫ولكي يتحقق الق�صد الجنائي يجب �أن تتوافر لدى الجاني �إلى جانب العلم بعنا�صر‬
‫الجريمة ‪ -‬اتجاه الإرادة �إلى ال�سلوك (ال�سلبي) �أو (الإيجابي) الذي من �ش�أنه �إحداث الوفاة‬
‫باعتبارها الغر�ض �أو الهدف الذي يتجه الجاني ب�سلوكه �إليه‪ .‬ف�إذا لم تتجه �إرادة الجاني �إلى‬
‫ال�سلوك امتنعت م�س�ؤوليته عن جريمة ق�صدية �أو غير ق�صدية‪ ،‬فمن ي�سقط على طفل فيقتله‬
‫ب�سبب دفعة قوية من �شخ�ص �آخر �أو ب�سبب حالة �إغماء مفاجئ �أ�صابته ال ي�س�أل عن جريمة‬
‫القتل ال في �صورتها المق�صودة وال في �صورتها غير المق�صودة‪ ،‬لعدم توافر الركن المعنوي‬
‫في الحالتين‪.‬‬
‫ويجب �أخيرا ‪ -‬لإكتمال عنا�صر الق�صد الجنائي �أن تتجه �إرادة الجاني �إلى �إحداث الوفاة‬
‫كنتيجة لن�شاطه‪� ،‬إذ ال يكفي �أن يعلم بتلك النتيجة فقط �أي يتوقعها‪ ،‬و�إنما يجب �أن تتجه �إرادته‬
‫�إليها كغاية �أو كهدف قريب ي�سعى �إليه من ن�شاطه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عقوبة الجريمة والظروف الم�شددة لها‬
‫م�ضمون الف�صل ‪ 392‬من القانون الجنائي‪:‬‬
‫« كل من ت�سبب عمدا في قتل غيره يعد قاتال‪ ،‬ويعاقب بال�سجن الم�ؤبد لكن يعاقب على‬
‫القتل بالإعدام في الحالتين الآتيتين‪:‬‬
‫�إذا �سبقته �أو �صحبته �أو �أعقبته جناية �أخرى‪.‬‬
‫�إذا كان الغر�ض منه �إعداد جناية �أو جنحة �أو ت�سهيل �إرتكابها �أو �إتمام تنفيذها �أو ت�سهيل‬
‫فرار الفاعلين �أو �شركائهم �أو تخلي�صهم من العقوبة«‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬ظروف الت�شديد في القتل العمد‬
‫�إذا كان الم�شرع المغربي قد عاقب على القتل العمد بال�سجن الم�ؤبد في الفقرة الأولى من‬
‫الف�صل‪ 392‬من القانون الجنائي‪ ،‬ف�إنه عاقب عليه في ن�صو�ص متفرقة بالإعدام متى اقترن‬
‫بظرف من ظروف الت�شديد المن�صو�ص عليها في تلك الن�صو�ص‪ .‬ومن الأ�سباب التي حدت به‬

‫‪ 11‬علي عبد القادر‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 78.‬ـ ‪.79‬‬


‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪118‬‬

‫�إلى ت�شديد العقوبة على مرتكب جريمة القتل العمد التي ترقى بها �إلى حد الإعدام ترجع �إلى‬
‫اقترانها بالظروف التالية‪:‬‬
‫‪� - 1‬إقتران القتل العمد بجناية �أخرى‪.‬‬
‫‪� - 2‬إقتران القتل العمد بجناية �أو جنحة �أخرى (ف ‪392‬ق‪.‬ج ) ؛‬
‫‪� - 3‬إقترانه ب�سبق الإ�صرار (‪394‬ق‪.‬ج)؛‬
‫‪� - 4‬إقترانه بالتر�صد(‪395‬ق‪.‬ج)؛‬
‫‪� - 5‬إقتران القتل ب�صفة المجني عليه من �أحد الأ�صول ( ‪396‬ق‪.‬ج) ؛‬
‫‪� - 6‬إقتران القتل بالتعذيب �أو الأفعال الوح�شية (‪399‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫حيث �سنتولى درا�سة كل ظرف على حدة نظرا لق�ساوة الجزاء الجنائي الذي يوقع على‬
‫الجاني مع �إقتران جريمة القتل ب�إحدى هذه الظروف‪.‬‬
‫�أوال‪� :‬إقتران القتل العمد بجناية �أخرى‬
‫ن�ص الم�شرع المغربي في الف�صل ‪ 392‬من ق‪.‬ج على �أن مرتكب القتل العمد يعاقب بالإعدام‬
‫في الحالتين التاليتين‪:‬‬
‫�إذا �سبقته �أو �صحبته �أو �أعقبته جناية �أخرى‪.‬‬
‫✺‬

‫�إذا كان الغر�ض منه �إعداد جناية �أو جنحة �أو ت�سهيل �إرتكابها �أو �إتمام تنفيذها �أو ت�سهيل‬
‫✺‬

‫فرار الفاعلين �أو �شركائهم �أو تخلي�صهم من العقوبة‪.‬‬


‫ف�إقتران القتل بجناية يعني تزامن ح�صول القتل العمد مع �إرتكاب جناية �أخرى �سابقة‬
‫عليه �أو م�صاحبة له �أو تليه‪ .‬فالمفرو�ض �أن يوجد تعاقب زمني بين الجنايتين وكلما كانت‬
‫الفترة الزمنية بينهما متقاربة كلما كان االقتران �أو�ضح‪ ،‬وعلى �أي ف�إن تقدير هذه الفترة‬
‫يعود ل�سلطة قا�ضي المو�ضوع‪ ،‬وال ي�شترط في تحديد االقتران الم�صاحبة المكانية‪� ،‬أي �إرتكاب‬
‫القتل وجناية �أخرى في مكان واحد �أو مكانين متقاربين‪.‬‬
‫وي�شترط الم�شرع �إقتران القتل العمد بجناية �أخرى م�ستقلة عنه في بنيتها القانونية والمادية‪:‬‬
‫كخطف قا�صر الذي يليه قتله عمدا الف�صل ‪474‬ق‪.‬ج‪� ،‬أو االغت�صاب مع القتل العمد‪ ....‬وال يتغير‬
‫الو�صف القانوني للجنايتين �إذا خفف العقاب‪ ،‬نتيجة ظرف ق�ضائي مخفف �أو عذر قانوني‬
‫معف‪ ،‬وذلك تفعيال لمقت�ضى للف�صل ‪112‬من ق‪.‬ج الذي ين�ص على �أنه‪ « :‬ال يتغير نوع الجريمة‬
‫�إذا حكم بعقوبة متعلقة بنوع �آخر من �أنواع الجرائم ل�سبب تخفيف �أو لحالة العود‪«.‬‬
‫‪119‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫والمالحظ �أن ظرف االقتران هو عيني يتعلق بالجريمة‪ ،‬لذا فهو ي�سري على كل الم�ساهمين‬
‫والم�شاركين في القتل العمد وحده �أو في الجنايتين معا ولو كانوا يجهلون وجود هذا الظرف‬
‫الم�شدد‪ ،1‬كما ين�ص على ذلك مقت�ضى الف�صل ‪ 130‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ارتباط القتل العمد بجناية �أو جنحة �أخرى‪:‬‬
‫حيث يتطلب �أن يكون مو�ضوع القتل �أو الهدف منه‪ ،‬هو �إعداد جناية �أو جنحة �أوت�سهيل‬
‫�إرتكابها �أو �إتمام تنفيذها �أو ت�سهيل فرار الفاعلين �أو �شركائهم �أو تخلي�صهم من العقوبة‪،‬‬
‫وبعبارة �أخرى ي�شترط �أن يكون القتل هو الو�سيلة لتحقيق �أحد الأهداف‪ ،‬ولي�س العك�س‪.‬‬
‫وال�شك �أن العقوبة الم�شددة المقررة للفاعل هنا تف�سر بالخطورة الإجتماعية والإجرامية‬
‫لدى الجاني‪ ،‬فهو يرتكب جريمتين تجمعها وحدة الغر�ض الناجم عن دافع دنيء كمثال على‬
‫ذلك القتل بهدف ال�سرقة‪.‬‬
‫ومن �صور االرتباط التي �أوردها الم�شرع �إتمام تنفيذ جناية �أو جنحة من جهة‪ ،‬وت�سهيل‬
‫فرار الفاعلين �أو �شركائهم �أو تخلي�صهم من العقوبة من جهة ثانية‪.‬‬
‫وكمثال على الأولى �أن يرتكب الجاني قتال عمدا بغر�ض �إتمام تنفيذ جريمة ل�سرقة �أو‬
‫اختطاف قا�صر‪ .‬ومن الأمثلة الثانية �أن يتعمد الجاني �إزهاق روح �شاهد فاج�أه وهو يغت�صب‬
‫امر�أة‪ ،‬وذلك لت�سهيل فراره �أو �أن يحرق جثة �ضحيته بق�صد طم�س �أدلة الجريمة وبالتالي‬
‫التخل�ص من العقوبة‪.‬‬
‫و�إذا كانت هذه ال�صور وا�ضحة‪ ،‬فماذا يق�صد الم�شرع المغربي في الف�صل ‪392‬من ق‪.‬ج‪،‬‬
‫بالقتل العمد الذي يكون الغر�ض منه �إعداد جناية �أو جنحة �أو ت�سهيل ارتكابها؟‬
‫�إن الإعداد الرتكاب جريمة �أو ت�سهيل �إرتكابها يمكن �أن يت�صور مثال في الح�صول على‬
‫�أ�سلحة �أو �أدوات �أو �أي و�سيلة ا�ستعملت في �إرتكاب الجناية �أو الجنحة الأخرى‪� ،‬أو الح�صول‬
‫على م�سكن �أو ملج�أ �أو مكان بغر�ض تنفيذ الجريمة الثانية‪.‬‬
‫وحينما يتحقق الإرتباط‪ ،‬ال تهم كثيرا الفترة الزمنية التي تف�صل بين الجريمتين‪� ،‬أو �أن‬
‫يكون مرتكب القتل العمد في نف�س الوقت فاعال �أو م�شاركا في الجنحة‪ .‬كما ال تهم طبيعة‬
‫الجناية �أو الجنحة المرتبطة بالقتل العمد‪ ،‬وال المرحلة التي قطعتها‪ ،‬وال �سقوط الجنحة‬
‫بالتقادم‪ ،‬مادام �أن الم�شرع راعى هنا في ت�شديد العقاب الخطورة الإجتماعية والإجرامية‬
‫للجاني‪.‬‬

‫‪ 11‬مبارك ال�سعيد بن القائد‪ ،‬القانون اجلنائي اخلا�ص ‪ -‬الطبعة الأوىل الرباط‪� ،‬ص‪ 203.‬ـ ‪.204‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪120‬‬

‫لذا يعتبر ظرف الت�شديد هنا �شخ�صيا يرتبط بهدف الفاعل وعلمه‪ .‬وال ي�سري على‬
‫‪1‬‬
‫الم�ساهمين �أو الم�شاركين الذين يعلمون بغر�ض الجاني من القتل العمد‪.‬‬
‫ثالثا‪� :‬سبق الإ�صرار‬
‫عرف الم�شرع المغربي �سبق الإ�صرار كظرف م�شدد لجريمة القتل العمد في الف�صل‬
‫‪394‬من ق‪.‬ج بقوله‪ « :‬هو العزم الم�صمم عليه قبل وقوع الجريمة على الإعتداء على �شخ�ص‬
‫معين �أو على �أي �شخ�ص قد يوجد �أو ي�صادف حتى ولو كان هذا العزم معلقا على ظرف �أو‬
‫�شرط‪«.‬‬
‫ف�سبق الإ�صرار كظرف م�شدد لجريمة القتل العمد في القانون المغربي ال يخرج عن كونه‬
‫حالة نف�سية تتمثل في ت�صميم �سابق على �إرتكاب الجريمة لدى الجاني والإ�صرار عليها‪ .‬ومن هنا‬
‫تت�شدد العقوبة على الجاني نظرا لخطورته‪ ،‬فالجريمة في تلك الحالة لم تكن نتيجة �إ�ستفزاز‬
‫مفاجئ �أدى �إلى �إندفاع الجاني في �سلوكه بما ترتب عليه ارتكابه لجريمته و�إنما على العك�س‬
‫من ذلك جاءت جريمة الجاني نتيجة تفكير هادئ وروية فهو قد فكر في جريمته وهو يعلم بما‬
‫ينتظره من جزاء �إذا اكت�شفت تلك الجريمة‪� ،‬إال �أن ذلك لم ي�ؤثر عليه ويجعله يعدل عن ارتكابه‬
‫لجريمته ولذا فهو �أكثر خطورة من غيره ممن يرتكبون الجريمة فج�أة دون ت�صميم �سابق‪.‬‬
‫وبناء على ذلك ف�إن (القبلية) المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪� 394‬أريد بها في الواقع توافر‬
‫�أمرين �أو عن�صرين هما العن�صر الزمني والعن�صر النف�سي‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ العن�صر الزمني‪ :‬وقد ت�ضمن الف�صل ‪394‬هذا العن�صر �صراحة عندما ن�ص على وجود‬
‫العزم الم�صمم عليه (قبل وقوع الجريمة)‪ ،‬فالبد �إذن من ثبوت وجود فا�صل زمني بين عزم‬
‫الجاني وتقريره �إرتكاب القتل العمد‪ ،‬وبين التنفيذ الفعلي للقتل وهذا الفا�صل الزمني �أقامه‬
‫القانون قرينة على �أن الجاني ا�ستعاد خالله ال�سيطرة على �إرادته‪ ،‬وتخل�ص من االندفاع‬
‫العاطفي �أو الهيجان الع�صبي الذي تعر�ض له ب�سبب الحادثة التي جعلته يقرر �إرتكاب جريمة‬
‫القتل‪.‬‬
‫والفترة الزمنية الفا�صلة بين تقرير القتل وتنفيذه‪ ،‬والالزمة لقيام �سبق الإ�صرار غير‬
‫محددة في القانون‪ ،‬فقد اكتفى الن�ص ب�إ�ستعمال عبارة « قبل وقوع الجريمة» والمق�صود بهذه‬
‫القبلية مرور فترة من الزمن على تقرير القتل كافية ال�ستعادة الجاني لتفكيره لهادئ وتقدير‬
‫عواقب ت�صرفه قبل تنفيذ القتل فعال‪ ،‬وال�شك �أن الفترة الكافية لإختفاء ثورة الغ�ضب‬

‫‪ 11‬مبارك ال�سعيد بن القائد‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 201.‬ـ ‪.205‬‬


‫‪121‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫والهيجان النف�سي‪ ،‬وال�ستعادة ال�سيطرة على توجيه الإرادة و�ضبط النف�س تختلف ب�إختالف‬
‫وقائع ومالب�سات كل حالة على �إنفراد‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬ف�إن المحكمة تقدر في كل ق�ضية ح�سب ظروفها ومالب�ساتها ما �إذا كانت‬
‫الفترة الزمنية الفا�صلة بين تقرير القتل وتنفيذه كافية �أو غير كافية لتحقق �سبق الإ�صرار‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ العن�صر النف�سي‪ :‬ويتحقق هذا العن�صر بثبوت ا�ستعادة الجاني لحالته العادية بعد‬
‫تقريره لإرتكاب القتل‪ ،‬وقبل التنفيذ الفعلي للجريمة‪.‬‬
‫�أما �إذا ا�ستعاد ال�شخ�ص هدوءه وتفكيره بعد الحادث المثير‪ ،‬وتمكن من تحكيم العقل بدل‬
‫العاطفة ومع ذلك بقي على ت�صميمه وعزمه على قتل ال�ضحية ثم نفذ القتل فعال ف�إن ت�صرفه‬
‫هذا ينبئ عن خطورة �إجرامية بالغة وعن نف�س مت�أ�صلة في ال�سلوك الإجرامي‪.‬‬
‫وعليه ف�إن �سبق الإ�صرار ال يتقرر �إال �إذا ت�أكدت المحكمة من ا�ستعادة الجاني لحالته‬
‫العادية والطبيعية بعد الحادث المثير وقبل تنفيذ جريمة القتل العمد‪� ،‬أما �إذا لم يت�أكد لها‬
‫ذلك فتعتبر الجريمة مجرد قتل عمدي عادي يعاقب �صاحبه بال�سجن الم�ؤبد‪.1‬‬
‫رابعا‪ :‬التر�صد‪:‬‬
‫وقد عرفه الم�شرع المغربي في الف�صل ‪395‬من ق‪.‬ج بقوله « هو الترب�ص فترة طويلة �أو‬
‫ق�صيرة في مكان واحد �أو عدة �أمكنة مختلفة ب�شخ�ص ق�صد قتله �أو �إرتكاب العنف �ضده‪«.‬‬
‫حيث يعتبر تر�صد الجاني بالمجني عليه ظرفا م�شدد لجريمة القتل‪ ،‬وال �شك على �أنه دليل‬
‫قاطع على جود �سبق الإ�صرار‪ ،‬فال يت�صور �أن يوجد تر�صد دون �سبق �إ�صرار فهذا ال يقبله‬
‫العقل وال المنطق لأن الترب�ص بق�صد القتل وانتظار المجني عليه لفترة تطول �أو تق�صر هو‬
‫بذاته ودون حاجة �إلى �أي اعتبار �آخر ت�صميم على �إرتكاب الجريمة‪ ،‬فالتر�صد هو مظهر مادي‬
‫لحالة نف�سية معينة هي �سبق الإ�صرار‪ ،‬وبمعنى �آخر �أن الم�شرع �إذ ي�شدد في حالتي الترب�ص‬
‫و�سبق الإ�صرار �إنما يعول على اعتبار واحد ال يختلف على الإطالق هذا االعتبار هو الت�صميم‬
‫على �إرتكاب الجريمة بما ي�ستفاد منه دائما في نظر الم�شرع خطورة الجاني‪.‬‬
‫ورغم اتحاد كل من �سبق الإ�صرار والتر�صد في جوهر الت�شديد باعتباره الحالة النف�سية‬
‫للجاني التي تظل في نظر الم�شرع دليال على خطورته‪� ،‬إال �أن بينهما اختالف في كيفية �إثبات‬
‫علة الت�شديد وهي الحالة النف�سية المعنية من قبل الم�شرع والتي يكون فيها الجاني قد �صمم‬
‫على جريمته وعزم عليها قبل ارتكابها‪ ،‬فالم�شرع حين ن�ص على �سبق الإ�صرار ترك مهمة‬
‫القول بوجوده من عدمه للقرائن التي يقدرها القا�ضي‪ ،‬في حين �أن التر�صد قد اعتبره الم�شرع‬

‫‪� 11‬أحمد اخلملي�شي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 55.‬ـ ‪.56‬‬


‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪122‬‬

‫بذاته �سببا للت�شديد ال لكون الإنتظار من جانب الجاني للمجني عليه هو �سبب الت�شديد و�إنما‬
‫لأن ذلك الإنتظار والتر�صد هو قرينة ال تقبل �إثبات العك�س على العزم ال�سابق‪.1‬‬
‫وي�شترط لتوافر التر�صد كطرف م�شدد بالمعنى ال�سابق �أن يكون الجاني قا�صدا بتر�صده‬
‫�إرتكاب الجريمة‪ ،‬فلو كان الجاني جال�سا في مكان معين فمر عليه المجني عليه فقام الجاني‬
‫بقتله ال يعتبر وجوده في المكان تر�صدا‪ ،‬كذلك ال يتوفر الظرف �إذا ا�ضطرت ظروف الجاني‬
‫للتواجد في مكان معين مكنه من م�شاهدة خ�صمه فقتله‪ ،‬فالعبرة لي�ست بانتظار المجني عليه‬
‫كواقعة مادية بل يتعين �أن يكون التر�صد قد تم بق�صد انتظار المجني عليه وقتله‪ ،‬وهنا يبدو‬
‫مدى االرتباط الوا�ضح بين التر�صد و�سبق الإ�صرار �إذا ا�شترط �أن يكون الإنتظار والتر�صد‬
‫لقتل المجني عليه بمعناه‪ ،‬نية الجاني الم�صمم عليها قبل الفعل والتي تقوده �إلى حركة ع�ضوية‬
‫هي التر�صد‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬قتل الأ�صول‬
‫ين�ص الف�صل ‪ 396‬من ق‪.‬ج على �أن « من قتل عمدا �أحد �أ�صوله يعاقب بالإعدام‪ «.‬اعتبارا‬
‫منه �إلى �أن معاملة الأ�صول وعلى الأخ�ص الأبوين‪ ،‬بالإح�سان �أمر �إتفقت على الأخذ به �أحكام‬
‫ال�شرائع ال�سماوية والأنظمة الإجتماعية الو�ضعية على حد �سواء‪ ،‬فقد �أورد القر�آن الكريم �أكثر‬
‫من �آية تفر�ض معاملة الأبوين بالمعروف « وق�ضى ربك �أال تعبدوا �إال �إياه‪ ،‬وبالوالدين �إح�سانا‪،‬‬
‫�إما يبلغن عندك الكبر �أحدهما �أو كالهما فال تقل لهما �أف‪ ،‬وال تنهرهما وقل لهما قوال كريما‬
‫واخف�ض لهما جناح الذل من الرحمة‪ ،‬وقل رب ارحمهما كما ربياني �صغيرا» وذلك عرفانا‬
‫منه ب�أن الوالدين هما اللذان يبد�آن بالإح�سان مع الولد بالعناية به وال�سهر على تربيته وتوفير‬
‫معي�شته‪ ،‬فوجب �أن يقابلهما بنف�س المعاملة بعد ا�شتداد عوده وبلوغ عنفوانه واال�ستقالل بنف�سه‪.‬‬
‫و�إذا حاد عن هذا ال�سلوك الواجب عليه وتجاوز ذلك �إلى تعمد قتلهما و�إزهاق روحهما‪،‬‬
‫فال جدال �أنه يعتبر عاقا وجاحدا لما �أ�سدياه �إليه من معروف‪ ،‬وا�ستحق عقوبة الإعدام لأن‬
‫من تنكر لأبويه ودا�س بت�صرفه الأحمق �أف�ضال من كانا �سببا في وجوده بهذه الحياة اتجاهه‪،‬‬
‫ال ينتظر منه خير للمجتمع ويك�شف �سلوكه هذا عن تحجر م�شاعره فك�أنه ذلك المجرم الذي‬
‫تطلق عليه المدر�سة الو�ضعية ا�سم «المجرم الطبيعي» ال يرجى له عالج وال �سبيل لوقاية‬
‫‪2‬‬
‫المجتمع من خطره �إال ا�ستئ�صاله ب�إعدامه‪.‬‬
‫والمق�صود بالأ�صول في القانون المغربي الأب والجد و�إن عال والأم والجدة و�إن علت‬
‫وي�شترط في هذه القرابة �أن تكون �شرعية من جهة الأب‪� ،‬أما من جهة الأم فيكفي فيها القرابة‬
‫‪ 11‬عالء زكي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 99.‬ـ ‪.100‬‬
‫‪� 22‬أحمد اخلملي�شي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 64.‬ـ ‪.65‬‬
‫‪123‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الطبيعية وقد جاءت مقت�ضيات المادة ‪ 146‬من مدونة الأ�سرة م�ؤكدة لذلك بحيث �سوت بين‬
‫الأمومة ال�شرعية للأم ب�أمومتها الطبيعية خالفا للأب‪.‬‬
‫�إن ظرف الت�شديد في قتل �أحد الأ�صول ظرف �شخ�صي لأنه يتعلق بعالقة الن�سب التي‬
‫تربط القاتل بالقتيل وال عالقة له بالوقائع المادية للجريمة وبناءا على ذلك طبقا للف�صل ‪130‬‬
‫من ق‪.‬ج ال ي�سري هذا الظرف �إال على من توفر فيه �أي الذي تربطه بعالقة الأبوة دون باقي‬
‫الم�ساهمين والم�شاركين معه في الجريمة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الأعذار المخففة لعقوبة القتل العمد‬
‫ن�ص الم�شرع المغربي على حاالت معينة تخف�ض فيه العقوبة المقررة للقتل العمد في‬
‫�صورته العادية المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪392‬من ق‪.‬ج وذلك لبع�ض االعتبارات التالية‪:‬‬
‫قتل الأم لوليدها الف�صل ( ‪397‬ق‪.‬ج) ؛‬ ‫✺‬

‫القتل المرتكب نتيجة ا�ستفزاز نا�شئ عن اعتداء بال�ضرب �أو العنف الج�سيم (‪ 416‬ق‪.‬ج)‬ ‫✺‬

‫القتل المرتكب نهارا لدفع ت�سلق �أو ك�سر �سور الحائط �أو مدخل منزل �أو بيت م�سكون �أو‬ ‫✺‬

‫�أحد ملحقاتهما ( ق ‪417‬ق‪.‬ج) ؛‬


‫قتل الزوج لزوجته و�شريكها عند مفاج�أتهما متلب�سين بالخيانة لزوجية (‪418‬ق‪.‬ج)‪.‬‬ ‫✺‬

‫وهو ما �سنحاول تف�صيله فيما يلي‪:‬‬


‫�أوال‪ :‬قتل الأم لوليدها‪:‬‬
‫ين�ص الم�شرع المغربي في الف�صل ‪ 397‬في فقرته الثانية ب�أن‪� ....‬إال �أن الأم‪� ،‬سواء كانت‬
‫فاعلة �أ�صلية �أو م�شاركة في قتل وليدها‪ ،‬تعاقب بال�سجن من خم�س �سنوات �إلى ع�شر‪.‬‬
‫وال يطبق هذا الن�ص على م�شاركيها وال على الم�ساهمين معها»‪.‬‬
‫حيث ي�أخذ الم�شرع المغربي بهذا العذر المخفف في حالة قتل الأم لوليدها اعتبارا للدافع‬
‫الذي يكون عادة الت�ستر على عر�ضها الذي دن�سته بالحمل من �سفاح‪ ،‬فالأ�صل �أن يتعلق القتل‬
‫بالوليد غير ال�شرعي �أما الولد ال�شرعي فمن غير الم�ألوف �أن تقدم الأم على قتل وليدها‪ ،‬لأن‬
‫عاطفة الأمومة �أقوى من �أي وازع �إجرامي‪.‬‬
‫وبناءا على ذلك‪ ،‬ف�إن الم�شرع المغربي خفف العقوبة على الأم فقط في حالة قتلها لطفلها‬
‫الوليد دون غيرها كالجدة �أو الأب‪ ...‬ومن ثم وجب �أن تقوم عالقة الأمومة الطبيعية بين الطفل‬
‫الوليد والقاتلة وهذه العالقة وحدها تكفي للتخفيف وال حاجة لال�شتراط �أن يكون الوليد نتيجة‬
‫عالقة زوجية �شرعية‪ ،‬و�إن كان هذا نادر الحدوث على الم�ستوى الواقعي �إذ �إن عاطفة الأم‬
‫�أقوى من �أن تقدم على فعل م�شين كهذا‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪124‬‬

‫ويعتبر عذر التخفيف المن�صو�ص عليه في الف�صل ‪ 397‬من ق‪.‬ج هو عذر خا�ص بالأم‬
‫وبالتالي فهو عذر �شخ�صي ال ت�ستفيد منه �إال الأم دون باقي الم�ساهمين �أو الم�شاركين معها‬
‫في قتل الوليد الف�صل ‪130‬من ق‪.‬ج‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬القتل المرتكب نتيجة ا�ستفزاز نا�شئ عن اعتداء بال�ضرب �أو العنف‬
‫قرر الم�شرع المغربي هذا العذر في الف�صل ‪416‬من ق‪.‬ج الذي جاء فيه « يتوفر عذر مخفف‬
‫للعقوبة �إذا كان القتل �أو الجرح �أو ال�ضرب قد �إرتكب نتيجة ا�ستفزاز نا�شئ عن �إعتداء بال�ضرب‬
‫�أو العنف الج�سيم على �شخ�ص ما‪«.‬‬
‫انطالقا من هذا الف�صل يت�ضح �أن علة التخفيف في حالة اال�ستفزاز تكمن في تلك الحالة‬
‫التي يكون فيها الجاني تحت ت�أثير انفعال يفقده ال�سيطرة العادية على نف�سه فيندفع الرتكاب‬
‫الجريمة تحت ت�أثير تلك الأفعال وحتى يتوافر العذر المخفف للعقوبة البد من تحقق نوعين‬
‫من ال�شروط‪� ،‬شروط تتعلق باالعتداء و�أخرى تتعلق برد الفعل �سن�أتي على ذكرها في حينه‪.‬‬
‫ال�شروط المتطلبة في االعتداء‪:‬‬ ‫■‬

‫�أن يوجه الإعتداء �ضد الجاني �أو �ضد غيره‬ ‫◆‬

‫لم ي�شترط القانون �أن يكون الإعتداء موجها �ضد �شخ�ص الجاني فقط‪ ،‬و�إنما ي�ستوي �أن‬
‫يكون الإعتداء موجه �ضد �شخ�ص الجاني �أو �ضد �أي �شخ�ص �آخر‪ ،‬ولم تكن تربطه به �أي عالقة‬
‫�إذا بلغ هذا الإعتداء درجة من الج�سامة لم يكن لها مبرر‪.‬‬
‫�أن يكون الإعتداء بو�سيلة معينة هي ال�ضرب �أو العنف الج�سيم‬ ‫◆‬

‫لكي يقوم عذر اال�ستفزاز يتعين �أن ي�صدر من الم�ستفز �ضرب �أو عنف «ج�سيم» �ضد الجاني‬
‫القاتل �أو �ضد �شخ�ص �آخر‪.‬‬
‫وال�ضرب يعني الم�سا�س بالج�سد وقد يكون ذلك باليد �أو الرجل �أو بع�صا �أو غير ذلك‪،‬‬
‫�إال �أن العنف قد يت�سع ل�صور عديدة من ال�سلوك التي تم�س ج�سد الإن�سان كتقيده �أو حب�سه‬
‫في مكان معين‪� ،‬أو محاولة �إجباره على �سلوك ال يريد �أن ي�أتيه‪� ،‬أو ك�أعمال التحر�ش المرفقة‬
‫بعبارات التحقير والإهانة التي يقوم بها الم�ستفز �أمام العموم‪ ،‬وهي ال�صور التي تخرج عن‬
‫الدائرة ال�ضيقة التي حدد الم�سرع نطاقها ومجالها في ال�ضرب والعنف الج�سيم‪.‬‬
‫�أن يكون ال�ضرب �أو العنف الج�سيم غير م�شروع‬ ‫◆‬

‫اما�إذا كان م�شروعا ك�أن يكون ال�ضرب �أو العنف تنفيذا للعقوبة المحكوم بها على ال�شخ�ص‬
‫�أو �أن يكون العنف �صادر من رجل ال�سلطة في حدود �سلطته الم�سموح له بها قانونا‪ ،‬ففي هذه‬
‫الحاالت ال يتوفر العذر المخفف �إذا وقعت الجريمة‪.‬‬
‫‪125‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ال�شروط المتطلبة في رد الفعل‪:‬‬ ‫■‬

‫�أن يوجه رد الفعل �ضد المعتدي‬ ‫◆‬

‫لكي يتحقق العذر المخفف للعقوبة في حالة اال�ستفزاز يجب �أن يقع رد الفعل على الم�ستفز‬
‫نف�سه ال غيره حتى ولو كان هذا الأخير تربطه بالمعتدي قرابة �أو �صلة وثيقة ك�أن يكون ابنه �أو‬
‫زوجه �أو �شقيقه‪.‬‬
‫�أن يقع رد الفعل عقب �أعمال اال�ستفزاز مبا�شرة‬ ‫◆‬

‫هذا العن�صر تقت�ضيه طبيعة الإ�ستفزاز التي تفيد �ضرورة توافر العالقة ال�سببية بين‬
‫الإعتداء وبين ردة الفعل وهذه العالقة تتحقق �إذا قام الجاني برد الفعل الفوري �ضد الإعتداء‬
‫�أما �إذا تر�ضى رد الفعل �إلى �أن اختفى االنفعال ف�إن العالقة ال�سببية تنعدم‪.‬‬
‫فالم�شرع خول للجاني الم�ستفز هذا العذر فذلك مراعاة منه للحالة النف�سية والع�صبية‬
‫التي يكون عليها بعد تعر�ضه لالعتداء‪� ،‬أما �إذا مرت فترة من الزمن على ذلك بحيث ا�ستقرت‬
‫حالته بعد ذلك وهد�أت فال يتوافر له هذا العذر وال ي�ستفيد منه‪ ،‬وعموما ف�إن قا�ضي المو�ضوع‬
‫هو الذي ي�ستقل بالتثبت في حق رد الفعل داخل مرحلة الإنفعال �أم �إنتهائها مع �ضرورة �إتيانه‬
‫في حكمه الوقائع التي �إ�ستخل�ص منها هذه النتيجة حتى ال يكون حكمه قا�صر ناق�ص التعليل‪.‬‬
‫�إن هذا العذر المخفف في حالة اال�ستفزاز يعتبر ظرفا �شخ�صيا لكنه يقوم على الإنفعال‬
‫الذي تحدثه �أعمال الإ�ستفزاز في نف�س الجاني وبالتالي ال ي�ستفيد منه �إال من توفر فيه من‬
‫الم�ساهمين �أو ال�شركاء ( ‪ 130‬ق ج )‪.1‬‬
‫ثالثا‪:‬القتل المرتكب نهارا من �أجل دفع ت�سلق �أو ك�سر �سور �أو حائط مدخل منزل �أو‬
‫بيت م�سكون �أو ملحقاتهما‬
‫ومن �أ�سباب خف�ض العقوبة �أي�ضا ما ن�ص عليه الف�صل ‪ 417‬من ق‪.‬ج والذي جاء فيه « يتوفر‬
‫عذر مخف�ض للعقوبة في جرائم القتل �أو الجرح �أو ال�ضرب �إذا �إرتكب نهارا لدفع ت�سلق �أو ك�سر‬
‫�سور �أو حائط مدخل منزل‪� ،‬أو بيت م�سكون �أو �أحد ملحقاتهما‪».‬‬
‫�أما �إذا حدث ذلك ليال فتطبق �أحكام الف�صل ‪ « 125‬المتعلقة ب�أ�سباب الإباحة والتبرير‪.‬‬
‫فمن خالل هذا الف�صل يتبين ب�أنه يتوفر عذر قانوني في جرائم القتل �أو الجرح �أو ال�ضرب‬
‫لدفع الإعتداء الذي يهم �إما ت�سلق �أو ك�سر �سور �أو حائط �أو مدخل منزل �أو بيت م�سكون �أو �أحد‬
‫ملحقاتهما‪ ،‬حيث اعتبر الم�شرع المغربي هذا الظرف عذرا مخففا من العقاب جزئيا على‬
‫القاتل عمدا في هذه الحالة طبقا للفقرة الأولى من الف�صل ‪423‬من ق‪.‬ج بحيث يكون لزوما‬

‫‪1. www.startimes.com.17/11/2017‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪126‬‬

‫على المحكمة ا�ستبدال عقوبة القاتل عمدا من ال�سجن الم�ؤبد �أو الإعدام �إلى عقوبة الحب�س‬
‫التي تتراوح بين �سنة وخم�س �سنوات‪.‬‬
‫ولكي يتوفر هذا العذر‪ ،‬يلزم �أن يكون المقتول قد �أتى تلك الأفعال المن�صو�ص عليها في‬
‫الف�صل ‪ 417‬من ق‪.‬ج �أو بد�أ في ال�شروع في تنفيذها‪ .‬و�أن يكون هذا المنزل �أو البيت م�سكونا‬
‫لتحقيق العذر المخفف المن�صو�ص عليه في الف�صل �أعاله ‪.‬‬
‫رابعا‪:‬القتل الذي يرتكبه �أحد الأزواج �ضد الزوج الآخر �أو �شريكه حالة مفاج�أتهما‬
‫متلب�سين بالزنا‬
‫قرر الم�شرع هذا العذر في الف�صل ‪418‬من ق‪.‬ج الذي جاء فيه‪ « :‬يتوفر عذر مخف�ض للعقوبة‬
‫في جرائم القتل �أو الجرح �أو ال�ضرب‪� ،‬إذا ارتكبها �أحد الزوجين �ضد الزوج الآخر و�شريكه‬
‫عند مفاج�أتهما متلب�سين بجريمة الخيانة الزوجية»‪.‬‬
‫وال�شك �أن الم�شرع المغربي �أخذ بهذا العذر المخفف نظرا للحالة النف�سية التي يتواجد‬
‫فيها �أحد الأزواج وخ�صو�صا الزوج‪ ،‬عند مفاج�أته للطرف الآخر وهو يزني حيث يفقده‬
‫ال�سيطرة والتحكم في �أع�صابه و�سلوكاته‪.‬‬
‫وحتى يتمتع القاتل بعذر التخفيف في هذه الحالة يلزم توافر ثالث �شروط‪:‬‬
‫‪1‬ـ �أن يكون القاتل زوجا للزوج المقتول الم�ضبوط وهو يزني مع �آخر‪ :‬فالم�شرع قرر هذا‬
‫العذر لأحد الزوجين عندما يقتل الزوج الآخر �أو م�شاركه �أو هما معا‪ ،‬والمرتبطين بعالقة‬
‫زواج‪.‬‬
‫‪2‬ـ مفاج�أة الزوج للزوجة وهي متلب�سة بالزنا‪ :‬وهي ال�شبيهة بتلك التي تدخل في الحاالت‬
‫المن�صو�ص عليها في المادة ‪ 56‬من قانون الم�سطرة الجنائية وبالأخ�ص في فقرتها لأولى‬
‫بالن�سبة للجريمة الم�شهودة من طرف �ضابط ال�شرطة الق�ضائية‪ ،‬حيث ي�ضبط �أحد الأزواج‬
‫الزوج الآخر و�شريكه وهما يقترفان الفاح�شة فعال‪� ،‬أو على �إثر اقترافهما لها‪ ،‬مما يتولد عنه‬
‫حالة ا�ستفزاز عنيفة ال ي�ستطيع كبحها‪.‬‬
‫‪3‬ـ �إرتكاب جريمة القتل في الزوج الزاني �أو �شريكه �أو هما معا �أثناء المفاج�أة وهذا ال�شرط‬
‫بديهي لأن الزوج المخدوع في هذه الحالة يكون فاقدا لل�سيطرة على نف�سه ويرتكب الجريمة‬
‫في حق الآخر نتيجة لال�ستفزاز الذي تولد لديه‪� ،‬أما �إذا كان عالما في وقت �سابق ب�سوء �أخالق‬
‫الزوج الآخر وعالقاته الم�شبوهة المخلة بالمروءة والأخالق وكذا قيام هذه العالقة بين الزوج‬
‫الزاني وم�شاركه الذي �ضبط معه متلب�سا بالخيانة الزوجية ف�إنه ال يتمع بالعذر المخف�ض من‬
‫العقاب المن�صو�ص عليه بالمقت�ضى �أعاله‪ ،‬لإنتفاء عن�صر المفاج�أة‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وبناءا على ذلك ف�إن هذا العذر المخفف من العقاب فهو عذر �شخ�صي فال ي�ستفيد منه �إال‬
‫الزوج �أو الزوجة ح�سب الأحوال لأنه يقوم على العالقة الزوجية التي تربط (الزوج والزوجة)‬
‫ومن ثم فالم�ساهمون وال�شركاء ال ي�ستفيدون من هذا العذر‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القتل الخط�أ‬
‫�أ�صبحت جريمة القتل تكت�سي �أهمية ق�صوى في الع�صر الحا�ضر بالنظر �إلى النتائج‬
‫الفادحة والم�ؤلمة التي تنتج عنها‪ ،‬ومعلوم �أن جريمة القتل الخط�أ هي جريمة غير عمدية‬
‫قوامها الخط�أ الجنائي‪.‬‬
‫وقد ن�ص عليها الف�صل ‪ 432‬من ق‪.‬ج بقوله‪ « :‬من �إرتكب بعدم تب�صره �أو عدم احتياطه �أو‬
‫عدم انتباهه �أو �إهماله �أو عدم مراعاة النظم �أو القوانين‪ ،‬قتال غير عمدي �أو ت�سبب فيه من‬
‫غير ق�صد يعاقب بالحب�س من ثالث �أ�شهر �إلى خم�س �سنوات وغرامة من مائتين وخم�سين �إلى‬
‫�ألف درهم»‪.‬‬
‫بناءا على هذا الن�ص يمكن درا�سة �أركان جريمة القتل الخط�أ (المطلب الأول)‪ ،‬بالإ�ضافة‬
‫�إلى عقوبتها و �أعذارها (المطلب الثاني)‪.‬‬
‫المطلب الأول‪� :‬أركان جريمة القتل الخط�أ‬
‫معلوم �أن كل جريمة تتوفر على �أركان خا�صة‪ .‬وجريمة القتل الخط�أ �ش�أنها �ش�أن بقية‬
‫الجرائم‪ ،‬تتوفر على ركن قانوني ومادي و�آخر معنوي‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الركن القانوني‬
‫فبالن�سبة للركن القانوني فقد ن�ص عليه الف�صل ‪ 432‬من ق‪.‬ج بقوله‪ « :‬من �إرتكب بعدم‬
‫تب�صره �أو عدم احتياطه �أو عدم �إنتباهه �أو �إهماله �أو عدم مراعاة النظم �أو القوانين‪ ،‬قتال غير‬
‫عمدي �أو ت�سبب فيه من غير ق�صد يعاقب بالحب�س من ثالث �أ�شهر �إلى خم�س �سنوات وغرامة‬
‫من مائتين وخم�سين �إلى �ألف درهم»‪.‬‬
‫ويظهر من خالل الن�ص المذكور �أن تمة عنا�صر قانونية يجب توافرها كن�شاط من جانب‬
‫الجاني للقول بقيام الخط�أ الموجب للم�س�ألة الجنائية وهي ح�صول نتيجة القتل غير العمدي‬
‫�أو ت�سبب فيه من غير ق�صد بعدم تب�صره �أو عدم احتياطه �أو عدم انتباهه �أو �إهماله �أو عدم‬
‫مراعاة النظم �أو القوانين‪،‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪128‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المادي‬


‫الركن المادي في القتل غير العمد ي�ستلزم مثله مثل القتل العمد �صدور ن�شاط من الجاني‬
‫يكون هو ال�سبب في النتيجة التي هي �إزهاق روح الإن�سان‪ 1،‬بالإ�ضافة �إلى عالقة �سببية بين‬
‫ن�شاط الفاعل والنتيجة الإجرامية‪.‬‬
‫�أوال‪� :‬صدور ن�شاط من الجاني‬
‫هذا الن�شاط هو كل فعل �إرادي �صادر من الجاني ي�ؤدي �إلى وفاة ال�ضحية دون ق�صد �إحداث‬
‫هذه النتيجة (الوفاة)‪ ،‬وتبعا لذلك �إذا تم القتل بفعل القوة القاهرة �أو حادث فجائي ف�إن‬
‫الم�س�ؤولية الجنائية ال تقوم في حق الفاعل‪ ،‬مثال �سقوط غ�صن كبير من �شجرة على �شخ�ص‬
‫�أمام حافة‪ ،‬فيندفع نحو �صديقه الموجود �أمامه في�سقط في تلك الحافة فيموت وينجو الأول‪.‬‬
‫ففي هذه الحالة ال يمكن م�ساءلة ال�شخ�ص على اعتبار �أن الفعل الذي بدر منه لم ي�صدر‬
‫ب�إرادته‪ ،‬و�إنما بفعل �أمر قاهر وهو �سقوط الغ�صن‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النتيجة‬
‫النتيجة الإجرامية التي تكون �أحد عنا�صر الركن المادي في القتل الخط�أ ي�شخ�صه ذلك‬
‫الإعتداء من تغيير في العالم الخارجي ويمثله من �إنتهاك الحقوق الأفراد‪ ،‬فتحقيق هذه‬
‫الجريمة يقت�ضي ح�صول النتيجة الإجرامية المتمثلة في وفاة المجني عليه �أما �إذا لم تتحقق‬
‫الوفاة فال ي�س�أل المتهم عن فعل القتل الخط�أ مهما كانت درجة الخط�أ المرتكب من طرفه‬
‫ومهما كانت درجة الرعونة في �سلوكه و�إنما يعاقب فقط على جريمة الجرح الخط�أ �إذا تحققت‬
‫عنا�صره‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العالقة ال�سببية‬
‫ال تكتمل عالقات الركن المادي في جريمة القتل الخط�أ �إال �إذا توافرت رابطة �سببية بين‬
‫فعل الإعتداء ال�صادر عن الفاعل‪ ،‬والنتيجة المترتبة عنه وهي الوفاة‪ 2،‬فالبد �أن تكون النتيجة‬

‫‪� 11‬إن الف�صل ‪432‬من ق‪.‬ج خا�ص بجرمية القتل اخلط�أ عندما يكون �ضحيتها �إن�سان‪� ،‬أما القتل اخلط�أ عندما يكون �ضحيته‬
‫حيوان فمعاقب عليه بالف�صل ‪ 609‬الفقرة ‪ 36‬من ق‪.‬ج املكونة ملخالفة من الدرجة الثانية (قرار املجل�س الأعلى رقم‬
‫‪ 726‬الغرفة اجلنائية يف ‪ 28‬يناير‪ 1986،‬جملة املعيار التي ت�صدرها نقابة املحامني بفا�س العدد ‪ 7‬و‪� 8‬ص‪ 104 .‬وتتلخ�ص‬
‫وقائع هذا القرار يف متابعة �شخ�ص �صدم حمارا كان تائها يف الطريق بالف�صل ‪ 432‬بدل الف�صل ‪ 609‬فحكمت عليه بثالثة‬
‫�أ�شهر حب�سا وغرامة‪� ،‬إال �أن املجل�س العلى نق�ض احلكم معتربا �أن الواقعة يحكمها الف�صل ‪ 609‬الفقرة ‪36‬والعقاب تبعا‬
‫لذلك فهو الغرامة من ‪�10‬إىل ‪ 120‬درهم ال غري‪.‬‬
‫‪ 22‬جاء يف قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 7725‬يف ‪� 9‬أكتوبر ‪1984‬جملة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد ‪� 37-38،‬ص‪ 263.‬ين�ص‬
‫على ما يلي‪:‬‬
‫" وملا ق�ضت املحكمة ب�إدانة الطاعن من �أجل القتل اخلط�أ بالإهمال بعلة �أن �إهماله يتجلى يف كون ال�ضحية جمرد عامل‬
‫‪129‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الحا�صلة مت�صلة بن�شاط الجاني ات�صال وارتباط ال�سبب بالم�سبب والعلة بالمعلول‪ .‬كثيرا ما‬
‫ي�ستبعد الق�ضاء قيام الم�س�ؤولية الجنائية في حال ما �إذا ثبت �أن العالقة ال�سببية غير قائمة‬
‫يقينا‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي‬
‫ي�شترط لقيام الركن المعنوي في جريمة القتل الخط�أ‪� ،‬إتيان الجاني �سلوكا خاطئا عن‬
‫�إرادة ووعي‪ ،‬لكن دون نية ا�ستهداف تحقيق النتيجة المترتبة عن هذا ال�سلوك‪ .‬وقد عدد‬
‫الف�صل ‪ 432‬من ق‪.‬ج �صور الخط�أ في خم�س �صور‪ ،‬هي على التوالي‪:‬‬
‫عدم التب�صر‪ :‬ويكون في الحاالت التي يبين فيها الفاعل عن �سوء التقدير‪ ،‬وهذا الخط�أ‬ ‫■‬

‫غالبا ما يرتكب في �إطار مهني من طرف بع�ض الأطباء �أو ال�صيادلة مثال‪ ،‬ممن يت�سببون في‬
‫ح�صد �أرواح الغير نتيجة عدم تب�صرهم في �إعطاء الو�صفة المالئمة �أو الدواء الأن�سب للمر�ض‬
‫المنا�سب‪.‬‬
‫عدم االحتياط‪ :‬ويظهر هذا الخط�أ في طي�ش الإن�سان وقلة التحرز من النتائج الم�ضرة‬ ‫■‬

‫والخطيرة التي قد تترتب عن فعل من الأفعال وعدم العمل دون وقوعها‪ ،‬كال�سائق الذي ي�سوق‬
‫دراجة نارية في مكان �آهل بالمارة ب�سرعة كبيرة غير منا�سبة لظروف الزمان والمكان في�صدم‬
‫�أحد المارة ويقتله �أو ي�صيبه ب�أذى‪.1‬‬
‫عدم الإنتباه‪ :‬ويتجلى في ذلك الن�شاط الذي يبا�شره �صاحبه ب�سرعة وخفة‪ ،‬كالذي يقود‬ ‫■‬

‫كلبا �شر�سا فيفلت من يده ويهجم على �أحد المارة في�صيبه بجروح بليغة‪.‬‬
‫الإهمال ‪ :‬ويظهر في الموقف ال�سلبي ل�شخ�ص في مواجهة بع�ض الأو�ضاع التي تفر�ض‬ ‫■‬

‫عليه الحذر‪ ،‬ومثال ذلك ال�شخ�ص المكلف ب�إعطاء الدواء لمري�ض في �ساعات معينة فين�شغل‬
‫في �أمر �آخر‪ ،‬ويترك موعد الدواء يفوت فيموت من جراء ذلك �أو ي�صاب ب�ضرر‪.‬‬
‫عدم مراعاة النظم والقوانين‪ :‬يق�صد بالنظم �أو القوانين كل ما ي�صدر من ت�شريعات‬ ‫■‬

‫�سواء عن ال�سلطة الت�شريعية �أو التنفيذية في الحدود المخولة لها وتمتد لت�شمل تنظيمات‬
‫المعامل كالنظام الذي بموجبه يمنع التدخين في �أماكن �إنتاج الغاز وتعبئته‪ ،‬وهذه ال�صور من‬
‫�صور الخط�أ الغير العمدي يعبر عنها البع�ض بالخط�أ الخا�ص‪.‬‬

‫عادي غري تقني وقد تركه ال�ضنني مي�سح م�صعد الفندق الذي يقع ت�شغيله بالكهرباء فالعمل خطر على مثل هذا العامل‬
‫ال�ضحية وكان على ال�ضنني �أن يتخذ االحتياطات الكافية والالزمة يف مثل هذه احلالة ملنع حدوث ما ميكن حدوثه للعامل‬
‫وهو ما مل يقم به ال�ضنني فيكون �إهماله قائما والعالقة ال�سببية بني اخلط�أ واجلرمية ثابتة اجتاه ال�ضنني من غري �أن تربر‬
‫املحكمة نوع الإهمال الذي كان �سببا يف وقوع اال�صطدام كمخالفة للأنظمة القانونية املخالفة للعمل ب�إهماله لو�ضع الآلة‬
‫يف مكانها �أو غري ذلك‪ ،‬يكون ق�ضا�ؤها ناق�ص التعليل املنزل مبنزلة انعدامه‪.‬‬
‫‪ 11‬لطيفة الداودي‪ ،‬الوجيز يف القانون اجلنائي املغربي‪ ،‬الق�سم العام‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،2007،‬ص‪.98.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪130‬‬

‫و�أخيرا نلفت الإنتباه �إلى وجود �إ�شكالية �أ�سا�سية البد من التطرق �إليها‪ ،‬وهي تحديد ماهية‬
‫المعيار الذي يمكن من خالله �أن نعتبر ب�أن �شخ�صا ما قد �إرتكب جريمة لأنه لم يتب�صر �أو لم‬
‫يحتط �أو �أهمل‪.‬‬
‫في هذا الإطار �أوجد الفقه معيارين‪ :‬معيار �شخ�صي ومعيار مو�ضوعي‪.‬‬
‫فالمعيار ال�شخ�صي يقوم على �أ�سا�س قيا�س ال�سلوك ال�صادر عن الفاعل في ظروف معينة‪،‬‬
‫وفقا لل�سلوك المعتاد‪.‬‬
‫�أما المعيار المو�ضوعي فقوامه قيا�س �سلوك المتهم ب�سلوك ال�شخ�ص المعتاد الذي يتبع في‬
‫ت�صرفاته القدر العادي والم�ألوف من الحيطة والحذر واالنتباه‪ ،‬وفق هذا المعيار يكون الحكم‬
‫على �سلوك المتهم بمطابقته لمثل هذا ال�شخ�ص المعتاد (المجرم) في �سلوكه‪ 1،‬والواقع �أن‬
‫هذا المعيار (المعيار المو�ضوعي) هو الذي يميل �إليه الق�ضاء وي�ؤيد في ذلك الفقه‪ ،‬غير �أنه‬
‫حينما يطبقه فال يطبقه ب�شكل مجرد وم�ستقل‪ ،‬و�إنما يمزج بينه وبين المعيار ال�شخ�صي في‬
‫تقديره للخط�أ‪ ،‬حيث يراعي مختلف الظروف الواقعية (زمان‪ ،‬المكان‪ ،‬و�سائل) التي �أحاطت‬
‫بالجاني‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عقاب جريمة القتل الخط�أ والظروف الم�ؤثرة‬
‫عاقب الم�شرع المغربي على جريمة القتل الخط�أ بالحب�س من ‪�3‬أ�شهر �إلى ‪�5‬سنوات وغرامة‬
‫من ‪� 250‬إلى ‪ 1.000‬درهم (الف�صل ‪432‬ق‪.‬ج)‪ ،‬غير �أن القا�ضي في تطبيقه لهذه العقوبة قد‬
‫يت�شدد في العقاب (الفقرة الأولى) كما قد يراعي ظروف التخفيف (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الظروف الم�شددة‬
‫�شدد الم�شرع المغربي العقاب على القاتل خط�أ في الف�صل ‪ 434‬من ق‪.‬ج حين قال ت�ضاعف‬
‫العقوبات المقررة في الف�صلين ال�سابقين ‪ 432‬و ‪�433‬إذا كان الجاني قد �إرتكب جنحة وهو في‬
‫حالة �سكر �أو كان قد حاول التخل�ص من الم�س�ؤولية الجنائية �أو المدنية التي قد يتعر�ض لها‪،‬‬
‫وذلك بفراره عقب وقوع الحادث �أو تغيير حالة مكان الجريمة �أو ب�أي و�سيلة �أخرى‪.‬‬
‫اعتبر الم�شرع �أن �إقدام الجاني على الفعل وهو في حالة �سكر دليال ظاهري على رعونته‬
‫وعدم تب�صره‪ ،‬و�أنه مادام قد تناول الخمر عالما طائعا مختارا ف�إنه ال يكون محميا �إلى درجة‬
‫ت�سوي بينه وبين من يرتكب نف�س الفعل وهو في حالته الطبيعية‪ ،‬كما �أن العقوبة ت�شدد في‬
‫حالة فرار الجاني بعد �إرتكابه للفعل الم�ؤدي للوفاة وعلة ذلك �أن الجاني في هذه الحالة يكون‬
‫قد �أبان عن عدم احترام ال�ضوابط المجتمعية التي ت�سعى �إلى فر�ض الأمن والأمان‪ ،‬فبقراره‬
‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.280.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫عقب الحادث يكون قد �سعى �إلى التمل�ص من العقاب فيعامل بنقي�ض ق�صده فت�شدد العقوبة‬
‫في حقه‪.‬‬
‫غير �أن ما يجب التنبه �إليه هو �أنه لكي يتحقق عن�صر الفرار عقب الحادث ف�إنه يلزم �أن‬
‫يكون للجاني نية ذلك غير �أنه �إذا كان يهدف فقط �إلى تفادي تعر�ضه للأذى من طرف عائلة‬
‫ال�ضحية كمن يرتكب حادثة �سير فيترك �سيارته في مكان الحادث ويذهب بعيدا �أو يقدم نف�سه‬
‫لأقرب م�صلحة لل�ضابطة الق�ضائية من دون �أن يلقي عليه القب�ض ف�إنه ال يعتبر والحالة هذه‬
‫فارا بعد الحادث‪.‬‬
‫وفي ختام معالجتنا لهذه النقطة ن�شير �إلى �أن الم�شرع �أراد �أن يو�سع الحاالت التي يمكن �أن‬
‫ت�ضاعف فيها العقوبة في جريمة القتل الخط�أ عندما و�سع من طرق التخل�ص من الم�س�ؤولية‬
‫الجنائية �أو المدنية‪ ،‬ذلك �أنه عدد بع�ض الحاالت التي ت�ؤدي �إلى م�ضاعفة العقوبة نتيجة‬
‫محاولة التخل�ص من الم�س�ؤولية الجنائية �أو المدنية التي قد يتعر�ض لها الجاني وذلك بفراره‬
‫عقب وقوع الحادث �أو بتغيير حالة مكان الجريمة‪ ،‬ف�إنه فتح الباب �أمام الق�ضاء لم�ضاعفة‬
‫الق�ضاء في غير ما ذكر من الحاالت «�أو ب�أية و�سيلة �أخرى» مما يفيد �أن الم�شرع حر�ص على‬
‫عدم �إفالت الجاني من العقاب‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الأعذار المخففة لجريمة القتل الخط�أ‬
‫�إذا كان القا�ضي قد منع الجاني من حرية االختيار بين العقوبة ال�سالبة للحرية وبين‬
‫الغرامة المالية في �إطار جريمة القتل الخط�أ ف�إنه مع ذلك يجوز للقا�ضي طبقا للف�صل ‪149‬‬
‫من ق‪.‬ج �أن يخففها �إذا تبين له من منظور و�أحوال النازلة ما ي�سمح له بتمتيع الجاني بظروف‬
‫التخفيف‪.‬‬
‫وهكذا يمكن للقا�ضي �أن ينزل بالعقوبة الحب�سية من ثالثة �أ�شهر �إلى �شهر واحد وبالغرامة‬
‫من ‪�250‬إلى ‪200‬درهم‪.1‬‬
‫خاتمــة‪:‬‬
‫بما �أن القتل العمد والقتل الخط�أ من �أخطر الجرائم التي تهدد الكيان الب�شري ف�إن تدخل‬
‫الم�شرع من �أجل تقنينها كان تدخال �صارما فيما يخ�ص العقوبة التي �أقرنها بهذه الجريمة‪،‬‬
‫و�إن كان قد ت�ساهل في حاالت �أخرى وخفف العقوبة بالن�سبة لهذه الجريمة وذلك عندما تقترف‬
‫بعذر من الأعذار القانونية التي تف�صح �ض�آلة الخطورة الإجرامية الكامنة في نف�سية الجاني‪.‬‬

‫"‪� 11‬أحمد قيل�ش‪ ،‬ال�سعدية جميدي‪� ،‬سعاد حميدي‪ ،‬حممد زنون‪ ،‬عبد الغني حدو�ش‪ « ،‬الوجيز يف �رشح القانون اجلنائي‬
‫اخلا�ص»‪ ،‬الطبعة الثانية‪� ،‬ص‪.135.‬‬
‫‪133‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫❺‬
‫جرائم الإيذاء‬

‫مقدمـــة‪:‬‬
‫�إن حق الإن�سان في �سالمته الج�سدية يعتبر من �أهم الحقوق التي يتمتع بها بعد حقه في‬
‫الحياة وكل �إعتداء عليه فيه م�سا�س مبا�شر ب�إحدى الحقوق الل�صيقة ب�شخ�صية الإن�سان وهو‬
‫حقه في التكامل الج�سدي‪ ،‬وهو بذلك نتيجة طبيعية للمحافظة على حياته‪.‬‬
‫كما يعتبر هذا الحق بالن�سبة للمجتمع حقا �أ�سا�سيا‪ ،‬بل وتكاد الأهمية الإجتماعية لهذا‬
‫الحق تطغى على جوانبه الفردية‪ ،‬حيث �أنها ت�سلب ر�ضاء المجني عليه قيمته ك�سبب عام لإباحة‬
‫الإعتداء عليه‪ ،1‬وقد جرم الم�شرع المغربي �أفعال الإيذاء التي ت�ستهدف الم�س ب�سالمة ج�سم‬
‫ال�ضحية �أو �صحته كال�ضرب والجرح �أو �إعطاء مواد �ضارة بال�صحة �أو غيرها من الو�سائل‬
‫الم�ؤذية‪ ...‬وتنق�سم جرائم الإيذاء �إلى �صنفين‪:‬جرائم الإيذاء التي تتميز بكون الفاعل فيها‬
‫يريد �إلحاق الأذى بال�ضحية دون �أن يق�صد موتها والجرائم التي يلحق فيها الأذى بج�سم‬
‫ال�ضحية �أو �صحتها نتيجة خط�أ المت�سبب فيه‪�،‬أي نتيجة عدم تب�صره �أو عدم احتياطه �أو عدم‬
‫انتباهه �أو عدم مراعاته للنظم والقوانين �أو �إهماله و�سنتولى معالجة هذه الجرائم من خالل‬
‫مبحثين نخ�ص�ص الأول لجرائم الإيذاء العمدية ونفرد الثاني لجرائم الإيذاء غير العمدية‪.‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬جرائم الإيذاء العمدية‬
‫تقوم جرائم الإيذاء العمدية بتوجيه الجاني فعله عن ق�صد �إلى ج�سم �إن�سان‪،‬مما ي�ؤثر على‬
‫�سالمته الج�سدية وال�صحية ‪،‬لكن دون �أن يكون قا�صدا قتله‪.2‬‬
‫ومن تم ف�إن الركن المعنوي فيها واحد ال يختلف من جريمة لأخرى �إذ هو في كل واحدة‬
‫ق�صد الجاني الم�سا�س ب�سالمة ج�سم ال�ضحية �أو �صحتها‪ ،3‬وتلعب النتيجة الإجرامية في هذه‬
‫الطائفة من الجرائم دورا مهما في تحديد الو�صف القانوني للفعل المجرم وعقابه‪ ،‬واللذان‬

‫‪ 11‬راجع يف هذا اخل�صو�ص ‪ :‬د‪ .‬جنيب ح�سني ‪ « :‬احلق يف �سالمة اجل�سم ومدى احلماية التي يكفلها له قانون العقوبات‬
‫‪-‬جملة القانون واالقت�صاد (امل�رصي) عدد ‪ .3:‬ال�سنة ‪� 29‬سبتمرب ‪� ،1959‬ص ‪.529:‬‬
‫‪ 22‬نور الدبن العمراين‪�،‬رشح القانون اجلنائي اخلا�ص دار الأمان للطبع والن�رش والتوزيع ‪.‬الرباط‪�،‬ص‪.235 .‬‬
‫‪ 33‬عبد الواحد العلمي‪� ،‬رشح القانون اجلنائي املغربي الق�سم اخلا�ص مطبعة النجاح الدار البي�ضاء‪� ،‬ص‪.304.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪134‬‬

‫يتنوعان بح�سب ما �إذا كانت النتيجة �إلحاق �أذى خفيف بال�ضحية �أو عجزها م�ؤقتا‪� ،‬أو �إ�صابتها‬
‫بعاهة دائمة �أو الق�ضاء على حياتها‪.‬‬
‫وحتى نعطي فكرة وا�ضحة عن هاته الجرائم‪ ،‬نرى �أن نبحث �أوال في �أركان جريمة الإيذاء‬
‫العمد (المطلب الأول) ثم نتعر�ض بعد ذلك للعقاب المقرر لهذه الجرائم والذي يختلف‬
‫بح�سب النتيجة الحا�صلة (المطلب الثاني)‪.‬‬
‫المطلب الأول ‪� :‬أركان جرائم الإيذاء العمدية‬
‫لقيام جريمة الإيذاء العمدي ال بد من توفر عن�صرين و هما الركن المادي (الفقرة الأولى)‬
‫والركن المعنوي( الفقرة الثانية) ‪.‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬الركن المادي‬
‫يتكون الركن المادي في جرائم الإيذاء العمدية من ثالثة عنا�صر ‪:‬ن�شاط �إجرامي (�أوال)‬
‫ونتيجة �إجرامية (ثانيا) وعالقة ال�سببية بينهما (ثالثا)‪.‬‬
‫�أوال ‪ :‬ن�شاط �إجرامي ‪:‬‬
‫الن�شاط الإجرامي في هذه الجريمة هو الفعل الإرادي الذي يرتكبه الجاني �ضد المجني‬
‫عليه على ج�سده و�صحته‪ ,‬وقد يتمثل هذا الإعتداء في عدة �صور ‪:‬حيث تطرق الم�شرع المغربي‬
‫�إليها وهي ال�ضرب والجرح والعنف والإيذاء و�إعطاء مواد �ضارة بال�صحة والحرمان من‬
‫التغذية �أو العناية بالأطفال الذين يقل عمرهم عن ‪� 15‬سنة‪ ،‬وترك الأطفال �أو العاجزين �أو‬
‫تعري�ضهم للخطر وهذا ما ن�ست�شفه من خالل االطالع على الفقرة الأولى من المادة ‪ 16‬من‬
‫القانون رقم ‪ 42.10‬المتعلق بتنظيم ق�ضاء القرب وتحديد اخت�صا�صاته‪ 1‬والف�صول ‪،402 ،400‬‬
‫‪ 459 ،408 ،403‬من القانون الجنائي‪.2‬‬
‫ويعتبر بع�ض الفقه‪ 3‬ب�أن هذه ال�صور المكونة للعن�صر الأول من الركن المادي لهذه الجرائم‬
‫�أوردها الم�شرع على �سبيل المثال ال الح�صر‪.‬‬
‫بمعنى �أن كل ما ي�ؤدي �إلى الم�سا�س ب�سالمة ج�سم الإن�سان �أو �صحته‪،‬يعد مكونا للن�شاط‬
‫الإجرامي في جرائم الإيذاء العمد ولو من غير ما ذكر الم�شرع‪.‬‬
‫و�صور الإيذاء التي ذكرها الم�شرع هي ‪:‬‬

‫‪ 11‬التي عو�ضت الف�صل ‪ 608*/1‬من القانون اجلنائي‪.‬‬


‫‪ 22‬ظهري �رشيف رقم ‪� 1.59.413‬صادر يف ‪ 28‬جمادى الثانية ‪ 26( 1382‬نونرب ‪ )1968‬بامل�صادقة على جمموعة القانون‬
‫اجلنائي‪.‬‬
‫‪ 33‬حممد فا�ضل �رشح قانون العقوبات ‪-‬الق�سم اخلا�ص �ص‪.406.‬‬
‫‪135‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫‪ - 1‬ال�ضرب‪ :‬ويعرفه الفقه‪ 1‬ب�أنه «كل ت�أثير را�ض �أو كادم يقع على ج�سم الإن�سان بال�ضغط‬
‫�أو ال�صدم» كما يعرفه البع�ض الآخر‪ 2‬بكونه «كل �ضغط �أو ر�ض �أو دفع �أو احتكاك بج�سم‬
‫المجني عليه �سواء ترك به �أثرا �أم لم يترك» والغالب �أن يترك ال�ضرب �أثرا خارجيا على‬
‫ج�سم ال�ضحية كاحمرار في الجلد �أو انتفاخ �أو تورم �أو تغيير في لونه �إلى الزرقة‪ ،‬وهذا �إذا كان‬
‫ي�ساعد على �إثبات الواقعة الإجرامية ف�إن عدم وجود �أي �أثر على الجلد مثال ي�ؤدي مع ذلك �إلى‬
‫معاقبة مقترف ال�ضرب على اعتبار �أن هذا الأخير ال ي�شترط للمعاقبة عليه �أن يترك �أثرا ما‬
‫على الج�سم‪.‬‬
‫وهذا ويعتبر الفقه ‪� 3‬أن ال�ضرب ي�شمل اللطم باليد �أو بالرجل �أو ب�أية و�سيلة �أخرى كالع�صا‬
‫�أو الحزام �أو �سلك من الأ�سالك الحديدية �أو البال�ستيكية‪ ،‬وكذا ال�ضغط على عنق ال�ضحية �أو‬
‫فرك �أذنها ب�شدة �أو �إ�سقاطها �أر�ضا �أو ثني ذراعها‪.‬‬
‫‪ - 2‬الجرح ‪ :‬وهو الن�شاط الذي ي�أتيه الفاعل ويترك �أثرا في ج�سم ال�ضحية �إما �أن تراه‬
‫العين‪ ،‬كت�سلخ الجلد �أو حرقه �أو قطع ب�سكين لأحد الأوعية الدموية ال�سطحية‪� ،‬أو ال تراه لكونه‬
‫باطنيا‪ ،‬كك�سر في �أحد العظام �أو نزيف دموي داخلي‪ 4‬ال يت�أتى ك�شفه �إال بعد �إجراء ت�صوير‬
‫بالأ�شعة ال�سينية �أو الجراحة‪.‬‬
‫وغني عن البيان �أن الجرح يعاقب عليه �سواء كان ظاهرا �أو غير ظاهر وبغ�ض النظر عن‬
‫الو�سيلة‪� ،‬إذ �أن هذا النوع من الإيذاء يتم بطرق وو�سائل عديدة ال ح�صر لها كغرز الم�سامير‬
‫في ج�سم المجني عليه �أو قطع بع�ض �أع�ضائه ب�آلة حادة �أو �إطالق عيار ناري عليه �أو ت�سليط‬
‫�أ�شعة الليزر على ع�ضو بغر�ض �إهالكه �أو ت�سليط حيوان مفتر�س (كلب مثال) لع�ض ال�ضحية‬
‫وينفذ ذلك بالفعل‪. 5‬‬
‫‪ - 3‬العنف ‪ :‬يرى بع�ض الفقه‪� 6‬أنه ال داعي لإيراد هذه ال�صورة �إلى جانب الإيذاء الذي‬
‫ي�شمل �أي�ضا العنف‪.‬وينطبق مفهوم العنف في القانون المغربي على الحالة التي يقع فيها‬
‫الم�سا�س بال�ضحية عن طريق القوة دون ال�ضرب �أو الجرح‪ ،7‬كنتف ال�شعر �أو الأظافر �أو تقييد‬

‫‪ 11‬حممد الفا�ضل �رشح قانون العقوبات الق�سم اخلا�ص �ص ‪406‬‬


‫‪ 22‬ر�ؤوف عبيد جرائم الإعتداء على الأ�شخا�ص �ص‪.84.‬‬
‫‪ 33‬حومد عبد الوهاب املرج ال�سابق �ص‪.155 .‬‬
‫‪ 44‬نف�س املرجع‪.‬‬
‫‪ 55‬عبد الواحد العلمي م‪�.‬س‪� .‬ص‪3.6.‬‬
‫‪ 66‬حومد عبد الوهاب م‪� .‬س ‪�،‬ص‪.156 .‬‬
‫‪ 77‬اخلملي�شي م �س ‪�،‬ص‪.104 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪136‬‬

‫بحبل وما �شابهه �أو منعه من ال�سير في اتجاه معين ق�سرا وبدون حق وقد اعتبر الق�ضاء �أن رمي‬
‫�شخ�ص من القارب الذي يمتطيه �إلى الماء بمثابة عنف‪.‬‬
‫كما اعتبرت محكمة النق�ض الفرن�سية �أن توجيه فوهة بندقية مح�شوة �إلى امر�أة ق�صد‬
‫تخويفها و�إدخال الرعب في قلبها بمثابة عنف يحق عقابه نظرا لما يحدثه هذا الفعل من‬
‫‪1‬‬
‫خوف وذعر لهذه المر�أة‪.‬‬
‫‪ - 4‬الإيذاء ‪ :‬وهو لفظ من العموم وال�شمول ‪،‬بحيث يحيط بال�صور ال�سابقة وغيرها من‬
‫�أفعال الإعتداء التي تم�س �سالمة الج�سد‪.‬فكل ما ي�ؤذي ال�شخ�ص في ج�سمه �سواء بال�ضرب‬
‫�أو الجرح �أو العنف �أو بغير ذلك من الو�سائل يدخل في مفهوم الإيذاء‪،‬كالتهديد بال�سالح �أو‬
‫بتعري�ض ال�ضحية لخطر حقيقي �أو تفجير قنبلة قربه ق�صد �إحداث الرعب لديه‪،‬بل وذهب‬
‫بع�ض الفقه‪� 2‬إلى �أن القول المجرد قد ينطوي تحت هذه ال�صورة في بع�ض الأمثلة‪ :‬كمن يلقي‬
‫�إلى �شخ�ص مرهق الأع�صاب بخبر مزعج ي�ؤدي �إلى مر�ضه‪.‬‬
‫هذا وتجدر الإ�شارة في الأخير �إلى �أن الم�شرع المغربي �إذا كان قد �أورد �صورا للإيذاء‬
‫ب�إعطاء مواد �ضارة بال�صحة ( ف‪ 413‬ف‪.‬ج) �أو الحرمان من التغذية �أو العناية بالأطفال‬
‫( ف‪ 408‬ف‪-‬ج) �أو ترك الأطفال �أو العاجزين �أو تعري�ضهم للخطر (ف ‪ 459‬ف‪-‬ج) فذلك‬
‫بهدف اعتبار �إلحاق الأذى بال�ضحية ب�إحدى الو�سائل الثالث ال�سابقة‪ ،‬ظرفا م�شددا في تلك‬
‫الجرائم التي �أفرد لها ن�صو�صا لتحكمها م�ستقلة عن تلك التي تحكم باقي جرائم الإيذاء‬
‫العمدية الأخرى‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬نتيجة �إجرامية‬
‫تتمثل النتيجة الإجرامية في نطاق جرائم الإيذاء بالأذى الذي يلحق بج�سم المجني عليه‬
‫مهما كانت �صورته‪ ،‬وتحدد هذه النتيجة مدى الم�س�ؤولية الجنائية ودرجة ج�سامتها‪.‬‬
‫وجرائم الإيذاء العمدية منها ما يقوم بغ�ض النظر عن تحقيق نتيجة ذات �أهمية ‪،‬وهي‬
‫المن�صو�ص عليها في المادة ‪ 1/16‬من القانون المتعلق بق�ضاء القرب وتحديد اخت�صا�صاته‬
‫التي �ألغت �ضمنيا الف�صل ‪ 1/608‬ق‪.‬ج والتي هي الإيذاء �أو العنف الخفيف‪.‬‬
‫وفي الف�صل ‪ 400‬ق‪.‬ج وهي ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو الإيذاء الذي ال ينتج عنه مر�ض �أو‬
‫عجز عن الأ�شغال ال�شخ�صية �أو ينتج عنه مر�ض �أو عجز ال تتجاوز مدته ‪ 20‬يوما وتدخل �ضمن‬
‫هذه الزمرة الجريمة المعاقب عليها في الفقرة الأولى من الف�صل ‪ 459‬ق‪ .‬ج‪.‬‬

‫‪1. Cass. Pénal 28-10-1965 revue des sciences pénales 1966 p. 339.‬‬
‫‪ 22‬املر�صفاوي ‪:‬مرجع �سابق �ص‪225.‬‬
‫‪137‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ومنها ما تتغير عقوبته وكذا و�صفها الجنائي تبعا لج�سامة النتيجة التي وقعت بفعل‬
‫الجاني فكلما �إزدادت ج�سامتها كلما �إزدادت تبعا لذلك درجة الم�س�ؤولية‪ ،‬وهذه الجرائم هي‬
‫المن�صو�ص عليها في ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الف�صل ‪ 401‬ق‪.‬ج وهي ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو الإيذاء الذي يخلف عجزا تتجاوز‬
‫مدته ‪ 20‬يوما‪.‬‬
‫‪ - 2‬الف�صل ‪ 402‬ق‪.‬ج وهي ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو الإيذاء الناتج عنه فقد ع�ضو �أو‬
‫بتره �أو الحرمان من منفعته �أو عمى �أو عور �أو �أية عاهة �أخرى‪.‬‬
‫‪ - 3‬الف�صل ‪ 403‬ق‪ .‬ج وهي ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو الإيذاء الناتج عنه موت دون �أن‬
‫يق�صده الجاني‪.‬‬
‫و�سنتولى تف�صيل ذلك عند تعر�ضنا للعقوبات المقرر بالن�سبة لهذه الجرائم‪ ،‬لكن تبقى‬
‫الإ�شارة �إلى �أنه ما لم يتحقق العجز �أو العاهة الم�ستديمة �أو الموت غير المق�صود‪ ،‬فال يمكن‬
‫�أبدا معاقبة الفاعل طبقا للف�صول الثالث الأخيرة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬العالقة ال�سببية بين الن�شاط الإجرامي والنتيجة‬
‫لكي يكتمل الركن المادي في جرائم الإيذاء العمدية المعاقب عليها خ�صو�صا بالف�صول‬
‫‪ 401،402،403‬ق ‪.‬ج‪ ،‬يلزم توافر عالقة �سببية بين الن�شاط الم�ؤدي الذي �أتاه الفاعل والنتيجة‬
‫التي هي �إما العجز لمدة تفوق ‪ 20‬يوما �أو العاهة الم�ستديمة �أو وفاة ال�ضحية و�إال لما �أمكن‬
‫العقاب طبقا للف�صول ال�سابقة‪.‬‬
‫وقد �إعتبرت محكمة النق�ض‪� 1‬أنه يتعين على ق�ضاة الزجر �أن يبحثوا عن عالقة ال�سببية‬
‫بين الإعتداء الذي قام به المتهم‪ ،‬وال�ضرر الحا�صل لل�ضحية من جرائه‪ ،‬و�أن يبرزوا هذه‬
‫العالقة بعد الت�أكد من وجودها �إبرازا كافيا ‪،‬لتبرير ما يق�ضي به القرار‪ ،‬ولم�ساعدة المجل�س‬
‫الأعلى على �أن يكون على بينة من م�شروعية الو�صف القانوني الذي و�صفت به الأفعال ومن‬
‫�سالمة تطبيق العقوبة المتخذة‪.‬‬
‫كما اعتبرت �أنه يجب �أن تبرر العالقة ال�سببية بين الفعل المادي والنتيجة التي هي الوفاة‪.‬‬
‫و من تم ف�إن معرفة �سببها في حالة ال�شك هي من الأمور التقنية التي يعود لذوي الإخت�صا�ص‬
‫‪2‬‬
‫�أمر البت فيها‪.‬‬

‫‪ 11‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 80/12/18‬حتت عدد ‪ 1546‬يف امللف اجلنائي عدد ‪ 8073‬من�شور مبجلة املحاكم‬
‫املغربية عدد ‪� 28‬ص‪ 62.‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 22‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 04/2/11‬حتت عدد ‪ 9/241‬يف امللف عدد ‪ 03/2590‬من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س‬
‫الأعلى عدد ‪� 61‬ص‪ 346.‬وما يليها‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪138‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬الركن المعنوي‬


‫يتحقق الركن المعنوي في جرائم الإيذاء العمدية �إذا ان�صرفت �إرادة الفاعل �إلى �إرتكاب‬
‫الجريمة على نحو ما عرفها القانون به‪ ،1‬ومعنى هذا �أن يكون الجاني قد وجه ن�شاطه الم�ؤذي‬
‫بق�صد الم�سا�س بج�سم ال�ضحية �أو �صحتها وب�أن يعلم �أن فعله ين�صب على ج�سد �إن�سان حي و�أن‬
‫من �ش�أنه �إلحاق الأذى بالج�سم �أو الم�سا�س به‪. 2‬‬
‫ويترتب على ذلك �أن هذه الجريمة ت�ستلزم الق�صد العام دون الق�صد الخا�ص‪ ،‬كما �أن‬
‫الدوافع التي دفعت الفاعل �إلى �إتيان فعل الإيذاء على �شخ�ص ما ال عبرة بها �سواء كان الدافع‬
‫لذلك هو االنتقام من ال�ضحية �أو ت�أديبها �أو كان الهدف نبيال ‪،‬كعالج ال�ضحية مثال �إذ �أن هذه‬
‫الأ�شياء تدخل في نطاق الباعث الرتكاب الجريمة وهو �أمر لي�س مو�ضع اعتبار الم�شرع‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عقاب جرائم الإيذاء العمدية‬
‫اعتد الم�شرع المغربي عند تجريمه لأفعال الإيذاء بالنتيجة المترتبة عن الن�شاط الم�ؤدي‬
‫ال�صادر عن الفاعل و�أهميته حيث تتغير العقوبة �أو الو�صف القانوني في نطاق هذه الجرائم‬
‫تبعا للنتائج ال�ضارة التي تلحق ال�ضحية‪.‬‬
‫وهكذا اعتبر الم�شرع بع�ض هذه الجرائم مكونة لجناية من الجنايات وعاقب عليها بهذه‬
‫ال�صفة والبع�ض الآخر مكونا لجنحة من الجنح‪ ،‬في حين اعتبر بع�ضها م�شكال لمخالفة فقط‪.‬‬
‫على �أن هناك ظروفا تالب�س �إرتكاب بع�ض هذه الجرائم‪ ،‬وتدعو �إلى ت�شديد العقاب �أو‬
‫تخفيفه �أخذها الم�شرع بعين االعتبار‪ ،‬والمالحظ �أن الظروف الم�شددة تتعلق بكل جريمة على‬
‫حدة في حين تنطبق �أ�سباب التخفيف على كل هذه الجرائم بدون تمييز‪.‬‬
‫لذا ف�إننا نرى �أن نبحث عقاب كل جريمة على حدة مع ظروف الت�شديد المرتبطة بها في‬
‫فقرات ثالث‪ ،‬على �أن نخ�ص�ص فقرة رابعة لتناول �أ�سباب التخفيف العامة‪.‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬عقاب جرائم الإيذاء المكونة لجناية‬
‫�سنتناول في هذا العدد جنايتي الإيذاء العمد المف�ضي للموت والإيذاء العمد المف�ضي �إلى‬
‫عاهة دائمة‪.‬‬
‫�أوال ‪ :‬الإيذاء العمد المف�ضي للموت‬
‫ين�ص الف�صل ‪ 403‬ف‪ .‬ج على �أنه �إذا كان الجرح �أو ال�ضرب �أو غيرهما من و�سائل الإيذاء‬
‫�أو العنف قد ارتكبت عمدا ولكن دون نية القتل ومع ذلك ترتب عنه الموت‪ ،‬ف�إن العقوبة تكون‬
‫‪ 11‬حومد عبد الوهاب‪.‬‬
‫‪ 22‬علي حممد اجلعفري مرجع �سابق ‪�..‬ص‪ 139 .‬ح�سن م�صطفى مرجع �سابق �ص‪.46.‬‬
‫‪139‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ال�سجن من ‪� 10‬إلى ‪� 20‬سنة وفي حالة �سبق الإ�صرار �أو التر�صد �أو ا�ستعمال ال�سالح‪ ،‬تكون‬
‫العقوبة ال�سجن الم�ؤبد‪� ،‬أما �إذا كان الجرح �أو ال�ضرب قد �إرتكب �ضد �أحد �أ�صول الجاني‪،‬‬
‫ف�إن العقوبة بمقت�ضى الفقرة ‪ 3‬من الف�صل ‪ 404‬تكون كما يلي «في الحالة المن�صو�ص عليها‬
‫في الفقرة ‪ 1‬ف ‪ 403‬ال�سجن من ‪� 20‬إلى ‪� 30‬سنة‪�،‬أما في الحالة المن�صو�ص عليها في الفقرة ‪2‬‬
‫فهي ال�سجن الم�ؤبد‪.‬‬
‫وتتميز هذه الجريمة عن غيرها من جرائم الإيذاء بج�سامة النتيجة الإجرامية التي‬
‫حدثت‪ ،‬وهي حدوث الوفاة وتتكون من ركنين مادي ومعنوي‪ :‬فالركن المادي يتحقق بالقيام‬
‫بالن�شاط الم�ؤذي كال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو غيرها من و�سائل �إيذاء ال�سالمة الج�سدية �أو‬
‫ال�صحية لل�ضحية يترتب عنه موته‪ .‬وي�ستوي �أن تح�صل الوفاة مبا�شرة و�أن يكون حدوثها قد‬
‫ت�أخر بعد وقوع فعل الإيذاء ما دامت رابطة ال�سببية قد توافرت بين االيذاء والموت‪.‬‬
‫�أما الركن المعنوي �أو الق�صد الجنائي في هذه الجريمة‪ ،‬فيتمثل في اتجاه �إرادة الجاني‬
‫�إلى �إيذاء �إن�سان في ج�سمه �أو �صحته مع العلم بحقيقة ما يقدم عليه لكن دون ق�صد �إحداث‬
‫النتيجة �أي الموت‪.‬‬
‫وقد ذهب بع�ض الفقه �إلى �أن الجريمة تقف بين جريمة القتل العمد وجريمة القتل الخط�أ‬
‫فهي في الفعل‪ ،‬خط�أ في النتيجة ولذا فقد �أدخلوها �ضمن الجرائم التي يطلق عليها الجرائم‬
‫المتعدية الق�صد‪.1‬‬
‫وقد اعتبرت محكمة النق�ض �أن العمد يعد عن�صرا �أ�سا�سيا في جريمة ال�ضرب والجرح‬
‫المف�ضي �إلى الموت المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 403‬من القانون الجنائي ويتعر�ض للنق�ض‬
‫قرار المحكمة التي ق�ضت بالإدانة دون �إبرازه‪.2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الإيذاء العمد المف�ضي �إلى عاهة دائمة‬
‫ن�ص الم�شرع الجنائي المغربي على هذه الجريمة في الف�صل ‪ 402‬ق‪ .‬ج بقوله ‪� « :‬إذا كان‬
‫الجرح �أو ال�ضرب �أو غيرهما من و�سائل العنف �أو الإيذاء قد نتج عنه فقد ع�ضو �أو بتره �أو‬
‫الحرمان من منفعته �أو عمى �أو عور �أو �أية عاهة دائمة �أخرى‪ ،‬ف�إن العقوبة تكون ال�سجن من‬
‫خم�س �إلى ع�شر �سنوات‪.‬‬
‫وفي حالة توافر �سبق الإ�صرار �أو التر�صد �أو ا�ستعمال ال�سالح‪ ،‬تكون العقوبة ال�سجن من‬
‫ع�شر �إلى ع�شرين �سنة وجريمة الإيذاء هنا ال تختلف عن �سابقتها من حيث �أركانها فكالهما‬
‫‪� 11‬أبو املعا�صي �أبو الفتوح مرجع �سابق �ص‪.143.‬‬
‫‪ 22‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 84/4/12‬حتت عدد ‪ 3463‬من�شور مبجموعة قرارات املجل�س الأعلى املادة‬
‫اجلنائية ‪� 95 -81‬ص‪ 25.‬وما يليها ‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪140‬‬

‫جريمة نتيجة يتكون الركن المادي فيها من ن�شاط الجاني ونتيجة �إجرامية وعالقة �سببية‬
‫بينهما وكل منهما جريمة عمدية يتطلب قيامها توافر الق�صد الجنائي‪.‬‬
‫و�إذا كانت جريمة الإيذاء في هاته الحالة ت�شكل جناية فذلك راجع بالأ�سا�س �إلى الإيذاء‬
‫الذي �أ�صاب المجني عليه والمتمثل في العاهة الدائمة‪.‬‬
‫فما المق�صود بالعاهة الدائمة؟‬
‫العاهة الدائمة ‪ :‬لم يعرف الم�شرع المغربي العاهة الدائمة واكتفى ب�إعطاء �أمثلة عنها‬
‫حيث ذكر فقد ع�ضو �أو بتره �أو الحرمان من منفعته �أو عمى �أو عور �أو �أية عاهة دائمة �أخرى‪.‬‬
‫وقد عرفت محكمة النق�ض الم�صرية العاهة الدائمة بكونها تتحقق بفقد �أحد الأع�ضاء‬
‫�أو �أحد �أجزائه وبكل ما من �ش�أنه نق�ص قوة �أحد الأع�ضاء �أو �أحد الأجزاء �أو تقليل مقاومته‬
‫الطبيعية‪.1‬‬
‫فالعاهة الدائمة تتحقق �إذن بفقد منفعته �سواء كان الع�ضو خارجيا كالأ�صابع والأذنين‪...‬‬
‫�أو كان داخليا كالطحال �أو الكليتين وغيرهما‪.‬‬
‫كما �أن فقد جزء من ع�ضو (لو بن�سبة �ضئيلة) �إذا كان ب�صورة دائمة فهو عاهة دائمة على‬
‫اعتبار �أنه فقد جزئي للوظيفة التي خلق الع�ضو لأجلها كفقد جزء من �أ�صبع �أو �أذن �أو م�صران‪،‬‬
‫كان الفقد بفعل الجاني مبا�شرة �أو نتيجة بتره من طرف الطبيب المعالج تفاديا لم�ضاعفات‬
‫�أخرى كالت�سمم �أو انتقال العدوى‪ . 2‬وقد اعتبرت محكمة النق�ض في �أحد قراراتها �أن العاهة‬
‫الم�ستديمة تتحقق بمجرد فقد ال�ضحية لمنفعة �أحد �أع�ضائه ولو جزئيا‪.3‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد �سوت المادة ‪ 402‬ق‪ .‬ج بين الفقد المادي للع�ضو وبين الحرمان من منفعته كفقد‬
‫العين للإب�صار والأذن لحا�سة ال�سمع وفقد الع�ضو لحركته العادية ب�سبب �شلل جزئي‪.‬‬
‫�سواء كان الفقد للمنفعة كليا �أو جزئيا كنق�ص حا�سة ال�سمع بالن�سبة للأذن‪.‬‬
‫بيد �أن الق�ضاء اختلف ب�شان قوة الإب�صار ‪،‬هل يعد فقد العين لجزء من قوة الإب�صار عاهة‬
‫دائمة �أم ال ؟ وفي هذا ال�صدد يميل الق�ضاء الفرن�سي �إلى عدم اعتبار ذلك عاهة دائمة ‪4‬بينما‬
‫يذهب الق�ضاء الم�صري عك�س ذلك معتبرا كل نق�ص في قوة الإب�صار عاهة م�ستديمة‪.5‬‬

‫‪ 11‬حكم �صادر بتاريخ ‪ 1938/5/23‬جمموعة القواعد القانونية (ج‪ )2‬ال�سنة ‪� 8‬ص‪.814 .‬‬
‫‪ 22‬اخلملي�شي مرجع �سابق �ص‪ 121.‬العلمي عبد الواحد مرجع �سابق �ص‪.230.‬‬
‫‪ 33‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 10/10/27‬حتت عدد ‪ 10/1167‬يف امللف عدد ‪ 09/13581‬مبجلة املعيار عدد‬
‫‪� 46‬ص‪ 269.‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 44‬نق�ض فرن�سي ‪ 1946/03/29‬د الوز الأ�سبوعي ‪. 1946‬‬
‫‪ 55‬انظر يف هذا ال�صدد ر�ؤوف‪ ،‬عبيد جرائم الإعتداء على الأ�شخا�ص والأموال‪ ،‬ط‪ 1985 :‬دار الفكر العربي(القاهرة)‬
‫�ص‪ -130 :.‬ح�سني م�صطفى مرجع �سابق ‪�،‬ص ‪.76:‬‬
‫‪141‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ويبدو �إتجاه الق�ضاء الم�صري �سليما في نظرنا وله ما يبرره في الواقع‪ ،‬فالمادة (‪)402‬‬
‫ق‪.‬ج‪ ،‬و�إن ذكرت من بين الأمثلة التي �أوردتها للعاهة الدائمة‪ :‬العمى والعور فذلك على �سبيل‬
‫المثال ال الح�صر وهي �إن كانت تعاقب على فقد منفعة الع�ضو‪ .‬ف�إنها ال تعاقب ‪ -‬كما هو‬
‫ظاهر من الن�ص‪ -‬على فقد المنفعة التامة فقط بل حتى فقد المنفعة الجزئية‪ .‬وال�ضعف في‬
‫الإب�صار فقد لمنفعة �أحد �أع�ضاء الر�ؤية التي هي العين ولو ب�صورة جزئية‪.1‬‬
‫هذا وقد ت�ساءل بع�ض الفقه ما �إن كان الت�شويه في الخلقة يعتبر عاهة دائمة �أم ال كحروق‬
‫ت�صيب الوجه مثال وال يت�أتى اختفا�ؤها على مدى الحياة؟‪.‬‬
‫وتتفق �أغلبية الآراء في هذا الخ�صو�ص على �أن الت�شويه البين و الذي ي�صيب مناطق بارزة‬
‫وح�سا�سة في الج�سم كالوجه مثال يعتبر عاهة دائمة خ�صو�صا لدى الن�ساء‪.2‬‬
‫فالعاهة لي�س هي ما يم�س حوا�س الإن�سان الخم�سة فح�سب‪ ،‬بل �إنها كل نق�ص في منفعة‬
‫ع�ضو من الأع�ضاء داخليا كان �أم خارجيا والت�شويه البين يفقد الوجه منفعته الأولى في �إعطاء‬
‫الإن�سان �شكال يعرف به‪ ،‬ومالمح معينة تعرف عنه وقد يكون الت�شويه وموقعه و�سن المجني‬
‫عليه وعلمه وجن�سه ذكرا كان �أم �أنثى‪.‬‬
‫هذا ويتعين على محكمة المو�ضوع �أن ت�ؤ�س�س حكمها على �أدلة م�ست�ساغة ومنطقية‪ ،‬وذلك‬
‫بذكر الواقعة �أو الوقائع المكونة للعاهة الدائمة حتى يت�أتى للمجل�س الأعلى مراقبتها في‬
‫مدى �سالمة و�صفها للوقائع الثابتة لديها من الناحية القانونية وهذا ما ن�ستخل�صه من قرار‬
‫للمجل�س الأعلى �صادر بتاريخ ‪ 1982/7/15 :‬ومما جاء فيه ‪� « :‬إذا كان القرار المطعون فيه‬
‫والقا�ضي بالإدانة من �أجل جناية �إحداث عاهة م�ستديمة قد اقت�صر بخ�صو�ص نوع الجريمة‬
‫على القول‪ :‬وحيث �أن الأفعال التي قام بها المتهمان تكيف بجريمة ال�ضرب والجرح الم�ؤديين‬
‫�إلى عاهة م�ستديمة عمال بمقت�ضيات الف�صل ‪ 402‬من مجموعة القانون الجنائي دون �أن ي�شير‬
‫في تعليالته �إلى ما من �ش�أنه �أن يفيد تحديد نوع العاهة الم�ستديمة التي �أ�صيب بها ال�ضحية‪،‬‬
‫ف�إنه يعتبر ناق�ص التعليل الموازي النعدامه ويتعر�ض للنق�ض والإبطال»‪.3‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬عقاب جرائم الإيذاء المكونة لجنحة من الجنح‬
‫�سنعر�ض في هذا الإطار للجنحتين التاليتين من جنح الإيذاء‪:‬‬
‫�أوال ‪ :‬الإيذاء العمد الذي ال يخلف مر�ضا �أو عجزا عن الأ�شغال ال�شخ�صية �أو يخلف مر�ضا‬
‫�أو عجزا ال يتجاوز مدته ع�شرين يوما‪:‬‬
‫‪ 11‬يف نف�س املعنى اخلملي�شي مرجع �سابق‪� ،‬ص‪- 121 .‬ر�ؤوف عبيد مرجع �سابق‪�،‬ص‪.130-129 .‬‬
‫‪� 22‬أبو الفتوح ‪ :‬مرجع �سابق‪�،‬ص‪ 231 .‬ر�ؤوف عبيد مرجع �سابق �ص‪.132.‬‬
‫‪ 33‬قرار عدد ‪ 1160‬جملة املحاكم املغربية عدد ‪�،35‬ص ‪.93‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪142‬‬

‫عاقب الم�شرع المغربي على هذه الجنحة في الف�صل ‪ 400‬ق‪.‬ج والتي تن�ص على �أن ‪« :‬من‬
‫�إرتكب عمدا �ضد غيره جرحا �أو �ضربا �أو �أي نوع من العنف �أو الإيذاء �سواء لم ينتج عنه مر�ض‬
‫�أو عجز عن الأ�شغال ال�شخ�صية �أو نتج عنه مر�ض �أو عجز ال يتجاوز مدته (‪ )20‬يوما يعاقب‬
‫بالحب�س من �شهر واحد �إلى �سنة وغرامة من ‪� 200‬إلى ‪ 500‬درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين‬
‫فقط‪.‬‬
‫وفي حالة توفر �سبق الإ�صرار �أو التر�صد �أو ا�ستعمال ال�سالح تكون العقوبة من �ستة �أ�شهر‬‫✺‬

‫�إلى �سنتين والغرامة من ‪� 200‬إلى ‪ 900‬درهم‪.‬‬


‫والمالحظ من هذا الن�ص �أن الم�شرع لم يربط العقوبة المقررة بالن�سبة لهذه الجريمة‬
‫بنتيجة معينة فكل ما يطلب لقيامها هو توافر الركنين المادي والمعنوي‪.‬‬
‫الركن المادي يتمثل في ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف �أو غيرها من و�سائل الإيذاء التي‬ ‫✺‬

‫تم�س ب�سالمة الج�سم‪.‬‬


‫والركن المعنوي وهو قيام الجاني بذلك عن ق�صد وهو عالم ب�أنه يوجه ن�شاطه �إلى �إيذاء‬ ‫✺‬

‫ج�سم �إن�سان �أو �صحته‪.‬‬


‫ف�إذا توفر هذان الركنان قامت الجريمة بغ�ض النظر عما �إذا كان قد تخلف عن الإيذاء‬
‫مر�ض �أو عجز عن العمل ال�شخ�صي �أم ال‪.‬‬
‫ووا�ضح انه بالن�سبة للحالة التي ينتج عن الإيذاء مر�ض �أو عجز عن الأعمال ال�شخ�صية‬
‫ف�إن الجنحة تكون �أقرب �إلى مخالفة الإيذاء الخفيف بحيث يبدو من ال�صعوبة بمكان في العمل‬
‫الف�صل فيما �إذا كان الإيذاء خفيفا فتطبق على الفاعل العقوبة المالية المقررة في المادة ‪16‬‬
‫من ظهير ق�ضاء القرب‪� ،‬أم �أن الإيذاء غير خفيف فتطبق العقوبة المقررة في المادة ‪ 400‬ق‪.‬ج‬
‫ومثل هذه ال�صعوبة ال تقوم �إذا خلف الإيذاء مر�ضا �أو عجزا عن العمل ال�شخ�صي �أيا كانت‬
‫مدته‪ .‬ولعل هذا ما يف�سر لنا مدى المرونة التي اعتمدها الم�شرع في تقدير العقوبة بالن�سبة‬
‫لهاته الجريمة حيث جعل حدها الأق�صى �سنة حب�سا و‪ 500‬درهم غرامة �أما حدها الأدنى فهو‬
‫‪ 200‬درهم غرامة ما دام الن�ص قد خول للقا�ضي حق االكتفاء ب�إحدى العقوبتين‪.‬‬
‫ويبقى من �صميم عمل القا�ضي �أن يراعي عند تقدير العقوبة مدى ج�سامة �أعمال الإيذاء‬
‫ونتائجها وخطورتها وكذا الظروف والمالب�سات التي تت�صل بالجريمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الإيذاء العمد الذي يخلف عجزا لل�ضحية تتجاوز مدته ع�شرين يوما‪:‬‬
‫هذه الجنحة من�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 401‬ق‪.‬ج والتي تن�ص على �أنه ‪� « :‬إذا كان الجرح‬
‫�أو ال�ضرب �أو غيرهما من �أنواع العنف �أو الإيذاء قد نتج عنه عجز تتجاوز مدته ‪ 20‬يوما ف�إن‬
‫العقوبة تكون من �سنة �إلى ثالث �سنوات وغرامة من ‪� 200‬إلى ‪ 1000‬درهم‪ .»..‬والمالحظ من‬
‫‪143‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫هذا الن�ص �أن جنحة الإيذاء تكون جريمة �شكلية لأن القانون لم يربط العقاب عليها بح�صول‬
‫نتيجة معينة‪ ،‬ثم �إن الم�شرع في نطاق الف�صل �أعاله ذكر العجز دون المر�ض ومعنى ذلك �أنه‬
‫ا�ستبعد المر�ض �إذا لم ينتج عنه عجز‪.‬‬
‫و�إذا كانت المادة ‪ 401‬تربط العقوبة بح�صول عجز تتجاوز مدته ‪ 20‬يوما فما المق�صود‬ ‫✺‬

‫بالعجز؟ �إن لفظ العجز الوارد في المادة �أعاله �أتى مطلقا بدون نعت ويرى بع�ض الفقه‬
‫في‪-‬بالدنا‪ -‬ب�أن المق�صود بالعجز في هذه الحالة هو عدم قدرة المجني عليه على القيام‬
‫بالأعمال البدنية التي يزاولها الإن�سان في حياته العادية كالجلو�س والم�شي وتحريك اليد‬
‫�إلى غير ذلك‪ ،‬وال يدخل فيها العجز عن الأعمال المهنية التي يزاولها المجني عليه كما‬
‫ال يدخل فيها المر�ض الخفيف الذي ال يفقد المري�ض القدرة على العمل‪. 1‬‬
‫ثم �إن الن�ص لم ي�شترط �أن يكون العجز ظاهريا ولذلك ف�إنه يطبق �أي�ضا على حاالت العجز‬
‫غير الظاهر ما دام ناتجا مبا�شرة عن الإعتداء وم�ستندا �إلى مبررات جدية وا�ضحة‪.‬‬
‫وي�شترط �أن ي�ستمر العجز عن الأ�شغال ال�شخ�صية مدة تزيد على ع�شرين يوما ويبد�أ‬
‫احت�ساب هذه المدة ابتداء من اليوم الذي حدثت فيه النتيجة ‪ -‬العجز‪ -‬ولي�س من يوم ممار�سة‬
‫الن�شاط الم�ؤذي‪.2‬‬
‫والطبيب وحده الم�ؤهل علميا لتحديد العجز الالحق بال�ضحية تحديدا دقيقا و�سليما‪ ،‬و�إذا‬
‫كان ي�صعب على القا�ضي عمليا مناق�شة البيانات الفنية الواردة في التقارير الطبية‪ ،‬ف�إنه‬
‫بو�سعه �أن يطرحها كلما كانت خالية من هذه البيانات كما لو اكتفى الطبيب بتحديد مدة‬
‫العجز دون �أن يبين بتف�صيل �آثار ال�ضرب �أو الجرح �أو العنف من جهة‪ ،‬والمبررات الطبية‬
‫لتقرير مدة العجز التي حددها في تقريره من جهة �أخرى‪ ،‬فالقا�ضي ال ي�صدر حكمه �إال بناء‬
‫على اقتناعه ال�صميم‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬عقاب جرائم الإيذاء المكونة لمخالفة من المخالفات‬
‫العنف �أو الإيذاء الخفيف‬ ‫■‬

‫المق�صود بالإيذاء �أو العنف الخفيف ح�سب الفقه‪ ،‬كل �إيذاء ال يخلف �أثرا في الج�سم وال‬
‫يلحق بال�ضحية �ألما فهو �أقرب �إلى الإهانة والتحقير منه �إلى الإيذاء والعنف الج�سيمين ونحو‬

‫‪ 11‬اخلملي�شي مرجع �سابق ‪�،‬ص ‪� ،115‬أبو الفتوح مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.146.‬‬


‫العلمي عبد الواحد مرجع �سابق �ص‪.234.‬‬
‫‪� 22‬أبو الفتوح مرجع �سابق �ص‪. 146.‬العلمي عبد الواحد مرجع �سابق ‪� -‬ص‪.234.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪144‬‬

‫ذلك �إم�ساك المجني عليه من �أطراف ثوبه والب�صق عليه �أو دفعه �أو �ضمه بالقوة �أو تجريده‬
‫‪1‬‬
‫من �شيء كان بيده �أو تحت حوزته‪.‬‬
‫والأ�صل في الإيذاء الخفيف �أنه مخالفة وفقا للف�صل ‪ 608‬ق ‪.‬ج والتي كانت تعاقب على‬
‫�أعمال العنف والإيذاء الخفيف باالعتقال من يوم �إلى ‪ 15‬يوما وغرامة من ‪ 12‬درها �إلى ‪120‬‬
‫درهما �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط‪ ،‬غير �أن ظهير ق�ضاء القرب عو�ض تلك العقوبة‬
‫بمقت�ضى المادة ‪ 16‬منه بعقوبة الغرامة المالية التي تتراوح ما بين ‪ 300‬درهم و‪ 700‬درهم‪.‬‬
‫الفقرة الرابعة ‪ :‬الأعذار المخففة للعقوبة في جرائم الإيذاء العمدية‬
‫تعر�ض القانون الجنائي المغربي في الف�صول من ‪� 416‬إلى ‪ 421‬لحاالت الأعذار القانونية‬
‫المخففة للعقوبة‪.‬‬
‫والمالحظ �أن �أغلب هاته الحاالت ت�شترك مع الأعذار المخففة للعقوبات في جرائم القتل‬
‫العمدية‪ ،‬وقد �سبق �أن تعر�ضنا لثالث حاالت منها وهي ‪:‬‬
‫حالة �إرتكاب الجرح �أو ال�ضرب نتيجة ا�ستفزاز نا�شئ عن اعتداء بال�ضرب �أو العنف‬ ‫✺‬

‫الج�سيم على �شخ�ص ما (ف‪ 416 :‬ق‪.‬ج)‪.‬‬


‫حالة �إرتكاب الجرح �أو ال�ضرب �إذا تم نهارا لدفع ت�سلق �أو ك�سر �سور �أو حائط �أو مدخل‬ ‫✺‬

‫منزل �أو بيت م�سكون �أو احد ملحقاتهما (ف‪ 417 :‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫حالة �إرتكاب الزوج الجرح �أو ال�ضرب �ضد زوجته و�شريكا عند مفاج�أتهما متلب�سين‬ ‫✺‬

‫بجريمة الزنا (ف‪ 418:‬ق‪.‬ج)‪.‬‬


‫وف�ضال عن حاالت العذر‪ ،‬هاته نتعر�ض ب�إيجاز للحالتين التاليتين‪:‬‬
‫�أوال ‪� :‬إرتكاب رب الأ�سرة جرحا �أو �ضربا على �أ�شخا�ص فاج�أهم بمنزله وهم في حالة‬
‫ات�صال جن�سي غير م�شروع (ف ‪ 420‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫�إن العذر في هذه الحالة مقرر ب�سبب اال�ستفزاز الذي تحدثه الجريمة المرتكبة داخل‬
‫المنزل العائلي بالإ�ضافة �إلى الدفاع عن �سمعة العائلة‪.‬‬
‫وهذه الحالة تقترب �إلى حد كبير في �شروط تطبيقها مع حالة مفاج�أة الزوج لزوجته‬
‫متلب�سة بالزنا وي�شترط لتوافر هذا العذر ‪.‬‬
‫�أن يكون مرتكب الجرح �أو ال�ضرب هو رب الأ�سرة �أي الم�س�ؤول عنها وعائلها �سواء كان �أبا‬ ‫✺‬

‫�أو عما في حالة كونه م�س�ؤوال عن الأ�سرة ولي�س فقط �أحد �أفراد الأ�سرة‪.‬‬

‫‪ 11‬اخلملي�شي مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ ،111 .‬العلمي عبد الواحد ‪:‬مرجع �سابق �ص‪.232.‬‬
‫‪145‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫تحقق عن�صر المفاج�أة لديه ب�أن كان ال يتوقع ما ر�آه �إطالقا و�أن يرتكب الجريمة حال‬ ‫✺‬

‫مباغتته بما ر�أى �أما �إذا لم يتركبها �إال بعد انتهاء المفاج�أة وهدوء �أع�صابه ف�إن حالة‬
‫اال�ستفزاز التي تتولد عادة عن هول المفاج�أة تكون منتفية لديه‪،‬والعذر غير قائم في‬
‫حقه ‪.‬‬
‫�أن تكون المفاج�أة بمنزله ال خارجه‪.‬‬ ‫✺‬

‫�أن يكون الأ�شخا�ص الذين بمنزله في حالة ات�صال جن�سي غير م�شروع‪� ،‬أو في و�ضع ال‬ ‫✺‬

‫يدع مجاال لل�شك في ذلك لكن ال يتوافر العذر �إذا كان االت�صال م�شروعا كما لو وقع بين‬
‫زوجين مطلقين طالقا رجعيا‪ ..‬هذا ولم ي�شترط القانون لتوافر العذر �أن تقف نتيجة‬
‫الإيذاء على مجرد الإيالم البدني �أو العاهة الدائمة‪ ،‬و�إنما جعله متوافرا �إذا حدث في‬
‫حالة حدوث الوفاة‪ ،‬ولكنه ا�شترط �أال يكون ق�صد الجاني قد اتجه �إليها ف�إن حدث �أ�صبحنا‬
‫في مواجهة جريمة قتل عمد‪ ،‬وال ي�ستفيد الجاني من وجود عذر مخف�ض للعقوبة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حالة مفاج�أة �شخ�ص بالغ متلب�سا بهتك عر�ض طفل دون الثانية ع�شر من العمر‪:‬‬
‫هذا العذر ن�ص عليه ف ‪ 421:‬ق‪.‬ج وي�شترط لتحققه ‪:‬‬
‫�أن يكون ال�شخ�ص الذي تم �ضبطه بالغا‪ ،‬ولم يحدد الم�شرع ماهية البلوغ‪ ،‬هل هو البلوغ‬ ‫✺‬

‫الجن�سي �أو الن�ضج العقلي �أو بلوغ �سن الم�ساءلة الجنائية‪ ،‬ويميل الفقه �إلى اعتبار �أن‬
‫المق�صود من كلمة البلوغ هو البلوغ الجن�سي‪.‬‬
‫�أن ي�ضبط الجاني متلب�سا بهتك عر�ض طفل دون ‪ 12‬من عمره‪ .‬ويتوفر العذر �سواء وقع‬ ‫✺‬

‫ذلك على طفل �أو طفلة �سنها �أقل من ‪� 12‬سنة‪ ،‬كما ي�ستوي �أن يح�صل هتك العر�ض‬
‫بالعنف �أو بدونه‪.‬‬
‫�أن يقع ال�ضرب �أو الجرح حال المفاج�أة حتى يمكن �أن يتوفر عن�صر اال�ستفزاز فيه‪.‬‬ ‫✺‬

‫وهذه الحالة الأخيرة قد تختلط واقعيا بالدفاع ال�شرعي‪ ،‬خ�صو�صا وان هتك العر�ض‬ ‫✺‬

‫غالبا ما يقترن بالعنف �أو على الأقل ي�شكل خطرا محتمال على �سالمة الطفل الج�سمية‬
‫�أو ال�صحية‪ ،‬مما يجعل مرتكب الجرح �أو ال�ضرب في هذه الحالة في حالة دفاع �شرعي‪،‬‬
‫وهذا على الرغم من �أن القانون ال يقر بالدفاع ال�شرعي عن العر�ض‪.‬‬
‫وهذا الموقف القانوني عار�ضه بع�ض الفقه الذي اعتبر �أن الإعتداء على العر�ض و�إن كان‬
‫ال يخول حق الدفاع ال�شرعي‪� ،‬إال �أنه �إذا كان مرفقا بالعنف �أو كان ي�شكل خطرا على ال�سالمة‬
‫الج�سمية �أو ال�صحية لل�ضحية‪ ،‬ف�إن الدفاع يكون �إذ ذاك على النف�س ولي�س على العر�ض‬
‫‪1‬‬
‫بمفرده‪.‬‬
‫‪ 11‬راجع يف هذا ال�صدد‪،‬د ‪.‬اخلملي�شي ‪:‬مرجع �سابق‪�،‬ص‪�،127 .‬أبو الفتوح ‪:‬مرجع �سابق‪�،‬ص‪.152 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪146‬‬

‫بقيت الإ�شارة في الأخير �إلى انه في حالة توافق �أحد الأعذار القانونية ال�سابقة‪،‬فان العقوبة‬
‫تنخف�ض �إلى النحو الآتي‪:‬‬
‫من �سنة �إلى ‪� 5‬سنوات في الجناية المعاقب عليها بالإعدام �أو ال�سجن الم�ؤبد‪.‬‬ ‫✺‬

‫الحب�س من ‪� 6‬أ�شهر �إلى �سنتين في جميع الجنايات الأخرى‪.‬‬ ‫✺‬

‫الحب�س من �شهر �إلى ‪� 3‬أ�شهر في الجنح‪.‬‬ ‫✺‬

‫هذا وال يتغير و�صف الجنايات الإيذاء العمدية المعتبرة قانونا جناية ب�سبب تخفيف العقاب‬
‫لوجود عذر مخفف‪ ،‬بل تظل مع ذلك جناية من الناحية القانونية عمال بالف�صل (‪ )112‬ق‪.‬ج‬
‫الذي يقرر ب�أن نوع الجريمة ال يتغير �إذ حكم بعقوبة متعلقة بنوع �آخر من �أنواع الجرائم ب�سبب‬
‫تخفيف �أو لحالة عود‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جرائم الإيذاء الغير العمدية‬
‫وهي الجرائم التي ن�ص عليها الم�شرع المغربي في الف�صول ‪،609 ،607 ،435 ،434 ،433‬من‬
‫القانون الجنائي‪.‬‬
‫وحتى نعطي فكرة وا�ضحة عن هاته الجرائم نرى �أن نبحث �أوال �أركان جريمة الإيذاء‬
‫غير العمدية ( المطلب الأول) ثم نتعر�ض بعد ذلك للعقاب المقرر لهذه الجرائم (المطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬
‫المطلب الأول ‪� :‬أركان جرائم الإيذاء غير العمدية‬
‫لقيام جريمة الإيذاء غير العمدي ال بد من توفر عن�صرين �أ�سا�سيين هما �إيذاء الجاني‬
‫للمجني عليه (الركن المادي)‪ ،‬وان يكون هذا الإيذاء عن غير ق�صد �أي نتيجة خط�أ‪،‬وهذا هو‬
‫الركن المعنوي ‪.‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬الركن المادي‪:‬‬
‫الركن المادي في الإيذاء غير العمد ي�ستلزم ‪ -‬مثلها مثل الإيذاء العمدي‪� -‬صدور ن�شاط‬
‫من الجاني يكون هو ال�سبب في النتيجة التي هي الإيذاء ‪.‬‬
‫�أوال ‪ :‬ن�شاط �صادر من الجاني ‪ :‬الن�شاط الذي ي�أتيه الجاني والذي يكون العن�صر الأول في‬
‫الركن المادي للإيذاء غير العمدي ي�سحب �إلى كل ن�شاط �إرادي منه ي�ؤدي �إلى �إيذاء ال�ضحية‬
‫ولكن دون ق�صد لهذه النتيجة ك�إيذاء �سائق �سيارة لأحد المارة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬النتيجة‪ :‬تتمثل النتيجة الإجرامية بالأذى الذي يلحق بج�سم المجني عليه (جروح‬
‫�أو �إ�صابات)‪.‬‬
‫‪147‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ثالثا ‪:‬عالقة ال�سببية بين ن�شاط الجاني والنتيجة‪:‬لكي يقوم الركن المادي في الإيذاء غير‬
‫المق�صود‪ ،‬البد و�أن تتوفر رابطة ال�سببية بين الن�شاط والنتيجة الإجرامية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الركن المعنوي‪:‬‬
‫�إذا كان الركن المعنوي في الإيذاء العمدي ي�شترط لقيامه توافر الق�صد الذي يتحقق‬
‫بتوجيه �إرادة الجاني لإتيان ن�شاط مخالف للقانون و�إرادة تحقيق النتيجة التي هي �إيذاء ج�سم‬
‫ال�ضحية �أو �صحتها‪ ،‬ف�إن الركن المعنوي في الإيذاء غير العمد يتوافر فقط ب�إتيان �سلوك‬
‫خاطئ من طرف الفاعل عن �إرادة‪ ،‬ولكن دون ا�ستهداف تحقيق النتيجة التي يترتب عن هذا‬
‫ال�سلوك الخاطئ الذي عدد الم�شرع �صوره في عدم التب�صر‪� ،‬أو عدم الإحتياط‪� ،‬أو عدم االنتباه‬
‫�أو الإهمال �أو عدم مراعاة النظم والقوانين‪ ،‬وعليه فما لم يتحقق الإيذاء نتيجة خط�أ الجاني‬
‫ف�إن الركن المعنوي في جريمة الإيذاء غير العمدي ال يقوم‪ ،‬وبالتالي تتخلف الجريمة ويكون‬
‫‪1‬‬
‫�إيذاء المجني عليه ق�ضاء وقدرا‬
‫هذا ويترتب عن غياب عن�صر العمد في جرائم الإيذاء غير العمدي ما يلي ‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬ال يعاقب عن ال�شروع �أو المحاولة في الإيذاء غير العمدي‪ ،‬لأن جرائم الخط�أ ‪ -‬عك�س‬
‫الجرائم العمدية‪ -‬ال يمكن ت�صور المحاولة فيها على �إعتبار �أن عقاب المحاولة هو في جوهره‬
‫�ضرب من طرف الم�شرع للنية الإجرامية عند الجاني‪ ،‬وفي جرائم الخط�أ ال يكون في نية‬
‫الجاني تحقيق النتيجة الإجرامية �أبدا‪.2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ال يعاقب في جرائم الإيذاء غير العمدي الجاني �أو الجناة �إذا تعددوا �إال باعتبارهم‬
‫فاعلين �أ�صليين �أي م�ساهمين‪ ،‬ما دام الإ�شتراك في الجريمة يقوم دوما على �أ�سا�س الق�صد‬
‫الجنائي (العلم بغر�ض الفاعل الأ�صلي) وهو ما ال يتوافر في النوع من الجرائم‪.3‬‬
‫ثالثا ‪ :‬ال يمكن ت�صور ت�شديد العقوبة في جرائم الإيذاء غير العمدي ب�سبب الظروف‬
‫الم�شددة التي ت�شدد الإيذاء العمدي ك�سبق الإ�صرار �أو التر�صد مثال ما دامت‪ ،‬النتيجة فيها ال‬
‫تحمل �إال خط�أ و�ضد �إرادة م�ؤتي الن�شاط الذي �أدى �إلى �إيذاء ال�ضحية‪ ،4‬اللهم �إذا كان الفاعل‬
‫في حالة �سكر �أو �أراد الفرار �أو تغيير معالم الجريمة‪.‬‬
‫�صور الخط�أ ‪:‬المالحظ �أن الم�شرع �أتى في الف�صل ‪ 433‬ق‪.‬ج ب�صور خم�س للخط�أ‪ ،‬وهذا‬ ‫✺‬

‫التعداد الت�شريعي ل�صور الخط�أ قد يوحي ب�أن القانون ال يرقب قيام الإيذاء غير العمدي‬

‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي م‪�.‬س‪� ،‬ص‪. 278.‬‬


‫‪ 22‬نف�س املرجع �ص‪.279.‬‬
‫‪ 33‬نف�س املرجع �ص‪.279.‬‬
‫‪ 44‬نف�س املرجع �ص‪.279.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪148‬‬

‫�إال �إذا �إرتكب الفاعل لأحد �صور الخط�أ الخم�س التي �أتى بها الفعل المذكور دون غيرها‬
‫من ال�صور التي لم ترد به‪ ،‬بينما الحقيقة هي �أنها من ال�شمول الذي تدخل منه كل‬
‫ال�صور الممكنة للخط�أ رغم ما قد يظهر من �صياغة الن�ص على �أن هذه ال�صور الخم�س‬
‫هي بع�ض ال�صور الممكنة للخط�أ فقط ولي�س كلها‪.1‬‬
‫وال�صور التي ت�ضمنها الف�صل ‪ 433‬ق‪.‬ج للخط�أ هي ‪:‬‬
‫�أوال ‪ :‬عدم التب�صر‪ :‬وهو خط�أ يركب في �إطار مهني غالبا من طرف الفنيين كالأطباء‬
‫وال�صيادلة والقابالت و�أرباب الحرف في كل حالة يت�سببون فيها في قتل �إن�سان نتيجة عدم‬
‫قيامهم بعملهم كما يجب �أو جهلهم لقواعد فنهم �أو حرفتهم التي ال يجوز لمثلهم جهلها �أو‬
‫عدم القيام بها كما يلزم‪ .‬وقد حكمت محكمة فرن�سية ب�أن الفتاة المبتدئة في ريا�ضة التزلج‬
‫�إذا دخلت �ساحة االنزالق و�صدمت �شخ�صا فجرحته ب�سبب خطئها ولو كانت ت�سير على مهل‬
‫لأن هذا التمهل دليل على جهلها‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عدم االحتياط‪ :‬ويظهر في الطي�ش وقلة التحرز للنتائج الم�ضرة والخطيرة التي قد‬
‫تترتب عن فعل من الأفعال‪ ،‬وعدم الحيلولة دون وقوعها‪،‬كالذي ي�سوق دراجة نارية في مكان‬
‫�آهل بالمارة ب�سرعة كبيرة غير منا�سبة لظروف الزمان والمكان في�صدم �أحد المارة ويت�سبب‬
‫له بجروح‪ ،‬فهذا المثال يظهر ب�أن مرتكب الخط�أ في �صورة عدم االحتياط كان في �إمكانه‬
‫تجنب النتيجة �إال �أنه لم يفعل فاعتبر غير محتاط‪.2‬‬
‫ثالثا ‪ :‬عدم االنتباه ‪ :‬ويظهر في الن�شاطات التي يرتكبها �أ�صحابها بخفة ال يمكن �أن يغفلوا‬
‫عنها‪ ،‬كمن يقود كلبا �شر�سا دون �أن يحكم حرا�سته فيفلت من يده ويهاجم �أحد المارة فيت�سبب‬
‫له في �إ�صابات‪.3‬‬
‫رابعا‪ :‬الإهمال‪ :‬ويظهر في الموقف ال�سلبي ل�شخ�ص في مواجهة بع�ض الأو�ضاع التي تفر�ض‬
‫الحذر ونحو ذلك ال�شخ�ص المكلف ب�إعطاء الدواء لمري�ض في �ساعات معينة ين�شغل في �أمر‬
‫�آخر ويترك موعد الدواء يفوت‪.4‬‬
‫خام�سا‪ :‬عدم مراعاة النظم والقوانين ‪:‬المق�صود بالنظم والقوانين كل ما ي�صدر من‬
‫ت�شريعات �سواء عن ال�سلطة الت�شريعية �أو التنفيذية في الحدود التي تخت�ص بها قانونا‪ ،‬والأ�صل‬
‫�أن يعاقب المخل بالنظم �أو القوانين بمجرد اقترافه لهذا الإخالل حتى ولو لم يرتب عنه �أي‬
‫�ضرر (نتيجة)‪� ،‬إال �أنه بالن�سبة لجريمة الإيذاء غير العمدي فيلزم �أن تتوفر النتيجة(الجروح‬
‫‪ 11‬نف�س املرجع �ص‪279.‬‬
‫‪ 22‬عبد الواحد العلمي م‪� .‬س �ص‪. 280.‬‬
‫‪ 33‬نف�س املرجع �ص‪. 280.‬‬
‫‪ 44‬نف�س املرجع �ص‪. 280.‬‬
‫‪149‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫والإ�صابات) فالذي يخرق حق الأولوية ال يعتبر مرتكبا للإيذاء غير العمدي �إال �إذا كان هذا‬
‫الخرق هو الذي �سبب الأذى بج�سم الإن�سان المجني عليه‪.1‬‬
‫هذا ب�إخت�صار كانت مدلوالت مختلف �صور الخط�أ التي جاء بها الم�شرع في الف�صل ‪433‬‬
‫ق‪.‬ج وهي �أنواع من الخط�أ متداخلة بع�ضها في بع�ض با�ستثناء الخط�أ في مراعاة النظم‬
‫والقوانين‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬عقاب جرائم الإيذاء غير العمدية‪:‬‬
‫بمقت�ضى الف�صل ‪ 433‬من ق‪.‬ج‪ .‬يكون من ت�سبب بعدم تب�صره �أو عدم احتياطه �أو عدم‬
‫انتباهه �أو عدم مراعاته النظم والقوانين‪ ،‬في جرح غير عمدي �أو �إ�صابة �أو مر�ض نتج عنه‬
‫عجز عن الأ�شغال تزيد مدته عن �ستة �أيام يعاقب بالحب�س من �شهر واحد �إلى �سنتين وغرامة‬
‫من مائتين �إلى خم�سمائة درهم ا ب�إحدى هاتين العقوبتين‪.‬‬
‫وعمال بالف�صل ‪ 434‬ق‪.‬ج ف�إن العقوبة الحب�سية ال�ضبطية ال�سابقة ت�شدد �إلى ال�ضعف �إذا‬
‫كان الفاعل �إرتكب هذه الجنحة وهو في حالة �سكر‪� ،‬أو كان قد حاول التخل�ص من الم�س�ؤولية‬
‫الجنائية �أو المدنية التي قد يتعر�ض لها وذلك بفراره عقب وقوع الحادث �أو تغييره حالة مكان‬
‫الجريمة �أو ب�أية و�سيلة �أخرى كانت‪.‬‬
‫وبناء على الف�صل ‪ 435‬من ق‪.‬ج‪ .‬ف�إن كل من ت�سبب من غير عمد في الأحوال الم�شار �إليها في‬
‫الف�صل ‪ 607‬والفقرة ‪ 5‬من الف�صل ‪ 608‬في حريق نتج عنه �إ�صابة �شخ�ص خط�أ‪ 2‬يعاقب بمقت�ضى‬
‫ن�ص الف�صل ‪ 433‬ق‪ .‬ج ال�سابقة‪ ،‬بالحب�س من �شهر �إلى �سنتين وغرامة من ‪� 200‬إلى ‪ 500‬درهم �أو‬
‫ب�إحدى هاتين العقوبتين‪ ،‬وت�شدد هذه العقوبة بنف�س ظروف الت�شديد التي قررها الف�صل ‪ 434‬ق‪ .‬ج‪.‬‬
‫هذا �إذا كانت مدة العجز عن الأ�شغال ال�شخ�صية تزيد عن ‪� 6‬أيام‪ ،‬لكن �إذا كانت هذه‬
‫المدة اقل من �ستة �أيام �أو تعادلها كانت الجريمة غير العمدية �إذ ذاك مخالفة تعاقب طبقا‬
‫للف�صل ‪ 3/608‬بالإنتقال من يوم واحد �إلى خم�سة ع�شر يوما وغرامة من ‪ 12‬درهم �إلى ‪200‬‬
‫درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين‪.‬‬
‫خـاتمـــة‪:‬‬
‫نخل�ص مما �سبق �أن الم�شرع يقر حمايته على ج�سم الإن�سان كله بجميع �أع�ضائه ووظائفه‬
‫الع�ضوية والحيوية وي�ستوي في ذلك الأع�ضاء الخارجية والأع�ضاء الداخلية‪ ،‬ف�أي م�سا�س‬

‫‪ 11‬الفاعل هنا قد �إرتكب جرميتني �أوالهما هي عدم احرتامه لقاعدة حق الأ�سبقية وثانيهما هي ارتكابه للإيذاء غري العمدي‬
‫نتيجة هذا الفرق‪.‬‬
‫‪� 22‬رشيطة �أن يتعدى العجز �ستة �أيام‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪150‬‬

‫ب�سالمة الج�سم يمكن �أن ي�ؤثر على ال�سير الطبيعي لوظائفه و�أع�ضائه ي�شكل جريمة من جرائم‬
‫الإعتداء على �سالمة الج�سم �سواء ترك �أثرا ماديا �أو لم يترك �أثرا‪ ،‬وال يقت�صر مدلول الج�سم‬
‫على الجانب المادي فقط و�إنما ي�شمل كذلك الجانب النف�سي وللعقلي‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫❻‬
‫الجرائم الما�سة بالأموال‪ :‬ال�سرقة والن�صب وخيانة الأمانة‬

‫تقديم ‪:‬‬
‫�إن الرغبة في الح�صول على المال لدى الإن�سان كانت منذ القدم‪ ،‬و�أن هذه الرغبة كلما‬
‫تحولت �إلى غاية وهاج�س �إال و�ضحى هذا الإن�سان بمبادئه وقيمه من �أجل ال�سيطرة عليه‪ ،‬وقد‬
‫نهت كل الديانات ال�سماوية عن اال�ستعماالت ال�سيئة للمال �أو الح�صول عليه بطرق غير �سليمة‪،‬‬
‫فقد ورد في القران الكريم قوله تعالى ‪« :‬وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها‬
‫إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وأنتم تعلمون« (الآية ‪ 188‬من �سورة‬
‫البقرة) ‪.‬‬
‫وفي هذا الإطار �أ�ضحت الجريمة المالية �آفة الع�صر وظاهرته ومحاولة ح�صرها وو�ضع‬
‫تعريف لها لي�س بالأمر الهين وذلك لتعلقها بكافة الجوانب المالية واالقت�صادية وال�صناعية‬
‫والتجارية والإدارية‪ ,‬فقد تكون �سرقة �أو ن�صبا �أو خيانة �أمانة �أو تزويرا �أو جريمة �شيك �أو احتياال‬
‫ماليا �أو تهربا �ضريبيا �أو جرائم غ�ش تجاري‪ ،‬وقد تكون ر�شوة �أو ا�ستغالل غير م�شروع لل�سلطة‬
‫�أو الوظيفة متمثل في اختال�س �أموال الدولة �أو الم�شاريع العامة‪ ,‬وعليه ف�إن الجرائم المالية ت�ؤثر‬
‫�سلبا على اقت�صاديات الدول وت�شكل تهديدا خطيرا للتنمية الم�ستدامة وتع�صف بالقيم الأخالقية‬
‫ومبادئ المواطنة‪ ،‬كما �أن �آثارها على المدى الطويل تكون وخيمة على ا�ستقرار المجتمع و�سيادة‬
‫القانون وبناء الديمقراطية وهي بذلك تتميز عن باقي الجرائم العادية التقليدية التي يمكن‬
‫الت�صدي لها بو�سائل تختلف عن تلك التي ينبغي مواجهة الجرائم المالية بها‪.‬‬
‫و�سنق�سم درا�ستنا للمو�ضوع �إلى مبحثين‪ :‬في الأول �سنتطرق لماهية بع�ض هذه الجرائم‬
‫و�أركانها وهي الجرائم الأكثر �شيوعا في الواقع العملي وفي الثاني �سنتناول العقاب المقرر لكل‬
‫جريمة على حدا‪.‬‬
‫المبحث الأول‪:‬ماهية الجرائم الما�سة بالأموال و�أركانها‪ :‬ال�سرقة والن�صب‬
‫وخيانة الأمانة نموذجا‬
‫�إن جرائم الإعتداء على الأموال هي الجرائم التي تنال باالعتداء �أو تهدد بالخطر الحقوق‬
‫ذات القيمة المالية‪ ،‬ويدخل في نطاق هذه الحقوق كل ذي قيمة اقت�صادية‪ ،‬يدخل في نطاق‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪152‬‬

‫التعامل‪ .1‬ف�إذا كانت الجرائم الما�سة بالأ�شخا�ص ت�ستهدف الإن�سان في حياته وبدنه و�شرفه‬
‫ف�إن الجرائم الما�سة بالأموال تن�صرف �إلى كل ما يمتلكه من �أموال وممتلكات‪.‬‬
‫وقد �أ�ضحت هذه الجرائم من �أخطر ما يم�س التعاي�ش واال�ستقرار االجتماعي‪ ,‬خ�صو�صا‬
‫في ع�صرنا الحا�ضر الذي طغت فيه المادة وانحطت القيم وكثر ال�سعي للك�سب المادي ب�شتى‬
‫الطرق ولو كانت غير م�شروعة‪ ,‬حيث نجد من الجناة من ي�ستبيح لنف�سه مال غيره‪ ،‬في�ضيف‬
‫‪2‬‬
‫�إلى حوزته ما لي�س له بدال من ال�سعي �إلى اقتناء المال بالك�سب ال�شريف والرزق الحالل‪.‬‬
‫وتتنوع الجرائم الما�سة بالأموال بح�سب طبيعة فعل الإعتداء والهدف منه‪ ،‬والحماية‬
‫الجنائية في مثل هذه الأحوال تكون لحق �أو م�صلحة يمكن تقويمها من الناحية المالية‪ ،‬و �أكثر‬
‫الحقوق حماية هي الحقوق العينية‪ ،‬وال�سيما حق الملكية وحق الحيازة وبخا�صة تلك المتعلقة‬
‫بالأموال المنقولة‪.‬‬
‫وقد حدد الم�شرع المغربي في التقنين الجنائي مجموعة من الجنايات والجنح التي‬
‫ت�ستهدف الأموال‪ ،‬في الباب التا�سع من الكتاب الثالث من المجموعة الجنائية والمعنون ب‪:‬‬
‫»الجنايات والجنح المتعلقة بالأموال« والموزع على ت�سعة فروع‪ ,‬غير �أننا �سنقت�صر في هذه‬
‫الدرا�سة على ثالث جرائم تعتبر �أكثر �شيوعا في واقعنا الحالي وهي جرائم ال�سرقة والن�صب‬
‫وخيانة الأمانة‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬ماهية جريمة ال�سرقة وعنا�صرها‬
‫خ�ص�ص الم�شرع المغربي حيزا هاما من المجموعة الجنائية لجرائم ال�سرقة وانتزاع‬
‫الأموال‪ ،‬وذلك في الف�صول من ‪� 505‬إلى ‪ 539‬من القانون الجنائي‪ ,‬مما يظهر لنا جليا �أن‬
‫ال�سرقة تتخذ في الواقع العملي �صورا مختلفة ومتعددة حاول الم�شرع جمعها قدر الم�ستطاع‪،‬‬
‫ليغطي �أي ثغرة قانونية يمكن �أن تخلف فراغا ت�شريعيا‪.‬‬
‫وال�سرقة هي اعتداء على ملكية منقول وحيازته بنية تملكه‪ .3‬وقد عرفتها معظم الت�شريعات‬
‫الجنائية ب�إختال�س مال منقول مملوك للغير بنية تملكه وقد ن�ص عليها الم�شرع في الف�صل‬
‫‪ 505‬بقوله‪« :‬من اختل�س عمدا ماال مملوكا للغير يعد �سارقا ويعاقب من �سنة �إلى خم�س �سنوات‬
‫وغرامة من ‪� 200‬إلى ‪ 500‬درهم»‪.‬‬

‫‪ 11‬حممود جنيب ح�سني‪ :‬املوجز يف �رشح قانون العقوبات‪ ،‬الق�سم اخلا�ص‪ ،‬دار النه�ضة العربية القاهرة‪،1993 ،‬‬
‫�ص‪.803.‬‬
‫‪ 22‬نورالدين العمراين‪� :‬رشح القانون اجلنائي اخلا�ص‪ ،‬مطبعة الكرامة‪-‬الرباط‪ .‬الطبعة الأوىل‪� ،2005 ،‬ص‪.281.‬‬
‫‪ 33‬نور الدين العمراين‪ :‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.283.‬‬
‫‪153‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ووا�ضح من هذا الن�ص �أن لجريمة ال�سرقة �أركان تقوم عليها وتميزها عن بع�ض الجرائم‬
‫الما�سة بالأموال‪.‬‬
‫فجريمة ال�سرقة التتحقق �إال بتوافر فعل مادي ي�شكل الركن المادي في هذه الجريمة وفعل‬
‫معنوي ي�ؤثر على العقوبة الم�ستحقة لهذه الجريمة بح�سب ما �إذا توافر لدى الجاني �أي ال�سارق‬
‫ظرف من ظروف الت�شديد الذي يرفع العقوبة �إلى الحد الأق�صى �أو عذر من الأعذار القانونية‬
‫التي قد تخفف عنه العقاب �أو تعفيه منه نهائيا بح�سب الأحوال‪.‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬عنا�صر جريمة ال�سرقة‬
‫يت�ضح من الن�ص القانوني ال�سابق ذكره‪� ،‬أن لجريمة ال�سرقة ركنين �أ�سا�سيين‪:‬‬
‫ركن مادي قوامه فعل الإختال�س‪ ،‬وركن معنوي وهو الق�صد الجنائي الذي يت�ضمن نية‬
‫التملك‪� ،‬إال �أن تدقيق النظر في هذا التعريف يك�شف عن �أن ال�سرقة تفتر�ض وقوعها على مال‬
‫مملوك للغير‪ ،‬وهذا المال �شرط مفتر�ض ي�سبق وقوع الجريمة‪.‬‬
‫وعليه �سنتولى فيما يلي تو�ضيح هذه العنا�صر‪.‬‬
‫�أوال‪ :‬ال�شرط المفتر�ض �أو المال الم�سروق �أو محل الإختال�س‪:‬‬
‫ال�شرط المفتر�ض هو المركز القانوني الذي تحميه القاعدة الجنائية وهو بطبيعته �سابق‬
‫على �أركان الجريمة وم�ستقل عن ن�شاط فاعلها و بدون قيام ال�شرط المفتر�ض‪ ،‬ال يت�صور وقوع‬
‫العدوان الذي يحظره �شق التكليف في القاعدة الجنائية‪ .‬لذا كان الحديث عن �أركان الجريمة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫يفتر�ض حتما قيام المركز القانوني محل الحماية الجنائية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فال تتحقق جريمة ال�سرقة بالإختال�س الواقع على مطلق الأ�شياء‪ ،‬و�إنما يلزم لقيامها‬
‫�أن تقع عدوانا على حق ملكية الغير على المنقول و بالتالي كان من مقومات ال�شرط المفتر�ض‬
‫في جريمة ال�سرقة‪� ،‬أن تجتمع في محل الجريمة �صفات معينة تتعلق في جانب منها بالمال‬
‫الم�سروق‪ ,‬فيجب �أن يكون ماال وهذا المال يجب �أن يكون منقوال‪ ،‬وفي جانب ثان تتعلق بالعالقة‬
‫القائمة بين المال والمجني عليه في الجريمة‪ ،‬وهي �أن يكون المال المنقول مملوكا للغير‪.‬‬
‫‪� - 1‬صفة المال في محل ال�سرقة‬
‫ي�شترط �أن يكون محل ال�سرقة ماال والمق�صود بالمال هنا كل �شيء مادي قابل للتملك‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وتكون له قيمة مادية ويدخل في عنا�صر الذمة المالية لل�شخ�ص‪.‬‬

‫‪ 11‬عبد العظيم مر�سي‪ :‬ال�رشوط املفرت�ضة يف اجلرمية‪ ،‬دار النه�ضة العربية‪ ،‬القاهرة‪� ،1983 ،‬ص‪ 82.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 22‬نائل عبد الرحمان �صالح‪� :‬رشح قانون العقوبات الق�سم اخلا�ص‪ ،‬اجلرائم الواقعة على الأموال‪ ،‬دار الفكر عمان‪،‬‬
‫‪� ،1989‬ص‪.43.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪154‬‬

‫وهذا يعني �أن كل �شيء لي�س له كيان مادي ملمو�س يجعله قابال للتملك ال ي�صدق عليه‬
‫و�صف المال‪ ،‬وال ي�صلح بالتالي �أن يكون مو�ضوعا لل�سرقة‪ .‬وهكذا فالأ�شياء المعنوية التي‬
‫لي�س لها كيان مادي ملمو�س‪ ،‬الت�صلح �أن تكون مو�ضوعا لل�سرقة كالأفكار و النظريات العلمية‬
‫والحقوق العينية‪ .‬لكن �إذا �أ�صبح لهذه الأموال كيان مادي‪ ،‬كما لو دونت النظريات العلمية في‬
‫كتاب �أو �شريط م�سجل‪� ،‬أو تم �إثبات الحقوق العينية �أو ال�شخ�صية في وثيقة ر�سمية‪ ،‬عندئذ‬
‫‪1‬‬
‫ي�صبح للمال كيان مادي قابل للتملك وي�صبح اختال�سه �سرقة‪.‬‬
‫‪� - 2‬صفة المال المنقول‬
‫يجب �أن يكون المال محل ال�سرقة ماال منقوال يمكن نقله من مكان �إلى �أخر‪� ،‬أما العقارات‬
‫بطبيعتها فهي �أموال ثابتة غير ممكن �إختال�سها �إال �إذا تحولت �إلى منقوالت بطبيعتها‪ ،‬كقطع‬
‫ال�شجرة و�إختال�سها �أو �إختال�س �أجزاء من باب (�أبواب عمارة �أو نوافذها مثال)‪.‬‬
‫فكل مال يمكن نقله من مكان لآخر‪ ،‬يعد منقوال من الوجهة الجنائية حتى و �إن كان من‬
‫الوجهة المدنية يعد عقارا بالتخ�صي�ص‪ ،‬ذلك �أن العقارات بالتخ�صي�ص ما هي �إال منقوالت‬
‫يخ�ص�صها �صاحب العقار بالطبيعة لخدمة هذا العقار‪ ،‬كالموا�شي والآالت الزراعية التي‬
‫يخ�ص�صها لخدمة مزرعته‪ ،‬وكالمنا�ضد والكرا�سي التي ي�ضعها �صاحب المقهى �أو الفندق‬
‫لخدمة هذا الأخير‪ ...‬فهذه منقوالت يمكن نقلها من حيازة �صاحبها‪ ،‬وبالتالي ت�صلح محال‬
‫‪2‬‬
‫لل�سرقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬ملكية الغير للمال المختل�س‬
‫ينبغي �أن يكون ال�شيء الم�سروق مملوكا للغير‪� ،‬سواء كان ملكية خا�صة �أو على ال�شياع ولفظ‬
‫الغير هنا ين�صرف �إلى كل �شخ�ص �أجنبي عن الجاني �سواء كان معروفا �أو غير معروف‪,‬‬
‫ف�إذا اختل�س �شخ�ص �شيئا يملكه‪ ،‬معتقدا �أنه يعود للغير‪،‬ال يعد �سارقا‪ ،‬على الرغم من نيته‬
‫الإجرامية‪ .‬و ينطبق نف�س الحال على المالك الذي ي�ستحوذ على �شيء �سبق �أن �سلمه للغير‬
‫كرهن �أو تنفيذا لعقد قر�ض �أو وديعة �أو �إيجار‪.‬‬
‫وهذا الو�صف الذي ينبغي توفره في المال حتى ي�صلح محال لجريمة ال�سرقة ال ي�شترط فيه‬
‫ثبوت ملكية الغير للمنقول وفقا لأحكام القانون المدني‪ ،‬و�إنما يكفي �أن تثبت �سلطات االتهام‬
‫�أمرين اثنين‪ :‬عدم ملكية المتهم للمنقول‪ ،‬وكونه لي�س من الأ�شياء المباحة‪ .‬وال �أهمية لتحديد‬
‫ال�شخ�ص ال�ضحية في ال�سرقة للقول بوقوعها‪� ،‬إذ �أن �إثبات ملكية الغير هو �أف�ضل و�سيلة لإثبات‬

‫‪ 11‬نور الدين العمراين‪ :‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.292.‬‬


‫‪ 22‬ر�ؤوف عبيد‪ :‬جرائم الإعتداء على الأ�شخا�ص و الأموال‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬الطبعة الثامنة‪� ،1985 ،‬ص‪.333.‬‬
‫‪155‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أن ال�شيء ال يملكه الجاني‪ .‬من �أجل ذلك كان الجانب الهام للم�س�ألة متمثال لي�س في معرفة‬
‫‪1‬‬
‫المالك‪ ،‬و�إنما في معرفة �أن الجاني لي�س هو المالك‪.‬‬
‫وهكذا تتحقق ال�سرقة في حالة بقاء المالك مجهوال‪ ،‬وكذلك في حالة �سرقة �أ�شياء و�ضعت‬
‫فوق �أو داخل القبر �أو �أ�شياء و�ضعت داخل الم�ساجد �أو الأ�ضرحة للزينة �أو رهن الإ�ستعمال من‬
‫لدن الم�صلين �أو الزائرين‪.‬‬
‫وهذا الإتجاه خالفته قرارات المجل�س الأعلى �سابقا‪-‬محكمة النق�ض حاليا‪� -‬إذ جاء في‬
‫�أحد قراراته �أن ‪� » :‬سرقة مخدرات ال مالك لها ومن داخل �سيارة مهملة ومتخلى عنها يجعل‬
‫عنا�صر ال�سرقة غير متوفرة«‪*.‬قرار المجل�س الأعلى �سابقا �صادر بتاريخ ‪ 08-09-30‬تحت عدد‬
‫‪ 8/1554‬في الملف عدد ‪ 07/15659‬من�شور بمجلة الملف عدد‪� 14‬ص‪*. 303 .‬‬
‫كما تتحقق هذه الجريمة �أي�ضا في حالة اختال�س �أ�شياء من الأمالك العامة �أو الخا�صة‬
‫للدولة مع مراعاة �أمرين‪� :‬أولهما �أنه في حالة وجود ن�صو�ص خا�صة تقرر جزاءات معينة عن‬
‫اختال�س �أ�شياء مملوكة للدولة‪ ،‬كالقوانين الخا�صة بالمحافظة على الغابات و�إ�ستخراج المعادن‬
‫والمياه الجوفية والمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقو�شة‪�2...‬أ�صبح‬
‫لزاما تطبيقها بدال من الن�صو�ص المعاقبة على ال�سرقة �أخذا بقاعدة الن�ص الخا�ص يقيد‬
‫الن�ص العام‪ .‬و م�ؤدى الأمر الثاني‪� ،‬أنه ال يطبق حكم ال�سرقة على اختال�س ال�شيء الداخل في‬
‫عداد الملك العام ك�أخذ كمية قليلة من الرمل �أو التراب �أو الحجر من �شاطئ �أو نهر من �أمالك‬
‫الدولة العامة �أو الخا�صة لأن ذلك مما جرى العرف بالت�سامح فيه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الركن المادي في ال�سرقة (فعل الإختال�س)‬
‫يحتل عن�صر الإختال�س �أهمية بارزة بالن�سبة للعنا�صر المكونة لجريمة ال�سرقة‪ .‬بيد �أن‬
‫تحديد مدلوله وم�ضمونه ينطوي على قدر من الدقة‪ ،‬خ�صو�صا و�أن الم�شرع المغربي لم يعرف‬
‫الإختال�س من جهة‪ ،‬ثم �إنه �أورد هذا الم�صطلح في ن�صو�ص جنائية �أخرى غير ال�سرقة من‬
‫جهة �أخرى كما في جريمة الإختال�س التي يرتكبها الموظفون‪ ،‬وفي جريمة خيانة الأمانة‪ .‬مما‬
‫قد ي�ضفي قدرا من الغمو�ض على مدلوله ويفقده داللته القانونية الدقيقة‪.‬‬
‫وعليه �سنحاول في هذا ال�صدد تحديد مفهوم الإختال�س‪ ،‬وعنا�صره‪.‬‬

‫‪ 11‬عبد احلفيظ بلقا�ضي‪ :‬القانون اجلنائي اخلا�ص‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الأمان‪ -‬الرباط ‪� .2009‬ص‪.139.‬‬
‫‪ 22‬ين�ص ظهري ‪ 25‬دجنرب‪ 1980‬ب�ش�أن املحافظة على املباين التاريخية يف ف�صله التا�سع و الأربعني على مايلي‪�« :‬إن التحف‬
‫الفنية والعاديات املنقولة املكت�شفة خالل عمليات حفر م�أذون فيها �أوخالل �أعمال ما ت�صبح ملكا للدولة‪ »...‬راجع ب�ش�أن‬
‫العقوبات اخلا�صة التي ين�ص عليها هذا الظهري يف الف�صول ‪52‬ـ‪ 54‬منه‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪156‬‬

‫‪ - 1‬ماهية الإختال�س ‪:‬‬


‫يثير مفهوم الإختال�س‪ ،‬كعن�صر هام في جريمة ال�سرقة‪ ،‬جدال حادا ويطرح عدة �صعوبات‬
‫وم�شاكل‪ .1‬فالم�شرع الجنائي المغربي لم يعرف الم�صطلح ت�شريعيا‪� 2‬ش�أنه �ش�أن معظم‬
‫الت�شريعات الجنائية ‪.‬‬
‫غير �أنه بالرجوع �إلى الفقه الإ�سالمي‪ ،‬نجد �أن لفظ الإختال�س ا�ستعمله الفقهاء بمفهوم‬
‫يختلف عن مفهوم ال�سرقة‪� .‬إذ كان يق�صد به‪�« :‬إختطاف المال من يد حائزه �أو على مر�أى منه‬
‫‪3‬‬
‫والهروب به»‪ .‬بينما كان يعني بال�سرقة‪« :‬الإ�ستيالء على المال خفية دون علم ال�ضحية»‬
‫وفي الفقه الفرن�سي القديم‪ ،‬كان يطلق لفظ الإختال�س على «�إغتيال المال �أيا كانت و�سيلة‬
‫الجاني في ذلك»‪ ،4‬ت�أثرا منه بمفهوم الإختال�س الذي كان �سائدا في القانون الروماني‪.5‬‬
‫وفي هذا ال�صدد‪ ،‬ظهرت نظريتان في الفقه هما‪ :‬النظرية التقليدية والنظرية الحديثة‪.‬‬
‫وقبل �أن نتناول هاتين النظريتين‪ ،‬تجدر الإ�شارة �إلى �أنهما لي�ستا متنافيتين طالما �أن الثانية‬
‫�إنما ابتدعت ل�سد بع�ض �أوجه النق�ص والق�صور التي اعترت النظرية الأولى‪.‬‬
‫ـ النظرية التقليدية‪(.‬المنظور ال�ضيق لالختال�س)‪ :‬يتخذ الإختال�س ح�سب هذه النظرية‬
‫والتي تعرف �أي�ضا بالنظرية المادية‪ ،‬معنى �ضيقا ينح�صر في اعتداء الجاني على المال‪ ،‬عن‬
‫طريق �أخذه �أونقله �أو انتزاعه دون ر�ضى ال�ضحية وبنية تملكه‪.‬‬
‫ويترتب على هذا التحديد‪� ،‬أن لالختال�س طابعا مزدوجا يتخذ في جانب منه وجها ماديا‬
‫يتمثل في نقل ال�شيء‪ ،‬كما يت�ضمن في جانب ثان عن�صرا نف�سيا قوامه �إرادة الت�صرف �ضد‬
‫المالك �أو الحائز ال�شرعي‪ .‬من هنا كان الإختال�س تغييرا في الحيازة‪ ،‬يتج�سد في �أر�ض الواقع‬
‫من خالل الأخذ و االنتزاع‪ .6‬فم�ؤدى هذه النظرية انتفاء الإختال�س‪ ،‬وبالتالي عدم وقوع ال�سرقة‬
‫�إذا لم ي�صدر عن ال�شخ�ص �أفعال �إيجابية في �صورة �أخذ ال�شيء �أو نقله �أو �إنتزاعه �أو بعبارة‬
‫�أخرى �إذا لم ت�صدر عنه حركة مادية ينقل بها ال�شيء من مو�ضعه‪� .‬أما �إذا �سلم المجني عليه‬
‫ال�شيء بر�ضاه‪ ،‬فال يت�صور وقوع الإختال�س �أيا كان الباعث على هذا الت�سليم‪.‬‬

‫‪ 11‬مبارك ال�سعيد بن القائد‪ :‬القانون اجلنائي اخلا�ص‪ ،‬الطبعة ‪ ،1‬الرباط‪� ،2000 ،‬ص‪.238.‬‬
‫‪ 22‬مثله مثل القانون امل�رصي وهذا خالف بع�ض الت�رشيعات كالكويتي الذي عرف الإختال�س بالقول‪« :‬يعد اختال�سا كل‬
‫فعل يخرج به الفاعل ال�شيء من حيازة غريه دون ر�ضاه ولو عن طريق غلط وقع فيه هذا الغري ليدخله بعد ذلك يف‬
‫حيازة �أخرى»‪.‬‬
‫‪� 33‬أحمد اخلملي�شي‪ :‬القانون اجلنائي اخلا�ص‪ ،‬مكتبة املعارف للن�رش و التوزيع‪ ،‬الرباط‪� ،1986 ،‬ص‪.291.‬‬
‫‪� 44‬أبو املعاطي حافظ �أبو الفتوح‪� :‬رشح القانون اجلنائي الق�سم اخلا�ص‪� ،‬ص‪.179.‬‬
‫‪ 55‬عبد احلميد املن�شاوي‪ :‬جرائم ال�رسقات‪ ،‬دار الفكر اجلامعي (الإ�سكندرية) ‪� ،1994‬ص‪.12.‬‬
‫‪ 66‬عبد احلفيظ بلقا�ضي‪ :‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.141.‬‬
‫‪157‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫هذا المفهوم ال�ضيق لالختال�س‪ ،‬ي�ؤدي �إلى عدم تجريم عدة �سلوكيات كال�سرقات في البيع‬
‫نقدا �أو �سرقة �أ�شياء �سلمت لمجرد الإطالع عليها‪،‬ما دام الجاني لم ينتزع ال�شيء‪� ،‬إذ �سلم �إليه‬
‫طوعا‪ .‬كما �أن هذا الت�صور اليجرم الحاالت التي يح�صل فيها الجاني على ال�شيء نتيجة �صدفة‬
‫�أو حادث فجائي مثال‪.1‬‬
‫ـ النظرية الحديثة ‪ :‬ظهرت الإرها�صات الأولى لهذه النظرية والتي تعرف �أي�ضا‬
‫بالنظرية القانونية‪ ،‬في بع�ض �أحكام الق�ضاء الفرن�سي‪ .‬لكن الف�ضل في �صياغتها يعود للفقيه‬
‫الفرن�سي (جار�سون) الذي عرف الإختال�س على �أنه ‪�« :‬إ�ستيالء على الحيازة بالرغم �أو دون‬
‫�إرادة المالك �أو الحائز ال�سابق‪� .‬إنه غ�صب للحيازة الحقيقية بعن�صريها المادي والمعنوي‬
‫المتزامنين والمقترنين‪».‬‬
‫وتعريف جار�سون للإختال�س على النحو المتقدم‪ ،‬لم يكن من ن�سج خياله بل �سبقته‬
‫�إليه �أحكام الق�ضاء الفرن�سي‪ .‬غير �أن ف�ضل جار�سون �أنه عكف على ت�أ�صيل �أحكام الق�ضاء‬
‫الفرن�سي في ال�سرقة‪ ،‬و�صاغ منها نظريته في الإختال�س التي �أ�س�سها على نظام الحيازة في‬
‫القانون المدني‪.‬‬
‫والحيازة في ر�أي جار�سون هي �سيطرة واقعية و �إرادية للحائز على ال�شيء تخوله �إمكانية‬
‫االنتفاع به �أو تعديل كيانه �أو تحطيمه �أو نقله‪.2‬‬
‫وهكذا ينقل هذا الفقيه �إلى المادة الجنائية‪ ،‬المفهوم المدني للحيازة الذي ي�شمل‬
‫عن�صرين‪ :‬الأول مادي يخول للمالك �سلطة على ال�شيء كحرا�سته واالنتفاع به‪...‬والثاني معنوي‬
‫يكمن في قناعة المالك ب�أنه يحوز ال�شيء لنف�سه ولفائدته دون �سواه‪.‬‬
‫ويترتب عن ذلك‪� ،‬أن مفهوم الإختال�س يقوم حينما ينعدم لدى الجاني مفهوم الحيازة‬
‫بعن�صريها المادي و المعنوي‪ :‬مثال �سرقة الب�ضائع المعرو�ضة‪ ،‬والن�شل‪ ,‬كما يقوم حينما‬
‫اليكون للجاني �سوى مجرد و�ضع يد مادي على ال�شيء‪ ،‬حيث تكون له عليه �سلطة واقعية‬
‫محدودة تختلف كثيرا عن العن�صر المادي في الحيازة‪ ،‬دون وجود �أي عن�صر معنوي يقابله‪:‬‬
‫مثال حالة زبون الفندق الذي ي�ستولي على الأ�شياء المتروكة لخدمته في الغرفة التي ت�أويه‪� ،‬أو‬
‫الأجير الذي يختل�س �أدوات �أو مواد ي�ستعملها في عمله‪.3‬‬
‫وعلى العك�س من ذلك‪ ،‬ال يوجد اختال�س بالن�سبة لمن يتوافر لديه مفهوم الحيازة التامة‪:‬‬
‫وهكذا ال يعد �سارقا الم�شتري بال�سلف الذي بعد �أن تذرع بحجة خادعة‪ ،‬رف�ض �أداء �أحد‬

‫‪ 11‬مبارك ال�سعيد بن القائد‪ :‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.239.‬‬


‫‪ 22‬فتح الله خالف‪ :‬جرائم ال�رسقة‪ ،‬من�ش�أة املعارف باال�سكندرية‪� ،1997 ،‬ص‪16.‬ـ‪.17‬‬
‫‪ 33‬فتح الله خالف‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.17.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪158‬‬

‫الأق�ساط الم�ستحقة عليه‪ .‬بل وينعدم الإختال�س حتى لو توافر العن�صر المادي للحيازة لدى‬
‫الفاعل دون العن�صر المعنوي‪ ،‬فنحن هنا �أمام حيازة عار�ضة‪.‬‬
‫‪ - 2‬عنا�صر الإختال�س‪:‬‬
‫من تعريف جار�سون ال�سابق لالختال�س‪ ،‬يتبين �أن فكرة الإختال�س في جريمة ال�سرقة‪،‬‬
‫تقوم على عن�صرين �أولهما الإ�ستيالء على الحيازة وثانيهما انعدام ر�ضى مالك ال�شيء �أو‬
‫حائزه بهذا الإ�ستيالء‪.‬‬
‫�أ ‪� -‬سلب الجاني للمال و�إخراجه من حيازة المجني عليه و �إ�ضافته لحيازته ‪:‬‬
‫ي�شترط لقيام جريمة ال�سرقة �أن يقوم الجاني ب�إخراج المال من حيازة المجني عليه‪،‬‬
‫و�إ�ضافته �إلى حيازته بال�سيطرة عليه والظهور عليه بمظهر المالك‪ ،‬وهذا �شرط �ضروري لقيام‬
‫ال�سرقة‪ .‬وعليه فكل فعل مادي ال يتحقق به �إخراج الحيازة بالمعنى ال�سابق‪ ،‬ال ي�شكل اختال�سا‬
‫تقوم به ال�سرقة‪ .‬ونحو ذلك �أن يك�سر �شخ�ص �آنية ثمينة عمدا‪ 1‬بدون نية اختال�سها‪ ،‬فهذا‬
‫الفعل المادي‪ 2‬وكما هو ظاهر‪ ،‬ي�شكل �إخراجا لل�شيء �أو المال من حيازة �صاحبها ال�شرعي‪،‬‬
‫ولكنه الي�ضيف �شيئا �أو ماال �إلى حيازة الجاني‪ ،‬و�إن هو �شكل جريمة فهي من جرائم الإتالف‬
‫العمد‪ ،‬ولي�ست ال�سرقة‪.3‬‬
‫ثم �إنه ينبغي التمييز بين واقعة الت�صرف في المال �أو ال�شيء الم�سروق �أو الإ�ستفادة منه‬
‫ب�أي وجه من الوجوه‪ ،‬وبين واقعة الإختال�س كركن مادي في ال�سرقة‪ .‬ذلك �أن الت�صرف في‬
‫المال �أو الإ�ستفادة منه ي�أتي دائما في مرحلة زمنية الحقة �أو مرافقة لالختال�س على الأقل‪.4‬‬
‫هذا وال تهم الو�سيلة الم�ستخدمة لتحقق الإختال�س‪ ،‬في�ستوي في ذلك �إ�ستخدام مجهود‬
‫ع�ضلي �أو �آلي لإخراج الت�صرف المجرم �إلى حيز الوجود‪.‬‬
‫ب ‪ -‬انتفاء ر�ضى المجني عليه ب�إخراج المال من حيازته‪:‬‬
‫بالرجوع �إلى الن�ص القانوني �أي الف�صل ‪ 505‬من القانون الجنائي نجد �أنه لم ي�شر �إلى هذا‬
‫ال�شرط‪ ،‬ولكن ال�سائد فقها وقانونا هو �ضرورة تطلبه‪ ,‬فهو عن�صر الزم لتحقق الإختال�س‪� ،‬إذ‬
‫بدونه ال يتحقق معنى الإعتداء على الحيازة‪.‬ف�إذا ر�ضي ال�شخ�ص ب�أن ي�ستولي الغير على ماله‬
‫�صراحة �أو �ضمنا‪ ،‬فال مجال للحديث عن ال�سرقة‪.‬‬

‫‪� 11‬أو يحرق م�ستندا �أو ت�صميما �أو ما �شاكل هذه الأفعال‪ ،‬وذلك قبل �أن ي�ضمها �إىل حيازته‪.‬‬
‫‪� 22‬أما �إذا مل ي�صدر عن ال�شخ�ص �أي فعل مادي‪ ،‬ولكن املال �أو ال�شيء و�صل �إىل حيازته دون �سعي منه لذلك‪ ،‬فال يعد‬
‫واحلالة هذه �سارقا‪.‬‬
‫‪ 33‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.334.‬‬
‫‪ 44‬نورالدين العمراين‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.285.‬‬
‫‪159‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫هذا وينبغي �أن يكون الر�ضا �سابقا على الإختال�س �أو على الأقل معا�صرا �إياه‪� ,‬أما الر�ضا‬
‫الالحق له فهو من قبيل ال�صفح �أو التنازل الذي يحول دون المطالبة المدنية‪ ،‬ولكنه ال ي�ؤثر‬
‫في قيام الجريمة‪.1‬‬
‫والر�ضا المعول عليه هو الر�ضا ال�صادر عن �إرادة مدركة حرة‪� .‬أما �إذا انعدم الإدراك كما‬
‫هو الحال بالن�سبة للمجنون �أو ال�سكران �أو ال�صغير غير المميز �أو �إذا انعدم الإختيار كما هو‬
‫الحال بالن�سبة للمكره �أو الم�ضطر‪ ،‬ينعدم الر�ضا الذي يمنع قيام الجريمة‪.‬‬
‫والر�ضا قد يكون �صريحا �أو �ضمنيا و يكون �صريحا �إذا عبر مالك ال�شيء �أو حائزه عن‬
‫موافقته على الإ�ستيالء عليه باللفظ �أو بالكتابة �أو بالإ�شارة المتداولة عرفا �أو باتخاذ موقف ال‬
‫تدع ظروف الحال مجاال لل�شك في داللته على حقيقة المق�صود‪.2‬ويكون الر�ضا �ضمنيا �إذا لم‬
‫يعبر عنه ال�شخ�ص �صراحة‪ ،‬ولكن �أمكن �إ�ستخال�صه مع ذلك مما �أحاط بالواقعة من ظروف‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الق�صد الجنائي‬
‫جريمة ال�سرقة من الجرائم العمدية‪ ،‬يلزم توافر الق�صد الجنائي فيها ب�أن تتجه �إرادة‬
‫الجاني �إلى اقتراف الوقائع المكونة لهذه الجريمة مع علمه بحقيقة هذه الوقائع‪.3‬بيد �أن‬
‫تحديد مفهوم الق�صد الجنائي لل�سرقة‪ ،‬ينطوي على قدر من الدقة وال�صعوبة‪ ,‬حيث يثار‬
‫الت�سا�ؤل حول طبيعة هذا الق�صد‪ :‬هل ي�شترط الق�صد العام فقط �أم البد من توافر الق�صد‬
‫الخا�ص في ال�سرقة؟ ثم متى ي�شترط توافر هذا الق�صد؟‬
‫‪ - 1‬مفهوم الق�صد الجنائي في جريمة ال�سرقة‪:‬‬
‫يتحقق الق�صد الجنائي في ال�سرقة بان�صراف �إرادة الجاني �إلى �إختال�س المال المنقول على‬
‫الرغم من علمه ب�أنه مملوك للغير‪ .‬فجريمة ال�سرقة من الجرائم العمدية التي ال ي�س�أل مرتكبها‬
‫�إال �إذا توفر لديه ق�صد جنائي وهو ما �أ�شار �إليه الم�شرع المغربي في الف�صل (‪ )505‬عندما‬
‫ا�ستعمل عبارة »عمدا«‪ ،‬و�إن محاكم المو�ضوع ملزمة ببيان توافر هذا العن�صر من عدمه‪.‬‬
‫وبهذا الخ�صو�ص جاء في قرار �صادر عن المجل�س الأعلى �سابقا �أنه‪ » :‬لما كانت المحكمة‬
‫قد �أدانت الطاعن من �أجل جريمة ال�سرقة دون بيان لعن�صر العمد الذي يتكون من فعل‬
‫الإ�ستيالء عمدا على �شيء مملوك للغير لم يكن م�سلما �إليه وال م�ؤمنا عليه مما �أ�صبح معه‬

‫‪ 11‬ر�ؤوف عبيد‪ :‬جرائم الإعتداء على الأ�شخا�ص والأموال‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬الطبعة الثامنة‪� ،1985 ،‬ص‪.315.‬‬
‫‪ 22‬نائل عبد الرحمان �صالح‪ :‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.30.‬‬
‫‪ 33‬عبد الواحد العلمي‪ :‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.351.‬‬
‫قرار عدد ‪ 7567‬بتاريخ ‪ 83-10-25‬يف امللف عدد ‪ 14962‬من�شور بقرارات املجل�س الأعلى املادة اجلنائية ‪86-66‬‬
‫�ص‪ 197.‬وما يليها*‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪160‬‬

‫المجل�س غير متمكن من مراقبة توفر هذا العن�صر ف�إن القرار المطعون فيه يتعر�ض بذلك‬
‫للنق�ض« *‪.‬‬
‫وعليه فالق�صد الجنائي في هذه الجريمة يقوم على عن�صرين‪:‬‬
‫ •الإرادة‪ :‬حيث ينبغي �أن تتجه �إرادة الجاني �إلى الإ�ستيالء على المال المنقول‪،‬ب�سلب‬
‫حيازته التامة من حائزه القانوني والظهور عليه بمظهر المالك‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬ينتفي الق�صد الجنائي �إذا قام �شخ�ص ب�أخذ �شيء منقول مملوك للغير‬
‫لكن دون توجيه �إرادته �إلى واقعة الأخذ‪ .‬كما ينتفي �أي�ضا �إذا قام ب�أخذ المنقول المملوك للغير‬
‫نتيجة �إكراه �أو معتقدا �أنه ملك له �أو �أن المال مباح‪ .‬كما ال يتوافر الق�صد في ال�سرقة �إذا تم‬
‫�أخذ ال�شيء بق�صد ا�ستعماله ثم �إعادته ل�صاحبه مرة �أخرى‪ ،‬لأن الأخذ هنا لم يكن مق�صودا‬
‫به نقل الحيازة التامة لل�شيء‪.1‬‬
‫ •العلم‪ :‬ال يكفي لتحقق الق�صد الجنائي في ال�سرقة �أن تتجه �إرادة الجاني �إلى �أخذ المال‬
‫المنقول محل الجريمة‪ ،‬بل البد �أن يكون هذا الأخير‪ ،‬عالما ب�أن ال�شيء المنقول الذي يختل�سه‬
‫مملوك للغير و�أن هذا الإ�ستيالء ح�صل بدون ر�ضى المالك‪.‬‬
‫هذا ويختلف الق�صد الجنائي �إذا كان ال�شخ�ص يعتقد عن ح�سن نية ب�أنه ي�أخذ ماال تعود‬
‫ملكيته �إليه‪� ،‬أو �أن �صاحبه را�ض عن �أخذه له‪.2‬‬
‫هذه هي العنا�صر الالزم توافرها لقيام الق�صد الجنائي‪-‬بمفهومه العام‪ -‬في جريمة‬
‫ال�سرقة‪� .‬إال �أن بع�ض الفقه يرون �ضرورة توافر ق�صد جنائي خا�ص �إلى جانب الق�صد العام‬
‫لقيام الجريمة‪ ،‬والق�صد الخا�ص في نظر ه�ؤالء يتمثل في نية تملك ال�شيء الم�سروق‪.‬‬
‫‪ - 2‬معا�صرة الق�صد لفعل الإختال�س‪:‬‬
‫من القواعد المقررة في نظرية الق�صد الجنائي‪� ،‬ضرورة اقتران �أو معا�صرة هذا الق�صد‬
‫للفعل الذي يقوم به الركن المادي للجريمة‪� .‬أما �إذا كان الق�صد الحقا فال عبرة به‪ .‬لكن‬
‫ال�س�ؤال الذي يثور يتعلق بتحديد اللحظة الزمنية التي تتحقق فيها واقعة الإختال�س؟‬
‫بع�ض الفقهاء يرون �أن هذه الواقعة متحققة‪ ،‬في ذات الوقت الذي يتحقق فيه الإ�ستيالء‬
‫المادي على ال�شيء‪ .‬ولذا وجب �أن يتوافر لدى الفاعل الق�صد الجنائي في هذه اللحظة‪�،‬أما �إذا‬
‫تخلف فال يكون الإ�ستيالء عمديا‪ .‬و يترتب على ذلك‪� ،‬أن جريمة ال�سرقة ال يقوم لها وجود �إذا‬
‫ما وجد الق�صد بعد ذلك‪ .‬ومن �أمثلة ذلك �أن ي�ستولي �شخ�ص على محفظة �شخ�ص �آخر خط�أ‬

‫‪ 11‬نورالدين العمراين‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.295.‬‬


‫‪ 22‬نائل عبد الرحمان �صالح‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.61 .‬‬
‫‪161‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫فيرتئي الإحتفاظ بها بعدما وجد بها �شيئا ثمينا‪ ،‬ففي هذه الحالة ال يعد ال�شخ�ص �سارقا لأن‬
‫الق�صد الجنائي لم يتوفر لحظة الإ�ستيالء على المحفظة‪.‬‬
‫بينما يذهب اتجاه �آخر �إلى القول ب�أنه ال يلزم توافر نية التملك لحظة �إرتكاب ال�سلوك‪،‬‬
‫ويكفي �أن تتوافر في لحظة الحقة‪ .‬ويبني هذا االتجاه ر�أيه على �أ�سا�س �أن الإختال�س لي�س هو‬
‫مجرد الإ�ستيالء المادي على ال�شيء‪ ،‬بل �إنه يتطلب �سلبا كامال للحيازة �أي �أن يتوافر لدى‬
‫الجاني نية التملك في اللحظة التي ي�ستجمع فيها الجاني عنا�صر الحيازة الكاملة بجانبيها‬
‫المادي والمعنوي‪.‬‬
‫والجدير بالذكر‪ ,‬ف�إن المحكمة ملزمة ببيان العنا�صر التكوينية لجريمة ال�سرقة كما تم‬
‫تف�صيلها �أعاله قبل الحكم بالإدانة و�إال تعر�ض قرارها للنق�ض كما اقر ذلك المجل�س الأعلى‬
‫�سابقا في �أحد قراراته من �أن‪�» :‬إدانة الطاعن بجنحة ال�سرقة على �أ�سا�س �أن موا�صفات‬
‫الدراجة النارية الم�سروقة هي نف�سها التي وردت على ل�سان ال�شاهد دون �إبراز العنا�صر‬
‫التكوينية للجنحة كما يقت�ضي ذلك القانون الجنائي من �أن يعمد ال�سارق �إلى الإ�ستيالء على‬
‫�شيء مملوك للغير و�أن يتم ذلك عن طريق الخل�سة وب�سوء نية تكون المحكمة بذلك قد بنت‬
‫ق�ضاءها على االحتمال الذي ي�سقط به اال�ستدالل وجاء قرارها تبعا لذلك م�شوبا بنق�صان‬
‫التعليل المنزل منزلة انعدامه»‪.1‬‬
‫المطلب الثاني ‪� :‬أركان جريمتي الن�صب وخيانة الأمانة‬
‫�سنعمل من خالل هذا المطلب على درا�سة جريمة الن�صب في (الفقرة الأولى) لنخ�ص�ص‬
‫(الفقرة الثانية) لمناق�شة جريمة خيانة الأمانة‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬ماهية و�أركان جريمة الن�صب‬
‫لقد �أعطى الفقه تعريفات كثيرة لجريمة الن�صب‪� ،‬إذ عرفها البع�ض بكونها ا�ستيالء على‬
‫منقول مملوك للغير الذي يتم خداعه ق�صد حمله على ت�سليمه �إياه بمح�ض �إرادته وقال البع�ض‬
‫الآخر �أن جريمة الن�صب هي ا�ستعمال الجاني لأي و�سيلة من و�سائل التدلي�س المحددة على‬
‫�سبيل الح�صر بق�صد حمل المجني عليه على ت�سليم ماله �إلى الجاني‪ .‬وتتميز هذه الجريمة‬
‫ب�أنها ت�ستهدف الإعتداء على الملكية �إذ �أن الجاني يهدف من �إ�ستعمال الو�سائل الإحتيالية �إلى‬
‫الإ�ستيالء على كل �أو بع�ض مال الغير كما �أنها تتعدد فيها �سلوكات المجرم‪� ,‬إذ يبد�أ الجاني‬
‫باللجوء �إلى الت�أثير على �إرادة ال�شخ�ص المخاطب ب�إ�ستعمال الإحتيال ثم تنخدع ال�ضحية‬
‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 387‬بتاريخ ‪ 2014-04-17‬يف امللف اجلنحي عدد‪ 4417‬من�شور مبجلة ق�ضاء حمكمة النق�ض عدد ‪77‬‬
‫�ص‪ 361.‬وما يليها‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪162‬‬

‫لتعمد بالت�صرف ت�صرفا م�ضرا بم�صالحها �أو م�صالح غيرها ثم تنق�ضي با�ستيالء الجاني‬
‫على مالها‪.‬‬
‫وقد نظم الم�شرع المغربي جريمة الن�صب في الف�صول من ‪� 540‬إلى ‪ 546‬من المجموعة‬
‫الجنائية وحدد لها عنا�صرها التكوينية في الف�صل ‪ 540‬الذي ين�ص على �أنه «يعد مرتكبا‬
‫لجريمة الن�صب‪ ،‬ويعاقب بالحب�س من �سنة �إلى خم�س �سنوات وغرامة من خم�سمائة �إلى‬
‫خم�سة �آالف درهم‪ ،‬من ا�ستعمل الإحتيال ليوقع �شخ�صا في الغلط بت�أكيدات خادعة �أو �إخفاء‬
‫وقائع �صحيحة �أو ا�ستغالل ماكر لخط�أ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك �إلى �أعمال تم�س م�صالحه‬
‫�أو م�صالح الغير المالية بق�صد الح�صول على منفعة مالية له �أو ل�شخ�ص �آخر«‪.‬‬
‫ويتبين من قراءة هذا الف�صل �أن الم�شرع المغربي قد حدد لهذه الجريمة الأركان العامة‬
‫المتطلبة لقيام �أي جريمة والمتمثلة في ا�شتراط الركنين المادي والمعنوي لم�ساءلة الجاني‬
‫عن ارتكابه للن�صب وتوقيع العقاب الم�ستحق عليه‪ ,‬ويتمثل الركن المادي في تمكن الجاني عن‬
‫طريق الإحتيال من التو�صل �إلى الإ�ستيالء على مال الغير �ضحية هذا الإحتيال‪ ،‬و�أما الركن‬
‫المعنوي فقوامه توافر الق�صد الجنائي لدى الجاني‪.‬‬
‫�أوال‪ :‬الركن المادي‪:‬‬
‫عبر الم�شرع المغربي في الف�صل ‪ 540‬من القانون الجنائي على ماهية الركن المادي‬
‫لجريمة الن�صب بقوله « يعد مرتكبا لجريمة الن�صب‪...... ،‬من ا�ستعمل الإحتيال ليوقع‬
‫�شخ�صا في الغلط بت�أكيدات خادعة �أو �إخفاء وقائع �صحيحة �أو ا�ستغالل ماكر لخط�أ وقع فيه‬
‫غيره ويدفعه بذلك �إلى �أعمال تم�س م�صالحه �أو م�صالح الغير المالية بق�صد الح�صول على‬
‫منفعة مالية له �أو ل�شخ�ص �آخر»‪.‬‬
‫�إذن فالركن المادي لهذه الجريمة يتوفر بتحقق عنا�صره الثالث‪:‬‬
‫‪ - 1‬ن�شاط �إجرامي‪ :‬هو الإحتيال على المجني عليه ب�إحدى و�سائل الإحتيال التي حددها‬
‫الف�صل ‪ 540‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪  - 2‬نتيجة �إجرامية‪ :‬هي �إيقاع المجني عليه في غلط يدفعه �إلى �أعمال تم�س م�صالحه �أو‬
‫م�صالح الغير المالية‪.‬‬
‫‪  - 3‬عالقة �سببية‪ :‬تربط الن�شاط الإجرامي بالنتيجة الإجرامية‪.‬‬
‫‪ - 1‬الن�شاط الإجرامي المتمثل في ا�ستعمال الإحتيال‪:‬‬
‫بالن�سبة لهذا العن�صر فالم�شرع لم يحدد ماهية الإحتيال على المجني عليه‪ ،‬و�إنما قام‬
‫بح�صر العنا�صر التي يتحقق بها هذا العن�صر وهي‪:‬‬
‫‪163‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أ ‪ -‬الت�أكيدات الخادعة للمجني عليه‪:‬‬


‫هذه الت�أكيدات ال يمكن �أن تتحقق �إال �إذا لج�أ الجاني �إلى الكذب ب�أمر من الأمور‪ ،‬وي�ستوي‬
‫هذا الكذب �أن يكون �شفاهيا �أو مكتوبا‪ .‬فالكذب المق�صود �إذن ال يتحقق بمجرد الأقوال‬
‫واالدعاءات الكاذبة مهما بالغ قائلها في ت�أكيد �صحتها‪ ،‬و�إنما يجب �أن يكون الكذب م�صحوبا‬
‫ب�أعمال مادية �أو مظاهر خارجية تحمل المجني عليه على االعتقاد ب�صحتها‪ .‬وكيفما كان‬
‫الأمر ف�إنه و�أمام عدم ح�صر المظاهر الخارجية التي يت�أكد بها كذب الجاني واحتياله تتحقق‬
‫جريمة الن�صب ب�إ�ستعانة الجاني ب�أي مظهر من المظاهر التي ت�شكل احتياال ي�ستطيع معه‬
‫ت�أكيد جميع ادعاءاته الكاذبة وحمل المجني عليه على ت�سليمه ماله‪.‬‬
‫ب ‪� -‬إخفاء وقائع �صحيحة عن المجني عليه‪:‬‬
‫يبقى الم�شرع المغربي من الت�شريعات الجنائية القليلة التي اعتبرت كتمان ال�شخ�ص لوقائع‬
‫حقيقية عن�صرا م�شكال لالحتيال الذي يعد بمثابة الن�شاط الإجرامي في جريمة الن�صب‪،‬‬
‫ويراد بهذه الحالة تعمد الجاني �إخفاء حقائق معينة على ال�ضحية للو�صول �إلى غايته وهي‬
‫ت�سليمه المال مثال ‪ .‬ومجرد الكتمان ال يعد م�شكال لالحتيال في جريمة الن�صب �إال �إذا كان‬
‫من�صبا على واقعة معينة لها �أهميتها الق�صوى عند ال�ضحية وتقدير هذه الأهمية يبقى متروكا‬
‫لل�سلطة التقديرية للقا�ضي الجنائي ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ا�ستغالل ماكر لغلط وقع فيه المجني عليه‪:‬‬
‫�إن الإ�ستغالل الماكر لغلط يقع فيه الغير اليتحقق �إال بوجود عن�صرين‪:‬‬
‫�أولهما‪� :‬أن يقع ال�ضحية المجني عليه في غلط ويكون من �ش�أن هذا الغلط �أن يجعله يتخلى‬
‫عن ماله للجاني‪ .‬وثانيهما‪� :‬أن يقوم الجاني با�ستغالل هذا الغلط بكيفية ذكية يتخللها المكر‬
‫والدهاء فيتدخل قا�صدا ت�صحيح الغلط وحمل المجني عليه على التخلي عن ماله‪.‬‬
‫وفي هذا االطار‪ ،‬فمحاكم المو�ضوع ملزمة بتبيان وقائع الإحتيال و�إال تعر�ض ق�ضا�ؤها‬
‫للنق�ض فقدجاء في �أحد قرارات المجل�س الأعلى �سابقا �أنه‪« :‬ي�شترط لقيام جريمة الن�صب‬
‫ح�سب الف�صل ‪ 540‬من القانون الجنائي ا�ستعمال الإحتيال ب�إخفاء وقائع �صحيحة من المحتال‬
‫عليه ق�صد الإ�ضرار به والإ�ستفادة المالية من وراء ذلك‪.‬‬
‫وال يعتبر عدم تنفيذ االلتزام ب�أداء الثمن المتفق عليه وحده احتياال والقرار الذي لم يبرز‬
‫وقائع الإحتيال يكون عديم التعليل ويتعر�ض للنق�ض‪»1.‬‬
‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 3/338‬بتاريخ ‪ 96-03-19‬يف امللف عدد ‪ 95/4656‬من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد‪ 49‬و‪� 50‬ص‪.‬‬
‫‪. 183‬‬
‫الغلط هو حالة تقوم بنف�س املجني عليه حتمله على توهم غري الواقع‪ .‬وغري الواقع �إما يكون واقعة غري �صحيحة يتوهم‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪164‬‬

‫‪ - 2‬النتيجة الإجرامية‪:‬‬
‫وفي ما يخ�ص العن�صر الثاني المتعلق ب�إيقاع المجني عليه في غلط يدفعه �إلى �أعمال تم�س‬
‫م�صالحه �أو م�صالح الغير المالية‪ ،‬فهو النتيجة التي يجب �أن تترتب عن العن�صر الأول حيث‬
‫يتعين �أن ي�ؤدي ا�ستعمال المتهم لو�سائل الإحتيال �إلى �إيقاع المجني عليه في الغلط الذي يدفعه‬
‫�إلى �أعمال تم�س م�صالحه �أو م�صالح الغير المالية‪ .1‬فالنتيجة في جريمة الن�صب تتحقق‬
‫بالإ�ستيالء على مال المجني عليه‪� ،‬أما �إذا لم يتم ت�سليم المال رغم ا�ستنفاذ الجاني لجميع‬
‫الو�سائل الإحتيالية فالأفعال تكيف على �أنها محاولة الن�صب وال ت�شكل جريمة الن�صب التامة‪.‬‬
‫وبالن�سبة للعمل الق�ضائي في المغرب‪ ،‬ف�إنه تجب الإ�شارة �إلى �أن حدوث ال�ضرر يبقى‬
‫عن�صرا �أ�سا�سيا لقيام جريمة الن�صب وهو ما �أقره المجل�س الأعلى �سابقا في العديد من‬
‫القرارات حيث جاء في �أحد قراراته �إن‪» :‬جرائم التزوير والن�صب وخيانة الأمانة ال تتم‬
‫عنا�صرها �إال بحدوث ال�ضرر»‪.‬‬
‫‪ - 3‬العالقة ال�سببية بين الن�شاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية‪:‬‬
‫وف�ضال عن العن�صرين ال�سابقين‪ ،‬ي�ستوجب الركن المادي لجريمة الن�صب عن�صرا ثالثا‬
‫هو العالقة ال�سببية بين احتيال المتهم وقيام المجني عليه ب�أعمال تم�س م�صالحه �أو م�صالح‬
‫غيره المالية‪ ،‬باعتبار هذه الأخيرة جريمة من جرائم النتيجة‪ ،‬فال يكفي في ركنها المادي‬
‫ا�ستعمال المتهم الإحتيال بق�صد خداع المجني عليه وقيام الأخير ب�أعمال تم�س م�صالحه �أو‬
‫م�صالح الغير المالية‪ ،‬و�إنما يلزم كذلك توافر عالقة ال�سببية بين �إ�ستعمال المتهم الإحتيال‬
‫وبين وقوع المجني عليه في الغلط وبين قيامه ب�أعمال تم�س م�صالحه �أو م�صالح الغير المالية‪.2‬‬
‫وم�س�ألة �إ�ستخال�ص العالقة ال�سببية ترجع لقا�ضي المو�ضوع والذي عليه �أن يتحقق من وجودها‬
‫�أو انتفائها من خالل الظروف والمالب�سات المرتبطة بكل ق�ضية على حدة ووقائعها‪ ،‬كما �أنه‬
‫يوكل �إليه تقدير نوعية الو�سائل الإحتيالية التي ا�ستعملها الجاني وتحديد ما �إذا كانت هي التي‬
‫دفعت المجني عليه �إلى القيام بعمل ي�ضر بم�صالحه المالية �أم ال ‪.‬‬
‫املذكور �صحتها‪� ،‬أو واقعة �صحيحة يتوهم عدم �صحتها‪ ،‬وي�ستوي �أن يكون الغلط الذي وقع فيه املجني عليه غلطا يف‬
‫القانون �أو غلطا يف ذات ال�شيء �أو نوعه �أو يف �صفة فيه �أو غلطا يف �شخ�ص املتهم �أو �صفته‪.‬‬
‫‪ * 11‬قرار عدد ‪ 3/338‬بتاريخ ‪ 96-03-19‬يف امللف عدد ‪ 95/4656‬من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد‪ 49‬و‪50‬‬
‫�ص‪. 183‬‬
‫الغلط هو حالة تقوم بنف�س املجني عليه حتمله على توهم غري الواقع‪ .‬وغري الواقع �إما يكون واقعة غري �صحيحة يتوهم‬
‫املذكور �صحتها‪� ،‬أو واقعة �صحيحة يتوهم عدم �صحتها‪ ،‬وي�ستوي �أن يكون الغلط الذي وقع فيه املجني عليه غلطا يف‬
‫القانون �أو غلطا يف ذات ال�شيء �أو نوعه �أو يف �صفة فيه �أو غلطا يف �شخ�ص املتهم �أو �صفته‪.‬‬
‫‪ 22‬قرار �صادر بتاريخ ‪ 77-5-19‬حتت عدد ‪ 745‬يف امللف اجلنحي عدد‪ 41900‬من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى‬
‫عدد‪59‬و‪� 60‬ص‪**-. 451.‬‬
‫‪-‬حممد عبد احلميد الألفي‪ ،‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪6529.‬‬
‫‪165‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي‪:‬‬


‫�إن جريمة الن�صب من الجرائم العمدية التي يقوم ركنها المعنوي على الق�صد الجنائي‬
‫بعن�صريه العلم والإرادة‪ ،‬حيث يجب �أن يعلم المتهم بماهية فعله‪ ،‬ولو كان �سلبيا ك�إخفاء‬
‫الوقائع ال�صحيحة وبكونه يعتبر ا�ستعماال لالحتيال‪ ،‬وب�أن من �ش�أن هذا الفعل �إيقاع المجني‬
‫عليه في الغلط الذي يدفعه �إلى �أعمال تم�س م�صالحه �أو م�صالح الغير المالية‪.‬‬
‫ف�إذا كان المتهم قد �إرتكب الفعل عن ح�سن نية لكونه يعتقد عن جهل يمكن العذر عنه �أو‬
‫غلط ب�أن هذا الفعل يعتبر ا�ستعماال لالحتيال‪ ،‬ف�إن الق�صد الجنائي لديه يكون منتفيا‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬ماهية و �أركان جريمة خيانة الأمانة‬
‫�إن جريمة خيانة الأمانة تهدد الثقة العامة بين �أفراد المجتمع وهي تن�صب على حق ملكية‬
‫الأ�شخا�ص ويتم بوا�سطتها الإ�ستيالء على �أموال الغير من خالل خيانة الثقة التي و�ضعها‬
‫ال�شخ�ص في الجاني من خالل ت�سليمه المال المنقول ‪ .‬وهذه الجريمة كانت تعتبر في الأزمنة‬
‫القديمة مثل ال�سرقة في القانون الروماني‪� ،‬إال �أنه مع مرور الوقت �أ�صبحت جريمة قائمة‬
‫الذات م�ستقلة ب�أركانها و�شروطها‪ ،‬وهي تقع على المال الم�سلم من قبل ال�ضحية للجاني على‬
‫�سبيل الحيازة الناق�صة وذلك بتحويل تلك الحيازة الناق�صة �إلى حيازة كاملة ‪.‬‬
‫وقد نظم الم�شرع المغربي جريمة خيانة الأمانة في الفرع الثالث من الباب التا�سع المتعلق‬
‫بالجنايات والجنح المتعلقة بالأموال وذلك في الف�صول مابين ‪ 547‬و ‪ 555‬من المجمــوعة‬
‫الـجنائية‪ ،‬حيث خ�صت هذه الأخيرة الف�صـ ــول ‪ 547‬و ‪ 549‬و ‪ 550‬لجريمة خيانة الأمانة‪.‬‬
‫ون�ص في الف�صل ‪ 548‬من القانون المذكور على �سريان الإعفاء من العقوبة وقيود المتابعة‬
‫الجنائية‪ ،‬المقررة في الف�صول من ‪� 534‬إلى ‪ 536‬من القانون ذاته‪ ،‬على جريمة خيانة الأمانة‬
‫المعاقب عليها بالف�صل ‪ 547‬فقط‪.‬‬
‫وهناك جرائم �أخرى �ألحقها الم�شرع بجريمة خيانة الأمانة وهي جرائم التملك بدون حق‬
‫حيث ورد الن�ص عليها في الف�صول ‪ 551‬و ‪ 552‬و ‪ 553‬و ‪ 554‬من المجموعة الجنائية المغربية‪.‬‬
‫في حين �أ�شار الف�صل الأخير من هذه المجموعة (الف�صل ‪� )555‬إلى عقوبة �إ�ضافية وتدبير‬
‫وقائي �شخ�صي‪ ،‬يجوز �أن يحكم بها �أي�ضا على الجناة في الجرائم المن�صو�ص عليها في‬
‫الف�صلين ‪ 552‬و ‪ 553‬من القانون ذاته‪ ،‬دون غيرها من الجرائم الملحقة بخيانة الأمانة ‪.1‬‬
‫و�ستنطرق فيما يلي لركنيها المادي والمعنوي‪.‬‬

‫‪ 11‬حممد عبد احلميد الألفي‪ ،‬جرائم خيانة الأمانة والتملك بدون حق يف القانون املغربي‪ ،‬الدار امل�رصية املغربية للن�رش‬
‫والتوزيع‪� ،‬ص‪.3.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪166‬‬

‫�أوال‪ :‬الركن المادي‬


‫ن�ص الف�صل ‪ 547‬من القانون الجنائي على �أن « من اختل�س �أو بدد ب�سوء نية‪� ،‬إ�ضرارا‬
‫بالمالك �أو وا�ضع اليد �أو الحائز‪� ،‬أمتعة �أو نقودا �أو ب�ضائع �أو �سندات �أو و�صوالت �أو �أوراقا‬
‫من �أي نوع تت�ضمن �أو تن�شئ التزاما �أو �إبراء كانت �سلمت �إليه على �أن يردها‪� ،‬أو �سلمت �إليه‬
‫ال�ستعمالها �أو �إ�ستخدامها لغر�ض معين‪ ،‬يعد خائنا للأمانة ويعاقب بالحب�س من �ستة �أ�شهر �إلى‬
‫ثالث �سنوات وغرامة من مائتين �إلى �ألفي درهم‪.‬‬
‫و�إذا كان ال�ضرر الناتج عن الجريمة قليل القيمة‪ ،‬كانت عقوبة الحب�س من �شهر �إلى �سنتين‬
‫والغرامة من مائتين �إلى مائتين وخم�سين درهما مع عدم الإخالل بتطبيق الظروف الم�شددة‬
‫المقررة في الف�صلين ‪ 549‬و‪.»550‬‬
‫بقراءة هذا الف�صل يت�ضح على �أن هناك مجموعة من ال�شروط التي تتحقق بها العنا�صر‬
‫التكوينية للركن المادي لجريمة خيانة الأمانة‪ ،‬ففيها ما يتعلق بمو�ضوع الجريمة وهناك‬
‫�شروط ترتبط بفعل الإختال�س و التبديد وتحقق ال�ضرر‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ بالن�سبة لمو�ضوع الجريمة فيجب �أن تقع على مال منقول للغير ت�سلمه المتهم على �سبيل‬
‫الأمانة‪ :‬حيث عبر الم�شرع في الف�صل ‪ 547‬من القانون الجنائي عن المال مو�ضوع جريمة‬
‫خيانة الأمانة ب�أنه « �أمتعة �أو ب�ضائع �أو �سندات �أو و�صوالت �أو �أوراق من �أي نوع تت�ضمن �أو تن�شئ‬
‫�إلتزاما �أو �إبراء»‪.‬‬
‫ولم يحدد الم�شرع في الف�صل المذكور ال�شروط المتطلبة في المال مو�ضوع الجريمة‪ ،‬و�إنما‬
‫اقت�صر فقط على ذكر �أمثلة له‪ ،‬وكل ما ذكر من �أمثلة هو من قبيل المنقوالت المادية‪.‬‬
‫و يت�سع مفهوم المنقول مو�ضوع جريمة خيانة الأمانة لي�شمل العقار بالتخ�صي�ص �أو المنقول‬
‫المخ�ص�ص لخدمة عقار �أو ا�ستغالله كالموا�شي والآالت الزراعية التي ي�شملها كراء الأرا�ضي‬
‫الفالحية‪ ،‬والعقار بااللت�صاق‪ ،‬ك�أبواب المنازل المكتراة ونوافذها و�صنابير المياه بها‪ ،‬وكذلك‬
‫كل �شيء يمكن نقله من حيز العقار ب�إتالفه‪.1‬‬
‫�أما العقارات بطبيعتها وهو كل �شيء م�ستقر بحيزه ثابت فيه ال يمكن نقله منه دون تلف‪،‬‬
‫فال ت�صلح �أن تكون مو�ضوعا لهذه الجريمة‪.‬فقد جاء في قرار للمجل�س الأعلى �سابقا‪-‬محكمة‬
‫النق�ض حاليا ‪�-‬أنه‪» :‬تكون محكمة الإ�ستئناف قد خرقت الف�صل ‪ 547‬من القانون الجنائي‪,‬‬
‫عندما اعتبرت تفويت العقار جنحة خيانة الأمانة ويكون قرارها م�ستوجبا للنق�ض‪.2‬‬
‫‪ 11‬حممود جنيب ح�سني‪� ،‬رشح قانون العقوبات‪ ،‬الق�سم اخلا�ص‪ ،‬دار النه�ضة العربية‪ ،‬الطبعة الثانية‪� 1994 ،‬ص‪1.‬‬
‫‪.138‬‬
‫‪ 22‬قرار �صادر بتاريخ ‪ 89-11-16‬حتت عدد‪ 8579‬يف امللف اجلنحي عدد‪ 88/22607‬من�شور مبجلة املحاكم املغربية عدد‬
‫‪� 63‬ص‪ 112 .‬وما يليها‪.‬‬
‫‪167‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وف�ضال عن �أن يكون المال منقوال ومملوكا للغير يجب ت�سليم المال على �سبيل الأمانة‪ ،‬وعبر‬
‫الم�شرع على ذلك في الف�صل ‪ 547‬عن ماهية ت�سليم الأموال مو�ضوع جريمة خيانة الأمانة �إلى‬
‫المتهم ب�أنها « كانت �سلمت �إليه على �أن يردها �أو �سلمت �إليه ال�ستعمالها �أو �إ�ستخدامها لغر�ض‬
‫معين»‪ .‬ولم ي�شترط الم�شرع في الف�صل المذكور لقيام الجريمة �أن يكون ت�سلم المتهم للمال‬
‫بناء على عقد من عقود الأمانة‪ ،‬و�إنما جعل قيامها منوطا بت�سلمه �إياه ت�سليما ناقال للحيازة‬
‫الناق�صة بحيث يكون واجبا عليه رده �أو �إ�ستعماله �أو �إ�ستخدامه لغر�ض معين‪.1‬‬
‫فال قيام لجريمة خيانة الأمانة �إذا كان ت�سليم المال �إلى المتهم ت�سليما ناقال للملكية �أو‬
‫الحيازة الكاملة‪ ،‬كما في حالة الت�سليم بناء على عقد بيع �أو هبة �أو معاو�ضة �أو قر�ض‪.‬‬
‫‪ - 2‬بعد الحديث عن ال�شروط المتعلقة بمو�ضوع الجريمة‪ ،‬الآن �سنتطرق �إلى فعل الإختال�س‬
‫والتبديد لما لهذين الأخيرين من خ�صو�صية في هذه الجريمة‪ ،‬فالإختال�س في جريمة خيانة‬
‫الأمانة هو ظهور الأمين على ال�شيء الم�سلم �إليه بمظهر المالك‪� ،‬إما باالمتناع عن رده دون‬
‫مبرر م�شروع‪ ،‬و �إما بالت�صرف فيه ت�صرفا ال ي�صدر �إال عن مالكه بالرغم من بقائه في حيازته‪.‬‬
‫فيتحقق الإختال�س بادعاء المتهم (على خالف الحقيقة) عدم وجود المال مو�ضوع الجريمة‬
‫في حيازته الناق�صة بق�صد التخل�ص من التزامه برده �إلى �صاحبه واالحتفاظ به لنف�سه‪ ،‬كما‬
‫�أدعى ت�سلمه �أ�صال �أو ادعى رده‪� ،‬أو تلفه �أو هالكه �أو �سرقته‪.2‬‬
‫ويتحقق �أي�ضا بالإمتناع عن رد ال�شيء �إلى �صاحبه بمجرد طلبه �أو عند �إنتهاء �سبب حيازته‬
‫الناق�صة‪ ،‬دون مبرر م�شروع كما يتحقق كذلك بكل فعل �إيجابي ال ي�صدر �إال عن مالك يقترفه‬
‫الأمين مع بقاء ال�شيء في حيازته‪ ،‬ككراء ال�شيء �أو �إعارته �أو رهنه‪ ،‬على خالف ما يجيزه له‬
‫القانون‪.3‬‬
‫‪� - 3‬شرط تحقق ال�ضرر‪� :‬إن كل فعل �إجرامي �إال ويترتب عنه �ضرر مبا�شر �أو غير مبا�شر‪،‬‬
‫وهو الذي يح�ضره القانون ويعاقب عليه حماية لل�ضحية في هذه الجريمة‪ .‬وبذلك يكون ال�ضرر‬
‫في غالبية الأحوال هو النتيجة الإجرامية التي تترتب عن الن�شاط الإجرامي الذي �أتاه الفاعل‪،‬‬
‫كما يمكن �أن يكون عن�صرا مندمجا في الركن المعنوي للجريمة‪ ،‬كما هو ال�ش�أن بالن�سبة‬
‫للجرائم ال�شكلية والتي ال يتطلب فيها الركن المادي �ضرورة تحقق نتيجة �إجرامية كجريمة‬
‫الت�سميم مثال‪ .‬وبالرجوع �إلى مقت�ضيات الف�صل ‪ 547‬من مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬يمكن �أن‬
‫ن�ست�شف ب�أن تحقق ال�ضرر في جريمة خيانة الأمانة ي�شكل عن�صرا م�ستقال في الركن المادي‬

‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.367.‬‬


‫‪ 22‬حممود جنيب ح�سني‪� ،‬رشح قانون العقوبات‪ ،‬الق�سم اخلا�ص‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.1240.‬‬
‫‪ 33‬حممد عبد احلميد الألفي‪ ،‬جرائم خيانة الأمانة والتملك بدون حق يف القانون املغربي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.71.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪168‬‬

‫لهذه الجريمة‪� ،‬إذ اليكفي فقط �إتيان الفاعل لواقعة الإختال�س �أو التبديد بل يجب �أن يترتب‬
‫عن هذه الواقعة �ضرر بالمالك �أو الحائز �أو وا�ضع اليد على المنقول مو�ضوع الأمانة‪ ،‬مما يعني‬
‫�أن وجود الإختال�س �أو التبديد دون وجود �ضرر اليكفي لقيام جريمة خيانة الأمانة‪ ،‬وهو ما‬
‫�أكده العمل الق�ضائي المغربي من خالل قرار للمجل�س الأعلى �سابقا جاء فيه‪ :‬يعتبر ال�ضرر‬
‫عن�صرا �أ�سا�سيا لقيام جرائم خيانة الأمانة والزور وا�ستعماله والن�صب ‪(.‬قرار �صادر بتاريخ‬
‫‪ 85-03-28‬تحت عدد ‪ 2909‬من�شور بمجموعة قرارات المجل�س الأعلى ‪ -‬المادة الجنائية ‪-81‬‬
‫‪� 95‬ص‪ 87.‬وما يليها‪).‬‬
‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي‬
‫تعتبر خيانة الأمانة جريمة عمدية‪ ،‬ويقوم ركنها المعنوي على الق�صد الجنائي بعن�صريه‬
‫العلم والإرادة‪ ،‬فيجب �أن يعلم المتهم �أن المال مو�ضوع الجريمة مملوك للغير‪ ،‬ف�إذا جهل ذلك‬
‫لأنه خلط بين هذا المال والمال الذي يملكه‪ ،‬و �أعتقد حين ت�صرف فيه �أنه يت�صرف في ماله‪،‬‬
‫انتفى الق�صد الجنائي لديه‪.‬‬
‫ويجب �أن يعلم المتهم ب�أن المال مو�ضوع الجريمة في حيازته الناق�صة‪ ،‬ويعلم �أنه ملتزم‬
‫برده �أو ب�إ�ستعماله �أو �إ�ستخدامه لغر�ض معين‪ ،‬ف�إذا جهل ذلك‪ ،‬و اعتقد عن غلط �أن هذا المال‬
‫عائد �إليه بالإرث �أو �أن �صاحبه قد وهبه له‪ ،‬انتفى الق�صد الجنائي لديه‪.1‬‬
‫وتجدر الإ�شارة �إلى �أن �سوء النية في خيانة الأمانة في العمل الق�ضائي المغربي يبقى‬
‫مفتر�ضا في هذه الجريمة �إلى �أن يثبت العك�س وهذا المبد�أ قد �أقره الق�ضاء المغربي في عدة‬
‫قرارات و�أحكام‪� .2‬إال �أن هذا االتجاه يبقى مو�ضوع نقا�ش ويرى فيه البع�ض �أنه تنق�صه الدقة‬
‫بذريعة �أن الق�صد الجنائي يلزم �إثباته وال يعد مفتر�ضا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العقاب في جرائم الأموال ‪ :‬ال�سرقة والن�صب وخيانة الأمانة‬
‫�سنحاول في هذا المبحث الوقوف عند عقاب الجرائم الموم�أ �إليها �أعاله‪ ،‬وذلك بتخ�صي�ص‬
‫(المطلب الأول) لعقوبة جريمة ال�سرقة‪ ،‬ونفرد (المطلب الثاني) لدرا�سة العقوبة في جريمتي‬
‫الن�صب وخيانة الأمانة‪.‬‬

‫‪ 11‬حممود جنيب ح�سني‪� ،‬رشح قانون العقوبات‪ ،‬الق�سم اخلا�ص‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.1218.‬‬
‫‪ 22‬انظر يف هذا ال�صدد القرار ال�صادر عن حمكمة الإ�ستئناف بالعيون بتاريخ ‪ 00-07-21‬حتت عدد ‪ 400‬ملف عدد‬
‫‪ 00/453‬من�شور مبجلة املحاكم املغربية عدد ‪� 94‬ص‪ 147.‬وما يليها‪.‬‬
‫‪169‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المطلب الأول‪� :‬أحكام العقاب في جريمة ال�سرقة‬


‫يعاقب القانون الجنائي المغربي ح�سب الف�صل ‪ 505‬من القانون الجنائي على ال�سرقة التي‬
‫تعتبر في الأ�صل من الجنح‪ ,‬بالحب�س ما بين �سنة وخم�س �سنوات وغرامة مالية من ‪� 200‬إلى‬
‫‪ 500‬درهم‪ .‬والم�شرع لم يترك الخيار للقا�ضي الجنائي بين الحب�س والغرامة بل �أوجب عليه‬
‫الحكم بهما معا ولم يترك له �سوى �سلطة تفريد العقاب بين الحدين الأدنى والأق�صى‪� .‬إال �أن‬
‫جريمة ال�سرقة قد تقترن في بع�ض الحاالت بظروف تخرجها من �صورتها الب�سيطة والعادية‬
‫�إلى �سرقة مو�صوفة وت�شدد العقوبة على مرتكبها‪ .‬وفي المقابل قد تقترن ال�سرقة ببع�ض‬
‫الأعذار القانونية التي يرى الم�شرع فيها �إمكانية تخفيف العقاب على مرتكبها �أو �إعفائه نهائيا‬
‫من العقاب المقرر قانونا‪ .‬وان�سجاما مع ما �سبق‪ ،‬ف�إن العقوبة في جريمة ال�سرقة قد ترفع‬
‫�إلى �أكثر من خم�س �سنوات �أي العقوبة الأ�صلية المقررة لها متى اقترنت بواحد �أو �أكثر من‬
‫ظروف الت�شديد‪ .‬وقد تخفف العقوبة وقد ت�صل حد الإعفاء منها متى توافر لدى الجاني عذر‬
‫من الأعذار القانونية المخففة �أو المعفية من العقاب وهو ما �سنتطرق �إليه في الفقرة الموالية‬
‫على �أن نخ�ص�ص الفقرة الثانية للظروف الم�شددة للعقاب في جريمة ال�سرقة‪.‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬الأعذار القانونية المعفية والمخففة للعقاب‪:‬‬
‫لقد تعر�ض الم�شرع المغربي للأعذار القانونية في الف�صل ‪ 143‬من القانون الجنائي وجاء‬
‫فيه « ‪:‬الأعذار هي حاالت محددة في القانون على �سبيل الح�صر ويترتب عليها مع ثبوت‬
‫الجريمة وقيام الم�س�ؤولية �أن يتمتع المجرم �إما بعدم العقاب �إذا كانت �أعذارا معفية و�إما‬
‫بتخفي�ض العقوبة �إذا كانت �أعذارا مخف�ضة‪».‬‬
‫وقد ميز الم�شرع المغربي في �إطار الأعذار القانونية المرتبطة بارتكاب جريمة ال�سرقة‬
‫بين نوعين منها‪� :‬أعذار قانونية تعفي مرتكب ال�سرقة من العقاب تماما و�أخرى ال تعفيه من‬
‫العقاب �إعفاء كليا و�إنما تمنحه �إعفاء جزئيا بتقرير عقوبة مخففة في حقه‪.‬‬
‫�أوال ‪ :‬الأعذار القانونية المعفية من العقاب في جرائم ال�سرقة‬
‫�إن الأعذار القانونية المعفية من العقاب في جريمة ال�سرقة تعود �إلى وجود عالقة قرابة‬
‫بين الجاني وال�ضحية �سواء اتخذت هذه القرابة �شكل رابطة ن�سب �أو م�صاهرة �أو زوجية وهو‬
‫ما ي�صطلح عليه بال�سرقات بين الأقارب والتي لها �أ�صول تاريخية عرفتها المجتمعات القديمة‬
‫امتدت �إلى القوانين الو�ضعية الحالية ومنها الت�شريع المغربي والذي قرر في الف�صل ‪ 534‬من‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪170‬‬

‫القانون الجنائي �إعفاء ال�سارق‪ 1‬من العقاب لوجود قرابة بينه و بين ال�ضحية‪ ،2‬بينما قرر‬
‫الف�صل ‪ 535‬منع النيابة العامة من �إثارة المتابعة �إلى �أن تتقدم ال�ضحية ب�شكوى في المو�ضوع ‪.‬‬
‫ولتطبيق هذا الإعفاء كما هو من�صو�ص عليه في الف�صل ‪ 534‬ق‪.‬ج ي�شترط ‪:‬‬
‫‪� - 1‬أن يكون ال�سارق زوجا �أو �أ�صال للمجني عليه ‪:‬‬
‫يوجب هذا ال�شرط �أن تثبت عالقة الزوجية �أو عالقة الن�سب بالموجبات ال�شرعية وال‬
‫مجال لتطبيق الإعفاء متى �إنتفت رابطة الزوجية ب�أي �سبب كان من �أ�سباب �إنحالل الزواج‬
‫كما ي�شترط في رابطة الن�سب ثبوتها ثبوتا �شرعيا وقانونا من خالل مقت�ضيات مدونة الأ�سرة‬
‫في هذا المجال وال يعفى ال�سارق من العقاب �إال �إذا �أثبت �أنه �أ�صل للمجني عليه والمق�صود‬
‫بالأ�صل هنا الأب و�إن عال والأم و�إن علت ‪.‬‬
‫‪� - 2‬أن يكون المال الم�سروق مملوكا للزوج �أو الفرع‪:‬‬
‫ي�شترط لتحقق هذا الإعفاء �أن يكون المال المنقول مملوكا لزوج ال�سارق �أو فرعه‪ ،‬ف�إذا‬
‫كان المال تحت يده م�شاعا ف�إن هذا الإعفاء ال يتحقق في حقه‪ ،‬كما �أنه �إذا كان حائزا له فقط‬
‫فال مجال لإعفائه‪ ,‬لأن المجني عليه هنا لي�س هو الزوج �أو الفرع و�إنما �شخ�ص �أجنبي عنهما‪,‬‬
‫بالإ�ضافة �إلى �أنه يجب �أن ال يكون المال الم�سروق المملوك للزوج �أو الفرع مرهونا �أو محجوزا‬
‫كما يق�ضي بذلك الف�صل ‪526‬ق‪.‬ج‪.3‬‬
‫وهذا ال�شرط بديهي يقت�ضي حماية حق الغير في المال الم�سروق فطالما �أن المال المملوك‬
‫للزوج �أو الفرع قد علق عليه حجزا �أو رهنا لفائدة الغير الدائن بهذا المال فمتى تمت �سرقته‬
‫يكون الغير مت�ضررا ب�إنتقا�ص ال�ضمان الذي كان له على المال وبالتالي وجب معاقبة الجاني‪.‬‬
‫وتجدر الإ�شارة هنا �إلى �أن الف�صل ‪ 535‬من القانون الجنائي قيد �سلطة النيابة العامة في‬
‫ت�سطير المتابعة في ال�سرقات بين الأقارب ب�ضرورة وجود �شكاية من المجني عليه كما �أن‬
‫�سحب هذه ال�شكاية ي�ضع حدا للمتابعة الجنائية �شريطة �أن يقع ال�سحب قبل �صدور حكم بات‬
‫في المو�ضوع‪.‬‬

‫‪ 11‬فال�سارق طبقا للف�صل ‪ 534‬ق‪.‬ج يبقى ملزما بالتعوي�ضات املدنية امل�ستحقة لفائدة امل�رضور‪.‬‬
‫‪ 22‬فالعذر املعفي كليا من العقاب ح�سب الأ�ستاذ �أحمد اخلملي�شي ال يتعلق �إال بالأزواج يف حالة �رسقة �أحدهما مال الأخر �أو‬
‫الأ�صول يف حالة �رسقتهم لأموال فروعهم‪ ،‬فال ي�ستفيد من العذر غريهم من الأقارب �أو الأ�صهار مهما كان دوره يف‬
‫اجلرمية‪.‬‬
‫‪ 33‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 384.‬بت�رصف‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ثانيا ‪ :‬الأعذار المخففة‬


‫�أقر الم�شرع المغربي في عقوبة جريمة ال�سرقة عذرين مخففين يتعلق الأول ب�سرقة الأ�شياء‬
‫الزهيدة القيمة في حين يتمثل الثاني في �سرقة المحا�صيل والمنتوجات الفالحية‪.‬‬
‫‪ - 1‬حالة �سرقة الأ�شياء الزهيدة‪:‬‬
‫ين�ص الف�صل ‪506‬ق‪.‬ج على �أنه « �إ�ستثناء من �أحكام الف�صل ال�سابق‪ ،‬ف�إن �سرقة الأ�شياء‬
‫الزهيدة القيمة يعاقب عليها بالحب�س من �شهر �إلى �سنتين وغرامة من مائتين �إلى مائتين‬
‫وخم�سين درهما‪.‬‬
‫على �أنه �إذا اقترنت هذه ال�سرقة بظروف م�شددة‪ ،‬مما �أ�شير �إليه في الف�صول من‪� 507‬إلى‬
‫‪ 510‬طبقت عليها العقوبات المقررة في تلك الف�صول »‪.‬‬
‫و الوا�ضح �أن الم�شرع في هذا الف�صل تعر�ض للعذر المخفف للعقوبة في جريمة ال�سرقة‪،‬‬
‫والمتعلق بب�ساطة ال�شيء الم�سروق‪� ،‬شريطة عدم االقتران بظروف الت�شديد الم�شار �إليها في‬
‫الف�صول من‪� 507‬إلى ‪510‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫كما يالحظ �أن الم�شرع لم يعمد �إلى تحديد مقدار القيمة الزهيدةـ‪ ،‬بل �أعطى للقا�ضي‬
‫ال�سلطة التقديرية في تحديده مع �إخ�ضاعه لرقابة محكمة النق�ض‪ ،‬كما جعل عقوبة �سرقة‬
‫الأ�شياء الزهيدة القيمة جنحة �ضبطية‪ ,‬حيث �أفرد لها عقوبة خا�صة تختلف عن العقوبة‬
‫المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 505‬ق‪.‬ج‪ .‬ومما يجب التنبيه �إليه في هذا ال�صدد �أن مقت�ضيات‬
‫الف�صل ‪ 506‬ت�سري على ال�سارق ب�صرف النظر عن الق�صد الذي كان لدى هذا الأخير وحتى‬
‫لو كان يق�صد �سرقة �أ�شياء ثمينة‪ ،‬لكنه ول�سوء حظه لم يجد �سوى منقوالت زهيدة القيمة كمن‬
‫ي�سرق خاتما معتقدا �أنه من ذهب ف�إذا به من نحا�س فالعبرة بقيمة المال الم�سروق ال بق�صد‬
‫ال�سارق‪.‬‬
‫‪ - 2‬حالة �سرقة المحا�صيل و المنتجات الفالحية ‪:‬‬
‫تعتبر �سرقة المحا�صيل والمنتوجات الفالحية من الأعذار القانونية التي تخف�ض العقوبة‬
‫على مرتكبها وهذه الحالة ن�ص عليها الم�شرع في الف�صول ‪ 518‬و ‪ 519‬من مجموعة القانون‬
‫الجنائي ‪:‬‬
‫فن�ص الف�صل ‪518‬ق‪.‬ج على �أن‪:‬‬
‫« من �سرق من الحقول محا�صيل �أو منتجات نافعة منف�صلة عن الأر�ض ولو كانت في حزم‬
‫�أو �أكوام‪ ،‬يعاقب بالحب�س من خم�سة ع�شر يوما �إلى �سنتين وغرامة من مائتين �إلى مائتين‬
‫وخم�سين درهما‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪172‬‬

‫ف�إذا ارتكبت ال�سرقة ليال �أو من عدة �أ�شخا�ص �أو باال�ستعانة بناقالت �أو دواب الحمل‪ ،‬ف�إن‬
‫الحب�س يكون من �سنة �إلى خم�س والغرامة من مائتين �إلى خم�سمائة درهم‪».‬‬
‫ون�ص الف�صل ‪519‬ق‪.‬ج على �أن‪:‬‬
‫« من �سرق محا�صيل �أو منتجات نافعة لم تف�صل عن الأر�ض بعد‪ ،‬وكان ذلك بوا�سطة‬
‫�سالت‪� ،‬أو حقائب �أو ما يماثلها من �أدوات‪� ،‬أو م�ستعينا بناقالت �أو بدواب الحمل‪� ،‬أو كان ذلك‬
‫ليال �أو بوا�سطة �شخ�صين �أو �أكثر‪ ،‬يعاقب بالحب�س من خم�سة ع�شر يوما �إلى �سنتين‪ ،‬وغرامة‬
‫من مائتين �إلى مائتين وخم�سين درهما»‪.‬‬
‫ف�إذا اجتمع في ال�سرقة ظروف الت�شديد الأربعة المعدودة في الفقرة ال�سابقة‪ ،‬فعقوبتها‬
‫الحب�س من �سنتين �إلى خم�س وغرامة من مائتين �إلى خم�سمائة درهم‪».‬‬
‫ومن خالل هذين الف�صلين‪ ،‬نالحظ �أن الم�شرع خفف من العقوبة في �سرقة المحا�صيل‬
‫و المنتجات الزراعية ر�أفة بالجاني نظرا لوجود هذه الأ�شياء في الحقول بعيدة عن الحيازة‬
‫المبا�شرة للمالك‪ ،‬كما ميز ب�شكل وا�ضح في العقاب بين الحالة التي ال تكون فيها المحا�صيل‬
‫قد ف�صلت عن الأر�ض و بين الحالة التي تكون قد ف�صلت عنها‪ ،‬وذلك على اعتبار �أن ف�صلها‬
‫عن الأر�ض يقربها من المال المنقول الذي يحوزه مالكه حيازة قانونية و مادية‪.‬‬
‫والمحكمة ملزمة ب�أن تبين عنا�صر هذه الجريمة بكل دقة �إذ جاء في �أحد قرارات المجل�س‬
‫الأعلى �سابقا �أن‪» :‬الإدانة من �أجل �سرقة منتجات لم تف�صل عن الأر�ض بعد المن�صو�ص عليها‬
‫في الف�صل ‪ 519‬من القانون الجنائي تقت�ضي �أن تبرز المحكمة �أن الغلة مو�ضوع ال�سرقة لم‬
‫تنف�صل عن الأر�ض و�أن المتهم هو من قام بجنيها واال�ستحواذ عليها ب�أحد الو�سائل ووفق‬
‫�أحد الظروف المن�صو�ص عليها في ف�صل المتابعة «‪( .‬قرار �صادر عن المجل�س الأعلى بتاريخ‬
‫‪ 10/4/5‬تحت عدد ‪ 9/640‬في الملف الجنحي عدد‪ 09/6048‬من�شور بمجلة الملف عدد ‪17‬‬
‫�ص‪ 294.‬وما يليها)‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الظروف الم�شددة للعقاب في جريمة ال�سرقة‪:‬‬
‫لقد �شدد الم�شرع الجنائي المغربي عقاب جريمة ال�سرقة كلما اقترنت بظرف �أو �أكثر من‬
‫الظروف التي �أ�شار اليها في الف�صول من ‪� 507‬إلى ‪ 510‬من القانون الجنائي ‪ .‬وفي هذا الإطار‬
‫غير من الو�صف القانوني للجريمة من جنحة �إلى جناية لإ�ضفاء نوع من ال�صرامة في التعامل‬
‫مع هذه الجريمة وذلك مرده بالأ�سا�س �إلى خطورة هذه الجريمة على �أمن و�سالمة المواطنين‪.‬‬
‫وبالرجوع �إلى الف�صول �أعاله‪ ،‬ن�ستخل�ص �أن الظروف الم�شددة في جريمة ال�سرقة تنق�سم �إلى‬
‫ظروف �شخ�صية و�أخرى عينية‪ .‬ف�أما الظروف ال�شخ�صية‪ ،‬فهي راجعة ل�صفة في الجاني‬
‫(ك�أن يكون عامال �أو خادما في منزل ب�أجر)‪ .‬و�أما الظروف العينية‪ ،‬فهي �إما عائدة لمكان‬
‫‪173‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�إرتكاب الجريمة (كظرف الليل مثال) �أو لمكانها (كال�سرقات التي تتم في �أمكان معينة) �أو‬
‫�إلى الو�سائل الم�ستعملة في �إرتكاب ال�سرقة (كا�ستعمال ال�سالح �أو ناقلة ) �أو �إلى �صفة ال�شيء‬
‫الم�سروق (ك�أن تقع ال�سرقة على �شيء يتعلق ب�سالمة و�سائل النقل العام �أو الخا�ص)‪.‬‬
‫�أوال ‪ -‬ظروف الت�شديد العائدة لزمان �إرتكاب الجريمة‪:‬‬
‫ترجع �أ�سباب الت�شديد العائدة لزمان �إرتكاب جريمة ال�سرقة في القانون الجنائي المغربي‬
‫�إلى �سببين يتمثل الأول في وقوعها ليال‪ ،‬و الثاني في وقوعها في �أوقات الكوارث‪.‬‬
‫‪ - 1‬وقوع ال�سرقة ليال‬
‫ين�ص الف�صل ‪ 509‬ق‪،‬ج على ما يلي «يعاقب بال�سجن من ع�شر �إلى ع�شرين �سنة على‬
‫ال�سرقات التي تقترن بظرفين على الأقل من الظروف الآتية ‪:‬‬
‫‪� .....‬إرتكابها ليال‪».‬‬
‫لقد �أدرج الم�شرع المغربي عن�صر الليل �ضمن الظروف التي �إذا �إقترنت بال�سرقة �شددت‬
‫العقاب و حولتها من جنحة �إلى جناية‪ ،‬و ذلك لما يحدثه عن�صر الليل من �إزعاج في نفو�س‬
‫المواطنين في تلك الفترة الزمنية لال�ستراحة من عناء وم�شقة العمل‪ ،‬عالوة على �أن ت�شديد‬
‫الم�شرع للعقوبة في ال�سرقة باقترانها بهذا الظرف يمكن رده لما يف�سحه هذا الأخير للجاني‬
‫من �إمكانية الفرار و الإختفاء في جنح الظالم‪ ،‬و في وقت تقل فيه فر�ص اال�ستنجاد و اال�ستعانة‬
‫بالنا�س ‪.‬‬
‫والجدير بالذكر‪� ،‬أن الم�شرع المغربي لم يعط مدلوال لليل بخالف بع�ض الت�شريعات‬
‫الأخرى‪1‬التي حددته‪ .‬كما �أن ظرف الليل يعتبر ظرفا عينيا في جريمة ال�سرقة‪ ،‬وبذلك ت�شدد‬
‫العقوبة على كل الم�ساهمين والم�شاركين في الجريمة �سواء وجدوا بمكان �إرتكاب الجريمة‬
‫�أم ال‪ ،‬بل وتطبق في حقهم العقوبة الم�شددة حتى ولو كانوا متفقين على �إرتكابها نهارا لكن‬
‫الجاني ف�ضل �إرتكابها ليال‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقوع ال�سرقة وقت الكوارث‬
‫يعتبر القانون الجنائي المغربي ال�سرقة التي ترتكب �أثناء الزالزل واالنفجارات والفي�ضانات‬
‫والحروب وغيرها من الكوارث‪� ،‬سرقة مو�صوفة ي�شدد العقاب على مرتكبها ‪ .‬و�أ�شار الم�شرع‬
‫�إلى هذا الظرف في الفقرة ما قبل الأخيرة من الف�صل ‪ 510‬ق‪.‬ج‪ ،‬حيث قرر ت�شديد العقوبة‬

‫‪ 11‬كالت�رشيع البلجيكي الذي حدده يف الفرتة التي تبد�أ بعد غروب ال�شم�س ب�ساعة وتنتهي قبل �رشوقها ب�ساعة‪ ،‬وكذلك امل�رشع‬
‫ال�سوداين الدي �أخد بالتحديد الفلكي والذي يعترب الليل هو تلك الفرتة الفا�صلة بني الغروب وال�رشوق‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪174‬‬

‫�إذا وقعت �أوقات الحريق �أو االنفجار �أو االنهدام �أو الفي�ضان‪� ،‬أو الغرق �أو الثورة �أو التمرد �أو‬
‫�أية كارثة �أخرى‪.‬‬
‫والعلة من ت�شديد العقوبة في هذه الظروف ترجع �إلى خطورة الجاني حيث ي�سود النا�س‬
‫اال�ضطراب و الخوف على حياتهم فيبحثون عن �سبيل لإنقاذ حياتهم و حياة �أبنائهم‪ ،‬قبل‬
‫التفكير في المال �أو و�سائل حمايته من الل�صو�ص‪ .‬ومن ثم كانت خطورة الجاني في هذه‬
‫الظروف وا�ضحة‪ ،‬ب�سبب تحجر عواطفه و �شعوره و افتقاده للرحمة والبر‪ ،‬فهو الذي كان عليه‬
‫�أن ي�ساعد المنكوبين في محنتهم‪ ،‬ي�ضيف �إليها كارثة �أخرى تتمثل في فقدان المال الذي كان‬
‫و البد �سي�سد حاجة‪ ،‬فيزيد من همهم بالإ�ستيالء عليه‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬ظروف الت�شديد العائدة �إلى مكان �إرتكاب الجريمة‪:‬‬
‫عاقب الم�شرع المغربي ال�سرقات التي ترتكب في الطرق العمومية وكل الأماكن الأخرى‬
‫الملحقة بها والمن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 508‬من مجموعة القانون الجنائي وهي‪:‬‬
‫ال�سرقات الواقعة في الطرق العمومية‬ ‫✺‬

‫ال�سرقات الواقعة في الناقالت �سواء التي ت�ستخدم لنقل الأ�شخا�ص �أو الب�ضائع �أو الر�سائل‬ ‫✺‬

‫ال�سرقات الواقعة في نطاق ال�سكك الحديدية‬ ‫✺‬

‫ال�سرقات الواقعة في الموانئ والمطارات‬ ‫✺‬

‫ال�سرقات الواقعة في �أر�صفة ال�شحن والتفريغ‪.‬‬ ‫✺‬

‫يالحظ �أن الأمكنة الم�شار �إليها �سالفا في الف�صل �أعاله ال تطرح �إ�شكاليات‪ ،‬اللهم ما يتعلق‬
‫بتحديد مفهوم الطريق العمومي الذي نرى �أن نتو�سع قليال في تف�صيله‪.‬‬
‫�إذ من خالل هذا الف�صل يتبين لنا �أن ال�سرقة في الطريق العمومية و كل الأماكن التي‬
‫تلته ال ت�شدد العقوبة لوحدها و لكنها ت�شدد العقاب �إذا اقترنت بظرف واحد على الأقل من‬
‫الظروف المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 509‬ق‪.‬ج‪ ،‬و التي �سنف�صلها فيما بعد‪.‬‬
‫والراجح �أن الم�شرع عمد �إلى هذا الت�شديد في العقوبة لعلة مكافحة المجرمين الخطيرين‪،‬‬
‫و �أفراد الع�صابات الذين يقومون بالنهب و ال�سرقة عن طريق الإنفراد بال�ضحايا في الممرات‬
‫و الطرق المميتة‪.‬‬
‫لكن ما المق�صود بالطريق العمومي؟‬
‫بالرجوع �إلى الف�صل ‪ 516‬ق ‪.‬ج نجد ين�ص على �أنه ‪ « :‬تعد طرقا عمومية الطرق والم�سالك‬
‫والممرات �أو �أي مكان مخ�ص�ص ال�ستعمال الجمهور‪ ،‬الموجود خارج حدود العمران والتي‬
‫ي�ستطيع كل فرد �أن يتجول فيها ليال �أو نهارا دون معار�ضة قانونية من �أي كان‪».‬‬
‫‪175‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وقد �أو�ضح المجل�س الأعلى �سابقا هذا المفهوم في �أحد قراراته بن�صه على �أن ‪ » :‬الف�صل‬
‫‪ 508‬من القانون الجنائي يعتبر من الظروف الم�شددة اقتراف ال�سرقة في الطرق العمومية‬
‫وهي ح�سب مفهوم الف�صل ‪ 516‬من نف�س القانون‪ ،‬الموجودة خارج حدود العمران ال داخل‬
‫المدينة‪ .‬ولهذا‪ ،‬ف�إن المحكمة قد �أخط�أت في تطبيق الف�صل ‪ 508‬عندما طبقته على المتهم‬
‫القترافه جريمة ال�سرقة في �سيارة كانت واقفة على ر�صيف الطريق في مدينة مكنا�س‪(«.‬قرار‬
‫�صادر بتاريخ ‪ 70-05-21‬تحت عدد‪ 718‬من�شور بمجموعة قرارات المجل�س الأعلى المادة‬
‫الجنائية ‪� 86-66‬ص‪ 387 .‬وما يليها)‪.‬‬
‫ولقد كان الم�شرع الجنائي المغربي حكيما في ت�شديد العقوبة على ال�سرقة المقترفة في‬
‫هذه الأماكن على اعتبار �أن الطرق العمومية والأماكن الملحقة بها هي التي ت�شكل ع�صب‬
‫الحياة االقت�صادية واالجتماعية للمواطن ولذلك تجب المحافظة عليها وعلى الأمن فيها ‪.‬‬
‫ومما تجب الإ�شارة �إليه‪� ،‬أن ال�سرقة الت�شدد في مثل هاته الأحوال وحتى ولو وقعت في‬
‫طريق عام �أو غيره من الأماكن الملحقة به‪� ،‬إال �إذا اقترنت ب�أحد الظروف المن�صو�ص عليها‬
‫في الف�صل ‪ 509‬من القانون الجنائي‪ .‬كما �أن �سرقة الأ�شياء والمنقوالت ال تكون م�شددة �إال‬
‫�إذا كان يعبر بها �صاحبها الطريق العام بق�صد مبادلتها �أو ترويجها ب�صرف النظر عن و�سيلة‬
‫الموا�صالت الم�ستعملة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬ظروف الت�شديد العائدة للو�سائل الم�ستعملة في �إرتكاب ال�سرقة‪:‬‬
‫عاقب الم�شرع المغربي على ال�سرقة في �صورتها الم�شددة متى ا�ستعمل الجاني في �إرتكابها‬
‫و�سائل معينة ر�أى الم�شرع ب�أنها ت�شكل خطورة �إجرامية ت�ستوجب رفع العقاب‪ ،‬والذي يخرجها‬
‫من زمرة الجنح �إلى الجنايات‪ .‬وقد رد الم�شرع ظروف الت�شديد في هذه الحالة �إلى الو�سائل‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬ا�ستعمال العنف �أو التهديد به �أو التزيي بغير حق بزي نظامي �أو انتحال وظيفة‬
‫من وظائف ال�سلطة‬
‫�أ ‪ -‬ا�ستعمال العنف �أو التهديد به ‪:‬‬
‫يعتبر ا�ستعمال العنف ظرفا م�شددا في جريمة ال�سرقة‪ ،‬وقد �أ�شار �إليه الم�شرع في‬
‫الف�صلين ‪ 509‬و‪ 510‬من مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬والمالحظ �أن الم�شرع المغربي لم يعط �أي‬
‫تعريف للمق�صود بالعنف‪ ،‬وبهذا ذهب الفقه �إلى �أن العنف يراد به ا�ستعمال الجاني لأية و�سيلة‬
‫من الو�سائل القهرية كيفما كانت من �أجل �شل حركة المجني عليه وتعطيل مقاومته‪ .‬وقدعرفه‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪176‬‬

‫اال�ستاذ �أحمد الخملي�شي ب�أنه ‪« :‬كل و �سيلة مادية ا�ستعملها ال�سارق �ضد ال�شخ�ص المعتدى‬
‫عليه لتعطيل مقاومته‪� ،‬أو منعه من اال�ستغاثة» ‪.‬‬
‫و لكي يعتبر العنف ظرفا م�شددا لل�سرقة و تنطبق عليه �أحكام الف�صل ‪ 510‬ق‪.‬ج يجب �أن‬
‫تتوفر ثالث �شروط ‪:‬‬
‫�أن يوجه العنف �ضد �إن�سان ‪� :‬إذ ال يعتد ب�إ�ستعمال العنف �ضد غير الإن�سان �سواء كان الأمر‬
‫✺‬

‫يتعلق ب�شيء �أو حيوان‪ ،‬كما ال يعتد �أي�ضا بال�شخ�ص الذي ا�ستعمل �ضده‪ ،‬حيث يعتبر ظرفا‬
‫م�شددا �سواء وجه �ضد المجني عليه في ال�سرقة �أو �أحد �أقاربه الموجودين معه �أو �ضد �أي‬
‫�شخ�ص �آخر حاول مقاومة ال�سارق‪ ،‬و ب�أي و �سيلة كانت على �شرط �أن تفيد معنى العنف‬
‫من �ضرب و جرح و م�سك للذراعين و كم للفم و انتزاع ال�شيء المراد �سرقته بالقوة و‬
‫نحو ذلك‪.‬‬
‫�أن يرتكب العنف بق�صد ال�سرقة ‪� :‬إن م�صطلح الإقتران الوارد في الف�صل ‪ 510‬ق‪.‬ج يعني‬ ‫✺‬

‫المعا�صرة الزمنية و �إرتكاب العنف ب�سبب ال�سرقة و من �أجلها‪ ،‬هذا و تتحقق المعا�صرة‬
‫الزمنية كلما �إرتكب ال�سارق العنف �أثناء الت�أهب لل�سرقة �أو وقت الإ�ستحواذ على الم�سروق‬
‫�أو �أثناء االن�صراف بدون الفرار‪ ،‬كما ي�شترط �أي�ضا �أن يكون ال�سارق قد ا�ستعمل العنف �أو‬
‫هدد به لأجل ال�سرقة باعتبارها غايته وهو و�سيلتها ‪.‬‬
‫والواقع �أن تحديد مدى ارتباط ا�ستعمال العنف بجريمة ال�سرقة قد يثير في �أحوال كثيرة‬
‫م�شكلة التمييز بين ما �إذا كان العنف معا�صرا لل�سرقة �أم الحقا عليها وذلك بهدف تحديد‬
‫الو�صف القانوني لل�سرقة ومدى اعتباره مكونا لظرف م�شدد �أم ال؟ ولذلك نجد الق�ضاء‬
‫المغربي يميل �إلى اعتبار العنف ظرفا م�شددا في جريمة ال�سرقة متى رافق عملية �سلب المال‬
‫�إلى مرحلتها النهائية وهي المتمثلة في �سيطرة الجاني على ال�شيء الم�سروق �سيطرة نهائية‬
‫وكلية ب�أن �أدخله في حيازته‪.‬‬
‫�أال يكون للعنف و�صف �أ�شد ‪ :‬كما لو نتج عن �إ�ستعمال العنف في ال�سرقة قتل ال�ضحية �سواء‬ ‫✺‬

‫عمدا �أو عن غير ق�صد �أو �سبب له عاهة م�ستديمة‪� ،‬إذ يعاقب و يتابع الجاني بالو�صف‬
‫الجنائي الأ�شد طبقا للمبد�أ الوارد في الف�صل ‪118‬ق‪.‬ج و القائل ب�أن الفعل الواحد الذي‬
‫يقبل �أو�صافا متعددة يجب �أن يو�صف ب�أ�شدها ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التزيي بغير حق بزي نظامي‬
‫يمكننا تعريف الزي النظامي ب�أنه كل بذلة توالها القانون بالتنظيم لموا�صفاتها و اعتبرها‬
‫قا�صرة على الموظف العمومي كرجل الأمن �أو الدركي و نحو ذلك‪ ،‬كما يدخل في زمرة الزي‬
‫النظامي كل زي موحد ت�ستعمله ال�شركات و الم�ؤ�س�سات و تقدمه كبذلة موحدة لم�ستخدميها‪.‬‬
‫‪177‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وتعتبر هذه ال�صورة من �أكثر الحاالت �شيوعا في الواقع العملي من �أمثلتها �أن يرتدي‬
‫�شخ�ص بذلة ر�سمية يملكها �أحد �أقاربه �أو �أ�صدقائه ليك�سب بها ثقة ال�ضحية ومن ثم ي�ستولي‬
‫على ماله‪.‬‬
‫وحتى يعتبر ظرفا م�شددا يلزم �أن يكون التزيي بغير حق ك�أن ي�ؤخذ الزي بدون ر�ضى وال‬
‫علم �صاحبه‪ ،‬و ي�ستعمل في �إرتكاب ال�سرقة‪� ،‬أما �إذا تمت ال�سرقة من طرف �شخ�ص متزي بزي‬
‫ر�سمي فعال وحقيقة فال تقع ال�سرقة تحت هذا الظرف ‪.‬‬
‫ج ‪� -‬إنتحال وظيفة من وظائف ال�سلطة‬
‫يعد هذا الإنتحال �أي�ضا ظرفا م�شددا في ال�سرقة ويتم االنتحال �إما بالإدعاء �أو الممار�سة‬
‫الفعلية غير القانونية لوظيفة من وظائف ال�سلطة‪ ،‬و لي�س �ضروريا �أن يكون الإدعاء مرفقا‬
‫بقرائن خادعة قوية يثق بها �أغلب النا�س‪ ،‬و �إنما العبرة بال�ضحية ذاته‪ ،‬فمتى انخدع به فعال‬
‫تحقق االنتحال‪ ،‬و ي�ستوي في ذلك �أن ي�صدر الإدعاء من ال�سارق نف�سه �أو من �أحد المتواطئين‬
‫معه‪ ،‬ويدخل في وظائف ال�سلطة جميع الوظائف التي تخول من يتقلدها ممار�سة بع�ض‬
‫ال�صالحيات الق�سرية �إزاء الأفراد‪ ،‬و يعتبر من وظائف ال�سلطة ح�سب مفهوم الف�صل ‪ 510‬ق‪.‬ج‬
‫�أفراد ال�شرطة و مراقبي الأ�سعار و �أعوان كتابة ال�ضبط المكلفين بتنفيذ الأحكام وغيرهم‬
‫ممن يملكون القيام ب�إجراءات �إجبارية في نطاق اخت�صا�صهم �إزاء الأفراد‪.‬‬
‫‪� - 2‬إرتكاب ال�سرقة من �شخ�صين �أو �أكثر ( التعدد)‪:‬‬
‫لقد اعتبر الم�شرع في الف�صل ‪ 510‬ق‪.‬ج الفقرة الثالثة من الظروف الم�شددة �إرتكاب‬
‫ال�سرقة من طرف �شخ�صين �أو �أكثر‪ ،‬و حكمة الم�شرع في ت�شديد العقاب في هذه الحالة هو‬
‫كون التعدد ي�سهل �إرتكاب الجريمة و يجعلها خطيرة ‪،‬بحيث تكون م�ساهمة عدة �أ�شخا�ص في‬
‫�إرتكاب ال�سرقة �سببا كافيا ل�شل مقاومة ال�ضحية‪ ،‬كما �أن تحقق التعدد في ال�سرقة يفيد و جود‬
‫اتفاق �سابق‪ ،‬وهو ماي�ساهم في انت�شار تكوين الع�صابات الإجرامية وتعدد الو�سائل الجرمية‪،‬‬
‫و هذا ما يزيد من الخطر الذي يهدد ال�ضحايا‪ ،‬لذلك �أوجب الم�شرع المغربي ت�شديد العقاب‬
‫عند اقتران ال�سرقة بظرف تعدد الجناة‪.‬‬
‫هذا النوع من ظروف الت�شديد ال يتحقق �إال �إذا وجد �شخ�صين على الأقل‪ ،‬مما يفيد معه‬
‫�إرتكاب ال�سرقة من �شخ�ص واحد يبقي على و�صف ال�سرقة بالجنحة‪.‬‬
‫‪ - 3‬ا�ستعمال ال�سارقين لناقلة ذات محرك ‪:‬‬
‫والمراد بهذا الظرف ا�ستعمال الجاني لأي ناقلة ذات محرك ق�صد ت�سهيل �إرتكاب جريمة‬
‫ال�سرقة �إما بهدف نقل الم�سروق ب�سرعة من م�سرح الجريمة والإختفاء بعيدا عن الأنظار‪،‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪178‬‬

‫و�إما بهدف اال�ستعانة بالناقلة لحمل �أكبر عدد من الم�سروقات التي ي�ستع�صي على ال�سارق �أو‬
‫ال�سارقين حملها لثقل وزنها ‪.‬‬
‫ومن خالل الفقرة الخام�سة من الف�صل ‪ 509‬الذي يعاقب مرتكبي ال�سرقة المقترنة‬
‫ب�إ�ستعمال ناقلة ذات محرك لت�سهيل ال�سرقة �أو للهروب بال�سجن من ع�شرة �سنوات �إلى‬
‫ع�شرين �سنة‪ ،‬نجد �أنه ي�شترط ما يلي ‪:‬‬
‫�أن تكون الناقلة ذات محرك‪ :‬و هذا الأخير هو كل جهاز ي�ستعمل في دفع و جر الناقلة بما‬ ‫✺‬

‫ي�ستهلكه من طاقة مهما كان م�صدرها �سواء كهرباء �أو نفط �أو غاز ‪�...‬إلخ‪ ،‬و يترتب على‬
‫ذلك �أن الدراجات الهوائية ال تعد ناقلة في مفهوم الف�صل ‪ 509‬ق‪.‬ج‪ ،‬و ال تدخل كذلك‬
‫تحت هذا المفهوم العربات التي تجرها الجياد �أو �أية دابة ب�سبب افتقارها للمحرك ‪.‬‬
‫وهو ما �أكد المجل�س الأعلى �سابقا في �أحد قرارته جاء فيه‪» :‬يكون مخالفا لمقت�ضيات‬
‫الف�صل ‪ 509‬من القانون الجنائي الحكم الذي اعتبر ظرفا من ظروف الت�شديد لل�سرقة‬
‫كونها وقعت في جمل ال�ضحية لأن الجمل لي�س بالناقلة ح�سب مفهوم الف�صل ‪ 509‬الذي‬
‫يعرف الناقلة بكونها ذات محرك وي�شترط �أن ت�ستعمل لت�سهيل ال�سرقة �أو الهروب«‪( .‬قرار‬
‫عدد ‪ 580‬بتاريخ ‪1969-05-15‬من�شور بمجموعة قرارات المجل�س الأعلى المادة الجنائية‬
‫‪� 86-66‬ص‪.)383.‬‬
‫�أن ت�ستخدم الناقلة ذات المحرك في ت�سهيل ال�سرقة‪� ،‬أو ت�ستخدم كو�سيلة هروب‪ :‬و هذا‬ ‫✺‬

‫�شرط بديهي‪ ،‬ذلك �أن الم�شرع لم ي�شدد العقوبة �إال ب�سبب الم�ساعدة �أو العون الذي يمكن‬
‫�أن تقدمه الناقلة ذات محرك و هذا العون ال يكون خطيرا و فعاال �إال �إذا كان لت�سهيل‬
‫ال�سرقة �أو الهروب ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ا�ستعمال الت�سلق �أو الك�سر �أو نفق تحت الأر�ض �أو مفاتيح مزورة �أو ك�سر الأختام‬
‫�أ ‪ -‬ا�ستعمال الت�سلق‬
‫لقد تولى الم�شرع تعريف الت�سلق في الف�صل ‪ 513‬ق‪.‬ج بكونه ‪:‬‬ ‫✺‬

‫« يعد ت�سلقا الدخول �إلى منزل �أو مبنى �أو �ساحة �أو حظيرة �أو �أية بناية �أو حديقة �أو ب�ستان‬
‫�أو مكان م�سور‪ ،‬وذلك بطريق ت�سور الحوائط �أو الأبواب �أو ال�سقوف �أو الحواجز الأخرى» ‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬يتبين �أن الم�شرع قد �أعطى للت�سلق مفهوما وا�سعا يتعدى مفهومه ال�ضيق‬
‫الذي يعني ال�صعود �إلى المكان الأعلى‪ ،‬و �إنما يعنى بالت�سلق دخول ال�سارق للمكان الم�سور‬
‫الذي يريد �سرقته من غير الأبواب الم�ستعملة للدخول‪ ،‬ومهما كانت الو�سيلة الم�ستعملة لذلك‪،‬‬
‫و بذلك ال يعتد بالت�سلق الواقع على �شجرة مثال لال�ستيالء على ثمارها‪ ،‬و بالإ�ضافة �إلى هذا ال‬
‫بد من توافر �شرطين �أ�سا�سيين حتى نكون �أمام الت�سلق المق�صود في الف�صل ‪ 510‬ق‪.‬ج وهما ‪:‬‬
‫‪179‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أن يكون الحاجز المراد ت�سلقه �صناعيا ال طبيعيا‬ ‫✺‬

‫�أن يكون تجاوز الحاجز يتطلب بذل مجهود ولو ي�سيرا‬ ‫✺‬

‫وفي هذا الإطار فقد اعتبرت محكمة النق�ض في �أحد قراراتها �أن ‪�» :‬سرقة �أ�سالك‬
‫نحا�سية بعد ت�سلق عمود كهربائي ال ي�شكل ظرفا م�شددا ح�سب ما ن�ص عليه الف�صل ‪ 510‬من‬
‫القانون الجنائي «‪( .‬قرار �صادر بتاريخ ‪ 2014-03-13‬تحت عدد ‪ 9/9/254‬في الملف الجنائي‬
‫عدد‪ 13/9/6/18781‬من�شور بمجلة الملف عدد ‪� 23‬ص‪ 282.‬ومايليها)‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ا�ستعمال الك�سر ‪:‬‬
‫تبعا للف�صل ‪ 512‬يعرف الك�سر ب�أنه ‪:‬‬ ‫✺‬

‫« ‪ ...‬التغلب �أو محاولة التغلب على �أي و�سيلة من و�سائل الإغالق �سواء بالتحطيم �أو الإتالف‬
‫�أو ب�أية طريقة �أخرى تمكن ال�شخ�ص من الدخول �إلى مكان مغلق‪� ،‬أو من �أخذ �شيء مو�ضوع في‬
‫مكان مقفل �أو �أثاث �أو وعاء مغلق » ‪.‬‬
‫و يت�ضح من خالل الن�ص �أنه يلزم �إ�ستخدام العنف من ال�سارق للتغلب �أو لمحاولة التغلب‬
‫على الحواجز التي �أقامها المالك لمنع الغير من الدخول للمكان المغلق �أو �أخذ ال�شيء‬
‫المو�ضوع في مكان محرز �سواء بتحطيم �أو �إتالف �أو فتح ثقب و نحو ذلك من الو�سائل التي‬
‫تدل على عنف الو�سيلة‪ ،‬و كما يت�ضح �أن الك�سر قد يكون من الداخل �أو الخارج‪ ،‬و ي�ستوي �أن‬
‫يتمكن ال�سارق في الك�سر من تحقيق هدفه من عدمه‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ا�ستعمال نفق تحت الأر�ض ‪:‬‬
‫خالفا للظرفين ال�سابقين اللذين توالهما الم�شرع بالتعريف‪ ،‬ف�إن هذا الظرف لم يحظ‬
‫بتعريف م�ستقل من قبله‪ ،‬وعلى كل ف�إذا �إ�ستخدم ال�سارق م�سلكا تحت الأر�ض للو�صول �إلى‬
‫مكان ال�سرقة �سواء تولى بحفره بنف�سه �أو كان النفق موجودا‪ ،‬يجعل الجريمة ت�شدد و ترفع‬
‫العقوبة من جنحة �إلى جناية‪.‬‬
‫د ‪ -‬ا�ستعمال مفاتيح مزورة ‪:‬‬
‫�أفرد الم�شرع لمفهوم المفاتيح المزورة الف�صل ‪ 514‬ق‪.‬ج حيث جاء فيه ‪:‬‬ ‫✺‬

‫« تعد مفاتيح مزورة المخاطيف �أو المفاتيح المقلدة �أو الزائفة �أو المغيرة �أو التي لم يعدها‬
‫المالك �أو الحائز لفتح الأماكن التي فتحها ال�سارق‪.‬‬
‫ويعد كذلك مفتاحا مزورا المفتاح الحقيقي الذي احتفظ به ال�سارق بغير حق‪».‬‬
‫من خالل هذا الن�ص يتبين لنا �أن الم�شرع المغربي يعتبر مفتاحا مزورا كل �أداة يتمكن بها‬
‫ال�سارق من فتح الأماكن المراد �سرقتها‪ ،‬هكذا فالمفتاح الحقيقي يتحول �إلى مزور قانونا متى‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪180‬‬

‫احتفظ به ال�سارق بدون حق‪ ،‬فالمهم هو �أال يكون له الحق في ا�ستعماله لفتح المحل الذي �سرق‬
‫منه و لكي يعتبر هذا اال�ستعمال ظرفا م�شددا هنا‪ ،‬يجب �أن يتخذ فتح القفل و�سيلة للو�صول‬
‫�إلى الم�سروق‪.‬‬
‫‪ - 5‬ك�سرالأختام ‪:‬‬
‫تعرف الأختام ب�أنها كل ما ت�ضعه ال�سلطات العامة على الأبواب �أو ال�صناديق �أو المظاريف‪،‬‬
‫التي ترى هذه ال�سلطات �ضرورة المحافظة عليها كما هي‪ ،‬ومنع العبث فيها من طرف الغير‪،‬‬
‫و ك�سر الأختام توالها الم�شرع بالتنظيم في الف�صول من ‪� 273‬إلى ‪ 277‬من ق‪.‬ج‪ ،‬حيث نجد في‬
‫الف�صل ‪ 274‬ق‪.‬ج ين�ص على �أنه‪:‬‬
‫« كل �سرقة ترتكب بك�سر الأختام يعاقب عليهاباعتبارها �سرقة ارتكبت بالك�سر‪ ،‬طبقا‬
‫لل�شروط المقررة في الف�صل ‪ 510‬ق‪.‬ج‪».‬‬
‫وال�سر وراء ت�شديد الم�شرع عقوبة ال�سرقة المقترنة بك�سر الأختام هو �أن و�ضع الأختام‬
‫هو و�ضع يتم لفائدة الم�صلحة العامة‪ ،‬ومن ثم �إذا ح�صل تك�سير الأختام و �إتالفها من �أجل‬
‫ال�سرقة ف�إن هذه الم�صلحة تكون قد م�ست في جوهرها و بالتالي تعطلت الإ�ستفادةمنها ‪.‬‬
‫‪ - 6‬ال�سرقة ب�إ�ستعمال ال�سالح‪:1‬‬
‫اعتبر الم�شرع في الف�صل ‪ 507‬ق‪.‬ج حمل ال�سالح من الظروف الم�شددة‪ ،‬لذلك رفع عقوبة‬
‫ال�سرقة المقترنة بهذا الظرف من الحب�س �إلى ال�سجن الم�ؤبد ‪:‬‬
‫« يعاقب على ال�سرقة بال�سجن الم�ؤبد �إذا كان ال�سارقون �أو �أحدهم حامال ل�سالح‪ ،‬ح�سب‬
‫مفهوم الف�صل ‪� ،303‬سواء كان ظاهرا �أو خفيا‪ ،‬حتى ولو �إرتكب ال�سرقة �شخ�ص واحد وبدون‬
‫توفر �أي ظرف �آخر من الظروف الم�شددة‪.‬‬
‫وتطبق نف�س العقوبة‪� ،‬إذا احتفظ ال�سارقون �أو احتفظ �أحدهم فقط بال�سالح في الناقلة‬
‫ذات المحرك التي ا�ستعملت لنقلهم �إلى مكان الجريمة �أو خ�ص�صت لهروبهم‪».‬‬
‫وا�ستنادا لمقت�ضيات هذا الف�صل‪ ،‬ن�ست�شف �أن الم�شرع المغربي قد ا�شترط �صراحة �أن‬
‫يكون ال�سارقون �أو �أحدهم حامال �سالحا‪ ،‬وي�ستوي في ذلك �أن يكون ب�صورة ظاهرة �أو خفية‬
‫تحت الثياب مثال‪� ،‬أو في الحذاء �أو ما �شابه‪ .‬كما ال ي�شترط العتبار ال�سالح ظرفا م�شددا‬
‫�أن يعمد ال�سارق �إلى ا�ستعماله‪ ،‬بل يكفي الحمل المادي له‪ ،‬لأن �أ�سا�س ت�شديد العقوبة في‬
‫‪ 11‬يعترب �سالحا ح�سب مفهوم الف�صل ‪303‬ق‪.‬ج جميع الأ�سلحة النارية واملتفجرات وجميع الأجهزة والأدوات �أو الأ�شياء‬
‫الواخزة �أو الرا�ضة �أو القاطعة �أو اخلانقة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ال�سكاكني ومق�صات اجليب والع�صى‪ ،‬متى ا�ستعملت للقتل‬
‫�أو ال�رضب �أو اجلرح �أو التهديد‪�-‬إذا كانت الأ�شياء التي يحملها ال�سارق ال ت�شكل �سالحا خطريا ح�سب مفهوم الف�صل‬
‫‪507‬ق‪.‬ج و لكنها �صاحلة للإ�ستعمال يف الإعتداء على اال�شخا�ص مثل احلجارة و ال�سال�سل و قطع اخل�شب ‪...‬‬
‫‪181‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫هذه الحالة هو ما يمثله حمل ال�سالح من خطورة تتمثل في ا�ستعماله من جهة‪ ،‬وفيما يبعثه‬
‫من خوف في نف�س ال�ضحية من جهة �أخرى‪ ،‬فيدفعها �إلى اال�ست�سالم وعدم مقاومة الجاني‬
‫الراغب في �سلب ممتلكاتها‪ .‬ولهذا يعتبر حمل ال�سالح ظرفا م�شددا حتى ولو �أثبت الجاني �أنه‬
‫لم يكن ينوي ا�ستعماله و�إنما ق�صد فقط ت�سهيل ارتكابه الجريمة‪ .‬ويعتبر حمل ال�سالح من‬
‫الظروف العينية‪ ،‬ولذلك فهو ي�شمل جميع الم�شاركين والم�ساهمين في جريمة ال�سرقة حتى‬
‫ولو كانوا يجهلون حمل ال�سالح من �أحدهم بل حتى ولو قدم �أحدهم الن�صيحة بعدم حمله‬
‫وا�ستعماله‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ظروف الت�شديد العائدة ل�صفة في ال�شيء الم�سروق‪:‬‬
‫تعر�ضت الفقرة الأخيرة من الف�صل ‪ 510‬ق ج لهذا النوع من الظروف و ق�صرته على �سبب‬
‫واحد هو وقوع ال�سرقة على �شيء يتعلق ب�سالمة و�سيلة من و�سائل النقل العام �أو الخا�ص‪.‬‬
‫فال�سرقة التي يعاقب عليهاهذا الن�ص هي تلك المتعلقة ب�أ�شياء يعر�ض اختال�سها و�سيلة‬
‫النقل لخطر ما‪� ،‬سواء كانت هذه الأ�شياء جزءا من و�سيلة النقل �أو منف�صلة عنها ‪ .‬وقد �شدد‬
‫الم�شرع المغربي العقوبة في هذه الحالة مراعاة منه ل�ضرورة حماية و�سائل النقل و�إحاطتها‬
‫بعناية خا�صة من �أخطار ال�سرقات التي تقع عليها والتي من �ش�أنها �أن ت�سبب حوادث مميتة‬
‫وخ�سائر ب�شرية ومادية فظيعة‪.‬‬
‫وي�شترط العتبار هذا الظرف ظرفا م�شددا �أن يقوم الجاني ب�سرقة �شيء يتعلق ب�سالمة �أي‬
‫و�سيلة من و�سائل النقل والتي ت�ؤثر على �سالمة الأ�شخا�ص �أو الب�ضائع المنقولة‪ ،‬وبالتالي ف�إن‬
‫�سرقة �أي �شيء ال يم�س �سالمة و�سيلة النقل ال يدخل �ضمن مفهوم هذا الظرف‪ .‬وهكذا يكون‬
‫اختال�س �شخ�ص للعجلة االحتياطية لحافلة �أو �سيارة ي�ؤدي �إلى توقيفها عن �أداء وظيفتها فقط‬
‫و ال يتعلق ب�سالمتها‪ ،‬و على العك�س ف�إن �سرقة مبرد الماء‪� ،‬أو قنينة الأزوت المخ�ص�صة للتدخل‬
‫عند وقوع حريق في المحرك‪ ،‬يم�س ب�سالمة الناقلة مما ي�ؤدي �إلى ت�شديد العقاب‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬ظروف الت�شديد العائدة ل�صفة في الجاني(ال�سارق)‪:‬‬
‫تعر�ض الم�شرع للظروف الم�شددة العائدة ل�صفة �شخ�صية في الجاني في الفقرتين‬
‫الأخيرتين من الف�صل ‪ 509‬ق‪.‬ج‪ ،‬و ب�إ�ستعرا�ضها نجد �أن هذه ال�صفة تنح�صر �إما في‪:‬‬
‫‪ - 1‬الخادم ب�أجرة �أو الم�ستخدم الذي ي�سرق مخدومه‪ :‬وت�شمل هذه الفئة خدم وعمال‬
‫المنازل وخدم المزارع في البوادي وي�شترط في الخادم �أو الم�ستخدم �أن يقوم بخدمته مقابل‬
‫�أجر كيفما كان نوع هذا الأجر‪ ،‬ويطبق هذا الظرف على من يعمل مجانا �أو متطوعا ‪،‬كما‬
‫ي�شترط في الخادم �أي�ضا �أن يكون مقيما مع مخدومه و�أن تكت�سي الإقامة طابع اال�ستمرارية‪،‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪182‬‬

‫و�إن كانت عر�ضية فال يطبق الن�ص ال�سابق‪ .‬و بالتالي يخرج من طائفة الخدم و الم�ستخدمين‬
‫الأ�شخا�ص الذين يقومون ببع�ض الأعمال العر�ضية كالن�ساء اللواتي يقمن ب�أعمال التنظيف و‬
‫الت�صبين ( ن�ساء الموقف مثال) ‪.‬‬
‫‪ - 2‬العامل �أو المتعلم لمهنة‪ :‬فالأول هو ال�شخ�ص الذي يقوم لفائدة رب العمل بعمل يدوي‬
‫�أو تغلب عليه ال�صفة اليدوية مقابل �أجر متفق عليه بين الطرفين‪ ،‬و�أما المتعلم لمهنة فهو‬
‫العامل المتمرن �أي المتدرب الذي يق�صد رب العمل بق�صد تعلم �أ�صول مهنة معينة‪ ،‬وغالبا ما‬
‫يكون بدون �أجر‪ .‬وي�شترط القانون لمتابعة العامل �أو المتعلم لمهنة بال�سرقة �أن يتم �إرتكابها‬
‫في الم�صنع �أو المحل الذي يمار�س فيه العامل عمله �أو المتعلم تدريباته‪.‬‬
‫‪ - 3‬ال�شخ�ص الذي يعمل ب�صفة اعتيادية في المنزل مو�ضوع ال�سرقة‪ :‬فال�شخ�ص هنا ال‬
‫يعد خادما �أو م�ستخدما ب�أجر ومن �أمثلته الأعوان الذين يقومون ب�أعمال معتادة في منازل‬
‫ر�ؤ�سائهم‪ ،‬كالجندي الذي يعمل في منزل كبار �ضباط الجي�ش وغيرهم‪ ،‬وي�شترط في هذه الفئة‬
‫كذلك �أن ال يكون العمل عر�ضيا و�إال ال يتحقق الت�شديد‪.‬‬
‫�إن �صفة الجاني في هذه الحاالت والتي تقت�ضي منحه الثقة يكون م�س�ؤوال م�س�ؤولية كاملة‬
‫عن الحفاظ عليها وعدم الإ�ساءة �إلى من ائتمنه‪ ،‬ولذلك فمتى �إرتكب ال�سرقة في حق مخدومه‬
‫�أو رب عمله �شدد عليه العقاب‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬العقاب على جريمتي الن�صب وخيانة الأمانة‬
‫الفقرة الأولى ‪� :‬أحكام عقاب جريمة الن�صب‬
‫عاقب الم�شرع على الن�صب بالحب�س من �سنة �إلى خم�س �سنوات و غرامة من خم�سمائة �إلى‬
‫خم�س �آالف درهم (الف�صل ‪540‬ق‪.‬ج فقرة �أولى)‪ ،‬وهذه هي العقوبة الأ�صلية‪ ،‬و �إلى جانب‬
‫هذه الأخيرة نجد الم�شرع �أجاز في الف�صل ‪ 546‬ق‪.‬ج للمحكمة الحكم على الجاني بعقوبة‬
‫�إ�ضافية تتمثل في الحرمان من واحد �أو �أكثر من الحقوق الم�شار �إليها في الف�صل ‪ 40‬وبالمنع‬
‫من الإقامة من خم�س �سنوات �إلى ع�شر‪.‬‬
‫كما رفع الم�شرع العقوبة �إلى ال�ضعف لت�صبح من �سنتين �إلى ع�شر �سنوات‪ ،‬و الحد الأق�صى‬
‫للغرامة �إلى �ألف درهم‪� ،‬إذا كان مرتكب الجريمة �أحد الأ�شخا�ص الذين ا�ستعانوا بالجمهور‬
‫في �إ�صدار �أ�سهم �أو �سندات �أو �أذونات �أو ح�ص�ص �أو �أي �أوراق مالية �أخرى متعلقة ب�شركة �أو‬
‫بم�ؤ�س�سة تجارية �أو �صناعية (الف�صل ‪ 540‬ق‪.‬ج)‪� .‬أما المحاولة في الن�صب‪ ،‬والتي تتحقق ب�أي‬
‫عمل ال لب�س فيه يقوم به الفاعل و يهدف من ورائه مبا�شرة �إلى �إرتكاب الجريمة ف�إن الم�شرع‬
‫قد عاقب عليها بجريمة العقوبة التامة (الف�صل ‪546‬ق‪.‬ج ‪/‬فقرته الأخيرة )‪.‬‬
‫‪183‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وبمقت�ضى الف�صل ‪541‬ق‪.‬ج ف�إن �أ�سباب الإعفاء من العقاب و قيود المتابعة الجنائية‬
‫المطبقة في ال�سرقة والواردة في الف�صول ‪ 534‬و ‪536‬ق‪.‬ج‪ ،‬و العائدة ل�شخ�ص الجاني فت�سري‬
‫�أي�ضا بالن�سبة لمرتكبي جريمة الن�صب‪ .‬وهكذا يتحقق الإعفاء من العقاب في حالة ما �إذا كان‬
‫المال الم�ستولى عليه مملوكا لزوج الجاني �أو لأحد فروعه بحيث يجب على الق�ضاء بعد ثبوت‬
‫ن�سبة الجريمة �إلى من يتوافر على ال�صفة ال�سابقة‪ ،‬الحكم ب�إعفائه من العقاب و �إلزامه فقط‬
‫بالتعوي�ضات المدنية في مواجهة المجني عليهم وفق �أحكام الف�صل ‪534‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫�أما بالن�سبة لقيود المتابعة الجنائية ف�إنها تتحقق في حالة ما �إذا كان المال الم�ستولى‬
‫عليه عائدا لأحد �أ�صول الفاعل �أو �أحد �أقربائه �أو �أ�صهاره �إلى الدرجة الرابعة‪ ،‬حيث ال يجوز‬
‫متابعته دون �أن يتقدم الم�ضرور ب�شكوى �إلى النيابة العامة مع العلم �أن �سحبه لها ي�ؤدي �إلى‬
‫�إنهاء المتابعة الجنائية (الف�صل ‪535‬ق‪.‬ج)‪.‬‬
‫و يالحظ �أن الم�شرع المغربي ا�ستثنى �صراحة من تطبيق هاته الأ�سباب والقيود الجناة‬
‫الخا�ضعين للت�شديد الوارد عليه في الفقرة الثانية من الف�صل ‪540‬ق‪.‬ج‪ ،‬وهم الن�صابون الذين‬
‫ي�ستعينون بالجمهور في �إ�صدار �أ�سهم �أو �سندات ‪ ،...‬مهما كانت �صفاتهم بحيث ال يعفون من‬
‫العقاب �أو ي�ستفيدون من قيود المتابعة �أبدا‪.‬‬
‫تلك كانت القواعد الخا�صة بعقاب جريمة الن�صب في �صورتها التامة �أو الناق�صة‪ ،‬و �أ�سباب‬
‫الإعفاء من العقاب‪ ،‬و �إن كانت كل الأحكام المقررة لذلك مبررة‪� ،‬إال �أن الت�شديد الذي قرره‬
‫الم�شرع في الفقرة الأخيرة من الف�صل ‪ 540‬ق‪.‬ج‪ ،‬ال يحقق الحماية الواجبة للمحتال عليهم‪،‬‬
‫و الأمر وا�ضح لأنه حتى مع الت�شديد بقيت جريمة الن�صب جنحة ت�أديبية ب�سبب بقاء عقوبتها‬
‫عقوبة جنحية مع ما يترتب على ذلك من �إمكانية التخفيف على الجاني �إلى �أق�صى الحدود‪.‬‬
‫وهذا ما نجد الم�شرع المغربي قد خالفه عند تقريره لظروف الت�شديد في ال�سرقة التي تنقلها‬
‫دوما من جنحة �إلى جناية‪ ،‬فال نعتقد �أن هناك ما يبرر الحكم بعقوبة جنائية على �شخ�ص‬
‫ي�سرق ليال و ب�إ�ستعمال الت�سلق �أو الك�سر خاتما ذهبيا �أو �أي منقول حتى ولو ارتفعت قيمته‪،‬‬
‫وبعقوبة جنحية على ن�صاب ا�ستولى على الماليين من الدراهم ثم يحولها �إلى �سندات لحامله‬
‫تنتج فوائد لي�ست�أثر بها بعد ق�ضائه لعقوبة الحب�س‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪� :‬أحكام العقاب في جريمة خيانة الأمانة‪:‬‬
‫ين�ص الف�صل ‪ 547‬من ق‪.‬ج على �أنه «من اختل�س �أو بدد ب�سوء نية �إ�ضرارا بالمالك �أو وا�ضع‬
‫اليد �أو الحائز �أمتعة �أو نقودا �أو ب�ضائع �أو �سندات �أو و�صوالت �أو �أوراقا من �أي نوع تت�ضمن �أو‬
‫تن�شئ التزاما �أو �إبراء كانت �سلمت �إليه على �أن يردها‪� ،‬أو �سلمت �إليه ال�ستعمالها �أو �إ�ستخدامها‬
‫لغر�ض معين‪ ،‬يعد خائنا للأمانة ويعاقب بالحب�س من �ستة �أ�شهر �إلى ثالث �سنوات وغرامة من‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪184‬‬

‫مائتين �إلى �ألفي درهم‪ .‬و�إذا كان ال�ضرر الناتج عن الجريمة قليل القيمة‪ ،‬كانت عقوبة الحب�س‬
‫من �شهر �إلى �سنتين والغرامة من مائتين �إلى مائتين وخم�سين درهما مع عدم الإخالل بتطبيق‬
‫الظروف الم�شددة المقررة في الف�صلين ‪ 549‬و ‪ 550‬ق‪.‬ج‪.».‬‬
‫وقد ميز الم�شرع المغربي من خالل مقت�ضيات المجموعة الجنائية بين العقوبة المقررة‬
‫لجريمة خيانة الأمانة في الحالة العادية والعقوبة المقررة لهذه الأخيرة في حالة توافر ظرف‬
‫من ظروف الت�شديد التي ترفع العقوبة‪.‬‬
‫�أوال ‪ :‬عقاب خيانة الأمانة في �صورتها العادية‪:‬‬
‫عاقب الم�شرع المغربي من خالل الف�صل ‪ 547‬من مجموعة القانون الجنائي على خيانة‬
‫الأمانة في �صورتها الب�سيطة (�أو العادية)‪ ،‬بالحب�س من �ستة �أ�شهر �إلى ثالث �سنوات و غرامة‬
‫من ‪� 200‬إلى ‪ 2000‬درهم‪ ،‬و�إلى جانب العقوبة الأ�صلية ال�سابقة نجد الم�شرع �أجاز في الف�صل‬
‫‪ 555‬ق‪.‬ج للمحكمة الحكم على الفاعل بالحرمان من واحد �أو �أكثر من الحقوق الم�شار �إليها‬
‫في الف�صل ‪ 40‬ق‪.‬ج‪ ،‬و بالمنع من الإقامة من خم�س �سنوات �إلى ع�شر ‪.‬‬
‫بناء على ما �سبق تكون خيانة الأمانة جنحة من الجنح التي ال يجوز معها للقا�ضي �إعمال‬
‫�سلطته التقديرية فيما بين الحكم بالعقوبة ال�سالبة للحرية �أو العقوبة المالية‪� ،‬إال �أنه يمكنه‬
‫الحكم بوقف تنفيذ العقوبة فيها عمال بالف�صل ‪ 55‬من مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬و في هذه‬
‫الخ�صو�صية يظهر مدى �ضعف الزجر المقرر قانونا لهذه الجريمة ‪.‬‬
‫كما يجدر التنبيه �إلى �أن الم�شرع لم يعاقب على محاولة هذه الجريمة ب�سبب �أن محاولة‬
‫الجنح تقت�ضي وجود ن�ص خا�ص‪ ،‬و مع ذلك يمكن القول ب�أن عدم عقاب الم�شرع على المحاولة‬
‫في هذه الجريمة بالذات قد ال يرجع �إلى عدم رغبته في عقابها‪ ،‬و �إنما يرجع في الحقيقة �إلى‬
‫عدم �إمكانية ت�صور ال�شروع في خيانة الأمانة التي تتحقق دوما في �صورتها التامة بمجرد‬
‫تغيير الحائز لنيته من حيازة ناق�صة �إلى حيازة كاملة‪ ،‬و ذلك بالظهور على ال�شيء بمظهر‬
‫المالك‪ ،‬حيث ال يت�أتى و الحالة هذه ت�صور البدء في تنفيذها دون �إتمام الركن المادي لها‪.‬‬
‫ثانيا ‪�:‬أحكام خا�صة متعلقة ب�أ�سباب التخفيف والت�شديد واالعفاء من العقاب في هذه‬
‫الجريمة‪:‬‬
‫‪ - 1‬تخفيف العقاب‪:‬‬
‫خفف الم�شرع عقوبة خيانة الأمانة في الفقرة الأخيرة من الف�صل ‪ 547‬ق‪.‬ج �إذا لم يرافقها‬
‫�أي ظرف م�شدد من الظروف الم�شار �إليها في الف�صل ‪ 549‬و ‪550‬ق‪.‬ج‪ ،‬و جعلها من �شهر �إلى‬
‫�سنتين (جنحة �ضبطية) و غرامة من مائتين �إلى مائتين و خم�سين درهما‪� ،‬إذا كان ال�ضرر‬
‫‪185‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الناجم عن الجريمة قليل القيمة‪ ،‬و الم�شرع في الن�ص المذكور �إذا كان قد �أخد بعين الإعتبار‬
‫زهادة ال�ضرر �أو تفاهته‪ ،‬ف�إنه لم يحدد له قيمة معلومة تلزم المحاكم‪ ،‬و لذلك يبقى لهذه‬
‫الأخيرة �أن تحدد هذه الزهادة في حدود ال�سلطة التقديرية التي تتمتع بها في تقدير الوقائع‬
‫وخلق التكييف القانوني عليها‪ ،‬مع التزامها بطبيعة الحال ب�إبراز هذه الوقائع في الحكم لكي‬
‫تت�أكد محكمة النق�ض من مدى مالءمة و�صف ال�ضرر ب�أنه قليل القيمة �أو تافها ‪.‬‬
‫وكما هو وا�ضح‪ ،‬ف�إن الم�شرع لم يقرر العذر المخفف في هذه الحالة ب�سبب تفاهة �أو زهادة‬
‫المنقول المختل�س �أو المبدد فقط و�إنما تو�سع �أكثر من ذلك عندما ربط عذر التخفيف بقلة �أو‬
‫تفاهة ال�ضرر الناجم عن الجريمة‪ ،‬حيث يت�صور و الحالة هذه �أن ينال الجاني التخفيف �سواء‬
‫كان المنقول ذا قيمة مادية كبيرة �أو �صغيرة‪ ،‬تبعا لل�ضرر الحا�صل للمالك �أو الحائز ب�سبب‬
‫الجريمة‪ ،‬و لي�س لقيمة المنقول المختل�س �أو المبدد‪.‬‬
‫‪ - 2‬ت�شديد العقاب‪:‬‬
‫�شدد الم�شرع العقاب على مرتكب جريمة خيانة الأمانة في الف�صلين ‪ 549‬و ‪ 550‬من‬
‫مجموعة القانون الجنائي ‪ .‬فبمقت�ضى الف�صل ‪ 549‬ت�شدد عقوبة خيانة الأمانة فت�صبح الحب�س‬
‫من �سنة �إلى خم�س �سنوات و غرامة من مائتين �إلى خم�سة �آالف درهم في الحاالت التالية ‪:‬‬
‫�إذا ارتكبها عدل �أو حار�س ق�ضائي �أو قيم �أو م�شرف ق�ضائي‪ ،‬وذلك �أثناء قيامه بوظيفته‬ ‫✺‬

‫�أو ب�سببها‪.‬‬
‫�إذا ارتكبها الناظر �أو الحار�س �أو الم�ستخدم في وقف‪� ،‬إ�ضرارا بهذا الأخير‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إذا ارتكبها �أجير �أو موكل‪� ،‬إ�ضرارا بم�ستخدمه �أو موكله‪.‬‬ ‫✺‬

‫كما �شدد الف�صل ‪ 550‬ق‪.‬ج عقوبة الجريمة وذلك برفع عقوبة الحب�س المقررة للجريمة‬
‫العادية �إلى ال�ضعف (من �سنة �إلى �ست �سنوات)‪ ،‬و يرفع الحد الأعلى للغرامة �إلى مائة �ألف‬
‫درهم‪� ،‬إذا �إرتكب الجريمة �أحد الأ�شخا�ص الذين يح�صلون من الجمهور على مبالغ �أو قيم على‬
‫�سبيل الوديعة �أو الوكالة �أو الرهن‪� ،‬سواء ب�صفتهم ال�شخ�صية �أو ب�صفتهم مديرين �أو م�سيرين‬
‫�أو عمالء ل�شركات �أو م�ؤ�س�سات تجارية �أو �صناعية‪.‬‬
‫‪� - 3‬أ�سباب الإعفاء من العقاب و قيود المتابعة‪:‬‬
‫تت�شابه جريمة خيانة الأمانة مع جريمة ال�سرقة من حيث �أن الم�شرع المغربي �أخ�ضعهما‬
‫معا في بع�ض الحاالت لنف�س الأ�سباب المعفية من العقاب في كل منهما بالرغم من قيام‬
‫قواعد الم�س�ؤولية الجنائية ‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪186‬‬

‫فقد جاء في الف�صل ‪ 548‬من القانون الجنائي �أن الإعفاء من العقوبة‪ ،‬وقيود المتابعة‬
‫الجنائية‪ ،‬المقررة في الف�صول ‪� 534‬إلى ‪ ،536‬ت�سري على جريمة خيانة الأمانة المعاقب عليها‬
‫بالف�صل ‪.547‬‬
‫و بناء على الن�ص ال�سابق‪ ,‬ف�إن الجاني �إذا كان زوجا �أو �أ�صال لمالك المنقول المختل�س �أو‬
‫المبدد ف�إنه يعفى من العقاب مع �إلتزامه بالتعوي�ضات المدنية ( الف�صل ‪534‬ق‪.‬ج) بحيث يبقى‬
‫ملتزما بها ‪ .‬كما �أنه ال يجوز متابعة مرتكب الجريمة الذي قام بالإختال�س �أو التبديد لمنقول‬
‫مملوك لأحد �أ�صوله �أو �أقاربه �أو �أ�صهاره �إلى الدرجة الرابعة �إال بناء على �شكوى من ال�ضحية‪,‬‬
‫مع التنبيه �إلى �أن �سحب ال�شكوى ي�ضع حدا للمتابعة وفقا للف�صل ‪ 535‬من مجموعة القانون‬
‫الجنائي كما �سبق �أن تطرقنا له بمنا�سبة درا�سة جريمة ال�سرقة‪.‬‬
‫وتجب الإ�شارة �إلى �أن �أ�سباب الإعفاء من العقوبة‪ ،‬و قيود المتابعة الم�شار �إليها في الف�صل‬
‫‪ 548‬تطبق فقط عندما تكون الجريمة ب�سيطة ح�سب المفهوم الوارد بالف�صل ‪� ،547‬أي غير‬
‫مقترنة ب�أي ظرف من ظروف الت�شديد المن�صو�ص عليها في الف�صول ‪ 549‬و‪ 550‬ق‪.‬ج‪ ،‬و هذا‬
‫ما ي�ستفاد من الف�صل ‪ ،548‬الذي ربط الإعفاء من العقاب‪� ،‬أو الأخذ بقيود المتابعة‪ ،‬بالحالة‬
‫التي تكون الجريمة معاقبا عليها بالف�صل ‪ 574‬ق‪.‬ج‪� ،‬أي لما تكون الجريمة عادية‪� ،‬أو عندما‬
‫تكون مخففة ب�أن كان ال�ضرر الناجم عن الجريمة قليل القيمة ‪.‬‬
‫وبمقت�ضى الف�صل ‪ 536‬ق‪.‬ج‪ ،‬ف�إن المخفين للأ�شياء المتح�صلة من خيانة الأمانة و كذلك‬
‫الم�شاركون و الم�ساهمون مع الفاعل (�أو الفاعلين) الأ�صلي للجريمة الذي (�أو اللذين) ينال‬
‫الإعفاء من العقاب �أو ي�ستفيد (�أو ي�ستفيدون) من قيود المتابعة الجنائية في هذه الجريمة‬
‫طبقا للف�صل ‪ ،548‬ال ي�سري عليهم هذا الإعفاء �أو قيود المتابعة طالما ال تتوافر ال�صفات‬
‫الم�شار �إليها فيهم‪.‬‬
‫‪187‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫❼‬
‫الجرائم الما�سة بالآداب‪ :‬الف�ساد والخيانة الزوجية‬
‫واالغت�صاب‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫تطلق جرائم العر�ض على كل ممار�سة جن�سية خارج �إطار العالقة الزوجية الم�شروعة‬
‫�سواء كانت تلك الممار�سة بر�ضى الطرفين �أم ب�إكراه �أحدهما للآخر بين رجل وامر�أة‪� ،‬أو‬
‫بين فردين من جن�س واحد (ال�شذوذ الجن�سي)‪ ،‬ويلحق بجرائم العر�ض كذلك التحري�ض على‬
‫ممار�ستها و�أعمال الو�ساطة واالتجار والم�ساعدة على ارتكابها‪ ،‬وجرائم انتهاك �أو الإخالل‬
‫بالآداب العامة مثل الإخالل العلني بالحياء‪ ،‬ون�شر �أو توزيع المطبوعات �أو الر�سوم �أو ال�صور‬
‫المنافية للآداب والأخالق‪.‬‬
‫فالغريزة الجن�سية غريزة فطرية تتطلب �ضرورة �إ�شباعها من خالل العالقات الجن�سية �أو‬
‫المبا�شرة الجن�سية‪ ،‬وقد عرفت المجتمعات البدائية تنظيما لهذه العالقة على �أ�سا�س الر�ضا‬
‫الذي تطور فيما بعد �إلى نظام الزواج‪ ،‬وهو نظام تفر�ضه الفطرة ال�سليمة ومبادئ الأخالق‪،‬‬
‫وكل عالقة خارج هذا النظام تعتبر رذيلة ومنافية للأخالق والآداب العامة‪.‬‬
‫و�أكدت هذا المبد�أ جميع الأديان ال�سماوية فقد قررت �أ�شد العقوبات لالنحراف عن النظام‬
‫الطبيعي‪ ،‬نظام الزواج والأ�سرة‪ .‬وقد عرفت القوانين الو�ضعية قديمها وحديثها تحريم الرذيلة‬
‫وكافة العالقات الجن�سية خارج �إطار الزواج حتى ولو كانت بالر�ضا‪ ،‬وعن اختيار حر‪ .1‬فحماية‬
‫العر�ض من �أهم و�أول الحقوق التي اعترفت بها القوانين الو�ضعية وال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬وم�صدر‬
‫�أهمية هذا الحق �أنه تج�سيد قانوني ل�شعور طبيعي موجود لدى كل �إن�سان وهو ال�شعور بالحياء‪ .‬ومن‬
‫ناحية ثانية ك�شف الطب عن الأخطار ال�صحية الناتجة عن ممار�سة العالقة الجن�سية خارج �إطار‬
‫الزواج‪ ،‬ومن م�ضاعفاتها الرهيبة بالعدوى والوراثة‪ .‬فجريمة االعتداء على العر�ض ال يقت�صر‬
‫�أثرها على مرتكبها بل تتعداه �إلى ما �سواه‪ ،‬حيث ت�سفك الأعرا�ض‪ ،‬وتختلط الأن�ساب ويعتدى على‬
‫الن�سل‪ ،‬وتم�س الأ�سرة في �شرفها وكرامتها‪ ،‬وتنت�شر الأمرا�ض والف�ساد ويكثر اللقطاء‪.2‬‬
‫‪ 11‬علي عبد القادر القهوجي‪« :‬قانون العقوبات‪ ،‬الق�سم اخلا�ص‪ ،‬جرائم االعتداء على امل�صلحة العامة وعلى الإن�سان‬
‫واملال»‪ ،‬من�شورات احللبي احلقوقية‪� ،‬ص‪.463 :‬‬
‫‪ 22‬علي ر�شيد �أبو حجيلة‪« :‬احلماية اجلنائية للعر�ض يف القانون الو�ضعي وال�رشيعة الإ�سالمية‪ ،‬درا�سة مقارنة»‪ ،‬دار الثقافة‬
‫للن�رش والتوزيع‪� ،‬ص‪.15 :‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪188‬‬

‫والحكمة من تحريم الزنا �أنها من الأفعال المنافية للمبادئ الأخالقية‪ ،‬كما �أنها تت�ضمن‬
‫انتهاكا للأعراف‪ ،‬و�إذا كانت ال�شرائع ال�سماوية �أجمعت على تحريم فعل الزنا‪ ،‬ف�إن بع�ض‬
‫الت�شريعات الو�ضعية ‪ -‬خا�صة القوانين الغربية ‪ -‬ال تجرم هذا الفعل كما هو الحال في القانون‬
‫الإنجليزي الذي �أ�صبح ال يعاقب على فعل الزنا‪ ،‬بعدما كان ي�شكل جريمة فيما �سبق‪ ،‬بحيث‬
‫كان يعتبر واقعة الزنا مجرد خطيئة �أخالقية مدنية‪ ،‬واعتبر �أن العقاب لن يردع من يتردد في‬
‫الإقدام على هذا الفعل‪� ،‬إذا لم تمنعه اعتبارات اجتماعية ودينية �أقوى من العقاب‪.1‬‬
‫ومن هذه القوانين �أي�ضا القانون الفرن�سي حيث �ألغيت الن�صو�ص القانونية المتعلقة بجريمة‬
‫الزنا بموجب القانون ال�صادر �سنة ‪ ،1975‬و ذلك لأ�سباب عديدة �أهمها عدم جدوى العقاب‬
‫لمن لم تردعه الأخالق و المبادئ العامة‪� ،‬إال �أن الأمر يختلف في الواليات الأمريكية �إذ تعتبر‬
‫الزنا جريمة في قوانين �أكثر من ن�صف عدد الواليات ‪.2‬‬
‫�أما الم�شرع المغربي فقد ذهب �إلى �أبعد من ذلك حيث جرم الزنا �أيا كان فاعله‪� ،‬سواء كان‬
‫متزوجا �أو غير متزوج‪ ،‬غير �أن المالحظ هنا هو �أن ال�شخ�ص المقترف لفعل الزنا �إذا كان غير‬
‫متزوج اعتبر مرتكبا لجريمة الف�ساد‪� ،‬أما �إن كان متزوجا ف�إنه يعد مرتكبا لجريمة الخيانة‬
‫الزوجية وكل جريمة من هاتين الجريمتين نظمها الم�شرع المغربي بموجب ن�صو�ص قانونية‪،‬‬
‫وو�ضع لها عقوبة خا�صة بها و�أفردها بو�سائل �إثبات محدودة على �سبيل الح�صر‪ ،‬ونظرا لما‬
‫لجريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية من �أهمية وما تثيرانه من م�شاكل‪ ،‬وما بينها من تداخل‬
‫وت�شابه‪ ،‬ارت�أينا �أن نجعلها محل البحث الذي من خالله �سنحاول الوقوف على كل جريمة على‬
‫حدة ب�شيء من التف�صيل‪ ،‬م�ستدلين ببع�ض القرارات الق�ضائية‪.‬‬
‫�إذن فما التنظيم القانوني لجريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية؟ وما �أركانها وو�سائل �إثباتها؟‬
‫والعقوبة المقررة لها؟‬
‫هذا ما �سنحاول الإجابة عنه من خالل هذا المو�ضوع الذي ق�سمناه �إلى مبحثين‪ ،‬خ�ص�صنا‬
‫المبحث الأول لأركان جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية ‪ ،‬بينما �أفردنا المبحث الثاني لو�سائل‬
‫�إثبات الجريمتين و قيود المتابعة في الخيانة الزوجية وفق الخطة التالية‪:‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية‬ ‫❑‬

‫المطلب الأول‪� :‬أركان جريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية‬ ‫❍‬

‫المطلب الثاني‪ :‬و�سائل الإثبات الجريمتين وقيود المتابعة في الخيانة الزوجية‬ ‫❍‬

‫المبحث الثاني‪ :‬جريمة الإغت�صاب في القانون الجنائي المغربي والإجتهاد الق�ضائي‬ ‫❑‬

‫‪ 11‬نبيل �صقر‪« :‬الو�سيط يف جرائم الأ�شخا�ص»‪ ،‬دار الهدى اجلزائر‪� ،‬سنة ‪� ،2009‬ص‪.311 :‬‬
‫‪ 22‬نبيل �صقر ‪ ،‬م �س‪� ،‬ص‪312 :‬‬
‫‪189‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المطلب الأول‪ :‬مفهوم جريمة الإغت�صاب و�إطارها القانوني‬ ‫❍‬

‫المطلب الثاني‪�:‬إثبات جريمة الإغت�صاب بين الن�ص القانوني والتوجهات‬ ‫❍‬

‫الق�ضائية‬

‫المبحث الأول‪ :‬جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية‬


‫�أطلق الم�شرع المغربي و�صف جريمة الف�ساد على العالقة الجن�سية غير ال�شرعية التي ال‬
‫تحقق فيها �إحدى جرائم العر�ض المعاقب عليها بن�صو�ص خا�صة‪ ،‬وهي جرائم هتك العر�ض‬
‫واالغت�صاب والخيانة الزوجية‪ ،‬ذلك �أنه بعد �أن جرم الممار�سة الجن�سية غير ال�شرعية في‬
‫حاالت‪ ،‬عاقب على كل عالقة جن�سية بين رجل وامر�أة ال يربطهما زواج‪ ،‬وحاول بذلك �أن‬
‫يجعل الزواج هو العالقة القانونية الوحيدة المعترف بها للمتعاي�ش الجن�سي‪ ،‬وهو اتجاه يتفق‬
‫مع ال�شريعة الإ�سالمية التي وقفت من الزنى موقفا �صارما حر�صا منها على �صيانة الأ�سرة‬
‫ونظامها‪.1‬‬
‫وقد تعر�ض الم�شرع المغربي لجريمة الف�ساد في الف�صل ‪ 490‬ق‪.‬ج الذي جاء فيه «كل عالقة‬
‫جن�سية بين رجل وامر�أة‪ ،‬ال تربط بينهما عالقة الزوجية تكون جريمة الف�ساد‪ ،‬ويعاقب عليها‬
‫بالحب�س من �شهر واحد �إلى �سنة»‪.‬‬
‫بينما بالن�سبة لجريمة الخيانة الزوجية فمختلف القوانين الو�ضعية لم ت�ضع تعريفا لها‬
‫و�إنما حددتها ب�صيغ و عبارات مختلفة ‪ ،‬فقد عرفها البع�ض من فقهاء القانون ب�أنها «ارتكاب‬
‫الوطء غير الم�شروع من �شخ�ص متزوج مع امر�أة متزوجة بر�ضاها حالة قيام الزوجية فعال‬
‫�أو حكما‪.2‬‬
‫كما عرفت على �أنها تدني�س فرا�ش الزوجية وانتهاك حرمتها بتمام الوطء‪.3‬‬
‫والم�شرع المغربي بدوره في الف�صل ‪ 491‬ق‪.‬ج لم ي�ضع تعريفا لجريمة الخيانة الزوجية‬
‫و�إنما حدد �أركانها والعقوبة المقررة لها‪.‬‬
‫ونلفت االنتباه �إلى كون الم�شرع المغربي لم يحدد ما �إذا كان يجب �أن يكون الزواج ثابت‬
‫بمقت�ضى عقد عرفي �أو ر�سمي‪ .‬بحيث في هذه الحالة يتعين على الم�شتكي �إثبات العالقة‬
‫الزوجية قبل �إثبات الجريمة ‪ .‬ويتم ذلك عن طريق تقديم دفوعات �أولية �أو طلب مهلة زمنية‬
‫من القا�ضي الجنائي لكي يتمكن المت�ضرر من رفع دعوى ق�ضائية �أمام ق�سم ق�ضاء الأ�سرة‬

‫‪� 11‬أحمد اخلملي�شي‪« :‬القانون اجلنائي اخلا�ص»‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬مكتبة املعارف للن�رش والتوزيع‪� ،‬ص‪.229 :‬‬
‫‪� 22‬أحمد حافظ نور‪ « :‬الزنا يف القانون امل�رصي واملقارن» ر�سالة مقدمة بكلية احلقوق جامعة القاهرة‪� ،1958 ،‬ص‪.610 :‬‬
‫‪ 33‬عبد احلكيم فودة‪« :‬اجلرائم املا�سة بالآداب العامة والعر�ض»‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬م�رص‪� ،‬سنة ‪� ،2004‬ص‪.605 :‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪190‬‬

‫لإثبات الزواج العرفي وذلك وفقا لما ماجاء في مقت�ضيات قانون الم�سطرة الجنائية التي‬
‫تن�ص على انه �إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل مدني فيتعين مراعاة ذلك‪.‬‬
‫و تتطلب جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية توافر �أركان (المطلب الأول) كما يتم �إثباتها‬
‫بمجموعة من الو�سائل (المطلب الثاني)‪:‬‬
‫المطلب الأول‪� :‬أركان جريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية‪:‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الركن المادي لجريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية‬
‫لقيام جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية البد من توافر عن�صرين �أ�سا�سيين وهما الفعل‬
‫المادي �أي العالقة الجن�سية‪ ،‬وعدم وجود عالقة زوجية بين الفاعلين في جريمة الف�ساد‬
‫وارتباط الجاني بعقد زواج في جريمة الخيانة الزوجية‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬الفعل المادي‬
‫يتحقق الركن المادي في الف�ساد بمواقعة رجل المر�أة دون �أن يكونا مرتبطين بعالقة‬
‫زوجية‪ ،‬وذلك ب�إدخاله لع�ضو التنا�سلي المذكر في فرج المر�أة‪ ،‬وهذا يكفي وحده لقيام الركن‬
‫المادي في هذه الجريمة‪ ،‬وال عبرة بعد ذلك لما �إذا كان الرجل �أو المر�أة قد نال �شهوته‬
‫من الجماع المجرد �أم �أن �أحدهم وحده هو الذي �أروى ظم�أ غريزته الجن�سية بح�صول اللذة‬
‫الكاملة له دون الطرف الآخر‪ ،‬كما �أن االعتياد على المواقعة بين الطرفين غير مطلوب لقيام‬
‫هذه الجريمة �إذ تكفي لذلك عملية وطء واحدة‪.1‬‬
‫�إال �أن العالقة الجن�سية تطرح عدة �إ�شكاالت من قبيل ما المق�صود بالعالقة الجن�سية؟ هل‬
‫يق�صد بها تلك التي تتم بالإيالج فقط؟ �أم تتحقق حتى بالطرق الأخرى لممار�سة ذلك؟ وهل‬
‫يمكن اعتبار الممار�سة مع المر�أة من الدبر تندرج �ضمن مفهوم العالقة الجن�سية المق�صودة‬
‫من خالل الف�صل ‪ 490‬ق‪.‬ج‪.2‬‬
‫�سبق الحديث �أن الن�شاط المادي لجريمة الف�ساد ي�ستلزم حدوث مواقعة‪ ،‬وهذه الأخيرة‬
‫ال تتم �إال ب�إيالج ع�ضو الرجل في ع�ضو المر�أة‪ ،‬معنى هذا ما دون المواقعة من �أفعال ت�سبقها‬
‫عادة �أو تحيط بها كالمداعبة وال�ضم والتقبيل وغيرها ال تعتبر مكونة للركن المادي لجريمة‬
‫الف�ساد‪ ،‬و�إن كان ذلك ال يمنع من متابعتهما بجريمة الإخالل العلني بالحياء المن�صو�ص عليه‬

‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي‪�« :‬رشح القانون اجلنائي املغربي‪ ،‬الق�سم اخلا�ص»‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪� ،2016 ،1437‬ص‪.212 :‬‬
‫‪ 22‬كامل ال�سعيد‪�« :‬رشح قانون العقوبات»‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للن�رش والتوزيع عمان‪� ،‬سنة ‪� ،1994‬ص‪.247 :‬‬
‫‪191‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫في الف�صل ‪ 483‬من القانون الجنائي‪ 1‬متى توافرت �شروطه‪ .‬بل د�أبت بع�ض النيابات العامة‬
‫على ت�سطير المتابعة بهتك العر�ض خا�صة حينما ترتكب مقدمات الف�ساد هذه في حق‬
‫قا�صر‪.‬‬
‫كما �أنه ي�شترط �أن يكون ال�شريك في جريمة الخيانة الزوجية من الجن�س المقابل بمعنى‬
‫البد �أن يمار�س الرجل المتزوج عالقة جن�سية مع امر�أة وبالتالي فمثال ممار�سة الرجل المتزوج‬
‫العالقة مع رجل �آخر �أو امر�أة متزوجة مع امر�أة �أخرى اليعد خيانة زوجية بالمفهوم القانوني‬
‫بل يدخل في �إطار ال�شدود الجن�سي‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن القول �أن الفقهاء وال�شراح قد �أعطوا تعريفا �ضيقا لمفهوم الممار�سة‬
‫الجن�سية‪ ،‬وذلك �سيرا على توجه الفقه الإ�سالمي الذي اعتبر �أن زنا غير المح�صن يتحقق‬
‫بقيام عالقة جن�سية بين رجل وامر�أة عن طريق الإيالج‪.2‬‬
‫وهناك فريق �آخر ذهب �إلى التو�سع في تف�سير الن�ص القانوني وجعل مفهوم العالقة‬
‫الجن�سية ي�شمل �إتيان المر�أة من الخلف‪ ،‬وبرر هذا الموقف بقوله �أن المر�أة �أباحت ج�سدها‬
‫لي�ؤتى من �أي مكان‪ ،‬ومكنت نف�سها لرجل ا�ستحل الحرمات وتمتع في غير الحالل‪ ،‬في�ستوي في‬
‫هذه الحالة �أن يكون الوطء من قبل �أو دبر‪.3‬‬
‫انطالقا مما �سبق يمكن القول �أن العالقة الجن�سية هي عن�صر �أ�سا�سي و�شرط لقيام‬
‫الركن المادي لجريمة الف�ساد‪ ،‬وقد ا�شترطها كذلك العمل الق�ضائي للقول بالإدانة‪ ،‬حيث جاء‬
‫في قرار �صادر عن المجل�س الأعلى �أن «قرينة وجود المتهمين تحت �سقف واحد غير كافية‬
‫لإدانتهما من �أجل جنحة الف�ساد»‪.4‬‬
‫و كما في جريمة الف�ساد يتحقق الركن المادي للخيانة الزوجية بالمواقعة‪� ،‬أي ح�صول‬
‫ات�صال جن�سي ر�ضائي �صحيح بين ذكر و�أنثى‪ 5‬و�إال اعتبر اغت�صابا وفق القانون المغربي‪ ،‬وال‬
‫يجوز للمحكمة �أن تقرر الإدانة �إال �إذا اقتنعت بح�صول الوقاع وعليها �أن تبرر في حكمها هذا‬
‫االقتناع الذي ت�ستخل�صه من االعتراف ال�صريح للمتهم �أو من المح�ضر في حالة التلب�س‪ ،‬وكما‬
‫�سبق في جريمة الف�ساد لي�س من ال�ضروري �أن يت�ضمن مح�ضر التلب�س معاينة تنفيذ العن�صر‬
‫المادي للجريمة ولكن يتعين �أن تكون الوقائع المعاينة والم�سجلة في المح�ضر تدل بو�ضوح‬

‫‪ 11‬جاء يف الف�صل ‪ 483‬ق‪.‬ج «من ارتكب �إخالال علنيا باحلياء وذلك بالعري املتعمد �أو البذاءة يف الإ�شارات �أو الأفعال‪،‬‬
‫يعاقب باحلب�س من �شهر واحد �إىل �سنتني‪ ،‬وبغرامة من ‪� 200‬إىل ‪ 500‬درهم‪.‬‬
‫‪ 22‬ح�سن ـ�أيوب‪« :‬الفقه ال�شامل»‪ ،‬دار ال�سالم‪ ،‬م�رص‪� ،‬سنة ‪� ،2002‬ص‪.100 :‬‬
‫‪� 33‬أحمد اخلملي�شي‪ :‬م‪�.‬س‪� ،‬ص‪.231 :‬‬
‫‪ 44‬قرار عدد ‪ 1350‬ال�صادر بتاريخ ‪ ،1990/02/15‬ملف عدد ‪ 88/14142‬جملة املعيار‪ ،‬العدد الثاين‪� ،‬ص‪.112 :‬‬
‫‪ 55‬الف�صل ‪491‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪192‬‬

‫على ارتكاب الجريمة حتى يكون ا�ستنتاج المحكمة �سليما‪� .‬إال �أن ال�شرط المو�ضوعي للركن‬
‫المادي لجريمة الخيانة الزوجية هو �ضرورة �أن يكون �أحد الفاعلين متزوجا بخالف‬
‫جريمة الف�ساد التي من �شروط تحقق ركنها المادي عدم وجود الزواج‪.‬‬
‫هذا من جهة‪� ،‬أما من جهة �أخرى ف�إن ا�ستخال�ص وجود العالقة الجن�سية من الوقائع‬
‫الواردة في مح�ضر التلب�س يرجع �إلى محكمة المو�ضوع دون رقابة من المجل�س الأعلى‪ ،‬لأن‬
‫الأمر يتعلق بتف�سير الوقائع وا�ستق�صاء داللتها‪ ،‬وقا�ضي النق�ض ال يدخل ذلك في �صالحياته‪،‬‬
‫ومع ذلك قد يتدخل عن طريق نق�صان التعليل �إذا ما تبين له �أن الوقائع بعيدة الداللة عن‬
‫وجود العالقة الجن�سية ويعلل تدخله بكون محكمة المو�ضوع لم تبين بما فيه الكفاية الوقائع‬
‫التي ا�ستخل�صت منها تحقق الفعل المادي لجريمة الخيانة الزوجية‪.1‬‬
‫ثانيا‪ :‬العالقة بين الفاعلين‬
‫ي�شترط لقيام الركن المادي لجريمة الف�ساد بالإ�ضافة �إلى العالقة الجن�سية انعدام وجود‬
‫عالقة زوجية بين الرجل والمر�أة‪ ،‬وهذا معناه �أن وجود عالقة زواج بين الفاعلين يبعد عنها‬
‫�أي �شبهة‪ ،‬بالتالي ال يمكن تطبيق مقت�ضيات الف�صل ‪ 490‬ق‪.‬ج في حقهما‪ ،‬و�إن كان عقد الزواج‬
‫الذي يجمع بينهما فا�سدا‪ ،‬ذلك �أن الم�شرع المغربي وبما �أنه فتح باب �سلوك م�سطرة ثبوت‬
‫الزوجية عبر مقت�ضيات المادة ‪ 16‬من مدونة الأ�سرة‪ ،‬وبالرغم من �أن عقد الزواج لي�س �شرط‬
‫�صحة لقيامها (العالقة الزوجية) وفي هذا ال�سياق جاء قرار �صادر عن محكمة اال�ستئناف‬
‫بالدار البي�ضاء‪�« :‬إن عدم �إبرام عقد الزواج ال يعد �سببا العتبار العالقة الجن�سية بين رجل‬
‫وامر�أة ف�سادا‪ ،‬ما دام الظنين يعا�شر الظنينة معا�شرة الأزواج‪ ،‬حيث �أنه تقدم لخطبتها و�أقام‬
‫حفل زفاف‪ ،‬وما دامت الظنينة تعتبر نف�سها زوجة �شرعية له‪ ،‬خ�صو�صا �أنه كان يعولها‪ ،‬وقد‬
‫اكترى لها بيت الزوجية ف�إن جريمة الف�ساد غير قائمة‪ ،‬بما �أن نية الظنينة لم تن�صرف �إلى‬
‫المعا�شرة الجن�سية غير ال�شرعية‪ ،‬ف�إن جنحة الم�شاركة في الخيانة الزوجية تكون غير قائمة‬
‫كذلك النعدام الركن المعنوي للجريمة»‪.2‬‬
‫والزواج الذي يتم بين رجل وامر�أة بح�ضور الولي وبال�صيغة المعلومة وت�سمية المهر يعتبر‬
‫عقدا �شرعيا وزواجا تترتب عليه كل الحقوق والواجبات لأنه يتوفر على كافة الأركان ولو بدون‬
‫�إ�شهاد قبل الدخول غير واجب‪.‬‬
‫�إذا تبين للمحكمة الجنحية �أن العالقة القائمة بين رجل وامر�أة قد تمت بينها على نية‬
‫الزواج وعلى �أ�سا�سه وبوا�سطة ولي المر�أة وبمح�ضر كافة �أقاربها و�أ�صدقاء الرجل وعلى مر�آى‬
‫‪� 11‬أحمد اخلملي�شي‪ :‬م‪�.‬س‪� ،‬ص‪.250 :‬‬
‫‪ 22‬قرار عدد ‪ 690‬ال�صادر بتاريخ ‪ 1991/01/24‬ملف جنحي عدد ‪ ،1944/834/89‬جملة املحاكم املغربية‪� ،‬ص‪.198 :‬‬
‫‪193‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وم�سمع من العموم ف�إن تهمة الف�ساد المن�سوبة �إليها تنتفي وكليا وبقوة القانون‪ ،‬لأن القانون‬
‫يعاقب على العالقة الجن�سية غير الم�شروعة التي تقع بغية الف�ساد وفي ال�سر والخفاء‪.1‬‬
‫واعتراف الظنينين ب�أنهما كانا يعي�شان مع بع�ضهما ودون �أن يتوافرا على عقد زواج مدعين‬
‫ب�أنه �سبق للعدلين �أن ح�ضرا و�شهدا الإيجاب والقبول دون �أن يثبتا ذلك ال�شيء الذي تبقى معه‬
‫جنحة الف�ساد قائمة في حقهما‪.2‬‬
‫والدفع بوجود عالقة زوجية بين الفاعلين يخ�ضع في قبوله للفقرة الثانية من الف�صل ‪260‬‬
‫م‪.‬ج التي تن�ص على �أنه «ال يقبل �أي يدفع �أولي �إال �إذا كان م�ستندا على وقائع �أو ر�سوم تبرر‬
‫مزاعم ال�شخ�ص المتهم وكان الدفع المقترح من �ش�أنه �أن يجرد الفعل الم�ؤ�س�س عليه المتابعة‬
‫من �صيغة المخالفة للقانون الجنائي»‪.‬‬
‫وفي قرار للمجل�س الأعلى «لما �أبرزت المحكمة �أن المتهم لم يكن متزوجا وقت فتح‬
‫المتابعة �ضده و�أنه كان قد طلق زوجته‪ ،‬ف�إن �إدانته والحالة هذه بجريمة الف�ساد تكون مطابقة‬
‫للقانون»‪.3‬‬
‫كما �أن الفاعلين ال يمكن اعتبارهما مرتكبين لجريمة الف�ساد �إذا كان الوطء قد ح�صل‬
‫�أثناء فترة العدة من طالق رجعي حيث يعتبر الوقاع �إذاك بمثابة ا�سترجاع الرجل للمر�أة‬
‫المطلقة �إلى ع�صمته‪ ،4‬وتظل المطلقة �أثناء فترة العدة في حكم الزوجة ولهذا تكون المحكمة‬
‫على �صواب لما �أدانت الطاعنة من �أجل جريمة الخيانة الزوجية التي اعترفت باقترافها �أثناء‬
‫فترة عدتها من الطالق‪.5‬‬
‫بينما العن�صر الوحيد الذي تفترق فيه الخيانة الزوجية عن الف�ساد هو و�صف �أو رابطة‬
‫الزوجية حيث يكون الف�ساد بين غير متزوجين بينما الخيانة الزوجية تتطلب �أن يكون كل‬
‫من الرجل والمر�أة �أو �أحدهما متزوجا‪ ،6‬وي�ستوي في ذلك �أن يكون الزواج �صحيحا �أو فا�سدا‬
‫‪ 11‬قرار �صادر عن ا�ستئنافية البي�ضاء بتاريخ ‪ 1985/10/24‬حتت عدد ‪ 399‬يف امللف عدد ‪ 84/4546/6058‬من�شور مبجلة‬
‫املحاكم املغربية عدد ‪ 68‬و‪� ،69‬ص‪.102 :‬‬
‫‪ 22‬قرار �صادر عن حمكمة اال�ستئناف مبكنا�س بتاريخ ‪ 1987/12/02‬يف امللف اجلنحي عدد ‪ 87/646‬من�شور مبجلة الندوة‬
‫عدد ‪� ،4‬ص‪.60 :‬‬
‫‪ 33‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 1978/02/16‬حتت عدد ‪ 478‬يف امللف اجلنحي عدد ‪ 39206‬من�شور مبجلة‬
‫املحاماة عدد ‪� ،20‬ص‪.131 :‬‬
‫‪ 44‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬م‪�.‬س‪� ،‬ص‪.213 :‬‬
‫‪ 55‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 1984/10/02‬حتت عدد ‪ 7471‬يف امللف اجلنحي عدد ‪ 6863‬من�شور مبجلة‬
‫املحاكم املغربية عدد ‪� ،24‬ص‪.65 :‬‬
‫‪ 66‬قرار من�شور مبجلة املحاكم املغربية عدد ‪ 24‬بتاريخ ‪ 82/6/24‬حتت عدد ‪ 1039‬يف امللف اجلنائي عدد ‪� 6863‬ص ‪ 65‬جاء‬
‫فيه «ال جمال لتكييف الأفعال املرتكبة من طرف الطاعن بجرمية الف�ساد املن�صو�ص عليها يف الف�صل ‪ 490‬ق‪.‬ج �إذا كان‬
‫من الثابت �أن املتهم كان متزوجا حال وجوده متلب�سا بجرمية الف�ساد‪ ،‬و�أنه الزالت تربطه عالقة الزوجية بزوجته‪،‬‬
‫وكان القرار املطعون فيه مل يفد �أن زوجة العار�ض تقدمت �ضده ب�شكاية بجنحة خيانة زوجية ح�سب الف�صل ‪ 431‬من‬
‫القانون املذكور»‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪194‬‬

‫�أو مختلفا في ف�ساده‪ ،‬ما دام هذا الأخير تترتب عليه قبل الحكم بف�سخه جميع �أثار الزواج‬
‫ال�صحيح‪ ،‬و�إذا انف�صمت العالقة الزوجية بالطالق ف�إن المطلقة تبقى في حكم الزوجية حتى‬
‫تنتهي عدتها‪ ،‬ف�إذا ارتكبت الزوجة جنحة الخيانة الزوجية وهي في عدة الطالق جاز لمطلقها‬
‫تقديم �شكاية في مواجهتها لأن الزواج يعتبر قائما‪ ،‬وهذا ما ذهب �إليه المجل�س الأعلى‬
‫(محكمة النق�ض حاليا) في قراره عدد ‪ 7471‬بتاريخ ‪ 1984/10/02‬ملف جنحي عدد ‪،14109‬‬
‫وجاء في حيثياته «تظل المطلقة �أثناء فترة العدة في حكم الزوجة ولهذا تكون المحكمة على‬
‫�صواب لما �أدانت الطاعنة من �أجل جريمة الخيانة الزوجية التي اعترفت باقترافها �أثناء فترة‬
‫عدتها من الطالق»‪.1‬‬
‫فالم�ؤكد �أن �صفة الزوجية يلزم قيامها حين اقتراف الجريمة فقط بمعنى �أن الفاعل �إذا‬
‫كان غير متزوج فعال عند ارتكابه للجريمة ب�أن ماتت زوجته �أو كان �سبق له �أن طلقها طالقا‬
‫بائنا �سواء بينونة �صغرى �أو بائن بينونة كبرى‪ ،‬فالطالق الأول �إذا انق�ضت العدة‪ ،‬ال يمكن‬
‫للزوج مراجعة زوجته �إال بعقد و�صداق جديدين‪ ،‬لأن الطالق في هذه الحالة يزيل الع�صمة‬
‫الزوجية‪ ،‬بينما �إذا كان الطالق بائن بينونة كبرى‪ ،‬ال يجوز للمطلق في هذه الحالة �أن يتزوج‬
‫من طليقته حتى تتزوج رجل غيره‪ ،‬ومن ثم فال يعتبر مرتكبا لجريمة الخيانة الزوجية في‬
‫هذه الحاالت وهذا ما �أيده المجل�س الأعلى في قراره «لما �أبرزت المحكمة �أن المتهم لم يكن‬
‫متزوجا وقت فتح المتابعة �ضده و�أنه كان قد طلق زوجته‪ ،‬ف�إن �إدانته والحالة هذه بجريمة‬
‫الف�ساد تكون مطابقة للقانون»‪.2‬‬
‫و�إذا لم يكن عقد الزواج مكتوبا ف�إن الم�شتكي الذي يدعي الزوجية عليه �أن يثبت الرابطة‬
‫الزوجية‪ ،‬ويتعين �أن تكون العالقة الزوجية وقت ارتكاب الجريمة قائمة‪ ،‬وبناء على ذلك فال‬
‫تتحقق الجريمة في فترة الخطبة ولو �أبرم بعد ذلك عقد الزواج‪.‬‬
‫وترتيبا عليه ف�إن الركن المادي في جريمة الف�ساد يتحقق بوجود عن�صرين �أ�سا�سيين وهما‬
‫العالقة الجن�سية وانعدام عالقة الزوجية‪ ،‬بينما ي�شترط وجود العالقة الجن�سية وارتباط‬
‫الفاعل برابطة زواج في جريمة الخيانة الزوجية‪.‬‬
‫و�إلى جانب الركن المادي للجريمتين معا‪ ،‬ي�ستلزم قيامهما تحقق الركن المعنوي‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي‬
‫يلزم توافر الق�صد الجنائي في جريمة الف�ساد على اعتبار �أنها جريمة عمدية‪ ،‬وهو يتوافر‬
‫�إذا كان كال من الفاعلين يلم بانتفاء الرابطة الزوجية بينه وبين الطرف الآخر‪ ،‬وزيادة على‬
‫‪ 11‬قرار من�شور مبجلة الق�ضاء والقانون عدد ‪ 133‬و‪� ،134‬ص‪.255 :‬‬
‫‪ 22‬قرار املجل�س الأعلى رقم ‪ 478‬بتاريخ ‪ 1978/02/16‬من�شور مبجلة املحاماة العدد ‪� ،20‬ص‪.131 :‬‬
‫‪195‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫علمه اليقيني بالواقعة ال�سابقة يلزم �أن يكون مريدا ارتكاب الفاح�شة‪ ،‬بق�صد �إ�شباع رغبته‬
‫الجن�سية – �أو لأي غر�ض �آخر – عن طريق الحرام‪ ،‬ف�إذا تحقق الق�صد الجنائي بعن�صريه‬
‫العلم والإرادة في الحدود ال�سابقة قام الركن المعنوي في الجريمة ووجب م�ساءلة الفاعلين‬
‫وعقابهم طبقا للف�صل ‪ 490‬ق‪.‬ج‪.1‬‬
‫و�إال �أنه يمكن للمتهمين نفي الق�صد الجنائي ب�إثبات جهل �أو غلط جعلهما يعتقدان وجود‬
‫العالقة الزوجية رغم �أنها غير موجودة عمليا‪ ،‬بحيث يمكن دفع التهمة عنهما بغلط �أحدهما‬
‫في الطرف الآخر كما وجدت في فرا�شه امر�أة فوطئها معتقدا �أنها زوجته �أو في انتهاء عدة‬
‫من طالق رجعي‪� ،‬أو اعتقد �أن الطالق رجعي بينما هو بائن‪.2‬‬
‫وي�ستنتج مما �سبق �أنه في الحالة التي ينتفي فيها الق�صد الجنائي لغلط �أو جهل في واقعة‬
‫وجود رابطة الزوجية �أو �أن الإرادة قد �أكرهت على ارتكاب الفعل المجرم رغم العلم بانتفاء‬
‫الرابطة الزوجية‪ ،‬ف�إن جريمة الف�ساد ال تقوم �إال بالن�سبة لمن انتفى ق�صده الجنائي‪.3‬‬
‫وتجدر الإ�شارة �إلى �أن طرفي العالقة الجن�سية ينبغي �أن يكونا بالغين ل�سن الر�شد القانوني‬
‫ح�سب الف�صل ‪ 140‬ق‪.‬ج وهو ‪� 18‬سنة‪ ،‬كما �أنه ال يمكن ت�صور قيام الجريمتين في الحالة التي‬
‫يكون �أحد طرفيها �صبيا �أو مجنونا‪.‬‬
‫بينما يتحقق الق�صد الجنائي في جنحة الخيانة الزوجية بتوافر الإدراك واالختيار من‬
‫جهة مع عدم الجهل بالرابطة الزوجية من جهة ثانية‪.‬‬
‫�أوال‪ :‬الإدراك واالختيار‬
‫ال يتحقق الق�صد الجنائي �إذا انتفى الإدراك عن الفاعل كما �إذا كان م�صابا بخلل عقلي �أو‬
‫في حالة تخدير �أو تنويم‪ ،‬و�إذا كان تناول الم�سكر �أو المخدر اختياريا وبدون �ضرورة �أو �إكراه‬
‫فالم�س�ؤولية الجنائية تبقى قائمة تطبيقا لمقت�ضيات المادة ‪ 137‬ق‪.‬ج الذي يق�ضي ب�أن ال�سكر‬
‫وحاالت االنفعال �أو االندفاع العاطفي �أو النا�شئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا‪ ،‬ال يمكن‬
‫ب�أي حال من الأحوال �أن يعدم الم�س�ؤولية �أو ينق�صها»‪.‬‬
‫وينتفي االختيار بكل ت�أثير عن الإرادة تجعل الفاعل يقدم على الفعل دون اختياره ور�ضاه‪،‬‬
‫وي�ؤخذ هذا من الف�صل ‪ 486‬ق‪.‬ج التي تن�ص على �أن ّ «االغت�صاب هو مواقعة رجل المر�أة بدون‬
‫ر�ضاها» حيث اعتبر الفعل اغت�صابا كلما كان بدون ر�ضى المر�أة �أي �سواء و�صل ال�ضغط �إلى‬

‫‪ 11‬عبد الواحد العلمي‪ :‬م‪�.‬س‪� ،‬ص‪.213 :‬‬


‫‪� 22‬أحمد قيل�ش‪ ،‬و�أخرون‪« :‬الوجيز يف القانون اجلنائي اخلا�ص»‪ ،‬مطبعة الأمنية الرباط‪� ،‬ص‪.117 :‬‬
‫‪� 33‬أحمد حافظ نور‪« :‬م �س �ص‪.605 :‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪196‬‬

‫حد الإكراه المادي على الفعل �أو اقت�صر على الت�أثير المعنوي كالتهديد ب�إف�شاء �سر‪ ،‬و�إذا �أكره‬
‫الرجل يعتبر الفعل م�سا بالعر�ض‪.‬‬
‫وجاء في قرار للمجل�س الأعلى «�إن القرار المطعون فيه عندما �أدان المتهم من �أجل جنحة‬
‫الخيانة الزوجية ا�ستنادا العترافه ب�أنه دخل بالمتهمة قبل �إنجاز عقد الزواج‪ ،‬دون �أن تبرز‬
‫الق�صد الجنائي لديه‪� ،‬سيما و�أنه �صح تمهيديا �أن نيته لم تكن تن�صرف �إلى الخيانة الزوجية‪،‬‬
‫و�أنه كان يبا�شر �إجراءات الزواج‪ ،‬و�أقام الحقا حفل زفاف بح�ضور عائلة زوجته الثانية يكونا‬
‫م�شوبا بنق�صان التعليل»‪.1‬‬
‫وهنا يطرح �إ�شكال في حال ما �إذا تمت المواقعة الجن�سية بين زوجين وانتفى فيها عن�صر‬
‫الإرادة �أو االختيار من طرف الزوجة مثال‪ ،‬حول الو�صف الذي يمكن �أن يو�صف به هذا الفعل؟‬
‫�إجابة عن هذا الت�سا�ؤل ذهبت محكمة النق�ض الفرن�سية في كثير من قراراتها �إلى �إدانة‬
‫الزوج من �أجل االغت�صاب الزوجي بعدما ثبت لها من خالل وقائع الملف انتفاء عن�صر الإرادة‬
‫لدى الزوجة بعدما �أكرهها زوجها على ممار�سة الجن�س معه‪( .‬من ذلك مثال قرار محكمة‬
‫النق�ض الفرن�سية الم�ؤرخ في ‪.)1990/09/5‬‬
‫هذا التوجه لقي �صدى لدى الق�ضاء المغربي خا�صة بعد توافد �شكايات كثيرة لدى العديد‬
‫من النيابات العامة ببالدنا من طرف زوجات مور�س عليهن الجن�س بطرق عنيفة تحت وط�أة‬
‫ال�ضغط والإكراه‪ ،‬ف�أ�صدرت محكمة اال�ستئناف بطنجة قرارا جريئا �أدان زوجا من �أجل‬
‫االغت�صاب الزوجي بناء على المتابعة الم�سطرة من طرف النيابة العامة‪ ،‬م�ؤ�س�سة قرارها‬
‫على قد�سية الرابطة الزوجية التي ت�شكل �ضمانة للزوج ال ذريعة ي�ستعملها الزوج لممار�سة‬
‫الجن�س عليها بطرقة غير را�ضية عنها‪(.‬قرار رقم ‪.)2019/2612/203‬‬
‫ثانيا‪ :‬عدم الجهل بالرابطة الزوجية‬
‫من الم�ستبعد �أن يقبل من المتهم الدفع بعدم علمه بالرابطة الزوجية التي تربطه بزوجه‬
‫لكن يمكن في حاالت ناذرة �أن يكون محقا في دفعه‪ ،‬كما �إذا �صدر الحكم بثبوت الزوجية ولم‬
‫يبلغ �إليه بعد‪ ،‬وهذا العن�صر هو العلم بالرابطة الزوجية بالن�سبة للزوج الجاني نف�سه‪� ،‬أما‬
‫علمه بزواج �شريكه في الجريمة فلي�س �ضروريا لتحقق الق�صد الجنائي‪.2‬‬

‫‪ 11‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 2009/4/8‬حتت عدد ‪ 9/585‬يف امللف عدد ‪ 07/12646‬من�شور بن�رشة قرارات‬
‫املجل�س الأعلى الغرفة اجلنائية‪� ،‬ص‪.31 :‬‬
‫‪ 22‬عبد الرحيم بنيحيى‪« :‬جرمية اخليانة الزوجية يف الت�رشيع املغربي»‪ ،‬مقال �أدرج اخلمي�س ‪ 2016/06/02‬مبـــوقع‬
‫‪www.biougramews.com‬‬
‫‪197‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫والجريمتين معا بتوافر الركنين المذكورين �سابقا وهما الركن المادي والمعنوي‪ ،‬مع‬
‫ح�صول الإثبات القانوني المطلوب تكونان قائمتين من الناحية القانونية‪ ،‬مما ي�ستوجب‬
‫م�ساءلة المرتكبين بتطبيق العقوبة المقررة في الف�صل ‪ 490‬و ‪ 491‬من ق‪.‬ج‪� ،‬إذن فما هي‬
‫و�سائل �إثبات الجريمتين وما العقوبة المقررة لهما؟ و ما هي قيود المتابعة في جريمة الخيانة‬
‫الزوجية؟ هذا ما �سنحاول الإجابة عنه من خالل المبحث الثاني‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬و�سائل �إثبات الجريمتين و قيود المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية‬
‫ا�شترط الم�شرع المغربي لقيام جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية و�سائل �إثبات خا�صة‪،‬‬
‫م�ستثناة من القواعد العامة للإثبات المتعارف عليها والمعتمدة قانونا في المادة الزجرية‪،‬‬
‫ف�إذا تحقق �إثبات الجريمتين ‪ ،‬يقت�ضي متابعة مرتكبيها (الفقرة الأولى) و للمتابعة في جريمة‬
‫الخيانة الزوجية قيود ثم �أحكام ت�سري في حق ال�شريك (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬و�سائل الإثبات و العقوبة المقررة‪.‬‬
‫الم�شرع المغربي ا�شترط لقيام جريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية قيود خا�صة م�ستثناة‬
‫من القواعد العامة للإثبات المتعارف عليها و المعتمدة قانونا في المادة الزجرية (�أوال)‬
‫والتالي �إذا تحقق الإثبات يقت�ضي الأمر متابعة ومعاقبة المرتكبين (ثانيا)‪.‬‬
‫�أوال‪ :‬و�سائل الإثبات‬
‫�إن القاعدة العامة في الإثبات الجنائي هي حرية القا�ضي في اختيار الدليل الذي يراه‬
‫منا�سبا بحيث ال يتقيد بدليل محدد‪ ،‬ويفر�ض عليه الأخذ بدليل معين‪ ،‬فله �أن يثبت الجريمة‬
‫ب�أية و�سيلة من و�سائل الإثبات وهو ما جاءت به المادة ‪ 286‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪.1‬‬
‫�إال �أن الم�شرع المغربي خرج عن هذه القاعدة عند تعامله مع الإثبات في جريمتي الف�ساد‬
‫والخيانة الزوجية ‪ ،‬حيث ح�صر لهما و�سائل �إثبات محددة على �سبيل الح�صر وذلك حين ن�ص‬
‫في الف�صل ‪ 493‬من القانون الجنائي على �أن «الجرائم المن�صو�ص عليها في الف�صلين ‪490‬‬
‫و‪ 491‬ال تثبت �إال بناء على مح�ضر ر�سمي يحرره �أحد �ضباط ال�شرطة الق�ضائية في حالة تلب�س‪،‬‬
‫�أو بناء على اعتراف ت�ضمنته مكاتيب �أو �أوراق �صادرة عن المتهم �أو اعتراف ق�ضائي»‪ ،‬وهو‬
‫نف�س ال�شيء ق�ضى به المجل�س الأعلى في �إحدى قراراته حيث قال «ال يكفي في �إثبات الجريمة‬

‫‪ 11‬ن�صت املادة ‪ 286‬على �أنه‪« :‬ميكن �إثبات اجلرائم ب�أية و�سيلة من و�سائل الإثبات‪ ،‬ما عدا يف الأحوال التي يقت�ضي فيها‬
‫القانون بخالف ذلك‪ ،‬ويحكم القا�ضي ح�سب اقتناعه ال�صميم»‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪198‬‬

‫المعاقب عليها في الف�صل ‪ 491‬ق‪.‬ج �أن تقول المحكمة ب�أنها اقتنعت بثبوت الجريمة بل ال بد �أن‬
‫تبني حكمها على �أحد دالئل الإثبات المن�صو�ص في الف�صل ‪ 493‬من نف�س القانون»‪.1‬‬
‫وبذلك يكون الم�شرع المغربي قد قيد مبد�أ حرية الإثبات الجنائي المعمول به في القواعد‬
‫العامة وفر�ض على القا�ضي و�سائل معينة ال يمكنه تجاوزها وهي‪ :‬محا�ضر ال�ضابطة الق�ضائية‬
‫في حالة التلب�س واالعتراف الذي ت�ضمنته مكاتيب �أو �أوراق �صادرة عن المتهم واالعتراف‬
‫الق�ضائي‪.‬‬
‫�أ ‪ -‬مح�ضر �ضابط ال�شرطة الق�ضائية في حالة التلب�س‬
‫�أي م�شاهدة وقائع الجريمة من طرف �أحد �ضباط ال�شرطة الق�ضائية‪ ،‬ويخ�ضع المحرر في‬
‫حالة التلب�س من حيث قيمته الإثباتية لأحكام المادة ‪ 290‬من ق‪.‬م‪.‬ج «المحا�ضر والتقارير التي‬
‫يحررها �ضباط ال�شرطة الق�ضائية وجنود الدرك ب�ش�أن التثبت من الجنح والمخالفات يوثق‬
‫بم�ضمونها ما لم يثبت خالل ذلك» وقد اعتبر الم�شرع المغربي هذه المحا�ضر و�سيلة لإثبات‬
‫جريمة الف�ساد وكذلك الخيانة الزوجية عند م�شاهدة �ضابط ال�شرطة الق�ضائية للفاعلين‬
‫وهما متلب�سان بالجريمة‪ ،‬هذا وقد حدد المجل�س المق�صود من التلب�س بجريمة الف�ساد‪ ،‬بحيث‬
‫�صرح في قرار �صادر عنه ب�أن محا�ضر ال�شرطة الذي ي�ستخل�ص منه �أن «المتهمين كانا في‬
‫خلوة تامة‪ ،‬ولم ي�شر بتاتا �إلى معاينة المتهمين في حالة تلب�س بالجريمة بمفهوم الف�صل ‪56‬‬
‫من ق‪.‬م‪.‬ج ال يجوز االعتماد عليه للحكم بالإدانة»‪.2‬‬
‫وعليه يمكن القول �أن العمل الق�ضائي يعتمد على المح�ضر المحرر من طرف �ضباط ال�شرطة‬
‫الق�ضائية في حالة التلب�س لإثبات جريمة الف�ساد دون باقي حاالت التلب�س الواردة في الف�صل‬
‫‪ 56‬ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬وذلك نظرا لخ�صو�صية هذا النوع من الجرائم‪� ،‬إذ ال يمكن م�شاهدة الجاني وهو‬
‫يمار�س العالقة الجن�سية مع �آخر‪ ،‬كما ال يمكن اال�ستناد �إلى �صياح الجمهور للقول ب�أن الجريمة‬
‫قد ارتكبت‪ ،‬وبالتالي ف�إن ال�صورة الوحيدة لحالة التلب�س الممكنة هي م�شاهدة �ضابط ال�شرطة‬
‫الق�ضائية للجاني وهو في ظروف ال تدع مجاال لل�شك في �أنه ارتكب فعال عالقة جن�سية غير‬
‫م�شروعة‪ ،‬وحتى في هذه الحالة ف�إن الم�شاهدة تن�صب على الآثار والإمارات المذكورة ح�سب‬
‫الأحكام ال�سابقة كالخلوة �أو وجود المتهمين في مالب�سهما الداخلية �أو ا�ستعمال المتهمة‬
‫لو�سائل الزينة والتجميل هي مجرد قرائن على �أن الجريمة قد وقعت ولي�س دليال قاطعا على‬
‫وقوعها‪.3‬‬

‫‪ 11‬قرار عدد ‪� ،229‬صادر بتاريخ ‪ 8‬يناير ‪ ،1970‬جملة الق�ضاء والقانون عددي ‪� ،110-109‬ص‪.490 :‬‬
‫‪ 22‬قرار عدد ‪� 1573‬صادر بتاريخ ‪ 1980/12/28‬جملة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد ‪� ،27‬ص‪.200 :‬‬
‫‪� 33‬أحمد قيل�ش ومن معه‪ :‬م‪�.‬س‪� ،‬ص‪.122 :‬‬
‫‪199‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ومن هنا تظهر �صعوبة �إثبات هذا النوع من الجرائم عن طريق التلب�س نظرا لطبيعتها‬
‫ولظروف ارتكابها‪.‬‬
‫و�إلى جانب محا�ضر ال�ضابطة الق�ضائية المحررة في حالة التلب�س التي تعد و�سيلة �إثبات‬
‫لجريمة الف�ساد هناك االعتراف الكتابي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬االعتراف الكتابي‬
‫ويق�صد به المكاتيب والأوراق المت�ضمنة العتراف المتهم‪ ،‬واالعتراف الكتابي هو اعتراف‬
‫غير مبا�شر لأن المتهم ال يدلي بت�صريحاته مبا�شرة �أمم المحقق‪ ،‬و�إنما يتم ذلك بالكتابة مثال‬
‫في ر�سالة �أو م�ؤلف �أو جريدة �أو مجلة‪ ،‬وفي الواقع العملي يكون من الناذر جدا �أن ت�صدر مثل‬
‫هذه المكاتيب عن الجناة‪.‬‬
‫�إن المحا�ضر المت�ضمنة العتراف ال�شخ�ص بالف�ساد �أو الخيانة الزوجية والموقع عليها من‬
‫طرف �صاحب هذا االعتراف فهي و�إن كانت تنزل منزلة االعتراف الذي ت�ضمنته مكاتب �أو‬
‫�أوراق �صادرة عن المتهم ف�إن ذلك منوط باقتناع المحكمة بفحوى ذلك االعتراف فتبقى تلك‬
‫المحا�ضر خا�ضعة ل�سلطة المحكمة التقديرية‪.1‬‬
‫ج ‪ -‬االعتراف الق�ضائي‬
‫ويق�صد به االعتراف ال�صادر من المتهم في الجل�سة العمومية‪ ،‬لأنه الذي ينطبق مفهوم‬
‫االعتراف الق�ضائي‪.‬‬
‫�أما الذي ي�صدر �أمام قا�ضي التحقيق‪� ،‬أو القا�ضي الباحث ف�إن المتهم يدلي به في جل�سة‬
‫�سرية‪ ،‬وبذلك يفقد �أهم عن�صر لالعتراف الق�ضائي الذي ي�صدر ويناق�ش في جل�سة المحكمة‪.‬‬
‫وكذلك االعتراف المدلى به �أمام ممثل النيابة العامة‪ ،‬لأن ع�ضو النيابة العامة يقوم‬
‫با�ستنطاق المتهم في �إطار مبا�شرة �إجراءات البحث بو�صفه �ضابطا �ساميا لل�شرطة‪.2‬‬
‫واالعتراف الق�ضائي يمكن للمحكمة �أن ت�أخذ بكل ما جاء فيه �أو تجزئه‪ ،‬كما يمكنها �أن‬
‫ت�ستبعده �إذا وجد مبرر لهذا اال�ستبعاد‪ ،‬كما �إذا كان غير �صريح‪� ،‬أو ثبت من وقائع الق�ضية‬
‫وم�ستنداتها عدم �صدق المتهم في اعترافه‪ ،‬وي�سري االعتراف على من �صدر منه دون �شريكه‪.3‬‬
‫ويذهب �أغلب ال�شراح �إلى القول ب�أن االعتراف الق�ضائي يتمتع بقوة ثبوتية حا�سمة‪ ،‬لأنه‬
‫ي�صدر �أمام ق�ضاة الحكم‪ ،‬ولأن المتهم في هذه المرحلة يتمتع بمجموعة من ال�ضمانات‪.4‬‬

‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 1573‬بتاريخ ‪ 1980/12/28‬جملة ق�ضاء املجل�س الأعلى ‪� ،86-65‬ص‪.540 :‬‬


‫‪� 22‬أحمد اخلملي�سي‪ :‬م‪�.‬س‪� ،‬ص ‪.246-245‬‬
‫‪� 33‬أحمد اخلملي�شي‪ :‬م‪�.‬س‪� ،‬ص ‪.246‬‬
‫‪ 44‬كا�ستفادته من موازرة حمامي وعالنية اجلل�سات‪...‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪200‬‬

‫وال جدال في �أن المحكمة ال يمكنها �أن تقرر الإدانة دون �أن تتوفر على الأقل �إحدى و�سائل‬
‫الإثبات الواردة في المادة ‪ 493‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫والمحكمة تملك �سلطة تقدير القيمة الإثباتية لتلك الو�سائل الثالث‪ ،‬وهي ب�صدد التقدير‬
‫تبرز العنا�صر والوقائع التي جعلتها تطمئن �إلى الو�سيلة المتوفرة‪.‬‬
‫�إال �أن الواقع العملي والتطور التقني والتكنولوجي �أبان عن ق�صور هذه الو�سائل الثالث في‬
‫�إثبات جريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية وطرح �إ�شكاليات كثيرة حول حاالت تتحقق فيها هذه‬
‫الجرائم ب�صورة وا�ضحة ولو في غياب و�سائل الإثبات المذكورة‪ .‬فتجد �أحد الزوجين مثال‬
‫يتقدم ب�شكاية �أمام النيابة العامة يتهم فيها زوجته بخيانته جن�سيا مدعما �شكايته بت�سجيالت‬
‫�صوتية و�أحيانا مرئية تبين ب�شكل وا�ضح ممار�سة زوجته للجن�س مع خليلها ب�شكل كامل من‬
‫بداية العملية �إلى نهايتها‪ .‬فيقف ممثل النيابة العامة حائرا عند اتخاذ القرار على اعتبار �أن‬
‫و�سائل �إثبات الفعل محددة على �سبيل الح�صر و�أن الو�سيلة المدلى بها في النازلة غير واردة‬
‫مبدئيا �ضمن تلك الو�سائل‪.‬‬
‫�إال �أن الحل في نظري يكمن في �أنه يجب �أن تتوفر لدى قا�ضي النيابة العامة و�أي�ضا القا�ضي‬
‫الزجري ملكة تطويع الن�ص الجنائي وقراءته في �شموليته �أي في ظل التطور الحا�صل حاليا‬
‫والذي لم يكن حا�صال عند و�ضع الن�ص لأول مرة من قبل الم�شرع‪ ،‬بمعنى �آخر ف�إن ال�صور‬
‫�أو الت�سجيالت الم�سموعة والمرئية يجب �أن ت�صنف �ضمن دائرة المكاتيب خا�صة �إذا وجدت‬
‫قرائن �أخرى تع�ضدها‪.‬‬
‫ويبدو �أن الق�ضاء المغربي بد�أ ي�ستوعب هذا الإ�شكال ويفهم جيدا فل�سفة الم�شرع من وراء‬
‫تجريم الخيانة الزوجية‪ ،‬وهو ما يظهر من خالل قرار �صادر عن غرفة اال�ستئناف الجنحية‬
‫بابتدائية مي�سور �أيدت فيها حكما ابتدائيا ق�ضى بالم�ؤاخذة من �أجل الخيانة الزوجية لمجرد‬
‫اعتراف الزوجة بمح�ضر ال�شرطة الق�ضائية بتبادل القبل مع خليلها‪ .‬وهو القرار الذي �أيدته‬
‫محكمة النق�ض في ‪ 2018/10/17‬بموجب قرارها عدد ‪ .3/1431‬م�ستندة فيه على قد�سية‬
‫الرابطة الزوجية التي ت�أخذ مفهوما وا�سعا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العقوبة المقررة لجريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية‬
‫قرر الم�شرع المغربي لجريمة الف�ساد التي تجمع بين رجل وامر�أة ال توجد بينهما �أية رابطة‬
‫زوجية عقوبة حب�سية تتراوح ما بين �شهر و�سنة كما ن�ص على ذلك الف�صل ‪ 490‬ق‪.‬ج الذي جاء‬
‫فيه «كل عالقة جن�سية بين رجل وامر�أة ال تربطهما عالقة زوجية تكون جريمة الف�ساد ويعاقب‬
‫عليها بالحب�س من �شهر �إلى �سنة»‪ ،‬فبتوافر الركنين المادي والمعنوي مع ح�صول الإثبات‬
‫القانوني المطلوب تكون الجريمة قائمة من الناحية القانونية‪ ،‬ومن تم عقابها ح�سب منطوق‬
‫‪201‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الف�صل ‪ 490‬ق‪.‬ج‪ .1‬ما لم يكيف فعلهما تكييفا ي�ؤدي �إلى تغليظ العقوبة‪ 2‬عليهما‪� ،‬أما �إذا انتفى‬
‫الق�صد الجنائي لغلط �أو جهل في واقعة وجود رابطة الزوجية �أو اكراهات الإرادة على ارتكاب‬
‫الفعل المجرم‪ ،‬رغم العلم بانتفاء الرابطة الزوجية بين الطرفين‪ ،‬ف�إن جريمة الف�ساد ال تقوم‬
‫بالن�سبة للذي انتفى ق�صده‪.‬‬
‫وجدير بالذكر �أن العقاب على جريمة الف�ساد لي�ست موقوفة على متابعة الفاعلين معا‬
‫وهذا يعني �إمكانية متابعة �أحدهما دون الآخر‪ ،‬وفي هذا يقول المجل�س الأعلى‪« :‬الف�ساد عالقة‬
‫جن�سية بين رجل وامر�أة ال تربطهما عالقة زواج و�أن عدم متابعة ال�شريك يجعل جريمة الف�ساد‬
‫غير قائمة‪...‬ال‪.‬‬
‫يكفي لقيام جريمة الف�ساد وجود ال�شخ�ص الآخر الذي مور�س معه العمل الجن�سي ولو لم‬
‫تقع متابعته فتكون المحكمة على �صواب حيث ق�ضت بمعاقبة الطاعن وحده من �أجل جريمة‬
‫الف�ساد نظرا لعدم متابعة �شريكه في الجريمة»‪.3‬‬
‫الم�شرع المغربي باعتبار �أن له خلفية دينية‪ ،‬اعتمد في تجريمه لجريمة الف�ساد على‬
‫الت�شريع الإ�سالمي‪ ،‬بحيث ا�ستقى عقاب الف�ساد من �أحكام ال�شريعة‪� ،‬إال �أن نوع العقوبة التي‬
‫قررها لهذه الجريمة لم ي�أت مطابقا لما ت�ضمنته ال�شريعة الإ�سالمية في العقاب على الزنا‪،‬‬
‫فالعقوبة التي قررها الم�شرع المغربي لجريمة الف�ساد هي ما ن�ص عليه الف�صل ‪ 90‬ق‪.‬ج‬
‫ال�سالف ذكره‪ ،‬فبتوافر الركنين المادي والمعنوي مع ح�صول الإثبات القانوني المطلوب‪ ،‬تكون‬
‫الجريمة قائمة من الناحية القانونية‪ ،‬ومن تم يكون عقابها ح�سب منطوق الف�صل ‪ 480‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫وتجدر الإ�شارة �إلى �أن القا�ضي يجوز له وفي حاالت معينة �أن ينزل بالعقوبة كما يجوز له �أن‬
‫يحكم بوقف تنفيذ العقوبة ح�سب ظروف المتهم كما �أن هذه العقوبة قابلة للت�شديد في حالة‬
‫العود �أو الف�ساد مع المحارم �أو من للمتهم الحق في الوالية عليه‪.‬‬
‫في حين ن�ص الف�صل ‪ 491‬من القانون الجنائي «يعاقب بالحب�س من �سنة �إلى �سنتين �أحد‬
‫الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية‪ ،‬وال يجوز المتابعة في هذه الحالة �إال بناء على‬
‫�شكوى من الزوجة �أو الزوج المجنى عليه‪.‬‬

‫‪ 11‬هذا و�إذا كانت املحاولة ممكنة الت�صور واقعيا يف هذه اجلرمية ف�إنها مع ذلك غري معاقبة قانونا لأن امل�رشع مل يعاقب على‬
‫حماولة جنحة الف�ساد �رصاحة وبن�ص خا�ص‪� ،‬أما امل�شاركة يف اجلرمية فمت�صورة ومعاقبة طبقا للأحكام العامة املقررة‬
‫يف الف�صل ‪ 129‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ 22‬كما لو كيف الفعل خيانة زوجية �أو اغت�صابا �أو هتك عر�ض‪.‬‬
‫‪ 33‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 1978/3/8‬حتت عدد ‪ 418‬يف امللف اجلنائي عدد ‪ 52564‬من�شور مبجلة املحاماة‬
‫عدد ‪� ،20‬ص‪.140 :‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪202‬‬

‫غير �أنه في حالة غياب �أحد الزوجين خارج تراب المملكة‪ ،‬ف�إنه يمكن للنيابة العامة �أن‬
‫تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج الآخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية ب�صفة ظاهرة»‪.‬‬
‫فالف�ساد يعاقب عليه بالحب�س من �شهر واحد �إلى �سنة‪ ،‬وتثار المتابعة ب�ش�أنه تلقائيا �أما‬
‫الخيانة الزوجية فعقوبتها الحب�س من �سنة �إلى �سنتين‪ ،‬وال تجوز المتابعة بها �إال بعد تقديم‬
‫الزوج المجني عليه ال�شكوى‪ ،‬ما لم يكن الزوج خارج المغرب وكان الزوج الأخر يتعاطى الف�ساد‬
‫ب�صفة ظاهرة‪.‬‬
‫بالرجوع �إلى القوانين الو�ضعية الجنائية نجد �أنها تختلف عن ما هو مقرر في الت�شريع المغربي‬
‫فنجد مثال الت�شريع الأردني يعاقب المر�أة (�سواء متزوجة �أو غير متزوجة) �إذا زنت بالحب�س‬
‫من �ستة �أ�شهر �إلى �سنتين‪� ،‬أما الزوج فيعاقب بالحب�س من �سنة �إلى �سنتين ‪ ،‬ويعاقب الت�شريع‬
‫الم�صري الزوجة الزانية بالحب�س لمدة ال تزيد عن �سنتين �أي دون تحديد الحد الأدنى‪� ،‬أو الزوج‬
‫الزاني فيعاقب بالحب�س لمدة ال تزيد عن �ستة �أ�شهر (المواد ‪ 274‬و ‪ 275‬و ‪ 277‬عقوبات م�صري)‪،‬‬
‫�أما الت�شريع التون�سي فيعاقب على زنا الزوجة دون زنا الزوج (المادة ‪ 236‬عقوبات تون�سي)‪.‬‬
‫وعليه �سنقوم بدرا�سة قيود المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية و ال�شريك في هذه‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬قيود المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية وال�شريك في هذه الجريمة‬
‫تعد جريمة الخيانة الزوجية من الجرائم المقيدة ب�شرط �أ�سا�سي لتحريك الدعوى‬
‫العمومية المن�صو�ص عليها في الف�صل الثالث من قانون الم�سطرة الجنائية �أال وهي ال�شكوى‪،‬‬
‫الف�صل ‪ 49‬من ق‪.‬ج ا�شترط وجود �شكوى من الزوجة �أو الزوج المجني عليهما لقيام المتابعة‬
‫حيث جاء فيه «وال يجوز المتابعة في هذه الحالة �إال بناء على �شكوى الزوجة �أو الزوج المجني‬
‫عليه» ومن تم فللمتابعة في جريمة الخيانة الزوجية قيود (�أوال) ثم �أحكام ت�سري في حق‬
‫ال�شريك (ثانيا)‪.‬‬
‫�أوال‪ :‬قيود المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية‬
‫�أ ‪ -‬ال�شكوى‬
‫ا�شترطت المادة ‪ 491‬ق‪.‬ج للمتابعة الجنائية تقدم زوج الجاني ب�شكاية يطلب فيها بالمتابعة‪،‬‬
‫ويمتنع عن النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية قبل التو�صل بهذه ال�شكوى‪.1‬‬
‫‪ 11‬وذلك ما دامت الأفعال مت�صفة بو�صف اخليانة الزوجية‪� ،‬أما �إذا �أمكن تكييفها بو�صف �آخر �أ�شد فيحق للنيابة العامة �أن‬
‫تثري املتابعة تلقائيا كما �إذا كان فعل الزوج يكونا اغت�صابا �أو م�سا بعر�ض‪ .‬واخليانة الزوجية قابلة للتكييف بو�صف �آخر‬
‫وهو الف�ساد الذي ال تتوقف املتابعة به على �شكوى‪ ،‬ولكن ميتنع على النيابة العامة به بناء على ما ا�ستقر عليه االجتهاد‬
‫من �أن ذلك يتعار�ض مع ما ا�شرتطه القانون من ال�شكوى ما دام يف جميع حاالت اخليانة يتحقق و�صف الف�ساد كذلك‪.‬‬
‫‪203‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫فال�شكوى تقدم من المجني عليه �شخ�صيا �أو بوكيل يعينه لهذا الغر�ض بوكالة خا�صة يكون‬
‫مو�ضوعها محددا في تقديم هذه ال�شكوى‪ ،‬ويبقى هذا الحق قائما طالما المجني عليه حيا‪� ،‬أما‬
‫�إن هو مات قبل تقديم ال�شكوى‪ ،‬فالراجح �أنه ال ي�سوغ للنيابة العامة المتابعة �أبدا على اعتبار‬
‫�أن حق اال�شتكاء ذو طبيعة �شخ�صية ال ينتقل �إلى الورثة‪ ،1‬وي�سري هذا الحكم ولو كان الزوج‬
‫المجني عليه محجورا عليه ل�صغر �أو �سفه‪...‬‬
‫هذا ولم ي�شترط القانون �شكال معينا لل�شكاية‪ ،‬وبناء على ذلك يمكن �أن تكون مكتوبة �أو‬
‫�شفوية‪ ،‬حيث ا�شترط الم�شرع المغربي تقديم �شكوى فقط وهذا ما �سار عليه المجل�س الأعلى‬
‫(محكمة النق�ض حاليا) في قراره «بناء على الف�صل ‪ 491‬من ق‪.‬ج ف�إنه يعاقب �أحد الزوجين‬
‫الطي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية وال يجوز متابعته في هذه الحالة �إال بناء على ال�شكوى‬
‫من الزوجة �أو الزوج المجني عليه‪.‬‬
‫وحيث �إن المحكمة‪ ...‬التي �أوردت في عر�ض الوقائع �أن المتهم ‪ ...‬متزوج ومع ذلك �آخذته‬
‫بجنحة الف�ساد بعد تكييف الجريمة بالرغم من كونه يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة الخيانة‬
‫الزوجية التي ال يمكن متابعته بها �إال بناء على �شكوى من الزوجة طبقا للف�صل المذكور»‪.2‬‬
‫وفي قرار �آخر «بناء على الف�صل ‪ 491‬من ق‪.‬ج ف�إنه ال يجوز �أن يتابع �أحد الزوجين بالخيانة‬
‫الزوجية �إال بناء على �شكوى من الزوج الآخر المجني عليه وال يمكن �أن يتابع �إال كفاعل �أ�صلي‬
‫في الجريمة ال مجرد م�شارك فيها»‪.3‬‬
‫ويثور هنا �س�ؤال في حالة حدوث الطالق قبل تقديم ال�شكاية والحل الذي يبدو منا�سبا هو‬
‫تخويل النيابة العامة في هذه الحالة �إثارة المتابعة دون حاجة �إلى �شكاية‪.4‬‬
‫ورغم القيود المفرو�ضة على النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في جريمة الخيانة‬
‫الزوجية ف�إنه يبقى من حقها ا�ستثناء تحريكها تلقائيا في حالة ما �إذا كان الزوج متغيبا خارج‬
‫المغرب وامر�أته تتعاطى الزنا ب�صفة ظاهرة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التنازل عن ال�شكوى‬
‫�أما فيما يخ�ص التنازل عن ال�شكوى فيق�ضي الف�صل ‪ 492‬ق‪.‬ج ب�أن «تنازل �أحد الزوجين‬
‫عن �شكاية ي�ضع حدا لمتابعة الزوج �أو الزوجة الم�شتكى بها عن جريمة الخيانة الزوجية‪.‬‬

‫‪ 11‬لطيفة الداودي‪« :‬درا�سة يف قانون امل�سطرة اجلنائية وفق �آخر التعديالت»‪ ،‬الطبعة اخلام�سة‪� ،‬ص‪.52 :‬‬
‫‪ 22‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 86/12/11‬حتت عدد ‪ 8785‬من�شور مبجموعة قرارات املجل�س الأعلى املادة‬
‫اجلنائية ‪� ،95-81‬ص‪.188 :‬‬
‫‪ 33‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 90/12/6‬حتت عدد ‪ 10024‬يف امللف اجلنحي عدد ‪ 89/1939‬من�شور مبجلة‬
‫الق�ضاء والقانون عدد ‪� ،143‬ص‪.175 :‬‬
‫‪� 44‬أحمد اخلملي�شي‪ :‬م‪�.‬س‪� ،‬ص‪.255 :‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪204‬‬

‫ف�إذا وقع التنازل بعد �صدور حكم غير قابل للطعن ف�إنه ي�ضع حدا لآثار الحكم بالم�ؤاخذة‬
‫ال�صادر �ضد الزوج �أو الزوجة المحكوم عليها‪.‬‬
‫وال ي�ستفيد م�شارك الزوجة وال م�شاركة الزوج مطلقا من هذا التنازل»‪.‬‬
‫والتنازل عن ال�شكوى �أو �سحبها يتحقق ب�إبداء الرغبة في و�ضع حد لإجراءات المتابعة �أو‬
‫لتنفيذ العقوبة‪ ،‬ولي�س من ال�ضروري �أن يتم �سحب ال�شكاية من �أجل ا�ستئناف الحياة الزوجية‪،‬‬
‫فال�سحب ينهي المتابعة وتنفيذ العقوبة بمجرد وقوعه‪ ،‬وله بعد ذلك �أن ي�ست�أنف المعا�شرة �أو‬
‫الطالق �أو التطليق‪.‬‬
‫وقد جاء في قرار �صادر عن المجل�س الأعلى «الخيانة الزوجية ال يمكن �أن تو�صف �إال‬
‫بو�صف واحد‪ ،‬تنازل الزوجة عن المتابعة يمنع �إدانة الزوج المتنازل له ب�أي و�صف �آخر»‪.1‬‬
‫ثانيا‪ :‬ال�شريك في الخيانة الزوجية‬
‫مرتكب جريمة الخيانة الزوجية يتعر�ض لأحكام ناتجة عن ت�صرفه هو وعن �صفته‬
‫ال�شخ�صية‪ ،‬كما ت�سري عليه �أحكام �أخرى ي�ستقيها من الطرف الآخر في العالقة المجرمة‬
‫التي مار�سها‪.‬‬
‫فالأحكام التي ي�ستمدها المتهم من الطرف الآخر وت�سري عليه بو�صفه �شريكا له في‬
‫العالقة مو�ضوع المتابعة تتلخ�ص في �سريان الو�صف الجنائي للأفعال و�آثار تقديم �أو عدم‬
‫تقديم ال�شكاية و�سحبها‪.‬‬
‫�أ ‪� -‬سريان الو�صف الجنائي‬
‫يثور مو�ضوع التكييف عندما يكون ال�شريك غير متزوج بينما �شريكه الآخر متزوج‪ ،‬لم‬
‫يتعر�ض القانون الجنائي للحكم في جريمة الخيانة الزوجية‪ ،‬وال يبقى منا�ص من الرجوع‬
‫للقواعد العامة في القانون الجنائي لالهتداء �إلى الحل‪ ،‬وفي هذا ال�صدد يالحظ ب�أن �صفة‬
‫الزوجية من جهة ت�شكل ظرفا ماديا في الجريمة ك�أنها تغير من و�صفها من جنحة الف�ساد‬
‫�إلى جنحة الخيانة الزوجية وت�شدد بالتالي عقابها‪ ،‬وفي نف�س الوقت ت�شكل ذات ال�صفة ظرفا‬
‫�شخ�صيا مت�شددا للعقوبة ترتبط ب�شخ�ص الفاعل‪ ،‬لأن توافر هذه ال�صفة التي تكيف معها‬
‫العالقة الجن�سية‪ ،‬ب�أنها خيانة زوجية‪ ،‬ولي�س ف�سادا من جهة �أخرى‪ ،‬ولذلك فهذه ال�صفة‬
‫تنتهي �أخيرا �إلى �أن ت�صبح ظرفا مختلطا عينيا و�شخ�صيا‪ ،‬ومن المعلوم �أن الق�ضاء �سار على‬
‫اعتبار الظروف المختلطة كالظروف العينية من حيث �أثرها على الم�ساهمين والم�شاركين‬
‫وبالن�سبة لم�شارك الزوجة غير المتزوج‪� ،‬أو م�شاركة الزوج غير المتزوجة يعتبر م�شاركا في‬
‫‪ 11‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 00/03/29‬حتت عدد ‪ 4/443‬يف امللف عدد ‪ 91/16035‬من�شور مبجلة امللف‬
‫عدد ‪� ،11‬ص‪.289 :‬‬
‫‪205‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫جنحة الخيانة ولي�س في جنحة الف�ساد عمال بالف�صل ‪ 130/2‬الذي يقول «وال ت�ؤثر الظروف‬
‫ال�شخ�صية التي ينتج عنها ت�شديد �أو تخفيف �أو �إعفاء من العقوبة �إال بالن�سبة لمن تتوافر فيه‪.‬‬
‫�أما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة والتي تغلظ العقوبة �أو تخف�ضها ف�إنها تنتج مفعولها‬
‫بالن�سبة لجميع الم�ساهمين �أو الم�شاركين في الجريمة ولو كانوا يجهلونها»‪ .‬ومع ذلك ف�إن قرارا‬
‫للمجل�س الأعلى ا�شترط علم الم�شارك غير المتزوج بكون الطرف الآخر متزوج‪ ،‬حتى يعاقب‬
‫بعقوبة الم�شاركة في الخيانة الزوجية وهو ما ال ي�ستقيم مع الف�صل ‪ 130‬ق‪.‬ج الذي قال ب�سريان‬
‫الظروف العينية – ويلحق بها المختلطة – للجريمة على جميع الم�ساهمين والم�شاركين �سواء‬
‫علموا بها �أم لم يعلموا‪ ،‬وي�ستفاد من حيثية قرار المجل�س الأعلى الذي جاء فيه «حيث �إن‬
‫الثابت من تن�صي�صات الحكم المطعون فيه �أن الطاعن �ضبط في حالة التلب�س باالت�صال‬
‫الجن�سي مع المر�أة (ح) مع علمه ب�أنها متزوجة‪ ،‬و�أن هذا الفعل يكون جنحة الخيانة الزوجية‬
‫بالن�سبة للمر�أة المذكورة‪ ،‬ويكون م�شاركة في الجنحة الم�شار �إليها بالن�سبة للطاعن»‪.1‬‬
‫وما ي�ؤخذ من القرار من ا�شتراط العلم ل�سريان و�صف الخيانة الزوجية على ال�شريك‬
‫المتزوج يتعار�ض مع مقت�ضيات الف�صل ‪ 130‬ق‪.‬ج الذي �أكد ب�صريح العبارة عدم �سريان‬
‫الظروف ال�شخ�صية على غير من تتوفر فيه علم بها �أم ال‪ ،‬و�سريان الظروف العينية على جميع‬
‫الم�ساهمين والم�شاركين كانوا على علم بها �أم ال‪.‬‬
‫وعقوبة الخيانة الزوجية ناتجة عن ظرف مختلط كما �سبق القول فيتعين �إلحاقه بالظروف‬
‫العينية (�أو الظروف ال�شخ�صية �إذا اقت�ضى اجتهاد القا�ضي ذلك) وتطبيق �أحكام الف�صل‬
‫‪ 130‬ق‪.‬ج عليه ولكن ال يمكن بحال تقرر �سريانه كالظروف العينية ثم ا�شتراط علم الم�شارك‬
‫بو�صف الزوجية للطرف الآخر‪.2‬‬
‫والجهل بزواج الفاعلة الأ�صلية يجعل العن�صر المعنوي لجنحة الم�شاركة في الخيانة‬
‫الزوجية غير متوفر»‪.‬‬
‫�إال �أن هذا االتجاه تعار�ضه محكمة النق�ض ب�شدة حيث جاء في قرارها عدد ‪ 370‬الم�ؤرخ‬
‫في ‪� 2015/03/30‬أن‪« :‬نظام الم�شاركة في الخيانة الزوجية هو نظام م�ستقل وخا�ص �أقرب ما‬
‫يكون �إلى مفهوم الم�ساهمة المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 128‬من القانون الجنائي ولي�س وفق‬
‫الف�صل ‪ 129‬من نف�س القانون»‪.‬‬

‫‪ 11‬قرار �صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ 1967/11/12‬قرار رقم ‪ 61‬من�شور مبجلة الق�ضاء والقانون عدد ‪� ،93‬ص‪:‬‬
‫‪.129‬‬
‫‪� 22‬أحمد اخلملي�شي‪ :‬م‪�.‬س‪� ،‬ص‪.260 :‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪206‬‬

‫وهو توجه �سليم على اعتبار �أن الم�ساهم هو الذي يقوم بتنفيذ الأفعال المادية للجريمة في‬
‫نف�س الوقت الذي يبا�شر فيه الفاعل الأ�صلي نف�س الأفعال‪ ،‬وال ي�شترط فيه عن�صر العلم و�إنما‬
‫ي�شترط قيامه الواقعي والفعلي بالأفعال المادية المجرمة‪ ،‬مما يعني �أن الم�شاركة التي ا�شترط‬
‫فيها الم�شرع عن�صر العلم ك�أ�سا�س للعقاب لي�ست هي الم�شاركة بالمفهوم الوارد في الف�صل‬
‫‪ 492‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫ب ‪� -‬أثر ال�شكاية و�سحبها‬
‫بعد ت�أثر ال�شريك بال�شكاية يثار في حالة تقديمها �ضد الطرف الآخر وفي حالة عدم‬
‫تقديمها كذلك وذلك تبعا لما �إذا كان هو �أي�ضا متزوجا �أو غير متزوج‪.‬‬
‫في الحالة الأولى �إذا كان متزوجا هل يت�أثر بال�شكاية المقدمة من زوج الطرف الآخر؟‬
‫�إن �صياغة الف�صل ‪ 491‬ق‪.‬ج تحمل ت�أويلين فهي تقول «وال تجوز المتابعة في هذه الحالة �إال‬
‫بناء على �شكوى من الزوجة �أو الزوج المجني عليه» فهذه العبارة ي�صح تف�سيرها بعدم جواز‬
‫متابعة الزوج الجاني �إال بناء على �شكوى زوجه هو وهذا يتفق مع الهدف الذي من �أجله و�ضعت‬
‫ال�شكاية قيدا للمتابعة‪ ،‬كما يمكن تف�سيرها ب�أن متابعة مرتكبي الجريمة ال تثار �إال بناء على‬
‫�شكوى من �أي زوج من الأزواج المجني عليهم في حالة تعددهم في�شمل هذا التف�سير حالة‬
‫تقدم زوج �أحد الجانبين بال�شكاية وحالة ما �إذا كان للرجل الجاني �أكثر من زوجة واحدة‬
‫قدمت �إحداهن ال�شكاية دون الأخريات‪.‬‬
‫�أما الحالة الثانية وهي ت�أثر ال�شريك بعدم تقديم ال�شكاية فتثور عندما يكون ال�شريك غير‬
‫متزوج وال تقدم ال�شكاية �ضد الطرف الآخر المتزوج والحكم هو �أن للنيابة العامة تحريك‬
‫المتابعة �ضد ال�شريك غير المتزوج دون انتظار �شكوى زوج الطرف الآخر‪ ،‬ولو �أن هذه المتابعة‬
‫يترتب عنها ن�شر الوقائع التي قد يرغب الزوج المجني عليه في عدم �إن�شائها‪� ،‬إال �أن مبررات‬
‫المتابعة تعتبر �أرجح من مجرد مراعاة رغبة الزوج خ�صو�صا و�أن زوجه هو لم يتابع �أمام‬
‫الق�ضاء‪.‬‬
‫هذا عن ت�أثير تقديم �أو عدم تقديم ال�شكاية‪� ،‬أما بالن�سبة ل�سحبها بعد تقديمها ف�إن الفقرة‬
‫الأخيرة من الف�صل ‪ 492‬ق‪.‬ج تق�ضي «ال ي�ستفيد م�شارك الزوجة وال م�شاركة الزوج مطلقا من‬
‫هذا التنازل»‪.‬‬
‫وهو ما �أكدته محكمة النق�ض من خالل قرارها رقم ‪ 865/3‬ال�صادر بتاريخ ‪2015/08/04‬‬
‫في الملف ‪ 2079.6.2014‬جاء فيه �أنه «رغم تنازل �أحد الزوجين ف�إن الم�شارك في الجريمة ال‬
‫ي�ستفيد من هذا التنازل»‪.‬‬
‫‪207‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وبالرغم من هذه ال�صياغة التي تفيد �أن �سحب ال�شكاية ال ت�أثير له على ال�شريك في جميع‬
‫الأحوال‪� ،‬إال �أنه يبدو تف�سيرها بالحاالت التي ال تكون فيها ال�شكاية هي �سبب المتابعة ب�أن كان‬
‫ال�شريك غير متزوج �أو متزوجا و�أثبت متابعته ب�شكاية زوجه هو‪ ،‬كما �إذا ارتكب الجريمة (�أ)‬
‫و(ب) المتزوجان و�أثيرت متابعتهما ب�شكاية زوجيهما‪ ،‬ف�إن �سحب زوج لل�شكاية (�أ) ال ي�ستفيد‬
‫منه ال�شريك (ب)‪.‬‬
‫�أما �إذا كانت ال�شكاية هي �سبب المتابعة في�ؤثر �سحبها على ال�شريك‪ ،‬ففي المثال ال�سابق‬
‫�إذا �أثيرت متابعة المتهمين معا بناء على �شكاية زوج (�أ) ف�إن �سحب هذا الأخير ل�شكايته‬
‫ي�ستفيد منه المتهم (ب) �إذ بعد �سحب ال�شكاية ال يبقى مبرر لمتابعته وهو متزوج وزوجه لم‬
‫يقدم به �شكوى‪.1‬‬
‫بقي في نقطة �أخرى �أن ن�شير �إلى الآثار القانونية لجريمة الخيانة الزوجية‪:‬‬
‫فبالن�سبة لحالة كون الزوجة هي المتهمة يترتب على هذه الجريمة بالن�سبة �إليها حرمانها‬
‫من حقها في المتعة وباقي حقوقها كم�ؤخر ال�صداق ‪.‬كما ي�سقط عنها حقها في الح�ضانة‪.‬‬
‫بينما �إذا كان المتهم هو الزوج‪ ،‬يكون من حق الزوجة رفع دعوى الطالق لل�ضرر �ضده‪،‬‬
‫كما تكون م�ستحقة لنفقة العدة ونفقة المتعة وم�ؤخر ال�صداق وكذا التعوي�ض عن ال�ضرر‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جريمة االغت�صاب في القانون الجنائي المغربي واالجتهاد الق�ضائي‬
‫المطلب الأول‪ :‬مفهوم االغت�صاب و�إطاره القانوني‬
‫نتناول في الفقرة الأولى مفهوم االغت�صاب وفي الثانية �أركان الجريمة وعقوبتها‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬مفهوم االغت�صاب‬
‫كلمة االغت�صاب في اللغة من فعل «غ�صب»‪ ،‬وتعني �أخذ ال�شيء ُظلما‪ ،‬وغ�صب فالن على‬
‫ال�شيء‪ :‬قهره‪.‬‬
‫وفي ل�سان العرب ورد ذكر الغ�صب على �أنه �أخذ مال الغير ُظلما وعدوانا‪.‬‬
‫ومن الناحية القانونية قفد عرف الف�صل ‪ 486‬من القانون الجنائي ب�أنه» «مواقعة رجل‬
‫المر�أة بدون ر�ضاها» ‪.‬‬
‫بينما عرفه قانون العقوبات الفرن�سي في المادة ‪ 222‬ب�أنه‪« :‬فعل �إيالج جن�سي مهما كانت‬
‫طبيعته ارتكب على ذات الغير بالعنف �أو الإكراه �أو التهديد �أو المباغتة»‪.‬‬

‫‪� 11‬أحمد اخلملي�شي‪ :‬م‪�.‬س‪� ،‬ص‪.263 :‬‬


‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪208‬‬

‫وبا�ستقرائنا لهذا الن�ص الأخير �سنالحظ �أن الم�شرع الفرن�سي ال يقت�صر في جريمة‬
‫االغت�صاب على االت�صال الجن�سي الطبيعي الواقع بين رجل وامر�أة‪ ،‬بل ات�سع لي�شمل كل الطرق‬
‫الجن�سية غير الطبيعية‪ ،‬وكال الجن�سين معا‪ ،‬وهذا خالفا لما ذهب �إليه الم�شرع المغربي الذي‬
‫�أعتبر االغت�صاب من جرائم ذوي ال�صفة‪ ،‬حيث يلزم �أن يكون الفاعل الأ�صلي رجال‪ ،‬وال�ضحية‬
‫�إمرة‪ ،‬وفي هذا ال�صدد اعتبر بع�ض الفقه ب�أنه وبالرغم من عدم �إمكانية ت�صور الأنثى هنا‬
‫فاعلة �أ�صلية‪ ،‬ف�إنه يمكن �أن تتابع كم�شاركة في الجناية �إذا ما �أتت �أحد الأفعال الواردة في‬
‫المادة ‪ 129‬من ق‪.‬ج المغربي كالتحري�ض والوعد والوعيد‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الإطار القانوني لالغت�صاب‪:‬‬
‫لالغت�صاب ركن مادي و�آخر معنوي والذين �سنبرزهما كالتالي‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬الركن المادي لالغت�صاب‬
‫بالرجوع �إلى الف�صل ‪ 486‬من ق‪.‬ج �سالف الذكر‪� ،‬سن�ستخل�ص �أن الركن المادي لجناية‬
‫االغت�صاب ال يتحقق �إال �إذا واقع رجل امر�أة بدون ر�ضاها‪ ،‬وبالتالي �سنحلل هذا الركن من‬
‫خالل عن�صرين �أ�سا�سين هما فعل الوقاع‪ ،‬وانعدام ر�ضا �ضحية كما يلي‪:‬‬
‫�أ ـ فعل الوقاع �أو المواقعة‪:‬‬
‫يتحقق فعل الوقاع هذا ب�إيالج الرجل ع�ضوه الذكري في فرج المر�أة باعتباره المكان‬
‫الطبيعي في ج�سم الأخيرة المخ�ص�ص للممار�سة الجن�سية العادية‪� ،‬سواء كان الإيالج كليا‬
‫�أو جزئيا‪ ،‬مرة واحدة �أو عدة مرات‪ ،‬بقذف المني �أو بدونه‪ ،‬مع افت�ضا�ض غ�شاء البكرة �أو ال‪.‬‬
‫وال يعد اغت�صابا في القانون المغربي �إتيان الرجل المر�أة من دبرها‪� ،‬أو ا�ستعمال �أ�شياء‬
‫�أخرى غير ع�ضوه التنا�سلي (كالأ�صبع والع�صى …) للإيالج في ُقبلها‪� ،‬أو االحتكاك بها‪ ،‬و�إنما‬
‫يدخل �ضمن جرائم �أخرى كهتك العر�ض �أو الإخالل العلني بالحياء �إذا ما توفرت �شروطهما‪.‬‬
‫وتجدر الإ�شارة �إلى �أن الركن المادي يتحقق �أي�ضا بمجرد المحاولة وفق المن�صو�ص عليه‬
‫في المادة ‪ 114‬من ق‪.‬ج‪ ،‬متى انعدم العدول الإرادي �أو تدخل عن�صر �أجنبي عن المتهم حال‬
‫دون �إتمام عملية االغت�صاب‪.‬‬
‫ـ انعدام ر�ضى ال�ضحية‪ :‬يعد عن�صر عدم الر�ضى �أ�سا�سيا لقيام جريمة الإغت�صاب‪،‬فهو‬
‫الفي�صل الذي به يتم التمييز بين الجريمة قيد الدر�س وباقي الجرائم المماثلة كالف�ساد‬
‫والخيانة الزوجية والتي يعد ر�ضى الطرفين ـ �سيما ال�ضحية ـ قائما فيها‪.‬‬
‫والنعدام الر�ضى لدى ال�ضحية �صور عديدة �أبرزها العنف الممار�س من طرف الجاني على‬
‫ال ُمغت�صبة �سواء كان عنفا ماديا والمتمثل في تعري�ض ال�ضحية للأذى الج�سماني بال�ضرب‬
‫‪209‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫والجرح بهدف �إحباط مقاومتها‪� ،‬أو عنفا معنويا كالتهديد والتخويف ب�إيقاع الأذى عليها �أو‬
‫على �أحد من �أقربائها‪� ،‬أو ن�سف تجارتها �أو ممتلكاتها‪.1‬‬
‫وفي نظرنا المتوا�ضع فحتى ق�صر ال�ضحية (�أقل من ‪� 18‬سنة) يعد �صورا من �صور انعدام‬
‫الر�ضا مادام الق�صر في ال�سن يعد �أحد العيوب التي ت�ؤثر في الإرادة ‪،‬وهنا ف�إرادة القا�صر‬
‫لي�س هي ذاتها �إرادة �إمرة را�شدة‪ ،‬وبالتالي ف�إن ممار�سة الجن�س مع �أنثى قا�صر ولو بر�ضاها‬
‫يجب �أن يتم التعامل معه على �أنه اغت�صاب ولي�س ف�سادا (ف ‪ 490‬ق‪.‬ج) �أو هتك عر�ض قا�صر‬
‫بدون عنف (ف ‪ 484‬ق‪.‬ج) باعتبارهما جنح مخف عقابهما‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي لالغت�صاب‬
‫تعتبر جريمة االغت�صاب من الجرائم العمدية �أي �أن قيامها يتطلب توفر الق�صد الجنائي‬
‫لدى المغت�صب والذي يعني �أن الجاني حين قيامه بفعل الوقاع على ال�ضحية يعلم �أنه ي�أتي‬
‫فعال غير م�شروع كونه ال تربطه بال�ضحية �أي عالقة زوجية‪ ،‬ويعد العنف �أو التهديد �أو التدلي�س‬
‫قرائن لتوفر هذا الق�صد لدى الجاني واتجاه �إرادته نحو مواقعة ال�ضحية بدون ر�ضاها‪.2‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬عقوبة االغت�صاب في القانون المغربي‬
‫بقراءتنا للف�صول ‪ 486‬و‪ 487  ‬و ‪ 488‬من القانون الجنائي ‪�،‬سنقف على �أن الم�شرع المغربي‬
‫عاقب على جناية االغت�صاب بال�سجن من خم�س �سنوات �إلى ع�شر �سنوات‪ ،‬و ُترفع هذه العقوبة‬
‫لتتحدد بين ‪� 10‬سنوات �إلى ‪� 20‬سنة متى كان �سن المجني عليها يقل عن ‪� 18‬سنة‪� ،‬أو عاجزة �أو‬
‫معاقة �أو معروفة ب�ضعف قواها العقلية �أو كانت حامال‪.‬‬
‫�أما �إذا كان الفاعل من �أ�صول ال�ضحية �أو ممن له �سلطة عليها‪�،‬أو خادما بالأجرة عندها‪�،‬أو‬
‫كان موظفا دينيا �أو رئي�سا دينيا‪�،‬أو ا�ستعان ب�شخ�ص �أو �أكثر في فعلته ف�إن العقوبة تكون من ‪10‬‬
‫�سنوات �إلى ‪� 20‬سنة‪� ،‬أو من ‪� 20‬سنة �إلى ‪� 30‬سنة ح�سب الأحوال‪. 3‬‬
‫في بع�ض الت�شريعات المقارنة نجد الم�شرع الجزائري قد عاقب على جريمة االغت�صاب في‬
‫المادة ‪ 336‬من قانون العقوبات بال�سجن الم�ؤقت من خم�س �سنوات �إلى ‪� 10‬سنوات مع رفعها في‬
‫حالة كون ال�ضحية قا�صر دون ال�ساد�سة ع�شر من عمرها من ‪� 10‬سنوات �إلى ‪� 20‬سنة‪ ،‬مع العلم‬
‫�أن الم�شرع الجزائري قد �أ�شار �إلى االغت�صاب في هذه المادة المذكورة بم�صطلح هتك العر�ض‪.‬‬

‫‪ 11‬ومن �صور انعدام الر�ضى �أي�ضا املباغتة لل�ضحية‪،‬و خلل الأخرية العقلي‪� ،‬أو �إعطائها مادة خمدرة…الخ وهناك من الفقه‬
‫من �أ�ضاف �أي�ضا الوعد بالزواج‪،‬والذي �سنناق�شه الحقا يف خامتة املو�ضوع‪.‬‬
‫‪ 22‬ويف هذا الإطار يرى ذ‪ .‬عبد الواحد العلمي ب�أن الإكراه على االغت�صاب (كالتهديد بالقتل)‪�،‬أو الوقوع يف الغلط كاعتقاد‬
‫الفاعل بوجود عالقة زوجية مع ال�ضحية ال يتحقق معه الق�صد اجلنائي وبالتايل قيام جناية االغت�صاب‪.‬‬
‫‪ 33‬الف�صالن ‪ 487‬و ‪ 488‬من ق‪.‬ج‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪210‬‬

‫�أما الم�شرع الم�صري فقد ن�ص في المادة ‪ 267‬من قانون العقوبات على �أنه «من واقع �أنثى‬
‫بغير ر�ضاها يعاقب بالأ�شغال ال�شاقة الم�ؤبدة �أو الم�ؤقتة ف�إذا كان الفاعل من �أ�صول المجني‬
‫عليها �أو من المتولين تربيتها �أو مالحظتها �أو ممن لهم �سلطة عليها �أو كان خادما عندها �أو‬
‫عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالأ�شغال ال�شاقة الم�ؤبدة »‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪� :‬إثبات جريمة االغت�صاب بين الن�ص القانوني والتوجهات الق�ضائية‬
‫تعد جريمة االغت�صاب من الجرائم التي ي�صعب �إثباتها‪ ،‬تتجلى هذه ال�صعوبة من خالل‬
‫التعقيد الذي يطرحه �إثبات «انعدام الر�ضا» لدى ال�ضحية �أمام القا�ضي الجنائي‪ .‬وتتمثل‬
‫و�سائل �إثبات هذه الجريمة فيما يلي‪:‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬االعتراف الق�ضائي للمتهم‬
‫ال �شك �أن االعتراف بارتكاب الجريمة يعد من الحاالت النادرة التي تجد المحكمة‬
‫نف�سها �أمامها وهي تبث في الق�ضايا الجنائية‪ ،‬ومع ذلك فم�شرع الم�سطرة الجنائية جعله ـ‬
‫�أي االعتراف ـ خا�ضعا للوجدان واالقتناع الق�ضائي‪ ،‬بمعنى للمحكمة �صالحية تقدير قيمة‬
‫االعتراف �إذا ما يمكن االعتداد به دليال للإدانة متى اطم�أنت �إليه واقتنعت به والأخذ به‪� ،‬أو‬
‫�إبعاده تماما والت�صريح ببراءة المتابع متى لم تقتنع به‪.‬‬
‫غير �أنه من الناحية العملية فاعتراف المتهم ـ وفق ال�شروط �سالفة الذكر �أعاله ـ بكونه‬
‫مار�س الجن�س على ال�ضحية تحت العنف واالكراه �أو التدلي�س �أو غيرها من الو�سائل التي ينعدم‬
‫معها ر�ضى المجني عليها يعد من و�سائل الإثبات القوية والكفيلة التخاذ الهيئة حكمها بالإدانة‬
‫في حق المتهم وفق منطوق المادة ‪ 486‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬االعتراف التمهيدي‬
‫ال يعتبر ال�شخ�ص متهما بمجرد �إجراء البحث التمهيدي معه لأن االتهام ال تملكه �إال ال�سلطة‬
‫الق�ضائية (النيابة العامة و�سلطة التحقيق)‪ ،‬وال�شرطة الق�ضائية يقت�صر دورها على البحث‬
‫عن الأدلة وجمعها ت�سهيال لأعمال التحقيق الذي تقوم به من بعد ال�سلطة الق�ضائية‪ ،‬لذا ف�إن‬
‫ال�شخ�ص الذي يجري معه البحث التمهيدي يعتبر مجرد م�شبوه فيه ولو اعترف بارتكابه‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فال يمكن للمحكمة وهي ب�صدد اتخاذ قرار الإدانة بجناية االغت�صاب‬
‫االعتماد فقط على االعتراف التمهيدي للمتهم بكونه مار�س الجن�س على ال�ضحية عنفا‬
‫وبدون ر�ضاها دون �أن تدعم هذا االعتراف التمهيدي بحجج و�أدلة �أخرى ت�ؤكده (‪ ،)1‬وهنا‬
‫نجد لل�شواهد المدلى بها من طرف ال�ضحية مكان متى اطم�أنت المحكمة �إليها وكذا �شهادة‬
‫‪211‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الم�شتكية غير المنت�صبة طرفا مدنيا في الدعوى لأنه في هذه الحالة الأخيرة نعتقد بتوا�ضع‬
‫ب�ضرورة ا�ستبعاد �شهادة ال�ضحية المن�صبة طرفا مدنيا لإعفائها من اليمين القانونية من‬
‫جهة ولوجود الم�صلحة لديها من جهة �أخرى ولو بوجود االعتراف التمهيدي للمتهم �إذ نرى‬
‫�أنه من الأولى ا�ستبعاد جناية االغت�صاب ب�أركانها والحكم بالف�ساد �أو الخيانة الزوجية ح�سب‬
‫الأحوال‪.‬‬
‫ونرى من الم�ؤ�سف �أن بع�ض المحاكم الدنيا‪ ،‬ظلت تعلل �أحكامها كلما �أرادت �إ�صدار حكم‬
‫بالإدانة ‪،‬اعتمادا على ما هو وارد بالمحا�ضر بكون هذه الأخيرة يوثق بم�ضمونها �إلى �أن يثبت‬
‫العك�س‪ ،‬الأمر الذي نعتقد �أنه ال يتفق مع المقت�ضيات القانونية المتعلقة بالقوة الثبوتية لعمل‬
‫ال�ضابطة الق�ضائية‪ ،‬و ُيعر�ض �أحكامها للنق�ض �أمام المجل�س الأعلى (محكمة النق�ض حاليا)‪.‬‬
‫ومادام �أن جريمة االغت�صاب جناية‪ ،‬ف�إنه من الواجب الأخذ بعين االعتبار ما ن�صت عليه‬
‫المادة ‪ 291‬ق‪.‬م‪.‬ج التي ن�صت على‪�  ‬أن المحكمة تعتمدها على �سبيل اال�ستئنا�س ‪ ،‬وبالتالي‬
‫فمحا�ضر ال�ضابطة الق�ضائية ال تلزمها بل يمكنها �أن ت�ستبعدها تلقائيا في حالة عدم اقتناعها‬
‫بها حتى ولو لم يطلب الأطراف ذلك‪� ،‬إذ لغرفة الجنايات �أن ترتكز على �أي و�سيلة من و�سائل‬
‫الإثبات لإبعاد محتويات تلك المحا�ضر حتى ولو تعلق الأمر بالإنكار المجرد للمتهم متى بدا‬
‫لها �أنه مقنع بما فيه الكفاية‪.‬‬
‫فالم�شرع‪�  ‬إذن منح حجية �ضعيفة لمحا�ضر الجنايات نظرا لخطورة العقوبات المترتبة عن‬
‫تلك الجرائم‪ ،‬فقد جاء في اجتهادات محكمة النق�ض في هذا �أن الإدانة في جناية اعتمادا‬
‫فقط على اعتراف المتهم لدى ال�ضابطة الق�ضائية‪ .‬يجعل القرار ناق�ص التعليل الموازي‬
‫النعدامه (قرار ‪ 2771‬بتاريخ ‪ 2001/07/17‬ملف جنائي عدد ‪.)99/1/3/692‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التلب�س‬
‫يظل التلب�س �أي�ضا من الدالئل القوية المثبتة لجريمة الإغت�صاب‪ ،‬وقيامه وفق ال�شروط‬
‫المن�صو�ص عليها قانونا يكفي لتكون المحكمة قناعتها للقول بقيام عنا�صر هذه الجناية كاملة‪.‬‬
‫وحديثنا هنا عن حاالت التلب�س كما ن�صت على ذلك المادة ‪ 56‬ق‪.‬م‪.‬ج �سيرتكز بالأ�سا�س‬
‫على الحاالت الثالث الأولى منها كونها تعطي ال�صورة الأو�ضح لهذه الدرا�سة المتوا�ضعة‪.‬‬
‫ومن الم�ؤكد �أن من �شروط �صحة التلب�س بالجريمة معاينتها ممن خول لهم القانون ذلك‪،‬‬
‫�إذ ربطها بع�ض المهتمين بالم�شاهدة الفعلية ل�ضابط ال�شرطة الق�ضائية بالتحديد‪ ،‬غير �أن من‬
‫الفقه كذلك من �أكد على �إمكانية تلقي التلب�س ممن �شاهد الجريمة‪ ،‬وهو ما �سنتناول بال�شرح‬
‫في النقاط التالية‪ :‬م�شاهدة الفاعل يقوم باالغت�صاب �أو على �إثر القيام به‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪212‬‬

‫وتقت�ضي هذه الحالة معاينة �ضابط ال�شرطة الق�ضائية بنف�سه لعملية االغت�صاب‪� ،‬أو على �إثر‬
‫القيام غير �أنه ال يمنع �أن يكون من عاين هاتين الحالتين غير �ضابط ال�شرطة الق�ضائية فبادر‬
‫فورا �إلى �إخبار ال�شرطة لكي تتمكن من القيام بالمعاينة وم�شاهدة الجريمة حال ارتكابها‪� ،‬أو‬
‫عقبها مبا�شرة ومثال ذلك احتجاز ع�صابة �إجرامية المر�أة ومواقعتها كرها بالتناوب حيث‬
‫تكون ا�ستغاثتها �سببا في لجوء البع�ض �إلى ال�شرطة التي تتمكن من معاينة التلب�س باالغت�صاب‬
‫حال �إنجاز الفعل ‪� ،‬أو على �إثر �إنجازه‪ ،‬معاينة المغت�صب وهو ال يزال مطاردا ب�صياح الجمهور‪،‬‬
‫وت�ستلزم هذه الحالة توفر �شروطا ثالث هي‪� :‬أن يكون هناك مطاردة لفاعل قام باالعتداء‬
‫جن�سيا على امر�أة �أو حاول ذلك‪�  ،‬أن تكون المطاردة �إثر ارتكاب الجريمة‪� ،‬أن تكون لهذه‬
‫المطاردة مظهر خارجي ومادي هما العدو وال�صياح‪ .‬ومن الحيثيات بخ�صو�ص هذه الحالة‬
‫وجاء ب�إحدى قرارات محكمة اال�ستئناف بورزازات‪� « :‬إيجاد المغت�صب بعد وقت ق�صير على‬
‫ارتكاب الجريمة وقيام ال�ضحية بالتبليغ عنه فورا مع و�صفه من حيث المالب�س التي كان‬
‫يرتديها والعالمات المميزة التي قد يحملها ج�سده (�آثار جراحة‪ ،‬طفح‪ ،‬خال‪ ،)..‬وكذا المكان‬
‫الذي حدث فيه االعتداء ك�إعطاء و�صف داخلي للمنزل او الغرفة‪ ،‬كلها و�سائل ي�ستدل معها‬
‫ثبوت �صحة �شكاية ال�ضحية‪.‬‬
‫الفقرة الرابعة ‪� :‬شهادة ال�شهود‬
‫ال�شهادة التي تهمنا هنا هي ال�شهادة المبا�شرة لل�شاهد �أو ال�شهود والتي تعني االت�صال‬
‫بجرمه �أو ب�صدد القيام‬
‫المبا�شر بواقعة االغت�صاب‪� ،‬أي المعاينة المبا�شرة للمعتدي وهو يقوم ُ‬
‫به وال�ضحية في حالة مقاومة �أو م�سلوبة الإرادة ب�أي �صورة ُتفيد ذلك ‪.‬‬
‫في هذا الإطار‪ ،‬ذهبت محكمة اال�ستئناف بورزازات في �إحدى اجتهاداتها ‪« :‬وحيث �إنه‬
‫بموجب المادة ‪ 286‬من ق‪.‬م‪.‬ج يمكن لمحكمة المو�ضوع تكوين قناعاتها من جميع و�سائل‬
‫الإثبات‪ ،‬ولم ُتقيدها بو�سيلة �إثبات معينة �إال في حاالت ا�ستثنائية من�صو�ص عليها على �سبيل‬
‫الح�صر ولها تبعا لذلك �أن ت�أخذ بالقرائن المقبولة‪ ،‬المن�سجمة‪ ،‬ال�سائغة‪ ،‬القوية‪ ،‬الم�ؤدية‬
‫للنتيجة‪ ،‬و�أن ت�أخذ ب�شهادة ال�شهود متى �صيغت �شهادتهم ب�صورة وا�ضحة ومن�سجمة مع‬
‫الواقع دون �أن يتخللها �أي تناق�ض �أو لب�س �أو التبا�س‪( .‬قرار جنائي ا�ستئنافي عدد ‪ 121‬تاريخ‬
‫‪.)2013/06/17‬‬
‫الفقرة الخام�سة‪ :‬الت�صريحات المجردة لل�ضحية‬
‫من المعلوم �أن القا�ضي الجنائي يتمتع بحرية كبيرة في تكوين قناعته عك�س القا�ضي‬
‫المدني ‪ ،‬غير �أن ذلك يظل مقيدا وال ي�ؤخذ على �إطالقتيه(‪�،)1‬إذ يجب �أن يعتمد في ذلك على‬
‫ما يتوفر لديه من �أدلة وعنا�صر �أثناء �سير الدعوى‪.‬‬
‫‪213‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ونرى �أن االقتناع الوجداني للقا�ضي الجنائي ال يعني ر�أيه ال�شخ�صي لكون اليقين الق�ضائي‬
‫ينبني انطالقا من اعتماد العقل والمنطق في فح�ص وتمحي�ص �أدلة الدعوى‪.‬‬
‫وبالتالي فال يمكن للمحكمة هنا القول بالإدانة من �أجل االغت�صاب ا�ستنادا على ت�صريحات‬
‫ال�ضحية‪/‬الم�شتكية المجردة غير المدعمة بو�سائل �إثبات �أخرى مادام �أن المتهم متم�سك‬
‫ب�إنكاره في كافة المراحل فال يعقل مثال التعليل ب�أن �إنكار المتهم ُتفنده ت�صريحات الم�شتكية‬
‫المن�سجمة في كافة �أطوار التحقيق والمحاكمة‪ ،‬ولالقتناع ال�صميم للمحكمة ثبوت المن�سوب‬
‫للمتهم �أو المتهمين وبالتالي الحكم بالإدانة بمقت�ضيات جناية االغت�صاب‪.‬‬
‫وقد �أبطلت محكمة النق�ض قرارا جنائيا ا�ستئنافيا �صادر عن محكمة اال�ستئناف بورزازات‪،‬‬
‫كان قد �أيد قرارا ابتدائيا ق�ضى بالإدانة ا�ستنادا �إلى ت�صريحات مجردة �صادرة عن ال�ضحية‬
‫ومن حيثياته ‪ :‬حيث �أن القرار االبتدائي الم�ؤيد بالقرار المطعون فيه ق�ضى ب�إدانة الطاعن من‬
‫�أجل جنحة هتك عر�ض قا�صر دون عنف ا�ستنادا �إلى مجرد �أقوال القا�صر ب�أن المعني بالأمر‬
‫نزع �سرواله و�أولج ذكره بدبره دون تعزيز هذه الأقوال ب�أي دليل �أو و�سيلة �إثبات مقبولة وبذلك‬
‫يكون القرار المطعون فيه غير مرتكز على �أ�سا�س وغير معلل تعليال كافيا مما يعر�ضه للنق�ض‬
‫والإبطال»‪.‬‬
‫ومن اجتهادات ق�ضاء المو�ضوع ما ذهبت �إليه ا�ستئنافية مراك�ش حينما ن�صت في �إحدى‬
‫قرارات غرفتها الجنائية االبتدائية على التالي‪:‬‬
‫حيث توبع المتهمان من �أجل التهمة الم�شار �إليها �أعاله (االغت�صاب)‪» ،‬وحيث ح�ضرا �أمام‬
‫هذه الغرفة وعن المن�سوب �إليهما �أجابا بالإنكار مجددين ت�صريحاتهما في باقي �أطوار الق�ضية‪.‬‬
‫وحيث لي�س بالملف ما ُيفند �إنكارهما المذكور‪ ،‬وحتى ت�صريحات الم�شتكية لي�س بالملف ما‬
‫يعززها‪.‬‬
‫وحيث �إن الأ�صل في الإن�سان البراءة �إلى حين �إثبات العك�س وتبعا لذلك تقرر الت�صريح‬
‫بعدم م�ؤاخذتهما من �أجل‪ ‬ما ن�سب �إليهما‪».‬‬
‫الفقرة ال�ساد�سة‪ :‬الخبرة وال�شهادة الطبية‬
‫تعد جريمة االغت�صاب من الجرائم التي يعتمد فيها على ال�شواهد الطبية‪ ،‬وعلى الخبرات‬
‫الجينية للقول بالإدانة �أو البراءة‪ ،‬ومن المعلوم �أن هذه الو�سائل الإثباتية قد تثبت وجود العالقة‬
‫الجن�سية بين المتهم �أو ال�ضحية‪ ،‬لكنها و�سائل ال يمكنها �إثبات عن�صر «انعدام الر�ضى» حتى‬
‫تتكيف هذه العالقة �إلى �صفتها الجنائية‪ ،‬ولي�س �شيئا �أخر قد يظهر للمحكمة من خالل ما راج‬
‫�أمامها وما ت�ضمنه الملف من حجج ووثائق‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪214‬‬

‫فال�شهادة الطبية المثبتة لفعل الوقاع على ال�ضحية �أو الخبرة الجينية الخال�صة �إلى �أن‬
‫المولود من �صلب المتهم تعد كغيرها من و�سائل الإثبات غير الحا�سمة التي ال يمكن الركون‬
‫�إليها لوحدها للقول بالم�ؤاخذة من �أجل االغت�صاب‪ ،‬و�إنما تحتاج �إلى ما يدعهما من حجج‬
‫ودالئل وقرائن �أخرى‪ ،‬وهو الأمر الذي نلم�س من الناحية العملية �إذ �أن المحكمة تذهب في‬
‫تعليالتها �إلى ما يعزز هذه ال�شواهد �أو الخبرات‪.‬‬
‫ففيما يخ�ص ال�شهادة الطبية‪ ،‬نجد ا�ستئنافية طنجة تذهب في �إحدى اجتهاداتها «حيث �أن‬
‫�إنكار المتهمين لي�س �سوى محاولة للإفالت من العقاب والتمل�ص من الم�س�ؤولية ذلك �أن �إنكارهم‬
‫ُتفنده ت�صريحاتهم التمهيدية المف�صلة التي اعترفوا من خاللها بجميع الأفعال المن�سوبة �إليهم‬
‫والتي جاءت من�سجمة مع ت�صريحات ال�ضحية هذا بالإ�ضافة �إلى ال�شهادة الطبية الم�ؤرخة في‬
‫‪ 29/04/2013‬والتي تفيد تعر�ض ال�ضحية لالغت�صاب الناتج عنه افت�ضا�ض»‬
‫كما جاء في قرار لمحكمة النق�ض «حيث �إنه بمقت�ضى الف�صل ‪ 486‬ق‪.‬ج ف�إن االغت�صاب‬
‫هو مواقعة رجل المر�أة بدون ر�ضاها‪ ،‬وحيث �إن محكمة اال�ستئناف لما �ألغت القرار االبتدائي‬
‫الذي بر�أ الطاعن من �أجل جناية االغت�صاب وق�ضت ب�إدانته من �أجل ذلك‪ ،‬ا�ستندت في قرارها‬
‫على الخبرة الجينية المنجزة على ذمة الق�ضية والتي تم التو�صل من خاللها �إلى ان الطفل‬
‫الذي و�ضعته الم�شتكية من �صلبه خالفا لإنكاره المتواتر‪ ،‬والحال �أن ما انتهت �إليه الخبرة‬
‫المذكورة لأن �أثبتت العالقة الجن�سية بين طرفيها ف�إنه ال يعتبر دليال �أو حجة على �أن الطاعن‬
‫ا�ستعمل العنف لجبر الم�شتكية على ممار�سة العالقة الجن�سية معها والمحكمة ب�إلغائها للحكم‬
‫االبتدائي ا�ستنادا لما ذكر‪ ،‬ودون �إبراز عن�صر انعدام الر�ضى لدى الم�شتكية �أثناء المواقعة‬
‫لترتب عنه القول بقيام عنا�صر جناية االغت�صاب طبقا للف�صل ‪ 486‬ق‪.‬ج تكون قد خرقت‬
‫الف�صل المحتج به ويكون ما جاء بالو�سيلة وارد على القرار مما يجعله معر�ضا للنق�ض»‪.‬‬
‫خــــــاتمــــة‬
‫ت�أ�سي�سا على ما �سبق‪ ،‬يت�ضح �أن كال من جريمة الف�ساد والخيانة الزوجية واالغت�صاب هي‬
‫جرائم ذات طبيعة خا�صة �إذ تطرح عدة �إ�شكاالت في مجال �إثباتها‪ ،‬وي�صعب �إقامة الدليل في‬
‫هذا النوع من الجرائم لخ�صو�صيتها وللظروف الم�ستترة التي قد ترتكب في ظلها‪ ،‬بالإ�ضافة‬
‫�إلى �إ�شكالية العقوبة المقررة لهاتين الجريمتين‪ ،‬فالم�شرع المغربي قرر عقوبات مخففة‬
‫مقارنة مع خطورة هذه الجرائم التي اعتبرتها ال�شريعة الإ�سالمية من جرائم الحدود وعاقبت‬
‫عليها بعقوبات جد قا�سية و�صارمة‪ ،‬فب�ساطة العقوبة قد تفتح الباب على م�صراعيه لمرتكبي‬
‫هاته الجرائم‪ ،‬كما ت�سهل لهم الإفالت من العقاب‪.‬‬
‫‪215‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫❽‬
‫جريمة الإعتداء على الحيازة‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫�إن عالقة الإن�سان بالأر�ض عالقة �أزلية و�أبدية‪ :‬فمنها خلق‪ ،‬وعليها يعي�ش وفيها يعاد‪ ،‬ومنها‬
‫يخرج تارة �أخرى‪ ،‬من بين كل هذا وذاك يظل يتناف�س �أو يتنازع حولها �أو ب�سببها‪ ،‬فالعقار‬
‫يعتبر العن�صر الأ�سا�سي في حياة الإن�سان‪ ،‬وقطب الرحى في كل ن�شاط اقت�صادي واجتماعي‪،‬‬
‫ووعاء لكل ا�ستثمار مهما كان �شكله �أو نوعه‪.‬‬
‫فالعقار �إذن من �أثمن الأ�شياء التي يملكها الإن�سان ويحب تملكها‪ ،‬وعلى هذا الأ�سا�س ي�سعى‬
‫جاهدا من �أجل حمايته والمحافظة عليه‪ .‬ولكي يتحقق ذلك البد من حماية الملكية العقارية‬
‫حماية قانونية �سواء من الناحية المدنية �أو الجنائية‪� ،‬ضد �أي تعر�ض �أو تهديد �أو �إ�ضرار بهذه‬
‫الملكية �أو الحيازة‪،‬‬
‫و�إذا كان الت�شريع المدني‪ 1‬يحمي الحيازة العقارية لذاتها �أولما لها من �أثر على الملكية‬
‫العقارية‪ ،‬ف�إن الت�شريع الجنائي يحميها للحفاظ على النظام العام‪ ،‬وعلى �أمن وا�ستقرار‬
‫المجتمع ب�أكمله‪ .‬ليبقى للحائز المت�ضرر من الإعتداء على حيازته‪ ،‬الحق في االختيار بين‬
‫اللجوء للق�ضاء المدني �أو الق�ضاء الجنائي‪ .‬لذلك ارت�أينا في �إطار هذه الدرا�سة التعر�ض‬
‫للحماية الجنائية لحائز العقار‪ ،‬نظرا لكثرة النزاعات المرتبطة بها واعتبارا لكثرة الإ�شكاالت‬
‫المتعددة التي يثيرها تطبيقها في المجال العملي والتي جعلت االجتهاد الق�ضائي ب�ش�أنها �أكثر‬
‫مواكبة لها �ضمانا للأمن الق�ضائي المن�شود‪.‬‬
‫وترتيبا على ما �سبق �سنحاول معالجة هذا المو�ضوع من خالل المبحثين الآتيين‪:‬‬
‫المبحث الأول‪:‬الحماية الجنائية النتزاع عقار من حيازة الغير على �ضوء القانون‬ ‫❑‬

‫الجنائي المغربي والعمل الق�ضائي‪.‬‬


‫المبحث الثاني‪� :‬إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ك�آلية لحماية الحيازة العقارية‪.‬‬ ‫❑‬

‫‪ 11‬كما �أن الت�رشيع املدين يحمي حيازة العقار بو�سائل ثالث �أي دعاوى احليازة الثالثة وهي‪ :‬دعوى ا�سرتداد احليازة‪،‬‬
‫دعوى منع التعر�ض ودعوى وقف الأعمال اجلديدة ( الف�صول ‪ 166‬وما يليها من ق‪.‬م‪.‬م)‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪216‬‬

‫المبحث الأول‪:‬الحماية الجنائية النتزاع عقار من حيازة الغير على �ضوء القانون‬
‫الجنائي المغربي والعمل الق�ضائي‬
‫الحماية الجنائية هي الحماية التي يمنحها القانون الجنائي للحائز عندما يقترن النزاع‬
‫على الحيازة بجريمة من جرائم الإعتداء على حرمة ملك الغير‪ ،‬ولحماية الإعتداء على‬
‫الحيازة العقارية ن�ص الم�شرع في الف�صل ‪ 570‬من مجموعة القانون الجنائي على ما يلي‪:‬‬
‫«يعاقب بالحب�س من �شهر �إلى �ستة �أ�شهر وغرامة من مائتين �إلى خم�سمائة درهم من انتزع‬
‫عقارا من حيازة غيره خل�سة �أو ب�إ�ستعمال التدلي�س‪.‬‬
‫ف�إذا وقع انتزاع الحيازة ليال �أو ب�إ�ستعمال العنف �أو التهديد �أو الت�سلق �أو الك�سر �أو بوا�سطة‬
‫�أ�شخا�ص متعددين �أو كان الجاني �أو �أحد الجناة يحمل �سالحا ظاهرا �أو مخب�أ ف�إن الحب�س‬
‫يكون من ثالثة �أ�شهر �إلى �سنتين والغرامة من مائتين �إلى �سبعمائة وخم�سين درهما»‪.‬‬
‫فالن�ص المذكور يتعلق بالأفعال المجرمة التي تن�صب على حيازة العقارات‪� ،‬إال �أنه الفعل‬
‫الذي ي�شكل جرما بالمعنى الوارد في الف�صل �أعاله هو الذي يعتبر في م�ضمونه انتزاعا لعقار‬
‫من حيازة الغير‪ ،1‬فما يتميز به هذا الف�صل عن الف�صول التي حل محلها في القانون الجنائي‬
‫القديم‪ ،2‬هو اكتفاءه ب�إ�ستعمال الخل�سة والتدلي�س لقيام جنحة انتزاع حيازة عقار من ملك‬
‫الغير‪.3‬‬
‫وانطالقا من ذلك‪� ،‬سنق�سم هذا المبحث �إلى مطلبين‪ :‬الأول يتحدث عن مظاهر انتزاع‬
‫عقار من حيازة الغير ح�سب مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪ ،‬ثم نتناول �أركان‬
‫جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير في المطلب الثاني‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬مظاهر انتزاع عقار من حيازة الغير على �ضوء مقت�ضيات الف�صل ‪570‬‬
‫من القانون الجنائي‬
‫�إن الحماية الجنائية للملكية العقارية التي يهدف �إليها القانون الجنائي المغربي تتمثل في‬
‫الحيازة‪ ،4‬باعتبارها العن�صر الجوهري والأ�سا�سي الذي يقوم عليه الف�صل ‪ 570‬من القانون‬
‫‪ 11‬ح�سن بكري‪« ،‬احلماية القانونية حليازة العقارات يف الت�رشيع اجلنائي املغربي»‪ ،‬مكتبة الر�شاد‪� ،‬سطات‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل‪1422 ،‬هـ‪� ،2001/‬ص‪.1.‬‬
‫‪ 22‬الف�صول التي حل حملها الف�صل ‪ 570‬من القانون اجلنائي اجلديد هما الف�صلني ‪ 333‬و‪ 334‬من القانون اجلنائي القدمي‬
‫الذي مت �إلغائه‪.‬‬
‫‪ 33‬ر�شيد حمداوي‪« ،‬انتزاع حيازة العقار بني الق�ضاء املدين والق�ضاء اجلنائي»‪ ،‬املجلة املغربية للقانون اجلنائي والعلوم‬
‫اجلنائية‪ ،‬العدد ‪ ،3‬ال�سنة ‪� ،2016‬ص‪ 110.‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 44‬لقد ا�ستعمل الت�رشيع والعمل الق�ضائي يف م�رص واملغرب م�صطلح ((احليازة)) �أما الق�ضاء يف تون�س ف�إنه ا�ستعمل م�صطلح‬
‫((احلوز)) ويف اللغة احلوز مرادف احليازة‪ ،‬ومعناهما واحد فاحلوز هو و�ضع لليد على ال�شيء �سواء كان بطريقة‬
‫�رشعية �أم ال‪ ،‬واحليازة هي و�ضع اليد على ال�شيء مع ادعاء متلكه والت�رصف فيه ع�رشة �أعوام على الأقل واحليازة يف‬
‫‪217‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الجنائي‪ ،‬بحيث �أن غالبية الأحكام التي ت�صدر بالبراءة من جنحة انتزاع عقار من حيازة‬
‫الغير تكون ب�سبب عدم ثبوت حيازة الم�شتكي للعقار محل النزاع‪ ،‬ولذلك ومن �أجله‪ ،‬ف�إن‬
‫القا�ضي �أثناء دار�سته لملف يتعلق بتلك الجنحة‪� ،‬سواء مع الم�شتكي �أو الم�شتكى به �أو ال�شهود‪،‬‬
‫ف�إن �أهم ما يركز عليه في بحثه ومناق�شته هو عن�صر الحيازة‪ ،‬فما مفهوم الحيازة المحمية‬
‫بالف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي؟ وما هي �شروطها؟‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬مفهوم الحيازة ح�سب مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‬
‫عرف فقهاء القانون الحيازة ب�أنها �سلطة فعلية �أو واقعية يبا�شرها الحائز على �شيء �أو حق‬
‫عيني‪� ،‬شريطة �أال تكون من قبيل ما ي�أتيه ال�شخ�ص على �أنه مجرد رخ�صة يباح له القيام بها �أو‬
‫من قبيل ما يتحمله الغير على �سبيل الت�سامح‪ ،1‬وقد ق�سم الفقه القانوني الحيازة �إلى نوعين‪:‬‬
‫فمنها ما يتعلق بالملكية ومنها ما يقت�صر على و�ضع اليد‪ .‬فالأولى ت�شمل الحيازة المادية‬
‫والقانونية بينما ال ت�شمل الثانية �إال الحيازة المادية‪ .2‬فما المق�صود بالحيازة المادية ح�سب‬
‫الف�صل المذكور؟‬
‫المق�صود بالحيازة المادية ح�سب الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج هي الحيازة الفعلية‪ ،3‬بمعنى ما‬
‫ي�سمى بو�ضع اليد على العقار ب�صورة علنية دون منازع لمدة معينة‪ ،‬وحتى تو�صف الحيازة‬
‫ب�أنها مادية يلزم �أن تتج�سد من قبل �صاحبها في حيز الواقع‪ ،‬وذلك بالممار�سة الفعلية عن‬
‫طريق اال�ستعمال والإ�ستغالل على النحو الذي �أعد له العقار‪ ،‬كالحرث والرعي في العقارات‬
‫الفالحية‪ ،‬واالعتمار وال�سكن في المنازل والدور والمحاالت المهنية وغير ذلك‪.4‬‬
‫ومن خالل هذا التف�صيل‪ ،‬ف�إن مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج تقوم على �أ�سا�س الحيازة‬
‫المادية وال تعتد بالملك �سواء اقترنت هذه الحيازة المادية بالملك �أوال‪ ،‬لذلك ف�إن القاعدة‬
‫التي كر�سها القرار عدد ‪� 272‬س ‪ 24‬بتاريخ ‪ 1981/5/5‬ال�صادر عن محكمة النق�ض جاء فيه‬

‫القانون اجلنائي ت�شمل احليازة يف مفهومها الأ�صلي العام‪ ،‬واحلوز �أي و�ضع اليد وال�سيطرة املادية على ال�شيء‪.‬‬
‫ماين حمادي‪�« ،‬رشوط �إعمال احلماية اجلنائية للحيازة العقارية يف الت�رشيع اجلنائي املغربي واملقارن تون�س وم�رص‬
‫منوذجا»‪ ،‬ر�سالة املحاماة‪ ،‬العدد ‪ 26‬ال�سنة ‪� ،2006‬ص‪.79.‬‬
‫‪ 11‬م�أمون الكزبري‪« ،‬التحفيظ العقاري واحلقوق العينية الأ�صلية والتبعية يف �ضوء الت�رشيع املغربي»‪ ،‬اجلزء الثاين‪،‬‬
‫�ص‪.194.‬‬
‫‪ 22‬ح�سن بكري‪« ،‬احلماية القانونية حليازة العقارات يف الت�رشيع اجلنائي املغربي»‪ ،‬مرجع �سابق»‪� ،‬ص‪.4.‬‬
‫ ‬ ‫‪� 33‬أي العالقة الفعلية بني احلائز وال�شيء (‪.)la relation juridique de fait‬‬
‫وكما عرفها الدكتور عبد الرزاق ال�سنهوري على �أنها هي‪(( :‬و�ضع مادي ينجم عن �أي �شخ�ص‪،‬ي�سيطر �سيطرة فعلية‬
‫على حق‪� ،‬سواء كان ال�شخ�ص هو �صاحب احلق �أو مل يكن‪ ،‬وال�سيطرة الفعلية على حق تكون ب�إ�ستعماله عن طريق‬
‫�أعمال مادية يقت�ضيها م�ضمون هذا احلق))‪ ،‬الو�سيط يف �رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬دار النه�ضة العربية القاهرة‪ ،‬للمجلد‬
‫التا�سع‪� ،‬ص‪.784 .‬‬
‫‪ 44‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪ 5.‬وما يليها‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪218‬‬

‫(يكفي لقيام جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير �أن تتوافر للم�شتكي الحيازة التي تفيد و�ضع‬
‫اليد‪ ،‬وال ت�شترط الحيازة بالمفهوم الذي تثبت به الملكية)‪ ،1‬وم�ؤدى هذه القاعدة �أن المالك‬
‫غير الحائز حيازة مادية ال يمكنه التم�سك بمقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج لعلة وحيدة هي‬
‫�أنه غير حائز‪.‬‬
‫وفي جميع الأحوال ف�إن الحائز الفعلي للعقار هو الأجدر بالحماية في �إطار الف�صل ‪570‬‬
‫من ق‪.‬ج‪ ،‬ولو كان غا�صبا‪ .‬وهذا ما �أكده المجل�س الأعلى في العديد من قراراته التي جاء‬
‫في �أحدها (�إن الق�ضاء الزجري يحمي من بيده الحيازة ولو كانت غ�صبا)‪ .2‬وللت�أكيد على‬
‫�أهمية الحيازة المادية في جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير‪ ،‬فلقد �أكد المجل�س الأعلى‬
‫في �أحد قراراته على �أن عدم تنفيذ الم�شتكى لحكم ق�ضى ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‬
‫لفائدته يجعله غير جدير بحماية الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪ ،‬بحيث ورد في حيثيات هذا‬
‫القرار �أنه (لئن كان الق�ضاء الزجري يحمي من بيده الحيازة ولو غ�صبا يجعل الحيازة هي‬
‫العن�صر الأ�سا�سي في الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي منعدمة)‪ ،3‬وجاء في قرار �آخر (لأن‬
‫الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي و�ضع لحماية حائز العقار حيازة مادية فعلية وعدم ثبوت‬
‫الحيازة لدى الطرف الم�شتكي يجعل هذا الأخير غير م�شمول بالحماية التي ي�ضمنها الف�صل‬
‫المذكور)‪ ،4‬وهذا يفيد في �أن المحكمة وهي تناق�ش عنا�صر جريمة انتزاع عقار من حيازة‬
‫الغير لي�س لها �أن تبحث في الحيازة ال�شرعية �أو ما يعرف بالحيازة المك�سبة للملك‪ ،‬ولي�س لها‬
‫�أي�ضا �أن تبحث في اال�ستحقاق وما يت�صل بحق الملكية والم�ستندات الناقلة لهذا الحق‪ ،‬على‬
‫اعتبار �أن ذلك يعود النظر فيه للق�ضاء المدني في �إطار قانون االلتزامات والعقود ومدونة‬
‫الحقوق العينية وقانون الم�سطرة المدنية وقواعد ال�شريعة الإ�سالمية‪ .5‬وان�سجاما مع هذا‬
‫التوجه جاء في قرار لمحكمة الإ�ستئناف بتطوان (�إن الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي يحمي‬
‫الحيازة ولي�س اال�ستحقاق �أو الملكية)‪.6‬‬
‫�إذن ف�إن العن�صر الأ�سا�سي لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير ح�سب الف�صل ‪ 570‬من‬
‫القانون الجنائي هو الحيازة المادية التي ترتبط بو�ضع اليد على العقار بغ�ض النظر عمن‬
‫يملكه‪ ،‬وهذا ما ي�ؤكده قرار محكمة النق�ض حيث جاء فيه‪�(( :‬إن عدم مقارنة الحجج الم�ستدل‬
‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 272‬بتاريخ ‪ ،1981/05/05‬من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد ‪.30‬‬
‫‪ 22‬قرار عدد ‪ 6/766‬بتاريخ ‪ ،2005/06/12‬من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى العدد املزدوج ‪� ،65-64‬ص‪.417.‬‬
‫‪ 33‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 6/766‬بتاريخ ‪ ،2005/06/12‬من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى العدد املزدوج ‪،65-64‬‬
‫�ص‪.417.‬‬
‫‪ 44‬قرار عدد ‪ 3/743‬بتاريخ ‪ 95/4/23‬يف امللف اجلنحي عدد ‪� ،21204/9‬أورده ح�سن بكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.9.‬‬
‫‪ 55‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.5.‬‬
‫‪ 66‬قرار عدد ‪ 4603‬بتاريخ ‪ ،2000/06/26‬من�شور مبجلة الإ�شعاع عدد ‪� ،23‬ص‪.243.‬‬
‫‪219‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫بها لثبوت �أو انتفاء عن�صر الحيازة المادية باعتباره العن�صر الأ�سا�سي ح�سب الف�صل ‪ 570‬من‬
‫ق‪.‬ج يجعل القرار ناق�ص التعليل الموازي))‪.1‬‬
‫ف�إذا كانت هذه القرارات وغيرها وا�ضحة في تحديد نوع الحيازة الم�شمولة بحماية الف�صل‬
‫‪ 570‬من ق‪.‬ج �إال �أنه في كثير من الأحوال ي�صعب �أمر ا�ست�سياغ مجموعة الأحكام وخا�صة في‬
‫حالة ما ا�ستفاد الحائز الغا�صب من مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج‪ ،‬ولم ي�ستفيد مالك العقار‬
‫منها رغم �أنه يتوفر على �سند التملك في بع�ض الأحيان �إن لم نقل �أغلبها وهذا ما ا�ست�شف‬
‫من موقف الق�ضاء المغربي وما ذهب �إليه كذلك ق�ضاء بع�ض الدول مثال م�صر بحيث ق�ضت‬
‫محكمة النق�ض الم�صرية ((ت�سبغ المادة ‪ 369‬من قانون العقوبات في فقرتها الأولى الحماية‬
‫على حائز العقار الفعلي من اعتداء الغير على هذه الحيازة‪ ،‬طالت مدتها �أو ق�صرت‪ ،‬وال‬
‫ي�شترط �أن تكون قد ا�ستعملت بالفعل قوة في منع الحيازة بل يكفي �أن يكون المتهم قد دخل‬
‫العقار الذي في حوزة الغير �أو بقي فيه بق�صد منع حيازة الحائز بالقوة))‪.2‬‬
‫فالمق�صود �إذن بالحيازة في المادة ‪ 3693‬من قانون العقوبات الم�صري هي الحيازة الفعلية‬
‫بغ�ض النظر عن الملكية �أو الحيازة ال�شرعية �أو الأحقية في و�ضع اليد‪ ،‬وهذا ما ذهب �إليه في‬
‫قرار �أخر يق�ضي ب�أنه ((يكفي في جريمة التعر�ض للغير في حيازته لعقار في نطاق المادة ‪369‬‬
‫عقوبات �أن تكون حيازته لهذا العقار حيازة فعلية‪ ،‬فال ي�شترط �أن تكون الحيازة �شرعية م�سندة‬
‫�إلى �سند �صحيح وال يهم �أن يكون الحائز مالك العقار �أو غير مالك))‪.4‬‬
‫وال يقت�صر الأمر على موقف الق�ضاء الم�صري وحده دون غيره من القوانين المقارنة‪ ،‬بل‬
‫يمتد كذلك �إلى الق�ضاء التون�سي الذي اتخذ هو الأخر موقفا ي�صب في نف�س منحى نظيريه‬
‫المغربي والم�صري؛ بحيث ين�ص في المادة ‪ 255‬من المجلة الجنائية التون�سية �أنه ((يعاقب‬
‫بال�سجن مدة ثالثة �أ�شهر وبخطية قدرها مائة وع�شرون دينار كل من ينزع بالقوة من يد غيره‬
‫‪ 11‬قرار حمكمة النق�ض الغرفة اجلنائية‪ ،‬قرار عدد ‪ ،2015-66-1160‬بتاريخ ‪ 2015/06/17‬ملف جنحي عدد‬
‫‪ ،2014/15340‬من�شور باملجلة املغربية للقانون اجلنائي والعلوم اجلنائية العدد ‪ ،3‬ال�سنة ‪� ،2016‬ص‪.276.‬‬
‫‪ 22‬حمكمة النق�ض قرار رقم ‪ 2048‬وتاريخ ‪ ،1960/05/17‬م�شار �إليه عند م�صطفى حمدي هرجة‪« ،‬احليازة داخل‬
‫وخارج دائرة التجرمي»‪ ،‬دار الكتب القانونية‪� ،‬سنة ‪� ،1989‬ص‪� .16.‬أورده ماين حمادي‪�« ،‬رشوط �أعمال احلماية‬
‫اجلنائية للحيازة العقارية يف الت�رشيع اجلنائي املغربي واملقارن‪ ،‬تون�س وم�رص منوذجا»‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.80.‬‬
‫‪ 33‬راجع املادة ‪ 369‬من قانون العقوبات امل�رصي‪ ،‬الباب الرابع ع�رش املنظم النتهاك حرمة ملك الغري بحيث جاء يف‬
‫مقت�ضيات هذه املادة �أن ((كل من دخل عقارا يف حيازة �أخر بق�صد منع حيازته بالقوة �أو بق�صد �إرتكاب جرمية فيه �أو‬
‫كان قد دخله بوجه قانوين وبقي فيه بق�صد �إرتكاب �شيء مما ذكر يعاقب باحلب�س مدة ال جتاوز �سنة �أو بغرامة ال جتاوز‬
‫ثالثمائة جنيه م�رصي‪.‬‬
‫و�إذا وقعت هذه اجلرمية من �شخ�صني �أو �أكرث وكان �أحدهم على الأقل حامال �سالحا �أو من ع�رشة �أ�شخا�ص على الأقل‬
‫ومل يكن معهم �سالح تكون العقوبة احلب�س مدة ال جتاوز �سنتني �أو غرامة ال جتاوز خم�سمائة جنيه م�رصي))‪.‬‬
‫‪ 44‬حمكمة النق�ض قرار رقم ‪ 1788‬وتاريخ ‪ ،1935/10/28‬م�شار �إليه عند م�صطفى حمدي هرجة‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫�ص‪� .17.‬أورده ماين حمادي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.81.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪220‬‬

‫ملكا عقاريا دون �أن يمنع ذلك من العقوبات الأكثر �شدة الم�ستوجبة لأجل التجميع ب�سالح �أو‬
‫حمله �أو التهديد �أو العنف �أو ال�ضرب �أو غير ذلك من الجرائم‪ .1))...‬رغم �أن المادة الم�شار‬
‫�إليها ال تتحدث �صراحة عن انتزاع الحيازة‪ ،‬بخالف الف�صلين ‪ 570‬من القانون الجنائي‬
‫المغربي و‪ 369‬من قانون العقوبات الم�صري‪ ،‬فيالحظ من خالل ما ذهبت �إليه محكمة‬
‫التعقيب �أن الق�ضاء التون�سي �صار على نف�س نهج كل من الق�ضاء المغربي والم�صري بحيث‬
‫اعتبرت في �إحدى قراراتها ((�إن ن�صو�ص الف�صل ‪ 255‬من القانون الجنائي تم�س بالنظام‬
‫العام وهي جعلت لوقاية الحوز المادي والحالي بقطع النظر عن م�س�ألة الملكية وغيرها من‬
‫�شروط الحوز القانوني))‪.2‬‬
‫ومن ثمة‪ ،‬ف�إن المراد بالحيازة المن�صو�ص عليها في القوانين الجنائية الثالث هي الحيازة‬
‫التي تفيد و�ضع اليد فقط‪ ،‬والتي تتلخ�ص �شروطها في و�ضع يد الحائز على العقار ب�صفة‬
‫علنية والت�صرف فيه ب�أعمال مادية‪ ،‬لمدة معينة من الزمن ولو كانت ق�صيرة بحيث انطالقا‬
‫من هاته العنا�صر تتوفر الحماية التي �أرادها الم�شرع للحيازة وهذا ما �سنتطرق �إليه بتف�صيل‬
‫في الفقرة الموالية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪� :‬شروط ومدة الحيازة المحمية في الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج‬
‫ت�أ�سي�سا على ما تقدم بيانه ف�إن الحيازة التي يحميها الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج هي الحيازة‬
‫المادية التي تقوم على تحقق عن�صرين رئي�سيين هما العن�صر المادي بمعنى ال�سيطرة الفعلية‬
‫�أو الواقعية على العقار �أو الحق العيني‪ ،3‬والعن�صر المعنوي المتمثل في نية الحائز وترجمتها‬
‫في تعامل هذا الأخير مع العقار الحائز له بكونه �صاحب حق عيني عليه �أو مالك له‪ ،‬ورغم‬
‫و�ضوح هذا المبد�أ �إال �أنه نجم عليه اختالف كبير بين �أو�ساط كل من الفقه والق�ضاء حول‬
‫تحديد �شروط الحيازة المحمية �أو المقرر حمايتها بالف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪ ،‬بحيث‬
‫يرى الأ�ستاذ ح�سن بكري �أن الحيازة الم�شمولة بحماية الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي ال‬
‫ي�شترط فيها �أن تكون هادئة‪ ،‬وا�ستدل على ذلك بقرار �صادر عن المجل�س الأعلى جاء فيه‬

‫‪ 11‬املجلة اجلنائية التون�سية الباب الثاين (يف الإعتداء على ملك الغري) الق�سم الأول (يف هتك حرمة امللك وامل�سكن‪-‬النهب)‪.‬‬
‫�أنظر الف�صل ‪ 255‬مكرر (�أ�ضيف بالقانون عدد ‪ 49‬ل�سنة ‪ 2001‬امل�ؤرخ يف ‪ 3‬ماي ‪ )2001‬من املجلة اجلنائية التون�سية يف‬
‫الباب الثاين (يف الإعتداء على ملك الغري) الق�سم الأول (يف هتك حرمة امللك وامل�سكن‪-‬النهب)‪ .‬يقول‪(( :‬يعاقب بال�سجن‬
‫من �شهر �إىل �سنة وبخطية من مائة �إىل خم�سمائة دينار كل من تعمد الرجوع �إىل ال�شغب بعد التنفيذ واملحاولة موجبة‬
‫للعقاب))‪.‬‬
‫‪ 22‬حمكمة التعقيب قرار جزائي رقم ‪ 516‬وتاريخ ‪ ،1929/2/7‬تعليق على املجلة اجلنائية ب�إ�رشاف بلقا�سم القروي الثاين‪،‬‬
‫املطبعة الر�سمية للجمهورية التون�سية‪� ،‬سنة ‪� ،1992‬ص‪� ،180.‬أورده ماين حمادي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.81.‬‬
‫‪ 33‬ومثال ذلك زراعة الأر�ض �أو الرعي فيها �أو ال�سكنى يف دار �أو ت�أجريها‪.‬‬
‫‪221‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أن عن�صر الهدوء لي�س �شرطا لحماية الحيازة في ن�ص الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪،1‬‬
‫بحيث علل الأ�ستاذ بكري في معر�ض تعليقه على هذا القرار �أن عدم ا�شتراط �صفة الهدوء‬
‫في الحيازة ين�سجم مع الأ�سباب التي �شرعت من �أجله مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون‬
‫الجنائي على اعتبار �أن هذه الأخيرة و�ضعت لحماية الحيازة بمفهوم و�ضع اليد‪ ،‬ومن ثم‬
‫فلي�س من اخت�صا�ص المحكمة الزجرية وهي تطبق هذه المقت�ضيات مناق�شة ما �إذا كانت‬
‫الحيازة هادئة �أم غير هادئة‪ .‬على اعتبار �أن هذا ال�شرط الزم التوفر في الحيازة المك�سبة‬
‫للملك والذي يعود البحث فيه للمحكمة المدنية وهي تناق�ش الحيازة المرتبطة بالملك‪� ،‬أي في‬
‫�شقيها القانوني والمادي‪ 2‬هذا من جهة‪� ،‬أما من جهة �أخرى؛ فيرى الدكتور �أحمد الخملي�شي‬
‫�أن الحيازة المحمية جنائيا يتعين �أن تكون م�شروعة‪� ،‬أي ي�ستند فيها الحائز على مبرر مقبول‪،‬‬
‫و�إن لم يكن حقيقيا في الواقع‪ ،‬مع العلم �أن الأ�صل هو �أن كل حيازة لها �سند م�شروع حتى يثبت‬
‫العك�س‪ ،‬فنازع الحيازة هو الذي عليه �أن يثبت عدم �شرعية الحيازة ال�سابقة لنفي ال�صفة‬
‫الجرمية عن ت�صرفه‪.3‬‬
‫وبين هذا الت�ضارب الفقهي ن�سطر على توجهين‪ :‬الأول يعتبر �أن الحيازة المقرر حمايتها‬
‫ح�سب مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي غير م�شروطة ب�أي �شرط‪� ،‬إذ يكفي �أن يثبت‬
‫الم�شتكي و�ضع يده على العقار لي�ستفيد من الحماية المقررة في الف�صل ‪ 570‬من القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬وال حاجة لمناق�شة ال مدة الحيازة وال الوقوف على عن�صر الهدوء وال على �أي �شرط‬
‫من ال�شروط الأخرى الواردة في الف�صل ‪ 166‬من قانون الم�سطرة للمدنية وهذا ما اعتمده‬
‫الأ�ستاذ ح�سن بكري في تعليل موقفه‪� ،‬أما التوجه الثاني فهو ما ذهب �إلى القول ب�أن الف�صل ‪570‬‬
‫من القانون الجنائي له ارتباط وثيق بمقت�ضيات الف�صل ‪ 166‬من قانون الم�سطرة المدنية‪ ،‬على‬
‫اعتبار �أن كليهما يحميان الحيازة المادية‪ ،‬وفق نف�س ال�شروط المن�صو�ص عليها في الف�صل‬
‫‪ 166‬من قانون الم�سطرة المدنية والتي تت�صف بالهدوء والعلنية واال�ستمرارية لمدة �سنة على‬
‫الأقل قبل ح�صول الإعتداء عليها‪ ،4‬هذا التوجه يخالف ما جاء به الأ�ستاذ بكري‪� ،‬إال �أنه يجب‬
‫‪ 11‬القاعدة‪�( :‬أن القرار املطعون فيه �أيد احلكم االبتدائي وبذلك يكون قد تبنى علله و�أ�سبابه‪ ،‬و�أن احلكم االبتدائي امل�ؤيد بني‬
‫بو�ضوح �أ�سماء ال�شهود امل�ستمع �إليهم من طرف املحكمة وما �رصحوا به وما اعتمدته املحكمة من ت�رصيحات يف تكوين‬
‫قناعتها فجاء قرارها معلال مبا فيه الكفاية و�أن ف�صل املتابعة ال ي�شرتط �أن تكون احليازة هادئة)‪ ،‬قرار املجل�س الأعلى‬
‫عدد ‪ 3/684‬بتاريخ ‪ 1996/4/16‬يف امللف اجلنحي عدد ‪� ،91/21093‬أورده ح�سن بكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪14.‬‬
‫و‪.15‬‬
‫‪ 22‬ح�سن بكري‪ ،‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.16.‬‬
‫‪� 33‬أحمد اخلملي�شي‪« ،‬القانون اجلنائي اخلا�ص»‪ ،‬اجلزء الثاين‪� ،‬ص‪.467.‬‬
‫‪ 44‬ي�شرتط القانون املدين يف االعتداد باحليازة حماية �رشوط عدة حددها الف�صل ‪ 166‬من قانون امل�سطرة املدنية وهي‪:‬‬
‫‪� -‬أن تكون احليازة هادئة وعلنية‪ ،‬و�أال تكون جمردة من املوجب القانوين‪ ،‬و�أن تكون خالية من االلتبا�س والغمو�ض‪.‬‬
‫‪ -‬وعند حتقق العن�رص املادي (‪ )le corpus‬والعن�رص املعنوي (‪ )l’animus domini‬وتوافر �رشوطها املن�صو�ص عليها‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪222‬‬

‫االعتراف �أن من �ش�أنه �إ�ضفاء ال�شرعية على حيازة الحائز وحماية النظام االجتماعي وزرع‬
‫الطم�أنينة في نف�سية الأفراد‪ ،‬ف�ضال عن �صيانة �أحكام الق�ضاء من المغاالة والتالعب‪ ،‬وبهذا‬
‫ينا�صر ر�أي الدكتور الخملي�شي فيما جاء في معر�ض تعليله‪ ،‬وان�سجاما مع هذا التوجه فقد‬
‫�صدر عن الق�ضاء المغربي مجموعة من القرارات والأحكام �أكدت على �أن الحيازة الم�شمولة‬
‫بحماية الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي ينبغي �أن تكون حيازة هادئة وغير منازع فيها و�أن‬
‫ت�ستمر مدة معينة ال تقل في مجملها عن �سنة‪ ،‬ففي قرار �صادر عن المجل�س الأعلى جاء فيه‬
‫(�أن تعليل المحكمة بكون الحيازة �أ�صبحت للمطلوب في النق�ض ا�ستنادا �إلى عقد الملكية مع‬
‫ما جاء فيه عبارة الحوز غير كاف مادام لم يثبت ب�صفة قطعية انتقال الحيازة �إلى المطلوب‬
‫في النق�ض وت�صرفه فيه ت�صرفا هادئا �إلى �أن يقع الإعتداء عليها)‪ .1‬و�أكد المجل�س الأعلى‬
‫في قرار �آخر مفاده �أن من �شروط انتزاع الحيازة �أن تكون هادئة‪ ،‬و�أن مرور �أربع �سنوات‬
‫على وجود الظنين في الأر�ض مو�ضوع النزاع لم يبقى معه �أي مجال لتطبيق الف�صل ‪ 570‬من‬
‫القانون الجنائي‪.2‬‬
‫�إذن بناءعلى ما �سبق‪ ،‬تعتبر الحيازة و�ضعا ماديا ينجم عن �أن �شخ�صا ي�سيطر �سيطرة‬
‫فعلية على حق‪� ،‬سواء كان هو �صاحب الحق �أو لم يكن‪ ،3‬ف�إذا كان الفقه قد حدد مددا معينة‬
‫ومحددة للحيازة المك�سبة للملك وميزوا بين مدة الحيازة بين الأقارب ومدة الحيازة بين‬
‫الأباعد‪ ،‬ف�إن الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي لم يحدد مدة معينة للحيازة المحمية بالف�صل‬
‫المذكور �آنفا‪� ،‬إال �أن غالبية رجال الفقه والق�ضاء يرون �أن الحيازة المحمية بمقت�ضيات الف�صل‬

‫يف الف�صل ‪ 166‬من قانون امل�سطرة املدنية ت�صبح احليازة �سند للملكية و�سبب ك�سب امللكية بالتقادم املك�سب‪ .‬‬
‫‪ -‬احليازة املق�صودة باحلماية يف الت�رشيع اجلنائــــــــي هي احليازة املادية‪� ،‬أي العالقة الفعلية بني الـحائز وال�شـــــــيء‬
‫(‪ )la relation juridique de fait‬التي ال تخ�ضع ملدة �أو ل�رشوط معينة �سوى تلك ال�سيطرة املادية والفعلية على‬
‫ال�شيء‪.‬‬
‫راجع الف�صل ‪ 166‬يف الباب الأول من الق�سم اخلام�س من قانون امل�سطرة املدنية حتت عنوان ((دعاوى احليازة))‪.‬‬
‫‪ 11‬قرار املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ ،1993/01/28‬من�شور مبجلة الإ�شعاع عدد ‪� ،9‬ص‪.144.‬‬
‫‪ 22‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 681‬بتاريخ ‪ ،1999/4/14‬من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى عدد ‪� ،55‬ص‪ ،389.‬جاء فيه‪:‬‬
‫((�إن مرور �أربع �سنوات على وجود املتهم بالعقار حمل االنتزاع ال يبقى معه حمال لإعمال الف�صل ‪ 570‬من القانون‬
‫اجلنائي))‪.‬‬
‫جاء يف قرار �أخر �صادر عن املجل�س الأعلى �أن احليازة التي يحميها الف�صل ‪ 570‬من القانون اجلنائي ي�شرتط فيها �أن‬
‫تكون هادئة خالية من �أي التزام يجردها من احليازة املادية والقانونية‪ ،‬قرار عدد ‪ 6/978‬بتاريخ ‪،2002/04/10‬‬
‫من�شور مبجلة الق�ضاء والقانون عدد ‪� 146‬ص‪ .141.‬ويف قرار �أخر �أكد املجل�س الأعلى �أن الإدانة من �أجل انتزاع عقار‬
‫من حيازة الغري تقت�ضي من املحكمة �أبراز عن�رص احليازة الهادئة للعقار من طرف امل�شتكي‪ ،‬بحيث ((�أنه ملا كان الطاعن‬
‫قد �أدىل بن�سخ �أحكام لإثبات �أن املطلوب ال يتوفر على احليازة الهادئة املتطلبة قانونا‪ ،‬دون �أن ي�شري القرار املطعون‬
‫فيه من قريب �أو من بعيد �إىل هذه الدفوعات التي �أثارها الطاعن‪ ،‬فبالأحرى الرد عليها‪ ،‬فقد كان القرار ناق�ص التعليل‬
‫يوازي انعدامه))‪ ،‬قرار عدد ‪ 6/372‬بتاريخ ‪ ،2007/02/28‬من�شور مبجلة امللف‪ ،‬عدد ‪� ،13‬ص‪.279.‬‬
‫‪ 33‬عبد الرزاق ال�سنهوي‪« ،‬الو�سيط يف �رشح القانون املدين اجلديد»‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬نف�س املجلد‪� ،‬ص‪.784.‬‬
‫‪223‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫‪ 570‬من القانون الجنائي يجب �أن ت�ستمر على الأقل �سنة كاملة كما �أ�شرنا �إليه �سابقا‪ ،‬لأن من‬
‫�ش�أن تلك المدة كما قلنا �أن ت�ضفي اال�ستقرار والطم�أنينة في نف�سية الأ�شخا�ص‪ ،‬وتعطي �صبغة‬
‫قوية للعلنية �أي�ضا‪� ،‬إذ ال يعقل �أن ي�ضع ال�شخ�ص يده على العقار غا�صبا وي�ستغله بالحرث �أو‬
‫الزرع �شهرين �أو ثالثة ليقال �إنه جدير بالحماية التي يقررها الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫فرغم و�ضوح هذا التوجه �إال �أنه يجب التعاطي معه بحذر كبير‪ ،‬لأن الم�س�ألة في جميع الأحوال‬
‫ن�سبية وغير مطلقة وتبقى خا�ضعة لتقدير المحكمة بح�سب ظروف ووقائع كل نازلة على حدة‪.1‬‬
‫ومن نافلة القول �أن غاية الم�شرع من و�ضع الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج هو تحقيق الأمن واال�ستقرار‬
‫داخل المجتمع في المجال العقاري ولي�ست له عالقة بمو�ضوع الحق‪ ،‬ويتجلى هذا الو�ضع في‬
‫�إبقاء الحائز الفعلي وا�ضعا يده على العقار �إلى حين بت محكمة المو�ضوع في �أ�صل الحق‬
‫وتحديد م�ستحقه قانونيا وماديا‪.2‬‬
‫وبقراءة مت�أنية للف�صل ‪ 570‬نجد �أنه يقوم على مجموعة من الأركان لقيام جنحة انتزاع‬
‫عقار من حيازة الغير وهذا ما �سنتطرق �إليه في المطلب الثاني‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪� :‬أركان جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير‬
‫من المبادئ القارة في الفقه الجنائي �أن لكل جريمة بالإ�ضافة �إلى الركن القانوني ركنين‪،‬‬
‫ركن مادي وركن معنوي‪ ،‬بحيث �إذا تخلف �أحدهما انتفت الجريمة بالمطلق‪ ،‬فكيف يتحقق‬
‫الركنان المادي والمعنوي في جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير وما هي الإ�شكاالت المرتبطة‬
‫بهما؟ وما هي و�سائل انتزاع هذه الحيازة؟ للإجابة عن هذه الت�سا�ؤالت �ستتم مقاربة هذا‬
‫المطلب من خالل فقرتين الأولى �ستتناول �أركان الجريمة والثانية �ستخت�ص بو�سائل االنتزاع‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪� :‬أركان جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير‬
‫�أوال‪ :‬الركن المادي‪.‬‬
‫الركن المادي للجريمة كما يعرفه فقهاء القانون الجنائي هو الفعل المادي المح�سو�س‬
‫الذي ي�أتيه الفاعل �سواء بفعل �أو امتناع‪ ،‬يترجم من خالله نيته الإجرامية‪ ،‬ويقع بالتالي تحت‬

‫‪ 11‬ولال�ستدالل على ن�سبية هذا املبد�أ ن�شري �إىل قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 7911‬بتاريخ ‪ 1984/10/11‬غري من�شور‪� ،‬أورده‬
‫�أبو م�سلم احلطاب يف مقاله املن�شور مبجلة الق�ضاء والقانون عدد ‪� ،149‬ص‪ 79.‬القا�ضي ((حيث يت�ضح من حم�رض الكراء‬
‫امل�ؤرخ يف ‪-1975/10/17‬ملف عدد ‪� -72/55‬أن امل�شتكي اكرتى العقار ملدة �سنة فالحية ابتداء من فاحت �أكتوبر �إىل غاية‬
‫‪ 30‬نونرب ‪ ،1976‬ف�إنه بذلك �أ�صبح حائزا بقوة القانون حيازة يجب حمايتها متى تعر�ضت للغ�صب)) وبناء عليه ميكن‬
‫القول ب�أن عن�رص ال�سنة غري م�رشوط بالن�سبة للمكرتي الذي يكفيه و�ضع يده على العقار يف اليوم الأول لتكون حيازته‬
‫حممية مبقت�ضى الف�صل ‪ 570‬من القانون اجلنائي‪.‬‬
‫‪ 22‬ح�سن بكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.5.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪224‬‬

‫طائلة العقاب‪ ،‬واعتبارا لهذه القاعدة ف�إن جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير تن�ش�أ بفعل‬
‫ي�شكل في �أ�سا�سه ن�شاطا خارجيا ي�ستهدف حيازة عقار ما‪.‬‬
‫وهذا ما ذهب �إليه الم�شرع من خالل الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي في فقرته الأولى‬
‫حيث جاء فيه ((يعاقب بالحب�س من �شهر �إلى �ستة �أ�شهر وغرامة من مائتين �إلى خم�سمائة‬
‫درهم من انتزع عقارا من حيازة غيره خل�سة �أو ب�إ�ستعمال التدلي�س))‪� .‬إذن فمن خالل‬
‫مقت�ضيات هذا الف�صل �صار يت�ضح جليا �أن الركن المادي لهذه الجريمة يتحقق بقيام المتهم‬
‫بو�ضع يده فعليا على العقار مو�ضوع النزاع وو�ضع حد لحيازة الحائز‪� ،‬أي �إخراج العقار من يد‬
‫حائزه وو�ضع حد ل�سلطته عليه‪.‬‬
‫ف�إذا كان هذا المفهوم للركن المادي وا�ضحا وال يثير �أي �إ�شكال �أو غمو�ض فيجب �أن نقف‬
‫عند بع�ض خ�صو�صيات الركن المادي لهذه الجريمة لتحديدها من المنظور الواقعي والعملي‬
‫لمادية فعل انتزاع الحيازة‪� ،‬سيما �أن العمل الق�ضائي ال يتفق في جل الأحيان على توجه موحد‬
‫للعمل عليه‪ .‬ومن �أهم ال�صور التي �أ�صبحت تطرح نف�سها بحدة في العمل الق�ضائي م�ؤخرا هي‪:‬‬
‫�أ ‪� -‬صورة المنع من الحرث والمنع من الإ�ستغالل‬
‫وهذه ال�صورة تدفعنا �إلى الت�سا�ؤل حول العالقة بين فعل االنتزاع بطبيعة العقار المنتزع‬
‫والغر�ض الذي �أعد له؟ بمعنى �آخر هل يجب �أن يتج�سد االنتزاع في الحرث �إذا كان العقار معدا‬
‫بطبيعته للحرث مثال‪� ،‬أو �أن �أي فعل م�س بالحيازة ي�شكل انتزاعا حتى ولو كان منافيا لطبيعة‬
‫العقار والغر�ض الذي �أعد له؟‬
‫لقد ذهب البع�ض �إلى القول �أن المنع من الحرث ال ي�شكل جنحة انتزاع عقار من حيازة‬
‫الغير‪ ،‬لأن هذه الجنحة ي�ستلزم تحققها فعل مادي �إيجابي يمكن المتهم من انتزاع حيازة‬
‫الحائز والحلول محله في حيازته بو�ضع يده على العقار المنتزع‪ ،‬ويجد هذا االتجاه علته في‬
‫كون �أن مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي جاءت وا�ضحة وال تحتاج لت�أويل �أو �أي‬
‫تف�سير‪ ،‬يو�سع من نطاق الف�صل المذكور‪ ،‬لأن ذلك �سي�ؤدي ال محال �إلى تكون جريمة جديدة‬
‫غير تلك المتوخى تجريمها من خالل الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج‪ ،‬مما �سينتج عنه خرق لمبد�أ‬
‫ال�شرعية المن�صو�ص عليه في الف�صل ‪ 10‬من الد�ستور‪ ،‬وكذا الف�صل ‪ 3‬من القانون الجنائي‪،‬‬
‫ف�ضال عن عدم احترام نية الم�شرع الذي لم يتوخى تجريم فعل المنع من الحرث‪ .‬ويجد هذا‬
‫االتجاه �أ�سا�سه في مجموعة من القرارات ال�صادرة عن المجل�س الأعلى في المو�ضوع والتي‬
‫ال تعتبر بدورها �أن فعل المنع من الحرث يعتبر انتزاعا لعقار من حيازة الغير‪ ،‬ففي قرار عن‬
‫‪225‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المجل�س الأعلى جاء فيه ((�إن االكتفاء بالقول �إن المتهم منع الم�شتكية من حرث الأر�ض ال‬
‫يبرز �أي عن�صر من العنا�صر المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج))‪.1‬‬
‫وفي قرار �أخر عن المجل�س الأعلى جاء فيه كذلك ((�إن مجرد منع الطاعنين للم�شتكي من‬
‫الحرث ال يعتبر انتزاعا للحيازة وال تتوفر فيه ال�شروط القانونية المحددة في الف�صل ‪ 570‬من‬
‫القانون الجنائي))‪ ،2‬وفي قرار �أخر ((�إن المنع من الحرث ال ي�شكل في جوهره انتزاعا لعقار‬
‫من حيازة الغير النعدام الركن المادي للجريمة))‪ ،3‬وتجدر الإ�شارة �إلى �أنه الزال بع�ض رجال‬
‫الق�ضاء ي�سيرون على نف�س النهج على اعتبار �أن فعل المنع من الحرث �أو المنع من الإ�ستغالل‬
‫ال ي�شكل ركنا ماديا النتزاع عقار من حيازة الغير‪.4‬‬
‫في حين يرى اتجاه ثاني �أن المنع من الحرث هو �صورة من �صور جريمة انتزاع عقار من‬
‫حيازة الغير‪ ،‬لأن االنتزاع كما يتحقق بفعل �إيجابي فهو يتحقق �أي�ضا بفعل �سلبي‪ ،‬والنتيجة في‬
‫كلتا الحالتين واحدة‪ ،‬وهي حرمان الحائز من االنتفاع بعقاره والت�صرف فيه وقد �ساند هذا‬
‫التوجه مجموعة من الفقهاء ورجال القانون المغاربة‪ ،‬ومنهم الدكتور �أبو م�سلم الحطاب الذي‬
‫اعتبر �أن فعل االنتزاع يتحقق بالحيلولة دون حيازة الغير للعقار‪� ،‬سواء بالدخول الفعلي �أو‬
‫بالدخول الحكمي الذي يتحقق بالتعر�ض للحائز لمنع حيازته‪ ،5‬وهو نف�س الموقف الذي تبناه‬
‫الأ�ستاذ ح�سن بكري حيث اعتبر �أن مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج �شرعت لحماية الحائز‬
‫للعقار ووا�ضع اليد عليه‪ ،‬وهذه الحماية ترمي بالدرجة الأولى �إلى الحيلولة دون الت�شوي�ش على‬
‫الحائز و�ضمان انتفاعه بالعقار وا�ستغالله على النحو الذي �أعد له‪ ،‬وبالتالي ف�إن عدم تجريم‬
‫المنع من الحرث �سي�ؤدي ال محالة �إلى تعليل �أثار الحيازة والحقوق المترتبة عليها‪ ،6‬كما ذهب‬
‫كذلك الأ�ستاذ عبد الإله الع�سري �إلى تبني نف�س النهج الذي �صار عليه كل من الأ�ستاذ بكري‬
‫والدكتور الحطاب حيث اعتبر �أن تجريم فعل المنع من الحرث ال يمكن اعتباره تو�سعا في‬

‫‪ 11‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 8/2327‬بتاريخ ‪� 98/7/23‬أورده ح�سن بكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.21.‬‬
‫‪ 22‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 3/136‬بتاريخ ‪� ،1997/1/21‬أورده ح�سن بكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.22.‬‬
‫‪ 33‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 3/506‬بتاريخ ‪� ،97/4/8‬أورده نف�س املرجع‪� ،‬ص‪.23.‬‬
‫‪� 44‬أنظر على �سبيل املثال قرار حمكمة الإ�ستئناف بالقنيطرة ال�صادر بتاريخ ‪ 2009/04/15‬يف امللف اجلنحي عادي رقم‬
‫‪ 8/08/1037‬والذي جاء فيه ((حيث �إن املنع من الإ�ستغالل ال ي�شكل انتزاعا للعقار مبفهومه الوارد يف الف�صل ‪ 570‬من‬
‫القانون اجلنائي ح�سب ما ا�ستقر عليه اجتهاد هذه املحكمة املواكب لعدة قرارات �صادرة عن املجل�س الأعلى يف املو�ضوع‬
‫وال ت�ست�شف منه العنا�رص التكوينية للجنحة املذكورة واملتمثلة يف الإعتداء على وا�ضع اليد وذلك ب�إحدى العنا�رص الواردة‬
‫على �سبيل احل�رص يف الف�صل امل�شار �إليه مما يتعني معه �إلغاء احلكم امل�ست�أنف))‪.‬‬
‫‪� 55‬أبو م�سلم احلطاب‪« ،‬العقار بالطبيعة وقواعد حمايته يف الت�رشيع اجلنائي»‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة الدار البي�ضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل‪� ،‬سنة ‪� ،1995‬ص‪.108.‬‬
‫‪ 66‬للمزيد من التفا�صيل الرجوع �إىل ح�سن بكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ 25.‬وما يليها‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪226‬‬

‫تف�سير الن�ص الجنائي‪ ،‬بل هو تفكيك �سليم لم�ضامين الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪،1‬‬
‫وهو الأمر الذي �أكدته محكمة النق�ض في قرار حديث جاء فيه» �إن المحكمة م�صدرة القرار‬
‫المطعون فيه لما �أيدت الحكم الم�ستانف وق�ضت ب�إدانة الطاعن من �أجل جنحة انتزاع عقار‬
‫من حيازة الغير وا�ستندت في ذلك على اعتراف الطاعن بمنع الم�شتكية من الإ�ستغالل في‬
‫جميع المراحل‪ ،‬تكون قد ا�ستعملت �سلطتها في تقييم وتقدير الحجج والأدلة المعرو�ضة عليها‬
‫وتكوين قناعتها منها»‪ ،2‬وهكذا يت�ضح �أن المنع من ا�ستغالل العقار �أ�صبح ي�شكل في �ضوء‬
‫االجتهاد الق�ضائي الحديث‪ ،‬ركنا ماديا في جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير‪ ،‬وهو التوجه‬
‫الذي �ساهم في تحقيق حماية فعالة لحائز العقار الذي منع ا�ستغالل عقاره ب�أي �شكل من‬
‫�أ�شكال المنع‪.‬‬
‫لذلك يجب على الم�شرع �أن يتدخل لح�سم الجدال القائم بين رجال الفقه والق�ضاء‪ ،‬وعلى‬
‫الأقل �أن ي�صدر المجل�س الأعلى قرارا بغرفتين ك�أقرب تقدير على الأقل لكي يو�ضع حدا لهذا‬
‫الت�ضارب بين مختلف المحاكم وذلك بهدف توحيد العمل الق�ضائي في المملكة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الت�شوي�ش على الحيازة‬
‫لقد �أ�صبح انتزاع عقار من حيازة الغير بموجب االجتهاد الق�ضائي الحديث ال يقت�صر على‬
‫الدخول �إلى العقار وال�سيطرة الفعلية عليه‪ ،‬بل يتحقق �أي�ضا بمجرد القيام ب�أعمال من �ش�أنها‬
‫الت�شوي�ش على الحيازة وحرمان �صاحبها من االنتفاع الكامل بها‪ ،‬من خالل بع�ض الأعمال التي‬
‫يمكن �أن نذكر منها‪:‬‬
‫المرور والرعي في العقار‬
‫كثيرة هي الق�ضايا التي تطرح على المحاكم والمتعلقة بالرعي في عقار تحث حيازة الغير‬
‫�أو ا�ستعمال هذا العقار للمرور‪ ،‬ويتم تكييف المتابعة من طرف النيابة العامة في �ش�أنها ب�أنها‬
‫انتزاعا لحيازة العقار من حيازة الغير‪ ،‬وهو الأمر الذي محل ت�ضارب في االحكام بخ�صو�صها‪،‬‬
‫حيث هناك من يعتبرها انتزاعا لحيازة العقار وهناك من ينفي عنها هذا الو�صف‪.‬‬
‫ف�إذا كان هذا التوجه ي�صح �إذا تعلق الأمر بعقار �صالح للزراعة‪ ،‬ف�إن الأمر يثير عدة‬
‫ت�سا�ؤالت �إذا تعلق بالأرا�ضي ال�ساللية المخ�ص�صة للرعي فقط‪ ،‬ف�إذا اعتاد الغير الذي الحق‬
‫له فيها على رعي ما�شيته فوقها ف�إن فعله هذا ي�شكل انتزاعا للحيازة‪.‬‬

‫‪ 11‬عبد الإله الع�رسي‪.‬‬


‫‪ 22‬قرار حمكمة النق�ض عدد ‪� 6/ 1149‬صادر بتاريخ ‪ 2016- 06- 01‬يف امللف اجلنحي عدد ‪15/ 15833‬‬
‫‪227‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أما بالن�سبة للمرور بالما�شية في العقار‪ ،‬ف�إن كان يكت�سي ح�سب بع�ض الفقه‪� 1‬صفة االعتياد‬
‫ب�صورة يمكن �أن ي�ؤدي معها ذلك �إلى �إن�شاء طريق و�سط العقار‪ ،‬ف�إنه ي�شكل انتزاعا للعقار‬
‫بقوة القانون‪ ،‬لأن �إحداث الطريق به يترتب عنه بال�ضرورة حرمان الحائز من ا�ستغالل الجزء‬
‫الذي خ�ص�ص من عقاره للطريق‪� ،‬أما �إذا كان هذا المرور مو�سميا‪ ،‬ف�إنه ال ي�شكل بال�ضرورة‬
‫�أي انتزاع‪ ،‬ال�سيما �إذا كان العقار فارغا‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التعر�ض للحائز في حالة الملكية ال�شائعة �أو المتنازع عليها‬
‫هناك العديد من الملفات الرائجة امام المحاكم تتعلق بنزاعات مرتبطة بعقارات يحكمها‬
‫نظام الملكية الم�شاعة‪ ،‬ذلك �أن العديد من العقارات تكون غير مق�سمة‪ ،‬وتكون حيازتها في‬
‫الغالب لأحد الورثة دون الآخرين‪ ،‬مما يدفع غير الحائز �إلى الدخول �إلى العقار معتبرا ذلك‬
‫من حقه مادام وارثا في العقار مو�ضوع النزاع‪ ،‬وهو الأمر الذي يعده الحائز تعديا على حيازته‬
‫مما يدفعه �إلى اللجوء �إلى الق�ضاء الجنحي للمطالبة بحماية هذه الحيازة‪.‬‬
‫والق�ضاء المغربي كانت له عدة توجهات بخ�صو�ص هذه النوازل المتعلقة بانتزاع عقار من‬
‫طرف �أحد المالكين على ال�شياع‪ ،‬فتارة يعتبر ذلك انتزاعا وتعديا على حيازة الحائز‪ ،‬وتارة‬
‫�أخرى يعتبرها غير ذلك متى ثبت �أن العقار لم يخ�ضع للق�سمة‪.‬‬
‫ففي قرار حديث لمحكمة النق�ض اعتبرت ان الحائز يعتبرا غيرا ولو كان الجاني مالكا على‬
‫ال�شياع‪ ،‬على �أ�سا�س �أن الحماية الجنائية ت�شمل الحيازة المادية فقط وال تمتد �إلى الملكية‪ ،‬قرار‬
‫�صادرعن محكمة النق�ض بتاريخ ‪ 2013- 06-21‬تحث عدد ‪ ،2 3/2049‬وهو الأمر الذي �أكدته‬
‫من خالل قرار �آخر مرجحة قاعدة الحيازة الهادئة عن ادعاء الملك بالإرث غير المقرون‬
‫بالحيازة‪ ،‬معتبرة �أن مغادرة الإبن لمحل �سكن والده المتوفي وا�ستقراره ب�سكن منفرد مع‬
‫زوجته‪ ،‬وا�ستمرار والدته في حيازة �سكن الهالك‪ ،‬يجعل عودة الإبن �إلى هذا المنزل ومحاولة‬
‫�أخذ ن�صيبه بالقوة وحرمان والدته من ا�ستغالل كامل لمرافق البيت ي�شكل انتزاعا من حيازة‬
‫الغير ويوجب الإدانة‪ 3.‬غير �أن تجريم التعر�ض للحائز في هذه الحالة ينح�صر فقط فيما له‬
‫عالقة بالتمتع بالحيازة واالنتفاع بها‪ ،‬وال يمتد �إلى غيرها من الأفعال والت�صرفات القانونية‬
‫‪4‬‬
‫التي قد ت�ضر بالمركز القانوني للمالكين على ال�شياع‬
‫‪� 11‬سعيد الوردي يف م�ؤلفه جنحة انتزاع عقار من حيازة الغري‪ ،‬الطبعة الأوىل �سنة ‪ 2018‬ال�صفحة ‪. 18‬‬
‫‪ 22‬نف�س املرجع �ص‪23.‬‬
‫‪ 33‬قرار عدد ‪ -/ 1149‬ال�صادر بتاريخ ‪ 2016- 06- 01‬يف امللف اجلنحي عدد ‪ 2015/ 15833‬م�شار اليه يف املرجع �أعاله‪.‬‬
‫‪ 44‬حكم �صادر عن املحكمة االبتدائية ب�صفرو عدد ‪ 5‬بتاريخ ‪ 2017- 05- 17‬يف امللف اجلنحي بعد النق�ض عدد ‪2801- 601‬‬
‫‪ 2016-‬والذي ق�ضت من خالله برباءة املتهم من جنحة انتزاع عقار من حيازة الغري ب�سبب تعر�ضه على �إجراءات‬
‫التحفيظ‪ ،‬معتربة �أن ذلك اليعترب ت�شوي�شا على احليازة و�إمنا يتعلق بامللكية‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪228‬‬

‫د ‪ -‬ت�ضييق طريق عمومية‬


‫من �صور الركن المادي لهذه الجنحة‪ ،‬نجد ما يرتبط منها بالطرق والم�سالك العمومية‪،‬‬
‫حيث كثيرا ما تثار النزاعات حول ت�ضييق طريق عمومية �أو �إحداث طرق لم تكن موجودة من‬
‫قبل‪ ،‬وذلك في حالة قام المتهم باقتطاع جزء من �أر�ض المت�ضرر ال�ستعماله كطريق‪� ،‬أو في‬
‫حالة قيامه باقتطاع جزء من الطريق و�إلحاقه بعقاره م�سببا بذلك �ضررا للم�ستفيدين من‬
‫ارتفاق هذه الطريق‪.‬‬
‫وهذا يختلف تمام الإختالف عن الحالة العادية التي يتم فيها ت�ضييق طريق عمومية دون‬
‫الحاق �ضرر بعقار الغير‪.‬‬
‫ذ ‪ -‬الرجوع �إلى العقار بعد �إفراغه تنفيذا لحكم ق�ضائي �أو لقرار �إداري‬
‫يالحظ �أن بع�ض المحكوم عليهم ال ي�ست�سيغون االحكام والأوامر التي تق�ضي بطردهم من‬
‫العقارات التي �سبق �أن انتزعوها من حيازة الغير‪،‬‬
‫حيث �إن الق�ضاء قد لم�س خطورة هذه الأفعال من خالل اعتباره �أن محا�ضر تنفيذ الأحكام‬
‫الق�ضائية وقرارات مجل�س الو�صاية �سندا ر�سميا لإثبات الحيازة‪ ،‬و�أن كل اعتداء عليها بعد‬
‫التنفيذ يكون م�شموال بمقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي‬
‫يعرف فقهاء القانون الجنائي الركن المعنوي للجريمة بكونه النية الإجرامية‪� ،‬أي �إرادة‬
‫�إرتكاب الفعل الجرمي وتحقق هذه النية على �أ�سا�س افترا�ض معرفة ال�شخ�ص للمقت�ضيات‬
‫القانونية التي يقوم بمخالفتها‪ .‬بناء عليه‪ ،‬يعتبر هذا العن�صر الأ�سا�س في قيام جريمة انتزاع‬
‫عقار من حيازة الغير‪ ،‬فهو الذي يجعل �سلوك الحيازة مجرما‪.1‬‬
‫فلقد �أبرز الم�شرع الركن المعنوي في جريمة انتزاع الحيازة في �صور منها التدلي�س‬
‫والخل�سة والعنف والتهديد وغير ذلك مما هو معدد �ضمن مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون‬
‫الجنائي كترجمة واقعية لنية الفاعل في الإعتداء على الحيازة‪ ،‬وهذا ما ذهب �إليه مجموعة‬
‫من رجال القانون المغاربة من �أن الركن المعنوي لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير يتحقق‬
‫من خالل ما تمت الإ�شارة �إليه �آنفا ومن بينهم الأ�ستاذ ح�سن بكري‪� ،2‬إال �أن ر�أي �آخر من الفقه‬
‫يرى �أن الركن المعنوي في جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير يتمثل في �سوء النية عند الفاعل‬

‫‪ 11‬مبعنى يخرج بالفعل من دائرة الأفعال املدنية �إىل دائرة الأفعال اجلنائية‪.‬‬
‫‪ 22‬وهذا ما عرب عنه الأ�ستاذ ح�سن بكري يف م�ؤلفه امل�شار �إليه �سابقا ال�صفحة ‪ 36‬وما بعدها‪� ،‬أما بخ�صو�ص تلك الو�سائل‬
‫ف�سنتعر�ض لها فيما يلي بالتف�صيل‪.‬‬
‫‪229‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الذي يهدف من وراء فعل انتزاع حيازة الغير حرمان الحائز من االنتفاع والإ�ستفادة من عقاره‬
‫والحلول محله في االنتفاع والإ�ستفادة من ذلك العقار وهو ما عبر عنه المجل�س الأعلى في‬
‫قرار جاء فيه‪(( :‬اقت�صار المحكمة على القول ب�أن الظنين قام بمنع الم�شتكية دون بيان الفعل‬
‫المادي الذي قام به على الأر�ض‪ ،‬والذي �أراد الظهور به مظهر الحائز‪ ،‬يجعل الحكم غير‬
‫معلل تعليال كافيا و�سليما‪ ،‬ويكون بذلك القرار المطعون فيه الذي يبني تعليل الحكم االبتدائي‬
‫م�شوبا بنق�صان التعليل الموازي النعدامه‪ ،‬الأمر الذي يعر�ضه للنق�ض))‪.1‬‬
‫وعلى هذا الأ�سا�س ف�إن المحكمة وهي تنظر في الفعل المقترف من قبل الظنين يتوجب‬
‫عليها �أن تقوم �أوال بالتحقق من توفر الق�صد الجنائي لديه من عدمه‪ ،‬و�أن ت�ستخل�ص نيته في‬
‫الحلول محل الحائز الفعلي للعقار �أثناء عملية االنتزاع‪.‬‬
‫فمن خالل ما تم بيانه وجاء في التوجهين معا نخل�ص في نهاية المطاف �إلى �ضرورة‬
‫الت�أكيد على �أهمية الركن المعنوي في قيام جريمة انتزاع حيازة عقار من الغير‪ ،‬بحيث تبرز‬
‫�أهميته في تحديد ما �إذا كان الفعل يقع تحت طائلة الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي �أم ال‪،‬‬
‫فبغ�ض النظر عن �أي ر�أي يعمل به �أو المرجح للأخذ به �إال �أنه في كثير من الأحيان ن�صادف‬
‫�أفعاال يمكن اعتبارها من الناحية المدنية جنحة انتزاع حيازة لكن ال يمكن اعتبارها كذلك‬
‫من الناحية الجنائية ل�سبب �أنها �أفعال ال تقع تحت طائلة الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج لماذا؟ النعدام‬
‫الركن المعنوي فيه‪ ،‬ومن بين هذه الحاالت هناك حالة رمي الأزبال في �أر�ض الم�شتكي‪ ،‬فمن‬
‫الناحية المدنية يمكن اعتبار هذا الفعل اعتداء �أو تراميا على ملك الغير‪ ،‬وقد يقترن بالخل�سة‬
‫والتدلي�س كذلك‪ ،‬لكنه من الناحية الزجرية ال يمكن تكييفه جنحة انتزاع عقار من حيازة‬
‫الغير‪ ،‬لأن هذا الفعل ال يهدف من خالله فاعله �إلى الظهور بمظهر الحائز الفعلي للعقار‪،‬‬
‫وبانتفاء هذا المبد�أ تنتفي معه بالتالي الجريمة‪ ،‬حيث جاء في قرار �صادر عن المجل�س‬
‫الأعلى‪�(( :‬أن رمي الأزبال في �أر�ض الم�شتكية ال ينطبق عليه فعل انتزاع الحيازة المن�صو�ص‬
‫عليه في الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي))‪.2‬‬

‫‪ 11‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 909‬بتاريخ ‪ 2001/06/13‬من�شور بالتقرير ال�سنوي للمجل�س الأعلى ل�سنة ‪� 2001‬صفحة ‪177‬‬
‫�أورده الفتوح �شكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪ ،22.‬ويف قرار �أخر �صادر عن نف�س اجلهة عدد ‪ 512‬بتاريخ ‪2001/04/11‬‬
‫من�شور بالتقرير ال�سنوي للمجل�س الأعلى ل�سنة ‪� 2001‬صفحة ‪.177‬‬
‫جاء فيه‪�(( :‬إن قيام الظنني باملرور يف �أر�ض امل�شتكي وعدم ثبوت قيامه بذلك ليظهر مظهر احلائز للطريق املذكورة �أو‬
‫قيامه ب�أي عمل يرمي �إىل نف�س الهدف يجعل للمحكمة م�صدرة القرار املذكور‪ ،‬عندما �أدانته واحلالة هذه من �أجل جنحة‬
‫انتزاع عقار من حيازة الغري‪ ،‬قد خرقت القانون ومل تطبق مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون اجلنائي تطبيقا �سليما‪،‬‬
‫الأمر الذي يعر�ضه للنق�ض)) �أورده نف�س املرجع‪ ،‬نف�س ال�صفحة‪.‬‬
‫‪ 22‬قرار املجل�س الأعلى حتت عدد ‪ 1400‬بتاريخ ‪ 2000/06/07‬من�شور بالتقرير ال�سنوي للمجل�س الأعلى ل�سنة ‪،2000‬‬
‫�صفحة ‪� ،163‬أورده الفتوح �شكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.221.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪230‬‬

‫كما هو الحال بالن�سبة لمرور الإن�سان على �أر�ض الغير دون �إذن �صاحبها‪ ،‬دون �أن يحمل‬
‫�صفة مالك �أو م�ست�أجر �أو منتفع �أو مزارع‪ ،‬بمعنى دخل وهو ال يملك الحق في ذلك‪� ،‬إن فعل‬
‫المرور هذا ال ي�ؤدي �إلى �سلب الملكية �أو الحيازة من �صاحبها‪ ،‬لأن مجرد اال�ستعمال المتمثل‬
‫في المرور دون موافقة �صاحب الملك �أو حائزه ي�شكل فعال مجرما‪ ،1‬ولو لم يلحق هذا الفعل‬
‫�ضررا ماديا للعقار‪ ،‬لكن و�صفه الجرمي يبقى مقت�صرا على درجة مخالفة من الدرجة الثانية‬
‫نظرا لما ال يت�سم به من خطورة ترقى �إلى درجة الجنح‪ ،‬فال يعتبر هذا الفعل بذلك جريمة‬
‫تعدي على الملكية العقارية الخا�صة طبقا لمقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬و�سائل انتزاع الحيازة‬
‫يرتبط الركن المادي لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير بعنا�صر �أ�سا�سية حددها‬
‫الم�شرع في الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪ .‬وتتمثل هذه العنا�صر في الخل�سة والتدلي�س ليال‬
‫�أو ب�إ�ستعمال العنف �أو التهديد �أو ب�إ�ستعمال الت�سلق �أو الك�سر �أو ب�أ�شخا�ص متعددين �أو كان‬
‫الجاني �أو �أحد الجناة يحمل �سالحا ظاهرا �أو مخب�أ‪ ،‬وت�أ�سي�سا عليه ف�إن هاته العنا�صر تمثل‬
‫�أهمية بالغة لإ�ضفاء الجانب الزجري على فعل انتزاع حيازة عقار من ملك الغير‪� ،‬إذ �إن لم‬
‫تتحقق تنتفي الجريمة بكاملها وبالتالي يتعين الت�صريح ببراءة المتهم منها‪ ،‬وهذا ما ذهبت‬
‫�إليه �أغلبية القرارات التي ت�صدر عن المجل�س الأعلى بخ�صو�ص جنحة انتزاع عقار من حيازة‬
‫الغير التي تنتهي غالبا في نق�ض قرارات محاكم المو�ضوع ب�ش�أن تكييف هذه الجنحة ب�سبب‬
‫عدم تبيانها للو�سائل التي يتم بها هذا االنتزاع‪.‬‬
‫وهذا ما جاء في �إحدى هذه القرارات ال�صادرة عن المجل�س الأعلى حيث جاء فيه‪(( :‬ال‬
‫يكفي لقيام جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير �إثبات واقعة االنتزاع و�إنما يجب �أي�ضا �إبراز‬
‫الو�سيلة التي تم بها االنتزاع‪ ،‬الحكم الذي لم يبرز في حيثياته كون الفعل �إرتكب في ظرف‬
‫اقترن ب�أحد العنا�صر المذكورة ح�صرا في الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي ((الخل�سة‪،‬‬
‫ا�ستعمال التدلي�س‪� ،‬أو وقوع الفعل ليال �أو العنف �أو بالتهديد �أو بالت�سلق �أو بالك�سر �أو تعدد‬
‫الأ�شخا�ص �أو كان الفاعل يحمل �سالحا ظاهرا �أو مخب�أ يكون ناق�ص التعليل))‪ .2‬وفي هذا‬
‫‪ 11‬ف�إذا دخل ال�شخ�ص عنوة دون ر�ضا املالك تتوافر �أركان اجلرمية ويعاقب اجلاين بالغرامة من ع�رشة �إىل مائة وع�رشين‬
‫درهما وذلك ح�سب مقت�ضيات الف�صل ‪ 609‬من القانون اجلنائي يف فقرتها الرابعة‪(( :‬يعاقب بغرامة من ع�رشة �إىل مائة‬
‫ع�رشة درهما من �إرتكب �إحدى املخالفات الآتية‪ 42 :‬من دخل ومر يف �أر�ض �أو جزء من �أر�ض �إما مهي�أة للبذر �أو‬
‫مبذور فعال و�إما بها حبوب �أو ثمار نا�ضجة �أو قريبة الن�ضج‪ ،‬دون �أن يكون مالكا لهذه الأر�ض وال منتفعا بها وال‬
‫م�ست�أجرا وال مزارعا لها‪ ،‬ولي�س له عليها حق ارتفاق �أو مرور ولي�س تابعا وال موكال لأحد ه�ؤالء الأ�شخا�ص))‪.‬‬
‫للإ�شارة فقط �ست�ستبدل املادة املار �إليها �أعاله باملادة ‪ 591‬من م�رشوع القانون اجلنائي‪(( :‬يعاقب بالغرامة من ‪� 500‬إىل‬
‫‪ 1800‬درهم‪ 10(( :‬من قاد دواب موجودة حتت مالحظته‪.))...‬‬
‫‪ 22‬قرار عدد ‪ 4266‬بتاريخ ‪ ،1988/06/14‬من�شور مبجلة املحاكم املغربية‪ ،‬عدد ‪� ،60‬ص‪.94.‬‬
‫‪231‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ال�صدد الزال المجل�س الأعلى ي�ؤكد اجتهاده �أعاله ففي �أحدث قرار له ر�سخ من جديد هذا‬
‫االجتهاد فق�ضى ب‪�(( :‬إدانة المحكمة للمتهم من �أجل جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير‬
‫بعد �أن ثبتت لها حيازة الم�شتكي لأر�ض النزاع والفعل الجرمي الذي �أتاه المتهم في اعتدائه‬
‫على الحيازة بقيامه بحرث جزء من �أر�ض النزاع ا�ستنادا لإفادة ال�شاهد‪� ،‬إال �أنها لم تبرز‬
‫في تعليلها الو�سيلة التي تم بها انتزاع الحيازة من خل�سة �أو تدلي�س �أو غيرها من الو�سائل‬
‫المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي))‪ .1‬كما في قرار �آخر �صادر عن نف�س‬
‫الجهة جاء فيه‪(( :‬لئن �أبرزت المحكمة عن�صر الحيازة من خالل مح�ضر التنفيذ في مواجهة‬
‫الغير والفعل المادي بمقت�ضى الخبرة التي �أفادت ب�أن المتهم تجاوز الم�ساحة الم�شمول بها‬
‫ر�سم �شرائه‪ ،‬ف�إنها لم تبرز الو�سيلة التي تم بها الإعتداء على الحيازة))‪� ،2‬إذن فبناءعلى هاته‬
‫القرارات ف�إن عدم الإ�شارة �إلى الو�سيلة التي تم بها االنتزاع‪ ،‬وهو ما يعتبره المجل�س الأعلى‬
‫نق�صانا في التعليل يوازي انعدامه‪ ،‬وعليه فما المق�صود بكل عن�صر من تلك العنا�صر؟‬
‫�أ‪ -‬اقتران االنتزاع بالخل�سة والتدلي�س‬
‫الخل�سة والتدلي�س هما الركن المعنوي لجريمة انتزاع عقار من حيازة الغير‪ ،‬فالإختال�س‬
‫هو عبارة عن الإ�ستيالء على ال�شيء بطريقة ال يقرها ال�ضمير الإن�ساني وال �أحكام الدين وال‬
‫المجتمع‪ .‬فهو كل �صورة تتم عن خفية بدون �إذن �أو مباركة من حائز العقار‪� .‬أما التدلي�س فهو‬
‫الت�ضليل بطرق احتيالية‪ ،‬وهو الفعل الذي يقوم به المعتدي ت�ضليال للتو�صل �إال انتزاع الحيازة‬
‫من يد الحائز الفعلي‪ ،3‬وهو ما عرفه االجتهاد الق�ضائي ب�أنه‪(( :‬قيام الجاني بما من �ش�أنه �أن‬
‫يوهم الغير ب�أن ما يقوم به من فعل االنتزاع هو في محله‪ ،‬مما يدعو الغير �إلى عدم �إبداء �أية‬
‫مقاومة))‪.4‬‬
‫يعد هذين العن�صرين هما الأ�سا�س في قيام جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير بمعنى‬
‫�آخر هو الذي يخرج بالفعل من دائرة الأفعال المدنية �إلى دائرة الأفعال الجنائية‪ ،‬لذلك ف�إن‬
‫له ارتباطا وثيقا بنية الفاعل وت�صميمه في الإعتداء على حيازة الغير‪.5‬‬

‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 98‬بتاريخ ‪ ،2013/06/19‬من�شور مبجلة ن�رشة قرارات حمكمة النق�ض‪ ،‬عن الغرفة اجلنائية‪ ،‬عدد ‪،14‬‬
‫�ص‪.59.‬‬
‫‪ 22‬قرار عدد ‪ 1053‬بتاريخ ‪ ،2013/06/26‬نف�س املرجع‪� ،‬ص‪.63.‬‬
‫‪ 33‬عبد الواحد �شعري‪« ،‬قراءة يف الف�صل ‪ 570‬من القانون اجلنائي»‪ ،‬عدد ‪ 181‬اجلزء الأول‪ ،‬املوقع االلكتـــــروين‪:‬‬
‫‪ ،www.alkanounia.com‬اطلع عليه بتاريخ ‪.2018/02/28‬‬
‫‪ 44‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 1552‬بتاريخ ‪ 1981/11/26‬من�شور مبجلة الق�ضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪� ،131‬ص‪.142.‬‬
‫‪ 55‬ح�سن بكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.36.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪232‬‬

‫وعلى هذا الأ�سا�س ف�إن تعامل المحاكم مع هذه الجريمة مقيد بالبحث في هذه ال�صور‬
‫(الخل�سة والتدلي�س والإحتيال والت�ضليل‪ )...‬ولذلك من �أجل خ�ضوع الجريمة بال�شكل ال�صحيح‬
‫لمقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج‪ ،1‬وهو ما ذهبت �إليه �إحدى قرارات محكمة النق�ض جاء فيه‪:‬‬
‫((وبما �أن الحكم المطعون فيه ق�ضى ب�إدانة العار�ض طبقا للف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‬
‫دون �أن يبرر ب�أن نزع الحيازة كان خل�سة �أو بالتدلي�س ف�إنه يكون منعدم التعليل‪.‬‬
‫وحيث �أن الحكم االبتدائي الم�ؤيد ورد فيه التن�صي�ص �صراحة على �أن نزع الحيازة �سواء‬
‫خل�سة حيث جاء فيه‪(( :‬وحيث ا�ستمعت المحكمة �إلى �شهود الإثبات فتبين من �شهادتهم �أن‬
‫المتهم �إرتكب جريمة الترامي �ضد �أمالك المت�ضرر خل�سة حيث انتهز غيبته فكانت هذه‬
‫الو�سيلة مرتكزة على غير �أ�سا�س))‪.2‬‬
‫ب ‪ -‬ظروف الت�شديد‬
‫ن�ص الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي في فقرته الثانية على الحاالت التي ت�شدد فيها‬
‫العقوبة‪( :‬ف�إذا وقع انتزاع الحيازة ليال �أو ب�إ�ستعمال العنف �أو التهديد �أو الت�سلق �أو الك�سر �أو‬
‫بوا�سطة �أ�شخا�ص متعددين �أو كان الجاني �أو �أحد الجناة يحمل �سالحا ظاهرا �أو مخب�أ ف�إن‬
‫الحب�س يكون من ثالثة �أ�شهر �إلى �سنتين والغرامة من مائتين �إلى �سبعمائة وخم�سين درهما)‪.‬‬
‫فهذه الظروف المذكورة في الفقرة منف�صلة عن �أركان الجريمة‪ ،‬لكن متى توافرت �أدت‬
‫�إلى ت�شديد العقوبة دون تغيير الو�صف الجنائي للجريمة‪ ،‬لأن الركن يبقى قائما متى اكتمل‬
‫قيام الجريمة لكن الظرف الم�شدد يبقى معلقا ح�سب ظروف ومالب�سات كل جريمة على حدا‪:‬‬
‫‪ - 1‬الليل‪� :‬إن مجموعة القانون الجنائي لم تعرف الليل‪ ،‬بخالف ما ذهب �إليه الم�شرع في‬
‫قانون الم�سطرة الجنائية في المادة ‪ ،62‬وقانون الم�سطرة المدنية في المادة ‪.451‬‬
‫�إال �أن الفقه واالجتهاد الفقهي عمل على �إعطاء مفهوم لليل في القانون الجنائي‪ ،‬ومن‬
‫الفقه ما عرفه اعتمادا على المعيار الفلكي‪ :‬فالنهار‪ ،‬ح�سب هذا المعيار هو الق�سم من اليوم‪،‬‬
‫الذي يكون فيه موقعك مواجها لل�شم�س‪ ،‬والليل‪ :‬هو الق�سم من اليوم الذي ينتقل فيه موقعك‬
‫متوازيا من ال�شم�س‪.3‬‬

‫‪ 11‬ف�ؤاد ال�صامت‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.214.‬‬


‫‪ 22‬قرار جنائي عدد ‪ 330‬ال�صادر بتاريخ ‪ :1970/02/5‬جمموعة قرارات املجل�س الأعلى املادة اجلنائية �ص‪�( 135.‬أورده‬
‫ف�ؤاد ال�صامت‪ ،‬نف�س املرجع‪� ،‬ص‪ .)215.‬ويف قرار �أخر‪(( :‬ال يكفي ذكر توافر العنا�رص التكوينية اجلرمية دون‬
‫بيان الفعل الذي قام به املتهم والذي �شكل اخلل�سة �أو التدلي�س‪ ،‬كقيامه باالعتداء على العقار يف غيبة امل�شتكي احلائز له))‬
‫قرار عدد ‪ 2477‬بتاريخ ‪ ،1991/03/12‬من�شور مبجموعة قرارات املجل�س الأعلى يف املادة اجلنائية ‪،1997/1961‬‬
‫�ص‪.133.‬‬
‫‪ 33‬عبد الواحد �شعري‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬اجلزء الأول‪.‬‬
‫‪233‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫‪ - 2‬العنف‪ :‬يعتبر العنف في جريمة انتزاع عقار من مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج هو‬
‫منع الحائز من االنتفاع الكامل من حيازته الفعلية وحرمانه من الت�صرف في عقاره بكافة‬
‫�أنواع الت�صرفات المادية في الأوجه المخ�ص�صة له‪ ،1‬وال يتطلب ذلك الدخول �إلى العقار‬
‫وو�ضع اليد عليه فعليا‪ .‬كما ال ي�شترط ا�ستعمال العنف بالفعل‪ ،‬بل يكفي �أن ي�صدر من الجاني‬
‫ت�صميمه وعزمه في ا�ستعمال العنف في مظاهر مادية توحي بهذه النية‪ ،‬ولذلك اعتبر المقنن‬
‫�أن التهديد كالعنف نف�سه‪ .‬وهو ما ذهبت �إليه محكمة النق�ض في �إحدى قراراتها رقم ‪96/218‬‬
‫في الملف الجنحي ‪ 91/277537‬جاء فيه‪( :‬يكون القرار المطعون فيه معلال بما فيه الكفاية لما‬
‫�أبرز عنا�صر ف�صل المتابعة‪ ،‬و�أن انتزاع العقار من حيازة الغير وقع بالتهديد وا�ستعمال العنف‬
‫بوا�سطة �أ�شخا�ص متعددين)‪.2‬‬
‫‪ - 3‬التهديد‪ :‬هو �إكراه معنوي يتحقق بمجرد �إنذار ال�شخ�ص المهدد ب�شر ج�سيم �سيلحق‬
‫به �أو ب�شخ�ص عزيز عليه‪ ،‬وهو الأمر الذي ذهبت �إليه محكمة النق�ض حيث ن�صت على ما‬
‫يلي‪( :‬لما ا�ستمعت المحكمة لل�شاهدين اللذين اثبتا �أن الطاعن اعتدى على حيازة �أخته‬
‫بوا�سطة التهديد تكون �أبرزت كل عنا�صر الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي وعللت قرارها‬
‫تعليال كافيا)‪.3‬‬
‫ونظرا لخطورة هذا الفعل وما ينجم عنه من �أثار �سلبية وخطيرة �شدد في تجريمه المقنن‬
‫المغربي ح�سب الف�صول من ‪� 425‬إلى ‪ 429‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪ - 4‬الت�سلق‪ :‬عرفه الف�صل ‪ 513‬من القانون الجنائي لن�ست�شف من خالله �أنه هو دخول‬
‫الم�ساكن والأماكن الم�س ّورة من غير �أبوابها‪ ،‬كيفما كانت طريقة الدخول‪ ،‬كما ي�ستوي فعل‬
‫الت�سلق ليال �أو نهارا‪� ،‬إال �أن الليل يبقى ظرفا ي�شدد الجريمة‪.‬‬
‫‪ - 5‬الك�سر‪ :‬يحدد مفهوم الك�سر الف�صل ‪ 512‬من القانون الجنائي‪ ،‬لي�ستنتج منه �أن الك�سر‬
‫هو �إرتكاب الجاني عمال من �أعمال العنف للدخول لأحد الأماكن‪ ،‬كما �أن الك�سر نوعين‪ :‬الأول‬
‫ك�سر من الخارج وهو الك�سر الذي يمكن الجاني من الدخول �إلى مكان �إرتكاب الجريمة‪،‬‬
‫والثاني هو ك�سر من الداخل ويراد به التحطيم الذي ينجزه المجرم بعد دخوله مكان الجريمة‪.‬‬

‫‪� 11‬صدر قرار عن املجل�س الأعلى حتت عدد ‪ ،993‬بتاريخ ‪ 2013/06/19‬جاء فيه‪(( :‬يعترب املنع من الت�رصف وجها من‬
‫�أوجه القوة والعنف‪� ،‬إذ الهدف منه هو حرمان احلائز من الت�رصف وا�ستغالل العقار املوجود يف حيازته))‪ ،‬من�شور‬
‫بن�رشة قرارات حمكمة النق�ض الغرفة اجلنائية عدد ‪� ،14‬ص‪ ،61.‬ويف قرار �أخر جاء فيه ((�إن املنع من احلرث ي�شكل‬
‫وجها من �أوجه العنف الهادف �إىل احلرمان من ا�ستغالل العقار)) قرار عدد ‪ 6/18420‬بتاريخ ‪ ،2006/12/13‬من�شور‬
‫مبجلة امللف عدد ‪� ،11‬ص‪.302.‬‬
‫‪ 22‬ح�سن بكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.93.‬‬
‫‪ 33‬القرار عدد ‪ 5195‬ال�صادر عن املجل�س الأعلى �سابقا‪ ،‬حمكمة النق�ض حاليا‪ ،‬بتاريخ ‪ 92/7/23‬يف امللف اجلنحي عدد‬
‫‪ 91/14718‬حمفوظ بكتابة ال�ضبط لدى حمكمة اجلديدة (قرار من�شور من طرف ح�سن بكري‪ ،‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.)90.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪234‬‬

‫‪ - 6‬حمل ال�سالح‪� :‬إن الأ�سلحة هي الأدوات التي ت�ستعمل في التعدي �أو الدفاع‪ ،‬والتي و�إن‬
‫ا�ستعملت من �ش�أنها �أن تم�س �سالمة الج�سم وهذا ما ي�ؤكد الف�صل ‪ 303‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫ذلك �أن الم�شرع المغربي لم يميز بين حمل ال�سالح علنا �أو مخفيا وقت �إرتكاب التعدي على‬
‫الملكية العقارية‪ ،‬واعتبره ظرفا م�شددا �سواء تم ا�ستعماله �أو لم ي�ستعمل‪ ،‬ويكفي �أن يوجد عند‬
‫�أحد الفاعلين دون الآخرين‪.‬‬
‫‪ - 7‬تعدد الفاعلين‪� :‬إن اال�ستعانة بفاعل �أو عدة فاعلين يفيد الإ�صرار على �إرتكاب الجريمة‪،‬‬
‫لأن التعدد يعك�س الخطورة الإجرامية للجاني �أو الجناة‪� ،‬إال �أن التعدد ال يعتبر ظرفا م�شددا‬
‫في جميع الجرائم بل فقط في بع�ضها؛ ومن بين الجرائم التي يعد فيها التعدد ظرفا م�شددا‬
‫انتزاع عقار من حيازة الغير‪ .‬وهو ما �أكدته محكمة النق�ض في �إحدى قراراتها حيث ن�صت‬
‫على ما يلي‪�( :‬إنه مادام الإعتداء على الحيازة وقع ب�أكثر من �شخ�ص جاء في تعليالته القرار‬
‫المطعون فيه ف�إن عنا�صر الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي تكون متوفرة ب�صرف للنظر عن‬
‫المناق�شة في حقيقة الوقائع)‪.1‬‬
‫المبحث الثاني‪� :‬إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة‬
‫�إن مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي �شرعت لحماية الحائز المادي والفعلي‬
‫للعقار بمعنى وا�ضع اليد عليه‪ ،‬وذلك بمعاقبة كل من �أدى بفعله لالعتداء على هذه الحيازة‪،‬‬
‫بحيث �إن غاية الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي ال تتج�سد على �أر�ض الواقع �إال ب�إرجاع الأمور‬
‫�إلى ن�صابها وذلك بطرد المعتدي من العقار الذي انتزعت حيازته وتمكين المت�ضرر من �إعادة‬
‫و�ضع يده عليه‪ ،‬وهو ما ا�صطلح عليه ب�إرجاع الو�ضع �إلى حاله �أو بمفهوم �آخر �إرجاع الحالة �إلى‬
‫ما كانت عليه‪.‬‬
‫الواقع �أن ا�صطالح �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جريمة انتزاع الحيازة هو نتيجة‬
‫حتمية لحكم الإدانة من �أجل جنحة انتزاع حيازة عقار �أو انتزاع عقار من حيازة الغير‪ ،‬وهو ما‬
‫تم تداوله من قبل الفقه وا�ستقر عليه العمل الق�ضائي �إلى �أن �أ�صبح مقننا في ن�ص قانوني ن�ص‬
‫عليه الم�شرع في الف�صول ‪ 40‬و‪ 49‬و‪ 142‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪ ،‬و�إن كان هذا المبد�أ هو‬
‫ال�سائد وال جدال فيه ف�إن الت�سا�ؤل يثور حول الأ�سا�س القانوني لإرجاع الحالة �إلى ما كانت‬
‫عليه؟ وما هي الإ�شكاالت الناجمة عنها؟‬

‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 96/3/883‬ال�صادر بتاريخ ‪ 96/5/14‬يف امللف اجلنحي عدد ‪�( 91/21863‬أورده ح�سن بكري‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫�ص‪.)96.‬‬
‫‪235‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المطلب الأول‪ :‬الأ�سا�س القانوني لإرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‬


‫ح�سب الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي يت�ضح �أن مقت�ضيات هذا الف�صل ال ت�شير مطلقا �إلى‬
‫دعوى �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪ ،‬كما تجدر الإ�شارة �إلى �أنه قبل �صدور قانون الم�سطرة‬
‫الجنائية الجديد لم يكن هناك �أي ن�ص قانوني ي�شير �إليها‪ ،‬وهذا يدفعنا �إلى الت�سا�ؤل كيف كان‬
‫الو�ضع قبل �صدور هذا القانون؟‬
‫الفقرة الأولى‪:‬مفهوم �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على‬
‫الحيازة العقارية قبل �صدور قانون الم�سطرة الجنائية‪.‬‬
‫للإجابة عن هذا ال�س�ؤال �أعاله يجب التطرق �إلى توجهين‪ ،‬الأول وهو الذي ذ�أب على �ضوئه‬
‫العديد من رجال الفقه والقانون والق�ضاء �إلى القول ب�أن دعوى �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‬
‫تجد �أ�سا�سها في مقت�ضيات الفقرة الثانية من الف�صل ‪ 166‬من قانون الم�سطرة المدنية التي‬
‫تن�ص على �أنه يجوز رفع دعوى ا�سترداد الحيازة المنتزعة بالعنف �أو الإكراه في حالة ما �إذا‬
‫كان للمدعي وقت ا�ستعمال العنف �أو الإكراه حيازة مادية خالية من النزاع وهادئة وعلنية‪،‬‬
‫وعليه فما هي دعوى ا�سترداد الحيازة المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 166‬المذكور �أعاله؟‬
‫�إن دعوى الحيازة ترمي �إلى حماية وا�ضع اليد كعن�صر مادي في الملكية وقد خ�ص�ص‬
‫الم�شرع المغربي لهذا النوع من الدعاوى الف�صول من ‪� 166‬إلى ‪ 170‬من قانون الم�سطرة‬
‫المدنية‪ ،‬وقد ن�ص عليها الف�صل ‪ 166‬في فقرته الثانية حيث جاء فيه‪« :‬غير �أنه يجوز رفع‬
‫دعوى ا�سترداد الحيازة المنتزعة بالعنف �أو بالإكراه �إذا كانت للمدعي وقت ا�ستعمال العنف‬
‫�أو الإكراه حيازة مادية وخالية وهادئة وعلنية»‪.1‬‬
‫فدعوى ا�سترداد الحيازة هي الدعوى التي يرفعها الحائز �ضد الغير‪ ،‬فحائز العقار هو‬
‫المدعي‪ ،‬ويجب �أن يثبت �أنه وقت �أن انتزعت منه الحيازة متى كان حائزا للعقار حيازة‬
‫م�ستمرة علنية وهادئة غير غام�ضة وخالية من العيوب‪.‬‬
‫وما يميز دعوى ا�سترداد الحيازة عن �سائر دعاوى الحيازة‪� ،‬أنه يمكن للحائز �أن يكون‬
‫حائزا �أ�صيال وهو الحائز لح�ساب نف�سه �أو حائز عر�ضي‪ ،‬وهو الحائز لح�ساب غيره بحيث‬
‫يمكن �أن يكون �صاحب حق االنتفاع �أو مرتهنا رهن حيازة �أو م�ست�أجرا �أو حار�سا ق�ضائيا‪....‬‬
‫الأمر الذي ذهب �إليه القرار عدد ‪ 2827‬ال�صادر بتاريخ ‪ 14‬يونيو ‪ 2011‬عن محكمة النق�ض جاء‬
‫فيه‪( :‬والمحكمة لما اعتبرت ذلك يفيد �أن الحيازة خرجت من يد الطالبة و�أن الإعتداء وقع‬

‫‪� 11‬أحمد مر�شد‪ ،‬جملة درا�سات قانونية‪ ،‬من�شورات منرب ال�شاوية‪ ،‬اجلزء الأول‪ ،‬ا�سرتداد احليازة بني القانون املدين‬
‫والقانوين اجلنائي‪� ،‬صفحة ‪ 35‬وما يليها‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪236‬‬

‫على حيازة محمد (ب) المكتري تكون قد خرقت الف�صل ‪ 166‬من قانون الم�سطرة المدنية‬
‫الذي يعطي الحق للحائز بوا�سطة الغير في رفع دعوى ا�سترداد الحيازة)‪ .1‬ويمكن �أن يكون‬
‫الحائز ح�سن النية لرفع دعوى ا�سترداد الحيازة‪ ،‬كما يمكنه رفعها حتى ولو كان �سيئ النية‪،‬‬
‫دون ا�شتراط مدة �سنة لحيازته للعقار كما ي�شترط ذلك في دعوى منع التعر�ض ودعوى وقف‬
‫الأعمال الجديدة‪ ،‬ف�أية حيازة تكون كافية ب�شرط رفع الدعوى خالل �سنة من فقد الحيازة‬
‫وهذا ما �أكدته محكمة النق�ض في �إحدى قراراتها‪( :‬وح�سب الف�صل ‪ 167‬من قانون الم�سطرة‬
‫المدنية‪ ،‬ال تقبل دعاوى الحيازة �إال �إذا �أثيرت خالل ال�سنة التالية للفعل المخل بالحيازة)‪.2‬‬
‫وفي قرار �آخر عن المجل�س الأعلى عدد ‪ 524‬ين�ص على ما يلي‪�( :‬إن �أجل ال�سنة المحدد لرفع‬
‫دعوى ا�سترداد الحيازة يبتدئ من تاريخ �صدور الحكم القا�ضي بالإدانة من �أجل الفعل المخل‬
‫بالحيازة)‪.3‬‬
‫�أما المدعى عليه في دعوى ا�سترداد الحيازة‪ ،‬هو ال�شخ�ص الذي ينتزع الحيازة من الحائز‬
‫بالقوة (‪� )La violence‬أو بالغ�صب (‪ )voie de fait‬علنا �أو خفية‪� ،4‬شريطة �أن يكون العمل‬
‫ال�صادر من المدعى عليه هو عمل عدواني وقع بالفعل على عقار الحائز الأمر الذي �أفقده‬
‫حيازته له‪ .‬لي�س من ال�ضروري �أن يكون ذلك العمل مجرم في القانون الجنائي‪ ،‬بل يكفي �أن‬
‫يكون عمال غير م�شروع من ناحية ال�شق المدني‪ ،‬فالمهم �أن يكون الإعتداء �إيجابيا يعكر �صفو‬
‫الحيازة‪ ،‬بحيث ال ي�ستطيع الحائز تخطيها �إال بالعنف لأن المدعى عليه �أخذ حقه بيده دون‬
‫�أن يلج�أ للق�ضاء‪ .‬وهذا هو جوهر دعوى ا�سترداد الحيازة‪ ،‬بقدر ما هي حماية �إلزامية وفعالة‬
‫للحائز في حيازته‪ ،‬فهي �إجراء حق على هذا العمل العدواني المترتب عليه جزاء �إذا توافرت‬
‫�شروط دعوى المدعي‪ ،‬وهو ما ذهبت �إليه محكمة النق�ض في �إحدى قراراتها حيث جاء فيه‪:‬‬
‫(لكن عمال بالف�صل ‪ 166‬من قانون الم�سطرة المدنية فيمكن رفع دعوى الحيازة ممن كانت له‬
‫�شخ�صيا �أو بوا�سطة الغير منذ �سنة على الأقل حيازة عقار �أو حق عيني عقاري حيازة هادئة‬
‫علنية ومت�صلة غير منقطعة وغير مجردة من الموجب وخالية من اللب�س)‪ ،5‬وهو جزاء عيني‬
‫يتمثل في رد حيازة العقار وت�سليمه للحائز‪.‬‬

‫‪ 11‬قرار حمكمة النق�ض عدد ‪ 2827‬ال�صادر بتاريخ ‪ 14‬يونيو ‪ 2011‬يف امللف عدد ‪ 2011/3/1/20‬من�شور مبجلة ملفات‬
‫عقارية‪ ،‬العدد ‪� ،2‬أكتوبر ‪� ،2012‬أورده ف�ؤاد ال�صامت‪� ،‬صفحة ‪ ،171‬مرجع �سابق‪.‬‬
‫‪ 22‬قرار عدد ‪ 2448‬م�ؤرخ يف ‪ 2011/05/24‬ملف مدين عدد ‪ ،2010/3/2/4615‬املرجع ال�سابق‪� ،‬صفحة ‪.171‬‬
‫‪ 33‬قرار حمكمة النق�ض عدد ‪ 524‬امل�ؤرخ يف ‪ ،2003/02/20‬ملف عقاري عدد ‪( 02/4/2/65‬غري من�شور)‪.‬‬
‫‪ 44‬عبد احلكيم ف�ؤاد‪�« ،‬أحكام دعاوى حماية احليازة حتليل عملي على �ضوء الفقه وق�ضاء النق�ض»‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‬
‫�سوتري‪ ،‬ال�سنة ‪� ،1996‬صفحة ‪.158‬‬
‫‪ 55‬قرار عدد ‪ 2448‬م�ؤرخ يف ‪ 2011/05/24‬ملف مدين عدد ‪ 2010/3/2/4615‬من�شور مبجلة الق�ضاء املدين‪ ،‬العدد ‪،5‬‬
‫ال�سنة ‪� ،2013‬أورده ف�ؤاد �صامت‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬صفحة ‪.170‬‬
‫‪237‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫كما يمكن للمدعى عليه �أن يكون ح�سن النية ف�ضال على �أنه �سيئ النية‪ ،‬بل قد يكون على حق‬
‫في اعتقاده لكنه لم يلج�أ �إلى الطريقة ال�سليمة وال�صحيحة في المطالبة به‪.‬‬
‫كما �أن الدعوى يمكن �أن ت�ستمر حتى لو انتقلت حيازة العقار المغت�صب من ال�سلف �إلى‬
‫الخلف �سواء كان هذا الخلف خلفا عاما �أو خا�صا حتى ولو كان هذا الخلف ح�سن النية ال يعلم‬
‫�أن العقار الذي يحوزه مغت�صب من قبل �سلفه‪.‬‬
‫ففي م�صر دعوى ا�سترداد الحيازة تنطوي على �شيء من العلنية فهي جزاء على االغت�صاب‬
‫�أما في فرن�سا فهي دعوى �شخ�صية مح�ضة‪ ،1‬ال ترفع �إال على مغت�صب للحيازة نف�سه وال ترفع‬
‫على من انتقلت له الحيازة �إال �إذا كان �شريكا �أو كان �سيء النية‪.2‬‬
‫وبالتالي فدعوى ا�سترداد الحيازة تقوم على رد الإعتداء الغير الم�شروع ومقاومة مغت�صب‬
‫الحيازة‪.‬‬
‫وعلى هذا الأ�سا�س‪ ،‬فقد ر�أى هذا االتجاه �أن دعوى ا�سترداد الحيازة المن�صو�ص عليها في‬
‫الف�صل ‪ 166‬من قانون الم�سطرة المدنية‪ ،‬ودعوى �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه التي يبا�شرها‬
‫من انتزعت حيازته في �إطار الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي هما وجهان لعملة واحدة‪ ،‬بمعنى‬
‫�أنهما تهدفان معا وفي نف�س التوجه رغم اختالف الو�سائل �إلى نف�س الغاية والهدف‪ ،‬المتمثل‬
‫في �إرجاع الحيازة المغت�صبة من يد مغت�صبها �إلى يد من اغت�صبت منه‪� ،‬أي من انتزعت منه‪،‬‬
‫مع وجود بع�ض الفوارق من حيث �شروط ممار�سة كل واحدة منهما كما �سبقت الإ�شارة �إليه‪.‬‬
‫في حين ذهب جانب �آخر من الفقه �إلى القول ب�أن دعوى �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‬
‫تجد �أ�سا�سها القانوني في الف�صلين ‪ 105‬و‪ 106‬من القانون الجنائي‪ .‬على اعتبار �أن االختالف‬
‫في الم�صطلحين �أي بين الرد و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه يقت�صر على العمل الق�ضائي‬
‫الذي تارة ي�ستعمل الرد و�أحيانا �أخرى ي�ستعمل �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه وهذا ما يجد‬
‫�أ�سا�سه في مجموعة من ف�صول القانون الجنائي‪.‬‬
‫�إذ ين�ص الف�صل ‪ 106‬على �أن‪« :‬الرد هو �إعادة الأ�شياء �أو المبالغ �أو الأمتعة المنقولة‬
‫المو�ضوعة تحت يد العدالة �إلى �أ�صحاب الحق فيها‪.‬‬
‫ويمكن للمحكمة �أن ت�أمر بالرد ولو لم يطلبه �صاحب ال�ش�أن»‪.‬‬
‫وين�ص الف�صل ‪ 107‬من نف�س القانون على �أنه‪« :‬يجوز للمحكمة عالوة على ذلك‪ ،‬بقرار‬
‫معلل‪ ،‬بناء على طلب المجني عليه �أن ت�أمر برد‪:‬‬

‫‪ 11‬عبد احلكيم فوده‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬صفحة ‪.160‬‬


‫‪ 22‬مبعنى �أنه يعلم احليازة التي انتقلت �إليه حيازة مغت�صبة‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪238‬‬

‫المبالغ المتح�صلة من بيع الأ�شياء �أو الأمتعة المنقولة التي كان له الحق في ا�ستردادها‬ ‫✺‬

‫عينا؛‬
‫الأ�شياء �أو الأمتعة المنقولة المتح�صل عليها بوا�سطة ما نتج عن الجريمة‪ ،‬مع احترام‬ ‫✺‬

‫حقوق الغير‪«.‬‬
‫وين�ص الف�صل ‪ 109‬على �أن‪« :‬جميع المحكوم عليهم من �أجل نف�س الجناية �أو نف�س الجنحة‬
‫�أو نف�س المخالفة يلزمون مت�ضامنين بالغرامات والرد والتعوي�ضات المدنية وال�صوائر‪� ،‬إال �إذا‬
‫ن�ص الحكم على خالف ذلك«‪.‬‬
‫و�أخيرا قد جاء في الف�صل ‪� 105‬أن‪ « :‬كل حكم بعقوبة �أو تدبير وقائي‪ ،‬يجب �أن يبت في‬
‫ال�صوائر وم�صاريف الدعوى طبقا للقواعد المن�صو�ص عليها في الف�صلين ‪ 347‬و‪ 349‬من‬
‫الم�سطرة الجنائية‪.‬‬
‫ويجب �أن يبت عالوة على ذلك‪� ،‬إذا اقت�ضى الحال في طلبات الرد والتعوي�ضات المدنية«‪.‬‬
‫وبناء على ما تقدم‪ ،‬ف�إن قراءة هذه الن�صو�ص ي�ستخل�ص منها ما يلي‪:‬‬
‫�إن لم�صطلح الرد مفهومين‪:‬‬
‫مفهوم �ضيق يقت�صر على رد الأ�شياء التي و�ضعت بين يدي العدالة بمنا�سبة �إرتكاب‬ ‫✺‬

‫جريمة �إلى �أ�صحاب الحق فيها‪.‬‬


‫مفهوم وا�سع ي�ستهدف �إعادة الحال �إلى ما كان عليه قبل وقوع الجريمة و�إزالة �آثارها‪،‬‬ ‫✺‬

‫ك�إعادة المالك �إلى العقار الذي نزع منه ق�سرا‪.‬‬


‫والمالحظ �أن الف�صل ‪ 106‬ي�شير �إلى كلمة الأ�شياء التي ال تقت�صر على المنقول فقط بل‬
‫تعني العقار �أي�ضا على اعتبار �أن «ال�شيء» متى �أطلق ي�شمل العقار والمنقول‪.‬‬
‫كما �أن الم�شرع في الف�صول ‪ 106‬و‪ 107‬قد ذكر الأ�شياء ثم ذكر «الأمتعة المنقولة» تمييزا‬
‫لها عن الأمتعة غير المنقولة‪.‬‬
‫والق�ضاء المغربي �أعطى للرد مفهومه الوا�سع بجعله ي�ستهدف �إرجاع الحالة �إلى ما كانت‬
‫عليه قبل وقوع الجريمة مع �إعمال �أحكامه على العقار‪.‬‬
‫وباالعتماد على هذا الر�أي الفقهي يمكن �أن يدخل �ضمن الرد ما يمكن رده وفي هذا الإطار‬
‫�إرجاع الحيازة ل�صاحبها بعد �إدانة من قام بانتزاعها‪� ،‬إذن فتبعا للف�صل ‪ 106‬من القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬ف�إن المحكمة تحكم تلقائيا برد ما يلزم رده دون طلب من �صاحب ال�ش�أن‪ ،‬وتبت فيه‬
‫في �إطار الدعوى العمومية ولي�س في �إطار الدعوى المدنية التابعة وهذا هو التوجه الذي تبناه‬
‫المجل�س الأعلى في العديد من قراراته‪ ،‬فقد جاء في �أحد تلك القرارات ((في �ش�أن و�سيلة‬
‫النق�ض الأولى المتخذة من الحكم ب�شيء غير مطلوب ذلك �أنه يت�ضح من �شكاية ال�سيد عبد‬
‫‪239‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫القادر بن �أحمد �أنه لم يطلب التخلي ورفع اليد عن العقار المدعي فيه‪ ،‬ومع ذلك ف�إن محكمة‬
‫الدرجة الأولى قد حكمت بالإفراغ و�أيدته محكمة الدرجة الثانية‪ .‬وعليه‪ ،‬يكون الحكم المطعون‬
‫فيه قد حكم ب�شيء غير مطلوب‪ ،‬مما يتعين معه نق�ضه‪ ،‬حيث �إن العار�ضين كانا متابعين �أمام‬
‫المحكمة بجريمة الترامي على ملك الغير‪ ،‬و�إن المحكمة بعد �أن ثبتت لديها الإدانة وحكمت‬
‫عليهما جنائيا كان من حقها �أن ترد الأمور �إلى ن�صابها و�أن تعيد الحالة �إلى ما كانت عليه‬
‫قبل الجريمة‪ ،‬وهذا من باب الرد الذي يجوز للمحكمة �أن ت�أمر به ولو لم يطلبه �صاحب الأمر‪،‬‬
‫مما تكون معه الو�سيلة على غير �أ�سا�س))‪ ،1‬وجاء في قرار �آخر ((حيث �إن �إرجاع الحالة‬
‫�إلى ما كانت عليه مرتبط بالجريمة المدان بها الطاعن‪ ،‬ولي�ست لها �أية عالقة بالدعوى‬
‫المدنية‪� ،‬إذ الأمر يتعلق ب�إرجاع الو�ضع �إلى ما كان عليه قبل �إرتكاب الجريمة‪ ،‬وهذا يدخل في‬
‫التدابير االحتياطية المن�صو�ص عليها في المادة ‪ 387‬من قانون الم�سطرة الجنائية))‪ ،2‬وقد‬
‫�أورد المجل�س الأعلى هذه الحيثية في معر�ض رده على و�سيلة �أثارها الطاعن دفع فيها بكون‬
‫محكمة الإ�ستئناف حكمت ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه رغم عدم تقديم هذا الطلب خالل‬
‫المرحلة االبتدائية‪.3‬‬
‫ورغم ما �أ�صدرته محكمة النق�ض من قرارات في هذا االتجاه �أي اعتبار �إرجاع الحالة �إلى‬
‫ما كانت عليه يدخل �ضمن الرد في �إطار الدعوى العمومية ودون طلب‪� ،‬إال �أن هناك جانب‬
‫كبير من الفقه والق�ضاء يذهب �إلى القول ب�أن �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه هو جزء من‬
‫التعوي�ض المدني الذي يحكم به لفائدة المطالب بالحق المدني‪ ،4‬وعليه فهو يخ�ضع تبعا لهذا‬
‫التوجه في جميع �شروطه ال�شكلية ل�شروط الدعوى المدنية التابعة‪ ،5‬كما �أن المحكمة ال يمكن‬
‫�أن تحكم به تلقائيا بل يجب �أن يكون مو�ضوع طلب محدد ووا�ضح من جانب المطالب بالحق‬
‫المدني وبذلك فهو يخ�ضع لمقت�ضيات الف�صل ‪ 3‬من قانون الم�سطرة المدنية والذي يفيد على‬
‫�أنه يتعين على المحكمة �أن تبت دائما في حدود طلبات الأطراف‪ ،‬وفي غالب الأمر تذهب جل‬
‫محاكم المملكة ووفقا لهذا التوجه �أن ال تحكم به �إال بعد �أن يطلبه المطالب بالحق المدني في‬
‫�إطار الدعوى المدنية التابعة‪. 6‬‬

‫‪ 11‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 550‬بتاريخ ‪ 1980/05/22‬من�شور مبجموعة قرارات املجل�س الأعلى يف املادة اجلنائية‬
‫�ص‪.72.‬‬
‫‪ 22‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 6/1084‬بتاريخ ‪ 2005/09/21‬من�شور مبجلة ق�ضاء املجل�س الأعلى العدد املزدوج ‪.65-64‬‬
‫‪ 33‬الفتوح �شكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.229.‬‬
‫‪ 44‬بحيث �إن هذا التعوي�ض ي�شمل التعوي�ض املادي الذي يحكم به جربا لل�رضر الذي حلق بامل�شتكي‪ ،‬وي�شمل �أي�ضا التعوي�ض‬
‫العيني املتمثل يف �إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه‪.‬‬
‫‪ 55‬مع �رضورة توفر ال�صفة وامل�صلحة والأهلية و�أداء الر�سم اجلزايف وذلك حتت طائلة عدم القبول‪.‬‬
‫‪ 66‬الفتوح �شكري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.230.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪240‬‬

‫الفقرة الثانية‪:‬مفهوم �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على‬
‫الحيازة العقارية‬
‫بناء على ما تقدم بيانه حول ما خا�ضه كل من رجال الفقه والق�ضاء حول مفهوم �إرجاع‬
‫الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة‪ ،‬ف�إن الم�شرع المغربي من خالل‬
‫قانون الم�سطرة الجنائية الجديد تف�ضل على الحقل القانوني بمقت�ضى جديد �أملته �ضرورة‬
‫ملحة في ميدان �إرجاع الحيازة بكيفية �سريعة وفعالة لحائز العقار الذي انتزعت منه حيازته‬
‫غ�صبا فيما يخ�ص �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة العقارية‬
‫ب�صفة خا�صة وفي جنحة انتزاع عقار بعد تنفيذ حكم ق�ضى بذلك ب�صفة خا�صة في قانون‬
‫الم�سطرة الجنائية ال�صادر بظهير ‪� 3‬أكتوبر ‪ 2003‬الذي لم يكن من�صو�صا عليه من قبل وقد‬
‫�أورد الم�شرع في مجموعة من المواد على ر�أ�سهما المادتين ‪ 40‬و‪ 49‬كما المواد ‪ 107‬و‪ 142‬و‪216‬‬
‫و‪ 246‬و‪ 366‬و‪ 383‬و‪ 389‬و‪ 438‬و‪ 425‬من ذات القانون بحيث �أن هذا التطور الت�شريعي الذي �شهده‬
‫قانون الم�سطرة الجنائية في هذا المجال ما هو �إال امتداد لتطور الت�شريعات الأخرى التي‬
‫عالجت المو�ضوع قبله ومثاله الم�شرع الم�صري الذي عالجه في المادة ‪ 44‬مكرر من قانون‬
‫المرافعات‪.1‬‬
‫�إال �أنه رغم ما جاء به الم�شرع المغربي في قانون الم�سطرة الجنائية فيما يتعلق ب�إرجاع‬
‫الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة العقارية‪ ،‬ف�إنه لم يعرفها ب�أي ن�ص‬
‫خا�ص ال في قانون الم�سطرة الجنائية وال في القانون الجنائي تاركا بذلك تعريفه لرجال الفقه‬
‫والق�ضاء والذين اجمعوا على �أنه يق�صد به «�إرجاع الحيازة العقارية للحائز الذي انتزعت منه‬
‫ق�سرا ودون �إرادته �أو ردها �إليه»‪.‬‬
‫ومن خالل ما �سبق تو�ضيحه‪ ،‬نخل�ص �إلى �أن الطبيعة القانونية لإرجاع الحالة �إلى ما كانت‬
‫عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة العقارية تختلف باختالف الجهة الآمرة به‪ ،‬بحيث يمكن‬
‫�أن يكون تعوي�ض عيني عن ال�ضرر الذي لحق الحائز‪ 2‬مبا�شرة من الجريمة التي ا�ستهدفت‬
‫حيازته عندما تق�ضي به المحاكم الزجرية في الدعوى المدنية التابعة بناء على طلب منه‪،3‬‬
‫وهذا ما كر�سه العمل الق�ضائي المغربي وجعله بذلك مبد�أ قار ًا ي�ستجاب له متى طلبه الحائز‬
‫المت�ضرر وتوافرت �شروط الحكم به وهذا ال يقت�صر فقط على العمل الق�ضائي المغربي بل‬

‫‪ 11‬وهي مادة �أدخلها امل�رشع امل�رصي على القانون املذكور �أعاله‪ ،‬بالقانون رقم ‪ 23‬ال�صادر �سنة ‪ 1992‬ومبقت�ضاها خول‬
‫للنيابة العامة �إ�صدار قرار وقتي معلل وواجب التنفيذ ب�إرجاع احليازة املادية واحليازة ملن انتزعت منه فور �سماع �أقوال‬
‫�أطراف النزاع وبعد �إجراء التحقيقات الالزمة يف املو�ضوع‪.‬‬
‫‪� 22‬أي حائز العقار‪.‬‬
‫‪� 33‬إذ به يتحقق رفع ال�رضر عن امل�رضور وهو مبد�أ متفق عليه فقها وق�ضاء‪.‬‬
‫‪241‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫كذلك نهج الق�ضاء الم�صري على نهج نظيره المغربي‪ ،‬بحيث �إنه على م�ستوى محكمة النق�ض‬
‫الم�صرية والتي جاء في �إحدى قراراتها‪ ...(( :‬لما كانت للمحاكم الجنائية بمقت�ضى القانون‬
‫�أن تحكم بالتعوي�ضات لمن �أ�صابه �ضرر من الجريمة المرفوعة بها الدعوى �أمامها‪ ،‬وكان رد‬
‫الحالة �إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة ال�شك يدخل في التعوي�ضات‪� ،‬إذ به يتحقق رفع‬
‫ال�ضرر ب�إرجاع ذات ما يخ�صه �إليه‪.1))...‬‬
‫و�إما �أن يكون �إجراء تحفظي لحماية حائز العقار عندما ت�أمر به النيابة العامة وت�صادق‬
‫المحكمة �أو هيئة التحقيق على �أمرها �أو عندما ي�أمر به قا�ضي التحقيق في جرائم الإعتداء‬
‫على الحيازة العقارية كما �سنتطرق �إليه فيما بعد‪.‬‬
‫كما يمكن �أن يكون تدبيرا لحماية الحيازة بمعنى �أن تق�ضي به المحكمة تلقائيا في �إطار‬
‫الدعوى العمومية من خالل الف�صل ‪ 106‬من ق‪.‬ج الذي يعطي لها �صالحية الحكم برد ما يلزم‬
‫رده تلقائيا بغية و�ضع حد لأثار الجريمة التي ا�ستهدفت حيازة حائز العقار‪ ،‬خا�صة و�أن العمل‬
‫الق�ضائي كر�سه كمبد�أ على م�ستوى المجل�س الأعلى في �إحدى قراراته عدد ‪ 1760‬ال�صادر عنه‬
‫بتاريخ ‪ 1982/12/9‬كما �سنتعر�ض له بعد حين في المطلب الموالي المتعلق ب�إرجاع الحيازة‬
‫العقارية في القانون الجنائي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬الإ�شكاالت الناجمة عن الطبيعة القانونية لإرجاع الحالة �إلى ما كانت‬
‫عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة في المادة الزجرية‬
‫�إن الحكم ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة فهي تكون‬
‫�إن تحققت نتيجة حتمية لل�صورة المقننة في �إطار الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج‪ ،‬ويالحظ جليا �أن‬
‫المحكمة عندما تق�ضي بالإدانة في الدعوى العمومية فيمكن �إما �أن تذيلها ب�إرجاع الحالة‬
‫�إلى ما كانت‪ ،‬كتدبير لحماية الحيازة دون وجود طرف مدني في الدعوى‪ ،‬و�إما �أن تق�ضي به‬
‫ك�شق في الدعوى المدنية التابعة كما �سبقت الإ�شارة �إليه‪ .‬لكن الحتمية الواردة �أعاله يمكن‬
‫�أن تتجلى من تفح�ص بع�ض ف�صول القانون الجنائي ف�ضال عن الف�صل ‪ 570‬والذي قد يترتب‬
‫عنه الحكم بالإدانة والأمر ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪ ،‬كما هو ال�ش�أن بالن�سبة للف�صلين‬
‫‪ 441‬و‪ 606‬من القانون الجنائي‪� .2‬إال �أن هناك ف�صول �أخرى �أوردها الم�شرع لحماية العقار من‬
‫الغير لكن دون �إمكانية الحكم ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪.3‬‬
‫‪ 11‬طعن رقم ‪ 14887‬وال�صادر بتاريخ ‪� 1946/10/14‬أورده عبد املجيد الهباري‪ ،‬وزيادي م�صطفى‪�« ،‬إرجاع احلالة �إىل‬
‫ما كانت عليه يف جرائم الإعتداء على احليازة العقارية و�إ�شكاالته»‪ ،‬جملة الدفاع‪ ،‬العدد ‪ ،6-5‬ال�سنة ‪� ،2008‬ص‪.13.‬‬
‫‪ 22‬الف�صل ‪ 441‬من ق‪.‬ج يتعلق (بالهجوم على م�سكن الغري)‪� ،‬أما الف�صل ‪ 606‬ق‪.‬ج فيتعلق (بتغيري معامل احلدود)‪.‬‬
‫‪ 33‬الف�صول التي تتعلق بحماية العقار من الغري دون �إمكانية احلكم ب�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه هي كالتايل‪ 580 :‬املتعلق‬
‫ب�إ�رضام النار يف م�سكن م�سكون وكذلك الف�صول ‪ 590-586-584-581‬من ق‪.‬ج‪ ،‬كما الف�صل ‪ 203‬من ذات القانون‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪242‬‬

‫وعلى هذا الأ�سا�س �سنتناول هذا المطلب من خالل فقرتين الأولى تتعلق ب�إرجاع الحالة �إلى‬
‫ما كنت عليه في القانون الجنائي والثانية �سنتطرق فيها للمو�ضوع من خالل قانون الم�سطرة‬
‫الجنائية‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪� :‬إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في القانون الجنائي‪.‬‬
‫�إذا ما وقفنا على مو�ضوع �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في القانون الجنائي نجد �أن‬
‫الم�شرع المغربي اعتبر �أن �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه �صورة من �صور الرد المن�صو�ص‬
‫عليه في الف�صل ‪ 106‬من ق‪.‬ج‪ ،‬بحيث ت�أرجح العمل الق�ضائي بين الم�صطلحين فتارة ما ي�ستعمل‬
‫كلمة الرد وتارة �أخرى ي�ستعمل م�صطلح �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪ ،‬بحيث خ�ص�ص له‬
‫�أحكاما وطرقا للتنفيذ‪ ،‬كما خ�ص�ص �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ب�أحكام �أخرى بالف�صول‬
‫‪ 49/-4‬و‪ 142‬من ق‪.‬م‪.‬ج وهذا ما �سيتم تناوله الحقا‪.‬‬
‫من �أجل تو�ضيح التباين بين المدلولين المقترنين حول م�صطلح الرد يجب الوقوف على‬
‫كليهما‪ ،‬فوقوفا على المدلول الأول وهو الوا�سع والذي يهدف �إلى �إعادة الحالة �إلى ما كانت‬
‫عليه بمعنى �إرجاعها �إلى الو�ضع الذي كانت عليه الأمور قبل وقوع الجريمة و�إزالة �أثارها‪،‬‬
‫بمعنى �إعادة الحائز �إلى حيازته �أي �إلى العقار الذي يحوزه والذي نزع منه غ�صبا وقهرا �أو‬
‫�إبطال العقود المزورة و�إرجاعها �إلى �أ�صلها �أي �إلى ن�صبها الحقيقي مع تحرير مح�ضر تنفيذ‬
‫الحكم ح�سب الف�صل ‪ 583‬ق‪.‬م‪.‬ج‪� ،1‬أما المعنى الثاني للرد بالمفهوم ال�ضيق‪ ،‬فهو الذي يقت�صر‬
‫على رد الأ�شياء التي و�ضعت تحت يد العدالة بمنا�سبة �إرتكاب الجريمة �إلى �أ�صحاب الحق فيها‬
‫وهكذا عرف الم�شرع المغربي الرد في الف�صل ‪ 106‬ق‪.‬ج ب�أنه «الرد هو �إعادة الأ�شياء �أو المبالغ‬
‫�أو الأمتعة المنقولة المو�ضوعة تحت يد العدالة �إلى �أ�صحاب الحق فيها‪ ،‬ويمكن للمحكمة �أن‬
‫ت�أمر بالرد ولو لم يطلبه �صاحب ال�ش�أن»‪.‬‬
‫من خالل ما ورد يالحظ �أن الم�شرع المغربي ا�ستعمل كلمة �أ�شياء وهي تطلق على كل من‬
‫العقار والمنقول على حد �سواء‪ ،‬وهو الر�أي الذي يطلق على المفهوم الوا�سع‪ ،‬وبناء عليه تم‬
‫تبنيه من قبل الق�ضاء والذي �أخذ به �أي بالمفهوم الوا�سع للرد والذي ي�ستهدف من خالله �إرجاع‬
‫الحالة �إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة بحيث يمكن للمحكمة �أن ت�أمر به تلقائيا‪ ،‬وهذا ما‬
‫كر�سه المجل�س الأعلى في �إحدى قراراته والذي ن�ص من خالله على �أنه‪(( :‬ي�سوغ للمحكمة‬
‫والذي مينع انتهاك حرمة ال�سكن من طرف املوظف العمومي‪ ،‬بحيث �أن �رسد هذه الف�صول يهدف من ورائه بيان مدى‬
‫ما �أوجده امل�رشع املغربي من حماية وعناية بالعقار‪ ،‬ولو كان �رسدها ب�شكل جد خمت�رص‪.‬‬
‫‪ 11‬الف�صل ‪ 583‬ق‪.‬م‪.‬ج‪�(( :‬إذ �أثبت الزور يف وثيقة ر�سمية كلها �أو بع�ضها‪ ،‬ت�أمر املحكمة التي بثت يف دعوى الزور بحذفها‬
‫�أو تغيريها �أو ردها �إىل ن�صبها احلقيقي ويحرر حم�رض بتنفيذ هذا احلكم‪.‬‬
‫ترد الوثائق امل�ستعملة للمقارنة �إىل من كان يحوزها يف �أجل خم�سة ع�رش يوما على الأكرث بعد �أن ي�صبح احلكم نهائيا))‪.‬‬
‫‪243‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وهي تبث في انتزاع الحيازة من يد الغير �أن ت�أمر برد الأمور �إلى ن�صابها قبل الجريمة وهي‬
‫بعملها هذا لم تتجاوز اخت�صا�صاتها بالف�صل في الأ�صل �أو اال�ستحقاق‪ ،‬و�إنما اتخذت تدبيرا‬
‫لحماية الحيازة وبو�ضع حد للحالة المترتبة عن الجريمة‪ ،‬وبذلك تكون المحكمة عللت حكمها‪،‬‬
‫وبنته على �أ�سا�س �سليم))‪.1‬‬
‫�إذن فعلى �ضوء هذا القرار يطرح �س�ؤال جوهري يتمحور حول �إمكانية اعتبار �إرجاع الحالة‬
‫�إلى ما كانت عليه من النظام العام �أم �أنها �شرعت لحماية حائز العقار؟‬
‫فبالرجوع �إلى الطبيعة القانونية لإرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪ ،‬فكما �سبقت الإ�شارة �إليه‬
‫ف�إن هناك من اعتبرها تعوي�ضا عينيا وهذا ما ي�سير وفق هذا التوجه الذي ننهجه من خالل‬
‫هذه الفقرة بمعنى �أنه هو الرد الذي ال يحكم به �إال �إذا كان ال�شيء المفقود بالجريمة قائما‬
‫بذاته‪ ،‬وبهذا تبنى المجل�س الأعلى من خالل مجموعة من القرارات التي �أوردها في المو�ضوع‬
‫�أن �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه لي�ست من النظام العام‪ ،2‬لأنه ربطها بالمطالبة بالحق‬
‫المدني‪� ،‬إذ به يعتبر هذا الإجراء و�ضع لحماية الأطراف المت�ضررة‪ ،‬وبذلك ف�إنه ال يمكن‬
‫الحكم بها تلقائيا بمعنى �أنها لي�ست من النظام العام‪.‬‬
‫وبخالف الطرح الأول‪ ،‬جاء تيار ثاني �سار فيه فريق �آخر على اعتبارها من النظام العام‪،‬‬
‫ويمكن الحكم بها تلقائيا‪ ،‬وا�ستند هذا الفريق في معر�ض تعليله على قرار للمجل�س الأعلى‬
‫والذي جاء فيه‪�(( :‬أنه لما كان من النظام العام يبقى كل حائز لمتاع عقار على حيازته‪ ،‬و�أن‬
‫ترد الأ�شياء �إلى الحالة التي كانت عليها قبل وقوع الجريمة �إلى �أن ي�صدر قرار مخالف من‬
‫المحكمة المخت�صة‪ ،‬فقد كان ي�سوغ للمحكمة الزجرية �أن ت�أمر برد الأمور �إلى ن�صابها‪...‬‬
‫�إلخ))‪.3‬‬
‫�إذن من خالل المخا�ض الق�ضائي الذي �شهده المجل�س الأعلى ورغم كل الت�ضارب الفقهي‬
‫والق�ضائي في الأحكام ال�صادرة في المو�ضوع �إال �أنه يمكن القول على �أن الم�شرع المغربي‬
‫توخى من هذا الإجراء في نهاية المطاف حماية النظام العام‪ ،‬لأنه ال يبث في �أ�صل الملك‬

‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 1760‬وال�صادر بتاريخ ‪� 1982/12/09‬أورده كل من عبد املجيد الهباري وزيادي م�صطفى‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫�ص‪.36.‬‬
‫‪ 22‬ومن بني هاته القرارات التي جاءت عن املجل�س الأعلى يف هذا ال�سياق هناك القرار عدد ‪ 4971‬وال�صادر بتاريخ‬
‫‪ 1983/7/26‬ون�صه‪(( :‬ملا اعتربت املحكمة �أن امل�شتكي مل يقدم مطالبه املدنية‪ ،‬يف املرحلة االبتدائية و�رصحت بعد ذلك‬
‫بعدم قبول ا�ستئنافه‪ ،‬ثم ق�ضت بناء على ا�ستئناف النيابة العامة وحدها ب�إلغاء احلكم االبتدائي القا�ضي بالرباءة‪ ،‬واحلكم‬
‫من جديد بالإدانة و�إفراغ الأمالك املعتدى عليها تكون قد خرقت القانون‪ ،‬لأن الإفراغ يدخل �ضمن املطالبة باحلق‬
‫املدين الذي مل يقدمه امل�شتكي))‪� ،‬أورده املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.36.‬‬
‫‪ 33‬قرار عدد ‪ 2516‬وال�صادر بتاريخ ‪� ،1962/12/29‬أورده كل من عبد املجيد الهباري وزيادي م�صطفى‪ ،‬مرجع‬
‫�سابق‪� ،‬ص‪.37.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪244‬‬

‫و�إنما يهدف �إلى �أن تبقى حيازة كل عقار بيد حائزها حتى تزول بطريقة �شرعية ت�ضمن حقوق‬
‫الجميع‪ ،‬ودون الإخالل بالنظام العام وهذا ال يقت�صر فقط على �ضمان حقوق المتقا�ضين‬
‫وا�ستقرار المعامالت‪ ،‬بل كذلك لأن مهمة الق�ضاء توجب و�ضع حد للعنف كيفما كان‪ ،‬بحيث‬
‫تتجلى في �أن ترد الأ�شياء �إلى الحالة التي كانت عليها قبل وقوع الجريمة‪ ،‬هذا من جهة‪.‬‬
‫�أما من جهة �أخرى ف�إذا �سرنا على نف�س النهج بمعنى اعتبار �إرجاع الحالة �إلى ما كانت‬
‫عليه �صورة من �صور الرد المن�صو�ص عليه في الف�صل ‪ 106‬ق‪.‬ج ف�إن تنفيذ هذا الحكم يتم‬
‫بوا�سطة ال�سيد وكيل الملك باعتباره الجهة الموكول �إليها تنفيذ قرارات المحكمة ال�صادرة‬
‫في الدعوى العمومية طبقا للمادة ‪ 40‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪ .‬وفي هذه الحالة يتعين �أن‬
‫يكون الحكم ال�صادر في الدعوى العمومية الذي ي�شمل �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه حكم‬
‫غير قابل لأي نوع من �أنواع الطعن‪ ،‬بما فيها الطعن بالنق�ض‪ ،‬وذلك طبقا للمادة ‪ 597‬من قانون‬
‫الم�سطرة الجنائية‪ ،‬وفي حالة وجود �صعوبة في تنفيذ هذا الحكم ف�إن المرجع للبت فيها هو‬
‫المحكمة التي �أ�صدرت الحكم المراد تنفيذه بعد �أن يقدم �إليها طلب في هذا ال�ش�أن من طرف‬
‫ال�سيد وكيل الملك‪ ،‬وتبت فيه المحكمة في غرفة الم�شورة طبقا لمقت�ضيات المادتين ‪ 599‬و‪600‬‬
‫من قانون الم�سطرة الجنائية‪ ،‬وفي هذا الإطار جاء في قرار �صادر عن محكمة الإ�ستئناف‬
‫بالرباط‪�(( :‬إن طلب ال�صعوبة في التنفيذ في م�س�ألة �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ق�ضى بها‬
‫حكم جنحي يرجع الإخت�صا�ص فيها �إلى المحكمة الجنحية‪ ،‬باعتبار �أن �إرجاع الحالة يعتبر‬
‫من �صميم الدعوى العمومية‪ ،‬كما �أن المحكمة الم�صدرة للحكم هي المخت�صة فيما يحدث من‬
‫م�سائل عار�ضة تتعلق بالتنفيذ عمال بالف�صل ‪ 646‬من قانون الم�سطرة الجنائية))‪.1‬‬
‫�أما �إذا تم اعتبار �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه جزءا من الدعوى المدنية التابعة ف�إن‬
‫التنفيذ في هذه الحالة يبا�شره ق�سم التنفيذ التابع لكتابة �ضبط المحكمة الموجود بدائرتها‬
‫العقار‪ ،‬وذلك بناء على طلب ممن يعنيه الأمر‪ ،‬والذي يكون ملزما في هذه الحالة بالإدالء‬
‫بن�سخة تنفيذية من الحكم الق�ضائي ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه و�أن يرفق الطلب‬
‫بما يفيد نهائية هذا الحكم‪ ،‬مع العلم �أن الطعن بالنق�ض في ذلك الحكم ال يوقف التنفيذ‬
‫طبقا لمقت�ضيات الف�صل ‪ 361‬من قانون الم�سطرة المدنية‪ ،‬ويفتح لهذا الطلب ملف تنفيذي‬
‫خا�ص بق�سم التنفيذ‪ ،‬وهنا تجري العملية وفق القواعد والمبادئ المن�صو�ص عليها في قانون‬
‫الم�سطرة المدنية‪ ،‬و�إذا واجهت م�أمور التنفيذ �صعوبة معينة ف�إن المرجع لحل تلك ال�صعوبة‬
‫يكون هو ال�سيد قا�ضي التنفيذ الموكولة �إليه مهمة تتبع ملفات وق�ضايا التنفيذ بالمحكمة‪.‬‬

‫‪ 11‬قرار حمكمة الإ�ستئناف بالرباط ملف ا�ستعجايل عدد ‪� 99/435‬صادر بتاريخ ‪ ،1999/04/28‬من�شور مبجلة الإ�شعاع‬
‫عدد ‪� ،22‬ص‪.220.‬‬
‫‪245‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الفقرة الثانية‪� :‬إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في قانون الم�سطرة الجنائية‬
‫�سلف الذكر �أن مو�ضوع �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة‬
‫العقارية ب�صفة عامة‪ ،‬وفي جنحة انتزاع حيازة عقار ب�صفة خا�صة‪ ،‬هي من الم�ستجدات التي‬
‫�أتى بها الم�شرع المغربي في قانون الم�سطرة الجنائية الحالي وهي طفرة نوعية في مجال‬
‫حماية الحيازة في نطاق �ضيق‪� ،‬إذ ن�ص عليه بالفقرة الثامنة من المادة ‪ 40‬وكذا في الفقرة‬
‫الحادية ع�شر من المادة ‪ 49‬والفقرة الرابعة من المادة ‪ ،142‬وعليه �سنق�سم هذه الفقرة �إلى‬
‫ق�سمين �سنتطرق في الأول �إلى �شروط تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة ثم بعد ذلك �سنقف‬
‫عند �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪.‬‬
‫�أوال‪� :‬شروط تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة‪.‬‬
‫قبل الخو�ض في غمار �شروط تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة‪ ،‬يجب �شرح مقت�ضيات‬
‫المواد الم�شار �إليها �أعاله‪ .‬ولو ب�إ�سهاب ولذلك فالب�أ�س من ا�ستعرا�ض بع�ض من مقت�ضياتها‬
‫بحيث تن�ص الفقرة الثامنة من المادة ‪ 40‬من قانون الم�سطرة الجنائية التي تتحدث عن‬
‫اخت�صا�صات وكيل الملك على �أنه‪:‬‬
‫«يجوز لوكيل الملك �إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم‪� ،‬أن ي�أمر باتخاذ �إجراء‬
‫تحفظي يراه مالئما لحماية الحيازة و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪ ،‬على �أن يعر�ض هذا‬
‫الأمر على المحكمة �أو هيئة التحقيق التي رفعت �إليها الق�ضية �أو التي �سترفع �إليها خالل ثالثة‬
‫�أيام على الأكثر لت�أييده �أو تعديله �أو �إلغائه‪.»...‬‬
‫ون�صت المادة ‪ 49‬في فقرتها الحادية ع�شر من ذات القانون على �أنه‪:‬‬
‫«يجوز للوكيل العام للملك �إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم �أن ي�أمر باتخاذ �أي‬
‫�إجراء تحفظي يراه مالئما لحماية الحيازة و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪ ،‬على �أن يعر�ض‬
‫هذا الأمر على المحكمة �أو هيئة التحقيق التي رفعت �إليها الق�ضية �أو التي �سترفع �إليها خالل‬
‫ثالثة �أيام على الأكثر لت�أييده �أو تعديله �أو �إلغائه‪.1»...‬‬

‫‪ 11‬وتن�ص املادة ‪ 373‬مكرر من قانون العقوبات امل�رصي على �أنه‪(( :‬يجوز للنيابة العامة متى قامت دالئل كافية على جدية‬
‫االتهام يف اجلرائم املن�صو�ص عليها يف املواد ال�سابقة من هذا الباب �أن ت�أمر باتخاذ �إجراء حتفظي حلماية احليازة على‬
‫�أن يعر�ض هذا الأمر خالل ثالثة �أيام على القا�ضي اجلزائي املخت�ص لإ�صدار قرار م�سبب خالل ثالثة �أيام على الأكرث‬
‫بت�أييده �أو بتعديله �أو ب�إلغائه‪.‬‬
‫ويجب رفع الدعوى اجلنائية خالل �ستني يوما من تاريخ �صدور هذا القرار وعلى املحكمة‪ -‬عند نظر الدعوى اجلنائية‪-‬‬
‫�أن تف�صل يف النزاع بناء على طلب النيابة العامة �أو املدعي باحلقوق املدنية �أو املتهم بح�سب الأحوال وبعد �سماع �أقوال‬
‫ذوي ال�ش�أن بت�أييد القرار ال�صادر ك�أن مل يكن عند خمالفة املواعيد امل�شار �إليها وكذلك �إذا �صدر �أمر باحلفظ �أو ب�أن ال‬
‫وجه لإقامة الدعوى‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪246‬‬

‫وبا�ستقراء ب�سيط للمقت�ضيات ال�سالف ذكرها‪ ،‬يالحظ �أن الم�شرع ح�صر مجال تدخل النيابة‬
‫العامة عندما يقع الإعتداء على الحيازة بعد تنفيذ الحكم‪� ،‬أي بعد ح�صول المنفذ له على مح�ضر‬
‫الت�سليم‪ ،‬واعتبر ذلك مجرد �إمكانية ولي�س ب�أمر واجب‪ .1‬وبهذا يكون من المالحظ والوا�ضح �أن‬
‫الم�شرع الم�صري كان والزال �أكثر تقدما وتو�سعا لما �أجاز للنيابة العامة �أن تتدخل بمجرد ما‬
‫تتوفر لديها الدالئل الكافية على جدية االتهام‪ ،‬وعليه فلقد ح�صر الم�شرع المغربي من خالل‬
‫المقت�ضيات ال�سالف ذكرها مجال تدخل النيابة العامة‪ 2‬وفق �شروط معينة نذكرها كالتالي‪:‬‬
‫‪� -‬أن يكون الإعتداء على الحيازة وقع بعد تنفيذ حكم‪.‬‬
‫بحيث يت�ضح جليا �أن تدخل النيابة العامة في ق�ضايا الإعتداء على الحيازة ال يكون �إال‬
‫بعد تنفيذ الحكم‪ ،‬بمعنى �أن الحيازة الم�ستهدفة بالحماية هي تلك التي يقع الإعتداء فيها‬
‫وغ�صبها و�سلبها من حائزها لكن بعد تنفيذ الحكم‪ ،‬بغ�ض النظر عما �إذا كان هذا الحكم قد‬
‫�صدر في �إطار دعوى مدنية تابعة �أو في دعوى مدنية ق�ضى بتمكين المحكوم له من حيازة محل‬
‫النزاع‪ ،‬و�أن ذلك ال يكون �إال بعد ح�صول المنفذ له على مح�ضر الت�سليم‪.3‬‬
‫لأن معاودة الهجوم على ملك الغير بعد تنفيذ حكم يقيم حقيقة قرينة قوية على �سند‬
‫المنفذ له في �أحقيته في الحيازة حتى ولو كانت مجرد حيازة فعلية‪ ،‬بحيث �أن المجل�س الأعلى‬
‫اعتبر جريمة انتزاع عقار في ملك الغير بمجرد �أن تتوفر للم�شتكي الحيازة التي تفيد و�ضع‬
‫اليد وال ي�شترط الحيازة بالمفهوم الذي تثبت به الملكية‪ ،4‬وذلك بهدف منع الإخالل بالنظام‬
‫العام من طرف �أ�شخا�ص لهم حقوقا ويودون الح�صول عليها ب�أيديهم‪ ،‬وعليه بمجرد ما يكون‬
‫المنفذ له قد ح�صل على حكم ونفذ ل�صالحه وبه يجب احترام مح�ضر التنفيذ‪ ،‬ذلك �أن‬
‫الق�ضاء المغربي ال يتهاون في �إدانة المتعدي بعد تنفيذ الحكم‪ ،‬وفي هذا ال�صدد جاء عن‬
‫الق�ضاء المغربي‪�(( :‬إن رجوع المتهم �إلى الأر�ض بعد �صدور الحكم عليه ب�ش�أنها وبعد تنفيذ‬
‫هذا الحكم في حقه يعد تعديا على ملك الغير بمفهوم الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج))‪ .5‬ولكن الأمر ال‬
‫يقت�صر فقط على هذا ال�شرط الآتي بيانه‪:‬‬
‫‪ 11‬وهذا يف حد ذاته �سوف يجعل النيابة العامة يف من�أى عن العديد من الق�ضايا التي مت�س احليازة وخا�صة تلك التي يقع‬
‫الإعتداء فيها لأول مرة‪.‬‬
‫‪� 22‬أما بالرجوع �إىل م�رشوع امل�سطرة اجلنائية ف�إنه مل يتم �إجراء �أي تغري �أو تعديل يف املقت�ضيات املتعلقة بانتزاع حيازة‬
‫عقار و�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه وترك الأمر على حاله بحيث يف املادة ‪ 40‬من م�رشوع ق‪.‬م‪.‬ج‪(( :‬يجوز له‪،‬‬
‫‪� ........‬أو تعديله �أو �إلغائه‪ )).‬وكذا يف املادة ‪ 49‬من م�رشوع ق‪.‬م‪.‬ج‪(( :‬يجوز له‪ .......... ،‬لت�أييده �أو‬
‫تعديله �أو �إلغائه‪.)).‬‬
‫‪ 33‬ميكن �أن يكون حم�رض الت�سليم منجزا مثال من قبل العون الق�ضائي‪.‬‬
‫‪ 44‬قرار عدد ‪ 272‬ال�صادر عن املجل�س الأعلى بتاريخ ‪ ،1981/05/05‬ملف جنائي رقم ‪� ،57839-57832‬أورده احل�سن‬
‫هوداية يف �أهم قرارات املجل�س الأعلى يف جرائم الأموال اجلزء الأول‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،‬ص‪.155.‬‬
‫‪ 55‬قرار عدد ‪ 1806‬ال�صادر بتاريخ ‪ ،1983/03/28‬ملف جنائي رقم ‪ ،64955‬مرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.148.‬‬
‫‪247‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫‪ -‬مالئمة الأمر باتخاذ الإجراء التحفظي و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪.‬‬
‫وفقا للمادتين ‪ 40‬و‪ 49‬من ق‪.‬ج والتي جاء في كل منهما على �أنه ((يجوز للنيابة العامة))‬
‫ما مفاده �أن �إ�صدار �أمر ب�إجراء تحفظي لحماية الحيازة من عدمه �أمر جوازي تبقى النيابة‬
‫العامة م�س�ألة اختيار القيام بها من عدمها حتى مع قيام الجريمة التي تعر�ضها �أمام المحكمة‬
‫المخت�صة �أو لهيئة التحقيق كما لها الحق في �أن تقدم المتهم في حالة اعتقال لحالة التلب�س‬
‫طبقا للمادة ‪ 56‬من ق‪.‬م‪.‬ج �أو لعدم توفره على ال�ضمانات الكافية للح�ضور تقيدا ب�أحكام المادة‬
‫‪ 79‬من ذات القانون‪ ،‬ولها �أي�ضا �أن تقدمه في حالة �سراح �أو �أال تقدم الملف للجهة الق�ضائية‬
‫المخت�صة دون �أن تتدخل لحماية الحيازة‪ ،‬وبالرجوع �إلى �أجل الثالثة �أيام المن�صو�ص عليه‬
‫في المادتين ال�سابق ذكرهما ف�إن هذا الأجل ال يقيدها في �شيء‪� ،‬أي النيابة العامة �إال عندما‬
‫تتخذ الإجراء التحفظي لحماية الحيازة و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في �شكل �أمر كما‬
‫�أنها باتخاذها هذا الإجراء غير مقيدة بزمن محدد من وقت وقوع الجريمة لطالما �أن الدعوى‬
‫الزجرية لم يلحقها التقادم‪.‬‬
‫وال يقت�صر دورها هنا فقط على اتخاذ �أحد الإجراءات التحفظية الكفيلة لحماية الحيازة‪،‬‬
‫بل يمكنها �أن تجري �صلحا في نطاق المادة ‪ 41‬من ق‪.‬م‪.‬ج وذلك قبل ممار�ستها للدعوى‬
‫العمومية‪ ،‬والذي ي�ضمن في مح�ضري المت�ضرر �أو الم�شتكى به طالما �أن مقت�ضيات الف�صل‬
‫‪ 570‬من ق‪.‬ج ال تتجاوز فيه العقوبة الحب�سية �سنتين وال يتجاوز الحد لأق�صى للغرامة ‪750‬‬
‫درهم وهذا ما يتنا�سب مع مقت�ضيات المادة ‪ 41‬من ق‪.‬م‪.‬ج الحالي والذي ال تتجاوز فيه عقوبة‬
‫الجريمة الممكن �إجراء ال�صلح فيها �سنتين حب�سا �أو �أقل �أو بغرامة ال يتجاوز حدها الأق�صى‬
‫‪ 5000‬درهم‪.1‬‬
‫وعليه ف�إذا تمت م�سطرة ال�صلح على ال�شكل الموم�أ به وفق الإجراءات المن�صو�ص عليها‬
‫بالمادة المذكورة �أعاله من قبل رئي�س المحكمة �أو من ينوب عنه‪ ،‬تتوقف بذلك الدعوى العمومية‬
‫وال يمكن لوكيل الملك �إعادة مبا�شرتها �إال في حالة عدم الم�صادقة على مح�ضر الت�صالح �أو‬
‫حالة عدم تنفيذ االلتزامات الم�صادق عليها من قبل رئي�س المحكمة �أو من ينوب عنه داخل‬
‫الأجل المحدد‪� ،‬أو �إذا ظهرت �أدلة جديدة تم�س الدعوى العمومية‪ .‬كما يمكنها التدخل في‬
‫ق�ضايا الإعتداء على الحيازة عندما تكون معرو�ضة على �أنظار المحكمة حالة تنازل المت�ضرر‬
‫عن الفعل الجرمي عن �شكايته حينها تتقدم النيابة العامة بملتم�س لهيئة الحكم لأجل التوقف‬
‫عن �سير �إجراءات الدعوى العمومية ما لم يكن قد تم البت فيها بحكم نهائي‪.‬‬
‫‪ 11‬ت�ستبدل مقت�ضيات املادة ‪ 41‬م�رشوع ق‪.‬م‪.‬ج بالآتي ذكره‪(( :‬ال يكمن �سلوك م�سطرة ال�صلح �إال �إذا تعلق الأمر بجنحة‬
‫يعاقب عليها ب�سنتني حب�سا �أو �أقل وبغرامة ال يتجاوز حدها الأق�صى مائة �ألف درهم �أو ب�إحدى العقوبتني فقط �أو بجنحة‬
‫من اجلنح املن�صو�ص عليها يف الف�صل ‪ 401‬و‪.))...404‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪248‬‬

‫وخال�صة القول �أنه ح�سب توجه من الفقه الذي يرى �أن الأمر التحفظي الذي تتخذه النيابة‬
‫العامة لحماية الحيازة العقارية و�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه يبقى ذا طابع ق�ضائي‪ ،‬بحيث‬
‫�أن النيابة العامة ت�ستمد ذلك من القانون وال يقت�صر ان�صياعها للن�ص فقط بل كذلك تخ�ضع‬
‫لرقابة جهة ق�ضائية مخت�صة كما �ستتم الإ�شارة �إليه‪ ،‬و�أن الإجراء المتخذ يكون في نطاق �ضيق‬
‫ووقتي ويهم بالأ�سا�س �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه بعد التنفيذ‪ ،‬يكت�سي �صبغة زجرية ولي�س‬
‫في ذلك ما يبرر القول ب�أنه قرار �إداري حتى ولو �صدر الأمر في �إطار دعوى مدنية بحثة لأن‬
‫الق�ضاء المعرو�ض عليه هذا الأمر �سيح�سم النزاع ب�ش�أنه وفي هذا االتجاه يميل بع�ض الفقه‬
‫في م�صر كذلك‪.1‬‬
‫‪ -‬عر�ض الأمر على ق�ضاء الحيازة و�أجله‪.‬‬
‫لقد �ألزم قانون الم�سطرة الجنائية النيابة العامة في حالة اختيارها اتخاذ �إجراء تحفظيا‬
‫لحماية الحيازة ب�أن تعر�ض على المحكمة �أو هيئة التحقيق التي رفعت �إليها الق�ضية �أو التي‬
‫�سترفع �إليها خالل ثالثة �أيام على الأكثر لت�أييده �أو تعديله �أو �إلغائه‪.2‬‬
‫و�أوجب الم�شرع فر�ض الأمر على النيابة العامة بقيدين �أولهما �أن م�س�ألة اتخاذها �أي النيابة‬
‫العامة لإجراء تحفظي يهدف �إلى حماية الحيازة ومن تم �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪ ،‬ب�أن‬
‫يعر�ض الأمر خالل �أجل ثالثة �أيام‪ ،‬لكن �إذا ما تراخت النيابة العامة عن عر�ض الأمر داخل‬
‫الأجل المحدد فلي�س للنيابة العامة �أن ت�صدر �أمرا جديدا بعد �سقوط الأمر الأول لأن الأجل‬
‫�أجل �سقوط ما لم تطر�أ على ظروف الق�ضية معطيات جديدة‪ ،‬وفي ذلك ما يوافق المادة‬
‫‪ 751‬من ق‪.‬م‪.‬ج التي جاءت تن�ص على ما يلي‪(( :‬كل �إجراء ي�أمر به هذا القانون ولم يثبت‬
‫�إنجازه على الوجه القانوني يعد ك�أن لم ينجز‪ ،))...‬وفي هذا التيار �صار الم�شرع الم�صري‬
‫في المادة ‪ 373‬مكرر من قانون العقوبات‪ ،3‬وهذا بخالف الم�شرع المغربي الذي لم ين�ص‬
‫عليها في المادتين ‪ 40‬و‪ 49‬من ق‪.‬م‪.‬ج فبعد التطرق �إلى �أجل عر�ض الأمر على الق�ضاء وجب‬
‫�أن نتطرق �إلى الجهات الم�صدرة �إلى �أمر �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة‪،‬‬
‫وبعد تنفيذ حكم ق�ضى بردها لحائزها‪.‬‬

‫‪ 11‬ومن �أن�صار هذا التوجه يف م�رص جند حممد نيبا �أبو �سعد‪ ،‬بحث يف منازعات احليازة وم�شكالتها العملية الهامة‪ ،‬جملة‬
‫الق�ضاء عدد يوليوز دي�سمرب ‪� ،1984‬ص‪.50.‬‬
‫‪ 22‬ومعنى ذلك �أن �أجل ثالثة �أيام يعد �أجال كامال ال ي�شمل اليوم الأول وال اليوم الأخري و�إذا ما كان اليوم الأخري يوم عطلة‬
‫امتد الأجل �إىل �أول يوم بعده‪.‬‬
‫‪ 33‬بحيث اعترب يف فقرته الثالثة على �أن الأمر يعد ك�أن مل يكن عند خمالفته املواعيد امل�شار �إليها ومنها �أجل الثالثة �أيام‬
‫املمنوحة للنيابة العامة ولذلك ف�إن النيابة العامة عندما ت�صدر الأمر ويفوتها الأجل ف�إنه ال �سبيل لعر�ض على ق�ضاء‬
‫احليازة‪ ،‬و�إن عر�ض جتاوزا فيكون م�آله الرف�ض‪ ،‬ويقدر كان مل يكن‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ثانيا‪ :‬الجهة الم�صدرة لأمر �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‬


‫بناء على ما �سبق ذكره ومن خالل مقت�ضيات كل من المادتين ‪ 40‬و‪ 49‬من ق‪.‬م‪.‬ج وكذلك‬
‫المادة ‪ 142‬من ذات القانون والتي تن�ص في فقرتها الرابعة على ((�أنه يمكن لقا�ضي التحقيق‬
‫في الق�ضايا الجنائية �أو الجنحية �أن ي�أمر ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه متى قامت دالئل‬
‫كافية على جدية االتهام‪.)...‬‬
‫وبا�ستقراء ب�سيط لمقت�ضيات هذه المادة كما �سابقاتها من المواد ‪ 40‬و‪ 49‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪،‬‬
‫ي�ست�شف �أن الأمر ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة هو �أمر‬
‫تخت�ص به النيابة العامة كما هيئة التحقيق في مرحلتي البحث والتحقيق �أي قبل المحاكمة‪،‬‬
‫ولكن تبقى النيابة العامة ت�صدر �أوامرها في هذا النطاق في �إطار محدد يتعلق فقط بانتزاع‬
‫حيازة عقار بعد تنفيذ حكم ق�ضى بردها للحائز وعليه �سنبحث في هذه النقطة من خالل‪:‬‬
‫�أ ‪� -‬أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪.‬‬
‫يالحظ �أنه من خالل مقت�ضيات المواد ال�سالف ذكرها �أن �أمر النيابة العامة ب�إرجاع‬
‫الحالة �إلى ما كانت عليه يختلف باختالف الجهة المرفوع �إليها هذا الأمر هل هي المحكمة‬
‫التي رفعت الق�ضية �أو تلك التي �سترفع �إليها‪� ،‬أم �سترفع �إلى هيئة التحقيق‪.‬‬
‫‪�- 1‬أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه المرفوع منها �إلى المحكمة‬
‫التي رفعت الق�ضية �أو تلك التي �سترفع �إليها‪.‬‬
‫�إن �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه المرفوع �إلى المحكمة التي رفعت‬
‫�أو �سترفع �إليها الق�ضية هو �أمر ح�صره الم�شرع في جنحة انتزاع حيازة عقار بعد تنفيذ حكم‬
‫ق�ضى ب�إرجاعها �إلى ذلك هو �أمر غير منظم بم�سطرة خا�صة عك�س غيره من الت�شريعات التي‬
‫نظمت م�سطرته ب�أحكام معينة ومثاله الم�شرع الم�صري‪ ،1‬في حين �أن هذه المقت�ضيات غير‬
‫منظمة بن�صو�ص وا�ضحة من طرف الم�شرع المغربي الذي رهن �أمر النيابة العامة ب�إرجاع‬
‫الحالة �إلى ما كانت عليه بالم�صادقة من طرف المحكمة �أو من طرف هيئة التحقيق التي‬
‫رفعت �أو �سترفع �إليها الق�ضية‪ ،2‬غير �أنه �أمر خا�ضع لرقابة ق�ضائية من طرف المحكمة بمعنى‬
‫�أن الم�شرع قد �أوجب على النيابة العامة �إحالة الأمر الذي ت�صدره ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت‬

‫‪ 11‬فقد ن�ص امل�رشع امل�رصي على م�سطرة خا�صة و�رسيعة منها �سماع النيابة العامة لأقوال طريف النزاع ثم �إ�صدار قرار‬
‫وقتي من طرف �أحد ق�ضاتها بدرجة رئي�س على الأقل‪ ،‬وجعل قرارها وقتيا واجب التنفيذ‪.‬‬
‫‪ 22‬رغم �أن امل�رشع املغربي مل ينظم مقت�ضيات املادتني ‪ 40‬و‪ 49‬من ق‪.‬م‪.‬ج فيما يتعلق ب�أمر النيابة العامة ب�إرجاع احلالة‬
‫�إىل ما كانت عليه يف جنحة انتزاع عقار بعد التنفيذ من طرف الق�ضاء‪ ،‬مب�سطرة خا�صة‪� ،‬إال �أنه فعل ذلك �رصاحة من‬
‫خالل املادة ‪ 41‬من القانون املذكور عند �إجراء ال�صلح بني الطرفني على يد وكيل امللك‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪250‬‬

‫عليه �إلى المحكمة داخل �أجل ثالثة �أيام‪ ،‬وعلى المحكمة �أن ت�ؤيده �أو تعدله �أو تلغيه‪ ،‬وتلك هي‬
‫الرقابة التي �أوجب الم�شرع بها �أمر النيابة العامة‪.‬‬
‫لكن الم�شرع لم يو�ضح المحكمة التي رفعت �إليها الق�ضية �أو تلك التي �سترفع �إليها‪ ،‬هل‬
‫يق�صد بها المحكمة االبتدائية التي رفعت �إليها الق�ضية �أو الغرفة المخت�صة بالبت في الق�ضية‬
‫داخل نف�س المحكمة؟‬
‫للإجابة عن هذا ال�س�ؤال يجب الوقوف على مجموعة من الإ�شكاالت الناتجة عن غمو�ض‬
‫م�سطري يجب بحثه‪ ،‬ف�إذا كانت المحكمة التي �سترفع �إليها الق�ضية هي المحكمة االبتدائية‬
‫ذاتها المق�صودة‪ ،‬ف�إن هاته المحكمة يجب �أن تكون م�شكلة من ق�ضاء جماعي طبقا لما تن�ص‬
‫عليها الفقرة الأولى من المادة ‪ 374‬من ق‪.‬م‪.‬ج تحت طائلة البطالن‪.‬‬
‫�أما �إذا كان المق�صود ب»المحكمة»‪ 1‬الغرفة التي تنظر جنحة انتزاع حيازة عقار‪ ،‬ف�إن هذه‬
‫المحكمة يجب �أن تكون مكونة من قا�ض منفرد بح�ضور ممثل النيابة العامة وكاتب ال�ضبط‬
‫وفق ما ن�صت عليه المادة ‪ 374‬من ق‪.‬م‪.‬ج في فقرتها الثانية‪ ،‬وذلك بالنظر للعقوبة التي خ�ص‬
‫بها الم�شرع جنحة انتزاع حيازة عقار‪ ،‬هذا في غير ارتباطها بجنحة من اخت�صا�ص الق�ضاء‬
‫الجماعي‪ .‬وح�سب بع�ض رجال الفقه والق�ضاء ف�إن المحكمة المخت�صة للبت في �أمر النيابة‬
‫العامة هي المحكمة االبتدائية الم�شكلة من ق�ضاء جماعي ح�سب الفقرة الأولى من المادة ‪374‬‬
‫من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .2‬بحيث تجدر الإ�شارة �إلى �أن الأمر يتعلق بالنظر في جرائم يبلغ حدها الأق�صى‬
‫العقوبة المقررة لها �سنتان فما دون‪� ،‬أو جرائم معاقب عليها بغرامة فقط‪ ،‬هذا على م�ستوى‬
‫المحكمة االبتدائية �أما �إحالة الأمر على غيرها من المحاكم المخت�صة فال يثير الأمر �أي‬
‫�إ�شكال قانوني‪.3‬‬
‫�أما بخ�صو�ص م�س�ألة مدى قابلية حكم المحكمة بت�أييد �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة‬
‫�إلى ما كانت عليه للتعر�ض‪ ،‬واال�ستئناف والنق�ض‪.‬‬
‫فلقد ن�ص الم�شرع بخ�صو�ص التعر�ض واال�ستئناف �ضد الأحكام ال�صادرة عن محاكم‬
‫المو�ضوع ب�صفة عامة بم�سطرة خا�صة بحيث خ�ص كل طعن بمواد وا�ضحة‪� ،‬أما بخ�صو�ص‬
‫م�سطرة التعر�ض‪ 4‬على �أمر النيابة العامة والقا�ضي ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جنحة‬
‫انتزاع عقار بعد تنفيذ الحكم �إذا �صدر غيابيا في حق المتهم‪ ،‬ف�إن الم�شرع المغربي لم ينظم‬

‫‪� 11‬أي املحكمة التي رفعت �إليها الق�ضية �أو تلك التي �سرتفع �إليها‪.‬‬
‫‪ 22‬عبد املجيد الهباري وزيادي م�صطفى‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.42.‬‬
‫‪ 33‬من حيث تكوينها ويتعلق الأمر بكل من غرفة اجلنايات االبتدائية مبحكمة الإ�ستئناف وغرفة اجلنح الإ�ستئنافية كما الغرفة‬
‫اجلنائية باملجل�س الأعلى‪.‬‬
‫‪� 44‬أو الإ�ستئناف �أو النق�ض‪.‬‬
‫‪251‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫في هذا ال�سياق م�سطرة التعر�ض على الأمر ال�سالف ذكره وال م�سطرة ا�ستئنافه‪ ،‬وت�أ�سي�سا عليه‬
‫فال يحق للمتهم الطعن فيه بالتعر�ض وال الإ�ستئناف طبقا للمواد ‪ 393‬و‪ 415‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬كما‬
‫�أن الم�شرع ح�صر ا�ستئناف النيابة العامة فقط في الأحكام ال�صادرة في الجنح والمخالفات‬
‫والجنايات دون غيرها من الأحكام‪ ،‬وبالتالي فال يت�صور ا�ستئنافه من طرف النيابة العامة‪.‬‬
‫�إذن بناء على ما �سلف ذكره ف�إن حكم المحكمة القا�ضي بالم�صادقة على �أمر النيابة‬
‫العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه هو حكم نهائي ما دام حكم غير قابل للتعر�ض وال‬
‫لال�ستئناف �إال �أن الم�شرع جعل للأطراف �إمكانية الطعن بالنق�ض في القرارات الغير قابلة‬
‫لال�ستئناف �أو في القرارات النهائية ال�صادرة عن محكمة الإ�ستئناف وذلك وفقا للمادة ‪415‬‬
‫من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،1‬في حين ن�ص في المادة ‪ 522‬من ذات القانون‪ 2‬على خالف ذلك بمعنى �أنه غير‬
‫قابل للطعن بالنق�ض ب�صريح العبارة طبقا لمقت�ضيات المادة ‪ 522‬من القانون المذكور‪.‬‬
‫وقبل التطرق �إلى �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه المرفوع �إلى هيئة‬
‫التحقيق‪ ،‬تجدر الإ�شارة �إلى نقطة غاية في الأهمية حول التعر�ض المذكور ما �إذا كان قابال‬
‫للتعر�ض عليه من قبل الغير الخارج عن الخ�صومة والذي ت�ضرر منه؟‬
‫‪� - 2‬أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه المرفوع �إلى هيئة التحقيق‬
‫قبل التطرق �إلى الأمر ال�صادر عن النيابة العامة والمرفوع �إلى هيئة التحقيق‪ ،‬وجب‬
‫التعرف على هيئة التحقيق المخت�صة بالبت �إما بت�أييد �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة‬
‫�إلى ما كانت عليه في جنحة انتزاع حيازة عقار بعد تنفيذ حكم �أو تعديله �أو �إلغائه‪ ،‬والتي‬
‫تت�ألف من ق�ضاة التحقيق بالمحاكم االبتدائية‪ ،‬والق�ضاة المكلفون بق�ضايا الأحداث في نف�س‬
‫المحاكم‪ ،‬وق�ضاة التحقيق بمحاكم الإ�ستئناف والم�ست�شارون المكلفون بالتحقيق في جرائم‬
‫ذوي االمتياز الق�ضائي المعينون من طرف الرئي�س الأول بمحكمة الإ�ستئناف �أو من طرف‬
‫الغرفة الجنائية بالمجل�س الأعلى عك�س �أمر النيابة العامة ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‬
‫المرفوع منها �إلى المحكمة التي رفعت الق�ضية �إليها �أو تلك التي �سترفع �إليها‪ ،‬وما يطرحه‬
‫هذا الأمر‪ 3‬من �إ�شكاالت يجب الخو�ض في غمارها‪ ،‬ف�إن الأمر ال�صادر عن هذه الهيئة في هذا‬
‫الجانب ال يثير �إ�شكاالت قانونية فيما الم�سطرة الواجب �إتباعها‪ ،‬بحيث جاءت منظمة ب�أحكام‬
‫وا�ضحة من�صو�ص عليها في الق�سم الثالث من الكتاب الأول من قانون الم�سطرة الجنائية‬
‫‪ 11‬املادة ‪ 415‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪(( :‬ميكن للنيابة العامة وللأطراف الطعن بالنق�ض يف الأحكام غري القابلة لال�ستئناف ويف‬
‫القرارات النهائية ال�صادرة من حمكمة اال�ستئناف))‪.‬‬
‫‪ 22‬املادة ‪ 522‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪(( :‬ال تقبل املقررات الإعدادية التمهيدية �أو ال�صادرة ب�ش�أن نزاع عار�ض �أو دفع الطعن بالنق�ض‬
‫�إال يف �آن واحد مع الطعن بالنق�ض يف املقرر النهائي ال�صادر يف اجلوهر))‪.‬‬
‫‪� 33‬أي �أمر النيابة العامة ب�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه املرفوع �إىل هيئة التحقيق‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪252‬‬

‫المتعلقة بالتحقيق الإعدادي‪ ،‬كما نظم م�سطرة ا�ستئنافه والمحكمة المخت�صة بالبت فيه‪.1‬‬
‫كما �أنه �أمر ال يقبل الطعن باال�ستئناف من طرف المعتدي على الحيازة‪.2‬‬
‫كما خولت مقت�ضيات المادة ‪ 222‬من ق‪.‬م‪.‬ج للنيابة العامة �صالحية الطعن باال�ستئناف‬
‫لدى الغرفة الجنحية في كل �أمر ق�ضائي ي�صدره قا�ضي التحقيق با�ستثناء الأوامر ال�صادرة‬
‫ب�إجراء خبرة طبقا للف�صل ‪ 196‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬وذلك عندما يخالف �أمرها كليا �أو جزئيا‪ .3‬لكن‬
‫ال يمكن للمعتدي وال حق للنيابة العامة للطعن بالنق�ض في الأمر ال�صادر عن الهيئة المذكورة‬
‫طبقا للمادة ‪ 521‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.4‬‬
‫ب ‪� -‬أمر ق�ضاة التحقيق ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪.‬‬
‫من خالل مقت�ضيات المادة ‪ 142‬من ق‪.‬م‪.‬ج في فقرتها الرابعة ف�إن لقا�ضي التحقيق متى‬
‫قامت دالئل كافية على جدية االتهام في جرائم االعتداءات على الحيازة ب�صفة عامة �أن ي�أمر‬
‫تلقائيا ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه‪.5‬‬
‫�إذن من خالل ما �سبق تو�ضيحه وتم ذكره‪ ،‬ف�إن هناك اختالف بين الأمرين �أي بين الأمر‬
‫ال�صادر عن ق�ضاة التحقيق والأمر المرفوع �إليهم من طرف النيابة العامة لت�أييده �أو تعديله �أو‬
‫�إلغائه وذلك من خالل نقطتين‪:‬‬
‫بحيث �أنه ي�صدر في كافة الجرائم التي ت�ستهدف الحيازة العقارية الأمر ب�إرجاع الحالة‬
‫�إلى ما كانت عليه ولكن يختلف الأمر عن الأمر الذي ت�صدره النيابة العامة من �أجل �أن ت�صادق‬
‫عليه هيئة التحقيق �أو تعدله‪ ،‬والذي ح�صره الم�شرع فقط في هذا الأخير في جنحة انتزاع عقار‬
‫من حيازة الغير بعد تنفيذ حكم دون غيرها من الجرائم التي ت�ستهدف الإعتداء على الحيازة‬
‫العقارية هذا من جهة‪� ،‬أما من جهة �أخرى ف�إن الأمر ال�صادر عن هيئة التحقيق ب�إرجاع الحالة‬
‫�إلى ما كانت عليه في جنحة انتزاع حيازة عقار بالخ�صو�ص ال يتوقف على وجود حكم تم‬

‫‪ 11‬وهي الغرفة اجلنحية مبحكمة الإ�ستئناف هي التي لها �صالحية البت يف اال�ستئنافات املرفوعة �ضد �أوامر ق�ضاة التحقيق‬
‫مبقت�ضى املادة ‪ 222‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ 22‬يف حني �أن الأوامر التي ميكن لهذا الأخري ا�ستئنافها هي ال�صادرة عن ق�ضاة التحقيق يف �إطار املواد ‪176 - 152 - 94‬‬
‫والفقرة الأخرية من املادة ‪ 208‬من ق‪.‬م‪.‬ج كما الفقرات ‪ 6-3-2‬و‪ 7‬من املادة ‪ 216‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬بحيث ال يوجد‬
‫�ضمن ما ذكر الأمر القا�ضي بت�أييد �أو تعديل �أمر النيابة العامة ب�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه‪.‬‬
‫‪ 33‬مبعنى عندما تق�ضي �إحدى هي�أت التحقيق برف�ض ت�أييد �أمرها ب�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه يف جنحة انتزاع عقار بعد‬
‫تنفيذ حكم �أو تعديله جزئيا‪.‬‬
‫‪ 44‬والتي ح�رصت الطعن بالنق�ض يف الأحكام والقرارات والأوامر الق�ضائية النهائية يف اجلوهر لأن الأمر املذكور لي�س‬
‫�أمرا �صادرا يف اجلوهر‪.‬‬
‫‪ 55‬مل تتغري الفقرة الرابعة من املادة ‪ 142‬من ق‪.‬م‪.‬ج يف م�رشوع ذات القانون بل ظلت على حالها ومل يطر�أ عليها �أي‬
‫تغيري كالتايل بيانه‪ :‬املادة ‪ 142‬يف فقرتها الرابعة من م�رشوع ق‪.‬م‪.‬ج‪(( :‬وله متى قامت دالئل ‪...........‬‬
‫�إرجاع احلالة �إىل ما كانت عليه‪)).‬‬
‫‪253‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫تنفيذه كما في �سابقتها‪ ،‬بل ي�شترط في ذلك وجود دالئل كافية فقط تبرر جدية االتهام وبهذا‬
‫يكون الم�شرع قد خول لق�ضاة التحقيق في هذا المجال من هذا المنطلق �سلطة وا�سعة �أو�سع‬
‫من تلك التي منحها لجهاز النيابة العامة في الجرائم التي ت�ستهدف الإعتداء على الحيازة‪.‬‬
‫كما �أن الم�سطرة المتبعة في هذا الإطار بخ�صو�ص هذا الجهاز هي م�سطرة وا�ضحة في‬
‫�إطار المادة ‪ 142‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬كما �أن الأمر ال�صادر في هذا الجانب يقبل الطعن باال�ستئناف‬
‫من طرف النيابة العامة �إذا ما قدمت ملتم�سا لق�ضاة التحقيق ب�ش�أن �إرجاع الحالة �إلى ما كانت‬
‫عليه وتم رف�ضه من طرفهم وذلك ب�صريح المادة ‪ 222‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬ولكن لي�س للمعتدي على‬
‫الحيازة الحق في الطعن فيه باال�ستئناف عمال بالمادة ‪ 223‬من ذات القانون وال يحق لهما معا‬
‫الطعن فيه بالنق�ض لأنها لي�ست �أمرا باتا في الجوهر‪� ،‬إال �أنه يحق للطرف المت�ضرر ا�ستئنافه‬
‫عك�س المعتدي لكن �إذا انت�صب طرفا مدنيا‪� 1‬أمام ق�ضاة التحقيق لأنه �أمر يم�س م�صلحته‬
‫بحيث خول له الم�شرع هذه ال�صالحية من خالل الفقرة الأولى من المادة ‪ 224‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.2‬‬
‫علما �أن الغرفة الجنحية بمحكمة الإ�ستئناف تبقى هي الجهة الق�ضائية الوحيدة المخت�صة‬
‫بالبت في ا�ستئناف الأمر ال�صادر عن ق�ضاة التحقيق‪ ،‬ب�إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في‬
‫الجرائم التي ت�ستهدف الإعتداء على الحيازة العقارية‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫ختاما وبعد درا�ستنا لهذا المو�ضوع المتعلق بانتزاع حيازة عقار من ملك الغير وذلك‬
‫من خالل الحماية الجنائية من كل اعتداء عليها؛ وذلك بهدف �أن ي�سود الأمن واال�ستقرار‬
‫لدى الأفراد؛ من �أي اعتداء قد تتعر�ض له ممتلكاتهم‪ ،‬رغم �أن الم�شرع الجنائي المغربي لم‬
‫يخ�ص�ص �إال ف�صال وحيدا فريدا ؛ للجرائم التي ت�ستهدف حماية الأمالك العقارية من فعل‬
‫انتزاع عقار من حيازة الغير؛ الذي ي�شكل ال محال نموذجا للق�ضايا العقارية التي ي�ستغرق‬
‫الف�صل فيها ع�شرات ال�سنين‪ ،‬الأمر الذي ينعك�س �سلبا على ال�سيا�سات الإ�صالحية التي‬
‫تنهجها الدولة في الميادين المرتبطة بالمجال العقاري‪.‬‬
‫ورغم كل هذه الجهود المبذولة في المجال من طرف الم�شرع المغربي لحماية الحيازة‬
‫من االعتداء‪ ،‬ورغم كل الم�شاكل التي تطرحها ق�ضاياه كما �سبقت الإ�شارة �إليه؛ �إال �أنها ال زال‬
‫يكتنفها الغمو�ض �أمام كل الم�شاكل التي تطرح على ف�صل وحيد ويتيم �أورده الم�شرع الجنائي‬
‫في الفرع الخام�س من الباب التا�سع من المجموعة الجنائية‪.‬‬
‫‪� 11‬أي املت�رضر‪.‬‬
‫‪ 22‬الفقرة الأوىل من املادة ‪ 224‬ق‪.‬م‪.‬ج‪(( :‬ميكن للطرف املدين �أن ي�ست�أنف لدى الغرفة اجلنحية الأوامر ال�صادرة بعدم‬
‫�إجراء التحقيق‪ ،‬وبعدم املتابعة وكذا الأوامر التي مت�س مب�صاحله املدنية‪.))...‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪254‬‬

‫لذلك ف�إن الم�شرع المغربي �أ�صبح مدعوا �أكثر من �أي وقت م�ضى �إلى التفكير في تعديل‬
‫مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي‪ ،‬ب�شكل يعالج مختلف الإ�شكاليات التي برزت خالل‬
‫التطبيق العملي له‪ ،‬ويوفر للعقار حماية جنائية فعالة تتنا�سب و�أهميته في الحياة االقت�صادية‬
‫واالجتماعية ب�شكل ي�ساهم في �ضمان الأمن القانوني والق�ضائي للعقار‪.‬‬
‫‪255‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫❾‬
‫جرائم المخدرات‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫تعرف المخدرات عموما ب�أنها كل مادة م�سكرة �أو مفترة طبيعية �أو م�ستح�ضرة كيميائيا‬
‫من �ش�أنها �أن تزيل العقل جزئيا �أو كليا‪ ،‬وتناولها ي�ؤدي �إلى الإدمان‪ ،‬مما ينتج عنه ت�سمم في‬
‫الجهاز الع�صبي‪ ،‬فت�ضر الفرد والمجتمع‪ ،‬ويح�ضر تداولها �أو زرعها �أو �صنعها �إال لأغرا�ض‬
‫يحددها القانون وبما ال يتعار�ض مع ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬
‫ويرجع ظهور المخدرات لزمن بعيد عرف فيه الإن�سان النباتات المختلفة من خالل تعرفه‬
‫على بيئته ومحيطه الذي يعي�ش فيه‪ ،‬ومن ثم �أخذ يجرب ما يقع تحت يديه منها وي�ستعملها‬
‫حينا في طعامه و�أحيانا في �شرابه‪ ،‬وهكذا عرف الإن�سان المخدرات ب�شكل تدريجي عن طريق‬
‫التجربة �أو ال�صدفة ثم بد�أ مع مرور الوقت يزرعها وي�صنعها كما هو الحال في �أيامنا هذه‬
‫حيث و�صلت �صناعة المخدرات �أوجها‪.‬‬
‫فنبات القنب مثال عرف منذ فجر التاريخ‪ ،‬عرفه الم�صريون وال�صينيون واليونانيون‪ ،‬ففي‬
‫بداية الأمر ظهر في �أوا�سط �آ�سيا ثم �أخذ ينت�شر في كثير من بقاع العالم‪.‬‬
‫ووجدت لوحة �سومرية يعود تاريخها �إلى الألف الرابعة قبل الميالد تدل على ا�ستعمال‬
‫ال�سومريين للأفيون‪ ،‬وكانوا يطلقون عليه نبات ال�سعادة‪.‬‬
‫ويذكر الم�ؤرخون �أن «�سومر�س» ثمتال الإله عند الرومان كان يزين بثمار الخ�شخا�ش الذي‬
‫ي�ستخرج منه الأفيون‪ ،‬كما �أن الإمبراطور الروماني ماركو�س كان مدمنا على الأفيون‪،‬كما‬
‫ا�ستعمله الهنود كمكيف ومخدر‪ ،‬وتقول م�صادر تاريخية ترجع �إلى ثالثة �آالف �سنة �أنه �أي‬
‫الح�شي�ش له فوائد طبية‪ ،‬كما �إ�ستخدم �أي�ضا في الطقو�س الدينية وفي معابد الكهنة لطرد‬
‫الأرواح ال�شريرة‪.‬‬
‫ويقال ب�أن الفراعنة هم �أول من عرف المخدرات في المنطقة العربية وكان �أهمها‬
‫المخدرات الم�شتقة من نبات الخ�شخا�ش والقنب‪ ،‬لكن ا�ستعمال هذه النباتات كان مق�صورا‬
‫على مجاالت بعيدة عن الإدمان‪ ،‬فالأفيون كان ي�ستعمل في مجال الطب لعالج �أمرا�ض العيون‬
‫وعمل مراهم لآالم الج�سم‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪256‬‬

‫�أما عند العرب فقد ذكر الطبيب العربي ابن البيطار في القرن الثالث ع�شر الميالدي‬
‫�أن نبات القنب الهندي ‪-‬الح�شي�ش‪ -‬كان يزرع في ب�ساتين ويعرف فيها با�سم الح�شي�ش و�أن‬
‫الفقراء ب�صفة خا�صة يتعاطون هذا العقار‪.‬‬
‫وفي الجاهلية وقبل الإ�سالم فقد عرف العرب الخمر وكذلك في بداية العهد الإ�سالمي‬
‫حتى نزل تحريمها ‪،‬فعرف العرب فيما بعد الأفيون والح�شي�ش �إما عن طريق الغزوات �أو عن‬
‫طريق اختالطهم بح�ضارات �أخرى‪.‬‬
‫ومع بداية القرن الحالي �أخذت �إ�ساءة ا�ستعمال المخدرات �أوجها ف�شغلت �أنظار الباحثين‬
‫والمفكرين في مختلف بقاع العالم‪�،‬إذ �أ�صبحت مع�ضلة من مع�ضالت هذا الع�صر الحديث‬
‫بامتياز بالنظر لطابعها المعقد والمتعدد الأ�شكال والم�ستويات ‪،‬حتى �أن التعامل فيها �أ�صبح‬
‫بمثابة اقت�صاد قائم الذات داخل اقت�صاد الدولة الواحدة‪ ،‬لكنه ال ينفع �سوى المتعاطين له‪،‬‬
‫وقد ك�شفت درا�سات علمية وتقارير حديثة على �أن الإتجار في المخدرات يمثل ‪ % 8‬من حجم‬
‫التجارة الدولية وتحتل المرتبة الثالثة من حجم التجارة العالمية‪ .‬كما تظهر خطورة جرائم‬
‫المخدرات في كونها �أ�صبحت تتداخل مع جرائم �أخرى كالع�صابات المنظمة‪.‬‬
‫وفي خ�ضم ما تطرحه المخدرات ب�شتى �أ�شكالها و�أ�ساليبها من �إ�شكاليات و�أ�ضرار تهدد‬
‫كيان المجتمعات و�أمنها و�صحة مواطنيها‪ ،‬ت�سعى الت�شريعات المختلفة �إلى البحث عن الحلول‬
‫الناجعة لمواجهتها والحد منها‪ ،‬والمغرب كان وال يزال من الدول التي �سعت وت�سعى جاهدة‬
‫�إلى محاربة هذه الظاهرة وتطويقها على جميع الم�ستويات الوقائية والزجرية منذ القدم وعبر‬
‫ت�شريعات متوالية ‪.‬‬
‫ويظهر هذا جليا من خالل ت�صنيف المخدرات �ضمن المواد ال�سامة في ظهير ‪ 2‬دجنبر‬
‫‪ ،1922‬الذي جاء يحمل نف�س العنوان (تنظيم ا�ستعمال المواد ال�سامة و�إنتاجها وا�ستجالبها‬
‫وت�صديرها والإتجار فيها ونقلها وحيازتها‪ )..‬وفي نف�س ال�سياق‪� ،‬صدر قانون ‪�24‬أبريل ‪1954‬‬
‫الذي فك االرتباط من خالله الم�شرع ذلك االرتباط التقليدي بين التبغ والكيف‪ ،‬بتقنين الأول‬
‫و�إ�سناد احتكار �إنتاجه وت�سويقه للدولة ‪،‬وتحريم الثاني و�إ�ضافته �إلى الالئحة المعتبرة من‬
‫ال�سموم وفق ظهير ‪ 2‬دجنبر ‪ 1922‬وكذا القرار العام للديوان الملكي رقم‪ 3/177/66‬بتاريخ‬
‫‪ 17‬يوليوز ‪ 1967‬الذي نظم الإتجار في الم�شروبات الكحولية والممزوجة بالكحول‪ ،‬و�آخر هذه‬
‫الت�شريعات الظهير ال�شريف بمثابة قانون رقم ‪ 282/73/1‬بتاريخ ‪ 28‬ربيع الثاني ‪ 1394‬الموافق‬
‫‪ 21‬ماي ‪ 1974‬المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات ووقاية المدمنين عليها‪ ،‬حيث اتجه‬
‫اهتمام الم�شرع �إلى تو�سيع دائم التجريم من خالل �صياغة مفهوم خا�ص للمحاولة والم�شاركة‬
‫‪،‬و�إحداث م�ساطر �إ�ستثنائية من خالل تجنيح الجرائم المرتبطة بالمخدرات وتو�سيع اخت�صا�ص‬
‫‪257‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المحاكم المغربية �إلى بع�ض الأن�شطة المرتكبة خارج التراب الوطني وتنظيم تفتي�ش المنازل‬
‫وكذا �سن تدابير خا�صة لحماية القا�صرين والمدمنين‪ ،‬وتعقب المواد المرتكب الغ�ش ب�ش�أنها‬
‫وحجزها وم�صادرتها وفقا لقواعد و�أحكام خا�صة‪،‬ولكنها ال تخرج كثيرا عما هو متعارف عليه‬
‫في القواعد والمبادئ العامة‪.‬‬
‫ومواكبة للتطورات الم�ستجدة واالهتمام بتزايد �أخطار المخدرات التي �أ�ضحت تتقاطع‬
‫مع مجموعة من الجرائم الأخرى كتهريب ال�سالح وتمويل الإرهاب واحتجاز الرهائن‬
‫وت�صفية الح�سابات بين الأفراد على م�ستوى الع�صابات الإجرامية‪ ،‬انخرط المغرب فيما‬
‫ي�سمى التجريم ال�شامل للمخدرات ‪،‬هذه ال�سيا�سة التي اعتمدتها المجموعة الدولية والهيئات‬
‫العالمية المتخ�ص�صة في محاربة الجريمة المنظمة والعابرة للقارات‪ ،‬وبادر المغرب وبتن�سيق‬
‫و�شراكة مع مكتب الأمم المتحدة من �أجل محاربة المخدرات والجريمة‪� ،‬إلى �إحداث «وكالة‬
‫تنمية �أقاليم ال�شمال» التي قامت ب�إجراء �سل�سلة من البحوث ال�سو�سيولوجية في الأقاليم‬
‫المعروفة بزراعة القنب الهندي �أو الكيف‪ ،‬وبالتالي تم الوقوف و�إلى حد ما على مجموعة من‬
‫حقائق الأمور تبلورت في �شكل ت�صورات وبحوث‪ ،‬منها البحث المنجز في ‪ 2004‬الذي خل�ص‬
‫في نتائجه �إلى �أن االقت�صاد المعتمد على نبات الكيف �ساهم في الرفع من مدخول ال�ساكنة‪،‬‬
‫وتح�سين ظروف عي�شها‪ ،‬وفي المقابل طبعت ال�ساكنة ب�آثار وخيمة من خالل بروز �سلوكيات‬
‫منحرفة والق�ضاء على قيم الت�ضامن وت�شتت النظام الثقافي واالجتماعي‪.‬‬
‫من خالل هذا التقديم �سنحاول طرق باب مو�ضوع (م�سك وا�ستهالك والإتجار في‬
‫المخدرات وبيع الخمور للمغاربة الم�سلمين) وذلك بدرا�سة الجوانب المو�ضوعية والإجرائية‬
‫لهذه الجرائم‪.‬‬
‫لذا ارت�أينا �أن نق�سم هذا المو�ضوع على ال�شكل �أو وفق الت�صميم الآتي‪:‬‬
‫المبحث الأول‪� :‬أركان جرائم المخدرات‬ ‫❑‬

‫المطلب الأول‪ :‬الركن الخا�ص في جرائم المخدرات‬ ‫◆‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الأركان العامة لجرائم المخدرات‬ ‫◆‬

‫المبحث الثاني‪:‬عقاب جرائم المخدرات و�إ�شكالية الم�ساطر المرجعية‬ ‫❑‬

‫المطلب الأول‪:‬عقاب جرائم المخدرات‬ ‫◆‬

‫المطلب الثاني‪� :‬إ�شكالية الم�ساطر المرجعية في جرائم المخدرات‬ ‫◆‬


‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪258‬‬

‫المبحث الأول‪� :‬أركان جرائم المخدرات‬


‫عرف الم�شرع المغربي الجريمة على �أنها عمل �أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب‬
‫عليه بمقت�ضاه‪ ،1‬ولكي تتحقق الجريمة البد من توافر عنا�صرها و�أركانها وهي الركن المادي‬
‫والركن المعنوي والركن القانوني‪ ،‬و�إلى جانب هذه الأركان العامة توجد عنا�صر خا�صة �أو‬
‫�أركان خا�صة ت�ستلزمها طبيعة كل جريمة من الجرائم‪.‬‬
‫وفي �إطار جرائم المخدرات‪ ،‬ف�إن الم�شرع و�إلى جانب العنا�صر الثالث المطلوبة لوجود‬
‫الجريمة‪ ،‬ا�شترط ركنا خا�صا بهذا النوع من الجرائم‪ ،‬وهو ركن المخدر‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬الركن الخا�ص في جرائم المخدرات (ركن المخدر)‬
‫ركن المخدر هو الركن الخا�ص في جرائم المخدرات ويقت�ضي وجود مادة مخدرة �أو م�ؤثر‬
‫عقلي‪ ،‬وال يوجد تعريف عام متفق عليه في الإتفاقيات الدولية والقوانين المختلفة ولكن يمكن‬
‫تعريفها من الناحية العلمية ‪،‬ب�أنها كل مادة طبيعية �أو تركيبية من المواد المخدرة �أو الم�ؤثرات‬
‫العقلية ت�سبب النعا�س والنوم �أو غياب الوعي الم�صحوب بت�سكين الألم‪ ،‬وفقهيا عرف المخدر‬
‫ب�أنه مجموعة من المواد ت�سبب الإدمان وت�سمم الجهاز الع�صبي‪،‬ويح�ضر تداولها �أو زرعها �أو‬
‫�صناعتها �إال لأغرا�ض يحددها القانون وممن يرخ�ص لهم بذلك‪.‬‬
‫والمواد المخدرة ال تقت�صر على �صورتها الطبيعية كالنبات والثمار التي تحتوي �أوراقها‬
‫على المادة الفعالة المخدرة بل ت�شمل �أي�ضا كل مادة يمكن ت�صنيعها من المواد المخدرة‬
‫الطبيعية‪،‬كما يمكن �أن ت�شمل ما يعرف بالمواد التخليقية (وهي مادة �صناعية ال يدخل في‬
‫تركيبها و�صناعتها �أي نوع من المخدرات الطبيعية ‪،‬ولكن لها نف�س مميزاتها وت�أثيرها)‪.2‬‬
‫واعتبارا لكون المخدرات ت�شكل خطرا على الفرد والمجتمع ‪،‬فقد اتفق العلماء في مختلف‬
‫المذاهب الإ�سالمية على حرمتها واعتبروها كبيرة من كبائر الذنوب وي�ستحق مرتكبها‬
‫المعاقبة في الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫فالحكم ال�شرعي للمخدرات �سواء كانت طبيعية �أو م�صنعة �أو تخليقية وما يندرج تحت‬
‫�أنواعها حرام ‪،‬ودليل هذا الحكم �أنها داخلة في عموم الم�سكرات وبالقيا�س على الخمر‬
‫لإتحادهما في علة الحكم وهي الإ�سكار‪ ،‬ودخولها في عموم الم�سكرات قائم على �أ�سا�س �أن‬
‫كثيرا من العلماء والأطباء ي�ؤكدون �أن ت�أثير المخدرات كت�أثير الخمر ‪،‬وقد قال النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم ‪ « :‬كل م�سكر خمر وكل خمر حرام‪».‬‬

‫‪ 11‬الف�صل ‪ 110‬من القانون اجلنائي‪.‬‬


‫‪ 22‬املعطي اجلبوجي‪ ،‬مكافحة املخدرات يف الت�رشيع املغربي بني الن�ص والتطبيق‪،‬الطبعة الأوىل‪�،2010‬ص‪.19 .‬‬
‫‪259‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫لهذا تكون المخدرات بذلك داخلة في عموم تحريم الخمر ‪،‬حتى ولو قيل �أنها مفترة ولي�ست‬
‫م�سكرة‪ ،‬فقد روي عن �أم �سلمة ر�ضي اهلل عنها �أن النبي  نهى عن كل م�سكر ومفتر»‪.1‬‬
‫�إذن فحكم تعاطي المخدرات هو التحريم وكذلك الإتجار بها وبيعها وتهريبها ‪ ...‬كله حرام‬
‫‪2‬‬
‫كحرمة تناولها لأن ما ي�ؤدي �إلى الحرام فهو حرام‪.‬‬
‫فعلى الم�ستوى القانوني‪ ،‬لكي تحقق جريمة المخدرات يجب �أن يكون مو�ضوعها مادة‬
‫مخدرة ولم يحدد الم�شرع الحد الأدنى لكمية المادة المخدرة التي ت�صلح �أن تكون مو�ضوعا‬
‫للجريمة‪ ،‬فالركن الخا�ص يتوافر متى تواجدت المادة المخدرة بغ�ض النظر عن مقدارها‬
‫ووزنها‪.‬‬
‫والم�شرع المغربي كغيره من الت�شريعات‪ ،‬لم يعط تعريفا للمادة المخدرة و�إنما و�ضع الئحة‬
‫على �سبيل الح�صر للمواد المخدرة‪ ،‬وعلى �أ�سا�س ذلك ف�إن المواد المدرجة على �سبيل الح�صر‬
‫في الجدول الملحق بالظهير ‪� ،31922‬أو تلك المحددة في الإتفاقيات الدولية الم�صادق عليها‬
‫من طرف المغرب‪، 4‬هي التي تدخل في دائرة التجريم‪.‬‬
‫وتجدر الإ�شارة �أنه لي�س من ال�ضروري �أن تندرج المادة المخدرة �ضمن الجدول‪ ،‬بل يكفي‬
‫�أن تكون المادة الم�ضبوطة تحتوي على مادة من المواد المعددة في الجدول لكي تعتبر مادة‬
‫مجرمة‪ ،‬وعند ال�شك يجب الت�أكد من ذلك عبر تحليل مخبري‪ ،‬وفي هذا ال�صدد‪ ،‬جاء في‬
‫قرار لمحكمة النق�ض ‪« :‬حيث �إن القرار المطعون فيه عندما �ألغى الحكم االبتدائي الذي �أدان‬
‫المطلوبين في جنحة الإتجار في المخدرات‪ ،‬وق�ضى من جديد ببراءتهما وعلل ذلك بقوله‪:‬‬
‫وحيث �إن كل من �أقرا�ص بيتفيل و�أوطينال ال توجد �ضمن الالئحة الم�شار �إليها في الف�صل‬
‫الأول وحيث �أنه ال دليل على �أنها من �ضمن المخدرات المعاقبة �أو �أنها من العقاقير المهدئة‪.‬‬
‫وحيث �أن الفعل الذي �أدين من �أجله ال�ضنينان والحالة ما ذكر غير ثابت لما فيه الكفاية‬
‫مما يتعين معه �إلغاء الحكم الم�ست�أنف والحكم بالبراءة‪.‬‬
‫لكن حيث يجب التذكير �أن ال�ضابطة الق�ضائية �ألقت القب�ض على ال�ضنينين وبحوزتهما‬
‫�أقرا�ص اعترافا �أنها ت�ستعمل كمخدر‪...‬‬

‫‪ 11‬الرئا�سة العامة للبحوث العلمية والإفتاء‪،‬جملة البحوث الإ�سالمية‪،‬جزء رقم ‪� 32‬ص‪.232-231.‬‬
‫‪ 22‬مقالة «حكم الإ�سالم يف املخدرات» للدكتور نوح علي �سليمان‪،‬دار الإفتاء ‪.‬‬
‫‪ 33‬اجلدول «ب» املرفق بالظهري ‪ 2‬دجنرب ‪ 1922‬وكذا قرار وزير ال�صحة العمومية بتاريخ ‪ 11‬يناير ‪ 1958‬يف تغيري‬
‫قائمة اجلدول «ب»‪.‬‬
‫‪ 44‬ظهري �رشيف رقم ‪ 1.29.283‬ال�صادر يف ‪ 29‬يناير ‪ 2002‬بن�رش �إتفاقية الأمم املتحدة ملكافحة الإجتار غري امل�رشوع يف‬
‫املخدرات‪...‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪260‬‬

‫وحيث �إن تركيز القرار بكون الأقرا�ص لم ترد في الئحة (ب)�ضمن الظهير الم�ؤرخ في‬
‫‪ 74/5/21‬المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات ال�سامة ال يكفي للقول ب�أن الفعل غير ثابت‬
‫�ضد ال�ضنينين‪ ،‬مادام لم تجر المحكمة بحثا دقيقا بوا�سطة المختبرات الخا�صة في تحليل‬
‫مثل تلك الأقرا�ص حتى تكون على بينة من الأمر الواقع‪ ،‬طالما بات من الم�ؤكد �أن ق�ضاة‬
‫الحكم لي�سوا تقنيين وال خبراء في مثل تلك المادة‪ ،‬الأمر الذي ي�شكك في �صحة القرار‪ ،‬علما‬
‫ب�أن كل دليل م�شكوك فيه ال يجوز �أن يكون �سندا للمحكمة ولو بالبراءة‪.‬‬
‫وعليه ف�إن القرار المطعون فيه عندما ق�ضى بما �سبق يكون ناق�ص التعليل ومعر�ضا‬
‫للنق�ض‪ ،»1‬وهذا ما �أكدته محكمة النق�ض الم�صرية في الطعن رقم ‪ 5975‬و ‪ 6610‬بجل�سة‬
‫‪ 1983/3/6‬و ‪.1983 /3/30‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الأركان العامة لجرائم المخدرات‬
‫�سنتناول من خالل هذا المطلب الأركان العامة لجرائم المخدرات‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الركن المادي‬
‫ا�ستعر�ض الم�شرع المغربي في الف�صول ‪ 8-3-2-1‬من ظهير ‪ 21‬ماي ‪ 1974‬الأفعال التي‬
‫تكون الركن المادي للجريمة وهي‪:‬‬
‫ا�ستيراد وت�صدير المخدرات‪.‬‬ ‫✺‬

‫�إنتاج و�صنع المخدرات‪.‬‬ ‫✺‬

‫نقل المخدرات‪.‬‬ ‫✺‬

‫م�سك ب�صفة غير م�شروعة للمواد �أو النباتات المعتبرة مخدرات‪.‬‬ ‫✺‬

‫ت�سهيل ا�ستعمال المواد والنباتات المعتبرة مخدرات‪.‬‬ ‫✺‬

‫ا�ستعمال المخدرات والإدمان عليها‪.‬‬ ‫✺‬

‫وهذا التحديد الذي �أعطاه الم�شرع في هذه الف�صول لي�س على �سبيل الح�صر و�إنما على‬
‫�سبيل اال�ستئنا�س‪ ،‬فقد ا�ستعمل في الف�صل الثاني من الظهير عبارة «كل ‪ ...‬من �أم�سك ب�صفة‬
‫غير م�شروعة المواد �أو النباتات المعتبرة مخدرات» وهي عبارة �أرادها الم�شرع �أن تكون‬
‫ف�ضفا�ضة لت�ستوعب جميع �أنواع االت�صال غير الم�شروع بالمواد المخدرة‪.‬‬
‫وخالفا للقواعد العامة المطبقة في الف�صل ‪ 118‬من القانون الجنائي «الفعل الواحد الذي‬
‫يقبل �أو�صافا متعددة يجب �أن يو�صف ب�أ�شدها» ف�إن الجرائم المعددة في الظهير هي جرائم‬
‫م�ستقلة من حيث عنا�صرها القانونية و�إن بدت من طبيعة واحدة‪ .‬هذا اال�ستقالل يترتب عنه‬
‫‪ 11‬قرار ملحكمة النق�ض عدد ‪ 4 /940‬بتاريخ ‪ ،1995/4/26‬ذكره املعطي جبوجي‪ ،‬مرجع �سابق �ص‪.21.‬‬
‫‪261‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�إمكانية التفريق بينهما عند الجزاء من قبيل ت�صريح ببراءة المتهم من الم�سك و�إدانته من‬
‫�أجل الإتجار �أو الت�صريح بالتقادم في تهمتي الت�صدير والم�سك دون االتجا‪ ،‬وفي هذا ال�سياق‬
‫جاء في حكم للمحكمة االبتدائية بتطوان ‪ « :‬وحيث �أن الأفعال المتابع بها المتهم كل واحدة‬
‫منها ت�شكل جريمة م�ستقلة بذاتها و�إن كانت معاقبة بنف�س العقوبة‪ ،‬فجريمة الم�سك م�ستقلة‬
‫بذاتها عن جريمة النقل وعن جريمة الت�صدير وعن جريمة الإتجار وعن جريمة الم�شاركة في‬
‫هذه الأفعال ‪،‬وحيث دفع م�ؤازر المتهم بالتقادم طبقا لمقت�ضيات المادة ‪ 5‬من قانون الم�سطرة‬
‫الجنائية والتي جاء فيها ب�أنه تتقادم الدعوى العمومية بمرور ‪� 5‬سنوات تبتدئ من يوم �إرتكاب‬
‫الجريمة بالن�سبة للجنح‪ ،‬وحيث اعتبارا لمقت�ضيات الف�صل المذكور ف�إن جريمة الم�سك‬
‫والحيازة والنقل والت�صدير تمت خالل ‪� 93/92‬إلى حدود ‪ 94‬ح�سب الت�صريحات المختلفة‬
‫للمتهم وباحت�ساب �أمد التقادم يكون بالفعل �إثارة الدفع جدية ويتعين بالنتيجة الت�صريح‬
‫ب�سقوط الدعوى العمومية جزئيا في هذا ال�شق من المتابعة‪.‬‬
‫بخ�صو�ص جنحة الإتجار في المخدرات والم�شاركة فيها‪ ،‬حيث �أن الثابت من ت�صريحات‬
‫المتهم �سواء �أمام المحكمة �أو من خالل ت�صريحاته التمهيدية �أنه ت�سلم من الثاني ما قدره‬
‫‪ 550000‬درهم كجزء من ثمن البيع بتاريخ ‪ 97/12/30‬وحيث �أن عملية الإتجار تقوم على‬
‫ت�سليم وت�سلم الثمن‪ ،‬يجعل عملية الإتجار ال زالت قائمة ومددت �إلى التاريخ �أعاله ما دام‬
‫‪1‬‬
‫الثمن لم يدفع بكامله �إبان الت�سليم الذي كان في �سنة ‪.»1994‬‬
‫‪ - 1‬اال�ستيراد والت�صدير‪:‬‬
‫عرفت مدونة الجمارك اال�ستيراد على �أنه «دخول ب�ضائع �آتية من الخارج �أو من المناطق‬
‫الحرة �إلى التراب الخا�ضع للقوانين والأنظمة الجمركية‪� ،‬أما الت�صدير فهو خروج الب�ضائع‬
‫من التراب الخا�ضع»‪.2‬‬
‫في الف�صل الأول والثاني من ظهير ‪ ،1974‬زجر الم�شرع مخالفة مقت�ضيات ظهير ‪1922‬‬
‫المتعلق بتنظيم ا�ستيراد المواد ال�سامة و�شدد على معاقبة م�ستوردي وم�صدري المواد‬
‫والنباتات المعتبرة مخدرات‪.‬‬
‫فجريمة الت�صدير واال�ستيراد تتحقق من خالل �إدخال �أو �إخراج المادة المخدرة بغ�ض‬
‫النظر عن كميتها من المجال الإقليمي كما تتحقق في �صورة محاولة طبقا لمقت�ضيات الف�صل‬

‫‪ 11‬حكم �صادر عن ابتدائية تطوان بتاريخ ‪ ،2002/10/30‬امللف اجلنحي التلب�سي عدد ‪ .1/02/2157‬ذكر من طرف معطي‬
‫جبوجي مرجع �سابق‬
‫‪ 22‬الف�صل الأول من مدونة اجلمارك وال�رضائب غري املبا�رشة‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪262‬‬

‫‪ 5‬من ظهير ‪ 1974‬الذي يعاقب على محاولة �إرتكاب الجرائم المقررة في الظهير باعتبارها‬
‫جنحة وقع ارتكابها‪.‬‬
‫‪ - 2‬زراعة المخدرات و�إنتاجها و�صنعها‪:‬‬
‫الزراعة ت�شمل عملية الحرث والعناية بالنبتة من �سقي وت�سميد وغيرهما ثم قلع النبات‬
‫عند الن�ضج‪ ،‬فجريمة الزرع تتحقق بمجرد غر�س �شتالت النبات في الأر�ض‪ ،‬وهي من الجرائم‬
‫الم�ستمرة التي تتوافر في حق المتهم طيلة المدة التي ظل فيها زارعا‪.‬‬
‫�أما الإنتاج فهو ف�صل المادة المخدرة عن �أ�صلها النباتي‪ ،‬بينما ال�صنع فيق�صد به مزج‬
‫مواد معينة للح�صول على المادة المخدرة ‪،‬فجريمتي الإنتاج وال�صنع ال تتحقق �إال بوجود‬
‫المادة المخدرة و�إال كنا �أمام محاولة �إنتاج �أو محاولة �صنع المواد المخدرة ‪.‬‬
‫ويجب �إثبات هذه الجرائم من طرف �ضباط ال�شرطة الق�ضائيين الم�ؤهلين لذلك‪ ،‬وفي‬
‫هذا الإطار جاء من�شور وزير العدل في ا�ستبعاد محا�ضر المياه والغابات للمتابعة في جرائم‬
‫‪1‬‬
‫المخدرات‪.‬‬
‫‪ - 3‬نقل المخدرات‪:‬‬
‫هو حمل المواد المخدرة لح�ساب الغير من مكان �إلى �آخر ب�أية و�سيلة كانت برية �أو بحرية‬
‫�أو جوية مع علمه ب�أن المادة التي ينقلها من المواد المحظورة قانونا‪ ،‬وعن�صر العلم بالن�ص‬
‫القانوني مفتر�ض لأنه ال يعذر �أحد بجهله للقانون‪.‬‬
‫والنقل من الجرائم الم�ستمرة التي ال يبد�أ �سقوطها بالتقادم �إال من يوم خروج المخدر من‬
‫‪2‬‬
‫حيازة الناقل‪.‬‬
‫‪ - 4‬ت�سهيل ا�ستعمال المواد �أو النباتات المعتبرة مخدرات‬
‫ن�صت المادة ‪ 3‬من ظهير ‪� 1974‬أنه يعاقب من �سنتين �إلى ‪� 10‬سنوات وبغرامة تتراوح بين‬
‫‪ 5000‬و ‪ 500000‬درهم‪:‬‬
‫كل من �سهل على الغير ا�ستعمال المواد �أو النباتات المذكورة بعو�ض �أو بغير عو�ض �إما‬ ‫✺‬

‫بتوفير محل لهذا الغر�ض �أو �إما ب�إ�ستعمال و�سيلة من الو�سائل‪.‬‬


‫كل دكتور في الطب �سلم و�صفة �صورية ت�ساعد الغير على ا�ستعمال المواد �أو النباتات‬ ‫✺‬

‫المعتبرة مخدرات‪.‬‬

‫‪ 11‬من�شور لوزير العدل رقم ‪� 16‬س‪ ،‬ا مل�ؤرخ يف ‪� 4‬أبريل ‪.2012‬‬


‫‪ 22‬معطي جبوجي مرجع �سابق‪.‬‬
‫‪263‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫كل من عمل على ت�سلم المواد المخدرة بوا�سطة و�صفات طبية �صورية �أو حاول العمل على‬ ‫✺‬

‫ت�سلمها‪.‬‬
‫كل من كان على علم بال�صبغة ال�صورية التي تكت�سيها هذه الو�صفات و�سلم بناء على‬ ‫✺‬

‫تقديمها �إليه المواد �أو النباتات المذكورة‪.‬‬


‫الفقرة ‪ 2‬و‪ 4‬ت�شير �إلى جرائم ذوي ال�صفة ‪،‬عندما �أ�شار الم�شرع �إلى الطبيب و ال�صيدلي �إال‬
‫�أنه ال يكفي توافر ال�صفة وحدها بل ينبغي �أن تكون وظيفته قد �سهلت له القيام بذلك‪ ،‬حيث �أن‬
‫الفقرة ‪ 2‬تتحدث عن الطبيب الذي ي�سلم و�صفات �صورية ت�ساعد الغير على ا�ستعمال المواد �أو‬
‫النباتات المعتبرة مخدرات‪� ،‬أما الفقرة ‪ 4‬فت�شير �إلى كل من كان على علم بال�صبغة ال�صورية‬
‫للو�صفات الطبية و�سلم بناءا على تقديمها �إليه المواد والنباتات المخدرة‪.‬‬
‫�إلى جانب الفقرتين ‪ 2‬و ‪ 4‬المدرجة �ضمن جرائم ذوي ال�صفة‪ ،‬تحدث الم�شرع ب�شكل عام‬
‫في الفقرة الأولى عن «كل من �سهل على الغير ا�ستعمال المواد �أو النباتات المذكورة بعو�ض �أو‬
‫بغير عو�ض �إما بتوفير محل لهذا الغر�ض و�إما ب�إ�ستعمال �أية و�سيلة من الو�سائل»‪ .‬هذه الفقرة‬
‫جاءت عامة وفي عموميتها يدخل عامة النا�س‪ ،‬فقدت اعتبرت جميع �أنواع الم�ساعدة على‬
‫ت�سهيل ا�ستعمال المخدرات مجرمة‪ ،‬فال�شخ�ص الذي يعد في منزله مكانا ال�ستقبال �أ�صدقائه‬
‫لتدخين المخدرات يعتبر ن�شاطه ح�سب الأحوال ت�سهيال لتعاطي الغير المواد المخدرة‪.‬‬
‫�أما الفقرة الثالثة من نف�س الف�صل فقد عاقب الم�شرع كل من عمل على ت�سلم المواد‬
‫�أو النباتات المخدرة بوا�سطة و�صفات طبية �صورية �أو حاول العمل على ت�سلمها‪ ،‬وفي نف�س‬
‫الإطار‪ 1‬يتوجب على ال�صيادلة االحتفاظ بالو�صفات الطبية وعدم ردها �إلى المر�ضى بعد‬
‫ت�سلمهم الأدوية حتى ال ت�ستعمل مرة �أخرى ويجب االحتفاظ بها لمدة ‪� 3‬سنوات على الأقل‪.‬‬
‫‪ - 5‬اال�ستعمال غير الم�شروع للمواد والنباتات المعتبرة مخدرات (اال�ستهالك)‬
‫هذه الجريمة تناولها الف�صل ‪ 8‬من الظهير‪« :‬يعاقب بالحب�س من �شهرين �إلى �سنة وبغرامة‬
‫مالية تتراوح بين ‪ 500‬و ‪ 5000‬درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط كل من ا�ستعمل ب�صفة‬
‫غير م�شروعة �إحدى المواد �أو النباتات المعتبرة مخدرات‪.2»....‬‬
‫�أول ما يالحظ في هذا الف�صل �أن الم�شرع ا�ستعمل عبارة «ا�ستعمل ب�صفة غير م�شروعة‪»....‬‬
‫والتي جاءت عامة لت�شمل جميع طرق تعاطي المخدرات من �شم وبلع وحقن وتدخين‪...‬‬

‫‪ 11‬الف�صل ‪ 32‬من ظهري ‪ 2‬دجنرب ‪ 1922‬بتنظيم ا�سترياد املواد ال�سامة والإجتار فيها و�إم�ساكها وا�ستعمالها‪.‬‬
‫‪ 22‬الف�صل ‪ 8‬من ظهري ‪ 21‬ماي ‪ 1974‬املتعلق بجرمية ا�ستهالك املواد والنباتات املخدرة‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪264‬‬

‫�إ�ضافة �أنه عامل فئة الم�ستهلكين معاملة خا�صة تختلف عن باقي الفئات الأخرى �إذ‬
‫اعتبرهم مر�ضى يحتاجون �إلى العالج �أكثر منه �إلى العقاب وهكذا فقد ن�ص هذا الف�صل على‬
‫عقوبة اختيارية بين الحب�س والغرامة ولترغيبهم في الإقالع عن المخدرات ذهب �إلى حد عدم‬
‫فتح المتابعة الجنائية في حقهم �إذا وافق المتعاطي على الخ�ضوع للعالج خالل المدة الالزمة‬
‫في �إحدى الم�ؤ�س�سات العالجية للق�ضاء على حالة الت�سمم‪.‬‬
‫ومن الأحكام اال�ستثنائية التي تعاملت مع الف�صل ‪ ،8‬قرار لمحكمة الإ�ستئناف بالدار‬
‫البي�ضاء التي ق�ضت ببراءة المتهم من جريمة ا�ستهالك المخدرات النعدام الفح�ص الطبي‬
‫معللة قرارها بما يلي‪ « :‬وحيث �أن حالة الإدمان غير ثابتة في حق ال�ضنينين ال من خالل الواقع‬
‫لأنهما لم ي�ضبطا في حالة تخدير وال �سجلت عليهما حالة التعود �أو الإدمان على المخدرات‪،‬‬
‫كما �أنه لم يجر ك�شف طبي عليهما لإثبات حالة الإدمان‪ ،‬وحيث �أنه ا�ستنادا �إلى ما ذكر ف�إن‬
‫مقت�ضيات الف�صل المذكور غير واردة وال ثابتة مما يتعين معه الحكم ببراءتهما من جريمة‬
‫ا�ستهالك المخدرات طبقا للف�صل المذكور‪.1».‬‬
‫�إذا تعلق الأمر بجريمة ا�ستعمال المخدرات ب�صفة غير م�شروعة دون �أن تكون مقترنة‬
‫بجرائم �أخرى عمدية وغير عمدية‪ ،‬ف�إن وكيل الملك ملزم قبل ت�سطير المتابعة �إلى ت�ضمين في‬
‫مح�ضر اال�ستنطاق نية المدمن في الخ�ضوع للعالج من عدمه ف�إذا �أف�صح عن نيته في العالج‬
‫في �إحدى الم�ؤ�س�سات العالجية �أو الم�صحات الخا�صة تحددها وزارة ال�صحة العمومية ‪،‬تتوقف‬
‫المتابعة في حقه‪ ،‬وفي هذا الإطار ق�ضت المحكمة االبتدائية بتطوان بعدم قبول متابعة النيابة‬
‫العامة معللة حكمها بما يلي ‪ « :‬وحيث �أن الم�شرع في ظهير ‪� 1974‬أخرج م�ستعملي المخدرات من‬
‫نطاق الف�صلين الأول والثاني من الظهير وعامل هذه الفئة معاملة خا�صة تختلف عن معاملة‬
‫المحترفين من التجار والو�سطاء والناقلين والم�صدرين والم�ستوردين ب�أن اعتبرهم مر�ضى‬
‫و�ضحايا هذه المواد الخطيرة وبالتالي هدف �إلى معالجتهم و�إعادة �إدماجهم في المجتمع‬
‫ون�ص على عقوبة اختيارية في حقهم بين الحب�س والغرامة �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين‪ ،‬وعلق‬
‫تحريك المتابعة في حق المدمنين منهم على مبادرة من طرف النيابة العامة م�ضمنها �إمكانية‬
‫�إخ�ضاعهم للعالج مقابل موافقتهم على ذلك ودون تحريك المتابعة في حقهم عند الموافقة‪،‬‬
‫وهذا الإجراء ك�أن الم�شرع يبغي من وراءه تمكين الم�ستهلك من فر�صة العالج وهي فر�صة‬
‫�أ�ضحت بمثابة حق للمتهم على النيابة العامة قبل تحريك المتابعة في حقه‪.‬‬
‫وحيث �أن المحكمة من خالل وقائع الق�ضية انتهت �إلى كون المتهم يوجد في حالة �إدمان‬
‫وبالتالي ف�إن �إقدام النيابة العامة على متابعته با�ستهالك المخدرات و�إحالته في حالة اعتقال‬
‫‪ 11‬قرار ذكر من طرف معطي جبوجي مرجع �سابق‪.‬‬
‫‪265‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫على هذه المحكمة دون احترام مقت�ضيات الفقرة ‪ 2‬من الف�صل الثامن و دون ت�ضمين موقف‬
‫‪1‬‬
‫المتهم بمح�ضر ا�ستنطاقه يجعل �صيغة متابعتها غير مقبولة»‬
‫وتفعيال لمقت�ضيات هذا الف�صل تو�صل الوكالء العامون للملك لدى محاكم الإ�ستئناف‬
‫بالمملكة ووكالء الملك لدى المحاكم االبتدائية بمن�شور من طرف وزير العدل في مو�ضوع‬
‫‪2‬‬
‫العالج من الإدمان على المخدرات لدى المتابعين ق�ضائيا‪.‬‬
‫�إذا تهرب ال�شخ�ص الم�أمور بعالجه من تنفيذ هذا التدبير طبقت عليه العقوبات المقررة‬
‫في الف�صل ‪ 320‬من ق‪.‬ج والذي يق�ضي على �أن ‪ « :‬من �صدر �ضده حكم �أو �أمر بالإيداع الق�ضائي‬
‫في م�ؤ�س�سة لعالج الأمرا�ض العقلية طبقا للف�صلين ‪78‬و‪ 79‬والف�صل ‪ 136‬بناء على قرار بثبوت‬
‫م�س�ؤوليته الناق�صة‪ ،‬ثم تهرب من تنفيذ هذا التدبير‪ ،‬يعاقب بالحب�س من ‪� 3‬أ�شهر �إلى �سنة‬
‫وغرامة من ‪� 200‬إلى ‪ 500‬درهم‪».‬‬
‫وتجدر الإ�شارة ‪�،‬أنه في حالة رجوع المتهم خالل ‪� 3‬سنوات الموالية ل�شفائه �إلى �إرتكاب‬
‫جنحة ا�ستعمال المخدرات �أو ترويجها ف�إن الدعوى العمومية تحرك في حقه بالن�سبة‬
‫للجريمتين ال�سابقة والجديدة‪.‬‬
‫وفي النهاية نذكر �أنه من �شروط تطبيق هذه المقت�ضيات �أن تكون الجريمة المرتكبة هي‬
‫ا�ستعمال المخدرات ب�صفة غير م�شروعة‪ .‬ومن ثم ف�إنه ال ي�ستفيد من هذه المقت�ضيات من كان‬
‫متهما في غيرها من جرائم المخدرات والجرائم الأخرى وفي هذه الحالة يعفى وكيل الملك‬
‫من �سلوك الم�سطرة الواردة في الف�صل ‪ 8‬حيث تحال الق�ضية وجوبا على المحكمة‪.‬‬
‫‪ - 6‬الم�سك الغير الم�شروع للمواد والنباتات المعتبرة مخدرات‬
‫الم�سك لغة هو اللم�س‪� ،‬أي الح�صول على ال�شيء وب�سط اليد عليه �إما بنية التملك �أو من‬
‫باب الإخت�صا�ص �أو ب�شكل عر�ضي‪ ،‬وا�صطالحا يمكن تعريفه ب�أنه كل ات�صال غير م�شروع‬
‫بالمادة المخدرة بكامل �إرادة الما�سك ور�ضاه ب�صورة يمنعها القانون ويجرمها‪.‬‬
‫وم�سك المخدر �إما �أن يتخذ �صورة الحيازة الكاملة بحيث تكون للما�سك ال�سلطتين المادية‬
‫والمعنوية تخواله حق الت�صرف في المادة �سواء بالبيع �أو المبادلة �أو غيرهما‪.‬وقد يتخذ‬
‫الم�سك �صورة الحيازة الناق�صة بحيث يقف عند حدود الحيازة المادية دون ال�سلطة المعنوية‬
‫التي تخول �صاحبها حق الت�صرف في المخدر وهذا حال الناقل مثال ‪،‬كما قد يتخذ الم�سك‬
‫�صورة الحيازة العر�ضية تحت �إ�شراف المالك الفعلي لهذه المواد‪ ،‬كما في حالة م�سك المخدر‬
‫بق�صد معاينته قبل عملية ال�شراء‪.‬‬
‫‪ 11‬ملف جنحي تلب�سي عدد ‪ 1/05/668‬حكم عدد ‪ 710‬بتاريخ ‪.2005/06/06‬‬
‫‪ 22‬من�شور وزير العدل م�ؤرخ يف ‪ 29‬يوليو ‪2005‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪266‬‬

‫لكن قد ال يكون م�سك المادة المخدرة وحده كافيا للقول بوقوع الجريمة متى ثبت �أن‬
‫الم�سك كان من باب الف�ضول وحب اال�ستطالع مثال‪.‬‬
‫ولم يعط الم�شرع المغربي �أي تعريف لعبارة الم�سك واعتمد هذا الم�صطلح دون م�صطلح‬
‫«الحيازة» خالف بع�ض الت�شريعات المقارنة كالت�شريع الم�صري الذي ميز بين الحيازة‬
‫والإحراز الذي هو الم�سك و�أفرد لكل منها عقوبة خا�صة‪.‬‬
‫ومن المالحظ �أن كثير من المتابعات والأحكام الق�ضائية بما فيها قرارات المجل�س الأعلى‬
‫ال تتقيد بم�صطلح الم�سك‪ ،‬و�إنما تعتمد على م�صطلح الحيازة‪ ،‬على اعتبار �أن الحيازة �أو�سع‬
‫من الم�سك‪ ،‬وت�ستوعب ال�صور الثالث �أعاله‪ .‬كما ت�شمل الحالة التي ال يتحقق فيها �أي ات�صال‬
‫مادي مبا�شر بين ج�سم المتهم والمادة المخدرة‪،‬حيث يعتبر ال�شخ�ص حائزا ولو كان ما�سك‬
‫المادة �شخ�ص �آخر نائب عنه‪ .‬وفي هذا الإطار �أكدت محكمة النق�ض �أن عن�صر الحيازة الغير‬
‫الم�شروعة للمخدرات تتحقق �إما واقعا بمالم�ستها ب�صفة مبا�شرة من طرف المتهم و�إما حكما‬
‫بال�سيطرة الفعلية عليها بوا�سطة الغير‪ ،‬حتى لو لم يح�صل �أي ات�صال مبا�شر بها من طرف‬
‫‪1‬‬
‫المتهم‪.‬‬
‫‪ - 7‬ال�صور الأخرى للركن المادي‬
‫ا�ستعر�ض الم�شرع في الف�صول ‪ 8/3/2/1‬من ظهير ‪ 74/5/21‬بع�ض �صور الركن المادي‬
‫لجرائم المخدرات‪ ،‬وا�ستعمل في الف�صل الثاني من الظهير عبارة عامة ‪ « :‬كل من �أم�سك‬
‫ب�صفة غير م�شروعة المواد والنباتات المعتبرة مخدرات‪ ».‬وعمومية هذه العبارة ت�ستوعب‬
‫جميع ال�صور الأخرى من قبيل الو�ساطة‪ ،‬حيث يكون دور الو�سيط التدخل بين الأطراف ق�صد‬
‫التقريب بينهما في ال�سعر �أو باقي �شروط ال�صفقة‪ ،‬وذلك بمقابل مادي �أو ح�صوله على جزء‬
‫من المخدرات �أو حتى لو كانت على �سبيل المجاملة ودون مقابل‪.‬‬
‫ويمكن �أن ت�أخذ جريمة المخدرات �صورة المبادلة بحيث يتخلى كل طرف من طرفي‬
‫المعاملة على مادة مخدرة للطرف الآخر كمبادلة مادة الح�شي�ش بهيروين �أو كوكايين‪ ،‬وقد‬
‫ت�أخذ �أحيانا �صورة تنازل‪ .‬ولكن �أبرز �صورة من �صور التعامل بالمخدرات هي الإتجار‪.‬‬
‫الإتجار‪ :‬هو �صورة من �صور الركن المادي لجرائم المخدرات يدخل �ضمن حالة ال�صفقات‬
‫المبنية في الغالب على عقد �شفوي يلتزم بمقت�ضاه البائع بنقل ملكية المادة المخدرة للم�شتري‬
‫بمقابل نقدي‪ ،‬وفي حاالت �أخرى تتخذ �صور اعتراف بدين متقابل لإ�ضفاء ال�شرعية على �أية‬
‫دعوى محتملة عند �إخالل طرف من �أطراف العقد بالتزامه‪.‬‬
‫‪ 11‬القرار عدد ‪ 7/3891‬بتاريخ ‪ 25‬نونرب ‪ 2009‬ملف جنحي عدد ‪ 09/4963‬من�شور بق�ضاء املجل�س الأعلى‪،‬عدد ‪� 72‬سنة‬
‫‪� 2010‬ص‪.338.‬‬
‫‪267‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫والمالحظ �أن الم�شرع المغربي لم ي�شر �إلى الإتجار ك�صورة من �صور التعامل في المخدرات‪،‬‬
‫و�إنما ا�ستعمل عبارة عامة «كل من �أم�سك ب�صفة غير م�شروعة المواد والنباتات المعتبرة‬
‫مخدرات»‪ ،‬وهي عبارة كما �سبق القول ف�ضفا�ضة‪� ،‬أراد من خاللها الم�شرع ا�ستيعاب جميع‬
‫�أنواع االت�صال الغير الم�شروع بالمخدرات‪ ،‬ومن �ضمنها الإتجار‪ .‬في هذا الإطار‪ ،‬يذهب جانب‬
‫من الدفاع في بع�ض المرافعات‪� ،‬إلى �إ�سقاط تعريف مدونة التجارة للتاجر‪ ،‬على التاجر في‬
‫المخدرات‪ ،‬وذلك با�شتراط توفر عن�صر التكرار واالعتياد بهدف الربح و�أن تتجه نية مرتكب‬
‫الفعل �إلى احتراف الإتجار فيها وتقديمها للغير بمقابل مادي‪ .‬وعلى هذا الأ�سا�س ينتهون في‬
‫ملتم�ساتهم الختامية �إلى التما�س البراءة بالن�سبة للمتهم الذي اعترف بالإتجار لأول مرة ‪.‬‬
‫لكن مثل هذا القول ال يمكن العمل به لأنه لال�ستفادة من �أحكام ومقت�ضيات �أي ن�ص ت�شريعي‬
‫يجب �أن يتعلق الأمر با�ستغالل م�شروع وغير مخالف للأخالق الحميدة والنظام العام �إعماال‬
‫لمقت�ضيات الف�صول ‪ 57‬و‪ 62‬من ق‪ .‬ل‪.‬ع والن�شاط التجاري غير الم�شروع ال يمكن �أن يكون �أ�صال‬
‫تجاريا مهما كانت �أهميته‪ ،‬ومن تم ف�إن المعنى اللغوي هو الذي يجب �إعماله في هذا الباب»‪.‬‬
‫التاجر جمع تجار �أي من تعاطى للتجارة‪ ،‬والتجارة تعني البيع وال�شراء لغر�ض الربح‪.‬‬
‫وفي هذا ال�سياق جاء في قرار لمحكمة النق�ض ‪�« :‬إن جريمة الإتجار في المخدرات وخالفا‬
‫لما يدعيه العار�ض ال تخ�ضع للقانون التجاري وال ي�شترط لقيامها ثبوت االعتياد ووجود م�شتر‬
‫‪1‬‬
‫معين و�إنما تتحقق بمجرد ال�شروع في البيع‪».‬‬
‫‪ - 8‬المحاولة في جرائم المخدرات‬
‫الركن المادي في جرائم المخدرات ال يتحقق دائما في �صورته العادية و�إنما يتحقق �أي�ضا‬
‫في �صورة المحاولة وفي �صورة الم�ساهمة والم�شاركة‪.‬‬
‫فالن�شاط الإجرامي الذي يكون الركن المادي في جرائم المخدرات ال يلزم مبدئيا �أن‬
‫يحقق النتيجة الإجرامية التي ا�ستهدفها الفاعل بن�شاطه‪� ،‬إنما يكفي �أن تتوافر فيه �شروط‬
‫المحاولة من خالل ال�شروع في تنفيذها �أو القيام ب�أعمال ال لب�س فيها تهدف مبا�شرة �إلى‬
‫�إرتكابها �إذا لم يوقف تنفيذها �أو لم يح�صل الأثر المتوخى منها �إال لظروف خارجة عن �إرادة‬
‫مرتكبها‪.2‬‬
‫الف�صل ‪ 115‬من ق‪.‬ج «اعتبر محاولة الجنحة ال عقاب عليها ما لم يوجد ن�ص خا�ص يق�ضي‬
‫بذلك»‪ .‬ف�إن م�شرع قانون المخدرات قد عاقب على محاولة �إرتكاب �إحدى جرائم المخدرات‬
‫بعقوبة الفعل التام �أي على �أ�سا�س �أنها جنحة وقع ارتكابها‪.‬‬
‫‪ 11‬قرار املجل�س الأعلى عدد ‪ 9 /144‬بتاريخ ‪.1996-7-18‬‬
‫‪ 22‬الف�صل ‪ 114‬من القانون اجلنائي يف تعريف للمحاولة‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪268‬‬

‫‪ - 9‬الم�شاركة في جرائم المخدرات‬


‫الم�شاركة على عك�س الم�ساهمة ال يقوم فيها الم�شارك بعمل من �أعمال التنفيذ المادي‬
‫للجريمة‪ ،‬و�إنما ي�ساعد الفاعل الأ�صلي ب�أعمال تح�ضيرية �أو ي�شجعه على �إرتكاب الجريمة‪.‬‬
‫ين�ص الف�صل ‪ 4‬من ظهير ‪� 1974‬أنه ‪ « :‬ب�صرف النظر على �أفعال الم�شاركة الناتجة عن‬
‫تطبيق مقت�ضيات الف�صل ‪ 129‬من ق‪.‬ج‪ ،‬ف�إن كل من حر�ض ب�أية و�سيلة من الو�سائل على‬
‫�إرتكاب �إحدى الجرائم المن�صو�ص عليها في ظهيرنا ال�شريف هذا �سواء �أكان لهذا التحري�ض‬
‫مفعول �أم ال‪ ،‬يعاقب بالحب�س من �سنة �إلى ‪� 5‬سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين ‪ 500‬و ‪50.000‬‬
‫درهم ‪.‬‬
‫وتطبق نف�س العقوبات على كل من حر�ض طبق نف�س ال�شروط على ا�ستعمال المواد والنباتات‬
‫المخدرة‪ .‬و�إذا وقع التحري�ض ب�إحدى و�سائل الإ�شهار �أو بوا�سطة مكتوبات �أو عن طريق الأقوال‬
‫�أو ال�صور‪ ،‬طبقت هذه العقوبات على مرتكبي التحري�ض ولو كان م�صدر الإ�شهار بالخارج ووقع‬
‫الإعالن عنه في المغرب»‪.‬‬
‫ويق�ضي الف�صل ‪ 129‬من ق‪.‬ج ‪ « :‬يعتبر م�شاركا في الجناية �أو الجنحة من لم ي�ساهم‬
‫مبا�شرة في تنفيذها ولكنه �أتى �أحد الأفعال التالية‪:‬‬
‫‪� - 1‬أمر بارتكاب الفعل �أو حر�ض على ارتكابه وذلك بهبة �أو وعد �أو تهديد �أو �إ�ساءة ا�ستغالل‬
‫ال�سلطة �أو والية �أو تحايل �أو تدلي�س �إجرامي‪.‬‬
‫‪  - 2‬قدم �أ�سلحة �أو �أدوات �أو �أية و�سيلة �أخرى ا�ستعملت في �إرتكاب الفعل مع علمه ب�أنها‬
‫�ست�ستعمل لذلك‪.‬‬
‫‪� - 3‬ساعد �أو �أعان الفاعل �أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التح�ضيرية �أو الأعمال الم�سهلة‬
‫الرتكابها مع علمه بذلك‪.‬‬
‫‪ - 4‬تعود على تقديم م�سكن �أو ملج�أ �أو مكان لالجتماع لواحد �أو �أكثر من الأ�شرار الذين‬
‫يمار�سون الل�صو�صية �أو العنف �ضد �أمن الدولة �أو الأمن العام �أو �ضد الأ�شخا�ص �أو‬
‫الأموال مع علمه ب�سلوكهم الإجرامي‪.‬‬
‫في قراءتنا للف�صل ‪ 4‬من الظهير يت�ضح �أن الم�شرع جعل التجريم يتعلق بالن�شاط ال�شخ�صي‬
‫للمحر�ض �سواء كان الفعل الذي حر�ض على ارتكابه وقع فعال �أو لم يقع ولم يجعل اكت�سابه‬
‫لهذه ال�صفة الإجرامية من ن�شاط الفاعل الأ�صلي‪ ،‬كما �أفرد له عقوبة حب�سية خا�صة من �سنة‬
‫�إلى خم�س �سنوات وغرامة يتراوح قدرها بين ‪ 500‬و ‪ 50000‬درهم‪.‬‬
‫‪269‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫والمالحظ �أي�ضا �أن الم�شرع ركز �أي�ضا على الم�شاركة بالتحري�ض ولم يرفقها كما في‬
‫الف�صل ‪� 129‬أعاله بالهبة �أو الوعد �أو غيرهما من الو�سائل‪ ،‬و�إنما جعل التحري�ض يتحقق «ب�أية‬
‫و�سيلة من الو�سائل» فجاءت العبارة عامة ومطلقة‪.‬‬
‫في الفقرة الثانية من الف�صل ‪ 5‬من الظهير‪ ،‬جرم الم�شرع الم�شاركة في جمعية �أو اتفاق‬
‫ق�صد �إرتكاب �إحدى جرائم المخدرات‪ .‬هنا انزاح الم�شرع على مبد�أ عدم تجريم الأفكار‬
‫والنوايا حتى ولو �أفرغت في �شكل اتفاق ما دامت تروج في ذهن �أ�صحابها ولم تتج�سد فعليا‬
‫على الواقع‪.‬‬
‫وجدير بالتنبيه �أن قيام الركن المادي لجريمة الم�شاركة ال ي�ستلزم �أن يكون الإتفاق‬
‫الم�صمم عليه قد جاء في �شكل معين‪� ،‬إذ يت�ساوى في هذا الخ�صو�ص �أن يكون الإتفاق �شفويا‬
‫�أو مكتوبا �أو م�سجال و�إنما الذي ي�ستلزم هو �إثبات الإتفاق بكافة الو�سائل التي ت�ؤدي �إلى �إقناع‬
‫المحكمة بوجوده‪.1‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي في جرائم المخدرات‬
‫ت�ستلزم الجريمة توافر الركن المعنوي لقيامها‪ ،‬وهو الركن المن�صو�ص عليه وعلى‬
‫مقت�ضياته في الف�صل ‪ 133‬من ق‪.‬ج‪ .‬ويختلف موقف الم�شرع من تجريم الأفعال المرتكبة بفعل‬
‫ال�ضرورة والإكراه �أو الدفاع ال�شرعي �أو الأفعال المباحة ب�أمر القانون �أو ب�إذن منه‪ ،‬حيث يعفى‬
‫الفاعل من الم�س�ؤولية �إما جزئيا �أو كليا بح�سب الأحوال وبالتالي من العقاب بالن�سبة للحالتين‬
‫الأولى والثانية �أو تمحى �صفة الجريمة بالن�سبة للأفعال المباحة‪.‬‬
‫العن�صر المعنوي في جرائم المخدرات ال ينفرد بخ�صو�صيات تجعله مميزا عن النية‬
‫الإجرامية عند الفاعل في جرائم �أخرى‪ .‬فجرائم المخدرات من الجرائم العمدية التي ت�ستلزم‬
‫توافر الق�صد الجنائي العام لدى الجاني‪ ،‬هذا الق�صد الذي يقوم على العلم والإرادة الحرة‬
‫(ولم ي�شترط الم�شرع الق�صد الخا�ص فيها) فيكفي لتحقيق �إحدى الجنح المعددة في الظهير‬
‫توافر عن�صر العلم ب�أن المادة هي من المواد المخدرة (وال عبرة بالباعث على الم�سك)‪ ،‬وهو‬
‫ما تبناه المجل�س الأعلى في العديد من قراراته‪ ،‬منها القرار ال�صادر بتاريخ ‪2006/12/13‬‬
‫والذي جاء فيه‪« :‬وحيث عللت المحكمة الم�صدرة للقرار المطعون فيه ما انتهت �إليه من �إلغاء‬
‫الحكم االبتدائي ‪ ،‬والحكم من جديد ب�إدانة الطاعنة بالجنحة المن�سوبة �إليها ‪ -‬الم�شاركة في‬
‫حيازة المخدرات‪ -‬بما يلي‪( :‬حيث �أن براءة ال�ضنينة الثانية على �أ�سا�س خلو الملف مما يفيد‬
‫�إدانتها ال ي�ستند على �أ�سا�س‪ ،‬على اعتبار �أن الكمية من الكيف والتبغ المهرب وجدت بحوزتها‪،‬‬

‫‪ 11‬املعطي اجلبوجي‪ ،‬مرجع �سابق �ص‪� 50 .‬إىل ‪.53‬‬


‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪270‬‬

‫كما �أن ال�ضنينة الأولى طلبت منها �إخفاءها بحظيرة الما�شية ال�شيء الذي يف�سر بكل جالء �أن‬
‫ال�ضنينة الثانية كانت تعلم بوجود المخدر داخل الكي�س)‪.‬‬
‫لكن حيث �إن هذا التعليل الذي بررته المحكمة م�صدرة القرار المطعون فيه �إدانة العار�ضة‬
‫بالجريمة المذكورة لم يبرز بما فيه الكفاية عنا�صر الفعل المدانة به الطاعنة خا�صة منها‬
‫عن�صر العلم‪� ،‬إذ ان�صب على وقائع مجردة لم ي�ست�شف منها بو�ضوح بكون العار�ضة كانت‬
‫ملمة ب�شكل دقيق ووا�ضح بطبيعة المادة التي �ضبطت بحوزتها داخل الكي�س‪ ،‬ف�ضال على �أن‬
‫علمها بكون المتهمة الأولى تتعاطى لالتجار في المخدرات ال ينه�ض دليال على توفير عن�صر‬
‫العلم لديها ب�أن محتوى الكي�س الذي �سلمته �إليها ال�ضنينة الأولى هو مادة مخدرة وبذلك يكون‬
‫التعليل الذي �أورده القرار المطعون فيه على النحو المذكور جاء معيبا وم�شوبا بالنق�صان مما‬
‫‪1‬‬
‫يعر�ضه للنق�ض والإبطال‪».‬‬
‫عن�صر العلم هنا يجب �إثباته من طرف النيابة العامة ب�صورة فعلية وال يجب افترا�ضه‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬ف�إنه ال يقبل من الجاني االحتجاج بجهله بكون المادة المحجوزة هي من المواد‬
‫المخدرة المحظورة والمدرجة في جدول من الجداول لأن العلم بالن�ص القانوني مفتر�ض وال‬
‫يعذر �أحد بجهله للقاعدة القانونية‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬عقاب جرائم المخدرات و�إ�شكالية الم�ساطر المرجعية‬
‫المطلب الأول‪ :‬عقاب جرائم المخدرات‬
‫‪2‬‬
‫يجمع ظهير المخدرات بين عقوبات �أ�صلية وعقوبات تبعية وتكميلية‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬العقوبات الأ�صلية‬
‫ب�إلقاء نظرة على العقوبات الواردة في ظهير ‪ ،1974 -5-21‬يالحظ �أن الم�شرع عاقب في‬
‫المادة الأولى منه كل من خالف مقت�ضيات ظهير ‪ 2‬دجنبر ‪ 1922‬المتعلق با�ستيراد المواد‬
‫ال�سامة والإتجار فيها وم�سكها وا�ستعمالها‪ ،‬وفي المادة الثانية من نف�س الظهير عاقب كل‬
‫م�ستورد �أو م�صدر �أو منتج �أو �صانع �أو ناقل �أو ما�سك للمواد المعتبرة مخدرات خارج ما هو‬
‫م�سموح به قانونا بعقوبة م�شددة تتراوح بين ‪� 5‬سنوات �إلى ‪� 10‬سنوات وبغرامة تتراوح بين ‪5000‬‬
‫و ‪ 500.000‬درهم‪ ،‬وفي المادة الثالثة من الظهير عاقب بالحب�س من �سنتين �إلى ع�شر �سنوات‬
‫وبغرامة ما بين ‪� 5000‬إلى ‪ 500.000‬درهم‪:‬‬

‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 3-3418‬بتاريخ ‪ 2006/12/13‬ملف جنحي عدد ‪ ،2003-17-121‬جملة امللف العدد ‪ 15‬نونرب ‪2009‬‬
‫�ص‪.236.‬‬
‫‪ 22‬املعطي اجلبوجي‪-‬مرجع �سابق �ص‪.81.‬‬
‫‪271‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫‪  - 1‬كل من �سهل على الغير ا�ستعمال المواد �أو النباتات المذكورة بعو�ض �أو بغير عو�ض �إما‬
‫بتوفير محل لهذا الغر�ض و�إما ب�إ�ستعمال �أية و�سيلة من الو�سائل‪.‬‬
‫‪  - 2‬كل من عمل على ت�سلم المواد �أو النباتات المذكورة بوا�سطة و�صفات طبية �صورية �أو‬
‫حاول العمل على ت�سلمها‪.‬‬
‫‪  - 3‬كل دكتور في الطب �سلم و�صفة �صورية ت�ساعد الغير على ا�ستعمال المواد �أو النباتات‬
‫المعتبرة مخدرات‪.‬‬
‫‪  - 4‬كل من كان على علم بال�صبغة ال�صورية التي تكت�سيها هذه الو�صفات و�سلم بناء على‬
‫تقديمها �إليه المواد �أو النباتات المذكورة‪.‬‬
‫ويرفع الحد الأدنى للعقوبة �إلى ‪� 5‬سنوات �إذا كان ا�ستعمال المواد �أو النباتات المذكورة قد‬
‫�سهل على قا�صر �أو عدة قا�صرين يبلغون من العمر ‪� 21‬سنة �أو �أقل‪� ،‬أو �إذا كانت هذه المواد �أو‬
‫النباتات قد �سلمت طبقا لل�شروط المن�صو�ص عليها في المقطعين ‪ 1‬و ‪ 4‬من الف�صل ‪.3‬‬
‫�أما في المادة الثامنة‪ ،‬فقد عامل الم�شرع فئة الم�ستهلكين معاملة خا�صة تختلف عن باقي‬
‫الفئات الأخرى‪ ،‬ونظر �إليها نظرة المري�ض الذي يحتاج العالج قبل العقاب‪ .‬وهكذا ن�ص‬
‫الف�صل المذكور على عقوبة اختيارية في حق الم�ستهلكين بين الحب�س من �شهرين �إلى �سنة‬
‫وغرامة من ‪� 500‬إلى ‪ 5000‬درهم‪� ،‬أو �إحدى هاتين العقوبتين بال�شروط التي تطرقنا �إليها عند‬
‫الحديث عن ا�ستهالك المخدرات‪.‬‬
‫وقد �أ�شار الظهير في الف�صل ‪� 12‬إلى �ضرورة تطبيق قواعد العود المن�صو�ص عليها في‬
‫القانون الجنائي على جميع جرائم المخدرات المعاقب عليها في الظهير‪ ،‬وعلى هذا الأ�سا�س‬
‫ف�إنه كلما ثبت �إرتكاب المتهم لجريمة �أو �أكثر بعد الحكم عليه بحكم حائز لقوة ال�شيء‬
‫المق�ضي به في جريمة �أو جرائم �أخرى من جرائم المخدرات قبل م�ضي ‪� 5‬سنوات من تمام‬
‫تلك العقوبة �أو تقادمها‪ ،‬وجب الحكم عليه بعقوبة الحب�س لمدة ال تتجاوز �ضعف الحد الأق�صى‬
‫لجريمة المخدرات الثانية‪.‬‬
‫ويالحظ �أن الم�شرع المغربي لم يدرج جرائم المخدرات في �أحكام الف�صل ‪ 158‬من ق‪.‬ج عند‬
‫تحديد الجنح المتماثلة لتقرير العود‪ .‬كما �أن ظهير ‪ 1974‬لم ي�شر �إلى وجود تماثل بين الجريمة‬
‫الثانية والجريمة الأولى ‪،‬مما تعتبر معه جميع جرائم المخدرات متماثلة ومن طبيعة واحدة‪.‬‬
‫وقواعد العود المحال عليها من هذا الف�صل هي تلك المف�صلة بالمادتين ‪ 154‬و ‪ 157‬من‬
‫ق‪.‬ج‪ ،‬حيث ن�ص الف�صل ‪ « :154‬يعتبر في حالة عود طبقا لل�شروط المقررة في الف�صول التالية‪،‬‬
‫من يرتكب جريمة بعد �أن حكم عليه بحكم حائز لقوة ال�شيء المحكوم به‪ ،‬من �أجل جريمة‬
‫�سابقة»‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪272‬‬

‫ون�ص الف�صل ‪« : 157‬من �سبق الحكم عليه من �أجل جنحة بعقوبة الحب�س ‪،‬بحكم حائز‬
‫لقوة ال�شيء المحكوم فيه ثم �إرتكب جنحة مماثلة قبل م�ضي ‪� 5‬سنوات من تمام تنفيذ تلك‬
‫العقوبة �أو تقادمها‪ ،‬يجب الحكم عليه بعقوبة الحب�س الذي ال يتجاوز �ضعف الحد الأق�صى‬
‫للعقوبة المقررة قانونا للجنحة الثانية»‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬العقوبات التبعية والتكميلية‬
‫�أوال‪ :‬العقوبات التبعية‬
‫العقوبات التبعية جزاء ي�ضاف �إلى العقوبة الأ�صلية المحكوم بها على المتهم‪ ،‬وقد ن�ص‬
‫الف�صل ‪ 7‬من ظهير ‪ 1974‬على �أنه يجوز للمحاكم المعرو�ضة عليها الق�ضية في جميع الحاالت‬
‫المقررة في الف�صول ال�سابقة �أن تحكم على مرتكبي الجرائم بالتجريد من حق �أو عدد من‬
‫الحقوق الم�شار �إليها في الف�صل ‪ 40‬من ق‪.‬ج وتتعلق بحق من الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو‬
‫العائلية المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 26‬وت�شمل ح�سب هذا الف�صل‪:‬‬
‫‪ - 1‬عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال‬
‫العمومية‪.‬‬
‫‪ - 2‬حرمان المحكوم عليه من �أن يكون ناخبا �أو منتخبا وحرمانه ب�صفة عامة من �سائر‬
‫الحقوق الوطنية وال�سيا�سية ومن حق التحلي ب�أي و�سام‪.‬‬
‫‪ - 3‬عدم الأهلية للقيام بمهمة ع�ضو محلف �أو خبير وعدم الأهلية لأداء ال�شهادة �أمام‬
‫الق�ضاء �إال على �سبيل الإخبار‪.‬‬
‫‪ - 4‬عدم �أهلية المحكوم عليه لأن يكون و�صيا �أو م�شرفا على غير �أوالده ‪.‬‬
‫‪ - 5‬الحرمان من حق حمل ال�سالح‪ ،‬ومن الخدمة في الجي�ش والقيام بالتعليم �أو �إدارة‬
‫مدر�سة �أو العمل في م�ؤ�س�سة للتعليم ك�أ�ستاذ �أو مدر�س �أو مرافق‪.‬‬
‫و�إلى جانب التجريد من الحقوق الوطنية يجوز �أن يحكم على مرتكبي جرائم المخدرات‬
‫بالتدبير الوقائي الرامي �إلى المنع من الإقامة لمدة تتراوح ما بين ‪� 5‬سنوات و‪� 20‬سنة‪.‬‬
‫والمنع من الإقامة كما عرفه الف�صل ‪ 71‬من ق‪.‬ج ‪« :‬هو منع المحكوم عليه من �أن يحل‬
‫ب�أماكن معينة‪ ،‬ولمدة محددة �إذا اعتبرت المحكمة �أن �إقامة المحكوم عليه بالأماكن الم�شار‬
‫�إليها يكون خطرا على النظام العام �أو على �أمن الأ�شخا�ص» بالنظر لطبيعة الفعل المرتكب �أو‬
‫ل�شخ�صية الفاعل �أو لظروف �أخرى‪.‬‬
‫كما �أجاز الم�شرع للمحكمة المرفوع �إليها ق�ضية �إحدى الجرائم المبينة في ظهير ‪1974‬‬
‫والمرتكبة من طرف �أحد الأجانب �أن تحكم عليه بالمنع من الإقامة في التراب الوطني مدة‬
‫‪273‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫تتراوح مابين ‪ 5‬و ‪� 10‬سنوات ب�صرف النظر عن تدبير الطرد الذي يمكن �أن ت�أمر به ال�سلطة‬
‫الإدارية‪.‬‬
‫ومن التدابير الوقائية ال�شخ�صية التي ن�ص عليها الم�شرع المغربي في الف�صلين ‪ 65‬و ‪67‬‬
‫من ق‪.‬ج والتي لها عالقة بمادة المخدرات‪ ،‬نجد الإق�صاء الإلزامي‪ :‬ويكون في حالة المتهم‬
‫الذي �سبق �أن حكم عليه بالإق�صاء ثم �إرتكب داخل ‪� 10‬سنوات الموالية ليوم �إخراجه جناية‬
‫كيفما كان نوعها �أو جنحة من الجنح المن�صو�ص عليها في الفقرة الثانية من الف�صل ‪ 66‬من‬
‫ق‪.‬ج ‪.‬‬
‫ومن التدابير الوقائية �أي�ضا المن�صو�ص عليها في ق‪.‬ج ولها عالقة بالمواد المخدرة نجد‬
‫الإيداع الق�ضائي في م�ؤ�س�سة عالجية ‪ .‬وقد عرفه الف�صل ‪ 80‬من ق‪.‬ج ‪ « :‬الو�ضع الق�ضائي‬
‫في م�ؤ�س�سة للعالج هو �أن يجعل تحت المراقبة بم�ؤ�س�سة مالئمة ‪-‬وبمقت�ضى حكم �صادر عن‬
‫ق�ضاة الحكم ‪� -‬شخ�ص �إرتكب �أو �ساهم �أو �شارك في جناية �أو جنحة ت�أديبية �أو �ضبطية وكان‬
‫م�صابا بت�سمم مزمن ترتب عن تعاطي الكحول �أو المخدرات �إذا ظهر �أن لإجرامه �صلة بذلك‬
‫الت�سمم» ‪.‬‬
‫فالغاية من هذا التدبير حماية المجتمع من بع�ض المجرمين المتعاطين للمواد الكحولية �أو‬
‫المخدرات بمختلف �أنواعها‪ ،‬والذين غالبا ما يكونوا انفعاليين وغير متحكمين في ت�صرفاتهم‬
‫نتيجة تعاطيهم للمخدرات‪ .‬كما �أراد الم�شرع من خالل هذا التدبير جر ه�ؤالء المدمنين �إلى‬
‫الإقالع عن التعاطي للمواد المخدرة و�إ�صالح �أنف�سهم و�إعادة االندماج في المجتمع‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العقوبات التكميلية‬
‫العقوبات التكميلية التي ن�ص عليها الم�شرع في الظهير المتعلق بالمخدرات هي الم�صادرة‬
‫والإغالق‪.‬‬
‫‪ - 1‬الم�صادرة‬
‫المق�صود بالم�صادرة هو نقل ملكية ال�شيء المحجوز �إلى الدولة نقال تاما ي�شمل اال�ستعمال‬
‫والإ�ستغالل والت�صرف‪ .‬ويتبين من قراءة الف�صل ‪ 11‬من ظهير ‪� 1974‬أنها جمعت بين الم�صادرة‬
‫كتدبير احترازي وبين الم�صادرة كعقوبة‪.‬‬
‫�أ ‪ -‬الم�صادرة كتدبير احترازي‪ :‬يتبين من قراءة المادة ‪� 11‬أنه يتعين على المحاكم في‬
‫جميع الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صول ال�سابقة �أن ت�صادر المواد �أو النباتات المحجوزة‬
‫تطبيقا للف�صل ‪ 89‬من ق‪.‬ج الذي يق�ضي ‪ « :‬ي�ؤمر بالم�صادرة كتدبير وقائي بالن�سبة للأدوات‬
‫والأ�شياء المحجوزة التي يكون �صنعها �أو ا�ستعمالها �أو حملها �أو حيازتها �أو بيعها جريمة ولو‬
‫كانت تلك الأدوات �أو الأ�شياء على ملك الغير‪ ،‬وحتى لو لم ي�صدر حكم بالإدانة»‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪274‬‬

‫تكون الم�صادرة كتدبير احترازي عندما تهم جميع الأ�شياء التي تكون حيازتها �أ�صال غير‬
‫م�شروعة بهدف توقي خطورة �إجرامية كامنة في هذه الأ�شياء‪.‬‬
‫ينبني الحكم بم�صادرة جميع المواد والنباتات المخدرة‪ ،‬وكذا جميع المبالغ المح�صل‬
‫عليها من �إحدى جرائم المخدرات كيفما كانت نتيجة الحكم �سواء بالإدانة �أو البراءة �أو‬
‫�سقوط الدعوى العمومية لموت المتهم �أو للتقادم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الم�صادرة كعقوبة جنائية‪ :‬تو�صف الم�صادرة كعقوبة جنائية لأنها �أوال تقع على �أ�شياء‬
‫تكون حيازتها في الأ�صل متاحة �إال �أن ارتباطها بالجريمة يخرجها من دائرة التجريم‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫تقع م�صادرة جميع المبالغ المالية المح�صل عليها من �إرتكاب الجريمة وكذا جميع الأدوات‬
‫ومن�ش�آت تحويل المواد �أو �صنعها �أو الو�سائل الم�ستعملة لنقلها‪ ،‬ولأنها ثانيا يجب التن�صي�ص‬
‫عليها �صراحة في الحكم ال�صادر في مو�ضوع الدعوى‪.‬‬
‫ومن الإ�شكاالت التي تطرح عالقة بالم�صادرة‪ ،‬الإخالل بحقوق الغير «ح�سن النية» وذلك‬
‫عندما تتم م�صادرة �أدوات �أو و�سائل النقل �أو �أ�شياء تكون في ملكية �أجنبي عن الجريمة‪.‬‬
‫كما في حالة البواخر المحملة بكمية المخدرات �أو �سيارة الأجرة �أو الحافالت‪ ،‬و�أ�سا�س‬
‫هذه الإ�شكالية �أن ظهير ‪� 1974‬أوجب م�صادرة و�سائل النقل الم�ستعملة في نقل المخدرات‬
‫دون تمييز في ملكيتها بين مرتكب الجريمة والأجنبي عنها‪ ،‬ومن �آثار هذا على م�ستوى العمل‬
‫الق�ضائي‪ ،‬اختالف المحاكم المغربية في التعامل مع هذه الإ�شكالية‪ ،‬حيث هناك من يرى‬
‫ب�ضرورة ربط المادة ‪ 11‬من الظهير بالمادة ‪ 133‬من ق‪.‬ج التي ت�شترط العمد الذي ال يتحقق‬
‫�إال بتوافر عن�صري الإرادة والعلم‪ .‬وعلى هذا الأ�سا�س‪� ،‬إذا ا�ستعمل الأجنبي و�سيلة للنقل في‬
‫ملكه في �إرتكاب الجريمة دون علمه فال محل للم�صادرة‪ .‬وعلى هذا الأ�سا�س ق�ضت المحكمة‬
‫االبتدائية بالدار البي�ضاء برف�ض طلب النيابة العامة بم�صادرة باخرة �ضبطت محملة بكمية‬
‫المخدرات بعد �أن ثبت لها �أن ربان الباخرة الذي هو الممثل القانوني للمالكين غير متورط‬
‫في العملية‪.‬‬
‫وهذا في الوقت الذي ذهب فيه المجل�س الأعلى في �إحدى قراراته ب�أن قرار المحكمة‬
‫بم�صادرة ال�سيارة التي ا�ستعملها المتهم في نقل المخدرات �صائبا العتمادها في ذلك على‬
‫مقت�ضيات الف�صل ‪ 11‬من ظهير ‪ 1974‬التي تن�ص على حجز الو�سائل الم�ستعملة للنقل دون‬
‫تمييز بين الغير ح�سن النية والغير �سيء النية‪ ،‬وقرار المجل�س الأعلى يبقى مبررا للعلة الواردة‬
‫فيه‪ ،‬وكذا العلة �أن الن�ص الخا�ص مقدم على الن�ص العام عند التعار�ض‪.‬‬
‫وهناك بع�ض الفقه‪ 1‬الذي طالب ب�إعمال �أحكام الف�صل ‪ 4‬من ظهير ال�شريف رقم‪-413‬‬
‫‪ 11‬مقال بعنوان ‪:‬م�صادرة و�سائل النقل كعقوبة �إ�ضافية بني الن�ص اجلنائي العام والن�ص اجلنائي اخلا�ص للأ�ستاذ �أبو م�سلم‬
‫‪275‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫‪ 1-59‬بتاريخ ‪ 28‬جمادى الثانية الموافق ‪ 16‬نونبر ‪ 1962‬بالم�صادقة على مجموعة القانون‬


‫الجنائي الذي ين�ص على �أنه ‪ « :‬ت�سري �أحكام هذه المجموعة �أي�ضا على الم�سائل التي تنظمها‬
‫قوانين �أو نظم خا�صة وذلك في كل ما لم يرد به ن�ص �صريح في تلك القوانين والنظم»‪.‬‬
‫وبالتالي ربط الف�صل ‪ 11‬من ظهير ‪ 1974‬بالف�صل ‪ 133‬من ق‪.‬ج الذي ي�شترط الق�صد‬
‫بعن�صريه الإرادة والعلم ورتب على ذلك �ضرورة التمييز عند تقرير م�صادرة و�سيلة النقل بين‬
‫مرتكب الجريمة والأجنبي‪.‬‬
‫�أما البع�ض الآخر‪ ،‬فيرى �أن الن�ص الحالي ال ي�سعفنا في هذا التوجه الذي يتعين �إعماله‬
‫عندما يكون القانون الخا�ص غير وا�ضح الداللة في النقطة الخالفية مع الن�ص العام‪� ،‬أما‬
‫والحال �أن الن�ص الحالي وا�ضح الداللة والألفاظ من خالل ا�ستعمال عبارة «يتعين على‬
‫المحاكم في جميع الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صول ال�سابقة �أن ت�صادر ‪ »....‬و�أن محاولة‬
‫تف�سيره و�إعمال القيا�س يعتبر تجاوز لإرادة الم�شرع ما دامت القاعدة القانونية الثابتة تق�ضي‬
‫بترجيح الن�ص الخا�ص على الن�ص العام عند التعار�ض‪ ،‬و�أنه ال اجتهاد مع وجود ن�ص وا�ضح‪.‬‬
‫من جهة �أخرى ن�ص الم�شرع في الفقرة ‪ 3‬من الف�صل ‪ 11‬على تطبيق �أحكام الف�صل ‪87‬‬
‫من ق‪.‬ج على الأ�شخا�ص الذين يمار�سون مهنا ارتكبت الجنح بمنا�سبتها ويهم الأمر الأطباء‬
‫وال�صيادلة والباحثين العلميين وكل الأ�شخا�ص الذين يرخ�ص لهم الإت�صال بالمخدرات‪� ،‬إذ‬
‫يتعين على المحكمة �أن تمنع المحكوم عليه من مزاولة المهنة �أو ن�شاط عندما يثبت للمحكمة‬
‫�أن الجريمة المرتكبة لها عالقة مبا�شرة بالمجال الذي ي�شتغل فيه ويحكم بهذا المنع لمدة ال‬
‫يمكن �أن تفوق ‪� 10‬سنوات‪ ،‬مالم ين�ص القانون على خالف ذلك‪ ،‬وتح�سب هذه المدة من اليوم‬
‫‪1‬‬
‫الذي ينتهي فيه تنفيذ العقوبة ويت�ضمن الحكم بالإدانة الأمر بتنفيذ هذا التدبير م�ؤقتا‪.‬‬
‫‪ - 2‬الإغالق‬
‫هو �إجراء عيني كالم�صادرة‪ ،‬تعر�ض له الم�شرع المغربي في الف�صلين ‪ 62‬و ‪ 90‬من ق‪.‬ج‬
‫المحال عليه الف�صل ‪ 11‬من ظهير ‪ ،1974‬وهو يقع على المحالت التجارية وال�صناعية �أو �أية‬
‫م�ؤ�س�سة �أخرى ت�ستعمل الرتكاب جرائم المخدرات‪ ،‬وينتج عن هذا الإغالق منع المحكوم عليه‬
‫من مزاولة نف�س المهنة �أو الن�شاط بذلك المحل ‪،‬وهذا المنع ال ينح�صر على �صاحب المحل بل‬
‫يمتد كذلك �إلى �أفراد �أ�سرته �أو �إلى غيرهم ممن يكون قد باع له المحل �أو �أكراه �أو �سلمه �إليه‪،‬‬

‫احلطاب امل�ست�شار باملجل�س الأعلى ‪-‬جملة املحاكم املغربية‪،‬عدد ‪� ،63‬ص‪.29.‬‬


‫‪ 11‬ح�سن البكري‪ :‬الأحكام العامة للم�صادرة يف جرائم املخدرات‪،‬الطبعة الأوىل ‪.2012‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪276‬‬

‫والإغالق المن�صو�ص عليه في جرائم المخدرات هو �إغالق م�ؤقت ال تقل مدته عن ‪� 10‬أيام وال‬
‫تزيد عن ‪� 6‬أ�شهر كحد �أق�صى ما لم ين�ص القانون على خالف ذلك‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وتجدر الإ�شارة �إلى �أن موت المحكوم عليه ال يحول دون تنفيذ التدابير الوقائية العينية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪� :‬إ�شكالية الم�ساطر المرجعية في جرائم المخدرات‬
‫�إن توفير الحماية للحريات والحقوق الفردية واجب على عاتق الدولة‪ ،‬والتزام‬
‫مفرو�ض‪ ‬عليها‪ ،‬ت�ضم تحت جناحيها �أفرادا يع�شون فيها‪ ،‬ويتحقق من خالل تقرير مبد�أ‬
‫ال�شرعية الجنائية في جانبها المو�ضوعي وكذا الم�سطري‪ ،‬ف�إذا كان الفكر الإن�ساني قد اهتدى‬
‫عبر مراحل ن�ضاله الطويل �إلى �ضرورة �إعالء راية حقوق الدفاع والإنت�صار �إلى العدالة فيما‬
‫ت�ضمنته الإعالنات ذات العالقة وكذا المواثيق الدولية �إلى جانب الد�ساتير المغربية‪.‬‬
‫والدولة باعتبارها �صاحبة الحق في العقاب‪ ،‬ال ت�ستطيع بهذه ال�صفة اقت�ضاء حقها‬
‫بالتنفيذ المبا�شر على المتهم مهما بلغت خطورة الجريمة‪ ،‬و�إنما عليها �أن تلج�أ في �سبيل ذلك‬
‫�إلى الجهات والإجراءات التي حددها القانون‪� ،‬إال �أن الواقع العملي �أفرز لنا �سبال وم�ساطر‬
‫لم ين�ص عليها القانون ولم ير�سم لها �إطار معين‪ ،‬ومن بين هذه الم�ساطر نجد الم�ساطر‬
‫المرجعية‪.‬‬
‫ومن خالل ا�ستقراء ن�صو�ص قانون الم�سطرة الجنائية وكذلك الن�صو�ص الم�سطرية‬
‫الخا�صة نقف على خال�صة مفادها‪�،‬أن هذا الت�شريع بمختلف �أنواعه ال يت�ضمن �أي تن�صي�ص‬
‫�صريح على ما ي�صطلح عليه بالم�سطرة المرجعية �أو بالم�سطرة الإ�ستنادية �أو الجزئية‪،‬‬
‫وبالتالي فهو م�صطلح غير قانوني �أو بالأحرى غير من�صو�ص عليه قانونيا‪ ،‬وعالقة بذلك‬
‫�سنحاول ت�سليط ال�ضوء على الم�ساطر المرجعية المتعلقة بجرائم المخدرات على �ضوء من�شور‬
‫النيابة العامة الأخير الذي ي�ستدعي طرح مجموعة من الإ�شكاالت والتي �سنتولى التطرق لها‬
‫من خالل هذا المطلب‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬خ�صو�صية الم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات‬
‫بالرجوع للن�صو�ص الإجرائية �أو الم�سطرية‪ ،‬ال نجد �أي تعريف قانوني للم�ساطر المرجعية‬
‫وهذا �أمر طبيعي بالنظر لكون �أن وظيفة الم�شرع من حيث المبد�أ ال تندرج في �إعطاء تعاريف‬
‫لكون �أن ذلك موكول للق�ضاء والفقه في و�ضع تعاريف محددة‪.‬‬
‫�إال �أن ذلك ال يمنع من االجتهاد في البحث عن �أ�صول هاته الت�سمية التي ا�ستمدت من‬
‫الواقع العملي كما �سبق الإ�شارة �إلى ذلك‪ ،‬طالما �أن محلها ال يخرج عن كونها محا�ضر منظمة‬
‫‪ 11‬املعطي اجلبوجي‪ :‬مرجع �سابق �ص‪.92.‬‬
‫‪277‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫بالقانون بل وم�شمولة بحماية الف�صل ‪ 290‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪ ،‬وال ي�ست�ساغ تمطيطها‬
‫لدرجة اعتبارها تقوم مقام الحجة و الدليل القاطع �أو المطلق الذي ال يقبل �إثبات العك�س‪.‬‬
‫فالممار�سة العملية �أفرزت تمظهر هاته الأخيرة و ب�شكل حاد بق�ضايا المخدرات و ذلك‬
‫راجع بالأ�سا�س العتبارات تهم طبيعة جريمة المخدرات و�آثارها الخطيرة على المجمتع‪ ،‬بل‬
‫وحتى �صعوبة �ضبط مرتكبيها اللذين يتميزون عن غيرهم بمعرفتهم اليقينة لكل الأ�ساليب‬
‫الم�ستعملة في محاربة هاته الآفة‪ .‬لذلك فالجاني بجرائم المخدرات على قدر غير م�ستهان‬
‫به من اليقظة‪ ،‬وي�ستعمل جميع الأ�ساليب للإفالت من قب�ضة العدالة‪ ،‬فهو ينتهج في كل وقت‬
‫وحين جميع االحتياطات من قبيل ا�ستعماله لهواتف ب�أرقام مجهولة و لأ�شخا�ص و�سطاء كثر‬
‫ومعرفة نقاط التفتي�ش وغيرها‪ ،..‬مما ي�ستع�صي معه �إلقاء القب�ض عليه في حالة غير حالة‬
‫التلب�س فيكون الخيط الأول الذي يمكن ال�ضابطة الق�ضائية من التعرف عليه هو ذكر هويته‬
‫�أو �أو�صافه �إما من قبل م�ستهلكي هاته المادة �أو من قبل الو�سطاء المتاجرين بها‪� ،‬إال �أن ذلك‬
‫ال يعني القفز على و�سائل الإثبات الجنائي بمجرد ورود �إ�سمه �أو تورطه في ق�ضية للمخدرات‬
‫(قاعدة ‪ :‬نفي م�صرحي الم�سطرة المرجعية �سابق اقتنائهم المخدرات من ال�ضنين مقابل‬
‫�إنكار هذا الأخير الفعل المتابع ب�ش�أنه‪ ،‬يجعل ثبوت الإتجار في المخدرات غير قائمة ‪ -‬قرار‬
‫محكمة النق�ض عدد ‪ 1/47‬ملف جنحي عدد ‪ 2013/12088‬بتاريخ ‪.)2014/01/29‬‬
‫لذلك �أعتقد �أن خ�صو�صية هاته الجريمة من حيث طبيعتها و طبيعة مرتكبيها هي ما جعلت‬
‫الم�شرع ينظمها في �إطار قانون خا�ص «ظهير ‪ 21‬ماي ‪ »1974‬ولي�س �ضمن مجموعة القانون‬
‫الجنائي ك�إ�شارة للدار�س و الممار�س على �أن هاته الجريمة تحتاج لخ�صو�صية تتنا�سب مع‬
‫طبيعتها‪ ،‬وهو الأمر الذي �أفرز نقا�شا عميقا حول الم�ساطر المرجعية بالمخدرات دون غيرها‬
‫بق�ضايا �أخرى‪ ،‬خا�صة �أن قواعد الإثبات الجنائي التي تكون ثابتة في باقي الجرائم نجدها‬
‫بجريمة المخدرات متحركة قد ت�ؤدي في بع�ض الأحيان للإعتماد على مجرد ت�صريحات متهم‬
‫في مواجهة متهم �آخر (التي ا�ستقر عليها االجتهاد الق�ضائي) في اعتبار‪� :‬شهادة متهم على‬
‫متهم ال تجوز �إال �إذا كللت بقرائن و دالئل �أخرى تع�ض�ضها في �إطار ما ي�سمى «مبد�أ ت�ساند‬
‫الأدلة»‪.‬‬
‫مما ي�ستتبع في نظرنا المتوا�ضع للنظر في كون �أن البحث مع متهم ورد �إ�سمه بموجب‬
‫م�سطرة مرجعية ال يدعوا للريبة والقلق على حقوق الأفراد وحرياتهم‪ ،‬طالما �أن �أحقية‬
‫الم�شتبه فيه في �إثبات العك�س م�ضمونة قانونا‪.‬‬
‫لذلك ال يجب الغلو في اعتبار الم�ساطر المرجعية �سيف م�سلط على رقاب الأبرياء بقدر‬
‫ما �أن ورود �إ�سم لم�شتبه فيه لتورطه بجريمة المخدرات ي�ستلزم تحقيق نوع من الموازنة بين‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪278‬‬

‫�أحقية النيابة العامة في البحث و التق�صي حول جدية هاته الت�صريحات و �إلى جانبه ق�ضاء‬
‫التحقيق و الحكم و بين �أحقية المعني بالأمر في الإدالء بدلوه و تقديمه لكل �أوجه دفاعه لإثبات‬
‫عك�س ما ورد فيها‪.‬‬
‫مما يعني �أن مدلولية الدال ال تقوم حجة للإ�ستدالل وهذا ما �سنتناوله بالدرا�سة والتحليل‬
‫على �ضوء من�شور النيابة العامة حول تدبير الم�ساطر المرجعية الم�ؤرخ في ‪� 16‬أكتوبر ‪. 2018‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬دالالت من�شور النيابة العامة بق�ضايا المخدرات‬
‫يعتبر من�شور النيابة العامة المتعلق بالم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات خطوة نوعية‬
‫تحمل في طياتها العديد من الدالالت ال�شكلية و المو�ضوعية التي �سنعرج عليها كالتالي‪:‬‬
‫‌�أ ‪ -‬الداللة التعريفية ‪:‬‬
‫با�ستقراء من�شور النيابة العامة الم�شار لمراجعه �أعاله يالحظ �أنه �أعطى ت�سمية لهاته‬
‫النوعية من الم�ساطر وا�ضعا حدا لكل الت�سميات الرائجة بالأو�ساط القانونية والق�ضائية‪،‬‬
‫بو�صفها الو�صف الأدق بخالف تلك الت�سميات المتعددة كالم�ساطر الإ�ستنادية �أو الم�ساطر‬
‫الإ�ستداللية ليوحد بذلك بين كل تلك المفاهيم في اختيار “الم�ساطر المرجعية”‪ ،‬الذي نجده‬
‫الأقرب لل�صواب فالم�ساطر تم ا�ستقائها من قانون الم�سطرة الجنائية والذي يعتبر قانونا‬
‫لل�شكل و المراجع للداللة على تاريخ �إنجاز المح�ضر وترقيمه والجهة المكلفة به مما يدفعنا‬
‫للقول �أننا نتوفر اليوم على مرجع ق�ضائي ي�ؤ�س�س لمفهوم الم�ساطر المرجعية والتعامل معها‬
‫ين�ضاف للأحكام الق�ضائية التي اعتمدت هاته الت�سمية‪.‬‬
‫ب‌ ‪ -‬الداللة الد�ستورية ‪:‬‬
‫من �أهم مرتكزات عمل النيابة العامة هو حماية الأفراد و الجماعات وتوفير جو من الثقة‬
‫بمرفق الق�ضاء من خالل تخليق الحياة العامة‪ ،‬والتي ال يخرج عنها الم�ساهمة بتخليق الحياة‬
‫الق�ضائية لذلك كان الم�ستهدف الأول و الأخير من خالل هذا المن�شور هو المتقا�ضي انت�صارا‬
‫للخطب الملكية ال�سامية الداعية لجعل الق�ضاء في خدمة المواطن وكذا تكري�س المبادئ‬
‫الد�ستورية و الإتفاقيات الدولية‪.‬‬
‫لي�أتي هذا المن�شور ليبث روحا جديدة للمحاكمة الزجرية ب�أكثر الق�ضايا تعقيدا وخطورة‬
‫�أال وهي ق�ضايا المخدرات (باعتبار �أن جريمة ترويج المخدرات وحيازتها ت�شكل ا�ستثناءا من‬
‫القاعدة الجنحية التي تفر�ض عقوبة حب�سية تتجاوز خم�س �سنوات لت�صل لع�شر �سنوات من‬
‫الحب�س و الغرامة وك�أنها جريمة جنحية بعقوبة جنائية)‪.‬‬
‫لذلك عمد من�شور النيابة العامة المذكور �إلى تعزيز قرينة البراءة من خالل ال�ضوابط‬
‫المر�سومة به وك�أن �شرعية الإجراءات من �شرعية المتابعة‪.‬‬
‫‪279‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وبه ال يجوز متابعة �أي �شخ�ص م�شبه فيه �أو متهم دون توافر قرائن و دالئل تحوم حول‬
‫�إمكانية �إرتكابه لفعل مو�صوم بالتجريم بو�ضع �سد منيع �أمام المتابعات االفترا�ضية لأن الأ�صل‬
‫بموجب المادة ‪ 1‬من قانون الم�سطرة الجنائية في كل م�شتبه فيه �أو متهم هو البراءة هذا الذي‬
‫ارتقي به لمبد�أ د�ستوري بعدما �أن كان مجرد ن�ص م�سطري ال غير‪.‬‬
‫ت‌ ‪ -‬الداللة الإجرائية‬
‫تعتبر �أن من�شور النيابة العامة مو�ضوع درا�ستنا قد �أعاد التوازن بين القواعد الإجرائية و‬
‫القواعد المو�ضوعية بيد �أن ورود هوية �شخ�ص �أو موا�صفاته بم�سطرة تتعلق بجريمة المخدرات‬
‫ال يعطي الأحقية في القفز على قواعد البحث و التق�صي المعمول بها للت�أكد من مدى جديتها‬
‫من عدمها‪.‬‬
‫ذلك �أن التباين المالحظ في غلو القاعدة المو�ضوعية على القاعدة الإجرائية خلق نوعا‬
‫من التع�سف في بع�ض الأحيان على �ضمانات المحاكمة العادلة‪ ،‬فكان من الالزم �إرجاع الأمور‬
‫لن�صابها من خالل �إقرار توازن �إزدواجي بين القواعد الإجرائية والمو�ضوعية وتوفير الم�ساحة‬
‫الالزمة بين كل واحدة منهما عن الأخرى بما يكفل جعل القاعدة الإجرائية في خدمة القاعدة‬
‫المو�ضوعية ال العك�س‪.‬‬
‫وهو ما تم ت�سطيره بموجب البند الأول من المن�شور المذكور من خالل دعوته �إيالء‬
‫الم�ساطر المرجعية المزيد من العناية والدقة �أثناء مرحلة البحث التمهيدي والتقديم‪.‬‬
‫وكذا القيام بكل التحريات الالزمة وتعميق البحث فيها مع ا�ستنفاذ كافة الإجراءات‬
‫القانونية ال�ضرورية في مرحلة البحث الجنائي ب�شكل يخدم الو�صول للحقيقة بموجب البند‬
‫الثاني منه‪.‬‬
‫ث‌‪ -‬الداللة الق�ضائية‬
‫با�ستقراء ال�سطور الواردة بمن�شور النيابة العامة وما تكتنفه من �إ�شارات تقوي المكانة‬
‫الق�ضائية للنيابة العامة من خالل النقط التالية‪:‬‬
‫�أوال‪� :‬أن من�شور النيابة العامة يدخل في �إطار االجتهاد الق�ضائي لم�ؤ�س�سة النيابة العامة‪،‬‬
‫ذلك �أنه باعتبارها جهازا ق�ضائيا ال يقف عند ممار�سة النيابة العامة لمهامها التقليدية �أو‬
‫الكال�سيكية في ت�سطير المتابعات ومبا�شرة الدعوى العمومية بل �أ�ضحى بموجب المنا�شير‬
‫النيابية اجتهادا لق�ضاء النيابة العامة‪ ،‬لكون �أن اكت�ساب �صفة االجتهاد الق�ضائي ينحوا من‬
‫خالل ت�ضمنها للآليات الم�ساعدة في �إعمال قواعد م�سطرية وكيفية تي�سير �سبل تنزيلها‬
‫بق�ضايا الم�ساطر المرجعية للمخدرات‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪280‬‬

‫ومنه ف�إذا كنا نت�صور في وقت �سابق �أن االجتهاد الق�ضائي ال يمكن ت�صوره �إال من خالل‬
‫�صدور �أحكام ومقررات ق�ضائية من قبل محكمة النق�ض �أو محاكم المو�ضوع‪ ،‬يمكن لنا اليوم‬
‫�أن نقول ب�أن هذا المفهوم �أ�ضحى متجاوزا �أمام ا�ستقالل رئا�سة النيابة العامة و �إ�سناد رئا�ستها‬
‫لجهة ق�ضائية ممثلة في ال�سيد رئي�س النيابة العامة و�صدور منا�شير رئا�سية للنيابة العامة ذات‬
‫طبيعة ق�ضائية طالما �أن ال�صفة الق�ضائية لرئا�سة النيابة العامة حا�ضرة وبقوة وال يمكن‬
‫تجاهلها ب�أي �شكل من الأ�شكال‪.‬‬
‫ثانيا‪� :‬إذا كان المن�شور النيابي يكت�سي ال�صفة الق�ضائية بح�سب ما �أ�شرنا �إليه �سابقا‬
‫ف�إن الطبيعة القانونية لهذا الأخير تجعله متميزا عن غيره لكونه يكت�سي بنف�س الوقت �صبغة‬
‫تعليمات كتابية ال يجوز مخالفتها وي�ستتبع في نف�س الوقت ربط الم�س�ؤولية بالمحا�سبة‪.‬‬
‫كما ي�ستهدف توحيد عمل النيابة العامة بربوع المملكة انت�صارا لمبد�أ وحدة النيابة الذي‬
‫يتبين �أنه تو�سع ليطال عمل هاته الأخيرة ليبتعد عن المفهوم التركيبي الذي كان يق�ضي بكون‬
‫�أن جميع �أع�ضاء النيابة العامة وحدة متجان�سة‪ ،‬ليتم القطع مع تلك الممار�سات المتباينة‬
‫لبع�ض النيابات العامة بالق�ضايا المتعلقة بالم�ساطر المرجعية للمخدرات‪.‬‬
‫وهذا بحد ذاته �أكبر تج�سيد ل�شفافية مرفق النيابة العامة و تكري�س لمبد�أ م�ساوات الجميع‬
‫�أمام الق�ضاء الذي تم اقتبا�س تنزيله لي�س على م�ستوى الق�ضاء الجال�س بل �أن ح�ضوره �أ�صبح‬
‫واقعا بق�ضاء النيابة بموجب تفعيل هذا المن�شور‪.‬‬
‫�إذن يحق لنا القول �أن رهان رئا�سة النيابة العامة يفوق كل التوقعات في ح�ضور �صفتها‬
‫الق�ضائية من خالل �سلوك منهجية علمية متعددة االتجاهات هدفها الأول والأخير الم�ساهمة‬
‫الفعلية في تحقيق الأمن الق�ضائي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬بخالف القراءة الإ�ستنباطية التي اعتمدناها في محاولة مالم�سة من�شور النيابة‬
‫العامة المتعلق بالم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات‪ ،‬نجد�أن ما تم ت�سطيره بهذا المن�شور‬
‫بمثابة خطة للعمل كلما عر�ضت على �أي نيابة عامة ق�ضية مماثلة يمكن �أن ت�سلك م�سالك معدة‬
‫�سلفا ك�إجراءات احترازية ل�سد باب التقا�ضي ب�سوء النية في مواجهة بع�ض الم�صرحين الذين‬
‫يكون هدفهم االنتقام �أو اال�سترزاق الالم�شروع والت�أثير على مقررات النيابة العامة من خالل‬
‫توريط بع�ض الأ�شخا�ص بذكر �أ�سمائهم �أو �ألقابهم بق�ضايا المخدرات وترتيب الآثار القانونية‬
‫الالزمة بكل حزم (البند الخام�س من المن�شور)‪.‬‬
‫لذلك كانت الحكمة حليفة من�شور النيابة العامة من خالل �إقرار مبد�أ الأمن الإجرائي‬
‫والم�سطري وتوحيد �أعماله وقطع الطريق ب�شكل نهائي مع هاته الممار�سات بترتيب الجزاء‬
‫المقرر قانونا كلما ثبت �صحة ذلك‪.‬‬
‫‪281‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫رابعا‪ :‬من البديهي �أن �أي اجتهاد ق�ضائي ي�ستهدف بالدرجة الأولى توحيد العمل الق�ضائي‪،‬‬
‫�إال �أن االجتهاد النيابي لق�ضاء النيابة العامة‪ ،‬كما تمت ت�سميته بموجب هاته المداخلة ا�ستهدف‬
‫عقلنة عمل النيابة العامة و تر�شيد المتابعات المتعلقة بالم�ساطر المرجعية لق�ضايا المخدرات‬
‫ال�شئ الذي �سي�ساهم بالإيجاب في حكامة ق�ضائية متميزة‪ ،‬بل �شكل ال محالة �سابقة تن�ضاف‬
‫ل�سجل رئا�سة النيابة العامة الحافل منذ ا�ستقاللها عن الجهاز التنفيذي انت�صارا لدولة الحق‬
‫والقانون‪.‬‬
‫ج‌‪ -‬الداللة التفاعلية‬
‫لطالما ا�ستهدفت النيابة العامة بحكم نيابتها على المجتمع واعتالء من�صة الق�ضاء الواقف‬
‫للمطالبة بزجر المخالفين للقانون بتو�صيفات متعددة اختلفت باختالف مواقع �أ�صحابها بين‬
‫من اعتبرها الخ�صم ال�شريف بالمنازعة الزجرية‪ ،‬وبين من اعتبرها جافة في ملتم�ساتها التي‬
‫ال تخرج عن المطالبة بالإدانة و �إيقاع �أق�صى العقوبات‪.‬‬
‫�إال �أن ح�ضور م�ؤ�س�سة النيابة العامة من خالل منا�شيرها �أ�ضاء الم�شهد القانوني والق�ضائي‬
‫بل وحتى الحقوقي من خالل تفاعلها الإيجابي مع ما تعرفه نقا�شات حقوقية جادة بخ�صو�ص‬
‫حريات الأفراد والجماعات‪ ،‬والتي تعد من بينها مو�ضوع الم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات‬
‫واالبتعاد كل البعد عن �سيا�سة الجمود وال�صمت‪.‬‬
‫مما يدفع للقول ب�أن ال�سيا�سة الجنائية اليوم بالمغرب عرفت نقطة تحول كبرى منذ‬
‫ا�ستقاللها من خالل االنفتاح الإيجابي على كل الق�ضايا التي ت�شغل باب المتقا�ضين‬
‫والمواطنين ب�صفة خا�صة‪ ،‬والتفاعل الآني مع كل الإ�شكاالت المطروحة باالجتهاد لو�ضع حلول‬
‫عملية ومنهجية ال تخرج عن نطاق العدالة في القانون‪ ،‬مع مراعاة االعتراف بما تواجهه‬
‫النيابات العامة من �صعوبات وما تحمله على عاتقها من م�س�ؤوليات ج�سام‪.‬‬
‫ح‌ ‪ -‬الداللة الحقوقية‬
‫ال خالف �أن �صيانة الحقوق و الحريات هو �أكبر مبتغى لل�شعوب و الأمم‪ ،‬وهذا ما جعل د�ستور‬
‫‪� 2011‬أولى عناية خا�صة لهذا المو�ضوع‪ ،‬متما�شيا مع كل المتغيرات الدولية و الإقليميـ ــة‪ ،‬التي‬
‫رفعت �سقف هاته المبادئ لحقوق د�ستورية ال يجوز الم�س بها لدرجة �أ�ضحت مقيا�سا للتقدم‬
‫والديموقراطية‪ ،‬هذا االتجاه الذي �سارت فيه الت�شريعات الوطنية ذات ال�صلة بل والذي انكبت‬
‫عليه م�شاريع القوانين و التي على ي�أتي على ر�أ�سها م�شروع قانون الم�سطرة الجنائية الجديد‪.‬‬
‫لكنه ارتباطا مع مو�ضوع درا�ستنا نجد �أن من�شور النيابة العامة لم يخلف موعده في ت�سجيل‬
‫ح�ضور بعده الحقوقي من خالل دعوته ال�صريحة لتفادي �إعمال الإجراءات الما�سة بالحرية‬
‫�إال في �أ�ضيق الحدود بموجب البند الرابع منه‪ ،‬وكذا دعوته ال�صريحة �إلى عدم التردد في‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪282‬‬

‫حفظ الم�ساطر المرجعية �إذا ما �أ�سفرت �إجراءات البحث الجنائي على �سلبية نتائجها وغياب‬
‫الإثباتات الالزمة بموجب البند الثالث‪( .‬هذا الذي يتما�شى مع توجهات محكمة النق�ض بهذا‬
‫ال�ش�أن «تراجع م�صرح الم�سطرة المرجعية عن ت�صريحاته التمهيدية و�إقراره بعدم تزويد‬
‫ال�ضنين ب�أي مخدرات‪ ،‬و�إنكار ال�ضنين لتهمة الإتجار في المخدرات يجعل القرار القا�ضي بعدم‬
‫المتابعة �سليما وم�ؤ�س�سا» قرار محكمة النق�ض عدد ‪ 1/562‬الملف الجنحي عدد ‪2014/3242‬‬
‫بتاريخ ‪.)2014/06/11‬‬
‫مما يعد �سابقة ق�ضائية في تاريخ النيابة العامة بل �أكبر تج�سيد لدفاعها الم�ستميت على‬
‫حقوق الأفراد وحرياتهم‪.‬‬
‫ومنه ال ي�سعنا في الأخير �إال الإ�شادة بهاته المبادرات الخالقة التي جمعت بين ال�شكل‬
‫والم�ضمون في �إقرارها قاعدة جوهرية بكون �أن مدلولية الدال ال تقم مقام الحجة لال�ستدالل‬
‫للقول بثبوت فعل مو�صوم بالتجريم دون توفر دالئل وقرائن قوية على ذلك‪ ،‬واعتبار حرية‬
‫الأفراد خط �أحمر غير قابل للتجاوز‪ ،‬ال�شيء الذي يجعل م�شعل النيابة العامة يزداد �إ�ضاءة‬
‫كلما عزز بممار�سة ر�شيدة قوامها ت�شريف و تكليف‪ ،‬اليخرج عن الجمع بين ح�سنة الإجراء‬
‫والمو�ضوع‪ ،‬والتي ال تكتمل �إال من خالل مواكبة فعالة وناجعة ت�ساهم في تحقيق �أمن ق�ضائي‬
‫متميز و خلوق ين�سجم تمام االن�سجام مع الخطب الملكية ال�سامية ذات ال�صلة‪.‬‬
‫‪283‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫❿‬
‫الجريمة االلكترونية‬
‫مقدمة‬
‫ات�سعت في الآونة الأخيرة دائرة �إ�ستخدام ال�شبكات الإلكترونية للمعلومات‪ ،‬كو�سيلة‬
‫ات�صال دولية في �شتى مجاالت الحياة لتحقيق ما ت�صبوا �إليه الإن�سانية من ال�سرعة في �إنجاز‬
‫الم�شاريع‪ ،‬اخت�صار الوقت والم�سافات وحتى الجهد البدني والذهني‪ ،‬و�أ�صبحت هذه ال�شبكات‬
‫تحتوي على معلومات غير مح�صورة في مجال محدد بل تتعلق بكافة ميادين الحياة االجتماعية‪،‬‬
‫االقت�صادية‪ ،‬العلمية وغيرها‪� ،‬إال �أن الإ�ستخدام المتزايد لهذه الأنظمة المعلوماتية‪� ،‬أدى �إلى‬
‫الكثير من المخاطر و�أفرز �أنواعا من الجرائم �أ�صبح بما يعرف بالجرائم الإلكترونية‪ ،‬وتنوعت‬
‫هذه الجرائم المعلوماتية من تزوير و�سرقة المعلومات و�أموال‪.‬‬
‫وتعرف الجرائم الإلكترونية ب�أنها تلك الأفعال الإجرامية الناتجة من خالل �أو بوا�سطة‬
‫�إ�ستخدام المعلوماتية والتقنية الحديثة المتمثلة في الكمبيوتر والمعالجة الآلية للبيانات‪� ،‬أو‬
‫نقلها ولقد عرفتها منظمة التعاون االقت�صادي والتنمية ‪« ،OECD 1‬كل فعل �أو امتناع من �ش�أنه‬
‫اعتداء على الأموال المادية والمعنوية يكون ناتجا بطريقة مبا�شرة �أو غير مبا�شرة عن تدخل‬
‫التقنية المعلوماتية»‪.2‬‬
‫فقد تعددت تعاريف الجريمة الإلكترونية فهناك من تناولها من الزاوية التقنية �أو من‬
‫الزاوية القانونية‪.‬‬
‫كما عرفها الأ�ستاذ جون فور�ستر ب�أنها «فعل �إجرامي ي�ستخدم الكمبيوتر في ارتكابه ك�أداة‬
‫رئي�سية»‪ 3‬كما �أن هناك جانب من الفقه ال يهتم بالو�سيلة �أو مو�ضوع الجريمة المعلوماتية‬
‫ويعرفها بو�صفها مرتبطة بالمعرفة الفنية �أو التقنية ب�إ�ستخدام الحا�سب الآلي‪ ،‬وكذلك عرفت‬
‫هذه الجريمة ب�أنها «�أية جريمة يكون متطلبا القترافها �أن تتوافر لدى فاعلها معرفة بتقنية‬

‫‪ 11‬حممد ال�شوا‪ ،‬ثورة املعلومات وانعكا�ساتها على قانون العقوبات‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النه�ضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،1994 ،‬‬
‫�ص‪.7 .‬‬
‫‪� 22‬أحمد خليفة امللط‪ ،‬اجلرائم املعلوماتية‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطابعة الثانية ‪� ،2005‬ص‪.87 .‬‬
‫‪ 33‬خالد عياد احللبي‪� ،‬إجراءات التحري والتحقيق يف جرائم احلا�سوب والأنرتنيت‪ ،‬دار الثقافة للن�رش والتوزيع‪ ،‬الأردن‪،‬‬
‫بدون طبعة‪2011 ،‬م‪� ،‬ص‪.29 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪284‬‬

‫الحا�سب»‪ ،‬وبذلك عرفها الدكتور ه�شام فريد ر�ستم ب�أنها «�أي فعل غير م�شروع تكون المعرفة‬
‫‪1‬‬
‫بتقنية المعلومات �سيا�سة لمرتكبيه»‬
‫وتكت�سي معالجة هذا النوع من الجرائم �أهمية بالغة بالنظر �إلى الإ�شكاالت العملية التي‬
‫تطرحها على م�ستوى الق�ضاء والقانون وارتباط ظهورها بتكنولوجيا الحا�سوب والإنترنت‪ ،‬مما‬
‫�أ�سفر عن تميزها بمجموعة من الخ�صائ�ص جعلتها تختلف عن غيرها من الجرائم وا�ستوجب‬
‫�ضرورة التعامل معها بما يتالءم مع هذه الخ�صو�صية‪ ،‬ناهيك عن �أن مرتكبيها يختلفون عادة‬
‫عن المجرمين التقليديين باعتبارهم �أ�شخا�صا على م�ستوى عالم العلم والمعرفة‪ ،‬فالفاعل‬
‫في الجرائم المعلوماتية �أو ماي�سمى بالمجرم المعلوماتي لي�س �شخ�صا عاديا �إنما �شخ�ص ذو‬
‫مهارات تقنية عالية قادر على �إ�ستخدام قدراته لتغيير المعلومات‪� ،‬أو تقليد البرامج �أو تحويل‬
‫الح�سابات عن طريق ا�ستعمال الحا�سوب ب�شكل غير م�شروع‪ ،‬فهذه الجرائم ذات طبيعة خا�صة‬
‫لتعلقها من ناحية ب�أ�ساليب المعالجة الإلكترونية للبيانات من خالل تجميعها وتجهيزها بغية‬
‫الح�صول على معلومات‪ ،‬ومن ناحية �أخرى ب�أ�ساليب معالجة الكلمات �أو الن�صو�ص والوثائق‬
‫المخزنة في الحا�سوب بطريقة �أوتوماتيكية‪ ،‬تمكن الم�ستخدم من االطالع على وثائق الحا�سوب‬
‫و�إجراء التعديالت عليها من محو و�إ�ضافة كما في حاالت التقليد والتزوير‪.‬‬
‫وهي جرائم الي�ستهان بها لم�سا�سها بم�صالح المجتمع خا�صة فيما يتعلق بتعامالت البنوك‬
‫الإلكترونية من �سحب للأر�صدة و�إيداع عن طريق البطائق الممغنطة‪ ،‬وكذلك تقليد برامج‬
‫الحا�سوب والم�سا�س بالحياة الخا�صة للأفراد‪ ،‬و�أمام هذه الجرائم بدت الن�صو�ص القانونية‬
‫ال�سائدة قا�صرة �إن لم تكن عاجزة عن تغطية الحاالت الجرمية الم�ستجدة‪ ،‬وهو ما �أدى �إلى‬
‫ت�ضارب تطبيقات العمل الق�ضائي‪ ،‬مماي�ستدعي �ضرورة مراجعة الن�صو�ص القانونية الحالية‬
‫المتعلقة بالتزوير وال�سرقة والإحتيال‪ ،‬وتقليد العالمات الفارقة‪.‬‬
‫و�إذا ماكانت هناك �إ�شكاالت جوهرية قد تطرح نف�سها بحدة بعد تحديث الم�شرع لتر�سانته‬
‫القانونية فعموما يمكن �إجمالها فيمايلي‪ :‬هل ا�ستقرالعمل الق�ضائي المغربي على ر�ؤية موحدة‬
‫في معالجته للإ�شكاالت التي تطرحها ظاهرة الإجرام المعلوماتي؟ و�إذا كانت التطبيقات‬
‫الق�ضائية غيرم�ستقرة في هذا المجال‪ ،‬فهل ذلك راجع ل�صعوبة الإحاطة بهذا النوع من‬
‫الجرائم من قبل رجال الق�ضاء؟ �أم �أن الن�صو�ص القانونية رغم حداثتها لم ت�ستوعب جميع‬
‫مظاهر الجريمة المعلوماتية؟ هذا ما�سنعمل على ر�صده حين الوقوف عند كل نقطة من النقط‬
‫المثارة �أعاله‪.‬‬
‫وذلك وفق ال�شكل الآتي بيانه‪:‬‬
‫‪ 11‬عادل يو�سف عبد النبي الب�شكري‪ ،‬اجلرمية املعلوماتية والأزمة ال�رشعية اجلزائية‪ ،‬العدد ال�سابع‪ ،‬الكوفة‪� ،‬ص‪.113 .‬‬
‫‪285‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المبحث الأول‪ :‬الأحكام العامة للجريمة الإلكترونية‬ ‫❑‬

‫المبحث الثاني‪ :‬و�سائل الإثبات في الجريمة الإلكترونية‪.‬‬ ‫❑‬

‫المبحث الأول‪ :‬الأحكام العامة للجريمة الإلكترونية‬


‫�أثارت الجريمة المعلوماتية باعتبارها من بين الجرائم الم�ستحدثة جدال وا�سعا على‬
‫م�ستوى الفقه من حيث مفهومها‪ ،‬كما �أنها تتميز عن الجرائم التقليدية بمجموعة من‬
‫الخ�صائ�ص‪ ،‬والأفعال الجرمية التي تدخل في نطاقها‪ ،‬و مواكبة لهذا النوع من الجرائم فقد‬
‫احاطها الم�شرع المغربي ب�إطار قانوني �سواء من خالل مجموعة من القوانين �أو الن�صو�ص‬
‫الخا�صة‪ ،‬لذلك �سنتطرق في هذا المبحث لبيان ماهيتها (المطلب الأول) ومن تم ننتقل �إلى‬
‫�إطارها القانوني (المطلب الثاني)‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬ماهية الجريمة الإلكترونية‬
‫تعتبر الجريمة الإلكترونية نتاج للثورة المعلوماتية التي انعك�ست �سلبا على المجتمع الذي‬
‫يرغب في العي�ش في االطمئنان والأمان‪ ،‬بحيث �أ�صبحت �شريكا له عن بعد لت�صل �إلى عقر‬
‫داره دون اختراق الأبواب والنوافذ و دون ا�ستعمال للعنف الذي كنا نراه في الجرائم التقليدية‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬تعريف الجريمة الإلكترونية‬
‫تعددت التعاريف بخ�صو�ص الجريمة الإلكترونية‪ ،‬و قد ذهبت �أغلبها �إلى االنطالق من‬
‫و�سيلة �إرتكاب الجريمة‪� ،‬إذ �أن �أ�صحاب هذا االتجاه يعتبرون �أن جريمة الكومبيوتر تتحقق‬
‫ب�إ�ستخدام الجهاز‪ ،‬و هو ال�شيء الذي تم انتقاده على �أ�سا�س �أن تعريف الجريمة ي�ستدعي‬
‫الرجوع �إلى العمل الأ�سا�سي المكون لها ولي�س فح�سب �إلى الو�سائل الم�ستخدمة لتحقيقه‪،‬‬
‫بمعنى �أنه لي�س مجرد �أن �إ�ستخدام جهاز الحا�سوب في جريمة ما يمكن �أن نعتبرها من‬
‫الجرائم الإلكترونية‪.1‬‬
‫بينما يذهب اتجاه �آخر في تعريفه للجريمة المعلوماتية �إلى ربطها بالمعرفة الفنية‬
‫ب�إ�ستخدام الحا�سوب‪ ،‬حيث تعتبرالمعرفة الفنية �شرطا �ضروريا للقول بكون جريمة ماتدخل‬
‫�ضمن زمرة الجرائم المعلوماتية‪ ،‬كمثال لأخذ التعاريف الذي قدمه هذا االتجاه‪ ،‬هي ‪« :‬جريمة‬
‫‪2‬‬
‫تتطلب الحترافها �أوالرتكابها �أن تتوفر لدى فاعلها معرفة بتقنية النظام المعلوماتي»‪.‬‬

‫‪ 11‬يون�سعرب ‪« :‬قانون الكومبيوتر»‪،‬من�شورات احتاد املعارف العربية‪�،2001 ،‬ص‪.176 :‬‬


‫‪� 22‬أحمد خليفة امللط ‪ :‬اجلرائم املعلوماتية‪ ،‬دار الفكر اجلامعي اال�سكندرية‪ ،‬الطبعة ‪� 2‬سنة ‪� 2006‬ص‪86.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪286‬‬

‫وهذا بدوره مردود وذلك لكون �أن هناك بع�ض الجرائم التي ترتكب بتظافر مجهودات‬
‫لأ�شخا�ص عدة‪ ،‬وقد تق�سم الأدوار بينهم من مخطط ومنفذ ومحر�ض وم�ساهم‪ ،‬وقد ال تتوافر‬
‫في �أحد ه�ؤالء المعرفة الفنية الم�شار �إليها �أعاله‪.‬‬
‫وعلى العموم فيمكن تعريف الجريمة الإلكترونية ب�أنها هي ذلك ال�سلوك الغير الم�شروع‬
‫والمعاقب عليه قانونا �صادرا عن �إرادة جرمية محله معطيات الحا�سب الآلي‪ ،‬فال�سلوك ي�شمل‬
‫الفعل الإيجابي �أو االمتناع عن العمل مع االعتبار �أن �إ�صباغ ال�صفة الجرمية ال يتحقق في‬
‫الميدان الجنائي �إال ب�إرادة الم�شرع من خالل الن�ص القانوني ومحل الجريمة ذاتها دائما هو‬
‫معطيات الكومبيوتر بدالالتها الوا�سعة‪.1‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬خ�صائ�ص الجريمة الإلكترونية‬
‫نظرا الرتباط الجريمة الإلكترونية بجهاز الحا�سوب‪ ،‬و�شبكة الأنترنيت ب�صفة عامة‪،‬‬
‫وو�سائل التوا�صل االجتماعي ب�صفة خا�صة‪ ،‬فقد �أ�ضفى عليها ذلك مجموعة من الخ�صائ�ص‬
‫المميزة لها عن خ�صائ�ص الجريمة التقليدية‪ ،‬ومن هذه الخ�صائ�ص ما يلي‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬جريمة عابرة للحدود‬
‫�أعطى انت�شار �شبكة الأنترنيت �إمكانية ربط �أعداد هائلة من �أجهزة الحا�سوب بال�شبكة‬
‫العنكبوتية من غير �أن تخ�ضع لحدود الزمان والمكان‪ ،‬لذلك ف�إن من ال�سهولة بمكان �أن يكون‬
‫المجرم في بلد ما والمجني عليه مقيم في بلد �آخر وهذا يظهر الحاجة لوجود تنظيم قانوني‬
‫دولي وداخلي متالئم معه لمكافحة مثل هذا النوع من الجرائم و�ضبط فاعليها‪ ،‬وحيث �إن‬
‫الت�شريعات الداخلية متفاوتة فيما بين كل دولة من دول العالم‪ ،‬تظهر العديد من الم�شاكل‬
‫حول �صاحب الإخت�صا�ص الق�ضائي لهذه الجريمة و�إ�شكاالت �أخرى متعلقة ب�إجراءات‬
‫المالحقة الق�ضائية‪ ،‬وتت�شابه الجرائم الإلكترونية في هذه الخا�صية مع بع�ض الجرائم مثل‬
‫جرائم غ�سيل الأموال‪ ،‬وجرائم المخدرات‪.2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬جريمة �صعبة الإثبات واالكت�شاف‬
‫تكمن �صعوبة �إثبات مثل هذا النوع من الجرائم في كونهافي �أغلب الأحيان ال تترك �أثرا‬
‫ماديا ظاهرا يمكن �ضبطه‪ ،‬و�إذا اكت�شفت الجريمة فال يكون ذلك �إال بمح�ض ال�صدفة‪.‬‬

‫‪ 11‬القطاونة م�صعب‪ :‬الإجراءات اجلنائية اخلا�صة يف اجلرائم املعلوماتية‪ ،‬بحث مقدم لل�شبكة القانونية‬
‫الأردن(‪�،)2010‬ص‪.5 .‬‬
‫‪ 22‬القطاونة م�صعب‪ :‬مرجع �سابق �ص‪6.‬‬
‫‪287‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫فالجرائم المعلوماتية لها طبيعة خا�صة تك�سبها هذه الخ�صو�صيات‪ ،‬ويعد التطور التكنولوجي‬
‫المتالحق �سببا رئي�سيا لذلك‪ ،‬حيث �إن �شبكة الإنترنت انت�شرت بها مواقع متخ�ص�صة ب�أعمال‬
‫ال�سطو وبيع المعلومات‪ ،‬وبالإمكان اال�ستعانة بها �أو ا�ستئجار القرا�صنة المحترفين للقيام‬
‫بالأعمال غيرالم�شروعة المت�صلة بالحا�سوب مقابل مبالغ مالية يتفق عليها‪ ،‬ومما يزيد الأمر‬
‫تعقيدا �أن ه�ؤالء القرا�صنة قد اليهاجمون من �أجهزة الحا�سوب الخا�صة بهم و�إنما يدخلون �إلى‬
‫‪1‬‬
‫�شبكات غيره‪ ،‬ويهاجمون من خاللها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬جريمة م�ستحدثة‬
‫الجريمة المعلوماتية تعتبرمن الجرائم الم�ستحدثة‪ ،‬بل �إنها �أبرز �أنواع الجرائم الجديدة‬
‫التي يمكن �أن ت�شكل �أخطارا ج�سيمة في ظل العولمة‪ ،‬بحيث ظهرت تبعا للتطور الهائل في‬
‫مجال التقنية العالية‪ ،‬وهو ماجعل �أمرتحديد هذا النمط من الإجرام و�إدراجه �ضمن طائفة‬
‫الجرائم التقليدية المعروفة تكتنفه �صعوبات ترجع �إلى الطبيعة الخا�صة بها باعتبارها تطال‬
‫‪2‬‬
‫المعلومات‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تعتمد في تنفيذها على الحا�سوب‬
‫�إذ يعد الحا�سوب فيها �أداة رئي�سية الرتكاب العمل الإجرامي نظرا لما يحتويه من معلومات‬
‫و�أ�صول‪ ،‬فالحا�سب الآلي هنا لي�س مجرد و�سيلة لت�سهيل النتيجة الإجرامية �أوم�ضاعفة‬
‫ج�سامتها‪ ،‬بل يمكن القول �أن المعلومات والبيانات التي يحتويها ت�شكل الباعث على �إرتكاب‬
‫الجريمة‪ ،3‬كماهوال�ش�أن في حالة التحويل غيرالم�شروع من ح�ساب بنكي لآخر‪،‬ف�إ�ستخدام‬
‫حا�سوب مت�صلب وحدة لالت�صال يعد �ضروري لتنفيذ هذا العمل الإجرامي‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬جرائم تطال معطيات الحا�سوب‪:‬‬
‫�أي �أن الإعتداء يطال مايمكن �أن ي�سمى بفن الحا�سوب كتدمير برامجه و�سرقتها وتقليدها‬
‫�أو العبث ببياناته �أوالمعلومات المخزنة فيه‪،‬وهذه المعطيات لي�ست ذات طبيعة مادية ملمو�سة‬
‫بل هي �أقرب �إلى الكيانات الذهنية �أوالمعنوية التي يتم �إدخالها �إلى الحا�سوب والتي تتطلب‬
‫‪4‬‬
‫معالجة قانونية ذات طبيعة خا�صة‪.‬‬
‫‪ 11‬انت�صارنوري الغريب‪�« :‬أمن الكمبيوتر والقانون»‪،‬دارالراتب اجلامعية‪ ،‬بريوت‪،‬طبعة ‪� ،1994‬ص‪.32 .‬‬
‫‪ 22‬نورالدين ه�شام‪ :‬ر�سالة لنيل دبلوم املا�سرت يف العلوم اجلنائيةـ حتت مو�ضوع‪:‬الت�صدي الإجرائي للجرمية االلكرتونية‪،‬‬
‫جامعة القا�ضي عيا�ض‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقت�صادية و الإجتماعية مبراك�ش ال�سنة اجلامعة ‪،2016-2015‬‬
‫�ص‪15.‬‬
‫‪ 33‬حممدعبد الله �أبوبكر�سالمة‪« :‬جرائم الكمبيوتر والإنرتنت» من�ش�أة املعارف الإ�سكندرية‪ ،‬طبعة ‪�،2006‬ص‪.116.‬‬
‫‪ 44‬كوثرفرام‪ ،‬اجلرمية املعلوماتية على �ضوء العمل الق�ضائي املغربي‪،‬بحث نهاية التدريبب املعهد العايل للق�ضاء‪،‬فرتة‬
‫التدريب الفوج الرابع والثالثون �سنة ‪�،2009‬ص‪.13 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪288‬‬

‫�ساد�سا‪ :‬خ�صو�صية مجرم المعلومات‬


‫قد ال تت�أثر الجرائم التقليدية بالم�ستوى العلمي للمجرم كقاعدة عامة‪ ،‬ولكن الأمر مختلف‬
‫تماما بالن�سبة للمجرم المعلوماتي والذي يكون عادة من ذوي الإخت�صا�ص والمعرفة في مجال‬
‫تقنية المعلومات‪.‬‬
‫وقد تم ت�صنيف مجرمي الجرائم الإلكترونية �إلى المخترقين والمحترفين و الحاقدين‪.‬‬
‫المخترقون‪ :‬مثل الهاكرز الذي يعد �شخ�صا بارعا في �إ�ستخدام الحا�سب الآلي ولديه‬ ‫✺‬

‫ف�ضول في �إ�ستخدام ح�سابات الآخرين بطرق غير م�شروعة الأمر الذي يدل على �أنهم‬
‫�أ�شخا�ص‪،‬متطفلون وغير مرحب بهم لدى الغير‪ ،‬و�أغلبهم ما يكون جانبهم تحدي ال�شباب‬
‫للدخول �إلى المواقع الر�سمية‪ ،‬وبع�ض الأحيان الدخول �إلى مواقع الح�سابات من �أجل‬
‫�إثبات الذات‪ ،‬وغالبا تكون �أعمارهم في �سن المراهقة‪.1‬‬
‫المحترفون‪ :‬وهم الأكثر خطورة بين مجرمي الأنترنيت‪ ،‬حيث يهدف البع�ض منهم �إلى‬ ‫✺‬

‫الإعتداء لتحقيق الك�سب غير الم�شروع المتمثل في الناحية المادية وذلك عبر الدخول‬
‫في ح�ساب البنوك‪ ،‬والبع�ض الأخر يدخل من �أجل تحقيق �أغرا�ض �سيا�سة والتعبير عن‬
‫وجهة نظره �أو فكرة‪ ،‬وغالبا �أعمال ه�ؤالء تكون بين ‪ 25‬و ‪� 40‬سنة‪.2‬‬
‫الحاقدون‪ :‬وهم الذين لي�س لديهم �أي �أهداف للجريمة وال ي�سعون لمكا�سب �سيا�سية �أو‬ ‫✺‬

‫مادية ولكن يتحركون لرغبة في الإنتقام والت�أثر كالأمور الطائفية‪.3‬‬


‫�سابعا‪ :‬احتمال تعدد الأو�صاف القانونية لمحل الجريمة الإلكترونية‬
‫�إن محل الجريمة الإلكترونية قد يظهر بمظهرين �أحدهما مادي والثاني معنوي‪ ،‬كما هو‬
‫الحال بالن�سبة للمعلومات فقد نكون في حالة انتقال �أو موجودة في ذاكرة النظام الإلكتروني‬
‫�أي �أنها في حالة غير مادية‪ ،‬وال�شكل الآخر �أن تكون المعلومات متج�سدة في �صورة مادية‬
‫بتخزينها على دعامة الكترونية‪ ،‬حتى �أن المعلومات غير المادية بطبيعتها يمكن �أن تخ�ضع‬
‫لأكثر من ن�ص قانوني‪ ،‬وفقا لها �إذا كانت في �شكل مادي �أو غير مادي‪ ،‬وفي ال�شكل الأخير‬
‫يوجد لها �أكثر من ن�ص قانوني يمكن �أن تخ�ضع له‪ ،‬مثال ذلك اعتبارها م�صنف �أدبي مما يثير‬
‫م�شكلة تعدد الأو�صاف القانونية على ذات المحل‪.4‬‬
‫‪ 11‬قورة نائلة عادل‪ « :‬جرائم احلا�سوب الآيل االقت�صادية»‪ ،‬من�شورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،‬سنة‬
‫‪� ،2012‬ص‪.178 .‬‬
‫‪ 22‬ابراهيم خالد ممدوح‪ « :‬اجلرائم املعلوماتية»‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اال�سكندرية‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،‬سنة ‪� ،2009‬ص‪.‬‬
‫‪.78‬‬
‫‪ 33‬ابراهيم خالد ممدوح‪ :‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.79 .‬‬
‫‪� 44‬إبراهيم‪ ،‬خالد ممدوح‪ :‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.88-87 .‬‬
‫‪289‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الفقرة الثالثة‪� :‬أنواع الجرائم الإلكترونية‬


‫�إن �أنواع الجرائم الإلكترونية كثيرة حيث لم يو�ضع لها معايير محددة من �أجل ت�صنيفها‬
‫وهذا راجع �إلى التطور الم�ستمر لل�شبكة والخدمات التي تقدمها‪.‬‬
‫الجرائم الواقعة على الأ�شخا�ص‪:‬‬ ‫■‬

‫فرغم الإيجابيات والفوائد التي جاءت بها ال�شبكة المعلوماتية والت�سهيالت المقدمة للفرد‪،‬‬
‫�إال �أنها جعلته �أكثر عر�ضة للإنتهاك‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫جريمة التهديد‪ :‬وهو الوعيد يق�صد به زرع الخوف في النف�س‪ ،‬بال�ضغط على �إرادة‬ ‫✺‬

‫الإن�سان‪ ،‬وتخويفه من �أ�ضرار ما �ستلحقه �أو �ستلحق �أ�شخا�صا له بها �صلة‪ ،‬ويجب �أن يكون‬
‫التهديد على قدر من الج�سامة المتمثلة بالوعيد ب�إلحاق الأذى �ضد نف�س المجني عليه �أو ماله‬
‫�أو �ضد نف�س �أو مال الغير‪ ،‬وال ي�شترط �أن يتم �إلحاق الأذى فعال �أي تنفيذ الوعيد‪ ،‬لأنها ت�شكل‬
‫جريمة �أخرى قائمة بذاتها‪ ،‬تخرج من �إطار التهديد �إلى التنفيذ الفعلي‪ ،‬وقد يكون التهديد‬
‫م�صحوبا بالأمر �أو طلب لقيام بفعل �أو االمتناع عن الفعل‪� ،‬أو لمجرد االنتقام‪ ،‬ولقد �أ�صبح‬
‫الأنترنيت الو�سيلة الرتكاب جرائم التهديد‪ ،‬والتي في حد ذاتها تحتوي على عدة و�سائل لإي�صال‬
‫التهديد للمجني عليه لما تت�ضمنه من نوافذ وجدت للمعرفة كالبريد الإلكتروني �أو الويب‪.‬‬
‫انتحال �شخ�صية �أحد المواقع‪ :‬ويتم ذلك عن طريق اختراق �أحد المواقع لل�سيطرة‬ ‫✺‬

‫عليه‪ ،‬ليقوم بتركيب برنامج خا�ص به هناك‪ ،‬با�سم الموقع الم�شهور‪.1‬‬


‫جرائم ال�سب والقذف‪ :‬الم�سا�س ب�شرف الغير و�سمعتهم‪ ،‬واعتبارهم‪ ،‬يكون القذف‬ ‫✺‬

‫وال�سب كتابيا‪� ،‬أو عن طريق المطبوعات �أو ر�سوم‪ ،‬عبر البريد الإلكتروني �أو ال�صوتي بوا�سطة‬
‫�صفحات الويب‪� ،‬أو مواقع التوا�صل الإجتماعي بعبارات تم�س ال�شرف‪.‬‬
‫المواقع االباحية والدعارة‪ :‬وجود مواقع على �شبكة الأنترنيت تحر�ض على ممار�سة‬ ‫✺‬

‫الجن�س للكبار والق�صر‪ ،‬وذلك بن�شر �صور و لقطات جن�سية للتحري�ض على ممار�سة المحرماتـ‬
‫والجرائم المخلة بالحياء عن طريق �صور‪� ،‬أفالم‪ ،‬ر�سائل‪...‬بالإ�ضافة �إلى انت�شار ال�صور‬
‫ومقاطع الفيديو المخلة بالآداب على مواقع الأنترنيت من قبل الغزو الفكري لكي يتداولها‬
‫ال�شباب و�إف�ساد �أفكارهم و�إ�ضعاف �إيمانهم‪.‬‬
‫توفر ال�شبكة ت�سهيال للدعارة‪ :‬عبر �آالف المواقع الإباحية‪ ،‬وت�سوق الدعارة وت�ستثمر لها‬ ‫✺‬

‫مبالغ �ضخمة مع �إ�ستخدام �أحدث التقنيات‪.‬‬

‫‪ 11‬حممد بن عبد الله بن علي املن�شاوي ‪ « :‬جرائم الأنرتنيت يف املجتمع ال�سعوي»‪ ،‬ماج�سرت يف العلوم ال�رشطية‪� ،‬أكادميية‬
‫نايف العربية للعلوم الأمنية‪ ،‬الريا�ض‪� ،2003 ،‬ص‪.55 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪290‬‬

‫الت�شهير وت�شويه ال�سمعة‪ :‬يقوم المجرم بن�شر معلومات قد تكون �سرية �أو م�ضللة �أو‬ ‫✺‬

‫مغلوطة عن �ضحيته‪ ،‬والذي قد يكون فردا �أو م�ؤ�س�سة تجارية �أو �سيا�سية �أو م�شهورة‪ ،‬و تتعدد‬
‫الو�سائل الم�ستخدمة في هذا النوع من الجرائم‪ ،‬لكن في مقدمة هذه الو�سائل �إن�شاء موقع‬
‫على ال�شبكة يحتوي على المعلومات المطلوب ن�شرها �أو �إر�سال هذه المعلومة عبر القوائم‬
‫البريدية‪� .‬إلى �أعداد كبيرة من الم�ستخدمين‪ ،‬وتروم هذه الجرائم كذلك ت�شويه ال�سمعة‪ ،‬وقد‬
‫يكون الهدف من ذلك هو االبتزاز‪.‬‬
‫الجرائم الواقعة على الأموال‪� :‬أ�صبحت المعامالت كال�شراء والبيع والإيجار تتم عبر‬ ‫✺‬

‫ال�شبكة المعلوماتية‪ ،‬وما �أنجز عليه من و�سائل الدفع والوفاء‪ ،‬فابتكرت معه طرق وو�سائل‬
‫لل�سطو على هذا التداول المالي بطريق غير م�شروع‪ ،‬كالتحويل الإلكتروني‪ ،‬ال�سرقة‪ ،‬القر�صنة‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ال�سرقة الواقعة على البنوك ‪ :‬تتم �سرقة المال بالطرق المعلوماتية عن طريق اختال�س‬ ‫✺‬

‫البيانات والمعلومات ال�شخ�صية للمجني عليهم‪ ،‬والإ�ستخدام ل�شخ�صية ال�ضحية ليقوم بعملية‬
‫ال�سرقة المتخفية‪ ،‬ما ي�ؤدي بالبنك �إلى التحويل البنكي للأموال الإلكترونية �أو المادي �إلى‬
‫الجاني‪.‬‬
‫حيث ي�ستخدم الجاني الحا�سب الآلي لدخول �شبكة الأنترنيت والو�صول �إلى الم�صاريف‬
‫والبنوك وتحويل الأموال الخا�صة �إلى ح�سابات �أخرى‪.1‬‬
‫وعملية ال�سرقة الإلكترونية كالإ�ستيالء على ماكينات ال�صرف الآلي والبنوك‪ ،‬يتم فيها‬
‫ن�سخ البيانات الإلكترونية لبطاقة ال�صرف الآلي ومن ثم �إ�ستخدامها ل�صرف �أموال من ح�ساب‬
‫ال�ضحية‪� ،‬أو �إن�شاء �صفحة �أنترنيت مماثلة جدا لموقع �أحد البنوك الكبرى �أو بق�صد الح�صول‬
‫على بياناته الم�صرفية و�سرقتها‪.‬‬
‫تجارة المخدرات عبر الأنترنيت‪ ،‬تتعلق بالترويج للمخدرات وبيعها‪ ،‬والتحري�ض على‬ ‫✺‬

‫�إ�ستخدامها‪ ،‬و�صناعتها بمختلف الأنواع‪.‬‬


‫غ�سيل الأموال‪ :‬تمار�س عبر الأنترنيت‪ ،‬حيث ا�ستفاد الجناة مما و�صل �إليه ع�صر التقنية‬ ‫✺‬

‫المعلوماتية لتو�سيع ن�شاطهم الغير م�شروع في غ�سيل �أموالهم‪ ،‬بتوفير ال�سرعة‪ ،‬وتفادي الحدود‬
‫الجغرافية‪ ،‬والقوانين المعيقة لغ�سيل الأموال وكذا لت�شفير عملياتهم و�سهولة نقل الأموال‬
‫وا�ستثمارها و�إعطائها ال�صبغة ال�شرعية‪.2‬‬
‫‪ 11‬عبا�س �أو �شامة‪ ،‬التعريف بالظواهر الإجرامية امل�ستحدثة حجمها‪� ،‬أبعادها‪ ،‬ون�شاطها يف الدول العربية‪ ،‬الندوة العلمية‬
‫للظواهر الإجرامية امل�ستحدثة و�سبل مواجهتها‪ ،‬تون�س‪� ،‬أيام ‪ 29-30‬جوان ‪� ،1999‬ص‪.20 .‬‬
‫‪� 22‬صاحلة العمري‪ « :‬جرمية غ�سل الأموال وطرق مكافحتها»‪ ،‬جملة االجتهاد الق�ضائي العدد اخلام�س‪� ،‬أثر االجتهاد‬
‫الق�ضائي على حركة الت�رشيع‪ ،‬جامعة حممد حي�رض‪ ،‬ب�سكرة ا�سكندرية‪� ،‬ص‪.179 .‬‬
‫‪291‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫اال�ستعمال الغير ال�شرعي للبطاقات االئتمانية‪ :‬رافق �إ�ستخدام البطاقات االئتمانية‪،‬‬ ‫✺‬

‫الإ�ستيالء عليها باعتبارها نقود الكترونية وذلك �إما ب�سرقة �أرقام البطاقات ثم بيع معلومات‬
‫الآخرين‪ ،‬من خالل الح�صول على كلمة ال�سر المدرجة في ملفات �أنظمة الحا�سب الآلي‬
‫لل�ضحية عن طريق الإحتيال‪ ،‬وذلك ب�إيهامه بح�صول ربح‪ ،‬فيقدم ال�ضحية معلومات تمكن‬
‫الجاني من الت�صرف في ماله‪� ،1‬أو �إ�ساءة �إ�ستخدام الغير بطاقات االئتمانية‪ ،‬ك�أن يقوم ال�سارق‬
‫ب�إ�ستعمال البطاقة للح�صول على ال�سلع والخدمات �أو �سحب مبالغ مالية بموجبها من �أجهزة‬
‫التوزيع الآلي �أو ال�سحب ب�إ�ستخدام بطاقات مزورة‪.2‬‬
‫جرائم الواقعة على حقوق الملكية الفكرية والأدبية‪ :‬كذلك يكون النظام المعلوماتي‬ ‫✺‬

‫و�سيلة لالعتداء على حقوق الملكية الفكرية‪ ،‬وذلك بال�سطو على المعلومات التي يت�ضمنها‬
‫نظام معلوماتي �آخر وتخزين و�إ�ستخدام هذه المعلومات دون �إذن �صاحبها‪ ،‬حيث يعد اعتداء‬
‫على الحقوق المعنوية وعلى قيمتها المادية‪.3‬‬
‫الجرائم الواقعة على �أمن الدولة‪ :‬تقع هذه الجرائم ب�إ�ستعمال النظام المعلوماتي �سواء‬ ‫✺‬

‫لإف�شاء الأ�سرار التي تخ�ص م�صالح الدولة ونظام الدفاع الوطني‪� ،‬أو الإرهاب والتج�س�س‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الإطار القانوني للجريمة االلكترونية‬
‫عرفت مجموعةالقانون الجنائي فراغا على م�ستوى مجال مكافحة الجريمة االلكترونية‪،‬‬
‫�إال �أن الم�شرع المغربي و مواكبة منه لهذا النوع من الجرائم الم�ستحدثة عمل على �إ�ضافة‬
‫مجموعة من ن�صو�ص القانون الجنائي‪ ،‬من �أهمها نجد القانون المغربي المتعلق بنظم‬
‫المعالجة الآلية للمعطيات رقم ( ‪ ،)07-03‬بالإ�ضافة �إلى قوانين �أخرى كالقانون رقم (‪-03‬‬
‫‪ ،)03‬والقانون رقم (‪ ،)24-03‬و في درا�ستنا هذه �سوف ن�سلط ال�ضوء على القانون رقم (‪-03‬‬
‫‪ ،)07‬و بع�ض الن�صو�ص القانونية الخا�صة التي نظمت هذا النوع من الجرائم‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪:‬الجريمة الإلكترونية وفقا للقانون رقم (‪ )03-07‬المتعلق بالم�س بنظم‬
‫المعالجة الآلية للمعطيات‬
‫�إن وعي الم�شرع المغربي بخ�صو�صية الإجرام المعلوماتي وانعكا�ساته على المجتمع بد�أ‬
‫مع �صدورالقانون المتعلق بالإرهاب الذي وردت فيه �إمكانية �إرتكاب �أفعال �إجرامية �إرهابية‬
‫عن طريق نظم المعالجة الآلية للمعطيات‪،‬علما �أن القانون الجنائي المغربي اليحتوي على‬
‫‪� 11‬صغري يو�سف‪« :‬اجلرمية املرتكبة عرب االنرتنت»‪ ،‬مذكرة املاج�سرت القانون الأعمال‪ ،‬كلية احلقوق والعلوم ال�سيا�سية‪،‬‬
‫جامعة مولود عمري‪ ،‬تيزي وزو‪� ،‬سنة ‪� ،2013‬ص‪.45 .‬‬
‫‪� 22‬أحمد خليفة امللط‪ :‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.184 .‬‬
‫‪ 33‬نف�س املرجع‪� ،‬ص‪.184 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪292‬‬

‫ن�صو�ص تخ�ص الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات‪ ،‬مما حذا بالم�شرع �إلى‬
‫تبني قانون خا�ص بهذه العينة من الجرائم وتم ذلك عبرالقانون رقم ‪ 07-03‬المتمم لمجموعة‬
‫القانون الجنائي‪.‬‬
‫وهو ما�سنح للق�ضاء ب�إعطاء تكييفات منا�سبة للجرائم الما�سة بنظم المعلوميات‪،‬ويمكن‬
‫ح�صرهذه الجرائم في فئتين‪ :‬الجرائم التي ت�ستهدف الم�س بنظم المعالجة الآلية للمعطيات‬
‫(�أوال)‪ ،‬والجرائم التي ت�ستهدف المعطيات ووثائق المعلوميات (ثانيا)‪.‬‬
‫�أوال‪ -‬الجرائم الما�سة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات‬
‫تتجلى �صور الإعتداء على نظام المعالجة الآلية للمعطيات في الدخول �أو البقاء غير‬
‫الم�شروع في النظام‪ ،‬وعرقلة �سير النظام �أو �إحداث خلل فيه‪ ،‬ثم الإعداد الرتكاب الم�س‬
‫بالنظام‪.‬‬
‫‪ - 1‬الدخول �أوالبقاء غيرالم�شروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات‬
‫فبالن�سبة للدخول �أو البقاء غير الم�شروع ن�ص الف�صل ‪« 3 - 607‬يعاقب بالحب�س من �شهر‬
‫�إلى ثالثة �أ�شهر وبالغرامة من ‪� 2000‬إلى ‪ 10.000‬درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط كل من‬
‫دخل �إلى مجموع �أو بع�ض نظام للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الإحتيال‪.‬‬
‫ويعاقب بنف�س العقوبة من بقي في نظام معالجة الآلية للمعطيات �أو جزء منه‪ ،‬كان قد دخله‬
‫عن طريق الخط�أ وهو غير مخول له حق دخوله‪.‬‬
‫ت�ضاعف العقوبة �إذا نتج عن ذلك حذف �أو تغيير المعطيات المدرجة في نظام للمعالجة‬
‫الآلية للمعطيات �أو ا�ضطراب في �سيره»‪.‬‬
‫انطالقا من هذا الن�ص يت�ضح �أن جريمة الدخول �أوالبقاء في النظام التقوم �إذا كان الولوج �إليه‬
‫متاحا للجمهور و�إنما تفتر�ض �أن يتم ذلك عن طريق الإحتيال‪ ،‬وهو ماذهب �إليه الق�ضاء المغربي‬
‫�إذ اعتبر �أن جنحة الدخول �إلى نظام المعالجة الآلية عن طريق الإحتيال ثابثة في حق المتهم‬
‫الذي ا�ستطاع الدخول عبر �شبكة الإنترنت �إلى جهازال�شخ�ص المرا�سل معه بوا�سطة ما يدعى بـ‬
‫‪ PRORAT‬الذي تمكن من قر�صنته‪ ،‬وقام بن�سخ جميع المعلومات التي تخ�صه‪ ،‬كما تمكن من الولوج‬
‫‪1‬‬
‫�إلى مواقع �إلكترونية عبر�شبكة الإنترنت عن طريق قر�صنة الأقنان ال�سرية الخا�صة ب�أ�صحابها ‪.‬‬
‫ويتكون الركن المادي لهذه الجريمة من فعل الدخول �إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات‬
‫�أو جزء منه‪ ،‬و�إما في فعل البقاء في هذا النظام �أو في جزء منه‪ ،‬هذا ولم يحدد الم�شرع و�سيلة‬

‫‪ 11‬حكم �صادر عن ابتدائية الدارالبي�ضاء يف ملف جنحي تلب�سي عدد ‪ 07/7794‬حكم رقم ‪ 037‬بتاريخ‬
‫‪(2008-02-06‬غريمن�شور)‪.‬‬
‫‪293‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الدخول �أو الطريقة التي يتم بها الدخول �إلى النظام فقد تقع ب�أي �شكل من الأ�شكال (برنامج‬
‫فيرو�س‪ ،‬قر�صنة برامج �أو رموز ت�شفير‪ ،‬تجاوز نظام الحماية)‪ ،‬ويكون الدخول غير م�شروع �إذا‬
‫كان من له حق ال�سيطرة على النظام قد و�ضع بع�ض القيود للدخول �إليه ولم يحترمها الجاني‪.‬‬
‫كما تقع الجريمة �سواء تم الدخول �إلى النظام كله �أو جزء منه فقط‪ ،‬كالدخول لبع�ض‬
‫عنا�صر النظام �أو عن�صر واحد منه‪� ،‬أو في الحالة التي ي�سمح فيها للجاني بالدخول �إلى جزء‬
‫من النظام فينتهز الفر�صة ويدخل �إلى جزء �آخر غير م�سموح له الدخول �إليه‪� ،‬شرط �أن يكون‬
‫العن�صر الذي تم الولوج �إليه يدخل في برنامج متكامل قابل للت�شغيل‪.1‬‬
‫�أما فعل البقاء في النظام �أو جزء منه فيق�صد به التواجد داخل نظام المعالجة الآلية‬
‫للمعطيات �ضد �إرادة من له الحق في ال�سيطرة على هذا النظام‪ ،‬وقد يتحقق البقاء المعاقب‬
‫عليه ا�ستقالال حين يكون الدخول �إلى النظام م�شروعا‪ ،‬كمن يدخل �إلى نظام بال�صدفة �أوعن‬
‫طريق الخط�أ �أو ال�سهو وال ين�سحب �أو يبقى فيه بعد المدة المحددة له للبقاء داخله‪.2‬‬
‫وعليه ال يتوفرالركن المعنوي �إذا كان دخول الجاني �أوبقائه داخل النظام م�سموح به‪� ،‬أو وقع‬
‫في خط�أ في الواقع كجهله وجود حظرللدخول �أوالبقاء �أو يعتقد �أنهم �سمحو له بالدخول‪ ،‬ف�إذا‬
‫توفر الق�صد الجرمي بعن�صريه العلم والإرادة فال عبرة بالباعث على الدخول �أو البقاء بحيث‬
‫يظل الق�صد الجرمي قائما ولو كان الباعث الف�ضول �أو �إثبات القدرة على االنت�صار على النظام‪.‬‬
‫وبالرجوع �إلى الفقرة الأخيرة من الف�صل ‪ 607-3‬نجدها تن�ص على ظرف م�شدد يتحقق‬
‫عندما ينتج عن الدخول �أو البقاء �إما محو �أو تعديل المعطيات التي يحتويها النظام �أو �إحداث‬
‫ا�ضطراب في �سيره‪ ،‬ويكفي لتوفر هذا الظرف وجود عالقة �سببية بين الدخول �أو البقاء‬
‫غيرالم�شروعين والنتيجة ال�ضارة وذلك بمحو �أو تعديل المعطيات التي يحتويها النظام �أو‬
‫تعطيله‪ ،‬ويالحظ هنا �أن الم�شرع يحمي النظام من خالل حماية المعطيات التي يحتويها‪.‬‬
‫‪ - 2‬عرقلة �سيرالنظام �أو�إحداث خلل فيه‬
‫‪607-5‬‬ ‫�أما فيما يخ�ص عرقلة �سيرالنظام �أو �إحداث خلل فيه‪ ،‬فبـا�ستقراء الـف�صـل‬
‫من القانون الجنائي‪ ،3‬يتبين �أن الركن المادي لهذه الجريمة يتمثل في فعل التعطيل الذي‬
‫يندرج �ضمن �إعاقة النظام �أياكانت الو�سيلة الم�ستخدمة في ذلك‪ ،‬فقد تكون بطريقة مادية‬
‫ك�أعمال العنف على �أجهزة الحا�سوب و�شبكة الإنترنت‪ ،‬وقد تكون بطريقة معنوية عندما تقع‬
‫‪ 11‬نائلة عادل حممد فريد قورة‪« :‬جرائم احلا�سب الآيل االقت�صادية»‪،‬درا�سة نظرية وتطبيقية‪ ،‬من�شورات احللبي احلقوقية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪�.2005‬صفحات متفرقة‪.352-315 :‬‬
‫‪ 22‬نف�س املرجع �أعاله‪� ،‬ص‪.395.‬‬
‫‪ 33‬ين�ص الف�صل ‪ 607-5‬على �أنه‪« :‬يعاقب باحلب�س من �سنة �إىل ثالث �سنوات وبالغرامة من ‪� 10.000‬إىل ‪ 200.000‬درهم‬
‫�أو ب�إحدى هاتني العقوبتني كل من عرقل عمدا �سرينظام املعاجلةالآلية للمعطيات �أو�أحدث فيه خلال»‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪294‬‬

‫على الكيانات المنطقية للنظام مثل البرامج والمعطيات‪ ،1‬كما يتمثل �أي�ضا في �إحداث الخلل‬
‫في النظام عن طريق العيب �أو الإف�ساد‪� ،2‬أو كل فعل يجعل نظام المعالجة الآلية غير�صالح‬
‫لال�ستعمال‪ ،‬و�إحداث خلل في نظام المعالجة الآلية للمعطيات يتم بعدة و�سائل خا�صة منه‬
‫البرامج الخبيثة ذات الأثر التدميري والتي ت�صيب النظام بال�شلل‪ ،‬وهو ما �سببه فيرو�س‬
‫زوطوب الذي عدله المغربي (ف‪�.‬ص) للنظم المعلوماتية الأمريكية �إذ خلق لها العديد من‬
‫الم�شاكل التقنية‪ ،‬مما �شكل عرقلة ل�سيرالنظام �أو �إحداث خلل فيه كان على المحكمة �أن‬
‫ت�أخذه بعين االعتبار �إثر تكييفها للأفعال المن�سوبة للمتهم ب�أن تناق�شه في معر�ض تعليلها‬
‫للتهم الموجهة �إليه بدل االقت�صار على بيان العنا�صرالمكونة لجريمة تكوين ع�صابة �إجرامية‬
‫وجريمة ال�سرقة والإ�شارة �إلى كون �أنه والمتهم الثاني لم ينكرا ولوجهما �أنظمة المعالجة الآلية‬
‫للمعطيات‪ ،3‬وذلك حتى يكون للق�ضاء هام�شا كبيرا في تفعيل الن�صو�ص القانونية من خالل‬
‫الوقائع المعرو�ضة عليه‪.‬‬
‫وغني عن البيان �أن جريمة �إعاقة �سيرالنظام �أو �إحداث خلل فيه هي جريمة عمدية تقوم‬
‫بوجود الق�صد الجنائي بعن�صريها العلم والإرادة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الجرائم التي ت�ستهدف المعطيات والوثائق المعلوماتية‬
‫عاقب الم�شرع بمقت�ضى الف�صل ‪ 607-06‬بالحب�س من �سنة �إلى ثالث �سنوات وبالغرامة‬
‫من ‪� 10.000‬إلى ‪ 200.000‬درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط‪ ،‬كل من �أدخل معطيات في‬
‫نظام المعالجة الآلية للمعطيات �أو �أتلفها �أو حذفها منه �أو غير المعطيات المدرجة فيه �أو غير‬
‫طريقة معالجتها �أو طريقة �إر�سالها عن طريق الإحتيال‪.‬‬
‫يتكون الركن المادي لهذه الجريمة من الأفعال التالية‪:‬‬
‫�أوال‪� :‬إدخال معطيات‪ 4‬في نظام المعالجة‪ :‬ويعتبر هذا الفعل �أكثر �أ�ساليب �إرتكاب الإحتيال‬
‫المعلوماتي ب�ساطة و�أمنا و�أكثر �أ�شكاله وقوعا‪ ،‬ومن ذلك قيام �شخ�ص ب�إدخال معطيات‬

‫‪ 11‬هدى حامد ق�شقو�ش‪« :‬جرائم احلا�سب الإلكرتوين يف الت�رشيع املقارن»‪،‬القاهرة‪ ،‬طبعة ‪� ،1992‬ص‪.28 .‬‬
‫‪ 22‬ك�إ�ستخدام القنبلة املعلوماتية التي يدخل عن طريقها معلومات تتكاثر داخل النظام فتجعله غري�صالح لال�ستعمال‪�،‬أو�إ�ستخدام‬
‫برناجمة يحمل فريو�س يقوم بتغيري غري حم�سو�س يف الربامج �أواملعطيات‪.‬‬
‫‪ 33‬قرارعدد ‪ 721‬بتاريخ ‪ ،2006-09-12‬يف امللف عدد ‪�، 22-06-600‬أيد ا�ستئنافيا مبقت�ضى القرار عدد ‪ 3012‬بتاريخ‬
‫‪ 2006-12-13‬يف امللف عدد ‪�،26-06-922‬صادر عن حمكمة الإ�ستئناف بالرباط‪،‬غري من�شور‪.‬‬
‫‪ 44‬تعني املعطيات �أو ما ي�صطلح عليه بالبيانات �شيء معطى �أو م�سلم به وب�صحته كحقيقة وكواقعة‪ ،‬وهي عبارة عن الأرقام‬
‫والكلمات �أو الرموز �أو احلقائق والإح�صاءات اخلام التي مل تخ�ضع بعد لعملية تق�سيم �أو جتهيز للإ�ستخدام وهي ب�شكل‬
‫�أو�ضح البيانات الأولية التي تتعلق بقطاع �أو ن�شاط ما قبل �أن يتم تنظيمها ومعاجلتها بطريقة ت�سمح ب�إ�ستخال�ص النتائج‬
‫املتمثلة يف املعلومات‪.‬‬
‫يراجع‪ :‬احل�سني القمري‪« :‬القيمة القانونية للوثائق ال�صادرة عن احلا�سوب»‪ ،‬جملة الدفاع عدد ‪� ،2003 ،4‬ص‪.59 .‬‬
‫‪295‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫م�صطنعة ببطاقة خا�صة به على �شبكة الإنترنت ودون بها معلومات متعلقة ب�شخ�صية �سامية‬
‫في البالد �أرفقها ب�صورة لهذه ال�شخ�صية وا�ستعملها في موقع ‪ Facebook‬لربط عالقات مع‬
‫الم�شاركين بهذا الموقع‪.1‬‬
‫ثانيا‪� :‬إتالف وحذف المعطيات‪ :‬يق�صد به �إزالة جزء من المعطيات الموجودة داخل‬
‫النظام‪ ،‬ومن �أبرز �صوره حذف معطيات متعلقة بح�سابات بنكية جديدة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تغيير المعطيات‪ :‬يتعلق الأمر �إما بتغيير المعطيات في حد ذاتها وا�ستبدالها‬
‫بمعطيات �أخرى �أو تغيير الطريقة التي تعالج بها �أو طريقة �إر�سالها‪ ،‬وتغيير طريقة المعالجة‬
‫والإر�سال هو في حد ذاته تالعب بالبرنامج‪.‬‬
‫وقد اعتبرت ابتدائية الدار البي�ضاء في الواقعة الم�ستدل بها �أعاله �أن فعل المتهم ي�شكل‬
‫جنحة �إدخال معطيات في نظام المعالجة الآلية للمعطيات وتغييرها وتزييف وثائق المعلوميات‬
‫و�إعداد معطيات معلوماتية غير �صحيحة وتملكها وعر�ضها معللة حكمها‪« :‬حيث �إن النظام‬
‫المعلوماتي ي�شكل بيانات ومعلومات تمت معالجتها بعد اتباع طرق و�إجراءات �إلكترونية معينة‬
‫لت�صير برنامجا تطبيقيا ي�شمل معلومات مخزنة يتم الرجوع �إليها عند الحاجة‪...‬‬
‫و�إن دخول الظنين غير الم�شروع لموقع فاي�س بوك عن طريق انتحال �شخ�صية (‪)...‬‬
‫ب�إ�ستعمال �صورته وجميع المعلومات ال�شخ�صية الخا�صة به يعتبر دخوال مزورا في ال�صفحة‬
‫الإلكترونية التي ا�ستعملها الظنين في ا�ستقطاب مرا�سليه كما �أن �إقدام الظنين على ن�شر‬
‫�صورة (‪ )...‬والمعلومات الخا�صة به ون�سبتها لنف�سه يعد دخوال لنظام معلوماتي عن طريق‬
‫تزوير �إلكتروني رغم علمه بذلك خا�صة و�أنه مهند�س دولة له تكوين في الميدان‪.»2‬‬
‫وتعتبر جريمة التالعب في المعطيات جريمة عمدية لذلك يلزم �أن تتجه �إرادة الجاني‬
‫�إلى فعل الإدخال �أو المحو �أو التعديل كما يجب �أن يكون على علم �أن ما يقوم به هو تالعب‬
‫بالمعطيات و�أن ال حق له في القيام بذلك‪.‬‬
‫هذا وقد عاقب الم�شرع المغربي على تزوير �أو تزييف وثائق المعلوميات �أيا كان �شكلها �إذا‬
‫كان من �ش�أن التزوير �أو التزييف �إلحاق �ضرر بالغير وكذا ا�ستعمال هذه الوثائق المعلوماتية مع‬
‫العلم �أنها مزورة �أو مزيفة طبقا للف�صل ‪ 607-7‬من القانون الجنائي‪ ،‬غير �أنه لم ي�ضع تعريفا‬
‫لوثائق المعلوميات‪.3‬‬

‫‪ 11‬ملف جنحي تلب�سي رقم ‪ 2008/1189‬وتاريخ ‪� ،08/02/22‬صادر عن ابتدائية البي�ضاء‪( ،‬غري من�شور)‪.‬‬
‫‪ 22‬ملف جنحي تلب�سي رقم ‪ 2008/1189‬وتاريخ ‪�،08/02/22‬صادر عن ابتدائية البي�ضاء‪( ،‬غريمن�شور)‪.‬‬
‫‪ 33‬هي كل ج�سم منف�صل �أو ميكن ف�صله عن نظام املعاجلة الآلية للمعطيات وقد �سجلت عليه معلومات معينة �سواء �أكان معدا‬
‫للإ�ستخدام بوا�سطة نظام املعاجلة الآلية للمعطيات �أو يكون م�شتقا عنها‪.‬‬
‫يراجع‪ :‬عبد الفتاح حجازي بيومي‪« ،‬احلماية اجلنائية لنظام التجارة الإلكرتونية»‪ ،‬دار الفكر اجلامعي الإ�سكندرية‪،‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪296‬‬

‫�أما التزوير فهو �أي تغيير للحقيقة يرد على مخرجات الحا�سب الآلي �سواء تمثلت في‬
‫مخرجات ورقية مكتوبة �أو كانت مر�سومة‪ ،‬كما قد يتم في مخرجات غير ورقية �شرط �أن‬
‫تكون محفوظة على دعامة كبرنامج من�سوخ على �أ�سطوانة‪ ،‬كما يتحقق التزوير بتقليد الوثائق‬
‫المعلوماتية �أو التوقيع الإلكتروني‪ ،‬ويكتمل الركن المادي لهذه الجريمة بتوفر عن�صر �إلحاق‬
‫ال�ضرر بالغير‪� ،‬أما بالن�سبة ال�ستعمال وثائق المعلوميات مع العلم �أنها مزورة فمن ذلك‬
‫ا�ستعمال توقيع �إلكتروني مزور �أو بطاقة وفاء مزورة‪.‬‬
‫وقد ذهبت بع�ض القرارات ال�صادرة عن محكمة الإ�ستئناف بالرباط �إلى اعتبار قر�صنة‬
‫البطائق البنكية من قبل مجموعة من الأ�شخا�ص بمثابة تزوير في وثائق المعلوميات ومن هذه‬
‫القرارات‪ ،‬قرار عدد ‪ 364‬الذي جاء فيه‪« :‬بالـن�سبة للـمتهـم (ع‪�.‬ص)‪ ،‬حيث اعترف المتهم‬
‫ب�أنه كان يقوم ب�سحب المبالغ المالية من �شبابيك �إلكترونية بوا�سطة بطائق ائتمان مزيفة عن‬
‫طريق قر�صنة الح�سابات البنكية لزبناء �أبناك �أجنبية‪...‬‬
‫وحيث �إن المحكمة اقتنعت بثبوت الفعل المن�سوب للمتهم وي�شكل من حيث الو�صف القانوني‬
‫للتجريم جريمة تزوير وثائق المعلوميات وا�ستعمالها طبقا للف�صل ‪ 607-7‬بعد �إعادة التكييف‬
‫لجريمة تزوير بطائق االئتمان وا�ستعمالها مما يتعين معه الت�صريح ب�إدانته من �أجل ذلك»‪.‬‬
‫«بالن�سبة للمتهم ب ك‪:‬‬
‫حيث اعترف المتهم ب�أنه لقن كيفية قر�صنة الح�سابات البنكية عن طريق المتهم (ع‪�.‬ص)‬
‫وحدد الطريقة التي تتم بها قر�صنة الح�سابات البنكية‪...‬‬
‫وحيث �إن الوقائع المعرو�ضة ت�شكل من حيث الو�صف القانوني للتجريم جريمة الم�شاركة‬
‫في تزوير وثائق المعلوميات وا�ستعمالها طبقا للف�صلين ‪ 129‬و‪ 607-7‬بعد �إعادة التكييف‬
‫لجريمة تزوير بطائق االئتمان وا�ستعمالها مما يتعين معه الت�صريح بم�ؤاخذته من �أجلها»‪.1‬‬
‫وفي قرار �آخر تحت عدد ‪ 633‬اعتبرت �أن‪« :‬حيث ثبت للمحكمة �أن المتهم كان يعلم �أن‬
‫البطائق البنكية التي ت�سلمها من المتهم (ح‪.‬ك) مزيفة و�أنه ولج ال�شبابيك الأوتوماتيكية‬
‫البنكية وا�ستعملها في �سحب المبالغ المالية لفائدته ولفائدة غيره دون وجه حق‪...‬‬
‫وحيث ثبت للمحكمة �أن الأفعال المن�سوبة �إلى المتهم تو�صف بجريمة ا�ستعمال وثائق‬
‫المعلوميات (بطاقة بنكية) وهو يعلم �أنها مزيفة ح�سب الفقرة الثانية من الف�صل ‪.2»607-7‬‬

‫�ص‪.308 .‬‬
‫‪ 11‬قرار عدد ‪ 364‬بتاريخ ‪ ،2006-04-17‬يف امللف عدد ‪�، 22-05-740‬أيد ا�ستئنافيا مبقت�ضى القرار عدد ‪ 865‬بتاريخ‬
‫‪ ،2006-07-19‬يف امللف عدد ‪،26-2006-600‬ال�صادر عن ا�ستئنافية الرباط غري من�شور‪.‬‬
‫‪ 22‬قرار عدد ‪ 633‬بتاريخ ‪ ،2006-06-26‬يف امللف عدد ‪� ،22-05-461‬أيد ا�ستئنافيا مبقت�ضى القرار عدد ‪ 977‬بتاريخ‬
‫‪،2006-09-25‬يف امللف عدد ‪ ،26-06-816‬ال�صادر عن ا�ستئنافية الرباط‪ ،‬غريمن�شور‪.‬‬
‫‪297‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�إن تعليل الهيئتين م�صدرتي القرار تعليل منطقي وفيه ان�سجام مع الن�صو�ص الم�ستحدثة‬
‫التي �سنها الم�شرع لزجر جرائم المعلوميات‪ ،‬و�إعادة تكييف جريمة تزوير بطائق االئتمان‬
‫وا�ستعمالها لتزوير وثائق المعلوميات لهو تكييف قانوني �سليم يتما�شى مع �ضرورة �إعمال‬
‫الن�صو�ص في موا�ضعها عو�ض �إهمالها‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الجريمة الإلكترونية في القوانين الجنائية الخا�صة‬
‫عمل الم�شرع المغربي على حماية برامج الحا�سوب وقواعد البيانات من االعتداءات التي‬
‫تكون عر�ضة لها‪ ،‬وذلك بمقت�ضى قانون حماية حقوق الم�ؤلف والحقوق المجاورة‪ ،‬لذلك‬
‫�سنعر�ض لنطاق مبد�أ حماية برامج الحا�سوب في ظل هذا القانون (�أوال)‪،‬دون �أن نغفل‬
‫الحماية التي تكفلها القواعد والبيانات كذلك (ثانيا)‪.‬‬
‫�أوال ‪ :‬حماية برامج الحا�سوب طبقا لقانون حماية حقوق الم�ؤلف‬
‫يتكون الحا�سوب من جزئين رئي�سيين‪ :‬المكونات المادية التي يتكون منها‪ ،‬والمكونات‬
‫الالمادية وهي البرامج‪ ،‬والبرنامج له �أهمية كبرى في �إ�ستخدام الحا�سوب‪ ،‬لأنه هو القادر‬
‫على تحقيق ما يطلب منه هذا الأخير وغيابه عن الحا�سوب يجعله قطعة من البال�ستيك ال قيمة‬
‫لها‪ ،‬وتت�سم البرامج بالتعدد والتنوع بح�سب مجاالت ا�ستعمالها وتطبيقها في الحياة العملية‪.‬‬
‫ويمكن تعريف برامج الحا�سوب ب�أنها مجموعة من الأوامر والتعليمات مكتوبة بلغة ما‬
‫لتنفيذ عمليات محددة للو�صول �إلى نتائج تتماثل مع �إجراء نف�س العمليات بالطرق اليدوية‪،‬‬
‫ذلك �أن البرامج هي تعليمات مكتوبة موجهة �إلى جهاز تقني ي�سمى الحا�سوب بغر�ض الو�صول‬
‫�إلى نتيجة محددة‪ ،‬وهذا المفهوم الوا�سع ي�شمل التعليمات الموجهة �إلى الحا�سوب وملحقات‬
‫البرنامج مما يجعل الحماية من�صرفة �إليهما معا‪ ،‬وهو ما �أخذ به الم�شرع الذي عرف برامج‬
‫الحا�سوب في البند ‪ 23‬من المادة الأولى من قانون حماية حقوق الم�ؤلف‪« ،‬ب�أنه كل مجموعة‬
‫من التعليمات المعبر عنها بكلمات �أو رموز �أو بر�سم �أو ب�أي طريقة �أخرى تمكن حينما تدمج‬
‫في دعامة قابلة لفك رموزها بوا�سطة �آلة‪� ،‬أن تنجز �أو تحقق مهمة محددة �أو تح�صل على‬
‫نتيجة بوا�سطة حا�سوب �أو ب�أي طريقة �إلكترونية قادرة على معالجة المعلومات»‪.1‬‬
‫وقد ن�ص هذا القانون �صراحة في الفقرة الثانية من المادة الثالثة على ا�ستفادة برامج‬
‫الحا�سوب من الحماية المقررة للم�صنفات الأدبية والفنية‪ ،‬وبذلك فحماية برامج الحا�سوب‬
‫في القانون المغربي �أ�صبحت بمقت�ضى ن�ص القانون ح�سما لمختلف الت�أويالت الفقهية‬

‫‪ 11‬حممد بو�شيبة‪« :‬حماية برامج احلا�سوب طبقا لقانون ‪ 2-00‬املنظم حلقوق امل�ؤلف واحلقوق املجاورة»‪ ،‬جملة الق�ضاء‬
‫والقانون‪ ،‬العدد ‪� ،150‬ص‪.86-85 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪298‬‬

‫واالجتهادات الق�ضائية‪ ،1‬ولي�س المق�صود بالحماية برامج الت�شغيل والتي يطلق عليها عادة‬
‫برامج الإ�ستغالل التي تمكن الحا�سوب من �أداء وظيفته المحددة له والتي تعتبر بالتالي جزءا‬
‫من هذا الجهاز‪ ،‬بل يتعلق الأمر ببرامج التطبيق التي ت�ستهدف تحقيق نتيجة معينة‪ ،2‬وتبد�أ‬
‫حماية الحقوق التي تترتب عن هذا العمل الم�صنف بمجرد �إنجاز البرنامج ولمدة ‪� 25‬سنة‬
‫والحقوق المترتبة عن هذا العمل �أي �إنجاز البرنامج تنق�سم �إلى حقوق معنوية وحقوق مادية‪،‬‬
‫ومن �ضمن الحقوق المعنوية للم�ؤلف المطالبة بانت�ساب العمل �إليه‪ ،‬ومن الحقوق المادية‬
‫ن�شره �أو �إعادة ن�شره �أو بيعه �أو �إجارته �أو �إعادته �إال �إذا كان برنامج الحا�سوب لي�س المو�ضوع‬
‫الأ�سا�سي في الت�أجير �أو الإعارة‪.‬‬
‫وا�ستن�ساخ برنامج الحا�سوب غير م�سموح به �إال في حاالت �ضيقة‪ ،‬فال يمكن للمالك‬
‫ال�شرعي لن�سخة من البرنامج �إنجاز ن�سخة من هذا الأخير واالقتبا�س منه �إال ب�شرط �أن يكون‬
‫ذلك �ضروريا وح�صرا من �أجل ا�ستعمال برنامج الحا�سوب للأغرا�ض التي تم اقتنا�ؤه من‬
‫�أجلها ولأغرا�ض توثيقية ب�أخذ االحتياط لتعوي�ض الن�سخة في حالة ال�ضياع �أو التلف‪.3‬‬
‫لذلك فالح�صول على برامج الحا�سوب بطريقة غير �شرعية وا�ستن�ساخها �أو الح�صول على‬
‫معلومات �سرية حول طريقة �إن�شائها يعد عمال مجرما قانونا‪ ،‬و�إن كان التطور التكنولوجي‬
‫لأجهزة ومعدات الن�سخ �أدى �إلى ظهور �صناعة ن�شطة متخ�ص�صة في ا�ستن�ساخ برامج الحا�سوب‪،‬‬
‫ناهيك عن �أن الثورة الحا�صلة في مجال المعلوميات �أدت �إلى تنامي �إف�شاء معلومات برامج‬
‫الحا�سوب واالعتداء عليها بالقر�صنة �أو الإ�ستغالل غير الم�شروع‪ ،‬وهو ما يعد م�سا�سا لي�س‬
‫فقط بحقوق مبتكريها الخا�صة بل و�أي�ضا م�سا باالقت�صاد الوطني‪.‬‬
‫لذلك عمد الم�شرع �إلى ت�شديد العقوبات فيما يخ�ص الخروقات التي تطال الم�صنفات‬
‫الأدبية والفنية (التقليد‪ ،‬القر�صنة) بما فيها برامج الحا�سوب‪ ،‬فبعد �أن كانت العقوبات في‬
‫هذه الجريمة عبارة عن غرامة تتراوح بين مائة وع�شرين وع�شرة �آالف درهم (الف�صل ‪575‬‬
‫ق ج)‪� ،‬أ�صبحت ح�سب المادة ‪ 64‬من قانون حماية حقوق الم�ؤلف الجديد المعدل �سنة ‪،2006‬‬
‫عقوبات حب�سية ومالية تتجلى في الحب�س من �شهرين �إلى �ستة �أ�شهر وغرامة بين ع�شرة �آالف‬
‫ومائة �ألف درهم وذلك �سعيا منه لتوفير حماية �أكثر فعالية لها‪.‬‬

‫‪ 11‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.87 .‬‬


‫‪ 22‬عبد الكرمي غايل ‪�« :‬إ�شكالية حماية الربامج املعلوماتية على �ضوء القانون املتعلق بحقوق الت�أليف واحلقوق املجاورة‬
‫ال�صادر يف ‪ 15‬فرباير ‪ ،»2000‬جملة كتابة ال�ضبط العدد ‪ ،9‬الطبعة ‪� ،2001‬ص‪.13-12 .‬‬
‫‪ 33‬عبد الكرمي غالياملرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.14-13 .‬‬
‫‪299‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ثانيا‪ :‬حماية القانون المتعلق بحقوق الم�ؤلف لقواعدالبيانات‬


‫�إن قواعد البيانات باعتبارها من �أنظمة المعالجة الآلية للبيانات‪ ،‬هي نتاج للتقدم العلمي‬
‫في مجال �أنظمة المعلومات وو�سائل االت�صال‪ ،‬فهي مظهر من مظاهر ارتباط تكنولوجيا‬
‫الحوا�سيب الآلية والمعلوماتية بتكنولوجيا االت�صال‪.‬‬
‫وقد عرفت المادة الأولى من قانون حماية حقوق الم�ؤلف والحقوق المجاورة في فقرتها‬
‫الرابعة ع�شر قواعد البيانات ب�أنها‪« :‬مجموعة من الإنتاجات والمعطيات �أو عنا�صر �أخرى‬
‫م�ستقلة مرتبطة بطريقة ممنهجة وم�صنفة ي�سهل الو�صول �إليها ذاتيا بوا�سطة الو�سائل‬
‫الإلكترونية �أو كل الو�سائل الأخرى»‪.‬‬
‫وقد ن�ص الم�شرع المغربي �صراحة ومبا�شرة على حماية قواعد البيانات و�أعطاها �صفة‬
‫الم�صنف في المادة الخام�سة من نف�س القانون وتتمتع بنف�س الحماية المن�صو�ص عليها‬
‫بالن�سبة للم�صنفات الأ�صلية الواردة في المادة الثالثة‪.‬‬
‫لذا ففي حالة خرق متعمد للحقوق المعنوية والمادية لم�ؤلف قاعدة بيانات بطريقة غير‬
‫م�شروعة وب�أي و�سيلة كانت بق�صد الإ�ستغالل التجاري‪ ،‬يعاقب المعتدي بالحب�س من �شهرين‬
‫�إلى �ستة �أ�شهر وبغرامة تتراوح بين ‪ 10.000‬و‪ 100.000‬درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين ح�سب‬
‫ما تن�ص عليها المادة ‪ 64‬من قانون حماية حقوق الم�ؤلف ل�سنة ‪ 2000‬المعدل بمقت�ضى القانون‬
‫رقم ‪ 34 -05‬ال�صادر في ‪ 14‬فبراير ‪ ،2006‬وقد عرفت نف�س المادة «الخروقات المعتمدة بق�صد‬
‫الإ�ستغالل التجاري» بكونها كل اعتداء متعمد على حقوق الم�ؤلف �أو الحقوق المجاورة‪ ،‬لي�س‬
‫دافعه ب�صورة مبا�شرة �أو غير مبا�شرة الربح المادي‪� ،‬أو كل اعتداء متعمد �إرتكب من �أجل‬
‫الح�صول على امتياز تجاري �أو على ك�سب مالي خا�ص‪ ،1‬كما ن�صت نف�س المادة على التدابير‬
‫الوقائية والعقوبات الإ�ضافية‪� ،‬إذا ما تم اقتران الجرائم الأخرى الملحقة بجرائم خرق حق‬
‫من حقوق الم�ؤلف‪ ،‬ويتعلق الأمر فيما يخ�ص قواعد البيانات ا�ستيراد وت�صدير ن�سخ من قبل‬
‫�شخ�ص ذاتي لأغرا�ض �شخ�صية دون �إذن الم�ؤلف �أو �أي مالك �آخر بحوزته حقوق الم�ؤلف‪ ،‬وقد‬
‫�شددت المادة ‪ 2-64‬العقوبات في حالة اقتراف فعل �آخر يعد خرقا لحقوق الم�ؤلف والحقوق‬
‫المجاورة داخل الخم�س �سنوات التي تلي �صدور حكم �أول �صار نهائيا على �إثر �إرتكاب �أحد‬
‫الأفعال الم�شار �إليها في المادة ‪ ،64‬حيث يعاقب المخالف بالحب�س من �سنة �إلى �أربع �سنوات‬
‫وبغرامة تتراوح بين ‪ 60.000‬و‪ 600.000‬درهم �أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط‪.2‬‬
‫‪ 11‬تي�سري الغمري‪« :‬الإطار القانوين لقواعد البيانات الإكرتونية»‪ ،‬ر�سالة لنيل دبلوم الدرا�سات العليا املعمقة يف القانون‬
‫اخلا�ص‪ ،‬جامعة حممد اخلام�س �أكدال‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية بالرباط‪ ،‬ال�سنة اجلامعية‬
‫‪� ،2007/2006‬ص‪.211 .‬‬
‫‪ 22‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.212 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪300‬‬

‫هذا ويجوز للنيابة العامة طبقا للمادة ‪ 2-65‬ودون تقديم �أي �شكاية من جهة خا�صة �أو من‬
‫�صاحب الحقوق �أن ت�أمر تلقائيا بمتابعات �ضد كل من م�س بحقوق م�ؤلف قاعدة بيانات �أ�صلية‬
‫تخ�ضع لحماية القانون المتعلق بحماية حقوق الم�ؤلف‪.‬‬
‫والمالحظ �أن الم�شرع المغربي من خالل قانون �سنة ‪ 2000‬المعدل �سنة ‪ 2006‬لم يحل فيما‬
‫يخ�ص عقوبات جريمة التقليد وجريمة القر�صنة التي تخ�ضع لها الخروقات التي تم�س حقوق‬
‫م�ؤلفي قواعد البيانات على ف�صول القانون الجنائي‪ ،‬بل ن�ص لأول مرة �ضمن ن�صو�ص قانون‬
‫حماية حقوق الم�ؤلف على عقوبات �سالبة للحرية وجزاءات مالية و�أخرى �إ�ضـافية محددة‬
‫(الـمواد ‪ 64‬و‪ 1-64‬و‪ 2-64‬و‪ ،)3-64‬وقد كانت المادة ‪ 56‬من ظهير ‪ 1970‬تحيل على ف�صول‬
‫القانون الجنائي (الف�صول من ‪� 575‬إلى ‪ )579‬فيما يخ�ص جريمة التقليد‪ ،‬وكانت العقوبات‬
‫عبارة عن غرامة محددة قانونا في حالة جريمة التقليد طبقا للمادة ‪ 56‬من الظهير والف�صل‬
‫‪ 575‬و‪ 576‬من القانون الجنائي‪ ،‬كما �أن قانون ‪ 15‬فبراير ‪� 2000‬أحال على العقوبات المن�صو�ص‬
‫عليها في القانون الجنائي دون التقيد بن�صو�ص معينة في حالة خرق لحق محمي يتم اقترافه‬
‫عن ق�صد �أو نتيجة �إهمال بهدف الربح مع ترك تحديد مبلغ الغرامة لتقدير المحكمة التي لها‬
‫�سلطة تحديد القدر بالنظر للأرباح التي ح�صل عليها المعتدي من الخرق‪.‬‬
‫وبذلك تتج�سد �إرادة الم�شرع في �إعطاء مفهوم �أو�سع لجرائم خرق حقوق الم�ؤلف �أو‬
‫القر�صنة‪ ،‬مما يجعل العقوبات المن�صو�ص عليها لهذه الجرائم خ�صو�صا فيما يتعلق بقواعد‬
‫البيانات الإلكترونية �أكثر جدوى في توفير حماية فعالة لهذه الم�صنفات والحد من الخروقات‬
‫التي تتعر�ض لها من طرف كل المتدخلين عبر �شبكات االت�صال‪ ،‬كما �أن �إدراجه لقواعد‬
‫البيانات �ضمن الم�صنفات المحمية بقانون حماية حقوق الم�ؤلف و�إخ�ضاعها لمقت�ضيات‬
‫جريمة القر�صنة في حالة مخالفة الن�صو�ص الحامية لها هو محاولة لتوفير الأمن للبيانات‬
‫المعالجة �آليا ولأنظمتها‪ ،‬بالنظر للتطور ال�سريع للجريمة في مجال المعلوماتية والم�صاحب‬
‫لتطور مهم في و�سائل �إرتكاب هذه الأفعال الإجرامية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬و�سائل االثبات في الجريمة االلكترونية‬
‫من المعلوم �أن الجرائم الم�ستحدثة وعلى ر�أ�سها الجريمة االلكترونية �أ�ضحت تثير العديد‬
‫من الإ�شكاالت الإجرائية خالل مرحلة ا�ستيفاء الدليل الجنائي وذلك نظرا لخ�صو�صية هذه‬
‫الجرائم التي من ال�صعب التعامل معها كباقي الجرائم التقليدية من حيث البحث والتنقيب‬
‫عن الدليل الذي بين يدي مرتكبها‪ ،‬والأجهزة القانونية التي تجد نف�سها �أمام العديد من‬
‫التحديات التي لها �صلة بقاعدة التقييد بالإجراءات الم�سطرية وهذا ما �سنتطرق له خالل‬
‫المطلبين التاليين‪:‬‬
‫‪301‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المطلب الأول‪ :‬طرق الح�صول على �أدلة الإثبات الجنائي في الجرائم الإلكترونية‬
‫�إن التعامل في الجريمة المعلوماتية يتطلب �إجراءات روتينية متفق عليها وذلك من �أجل‬
‫حماية الدليل غير �أن و�سائل حفظ الأدلة وا�ستنتاجها تختلف من الجريمة التقليدية �إلى‬
‫الجريمة المعلوماتية الرقمية‪ ،‬وقد �أحاط الم�شرع المغربي من خالل الن�صو�ص القانونية‬
‫ب�إجراءات يجب اعتمادها في مواجهة الجريمة الإلكترونية بغية جمع الأدلة‪ ،‬وهذا ما �سنقوم‬
‫بتو�ضيحه في الفقرتين‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬التفتي�ش في الجريمة الإلكترونية‬
‫التفتي�ش هو �إجراء من �إجراءات التحقيق الغاية منه هي الح�صول على �أدلة للجريمة‬
‫مو�ضوع التحقيق وكل ما يفيد في ك�شف الحقيقة‪ ،‬وذلك بالبحث عن هذه الأدلة في كافة‬
‫الأماكن التي يمكن العثور عليها ويبقى التفتي�ش له مدلوال واحدا �سواء تعلق الأمر بالجريمة‬
‫العادية �أو الجريمة المعلوماتية‪� ،‬إال �أن تطبيق هذا الإجراء على هذا ال�صنف الأخير من‬
‫الجرائم يثير العديد من ال�صعوبات التي تحول دون تحقيق الغاية من الح�صول على الأدلة‬
‫المتعلقة بالجريمة مو�ضوع التفتي�ش نظرا لل�صعوبات التي تطرحها الطبيعة االفترا�ضية‬
‫للجريمة المعلوماتية وبالتالي الآثار المترتبة عليها‪.1‬‬
‫وفي الجريمة المعلوماتية نتحدث عن تفتي�ش نظم المعالجة الآلية وهو ي�شتمل على جميع‬
‫العنا�صر الغير المادية الالزمة لت�شغيل الكيان المادي كالبرامج ونظم الت�شغيل وقواعد‬
‫البيانات‪...‬الخ‪ ،‬فقد ثار الخالف في الت�شريع المقارن في م�س�ألة �ضبط وتفتي�ش المكونات‬
‫المعنوية �أو التقنية للحا�سوب‪ ،‬فتعددت الآراء في هذا ال�ش�أن فذهب ر�أي �إلى �أنه �إذا كانت‬
‫الغاية من التفتي�ش هي �ضبط الأدلة المادية التي تفيد في الك�شف عن الحقيقة‪ ،‬ف�إن هذا‬
‫المفهوم يجب �أن يمتد لي�شمل البيانات الإلكترونية‪ ،‬كالقانون الإجرائي اليوناني في ن�ص‬
‫المادة ‪ 251‬التي تعطي ل�سلطات التحقيق �إمكانية القيام ب�أي �شيء يكون �ضروري لجمع وحماية‬
‫الدليل وتعني �ضبط البيانات المخزنة �أو المعالجة �آليا �أو الكترونيا الموجودة بذاكرته الداخلية‬

‫‪�  11‬إن هذه الو�ضعية اخلا�صة التي تطبع اجلرمية املعلوماتية دفعت بامل�رشع املغربي �إىل التن�صي�ص �رصاحة على اخ�ضاع‬
‫البيانات والوثائق الإلكرتونية لقواعد التفتي�ش �ش�أنها يف ذلك �ش�أن باقي املعطيات والأ�شياء املادية‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫املواد (‪ )104-60-59‬من امل�رشوع الأويل املتعلق بتغيري وتتميم قانون امل�سطرة اجلنائية حيث �أنه بالرجوع �إىل املادة‬
‫‪ 59‬جندها قد ت�ضمنت عدد من الأحكام اخلا�صة بحجز الوثائق واملعطيات املعلوماتية لعل �أهمها ما ن�صت عليه هذه املادة‬
‫ب�رصيح العبارة «�إذا دخلت هذه البيانات املعلوماتية �ضمن الأ�شياء التي ميكن حجزها‪..‬كما ن�صت على ما يلي‪�...« :‬أو‬
‫وثائق �أو معطيات �أو �أدوات �أو برامج معلوماتية‪� ”...‬إ�ضافة �إىل ذلك ن�صت نف�س املادة من امل�رشوع الأويل على �أنه‬
‫يجري التفتي�ش يف جميع الأماكن التي ميكن �أن يعرت بها على م�ستندات �أو معطيات �أو وثائق �أو برامج معلوماتية‪�’...‬أما‬
‫املادة ‪ 60‬فقد �أدخلت عليها التعديالت كما ن�صت املادة ‪ 104‬على ما يلي‪� :‬إذا تبني �أن حتقيق ما ي�ستوجب البحث عن وثائق‬
‫�أو �أ�شياء �أو م�ستندات �أو برامج �أو �أدوات �أو معطيات معلوماتية‪.”...‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪302‬‬

‫وذلك ب�إعطاء المحقق �أمرا للخبير بجمع البيانات التي يمكن �أن تكون مقبولة كدليل للمحاكمة‬
‫الجنائية‪.1‬‬
‫والتفتي�ش والحجز في الجريمة الإلكترونية يتم وفق ال�شكل الذي ي�ؤدي �إلى �ضبط �أدلة‬
‫لها عالقة بالجريمة‪ ،‬من خالل و�ضع �إطار قانوني خا�صة بال�سماح بالولوج �إلى الأنظمة‬
‫المعلوماتية‪ ،‬لبحث وتفتي�ش قواعد المعطيات الآلية ب�إ�ستعمال ال�شبكة ولكن مع مراعاة‬
‫ال�ضمانات وال�ضوابط التي ر�سمها قانون الم�سطرة الجنائية للبحث والتفتي�ش والحجز�أمام‬
‫ت�ضارب اتجاهات رجال القانون حول الخ�صو�صيات التي تطبع �إجراءات التفتي�ش والحجز‪،‬‬
‫من خالل المادتين ‪ 60-59‬من قانون الم�سطرة الجنائية ومدى تطابقهما مع ما ن�صت عليه‬
‫المادة ‪ 19‬من �إتفاقية بودابي�ست‪.2‬‬
‫و قد حاول الم�شرع �إدخال تعديالت على م�ستوى م�سودة قانون الم�سطرة الجنائية ب�شكل‬
‫يجعل �إجراءات التفتي�ش والحجز تت�سع ل�شمل حتى البيانات والوثائق والأدوات والمعطيات‬
‫المعلوماتية‪� ،‬أما فيما يخ�ص حجز المعطيات والبيانات الإلكترونية التي قد ت�شكل دليال لإثبات‬
‫الجريمة الإلكترونية فقد ن�صت المادة ‪ 59‬من م�سودة الم�شروع على �أنه يتم حجز المعطيات‬
‫والبرامج المعلوماتية ال�ضرورية لإظهار الحقيقة بو�ضع الدعامات المادية المت�ضمنة لهذه‬
‫المعلومات رهن �إ�شارة العدالة‪ 3‬غير �أن ما يعاب على هذه التعديالت �أن الم�شرع لم يحدد‬
‫ما �إذا كان ب�إمكان �أجهزة البحث والتحري تفتي�ش الحوا�سيب وحجز البيانات والمعطيات‬
‫الموجودة في مكان �آخر غير مكان البحث الأ�صلي والمفيد لإظهار الحقيقة حيث غالبا ما‬
‫يخزن المجرمون �صور غير م�شروعة لي�س في حوا�سيبهم الخا�صة بل �أي�ضا في مواقع التخزين‬
‫الواقعة في مكان �آخر‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬ال�ضبط والخبرة الق�ضائية في الجرائم الإلكترونية‬
‫يلعب ال�ضبط والخبرة دورا هاما في مجال الإثبات الجنائي للأدلة الإلكترونية خا�صة‬
‫في ظل تزايد تطور التكنولوجيا الرقمية‪ ،‬فبعد انتهاء المحقق الجنائي من �إجراء التفتي�ش‬
‫يقوم ب�ضبط الأ�شياء التي يراها �ضرورية‪ ،‬ومن تم ي�أتي دور الخبير الذي يقوم بالتنقيب على‬

‫‪ 11‬هاليل عبد الله �أحمد‪ ،‬تفتي�ش نظم احلا�سوب الآيل و�ضمانات املتهم املعلوماتي‪ ،‬دار النه�ضة العربية القاهرة‪�،2000 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.52‬‬
‫‪ 22‬املادة ‪19‬من �إتفاقية بودابي�ست املرتبطة بالتفتي�ش و حجز بيانات الكومبيوتر املخزنة �أو�صت ب�رضورة ت�أمني عملية‬
‫التفتي�ش و الدخول �إىل �أي نظام كومبيوتر �أو اي جزء منه يف مكان �آخر ب�إقليم الدولة زيادة على منح ال�سلطات املخت�صة‬
‫�صالحيات حجز البيانات و�أخد ن�سخة منها واالحتفاظ بها �أو جعلها غري قابلة للدحول عليها �أو حدفها من النظام‪.‬‬
‫‪ 33‬ه�شام مالطي‪ ،‬خ�صو�صيات القواعد الإجرائية للجرائم املعلوماتية مقالة ملقاربة مدى مالئمة القانون الوطني مع املعايري‬
‫الدولية �سل�سلة ندوات حمكمة الإ�ستئناف بالرباط العدد ال�سابع‪� ،2014 ،‬ص‪.101 .‬‬
‫‪303‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الحقيقة بناء على الأ�شياء الم�ضبوطة‪ ،‬ثم يقدم الدليل الم�ستنبط للقا�ضي الذي يمكن �أن يبني‬
‫حكمه بناء عليه‪.‬‬
‫ومن حيث محل ال�ضبط ف�إنه ال يرد �إال على الأ�شياء المادية‪ ،‬لأن الأ�شياء المعنوية ال ت�صلح‬
‫كي تكون محال لو�ضع اليد عليها‪ 1‬وال�شرط الالزم ل�صحة ال�ضبط �أن يكون ال�شيء مفيد في‬
‫ك�شف الحقيقة‪ ،‬فكل ما يحقق هذا الهدف ي�صلح �ضبطه كما �أنه ال يرد �إال على الأ�شياء‪� ،‬أما‬
‫الأ�شخا�ص فال ي�صلح محال لل�ضبط‪ ،‬و�إنما الم�صطلح الأ�صح هو القب�ض والقب�ض يختلف‬
‫تماما عن �ضبط الأ�شياء‪ .2‬ومن المكونات المادية التي تكون محال لل�ضبط مايلي ‪:‬لوحة‬
‫المفاتيح وال�شا�شة والف�أرة‪ ،‬والأقرا�ص والأ�شرطة المغناطي�سية‪.‬‬
‫�إن �ضبط المكونات المادية للحا�سب الآلي وملحقاته الذي ي�شمل جهاز الحا�سوب ومكوناته‬
‫الأ�سا�سية والقانونية ال تثير �أي �صعوبة من هذه الناحية لأن ال�ضبط يرد على الأ�شياء المادية‬
‫كالدعامة المادية للبرامج ‪ -‬الأ�سطوانات والأ�شرطة‪.3‬‬
‫�أما فيما يتعلق بالخبرة الق�ضائية في الجرائم الإلكترونية لها دور مهم بحيث تقدم الخبرة‬
‫العون ل�سير الق�ضاء ولجميع الجهات المخت�صة بالدعوى الجنائية من خالل �أداء مهمتها التي‬
‫بدونها ي�ستحيل الو�صول �إلى ر�أي ب�ش�أن الم�سائل الفنية والتي من خاللها يمكن التو�صل �إلى‬
‫ظهور الحقيقة مبنية على حقائق علمية والذي يعتبر العن�صر المميز لها عن غيرها من جرائم‬
‫الإثبات‪.4‬‬
‫ويبقى دور الخبير التقني في حفظ الأدلة الإلكترونية جزء ال يتجز�أ من الخبرة الق�ضائية في‬
‫الجرائم الإلكترونية‪ ،‬بحيث يتطلب لحفظ الأدلة داخل جهاز الحا�سوب معرفة دقيقة ل�صحة‬
‫البيانات الواردة في الحا�سب الآلي‪ ،‬وهذا ما ي�ستلزم من الخبير التقني �ضرورة الك�شف بداية‬
‫على نطاق محتوى �صحة حركة الحا�سب الآلي من وجود �شك في �صحة الأدلة الم�ستفادة‬
‫خا�صة في حالة وجود خلل �أو عطب مثل الفيرو�سات‪.‬‬
‫فعملية حفظ الأدلة الرقمية تتطلب من الخبير التقني القيام لمعرفة موقع الأنترنيت �أو‬
‫المعلومات التي ت�شكل الجريمة‪ ،‬وبالتالي فعملية حفظ الأدلة هذه ت�ستدعي من الخبير �أن‬

‫‪�  11‬أحمد بالل‪ ،‬املرجع �سابق‪� ،‬ص‪.256 .‬‬


‫‪ 22‬عبد الله ح�سني علي حممود‪� ،‬رسقة املعلومات املخزنة يف احلا�سب الآيل‪ ،‬الطبعة ‪ 2‬دار النه�ضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪� ،2001‬ص‪.397 .‬‬
‫‪ 33‬عفيفي كمال عفيف‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.373 .‬‬
‫‪� 44‬أحمد بالل‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.256 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪304‬‬

‫يقوم ب�إ�ستخدام البرمجيات للقيام بحفظ الأدلة الرقمية كما �أنه ملزم �أن يقوم بعر�ض الأدلة‬
‫على المحكمة �أو جهات التحقيق‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ارتباط الدليل الرقمي بالإثبات الجنائي في الجريمة االلكترونية‬
‫�سنتناول في هذا المطلب الدليل الرقمي ودوره في �إثبات الجريمة الإلكترونية (الفقرة‬
‫الأولى)‪ ،‬و حدود قبول الدليل الإلكتروني الجنائي لإثبات الجريمة الإلكترونية (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الدليل الرقمي ودوره في �إثبات الجريمة الإلكترونية‬
‫يعرف الدليل الرقمي على �أنه الحجة والبرهان وهو ما يدافع به الخ�صم‪ ،‬وو�سيلة لإثبات‬
‫حق من الحقوق‪ ،1‬فالدليل الجنائي هو جوهر الإثبات �سواء في مجال �إثبات التهمة ون�سبها �إلى‬
‫المتهم �أو �إثبات عدم �إمكانية ا�سنادها اليه‪ ،‬ويعد الدليل الجنائي ذو �أهمية كبرى لأنه ينا�صر‬
‫الحقيقة ويبين مرتكب الجريمة‪ ،‬وهو الذي يحول ال�شك �إلى اليقين باعتبار �أن الحقيقة في‬
‫معناها العام هي معرفة حقيقة ال�شيء ب�أن يكون �أو ال يكون والذي ال يتحقق �إال عن طريق‬
‫الدليل المعبر عن هذه الحقيقة‪ 2‬فقد تنوعت تعريفاته فالبع�ض يعرف الدليل الرقمي على �أنه‬
‫«الدليل الم�أخوذ من �أجهزة الحا�سب الآلي ويكون في �شكل مجاالت �أو نب�ضات مغناطي�سية‬
‫ممكن تجميعها وتحليلها ب�إ�ستخدام برامج وتطبيقات وتكنولوجيا خا�صة‪ ،‬ويتم تقديمها في‬
‫�شكل دليل يمكن اعتباره �أمام الق�ضاء‪.‬‬
‫في حين عرفه الدكتور عمر محمد �أبو بكر بن يون�س «الدليل الذي يجد به �أ�سا�سا في العالم‬
‫الإفترا�ضي ويقود �إلى الجريمة» فيعد الدليل الرقمي الدليل الم�ستعان بتقنية المعالجة الآلية‬
‫للبيانات‪ ،‬والذي ي�ؤدي بقا�ضي المو�ضوع �إلى اقتناعه بثبوت �إرتكاب الجريمة من �شخ�ص ما‪.‬‬
‫وللدليل الرقمي �أ�شكال مختلفة‪ ،‬وقد ق�سمها البع�ض �إلى الأق�سام الأ�سا�سية التالية‪:‬‬
‫‪� .1‬أدلة رقمية خا�صة ب�أجهزة الحا�سب الآلي و�شبكاتها‬
‫‪� .2‬أدلة رقمية خا�صة بال�شبكة الدولية للمعلومات «الأنترنيت»‬
‫بالتالي هذا التق�سيم يتطابق مع تق�سيم الجريمة عبر الحا�سب الآلي‪.3‬‬
‫‪� 11‬سيدي حممد لي�شري‪« ،‬دور الدليل الرقمي يف �إثبات اجلرائم املعلوماتية «درا�سة حتليلية وتطبيقية‪ ،‬ر�سالة ماج�سرت يف‬
‫العلوم ال�رشطية تخ�ص�ص التحقيق والبحث اجلنائي‪ ،‬كلية الدرا�سات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الريا�ض‪،‬‬
‫‪�،2010‬ص‪21 .‬‬
‫‪ 22‬علي حممود على حموده‪« ،‬الأدلة املتح�صلة من الو�سائل الإلكرتونية يف �إطار نظرية الإثبات اجلنائي»‪ ،‬امل�ؤمتر العلمي‬
‫الأول حول اجلوانب القانونية والأمنية للعمليات الإلكرتونية‪ ،‬الإمارات العربية املتحدة‪�،2003 ،‬ص‪18 .‬‬
‫‪ 33‬ممدوح عبد احلميد عبد املطلب «البحث‪ ،‬والتحقيق اجلنائي الرقمي يف جرائم الكمبيوتر واالنرتنيت»‪ ،‬دون طبعة دار‬
‫الكتب القانونية‪ ،‬م�رص‪� ،2006 ،‬ص‪88.‬‬
‫‪305‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫وقد قررت وزارة العدل الأمريكية ل�سنة ‪� 2002‬أن الدليل الرقمي يمكن تق�سيمه كالتالي‪:‬‬
‫ال�سجالت المحفوظة في الحا�سب الآلي وت�شمل الوثائق والملفات المكتوبة والمحفوظة‬ ‫✺‬

‫كالبريد الإلكتروني وملفات معالجة الكلمات مثل ‪ Windows‬ور�سائل وغرف المحدثات‬


‫عبر الأنترينت‪.1‬‬
‫ال�سجالت التي تم �إن�شا�ؤها و�إعدادها بوا�سطة الحا�سوب‪ ،‬وهي تعد مخرجات الحا�سوب‪،‬‬ ‫✺‬

‫والتي لم ي�شارك الأ�شخا�ص فيها مثل �سجالت الهاتف وفواتير �أجهزة الحا�سب الآلي‪.2‬‬
‫ويمتاز الدليل الرقمي عن غيره من الأدلة الجنائية بعدد من الخ�صائ�ص بحيث �أن الأدلة‬
‫الرقمية تتكون من بيانات ومعلومات �إلكترونية غير مرئية وغير ملمو�سة‪ ،‬بحيث يتطلب‬
‫لإدراكها �إ�ستخدام �أجهزة ومعدات الحا�سب الآلي وا�ستعمال نظم برمجية الحا�سوب‪.‬‬
‫كما �أن الدليل الرقمي يعد دليل علمي‪ ،‬بحيث يتطلب منه توافر تقني للتعامل معه‪ ،‬لذلك‬
‫فكل ما ينطبق على الدليل الرقمي‪ ،‬بالتالي فالدليل العلمي يخ�ضع لقاعدة �ضرورة تعبيره عن‬
‫الحقيقة‪ ،‬وهذا ما ت�ضمنته قاعدة في الق�ضاء المقارن الذي ين�ص على ما يلي‪�« :‬إن القانون‬
‫م�سعاه العدالة �أما العلم فم�سعاه الحقيقة»‪.‬‬
‫فالدليل الرقمي ذو طبيعة تقنية وهذا ما يميزه عن الدليل التقليدي‪ ،‬وهذا ما �أخذ به‬
‫الم�شرع البلجيكي بمقت�ضى القانون ال�صادر في ‪ 28‬نوفمبر ‪ 2000‬بتعديل قانون التحقيق‬
‫الجنائي من خالل �إ�ضافة المادة ‪ 39‬التي �أجازت �ضبط الأدلة الرقمية مثل‪ :‬ن�سخ المواد‬
‫المخزنة في نظم المعالجة الآلية للبيانات بق�صد عر�ضها على الجهات الق�ضائية‪.3‬‬
‫و�أنواع الدليل الرقمي مختلفة يمكن ح�صرها في �أربع �أنواع �أولها الورق ومخرجات الطباعة‬
‫فغالبا ما تترك الجرائم الواقعة على الأموال �أو على الأ�شخا�ص �أثار من الأوراق والم�ستندات‬
‫بالغة الأهمية التي تم حفظها في الحا�سب الآلي‪ ،‬لذلك يعد الورق من الأدلة الرقمية التي يتم‬
‫‪4‬‬
‫من خاللها بحث وتفتي�ش م�سرح الجريمة‪ ،‬وللورق �أربعة �أنواع هي‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬الم�سودة التي يتم �إعدادها بخط اليد مثل ت�صور العملية التي تتم برمجتها‪.‬‬

‫‪ 11‬عبد النا�رص حممد حممود فرغلي‪ ،‬حممد عبيد �سيف �سعيد امل�سماري‪« ،‬الإثبات اجلنائي بالأدلة الرقمية من الناحيتني‬
‫القانونية والفنية» درا�سة تطبيقية مقارنة امل�ؤمتر العربي الأول لعلوم الأدلة اجلنائية والطب ال�رشعي‪ ،‬جامعة نايف‬
‫العربية للعلوم الأمنية الريا�ض‪� ،2007 ،‬ص‪.13.‬‬
‫‪ 22‬خالد عيد احللبي «�إجراءات التحري والتحقيق يف جرائم احلا�سوب والإنرتنيت‪ ،‬طبعة الأوىل‪ ،‬دار الثقافة للن�رش‬
‫والتوزيع‪ ،‬عماد‪ ،‬الأردن‪� ،2011 ،‬ص‪.234.‬‬
‫‪ 33‬عمر حممد �أبو بكر بن يو�سف‪« ،‬اجلرائم النا�شئة عن �إ�ستخدام الأنرتنيت»‪ ،‬ر�سالة الدكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة‬
‫عني �شم�س‪.2004 ،‬‬
‫‪ 44‬عبد الله ح�سني علي حممود‪�« ،‬رسقة املعلومات املخزنة يف احلا�سب الآيل‪ ،‬طبعة الثانية دار النه�ضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪� ،2001‬ص‪.397 .‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪306‬‬

‫ب‪� .‬أوراق تالفة والتي تتم طباعتها للت�أكد من برمجة العملية ومن تم �ألقاها في �سلة‬
‫المهمالت‪.‬‬
‫ج‪ .‬الأوراق التي تتم طباعتها والإحتفاظ بها لأغرا�ض تفيد الجريمة‪.‬‬
‫د‪ .‬الأوراق الأ�سا�سية والمحفوظة في الملفات العادية �أو دفاتر الح�سابات وخا�صة التي يتم‬
‫تزويرها من �أجل تنفيذ الجريمة‪.1‬‬
‫دون �أن نغفل النوع الثاني المتمثل في الأجهزة الإلكترونية منها‪.‬‬
‫الحا�سب الآلي وملحقاته‪ ،‬لتحديد الجريمة على �أنها جريمة معلوماتية مرتبطة بالمكان �أو‬
‫بال�شخ�ص حيث يفتر�ض وجود حا�سب �آلي ب�إمكان خبير الحا�سب الآلي التعرف على الجهاز‬
‫وموا�صفاته مع تمييزه عن غيره من �أجهزة الحا�سب الآلي الأخرى‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى كيفية تحديد‬
‫�أ�سلوب التعامل معه �أثناء ال�ضبط والتحرير‪.2‬‬
‫وو�سائل التخزين كذلك التي تتكون من ‪:‬‬
‫‪ -‬القر�ص الثابت‪ :‬يعد الوحدة الرئي�سية التي يتم من خاللها ت�شغيل نظام الحا�سب‬
‫والبرامج والبيانات‪.‬‬
‫‪ -‬الأقرا�ص المدمجة‪ :‬هي وحدات التخزين التي تحتوي على معلومات‪ ،‬وتقوم بتخزين هذه‬
‫المعلومات عليها و�إعادة ت�سجيلها‪.‬‬
‫‪ -‬ذاكرة فال�ش‪ :‬وهي �سهلة النقل والتبادل وحجمها �صغير تعمل على تخزين ونقل البيانات‬
‫ولها قدرات تخزين و�أحجام مختلفة ومتنوعة‪.3‬‬
‫فالدليل الجنائي الرقمي هو جوهر الإثبات في الجرائم المعلوماتية‪ ،‬بالتالي فمحل الدليل‬
‫الرقمي هو الجريمة المعلوماتية‪ ،‬ذلك �أن عدم وجود جريمة معلوماتية يعني عدم وجود دليل‬
‫رقمي بينهما‪� ،‬أما في حالة ثبوت وقوع جريمة معلوماتية‪ ،‬فتقوم عملية البحث عن الدليل‬
‫الرقمي لإثباتها ون�سبتها �إلى المتهم المعلوماتي‪ ،‬لهذا تمر الأدلة الجنائية الرقمية في �سيرها‬
‫للإثبات كغيرها من الأدلة الجنائية الأخرى بعدة مراحل‪ ،‬وكل مرحلة من هذه المراحل مميزة‬
‫عن غيرها‪ ،‬و�سوف نتطرق �إلى محل الدليل الرقمي ومراحله في الإثبات الجنائي‪.‬‬

‫‪� 11‬سيدي حممد الب�شري‪ ،‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.71.‬‬


‫‪ 22‬عبد الله ح�سني علي حممود‪ ،‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.17 .‬‬
‫‪� 33‬سيدي حممد الب�شري‪ ،‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.72 .‬‬
‫‪307‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حدود قبول الدليل الإلكتروني الجنائي لإثبات الجريمة الإلكترونية‬
‫اختلفت جل الت�شريعات في درجة الركون �إلى �صحة الأدلة الإلكترونية ك�أدلة جنائية‬
‫قاطعة تعبر عن حقيقة ن�سبة الجريمة �إلى مقترفها فجانب منهم يرى �أن الأدلة الم�ستمدة من‬
‫الحا�سبات الآلية ال تعدو �أن تكون �إال �أدلة ثانوية ت�أ�سي�سا منهم على ما يعرف بقاعدة «الدليل‬
‫الأف�ضل»‪.1‬‬
‫من المعلوم �أن الدليل هو �أداة للحقيقة والأمثلة على ذلك متعددة‪ ،‬حيث بالرجوع �إلى‬
‫مقت�ضيات المادة ‪ 81‬من قانون الم�سطرة الجنائية الفرن�سي في فقرتها الأولى‪ 2‬نجد �أن‬
‫الم�شرع الفرن�سي يقر ب�صريح العبارة �أن للقا�ضي الحق في اال�ستعانة بجميع المعلومات التي‬
‫ت�صله �إلى الحقيقة طبقا للقانون‪ ،3‬فهاج�س الم�شرع الفرن�سي وباقي الت�شريعات المقارنة هو‬
‫و�صول الق�ضاء الجنائي �إلى الحقيقة باعتبارها غاية و�إرادة الم�شرع في ن�سب الجريمة �إلى‬
‫مرتكبها‪� ،‬إال �أن الحقيقة التي يتحدث عنها الم�شرع الفرن�سي وكل من يقول ب�أن الدليل هو‬
‫الو�صول �إلى معرفة الحقيقة للواقعة‪.4‬‬
‫فالأدلة الإلكترونية الجنائية هي الو�سيلة للتو�صل للحقيقة‪� ،‬إال �أن الو�صول �إلى الحقيقة‬
‫ي�صادف �أجهزة تنفيذ القانون اي �ضرورة التقييد بال�شرعية في تحقيق هذه الغاية التي يقوم‬
‫عليها الإثبات الجنائي‪ ،‬ومن المعلوم �أن ال�شرعية في الح�صول على الدليل الجنائي ب�صفة‬
‫عامة نجد م�ضمونها وفكرتها من عدة م�صادر ت�شمل الإتفاقيات الدولية‪.5‬‬
‫والقواعد الت�شريعية واجتهادات الق�ضاء التي ت�ستبعد فكرة الدليل المتولد عن �إجراء غير‬
‫م�شروع‪� ،‬إال �أن افترا�ض ال�شرعية في الح�صول على الدليل ك�أ�سا�س للو�صول �إلى الحقيقة قد يكون‬
‫�سببا معيقا لذلك الو�صول‪ ،‬وهو الأمر الذي دفع بالق�ضاء �إلى البحث عن الحقيقة باعتبارها‬
‫غاية الم�شرع من �إقرار قواعد الإثبات و�أن الأدلة التي ال تو�صل �إلى �إقرار الحقيقة ال قيمة لها‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقه بين م�ؤيد ومعار�ض لهذا التوجه الذي ا�ستقر عليه الق�ضاء في الأخذ‬
‫بفكرة الدليل غير الم�شروع‪ ،‬لأن البحث عن الحقيقة يبرر الو�سيلة من منظور هذا الإتجاه‬
‫الذي يقبل بحقيقة هذا الدليل الرقمي الذي يتم التو�صل �إليه بطريقة غير م�شروعة‪.‬‬

‫‪1. Site : aljami3a.com .‬‬


‫‪2. L’article 81 du code de procédure pénale francais prévoit que « le juge d’instruction procedé, confor-‬‬
‫‪mement à la loi à tous les actes d'infrastructures qu'il juge utiles à la manifestation de la vérité...».‬‬
‫‪3. Mustapha mekki, vérité et preuve Professeur, Agrégé des Facultés de droit | Université Paris 13 - Sor-‬‬
‫‪bonne Paris Cité., p : 2 .‬‬
‫‪4. ِEmmanuel Molina, la liberté de la preuve des infractions en droit francais, Thèse soutenue 2000- Aix-‬‬
‫‪Marseille 3.‬‬
‫‪ 55‬الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان‪ ،‬دي�سمرب ‪ 1948‬والإتفاقية الأوروبية حلقوق الإن�سان‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪308‬‬

‫فح�سب هذا االتجاه يبقى منح�صرا في تحقيق العدالة باعتبارها هي الغاية للم�شرع من‬
‫الن�صو�ص القانونية‪ ،‬لكن هذا الهاج�س يتناق�ض مع الر�أي الذي يقول �أن الإثبات يقت�صر على‬
‫�إثبات الوقائع لتبيان وجهة نظر الم�شرع وحقيقة ق�صده في البحث تتعلق بتطبيق القانون‬
‫وتف�سيره وهو عمل ت�ضطلع به المحكمة لوحدها‪.1‬‬
‫ومن الأمثلة الق�ضائية التي ت�أخذ بفكرة الدليل الإلكتروني الجنائي غير الم�شروع القرار‬
‫ال�صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النق�ض الفرن�سية بتاريخ ‪ 31‬يناير ‪ 2012‬والذي جاء‬
‫فيه «�إن الت�سجيالت المتح�صل عليها ب�شكل �سري ال تن�سجم مع مقت�ضيات المادة ‪ 170‬من‬
‫قانون الم�سطرة الجنائية ومن تم يجب الحكم ب�إلغائها لكن من الممكن �أن يتم مناق�شتها‬
‫�أثناء الخ�صومة» فالق�ضاء الفرن�سي من خالل مقت�ضيات هذا القرار اعتبر �أن الت�سجيالت‬
‫المتح�صل عليها بطريقة غير م�شروعة في الأ�صل يجب الحكم ب�إلغائها لكونها تتناق�ض مع‬
‫مقت�ضيات المادة ‪ 170‬من قانون الم�سطرة الجنائية الفرن�سية �إال �أنه قبل الدليل الإلكتروني‬
‫الجنائي كدليل يمكن مناق�شته‪ ،‬مما يفيد �أن الق�ضاء الفرن�سي بد�أ يتجه نحو تكري�س االتجاه‬
‫الذي يقبل بقيمة الدليل الإثباتي بقطع النظر عن قيمته القانونية‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫�إن الجريمة المعلوماتية ظاهرة �إجرامية م�ستجدة تحمل في طياتها العديد من المخاطر‬
‫وتكلف �ضحاياها خ�سائر ج�سيمة‪ ،‬فهي نتيجة حتمية للتطور العملي والتقني الذي �شهده‬
‫ع�صرالمعلوميات‪ ،‬ت�ستهدف المال والأ�شخا�ص وحتى القطاعات الحيوية داخل المجتمع‪،‬‬
‫وعلى الم�شرع تطوير تر�سانته القانونية وعدم االقت�صار على القوانين التي �سنها لمواجهة‬
‫بع�ض ال�صعوبات الطارئة والتي همت تجريم الأن�شطة الما�سة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات‬
‫واالعتداءات الإرهابية التي ت�ستخدم هذه الأنظمة‪� ،‬إلى جانب الم�سا�س بحقوق الم�ؤلف‬
‫والحقوق المجاورة المرتبطة ببرامج الحا�سوب وقواعد المعطيات الآلية‪ ،‬وكذا تجريم توظيف‬
‫و�سائل الإت�صال ومنه الإنترنت لتحري�ض القا�صرين على الدعارة �أو البغاء �أو ت�شجيعهم عليها‬
‫�أو ت�سهيلها لهم �أو في ا�ستغالل �صورهم في مواد �إباحية‪ ،‬لأنها مع ذلك تبقى قا�صرة عن‬
‫الإحاطة بمختلف مظاهر هذه الجريمة‪ ،‬وذلك من �أجل �ضمان ح�سن معالجة الق�ضاء للق�ضايا‬
‫المعرو�ضة عليه وتكييفها قانونيا التكييف ال�صحيح‪ ،‬بفتح المجال �أمامه لتطبيق الن�صو�ص‬
‫القانونية المنا�سبة لكل واقعة خا�صة مع تنوع �أ�شكال الجريمة‪ ،‬ولتوحيدالر�ؤى وتفادي ت�ضارب‬
‫العمل الق�ضائي في �إعطاء �أو�صاف قانونية مختلفة لنف�س الفعل المجرم‪ ،‬بالنظر لدور الق�ضاء‬
‫‪ 11‬ادري�س النوازيل‪ ،‬موقف الق�ضاء من اجلرمية الإلكرتونية‪ ،‬مقال من�شور مبن�شورات كلية العلوم القانونية واالقت�صادية‬
‫و االجتماعية‪ ،‬مراك�ش‪� ،‬سل�سلة الندوات والأيام الدرا�سية‪� ،2010 ،‬ص‪.103 .‬‬
‫‪309‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫في الت�صدي للجريمة المعلوماتية وزجر مرتكبيها الذين يعدون مجرمين متمر�سين يلج�ؤون‬
‫دائما لتطهيرالمحيط الذي يعملون فيه‪ ،‬مما ي�صعب معه اكت�شافهم �أو تحديد هوياتهم‪ ،‬وهو ما‬
‫ي�ستدعي �إيالء االهتمام ب�آليات البحث المعتمدة في ر�صدالجريمة التي تبقى محدودة الحتواء‬
‫مظاهر �إ�ساءة المعلومات‪ ،‬فالقدرة الفائقة التي تنتقل بها المعلومات والآثار المدمرة التي‬
‫تخلفها الهجمات الواقعة على الأنظمة المعلوماتية والمواقع ب�إ�ستعمال الفيرو�سات و�ضلوع‬
‫تقنيين وخبراء في ذلك‪ ،‬يحد من التدخالت الزجرية خا�صة على �شبكة الإنترنت مما يقت�ضي‬
‫مراجعة قانون الم�سطرة الجنائية حتى ي�ستجيب لمتطلبات البحث وتفتي�ش قواعد المعطيات‬
‫الآلية ب�إ�ستعمال ال�شبكة‪ ،‬دون �أن نن�سى �أهمية ت�أهيل و�إعداد ال�شرطة التقنية و�سلطات التحقيق‬
‫في جمع الأدلة ب�إ�ستعمال التقنيات العلمية‪ ،‬حتى يتم �إ�ستخال�ص الدليل في �إطار قانوني ي�ضمن‬
‫�سالمة هذا الإ�ستخال�ص لأغرا�ض ق�ضائية‪ ،‬فالو�سائل العلمية و�إن كانت تفيد في مهمة الك�شف‬
‫عن الحقيقة �إال �أنها قد تع�صف �أحيانا بحريات وحقوق الأفراد �إذا لم يح�سن �إ�ستخدامها‪.‬‬
‫‪311‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫‪11‬‬

‫جنح �إهمال الأ�سرة‬


‫تقديم‬
‫�إن الأ�سرة هي �أولى حلقات المجتمع‪ ،‬ف�إن االهتمام بها و بمختلف مكوناتها يجب �أن يح�ضى‬
‫بالأولوية في خ�ضم �أي م�شروع تقدمي‪ ،‬حداثي‪ ،‬ديموقراطي خال من العقد الإجتماعية ‪ .‬وكذا‬
‫لأن‪ ‬تر�سيخ الدعائم القانونية لم�ؤ�س�سة الأ�سرة من �ش�أنه �أن يكر�س العدالة الإجتماعية في �أولى‬
‫حلقاتها‪.‬‬
‫ووعيا بالأهمية الكبرى لم�ؤ�س�سة الأ�سرة و �ضرورة االهتمام بها‪ ،‬كانت معظم الت�شريعات‬
‫حري�صة على جعلها في �صلب اهتماماتها‪ ،‬و من بينها الت�شريع المغربـي‪ .‬و�سنتناول في هذا‬
‫البحث مو�ضوع �أو �إ�شكالية‪�«  ‬إهـمال الأ�سرة»‪ ،‬وذلك لنتائجه الإجتماعية وغير الإجتماعية‬
‫الوخيمة‪.‬‬
‫�إن الزواج باعتباره �إحدى �أقد�س الروابط الإجتماعية و القانونية‪ ،‬ح�ضي �أزليا بقيمة رفيعة‬
‫لدى مختلف المجتمعات الب�شرية‪ .‬و هذا التقدي�س لم يكن لأجل الزواج في حد ذاته بالقدر ما‬
‫كان للآثار التي ي�سفر عنها‪ .‬ذلك �أن النظام القانوني �إجماال يجعل من العقد �أيا كان مو�ضوعه‬
‫محل تقدي�س واهتمام‪ ،‬فكيف بعقد من نوع خا�ص �أال وهو عقد الزواج؟ و �إذا كان النظام‬
‫القانوني قد �أنزل االلتزامات التعاقدية منزلة الرفعة وال�سمو‪ ،‬فكيف بااللتزامات الناجمة عن‬
‫عقد الزواج؟‬
‫و �إيـمانا من الم�شرع المغربي ب�ضرورة الحفاظ على الروابط الأ�سرية‪ ،‬في م�سايرة مثيرة‬
‫منه للمنظور الإ�سالمي ولتقاليدنا التكافلية‪ ،‬ف�إنه جعل من جريمة �إهمال الأ�سرة قابلة للتحقق‬
‫�سواء بالإخالل بااللتزامات الأ�سرية �أو بالتنكر لجمـيل الأ�صـول‪.‬‬
‫و�سنحاول من خالل هذا البحث‪ ،‬مقاربة �إ�شكالية‪�« ‬إهمال الأ�سـرة»‪ ،‬وذلك بالعمل على‬
‫ا�ستجالء ماهية �إهمال الأ�سرة من جهة (الف�صل الأول)‪ ،‬وبتناولها من زاوية المعالجة‬
‫الت�شريعية لها من جهة ثانية (الف�صل الثاني)‪.‬‬
‫�إن تناول ‪� ‬أي ظاهرة‪ ،‬البد من مقاربتها لغويا‪ ،‬اجتماعيا و قانونيا‪ .‬فتناولها من هذه الزوايا‬
‫الثالث كفيل ب�أن يقربنا من ماهيتها �أو بالأحرى من مفهومها‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪312‬‬

‫و�إذا كانت الزاوية اللغوية التطرح �أية �إ�شكاليات على م�ستوى المعنى‪ ،‬ف�إن الزاوية‬
‫اال�صطالحية التي تتطابق مع الزاوية الإجتماعية تعطينا مفهوما هاما لإهمـال الأ�سرة‪ .‬فهي‬
‫تعني الالمباالة التي قد ت�صل حد الإ�ستخفاف و الإ�ستهزاء بااللتزامات الأ�سرية‪ ،‬ذلك �أن‬
‫نظام الزواج كعالقة مقد�سة �أحيط بعدة �ضمانات �أخالقية و اجتماعية قبل �أن تكون قانونية‪.‬‬
‫و�إذا كان تقدي�س هذا الرابط �أمرا م�سلما به‪ ،‬ف�إن ذات الت�سليم يجب �أن تح�ضي به الآثار‬
‫والنتائج الناجمة عن العالقة الزوجية‪ ،‬و �إن �أي �إخالل بها �إنما هو �إهمال وا�ستهتار بنظام‬
‫الأ�سرة ككل‪ ،‬و ال تمييز بين الزوج و الزوجة في هذا الم�ضمار‪ ،‬فكل راع وكل م�س�ؤول عن رعيته‪.‬‬
‫كما ال يعتد بحجم الإخالل الذي يتحقق بموجبه �إهمال الأ�سرة و التي تعتبر وحدة متكاملة‪.‬‬
‫و بالتالي‪ ،‬ف�إن المفهوم االجتماعي لإهمال الأ�سرة مفهوم وا�سع جدا والي�ضع حدا ل�صورها‪،‬‬
‫بل يعتبر �أن �أي �إخالل بالإلترامات الأ�سرية هو �إهمال للواجب الأ�سري و�أن الآثم قد يكون‬
‫الأبناء في مواجهة الآباء �أو العك�س‪ ،‬كما قد يكون الزوج في مواجهة الزوجة و العك�س �صحيح‬
‫�أي�ضا‪.‬‬
‫وهذا المفهوم االجتماعي‪ ،‬و �إن كان وا�ضحا و ب�سيطا‪� ،‬إال �أنه غير دقيق بالمرة‪ .‬كما �أنه‬
‫يحتمل ت�أويالت و تنظيرات ال ح�صر لها‪.‬‬
‫�أما من الزاوية القانونية‪ ،‬التي تعنينا هنا بالدرجة الأولى‪ ،‬ف�إننا با�ستقراء الن�صو�ص‬
‫القانونية المنظمة لإهمال الأ�سرة‪ ،‬نجد �أنها تختلف عن المفهوم االجتماعي لها‪ ،‬و�إن ت�شاركا‬
‫في الت�صور العام‪.‬‬
‫فما المق�صود ب�إهمال الأ�سرة وفق المنظور القانوني؟‬
‫�إن خطورة اال�ستهزاء بالرابطة الأ�سرية‪ ،‬دفع بالم�شرع �إلى تناول هذه الظاهرة في �إطار‬
‫قانون زجري وهو القانون الجنائي بدال من تناولها في مدونة الأ�سرة مثال‪.‬‬
‫وهكذا اعتبر الم�شرع المغربي �إهمال الأ�سرة جريمة‪ ،‬و تناولتها مجموعة القانون الجنائي‬
‫في الكتاب الثالث‪/‬الباب الثامن المتعلق بالجنايات والجنح �ضد نظام الأ�سرة والأخالق‬
‫العامة‪ ،‬وخ�ص لها فرعا م�ستقال هو الفرع الخام�س‪ ،‬والذي تناول هذه الجريمة في �أربعة‬
‫‪1‬‬
‫ف�صول هي الف�صول من ‪� 479‬إلى ‪ 482‬ق‪.‬ج‪.‬‬
‫وارتباطا بالمو�ضوع �أعاله ف�إن المادة ‪ 53‬من مدونة الأ�سرة باتت معظلة و�شبه معظلة في‬
‫الواقع العملي و�ضمان تطبيقها يبقى ن�سبيا نظرا لوجود عدة عراقيل‪ ،‬وفي ظل البحث عن‬
‫الحل الأن�سب‪� ،‬أدخل الم�شرع تعديالت و تتميمات على القانون الجنائي بمقت�ضى القانون‬
‫‪ 13.103‬لمحاربة العنف �ضد الن�ساء الذي جاء في طياته م�ستجدات تهم مو�ضوع الطرد‬
‫‪ 11‬مرمي الزغيغي‪« ،‬جنحة �إهمال الأ�رسة يف القانون املغربي»‪ ،‬جملة امللف‪ ،‬العدد ‪� 17‬أكتوبر ‪.2010‬‬
‫‪313‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫من بيت الزوجية التي �أ�صبحت في ظل القانون المذكور �سلفا جنحة مجرمة و يعاقب عليها‬
‫بالحب�س‪.‬‬
‫و�إنه بقراءتنا للف�صول من ‪� 479‬إلى ‪ 482‬ق‪.‬ج‪ ،‬نالحظ �أن الم�شرع الجنائي ق�سم �ضمنيا‬
‫الإهمال الأ�سري �إلى ثالث �أ�شكال �أ�سا�سية و هي‪ :‬الإهمال المــادي و الإهمـال المالــي‪ ‬و الإهمـال‬
‫المعــنوي و الطرد من بيت الزوجية‪.‬‬
‫‪ ‬يتجلى الإهمال الأول ( المادي ) في‪:‬‬
‫ترك الأب �أو الأم لبيت الأ�سرة دون موجب قاهر لمدة تزيد عن �شهرين‪.‬‬ ‫✺‬

‫ترك الزوج‪ ،‬عمدا و دون موجب قاهر لمدة تزيد عن �شهرين‪ ،‬زوجته و هي حامل مع علمه‬ ‫✺‬

‫بذلك‪.‬‬
‫‪    ‬يتجلى الإهمال الثاني ( المالي ) في‪:‬‬
‫الإم�ساك العمدي عن دفع النفقة �إلى الزوجة �أو �أحد الأ�صول �أو الفروع في الموعد المحدد‬ ‫✺‬

‫بموجب حكم نهائي �أو قابل للتنفيذ الم�ؤقت‪.‬‬


‫‪    ‬و يتجلى �أخيرا الإهمال الثالث (المعنوي) في‪:‬‬
‫ت�سبب �أحد الوالدين في �إلحاق �ضرر معنوي بالغ ب�أطفاله �أو بواحد �أو �أكثر منهم‪ ،‬كيفما‬ ‫✺‬

‫كان �شكل هذا ال�ضرر‪ ،‬و �إن كان الم�شرع المغربي قد �أخد على عاتقه �إعطاء �صور لهذا ال�ضرر‬
‫‪1‬‬
‫المعنوي‪.‬‬
‫�إن �إ�شكالية المو�ضوع ت�أتي من كون تطبيق الف�صول المتعلقة ب�إهمال الأ�سرة يفر�ض‬
‫بال�ضرورة �إعمال قواعد مدونة الأ�سرة‪ ،‬و المالحظ �أن هذا الترابط تم بين قانونين من طبيعة‬
‫مختلفة‪ ،‬و هو ما يطرح م�شكلة المالئمة و االن�سجام على م�ستوى التطبيق العملي بينهما‪ ،‬وعليه‬
‫ف�إ�شكالية مو�ضوع �إهمال الأ�سرة هي كالتالي‪:‬‬
‫هل حققت جنح �إهمال الأ�سرة في القانون الجنائي باعتبار خ�صو�صياتها وارتباطها‬
‫ب�أحكام مدونة الأ�سرة‪ ،‬الحماية الفعالة و الناجعة لم�ؤ�س�سة الأ�سرة؟‪.‬‬
‫للإجابة عن هذه الإ�شكالية ارت�أينا تق�سيم المو�ضوع على ال�شكل التالي‪:‬‬
‫المبحث الأول ‪ :‬القواعد المو�ضوعية في جنح �إهمال الأ�سرة‬ ‫❑‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القواعد الم�سطرية في جنح �إهمال الأ�سرة‬ ‫❑‬

‫‪ 11‬مرمي الزغيغي‪« ،‬جنحة �إهمال الأ�رسة يف القانون املغربي»‪ ،‬جملة امللف‪ ،‬العدد ‪� 17‬أكتوبر ‪2010‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪314‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬القواعد المو�ضوعية في جنح �إهمال الأ�سرة‬


‫اعتبارا للخ�صو�صية و الأهمية التي تحظى بها الأ�سرة في القانون المغربي باعتبارها اللبنة‬
‫الأ�سا�سية للمجتمع و المدر�سة الأولى لإن�شاء الأجيال و غر�س �أ�س�س التربية الح�سنة‪ ،‬و اعتبارا‬
‫من الم�شرع لأهمية و�ضع مقاربة حمائية لها‪ ،‬فقد عمل على و�ضع مجموعة من الن�صو�ص‬
‫المجرمة لبع�ض الأفعال التي ترتكب من قبل بع�ض �أفراد الأ�سرة في مواجهة بع�ضهم البع�ض‪،‬‬
‫و المالحظ �أن هذه الن�صو�ص ت�شتمل على مجموعة من القواعد ذات الخ�صو�صية و التي حاول‬
‫من خاللها الم�شرع مراعاة خ�صو�صية م�ؤ�س�سة الأ�سرة و �أهميتها في الن�سيج المجتمعي‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬جنح �إهمال الأ�سرة و �أ�صنافها و خ�صو�صيتها‬
‫من خالل الن�صو�ص القانونية لجنح �إهمال الأ�سرة‪ ،‬يمكن �أن ن�صنفها �إلى ثالث �صور‪:‬‬
‫�أوالها جنحة الإهمال المادي )فقرة �أولى(‪ ،‬ثم جنحة الإهمال النقدي )فقرة ثانية( ثم جنحة‬
‫الإهمال المادي ) فقرة ثالثة( و جنحة الطرد من بيت الزوجية )فقرة رابعة(‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬جنحة الإهمال المادي ‪�-‬إهمال بيت الأ�سرة‪-‬‬
‫تطرق الم�شرع المغربي لهذا ال�صنف من �إهمال الأ�سرة في الف�صل ‪ 479‬من القانون‬
‫الجنائي الذي ورد فيه‪« :‬يعاقب بالحب�س من �شهر �إلى �سنة وبالغرامة من ‪� 200‬إلى �ألف درهم‬
‫�أو ب�إحدى هاتين العقوبتين فقط‪:‬‬
‫‪ - 1‬الأب �أو الأم �إذا ما ترك �أحدهما بيت الأ�سرة دون موجب قاهر لمدة تزيد على �شهرين‬
‫وتمل�ص من كل �أو بع�ض واجباته المعنوية والمادية النا�شئة عن الوالية الأبوية �أو الو�صاية‬
‫�أو الح�ضانة‪ ،‬وال ينقطع �أجل ال�شهرين �إال بالرجوع �إلى بيت الأ�سرة رجوعا ينم عن �إرادة‬
‫ا�ستئناف الحياة العائلية ب�صورة نهائية‪.‬‬
‫‪ - 2‬الزوج الذي يترك عمدا‪ ،‬لأكثر من �شهرين ودون موجب قاهر‪ ،‬زوجته وهو يعلم �أنها‬
‫حامل‪«.1‬‬
‫ي�ستفاد من المقت�ضى القانوني �أعاله‪� ،‬أن جنحة الإهمال المادي تتخذ مظهرين ‪:‬الأول‬
‫ي�سمى �إهمال �إقامة الأ�سرة و يتج�سد في ترك الأب �أو الأم الإقامة الأ�سرية مع التمل�ص من‬
‫الواجبات المعنوية والمادية النا�شئة عن الوالية الأبوية �أو الو�صاية �أو الح�ضانة المترتبة‬
‫اتجاههما‪� ،‬أما الثاني فيطلق عليه �إهمال الزوجة الحامل و يتحقق من خالل ترك الزوج ب�شكل‬

‫‪ 11‬حممد بفقري جمموعة القانون اجلنائي والعمل الق�ضائي املغربي » من�شورات‪ ،‬درا�سات ق�ضائية‪� ،‬سل�سلة القانون والعمل‬
‫الق�ضائي املغربيني‪ ،‬العدد ‪ ،4‬طبعة ‪.2011‬‬
‫‪315‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫متعمد زوجته و هو يعلم �أنها حامل لمدة تتجاوز ال�شهرين دون موجب قاهر‪ ،‬فهو بذلك يخل‬
‫بواجب الم�ساكنة المفرو�ض عليه‪.‬‬
‫و تجدر الإ�شارة �أن �أحد الباحثين يرى ب�أن �إهمال البيت واكب عمليا الإهمال النقدي‪ ،‬ذلك‬
‫�أن هذا الأخير ال يميز بو�ضوح �إال بترك المهمل للبيت‪ ،‬و �إهمال البيت ال يكون مذموما �أو معابا‬
‫�إال �إذا كان مرافقا بالإم�ساك عن النفقة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪: :‬الإهمال النقدي (الإم�ساك عمدا عن �أداء النفقة داخل الأجل القانوني‬
‫المحدد لها)‬
‫عالج الم�شرع المغربي هذا النوع من �إهمال الأ�سرة باعتباره ال�صورة الغالبة و الأكثر‬
‫�شيوعا من خالل الف�صل ‪ 480‬من القانون الجنائي الذي ين�ص على �أنه‪« :‬يعاقب بنف�س العقوبة‬
‫من �صدر عليه حكم نهائي �أو قابل للتنفيذ الم�ؤقت بدفعه نفقة �إلى زوجه �أو �أحد �أ�صوله �أو‬
‫فروعه و�أم�سك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد‪ ،‬وفي حالة العود يكون الحكم بعقوبة‬
‫الحب�س حتميا‪ .‬والنفقة التي يحددها القا�ضي تكون واجبة الأداء في المحل الم�ستحق لها ما‬
‫لم ين�ص الحكم على خالف ذلك«‪ ،‬و يعتبر هذا النوع من الإهمال الأكثر �شيوعا في المغرب‪ ،‬و‬
‫على جانب كبير من الأهمية على اعتبار �أن يتوخى حماية الأ�سرة مبا�شرة �إما الزوجة �أو الفروع‬
‫�أو الأ�صول‪ ،‬ومن المالحظات على هذا النوع من الإهمال‪:‬‬
‫يقت�صر الإهمال النقدي عن الإم�ساك العمدي عن الإنفاق على الزوجة �أو الفروع والأ�صول‬ ‫✺‬

‫في الموعد المحدد بموجب حكم نهائي �أو قابل للتنفيذ الم�ؤقت‪ .‬بمعنى �أنه في حالة‬
‫الإم�ساك عن الإنفاق بموجب التزام بالإنفاق ال ي�شكل �إهماال للأ�سرة علما �أن المادة‪197‬‬
‫من مدونة الأ�سرة تن�ص على �أن �أ�سباب وجوب النفقة هي الزوجية و القرابة و االلتزام‪.‬‬
‫تدخل الم�شرع م�ؤخرا بموجب مدونة الأ�سرة (المادة ‪ 202‬مدونة الأ�سرة) ليجعل التوقف‬ ‫✺‬

‫عن دفع النفقة للأوالد مدة �أق�صاها �شهر دون عذر مقبول �سببا لتطبيق �أحكام �إهمال‬
‫الأ�سرة على المم�سك عن �أدائها‪.‬‬
‫لم يعد الم�شرع المغربي يعتبر الزوج وحده المكلف بالنفقة على الأوالد‪ ،‬بل �إن المادة‬ ‫✺‬

‫‪ 199‬من مدونة الأ�سرة توجب النفقة على الأم �إذا كانت مو�سرة و كان الأب مع�سرا‪ ،‬مما‬
‫يعني �إمكانية متابعة الأم ب�أحكام �إهمال الأ�سرة �إذ امتنعت عن الإنفاق على �أوالدها مع‬
‫ثبوت ي�سرها‪.‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪316‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الإهمال المعنوي‬


‫تطرق الم�شرع المغربي لهذا النوع من �إهمال الأ�سرة في الف�صل ‪ 482‬من القانون الجنائي‬
‫الذي جاء فيه‪�« :‬إذا ت�سبب �أحد الأبوين في �إلحاق �ضرر بالغ ب�أطفاله �أو بواحد �أو �أكثر منهم‪،‬‬
‫وذلك نتيجة �سوء المعاملة �أو �إعطاء القدوة ال�سيئة في ال�سكر �أو �سوء ال�سلوك �أو عدم العناية‬
‫�أو التق�صير في الإ�شراف ال�ضروري من ناحية ال�صحة �أو الأمن �أو الأخالق‪ ،‬يعاقب بالحب�س‬
‫من �شهر واحد �إلى �سنة وغرامة من مائتين �إلى خم�سمائة درهم‪� ،‬سواء حكم عليه بالحرمان‬
‫من ال�سلطة الأبوية �أم ال‪.‬‬
‫ويجوز عالوة على ذلك‪� ،‬أن يحكم على مرتكب الجريمة بالحرمان من واحد �أو �أكثر من‬
‫الحقوق الم�شار �إليها في الف�صل ‪ 40‬من خم�س �سنوات �إلى ع�شر »‪.‬‬
‫ي�ستفاد من المقت�ضى الت�شريعي �أعاله‪� ،‬أن الم�شرع يعاقب الأبوين( الأب و الأم) في حالة‬
‫تق�صيرهما في �أداء االلتزامات و الواجبات الملقاة على عاتقهما تجاه �أطفالهما �أو �أحدهم‬
‫على الأقل رغم توفر عن�صر الم�ساكنة و المعا�شرة‪ ،‬فالم�شرع هنا خالفا للف�صل ‪ 479‬في فقرته‬
‫الأولى ال يعاقب على واجب الم�ساكنة و �إنما ن�ص على مفهوم مجرد للإهمال‪ ،‬و الذي يتحقق‬
‫حتى بدون مغادرة �إقامة الأ�سرة‪� ،‬إ�ضافة �إلى �أن عن�صر المدة الزمنية غير متطلب في هذا‬
‫ال�صنف من الإهمال‪ ،‬بل العبرة فقط ب�إتيان �أحد الأفعال الواردة في الف�صل ‪ 482‬من القانون‬
‫‪1‬‬
‫الجنائي‪.‬‬
‫ويطرح ن�ص الف�صل ‪ 482‬من القانون الجنائي ت�سا�ؤالت حول مدى ح�صرية تلك الت�صرفات‬
‫ال�ضارة بالأبناء‪� .‬إال �أنه كما �سبق الذكر‪ ،‬ن�سجل �أن الم�شرع ربما تعمد ا�ستعمال م�صطلحات‬
‫ف�ضفا�ضة ت�ستوعب مختلف �أنواع الأ�ضرار المعنوية التي قد تطال الأبناء ب�سبب الوالدين‬
‫وتم�س ب�شرارة جانبهم العاطـفي و النف�سي والأخالقي‪ .‬ويملك الق�ضاء �سلطة تقدير مدى ت�أثير‬
‫ت�صرفات معينة �أو مدى ت�شكيلها لأ�ضرار معنوية على الأبناء حتى ت�ستلزم تطبيق �أحكام �إهمال‬
‫الأ�سرة‪.‬‬
‫الفقرة الرابعة ‪ :‬الطرد من بيت الزوجية‬
‫من المالحظ �أن المادة ‪ 53‬بالرغم من كونها جاءت لتعزيز دور النيابة العامة في �إرجاع‬
‫المطرود �إلى بيت الزوجية على الفور‪� ،‬إال �أنها لم تن�ص على جزاء لالمتناع عن �إرجاع المطرود‬
‫�إلى بيت الزوجية‪ ،‬وهذا ما قرره الم�شرع في قانون ‪ 103.13‬بن�صه في الف�صل ‪ « :480-1‬يعاقب‬

‫‪ 11‬حممد بفقري جمموعة القانون اجلنائي والعمل الق�ضائي املغربي » من�شورات‪ ،‬درا�سات ق�ضائية‪� ،‬سل�سلة القانون والعمل‬
‫الق�ضائي املغربيني‪ ،‬العدد ‪�،4‬ص‪ ،64 .‬طبعة ‪.2011‬‬
‫‪317‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫بالحب�س من �شهر واحد �إلى ثالثة �أ�شهر وغرامة من ‪� 2.000‬إلى ‪ 5.000‬درهم‪ ،‬عن الطرد من‬
‫بيت الزوجية �أو االمتناع عن �إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية‪ ،‬وفقا لما هو من�صو�ص‬
‫عليه في المادة ‪ 53‬من مدونة الأ�سرة‪ ،‬وت�ضاعف العقوبة في حالة العود‪».1‬‬
‫يعد �إدراج الطرد من بيت الزوجية (الف�صل ‪� )1-480‬ضمن الجرائم الم�ستلزمة عقوبات‬
‫مك�سبا للن�ساء‪ .‬وقد ظل طيلة عقود مطلبا �أ�سا�سيا لحركة الن�ساء المغربية‪ ،‬وهكذا يعترف‬
‫�أخيرا بكون الطرد من بيت الزوجية عنف �ضد الن�ساء قائم على التمييز �ضدهن‪ ،‬يرتكز‬
‫الزوج على �سلطته الذكورية واالقت�صادية (امتالك بيت ودخل) لممار�سة جريمة طرد الزوجة‬
‫من البيت ك�أداة �ضغط عليها وا�ستعبادها‪ .‬وقد ن�صت مدونة الأ�سرة في مادتها ‪ 53‬على قرار‬
‫ا�ستعجالي ب�إرجاع الزوجة �إلى البيت ت�صدره النيابة العامة‪ ،‬دون تجريم هذا الفعل حتى و�إن‬
‫تكرر مرارا‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬خ�صائ�ص جنح �إهمال الأ�سرة‬
‫تنفرد جنح �إهمال الأ�سرة بعدة خ�صائ�ص‪ ،‬فهي بطبيعتها من الجرائم العمدية ا�ستلزم‬
‫الم�شرع لقيامها توافر عن�صر العمد عند مرتكبيها (�أوال)‪ ،‬كما �أنها تعد من جرائم ذوي‬
‫ال�صفة‪� ،‬إذ حدد الم�شرع �سلفا الأ�شخا�ص اللذين يمكن �أن يقترفوا هذا ال�صنف من الجرائم‬
‫دون �سواهم (ثانيا)‪ ،‬و �أخيرا تعد جرائم �إهمال الأ�سرة في معظمها من الجرائم المبنية على‬
‫�شكوى‪� ،‬إذ ال يمكن تحريك المتابعة الجنائية ب�ش�أنها �إال بناءا على �شكوى من طرف المت�ضرر‬
‫(ثالثا)‪.‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬جنح �إهمال الأ�سرة من الجرائم العمدية‬
‫يق�صد بالجرائم العمدية تلك الجرائم التي ا�ستوجب الم�شرع لقيام عنا�صرها التكوينية‬
‫توافر عن�صر العمد عند مرتكبها ‪.‬و عليه ف�إنه با�ستقراء المقت�ضيات القانونية المنظمة لجنح‬
‫�إهمال الأ�سرة‪ ،‬نجد الم�شرع المغربي �صنف هذا النوع من الجرائم �ضمن زمرة الجرائم‬
‫العمدية‪ ،‬ذلك �أنه ال يكفي للمعاقبة على �إرتكابها فقط �إتيان الن�شاط المجرم متمثال في الركن‬
‫المادي‪ ،‬بل ال بد من توافر عن�صر العمد‪� ،‬أي النية الإجرامية وهو ما يت�ضح جليا من خالل‬
‫ا�ستعمال الم�شرع عبارات من قبيل (دون موجب قاهر‪ ،‬يعلم �أنها حامل الف�صل ‪ 479‬من ق ج‪،‬‬
‫�أم�سك عمدا الف�صل ‪ 480‬من ق ج)‪.‬‬

‫‪ 11‬ظهري �رشيف رقم ‪� 1.18.19‬صادر يف ‪ 5‬جمادى الآخرة ‪ 22( 1439‬فرباير ‪ )2018‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 103.13‬املتعلق‬
‫مبحاربة العنف �ضد الن�ساء الف�صل ‪1-480‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪318‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬جنح �إهمال الأ�سرة من جرائم ال�صفة‬


‫تندرج جنح �إهمال الأ�سرة في عمومها �ضمن زمرة جرائم ذوي ال�صفة‪� ،‬أي �أنها ال ترتكب‬
‫�إال من طرف طائفة معينة من الأ�شخا�ص و ال يمكن �إرتكابها من طرف �أي كان‪ ،‬و هنا‬
‫بخ�صو�ص جنح �إهمال الأ�سرة فالأ�شخا�ص اللذين يمكن �أن يكونوا محال للمتابعة هم الأ�صول‬
‫و الفروع والزوج و الزوجة‪ ،‬ولتحديد عن�صر ال�صفة دور كبير في معرفة الأ�شخا�ص الم�س�ؤولين‬
‫جنائيا من جهة‪ ،‬وكذلك الأ�شخا�ص الم�شمولين بالحماية الجنائية من جهة �أخرى‪ .‬و بالرجوع‬
‫للمقت�ضيات القانونية المنظمة لجميع �أ�شكال �إهمال الأ�سرة نقف بجالء على هذه الخا�صية‪،‬‬
‫فمثال جنحة ترك الزوجة الحامل ال يمكن �أن ترتكب �إال من قبل الزوج �أي ال�شخ�ص الذي‬
‫تتوافر فيه �صفة الزوج و ال يمكن �أن يتابع �أي �شخ�ص �آخر غير ما ذكرنا‪ ،‬و كذا بخ�صو�ص‬
‫جنحة الإهمال المعنوي فال يمكن �أن يتابع بها �إال الوالدين و هم الأب و الأم‪ ،‬و ال يمكن �أن‬
‫يتابع بها باقي الأ�شخا�ص‪ ،‬و الدليل على ذلك �أن كل �شخ�ص غير الوالدين عر�ض الأطفال‬
‫للعنف و الإيذاء و�سوء المعاملة يتابع بمقت�ضيات الف�صل ‪ 408‬من القانون الجنائي عك�س الأب‬
‫�أو الأم اللذين تتم متابعتهما بمقت�ضيات الف�صل ‪ 482‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬من الجرائم المبنية على تقديم �شكوى ‪ -‬با�ستثناء الإهمال المعنوي‪-‬‬
‫من بين �أهم الت�صنيفات التي و�ضعها الفقه الجنائي تق�سيم الجرائم �إلى �صنفين ‪� :‬صنف‬
‫تتوقف �إجراءات تحريك الدعوى العمومية فيه على تقديم �شكاية من طرف المجني عليه‪،‬‬
‫و �صنف ال يلزم فيه القانون ذلك بحيث يت�سنى للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية و لو‬
‫لم يتقدم ب�شكاية في المو�ضوع‪ ،‬بل �إن تنازله عن ال�شكاية ال يفيده �سوى في الجانب المتعلق‬
‫بالتعوي�ض المدني‪ .‬و بغ�ض النظر عن النقا�شات الفقهية و النظرية التي تميز بين ال�شكاية‬
‫وما �شابها من �أنظمة كالو�شاية والبالغ و غيرهما‪ ،‬ف�إن الم�ستقر عليه في تعريف ال�شكاية �أنها‬
‫»ت�صرف قانوني يلزم �أن تتوفر فيه متطلبات الت�صرفات القانونية بما فيها التعبير عن �إرادة‬
‫قوية من �ش�أنها �أن تحدث �أثرا �إجرائيا معينا و هو تحريك الدعوى العمومية‪ ،‬بحيث ترف�ض في‬
‫جميع الأحوال �أعمال التحقيق �أو المتابعة غير الم�ستندة على هذا الإجراء‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى هذا‬
‫الأثر القانوني هناك �أثر �آخر هام جدا و هو �أن التقدم بتنازل عن ال�شكاية ي�ؤدي �إلى انق�ضاء‬
‫الدعوى العمومية‪ ،‬و ين�صرف التنازل �إلى الدعوى الجنائية فقط دون الدعوى المدنية‪ ،‬كما �أنه‬
‫ال يمكن الرجوع فيه و لو كان قد �صدر قبل تحريك الدعوى العمومية‪.‬‬
‫و تعد جرائم �إهمال الأ�سرة من الجرائم المعلقة على تقديم �شكوى من طرف الجهة التي‬
‫�أوكل �إليها الم�شرع هذه ال�صالحية‪ ،‬و قد ن�ص الف�صل ‪ 481‬من القانون الجنائي على �أنه‪:‬‬
‫‪319‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫»وال يجوز رفع هذه الدعاوي �إال بناء على �شكوى من ال�شخ�ص المهمل �أو الم�ستحق للنفقة‬
‫�أو نائبه ال�شرعي مع الإدالء بال�سند الذي يعتمد عليه‪ ،‬غير �أنها ترفع مبا�شرة من طرف النيابة‬
‫العامة عندما يكون النائب ال�شرعي المذكور هو المقترف للجريمة«‪ ،‬و نرى ب�أن الم�شرع قد‬
‫�أح�سن �صنعا لما �سلك هذا المنحى بالنظر �إلى �أن الدعاوى التي تن�شا بين �أفراد الأ�سرة تثير‬
‫الكثير من الح�سا�سيات قد يكون لها ت�أثيرا �سلبيا على �أفرادها‪ ،‬خ�صو�صا الأطفال القا�صرين‪.‬‬
‫و عليه ف�إن الم�شرع الجنائي كان على حيطة و حذر فيما يخ�ص هذا النوع من الجرائم‪ ،‬وذلك‬
‫مراعاة لخ�صو�صيات م�ؤ�س�سة الأ�سرة‪ ،‬فا�شترط لإقامة هذه الدعاوى �أن تكون مبنية على �شكوى‬
‫من ال�شخ�ص المهمل �أو الم�ستحق للنفقة �أو نائبه ال�شرعي مع �إدالئه بال�سند الذي يعتمد عليه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القواعد الم�سطرية في جنح �إهمال الأ�سرة‬
‫مما ال �شك فيه �أنه لتنزيل القواعد المو�ضوعية الزجرية البد من �إتباع مجموعة من‬
‫الإجراءات الم�سطرية هما تحريك و ممار�سة الدعوى العمومية ‪-‬المطلب الأول‪ -‬بحيث هذه‬
‫الأخيرة تثار فيها مجموعة من الدفوع (�سواء ال�شكلية �أو المو�ضوعية) والعقوبات ‪-‬المطلب‬
‫الثاني‪.-‬‬
‫المطلب الأول ‪ :‬تحريك وممار�سة الدعوى العمومية‬
‫وهما مرحلتان على جانب كبير من الأهمية نظرا للخ�صو�صيات الفريدة التي تتميزان بها‪،‬‬
‫والجهات التي تبا�شرهما‪.‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬تحريك الدعوى العمومية‬
‫تتميز جنح �إهمال الأ�سرة بم�سطرة ذات طابع خا�ص تالءم طبيعة هذه الجنح باعتبارها‬
‫موجهة لحماية نظام الأ�سرة حيث يتم تحريك الدعوى بخ�صو�صها وفق �آليتين‪ ،‬و هنا نتحدث‬
‫عن الإهمال النقدي المادي دون الإهمال المعنوي‪:‬‬
‫�أوال ‪:‬وجود �شكاية من ال�ضحية �أو نائبه ال�شرعي (با�ستثناء الإهمال المعنوي)‪.‬‬
‫حيث ين�ص الف�صل ‪ 481‬من القانون الجنائي على ما يلي‪ « :‬ال يجوز رفع هذه الدعوى �إال بناء‬
‫على �شكاية من ال�شخ�ص المطرود من بيت الزوجية �أو ال�شخ�ص �أو الم�ستحق للنفقة �أو نائبه‬
‫ال�شرعي مع الإدالء بال�سند الذي يعتمد عليه‪ ،‬غير �أنها ترفع مبا�شرة من طرف النيابة العامة‬
‫عندما يكون النائب ال�شرعي المذكور هو المقترف للجريمة‪ 1«.‬والم�ستفاد من هذا الن�ص �أن‬

‫‪ 11‬حممد بفقري جمموعة القانون اجلنائي والعمل الق�ضائي املغربي » من�شورات‪ ،‬درا�سات ق�ضائية‪� ،‬سل�سلة القانون والعمل‬
‫الق�ضائي املغربيني‪ ،‬العدد ‪�،4‬ص‪ ،50 .‬طبعة ‪.2011‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪320‬‬

‫الم�شرع المغربي قد ربط مبا�شرة هذه الدعوى و قيدها بوجود �شكاية �إما من ال�ضحية �أي‬
‫ال�شخ�ص الذي تعر�ض مبا�شرة للإهمال و ت�ضرر منه‪ ،‬وبالتالي ال يمكن للنيابة العامة �أن‬
‫تبا�شر الدعوى العمومية في حال عدم وجود �شكاية من الطرف المت�ضرر‪ ،‬وهي بذلك تكون من‬
‫فئة الجنح التي ربط الم�شرع المغربي مبا�شرتها ب�شكاية على غرار الخيانة الزوجية‪.‬‬
‫فمن هو النائب ال�شرعي ح�سب مدلول هذا الف�صل؟‬
‫لم يتطرق الم�شرع المغربي في القانون الجنائي �إلى تحديد مفهوم النائب ال�شرعي‪ ،‬لكن‬
‫مدونة الأ�سرة تطرقت �إلى بع�ض محدداته‪ ،‬حيث ن�صت المادة ‪ 229‬من مدونة الأ�سرة‪� ،‬أن‬
‫النيابة ال�شرعية عن القا�صر �إما والية �أو و�صاية �أو تقديم‪ ،‬و�أ�ضاف الم�شرع في المادة ‪� 230‬أن‬
‫النائب ال�شرعي يق�صد به‪:‬‬
‫‪ - 1‬الولي و هو الأب و الأم و القا�ضي‬
‫‪ - 2‬الو�صي و هو و�صي الأب و و�صي الأم‬
‫‪ - 3‬المقدم و هو الذي يعينه الق�ضاء‬
‫كما قد يكون النائب ال�شرعي للقا�صر م�ؤ�س�سة �إذا كان تحت الرعاية الفعلية لها ريثما يعين‬
‫له القا�ضي مقدما‪.‬‬
‫و المالحظ �أن الم�شرع المغربي لم يورد ذكر الحا�ضن �ضمن من لهم حق التقدم ب�شكوى‬
‫و هو ما يثير الت�سا�ؤل حول الحالة التي يكون فيها النائب ال�شرعي و الحا�ضن �شخ�صين‬
‫مختلفين‪.1‬‬
‫لهذا ن�ساير بع�ض الباحثين فيما ذهبوا �إليه من وجوب تدخل الم�شرع ب�إعطاء ال�شخ�ص‬
‫الحا�ضن ال�صالحية في تحريك الدعوى العمومية‪.‬‬
‫ون�شير �إلى �أن �أمر ال�شكاية يقت�صر فقط على الإهمال النقدي و المادي‪� ،‬أما الإهمال‬
‫المعنوي فهو يخ�ضع للقواعد العامة بخ�صو�ص تحريك الدعوى العمومية ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تدخل النيابة العامة عند �إرتكابها من طرف النائب ال�شرعي‬
‫خول الم�شرع المغربي النيابة العامة مبا�شرة الدعوى العمومية مبا�شرة في الحالة التي‬
‫يكون فيها النائب ال�شرعي هو المقترف للجريمة‪ ،‬و هو الأ�صل �أو القاعدة العامة على اعتبار‬
‫�أن النيابة العامة هي �صاحبة الوالية العامة في مبا�شرة الدعوى العمومية‪ .‬الحكمة من تبني‬
‫الم�شرع لهذه القاعدة تتمثل في توفير الحماية لل�شخ�ص المهمل �إذا كان النائب ال�شرعي هو‬
‫من اقترف الفعل حيث غالبا ما يتعذر التقدم بال�شكاية على ال�شخ�ص المهمل‪.‬‬

‫‪ 11‬مرمي الزغيغي‪« ،‬جنحة �إهمال الأ�رسة يف القانون املغربي»‪ ،‬جملة امللف‪ ،‬العدد ‪� 17‬أكتوبر ‪.2010‬‬
‫‪321‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫و بخ�صو�ص الحالة التي يتم فيها �سحب ال�شكاية نت�ساءل هل تتوقف الدعوى العمومية؟‬
‫�إن الف�صل ‪ 1-481‬جاء ليعالج الفراغ الت�شريعي بخ�صو�ص هذه النقطة حيث ن�ص �صراحة‬
‫على �أنه « في الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صول ‪ 479‬و‪ 480‬و‪ 480-1‬من هذا القانون‪ ،‬ف�إن‬
‫تنازل الم�شتكي عن ال�شكاية ي�ضع حدا للمتابعة ولآثار المقرر الق�ضائي المكت�سب لقوة ال�شيء‬
‫‪1‬‬
‫المق�ضي به في حالة �صدوره‪».‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬ممار�سة الدعوى العمومية‬
‫على غرار تحريك الدعوى العمومية ف�إن ممار�ستها بدورها تتميز بالعديد من الخ�صو�صيات‬
‫التي تخرج عن الم�ساطر المتعارف عليها و تتمثل هذه الم�سطرة في �ضرورة �إجراء اال�ستجواب‬
‫(�أوال) و محتوى هذا اال�ستجواب (ثانيا)‪.‬‬
‫�أوال‪� :‬إجراء اال�ستجواب‬
‫ين�ص الف�صل ‪ 481‬من القانون الجنائي في فقرته الثالثة والرابعة‪» :‬و يجب �أن ي�سبق‬
‫المتابعة �إعذار المخل بالواجب �أو المدين بالنفقة ب�أن يقوم بما عليه في ظرف ‪ 30‬يوما‪ ،‬ويتم‬
‫هذا الإعذار في �شكل ا�ستجواب يقوم به �أحد �ضباط ال�شرطة الق�ضائية و ذلك بناءا على‬
‫طلب من النيابة العامة‪ 2«.‬و يعتبر المح�ضر �شرطا �ضروريا لقبول المتابعة و ممار�سة الدعوى‬
‫العمومية و هو ما ي�شكل ا�ستثناءا للمبد�أ الذي يقر �أن المح�ضر لي�س �شرطا واجبا و �ضروريا‬
‫لكل متابعة‪ ،‬و يتم اال�ستجواب من قبل �أحد �ضباط ال�شرطة الق�ضائية بعد تلقي �أمر النيابة‬
‫العامة حيث ينذر المدين للقيام بما هو ملزم به داخل �أجل ‪ 30‬يوما و ال حق ل�ضابط ال�شرطة‬
‫الق�ضائية في �إجراء هذا اال�ستجواب �إال بناءا على �أمر النيابة العامة تحت طائلة بطالن‬
‫الإجراء المنجز‪� ،‬أما �إذا كان المعني بالأمر في حالة هروب �أو �أن محل �إقامته غير معروف‬
‫ف�إن �ضابط ال�شرطة الق�ضائية ي�سجل ذلك و ي�ستغني عن اال�ستجواب �إلى �أن يلقى القب�ض على‬
‫ال�ضنين المهمل‪ .‬و ال يقدم الملف �إلى المحكمة و تحفظ الم�سطرة في انتظار �إلقاء القب�ض‬
‫على المعني بالأمر �أو العثور عليه‪ ،‬و �إذ ذاك ي�ستمع له في ا�ستجواب �أو يقدم �إلى المحكمة دون‬
‫�أن ي�ستفيد من المهلة القانونية‪.‬‬
‫و للتذكير ف�إن جريمة الإهمال المعنوي للأوالد ال تخ�ضع لم�سطرة اال�ستجواب ال�سالف‬
‫ذكرها‪ ،‬و�إنما تبقى خا�ضعة للقواعد الم�سطرية العادية التي تخ�ضع لها باقي الجرائم‪.‬‬

‫‪ 11‬ظهري �رشيف رقم ‪� 1.18.19‬صادر يف ‪ 5‬جمادى الآخرة ‪ 22( 1439‬فرباير ‪ )2018‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 103.13‬املتعلق‬
‫مبحاربة العنف �ضد الن�ساء‬
‫‪ 22‬عدل الف�صل و متم بالقانون رقم ‪103.13‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪322‬‬

‫ثانيا‪ :‬م�ضمون اال�ستجواب‬


‫يت�ضمن اال�ستجواب وجوبا �إ�شعار المهمل ب�أنه �سيمنح مهلة ‪ 30‬يوما و ذلك للتراجع عن‬
‫�إهماله و �أداء ما بذمته �أو االلتحاق ب�أوالده �أو زوجته الحامل‪ .‬و بالتالي ف�إن عدم قيام ال�ضابطة‬
‫الق�ضائية بهذا الإ�شعار ي�ؤدي �إلى بطالن م�سطرة اال�ستجواب‪ ،‬بيد �أن بع�ض الفقه المغربي‬
‫اعتبر �أن ‪ » :‬هذه القاعدة ت�ؤدي �إلى عدة �سلبيات و �إلى عدم فعالية القانون‪ ،‬فالجاني الذي‬
‫يترك �إقامة الأ�سرة و يرجع بعد ا�ستجواب مع �ضابط ال�شرطة الق�ضائية �إلى ا�ستئناف الحياة‬
‫العائلية ثم يتمل�ص من واجباته الأ�سرية بعد �إقامتة في بيت الأ�سرة‪ ،‬يجعل حالة العود هاته‬
‫ت�ستمر كلما قمنا ب�إجراء ا�ستجواب جديد‪ ،‬ال�شيء الذي ي�ؤدي �إلى عدم تطبيق العقوبة لأن‬
‫الرجوع ي�شكل دفعا‪.1‬‬
‫و لعل الم�شرع فطن للأمر في الفقرة الأولى من الف�صل ‪ 479‬من القانون الجنائي‪ ،‬حيث‬
‫ا�شترط في الرجوع �أن يتم عن �إرادة ا�ستئناف الحياة العائلية ب�صورة دائمة �أي وجود نية‬
‫�صادقة لموا�صلة الحياة وتحمل �أعباء الأ�سرة حيث توقف المتابعة �أما �إذا انعدمت هذه النية‬
‫ال�صادقة فالمتابعة تعلق فقط‪ ،‬لأن الجاني لم يبرهن على �إرادته الوا�ضحة في ا�ستئناف‬
‫واجباته الأ�سرية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الدفوع و العقوبات المقررة لجنح �إهمال الأ�سرة‬
‫المبد�أ العام في القانون عموما هو �أن لكل �شخ�ص الحق في �إبداء دفوعه والدفاع عن‬
‫نف�سه وحقوقه �أمام الق�ضاء‪ ،‬لذلك و �ضمانا لح�سن �سير العدالة‪ ،‬حر�ص الم�شرع على توفير‬
‫�ضمانات المحاكمة العادلة من خالل �سن قواعد م�سطرية و دفوع �شكلية و مو�ضوعية‪ ،‬و�إقرار‬
‫م�سطرة تواجهية و الحق في تن�صيب محامي �أو الح�صول عليه في �إطار الم�ساعدة الق�ضائية‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪� :‬أنواع الدفوع التي يمكن للمتهم التم�سك بها‬
‫يمكن للمتهم �أن يوقف الدعوى العمومية رغم توفر �أركان الجنحة وتوفر �شروط �إثباتها‪،‬‬
‫و�إيقاف المتابعة الجنائية يتم بما ي�سمى بالدفع‪ ،‬فهناك الدفوع العامة و هناك الدفوع الخا�صة‬
‫بجنح �إهمال الأ�سرة‪ ،‬كما �أن هذه الدفوع تق�سم �إلى ما هو �شكلي و ما هو مو�ضوعي‪.‬‬
‫�أوال‪ :‬الدفوع ال�شكلية‬
‫الدفوع ال�شكلية هي الدفوع التي تن�صب على �شكليات الدعوى الجنائية �أو �إجراءاتها دون‬
‫الم�س بجوهرها‪� ،‬أو بعبارة �أخرى هي التي تتعلق بخرق الإجراءات ال�شكلية التي �أوجبها القانون‬

‫‪ 11‬نور الدين العمراين ‪� «،‬رشح القانون اجلنائي اخلا�ص »‪� ،‬ص‪ ،50 .‬مطبعة دار الأمان‪ .،‬الرباط‪ ،‬طبعة ‪.2005‬‬
‫‪323‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ل�صحة المتابعة الجنائية �أو �إ�صدار الحكم فيها‪ ،‬و هي تن�صب عموما حول الدفع بخرق ن�ص‬
‫من ن�صو�ص قانون الم�سطرة الجنائية‪� ،‬أو بخرق �إجراءات المتابعة‪ .‬و الدفوع ال�شكلية ح�سب‬
‫المادة ‪ 318‬من قانون الم�سطرة الجنائية يجب �أن تقدم قبل كل دفع �أو دفاع في جوهر الدعوى‬
‫و �إال ت�صبح غير مقبولة لفوات �أوانها‪ ،‬و عليه ف�إن الأ�صل فيها �أن تثار قبل كل دفاع في جوهر‬
‫الدعوى‪� ،‬أي قبل درا�سة الق�ضية ما لم تكن من النظام العام حيث تثيرها المحكمة تلقائيا في‬
‫كل مراحل الدعوى ‪ .‬ومن هذه الدفوع المرتبطة بجنح �إهمال الأ�سرة نذكر‪:‬‬
‫‪ - 1‬عدم تبليغ الحكم القا�ضي بالنفقة‬
‫ي�شترط لمبا�شرة م�سطرة �إهمال الأ�سرة بالن�سبة للإهمال النقدي �أن يكون هناك حكم‬
‫نهائي بالنفقة يق�ضي على المدين ب�أدائه لفائدة م�ستحقها مبلغا معينا‪ ،‬و �أن يبلغ الحكم �إلى‬
‫هذا المدين بالو�سائل القانونية و ينذر للأداء‪ ،‬و بالتالي ف�إن عدم تبليغ المدين هذا الحكم‬
‫الذي �صدر �ضده والذي يجب �أن يكون قد �أ�صبح نهائيا يجعله في حل من المتابعة بجنحة‬
‫�إهمال الأ�سرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬عدم احترام مقت�ضيات المادة ‪ 481‬من القانون الجنائي‬
‫ا�شترط الم�شرع المغربي في المادة ‪ 481‬الجنائي عدة �شروط م�سطرية يجب احترامها‬
‫حتى تكون المتابعة �صحيحة و منها الأعذار الذي تتم في �شكل ا�ستجواب يقوم به �أحد �ضباط‬
‫ال�شرطة الق�ضائية‪ ،‬و عليه ف�إنه في حالة تم خرق هذه القواعد الم�سطرية و عدم احترامها‬
‫يمكن للمتهم �أن يتم�سك بها ويلتم�س من المحكمة عدم قبول المتابعة‪ ،‬والمحكمة ملزمة‬
‫باال�ستجابة له ما دام ثبت لها جدية هذه الدفوع‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الدفوع ذات الطبيعة المو�ضوعية‬
‫و هي الدفوع التي توجه لمو�ضوع المتابعة و ت�ستهدف �إ�سقاطها �آو البراءة منها‪ ،‬و هي متعددة‬
‫ال ح�صر لها على عك�س الدفوع ال�شكلية التي يمكن ح�صرها ‪.‬وهنا �سوف نتطرق لبع�ضها فقط‪:‬‬
‫‪� - 1‬سحب ال�شكاية‬
‫�سبق و �أ�شرنا �إلى �أن المتابعة في جنحتي الإهمال النقدي و المادي ي�ستلزم وجود �شكاية‬
‫من المت�ضرر و ذلك تطبيقا لمقت�ضيات المادة ‪ 481‬من القانون الجنائي و ال�س�ؤال الذي يطرح‬
‫هل يوقف �سحب ال�شكاية الدعوى العمومية ؟‬
‫بالرجوع �إلى الن�صو�ص الم�ؤطرة لجنح �إهمال الأ�سرة نجد �أن الم�شرع المغربي قد ن�ص‬
‫�صراحة في التعديل الجديد على القانون الجنائي بموجب الظهير �شريف رقم ‪� 1.18.19‬صادر‬
‫في ‪ 5‬جمادى الآخرة ‪ 22( 1439‬فبراير ‪ )2018‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 103.13‬المتعلق بمحاربة‬
‫العنف �ضد الن�ساء في الف�صل ‪� 1-481 « :‬أنه في «الحاالت المن�صو�ص عليها في الف�صول ‪479‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪324‬‬

‫و‪ 480‬و‪ 480-1‬من هذا القانون‪ ،‬ف�إن تنازل الم�شتكي عن ال�شكاية ي�ضع حدا للمتابعة ولآثار‬
‫‪1‬‬
‫المقرر الق�ضائي المكت�سب لقوة ال�شيء المق�ضي به في حالة �صدوره‪».‬‬
‫‪ - 2‬نفي الن�سب‬
‫يفتر�ض في كل متابع بجنحة من جنح الإهمال �أن تكون له ال�صفة �أي �أن يكون والدا �أو نائبا‬
‫�شرعيا‪ ،‬و بالتالي ف�إن عدم توفر هذه ال�صفة ي�شكل دفعا ي�سقط المتابعة و الدعوى العمومية‬
‫عموما‪ .‬فبالن�سبة لنفي الن�سب يمكن للمتهم �أن يثبت عدم ن�سبة ن�سب الأبناء له وفق ال�شروط‬
‫المن�صو�ص عليها في قانون مدونة الأ�سرة و هي‪:‬‬
‫الخبرة الطبية و الجينية وفق ال�شروط المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 153‬من مدونة‬ ‫✺‬

‫الأ�سرة‪.‬‬
‫م�سطرة اللعان‬ ‫✺‬

‫�إثبات ازدياد الولد خارج �إطار عالقة الزواج‬ ‫✺‬

‫و نفي الن�سب ال يتم �إال عن طريق حكم ق�ضائي ح�سب ما تن�ص عليه المادة ‪ 159‬من مدونة‬
‫الأ�سرة‪ ،‬ف�إذا �صدر الحكم ل�صالحه كان له �أن يدفع به في مواجهة الولد الذي يتابعه من �أجل‬
‫النفقة �أو الإهمال المادي �أو المعنوي‪.‬‬
‫الوا�ضح �أن هذا الآمر لم يعد مطروحا مع مدونة الأ�سرة الجديدة لأنها ت�شترط لنفي‬
‫الن�سب �صدور حكم بذلك‪ ،‬و بالتالي ف�إن تم�سك ال�ضنين ينفي الن�سب كدفع مجرد من وجود‬
‫حكم ق�ضائي يبقى بدون اعتبار‪.‬‬
‫‪ - 3‬الدفع بالتقادم الجنحي‬
‫ن�شير بداية �إلى تو�ضيح ب�سيط هو �أن التقادم الجنحي لدعوى العمومية في النفقة يختلف‬
‫تماما عن تقادم دين النفقة‪� ،‬إذ �أن هذه الأخيرة ال يلحقها التقادم �أبدا ح�سب ما ين�ص عليه‬
‫الف�صل‪ 195‬من مدونة الأ�سرة‪� ،‬أما تقادم الدعوى العمومية النا�شئة عن الإهمال النقدي �أو‬
‫غيره فهو ممكن ويتحقق بمرور ‪� 4‬سنوات ح�سب ما تن�ص على ذلك المادة ‪ 5‬من الم�سطرة‬
‫الجنائية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬العقوبات المقررة لجنح �إهمال الأ�سرة‬
‫�إذن كما �سبق و ذكرنا‪ ،‬ف�إن المحكمة بعد مناق�شتها للملف و اال�ستماع للمرافعات تختلي‬
‫للت�أمل حيث ت�صرح في حالة ثبت لديها توافر الأركان و العنا�صر القانونية لجريمة الإهمال‬
‫و تعمل على تحديد العقوبة وفق �سلطتها في تقدير العقاب و ذلك في حدود الم�سموح به في‬

‫‪� 11‬أ�ضيف الف�صل مبوجب القانون رقم ‪.103.13‬‬


‫‪325‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الن�ص الم�ؤطر للمتابعة �أو الذي ارت�أت المحكمة تطبيقه �إذا ما ر�أت الحاجة �إلى �إعادة التكييف‪.‬‬
‫و مبا�شرة المحكمة للدعوى العمومية و تطبيقها الن�صو�ص المجرمة وت�صريحها بالإدانة‬
‫قد يتبعها �أحيانا تقدم الطرف المدني بطلباته في �إطار الدعوى المدنية التابعة‪.1‬‬
‫�أوال ‪ :‬الجزاءات في الدعوى العمومية‬
‫و الجزاءات في الدعوى العمومية تكون على �شكل عقوبات‪ ،‬هذه العقوبات تنق�سم بدورها‬
‫�إلى �أ�صلية و �إ�ضافية‪.‬‬
‫‪ - 1‬العقوبات الأ�صلية‬
‫بداية ن�شير �إلى �أن العقوبات في الت�شريع المغربي ح�سب المادة ‪ 15‬من القانون الجنائي‬
‫هي �إما جنائية �أو جنحية �أو �ضبطية و بدون الدخول في هذا النقا�ش‪� ،‬سوف نتطرق مبا�شرة‬
‫لدرا�سة العقوبات الأ�صلية في جنح �إهمال الأ�سرة‪ ،‬و �سوف نرى ما �إذا كان الم�شرع المغربي‬
‫قد ت�شدد في زجر هذه الجنح �أم �أنه ت�ساهل نوعا ما معها؟‪.‬‬
‫بالرجوع للف�صول التي ت�ؤطر لجنح �إهمال الأ�سرة‪ ،‬نالحظ �أنها جاءت بنف�س العقوبة‬
‫الحب�سية و هي من �شهر �إلى �سنة‪ ،‬في حين �أن الغرامة تختلف بحيث �أن الجنح المن�صو�ص‬
‫عليها في الف�صلين ‪ 479‬و ‪ 480 -1-480‬من القانون الجنائي تتراوح بين ‪ 200‬درهم و‪2000‬‬
‫درهم ‪� .‬أما الجنحة المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 482‬من القانون الجنائي فتتراوح فيها‬
‫الغرامة بين ‪ 200‬درهم و ‪500‬درهم‪.‬‬
‫و �إذا كانت المحكمة لها كامل ال�سلطة التقديرية في �إطار الف�صلين ‪ 479‬و ‪ 482‬من القانون‬
‫الجنائي في تفريد العقوبة و تحديدها �أو االقت�صار على الغرامة فقط‪ ،‬ف�إن الم�شرع في الف�صل‬
‫‪ 482‬من القانون الجنائي حرم المحكمة من هذه ال�سلطة حين جعل الحكم بالعقوبتين �إلزاميا‬
‫�أي العقوبة الحب�سية و الغرامة‪ ،‬و منه يمكننا القول �أن الأمر يخ�ضع للقواعد العامة التي‬
‫تتيح الإ�ستفادة من ظروف التخفيف كلما كانت ظروف الق�ضية و حالة المتهم الإجتماعية‬
‫�أو ال�صحية ت�سمح بذلك‪ ،‬حيث تن�ص المادة ‪ 146‬من القانون الجنائي على ما يلي ‪�»:‬إذا تبين‬
‫للمحكمة الزجرية‪ ،‬بعد انتهاء المرافعة في الق�ضية المطروحة عليها‪� ،‬أن الجزاء المقرر‬
‫للجريمة في القانون قا�س بالن�سبة لخطورة الأفعال المرتكبة �أو بالن�سبة لدرجة �إجرام المتهم‬
‫ف�إنها ت�ستطيع �أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف‪� ،‬إال �إذا وجد ن�ص قانوني يمنع ذلك‪ .‬ومنح‬
‫الظروف المخففة موكول �إلى تقدير القا�ضي‪ ،‬مع التزامه بتعليل قراره في هذا ال�صدد بوجه‬
‫خا�ص‪ ،‬و�آثار الظروف المخففة �شخ�صية بحتة‪ ،‬فال تخفف العقوبة �إال فيما يخ�ص المحكوم‬

‫‪ 11‬عبد املجيد الكتاين(جرائم االمتناع املا�سة بنظام الأ�رسة) جملة القب�س‪ ،‬عدد ‪� ، 2‬ص‪� ،5 .‬سنة ‪.2012‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪326‬‬

‫عليه الذي منح التمتع بها‪ .«.‬و للإ�شارة فنحن نتحدث هنا عن ظروف التخفيف الق�ضائية‬
‫و لي�ست القانونية �أو ما ي�سمى بالأعذار المخففة حيث �أن هذه الأخيرة قد وردت على �سبيل‬
‫الح�صر و لي�س منها �أي عذر مخفف يتعلق بجنح �إهمال الأ�سرة‪ .‬و تجدر الإ�شارة �أنه وفقا‬
‫للت�شريع المغربي ال يمكن تطبيق الإكراه البدني في ميدان �إهمال الأ�سرة ذلك �أن المادة‪636‬‬
‫من قانون الم�سطرة الجنائية تن�ص على �أنه‪« :‬غير �أنه ال يمكن الحكم بالإكراه البدني �أو‬
‫تطبيقه �ضد مدين لفائدة زوجه �أو �أ�صوله �أو فروعه �أو �إخوته �أو �أخواته �أو عمه �أو خاله»‪«....‬‬
‫وبالتالي فما دام �إهمال الأ�سرة يحمي الزوجة والأ�صول والفروع فال يطبق على المدين الإكراه‬
‫البدني‪.1‬‬
‫‪ - 2‬العقوبات الإ�ضافية‬
‫تكون العقوبة �إ�ضافية بح�سب الفقرة الثانية من الف�صل ‪ 14‬من القانون الجنائي عندما‬
‫الي�سوغ الحكم بها وحدها و �إنما يجب �أن تكون ناجمة عن الحكم بعقوبة �أ�صلية‪ ،‬و قد تعر�ض‬
‫الم�شرع المغربي لتعداد العقوبات الإ�ضافية في الف�صل ‪ 36‬من القانون الجنائي‪ ،‬وبالرجوع‬
‫للف�صول المنظمة لإهمال الأ�سرة في القانون الجنائي نجد �أن الف�صل ‪ 482‬من القانون الجنائي‬
‫المتعلق بالإهمال المعنوي هو فقط الذي يحتوي على عقوبات �إ�ضافية‪ ،‬حيث جاء في الفقرة‬
‫الثانية من الف�صل ‪ 482‬من القانون الجنائي ما يلي‪« :‬و يجوز عالوة على ذلك �أن يحكم على‬
‫مرتكب الجريمة بالحرمان من واحد �أو �أكثر من الحقوق الم�شار �إليها في الف�صل ‪ 40‬من خم�س‬
‫�سنوات �إلى ع�شر« و بالرجوع للف�صل ‪ 40‬نجده يتطرق للحرمان من الحقوق الوطنية �أو المدنية‬
‫�أو العائلية المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪ 26‬من القانون الجنائي‪ ،‬وعقوبة الحرمان الم�ؤقت‬
‫من ممار�سة بع�ض الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو العائلية هي عقوبة �إ�ضافية ال يمكن الحكم‬
‫بها �إال �إذا ق�ضت المحكمة بعقوبة جنحية �سواء في الق�ضايا الجنحية �أو الجنائية التي توقع‬
‫فيها عقوبة جنحية نتيجة توفر عذر مخفف للعقوبة‪ ،‬وب�سبب تمتيع المتهم بظروف التخفيف‪.‬‬
‫و هذه العقوبة الإ�ضافية لي�س لها طابع جبري‪� ،‬أي �أن المحكمة يمكن لها �أن تحكم بالحرمان‬
‫الم�ؤقت من ممار�سة بع�ض الحقوق الواردة في المادة ‪� 26‬أو ال تحكم به لأن الم�شرع خيرها في‬
‫ذلك‪ ،‬فالأمر يرجع �إذن للمحكمة و يجب لي�ستفاد منه �أن يتم التن�صي�ص عليه في ن�ص الحكم‬
‫ال�صادر بالإدانة‪ ،‬و هذا الحرمان الوارد في الف�صل ‪ 482‬من القانون الجنائي المتراوح بين‬
‫خم�س �سنوات وع�شر �سنوات يترتب عليها �أمران‪:‬‬
‫�أ ‪� -‬أنه ال يجوز �أن تكون مدة الحرمان خارج الحدود المقررة في الف�صل‪.‬‬

‫‪ 11‬عبد املجيد الكتاين م‪� ،‬س‪� .‬ص‪.56 .‬‬


‫‪327‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫ب ‪� -‬أنه بمجرد انق�ضاء الفترة التي تكون المحكمة قد ق�ضت بها كعقوبة تكميلية بالحرمان‬
‫�أو التجريد من بع�ض الحقوق الوطنية �أو المدنية �أو العائلية‪ ،‬ف�إن المحكوم عليه يمكنه ممار�سة‬
‫الحقوق التي كان محروما منها �سابقا من جديد و ك�أنه لم يحرم منها من قبل �أبدا‪.‬‬
‫‪ - 3‬الجزاءات في الدعوى المدنية التابعة‬
‫بالإ�ضافة �إلى العقوبات التي تن�ص عليها الف�صول المجرمة لإهمال الأ�سرة‪ ،‬ف�إن �ضحية‬
‫الإهمال يمكنه كذلك �إقامة دعوى مدنية �إلى جانب الدعوى العمومية وت�سمى الدعوى المدنية‬
‫التابعة �أو م�ستقلة �أمام الق�ضاء المدني للح�صول على تعوي�ض لل�ضرر الذي تعر�ض له من‬
‫جراء الجنحة كيفما كانت �صورها‪ .‬و تت�أ�س�س مقت�ضيات هذه الدعوى على �أ�سا�س الم�س�ؤولية‬
‫التق�صيرية عن الفعل ال�شخ�صي‪� ،‬إذ �أن كل فعل ارتكبه الإن�سان عن بينة و اختيار و من غير‬
‫‪1‬‬
‫�أن ي�سمح به القانون ف�أحدث �ضررا ماديا �أو معنويا للغير‪� ،‬ألزم مرتكبه بتعوي�ض هذه ال�ضرر‪.‬‬
‫وبالتالي تكون جنح �إهمال الأ�سرة من الجنح التي تقبل التعوي�ض المدني عك�س بع�ض الجنح‬
‫التي ال تقبل هذا الأمر كجنحة الف�ساد مثال ‪.‬و قد �سارت المحاكم الوطنية على هذا النحو في‬
‫�أحكامها‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫لقد حاولنا من خالل هذا العمل مالم�سة �أهم الخ�صو�صيات التي تتميز بها جنح �إهمال‬
‫الأ�سرة‪� ،‬سواء على م�ستوى القواعد المو�ضوعية �أو على م�ستوى القواعد الم�سطرية ‪.‬ذلك �أنه‬
‫بالنظر للأهمية البارزة التي تحظى بها م�ؤ�س�سة الأ�سرة‪ ،‬فقد �سعى الم�شرع المغربي �إلى �إقرار‬
‫حماية جنائية من �ش�أنها �أن تحول دون تفككها‪ ،‬بالنظر للآثار الوخيمة المترتبة عن ذلك‪.‬‬
‫ومن المعلوم �أن غاية الن�صو�ص الجنائية وتطبيقاتها الق�ضائية‪ ،‬تتجلى في حماية الأ�سرة‬
‫من كافة �أ�شكال التجاوزات الما�سة با�ستقرارها وتما�سكها‪ ،‬حتى تقوم بالدور المنوط بها على‬
‫�أح�سن وجه‪ .‬غير �أن المالحظ �أنه بالرغم من �سمو هذه الغاية‪ ،‬ف�إن الواقع العملي �أبان عن‬
‫�ضعف فعالية هذه الن�صو�ص‪ ،‬بالنظر لت�ضافر عدة عوامل لعل �أبرزها التحلل واالنحالل الذي‬
‫�أ�صاب بنية معظم الأ�سر المغربية‪ ،‬كما �أن تركيبة هذه الأخيرة‪ ،‬عرفت عدة تحوالت عميقة‬
‫ق�ضت على معظم �أ�شكال التكافل العائلي الذي كان �سائدا في �أو�ساط الأ�سر المغربية‪ ،‬مما جعل‬
‫الن�صو�ص القانونية عاجزة عن مواكبة هذه التطورات‪� ،‬سيما و�أنها تعود �إلى بداية ال�ستينيات‬
‫من القرن الما�ضي )‪ .(1962‬كما �أنه يمكن �إرجاع �سبب عدم فعالية الزجر في مجال �إهمال‬
‫الأ�سرة‪� ،‬إلى عدم ان�سجام مقت�ضيات �إهمال الأ�سرة مع �أحكام مدونة الأ�سرة‪ ،‬وهو �أمر طبيعي‬

‫‪ 11‬نور الدين العمراين ‪،‬م‪� ،‬س‪� .‬ص‪.60 .‬‬


‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪328‬‬

‫بالنظر الختالف الم�صادر الت�شريعية لكل منهما‪ .‬و�أما هذا الو�ضع تبقى الحاجة ملحة‪ ،‬لإعادة‬
‫النظر في مجال ال�سيا�سة الجنائية الخا�صة بحماية الأ�سرة‪ ،‬وذلك بجعلها ت�أخذ بعين االعتبار‬
‫الجوانب الإجتماعية و االقت�صادية والتربوية للأ�سرة‪ ،‬في �أفق الحد من �آفة �إهمال الأ�سرة �أو‬
‫على الأقل التخفيف من وط�أتها‪.‬‬
‫وعموما نخل�ص من خالل بحثنا �إلى مجموعة من المالحظات نبرزها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬عدم ان�سجام مقت�ضيات �إهمال الأ�سرة الوارد التن�صي�ص عليها في القانون الجنائي‪ ،‬مع‬
‫�أحكام مدونة الأ�سرة في ال�شق المتعلق بتجريم الإم�ساك عمدا عن �أداء النفقة المحكوم بها‪،‬‬
‫ذلك �أن مقت�ضيات الف�صل ‪ 480‬من القانون الجنائي تجرم االمتناع عن �أداء النفقة الم�ستحقة‬
‫لفائدة الأ�صول دون تمييز‪ ،‬في حين �أن مقت�ضيات مدونة الأ�سرة تق�صر النفقة على الأ�صول‬
‫المبا�شرين فقط دون الجد والجدة‪ ،‬مما يجعل الحماية الجنائية المقررة بمقت�ضى الف�صل‬
‫‪480‬من القانون الجنائي تبقى مجرد حماية نظرية‪.1‬‬
‫‪ - 2‬اقت�صار الحماية الجنائية المقررة بمقت�ضى الف�صل ‪ 479‬من القانون الجنائي في ال�شق‬
‫المتعلق ب�إهمال بيت الأ�سرة‪ ،‬على الأ�سرة التي ت�ضم الأوالد القا�صرين‪ ،‬في حين ي�ستثنى من‬
‫الحماية البيت الذي ي�ضم الزوجين فقط واليتوفر على �أوالد قا�صرين‪.‬‬
‫‪ - 3‬المالحظ �أن العمل الق�ضائي د�أب على ا�شتراط ا�ست�صدار حكم م�سبق من �أجل قبول‬
‫المتابعة الجنائية ب�ش�أن جنحة �إهمال بيت الأ�سرة‪� ،‬إذ يتعين �أوال على الزوج ا�ست�صدار حكم‬
‫بالرجوع �إلى بيت الزوجية في مواجهة زوجته النا�شز‪ ،‬مع العلم �أن الف�صل ‪ 479‬من القانون‬
‫الجنائي لم ي�شر �إلى هذا المقت�ضى‪.‬‬
‫‪ - 4‬ي�ستح�سن من الم�شرع �أن يقرر قاعدة الإخت�صا�ص لمكان وجود ال�شخ�ص المهمل معنويا‬
‫على اعتبار �أن هذا النوع من الإهمال �أ�صبح من الممكن �أن يحدث بدون �أن يكون �أحد الوالدين‬
‫موجودا في نف�س البيت و المكان مع الأوالد‪.‬‬
‫وبالنظر �إلى �أن كل درا�سة تكون غايتها الوقوف على الإ�شكاالت التي يثيرها مو�ضوع البحث‬
‫في �أفق �إيجاد حلول لها‪ ،‬ف�إنه يبقى من الالزم �صياغة مجموعة من المقترحات والتو�صيات‬
‫لعلها ت�سهم في تجاوز الم�شكالت التي تطرحها �آفة �إهمال الأ�سرة وفي هذا ال�صدد نورد‪:‬‬
‫‪� - 1‬ضرورة �إعادة النظر في �صياغة الف�صل ‪ 479‬من القانون الجنائي (الفقرة الثانية)‬
‫وذلك بتجريم �إهمال بيت الزوجية‪� ،‬إذ �أن الزوج الذي يترك زوجته اليتعر�ض للم�ساءلة‬
‫الجنائية �إال �إذا كانت هذه الأخيرة حامال‪ ،‬في حين �أن بيت الزوجية الذي ال يوجد به الأبناء‬
‫اليتعر�ض تاركه للم�ساءلة الجنائية‪ ،‬وعليه لتحقيق الحماية الجنائية لبيت الزوجية‪ ،‬وبالتالي‬

‫‪� 11‬أمال الناجي‪« ،‬النفقة الزوجية بني الواجب ومبد�أ امل�ساواة»‪ ،‬جملة احلقوق‪ ،‬فرباير ‪ ،17 -‬دار الآفاق للن�رش والتوزيع‪،‬‬
‫الدار البي�ضاء ‪ -‬دجنرب‪ ،‬ال�سنة التا�سعة ‪ ،2014‬العدد ‪�،16‬ص‪ .13 .‬مطبعة املعارف اجلديدة الرباط‪.‬‬
‫‪329‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�ضمان ا�ستقراره نرى �ضرورة �إعادة �صياغة الف�صل المذكور �أعاله على النحو الآتي‪ :‬الزوج‬
‫الذي يترك عمدا دون �سبب م�شروع بيت الزوجية لأكثر من �شهرين‪ ،‬وت�ضاعف العقوبة �إذا‬
‫كانت الزوجة حامال وهو يعلم بذلك‪.‬‬
‫‪� - 2‬ضرورة مالءمة مقت�ضيات الف�صل ‪ 480‬من القانون الجنائي في �شقه المتعلق بتجريم‬
‫الإم�ساك عن �أداء النفقة لفائدة الأ�صول غير المبا�شرين (الجد والجدة) مع �أحكام مدونة‬
‫الأ�سرة التي ت�ستثني هذه الفئة من النفقة‪.‬‬
‫‪� - 3‬ضرورة التراجع عن التوجه الذي �سارت فيه محكمة النق�ض باعتبار م�ستحقات الطالق‬
‫من م�شتمالت النفقة المعاقب عليه طبقا للف�صل ‪ 480‬من القانون الجنائي‪ ،‬لأن في ذلك تو�سعا‬
‫غير مبرر وقيا�سا غير من�سجم‪ ،‬من �ش�أنه �أن ي�ؤدي �إلى مالحقة الزوج المفارق من �أجل فعل‬
‫�أو امتناع ال يعد جريمة ب�صريح القانون الجنائي‪ ،‬وبالتالي ي�شكل خرقا �صارخا لأهم المبادئ‬
‫المتعارف عليها في القانون الجنائي‪� ،‬أال وهو مبد�أ �شرعية التجريم والعقاب‪.‬‬
‫‪ - 4‬يتعين �أن تكون العقوبات المقررة لجنح �إهمال الأ�سرة �أكثر ردعا في مواجهة المحكوم‬
‫عليه خ�صو�صا بالن�سبة للممتنع عن �أداء النفقة ب�شكل متعمد‪ ،‬بالرغم من توفره على الإمكانيات‬
‫المادية‪ ،‬و�أن يراعى في تقدير التعوي�ض الم�ستحق ل�ضحية الإهمال‪ ،‬حجم الأ�ضرار الالحقة‬
‫به‪ ،‬مع �إ�شفاعه بالنفاذ المعجل طبقا لما تن�ص عليه الفقرة الرابعة من المادة ‪ 392‬من قانون‬
‫الم�سطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪� - 5‬ضرورة تو�سيع قاعدة الم�ستفيدين من مخ�ص�صات �صندوق التكافل العائلي‪ ،‬وذلك‬
‫بجعلها ت�شمل �إلى جانب الن�ساء المعوزات من المطلقات‪� ،‬أي�ضا �ضحايا الإهمال الأ�سري‪.‬‬
‫‪331‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫المحتويات ‪:‬‬
‫تقديم ‪5..................................................................................................................‬‬

‫‪ .1‬الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة ‪9......................................................................‬‬


‫المبحث الأول‪ :‬الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الداخلي‪10...........................................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬جرائم الم�ؤامرة واالعتداء ‪13...........................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬جريمة تكوين الع�صابات الم�سلحة ‪31...............................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الجرائم الما�سة ب�أمن الدولة الخارجي ‪37........................................‬‬
‫المطلب الأول‪� :‬أركان جريمة الخيانة والتج�س�س ‪39...................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬جريمة الخيانة و التج�س�س درا�سة العقاب ‪42....................................‬‬

‫‪ .2‬الجرائــــم الما�ســـة بحقــــوق الإن�سان ‪ :‬التعذيـــب االتجـــار‬


‫بالب�شـــر واالختطـــاف الق�ســـري ‪47................................................................‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان ‪48...................................................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬جرائم التعذيب ‪48...........................................................................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬االختفاء الق�سري‪53..................................................................... .‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬جرائم االتجار بالب�شر‪57...............................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪� :‬سبل مناه�ضة الجرائم الما�سة بحقوق الإن�سان ‪61............................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬مناه�ضة جريمة التعذيب ‪61.............................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مناه�ضة جريمة االختفاء الق�سري ‪78...............................................‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬مناه�ضة جريمة االتجار بالب�شر ‪79.................................................‬‬

‫‪ .3‬الجريمة الإرهابية ‪91.............................................................................‬‬


‫المبحث الأول‪ :‬الجريمة الإرهابية ‪92................................................................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬مفهوم الجريمة الإرهابية ‪93.......................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪� :‬أركان الجريمة الإرهابية ‪97......................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي والإجرائي ‪100.....‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪332‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬الجريمة الإرهابية في الت�شريع المغربي المو�ضوعي ‪100.......................‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬الإرهاب في الت�شريع المغربي الإجرائي ‪106.......................................‬‬

‫‪ .4‬جريمة القتل العمد والقتل الخط�أ ‪111.............................................................‬‬


‫المبحث الأول‪ :‬درا�سة جريمة القتل العمد في �ضوء الف�صل‪ 392‬من ق‪.‬ج ‪112................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬اركان جريمة القتل العمد ‪112.............................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عقوبة الجريمة والظروف الم�شددة لها ‪117........................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القتل الخط�أ ‪127..............................................................................‬‬
‫المطلب الأول‪� :‬أركان جريمة القتل الخط�أ ‪127............................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عقاب جريمة القتل الخط�أ والظروف الم�ؤثرة ‪130...............................‬‬

‫‪ .5‬جرائم الإيذاء‪133...............................................................................................‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬جرائم الإيذاء العمدية‪133.................................................................‬‬
‫المطلب الأول ‪� :‬أركان جرائم الإيذاء العمدية‪134.......................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عقاب جرائم الإيذاء العمدية ‪138......................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جرائم الإيذاء الغير العمدية ‪146.......................................................‬‬
‫المطلب الأول ‪� :‬أركان جرائم الإيذاء غير العمدية ‪146................................................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬عقاب جرائم الإيذاء غير العمدية ‪149..............................................‬‬

‫‪ .6‬الجرائم الما�سة بالأموال‪ :‬ال�سرقة والن�صب وخيانة الأمانة ‪151................‬‬


‫المبحث الأول‪ :‬ماهية الجرائم الما�سة بالأموال و�أركانها‪ :‬ال�سرقة‬
‫والن�صب وخيانة الأمانة نموذجا ‪151....................................................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬ماهية جريمة ال�سرقة وعنا�صرها ‪152.................................................‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬عنا�صر جريمة ال�سرقة ‪153................................................................‬‬
‫�أوال‪ :‬ال�شرط المفتر�ض �أو المال الم�سروق �أو محل االختال�س ‪153................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الركن المادي في ال�سرقة (فعل االختال�س) ‪155...............................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الق�صد الجنائي ‪159..........................................................................‬‬
‫المطلب الثاني ‪� :‬أركان جريمتي الن�صب وخيانة الأمانة ‪161........................................‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬ماهية و�أركان جريمة الن�صب ‪161.......................................................‬‬
‫‪333‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫�أوال‪ :‬الركن المادي ‪162.............................................................................................‬‬


‫‪ - 1‬الن�شاط الإجرامي المتمثل في ا�ستعمال الإحتيال ‪162......................................‬‬
‫‪ - 2‬الن�شاط الإجرامي المتمثل في ا�ستعمال الإحتيال‪ :‬النتيجة االجرامية‪164.........‬‬
‫‪ - 3‬الن�شاط الإجرامي المتمثل في ا�ستعمال الإحتيال‪ :‬العالقة ال�سببية بين‬
‫الن�شاط االجرامي والنتيجة االجرامية‪164........................................................ :‬‬
‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي‪165..........................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬ماهية و �أركان جريمة خيانة الأمانة ‪165.............................................‬‬
‫�أوال‪ :‬الركن المادي ‪166.............................................................................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬العقاب في جرائم الأموال ‪:‬ال�سرقة والن�صب وخيانة الأمانة ‪168........‬‬
‫المطلب الأول‪� :‬أحكام العقاب في جريمة ال�سرقة ‪169.................................................‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬الأعذار القانونية المعفية والمخففة للعقاب ‪169..................................‬‬
‫�أوال ‪ :‬الأعذار القانونية المعفية من العقاب في جرائم ال�سرقة ‪169..............................‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الأعذار المخففة ‪171......................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الظروف الم�شددة للعقاب في جريمة ال�سرقة ‪172...............................‬‬
‫�أوال – ظروف الت�شديد العائدة لزمان ارتكاب الجريمة‪173....................................... :‬‬
‫ثانيا ‪ -‬ظروف الت�شديد العائدة �إلى مكان ارتكاب الجريمة ‪174...................................‬‬
‫ثالثا ‪ -‬ظروف الت�شديد العائدة للو�سائل الم�ستعملة في ارتكاب ال�سرقة ‪175.................‬‬
‫رابعا‪ :‬ظروف الت�شديد العائدة ل�صفة في ال�شيء الم�سروق‪181....................................‬‬
‫خام�سا‪ :‬ظروف الت�شديد العائدة ل�صفة في الجاني(ال�سارق) ‪181...............................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬العقاب على جريمتي الن�صب وخيانة الأمانة ‪182................................‬‬
‫الفقرة الأولى ‪� :‬أحكام عقاب جريمة الن�صب ‪182.......................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪� :‬أحكام العقاب في جريمة خيانة الأمانة‪183........................................‬‬
‫�أوال ‪ :‬عقاب خيانة الأمانة في �صورتها العادية ‪184......................................................‬‬
‫ثانيا ‪�:‬أحكام خا�صة متعلقة ب�أ�سباب التخفيف والت�شديد واالعفاء من العقاب‬
‫في هذه الجريمة‪184......................................................................................‬‬

‫‪ .7‬الجرائم الما�سة بالآداب‪ :‬الف�ساد والخيانة الزوجية واالغت�صاب‬


‫المبحث الأول‪ :‬جريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية ‪189..............................................‬‬
‫المطلب الأول‪� :‬أركان جريمتي الف�ساد والخيانة الزوجية ‪190.......................................‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪334‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬الركن المادي لجريمتي الف�ساد و الخيانة الزوجية ‪190.........................‬‬


‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي ‪194............................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬و�سائل �إثبات الجريمتين و قيود المتابعة في جريمة الخيانة‬
‫الزوجية ‪197.....................................................................................‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬و�سائل الإثبات و العقوبة المقررة ‪197.................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬قيود المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية وال�شريك‬
‫في هذه الجريمة ‪202..........................................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جريمة االغت�صاب في القانون الجنائي المغربي واالجتهاد‬
‫الق�ضائي ‪207...................................................................................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬مفهوم االغت�صاب و�إطاره القانوني ‪207...............................................‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬مفهوم االغت�صاب ‪207........................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الإطار القانوني لالغت�صاب ‪208........................................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬عقوبة االغت�صاب في القانون المغربي ‪209..........................................‬‬
‫المطلب الثاني‪� :‬إثبات جريمة االغت�صاب بين الن�ص القانوني والتوجهات‬
‫الق�ضائية ‪210...................................................................................‬‬
‫الفقرة الأولى ‪ :‬االعتراف الق�ضائي للمتهم ‪210..........................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬االعتراف التمهيدي ‪210.....................................................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التلب�س ‪211.......................................................................................‬‬
‫الفقرة الرابعة ‪� :‬شهادة ال�شهود‪212...........................................................................‬‬
‫الفقرة الخام�سة‪ :‬الت�صريحات المجردة لل�ضحية ‪212.................................................‬‬
‫الفقرة ال�ساد�سة‪ :‬الخبرة وال�شهادة الطبية ‪213..........................................................‬‬

‫‪ .8‬جريمة الإعتداء على الحيازة‬


‫المبحث الأول‪:‬الحماية الجنائية النتزاع عقار من حيازة الغير على �ضوء القانون‬
‫الجنائي المغربي والعمل الق�ضائي ‪216...............................................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬مظاهر انتزاع عقار من حيازة الغير على �ضوء مقت�ضيات‬
‫الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي ‪216..................................................‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬مفهوم الحيازة ح�سب مقت�ضيات الف�صل ‪ 570‬من القانون الجنائي ‪217..‬‬
‫الفقرة الثانية‪� :‬شروط ومدة الحيازة المحمية في الف�صل ‪ 570‬من ق‪.‬ج ‪220.................‬‬
‫المطلب الثاني‪� :‬أركان جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير ‪223....................................‬‬
‫‪335‬‬ ‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬

‫الفقرة الأولى‪� :‬أركان جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير ‪223.....................................‬‬


‫الفقرة الثانية‪ :‬و�سائل انتزاع الحيازة ‪230..................................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪� :‬إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة ‪234..‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬الأ�سا�س القانوني لإرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه ‪235.........................‬‬
‫الفقرة الأولى‪:‬مفهوم �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء‬
‫على الحيازة العقارية قبل �صدور قانون الم�سطرة الجنائية ‪235.............‬‬
‫الفقرة الثانية‪:‬مفهوم �إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في جرائم الإعتداء‬
‫على الحيازة العقارية ‪240...................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬الإ�شكاالت الناجمة عن الطبيعة القانونية لإرجاع الحالة �إلى ما‬
‫كانت عليه في جرائم الإعتداء على الحيازة في المادة الزجرية ‪241....‬‬
‫الفقرة الأولى‪� :‬إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في القانون الجنائي‪242.......................‬‬
‫الفقرة الثانية‪� :‬إرجاع الحالة �إلى ما كانت عليه في قانون الم�سطرة الجنائية ‪245.........‬‬

‫‪ .9‬جرائم المخدرات‬
‫المبحث الأول‪� :‬أركان جرائم المخدرات ‪258..............................................................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬الركن الخا�ص في جرائم المخدرات (ركن المخدر) ‪258.....................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الأركان العامة لجرائم المخدرات ‪260...............................................‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الركن المادي ‪260..............................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي في جرائم المخدرات ‪269...........................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬عقاب جرائم المخدرات و�إ�شكالية الم�ساطر المرجعية ‪270................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬عقاب جرائم المخدرات ‪270.............................................................‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬العقوبات الأ�صلية ‪270.........................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬العقوبات التبعية والتكميلية ‪272.........................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪� :‬إ�شكالية الم�ساطر المرجعية في جرائم المخدرات ‪276.......................‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬خ�صو�صية الم�ساطر المرجعية بق�ضايا المخدرات ‪276........................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬دالالت من�شور النيابة العامة بق�ضايا المخدرات ‪278............................‬‬

‫‪ .10‬الجريمة االلكترونية‪283.........................................................................‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬الأحكام العامة للجريمة الإلكترونية ‪285.........................................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬ماهية الجريمة الإلكترونية ‪285.....................................................‬‬
‫القانون اجلنائي اخلاص املعمق في شروح‬ ‫‪336‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬تعريف الجريمة الإلكترونية ‪285....................................................‬‬


‫الفقرة الثانية‪ :‬خ�صائ�ص الجريمة الإلكترونية ‪286...............................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪� :‬أنواع الجرائم الإلكترونية‪289.......................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬االطار القانوني للجريمة االلكترونية ‪291.......................................‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الجريمة الإلكترونية وفقا للقانون رقم (‪)07-03‬المتعلق‬
‫بالم�س بنظم المعالجة االلية للمعطيات ‪291.....................................‬‬
‫�أوال‪ -‬الجرائم الما�سة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات ‪292....................................‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الجرائم التي ت�ستهدف المعطيات والوثائق المعلوماتية ‪294...........................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الجريمة الإلكترونية في القوانين الجنائية الخا�صة ‪297.....................‬‬
‫�أوال ‪ :‬حماية برامج الحا�سوب طبقا لقانون حماية حقوق الم�ؤلف ‪297........................‬‬
‫ثانيا‪ :‬حماية القانون المتعلق بحقوق الم�ؤلف لقواعد البيانات ‪299............................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬و�سائل االثبات في الجريمة االلكترونية‪300.................................. .‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬طرق الح�صول على �أدلة الإثبات الجنائي في الجرائم الإلكترونية‪301..‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬التفتي�ش في الجريمة الإلكترونية‪301..............................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬ال�ضبط والخبرة الق�ضائية في الجرائم الإلكترونية ‪302.....................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ارتباط الدليل الرقمي بالإثبات الجنائي في الجريمة االلكترونية‪304..‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الدليل الرقمي ودوره في �إثبات الجريمة الإلكترونية ‪304.....................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حدود قبول الدليل الإلكتروني الجنائي لإثبات الجريمة‬
‫الإلكترونية‪307...........................................................................‬‬
‫خاتمة‪308................................................................................................... :‬‬

‫‪ .11‬جنح �إهمال الأ�سرة ‪311.............................................................................‬‬


‫القواعد المو�ضوعية في جنح �إهمال الأ�سرة ‪311..............................‬‬ ‫المبحث الأول‪:‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬جنح �إهمال الأ�سرة و �أ�صنافها و خ�صو�صيتها ‪311.............................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬خ�صائ�ص جنح �إهمال الأ�سرة‪317...............................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القواعد الم�سطرية في جنح �إهمال الأ�سرة ‪319...............................‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬تحريك وممار�سة الدعوى العمومية ‪319........................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الدفوع و العقوبات المقررة لجنح �إهمال الأ�سرة ‪322........................‬‬
‫خاتمة‪327................................................................................................... :‬‬

You might also like